فصل المقال للكاتب د سيد القمني

Page 1

‫فصل المقال فيما بين القانون والشريعة من انفصال‬ ‫سيد القمني‬ ‫‪elqemany@yahoo.com‬‬ ‫‪2013 / 4 / 22‬‬

‫أهدي هذا الموضوع إلى باحث كبير وأستاذ قدير وفارس في ميدانه‪ ،‬وإنسان يتمتع بنبل‬ ‫من لون فريد وتكامل نفسي نادر‬ ‫إلى الستاذ الدكتور كمال‬

‫المثال‪..‬‬

‫مغيث‪..‬‬

‫يقول فقيه الزمان الستاذ )يوسف قرضاوي( إن الشريعة شأن والقانون الذي يتم تشريعه‬ ‫بالمجالس النيابية البشرية شأن آخر‪ ،‬ويرفض بوضوح تشريعات المجالس البشرية؛ لنها‬ ‫حا سوى ما جاءت به الشريعة السلمية‪ ،‬ويشرح ذلك في‬ ‫عا صال اً‬ ‫وضعية ول يرى تشري اً‬ ‫كتابه )الشريعة‪ :‬ص‬

‫‪/29 ،28‬‬

‫طبعة مكتبة وهبة( بقوله‪" :‬إن الختلفات الساسية بين‬

‫الشريعة والقانون هي من عدة وجوه‪ :‬الوجه الول أن القانون من صنع البشر أما‬ ‫الشريعة فمن عند ا‪ ،‬وكل من الشريعة والقانون يتمثل فيه بجلء صفات صانعه‪،‬‬ ‫فالقانون من صنع الشر ويتمثل فيه نقص البشر وعجزهم وضعف حيلتهم؛ ومن ثم كان‬ ‫القانون عرضة للتغيير والتبديل أو ما نسميه‬

‫التطوير‪...‬‬

‫يبلغ حد الكمال ما دام صانعه ل يمكن وصفه‬ ‫تبديل لكلمات‬

‫ا‪...‬‬

‫ما‪ ،‬ول يمكن أن‬ ‫فالقانون ناقص دائ اً‬

‫بالكمال‪...‬‬

‫أما الشريعة فصانعها هو‬

‫ا‪...‬‬

‫ل‬

‫إن ا وضع الشريعة السلميه قانواًنا ثاباًتا كامل اً لتنظيم الفراد‬

‫والجماعات والدول"‪ .‬وهو كلم عليه أكثر من مأخذ وأكثر من‬

‫ملحظه‪.‬‬

‫إن الستاذ قرضاوي ل شك يعلم أن كلمات ا قد طالها التبديل والنسخ والرفع والمحو‬ ‫والنساء )ما ننسخ من آيه أو ننسها نأت بخير منها أو‬ ‫مكان آية وا أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت‬ ‫]‪-39‬‬

‫مثلها( ]‪-106‬‬

‫مفتر( ]‪-101‬‬

‫البقرة[‪) ،‬وإذا بدلنا آية‬

‫النحل[‪) ،‬يمحو ا ما يشاء‬

‫ويثبت(‬

‫الرعد[‪ .‬وهو ما يعني بداية أن القرآن‪ ،‬الذي هو أبو الشريعة ومنبع الدين‪ ،‬قد تغير‬


‫وتبدل؛ استجابة لمتغيرات الواقع على الرض زمن‬

‫الدعوة‪.‬‬

‫ضا أن الوحي لم يحاول استكشاف السنوات‬ ‫وهو ما يعني أي اً‬

‫الـ ‪23‬‬

‫التالية ليضع لها‬

‫الشريعة الملئمة دفعة واحدة في بداية الدعوة‪ ،‬لتعريف الناس بها جامعة واضحة؛ حتى‬ ‫ينضبط سلوك الصحابة حسب أوامر الشريعة‪ ،‬فقد تتالت اليات وتواترت منجمة ومفرقة‬ ‫ضا‪ ،‬وترفع بعضها وتنسى‬ ‫ضا‪ ،‬وتبدل بعضها بع اً‬ ‫ضا وتمحو بعضها بع اً‬ ‫تنسخ بعضها بع اً‬

‫بعضها‪.‬‬

‫ورغم علم الستاذ الفقيه‪ ،‬الذي ل نشك في علمه وفقهه‪ ،‬فإنه يقول في ذات الكتاب )ص‬ ‫‪:(34 ،28‬‬

‫" إن القانون قواعد مؤقتة تضعها الجماعة اليوم ومتخلفة عن الجماعة‬

‫دا‪..‬‬ ‫غ اً‬

‫تستوجب التغيير كلما تغيرت الجماعة‪ ،‬لكن الشريعة قواعدها دائمة ل تقبل التغيير‬ ‫والتبديل"‪ .‬بينما صدق القول هو أن قوانين الشريعه ظلت غير معلومة بوضوح للصحابة‬ ‫وللتابعين بشكل محدد كامل قاطع‪ ،‬بل اتضح أنها لم تكتمل يواًما‪ ،‬بدليل الستكمال الذي‬ ‫تم في العصر العباسي على يد كوكبة الفقهاء‪ ،‬الذين رتب كل منهم أوراق الشريعة‬ ‫وأحكامها على طريقته‪ ،‬وعلى خلف مع بقية زملئه الذين عاصروه أو سبقوه‪ ،‬وعلى غير‬ ‫انتظام بين المذاهب؛ مما أدى إلى تباعدها واختلف الفهام‬ ‫لقد استمر تشكيل السس الولى للشريعة على مدى‬

‫‪23‬‬

‫حولها‪.‬‬

‫سنة هي عمر الوحي‪ ،‬ولم‬

‫تكتمل‪ ،‬وقد بدأ عملية الستكمال الخلفاء الراشدون بقرارات اتخذها كل منهم حسب‬ ‫تقديره وبضميره الشخصي وبحدود فهمه وحسب ظروفه وظروف الواقع في زمنه؛‬ ‫ل‪ ،‬فأوقف عمر تطبيق حد‬ ‫ضا‪ ،‬وحرموا حل اً‬ ‫فأوقفوا حدواًدا‪ ،‬وأضافوا حدواًدا‪ ،‬وألغوا فرو اً‬ ‫السرقة عام الرمادة‪ ،‬وألغى فريضة إسلميه مقررة بالمر المباشر بالقرآن بإلغائه فريضة‬ ‫"المؤلفة قلوبهم"‪ ،‬وحرم متعتين كانتا حلل اً هما متعة الحج ومتعة‬

‫النساء‪.‬‬

‫ولم يأت القرن الرابع الهجري حتى تحولت أحكام الشريعة التي تعد على أصابع اليد‬ ‫الواحدة إلى ألوف الحكام‪ ،‬ووصلت إلى ما يزيد على ثنتي عشرة ألف مسألة‪ ،‬فكانت‬ ‫ماكينة تشريع ل تتوقف ول تكتمل‪ ،‬فأصبحت أكبر قانون عرفه العالم‪ .‬ورغم ذلك ظلت‬


‫الشريعة السلمية غير مكتملة‪ ،‬واستمر سيل الفتاوى ينهمر على رءوس المسلمين‪ ،‬حتى‬ ‫وصل ‪-‬بحسابات دار الفتاء المصرية‪ -‬إلى ما يزيد عن ألف فتوى يوم اّيا زمن غير المأسوف‬ ‫عليه الستاذ علي‬

‫جمعة‪.‬‬

‫ضا في‬ ‫وبعد وفاة النبي تسبب عدم اكتمال الشريعة في ذبح الصحابة والتابعين بعضهم بع اً‬ ‫مجازر مخزيه لرتبة النسانية؛ لنها لم تحدد تحديدات قاطعة الخطاء المطلوب تجنبها‬ ‫والعقوبات المطلوب توقيعها؛ فحدثت الفتنة الكبرى وتبعتها الفتن الكبر‪ .‬وقد وقعت الولى‬ ‫الكارثية زمن الخليفه عثمان‪ ،‬الذي أخذ ما شاء من بيت المال ليوزعه على أهله وأقاربه‪،‬‬ ‫وزين حريمه وجواريه بالدر والجوهر والذهب المنهوب من البلد المفتوحة‪ ،‬وكما يفعل‬ ‫اليوم الرئيس محمد مرسي‪ ،‬وزع عثمان المناصب السيادية على أهله وعشيرته من بني‬ ‫صا يحرم ذلك أو يجرمه ويعاقب عليه‪ ،‬ففعله وهو موقن أنه ل يأتي‬ ‫أمية؛ لنه لم يجد ن اّ‬ ‫ما‪ ،‬فقتله الصحابة وأبناء الصحابة وهو على سجادته يصلي ببيته ويقرأ‬ ‫معصيه ول يرتكب إث اً‬ ‫القرآن؛ لنه لم يعطهم مثلما أعطى أهله وليس لي سبب ديني؛ لنه لو أدخلنا الدين سباًبا‪،‬‬ ‫ولو أخذنا بقول أم المؤمنين عائشه "اقتلوا نعثل اً فقد كفر" لتمت إدانة الخليفة والصحابة‬ ‫عا‪.‬‬ ‫م اً‬

‫وكان الغرب في ذلك الحدث الرهيب أن الذين قتلوا الخليفة لم توقع عليهم أية عقوبة؛ ل‬ ‫لسبب سوى أنهم كانوا صحابة وأبناء صحابة‪ .‬وظهرت بعدها مسألة تحاول الجابه على‬ ‫السؤال‪ :‬هل يعد الخروج على الحاكم )المام( حلل اً أم حرااًما‪ ،‬لتنتهي إلى تحريم وتكفير‬ ‫حا‪ .‬فعبرت الفتنه الكبرى عن وضع الشريعة‬ ‫من يخرج على حاكم لم نر منه كفاًرا بوا اً‬ ‫القاصر وآليات تنفيذها غير المحكمة‪ ،‬واختلفها في تطبيق الحدود حسب الرتبة الجتماعية‬ ‫بين الصحابة‪ ،‬أو بين الرعية‪ ،‬سيد أو عبد‪ ،‬ذكر أو أنثى‪ ،‬فتفاوتت قرارات الخلفاء الراشدين‬ ‫الربعة‪ ،‬ولو كانت الشريعة كاملة ما ازدحم التاريخ السلمي بصراع الفرق الدموي‪،‬‬ ‫وصراع الخلفاء وانقلبهم على بعضهم البعض بحجة الكفر والزيغ عن صحيح السلم‪،‬‬ ‫واستمر الصراع حتى اليوم دون أن تقدم لنا فرقة واحدة من الفرق ما هو صحيح السلم‬ ‫الذي يرضي الجميع ليقاف عمليات الذبح‬

‫والجزارة‪.‬‬


‫ما له وعليه‪ ،‬وليكون معلواًما‬ ‫ُيفترض في التشريع أن يوجد قبل وقوع الحدث ليكون حاك اً‬ ‫للناس‪ ،‬دون اختلف أو تناقض‪ ،‬بما يؤدي لتحقيق العدل عند التطبيق بينما التشريع‬ ‫السلمي كان يأتي تالاًيا لوقوع الحدث‪ ،‬فكان النبي والصحابة على غير معرفة بالشريعة‬ ‫ه تأتي بغتة عند وقوع‬ ‫وقوانينها لمجيئها على دفعات تلغي التالية ما قد سلف‪ ،‬وأوامر ونوا ٍ‬ ‫حدث جديد لتنسخ القديم‪ ،‬ومع طريقة جمع المصحف العثماني‪ ،‬الذي اختلط فيه الناسخ‬ ‫بالمنسوخ دون ضابط أو رابط‪ ،‬وصل التضارب بين أحكام الشريعة إلى حد التضارب التام‬ ‫والكامل‪ ،‬فل تعلم هل نحارب ونقطع كل بنان أم نجنح للسلم؟ وهل التوراة والنجيل‬ ‫فيهما هدى ونور وفيهما حكم ا‪ ،‬أم هي كتب ُمحرفه كفر أهلها فوجب‬

‫قتالهم؟!‬

‫كانت صورة المستقبل في الفترة المكية غير واضحة؛ فمارس النبي الفعل ورد الفعل‬ ‫حسب متغيرات الواقع‪ ،‬فيأتي التشريع بعد وقوع الحدث‪ ،‬ويقوم المسلم أول اً بالفعل‪ ،‬ثم‬ ‫يذهب ليسأل النبي عن حرامه من حلله‪ ،‬ليقوم النبي بدوره باستخبار جبريل عن القانون‬ ‫الجديد‪ ،‬واستمر هذا الوضع طوال عهد الدعوة وما بعده وحتى اليوم؛ لذلك ل ترى المسلم‬ ‫طا مستقبلية؛ فعلم المستقبل عند ا‪ ،‬ول يعرف النظريات الشاملة كما كان‬ ‫يضع خط اً‬ ‫موجواًدا من قرون عند المصريين والرافديين‪ ،‬أو كما كان عند أرسطو أفلطون وسولون‬ ‫ل‪ ،‬ثم‬ ‫وغيرهم‪ .‬وهو المر الذي ظل مؤراًقا للمسلمين حتى اليوم‪ ،‬فيقوم المسلم بالفعل أو اً‬ ‫ت؛ ومن ثم لم‬ ‫حا لكل ُمف ٍ‬ ‫يذهب بعده إلى الفقيه ليسأله فيفتي دون أن يكون جبريل ُمتا اً‬ ‫يحمل المسلمون أي نظرية مستقبلية سوى فتح بلد‬

‫العالم‪.‬‬

‫كان الصحابة ل يعرفون ما هو المطلوب منهم غاًدا‪ ،‬وهل سيكون حسب شرائع المس أم‬ ‫حدثت تغييرات؟ الخمر يوم حلل ويوم حرام‪ ،‬والمتعة يوم حلل ويوم حرام‪ ،‬وحتى اليوم‬ ‫عا ثاناًيا‪،‬‬ ‫عا أول‪ ،‬ثم أبو بكر ُمشر اً‬ ‫لدى المسلمين سيل تشريعي ل يتوقف‪ ،‬فكان القرآن ُمشر اً‬ ‫سا‪ ،‬بل إن قواد‬ ‫عا خام اً‬ ‫ي ُمشر اً‬ ‫عا‪ ،‬ثم عل ّ‬ ‫عا راب اً‬ ‫عا ثالاًثا‪ ،‬ثم عثمان ُمشر اً‬ ‫ثم عمر ُمشر اً‬ ‫الجيوش كانوا يشرعون حسب الموقف‪ ،‬وحسبما يرى عقلهم‪ ،‬كما كان يفعل خالد بن‬ ‫عا قانون اّيا مستقل اّ يختلف عن سابقه وعن‬ ‫الوليد إبان فتوحه البلدان‪ .‬كان كل مسئول مشرو اً‬ ‫منظر الخواني فقيه الزمان )الستاذ قرضاوي( موضع الكذوب‬ ‫لحقه‪ ،‬وهو ما يضع ال ُ‬


‫الشر فيما قال عن كمال الشريعة مقارنة بقوانين المجالس النيابية القاصرة والناقصة‬ ‫لتغيرها‬

‫وتطورها‪.‬‬

‫الغريب أن يقول قرضاوي قوله القاطع‪" :‬ليس هناك فعل لمكلف يمكن القول إنه خارج‬ ‫دائرة الشريعة‪ ،‬فأي عمل يعمله المكلف ل بد أن الشريعه تقول لك هذا حرام وهذا‬ ‫حلل‪ ،‬وهذا فرض أو مستحب أو مكروه‪ ..‬عندنا فقه اسمه السياسة الشرعية‪ ،‬وفقه‬ ‫العبادات‪ ،‬وفقه السرة‪ ،‬وفقه الجرائم والعقوبات‪ ،‬وفقه المواريث‪ ،‬والفقه الدستوري‪،‬‬ ‫وفقه العلقات الدولية‪ ،‬وفقه الجهاد والسلم والحرب )حلقتان بعنوان الدين والسياسة على‬ ‫قناة الجزيرة(‪ .‬وهو نفسه من يقول في كتابه )ملمح المجتمع المسلم الذي ننشده‪ /‬ص‬ ‫‪:(167‬‬

‫"وآيات الحكام التشريعية ل تبلغ عشر آيات في‬

‫القرآن"‪.‬‬

‫ولو سألنا عن سبب هذا التساع الهائل في شريعة جاءت في عشر آيات إلى مئات ألوف‬ ‫الحكام؟ يجيبنا قائل اً‪" :‬هناك قطعيات في الشريعة والنظم وقطعيات في الخلق‬ ‫والداب‪ ،‬وما عدا القطعيات من أحكام وأنظمة فإنه لم يترك لعبث الهواء‪ :‬بل هناك‬ ‫أصول وقواعد أئمة السلم في أصول الفقه وأصول الحديث وأصول التفسير" )نفس‬ ‫المصدر(‪.‬‬

‫وهكذا نجد الشريعة ل تزيد عن خمسة أحكام وردت في عشر آيات بينها متكررات‪ ،‬ثم تم‬ ‫الضافة إليها مئات ألوف الحكام وضعها أئمة السلم‪ ،‬وهم بدورهم لم يكونوا على‬ ‫اتصال بجبريل‪ ،‬فتكون الشريعة والحال كذلك وضعية بشرية‪ .‬ويكون القانون البشري هو‬ ‫معبر عن الصالح العام للمجتمع؛ لن المجتمع‬ ‫الكمل والقدر على حل مشاكل الناس وال ُ‬ ‫هو من وضعه لنفسه عن رضا واقتناع عبر نوابه في تصويت شارك فيه‬

‫‪/http://www.ahewar.org‬‬

‫الحوار المتمدن‬

‫الجميع‪.‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.