غازي الصوراني
مقاالت ودراسات وحماضرات...
يف الفكر والسياسة واالقتصاد واجملتمع المجلد السادس
من عام 3102إلى عام 3102
مارس 3102
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اسم الكاتب :غازي الصوراني المجلد السادس3102 - 3102 : --------------------------إخــ ارج :نضال نبيل أبو مايلة
2
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
غازي الصوراني -مفكر يساري وماركسي -يف حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول :معارك ماركسية فكرية حول قضايا راهنة ومستقبلية
غازي الصوراني
الحوار المتمدن 02 / 0 / 3102 -
من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية
واالجتماعية والثقافية األخرى من جهة ,وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على االنترنت من
جهة أخرى ,ومن أجل تعزيز التفاعل االيجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء ,تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق اإلنسان وحقوق المرأة والعدالة
االجتماعية والتقدم والسالم.
حوارنا - 69-سيكون مع األستاذ غازي الصوراني -مفكر يساري وماركسي -ومسئول الدائرة
الثقافية المركزية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول :معارك ماركسية فكرية حول قضايا راهنة
ومستقبلية ؟. تقديم..
لن يكون الكفاح الثوري ,التحرري والديمقراطي العربي والفلسطيني مجدياً ,إال إذا كان كفاح
مواطنين حررت إرادتهم وعقولهم ,ولن يكون القائد الوطني الماركسي جدي ارً باسمه إال إذا كان واجبه التحريض على هذه اإلرادة وخلق أشكال سياسية بال مراتب وبال رعية وأعيان أو محاسيب أو شلل داخل أحزاب اليسار ,بما يؤدي إلى إنتاج قيادة انتهازية رخوة عاجزة ,مرتدة وغير متجانسة ستدفع
بهذا الفصيل أو الحزب إلى مزيد من التفكك والخراب .
فعندما تهترئ األطر السياسية التي تتصدر قيادة الجماهير ,يصبح رصد آفاق النضال الجماهيري,
وتلمس مشاكله ضرباً من الجهد الفردي القلق ,ومهمة شائكة وصعبة ,وخاصة في مرحلة مضطربة
وصاخبة ومعقدة كالتي نعيشها اليوم في ظل تجديد واعادة إنتاج التبعية والتخلف وفق أدوات الليبرالية
الرثة أو أدوات اإلسالم السياسي.
وبالتالي فإن وحشة الجهد الفردي وقلقه -كما يقول المفكر الراحل ياسين الحافظ -ال يمكن أن
يبددهما إال االلتزام بخط الجماهير ومواكبة تحركها ...كما يصبح استلهام جوهر الماركسية وروحها
العامة وت ارثها الثوري – دونما قبلية ,ودونما سجود للصيغ الجاهزة – وسيلة إلقالل احتماالت الخطأ, وتصحيحه ,وتجنب السقوط في التجريبية أو الخضوع للعفوية.
3
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ففي ظل عزلته وغياب مصداقيته جف اليسار التقليدي واقترب من مرحلة االحتضار بعد أن نخره
التخلف الفكري ,وجعل منه الجمود النظري صنماً فارغاً بال حياة ,واستنفدت ثوريته االنتهازية وضيق األفق ,وخنقته العزلة الشديدة عن جماهير الفقراء .
إن فصائل وأحزاب اليسار العربي بحاجة إلى كوادر قيادية ثورية ديمقراطية واعية بالماركسية
ومسارها التطوري المتجدد ومنهجها وواعية أكثر بمكونات واقع مجتمعاتها..قيادات كفؤة وقادرة على
اإلجابة على أسئلة الجماهير الفقيرة واالندماج في أوساطها والتعلم منها وتعليمها وتنظيمها وتثويرها
وفيه لكل شهداء الحرية والديمقراطية والعدالة واالشتراكية.. ..بحاجة إلى قيادات وكوادر متواضعة ّ ووفيه ألسر الشهداء والجرحى واألسرى ملتزمة بالمبادئ العظيمة التي ضحوا بأرواحهم من اجلها .. ّ ووفيه لجماهير الفقراء والكادحين وقود الثورة وهدفها ...أخي ارً فصائل وأحزاب المناضلين الصامدين .. ّ اليسار بحاجة ماسة جداً لقيادات مبدئية صادقة ال تعرف النفاق واالنتهازية والفساد والشللية ..إنها بحاجة ماسة إلى مثل هذه القيادات الثورية الوفية الواعية الصادقة ليرفعوها على أكتافهم ,وليست بحاجة إلى قيادات تأتي إليها ليرتفعوا على أكتافها ...ويتنكروا لمبادئها وجوهرها األخالقي ...ذلك هو أول الطريق لخروج قوى وفصائل اليسار من أزماتها الخانقة شبه المستعصية التي تنذر -في حال
استمرار تراكماتها دون عالج جراحي ثوري -إلى تصدع أبنيتها وانهيارها واسدال الستار عليها.
لذا فإن حركة اليسار العربي المتجددة أو الجديدة ,لن تأتي عبر تجميع األطر الكمية الشكلية أو
عبر الجمود والتخلف ,أو الجثث القديمة ,بل ستأتي عبر عملية خلق جديدة .إن والدة جديدة لليسار
العربي تحتاج إلى مخاض طويل وعسير عبر أحزاب بقيادات واعية وثورية تلتحم بالجماهير الشعبية
وتسير في مقدمتها في المسيرة الطويلة حتى تحقيق االنتصار. ()0
عن المرأة العربية العاملة ...األم وشريكة العمر واالبنة واألُخت والرفيقة والصديقة .
-كل حديث عن التحرر والديمقراطية والمقاومة والتقدم ال يلتزم في الممارسة بالنضال من اجل
المساواة الكاملة للمرأة العربية مع الرجل وتحريرها من كافة القيود االجتماعية ومن كافة أشكال وأدوات
ومظاهر االستبداد التي تعاني منها المرأة في بالدنا ,هو حديث منافق أو زائف ال معنى وال قيمة له
أو تأثير.
-أدرك أن مشوار تحرر المرأة ومساواتها مازال طويالً في مجتمعاتنا ,وعليها ان تتحمل العبء
األكبر مع الرجل ,حيث نالحظ استمرار العالقات األسرية القائمة على الخضوع أو مبدأ الطاعة
واالمتثال ,وهو مبدأ منتشر في كل المجتمعات العربية بدرجات متفاوتة وليست متباعدة ,خاصة وأن
الصورة المشتركة للتراث الشعبي (القديم والحديث والمعاصر) على المستوى العربي تتعاطى مع المرأة كخادمة للرجل ولشهواته الجنسية ,أو كإنسان ناقص أو من الدرجة الثالثة ,فهي " ناقصة عقل
4
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ودين " أو هي مصد ارً للهموم حسب المثل الشائع "هم البنات للممات" أو "كيدهن عظيم" أو "أمن للشيطان وال تأمن للنسوان " وكذلك األمثال الشعبية المتداولة من قبيل "طاعة النساء تورث الندم " و
"البنت ال تأمنها من بيتها لبيت خالها " و "الفرس من خيالها والمرأة من رجالها " "ما خال رجل وامرأة
إال وكان الشيطان ثالثهما" ,ويقال أيضا" :المرأة فتنة"" ,صوت المرأة عورة" .و أخي ارً وليس أخ ارً "ظل راجل وال ظل حيط " و هو المثل الذي يتضمن صراحة على أن الرجل هو الذي يعطي المكانة
االجتماعية للمرأة وليس الدور المميز للمرأة في العمل أو في السياسة أو في المجتمع أو في اإلنتاج
األدبي ..إلخ .فعندما يمتزج الديني باالجتماعي يبرز شكال واضحا للتمييز بين المرأة والرجل مثلما
ربة بيت ممتازة"" ,بنت عائلة"" ,مطيعة وال ترفع صوتها ولو يقال في بالدنا "المرأة مرأة والرجل رجل"ّ " , بكلمة في وجه زوجها" ,إن ك ّل هذه األقوال حول المرأة تتلفظ بها األ لسن يوميا هنا وهناك .ويتف ّنن الرجال اليوم في التعبير عن صورة المرأة صاحبة األخالق العالية بإضفائهم "بعدا أخالقويا" آخر
البد لها من أن تخرج من البيت إلى ميدان العمل كي "تساعد" زوجها لصورة "المرأة العصرية" التي ّ على مجابهة تكاليف الحياة لتصبح في اآلن ذاته رّبة بيت ممتازة وعاملة ممتازة أيضا....وهذه الصورة األخيرة ال تنتمي للتقدم بل هي عندي إعادة تجديد و تكريس للتخلف ولكن بمنطلق انتهازي .
-إن صورة المرأة في الواقع االجتماعي العربي ,خضعت وتخضع لسياقات اجتماعية وتراثية
تاريخية بكل ما أنتجته من أعراف وعادات وتقاليد سلبية تراكمت على مدى التاريخ القديم والحديث
مكوناتها في والمعاصر ,بواسطة جملة من األدوات التواصلية كاللغة والدين والقانون والثقافة بمختلف ّ إطار المجتمع التابع والمتخلف ...وبالتالي فان هذه األدوات أدت وظائفها داخل هذا اإلطار بالتفاعل مع واقعه االقتصادي واالجتماعي الذي شكل أساس البناء الثقافي لهذه التركيبة /الصورة التي لم
تتطور مكوناتها بشكل جوهري أو متمايز عما كان عليه الحال قبل 21عاماً ,فمازالت المرأة عموماً,
والفقيرة خصوصاً في أطراف المدن واألرياف ,تأتمر بأوامر الرجل وتدخل عنوة وغصبا بيت الطاعة
والخضوع ,بتأثير مباشر لهيمنة وسيطرة الرجل انسجاما مع الثقافة الذكورية المتخلفة السائدة
,وتساهم بالتالي –وفق ما أسميه عفوية الرضوخ -في إعادة إنتاج مكانتها الدونية في المجتمع.
-التحرر الحقيقي للمرأة ,يكمن في تحررها االقتصادي الذي يوفر لها الضمانات الفعلية,
القانونية والمجتمعية في اتخاذ القرار في كل الميادين و على كل المستويات ,و المشاركة في األنشطة السياسية و االقتصادية و الثقافية و االجتماعية و األسرية ,هذا هو التعبير عن حقيقة
االرتباط الوثيق بين قضايا المرأة العربية و قضايا مجتمعها في االستقالل الوطني و النهوض و التقدم االجتماعي و التنمية و العدالة االجتماعية و الديمقراطية ,و هي قضية يتحمل مسؤوليتها كل مثقف
عربي ديمقراطي تقدميً ,فإذا كان العامل السياسي يلعب دو ارً هاماً في تعزيز الهيمنة السياسية الطبقية البيروقراطية الفردية ,فإن العامل االقتصادي يعزز و يكمل ذلك الدور في المجتمع عموماً ,و
5
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
في إخضاع المرأة بصورة خاصة باالستناد إلى التشريعات و القوانين من جهة أو باالستناد إلى
الهيمنة الذكورية االقتصادية والتاريخية من جهة أخرى .
إذن وفي سياق حديثي عن قضية المرأة في بالدنا ,فإن التحرر االقتصادي شرط أولي لكل تحرر
مادي أو معنوي ,اجتماعي أو سياسي أو غير ذلك ,وهنا تتبدى أهمية العمل بالنسبة للمرأة المعزز
بالشهادة العلمية كشرط أساسي لعملية تحررها في سياق العمل ,إذ أن العمل المجرد الذي يتيح
دخول أعداد كبيرة من النساء – شبه االميات واالميات – من الطبقات الشعبية الكادحة إلى سوق
العمل المأجور ,ال يوفر سوى شكل من أشكال التحرر الجزئي االقتصادي ,وهي ظاهرة معروفة في بالدنا ,بحيث تبقى المرأة خاضعة لشروط االضطهاد والخضوع االجتماعي داخل األسرة وخارجها ,
تقدمية بال شك تمهيدا لمشاركتها الفعالة وبالتالي فان عمل المرأة في المجتمعات العربية يمثل خطوة ّ في النشاط العام ,السياسي واالجتماعي ,عبر المؤسسات الثقافية والجمعيات واألحزاب في مسيرة النضال الديمقراطي المشترك لتحرير المجتمع من كل أشكال التبعية والتخلف واالستغالل وتجاوزها
صوب مجتمع الحرية والديمقراطية والمواطنة والمساواة بين الرجل والمرأة وفق أسس ومفاهيم قانونية وسياسية واجتماعية واقتصادية وأخالقية تمثل روح المجتمع والمستقبل المشترك للمرأة والرجل في
مجتمع عربي ديمقراطي. ()3
العرب وتحديات الديمقراطية والتنوير واالستنارة والعقالنية والثورة:
يبدو أن أنظمة االستبداد العربية الكومبرادورية عموما وأنظمة البترودوالر الرجعية العميلة
خصوصا ,إلى جانب ضعف تأثير وهشاشة دور أحزاب وفصائل وحركات اليسار العربي ,عالوة على غياب التنسيق والعمل المشترك فيما بينها ..مهد الطريق إلى انتشار وفوز حركات اإلسالم السياسي
عبر استغالل بساطة وعي الجماهير وعفويتها الناجمة -بشكل رئيسي -عن أوضاع التخلف االجتماعي في كل البلدان العربية وتبعيتها التي أدت إلى تزايد الهيمنة االمبريالية والصهيونية على
مقدرات شعوبنا ,بحيث يمكن القول بأن هناك نوع من ردة الفعل في أوساط الجماهير العفوية تجاه
حركات اإلسالم السياسي ,تتراوح بين القبول والترحيب واالندفاع في تأييدها دونما وعي حقيقي من الجماهير بطبيعة دور حركات اإلسالم السياسي ورؤاها وشعاراتها الديماغوجيه وبرامجها ,األمر الذي يفسر تمسك الجماهير العفوية بنوع ساذج من الدين ,هذا التمسك يريحها ويسوغ لها هذا انشدادها
للتيارات الدينية.
وفي هذا السياق نشير إلى أن النشاط الثوري العفوي للجماهير ,مستمر منذ أقدم العصور ,لكن كل
هذه المعارك والثورات ,لم تحقق انتصارها ,ولهذا ظلت ُمستَ َغلَّة ُمضطهدة ,تثور مرة ,ثم تعود إلى
6
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
سباتها سنوات ,وربما عقود ,والسبب الجوهري هو أن الجماهير لم يتطور وعيها ,من خالل نشاطها
الثوري .إن هذه الواقعة ,فرضت على لينين ,أن يتحدث عن أن الوعي االشتراكي الديمقراطي ,لن يأتي
العمال "إال من خارجهم" ...من الحزب الثوري أو الطليعة الثورية ,وهذا هو دور قوى اليسار الذي
يتوجب على كل رفيق االلتزام به ووعيه بكل عمق ,ذلك إن النشاط الثوري غير المنظم قد ُيكسب
الطبقات المضطهدة (وهو ُيكسبها بالضرورة) ,خبرات في التخريب ,وفي التظاهر ,والقيام باإلضرابات ...الخ ,لكنه ال يكسبها الوعي الثوري ومن ثم زخم وتواصل الحراك الجماهيري الثوري الجتثاث أنظمة التبعية واالستبداد والتخلف.
لذلك علينا أن نفسر هذه الحالة الهروبية من الواقع ,بصورة موضوعية ارتباطاً بظروف التطور
االجتماعي االقتصادي الريعي المشوه ,الذي أسهم في تشكيل الوعي العفوي على هذه الصورة
السالبة في أوساط الجماهير الشعبية ,في ظل استمرار غياب القوى الثورية الديمقراطية ,مما أدى
إلى تكريس هيمنة الرجعية والكومبرادورية على ذهنية الجماهير ووعيها وصوالً إلى مشهد اإلسالم السياسي الراهن ,دون ان نتجاوز تأثير الحالة الثورية العربية الراهنة -بالمعنى النسبي -في قسم
هام من القطاعات الشعبية الفقيرة عموماً ,وفي المدن والعواصم العربية خصوصاً وهذا يعني بوضوح أن ضعف انتشار الحالة الثورية في أوساط جماهير الفالحين والمهمشين في المناطق الريفية والطرفية يعود بشكل رئيسي إلى غياب الدور الفعال ألحزاب اليسار في أوساط هذه الجماهير في ظروف الوضع العربي الراهن التي تحفز على الثورة المستمرة حتى إسقاط أنظمة االستبداد واالستغالل
والتخلف ,إذ أن الوضع الراهن ,الذي تعيشه شعوبنا العربية ,لم يكن ممكناً تحققه بعيداً عن عوامل التفكك و الهبوط الناجمة عن تكريس وتعمق خضوع وارتهان الشرائح الحاكمة في النظام العربي
للنظام االمبريالي حفاظا على مصالحها الطبقية النقيضة لتطلعات ومصالح الجماهير ,لدرجة أن ربع
القرن األخير حمل معه صو ارً من التراجع لم تعرف جماهيرنا مثيالً لها في كل تاريخها الحديث ,فبدالً مما كان يتمتع به العديد من بلدان الوطن العربي في الستينات من إمكانات للتحرر والنهوض الوطني
والقومي الديمقراطي ,تحول هذا الوطن بدوله العديدة وسكانه إلى رقم كبير ,يعج بالنزاعات الداخلية
والعداء بين دوله وطوائفه ,ال يحسب له حساب أو دور يذكر في المعادالت الدولية ,وتحولت معظم
أنظمته وحكوماته إلى أدوات للقوى المعادية ,فيما أصبح ما تبقى منها عاج ازً عن الحركة والفعل والمواجهة ,في إطار عام من التبعية على تنوع درجاتها وأشكالها السياسية واالقتصادية والتكنولوجية
والثقافية والسيكولوجية ,في ظروف فقدت فيها القوى واألحزاب اليسارية روحها وارادتها الثورية
وهويتها ,وفقدت قدرتها على الحركة والنشاط والنمو ,وتراجع دورها في التأثير على الناس أو على
األحداث من حولها ,األمر الذي أفسح المجال واسعا لتيار اإلسالم السياسي بمختلف تالوينه ومسمياته في بلداننا العربية بذريعة منطلقاته الدينية أو اإليمانية التي ال تشكل تناقضا جذريا مع
7
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
البرامج والسياسات اإلمبريالية عموما وبرامجها االقتصادية والمجتمعية خصوصا , .ما يعني بوضوح
شديد أن بلدان الوطن العربي أمام خيارين ..إما البربرية أو الثورة االشتراكية . ()2
منظور للعالقة بين أحزاب وفصائل اليسار وحركات اإلسالم السياسي
في إطار حديثي عن عالقة اليسار العربي مع حركات اإلسالم السياسي ,فإنني أود التوضيح هنا
أنني لست في وارد تناول موضوعة " الدين" من زاوية فلسفية ,في إطار الصراع التاريخي بين
المثالية والمادية ,فهذه المسألة ليست بجديدة ,كما أنها ليست ملحة ,كما أن عملية عدم الخلط بين
الدين كعقيدة يحملها الناس ,وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة مهمة وحساسة ,فان يكون لنا
موقف فلسفي من الدين ,ال يعني على اإلطالق سحب ذلك الموقف على الجمهور المتدين ,بل على العكس ,فان التحليل الموضوعي ,إلى جانب الوعي والشعور بالمسئولية والواجب ,يفترض منا
االقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية ,والتفاعل مع قضاياه وهمومه وجذبه إلي النضال
من اجل الحرية والعدالة االجتماعية والديمقراطية وانهاء كافة أشكال االستغالل والقهر واالستبداد,
انطالقاً من فهمنا للماركسية بأنها ليست نظرية مضادة للدين – كما يروج دعاة اإلسالم السياسي
والقوى الرجعية واالمبريالية – بل هي طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته ,فالماركسية تنظر إلى الدين
تطور الوعي البشري في محاولتهم فهم واقعهم ,وصوغ الرؤية التي تكيفهم معه ,وأنه بوصفه جزءاً من ّ تطو ارً كبي ارً في مسار الفكر ,وانتظام البشر في الواقع. ش ّكل –في مراحل تاريخية معينةّ - أما بالنسبة للعالقة الخالفية بين اليسار وحركات اإلسالم السياسي ,فهي تستند – من وجهة نظري
-إلى التحليل الموضوعي الذي يؤكد على أن األساس في هذه الحركات هو دعوتها إلى معالجة
القضايا المعاصرة ,االجتماعية واالقتصادية والسياسية ,...عبر منطق غيبي تراجعي عاجز عن بلورة برنامج سياسي ديمقراطي اجتماعي تنموي ,يتناقض مع جوهر النظام المخلوع في تونس ومصر أو مع أي نظام استبدادي ,ما يعني إعادة إنتاج أنظمة ليبرالية رثة ,وتابعة ومحتجزة التطور ,مع
استمرار النظام االقتصادي االستغاللي على ما هو عليه أسي ارً وتابعاً لشروط الصندوق والبنك الدوليين وللسياسات األمريكية .
وعلى الرغم من كل ما تقدم ,علينا أن ندرك في ضوء المستجدات والمتغيرات المتالحقة راهناً ,إلى
أننا سنواجه –مع حركات اإلسالم السياسي -ظروفا وأوضاعاً معقدة ,ما يفرض على قوى اليسار العربي أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العالقة الديمقراطية وقضايا الصراع الطبقي
والسياسي ,ومفاهيم االستنارة والعقالنية مع هذه الحركات بمختلف مذاهبها ,كما عبر عنها جمال الدين األفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد وأحمد أمين ..وغيرهم,
8
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بحيث نحرص على أن ال تصل االختالفات معها ,إلى مستوى التناقض التناحري ,وأن تظل الخالفات
محكومة للعالقات الديمقراطية.
االنفصام السياسي االقتصادي االجتماعي ,سيظل سمة رئيسية من سمات المرحلة الحالية ,أو
مرحلة "اإلسالم السياسي" وهي مرحلة قد تطول ,لكن الجماهير الشعبية ستتكشف تدريجياً حقيقة
التيارات الدينية وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف -في جوهرها -عن سياسات النظام المخلوع, ما يفرض على القوى الديمقراطية الوطنية والقومية ,والقوى اليسارية أن تكرس كل جهودها من أجل
مراكمة توسعها ونضالها في أوساط الجماهير ,بما يمكنها من أن تتخطى حالة االنفصام المذكور ,
وذلك من خالل امتالكها لرؤية سياسية مجتمعية اقتصادية ,تنطلق من استمرار النضال الستكمال مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية ,عبر التوسع في صفوف العمال والفالحين والشباب وكافة األطر
والجمعيات المهنية والنقابات ,لكي تدخل معترك االنتخابات القادمة واثقة من انتصارها ,خاصة وأن
أسباب االنتفاضة الثورية لن تتالشى أو تزول ,بل ستتراكم مجدداً لتنتج حالة ثورية نوعية ,تقودها القوى الديمقراطية ,المدنية ,العلمانية واليسارية لكي تحقق األهداف التي انطلقت االنتفاضات
الشعبية من أجلها. ( )2
عن أوهام الربيع العربي وضرورات التواصل الثوري ..
بعد حوالي عام من فوز جماعة اإلخوان المسلمين ووصولها إلى سدة الحكم في مصر وتونس ,
بات من الواضح أن حركات اإلسالم السياسي وكافة القوى الرجعية والبورجوازية الرثة والبيروقراطية
العسكرية والمدنية (المدعومة من االمبريالية األمريكية) يتحركون داخل حلقة دائرية تعيد إنتاج التبعية والتخلف السياسي واالقتصادي واالجتماعي والثقافي وتجدده بأساليب وشعارات ديماغوجية ,في محاولة منهم التهرب من تحدي الحداثة والنهضة والديمقراطية والعدالة االجتماعية الثورية والتقدم
بالعودة إلى تراث انتقائي موهوم استطاعت التيارات األصولية إعادة زراعته وانتاجه باسم وأوهام ما
يسمى بــ" الربيع العربي " عبر شكل " جديد "من أنظمة االستبداد واالستغالل الطبقي ,في قلب عفوية
الجماهير الشعبية ,ما يؤكد على أن األساس في هذه الحركات هو دعوتها إلى معالجة القضايا المعاصرة ,االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية ,عبر منطق تراجعي ,من خالل الدعوة
للعودة ,بحسب ادعاء هذه الحركات ,إلى الماضي بذريعة العودة إلى أصول اإليمان واالعتقاد.
وبالتالي ,فإن ما يسمى بالربيع العربي لم يجلب للجماهير الشعبية العربية سوى مزيد من
االستبداد واالستغالل والتخلف ,والمزيد من تأثير القوى اليمينية الليبرالية الرثة وقوى اإلسالم السياسي
والسلفيين خصوصاً ,ما يعني عودة أدوات الظلم والظالم بلباس جديد إلعادة تشكيل بلدان النظام
9
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
العربي في إطار أشكال جديدة من التبعية للسياسات األمريكية والنظام الرأسمالي العالمي من خالل
القوى السياسية واالجتماعية واالقتصادية المؤثرة ,الجيش ورجال األعمال والكومبرادور وبقية أشكال الرأسمالية الطفيلية المعادية لتطلعات الشباب الثوري و جماهير الفقراء من العمال والفالحين وكل المضطهدين ,وهو أمر غير مستغرب عبر قراءتنا لدورها السياسي ومصالحها الطبقية ,إذ أن هذه
القوى الطبقية كانت وستظل حريصة على إعاقة ربيع الثورة وتعطيل و تبهيت الصراع الطبقي ,وهي
بالتالي تعمل دوماً على إرجاع مسيرة الثورة الشعبية إلى الوراء ,فهي ضد التنوير وضد الحداثة وضد الديمقراطية وضد االشتراكية والصراع الطبقي الثوري ,ما يؤكد استعداداها لمهادنة االمبريالية
والتعاطي معها ...لكن صيرورة الثورة الشعبية لن تنطفئ ,بل ستشتعل من جديد معلنة بداية ربيعها الثوري الديمقراطي القادم ال محالة ,خاصة في ظل تزايد أعداد الجماهير الفقيرة المقموعة والمضطهدة
تاريخياً,والتي تتعرض اليوم إلى مواجهة أوضاع ال تحتمل ,ما يعني بوضوح شديد استنهاض الثورة
من جديد رغم التضحيات الجسام ...لكن اآلمال العظيمة في تحقيق الديمقراطية ودولة المواطنة والعدالة االجتماعية الثورية بآفاقها االشتراكية لن تتحقق إال من خالل التضحيات العظيمة.
وهنا بالضبط تتبدى الضرورة التاريخية التي تستدعي من القوى اليسارية الثورية في كل بلد
عربي ,تركيز أهدافها ومهماتها الثورية الديمقراطية ,السياسية والمجتمعية ,عبر التواصل والتأثير في صيرورة الحراك الثوري المتجدد والراهن ,وان تتحمل مسؤولياتها الكبرى ,في كونها تشكل في هذه
المرحلة طليعة الحامل السياسي االجتماعي الديمقراطي لعملية التغيير الثوري ,من أجل تغيير الواقع
الراهن وتجاوزه وتحقيق تطلعات وأهداف جماهير الفقراء من العمال والفالحين وكل المظلومين والمضطهدين في إطار الثورة الشعبية الديمقراطية. ()2
المسألة اليهودية والصراع العربي الصهيوني ..
منذ نشوء الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر ,ثم تأسيس "دولة إسرائيل" في
0621/2/02تم استخدام األساطير الدينية والتوراتية ,لحساب األهداف السياسية التي تخدم الكذبة
الكبرى التي تقول بأن اليهود أمه ,فاألساطير الدينية والتوراتية استخدمت تاريخياً – وال زالت -لحساب األهداف السياسية ,وذلك على قاعدة أن الصهيونية هي الجانب القومي في اليهودية ,واليهودية هي
الجانب الديني في الصهيونية ,وبالتالي فإن "إسرائيل" تحقيق سياسي وتجسيد عملي وسياسي
للظاهرتين معاً ,في إطار العالقة العضوية بين الحركة الصهيونية من ناحية ,ومصالح النظام االستعماري الرأسمالي من ناحية ثانية ,وهذه العالقة تؤكد على أن "إسرائيل" انطالقاً من دورها ووظيفتها ,لم تنشأ إال كشكل من أشكال االستعمار االستيطاني العنصري في بالدنا ,المستند إلى
01
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
دواعي القوة الغاشمة واالغتصاب ,لحماية مصالح العولمة الرأسمالية في بلدان وطننا العربي ,وهي
دولة ال يمكن أن ترقى عبر هذا الدور الوظيفي لتصبح جزءا من نسيج هذه المنطقة العربية
ومستقبلها بأي شكل من األشكال .
وها نحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ,وما زال شعبنا الفلسطيني –الذي قدم
اآلالف من قوافل الشهداء -مستم ارً في صموده ونضاله رغم كل التنازالت السياسية والمفاوضات العبثية ,ورغم االنقسام الناجم عن الصراع الدموي ,على المصالح والكوتات ,بين حركتي فتح
وحماس ,األمر الذي يفرض على كافة القوى اليسارية الديمقراطية العربية مزيداً من الوحدة والنضال
الديمقراطي لتثبيت أسس وبرامج الثورة الوطنية الديمقراطية ارتباطاً بمنظور الثورة القومية التحررية
الديمقراطية في إطارها األممي اإلنساني ,بمثل ما يفرض أيضاً على القوى اليسارية الفلسطينية مراجعة خطابها السياسي بما في ذلك خطاب حل الدولتين ,من أجل استعادة روح النضال الفلسطيني
وأدواته وفق قواعد النضال القومي الديمقراطي باعتبار أن الصراع مع هذا العدو هو صراع عربي
صهيوني من الدرجة األولى.
ففي ظل موازين القوى الدولية والعربية المختلة لصالح التحالف اإلمبريالي الصهيوني وموقفه
التصور الصهيوني يتمسك النقيض للحد األدنى من ثوابت وأهداف شعبنا الوطنية ,بات واضحاً ,أن ّ بالءات خمسة هي :ال انسحاب من القدس ,ال انسحاب من وادي األردن ,ال إزالة للمستوطنات ,ال عودة لالجئين ,وال للدولة الفلسطينية المستقلة ,األمر الذي يفرض على القوى الماركسية الثورية
أعباء ومسئوليات كبرى ارتباطاً بدورها في المرحلة الراهنة عموماً ودورها المستقبلي الطليعي على وجه الخصوص ,وهذا يتطلب إسهام الجميع في مناقشة القضايا المطروحة بكل مسئولية ووعي – من
اجل بلورة األسس الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تكفل نهوضها ,بما يمكنها من تحديد رؤيتها
ومهامها ووحدتها الداخلية للمرحلة القادمة بدقة .
ذلك إن صحة الوظائف السياسية والتنظيمية والفكرية واالجتماعية والجماهيرية لهذه القوى الثورية
تتحدد في ضوء مدى تأسيس تلك الوظائف على رؤية صائبة ,وأن تصاغ بدورها انطالقا من قراءة
واعية وموضوعية لكافة المتغيرات السياسية والمجتمعية والفكرية ,سواء على الصعيد الفلسطيني أو
العربي أو الدولي ,وهنا بالضبط يتجسد المعنى الحقيقي لألعباء والمسئولية الملقاة على عاتق كل
عضو من أعضائها ,وصوالً إلى النتائج المأمولة التي ستمكنهم من تحقيق عملية النهوض صوب دورها الطليعي المنشود.
لذلك فإن المهمة العاجلة أمام حركات وفصائل اليسار العربي عموما والفلسطينية خصوصا ,أن
تعيد النظر في الرؤية اإلستراتيجية التحررية الديمقراطية ,الوطنية/القومية ببعديها السياسي
والمجتمعي
انطالقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية ,ودورها ووظيفتها
00
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كمشروع إمبريالي ال يستهدف فلسطين فحسب ,بل يستهدف –بنفس الدرجة -ضمان السيطرة
اإلمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره .
وبالتالي يجب أن تتأسس الرؤية لدى كافة قوى اليسار القومي العربية ,وفي المقدمة اليسار
الثوري الفلسطيني ,انطالقاً من ذلك وليس من خارجه ,فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود االمبريالي في الوطن العربي ,ووجودها حاسم الستمرار السيطرة االمبريالية ,وضمان استمرار التجزئة
والتخلف العربيين .لهذا كان ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية الوطنية من قلب الرؤية التقدمية القومية الديمقراطية األشمل ,التي تنطلق من فهم عميق للمشروع االمبريالي الصهيوني وأدواته البيروقراطية
والكومبرادورية والرجعية ,من أجل أن يعاد تأسيس نضالنا الوطني والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية.
وال شك في أن هذه المهمة هي أوالً مهمة الماركسيين في فلسطين والوطن العربي ,وفي طليعتهم
اليسار الثوري الفلسطيني المناضل من اجل استرداد الحقوق التاريخية على ارض فلسطين…
والى أن تتوافر هذه الشروط تدريجيا سوف يستمر الصراع كما هو ,مهما طال واستمر الحديث عن التفاوض من اجل ما يسمى حل الدولتين وفق الشروط اإلسرائيلية األمريكية ,فلن يكون في ذلك سوى
تكريسا للهيمنة والسيطرة األمريكية اإلسرائيلية على مقدرات الشعوب العربية واستمرار احتجاز تطورها
واستتباعها وتخلفها.
وبالتالي فإن حديثي عن حل الدولة الديمقراطية العلمانية هو حديث يستدعي-على األقل نظرياً في
هذه المرحلة -استنفار كل طاقات اليسار من أجل إعادة النظر في الخطاب السياسي وصوالً إلى
خطاب/برنامج يستجيب لمعطيات وضرورات المرحلة الراهنة والمستقبل ,األمر الذي يستدعي حوا ارً جاداً ومعمقاً بين أطراف اليسار الماركسي العربي لتحقيق هذه الغاية ,ليبدأ مرحلة جديدة في نضاله من اجل إعادة تأسيس المشروع القومي التحرري الديمقراطي النهضوي ,كفكرة مركزية توحيدية تلتف
حولها الجماهير الشعبية في فلسطين وبلدان الوطن العربي ,وفي الطليعة منها الطبقة العاملة وكل
المستَ َغلين العرب الذين سيمثلون روح هذه النهضة وقيادتها وأدواتها. الكادحين والفقراء والمضطهدين و ُ إن النضال من أجل تحقيق هدف إقامة دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها ,كفيل بحل المسألة اليهودية في إطار المجتمع العربي الديمقراطي الموحد ,وهذه القضية قد يفترض البعض
محقا أو بدون وجه حق بأنه موقف طوباوي ,فإنني أقول بوضوح أن هذا ليس موقفاً طوباوياً بقدر
ما هو حلم ثوري تتوافر مقوماته وامكاناته في نسيج مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية عموما, وفي أوساط الشرائح المضطهدة من العمال والفالحين والبورجوازية الصغيرة التي تتطلع بشوق كبير إلى المشاركة في تحقيق هذا الحلم الثوري الذي يجسد األهداف الوطنية والديمقراطية المستقبلية
للشعوب العربية.
إن فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية تتبدى اليوم ,باعتبارها التجسيد الثوري للحل
االستراتيجي األمثل بالنسبة لحقوق شعبنا من جهة وبالنسبة للمسألة اليهودية برمتها من جهة ثانية, 02
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كحل استراتيجي ,يكفل ويضمن استعادة شعبنا لحقوقه التاريخية والسياسية والسيادية في فلسطين وهو حل مرهون بتغيير موازين القوى ,ما يعيدنا إلى تفعيل فكرة الصراع العربي الصهيوني ,التي
تتطلب بالضرورة العمل على تجاوز وتغيير هذا النظام العربي ومن ثم تغيير ميزان القوى تمهيداً لفرض الحل النهائي في دولة فلسطين الديمقراطية لكل مواطنيها.
لذلك فإن التحدي الكبير الذي يواجه شعوب امتنا العربية اليوم يجب أن يبدأ بعملية تغيير سياسي
جذري ديمقراطي من منطلق الصراع الطبقي ضد أنظمة اإلسالم السياسي وكل أنظمة االستبداد
واالستغالل والفساد التي تحكمها ,وذلك انطالقاً من وعينا بأن هذه األنظمة شكلت األساس الرئيسي في تزايد واتساع الهيمنة االمبريالية على مقدرات وثروات شعوبنا العربية ,كما شكلت األساس الرئيسي
لتزايد واتساع عنصرية وصلف وهمجية "دولة" العدو اإلسرائيلي.
إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية كلها ,في هذه اللحظة الثورية ,ال يعني أننا
نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دو ارً رئيسياً وأحادياً فيها ,بل يعني – من خالل أحزاب وفصائل اليسار الماركسي الثوري -تفعيل وانضاج عوامل وأدوات التغيير الديمقراطية الحديثة والمعاصرة ,والبحث عن مبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة من قلب واقعنا الراهن.
لذلك كله" ,ينبغي علينا أن نحلم" بشرط أن ندرك سر قوة الحلم الثوري الذي يشكل منبع التغيير و
الثورة ,وأن القوة الثورية هي مالك هذا الحلم ودون أن تغادر أقدامه تعرجات الواقع ,للوصول لهدف نبيل وغاية واضحة ,وهل هناك أنبل من غاية تحقيق دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها
تلتزم سياسياً وقانونياً وأخالقيا بحل المسألة اليهودية في إطارها . ()9
في وعي وممارسة العملية االستنهاضية ألحزاب اليسار العربي....
إنني أتحدث عن واقع مأزوم منتشر بضراوة داخل فصائل وأحزاب اليسار العربي ,وهو واقع يحتاج
لجرأة عالية ومتصلة من العمل لتخطي دوائر المراوحة واإلحباط ومحاوالت تبرير الفشل ,باتجاه
التأسيس لعمليات نهوض البد منها ,كوننا ال نزال ,على ما يبدو ,في المرحلة األولى من جوالت الصراع والتناقض الرئيسي التناحري مع أعدائنا ,االمبرياليين والصهاينة ,وفي جوالت صراعنا
وتناقضنا الرئيسي مع القوى الرجعية وكل أنظمة التبعية والتخلف واالستبداد البورجوازية العائلية
والكومبرادورية الرثة .لذا يجب أن تتم العملية االستنهاضية ,وعياً وممارسة ,عبر إعادة تجديد وبناء ودمقرطة كل احزاب وفصائل اليسار بوصفها صيرورة تقوم بوظيفتها عبر رؤيتها وبرامجها الثورية
ودورها المحدد ,من خالل مراكمة عوامل النهوض واإل زاحة المتتالية لكل العوامل المؤدية إلى التراجع
أو الفشل ,وذلك مرهون بتأمين شروط الفعالية السياسية والفكرية والتنظيمية والكفاحية والجماهيرية
03
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
القصوى في قلب الصراع الطبقي ,عبر توفير معايير ونواظم وآليات عمل داخلية ,ديمقراطية وثورية ,
كعنصر قوة لالرتقاء بدور فصائل وأحزاب اليسار العربي ورؤيتها وممارستها وتوسعها وانتشارها في
أوساط جماهيرها ,إذ أن بقاء وضع هذه األحزاب /الفصائل تحت رحمة البيروقراطية القيادية الالديمقراطية التي تتميز في معظمها بأنها ضعيفة الكفاءة والعاجزة أو المترهلة أو المرتدة فكريا
وهابطة سياسيا ,أودت بأحزابها وفصائلها إلى االبتعاد عن الممارسة الصحيحة والغرق في مستنقعات
الردة أو المناهج التقليدية والعقلية الجامدة او الهابطة واالنتهازية ,وهذا يفتح الباب واسعا داخل
التنظيم "أمام توليد بيئة مالئمة للشللية وللنفاق وفقدان الجرأة والصراحة واللعب على التناقضات
وشخصنتها ,وفقدان القدرة لدى معظم األعضاء على المحاسبة والنقد الجريء .وبالحصيلة ,مزيد
من التراجع والتهميش واغراق الحزب وما يواجهه من أسئلة ومعضالت ومهام كبرى فكريا وسياسيا وكفاحيا في مزيد من األزمات والمناورات والحسابات األنانية التافهة والعزلة عن الجماهير ,وفي مثل
هذه الحالة تكمن المأساة ,في أن الحزب هو الذي يدفع الثمن من رصيده السياسي والمعنوي
(والتنظيمي) ,على شكل فقدان الشروط الضرورية لتأدية دوره ووظيفته السياسية واالجتماعية على المستوى الوطني ,ويخل ببنيته كعقد اجتماعي".
لذلك البد من وقفة مراجعة جدية الستنهاض أحزاب وفصائل اليسار العربي ,بالمعنيين الموضوعي
والذاتي ,خاصة وأن ما ينقص معظم كوادر وأعضاء قوى اليسار هو الدافعية الذاتية أو الشغف واإليمان العميق بمبادئه عبر امتالك الوعي العلمي الثوري في صفوف قواعده وكوادره ,فبينما تتوفر
الهمم في أوساط الجماهير الشعبية واستعدادها دوما للمشاركة في النضال بكل إشكاله ضد العدو االمبريالي والصهيوني ,وضد العدو الطبقي المتمثل في أنظمة التبعية والتخلف واالستغالل واالستبداد والقمع ,إال أن أحزاب وفصائل اليسار لم تستثمر كل ذلك كما ينبغي وال في حدوده الدنيا ,ألنها
عجزت – بسبب أزماتها وتفككها ورخاوتها الفكرية والتنظيمية -عن إنجاز القضايا األهم في نضالها الثوري ,وهي على سبيل المثال وليس الحصر :أوال – عجزت عن بلورة وتفعيل األفكار المركزية التوحيدية العضاءها وكوادرها وقياداتها واقصد بذلك الفكر الماركسي وصيرورته المتطورة
المتجددة.ثانيا-عجزت بالتالي عن تشخيص واقع بلدانها ( االقتصادي السياسي االجتماعي الثقافي ) ومن ثم عجزت عن إيجاد الحلول أو صياغة الرؤية الثورية الواضحة والبرامج المحددة ,كما عجزت
عن صياغة البديل الوطني والقومي في الصراع مع العدو االمبريالي الصهيوني من ناحية وعن
صياغة البديل الديمقراطي االشتراكي التوحيدي الجامع لجماهير الفقراء وكل المضطهدين من ناحية
ثانية .ثالثا -عجزت عن بناء ومراكمة عملية الوعي الثوري في صفوف أعضاءها وكوادرها وقياداتها ليس بهويتهم الفكرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي فحسب بل أيضا عجزت عن توعيتهم
بتفاصيل واقعهم الطبقي ( االقتصاد ,الصناعة ,الزراعة ,المياه ,البترودوالر ,الفقر والبطالة والقوى
العاملة ,الكومبرادور وبقية الشرائح الرأسمالية الرثة والطفيلية ,قضايا المرأة والشباب ,قضايا 04
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومفاهيم الصراع الطبقي والتنوير والحداثة والديمقراطية والتخلف والتبعية والتقدم والثورة ...الخ )
فالوعي واإليمان الثوري (العاطفي والعقالني معا ) لدى كل رفيقة ورفيق ,بالهوية الفكرية وبضرورة
تغيير الواقع المهزوم والثورة عليه ,هما القوة الدافعة ألي حزب أو فصيل يساري ,وهما أيضاً الشرط
الوحيد صوب خروج هذه األحزاب من أزماتها ,وصوب تقدمها وتوسعها وانتشارها في أوساط جماهيرها
على طريق نضالها وانتصارها . ()7
إلى رفاقي في األحزاب والفصائل اليسارية العربية ..ماذا يعني ان تكون ماركسيا؟
ال خالف على ان الماركسية نشأت في أتون االستغالل الرأسمالي والصراع الطبقي ,وتميزت
بنضوجها ووعيها لطبيعة النظام الرأسمالي ,إال أن هذه النشأة لم تكن بمعزل عن التيارات السابقة
للفكر االجتماعي ,وبالتالي لن تكون بمعزل عن التطورات والصراعات الطبقية االجتماعية والسياسية
الالحقة .
فالماركسية ليست تصور أو مجموعة أفكار فقط ,إنها فلسفة الشك التي تفترض إعادة تقييم
الظواهر بال توقف ,وفق قوانينها العامة التي ال يمكن تطبيقها بصورة موضوعية صحيحة إذا لم تأخذ في االعتبار طبيعة التطور االجتماعي واالقتصادي والسياسي الخاص لهذا المجتمع أو ذاك .
فالماركسية هي نظرية علمية قابلة للتطبيق على أي مجتمع وفق خصائصه االقتصادية
االجتماعية الثقافية في جميع مراحل تطوره ,وهي بهذه الصفة علم متجدد ومتطور ال يقل دقة عن
سائر العلوم الطبيعية ,فهي علم تطبيق المنهج المادي الجدلي والتاريخي واالقتصاد السياسي على
تاريخ المجتمع البشري بجميع مراحله وأنماطه المختلفة عموماً ,وعلى التاريخ الخاص لكل مجتمع من
المجتمعات البشرية خصوصاً.
أن تكون ماركسياً يعني أن تبدأ من ماركس ,ولكن ال تتوقف عنده ,أو عند أحد كبار خلفائه في
العصر الحديث .وهناك فرق بين أن تكون ماركسياً ,أو أن تكون ناطقاً بالماركسية .أن تبدأ من ماركس ,يعني أن تبدأ بوعي منطلقاته المادية الجدلية والتاريخية ورؤيته االشتراكية وتتواصل مع
مسيرتها وتطوراتها وتجددها .وبهذه الروح يجب في رأيي أن ننظر في قضية النظرية الثورية اليوم.
وعلى هذا األساس فإن الحفاظ على الماركسية ومتابعة رسالتها اإلنسانية ال يكمن في الدفاع
الالهوتي أو الدوغمائي عن تعاليمها ,وانما بالنقد الدائم ألفكارها وتجديدها ارتباطاً بأهدافنا العظيمة من أجل التحرر الوطني والقومي الديمقراطي التقدمي في إطاره اإلنساني واألممي .
لهذا يجب أن يتحدد دورها في الصراع الراهن ,في إطار التناقض الرئيسي التناحري مع اإلمبريالية
والحركة الصهيونية ,وفي إطار التناقض الرئيسي الداخلي في الصراع السياسي والطبقي ضد أنظمة
05
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
التبعية والتخلف واالستبداد في بالدنا ,وهذا هو واجب كل أحزاب وفصائل اليسار لمواجهة وازاحة قوى اليمين الوطني واليمين الديني عبر النضال الديمقراطي .
في إطار هذه الضرورة ,ووعينا لها ,علينا تبني الماركسية كمنهج للتحليل وكنظرية في التغيير
الثوري ,خاضعة للتطور واالغتناء ارتباطاً بالمتغيرات االجتماعية واالقتصادية والسياسية.
وره عبر تحليل وفهم التطور أن تصبح ماركسياً معناه أن تقوم بزيارة التاريخ ال أن تَُزِّوره ,أن تَُز َ التاريخي االجتماعي واالقتصادي والسياسي لشعوبنا العربية منذ آالف السنين وفق قوانين الماركسية
ومقوالتها العلمية الموضوعية ,ووفق مضمونها الطبقي الثوري الذي يرفع رايات الكادحين ضد رايات المستَِغلّة التي تنزف دماً من ك ّل مساماتها ....أن تكونوا ماركسيين معناها ان الرأسمالية وأدواتها ُ تقوموا بتوفير كل شروط ومقومات وأسس الحزب الثوري الذي يتقدم الجماهير معب ار عن همومها وتطلعاتها في إنهاء كل مظاهر االستغالل واإلفقار والقهر واالستبداد ...حزبا ثوريا خاليا من كل
عناصر الهابطين واالنتهازيين والفاسدين والمرتدين ومن كل مظاهر وشخوص الشللية والتكتالت
وتطهير الحزب أو الفصيل منهم أوال بأول ليبقى ثوريا نقيا مناضال في كل األوقات والظروف.
أيها الرفاق ,أن تكونوا ماركسيين اليوم ,معناها أن تراكموا كل عوامل الثورة الشعبية إل زالة وسحق
أنظمة التخلف والرجعية واالستبداد والتبعية واجتثاثها من بالدنا واقامة المجتمع االشتراكي الديمقراطي وهذا يفرض عليكم المبادرة إلى إقامة العالقات السياسية والفكرية والتنظيمية بما يمكنكم من صياغة أساليب العمل المشترك بين كافة قوى وأحزاب وفصائل اليسار عبر رؤية ثورية إستراتيجية مشتركة ال تلغي خصوصية أي حزب أو فصيل ,بقدر ما تؤكد على أهمية التنسيق والعمل المشترك بما يؤدي إلى
تكريس وتقوية العالقات عبر اللقاءات الدورية (السياسية والفكرية والتنظيمية) بين جميع قوى
اليسار ,تمهيداً لوحدة الحركة الماركسية العربية ....وهذا يفرض أن تكونوا ماركسيين معناها أن
تقاوموا هذه الحركة الصهيونية ,وليدة النظام الرأسمالي وربيبته ,وان تناضلوا من اجل إزالة الصهيونية
وتحقيق الهدف االستراتيجي في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها ,وأن تقاوموا نظام العولمة البشع ,ال أن تستهلكوا بضاعته الفكرية الرخيصة من الواقعية إلى الليبرالية إلى المهادنة....
أن تكونوا ماركسيين ,يعني أن تكونوا حاضنة دافئة للجماهير الشعبية العفوية ,تحترمون كل تراثها
ومعتقداتها وتتعلموا منها ,فأن تكون ماركسياً ,يعني أن تنظر إلى الدين على أنه وعي اجتماعي وجزء هام ورئيسي من الوعي اإلنساني ,استطاع أن يلعب دو ارً في تحرير اإلنسان من االستغالل
عندما أحسن التعاطي مع أفكاره وجوهره عموما وفي بداياته األولى خصوصا .
وأخي ارً أن تكون ماركسياً ,هو أن يتكامل وعيك أيها الرفيق ,فتنهل من النظرية وتدرك منهجها
إدراكا ذاتيا ,وتؤسس لك أرضية صلبة تنطلق منها للعمل النضالي والديمقراطي ,الوطني والقومي
واإلنساني ,ال أن تأخذ السياسة على حساب الفلسفة ,فالجزء يكمل الكل ,وال تنفصل النظرية
06
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الماركسية ومنهجها بالنسبة لنا وفي كل الظروف عن العمل السياسي ,فإذا ضاع الجزء ,ضاع الكل ,
وضاعت معه هوية حزبنا الفكرية .
أن تكون ماركسياً هو أن تعمل على أن يكون وطننا العربي كله ,وطن ألبناءه ,وطناً مستقالً ح ارً
موحداً تسوده االشتراكية والحرية والديمقراطية والمساواة ,يبنيه ويحميه أبناءه من العمال والفالحين الفقراء والكادحين بإرادتهم الجماعية الحرة ,وبقيادة الحزب الماركسي الطليعي الجماهيري الثوري
والديمقراطي.
من هنا أتوجه إلى كل الرفاق عموماً والشباب والشابات خصوصاً بالقول :إن البحث في الماركسية
يجب أن يبتدئ من التخلص من إرث األفكار البالية الرجعية والمتخلفة ,وامتالك الوعي بالمنهج
الجدلي المادي وتطبيقاته على االقتصاد والمجتمع والثقافة ,كما على كل جوانب الواقع في الممارسة
التنظيمية والنضالية واليومية لهم ولرفاقهم ,كما أتمنى عليهم بل أطالبهم بأن يمارسوا مراكمة وعيهم
ونضالهم الكفاحي والسياسي والديمقراطي انطالقاً من قناعتهم بأن أحزاب اليسار الماركسي العربي وحدها التي تملك الرؤية اإلستراتيجية النقيضة للوجود االمبريالي الصهيوني في بالدنا ,وهي وحدها
أيضاً التي تملك الرؤية اإلستراتيجية الكفيلة بإنهاء كل مظاهر التبعية واالستغالل والقهر الطبقي وتحقيق العدالة والمساواة ...وهي بالتالي وحدها التي تمثل المستقبل لشعوبنا العربية .
المهم أن ننطلق من قناعتنا بأن "الناس هم الذين يصنعون التاريخ" ...هذه هي القيمة الثورية
التاريخية للماركسية ,خاصة وأننا نعيش اليوم في ظروف االنتفاضات العربية و انتشار الروح الثورية
ضد أنظمة التبعية والتخلف من ناحية وفي ظروف انتشار اإلسالم السياسي والثورة المضادة والفتن
الطائفية ,وتفاقم مظاهر الفقر والصراع الطبقي ,وغياب األفكار التوحيدية على الصعيدين الوطني
والقومي ,وبالتالي فإن الحاجة إلى برنامج الثورة الوطنية التحررية والديمقراطية بآفاقها االشتراكية
اكبر بما ال يقاس من أي مرحلة سابقة.
وفي كل األحوال فإن تساؤالتنا واجاباتنا – حول الواقع والنظرية – ستكون بالضرورة محدودة
بحدود معرفتنا أو طبيعة التزامنا ...وكلنا ثقة بأن السواد األعظم من رفاقنا ورفيقاتنا في فلسطين والوطن العربي ,حريصون على توسيع معارفهم بالنظرية ومنهجها بمثل حرصهم على وعيهم
لمكونات واقعهم في مشهد االنتفاضات الشعبية المليء باالحتماالت والقلق المشروع – في اللحظة
الراهنة -من إمكانية استعادة قوى الثورة المضادة بدعم صريح ومباشر من القوى االمبريالية وحلف الناتو ودولة العدو اإلسرائيلي ,إلعادة إنتاج التبعية واالستبداد والتخلف بصور وأشكال جديدة ,األمر الذي يتطلب استنهاض كافة قوى اليسار العربي الديمقراطي الثوري من أجل توفير كل مقومات القوة
والوحدة السياسية والفكرية والتنظيمية بما يمكنهم من استعادة دورهم الطليعي في تحقيق أهداف الثورة الوطنية والقومية ,التحررية الديمقراطية التي تنتظرها الجماهير بشوق كبير.
07
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
رفض التطبيق امليكانيكي ملفهوم -املركزية الدميقراطية -
01 / 0 / 3102
رفض التطبيق الميكانيكي لمفهوم "المركزية الديمقراطية " ()0
حول الجمود الناجم عن التطبيق الميكانيكي لمبدأ المركزية الديمقراطية لدى احزاب وفصائل اليسار
العربي .
ان جمود احزاب وفصائل اليسار وتمترسهم الميكانيكي عند مفهوم المركزية الديمقراطية وغيره من
المفاهيم والمقوالت الماركسية واللينينية ثم الستالينية بدون مراجعتها ومقاربتها مع خصوصية هذا البلد او ذاك ,وبدون وعي المتغيرات النوعية في مجرى الحياة االنسانية وتطور العلوم والمفاهيم
واالفكار السياسية والفلسفية واالجتماعية وخاصة عدم وعيهم لمفهوم الديمقراطية بالمعنى االجتماعي
وبالمعنى التنظيمي واولويته جعل من هذه االحزاب هياكل محكومة لنظم وآليات بالية قديمة غير
مواكبة للتطور التنظيمي و للضرورات المعاصرة وظلت اسيرة لالدوات والمفاهيم القديمة وفي مقدمتها
شكالنية وجمود مفهوم المركزية كما سبق تطبيقه في التجربة الستالينية على الرغم من ان اطروحات لينين حرصت على التطبيق الخالق للديمقراطية داخل الحزب ,وعلى الرغم من المتغيرات المجتمعية
والتنظيمية النوعية التي برزت منذ وفاة لينين الى يومنا هذا.
وبالتالي ظلت هذه المظاهر البيروقراطية الضاره ,مترسخة طوال العقود الماضية في جميع األحزاب
الشيوعية وفصائل اليسار ,ألسباب متعددة أهمها يكمن في الطبيعة البنيوية البيروقراطية المأزومة
في اإلطار القيادي ,إلى جانب -وهذا هو األهم -غياب الوعي العميق لدى كوادر وأعضاء هذه األحزاب ,وضعف الدافعية الذاتية أو الشغف الحقيقي بالحزب ومبادئه وأفكاره ,األمر الذي راكم عوامل
تراجع مفهوم وآليات الديمقراطية في هذه الفصائل واألحزاب ,وراكم أيضاً استفحال ظاهرة البيروقراطية في معظم المراتب والهيئات الحزبية عموماً وفي الهيئات القيادية األولى خصوصاً عبر هيمنة المكاتب
السياسية واألمناء العامون على الحياة الحزبية ,وتفردهم أحياناً ,بما أدى –تاريخياً -إلى إضعاف دور
وتأثير اللجان المركزية باعتبارها الهيئة التشريعية وصاحبة السلطة أو المرجعية األولى في الحزب , وكان من الطبيعي في مثل هذه األوضاع البيروقراطية ,وفي ظل غياب الوعي لدى قواعد الحزب ,أن
تتحول إلى هامش في تؤدي هذه الهيمنة إلى إضعاف دور الهيئات القاعدية والوسيطة إضعافاً يجعلها ّ الحياة التنظيمية الداخلية ,وحصر مهماتها في تنفيذ األوامر والق اررات التي تصدرها الهيئات األعلى في
المناسبات واالحتفاالت الحزبية ,وفي مثل هذه االوضاع البيروقراطية الجامدة ,اصبح النص على
08
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
تحول وثائق وانظمة ولوائح احزاب الديمقراطية دون التقيد بأسسها والوعي بمضامينها ,ال يعني سوى ّ وفصائل اليسار إلى شعارات مفرغة من جوهرها ,والى نوع مبتذل من الممارسة البيروقراطية أو االستبدادية أو االنتهازية الذاتية والشللية في ظل غياب التطبيق الخالق للديمقراطية. ()3
كيف نفهم الديمقراطية في التفاعل مع مبدأ المركزية؟........
الديمقراطية في جوهرها تحوي مسألتين:
األولى :أنها تفترض وجود وتوفر عنصر الوعي أوالً ,ومن ثم وجود اختالف اآلراء وتناقضها
وتصارعها ,وبالتالي فأي نفي لهذا الجانب يسقطها.
الثانية :إن الديمقراطية تنظم اختالف اآلراء للوصول إلى آراء أكثر وضوحاً ودقة ,وأكثر سداداً,
دون نفي االختالف من جديد ,وهو اختالف ارتقائي للحزب إذا ما انطلق منه الوعي بقضايا الوطن
ومبادىء الحزب وهويته وأهدافه أوالً ,واذا ما اتخذ مسا ارً موضوعياً ثانياً ,لكن مع استمرار غياب
الوعي ,تصبح عملية االختالف االرتقائي الديمقراطي للحزب مستحيلة.
إن الممارسة الواعية للديمقراطية واالختيار الحر الواعي داخل احزاب اليسار ,هي أحد الضمانات
الكفيلة بتطبيق مبدأ المركزية تطبيقاً خالقاً ال يشكل قيدا على الديمقراطية ,ويوفر التناسق واالنسجام
الرفاقي بين الهيئات القاعدية والوسطى والعليا في هذه االحزاب ,بمثل ما يضمن صيرورة التجدد
النوعي في صفوفها بعيداً عن كافة المظاهر البيروقراطية والشللية والجمود ,بما يحقق الحفاظ على مركزية وديمقراطية الحزب وتماسك هيئاته عبر التفاعل الرفاقي بينهما بعد طرد وازاحة مظاهر وأدوات
الخلل فيه. ()2
كيف نفهم ونمارس مبدأ المركزية الديمقراطية ؟
إذا كان لينين قد ّركز على المركزية ,وعلى خضوع األقلية لألغلبية ,واألدنى لألعلى ,فان فصائل واحزاب اليسار العربي بحاجة إلى وضعها في إطارها الحقيقي ضمن مفهوم أكثر شموالً للمركزية
الديمقراطية ,اعتمادا بدرجة اساسية على الديمقراطية الواسعة ضمن تراتبية األطر التنظيمية ووفق االلتزام الخالق والمتجدد بهوية الحزب الفكرية وبرنامجه السياسي ,ألن التركيز على المركزية وحدها
مرادفاً لالنضباط وااللتزام التنظيميين ,وبتجاهل كامل للديمقراطية ,سوف يقود إلى إختالل أساسي في مجمل العملية التنظيمية ,خاصة في ظل ضعف الوعي وتراجع الدافعية الذاتية لدى االعضاء ,ومن ثم
ضعف تطبيق مفهومي االلتزام واالنتماء الحزبي ,األمر الذي يؤدي إلى نشوء الظواهر السلبية
البيروقراطية واالنتهازية والشللية وبالتالي مزيد من فقدان الحزب لهيبته ومصداقيته . 09
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فالمركزية ,يجب أن تترافق مع الديمقراطية الواسعة .كما أن االلتزام واالنضباط البد أن يالزمهما
االنتقاد والحوار الرفاقي الصريح والمباشر والمحترم داخل الهيئات ,واذا لم يتم تطبيق هذه اآللية أو لم يتم فهمها ,فالبد من أن يحدث الشطط ,فإذا اخذ جانب المركزية الصارمة فقط ,فإن ذلك يعني تبني مفهوم جديد ال عالقة له بمفهوم المركزية الديمقراطية ,خاصة وأن مبدأ المركزية الديمقراطية هو مفهوم غير قابل للفصل التعسفي ,وال يجوز ان نتبناه كشعار لممارسة فوقية أو بيروقراطية أو أحادية
عند اتخاذ الق اررات من الهيئة القيادية األولى أو من رأسها القيادي أو مركز القرار فيها ,ألن ذلك التبني يؤدي إلى المزيد من خراب العالقات التنظيمية والمزيد من تراجع الحزب او الفصيل اليساري
على المستوى التنظيمي والسياسي والجماهيري ,وال نظن أن أي مخلص لهذه االحزاب والفصائل
وتاريخها يريد لها مثل هذا المصير.
إن مختلف التجارب قد أثبتت أن علينا إعادة النظر في كيفية تطبيق مفهوم المركزية الديمقراطية ,
بما يجعل منه أداة لتطور وتجدد الحزب بعيداً عن كل أشكال البيروقراطية والتفرد والجمود من ناحية,
وبعيداً عن كل الممارسات التوفيقية أو المجاملة أو الحلول الوسط من ناحية ثانية.
اخي ار ,البد من أن أشير إلى أن هذا التوجه المطلوب يقتضي من كل رفيق ,التركيز على الوعي
بهوية الحزب الفكرية ,النظرية الماركسية ومنهجها ,والوعي بمكونات واقعنا السياسي واالقتصادي
واالجتماعي ,ألن الثورة أساسها الوعي ,وحين ُيفتقد الوعي تخت ّل العملية كلها ,وتفشل الثورات, وتتحول قيادة األحزاب الثورية إلى سلطة بيروقراطية أو رخوة أو هابطة أو قمعية أو توفيقية انتهازية. ّ ()2
لكي ال تتحول المركزية الى قيد على الديمقراطية .......
الوعي باالهداف الوطنية والقومية التحررية والديمقراطية المنحازة كليا للجماهير الشعبية ,الى
جانب الوعي النظري بالماركسية ومنهجها ,وقوة الدافعية الذاتية والشغف واألخالق الثورية -لدى
العضو -بمبادىء الحزب وأهدافه ,هي مجموعة اسس وضوابط تشكل في مجملها ووحدتها صمام
األمان الذي يحول دون الوصول إلى عزلة الحزب والنهايات المحزنة ,وهي تسهم أيضا – إلى جانب
التصورات اإلستراتيجية ,والخطوات التكتيكية ,وتحديد الظرف المناسب قوة ووحدة التنظيم -في تحديد ّ والزمان المناسب لتحقيق أو ممارسة أي شكل من أشكال النضال.
وتتحول إلى هوامش ,وينتهي دورها التاريخي ,ليبقى دورها بغير ذلك تفشل األحزاب الثورية, ّ اللحظي ,في المناسبات واالحتفاالت الشعبوية ,الذي ال يعدو أن يكون دو ارً شكلياً أو كمياً ,دون أي تأثير حقيقي في السياسة أو في المجتمع ,وقد يتحول –بفعل تهمشه -إلى تنظيم تابع وانتهازي
يماليء قوى السلطة أو القوى البرجوازية بدل أن يحاربها ,ويقبل قيادة البرجوازية التابعة والرثة ,بدل
أن يقودها ,ويهرب أو يعجز عن طرح قضايا الجماهير األساسية ,إلى الحديث عن قضايا هامشية. 21
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فالديمقراطية بقدر ما تتناقض كلياً مع روح الشللية أو المحاور ,فهي ترتقي وتتكرس بالوعي وقوة
الدافعية واالنتماء وااللتزام ,ألنها تعني تأكيد االختيار الحر ,والتعبير الحر ,وفق أسس ونظم تؤطر التعبير عن اآلراء كما تؤطر االختيار الحر ,وهي أسس ال تستقيم الديمقراطية الحزبية بدونها لضمان
سالمة المسيرة الحزبية.
20
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مدخل اىل اخلطوط الكربى لتاريخ الفلسفة
21 / 0 / 3102
يمكن أن نقسم تاريخ الفلسفة إلى العصور اآلتية :
(أ) العصر اإلغريقي :ويمتد من القرن السادس قبل الميالد وحتى وفاة أرسطو (ولد عام 212ق.م – 233ق.م).
(ب) العصر الهليني :الذي يمتد من وفاة أرسطو حتى نهاية األفلوطينية المحدثة 233ق.م – 211م ,وفي هذا العصر سادت الفلسفة السكوالئية( المدرسية) الرجعية وفلسفة بيرون وأبيقور وزينون وأفلوطين ,وقد انصب جل اهتمام الفلسفة في هذه الفترة على المسائل
األخالقية والعمليةالميتافيزيقية.
(ت) العصر الوسيط :ويبدأ من القديس أوغسطين 221-222في القرن الخامس وحتى القرن
الخامس عشر .وقد انشغلت الفلسفة في هذا العصر بالمسائل الدينية عبر السيطرة المطلقة للكنيسة في هذه المرحلة ,التي بدأت في التراجع ومن ثم اليقظة على يد روجر بيكون
( )0363 - 0331الذي هاجم الهوتيي عصره ,وحاول المزج بين الدين والعلم والعمل ,
ويعتبر رائد العلم التجريبي الحديث ,ثم تواصلت يقظة أوروبا على يد مارتن لوثر (-0212
)0229وكوبرنيكس( )0223-0272وجاليليو ( )0923 - 0292وميكافيللي (- 0296 )0237وجوردانو برونو( ...)0911-0221ويعتبر فالسفة اإلسالم ابتداء من الكندي
( )176-111والفارابي ( )621-171وابن سينا ( )0127-611وانتهاء بابن رشد(
)0061-0039رافداً من روافد هذا العصر.
(ث) عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حتى نهاية القرن الثامن عشر والدة هذا العصر لم تكن عملية سهلة ,قرون من المعاناة وتحوالت ثورية في االقتصاد والتجارة والزراعة
والمدن كانت بمثابة التجسيد لفكر النهضة واإلصالح الديني والتنوير...أبرز فالسفة هذا العصر
فرنسيس بيكون ()0939-0290ورينيه ديكارت ()0921-0269وتوماس هوبز(-0211
)0976واليبنتز
()0709-0929وباروخ
سبينو از()0977-0923وجون
لوك(-0923
)0712ثم فالسفة التنوير الفرنسي من أبرزهم :شارل مونتسكيو ( )0722-0916وفرانسوا
فولتير (0962م – 0771م) وجان جاك روسو ( )0771 – 0703وديني ديدرو ( 0702
..)0712 -واخي ار الفلسفة االلمانية وأبرز فالسفتها عمانويل كانط ( )0112 - 0732
وجورج ويلهلم فريدريك هيجل ( ) 0120 - 0771ولودفيج فيورباخ(. )0173-0112
22
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إلى جانب هؤالء ,برز العديد من الفالسفة في ألمانيا وأوروبا وأمريكا ,في القرن التاسع عشر ,
وهو القرن الذي تميز باالنصراف إلى الواقع المحسوس ذاته تحت تأثير العلم الطبيعي ,وظهور
الفلسفة الماركسية (ماركس ) 0112 – 0101التي توصلت إلى النتيجة القائلة بحتمية الثورة االجتماعية وضرورة توحيد حركة الطبقة العاملة.
ومن أبرز فالسفة هذا القرن ( )06الفيلسوف شوبنهور ( )0191-0711العالم عنده ارادة القوة
,ثم أوجست كونت ( )0127-0761وهو مؤسس الفلسفة الوضعية ,ثم هربرت سبنسر (-0131
)0612من مؤسسي المذهب الوضعي ,وموضوعه البرهنة على الطبيعة األبدية لل أرسمالية ,ثم
الفيلسوف األكثر تشاؤماً فريدريك نيتشه ( . )0611 – 0122
أما القرن العشرين ,فهو -حسب العديد من الفالسفة والمفكرين -عصر التحليل المنطقي للغة
الفلسفة والعلم على األكثر ,وانتشار الفلسفة البرجماتية ,ومن أهم فالسفتها وليم جيمس (-0123
, )0601ثم الفيلسوف جورج سنتيانا ( , )0623-0192ثم جون ديوي ( )0623-0126وهو مؤسس مدرسة شيكاغو الذرائعية ,ويعتبر من أهم المدافعين عن الليبرالية البرجوازية والفردية وحرية
السوق .
وفي هذا القرن ,تكرست وانتشرت الفلسفة الوضعية المنطقية إلى جانب الفلسفتين الوجودية
والماركسية في إطار الصراع بين النظامين الرأسمالي واالشتراكي ,والمعروف أن الفلسفة الوجودية
انقسمت إلى الوجودية المؤمنة التي عبر عنها الفيلسوف الدانمركي سورين كيركجورد (-0102
,)0122واأللماني كارل ياسبرز ( ,)0692-0112والوجودية اإللحادية التي عبر عنها األلماني مارتن هيدجر ( )0679-0116ويعتبره البعض من أهم فالسفة القرن العشرين ,فقد حاول هيدجر
في كتابه "الوجود والزمان" أن يحدد عالقة الوجود باإلنسان إنطالقاً من اإلنسان ,فهو لم يعترف أبداً إال بالوجود كمصدر وحيد لكل الحقائق عبر اإلنسان بالطبع ,شاركه في فلسفته هذه ,الفرنسي جان
بول سارتر ( ,)0611-0612وقد ظهر في هذا القرن عدد من الفالسفة الماديين الذين اسهموا في تطوير وتجديد ونقد الفلسفة الماركسية والتجربة السوفياتية ,من ابرزهم مدرسة فرنكفورت أصحاب
النظرية النقدية للماركسية (ماكس يوركهيمر " "0672-0162وتيودور أدورنو ""0696-0612
وهربرت ماركيوزة " "0671-0161وأريك فروم " ..."0611-0611وغيرهم) .وجورج لوكاتش
( )0670-0112وأنطونيو جرامشي ( )0627-0160وبول باران ( )3100 -0639ولوي ألتوسير ( )0661-0601ويورغن هابرماس ( ) -0636وظهور الفلسفات البنيوية والتفكيكية وما
يسمى بفلسفة ما بعد الحداثة والليبرالية الجديدة وصوالً إلى عصر العولمة ,ومن أبرزهم جيل دولوز
( )0662-0639و ميشيل فوكو ( )0612-0639وجاك دريدا من مواليد الجزائر ( ) - 0621و فيليكس غاتاري (توفي بداية التسعينات) .
23
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حول طبيعة التطور االجتماعي العربي املشوه ودور املثقف 2 / 3 / 3102
الثوري العضوي ..
ال جدال في ان المسار التاريخي والراهن لتطور مجتعاتنا العربية يختلف كليا عن المسار التطوري
االجتماعي االوروبي /الغربي الذي ال يصلح كأساس معياري للحكم على حركة وقوانين التطور في
المجتمعات المتخلفة كما هو حال بلداننا العربية حيث نالحظ أن الصراع الطبقي في بالدنا ليس صراعا حصريا بين البروليتاريا والبورجوازية كما هو في البلدان الصناعية ,بل هو صراع تختلط فيه العوامل
االقتصادية مع العوامل الدينية في اطار التشوه واختالط االنماط الطبقية القديمة والحديثة والمعاصرة
(النمط القبائلي وشبه االقطاعي والرأسمالي التابع والكومبرادوري).
-فالمجتمعات العربية ,ليست محكومه في تحوالتها بالمسار التطوري الغربي ,لذلك نجد العديد
من الباحثين يتحدثون عن "االقطاع الشرقي" والنموذج اآلسيوي ,واالقطاع القبلي ,واالقطاع العسكري والمجتمع المحكوم بالعالقات الرأسمالية المشوهه ..والمجتمع المتعدد االنماط ...الخ.
-ذلك ان "الطبقات الحديثة" في بالدنا ولدت من احضان التشكيالت والعالقات ما قبل الرأسمالية
دون ان تقطع مع القديم بل حملت في ثناياها مالمح القديم ومازالت ...وبالتالي لم تصل بعد الى
مرحلة الفرز الطبقي النهائي ,فال تزال العديد من الطبقات والفئات االجتماعية متداخلة ومتشابكة , وال تزال فئات واسعة من السكان في المجتمعات العربية ذات اوضاع اجتماعية انتقالية ولم يتحدد
انتماؤها الطبقي بصورة نهائية .
وهكذا يظل الهم النظري والسياسي في مجال تحديد وتوصيف الطابع العام للبنى االجتماعية
هماً أساسياً ...بالنسبة لتبلور البديل الشعبي الديمقراطي اليساري العربية ,وطبيعة العملية االنتقالية َّ
على المستوى األفقي لهذا المجتع العربي أو ذاك..األمر الذي يفسر ( في ظروف الحالة الثورية
العربية الراهنة) عزلة النخب اليسارية وعجزها الذاتي عن القراءة الموضوعية لهذا التشوه الطبقي
والتفاعل معه من منطلق وعي اليسار لدور المثقف الثوري الماركسي العضوى بالمعنيين الفردي
والجمعي( الحزب) وممارسة النضال الثوري "كبديل" للطبقة البروليتارية غير المتبلورة لمرحلة طويلة نسبيا من النضال السياسي واالجتماعي الديمقراطي..فهل تتعظ احزاب وفصائل اليسار وتنهض لكي
تتمكن من االندماج الحقيقي في اوساط الجماهير لمواصلة نضالها برؤية واضحة لتحقيق اهداف
الثورة الشعبية الديمقراطية بافاقها االشتراكية ؟؟؟
24
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
31 / 3 / 3102
طروحات يف الفلسفة
()0
إن الوظيفة الجوهرية لكل فكر أو فلسفة هي الكشف عن معضلة الواقع عبر نقدها نقدا واعيا ينفذ
إلى مكنوناتها ,لمعرفة قوانينها ..ومن ثم العمل على إزاحة المعضلة وتغيير الواقع ..من هنا فالحديث عن نهاية الفلسفة ,هو حديث عن نهاية الفكر ,ونهاية الوظيفة الجوهرية المرتبطة باستشراف المستقبل أو تحليل الواقع وتغييره ,وفي هذا السياق ,نقول ,إن الحديث عن نهاية الفلسفة قد الزم
تاريخها منذ بدايتها ,ويتواجد جنبا الى ...جنب مع الحديث عن البدايات ,إذن فكل حديث عن النهاية هو بداية لشيء ما ,وكل حديث عن البداية هو نهاية ألمر آخر ....أليس المفكر هو من يهوى صناعة السؤال وحرفة االستفهام؟ كذلك فن صناعة السؤال يستلزم اإلحاطة بالكثير من
األجوبة ...وهذه االحاطة آمل أن تكون متوفرة بالمعنى النسبي لدى رفاقي وأصدقائي من أجل تعميق
معارفهم في خدمة ممارساتهم من اجل التغيير ,فبقدر ما يتملك المرء من أجوبة ,كذلك يكون " قدر "
األسئلة التي يطرحها.
وفي كل األحوال ,فإن الفلسفة ال يمكن وال يتسنى لها أن تحقق معانيها وترسم معالمها إال برسم
التصور العام الذي تتموضع داخله األج ازء وتنسجم ,إن الفلسفة هنا إذن :تنظيم المعارف اإلنسانية
واكتشاف حركتها ونظامها ,بهذا فإن المعرفة العلمية نفسها هي موضوع للفلسفة وهكذا فإن أدوات العلم موضوع بحث بذاته من مواضيع الفلسفة وهذا يدخل في أقانيم البحث الفلسفي في إطار ما
يسمى علم القيم ( )AXIOLOGYوعلم المنهج ( )METHODOLOGYوعلم المعرفة
( )EPISTIMOLOGYالتي يفتقر إليها العلم.
إن كان بإمكان العلم أن يبحث في نتائج العمل فإن الفلسفة تبحث أيضا في غاياته وقيمه ,علم
المعرفة في ذاته يمثل فلسفة للعلوم ,فالعلوم مستقلة -نسبياً-عن بعضها بل والمباحث المتفرعة
داخل العلم الواحد كذلك ,واتجاه العلم كله نحو المزيد من التفكك بين المباحث وهذا كله يجعل العلم ونتاجه معا يبدو مفككا وغير مفهوم ,كيف يتحرك وكيف يتداخل نتاجه وكيف يعمل معا لخدمة
وتطوير االنسان ؟ فلسفة العلوم -ومنهجها المادي الجدلي -هنا هي المسؤولة عن تقييم هذا الكل
وانسجامه ,إنها تجعل الباحث أكثر وعيا بطبيعة العمل الذي يؤديه ودوره ومكانته منسجما مع فلسفة
العلوم بعامة ,وهي التي ترسم حدود المنهج وتحدد نوع وتوجه البحث العلمي واهدافه النهائية.
25
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كما تهتم الفلسفة ببحث الميتافيزيقيا أو الماورائيات ,فتحاول اإلجابة عن األسئلة المتعلقة بطبيعة
المادة والحياة والفكر وعالقة الروح بالجسد والكائن والموجود ..الخ .إن اإلنسان موجود ,بالتالي
الفلسفة هي محاولة لفهم منظم لهذا الوجود. ()3
الفلسفة ليست حب الحكمة فحسب ..إنها في المقام االول حب المعرفة ,وهي قبل كل شئ موقف
اإلنسان من الظواهر واألحداث السياسية واالجتماعية والطبيعية من حوله ..اإلنسان الحقيقي هو
الموقف ,اإلنسان الالمبالي ,إنسان ال يستحق االحترام ..من ناحية أخرى إن الموقف المقاوم للظلم الطبقي واالستبداد ومقاومة المحتل هو موقف واعي بشكل مسبق باألهداف التحررية والديمقراطية ..
وبدون ذلك الوعي ..في شكله العفوي أو الطليع...ي ال يتحقق رد الفعل المقاوم لالستبداد او
لالحتالل أو الظلم االجتماعي ..إن الوعي بالظلم االجتماعي وباالستغالل هو المقدمة الضرورية
لعملية التغيير االجتماعي ..إن كل أشكال هذا الوعي هي موقف فلسفي بشكل مباشر أو غير مباشر ,إن االلتحاق الطوعي في العمل الحزبي هو شكل متطور للموقف الفلسفي وانتقاله من شكله البسيط
إلى شكله وجوهره الطليعي ,هنا يتحول الوعي – عبر المعرفة – إلى اراده واعية من أجل التغيير
الثوري والديمقراطي. ()2
التعريف الذي نتوخاه للفلسفة يقول بأن الفلسفة هي مجموعة من النظرات الشاملة إلى العالم
والطبيعة والمجتمع واإلنسان عبر التالزم الجدلي بين العام والخاص .
• إنها مجمل اآلراء والتصورات عن القضايا العامة لتطور الوجود والوعي (عالقة الفكر بالوجود)
• هي شكل من أشكال الوعي االجتماعي (أشكال الوعي االجتماعي هي :العلم -الفلسفة -الفن -األخالق -السياسة -الدين كلها مترابطة عضوياً ).
هناك مستويين من الوعي االجتماعي :
-0مستوى عفوي -اعتيادي -3 .مستوى عميق – طليعي (أيديولوجي)
األول :المستوى العفوي (االعتيادي ):
أو السيكولوجي االجتماعي وهو يمثل وعي الناس لألحداث والوقائع والظواهر السطحية واالنفعاالت
واألمزجة ويرسخ في العادات والتقاليد واألعراف لدى جميع الفئات االجتماعية والطبقات واألمم ,هذا
المستوى يعبر عن العالقات والمصالح اليومية والقريبة للناس بارتباطها بالبعد التاريخي أو التراثي
المتراكم بكل معطياته السالبة واإليجابية .
الثاني :المستوى الطليعي (الثقافي االيديولوجي): 26
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ويعني تعمق الوعي بشكل نوعي في سبر أغوار الوجود االجتماعي ,فاأليديولوجيا تعكس الجوانب
الداخلية الهامة من الحياة االجتماعية -قوانينها وقواها االجتماعية المحركة ونزعات تطورها ,فالوعي
على المستوى األيدلوجي يعكس الوجود االجتماعي في النظريات واألفكار والمذاهب والمفاهيم وهو يصاغ بتفكير وترو عميقين من قبل ممثلين للطبقة المعنية ) إنهم إيديولوجيو الطبقة األكثر فعالية
وقدرة على " اإلبداع " بما يحقق نزوعهم نحو السيطرة أو األنعتاق).
أخي ار ..الفلسفة في رأينا هي أهم شكل من أشكال الوعي االجتماعي (تنعكس فيه حصيلة التقدم
العلمي واالجتماعي وكافة التناقضات االجتماعية ) إنها كما يقول ماركس زبدة عصرها الروحية وهي روح الثقافة الحية ,وبهذا المعنى ال يمكننا عزل الفلسفة عن معطيات التحرر الوطني والديمقراطي
النهضوي العربي ,كما اليمكن عزلها عن الواقع السياسي االجتماعي االقتصادي الذي نعيشه اليوم ,
ألن الترابط بين الفلسفة والسياسة والتاريخ أصبح حالة موضوعية في عصرنا الراهن على وجه
الخصوص . ()2
نشأة الفلسفة :
• نشأت الفلسفة القديمة وتطورت في ارتباط وثيق بالتصورات األسطورية والخيالية حول الوسط
المحيط باإلنسان ) أصل العالم نار -ماء-فراغ ) هيراقليطس -طاليس وغيرهم. *وجها الفلسفة :
الوجه المثالي ,والوجه المادي :
كل منهما يحاول اإلجابة عن المسألة األساسية في الفلسفة !!..
عالقة الفكر بالوجود أو عالقة الروح بالطبيعة … إنه السؤال الخالد أيهما أسبق إلى الوجود ؟ عبر اإلجابة على هذا السؤال يتحدد ...موقفنا مع المثالية أم مع المادية ومنهجها . *المفكر المادي :
هو الذي ينظر إلي العالم المحيط باإلنسان ) شمس ونجوم وأرض وبحار وكائنات حية ) على أنها
أشياء موجودة موضوعياً ,أي أنها غير مرهونة في وجودها بالوعي البشري ,من ناحية أخرى ترى
المادية أن العالم الموضوعي هو عالم سرمدي ,غير مخلوق وأنه هو علة وجود الوعي ,ال العكس )
أي أنه سبب الوعي).
* المفكر المثالي :
يقول بأن الوعي ) أو الفكر أو الروح أو اإلله الفرق ) هو األسبق على الوجود .إنه ينكر أن
يكون وعي الناس انعكاساً للواقع الموضوعي ).مثالية ذاتية ,وموضوعية ) .بالرغم من موضوعية 27
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الرؤية المادية للعالم ,إال أننا ال ندعو إلي الوقوف أمام هذه المسألة التي قد تثير كثي ارً من الجدل و التساؤالت والخالفات دون أي طائل في هذه المرحلة بالذات ,نحن مع المنهج العلمي الجدلي ومع الموقف الموضوعي تجاه كل ما تتعرض له مجتمعاتنا العربية في كل جوانبها الحياتية من أجل
الوصول عبر هذا المنهج إلي المواقف والتطبيقات التي نتطلع إليها فيما يتعلق بالتحرر السياسي
واالقتصادي والعدالة االجتماعية والديمقراطية والنهوض بإعتبار هذه القضايا إطارنا العملي المباشر في مواجهة الواقع من حولنا وفي تطبيق وعينا الفلسفي أو المنهجي أو السياسي على هذا الواقع ,
هذا هو المقياس . ()2
الفلسفة القديمة...............
لم يكن عفوياً اختياري لتعبير " الفلسفة القديمة " بدالً من " الفلسفة االغريقية " ,ألن قبولنا بما
تطرحه العديد من المراجع والكتب الفلسفية الغربية بالنسبة للفلسفة االغريقية بإعتبارها االطار األول
والوحيد للمعارف الفلسفية في التاريخ القديم ,اليعني فقط شطب الدور الذي لعبته الفلسفة الشرقية في
بالدنا في تلك المرحلة وانما اسقاط هذا الموقف العنصري من أجل تثبيت مفهوم مركزية الحضارة
الغربية في الوضع الدولي المعولم الراهن على حساب الفلسفة والحضارة الشرقية القديمة عموماً وشطب كل مايمثله الشرق من دور معرفي وفلسفي في الماضي ,وتأثيره في الحضارة الغربية ,وتقييد
حركة تطوره وآفاقه المستقبلية بما يخدم فقط الحضارة الغربية واستمرار هيمنتها على مقدرات وطننا
العربي في القرن 30عبر كافة الوسائل المادية والمعرفية .
وفي مواجهة مواقف وأساليب "الحضارة الغربية " المعاصرة ,تتبدى أهمية رؤيتنا الواعية
والموضوعية في آن واحد للفلسفة القديمة التي تقوم على تخطئة المزاعم القائلة ان الفلسفة الشرقية
ليس لها دور هام في تطور المعرفة البشرية من جهة ,والعمل على تفعيل دورنا في نفي مقولة "
العقلية الغربية والعقلية الشرقية " والتناقض الدائم بينهما من جهة اخرى ,وصوالً الى التصدي
للنزعات الفكرية العنصرية الراهنة التي تؤكد على مقولة " مركزية الحضارة الغربية في الفلسفة
العالمية المعاصرة " بإعتبار ان هذا العصر هو عصر "نهاية االيديولوجياً".
كان البد لهذه المقدمة /المدخل لموضوعنا ,التي تتوافق -في تقديرنا -مع مقولة ماركس في ان
" الحاضر هو الذي يملك مفتاح الماضي وليس العكس " . ()9
الفلسفة اليونانية (االغريقية) القديمة......
برزت الفلسفه اليونانيه في القرنين السادس والخامس ق.م و إستمرت حتى القرن الرابع ق.م ثم
برزت بعدها الفلسفه الرومانيه في أواخر القرن الثاني ق.م حتي القرن السادس الميالدي ". 28
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إن افضليه الفلسفه االغريقيه إنها كانت الرائده في تحرير الفكر عبر تساؤالتها عن طبيعه الوقع وحقيقه العقل و العديد من القضايا ذات الطابع المعرفي الشمولي ,و بقدر ماكانت عظم...ة االغريق
قائمه على ضوء الفكر ,إستندت روما -التي وضعت فلسفه موازيه للفلسفه اليونانيه الى " عظمة
القوة ".
ف ي تعرضنا للفلسفه اليونانيه يبرز كل من افالطون و ارسطو كمحور اساسي لهذه الفلسفه ,
آخذين باالعتبار و التقدير دور العديد من الفالسفه االغريق الذين وضعوا االسس التي إنطلق منها
كل من افالطون و ارسطو ,من هؤالء " طاليس " الذي قال إن جميع الموجودات صدرت عن ماده
رطبه (الماء البارد ) ,وتلميذه " انا كسمندر " الذي كان ماديا إهتم بحقائق الكون وأصل الحياه ,ثم فيتاغورث -المولود في إيطاليا (211-211ق.م ) الذي آمن بتناسخ االرواح ,و إشتغل بالحساب و الهندسه ,و هو القائل بان " هذا العالم كرة ناريه حيه " و هيراقليطس " ذلك الفيلسوف المادي الذي
اعلن ان " بداية هذا الكون من النار وان هذا العالم سيظل نا ارً حيه تنطفئ بمقدار و تشتعل بمقدار " و" انا كساغور" الذي قال "ان الشمس جسم مادي و أن العالم يتألف من عدد ال متناه من الدقائق الصغيره و ان الحياه عمليه دائمه و متصله و مستمره " ,إتهمه" ديمقراطيو اثينا االرستقراطيين
بااللحاد و طردوه منها ,بعد ذلك برزت"السفسطائيه" كظاهرة فلسفيه لعصر ديمقراطية العبيد في اثينا ,
حيث كان االنسان عند السفسطائيين" معيار األشياء جميعاً ,وشككوا في التصورات الدينية " ثم "
ديمقريطس " الفيلسوف المادي الذي قال " ليس في هذا العالم اال الخالء والذرات تتألف منها كل
الموجودات " ,وارجع ظهور الكائنات الحية الى الظروف الطبيعية عبر توحد الذرات ,كان نصي ارً للديمقراطية العبودية ,بعكس " سقراط " رائد الفلسفة االرستقراطية النخبوية الذي وقف بعناد ضد
الديمقراطية في اثينا بإعتبار انها تؤدي -كما يقول -الى الفوضى عبر تحكيم الجماهير الدهماء في
هذه العملية ,ونتيجة موقفه حكم بالموت رافضاً طلب الرحمة من الجماهير ,من أهم اقواله " أي شيء اشد سخرية من هذه الديمقراطية التي تقودها الجماهير التي تسوقها العاطفة " اليس من الغرابة
ان يحل مجرد العدد محل الحكمة " ,وجاء افالطون ( 227-237ق.م ) من بعده كتلميذ نجيب ألستاذه ليستكمل الرسالة في العداء للديمقراطيه وفق اسس مغايره ,انه فيلسوف الفرديه االرستقراطيه
الذي نشأ في جو ارستقراطي مريح .
" ان التغير عند افالطون معناه االضمحالل ,بينما الكمال معناه انعدام التطور " لقد اراد مجتمعاً
ثابتا (اسبرطيا ال يتحرك بالديمقراطيه كما في اثينا ) يتولى ادارته نخبه مختارة من االرستقراط الذين يمتلكون القدره على التفكير و التأمل لالشراف على ضبط "المجتمع الثابت " الذي يجب ان تقتلع منه
تلك القوى التى تعمل من اجل التغيير ,هذه االفكار طبقتها االرستقراطيه االوروبية فيما بعد طوال
اكثر من الف عام تحت راية الكنيسة او النخبة الالهوتيه ,وهذه االفكار موجودة نسبيا في تراثنا
العربي حيث نالحظ تعايش الوعي العفوي مع مفهوم "حالة الثبات " عبر امثلة كثيرة منها " الذي ينظر 29
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الى اعلى تقطع رقبته " و " العين ال تعلو على الحاجب " و العديد من االمثال التي تدعو الى تكريس حالة الثبات ضد التغير . ()7
فلسفة العصر االقطاعي ...............
• ظهرت هذه الفلسفة بعد استقرار وتفعيل دور الكنيسة في الغرب خالل القرنين الثاني والثالث
الميالديين ,وتعاظمت هيمنتها في القرن السادس بعد الغاء االفالطونية واعالن المسيحية دين الدولة
الرسمي عام 236م (يوستينيانوس).
• هيمنت االيديولوجية الدينية على الحياة الفكرية في هذا العصر حيث تحولت الفلسفة الى خادمة
لالهوت عبر طابعها الرجعي التصوفي وكان مبررها ان الحكمة والمع...رفة تتم فقط عبر الوجد الصوفي ورفض التجربة او طريق العقل ,لقد انحطت الفلسفة في هذا العصر الى درك التصوف
والسحر واالساطير ,وارتدى صراع الطبقات فيه شكل خافت من الصراع الديني.
ابرز فالسفة هذا العصر :افلوطين )371-312م) الذي قال ان التطور يبدأ بااللهي الذي ال
يمكن االحاطة به ويجب االيمان به .
اوغسطين(221-222م) الذي تأثر باالفالطونية الجديدة ( التي وضع اسسها افالطون) واعتنق
المسيحية فيما بعد ,من اقواله "االنسان يملك الحرية ولكن كل ما يفعله بارادة مسبقة من اهلل" الحياة
الدنيوية سقوط وانفصال عن اال زلي واتصال بالناقص الجزئي" " اننا نعرف اهلل ال بالتفكير بل
باالعراض عن التفكير" ,هذه المواقف تم تطبيقها عمليا في هذا العصر بما يخدم الكنيسة واالمراء ,
بحيث تحولت الفلسفة الى "علم" جنوني بالغيب وامتزاج االيمان بالسحر.
بعد ذلك ظهرت الفلسفة السكوالئية )المدرسية )scholasticismخالل القرنين الثاني عشر
والثالث عشر المتأثرة باالفالطونية المحدثة ومثلت التيار الرئيسي في فلسفة المجتمع االقطاعي ,كان
السكوالئيون أعضاء مؤثرين في الرهبنة المسيحية وكانوا اعضاء في محاكم التفتيش ,من اهم
مفكري هذا التيار توما االكويني (0372-0332م( الذي خاض صراعا حادا ضد الرشدية حينما كان
أستاذا في جامعة باريس ,قال ان االيمان والعقل يشكالن وحدة منسجمة وال يختلفان بعكس ابن رشد,
"الصورة عند توما األكويني توجد بدون المادة ,اما المادة فال يمكن ان توجد بدون الصورة (بدون
اهلل) ,وان الوحي اإللهي ال يتضمن أي خطأ وفي حالة وجود التناقض فان المخطىء هو العقل ال االيمان او الفلسفة ال الالهوت وان الحاكم يجب ان يخضع للسلطة الروحية التي يقف على رأسها
المسيح في السماء والكنيسة على األرض " لقد كانت "التوماوية" بمثابة المرتكز الفكري للكنيسة
الكاثوليكية المهيمنة على عقول الناس في ذلك العصر.
31
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
()1
مجابهة الفلسفة االقطاعية...............
بدأت المجابهة عبر عدد من المفكرين كان من أبرزهم العالم الفيلسوف روجر بيكون ( -0302
0362م) .؛ الذي طرح فك ارً نقدياً " للفلسفة االقطاعية عبر إعالنه أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب
إزالة العوائق التي تعترض المعرفة " وأهم هذه العوائق عند بيكون :رواسب الجهل وقوة العادة والتبجيل المفرط لمفكري الماضي ,وأن أفكارنا الصحيحة يجب أن تثبت بالتجربة " .
لقد كانت هذه اآلراء الم...عول األول في هدم المعطيات الفكرية لهذا العصر بالرغم من أنها كانت
سبباً في سجنه ,وكانت أيضاً أحد مقومات المذهب البروتستنطي الذي يرفض القديسين والعذراء والمالئكة الموجودة لدى الكاثوليك واألرثوذكس ,حيث أكد أصحاب هذا المذهب أن " النعمة اإللهية
تصل إلى اإلنسان من عند اهلل دون وساطة الكنيسة " هذا الموقف جعل من الكنيسة والبابا – فيما
بعد -شيئاً شكلياً وساهم في تحرير اإلنسان من األغالل الفكرية للعصر اإلقطاعي .
إن المغزى الذي ندعو إلى استخالصه من هذا االستعراض لبعض جوانب الفلسفة عموماً وفي
العصر اإلقطاعي على وجه الخصوص يكمن في امكانية توفير بعض المقومات الفكرية الالزمة لعقد
المقارنة الموضوعية لبعض أوجه السمات الفكرية والثقافية واالجتماعية المتردية في وطننا العربي التي تتقاطع أو تتشابه في جوهرها أو في نتائجها مع المقومات الفلسفية والفكرية واالجتماعية التي
عرفتها أوروبا في العصر اإلقطاعي ,الذي تميزت فلسفته بأنها: .0
انطلقت من فرضيات مذهبية جامدة ال يمكن إثباتها بالتجربة أو بالمالحظة .
.2
لم تتطلع إلى البحث عن الحقيقة ,فقد كان هم معظم المفكرين في هذه المرحلة إثبات
.3
لم تهتم بالعلوم أو الوقائع الحياتية .
صحة العقائد الدينية لتثبيت مصالح ملوك أوروبا والكنيسة ورموز اإلقطاع .
زج في إطار النتيجة المسلم بها ,وكان إن الفكر اإلقطاعي لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بل َ البد للفلسفة القائمة على مثل هذه األسس أن تسير في درب االنحطاط في ظروف بدأ فيها يتعزز
العلم ليتحول إلى ميدان بحث مستقل نسبياً ,وهذا ما حدث عندما بدأ أسلوب اإلنتاج الجديد يتشكل في
أحشاء المجتمع اإلقطاعي مفسحاً الطريق لعصر النهضة وللديمقراطية البرجوازية بعد أن تم كسر هيمنة الكنيسة على عقول الناس. ()6
المذاهب والفلسفة اإلسالمية ..................
مارس المفكرون اإلسالميون نوعاً شجاعاً من االجتهاد على نطاق واسع خالل القرون األولى
للحضارة العربية اإلسالمية ,وكان من نتيجة هذا االجتهاد بروز المذاهب التي يتوزع المسلمون بينها 30
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إلى يومنا هذا ,ومن المعروف أن االجتهاد قد توقف منذ القرن الرابع عشر الميالدي تقريباً ,أو ما يمكن أن نطلق عليه حالة االنقطاع الفكري ,حيث تجمد الفكر في مدارس المذاهب المذكورة وضاق...
هامش التفسير الحر للشريعة ,فلم يعد من الممكن الخروج عن حدود المذاهب المعترف بها ,وفي
هذا السياق ,يقول د.الجابري في كتابه الهام " تكوين العقل العربي " ,إن " الثقافة العربية االسالمية
تنقسم إلى ثالث مجموعات .0 :علوم البيان من فقه ونحو وبالغة –
.3علوم العرفان من
تصوف وفكر شيعي وفلسفة وطبابه وفلك وسحر وتنجيم – .2علوم البرهان من منطق ورياضيات
وميتافيزيقيا .ويتوصل إلى أن الحضارة االسالمية هي حضارة فقه ,في مقابل الحضارة اليونانية التي كانت حضارة فلسفة ,لقد تجمدت الحضارة العربية عند الفلسفة اليونانية ,وغاب عنها العنصر
المحرك :التجربة ,بعد أن غلب عليها الالهوت أو علوم العرفان أو الالمعقول " .ثم يستطرد د.الجابري بالقول " إن العقل البياني العربي اليقبل بطبيعته التجربة ألنه يحتقر المعرفة الحسية ويترفع عن التجربة ويتعامل مع النصوص أكثر من تعامله مع الطبيعة وظواهرها ,ويعود السبب في ذلك كما يقول إلى "أن الفلسفة اليونانية التي أخذها العرب عن اإلغريق كانت فلسفة تؤكد على مجتمع السادة
والعبيد ,والتؤمن بالتجربة ألنها من أعمال العبيد ) وكذلك جميع الحرف ) ,أما السادة فهم من نوع "
أعلى "ومهامهم تنحصر في التفكير والنظر وانتاج الخطاب " وكانت المحصلة أن "إنجازات العرب في
اللغة والفقه والتشريع شكلت قيوداً للعقل الذي أصبح سجين هذا البناء من الركود والتخلف" وهي قيود يتم اآلن اعادة صياغتها في مشهد االسالم السياسي الراهن. ( ) 01
المذاهب الفكرية اإلسالمية......
-0كانت البداية في بروز "جماعة الخوارج" التي نشأت عام ( 27هجري 927م).
وعرف عنها العداء الشديد لعثمان بن عفان في أواخر سنوات حكمه؛ إن البدايات األولى للخوارج تعود إلى جماعة " القُ ارَّء) " حفظة القرآن ) الذين تميزوا بالزهد والتنسك ,وكانوا "علماء" األمة قبل أن تعرف الحياة الفكرية " الفقه " والفقهاء ,رفضوا التحكيم بين علي ومعاوية وطالبوا علي بقتال
معاوية.
لخص الخوارج موقفهم من نظام الحكم بأن " السلطة العليا للدولة هي اإلمامة والخالفة" وقرروا أن َ المسلم الذي تتوفر فيه شروط اإلمامة له الحق أن يتوالها بصرف النظر عن نسبه وجنسه ولونه ) ,
ليس شرطاً عندهم النسب القرشي أو العربي لمن يتولى منصب اإلمام ).
أجمعوا على أن الثورة تكون واجبة على أئمة الفسق والجور إذا بلغ عدد المنكرين على أئمة
الجور أربعين رجالً فأكثر.
32
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
انقسم الخوارج إلى عدة جماعات هي :األ زارقة _ النجدات _ الصفرية _ األباضية وهذه األخيرة ال
تزال إلى يومنا هذا في ُعمان ومسقط وشرق أفريقيا وأجزاء من المغرب وتونس وهم أقرب إلى السنة وأكثر الفرق اعتداال. -3جماعة المرجئة:
وهي من األرجاء ,بمعنى التأجيل ,وهذا المصطلح قد عنى في الفكر اإلسالمي ,الفصل بين اإليمان
باعتباره تصديقاً قلبياً ويقينياً داخلياً غير منظور؛ وبين العمل باعتباره نشاطاً وممارسة ظاهرية قد تترجم أو ال تترجم عما بالقلب من إيمان ,وخالصة قولهم أن اإليمان هو المعرفة باهلل ورسله وما جاء
من عنده ,وما عدا ذلك ليس من اإليمان ,وال يضر هذا اإليمان ما يعلن صاحبه حتى لو أعلن الكفر
وعبد األوثان؛ فما دام العمل ال يترجم بالضرورة عن مكنون العقيدة فال سبيل إذاً للحكم على المعتقدات ,وما علينا إال أن نرجئ الحكم على اإليمان إلى يوم الحساب ,وتلك هي مهمة الخالق
وحده وليست مهمة أحد المخلوقين في الحياة الدنيا.
وفي هذا السياق نشير إلى أن الدولة األموية ( 990م 721 _ .م ) .أشاعت في الحياة الفكرية
آنذاك عقيدتي " الجبر واألرجاء " تبرر باألولى مظالمها وما أحدثته من تحول بالسلطة السياسية , خاصة استبدال الخالفة الشورية بالملك الوراثي ,وتحاول أن تفلت بالثانية _ اإلرجاء _ من إدانة
المعارضة وحكمها على إيمان هذه الدولة وعقيدة حكامها بعد أن ارتكبت تلك المظالم. -2المعتزلة:
جذورهم تعود إلى تيار أهل العدل والتوحيد الذي كان من أبرز قادته الحسن البصري المعروف
بعدائه للنظام األموي ,تصدى هذا التيار لعقيدة " الجبر /التي أظهرها األمويون " وعارضها بإظهار
موقف اإلسالم المنحاز إلى حرية اإلنسان واختياره وقدرته ,ومن ثم مسئوليته عن أفعاله ,ثم جاء "
واصل بن عطاء " الذي حدد األصول الفكرية الخمسة للمعتزلة وهي :العدل _ التوحيد_ الوعد
والوعيد_ المنزلة بين المنزلتين_ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لقد كانت المعتزلة من أصدق الفرق في اإلسالم الذين جمعوا بين النص والممارسة في موضوع
األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكانوا ضد األشعري الذي قال " :إن السيف باطل ولو قتلت
الرجال وسبيت الذرية ,وأن اإلمام قد يكون عادالً أو غير عادل وليس لنا إزالته حتى وان كان فاسقاً؛ كما كانوا نقيضاً أيضاً ألحمد بن حنبل الذي يقول " :إن من غلب بالسيف حتى صار خليفة ,وسمي
أمير المؤمنين فال يحل ألحد يؤمن باهلل أن يبيت وال يراه إماماً عليه ,ب ارً كان أو فاج ارً ,فهو أمير
المؤمنين )وهناك قول ألحد أئمة ذلك العصر يسندوه ظلماً ألبي حنيفه ينص على أن " ستون عاماً في ظل حاكم ظالم لهي أفضل من ليلة واحدة دون حاكم " . 33
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اختلف المعتزلة عن السنة في عرضهم لألدلة ,فهي عند أهل السنة ثالثة :الكتاب _ السنة _
اإلجماع ؛ بينما هي أربعة عند المعتزلة يضيفون العقل إلى هذه األدلة الثالثة ويقدمونه عليها جميعاً,
بل يرون أن العقل هو األصل فيها جميعاً ,وكان طبيعياً أن يقدموا العقل في أمور الدنيا كما قدموه في أمور الدين وجعلوه حاكماً تعرض عليه المأثورات كي يفصل في صحتها رواية وداللة .
كان العصر الذهبي للمعتزلة هو عصر المأمون من( 102م 122 _ .م ) .والمعتصم (122م_.
123م ).والواثق ( 123م 127 _ .م ( .وبموت هذا األخير انتهى عصر المعتزلة وحصل االنقالب ضدهم وضد نزعتهم العقالنية على يد المتوكل ( 127م 190 _ .م ( .حيث اقتلعوا من مناصبهم
وأبعدوا عن التأثير الفكري وزج بالكثير من أعالمهم في السجون ,وأبيدت آرائهم ,وتقلص سلطان
العقل على الحياة الفكرية والعامة وساد الظالم وتعطل التطور. ( ) 00
الشيعة...................
وهي تعني لغوياً األنصار أو األعوان ,أما في إطار الفكر اإلسالمي فقد غلب هذا المصطلح "
الشيعة " على الذين شايعواً وناصروا علي بن أبي طالب ( 911م 990 _ .م ).واألئمة من بنيه .
وأهم ما يميز الشيعة ,نظرية " النص والوصية " أي النص على أن اإلمام بعد الرسول هو علي
بن أبي طالب ,الوصية من الرسول _ بأمر اهلل _ لعلي باإلمامة ,وكذلك تسلسل النص والوصية
باإلمامة لألئمة من بني علي ...,و صاحب هذه النظرية " النص والوصية " هو هشام بن الحكم _
توفي ( سنة 112م(؛ والشيعة تنقسم إلى عدة تيارات ,لكن التيارات الرئيسة ظلت هي : أ.
اإلمامية اإلثني عشرية
ب .الزيدية
ت .اإلسماعيلية
وقد سميت اإلثنى عشرية ألن سلسلة األئمة عندهم توقفت عند اإلمام الثاني عشر ) أبو القاسم )
من أحفاد علي بن أبي طالب المولود ( عام 329هـ 171 ,م ).والذي ما زال غائباً في اعتقاد
الشيعة اإلثنى عشرية ) اإلمام الغائب أو المهدي ) وهم في انتظار عودته ,وفي هذا السياق نورد هنا
الموقف الديني السياسي الحالي للنظرية الشيعية في إيران بعد الثورة اإلسالمية والذي يستند على " أن الفكر الشيعي يجعل للرسول كل ما هلل في سياسة المجتمع وعقيدة أهله ,وبعد الرسول أصبح كل
ما له لإلمام ,وبعد غيبة اإلمام فإن كل ما لإلمام _ الذي هو كل ما هلل وللرسول _ هو للفقيه أو آية
اهلل الذي يقع عليه اإلجماع ,وهذا ما يسمى في الفكر الشيعي السياسي " والية الفقيه" .وهنا تتجلى نظرتهم الميتافيزيقية الغيبية النقيضة للرؤى العقالنية .
34
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
()03
اخوان الصفا:
في كتاب " تاريخ الفلسفة " يشار إلى إخوان الصفا على أنهم " جماعة سرية ظهرت في البصرة
في النصف الثاني من القرن العاشر الميالدي " ألف اإلخوان إحدى وخمسون رسالة جمعوا فيها
معلومات عصرهم في الرياضة والمنطق ,والعلوم الطبيعية ,وما وراء الطبيعة ,والتصوف والسحر
وعلم النجوم ؛ يرى " إخوان الصفا " أن تحصيل المعرفة اإلنسانية يتم بثالث طرق هي : .0
أعضاء الحواس
.2
الحدس
.3
العقل
كانوا من أنصار توحيد جميع األديان والمذاهب الفلسفية على أساس من المعارف العلمية
والفلسفية التي تُخلِّص الدين من األوهام والخرافات ,ومن أجل بلوغ الكمال يجب الجمع بين الفلسفة
اليونانية والشريعة اإلسالمية .
اتخذوا البصرة مق ارً لهم ولم يعلنوا عن أسمائهم خوفاً من اتهامهم بالزندقة واإللحاد ,ومن أقوالهم
كما يوردها مؤلفا كتاب " الفلسفة اإلسالمية " السابق ذكره أن :هذه الجماعة قد تآلفت بالعشرة
قربوا به الطريق وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة بينهم مذهباً أروا أنهم َّ إلى الفوز برضى الخالق وقاموا بإنشاء " هيئة علمية وأخالقية " تتعاون على نشر الثقافة العالية من
اآللهيات والرياضيات والطبيعيات " .
عملوا على أن " تتفوق العالقة بينهم لتكون أقوى من عالقة األب بابنه واألخ بأخيه ,مزجوا
اآليات القرآنية بمذهبهم ترغيباً للشباب في اإلقبال على هذه التعاليم ,القت تعاليمهم اهتماماً لدى
المعتزلة الذين تداولوها س ارً ,ترجمت رسائل إخوان الصفا إلى الالتينية واأللمانية وكان لها قيمة هامة في أوربا حسب ما يؤكد عدد من الكتاب والمفكرين. ( ) 02
الفلسفة اإلسالمية :
تميزت الفلسفة اإلسالمية عبر رموزها من الفالسفة المسلمين بغض النظر عن أصولهم عرباً أو
فرساً بآليات ذهنية أو عقلية مشتركة في الجوهر بالرغم من اختالفها في االجتهاد ,هذه اآلليات
يجملها لنا د.نصر حامد أبو زيد[ ]0فيما يلي:
.0التوحيد بين " الفكر " و " الدين " .
بردِّها جميعاً إلى مبدأ أول أو علة أولى ,تستوي في ذلك الظواهر .3تفسير الظواهر كلها َ االجتماعية أو الطبيعية . 35
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
.2االعتماد على سلطة " السلف أو التراث " وذلك بعد تحويل النصوص التراثية _ وهي نصوص ثانوية _ إلى نصوص أولية ,تتمتع بقدر هائل من القداسة ال تقل _ في كثير
من األحوال _ عن النصوص األصلية .
.2اليقين الذهني والحسم الفكري " القطعي " ورفض أي خالف فكري _ من ثم _ إالَ إذا كان في الفروع والتفاصيل دون األسس واألصول .
.2إهدار البعد التاريخي _ ( في شكله الحاضر ) _ وتجاهله ,ويتجلى هذا في البكاء على
الماضي يستوي في ذلك العصر الذهبي للخالفة الرشيدية وعصر الخالفة التركية
العثمانية.
من كل ما تقدم ,فانني اطمح االسهام في الجهد الفكري التنويري الثوري الهادف الى تجسيد
الرؤي والتفكير العقالني في تراثنا العربي ,وربطه باطار التفكير العقالني التنويري الحديث والمعاصر
بهدف إحياء الجوانب اإليجابية في هذا التراث
وتسخيرها في خدمة التطور الديمقراطي النهضوي
الثوري ,الوطني والقومي العربي في مجابهة كل اشكال ومظاهر التخلف والتبعية واالستبداد التي
تغذيها القوى اليمينية الليبرالية الرثة وقوى االسالم السياسي .
[ ]0قضايا فكرية-دراسة بعنوان الخطاب الدينى المعاصر-عدد خاص عن التيارات الدينية –ص.22
36
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حىت نهاية 32 / 3 / 3102
القرن الثامن عشر
في سياق انتقال مجتمع أوروبا الغربية من النمط الزراعي اإلقطاعي محدود األفق إلى النمط الجديد
الصناعي الرأسمالي بآفاقه المفتوحة ,وعبر صراع وتناقض نوعي متعدد الجوانب االقتصادية
واالجتماعية والفكرية والسياسية ,بدأت تراكماته األولى في القرنين الخامس عشر والسادس عشر .
في هذا السياق تولدت المفاهيم واألفكار والمدارس الفلسفية معلنة بداية عصر جديد للبشرية ,
عصر النهضة والتنوير .لكن والدة هذا العصر لم تكن عملية سهلة في المكان أو الزمان ولم تتم أو تظهر معالمها دفعة واحدة ,أو اتخذت شكل القطع منذ اللحظة األولى مع النظام أو الحامل
االجتماعي القديم ,إذ أن هذا االنقطاع لم يأخذ أبعاده في االنفصام التاريخي بين العصر اإلقطاعي
القديم وعصر النهضة والتنوير الجديد إالَ بعد أربع قرون من المعاناة شهدت تراكماً مادياً وفكرياً هائالً من جهة ,وتحوالت ثورية في االقتصاد والتجارة والزراعة والمدن كانت بمثابة التجسيد لفكر النهضة
واإلصالح الديني والتنوير من جهة والتالحم مع هذه المنظومة الفكرية الجديدة من جهة أخرى ,
تمهيداً للثورات السياسية البرجوازية التي أنجزت كثي ارً من المهمات الديمقراطية لمجتمعات أوروبا الغربية في هولندا في مطلع القرن السابع عشر ,وفي بريطانيا من , 0911_ 0920ثم الثورة
الفرنسية الكبرى ,0102 _ 0716والثورة األلمانية في منتصف القرن التاسع عشر .
لقد كان نجاح هذه الثورات بمثابة اإلعالن الحقيقي لميالد عصر النهضة والتنوير أو عصر
الحداثة ففي هذا العصر انتقلت أوروبا الغربية من مجتمع الطبيعة المحكوم بنظرية الحق اإللهي إلى
المجتمع المدني ,مجتمع الديمقراطية والثورة العلمية الكبرى التي أحدثت زل از ًال في الفكر األوروبي
الحديث كان من نتائجه الرئيسية " انتقال موضوع الفلسفة من العالقة بين اهلل والعالم ,إلى العالقة بين اإلنسان والعالم وبين العقل والمادة .والسؤال ..ما هي المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو والدة عصر النهضة ؟
المقدمات األولى أو المرحلة االنتقالية نحو أسلوب اإلنتاج الرأسمالي _:
قلنا ان الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( اإلقطاعية ) لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بما
يدفع نحو االنتقال من حالة الجمود أو الثبات إلى حالة النهوض والحركة الصاعدة ,ولم تسفر تلك
المرحلة ( التي ما زلنا نعاني من رواسبها في وطننا العربي حتى اللحظة ) عن نتائج إيجابية تذكر سواء في الفلسفة أو في العلم ,ذلك أن "المفكرين" لم يتطلعوا إلى البحث عن الحقيقة بل عن وسائل
البرهان على صحة العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبالء اإلقطاعيين ورجال الدين . 37
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كان البد لهذه الفلسفة القائمة على مثل هذه األسس أن تسير في درب االنحطاط في ظروف بدأ
فيها يتعزز العلم مع بدايات تشكل أسلوب أو نمط اإلنتاج الجديد في أحشاء المجتمع اإلقطاعي ما
بين القرنين الرابع والخامس عشر .
كان بداية ذلك التشكل عبر إطارين كان البد من والدتهما مع اقتراب نهاية تلك المرحلة وهما :
إطار التعاونيات ,واطار المانيفاكتوره التي كانت البدايات التمهيدية نحو والدة المجتمع الرأسمالي حيث ظهرت المانيفاكتورات في المدن اإليطالية أوالً ثم انتقلت إلى باقي المدن األوروبية .
في هذه المرحلة االنتقالية ,نالحظ تطو ارً ونمواً للمدن وظهور التجار والصناعيين وأصحاب
البنوك ,واالكتشافات التكنيكية المغازل اآللية – دواليب المياه – األفران العالية ودورها في صناعة التعدين واختراع األسلحة النارية والبارود والطباعة في أواسط القرن الخامس عشر .
فيما بعد تم إحراز نجاحات أخرى عززت تطور أسلوب اإلنتاج ال أرسمالي الصاعد والمنتشر في
أوروبا ,وارتبطت هذه النجاحات بعناوين كثيرة ضمن محورين أساسيين :
.0الكشوفات الجغرافية مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر ,خصوصاً اكتشاف أميركا والطريق البحري إلى الهند ورحلة " ماجالن " حول األرض وبالتالي إرساء أسس التجارة
العالمية الالحقة.
.3ترافق كل ذلك مع تغيرات ثقافية وفكرية رحبة كسرت الجمود الفكري الالهوتي السائد ,وأدت إلى " تهاوي استبداد الكنيسة في عقول الناس " واخفاق وتراجع نفوذ الكنيسة االقتصادي والسياسي ,وظهور مجموعات من المثقفين البرجوازيين قطعوا كل صلة لهم بالكنيسة والالهوت الديني المذهبي ,وارتبطوا مباشرة بالعلم والفن ,وقد سمي هؤالء بأصحاب النزعة
اإلنسانية " ( ," HUMANISMوهو مصطلح نورده هنا ألهميته إذ أنه دل آنذاك على الثقافة الزمنية في مواجهة الثقافة الالهوتية أو السكوالئية الرجعية ) وقد أخذ هؤالء المثقفون من أصحاب النزعة اإلنسانية على عاتقهم معارضة ونقض المفاهيم والعلوم الدينية الكنيسية عبر
نشر علومهم الدنيوية التي كانت بالفعل أقرب إلى التعبير عن مزاج البرجوازية الصاعدة
آنذاك.
إن المسألة المركزية هنا التي نلفت االنتباه إليها ,هي أن هذا العصر سمي عصر البعث َ renaissanceالذي تولت قيادته ووجهت مساره الطبقة البرجوازية الصاعدة آنذاك . وفي ظل هذا الوضع _ كما يقول المفكر العربي سعيد بن سعيد العلوي _ كان من "الطبيعي" أن
تسعى البرجوازية الصاعدة بعد أن امتلكت مقومات الوجود االجتماعي والسياسي إلى نشر ما تؤمن به من قيم ومعتقدات وآراء وأفكار في كافة مجاالت العلوم والمعارف الجديدة ,حيث وجد الفكر الفلسفي
العقالني وفكر التنوير عموماً عند هذه الطبقة الرعاية والتشجيع ,ساعدها على العمل واإلنتاج من جهة ,وأوجد لها التبرير الكامل بالمطالب الكبرى لها -كطبقة صاعدة -في المساواة في الحقوق 38
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والحرية في اعتناق اآلراء المختلفة مع الكنيسة وفي التفكير والعمل خارج إطار الكنيسة أو الدائرة
المقدسة ,حيث بدأت في التبلور ,المفاهيم والقيم الجديدة ,وبدأ الحديث عن المصلحة والمنفعة
والصا لح العام ,والرابطة االجتماعية التي تعني الرفض الضمني للنظام القائم على أساس التمايز
االجتماعي ؛ إنه االنقالب في التصورات اإليديولوجية ,فعوضاَ عن النظرة "العمودية" حيث يكون ترتيب الناس في أعلى وأدنى تبرز النظرة "األفقية" ألعضاء الوجود االجتماعي الواحد حيث يكون
المبدأ الوحيد المقبول للوجود وللعمل معاً هو شعار "المساواة" .
ولكن ما هي المنطلقات األولية أو العناصر الجوهرية التي دفعت نحو هذا التشكل واالستمرارية في
سيرورة عصر النهضة ؟؟
أوالً :المرحلة التاريخية األولى لعصر النهضة
أعتقد أن كافة الدراسات التي تناولت المرحلة التاريخية األولى من عصر النهضة وما يطلق عليها
"المرحلة االنتقالية" تتفق على أن العنصر الرئيسي لهذا العصر بكل معطياته االقتصادية واالجتماعية
والثقافية هو" :الفردية أو اإلقرار باهتمامات الشخصية اإلنسانية وحقوقها ومصالحها كموقف نقيض
للكنيسة التي ألغت هذا الحق وصادرته طوال أكثر من ألف عام ,دون أن نغفل إطالقا دور التجارة التي شكلت العماد االقتصادي للطبقة البرجوازية" ؛ التي وجدت في التجارة "سندها المعنوي بما
تستدعيه من نظام في المعارف وفي القيم ,ألن عالم التجارة هو عالم االمتالك والبضاعة والتنقل
الحر في الزمان والمكان ,والتاجر كان يجد نفسه في ذلك العالم ممثالُ ,فاعالً و سيداً تام السيادة غايته الربح وال حاجة له للراهب أو لسلطان الكنيسة" .
أما أبرز المفكرين األوائل الذين وضعوا اللبنات األولى لهذه المرحلة هم: -نيقوال ميكافيللي ( 0296م 0237 _ .م) .
-هو من أوائل المنظرين السياسيين البرجوازيين ,حاول في مؤلفاته البرهنة على أن البواعث
المحركة لنشاط البشر هي األنانية و المصلحة المادية ,وهو صاحب مقولة ":أن الناس ينسون موت
آبائهم أسرع من نسيانهم فقد ممتلكاتهم" ,إن السمة الفردية والمصلحة عنده هما أساس الطبيعة اإلنسانية؛ ومن جانب آخر فقد رأى أن القوة هي أساس الحق في سياق حديثه عن ضرورة قيام
الدولة الزمنية المضادة ( البديلة ) لدولة الكنيسة؛ ويؤكد على أن ازدهار الدولة القوية المتحررة من األخالق ,هو القانون األسمى للسياسة وأن جميع السبل المؤدية لهذا الهدف طبيعية ومشروعة بما
فيها السبل الالأخالقية ( كالرشوة واالغتيال ودس السم والخيانة والغدر )؛ والحاكم عنده يجب أن يتمتع بخصال األسد والثعلب ,وسياساته هي سياسة "السوط والكعكة"؛ هذه هي النزعة الميكافيلية
التي تبرر كل شيء للوصول إلى الهدف السياسي ,وهي توضح معنى الفردية واإلقرار باالهتمامات
الشخصية التي أشرنا إليها أعاله.
39
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-نيقوال كوبرنيكس ( 0272م 0223 _ .م) .
-ساهم هذا المفكر في تحطيم اإليديولوجية الالهوتية القائمة على القول بمركزية األرض في
الكون وذلك عبر اكتشافه لنظرية مركزية الشمس Helio Contricismالتي قام على أساسها علم
الفلك الحديث؛ وهذه النظرية من أهم منجزات "كوبرنيكس" على اإلطالق وهي تستند إلى مبدأين_:
أوالً :ليست األرض ثابتة في مركز الكون بل تدور حول محورها الخاص؛ وقد استطاع من خالل ذلك تفسير تعاقب الليل والنهار .ثانياً :األرض تدور حول الشمس مركز الكون. -جوردانو برونو ( 0221م 0911 _ .م) .
-فيلسوفاً وعالماً فلكياُ ,قام بتطوير وتصحيح نظرية كوبرنيكس ,بدأ حياته راهباُ وبسبب أفكاره
المادية انفصل عن الكنيسة وتفرغ لنظرياته العلمية ,آمن بـ "ال نهائية" المكان أو النهائية الطبيعة,
ورفض مركزية الشمس في الكون مؤكداُ على أن ال وجود لهذا المركز إال كمركز نسبي فقط "فشمسنا
ليست النجم الوحيد الذي له أقمار تدور حوله" فالنجوم البعيدة هي شموس أيضاً لها توابعها ,كما افترض أن جميع العوالم في هذا الكون مأهولة ,يدفعه إلى ذلك إيمانه بأن كل ما في الطبيعة ذو
نفس استناداً إلى إيمانه بمذهب حيوية المادة " " HYLOTOISMالذي اعتنقه كغيره من الفالسفة
الطبيعيون؛ وهو أول من قال بوجود التجانس الفيزيائي بين األرض والكواكب وهذه التنبؤات لم تؤكد علمياً إال في أواسط القرن العشرين.
-لقد حطم برونو التصورات القديمة عن العالم المخلوق ليجعل الكون ممتداً إلى ما ال نهاية وهو
القائل بأن" :الكلمة األخيرة في كل مجال من مجاالت المعرفة تكمن في العقل وحده" ؛ ألقي القبض عليه من قبل محاكم التفتيش التي سجنته ثمانية سنوات أحرقوه بعدها على أحد أعمدة التعذيب بعدما
رفض إنكار فلسفته وتوجهاته العلمية. العلماء الطبيعيون:
ليوناردو دافنشي ( 0223م 0206 _ .م).
كان فناناً وعالماً موسوعياً ومصمماً تكنيكياً قام بوضع عدد من التصاميم لبعض األجهزة أو
األجسام الطائرة والمظالت ,وهو من أوائل المفكرين الذي استخدموا المنهج التجريبي الرياضي في
دراسة الطبيعة ,كان ليوناردودافنشي من أوائل المفكرين الذين قَدَّروا عالياً افكار ابن رشد ,وهو الذي
اطلق عليه صفة " شارح أرسطو العظيم " .
41
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
جاليليو ( 0292م 0923 _ .م) .
وهو من الرموز الخالدة في علوم الفلك ..كان الكتشافاته الفلكية بواسطة تلسكوب صممه بنفسه
دو ارً كبي ارً في انتصار نظرية كوبرنيكس وبرونو وأطلق عليه اسم "كولومبس السماء" .
يعتبر جاليلو من أبرز مفكري ذلك العصر الذين صاغوا النظرة الديئية deismإلى الطبيعة التي
إعتنقها عدد من فالسفة ومفكري القرنين السابع عشر والثامن عشر؛ أسهمت هذه النظرة إلى جانب
أصحاب النزعة اإلنسانية والفلسفة البانتيئية ( وحدة الوجود ) في تعزيز وتطور الفلسفة العقالنية والمنهج المادي العلمي كمنطلقات أساسية لعصر النهضة.
رابعاً :المرحلة التاريخية الثانية أو تطور الفلسفة األوروبية في عصر الثورات البرجوازية
أواخر القرن السادس عشر ونهاية القرن الثامن عشر -:
أدى تفسخ العالقات االجتماعية واالقتصادية في النظام اإلقطاعي األوروبي إلى تغيير كبير في
الدور الذي يلعبه الدين في المجتمع ورغم ذلك فقد ظل الدين يحتل مواقع أساسية وهامة في ذهنية الناس ونفوسهم ,ولكن ال شك أن تفسخ العالقات االجتماعية االقتصادية وتراجع الهيمنة الثقافية
الفكرية الالهوتية أدى إلى خلق المناخ الالزم لقيام الثورات البرجوازية األولى في القرنين السادس
عشر والسابع عشر؛ بعد أن توفر الظرف الموضوعي الذي أدى إلى انتشار العالقات الرأسمالية
وتفشيها في مسامات المجتمع اإلقطاعي وبروز العامل الذاتي عبر التحالف بين قوى البرجوازية
المدينية الصاعدة ,وشرائح من األرستقراطية المبرجزة التي تشابكت مصالحها مع مصالح البرجوازية
وتحولت ملكيتها لألرض كلياً أو جزئياً من حيث توجيه العملية اإلنتاجية لخدمة أغراض وتوجهات
النمط الرأسمالي الجديد ( الصاعد ) .
بالطبع اتخذت هذه العملية في سياق حركتها الصاعدة مسا ارً تدريجياً بالنسبة للرؤى واألهداف
الفكرية والفلسفية العامة؛ فقد بدأت هذه الحركة خطواتها األولى تحت راية النزعة الدينية اإلصالحية
التي يتزعمها مارتن لوثر ( 0212م 0229 _ .م ) .الذي كان مؤيداً ومطالباً باإلصالح المعتدل إلى جانب أنه أنكر دور الكنيسة ورجال الدين كوسطاء بين اإلنسان واهلل ,وأكد أن "خالص" اإلنسان ال
يتوقف على أداء األفعال الخيرة واألسرار الغامضة والطقوس وانما يتوقف على اإليمان المخلص الذي يستند إلى أن الحقيقة الدينية ال تقوم على "التقاليد المقدسة" والمراسم وانما على اإليمان دون أي
وساطة من الكنيسة ,وقد عبرت هذ المطالب عن الصراع بين النظرة العامة البرجوازية المبكرة للعالم
من جهة ,واأليديولوجية اإلقطاعية والكنيسة من جهة أخرى .ومما ال شك فيه أن هذه النزعة اإلصالحية الدينية ساهمت في فتح آفاق القطيعة بين الدين والدولة وتعميق تطور مفاهيم المجتمع
المدني والمثل السياسية البرجوازية ومؤسسات الدولة الديمقراطية من جهة؛ وتطور الفلسفة التجريبية 40
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والمنهجية العلمية من جهة أخرى ,مما أدى إلى فقدان الدين لسيطرته في ميداني العلم والفلسفة,
وهي خطوة هامة بالرغم من بقاء دوره بالنسبة لعامة الشعب في المجتمع الرأسمالي .
وفي ضوء هذا التطور الذي أصاب كل مناحي الحياة في عصر النهضة ,رفع فالسفة هذا العصر
رغم االختالفات بين مذاهبهم شعار "العلم" من أجل تدعيم سيطرة اإلنسان على الطبيعة ورفض شعار
العلم من أجل العلم ..لقد أصبحت التجربة هي الصيغة األساسية لالختراعات واألبحاث العلمية التطبيقية في هذا العصر وأبرزها:
• صياغة القوانين األساسية للميكانيك الكالسيكي بما فيها قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن (. ) 0737 – 0922
• تطوير علوم الرياضيات والهندسة والفيزياء واألحياء_ ديكارت واليبنتز • اكتشاف الدورة الدموية -هارفي " -تأكيد اكتشاف ابن النفيس" • قوانين الميكانيك وتعريف مفهوم العنصر الكيميائي_ بويل.
• ميزان الحرارة الزئبقي والضغط الجوي_ تورشيللي ( أحد تالمذة جاليليو)
لم يكن سهالً لهذه االكتشافات العلمية وغيرها أن تكون بدون تطور الفلسفة عموماً والمذهب
التجريبي على وجه الخصوص ,في سياق الحراك والتناقض والصراع االجتماعي الدائم والمستمر
بوتائر متفاوتة في تسارعها بين القديم والجديد ,إذ أنه بدون هذه الحركة والتناقض لم يكن ممكناً بروز الدعوة من أجل التغيير والتقدم التي عبر عنها فالسفة عصر النهضة في أوروبا أمثال فرنسيس
بيكون ,ديكارت ,هوبس ,اليبنتز ,سبينو از.
التنويـــر الفرنسي والفلسفة األلمانية في القرن الثامن عشر -:
أ -التنوير الفرنسي :
في فرنسا وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر ..تطور أسلوب اإلنتاج الجديد _الرأسمالي_
في أحشاء المجتمع القديم -اإلقطاعي ,-وقد شهدت فرنسا قبيل الثورة البورجوازية الفرنسية
( )0716بأربعة عقود حركة فكرية واسعة وقوية عرفت "بحـركة التنوير" ,وضع رجالها نصب أعينهم
مهمة نقد ركائز اإليديولوجية اإلقطاعية ,ونقد األوهام والمعتقدات الدينية والنضال من أجل إشاعة روح
التسامح الديني وحرية الفكر والبحث العلمي والفلسفي واعالء شأن العقل والعلم في مواجهة الغيبية, ومن اهمهم شارل مونتسكيو ( 0916م0722 – .م ) .و فرانسوا فولتير ( 0962م0771 – .م) .
و جان جاك روسو ( ) 0771 – 0703و ديني ديدرو ( . ) 0712 - 0702
بالطبع لم يكن تيار التنوير الفرنسي متجانساً فإلى جانب المادية كانت المثالية والى جانب اإللحاد
كان التيار الديني ,ولذلك فقد كان الفكر اإلنجليزي أحد أهم مصادر فكر التنوير الفرنسي ,وكالهما
42
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وجها نقداً جاداً للنظام اإلقطاعي والحكم المطلق ,ومهدا الطريق من أجل هدمه وتغيره انسجاماً مع وجهة نظر المصالح البرجوازية الجديدة . الفلسفة األلمانية :
عمانويل كانت ( -:) 0112 - 0732
لم يكن فيلسوفاً فحسب ..بل كان عالماً طبيعياً كبي ارً أيضاً في مجاالت األنثروبولوجيا ,والجغرافية
الفيزيائية والكسموجونيا كما كان يحاضر في عدد من العلوم والرياضيات والميكانيكا والفيزياء والتاريخ
الطبيعي العام.
يعتبر "كانت" رائد الفلسفة الكالسيكية األلمانية ومن األركان األساسية ألفكاره أنه "اعتبر التاريخ
تطو ارً للحرية البشرية وبلوغاً لحالة قائمة على العقل بالرغم من أنه وقف نصي ارً لحق التملك لألشياء
وللناس أيضاً ..هذه المفارقات المتناقضة حول الحرية ,هي سمة أساسية للتفكير الرأسمالي الذي
يتحدث عن الحرية أو الليبرالية والمساواة للمؤسسة الحاكمة دون أي تطبيق لهذه المفاهيم بين
المواطنين جميعاً ,وهذه القاعدة هي جوهر الممارسة الرأسمالية المشوهة ,المطبقة بصورة فجة ومتوحشة في العالم الثالث عموماً ,وفي بالدنا بوجه خاص . جورج ويلهلم فريدريك هيجل () 0120 - 0771
أوال :حياته وعصره :عاش في مجتمع إقطاعي تسوده رجعية النبالء وكذلك عاش مع رياح الثورة
الفرنسية التي طالبت بتحرير اإلنسان وتأثر بكليهما؛ كما تأثر بـ "كانت" وفلسفته العقلية بمثل ما تأثر
بالشاعر الرومانسي األلماني "هلدرلين" .
ثانيــاً ..فلسفتــه :هو من أبرز ممثلي الفلسفة الكالسيكية األلمانية ,وقد كان أول مؤلف له
"فينومينولوجيا الروح" صدر في عام 0119والذي يشكل حسب تعبير ماركس "المعين الحقيقي" للفلسفة الهيغلية؛ ثم أصدر بعد ذلك مؤلفه الضخم الثاني "علم المنطق".
حدد "انجلز" المكانة التاريخية لـ "هيغل" في تطور الفلسفة بقوله" :لقد بلغت هذه الفلسفة األلمانية
الجديدة ذروتها في مذهب "هيجل" والذي تكمن مأثرته التاريخية العظيمة في أنه كان أول من نظر إلى العالم الطبيعي والتاريخي والروحي بوصفه عملية؛ أي في حركة دائمة وفي تغير وتطور ..وقام
بمحاولة للكشف عن العالقة الداخلية لهذه الحركة وهذا التطور؛ وال يهمنا هنا أن يكون "هيجل" لم
يجد الحل لهذا المسألة..فمأثرته التاريخية تقوم في طرحه لها…!!
لقد صاغت فلسفة "هيجل" بشكل منظم النظرة "الديالكيتكية" إلى العالم؛ وما يوافق ذلك من منهج
ديالكتيكي في البحث ,ولقد صاغ "هيجل" الديالكتيك باعتباره علماً فلسفياً يعمم التاريخ لكامل المعرفة
وكذلك القوانين األكثر شموالً لتطور الواقع الموضوعي وانتقد بعمق وحزم المنهج الميتافيزيقي ليصوغ 43
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وان كان بشكل مثالي _ قوانين ومقوالت الديالكتيك التي شكلت االساس المعرفي الفكار كارل ماركس
المادية الجدلية والتاريخية.
لقد قام كالسيكيو الماركسية بمعالجة مادية لألفكار اإليجابية في الديالكتيك الهيغلي المثالي
مستعيضين عن المبدأ المثالي في وحدة الوجود والفكر بالمبدأ المادي القائل بأن وعي اإلنسان هو
انعكاس للواقع الموضوعي الموجود خارج هذا الوعي وبشكل مستقل عنه ..لقد وضعوا منهجاً جديداً في معرفة الواقع يتناقض جذرياً مع المنهج الهيغلي؛ لقد أوقفوه على قدميه بعد أن كان متكئاً على
رأسه ..هذا ما فعله ماركس بعد هيجــل اختلف الكثيرون حول فلسفته وبرز تيارين رئيسيين انعكاساً
لها أو دفاعاً عنها؛ تيار يميني دعي ممثلوه بالهيغليين الشيوخ الذين تمسكوا باأليدلوجية اإلقطاعية/ المسيحية ضد التيار اليساري أو الهيغليون الشباب ,ومن أبرز الشباب "شتراوس" الذي أصدر كتاب
"حيــاة يســوع" ودحض فيه المزاعم القائلة بعلة أولى خارقة "وحــي إلهي" واعتبر كل "المعجزات" المسيحية أساطير ناتجة عن موقف جماعي للشعب بأسره خصوصاً في فترة األزمة العميقة التي
عصفت بمجتمع الرق ..لكن حركة الهيغليين الشباب التي لعبت دو ارً تقدمياً في الثالثينات من القرن التاسع عشر وكان ماركس أحدهم ,بدأت تفقد طابعها التقدمي مع ظهور مادية فيورباخ ,وماركس
من بعده؛ حيث قدم هذا األخير بدالً من المطلق الذي يقرر التاريخ ,نظرية صراع الطبقات التي تؤدي حسب الضرورة الهيغلية إلى االشتراكية؛ وقــد عبر عن ذلك ديورانت بقوله" :لقد فقس هيجـل األستاذ
اإلمبراطوري بيض االشتراكية" .
لودفيج فيورباخ ( -:) 0173 – 0112كان هدف فيورباخ تحرير اإلنسان من الوعي الديني؛
وفي مؤلفه "نقــد فلسفــة هيجـل" أعطى حالً مادياً للمسألة السياسية في الفلسفة وهذا الحل يرتكز على
اعتبار الطبيعة ,أو الوجود ,أوال ,تعتبر فلسفته استكماالً وتجاو ازً في الوقت ذاته لمذهب هيجل ..فإذا
كان هيجل يعزل العقل أو الفكر عن اإلنسان ,فإن فلسفة فيورباخ -كما يسميها" -فلسفة المستقبل" تنطلق من اإلنسان؛ فاإلنسان وحده هو الذات الحقيقي للعقل ,واإلنسان بدوره نتاج للطبيعة.
وفي رأيه إذا كان الدين يعد اإلنسان بالنجاة بعد الموت فإن الفلسفة مدعوه لتحقق على األرض ما
يعد به الدين في عالم الغيب ..أي أن على الفلسفة أن تلغي األوهام الدينية لتوفر وتعطي اإلنسان القدرة على معرفة إمكانياته الحقيقية في بلوغ السعادة ..وهذا الهدف _السعادة_ هو ما سعى إليه أو
إلى تحقيقه طوال حياته !..ادة واقعاً ينشأ عنه بالضرورة العقل المفكر.
اقترب في أواخر حياته من االشتراكية العلمية خصوصاً بعد أن ق أر رأس المال ,وأصبح عضواً في
الحزب الديمقراطي االشتراكي في عام 0171م .إالَ أنه لم يصل "بقناعاتــه" إلى مستوى المادية
الديالكتيكية والتاريخية.
44
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ظهور الفلسفة الماركسية ومصادرها ومكوناتها
إن امتالك رفاقنا في أطر اليسار العربي لناصية الفلسفة الماركسية ,ال يعني حفظ أحكامها
واستنتاجاتها عن ظهر قلب ,بل فهم جوهرها ,ومتابعة مساراتها المعرفية المتطورة والمتجددة ,ومعرفة
كيفية تطبيقها في الممارسة وفي حل المهمات الملموسة لنضالهم التحرري وصراعهم الطبقي
الديمقراطي الثوري بافاقه االشتراكية ,وبالتالي فان امتالكنا لناصية الفلسفة الماركسية هو أكثر من ضروري في هذه المرحلة البالغة التعقيد في مجتمعاتنا العربية التي تشهد حالة غير مسبوقة من
االنتفاضات الثورية الشعبية ضد انظمة االستبداد والتبعية والتخلف من جهة وضد ممارسات حركات االسالم السياسي التي تبين للجماهير انها ال تختلف في جوهرها الطبقي وتبعيتها وممارساتها القمعية
عن االنظمة المخلوعة ,فانطلقت من جديد لتواصل ثورتها حتى تحقيق اهداف الثورة الوطنية
الديمقراطية التي انطلقت من أجلها.
كارل ماركس ) 0112 – 0101 ( :مؤسس فلسفة المادية الجدلية والمادية التاريخية واالقتصاد
السياسي " ,تأثر بأفكار هيجل وفيورباخ وآدم سميث ,نال درجة الدكتوراه في الفلسفة عن رسالته
بعنوان " االختالف بين فلسفة ديموقرطيس الطبيعية وفلسفة إبيقور " عام , 0120ومن خالل دراسته لالقتصاد السياسي ومشاركته في األحداث الثورية في المانيا وفرنسا ,اكتشف ألول مره الدور التاريخي للبروليتاريا وتوصل إلى النتيجة القائلة بحتمية الثورة االجتماعية وضرورة توحيد حركة الطبقة العاملة ,كما وضع نظرية فائض القيمة التي تمثل حجر الزاوية في االقتصاد السياسي
االشتراكي وتكشف بوضوح عملية االستغالل الرأسمالي ,أصدر العديد من األبحاث والكتب أهمها "
المخططات االقتصادية والفلسفية " ( )0122و " العائلة المقدسة " ( )0122و " االيديولوجيا
األلمانية " ( )0129و"بؤس الفلسفة " ( " )0127و"إطروحات حول فيورباخ " بالتعاون مع زميله "
إنجلز " ثم أصد ار معاً " البيان الشيوعي " ( " )0121الذي وضع الخطوط العريضة لتصور جديد للعالم
,وهو المادية المتماسكة ونظرية صراع الطبقات والدور الثوري للطبقة العاملة ,وبعد أن وضع عدداً من الكتب الهامة حول الثورة في فرنسا وأوروبا والصراع الطبقي ,أصدر في عام 0197المجلد
األول لكتابه الرئيسي البالغ األهمية " رأس المال " والذي تم استكماله فيما بعد على يد رفيقه " فريدريك انجلز" 0112و . 0162
إلى جانب كل ذلك ,فقد كان ماركس فيلسوفاً مادياً جدلياً " رفض فهم الفلسفة على إنها علم
مطلق ,غريب عن الحياة العملية والنضال ,مؤكداً إن مهمة الفلسفة والفكر االجتماعي ليست بناء
ضع نظريات تصلح لجميع العصور والدهور ,بل إن أو إنشاء Constructionالمستقبل ,وال َو َ مهمتها " النقد الذي ال يرحم لكل ما هو قائم ,نقد ال يرحم بمعنيين ,ال يهاب استنتاجاته الذاتية ,وال
يتراجع أمام االصطدام بالسلطات القائمة ,هكذا طرح ماركس مسألة نفي الفلسفة بمعناها القديم " , 45
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حب الحكمة " أو " علم العلوم " ,إنه ضد عزل الفلسفة عن النشاط العملي ,والسيما حركة الكادحين
والفقراء التحريرية ,فهو يقول " الشئ يمنعنا أن نربط ممارستنا بنقد السياسة ,بموقف حزبي معين
في السياسة ,أي أن نربط ونقرن نقدنا بالنضال الواقعي ..إن مأثرة فلسفة ماركس تكمن في كونها البرهان الفلسفي والعملي في آن واحد على حتمية التحويل الجذري لمجتمعاتنا نحو االنعتاق والتحرر
والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية ,رغم كل ما يتبدى اليوم من مظاهر القوة والعدوان للتحالف االمبريالي الصهيوني في بالدنا من ناحية ورغم كل عوامل وأدوات ورموز الهبوط السياسي والتبعية
والقهر والتخلف السلفي الرجعي والليبرالي الهابط من ناحية ثانية . مصادر الفلسفة الماركسية :أوالً :الفلسفة األلمانية :
• هيجل )0120 – 0771( :أبرز رجاالت الفلسفة الكالسيكية األلمانية ,وقد بلغت هذه الفلسفة
ذروتها في مذهبه الذي تكمن مأثرته التاريخية في أنه كان أول من نظر إلى العالم ,الطبيعي والتاريخي والروحي بوصفه عملية ,أي في حركة دائمة ,في تغير وتطور ,إنها عملية ديالكتيكية ,
وهو أول من أعطى صياغة دقيقة لقوانين الديالكتيك األساسية ,لكنه رغم ذلك وقف على أرضية
المثالية الفلسفية الخاطئة .
• لودفيج فيورباخ ( ) 0173 – 0112لعبت فلسفته المادية دو ارً هاماً في وضع ماركس وانجلز
للرؤية المادية ,لقد وجه فيورباخ نقداً عنيفاً للمثالية الهيجلية ,لكنه عموماً ظل مادياً ميتافيزيقياً ,
بسبب أن ماديته لم تتفهم القيمة العلمية لديالكتيك هيجل ,كذلك لم يدرك حق اإلدراك ماهية اإلنسان,
فاعتبره كائناً بيولوجياً فقط ,ولم يتبين الجانب المادي من العالقات االجتماعية . ثانياً :االقتصاد السياسي االنجليزي :
-من المصادر أيضاً النظريات االقتصادية التي وضعها كل من آدم سميث () 0761 – 0732
وديفيد ريكاردو ( ) 0132 – 0773وخاصة نظرية القيمة – العمل التي كان لها أهمية بالغة في
تكون المذهب الفلسفي الماركسي ,إن نظريتهما أوضحت وألول مرة أهمية األساس االقتصادي لنشاط
الناس ,كما بينا أن تطور المجتمع يرتكز إلى التفاعل االقتصادي بين الناس ,لكنهما ( سميث
وريكاردو ) كونهما من المدافعين عن الرأسمالية ,عمال على تبرير استغالل الرأسماليين للعمال , وصو ار هذا االستغالل تفاعالً بين شريكين متكافئين في إطار عالقات السوق ,أما الربح فاعتبراه مكافأة للرأسمالي على تنظيم االنتاج وادارته ,المهم أن مذهبهما االقتصادي كان منطلقاً للبحث الالحق للعالقات االقتصادية وللكشف عن التناقض بين العمل والرأسمال من حيث هو التناقض
األساسي في المجتمع البرجوازي .
46
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ثالثا :االشتراكية الطوباوية :
من المصادر أيضاً :األفكار االشتراكية الطوباوية ,وأهم الرموز :سان سيمون (– 0791
) 0132وفورييه ( ) 0127 – 0773وروبرت اوين ( , ) 0121– 0770وقد لعبت هذه األفكار
دو ارً هاماً في التمهيد لظهور الفلسفة الماركسية ,وخاصة المادية التاريخية ,لقد ارتكزت أفكار هؤالء الرواد على مطالبتهم بضرورة انتشار الملكية العامة ( الجماعية ) والعمل الجماعي ,بما يسمح بالقضاء على بؤس الجماهير ,لكنهم لم يروا السبل المؤدية إلى التحول االشتراكي وأنكروا دور الثورة
والصراع الطبقي أو لم يفهموه ,واعتبروا أن الطريق إلى االشتراكية يمر عبر التنوير وتعاون الطبقات,
وهو أمر مستحيل ,تلك هي مثاليتهم .
على ضوء االنجازات النظرية ألبرز رجاالت الفلسفة واالقتصاد السياسي ,واالشتراكية الطوباوية,
وضع ماركس وانجلز نظرية فلسفية جديدة كل الجدة تجمع ألول مرة في تاريخ العلم بين المادية
الفلسفية والمنهج الديالكتيكي ,وتعطي تفسي ارً علمياً لحياة المجتمع البشري ,وبفضلهما تحول العلم
الفلسفي ليصبح أداة بيد الطالئع المثقفة والقوى الكادحة والبروليتاريا في نضالها لتغيير العالم.
إن الفلسفة الماركسية هي علم عن قوانين عالقة الوعي بالعالم الموضوعي ,عن القوانين العامة
للحركة في الطبيعة والمجتمع والفكر البشري .إن ظهور الماركسية في أربعينات القرن التاسع عشر
ترافق مع تطور الرأسمالية وتَ َك ُّ شف طبيعتها التناحرية وجوهرها القائم على االستغالل والقهر كما نشاهده ونلمسه ونعاني منه يومياً عبر همجية وتوحش العولمة االمريكية وحليفها الصهيوني في
بالدنا.
لذلك ...علينا التأكيد ,على رفاقنا في احزاب وفصائل اليسار ,أننا أحوج ما نكون اليوم إلى توفر
الحد المقبول من اإلطالع على مؤلفات ماركس ,والمؤلفات الماركسية الحديثة والمعاصرة ,وقبل كل
شيء أن نكون مالكين للوعي بكل جوانب واقع مجتمعاتنا الراهن ,السياسي واالجتماعي واالقتصادي,
بوضوح كبير ,مدركين أن الماركسية ليست كل ما قاله ماركس ,فهي لم تتشكل دفعة واحدة ,بل تمت وتحددت عبر خبرة طويلة من المعرفة الفلسفية والعلمية والممارسات العملية .ماركسية ماركس إذن
هي ثمرة أوضاع تاريخية واجتماعية وفكرية محددة ,عبر تطورها في عصره والى يومنا هذا,
فالمعروف أن الذي يميز النظرية الماركسية عن غيرها من األنساق النظرية والفلسفية السابقة أمور
ثالثة:
األول -:أنها تستمد عناصرها ومعطياتها وبالتالي قوانينها في الدراسة العلمية العينية الملموسة للواقع االقتصادي واالجتماعي الفكري والصراعي.
الثاني -:هو أنها ليست مجرد نظرية معرفية علمية تستمد هدفها من الدراسة العلمية الموضوعية
وانما تتضمن كذلك موقفاً موضوعياً كنظرية لتغيير الواقع تغي ارً جذرياً إلقامة واقع مغاير
47
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
يتخلص فيه اإلنسان من االضطهاد الوطني والقومي ومن الفقر والقهر واالستغالل,
وتتفجر فيه إنسانيته اإلبداعية وتتوفر له الحرية الحقيقية.
الثالث -:الممارسة العملية تتم وفق هذه المعرفة ,وهي شرط لها ,فالممارسة هي مصدر أساسي في الوقت نفسه لهذه المعرفة.
في ضوء ما تقدم ,فإن الماركسية تقف من حيث جوهرها ضد أمرين :ضد التجريد المطلق من
ناحية ,وضد التجريب البرغماتي من ناحية أخرى ,وبالتالي ضد أي فكر عقائدي جامد غير نقدي وغير
علمي ,وضد أي ممارسة تقوم على هذا الفكر.
من هنا فإن مادية ماركس الجدلية ,تعني معرفة األشياء والوقائع كما هو في تحققها الفعلي ال في
تصوراتها الوهمية وال في جزئياتها المنعزلة ,وانما في عالقاتها وتشابكاتها التي تتخذ أشكاالً مختلفة, فالماركسية بقدر ما هي نظرية متكاملة إال أنها في الوقت نفسه منهجاً علمياً متكامالً أيضاً.
كذلك األمر ,فإن ماركس لم يقدم برنامج عملي للتحول االشتراكي ,وانما قدم خطوط عامة ,ولقد
استطاع لينين أن يقود عملية الثورة وأن يحققها باقتدار عبقري في مواجهة الضرورات العملية والفكرية والتنظيمية التي فرضتها األوضاع الخاصة والدولية آنذاك ,وكانت له إبداعات فكرية وعملية
عديدة مثل -:نظرية قيام االشتراكية في بلد واحد ,ونظرية أضعف الحلقات ,ونظرية الثورة الثقافية, ونظرية حق تقرير المصير...الخ.
أخي ارً ,البد أن نؤكد ,قبل كل شيء على أن الماركسية هي فلسفة تقوم على نظرة جديدة للواقع
المعاش ,وهي فلسفة ديناميكية ترتكز أيضاً على رفض النسق المنغلق على نفسه ,فقد قدمت لنا نتائج مختلفة ومتضادة في بعض األحيان جعلتنا نستطيع فهم المجتمعات الحالية.
تمتاز إذن الفلسفة الماركسية عن اإلنساق الفلسفية المألوفة (الديكارتية والهيغلية ...الخ) بأنها
غير نهائية ترفض االنغالق ,وبأنها تستبطن داخل نظريتها ميادين تطبيقها فتخلق بذلك وحدة عضوية
بين النظرية والممارسة .وال بد أن نالحظ هنا أن الماركسية ليست منهجاً فقط يستخدم لفهم
المجتمعات اإلنسانية وتطوراتها ,بل هي أساساً نظرية عن قضايا اإلنسان تستخدم منهج المادية
الديالكتيكية ,وال يمكننا أن نعتبرها قوالً جامداً ودغمائياً عن العالم والحياة يضاف إلى األقوال األخرى المتواجدة على الساحة الفكرية .فالماركسية تقرير معمم لمبادئ المنهج ونظرية متطورة تتفاعل مع
التحليل العيني للواقع العيني .لهذا نستطيع القول بأنها تهتم قبل كل شيء بتحديد سبل التفكير ومناهجه ,وبمبادئ استنباط المفاهيم وتجميعها ,وبالسيطرة على الحقائق االجتماعية والسياسية
والعلمية عامة ,وذلك بتأسيس نظرية علمية ترتكز على قوانين الفكر الديالكتيكي الصحيح والمضاد
للمثالية.
فالمنهج الديالكتيكي المادي هو النظرة الجدلية التي تهدف إلى تفسير األشياء داخل العالم المادي
تفسي ارً نقدياً يدرك حركية األشياء ويلم بكل ظواهرها دون االلتجاء إلى التجريد الميتافيزيقي الذي يرى 48
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أن وجود المادة يتوقف حتماً على العنصر المثالي أو الروحي أو العقلي .فالنشاطات اإلنسانية عامة تنشأ ,حسب الماركسية ,نتيجة الظروف المادية للحياة اإلنسانية.
ومن هنا نستخلص أن الماركسية ليست فلسفة تضاف إلى الفلسفات األخرى كاألفالطونية أو
الديكارتية وليست معتقداً أو نسقاً من األفكار مطبوعة بطابع شعوري كاإلسالم أو المسيحية وليست
أيضاً نتاجاً ذهنياً وعقائدياً لتشكيلة اجتماعية تعبر عن مطامحها وتنبع من واقعها .ورغم أنها حوت كل هذه المعطيات فتشابك فيها العنصر الفلسفي بالعنصر الشعوري وبالعنصر العقائدي ,فهي قبل كل
شيء نظرة أصلية للواقع االجتماعي واإلنساني تحدد ال محالة سلوكاً معيناً ورؤية فكرية خاصة ولكنها
تفرض تفسي ارً علمياً للظواهر االقتصادية واالجتماعية والسياسية .
وفي هذا السياق ,نشير إلى تطور الفكر الماركسي ما بعد لينين عبر العديد من المفكرين والقادة
من أمثال جورج لوكاتش ,وتروتسكي ,ومدرسة فرنكفورت ,وماوتسي تونج ,وجرامشي ,والتوسير,
وجورج البيكا ,وهابرماس ,وارنست ماندل وجون مولينو...إلخ ,إلى جانب العديد من المفكرين
والمثقفين في أمريكا الالتينية وأسيا وفي بالدنا العربية من أمثال د.فؤاد مرسي ,محمود أمين العالم,
مهدي عامل ,سمير أمين ,اسماعيل صبري عبداهلل ,وصادق العظم ,حسين مروة ,إلياس مرقص,
فوزي منصور ,هشام غصيب ,وماهر الشريف ,عبد الباسط عبد المعطي ,عبد اهلل العروي ,ياسين
الحافظ ,هشام جعيط ,وجيلبير األشقر ,سالمة كيلة ..إلخ.
واليوم في عصرنا الراهن ,عصر تراجع العولمة األحادية األمريكية لحساب تعددية قطبية (تضم
باإلضافة لإلتحاد األوروبي واليابان دوالً متطورة مثل :الصين والبرازيل والهند إلى جانب الدور المركزي
لروسيا) بسبب تفاقم األزمة المالية واالقتصادية المالية والعالمية التي تفجرت في نهاية العام 3111 ولم تتوقف تراكماتها حتى اللحظة سواء في بلدان المركز /النظام الرأسمالي العالمي عموماً أو في
بلدان األطراف خصوصاً حيث ستتعرض هذه البلدان الفقيرة لمزيد من االنعكاسات الخطيرة لألزمة
المالية تضاف إلى ما تعانيه شعوبها من إفقار وتخلف وتبعية بسبب االستغالل الرأسمالي البشع
لمواردها ,كل هذه المتغيرات ,إلى جانب استعادة قوى اليسار العالمي لدورها ووصولها إلى السلطة في
العديد من بلدان العالم في أمريكا الالتينية وأسيا ,ستعزز حاجة شعوب األطراف عموماً وقواها وأحزاب
اليسار فيها إلى االشتراكية والى الفكر الماركسي أكثر بما ال يقاس من الحاجة إليها في عهد ماركس. ذلك أن الحكم على االشتراكية والفكر الماركسي ال يكون بما أصاب التجربة السوفييتية االشتراكية من
انهيار ,وانما الحكم الصحيح على االشتراكية والماركسية يكون عبر ما تعانيه الرأسمالية العالمية اليوم من عجز عن تقديم حلول للمشكالت األساسية للواقع اإلنساني من ناحية ,وبشراستها العدوانية
واالستغاللية إزاء شعوب العالم الثالث عموماً وشعوب أمتنا العربية خصوصاً من ناحية ثانية.
هكذا تبرز االشتراكية والماركسية كضرورة ما تزال تتطلع إليها هذه األوضاع التي تزداد تردياً في
حياة شعوب العالم وخاصة شعوب بالدنا العربية .وهكذا نعود إلى البداية متسائلين :هل ما تزال 49
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الماركسية كما قال بها ماركس هي نفسها لم تتغير وعلينا أن نرفع أعالمها؟ ونجيب بوضوح إن الماركسية في تقديرنا ما تزال تحمل من المصادر النظرية والتوجهات المنهجية ما يجعلها أساسية في
مرجعيات الفكر االشتراكي والنضال االشتراكي وخاصة فيما يتعلق باستنادها إلى البحث العلمي إلى
جانب رؤيتها النظرية الفلسفية ,المادية الجدلية ,فضالً عن الطابع النضالي للماركسية من أجل االنتقال بالمجتمعات البشرية من مرحلة الرأسمالية المعولمة إلى مرحلة االشتراكية.
ولكن علينا أن نضيف عبر البحث واالجتهاد والوعي كل ما استجد منذ ظهور الماركسية وحتى
اليوم من تطورات علمية وتكنولوجية ,وبخاصة متابعة ما يتحقق اليوم من ثورة كاملة في إجمالي
علوم االتصال والمعلومات إلى جانب امتالكنا للخبرات السياسية واالجتماعية واالقتصادية في سياق
حرصنا على بناء المقومات الالزمة الستنهاض حزبنا في الجبهة استنهاضاً حقيقياً ال يمكن تحققه إال
بتحقيق شرط بناء الحزب العصري الملتزم بصورة جدلية بالماركسية في حركتنا وتطورها الصاعد والمستمر وعبر التطبيق الخالق لقوانينها على واقعنا الفلسطيني والعربي لكي نسهم في صنع
المستقبل الواعد لجماهيرنا العربيةعبر تحقيق اهدافها وتطلعاتها في التحرر والديمقراطية والعدالة
االجتماعية واالشتراكية.
51
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ّ إىل رفيقي أمحد سعدات يف عيده الستني
32 / 3 / 3102
أسجل ورفاقي في الجبهة فخرنا واعتزازنا ب َك رفيقي أحمد "أبو غسان" ,في عيد ميالدك الستين ّ وبصمودك وبدورك الطليعي الثوري حفاظاً على سندياتنا ..جبهتنا الشعبية وهويتها الفكرية ومبادئها وأهدافها الوطنية والقومية واألممية ُ .ك ّل ٍ أنت بألف خير أيها القائد الصامد في هذا الزمن العربي عام و َ
الرثة والهبوط السياسي الرسمي الصامت المحكوم بأفكار الظالم والتخلّف والخضوع باسم الواقعية َّ ْ االنتهازي وأوهام الربيع ..لكنك بصمودك وبسالتك في مجابهة السجان الصهيوني تظل نبراسا مضيئا -مع كل الرفاق أمثالك -تتحدى ظالم المرحلة وهبوطها بمثل ما نتحدى بشاعة االنقسام والصراع على
السلطة و المصالح الفئوية بين فتح وحماس .
غسان واألبناء من عائلتك أيها المناضل المثال لي ولكل رفاقنا في الجبهة ..وللرفيقة الغالية أم ّ بك وبانتمائك بمثل وفائها لكل قرية ومدينة ومخيم في فلسطين ..يا َم ْن الصغرى لك والفخورة َ الوفيه َ ّ
تُجيد مع رفاقك واخوانك األسرى الحياة رغم معاناة االعتقال وقسوة العدو وجغرافيا الزنزانة ..لقد وص ُغ َر الوطن ,لكن لم ولن تَص ُغر أحالم األحرار و أحالم الثّوار التي ص ُغ َر ْت كل األشياء يا رفيقي َ َ
ستظل كبيرة ..تستلهم من صمودك مزيدا من القوة والنضال من أجل إنهاء االنقسام واستعادة روح
جنت وس َ شعبنا واستنهاض مسيرته الثورية حتى تحقيق األهداف التي استشهد من أجلها اآلالف ُ .. ورفاقك واخوانك من أجلها .
رت مع السجن وفيه ..لكن تحديك للسجان رفيقي أحمد ..في عيد ميالدك الستين أقول َ ..ك ُب َ الصهيوني يعزز في كل رفيق من رفاقك اآلمال التي تكبر من رحم المعاناة و والتضحيات اآلالم ..
اك اليوم أنشودةً للنضال ,ومثاالً وقدوةً للرفاق ونغمة ٍ حب دافئة في سيمفونية جبهتنا الشعبية. إنني أر َ ال أبالغ إذا قلت أننا ورفاقك نتذكرك مع كل تضحية وفي كل مناسبة ومع كل معاناة أسير ,مع إضراب المي وملح" ومع كل إشراقة شمس صباح غير صباح ميالدك سامر وأيمن عن الطعام ,مع " ّ وحريتك ...معاً وكل المناضلين من رفاقنا في فلسطين ورفاقنا في الوطن العربي والعالم كله نعاهدك أن يستمر نضالنا المشترك ليس فقط من أجل التضامن معكم ولكن من أجل حريتكم وكل رفاقنا
واخواننا األسرى لنفرح معاً ونواصل النضال من أجل الحرية والعودة واقامة دولة فلسطين الديمقراطية .
كل عام وأنت بخير رفيقي أبو غسان .
50
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
االقتصاد الفلسطيني وسبل اخلروج من أزماته املستعصية 3103/3/4 حديثنا عن واقع ومكونات االقتصاد الفلسطيني وآفاقه ،هو حديث عن العالقة الداخلية في مجتمعنا،
يرتكززإ ىلززس ااسززر النالريززة لالقتصززاد السياسززي الماركسززي واالتشززتراكية والمززنما المززادي الجززدلي ،ويسززخرها في تحليل الواقع ،بما يحقق التجسيد المأمول في وحدة النالرية والممارسة في مجرى النضال الديمقراطي والصراع الطبقي لمجابمة مالاهر االستغالل واإلفقار التي تنتشأ عن تإايد التراكم الرأسمالي واتسزاع الفجزوة
بين القلة من ااثرياء وااغلبية الساحقة من الجماهير ،والعمل علس توفير عناصزر االسزتقرار االقتصزادي
الفلسزطيني علزس أسزار فزت التبعيزة مزع االقتصزاد اإلسزراليلي ووالغزاء بروتوكزول بزارير ،وفزي ىطزار التزرابط والتكامززل مززع االقتصززاد العربززي ،وفززق أسززر التنميززة المسززتقلة والتخطززيط المادفززة ىلززس ىلغززاء آليززات اقتصززاد السوق وتحقيق العدالة االجتماعية بآفاقما االتشتراكية .
ونالز الر لتززأثير العوامززل االقتصززادية علززس العالقززات السياسززية بززين النززار والززدول ،ف ننززا مززع وجمززة النالززر
التي تعرف مبادئ علم االقتصاد السياسي بأنه االقتصاد الذي يدرر الجانز
االجتمزاعي مزن اإلنتزاو ،أو
العالقززات االجتماعيززة المرتبطززة باإلنتززاو والتوإيززع ،بمعنــى أن علــم االقتصــاد السياســي هــو علــم تطــور العالقــات االجتماعيــة لإلنتــاج ارتباط ـاً بتطــور العالقــات االقتصــادية بــين النــاس ,ذلــك هــو فهمنــا -فــي
الجبهــة -للظــواهر والعمليــات االقتصــادية فــي إطــار عالقــات اإلنتــاج الرأســمالي ,المحكومــة لمعادلـــة "جماعية اإلنتاج والملكية الفردية لوسائل اإلنتـاج" ,حيـث يتجلـى االسـتغالل أو االسـتيالء علـى فـائض القيمة من العامل لحساب الرأسمالي كمحدد رئيسي للعالقة بينهما .
وفززي مرحلززة اإلمبرياليززة تطززور تشززكل ومضززمون االسززتغالل ىلززس االسززتيالء علززس فززال
القيمززة للتشززعو
المستعمرة والفقيرة ،خاصة في الروف العولمة الراهنزة ،تحقيقزال للمبزدأ ااساسزي لل أرسزمالية ،الزذي يزتلخ في التوسع والمنافسة بمدف ضمان أكبر نسبة من الربح (رأر المال ينإف دمال من كل مساماته). ما يممنا التأكيد عليه فزي مرحلزة العولمزة الراهنزة ،يزتلخ
فزي بتشزاعة انتزإاع الفزال
وتعميزق انقسزام
العالم ىلس بلدان (مناطق) غنيزة تستحوذ علس %58من الناتا اإلجمالي للكرة اارضية ومناطق فقيرة ال يتجاوإ نصيبما ، %08وتنحصر هذه المناطق في بعز
الل قيود التبعية والتخلف والخضوع .
بلزدان آسزيا وأفريقيزا وبلزدان الزوطن العربزي فزي
وضمن هذه المجموعزة ،تنزدرو فلسزطين فزي أدنزس السزلم االقتصزادي والتنمزوي عبزر خضزوعما لتشزروط
العولمة اإلمبريالية من جمة و تشروط دولة العدو الصميوني وقيودها من جمة ثانية .
52
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المنطلقات األساسية لالقتصاد الفلسطيني كما تحددت في القانون األساسي :
رغم وجود تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة :البطالة ,والفقر وفجوة الموارد المحلية ,واختالالت
هيكلية جذرية وجوهرية في االقتصاد وسوق العمل المج أز والمفتت بين الضفة الغربية والقدس وقطاع
غزة وارث االحتالل الثقيل ,إال أن المشرع الفلسطيني قد سارع إلى إقرار منهج اقتصاد السوق الحر , ودون تقدير أو دراسة إلمكانيات التطبيق .
فقد حدد القانون األساسي منهج االقتصاد الحر حسب المادة ( )30التي نصت على أن :النظام
االقتصادي في فلسطين يقوم على أساس مبادئ وآليات االقتصاد الحر على الرغم من المعوقات الخارجية والداخلية التي تمنع هذه اآلليات من االنتتشار والتطور واستغالل الموارد واالستثمار وتحقيق الكفاءة االقتصادية ،ومن بين هذه المعوقات: أوالً :تقسيم الضفة الغربية بموج
اتفاق طابا عام 0998ىلس مناطق جغرافية ثالث هي ( C, B
),Aعلس أساسما تم تحديد صالحيات ومسؤوليات السلطة الفلسطينية في كل منطقة .علمال بان المنطقة ( )Cوهي تتشكل معالم مساحة الضفة الغربية الكلية لير للسلطة أي صالحيات
مدنية أو أمنية .مما يعني أن السيادة الوطنية الفلسطينية ليست كاملة على األرض
والموارد.
ثانياً :حالة التجإلة واالنقسام والتفكت الجغرافي واالقتصادي الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غإة. وهو ما أدى ىلس تتشكل سوقين بل وحكومتين منفصلتين تماما.
ثالثاً :سيطرة سلطات االحتالل اإلسرائيلي على الحدود والمعابر الخارجية.
رابعاً :تأثر قوى العرض والطلب وجهاز األسعار في األراضي الفلسطينية بقوى العرض والطلب واألسعار والسياسات االقتصادية السائدة في االقتصاد اإلسرائيلي بحكم التبعية (التجارية
والمالية والنقدية والعمل ).
فاالقتصاد الفلسطيني يتسم بكونه اقتصاد هش وضعيف ,تابع ومشوه ,ومج أز ,و مستورد بالدرجة
األولى ,ويهيمن عليه الطابع االستهالكي -الخدماتي .كما أن القطاع الخاص الرأسمالي في األراضي الفلسطينية ال هم له سوى الربح على حساب األهداف الوطنية في معظم الحاالت ,حيث يتركز معظم نشاطه في قطاعات التجارة والخدمات والعقار والمصارف والمضاربات المالية واإلنشاءات ,ويبتعد كثي ار عن االستثمار في القطاعات اإلنتاجية خاصة الزراعية والصناعية ,األمر الذي أدى ىلس تعري
الصناعة الفلسطينية الناتشلة للمنافسة التشديدة مع السلع المستوردة خاصة الصينية ،ومن ثم تراجع دور الصناعات التحويلية -السيما المالبر وااحذية وبع وقدرتما االستيعابية لأليدي العاملة وتوفير فر
المحلي اإلجمالي لحسا
الصناعات الغذالية -في تتشغيل الطاقة اإلنتاجية
العمل ،وتراجع مساهمة الصناعة ككل في الناتا
المصالح الكومبرادورية والطفيلية .
53
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي مثل هذه األوضاع ,من المستحيل أن يقوم اقتصاد السوق الحر ,بالعمل على تحقيق أهداف
التنمية االقتصادية واالجتماعية المتوازنة في حالة األراضي الفلسطينية اليوم وغداً .
ذلك إن تحقيق بعض أهداف التنمية ,تتطلب منا في الجبهة الشعبية المطالبة بتعديل المادة ()30
من القانون األساسي بحيث تصبح كما يلي :يقوم النظام االقتصادي في فلسطين على أساس مبادئ االقتصاد المختلط والتخطيط الذي يضمن تدخل الدولة وملكيتها لوسائل اإلنتاج الرئيسية بما يضمن
تطبيق مبادئ العدالة االجتماعية وتكافؤ الفرص والضمان االجتماعي والربط بين مبدأ االقتصاد الحر ومبدأ التوازن االجتماعي ,أسوة بالبلدان الرأسمالية التي تخلت عن الهيمنة المطلقة لمبادئ االقتصاد
الحر وربطت بينها وبين مبادئ العدالة االجتماعية والضمانات االجتماعية والصحية. األوضاع االقتصادية يف األراضي الفلسطينية
نظرة على األوضاع االقتصادية في الضفة والقطاع :
يتميز االقتصاد الفلسطيني بخصوصية ,تميزه عن باقي اقتصاديات البلدان العربية ,فهو محكوم
لشروط اتفاق أوسلو و بروتوكول باريس وسياسات وقوانين الدولة الصهيونية التي تتحكم في كافة
الموارد االقتصادية والقطاعات اإلنتاجية وغير اإلنتاجية ,عبر سياسات وأوامر عسكرية ,حالت دون تطور أو نمو البنية االقتصادية ...وجاء االنقسام في حزيران 3117ليكرس المزيد من عوامل
التفكيك االقتصادي عالوة على التفكيك السياسي واالجتماعي ,إلى جانب توليد ومراكمة المزيد من
المصالح ال خاصة ذات الطابع الطفيلي من خالل الشرائح الرأسمالية الرثة التي تكاثرت في إطار تجارة الممنوعات والتهريب عبر االنفاق .
وفي مثل هذه ااوضاع ،كان من الطبيعي أن تتإايد عوامل الضعف في مكونات االقتصاد
الفلسطيني ،عالوة علس حصار قطاع غإة وتدمير معالم المنتشآت الصناعية والإراعية.
نورد فيما يلي ,تطورات األداء االقتصادي الفلسطيني قبل وأثناء سنوات الحصار واالنقسام ,تعبر
عنها المؤشرات الرئيسية التالية :
-0إذا كانت الجدوى االقتصادية تُ َع َّرف بأنها قدرة االقتصاد على استخدام موارده البشرية والمالية وثرواته الطبيعية ,كي ينمو ويديم نفسه ,ويرتقي باألوضاع المعيشية للسكان المقيمين بمنطقته ,فإنه من المستحيل في الظروف الحالية الحديث عن الجدوى في الضفة الغربية
وقطاع غزة ,ألنهما ال يشكالن اقتصاداً واحداً موحداً ,إلى جانب أن البروتوكول االقتصادي
54
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كرس التبعية االقتصادية ,وظلت السياسة التجارية الفلسطينية مرتبطة بالسياسة التجارية َّ اإلسرائيلية.
وازداد الوضع سوءاً في ظل االنقسام حيث تعرض جزأي االقتصاد الفلسطيني ,أي الضفة
والقطاع ,إلى مزيد من التفكك بدالً من التكامل ,األمر الذي يشكل تحدياً خط ارً لمستقبل الدولة
الفلسطينية وقابليتها للحياة اقتصادياً ,أو توفر السيناريوهات التي تعزز خطط حركة حماس
وبعض القوى الخارجية في أن تصبح إقامة دولة فلسطينية أمر مسموح به في القطاع فقط, من دون الضفة ,التي يتم دمجها أكثر فأكثر في االقتصاد اإلسرائيلي واألردني في إطار ما
يسمى بـ"الخيار األردني -الكونفدرالية أو الفدرالية أو الدولة العربية المتحدة بجوازي سفر فلسطيني وأردني" أو "التقاسم الوظيفي اإلسرائيلي األردني الفلسطيني"
-3تسارع النمو الكمي في القطاع الحكومي ،حيث بلغ عدد العاملين في القطاع الحكومي عام )058( ،3100ألف يتبعون لحكومة رام اهلل باإلضافة ىلس ( )43ألف في حكومة حمار .
-3التناق
المضطرد في قدرة االقتصاد المحلي الفلسطيني علس خلق فر
قدرته علس التتشغيل واستيعا
عمل جديدة وتراجع
العمالة الفلسطينية ،اامر الذي أدى ىلس تنامي الاهرة البطالة
بتشكليما السافر والمقنع (يدخل ىلس سوق العمل الفلسطيني سنويال حوالي 41ألف تشا من الجامعيين ،وال تتجاوإ قدرة استيعا
السوق أو فر
!!).
-4استمرار الاهرة العجإ الكبير في الميإان التجاري،
معالممم
العمل الجديدة أكثر من 8أالف فقط
فقد بلغ ىجمالي قيمة الواردات السلعية
المرصودة خالل العام 3100حوالي 14.8مليار دوالر ،بارتفاع مقداره نحو %04عن العام . 3101أما الصادرات السلعية المرصودة خالل العام 3100فقد بلغت نحو 989مليون دوالر مقارنة مع 898مليون دوالر خالل العام .3101وعلس ذلت ،وصل عجإ الميإان التجاري
السلعي ىلس 3.9مليار دوالر خالل العام 3100وهذا يإيد بنسبة %5مقارنة مع عجإ العام 3.4( 3101مليار دوالر).
-8تنامي االتجاه لإيادة العون الدولي واإلسراليلي والعربي الرسمي للسلطة ،ما يعني المإيد من التبعية واالرتمان السياسي.
وفي هذا السياق نشير إلى غياب دور المستثمرين الفلسطينيين في تطوير االقتصاد
الفلسطيني وحل مشكلة البطالة .علماً بأن حجم االستثمار الفلسطيني في الخارج وفقا
لتقرير الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني وسلطة النقد الفلسطينية قد بلغ العام 3101
نحو 2.2مليار دوالر . 1
المصدر :المراقب االقتصادي واالجتماعي -معهد ماس – العدد – 31حزيران . 3103
55
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أما حجم االستثمار الفلسطيني في االقتصاد اإلسرائيلي فيبلغ حوالي 3.2مليار دوالر
(صحيفة القدس )3100\03\7
-6ارتفاع حجم الدين العام الفلسطيني من 0112مليون دوالر عام 3101إلى 3302
1
مليون
دوالر عام ,3100بما يعني استمرار ارتمان اإلنفاق الحكومي التطوري لما يتوفر من عون
دولي ،سواء كمنح أو قرو
.
-9الناتج المحلي اإلجمالي : 2ارتفع الناتج المحلي اإلجمالي عام 3100ليصل إلى 9232 مليون دوالر حسب الجهاز المركزي لالحصاء الفلسطيني ,يتوزع كما يلي :الضفة الغربية
2273.2مليون دوالر بنسبة %71.0من إجمالي الناتج المحلي ,وقطاع غزة 0121.9 مليون دوالر بنسبة %36.6من اإلجمالي ,وبالتالي بلغ الدخل الحقيقي للفرد في األراضي
الفلسطينية المحتلة (عام 0916 )3100دوالر بمعدل 0603دوالر للفرد في الضفة الغربية ,و 0092دوالر للفرد في قطاع غزة ,مع العلم بان السوق الفلسطيني يسوده نفس مستوى األسعار السائدة في السوق اإلسرائيلي ,الذي يبلغ متوسط نصيب الفرد فيه من الناتج
القومي اإلجمالي 22111دوالر ,أي أن نسبة متوسط دخل الفرد في فلسطين تشكل % 2.9 فقط من متوسط دخل الفرد في "إسرائيل" عام .3100
-1بلغ خط الفقر المدقع لألسرة الفلسطينية (عام 0123 )3100شيكل شهرياً ,أي أن معدل الدخل السنوي لألسرة (ضمن خط الفقر المدقع) 2620دوالر ,ومعدل دخل الفرد من هذه
األسرة 661دوالر سنوياً ,وبالتالي معدل الدخل اليومي للفرد 3.7دوالر ,في حين يقدر خط الفقر المتوسط لألسرة المرجعية (المكونة من ستة أفراد ,بالغين اثنين وأربعة أطفال) في األراضي الفلسطينية خالل (عام )3100حوالي 3111شيكل ,أي ان معدل الدخل السنوي
لألسرة (ضمن خط الفقر المتوسط) 6110دوالر ,ومعدل دخل الفرد السنوي 0202دوالر, ومعدل الدخل اليومي للفرد 2.0دوالر .
-9انخفاض حجم االستثمار خاصة في قطاع غزة بسب
التدمير اإلسراليلي لملات المصانع
والمنتشآت .أما على صعيد االستثمار والتطوير في المنتشات االقتصادية واإلنتشاءات والصناعة في الضفة الغربية ,يمكن مالحظة صعود رسمها البياني ضمن سياسات مرسومة ال تخرج عن شروط وقواعد ما يسمى بـ"السالم االقتصادي" كما طرحه رئيس حكومة العدو اإلسرائيلي بنيامين نتنياهو بداية عام , 3116وهي خطة ستؤدي لعزل االقتصاد في قطاع غزة عن
امتداده في الضفة الفلسطينية ضمن المتشمد الغإاوي أو ما يسمس بز "امارة غإة".
1 2
سلطة النقد الفلسطينية -تقرير االستقرار المالي - 3100تموز . 3103
المصدر :الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني , 3103إحصاءات الحسابات القومية ,رام اهلل – فلسطين
56
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-01توزعت مساهمة القطاعات االقتصادية في الناتج اإلجمالي (عام 6333 - 3100مليون دوالر) كما يلي( :يسمم قطاع الخدمات والتجارة بنسبة %68وقطاع الصناعة يساهم بنسبة ، %03.6قطاع الإراعة %8.8االنتشاءات %00.3وأخرى .)%8.9
-00بلغت القوى العاملة عام 0126111 : 3100عامل ,بنسبة %70في الضفة الغربية
ويبلغ عددهم ( 720161منهم %01يعملون في إسرائيل والمستوطنات) ,وبنسبة %36 في قطاع غزة ,ويبلغ عددهم . 217001أما بالنسبة لعدد العاملين بالفعل فيبلغ 121
ألف (في الضفة وغزة) موزعين بنسبة %70.3في الضفة وعددهم , 269922وبنسبة
%31.1في قطاع غزة وعددهم , 320222وقد بلغ عدد العاطلين عن العمل (عام 330 )3100ألف (في الضفة و غزة) ,يتوزعون بنسبة %07.9من مجموع القوى العاملة
في الضفة الغربية وعددهم , 023223وبنسبة %31.6في القطاع وعددهم 11722
(من مجموع القوى العاملة في القطاع) ...أي أن مجموع الفقراء تحت خط الفقر المدقع كما
يلي 330 :ألف عاطل عن العمل × معدل إعالة أربعة أفراد لكل منهم = 112ألف
شخص بنسبة %31.9من إجمالي السكان في الضفة والقطاع البالغ 2.36مليون نسمة
( 0.92مليون في قطاع غزة 3.92مليون في الضفة الغربية) ,أما نسبة الفقر المدقع في
الضفة فتبلغ ( %31.1وعددهم 236231فرد) ,ترتفع هذه النسبة في قطاع غزة لتصل إلى
( %30.9وعددهم 222131فرد).
-03البطالة :بلغ معدل البطالة في العام 3100في ااراضي الفلسطينية %09.3( %31.9 في الضفة الغربية و %35.9في قطاع غإة) .ومن أهم مواصفات البطالة في ااراضي
الفلسطينية في العام 3100ما يلي :
أنما مرتفعة في أوساط التشبا :بلغ معدل البطالة بين التشبا
من الفلة العمرية 34-08
س ز ززنة %83( %38.9لإلن ز ززاث و %33لل ز ززذكور) .ه ز ززذا ي ز ززوحي أن نس ز ززبة كبيز ز زرة م ز ززن العاطلين عن العمل في ااراضي الفلسطينية هم الداخلين الجدد لسوق العمل .
أنما متمركزإة فزي أوسزاط ااقزل تعليمزال بالنسزبة للزذكور .فمزي تبلزغ %33عنزد الزذكور ذوي تعلم 6-0سنوات ،بينما %04.9عند ذوي تعليم 03سنة فأكثر .
األجر وساعات العمل :وعلززس الززرغم مززن ارتفززاع متوسززط أجززر عمززال غ زإة ،ىال أن المززوة يززن متوسززط ااجززور فززي الضززفة والقطززاع مززا اإلززت واسززعة نسززبيال (ااجززر فززي القطززاع يمثززل %91فقززط مززن متوسززط ااجززر فززي
الضفة).
57
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الحد األدنى لألجور: تم ىقرار الحد اادنس لألجور بز 05481تشيكل تشمريا ،و 68تشيكل يوميا ،و 5.8تشيكل للساعة ،لكن هنات رأيان متعارضان بالنسبة لمعيار تحديد الحد اادنس لألجور في ااراضي
الفلسطينية.1
األول (ممثلو العمال) يرى أن يتم تحديد ااجر علس ضوء تكاليف مستلإمات الحياة الضرورية، والثاني يرى أنه يج
تحديده علس ضوء المتغيرات االقتصادية.
ومــن الواضــح أن الـرأي األول أو ممثلــو العمــال يــرون ,أن حســاب الحــد األدنــى لألجــر يــرتبط بالعالقة مع المستوى الضروري /المقبول للحياة ,بحيـث يزتم تحديزد الحزد اادنزس علزس ضزوء الدخل اادنس الضروري لحياة الفرد أو علس ضوء مستويات خطوط الفقر الوطنية . وفي هذا السياق ،نتشير ىلس أن خط الفقر التشمري للفزرد فزي "ىسزراليل" يبلزغ 35365تشزيكل .وخزط الفقززر التشززمري اسزرة مززن 4أفزراد هززو 85519تشززيكل .كمززا تجززدر اإلتشززارة ىلززس أن الحززد اادنززس الفعلي لألجر في ىسراليل اآلن هو 45311تشيكل/تشمر.
أمــا ال ـرأي الثــاني (أربــاب العمــل) :يطــالبون بحســاب الحــد األدنــى لألجــر ارتباط ـاً بالعالقــة مــع المتغي ـرات االقتصــادية ,ويززرون أيض زال ،أن الحززد اادنززس الضززروري للحيززاة يخلززط بززين السياسززة االجتماعيززة والسياسززة االقتصززادية ،والبززديل مززن وجمززة نالززر أنصززار هززذه المدرسززة هززو االنطززالق
لززير مززن خززط الفقززر لألس زرة ولكززن مززن مسززتوى ااجززور الفعليززة فززي السززوق ،أي مززن ىنتاجيززة العمل.
-هيكل النظام المالي الفلسطيني :
يتكون القطاع المالي الفلسطيني من نوعين رئيسين من المؤسسات ,المؤسسات الخاضعة
إلشراف سلطة النقد الفلسطينية ,ممثلة بالمصارف ,ومحال ومؤسسات الصرافة ,ومؤسسات
اإلقراض المتخصصة .والمؤسسات الخاضعة إلشراف هيئة سوق رأس المال الفلسطينية, ممثلة بقطاع األوراق المالية ,وشركات التأمين ,وشركات تمويل الرهن العقاري ,وشركات
التأجير التمويلي.
-القطاع المصرفي الفلسطيني:2
وصل عدد الفروع والمكاتب في نهاية العام 3100إلى 339فرعاً ومكتباً .
1 2
سلطة النقد الفلسطينية -تقرير االستقرار المالي - 3100تموز . 3103
المصدر السابق .
58
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
سجل صافي موجودات (مطلوبات) المصارف عام 3100نموال بنسبة %6.0مقارنة مع العام
.3101وهذا يعني أن إيادة بنحو 838.5مليون دوالر قد تحققت في موجودات (مطلوبات) المصارف خالل فترة المقارنة ,لتصل إلى حوالي 16002.7مليون دوالر مع نهاية العام
,3100موزعة كما يلي : -
%39فيما موإعة لدى البنوت في الخارو .
-
%0153أرصدة لدى سلطة النقد .
-
%858نقدية ومعادن ثمينة .
-
%3553تسميالت التمانية مباتشرة ( %30فيا للقطاع العام و %69للقطاع الخا
).
% 359أرصدة لدى البنوت في فلسطين .
%950محفالة ااوراق المالية .
-محال وشركات الصرافة :
في نهاية العام 3100بلغ عدد شركات الصرافة المرخص لها مزاولة المهنة في األراضي الفلسطينية 363شركة ,منها 321شركة في الضفة الغربية ,و 22شركة في قطاع غزة.
-مؤسسات اإلقراض المتخصصة:
عدد المؤسسات التي تزاول نشاط تمويل المشاريع الصغيرة قد بلغ 01مؤسسات خالل العام ,3100تعمل من خالل 91فرعاً ,وتتولس ىدارة محفالة من القرو
بلغت حوالي 98.9
مليون دوالر ،مرتفعة بنسبة %09مقارنة مع العام ،3101كما بلغ عدد العمالء الناتشطين 435419عميل ،موإعين بنحو 395933عميل في الضفة الغربية و 035315عميل في ال يتجاوإ 0931دوالر للقر
قطاع غإة .يذكر أن متوسط حجم القرو
الواحد.
-03تركيبة القطاعات االقتصادية حسب الملكية :القطاع العام والقطاع الخاص : يتكون االقتصاد الفلسطيني من قطاعين رليسين حس
الخا
.
الملكية وهما القطاع العام (الحكومي) والقطاع
المساهمة النسبية للقطاعين العام والخاص في التوظيف :2
القطاع العام (الحكومي) الفلسطيني أصبح قطاعاً رئيسياً من حيث توظيف (استخدام) قوة العمل,
حيث استوعب هذا القطاع % 37من العاملين في األراضي الفلسطينية عام ,3100وارتفع إلى
337ألف موظف عام 012( 3100ألف يتبعون حكومة رام اهلل 23 +ألف يتبعون حكومة
1 2
المصدر السابق .
دراسة بعنوان :رؤية بديلة لالقتصاد الفلسطيني – دراسة بحثية – إعداد د.نصر عبدالكريم و د.ماجد صبيح – تشرين الثاني .3101
59
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حماس) أي بزيادة إجمالية بلغت أكثر من %021بالنسبة إلى عدد العاملين في القطاع العام عام 0667اللذين لم يتجاوز عددهم 11ألف موظف.
أما القطاع الخاص فإنه استوعب القسم الرئيسي من العاملين نحو (. )%71
علس مستوى المنطقة ،ف ن القطاع العام بات موالفال رليسيال أو منافسال للقطاع الخا
اايدي العاملة في قطاع غإة ،حيث استوع
القطاع العام %45.1بينما استوع
%83.1من ىجمالي عدد العاملين في قطاع غإة . يعود ذلت ىلس تراجع دور القطاع الخا
اإلسراليلي أمام العمالة الغإية بتشكل تام.
في استخدام القطاع الخا
في قطاع غإة نتيجة الحصار وواغالق سوق العمل
في الضفة الغربية ارتفعت نسبة العاملين في القطاع العام ،من )0999( %04ىلس ( %09عام
.)3101
إن استعراضنا لهذه األوضاع وغيرها الكثير ,ينطوي على أهمية قصوى من أجل تفعيل دور الجبهة
في مواصلة النضال الديمقراطي والضغط الجماهيري إلنهاء االنقسام والعودة إلى االحتكام للنظام
األساسي والتعددية الديمقراطية والسلطة التشريعية ,بما يمكننا من بلورة رؤية وأسس وطنية تضمن تحقيق مبدأ العدالة االجتماعية كمحدد رئيسي لحركة ومسار االقتصاد الفلسطيني اآلن وفي المستقبل.
سنتناول فيما يلي أهم مكونات االقتصاد الفلسطيني ,المتمثلة في كل من القطاع الزراعي والقطاع
الصناعي والقطاع التجاري والخدمات ,والوضع المالي للسلطة خالل عام , 3100وموازنة حكومة
حماس ,وتجارة األنفاق .
أوالً /القطاع الزراعي:
علينا في الجبهة إيالء هذا القطاع اهتماماً خاصاً ,ألنه من أهم القطاعات اإلنتاجية في الضفة
الغربية وقطاع غزة ,حيث يعتمد عليه أكثر من %31من السكان (الذي يعملون في الزراعة وتربية
المواشي /الثروة الحيوانية ,وصيد األسماك) ,لكن مساهمته في الناتج اإلجمالي ال تتجاوز %9.2
1
في حين أنه يشغل %00.6من مجموع العاملين ( )16211عامل وعاملة . التعداد الزراعي :2 3101
الحيازات الزراعية :
عدد الحيازات الزراعية في األراضي الفلسطينية بلغ 111,310حيازات ,منها 90,908حيازات
فـي الضـفة الغربيـة وتشـكل مـا نسـبته ,% 81.7أمـا فـي قطـاع غـزة فبلـغ عـدد الحيـازات الزراعيـة 20,402حيازة ,تشكل ما نسبته % 18.3وذلك خالل العام الزراعي.2010 / 2009
1 2
المصدر :المراقب االقتصادي واالجتماعي -معهد ماس -العدد - 21تشرين أول . 3103
كراس التعداد الزراعي – – 3101الجهاز المركزي لالحصاء – كانون أول /ديسمبر 3100 ,
61
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أما على مستوى فئات المساحة للحيازات الزراعية فنجد أن % 42.2مـن الحيـازات الزراعيـة فـي
األراضي الفلسطينية وبواقع 46,982حيازة تقع ضمن فئـة المسـاحة الصـغيرة) أقـل مـن 3دونـم( ,و 23,348حيازة تقع ضمن فئـة المسـاحة( 2.66 -2دونـم) بنسـبة , %21.0و 13,456حيـازة
بنسـبة %12.1تقـع ضـمن فئـة المسـاحة ( 6.66 – 9.1دونـم) و 37231حيـازة أكثـر مـن 01
دونمات.
استخدامات األراضي: دونمزا ،منمزا بلزغ ىجمزالي مسزاحة الحيزاإات الإراعيزة فزي اا ارضزي الفلسزطينية 1,207,061 ل دونمزا فزي قطزاع غزإة وذلزت خزالل العزام الإ ارعزي دونما في الضفة الغربيزة ،و 101,915ل 1,105,146ل . 3101/3119 الثروة الحيوانية: 1
أسـا ،منمزا 24,290 األبقار :بلغ عدد اابقار التي يتم تربيتما فـي األراضـي الفلسـطينية 33,925ر ً أسا في قطاع غإة. أسا في الضفة الغربية و 9,635ر ل رل الضأن :عدد رؤور الضأن التي يتم تربيتها فـي األراضـي الفلسـطينية بلـغ 567,236رأسـا ،منمزا
أسا في الضفة الغربية ،و 61,403رؤور في قطاع غإة. 505,833ر ل أسـا ،منمزا المـاعز :عزدد رؤور المزاعإ التزي يزتم تربيتمزا فـي األراضـي الفلسـطينية 219,364ر ً أسا في قطاع غإة. أسا في الضفة الغربية ،و 12,150ر ل 207,214ر ل
أسـا منمزا 746 الجمال :بلغ عدد رؤور الجمال التي يتم تربيتما في األراضي الفلسـطينية 1,521ر ً أسا في قطاع غإة. أسا في الضفة الغربية و 775ر ل رل مزارع الدواجن :بلغ عدد أممات الدجاو الالحم في األراضي الفلسطينية 399.4ألـف طيـر ،وبلزغ
عدد الدجاو الالحم 31.1مليون طير ،أما عدد الدجاو البيا
طيززور الحززب
فقد بلغ 1.5مليون طير ،فيما بلغ عدد
521.1ألززف طيززر منمززا 274.7ألززف طيززر ذكززور ،وذلززت خززالل العززام
الإراعي.2010/2009 النحـل :بلزغ عزدد خاليزا النحزل فـي األراضـي الفلسـطينية 38,216خليـة .بالنسزبة لتوإيزع الخاليزا حسز
النزوع فقزد بلغزت 35,494خليزة حديثزة بنسزبة ، %92.9مقابزل 2,722خليزة تقليديزة بنسزبة
،%7.1وذلت كما.2010/10/01
1
المصدر السابق .
60
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أهم المشاكل والعقبات التي تواجه تنمية وتطوير القطاع الزراعي : .0مصادرة ااراضي ،واالغالقات ،والحصار ،وتشق الطرق االلتفافية ،والتجريف ،وواعاقة التسويق. .3غيا التخطيط التنموي للقطاع الإراعي وترابطه مع قطاع الصناعة . .3ضعف دور مؤسسات اإلق ار
الإراعي ،والبنوت في تقديم الدعم والتسميالت للمإارعين الفقراء.
.4تخلف قطاع التسويق الإراعي ،وضعف بنيته التحتية التي تتشمل عدم توفر تشبكة مواصالت جيدة خاصة بالنسبة للطرق من القرى ىلس المدن.
.8هنات متشاكل ذات طابع اقتصادي /اجتماعي ترتبط بتفتت الملكية الذي يؤدي ىلس ضعف اإلنتاو واإلنتاجية ،بل وأحيانا اإلهمال ،نال الر لقلة اإليراد وتدني العالد من الإراعة.
.6ضعف االستثمار في القطاع الإراعي.
.9عدم قيام متشاريع إراعية كبيرة نموذجية ذات تنوع ىنتاجي.
.5يعاني القطاع الإراعي في قطاع غإة من متشكلة ارتفاع ملوحة مياه الري واستنإاف المياه الجوفية. وفــي ضــوء مــا تقــدم فإنن ـا نؤكــد علــى تطبيــق مجموعــة مــن اإلج ـراءات الهادفــة إلــى تطــور القطــاع
الزراعي نذكر منها ما يلي: أ-
ضرورة تعديل اانماط اإلنتاجية بما يتناس
واحتياجات االستمالت المحلي.
-ضرورة ىيالء القطاع الإراعي الفلسطيني اهتمامال أكبر من خالل توفير ااموال الالإمة.
و -العمل علس ىدخال التقنيات الحديثة. د-
العمل علس توفير مصادر تمويل وواق ار
ضرورية إلقامة متشاريع إراعية نموذجية.
ه -ترتشيد عملية الرعزي ،بمزا يسزاهم فزي إيزادة أعزداد القطيزع واالرتفزاع بالقزدرات اإلنتاجيزة مزن اللحزوم و-
الحمراء والحلي
ومتشتقاته.
تنمية وتطوير الثروة السمكية.
إ -تتشجيع المتشاريع الريفية الصغيرة المنتجة في مجاالت تربية الحيوانات والدواجن. الم ـوارد المائيــة :حس ز
العديززد مززن المصززادر الرسززمية ،فقززد تسززب
الجززدار العنصززري فززي مصززادرة
أكثر من %08من أراضي الضفة الفلسزطينية ،وحجزإ فزي ذات الوقزت أهزم ااحزوا
الماليزة الفلسزطينية
في الضفة الغربيزة مزن الجمزة الغربيزة للجزدار لصزالح المحتلزين اإلسزراليليين واسزتخداماتمم المختلفزة ،سزواء للإراعة أو للتشر أو للصناعة ،اامر الذي سيؤدي ىلس تعطي
أرضمم الإراعية.
62
الفلسطينيين واتساع الاهرة التصحر فزي
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي هذا السياق ،تتشير تقارير الجماإ المركإي لإلحصاء ( )3101ىلس أن نسبة حصة الفلسطينيين
من مياه ااحوا
المالية %08فقط ،بينما حصة اإلسراليليين من هذه ااحوا
حالا والتي تقزدر بز.%58
تتشكل النسبة ااوفر
ىن مصززادر الميززاه الجوفيززة التززي يعتمززد عليمززا 0.9مليززون فلسززطيني فززي غ زإة تواجززه خطززر االنميززار،
ووايجاد مصادر مياه بديلة ،بما في ذلت بناء محطات تحلية المياه. يصل نصي
للفلسطيني.
الفرد اإلسراليلي السنوي من المياه نحو 0611مت ار مكعبا مقابل 481مت ار مكعبا فقط
تم تقدير كمية المياه النقية (المتجددة) المتوفرة في اار
الفلسطينية بنحو 3.4مليار متر مكع
سنويا ،حيث تقوم ىسراليل باستغالل نحو %91من هذه الكمية مقابل %08فقط للفلسطينيين( ،تحتاو ل الضفة سنويال ىلس 381مليون متر مكع ،أما قطاع غإة يحتاو ىلس 081مليون متر مكع ،يستملت القطاع الإراعي - %68واالستخدام المنإلي - %39وقطاع الصناعة )%5وبالتالي ىجبار الفلسطينيين علس تشراء المياه من تشركة المياه اإلسراليلية (ميكروت) ،التي أصبحت المصدر الرليسي
للحصزول علس المياه لالستخدام المنإلي ،حيث بلغت كمية المياه التي تم تشراؤها عام 3101من تشركة
'ميكروت' 83مليون متر مكع
في الضفة الغربية ،مقارنة مع 49مليون متر مكع
عام .3119
وتتركز مصادر المياه في الضفة الغربية في الخزانات الجوفية الرئيسية التالية :
-الخزان الغربي :ويمتد من جنو قلقيلية ىلس جنو جنين ،وهي منطقة غنية بالمياه العذبة.
الخزان الشمالي :ويتشمل منطقة جنين والمناطق المحيطة بما في التشمال والتشرق وهي غنيةبالمياه أيضا.
الخزان الجنوبي :ويمتد تحت القدر و بيت لحم حتس تشمال الخليل . الينابيع :يبلغ عددها حوالي ( ) 4111نبع . -اآلبار .
أما في قطاع غإة ف ن أهم الخإانات الجوفية فيزه وأكبرهزا وأعزذبما ،تقزع فزي منطقزة المواصزي لكزن تشزح
مياه االمطار وتإايد ضخ المياه الجوفية ارتباطال بإيزادة السزكان ،فقزد بزدأت الملوحزة (الكلوريزد) تتسزر ىلزس
هذه الخإانات .
ثانياً /قطاع الصناعة :
ىن تطور الصناعة يتشكل العمود الفقري أو جوهر العملية التنموية ،لما للتصنيع من دور ريادي في
هذه العملية.
63
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لكن العقبة الكبرى في مواجمة قطاع الصناعة – في الضفة وقطاع غإة – ال تتوقف عند التخلف
والتبعية فحس ،كما هو حال البلدان النامية ،بل ىنما تتجلس بالدرجة ااساسية في الوجود االحتاللي
ذلت يبدو أن االعتماد علس الدول المانحة ،وما رافق ذلت من مالاهر
الصميوني لبالدنا ،ووالس جان المبوط والتراجع واالنقسام وعدم االستقرار وضعف الدور الفعال للقطاع الخا
،عمق تشدة الحاجة
لمصادر التمويل الخارجية من جمة ،وأدى ىلس ىهمال تطوير القطاعات اإلنتاجية وخاصة الصناعة في
الضفة والقطاع مع تإايد االرتمان للسوق اإلسراليلي ،ىلس جان
غإة.
التدمير تشبه الكلي للصناعات في قطاع
فعلس الرغم من تإايد عدد المؤسسات ذات الصفة الصناعية ،ىال أن معدالت النمو اللت منخفضة في
القطاع الصناعي في الضفة والقطاع قياسا بقطاع الخدمات.
-مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي اإلجمالي 1 %03.9عام . 3100
عـدد مؤسسـات القطاع الصناعي :حوالي( )02ألف عام 3100منها حوالي 2111منشأة فيقطاع غزة .
التشغيل في القطاع الصناعي :حوالي %0012من مجموع العاملين عام 19211 3100عامل.
آثار الحصار على الصناعة : تراجعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتا اإلجمالي لقطاع غإة ،منذ نوفمبر ،3119من حوالي
%03ىلس أقل من %8حس
معالم التقديرات ،بسب
القطاع الصناعي ،حيث أدى ذلت ىلس انخفا
ىغالق حوالي %91من المنتشآت العاملة في
أعداد العاملين في القطاع الصناعي في قطاع غإة من
38.111عامل ىلس نحو 4.311عامل ،ووالس حوالي 0811عامل في منتصف عام .3119 وفززي هززذا السززياق ،ف ننززا نتشززير ىلززس أن أكثززر القطاعززات الصززناعية تضززر ار هززو قطززاع صززناعة ااثززاث
والمالبر والنسيا والصناعات الغذالية ،ىذ انخفضت عدد المنتشآت العاملة في قطزاع صزناعة ااثزاث فزي
قطاع غزإة مزن 611مصزنع خزالل العزام 3118ىلزس نحزو 031مصزنع فزي يوليزو 3119ثزم تراجعزت ىلزي أقل من 81مصنع في يوليو 3119وانخف
عدد العاملين في صزناعة ااثزاث مزن 85811عامزل ىلزس
نحو 881عامل في يوليو 3119ثم تراجع ىلي أقل من 311عامل في يوليو .3119
ثالثاً /قطاع الخدمات :
يغطي قطاع الخدمات في األراضي الفلسطينية أنشطة تجارة الجملة والتجزئة وأنشطة الفنادق
والمطاعم ,وأنشطة النقل واالتصاالت والتخزين واألنشطة العقارية وااليجارية ,وأنشطة التعليم, 1
المصدر :المراقب االقتصادي واالجتماعي -معهد ماس -العدد - 31حزيران 3103
64
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والصحة ,والعمل االجتماعي ,وأنشطة الخدمة االجتماعية والشخصية األخرى ( .مساهمة في التشغيل
حوالي %91ما يعادل 220ألف عامل ,أما مساهمة في الناتج اإلجمالي ,)%92وفي هذا الجانب
أشير إلى أن التجارة (وهي جزء من الخدمات) تستوعب %01من األيدي العاملة الفلسطينية ()022 ألف عامل وتسهم في الناتج اإلجمالي بنسبة . %02
نشير إلى أهمية قطاع الخدمات في تنشيط الحركة التجارية والسياحية والمعرفية والنقل
والمواصالت واالتصاالت ,بما يعزز الفرص االستثمارية ,لكن في إطار الترابط مع قطاعي اإلنتاج
الرئيسيين :الزراعة والصناعة .
وفي هذا السياق ،نؤكد علس أن السياسة التجارية الفلسطينية واالتفاقيات االقتصادية المبرمة لم تساعد علس توسيع وتنويع قاعدة اإلنتاو المحلي ،بل أدت لتراجع القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية أمام
الواردات ،التي ارتفعت عام 3100ىلس 3139مليون دوالر ،والصادرات لم تتجاوإ 483مليون دوالر، وبالتالي ف ن العجإ في الميإان التجاري بلغ 3898مليون دوالر ،والسب
عدم انتماو سياسية تجارية فلسطينية لضبط وتقييد الواردات .
في تراكم هذا العجإ يعود ىلس
-نســبة التجــارة الخارجيــة مــع "إس ـرائيل" وصــلت إلــى ح ـوالي % 11 - %77مــن حجــم التجــارة
الخارجية الفلسطينية خالل السنوات الماضية ,تليها دول االتحاد األوروبي ,ثم األردن ,ثـم بـاقي الـدول
العربية.
خالصة الوضع المالي للسلطة الفلسطينية خالل العام :1 3100 .0الل ززت اإليز زرادات العام ززة للمواإن ززة عل ززس مس ززتواها تقريبز زال ب ززين الع ززامين 3.3( 3100/3101ملي ززار دوالر تقريبزال) ،هززذا علززس الززرغم مززن انخفززا
المسززاعدات الخارجيززة بمقززدار .%33والسززب
فززي
ذلت يعود ىلس ارتفاع اإليرادات المحلية بمقدار %04.8بين العامين (ىلس 3.3مليار دوالر).
.3جاءت معالم الإيزادة فزي اإليزرادات المحليزة مزن االرتفزاع فزي ىيزرادات المقاصزة التزي بلغزت 0459 مليون دوالر في حين أن اإليرادات المحلية (الضريبة والرسوم) بلغت 913مليون دوالر.
.3ارتفعت حصة الروات دوالر.
وااجور من ىجمالي اإلنفاق الجاري لتصل عام 3100ىلس 0699مليون
.4ارتفع الدين العام (عام )3100ىلس 35303مليون دوالر ( %38.3من الناتا المحلي اإلجمالي) مقابل 05553مليون ( )%33.6في العام .3101
1
المصدر :المراقب االقتصادي واالجتماعي -معهد ماس -العدد - 21تشرين أول . 3103
65
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
األزمة المالية للسلطة الفلسطينية :1 يمكن الحديث عن ااإمة المالية للسلطة ضمن خمسة مستويات ،هي :
.0أإمة خسارة سنوية في الناتا المحلي . .3أإمة مديونية متراكمة مع فوالدها
.3أإمة العجإ الجاري في مواإنة السلطة.
علس االقتصاد الفلسطيني.
" .4ااإمة بالعدوى"؛ فما يصي االقتصاد اإلسراليلي ،ينسح " .8ااإمة االحتياط" ،المتأتية عن َّ تحكم "ىسراليل" باالقتصاد الفلسطيني.
يقول الرفيق د.حسين أبو النمل" :حين يتم الحديث عن أإمة مالية غير مسزبوقة ،ال نكزون أمزام أإمزة تخز
عززام 3103حصز الر ،بززل أإمزات َّ مرحلززة تراكميزال منززذ 3115وصزوالل لسززنة ،3103التززي بززدأت مززع
ديززن يبلززغ 0.8مليززار دوالر ،وفززق أرقززام رلززير الززوإراء ،و 3.3مليززار وفززق معطيززات المجلززر االقتصززادي الفلسطيني للتنمية واإلعمار "بكزدار" .وبزذلت ،يمكزن الحزديث (كمزا يؤكزد د.حسزين أبزو النمزل) عزن مديونيزة
في سنة 3103تتراوح من 3 - 3.8مليارات دوالر ،باعتبار أن العجزإ المتوقزع يبلزغ حزوالي مليزار دوالر وفق تقديرات فيا
".2
وفــي هــذا الجانــب ,يوضــح د .أبــو النمــل ,الكلفــة التــي يــدفعها االقتصــاد الفلســطيني ســنوياً ج ـراء االحززتالل ،تبلززغ
االحــتالل ,فيقــول :ثمززة رقززم متززداول يقززول أن خسززارة االقتصززاد الفلسززطيني سززنويال بسززب 6.5مليارات دوالر ،أي أكبر مزن النزاتا المحلزي سزنة ،3103المق َّزدر بحزوالي 6مليزارات ،أي أنزه مقابزل كل قر ينتجه الفلسطيني يخسر ما يساويه جراء االحتالل.
وبالتززالي فز ن تززوفير النززاتا المحلززي الممززدور ،يعنززي تززوفير دخززل وطنززي مسز ض زاو تقريبزال ،ممززا يعنززي أيضزال
توفير ضريبة دخل للسلطة تبلغ حوالي مليار دوالر سنويال ،تعادل المساعدات الخارجية الموعودة.
فبالمقارنززة مززع "ىسزراليل" التززي بلززغ عززدد سززكانما عززام 3100نحززو 9.5ماليززين نسززمة ،مززع نززاتا محلززي
يتجززاوإ 344مليززار دوالر ،يقززول د .أبززو النمززل :لززو تعادلززت اإلنتاجيتززان الفلسززطينية واإلس زراليلية ،ف ز ن 4.09مليون فلسطيني ،يساوون %83.3من سكان "ىسراليل"؛ يج
أن ينتجزوا 031مليزار دوالر ،التزي
هي قيمة %83.3من ناتا "ىسراليل" ،ان الضفة وغإة مدارة منذ 48سنة من قبلما ،مما يفتر ىنتاجية كل منمما لو تعرضتا للتطور اإليجابي نفسه.
1
2
تقار
المرض! - العرض وابقاء َ د .حسين أبو النمل -موقع الزيتونة -التقدير استراتيجي ( :)21أزمة المالية العامة الفلسطينية :مداواة َ أيلول/سبتمبر . 3103
المصدر السابق -د.حسين أبو النمل .
66
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بنززاء عليززه- ،كمززا يضززيف د .أبززو النمززل -يمكززن القززول ىن النززاتا المحلززي الفلسززطيني االفت ارضززي يبلززغ
031مليززار دوالر ،أي 33ضززعف النززاتا المحلززي ال زواقعي البززالغ ح زوالي سززتة مليززارات ،أي %4.6مززن
حجمه االفتراضي .يعني ما تقدم أن خسارة الناتا المحلي الفلسطيني ،نتيجة تدني اإلنتاجية ،تعادل 034 مليار دوالر سنويال.
ولك ز ززي يتالف ز ززس د .أب ز ززو النم ز ززل اخ ز ززتالف تش ز ززروط اإلنت ز ززاو ف ز ززي "ىسز ز زراليل" ،وافتز ز ز ار
ص ز ززعوبة توفره ز ززا
للفلسطينيين ،يقدم مثالل ثانيال هو لبنان مع عدد سكان تشبيه بعدد سكان أراضي السلطة ،وناتا محلي يبلغ
حوالي 48مليار دوالر ،أي أكثر من سبعة أضعاف الناتا الفلسطيني.
وبززالنالر ىلززس أن دولززة العززدو اإلس زراليلي ،تبززدي قلق زال تشززديدال مززن تطززور ااإمززة الماليززة للسززلطة ىلززس حززد
انمياره ززا أو لجولم ززا ىل ززس تحرك ززات أحادي ززة ،أو ان ززدالع انتفاض ززة ثالث ززة ،أو حص ززول فوض ززس .بس ززب المخاوف ،توجمت بطل
ه ززذه
عاجل ىلس اإلدارة اامريكيزة واالتحزاد ااوروبزي بتحويزل ملزات ماليزين الزدوالرات
ىلس السلطة إلنقاذها من االنميار ،عالوة علس ما تقدمه من أحوال السلطة المحتجإة لديما. إذاً ,تؤكــد الوقــائع ثانيــة أن لــدى "إس ـرائيل" ق ـرار فــتح واغــالق صــنابير المســاعدات الخارجيــة علــى
السلطة ,لمنع االنفجار وليس لحل المشكلة ,مما يقتضي من النخبة االقتصادية الفلسطينية اسـتثمارها
فكرياً باتجاه إنهاء االنقسام وتشكيل رؤية تحظـى بإجمـاع وطنـي يـدعو إلـى مسـار سياسـي جديـد ,هـو
وضـــع إنهـــاء االحـــتالل عنوانـــاً وحيـــداً للحـــل .غيـــر ذلـــك ,لـــيس إال العـــيش المؤقـــت بانتظـــار االنهيـــار
واالنفجار.
ذلت يقتضي ىجماع القوى السياسية الفلسطينية وتوحدها هزو تشزرط أول لحمزل أعبزاء المرحلزة التاريخيزة المعقدة الراهنة بكل أبعادها االقتصادية والسياسية .
وبالتززالي نحززن بحاجززة ىلززس تززوفير ىرادة سياسززية ووادرات عميززق يصززل حز َّزد اليقززين ،بضززرورة مغززادرة موقززع المتلقي ىلس موقع المبادر ،لير فيما يخ ااعداء بل ااصدقاء أيضال ،الذين آن لمم أن يعطوا فلسطين حس ز حاجتمززا وكحززق لمززا ،ال أن يأخززذوا منمززا بالسياسززة مززا يعطونززه لمززا بالمززال ،الززذي يبززدو " ِمن زةل" مززنمم
عليما .أي أن تقرر فلسطين ما تريده منمم ال أن يقرروا هم لما ،وأن تكون واليفتمم خدمة فلسطين ال أن تكون في خدمتمم!
موازنة "حكومة" حماس :
فززي ديسززمبر 3103أعلنززت حكومززة حمززار مواإنتمززا لعززام 3103بقيمززة ىجماليززة بلغززت 599مليززون دوالر ،منمززا 343مليززون دوالر ىي زرادات محليززة أي بنسززبة %39والبززاقي قيمتززه 684مليززون دوالر ،أي ما يقار %93عجإ يفتر
تغطيته من التبرعات الخارجية .
67
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي هذا الجانب ,نشير إلى بعض مصادر التمويل األساسية لحكومة حماس كما يلي :
األول :ىيرادات الضرال
والرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم ،والثاني :استغالل أراضي المواصي (
المستوطنات المخالة ) فزي تنمية القطزاع الزإراعي والحيواني وتربية السمت ،والثـالث :التبرعات من حركزة اإلخوان المسلمين ،والرابع :معونات من قطر والسعودية وغيرها من البلدان العربية واإلسالمية . تتكون الموازنة العامة لحكومة حماس أربع بنود هي :
.0الروات ز
وااجززور وخص ز
لمززا مبلززغ 449مليززون دوالر " " %81مززن المواإنززة لتغطيززة روات ز
وأج ززور 435111موال ززف يمثل ززون ىجم ززالي الجم ززاإ البيروق ارط ززي لم ززا (الرواتز ز
3103من حكومة رام اهلل بلغت 0993مليون دوالر).
وااج ززور لس ززنة
.3النفقززات التتشززغيلية و هززي تغطززي مصززاريف تتشززغيل الززو اإرات وخززدمات الميززاه والكمربززاء ومممززات السفر والبريد وتبلغ قيمة 013مليون دوالر " "%00.45من ىجمالي النفقات العامة .
لمزا
.3النفقات التحويلية ،و يقصد بما معاتشات التقاعزد ومخصصزات الرعايزة االجتماعيزة و خصز 001مليون دوالر أي نسبة % 03.36من ىجمالي النفقات العامة.
.4النفقززات ال أرسززمالية و التطويريززة وتتشززمل تش زراء اصززول جديززدة وتنفيززذ متشززاريع تطويريززة مثززل تشززق الطرق وبناء المدارر وقد خص
تحليل الموازنة:
لما مبلغ 338مليون دوالر أي ما نسبته .%36
ارتفاع الموازنة المخصصة لألمن مقابل القطاعات األخرى . "خصصت المواإنزة مبلزغ 340مليزون دوالر ( )%31مزن المواإنزة لقطزاع اامزن و النالزام العزام فزي
حززين خص ز
مبلززغ 350مليززون دوالر " "%34لعززدد مززن الززو اإرات ااساسززية مجتمعززة و هززي الماليززة-
االوقززاف-سززلطة الميززاه-المتقاعززدون -فززي حززين خص ز
مبلززغ 03مليززون دوالر اي مززا نسززبته % 0.8
للتنميزة االقتصزادية .هنززا ال يوجزد اخزتالف كبيززر مزع الحكومززة الفلسزطينية فزي رام اهلل التززي تخصز من %31منما لألمن .بما يؤكد أن اامن هو االولوية االهم لكليمما".1
تجارة األنفاق
2
أكثززر
:
الحديث عن التهريب واألنفاق في مدينة رفح هو حـديث عـن ظـاهرة تاريخيـة تراكمـت واتسـعت عبـر
خبرة التجارب القاسية -مع الهجانـة وسـالح الحـدود المصـري فـي المرحلـة الممتـدة مـن عـام -0626
0697ثم المرحلة التالية من االحتالل وما تالها منذ قيام السلطة عام 0662إلى اليـوم -عبـر إطـار
1
عمر شعبان -مقال بعنوان :حول موازنة حكومة حماس ...خطوة صغيرة في طريق الشفافية الطويل 32 -يناير - 3102االنترنت - موقع .. www.palthink.org
2غازي الصوراني -ورقة حول :أنفاق رفح وآثارها االقتصادية واالجتماعية والسياسية -االنترنت الحوار المتمدن .www.ahewar.org
68
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
من العالقات االجتماعية التراتبية السرية والعلنية في مساحة جغرافية تخطت حدود رفح إلى سيناء فـي
إطــار العالقــات والمصــالح المشــتركة مــع قبائلهــا البدويــة ,بصــورة عملــت علــى ضــمان نجــاح عمليــة
التهريب عبر الشريط الحدودي الذي يبلغ طوله حوالي 03كم وعرضه حوال 711متر .
وبسبب هذا الحصار واإلجراءات المرتبطة بـه ,لـم يكـن مسـتغربا فـي شـيء ,بـل كـان -ومـا زال-
أم ارً طبيعيا أن تتجدد وتتسع عملية بناء األنفاق التي كان يتوجب علـى كافـة فصـائل المقاومـة والقـوى الوطنيــة أن تبــادر إلــى اإلش ـراف عليهــا وتنظيمهــا كشــكل مــن أشــكال التحــدي للحصــار وتعزيــز صــمود المواطنين ,لكن لألسف سرعان ما تحولت األنفاق إلى تجارة مزدهرة تقدر قيمتها اإلجمالية نهاية عـام
3103بحـــوالي 111مليـــون دوالر ,اســـتخدمت مئـــات العـــاطلين عـــن العمـــل ,المســـتعدين للمخـــاطرة بحيـاتهم لحسـاب جماعـات التهريـب فـي كـل مــن رفـح الفلسـطينية والمصـرية الـذين لـم تنقطـع عالقــتهم
بعمليات التهريـب ارتباطـا بصـالتهم االجتماعيـة والعائليـة/العشـائرية وجماعـاتهم المنظمـة منـذ انفصـال
رفح المصرية عن الفلسطينية عام . 0613
ولذلك فإن تهريب البضائع وغيرها -عبر أنفـاق رفـح , -هـي عمليـة تخـتلط الـدوافع واألسـباب لـدى
العاملين فيها بصورة مملوءة بالتناقض والمفارقات ,بدءا من أسباب الفقر والحاجة بـالمعنى اإلنسـاني وصوال إلى جشع العصابات عبـر تهريـب كـل أنـواع السـموم والمخـدرات مـرو ار بمـا بينهمـا مـن متنفـذين
هـم لهـم سـوى تحقيـق وتجار كبار يتحكمون بالسوق ويحتكرون السلع ويفرضون الغـالء الفـاحش ,ال ً
الحد األقصى من األرباح دونما أي اعتبار ألي بعد إنساني أو وطني .
المهم هنا هو انتعاش واتساع وتطوير الخبرات في عملية التهريب التي تحولت إلى صناعة منظمـة
عبر األنفاق التي باتت تخضـع لقـوانين أو أنظمـة خاصـة بهـا ,حيـث أصـبحت األنفـاق مهنـة أساسـية
ألصحابها ومصد ارً هاماً للحصول على الثروة ليس فقط من تهريب السلع والبضائع للسوق وانما أيضا من تهريب الممنوعات بكل أنواعها تحقيقا لمزيـد مـن الـربح والثـروة ,حيـث تشـكلت شـريحة اجتماعيـة من أثرياء األنفاق تمكنوا مـن مراكمـة ثـروات هائلـة فـي وقـت زمنـي قصـير وأصـبح الحـديث عـن وجـود
المليونيرات المحدثين من األنفاق والعقارات بما يزيد عن ألف مليونير في قطاع غزة .ليس لهم عالقة
بالمشــاريع االســتثمارية المنتجــة نظــ ارً لفقــدانهم الحــد األدنــى مــن الخبــرة أو القــيم الوطنيــة ,فــاتجهوا لالستثمار في األراضي وبناء الشاليهات الباذخة وشراء أحدث السيارات الفارهه ,األمـر الـذي أدى إلـى
انتشاء العديد من أنماط النشـاط االقتصـادي الطفيلـي ,الترفـي التفـاخري البـاذخ وأسـهم فـي تزايـد حالـة التراجع في منظومة القيم األخالقية والوطنية.
لكـن المثيــر للقلــق بــالمعنى االجتمــاعي والسياســي ,إمكانيـة تزايــد انتشــار القــيم االجتماعيــة الســالبة
علــى حســاب منظومــة القــيم الوطنيــة واالجتماعيــة التكافليــة جنبــاً إلــى جنــب مــع اســتمرار االنقســام,
69
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وبالتالي توفير المزيد من الـدوافع للشـرائح االجتماعيـة الرثـة مـن تجـار األنفـاق أو العصـابات المنظمـة
المتخصصــة فــي التهريــب رغــم كــل المخــاطر 1المرافقــة لهــا طالمــا هــي وســيلة لضــمان تحقيــق الثــروات الطارئة وتراكمها الهائل في زمن قياسي قصير ,علـى الـرغم مـن انتشـار السـوق السـوداء واالحتكـارات
وتزايــد مظــاهر الغــالء الفــاحش ,وهــو أمــر طبيعــي ارتباط ـاً بالمصــالح الطبقيــة والخاصــة القائمــة علــى االســتغالل فــي كــل الظــروف طالمــا تــوفرت اإلمكانيــة لــذلك فــي ظــل فوضــى األنفــاق وفوضــى التهريــب
وفوضى االحتكارات دون أي شكل من أشكال الرقابة والتقنين بالنسبة ألنـواع البضـائع أو لنسـبة الـربح
وتحديد األسعار .
ويبــدو أن إدامــة عمليــة التهريــب عبــر األنفــاق تنطــوي علــى مصــالح متنوعــة ومنفصــلة ,فهنــاك
مصـالح لســلطة حمــاس (وبعــض أجهزتهــا) ارتباطــا بالحصـار حيــث أن معظــم أصــحاب األنفــاق هــم مــن
المقربين من حركة حماس أو من المحسوبين عليها ,ومصالح مصـرية (اقتصـادية) ,ومصـالح أمنيـة إسرائيلية إلى جانب مصالح مجموعات التهريـب الفلسـطينية المتشـابكة مـع كافـة الجهـات ,ومـا يعنيـه
استمرار هذا الوضع من المزيد من األضرار واالنهيار للمصانع واإلنتاج المحلي الذي لم يعد قاد ارً علـى المنافسة بسبب االرتفاع الهائل في كلفة المواد األولية المهربة مـن ناحيـة ومنافسـة سـلع األنفـاق مـن
ناحية ثانية .
إذن يمكن القول أن األنفاق لم تقدم إال حالً جزئياً في توفير السلع الضرورية ,لكنها لم تسـهم فـي
تخفيف األعباء عن المواطنين الفقراء بسبب جشع التجار و ارتفاع األسعار إلى عدة أضـعاف ,بحيـث
أصـــبحت األنفـــاق أداة رئيســـية لالســـتغالل و االحتكـــار و الثـــروات الســـوداء المتراكمـــة لـــدى الشـــرائح
المسـتفيدة 2منهــا ( أصـحاب األنفــاق و المهـربين – و التجــار عمومـاً و تجــار الـنفط خصوصـاً ) األمــر الذي سيؤدي إلـى تزايـد تفسـخ النسـيج االجتمـاعي بعـد أن تفسـخ النسـيج الـوطني و السياسـي و غـاب تأثير األهداف أو األفكار الوطنية الكبرى التوحيدية بسبب اسـتمرار االنقسـام السياسـي و االجتمـاعي و
االقتصادي في المجتمع الفلسطيني .
وفي ضوء ذلك يمكن القول "ان اقتصاد تجارة األنفاق يقـوض إمكانيـة بنـاء وتأسـيس اقتصـاد منـتج
سوي يؤسس لمعالجـة الخلـل القـائم يقوم على تعظيم الموارد الذاتية المتوفرة والممكنة ,تمهيداً القتصاد ّ في الميزان التجاري ,ويعزز إمكانات االقتصاد المجتمعـي المؤسـس علـى تحفيـز إنتـاج الخبـرات الماديـة من سلع وخدمات من شأنها توفير المقومات المادية لتنمية اقتصادية مستدامة تضع في المقـام األول
مكافحة ظاهرتي البطالة والفقـر ضـمن سياسـات اقتصـادية ماليـة وتجاريـة ونقديـة متوازنـة تنحـو نحـو
1 2
عدد القتلى منذ عام 3117وصل إلى 323شخص حتى تاريخ /07يناير - 3102/مركز الميزان -االنترنت .
حسب ال تقديرات فقد تراجع عدد األنفاق إلى نحو ألف نفق بداية عام . 3102
71
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
العدالة االجتماعية ,وتضع حداً للعمل غيـر المنـتج والثـراء الفـاحش والغيـر مشـروع ,وتقضـي علـى قـيم تجار الموت ليحل محلها قيم التنوير والنهضة تمهيداً للحداثة واللحاق بركب التقدم".1
المخاطر السياسية واالقتصادية واالجتماعية الناجمة عن استمرار االنقسام :
بعد مرور أكثر من ستة أعوام على االنقسام ,بات من الواضح أن القوى الرأسـمالية بكـل شـرائحها
هي محل منافسة بين حكومتي رام اهلل وحماس غير الشرعيتين ,حيث تسعى كـل منهمـا إلـى استشـارة
المتنفـــذين فيهـــا مـــن كبـــار الرأســـماليين فـــي الضـــفة والقطـــاع ,وارضـــائهم عبـــر تأكيـــد حـــرص كـــل مـــن
الحكومتين على مصالحهما ,وهو أمر غير مستغرب انطالقاً من التزام الحكومتين بقواعد وأسس النظام الرأسمالي والسوق الحر ,وعند هذه النقطة يمكن تفسير صـراعهما علـى السـلطة والمصـالح دون ايـالء
األهمية المطلوبة في معالجة الظواهر االجتماعية الداخلية المتفاقمة ,التي تتجسد في اتساع الفجوة –
بصورة غير مسبوقة -بـين %2مـن الشـرائح االجتماعيـة الرأسـمالية العليـا ,وبـين %62مـن الشـرائح
االجتماعيــة الفقيــرة والمتوســطة فــي الضــفة وقطــاع غــزة ومخيمــات اللجــوء والمنــافي ,بســبب الحصــار واالنقســام ,بــل واســتمرار ذلــك الص ـراع بينهمــا عبــر تغذيــة داخليــة وخارجيــة ,حيــث نالحــظ تغيــر شــكل وترتيب أنساق القيم المجتمعية ,بحيث باتت قيم الثروة والثراء واألنانيـة واالنتهازيـة وثقافـة االسـتهالك
تحتل قمة هرم القيم ,في حين تـأتي قـيم النضـال السياسـي والـديمقراطي والشـعبي والكفـاحي والنقـابي ,
وقيم الحق والخير والتكافل والدافعية الوطنية في أسفل سلم القيم.
إننا إذن ,أمام حركة متسارعة مـن تـراكم رأس المـال الطفيلـي القـائم علـى الـربح السـريع والعمـوالت
والتهريب وغسل األموال والصفقات ومظاهر البذخ الكمـالي التفـاخري –الداخليـة والخارجيـة -البعيـدة -
إلى حد كبير -عن إطار تطور اقتصاد الصمود عبر التخطيط والتنمية والتقشف بعدا شاسعا .
وبالتـــالي فـــان التشـــابك والتـــداخل العضـــوي فـــي المصـــالح بـــين كافـــة الشـــرائح العليـــا الطفيليـــة,
الكومبرادوريــة التجاريــة والصــناعية والزراعيــة والعقاريــة والمصــرفية… الــخ ,هــو تــداخل فــي المصــالح االجتماعية االقتصادية والسياسية في الضفة وقطاع غزة ذات المنطلـق والمصـالح الجوهريـة المشـتركة
,التــي يمكــن أن تســهم بــدورها فــي تقريــب المســافات بــين القطبــين المتصــارعين ,س ـواء عبــر أصــحاب رؤوس األموال وطموحاتهم السياسية الجديدة أو عبـر مـا يسـمى بالمسـتقلين الجـدد مـن أبنـاء الشـرائح
"البرجوازية" بكل أنواعها ,الطامحين إلى دور سياسي تـوفيقي أو "معتـدل" بصـورة انتهازيـة فـي ظـروف وفـرت لهـم هـذه اإلمكانيـة رغـم ان أي مـنهم ال يملــك أي تجربـة أو لحظـة تاريخيـة فـي صـفوف الحركــة
الوطنية ,مع مالحظة الدور الذي يحاول أن يلعبه عدد غير قليل ممـن تخلـوا عـن أحـزابهم -اليسـارية
1
وفيق االغا و سمير أبومدللة -اقتصاد االنفاق ضرورة وطنية أم كارثة اقتصادية واجتماعية -مجلة األزهر -غزة -العدد .3100 - B0
70
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
خصوص ـاً -لحســاب البرنــامج السياســي الهــابط للســلطة أو عبــر منظمــات NGO'sفــي مقابــل تــأمين مصالحهم االنتهازية الخاصة.
إذن نحن في مواجهة خارطة سياسية جديدة ,محكومة في مسـاحة كبيـرة منهـا ,بالمصـالح الفئويـة,
إلى جانب الص ارع والمنافسة غير المبدئية بين القطبين ,وهي كلها عوامل ستسهم في المدى المنظـور
في زيادة الفجوة علـى الصـعيد االجتمـاعي بـين المصـالح الطبقيـة للشـرائح العليـا – فـي الحكـومتين, - وبين الشرائح الشعبية الفقيرة من العمال والفالحين والبورجوازيـة الصـغيرة ,مـع بقـاء الحصـار والعـدوان
ومظاهر الدمار والخراب فـي قطـاع غـزة ,إلـى جانـب تفتيـت الضـفة الغربيـة عبـر الجـدار والمسـتوطنات
والح ـواجز واالعتقــاالت ,واســتمرار التفــاوض العبثــي ومضــامينه السياســية الهابطــة ,كــل ذلــك أدى إلــى تراجع القاعـدة الجماهيريـة لكـل مـن حركتـي فـتح وحمـاس بنسـب متفاوتـة ,بحيـث لـم تعـد هـذه القاعـدة
قائمة على أساس االقتناع وااللتزام الفعلي والموضوعي بالشـعارات أو البـرامج المطروحـة مـن الفـريقين
(رغم التباين بينهما) بسبب مظاهر القلق واإلحباط واليأس التي تزايدت تراكماتها منذ ما بعد االنقسام , حيــث أن هــذه القاعــدة الجماهيريــة باتــت –فــي الظــروف الراهنــة -محكومــة إلــى حــد كبيــر لالحتياجــات والمتطلبات الحياتية وسـبل العـيش المرتبطـة بكـال الحكـومتين فـي رام اهلل وغـزة ,مـا يعنـي تراجـع الـوالء
للــوطن والنضــال الــوطني التحــرري ,ومــن ثــم تراجــع األفكــار واألهــداف الوطنيــة التوحيديــة فــي الذهنيــة
الشعبية في أوساط فقراء شعبنا لحساب لقمة العيش ,في حين تراجعت هـذه األفكـار واألهـداف الوطنيـة
فــي أوســاط الطبقــات "البرجوازيــة" والش ـرائح البيروقراطيــة العليــا لحســاب الهبــوط بتلــك األهــداف وفــق متطلبات وشروط التحالف اإلمبريالي الصهيوني والنظام العربي بما يضمن مصالحهم الطبقية األنانيـة,
على حساب مصالح فقراء شعبهم ,عبر المزيد من مظاهر الجشع واالستغالل واالحتكارات البشعة .
وفــي ضــوء هــذه االســتنتاجات ,فــإن مــن أولويــات وواجبــات الفصــائل الوطنيــة الديمقراطيــة عموم ـاً
والجبهة الشعبية خصوصاً ,أن تبادر إلى مجابهة هذا الواقع عبر صياغة األسس واألفكار االقتصادية
التنموية للخروج من هذه األحوال االقتصادية المتردية .
أفكار أولية مقترحة حول اإلستراتيجية االقتصادية التنموية في نظام فلسطيني ديمقراطي موحد:
يفترض الحديث عن اإلستراتيجية التنمويـة ,وضـوحا مؤكـدا فـي معـالم المسـتقبل االقتصـادي ألي
بلد من البلدان ,وبالتـالي فـإن تنـاول موضـوع اإلسـتراتيجية التنمويـة فـي أرضـنا الفلسـطينية المحتلـة ال تعترضــه ضــبابية المســتقبل وتعقيــدات الحاضــر ,لــيس بالنســبة لالقتصــاد فحســب ,بــل تعترضــه أيضــا إشكالية عدم اليقين بالنسـبة للمسـتقبل السياسـي أيضـا ارتباطـا بـالموقف العـدواني اإلسـرائيلي المسـنود
بدعم أمريكي صريح ومباشر ,وبنظام عربي وصل إلى حالة من التبعية والخضوع والتفكك بـات يتعامـل عبرها مع قضيتنا الفلسطينية وحقوقنا السياسية واالقتصـادية كعـبء ثقيـل علـى كاهلـه لـم يعـد قـاد ار أو
راغبا في التعاطي معه إال في حدود ما تسمح به السياسة األمريكية . 72
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لذلت ف ننا ال نبالغ في القول ىن اقتصادنا الفلسطيني – خاصة في الروف االنقسام والحصار والتدمير
اإلسراليلي بات أكثر ضعفا وانكماتشا مما كان عليه من قبل وخاصة في قطاع غإة ،اامر الذي أدى ىلس تغيي
الوضوح أو التأكيد بالنسبة للمسزتقبل علزس الصزعيد االقتصزادي والسياسزي واالجتمزاعي معزا ،نتيجزة
للززدور اإلسزراليلي – اامريكززي علززس وجززه التحديززد ،ولكننززا علززس ثقززة مززن أن ىعززادة بنززاء العالقززات الداخليززة الفلسطينية واستعادة وحزدة النالزام السياسزي الفلسزطيني التعزددي ،والتغلز
علزس افزة االنقسزام الخطيزر وفزق
ثوابتنا الوطنية والمجتمعية ،وب رادة وطنية تقزوم علزس المتشزاركة والتعدديزة ف ننزا سزنملت بالتأكيزد القزدرة علزس
تحديد معالم مستقبلنا بوضوح ،بدل تكرير انفصال قطاع غإة اقتصاديال وسياسيال عن جناحه الرليسزي فزي
الضززفة الفلسززطينية التززي يعمززل تحززالف العززدو اإلسزراليلي اامريكززي علززس تززرت مسززتقبلما غامضزال بمززا يعنززي تفك ززت وانمي ززار المتش ززروع ال ززوطني التح ززرري ال ززديمقراطي الفلس ززطيني ،وه ززي الغاي ززة ااساس ززية لدول ززة الع ززدو الصززميوني التززي تسززتمدف التبديززد السياسززي للفلسززطينيين ،بعززد أن بززات قيززام دولززة فلسززطينية مسززتقلة كاملززة
السيادة نوعال من الوهم.
صحيح أننا نقزر بمسزؤولية العزدو الصزميوني وحصزاره وعدوانزه المسزتمرين ،كسزب
أساسزي مزن أسزبا
التراجع والتدهور االقتصزادي ىال أن ذلزت ال يعنزي ىغفالنزا لزدور االنقسزام والصزراع علزس المصزالح الطبقيزة والفلوية لحركتي فتح وحمار ،ولدور الممارسات والسياسات الداخلية من قبل حكومتي فتح وحمار غير
التشرعيتين طوال الستة أعوام العجاف الماضية ،التي عمقزت مالزاهر الخلزل والمبزوط واالنحطزاط والتفكزت السياسززي والمجتمعززي ،ىلززس جان ز الخا
الت ارجززع فززي كافززة القطاعززات اإلنتاجيززة وغيززر اإلنتاجيززة فززي القطززاعين
والعام علس حد سواء ،بما يستدعي العمل الجزاد لخلزق ومواصزلة حالزة جماهيريزة تشزعبية ضزاغطة
إلنمززاء االنقسززام واسززتعادة مقومززات الوحززدة الوطنيززة ،بمززا يمكننززا مززن تفعيززل العمليززة التغييريززة الديمقراطيززة الداخلية التي يج
التنمويززة التززي يج ز
لتحقيق هدفين: 1
أن يرتكإ محورها أو جانبما االقتصادي ،علس المفاهيم والخطزوط العامزة لإلسزتراتيجية العمززل علززس بلورتمززا وتبنيمززا للخززروو مززن هززذا المززأإق الحاضززر ىلززس المسززتقبل،وذلت
األول :ىيجاد ىطار مفمومي يوضح ااولويات االقتصادية الفلسطينية .
الثــاني :تعريززف ماهيززة الم ارحززل المتعاقبززة التززي مززن خاللمززا يمكززن تحقيززق ااهززداف التنمويززة بأسززلو تدريجي .
علــى ان نــدرك ان اإلطــار المطلــوب مــا بعــد إنهــاء االنقســام " يج ز
ان يقززوم علززس أسززار ااح زوال
الموضوعية لالقتصاد الفلسزطيني ،وان يتجزه صزو تحقيزق الطموحزات الفلسزطينية الوطنيزة ،آخزذين بعزين االعتبززار درور التنميززة المامززة فززي بلززدان أخززرى مززن جمززة ،وبوضززوح ااهززداف ذات الصززلة بالموضززوع، لتطوير رؤية تنموية فلسطينية تسلط الضوء علس أهداف واحتياجزات الجمزاهير التشزعبية الفقيزرة ،عبزر دور
1
دراسة حول انجازات المرحلة المؤقتة ومهمات المستقبل – سكرتارية االونكتاد و د .فضل النقيب – . 3111
73
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مركزإي للسزلطة مزن جمزة ،وللقطززاعين الخزا
بعمليززة التحويززل البنيززوي ،والتركيززإ علززس تخفززي
والعزام مزن جمزة ثانيززة ،ومزن أهزم هزذه ااهزداف :االهتمززام المززوة فززي المي زإان التجززاري ،ىلززس جان ز
متشززاركة كافززة
المؤسسززات والقززوى – فززي السززلطة وخارجمززا – بززدور فعززال مززن أجززل صززياغة ىسززتراتيجية وطنيززة للتطززور التكنولززوجي اهميتززه القصززوى فززي تطززوير االقتصززاد الفلسززطيني بكززل قطاعاتززه عمومززا وقطززاع الخززدمات خصوصا ،وكل ذلت مرهون ب يجاد بيلة داخلية خالية من مالاهر الصراع وعدم الثقة .
وفي هذا السياق أقدم فيما يلي اقتراحاً لمجموعة من األسس المكونة لهذه اإلستراتيجية -:
أوالً :حصززر كافززة البيانززات والمعلومززات الخاصززة بززالموارد الطبيعيززة والبتش زرية الفلسززطينية عبززر فريززق وطني اقتصادي متخص
،تمميدا للسيطرة المباتشزرة عليمزا ووادارتمزا ،كمزدف وطنزي يسزتحيل
بدون تحققه تطبيق أي خطة تنموية فلسطينية
ثانيـاً :خلزق مقومزات اقتصزاد المقاومززة والصزمود انسزجامال مزع متطلبزات هززذه المرحلزة ،ومزا يعنيزه ذلززت من العمل الجاد علس تطبيق سياسة اقتصاد التقتشف أو المخيمات أو المناطق الفقيرة ،بكل ما
يعنيه من ىجراءات تلغي – بعد المحاسبة القانونيزة -امزتالت أي مزواطن أو مسزلول اي تشزكل
مززن أتشززكال الثززروة الطفيليززة غيززر المتشززروعة ووالغززاء كافززة مالززاهر اإلنفززاق البززاذ بكززل أتشززكاله وأنواعه وأساليبه عموما وفي مؤسسات السلطة خصوصا .
ثالثاً :فت االرتباط والتبعية والتكيف مع االقتصاد اإلسراليلي ووقزف هزذا التضزخم فزي حجزم الزواردات، وفر
الرسوم الجمركية العالية علس الكماليات المستوردة مقابل تخفيف الرسوم علس الواردات
ااساسية ،ووقف عمليات االستي ارد المباتشر وغير المباتشر من السوق اإلسراليلي ،اامر الذي يعني ىلغاء بروتوكول بارير .
رابع ـاً :التخطززيط التأتشززيري والمركززإي لتفعيززل العمليززة اإلنتاجيززة فززي الصززناعة والإ ارعززة ،والعمززل علززس تفعي ززل العالق ززة ب ززين ه ززذين القط ززاعين بم ززا يخ ززدم تط ززوير المنتج ززات الص ززناعية المعتم ززدة عل ززس
اإلنت ززاو الإ ارع ززي ،وواقز زرار متش ززروع الق ززانون الإ ارع ززي بم ززدف تحدي ززد ووارس ززاء ىس ززتراتيجية إراعي ززة فلسطينية تتناس
مع أهمية القطاع الإراعي.
خامســـا :وضززع سياسززة تنمويززة إراعيززة آنيززة ومسززتقبلية تقززوم علززس التخطززيط و تفعيززل دور مؤسسززات اإلق ار
الإراعي والبنوت لتقديم الزدعم للمزإارعين الفقزراء ،وتطزوير وتوسزيع اا ارضزي الإراعيزة
وأراضي المراعي والثروة الحيوانية.
سادســا :م ارعززاة الحفززاال علززس ثبززات ااسززعار للسززلع ااساسززية الضززرورية للفق زراء ورفززع أجززور الفلززات والتشرالح االجتماعية من ذوي الدخل المحدود.
سابعا :تطوير دور القطاع العام والتعاوني والمختلط بعيدال عن أتشكال االحتكار ،بما يدفع ىلس توسيع القاعدة اإلنتاجية الفلسطينية ،والسوق الفلسطيني ،علس نحو يؤدي ىلس ىيجاد المإيد من فر
التتشغيل المتواضعة ،لليد العاملة ،في اإلنتاو والسوق المحليين من ناحيزة ،ويسزمم فزي ضزمان 74
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
معززدالت عاليززة – نسززبيا -مززن النمززو لقطززاعي اإلنتززاو الرليسززيين – الإ ارعززة والصززناعة -مززن ناحيززة ثانيززة .وفززي هززذا السززياق ف ز ن مززن الواج ز
والضززروري ،ااخززذ بمقترحززات البرنززاما العززام
للتنميززة الززذي أتشززرف عليززه المفكززر االقتصززادي الفلسززطيني ال ارحززل د.يوسززف صززايغ ،ىذ أن هززذه المرحلة وضروراتما االقتصادية-السياسية معا تقتضزي مزن كافزة المسزلولين فزي السزلطة ااخزذ بتلت المقترحات بعد ىهمال طويل وغير مبرر لما.
ثامنا :ىنتشاء وتفعيل المؤسسات االقتصادية الكبرى في قطاع الصناعة علس نمط التشركات الصناعية المسززاهمة العامززة والتشززركات القابضززة والمختلطززة بززين القطززاعين العززام والخززا
،لمواجمززة هززذا
الض ززعف ف ززي البني ززة الص ززناعية ونقلم ززا م ززن طابعم ززا الحرف ززي-الف ززردي -الع ززاللي ىل ززس طابعم ززا اإلنتاجي العام الكفيل وحده بتطوير القطاعات اإلنتاجية في بالدنا.
تاســعا :العمززل بكززل جديززه ،وعبززر كافززة السززبل والضززغوط السياسززية الممكنززة ،مززن اجززل تفعيززل وتوسززيع مجززال التبززادل التجززاري الفلسززطيني العربززي ،ووقززف احتكززار السززوق اإلس زراليلي لمززذه العمليززة. وكذلت التركيإ علس فتح سزوق العمالزة العربزي ،فزي مختلزف البلزدان ،أمزام العمالزة الفلسزطينية،
الماهرة وغير الماهرة ،وفقا لقوانين وأنالمة التتشغيل في تلت البلدان ،دون أن يؤثر ذلت ىطالقزا
في هوية الفلسزطيني أو يتخزذ أي بعزد سياسزي يتنزاق
مزع حقزه فزي العزودة أو اإلقامزة الدالمزة
فززي وطنززه ،علمززا بززأن السززوق العربززي فززي دول الخلززيا والسززعودية يسززتوع
أكثززر مززن خمسززة
ماليين عامل أجنبي سنويا.
عاشـــــ ار :متابعز ززة تنفيز ززذ الب ز زراما والد ارسز ززات والتوصز ززيات المتعز ززددة الخاصز ززة بتفعيز ززل دور رأر الم ز ززال الفلسطيني في التشتات ،رغم وعينا بارتباطه برأر المال العالمي المعولم . ىن هززذه الرؤيززة ،أو الخطززوط العامززة ااوليززة المقترحززة ،ال بززد لمززا لكززي تملززت مقومززات التغييززر اإليجززابي
المطلززو ،أن تتبنززس منمجززا علميززا ،وفلسززفة ذات مضززمون ديمق ارطززي ،وطنززي وقززومي ،تقززوم علززس اإليمززان العميق ،بوجو تمتع تشعبنا الفلسطيني بحقوقه وحرياته ااساسية وممارسته لما ،كمقدمة تزؤدي ىلزس وقزف تراكمزات ااإمززة الراهنززة ،وتفززاقم تناقضزاتما المحكومززة بثناليززة غيززر منطقيزة أو منسززجمة ،تتزراوح بززين فرديززة
القرار وأحادية الخطا
في السلطة وأجمإتما من جمة ،وبين جماعية المعاناة والتضحيات واآلمزال الكبيزرة
من جمة ثانية ،وبالتالي ف ن ىلغاء هذه الثنالية المتناقضة ،هو سبيلنا الوحيد نحو نالزام الحكزم الزديمقراطي الززوطني ،العززادل والقززوي ،الممتلززت للفمززم السززليم والواضززح لواليفتززه الجوهريززة بتشززقيما :الززوطني والززديمقراطي
الززداخلي بمززا يضززمن رسززم السياسززات اإلسززتراتيجية المعب زرة عززن مصززالح جمززاهير تشززعبنا ،بمثززل م زا يضززمن أيضززا ،توجيززه و اإرات ومؤسسززات وأجمزإة السززلطة نحززو تحقيززق تلززت السياسززات أو الززرؤى فززي االقتصززاد كمززا في السياسة ،بكفاءة عالية تخدم أهزدافنا وثوابتنزا الوطنيزة العامزة ،بمثزل مزا تخزدم وترتقزي بأهزدافنا المطلبيزة
الداخلية دون أي انفصام بينمما. 75
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
علززس أن تطبيززق هززذه الخطززة اإلسززتراتيجية ،مرهززون بعمليززة تغييززر جززدي وعميززق ،بززدايتما ااولززس ىنمززاء
االنقسز ززام وااللت ز زإام بالثوابز ززت الوطنيزززة والسياسز ززية التوحيديزززة المسز ززتندة ىلزززس الديمقراطيز ززة ببع ززديما السياسز ززي واالجتماعي ،بما يضمن تحقيق العدالة االجتماعية والتعددية والحرية ،وتطبيق مبدأ تكافؤ الفزر
وسزيادة
القانون وقواعد المحاسبة ضد أي تشكل أو مالمر من مالاهر التفرد أو الصراعات غير المبدلية أو الخلل والفساد من جمة أخرى ،ىذ أن تطبيق هذين التشرطين فزي ىطزار الرؤيزة اإلسزتراتيجية سزيمكننا مزن الحزديث
بثقة عن تحقيق أهم ركيإتين من ركالإ صمودنا علس الصعيد الداخلي همزا -:
-0ضمان وحدة وتعددية النالام السياسي واستمراه وفق مبادئ حرية الزرأي والمعتقزد وسزيادة القزانون، ووقف استخدام السلطة ،من قبل الكثيزر مزن رموإهزا ،كجسزر لجمزع وتزراكم الثزروات الطفيليزة غيزر
المتشزروعة علززس حسززا
قززوت وحيززاة الجمززاهير التشزعبية ،حيززث أدى هززذا االسززتخدام اانززاني البتشززع
التززي ت زراكم العوامززل التززي دفعززت بززدورها ىلززس الص زراع الززدموي الززداخلي ومززن ثززم االنقسززام بززين فززتح وحمززار عبززر حكززومتين غيززر تشززرعيتن فززي كززل منممززا ،كمززا أدى ىلززس فقززدان مسززاحات واسززعة مززن
جماهيرنا لدورها وحريتما.
-3تقوية وتعإيإ الوحدة السياسية لمجتمعنا وتوفير قدراته علس الصمود والمقاومة حتس طرد االحتالل وتفكيت وواإالة مستوطناته علس طريق الحرية واالستقالل وتقير المصير والعودة والتنميزة والعدالزة االجتماعية والديمقراطية . أخيـ ارً :إننـا نفتـرض أن هـذا الفهـم للتنميـة يجـب أن يشـكل أحـد المحـاور الرئيسـية لنشـاط و بـرامج
الحركة الوطنيـة الفلسـطينية ألنـه المحـور المكمـل عبـر عالقـة جدليـة ومتصـلة لعمليـة التحـرر الـوطني واالســتقالل والدولــة ,فاالنهيــار االقتصــادي – االجتمــاعي النــاتج عــن اســتمرار تفكــك وانقســام النظــام
السياســي الــديمقراطي الفلســطيني ,واســتفحال مظــاهر الفســاد واالســتبداد والهبــوط السياســي والتفــاوض
العبثي وغياب سيادة القانون العادل ,يدفع أو يراكم بالضرورة نحـو خلــق المزيـد مـن مقومـات االنهيـار السياسـي واالجتماعي بما يجعل من الفوضى والعشوائية والفلتان األمني واالقتصادي مـن ناحيـة وتزايـد
تحكم القوى الخارجية (األمريكية اإلسرائيلية) في مستقبلنا من ناحية ثانيـة ,عـامالً مقـر ارً فـي أوضـاعنا
السياسية االقتصادية المجتمعية ,وفي كال الحالتين يصبح مسـتقبل شـعبنا معلقـاً بعوامـل ال دخـل إلرادة جماهيرنا في تشكيلها أو التأثير فيها ,وهذا بالقطع وضع يائس ,ما أتعس األمة التي تجد نفسها فيه.
76
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مقارنة سريعة بني الرفيق هوجو شافيز ...وبني ما يسمى بزعماء الدول االسالمية والعربية!!!!....
7 / 2 / 3102 مقارنة سريعة بين المناضل االشتراكي الراحل الرفيق هوجو شافيز ...وبين ما يسمى بزعماء الدول
االسالمية والعربية!!!!....
تأملوا رفاقي وأصدقائي الثنائية المتناقضة بين قيم ومبادىء ومصداقية الماركسيين االشتراكيين في
مواقفهم ضد االمبريالية االمريكية والدولة الصهيونية وضد كل اشكال الظلم والعدوان واالغتصاب
واالستغالل واالضطهاد واالستبداد ,وبين حكام ومشايخ وأمراء ورؤساء الدول العربية ,ورؤساء دول
ما يسمى باألمة االسالمية الذين يعلنون -بال حياء -تأييدهم ووالئهم لالمبريالية االمريكية وتطبيعهم واعترافهم بالدولة الصهيونية عالوة على ممارستهم ألبشع اشكال االستبداد واالستغالل
والقهر لجماهير شعوبهم الفقيرة ..
أكتب هذه الخاطرة مستعيدا في ذهني رحلة حياة رفيقنا الثائر األممي الرئيس الراحل شافيز ضد
امريكا وضد الرأسمالية ليس دفاعا عن استقالل بلده فنزويال وتحقيق العدالة االشتراكية والتقدم والديمقراطية والتنمية لشعبها وجماهير عمالها وفالحيها فحسب ,بل ايضا مواقفه المبدأية في تأييد
الحركات الثورية والوطنية المنا ضلة من اجل استقالل بلدانها وتضامنه الصادق مع كل الشعوب المقهورة في هذا الكوكب وفي المقدمة منها شعبنا الفلسطيني في نضاله ضد العدوان واالغتصاب
الصهيوني ...فإبان العدوان اإلسرائيلي على غزة ( يناير )3116أعلن الثائر االشتراكي األممي هوغو تشافيز أن السفير اإلسرائيلي شخص غير مرغوب بوجوده على األراضي الفنزويلية ,وقام بسحب السفير الفنزويلي من إسرائيل واثناء العدوان قال الراحل شافيز":ينبغي جر الرئيس اإلسرائيلي إلى محكمة دولية ومعه الرئيس األميركي ,لو كان لهذا العالم ضمير حي .يقولون إن الرئيس
اإلسرائيلي شخص نبيل يدافع عن شعبه! أي عالم عبثي هذا الذي نعيش فيه؟".. .هذا هو شافيز االشتراكي األممي الذي احتضن ودافع عن اهداف شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية من اجل التحرر والعدالة االشتراكية والديمقراطية ,في حين ان دول االسالم السياسي في البالد العربية واالسالمية ما
زالت غارقة في عمالتها ألمريكا حريصة على سفاراتها في الدولة الصهيونية!!!
77
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
رحلة حياتك رفيقنا فقيدنا شافيز كانت -وستبقى -مليئة بالمحطات المضيئة ,للتأمل والتفكير
واعادة النظر ال زالة الضباب واألوهام المسيطرة على عقول المخدوعين بأصحاب اللحى والعباءات
السوداء ممن يطلق عليهم ملوكا وأمراء ومشايخ وأصحاب فخامة ومعالي ,وهم في حقيقتهم مجرد
عمالء ساقطين ومنحطين ...يرتعدون من شافيز حيا وميتا...بمثل ارتعادهم من لهيب الثورة الذي
سينتشر في كل ارجاء الوطن العربي معلنا سقوطهم ونهاية انظمتهم...المجد والخلود للقائد الثوري
األممي شافيز .
78
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الفلسفة املاركسية موقف أخالقي قبل أن تكون علما 03 / 2 / 3102 سؤال ما هي الماركسية؟ ما زال متداوالً – بهذه الدرجة او تلك من الجدية والوعي أو التراجع أو
االرتباك – بين معظم رفاقنا في كافة احزاب وفصائل اليسار العربي ,وما زال النقاش حول هذا السؤال محموالً بالشكوك او اليقين العاطفي البعيد -بمسافة نسبية بين هذا الرفيق او ذاك – عن امتالك الوعي العقالني العميق بالمنهجية الماركسية وقوانينها ومقوالتها وجوهرها المادي النقيض للفلسفة
المثالية ولكل األفكار والمفاهيم الغيبية او الميتافيزيقية ,ما يعني ان هذه االحزاب والفصائل تعيش
عموماً حالة من االرتباك واالرتداد الفكري او فوضى األفكار ,عززت وكرست – حتى اللحظة – نوعاً من التفكك او التراجع في هويتها الفكرية لحساب "هويات" أو أفكار طارئة ليبرالية او توفيقية انتهازية
وملتبسة أودينية شكالنية ,أودت بها الى حالة من الهبوط السياسي والمعرفي ارتباطاً بغياب التحليل الطبقي الماركسي لمجريات الصراع والحركة سواء على صعيد النضال الوطني التحرري او على صعيد
النضال والصراع الطبقي الداخلي في مجتمعاتنا العربية ,وهنا تتبدى أهمية طرح السؤال مجدداً :ما هي الماركسية؟ وجوابنا الصريح والواضح رغم كل ما يدور من نقاشات موضوعية او مقترحة حول
هذا الموضوع ,ان الماركسية هي نظرية علمية ,بمعنى انها تتكون من مجموعة من القوانين
والمقوالت والفرضيات ,وهي أيضا – وهذا هو المهم -تنطوي على المنهج :أي الطريقة او األسلوب
وهما األداة األساسية لكل علم من العلوم ,لكن الماركسية ليست "علماً" بالمعنى المعتاد للكلمة ,واال لكفى أي انسان أن يدرسها في مدرسة أو جامعة ما ويتخرج بشهادة في "الماركسية" وهو أبعد ما
يكون عن الماركسية الجوهرية ,على غرار بعض خريجي الجامعات السوفياتية في زمن ما قبل
اإلنهيار .
فالماركسية قبل أن تكون علماً ,إنما هي موقف أخالقي بأعمق مفهوم األخالق .فهي مبنية على
منطلقات أخالقية هي إعتبار اإلنسان ومحيطه الطبيعي أعلى الغايات والقيم ,وبالتالي العمل ألجل
تحرير البشر الجماعي والفردي من كل أنواع اإلضطهاد وتحقيق المساواة بينهم على إختالف اجناسهم
المضطهدين :الطبقة وأعراقهم وألوانهم .ومن ذلك المنطلق الثوري بإمتياز تتبنى الماركسية وجهة كافة َ ِ هن الجنس المضطهد واألمم والشعوب العاملة بوصفها الطبقة المنتجة غير المالكة والنساء باعتبار ّ
جر ...وهذه نقطة أساسية في التثقيف الثوري لسبب بديهي هو التالي :قبل أن يتعلّم وهلم ّا المقهورةّ , المناضلون الماركسية كعلم ولكي يستوعبونها حقاً ال بد لهم بادىء ذي بدء أن يتلقنوا منطلقاتها
79
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
األخالقية ويجعلونها منطلقاتهم ,واال فما قيمة "المناضل" الذي حفظ قرآن الماركسية عن ظهر قلب وال
تخيم على تزال عادات التعالي اإلجتماعي إزاء األتعس منه حظاً والذكورية والعنصرية والقومجية ّ أطباعه .فما نفع "المادية الديالكتيكية والتاريخية" إذا درسها ذاك "المناضل" وهو لم يتخلص من رواسب تربيته اإلجتماعية؟ والمنطلقات األخالقية التي ذكرتها ال يمكن دراستها كأي"علم" بل فقط
كمبادىء أخالقية يجب التحقق من فهمها ليس عن طريق المسابقات الخطّية ,بل في الممارسة الحياتية اليومية المحمولة بالروح واالرادة الثورية.
81
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ُ َّ أمهات !.
32 / 2 / 3102 بقلم :ولدي الغالي أكرم ...الى كل األمهات والى أمه وشريكة عمري الحبيبة عفاف أم أوالدي ملكة
الحنان والحب والعطاء والتربية واالخالق ..تلك هي أم جمال الوردة الدائمة االشراق مع الورود الزاهرة في بستان حياتي :رانيا ورنا وجمال وأكرم وروان واوالدهم وبناتهم أحفادي ....اقرأوا معي كلمات
ولدي المبدع أكرم الى كل األمهات......
" ال تَحتَ ِفل بأمك .فَقَ ْط ِ حاف ْظ عليها !! " ّ أكرم الصوراني بأمي هذا العام .وعلى األكثر قد يمارس بعض األبناء ذات طقوس االحتفال !. على األقل سأحتفظ ّ ربما ليست وحدها التي لن يتسنى لها االحتفال بوالدتها المتوفاة منذ ثالثين عام !.بعد قليل والدتي ّ
ويبكيني صوت فايزة أحمد سأجعلها تبكي عندما أُذكرها بجدَّتي ,وعندما أُهديها األغنية التي تُبكيها ُ بصمات األقدام حاضرة ست الحبايب" !.تَخيَّل حتى بعد ثالثين عام األمهات ال تُْنسـى !. عند سماع " ّ ُ
شرفة المنزل ,ومع المالقط وس ّل الغسيل ,وأواني الطبخ ,ورائحة معجون الجلي في الذكريات وعلى ُ ورائحة الكلور واللحمة وعجين وصناعة الخبز ورضاع الكبير قبل الصغير ,رضاعة بالمعنى الحنيني, ال بالمعنى الحليبي للكلمة وتفسيرات شيوخ القرن العشرين .أقدام األمهات حاضرة عند الفرح ومع
الجوال ,حتى الج ّنة تجري فوقها األقدام ومن تحتها تجري األنهار ودموع فراق الحزن وفي نغمة ّ أن كل األمهات كما كل اآلباء استثنائيون من وجهة نظر األبناء . فلذات األكباد قبل األوان !.أدرك َّ استثنائية ماما األم .ماما الثَّدي .ماما األخت .ماما الزوجة .ماما العائلة ,العاملة .ماما الزميلة.
ٍ نكهة خاصة متعددة الطعم ومذاقات األشقياء ..ماما ذات ماما المقتولة المغدورة استثنائي ٌة خاصة ُ وحجَّتُ َك عند اللزوم وعند الهروب وعند االنتكاس وعند الحاجة للحب بمعنى َي َّمـا ,بمعنى َ ,حجَّتي ُ
وللحنين وللبكاء !.ال يعنيني الحادي والعشرين من مارس/آذار كثي ارً .وتعنيني معايدة َّ األمهات , كل ّ المس ّنين .المناضالت . الراحالت منهن والباقيات الصالحات ,والمريضات المنفيات في بيوت العجزة و ُ
الشاهدات الشهيدات .الجميالت ,العذ اروات ,العزباءات ,العذباوات والحامالت لألطفال وللهموم ِ ستصير وم ْن وشيء من القهر !.تعنيني معايدة ك ّل األرحام وفي كل األيام َ ,م ْن َو َ ُ وم ْن تَْنتَظر َ , ض َع ْت َ األمهات .تعنيني معايدةُ بائعة الفراولة أمام المخبز وحيدة ,وصاحبة البسطة وتلك األخرى في قائمة ّ 80
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المتسولة قس ارً على الطُُرقات ,وبائعة الشاي والمناديل أمام إشارة المرور ,واشارة المستقبل ,تبحث ُماً .وكيف سيحتفل بها عمن يشتري المنديل وتبحث عن األمل وعن السؤال الحائر ..كيف ستصير أ َّ َّ ُ
المشـََّردون !!.. ُ
ُّ ٍ أنتن بخير وعلى قيد األمل بالحياة !!. وه َّن و َّ أمي ُ كل عام و ّ
82
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مداخلة حول -احلملة اإلسرائيلية لنزع صفة الجئ عن ابناء وأحفاد الالجئني-
21 / 2 / 3102 على الرغم من ادراكي لطبيعة الخلل والفجوة الهائلة في موازين القوى بين " اسرائيل " وبين الوضع
العربي والفلسطيني الذي يعيش حالة غير مسبوقة من التفكك والخضوع واالرتهان للسياسات االمريكية الصهيونية ,اال انني واثق من رفض شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية للممارسات الصهيونية
العنصرية ,عبر كل اشكال المقاومة الشعبية والمظاهرات واالعتصامات ,من خالل الحركات والتنظيمات السياسية واالجتماعية واألهلية ولجان الآلجئين في الوطن والشتات ,التي يجب ان تقوم بدورها ضد الحملة الصهيونية ودفاعا عن حق الالجئين واحفادهم بالعودة الى وطنهم التاريخي ,
ومطالبة الدول العربية بإغالق سفارات الدولة الصهيونية فيها ,والغاء كافة العالقات السياسية
والتطبيعية معها.
وكذلك مطالبة كافة البلدان واالحزاب والحركات السياسية الصديقة في العالم ,التداعي للتضامن مع
شعبنا ضد هذه الحملة الصهيونية العنصرية التي لن تكون األخيرة في المخطط الصهيوني ,وفي هذا
الجانب ال بد من التأكيد مجددا على ضرورة تمسكنا بكافة القوانين والق اررات الدولية المتعلقة بحق
العودة لالجئين خاصة القرار 062الذي يستمد أهميته من كونه "القرار الوحيد الذي ُي َعِّرف حقوق الالجئين الفلسطينيين بصورة جماعية ويطالب بحقهم بالعودة كمجموعة قومية ,وهو حق ال يسقط بتقادم الزمن ,ألنه حق فردي يعني كل الجيء تم طرده بمفرده ,وحق جماعي يتعلق بشعب طرد من
أرضه .كذلك ايضا التمسك بالق اررات التي تلت قرار 062وتقضي بوجوب عودة الالجئين الفلسطينيين
إلى ديارهم مثل :قرار 213تاريخ- 0626/03/1قرار 262تاريخ - 0621/03/02قرار 731 تاريخ - 0622/00/07قرار 101تاريخ - 0622/0/2قرار 609تاريخ - 0622/0/03قرار
0101تاريخ - 0627/3/31قرار 0220تاريخ ..... 0621/03/03الخ ,وقرار 221بتاريخ
,0672/01/30وكذلك القرار التاريخي لألمم المتحدة رقم 2329بتاريخ 0672/00/33الذي
"يؤكد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ومن ضمنها :حق الفلسطينيين الثابت في العودة إلى
ديارهم واقرار االمم المتحدة واعترافها بحق الشعب الفلسطيني في إعادة حقوقه بجميع الوسائل طبقا ألهداف ومبادئ ميثاق األمم المتحدة" .والقرار رقم 2279بتاريخ 0672/00/01الصادر عن
الجمعية العامة لألمم المتحدة" ,بإنشاء اللجنة الدولية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه 83
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
غير القابلة للتصرف" ,وقرار الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم (( )2116د )31-بتاريخ
0672/03/7الذي أكد على "الحق الثابت في العودة للالجئين العرب الفلسطينيين ,وتمتعهم بحقهم
في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم" ,وفي هذا السياق أَُن ِّوه الى أن اإلشارة إلى حق الالجئين في العودة (حسب القرار ) 2116جاءت مطلقة لتشمل الوطن الفلسطيني بكامله ,ما احتل منه قبل العام 0697 وبعده ,وتسري على جميع الالجئين الفلسطينيين بدون استثناء أو شروط مسبقة ,كما أن القرار
المذكور اعتبر العودة "شرطا مسبقا ال بد من تحقيقه ليتمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في
تقرير مصيره" ,وهنا برزت ألول مرة اإلشارة الهامة –في وثائق األمم المتحدة" -إلى أن حق العودة هو حق للشعب الفلسطيني بمثل ما هو للفلسطينيين كأفراد" .
وبالتوازي مع ق اررات الشرعية الدولية ,ال بد من التمسك بتطبيق نصوص األعراف واألحكام
والقواعد والمبادئ التي تشكل منظومة قانونية دولية شاملة ومترابطة لحماية وضمان جملة الحقوق
األساسية للفرد والشعوب,التي تسمى بـ"الشرعة الدولية لحقوق اإلنسان" ,التي تقوم على "قاعدة الحق في استقرار اإلنسان في إطار حياته وحقه في البقاء في بلده ومغادرته والعودة إليه ,وان حق العودة
إلى الوطن يعتبر حقا طبيعيا لصيقا ومطلقا ال يمكن تجاوزه أو وقفه أو انتهاكه أو نكرانه ,حتى في حاالت الطوارئ واالحتالل" ,وكذلك نصوص منظومة القانون الدولي الذي أكدت المادة الثالثة عشر
منه ان" -:لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد ,بما في ذلك بلده ,وفي العودة إليه" ,كما أكدت في الفقرة
الرابعة (أ) من المادة( )12على االنتهاكات الجسيمة ,معتبرة ان األبعاد والترحيل وحرمان الشخص من العودة لدياره ووطنه ,أحد تلك االنتهاكات ومعتب ار إياها بمثابة جرائم حرب" .
على أي حال ,ال بد لي من التأكيد على أن سيادة الشعب الفلسطيني على ارض وطنه التاريخي
فلسطين ,ال تنطفئ وال تزول بفعل االحتالل القسري للوطن أو بفعل الفتح واالغتصاب واالستيطان,
ومن ثم "يجب التفريق بين السيادة القانونية والسيادة السياسية الن االخيرة تعني السيطرة واإلشراف
الواقعي –بدوافع القوة واإلكراه -بينما األولى تشير إلى الحق الشرعي ألي شعب على ارضه ,وهو
حق ال يجوز التفريط فيه من قبل حاكم او رئيس او ملك او سلطة مهما امتلك أي منهم للصالحيات.
فالسيادة القانونية مرتبطة بالحق الشرعي (التاريخي) المرتبط بالشعب الفلسطيني دون سواه ,
وبالتالي فان كل أشكال السيطرة أو السيادة السياسية الصهيونية االكراهية وكافة المتغيرات السياسية
التي عرفتها فلسطين طوال ( )92عاماً األخيرة ال تلغي إطالقا السيادة القانونية المرتبطة بالحق
التاريخي لشعبنا الفلسطيني على أرض فلسطين حاض ار ومستقبال ,كجزء ال يتج أز من اإلطار السياسي
والنسيج االجتماعي القومي العربي.
بناء على ما تقدم "فان الوضع القانوني "إلسرائيل" بالنسبة لجميع اراضي فلسطين التاريخية ,هو
وضع المحتل الغاصب ,حيث ال تستطيع "إسرائيل" وال تملك الحق التاريخي والقانوني في كل األحوال 84
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بالسيادة على األراضي التي احتلتها" قبل عام 0621وبعده ,الن صاحب السيادة الشرعي هو الشعب
الفلسطيني الذي يحتفظ بالسيادة القانونية التي ال يمكن ان تلغيها أية اتفاقات تعقد باسمه من أي
جهة كانت ,وفي حال وجود مثل هذه االتفاقات (أوسلو وما تالها) التي تتعأرض مع حقوق الشعب األساسية والتاريخية ,فإنها تعطي العدو مؤقتا سيادة في الواقع ,سيادة بالمعنى السياسي المرتبط
بالقوة واإلكراه واالغتصاب الصهيوني األمريكي ,وليس سيادة بالمعنى القانوني بأي شكل من األشكال,
خاص ًة وأن شعبنا الفلسطيني لم ولن يوافق باختياره على تحويل حق سيادته على بالده إلى الغير ,كما أنه لم يعترف بأية سيادة للمحتل على أرض وطنه مهما طال الزمن ,ألن "انقضاء الزمن عاجز عن ان
يجعل من اغتصاب الحركة الصهيونية لفلسطين عمال مشروعا ,الن الحق التاريخي ال يسقط بالتقادم,
هذا ما تؤكده األعراف والقوانين الدولية بمثل ما تؤكده ذاكرة وارادة شعبنا.
اخي ار ,ان قضايا الالجئين بوجه خاص ,بغض النظر عن وجودهم القانوني أو الجغرافي في هذا
البلد العربي أو األجنبي ,وبغض النظر عن أية أوضاع قانونية أو سياسية تشكلت بعد النكبة األولى
عام , 0621او اية ق اررات الحقة حتى يومنا هذا بما في ذلك اطالق" إسرائيل" حملتها الحالية" لنزع صفة الجئ عن أبناء وأحفاد الالجئين الفلسطينيين " لن تؤثر في قوة مبدأ حق العودة بالمعنى
التاريخي او وفق الق اررات الدولية خاصة القرار , 062ذلك الن قضية الالجئين الفلسطينيين ليست
قضية أفراد ُي َع ِّب ُر كل منهم عن رؤيته أو موقفه الخاص بل هي أيضاً ,وبالدرجة األولى قضية ُي َع ِّبر عنها الالجئين أنفسهم ككتلة مجتمعية وسياسية ,وبما يؤكد بشكل دائم وفعال على دورهم ,كعنصر واطار سياسي وأساسي ملموس ,وذلك تثبيتا لقاعدة يدركها العدو اإلسرائيلي والقوى اإلمبريالية
المساندة له ,وتتلخص هذه القاعدة في انه ليس هناك أية إمكانية لحل عادل ومتوازن لقضية
الالجئين بدون حسم الصراع مع الدولة الصهيونية ,بما يؤدي إلى قيام دولة فلسطين الديمقراطية
العلمانية لكل سكانها.
85
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
هنيئا للعمال والفالحني الفقراء وكل املضطهدين يف فنزويال بفوز الرفيق مادورو
09 / 2 / 3102 االنجا ازت التي حققتها القيادة الثورية في فنزويال بقيادة المناضل الثوري الرحل شافيز كانت
وستظل البوصلة التي دفعت جماهير العمال والفالحين الفقراء والحرفيين والطالب وصغار الموظفين
الى انتخاب رفيقه المناضل الثوري المرشح االشتراكي نكوالس مادورو ...ذلك ان النهج السياسي
واالجتماعي واالقتصادي الذي تبنته حكومة شافيز ,منذ وصلت ...السلطة في أواخر التسعينات حتى
لحظة رحيله ,قام على جعل االقتصاد في خدمة الشعب ,بدالً من جعل الشعب في خدمة االقتصاد. وهذه هي الفكرة الجوهرية إللغاء االستغالل الطبقي الرأسمالي ...وهي المقدمة االولى لالشتراكية.
إن هذا النهج الثوري كفيل بتحطيم النموذج الرأسمالي الليبرالي ومعه المصالح اإلمبريالية
األمريكية ...والرفيق مادورو وحكومته يدركون جيدا هذه الحقيقة ,كما يدركون أن مصير البالد ومستقبلها يتوقف على ثباتهم تحت الشدة ,على المبادىء التي ناضل القائد الراحل شافيز ورفاقه من
اجلها ...النهم رجال مبدئيون ,والرجل المبدئي ,كما قال كاسترو مرة ,كالذهب الحقيقي ,ولذلك لم يكن
مستغربا فوز مادورو معلنا انتصار رؤى وبرامج وتطلعات الجماهير الشعبية ومواصلة مسيرة الثورة
في فنزويال ....وبدال من االنهيار انتصر رفيق درب شافيز ,المرشح االشتراكي ,نكوالس مادورو وصمد البوليفار ,وتماسك االقتصاد ...وسيزداد التفاف الجماهير الشعبية حول الثورة.
إن مصداقية مادورو وحكومته الثورية القادمة في ممارساتها ضد المصالح اإلمبريالية
والصهيونية ,وفي خدمة مصالح الجماهير الفقيرة من العمال والفالحين ,سيكون عامال رئيسيا من
العوامل التي ستحقق احالم وتطلعات الجماهير الشعبية في فنزويال بقيادة الرفاق في الحزب االشتراكي الموحد ومواصلة النضال ضد اليمين الطبقي البورجوازي في الداخل وضد االمبريالية االمريكية في
الخارج ,وفي مقابل هذه الهجمة اليمينية و االمبريالية االمريكية ,ها هي الجماهير الفقيرة تلتحم مع قيادتها الثورية الجديدة وتنتخب الرفيق ابن الطبقة الكادحة مادورو ,ذلك إن الحلفاء الحقيقيين للشعب
الفنزويلي هم -في آخر المطاف -عمال وفالحو أمريكا الالتينية المضطهدون .هم من يمكن االعتماد عليهم دائما للدفاع عن الثورة الفنزويلية وعن أي ثورة في هذا العالم ,ونحن في فلسطين
نؤكد تحالفنا وتضامننا األممي مع مادورو والثورة في فنزويال ,التي ستمتد وتتواصل معلنة انهيار
االمبريالية وانظمتها في كل امريكا الجنوبية لتشكل قاعدة وسنداً للثورة الفلسطينية والحركات الثورية
اليسارية في كل بلدان العالم الثالث .
86
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إن الثورة الفنزويلية ثورة ديموقراطية شعبية ,تسير على طريق الثورة االشتراكية ,وفي هذا السياق
فإن ما يسمى بـ"الديموقراطية" البرجوازية ,ليس سوى خدعة كبرى تختبئ ورائها دكتاتورية رأس المال بقيادة التحالف اليميني البيروقراطي الكومبرادوري الطفيلي من عمالء وتوابع االمبريالية….
فقط الحركة الثورية للجماهير الشعبية هي التي منعت الثورة المضادة من االنتصار .لقد أظهرت
التجربة أن القاعدة الصلبة الوحيدة التي تدعم الثورة هي الجماهير الفقيرة ,وفي مقدمتها الطبقة
العاملة والفالحين األجراء.
إن كلمتنا الصادقة نحن في الجشـ ,الى قيادة وعمال فنزويال هي :ال تثقوا إال في أنفسكم وفي
قوتكم الخاصة! ال تثقوا إال في حركة الجماهير الثورية! هذه هي القوة الوحيدة التي بإمكانها كنس جميع العراقيل وهزم الثورة المضادة والبدء في أخذ السلطة بين أيديها .هذه هي الضمانة الوحيدة
لالنتصار ...وعلى هذا الطريق فان ما يتوجب امتالكه هو برنامج ثوري حازم ,مبني على أسس علمية ,وليس هناك من نظرية يمكنها تحقيق هذا إال الماركسية وحزبها ....حزب الفقراء والعمال
والفالحين...
فالنضال من أجل الديموقراطية الثورية ,ال يمكنه أن ينتصر إال إذا تحول إلى نضال ضد ديكتاتورية
الرأسمال وتحالفه الطبقي ,ومن ثم ,فإنه لكي ينتصر النضال من أجل الديموقراطية ,يجب أن يقود مباشرة إلى نضال من أجل سلطة العمال والفالحين الفقراء ومن أجل االشتراكية .ليس هنالك من
"طريق وسط".
إن مستقبل الثورة البوليفارية سوف يتحدد ,في آخر المطاف ,بدرجة امتدادها إلى باقي بلدان
أمريكا الالتينية وخارجها .لقد فهم "تشي غيفا ار" جيدا هذه الفكرة عندما قال أنه ال يمكن حماية الثورة
الكوبية إال بخلق "فيتنام فيتنامين أو ثالثة أو أكثر" ...وها هي فنزويال وغيرها من بلدان امريكا الالتينية يحققون الحلم الجيفاري.
سوف تتواصل انتصارات الحركة البوليفارية الثورية بقيادة مادورو ورفاقه في الحزب االشتراكي
الموحد ,وتتقدم إلى االمام لتتجاوز حدود الثورة البرجوازية الديموقراطية ,وانجاز الثورة االشتراكية , ونحن في الجشـ نؤكد ثقتنا بالقيادة الثورية والرئيس الرفيق مادورو صوب مزيد من التقدم على طريق الثورة االشتراكية في كل امريكا الجنوبية لتشكل منارة وقيادة تحتذى من رفاقنا في الجبهة الشعبية
ومن كل الثوريين اليساريين المناضلين العرب من اجل التحرر القومي والديمقراطية واالشتراكية في
بالدنا.
مدركين ان اي صفعة للثورة الفنزويلية هي صفعة لنا جميعاً ..كما أن صمود الثورة وانتصارها هو
انتصار لكل المضطهدين والمناضلين من اجل الحرية والتقدم واالشتراكية.
عاشت الثورة االشتراكية في بوليفيا التي تغزو اليوم كل أمريكا الالتينية وتهدد مصالح اإلمبريالية
والوجود الصهيوني في بالدنا.
87
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عاش التضامن األممي ضد التحالف اإلمبريالي الصهيوني في بالدنا ..وسترفرف رايات التحرر
واالشتراكية الحمراء في بالدنا كما ترفرف اليوم في فنزويال ..فجيفا ار لم يمت ..لقد عاد ..افتحوا
األبواب ..وأقيموا السواري لرايات اليسار التي ترتفع من جديد في فنزويال وأمريكا الالتينية وآسيا
وأفريقيا معلنة بداية الخطوات صوب هزيمة اإلمبريالية وحليفها الصهيوني وكل القوى الرجعية
والكومبرادور في بالدنا.
عاشت الثورة االشتراكية في أمريكا الالتينية طليعة األممية في هذا العصر.
88
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
السريورات الثورية لالنتفاضات العربية وتأثريها على القضية الفلسطينية
03 / 2 / 3102 منذ اندالع االنتفاضات الشعبية وسقوط أنظمة التبعية واالستبداد في تونس ومصر واشتعالها في
اليمن وليبيا والمغرب وسوريا واألردن والبحرين ,توجهت أنظار وعقول وقلوب الشعب الفلسطيني صوب ثورة الجماهير الشعبية العربية تعبي ار عن فرحته وتأييده للمشهد العربي "الجديد" الذي تساقطت
فيه رؤوس بعض أنظمة التبعية والفساد واالستبداد عموماً ونظام كامب ديفيد في مصر خصوصاً .
لكن سيرورة الحالة الثورية االنتفاضية ونتائجها المباشرة في تونس ومصر واليمن وغيرها من
البلدان ,كشفت بوضوح ,الطابع االجتماعي والسياسي الديمقراطي لالنتفاضة وأهدافها وشعاراتها التي
تمحورت بسبب عفويتها ,وتأثير قوى اإلسالم السياسي والقوى الليبرالية فيها ضمن إطار هذا القطر
العربي أو ذاك ,دون أي ترابط قوي وواضح بين البعدين الوطني الداخلي والقومي العربي سواء فيما
يتعلق بالموقف من "إسرائيل" والصراع العربي الصهيوني أو الموقف من االمبريالية وانهاء سيطرتها
على مقدرات شعوبنا .
ففي ظل ضعف وتراجع القوى والحركات اليسارية في كافة البلدان العربية ,استطاعت حركات
اإلسالم السياسي أن تقطف ثمار االنتفاضات الشعبية العفوية ,وتحقق فو ازً -ألول مرة في تاريخها- في االنتخابات البرلمانية ,والوصول إلى قمة السلطة الحاكمة في مصر وتونس ,عبر شعارات
وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية لم تحمل في طياتها أي شكل من أشكال التناقض مع السياسات
االمبريالية والنظام الرأسمالي واقتصاد السوق الحر من ناحية ,ولم تحمل أي موقف واضح ضد دولة
العدو الصهيوني أو رفض والغاء االتفاقات المعقودة معها من ناحية ثانية ,خاصة وأن حركات
اإلسالم السياسي (اإلخوان والنهضة وبقية الفروع في الوطن العربي والعالم اإلسالمي) تعمل على
التكيف مع السياسات األمريكية وتكريسها ,وهو أمر غير مستغرب بالنسبة لي ,عبر قراءتنا لدور هذه الجماعة منذ نشأتها حتى اللحظة الراهنة والمستقبل ,وهو دور مرتبط بوظيفتها الخاصة,
وموقفها المناهض لمجمل الحركات التحررية الوطنية والديمقراطية عموماً ,والحركات القومية
واليسارية على وجه الخصوص ,ومن ثم إسهامها في تعميق هدف الواليات المتحدة واسرائيل ,الذي ألخصه في تكريس احتجاز تطور الشعوب العربية ,اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ,وابقاء حالة التخلف والتبعية للغرب الرأسمالي ,حفاظاً على مصالحه في بالدنا ,إذ أن هذه الجماعات السياسية
الدينية ,كانت وستظل حريصة على إعاقة الثورة وتعطيل أو تبهيت الصراع الطبقي بشعارات طوباوية 89
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
غيبية ,انطالقاً من ارتباطاتها التاريخية باإلقطاع واألنظمة الملكية والبورجوازية الرثة بكل أنواعها , ما يؤكد استعداداها لمهادنة االمبريالية والتعاطي معها .
كما رفضت هذه الجماعات -ومازالت -فكرة الوطنية والقومية والوحدة العربية ,لحساب فكرة ما
يسمى بـ"األمة اإلسالمية" و "الخالفة" وترويجها في أوساط الجماهير العفوية التي تعاني من شدة الفقر والبطالة والتخلف ,بحيث وجدت في ما تقدمه حركات اإلسالم السياسي من خدمات أو
مساعدات مالية واجتماعية واقتصادية ,مالذاً لجأت إليه الجماهير الفقيرة دون وعي منها لدور أنظمة النفط وغيرها في تقديم الدعم والتمويل لهذه الحركات من ناحية ,وفي ظل غياب دور أحزاب وقوى
اليسار وانقطاعها عن التواصل واالندماج بالجماهير من ناحية ثانية.
وفي هذا المشهد ومتغيراته ,ال أستطيع أن أطلق على ما جرى ويجري في بلدان العرب ,ثورة ,بل
اسميها مجا ازً انتفاضة أو حالة ثورية ,ال أنكر دورها في كسر حالة الخوف والتردد لدى الجماهير
الشعبية ,والتمهيد لخلق واشتقاق عملية تغييريه في النظام العربي ,إال أنها حتى اللحظة ,لم تحقق
سوى تغيير طربوش النظام (مبارك ,قذافي ,زين العابدين ,علي صالح ,وغيرهم على الجدول) ومهدت الطريق لوصول حركات اإلسالم السياسي إلى الحكم ,دون أن تنجح في تحقيق الحد األدنى
من األهداف االجتماعية والسياسية واالقتصادية التي انطلقت االنتفاضات من أجلها.
واألدهى أن القوى السياسية واالجتماعية الرئيسية المؤثرة -حتى اللحظة -في هذه البلدان (وأقصد
بذلك الجيش ورجال األعمال واإلخوان المسلميـن والتيارات السلفية ورموز القبائل –التي أعيد إحياءها
من جديد )-تسعى إلى إعادة تكريس وانتاج صور من التخلف والتبعية ,بأشكال أكثر بشاعة
وانحطاطاً مما كان عليه األمر في األنظمة المخلوعة ,وذلك ارتباطاً بمصالحها الطبقية األنانية ورؤيتها األيديولوجية الغيبية الرجعية ,يشجعها على ذلك طبيعة التطور االجتماعي المشوه في
مجتمعاتنا العربية ,إلى جانب ضعف وضحالة انتشار وتوسع القوى الثورية اليسارية في أوساط
الجماهير .
لكنني على ثقة بأن سيرورة الحالة الثورية لن تنطفئ ,وها هي تشتعل من جديد في مصر
وتونس ,بعد أن تكشفت الجماهير زيف شعارات وبرامج اإلخوان المسلمين وحزب النهضة ,وبالتالي كان البد من خروج هذه الجماهير ,وانتفاضها الثوري من جديد ضد حكومتي اإلسالم السياسي ,من
وض ّحت من اجلها. اجل تحقيق األهداف التي انطلقت َ لذلك ,فإن الحديث عن االنتفاضات الشعبية العربية ,وسيروراتها الثورية ,يفرض النظر إليها وتحليل متغيراتها وأهدافها عبر مشهدين.
المشهد األول :مشهد إسقاط الرؤساء وبداية تطبيق اإلجراءات الديمقراطية السياسية ذات الطابع
الليبرالي ,ومن ثم االنتخابات التي حققت فيها حركات اإلسالم السياسي فو ازً غير مسبوق في كل
تاريخها.
91
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المشهد الثاني :مشهد ما بعد وصول اإلخوان المسلمين والنهضة إلى السلطة والحكم في مصر
وتونس ,أو ما أسميه قطف ثمار االنتفاضة.
ففي المشهد األول ,توحدت كل الجماهير الشعبية في معظم البلدان العربية عموماً ,وفي تونس
ومصر خصوصاً ,تحت شعارات الحرية والكرامة والخبز والديمقراطية واسقاط النظام وأجهزته الفاسدة, االستبدادية والقمعية ,وبالتالي فقد نجحت االنتفاضات في كسر حاجز الخوف ,وتحطيم استبداد
األ نظمة ,واالنطالق في سيرورتها الثورية التي امتد تأثيرها في معظم البلدان العربية ,وفي أوساط
الشعب والشباب الفلسطيني في الوطن والمنافي ,الذي رفع شعار "الشعب يريد إنهاء االنقسام" وانهاء
كل أشكال االستبداد والفساد ,إلى جانب الدعوة إلى رفض المفاوضات العبثية والعودة إلى النضال السياسي والكفاحي المسلح والشعبي ,عبر الوحدة الوطنية ,الكفيلة بالتمسك بالثوابت الوطنية وتوفير
عوامل الصمود الوطني ,لكن هذا الحراك الشباب الفلسطيني ظل أسي ارً ألطره النخبوية بعيداً عن التواصل والتأثير في أوساط الجماهير الشعبية .
وفي هذا المشهد ,نالحظ طغيان الشعارات الوطنية ,المحلية /القطرية ,ذات الطابع المطلبي
المعيشي ,والديمقراطي ,كشعارات رئيسية لالنتفاضات العربية ,في مقابل خفوت الشعارات السياسية
الوطنية والقومية المناهضة لالمبريالية والصهيونية ,إلى جانب تراجع الشعارات المؤيدة للقضية
الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ,األمر الذي يدفعني إلى القول بأن المتغيرات العربية الراهنة , في ظل االنتفاضة ,أسهمت في تراجع القضية الفلسطينية في الذهنية الشعبية العربية ,والسبب في
ذلك ال يعود أبداً إلى رغبة الجماهير الشعبية العفوية الثائرة ,بقدر ما يعود إلى طبيعة سياسات األنظمة المخلوعة ,وطبيعتها الطبقية الكومبرادورية البيروقراطية الطفيلية ,واستبدادها وقهرها
لجماهير العمال والفالحين الفقراء ,إلى جانب خضوعها وتكيفها مع السياسات االمبريالية
والصهيونية ,وتكيفها مع شروط الصندوق والبنك الدوليين التي أدت إلى المزيد من إفقار وامالق ومعاناة الجماهير الشعبية الفقيرة بصورة غير مسبوقة ,إلى جانب تراجع قيادة منظمة التحرير
الفلسطينية ومعظم فصائل وحركات المقاومة الفلسطينية عن ثوابتها وأهدافها ورؤاها الوطنية الثورية,
لحساب القبول باتفاق أسلو وبق اررات ما يسمى بالشرعية الدولية ,خاصة قراري 323و 221وصوالً إلى التراجع عن التمسك بحق العودة كما جرى في لقاء ياسر عبد ربه -بيلين -في جينيف ,وصوالً
إلى الصراع الدموي بين حركتي فتح وحماس على المصالح الفئوية وعلى اقتسام السلطة ,ومن ثم تكريس االنقسام وانفصال حركة حماس وتمترسها في قطاع غزة بتاريخ /02حزيران ,3117/وكل هذه العوامل أسهمت بالتأكيد في تراجع وهج القضية الفلسطينية ووهج النضال القومي في أذهان الجماهير
العربية .
90
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أما المشهد الثاني من سيرورة االنتفاضة ,فهو مشهد اإلسالم السياسي الذي بدأ على أثر فوز
اإلخوان المسلمين والنهضة في مصر وتونس في االنتخابات التشريعية والرئاسية ,وحرص
حكومتيهما على إشاعة مظاهر االستقرار وامتصاص وانهاء الحالة الثورية الشعبية من خالل
الفضائيات ووسائل اإلعالم التابعة لها ,إلى جانب الفضائيات العربية واألجنبية المساندة (الجزيرة /
العربية /الـ ... BBCوغيرها) حيث سادت حالة أقرب إلى الهدوء والترقب في أوساط الجماهير ,في انتظار مبادرة الحكومتين إلى تطبيق وتلبية المطالب الشعبية ,عبر إصدار القوانين والق اررات الكفيلة
بالتطهير الشامل لكل مؤسسات وأجهزة النظامين المخلوعين ,وعدم االكتفاء بالمحاكمات الشكلية,
وكذلك إصدار القوانين التي تتضمن صراحة مصادرة كل الثروات غير المشروعة في جميع المجاالت ,
واعادة إحياء مؤسسات القطاع العام اإلنتاجية وتجديدها ,وتحديد الحد األدنى والحد األعلى لألجور, والتطبيق الصارم لمبدأ تكافؤ الفرص ,وتقديم الدعم للسلع الغذائية واألساسية للشرائح الفقيرة ,واصدار
القوانين التي تجسد التزام حكومتي اإلخوان والنهضة ,بالقضايا المطلبية ,في االقتصاد والتنمية المستقلة والتأمين الصحي والتعليم والثقافة ,وأن يخطط النظام الجديد إلى إعادة بناء الذات الوطنية
الديمقراطية الموحدة بعيداً عن كافة أشكال التعصب الديني والطائفي واالثني في إطار االلتزام باألسس الدستورية الديمقراطية للدولة المدنية الحديثة ,وضد كل مظاهر وأدوات االستبداد في شتى صوره .
ولكن ,بعد أقل من ستة شهور على وصول اإلخوان المسلمين والنهضة إلى سدة الحكم ,اكتشفت
الجماهير الشعبية زيف شعارات حكومتيهما وبهتان مصداقيتهما ,وعدم التزامهما بالحد األدنى من
مطالب الجماهير ,بل على العكس من ذلك ,زادت األوضاع االقتصادية سوءاً على ما كانت عليه في عهد النظامين المخلوعين ,فارتفعت أسعار المواد الغذائية واألساسية ,وتزايدت نسبة البطالة إلى أكثر
من ,%31وارتفعت نسبة الفقر والفقر المدقع المحدد بدوالرين في اليوم إلى أكثر من ,%31
وتراجعت القطاعات اإلنتاجية والسياحة ,وتزايدت الفجوة في الميزان التجاري بعد ان تراجعت
الصادرات ,وبقيت أجور العمال وصغار الموظفين والجنود والفالحين الفقراء كما كانت عليه قبل
االنتفاضة ال تلبي %21من احتياجات األسر الفقيرة في مصر خصوصاً .
والى جانب ذلك كله ,اكتشفت الجماهير أيضاً حرص حكومتي اإلخوان والنهضة على تجديد
عالقات التبعية االقتصادية والسياسية مع االمبريالية األمريكية ,واستجداء القروض من الصندوق
والبنك الدوليين والموافقة على شروطها الخاصة بإلغاء الدعم عن المواد األساسية للفقراء.
أما فيما يتعلق بالموقف السياسي لحكومتي تونس ومصر ,فقد تماهى مع مواقف الدول الرجعية
في الخليج والسعودية ,ومع موقف حكومة اإلسالم السياسي في تركيا بقيادة أردوغان ,التي تقوم
بدورها المرسوم باعتبارها عضواً في حلف الناتو ,في تشجيع االعتراف والتطبيع مع دولة العدو
غزة ,إال بهدف تمرير سياسات الصهيوني ,ولم يكن تأييدها لحكومة حركة حماس غير الشرعية في ّ 92
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
االعتدال والمهادنة ,ومن ثم المصالحة مع فتح وفق الرؤية السياسية الهابطة للسلطة وحكومتها غير
الشرعية في رام اهلل ,وهنا بالضبط نلحظ الدور السياسي المباشر لحكومة مصر اإلخوانية ,صوب هذه
الوجهة السياسية الهابطة المنسجمة مع السياسات األمريكية اإلسرائيلية ,كما نلحظ أيضاً الدور السياسي غير المباشر لحزب النهضة وحكومته في تونس في نفس الوجهة.
وبالتالي فإننا أمام مشهد ما بعد سقوط بن علي وحسني مبارك وعلي صالح وغيرهم على الجدول ,
يحمل في طياته إمكانيات -تملك العديد من المقومات -إلعادة تشكيل بلدان النظام العربي في إطار أوضاع جديدة من التبعية للسياسات األمريكية والنظام الرأسمالي العالمي ,بما في ذلك استمرار
االعتراف والتطبيع مع دولة العدو الصهيوني أو الدعوة لمهادنتها آلماد طويلة قادمة ,باسم االعتدال
السياسي وفي إطار الديمقراطية السياسية الشكلية أو الليبرالية الرثة ,بما يحقق مصالح القوى
الطبقية الكومبرادورية والطفيلية والبيروقراطية العسكرية والمدنية ,التي لم تتغير أحوالها ومصالحها
على الرغم من سقوط رأس النظام في هذا البلد أو ذاك.
ما يعني بوضوح أن الجوهر الطبقي لحركات اإلسالمي السياسي ,ال يختلف أبداً عن الجوهر
الطبقي للنظام المخلوع ,بل أن حركات اإلسالم السياسي -في حال استقرار حكمها -ستعمل وفق
منظورها األيديولوجي والسياسي واالجتماعي ,على رفض والغاء الشكل الليبرالي للديمقراطية السياسية
تكرس أوضاعاً سياسية ومجتمعية ,عبر أنظمة أو قوانين مستحدثة, وحرية األفراد وحرية الرأي ,لكي ّ تستهدف وأد الحريات الديمقراطية واعادة إنتاج وتجديد التخلف االجتماعي ,وايجاد السبل الكفيلة بصياغة أشكال جديدة من التبعية للسياسات األمريكية وخضوعها لشروط الصندوق والبنك الدوليين,
كما هو حال نظام اإلسالم السياسي في مصر حالياً وفي تونس واليمن وليبيا وغيرها ,األمر الذي يثير كل دواعي القلق بالمعني الموضوعي من سيرورة مشهد اإلسالم السياسي في عالقاته السياسية
الراهنة والمستقبلية مع التحالف اإلمبريالي الصهيوني ,وما سيؤدي إليه من تنازالت سياسية خطيرة على راهن ومستقبل النضال التحرري الوطني والديمقراطي الفلسطيني ,التي قد تكون أشد مرارة وقسوة
من أي مرحلة سابقة.
في ضوء ما تقدم ,فإن مجمل المستجدات والمتغيرات السلبية المتالحقة ,الناجمة عن ممارسات
أنظمة وحكومات اإلسالم السياسي -رغم قصر مدتها -تؤكد على مصداقية تحليلنا بالنسبة للجوهر الطبقي المشترك بين أنظمة حركات اإلسالم السياسي واألنظمة المخلوعة ,من حيث طابعها
الكومبرادوري والرأسمالي الطفيلي بكل تالوينه ,وتبعيتها وخضوعها للسياسات األمريكية ,عالوة على
المخاطر الناجمة عن تطبيق الرؤية األيديولوجية الدينية على الصعيد االجتماعي ,وما تعنيه من إعادة إنتاج للتخلف ,وممارسته على صعيد القضايا االجتماعية المتعلقة بأوضاع العمال والفالحين والشباب
وحرية المرأة واإلبداع الثقافي وكافة قضايا العدالة االجتماعية واالقتصادية بمختلف تحليالتها . 93
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي مثل هذه األوضاع ,لم يكن ُمستغرباً ,اشتعال االنتفاضات الثورية من جديد ضد أنظمة وحركات اإلسالم السياسي بعد أن تَ َك َّ شفَ ْت الجماهير زيف شعاراتها . وها هي الجماهير الشعبية في تونس ومصر تجدد انتفاضتها ونضالها الديمقراطي ضد استبداد
أنظمة اإلسالم السياسي ,من أجل استبدالها بقيادة تحكمها معايير ومرجعية الوطن والوطنية والمواطنة والحرية والعدالة االجتماعية للفرد والجماعة ضمن عقد اجتماعي مدني وديمقراطي يفصل
الدين عن السياسة ويفصل السياسة عن الدين ,ويكون المصدر الوحيد لشرعية أي رئيس قادم.
تلك هي طموحات الجماهير في تونس ومصر والمغرب واليمن وليبيا والعراق وبقية األقطار العربية,
ليس ضد جماعة النهضة أو اإلخوان المسلمين فحسب ,بل أيضاً ضد كل مظهر من مظاهر إعادة الظلم واالستغالل الطبقي واالستفراد والتحكم في المجتمع والدولة ومستقبلها .
ولذلك ,أقول -بكل حزن وألم -أن الوضع الفلسطيني في هذه اللحظة ,يبدو في أفق مسدود ,
ليس بسبب الالءات اإلسرائيلية فحسب (ال للقدس عاصمة ,ال لعودة الالجئين ,ال لوقف االستيطان,
ال لالنسحاب الكامل من األراضي الفلسطينية المحتلة ,ال للدولة المستقلة كاملة السيادة) بل أيضاً بسبب تردي األوضاع السياسية الفلسطينية الداخلية وهبوطها وانقسامها بين حكومتين غير شرعيتين,
ومن ثم فإن محاوالت مصر وتونس وتركيا باتجاه المصالحة وانهاء االنقسام ,ال تعدو كونها محاوالت لتكريس الهبوط السياسي في خدمة ما يسمى بعملية السالم ,بما يتوافق مع الرؤية األمريكية التي
عبر عنها الرئيس أوباما عند زيارته للدولة الصهيونية ولقاءه برئيس السلطة الفلسطينية في رام اهلل
بتاريخ , 3102/2/33وبالتالي استطيع القول ,إن كل من حركتي فتح وحماس تقدم للشعب الفلسطيني ,أسوأ صورة ممكنة عن حاضر ومستقبل المجتمع الفلسطيني المحكوم ,بصوره إكراهية, بأدوات ومفاهيم اليمين الليبرالي الرث في رام اهلل وأدوات ومفاهيم اليمين الديني أو اإلسالم السياسي
في غزة ,في إطار من االستبداد والقمع ,وهي مفاهيم لن تحقق تقدماً في سياق الحركة التحررية ,بل على النقيض ستعزز عوامل انهيارها واالنفضاض الجماهيري عنها ,ذلك هو الوجه البشع لسلبيات نظامي حكم اإلسالم السياسي في مصر وتونس ,التي توافقت إلى درجة التطابق مع سياسات المعسكر
الرجعي العربي في السعودية والخليج والمغرب واألردن ..الخ .
ُعول أبداً على متغيرات ايجابية على في ضوء معطيات هذا المشهد ونتائجه وآثاره ,فإنني ال أ ِّ
القضية الفلسطينية ,بل على العكس ,ستتراكم العوامل السلبية باتجاه المزيد من تكييف حركة حماس لكي تتوافق وتستجيب لسياسات اإلخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس ,إلى جانب
استجابتها لحكومات قطر والسعودية والخليج واألردن ...الخ ,في إطار ارتباط النظام العربي الراهن
94
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
و"جامعته العربية" بالسياسات األمريكية ,وهي أنظمة باتت اليوم تَعتَِبر القضية الفلسطينية عبئاً ثقيالً على كاهلها ,ترغب وتسعى للخالص منه بأي ثمن. وفي هذا السياق يبدو أن هناك توافقاً على مزيد من التطبيع واالعتراف بالدولة الصهيونية وانهاء
قضية الالجئين في هذه المرحلة ,عبر ما يسمى بـ"المبادرة العربية/السعودية" ,المطروحة منذ عام
, 3113ولكن ضمن الرؤية والشروط األمريكية اإلسرائيلية ,وبموافقة اإلخوان المسلمين والنهضة, في ظل استعداد وقبول اليمين الليبرالي الرث في حركة فتح واليمين الديني في حركة حماس ,بعد ان باتت مصالحهما الطبقية والفئوية المحدد الرئيسي على حساب القضية الوطنية ومستقبلها.
أخي ارً ,ال بد لي من التأكيد على أن حديثي عن قتامة وسوداوية المشهد العربي الراهن في إطار
سيرورات االنتفاضات العربية ,ال يعني تشاؤماً في اإلرادة بالنسبة لمستقبل حركة الجماهير
وانتصارها ,بقدر ما هو نوعاً من تشاؤم العقل الذي يحفز على المجابهة ومواصلة النضال بكل أشكاله في خضم الصراع الطبقي والسياسي ضد أنظمة التبعية والعمالة واالستبداد والتخلف ,وضد الوجود
اإلمبريالي الصهيوني في بالدنا ,وبالتالي فإنني على قناعة -بالمعنى الموضوعي -بأن المشهد العربي الراهن على قتامته ,سيعزز من جديد ,ويراكم كل عوامل السيرورة الثورية الوطنية والديمقراطية داخل كل قطر عربي ,والتي لن تنفصل عن السيرورة الثورية للنضال القومي النهضوي
التقدمي الوحدوي والديمقراطي ,إذ ليس أمام الجماهير الشعبية الفقيرة وقياداتها الثورية -في فلسطين
وبلدان الوطن العربي -أي خيار سوى االستمرار بالثورة حتى تحقيق األهداف التي انطلقت الجماهير
وضحت من أجلها .
وفي هذا السياق ,فإن من واجب جميع قوى اليسار الماركسي العربي ,أن يبادروا إلى التفاعل
والحوار وصوالً إلى رؤية توحيدية مشتركة ,تنطلق من حرص الجميع على تواصل السيرورة الثورية للجماهير العربية في كل قطر ,عبر عالقة جدلية بين األهداف الوطنية /القطرية الداخلية ,وبين
األهداف القومية التقدمية الديمقراطية التوحيدية ,لكي يتواصل نضال االنتفاضات بما يضمن بلورة
وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الشعبية الديمقراطية وتفاعلها واندماجها مع مهمات الثورة القومية التحررية والديمقراطية العربية ,وعند ذلك تتجلى اآلثار االيجابية للسيرورة الثورية العربية على مجمل
الحركات الثورية الفلسطينية بعيداً عن رؤى وبرامج الليبرالية الرثة وهبوطها من ناحية وبعيداً عن رؤى وبرامج اليمين الديني /اإلسالم السياسي من ناحية ثانية .
لهذا البد من تفعيل القوى الديمقراطية واليسارية من أجل أن تتحمل مسئوليتها في التقاط اللحظة
التاريخية الراهنة والصعود بها وفق رؤية وبرامج واضحة تقوم على النضال من أجل استكمال مهام
الثورة الوطنية الديمقراطية على طريق صياغة البديل االشتراكي الديمقراطي الشعبي الذي يحمل 95
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مشروع الطبقات الشعبية ,ويعمل على تحقيق مصالحها ,ومن واجب هذه القوى ,أو األحزاب والقوى
اليسارية القديمة والجديدة التي نشأت اليوم وستنشأ غداً ,أن تمارس عمليا عبر نضاالت طليعية حقاً في أوساط الجماهير الشعبية لزيادة وعيها وتنظيمها وتأطيرها السياسي والنقابي واالقتصادي تحت
شعارات توحيدية وطنية وقومية تقدمية وديمقراطية واضحة ومحددة ,تجسد مصالح هذه الجماهير
وتدفعها مجدداً للنضال الكفاحي والديمقراطي الثوري في إطار الصراع الطبقي ,ما يفرض على قوى
اليسار أن تعي ذلك وأن تسارع إلى الخروج من أزماتها ونهج بعضها اإلصالحي واليميني قبل أن
يسدل عليها الستار.
96
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
املقاييس الفكرية والتنظيمية والعملية والطبقية والنضالية والقيادية واملسلكية والعلميةاملطلوب تطبيقها ومتابعتها وتطويرها يف احزاب اليسار العربي
21 / 2 / 3102 إن إعطاء االهتمام للجانب النظري في هذه المرحلة ال يعني وال يجوز أن يفهم إطالقاً انه انتقاص
من أهمية الصفات والمهام األخرى ,وال يجوز أيضا أن تفهم المسالة بشكل ميكانيكي وكأنها عملية
حسابية ,كالقول أن الجانب النظري يحوز على 71نقطة مثال وباقي الصفات األخرى مجموع نقاطها
21وال يجوز الفصل بين المقاييس ,وانما نؤكد على الفهم الجدلي لهذه المقاييس وأولويتها ,كونها مقاييس مترابطة فيما بينها أشد الترابط ,فمثال الجانب النظري يجب أن ينعكس ايجابيا على كافة
الصفات األخرى ,وغير ذلك يصبح ال قيمة فعلية له ,وكذلك فان الجانب التنظيمي والتجربة النضالية من الضروري أن تنعكس على مستوى الوعي النظري ,فالجانب النضالي مترابط بقوة مع الجانب
الفكري والتنظيمي والمسلكي ,فال يمكن فصل التجربة النضالية عن المسلكية األخالقية ومسألة الوعي
والتنظيم الثوريين...إلخ
إننا نأخذ بأولوية الوعي النظري والسياسي إذا لم يكن هناك ثغرة كبيرة في المقاييس األخرى ,ذلك
انه ليس بالضرورة عند المحاسبة أو التقييم أن نأخذ بكل المقاييس وفق عملية جمع وطرح ,وانما من
المحت مل أن تكون هناك ثغرة كبيرة وبارزة في احد هذه المقاييس تعكس نفسها بشكل كبير جدا على مجمل التقييم ,ولدى فصائل واحزاب اليسار العربي أمثلة من واقعها وتاريخها في هذا المجال.
اوال :المقياس الفكري يتجلى كمقياس رئيسي بحيث يمكن معرفة درجة تمرس الرفاق عموماً والكادر خصوصاً من الناحية النظرية وانعكاس ذلك على مختلف مواقفهم وممارساتهم ,ومعرفة
مدى استيعابهم لسياسة الحزب واهدافه وبرامجه وتفانيهم من اجل تطبيق سياساته .ف"ال
حركة ثورية بدون نظرية ثورية" هذا هو المحدد الرئيسي لهذا المقياس الذي يسعى إلى
تحديد درجة استيعاب الكادر الحزبي للنظرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي ,وقدرته على تطبيقها التطبيق الخالق في الواقع المعطى ,بما يتضمنه ذلك من القدرة على صياغة
المواقف السياسية السليمة التي تستجيب لمهمات النضال الوطني والديمقراطي.
ثانيا :المقياس التنظيمي :هو مقياس يحدد درجة التزام الكادر واالعضاء باالنضباط التنظيمي والمحافظة على وحدة الحزب في الفكر والعمل ,والتطبيق الصائب والمبدع لق اررات الحزب
وتوسيع التشكيالت المحيطة به ,ويمكن االستدالل على هذا المقياس من خالل االسئلة
97
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
التالية :هل يمتلك – العضو -قدرات تنظيمية ويعرف كيف ينظم عمله؟ هل لديه روح
المبادرة بهدف االرتقاء بالحزب بعيداً عن أي شكل من أشكال االنتهازية أو النفاق أو التكتل او الشللية؟ هل ينتقد ذاته ويكشف النواقص في الوقت المناسب ويتخذ التدابير لمعالجتها؟ هل ينفذ المهمات بدقة وبشعور عال بالمسؤولية؟ هل يمارس مهماته بمبدأية عالية وال
يتسامح تجاه األخطاء عبر موقف أخالقي وروح رفاقية دافئة؟ هل يمارس بالفعل توجهات
الحزب في التوسع التنظيمي والجماهيري؟
ثالثا :المقياس العملي :وهي الصفات التي تحدد قدرات الكادر واالعضاء على التطبيق السليم لخط الحزب في المجاالت السياسية أو التنظيمية أو الفكرية أو الجماهيرية أو النضالية أو
اإلعالمية .
رابعاً :المقياس الطبقي :إن التاريخ بالنسبة لنا – كماركسيين – ليس سلسلة من األحداث والوقائع,
وهو أيضاً ليس مرهوناً بإرادة الفرد أو األفراد – رغم إقرارنا بأهمية دور الفرد في التاريخ,-
ذلك إن للتاريخ قانوناً أساسياً ,يتلخص في أن الناس في سعيهم الحتمي من أجل بقائهم المادي كأفراد يدخلون في عالقات اجتماعية متبادلة تحددها العالقات اإلنتاجية في مواقع ِ المستغلّة (األقلية) التي تملك وسائل يواجهون بعضهم البعض عبر صراع طبقي بين الطبقة اإلنتاج والثروة من جهة وبين الطبقات المحرومة (األغلبية) التي يجري استغاللها
واضطهادها من جهة ثانية ,وهنا يتجلى بوضوح دور الصراع الطبقي باعتباره أحد المقاييس
الهامة في صيرورة نضال احزاب اليسار ,إذ أن الحزب الذي يتمكن (عبر قوة التنظيم وعمق
االقتناع بأيدلوجية الحزب وأهدافه الوطنية والقومية والتوسع الجماهيري) من تحويل األوضاع
والصراعات الطبقية إلى ضغط سياسي جماهيري ,سيتمكن بالضرورة من تحقيق النجاح
لمبادئه وأهدافه الوطنية والديمقراطية واالجتماعية التي ترتبط عضوياً باألهداف القومية واألممية.
خامساً :المقياس النضالي :استعداد الكادر للقيام بالمهمات النضالية التي يكلف بها والمرتبطة ببرنامج الحزب .
سادساً :القدرة القيادية :القيادة علم وفن ,وهي من شروط اختيار الكوادر الحتالل مواقع قيادية ,إن
القدرة القيادية تعني المستوى الفكري والسياسي المتميز للكوادر ,وأهليتهم ومبادرتهم
واتجاههم الهادف في العمل ,والقدرة على تحمل المسؤولية ومواجهة األمور الملموسة,
القدرة على تنظيم وادارة العمل وضبطه انطالقا من توجهات الحزب ودستوره أو نظامه الداخلي ,والقدرة على وضع البرامج والخطط ومراقبتها ,القدرة على التطوير المستمر لقدراته
العملية ولوعيه الذاتي ,ومن الصفات القيادية أيضا أن يكون مؤث ارً – بصورة ايجابية -في رفاقه ومجال عمله وفي عالقاته االجتماعية العامة. 98
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
سابعاً :المقياس المسلكي :إن التزامنا بأهداف ومصالح الطبقات الشعبية الكادحة ,تشترط التزامنا بأخالقها ,لكن علينا في احزاب اليسار العربي أن نأخذ دوماً بعين االعتبار سجايا الطبع
"والسمات الذاتية الخاصة" ومراعاة أصول األخالق االشتراكية ,التي تتمثل في الروح المبدأية العالية والوعي العميق للواجب االجتماعي ,والروح الجماعية والعالقات الرفاقية القائمة على
التعاون ,واالحترام والبساطة والصراحة والصدق والتواضع ,والنزاهة واإليثار ,والروح الرفاقية
التي تؤكد على المساواة الفعلية بين الجميع.
ثامناً :المقياس العلمي واإلداري التخصصي :إن صواب الوجهات التي سيتحقق فيها نشاط احزاب وفصائل اليسار يحدده مدى أخذهم بالقوانين واألسس العلمية الحديثة في اإلدارة الداخلية
لمؤسساتهم أو هيئاتهم ,عالوة على تطبيق هذه القوانين واألسس على التطور االجتماعي العام والخاص من حولهم ,وهذا يشير إلى انه بموازاة إغناء المعرفة ,ينبغي تطوير األساس
العلمي لنشاط كوادر واعضاء الحزب ,بهدف االرتقاء المستمر بالمستوى العلمي للحزب
عموماً ولقيادته وكوادره خصوصاً ,إلى جانب التوزيع الصائب والدقيق للعمل في الهيئات
القيادية واالختيار الموضوعي ألعضائها ووضع كل منهم في المكان المناسب التزاماً بتطبيقات مفاهيم وأسس اإلدارة الحديثة التي يتوجب تطبيقهاوتطويرها بما يضمن استمرار
تقدم وصعود وانتشار الحزب دون أية معوقات ذاتية مرتبطة بالعوامل الشخصية أو الشللية
أو العصبوية العشائرية أو أي مظهر من مظاهر التفرد أو التخلف الذاتي والمجتمعي ,
فالعلم – كما يقول ماركس – هو "القوة التاريخية الثورية المحركة" ولذلك من الضروري لنا وبكل ثمن – كما يقول لينين -أن نتعلم ,وثانياً أن نتعلم ,وثالثاً أن نتعلم ,وبعد ذلك أن
نتفحص أن ال يكون العلم عندنا حروفاً ميتة ,بل أن يدخل العلم في اللحم والدم ,وان يتحول بشكل كامل وحقيقي إلى عنصر مكون من عناصر أسلوب الحياة في احزابنا ,بحيث تتمكن
هيئاتها المنتخبة أن تنصرف جيداً إلى الحياة الواقعية من حولنا بكل جوانبها ,وان نتعلم
باستمرار ,وان نستوعب فن القيادة ,وان تظهر المبادرة والحمية والهمة والدأب على العمل في حل القضايا التي تواجهها ,وهي أمور أو أهداف صغرى –داخلية -قابلة للتطبيق والتحقق في حياة حزبنا ,إذا ما أدركنا أهمية امتالكنا لمفاهيم وآليات اإلدارة الحديثة ,ووعينا
بضرورات ممارستها في هيئاتنا ومؤسساتنا .على ان ندرك ان الشرط األول لنجاحنا في
تطبيق المفاهيم العصرية لإلدارة ,يكمن في استعدادنا الواعي ,والتزامنا الحازم ,لطرد وازاحة كل المظاهر الريفية أو مظاهر التخلف اإلداري في احزابنا ,والتوجه الفعال صوب امتالكنا
للمعلومات والبيانات عبر تطبيق آلياتها ومنهجيتها العلمية ووسائلها التكنولوجية الحديثة.
99
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي هذا الجانب علينا أن نعترف أن معرفتنا الحقيقية بالماركسية هي معرفة محدودة ,سطحية ,وال
شك أن هذه المعرفة المحدودة هي امتداد لمحدودية معرفتنا النظرية العامة التي ساهمت بدورها – مع
عوامل أخرى -في حجب الماركسية وعدم إدخالها وتفاعلها في ثقافتنا الوطنية والقومية العامة ,عالوة على اكتفائنا بتبني الماركسية على الورق والرايات ,ولم نستطع –حتى اللحظة -البدء بتفعيل الحوار الفكري المنهجي المعمق حولها ,األمر الذي أغلق الباب على الحوار الموضوعي الداخلي في احزاب
وفصائل اليسار العربي حول قضاياها ومكوناتها المتنوعة المتجددة ,واليوم ونحن نسعى الى إعادة قراءة الماركسية ومنهجها ,فإننا نهدف من وراء ذلك إلى تعميق الوعي بها في هيئات ومراتب وكوادر
هذه االحزاب ,بما يمكنها من التحليل الموضوعي وسبل التغيير الثوري الديمقراطي المطلوبة لواقعنا
العربي بكل مكوناته وجوانبه السياسية والمجتمعية ,على ضوء امتالكنا للمنهج المادي الجدلي
والوضوح النظري المعرفي بالماركسية وحقائقها ومصيرها وأزمتها ودالالتها في مجتمعنا وفي عصرنا .
وفي كل األحوال فإن تساؤالتنا واجاباتنا – حول الواقع والنظرية -ستكون بالضرورة محدودة
بحدود معرفتنا أو طبيعة التزامنا (الشكلي أو النوعي) بهذه النظرية ومنهجها ,في هذه المرحلة بالذات, خاصة في مشهد االسالم السياسي الراهن ,الذي تتكرس فيه عوامل التخلف االجتماعي ,وتتجدد فيه
التبعية للنظام االمبريالي ,عالوة عن الحديث عن مهادنة دولة العدو الصهيوني او التطبيع معها
واالعتراف بها ,في ظل حالة غير مسبوقة من الخضوع للقوى الطبقية البيروقراطية والكومبرادورية
الحاكمة -قبل وبعد االنتفاضات -في بالدنا ,وهي أوضاع مؤقتة ,لكن زوالها ومن ثم انتصار القوى اليسارية مرهون بوعي والتزام هذه القوى بمضمون الماركسية وتطبيقاتها على واقعنا ,و من ثم تفعيل
دورها الطليعي في االلتحام بالجماهير و قيادتها صوب تحقيق أهداف و طموحات هذه الجماهير التي رغم طول انتظارها وعظيم تضحياتها تتحفز بشوق كبير لمواصلة النضال من اجل تحررها ومن اجل
الخالص من كل أشكال الظلم واالضطهاد الطبقي والوطني تحت رايات اليسار في فلسطين وكل أرجاء
الوطن العربي ,ذلك هو دور الكادر الثوري ورسالته في خلق واثراء خصوبة الشرائح االجتماعية الكادحة والفقيرة ,وتحريضها وتأطيرها ,فأنتم أيها الرفاق بمثابة الموج الهادر الذي يحرك المياه
ال اركدة شبه اآلسنة في بالدنا ,أنتم أبناء فصائل واحزاب اليسار الثوري العربي ...التي تتنسم
الجماهير الشعبية من خاللكم ,نسمات المستقبل القادم الذي تتحقق فيه أحالمها ,عبر برنامج ورسالة
احزابكم وهويتها الفكرية ومنهجها المادي الجدلي ,على تقديم البدائل الثورية إلخ ارج مجتمعاتنا العربية وجماهيرنا الشعبية من الواقع المهزوم والمأزوم الراهن صوب المستقبل القادم الذي ستعلو فيه رايات
التحرر والديمقراطية والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية.
011
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ً الوضع العربي بعد 46عاما على هزمية حزيران ..0967مزيد من
تراجع اهلويتني القومية والوطنية حلساب مشهد االسالم السياسي 2 / 9 / 3102
بمناسبة الحديث عن االنتماء القومي واشكالية الهوية تحضر إلى الوعي جملة متداخلة من
األسئلة :ما هي العوامل التي صنعت إخفاق المشروع القومي النهضوي العربي الحديث؟ لماذا انتهى المشروع القومي من مشروع الدولة القومية الموحدة إلى مشروع دولة قطرية ال تحتفظ من القومية إال
بشعارات ال وظيفة لها ,إال ترسيخ موقع الدولة القطرية إياها؟ وما هي طبيعة الدور الذي لعبته
الشرائح البيروقراطية والكومبرادورية المسيطرة على أنظمة الدولة القطرية منذ انهيار المشروع القومي في مصر 0671وبداية مرحلة جديدة من التبعية والخضوع للنظام الرأسمالي العالمي؟ وكيف كرست الدولة القطرية في ظل المرحلة الجديدة ما يسمى بعملية إعادة إنتاج التخلف في بالدها بالتحالف
المباشر وغير المباشر مع التيارات الدينية السلفية؟ وكيف استفادت الحركات اإلسالمية من هذه
التحوالت ,خاصة بعد أن أدت دورها في أفغانستان بالتنسيق مع الواليات المتحدة األمريكية؟ وصوالً إلى استكمال الهيمنة األمريكية على معظم بلداننا العربية إلى جانب تفاقم عدوانية وصلف وعنصرية
دولة العدو الصهيوني و إصرارها على فرض شريعة المحتل الغاصب ,ورفضها التعاطي مع ق اررات الشرعية الدولية أو اإلعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية واالستقالل وحق العودة ,األمر الذي
أوصل فكرة "حل الدولتين" إلى أفق مسدود ,وبالتالي تزايد إنتشار مظاهر القلق واإلحباط في أوساط
الشعوب العربية عموما ,والشعب الفلسطيني خصوصاً ,مع تزايد حاالت التفكك االجتماعي والطائفي والفقر والبطالة التي أدت بدورها إلى استفحال الصراعات واإلستقطابات الداخلية على المستوى
العربي ,واستفحال الصراعات الدموية في الساحة الفلسطينية التي أدت إلى تكريس االنقسام واالنفصال بين الضفة وقطاع غزة الذي سيطرت عليه حركة حماس منذ منتصف العام . 3117
إن كل هذه التحوالت التي أدت إلى تكريس األزمات السياسية واالجتماعية واالقتصادية في فلسطين
وبلدان الوطن العربي من ناحية ,وتكريس الهيمنة األمريكية الصهيونية على مقدرات شعوبنا من
ناحية ثانية ,ساهمت في خلق المناخات المالئمة إلنتشار وتوسع الحركات السلفية األصولية ,في ظل تفكك أو تراجع أو انهيار الحركات والفصائل واألحزاب اليسارية الديمقراطية ,الذي أسهم بدوره في
تحفيز جماعة االخوان المسلمين والحركات الدينية السلفيه وتوسعها وانتشارها الكمي الهائل في
مجتمعاتنا باسم "اإلسالم السياسي" تحت شعار " اإلسالم هو الحل ".
010
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والسؤال هنا :هل تتوفر لهذا الشعار أي إمكانية واقعية للتحقق في بالدنا باسم الخالفة اإلسالمية
أو غير ذلك من األنظمة الدينية في اللحظة المعاصرة من القرن الحادي والعشرين ؟ إننا إذ نؤكد
احترامنا لتراث شعوبنا الديني ,وللمشاعر الدينية ,إال أننا نرى أن هذه المنطلقات الدينية والتراثية ,
خاصة في إطار اإلسالم السياسي ,لن تكون قادرة –وليست راغبة بالطبع -على مواجهة األزمات
السياسية االجتماعية االقتصادية والثقافية المستعصية في بالدنا ,انطالقاً من ضرورة التمييز بين الدين والدولة ,أو من منطلق الهوية القومية العربية أو حتى الهوية الوطنية والياتها الديمقراطية ,
ألن تيار اإلسالم السياسي هو تيار نقيض للقومية العربية "لصالح هوية أكثر شموالً ال حدود جغرافية
لها ,هي الهوية اإلسالمية ,وقد بنى أصحاب هذا التيار موقفهم على أساس عقيدي مؤداه أن
القومية مقولة علمانية تناقض العقيدة والدين ,وأن أواصر الجنس واألرض واللغة والمصالح المشتركة
إنما هي عوائق حيوانية سخيفة ,وأن الحضارة لم تكن يوماً عربية وانما كانت إسالمية ,ولم تكن قومية وانما كانت عقيدية (سيد قطب ) ,بينما اعتبر البعض األخر موقفهم على أساس أن النزعة القومية مصدرها االستعمار الصليبي ,وأن نصارى الشام هم الذين روجوا لها (د.يوسف القرضاوي).
وقد بلغ التطرف عند بعضهم إلى حد اتهام الدعوة إلى القومية العربية بالكفر الصريح ,وفي كل
االحول ,يبدو ان انظمة االستبداد العربية عموما وانظمة البترودوالر الرجعية العميلة خصوصا ,الى جانب ضعف تأثير وهشاشة القوى اليسارية ..مهد الطريق الى انتشار وفوز حركات االسالم السياسي عبر استغالل بساطة وعي الجماهير وعفويتها ...االمر الذي ادى الى تعزيز وتعميق اوضاع التخلف
االجتماعي في كل البلدان العربية ,وتزايد الهيمنة االمبريالية والصهيونية والكومبرادورية على مقدرات شعوبنا ,بحيث يمكن القول بأن هناك نوع من الكسل والتعب الحضاري الذي يهيمن اليوم على اإلرادة
العربية ويجعلها تنام على أوساخها تهرب من تحديات الديمقراطية والتنوير واالستنارة والعقالنية والثورة وكل قيم ومفاهيم الحقبة الحديثة ,وهذا يفسر تمسكها بنوع ساذج من الدين ,هذا التمسك يريحها
ويسوغ لها هذا الكسل .لذلك علينا أن نفسر هذا الكسل وهذه الهروبية من الواقع .وبالتأكيد فهي
مرتبطة ,بسيادة الدولة الريعية المسنودة نفطياً ,لكن علينا أن نجري مزيداً من الدراسات التاريخية
واالجتماعية/الطبقية والسيكولوجية المتنا وشعوبنا.انطالقا من ادراكنا أن أكبر تجسيد لألفكار التي يرتعب العرب الرجعيين ,وكل قوى وتيارات اليمين من مجابهتها هو فكر ماركس الثوري الديمقراطي
التغييري في اطار الصراع الطبقي وتحقيق الثورة االشتراكية.
012
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
موجز رحلة مل تنته بعد 6 / 9 / 3102 هنا لن أسرد الرحلة كاملة لكنني سأحاول حكاية وجع المسيرة وموجز السيرة ومسار المعاناة
واألمل ..ولدت عام 0629في مدينة غزة -حي الشجاعية ,ألسرة فلسطينية فقيرة لم يتجاوز دخلها
الشهري في الخمسينات أكثر من 2جنيهات مصرية ,أنهيت الدراسة الثانوية عام , 0693و قُبلت في كلية الحقوق في جامعة اإلسكندرية ,إال أنه وبسبب الفقر الشديد لم استطع االلتحاق بالجامعة ,
و تحولت فرحة القبول إلى حزن داخلى عميق ,ترافق وراكم في عقلي وروحي حقدا طبقيا وولَّ َد في اعماقي مشاعر غامرة بضرورة التمرد وتحدي كل اشكال الظلم واالستغالل والفقر والمعاناة ,كل ذلك
َّ شكل بالنسبة لي حاف ازً لخوض مسيرة التحدي للخروج على بؤس الواقع واالسهام في تغييره ,فكانت
البداية ق ار ار ذاتيا بالقراءة التي كانت – وما زالت – أحد أهم المحفزات التي صنعت مسيرتي النضالية في االلتحاق بالعمل السياسي ,و تقدمت بعدها إلى وظيفة حكومية و بدأت العمل كموظف منذ عام
0692و كان لذلك أث ار كبي ار على أوضاع األسرة التي باتت قادرة على تامين مستلزماتها األساسية .
في هذه الفترة قمت بتأسيس حلقات سياسية عفوية مع بعض األصدقاء ,و بعدها التحقت بصفوف
حركة القوميين العرب عام 0692م و كنت وال زلت متأث ار بالتجربة الناصرية و دورها ,و كان إلطالعي
علي حيث شعرت حينها أنها تتحدث عن أوضاع البؤساء و الفقراء و على رواية األم تأثي ارً كبي ارً ّ المطحونين ,ليس في روسيا فحسب ,بل في الشجاعية أيضا حيث نعيش نفس األوضاع في جوهرها ,و كانت تلك الرواية حاف ازً لي على البحث و االطالع على موضوعات االشتراكية في الكتب و
الدراسات على قلّتها في غزة .
بعد هزيمة حزيران عام 0697م اعتقلت في 03أغسطس , 0697وفي اول اكتوبر0697
التحقت في صفوف طالئع المقاومة الشعبية التي أسستها حركة القوميين العرب حيث قامت بتنفيذ
عدد من العمليات العسكرية النوعية آنذاك ,ثم بعد تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ديسمبر
,0697اصبحت الطالئع جزًء من الجبهة ,وعلى اثر انكشاف الجهاز العسكري واالعتقاالت و المطاردة نهاية ينايرعام 0691م نجح المحتل في اعتقال 97مناضال من اصل 70مجموع اعضاء الجهاز العسكري ,وكنت ضمن االربعة مناضلين( الرفيق د.ناصر ثابت والرفيق عبداللة الجبور وأنا ورفيق رابع من جباليا ال اذكر اسمه) الذين تمكنوا من الفرار واالختفاء بسبب المطاردة ,وفي منتصف
فبراير 91طُلب منّي بقرار من القيادة مغادرة القطاع إلى عمان حيث بدأت مسيرة النضال والمعاناة في المنافي ,فمن عمان الى القاهرة وترحيلي في تموز 0671الى سوريا ,والقاهرة مرة اخرى واالعتقال
013
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
في سجن القلعة والترحيل من جديد الى سوريا ثم اال لتحاق مع رفاقي في جنوب لبنان طوال عام
مرة أخرى ,حيث اعتقلت وبعد االفراج عني ُمنعت من مغادرتها منذ عام , 0670ثم الى عمان ّ ُخـر قد أكتب فيه ألي ٍام أ َ 0673م و لمدة عشرين عاما تقريبا ..وسأختصر كثي ار من األعوام واألحداث ّ
بت أشعر بقلق وحزن شديد ونحن/جيلنا يرى حتى بقاياه الباقية مطوال مذكراتي عبر ذاكرة الوطن الذي ّ ,بقي ٌة برام اهلل ,وبقي ٌة بغزة !! ماذا أقول بعد مرور ما يقرب من سبع وأربعين عام بدأتها ورفاقي بحلم الوحدة والعودة والتحرير ورفض الهزيمة وثورة الفقراء وانعتاقهم من كل أشكال االستغالل
واالستبداد..ماذا اقول والمشروع الوطني او الحلم الثوري في التحرير والعودة اصبح مقزما عبر صراع
على السلطة والمصالح بين فتح وحماس ...ماذا نقول والضوء يخفت واالنقسام يتسع وقوى اليمين
الليبرالي واالسالم السياسي تنتشر وتتوسع ..واليسار ينحسر وينعزل ..حزني وقلقي ان احزاب اليسار
ت عيش حالة تراجع فكري وتردي وهبوط ليبرالي وديني ,وتردي في الوضع التنظيمي وحالة من التفكك والترهل وتردي االوضاع القيادية وتراجع في السياسة والموقف وتردي في البعد النضالي والشعبي وانحسارهما وتردي في البعد المسلكي واالخالقي ,وهذا اخطر المظاهر التي تنذر بمزيد من تراكم
االزمة البنيوية الشاملة الى جانب عدم وضوح الفكرة التوحيدية لليسار خاصة في ظل االنقسام
والقوتين الرئيستين المهيمنتين فتح وحماس ..أنا هنا ال أتشائم لك ّني أدعو لألمل ,أدعو إلى االستنهاض و استعادة اليسار دوره بما يضمن توازن الماضي بالحاضر وتحقيق الخطى نحو
المستقبل واستعادة الدور ..واثقا أن الظروف الموضوعية والجماهير الشعبية تحمل في رحمها
السري ,لكن المسالة المركزية التي تشغل اهتمامي اآلن هي كيفية تفعيل المولود الذي لن يقطع حبله ّ واتساع دور التيار اليساري الماركسي القومي الديمقراطي في عملية النضال الوطني والديمقراطي الفلسطيني ,وذلك انطالقاً من أن الصراع مع العدو هو بالدرجة األولى صراع عربي-إسرائيلي يقوم في
جوهره على النضال القومي التقدمي ضد نظام العولمة الرأسمالي كحليف رئيس ووحيد لدولة "إسرائيل"
,أما المحور الثاني في اهتمامي الراهن فهو مرتبط بقضايا الثورة الوطنية التحررية والديمقراطية
الفلسطينية ,ارتباطاً بعالقتها العضوية بحركة التحرر القومي الديمقراطي العربية ,وهو اهتمام بالبعد القومي في إطار وحدة اليسار العربي عبر العمل مع مجموعة من المثقفين والمفكرين العرب لتأسيس
مركز للحوار يضم الماركسيين العرب لعل هذا الحوار يدفع إلى نقلة عملية كما آمل ,حيث لم اعد مؤمنا باستمرار تشرذم وحصر الحركات اليسارية في إطارها القطري في فلسطين أو غيرها بل يتوجب في ظل استشراء العدوانية والعنصرية الصهيونية وتوحش نظام العولمة الراهن أن نسعى إلى بلورة
اإلطار العربي االشتراكي الديمقراطي دون أن يعني ذلك إلغاء أو تجاوز خصوصية كل قطر ,هذا هو الطريق لتجاوز الواقع العربي المأزوم والمهزوم في هذه المرحلة الصعبة .
014
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مقتطفات من كتاب رأس املال -تأليف د .فؤاد مرسي
03 / 9 / 3102
اعداد غازي الصوراني
مقتطفات من كتاب رأس المال
تأليف المفكر الماركسي الراحل د .فؤاد مرسي
تمهيد
عن تكوين "رأس المال" يقول المفكر الماركسي الراحل د.فؤاد مرسي :كرس كارل ماركس أربعين
عاماً من حياته لكتابة "رأس المال" .فلقد بدأ فيه عام 0122وواصل العمل فيه حتى آخر يوم في حياته .ويقع "رأس المال" في أربعة مجلدات وقد خصص ماركس المجلد األول لعملية إنتاج رأس
المال .ويحتوي على تحليل لكيفية إنتاج فائض القيمة وانتاج رأس المال نفسه.أما المجلد الثاني فيتناول عملية تداول رأس المال ,تداول عناصره المختلفة ومبادئ تصريف السلع وتكرار اإلنتاج الذي
يسمح به تداول رأس المال .وينطوي المجلد الثالث على اإلنتاج الرأسمالي في جملته ,أي ينطوي على وحدة كل من اإلنتاج والتداول لرأس المال .فهو مخصص لتوزيع رأس المال الذي ينتج من اإلنتاج
والتداول .أما توزيع فائض القيمة فيعود عند ماركس إلى الربح والفائدة والريع العقاري .ثم يوزع الربح إلى ربح صناعي ومصرفي وتجاري .ويدرس تطور هذا التوزيع ,واالتجاه إلى انخفاض معدل الربح أي
عالقة الربح بالتطور الرأسمالي عامة .وبعد وفاته في عام 0112عكف إنجلز على إنجاز المجلد
الثاني ونشره في عام ,0112ونشر المجلد الثالث في عام 0162أي قبل وفاته هو بعام .ولذلك يعد
المجلدان من عمل ماركس وانجلز معاً.
والواقع أن المجلد األول هو بال نزاع أهم المجلدات جميعاً .وينطوي على أهم ما لدى ماركس من
فكر اقتصادي .وتأتي أهمية المجلد الثاني من دراسته التفصيلية لبعض نواحي المجلد األول ,وبخاصة تناقضات الرأسمالية واألزمات ,وكان ماركس قد أكمل المجلد الثاني قبل موته.
أما المجلد الثالث فإنه أضاف كثي ارً إلى المجلد األول....لم يجد إنجلز مزيداً من العمر ليصدر
المجلد الرابع واألخير من "رأس المال" والذي تناول تاريخ الفكر االقتصادي وبخاصة تطور نظريات
القيمة .ولقد ظل مطوياً حتى نشره كاوتسكي في عام 0612تحت عنوان "نظريات فائض القيمة". لذلك ارتأيت تلخيص كتاب رفيقنا الخالد د .فؤاد مرسي لمزيد من االطالع والفائدة لكل رفاقنا في الوطن
العربي.
غازي الصوراني
015
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مـقدمـة:
في منتصف القرن التاسع عشر ,كانت الرأسمالية قد بلغت قمة الرخاء المادي .وكان علم االقتصاد
السياسي يبدو وهو التحليل النظري للمجتمع الرأسمالي وكأنه قد اكتمل على أيدي سميث وريكاردو.
عندئذ وفي هذا الوقت بالذات ,كان كارل ماركس يتصدى ليمزق هذا االستقرار الظاهري ,ويكشف أكثر
فأكثر عن األزمة االجتماعية الكامنة في المجتمع البرجوازي .وفي عام ,0197أصدر الجزء األول من
"رأس المال".
وابتداء من أزمة االقتصاد السياسي التقليدي ,أخذ ماركس يشيد اقتصاده السياسي .وابتداء من
أزمة المجتمع البرجوازي ,أخذ ماركس يشيد اقتصاده السياسي .وابتداء من أزمة المجتمع البورجوازي,
أخذ ماركس يشكل صورة المجتمع الجديد .هنالك اتخذت االشتراكية العلمية التي اكتشفها كارل ماركس وفردريك انجلز أساسها العلمي الثابت بفضل التحليل الدقيق للمجتمع البورجوازي .وكان اكتشاف
قانون حركة هذا المجتمع تحت اسم قانون فائض القيمة عمالً حاسماً في تشييد البناء الفكري
لالشتراكية العلمية.
لهذا احتل "رأس المال" أهميته التاريخية في الفكر االشتراكي ,هذه األهمية التي كان يدركها ماركس
نفسه حين وصف "رأس المال" فقال "إنه النصب التذكاري لي".
ومنذ أعلنها ماركس في "رأس المال" ,ومصير العالم يتحدد تقدماً أو تراجعاً بالصراع بين رأس المال
والعمل.
الفصل األول-أزمة االقتصاد السياسي
من االقتصاد التقليدي إلى االقتصاد المبتذل امتد الصراع بين الرأسمالية الناشئة واإلقطاع المتداعي زمناً طويالً ,بحيث كان انتصار الرأسمالية
في النهاية عملية تاريخية كاملة استغرقت قرابة القرنين السابع عشر والثامن عشر ,وانتهت في
النصف األول من القرن التاسع عشر.
ولقد ظهر علم االقتصاد السياسي تعبي ارً نظرياً عن هذا المجتمع البورجوازي الجديد .أنجبته عقول
العباقرة من أمثل وليام بتى في انجلت ار وبواجيلبير في فرنسا في نهاية القرن السابع عشر .لكنه
بصياغة الطبيعيين الفرنسيين وآدام سميث االسكتلندي ,يعتبر في الواقع ابن القرن الثامن عشر ,ابن
عصر التنوير.
016
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وبهذه الصفة كان مكسباً من مكاسب هذا العصر ,فقد كان يبدو على سبيل المثال وكأنه تعبير عن
حكمة العقل األبدي ,ومن ثم فإنه كان يعكس أبدية النظام الرأسمالي نفسه. النظرية التقليدية:
وفي سنة 0107نشر دافيد ريكاردو كتابه "مبادئ االقتصاد السياسي والضرائب" فتتوفر به ما
اعتبر إنجيالً لعلم االقتصاد السياسي .قال ريكاردو "إنني اعتبر العمل مصد ارً لكل قيمة واعتبر كميته النسبية المعيار الذي ينظم القيمة النسبية للسلعة" .وتوصل إلى القول بأن قيمة السلعة إنما تتحدد
دائماً بالعمل ,أوالً بالعمل الحي الذي يبذله العامل وثانياً بالعمل المتراكم في صورة رأس المال ,مبيناً
أن "رأس المال هو عمل متراكم".
هكذا تلخصت نظرية االقتصاد السياسي عندئذ في حقيقتين أساسيتين ,األولى :هي أن العمل هو
مصدر كل ثروة ,ومقياس كل قيمة .والثانية :هي أن العمل المخزون يسمى رأس المال ,ورأس المال
هذا بفضل الطاقة الكامنة فيه يزيد إنتاجية العمل الحي مئات وآالف المرات ,وفي مقابل ذلك يطالب
بتعويض ما يسمى الربح.
بالتالي فإن االقتصاد السياسي يدرس ,كما يقول ريكاردو" ,مجتمع السلع التي تستطيع الصناعة
زيادتها كما تشاء والتي تنظم إنتاجها المنافسة غير المقيدة".
إن اإلنتاج يتم من أجل السوق ,واذن فما الذي ينظم هذا اإلنتاج للغير ,أي للمجهول؟ إنها
المنافسة الحرة .فبفضل قوى السوق ,بفضل المبادرة الفردية لكل من المنتج والمستهلك ,وكل منهما يسعى وراء مصلحته الشخصية ,يتحقق التوازن من تلقاء نفسه .وال حاجة إلى أي تدخل إلحداثه ,بل يكفي
أن
ندع
الحرية تسود ,حرية اإلنتاج وحرية التجارة وحرية العمل .وعندئذ فإن المصلحة الشخصية التي تقود
الجميع سوف تحقق التوازن المنشود للجميع. الرأسمالية نظام طبيعي:
وفيما وراء هذه النظرية التي عرفت باسم النظرية التقليدية والتي كان لريكاردو فضل إتمام
صياغتها .أصبحت الرأسمالية عندئذ هي طبيعة األشياء .فمع تصفية األوضاع اإلقطاعية ,البد أن تسود األوضاع التي يقضي بها العقل ,البد أن تسود األوضاع الطبيعية .مع انهيار اإلقطاع البد من
العودة إلى الطبيعة .ونظام الطبيعة هو أفضل النظم .والمجتمع نفسه جزء من الطبيعة .وفي المجتمع يتحرك كل فرد بوحى من مصلحته الشخصية .ولما كانت الطبيعة البشرية ثابتة ال تتغير ,انتهت
النظرية التقليدية في الواقع إلى نتيجة خطيرة هي ثبات الرأسمالية وأبديتها.
017
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وبدت كل األوضاع البورجوازية كما لو كانت هي األوضاع الطبيعية ,يسير عليها كل مجتمع ,منذ
بداية البشرية إلى نهايتها .وهكذا فلقد بدأت البورجوازية بالقول بأن الرأسمالية نظام طبيعي ,وانتهت بالقول بأن الطبيعة نظام رأسمالي.
ويجب االعتراف بأن هذه الرؤية كانت بذلك – ومع ذلك – رؤية متفائلة ,قادت البورجوازية
الصاعدة إلى بناء المجتمع الرأسمالي بالفعل .لقد كانت هذه الرؤية تعبر عن بورجوازية تصفي بقايا المجتمع اإلقطاعي ,وتعمل على تطهير العالقات االقتصادية من اإلقطاع ,كي تزيد القوى اإلنتاجية
وتقود الصناعة والتجارة.
ففي "ثروة األمم" يكتب آدام سميث بكل الرضا يقول "بعد أن أقصيت كل األنظمة القائمة على
التفضيل أو التقييد ,فإن النظام الواضح البسيط ,نظام الحرية الطبيعية ,هو الذي يتقرر من تلقاء
نفسه .وينبغي أن يترك كل فرد ما دام ال يخالف قوانين العدالة في أتم الحرية للسعي وراء مصلحته
الخاصة على الوجه الذي يالئمه ,وتقديم عمله ورأسماله بالتنافس مع عمل ورأس مال أي إنسان آخر وأية طبقة أخرى من الناس". المذهب الفردي:
وفي ظل هذه النظرية التقليدية ,كان يجب أن يعطى المكان األول للمنتج الذي أتاح للدنيا الجديدة
أن تولد .إن رب العمل الفرد ,الجسور ,المقدام ,المنقب عن مصادر اإلنتاج ,الباحث المكتشف لألسواق ,الساعي بال توقف لخفض النفقة وزيادة اإلنتاج ,الحريص بال رحمة على تحقيق الربح ,ذلك
هو اإلنسان النموذج.
ولهذا كانت النظرية التي صيغت تصطحب بمذهب أصبح معروفاً باسم الفردية ,وهو مذهب مالمحه
تجسد الفكر االقتصادي واالجتماعي للبورجوازية الصاعدة التي يمثلها بالذات ربابنة الصناعة
وروادها.
فالفردية تعنى بالفرد ,أي اإلنسان .لكنها تعنى به كفرد ناجح ,أي كرأسمالي ,إنها تحلل الطبيعة
البشرية وتجد جوهرها في األنانية والمنفعة فتمتدحهما ثم تجسدهما معاً في عملية جمع المال. فكيف يمكن أن يتفق مسعى كل فرد مع مسعى األفراد اآلخرين؟ إنها ترى االنسجام متحققاً فيما بين الفرد والجماعة من خالل المنافسة الحرة.
كان مكيافيللي قد أرسى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ,حتى لقد عرف إيثار الغير بأنه "أنانية مقنعة".
فجاء بنتام وجعل من المنفعة مبدأ أسمى لإلنسان .ثم جاء سميث وعرض مبدأ المصلحة الشخصية
قائالً "كل فرد يبذل جهوده بال انقطاع ليبحث لرأسماله عن أفضل استخدام .صحيح أنه يبحث عن
كسبه الخاص وليس عن كسب المجتمع ,بيد أن اشتغاله بمصلحته الشخصية يسوقه بالطبع أو
بالضرورة ليجعل هذا االستخدام هو األفضل بالنسبة للمجتمع .إن هذا الفرد ال ينوي أن يخدم المصلحة 018
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
العامة ,بينما ال يدري كم هو يخدمها فعالً .إنه في هذا تقوده يد خفية ألداء غاية لم تدخل أبداً في حسبانه".
وال شك أن ثمة سذاجة بالغة في تصوير مثل هذا الفرد ,اإلنسان الذي يكون كل ما هو مفيد له مفيداً
لكل فرد وبشكل مطلق ,في كل مجتمع بشري ,في الماضي والحاضر والمستقبل .إن هذا الفرد الذي ابتكره القرن الثامن عشر ليس في الواقع سوى ثمرة تحلل المجتمع اإلقطاعي من جهة وازدهار
المجتمع البورجوازي من جهة أخرى .ولذلك فهو فرد في مجتمع معين ,هو المجتمع البورجوازي في مرحلة المنافسة الحرة .هو كائن تاريخي ,له تطوره في الماضي وبالمثل في المستقبل .وحتى في داخل المجتمع البورجوازي نفسه ,فليس هو التعبير عن كل أفراد المجتمع .فالمصالح متفاوتة فيما
بينهم .وهناك بالضرورة صراع بين الطبقات. الصراع الطبقي:
ومن الحق أن نقول إن ريكاردو كان يعترف بوجود الصراع الطبقي .ولقد كان يتخذ من الصراع بين
المصالح الطبقية المختلفة ,بين األجور واألرباح ,بين األرباح والريع ,نقطة بدء ألبحاثه .لقد اعترف
مثالً بالتناقض الضخم في المجتمع البورجوازي قائالً "ال يمكن أن يزيد األجر إال على حساب الربح
والعكس بالعكس".
ولقد تعرض نتيجة لذلك لحمالت عنيفة ,حتى في حياته .واعتبره هنري جورج أبا للشيوعية .وكتب
جيد وريست يعلقان فيما بعد على كتابه قائلين "لم يكن ريكاردو يعلم وهو يضع ذلك الكتاب أنه يهدم
أعمدة الهيكل الرأسمالي".
ومع ذلك فقد كان ريكاردو ينظر إلى الصراع الطبقي بسذاجة .على أنه قانون اجتماعي من قوانين
الطبيعة ,ال دخل إلرادة اإلنسان فيه – أليس الرأسمالي يحتاج للعامل مثلما يحتاج العامل للرأسمالي؟
وكان القس باركلي قد اقترح من قبل القبض على كل متسول واسترقاقه لبضع سنين .فجاء القس
مالتس وطالب بإلغاء قانون الفقراء الذي يمنحهم بعض العون ,قائالً "ليس إلنسان حق في الحياة إذا
لم يستطع عمله أن يشتريها له".
لقد كان المطلوب من الفرد أن يكون عامالً لدى الرأسماليين أو ال يكون إطالقاً.
ولكن ها هي األمور تتعقد .فمنذ بداية القرن اصطحب االزدهار الرأسمالي ببؤس الكادحين بحيث
ارتفعت أسعار مواد المعيشة وتضاعف ثمن القمح عدة مرات .كذلك فإن الثورة الصناعية كانت تعني
أيضاً ,إحالل العمل اآللي محل العمل اليدوي .وعرف العمال البطالة وتخفيض األجور وزيادة حدة
االستغالل من خالل عملية اإلنتاج .وفيما بين عامي 0131و 0121اشتد تطور المجتمع
البورجوازي.
019
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومع ذلك كان الصراع الطبقي بين رأس المال والعمل مازال مدفوعاً إلى المؤخرة .كانت البورجوازية
تلعب دورها الثوري إلى نهايته :سياسياً بالصراع المتفاقم بين الحكومات اإلقطاعية المتجمعة حول
الحلف األوربي المقدس وبين الجماهير الشعبية تقودها البورجوازية. سيطرة البورجوازية:
وفي عام 0121حلت باالقتصاد الرأسمالي أزمة شاملة .لقد استولت البورجوازية نهائياً على
السلطة السياسية في أكبر بلدين رأسماليين هما انجلت ار وفرنسا ..في انجلت ار بصدور قانون اإلصالح
االنتخابي سنة 0123لمصلحة الطبقة الوسطى ,وصدور قوانين الغالل ضد مالك األراضي .وفي
فرنسا بسقوط الملكية سنة 0121وحكم لوى فيليب رجل الرأسمالية المصرفية .هنالك بدأ الصراع
الطبقي بين رأس المال والعمل يتخذ واقعياً ونظرياً أشكاالً علنية .برز هذا الصراع الطبقي واتخذ صورة تحركات عظيمة من جانب البروليتاريا ضد البورجوازية .هب العمال الفرنسيون في ليون ,والغزالون
األلمان في سيليسيا ,وانطلقت حركة الميثاق في انجلت ار .واشتد ساعد الحركة العمالية إلى الحد الذي أتاح فيما بعد للطبقة العاملة الفرنسية أن تشترك في ثورة فبراير 0121كطبقة مستقلة ألول مرة عن
البورجوازية .تلعب دو ارً قيادياً في الثورة وتشارك في الحكم ألول مرة في التاريخ .واقترن هذا الصراع كله بظهور االشتراكية الخيالية تعبي ارً نظرياً عن طموح الطبقة العاملة حينئذ. حركة البروليتاريا:
ولم تكن حركة الميثاق في انجلت ار حركة اشتراكية ,لكنها كانت التعبير عن حركة نضج الطبقة
العاملة االنجليزية.
فالطبقة العاملة ال تصل بقواها الذاتي إال إلى الوعي النقابي أما الوعي السياسي فيتطلب تدخل
المثقفين من الطبقات األخرى.
تكونت في لندن في عام 0129جمعية العمال الذين صاغوا مطالبهم في صورة "ميثاق الشعب",
وأقاموا حزباً مستقالً هو حزب الميثاقيين .فكان أول حزب عمالي في العصر الحديث. أما في فرنسا ,فقد اتخذ الصراع الطبقي أشكاالً أكثر سفو ارً وحسماً.
كانت هناك أفكار اشتراكية عرضها مابلي ومورللي .وفي الثورة الفرنسية نفسها ظهرت حركة
"الغاضبين" ثم حركة "األنداد" بقيادة بابوف نظ ارً لمطالباتهم بمساواة لها صداها في الحياة المادية. طالبوا بإلغاء الملكية الفردية لألرض واالنتفاع على الشيوع بثمرات األرض قائلين "الثمار حق للجميع".
ولقد أعدوا مؤامرة فيما بين عامي 0762و ,0767ونشروا لها بياناً يعرف ببيان األنداد قالوا فيه:
"إن الثورة الفرنسية ليست سوى البشير بثورة أخرى ,ثورة أكبر بكثير وأخطر بكثير ,ستكون الثورة
األخيرة .نحن نسعى إلى شيء أسمى وأعدل هو المال الشائع أو مشايعة األموال" .لكنها كانت 001
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
شيوعية ال تهتم باإلنتاج قدر اهتمامها بالتوزيع .وكانت بالدقة حركة للبورجوازية الصغيرة ,التي
تعنيها األرض بالذات .ومع ذلك يسميها ماركس "حركة أولى للبروليتاريا".
ظهور االشتراكية الخيالية:
هكذا كان الصراع حاداً .ومنذ بداية القرن التاسع عشر ظهرت االشتراكية الخيالية تعبي ارً عن مقدار
النضج الذي بلغته الطبقة العاملة حينئذ.
كتب سان سيمون عن فلسفة التاريخ .فقال" :أحسب أني وجدت مفهوماً موسوعياً أفضل مما لدى
بيكون ,ومفهوماً عن العالم أفضل مما لدى نيوتن ,ومنهجاً أفضل من منهج لوك" .هذا المفهوم هو
أن التاريخ مبني على مبدأ التطور بوصفه التغير المستمر في نظام الملكية .وهو تغير يرمي إلى
تحسين أحوال المعيشة .وأعلن بوضوح أن "السياسة تخضع لالقتصاد" .وكان في الواقع يعلق آماله
على الصناعة "فكل شيء بالصناعة وكل شيء من أجل الصناعة" .كما كان يؤمن بالطبقة الصناعية, فهي أهم الطبقات جميعاً.
وكتب فورييه نقداً اجتماعياً حاداً وساخ ارً للمنافسة وللتفتت الصناعي .وقدم مفهومه عن تاريخ
المجتمعات وصراع الطبقات .فالمنافسة تمهد لألزمة والفقر ,وتعبد الطريق لنشأة أرستقراطية تجارية. وانتهى إلى أن الملكية المشتركة هي أنجع الوسائل للتوفيق بين الفقير والغني.
وتميز أوين بنظرته النافذة إلى أعماق المجتمع الرأسمالي .لكنه ناشد أصحاب االمتيازات أن
يتنازلوا طواعية عن امتيازاتهم .فلما صدمته إجابتهم وسبقه العمال نحو النضال ,كما بدأ في حركة
الميثاقيين ,ارتبط في النهاية بالشيوعية.
االشتراكية الخيالية هي تعبير في نهاية األمر عن المستوى المنخفض لتطور الرأسمالية والحركة
العمالية حتى منتصف القرن التاسع عشر.
كان االشتراكيون الخياليون يرفضون كل عمل سياسي ,وبخاصة العمل الثوري ,ويسعون لبلوغ
غايتهم بطرق سلمية ,نشرت عشية ثورة فبراير 0121تحمل مثل هذه العناوين :هل يهتمون بنا ,هل يفكرون في تخفيض ثمن الخبز لنا أو صرخة استعطاف – عن الوسيلة إلعطاء الخبز بثمن في
متناول الفقير.
وكان عمال الطباعة أكثر العمال مبادرة ,ومنهم خرج برودون الذي اشتهر بعبارته" :الملكية هي
السرقة" وقبل ثورة فبراير 0121ظهر البيان الشيوعي بقلم ماركس وانجليز.
000
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
في فبراير 0121دعا لوى بالن العمال الباريسيين للتمرد من أجل تنظيم العمل .وانطلقت الثورة,
فعمت أوربا كلها حتى انجلت ار والنرويج والسويد وروسيا .ووصلت البروليتاريا والبورجوازية الصغيرة
إلى الحكم ألول مرة في فبراير .0121ولكن سرعان في يونيه 0121ما وقع الصدام الدامي بين
البروليتاريا والبورجوازية .وبرز بالنكي قائداً للبروليتاريا وظهرت البالنكية وريثة للبابوفية.
وكان بالنكي هو الرأس والقلب للحزب البروليتاري .تجرد من التفاؤل الذي تميز به جيله بوضع
ثقتهم في الحكام .وأعلن بصراحة أنه لن يتاح للكادحين أن يشتروا حريتهم إال باستخدام الدولة وباالستحواذ على السلطة العامة .وكان يعقد أمله على "أقلية منضبطة موثوق بها من قادتها,
مستعدة لكل شيء ,قادرة على البطولة العظمى" .لكن الثورة لم تكن تتطلب هذه األقلية الفعالية فقط,
بل الجماهير المنظمة خلف قيادتها.
لقد كان االقتصاد التقليدي يبحث منذ وليام بني عن العالقات الحقيقية لإلنتاج في المجتمع
البورجوازي ويحاول عن طريق التحليل أن يرد األشكال المختلفة للثروة إلى وحداتها الداخلية ويسعى
لفهم العالقة الوثيقة لتعدد الظواهر الخارجية.
أما االقتصاد المبتذل فيعالج الظاهر فحسب ,ساعياً وراء التفسيرات الرخيصة للظواهر ومتخذاً من
العنصر المبتذل في الظواهر نظرية على حدة .معتب ارً أن "البؤس الذي نراه في الظاهر ونحسبه
محتوماً في المجتمع إنما يخفى في حقيقة األمر انسجام المصالح ,فإن الشر يلد الخير من نفسه ,ما
في ذلك من شك".
بدأت البورجوازية في مجموعها في التخلي عن كل من العقل والتاريخ .أخذت البورجوازية تنقض
على ماضيها نفسه .وتحول االقتصاد السياسي في أيدي مفكري البورجوازية من بحث العالقات
االقتصادية بين الناس في مجالها الحقيقي وهو اإلنتاج إلى بحثها في مجالها المجازي وهو التبادل.
هكذا ,عندما تفجرت أزمة االقتصاد السياسي ,لم تكن بريطانيا وهي مهد علم االقتصاد بقادرة على
إخراج االقتصاد السياسي من أزمته .وانما انتقلت المهمة إلى ألمانيا .فهناك عندما نما اإلنتاج الرأسمالي بسرعة وبلغ فيها حد االزدهار ,حدث فيها ما حدث النجلت ار من قبل مع وعي أكبر لدى
البروليتاريا عنه لدى البورجوازية.
ويبدو أن هزيمة ثورة 0121في ألمانيا قد كان من جرائها أن ودع المثقفون األلمان مسائل
النظرية وانهمكوا كما يقول ماركس في التطبيق ,أعني جني األرباح.
وبينما كانت هذه البورجوازية مشغولة باستيعاب المواد األولية لعلم االقتصاد البورجوازي ,ظهر
الحزب البروليتاري في ألمانيا على مسرح األحداث ,وظهر معه إمكان قيام علم االقتصاد األلماني.
لكنه في هذه المرة كان يجب أن يكون علم االقتصاد البروليتاري.
002
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وهكذا لم تعد الظروف التاريخية في ألمانيا لتسمح بتطوير علم االقتصاد السياسي ,بل تدعو
لتشييد علم اقتصاد جديد .ففي اللحظة التي بدأ فيها أن من الممكن قيام علم بورجوازي لالقتصاد
السياسي في ألمانيا ,كان هذا األمر قد غدا مرة أخرى مستحيالً في الواقع .ولم يعد ممكناً أن يقوم علم اقتصاد جديد سوى علم البروليتاريا .وكانت تلك هي مهمة "رأس المال".
الفصل الثاني-ظهور "رأس المال" النقد البروليتاري لالقتصاد السياسي كانت المهمة المطروحة بعد انفجار أزمة االقتصاد السياسي هي القيام ( بنقد) هذا االقتصاد,
ولكنها كانت مهمة ثورية ال تستطيعها إال طبقة ثورية .يقول ماركس ":بالقدر الذي يعبر النقد عن
طبقة ما ,فإنه يمثل تلك الطبقة التي تكون رسالتها في التاريخ هي اإلطاحة بطريقة اإلنتاج الرأسمالية والغاء جميع الطبقات نهائياً ,أال وهي البروليتاريا". نقد االقتصاد السياسي
والقيام بنقد علم االقتصاد إنما كان يعني أن علم االقتصاد ما زال لم يكتمل ,مازال واجب
التكوين.لقد اكتشفت البورجوازية االقتصاد السياسي .لكن كل ما أنجزه هذا االقتصاد السياسي من علم اقتصادي حتى ذلك الحين كان يقتصر على دراسة تكوين وتطور أسلوب اإلنتاج الرأسمالي .ومن ثم
طور إيجابياً قوانين أسلوب اإلنتاج الرأسمالي وأشكال المبادلة المؤاتية له .ولكن من أجل أن يكتمل االقتصاد السياسي ,كان البد أن ينتهي بالنقد االشتراكي ألسلوب اإلنتاج الرأسمالي .ولهذا يسمى
ماركس كتابه تارة "نقداً لالقتصاد السياسي" وتارة أخرى "تحليالً نقدياً لإلنتاج الرأسمالي". كلمة رأس المال:
يقال أن أول مرة استخدمت فيها الكلمة كانت في القرن السابع عشر ,صفة للمخزون الرئيسي أو
للمال األصلي للتاجر .ولقد تحدث بتي في كتابه "الحساب السياسي" الصادر سنة 0996عن "رؤوس األموال الهولندية في شركة الهند الشرقية" .وعند التجاريين كان معنى الكلمة هو مبلغ النقود الذي
أقرض أو الذي يحتفظ به من أجل اإلقراض أي "أصل الدين" .ثم استخدمت لتعنى الثورة التي تنتج
ربحاً معيناً .واستخدمها الطبيعيون ,فابتداء من تيرجو أصبحت تعني "القيم المتراكمة" .واستخدمها آدم
سميث بمعنى "رصيد التاجر".
003
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ويتوصل سميث إلى تقسيم رأس المال إلى جار وثابت .ثم تنتقل الكلمة إلى ريكاردو ,فيقول في
تعريف رأس المال "رأس المال هو ذلك الجزء من الثروة المعد والمستخدم بغرض اإلنتاج والذي يتكون من الطعام والمالبس واألدوات والمواد األولية واآلالت وغيرها ,الضرورية من أجل العمل".
ثم استخدم ماركس كلمة رأس المال ,فأصبح لها معنى جديد .لم تعد كل أداة عمل أو وسيلة إنتاج
رأس مال .األشياء كلها ال تعتبر رأس مال في حد ذاتها .وانما النظام االجتماعي المعين هو الذي
يجعل من هذه األشياء رأس مال .قد تكون النقود رأس مال .وقد تكون اآلالت والمباني والمواد الخام
والمنتجات رأس مال .فليس رأس المال شيئاً معيناً بل هو عالقة اجتماعية معينة .إن المال ال يصبح رأس مال إال متى زاد من قيمته أي متى عاد بفائض قيمة .فرأس المال هو قيمة تأتي بفائض
قيمة .كيف؟ من خالل اتحاد رأس المال بالعمل .كيف؟ عن طريق استغالل العمال األجراء .ذلك فقط
هو رأس المال.
معرفة موسوعية:
ولسوف نجد في "رأس المال" أفكا ارً عبر عنها من قبل عشرات الكتاب من الفالسفة واالقتصاديين
واالشتراكيين .سنجد هيجل وفويرباخ وديتزجن في الفلسفة .وسنجد بتي وسميث وريكاردو في
االقتصاد .وسنجد سان سيمون وفورييه وبازار وأوين وانفانتان وكونسيدران ولرو وبالن وبكير وكابيه وبالنكي في االشتراكية.
فالحق أن "رأس المال" ينطوي على معرفة موسوعية ألمت بكل أدبيات االقتصاد السياسي وفلسفة
العصر وثقافته السياسية. تكوين "رأس المال":
كرس كارل ماركس أربعين عاماً من حياته لكتابة "رأس المال" .فلقد بدأ فيه عام 0122وواصل
العمل فيه حتى آخر يوم في حياته.
كتاب عنوانه "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي" وهو دراسة نقدية لنظرية القيمة عند التقليديين
وعند االشتراكيين الخياليين .وتضم ما يسميه االنجليز "مبادئ االقتصاد السياسي لكنها اقتصرت على
موضوعين فحسب هما السلعة والنقود .ولم تذكر شيئاً عن رأس المال.
ويقع "رأس المال" في أربعة مجلدات وقد خصص ماركس المجلد األول لعملية إنتاج رأس المال.
ويحتوي على تحليل لكيفية إنتاج فائض القيمة وانتاج رأس المال نفسه.
أما المجلد الثاني فيتناول عملية تداول رأس المال ,تداول عناصره المختلفة ومبادئ تصريف السلع
وتكرار اإلنتاج الذي يسمح به تداول رأس المال .وينطوي المجلد الثالث على اإلنتاج الرأسمالي في
جملته ,أي ينطوي على وحدة كل من اإلنتاج والتداول لرأس المال .فهو مخصص لتوزيع رأس المال 004
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الذي ينتج من اإلنتاج والتداول .أما توزيع فائض القيمة فيتم عند ماركس إلى الربح والفائدة والريع
العقاري .ثم يوزع الربح إلى ربح صناعي ومصرفي وتجاري .ويدرس تطور هذا التوزيع ,واالتجاه إلى انخفاض معدل الربح أي عالقة الربح بالتطور الرأسمالي عامة.
وبعد وفاته في عام 0112عكف إنجلز على إنجاز المجلد الثاني .فنشر المجلد الثاني في عام
,0112ونشر المجلد الثالث في عام 0162أي قبل وفاته هو بعام .ولذلك يعد المجلدان من عمل ماركس وانجليز معاً.
والواقع أن المجلد األول هو بال نزاع أهم المجلدات جميعاً .وينطوي على أهم ما لدى ماركس من
فكر اقتصادي .وتأتي أهمية المجلد الثاني من دراسته التفصيلية لبعض نواحي المجلد األول ,وبخاصة تناقضات الرأسمالية واألزمات ,وكان ماركس قد أكمل المجلد الثاني قبل موته .أما المجلد الثالث فإنه
أضاف كثي ارً إلى المجلد األول.
فلم يجد إنجلز مزيداً من العمر ليصدر المجلد الرابع واألخير من "رأس المال" والذي تناول تاريخ
الفكر االقتصادي وبخاصة تطور نظريات القيمة .ولقد ظل مطوياً حتى نشره كاوتسكي في عام 0612
تحت عنوان "نظريات فائض القيمة".
"مساهمة في نقد االقتصاد السياسي":
في الدراسة التمهيدية "لرأس المال" والمنشورة تحت عنوان "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي"
يلخص ماركس ما يعنيه باالقتصاد السياسي .فالواقع أن علم االقتصاد إنما يبحث ظاهرتي اإلنتاج والمبادلة خالل تطور المجتمع البشري .فاإلنسان ال يوجد إال في مجتمع .اإلنسان حيوان سياسي ,بل هو حيوان ال تتحدد شخصيته إال في أحضان المجتمع وفي هذا المجتمع يتم اإلنتاج والتبادل بين
الناس .وبتطورهما يتطور المجتمع .والمجتمع يتطور بال أنقطاع.
واإلنتاج هو عملية استحواذ اإلنسان بالعمل على موارد الطبيعة ,هو تفاعل اإلنسان مع الطبيعة,
هو سيطرة اإلنسان على الطبيعة ,هو الصراع التاريخي بين اإلنسان والطبيعة.
إن عمل اإلنسان هو الذي أخضع الطبيعة وحولها إلى ثروة ,وهنا يتبنى ماركس قول بتي "إن
العمل أبو الثروة ,والطبيعة أمها".
لكن اإلنتاج عمل اجتماعي .يتواله أفراد ينتجون بصورة مشتركة .ولذلك ال يوجد منتج فردي
منعزل.
على هذا النحو أيضاً يكون اإلنتاج هو امتالك عمل اإلنسان للطبيعة .وهكذا تكون الملكية نظاماً تاريخياً .فقد وجدت الملكية دائماً ,لكنها اتخذت على مر العصور أشكاالً مختلفة ,من الملكية الشائعة
إلى الملكية الخاصة للعبيد ,إلى الملكية اإلقطاعية لألرض ,إلى الملكية الخاصة الفردية لرأس المال.
005
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أما المبادلة فهي عملية نقل ملكية المنتجات .هي عبارة عن العالقات االجتماعية بين المالكين أو
الحائزين للمنتجات .إنها تفترض الملكية ,كما تفترض نقل الملكية.
لكن المنتجات موضوع المبادلة غير مطلوبة في االستهالك المباشر ,ومن ثم تدخل في نطاق
التبادل .لذلك كانت المنتجات التي تتبادل تسمى سلعاً .وكانت هذه السلع عند ظهورها نواة لظهور كل من السوق ورأس المال .وكان رأس المال ظاهرة اقتصادية اجتماعية تاريخية وليس – كما رأى
التقليديون -عنص ارً طبيعياً ,عاماً ,وأبدياً.
وبهذا بالتحديد يصبح االقتصاد السياسي علم الظروف واألشكال التي يتم في ظلها اإلنتاج
والمبادلة ويتم في ظلها أيضاً توزيع المنتجات على أفراد المجتمع .إن أسلوب اإلنتاج والمبادلة في مجتمع معين والظروف التاريخية لهذا المجتمع هي التي تفرض أسلوب توزيع المنتجات .ففي ظل
مشايعة القبيلة أو القرية حيث تسود الملكية الشائعة لألرض يكون التوزيع المتساوي للمنتجات أم ارً
طبيعياً .وعندما بدأت عدم المساواة في التوزيع ,كان ذلك يعني بداية تحلل الجماعات المشاعية. اإلنتاج المادي:
ولقد قامت كل المجتمعات البشرية باإلنتاج ,أي بتوفير الوسائل المادية الضرورية لحياتها.
وماركس ال يعني باإلنتاج سوى تلك المنتجات المادية فقط .إنه ال يعني إال باإلنتاج المادي ,أما ما
يسمى باإلنتاج المعنوي من أدب وفن فال يعد إنتاجاً بل هو نوع من الخلق األدبي أو الفني يخرج من
نطاق البحث االقتصادي.
أما علم االقتصاد فهو علم إنتاج وتوزيع الوسائل المادية الضرورية للمعيشية.
هذه المنتجات المادية ليست كلها بالضرورة سلعاً .في المجتمعات السابقة على الرأسمالية كان
يجري إنتاج الوسائل المادية للمعيشة ,إنما لم يكن هناك إنتاج للسلع إال بقدر قيام المبادلة وانتشار
التجارة .فالمنتجات التي تستهلك مباشرة من غير المرور بالمبادلة ليست سلعاً .وانما السلعة هي المنتجات المعدة للمبادلة .فلما ظهرت السلعة ,كانت هي البذرة األولى للرأسمالية .وظلت هذه التجارة
تنمو حتى أصبحت السلع هي النظام اإلنتاجي السائد .ولهذا كانت الرأسمالية هي نظام إنتاج ومبادلة
السلع.
والواقع ,كما يقول ماركس في "رأس المال" فإن ثروة المجتمع الرأسمالي إنما تتشكل من تراكم هائل من
السلع.
ويأخذ ماركس في تحليل السلعة في كتابه "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي" .والسلعة هي ناتج
مادي .لكنها أيضاً قيمة .وبذلك تعبر عن التناقض والوحدة بداخلها .فهي قيمة استعمال وقيمة مبادلة.
أما قيمة االستعمال فهي منفعة السلعة .ومن هذه الناحية تختلف كل سلعة عن األخرى .منفعة 006
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
التفاحة غير منفعة المقعد وغير منفعة الكتاب .أما قيمة المبادلة فهي واحدة في كل السلع .فهي قيمة
السلعة عند المبادلة .مم تتكون هذه القيمة؟ وكيف تتفق أو تختلف؟ كل السلع هي منتجات للعمل. وال تختلف فيما بينها إال من حيث الكم فقط – في قوة العمل المجسد في كل منها.
منفعة السلعة تشكل محتواها المادي أي قدرتها على إشباع حاجة إنسانية .وقيمة السلعة هي
شكلها االجتماعي كنتاج للعمل عندما تتبادل مع سلعة أخرى.
وفي مجرى التبادل تميزت سلعة معينة هي الذهب مثالً فأصبحت هي النقود .أصبحت تجسيداً
للقيمة أو مقابالً للقيمة .في التبادل إذن يتبادل المنتجون ما أنتجوا من سلع .ومن السلعة يأخذ ماركس في تحليل العمل .وهو يميز بالتالي بين نوعين من العمل :العمل الخاص والعمل االجتماعي. بالعمل الخاص يخلق المنتج منفعة لنفسه –ينتج للمستهلك .وبالعمل االجتماعي يخلق المنتج قيمة
للمجتمع ,صالحة للتبادل.
ولهذا تتسم السلعة بطبيعة مزدوجة .والعمل هو أيضاً له طبيعة مزدوجة .فهناك عمل خاص يؤديه
المرء لنفسه .وهناك عمل آخر يؤديه للمجتمع .إنه يبادله بسلعة أخرى – أي بعمل آخر .وتلك هي نظرية العمل كمصدر للقيمة. أسلوب اإلنتاج:
هذا األسلوب الذي يحصل به الناس على وسائل المعيشة يسمى أسلوب اإلنتاج .أن اإلنتاج دائماً
عملية اجتماعية ,ال يؤثر الناس فيها على الطبيعة فحسب بل يؤثر بعضهم على بعض أيضاً .فهم ال
ينتجون إال متعاونين بأسلوب معين .وهم يتبادلون فيما بينهم نشاطهم أو ثمرة هذا النشاط .ولهذا,
فإنهم لكي ينتجوا يدخلون في عالقات بعضهم مع بعض.
هذا األسلوب الذي يحصل به الناس على وسائل المعيشة يسمى أسلوب اإلنتاج.
إن أسلوب اإلنتاج كما يعرضه ماركس إنما يتناول طائفتين من الظواهر االقتصادية ,هما القوى
المنتجة وعالقات اإلنتاج.
أما القوى المنتجة فهي مجموع ما لدى المجتمع من قوى يستعين بها البشر من أجل إنتاج
المنتجات المادية .ولذلك تشتمل على كل وسائل اإلنتاج ,وكذلك على الناس الذين يستعملون هذه الوسائل بخبرتهم في اإلنتاج وبعادات العمل المكثفة لديهم.
ويقصد ماركس بوسائل اإلنتاج مجموع وسائل ومواد اإلنتاج الالزمة أو المساعدة على اإلنتاج,
ويقسم وسائل اإلنتاج إلى وسائل رئيسية وأدوات .أما الرئيسية فهي ما ال يتم اإلنتاج بدونها مثل األرض في ظل اإلقطاع ورأس المال في ظل الرأسمالية .أما األدوات فهي مجموعة وسائل اإلنتاج
الصغيرة المساعدة على اإلنتاج كالسماد والفحم.
007
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
واذن ,فإن قوى اإلنتاج تتناول أوالً الخيرات الطبيعية ,األرض ,الغابات ,المياه ,األراضي الجديدة,
المواد األولية ,كما تتناول أدوات اإلنتاج التي تسمح بتشكيل الخيرات الطبيعية والمنشآت الضرورية
لإلنتاج كالمباني ووسائل النقل والمواصالت ووسائل التبادل .وتتناول قوى اإلنتاج كذلك الناس الذين
يستخدمون وسائل اإلنتاج بما لهم من خبرة في اإلنتاج من فنون وعلوم وعادات عمل.
إن القوى المنتجة للمجتمع هي القوى التي تسمح باإلنتاج من خالل التأثير على الطبيعة.
ويعلن ماركس أن وسائل اإلنتاج هي أهم عناصر القوى المنتجة .ومن بين وسائل اإلنتاج تلعب
أدوات اإلنتاج بالذات الدور الحاسم في اإلنتاج .لماذا؟ ألن تطور القوى المنتجة محكوم بتطور أدوات
اإلنتاج.
يقول ماركس :ليس المهم هو معرفة ماذا ينتج البشر ,ولكن بماذا ينتجون .وفي عبارة مشهورة له
في "رأس المال" يقول" :إن استعمال أدوات العمل وصنعها هما من مميزات العمل البشري بصفة
خاصة".
إن كل قوة منتجة هي قوة مكتسبة انتزعها البشر من الطبيعة .ثم يزداد تأثير هذه القوى المنتجة التي
تلعب الدور الثوري في إنتاجهم وحياتهم .كيف؟ ألن هذه القوى تتطور مستقلة عن إرادة البشر الذين
يستخدمونها.
البعض ينظرون إلى ماركس كما لو كان قد حصر االقتصاد السياسي في القوى المنتجة أي في
طاقات ووسائل وفنون اإلنتاج .لكن ماركس كان منذ البداية حريصاً على نفي هذا التحريف ,فكتب في
مقدمته لكتاب "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي" يقول" :ليس االقتصاد السياسي هو التكنولوجيا".
فأسلوب اإلنتاج ليس فقط التكنولوجيا أو فنون اإلنتاج وهي قوة من القوى المنتجة ,لكنه يمثل
أيضاً عالقات اإلنتاج.
وعالقات اإلنتاج هي مجموعة العالقات االجتماعية التي ينتج األفراد في ظلها في مجتمع معين.
فعالقات اإلنتاج هي في النهاية عالقات الملكية في المجتمع ,هي كل أشكال ملكية وسائل اإلنتاج
وأشكال توزيع المنتجات.
لكن عالقات اإلنتاج المعينة إنما تطابق درجة معينة من تطور القوى المنتجة .فإن القوى المنتجة
هي التي تتحكم في عالقات اإلنتاج.
ولذلك فليس دقيقاً أن نعتبر االقتصاد السياسي علم اإلنتاج بل علم العالقات االجتماعية في
اإلنتاج ,علم التنظيم االجتماعي لإلنتاج.
تطابق القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج:
هكذا تتضح العالقة الجدلية بين القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج.
008
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ويعلن ماركس أن القوى المنتجة هي العامل األكثر حركة واألشد ثورية في اإلنتاج .فتطورها أسرع
من تطور عالقات اإلنتاج .فال تلبث هذه العالقات أن تصبح إطا ارً ضيقاً لها .فال تتبين أمامها من سبيل كي تنطلق من عقالها سوى أن تحطم عالقات اإلنتاج المحافظة .وهكذا يستطيع الناس باكتساب
قوى إنتاجية جديدة أن يغيروا أسلوب إنتاجهم وأسلوب كسب معيشتهم ,أن يغيروا كل عالقاتهم
اإلجتماعية.
إن هذا القانون االجتماعي الذي اكتشفه ماركس هو الذي يسمى قانون التطابق الضروري بين
عالقات اإلنتاج وطبيعة القوى المنتجة.
واستناداً إلى هذا القانون يطرح ماركس قضية الثورة االجتماعية .فإن عدم تطابق القوى المنتجة
الجديدة مع عالقات اإلنتاج القديمة هو أساس كل ثروة اجتماعية .ويتخذ هذا التناقض شكل الصراع
بين الطبقات المرتبطة بعالقات اإلنتاج القديمة والطبقات المرتبطة بالقوى المنتجة الجديدة.
واستناداً إلى هذا القانون الثوري يرى ماركس حتمية انهيار الرأسمالية ,ويعلن أن عالقات اإلنتاج
البورجوازية هي آخر شكل للتناقض في مجرى اإلنتاج بين عالقات اإلنتاج والقوى اإلنتاجية .فإن
القوى المنتجة النامية داخل شبكة المجتمع الرأسمالي تخلق باضطراد الظروف المادية لحل ذلك
التناقض.
وبعد دراسة فاحصة لنظام اإلنتاج الرأسمالي يكشف ماركس عن الحقائق التالية: أ -أن الرأسمالية نظام تاريخي ,لم يوجد دائماً ولن يوجد إلى األبد.
ب -أن هذا النظام ليس سوى نظام استغاللي طبقي آخر ,لمصلحة البورجوازية على حساب البروليتاريا.
ج -أن هذا النظام ينمي الطبقة التي تستطيع وحدها أن تضع حداً له وأن تنهي معه كل استغالل طبقي وهي البروليتاريا.
وتلخص الفقرة األخيرة من الفصل األول في "البيان الشيوعي" حتمية هذا التطور كما يلي" :إن
الشرط الضروري لوجود البورجوازية وتسلطها هو أساساً تكوين رأس المال وزيادته .والشرط الضروري لوجود رأس المال هو العمل األجير.
إن تطور الصناعة الحديثة يعمل إذن على تقويض األساس الذي تستند عليه البورجوازية في
اإلنتاج وتملك المنتجات.؟؟
وهكذا فإن الصلة وثيقة بين علم االقتصاد وعلم التاريخ ,ولهذا يعرف لينين علم االقتصاد بأنه "
العلم الذي يتناول تطور النظم التاريخية لإلنتاج االجتماعي".
إننا مدينون لكارل مركس بكشفه عن فائض القيمة ,هذا الكشف الذي صارت بفضله االشتراكية
علماً.
009
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وهذا معنى قول إنجلز":ليست االشتراكية العلمية سوى انعكاس في الفكر البشري للصراع القائم في
المجتمع الرأسمالي بين القوى المنتجة الجديدة وبين عالقات اإلنتاج الرأسمالية.ويحدث هذا االنعكاس
في ذهن الطبقة التي تقاسي مباشرة من هذا الصراع وهي الطبقة العاملة" .وبذلك انتهى زمن
االشتراكية الخيالية.
الفصل الثالث-جوهر "رأس المال" قانون فائض القيمة وقانون فائض القيمة هو قانون حركة النظام الرأسمالي
فانطالقًا من تحليل االقتصاد الرأسمالي في ظل المنافسة يكتشف ماركس قانون فائض القيمة ,حتى
لقد عرف االقتصاد السياسي بأنه االقتصاد الذي يبحث في تكوين فائض القيمة .وعندما يتكون فائض
القيمة فإنه يخلق رأس مال.
إن الكشف الكبير الذي توصل إليه سميث وريكارد هو أن اإلنتاج الرأسمالي يقوم على إنتاج السلع
بقصد المبادلة .وهي تتبادل بقيمتها في المبادلة .فما مصدر هذه القيمة؟ إنه العمل .وهذا واضح لدى
ريكاردو ,وان يكن لديه بعض الخلط بين العمل مصد ارً للقيمة والعمل مقياساً للقيمة .ولكن األمر قلق
عند سميث .فهو تارة "كمية العمل الموجودة في السلعة"وتارة" قيمة العمل الذي يكلفه الشئ أو يتبادل
في مقابله" .واعتبر مالتس أن القيمة تتوقف على حجم األجور المدفوعة .ومن ثم لم يعن
االقتصاديون وقتذاك بدراسة ما اعتبره ريكاردو "المشكلة الرئيسية في االقتصاد السياسي" وهي التوزيع وبخاصة الربح.
ولقد بدأ ماركس نظريته عن القيمة من النقطة التي بلغها سميث وريكاردو قائالً إنه ليس هناك ما
يخلق قيمة سوى العمل ,العمل في صنع المنتجات أو في التعدين أو في نقل السلع .ومنذ ذلك الحين
والفكر البورجوازي يحاول أن يطمس هذه الحقيقة منتحالً كافة المعاذير :من نظرية العمل المبذول
فعالُ ,إلى نظرية نفقة اإلنتاج ,إلى نظرية المنفعة الحدية.
المهم أن ماركس قد تلقى النواة السليمة في نظرية التقليديين وبدأ منها أبحاثه ,اتجه ماركس نحو
المبادلة أو القيمة بالمعنى الصحيح .لكنه سرعان ما اكتشف وراء قانون القيمة قانوناً آخر أكثر
جوهرية هو قانون فائض القيمة .اكتشف ماركس أن قانون فائض القيمة -أكثر من قانون القيمة-
هو قانون حركة المجتمع الرأسمالي.
021
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حول فائض القيمة يدور "رأس المال" بحثاً عن المراحل الثالثة لفائض القيمة :مرحلة تكوينه,
ومرحلة تداوله ,ومرحلة تحوله إلى رأس مال .وهي المراحل الثالثة للحياة االقتصادية في ظل
الرأسمالية :سلعة فنقود فرأس مال. كيف يتكون فائض القيمة؟
يتكون فائض القيم في عملية إنتاج السلع ,من خالل إنتاج ثروة المجتمع الرأسمالي الممثلة في
السلع.
يقول ماركس":إن فائض القيمة يجب أن يفهم على أساس افتراض أن السلع تتبادل بقيمتها واال فلن
يفهم أبداً.
لكن ماهي السلع؟ هي منتجات العمل التي تتبادل في األسواق .هذه المنتجات نافعة ,فهي ذات
قيمة استعمال ,وهي قابلة للتداول,فهي ذات قيمة مبادلة.
ويضيف ماركس في "رأس المال" توضيحاً آخر .فيقول" :قد يكون الشئ قيمة استعمال وال يكون
قيمة .وتلك حالته عندما ال تكون منفعته لإلنسان نتيجة العمل مثل الهواء واألرض البكر والمراعي
الطبيعية والغابات .ويمكن أن يكون الشئ نافعاً ونتيجة العمل البشري ,ثم ال يكون سلعة .فمن يشبع حاجاته الخاصة بإنتاجه هو يخلق قيمة استعمال ال سلعة .فمن أجل إنتاج السلع يجب أال ينتج قيم
استعمال فقط وانما قيم استعمال للغير ,أي قيم تبادل اجتماعية".
هذه السلع تقبل في التداول إذن ألنها نافعة وذات قيمة .وهذا هو الطابع المزدوج للسلع.
إن الناتج ال تكون له قيمة إال لكون عمل بشري مجرد يتجسد فيه .فكيف نقيس أهمية هذه القيمة؟ نقيسها بكمية "المادة الخالقة للقيمة" التي يحتوي عليها الناتج أي بكمية العمل .وكمية العمل نفسها
كيف نقيسها؟ نقيسها بامتدادها في الزمن .وزمن العمل نقيسه بوحدات الزمن من الساعة واليوم
واألسبوع.
ويبدأ اإلنتاج السلعي تاريخياً عندما يتوافر شرطان :أن يصل تقسيم العمل االجتماعي إلى حد وجود
منتجات معدة للتبادل وليس لالستهالك مباشرة ,وأن يوجد مالك منفردون بوسائل اإلنتاج. لكن اإلنتاج السلعي قد اتخذ في البداية صورة بسيطة هي صورة اإلنتاج الحرفي ,عندما ينتج شخص
بنفسه أي بعمله الشخصي منتجات يبيعها .ثم اتخذ بعد ذلك صورة معقدة هي صورة رأسمالية ,حيث
يقوم مالك وسائل اإلنتاج باستئجار آخرين يتولون هم اإلنتاج ,وتلك هي صورة الصناعية الرأسمالية.
نشأ اإلنتاج السلعي الرأسمالي تاريخياً من اإلنتاج السلعي البسيط ,ليصبح اإلنتاج لسلع أي لمنتجات معدة للبيع في السوق ,وليس لالستهالك الشخصي .فرق أخر بين النوعين من اإلنتاج فأساس اإلنتاج السلعي البسيط هو العمل الشخصي للمنتج لوسائل اإلنتاج ,بينما أساس اإلنتاج السلعي
الرأسمالي هو العمل المستأجر مقابل أجر.
020
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
يفترض اإلنتاج الرأسمالي الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج والتقسيم االجتماعي للعمل .وبقدر تطور
التقسيم االجتماعي للعمل سعة وعمقاً يتطور االقتصاد السلعي الرأسمالي.
إن قانون القيمة يوجد حيثما يوجد إنتاج سلعي ,قبل الرأسمالية وبعدها .هذا القانون هو الذي
يتولى تنظيم اإلنتاج السلعي في ظل الرأسمالية التي تتميز بفوضى اإلنتاج نتيجة نظام الملكية
الخاصة ,حيث يتجه كل رأسمالي الوجهة التي تمنحه هو أكبر ربح ممكن .فعلى الرغم من هذه
الفوضى ,يتم تنظيم اإلنتاج في الواقع بفضل قانون القيمة ,فمن خالل المنافسة يؤدي قانون القيمة ثالث وظائف هي:
.0تنظيم توزيع العمل ووسائل اإلنتاج على فروع اإلنتاج المختلفة. .3تنظيم وحشد القوى المنتجة بوصفها قوة دافعة للتقدم الفني.
.2تنظيم وتطوير العالقات الرأسمالية ,بازدهار كبار المنتجين وتصفية صغارهم. يفرق ماركس بين نوعين من تداول السلع .ففي التداول البسيط يبيع صاحب السلعة سلعته
ليشتري بثمنها سلعة أخرى ,غرضها إشباع حاجته .الهدف هنا قيمة استعمال أخرى: سلعة -نقود -سلعة
أما في التداول الرأسمالي ,فإن السلعة تشتري ال إلشباع الحاجة وانما ليعاد بيعها بثمن أكبر.
الهدف هنا قيمة مبادلة ,بل فائض قيمة: نقود -سلعة -نقود.
بل تصبح الصيغة هكذا:
نقود -سلعة -نقود أكثر.
هنا في التداول الرأسمالي ,يصبح تداول النقود غاية في ذاته ,ولهذا ال تكون لتداول رأس المال
حدود.
تاريخياً ,بدأ رأس المال من تداول السلع ,وبخاصة في التجارة ,حين أدى المستوى الرفيع لإلنتاج
السلعي إلى تراكم مبالغ نقدية في أيدي بعض األفراد ,مثل التجار والمرابين .ولذلك يبدأ التاريخ الحديث
ل أٍرس المال في القرن السادس عشر ,مع قيام نظام تجاري عالمي وغزو السوق العالمية .كان هذا ظرفاً أو مهد تاريخياً لنشأة رأس المال .أم الظرف الثاني فهو ودود أفراد (أحرار) ال سادة لهم ,لكنهم محرومون من وسائل اإلنتاج ,وكان ذلك هو جوهر عملية ما يسمى التراكم البدائي لرأس المال.
ولكن كيف تتكون الثروات اليوم؟ من خالل أرباح اإلنتاج السلعي ,بفضل فائض القيمة .فإن القيمة
تخلق قيمة إضافية لل أٍرسمالي.كيف؟
022
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فكيف يتكون فائض القيمة؟
إن الرأسمالي يستخدم في اإلنتاج عدداً من السلع :مواد أولية ,آالت ,قوة عمل العمال ,ليعاد
تشكيلها من خالل عملية اإلنتاج بفضل العمل البشرى .من بين هذه السلع ال بد أن توجد سلعة فريدة
لها خاصية فريدة هي القدرة على خلق فائض القيمة.
ولقد اكتشف ماركس أن هذه السلعة هي قوة العمل .ففي ظل الرأسمالية يسود نظام العمل باألجر,
وتعتبر قوة العمل نفسها سلعة نموذجية تباع وتشتري في السوق.
فقوة العمل هي مجموع قدرات اإلنسان على العمل ,مجموع قواه العقلية والبدنية التي يستخدمها
حين ينتج قيمة استعمال نفسه .وهي سلعة خاصة تتميز بأنه يدخل في تحديد قيمتها -على خالف
السلع األخرى -عنصر تاريخي ومعنوي الرتباطها عضوياً باإلنسان العامل .وثمن هذه السلعة هو األجر.
إن الحظ السعيد هو الذي أتاح للرأسماليين أن يكتشفوا في السوق سلعة قيمة استعمالها تتمتع
بميزة خاصة هي كونها مصد ارً للقيمة بحيث أن عملية استهالك هذه السلعة هي في نفس الوقت
عملية خلق للقيمة .هذه السلعة هي قوة العمل ,واستهالكها هو العمل نفسه .والعمل يخلق القيمة. لكن كيف تخلق هذه القيمة إذن قيمة أكبر؟
هنا نالحظ أن التخلي عن قوة العمل واستخدامها فعالً ال يقعان في آن واحد .فالعامل يتخلى مقدماً
عن قوة عمله في عقد العمل .لكن استخدام هذه القوة يتم فيما بعد داخل المصنع يومياً ,وهنا يجري
خلق القيمة األكبر.كيف؟
"إن استهالك قوة العمل هو في الوقت ذاته إنتاج للسلع ولفائض القيمة".
يستعمل الرأسمالي سلعة قوة العمل استعماالً خاصاً .إن هذه السلعة لها خاصية خلق قيمة أكبر
مما تستهلك من قيمة ,وعندئذ يقع الحدث الخطير في اإلنتاج الرأسمالي :إذ يتم خلق فائض القيمة
من خالل استخدام سلعة قوة العمل ,من خالل استغاللها.
إن االستغالل الرأسمالي يتحقق من خالل حقيقة بسيطة هي كون العامل قاد ارً على خلق قوة
عمله ,وعلى تجديدها ,وعلى العمل مدة أطول مما تسمح قوته فعالً.وهكذا تعتبر قوة العمل سلعة ممتدة ,تجعل الرأسمالي يطيل ساعات العمل أو يزيد من حدة وكثافة العمل ليحصل على إنتاج أكبر
بنفس األجر .والفرق بين ما يحصل عليه العامل من أجر فعالً وما أنتجه من قيمة فعالً هو فائض
القيمة ,يذهب إلى جيوب الرأسمالي وحده .ولهذا الهدف ينتج كل رأسمالي .يقول ماركس في المجلد
األول":إنتاج فائض القيمة هو القانون المطلق ألسلوب اإلنتاج الرأسمالي".
واذن فالعامل يقدم نوعين من العمل :عمالً أصلياً يتلقى عنه أجره بالكامل وهذا هو العمل
الضروري -وعمالً إضافياً ال يتلقى عنه أج ارً ,وهذا هو العمل الفائض. 023
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي الوقت ذاته ,نتبين أن الرأسمالي يستخدم نوعين من رأس المال,لكل منهما أهمية خاص .فهو
يستخدم جزءاً من رأسماله في شراء وسائل اإلنتاج من مواد وأدوات وهذا الجزء ينقل إلى السلعة
المنتجة كما هو خالل عملية العمل .إنه ينقل قيمة ثابتة إلى السلعة .ولذلك يسمى رأس المال الثابت.
وهو أيضاً يستخدم جزءاً من رأسماله في شراء قوة العمل ,يدفعه أجو ارً للعمال .أٍرس المال هذا يزيد خالل عملية العمل نتيجة تحقيق فائض القيمة .فكأنه ينقل قيمة متغيرة .ولذلك يسمي رأس المال
المتغير .إن هذا التمييز كفيل بتوضيح دور رأس المال في االستغالل .إن رأس المال الثابت ,على هذا
النحو ,ليس كمية من النقود فحسب ,لكنه مقولة تاريخية ,عالقة إنتاج .إنه القيمة التي تخلق فائض القيمة من خالل استهالك قوة العمل األجير ,أي مقابل رأس المال المتغير.
هكذا يتكون فائض القيمة .وكل المبلغ الذي يتحقق هنا يسمي حجم فائض القيمة .فإذا أردنا أن
نتبين معدل فائض القيمة ,فيجب أن ننسب حجم فائض القيمة إلى حجم رأس المال المتغير الذي
أنتجها.
معدل فائض القيمة= حجم فائض القيمة
حجم رأس المال المتغير
هكذا يجري االستغالل الرأسمالي .لم يخترع رأس المال فائض القيمة .بل وجد االستغالل في كل
المجتمعات الطبقية .من قبل وجد فائض العمل في شكله األقصى ,حيث يعمل الناس حتى الموت في مناجم الذهب والفضة .في ظل العبودية أو القنانة اإلقطاعية .فكلما وجد العمل بال مقابل وجد
االستغالل .كل ما هنالك أن االستغالل الرأسمالي يتخذ عملياً صورة فائض القيمة.
إن الصفقة التي يعقدها الرأسمالي مع العامل موضوعها ليس عمله وانما قدرته على العمل.
فالعامل ال يستطيع أن يبيع العمل ألن العمل هو عملية استهالك قدرة العمل .كل ما يملكه هو قدرته
على العمل .وهذه هي ما يبيعه .فالسلعة التي يبيعها هي قوة العمل ال العمل .فالعمل هو العامل نفسه .وقوة العمل تباع بقيمتها .وتتوقف قيمتها على قيمة وسائل المعيشة التي يعتاد العامل
استهالكاً ليعيش هو وعائلته.
جزء فقط من الوقت المبذول في إنتاج قيمة مساوية لقيمة قوة العمل هو ما يسمي العمل الضروري
وهو الضروري إلنتاج المقابل لألجر .بقية الوقت يؤدي فيه العامل فائض العمل وينتج بالتالي فائض
القيمة.
وهكذا فإن العمل الضروري يخلق القيمة .أما فائض العمل فإنه يخلق فائض القيمة.
024
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فكيف تقاس قيمة السلعة إذن؟
إن قيمة أي سلعة إنما تقاس عمالً بما يلي :بقيمة المواد األولية التي تدخل في إنتاجها بالكامل,
باإلضافة إلى قدر معين من االستهالك والتلف في اآلالت والمعدات وقيمة قوة العمل (األجر) وتدخل في حساب القيمة بأكملها وفائض القيمة.
لقد كان ريكاردو يعتبر أن "األجور تحدد األثمان" .غير أن الحقيقة هي أن السلعة تحدد بقيمة
العمل .أم الثمن فأمره متروك لتقلبات السوق.
يقول ماركس تضخيم القيمة يتم فقط في حدود هذه الحركة المستمرة المتجددة :نقود
–سلعة -نقود أكثر .ولهذا فدورة رأس المال ليس لها حدود .ولذلك ال ينبغي أن ينظر إلى قيمة االستعمال على أنها الهدف الحقيقي للرأسمالي ,بل وال إلى الريح الذي يعود عليه من أية صفقة
بمفردها .إن ما يهدف إليه فقط هو السعي وراء الربح سعياً مطلقاً ال ينتهي أبداً.
إن تحويل فائض القيمة إلى رأس مال واستعماله ألجل الحصول على فائض قيمة جديد -ذلك هو
هدف اإلنتاج الرأسمالي.
كيف يحول فائض القيمة إلى رأس مال جديد؟ كيف يتكون رأس المال؟
إن عملية اإلنتاج تتحول باطراد إلى عملية إعادة إنتاج ,إلى عملية تجديد اإلنتاج .الرأسمالي ينفق
جزءاً من فائض القيمة على نفسه ,و يعيد الباقي إلى اإلنتاج ,يوسع به اإلنتاج .هنا يتجدد اإلنتاج
موسعاً ,هنا فقط يتم تراكم رأس المال .فالتراكم عبارة عن إضافة القطعة التي يقتطعها الرأسمالي من
فائض القيمة إلى رأسماله واستثمارهما معاً في توسيع اإلنتاج.
وزيادة إنتاجية العمل هي الوسيلة األساسية لدى الرأسمالي من أجل زيادة التراكم .فما دام العمل
الحي وبخاصة فائض العمل هو مصدر فائض القيمة ,فإن أٍرس المال المتغير هو أهم ما يعني
الرأسمالي في تركيب أٍرس ماله .بعبارة أخرى فإن العالقة بين نوعي رأس المال الثابت والمتغير وهي
ما يسميه ماركس "التركيب العضوي لرأس المال" هي ما يتحكم في درجة االستغالل الرأسمالي.
بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي المطرد,هناك اطراد في ارتفاع التركيب العضوي لرأس المال ,بحيث
أن حصة رأس المال المتغير في هبوط مطرد ,بمعنى هبوط معدل تشغيل العمال عن معدل تراكم رأس
المال .إن هذا التركيب المرتفع يحقق معدالً للربح أقل ,وان يكن حجم الربح الكلي أكبر من ذي قبل نتيجة الستخدام رؤوس أموال أكبر.
إن تركم رأس المال يحكم نمو الثروة من جانب ونمو البطالة والفقر من جانب آخر .ويعرف
المجتمع الرأسمالي من ثم ظاهرة اإلفقار بشكلها المطلق والنسبي .ويزداد اإلفقار المطلق بتزايد نصيب
الرأسماليين في الدخل القومي .وبارتفاع التركيب العضوي لرأس المال ينتشر اإلنتاج الكبير ,ويسود
االحتكار .ويعلق ماركس بمرارة قائالً" :يكمن في أرس المال استعداد أو ميل ثابت لالرتفاع بإنتاجية
025
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
العمل من أجل ترخيص السلع ومن أجل ترخيص العامل نفسه" .ويستخلص ماركس من ذلك كله
قانواناً للتراكم :فمع زيادة تراكم رأس المال تزداد درجة االستغالل. ثالثاً -كيف يتداول فائض القيمة؟
بعبارة أخرى ,كيف يتحول فائض القيمة إلى ربح وفائدة وريع؟ في عملية إنتاج واحدة ,يتحول رأس
المال م ار ارً من رأس مال نقدي إلى أٍرس مال منتج للسلع ,ثم إلى أٍرس مال سلعي .ومع نمو الرأسمالية تتميز المراحل السابقة ,فيصبح هناك رأس مال تجاري ورأس مال مصرفي ورأس مال
صناعي ,بل ورأس مال عقاري.
رجال الصناعة يستولون على فائض القيمة .والتجار يحولون السلع إلى رأس مال نقدي.
والمصرفيون يوزعون رأس المال النقدي على الجميع .ولكل منهم نصيب في فائض القيمة ,ويضاف
نصيب لمالك األرض .ومعنى هذا أن فائض القيمة يوزع بين الربح الصناعي والربح التجاري والفائدة
المصرفية والريع العقاري.
فالذي يسترعي اهتمام الرأسمالي الفرد ليس رأسماله المتغير ,ذلك الجزء المعين من رأسماله الكلي
الذي هو مسئول عن الزيادة التي يحصل عليها .إنها مسئول عن توظيف كل من رأس المال الثابت
ورأس المال المتغير .ولذلك فإن الذي يعنيه هو معدل الزيادة التي يضيفها إلى رأسماله الكلي .وهذا
المعدل هو معدل الربح. أي فائض القيمة
رأس المال الثابت +رأس المال المتغير
وليس فائض القيمة رأس المال المتغير
ولهذا فإن معدل الربح أقل دائماً من معدل فائض القيمة .وهو يتفاوت تبعاً للنسبة التي يتحد بها
نوعاً رأس المال .فكلما ارتفع التركيب العضوي لرأس المال (الثابت:المتغير) هبط معدل الربح .أي أن التقدم التكنولوجي الذي يحل العمل المختزن محل العلم الحي يدفع إلى هبوط معدل الربح اللهم إال إذا
زاد معدل استغالل العمل الحي.
هكذا يقترب ماركس من األثمان في السوق .إنه ينتقل من القيمة إلى ثمن اإلنتاج إلى الثمن
الجاري في السوق.
فالقيمة تقاس بمقدار العمل الالزم اجتماعياً والمتجسد في السلعة المعينة.
ثر ٍ أس مال ثابت +ت أٍرس مال متغير +ف ق فائض القيمة.
إن قيمة السلعة تنطوي على أٍرس مال ثابت ورأس مال متغير وفائض قيمة ,لم يدفع منها
الرأسمالي سوى رأس المال الثابت المستثمر في اإلنتاج .وعندئذ يبدو الربح الذي يحصل عليه كشئ 026
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
خلقه رأس المال .لكن الربح شئ وفائض القيمة شئ آخر .ومعدل الربح غير معدل فائض القيمة .إن معدل الربح دائماً أقل من معدل فائض القيمة .إذ تباع السلع ال بقيمتها ,ولكن بثمن يتضمن النفقة
ومعدل الربح أي ث +ت +ربح .وهذا ما يمكن تسميته "ثمن اإلنتاج" .وبالفعل فإن السلع في ظل
الرأسمالية تباع طبقاً ألثمان إنتاجها ,وهي أثمان تكون أكبر أو أصغر من القيمة نفسها طبقاً للتركيب العضوي لرأس المال .أما ثمن السوق فيمثل التقلبات القصيرة األمد ثمن اإلنتاج .وهي تقلبات تحدث نتيجة للعرض والطلب في فرع اإلنتاج المعين.
ومن ثم يلعب قانون العرض والطلب دوره في تحديد معدل الربح نفسه .غير أن المنافسة بين فروع
اإلنتاج ال تلبث أن تؤدي إلى توحيد معدل الربح في االقتصاد القومي.
لقد اكتشف ماركس أن آليات المنافسة الرأسمالية تنظم توزيع األرباح فيما بين الرأسماليين طبقاً
لنصيب كل رأسمالي في مجموع رأس المال.
ويتجه معدل الربح في المدى الطويل للهبوط .ويعتبر ماركس هذا اتجاهاً ال قانوناً ,ألن هناك
تأثيرات مضادة توقف نفاذ مفعوله بل تعطله أحياناً .فالمنافسة بين رؤوس األموال وحرية انتقالها بين فروع اإلنتاج تؤدي كما قلنا إلى نقص معدل الربح .كما تتضمن زيادة إنتاجية العمل استخداماً أكبر
لآلالت ووف ارً في العمل .ومن ثم تنطوي على نمو أسرع لرأس المال الثابت ,وارتفاع في التركيب العضوي لرأس المال .ولهذا يتجه معدل الربح إلى الهبوط .لكن يجب أن يطمئن الرأسماليون.فإن
الحجم الكلي لألرباح يطرد في الزيادة كما أن الرأسماليين يلجأون لكل الوسائل لمنع الهبوط وبخاصة
بزيادة درجة استغالل العمال .وهذا يوضح مرة أخرى كيف أن القوانين االقتصادية تصطدم في الواقع
بقوانين اقتصادية أخرى.
ويقوم رجال الصناعة بتقديم السلع المنتجة إلى التجار ليتولوا عملية تداولها ولذلك يتخلون لهم
عما يسمي الربح التجاري ,وذلك يبيع السلع لهم بثمن أقل من ثمن اإلنتاج على أن يقوم التجار
بالبيع بثمن اإلنتاج مثالً .ويتم نفس الشئ مع البنوك إذ يتخلى رجال الصناعة أو التجار عن الفائدة
لها.
أما الريع العقاري فيحصل عليه مالك األرض من رأسمالي يزرع هذه األرض بعمال باألجر .هنا يذهب
فائض القيمة العادي إلى المستأجر ,فيقسمه إلى ربحه المساوي لمتوسط معدل الربح ,والى فائض
عن متوسط الربح يعطيه لمالك األرض.
لماذا يعطيه هذا الربع؟ ألنه مالك األرض ,ومن ثم يستعيد المالك ثمن األرض من هذا الربع .وفي
الوقت نفسه فإن هذا الثمن هو عبارة عن الريع مجمداً .ومع تطور الرأسمالية يرتفع ثمن األرض مع زيادة االئتمان وانخفاض سعر الفائدة.
ولقد أولى ماركس في "رأس المال" أهمية خاصة لتطور الرأسمالية في الزراعة ,حيث يتحول الريع
العقاري من ريع إقطاعي إلى ريع رأسمالي ,ومن ريع عيني إلى ريع نقدي _ من خالل تأجير األرض 027
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
التي تصبح سلعة لرأسمالي يستغلونها عن طريق شراء قوة عمل الفالحين باألجر إلنتاج محاصيل
تنزل إلى السوق.وذلك جوهر التطور الرأسمالي في الريف .فإن تصفية الملكية اإلقطاعية لألرض
واقرار الملكية الرأسمالية فيها من أولى الظواهر التي تأتي بها الرأسمالية .ويتخذ هذا التطور أشكاالً متفاوتة مثل نزع ملكية أراضي الفالحين وطردهم من الريف ,ومثل تحويل األراضي إلى مراع لتربية
الماشية ذات الصوف الصالح للنسيج .فعندما يحل محل الفالح في الزراعة رب عمل يزرع األرض
باالعتماد على العمل األجير ,تتكون طبقة من عمال الزراعة ال يملكون أرضاً وانما يعملون باألجر.
وفي الوقت نفسه يكون الفالحون األغنياء قد أخذوا في استغالل بعض األجراء لحسابهم الخاص .من
هنا تتوافر لهم إمكانية جمع الثروة شيئاً فشيئاً وتحويل أنفسهم إلى رأسماليين .وتنشأ وسط مالك
األرض الذين يريدون مواصلة اإلنتاج الزراعي بيئة تنبت أيضاً مستأجري األرض الرأسماليين .وبالمثل
فعندما يتم نزع ملكية بعض الفالحين ويتم طردهم من الريف بالمرة ,فإن هذا العمل (يحرر) عماالً
ووسائل للمعيشة والعمل لهم من أجل ولمصلحة رأس المال الصناعي .إنه يحشد جيشاً للعمل في
خدمة الرأسماليين.
ومع ذلك تبقى إلى جانب الزراعة الرأسمالية ملكية الفالح الصغير التي يزرعها بنفسه وتشكل
أٍساس اإلنتاج الصغير .وهذا اإلنتاج الصغير ال ينسجم مع الرأسمالية ,ويخضع بدوره لالستغالل
الرأسمالي ,حيث ال يتميز استغالل الرأسمالية للفالحين عن استغاللهم للعمال إال من حيث الشكل. فاالستغالل الريفي يتخذ شكل الربا والرهن والضرائب وحتى األسعار .فالسعر المنخفض لمحاصيل
الفالحين ناجم عن فقر المنتجين ال عن ارتفاع إنتاجية عملهم.وال شك أن استغالل العمال الزراعيين
من خالل العمل باألجر هو الشكل السائد لالستغالل الرأسمالي في الريف .غير أن تبعثر العمال الزراعيين على مساحات كبيرة يحطم قوة مقاومتهم _ في حين أن التجمع يزيد من قوة مقاومة عمال
المدن.
وفي النهاية يالحظ ماركس أن كل تقدم للزراعة الرأسمالية هو تقدم ال في فن تهب العامل فحسب,
بل في فن تهب األرض أيضاً ,فاإلنتاج الرأسمالي " ال يطور فنون اإلنتاج إال باستنزافه في الوقت
نفسه لينبوعي كل ثروة وهما األرض والعامل".
رابعاً :كيف يتجدد اإلنتاج االجتماعي سنوياً؟
من المنتج الرأسمالي الفرد يصل ماركس في النهاية إلى المجتمع الرأسمالي ككل ,ليدرس اإلنتاج
االجتماعي ,هذا اإلنتاج الذي يتم بفضل رأس المال االجتماعي والعمل االجتماعي .ورأس المال االجتماعي هو مجموعة رؤوس األموال المتفرقة بين المشروعات الخاصة ,ولكنها تمثل عالقات
متداخلة ومترابطة فيما بينها .وفي كل سنة يمثل مجموع المنتجات ما يسمى الناتج االجتماعي
اإلجمالي .هذا الناتج قيمة اجتماعية منتجة .وبالتالي ينقسم ثالثة أقسام :قسماً لتجديد رأس المال 028
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الثابت ,وقسماً لتجديد رأس المال المتغير ,وقسماً يمثل فائض القيمة االجتماعي .ومن ثم فإن كل قسم
من الناتج االجتماعي يلعب دو ارً خاصاً .فالثابت يعود لإلنتاج ,والمتغير يتحول ألجور ,وفائض القيمة يتولى مهمة إعادة اإلنتاج الموسع .هكذا يتكرر اإلنتاج بصفة دورية.
إن التكرار الدائم لإلنتاج هو القاعدة والشرط العام لالستهالك الدائم .وبالتالي للوجود الثقافي
للمجتمع بجميع أشكاله التاريخية.
في كل مجتمع ال بد أن يتجدد اإلنتاج كشرط لوجود المجتمع نفسه,ال بد أن يتم إنتاج خيرات جديدة
يعيش بها المجتمع سنة بعد أخرى .فإذا كانت كمية ما يتم إنتاجيه في كل عام ثابتة ال تتغير ,أي يتم
إنتاج يساوي ما تم استهالكه ,فإن المجتمع يستهلك كل ناتجه ويعيد أنتاج كل استهالكه.وهو لذلك
مجتمع راكد ,متجمد .وهذا هو حال المجتمعات قبل الرأسمالية وحين كان تطور القوى المنتجة بطيئا. هنا تتم إعادة إنتاج بسيطة.
أما في ظل الرأسمالية ,وبفضل التطور السريع للقوى المنتجة ,فقد أصبحت إعادة اإلنتاج تتسم
بأنها تتسع في كل عام عن سابقه .فقد أصبح المجتمع ال يستهلك كل ناتجه .بل يبقى جزء يخصص إلنتاج وسائل إنتاج إضافية تزيد الناتج في العام التالي بمعدل أكبر ,وهكذا يجري النمو .وهذه هي
إعادة اإلنتاج الموسع.
والناتج االجتماعي في صورته المادية كمنتجات ينقسم إلى وسائل إنتاج ومواد استهالك ,أي أن
اإلنتاج االجتماعي ينقسم إلى قطاعين هما قطاع أول إلنتاج وسائل اإلنتاج وقطاع ثان إلنتاج مواد
االستهالك .واذا خصمنا من الناتج االجتماعي استبداالت رأس المال الثابت ,فإن الباقي من الناتج االجتماعي هو القيمة الجديدة التي تكونت خالل السنة ,وتسمى الدخل القومي .وهو الذي يوزع بين
قطاع المنتجين وقطاع غير المنتجين ,ويستخدم إلشباع حاجاتهم جميعاً ,مباشرة أو غير مباشرة. إذن فكيف يتجدد اإلنتاج؟ لكي يتجدد هذا اإلنتاج يجب أن يكون اإلنتاج الذي تم قد دار دورته
الحقيقية ,لينتهي إلى نتيجته المقصودة ثم ليعيد اإلنتاج .وهذا ما يسميه ماركس "تحقيق أو تصريف
المنتجات" .إن كل ناتج يجب أن يبادل ليؤدي وظيفته في إعادة اإلنتاج .لكن ما الضمان ألن يتحقق
الناتج القومي بأكمله؟ هناك ظروف تساعد على هذا التحقيق .لكنها ال تلبث أن يعوقها عن سيرها ما
يؤدي إلى األزمات.
فال بد أن توجد كل سنة وسائل إنتاج جديدة ,متزايدة سنة بعد أخرى ,بحيث يكون الجزء من إنتاج
القطاع األول الذي يمثل القيمة الجديدة أكبر من رأس المال الثابت في القطاع الثاني.
وهذا أمر طبيعي ألن هناك عالقة ضرورية بين القطاعين .ففي مجتمع بسيط ,ال يستبقي مما أنتج
شيئاً يزيد عما بدأ به اإلنتاج .فمن الضروري أن يكون على األقل حجم رأس المال المتغير وفائض القيمة في القطاع األول معاً مساوياً على األقل لحجم رأس المال الثابت في القطاع الثاني ,وذلك ألن
عمال ورأسمالي القطاع األول يتلقون سلعاً استهالكية ورأسمالي القطاع الثاني يتلقون رأس مال ثابتاً 029
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لإلنتاج الجديد .ومن ثم فإن ,القطاع األول يقدم وسائل اإلنتاج للقطاعين في حين يقدم القطاع الثاني سلع االستهالك لعمال ورأسمالي القطاعين.
وعندئذ تكون إعادة اإلنتاج بسيطة .أما في إعادة اإلنتاج الموسعة فإن حجم رأس المال المتغير
وفائض القيمة في القطاع األول يجب أن يكونا أكبر من قيمة رأس المال الثابت في القطاع الثاني.
لماذا؟ أل ن الفرق بينهما هو الذي يشكل الفائض الذي يتجه للتراكم.
إن قانون إعادة اإلنتاج هو أن وسائل اإلنتاج تنمو بسرعة أكبر من إنتاج مواد االستهالك .إن
القطاع األول ليس أكثر أهمية من الناحية االجتماعية فقط ,لكنه كذلك من الناحية االقتصادية .ويرجع
السبب في ذلك إلى أنه ينمو بسرعة أكبر.
ومن ثم فإن تخصيص نسبة أكبر لرأس المال الثابت هو الذي يدفع نحو زيادة مطردة في القوى
المنتجة.
لكن ذلك يفترض أن يتم تصريف اإلنتاج االجتماعي بدقة ال تخطئ .يفترض عالقة محكمة بين
قطاعي إنتاج وسائل اإلنتاج وانتاج مواد االستهالك .يفترض أن قيمة االستهالك المنتجة مساوية
للدخول الموزعة في المجتمع – والمعروف أن العمال يشترون بأجورهم بينما يشتري الرأسماليون بجزء من فائض القيمة الذي يحققونه.
لكن حركة اإلنتاج الرأسمالي تتم في سوق مفتوحة يحكمها قانون التراكم الرأسمالي وحده ,وهو
قانون يطبقه كل رأسمالي على حدة طبقاً لما يقدر هو أنه مصلحته القصوى.
وتراكم رأس المال يعني في الوقت نفسه ازدياد البروليتاريا .والتحول إلى البروليتاريا تطور يصيب
صغار المنتجين المستقلين ويعبر أيضاً عن خراب البورجوازية الصغيرة بسبب المنافسة _ خراب صغار
المالك أصحاب رأس المال الذين يستغلون العمال لكنهم إذ يعملون معهم جنباً إلى جنب يكونون عماالً أيضاً .كما يصيب التطور الرأسماليين أنفسهم ,الصغار والمتوسطين منهم ,مع تمركز أٍرس المال الذي بدأ مع التراكم البدائي واستمر بال انقطاع بالتراكم والتركز وأخي ارً بالتمركز في أيد قليلة.
وهكذا يفتح قانون التراكم الرأسمالي الباب إلى األزمات .وهي أزمات كامنة من قبل في التداول
النقدي للسلع .فإذا كان كل بيع للسلعة هو شراء من آخر ,فالبائع ليس ملزماً بأن يشتري بعد أن باع. وتلك الحقيقة تتحكم في دورة اإلنتاج الرأسمالي بحيث تؤكد حتمية األزمات .إن دورة اإلنتاج ال تتم
بيسر .كما أن المنتجات ال تصرف دائماً .بل هناك تناقض ال يحل بين اإلنتاج واالستهالك. ولقد قام باحث أمريكي اسمه آيرز بدراسة حالة األعمال في االقتصاد الرأسمالي منذ سنة 0761حتى
الحرب العالمية األخيرة ,فسجل نحو 21مرحلة ركدت فيها األعمال ,ولقد أعلن أنه ال توجد خالل هذه
المدة الطويلة سنة واحدة يمكن أن تسمي سنة عادية ,وانما كانت كلها سنوات تقلب يتعاقب فيها
االرتفاع واالنخفاض.
031
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والواقع أن قيام النظام الرأسمالي على اإلنتاج المعد للمبادلة في األسواق ,يجعل اإلنتاج معداً مقدماً
لمشتر غير معروف مقدماً .وبينما يكون اإلنتاج بحيث ال يهتدي إال بالربح ,تلعب األسعار دورها كمنظم للسوق .لكنه منظم ال يكفي ,لذلك يقول ماركس في "تاريخ النظريات" " :اإلنتاج بغض النظر
عن حدود السوق موجود في طبيعة اإلنتاج ال أٍرسمالي".
إن القوى الفعالة في النظام الرأسمالي تخلق في الوقت نفسه الظروف المؤاتية لألزمة:
أ -فهناك التناقض بين الطابع االجتماعي لإلنتاج وبين الملكية الخاصة الفردية لوسائل اإلنتاج. فاإلنتاج الرأسمالي قد غدا اجتماعياً بينما ظلت ثمار هذا اإلنتاج االجتماعي يتملكها مالك
فرديون ملكية خاصة بعيداً عن المجتمع.
ب -وهناك التناقض بين القيمة وفائض القيمة .فالقيمة ينتجها العمال بينما يحصل الرأسماليون
على فائض القيمة .ومن ثم تكون األجور أقل من قيمة ما أنتجه العمال بمقدار فائض
القيمة ,في حين يتحول فائض القيمة إلى رأس مال جديد .ولهذا يقول ماركس في المجلد
الثالث ":إن الحدود المطلقة لإلنتاج الرأسمالي هي رأس المال نفسه".
ج -وهناك أخي ار التناقض بين القوى اإلنتاجية وعالقات اإلنتاج .فالقوى اإلنتاجية تسير في طريق النمو المستمر ,أما عالقات اإلنتاج فتقيدها الملكية الخاصة الفردية وطريقة توزيع
.
الدخول
ويجري كل هذا بينما الرأسماليون مشغولون فيما بينهم بالسعي وراء الربح ,وتنشب بينهم منافسة حادة يحاول فيها كل منهم أن يستحق منافسيه .ويتأكد بذلك ما يسميه ماركس
"فوضى اإلنتاج هي قانون الرأسمالية" .
في هذا اإلطار الذي يحكم اإلنتاج واعادة اإلنتاج تتدخل عوامل اإلخالء بالتوازن المنشود .فهناك
مثالً:
أ -فشل الرأسماليين الذين جمعوا فائض القيمة في إنفاقه بمعدل متوازن على تكوين رأس مال ثابت جديد.
ب -نمو فرع من فروع اإلنتاج نمواً غير متوازن ,فقد ال يجد سوقاً لمنتجاته مما يمكن أن ينشر االنكماش إلى فروع أخرى.
ج -تفاوت معدل االستهالك ومعدل التراكم لدى الرأسماليين والعمال .وهنا شبهة تسليم ماركس بما يسمى بنظرية قصور االستهالك واإلفراط في إنتاج وسائل اإلنتاج كنظرية لتفسير األزمات .وهي شبهة غير صحيحة,ألن المطلوب فقط هو المحافظة على عالقة سليمة بين االستهالك
والتراكم.
030
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
د -اتجاه سعر الفائدة لالنخفاض ,بتغير فنون اإلنتاج ,وارتفاع نسبة رأس المال الثابت ,مما يوقف تدفق االستثمار المقبل ويستبق األزمة.
وفجأة تنفجر األزمة .ويعود المجتمع إلى حالة من البربرية ,كما لو أن مجاعة أو حرب إبادة قد
قطعت عليه أسباب وجوده .فالتجارة والصناعة تبدوان وقد تالشتا ,لماذا ؟ ألن بالمجتمع مزيداً من
الحضارة ,ومزيداً من وسائل المعيشة ,ومزيداً من الصناعة ,ومزيداً من التجارة! لذلك يقول ماركس: "إن السبب األخير لجميع األزمات يظل دائماً فقر الجماهير واستهالك المحدود المتعارضين مع اتجاه اإلنتاج الرأسمالي لتنمية قوى اإلنتاج كما لو كانت هذه القوى ال تعرف حدوداً أخرى سوى القدرة
المطلقة للمجتمع على االستهالك".
بيد أن تناقضات االقتصاد الرأسمالي التي تدفع إلى األزمة ال تلبث أن تجد حالً لنفسها في األزمة
ذاتها .فاألزمة هي -مع ذلك– حل مؤقت لتناقضات الرأسمالية .فليست األزمة فقط تعبي ارً عن اختالل توازن االقتصاد الرأسمالي ,وانما هي أيضاً ذلك السبيل الذي به يؤكد التوازن المختل وجوده .فاألزمة
اختالل انتقالي ,اعتبرها ماركس تلعب دو ارً ايجابياً في تشكيل االتجاه الطويل المدى للنظام الرأسمالي. إن األزمة ال تلبث أن تعيد التوازن المختل .فإنها تحدث تدمي ارً في رأس المال وتدهو ارً في أثمان
السلع ,كما تحدث تدمي ارً في قوة العمل وتدهو ارً في األجور .إنها دليل على وجود فائض من رأس المال والعمل يلفظه السوق ويتخلص منه .إن لألزمة أثرها المباشر في تدعيم جيش العمل االحتياطي
وتدهور قيمة قوة العمل .ومن ثم يزيد فائض القيمة النسبي .ومع هذه الزيادة تبدأ عوامل االنتعاش من جديد ,نتيجة ارتفاع إنتاجية العمل ورخص اآلالت والمواد الخام ,مما ينتقص من قيمة رأس المال
الثابت.
إن االقتصاد الرأسمالي تنظيم اجتماعي ما زالت عملية اإلنتاج فيه تسطير على البشر ,وهذا الواقع
الذي يعتبره االقتصاديون البورجوازيون ضرورة طبيعية ,فيحملون الطبيعة مغبة تناقضات الرأسمالية, يعتبره ماركس ضرورة تاريخية لمرحلة عابرة في حياة البشر .
الفصل الرابع منهج "رأس المال" المادية الجدلية
يوضح "رأس المال" أسلوب عمل الرأسمالية .وفي الوقت نفسه يكشف عن الطبقة العاملة التي
يلدها المجتمع الرأسمالي والتي ألقى عليها مهمة تغيير الرأسمالية.
032
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وعندما حدد ماركس مهمة "رأس المال" بأنها الدارسة النقدية لنظام اإلنتاج ال أٍرسمالي والبحث عن
قانون الحركة في المجتمع الرأسمالي ,فإنه كان يفترض منهجياً حتمية زوال نظام اإلنتاج الرأسمالي
وحتمية قيام نظام إنتاج آخر .وكانت تلك خطوة ثورية في منهج البحث في علم االقتصاد. كيف يكونه المنهج
وبالفعل كان " ٍرأس المال تجسيداً حياً لمنهج ماركس الذي عرف باسم المادية الجدلية .ويدلنا
ماركس في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي" الذي كان مقدمة إلصدار "رأس المال"
على المسار الذي سلكه في االهتداء إلى هذا المنهج .فلقد بدأ من الفلسفة لينتهي إلى االقتصاد.
يقول ماركس ":لقد كنت أتابع دراسة القانون .ومع ذلك فلقد تابعت هذا الفرع كموضوع ثانوي
للفلسفة والتاريخ .وفي عام 0122 – 23مارست ألول مرة ,بوصفي رئيس تحرير الصحيفة الراينية, ذلك اإلحساس باالضطراب الضطراري إلى المشاركة في المناقشات حول ما يسمى (المصالح المادية). وكانت أعمال مجلس مقاطعة الراين عن سرقات الغابات وتفتت ملكية األرض والحوار الرسمي الذي
شنه هرفون شابر الرئيس األعلى لمقاطعة الراين على الصحيفة الراينية حول أحوال فالحي الموزل
وأخي ارً الندوات عن حرية التجارة والتعريفة الحمائية هي التي أتاحت لي المناسبات األولى الشتغالي بالمسائل االقتصادية .ومن ناحية أخرى ففي ذلك الوقت ,عندما كانت النوايا الطيبة (لمواصلة
االستزادة) تفوق بكثير المعرفة بالموضوع ,فإن صدى فلسفياً هزيالً لالشتراكية والشيوعية الفرنسية غداً مسموعاً على صفحات الصحيفة الراينية .لقد وقفت ضد نزعة الهواة .لكني اعترفت صراحة في الوقت نفسه في جدالي مع صحيفة أوجز بورج بأن دراساتي السابقة ال تسمح لي حتى بإبداء أي حكم
على مضمون االتجاهات الفرنسية .وبدالً من ذلك ,فلقد انتهزت بحماس ذلك الوهم الذي كان لدى مديري الصحيفة الراينية ,أولئك الذين ظنوا أنهم بالتزام الصحيفة موقفاً أضعف يستطيعون أن يضمنوا تأجيل حكم اإلعدام الذي صدر عليها ولكي انسحب من خشبة الجمهور إلى الدراسة .وكان أول عمل
قمت به من أجل أن أجد حالً للشكوك التي انتابتني هو أن أقدم عرضاً نقدياً للفلسفة الهيجلية عن
القانون .وهو عمل ظهرت مقدمته في سنة 0122في الحوليات الفرنسية األلمانية التي نشرت في باريس .لقد قادني البحث إلى التفكير بأن العالقات القانونية ,مثلها مثل أشكال الدولة ,ينبغي أن
تتناول ابتداء ال منها هي نفسها وال مما يسمى التطور العام للعقل البشري ,فإنما توجد بذورها في
الظروف المادية للمعيشة ,وهي الظروف التي تشكل مجموعها ما يسميه هيجل على عادة االنجليز
والفرنسيين في القرن الثامن عشر "المجتمع المدني" .لقد أدى إصدار الصحيفة الراينية الجديدة في
عام 0121واألحداث التالية إلى قطع دراساتي في االقتصاد التي لم يتسن لي استئنافها إال في عام 0121في لندن.
033
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إن المادة الضخمة عن تاريخ االقتصاد السياسي والمتراكمة في المتحف البريطاني والموقع المؤاتي
الذي تحتله لندن لمالحظة المجتمع البورجوازي ,وأخي ار المرحلة الجديدة من التطور التي أقبل عليها
هذا المجتمع باكتشاف الذهب في كاليفورنيا واستراليا ,إنها جميعاً قد حسمت رأي بأن أبدأ من جديد من البدايات األولى وأن أعمل في المادة الجديدة بطريقة نقدية.
في سنة 0123وصف ماركس موقفه الفكري بأنه "النقد الذي ال يرحم لكل شئ ,النقد الذي ال
يخجل من نتائجه" .لم يكن قد أصبح ماركسياً بعد .لكنه لم يكن ليصطنع العلم ليخدم وجهة نظر
مسبقة .كان يبحث عن العلم بعد أن أهدره االقتصاد المبتذل .ولهذا فإنه عندما تصدى لنقد ما ليس فيما بعد ,استطاع أن يقول هذه الكلمة ":إن الرجل الذي يسعى ليجعل العلم يتفق مع وجهة نظر نابعة ال من العلم نفسه ,أي يتفق مع وجهة نظر أملتها مصالح دخيلة ,خارجة عن العلم,مثل هذا الرجل
اعتبره جدي ارً باالحتقار".
في هذه األثناء توصل إلى الشيوعية الفلسفة ,وسرعان ما تحول إلى الشيوعية العلمية عندما
اكتشف البروليتاريا .ومنذ ذلك الحين تكامل منهجه في البحث ,قائالً في بحثه (نقد فلسفة الدولة عند هيجل):
"مثلما تجد الفلسفة في البروليتاريا أسلحتها المادية ,فإن البروليتاريا تجد في الفلسفة أسلحتها
الفكرية ..إن الفلسفة ال يمكن أن تتحقق بدون إلغاء البروليتاريا ,كما أن البروليتاريا اليمكن أن تلغي بغير تحقيق الفلسفة" .بهذه الفلسفة وحدها اكتشف ماركس علم االقتصاد الجديد.
وفلسفة ماركس هي المادية الجدلية وتطبيقها على المجتمع في صورة المادية التاريخية .هذه
الفلسفة هي إضافة تاريخية لتراث البشرية الفلسفي .يتحدث سارتر في كتابه "نقد العقل الجدلي" عن ندرة حقب الخلق الفلسفي .ففيما بين القرن السابع عشر والقرن العشرين لم ير العالم إال ثالث حقب
هي حقبة ديكارت ولوك وحقبة كانط وهيجل ثم حقبة ماركس .كانت الديكارتية مرآة للبورجوازية
والتجار وأصحاب البنوك,وكانت الكانطية مرآة لبورجوازية الصناع والمهندسين والعلماء ,أما المادية
التاريخية فليست مجرد مرآة لطبقة التي إذا انتصرت ستظل محتفظة بالسالح الذي جعلها تنتصر. ومن ثم فإنها كفلسفة تظل غير معرضة للتجاوز أو التفوق عليها.
اليد الخفية عند التقليديين
وعندما بني سميث وريكاردو علم االقتصاد التقليدي كانا شأن جميع العلماء يبحثان عن الضرورة,
عن الحقيقة الموضوعية .ذكر سيسموندي عن آدم سميث أنه " كان يضني نفسه في اختيار كل واقعة في حدود البيئة االجتماعية التي تنتمي لها" وقال عن مالتس " إنه يدرس الوقائع بدقة
كبرى" .أما جان باتيست سيه فقد لخص فهمه لعلم االقتصاد بقوله" إن دور االقتصادي كدور العالم,
ليس هو النصح وانما المالحظة والتحليل الوصفي وأن يبقى شاهداً غير متحيز". 034
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بمثل هذا المنهج اكتشفوا قوانين االقتصاد الرأسمالي .كانوا يرون أن النظام الرأسمالي وان بدأ في
الظاهر غير محكوم بنظام فإنها محكوم في الواقع بقوانين ثابتة ,هي تلك اليد الخفية التي تحكم
السوق .وهي قوى عديدة كل قوة منها أعجز من أن تشكل السوق وال الثمن بمفردها.
هكذا أدرك االقتصاديون التقليديون أن االقتصاد علم له قوانينه الموضوعية ,على الرغم من أن
جوهر المجتمع الرأسمالي يتمثل بالدقة في عدم وجود توجيه اجتماعي واع لإلنتاج .إن اليد الخفية
التي تحرك اإلنتاج هي القوى العمياء الموضوعية المستقلة عن إرادة البشر .إنها القوانين العلمية تكشف عن عالقات موضوعية بين الظواهر ,عالقات ضرورية تنبثق من طبيعة األشياء ,من سياق
عمليات التطور ,وهي لذلك عالقات موضوعية مستقلة عن إرادة البشر الذين يعيشونها أو يكتشفونها, وليس على البشر بعد اكتشافها سوى أن يسلموا بها ,محاولين االستفادة منها من أجل مزيد من
السيطرة على الظروف الخارجة قبالً عن إرادتهم. المادية المتسقة
ولم يكن التقليديون ليتوصلوا إلى تلك القوانين لوال المنهج المادي الذي قادهم إليها .فقد كان
ظهور المدرسة المادية وثيق الصلة باحتياجات البورجوازية الثورية .وكانت المادية الفرنسية أداة
لتحرير البورجوازية الفرنسية نفسها .غير أن هذه المادية لم تعد عند البورجوازية فيما بعد مجرد
منهج لتحرير نفسها اجتماعياً .لقد كان استمرار التسليم بها يعني التسليم للبروليتاريا .فالمادة
المتسقة مع نفسها إنما كانت تعني بالضرورة أن تقبل البورجوازية فكرة الثورة المستمرة .وهو أمر غير معقول .لذلك انتقلت البورجوازية سريعاً إلى مواقع معادية للعقل .وانقضى سريعاً عصر التنوير ,ذلك
العصر الذي كان يحمل كل شئ على أن يقف أما محكمة العقل ليبرر وجوده أو يكف عن الوجود.
وعلى العكس كان على البروليتاريا أن تتبنى هي المادية وأن تسير بها قدماً نحو المادية الجدلية.
والواقع أن كل دراسة علمية جادة ال بد أن تسلك منهجاً مادياً .فما دمنا نفكر ,فال نستطيع أن
نخرج أبداً عن المادية .لذلك لم يكن المنهج المادي مستغرباً على ماركس عندما كتب "رأس المال" فالمادية المتسقة مع نفسها كانت ال بد أن تفرض نفسها على البروليتاريا .ويقول لينين إن ماركس
أصبح مادياً فيما بين عام 012210122وهي الفترة التي تكونت فيها أفكاره.
وال شك أن مادية ماركس قد تأكدت في مواجهة كل من مثالية هيجل ومادية القرن الثامن عشر
وخاصة في فرنسا .من هنا يذكر ماركس حقيقة عالقته بهيجل ,يقول في "رأس المال" " إن عالقتي بهيجل جد بسيطة .إني اعتبر نفسي تلميذاً لهيجل .غير أنني أخذت حرية تبني موقف نقدي بإزاء
معلمي .وذلك بتخليص جدليته من صوفيتها وبإخضاعها لتغيير جذري" .وكتب في "رأس المال" يقول": يرى هيجل أن حركة الفكر ,هذه الحركة التي يشخصها ويطلق عليها اسم الفكرة هي اآللة
(الخالق,الصانع) ..أما أنا فإني أرى العكس :أن حركة الفكر ليست إال انعكاساً لحركة المادة 035
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
منقولة إلى دماغ اإلنسان ومتحولة فيه" .كذلك عنى ماركس بنقد مادية القرن الثامن عشر بوصفها
مادية ميكانيكية ,لم تضع في اعتبارها عامل التاريخ ,فهمت جوهر اإلنسان على نحو تجريدي ,ولم تكن جدلية فلم تقم إال بتفسير العالم ,بينما كان المطلوب هو تغييره. الجدلية نقدية
لماذا كانت الجدلية هي بالضرورة منهج "رأس المال"؟ في الواقع لم يكن " رأس المال" ليكتب إال
بمنهج جدلي .أليست مهمة"رأس المال" هي نقد االقتصاد السياسي البورجوازي؟ إن مثل هذه الدراسة
النقدية ,ومن ثم الثورية ,ال يمكن أن تصدر إال عن الطبقة الثورية .والجدلية هي بالدقة المنهج
النقدي ,أي المنهج الذي يدرس الظاهرة المعينة في اكتمالها ,في حركتها ,في تناقضها ,في تطورها, في صيرورتها .واذا صح أن االقتصاد التقليدي قد اكتشف قوانين الرأسمالية في حال السكون ,فإن
"رأس المال" يكتشف قوانين الرأسمالية في حال حركة .وهو يدرس الحركة االجتماعية كعملية من عمليات التاريخ الطبيعي ,محكومة بقوانين موضوعية ,تاريخية وجدلية .أليس أسلوب اإلنتاج
الرأسمالي هو نفسه الذي يضع البروليتاريا على رأس الظروف المادية التي تلغي الرأسمالية ذاتها؟ إن
الجدلية كامنة في المجتمع مثلما هي كامنة في الطبيعة نفسها .ولقد كشفت العلوم الطبيعية في منتصف القرن الماضي عن حقيقة أن العالم يتطور كله وفق قوانينه الخاصة .إن الطبيعة تعمل على
نحو جدلي .وهي أيضاً محك االختبار لصحة الجدلية.وهذا ما عناه إنجلز في كتابه " ضد دوهرينج" حين قال إن مهمته " لم تكن أن أعمل على إدخال القوانين الجدلية إلى الطبيعة ولكن أن اكتشفها فيها وأن استخلصها منها".
ومن اللحظة التي وضع ماركس لنفسه فيها مهمة تغيير العالم ال مجرد تفسيره كان ال مفر من أن
يكتشف الوحدة العضوية بين المادية والجدلية ,منحا ازً بذلك إلى النشاط الثوري للبروليتاريا .وجدلية
ماركس هي تطوير لجدلية هيجل ,التي ال يكف ماركس هنا وهناك وبخاصة في فصله عن القيمة عن
مداعبة أسلوبها في التعبير .ويعلن ماركس في مقدمته "لرأس المال" أن جدليته هي نقيض جدلية
هيجل ,بمعنى أن جدلية هيجل مثالية .ولذلك يكتفي ماركس بأن يستخلص نواتها العقلية السليمة, وينمي فيها ماديته المتسقة .والواقع أن لهيجل فضالً حاسماً في هذه الخطوة .فإن ,ما يميز منهج
هيجل في التفكير هو اإلحساس الدافق بالتاريخ ,فلقد كان أو من بحث عن الترابط الداخلي في حركة
التاريخ .كان موضوع الفلسفة عنده هو تطور المعرفة ,هذه المعرفة التي ال يوجد أمامها شئ نهائي, مطلق,أو مقدس .إنها تكشف ماضي جميع األشياء .وال يوجد شئ بالنسبة لها سوى تطور المصير
الوقتي واالرتقاء الالنهائي – الذي هي انعكاس له في المخ .ومن ثم استخلص هيجل منهجاً جدلياً لتحليل ظواهر الطبيعة والمجتمع,ورفع الجدلية إلى مستوى القانون .وكان على ماركس أن يتخلص الجوهر الذي تتضمنه اكتشافات هيجل وأن يعيد بالتالي بناء المنهج الجدلي .ويفضل هذا المنهج 036
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الجدلي استطاع ماركس أن يصل إلى الكشف الحاسم الذي انطوى عليه " رأس المال" وهو قانون فائض القيمة.ولهذا يقول لينين ":ال يمكن فهم ( رأس المال) لكارل ماركس وال يمكن بصفة
خاصة فهم الفصل األول من (رأس المال) بدون دراسة وفهم كل منطق هيجل".
لقد صارت الجدلية على أيدي ماركس نظرية للتطور في أكمل مظاهرها وأشدها عمقاً .وانتهى طبقاً
لها إلى نفي ودود الرأسمالية من واقع الرأسمالية نفسها .وهذا مثال من "رأس المال" داللته مباشرة.
يقول ماركس " أن أسلوب التملك الرأسمالي والناتج عن أسلوب اإلنتاج الرأسمالي ينتج الملكية الفردية
الرأسمالية .وهذه الملكية هي النفي األول للملكية الفردية الخاصة الناتجة عن عمل المالك .لكن
اإلنتاج الرأسمالي يولد – طبقاً لقانون الطبيعة الصارم – نقيضه هو نفسه .وهذا هو نفي النفي .وهو ال يؤدي إلى إعادة إقامة الملكية الخاصة للمنتج ,وانما يخرج الملكية الفردية المؤسسة على ما توصل
إليه النظام الرأسمالي أي على التعاون والتملك الجماعي لألرض ولوسائل اإلنتاج". المادية الجدلية
والواقع أنه لوال المادية الجدلية لم يكن ماركس ليصل إلى "رأس المال" .فماذا تعني هذه المادية
الجدلية؟
إنها تعني مجموعة القوانين العامة لحركة الطبيعة والمجتمع والفكر .إذ يجب البحث عن علة
الحركة في الظواهر .فالعلم ال يتألف من ظواهر تامة الصنع بل هو مجموعة من العمليات .الكون كله في حالة حركة دائبة .إن العلة الجوهرية لهذه الحركة ال توجد من خارج الظواهر بل من داخلها .إنها توجد في الطبيعة المتناقضة الكامنة في األشياء ذاتها .ففي كل شئ تناقضاته الداخلية .ومن ثم تكون
الحركة عبارة عن صراع المتناقضات .أما العوامل التي تتصارع من خارج الظاهرة فهي تلعب الدور
الثاني بعد التناقضات الداخلية.
ومعنى هذا بالتطبيق على المجتمع ,إن التطور االجتماعي إنما يرجع بشكل رئيسي إلى األسباب
الداخلية في المجتمع ,إلى التناقضات بين القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج ,إلى التناقضات بين
الطبقات .من صراع هذه التناقضات,يتطور المجتمع .قد يبدو التاريخ وكأنه يكرر نفسه .لكنه في الحقيقة يكرر نفسه بصورة أخرى ,وعلى أساس أرقى .فالتطور االجتماعي تطور حلزوني ال تطور
مستقيم.
بهذا المنهج ذهب ماركس في " رأس المال" يقتحم الصرح االجتماعي الذي يتجاوب مع عالقات
اإلنتاج الرأسمالية ,هذا الصرح الذي يشكل الهيكل العظمي لها وحدها.
فال شك في أن "رأس المال" دراسة لمجتمع تاريخي معين هو المجتمع الرأسمالي ,دراسة تكشف
عن قانون حركته كما يتمثل في فائض القيمة ,كما إنها تبدى ضرورة زوال هذا المجتمع من واقع
037
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
تناقضاته .ولقد عبر ماركس عن هذا المجتمع كله بدراسة السلعة – هذه الظاهرة المادية الجدلية:
سلعة فنقود فرأس مال.
فالسلعة هي ثروة المجتمع الرأسمالي ,هي خليته االقتصادية ,لكنها وجدت قبل الرأسمالية .لم تكن
سائدة عندئذ بوصفها نظام اإلنتاج .وعندما صارت هي نظام اإلنتاج أصبح المجتمع رأسمالياً.
هذه السلعة تجسد حركة الرأسمالية .فالسلعة ناتج اجتماعي ,له طابع مزدوج ,متناقض .هي شيء
نافع ,له قيمة استعمال .وهي شيء يتبادل وله قيمة مبادلة .والعمل المتجسد في السلعة له طابع مزدوج أيضاً .هو عمل محدد ,كصناعة ,كزراعة .وهو عمل مجرد ,كعمل بشري ,كطاقة بشرية بذلت
لتشكيل مادة من الطبيعة .أن العمل المحدد هو الذي يجعل السلعة نافعة ,أي يخلق قيمة االستعمال.
أما العمل المحدد هو الذي يجعل السلعة نافعة ,أي يخلق قيمة االستعمال .أما العمل المجرد فهو الذي
يخلق قيمة المبادلة .هذه السلعة في ظل اإلنتاج البسيط تنتج الستخدام الشخص الذي أنتجها وهنا ال
يرتبط إنتاجها بالمجتمع ,أو تنتج الستخدام شخص معين طلبها منه وهنا يكون عمله متجاوباً مع
احتياجات المجتمع .لكن السلعة عندما تنتج في ظل اإلنتاج الرأسمالي ,فإنها تنتج أصالً الستخدام
اآلخرين ,للسوق ,للمجتمع .هنا يرتبط المنتج كله من خالل السلعة .إن حياته تتوقف على نجاحه في إنتاج سلعة مطلوبة اجتماعياً ومقبولة اجتماعياً -من خالل السوق .ومن ثم يجب أن يكون عمله
جزءاً من العمل على مستوى المجتمع كله .يجب أن يكون العمل الخاص جزءاً من العمل االجتماعي. فالمجتمع هو الذي يمنح السلعة قيمتها في المبادلة .ومن خالل المبادلة تتحول السلعة إلى نقود ,هي
نقود أكبر مما استهلكت ,ومن ثم تتحول النقود إلى رأس مال .وفي النهاية فإن السلعة هي تجسيد
لكل تناقضات الرأسمالية ,فالتناقض الرئيسي للرأسمالية يوجد في شكله الجنيني في السلعة .إن التناقض بين العمل الخاص والعمل االجتماعي يتحول في ظل الرأسمالية إلى التناقض بين الطابع
االجتماعي لإلنتاج وشكل الملكية الرأسمالية الخاصة .لكل هذا يحيط الغموض والتقديس بالسلعة.
ويقف أمامها أفراد المجتمع الرأسمالي مذهولين من قدراتها الخارقة ,كما يقف البدائيون أمام قوى
الطبيعة المذهلة – ناسين أن هذه السلعة هي من إنتاجهم ,وأنهم في النهاية لقادرون على فك
طالسمها وأبطال سحرها.
ويكفينا هذا المثل الذي تضربه السلعة .فمنذ ظهور "رأس المال" تجسد المفهوم المادي الجدلي.
"رأس المال" تطبيق رائع للمادية الجدلية على االقتصاد الرأسمالي .وهكذا اكتشف ماركس المادية
التاريخية كتطبيق للمادية الجدلية على تطور المجتمع ,واستقرت منذ ذلك الحين منهجاً للبحث
االجتماعي ,يستحوذ على المجتمع في كل تفاصيله ويحلل أشكال تطوره ,ويكشف عن قوانينه
الداخلية.
038
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المادية التاريخية
عندما بدأ ماركس وانجلز مؤلفاتهما الكبرى كانت المادية تسود بين المثقفين وفي الدوائر العمالية.
لقد كان هيجل كما ذكرنا أول من حاول أن يكشف في التاريخ عن تطور داخلي ,عن قانون داخلي,
وكان المفهوم المادي للتاريخ يتشكل على أيدي كتاب البورجوازية أنفسهم أمثال تييري ,وتيير,
وجيزو ,وكل المؤرخين االنجليز .كما توصل إلى الفكرة ذاتها عالم الطبيعة مورجان .غير أن ماركس قام بتطوير المادية وطبقها على التاريخ وصاغ ألول مرة قانونها العلمي .فقد حان عندئذ أوان هذا
الكشف.
وكيما ندرك مغزاه البعيد المدى ,يمكن أن نطرح سؤاالً هو :ما الذي جعل سميث وريكاردو يكتشفان
ألول مرة قوانين االقتصاد الرأسمالي؟ هل السبب ذاتي ,من عمق وأصالة فكرهما فحسب ,أم
موضوعي ,من تطور الواقع االقتصادي؟ على هذا النحو نتبين أيضاً السر في الكشف عن المادية
التاريخية .لقد شيد ماركس منهجه واستخدمه في نقد االقتصاد السياسي .هذا المنهج كان يجب أن يبدأ من أبسط العالقات الجوهرية التي نصادفها تاريخياً ,أعني العالقات االقتصادية.
ففي ظل اإلقطاع كانت العالقات االقتصادية واضحة ألن االستغالل الطبقي كان واضحاً .وعندئذ
كان شكل الدولة استبدادياً واضحاً أيضاً يعبر بدقة عن شكل االقتصاد .ومن ثم كان مفكرو اإلقطاع
أقل ميالً للتجريد من مفكري البورجوازية .أما في ظل الرأسمالية ,فقد تعقدت األمور .أصبح االستغالل الرأسمالي خافياً ومعقداً وأصبحت العالقة بين االقتصاد والدولة أكثر تعقيداً عن ذي قبل .وكان مفكري
الرأسمالية على حد قول ماركس في " بؤس الفلسفة" أن يفلسفوا هذا التعقيد كله ,يقول ":في نظر
االقتصاديين ,كانت مؤسسات اإلقطاع مؤسسات مصطنعة ,ومؤسسات البورجوازية مؤسسات طبيعية. وبصفة خاصة ,فإن العالقات االقتصادية الحالية قوانين أبدية يجب أن تحكم المجتمع دائماً .وهكذا فلقد كان هناك تاريخ فيما مضى أما اآلن فلقد انتهى".
الواقع أنه كان على مفكري الرأسمالية أن يواجهوا الظاهرة المعقدة بتفسير معقول ,ظلوا يتلمسونه
حتى كشف عنه ماركس :إن وجود الناس هو الذي يحدد فكرهم ,إن االقتصاد هو الذي يحدد السياسة,
لكن فكر الناس يؤثر بدوره على وجودهم ,كما أن السياسة تؤثر على االقتصاد .وهنا يحذرنا ماركس من خطرين:
األول ,هو خطر اعتبار االقتصاد في مستوى السياسة واعتبار الفكر في منزلة الوجود .فالصحيح هو أن الوجود يسبق الفكر مثلما يسبق االقتصاد السياسة.
والثاني ,هو خطر اعتبار االقتصاد كل شئ والسياسة ال شيء .اعتبار أن الوجود هو العامل
الوحيد والفكر ال يعمل على اإلطالق .كال ,فإن االقتصاد هو العامل المحدد الحاسم فقط,
لكنه ليس العامل الوحيد .بل إنه يتأثر بدوره بالسياسة .إن ماركس بعيد عن الزعم بأن الحقيقة االقتصادية هي الحقيقة الوحيدة.
039
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فمن الخطأ أن نرى هنا سبباً أبدياً وهناك نتيجة أبدية وحسب .إن ذلك تجريد فارغ يلغي ما حققه
الفكر من تقدم في دراسة المنهج وكأن هيجل لم يوجد أبداً .ويطرح انجلز هذا الموضوع حين يتساءل في خطاب إلى شميت بتاريخ 37أكتوبر 0161قائالً:
"لماذا نناضل من أجل الدكتاتورية السياسية للبروليتاريا إذا كانت السلطة السياسية عاجزة
اقتصادياً؟ إن القوة - -أعني سلطة الدولة – هي أيضاً السلطة لقد حارب ماركس ضد نظرية
العوامل .صحيح أن كل شيء يؤثر على كل شيء .لكن ما هو األساس؟ إن عالقات اإلنتاج تتوقف على القوى اإلنتاجية ,والعكس صحيح أيضاً .وأكثر من هذا فإن القوى اإلنتاجية تحدد تطور عالقات
اإلنتاج ,بينما عالقات اإلنتاج هي القوة الرئيسية الحاسمة التي تحدد التطور المقبل للقوى اإلنتاجية. إذن فأين نقطة البدء؟ الوقع أنه يجب البحث عن أساس التأثير المتبادل .إن األساس هو
القوى اإلنتاجية ,نقطة البدء هي القوى المنتجة .ولهذا ,فإذا كان الوضع االقتصادي هو العامل الحاسم في التاريخ ,فإن المقصود بالوضع االقتصادي هو إنتاج واعادة إنتاج الحياة المادية للبشر.
ويشرح إنجلز هذا المفهوم في رسالة إلى بلوخ بتاريخ 33/30سبتمبر 0161فيقول ":طبقاً
للمفهوم المادي للتاريخ فإن ,العامل الحاسم األخير هو إنتاج الحياة الواقعية .إن الوضع االقتصادي هو األساس .بيد أن العوامل المختلفة في البناء العلوي – أي األشكال السياسية للصراع الطبقي ونتائجه من دساتير وأشكال قضائية وانعكاسات هذه الصراعات الطبقية في أذهان معاصريها من
نظريات سياسية وقانونية وفلسفية وآراء دينية – إنما تمارس تأثيرها على مجرى الصراعات
التاريخية.وهي في عديد من الحاالت تتغلب في تحديد شكلها .هناك فعل متبادل فيما بين هذه العوامل جميعاً .وفيه تؤكد الحركة االقتصادية وجودها كضرورة".
هكذا أصبح واضحاً أن التاريخ ال يتطور طبقاً لقاعدة توجد من خارجه .إن الناس يصنعون
تاريخهم بأيديهم ,لكنهم يصنعونه في المقام األول في ظل ظروف محددة تماماً ,هي ظروف معطاة, مستقلة عنهم ,والى حد كبير مفروضة عليهم .وهم يصنعونه في المقام الثاني بكيفية معينة ,بحيث أن النتيجة النهائية تظهر من محصلة الصراعات العديدة فيما بين اإلرادات الفردية التي تعبر كل منها
عن ظروفها االقتصادية .ولذلك يمكن تلخيص المادية التاريخية في هذا الحقيقة :إن االقتصاد يحدد
الطبقات ,وصراع الطبقات يحدد التاريخ.
ولم يكن ماركس هو الذي اكتشف وجود الطبقات في المجتمع الحديث وال وجود الصراع بينها .فقد
وصف المؤرخون البورجوازيون من قبله بفترة طويلة التطور التاريخي لهذا الصراع بين الطبقات.
وتولى االقتصاديون البورجوازيون وصف الوضع االقتصادي للطبقات .لكن الجديد الذي أتى به ماركس
هو إثبات أن وجود الطبقات إنما يرتبط بمراحل تاريخية في تطور اإل نتاج ,وأن صراع الطبقات يؤدي
إلى سلطة البروليتاريا التي تمثل وحدها االنتقال إلى إلغاء كل الطبقات ,إلى المجتمع الالطبقي.
041
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وهكذا فإن المادية التاريخية تعني أن أساس كل مجتمع هو نظامه االقتصادي ,وأن لكل نظام
اقتصادي تركيبه الطبقي المحدد ,وأن لكل طبقة من طبقاته مصالحها الخاصة ووجهة نظرها الخاصة, وأن التاريخ في جوهره هو تسجيل لصراع الطبقات وتطلعاتها.
إن القاعدة األساسية للمادية التاريخية هي أن أسلوب الناس في الحياة أي الظروف الموضوعية
إلنتاج واعادة إنتاج الحياة المادية ,هو الذي يحدد أسلوب الناس في التفكير .وغالباً ما تفسر هذه
القاعدة بمعنى أن النشاط الفكري يلعب دو ارً سلبياً في العملية التاريخية .والواقع أن من الخطأ الشائع
ذلك الزعم القائل بأن المادية التاريخية تعتبر األفكار والثقافات أي الوعي بناء هشاً ال أهمية له ,في حين أن األساس االقتصادي هو وحده الصلب .فالواقع أن السياسة والقانون والفلسفة والدين واألدب
والفن تؤثر جميعاً على االقتصاد .غير أنها جميعاً تؤثر بعضها على بعض ,وعلى األساس االقتصادي
نفسه .يضاف إلى ذلك أن الوضع االقتصادي ال يحدث تأثيره بطريقة أوتوماتيكية ,بمعنى أنه ال يمكن
تقديم تفسيرات آلية للتاريخ .ال يمكن تحويل المادية التاريخية إلى مجرد مادية اقتصادية .إن الوضع
االقتصادي يمارس تأثيره الحاسم دائماً من خالل العديد من الظروف والمالبسات .وأحياناً يدق هذا
التأثير حتى ليكاد أن يختفي تماماً.
ولهذا فإن تطبيق منهج المادية التاريخية ال يمكن أن يكون عمالً بسيطاً وال سهالً .إنه يتطلب
معرفة حقيقية بتركيب النظم االجتماعية وطريقة قيامها بعملها.وهي معرفة ال تكتسب إال عن طريق
البحث النظري العميق و التطبيق الدقيق المضني .وال مجال ال دعاء أن منهج المادية التاريخية قد
استقصى بحث تاريخ المجتمعات البشرية جميعاً .فبالنسبة ألولئك الذين يعنيهم تغيير العالم مثلما
يعنيهم فهمه أيضاً ,لم تكن هناك سوى نقطة واحدة للبدء وهي البدء بالنظام االجتماعي السائد وهو
الرأسمالية .وذلك ما فعله ماركس .ومن هنا يعتبر سويزي أن "رأس المال" هو الثمرة للتطبيق العميق المحكم لمنهج المادية التاريخية.
وال شك أن " رأس المال" بأكمله نموذج رائع للدراسة المادية التاريخية للرأسمالية .وكثي ارً ما تعرض
جوانب عديدة من هذا التحليل بحيث غدت مألوفة .لكنا نود هنا أن نضرب المثل بجوانب أخرى لم تنل
حظها من االنتباه.
فماركس,مثالً ,في "رأس المال" كان من أوائل أولئك الذين لفتوا االنتباه إلى أهمية التكنولوجيا
والتكنيك .وفي" رأس المال" يقول ماركس " :إن التكنولوجيا تبرز أسلوب عمل اإلنسان تجاه الطبيعة
أي العملية المباشرة إلنتاج حياته" .وهن يضع التكنيك بالتالي في خدمة المجتمع كحقيقة تاريخية,
فإن حاجة المجتمع إلى التكنيك تدفع بالعلم إلى األمام أكثر مما تفعل عشر جامعات.
وماركس ,مثالُ ,في " رأس المال" يلقى الضوء على تأثير الصناعة الكبيرة على األسرة ,ويقول إن
الصناعة الكبيرة بإتاحتها دو ارً حاسماً في عملية اإلنتاج للنساء واألحداث من الجنسين ,فإنها "تخلق
أساساً اقتصادياً جديداً لشكل أرقى من أشكال العائلة والعالقات بين الرجل والمرأة". 040
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وماركس ,مثالً ,في " رأس المال" يعالج نظام التعليم على ضوء الصناعة .فنظام المصنع يوضح
لنا منذ اآلن بذور التربية في المستقبل" ,هذه التربية التي ستوحد العمل مع التعليم مع الرياضة" – ال
لزيادة اإلنتاج السلعي فقط بل إلنتاج أناس متطورين من كافة الوجوه. القوانين االقتصادية
في "رأس المال" إذن يخضع ماركس الرأسمالية المعاصرة لدراسة مادية تاريخية ,مزودة بالنواة
السليمة في كتابات التقليديين حين اعتبروا اإلقطاع مرحلة عابرة .وبفضل هذه المادية التاريخية ,تأكد
الطابع العلمي لالقتصاد السياسي ,لكن تأكد أيضاً الطابع العابر لقوانينه .وبينما كان االقتصاديون التقليديون يصوغون القوانين االقتصادية بوصفها قوانين أبدية ,طبيعية ,بحيث يتحول نظام اإلنتاج
الرأسمالي إلى نظام إنتاج أبدي ,كشفت المادية التاريخية عن الطابع العابر واالنتقالي في هذه
القوانين ,وأكدته في قوانين االقتصاد السياسي أكثر مما هو في قوانين العلوم الطبيعية ,وذلك الرتباط
االقتصاد بحياة البشر ,بالعالقات االجتماعية ,بالصراع الطبقي .فبينما تعبر قوانين الطبيعة عن القوى العمياء التلقائية في الطبيعة ,فإن القوانين االقتصادية تعمل من خالل البشر الذين يصنعون ألنفسهم
أهدافاً واعية يسعون لتحقيقها .ونتيجة لذلك تتميز القوانين االقتصادية على خالف قوانين الطبيعة بأنها ليست باقية ,وأنها تعمل في أغلبها خالل مرحلة تاريخية معينة ,بعدها تخلى المكان لغيرها من
القوانين .إنها ال تلغى ,لكنها تفقد مفعولها نتيجة تغير الظروف االقتصادية .إن لكل مجتمع قوايننه االقتصادية ,وأن يستخدمها في صراعه مستفيداً من حقائقها ,كما يستطيع أن يغيرها لكن بطريق غير
مباشر .كيف؟ إن للقوانين االقتصادية وجودها الموضوعي كحقائق مستقلة عن إرادة البشر .غير أن
لوعي هؤالء البشر تأثي ارً فعاالً على مجرى هذه القوانين .إن الصراع الطبقي ال يغير هذه القوانين
ذاتها ,لكنه يغير المجتمع الذي يمليها .إن القوانين االقتصادية األساسية قوانين مرتبطة بنظام الملكية لوسائل اإلنتاج والمنتجات .ومن ثم فهي قوانين تاريخية تظهر وتختفي مع نظام الملكية .وتلك
الحقيقة هي أساس الصراع الطبقي ,أساس تطوره وأساس السيطرة على مصائره.
إن المادية التاريخية هي التي أتاحت بناء االشتراكية العلمية ,على أنقاض االشتراكية الخالية .وفي
" رأس المال" يقدم ماركس األساس العلمي لالشتراكية حين يكشف عن القانون األساسي للرأسمالية, قانون فائض القيمة .وبهذا األساس العلمي تمكن ماركس من دحض آراء برودون الفوضوية وتفنيد أفكار دوهرينج الذي أراد أن يضع اشتركية بديلة ,بيد أنها لم تستطع أن تكشف عن طبيعة نظام
اإلنتاج الرأسمالي .فقد اعتبر دوهرينج أن الملكية هي نتيجة للسرقة أو العنف .ولكن الدراسة المادية التاريخية ال تدل على صحة هذا االعتبار بل إن العكس هو الصحيح .فمن الواضح أن نظام الملكية
الخاصة يجب أن يوجد أوالً قبل السرقة ,قبل أن يستطيع السارق أن يتملك مال الغير .إن العنف يمكن أن ينقل الحيازة من المالك إلى السارق ,لكنه ال يستطيع أن يخلق الملكية الخاصة. 042
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إن الدراسة التي تمت في " رأس المال" قد أرست األساس العلمي لالشتراكية ,وذلك من خالل
اكتشاف قانون الصراع الطبقي وقانون فائض القيمة .فهذان القانونان قد جعال من االشتراكية علماً. لقد كانت المشكلة عند ماركس تنحصر من جهة في وضع أسلوب اإلنتاج الرأسمالي في مساره
التاريخي وتوضيح ضرورته في مرحلة معينة من مراحل التاريخ ,وكذلك وبالتالي ضرورة انهياره – ومن جهة أخرى في إظهار الطابع الداخلي ألسلوب اإلنتاج الرأسمالي .ذلك أن االنتقادات التي وجهت من قبل إليه كانت تتناول نتائجه السيئة أكثر مما تتناول طريقة سيره الداخلي .ومن ثم فإن ما توصل
إليه ماركس من استنتاجات نظرية إنما تعبر عن عالقات حقيقية نابعة عن صراع طبقي قائم فعالً, نابعة عن حركة تاريخية ,تسير وتتحرك فعالً .ولهذا فلم يعد دور االشتراكية هو " دور البائع لبضاعة
االشتراكية باعتبارها صنفاً جديداً من المجتمع أكثر عدالُ وانسانية" .إن المجتمع االشتراكي أكثر بالفعل
عدالً وانسانية ,لكن المهمة صارت هي إثبات أن االشتراكية هي بالضرورة الخطوة التالية في التطور التاريخي للبشرية .وكما يقول سويزي " كان االشتراكي قبل ماركس واعظاً ومبش ارً بالثورة ,فأصبح بعد ماركس عالماً من علماء الثورة". التجريد في " رأس المال"
يجب القول بأن ماركس لم يتقدم بعرض منظم لمنهجه في المادية الجدلية ,مثلما فعل غيره من
الفالسفة .غير أنه يجب القول أيضاً مع لينين بأنه إذا كان ماركس لم يترك بعده كتاباً في المنطق,
فلقد ترك لنا منطق " رأس المال" ,حيث طبق ماركس على علم االقتصاد منطق المادية الجدلية .وفي "
رأس المال" دراسات فلسفية بغيرها كانت الدراسة االقتصادية تكاد تغدو مستحيلة.
إن فهم الفصل األول لذي يتضمن تحليل السلعة أمر صعب حقاً .وتحليل جوهر القيمة وحجم
القيمة وأشكال القيمة أمر صعب أيضاً .إن القارئ مطالب هنا ,على حد قول ماركس ,بالقدرة على
التجريد .فكيف يتفق منهج المادية الجدلية مع التجريد؟ بالطبع إن التجريد يشكل نوعاً من الصعوبة
للقارئ ,لكن تجريد ماركس هو سبي إلى المزيد من التحديد.
فدراسة جسم اإلنسان كوحدة عضوية أسهل من دراسة خاليا هذا الجسم .ويوسع عالم الطبيعة أن
يالحظ الظاهرة الطبيعية حيث تقع ,أو أن يجري التجارب في ظروف مماثلة لظروف الظاهرة العادية. أما في الدراسة االقتصادية فال توجد ميكروسكوبات وال مفاعالت كيميائية لتشخيص دراسة المجتمع.
وعندئذ يصبح التجريد ضرورة ال مفر منها ,ولقد أحرز العلم بالفعل تقدماً كبي ارً بفضل القدرة على
استخدام التجريد كأداة للتحليل.
043
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لكن ما هو التجريد؟
إن معرفة ما حولنا هي انعكاس لما حولنا على عقولنا.وال نستطيع أن نعرف ما حولنا في كليته,
ولكن كل ما نستطيعه هو أن نقترب منه باستمرار ,عن طريق خلق تعريفات ومفاهيم وقوانين ,نضع
بها جدوالً عن الكون نرتبه فيه .ولهذا اعترف إنجلز في رسالته إلى شميت بأن "مفهوم الشيء وحقيقة هذا الشيء يجريان جنباً إلى جنب ,يقتربان دائماً أحدهما من اآلخر ,من غير أن يلتقيا أبداً".
ومع ذلك تحاول البشرية أن تتوصل إلى معرفة حقيقة الشيء .وتدخل من ثم في صراع بين
الحقيقة كما هي وبين المفهوم كما تتصوره .وعندئذ ,فإن ,نقطة البدء في محاولة المعرفة الصحيحة هي التجريد.ونقطة البدء في هذا التجريد هي إدراك ما هو محدد ,ما هو حسي ,مجا ازً .وغاية التجريد هي عزل واستخالص الجوهري ,بغض النظر عما هو غير جوهري في الظاهرة ,بمعنى تخليص الظاهرة
من السمات الذاتية والخاصة ,وعدم االحتفاظ إال بما هو جوهري ,أي ما هو موضوعي وهام .وبعد
عزل واستخالص الجوهري ,يمكن أن نعود من المجرد إلى المحدد فكرياً ,أي بعد أن يعاد تصويره فكرياً .وهكذا يكون التجريد هو عبارة عن االنتقال من المحدد مجازياً إلى المحدد فكرياً .وعندئذ تتحقق معرفتنا بالظاهرة .فبفضل هذا التجريد نصل إلى القانون العلمي ,ألن هذا القانون ليس سوى شكل
العمومية في الظاهرة ,إذ يعبر عن العالقة الضرورية والجوهرية والعامة والمتكررة في الظاهرة. فموضوع العلم أن يرتقي من الحركة المظهرية للظواهر إلى حركتها الواقعية ومن ثم يتولى القانون
العلمي رد الظواهر إلى مكوناتها البسيطة ,منتقالً من المظهر إلى الجوهر بفضل التجريد.
ومن هذه الزاوية يختلف التجريد الماركسي عن تجريد هيجل أو ردبرتوس مثالُ .ولقد كتب إنجلز
إلى كاوتسكي في 31سبتمبر 0112يقول" إن ماركس يلخص المضمون المشترك القائم في األشياء
والعالقات ,ويرده إلى تعبيره المنطقي العام .وبالتالي فإن تجريده إنما يعكس فقط في صورة فكرية ذلك
المضمون الجاثم من قبل في األشياء – على عكس ردبرتوس الذي يقيم لنفسه تعبي ارً منطقياً كامالً أو
ناقصاً ,ثم يقيس األشياء بهذا المفهوم الذي يكون عليها أن تتخذه كخط مرشد لها .إن تجريد ماركس هو تلخيص لما هو مشترك في األشياء والعالقات واختزاله إلى تعبير منطقي عام ,موضوع في صيغة
فكرية.
إن التجريد أداة للتحليل العلمي ,ال يمكن أن ترفض بزعم تناقضها مع المنهج المادي .ففي العلوم
االجتماعية ,ال بد من تشريح العالم الملموس إلى عناصره ,وتبويب هذه العناصر في أبواب ,مع إبراز
الفروق ودرجات االختالف .وال بد أيضاً من مجموع العناصر التي يستخلصها الباحث أن يصنع صورة ذهنية للعالم يفترض دقتها ويعول عليها .غير أن الخطوة الحاسمة في التجريد هي أنه يعيد تشريح
الظاهرة إلى عناصرها واستخالص وعزل الجوهري منها ,يتم تحقيق الجوهر الذي عزل وذلك بالقياس خطوة فخطوة على الواقع نفسه ,بالعودة مرة أخرى إلى الحركة التاريخية الواقعية.
044
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وهذا ما فعله " رأس المال"عندما صاغ نموذجاً مبسطاً للمجتمع الرأسمالي ,أو "مجتمعاً نقياً" ليس فيه سوى أٍرسماليين من جانب وعمال من جانب آخر ,وجعلهم "يتبادلون كل السلع بما فيها قوة العمل بحيث تباع وتشتري بكامل قيمتها" .وال يخفي ماركس أنه قد أقام هذا النموذج للمجتمع الرأسمالي ,من
أجل "غض النظر عن كل الظواهر التي تخفي عمل آليته الداخلية" .والواقع أنه ابتداء من معرفة موسوعية بالرأسمالية يبحث ماركس مادة المجتمع الرأسمالي في كل تفاصيلها ويحلل األشكال
المختلفة للتطور ويكتشف عالقتها الداخلية ,وعندئذ يعرض الحركة الواقعية للمجتمع الرأسمالي في
جملتها .إنه بذلك يصل إلى صياغة ما يسميه " انعكاس الحياة المادية في نموذجها المثالي" .ويعترف من ثم بأن نجاحه في هذا التحليل التجريدي قد يحمل على الظن بوجود "بناء فكري مسبق" يراد إثباته
عن طريق التجريد.
ولذلك فإن التجريد لكي يكون علمياً يفترض حدوداً لنفسه .فال بد أن يتم التجريد داخل حدود
معينة ,مثالً في مجتمع معين .إن أبسط فكرة اقتصادية ولتكن قيمة المبادلة تفترض المكان ,أي مكاناً يتحدد في ظروف محددة ,ويطابق نوعاً معيناً من العالقات االجتماعية ,على الرغم من أن قيمة
المبادلة قد كان لها وجود قديم سابق على الطوفان.
ودراسة السلعة في " رأس المال" مثال لهذا التجريد العلمي .وماركس يدرس السلعة باعتبارها بذرة
رأس المال ,وباعتبار رأس المال هو التطور األخير للسلعة .فلقد تطور ت السلعة تاريخياً إلى رأس
المال .لكن هذا التطور عند ماركس تطور محدد ,حسي ,منبثق من الواقع ,وليس بناء مجرداً من الفكر.
في رأس المال يعلن ماركس أن الشكل األول للعالقات الرأسمالية هو شكل مبادلة السلعة .ثم يتابع
هذه الدراسة في ثالث مراحل :السلعة ,ثم ظروف مبادلتها ثم النقود وتحولها إلى رأس مال .وفي
المجلد
الثاني من " رأس المال" يناقش رأس المال الفردي أوالً ثم رأس المال االجتماعي .وفي االنتقال من إعادة إنتاج رأس المال الفردي إلى إعادة إنتاج ٍرأس المال االجتماعي ,نمر من التحليل الوحدي إلى التحليل الجمعي ومن تحليل الجزء إلى تحليل الكل .لذلك يحلل ماركس مجرى اإلنتاج في مجموعة,
بوصفة مركباً من عمليتي اإلنتاج والتداول .ويبدأ يقدم مزيداً من الحقائق الواقعية.ومن ثم يدرس
تحويل فائض القيمة إلى ربح ,والى ربح متوسط ,والى فائدة والى ريع .وتبدو الطبقات في التحليل. وفي تحليل معدل الربح في المدى الطويل ,تصبح إعادة اإلنتاج الموسعة محكومة بميل معدل الربح
لالنخفاض .وفي كل ذلك ينظر ماركس للمجتمع بوصفه منقسماً إلى طبقتين أساسيتين هما الطبقة العاملة والطبقة ال أرسمالية التي تملك وسائل اإلنتاج وتستحوذ على فائض القيمة ,وبأيديها نقطة البدء في التداول إذ تملك رأس المال النقدي وتلعب الدور األساسي في التبادل.
045
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومن كل هذا نتبين أن ( تجريد) ماركس في " رأس المال" هو السبيل عنده إلى المزيد من
(التحديد) .إن أكبر مساهمة للمجلد األول من " رأس المال" هي التمييز بين قوة العمل والعمل ,التمييز
بين السلعة واستخدام السلعة .فيكف توصل ماركس إلى هذه النتيجة؟ إنه يدرس السلعة ,أي سلعة,
ويدرس قيمة مبادلتها .لكنه يتبين في النهاية أن العمل ليست له قيمة ,وال يمكن أن تكون له قيمة,
لسبب بسيط هو أن العمل هو مقياس القيمة .واذن فما الذي يبيعه العامل للرأسمالي؟ إنه إنما يبيع قوة عمله ال عمله .وباستهالك قوة العمل في المصنع تكون هذه السلعة الخاصة التي باعها العامل
مصد ارً للقيمة وفائض القيمة.
لقد كان التمييز بين العمل وقوة العمل ,والتمييز بين العمل المحدد والمجسم في كل سلعة والعمل
المجرد كمعيار للقيمة ,هو الذي هدى ماركس إلى فائض القيمة .لهذا يعلن ماركس أنه بعد االرتقاء
من الظاهرة المحددة إلى الظاهرة المجردة ,يجب العودة من المجرد إلى المحدد ,ومن المبسط إلى
المعقد ,ومن الجوهري إلى الظاهري .يجب العودة إلى مزيد من السيطرة على الواقع .فمن ظاهرة العمل األجير توصل إلى قانون فائض القيمة .ومن هذا القانون استطاع أن يعيد تقسيم الربح والفائدة والريع باعتبارها أجزاء من ظاهرة فائض القيمة وليست ظواهر مستقلة.
إن هذه القدرة على التجريد هي التي جعلت ماركس أول اقتصادي يدرس الظواهر االقتصادية
(الجمعية) ويخرج أول تحليل (جمعي) لالقتصاد الرأسمالي ويعطي أحكاماً (جمعية) عليه ,هي أحكام عملية عن وجوده وصيرورته.
ويقول أوسكار النج إن " رأس المال" مثل تقليدي لما يسمى التجسيد المتتالي أو التقريب المتتالي.
فالشرح الذي يقدمه المجلد األول يعتبر انتقاالً خطوة فخطوة من التجريد إلى مراحل من التجسيد أعال
باطراد ,إلى أن يتكشف االتجاه التاريخي للتراكم الرأسمالي .والمجلد األول كله يعطينا صورة
للرأسمالية ,ألنه تحليل لعملية اإلنتاج الرأسمالية في صورتها الخالصة ,أي تحليل لجوهر عالقات
اإلنتاج الرأسمالية .في هذا التحليل ,يغفل ماركس عمداً تداول رأس المال واألشكال التي يتخذها
المضمون الجوهري لعالقات اإلنتاج الرأسمالية .أما ي المجلد الثاني ,فيقدم ماركس تداول رأس المال. ثم يقدم لنا في المجلد الثالث تحليالً لعملية اإلنتاج الرأسمالية منظو ارً إليها ككل ,تحليالً تندمج فيه علمية اإلنتاج وعملية التداول ومضمون العالقات الرأسمالية وأشكالها المحددة.
وبفضل هذا التجريد أمكن أن يقدم في " رأس المال" ليس فقط قوانين أسلوب اإلنتاج الرأسمالي,
وانما كذلك بيانات عن المالمح الجوهرية ألسلوب اإلنتاج االشتراكي .ولقد دلت تجارب البناء في البلدان االشتراكية كلها على حقيقة جوهرية هي ضرورة االعتماد على تحليالت " رأس المال" من أجل
سالمة البناء االشتراكي.
ولقد طرح ماركس بالفعل في المجلد الثالث من " رأس المال" مبدأ المجتمع االشتراكي ,حيث " يكف
اإلنسان عن العمل بحكم الضرورة أ والمناسبة المفروضة عليه من خارجه" .ويقول " فكما أن على 046
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اإلنسان البدائي أن يناضل ضد الطبيعة كيما يفي بحاجاته ويستمر في حياته ويتكاثر ,فإن اإلنسان
المتحضر مجبر هو أيضاً على أن يفعل ذلك وأن يناضل أيا يكن بنيان المجتمع وأسلوب اإلنتاج" .لكن مع تطور المجتمع ,تتزايد الحاجات وتتسع القوى اإلنتاجية من أجل إشباعها .وعندئذ فإن " المنتجين
المتجمعين يسوون بطريقة رشيدة مبادالتهم مع الطبيعة .ويسيطرون معاً عليها بدل أن يكونوا
محكومين بقوتها العمياء .وهم يتمون هذه المبادالت بإنفاق الحد األدنى من الجهد في أكثر الظروف مالئمة واحتراماً لطبيعتهم اإلنسانية( ..هكذا) يبدأ تطور القوى اإلنسانية كغاية في حد ذاتها". خـــاتمـة
إنقاذ االقتصاد السياسي
تصدى ماركس في " رأس المال" لمهمة الكشف عن حركة المجتمع الرأسمالي ,المجتمع الذي ولد
علم االقتصاد السياسي تعبي ارً بورجوازياً عنه .و بذلك أتم ماركس صياغة هذا االقتصاد السياسي, عندئذ ,من وجهة النظر النقدية للبروليتاريا.
ولعل أهم ما توصل إليه ماركس في "رأس المال" هو بيان الطبيعة االنتقالية للرأسمالية ,فقد كان
ذلك جوهر ما قدمه ماركس إنقاذاً لعلم االقتصاد السياسي من محاولة ابتذاله منذ منتصف القرن
التاسع عشر .وبذلك أثبت أن علم االقتصاد هو بالضرورة علم تاريخي ,ألنه علم القوانين التي تحكم
إنتاج وتوزيع وسائل العيش المادية في المجتمع البشري.إنه علم يعالج مادة تاريخية بطبيعتها هي
اإلنتاج والتوزيع ,وهي مادة تتغير باستمرار .من مجتمع إلى مجتمع .فال يمكن أن يكون االقتصاد
السياسي واحداً بالنسبة إلى جميع البلدان وجميع العصور.
لقد انصبت دراسة "رأس المال" على مجتمع معين هو المجتمع الرأسمالي ,وبقي أن تتم صياغة
علم االقتصاد السياسي للمجتمعات السابقة على الرأسمالية ,وللمجتمع االشتراكي الذي حل محل
الرأسمالية .وعندما تتم مثل هذه الدراسة ,فإنه يمكن عندئذ ,وعندئذ فقط ,استخالص القوانين العامة التي يمكن أن تصدق على كل من اإلنتاج والتوزيع بوجه عام.
وعلى أية حال ,فإنه بالصياغة التي قدمها " رأس المال" تخطي ماركس كال من االقتصاد التقليدي
واالقتصاد المبتذل .لقد استطاع ماركس أن يتفوق على سميث وريكاردو ,وذلك بتقديم الحلول لكل ما
اختلفوا عليه ,كما استطاع أن يضع حداً لمحاولة االقتصاديين المبتذلين تصفية علم االقتصاد .إنه
بإحالل فكرة قوة العمل محل العمل قد كشف عن ظاهرة فائض القيمة ,و حدد مصدرها ,كما نخلص من كل الصعوبات التي تحطمت عليها من قبل تحليالت سميث وريكاردو .ويتوصل ماركس إلى التمييز بين رأس المال الثابت ورأس المال المتغير ,استطاع متابعة عملية تكوين فائض القيمة ,ومن ثم
كشف الغطاء عن ظاهرة رأس المال في المجتمع الرأسمالي.
047
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومن الطبيعي أن يكون لكل بحث علمي أعداؤه .بيد أن هناك أعداء آخرين ينضافون في البحث
العلمي االقتصادي ,حيث يمكن أن يثور غضب المصلحة الخاصة على حقائق العلم نفسها .إن هناك مثالً يقول إنه إذا اصطدمت البديهيات الهندسية بمصالح البشر فإنهم سيحاولون بالطبع تفنيدها .ولقد كان نقد ماركس لالقتصاد السياسي محاولة إلخراجه من الوهدة التي ألقاه فيها االقتصاديون
المبتذلون ,وهذه محاولة تصفية االقتصاد السياسي كعلم .غير أن المحاولة ازدادت حدة بعد ظهور " رأس المال".
لقد جرت ومازالت تجري محاوالت البورجوازية علم االقتصاد من علم يدرس العالقات االقتصادية
بين الناس إلى علم يدرس العالقة بين اإلنسان واألشياء ,من علم الظواهر بين البشر إلى علم لظواهر
بين األشياء.
قامت البورجوازية بهذه المحاوالت منذ ثالثينيات القرن التاسع عشر حين استبعد االقتصاد المبتذل
عالقات اإلنتاج من دائرة االقتصاد السياسي .وبعد ذلك في النصف الثاني من القرن نفسه استبعد
االتجاه الذاتي ( جفونز ,سينيور) جميع العالقات االجتماعية .واستبعد االتجاه التاريخي (روشر) القوانين االقتصادية باسم نسبية كل الحقائق االقتصادية وعدم انتظامها ,ومن ثم تحول االقتصاد
السياسي إلى مجرد تاريخ اقتصادي .وبدالً من الرؤية الرحبة للتقليديين ,الذين أولوا اهتمامهم لمسائل
التوزيع فيما بين الطبقات ,حل االهتمام بالمشاكل الجزئية لألسعار .وأصبح تحليل السوق ال يوجد في ظروف اإلنتاج وانما في العالقة بين السلع والمواقف الذاتية االقتصاد السياسي – على حد قول موريس ضوب – إلى علم لألسعار .بل نحا به كي يكون ( اقتصاداً بحتاً) موضوعه دراسة السلوك
اإلنساني طبقاً لمبدأ اللذة واأللم.
ومع ذلك ال تبدو المحاوالت ناجحة .فالتصفية الكاملة لالقتصاد السياسي ال يمكن أن تتحقق حتى
من جانب الدوائر البورجوازية ذاتها ,لسبب بسيط هو أن البورجوازية في النهاية محتاجة إلى معرفة
صحيحة بالقوانين االقتصادية .ويوضح أوسكار النجه أن االحتياجات العملية للسياسة االقتصادية
التي تتبعها مؤسسات رأس المال الكبير,وازدياد تدخل الدولة في العالقات االقتصادية ,والنقد الذي توجهه البورجوازية الصغيرة والمتوسطة إلى االحتكارية ,وتحول علم االقتصاد في الجامعات إلى مهنة,
والنقد الذي تلقاه االمبريالية من قبل البورجوازية الوطنية والمثقفين المرتبطين بها في البالد المستعمرة
وشبه المستعمرة وتلك التي تحررت حديثاُ – أن هذا كله باإلضافة إلى قيام المجتمع االشتراكي نظاماً ألكثر من ثلث البشرية قد جعل مشكالت العالقات االقتصادية بين الناس أم ارً ال يمكن إغفاله .وبالتالي تصبح التصفية الكاملة لالقتصاد السياسي مستحيلة عن ذي قبل.
إن علم االقتصاد السياسي يكون موضوعياً ,غير متحيز ,ال يخشى الحق ,بالقدر الذي يكون علماً
تأخذ به طبقة ال تهتم بإخفاء ما تنطوي عليه الرأسمالية من تناقضات ,وال باإلبقاء على النظام
الرأسمالي ,وتمكن مصالحها في تحرير المجتمع من العبودية الرأسمالية وفي التقدم المطرد للبشرية. 048
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وهذه الطبقة هي الطبقة العاملة .من هنا التفهم الذي لقيه كتاب " رأس المال" بسرعة في دوائر الطبقة العاملة بحيث غدت النتائج التي توصل إليها هي المبادئ األساسية لحركة الطبقة العاملة .لقد وجدت
فيها أكمل تعبير عن وضعها وعن تطلعاتها.
ولذلك نقول إنه بفضل " رأس المال" تحول علم االقتصاد السياسي من علم للبورجوازية إلى علم
للبروليتاريا أيضاً .وبالمثل فإنه بفضل " رأس المال" تجري اليوم عملية وضع أساس االقتصاد
السياسي لالشتراكية.إن مستقبل االقتصاد السياسي مرتبط بحركة الطبقة العاملة ,مرتبط بعملية بناء
وتطور المجتمع االشتراكي .وهما ضرورتان تواجهان االقتصاد السياسي بمهام جديدة على الدوام.
ويزداد " رأس المال" حيوية بالصدق الذي تحمله له األيام.
049
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ً مخسة وستون عاما من النضال واللجوء ..أما آن أوان املراجعة
02 / 9 / 3102 ()0
منذ ما قبل النكبة 0621والى يومنا هذا ,لم ينقطع أو يتوقف نضال شعبنا العربي الفلسطيني
عموماً وجماهيرنا من الفالحين والكادحين الفقراء خصوصاً ,من أجل حريته واسترداد أرضه المغتصبة,
وطوال ما يزيد عن ثمانين عاماً مضت ,قدم شعبنا في كل عام من هذه األعوام ,قوافالً من الشهداء الذين تجاوزوا مئة ألف شهيد أو يزيد ,وفي هذه المسيرة المتجددة من النضال والصمود واآلالم
والمعاناة ,تطل علينا ذكرى النكبة األولى عام 21في الخامس عشر من أيار في كل عام ,حيث يتجدد الجرح الفلسطيني ,وتتجدد معه وحدة هذا الشعب ,وتبدأ الذكريات تنبعث من جديد من داخل شوارع
المخيم ومن بين األزقة ,ومن قلب المعاناة والفقر والحرمان ,حيث يتوحد أبناء شعبنا الفلسطيني في
الشتات والوطن أمام الذكرى رغم التباعد في المكان ,ذلك أنهم يتنسمون رائحة القرية ,البلد ,المدينة, من عطر الشهداء وجراح المناضلين ومعاناة األسرى والمعتقلين في المسيرة المتصلة ,حيث تتجدد
اآلمال التي لطالما حملها األجداد واآلباء لكي تبقى الذكرى ويبقى األمل حاف ازً للصمود والمقاومة, فبالرغم من مرور خمسة وستون عاماً على النكبة ظلت –وستظل -الذاكرة الفلسطينية الشعبية حافظة
للوعي الوطني لكل محطات النضال منذ ما قبل النكبة إلى يومنا هذا ,وهي أيضاً ذاكرة التشرد والغربة تعرض لها أبناء شعبنا في الشتات ,وعززت لديهم روح المقاومة والتمسك بالحقوق والمعاناة التي َّ
والثوابت ,لذلك لم يكن غريباً أن تنصهر فينا ,نحن الفلسطينيون ,الذاكرتين معاً ,ذاكرة الوطن المحتل, وذاكرة الغربة والشتات واللجوء ,فلكل منها آالمها وآمالها الكبيرة. ()3
الحديث عن الذاكرة ومسار النضال والمعاناة في الذكرى 92للنكبة ,يستدعي منا إعادة التأكيد
على طروحات عدد من المفكرين في هذا الجانب ,وخاصة المفكر الراحل د .قسطنطين زريق الذي
نظر للمعاني الكامنة في النكبة ,عبر البحث عن الجانب االيجابي الكامن الستنهاض العقل واإلرادة
العربية الحرة ,وتحويل النكبة إلى معنى ايجابي ,وكانت وصيته للشباب العربي – ومنهم جورج حبش- أن يتحملوا مسئوليتهم في تشكيل الوعي العربي ,واالستقالل الذاتي والتاريخي ,وتحويل الوعي القومي
إلى مشروع سياسي مؤهل للرد على النكبة وتجاوزها الفعلي.
وفي هذا اإلطار دعا الحقاً إلى قيام ما اسماه علم النكبة الذي يتناول هذه القضية كما يتناول أية
قضية أخرى بالدراسة المنتظمة ,والتتبع المستمر ,والبحث الدقيق ,والنظرة الشاملة.
051
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ويتساءل زريق :من العجيب أن نوفر لشبابنا الوسائل العلمية للتخصص في الطب والعمارة ,وال
نشعر بضرورة هذا االختصاص في قضية تمس جوهر وجودنا ومصيرنا .وبعد حرب ,0697اصدر
زريق كتيبا آخر تحت عنوان معنى النكبة مجددا ,وركز في الكتاب الجديد على موضوعة التخلف
وبين الفرق الشاسع بين العلم والتقدم في إسرائيل العلمي العربي ,واختزل أسباب النكبة بهذا التخلفّ , والبالد العربية .وأصبح العلم في نظره أهم أدوات التغيير االجتماعي والسياسي ,وتحويل الوطن العربي
الغارق بالميثولوجيا والتخلف والعواطف إلى مجتمع العلم والعقالنية.
أما المفكر العربي الراحل ياسين الحافظ ,ففي كتابه :الهزيمة واإليديولوجيا المهزومة ,الصادر في
عام ,0676طالب فيه المثقف العربي بهجر " الوعي االمتثالي " واالنتقال إلى " الوعي النقدي ", معتب ارً أن الثورية الحقة هي تلك التي " ترفض تغطية عورات الواقع العربي ,في جميع حيزاته ومستوياته .ترفض أن ترش على العفن العربي عط ارً ,وعلى الموت العربي سك ارً .تسمي األشياء بأسمائها ,ترفض التهوين من حجم باليانا العربية ,ترفض تبسيط وتسطيح مشكالتنا " ,وهي مطالب
أو مفاهيم موضوعية وثورية حتى اللحظة ,وهذا ما يتوجب على كوادرنا وكل رفاقنا في الجبهة الشعبية وكافة احزاب اليسار العربي تعميق الوعي بهذه المفاهيم .
وخالفاً لمن رأى بأن معركة فلسطين قد حسمت خالل أيام في ربيع عام ,0621أكد ياسين الحافظ
أن فلسطين " لم تسقط في أيام ,كما لم تسقط في شهور ,بل إنها كانت تسقط كل يوم كسرة بعد كسرة وحج ارً بعد حجر ,منذ صدور وعد بلفور وحتى إعالن دولة إسرائيل " وحتى اللحظة الراهنة . ()2
على الرغم من مرور 92عاماً على النكبة ,ورغم تراجع المشروع الوطني الفلسطيني عن هدف
تحرير كل فلسطين ليصبح هدفا ممسوخا انحصر فيما يسمى سلطة الحكم الذاتي المحدود وصوال الى
االصراع الدموي على السلطة وتقاسمها فئويا بين حركتي فتح وحماس وحكومتيهما غير الشرعيتين ,
ظلت –وستظل -الذاكرة الفلسطينية الشعبية حافظة للوعي الوطني ,ووفية للشهداء الذين رووا بدمائهم ارض فلسطين من اجل حريتها وعروبتها ...وستظل الذاكرة الشعبية وفية لكل محطات النضال منذ ما قبل النكبة إلى يومنا هذا ,دون ان ننسى انها ذاكرة التشرد والغربة والمعاناة التي
تعرض لها أبناء شعبنا في الشتات ,وعززت لديهم روح اآلمال الكبيرة في المستقبل الذي ستتحقق فيه َّ
أهدافنا الكبرى في انهاء وازالة الكيان الصهيوني عبر الممارسة الثورية للنضال بكل وسائله الكفاحية والسياسية والجماهيرية الديمقراطية في إطار النضال التحرري الثوري والديمقراطي القومي ,لذلك لم
يكن غريباً أن تنصهر فينا ,نحن الفلسطينيون ,الذاكرتين معاً ,ذاكرة الوطن المحتل ,وذاكرة الغربة والشتات واللجوء ,فلكل منها آالمها وآمالها الكبيرة .
050
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
()2
االنتفاضات العربية وتراجع القضية الفلسطينية في الذهنية الشعبية العربية
في مشهد االنتفاضات العربية ,نالحظ طغيان الشعارات الوطنية ,المحلية /القطرية ,ذات الطابع
المطلبي المعيشي ,والديمقراطي ,كشعارات رئيسية ,في مقابل خفوت أو غياب الشعارات السياسية الوطنية والقومية المناهضة لالمبريالية والصهيونية ,إلى جانب تراجع الشعارات المؤيدة للقضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ,األمر الذي يدفعني إلى القول بأن المتغيرات العربية الراهنة ,
في ظل اال نتفاضة ,أسهمت في تراجع القضية الفلسطينية في الذهنية الشعبية العربية ,والسبب في
ذلك ال يعود أبداً إلى رغبة الجماهير الشعبية العفوية الثائرة ,بقدر ما يعود إلى طبيعة سياسات األنظمة المخلوعة ,وطبيعتها الطبقية الكومبرادورية البيروقراطية الطفيلية ,واستبدادها وقهرها
لجماهير العمال والفالحين الفقراء ,إلى جانب خضوعها وتكيفها مع السياسات االمبريالية
والصهيونية ,وتكيفها مع شروط الصندوق والبنك الدوليين التي أدت إلى المزيد من إفقار وامالق ومعاناة الجماهير الشعبية الفقيرة بصورة غير مسبوقة ,إلى جانب تراجع قيادة منظمة التحرير
الفلسطينية ومعظم فصائل وحركات المقاومة الفلسطينية عن ثوابتها وأهدافها ورؤاها الوطنية الثورية,
لحساب القبول باتفاق أسلو وبق اررات ما يسمى بالشرعية الدولية ,خاصة قراري 323و 221وصوالً
إلى التراجع عن التمسك بحق العودة كما جرى في لقاء ياسر عبد ربه -بيلين -في جينيف ,وصوالً
إلى الصراع الدموي بين حركتي فتح وحماس على المصالح الفئوية وعلى اقتسام السلطة ,ومن ثم تكريس االنقسام وانفصال حركة حماس وتمترسها في قطاع غزة بتاريخ /02حزيران ,3117/وكل
هذه العوامل أسهمت بالتأكيد في تراجع وهج القضية الفلسطينية ووهج النضال القومي في أذهان
الجماهير العربية . ()2
مشهد االسالم السياسي وآثاره على القضية الفلسطينية
ُعول أبداً على في ضوء معطيات مشهد االسالم السياسي الراهن ونتائجه وآثاره ,فإنني ال أ ِّ
متغيرات ايجابية على القضية الفلسطينية ,بل على العكس ,ستتراكم العوامل السلبية باتجاه المزيد من تكييف حركة حماس لكي تتوافق وتستجيب لسياسات اإلخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في
تونس ,إلى جانب استجابتها لحكومات قطر والسعودية والخليج واألردن ...الخ ,في إطار ارتباط
النظام العربي الراهن و"جامعته العربية" بالسياسات األمريكية ,وهي أنظمة باتت اليوم تَعتَِبر القضية الفلسطينية عبئاً ثقيالً على كاهلها ,ترغب وتسعى للخالص منه بأي ثمن. وفي هذا السياق يبدو أن هناك توافقاً على مزيد من التطبيع واالعتراف بالدولة الصهيونية وانهاء
قضية الالجئين في هذه المرحلة ,عبر ما يسمى بـ"المبادرة العربية/السعودية" ,المطروحة منذ عام 052
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
, 3113ولكن ضمن الرؤية والشروط األمريكية اإلسرائيلية ,وبموافقة اإلخوان المسلمين والنهضة, في ظل استعداد وقبول اليمين الليبرالي الرث في حركة فتح واليمين الديني في حركة حماس ,بعد ان
باتت مصالحهما الطبقية والفئوية المحدد الرئيسي على حساب القضية الوطنية ومستقبلها.
أخي ارً ,ال بد لي من التأكيد على أن حديثي عن قتامة وسوداوية المشهد العربي الراهن في إطار سيرورات االنتفاضات العربية ,ال يعني تشاؤماً في اإلرادة بالنسبة لمستقبل حركة الجماهير وانتصارها ,بقدر ما هو نوعاً من تشاؤم العقل الذي يحفز على المجابهة ومواصلة النضال بكل أشكاله
في خضم الصراع الطبقي والسياسي ضد أنظمة التبعية والعمالة واالستبداد والتخلف ,وضد الوجود
اإلمبريالي الصهيوني في بالدنا ,وبالتالي فإنني على قناعة -بالمعنى الموضوعي -بأن المشهد
العربي الراهن على قتامته ,سيعزز من جديد ,ويراكم كل عوامل السيرورة الثورية الوطنية والديمقراطية داخل كل قطر عربي ,والتي لن تنفصل عن السيرورة الثورية للنضال القومي النهضوي
التقدمي الوحدوي والديمقراطي ,إذ ليس أمام الجماهير الشعبية الفقيرة وقياداتها الثورية -في فلسطين
وبلدان الوطن العربي -أي خيار سوى االستمرار بالثورة حتى تحقيق األهداف التي انطلقت الجماهير
وضحت من أجلها . ()9
الوضع الفلسطيني بعد 92عاما على النكبة
شعبنا الفلسطيني اليوم في مواجهة خارطة سياسية جديدة ,محكومة في مساحة كبيرة منها,
بالمصالح الفئوية ,إلى جانب الصراع و المنافسة غير المبدئية بين القطبين –حتى لو تم توقيع
المصالحة بينهما -وهي كلها عوامل ستسهم في المدى المنظور في زيادة الفجوة على الصعيد االجتماعي بين المصالح الطبقية للشرائح العليا – في الحكومتين , -وبين الشرائح الشعبية الفقيرة من
العمال والفالحين والبورجوازية الصغيرة ,مع استمرار بقاء الحصار والعدوان ,دون أي أفق لما يسمى
بالحل المرحلي أو "حل الدولتين" إلى جانب تفتيت الضفة الغربية عبر الجدار والمستوطنات والحواجز واالعتقاالت ,واستمرار التفاوض العبثي ومضامينه السياسية الهابطة .
هذا الوضع يفرض على فصائل وأحزاب اليسار مراجعة تجربتها وخطابها واعادة صياغة رؤيتها
وبرامجها ودورها المستقبلي ,بما يمكنها االنتقال من حالة الركود الراهنة إلى حالة التفاعل الذي
يحقق قدرتها على االستجابة والتحدي للمأزق السياسي والمجتمعي الراهن ,وأن تتعاطى مع ما يجري
من على أرضية المصالح واألهداف الوطنية والديمقراطية المطلبيه ,ارتباطاً وثيقاً بالرؤية القومية
للصراع مع العدو الصهيوني باعتباره صراع عربي إسرائيلي ,جنباً إلى جنب مع تفعيل دورها في المقاومة المسلحة والشعبية ,بما يوفر لها امكانيات كسر االستقطاب الثنائي لحركتي فتح وحماس ,
واالنطالق إلى رحاب الجماهير الشعبية والتوسع في صفوفها لكي يستعيد شعبنا من جديد ,أفكاره 053
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وقيمه الوطنية والديمقراطية واالجتماعية التوحيدية ,ويطرد قيم االنتهازية والتخاذل والواقعية
المستسلمة. ()7
الترابط بين البعدين الوطني والقومي بمنهجية ثورية ديمقراطية وانسانية أممية
أصبح الوضع العربي الرسمي –في معظمه -في حالة ينظر فيها إلى القضية الفلسطينية باعتبارها
عبئاً ثقيالً على كاهله يسعى إلى الخالص منه طالما كان في ذلك ضمانة لمصالح النظام الحاكم وشرائحه الطبقية الطفيليةوالرأسمالية الرثة التابعة (البيروقراطية والكومبرادورية والعقارية والمالية).
إن هذه الصورة ال تعكس في ذهني تشاؤماً في اإلرادة بقدر ما تفرض نوعاً من تشاؤم العقل واستخدام أدواته النقدية في تحليل هذا الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا في اللحظة الراهنة ,حيث تُولِّد الهزيمة مزيداً من تراكم األزمات ,وتختلط عوامل التغيير مع عوامل اليأس او االستسالم ,واذا كان االمر كذلك,
فان من واجبنا ان نطرح مجدداً السؤال التقليدي :ما العمل؟ واالجابة االولية السريعة والسهلة للعمل المطلوب ,هي الدعوة الى توفير االرادة الوطنية والقومية ,لكن االجابة الحقيقية هي التي تشير الى
الضرورات الرئيسية للنهوض الوطني والقومي:
الضرورة األولى :أن تنتزع جماهيرنا الشعبية الفقيرة نفسها من فكرة الهزيمة وهو هدف يتحمل
المسؤولية الكبرى فيه ,المثقف التقدمي العربي عبر التزامه العضوي الصريح بهذه الفكرة واشتراطاتها
وتضحياتها ,الضرورة الثانية :إن الحركات الثورية اليسارية قادرة عبر بلورة الرؤية القومية الديمقراطية التوحيدية الواضحة أن تحدد وتصنع مستقبل شعوبنا ,الضرورة الثالثة :أن نحرص –بكل
الوسائل -على ان ال تنطفيء شعلة العمل الوطني الثوري التحرري والديمقراطي من منطلق الصراع
الطبقي داخل كل قطر عربي ارتباطا بالبعد القومي التقدمي بافقه االشتراكي الصريح ,كأساس وحيد للمستقبل ,ذلك ان الصراع مع العدو الصهيوني ,رغم أهمية وحجم النضال الفلسطيني وتضحياته ,اال
انه صراع عربي –اسرائيلي -باالساس ,أما الضرورة الرابعة :فهي تتجلى في ان خضوع الوطن العربي للهيمنة االمريكية في هذه المرحلة ,يجعل من امبريالية العولمة والنظام الراسمالي هم الخصم االستراتيجي المتنا العربية والبد من مجابهته وقهره وازالة اثار عدوانه. ()1
حل الدولتين وفق الشروط االمريكية االسرائيلية نوع من الوهم ...في مناسبة 92عاما على النكبة في ضوء أوضاعنا الفلسطينية والعربيةالراهنة ,الطافحة بالكثير من عوامل التأزم واالحباط
والتفكك واالنقسام والصراع على المصالح ,يبدو ان الخيار الذي قام على أساس أنه يمكن أن يحصل 054
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الفلسطينيون على دولة مستقلة ,كان وهماً قاد إلى النهاية التي نعيشها ,أي انقسام وتفكك الفكرة الوطنية التوحيدية الناظمة للنضال التحرري والديمقراطي لشعبنا ,وتفكك النظام السياسي والمشروع
الوطني وتوسع السيطرة الصهيونية على األرض ,وأيضاً انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية في
اطار الصراع بين هويتين :هوية االسالم السياسي والهوية الوطنية الديمقراطية في اطارها القومي واالنساني.
لقد توضح خال ل العقود الماضية ,الى جانب تطورات الوضع العربي الرسمي الراهن المنحط والخاضع
المستسلم للشروط االمبريالية ,عالوة على استمرار الصراع على المصالح واالنقسام وتجدد الحديث عن تبادل االراضي ,والمفاوضات العبثية البائسة ,بأن الدولة الصهيونية معنية بالسيطرة على كل
فلسطين ,وأنها جزء من المشروع االمبريالي للسيطرة على الوطن العربي...لذلك يجب ان تتأسس
الرؤية لدى كافة قوى اليسار الثوري في فلسطين والبلدان العربية ,انطالقاً من ذلك وليس من خارجه, فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود االمبريالي في الوطن العربي ,وضمان استمرار التجزئة
والتخلف العربيين ...لهذا بات ضروريا أن يعاد طرح الرؤية الوطنية التحررية من قلب الرؤية التقدمية القومية الديمقراطية األشمل ,التي تنطلق من فهم عميق للمشروع االمبريالي الصهيوني وأدواته
البيروقراطية والكومبرادورية والرجعية ,من أجل ان يعاد تأسيس نضالنا الوطني والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية ,وال شك في ان هذه المهمة هي مهمة القوى والفصائل اليسارية الثورية في فلسطين
والوطن العربي . ()6
خمسة وستون عاما مضت على ارتكاب النظام اإلمبريالي الرأسمالي وصنيعته الحركة الصهيونية,
لجريمة ,كانت وما زالت ,من أبشع جرائم العصر الحديث ,جريمة اقتالع معظم أبناء شعبنا العربي
الفلسطيني من أرض وطنه ودياره ,واحالل المغتصبين الصهاينة مكانه بقوة السالح واإلرهاب وتزوير حقائق التاريخ ,هكذا تم قيام دولة العدو اإلسرائيلي كدولة وظيفية تستهدف استمرار حالة التجزئة
والتفكيك بين بلدان وشعوب وطننا العربي من ناحية وحماية المصالح الرأسمالية االمبريالية التي تقوم على االستيالء والتحكم بمواردنا وثرواتنا من ناحية ثانية ,وبهذا المعنى البد من مراجعة المسيرة
الماضية وأوهام الحل المرحلي ,لكي يخرج الصراع مع العدو الصهيوني من أحادية الصراع الفلسطيني
– اإلسرائيلي ليتخذ مجراه الموضوعي كصراع عربي -صهيوني بين كل من الحركة التحررية العربية التقدمية وفي طليعتها الشعب الفلسطيني ,وبين التحالف االمبريالي – الصهيوني ,خاصة في هذه المرحلة التي تتفجر فيها العديد من االنتفاضات الشعبية ضد أنظمة االستبداد والتبعية والتخلف والفساد في معظم األنظمة العربية ,بحيث بات من الممكن الحديث عن تفعيل البعد القومي في
الصراع ضد دولة العدو الصهيوني بآفاقه التحررية والديمقراطية والوحدوية في مجابهة مشاريع 055
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومخططات القوى الرجعية وحركات االسالم السياسي المتوافقة مع السياسات األمريكية ,وفي هذا
اإلطار فإن من الطبيعي والحتمي أيضاً أن يكون لشعبنا الفلسطيني وحركته الوطنية الديمقراطية دو ارً طليعياً فيه من أجل تحقيق أهدافه في تقرير المصير والعودة في دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها ,على أنقاض الدولة الصهيونية ,وكجزء ال يتج أز من الدولة العربية الديمقراطية والمجتمع
االشتراكي العربي الموحد. ( ) 01
معطيات وأرقام حول الشعب الفلسطيني والالجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات كما في 3102/0/0
-0يقدر عدد أبناء الشعب الفلسطيني من المقيمين في فلسطين وفي الشتات (استناداً إلى
تقديرات الجهاز المركزي لالحصاء الفلسطيني) ,كما في 3102/0/0بحوالي ()00232071 نسمة يتوزعون كما يلي )2229611( -:نسمة في الضفة والقطاع بنسبة , %27.2
( )0222120نسمة داخل الخط األخضر -األراضي المحتلة 0621بنسبة ( , %03.2وبنسبة %01.من إجمالي عدد سكان اليهود في دولة العدو اإلسرائيلي الذين يبلغ عددهم في بداية
9127721 , 3102نسمة ) )2732337( ,نسمة في الشتات خارج الوطن بنسبة %21.3
.
-3بلغ مجموع الفلسطينيين في الشتات في 2732337( ,3102/0/0نسمة) بنسبة %21من مجموع الشعب الفلسطيني ,في حين بلغ مجموع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة
واألرض المحتلة 2766620( ,21نسمة) بنسبة %21من مجموع الشعب الفلسطيني.
-2يقدر عدد الالجئين الفلسطينيين المسجلين باالستناد إلى تقديرات األونروا كما في /0/0 ,3102نحو ( )2370162نسمة ,أي بنسبة %22.7من إجمالي الشعب الفلسطيني.
-2الفلسطينيون غير المسجلين في سجالت الالجئين لدى وكالة األمم المتحدة من فلسطيني
الشتات يبلغ تعدادهم ( )3900226نسمة أي بنسبة %33.9من مجموع أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات موزعين كما يلي ( :االردن ( ) 0292106باقي الدول العربية
( )211021الدول األجنبية . )926311
-2تصل نسبة الالجئين الفلسطينيين في األردن إلى %21من مجموع الالجئين المسجلين لدى وكالة الغوث مقابل %32.6في قطاع غزة ,و %07في الضفة الغربية %1.2 ,في لبنان,
و %01في سوريا.
-9يقدر عدد الالجئين (في )3102/0/0في قطاع غزة نحو ( 0392203الجئ) ,أي بنسبة
%72.7من مجموع سكان القطاع ,كما ويقدر عدد الالجئين في الضفة الغربية (162712 056
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الجئ) أي بنسبة %22.2من مجموع سكان الضفة ,أما نسبة الالجئين في الضفة والقطاع إلى مجموع السكان فيهما فتبلغ . %26.2
-7عدد الالجئين الفلسطينيين المقيمين في الشتات بلغ في 2003171( 3102/0/0الجئ) بنسبة تصل إلى %26من مجموع الالجئين المسجلين لدى وكالة الغوث التابعة لألمم المتحدة
(االونروا) البالغ عددهم في 2370162( 3102/0/0الجئ) ,أما الالجئين المقيمين في الضفة والقطاع فتبلغ نسبتهم %20من مجموع الالجئين المسجلين .
-1فيما يتعلق بعدد الفلسطينيين المقيمين حاليا في فلسطين التاريخية (ما بين النهر والبحر) فإن
البيانات تشير إلى أن عددهم قد بلغ في نهاية عام 3103حوالي 2.1مليون نسمة ,بنسبة
%26من مجموع السكان اليهود العرب في فلسطين ,علماً بأن عدد السكان اليهود 9127721نسمة.
-6بناء على تقديرات الجهاز المركزي لالحصاء الفلسطيني ,فإن من المتوقع أن يتساوى عدد
السكان الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية مع نهاية عام , 3102في حين ستصبح
نسبة السكان اليهود حوالي 21.7%من السكان بحلول نهاية عام 3131حيث سيصل عددهم
إلى 9.1مليون مقابل 7.3مليون فلسطيني.
057
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
02 / 9 / 3102
مصر العربية يف خطر
الى كل الرفاق في كل احزاب اليسار العربي ...انها لحظة التضامن مع شعبنا العربي في مصرنا
الغالية........................
اثيوبيا – اداة االمبريالية والحركة الصهيونية -بدأت في انشاء ما يسمى "سد النهضة" بذريعة
حاجتها للمياه ,علما بأن كمية مياه األمطار التي تسقط على اراضي اثيوبيا سنويا تتراوح بين -021
021مليار متر مكعب والمفارقة انها ال تستخدم %21من هذه المياه !؟ اما االداة الثانية لالمبريالية والصهاينة ,فهي دولة السودان الجنوبي التي تبلغ كمية مياه االمطار السنوية التي تسقط على
اراضيها 231-211مليار متر مكعب تستخدم أقل من ثلث هذه الكمية !؟ ,أي ان كل من اثيوبيا
والسودان الجنوبي لديهما فائض مياه سنوي هائل يعادل عشرة اضعاف حصة مصر السنوية من مياه
النيل التي ال تزيد عن 22مليار متر مكعب فقط ,وهي كمية لم تعد كافية الحتياجات مصر من المياه
حيث اصبحت تستهلك خالل العشر سنوات االخيرة حوالي 92مليار متر مكعب ...وعلى الرغم من هذه االوضاع المائية الصعبة التي تتعرض لها مصر وشعبها ,اال ان حكومتي اثيوبيا و السودان
الجنوبي قررتا تحويل مياه النيل واقامة "سد النهضة" لحجز وتخفيض حصة مصر من مياه نهر النيل
لتصبح 21مليار متر مكعب وبالتالي ارتفاع العجز المائي المصري الى 21مليار متر مكعب تنفيذا للمخطط االمريكي الصهيوني الذي يستهدف المزيد من اضعاف وافقار مصر واستمرار تخلفها وافقار
شعبها العظيم واحتجاز تطورها وابعادها عن محيطها العربي .....لذلك فإن من الضرورى – كما يقول المفكر الماركسي المصري خليل كلفت -أن تدرك القوى الثورية مدى تعقيد قضايا اإلستراتيچيات والتاكتيكات فى مختلف المراحل وباألخص فى الحلقة المباشرة الحالية من نضاالتها ...ففى هذا
الصراع الذى يشت ّد جانب حاسم من جوانبه بين دولة مبارك ودولة اإلخوان اال أن هذا ال ينفى أن يشتد اآلن بصورة خاصة ضد الحكم الدينى جانبا حاسما من جوانب النضال السياسى لقوى الثورة ّ
التحرر منه ( ديمقراطيا من خالل االجماع الشعبي) اإلخوانى السلفى بهدف إسقاطه واإلطاحة به و ُّ
...لقد بدأت وتطورت "حركة تمرد" كحركة شعبية شبابية خالصة ,كما يعرف الجميع تفاصيل بداياتها وتطوراتها ,غير أن هذا -كما يضيف المفكر المناضل خليل كلفت – "ال يمكن أن يمنع هذه الحركة,
كما لم يمنع ثورة 32يناير الشعبية كلها ,من الوقوع فى إستراتيچيات خاطئة وتاكتيكات خاطئة ,ومن ذلك على وجه الخصوص توظيف إسقاط الحكم اإلخوانى لحساب إعادتنا إلى نفس الدائرة الشريرة
المفرغة من االستفتاءات واالنتخابات والدساتير والشرعية الدستورية التى أسقطتها الثورة وأعاد بناءها
المجلس العسكرى واإلسالم اإلخوانى السلفى ,بما فى ذلك شعار انتخابات رئاسية مبكرة؛ وهو فوق هذا
058
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
شعار مناقض للخلع ألنه يعنى إجراء انتخابات فى ظل حكم مرسى واإلخوان" .ويستطرد قائال " من المهم أن ندرك جيدا ماذا تعنى الدولة الدينية التى من شأنها إعادة مصر إلى ما قبل القرون الوسطى
وتحررها من التبعية ,وبالتالى أن نرفضها قبل كل شيء ووقف نموها وتنميتها وكل احتمال الستقاللها ُّ كرفض للدولة الدينية من حيث المبدأ وليس على أساس سياسات بعينها ليست فى نهاية األمر سوى
أى إقامة سلطة شعبية ثورية فى أدوات للدولة الدينية ".وصوال الى تحقيق واقامة " البديل الثورى ْ سياق مسيرة تاريخية ذات أهداف أعظم ...وال يمكن أن تُخيفنا تهديدات القوى اإلخوانية والسلفية ,فقد تحرر الشعب من الخوف ,وصار ال مناص من التحرر من حكم اإلخوان والدولة الدينية مهما كان
الثمن ,كما ينبغى أن ندرك أن دخول قوى اإلسالم السياسى فى هذه المواجهة الشاملة يجعلها أضعف
من أن تنتصر على الشعب .وبطبيعة الحال فإن الموجة القادمة من الثورة سلمية غير أن العنف ضدها يفتح الباب واسعا أمام العنف الدفاعى العادل المظفَّر ,تماما كما كان األمر فى ثورة 32يناير".
اختم كلمتي بمقطع لشاعرنا الكبير احمد فؤاد نجم :
بك التحية ....لم يعد يليق ِ إلى األمة العربية ..بعد ” الطز ” لم يعد يليق ِ بك سوى النعيق والنهيق على أحالمك الوردية....لم يعد يليق ِ بك سوى أن تكوني سجادة تدوس عليها األقدام الغربية.....لم
بك شعارات الثورة حين صار ربيعك العربي مسرحية...لم يعد يليق ِ يعد يليق ِ بك الحرية حين صارت وتهمتك باألصل ِ ِ صرخاتك كلها في الساحة دموية...لم يعد يليق ِ أنك تصرخي باإلسالم بك أن ّ إرهابية...لم يعد يليق بك يا أمة مؤتمراتها مؤامرات وكالمها تفاهات وق ارراتها وهمية...لم يعد يليق ِ بك
التحي ّة ..يا أمة دفنت كرامتها وعروبتها تحت التراب ..وهي حية.... ضوخ للفَر َع َنة المشتَِعلَة اليوم في مصر على مفترق طرق ...إما العودة إلى الر ْ ْ السكون و ّ ان الثورة ُ واعادة إنتاج التخلُّف واستبداد "القائد الفرد" أو مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها في الحرية والديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية من قلب الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية ...إنها
لحظة النهوض الثوري لمصر وللوطن العربي كلـه .عاش نضال الشعب المصري من اجل الحرية والعدالة االجتماعية والديمقراطية ...عاشت مصرنا العربية.
059
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
قطاع غزة 0989 – 0945دراسة تارخيية سياسية اجتماعية 06 / 9 / 3102
مقدمة:
الهدف من إعداد هذه الدراسة استعراض األحوال االجتماعية والسياسية في قطاع غزة منذ عام النكبة
0621وحتى عام ,0627من منطلق أن القطاع هو جزء ال يتج أز من فلسطين ,وأن الحديث عنه - في هذا المجال أو غيره – هو تأكيد لهذه العالقة التاريخية والجغرافية والسياسية والتراثية بكل جذورها
وتفريعاتها.
لقد ظل قطاع غزة منذ عام 0621وحتى اليوم الجزء الوحيد الذي بقي يحمل (رسمياً) اسم
فلسطين ,وقد كان حلم المخطط الصهيوني والقيادة اإلسرائيلية تصفية القطاع كمقدمة لتصفية القضية
الفلسطينية برمتها ,إضافة إلى ذلك فإن مواطني القطاع الذين يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من 0.9 مليون مواطن ينتمون إلى كل مدن وقرى فلسطين من صفد والجليل إلى يافا وعكا وحيفا على الساحل
إلى اللد والرملة وجنين وطولكرم ونابلس والقدس وبئر السبع ومعظم القرى الفلسطينية..
ان شعبنا الفلسطيني رغم كل ما لحق به من أشكال التشرد والمعاناة والحرمان واللجوء والتشتت
من جهة والصراعات على السلطة والمصالح التي كرسها االنقسام واستمرار الصراع بين حكومتي رام
اهلل وغزة غير الشرعيتين من جهة اخرى ,اثبت في كل محطات الصراع ,طوال الخمسة وستين عاماً الماضية ,انه أقوى من كل المخططات والممارسات العدوانية التي استهدفت تفكيكه وتشريده وتحطيم شعوره العميق بهويته الوطنية والقومية ,وحرصه الدائم على حمايتها وامتدادها في كل األجيال ,إذ أن
ما جرى لشعبنا وحركته الوطنية طوال التاريخ المعاصر من محاوالت التصفية أو الطمس لهويته
وأهدافه الوطنية المشروعة ,في العودة وتقرير المصير والحرية في فلسطين التاريخية ,لم تنجح أبدا
في تحطيم اإلجماع الذاتي في أوساط شعبنا على االلتفاف الطوعي والعفوي حول الفكرة الوطنية
التوحيدية المركزية في ذهنيته وممارساته السياسية ,بل على العكس ,فقد كان من أهم نتائج تلك
الممارسات العدوانية ,انها راكمت وبعمق مشاعر الحقد الوطني والطبقي في أذهان شعبنا ضد كل أشكال العدوان واالستبداد واالضطهاد والحرمان ,التي تعرض لها من العدو اإلسرائيلي ,و ضد قطبي االنقسام ,وضد مختلف المصادر والقوى العربية والدولية المعادية ,بالرغم من توزع أبناء شعبنا ,في
الجغرافيا الفلسطينية والعربية والدولية ,عبر مجتمعات وعالقات اجتماعية تختلف باختالف الجغرافيا أو
أماكن اللجوء والشتات ,ومن هذه الزاوية ال نستطيع القول ان هناك مجتمعاً موحداً ينضوي في إطاره كل أبناء شعبنا ,بل هناك مجتمعات يتمايز كل منها على اآلخر بسمات تعود إلى طبيعة وظروف تطور 061
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
تلك المجتمعات والعالقات االجتماعية الخاصة بها ,وهنا يمكن اإلشارة إلى هذا التمايز بين الواقع
االجتماعي /االقتصادي للفلسطينيين في فلسطين ,0621وبين كل من الفلسطينيين في مجتمعي الضفة والقطاع والتجمعات الفلسطينية في البلدان العربية واألجنبية.
وفي هذا السياق نقول ,ان التباين بين سمات وخصائص هذه التجمعات ومجتمعى الضفة والقطاع
(بحكم االنقسام) ال يلغي حقيقة الوحدة السياسية واالجتماعية ألبناء شعبنا الفلسطيني الذين يشكلون اطا ارً وطنياً توحده االهداف السياسية الكبرى -رغم توزع وتشتت المكان – توحده عناصر واسباب
المعاناة والقهر واالستغالل واالستبداد التي تمثل عامالً توحيدياً معنويا وماديا مشتركاً لمعظم ابناء
شعبنا.
إذن فالحديث عن قطاع غزة الفلسطيني ال يعني على اإلطالق اختالف طبيعة األهداف أو النضال فيه
عن أي موقع آخر في اللد والرملة وحيفا أو النقب أوالخليل او نابلس أو القدس ..بل هو امتداد لتلك
األهداف النضالية التي توحد شعبنا في الداخل وفي المنافي من أجل استمرار النضال التحرري والديمقراطي وتحقيق الهدف االستراتيجي في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية في إطار المجتمع العربي
االشتراكي الموحد .
غازي الصوراني
3102/9/02
060
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لمحة تاريخية:
تحددت التقسيمات اإلدارية في فلسطين بستة ألوية[ ]0هي:
-0لواء القدس ويتألف من أقضية الخليل/القدس وبيت لحم/ورام اهلل. -3لواء نابلس ويتألف من أقضية طولكرم/جنين/نابلس. -2لواء اللد (يافا) ويتألف من قضائي يافا والرملة. -2لواء حيفا ويتألف من قضاء حيفا.
-2لواء الجليل ويتألف من أقضية الناصرة /بيسان /طبريا /عكا /صفد. -9لواء غزة ويتألف من قضائي غزة وبئر السبع.
وعلى الرغم من أن لواء غزة كان يشكل نسبة %20من مساحة فلسطين البالغة 37116كيلو
متر مربع ,وسكانه يشكلون نسبة 060111( " %00نسمة) من مجموع سكان فلسطين البالغ
(0.792111مليون نسمة)[ ," ]3إال أن هذا اللواء كان من أفقر مناطق فلسطين ومن أقلها تطو ارً, فلم يكن لمنطقة لواء غزة (غزة والسبع) أي دور هام في إطار االقتصاد الفلسطيني نظ ارً لقلة مواردها
االقتصادية .0
والطبيعية
وافتقارها
إلى
أية
منشآت
صناعية
ومؤسسات
تجارية
هامة.
قضاء غزة وقراه:
يحده من الغرب البحر األبيض المتوسط ,ومن الشمال قضاء الرملة ومن الشرق قضائي الخليل
وبئر السبع ومن الجنوب صحراء سيناء وجميعه يقع في منطقة السهل الساحلي لفلسطين الذي ينتهي
شماالً بجبل الكرمل.
وقد ضم قضاء غزة عام 70( 0169قرية) وفي عام 0601تم فصل 02قرية ألحقت إلى عدد
من األقضية المجاورة ,وبقي القضاء يضم 27قرية حتى عام 0620حيث فصلت أربع قرى منها
المغار ويبنا وألحقت بقضاء الرملة الذي يحده من الشمال[ .]2وفي أواخر االنتداب كان قضاء غزة
يضم ثالث مدن رئيسية وهي المجدل وغزة وخانيونس باإلضافة إلى 22قرية وبمساحة تقدر
بـ0000.2كم مربع كان اليهود ال يملكون منها سوى 26كيلو متر مربع أو ما يعادل %2.2من مساحة القضاء.
وقرى قضاء غزة تتوزع بين شمالية ووسطى وجنوبية:
أ)
القرى الشمالية وعددها أربع عشرة قرية:
أسدود /برقة /المسمية الكبيرة /المسمية الصغيرة /البطاني الغربي /البطاني الشرقي /
القسطنيه /تل الترمس /بين دراس /ياصور /السوافير الشرقي /السوافير الغربي /السوافير
الشمالي /الجالدية.
062
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
القرى الوسطى وعددها سبع وعشرون قرية:
بعلين /صميل /جسير /الفالوجة /عراق المنشية /كراتيا /حته /عراق سويدان /بيت عفا /
عبدس /جولس /حمامه /حليقات /بيت طيمة /كوكبه /الجيه /بربره /نعليه /الخصاص /الجوره
/هربيا /بيت جرجا /سمسم /نجد /برير /دير سنيد /دمره. ب) القرى الجنوبية وعددها اثنتا عشر قرية:
رفح /بني سهيال /عبسان /دير البلح /خزاعه /بيت الهيا /النزله /جباليا /بيت حانون /
هوج /الكوفخه /المحرقة.
"أما أكبر قرى القضاء من حيث التعداد السكاني فهي حمامه /الفالوجة /اسدود /جباليا /بني
سهيال /بيت دراس وقد بلغ مجموع سكانها في عام 32761( 0627نسمة) ,وأصغر القرى من حيث
التعداد هي الخصاص /بعلين /عراق سويدان /الجلديه /حليقات /دمره ومجموع سكانها (0121 نسمة)[.]2
لمين بالقراءة الم ِّ وقد بلغ عدد سكان قرى قضاء غزة في بداية عام 12621( 0627نسمة) نسبة ُ والكتابة منهم %07.2أو ( 02120رجالً)[.]2
أما عدد المدارس الحكومية فقد كان في قرى قضاء غزة حتى أوائل عام 21( " 0621مدرسة)
ابتدائية للذكور ,و( )7مدارس ابتدائية للبنات وصف ثانوي واحد في مدرسة الفالوجة وبلغ عدد
الطالب المسجلين في نفس الفترة ( 9211طالباً) و ( 229طالبة)[ " ]9نسبتهم إلى عدد السكان
.%7.1 .3
قضاء بئر السبع:
مساحة هذا القضاء تبلغ حوالي 03211كيلو متر مربع معظمها أرض صحراوية قاحلة ,ومدينة
بئر السبع هي المدينة الوحيدة وعدد قراه سبع قرى هي جمامه /عبده /عوجا حفير /الخالصة /
عسلوج /فوتيس /كرنب (أنشئ مفاعل ديمونة على أرض هذه القرية).
بلغ عدد سكان مدينة بئر السبع عام 0621حوالي ستة آالف نسمة منهم أكثر من %71من
مواطني مدينة غزة الذي رحلوا إلى السبع في بداية القرن العشرين ,وأسهموا في تطورها وتولوا معظم
األعمال التجارية واألعمال الحرفية فيها.
أما األغلبية العظمى من سكان هذا القضاء ,فهم من البدو الذين كانوا يعيشون على تربية
الماشية والزراعة ,وفي ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية بالغة السوء ,فعلى صعيد الحياة اليومية لم يكن من السهل توفر الحد األدنى من متطلبات المعيشة ,سواء فيما يتعلق بالغذاء أو المسكن أو
العالج.
063
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كما ازدادت أزمة البدو تفاقماً بعد أن توسعت المنظمات الصهيونية في شراء قطع محدودة من
األراضي من بعض شيوخ القبائل ,مما دفع عدداً منهم إلى هجر البادية والنزوح إلى "شرق األردن وسوريا والجزيرة العربية"[ ]7وسيناء ومعظمهم اتجه إلى المدن للعمل فيها بأجور ال تكاد تسد حاجتهم
للغذاء فقط.
من ناحية أخرى فقد توفرت اإلمكانات المادية لعدد كبير من رؤساء القبائل والمشايخ المتنفذين
الذين سبق أن قاموا بتسجيل مساحات كبيرة من األراضي لحسابهم بعد أن كانت مشاعاً للجميع مما حرم األغلبية الساحقة من البدو من حقهم في المشاع المشترك ,ورغم "التمايز الطبقي" بين القمم
القبلية والسواد األعظم من البدو الذي تحملوا شظف العيش وقسوته وكان ذلك أم ارً "طبيعياً" ال يجوز
االعتراض عليه .ورغم ذلك فقد أدى سوء أحوال البدو إلى انخراطهم في المعارك الوطنية التي قادها
عدد من المشايخ ضمن قيادة الحركة الوطنية آنذاك ,وبرز دورهم بشكل خاص في مساندة المعتقلين
الوطنيين في معتقل عوجا حفير ,والمشاركة الفعلية في المقاومة مع بداية األربعينات وما تالها.
بلغ تعداد البدو في عام 0621حوالي 62111ألف نسمة موزعين على خمس قبائل رئيسية
وقبيلتين ثانويتين ,ومجموع أفخاذ هذه القبائل حوالي ( )72فخذاً [: ]1 -0
قبيلة الترابين وتتكون من عشرين عشيرة وتعدادها 23211نسمة .
-2
قبيلة العزازمة وتتكون من 01عشائر وتعدادها حوالي 09211نسمة.
-3 -2 -2 -9 -7
قبيلة التياها وتتكون من 39عشيرة وتعدادها حوالي 32111ألف نسمة. قبيلة الجبارات وتتكون من 02عشيرة وتعدادها حوالي 1111نسمة. قبيلة الحناجرة وتتكون من 2عشائر وتعدادها حوالي 7211نسمة.
قبيلة السعيديون وتتكون من 2عشائر (حويطات األصل) 0711نسمة. قبيلة اللحيوات وتعدادها حوالي 0911نسمة.
األوضاع االجتماعية في قضاء غزة قبل عام :0621
تميزت األوضاع االجتماعية في قضاء غزة قبل عام 0621بانقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين
هما كبار المالكين شبه اإلقطاعيين والفالحون بشكل عام ,وفيما بينهما تواجد هامش ضئيل من
الحرفيين وصغار التجار وصغار الموظفين ,أما العمال فلم يتجاوز عددهم الستمائة عامل توزعوا على
عدد من المنشآت الصناعية اليدوية ومعامل الصابون واألغذية والفخار والنسيج.
لقد كان التمايز الطبقي في فلسطين عموماً وفي قضاء غزة على وجه الخصوص بالغ القسوة إذ
أن العالقة بين اإلقطاعي والفالح في قرى غزة عموماً كانت أقرب إلى عالقة السيد بالعبد ولم تتأثر بمجمل التطور االجتماعي – االقتصادي في المدن الفلسطينية األخرى.
064
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كان أكثر من %21من الفالحين في قضاء غزة ال يملكون أرضاً ,واضطروا للعمل في بيارات كبار
المالكين (األفندية) كأُجراء موسميين بأجرة يومية كانت تقل أحياناً عن خمسة قروش عدا ما كان يتعرض له هؤالء األُجراء من معاملة تميزت بالقسوة واإلزدراء ,كذلك كان ما يقرب من %21من
فالحي القضاء يملكون قطعاً صغيرة من األرض ( 01دونمات فأقل) ال تقيم أود عائالتهم ولم تكن
عالقة هؤالء بالسيد اإلقطاعي تتميز كثي ارً عن إخوانهم األُجراء الزراعيين.
ومع ارتفاع أسعار األراضي في الثالثينات إلى ثالثة عشر ضعفاً عما كانت عليه قبل الحرب
العالمية األولى ,اندفع كبار المالكين في فلسطين بشكل عام وفي قضاء غزة بشكل خاص إلى
التسابق من أجل تأسيس البيارات على حساب المزيد من استغالل فقراء الفالحين واجبارهم على بيع ما يملكون أو معظمه بوسائل متعددة لم تكن مشروعة في معظمها لكن بساطة الفالح في بالدنا
وعفويته وايمانه الشديد بالقدرية والغيبيات وخوفه من إرهاب السلطة وكبار المالكين وعدم قدرته على
سداد ديونه كل ذلك أسهم في زيادة استحواذ "األفندية" في قضاء غزة على معظم أراضي القضاء إلى
درجة أن بعض هذه القرى في معظمها كانت ملكاً خالصاً لإلقطاعي الذي استند دوماً إلى جبروت القوة
الظالمة والالمشروعة.
"وحتى عام 0621بلغت ملكية األراضي في لواء غزة العائدة إلى 31شخصاً من قضائي غزة
وبئر السبع مليونين من الدونمات ,كانت ملكية ( )00شخصاً منهم ()011ألف دونم لكل فرد وتراوحت
ملكية ( )7أفراد منهم بين ( )21ألف و ( )011ألف دونم"( ,)01إنهم لم يمتلكوا فقط قرى بحالها, وانما امتد نفوذهم وسلطتهم إلى قرى أخرى ال يملكونها" .
ومن الثوابت الجديرة بالتسجيل والتأمل في تاريخ نضال شعبنا الفلسطيني أن الفالحين الفلسطينيين
كانوا وقود الثورة الفلسطينية قبل عام ,0621ولم يكن غريباً أن ينجب الريف الفلسطيني خيرة مقاتلي الثورة الذين كانوا بحق هم المحرك اليومي والفعلي للعمل الثوري ضد االنتداب والحركة
الصهيونية ,في حين لم يكن كبار المالك (األفندية) سوى واجهة هشة تصدرت قيادة الحركة الوطنية
ضمن آفاق محددة لم تكن تلتقي مع آفاق وتطلعات الجماهير الثورية وكان دورها – على األغلب – هو امتصاص وتهدئة الحالة الثورية لدى فقراء بالدنا ,وكان هذا الدور منسجماً مع وضعها الطبقي ومصالحها وعالقاتها مع القوى الرجعية العربية وغيرها. البورجوازية الصغيرة:
ونظ ارً للعالقات االجتماعية شبه اإلقطاعية السائدة في قضاء غزة في هذه المرحلة فإن حجم
الطبقة البرجوازية الصغيرة كان محدوداً وكانت في معظمها من صغار الحرفيين والموظفين والمهنيين المرتبطين بشكل أو بآخر بالقاعدة المادية اإلنتاجية لكبار المالكين ,بكل متطلباتها السياسية
واألخالقية والعملية ,والمعروف أن أبناء هذه "الطبقة" لم يمارسوا دو ارً ممي ازً في األحزاب السياسية 065
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الوطنية الفلسطينية ,والتحق بعضهم في غزة ضمن عدد من األحزاب التقليدية الوطنية والمعارضة,
كذلك اتجه قسم منهم إلى "االلتحاق ببعض المنظمات شبه العسكرية التي تشكلت في فلسطين مثل
(الفتوة) و(النجادة) في حين انجذبت أقلية من البورجوازية الصغيرة إلى المنظمة الماركسية (عصبة التحرر الوطني)"[.]6
البورجوازية الكبيرة] :الزراعية التجارية[
رغم التطور االجتماعي الذي أصاب بعض المدن الفلسطينية (يافا – حيفا – عكا – القدس –
الناصرة) وأسهم في تراجع العالقات اإلقطاعية بعد أن توفرت بعض مقومات العالقات الرأسمالية التبعية ,التي اعتمدت في نشوئها على تصدير المنتجات الزراعية بحيث أسهم ذلك في تحول الزراعة
(خصوصاً الحمضيات) إلى زراعة مكثفة اعتمدت على رأس المال والسوق العالمي والبنوك والقروض واألساليب الحديثة مما أدى إلى تطوير العالقات االجتماعية في المجتمع الفلسطيني باتجاه التكيف مع العالقات الرأسمالية المشوهة الجديدة ,وفي هذا المجال برزت البورجوازية الزراعية والتجارية وغيرها بصورة كبيرة في المدن المذكورة أعاله ,وساهمت بدورها في العمل الوطني ضد عدد من األحزاب في
تلك المرحلة.
أما في قضاء غزة فنالحظ ضعف التركيبة الطبقية للبورجوازية التجارية والزراعية في هذه المنطقة
نظ ارً لهيمنة كبار المالكين التقليديين باعتبارهم الطبقة السائدة بال منازع ,ولم تكن بدايات نمو هذه الطبقة البورجوازية فيما بعد سوى امتداد مباشر وميكانيكي لكبار المالكين بحيث أن العالقة العضوية
بينهما استمرت في القطاع حتى ما بعد منتصف الخمسينات.
ومن الدالالت الهامة أن نواة البورجوازية في بالدنا – وفي العالم الثالث عموماً – لم تتشكل في
داخل البنية االجتماعية التحتية ,ولم تكن نقيضاً للطبقة السائدة (شبه اإلقطاعية) بل كانت امتداداً
"عصرياً" لها ,وتابعاً مخلصاً للسوق الرأسمالي العالمي عبر تطورها إلى بورجوازية كومبرادورية. اإلدارة المصرية والقطاع ()0622-0621
على أثر اتفاقية الهدنة الموقعة في ردوس بين الوفدين اإلسرائيلي والمصري بتاريخ
32شباط ,0626/تحددت "خارطة" منطقة غزة ,وبدأ فصل جديد من حياة شعبنا الفلسطيني ,فبعد أن كانت هذه المنطقة تعرف بلواء غزة والتي ضمت أربع مدن وستين قرية وبمساحة تبلغ ( 02911كيلو
متر مربع) أصبحت تعرف باسم "المناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية في فلسطين" وتضمنت فقط
مدينتين هما غزة وخانيونس وتسع قرى هي جباليا /والنزلة /بيت الهيا /بيت حانون /دير البلح / بني سهيلة /عبسان الكبيرة والصغيرة /خزاعة /رفح وعلى مساحة من األراضي ال تتجاوز 292
كيلو متر مربع تمثل نسبة %31.9من أراضي لواء غزة وبنسبة %0.22من أراضي فلسطين. 066
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أما اصطالح "قطاع غزة" فقد ظهر رسمياً منذ أوائل شهر كانون الثاني 0622في "قرار[]01
رئيس الجمهورية المصرية اللواء محمد نجيب ,الذي يقضي بتعيين األميراالي عبد اهلل رفعت حاكماً
إدارياً لقطاع غزة" ضمن حدوده "الجديدة" التي تبدأ من قرية رفح جنوباً إلى بيت حانون شماالً بطول حوالي 21كيلو متر وعرض يتراوح بين 6-9كيلو متر.
وقد قدر عدد سكان القطاع في عام 0622بحوالي ( 92321نسمة) وفي عام 0621بحوالي
(61ألف نسمة) ,تضاعف هذا العدد ثالث مرات بعد أن تدفق إلى القطاع أثناء الحرب وبعدها مباشرة
أكثر من 311ألف الجئ من مدن وقرى فلسطين المختلفة وفي عام 0623قدر عدد سكان القطاع بـ 362912ألف نسمة منهم ]00[310072ألف من الالجئين.
وقد توزع الالجئون الفلسطينيون في القطاع على ثمانية مخيمات [:]03
-0مخيم جباليا :ويقع شمال شرقي قرية جباليا وقد أنشئ عام 0622على أرض مساحتها 211 دونم ,وقد بلغت مساحته عام 3103حوالي 0211دونم .
-3مخيم الشاطئ :أنشئ عام 0622على أرض مساحتها 221دونماً على الشاطئ الشمالي -2
لمدينة غزة وقد تضاعفت مساحته فيما بعد ,حيث بلغت عام 3103حوالي 721دونم.
مخيم البريج :مساحته 221دونماً ,جنوب مدينة غزة بمسافة ثمانية كيلو مترات شرق
الطريق الرئيسي.
-2مخيم النصيرات :ويقع إلى الغرب من الطريق الرئيسي مقابل مخيم البريج ,مساحته 311دونم .وقد بلغت مساحته عام 3103حوالي 711دونم .
-2مخيم المغازي :يقع إلى الجنوب من مخيم البريج بحوالي كيلو متر واحد ومساحته 011دونم. وقد بلغت مساحته عام 3103حوالي 291دونم .
-9مخيم دير البلح :يقع غربي قرية دير البلح ومساحته 021دونماً .وقد بلغت مساحته عام 3103حوالي 072دونم .
-7مخيم خانيونس :ويقع إلى الغرب من مدينة خانيونس باتجاه شاطئ البحر مساحته في حدود 211دونم .وقد بلغت مساحته عام 3103حوالي 0011دونم .
-1مخيم رفح :مساحته 711دونم .وقد بلغت مساحته عام 3103حوالي 0172دونم . حول األوضاع االقتصادية/االجتماعية في القطاع بعد النكبة :
عبر استقراء نتائج النكبة عام ,0621يمكن التعرف بوضوح على األوضاع االقتصادية االجتماعية
في قطاع غزة ضمن األوضاع الطارئة الجديدة" ,لقد ترافق وجود "مجتمع الالجئين" مع انهيار شبه
كامل للقاعدة االقتصادية التي كان يقوم عليها المجتمع في مرحلة ما قبل .]02["0621
067
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ويمكن تلخيص أبرز مالمح "المجتمع الجديد":
-0تعرض القطاع لتغير بنيوي على الصعيدين االجتماعي والسكاني فقد ازداد سكانه بما يقرب من 211ألف خالل عام واحد ,ومعظم هؤالء (الجئين ومواطنين) منحدرون من أصول ريفية
-3
فقيرة جداً "وال يتمتعون بخبرات فنية أو تقنية مميزة" . فقد القطاع جزءاً كبي ارً من موارده االقتصادية: أ) %97من أراضيه ضمن قضاء غزة.
ب) انتشرت البطالة في صفوف العمال من أبناء القطاع الذين عملوا في السابق في معسكرات قوات االنتداب ,أو في األسواق الفلسطينية المختلفة.
ج) فقد العدد الكبير من المقاولين والتجار جزءاً كبي ارً من أعمالهم.
د) فقد حوالي %11من مالك األراضي والمزارعين ملكياتهم داخل فلسطين .
الغزية شبه اإلقطاعية -2تقلصت ملكيات كبار المالكين إلى درجة كبيرة ,فلم تعد العائالت ّ (األفندية) تستحوذ على عشرات األلوف من الدونمات ,وفقد معظمها أكثر من %11من
أراضيه ,ورغم ذلك فقد ظل عدد من هذه العائالت يمتلك قطعاً كبيرة من األراضي قياساً إلى مساحة األراضي الزراعية في القطاع ضمن األوضاع الجديدة ,فعلى سبيل المثال فإن
عائالت كثيرة نذكر منها (الشوا /الصوراني /الريس /الحسيني /أبو رمضان /العلمي /
خيال /الف ار /األسطل /أبو مدين /المصدَّر /أبو سليم /شراب ...الخ) ظلت تمتلك أكثر من ألف دونم للعائلة الواحدة ومن أجود األراضي الزراعية.
ومن الجدير بالتسجيل أن هذه العائالت بقيت هي األكثر سطوة ونفوذاً ,وبقي الطابع
"األرستقراطي" اإلقطاعي وعقلية "السيادة" في التعامل مع الجماهير الفلسطينية في القطاع
أم ارً ممي ازً وملحوظاً بشكل حاد خاصة في أوساط الفقراء والفالحين واألًجراء الزراعيين ال فرق بين مواطن والجئ.
-2من المالحظ أيضاً أن التغير البنيوي الذي تعرض له القطاع بعد 0621على الصعيد
يؤد إلى تغير ملموس في الوعي االجتماعي االعتيادي للجماهير الفقيرة في االجتماعي لم ِّ عالقتها بطبقة "األفندية" خاصة وأن رموز هذه الطبقة استطاعوا تكوين عالقات جديدة مع عدد من المخاتير ومشايخ البدو من الالجئين والمواطنين على حد سواء الذين كانت تربطهم بهؤالء عالقات تاريخية قديمة قامت على المصالح المشتركة بين الفريقين ,وكان
غياب الوعي الطليعي ,أو القوى السياسية الوطنية الفاعلة في هذه المرحلة سبباً من
أسباب تكريس هذه العالقة ,وقبل كل شيء فإن النظام السياسي الجديد قدم لهذه الطبقة من كبار المالك صالحيات وأوضاع سياسية واجتماعية مميزة.
068
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-2إن المتغيرات الجديدة أدت إلى "انهيار األساس المادي للمجتمع الفلسطيني في القطاع الذي أدى إلى تفسخ العالقات االجتماعية التقليدية فيه"[ ,]02خاصة بين الالجئين الذين فرضت عليهم الظروف الجديدة ممارسة سلوكيات لم تستوعبها المفاهيم والقيم والعادات القديمة مثل اضطرار المرأة للعمل واالستقالل النسبي لألبناء ,والبطالة ,والعمل في مهن جديدة ,وقد
أسهم كل ذلك في السنوات األولى فقط إلى خلق حالة من االغتراب[ ]02فالوضع البائس
في المخيم ولَّد انسحاقاً ثقيالً مادياً ومعنوياً ,مثل الوقوف في طوابير الستالم اإلعانة ,تفشي األمراض والشعور بالدونية ,وقد عزز من بؤس هذا الواقع ضعف وخراب األوضاع
االقتصادية في القطاع ,فتولد شعور باالغتراب الجماعي لدى الالجئين الذين لم يكن
الخالص بالنسبة لهم يعني تحسين األوضاع الحياتية بل التخلص من علَّة هذا الوجود الجديد ,لذلك رفضوا – ومعهم جماهير المواطنين الفقراء – بإصرار كل مشاريع اإلسكان والتوطين حفاظاً على هويتهم الوطنية الفلسطينية.
هذه الصورة يعززها تقرير وكالة األمم المتحدة إلغاثة وتشغيل الالجئين الفلسطينيين التي تأسست
بقرار من األمم المتحدة في كانون أول عام 0626وبدأت عملها الفعلي في حزيران عام 0621فقد
أشار التقرير إلى أن [:]09
%31من الالجئين قادر على إعالة نفسه. %21 -معدماً على اإلطالق.
%21 -بحاجة جزئية للمعونة.
أي أن ما يقرب من 071ألفاً من السكان في القطاع (مواطنين والجئين) كانوا يعيشون في هذه
المرحلة ضمن أوضاع اجتماعية بالغة البؤس ,وفي ضوء ذلك يكمن السبب الرئيسي للنهوض الثوري
الدائم في قطاع غزة.
اإلدارة المصرية والقضية الفلسطينية ()0622-0621
بعد نكبة ,0621لم يعد للفلسطينيين أي كيان سياسي قانوني ,ولم تتوفر لحكومة عموم فلسطين
التي "وافق على إعالنها المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في مدينة غزة يوم ]07["0621/6/21 أية مقومات على الصعيد السياسي المحلي الفلسطينية أو على المستوى العربي الرسمي بشكل عام,
ثم كانت عملية نفي الحاج أمين الحسيني من غزة إلى القاهرة يوم ]01[0621/01/07ومنعه بالقوة
من العودة إلى فلسطين بمثابة إعالن وفاة حكومة فلسطين ,والهيئة العربية العليا وبداية الوصايا
العربية الرسمية على الفلسطينيين وقضيتهم إلى حين.
أُخضع القطاع رسمياً إلدارة الحكومة المصرية على أثر اتفاقية رودس في شباط – فبراير /
,0626وبناء على "تكليف" من الجامعة العربية[ ]06تولت حكومة الملك فاروق التي يرأسها محمود 069
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فهمي النقراشي إدارة "المناطق الفلسطينية الخاضعة لرقابة القوات المصرية" مستجيبة لتعليمات وزارة
الخارجية البريطانية والواليات المتحدة األمريكية من أجل "تصفية الجانب األكثر برو ازً في القضية الفلسطينية والمتمثل في الالجئين الفلسطينيين ,األمر الذي كان أساساً لتصفية القضية
بمجملها[.]31
ورغم قيام ثورة يوليو 0623فقد ظلت السياسة المصرية الرسمية حتى عام 0622مشدودة للقضايا
المحلية المصرية بشكل عام ,كما وأن قيادة الثورة خالل هذه الفترة لم تمتلك "وضوحاً كافياً باتجاه سياسة قومية واضحة[ ]30بدليل أنها وافقت على توقيع "مشروع شمالي غربي سيناء لتوطين الجئي
قطاع غزة" مع وكالة الغوث في حزيران ,0622الذي استهدف التآمر على الشعب الفلسطيني عبر
توطين الالجئين في سيناء بعد أن يجري استصالح مساحة 311ألف دونم شمال غرب سيناء
وتوصيل المياه إليها من نهر النيل.
وكان للشيوعيين الفلسطينيين في قطاع غزة دو ارً رئيساً في كشف مؤامرة التوطين وفضحها
وتحريض الجماهير على التصدي لها.
وفي مواجهة الخطر المحدق بالوطن يتحالف النقيضان معاً (الشيوعيون واإلخوان المسلمون) ألول
مرة ضد النظام المصري وضد سياسة التوطين ,واستطاعوا معاً قيادة الجماهير الغفيرة من أبناء
القطاع (في المخيمات والقرى ومدينتي غزة وخانيونس) في مظاهرة عارمة لم يشهد لها القطاع مثيالً في تاريخه وذلك في اليوم األول من آذار سنة ,0622حيث كانت مشاعر الجماهير في حالة غليان
حقيقي بعد قيام القوات الصهيونية باإلغارة على غزة قبل ذلك بيوم واحد في /31فبراير 0622/وقتلت
وجرحت أكثر من ( )92من الجنود والمدنيين [ ,]33وقام المتظاهرون باحتالل كل المرافق الحكومية
في القطاع (عسكرية ومدنية) ,ولعب الشيوعيون دو ارً بار ازً في قيادة الجماهير تحت شعار "ال توطين وال إسكان يا عمالء األمريكان" وانتخب المتظاهرون "اللجنة الوطنية العليا" .التي ضمت عناصر من
الشيوعيين واإلخوان المسلمين والمستقلين[ ,]32ولم تهدأ الجماهير إال بعد حضور جمال عبد الناصر
س ارً يوم 0622/02/03إلى غزة حيث ألقى كلمة في مدرسة الزهراء أكد فيها أنه لن يسكت على العدوان اإلسرائيلي ,كما تم اإلعالن عن سقوط مشروع التوطين وقبره إلى األبد.
لقد كانت انتفاضة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عام 0622ضد مشروع التوطين بمثابة إعادة
الروح لشعبنا كله واحياء جذوة األمل والنضال فيه من جديد.
كما كان عدوان الثامن والعشرين من فبراير 0622نقطة تحول هامة في تاريخ العرب المعاصر,
فعلى المستوى العربي ,تيقظت القيادة المصرية إلى األطماع اإلسرائيلية وضرورة مواجهتها ,وسجل
القائد الخالد جمال عبد الناصر موقفه من هذا الحادث بقوله "إن غارة فبراير كانت نقطة تحول ,وأن هذا العدوان كان جرس إنذار ,وأن مصر يجب أن تعتمد على قوتها الذاتية ال على مجلس األمن
071
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وق ارراته"[ ]32وعلى أثر ذلك بدأ التحول الجديد في السياسة المصرية باالتجاه إلى االتحاد السوفيتي وعقد صفقة األسلحة الشهيرة عام .0622
مصر عبد الناصر والكفاح الفلسطيني المسلح ( -0622نوفمبر )0629
بعد الغارة الوحشية على غزة في /31فبراير 0622/والغارات التي تلتها من قبل الجيش اإلسرائيلي
على مدينة خانيونس وعلى مواقع الجيش المصري في منطقة العوجا والكونتال والتي قتل على أثرها ما
يزيد على مائة جندي من رجال الجيش المصري ,باإلضافة إلى عدد مماثل من المدنيين الفلسطينيين,
أصبح الحديث عن السالم بين مصر واسرائيل ضرباً من الوهم ,بعد أن تكشفت الحقائق والمعطيات
الجديدة حول العالقة األمريكية – البريطانية مع إسرائيل ,ودخول العراق (نوري السعيد) إلى حلف
بغداد ,ورفض الواليات المتحدة تزويد مصر بالسالح ,في ضوء ذلك قرر عبد الناصر[:]32 -0ضرورة شراء األسلحة من أية دولة لمواجهة التهديد والعدوان اإلسرائيلي.
-3السماح للفدائيين الفلسطينيين من قطاع غزة باالنطالق إلى داخل إسرائيل بتوجيه القيادة
المصرية ,وكان جمال عبد الناصر حريصاً على منع ذلك خالل فترة األمل في الوصول إلى
اتفاق سلمي مع إسرائيل.
-2البدء بالهجوم اإلعالمي على القوى العربية الرجعية التي وافقت على االنضمام إلى حلف بغداد ,وذلك عبر وسائل اإلعالم المصرية المختلفة واذاعة صوت العرب بشكل خاص.
-2عقد صفقة األسلحة التشيكية التي أعلن عنها يوم /37أيلول 0622/بالتنسيق مع االتحاد السوفييتي[.]39
لقد كان من أهم نتائج هذه العمليات العدوانية اإلسرائيلية المتغطرسة ,أن وجهت ضربة قاصمة لكل
محاوالت "السالم" التي طغت على سطح األحداث بعد نكبة عام 0621وحتى فبراير 0622خاصة
تلك التي قامت بها الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا عبر "األصدقاء العرب" في المنطقة.
كما فشلت أيضاً كل محاوالت "السالم" التي قام بها عدد من األحزاب الشيوعية نذكر منها الحركة
الديمقراطية للتحرر الوطني[( ]37حدتّو) في مصر ,التي أوكلت "مهمة السالم" لعدد من أعضائها المقيمين في باريس لالتصال بالمسؤولين اإلسرائيليين وغيرهم من اليهود ,وفي مقدمة هؤالء األب الروحي ومؤسس الحركة هنري كورييل[ ,]31ومعه ثروت عكاشة – الملحق العسكري في السفارة
المصرية في باريس – ويوسف حلمي المحامي ,ودكتور مراد خالف ,كما شارك في هذه المهمة
أنطون ثابت من الحزب الشيوعي اللبناني ,ورئيس مجلس السالم اللبناني ,وتجدر اإلشارة هنا إلى أن نشاط الشيوعيين العرب باتجاه السعي من أجل السالم العربي – اإلسرائيلي لم يكن له خلفية بالنشاط
االستعماري – الرجعي في المنطقة ,بقدر ما كان منطلقاً من الموقف األممي الرسمي ,والرؤية الرسمية 070
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لحل الصراع العربي اإلسرائيلي ,دونما إدراك كامل لألبعاد السياسية الوطنية للمسألة الفلسطينية أو
حق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين وتكريساً للطالق بين الرؤية التقدمية للمسألة القومية العربية من جهة وبين شكلية الحركة األممية الرسمية التي استند إليها الشيوعيين العرب وابتعدوا عن جوهرها الفكري الصحيح وتراثها الغني والواضح فيما يتعلق بالمسألة اليهودية والموقف منها .إن
االبتعاد عن استيعاب وفهم الواقع الخاص بكل تفاصيله هو أحد أهم المآخذ على الحركة الشيوعية
العربية.
كما كان من أهم نتائج هذا العدوان ,قرار القيادة الوطنية المصرية بإعالن تبنيها الرسمي للعمل
الفدائي المنطلق من غزة في شهر نيسان ,]36[0622واتخذت العالقة بين الزمر المناضلة المدربة
ذات الخبرة والمعرفة باألرض وبين القيادة المصرية طابعاً رسمياً ومنظماً[ ]21تحت إشراف المقدم
مصطفى حافظ الذي قام بمهمته ليس فقط كضابط مصري وانما كمناضل عربي آمن بقضيته وشعبه, وكان ذلك أحد أهم عوامل نجاحه في إعادة تدريب وتنظيم أكثر من ألف رجل من أبناء غزة وخانيونس
ومعظم قرى قضاء غزة الذي شكلت منهم كتيبة الفدائيين (ك ,)020بدأوا بتوجيه ضرباتهم و
إغاراتهم ضد العدو الصهيوني في الفترة من أيلول 0622وحتى أول نوفمبر ,0629لقد كانت هذه
المرحلة رغم قصرها الزمني" ,نقطة تألق في مسيرة النضال الفلسطيني"[ ]20قام الفدائيون الفلسطينيون خاللها بتنفيذ أكثر من مائتي عملية ,وقد أوضح الكاتبان اإلسرائيليان "شيف
ورشين"[ ]23في كتابهما عن الفدائيين الفلسطينيين طبيعة هذه العمليات كما يلي:
%21من الهجمات الفدائية كانت إلقاء قنابل يدوية واطالق نيران على المستوطنات واشتباكاتمع دوريات إسرائيلية.
%32 -عمليات كمائن للسيارات واآلليات.
%31عمليات نسف الخزانات وأنابيب المياه وتدمير الطرق الرئيسية والكباري. %02 -هجمات على السكان المدنيين في المستوطنات والمدن.
%6عمليات تدمير المباني بعبوات ناسفة. %2 -زرع ألغام.
ورداً على عمليات الفدائيين قام اإلسرائيليون بعدد من الهجمات على مدينتي غزة وخانيونس وقرى
القطاع وكان أكثر هذه الهجمات وحشية وغد ارً ذلك القصف المدفعي العشوائي على مدينة غزة تركزت على شارع عمر المختار وميدان فلسطين والشوارع المجاورة ومنطقة الشجاعية مساء يوم الخامس
من شهر أبريل 0629وأدى إلى استشهاد وجرح المئات من المدنيين رجاالً ونساء ,وما يزال العديد من أبناء غزة يذكرون بشاعة ذلك اليوم الذي تناثرت فيه جثث القتلى والجرحى في شوارع غزة لقد
تميزت الحالة الجماهيرية في القطاع – إبان تلك الفترة بالغليان الشديد والحزن والحداد والحقد على العدو الصهيوني ,ولم يكن يخفف من تلك األحزان إال انتقام الفدائيين الفلسطينيين الذي تميز بالعنف 072
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والتوسع ,ففي اليوم الثاني على الهجوم الصهيوني الغادر ,وتحديداً ليلة السادس من نيسان0629/ دخلت أكبر مجموعة فدائية من قطاع غزة في اتجاه األهداف التي حددت لها في األرض المحتلة, وكان عدد هذه المجموعة ال يقل عن ثالثمائة فدائي توغلوا في عمق إسرائيل حيث هاجموا مستعمرة
ريشون ليتسيون التي تبعد 27كيلو مت ارً عن خط الهدنة و 02كيلو مت ارً فقط عن تل أبيب واستمرت هذه العملية البطولية بتواصل يومي حتى الثالث عشر من نيسان ]22[0629وقد استشهد من أبطال
هذه المجموعة أحد عشر بطالً ووقع ثالثة آخرون في األسر.
وفي يوم 0629/7/32تسلم المقدم مصطفى حافظ طرداً ملغوماً انفجر وأدى إلى استشهاده
وتقدي ارً من الشعب الفلسطيني في غزة فقد أُطلق اسم هذا البطل على عدد من ميادين ومدارس
وشوارع غزة وخانيونس.
إن أهم نتائج العمل الفدائي في قطاع غزة ( )0629-0622تكمن في أنه َّ شكل:
-0بداية مرحلة جديدة من الصراع العربي اإلسرائيلي.
-3منعطفاً جديداً وبداية تاريخ للمقاومة الفلسطينية المسلحة بعد نكبة .0621
-2أصبح الفلسطيني – في قطاع غزة – واثقاً من نفسه وبمستقبل الشعب الذي ينتمي إليه باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية وطن وليست قضية الجئين.
-2كانت خسائر الصهاينة نتيجة العمل الفدائي في عامي 0622و 0629أكبر بكثير من خسائرهم في العدوان الثالثي على مصر في 0629/01/36ثم على قطاع غزة في الثاني
من نوفمبر .]22[0629
-2استقطب العمل الفدائي الذي قامت به الكتيبة الفلسطينية المعروفة بـ (ك )020تعاطفاً جماهيرياً كبي ارً ,أسهم في تعميق العالقة بين جماهير الشعب الفلسطيني في القطاع من جهة وبين القيادة الوطنية المصرية التي تزعمها القائد الخالد جمال عبد الناصر من جهة أخرى.
العدوان اإلسرائيلي واحتالل القطاع
(/3نوفمبر/7 – 0629/مارس)0627/
يقول (بن زوهار) مؤرخ حياة بن جوريون "كانت الحرب ضد مصر مقررة لدى بن جوريون فقد عاد
إلى وزارة الدفاع سنة ,0622كما كانت أزمة السويس طارئة ,وهي لم تغير من خطط إسرائيل التي كانت ستهجم على أية حال ,ولكنها سهلت لها أصعب األمور وهو السالم والحلفاء"[.]22
ورغم الذريعة اإلسرائيلية المعلنة كمبرر لمشاركتها في العدوان الثالثي مع فرنسا وبريطانيا على
مصر وقطاع غزة ,وهي القضاء على قواعد الفدائيين ,إال أن هذه الذريعة لم تكن سوى مدخالً لضم
قطاع غزة وتحقيق "األطماع اإلسرائيلية التوسعية التي ظهرت في إعالن بن غوريون قيام المملكة
اإلسرائيلية الثالثة"[.]29
073
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-قطاع غزة تحت االحتالل:
أدى قرار القيادة المصرية بسحب الجيش المصري من سيناء إلى عزل قطاع غزة وتسهيل مهمة
القوات اإلسرائيلية المهاجمة في احتالله.
ورغم ذلك فقد قاومت القوات العسكرية المتمركزة في رفح وغزة وخانيونس ,مقاومة يائسة لصد
هجوم القوات اإلسرائيلية المتفوقة في حجمها ونوع تسليحها.
ففي غزة استبسلت القوات المصرية والفلسطينية في التصدي للهجوم اإلسرائيلي من موقعها في
"جبل المنطار" أهم موقع عسكري في المدينة ,حتى اعالن االستسالم ظهر يوم 0629/00/3الذي
أصدره اللواء فؤاد الدجوي الحاكم العام لقطاع غزة بعد سقوط رفح صباح يوم 0629/00/0واكتمال
محاصرة القطاع.
ورغم ذلك ,فقد رفضت مدينة خانيونس االستجابة إلى أمر االستسالم ,كما رفض سكانها التحذيرات
الموجهة إليهم من القوات اإلسرائيلية بالتسليم دون قتال ,تأييداً منهم للكتائب الفلسطينية والمصرية المدافعة عن المدينة ,تلك الكتائب التي أعلنت رغم كل مبررات اليأس واالستسالم عن قرارها بالصمود
والقتال تحت قيادة اللواء يوسف العجرودي[ ,]27وأمام هذا الموقف لم يكن من السهل على القوات
اإلسرائيلية احتالل المدينة رغم اشتراك الطيران اإلسرائيلي في عملية القصف ,طوال يوم 00/3مما
أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في شوارعها[.]21
واستمرت المعركة حتى يوم 0629/00/2دونما انقطاع لقذائف المدفعية اإلسرائيلية على المدينة
والتي بلغت أكثر من ( 11ألف طلقة)[ .]26وسقطت مدينة خانيونس ,وفور دخول القوات اإلسرائيلية
بدأت عملية االنتقام من الجماهير الفلسطينية فيها ,حيث قام الجنود بدخول المنازل والبيوت عنوة,
وأطلقوا النيران على كل رجل أو فتى بالغ على مرأى من والديه واخوانه الصغار[ ]21دون أي سبب
سوى أنه ينتمي لهذه المدينة الباسلة التي بلغ عدد شهدائها في هذا اليوم األسود (372
شهيداً)[ ]20والجدول التالي[ ]23يوضح عدد شهداء قطاع غزة إبان االحتالل عام :0629 الشهداء المفقودين الجرحى
المنطقة -0مدينة غزة
329
011
023
-3مدينة خانيونس وجوارها
202
27
211
-2دير البلح والبريج والمغازي والنصيرات
93
37
21
-2مدينة رفح ومعسكر رفح لالجئين
067
32
029
621
302
709
المجموع
074
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الحركة الوطنية ومقاومة االحتالل:
لم يكن في القطاع إبان االحتالل ( )0629سوى حزبين رئيسيين هما الحزب الشيوعي الفلسطيني
وهو امتداد لعصبة التحرر الوطني التي تأسست في فلسطين سنة ,0622وحركة اإلخوان المسلمين
التي بدأت نشاطها بشكل ظاهر مع حرب ,0621ولم يكن لحزب البعث العربي دور مميز في القطاع
إذ أن فرع هذا الحزب تأسس في صيف ]22[ 0622من عدد من المدرسين العاملين في وكالة األمم المتحدة ,وعدد من خريجي الجامعات المصرية ,ولم يكن له خالل هذه الفترة القصيرة دور بارز في
األحداث السياسية التي سبقت احتالل القطاع ,كما لم يتوفر لهذا الفرع عالقات واسعة في أوساط
القوى السياسية التقليدية في القطاع مثلما توفرت للشيوعيين واإلخوان المسلمين.
وفور االحتالل بادر الشيوعيون بالدعوة إلى تشكيل جبهة وطنية لمقاومة االحتالل ,وصاغوا
برنامجاً سياسياً لهذه الغاية ,اعتمد في أساسه على الدعوة إلى المقاومة السلبية ,وعودة اإلدارة المصرية ورفض التدويل ,إال أن حركة اإلخوان المسلمين والبعثيين قر ار عدم المشاركة في الجبهة
الوطنية "وأعادوا رفضهم إلى جملة في برنامجها تنص على أن "يعتمد شعبنا الفلسطيني في كفاحه – ضمن مؤازريه – على الشرفاء داخل إسرائيل"[.]22
وعلى أثر ذلك شكل اإلخوان والبعثيون معاً "جبهة المقاومة الشعبية" وجاء تأسيسها متأخ ارً أكثر
من شهر بعد إعالن الجبهة الوطنية ,ومن الجدير بالذكر أن التباعد السياسي[ ]22بين الشيوعيين
واإلخوان على أثر تأييد الحزب الشيوعي لمبادرة عبد الناصر في تأميم قناة السويس ,أسهم في عدم
مشاركة اإلخوان المسلمين في الجبهة الوطنية.
تمحور النشاط السياسي لكل من الجبهتين ضمن عدد من الشعارات:
-0عودة اإلدارة المصرية والتأكيد على عروبة القطاع.
-3مقاطعة االحتالل (اإلضرابات /مقاطعة الوظائف المدنية وغيرها /مقاطعة المجلس االستشاري
الذي شكله الحاكم اإلسرائيلي /حض الطالب على عدم الذهاب إلى المدارس تحت شعار ال تعليم في ظل االحتالل).
-2الدفاع عن مخيمات الالجئين وحض الجماهير على الصمود.
-2رفض التعامل بالعملة اإلسرائيلية رغم العقوبات الصارمة التي وضعتها سلطات االحتالل. -2تشكيل اللجان الوطنية في مناطق القطاع.
ومما يذكر أن الجبهة الوطنية قد فكرت في طرح مشروع إعالن الدولة الفلسطينية[ ]29المستقلة
في قطاع غزة بعد خروج اإلسرائيليين إال أن هذا المشروع لم يجد قبوالً من عدد كبير من المستقلين الذين شاركوا في تأسيس الجبهة الوطنية والمعروفين بميولهم والتزامهم بالسياسة المصرية إضافة
075
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
على كون األغلبية منهم من كبار المالكين الذين لم تكن لهم مصلحة في استمرار التحالف مع
الشيوعيين بعد انهاء االحتالل.
وفي كانون الثاني/يناير 0627قام اإلسرائيليون باعتقال عدد كبير من قيادات وكوادر وأصدقاء
كل من "الجبهة الوطنية" و "جبهة المقاومة الشعبية" ,واستمر نضال أبناء القطاع حتى انسحاب
المحتلين مساء اليوم السادس من آذار ,0627الذي ترافق مع وصول قوات الطوارئ الدولية بتوجيه بيان إلى سكان قطاع غزة أعلن فيه أن قوات الطوارئ الدولية ستتولى مسؤولية الشؤون المدنية في
القطاع.
تصدرت "الجبهة الوطنية" و"جبهة المقاومة الشعبية" تحريض الجماهير الفلسطينية في على أثر ذلك ّ قطاع غزة ضد مؤامرة تدويل القطاع ,وكانت االنتفاضة الثانية (االنتفاضة األولى ضد توطين الالجئين
عام )0622ضد التدويل التي استمرت أسبوعاً كامالً لم تهدأ الجماهير فيه على اإلطالق ,إال بعد إفشال مؤامرة التدويل وعودة اإلدارة المصرية إلى قطاع غزة في الرابع عشر من آذار 0627وبداية عهد جديد.
شهادات حول الشيوعيين واإلخوان المسلمين في القطاع:
خالل الفترة من ()0627 – 0623
ورغم أهمية الدور الذي قام به كل من الشيوعيين واإلخوان المسلمين في توجيه وقيادة المظاهرات
عمت كل أنحاء القطاع ضد مشروع التوطين سنة ,0622وضد االحتالل اإلسرائيلي الجماهيرية التي ّ سنة 0629ومن أجل عودة اإلدارة المصرية إلى القطاع سنة ,0627إال أن ذلك كله لم يسهم في تعميق العالقة وتطورها بين الجماهير من جهة وبين الشيوعيين واإلخوان من جهة أخرى ,ويعود ذلك
إلى عدد من األسباب:
أوالً :الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة:
-0تنامي الدور الوطني والقومي للرئيس المصري جمال عبد الناصر واستحواذه على عواطف ومشاعر الجماهير العربية عموماً.
-3لم تقترب الجماهير في قطاع غزة من الحزب الشيوعي إال بقدر بروز دور الحزب في المجال
الوطني ,خاصة نضاله الطليعي ضد مشروع توطين الالجئين في سيناء وضد االحتالل
اإلسرائيلي عام ,0629وما عدا ذلك فقد ظلت الجماهير بعيدة عن طروحات الحزب الفكرية والنظرية على وجه الخصوص ,وقد كان لهذا الموقف الجماهيري أسبابه الموضوعية منها:
أ) مجمل التطور والعالقات االجتماعية واالقتصادية التي تميزت بالتخلف الشديد في كثر من المناحي.
076
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ب) الحجم الضئيل "للطبقة العاملة" التي كانت أقرب من حيث التكوين على البروليتاريا الرثة المقهورة والمتخلفة في آن واحد.
ج)تربص أجهزة األمن والمخابرات وقمعها بكل قسوة للشيوعيين وأصدقائهم ,في مقابل المساندة وتسليط الضوء على القوى التقليدية من كبار مالك وتعميق دورهم
السياسي واالجتماعي المعادي للشيوعيين.
-2انتشار األفكار القومية بين أوساط الجماهير في القطاع ,التي استقبلت هذه األفكار بحماس شديد باعتبارها مدخالً وحيداً للوحدة العربية وتحرير فلسطين ,والدور البارز لوسائل اإلعالم
العربية عموماً والمصرية بشكل خاص في تعميق هذا التوجه.
-2العالقات النخبوية بين الشيوعيين والجماهير في القطاع ,تلك العالقات التي افتقدت القدرة على االمتداد والتوسع النسبي في أوساط الفقراء والكادحين (مواطنين والجئين) رافق ذلك
الموقف الخاطئ من القومية العربية ,ومن التراث العربي – اإلسالمي عموماً باعتباره في
مجمله مرفوض "انطالقاً من فهم مغلوط وخاطئ" وأحادي الجانب للماركسية ,وكان من
الطبيعي أن يؤدي "الوعي الخاطئ للماركسية إلى ممارسات خاطئة"[.]27
-2جمود الفكر النظري والممارسات السياسية ضمن قالب أممي رسمي لدى الشيوعيين في القطاع – والشيوعيين العرب بشكل عام – والتزامهم بالنصوص الرسمية السوفيتية دون
اقتراب مباشر للواقع المحلي وقضاياه المطلبية الهامة ,ونتيجة لذلك فقد تكرس وضع
أصبحت فيه الكثير من الممارسات ضارة ومعرقلة[.]21
-9النزعات الذاتية واالنقسامات داخل الحزب نفسه وعدم اهتمام قيادة وكوادر الحزب "باالطالع
بشكل كاف على الفكر الماركسي واستيعابه ,ولم يتمكنوا من تطوير برنامج سياسي يحدد
حقيقة مواقفهم من القضايا المختلفة التي كانت عرضة لحمالت التشويه"]26[. ثانياً :األسباب الخاصة بانحسار حركة اإلخوان المسلمين:
-0موقفهم المناهض للحركة القومية العربية بشكل عام.
-3عالقتهم اإليجابية باألسرة الحاكمة في السعودية "وعالقتهم الحميمة بالقوى االستعمارية واالمبريالية األمريكية[ ]21مما شكل تحدياً لمشاعر الجماهير الوطنية.
-2موقفهم الخاطئ من القضية الفلسطينية إذ "يعتقدون أن المعركة من أجل فلسطين تبدأ بعد اكتمال عملية التحول اإلسالمي وبعد إتمام عملية االبتعاث اإلسالمي في المنطقة والعودة إلى
اإلسالم"[.]20
-2تراجع الفكر السلفي الذي اتسم بالطابع الرجعي ,أمام عنفوان المد القومي العربي الذي طغى على اهتمام الجماهير العربية في تلك الفترة في حين ركزت حركة اإلخوان المسلمين على البعد 077
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اإلسالمي الشكلي دون اهتمام أو إبراز للجوهر الحقيقي لإلسالم الذي ال يمكن أن يكون نقيضاً للديمقراطية أو القومية والوحدة.
-2قيامهم بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في مدينة اإلسكندرية ,بواسطة عضو الحركة محمود عبد اللطيف[ ,]23مساء يوم 0622/01/39مما أدى إلى تصعيد العداء الجماهيري
ضدهم.
-9حمالت المطاردة واالعتقاالت التي دفعت بعدد كبير من كوادر اإلخوان في القطاع إلى الهجرة [ ]22إلى السعودية ودول الخليج التي فتحت لهم أبوابها ورحبت بهم. هوامش [ ]0مصطفى الدباغ ,بالدنا فلسطين ج-0ص.023 [ ]3عواد االسطل ,الوضع القانوني لقطاع غزة-شؤون فلسطينية عدد -091ص.2 [ ]2محمد خالد االزعر ,المقاومة في قطاع غزة-ص02
[ ]2مصطفى الدباغ ,بالدنا فلسطين-الديار الغزية-الجزء االول-قسم-3ص. 02/02
[ ]2المصدر السابق-ص-32الديار الغزية [ ]9المصدر السابق-ص32
[ ]7د.عادل غنيم-القوى االجتماعية في فلسطين-ص21 [ ]1مصطفى الدباغ-مصدر سابق-ص.277/219
[ ]6عبد القادر ياسين-كفاح الشعب الفلسطيني حتى عام -0621ص062 [ ]01هارون الرشيد-قصة مدينة-ص92
[ ]00محمد خالد االزعر-المقاومة في قطاع غزة-ص09 [ ]03مصطفى الدباغ-الديار الغزية-ص217
[ ]02حسين ابو النمل-قطاع غزة -97/21ص201
[ ]02عواد االسطل ,الوضع القانوني لقطاع غزة-مصدر سابق-ص2 [ ]02عواد االسطل-مصدر سابق-ص9
[ ]09ابراهيم سكيك-غزة عبر التاريخ الجزء الثاني-ص26
[ ]07سميح شبيب-حكومة عموم فلسطين-منشورات البيادر-القدس-ص23 [ ]01المصدر السابق-ص21
[ ]06د.زياد ابو عمرو-اصول الحركات السياسية-ص21 [ ]31المصدر السابق-ص02 [ ]30المصدر السابق-ص09
[ ]33ابراهيم سكيك-غزة عبر التاريخ-جزء-7ص22 [ ]32مصدر سابق-ص021
[ ]32محمد خالد االزعر-المقاومة في قطاع غزة-ص21
[ ]32احمد حمروش-قصة ثورة 32يوليو-الجزء الخامس ص32
078
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102 [ ]39المصدر السابق-ص32
[ ]37المصدر السابق-ص06/01
[ ]31د.رفعت السعيد-منظمات اليسار المصري (-)0627-0621ص27 [ ]36الموسوعة الفلسطينية-الجزء الثالث-ص262 [ ]21المصدر السابق-ص262
[ ]20المصدر السابق-ص262/262
[ ]23ابراهيم سكيك-غزة عبر التاريخ-ج-7ص29 [ ]22الموسوعة الفلسطينية-ج-2ص262 [ ]22المصدر السابق-ص269
[ ]22احمد حمروش-مصدر سابق-ص27 [ ]29اميل توما-يوميات شعب-ص067
[ ]27د.محمد علي الف ار-تراث فلسطيني-ص391 [ ]21المصدر السابق
[ ]26هارون رشيد-قصة مدينة-ص72
[ ]21د.محمد علي الف ار-مصدر سابق-ص371 [ ]20ابراهيم سكيك-مصدر سابق-ج-7ص69
[ ]23المقاومة في القطاع-مصدر سابق-ص27
[ ]22عبد القادر ياسين-شبهات حول القضية الفلسطينية-ص61 [ ]22المصدر السابق-ص63
[ ]22المصدر السابق-نفس الصفحة [ ]29مقابلة شخصية مع سكرتير عصبة التحرر الوطني في قطاع غزة ,فخري مكي الذي كان له دور بارز في قيادة الجبهة
الوطنية في القطاع .
[ ]27من تقريراجتماع االحزاب الشيوعية في دمشق 6-9آب 0661 [ ]21المصدر السابق
[ ]26د.زياد ابو عمر-مصدر سابق-ص27 [ ]21د.زياد ابو عمر-الحركة االسالمية في الضفة وغزة-دار االسوار-عكا-ص39 [ ]20مصدر سابق-ص26
[ ]23ريتشارد ميتشل-االخوان المسلمين-الترجمة العربية-بيروت-ص312 [ ]22د.زياد ابو عمر-مصدر سابق-ص37
079
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
على موعد مع انتصار الثورة الشعبية الدميقراطية يف مصر
0 / 7 / 3102
على الرغم من التجربة القصيرة لحركات اإلسالم السياسي في مصر خصوصا ,إال أن الجماهير
الشعبية اكتشفت زيفها وحقيقتها الطبقية والسياسية التي ال تختلف في جوهرها عن نظام حسني
مبارك ,وبالتالي كان طبيعيا أن تشتعل ثورة الشباب وجماهير الفقراء والمثقفين بقيادة" حركة تمرد" من جديد معلنة إصرارها وعزيمتها على رفض أخونة مصر العربية وتحقيق أهداف 32يناير تحت شعار إسقاط نظام التخلف والتبعية واالستبداد والقمع واالستغالل ,وتأسيس النظام الديمقراطي الجديد
من خالل " هيئة تأسيسية" تجسد الشرعية الثورية ,على أن يترافق جنباً إلى جنب مع هذه الق اررات , إصدار القوانين المؤقتة التي تتضمن صراحة إلغاء كافة االمتيازات الطبقية ,ومصادرة كل الثروات
غير المشروعة في جميع المجاالت ,والتعويض الفوري ألسر شهداء االنتفاضة ,واعادة إحياء مؤسسات القطاع العام اإلنتاجية وتجديدها ودمقرطتها بعد تطهيرها من كل مظاهر الفساد واالستغالل
,وتحديد الحد األدنى والحد األعلى لألجور ,والتطبيق الصارم لمبدأ تكافؤ الفرص ,ودعم السلع
الغذائية واألساسية للشرائح الفقيرة ,واصدار القوانين والق اررات المطلوبة التي تؤكد على اهتمام والتزام النظام الجديد بالقضايا المطلبية للشباب والمرأة وانهاء مظاهر االفقار والبطالة والنهوض باالقتصاد
والصحة والتعليم والثقافة والبحث العلمي ,في اطار مبدأ تحقيق العدالة االجتماعية و إحياء قيم
الديمقراطية والتنمية المستقلة ونشر وتكريس روح االنتفاضة والثورة الوطنية ضد كل أشكال التبعية ,
وضد الوجود الصهيوني والقواعد العسكرية األمريكية ,وضد كل أشكال االستغالل الرأسمالي والتبعية في شتى صورها ,وأن يخطط النظام الديمقراطي الجديد إلى إعادة بناء الذات الوطنية والقومية على
أسس ديمقراطية و تنموية حديثة وفق قواعد االعتماد على الذات .وفي هذا السياق نحذر من أن
االنتفاضة العربية عموماً ,وفي مصر خصوصاً ,تتعرض لمفترق طرق يهدد حاضرها ومستقبلها ,
ما يؤكد على أنه ليس أمام هذه االنتفاضات وقياداتها الوطنية الديمقراطية ,سوى االعتماد على
الجماهير وتأطير صفوفها وتحشيدها من أجل اثبات ارادتها وتحقيق أهدافها ,وذلك يتطلب اآلن اآلن مزيداً من التظاهر واالعتصامات السلمية الدائمة في مجابهة عناصر وقوى الثورة المضادة والبلطجية ,ومن هنا أولوية المبادرة الفورية لتأسيس وبلورة االئتالف الديمقراطي في إطار جبهوي يضم جميع
القوى الثورية الديمقراطية إدراكا من الجميع أن مستقبل مصر يكمن في تكريس النظام الثوري الديمقراطي سياسيا واجتماعيا المعبر عن مصالح وطموحات الجماهير الشعبية الفقيرة ,فال مستقبل
للثورة الشعبية إذا ما تعارضت أو تناقضت مع هذه الرؤية ...انها لحظات االنتصار مع الثورة المتجددة والمستمرة عبر انتفاضة الجماهير الشعبية في مصر /21يونيو من اجل تحقيق أهداف ثورة
081
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
32يناير التي استشهد من اجلها المئات من مناضلي الشعب المصري العظيم وتتطلع الى تحقيقها وانتصارها جماهير الشعوب العربية التي ستبدأ حراكاً ثورياً من أجل اسقاط كل أنظمة االستبداد واالستغالل والتخلف ومواصلة النضال من أجل رفع راية الحرية واالستقالل والعدالة االجتماعية والديمقراطية الثورية على طريق وحدة المجتمع العربي االشتراكي الكفيل بإزالة الوجود االمبريالي
والصهيوني من بالدنا .
080
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حلظة النهوض الثوري والدميقراطي ملصر وللوطن العربي كله 3 / 7 / 3102 ها هي مصر وشعبها العظيم يعيشون اوضاعا ثورية صوب تحوالت سياسية ومجتمعيه تطرد
"ذهنية العبيد" وتتمرد على االفكار والممارسات الرجعية المتخلفة لجماعة االخوان المسلمين معلنة والدة مشهد جديد ُ -م َع َّمد بالتضحيات والدماء الغالية -لم تعهده أو تعرفه مصر من قبل ..مشهد
المواطَ َنة والحرية وكسر الخوف ...هذه الروح تنتشر اليوم الكرامة والعدالة االجتماعية وحرية الرأي و ُ لتسكن عقول وقلوب جماهير الشعب المصري التي انطلقت من جديد لكي تنهي حكم جماعة االخوان المسلمين بعد تكشفت حقيقتهم وزيف شعاراتهم وانتهازيتهم واستبدادهم وتحالفاتهم المشبوهة مع
االمبريالية االمريكية وقوى االستغالل والفساد في مصر ..وها هم ماليين الشباب والفقراء وكل
المضطهدين ينطلقون عبر حركة " تمرد " بثورتهم العظيمة السقاط رئيس وحكومة االسالم السياسي وبداية عهد جديد بقيادة البديل الشعبي الديمقراطي الذي تحكمه معايير ومرجعية الوطن والوطنية
الحرية والعدالة االجتماعية للفرد والجماعة ضمن عقد اجتماعي مدني وديمقراطي يفصل والمواطنة و ّ الدين عن السياسة ويفصل السياسة عن الدين ويكون المصدر الوحيد لشرعية الرئيس-الموظف المدفوع األجر لمدة محددة ,يعود بعدها ذلك الرئيس مواطنا عاديا بين الناس الذين من حق أي منهم
أن ُيرشح نفسه لذلك المنصب أو تلك الوظيفة ...تلك هي طموحات الشعب المصري في لحظة ثورته, ليس ضد جماعة اإلخوان المسلمين فحسب ,بل أيضا ضد كل مظهر من مظاهر إعادة الفرعنة واالستفراد والتَ َح ُّكم في الدولة المصرية ومستقبلها .
السكون المشتَِعلَة اليوم في مصر على مفترق طرق ...إما العودة إلى ْ ً بناء عليه ..فهذه الثورة ُ ضوخ للفَر َع َنة واعادة إنتاج التخلُّف واستبداد "القائد الفرد" أو مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها الر ْ وّ في الحرية والديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية من قلب الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها
االشتراكية ...إنها لحظة النهوض الثوري لمصر وللوطن العربي كلـه .
082
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الثورة الوطنية الدميقراطية من منظور يساري 3 / 7 / 3102 الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور يساري هي استمرار لثورة التحرر الوطني من جهة وهي
استمرار لسيرورة الثورة االشتراكية من جهة ثانية ,انطالقا من العالقة الجدلية بين الثورة الوطنية
الديمقراطية و الثورة االشتراكية ,فالثورة الوطنية الديمقراطية ترتكز إلى تحالف واسع من الجماهير يضم القوة الرئيسية للتحالف الثوري المكونة من العمال والفالحين الفقراء ,الى جاتب الشرائح الفقيرة
من البورجوازية الصغيرة ( ,حيث ال وجود للبورجوازية الوطنية في بالدنا ,وان وجدت فهي مرتبطة بالبورجوازية الكومبرادورية الكبيرة) ويخطئ كل من يحاول القفز على المهام الوطنية الديمقراطية
والسير رأسا نحو"الثورة االشتراكية" أو كل من يحاول حصر المرحلة الوطنية الديمقراطية في األفق
البرجوازي المسدود .فهي تهدف إلى استكمال التحرر الوطني في الميدان االقتصادي االجتماعي ,كما
وترمي إلى القيام بتحوالت طبقية /اجتماعية ثورية تضمن انهاء كل اشكال التبعية لالمبريالية وانهاء هيمنة الكومبرادور والراسمالية الطفيلية واقتصاد السوق في المجتمع لحساب اقتصاد التسيير الذاتي
والتعاوني والمختلط في اطار التنمية ,وهذا يعني أن مهامها :
.0تصفية البنية االقتصادية التابعة وتصفية البنية االقتصادية الكومبرادورية وكافة الشرائح
االجتماعية التي تجسد التخلف االقتصادي االجتماعي والتي لها مصلحة في االبقاء عليه . والغاء سيطرة اقتصاد السوق في الميدان االقتصادي وتطبيق البرامج العملية النهاء األمية ,
وتطوير الصحة والعلم والثقافة الديمقراطية الوطنية والقومية على قاعدة فصل الدين عن
الدولة ,وتوفير التأمينات االجتماعية والصحية ومجانية التعليم للفقراء والمتميزين ,وبناء
الجيش الوطني وكافة المؤسسات األخرى التي تخدم اهداف ومصالح الجماهير الفقيرة.
.3تصفية البنى اليمينية الليبرالية وبنى االسالم السياسي االقتصادية واالجتماعية والثقافية وتقكيك وازاحة هيمنتها في البناء الفوقي ,وهذا يعني اعادة هيكلة وبناء مؤسسات الدولة
قانونيا وسياسيا وثقافيا بما يتطابق مع المصالح الطبقية لجماهير الفقراء والكادحين في سياق
العمل الدؤوب اللغاء كافة مظاهر التخلف االقتصادي واالجتماعي والثقافي ,وعلى قاعدة العداء والنضال الجتثات الوجود االمبريالي الصهيوني من بالدنا في اطار التحالف
االستراتيجي مع كافة الدول والشعوب والحركات المناضلة ضد كل اشكال السيطرة االمبريالية
وحليفها الصهيوني وضد كافة انظمة التخلف واالستباداد والرجعية في بالدنا.
083
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
.2اعتماد تطبيق مبادىء التنمية المستقلة المعمدة على الذات :إقامة التعاونيات ,وتنشيط الصناعة الوطنية والزراعة والتجارة الداخلية واشراف الدولة على التجارة الخارجية.
084
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
من وحي الثورة الشعبية يف مصر العربية ...القوى اليسارية
الثورية هي القوى الوحيدة املؤهلة لقيادة هذه املرحلة ومستقبلها 2 / 7 / 3102 الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور يساري هي استمرار لثورة التحرر الوطني من جهة وهي
استمرار لسيرورة الثورة االشتراكية من جهة ثانية ,انطالقا من العالقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية و الثورة االشتراكية .
هذه الرؤية تفرض على كافة القوى اليسارية العربية أن تنطلق في نضالها السياسي الديمقراطي
والكفاحي من ان مهام التحرر الوطني واالستقالل الحقيقي وانهاء كل أشكال االرتهان لإلمبريالية
ال زالت مهمة رئيسية ال بد من تحقيقها عبر تحطيم وازالة الكتلة الطبقية الكومبرادورية ,والبيروقراطية
التي تشكل رأس حربة الهيمنة اإلمبريالية في بالدنا.
لذلك فإن التحرر من الهيمنة اإلمبريالية وتحقيق أهداف الثورة الديمقراطية يعني بناء االقتصاد
الوطني وتمكين الجماهير الشعبية من تقرير مصيرها ومستقبلها من خالل ضمان تفكيك الكتلة
الطبقية السائدة وتصفية وتأميم مصالحها وامتيازاتها الطبقية بما يؤدي إلى تفكيك بنيتها بصورة
نهائية على المستوى السياسي والمستوى االقتصادي والثقافي ,وذلك من خالل صياغة واقرار دستور ديمقراطي علماني يجسد إرادة الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر السلطة ,إلى جانب صياغة
وتطبيق الخطط التنموية الكفيلة بالقضاء على كل مظاهر التبعية واالفقار واالقتصاد الريعي وتفعيل
وتطوير الصناعات الوطنية في إطار اقتصاد القطاع العام والتعاوني والمختلط ,إلى جانب القيام
باصالح زراعي تعاوني يمكن الفالحين الفقراء من االرتقاء بأوضاعهم الحياتية واسهامهم في تطوير
القطاع االنتاجي الزراعي .
وفي هذا السياق البد من العمل من أجل توفير الحاجيات األساسية من الخدمات االجتماعية
والصحية والتأمينات ومجانية التعليم للفقراء وكافة الخدمات األساسية للجماهير الفقيرة جنباً إلى جنب مع البرامج الهادفة إلى إنهاء مظاهر الفقر والبطالة وتحديد الحد األدنى واألعلى للدخل وتطبيق مبدأ
تكافؤ الفرص.
وفي هذا الجانب البد من التأكيد على رفض المنهج اإلصالحي في مسيرة النضال الديمقراطي
وممارسة هذه العملية بمنهجية ثورية ديمقراطية جذرية تستهدف تغيير بنية أنظمة التبعية والتخلف
واالستبداد وتحطيم أسسها ومكوناتها الطبقية ,وهنا بالضبط يتجلى دور القوى اليسارية الثورية في قيادة مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ,باعتبارها القوى الوحيدة المؤهلة لقيادة هذه المرحلة 085
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والتأسيس لمستقبل مجتمعاتنا وشعوبنا ,بعد ان فشلت القوى الليبرالية أو البورجوازية التابعة في تحقيق هذه المهمة من ناحية وبعد ان تأكد للجميع أن تيارات اإلسالم السياسي وجماعة اإلخوان
المسلمين تحاول إعادة انتاج وتجديد التخلف والتبعية واالستبداد والقهر في بالدنا.
086
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
رؤية أولية حول موقف القوى اليسارية والدميقراطية العربية من حركات اإلسالم السياسي..
9 / 7 / 3102 لعل أكثر ما يشغل أذهان القوى الديمقراطية واليسارية تجاه حركات "االسالم السياسي" ,هي
مرجعياتها السلفية المتزمتة ,وانعكاس ذلك على المسار التحرري والديمقراطي لمجتمعاتنا ,حيث أن
حركات اإلسالم السياسي يمكن أن تتعاطى مع قضية الديمقراطية ,بطريقة استخدامية ,كآلية للوصول إلى السلطة السياسية ومن ثم االستفراد بها ,وتحويلها من ٍ مهد للتغيير الديمقراطي ,والتطور السياسي والمجتمعي إلى لحد لهذه العملية كلها ,وما قد يترتب على ذلك من إعادة إنتاج التبعية
واالستبداد بأشكال وصور مستحدثة ,وما سيؤدي إليه هذا المشهد من قيود و " تشريعات " يتم
فرضها على عملية النهوض والتطور الديمق ارطي لمجتمعاتنا ,عبر تقييد وقمع حرية الرأي والتعبير
والمعتقد ,تعزز الموقف الرجعي تجاه مفاهيم الحداثة والتطور المجتمعي عموماً ومن قضية تحرر
المرأة ومساواتها بالرجل خصوصاً ,ما يعني ضخامة ونوعية القضايا الخالفية بين القوى اليسارية
والديمقراطية العربية وبين حركات اإلسالم السياسي التي تستند في دعوتها إلى معالجة القضايا المعاصرة ,االجتماعية واالقتصادية والسياسية ,الى منطق غيبي تراجعي عاجز عن بلورة برنامج
سياسي ديمقراطي اجتماعي تنموي من جهة وال تتناقض مع السياسات االمبريالية واالنظمة الرجعية
من جهة ثانية ,ما يعني في حال وصولها الى السلطة والحكم ,ستعمل على إعادة إنتاج أنظمة استبدادية رجعية وتابعة ,مع استمرار النظام االقتصادي االستغاللي الرأسمالي الرث على ما هو
عليه.
لكن على الرغم من مخاطر وسلبيات هذا المشهد ,البد من االقرار بأن ما يعرف بـحركات "اإلسالم
السياسي" أصبحت جزءاً من الحياة اليومية في مجتمعاتنا العربية ,وبالتالي ,فإننا ال نستطيع الحديث
عن رؤية برنامجية للمرحلة الجديدة- ,ما بعد إسقاط الجماهير لنظام االخوان المسلمين في مصر- يتم فيها تجاوز الحركات والجماعات اإلسالمية ,دون معالجتها والتفاعل الحواري معها في نظام
سياسي ديمقراطي وتعددي يرفض كل مظاهر الصراع التناحري واالقتتال الدموي ,التزاما من الجميع
بتغليب التناقضات الرئيسية ضد العدو االمبريالي والصهيوني على التناقضات الثانوية الداخلية .
وفي هذا السياق ,البد لي من أن استحضر تلك اللحظة النهضوية الفارقة في تاريخنا الحديث - ,
وأقصد بذلك المرحلة الممتدة بين عام 0611حتى عام -0621لكي نأخذ منها الدروس والعبر ,
087
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومن ثم استلهامها وتطبيقها في قلب الحالة الثورية الديمقراطية العربية الراهنة ,لكي نغلق األبواب
في وجه أدوات الثورة المضادة ,الداخلية والخارجية .
ففي العقود األ ربعة األولى من القرن العشرين ,التي تسمى بحق ,عصر النهضة ,حيث ارتقى
الحوار الموضوعي بين األطياف والمذاهب السياسية والفكرية في ذلك العصر كافة ,إلى درجات عليا من حريات الرأي والتعبير والكتابة والمعتقد من خالل عالقات غلب عليها السمو واالستنارة واالحترام
المتبادل بين الرأي والرأي اآلخر ,حيث برز في تلك المرحلة علماء ومفكرين ,التقوا معاً على أرضية الحوار ,رغم تباين منطلقاتهم الفكرية وتعدد محاورها وأهدافها وشعاراتها التي تفاعلت واختلفت في منطلقاتها و منهجيتها في رحاب حرية الرأي والمعتقد والبحث دون أي إرهاب فكري او جسدي أو
تكفيري ,وفي هذا المناخ الديمقراطي الحر ,تفتحت واينعت ازهار كثيرة نذكر منها عبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين األفغاني ,ومحمد عبده وعلي عبد الرازق ,وشبلي شميل وسالمة موسى ,
وفرح أنطوان ,وطه حسين وبطرس البستاني وعلي مبارك وهدى شعراوي و إبراهيم اليازجي و جورجي
زيدان واسماعيل مظهر وأحمد لطفي السيد ,وقاسم أمين ,وأحمد أمين وساطع الحصري ...إلخ ,في
إطار ليبرالي واسع ومتنوع الرؤى واألفكار التي تراوحت بين االيديولوجيات الدينية السياسية االصولية
من ناحية وبين االستنارة والعلم والحداثة وفصل الدين عن الدولة وبين المادية والداروينية وحرية
المرأة واالستقالل والوحدة القومية واالشتراكية والشيوعية .
غير أن ما يميز األصولية اإلسالمية ,في شكلها العربي عودتها الصارخة إلى مركز الفعل في
األوساط الشعبية العفوية الفقيرة التي افتقدت القوى الديمقراطية واليسارية المدافعة عن قضاياها ,
فاضطرت إلى أن تلجأ إلى السماء للخالص من قهر األنظمة واستغاللها الطبقي ,وكان طبيعياً في
مثل هذا الوضع أن تجد هذه الجماهير الشعبية الفقيرة في الحركات والجماعات االسالمية مالذاً لها للخالص من أشكال اضطهادها واستغاللها والخروج من فقرها ومعاناتها الناجمة عن فساد تلك
األنظمة واستبداد اجهزتها القمعية ,وأن تلتحق في صفوف الحركات االسالمية ,من منطلقات
سياسية ومجتمعية ودينية ,وبذلك استطاعت هذه الحركات –في ظروف الهزيمة السياسية والتراجع المجتمعي من جهة وفي ظروف االنتفاضة الثورية الحالية من جهة ثانية – أن تحقق حالة غير
مسبوقة تاريخياً من االنتشار ,بعد عقود من التهميش والعزلة والكمون الذي عاشته ,بتأثير المرحلة الناصرية والمد القومي التحرري وانتشار االفكار التنويرية والعقالنية واالشتراكية ,ثم بعد ذلك ,بتأثير
مرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني منذ عام 0697حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي التي كانت
ايذاناً بوالدة مرحلة التراجع والهبوط السياسي واالنحطاط المجتمعي الذي انتشر في ربوع البلدان العربية منذ ذلك التاريخ ,وشكل بدوره بداية االنتشار الفعلي للحركات اإلسالمية األصولية التي لم يكن
ممكناً أن تنتشر في غير هذه الظروف.
088
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومع هذا االنتشار غير المسبوق ,انتقلت الحركات االسالمية األصولية من حالة التهميش ,إلى
حالة التأثير والفعل ,ليس لنشر منطلقاتها وآرائها فحسب ,بل أيضاً لتمارس – بصورة مباشرة وغير مباشرة -نوعاً من االستنفار ألدواتها االيديولوجية أو الفكرية الغيبية المنغلقة ,في محاولة لمواجهة الفكر التنويري العقالني ,الوطني والقومي ,لتجعل من تهديم مفاهيم التنوير والعقالنية والحداثة
والليبرالية والعلمانية والمواطنة والدولة المدنية والوحدة العربية واالشتراكية غايتها األساسية األولى ,
ومن ثم استخدام الدين السياسي ,كأداة مصالحة مع الواقع المرير وأدواته الطبقية ,الرأسمالية,
الداخلية والخارجية ,خاصة وأن هذه الحركات ال تتناقض أبداً مع النظام الرأسمالي بل تعتبر نفسها جزء ال يتج أز منه ,ولكن بمنطلقات إسالمية عبر ما يسمى بـ"االقتصاد اإلسالمي".
أما بالنسبة للعالقة بين اليسار العربي وحركات اإلسالم السياسي ,أود التوضيح هنا أنني لست في
وارد تناول موضوعة " الدين" من زاوية فلسفية ,في إطار الصراع التاريخي بين المثالية والمادية,
فهذه المسألة ليست بجديدة ,كما أنها ليست ملحة ,كما أن عملية عدم الخلط بين الدين كعقيدة
يحملها الناس ,وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة مهمة وحساسة ,فان يكون لنا موقف فلسفي من
الدين ,ال يعني على اإلطالق سحب ذلك الموقف على الجمهور المتدين ,بل على العكس ,فان واجبنا النضالي يفترض منا االقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية ,والتفاعل مع قضاياه وهمومه
وجذبه إلي النضال من اجل الحرية واالستقالل والديمقراطية وانهاء كافة أشكال االستغالل والقهر واالستبداد ,انطالقاً من فهمنا للماركسية بأنها ليست نظرية مضادة للدين – كما يروج دعاة اإلسالم
السياسي والقوى الرجعية واالمبريالية – بل هي طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته ,فهي تنظر إلى
تطور الوعي البشري في محاولتهم فهم واقعهم ,وصوغ الرؤية التي تكيفهم الدين بوصفه جزءاً من ّ تطو ارً كبي ارً في مسار الفكر ,وانتظام البشر في الواقع. معه ,وأنه ش ّكل ّ وعلى الرغم من كل ما تقدم ,فإن المستجدات والمتغيرات المتالحقة راهناً ,تؤشر إلي أننا سنواجه
–مع حركات اإلسالم السياسي -ظروفا وأوضاعاً مستجدة ,ما يفرض على القوى اليسارية والديمقراطية العربية أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العالقة الديموقراطية مع هذه الحركات
بمختلف مذاهبها ,بحيث تحرص على ان ال تصل االختالفات معها ,إلى مستوى التناقض التناحري
الذي يحكم عالقتنا بالعدو اإلمبريالي الصهيوني ,انطالقاً من رؤيتنا تجاه هذه الحركات ,التي تؤكد
على "أن قوى اإلسالم السياسي هي مكون طبيعي من مكونات النسيج السياسي واالجتماعي العربي على الرغم من أية خصوصيات تمثلها ,وعلى هذا الصعيد يهمنا أن نؤكد بأننا نرى في تلك القوى
إحدى دوائر الفعل والتفاعل ,وذلك وفق قواعد االختالف والديمقراطية والتعددية والحريات العامة
والخاصة التي يتوجب االحتكام إليها .
أما بالنسبة لعالقة اليسار الفلسطيني مع قوى اإلسالم السياسي فهي "عالقة متحركة وجدلية تبعاً
لتناقضات الواقع السياسية واالجتماعية ,وتبعاً للتناقضات التناحرية مع العدو الصهيوني حيث يمكن 089
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أن تتوفر حالة من التقاطع على الصعيد السياسي في اللحظة التي تقف فيها قوى اليسار والقوى
اإلسالمية على أرضية المعارضة والمواجهة لمشاريع التسوية األمريكية – اإلسرائيلية ,بينما على
الصعيد االجتماعي فإن التعارض والتناقض أكثر حضو ارً ,سواء على صعيد فهم الديمقراطية كقيم وآليات وممارسة لبناء المجتمع ومؤسساته أو تجاه القضايا االجتماعية الرئيسية حرية المرأة ,حرية
االعتقاد وحرية التعبير واالجتهاد وحرية اإلبداع الثقافي وقضايا العدالة االجتماعية واالقتصادية
بمختلف تجلياتها".
إن وضوح هذه الرؤية ,ومن ثم البناء عليها بالنسبة لعالقة القوى اليسارية مع القوى اإلسالمية
يتطلب من هذه األخيرة أن تتخذ موقفاً واضحاً من التوجهات التالية: أوال :النضال من أجل تحرير الوطن من االحتالل .
ثانيا :رفض التبعية بأشكالها المختلفة السياسية واالقتصادية والثقافية .
ثالثا :رفض التطبيع بكافة أشكاله ورفض الصهيونية كعقيدة معادية لشعبنا وللشعوب العربية وحضارتها وتراثها وقيمها.
رابعا :تغليب التناقضات الرئيسية على الثانوية في هذه المرحلة.
خامسا :النضال من اجل الديمقراطية وترسيخها كنهج حياة مجتمعي يضمن الحرية بكافة أنواعها وفي مقدمتها حرية المعتقد.
هذه هي ابرز مالمح وسمات المرحلة السياسية الجديدة كما نقرؤها في اللحظات السياسية الراهنة.
أخي ارً إن احترامنا لألديان عموماً والتراث الديني اإلسالمي خصوصاً ,يتطلب منا –عبر الحوار
الديمقراطي -رفض استخدام الدين كأداة لقمع حرية الفكر واإلبداع والبحث العلمي وحرية الرأي والرأي اآلخر ,وكذلك رفض اختزال اإليمان الديني إلى تعصب حاقد ضد اآلراء واألفكار والعقائد األخرى.
091
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
يف مفهوم االغرتاب وبؤس فصائل واحزاب اليسار العربي 03 / 7 / 3102 ()0
مفهوم االغتراب
االغتراب ,كمفهوم ذي دالالت ,يمثل نمطا من تجربة يشعر فيها اإلنسان بالغربة عن المجتمع من
حوله وليس غربة عن الذات (جنون) .ومعاني االغتراب متعددة ,اجتماعية ونفسية واقتصادية ,ويمكن
إجمالها في انحالل الرابطة بين الفرد والمجتمع,فيصبح المرء مرهونا له /لها ,بل مستلَبا .وهذا ما يولِّد التذري واالنفصال عن المحيط الذي يعيش فيه. شعو ار داخليا بفقدان الحرية واإلحباط والتشيؤ و ِّ ّ حول ماركس االغتراب من ظاهرة فلسفية ميتافيزيقية ,كما كان عند هيغل ,إلى ظاهرة تاريخية لها َّ أصولها التي تنسحب على المجتمع والعالقات االجتماعية واالقتصادية .وبهذا استعمل ماركس مفهوم
االغتراب لوصف “الالأنسنة” التي تنجم عن تطور عالقات اإلنتاج في المجتمع الرأسمالي ,أو لوصف "الال أنسنة" في مجتمع االستبداد والقمع للحريات والتخلف.
ان البداية الصحيحة لنقاش أي مسألة كانت ,تكمن في االتفاق أوالً على ماهية المنهج السليم
للنقاش وإلدارة الحوار ,وهذا ليس اختصا ار للوقت ,بل الشرط الذي ال غنى عنه لكي يذهب البحث والنقاش صوب جوهر القضايا وال يغرق في التفاصيل بما يضمن ,تحقيق هدف الحوار ووظيفته التي
تتحدد في استشراف الخطوط الرئيسية للمستقبل انطالقا من الحاضر والماضي .
وفي كل االحوال فإن االغتراب من حيث المبدأ نتاج اإلنسان ,ورغم أن البشر بهذا المعنى هم الذين
يصنعون العالم االجتماعي الذي يعيشون فيه ,فان هذا العالم يصبح فيما بعد غريبا عنهم ال يملكونه
وانما تملكه وتملك اإلنسان معه أشياء أخرى صنعها اإلنسان بنفسه ثم استقلت عنه وسيطرت عليه كما هو الحال في ظل عالقات السيطرة واالستغالل والقهر في المجتمعات الرأسمالية والمجتمعات
التابعة والمتخلفة ,كما في بلداننا العربية ,حيث تسود هيمنة المؤسسات السلطوية وآلياتها السياسية واألمنية واالجتماعية بكل اجهزتها القمعية المتنوعة ,وهكذا يحدث االغتراب الذي ال سبيل لهزيمته إال
بمزيد من المعرفة المتحررة المبنية على اإلدراك الشامل لكل مظاهر وادوات االستبداد والتخلف والتبعية
واالستغالل الطبقي والنضال التحرري والديمقراطي من قلب الصراع الطبقي من اجل اجتثاث تلك
المظاهر بما يضمن تحقيق اهداف وتطلعات الجماهير الشعبية الفقيرة في الحرية والمساواة وتكافؤ
الفرص والتنمية المستقلة الشاملةوالتعددية الديمقراطية والعدالة االجتماعية بافاقها االشتراكية .
090
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
()3
مخاطر االغتراب على راهن ومستقبل احزاب وفصائل اليسار
االغتراب لدى فصائل واحزاب اليسار يصبح له معنى أشمل عندما يرتبط بالتراجع والتفكك والهبوط
السياسي واالنتهازية واالرتداد الفكري وفقدان المصداقية والتأثير في اوساط الجماهير ,وحينما تشعر
-هذه الفصائل -أن ثقافتها وشعاراتها السياسية ورؤيتها الفكرية وبرامجها لم تعد من ممتلكاتها وأن
أسسها ومبادئها النظرية والفكرية والسياسية لم تعد تلهمها في شيء لفهم التحوالت الجارية أو لفهم مقتضيات النضال السياسي والكفاحي والديمقراطي والصراع الطبقي ,فتنكمش على ذاتها وتنسحب من
الواقع تدريجيا حتى تفقد تلك الصلة التي تربطها به ,وذلك حينما تتكرس حالة االنفصام أو العزلة أو الفجوة بين الوثائق النظرية للحزب وبين ممارساته العملية ,بحيث تصبح هذه الممارسات بعيدة إلى
حد كبير عن مضمون وأهداف الرؤية او المحددات النظرية كما وردت في وثائق هذاالحزب أو الفصيل
او ذاك ,وفي مثل هذه االحوال من التراجع يصبح االغتراب مظه ار رئيسا لدى العديد من االعضاء
الثوريين المتميزين بوعيهم والتزامهم العملي والنضالي باالهداف والمبادىء ,ولذلك يمارسون كل اشكال التحدي ال زاحة االغتراب ,لكن تراكم مظاهر وشخوص التراجع االنتهازي والشللي التي تكرس
عوامل االنهيار الفكري والسياسي تجعل موازين القوى داخل الحزب او الفصيل لصالح قوى االرتداد والتراجع ,ومن ثم يصبح الحزب او الفصيل معرضا لمزيد من عوامل التفكك تمهيدا النهياره واسدال
الستار عليه ووالدة القوى الثورية الجديدة من داخله ومن خارجه . ()2
ما هي مظاهر الضعف الفكرية والسياسية داخل فصائل واحزاب اليسار التي يمكن أن تؤدي إلى
سيطرة مناخ االغتراب فيها ؟
سأحاول على هذا السؤال من خالل إبداء بعض المالحظات .
المالحظة األولى :تتعلق بحالة الضعف التاريخي للوعي العميق بمفهومي القومية والماركسية ,
حيث جاء انهيار االتحاد السوفيتي وتحوالت العولمة الرأسمالية ليضفي مزيداً من االرباكات والحيرة والفوضى الفكرية على جميع فصائل وأحزاب اليسار العربي ,وفي هذا السياق أشير إلى أن معظم هذه االحزاب والفصائل ال ينطبق عليهم صفة اليسار الماركسي ,فمن يقبل بالمناهج االصالحية الليبرالية
او باتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة واتفاق أوسلو أو يقبل بالتفاوض مع دولة العدو اإلسرائيلي او االعتراف بها ,ومن يقبل المشاركة في حكومات انظمة االستبداد اوحكومة سلطة الحكم اإلداري
الذاتي ,ومن وافق على الذهاب إلى ما يسمى بمؤتمر جنيف الذي استهدف شطب حق العودة وشطب
الحقوق التاريخية ,فال يجوز موضوعياً ان يندرج تحت مسمى اليسار ,وبالتالي فإن هذه األحزاب تعيش داخلياً حالة شديد من االغتراب لدى عموم االعضاء عندما يصعب على هذا المكون األيدلوجي 092
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إيجاد مكانه الطبيعي ويعيش نوعا من التيه والحيرة معا على مستوى الموقع أوال وقد يمتد إلى ذلك
ليشمل المرجعية أيضا.
المالحظة الثانية :هي أن اليسار العربي عموما لم يعد قاد ار على إنتاج معرفة جديدة للواقع
السياسي ,االجتماعي ,االقتصادي ,الثقافي ,القانوني ,برؤية وطنية وقومية يسارية ثورية
وديمقراطية واضحة المعالم ,ويعود السبب في ذلك إلى أزمة القيادة المستفحلة تاريخياً ,والتي انتشرت في أوساط الهياكل والمراتب الحزبية االخرى ,إلى جانب غياب أو ضعف الوعي العميق باألفكار المركزية التوحيدية لهذه األحزاب والفصائل من جهة وتراجع حالة الشغف والدافعية الذاتية أو
القناعة لدى األعضاء بتلك األفكار من جهة ثانية ,ليس بسبب عدم صالحية الفكر أو المنهج
الماركسي ,بل بسبب الضعف الفكري والبنيوي للقيادة وعجزها أو قصورها في تطبيق البرامج الفكرية والسياسية والمجتمعية التثقيفية لدى أعضائها ؛ إذ أن أغلب تساؤالت اليسار اليوم ال تزال حبيسة
ماضيه دون أي ابداع أو تجديد يتناسب مع المستجدات والمتغيرات الراهنة ,بل إن اليسار الفلسطيني رهن عدد من القضايا واإلشكاالت السياسية والمقاومة على حساب االشكاالت المجتمعية ,وعلى الرغم
من أهمية ذلك فإنه ال يمكن من الناحية العلمية أن نرهن كل المشكالت بالقضايا التحررية أو
السياسية ,فال بد من مقاربات علمية لكافة الظواهر االجتماعية وايجاد عالقات سببية وروابط واضحة
بين التحرر الوطني وقضايا التطور االجتماعي الديمقراطي ,واعمال أدوات تحليل مناسبة قادرة على إظهار هذه العالقات ,بما يمكن الحزب أو الجبهة من االقتراب والتفاعل مع القضايا المطلبية واقناع
الجمهور المعني بالعالقة التفاعلية المتصلة بينه وبين الحزب.
المالحظة الثالثة :عدم قدرة اليسار على بلورة الدور الطليعي مع متطلبات التغيير الجديدة في
المجتمعات العربية اثناء وبعد االنتفاضات الثورية ,األمر الذي عزز عوامل االغتراب لديه.
المالحظة الرابعة :اليسار بحاجة ماسة اليوم إلى مراجعة التنظيم وأسلوب العمل ,بما يسمح له
بإعادة ترتيب البيت الداخلي والفعل المباشر في المجتمع وااللتحام بقضاياه ,مما يطرح السؤال
العريض أين اليسار من حلم تأطير الجماهير وتحريك الشارع...؟ إن احوال التراجع السياسي
والجماهيري لدى أحزاب وفصائل اليسار ترك –إلى جانب أسباب أخرى -مجاال خصبا لإلسالميين لالشتغال دون مزاحمة عندما عجز عن االشتغال الطبيعي في أوساط الفقراء وتجمعاتهم السكنية في
المدن والمخيمات والقرى في الوطن والشتات .
واالشكالية هنا أن أحزاب وقوى اليسار ,اعتبروا على الدوام أن المشكلة األساس تكمن في
القضايا السياسية أو التحررية الكبرى ,وهذا صحيح من حيث المبدأ ,لكن الفقير الذي ال يملك قوت اسرته أو عالج اطفاله أو تأمين دخل الئق له وألسرته ,ال يمكن ,بل يستحيل أن يناضل من أجل
القضايا السياسية الكبرى ,ولذلك فإن الموضوعية في مسيرة النضال السياسي لليسار الماركسي ,
تقتضي ايالء القضايا المجتمعية واالقتصادية للجماهير الفقيرة اهتماماً فائقاً يتوازى ويندمج مع 093
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
القضايا السياسية التحررية ,ذلك إن الضعف الشديد في هذه الممارسة اتجاه الشرائح الفقيرة جعل
اليسار يفقد البوابة الرئيسية للنشاط السياسي والتوسع التنظيمي في أوساط الفئات الفقيرة وااللتحام بها تمهيداً لتأطيرها في خضم النضال الوطني التحرري .
094
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
املفاهيم والقيم االخالقية واجملتمعية العربية وافاق املستقبل..... 06 / 7 / 3102 في تناولي لهذا العنوان ,أرى ان من المفيد االشارة إلى حالة االخالق العربية االسالمية الراهنة
كامتداد تاريخي مع المفاهيم والقيم االخالقية والمجتمعية التي سادت في التاريخ القديم وتواصلت مع
التاريخ الحديث والمعاصر ,وذلك يعود –من وجهة نظري -إلى طبيعة التطور االجتماعي واالقتصادي
المشوه تاريخيا وراهنا من ناحية ,وبتأثير التراث الغيبي وضعف نمو وانتشار الرؤى التنويرية أو
العقالنية أو الحداثية بحكم قوة التخلف واحتجاز التطور من ناحية ثانية ,بحيث أدى كل ذلك إلى
انتاج وترسيخ عالقات اجتماعية وقيمية جاءت انعكاسا طبيعيا لبنية التخلف في الواقع االجتماعي العربي ,وبالتالي فإننا نالحظ استمرار سيادة أو هيمنة هذه العالقات أو االتجاهات القيمية في الثقافة
العربية حتى اليوم عبر مجموعة من االتجاهات القيمية المتناقضة بين الجديد الحداثي والقديم
الرجعي .0 :قيم القضاء والقدر وقيم االختيار الحر .3 .الصراع بين القيم السلفية والقيم المستقبلية
(في تعاملنا مع الحاضر نعود إلى الماضي وال نتوجه إلى المستقبل - 2 . ) .الصراع بين القيم العقالنية الحديثة ,وبين القيم العاطفية والتراثية من عفوية وبداهة وفطرة وايمان وارتجال -2قيم
االمتثال والطاعة وصراعها مع قيم التمرد والتفرد والتحرر .9 .قيم الجمود واالنغالق على الذات . .7قيم الوالء للسلطة مقابل قيم التمرد والثورة عليها .
لكن عملية التغيير والتمرد والثورة على انظمة االستبداد والتخلف مشروط بتقدم وتطور وتوسع
االحزاب اليسارية والديمقراطية الثورية في اوساط الجماهير من اجل تحقيق االهداف العظيمة في الخالص نهائيا والى االبد من كل اشكال االستغالل الطبقي الكومبرادوري والطفيلي الذي تجسده قوى
الليبرالية الرثة وقوى الرجعية واالسالم السياسي وجماعاته ,وبدون ذلك فان ازمة مجتمعاتنا العربية
سيعاد انتاجها من جديد بصور اكثر تخلفا مما كان عليه الحال قبل االنتفاضات العربية ,ومن ثم استيعاب وتكريس ونشر قيم الحرية والديمقراطية السياسية والمجتمعية وقيم العدالة والمساواة ,الى
جانب نشر وتكريس السمات األساسية للثقافة العقالنية أو ثقافة التنوير ,بمنطلقاتها العلمية وروحها
النقدية التغييرية ,وابداعها واستكشافها المتواصل في مناخ من حرية الرأي والمعتقد والمواطنة وفصل الدين عن السياسة ,ففي غياب هذه السمات يصعب إدراك الوجود المادي والوجود االجتماعي واالخالقي والدور التاريخي الموضوعي للنهوض الحداثي وللثورة الوطنية الديمقراطية وللمشروع
القومي التقدمي أو الذات العربية في وحدة شعوبها ,ووحدة مسارها ومصيرها ,إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي
095
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
احتياجات التطور السياسي واالجتماعي واالقتصادي العربي ,وهنا بالضبط تتجلى قيمة التأييد
والتضامن مع االنتفاضات الثورية العربية الحاملة للرؤى النهضوية العقالنية الديمقراطية بمثل ما تتجلى الحاجة الى مواصلة الثورة الشعبية التغييرية الشاملة بافاقها االشتراكيةالتي تقتلع الطبقات االستغاللية من جذورها و تطال كل جوانب البنية المادية والمجتمعية العربية وازاحة التبعية وكل
مفاهيم واليات وادوات االستبداد واالستغال ل والتخلف االجتماعي واالخالقي في بالدنا .
096
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
احلالة الثورية يف مصر وتداعياتها على حركة محاس والوضع 32 / 7 / 3102
الفلسطيني
منذ اندالع االنتفاضات الشعبية وسقوط رؤوس أنظمة االستبداد في تونس ومصر ,واشتعالها في
اليمن وسوريا والبحرين واألردن ,توجهت انظار الشعب الفلسطيني صوب هذه االنتفاضات تعبي ارً عن فرحته وتأييده للمشهد العربي الديمقراطي "الجديد" في انتظار نتائج "الصندوق" أو االنتخابات .
لكن تداعيات األحداث في مصر ,سرعان ما كشفت فشل االنتفاضات العفوية في قطف ثمار ثورتها وتحقيق األهداف التي انطلقت من أجلها في الحرية والكرامة والديمقراطية ,بسبب افتقارها للتنظيم ولكل من الرؤية الثورية والقيادة الوطنية المعبرة عن طموحاتها ,فاالنتفاضة الشعبية مهما كان حجمها
وانتشارها ,ال تعني أبداً قدرتها على فرض الحل الثوري الجذري ,طالما بقيت الجماهير أسيرة لعفويتها وفاقدة للوعي الثوري ,األمر الذي دفع بقيادة الجيش إلى أن تتولى مقدرات السلطة والحكم بالمرحلة
االنتقالية في مصر بعد /32يناير مفسحة المجال – ألول مرة في تاريخ مصر الحديث -لجماعة
اإلخوان المسلمين بتشجيع أمريكي ,الوصول إلى سدة الحكم ,حيث نجحت بسبب قوة انتشارها وتغلغلها في صفوف الجماهير الفقيرة ,في قطف ثمار االنتفاضة وتحقيق الفوز في االنتخابات
والوصول إلى قمة السلطة الحاكمة في تونس ومصر ,عبر شعارات وبرامج سياسية واقتصادية
واجتماعية لم تحمل في طياتها أي شكل من أشكال التناقض مع سياسات نظام الرئيس المخلوع من
ناحية ,ومع سياسات الواليات المتحدة والنظام الرأسمالي التابع ,إلى جانب استمرار اعترافها بالدولة
الصهيونية واالتفاقات المعقودة معها من ناحية ثانية .
وفي هذا السياق ,أشير إلى أن الحالة الثورية الديمقراطية في مصر انطلقت من هموم الجماهير
الشعبية المصرية وقضاياها المطلبية في العدالة االجتماعية إلى جانب المطالبة بالحرية والديمقراطية
وحرية الرأي والمعتقد ضد االخونة ,لكنها بالمقابل ابتعدت تماماً عن اية ارتباطات سياسية معادية
لالمبريالية واسرائيل .وفي هذا الجانب من المهم اإلشارة إلى أنه إذا كان النظام الديمقراطي في مصر
بعد /21يونيو سيظل ملتزماً باتفاقات كامب ديفيد وباالعتراف بإسرائيل والتبعية لسياسات اإلمبريالية
األمريكية ,فإن جماعة اإلخوان المسلمين بدأت منذ سنوات –وفق العديد من المصادر الموثوقة-
اتصاالتها المباشرة وغير المباشرة مع اإلدارة األمريكية وصوالً إلى نوع من التوافق بينهما عشية
االنتفاضة في /32يناير ,ولم يكن فوز د.محمد مرسي في احد تجلياته سوى تجسيد لهذا التحالف على األهداف المشتركة وخاصة سياسات االقتصاد الحر والخصخصة ورفض تدخل الدولة في
االقتصاد بذريعة الدفاع عن "االقتصاد اإلسالمي" ضد كل قوى التقدم والحداثة والديمقراطية والتطور 097
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الصناعي عموماً وضد قوى اليسار العربي خصوصاً ,األمر الذي أدى إلى تفاقم األوضاع االجتماعية واالقتصادية والبطالة والفقر والغالء واالستبداد في أوساط الجماهير المصرية ,عالوة على التزام
اإل خوان المسلمين باتفاقات كامب ديفيد ومواصلة العالقة مع الدولة الصهيونية ,والصمت المطبق على جرائم العدو الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني .
ففي ظل مشهد اإلسالم السياسي برئاسة د.محمد مرسي ,حرصت جماعة اإلخوان المسلمين على
تكريس األوضاع االقتصادية والطبقية على ما كانت عليه إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك , إلى جانب حرصها على صياغة وتطبيق مجموعة من القوانين واألنظمة الهادفة إلى رفض جوهر الشكل الليبرالي للديمقراطية السياسية وحرية األفراد وحرية الرأي والمعتقد ,وتكييفه وفق منظورها
األيديلوجي الديني الكفيل بإعادة انتاج وتجديد التخلف االجتماعي ,وايجاد السبل الكفيلة بصياغة
أشكال جديدة من التبعية للسياسات األمريكية ارتباطاً بالمصالح الطبقية الكومبرادورية والطفيلية المحيطة بجماعة اإلخوان المسلمين دونما أي اهتمام بالشعارات واألهداف االجتماعية بالنسبة
لجماهير العمال والفالحين الفقراء وبالنسبة للشباب والمرأة وصغار الموظفين وكافة قضايا العدالة االجتماعية واالقتصادية (زيادة األجور /البطالة /الفقر /دعم السلع األساسية للفقراء /الغالء
والتضخم ...إلخ).
وفي مثل هذه األوضاع ,لم يكن مستغرباً ,اشتعال االنتفاضة الثورية من جديد في مصر عبر
حــركة تــمرد في 9/21ضد اإلخوان المسلمين بعد أن تكشفت الجماهير زيف شعاراتها ,واستطاعـت -بدعم واضح من الجيش -عزل الرئيس واسقاط نظام الجماعة والتحرر من الحكم اإلخواني واسدال
الستار على مشهد اإلسالم السياسي بعد عام واحد فقط من وصوله إلى الحكم.
لقد حسم الجيش موقفه لصالح القوى الديمقراطية الليبرالية ,بعد أن وصل الرفض الشعبي ألخونة
الدولة ولحكم الرئيس مرسي وجماعته حداً ال يمكن وقفه إال عبر الشرعية الثورية ,التي استند إليها الجيش لعزل الرئيس وانهاء سيطرة جماعة اإلخوان المسلمين على الدولة ومؤسساتها ,على الرغم من إدراك الجيش والقوى الثورية في مصر حجم وقوة انتشار الجماعة وحركات اإلسالم السياسي ,في
المجتمع المصري عموماً ,وفي أوساط الفالحين الفقراء في األرياف ,وفي أوساط فقراء المدن ,حيث سارعت جماعة االخوان المسلمين إلى رفض وادانة قرار الجيش المطالبة بعودة الرئيس المعزول ,ومن ثم بدء أشكال جديدة من الصراع الدموي إلى جانب المظاهرات االعتصامات المؤيدة للجماعة في
معظم المدن.
وفي هذا المناخ ,اندفعت حركة حماس باعتبارها أحد فروع االخوان المسلمين ,إلى تأييد األصل أو
المركز القيادي األم لجماعة االخوان المسلمين في مطالبتهم بعودة الرئيس مرسي وحكومته ,ووضعت
فضائياتها :القدس واألقصى ,في خدمة الجهاز اإلعالمي لإلخوان المسلمين في مصر ,األمر الذي
خلق حالة من النقد واالستياء ,سرعان ما تحولت إلى حالة من العداء لحركة حماس ,وامتدت 098
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
تداعياتها ضد الشعب الفلسطيني عموماً ,وفي قطاع غزة خصوصاً عبر وسائل اإلعالم والصحف والفضائيات ومقاالت العديد من المثقفين الليبراليين المصريين .
لذلك أقول – بكل حزن وألم -ان موقف حركة حماس وتداعياته اإلعالمية والسياسية والمجتمعية
في الذهنية الشعبية العفوية المصرية ,سيترك أث ارً بالغ السوء على مستقبل القضية الفلسطينية ,عبر مراكمته لمزيد من العزلة والتراجع في أوساط الشعب العربي في مصر الذي يعيش –في معظمه -حالة
من الرفض لممارسات جماعة اإلخوان المسلمين ,ترافقت مع حالة من العداء الشديد لحركة حماس
التي استطاعت وسائل اإلعالم وبعض القوى السياسية المصرية ,تكريس االنطباع في أذهان قطاع واسع من الشعب المصري ,وبأساليب ال تخلو من المبالغة ,بان حركة حماس مسئولة عن تهديد
األمن القومي المصري ,متناسين أن اتفاق كامب ديفيد كان ومازال السبب الرئيسي في تهديد األمن
القومي لمصر ,كما اتهموا حماس بأنها المسئولة عن تهريب السالح إلى سيناء ومسئولة عن قتل
عدد من الجنود المصريين على حدود رفح ,ومسئوليتها عن تهريب المساجين أثناء انتفاضة
/32يناير ,إلى جانب حديث بعض اإلعالميين والمثقفين الليبراليين ,بأن "كل تنظيم إسالمي متطرف في سيناء يوجد له نظير في قطاع غزة" وأن حماس تعرف جيداً التنظيمات االرهابية في سيناء,
وتأكيدهم على أن كل ما يحدث في سيناء هو "مشروع متفق عليه بين كل الجماعات اإلسالمية التي تحاول اإليقاع بين الناس في سيناء وبين الجيش" ,وجاءت تصريحات كل من صفوت حجازي ومحمد
البلتاجي (عضوي قيادة االخوان المسلمين) التي أعلنا فيها على أن "وقف العمليات المسلحة في سيناء مرهون بإعادة الرئيس مرسي إلى الحكم" ,لتغذي تلك الشبهات .
األمر الذي أدى إلى تصعيد الحمالت اإلعالمية المغرضة ضد الشعب الفلسطيني بذريعة تأييد حركة
حماس لممارسات االخوان المسلمين في مصر بعد انتفاضة الجماهير في /21يونيو ,على الرغم من
أن معظم أبناء الشعب الفلسطيني شاركوا اشقائهم في مصر ,فرحتهم بعزل الرئيس مرسي وحكومته
وجماعته .
لكن حركة حماس لم تتفاعل او تستجيب لمشاعر األغلبية من الشعب الفلسطيني ,ولم تبادر إلى
بلورة موقف موضوعي ينطلق من المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني ,بل وقعت في خطيئة تكتيكية
كبرى حينما قررت االنحياز الصريح لرؤيتها األيديولوجية ولمصالحها الفئوية التنظيمية الضيقة عبر
تأييدها السياسي واإلعالمي المكشوف دفاعا عن الرئيس المعزول وجماعته ,على النقيض من أماني
ومواقف األغلبية الساحقة من الشعبين المصري والفلسطيني المتضامنة مع الشرعية الثورية للخالص
من تجربة االخوان المريرة في الحكم رغم قصرها الزمني ,بل إن حركة حماس لم تعرف كيف تخلق
حالة من التوازن بين تأييدها لإلخوان المسلمين ,وبين التزامها الوطني بقضايا الشعب الفلسطيني ,
حيث قامت بتخصيص معظم ساعات البث لقنواتها الفضائية التي أصبحت منب ارً رئيسياً لإلخوان
099
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المسلمين في مصر ,ينقل الصور الحية والمباشرة من ميدان "رابعة العدوية" ,األمر الذي أدى الى
زيادة االستياء والتحريض والعداء لحركة حماس وللشعب الفلسطيني.
والملفت لالنتباه أن أحداً من قيادات حركة حماس لم يعلن أي موقف مؤيد صراحة لموقف الجماعة
االخوانية ضد الجيش والثورة الشعبية في مصر ,لكنهم في نفس الوقت لم يعلنوا أي موقف يدين ممارسات اإلرهاب في سيناء وغيرها من المدن المصرية ,واألخطر من ذلك أن حركة حماس لم تبادر
إلى نفي مشاركتها في اجتماع "التنظيم الدولي" في إسطنبول أو رفضها مخططاته المعلنة ,على الرغم
من تأكيد حركة االخوان المسلمين في األردن خبر مشاركة حماس في االجتماع المذكور!! وهو خبر
ممكن أن يكون عارياً عن الصحة ,وبالتالي فإن من واجب حركة حماس انطالقا من التزامها الوطني وحرصها على مصالح الشعب الفلسطيني ووقف تدهور العالقات الفلسطينية المصرية ,بل وحرصها على وجودها ومستقبلها ,لكي ال تتحول إلى قوة معادية للشعب المصري وما ينتج عن ذلك من نتائج
كارثية على أبناء قطاع غزة ,أن تبادر إلى نفى مشاركتها ورفضها لمقررات ذلك المؤتمر.
وبالتالي فإن دعوتي لالخوة في حركة حماس تغليب المصالح واألهداف الوطنية على المصالح
الحزبية الضيقة ,هي دعوة تستند إلى دورها وتاريخها الوطني والكفاحي ,بمثل ما تستند إلى ضرورة
تاريخية خارجة عن إرادة حماس وتحالفاتها ,تتطلب منها أو تفرض عليها اليوم قبل الغد ,أن تعلن
موقفاً مؤيدا لطموحات الشعب المصري في الخالص من حكم اإلخوان المسلمين ,وادانة ممارساتهم اإلرهابية ,وأن تنتقد ممارساتها السابقة ومواقفها المؤيدة للجماعة بعد /21يونيو ,وذلك حرصاً منها
على احترام عمق الروابط الوطنية والقومية التاريخية والمستقبلية بين شعبينا ,وحرصاً منها على وقف كافة أشكال التحريض اإلعالمي والمعاملة السيئة ألبناء شعبنا.
وفي هذا السياق فإن على حركة حماس أن تدرك دالالت ونتائج وتداعيات االنتفاضة الشعبية
العارمة في /21يونيو التي بددت أوهام الشعور بالقوة والسيطرة الطويلة األمد لجماعة االخوان المسلمين ليس في مصر فحسب ,بل ستشتعل االنتفاضات الثورية الجماهيرية في تونس ومجمل أقطار الوطن العربي إلى جانب تركيا ,وذلك عبر تأثر هذه البلدان سياسيا واجتماعيا بدروس وعبر
السقوط المدوي لإلخوان المسلمين في مصر ,عبر شرعية ثورية ,لم يكن ممكناً التصدي لها بما يسمى بشرعية الصندوق أو الديمقراطية الشكلية الهشة ,التي ال تستند إلى ميثاق أو عقد اجتماعي مدني وديمقراطي يلتزم بمصالح األغلبية الساحقة في تطلعها صوب التنمية المستقلة والعدالة
االجتماعية وتكافؤ الفرص وفصل الدين عن الدولة ,بما يضمن تحقيق الوحدة العضوية لوجهي
الديمقراطية ,السياسي واالجتماعي معا ,وتكريسها في خدمة الهوية والدولة الوطنية الديمقراطية
تمهيدا لبلورة الهوية القومية الديمقراطية العربية كهوية مستقبلية واطا ار سياسيا أو اجتماعيا موحداً.
لذلك ,فقد آن األوان لكي تدرك جميع حركات اإلسالم السياسي في الوطن العربي ,خطيئة منطلقاتها
االيدولوجية الدينية السلفية المنغلقة ,وأوهام الحديث عن ما يسمى بـ"األمة اإلسالمية" أو "الخالفة 211
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اإلسالمية" والنعرات المذهبية والطائفية المدمرة لتطلعات شعوبنا ومستقبلها ,األمر الذي يفرض عليها مراجعة منطلقاتها الفكرية وخطابها وسياساتها بصورة نقدية جذرية ,تنطلق من رحابة االستنارة
العقالنية والحداثة ,بعيدا عن كل اشكال ومظاهر التعصب الديني وشعاراته النقيضة لروح عصرنا ومستقبل شعوبنا ومجتمعاتنا.
وفي كل األحوال فإن المطلوب من حركة حماس مواجهة األمر الواقع الجديد في مصر بعد سقوط
جماعة االخوان المسلمين ,وهذا يقتضي منها سؤاالً صريحاً لذاتها بعيداً عن أوهام القوة واالستعالء والتفرد ,التي لم تعد قائمة أو مجدية لدى الفرع طالما سقط األصل ,والسؤال هو :ماذا عن مستقبل
حركة حماس؟ هل ستبقى مصرة على االنقسام في "امارة غزة" ؟ أم أنها يجب أن تبادر إلى التقاط دروس وعبر اللحظة الراهنة ,لكي تخطو خطوات جدية وعاجلة صوب انهاء االنقسام وفق وثائق
الوفاق الوطني الفلسطيني ,قبل أن ُيفرض عليها باالكراه شكال خارجيا من المصالحة يتعامل معها كفريق مهزوم ,أو أن ُيفَ َرض عليها وعلي قيادتها وكوادرها حصا ارً سياسياً واقتصادياً وجغرافياً يؤدي إلى مراكمة العديد من العقبات والتعقيدات التي لن تستطيع حركة حماس تجاوزها بسهولة.
وفي هذا السياق ,اعتقد أن سياسة النظام المصري االنتقالي الحالي ,ستأتي استم ار ارً لسياسة نظام
حسني مبارك ,على الرغم من االختالف في الشكل ال المضمون ,حيث سيبقى ,محافظاً على دور مصر السياسي تجاه القضية الفلسطينية ,وحرصه على ابقائها على سكة التسوية ,على قاعدة
االتفاقيات الموقعة بين المنظمة "واسرائيل" ,وبذات الرعاية والمرجعية األمريكية ,وفي المقابل ,بات من الواضح أن قيادة المنظمة والسلطة وحركة فتح والرئيس أبو مازن ,رأت في التغيرات األخيرة التي
جرت في مصر بعد الحالة الثورية التي أسقطت حكم اإلخوان المسلمين ,فرصة كبيرة تصب في
مصلحتها ,وتزيد من رصيدها ,وتشكل داعماً لها ,في إطار المفاوضات العبثية المتجددة بإشراف وزير الخارجية األمريكي التي تم اإلعالن عنها صباح يوم السبت /31يوليو 3102/وفق الشروط األمريكية
اإلسرائيلية وفق ما صاغته ما سمي "مبادرة السالم العربية" ,أو أي صيغة أخرى تحفظ لها استمرارمصالحها الطبقية ,واستمرار بقائها على رأس السلطة ,ومن هنا "التقطت" القيادة ورئيسها أبو مازن مبادرة وزير الخارجية األمريكية جون كيري ,حيث وجدت بها فرصة سانحة للخروج من مأزقها,
وتجديد ذاتها ومصالحها ,متجاوزة في ذلك كل ما وضعته من "شروط" للعودة للمفاوضات.
أما عن حركة حماس التي ال زالت تعيش تحت تأثير صدمة سقوط حكم اإلخوان المسلمين ,فهي
تعيش اآلن مأزقاً جدياً ,يمس مرتكزات بنيتها ووجودها وسلطتها في قطاع غزة ,فهي إما أن تستمر في رفض الوقائع التي أنتجتها الحالة الثورية المصرية ,التي أدت لعزل مرسي ,واسدال الستار على
حكم اإلخوان هناك ,أو أن تُكيف نفسها مع هذا الواقع الجديد حفاظاً على مصالحها واستمرار حكمها وسيطرتها في قطاع غزة!! ,دون إلغاء سيناريو العودة إلى المقاومة ضد "إسرائيل" الذي قد تلجأ حركة حماس إليه لوحدها أو بالتنسيق السري مع بعض التنظيمات الدينية في سيناء ,التي لها 210
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
امتدادات وفروع في قطاع غزة ,لكن هذه المقاومة قد ال تجد تأييداً شعبياً ملموساً في القطاع ان لم تترك آثا ارً سلبية .
على أي حال ,أعتقد أن حماس ,وبوضوح تام ,ليس أمامها ترف االختيار ,بل ستنظر لما جرى
من باب مصالحها السياسية والتنظيمية والطبقية التي تلتقي فيها مع حركة فتح ,وبالتالي مع النظام
المصري ,ما بعد الحالة الثورية ,وستعمل مضطرة لتكييف نفسها مع هذا الواقع بعد خروجها من
سوريا ومن قطر ومن السعودية واألردن ...إلخ ,خاصة إذا ما عرفنا أن قطاع غزة الذي ال يزيد تعداد
سكانه كثي ارً عن 0.9مليون نسمة ,فيه اليوم ما يزيد عن ألف مليونير بعضهم أعضاء في الحركة أو مريديها ,إضافة إلى جهاز بيروقراطي ضخم يصل تعداده إلى أربعين ألف موظف يعتاشون من خالل
سلطة حماس في غزة من جهة ,وحكومة ووزراء وأعضاء تشريعي ومرافقين..الخ من جهة أخرى,
وبالتالي ليس أمام الحركة سوى التكيف –وفق سياساتها البرجماتية التاريخية -مع الواقع الجديد.
كل ما سبق ,وانطالقاً من "براغماتية" حركة حماس المعروفة ,في ضوء خيارها وقبولها عام 3119
الموافقة على أن تتولى قيادة حكومة السلطة الفلسطينية ,وأن تكون طرفاً في سلطة الحكم اإلداري
الذاتي في حكومة غزة قبل وبعد االنقسام في /02حزيران ,3117/وارتباطاً بهذه التنازالت ,سنشهد
ما يمكن أن نسميه "انحنائة" أو "قبول" بما جرى في مصر مؤخ ارً ,ونتائجه من على قاعدة الحفاظ
على مصالحها وابقاء سيطرتها وحكمها في قطاع غزة ,وحفاظاً على ماء وجهها ,ومنفذها الوحيد ,في ظروف يبدو فيها أن المصالحة الفلسطينية ليست قريبة أو على أولويات جدول الرئيس أبو مازن,
الذي سيعمل –مع حركة فتح وعدد من التنظيمات األخرى -على اهمال حركة حماس في هذه المرحلة, إلى حين انضاج العالقة مع "إسرائيل" وفق أوهام أبو مازن ,ثم يبدأ في اإلعالن عن االنتخابات للرئاسة والمجلس التشريعي والحكومة الجديدة ,حيث يبدو أن أبو مازن سيحرص –في ضوء
األوضاع المصرية الجديدة -على أال يكون لحركة حماس أي أغلبية في المجلسين التشريعي والوطني ,كما لن يوافق أن تتولى حماس رئاسة المجلس التشريعي ,ولن يكون لها أغلبية في أي
حكومة فلسطينية قادمة ,وبالتالي فإن حركة حماس قد تكون مضطرة للموافقة على الشروط المصرية
الجديدة لرسم العالقة معها من أجل استعادة الحد األدنى من القنوات أو الجسور مع الحكم الجديد في
مصر ,في ظل ما يشن عليها من حملة اتهامات تطال الحركة من باب تدخلها في الشأن الداخلي
المصري.
إن كل ذلك ,سيفرض على حركة حماس مزيداً من االقتراب –والذي بدأ فعلياً منذ فترة سابقة -من
برنامج حركة فتح وقيادة المنظمة والسلطة ,بحيث نجد شكالً من التقاطع والتوافق بينهما ,في الرؤية والطرح بالنسبة للقضية الفلسطينية التي لن تخرج عن الشروط واإلمالءات األمريكية – اإلسرائيلية,
حينها سيكون بقاء االنقسام من عدمه جزءاً من تلك الرؤية ,آخذين بعين االعتبار أن حركة حماس – إذا ما تأكد سقوط اإلخوان المسلمين في مصر -لن تعود قوة رئيسية في المعادلة السياسية 212
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الفلسطينية والمصرية بعد / 21يونيو ,وستبدأ عوامل التراجع والضعف في بنيتها ووجودها وتأثيرها , في مقابل تزايد "قوة" أبو مازن وحركة فتح السياسية مع النظام المصري الجديد الذي سيبارك بدوره عملية التفاوض العبثي واالستجابة للشروط األمريكية واإلسرائيلية فيما يسمى بـ"عملية السالم".
أخي ارً ,إننا أمام مشهد ما بعد /21حزيران ,الذي يحمل في طياته إمكانيات إلعادة تشكيل بلدان
النظام العربي في إطار أوضاع جديدة من التبعية للسياسات األمريكية والنظام الرأسمالي العالمي ,بما
في ذلك استمرار االعتراف والتطبيع مع دولة العدو الصهيوني أو الدعوة لمهادنتها آلماد طويلة قادمة
,باسم االعتدال السياسي وفي إطار الديمقراطية السياسية الشكلية أو الليبرالية الرثة ,بما يحقق
مصالح القوى الطبقية الكومبرادورية والطفيلية والبيروقراطية العسكرية والمدنية ,التي لم تتغير أحوالها
ومصالحها على الرغم من سقوط رأس النظام في هذا البلد أو ذاك.
وبالتالي أتوقع مزيداً من الهبوط والتراجع لكل من األهداف والثوابت الوطنية الفلسطينية ,وأهداف
الثورة الوطنية الديمقراطية في مصر وبلدان الوطن العربي ,طالما ظل البديل الشعبي الديمقراطي
اليساري ,الفلسطيني والعربي على هذه الحالة من الضعف والتفكك .
213
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
االنتفاضات الثورية ومشهد تفكك وسقوط انظمة االستبداد والتخلف واالستغالل يف جمتمعاتنا العربية
32 / 7 / 3102 أزمة مجتمعاتنا العربية في تقديري ليست مشكلة "تخلف وتقدم" فحسب على نحو ما يذهب إليه
المثقف الليبرالي ,الن هذه الصيغة ,تخفي عالقة التحالف البيروقراطي – الكومبرادوري( الليبرالي
واالسالموي الرجعي) المهيمن على النظام العربي مع النظام االمبريالي وحليفه الصهيوني وتبعيته
البنيوية له ,كما تخفي دور الصراع الطبقي كمحدد رئيسي في صياغة مستقبل حركة التحرر العربية. والسؤال هنا ,إذا كانت تلك هي القضية ,وهذه هي األزمة والطبقة المسؤولة عنها ,وكان الحل ,هو
انفجار االنتفاضات الثورية في مصر وغيرها بهدف السير على طريق التحرر الوطني والديمقراطي
والتنموي الذي ال يمكن أن يتحقق إال من خالل صراعات وتحوالت اجتماعية عميقة ,تزيح عن السلطة تلك الطبقة أو الطبقات المسؤولة عن األزمة والعاجزة عن حلها ,فلماذا إذن تعثر السيرعلى هذا
الطريق ؟ هنا يتضح بجالء عجز العامل الذاتي ( االحزايب الثورية ) ,وانتقال معظم االحزاب اليسارية
التقليدية إلى النهج البورجوازي واالصالحي .هذه الرؤية تفرض على كافة القوى اليسارية العربية أن
تنطلق في نضالها السياسي الديمقراطي والكفاحي من ان مهام التحرر الوطني واالستقالل الحقيقي
وانهاء كل أشكال االرتهان لإلمبريالية ال زالت مهمة رئيسية ال بد من تحقيقها عبر تحطيم وازالة الكتلة
الطبقية الكومبرادورية ,والبيروقراطية التي تشكل رأس حربة الهيمنة اإلمبريالية في بالدنا .لذلك فإن
التحرر من الهيمنة اإلمبريالية وتحقيق أهداف الثورة الديمقراطية في مصر وسوريا وغيرهما ,يعني
بناء االقتصاد الوطني وتمكين الجماهير الشعبية من تقرير مصيرها ومستقبلها من خالل بناء القاعدة
الديمقراطية الشعبية الثورية ( من تحت ) لضمان تفكيك الكتلة الطبقية السائدة وتصفية وتأميم مصالحها وامتيازاتها الطبقية بما يؤدي إلى تفكيك بنيتها بصورة نهائية على المستوى السياسي
والمستوى االقتصادي والثقافي ,وذلك من خالل صياغة واقرار دستور ديمقراطي علماني يجسد إرادة
الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر السلطة ,إلى جانب صياغة وتطبيق الخطط التنموية الكفيلة بالقضاء على كل مظاهر التبعية واالفقار واالقتصاد الريعي وتفعيل وتطوير الصناعات الوطنية في
إطار اقتصاد القطاع العام والتعاوني والمختلط ,إلى جانب القيام باصالح زراعي تعاوني يمكن الفالحين الفقراء من االرتقاء بأوضاعهم الحياتية وتوفير الحاجيات األساسية من الخدمات االجتماعية
والصحية والتأمينات ومجانية التعليم للفقراء وكافة الخدمات األساسية للجماهير الفقيرة جنباً إلى جنب مع البرامج الهادفة إلى إنهاء مظاهر الفقر والبطالة وتحديد الحد األدنى واألعلى للدخل وتطبيق مبدأ 214
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
تكافؤ الفرص .وفي هذا الجانب البد من التأكيد على رفض المنهج اإلصالحي في مسيرة االنتفاضات الثورية العربية الديمقراطية وممارسة هذه العملية بمنهجية ثورية ديمقراطية جذرية تستهدف تغيير
بنية أنظمة التبعية والتخلف واالستبداد وتحطيم أسسها ومكوناتها الطبقية ,وهنا بالضبط يتجلى دور القوى اليسارية الثورية في قيادة مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ,باعتبارها القوى الوحيدة المؤهلة
لقيادة هذه المرحلة والتأسيس لمستقبل مجتمعاتنا وشعوبنا ,بعد ان فشلت القوى الليبرالية أو
البورجوازية التابعة في تحقيق هذه المهمة من ناحية وبعد ان تأكد للجميع أن تيارات اإلسالم
السياسي وجماعة اإلخوان المسلمين تحاول إعادة انتاج وتجديد التخلف والتبعية واالستبداد والقهر في
ليس في مصر وسوريا فحسب بل في كل ارجاء الوطن العربي.
215
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ورقة اولية حول نشأة وتطور احلركة الشيوعية يف فلسطني وموقف 32 / 7 / 3102
اجلبهة الشعبية
تعود البدايات األولى لنشأة الحركة الشيوعية في أوساط الطائفة اليهودية ,في العالم عموماً ,وفي
فلسطين خصوصاً ,إلى تكوين "االتحاد العام للعمال اليهود في روسيا القيصرية في أكتوبر عام ف فيما بعد باسم "حزب 0167م (بعد أقل من شهرين من عقد المؤتمر الصهيوني األول) ,الذي ُع ِر َ
البوند" ومن أهم أهدافه ,الدفاع عن مصالح اليهود والحركة العمالية اليهودية ,من منطلق االستقالل
الثقافي والذاتي دون رفض االندماج في الشعب الروسي والبولندي آنذاك .إال أن تزايد قمع وعنصرية نظام القيصر ضد اليهود – باإلضافة إلى تعاطف قيادة "البوند" مع أهداف الحركة الصهيونية في
مؤتمر بازل /سويس ار -أدى إلى تقاطعهم مع أفكار ومنطلقات الحركة الصهيونية ,حيث تجلى ذلك الموقف عبر إصرارهم على تأسيس حزب يهودي محض ومستقل عن الحزب االشتراكي الديمقراطي الروسي بقيادة لينين ,ومن ثم تكريس صفة االنفصالية الشوفينية اليهودية ,التي اتسم بها البونديين في ممارساتهم وشعاراتهم النقيضة لمفاهيم وشعارات األممية الشوعية وأحزابها ,وأهمها أن اليهود
يشكلون أقلية إثنية وليسوا أقلية دينية ,وبالتالي فإن مصطلح أمة ينطبق عليهم !! ,األمر الذي أدى
إلى رفض قبولهم في الحزب االشتراكي (البالشفة) ,وقام لينين بفضح انتهازيتهم ورجعيتهم ومواقفهم
العنصرية الصهيونية ,كما تصدى لطروحات "البوند" والحركة الصهيونية ,وكشف التناقص الكبير بين
أهداف "البوند" واألهداف االشتراكية الثورية .ويمكن القول ان سبب معارضة لينين لمطالب البوند وشعاره بتحقيق االستقالل الثقافي الذاتي يعود الى -0 :قناعات لينين واألممية الشيوعية ان الطبقة
العاملة ال يمكن تقسيمها الى احزاب متعددة وفق المعتقدات الدينية كما يريد البونديون -3 .إن دعوة
البوند اليهودي الى تقسيم التنظيم الحزبي حسب القوميات مطلب برجوازي يتعارض والمبادئ األممية للبروليتاريا من ناحية ,ويتوافق مع طروحات الحركة الصهيونية من ناحية ثانية .وفي هذا السياق,
أشير إلى أن لينين ,الذي التزم طوال حياته في الدفاع عن مبدأ حق االمم في تقرير مصيرها حتى في
االنفصال ,حارب بال هوادة النزعات الشوفينية البرجوازية الضيقة لدى "البوند" ,وعارض األهداف
الصهيونية معارضة شديدة ,كاشفاً في دراسته "المسألة اليهودية" زيف ما سمي بالقومية اليهودية,
داعياً إلى اندماج اليهود في مجتمعاتهم وذوبانهم بها .خاصة وان موقف لينين الموضوعي من
المسألة اليهودية ,يقوم على أن اليهود المقيمين في العالم المتمدن ال يشكلون شعباً أو امة ,وهذا الموقف ينطبق على اليهود القاطنون في روسيا ,لكن ما يسمى باليسار الصهيوني – في روسيا أو
غيرها من البلدان – رفض الموقف اللينيني والماركسي من المسألة اليهودية ,لتبرير عالقته 216
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومستقبله بالحركة الصهيونية .وهنا أعتقد أن إطالق اسم "الحزب الشيوعي الفلسطيني " وتأسيسه
عام , 0606كان موقفاً انتهازياً لتغطية عالقة "الحزب الشيوعي الفلسطيني" المباشرة أو غير المباشرة بالحركة الصهيونية ,من قبل مجموعة "يسارية" يهودية تعود في أصولها إلى حزب البوند أو
متعاطفة مع طروحاته ومن ثم تعاطفها مع طروحات الحركة الصهيونية .وتأكيداً على قناعتي
بانتهازية قيادة "الحزب الشيوعي الفلسطيني" ( )0606وميلها لمبادئ الحركة الصهيونية ,أورد هنا موقف األممية الشيوعية بقيادة لينين سنة 0633ضد قبول االتحاد العالمي للعمال اليهود (البوعالي
سيون) وهو ,حزب يهودي عالمي صهيوني بعنصره الغالب مشترطة عليه القطيعة الكاملة مع الصهيونية ,وذلك بالتخلي عن فكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين ,حيث اعتبرت األممية هذه
الفكرة وهماً برجوازياً صغي ارً مضاداً للثورة ,وأصرت على موقف واضح ,وهو أن يحل االتحاد العالمي للعمال اليهود نفسه وتنضم البروليتاريا اليهودية الشيوعية إلى األحزاب الشيوعية في أقطارها وان
تتخلى عن مطامعها في فلسطين .بهذا الموقف ,جسدت األممية الشيوعية عام ,0633الموقف الموضوعي الثوري من المسألة اليهودية ,برفضها فكرة إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين ,على
النقيض من المواقف والشعارات والمضامين الفكرية والسياسية االنتهازية لحزب البوند ,والحزب
الشيوعي الفلسطيني ,التي تقاطعت مع جوهر الحركة الصهيونية ,حيث أرى أن الكادر المؤسس من
الشيوعيين اليهود الذين جاءوا إلى فلسطين ,وأسسوا "الحزب الشيوعي الفلسطيني" كانت لهم جذور
في العالقة مع البوند والحركة الصهيونية معاً ,خاص ًة أن قسماً هاماً من كوادر البوند استطاعوا بصورة انتهازية ,االنضواء –بعد ثورة أكتوبر -في صفوف الحزب الشيوعي في االتحاد السوفياتي ,
وفي الكومنترن إلى جانب عضويتهم أو عالقتهم بما يسمى بـ"الجناح اليساري للحركة الصهيونية" , األمر الذي مهد لهم الطريق لكي يتولوا تنفيذ قرار الكومنترن أوائل عام 0606بتأسيس فرع أممي
للحركة الشيوعية في فلسطين ,الذي جرى تأسيسه فعالً على يد مجموعة من اليهود الروس أبرزهم
أبو زيام (حيدر) وافيجدور وجوزيف بيرجر ,في تشرين أول 0606تحت اسم "حزب العمال
االشتراكي " الذي سرعان ما تغير عام 0632وأصبح يحمل اسم "الحزب الشيوعي الفلسطيني" الذي
اتسمت مواقفه بالتوافق مع شعارات وأهداف الحركة الصهيونية .وتأكيداً على الميول الصهيونية لدى الحزب ,أورد هنا موقفه من االنتفاضة الوطنية األولى لشعبنا ضد االستعمار والصهيونية شهر آب
عام -0636انتفاضة البراق -حيث كان رأي الحزب فيها أنها مذبحة من الغوغاء العرب ضد اليهود
.ولكن عندما هدأت االنتفاضة قدم الحزب تحليالً متناقضاً وصفها بأنها مذبحة وانتفاضة عامة في آن واحد .والجدير بالذكر أن اللجنة التنفيذية للكومنتران انتقدت موقف الحزب ,وأكدت أن انتفاضة
,0636هي انتفاضة الفالحين الفقراء الفلسطينيين ,واعتبرتها جزءاً من حركة تحرر وطني ضد
االمبريالية ,وشجبت وأدانت موقف الحزب الشيوعي الفلسطيني "المعزول عن الجماهير العربية" حسب وصف بيان "الكومنترن" ,كما اشارت اللجنة التنفيذية على الحزب الشيوعي الفلسطيني ,ان يسارع 217
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إلى تعريب نفسه "من القمة إلى القاعدة" حتى يصبح حزباً اقليمياً" ,وحسب بعض المصادر ,أرسلت
قيادة الكومنترن دعوة إلى ( )91عضو من كوادر الحزب للحضور إلى موسكو ,حيث تمت محاكمتهم
وارسالهم إلى سيبريا .على أثر موقف الكومنترن ,قبل الحزب – مرحلياً وبصورة انتهازية في
تقديري -قرار اللجنة التنفيذية للكومنترن وتوجيهاتها ,ثم انه جدد في مؤتمره السادس في كانون
األول عام 0636تأييده للتعريب ووضع دستو ارً جديداً يعطي العرب أغلبية في لجنة الحزب المركزية, دون أن يعني ذلك موقفاً صريحاً في التضامن الفعلي مع النضال الوطني والثورة الفلسطينية ضد االستعمار و الصهيونية ,حيث استمر الحزب على مواقفه االنتهازية ,برفضه المشاركة في ثورة
0629ما عدا بعض المناضلين الشيوعيين العرب (فؤاد نصار وعبد الكريم ابو دف ,عبد الكريم
القاضي وغيرهم) .وفي عام 0623ثارت خالفات داخل الحزب وقادت إلى صدامات داخلية ,وكانت هنـاك -كما يقول الصديق د.محمود محارب -أربع موضوعات رئيسية في دائرة الخالف :األولى حول
ما إذا كان اليهود في فلسطين يشكلون أمة .الثانية تتعلق بامكانية وجود عناصر تقدمية داخل الحركة
الصهوينية .الثالثة الموقف من الهجرة اليهودية .والرابعة الموقف من الشعب الفلسطيني وحركته القومية التحررية وتقويم ثورة .0629
في أواخر عام 0622وأوائل عام 0622نجحت جماعة "ميكونس" (عضو المكتب السياسي
للحزب) في اجتذاب غالبية الشيوعيين اليهود ,بينما اجتذبت جماعة (اميل توما /فؤاد ناصر /اميل حبيبي /السلفيتي /فائق وراد) الشيوعيين الفلسطينيين العرب في عصبة التحرر الوطني ( تأسست في سبتمبر .)0622وكما يضيف د.محمود محارب ,عقدت مجموعة "ميكونس" أول مؤتمر عام لها
في نيسان عام .0622وشكلت ق اررات ذلك المؤتمر العام أرضية مشتركة مع الصهيونية في معارضتها الشديدة للكتاب األبيض الصادر عام 0636والذي حدد الهجرة اليهودية .كما أن الحزب
شارك في الدعاية الصهيونية التي كانت تدعو إلى هجرة مئة ألف يهودي نازح من أوروبا إلى
فلسطين ,وهي كلها مواقف وشعارات صهيونية .ثم تبنى الحزب في العام التالي , 0622مواقف
وشعارات جديدة مثل " التطور الحر للوطن القومي اليهودي" و "الكفاح من أجل تطوير الوطن القومي
اليهودي " ,تلك المواقف والشعارات التي أشارت ضمناً إلى تناقض مع دعوته األصلية إلقامة دولة ديمقراطية مستقلة في فلسطين .في عام 0629نقل الحزب موقفه مرة أخرى ,عندما اعلن أن الوطن
القومي اليهودي أصبح واقعاً وان "وجود األمتين في فلسطين لم يعد باالمكان تجاهله" .وخالصة القول ,أن الحزب الشيوعي الفلسطيني الجديد حرص منذ تأسيسه على استمرار العالقة –المباشرة
وغير المباشرة – مع الحركة الصهيونية .وأدت به التغيرات المتواصلة في مضمون سياساته في
النهاية ,في أيار , 0627إلى تغيير اسمه من " الحزب الشيوعي الفلسطيني" إلى "الحزب الشيوعي
اإلسرائيلي" .وبدأ يذكر فلسطين باسم "أرض إسرائيل" ويذكر الشعب الفلسطيني باسم "عرب أرض
إسرائيل" .وفي ضوء هذه المحطات والمنعطفات التاريخية للحزب الشيوعي اإلسرائيلي ,فإنني ال 218
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أستطيع القول بانه كان صادقاً في انتمائه األيدلولوجي للماركسية اللينينية ,بل على العكس
استخدمها – بأشكال انتهازية – لمصلحة الحركة الصهيونية .بناء على ما تقدم ,أعتقد بانه ال يمكن تقييم التطور األيديولوجي للحزب الشيوعي اإلسرائيلي ,إال في سياق الموقف االنتهازي التحريفي,
الذي لم يرفض هدف الحركة الصهيونية في اغتصاب فلسطين من جهة ,بل قام بااللتحاق في صفوف
المنظمات الصهيونية العسكرية (الهاجاناه) عام ,0621/0627كما قام باستيراد عدد من الدبابات واألسلحة والذخائر للحركة الصهيونية من جهة ثانية ,ولذلك فإن ماركسية الحزب ال تعدو كونها,
ماركسية شكلية انتهازية ,تم استخدامها من قبل الحزب جس ارً في خدمة االغراض الصهيونية ,وهي مواقف وممارسات تتناقض مع الجوهر الثوري الجدلي والطبقي لمواقف ورؤى ماركس ولينين وكافة الفالسفة والمفكرين الماركسيين في التاريخ الحديث والمعاصر ,الذين رفضوا من حيث المبدأ وجود شعب يهودي أو أمة يهودية ,إلى جانب رفض لينين وكافة المفكرين الماركسيين للحركة الصهيونية
باعتبارها حركة بورجوازية شوفينية في خدمة النظام االمبريالي .المسألة األخرى التي أود اإلشارة
إليها في هذا الجانب ,هي أنه خالفاً لألحزاب الشيوعية األخرى ,لم ينبثق الحزب الشيوعي
الفلسطيني ,منذ تأسيسه عام ,0606في خضم النضال التحرري الوطني أو عبر احتدام الصراع
الطبقي ,وبالتالي لم يكن لهذا الحزب أي دور ملموس في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية في الكفاح ضد االحتالل االمبريالي ,والتوسع الصهيوني ,ما يؤكد على أن الحزب الشيوعي الفلسطيني ولد في أحشاء الحركة الصهيونية ,بمعنى أوضح ,لوال بداية الهجمة الصهيونية والهجرة اليهودية إلى
فلسطين آنذاك ,ال يمكن ألي من اليهود "اليساريين" ان يفكروا في الحضور واإلقامة في فلسطين
ناهيكم عن تشكيل الحزب .نستنتج مما تقدم ,أن الحزب الشيوعي الفلسطيني ,وكل ما يسمى باليسار الصهيوني ,استهدفوا العمل في خدمة الهدف الصهيوني وهو "إقامة دولة إسرائيل" عن طريق الهجرة
اليهودية إلى فلسطين ,بينما كان استخدامهم للماركسية أو االشتراكية قاص ارً في أوساط اليهود ,من خالل تأسيس مجتمع يهودي "اشتراكي" في فلسطين حسب زعمهم آنذك ,وهنا مرة ثانية يمكن التأكد
من اختالط أفكارهم االشتراكية بصورة انتهازية واستخدامها لحساب أفكار وأهداف الحركة الصهيونية . أما بالنسبة إلى جماهير الشعب الفلسطيني ,فلقد أنكر عليها اليسار الصهيوني أي دور أو مكان في
ذلك المجتمع "االشتراكي" .فلقد كانت االشتراكية تعني بالنسبة لليسار الصهيوني "اشتراكية" لليهود فقط .وهكذا فعندما تحدثوا عن الطبقة العاملة والصراع الطبقي وعالقات اإلنتاج ونقابات العمال
ودكتاتورية البروليتاريا ..إلخ ,فقد فعلوا ذلك في اإلطار اليهودي فقط ,وهنا أيضاً نالحظ أنه تم استخدام مفهوم االشتراكية في تطبيقاته االقتصادية واالجتماعية والثقافية بصورة انتهازية وعنصرية
لحساب المخطط السياسي الصهيوني في إطار "الكيبوتزات" اليهودية دون أي اهتمام بالعمال والفقراء
العرب أصحاب البالد .بناءاً على ما تقدم ,فإنني أقول بثقة أن الحزب الشيوعي اإلسرائيلي كان طوال
تلك المرحلة حزباً صهيونياً بامتياز ولكن بلباس "ماركسي" ..وفي هذا الجانب ,فإنني أرفض – 219
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
موضوعياً -االعتراف بجذرية المواقف السياسية المتضامنه مع الشعب الفلسطيني ألي حركة يهودية يسارية ماركسية مقيمة داخل الكيان الصهيوني ,فالماركسي أو اليساري اليهودي الذي يمكن االقرار
بجذرية موقفه الماركسي الثوري ,هو من يناضل ضد وجود الدولة الصهيونية ودورها ووظيفتها في
خدمة االمبريالية من جهة ومع قيام دولة فلسطين لكل سكانها ,وبالتالي يعلن رفضه للوجود
الصهيوني ودولته صراحة ويتحمل تبعات ذلك الرفض ,او يخرج نهائياً من "دولة إسرائيل" .وفي هذا السياق ,أود التأكيد هنا على كثير من المواقف اإليجابية للحزب الشيوعي اإلسرائيلي خال ل تفاقم
هيمنة الحكم العسكري الصهيوني ضد الفلسطينيين في إسرائيل ,ورفضه الصريح لهذه السياسات
والممارسات في مقابل مطالبته باعطاء الفلسطينيين قسماً هاماً من الحقوق المدنية والقانونية والديمقراطية ,عالوة على ذلك ,أود اإلشارة أيضاً إلى أن الشيوعيين اإلسرائيليين بعد انقسامهم إلى
فريقين عشية هزيمة حزيران , 0697الفريق األول عرف باسم فريق "ماير فلنر" والثاني عرف باسم
"ميكونيس -سنية" ,فبينما عرف األول بمواقفه ضد االحتالل اإلسرائيلي لأل راضي العربية ومطالبته باالنسحاب منها ,إلى جانب مواقفه المتعاطفة مع االماني المشروعة للفلسطينيين في تقرير مصيرهم واستقاللهم في دولة مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي أكد هذا الفريق اعترافه بها على
أثر اعالن المنظمة لبرنامج النقـاط العشرة أو البرنامج المرحلي عام 0672واستعدادها فيما بعد,
خاصة بعد عقد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في سبتمبر 0660وتأكيده على االعتراف بالتسوية السياسية وفق ق اررات الشرعية الدولية خاصة القرار رقم 323والقرار رقم , 221ثم تعمقت عالقة الحزب الشيوعي اإلسرائيلي فريق ماير فلنر ,مع المنظمة وقيادتها بعد توقيع اتفاق أسلو في
سبتمبر , 0662ومن ثم تزايد تضامنه مع الفلسطينيين من اجل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في األراضي المحتلة . 0697أما الفريق الثاني بقيادة "ميكونس سنيه" فقد عرف عنه مواقفه اليمينية األقرب إلى مواقف الحركة الصهيونية والحكومات اإلسرائيلية المتعاقبة ,إلى أن استدل الستار
عليه في ثمانينات القرن الماضي .أخي ارً ,بالنسبة لموقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من
الحزب الشيوعي اإلسرائيلي فقد كان جزءاً من الموقف المناهض لموقف االتحاد السوفيتي واألحزاب الشيوعية العربية واعترافهم بالدولة الصهيونية وقرار التقسيم ,عالوة على وضوح تحليل الجبهة (في
وثائقها الصادرة سنوات )91/97لمواقف الحزب الشيوعي اإلسرائيلي ,االنتهازية ,التي تقاطعت في
البدايات األولى مع الحركة الصهيونية ,ثم تطابقت مع أهدافها وممارساتها ضد كفاح الشعب
الفلسطيني ,خاصة اشتراك الحزب الشيوعي اإلسرائيلي في المنظمات الصهيونية العسكرية .وفي
ضوء هذه الرؤية ,فإن الجبهة الشعبية طوال المرحلة الممتدة من عام 0697حتى اعالن قبولها -
بعد عام – 0663بالحل المرحلي/الدولة المستقلة بدون االعتراف بالدولة الصهيونية واالستمرار في النضال الستعادة كامل حقوقنا التاريخية في فلسطين ,اتخذت موقفاً صريحاً ضد الحزب الشيوعي
اإلسرائيلي باعتباره جزءاً مما يسمى بيسار الحركة الصهيونية ,وقد تغير هذا الموقف بعد عام ,0662 201
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حيث ادرجت الجبهة ,الحزب الشيوعي االسرائيلي ضمن ما يسمى بقوى السالم التي توافق على دعم
وقيام الدولة الفلسطينية في األراضي المحتلة ,0697دون أن يعني هذا الموقف إقامة أي عالقة أو
لقاءات سياسية رسمية بين الحزب الشيوعي اإلسرائيلي والجبهة الشعبية حتى اللحظة .
200
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
39 / 7 / 3102
كيف ترى تطور اهلوية لفلسطيني 45؟
سؤال من الرفيق خميس بكر :اليوم يعيش في "إسرائيل " قرابة مليون ونصف المليون لم تستطع
كل أساليب القمع من اقتالعهم من أرضهم وبقو محافظين على أرضهم وهويتهم كيف ترى تطور
الهوية لفلسطيني 21؟
أبدأ إجابتي على سؤالك بتعريف الهوية ,كما افهمها ,بأنها مجموعة القيم والعناصر والسمات
التي تجمعت عبر حياة تاريخية ,اجتماعية اقتصادية ثقافية تراثية ,لشعب معين في مكان وزمان واحد ,حيث تبلورت وترسخت وتفاعلت كل ...عناصر وقيم الهوية فيما بينها ,فهي ليست احادية البنية ,بمعنى انها ال تتشكل من عنصر واحد ,العنصر الديني وحده أو اللغوي وحده ,أو االثني أو
القومي أو الثقافي والوجداني األخالقي أو التراثي أو من المعاناة والخبرة العملية في الصراع وحدها , إذ غالباً هي حصيلة تفاعل هذه العناصر جميعاً .
وهذا بالضبط ما يميز شعبنا العربي الفلسطيني ,الذي ما زال يشعر بوجوده وهويته المتميزة بشرف
انتمائه ,رغم كل عوامل العدوان والتشرد واالضطهاد التي أدت إلى التباعد اإلكراهي بين أجزائه
المتناثرة داخل الوطن وخارجه .
على أي حال ,فبالرغم من كل محاوالت الدمج أو التوطين أو األسرله ,التي ترافقت مع العديد من
صنوف القهر والقمع والتمييز العنصري ,ظل شعبنا الفلسطيني سواء في األراضي المحتلة ,0621أو
في مخيمات المنافي ,محافظاً على جوهر هويته الفلسطينية ,متمسكاً بعناصرها ,رغم بشاعة
الممارسات الصهيونية واألنظمة العربية ,وذلك ارتباطاً وانعكاساً لشعوره وايمانه العميق بهويته ش ّكل الهوية الوطنية الراسخة الوطنية ,التي تجسد عمق انتمائه التاريخي لفلسطين بوعي عفوي َ والمتحركة في خزان الوعي الذاتي لشعبنا عموماً ,وفي أوساط شعبنا داخل "دولة" العدو الصهيوني
خصوصاً .
بالطبع ال يمكن الحديث عن هوية وطنية أو ثقافية فلسطينية ,إال كوجه متميز من وجوه الهوية
العربية ,السياسية والثقافية ,كما ال يمكن الحديث عن الهوية الثقافية العربية إال كجملة وجوه مختلفة ومتكاملة تحتضن في داخلها الهوية الفلسطينية بكل جوانبها وعناصرها الثابتة والمتطورة في
آن واحد ,والتي يمكن تلخيصها في قوة االنتماء لفلسطين والعروبة ,إلى جانب عنصر التحدي الناجم
عن معاناتهم من الممارسات العنصرية الصهيونية ضدهم .
أخي ارً ..أشير إلى أن تحقيق أحالم وتطلعات الفلسطينيين – في الداخل والمنافي -في الحرية
والديمقراطية والحقوق المدنية والكرامة ,سيظل هاجساً وهدفاً غالياً من أهدافهم ,قاتلوا من أجله
202
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
طوال أكثر من مئة عام مضت ,وسيقاتلون –إذا اضطروا -مئة عام أخرى ,وسيظل التاريخ شاهد
على ذلك ,فال يخدع نفسه سوى من ظن واهماً أن الفلسطيني قد مات شعوره بهويته الوطنية وأحالمه وأهدافه ,وصار مخصياً أو حمالً وديعاً ,ولن يصدق شعبنا أولئك السياسيين الفلسطينيين
الذين استم أروا االستسالم باسم الواقعية واالنتهازية والمصالح الطبقية.
لذلك أقول ,إن كل من يتحدث أو يخاطب الفلسطينيين بلغة أو شعارات تتناقض مع هويتهم
الوطنية أو تتجاوز أحالمهم في التحرر والكرامة والحقوق المدنية والعدالة ,هو مجرد واهم او
انتهازي.
فالذاكرة التاريخية بالنسبة البناء شعبنا في الوطن المحتل ,21هي ممارسة حاضرة ,فهي تقوم
بوظيفة تراثية وفولكلورية وأيديولوجية وسياسية ومجتمعية ,إنها تحاول تثبيت ذاتها في أتون الصراع
مع الدولة الصهيونية وممارساتها العنصرية ,وهو صراع مفتوح يعيد تجديد وتطوير وتعميق الهوية
الوطنية بكل ابعادها السياسية والمجتمعية .
وال شك أن ذاكرة شعبنا تتجلى – في العديد من المنعطفات -بصورة جماعية في الوطن المحتل
وفي كل مكان ,كذاكرة حية متمردة على االضطهاد واالستغالل الصهيوني العنصري ,النها ذاكرة
حيوية لم تقطع مع ماضيها في فلسطين المدينة والقرية والريف والمزارع والبيوت ,لم تقطع مع نضال
الشعب ضد االستعمار والهجرة الصهيونية والنضال والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ضد الغزوة
الصهيونية ,لم تقطع رغم المعاناة واالضطهاد والتطهير العرقي والتشرد في مخيمات اللجوء وصوالً إلى اللحظة الراهنة ,النها بالفعل ذاكره متمرده ,ليس فقط على تاريخ صراعها مع الصهيونية
واالمبريالية ,بل متمردة أيضاً على تاريخ خيانة النظام العربي منذ قبل النكبة وبعدها ,بمثل ما هي حانقة ومتمردة على المصالح الفئوية واالنقسام والصراع على المصالح بين حكومتي فتح وحماس
غير الشرعيتين.
فبالرغم من مرور 92عاماً على النكبة ظلت –وستظل -الذاكرة الفلسطينية الشعبية حافظة للهوية
الوطنية وللوعي الوطني في كل محطات النضال ,منذ ما قبل النكبة إلى يومنا هذا ,وهي أيضاً ذاكرة
تعرض لها أبناء شعبنا داخل الوطن المحتل كما في الشتات ,وعززت التشرد والغربة والمعاناة التي َّ لديهم روح اآلمال الكبيرة في المستقبل الذي ستتحقق فيه الحرية والعدالة االجتماعية بآفاقها
االشتراكية عبر الممارسة الثورية لكافة أشكال النضال من أجل تحقيق أهدافنا في التحرر الوطني
والديمقراطي في إطار النضال التحرري القومي الديمقراطي ,لذلك لم يكن غريباً أن تنصهر فينا ,نحن
الفلسطينيون ,الذاكرتين معاً ,ذاكرة الوطن المحتل ,وذاكرة الغربة والشتات واللجوء ,فلكل منها آالمها وآمالها الكبيرة.
203
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عن -ازمة املاركسية -وأزمة احزاب وفصائل اليسار العربي وسبل
النهوض
31 / 7 / 3102 ()0
ان ما يوصف بأنه " أزمة الفكر" لدى أحزاب اليسار العربي هو في الحقيقة أزمة الممارسة بسفحيها:
النظري والعملي ,فثمة بون شاسع بين الممارسة النظرية ,مثالً ,وبين انتقاء وجمع وتوليف مجموعة من األفكار والمبادئ والتصورات ,قُطعت عن منظومتها الفكرية ,وانتُزعت من سياقها التاريخي ,عبر مسميات خجولة أزاحت النص الصريح بااللتزام بالماركسية ,لحساب نصوص تلفيقية أو توفيقية أو تحريفية ,أو عناوين استرشادية جاءت انسجاماً مع مواقف العديد من األحزاب الشيوعية التي تخلت عن اسمها أو بعض الفصائل والحركات األخرى التي اتجهت صوب الخلط الفكري بين الليبرالية
والماركسية ,أو حتى شطب الماركسية من أدبياتها ,ذلك الخلط أو الشطب ,سيعزز تراجعها المتصل, وتهميشها وسيعجل بنهايتها.
على أي حال ,إن التخلي عن الماركسية أو االرتداد عنها والتنكر لها ,ليس موقفاً جديداً مرتبطاً
بانهيار االتحاد السوفياتي أو بالواقع العربي المهزوم ,بل هو ظاهرة نشأت منذ نشوء الماركسية ,من
خالل العناصر والقوى اليمينية التي وجدت في الماركسية خط ارً شديداً على مصالحها ووجودها ,لكن
" الماركسية" بمضمونها السياسي واالجتماعي ودالالتها ومؤشراتها المستقبلية بالنسبة لتحرر وانعتاق العمال والفالحين وكل الفقراء والكادحين في هذا الكوكب ,خاصة في البلدان المستعمرة والتابعة ,كما هو حال بلداننا العربية ,الذين لن يجدوا خالصهم إال من خاللها ,لذلك ,فإن البحث في "أزمة
الماركسية" –وال نقول فشلها -هو بحث في الماركسية ذاتها- ,كما يقول " الصديق سالمة كيلة -واذا كان من حق اي كان ,ان يتخلى عن افكار ويعتنق أفكار أخرى نقيضة ,فانه ليس من حق احد اصدار
حكم بالتجاوز او النفي على تيار فكري من اجل تبرير هذا التخلي ,خصوصاً اذا كان الحكم بال حيثيات سوى البعد الذاتي ومبرراته االنتهازية األنانية الصريحة. ()3
إن جذور أزمة الماركسية في الوطن العربي تكمن في هذا التراجع الفكري والضعف النظري لدى
احزاب وفصائل اليسار ,إلى جانب حالة االغتراب عن الواقع ,ومن ثم فشل هذه االحزاب في وعي
الواقع واستيعاب جوانبه ومكوناته السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية...إلخ ,حيث استمرت 204
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
طوال العقود الماضية في رفع شعارات او مبادئ ال تجسد الواقع أو تعكسه بصورة جدلية وموضوعية صحيحة ,ما يعني بوضوح ان الحركات اليسارية لم تدرك أن المبادئ ال تصلح نقطة انطالق للبحث
تطبق على المجتمع والطبيعة والتاريخ بل والتحليل والتنقيب ,بل هي نتيجتها الختامية .فالمبادئ ال ّ ق منها ,فليس على الواقع والتاريخ أن يتطابقا مع أفكارنا ,بل على أفكارنا أن تتوافق وتتطابق مع تُ ْ شتَ ْ قوانين حركة الواقع ومنطق التاريخ ,هذا هو الدرس الرئيسي الذي يتوجب على احزاب وفصائل اليسار
العربي أن تستوعبه في وعيها وممارستها ,دون أن يعني ذلك تجاو ازً للتطور االجتماعي والطبقي المشوه ,لمجتمعاتنا العربية ,طوال التاريخ الحديث والمعاصر ,وبالتالي فإنني أرى أنه ليس من
المغاالة في شيء ,إذا قلنا بأن ما يسمى بأزمة الماركسية في بالدنا ,هي انعكاس –بهذا القدر أو
ذاك -ليس ألزمة وتخلف المجتمع والفكر السياسي العربي ارتباطاً بالمسار التطوري التاريخي المشوه فحسب ,بل ايضا – وبالدرجة االساسية – الى قصور وعجز احزاب وفصائل اليسار عن صياغة
وممارسة قضايا الصراع التناحري ضد العدو االمبريالي الصهيوني من جهة وقضايا الصراع االجتماعي
الطبقي الديمقراطي الداخلي من جهة ثانية ,االمر الذي كان – ومازال – من الطبيعي ان تكبر وتتسع
العزلة والفجوات بين قوى اليسار العربي وجماهيرها الشعبية الفقيرة . ()2
ان ما ينقص قوى اليسار هو الدافعية الذاتية او الشغف وااليمان العميق بمبادئه عبر امتالك الوعي
العلمي الثوري في صفوف قواعده وكوادره ,فبينما تتوفر الهمم في أوساط الجماهير الشعبية واستعدادها دوما للمشاركة في النضال بكل اشكاله ضد العدو االمبريالي والصهيوني ,وضد العدو الطبقي المتمثل في انظمة التبعية والتخلف واالستغالل واالستبداد والقمع ,اال ان احزاب وفصائل
اليسار لم تستثمر كل ذلك كما ينبغي وال في حدوده الدنيا ,ألنها عجزت – بسبب ازماتها
وتفككهاورخاوتها الفكرية والتنظيمية -عن إنجاز القضايا األهم في نضالها الثوري ,وهي على سبيل
المثال وليس الحصر :اوال – عجزت عن بلورة وتفعيل االفكار المركزية التوحيدية العضاءها وكوادرها وقياداتها واقصد بذلك الفكر الماركسي وصيرورته المتطورة المتجددة.ثانيا-عجزت بالتالي عن
تشخيص واقع بلدانها ( االقتصادي السياسي االجتماعي الثقافي ) ومن ثم عجزت عن ايجاد الحلول
اوصياغة البديل الوطني والقومي في الصراع مع العدو االمبريالي الصهيوني من ناحية وعن صياغة
البديل الديمقراطي االشتراكي التوحيدي الجامع لجماهير الفقراء وكل المضطهدين من ناحية ثانية .ثالثا
عجزت عن بناء ومراكمة عملية الوعي الثوري في صفوف اعضاءها وكوادرها وقياداتها ليسبهويتهم الفكرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي فحسب بل ايضا عجزت عن توعيتهم بتفاصيل
واقعهم الطبقي ( االقتصاد ,الصناعة ,الزراعة ,المياه ,البترودوالر ,الفقر والبطالة والقوى العاملة, الكومبرادور وبقية الشرائح الراسمالية الرثة والطفيلية ,قضايا المرأة والشباب ,قضايا ومفاهيم الصراع 205
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الطبقي والتنوير والحداثة والديمقراطية والتخلف والتبعية والتقدم والثورة....الخ )فالوعي وااليمان
الثوري ( العاطفي والعقالني معا ) لدى كل رفيقة ورفيق ,بالهوية الفكرية وبضرورة تغيير الواقع المهزوم والثورة عليه ,هما القوة الدافعة الي حزب او فصيل يساري ,وهما ايضا الشرط الوحيد
صوب خروج هذه االحزاب من ازماتها ,وصوب تقدمها وتوسعها وانتشارها في اوساط جماهيرها على
طريق نضالها وانتصارها . ()2
أرى أن أزمة الماركسية عندنا ,تتجلى في كونها تعيش حالة قطيعة أو إرباك مع تراثها ,ارتباطاً
باألزمة الفكرية لدى أحزاب اليسار العربي ,وهذه األزمة أسهمت في ضياع بوصلة تلك األحزاب,
الفكرية والسياسية ,ليس بسبب التبعية الميكانيكية تاريخياً للمركز في موسكو ,أو بسبب الوعي
المسطح أو البسيط على مستوى االعضاء فحسب ,بل أيضاً بسبب هشاشة وضعف الوعي في معظم الهيئات القيادية ,التي عاشت نوعاً من غياب الوعي الماركسي أو الالمبااله – والرفض العلني أو
المبطن -للفكر الماركسي ,إلى جانب االغتراب أو العزلة عن قواعدها التنظيمية وجماهيرها ,فضالً عن حالة الجمود الفكري والتنظيمي البيروقراطي و تراكم المصالح الطبقية االنتهازية بتأثير العالقة مع هذه
السلطة أو هذا النظام أو ذاك.
كما تجلت األزمة أيضاً ,في المنتسبين إلى هذه األحزاب وهيئاتها القيادية ,ال سيما ضعف وعيهم
للدور الذي على الماركسية أن تقوم به في مجتمع متأخر تابع ومستباح ,وبالتالي الضعف الشديد
لتأثيرهم أو غيابه في أوساط الجماهير ,بدليل اشتعال االنتفاضات العربية دونما أي دور ملموس
ألحزاب وقوى اليسار فيها ,التي غيبت نفسها بسبب تفاقم أزماتها ,وعجزها وقصورها الذاتي على
الرغم من نضج الظروف الموضوعية المتمثلة في االستالب الوطني الناجم عن وجود القواعد العسكرية واالحتالل الصهيوني من جهة وفي االستالب واالستبداد الطبقي الناجم عن شدة بشاعة استغالل الطبقة الحاكمة وحلفائها لجماهير الفقراء اللذين خرجوا بالماليين مشاركين في االنتفاضة بصورة عفوية ,سرعان ما احتضنتها قوى اإلسالم السياسي والقوى الليبرالية ,إلى جانب قوى الثورة
المضادة ,في ظل غياب محزن للطليعة اليسارية المدافعة عن أماني وأهداف الجماهير . ()2
صحيح أن الماركسية هي منهج أفكار ماركس ,و "مذهبه" ,لكن علينا أن ندرك أن كل من
األفكار ,و"المذهب" ,محدودان ومحددان بالزمان والمكان ,ولذلك فإن أهم مظهر من مظاهر أزمة الماركسية في بالدنا ,هو جمودها على النص القديم او "المذهب" ,وافتقارها أو عجزها عن التعامل
مع روح المنهج المادي الجدلي وجوهره التاريخي ,وبالتالي عجزها عن اكتشاف جدل الواقع العربي 206
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ذاته وميول تطوره ,إذ ال يمكن موضوعياً الحديث عن المنهج المادي الجدلي بدون الماركسية, وبالتالي فإن الهروب من الماركسية ,واالكتفاء بالمنهج الجدلي فقط !!خطوة تؤشر على نزعة انتهازية
تسعى إلى الهروب من التراث الماركسي كله ,وهي أيضاً خطوة تؤكد على انتصار التيار الليبرالي االنتهازي الرث داخل هذه األحزاب من جهة ,أو تجسيد للنزعة التحريفية او لعدم الوعي بأهمية اعتماد
الماركسية ( كنظرية علمية تاريخية وفلسفية اقتصاديية اجتماعية )كشرط للتعاطي مع المنهج المادي الجدلي من جهة ثانية ,إذ أن معنى ذلك الشطب للماركسية ,ليس استجابة للقوى الراسمالية والليبرالية
ولتيارات وحركات االسالم السياسي الرجعية وغيرهم من أعداء الماركسية في المشهد السياسي العربي
الراهن فحسب ,بل هي أيضاً إزاحة مفاهيم الصراع الوطني والقومي الكفاحي باسم السالم المزعوم
,وازاحة مفاهيم وآليات الصراع الطبقي وفائض القيمة والتحليل االقتصادي والطبقي لكل مظاهر االستغالل من أجل تجاوزها .وفي هذا الجانب أشير إلى أن جمود الفصائل واألحزاب اليسارية لم يكن
متوقفاً عند نصوص ماركس ولينين فحسب ,بل كان ممتداً ومنتش ارً بحيث أصاب روح التغيير الديمقراطي الثوري لدى قيادات هذه األحزاب ,التي باتت قيادات متكلسة ضحلة الوعي وعاجزة عن
ممارسة اي شكل من اشكال التواصل والتجدد التنظيمي والمعرفي الجدلي بالمعنى الثوري االرتقائي ,
االمر الذي انعكس سلبا على عموم اعضاء الحزب ,من حيث غياب الوعي بالنظرية والواقع المعاش, ومن حيث غياب الدافعية الذاتية واالخالق الثورية لدى معظمهم ,ففي غياب الوعي واالخالق
والدافعية لدى االعضاء ال يكون مستغربا في مثل هذه االحوال أن تتراكم االزمات الداخلية – ذات
الطابع الشللي المشخصن -بكل مظاهرها الفكرية والسياسية والتنظيمية دون أي مخرج – امام
القيادات البيروقراطية المتكلسة والهابطة سياسيا وفكريا في قسم كبير منها -سوى اللجوء إلى إدارة األزمة بأزمة أخرى أشد بشاعة ,عبر مزيد من التكتالت والشلل ,والمحاسيب ,مما ادى إلى تفاقم
األوضاع المأزومة ,التي انتجت بدورها مزيداً من التراجع والعزلة وتراجع االفكار والمبادىء الثورية , وانتشار حالة من التشكيك بالماركسية ومنهجها او االرتداد عنهما وظهور حالة مأزومة من االرباك
والفوضى الفكرية ,ولجوء بعض هذه األحزاب إلى األفكار والسياسات الليبرالية -والمظاهر الدينية
احيانا -لتبرر فشلها وانتهازيتها وهبوطها السياسي والفكري ورخاوتها التنظيمية ,األمر الذي ينذر باسدال الستار عليها ,ووالدة الجديد الثوري البديل ,إذا لم تبدأ عملية مراجعة نقدية – من كوادرها و
قواعدها الرافضة لهذا المآل – تطال كافة مظاهر وشخوص الهبوط والتراجع ,فالحزب يقوى بتطهير
نفسه ,وتلك خطوة ال بد منها في احزاب وفصائل اليسار العربي ,باتجاه اجراء التغيير البنيوي فيها , واحياء مبادىء ومنطلقات الحزب الثورية بالمعنى الماركسي العلمي المتجدد وفق المنهج المادي
الجدلي ومن ثم االندماج الحقيقي في مسامات ومكونات الواقع بكل جوانبه السياسية واالقتصادية
والمجتمعية من على ارضية الصراع الوطني /القومي التحرري وارضية الصراع الطبقي في آن واحد.
207
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
()9
تبرز االشتراكية اليوم ,كضرورة ما تزال تتطلع إليها هذه األوضاع التي تزداد تردياً في حياة شعوب
بالدنا العربية.
في إطار هذه الضرورة ,ووعينا لها ,يتوجب على فصائل واحزاب اليسار تبني الماركسية كمنهج
للتحليل وكنظرية في التغيير الثوري ,خاضعة للتطور واالغتناء ارتباطاً بالمتغيرات االجتماعية واالقتصادية والسياسية ,وباالستفادة من التقدم الهائل في علوم التكنولوجيا واالتصال والفضاء
والهندسة الوراثية والفيزياء والطب وعلوم السياسة والمجتمع ,وفي هذا السياق ,أشير إلى المسار
التطوري للفكر الماركسي ما بعد لينين عبر العديد من المفكرين والقادة من أمثال تروتسكي و جورج لوكاتش ,ومدرسة فرنكفورت ,هوركهيمر ,ادورنو ,وهربرت ماركيوزه وماوتسي تونج,
وجرامشي,موريس توريز ,والتوسير ,وهابرماس ,ونعوم تشومسكي ,وجورج البيكا ,ودانييل بن
سعيد , ,وجون مولينو...إلخ ,إلى جانب العديد من المفكرين والمثقفين في أمريكا الالتينية وأسيا وفي بالدنا العربية من أمثال شبلي شميل ,شهدي عطية ,د.فؤاد مرسي ,امين عز الدين ,احمد صادق
سعد ,محمود أمين العالم,فؤاد نصار ,بشير البرغوثي ,اميل توما ,عبد العظيم انيس ,مهدي عامل, سمير أمين ,رمزي زكي ,ميشيل كامل ,اسماعيل صبري عبداهلل ,اديب ديمتري ,ابو سيف يوسف
,وحسين مروه ,إلياس مرقص ,جورج طرابيشي ,بو علي ياسين ,جورج حاوي ,توفيق سلوم ,
وصادق العظم ,هادي العلوي ,جلبير أشقر ,فوزي منصور ,هشام غصيب ,وماهر الشريف ,عبد
الباسط عبد المعطي ,عبد اهلل العروي ,ياسين الحافظ ,بو علي ياسين ,هشام جعيط ,كمال عبد اللطيف ,عبداللة الحريف ,سالمة كيلة ,سعيد بن سعيد العلوي وفيصل دراج ومحمد دكروب وفواز
طرابلسي وغيرهم ,الذين قدموا اضافات اغنت الماركسية كنظرية في التغيير الثوري وكمنهج للتحليل.
من أجل ذلك ,علينا أن نتواصل في الحوار,و أن نسعى إلى بلورة وتعميق وتطوير واغناء رؤية
احزابنا وفصائلنا للماركسية ومنهجها بهدف االسترشاد بها في تحليل وتغيير الواقع ,وقراءة الظواهر
االجتماعية والسياسية واالقتصادية وفق معطيات المنهج المادي الجدلي وباالستناد إلى كل ما هو
تقدمي وديمقراطي وانساني في التراث الفكري والثقافي لشعوبنا ومجتمعاتنا العربية واإلنسانية جمعاء على طريق النهوض المأمول لليسار الماركسي العربي واسترداده لدوره الطليعي الثوري الديمقراطي في
مسيرة النضال من اجل اسقاط انظمة االستبداد والتبعية والتخلف وتحقيق اهداف الثورة الوطنية
الديمقراطية بافاقها االشتراكية طريقا وحيدا النهاء الوجود االمبريالي الصهيوني واجتثاثه من بالدنا.
208
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
املوقف الثوري املطلوب من فصائل واحزاب اليسار العربي جتاه قوى اليمني الليربايل واالسالم السياسي..
00 / 1 / 3102 إن تراكم المخاطر الناجمة عن الصراعات واحتدام التناقضات الداخلية ,إلى جانب المخاطر
الناجمة عن خضوع وارتهان معظم النظام العربي الرسمي للمشاريع االمبريالية الصهيونية في بالدنا , تفرض تفعيل وتطوير كل عناصر ومقومات النهوض بفصائل واحزاب اليسار من أجل استعادة دورها
المتميز ,كبديل ديمقراطي لكل من منهج وقيادة اليمين الوطني واليمين الديني .
وفي هذا السياق نؤكد على أن العقل الثوري التغييري الذي تحمله قوى اليسار لن يتراجع بسبب
قوة وانتشار تيار اإلسالم السياسي في المرحلة الراهنة بما يمثله من رؤى سياسية ومجتمعية يمينية ,
أو بسبب الهيمنة الطبقية الرأسمالية الرثة والتابعة ألنظمة االستبداد والتخلف واالستسالم ومعها العديد من القوى الذيلية اليائسة أو المشككة أو االنتهازية أو الهروبية ,بل سيستمر على شكل قوة موضوعية تكمن في صميم قوة وتبلور الهوية الفكرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي في عمق
وعي هذه االحزاب والفصائل ,وكل إمكانيات النهوض فيها في موازاة صالبة الموقف الذي تحمله من
أجل التحرر والديمقراطية والعدالة االجتماعية بآفاقها االشت اركية بعيدا عن سفينة األصوليين المحكومة بقواعد التعصب والتخلف االجتماعي ,وبعيدا عن سفينة ركاب السلطة المحكومة برياح التبعية
والتسوية مع التحالف اإلمبريالي الصهيوني الرجعي.
فالتغيير الثوري بالنسبة لقوى اليسار العربي هو مبرر وجودها وهو أيضاً قمة النضال السياسي
الديمقراطي والكفاحي في تالحمهما معاً ,إذ انه خالل مسيرة النضال ,تترابط وتتوحد القضايا السياسية واالجتماعية واالقتصادية على أرضية صالبة االنتماء الوطني واالنحياز الطبقي الصريح والصادق
للعمال والفالحين وكل الكادحين والفقراء ,كشرط أساسي لتوحد وتعاظم دور اليسار العربي الثوري في
القضايا التحررية والمطلبية الديمقراطية ,الوطنية والقومية واألممية ,وذلك انطالقاً من اإلدراك بأن الثورة ال تنضج بمقدماتها فحسب ,بل تكتمل بتوفير العناصر الموضوعية للوضع الثوري والعامل
الذاتي ,وهي أيضاً ال يمكن أن تندلع –بالصدفة أو بحفنة من المناضلين المعزولين عن الشعب ,بل
بالحزب المؤهل ,الذي يتقدم صفوف الجماهير الشعبية الفقيرة ,واعياً لمصالحها وتطلعاتها وحامالً
لإلجابة على أسئلتها ,ومستعداً للتضحية من أجل هذه الجماهير ,واثقاً كل الثقة من االنتصار في مسيرته المظفرة.
209
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
قطاع غزة 0993 – 0989 دراسة تاريخية سياسية اجتماعية القسم الثاني
غاإي الصوراني
/ 34أغسطر 3103 /
المرحلة الثانية (:)0697 – 0627 المالمح العامة لهذه المرحلة: عمـت حالـة بعد انسحاب المحتلين اإلسرائيليين من قطاع غزة في السـابع مـن آذار/مـارس َّ ,0627
من التفاؤل بالمستقبل فـي كافـة أوسـاط شـعبنا الفلسـطيني ,تميـزت ببعـدها الـوطني الخـالص ,وجوهرهـا االنفعـالي العـاطفي دون أي اسـتناد إلــى معطيـات ماديـة تســهم فـي تبيـان طبيعــة أو معـالم الصـراع مــع
العــدو الصــهيوني ,عــالوة علــى ذلــك فــإن هــذه الحالــة مــن التفــاؤل لــم ترتكــز إلــى قاعــدة سياســية أو
هم الجماهير وشـاغلها األول الخـالص الـوطني والعـودة ,وممـا اجتماعية أو اقتصادية محددة .لقد كان ّ عزز هذا التوجه األحادي مؤشران: -األول جاء انعكاساً للحالة الجماهيرية الوطنية المحلية.
-والثاني جاء تعبي ارً عن ارتباط الحالة الجماهيرية المحلية بالحركـة القوميـة العربيـة الرسـمية التـي
عبر عنها عبد الناصر في هذه المرحلة.
ويتمثل المؤشر األول في ىلغاء متشروع التدويل لقطاع غإة الذي اقترحته كندا في تشباط 0989نتيجة
المبة الوطنية في القطاع ،والتزي اسزتمرت أسزبوعال كزامالل عبزر مالزاهرات عنيفزة ضزد متشزروع التزدويل ومزن
ترجززع قيززادة الط زوارئ الدوليززة بتعليمززات مززن اامززين أجززل عززودة اإلدارة العربيززة (المص زرية) ،ممززا أدى ىلززس ا العام لألمم المتحدة عن هذا المتشزروع ،والسزماح لزإلدارة المصزرية بزالعودة ىلزس قطزاع غزإة فزي ال اربزع عتشزر
من آذار/مارر .0989
المؤشر الثاني :التفاف الجماهير العربية عمومال ،والفلسطينيين خصوصال ضمن حركة تميإت بالعفوية
الصادقة حول مصر ورليسما الذي أصبح وبحق رم الإ للتحرر الوطني والوحدة العربية.
فززي هززذه ااج زواء اسززتقبلت الجمززاهير الحاتشززدة مززن أبنززاء قطززاع غ زإة الل زواء محمززد حسززن عبززد اللطيززف،
المعين من قبل رلاسة الجممورية في القاهرة ،حاكمال عامال لقطاع غإة ،وانطلق هتاف الجماهير معبز الر عزن
تشعارها الخالد "فلسطين عربية".
221
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لقــد كــان التفــاؤل بالحركــة القوميــة العربيــة الصــاعدة فــي مصــر فــي هــذا الظــرف شــكالً مــن أشــكال
اإليمان "المطلق" في ذهنية وعواطف الجماهير ,أعطاها أمالً كبيـ ارً فـي الخـالص الـوطني والعـودة بمثـل ما زودها بطاقة هائلة ,في تحمل كل نتائج البؤس االجتمـاعي والفقـر المـدقع والمـرض البالغـة السـوء,
ويكفي هنا أن نورد مثالً حول انتشار مرض السل ,الذي فتك بصـدور اآلالف مـن أبنـاء القطـاع نتيجـة
الحرمان وسوء التغذية.
تلك الحالة من البؤس االجتماعي بكل مقدماته ونتائجـه ,لـم تكـن بعيـدة علـى اإلطـالق عـن التمـايز
الطبقي التاريخي والحاد في قطاع غزة ,الذي تعمـق وتطـور فـي هـذه المرحلـة ( )0697-0627بفعـل
االمتيازات الجديـدة – االقتصـادية واالجتماعيـة – لطبقـة كبـار المـالك ,والتـي مهـدت الطريـق أمـام نمـو
الطبقــة البورجوازيــة الكومبرادوريــة (الوســطاء التجــاريون) عبــر عــدد مــن األنظمــة والتعليمــات اإلداريــة
والقوانين الخاصة بحرية االستيراد ,بحيث أصبح القطاع – مـع بدايـة السـتينيات -سـوقاً حـرة لالسـتيراد والتصدير ,وبؤرة من بؤر التخلف والفساد االجتماعي و االقتصادي.
وق ززد ت ارف ززق م ززع ه ززذا التط ززور المتش ززوه تن ززامي حج ززم البورجواإي ززة الص ززغيرة بك ززل تشز زرالحما ،ونتيج ززة ان البورجواإية الصغيرة كطبقة ال تستطيع أن تخلق قاعدة اقتصادية خاصة بما اسبا
موضوعية ،فقد كان
م ززن الطبيع ززي ارتب ززاط معال ززم فلاتم ززا م ززع الغ ززول الجدي ززد (الك ززومبرادور) أو م ززع الجم ززاإ الحك ززومي ال ززواليفي
واامنززي الززذي كززان فززي جززوهره وتشززكله معبز الر عززن مصززالح كبززار المززالت ومولززودهم الجديززد مززن الكززومبرادور
والتشرالح الرأسمالية الطفيلية والبيروقراطية الرثة ،مما انعكر سلبال علس طبيعة تكوين البورجواإيزة الصزغيرة المادي والذهني في آن واحد ،وانتشدادها الواضح تجاه قضاياها ومتشاكلما الحياتية الخاصة ،وابتعاد معالم
أفرادها عن المتشاركة في العمل الوطني عمومال رغم النمزو
القزومي العزام الزذي أدى ىلزس نتشزوء ااحز اإ
القومية (البعث ،والقوميين العر ) مع بداية هذه المرحلة ،والتي قام بتأسيسما عدد مزن المثقفزين مزن أبنزاء هذه الطبقة.
ومن المفارقات الجديرة باالهتمـام فـي عالقـة (مصـر عبـد الناصـر) بقطـاع غـزة ,أن القيـادة الوطنيـة
المصـرية التـي بـادرت إلــى إلغـاء امتيـازات كبــار المـالك "اإلقطـاعيين" والبورجوازيــة الكبيـرة فـي مصــر,
وتحجيمهمــا سياســياً واجتماعي ـاً واقتصــادياً ,وأعطــت األولويــة فــي اهتماماتهــا لتطــوير البنيــة التحتيــة
االجتماعية واالقتصادية "لصالح الفالحين والعمال" وما سـمي "بالرأسـمالية الوطنيـة" ,فـي سـياق توجـه وطني ٍ معاد لالمبريالية واالستعمار والرجعيـة ,إال أن هـذه القيـادة – بالمقابـل -لـم تحـرص علـى تطبيـق االجراءات والتوجهات نفسها في قطاع غزة ,بل أنها تعاملـت معـه ضـمن سياسـة داخليـة متناقضـة إلـى حد بعيد مع سياستها وتوجهاتها ,ويؤكد ذلك طبيعة األوضاع االقتصادية واالجتماعية التـي سـادت فـي
قطاع غزة منذ عام 0627حتى هزيمة .0697
فقد عمدت السلطات المصرية إلى تكريس األوضاع الطبقية السـائدة منـذ مـا قبـل عـام 0621بكـل
مــا تعنيــه مــن امتيــازات اجتماعيــة وسياســية واقتصــادية لصــالح القيــادات والوجاهــات التقليديــة العائليــة 220
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المـ ّـال ك وغيـرهم ,كمـا عمــدت إلــى تطبيــق سياسـة اقتصــادية قائمــة علــى االنفتــاح والعشـائرية مــن كبــار ُ (عبر نظام االستيراد بدون تحويل عملة) الـذي أفـرز كافـة المقومـات لـوالدة الوسـطاء التجـاريين الكبـار (الكومبرادور) الذين امتدت هيمنتهم في القطاع ,بحيـث تـوازت وتـداخلت مـع هيمنـة ودور كبـار المـالك فــي جميــع المســتويات السياســية واالجتماعيــة ,وأصــبح تحكــم ه ـؤالء فــي اقتصــاد القطــاع بكــل جوانبــه
الزراعيــة والتجاريــة والصــناعية ,علــى ضــآلتها ,مصــدر بــؤس وشــقاء جديــدين ,انعكــس بكــل ثقلــه علــى السواد األعظم من الجمـاهير الكادحـة والمسـحوقة ,مـواطنين والجئـين ,وانتشـرت مظـاهر البـذخ والتـرف
والفساد والرشاوي لكبـار المـوظفين المصـريين والفلسـطينيين ,وترافـق ذلـك مـع اتسـاع مسـاحات بيـارات الحمضيات وتطويرهـا ,إلـى جانـب المئـات مـن المعـارض المتخصصـة فـي بيـع الكماليـات ,بكـل أنواعهـا المستوردة من باريس ولندن وطوكيو وبيروت ,التي غص بها شارع عمر المختار ,أو كما أطلق عليه
آنذاك "شارع المئة مليون جنيه".
وعلززس الززرغم مززن تززردي ااحزوال االجتماعيززة واالقتصززادية البالسززة التززي عززانس منمززا أبنززاء القطززاع تحززت اإلدارة المص زرية ،ىال أن ع زإاءهم تمثززل فززي بززروإ المويززة الوطنيززة الفلسززطينية ودور النالززام الناصززري فززي
تعميززق هززذه المويززة وبلورتمززا عبززر المززدارر والجامعززات وكافززة وس زالل اإلعززالم ،بحيززث أصززبح القطززاع مززن أكثززر التجمعززات الفلسززطينية قززدرة علززس التعبيززر المززنالم عززن هززويتمم الوطنيززة ،بكافززة مالاهرهززا السياس ززية والكفاحية ،ىضافة ىلزس ذلزت فقزد التإمزت اإلدارة المصزرية ب بقزاء الجنسزية الفلسزطينية صزفة مالإمزة للتشزع
هام في الحفاال علس الكيان الفلسطيني ،وتشكل حزاف الإ قويزال الفلسطيني في القطاع ،وكان لمذا الموقف ل دور ل لكززل القززوى والحركززات الوطنيززة القوميززة واامميززة فززي نضززالما ضززد الوجززود الصززميوني ،وممززد الطريززق نحززو
والدة منالمة التحرير الفلسطينية. الوضع القانوني:
لقد حرصت القيادة الوطنية في مصر علس احتفاال قطاع غإة باسم فلسطين في كافزة المحافزل العربيزة
والدوليززة ،وتززم تثبيتززه رسززميال فززي اامززم المتحززدة باعتبززاره "الجززإء البززاقي مززن فلسززطين" ،كمززا التإمززت باالبقززاء علززس القزوانين الفلسززطينية الصززادرة بمرسززوم فلسززطين لسززنة 0933كمززا هززي ،مززع اتشززتراط عززدم مخالفززة هززذا
المرسززوم لمززا جززاء فززي النالززام ااساسززي الصززادر بالقززانون رقززم 338سززنة ،0988وفززي تشززمر آ
0985
أصدر مجلر الدولة المصري فتواه ،التي تؤكد علس "أن قطاع غإة ينفصل انفصاالل كليال عن دولزة مصزر من جميع النواحي التتشريعية والتنفيذية والقضالية".
وفي عام 0963صدر القانون الدستوري لقطزاع غزإة ،وتقزرر العمزل بزه لحزين صزدور الدسزتور الزدالم
لفلسطين ،وقد ورد في المادة ااولس منزه أن "منطقزة قطزاع غزإة جزإء مزن أر
فلسزطين ،وتشزعبما جزإء ال
يضززم الفلسززطينيين أينمززا كززانوا ،هدفززه ااسززمس العمززل المتشززترت السززترداد اار
المغتصززبة مززن فلسززطين".
يتج أإ من اامة العربية" ،أما المادة الثانية فقد أقرت "حق الفلسطينيين في قطاع غإة بتتشزكيل اتحزاد قزومي
222
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وباإلض ززافة ىل ززس المز زواد الت ززي تكف ززل تش ززكليال حري ززة التعبي ززر والز زرأي والمعتق ززد ،فز ز ن الم ززادة ( )31م ززن النال ززام الدستوري أقرت اول مرة تتشكيل المجلر التتشريعي أو السلطة التتشريعية التي تتكون من: -الحاكم العام رليسال.
أعضاء المجلر التنفيذي (السلطة التنفيذية) وعددهم ثمانية . أعضاء بالتعيين ،عتشرة أعضاء -أعضاء باالنتخا
اثنان وعتشرون عضوال
ىال أن صالحيات هذا المجلر تقيدت فيما يتعلق ب صدار القوانين بتشرط تصديق الحزاكم العزام عليمزا،
كذلت ف ن الحاكم العام وحده يملت الحق في الدعوة ىلس عقد المجلر أو فضه ،وعلس الرغم من ذلت ،فقزد تززوفر للمجلززر هززام
القانون الذي ين
مززن الحريززات الديمقراطيززة بحيززث تمكززن مززن ىصززدار العديززد مززن الق زوانين ،أهممززا
علس أن قطاع غإة باعتباره الجإء الباقي من فلسطين ،ف ن من حق كل فلسطيني في
التشتات القدوم ىليه واإلقامة فيه دون أية تشروط مسبقة ،ومما تجدر اإلتشارة ىليه دور د.حيدر عبد التشافي
البارإ في ىصدار هذا القانون وواق ارره ،علس الرغم من رف
اإلدارة المصرية .
السلطة التنفيذية:
ويتوالها الحاكم العسكري العام الذي كان يملت حق ىعالن أو ىلغاء ااحكام العرفية ،ويتشاركه في هذه
السلطة مجلر تنفيذي من رؤساء المديريات التسع (أو الو اإرات المصغرة) في القطاع وهي: -مديرية التشؤون القانونية.
مديرية الداخلية واامن العام. مديرية التشؤون البلدية والقروية. -مديرية التشؤون الصحية.
مديرية التشؤون المدنية والمستخدمين. -مديرية المالية واالقتصاد.
مديرية التشؤون االجتماعية والالجلين. -مديرية التربية والتعليم.
مديرية ااتشغال العامة.وقد كان يعين لكزل مديريزة مستتشزا الر مصزريال ،ىال أنزه فزي واقزع اامزر كزان المزدير اآلمزر لكزل مزا يتعلزق
بتشززؤون المديريززة ،خاصززة مززع وجززود عززدد مززن المززديرين مززن أبنززاء القطززاع الززذين ال هززم لمززم سززوى تززأمين
مصالحمم الطبقية والتشخصية أو العاللية عبر ىرضاء المستتشار المصري بكل الوسالل.
223
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
السلطة القضالية:
-المحكمة العليا :وهي أعلس سزلطة قضزالية فزي القطزاع ويعزين رليسزما بقزرار مزن رلاسزة الجمموريزة
وأعضالما يتم تعيينمم بقرار من وإير الحربية.
-المحاكم القضائية األخرى ،تتشكلت من أبناء القطاع ،وبعالقة مباتشرة مع مديرية التشؤون القانونية
الت ززي ت ززولس رلاس ززتما بع ززد ع ززام 0963أح ززد أبن ززاء القط ززاع (ف ززاروق فمم ززي الحس ززيني) ،وق ززد كان ززت الس ززلطة القضالية مقيدة في كثير من الحاالت رغم أن النالام الدستوري ين
علس حريتما واستقاللما.
-المحاكم العسكرية :وكانت ب تشراف كبار الضباط المصريين .
ااوضاع السياسية العامة: في هزذه المرحلزة توإعزت الخارطزة السياسزية للحركزة الوطنيزة فزي القطزاع علزس عصزبة التحزرر الزوطني
(التشززيوعية) التززي تأسسززت عززام ،0943وجماعززة اإلخ زوان المسززلمين التززي بززدأت نتشززاطما عززام ، 10943 وحإ البعث العربي الذي تأسزر فزي ،0983وحركزة القزوميين العزر التزي تأسسزت فزي صزيف ،0989
ثم حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي بدأت نتشاطما الفعلي في القطاع منذ أواخر عام .0964
أما بالنسبة لتناليم االتحاد القومي الذي أسسته اإلدارة المصرية فمو لم يكن جزإءال مزن الحركزة الوطنيزة
لالعتبارات التالية:
-0ولد بقرار من الحكومة المصرية. -3تززولس معالززم ااطززر القياديززة فيززه ممثلززو كبززار المززالت ورمززوإ الكززومبرادور التجززاري والبيروقراطيززة الحاكمة.
-3لززم تتشززارت جمززاهير العمززال والفالحززين الفق زراء والبرجواإيززة الصززغيرة فززي قواعززد أو مؤسسززات هززذا التناليم.
وفيمززا يتعلززق بززأطراف الحركززة الوطنيززة وجماعززة اإلخزوان المسززلمين ،فززنالحال ت ارجززع كززل مززن التشززيوعيين واإلخ زوان لدرجززة كبي زرة فززي عالقتممززا بالجمززاهير ،فززي الززل حمززالت القمززع المسززتمرة ضززدهما ،وفززي مقابززل تنامي الدور القومي بقيادة عبد الناصر بعد أن تكرست إعامته علس العالم العربي دون مناإع. وفززي الززل هززذا المنززا انتعتشززت حركززة القززوميين العززر فززي القطززاع علززس حسززا
حززإ البعززث العربززي
الذي لم يتمكن من االنتتشار أو ممارسة دور هام ،خاصة بعد االنفصال الذي أيده الحزإ فزي سزوريا عزام
،0960ويمكن القول أن دوره السياسي قد غا
نماليال قبل وبعد حإيران .0969
1عبد الغني سالمة – اإلسالم السياسي في فلسطين – الحوار المتمدن – 3102/2/32
224
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي أواسط الستينات شهد القطاع بـروز النشـاط السياسـي لحركـة فـتح التـي كانـت قـد تأسسـت فـي
الخارج عام 0693بعد توحد كل المجموعات الفلسطينية 1التي تميز معظمها باالرتباط بعالقة تنظيمية
أو فكرية بحركة اإلخوان المسلمين ,لدرجة أن عدداً من مؤسسي حركة فتح لم يقطعـوا عالقـتهم نهائيـاً بالحركة األم (نذكر منهم أسعد الصفطاوي /فتحي البلعاوي /رفيق النتشه).
وفي الوقت الذي انتشرت فيه حركة القوميين العرب انتشا ارً واسعاً نسبياً في أوساط جماهير القطاع
بسبب توازن شعاراتها مع الشعار الرسمي للناصرية من جهة ,وتداخلها العضوي مع جماهير الالجئين في المخيمات من جهة أخرى ,فإنهـا لـم تتعـرض أليـة عمليـات قمعيـة بمثـل مـا تعرضـت لـه حركـة فـتح
التي تميزت بشعاراتها القطرية المعروفة والتي شكلت نقيضاً أو "توريطاً" للنظام العربـي الرسـمي برمتـه آنذاك.
أما عصبة التحرر الوطني التي تحولت في منتصـف الخمسـينيات إلـى الحـزب الشـيوعي الفلسـطيني
فــي قطــاع غــزة ,فقــد تعــرض كوادرهــا للعديــد مــن حمــالت االعتقــال والنفــي إلــى الســجون المصــرية فــي السجن الحربي والواحات خاصة بعد دورهـم المميـز فـي إفشـال مشـروع التـوطين* ,ثـم دورهـم فـي قيـادة
الجبهة الوطنية إبان االحتالل عام .0629
وبعد عودة اإلدارة المصرية إلى القطاع في شهر مارس عام , 0627قامت كل من إدارة المباحث
العامة والمخابرات المصرية بمالحقة الشيوعيين واعتقال كوادرهم.
والمفارقة هنا أن الشيوعيين في قطاع غزة لم يواجهوا هـذا الموقـف بالمزيـد مـن التنظـيم ,بـل ذهبـوا
بعيــداً إلــى حــد شــل منظمــاتهم الحزبيــة فــي القطــاع ,خاصــة بعــد بــروز العديــد مــن الخالفــات السياســية
والتنظيمية والفكرية داخل الحـزب ,واسـتمرار هـذا التشـتت قائمـاً حتـى عـام ,0697حيـث بـدأت مرحلـة جديدة في حياة الحزب عبر تأسيس الجبهة الوطنية في آب/أغسطس .0697
أخي ارً فقد تميزت الحياة السياسية عموماً في قطاع غزة لهذه الفترة بعدد من السمات:
-0االلتفزاف الجمزاهيري العفزوي الكثيزف ،بعيزدال عزن العمزل المزنالم ،خلزف التشزعارات الوطنيزة والقوميزة العفوية المنادية بتحرير فلسطين عبر اإلذاعات والصحف ووسزالل اإلعزالم ،وهزي تشزعارات كانزت
انعكاسز زال للقز ز اررات البيروقراطي ززة بتش ززكل ميك ززانيكي ،دون أن تمتل ززت رؤي ززة تفص ززيلية للواق ززع الحقيق ززي
لمزواإين القززوى فززي عمليزة الصزراع العربززي اإلسزراليلي ،هززذا االلتفززاف العفزوي الصززادق ،عبززرت عنززه الجمزاهير الفقيزرة ،مواطنزون والجلزون ال فزرق ،بالتحاقمزا فزي جزي
قانون التجنيد اإلجباري في آذار مارر .0968
التحريزر الفلسزطيني بعزد صززدور
1هيلينا كوبان-المنظمة تحت المجهر – ترجمة :سليمان الفرزلي – دار النشر :هاي اليت /لندن – .0612
*
كان للمناضل الشيوعي الراحل الشاعر معين بسيسو دوراً طليعياً في قيادة المظاهرات الشعبية ضد مشروع التوطين .
225
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-3تطز ز ززور الز ز ززدور السياسز ز ززي الممز ز ززيمن للقز ز ززوى التقليديز ز ززة مز ز ززن كبز ز ززار المز ز ززالت أو التجز ز ززار الوسز ز ززطاء (الكومبرادوريززة) عبززر عالقززاتمم وصززالحياتمم الواسززعة فززي كافززة الززدوالر الحكوميززة وغيززر الحكوميززة (تززولي ممثلززيمم للززدوالر الحكوميززة المامززة ونجززاحمم فززي االنتخابززات التتش زريعية والبلديززة) ،وقززد أدى التززداخل العضززوي لمصززالحمما المتشززتركة ىلززس تحولممززا للعمززل مع زال ضززمن ىطززار طبقززي واحززد ،ه زو تح ززالف البورجواإي ززة الكومبرادوري ززة التجاري ززة م ززع س ززلفما الت ززاريخي "كب ززار المالك ززين م ززن اافندي ززة" القدامس ،هذا التحالف الذي أغرق القطاع بالمسزتوردات الكماليزة الباذخزة ،بكزل مزا رافقمزا مزن فسزاد ورتشوة لكبار وصغار المزوالفين ،وبالتعزاي
ال اإلزف مزع التشزعارات القوميزة المخصصزة المتصزا
نقمة الالجلين في المخيمات والكادحين في مناطق القطاع الفقيرة ،التشجاعية والإيتون وخان يونر
ورفح وعبسان وبيت حانون ،الذين اكتتشفوا م اررة الحقالق العارية بعد هإيمة حإيران .0969
-3غيززا
دور الززوعي السياسززي الطليعززي المززنالم فززي أوسززاط الجمززاهير ،نالز الر لضززعف القززوى الوطنيززة
بتشززكل عززام ،فالتشززيوعيون رددوا طروحززات االتحززاد السززوفيتي بالنسززبة لالعت زراف بالدولززة الصززميونية
وق زرار التقسززيم ممززا أدى ىلززس ع زإلتمم ،عززالوة علززس أنمززم كززانوا فززي تلززت المرحلززة بززال تنالززيم موحززد
ومحززدد المعززالم ،أمززا حركززة فززتح فقززد طرحززت تشززعارات وطنيززة ،لززم يكززن المنززا مميل زال تمام زال لمززا ،
خاصة تشعارها بالنسبة لتوريط 1عبد الناصر ،أما البعثيون فلم يكن لمم أي نتشاط ملحوال.
أخي الر بالنسبة لحركة القوميين العر ،فقد كانت تعمل بتشكل تشبه علني بدعم من النالام القالم،
لكنمززا لززم تززتمكن مززن اسززتيعا
وتنالززيم الجمززاهير بسززب
اكتفالمززا بالتشززعارات العامززة دون االهتمززام
بالقضايا المطلبية اليومية للجماهير ،لذلت تتشزكلت بنيتمزا التناليميزة مزن أبنزاء البورجواإيزة الصزغيرة
في مخيمات ومدن القطاع ،دون أي اهتمام جدي بتناليم العمال والفالحين الفقراء . -4غيززا
المؤسسززات الثقافي ززة العامززة والنز زوادي والمؤسسززات ،م ززا عززدا النز زوادي والجمعيززات الرياض ززية
المخصصززة للنخبززة الحاكم ززة وحلفالمززا ،ىلززس جانز ز
المس ززرح المدرس ززي ف ززي بعز ز بعز
ضززعف النتشززاط المس ززرحي الززذي انحصززر ف ززي
الم ززدارر الثانوي ززة خ ززالل الفتز زرة ، 0969 – 0989باإلض ززافة ىل ززس
"المسززرحيات التززي كززان يقززدمما مجموعززة مززن الممتمززين بالمسززرح علززس مسززرح سززينما السززامر
بغإة ،أو مسرح نادي العودة أو جمعية التشبان المسيحية".2
1المعروف تاريخياً عند تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني /فتح ,وكان معظم أعضاء هيئتها القيادية األولى من كوادر حركة األخوان المسلمين سابقاً ,حيث طرحت حركة فتح آنذاك شعار الكفاح المسلح والعمليات الفدائية ضد الدولة الصهيونية لتوريط مصر عبد الناصر
وسوريا واقحامهما في حرب لم تكن قد استعدتا لها آنذاك ,وقد كان ذلك الشعار التوريطي انعكاساً للعداء التاريخي بين حركة اإلخوان
المسلمين وحركة فتح إلسقاط النظام الناصري ,على الرغم من إصرار قيادة حركة فتح آنذاك على أن الكفاح القطري هو الطريق إلى تحرير
فلسطين ..وقد أثبتت وقائع التاريخ المعاصر للحركة الفدائية الفلسطينية منذ عام 0697حتى اليوم ُعقم ذلك الشعار . 2أحمد عمر شاهين – الحياة الثقافية في قطاع غزة – كتاب صامد – العدد – 12حزيران – 0660ص377
226
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-2الصــحافة فــي قطــاع غــزة :افتقززر قطززاع غ زإة خززالل تاريخززه للصززحافة التشززعبية المتداولززة اسززبا موضوعية ترتبط بأوضاع الفقزر والتخلزف االجتمزاعي والثقزافي والتعليمزي ،حتزس بدايزة الخمسزينيات
مززن القززرن العتش زرين ،ىلززس جان ز
العوامززل الذاتيززة التززي تجلززت فززي ض زعف انتتشززار التعلززيم الثززانوي
والجامعي وضعف العمل السياسي والثقافة العامة طوال مرحلة ما قبل نكبة .0945
وعلس أثر الحزاق القطزاع بزاإلدارة المصزرية ،وقيزام ثزورة يوليزو ، 0983قزام النالزام الناصزري
بتطبيق سياسة التعليم المجاني ،بما في ذلت التعليم الجامعي لجميع أبناء قطاع غإة ،االمر الذي أدى ىلززس ارتفززاع نسززبة المتعلمززين ىلززس مجمززوع السززكان فززي القطززاع ،أعلززس مززن مثيالتمززا فززي الززدول
العربية.
لكن علس الرغم من ارتفاع نسبة التعليم ،اللت الصحافة في القطاع علس حالة مزن الضزعف
الجرلزد طزوال الفتزرة 0983 وقلة االنتتشار والتوإيع ،علس الزرغم مزن صزدور العديزد مزن الصزحف و ا
– 0969أهمما :1
"اللواء" :أسبوعية سياسية اجتماعية يحررها د .صالح مطر أبو كميل وصدرت رخصتما فيمارر .0983
"الصراحة" :أسبوعية علمية سياسية أدبية مصورة يحررها د.سليم ياسين وصدرت رخصتما فينوفمبر سنة .0983
"المستقبل" ثقافية تشمرية صدرت باسم أحمد ىبراهيم الحمالوي بتاريخ يناير 0984ويديرهاويحررها محمد جالل عناية .
جريدة "الشرق" باسم علي كبه الحلبي وصدرت رخصتما في ديسمبر سنة 0949والغيتبأمر الحاكم العسكري في .0988/3/39
جريدة "الجهاد المقدس" :أصدرها منير الرير وداود صايغ في فبراير 0984والغيترخصتما بأمر الحاكم العسكري في .0988/4/9
جريدة "الوطن العربي" :باسم رتشاد التشوا بتاريخ ،0983/03/3والغيت رخصتما بأمر الحاكمالعسكري في .0988/4/35
"العودة" :باسم سعد فرح فرح بالعربية واالنجليإية ويرلر تحريرها إكي سعد وصدرترخصتما بتاريخ .0986/8/04وباالسم نفسه صدرت مجلة تشمرية مصورة عن االتحاد
القومي ، 0985وكانت تطبع في القاهرة .
جريدة "غزة" :صدرت من .0963-8-4أسبوعية وكان يرلر تحريرها خمير أبو تشعبان. جريدة "الرقيب" :أسبوعية ويرلر تحريرها عبد اهلل العلمي. 1المصدر السابق – أحمد عمر شاهين – ص371
227
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
"التحرير" :جريدة بدات تصدر سنة 0985برلاسة إهير الرير ،ثم تحولت سنة 0963ىلسجريدة أسبوعية باسم "اخبار فلسطين" باالتشترات مع جريدة "اخبار اليوم" المصرية ،وكانت
اخبار فلسطين مؤسسة صحفية كاملة ،وقد ساهم فيما المصريون بنصف رأر المال ،ثم
تولت منالمة التحرير الفلسطينية االتشراف عليما ،ابتداء من 0968/01/4وواصلت الجريدة الصدور حتس يوم 0969/6/8حين صدر عددها ااخير في أول يوم للعدوان . وقد أسممت "جريدة فلسطين" في ىبراإ بع
والكتا
االقالم والمواه
الفلسطينية من اادباء
الذين بدأوا حياتمم اادبية علس صفحات جريدة اخبار فلسطين :إهير بتشير
الرير (رلير التحرير) ،محمد آل رضوان (مدير التحرير) ،علي إين العابدين الحسيني، عبد النبي ،عبد الكريم السبعاوي ،أحمد عمر تشاهين،
محمد حسي
القاضي ،دروي
توفيق المبي
،محمد جالل عناية ..وغيرهم.
-جريدة نداء التحرير :صدرت في ربيع عام ،0968صاح
االمتياإ محمود الصردي،
وكانت بمثابة واجمة علنية للحإ التشيوعي في قطاع غإة ،حيث تولس ىداراتما واالتشراف عليما عبد القادر ياسين ،ومن كتابما عبد اللطيف عبيد ،ودي
-6غيززا
المربيطي ،وقد توقفت بعد
ثالثة أعداد بقرار من أجمإة اامن في قطاع غإة صيف عام .10968
الززدور الفاعززل للعمززل النقززابي ،حيزث أن النقابززات العماليززة السززتة فززي القطززاع التإمززت بتشززكل
عززام بالبعززد الرسززمي بعيززدال عززن قضززايا جماهيرهززا ،وهززي نقابززة الصززناعات المعدنيززة ،نقابززة النجززارين وأعمال البنزاء ،نقابزة سزالقي السزيارات ،نقابزة عمزال الخياطزة ،نقابزة عمزال الإ ارعزة ،نقابزة ااعمزال
الكتابي ززة والخ ززدمات العام ززة ،وك ززان معال ززم رؤس ززاء ه ززذه النقاب ززات متع ززاطفين م ززع النال ززام الناص ززري وأجمإته السياسية واامنية آنذات
-9اسززتمرار النتشززاط السززري المززنالم لإلخزوان المسززلمين ،دون أيززة نتشززاطات أو ممارسززات وطنيززة تززذكر فززي التشززارع الفلسززطيني بالقطززاع ،عززالوة علززس أن قسززمال هام زال مززن جمززاهير القطززاع نالززروا لإلخ زوان المسلمين باعتبارهم ضمن القوى الرجعية بسب
عدالمم التشديد للناصرية ،ومزواقفمم االيجابيزة مزن
النالم الرجعية ،في السعودية والخلزيا العربزي .وقزد اسزتمر هزذا الموقزف السزلبي ىلزس مزا بعزد هإيمزة
حإي زران عززام 0969حتززس بدايززة عززام 0959واتشززتعال االنتفاضززة فززي الززداخل ،حيززث بززدأ اإلخ زوان بالتعاطي مع العمل الوطني عبر حركة حمار.
1
عبد القادر ياسين – مقابلة شخصية .
228
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مالمح األوضاع االجتماعية – االقتصادية – السياسية في الفترة بين عامي – 0627 0697
طـوال التــاريخ المعاصــر وحتــى عــام , 0621لــم يكــن القطــاع منفصـالً مــن الناحيــة االقتصــادية أو
االجتماعيــة عــن المجتمــع الفلســطيني ,ألن بنيتــه االقتصــادية واالجتماعيــة كانــت جــزءاً مكم ـالً ومكون ـاً
لالقتصــاد الفلســطيني بشــكل عــام ,وكــان عــدد ســكانه قبــل النكبــة ( )61ألــف نســمة .وبقيــــام الدولــة
الصهيونية أصبح القطاع منعزالً عن الضفة الغربيـة ومحصـو ارً فـي مسـاحة ال تزيـد عـن 292كـم, 3 وبالتالي عجز عن توفير المقومات االقتصادية الالزمـة لتـأمين الحـد األدنـى مـن شـروط الحيـاة لسـكانه
الــذين أصــبح تعــدادهم عــام )361( 0626ألــف نســمة ,1حيــث بلغــت نســبة الالجئــين ( )%96كانــت األغلبية الساحقة منهم تنتمي إلى الشرائح الفقيرة جداً من فالحين القرى أو بادية بئر السبع.
وفــي ذلــك يكمــن التفســير الموضــوعي لتشــوه بنيــة االقتصــاد الفلســطيني فــي قطــاع غــزة ,قبــل عــام
,0627ليستمر بعدها بوتائر وأشكال طبقية 2مميزة حتى عام ,0697حيث بلـغ عـدد السـكان حـوالي
أشـكال نوعيـة مـن التشـوه والتبعيـة فـي آن واحـد, 222ألف نسمة ,ثم يأتي االحتالل الصهيوني لتبـدأ ً إلى جانب انخفاض عدد السكان –بسبب النزوح إلى الدول العربية والخارج -ليصبح في شهر سـبتمبر 0697حوالي 222ألف نسمة. ىن اسززتع ار
العالقززات االجتماعيززة االقتصززادية للمرحلززة الممتززدة بززين عززامي 0969 – 0989يبززرإ
عددال من الحقالق:
.0تط ززور العالق ززات االقتص ززادية و االجتماعي ززة باتج ززاه تبل ززور مجتم ززع طبق ززي متش ززوه ف ززي س ززياق نس ززيا اجتماعي متنوع في سماته الطبقية ،وموحدال في ىطاره الخا
أو الوطني العام.
1النكبة في أرقام – االنترنت – موسوعة النكبة الفلسطينية .
2
تعريف الطبقة االجتماعية :الطبقة االجتماعية هي جماعة تشترك في موقع متشابه من ملكية وسائل اإلنتاج ,أو من عالقات العمل وأنماطها ,وتتبلور بتبلور وعيها بمصالحها المشتركة ,وسعيها لتحقيق تلك المصالح من خالل تنظيم حركتها وتفعيل مشاركتها ,ويستند هذا المفهوم على محددات أساسية للطبقة ترتبط بأنماط العالقات االجتماعية لإلنتاج ,وتساعد في تصنيف الطبقات وفهم كل طبقة لذاتها ,والتي تجعل
منها قوة في البنية الطبقية وعلى مستوى المجتمع ,وتتمثل تلك المحددات فيما يلي: أ .الموقع من ملكية أو حيازة رأس المال النقدي أو رأس المال العيني.
ب .الموقع من عالقات السلطة ,وممارساتها داخل النطاق المباشر لإلنتاج (في المنشأة أو المشروع) والتي تتحدد بناء على أحد الموقعين السابقين أو كالهما (حيازة رأس المال النقدي أو العيني ).
ج .الموقع من عالقات االستغالل ,أي ممارسة االستغالل ( بمعنى االستيالء على فائض القيمة) أو الخضوع له (من قبل العمال). د .يتحدد الوعي الطبقي أوالً بحد أدنى يبدأ بالوعي اليومي الفردي المباشر أو شبه الجماعي القائم على التعاطف ومشاعر االنتماء والوالء بين أعضاء الطبقة ,والذي يتبلور نحو وعي جماعي بالمصالح المشتركة وبدائل تحقيقها ,وهو وعي ال يتوفر لدى كل أعضاء الطبقة بل لدى جماعة قيادية منها ,تسمى الجماعة اإلستراتيجية التي يمكن أن تؤسس حزب أو جمعية أو مؤسسة ,للدفاع عن مصالح الطبقة في إطار ما يسمى بالفاعلية الطبقية التي يقصد بها قدرة الطبقة على تحقيق مصالحها في خضم الممارسات المختلفة ,وخاصة الممارسات السياسية.
229
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
.3لم يعد التقسيم االجتماعي للقطاع قالمال علس أسار مجموعتين منقسزمتين ىلزس الجلزين ومزواطنين، وأصبح من الواضح أن عوامل التداخل الموضزوعية قزد فرضزت نفسزما فزي سزياق التطزور العزام،
ليصززبح الحززديث عزن تززوإع السززكان فززي السززلم الطبقززي أو الت ارت ز
االجتمززاعي (عمززال ،فالحززين
أجراء ،بورجواإية صغيرة ،بورجواإية الكومبرادور وكبار المالت ) عنوانال لمذه المرحلة.
.3ىن بززروإ ااوضززاع الطبقيززة كحالززة موضززوعية جديززدة ،لززم يتشززكل فززي حززد ذاتززه نقيضزال لألوضززاع أو االمتيززاإات التززي كانززت سززالدة فززي القطززاع قبززل هززذه المرحلززة ،ىذ أن والدة الوضززع الجديززد جززاء بمب ززادرة م ززن الق ززوى التقليدي ززة القديم ززة (كب ززار المالك ززين/اافندي ززة) ،الت ززي حرص ززت عل ززس مواكب ززة المتغيز زرات ،وان ززدفعت لتط ززوير قاع ززدتما االقتص ززادية بتفريعاتم ززا المتع ززددة ف ززي التج ززارة والص ززناعة
والخززدمات جنبزال ىلززس جنز ،مززع اهتماممززا بتطززوير بياراتمززا وأ ارضززيما الإراعيززة ،وقززد كززان لتعززاون
دور كبي ز لزر أس ززمم ف ززي نم ززو البورجواإي ززة الكومبرادوري ززة اإلدارة المصز زرية م ززع رم ززوإ ه ززذه الطبق ززة ل (الوسز ززطاء التجزززاريون) ودورهز ززا المتعز ززاالم بالتحزززالف الوثيز ززق مز ززع كبز ززار المالك ززين وعلزززس قاعزززدة اقتصادية واحدة ومتشتركة.
الصزناعات الصززغيرة ،وكززان
اق منفتحزة علززس الخزارو وبعز وبزالرغم مززن أن قطزاع غزإة كزان لديززه أسزو ل يعتبززر مززن أهززم المنززاطق المنتجززة والمصززدرة ،عبززر مينززاء غ زإة ،للحمضززيات (ح زوالي 311ألززف
طن سنويال) ،ىال أن االقتصاد الصناعي والإراعي في معالمه كزان مملوكزال لمجموعزات قليلزة مزن كبززار التجززار والمززالت ،ممززا أدى ىلززس حصززر الثززروة والززدخل فززي ىطززار هززذه الفلززة ،وبقززاء أغلبيززة الفالحيين والعمال يعيتشون ضمن الزروف اجتماعيزة و اقتصزادية مترديزة ،بسزب
غيزا
أي تشزكل
من الدعم االقتصادي ،ما عدا ما كانت تقدمه وكالة غوث الالجلين ومديرية التشلون االجتماعية،
وبع ز
المؤسسززات ااجنبيززة ،مززن م زواد غذاليززة تشززمرية ،وقياممززا بتتشززغيل الملززات مززن المدرسززين
وااطباء والموالفين ،مما أسمم في تخفيف ااعباء االقتصادية علس الالجلين في القطاع .
.2تميــز هــذا التطــور المشــوه بشــكله وجــوهره الميكــانيكي ,بحيــث لــم يســتطع أن يفــرز أيــة أطــر بورجوازية ليبرالية ,فكرية أو ثقافية معاصرة ,وبقيت القيم واألفكار القديمة السائدة لدى الوعي
االعتيــادي للجمــاهير علــى حالهــا مــن حيــث نظرتهــا إلــى "األســياد" القــدامى الــذين امتلك ـوا كــل وسائل القوة ومظاهرها ,واستمرت هيمنتهم المباشرة وغير المباشرة على معظم المؤسسـات فـي
القطاع ,بما في ذلك المؤسسات التشريعية والتنفيذية ,ويكفينا للداللة على ذلك بلدية غزة التي تــولى رئاســـتها وعضــوية مجالســـها طـــوال الفتــرة مـــن عـــام 0623وحتــى عـــام 0697أبنـــاء
العــائالت التقليديــة فقــط ,وهــم بالتحديــد (الش ـوا ،الــريس ،الصــوراني ،أبــو شــعبان ،الحســيني،
الترزي ،أبو رمضان ،خيال ،العلمي ،بسيسو ،الصايغ ،البورنو ،سكيك ،مرتجى ،مطر).
231
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أما علس صعيد العمل الوطني الرسمي ،فقد اللت رموإ هزذه العزالالت تسزتحوذ علزس كافزة مؤسسزاته، ولم تتمكن الجماهير الفقيرة والبورجواإية الصغيرة مزن تزولي أي منصز
الوطني لمذه المرحلة.
هزام فزي مؤسسزات العمزل
.2استمرت العالقـات العشـائرية التقليديـة قائمـة فـي أوسـاط المـواطنين والالجئـين علـى حـد سـواء, ترافق ذلك مع استمرار توزع والءات العديـد مـن المنـاطق الفقيـرة فـي القطـاع لحسـاب العـائالت
المتنفذة من كبار المالكين.
.9ظل القطاع محروماً من التنظيمات السياسية والنقابية ,بسبب الحظر الذي فرضه الحكم العسكري المصري على قيام مثل هذه التنظيمات .على أن االخوان المسلمين والشيوعيين
نجحوا -متآزرين – في تخطي هذا الحظر واقامة أول نقابة للمعلمين في القطاع (,)0622 وظل القطاع خالياً من التنظيمات النقابية ,حتى عام ( ,)0692حين أقيمت في القطاع فروع
التحاد عمال فلسطين ,الذي تشكل بتشجيع من منظمة التحرير الفلسطينية والنظام الناصري
في مصر.1
مالمح الخارطة الطبقية لقطاع غزة في هذه المرحلة ()0697-0627
الحـديث عــن عمليــة الصـراع الطبقــي داخــل المجتمــع الفسيفســائي فــي القطــاع ,ال يبتعــد عــن جــوهر
الرؤيــة الموضــوعية لتلــك العمليــة ,ال باعتبارهــا شــكالً تطوري ـاً جديــداً ,قــام بنفــي األشــكال أو األنمــاط االجتماعية القديمة ,بل إنه جاء متداخالً بشكل عضوي معها ,حامالً لكل موروثاتها الماديـة والمعنويـة المتخلفة والتابعة في آن واحد ,يضاف إلى ذلك عـدم تـوفر اإلمكانيـات القتصـاد ومـوارد القطـاع لتغطيـة
عجزه الدائم ,ومن هنا فإن الحديث عن تنوع الخارطة الطبقية فيه أمر قابل للمراجعة دوماً:
الفالحون الفلسطينيون :
الحــديث عــن "طبقــة فالحــين" فــي قطــاع غــزة بعــد النكبــة هــو حــديث يطــال مجموعــة مــن الفالحــين
المــالكين لقطــع صــغيرة مــن األرض ,ال تصــل إلــى خمســة دونمــات فــي مدينــة غــزة (منــاطق الشــجاعية
والزيتون والتفاح) وقرى عبسـان وبيـت الهيـا وجباليـا والنزلـة وبيـت حـانون وبنـي سـهيال وخزاعـة وديـر البلح وكذلك األمر في مدينتي رفح وخانيونس ,ومجموعة أخرى فـي نفـس المنـاطق ال تتجـاوز ملكيتهـا عشرة دونمات يقومـون بزراعـة حيـازاتهم بأنفسـهم مـع أفـراد عـائالتهم ,وفـي بعـض المواسـم يضـطرون
للعمـــل عمـــاالً عـــاديين فـــي أي مجـــال متـــوفر فـــي المدينـــة أو القريـــة ,أو عمـــاالً زراعيـــين أُجـــراء أو
1
عبد القادر ياسين -الحركة السياسية في قطاع غزة - 0617 – 0621صامد – العدد – 12نيسان /أيار /حزيران–0660ص.23
230
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بالمحاصصة لـدى كبـار المالكـين .هـذه المجموعـات عاشـت ضـمن اإلطـار الفالحـي ,خاصـة فـي القـرى وأطـــراف المدينـــة ,بأبعـــاده االجتماعيـــة والســـلوكية واالقتصـــادية ,وعلـــى مســـتوى العالقـــات االجتماعيـــة
الدونية مع السادة (األفندية) والوجهاء والمخاتير.
واذا كنا نتفق على أنه ليس باإلمكان الحديث عن طبقات قائمة بذاتها أو متبلورة في المجتمع
الفلسطيني ,بسبب استمرار هذا التداخل والتقاطع لألشكال الحديثة للتقسيم االجتماعي للعمل مع
األشكال القديمة المتوارثة ,فإن الحديث عن "طبقة الفالحين" في بالدنا ال يبتعد عن هذا التوصيف,
أي غياب وعي الفالحين الفلسطينيين لوجودهم كطبقة لذاتها ,رغم انتشارهم الكمي عبر ما يقرب من
ألف قرية على األرض الفلسطينية .إال أن هذا التحليل ال ينفي الدور النضالي التاريخي للفالحين
الفلسطينيين طليعة للعمل الثوري ووقودا له في ظل قيادة كبار المالك الرخوة .
فمن المعروف ,تاريخياً ,أن عائالت كبار المالك ,عبر هيمنتها على االقتصاد تمكنت من قيادة
الحركة الوطنية الفلسطينية ,قبل ,0621وفق رؤى وبرامج وآليات سياسية مهادنة أو رخوة مع
االنتداب ,في حين أن الفالحين الفلسطينيين كانوا وقودا للثورة قبل عام , 0621ولم يكن غريبا أن ينجب الريف الفلسطيني خيرة المقاتلين والمناضلين ,الذين كانوا بحق هم المحرك اليومي والفعلي
والمباشر للعمل الثوري ضد االنتداب والحركة الصهيونية ,في حين لم يكن كبار المالك (األفندية)
سوى واجهة َّ هشه تصدرت قيادة الحركة الوطنية ,ضمن آفاق محددة ,لم تكن تلتقي مع آفاق وتطلعات الجماهير الثورية العفوية ,وكان دورها – على األغلب – هو امتصاص وتهدئة الحالة الثورية لدى
فقراء بالدنا ,وكان هذا الدور منسجما مع وضعها الطبقي ومصالحها وعالقاتها مع القوى الرجعية
العربية وغيرها.
يمكن االجتهاد في تحديد مكونات البنية الطبقية في الريف كما يلي :
(أ) كبار المالكين والرأسمالية الزراعية ( 21دونم فأكثر) :
ىنما طبقة تمثل حوالي ( )31عاللة متنفذة تاريخيال في القطزاع ،ولمزذه العزالالت ارتباطاتمزا المصزلحية
الدالمزة منززذ عمززد ااتزرات واالسززتعمار البريطززاني ،وأخيز الر اإلدارة المصزرية .فقززد تميززإت هززذه الطبقززة بقززدرتما علس التكيف مع المتغيرات الجديدة ،سواء كانت حليفزة للمسزتعمر أو معارضزة لزه ،ومزن ناحيزة أخزرى فز ن كل الحر
علس ىقامة العالقات اإليجابية
لمذه الطبقة "أخالقياتما" وسلوكياتما الخاصة بما ،فمي تحر
الطيبززة بزين أعضززالما القالمززة علززس االحتزرام المتبززادل وفززق مقززايير الحسز
المتعارفززة فيمززا بينممززا
لكل عاللة ،باإلضافة ىلس حر
والنسز
هذه الطبقة علس التزإاوو مزن داخلمزا ،وال يسزمح اي غريز
هززذه القاعززدة ،مززن هنززا نسززتطيع تفسززير العالقززات الحميمززة علززس المسززتوى الخززا
عنمزا بخزرق
بززين "إعمززاء" العززالالت
(اافندية) رغم "تناقضاتمم" السياسية كفريقين ،أحدهما مزع المعارضزة واآلخزر مزع الحركزة الوطنيزة خاصزة في الفترة بين (.)0945 – 0939
232
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومن السمات ااساسية في عالقات هذه الطبقة بكل عناصرها مع الجماهير الفقيرة والفالحين الفقراء،
االإدراء والتعززالي وعززدم االقت ز ار منمززا ىال عنززد الحاج ززة ىليمززا فززي مناسززبة انتخابيززة أو ن اإعززات محلي ززة ال يستطيعون مواجمتما بمفردهم.
ومززن المعززروف أن هززذه الطبقززة التززي فقززدت القسززم ااكبززر مززن أمالكمززا فززي فلسززطين علززس أثززر نكبززة
( ،)0945لكنما اللت تمتلت حوالي ( 38ألف) دونم في قطاع غزإة مزن أصزل ( 098ألزف) دونزم مجمزوع ااراضي الإراعية خالل هذه المرحلة. ( )
متوسطو الفالحين (أقل من 81دونم) .
(ث)
صغار الحالإين (اقل من 31دونم ).
(ت)
التشرالح الوسطس من اإلداريين والفنيين.
(و) فقراء الفالحين (أقل من خمسة دنومات) ويتميإون بضعف وعدم كفاية انتاجمم الإراعي ،وقد اضطروا للعمل في السوق اإلسراليلية .
(ح) العمال االجراء :ال يملكون سوى بيع قوة عملمم للغير ويخضعون لتشروط سوق العمل الإراعي،
ويعيتشون تحت خط الفقر .
لقد أدى تطور العالقات الرأسمالية المشوهة – في سياق االرتباط باالقتصاد اإلسرائيلي -إلى نمو
العالقات الرأسمالية ,أو العالقات السلعية والنقدي ،في الزراعة والريف الفلسطيني ,والتي ترافقت مع
التراجع التدريجي – بحكم عوامل التوريث وعوامل أخرى – في حجم الملكيات الكبيرة ,بحيث تراجع دور طبقة كبار المالك بوصفها الشكل الرئيسي لالستغالل في أوساط الفالحين ,ليحل مكانها استغالل
العمل المأجور في إطار العالقات الرأسمالية المشوهة في الريف ,التي تقوم على تخصيص القسم
األكبر من اإلنتاج الزراعي من أجل السوق ,وفي هذه الظروف تزايدت نسبة التمايز الطبقي بين
الفالحين الذين يشكلون حتى اللحظة وجودا طبقيا موضوعيا وقاعدة اجتماعية – فالحية في الضفة
بشكل خاص ,وتزايد تسارع نمو الفئات الفقيرة والمعدمة (" البروليتاريا " " والبروليتاريا الرثة " في القرية أو في أوساط العمال الزراعيين األجراء في المخيمات والمناطق الفقيرة األخرى) ,دون أن يعني
ذلك تبلور حالة من التمايز الطبقي البورجوازي الكالسيكي ,الذي يمكن أن يحقق تراكماً رأسمالياً ملموساً يؤثر في تطوير أو تنمية العالقات الرأسمالية في الريف الفلسطيني ,إذ أن العالقات الرأسمالية القائمة على استغالل العمل المأجور ,هي عالقة مشوهة وكومبرادورية في نفس الوقت ,وبالتالي فقد
بقي المصدر األساسي للتراكم ,هو ما تحصل عليه فئة الكومبرادور من أرباح ,وهو أشبه ,من حيث
طبيعته بعالقة ,الريع أو الربح الذي كانت تستحوذ عليه طبقة أشباه اإلقطاعيين في مراحل سابقة.
أمـا األغلبيـة العظمـى مـن الفالحــين األُجـراء ,فهـم مـن الالجئـين أبنــاء القـرى الـذين امتلكـوا الخبـرات
الواسعة في قراهم قبل النكبة ,واضطروا إلى بيع قوة عملهم كأجراء في بيارات كبار المالك.
233
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
"الطبقة العاملة " الفلسطينية :
من حيث التعريف الكالسيكي ,الطبقة العاملة هي التي تنتج القيمة الزائدة ,أو فائض القيمة,
وينطبق عليها بصورة مباشرة كافة معايير االستغالل ,وهي في بالدنا تتكون من العمال في المنشآت
والورش الصناعية الصغيرة ,إلى جانب العمال االجراء في المحالت التجارية والشركات والفنادق والمطاعم ,وعمال الزراعة االجراء ,والعمال االجراء في مراكب الصيادين ,والباعة المتجولين وجامعي
القمامة ,والعاطلين عن العمل في المدينة أو الريف.
فالكدح والبؤس والشقاء والمعاناة والتشتت أو التبعثر في تجمعات أو ورش صغيرة وشبه عائلية,
وغياب حالة االستقرار أو الثبات في العمل ,وعدم التحاق معظمهم في األطر النقابية ,هي الصفات
التي اتسمت بها أوضاع عمالنا الفلسطينيين ,إذ طالما عانوا من الفقر والبطالة ومن تدني األجور
وغياب التشريعات المنصفة لحقوقهم .األمر اآلخر الواجب اإلشارة إليه هو عدم تبلور طبقة عاملة فلسطينية بالمعنى الموضوعي الذي يحمل في طياته وعيها لمصالحها كطبقة ,ومن ثم وعيها لدورها
الطليعي المحدد في سياق النضال الوطني الديمقراطي ,رغم أنها كانت – ومازالت -مع فقراء الفالحين,
الوقود الحقيقي للنضال الثوري التحرري الفلسطيني الحديث والمعاصر .
وبالنالر ىلس هذه الحالة من عدم تبلور الطبقة العاملة الفلسطينية ،ف ن أي باحث جاد سيواجه ىتشكالية
تتعلق بتطور بنية هذه الطبقة ،وما جرى لما من تفكت ىكراهي بفعل التتشرد والتطمير العرقي من المكان أو الوطن الفلسطيني ،طوال الفترة ما بعد النكبة واالحتالل (عام )0969وصوال ىلس سلطة الحكم الذاتي
( )0993واالنقسام (حإيران ،)3119الذي أدى ىلس وجود بنيه اقتصادية سياسية في الضفة وبنيه اقتصادية سياسية في قطاع غإة ،وتكرير التمايإ االجتماعي بينمما ،اامر الذي يجعل الحديث عن
الطبقة العاملة الفلسطينية في الل هذا الواقع ،وكأننا نتحدث عن جسم طبقي مفكت وهالمي في آن واحد،
يفتقر للوحدة الداخلية أو ما يسمس بوحدة الطبقة العاملة في التكوين االجتماعي الفلسطيني ،ويفتقر أيضا
ىلس التجانر ،ما يجعل من الطبقة العاملة الفلسطينية الاهرة غير مكتملة النمو ،وبالتالي يصعب الحديث
عنها كقوة اجتماعية مستقلة ,يمكن أن تلعب دو ار مؤث ار في إطار الصراع الطبقي ,وفي إطار الصراع
الوطني التحرري ,طالما بقيت فصائل وأحزاب اليسار الفلسطيني على هذه الحالة من غياب التفاعل
واالندماج الحقيقي في أوساط العمال وتوعيتهم وتنظيمهم .
أما عن اتجاهات وتغيرات" الطبقة العاملة" ف ننا نرى أن تتشابت الصعوبات النالرية مع الصعوبات
الواقعية (اإلجرالية) تجعل من دراسة أوضاع هذه " الطبقة" أو المواقع العمالية في الضفة والقطاع أم الر تكتنفه الكثير من العقبات ،ىلس جان
قصور وعجإ قوى اليسار الفلسطيني عن متابعة ورصد البيانات
والمعلومات الخاصة بمكونات الطبقة العاملة الفلسطينية وواقعما وهمومما ومعاناتما وسبل الخروو من
واقعما الراهن صو تحررها وانعتاقما.
234
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي هذا السياق ،ف ن واقع الحال في قطاع غإة ،خاصة ،الوضع االقتصادي المتدني والمتشزوه ،أفزرإ
أو قذف بالعديد من التشزبا
ىطار "الطبقة العاملة".
الفقزراء البزاحثين عزن أيزة فرصزة متاحزة للعمزل بغز
النالزر عزن طبيعتزه ىلزس
وفززي ضززوء التخلززف الكبيززر للصززناعات المتقدمززة أو الحرفيززة (المتشززاغل) التززي لززم تسززتوع
سززوى جززإء
ضزليل مزن حجزم العمالزة لزم يتجزاوإ ( 1)6111عامزل فزي عزام 0966مزن أصزل ( )81ألزف عامزل مزنمم ( )06811عامل إراعي أجير ،وهؤالء معالممم من الالجلين ،ويتوإع الباقون علس أعمال البناء والنجزارة والخياطزة والخزدمات ،وهزم -فزي الغالز -أقزر ىلزس البروليتاريزا الرثزة حيزث نالحزال غيزا
أيزة أتشزكال مزن
الوعي االقتصزادي أو النقزابي ،باإلضزافة ىلزس الجزذور الفالحيزة البسزيطة وهيمنزة الفكزر الغيبزي ،الزذي وجزد
في قطاع غزإة مزالذال أو مسزتق الر نتيجزة غيزا والخ ار االقتصادي من جمة أخرى.
الزدور النتشزط والجزاد مزن القزوى الطليعيزة المنالمزة ،مزن جمزة
كانززت أجزرة العامززل أو الفززالح ااجيززر –ىذا تززوفرت فززر العمززل -ال تإيززد عززن 38قرتش زال بالكززاد تززؤمن لقمة الخبإ وبع الدهون والإعتر وقليل من الخضار والإيتون ،وواذا ق َّدرنا أن كل عامزل مزن هزؤالء يعيزل أو يساهم في ىعالة أسرة تتكون ضمن الحد اادنس من أربعة أفراد ،ف ن مجموع المعالين ( )311ألف من
الفقراء الجلين ومواطنين ال فرق.
ورغم بتشاعة الاللم االجتماعي واالستغالل الطبقي لجموع العمال ،ىال أن حالزة الجمزل والتخلزف العزام
واالرتباط العتشالري القديم فرضت نفسما ،وحالت دون وعي العامل باستغالله ،والل أقر ىلزس االستسزالم
للواقززع كمززا يعيتشززه ،مؤمن زال بززأن هززذا هززو قززدره الززذي ال بززد مززن القبززول بززه دون أي تززذمر .ويبززدو أن صززمت
ااغلبيززة العالمززس مززن فقزراء القطززاع ،خاصززة الالجلززين مززنمم ،علززس اسززتغالل كبززار المالكززين والتجززار لمززم، يعود في أحد أسبابه ىلس ىيمانمم العفوي العميق بصدق وقدرة نالام عبد الناصر عبر تشعاراته القومية مزن
أجززل تحريززر فلسززطين ،ولززذلت كززان صززبرهم مكبوت زال ومرهون زال بانتمززاء هززذه المرحلززة (عززام )0969بمإيمززة
حإيزران التززي فجززرت فززي العامززل والفززالح الفقيززر فززي القطززاع وعيزال وطنيزال متميز الإ بقسززوة المعانززاة جعلززه يتقززدم الصفوف ااولس في مقاومة االحتالل.
الطبقات البورجوازية:
قلنــا أن نمــو البورجوازيــة فــي بالدنــا –وفــي العــالم الثالــث عمومــاً -لــم يتشــكل فــي داخــل البنيــة
االجتماعية التحتية ,عبر عملية تطور تاريخي موضوعي ,كما لـم يكـن وجـود هـذه البورجوازيـة نقيضـاً
للطبقة السائدة (شبه اإلقطاعية) ,بـل جـاءت امتـداداً "عصـرياً" لكبـار المالكـين ,وتابعـاً مخلصـاً للسـوق 1
استناداً إلى إحصاءات من إعداد الكاتب غسان الشهابي – الطبقة العاملة وحركتها النقابية في قطاع غزة – صامد – 12حزيران – 0660
ص 96
235
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الرأسمالي العالمي عبر تطورها إلى بورجوازية كومبرادورية ,باإلضافة إلى ذلك فـإن األنمـاط الرأسـمالية
في بلدان العالم الثالث "تنبثق وبقدر كبير من األشكال االقتصادية لما قبل الرأسمالية".1
كمـــا أن "المجتمـــع المتعـــدد األنمـــاط ُي َولِّـــد قـــوانين أخـــرى لتطـــور الـــنمط الســـلعي الصـــغير أو الـــنمط الرأســمالي الصــغير ,فبســبب تــأثير االقتصــاد الرأســمالي العــالمي تجــري داخــل بلــدان العــالم الثالــث دون
انقطاع عملية إعادة طحن للعالقات اإلنتاجية ما قبل الرأسمالية".2
إن استخدامنا لمصطلح "طبقة" سواء في الحديث عن العمال أو البرجوازية بأنواعها ,هو استخدام
مجازي ,حيث ال وجود لطبقات محددة بالمعنى الوجودي الذاتي في بالدنا ,الذي يعبر عن مصالح
ورؤى ومواقف أيديولوجية محددة ,بحيث ينطبق عليها تعبير ماركس بأنها طبقة في ذاتها ال طبقة لذاتها ,فطالما تعيش آالف العائالت عند خط الفقر أو دونه في ظروف اقتصادية واجتماعية تسودها
كل أشكال المعاناة والحرمان ,وطالما بقي التخلف أو النمط القديم مسيطرا ,وال تتوفر لهم األطر
السياسية والنقابية المعبرة عن حقوقهم ,أو مقومات التجانس الفكري والسياسي أو الوعي المشترك
بالظلم الواقع عليهم ,فهم ال يشكلون طبقة بأي حال من األحوال.
والواقع أنه يجب أن ال نستنتج من الدور الرئيسي للموقع االقتصادي ,أن هذا الموقع يكفي لتحديد
الطبقات االجتماعية .صحيح أن للعامل االقتصادي الدور الحاسم في نمط معين من اإلنتاج ,وفي
التشكل االجتماعي ,ولكن العامل السياسي والوعي بالمعاناة المشتركة ,كشعور جماعي ,إلى جانب عوامل ثقافية واجتماعية أخرى في إطار البنية الفوقية لها دور بالغ األهمية ,إذ أن الطبقات
االجتما عية تنطوي على ممارسات طبقية أو صراع طبقي ,وال تتبدى إال في هذا الصراع والتناقض, وهو مضمون ما زال خافتا في مجتمعنا بحكم عوامل التناقض الرئيسي مع العدو ,وعوامل التخلف
االجتماعي واالقتصادي ,في سياق استمرار عالقة التبعية والحصار ,عالوة على الصراع واالنقسام
الد اخلي ,وهي كلها عوامل ساهمت في عدم إنضاج الظرف الذاتي للتبلور الطبقي في بالدنا ,وفي هذا السياق يمكننا االجتهاد في تحديد مكونات البنية الطبقية للمجتمع الفلسطيني في المدينة أو الحضر
كما يلي:
(أ) الرأسمالية المحلية في القطاع الخا
بكل تفريعاته وأنتشطته االقتصادية .
( ) البيروقراطية المبرجإة ،التي تقوم باستغالل عالقاتما وتحالفاتما مع المواقع الطبقية ااخرى من رأسمالية المدن أو أثرياء الريف ( في الصناعة والإراعة والتجارة والمقاوالت ...الخ ).
(ت) "الطبقة" أو الفلات الوسطس أو البورجواإية الصغيرة في المدينة والريف في القطاعين العام والخا
1
والحرف والور والمحالت الصغيرة.
إلكس ليفكوفسكي-البورجوازية الصغيرة وخصائصها-دار التقدم-0676-ص69
2المصدر السابق-ص66
236
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
(ث) العمال االجراء ،والعاطلين عن العمل.
بورجوازية الكومبرادور:1
هذه التشريحة من البورجواإيزة الكبيزرة بزدأت بالتواجزد واالنتعزا
فزي بدايزة الخمسزينيات بتشزكل هجزين أو
مصطنع ،ىنما بورجواإية بال تاريخ وبزال مقزدمات ،ذات طزابع تجزاري كزومبرادوري محز
،نتشزأت بموجز
عززدد مززن التتش زريعات والق زوانين الصززادرة عززن اإلدارة المص زرية التززي جعلززت مززن القطززاع مرك ز الإ تجاري زال ح ز الر
مفتوح زال علززس مص زراعيه السززتيراد كافززة السززلع والمنسززوجات ااوروبيززة واامريكيززة واليابانيززة ،ذات الط ززابع الكمالي الباذ ،ويبدو أن المدف من ذلت تزروي
كافزة العناصزر الوطنيزة السزابقة مزن كبزار المالكزين أو
البورجواإيين الجدد الذين كانوا في السابق واجمة هتشة قادت الحركزة الوطنيزة ىبزان نكبزة عزام 0945وفزق
منالورها ومصالحما الطبقية ،وجاء هذا االنفتاح االقتصادي ليلغي نماليال أي تطلزع مزن رمزوإ هزذه الطبقزة نحو ممارسة أي دور وطني ال ينسجم مع ما تخطط له اإلدارة المصرية.
لقززد جززاءت الن زواة ااولززس لمززذه البورجواإيززة التجاريززة مززن رحززم الززنمط القززديم التشززبه ىقطززاعي ،ودون أي
مسار بامتياإاته أو ارستقراطيته الإالفة بل لحسا
تطوير تلت االمتياإات والمالاهر اارستقراطية.
ومززع الكززم المالززل مززن ال زربح المتحقززق لمززذه الطبقززة ،كززان البززد مززن توالززد كززم هالززل مززن الفسززاد والرتشززوة
وتخري
نفزور كبزار وصزغار المزوالفين وتحزويلمم ىلزس أدوات طيعزة ال هزم لمزم سزوى ىطاعزة أوامزر السزيد
الجديد.
"البورجوازية الصناعية":
هذه التشريحة ولدت أيضال من رحم كبار المالكين ومع تطور حجم االستيراد والتصدير في القطزاع فزي
بداية الستينيات ،حيث بدأت بع
عناصر بورجواإية الكومبرادور ب نتشاء عزدد مزن المصزانع إلنتزاو سزلع
قاموا باسزتيراد كزل مقوماتمزا ،مزن العلبزة المطبوعزة أو العبزوات الإجاجيزة أو المزواد ااساسزية ،مزن الخزارو،
وبالتالي ف ن هذه التشريحة من البورجواإية هي امتداد عضوي للكومبرادور ال أكثر.
1األصل التاريخي لتعبير البورجوازية الكومبرادورية يعود -حسب المفكر الراحل اسماعيل صبري عبداهلل -إلى كلمة , compradorو كانت تعني في األصل المواطن الصيني الذي يعمل وسيطا او وكيال في خدمة أالوروبي/المستعمر ,ثم أصبحت هذه الكلمة تطلق – في بلدان
العالم الثالث -على المديرين المحليين والوكالء التجاريين للشركات األوروبية ,و كلمة كومبرادور هي أصال كلمة برتغالية .وقد استخدم الحزب الشيوعي الصيني (اثناء الثورة وبعدها بقيادة ماوتسي تونج) مفهوم الكومبرادوري لفضح العمالء والوسطاء الصينيين المتعاونين مع االستعمار ,و انتشر بعد ذلك في بعض أدبيات الماركسية ,ويقصد بالوكيل التجاري كل شخص يقوم باستيراد البضائع االجنبية وتسويقها في بالده او بتقديم العطاءات أو الشراء أو التأجير أو تقديم الخدمات باسمه لحساب المنتجين أو الموزعين األجانب ونيابة عنهم ,وذلك بهدف
الربح وعلى حساب االنتاج الصناعي ال وطني المحلى وكذلك على حساب القضايا الوطنية الكبرى ,فالكومبرادوري يستوي اليوم في بالدنا مع مرتبة العميل .وفي هذا السياق البد من اإلشارة إلى أن تأخر وتخلف الصناعة والزراعة في بالدنا أفسح المجال البراز دور الكومبرادور ,أما مصطلح " بورجوازية " هو مصطلح له د اللة اجتماعية و سياسية ثقافية ,إذ أن كلمة بورجوازية تعني التمدن ,بمعنى وجود نوعي متمدن في نمط و أسلوب الحياة و األفكار.
237
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
البورجوازية الصغيرة :
قضية البرجوازية الصغيرة هي قضية تتناسب أو ترتبط بالملكية الصغيرة ,فالبرجوازي الصغير
صاحب ملكية (حرفة أو ورشة أو منشأة مزرعة صغيرة) لكنه يعمل بنفسه ,وهو موجود في بالدنا
بشكل رئيسي في مجال الخدمات والتجارة والزراعة ,وبالتالي فهو مالك وشغيل ,رب عمل وعامل , مهني صغير ,موظف أو ضابط أو طبيب أو محامي أو مهندس ,طالب جامعي أو مثقف… الخ,
ولذلك فإن التردد ,أو الموقف التوفيقي والحلول الوسط والتقلب وعدم االستقرار والتذبذب واالنتهازية
والتطرف أو االندفاع السريع ,والهبوط أو التراجع السريع أيضا ,والتسويات والمواقف الالمبدئية من
اهم مواصفات البرجوازي الصغير ,حسب الظرف الزماني وحسب المكان والعالقات المحيطة به ,فهو مسلم متعصب في ظروف معينة ,وهو يساري متطرف في ظرف آخر ,أو هو توفيقي وسطي انتهازي
أو سريع االستسالم والهروب من الواقع ,حيث أن عدداً كبي ارً من هؤالء لم يتحمل قسوة أو مرارة هذه
الظروف وانسداد اآلفاق السياسية وتفاقم األوضاع االجتماعية ,مما جعلهم يشعرون بحالة من
اإلغتراب .ظهرت بصورة واضحة في تلك المرحلة – وما زالت -قيم الالمباالة واليأس أو النفاق
وتمجيد المصالح الشخصية والبحث عن أي مصدر للكسب السريع ,أو مغادرة بعضهم إلى الهجرة
للخارج هروباً من الواقع الذي لم يعد قاد ارً على احتماله!
إن قضية البرجوازية الصغيرة هي قضية الحرفيين وصغار المنتجين وصغار الموظفين والفالحين
والمهنيين بمختلف أنواعهم ,والطالب الجامعيين والمثقفين عموما ,وكل هذا الكم الواسع من الناس
يشكلون هذه الطبقة ,أكثر الطبقات عددا في بالدنا وأوسعها نفوذا وأثرا ,فمنها –على األغلب األعم
-تتشكل بنية جميع األحزاب اليمينية الدينية السلفية الرجعية ,والمستنيرة ,واألحزاب الوطنية
الوسطية المهادنة للسلطة أو النظام ,واألحزاب الوطنية والقومية الديمقراطية ,واألحزاب والحركات
اليسارية.
في هذا الجانب أشير إلى أن هذا الوجود واالنتشار الواسع لهذا الحزب اليميني الديني أو الوسطي
السلطوي ,ال يعود إلى وعي البورجوازية الصغيرة وقرارها االلتحاق بهذا التيار الديني أو ذاك ,المسألة
ليست كذلك ,إذ أن الظروف الموضوعية ,ظروف الهزيمة
وتفاقم أوضاع التطور االجتماعي
الداخلي المشوه بكل مظاهره التراثية الغيبية وتخلف العالقات االقتصادية واالجتماعية ,والتراجع
الملحوظ في بنية ودور فصائل وأحزاب اليسار والحركات الوطنية ,في مناخات تزايدت فيها الهيمنة
والسيطرة غير المسبوقتين للتحالف الصهيوني اإلمبريالي ,وكل هذه العوامل عززت من تراجع الدور
الوطني والثوري في أوساط البورجوازية الصغيرة لحساب االنكفاء وعدم المباالة أو االلتحاق في
صفوف بعض الحركات الدينية والقومية واليسارية بدرجات أقل.
238
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ىن البورجواإيززة الصززغيرة فززي قطززاع غ زإة تضززم مززا ال يقززل عززن %91مززن ىجمززالي عززدد السززكان ،فمززي
تمثل كافة العاملين في الزدوالر الحكوميزة والتشزرطة ووكالزة غزوث الالجلزين والمعلمزين وااطبزاء والمحزامين
وصززغار التجززار والح زرفيين وص ززغار الفالحززين الززذين يملك ززون أقززل مززن 31دونمز زال باإلضززافة ىلززس ط ززال
الجامعات.
ونس ززتطيع التأكي ززد هن ززا ب ززأن ه ززذه الطبق ززة كان ززت – وم ززا اإل ززت – بمثاب ززة اام لكاف ززة ااحز ز اإ والفص ززالل
الوطنيززة والقيززادات الدينيززة ،مززن أقصززس اليسززار ىلززس أقصززس اليمززين ومززن االعتززدال التشززديد ىلززس التعص ز
ااعمس.
يعززود ذلززت ىلززس كونمززا ال تسززتند كطبقززة ىلززس أي تشززكل مززن أتشززكال التجزانر ،انمززا ال تملززت فززي ااصززل
قززدرة ذاتيززة علززس خلززق قاعززدة ماديززة موحززدة لإلنتززاو ،فززالموالفون فززي الززدوالر الحكوميززة يقفززون علززس أرضززية القاعززدة االقتصززادية للدولززة أو النالززام الحززاكم ،وموالفززو وكالززة الغززوث لمززم قاعززدتمم االقتصززادية وعالقززاتمم
المختلف ززة ع ززن إماللم ززم ف ززي جم ززاإ الحكوم ززة ،وأصز زحا
الملكي ززات الص ززغيرة م ززن الفالح ززين لم ززم قاع ززدتمم
االقتصادية الذاتية الخاصة بمم ،يتطلعون دومال ىلس تطزوير ملكيزتمم وتوسزيعما وفزي نفزر الوقزت يتشزعرون
دومزال بززالخوف مززن المسززتقبل ،وبالتززالي فز نمم يتززأرجحون فززي ممارسززاتمم بززين عقليززة المالززت والفززالح ااجيززر حس
الالروف ،وينطبق ذلت علس أصحا
الحرف الصغيرة في القطاع الذين يتطلعون بعزين واحزدة ىلزس
ااعلس أو الطمزوح بينمزا تنالزر العزين الثانيزة ىلزس واقزع الكزادحين والعمزال ،خوفزال مزن االنتشزداد أو االنجزرار نحزوهم ،ىن هزذه الطبقزة تتميزإ بوعيمزا العفزوي لزذاتما وسزعيما ىلزس فزر
وجودهزا بزأي تشزكل مزن ااتشززكال،
مززن هنززا يمكززن تفسززير نتشززوء كافززة ااح ز اإ الوطنيززة والتقدميززة والجمعيززات والتيززارات الدينيززة مززن أصززول
بورجواإية صزغيرة لزير فقزط فزي قطزاع غزإة ،ووانمزا قزد ينطبزق هزذا اامزر علزس كافزة بلزداننا العربيزة وغيرهزا من بلدان العالم الثالث. وفي هذا السياق أتشير ىلس أن "تماإو العوامل المتناقضة الداخلية والخارجيزة ،يزؤدي ىلزس التعزدد الفلزوي
غير المألوف للبورجواإية الصغيرة ووالس تعدد طوابقه" 1ىضافة ىلس ذلت ف نه "يكاد من المسزتحيل فصزل أو عززإل أيديولوجيززة البورجواإيززة الصززغيرة عززن الززدين و التززدين .وبمززا أن أتشززكال ومسززوحات الززدين كثي زرة ،لززذا
فزالبورجواإي الصززغير فزي كزل بلزد هززو ،ىمزا مسززلم أو بززوذي أو مسزيحي ،كمززا أنزه لززير مسزيحيال فحسز
بززل
كاثوليكي أو أرثوذكسي ،وهو ىضافة ىلس ذلت العمود الفقري ااساسي للمرطقات وااتشزياع الدينيزة التزي ال
تحصس ،وكل هذه الفوضس الدينية الاهريال تتفق تمامال مزع جزوهر البورجواإيزة الصزغيرة الموجزودة والمتشزتتة
في أوجه متعددة".2
1 2
إلكس ليفكوفسكي-البورجوازية الصغيرة وخصائصها -مرجع سبق ذكره – ص 30 المرجع السابق – ص39
239
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وأجواء ما قبل حزيران 97 ط زوال الفت زرة الممتززدة بززين عززامي 0964-0989كززان الركززود النسززبي مخيم زال علززس ااح زوال السياسززية
للقطاع ،بسب
ممارسات اإلدارة المصرية العسزكرية وأنالمتمزا التزي لزم تسزمح بزالترخي
رسزميال لألحز اإ
والحركات السياسزية فزي قطزاع غزإة ،مزا عزدا حركزة القزوميين العزر ،التزي اسزتطاعت العمزل بصزورة تشزبه علنية ،بحكم توافق تشعاراتما ومواالتما للنالام الناصري آنذات ،أما بالنسبة للتشيوعيين واإلخوان المسزلمين
والبعثيين ،فقد فرضت عليمم اإلدارة المصرية أتشكاالل عديدة من الحالر والمالحقة واالعتقزاالت طزوال هزذه
المرحلة .
وفي هذا الجان
،أتشير أيضال ىلس أن اإلدارة المصرية فرضت حال الر علس العمل النقزابي ،حيزث الزل
قطززاع غزإة محرومزال مززن التناليمززات النقابيززة ،العماليززة والممنيززة والفالحززين والمزرأة والتشززبا ..ىلززخ حتززس عززام ( 0968ماعدا نقابة المعلمزين فزي وكالزة الغزوث التزي تأسسزت عزام )0984عنزد تأسزير منالمزة التحريزر الفلسطينية ،وبداية تأسير بع
النقابات في ىطار اتحاد عمال فلسطين .
وقد عملت اإلدارة المصرية آنذات ،علس كسر حالة الركود السياسي ،استجابة للمتشاعر الوطنية لدى
أبنززاء قطززاع غ زإة ،حيززث قامززت بتتشززكيل المجلززر التتش زريعي بتززاريخ ، 0985/3/04ثززم أعلنززت تأسززير
االتحاد القومي 1في ديسمبر 0961عبر انتخابات تشكلية جرت في يناير 0960فاإ فيما عدد من أبنزاء العززالالت ،وعززدد مززن التشخصززيات الوطنيززة المحسززوبة علززس النالززام المصززري ،وتززم تعيززين أعضززاء اللجنززة
التنفيذيززة لالتحززاد القززومي برلاسززة المرح ززوم منيززر ال زرير ،وفززي نفززر الفتززرة تززم تأسززير "االتحززاد الق ززومي الفلسطيني" في سوريا ،لكن حكومة الجممورية العربية المتحدة "رفضت ىقامة وحدة بين االتحاديين ،ومزع ذلت طال
االتحاد القومي الفلسطيني في سوريا – الزذي سزيطر عليزه القوميزون العزر -فزي مزذكره رفعمزا
ىلززس الجامعززة العربيززة ،بتعبلززة جميززع الفلسززطينيين فززي جززي رلززير الجمموريززة عززار
موحززد ،ىال أن عبززد الحميززد الس زراو ،نال ز
الفك زرة ،وفززي تتش زرين أول 0960وجززه مززاإن النقي ز
-رلززير االتحززاد القززومي
2
زداء ىلززس الززدول العربيززة كزي تقززيم كيانزال فلسززطينيال تنفيززذال لقز اررات الجامعززة العربيززة الفلسزطيني فززي سززوريا – نز ل ولم تتم االستجابة لكل هذه المطال ،حيث بات كل من االتحزاد القزومي الفلسزطيني فزي سزوريا وفزي غزإة
تشكليال دون أي نتشاط سياسي أو وطني ،وسرعان ما تم حل االتحاد القومي بقرار من الحزاكم العزام لقطزاع
غإة رقم ( )8بتاريخ / 9فبراير .3 0968 /
1الوقائع الفلسطينية – الجريدة الرسمية لقطاع غزة – عدد غير اعتيادي رقم 0690/03/21 – 0066 2عبد القادر ياسين – الحركة السياسية في قطاع غزة - 0617 – 0621كتاب صامد – العدد – 12حزيران – 0660ص . 23 3الوقائع الفلسطينية – الجريدة الرسمية لقطاع غزة – عدد خاص بتاريخ / 1فبراير . 0692 /
241
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وبالتالي ،اللت حالة الركود السياسي هزي المالمزر الرليسزي السزالد فزي قطزاع غزإة فزي تلزت المرحلزة ،
ما عدا االحتفاالت الرسمية السنوية بمناسبة خروو المحتلين اإلسراليليين في 9مزارر/آذار وعزودة اإلدارة
المصرية للقطاع في 04مارر/آذار ،والثورة المصزرية فزي 33يوليزو ،وذكزرى وعزد بلفزور فزي 3نزوفمبر، باإلض ززافة ىل ززس وس ززالل اإلع ززالم خاص ززة ،ىذاع ززة ص ززوت الع ززر ،الت ززي كان ززت تنق ززل باس ززتمرار الخطاب ززات
السياس ززية لل ززإعيم ال ارح ززل جم ززال عب ززد الناص ززر ،ف ززي ه ززذه المناس ززبات وااجز زواء السياس ززية كان ززت متش ززاركة الجماهير العفوية الفقيرة قوية ومتميإة ،وقد تعإإت هذه الروح العفوية الصادقة بصدور قانون التجنيد في
مارر ( )0968وواقبال جموع الفقراء لاللتحاق بالجي والعودة ىلس الوطن.
الفلسطيني من أجل الخال
االجتماعي والتحرير
هززذه الحالززة الجماهيريززة تصززاعدت ىلززس أعلززس مسززتوياتما مززع والدة منالمززة التحريززر الفلسززطينية ،التززي
وجدت في القطاع متنفسما ومكانما الطبيعي في الوقزت الزذي أغلقزت فزي وجممزا كزل اابزوا الفلسطينيين في أماكن تواجدهم في البالد العربية.
واول مرة جرت االنتخابات التشزعبية عزام 0966فزي القطزاع النتخزا
المؤديزة ىلزس
قيزادة وأعضزاء التنالزيم التشزعبي
الفلس ززطيني الت ززابع لمنالم ززة التحري ززر الفلس ززطينية ،واختف ززس الرك ززود السياس ززي ف ززي جمي ززع ااوس ززاط ،وقام ززت ااح اإ السياسية الوطنية بدور بارإ في هزذا المجزال خاصزة حركزة القزوميين العزر التزي فزاإت 1بحزوالي
%38مزن المقاعزد فزي لجزان ااحيزاء المنتخبزة لعضزوية التنالزيم التشزعبي ،و كزذلت التشزيوعيين الزذين دبزت فززيمم الززروح مززن جديززد وتناسزوا خالفززاتمم وتشززاركوا بززإخم واضززح فززي هزذه االنتخابززات ،رغززم قلززة عززددهم مززن جمزة ورغزم الحملزة المعاديزة الموجمزة ضزدهم مزن أجمزإة اامزن مزن جمزة ثانيزة ،واسزتطاعوا الفزوإ بحزوالي
%01من المقاعد في لجان ااحياء التشعبية ،أما حركة اإلخوان المسلمين ،فلم يتشارت أو ينجح في هذه االنتخاب ززات أي م ززن عناص ززر اإلخز زوان المس ززلمين ال ززذين ل ززم يك ززن لم ززم أي دور سياس ززي ملح ززوال ف ززي ه ززذه
المرحلة.
ومزن الجزدير بالزذكر هنزا أن عناصزر حركزة التحريزر الزوطني الفلسزطيني (فزتح) بزدءوا نتشزاطمم السززري
المعززروف اط زراف الحركززة الوطنيززة منززذ نمايززة عززام 0964فززي القطززاع ،وتشززاركوا فززي انتخابززات التنالززيم التشعبي الفلسطيني واستطاعوا الحصزول علزس حزوالي %31مزن المقاعزد ،فزي حزين حصزل المسزتقلين مزن الموالين للنالام المصري ىلس جان
من المقاعد .
المرتشحين من أبناء العالالت والعتشزالر والمخزاتير علزس حزوالي %38
هذا وقد تم عقد المؤتمر العام للتناليم التشعبي المنتخ
،حيث قزام بانتخزا
القطززر" وعززدد أعضززاله أحززد عتشززر عض زوال ،وتنافسززت علززس عضززوية هززذا المكت ز
هيلزة التنفيذيزة أو "مكتز
قالمتززان :قالمززة حركززة
الق ززوميين الع ززر وحلف ززالمم ،وقالم ززة د.حي ززدر عب ززد التش ززافي المدعوم ززة م ززن الح ززإ التش ززيوعي الفلس ززطيني
1
أذكر منهم صباح ثابت ,محمد شعبان أيوب ,يونس الجرو ,غازي الصوراني .
240
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وحصلت كل قالمة علس ( )8مقاعد وكان الحادي عتشر (د.ياسين ااسطل) مستقالل ،وتنافر د.حيدر مزع
محمززد تشززعبان أيززو مززن حركززة القززوميين العززر علززس أمانززة سززر /رلاسززة المكتز ،فحصززل د.حيززدر علززس
ستة أصوات ومحمد أيو علس خمسة.1
ظل هذا النشاط السياسي سائداً بقوة حتـى إعـالن عبـد الناصـر لحالـة الطـوارئ فـي اليـوم األول مـن
مـــايو/أيـــار عـــام , 0697وصـــدور أوامـــر بتوزيـــع الســـالح علـــى كـــل قـــادر مـــن المـــدنيين فـــي القـــرى والمخيمــات والمــدن ,وفــتح بــاب التطــوع فــي الجــيش ,وكانــت المفاجــأة أن عش ـرات اآلالف مــن العمــال والفالحين والفقراء والطالب وبعـض المـوظفين والمعلمـين تقـدموا الصـفوف للتطـوع والقتـال فـي المعركـة
ــاء علـــى قناعـــة لـــدى النـــاس بأنهـــا ســـتكون معركـــة فاصـــلة ســـيكون "النصـــر" نتيجتهـــا المقبلـــة ,بنـ ً الحاسمة!!. تلك هي أجواء الوضع السياسي للجماهير في قطاع غزة التي آمنت بعبـد الناصـر وبجيشـه الـوطني
بكل عفويتها وصدقها ,وقدمت كل ما لديها مـن إمكانيـات فـي هـذه المعركـة ,مـن معـدات وسـيارات نقـل
ومواد بناء ,وحفرت بسواعدها كل الخنادق على طول "الحدود اإلسرائيلية الفلسـطينية" ,عـالوة علـى مـا قدمته من أبنائها لهذه المعركة ,لكن الواقع الحقيقي للبنية البيروقراطية العفنة المدنية والعسكرية ,فـي
مصر كانت نقيضاً لعبد الناصر نفسـه ,بقـدر مـا كانـت نقيضـاً لعفويـة جماهيرنـا وتوجـه وسـائل اإلعـالم
واذاعــة صــوت العــرب ,وبــدأت المعركــة فــي صــباح يــوم االثنــين الخــامس مــن حزيـران ( )0697وكانــت
الهزيمة التي نعيشها إلى يومنا هذا.
األوضاع السياسية واالجتماعية في ظل االحتالل :
فــي الوقــت الــذي خــيم الظــالم فيــه علــى عالمنــا العربــي ,قــام أبنــاء شــعبنا الفلســطيني مــن الفق ـراء
والكادحين في قطاع غزة بإضاءة أول شموع المقاومة المسلحة فوق أرضنا الفلسطينية ,ومنذ األسـبوع األول للهزيمة ,وخالل فترة السماح للمواطنين بالتجول ,بدأت عناصر حركة القوميين العـرب باالتصـال
ببعضــهم الــبعض لتنظــيم الصــفوف تحضــي ارً للمرحلــة الجديــدة ,رغــم انســحاب وتراجــع العديــد مــن شــباب
الحركة عن االلتحاق في صفوفها ,بعد أن أصابهم اليأس واستسلموا للهزيمة.
ومــع نهايـــة شـــهر حزيــران ( , )0697بـــدأت قيـــادة الحركــة فـــي القطـــاع بإعــادة تشـــكيل المراتـــب
والهيئات التنظيمية في كل المناطق ,من رفح إلى جباليا وبيت الهيا مرو ارً بالمخيمات الوسطى ومدينة غزة ومخيم الشاطئ ,حيث وافق حوالي ثالثمائة عضو ,العـودة إلـى التنظـيم فـي ظـروف االحـتالل مـن
أصل ما يقارب( 2)111عضو ,مجمـوع أعضـاء الحركـة حتـى 2حزيـران . 0697/وفـي أول شـهر آب
1عبد الرحمن عوض اهلل – من فيض الذاكرة – الكتاب األول – الطبعة الثانية – 3103رام اهلل -ص .303 2مقابلة مع أ .صباح ثابت – مسئول حركة القوميين العرب في تلك المرحلة – بتاريخ .3102/7/21
242
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
/أغسطس ( )0697قامت قيـادة الحركـة بتشـكيل طالئـع المقاومـة الشـعبية ,وأصـدرت العـدد األول مـن جريدة "الجماهير" ناطقة بإسم الطال ئع ,وظلت تصدر كل أسبوعين حتى نهاية أكتوبر** (. )0691
أمززا بالنس ززبة لمح ززاوالت تأس ززير الجبم ززة الوطني ززة 1ف ززي قط ززاع غززإة ،فمن ززذ نماي ززة حإيززران وأوال ززل تم ززوإ
( )0969لززم تززنجح محززاوالت قيززادة الحركززة فززي تأسززير الجبمززة الوطنيززة ،رغززم الحزوارات التززي أجرتمززا مززع
الرفززاق التشززيوعيين فززي قطززاع غزإة ،حيززث الززل كززل منممززا متتشززبثال برؤيتززه ومواقفززه ،اامززر الززذي دفززع قيززادة
الحركزة ىلزس تتشززكيل "طاللزع المقاومزة التشززعبية" ،ك طزار جبمزوي بقيززادة حركزة القزوميين العززر فزي القطززاع، ضززم فززي صززفوفه عززدد مززن الززوطنيين المسززتقلين ومززن أبززرإهم المرحومززان منيززر ال زرير و فززاروق الحسززيني
وبع
ضباط جي
التحرير الفلسطيني من أبرإهم فزايإ التزرت ،كمزا تقزرر ىعزادة ترتيز
التنالزيم ،والبزدء
بتأسير الجماإ العسكري ،والعمل علس ضم عناصر جديدة ،وجمع أكبزر كميزة مزن ااسزلحة ،ووقزع فزي ***
أيزديمم خززتم حززاكم غزإة ،فبززدأوا فززي أول تمزوإ ( )0969ب صززدار بطاقززات هويزة مززإورة
للضززباط والجنزود
المصزريين وللفززداليين الفلسززطينيين ،مززن أبنززاء قطززاع غزإة الززذين عمل زوا ضززمن "الكتيبززة "040التززي أسسززما
ضابط المخابرات المصرية التشميد مصطفس حافال عام ،0988ومارست ملزات العمليزات الفداليزة المميزإة في ااراضي الفلسطينية المحتلة عام . 0945
وفي بداية تشرين األول /أكتوبر ( 0697م) قامت حركة القوميين العرب فـي قطـاع غـزة بتشـكيل
الجهــاز العســـكري 2لطالئــع المقاومـــة الشــعبية ,معلنـــة بدايـــة العمــل الكفـــاحي المســلح ,وقـــد تـــولى
**
حسب تأكيد الرفيق يونس الجرو الذي استمر في ممارسة دوره النضالي بعد ضربة /32يناير مسئو ًال عن الجهاز السياسي للحركة في
1
في أول آب /أغسطس 0697بدأت االتصاالت بين حركة القوميين العرب والشيوعيين بشكل رئيسي ,إلى جانب مندوبي جيش التحرير
القطاع حتى تاريخ اعتقاله في أكتوبر .0691
وحزب البعث وجبهة تحرير فلسطين ,وتم االتفاق المبدئي على تشكيل إطار جبهوي لمقاومة االحتالل ,وقد رفضت حركة فتح المشاركة في هذا الحوار بذريعة شعارها آنذاك" ..السياسية تنبع من فوهة البندقية " أما اإلخوان المسلمين فقد رفضوا المشاركة في النشاط الجبهوي ,بل كان بعضهم لم يخفي سعادته بهزيمة عبد الناصر ,وظلوا بمنأى عن العمل الوطني أو مقاومة االحتالل –بذريعة الدعوة إلى الدين -لمدة
عشرين عاماً حتى بداية االنتفاضة نهاية , 0617وعلى أثر فشل الحوار بين القوميين والشيوعيين ,قام الشيوعيين بالتعاون مع د.حيدر عبد الشافي وحمدي الحسيني وبعض العناصر البعثيه وجيش التحرير بتأسيس "الجبهة الوطنية" واصدرت جريدة "المقاومة" في حين قامت
حركة القوميين العرب بتأسيس اطارها الجبهوي باسم "طالئع المقاومة الشعبية".
*** بناء على تفاعل مسئولي التنظيمي آنذاك الرفيق يونس الجرو حول إشكالية الضباط والجنود والفدائيين وضرورة توفير هويات شخصية ً وبناء عليه كلفني بتنفيذ المهمة ,وبالفعل قمت باالتصال باألخ مزورة لهم ,أبلغته بمعرفتي وثقتي باألخ مصباح جراح صاحب مطبعة في غزة, ً
مصباح الذي وافق على الفور ,وأنجزنا طباعة حوالي خمسة آالف بطاقة هوية ,وبعد حوالي أسبوعيين من توزيع الهويات ,وبسبب وشاية من أحد الذين حصلوا على بطاقة هوية ,قامت قوات االحتالل باعتقال غازي الصوراني بتاريخ , 0697/1/03وكان أول معتقل للحركة الوطنية في قطاع غزة ,ونتيجة لعدم اعترافه بالتهمة وصموده ,خرج من السجن ,حيث كلف في أول أكتوبر 0697بمسئولية الجهاز
العسكري لطالئع المقاومة الشعبية في منطقة الشجاعية /مدينة غزة .
2مقابالت وحوارات شخصية مباشرة مع كل من :أ.صباح ثابت ,اللواء رمضان داود ,أ.عمر خليل عمر ,د.محمد أيوب أبو هدروس , أ.يونس الجرو ,باإلضافة إلى التجربة الميدان ية المباشرة للكاتب ,حيث تشكل الجهاز العسكري لطالئع المقاومة الشعبية في قطاع غزة بتاريخ 0697/01/0من ( )72مناضالً ..ممن وافقوا على االلتحاق بالجهاز العسكري من كوادر حركة القوميين العرب آنذاك ,وأكدوا استعدادهم لممارسة الكفاح المسلح بإسم طالئع المقاومة الش عبية التي تشكلت قيادتها من المالزم أول عمر خليل عمر (مسئوالً للجهاز)
243
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مسئوليته العضو القيادي في الحركة المالزم أول عمر خليـل عمـر والمـالزم أول رمضـان سـليمان داود
وناصر ثابت ,وتشكلت نواته آنذاك من ( )72عضواً ,وقد برز نشاط الطالئع في قطاع غـزة فـي تلـك المرحلة ,على أكثر مـن صـعيد ,سـواء فـي النضـال عبـر العمـل السياسـي والجمـاهيري ,أو عبـر العمـل
العسكري ,فقد التحق في صفوفها مئات من العمال والطـالب وصـغار المـوظفين والمهنيـين والمدرسـين
واألطبــاء ,إلــى جانــب عـدد غيــر قليــل مــن جنــود وضــباط جــيش التحريــر الفلســطيني ,الــذين لــم يغــادروا القطــاع علــى أثــر هزيمــة حزي ـران ,بحيــث ارتفعــت العضــوية التنظيميــة فــي حركــة القــوميين العــرب
والطالئــع فــي تلــك المرحلــة إلــى مــا يقــرب مــن 311عضــو اســتطاعوا تكــريس وجــود الحركــة والطالئــع
ودورهمـا النضــالي وشــرح أهـدافهما عبــر البيانــات والمنشـورات الســرية وجريــدة "الجمــاهير" ,جنبـاً إلــى جنب مع العمل العسـكري لشـباب الحركـة ,الـذين قـاموا بالعديـد مـن العمليـات النوعيـة مـن زرع األلغـام
ونصـب الكمــائن للــدوريات العســكرية والهجــوم علــى مقــر الحــاكم العســكري ,األمــر الــذي أعطــى لحركــة
القوميين العرب تماي ازً خاصاً عبر اتساع عملياتها وكثافتها وبنوعية األهـداف المختـارة ببسـالة منقطعـة النظير في رقعة جغرافية ضيقة.
والمالزم أول رمضان داود سليمان (نائب المسئول ومسئوالً عن مدينة غزة وشمالها) و ناصر ثابت (نائب المسئول ومسئوالً عن جنوب قطاع
غزة) ..أما بقية الرفاق أعضاء الجهاز أذكر منهم حسب المناطق الجغرافية للقطاع ما يلي :أوالً :منطقة الشمال :جودت عبد خميس
سلمان (بيت الهيا) ,محمود درويش حمدونة (بيت الهيا) ,مصطفى عبدالحميد قشقش (بيت الهيا) ,علي عبداهلل غبن (جباليا) /عبد الرحمن عساف (جباليا) ,عطا قاسم (جباليا) ,جمعة رجب طنطيش (جباليا) ,حسن أبو حميده (جباليا) ,محمود كيالني (جباليا) ,صابر
الشرافي (مخيم جباليا) ,جبر عبداهلل سالم (بيت الهيا) ,عبد المجيد ديب المسلمي (بيت الهيا) ,إبراهيم أبو جراد (بيت الهيا) ,يوسف محمد
دواس (بيت الهيا) ,شحدة صقر حمدونة (بيت الهيا) ,جابر عبد اهلل سالم (بيت الهيا) ,خضر أحمد زايد (بيت الهيا) ,عطايا عبد الخالق كيالني (بيت الهيا) ,أحمد صقر حمدونة (بيت الهيا) ,شعبان سالم المصري (بيت الهيا) ,أحمد محيسن (بيت الهيا) ,محمود دواس (بيت
الهيا) ,خميس صبري عليان (بيت الهيا) ,أحمد الزعانين (بيت حانون) ,أحمد فكري أبو وردة (النزلة) ,محمود فرح (جباليا) ,عبداهلل أبو رفيع (مخيم جباليا) ,عبد القادر أبو سمرة (مخيم جباليا) ..ثانياً :مدينة غزة :محمد حسن األسود – جيفا ار غزة – مسئول منطقة الشاطئ
(مخيم الشاطئ) ,عبد الكريم الغول (مخيم الشاطئ) ,عبد الرحيم الغول (مخيم الشاطئ) ,كايد الغول (مخيم الشاطئ) ,أبو خالد علي جبر (مخيم الشاطئ) ,يــوسف غبـن (الشاطئ) ,غازي الصوراني – مسئول منطقة الشجاعية (غزة) ,حسن خليل السكافي (غزة -الشجاعية) ,حسن محمد السكافي (غزة – الشجاعية) ,حمدي حرودة (غزة -الشجاعية) ,عبد العزيز أبو الق اريا (غزة -الشجاعية) فاروق المصري
(غزة -الزيتون) ,حمدي القدرة (غزة -الشجاعية) ,عارف عاشور (غزة -الزيتون) ,موسى عاشور (غزة -الزيتون) .. ,ثالثاً :
خانيونس والوسطى :محمد أيوب أبو هدروس – نائب مسئول الجنوب ,نايف الغلبان (خانيونس) ,رأفت عثمان النجار (خانيونس) ,محمد
الفقي – الملقب أبو الطيارة (خانيونس) ,محمود أبو شحادة (خانيونس) ,عمران األسطل (خانيونس) ,طالل األسطل (خانيونس) ,محمد العديني (خانيونس) ,عمران العديني (خانيونس) ,عبداهلل الجبور (الوسطى) ,محمود أبو دامو (بني سهيلة) ,عبد العزيز فنونة
(النصيرات) ,أبو إبراهيم دافو (النصيرات) ,جميل فنونة (النصيرات) ,إسماعيل أبو ابطيحان (النصيرات) ..وقد نفذ الرفاق من مناضلي الطالئع حوالي 21عملية ضد قوات االحتالل ,وعلى أثر تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتاريخ 0697/03/00التحقت الطالئع للجهاز الع سكري للجبهة الشعبية ,هذا وقد استطاعت اجهزة االحتالل الصهيوني اكتشاف الجهاز العسكري للطالئع وقامت باعتقال 97رفيقاً
(من أصل )72فجر يوم /32يناير , 0691/لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من مراحل النضال المسلح في قطاع غزة بإسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
244
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفـــي 32كـــانون الثـــاني /ينـــاير ( 0691م) اعتقـــل مســـئول الجهـــاز العســـكري لطالئـــع المقاومـــة
الشعبية في القطاع ,الذي كان بحوزته قوائم بأسماء األعضاء ,مما أدى إلى اعتقال ( )97عضـواً مـن
أصل ( )72عضو مجموع أعضاء الجهاز العسكري آنذاك.
وعلى أثر ضرب الجهـاز العسـكري ,فـإن "طالئـع المقاومـة الشـعبية" سـرعان مـا أعلنـت عـن نفسـها,
باعتبارها فرعاً للجبهة الشعبية ,التي تشكلت في ديسمبر 0697مـن حركـة القـوميين العـرب -شـباب
الثأر" ,أبطال العودة" و "جبهة التحرير الفلسطينية – أحمد جبريل".
وفي نفر الوقت قام التشيوعيون الفلسطينيون بتوحيد صفوفمم من جديد وتأجيل كافة خالفاتمم الداخلية حيززث أسسز زوا فززي آ
(" )0969الجبم ززة الوطنيززة المتح ززدة" بالتحززالف م ززع مجموعززة ص ززغيرة مززن البعثي ززين
ومجموع ززة أخ ززرى متش ززابمة م ززن جبم ززة تحري ززر فلس ززطين (و.ت.ف) وأص ززدرت الجبم ززة جري ززدتما ااس ززبوعية
"المقاومة". جي
أما بالنسبة لجي
التحرير الفلسزطيني وقيزادة م.ت.ف ،فقزد قزاموا عبزر عزدد مزن ضزباط صزف وجنزود
التحرير الفلسطيني بتأسير خالياهم السرية العسكرية تحت اسم "قوات التحرير التشعبية".
كما بدأت حركة فتح نتشاطما العسكري منذ أوالل أكتزوبر ( ، )0969وفزي هزذا الجانز
أتشزير ىلزس روح
التعاون في المجال العسكري بين حركة فتح وطاللع المقاومة التشعبية وقوات التحرير التشعبية .
ورغم أن كافة القوى والفصالل الوطنية لم تتفق علس تأسير جبمة وطنية تضزممم جميعزال ،ىال أن ذلزت
لم يتشكل عالقال أمام العالقات ااخوية بين الجميع عبر التعاون الكامل ،في كثير من المجاالت العسزكرية والسياسززية واالجتماعيززة ،ىنمززا الززروح الفلسززطينية الواحززدة التززي لززم تعززرف االنقسززام أو الفلويززة طزوال ااعزوام
الثالثززة ااولززس لالحززتالل ،ان مقاومززة المحتززل كانززت المززدف الوحيززد وال مصززلحة احززد سززوى هززذا المززدف، ولألسززف ف ز ن تطززور أوضززاع الفصززالل فيمززا بعززد وبززروإ المصززالح التشخصززية واالمتيززاإات ومالززاهر البززذ
والفساد البيروقراطي ،علس حسا
المدف الكبير دفع بنا جميعال نحو الخ ار الذي نعيتشه اليوم.
ومن الجدير بالتسجيل هنـا أن المقاومـة الوطنيـة المسـلحة فـي قطـاع غـزة طـوال الفتـرة مـن حزيـران
( )0697وحتـــى عـــام ( , )0673اســـتطاعت أن تفـــرض نفســـها عبـــر المناضـــلين مـــن أبنـــاء العمـــال
والفالحين وصغار الموظفين الفقراء والكادحين ,كإطار َعبَّر بكل صدق عن مشاعر الجماهير ,واستحوذ على احترامها ومساندتها إلى أبعد الحدود ,فـي الوقـت الـذي لـم تسـتطع القـوى التقليديـة –التـي هادنـت
االحتالل -من أشباه اإلقطاعيين وكبار التجار الوسطاء ووجهاء العشائر أن تعلن عـن نفسـها أو تطـل برأســها فــي شـوارع القطــاع ,وفقــدت نفوذهــا واحترامهــا لحســاب فصــائل المقاومــة والشـرائح االجتماعيــة
الفقيــرة التــي تقــدمت الصــفوف فــي مواجهــة االحــتالل ,فيمــا ظلــت القــوى الكومبرادوريــة وكبــار المــالك
والقــوى التقليديــة صــامتة مترقبــة حتــى كانــت أحــداث أيلــول ( )0671الســوداء ,التــي أدت إلــى خــروج
المقاومة مـن األردن فـي تمـوز ( )0670وهبـوط وتيـرة المقاومـة فـي الضـفة والقطـاع هبوطـاً ملحوظـاً, فبعــد أن بلــغ مجمــوع العمليــات الفدائيــة فــي األراضــي المحتلــة ( )0697خــالل العــام ( )0671نحــو 245
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
( )3221عملية هبطت إلى ( )722عملية عام ( , )0671والى ( )222عام ( ,1 )0673وقد حظي قطاع غزة بـأعلى نسـبة مـن العمليـات الفدائيـة فـي األراضـي المحتلـة ,طـوال الفتـرة منـذ بدايـة االحـتالل
حتـى نهايــة العـام , 0673يؤكــد علـى ذلــك أن المحـاكم اإلسـرائيلية فـي القطــاع "أصـدرت أحكامهــا فــي نحو سبعة أالف قضية مقاومة ,اتهم فيها زهاء عشرين ألف من سكان قطاع غزة" . 2
وفي هذا الجانب ,أشير إلى الدور النضالي المتميز للجبهة الشـعبية فـي قطـاع غـزة بقيـادة الرفيـق
محمــد األســود (جيفــا ار) الــذي خــرج مــن الســجن فــي شــهر تمــوز , 0671وبــدأ بتشــكيل المجموعــات
المقاتلــة التــي قامــت بالعديــد مــن العمليــات الفدائيــة الجريئــة بحيــث باتــت الجبهــة الشــعبية آنــذاك رم ـ ازً رئيسياً مـن رمـوز المقاومـة المسـلحة ,وحـازت علـى ثقـة واحتـرام والتفـاف الجمـاهير حولهـا ,فـي مقابـل محاوالت جيش االحتالل المتواصلة للقضاء على هذه الظاهرة الكفاحيـة ,التـي قـال عنهـا موشـي ديـان
وزير الدفاع اإلسرائيلي:
"إن الفــدائين يحكمــون غــزة فــي الليــل ونحــن نحكمهــا فــي النهــار" وفــي يــوم 0672/2/6اســتطاع
العدو الصهيوني اكتشاف مقر الرفيق محمد األسود ورفيقه كامل العمصي وعبد الهادي الحايك ,وبعـد
مواجهة مسلحة شرسة ضرب فيها الرفاق أروع األمثلة في القتـال والتحـدي والمواجهـة استشـهدوا علـى
أثرها لتبدأ بعد ذلك مرحلة أخرى من الهبوط في العمليات الفدائية داخل القطاع .
وبخروو المقاومة من ااردن تداعت القوى التقليدية (من العالالت المتنفذة والكومبرادور والمخاتير) في القطززاع ىلزس تأسززير أول ىطززار "اجتمززاعي" لمززا فززي الززل االحززتالل تحززت اسززم "الميلززة الخيريززة لقطززاع غزإة" برلاس ززة رتش ززاد التشز زوا ،وب ززدأت تعاونم ززا م ززع ااردن من ززذ تأسيس ززما ،وك ززان لم ززذا التع ززاون بعز ز
االيجابي ززات
االجراليززة خاصززة فيمززا يتعلززق بتسززميل سززفر أبنززاء القطززاع ىلززس ااردن ،إلنمززاء العديززد مززن معززامالتمم ،لكززن هزدفما السياسزي ممادنزة االحزتالل وتتشزجيع وتعإيزإ العالقزة مزع النالزام الملكزي الرجعزي فزي ااردن لزم يكزن
خافيال عن الجميع.
ومع هبوط عمليات المقاومة التي "وصلت عام ( )0993ىلس ( ، )491ثم عام ( )0994هبطزت ىلزس
( )398عمليززة ،واسززتمرت فززي المبززوط عززام ( )0998حيززث بلغززت ( )391عمليززة ،والززل الت ارجززع مسززتم الر طوال عام ( )0998وما بعده بسب جان
الحر ااهلية في لبنان" 3من جمة وانتشغال قيادة م.ت.ف بما ،ىلس
حالة المبوط السياسي الذي أصزابما بعزد ىعزالن اتفزاق كامز
ديفيزد ،حيزث "تزدنت العمليزات الفداليزة
فززي الضززفة الغربيززة والقطززاع ىلززس ( )064عمليززة ع زام ( ، )0999وبقيززت حالززة المبززوط فززي العمززل المسززلح
1
محمد خالد االزعر-المقاومة في قطاع غزة – 0612 – 0697القاهرة – دار المستقل العربي -0617 -ص.022
2مجموعة باحثين – الفلسطينيون في الوطن العربي – معهد الدراسات العربية – – 0677ص . 290 3عبد القادر ياسين – الحركة السياسية في قطاع غزة – صامد – حزيران – 0660ص .22
246
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
طوال عام ( )051( ،)0995عملية ،ووصلت عزام ( )0950ىلزس ( )041عمليزة" ، 1ثزم بعزد حزر لبنزان
( )0953تراجع العمل المسلح حتس بداية االنتفاضة في الضفة والقطاع نماية عام (.)0959
بزدأت ىسزراليل فززي التعامززل مززع رمززوإ كبززار التجزار الوسززطاء الززذين حصززلوا علززس العديززد مززن الوكززاالت
التجارية اإلسراليلية لتسويقما داخزل القطزاع ،كمزا أدى انفتزاح سزوق العمالزة اإلسزراليلي ىلزس تصزاعد دخزول
العمززال الفلسززطينيين مززن أبنززاء غزإة والضززفة ىلززس السززوق اإلسزراليلية وارتفززاع عززدد العززاملين داخززل "ىسزراليل" م ززن ( )8911فز ززي بداي ززة ع ز زام ( )0990ليص ززل ىلز ززس ( )43111عام ززل فزززي نماي ززة عز ززام ( )0954ووالز ززس ( )83011عامل 2عام ( .)0955ورغم ذلت فقد كانت البطالة منتتشرة في عام ( )0958بنسزبة تإيزد عزن ( )%38خاصززة بززين الجززامعيين الززذين وصززل عززدد العززاطلين مززنمم ىلززس ( )3396خ زريا بسززب
السياسززة
اإلسراليلية التي استمدفت تدمير البنية التحتية لالقتصاد الفلسطيني عمومال في الضزفة والقطزاع مزن جمزة، ونتيجززة عززدم اهتمززام (م.ت.ف) بتطززوير الصززناعات أو التجمعززات اإلنتاجيززة االقتصززادية الفاعلززة ،واكتفززت بتقززديم الززدعم ىلززس عززدد مززن رمززوإ العتشززالر أو القززوى التقليديززة الرجعيززة لضززمان تأييززدها أو تحييززدها ،دون
تطلع ىلس تطور أوضاع جماهير المخيمات والمدن ،التي كانت وستالل الوقود الحقيقي لكزل نضزال ثزوري فلسطيني ،هذه الجماهير التي فجعت بما جرى في لبنان عام ( ،)0953وما جرى من تتشتت ابنالما مزن
ك زوادر (م.ت.ف) فززي المنززافي العربيززة ،وعنززدها عززاودت مززن جديززد نتشززاطما الثززوري عبززر عمليززات فداليززة منالمة وعفوية في قطزاع غزإة ليرتفزع الرسزم البيزاني ىلزس نسزبة ( )%34مزن ىجمزالي العمليزات فزي اار
المحتلززة ويسززتمر التصززاعد فززي عززامي ( 0956و ،)0959لتبززدأ انتفاضززة التشززع
كلززه فززي 0959/03/5
من جباليا البطلة لتنتتشر كالنار في المتشيم في كل أنحزاء القطزاع والضزفة الفلسزطينية ،معلنزة ىدرات تشزعبنا الفلسطيني لوجوده الممدد بالإوال ووقفته الواحدة للتصدي ولمساندة المتشروع الوطني ،الذي جسزدته آنزذات
م.ت.ف في آن واحد.
هذه االنتفاضة التي أعطت عم الر جديدال لمنالمة التحرير الفلسطينية بعزد أن كزاد اإلحبزاط أن يفتزت بمزا
من جراء المؤامرات الصميونية واامريكية والعربية في آن واحد.
وبفضل االنتفاضة ,وصلت العالقة بين األرض والشعب والمنظمة فـي ترابطهـا التـاريخي إلـى الـذروة
عام ( )0611بإعالن االستقالل ,الذي جاء منسـجماً تمامـاً مـع تطلعـات شـعبنا وانتفاضـته فـي الـداخل مـــن جهـــة ,ومتوازنـــاً بكـــل وضـــوح مـــع متطلبـــات الشـــرعية الدوليـــة مـــن جهـــة ثانيـــة ,إال أن الترتيبـــات والخطوات السياسية الالحقة التي جرت على الصعيد العملي بعـد ذلـك ,أسـهمت فـي اخـتالل التـوازن أو االنسجام بين قرار الشرعية الفلسـطينية الواضـح فـي جـوهره وبـين تلـك الممارسـات السياسـية التوفيقيـة
1المصدر السابق – ص . 22
2غسان الشهابي -صامد عدد -12حزيران - 0660ص72
247
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
التـــي لجـــأت إليهـــا قيـــادة (م.ت.ف) فـــي محاولـــة منهـــا للتكيـــف مـــع الضـــغوط األمريكيـــة واإلســـرائيلية واألوروبية والعربية الرسمية.
وجـــاءت مرحلـــة مدريـــد التـــي تميـــزت بإصـــرار دولـــة العـــدو اإلســـرائيلي فـــي المطلـــق علـــى الثوابـــت
األيديولوجية الصهيونية في مقابـل حالـة تقتـرب مـن اإلحبـاط والتمـزق فـي الصـفوف الفلسـطينية ,بـدءاً مــن الرمــوز القياديــة فــي كافــة الفصــائل القابلــة والمعارضــة وص ـوالً إلــى جماهيرنــا العفويــة فــي الــداخل والشتات ,لدرجة بات من الضروري إشعال الضوء األحمر في وجه الجميع .
ومززع بدايززة المفاوضززات العبثيززة ف ززي واتشززنطن أصززر رلززير الوف ززد الفلسززطيني ،ال ارحززل د .حيززدر عب ززد التشافي ،علس طرح وجمة نالر سياسية التإمت عمومال بالتوجيمات والثوابت الوطنية مثل: -0عودة كافة المبعدين الفلسطينيين ،والتإام اإلسراليليين بالتوقف عن هذه السياسية. -3االلتإام اإلسراليلي باالنسحا وفق قراري ( )335( )343ووانماء االستيطان. -3حق العودة للفلسطينيين وفق قراري (.)339/094 -4حززق السززيادة الفلسززطينية علززس اار
والميززاه والم زوارد الفلسززطينية عبززر سززلطة تتش زريعية وتنفيذيززة
خالل الفترة االنتقالية وما بعدها.
-8القدر التشريف عاصمتنا.
-6تطبيق ميثاق جنيف لسنة ( )0949واإلفراو عن كافة المعتقلين الفلسطينيين.
-9االلتزإام بتززوفير الضززمانات والحمايزة الدوليززة الواضززحة التزي تكفززل أن تكززون المرحلزة االنتقاليززة حالززة مؤقتززة تخض ززع لإلتشز زراف الززدولي والحماي ززة الدولي ززة والتنسززيق م ززع القي ززادة الوطنيززة الفلس ززطينية ف ززي
الداخل.
-5أن تت ززولس (م.ت.ف) رس ززميال وفعليز زال التف ززاو تستجي
باس ززم تش ززعبنا الفلس ززطيني وف ززق التش ززروط أع ززاله وأال
اية ضغوط تسعس ىلس ىتشراكما فزي حلزول وسزطية أو أوهزام كاذبزة لزن تزؤدي ىال لتزدمير
كيان (م.ت.ف) نفسما.
ىال أن القيادة المتنفزذة فزي م.ت.ف لزم تلتزإم تمامزال بمزذه التشزروط ،بزل ىنمزا اسزتاءت مزن اصزرار رلزير
الوفز ززد الفلسز ززطيني فز ززي مفاوضز ززات واتشز ززنطن ،ال ارحز ززل د.حيز ززدر ،عبز ززد التشز ززافي وتمسز ززكه بثوابز ززت االجمز ززاع الفلسززطيني ،ومززن ثززم قززررت هززذه القيززادة برلاسززة ال ارحززل ياسززر عرفززات ،البززدء بعمليززة تفاوضززية س زرية مززع منززدوبي العززدو اإلس زراليلي فززي مدينززة اسززتوكمولم فززي السززويد ،حيززث تززم التوصززل ىلززس مززا يسززمس بز ز"ىعززالن
المبادئ في أوسلو" بتاريخ ( 03أيلول )0993/الذي تشكل من الناحية الموضوعية كارثزة سياسزية ووطنيزة
،ليبززدأ تشززعبنا الفلسززطيني مرحلززة جديززدة مززن المعانززاة والنضززال السياسززي واالجتمززاعي فززي مجابمززة حالززة المبوط والتراجع التي ترافقت مع انتشاء "سلطة الحكم اإلداري الذاتي الفلسطيني المحدود" .
248
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
األوضاع االقتصادية واالجتماعية في مرحلة االنتفاضة وحتى بداية 0662 التركيبة السكانية في قطاع غزة :
لعل أبرز التغيرات التي طرأت على الضفة الغربية وقطاع غزة ,هي تلك التغيرات المرتبطة بتركيبتها
السكانية واالجتماعية ,نتيجة اخضاعها لسلسة من اإلجراءات والقوانين والممارسات ,التي فرضها
المحتل ,والتي تحكمت في مسارها العملية االقتصادية واالجتماعية والسياسية فيهما ,وضمن معطيات الشروط اإلسرائيلية ,وعليه ,فإن خضوع المنطقتين لالحتالل اإلسرائيلي ,كان له انعكاساته ,الفورية
منها والالحقة ,وعلى مختلف المجاالت ,والمتعلقة بالتركيبة السكانية ,وسوق العمل ,وأنماط التشغيل
,واألوضاع الصحية ,والخدمات التعليمية ,وبشكل أكثر تحديداً ,انعكست على مستوى توزيع الدخل
في الضفة والقطاع ,نظ ارً لما أحدثه االحتالل من انهيار في البنى االقتصادية واالجتماعية
الفلسطينية. 1
يقــول مــاركس " :عنــدما نــتفحص بلــداً معين ـاً مــن زاويــة االقتصــاد السياســي ,نبــدأ بدراســة ســكانه,
وانقسام هؤالء السكان إلى طبقـات ,وتـوزعهم فـي المـدن والريـف ,فالسـكان هـم األسـاس ومـادة العمـل االجتماعي اإلنتاجي برمته ,مع ذلك ,إذا تفحصنا هذه الطريقة عن كثب ,فالسـكان هـم فكـرة مجـردة إذا
أهملنا مثالً الطبقات التي يتكونون منها ,وهذه الطبقـات هـي بـدورها كلمـة جوفـاء إذا تجاهلنـا العناصـر
التي ترتكز إليها ,مثل العمل المأجور والرأسمال...الخ" .
إن المـدخل الطبيعـي لدراسـة أي مجتمـع مـن المجتمعـات هـو النظـر فـي مـرآة " الحالـة السـكانية " ,
"فالبعــد الســكاني يخــتص بكــل مــا يــؤثر فــي قــدرة أف ـراد المجتمــع علــى التطــور االقتصــادي واالجتمــاعي والثقــافي ,مــن زاويــة البشــر أنفســهم ,مــن الن ـواحي الكميــة والنوعيــة والتركيــب الســكاني ,الــذي يشــمل التكوين الداخلي أو العالقات النسبية فيما بينهم من زوايا التقسيم النوعي ,والتوزيع العمـري ,والتوزيـع
المكاني أو الجغرافي" ,وهي عناصر أو أبعاد تشكل في مجموعها " الدائرة السـكانية" التـي تتـداخل مـع بقية الدوائر االجتماعية وتصب جميعها في بوتقـة واحـدة هـي ذاك المجتمـع نفسـه ,لكـن أهميـة الحالـة الســـكانية تكمـــن فـــي أنهـــا أحـــد أهـــم المؤشـــرات التـــي تكشـــف بوضـــوح المشـــاكل الرئيســـية ,السياســـية
واالجتماعية واالقتصادية في مجتمعنا .2
1د .عبد الفتاح أبو شكر -التركيبة االجتماعية ونمط توزيع الدخل في الضفة الغربية وقطاع غزة -صامد – العدد – 69نيسان /أيار 2
– 0662ص 211-362
المصدر :غازي الصوراني – كتاب "المشهد الفلسطيني الراهن" -الطبعة الثانية –3100فلسطين /غزة – ص. 73
249
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بلغ مجموع أبناء تشعبنا الفلسطيني في قطزاع غزإة عتشزية االنتفاضزة ااولزس 0959/03/9وبدايزة عزام
0955حزوالي ( 1)633ألززف نسززمة مززوإعين علززس أربعززة عتشززر تجمعزال سززكنيال مززابين مدينززة وقريززة ،ىضززافة
ىلس 5مخيمات لالجلين ،الذين يمثلون حوالي ( )%91من مجموع سكان القطاع. وق ززد طز زرأت تحز زوالت عل ززس الخارط ززة الديمغرافي ززة للقط ززاع تنط ززوي عل ززس خص ززال
الفلسطيني من الناحيتين القانونية والوطنية ،وحس
تب ززرإ ذل ززت التم ززايإ
التقديرات ف ن ( )331ألفال من هؤالء الالجلين يقيمون
خززارو مخيمززات القط ززاع الثمانيززة ،ولمززذه اارق ززام دالالت عميقززة المغززإى ،فم ززي تعنززي أن عززدد الالجل ززين
المقيمين في هذه المخيمات حوالي ( )311ألف نسمة بينما يتوإع العدد ااكبر من الالجلين علس مختلف أنحززاء القطززاع ،ىلززس جان ز
أبنالززه ااصززليين ىذا جززاإ التعبيززر ،أي أن هنالززت حجم زال هززالالل مززن التوحززد فززي
العالقززات االجتماعيززة بززين السززكان ،يصززع
معززه فززرإ الالجززي عززن الم زواطن ،بززل ويمكززن ىيجززاد ملززات
اامثلة التي توضح التتشابه في ااحوال االجتماعية المتدنية بين المواطنين والالجلين ،دون أية فروق ،ىذ
ان التوحززد فززي البززؤر والفقززر والمعانززاة هززو أمززر متشززترت بززين الالجلززين فززي المخيمززات وبززين المزواطنين فززي ااحياء التشعبية مثل ،التشجاعية والإيتون والتفاح وفي رفح وخانيونر ناهيت عن الفقزر المزدقع فزي أوسزاط
سززكان القززرى ( بيززت حززانون وبيززت الهيززا والنإلززة وجباليززا وخ اإعززة وعبسززان وبنززي سززميال) ،هززذا التتشززابه فززي المعانززاة لززم يعززد يتززيح ىمكانيززة الفززرإ بززين المزواطن والالجززي ،رغززم صززحة الحززديث عززن تمززايإ المخززيم علززس
صعيد بروإ دوره الوطني وخصوصيته النضالية.
وفززي عززام 0993بلززغ عززدد سززكان قطززاع غ زإة ( 2)945ألززف نسززمة ،وبلززغ حجززم القززوى العاملززة آنززذات
( )045111عامززل مززوإعين علززس مختلززف الممززن مززنمم أكثززر مززن ( )65ألززف عامززل كززانوا يعملززون ف ززي "ىسراليل" عتشية اندالع االنتفاضة ،أي ان حجم القوى العاملزة يعتبزر كبيز الر بالنسزبة ىلزس عزدد السزكان ،كمزا تتميإ القوى العاملة بارتفاع نسبة الفلات العمرية التشابة ،وفي هذا السياق ،فز ن توإيزع السزكان فزي القطزاع
( )0993حس
السن كما يلي:
من صفر – 04سنة = %49.5 -من %34.3 = 34 – 08
من – 38فما فوق = %09.9ىن الوضززع العززام للقززوى العاملززة فززي القطززاع ،فززي تلززت المرحلززة ،كززان متمي ز الإ مززن حيززث ت ارجززع نسززبة
البطالة بتشكل ملحوال خالل ااعوام ، 0953حيث وصلت ىلس أقل مزن واحزد بالملزة ووالزس حزوالي ()%0
1
فايز ساره – االنتفاضة بعد ثالث سنوات -كتاب صامد – العدد – 12إصدار م.ت.ف – عمان – حزيران – 0660ص ( 91عدد سكان القطاع عام )902( 0617ألف نسمة ) وقد قام الباحث بإضافة % 2ليصبح العدد عام )922( 0611ألف نسمة .
2د.يوسف كامل ابراهيم – البطالة وتحديات المستقبل في قطاع غزة – االنترنت – موقع نافذة الخير .
251
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عز ز ززام ( ، )0954و ( )%053عز ز ززام ( ،)0958و ( )%058عز ز ززام ( ،)0956و( )%056عز ز ززام (،)0959 و( )%353عام ( )0955حس
الجدول التالي :
نسب العاملين في المجاالت االقتصادية المختلفة سنوات 0671و 0611و 0617
مجموع
عام
زراعة
صناعة
1
بناء
تجارة
نقل
خدمات
قطاعات
وتشييد
ومطاعم
ومواصالت
اجتماعية
أخرى
0671
211711
2317
%0011
%0312
%0913
%9
%0212
%219
0611
111611
0112
%0612
%3210
%02
%919
%02
%212
0617
011131
0112
%0110
%3211
%02
%212
%0317
%919
العاملين
من القطاع
1
وفنادق
نسبة العاطلين عن العمل في قطاع غزة من عام 0611 – 0611 العام
مجموع السكان 02سنة
القوة العاملة
منهم باآلالف
الذكور من
القوة العاملة
العاطلين عن
العمل باآلالف
فأكثر باآلالف
نسبة العاطلين من القوى
العاملة بالمئة
0611
32317
1012
7211
112
112
0612
39019
1211
1117
112
119
0612
39216
11
1212
111
116
0612
37111
63
71
010
%013
0619
31919
6219
6012
012
%012
0617
31319
01017
6712
019
%019
0611
36016
01013
6719
312
%312
والجدير بالذكر أن ما يقارب من ( )%21 - %29من مجموع العمال في قطاع غزة ,قد عملوا في
السوق اإلسرائيلي خالل تلك السنوات وما تالها حتى عام ( ,)0662حيث بلغت مساهمة دخل هؤالء
العمال في الناتج اإلجمالي لقطاع غزة نسبة (.2 )%22
وفي هذا السياق" ,نالحظ أن حوالي ( )%67من العاملين في "إسرائيل" لم يكن لديهم بديل أو
اقتصاد مساعد ,زراعي مثالً ,أو صناعي أو خدماتي ,عالوة على ارتفاع األجور في السوق
اإلسرائيلي ,األمر الذي خلق نوعاً من االزدهار االقتصادي الشكلي للطبقة العاملة ,بعيداً عن أي 1 2
غسان الشهابي – الطبقة العاملة وحركتها النقابية في قطاع غزة – صامد – 12حزيران – 0660ص 70 غسان الشهابي – المصدر السابق– ص 73
250
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ارتباط تنموي حقيقي في االقتصاد الفلسطيني ,وهذا ما كان يهدف إليه االحتالل اإلسرائيلي من حيث
ضرب التطور االقتصادي عموماً ,وقطاعي الصناعة والزراعة خصوصاً. وفززي هززذا الجان ز
نتشززير ىلززس أن قيززادة (م.ت.ف) لززم تمززتم بتحسززين وتطززوير القطاعززات اإلنتاجيززة،
خاص ززة قط ززاعي الص ززناعة والإ ارع ززة ،ىل ززس جانز ز
ض ززعف ااج ززور وت ارج ززع ف ززر
العم ززل ،وت اإي ززد تف ززاقم
ااوضاع الحياتية لفقراء القطاع ،اامر الذي دفعمم ىلس العمل في السوق اإلسراليلية ،وبزالرغم مزن ذلزت الزل عمالنزا فززي الضزفة والقطزاع – كمززا كزانوا دومزال -الوقززود الحقيقزي لحركزة المقاومززة الفلسزطينية بعزد عززام
( ،)0969ىذ قدموا أثناء االنتفاضة ( )335( )0991-0959تشميدال وتشميدة وأكثر من ( )33ألف جريح بلغ عدد المعتقلين في نفر الفترة ( )36ألف معتقل.1 توإيع ااراضي كما في عام : 0993 ىن أراضي قطاع غإة تنقسم ىلس ااراضي التي يملكما الفلسطينيون وااراضي التي اغتصبتما سلطات االحتالل باإلكراه والمصادرة ،ااولس تنقسم ىلس نوعين:
.0مناطق البناء أو السكن ومساحتما ( )81ألف دونم.
.3المنززاطق الإراعيززة والطززرق ومسززاحتما ( )311ألززف دونززم ،منمززا ( )81ألززف دونززم تقريب زال تسززتحوذ عليمززا العززالالت التشززبه ىقطاعيززة أو التقليديززة والتززي ال يتجززاوإ عززددها ( )31عاللززة ،بينمززا مسززاحة
المخيم ززات الثماني ززة ال يتج ززاوإ ( )8811دون ززم .وال تش ززت أن ه ززذا الوض ززع يفتق ززر ىل ززس الكثي ززر م ززن التواإن ،والبد من السعي إليجاد حل وطني عادل لمذه اإلتشكالية المعقدة في المستقبل. أما المساحة المتبقية والتي تبلغ ( )008ألف دونم ،فمزي أ ارضزي كانزت تحزت سزيطرة االحزتالل وتتزوإع علززس النحززو التززالي :أ ارضززي تتبززع المسززتوطنات الصززميونية العتش زرين وتبلززغ مسززاحتما ( )33.8ألززف دونززم،
( 0911دونززم) منمززا لمعسززكرات الجززي
اإلس زراليلي ،و( )00.6ألززف دونززم طززرق للجززي
و( )85ألززف دونززم مززؤجرة لمززا يسززمس بززالمجلر اإلقليمززي ،و( )01آلززف دونززم أحز ار بنفنستي).
والمسززتوطنات،
( المصززدر هنززا تقريززر
مززن ناحيززة أخززرى البززد مززن اإلتشززارة فززي هززذا المجززال ىلززس ممارسززات االحززتالل الصززميوني ،فيمززا يتعلززق
بمسألة توإيزع الميزاه فزي القطزاع ،وهزي مرتبطزة بزاار
يخص ز نصي
وبالكثافزة السزكانية فزي آن واحزد ،فزاالحتالل كزان
للمسززتوطنات فززي القطززاع ح زوالي ( )81مليززون متززر مكع ز
مززن المززاء سززنويال ،بينمززا ال يتجززاوإ
أبناء البلزد الفلسزطينيين ( )001مليزون متزر مكعز ،مزع العلزم أن عزدد المسزتوطنين ال يتجزاوإ()4
آالف نسمة ،وهذا يعني بوضوح أن كل مستوطن صميوني في القطاع كزان يحصزل يوميزال علزس 39متزر 1فايز ساره – االنتفاضة بعد ثالث سنوات -كتاب صامد – العدد – 12إصدار م.ت.ف – عمان – حزيران – 0660ص 90
252
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مكعز
مززن ميززاه غ زإة ،بينمززا تمززبط حصززة الم زواطن الفلسززطيني مززن مياهززه ىلززس نصززف متززر مكعز
للإراعة واالستعمال المنإلي وغير ذلت.
يومي زال،
حول الوضع الطبقي (: )0662 - 0697
اســتناداً إلــى التحليــل الطبقــي أو العلمــي فــإن أي مجتمــع مــن المجتمعــات البــد أن يتكــون مــن عــدة
طبقات ,لكن ظروف القطاع وأوضاعه االجتماعية و االقتصادية فـي ظـل االحـتالل البغـيض جعلـت منـه
حالة اجتماعية متميزة (دون أن تنفي كما قلنا في السابق مالمـح الوضـع أو التقسـيم الطبقـي داخلـه),
فمثالً كان لتـدهور األوضـاع الزراعيـة بفعـل األوامـر العسـكرية اإلسـرائيلية ,التـي تحـول دون أي تطـور
حقيقي في هذا الجانـب ,وكـذلك بقـاء مسـاحة األراضـي الزراعيـة ثابتـة تقريبـاً منـذ عـام ( )0697حتـى
بداية عام ( )0662حوالي ( 311ألـف دونـم) ,فـي مقابـل النسـبة العاليـة جـداً مـن الزيـادة السـكانية, هذا الوضع ال نستطيع معه التأكيد علـى وجـود طبقـة مـن الفالحـين بـالمعنى الكالسـيكي للطبقـة ,إذ أن
هناك تداخالً إلى حد كبير بين الفالحين األجراء والعمال ,وليس من السهل الفصل بينهمـا ,هـذا بـالطبع ال ينفي الحـديث عـن عـدد قليـل مـن كبـار المالكـين القـدامى والجـدد ,يتمتعـون بامتيـازات طبقيـة ضـمن
تحــالفهم وتــداخلهم فــي شــبكة مــن العالقــات االجتماعيــة واالقتصــادية مــع كبــار التجــار (الوســطاء أو
السماسرة أو الكومبرادور) كما أسلفنا من قبل ,بحيث يشكلون معاً "طبقة" متجانسـة المصـالح نسـتطيع
أن نطلـــق عليهـــا "التحـــالف الطبقـــي للبورجوازيـــة العليـــا الزراعيـــة والتجاريـــة" الـــذي يتطلـــع دومـــاً إلـــى المحافظة على مصالحه وأوضاعه المتميزة .ومن المعروف ان الزعامات التقليدية أو التاريخية في هذا
التحالف قد ضعف دورها السياسي بعد إحتالل الضفة الغربية وقطاع غزة عام (. )0697
أم ززا التشز زرالح الفقيز زرة م ززن العم ززال والفالح ززين والك ززادحين ،فق ززد تعرضز زوا –وم ززا اإلز زوا -اقس ززس أنز زواع االضزطماد الطبقززي االجتمززاعي والززوطني ،ال فززرق هنززا بزين الجززي أو مزواطن .ثززم تززأتي الطبقززة البورجواإيززة
الصززغيرة لتتشززكل فززي معالززم تش زرالحما (الميسززورة أو العليززا ،الوسززطس ،الفقي زرة ) نسززيجال اجتماعي زال متنوع زال ومتعددال لير علس المستوى االجتماعي فحس ،ووانما أيضال علس المستوى السياسي ،حيث توإعت تشزرالح البرجواإيززة الصززغيرة علززس كافززة ااحز اإ والتيززارات اليمينيززة والوطنيززة والقوميززة واامميززة والدينيززة فززي غمززار
العم ززل ال ززوطني عمومز زال ،واالنتفاض ززة الت ززي عاتش ززما أبن ززاء تش ززعبنا الفلس ززطيني ف ززي الضز زفة والقط ززاع ديس ززمبر .0959
الخصائص التي ميزت قطاع غزة حتى عام : 0662 .0ب ززروإ الموي ززة الوطني ززة الفلس ززطينية ابن ززاء القط ززاع ،ل ززير ب ززالمعنس ال ززوطني أو الجغ ارف ززي فق ززط ،ب ززل وكززذلت بززالمعنس القززانوني تاريخي زال ،ىذ أن القطززاع يعتبززر فززي المحافززل العربيززة الرسززمية والدوليززة
"الجإء الباقي من فلسزطين" ،وهزو كزذلت ىلزس يومنزا هزذا فزي كافزة وثزالق الجامعزة العربيزة واامزم 253
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المتحدة ،ولمذا العامل ايجابيات كثيرة ،لكنه من جان
آخر ساهم في إيادة التعقيدات فزي وجزه
أبن ززاء القط ززاع ،م ززن قب ززل النال ززام العرب ززي الرس ززمي عمومز زال ،فالتش ززعور ب ززاالغت ار ،والحرم ززان م ززن اإلقامة والعمل ،ورف
القبزول بالجامعزات والتضزييق السياسزي واالجتمزاعي بكزل صزوره ...ىلزخ
العراقيل التي تالحق ابن غإة أينما ذه .
.3المسز ززاحة الضز ززيقة التز ززي تبلز ززغ ( )368كيلز ززو متز ززر مربز ززع أو مز ززا يعز ززادل ( )%0.38مز ززن المسز ززاحة اإلجمالية لفلسطين.
.3الكثافة السكانية العالية في الل تدني المزوارد االقتصزادية ،ومزا ينزتا عزن ذلزت مزن متشزكالت ،وفزي المقابززل ف ز ن هززذه الكثافززة تعنززي وجززود قززوة بتش زرية ،يمكززن تواليفمززا بتشززكل جيززد ،فززي حالززة وضززع
خط ززط للتنمي ززة تعم ززل لص ززالح ارتب ززاط الن ززار بالمتش ززروع ال ززوطني الفلس ززطيني ،عب ززر (م.ت.ف)، وب ززالترابط م ززع المتش ززاريع المماثل ززة ف ززي الض ززفة م ززن أج ززل توحي ززد العالق ززات االقتص ززادية والثقافي ززة
بينمما.
.4عإلززة القطززاع الثقافيززة ،حيززث ال توجززد مؤسسززات ثقافيززة فيززه بالمقارنززة مززع عتش زرات المؤسسززات فززي الضفة الفلسطينية ،وغيا
المؤسسات الجماهيرية الفاعلة ،وأتشير في هذا الصزدد ىلزس مسزؤولية
كافة الفصالل الوطنية الفلسطينية التي ركإت اهتمامما منزذ البزدء علزس البعزد العسزكري – علزس
أهميته وضرورته – في النضال مما أدى ىلس تممي
البعد الجمزاهيري والنقزابي طزوال المرحلزة
( ،)0993-0969اامر الذي أسمم – مع عوامل عديدة أخرى – في تطور ونمزو اإلسالم السياسي واستمرار الصراع بينما وبين القوى الوطنية والديمقراطية .
254
حركزات
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حول الدميقراطية الليربالية والصراع الطبقي واجملتمع املدني 39 / 1 / 3102
والثورة االشرتاكية
الديمقراطية الليبرالية البرجوازية (أو ديمقراطية المجتمع المدني الرأسمالي) تتسم بالطابع الشكلي
واألحادي ,الذي يقتصر ويتوقف عند الجانب السياسي وتعدديته المحكومة بسقف النظام الرأسمالي وقوانينه .وهي حالة تطورية من االنعتاق السياسي الذي حققته الثورة البرجوازية في عصر النهضة ,
لم يغفلها ماركس بل نظر اليها "كنقطة انعطاف مذهلة في التطور التاريخي " ,وتقدما عظيما في إطار
النظام االجتماعي القائم ,وهو منعطف البد لنا – في اطار اليسار العربي ,-من أن نعمل على مراكمة عوامله الموضوعية والذاتية بما سيضمن – بوسائل ديموقراطية -تجاوز الرؤى االحادية للقوى الليبرالية الرثةو لحركات االسالم السياسي المستندة على المفاهيم األصولية القديمة ,لحساب مفاهيم النهضة والتنوير والحداثة ,صوب آفاق مجتمع مدني ديمقراطي ,يزيح أشكال االستبداد والسيطرة واالستغالل ,دون أن يعني ذلك اغفالنا لعملية الصراع الطبقي والنضال ضد االستغالل الرأسمالي وكل
مظاهر التبعية والتخلف بصورة ديمقراطية ,ذلك إن انعدام المساواة ,ظاهرة موضوعية ,وسمة
أساسية من سمات المجتمع المدني الليبرالي البرجوازي ,فهو -في جوهره -مجتمع الصراع الطبقي
والصراع السياسي في آن معا.
وهذا ما تنبه إليه الفيلسوف والمناضل األممي "أنطونيو غرامشي" ()0627-0160الذي عالج
موضوعات البنية الفوقية بوصفها تعبي ار عن إرادة جماعية وطبقية ,فالسيادة الطبقية التي تمارسها الطبقات الحاكمة في الغرب الرأسمالي ال تقوم على قمع األجساد فقط ,بل على أسر العقول أيضا,
من خالل إشاعة أنماط معينة من الثقافة والقيم ,وعلى هذا األساس ,يمكن فهم اهتمام "جرامشي"
بقضايا الثقافة والمثقفين ودور الحزب (الذي يطلق عليه صفة المثقف الجمعي) ,حيث يقول ,أن هدف العمل السياسي هو إخراج الجماهير من حالة الركود واالستنقاع التي تعيشها ,ولن يكون ذلك
ممكنا ما لم يتم رفع هذه الكتلة الجماهيرية الى مستوى البنية الفوقية كميدان للفعل الجماعي واإلدارة
الخالقة ,والطريق الى ذلك هو تفعيل البعد المعرفي-الثقافي داخل الحزب ,بهدف إيجاد وبلورة العالقة العضوية بين شعارات الحزب السياسية وأيديولوجيته الماركسية من ناحية ,وبين قواعد وكوادر الحزب وجماهيره من ناحية ثانية ,لتكوين مثقفين عضويين ,للوصول الى الوحدة بين القوى المادية
واأليديولوجيا الكفيلة وحدها لخلق ما يسميه "جرامشي" بـ"الكتلة التاريخية" ,وهنا تكمن األهمية
القصوى لعملية التثقيف وأدواتها "لالنتقال بوعي العمال (والكادحين) من حالة الوعي بالبنية التحتية
(الوعي االقتصادي العفوي) الى حالة وعي البنية الفوقية (الوعي السياسي والمعرفي واألخالقي . 255
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وبالتالي فإن قوى اليسار ,تتحمل المسئولية األولى في وعي مقوالت هذا المفهوم ,المرتبطة بالديمقراطية وحرية الرأي والحريات العامة ,في إطار الصراع التناحري مع العدو الصهيوني االمبريالي
من ناحية ,وفي إطار الصراع الطبقي والسياسي الديمق ارطي الداخلي من ناحية ثانية ,إذ أن عملية النضال التحرري والديمقراطي هي في حد ذاتها في مواجهة االحتالل والقوى اإلمبريالي وأتباعها,
تجسيد حقيقي لمفهوم المجتمع المدني في إطار الصراع الطبقي والثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها
االشتراكية.
وفي هذا السياق نستذكر بعضا من ابداعات المفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل ...حول
مفهومه لحركة التحرر الوطني ..يقول " ان حركة التحرر الوطني بما هي حركة عداء لالمبريالية هي بالضرورة حركة عداء للرأسمالية ,وتتحدد كجزء من الثورة االشتراكية ...اذن ,يمكن القول ان العداء
لالمبريالية ال يكون بالفعل متسقاً اال بما هو عداء للرأسمالية ,ومن حيث هو هذا العداء بالذات .ففي
حقل عالقتها العضوية بأزمة االمبريالية ,من حيث هي ,بالدرجة االولى ,ازمة نمط االنتاج الرأسمالي
نفسه ,تتحدد حركة التحرر الوطني في ذلك الشكل التاريخي الذي يجعل منها جزءاً من العملية الثورية
العالمية .....فال سبيل الى تحرر وطني فعلي من االمبريالية اال بقطع لعالقة التبعية البنيوية بها هو بالضرورة تحويل لعالقات االنتاج الرأسمالية القائمة في ارتباطها التبعي بنظام االنتاج الرأسمالي
العالمي .بهذا المعنى وجب القول ان سيرورة التحرر الوطني في المجتمعات الكولونيالية ,هي هي سيرورة االنتقال الثوري الى االشتراكية ... ,هذا هو ,بكل دقة ,معنى ان تكون حركة التحرر الوطني
جزءاً من الثورة االشتراكية ,وال معنى آخر لمثل هذا القول .اال اذا قبلنا بذلك الفهم البرجوازي المتناقض الذي يضع هذه الحركة في افق انتقالها التاريخي الى النظام الرأسمالي العالمي ,بفصله
فيها ممارسة العداء لالمبريالية عن ممارسة العداء للرأسمالية فصالً مصطنعاً يقلب العداء لالمبريالية
تساوماً معها على قاعدة تأبيد عالقات االنتاج الرأسمالية وتأبيد عالقة ارتباطها التبعي باالمبريالي".
ان هذه الحركة في ازمة ,ألن الحركة الثورية (فصائل واحزاب اليسار العربي) فيها هي في ازمة. فمأساة الثورة ان تكون اداة الثورة عائقاً لها.
فهل ستكون الطبقة العاملة قادرة على تكوين حركة ثورية جديدة تقود السيرورة الثورية في الحركة
التحررية الوطنية العربية؟
انها قادرة على ذلك ,اما بقيادة احزابها الراهنة اذا استجابت هذه االحزاب لضرورات هذه السيرورة
الثورية؛ واما بقيادة اخرى ,اذا استمرت قابعة في قصورها السياسي .فوجود تلك الحركة الثورية
الجديدة بات ضرورة ملحة هي جديد المرحلة في كل بلد عربي.
باألمس البعيد هللت الرأسمالية العالمية يوم سحقت كوميونة باريس ,غير أن ماركس رد على
زعمهم بمقولة صادقة ,قال ماركس " أن مبادئ كوميونة باريس خالدة ,فال يمكن القضاء عليها .إنها
سوف تعلن عن نفسها من جديد ,ومن جديد ما دامت الطبقة العاملة لم تتوصل بعد إلى تحررها". 256
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ولكن بفعل قسوة الصدمة ,أو بدافع من اال نتهازية والوصولية ,هناك من غرق في اإلحباط وهناك من
فقد االتجاه ,وهناك من تنصل من ماضيه ,وهناك من هجر الماركسية ,وهناك من هرول إلى الخندق
الليبرالي المضاد.
لكن يخطئ كل الخطأ من يعتبر الماركسية قد اندثرت ,كما يخطئ كل الخطأ من يحكم على مستقبل
االشتراكية على ضوء حاضرها المأزوم ,وسوف تثبت األيام أن عاجالً أو آجالً ,أن أزمة الماركسية مجرد لحظة عابرة في تاريخ البشرية.
257
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حول شعار -االسالم هو احلل- 2 / 6 / 3102
سؤال وجواب للنقاش الهادىء من االصدقاء والرفاق حول شعار " االسالم هو الحل"
والسؤال هنا :هل تتوفر لهذا الشعار أي إمكانية واقعية للتحقق في بالدنا باسم الخالفة اإلسالمية أو
غير ذلك من األنظمة الدينية في اللحظة المعاصرة من القرن الحادي والعشرين ؟ وجوابي كما يلي :
إننا إذ نؤكد احترامنا لتراث شعوبنا الديني ,وللمشاعر الدينية ,إال أننا نرى أن هذه المنطلقات الدينية والتراثية ,خاصة في إطار اإلسالم السياسي ,لن تكون قادرة –وليست راغبة بالطبع -على مواجهة
األزمات السياسية االجتماعية االقتصادية والثقافية المستعصية في بالدنا ,انطالقاً من ضرورة التمييز ب ين الدين والدولة ,أو من منطلق الهوية القومية العربية أو حتى الهوية الوطنية والياتها الديمقراطية
,ألن تيار اإلسالم السياسي ( سياسيا وطبقيا)هو تيار نقيض للقومية العربية "لصالح هوية أكثر
شموالً ال حدود جغرافية لها ,هي الهوية اإلسالمية ,وقد بنى أصحاب هذا التيار موقفهم على أساس
عقيدي مؤداه أن القومية مقولة علمانية تناقض العقيدة والدين ,وأن أواصر الجنس واألرض واللغة
والمصالح المشتركة إنما هي عوائق حيوانية سخيفة ,وأن الحضارة لم تكن يوماً عربية وانما كانت
إسالمية ,ولم تكن قومية وانما كانت عقيدية (سيد قطب ) ,بينما اعتبر البعض األخر موقفهم على
أساس أن النزعة القومية مصدرها االستعمار الصليبي ,وأن نصارى الشام هم الذين روجوا لها (
يوسف القرضاوي) .وقد بلغ التطرف عند بعضهم إلى حد اتهام الدعوة إلى القومية العربية بالكفر الصريح ,وفي كل االحول ,يبدو ان انظمة االستبداد العربية عموما وانظمة البترودوالر الرجعية العميلة خصوصا ,الى جانب ضعف تأثير وهشاشة القوى اليسارية ..مهد الطريق الى انتشار وفوز حركات االسالم السياسي عبر استغالل بساطة وعي الجماهير وعفويتها ...االمر الذي ادى الى تعزيز
وتعميق اوضاع التخلف االجتماعي في كل البلدان العربية ,وتزايد الهيمنة االمبريالية والصهيونية والكومبرادورية على مقدرات شعوبنا التي سرعان ما اكتشفت طبيعة حركات االسالم السياسي ودورها
النقيض للمصالح والتطلعات واالهداف الوطنية والقومية الديمقراطية للجماهير الشعبية التي بدأت
انتفاضاتها ضد الجماعات االسالمية بعد ان اكتشفت زيف برامجها وعدم تناقضها مع السياسات
الرجعية واالمريكية.
258
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حديث عن إخفاقات منظمة التحرير الفلسطينية ...بعد 31عام على توقيع اتفاق اوسلو
02 / 6 / 3102 إن الرؤية الموضوعية للعالقة بين (م.ت.ف) من جهة ,وبين الجماهير الفلسطينية في الداخل
والشتات من جهة أخرى ,تفرض علينا جميعا الوقوف أمام احد أهم مظاهر تلك العالقة التي تتطور
في هذه المرحلة باتجاه الهبوط أو االستجابة للشروط األمريكية – اإلسرائيلية الهادفة إلى إفراغ
م.ت.ف من محتواها الوطني ومن ثم تحطيم الجسر الممتد بين الشعب واألرض والمنظمة. إخفاقات منظمة التحرير الفلسطينية :
-0بسبب بنيتها الطبقية عموماً وبنية وسياسات حركة فتح خصوصاً لم تستطع م.ت.ف التمسك
بمنطلقاتها واهدافها السياسية في تحرير كل فلسطين ,وفق نصوص ميثاقها (هذه االهداف سرعان ما تالشت لمصلحة سياسة ,قيل أنها تكتيكية ,تهدف إلى اإلفادة من الوضع الدولي
الحد األعلى" الذي يقبل به الذي نشأ عن وجود المقاومة ,من أجل القبول بما يمكن أن يسمى " ّ الحد األدنى" للفلسطينيين .وهي السياسة التي قامت على قبول دولة فلسطينية العالم ,و" ّ مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة) ...الواضح هنا أن طبيعة البنية الطبقية القيادية المتفردة لحركة فتح هي التي أدت إلى مسار الهبوط والتراجع في م.ت.ف بصورة تدرجية
وبذرائع مختلفة عبر المحطات التالية :
أ -المحطة االولى بدأت مع عقد الدورة ( )03للمجلس الوطني الفلسطيني – القاهرة ,0672/9/0حيث نالحظ التراجع عن بعض نقاط برنامج النقاط العشر التي أقرها
المجلس الوطني في تلك الدورة ,حيث وافق المجلس على مضمون رسالة ياسر عرفات
إلى المستشار النمساوي كرايسكي التي تتضمن " إن منظمة التحرير الفلسطينية على
استعداد لعقد معاهدة عدم اعتداء مع إسرائيل" .وهنا أصبح الكالم صريحاً ومكشوفاً عن ضرورة السير بحثاً عن (حل سياسي) مع إسرائيل.
ب -استمر الهبوط في الدورة ( )07للمجلس– عمان /33تشرين الثاني ,0612وكانت أهم قررات األمم المتحدة ق ارراته :السير سياسياً ودبلوماسياً على إستراتيجية تعتمد على جميع ا المتعلقة بالقضية الفلسطينية ,ومن ثم بداية نهج التسوية.
259
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ج -في شهر تشرين األول 0613 /أرسلت قيادة م.ت.ف وفداً لزيارة القاهرة بعد خمسة أعوام من انقطاع العالقات العربية بسبب اتفاقات كامب ديفيد .وفي 0612/0/01دعا
عرفات إلجراء محادثات مع دولة العدو الصهيوني ,وأعاد محاولته في 0612/2/32 بالتأكيد عالنية على رغبته في "التفاوض مع إسرائيل وجها لوجه.
د -في الدورة ( )01للمجلس – الجزائر ,0617/2/31أصدر المجلس بيانان "يؤيد عقد
المؤتمر الدولي في إطار األمم المتحدة وتحت إشرافها" .وفي هذه الفترة كانت قيادة عرفات قد فتحت عدة قنوات اتصال بالعدو الصهيوني منها قنوات كل من محمود عباس (أبو
مازن) وسعيد كمال ,وبسام أبو شريف ,ونبيل الرمالوي ,ومجموعة من رجال األعمال
الفلسطينيين.
ه -الدورة ( )06للمجلس– الجزائر ( 0611/00/02دورة االنتفاضة) :كان قرار إعالن قيام
الدولة ابرز الق اررات ,وتضمن الفقرة الهامة التالية " :كما تعلن (دولة فلسطين) في هذا
المجال أنها تؤمن بتسوية المشاكل الدولية واإلقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق األمم المتحدة وق ارراتها وانها ترفض التهديد بالقوة او العنف أو اإلرهاب أو باستعمالها ضد
سالمة أراضيها واستقاللها السياسي وسالمة أراضي أي دولة أخرى" .وفي ضوء ذلك أكد الرئيس عرفات استعداده للقبول بالشروط األمريكية ,بما في ذلك االستعداد للتفاوض مع
(إسرائيل) على أساس قراري مجلس األمن 323و 221والتعهد بالعيش بسالم مع (إسرائيل) في حدود األرض المحتلة عام , 0697وادانة العنف واإلرهاب وعدم ممارسته.
و -أما الدورة ( )31للمجلس– الجزائر 0660/6/32فقد تضمنت ق اررات المجلس الوطني
الموافقة على إجراء تسوية سياسية مع دولة العدو الصهيوني ,تحت غطاء مؤتمر السالم,
ثم استمرت عملية التفاوض العبثية منذ مدريد ثم واشنطن وصوالً إلى اتفاق أوسلو التي جسدت مخالفة القيادة المتنفذة في م.ت.ف لجميع األسس المتفق عليها بين كافة فصائل المقاومة في مقابل قبولها بالشروط األمريكية اإلسرائيلية وانتهاج سياسية االستسالم
المستمرة حتى اللحظة .
-3اإلخفاق الثاني لمنظمة التحرير الفلسطينية بدأ مع مغادرة بيروت ,والذي توضح خالل فترة تونس ,من العام 0613إلى , 0662وتفاقم خالل مفاوضات أوسلو ,وتجذر مع تأسيس السلطة الفلسطينية ,حيث رضخت قيادة م.ت.ف – للخروج من أزمتها -بقبولها الصيغة التفاوضية التي فرضها عليها جيمس بيكر في مدريد عام 0660بطلب من اإلسرائيليين ,وهي
صيغة خططت ألن يجري تناول قضية الالجئين (وجميع القضايا المهمة) في وقت الحق ,عند التفاوض على الترتيبات المؤقتة للضفة الغربية وقطاع غزة ,عبر ما يسمى بمفاوضات الوضع
النهائي ,التي تأجلت لما يقارب العقد ,لحين انعقاد مؤتمر "كامب ديفيد" االجهاضي عام 261
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
, 3111وتأجل اآلن إلى أيلول /سبتمبر 3101لتبدأ جولة جديدة من المفاوضات المباشرة
بالشروط اإلسرائيلية االمريكية (وفق رسالة أوباما أواخر تموز الماضي ) التي يبدو ان قيادة م.
ت .ف يمكن أن توافق عليها مقابل االعتراف بدولة شكلية أو قابلة للحياة بدون حق العودة , وبدون سيادة حقيقية على أرضها ومواردها من ناحية وتكريس االعتراف بيهودية دولة العدو االسرائيلي من ناحية ثانية .من الواضح إذن ,أن هذه السياسات ليست جديدة علينا ,سوى
أنها في تقديرنا ,أسوأ وأكثر هبوطاً من تلك السياسات التي مارسها الراحل أبو عمار طيلة
العقود الثالث الماضية.
-2الفشل في تطوير دوائر منظمة التحرير إلى مؤسسات ديمقراطية حديثة تمهد لترسيخ مشروع دولة فلسطين.
-2المحاباة ,واالستخدام التعسفي للسلطة ,والفساد ,وعدم ضبط مختلف فئات منظمة التحرير أفسد أدائها بشكل خطير ,وكل ذلك في إطار قيادة فردية مطلقة ,جعلت الحديث عن مسار حركة التحرر الوطني الفلسطينية بكل فصائلها غير ممكن دون تتبع دور وهيمنة القائد الفرد الراحل
ياسر عرفات .
ورغم رفض أو معارضة بعض الفصائل الفلسطينية وخاصة الجبهة الشعبية ,إال أن هذه
السياسات جعلت المنظمة في وضعية يرثى لها ,حيث جرى تغيير برنامجها بعد أوسلو لكي يتوافق مع االتفاقات الموقعة ,وبالتالي بات برنامجها هو برنامج أوسلو ال غير .بمعنى أن المنظمة لم تعد
منظمة للتحرير ,بل باتت "خيال مآتا" ال دور سياسي ,وال دور نضالي ,وال دور تمثيلي .وهي محتكرة
تهمشت كذلك ,لهذا لم يبق سوى االسم :منظمة التحرير من قبل قيادة السلطة ,وليس فتح ,ألن فتح ّ الفلسطينية .هل يفيد؟ الجواب متروك لكم !. إنني ال استهدف من هذا االستنتاج إلى الدعوة إلى شطب وتجاوز م.ت.ف أو إيجاد مرجعية
بديلة على طريقة حركة حماس و اإلسالم السياسي ,فهي مازالت –رغم كل شيء -تمثل كإطار
وبرنامج سياسي وصيغة تنظيمية جامعة وليس كقيادة ومؤسسات راهنا ,هي "أهم منجز حققته الثورة
الفلسطينية المعاصرة" كرد على محاوالت طمس وتبديد هوية ووحدة الشعب وحقوقه الوطنية ,وهو منجز تبلور وتطور عبر عملية صراعية تاريخية ,جعلت من م.ت.ف اإلطار الوطني الفلسطيني
الجامع الذي استطاع من خالل نضاالت شعبنا وقواه المنظمة من فرض ذاته َك ُم َع ِّبر سياسي قانوني وتنظيمي عن وحدة الشعب وهويته وشخصيته الوطنية وكيانه الوطني .استنادا إلى ذلك فان خيارنا
كفلسطين يقوم على أساس أن المنظمة ,وبالرغم من كل ما لحق بها ,ال تزال تمثل شعبياً وقانونياً
وم َع ِّب ارً معنوياً وكيانياً عن وحدة الشعب الفلسطيني ,الن شعبنا لم يحقق استقالله ووطنياً إطا ارً جمعياًُ , وسيادته بعد ,فان الحفاظ على المنظمة يعتبر ضرورة ومصلحة وطنية عليا تستدعي ايالئها األهمية
التي تستحق االرتقاء إلى ما تفرضه من مهام ومسؤوليات ,وجعل هذه المسألة قضية وطنية عامة أو 260
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فكرة توحيدية مركزية يجري التحشيد والتأطير على نطاق شعبي واسع من اجل االلتفاف حولها
وتطويرها وشطب كافة االتفاقات المعقودة مع دولة العدو اإلسرائيلي باسمها ,حيث بات اليوم أضر
مما في أي وقت ماضي تأييد الصيغة المكرسة" :م.ت.ف ,.الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني
ارتباطاً بتلك االتفاقات وخاصة اعترافها بالدولة الصهيونية ,إذ إن هذه الصيغة ال عالقة لها بنضاالت وتضحيات شعبنا طوال المئة عام المنصرمة من ناحية ,وال تعبر بالمطلق عن أماني ومصالح شعبنا
من ناحية ثانية ,بل هي بكل وضوح شيك على بياض تم تقديمه للعدو اإلسرائيلي دون أي مقابل
يمكن أن تدافع عنه قيادة منظمة التحرير .
وبالتالي فإن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره يتضمن أيضاً حقه في تعيين ممثليه
بشكل حر وديمقراطي ,من دون أن يمنح أحد نفسه ,بالتعيين أو بحكم المصالح والمحسوبيات ,حق
تقرير من هو الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا ...وفي هذا السياق فإنه من حق الثوريين ,بل من
واجبهم,أن يقولوا لها أنها تخطئ وأن يكافحوا أوهامها ,انطالقاً من أن تأييد نضال شعب مضطهد ضد
مضطهديه تأييداً غير مشروط ,يعني تأييد هذا النضال بمعزل عن طبيعة قيادته ,إنه ال يعني بتاتاً
تأييد قيادة م.ت.ف بدون شروط .
إن موقف الثوريين إزاء قيادة النضال يجب أن يستند إلي التمييز بين الخطوات التي ينبغي
دعمها والخطوات التي ينبغي فضحها.
وهنا البد لي من أن أوجه نقداً موضوعياً قاسياً إلى أبعد الحدود إلى كافة القوى الثورية
اليسارية ,ألن االقرار بهذا الواقع الهابط والمرير ,شبه المستسلم ,الذي وصلته قيادة م.ت.ف , يحيلنا إلى سبب آخر ,ربما كان األهم بالنسبة الستمرار هيمنة القيادة اليمينية عليها ,او بالنسبة
لما جرى من انقسام خطير في منتصف حزيران 3117أدى إلى هيمنة اليمين الديني في قطاع غزة,
وهذا السبب تحديداً هو تقاعس اليسار الفلسطيني عن أداء دوره وفق ما كان وما زال يتمناه القطاع األوسع من جماهير شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات .
فقد كان دور بعض أطراف هذا اليسار ,وبالرغم من إنكار بعض قادته ,ال يتعدى دور شاهد
الزور ,كما حصل عشية اتفاق أوسلو ,أو دور ذريعة يسارية للسياسة الغارقة في يمينيتها التي
تنتهجها قيادة "فتح" البورجوازية ,وهذا يشير إلى أي حد اإلجماع الوطني الذي يدعي هؤالء أنهم يستندون إليه في مشاركتهم في هيئات م.ت.ف .هو إجماع وهمي ,في مقابل مشاركتهم الحقيقية في
حكومة رام اهلل وو ازراتها.
وفي هذا السياق نستذكر القائد الراحل جورج حبش الذي اعترف بطيبة خلق ,في مقابلة مع
مجلة الهدف " :كنا نربح المعركة نظرياً على الورق ,إال أن الجناح المهمين على قيادة المنظمة, وبحكم طبيعته البورجوازية ,لم يكن يلتزم بما يجري االتفاق عليه في ممارسته السياسية الالحقة .وهذا
السلوك السياسي هو الذي يفسر في الواقع معارضة هذا الجناح اليميني إلجراء إصالحات تنظيمية 262
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ديمقراطية جذرية في أطر ومؤسسات المنظمة ,ألنها ستحد من حركته السياسية باتجاه طرق بوابات
الحل االستسالمي في بعض العواصم العربية الرجعية".
وعند هذه المالحظة أود أن أشير إلى أن هيمنة "فتح" داخل م.ت.ف منذ عام 0696إلى يومنا
هذا ,غير قابلة للزحزحة بأي شكل من األشكال ,طالما بقيت أنظمة م.ت.ف وآلياتها على ما هي
عليه ,إذ أن هذه األنظمة واآلليات اعتمدت دوماً -عبر احتكار قرار التعيين -على حلقة مفرغة : مجلس وطني – لجنة تنفيذية – مجلس مركزي ,حيث تضمن هذه الهيئات كل واحدة لألخرى
بالتوالي ,إعادة اإلنتاج البسيطة أو الموسعة ,لهيمنة القيادة الفردية في حركة فتح ,وبالتالي فإن
استمرار تمسك الفصائل والقوى بالمنظمة ,ال بد من أن يترافق مع مطلب أساسي يقوم على ضرورة
تغيير هذه األنظمة واآلليات بما يضمن تحقيق التطبيق األمثل للتعددية الديمقراطية في م.ت.ف .
من كل ما سبق ,هل ينبغي استخالص أنه كان يتوجب على اليسار الفلسطيني أن يمتنع ,من
حيث المبدأ ,عن االنتساب إلى م.ت.ف؟ ليس بالضرورة .ولكن مفهومه بالذات لعضوية م.ت.ف .هو
الذي كان يجب أن يكون مختلفاً جذرياً .بمعنى ان تكون عضويته في المنظمة ألغراض تكتيكية , براية مشرعة وبدون مهادنة القيادة اليمينية ,وهي السياسة التي اتبعتها -ومازالت -الجبهة الشعبية ,
على النقيض من ممارسات بعض أطراف اليسار ,إذ أن بوسع هذه األطراف أن تستخدم المجلس
الوطني كمنبر للتحريض السياسي ,مع فضح نمط تركيبه الالديموقراطي بصوت عال ,ومع المطالبة
بأن يكون الجسم الرئيسي ألعضاء المجلس منتخباً من قبل الجماهير الفلسطينية ,وفي حال استمرار تعذر االنتخابات فال بد من االتفاق على تشكيل هيئة فلسطينية من جميع األطراف والقوى السياسية
والمجتمعية دونما أي تمييز فيها لفصيل أو أخر بحيث نضمن اختيار أعضاء مجلس وطني جديد
بصورة تمثيلية وموضوعية إلى أبعد الحدود .
وبالتالي فإن نقطة االنطالق الصحيحة صوب االتفاق على برنامج سياسي مشترك في إطار
م.ت.ف ,تفترض من وجهة نظرنا ,التمييز بين م.ت.ف باعتبارها كيانا معنويا ,وتعبي ار سياسيا عن
الشخصية الفلسطينية ,التي يجب أن ترتكز سياستنا لحمايتها كمنجز وطني ,وبين كونها إطا ارً جبهوياً نتصارع فيه وحوله ومن خارجه.
وحتى ال أكون واهماً ,أو داعياً لزراعة األوهام ,فإنني أقول بصراحة إن معركة الصراع على
م.ت.ف ودورها وبرنامجها ومشروعها ,لن تحسم بين ليلة وضحاها ,فهي تحتاج لجهد ودأب وتحشيد
ش َّداً لهدف الحفاظ عليها كضرورة وطنية راهنا وفي المدى المنظور وطني وجماهيري شامل يبقى ُم ْن َ باالستناد إلى ميثاقها وثوابتها . وفي هذا الجانب ال يجوز تجاوز أو إغفال المتغيرات الحادة التي أصابت "النظام السياسي
الفلسطيني" والقيادة المتنفذة في م.ت.ف التي يبدو أنها لم تعد قادرة بعد غياب الراحل ياسر عرفات على التفاوض مع العدو بشروطها ولو ضمن الحد األدنى ,حيث يبدو أن المقرر الخارجي وأقصد 263
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
محدداً رئيسياً لما يسمى بعملية السالم ,ومن ناحية ثانية فإن بذلك العدو األمريكي اإلسرائيلي بات ّ تحليل جوهر الصراع بيننا وبين العدو اإلسرائيلي كصراع عربي إسرائيلي إلى جانب الوضعية الرئيسية لدولة العدو اإلسرائيلي التي تحولت اليوم إلى حالة امبريالية صغرى عززت دورها ووظيفتها في
تكريس أدوات ومظاهر التبعية والتخلف واستمرار احتجاز التطور في بلدان الوطن العربي بما يضمن
حماية وتكريس مصالح نظام العولمة االمبريالي في بالدنا ,وبالتالي لم يكن مستغرباً في مثل هذه األوضاع تمسك التصور الصهيوني بالءاته الخمسة :ال انسحاب من القدس ,ال انسحاب من وادي
األردن ,ال إزالة للمستوطنات ,ال عودة لالجئين ,ال للدولة الفلسطينية كاملة السيادة على األراضي
المحتلة .
من هنا ,وفي سياق الدعوة للحوار الوطني و لـ "الوحدة" الوطنية ,والمصالحة ,وهي دعوة نعتقد
أن القسم األكبر من جماهير شعبنا ,إلى جانب بعض القوى اليسارية من أصدق الحريصين عليها
من أجل وحدة الصف الفلسطيني على ثوابت الحد األدنى ,لكننا البد من أن نطرح هذا السؤال :هل
هذه القوى معنية ألن تصبح طرفاً في حوار يستهدف التوصل إلى وثيقة تتضمن استجابتها للشروط األمريكية اإلسرائيلية ,خاصة شروط نتنياهو وأوباما للدخول فيما يسمى بالمفاوضات المباشرة ؟ أم
أنها معنية بالنضال من أجل إنهاء االنقسام والتمسك بالثوابت الوطنية والوحدة الداخلية التي تضمن
حق االختالف والتعدد –كأولوية راهنة وعاجلة -خاصة وأنها تمتلك رؤية وبرنامجاً سياسياً يختلف
جوهرياً عما تطرحه كل من حركتي فتح وحماس؟
لقد قامت صيغة م.ت.ف على أساس تحالف قوى مختلفة بهدف تحرير فلسطين .واذا كانت
قيادة حركة فتح تعتبر أنها القائدة ألنها "فجرت المقاومة"" ,أطلقت الرصاصة األولى" ,فقد انبنى
نمر بمرحلة تحرر وطني تتعايش مؤقتاً مع قيادة القبول بقيادتها وبهيمنتها على فكرة أننا ّ "البرجوازية" .وبالتالي فقد قبلت قوى اليسار التعامل مع هذه القيادة ,رغم أنها لم تستطع وقف آلياتها للسيطرة على القرار السياسي .لكن ظل هدف التحرير هو الموحد والمبرر لهذه العالقة التي تكونت في
إطار م.ت.ف .رغم أن القيادة المهيمنة انتقلت من السعي لتحرير فلسطين إلى الحل المرحلي وفق
أوسلو ثم إلى القبول باتفاقات وآي ريفر وشرم الشيخ وتفاهمات "ميتشيل" و"تينيت" وصوالً إلى الشروط االسرائيلية األمريكية الراهنة ,دون أي أفق للتقدم صوب الحل العادل ,بل المزيد من التكيف مع بناء المستوطنات والجدار ومصادرة األراضي والتوسع الصهيوني في الضفة الغربية ,وكل هذه
الخطوات أو التراجعات الخطيرة تمت بالتوافق والتكيف بين قيادة م.ت.ف والبلدان العربية الرجعية
والتابعة .
في ضوء ذلك نسأل مجدداً ,هل ظل مفهوم مرحلة التحرر في ظل القيادة الحالية لـ م.ت.ف
واألطراف النافذة فيها صحيحاً ؟ وهل ظلت التقاطعات مع هذه الفئة هي ذاتها؟ إن الوضع الراهن
يفرض إعادة نظر جذرية فيه من جهة ,وفي القوى التي قادته من جهة أخرى .فهل ظلت قيادة 264
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
السلطة معنية بالتحرير؟ لقد أصبحت سلطة وتمارس على هذا األساس ,ألن مصالحها الخاصة هي
التي باتت تحركها وليس القضية الوطنية .واعترفت بالدولة الصهيونية متنازلة عن %11من
فلسطين وأكثر ..وهي خاضعة للواليات المتحدة والدول المانحة ومربوطة مالياً بها ,وهي أيضاً على استعداد للتنازل عن مبدأ العودة كجوهر قضية الالجئين ,وهي مستمرة في سياسة التفاوض التي
أعطت الدولة الصهيونية كل الوقت من أجل إكمال السيطرة على األرض واكمال الجدار والتحكم بالضفة الغربية ,وسمحت –بوعي مع سبق اإلصرار -بتشكيل األجهزة األمنية في خدمة سياسة
الواليات المتحدة والدولة الصهيونية.
أما بالنسبة لحركة حماس ,ويمكن أن نتحدث طويالً عن حماس ,لكن يمكن القول بأنها تحمل
مشروعاً آخر ,يرى األمور من زاوية أصولية دينية تفرض عليها موضوعياً ,أن تخضع لمنطق
أيديولوجي ُي َغلّب العقيدة على ما عداه ,بحيث تسعى إلى إحالل هوية اإلسالم السياسي محل الهويتين الوطنية والقومية ,وكل ذلك في سياق ترابطها العضوي المباشر وغير المباشر مع شرائح وفئات كمبرادورية ومالية وعقارية وطفيلية ,فهي إذن ,في الجوهر ال تختلف عن الطبيعة الطبقية لقيادة
م.ت.ف ,وان اختلف الشكل السياسي الظاهري بينهما ,بهدف استمرار الصراع والتفاوض علناً وبشكل
مباشر ,كما هو الحال مع قيادة فتح و م.ت.ف ,أو س ارً أو بشكل غير مباشر ,كما هو حال حركة
حماس ,التي يبدو أن الفرصة باتت مهيـأة لها -إذا ما أقدمت على تلك التنازالت -تحت غطاء
اإلسالم السياسي المعتدل ,وعلى قاعدة فقهية تقول إن الضرورات تبيح المحظورات بما يحقق هدف
الواليات المتحدة واسرائيل في إسدال الستار على م.ت.ف لحساب ما يسمى بـ "مشهد اإلسالم
السياسي المعتدل" إذا ما بقيت أوضاع القوى الديمقراطية واليسارية والقومية على ما هي عليه من
جهة واذا ما توفرت مقوماته وعناصره الخارجية وفق مقتضيات ومصالح النظام اإلمبريالي من جهة ثانية.
واذا كانت حماس قد لعبت دو ارً بار ازً في المقاومة ,فقد أصبحت معنية اليوم بتعزيز سلطتها بعد أن أصبحت في الحكومة ,وأن تجلب االعتراف العربي والدولي واألمريكي واإلسرائيلي بها كقوة سياسية مشروعة قادرة على فرض االستقرار واألمن بعد أن قدمت البرهان في قطاع غزة .
نستنتج من كل ذلك ,أن التجربة السياسية الفلسطينية منذ مدريد وواشنطن وأوسلو إلى
االنقسام الراهن ,أوضحت فشل تلك السياسة ,بسبب استنادها إلى وعود أو أوهام الواليات المتحدة األمريكية إلى جانب أوهام عملية التفاوض العبثي مع دولة العدو اإلسرائيلي في ظل نظام عربي
ودولي شبه مرتهن لسياسة العولمة والتحالف اإلمبريالي الصهيوني ,حيث بات واضحاً أن الحل
المرحلي -في ضوء هذا االرتهان -أو ما يسمى بالدولة القابلة للحياة ,لن يحقق سوى "دولة" فاقدة
لمقومات السيادة الفعلية ,ارتباطاً بقبولها بما تقرره الدولة الصهيونية مدعومة من قبل اإلمبريالية األمريكية ,ما يعني بوضوح تخلي هذه "الدولة" عن حق العودة وتقرير المصير واالستقالل الكامل . 265
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لقد أصبح واضحاً اليوم بأن جملة الوقائع التي حققتها الدولة الصهيونية في الضفة الغربية
تحديداً لم تعد تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة ,وهو يسمح فقط بأن تبقى السلطة الفلسطينية
سلطة إدارة ذاتية مدنية للسكان الذين تقلصت أرضهم إلى النصف تقريباً ,على ضوء التوسع المستمر
لالستيطان ,إضافة إلى السيطرة على المعابر والتحكم في األجواء.
أين ستقام "الدولة المستقلة" إذن؟ هذه الواقعة فرضت إعادة التفكير في الوضع .حيث ال دولة
مستقلة ممكنة على األرض ,نتيجة السياسات التي اتبعتها وال زال تتبعها الدولة الصهيونية الحريصة
على أن تبقى يهودية الطابع ,وبالتالي كان هدف السيطرة على األرض وتوسيع االستيطان هو حصر
السكان الفلسطينيين في غيتوات (كانتونات) صغيرة ,تدار ذاتياً ,لكي تكون في داخل الدولة الصهيونية ,وفي خارجها في الوقت ذاته .ولكي يؤدي الحصار المستمر ,والضغط االقتصادي ,إلى
هجرة "طبيعية" ,ترانسفير "طبيعي" .هنا كان اتفاق أوسلو مدخلهم لذلك.
يشير هذا السياق التحديدي إلى أن القيادة الفلسطينية كانت تؤسس على وهم ,وهم الحصول
على دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة .بينما كانت الدولة الصهيونية تسرق الزمن من أجل إكمال
السيطرة على األرض وتوسيع االستيطان.
المسألة المحورية هنا هي أن الدولة الصهيونية تنطلق من أن قوتها ,االقتصادية والسياسية
والعسكرية ,ال تتثبت إال عبر التوسع ,وأنها ال تكتمل إال عبر الهيمنة ,ليس على كل فلسطين فقط بل
على المحيط العربي كذلك ,ألنها تعي (أكثر من كثير من السياسيين الفلسطينيين و العرب) عمق
العالقة بين فلسطين والوطن العربي.
إذن ,يمكن أن نقول بأن "عملية السالم" ال تهدف إلى الوصول إلى دولة مستقلة للفلسطينيين,
بل أن هدفها الذي باتت يتوضح أكثر فأكثر هو دمج فئة فلسطينية بالمنظومة األمنية الصهيونية .
تحول فئة فلسطينية إلى كومبرادور في ولهذا نلمس التشابك االقتصادي الذي يتحقق ,والشراكات التي ّ المنظومة االقتصادية الصهيونية. لهذا بات السؤال هو :أية قضية هي قضية الفلسطينيين؟ الدولة المستقلة أو "سلطة اإلدارة
الذاتية؟ على فلسطين أو على حدود سنة 0697أو على بضع كانتونات مغلقة بإحكام؟ وما هو وضع الالجئين؟ وهل قضيتهم هي قضية حقوقية تتعلق بتطبيق القرار 062الصادر عن األمم
المتحدة؟ وفلسطينيي األرض المحتلة سنة 0621ما هو وضعهم ومصيرهم؟ هل هم فلسطينيون؟
وبالتالي لقد طغت التفاصيل وضاعت القضية .حيث يجري تناول فروع لقضية أساسية انطالقاً من أنها
قضايا مستقلة .وباتت تخضع لشرعية هي الداعم األساس للدولة الصهيونية منذ أن قررت إعطائها شرعية الوجود.
266
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لقد أوضحت تجربة التفاوض التي بدأتها م.ت.ف ,.والتي توجت بقيام سلطة اإلدارة الذاتية ,أن
ليس من حل جزئي للفلسطينيين ,وأنه ليس من الممكن التعايش مع الدولة الصهيونية إال بالقبول
بكونها قوة مسيطرة ,كما اإلمبريالية ,أو بالترافق معها.
وهو األمر الذي يفرض التأكيد على أن الصراع مستمر حتى يتحقق التغيير في ميزان القوى
الذي يسمح بإنهاء الدولة الصهيونية ,وقيام دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية ,في إطار التغيير
العميق في الوطن العربي.
أمام كل ذلك لم يعد مفهوماً -من وجهة نظري -الحديث عن حلول مرحلية ,يعزز هذا
االستنتاج ,الفشل الذريع لكافة االتفاقيات التي عقدتها م.ت.ف ألسباب تعود إلى طبيعة اتفاق أوسلو ومحدداته من ناحية وألسباب سياسية وطبقية حكمت معظم هيئاتها القيادية ,وبذريعة شعارها الزائف
حول ما يسمى "القرار الفلسطيني المستقل" من منطلقها البائس في كون الصراع فلسطيني إسرائيلي وليس عربياً إسرائيلياً .
هنا تتبدى الضرورة إلعادة النظر –بمنهجية موضوعية وعميقة -في كافة المنطلقات السياسية
التي ارتبطت بشعار الحل المرحلي ,وصوالً إلى النضال من أجل تحقيق هدف دولة فلسطين
الديمقراطية العلمانية ,الذي يتوجب اليوم أن يكون هدفاً استراتيجياً لكافة قوى التحرر العربية عموماً وللقوى اليسارية الديمقراطية في فلسطين بشكل خاص ,دون أن يعني ذلك تقويضاً أو تأجيالً لعملية النضال والمقاومة بكل أشكالها ضد العدو ,آخذين بعين االعتبار مسألة جوهرية وموضوعية يتوجب على كافة قوى اليسار الفلسطيني والعربي أن تتبناها للخروج من هذا المأزق الذي وصلنا إليه ,والذي
يتمثل في محددين رئيسيين يتصارعان لتحقيق هدفهما ,األول :يتمثل في قوى اليمين الكمبرادوري
البيروقراطي ممثالً في السلطة الفلسطينية وفي معظم األنظمة العربية وأحزابها الحاكمة ,والمحدد
الثاني :هو التيار الديني أو على وجه الدقة اإلسالم السياسي الذي ال يختلف من حيث جوهره الطبقي عن المحدد األول ,إلى جانب ما يمثله من تكريس للتخلف والتبعية ,وما يزعمه من تحقيق الهوية
اإلسالمية باسم "الخالفة أو األمة اإلسالمية".
أما خط السير البديل الذي يتوجب أن تتقدم من خالله القوى الوطنية والسياسية بمختلف
أطيافها في فلسطين ,فهو يجمع –من منطلقه القومي -بين الخط التحرري المقاوم في المكان المناسب والظرف المناسب ,الذي يحافظ على االشتباك مع العدو بوتائر تتناسب مع إمكانيات الشعب
ومتطلبات النضال الطويل األمد ,وفي ذات الوقت ينطلق من برنامج ديمقراطي تعددي يعزز الصمود
والمقاومة ,انطالقاً من محددات سياسية وثقافية واقتصادية وتنموية واجتماعية تلتزم ببناء أسس مجتمع مدني تلتحم فيه األهداف التحررية والديمقراطية عبر آليات تهدف إلى تطوير البنية الفلسطينية في الوطن والمنافي ,لكي تصبح هذه البنية عصية على االنقسام أو االختراق أو الصراع الدموي,
267
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وعلى كل مظاهر اإلحباط واليأس التي تتجلى اليوم بصورة غير مسبوقة في أوساط شعبنا ,وأخي ارً
لكي تصبح هذه البنية عصية على فرض الحلول االستسالمية .
لذلك كله تتبدى فكرة دولة فلسطين الديمقراطية هي الحل األمثل بالنسبة لحقوق شعبنا من جهة
وبالنسبة للمسألة اليهودية برمتها من جهة ثانية ,كحل استراتيجي دون الضياع في تفاصيل حلول
وهمية تحت شعار الحل المرحلي ,ودون أن يعني ذلك موقفاً عدمياً يرفض اقامة دولة فلسطينية
كاملة السيادة وعاصمتها القدس ,إذا ما توفرت الظروف الذاتية والموضوعية بالمعنى النضالي المقاوم لطرد المحتل الصهيوني .
إن استعادة هدف الصراع والحل التاريخي ,في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية على كامل
األرض الفلسطينية وادماجها في المجتمع العربي االشتراكي الموحد ,هي عملية استعادة ألصل الصراع ,لكن ال ينبغي علينا استسهال األمر ,فهي ليست عملية ارتجالية وال ميدانا للمزايدات ,انه
تحدي المستقبل الذي يفرض علينا ثورة في الوعي ,وثورة في االلتحام بالجماهير ,وثورة في التوسع
التنظيمي وأساليب النضال الكفاحية والديمقراطية ,حيث ستفرض هذه األهداف نفسها علينا كتحدي
تاريخي ,كي نكون بمستوى التحدي واإلدراك العميق آلليات التاريخ ونطابق بنانا الفكرية والعملية والعلمية معها ,ونصبح بمستوى الغاية الحقيقية المحركة للطاقات والخبرات والضمائر ,وبأننا بمستوى
وطن ننتمي إليه ونستحقه ونحن واعون لما نفعل ,بوعي وارادة .
إن إعادة تأسيس رؤيتنا للصراع ,وما يشبه إعادة التصميم لركائز قضيتا الفلسطينية ,واعادة
إنتاجها في الواقع الفلسطيني ,بكل مرتكزاته القومية والوطنية في الداخل والمنافي ,إنما يستهدف
استعادة روح القضية من براثن الهبوط واالنقسام الفلسطيني الداخلي من ناحية واستعادتها من براثن الهزيمة والخضوع العربي الرسمي من ناحية ثانية .
إننا نطرح هذه الرؤية لكي نطلق من جديد حوا ارً شامالً بمستويات فكرية وسياسية وتنظيمية
إستراتيجية بين كافة قوى اليسار الماركسي العربي والفلسطيني ,من أجل بلورة بديل تحرري
وديمقراطي على المستويين الوطني والقومي ,يقطع مع النهج السائد وأدواته ومصالحه الطبقية ورؤاه
السياسية الهابطـة.
268
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
32 / 6 / 3102
31عام على توقيع اتفاق اوسلو
رفاقي اصدقائي ...اعتقد أنه آن األوان لكي نتجاوز كل حديث عن حل مرحلي بوسائل تسووية بعد
أن توضح بأنه وهم قاد إلى انحدار نشهد اليوم نتائجه المدمرة .
ألم يكن أوسلو نفسه هو مرحلة المرحلية ..؟ والمناقصات السياسية التي تلته باعتباره انتقالي
صار دائما وانتقائيا ,وال يستخدمه العدو إال لمزيد من خلق الوقائع وتقادم األمر الواقع ,كي تتحول المرحلية إلى نهائية في األذهان ,وتصبح األجزاء المرحلية هي انجازات موهومه لدى أصحاب هذا
الخيار .واالهم من كل هذا ان العدو بات في موقع إعادة رسم معالم الصراع ,بإيجاد الحل النهائي له وفق رؤيته ..بانتوستانات ومعازل وجدار ومستوطنات على كل األرض الفلسطينية التاريخية .
الحل الصهيوني إذن ,هو الدولة الصهيونية على كامل األرض الفلسطينية ,وليواجه مستقبل
تجنيب "دولته" خطر ديموغرافي يضرب نقاوتها اليهودية ,تكون الكانتونات الفلسطينية في التجمعات
الكبرى عبارة عن حكم محلي معزول أو حكم ذاتي شكالني موسع يمكن أن يطلق عليه صفة "دولة" , ولكن ال حق وطني جامع له ,بل كانتونات يتم تغذيتها بمخدر اغاثي تحت مسمى الرفاه والنماء وما
أطلق عليه "نتانياهو" مؤخ ارً بالسالم االقتصادي ,حيث يتحول البحث عن الغذاء كغاية ,وعن غاية البقاء اإلنساني عند الالجئين في مخيمات المنافي وبإعادة تأهيلها وليس عودتهم .
نستنتج من كل ما تقدم ,أن اللهاث وراء أوهام أوسلو قاد شعبنا إلى النتائج الكارثية التي يعيشها
اليوم ,فهناك شرائح ونخب فلسطينية تجد مصالحها الضيقة باسترضاء التحالف األمريكي-الصهيوني,
عبر المزيد من الهبوط والتنازالت واالستسالم للوعود التخديرية لرؤساء الواليات المتحدة وصوالً إلى بوش و أوباما ,التي تراكمت وتشابكت وتكررت بصور ممسوخة دون جدوى في مسار المفاوضات
العبثية المبتذلة ,التي أوصلت معظم أبناء شعبنا إلى حالة من االقتناع بان شعار الدولتين وفق
أوسلو والرؤية اإلسرائيلية األمريكية مدخل كاذب لحل كاذب ,خاصة لحق العودة والسيادة على األرض والموارد.
أما خط السير البديل الذي يتوجب أن تتقدم من خالله القوى الوطنية والسياسية بمختلف أطيافها
في فلسطين ,فهو يجمع –من منطلقه القومي -بين الخط التحرري المقاوم ,الذي يحافظ على االشتباك مع العدو بوتائر تتناسب مع إمكانيات الشعب ومتطلبات النضال الطويل األمد ,وفي ذات
الوقت ينطلق من برنامج ديمقراطي تعددي يعزز الصمود والمقاومة ,انطالقاً من محددات سياسية وثقافية واقتصادية وتنموية واجتماعية تلتزم بآليات تهدف إلى تطوير البنية الفلسطينية في الوطن
والمنافي ,لكي تصبح هذه البنية عصية على االنقسام أو االختراق أو الصراع الدموي ,وعلى كل
269
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مظاهر اإلحباط واليأس التي تتجلى اليوم بصورة غير مسبوقة في أوساط شعبنا ,وأخي ارً لكي تصبح هذه البنية عصية على فرض الحلول االستسالمية .
لذلك كله تتبدى فكرة مواصلة النضال حتى ازالة الكيان الصهيوني واقامة دولة فلسطين الديمقراطية
باعتبارها الحل األمثل بالنسبة لحقوق شعبنا من جهة وبالنسبة للمسألة اليهودية برمتها من جهة
ثانية ,كحل استراتيجي دون الضياع في تفاصيل حلول وهمية تحت شعار الحل المرحلي .
271
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ما هي إشكالية النضال القطري الفلسطيني؟
32 / 6 / 3102
إن اإلجابة على هذا السؤال تفرض الحديث عن إشكاليتين:
-0اإلشكالية األولى :تتمثّل في تغييب اإلستراتيجية الصهيونية ,وتقزيمها إلى إستراتيجية تسعى للسيطرة على فلسطين فقط .وهذه قضية خطيرة ألنها تخفي اإلستراتيجية الصهيونية
الحقيقية ,ووظيفتها المركزية من أجل السيطرة على بلدان الوطن العربي كله ,واعادة تجزئتها وتفكيكها بهدف حماية مصالح النظام الرأسمالي العالمي.
-3واإلشكالية الثانية :هي في فصل النضال الفلسطيني عن النضال العربي ,وفصل نشاط
الجماهير الفلسطينية عن نشاط الجماهير العربية .وبالتالي تصبح قضية فلسطين هي قضية
الفلسطينيين .وهي بهذه الصورة مهزومة مسبقاً ,ولعل ما جرى خالل السنوات الماضية والنتائج الكارثية التي وصلنا إليها اليوم تؤكد هذه الحقيقة.
إن المشكلة الحقيقية هنا ,ليست في دور الجماهير الفلسطينية والمناضلين الفلسطينيين ,من أجل
تحرير فلسطين ,واختيارهم النضال بكل أشكاله لتحقيق ذلك ,بل في اإلطار الذي ُوضع فيه النضال الفلسطيني والرؤية األيديولوجية الرثة – كما عبرت عنها حركة فتح ثم لحقت بها كامل حركات وأحزاب
القوى الفلسطينية -التي أوجدت تجمعاً متعصباً ,مغلقاً ,يعتبر نفسه متماي ازً عن محيطه العربي ,ليس هذا فحسب ,بل ومتفوقاً عليه .
لقد سقط المنطق القومي المجرد الذي طرحته القوى القومية في المرحلة الماضية ,على ضوء اإلشكاالت التي عاشتها هذه القوى وتعثُّر مسارها ,ثم تفتتها واستئثار أقسام منها بكل إمتيازات
وتحول هذه األقسام إلى فئات كومبرادورية ,وبالتالي عجزها عن تحقيق أهداف النضال السلطة, ّ العربي. وسقط معه المنطق القطري المتعصب على ضوء اإلشكاالت التي عاشتها المقاومة الفلسطينية,
والهزائم المتتالية التي لحقت بها إرتباطاً بأوسلو وما تالها من ناحية وبما يسمى بالقرار الفلسطيني
المستقل من ناحية ثانية.
نوحد بين األهداف القومية العامة واألهداف العملية (التي تسمى عادة قطرية ,أو إذن كيف ِّ
المجرد والمنطق اإلقليمي المتعصب؟ وطنية)...؟ ,وكيف نسقط المنطق القومي ّ إن حل مشكلة النضال القومي والقطري يقوم على أساس ربط هذه بتلك ,بمعنى آخر ,ربط النضال
القومي بالنضال الطبقي عبر االلتحام السياسي والتنظيمي بالجماهير الفقيرة وكل الكادحين الذين يشكلون السواد األعظم من شعوبنا العربية ,وفي هذا الجانب نشير بوضوح إلى أهمية إبراز دور 270
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
النضال التحرري والسياسي والديمقراطي في اإلطار القطري وانتشاره وتوسعه في أوساط الجماهير كشرط أولي لتقدم المشروع القومي على مستوى األمة ,األمر الذي يتطلب تعميق الوعي بالضرورة
الموضوعية للخيار القومي الديمقراطي التقدمي كفكرة توحيدية ناظمة لكافة قوى اليسار العربي.
وفي هذا السياق علينا ان ندرك أن النضال القومي ,بحاجة ألن يقف على أرجل حقيقية .ولكي
يحقق ذلك يجب أن يرتبط بقضايا الجماهير ,ولهذا فإن البرنامج القومي – المرتبط بوعي الفكرة
وااللتزام بها -من الضروري أن يترجم في الواقع من خالل مهام محلية محددة ,يسهم تحقيقها في
تحقيق البرنامج القومي (وهو ما يطلق عليه عادة بالمهام القطرية ,أو البرنامج القطري) .وبخصوص
توحد الجماهير الفلسطينية, قضية فلسطين ,يكون شعار تحرير فلسطين هو القضية األساسية ,التي ِّ
توحد كل المناضلين التقدميين العرب الذين يعملون من أجل تغيير وتجاوز واقعهم القطري كهدف كما ِّ ال ينفصل مطلقاً عن نضالهم من أجل تحرير فلسطين.
وعليه ,فال خيار سوى خيار النضال القومي الديمقراطي ,الذي يسعى لتحرير األرض المحتلة,
وأساسها فلسطين ,وتحقيق الوحدة القومية ,وتأسيس نظام عربي ديمقراطي بآفاقه االشتراكية يساهم
يحسن الظروف االقتصادية العامة, في تجاوز التخلف االقتصادي االجتماعي ,ويلغي التبعية بما ِّ ويسهم في تجاوز حالة الفقر لدى الجماهير الشعبية ,ويوفر لها الحاجات األساسية الضرورية.وحيث
تلعب الجماهير العربية دو ارً أساسياً في تحقيق هذا الخيار.
وهنا ال يكون مطلوباً من الجماهير الفلسطينية االنتظار ,بل العمل من أجل تحرير فلسطين ,وال
يكون َّ مقد ارً لها أن تكون معزولة عن النضال القومي ,بل تصبح جزءاً أساسياً منه .مما يسقط المنطق القومي المجرد والمنطلق القطري المتعصب ,ويتوحد النضال العربي من خالل تنوع أهدافه.
وهنا يجب أن نعرف أن النضال العربي ,بكل تعقيدات الوضع العربي المهزوم الراهن ,يفرض
النضال على أكثر من جبهة ,جبهة النضال السياسي والجماهيري والعسكري ضد االحتالل الصهيوني, وجبهة النضال الديمقراطي االقتصادي المطلبي واالجتماعي ضد كل أدوات ومظاهر االستغالل وكذلك
جبهة النضال السياسي من اجل التغيير الديمقراطي ,كما أن كل ذلك يفرض تنوع أساليب النضال
ذاتها.
وبالتالي فإن آفاق نضال قطري فلسطيني معزول عن مسار النضال العربي وغير مرتبط به ,لن
يكون قاد ارً على تحقيق أهدافه االستراتيجية.
بناء على ما تقدم فإن الدعوة إلى الحوار بهدف ايجاد آلية حوار فكري ,حول كل القضايا السياسية
واالقتصادية والمجتمعية القومية واإلنسانية ,إنما تهدف إلى بلورة البرنامج العام لقوى اليسار القومي
العربي بكثير من الهدوء والتدرج والعمق -الهادفة إلى توفير العوامل المؤدية إلى والدة واعالن حركة اليسار القومي العربي الموحد ,في الزمان والمكان المناسبين ,سواء في المرحلة الراهنة ,أو في 272
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المستقبل ,رغم كل الصعوبات والتعقيدات التي تفرضها الهجمة العدوانية الصهيونية اإلمبريالية على امتنا من جهة ,ورغم ما يعتري هذه المرحلة من ادعاءات القوى الليبرالية الهابطة تجاه ضرورات
المنهج الجدلي والنظرية الماركسية وراهنيتها من جهة ثانية.
273
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
انسداد أفق النضال الفلسطيني الراهن ومستقبل اليسار
32 / 6 / 3102
في ظل موازين القوى الدولية والعربية المختلة لصالح التحالف اإلمبريالي الصهيوني وموقفه
التصور الصهيوني يتمسك بالءات النقيض من ثوابت وأهداف شعبنا الوطنية ,فقد بات واضحاً ,ان ّ خمسة هي :ال انسحاب من القدس ,ال انسحاب من وادي األردن ,ال إزالة للمستوطنات ,ال عودة لالجئين ,وال للدولة الفلسطينية المستقلة ,األمر الذي يفرض على قوى اليسار الفلسطيني ,بمثل ما
يفرض أيضاً على كافة القوى الثورية الديمقراطية العربية أعباء ومسئوليات كبرى ارتباطاً بدورها في
المرحلة الراهنة عموماً ودورها المستقبلي على وجه الخصوص.
وفي هذا السياق ,البد من التنبيه إلى أن خطوة االعتراف بحقوق السيادة السياسية لكل من
اإلسرائيليين والفلسطينيين ,عبر حل الدولتين ,هو حل أقرب إلى الوهم في ظل ميزان القوى المختل
راهناً ,وال يشكل حالً أو هدفاً مرحلياً ,وانما يمثل ضمن موازين القوى في هذه المرحلة – تطبيقاً للرؤية
اإلسرائيلية األمريكية ,التي تسعى إلى مسخ وتقزيم هذا المفهوم واخراجه على صورة "حكم ذاتي
موسع" أو "دويلة مؤقتة ,مفتتة ,ناقصة السيادة" أو تقاسم وظيفي أو أي مسمى آخر ال يرقى أيداً إلى مستوى الدولة ذات السيادة .ما يعني بالنسبة للقوى الرافضة ألوسلو مراجعة رؤيتها للحل المرحلي في
ضوء نتائج العملية السياسية طوال السبعة عشر عاماً الماضية ,واآلثار السياسية والمجتمعية الضارة
المترتبة عليها في أوساط شعبنا في الوطن والشتات ,وذلك انطالقاً من الرؤية الوطنية والقومية للصراع العربي اإلسرائيلي ,بعد أن تبين بوضوح صارخ االنحياز اإلمبريالي الصريح والمباشر لحساب
الشروط اإلسرائيلية ,إلى جانب الرضوخ واالرتهان العربي الرسمي للشروط األمريكية ,في موازاة
هشاشة طروحات سلطة الحكم اإلداري الذاتي وقيادة م.ت.ف التي دأبت على تقديم مسلسل التنازالت
منذ عام 0662إلى اليوم ,عبر مصيدة تفاهمات جديدة لن تخدم سوى المصالح الطبقية الخاصة
للطغمة القيادية المتنفذة ,ناهيكم عن استمرار االنقسام الوطني والمجتمعي الراهن بين حركتي فتح وحماس ,الذي يعني استمرار غياب اإلستراتيجية الوطنية التوحيدية .
إن المرحلة الراهنة بكل محدداتها ومتغيراتها العربية واإلقليمية والدولية تشير بوضوح إلى أن آفاق
النضال القطري الفلسطيني مسدودة ,بعد أن بات واضحاً أن الخيار الذي قام على أساس أنه يمكن أن
يحصل الفلسطينيون على دولة مستقلة ,كان وهماً قاد إلى النهاية التي نعيشها ,أي دمار المقاومة
وتوسع السيطرة الصهيونية على األرض ,وأيضاً انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية ,وتفكك النظام السياسي الفلسطيني ومعه تفككت أوصال المجتمع الفلسطيني الذي يبدو أنه ينقسم إلى مجتمعين, أحدهما في الضفة واآلخر في غزة ,في ظل أوضاع تشير إلى أن البنية والنهج – المتحكمان -بدرجة
274
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
واسعة في صيرورة الحركة التحررية الفلسطينية ,يعانيان من أزمات مستعصية مرتبطة إما باليمين
السياسي /فتح أو اليمين الديني /حماس أو بكالهما معاً في حال "المصالحة" بين طرفيهما ,وهنا
بالضبط تتجلى مهمة اليسار الماركسي ,في إدراك طبيعة المرحلة والقوى المؤثرة فيها ,ومن ثم –
وهذا هو األهم– العمل على استنهاض وبناء أوضاعنا الذاتية بحيث يصبح التطابق والتفاعل بين الهوية الفكرية لفصائل وأحزاب اليسار وسياساتها -الوطنية والقومية واألممية -ودورها النضالي,
التحرري والديمقراطي قائماً ومنسجماً ,بما يضمن تمايزها في الفكر والسياسة والمجتمع ,بعيداً عن كافة المواقف التوفيقية أو االنفعالية من ناحية ,ونقيضاً سياسياً وديمقراطياً لقوى اليمين في كل من
السلطة الفلسطينية والتيارات الدينية من ناحية ثانية ,واألهم هو التعبير عن جوهر القضية الفلسطينية في اطار التناقض التناحري مع المشروع االمبريالي الصهيوني.
إن الوضع الفلسطيني اآلن يفرض علينا المراجعة الجدية الهادئة والمعمقة لكافة األفكار التي
طُرحت خالل العقود الثالث الماضية ,بعد أن بات الحل المطروح مذاك والقائم على أساس الدولة
المستقلة ,أسي ارً للشروط األمريكية اإلسرائيلية ,في ظل ما وصلت إليه أوضاعنا الداخلية ,وفي ظل االعتراف العربي الرسمي المتزايد بالوجود اإلسرائيلي.
فبالرغم من تأكيد بعض فصائل اليسار ,وخاصة الجبهة الشعبية ,في سياق رؤيتها وقبولها للحل
المرحلي ,التي تقوم على أن هذا الحل لن يلغي الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في أرض وطنه
فلسطين .
إال أن ما وصلت إليه قضيتنا في المرحلة الراهنة من تراجع خطير ,ليس فقط بسبب الوضع العربي
الرسمي التابع والخاضع للسياسات األمريكية ,وليس بسبب احتدام الصراع الداخلي بين فتح وحماس
وآثاره الضارة على قضيتنا ومستقبلها فحسب ,بل أيضاً ,وهذا هو األساس بسبب الموقف الدولي
عموماً والموقف األمريكي خصوصاً ,الداعم بال حدود للدولة الصهيونية باعتبارها الحليف االستراتيجي
له في المنطقة العربية واإلقليم الشرق أوسطي.
ونتيجة لكل هذه المعطيات يمكن القول بأن شعبنا الفلسطيني لمس بـ "المحسوس" في هذه المرحلة
البالغة الخطورة ,أن ال حل وسط مع الدولة الصهيونية ,فهي لن توافق على قيام دولة فلسطينية كاملة
السيادة على األرض المحتلة عام , 0697خاصة وأن قيادة م.ت.ف استمرأت – انطالقاً من مصالحها الطبقية – السير في المفاوضات العبثية مع العدو طوال 07عاماً مضت ,انتقلنا عبرها من
قاع إلى قاع أشد عمقاً وانسداداً ,وهنا بات شعبنا –في ظل حالة تراكمية من القلق واإلحباط -في
تناقض مع جوهر سياسات م.ت.ف بعد ان اعترفت رسمياً بإسرائيل دون أي مقابل ,وهو أيضاً في تناقض مع السلطة وحكومتها غير الشرعية في رام اهلل ,بمثل ما هو في تناقض باتت تراكماته
التدرجية واضحة للعيان مع حكومة حماس غير الشرعية في غزة ,كما أن الالجئين من أبناء شعبنا
في الوطن والشتات ,باتوا يشعرون –في ظل حالة شبه يائسة تسود في أوساطهم -بأن االنقسام 275
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والصراع الفئوي الراهن بين فتح وحماس قد تركهم بعد أن استغل دورهم النضالي وشهداؤهم ,وبالطبع
فإن األمر بالنسبة ألبناء شعبنا في األراضي الفلسطينية عام 21بات أكثر سوءاً بصورة غير
مسبوقة.
لقد قامت صيغة م.ت.ف على أساس تحالف قوى مختلفة بهدف تحرير فلسطين .واذا كانت قيادة
حركة فتح تعتبر أنها القائدة ألنها "فجرت المقاومة"" ,أطلقت الرصاصة األولى" ,فقد إنبنى القبول
نمر بمرحلة تحرر وطني تقتضي قيادة "البرجوازية" .وبالتالي فقد بقيادتها وبهيمنتها على فكرة أننا ّ قبلنا التعامل مع هذه القيادة ,لكننا فشلنا في وقف آلياتها للسيطرة على القرار السياسي .لكن ظل
هدف التحرير هو الموحد والمبرر لهذه العالقة التي تكونت في إطار م.ت.ف .وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن فيه ,ألن هذه القيادة المهيمنة انتقلت من السعي لتحرير فلسطين إلى الحل المرحلي وفق أوسلو
ثم إلى القبول باتفاقات وآي ريفر وشرم الشيخ وتفاهمات "ميتشيل" و"تينيت" وصوالً إلى " خارطة
الطريق " و "رؤية بوش " و"باراك أوباما" دون أي أفق للتقدم صوب الحل العادل ,بل المزيد من بناء المستوطنات والجدار ومصادرة األراضي والتوسع الصهيوني في الضفة الغربية ,وكل هذه الخطوات أو
التراجعات الخطيرة تمت بالتوافق والتكيف بين قيادة م.ت.ف والبلدان العربية الرجعية والتابعة .
في ضوء ذلك نسأل مجدداً ,هل ظل مفهوم مرحلة التحرر في ظل قيادة م.ت.ف صحيحاً؟ وهل
ظلت التقاطعات مع هذه الفئة هي ذاتها؟ إذا كان فهم مرحلة التحرر الوطني خاطئ من األساس ألنه
كان ينطلق من "ضرورة قيادة البرجوازية" ,فإن الوضع الراهن يفرض –عبر النقاش والحوار الداخلي- إعادة نظر جذرية فيه من جهة ,وفي القوى التي قادته من جهة أخرى .فهل ظلت قيادة فتح /السلطة معنية بالتحرير؟ لقد أصبحت سلطة وتمارس على هذا األساس ,ومصالحها الخاصة هي التي باتت
تحركها وليس القضية الوطنية .واعترفت بالدولة الصهيونية متنازلة عن %11من فلسطين وأكثر.. وهي خاضعة للواليات المتحدة والدول المانحة ومربوطة مالياً بها .
وهي أيضاً ,على استعداد للتنازل عن قضية الالجئين ,وهي مستمرة في سياسة التفاوض العبثي
التي أعطت الدولة الصهيونية كل الوقت من أجل إكمال السيطرة على األرض واكمال الجدار والتحكم بالضفة الغربية ,وسمحت –بوعي مع سبق اإلصرار -بتشكيل أجهزة أمنية هي في خدمة الواليات المتحدة والدولة الصهيونية ,عالوة على قبول سلطة رام اهلل في سبتمر 3101على الدخول في
مفاوضات مباشرة مع حكومة نتنياهو األكثر يمينية وعنصرية في تاريخ دولة العدو اإلسرائيلي ,دون أي مرجعيات تحفظ للشعب الفلسطيني الحد األدنى من حقوقه ,بل على النقيض من ذلك ,وافقت
السلطة الفلسطينية على مبدأ يهودية الدولة ,إلى جانب استعدادها القبول بحق اليهود التاريخي في
فلسطين إذا ما تم االعتراف بدولة فلسطينية على ما تبقى من أراضي الضفة والقطاع .
أما بالنسبة لحركة حماس ,ويمكن أن نتحدث طويالً عن حماس ,لكن يمكن القول بأنها تحمل
مشروعاً آخر ,يرى األمور من زاوية أصولية دينية تفرض عليها موضوعياً ,ان تخضع لمنطق 276
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أيديولوجي ُي َغلّب العقيدة على ما عداه ,بحيث تسعى إلى إحالل هوية اإلسالم السياسي محل الهويتين الوطنية والقومية ,وكل ذلك في سياق ترابطها العضوي المباشر وغير المباشر مع شرائح وفئات كمبرادورية ومالية وعقارية وطفيلية ,فهي إذن ,في الجوهر ال تختلف عن الطبيعة الطبقية لقيادة
م.ت.ف ,وان اختلف الشكل السياسي الظاهري بينهما ,بهدف استمرار الصراع والتفاوض علناً ,كما هو الحال مع قيادة فتح و م.ت.ف ,أو س ارً كما هو حال حركة حماس ,التي يبدو أن الفرصة باتت
مهيأة لها –بعد لي عنقها أو تقديم التنازالت المطلوبة منها -للتمدد في الضفة الغربية إذا ما أقدمت
على تلك التنازالت تحت غطاء اإلسالم السياسي المعتدل ,وعلى قاعدة فقهية تقول إن الضرورات تبيح
المحظورات (حسب الشيخ القرضاوي) بما يحقق هدف الواليات المتحدة واسرائيل في إسدال الستار
على م.ت.ف لحساب مشهد اإلسالم السياسي المعتدل الجديد.
بارزً في المقاومة ,فقد أصبحت معنية اليوم بتعزيز سلطتها بعد أن واذا كانت حماس قد لعبت دو ارً ا
أصبحت في الحكومة ,وأن تجلب االعتراف العربي والدولي واألمريكي واإلسرائيلي بها كقوة سياسية
مشروعة قادرة على فرض اإلستقرار واألمن بعد أن قدمت البرهان في قطاع غزة ,ولقد هيأت لذلك
بالقبول في دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
نستنتج من كل ذلك ,أن التجربة السياسية الفلسطينية منذ مدريد وواشنطن وأوسلو إلى االنقسام
الراهن ,أوضحت فشل السياسة التي قامت على شعار العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة
وعاصمتها القدس ,والقائمة على ق اررات الشرعية الدولية ,إضافة إلى أن قيام هذه "الدولة" مرتبط بالتخلي عن حق العودة وتقرير المصير بالقبول بما تقرره الدولة الصهيونية مدعومة من قبل
اإلمبريالية األميركية.
وبالتالي فإن موقف اليسار الماركسي ,يجب أن ينطلق من الحقوق التاريخية في فلسطين التي
تفترض استعادة فلسطين بإنهاء الدولة الصهيونية .هذه هي المسألة الجوهرية رغم ضخامتها ,أو رغم التشكيك الذي يطالها ألن ميزان القوى اآلن ال يساعد على تحقيقها .فنحن من يجب أن يعمل على
تعديل ميزان القوى لكي تصبح ممكنة .وميزان القوى ليس مرتبطاً بالوضع الدولي ,فهذا عنصر ثانوي,
بل مرتبط بقوى الشعب .وعبر الترابط مع نضاالت الشعوب.
هذه هي النقطة التي يجب أن ننطلق منها ,وهو األمر الذي يفرض الربط بكلية الوضع العربي ,أي
بالنضال العربي ككل ,شرط أن يكون النضال الفلسطيني في طليعته ,انطالقاً من أن الصراع هو صراع الطبقات الشعبية في الوطن العربي ضد السيطرة اإلمبريالية بما فيها الدولة الصهيونية كونها
أداة في مصلحة الشركات االحتكارية اإلمبريالية.
وبالتالي فإن المهمة الملحة هي إعادة بناء قوى اليسار ,القوى الماركسية ,الماركسية حقيقة
وليست تلك التي ال تعرف من الماركسية سوى بعض الشعارات التي يتم استخدامها بصورة انتهازية
277
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لحساب رام اهلل أو غزة ,وهنا تتجلى أهمية وضوح الرؤية وفرضياتها األساسية التي تقوم –من وجهة نظرنا -على ما يلي:
)0أن الصراع هو صراع الطبقات الشعبية العربية ضد السيطرة اإلمبريالية الصهيونية ,والنظم
الكومبرادورية التابعة .وهنا يجب أن يتحدد دور الطبقات الشعبية الفلسطينية في إطار هذه
الرؤية /اإلستراتيجية.
)3أن ال حل في فلسطين إال عبر إنهاء الدولة الصهيونية في إطار الصراع العربي العام .وأن البديل هو دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية في اإلطار العربي.
)2إعادة بناء العالقة مع الطبقات الشعبية الفلسطينية في كل مناطق تواجدها انطالقاً من هذه األسس ,وتوحيد نشاطها من أجل النهوض بالنضال من جديد ,وتفعيل نشاطها ضد االحتالل
بمختلف الوسائل الممكنة.
ذلك أن الضياع في تفاصيل الوضع اليومي لن تقود سوى إلى التأخر عن البدء من البداية
الصحيحة ,وربما الفشل النهائي الذي سيفرز بدوره مزيداً من الفرص لقوى اليمين في فتح وحماس أو كليهما صوب مزيد من التمدد واالنتشار ,ما يعني إمكانية توفير المزيد من عوامل التراجع التنظيمي
والجماهيري ,وهو أمر نرفضه بصورة كلية واثقين من إمكانية تجدد دور اليسار الطليعي في هذه
المرحلة وفي المستقبل إرتباطاً بإلتزامنا باألسس السياسية والفكرية والتنظيمية التي نؤمن بها ونناضل من أجل تحقيقها .
278
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
1 / 01 / 3102
املاركسية والدين والعلمانية والدميقراطية
تقديم :
رغم إن الفصائل واألحزاب الشيوعية والماركسية العربية ,بحكم رؤيتها الفكرية وبرامجها السياسية
ودورها النضالي التاريخي منذ تأسيسها وحتى اللحظة الراهنة ,إال أن سؤال الفلسفة عموما وسؤال ما
هي الفلسفة الماركسية وعالقتها بالدين خصوصا؟ ما زال متداوالً – بهذه الدرجة او تلك من الجدية والوعي أو التراجع أو االرتباك – بين معظم الرفاق أعضاء هذه الفصائل واألحزاب العربية ,وما زال
النقاش حول هذا السؤال محموالً بالشكوك او اليقين العاطفي البعيد -بمسافة نسبية بين هذا الرفيق او ذاك – عن امتالك الوعي بالفلسفة ,وبالنظرية الماركسية وقوانينها ومقوالتها وجوهرها المادي
النقيض للفلسفة المثالية ,ولكل األفكار والمفاهيم الغيبية او الميتافيزيقية ,ما يعني ان هذه األحزاب
والفصائل تعيش عموماً حالة من االرتباك الفكري او فوضى األفكار ,عززت وكرست – حتى اللحظة –
نوعاً من التفكك او التراجع في هويتها الفكرية لحساب "هويات" أو أفكار طارئة توفيقية وملتبسة أو
شكالنية ذات طابع وطني او قومي مبسط او مبتذل او ديني او ليبرالي مشوه ,على الرغم من ان
الماركسية – هوية أحزابنا الفكرية – نظرية علمية ال تحتمل أي شكل من أشكال التوفيق مع "الهويات"
األخرى المشار إليها ,ألننا سنقع في هذه الحالة في مستنقع التلفيق الذي سيؤدي بنا صوب حالة من
التوهان والضياع الفكري ,الذي سيؤدي بدوره إلى حالة من الهبوط السياسي ارتباطاً بغياب التحليل الطبقي الماركسي لمجريات الصراع والحركة ,سواء على صعيد النضال الوطني التحرري ضد الوجود
اإلمبريالي/الصهيوني من ناحية ,أو على صعيد النضال السياسي والصراع الطبقي الديمقراطي الداخلي في مجتمعاتنا العربية من ناحية ثانية.
وهنا تتبدى أهمية طرح السؤال مجدداً :ما هي الماركسية؟ وجوابنا الصريح والواضح ,ان
الماركسية هي نظرية علمية ,بمعنى انها تتكون من مجموعة من القوانين والمقوالت والفرضيات ,وهي
أيضا – وهذا هو المهم -تنطوي على المنهج :أي الطريقة او األسلوب ,وهما األداة األساسية لكل
علم من العلوم ,وفي هذا الجانب نؤكد على "أن الماركسية ليست "علماً" بالمعنى المعتاد للكلمة ,واال
لكفى أي انسان –كما يقول الصديق جيلبير أشقر -أن يدرسها في مدرسة أو جامعة ما ويتخرج بشهادة في "الماركسية" وهو أبعد ما يكون عن الماركسية الجوهرية ,على غرار بعض خريجي الجامعات السوفياتية في زمن ما قبل اإلنهيار".
فالماركسية قبل أن تكون علماً ,ولكي يكون جانبها العلمي في خدمة غاياتها األساسية إنما هي
موقف أخالقي بأعمق مفهوم األخالق ,فهي مبنية على منطلقات أخالقية تعتبر اإلنسان ومحيطه
279
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الطبيعي أعلى الغايات والقيم ,وبالتالي العمل ألجل تحرير البشر الجماعي والفردي من كل أنواع
اإلضطهاد وتحقيق المساواة بينهم على اختالف اجناسهم وأعراقهم وألوانهم.
وهنا ال بد من التأكيد على الكيفية التي نتعاطى بها مع المنهج[ ]0الجدلي (الماركسي) في
الممارسة الحياتية ,ليس من أجل التخلص من الرواسب االجتماعية الرجعية السائدة ,بل أيضاً من أجل مراكمة ووعي منطلقات أخالقية تتفاعل بصورة جدلية خالقة مع إستراتيجية أحزابنا الثورية
ورؤيتها من أجل التحرر الوطني والديمقراطي والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية ,كاستراتيجية صوب التوحيد القومي العربي التقدمي الديمقراطي.
فالمنهج الماركسي أو الجدل المادي شأنه شأن منهج العلم ,يهدف لتطوير النظرية لكي توجه
الممارسة الحياتية التي بدورها تطور وتغني النظرية ,وهذا بالضبط ما قصده "كارل ماركس" بقوله
"إنني لم أضع إال حجر الزاوية في هذا العلم " ما يؤكد على أن نظرية المعرفة الماركسية هي جزء من صيرورة حركة الحياة ومتغيراتها التي ال تعرف الجمود او التوقف ,وال تعرف الحقيقة النهائية ,ما يعني
بوضوح شديد رفضنا التعاطي مع الماركسية في إطار منهج أو بنية فكرية مغلقة أو نهائية التكوين
والمحتوى ,بل يتوجب علينا ان نتعاطى معها كمنهج او بنية فكرية تتطور دوماً مع تطور المجتمعات واالنجازات واالكتشافات العلمية في جميع مجاالت الحياة وحقائقها الجديدة ,إذ أن الماركسية تكف عن
ان تكون نظرية جدلية ,إذا ما تم حصرها في إطار منهجي منغلق أو في ظروف تاريخية محددة, وبالتالي علينا أن ندرك أن االنغالق أو الجمود هو نقيض لجدل الماركسية التطوري كما هو نقيض
لمنهجها وثقافتها ومشروعها اإلنساني الهادف إلى بلوغ الحرية الحقيقية التي تتجسد في العدالة
االجتماعية واالشتراكية والتحرر الشامل لإلنسان ,من كل مظاهر القهر واالستغالل واالضطهاد
والتبعية.
أما بالنسبة للحديث عن الموقف المادي الفلسفي للماركسية ,فهذا يعني أن المادية الماركسية
تعني أن العالم المادي موجود بشكل مستقل عن الوعي اإلنساني أو غيره؛ وأن معرفة العالم الواقعي
ممكنة وان لم تكن مطلقة؛ وأن الفكر البشري هو الذي ينشأ من العالم المادي ,وليس العكس.
ووفقا لفريدريك انغلز في كتابه “لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكالسيكية األلمانية”:
“إن المسألة الكبرى األساسية لكل فلسفة ,وخاصة الفلسفة الحديثة ,هي العالقة بين الفكر والوجود,
وقد انقسم الفالسفة حسب تبنيهم لهذه اإلجابة أو تلك إلى معسكرين كبيرين .أولئك الذين يؤكدون
أولوية الفكر على الطبيعة ,ويعترفون بالتالي في نهاية المطاف ,بحدوث العالم… وهؤالء يشكلون معسكر المثالية ,واآلخرين الذين يعتبرون الطبيعة القوة األصلية ,وهم ينتمون إلى مختلف مدارس
المادية” [. ]3
فالمادية الماركسية ,مختزلة في عناصرها األساسية ,تعني قبول القضايا التالية :
.0العالم المادي موجود بشكل مستقل عن الوعي اإلنساني . 281
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
.3معرفة العالم الواقعي ,حتى لو لم تكن كاملة أو مطلقة ,ممكنة ,وبالتالي فإن كل شيء يمكن معرفته.
.2البشر جزء من الطبيعة ,لكنهم يشكلون جزءاً متمي ازً.
.2العالم المادي ال ينشأ ,في المقام األول ,من الفكر البشري؛ بل إن الفكر البشري هو الذي ينشأ من العالم المادي.
وفي هذا الجانب يقول ماركس وأنجلز في كتاب “الفلسفة األلمانية” إن “الناس هم منتجو
تصوراتهم وأفكارهم وهم أناس حقيقيون فاعلون ومشروطون بحد تطور قواهم اإلنتاجية ,وال يمكن
للوعي أن يكون أي شيء أبدا ,سوى الوجود الواعي ,وخالفا للفلسفة المثالية األلمانية التي تنزل من
السماء إلى األرض فإننا نصعد هنا من األرض إلى السماء”[.]2 الماركسية والدين :
الماركسية كنظرية علمية ,فلسفية ,تاريخية ,اجتماعية واقتصادية ,تسعى إلى تفسير كافة
الظواهر الطبيعية والمجتمعية ,بمنهجية علمية وموضوعية من أجل تغييرها ,وهنا يندرج الدين ضمن
هذه الظواهر ,فالماركسية تدعو إلى التفسير العلمي الموضوعي للدين ,فال يكفي النظر إلى الدين
ككل ,أو إلى أي دين ,على أنه مجرد وهم أو إيمان بالقضاء والقدر أو موقف غيبي استحوذ على عقول الماليين من الناس لعدة قرون .فهي تتطلب تحليال للجذور االجتماعية للدين في العموم,
ولمعتقدات دينية محددة بذاتها ,وفهم االحتياجات اإلنسانية الحقيقية ,االجتماعية منها والنفسية,
والظروف التاريخية الفعلية التي تطابق تلك المعتقدات والمذاهب.
فعلى الماركسي أن يكون قاد ار على فهم كيف كان االيمان واالعتقاد الديني –وما زال في
مجتمعاتنا العربية وفي البلدان المتخلفة -ملهماً للناس عموماً وللفقراء خصوصاً ,في تمردهم على
استعبادهم واضطهادهم أو في صبرهم على ظلمهم ومعاناتهم في انتظار اآلخرة !!
انطالقاً من فهمنا للماركسية ,فإننا نرى أنها طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته عموماً وبكل
خصوصياته المرتبطة بالصراع الطبقي االجتماعي من أجل انعتاق العمال والكادحين وكل الفقراء
والمضطهدين في إطار العدالة االجتماعية القائمة على المساواة بين البشر ,إلى جانب انها ال تسعى
–وليست معنية -باإلساءة إلى المشاعر الدينية الكامنة في أوساط الجماهير الشعبية ,بل على العكس تؤكد على ضرورة احترام تلك المشاعر -على النقيض مما يروج له دعاة اإلسالم السياسي والقوى
تطور وعي البشر في الرأسمالية والرجعية واالمبريالية – فالماركسية تنظر إلى الدين بوصفه جزءاً من ّ تطو ارً محاولتهم فهم واقعهم ,وصوغ الرؤية التي تكيفهم معه ,وأنه ش ّكل –في مراحل تاريخية معينةّ - كبي ارً في مسار الفكر ,وانتظام البشر في الواقع ,وهي بهذا الموقف تتقاطع مع جوهر األفكار التي
أسست النتشار المبادئ والقيم الناظمة لجميع الديانات التي ظهرت بعد مرور أكثر من مليون سنة 280
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
على وجود اإلنسان في هذا الكوكب ,انعكاساً لشعوره بالخوف ,أو العجز ,عن تفسير الظواهر الطبيعية وغيرها المحيطة به ,ومن ثم قام بعبادتها ,فقد عبد النار أو الشمس أو القمر أو النهر أو بعض
الحيوانات ,وصنع لها التماثيل أو قام برسمها ونحتها على الصخور التي أصبحت جزءاً من التراث الديني القديم ,عبر آثارها الموجودة اليوم في مصر واليونان والصين والهند والمكسيك والعديد من
البلدان في أفريقيا وأمريكا الالتينية ,حيث تميزت تلك المرحلة بما عرفته البشرية من تعدد اآللهة أو
تعدد العبادات ,جنباً إلى جنب مع االيمان باألساطير التي سادت وانتشرت طوال أكثر من خمسة آالف عام ,حتى ظهور فكرة اإلله الواحد عند "اخناتون" في الحضارة الفرعونية في مصر ,قبل ظهور
الديانات التوحيدية ,أو ما يعرف بالديانات السماوية ,التي تتحدث عن إله واحد لهذا الكون ,وكان أولها الديانة اليهودية التي ظهرت قبل حوالي 2361عام ,ثم المسيحية قبل 3102عام ثم اإلسالم
قبل 0222عام ,وهي أديان ظهرت كامتداد وتقاطع مع ما سبقها من خلفيات أسطورية وتراثية ,
ولعبت دو ارً مهماً في توضيح المعتقد الديني لهذا الدين أو ذاك ,فهي دوماً جزء من الدين مرتبطة به, مكونة من فلسفة أفالطونية حديثة ,من أفكار وثنية يونانية ,كذلك فالمسيحية نشأت على أرضية َّ اإلسالم ,ظهر في بيئة ثقافية كانت تضج بالمعتقدات واألفكار (الحنفاء والدهريون واليهود والنصارى
والوثنية أو عبادة األصنام) ؛ وكان ظهوره في فترة من أخصب فترات الفكر اإلنساني :كانت الحضارات
تتمازج ,تتالقح ,تتفاعل ,وتتحاور" .فلوال المسيحية واليهودية ووثنية الجزيرة العربية ,مثالً ,وكذلك تأثير الزرادشتية والمانوية ,لما ظهرت تعاليم اإلسالم على الشكل الذي ظهرت عليه ,فلو أخذنا مثال
قصة هابيل وقابيل في التوراة وفي القرآن ,نجد لها أصالً ,أو ما يشابهها ,في األسطورة السومرية ,ما يعني أن هذه الكتب السماوية استلهمت بعض القصص من األساطير"[.]2
ومما ال شك فيه أن لألسطورة أيضاً ,قيمة تاريخية ومعنوية ,من ناحية تأثيرها في تشكل الوعي
اإلنساني في مراحله األولى ,وفي تأثيرها واسهامها في صياغة نصوص الديانات التوحيدية التي
ظهرت بعد أكثر من مليون عام على ظهور المجتمعات البشرية ,حيث وجدت قبل حوالي خمسة آالف عام في مصر الفرعونية (اخناتون) ,ثم في بالد الشام (اليهودية) ,ثم اليونان والحضارة
االغريقية ,ثم االمبراطورية الرومانية التي تخلت عام 222عن دياناتها المرتبطة بالفلسفة األفالطونية المحدثة لحساب الديانة المسيحية الجديدة التي عززت بدورها مصالح النخب الطبقية
الحاكمة في االمبراطورية.
أما عن تاريخ الديانة المسيحية ,فهو سابق على تاريخ اإلسالم ,إال أن مسيرته لم تختلف عن
مسيرة التاريخ اإلسالمي من حيث انتشاره –في البداية -في أوساط الفقراء والعبيد ,فقد كانت
المعتَقين والفقراء المسيحية في األصل حركة َ مضطهدين ,ظهرت للمرة األولى على أنها دين للعبيد و ُ والناس المحرومين من جميع الحقوق ,وكذلك كل الشعوب التي قهرتها أو استبدت بها روما ,وكان ال بد النتفاضات الفالحين والعبيد والمسحوقين ,ولجميع الحركات الثورية في العصور الوسطى ,أن 282
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ترتدى قناع الدين بالضرورة ,وقد بدت وكأنها استعادة للمسيحية األولى إثر ما أصابها من انحطاط
متزايد ,ولكن التمجيد الديني كان يخفي بانتظام مصالح دنيوية ملموسة “[.]2
وفي هذا السياق ,تؤكد جميع المراجع التي تناولت تاريخ نشوء ما يعرف بـ"األديان السماوية" أن
نشأة وظهور األديان ارتبطت أساساً بالجماهير المسحوقة أو جماهير العبيد والفقراء لتحريضهم على واقعهم والثورة عليه وتغييره ,ولنا في ثورة العبيد بقيادة " سبارتاكوس" وثورات فقراء المسلمين في
عهد عثمان ثم ثورة الزنج والقرامطة وغيرها تأكيداً لهذا التحليل ,عالوة على أن الدعوة المحمدية اإلسالمية ,انطلقت في بداياتها وسنواتها األولى في أوساط فقراء العرب في شبه الجزيرة العربية ,
وكانوا بمثابة العنصر الرئيسي في حماية الدعوة والدفاع عن مضامينها ضد أثرياء وسادة قريش ,لكن
طهرانية الدعوة اإلسالمية ومثاليتها ,لم تستطع الصمود والديمومة سوى لفترة قصيرة ,انتهت بوفاة
الخليفة العادل عمر بن الخطاب ,ومن ثم والية عثمان بن عفان الذي شارك في قيادة عملية التحول
بالدعوة اإلسالمية وتوجيهها لحساب مصالح أثرياء القبائل العربية عموماً وأثرياء قريش وبني أُمية على وجه الخصوص ,وبعد وفاته تكرست هذه المصالح الطبقية والسياسية بصورة بشعة –في الدولة
األموية -عندما قرر معاوية ابن أبي سفيان –بعد انتصاره على علي بن أبي طالب -توريث الحكم
إلى ولده يزيد ,األمر الذي يتناقض كلياً مع جوهر وشكل الدين اإلسالمي ,بحيث باتت عملية التوريث سمة أساسية لجميع الحكام أو "الخلفاء" في الدولة األموية والعباسية والى يومنا هذا ,ال لشئ سوى تأكيد المصالح العليا للطبقات والشرائح الثرية وضمان بقاءها واستمرار سيطرتها على حساب االغلبية
ض عليهم الصبر على مظالمهم ,انتظا ارً لآلخرة ,وفق ما كان الساحقة من فقراء المسلمين الذين فُ ِر َ يروجه "مشايخ وفقهاء" السلطان أو الخليفة ,الذين مازالوا في أيامنا هذه يروجون نفس الخطابات لحساب هذا األمير أو الملك أو الرئيس أو الحاكم دفاعاً عن مصالح األغنياء وضد مصالح ومستقبل
الفقراء والمقهورين.
ولنا في مشهد اإلسالم السياسي المنتشر اليوم في بالدنا عبر حركة اإلخوان المسلمين والحركات
األصولية والسلفية الرجعية خير مثال على هذه الممارسات والمواقف التي ال تتناقض أبداً مع السياسات اإلمبريالية في موازاة الدعوة إلى مهادنة دولة العدو الصهيوني من ناحية ,والصمت الكامل على السياسات االقتصادية االستغاللية الرأسمالية التابعة التي أدت إلى تزايد الفجوات بين األغنياء
والفقراء دونما أي حديث أو مخرج للمحرومين وللمظلومين سوى اللجوء إلى السماء ووعد اآلخرة!!
وهنا بالضبط علينا –كأحزاب وفصائل ماركسية وشيوعية -أن نبحث بوعي وعمق كبيرين عن
الجذور العميقة للدين في بالدنا العربية ,التي تتمثل في الظروف االجتماعية المتردية للجماهير
الكادحة ,وعجزها عن مواجهة أنظمة االستغالل والقمع واالستبداد والتخلف ,األمر الذي يفرض علينا
مزيداً من االندماج والتوسع في أوساط هذه الجماهير ,ونشر مبادئنا وأفكارنا وبرامجنا السياسية
283
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
واالجتماعية عبر وسائل الدعاية واالقناع الديمقراطية لالرتقاء بوعي الجماهير الشعبية الفقيرة وتطوير
كفاحها ونضالها ضد كل أشكال االستغالل واالضطهاد والتخلف.
وفي هذا الجانب ,نقول :إن اإل نسان الفقير ,البسيط ,العفوي ,الذي يعيش في مجتمع متخلف
(كما هو حال مجتمعاتنا العربية) ,يتأثر سلبا بمعطيات وموروثات قيم التخلف االجتماعي والغيبي تحديدا ,وينشأ او يصبح أسي ار – بدون وعي – لهذه البنية االجتماعية المتخلفة ,بل ويصبح (بتأثير الخطاب الديني ,والثقافي والسياسي واالجتماعي لألنظمة الحاكمة ) ,قوة فاعلة ومؤثرة في بنية
المجتمع المتخلفة ,فهو يعزز هذه البنية ويدعم استقرارها بمقاومة تغييرها بصورة عفوية ,نظ ار الرتباطها ببنيته النفسية المرتبطة بالبنية االجتماعية ,المحكومة بدورها لألعراف والعادات والتقاليد
والغيبيات الموروثة ,العالقة إذن جدلية بين السبب والمسبب (البنية والنمط اإلنساني الذي ينتج
عنها) مما يحتم على المثقف الوطني المستنير عموما واليساري خصوصا ان يتحمل مسئوليته تجاه االنسان الفقير ومعايشته واالهتمام الشديد بقضاياه وهمومه ومعاناته وتوعيته وتحريضه ضد البنية
المتخلفة ورموزها الطبقية ليقوم بدوره في صنع مستقبله . التنوير وتطور العلم وأثرهما على الدين :
لقد لعب الوعي الديني ,حسب كارل ماركس ,أدوا ارً متناقضة ,سلباً أو إيجاباً ,فهو من جهة "زفرة
المضطهدين" في التعبير عن احتجاج الجماهير على الواقع ,ومن جهة أخرى يساهم في "صياغة
الوهم" ,بتوظيفه من جانب القوى االستغاللية إلدامة استغاللها ,ولع ّل هذا الجانب الثاني هو المفهوم أن الوعي الديني كان هو السائد على أشكال الوعي سيما ّ الذي شاع عن رؤية ماركس للدين ,ال ّ األخرى من فلسفة وعلوم وأخالق ,وش ّكل الدين آنذاك الشكل الخارجي للصراعات االجتماعية.
انين الفيزياء الحركية والميكانيك ,صدمة مؤثرة لعالم الغيب الذي وكان اكتشاف إسحاق نيوتن قو َ أن مثل ظ ّل الدين متمسكاً به ,األمر الذي وضع هذه القوانين في إطار الدراسة والفهم والتطوير ,ومع ّ ّ
هذه القوانين ال تلغي الحاجة إلى الدين والى الروحانيات لدى الجماهير العفوية ,فقد أخذ نجم العلم يرتفع عالياً ,وقد ترافق هذا األمر مع نظرية داروين واكتشافاته ,في النصف الثاني من القرن التاسع
تطورت من أصل واحد بسبب طفرات جينية عشر ,التي دعا فيها إلى اعتبار ّ أن الكائنات البشرية قد ّ ووراثية ,األمر الذي يتعارض مع األطروحات الدينية التي تقول "كلّنا من آدم ,وآدم من تراب" ,وهكذا ارتفع رصيد العلم على حساب الدين في سياق تطور وتقدم المجتمعات األوروبية ,حيث نظر أوغست
كونت ,مؤسس الفلسفة الوضعية ,إلى الدين باعتباره استالباً فكرياً أما فيورباخ ,الذي تأثر به ماركس في موقفه من الدين ,فاعتبره استالباً أنثروبولوجياً (إنسانياً) ,وذهب عالم النفس سيغموند فرويد إلى
اعتباره استالباً نفسياً ,بل وهماً ُيصنع في العقل الباطن مثل بقية األوهام.
284
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وبعد عصر التنوير والنهضة ,حولت أوروبا الدين إلى مجرد تقليد ومحاكاة ,وتم إضعاف دوره
لحساب دور الدولة التي حاولت التأثير على المؤسسات الدينية لتتساوق مع مؤسسة الدولة العليا
وانحسر الدين في إطار الخاص أو العالقة الفردية للمواطن مع الدين أو الكنيسة .
شرت بعض األطروحات ,وعاد لكن على الرغم من كل ذلك ,فالدين لم ينقرض في الغرب ,مثلما ب ّ
بقوة –للدفاع وتبرير المصالح الطبقية الرأسمالية الجديدة -بعد انهيار االتحاد السوفييتي وبلدان
أوروبا الشرقية ,مثلما لعبت الكنيسة في بعض بلدان أمريكا الالتينية دو ارً ايجابياً وديمقراطياً منحا ازً للفقراء في إطار ما عرف بـ"الهوت التحرير" ,لكنه لعب دو ارً سلبياً في الشرق ,خصوصاً في بالدنا
العربية ,نظ ارً لقوة انتشار وهيمنة التراث القديم والعادات والعرف والتقاليد المحكومة لمفاهيم القضاء والقدر وغير ذلك من المفاهيم القديمة في ظل تكريس التخلف االجتماعي واالقتصادي ,حيث
المجتمعات ما زالت بعيدة ,في الكثير من األحيان ,عن شروط التطور االقتصادي االجتماعي
السيما حين تعجز الجماهير الفقيرة المضطهدة ,عن إيجاد حلول لمشكالت الديمقراطي النهضوي, ّ بد ان تبحث عن معالجات لها في السماء, الفقر والمرض والبطالة والعيش اإلنساني والحرية ,فال ّ وبالوعد باليوم اآلخر.
التفسير المغلوط لعبارة ماركس " الدين أفيون الشعوب" :
منذ "كتابة ماركس كتاب "أصول فلسفة الحق لهيغل" ,فإنه يعترف بالمحتوى اآليديولوجي للدين
وبدوره في الصراع الطبقي ,وفي الوقت نفسه يعترف بمحتواه التحرري حين وصفه "روحاً لعالم بال
روح" .كما ق أر ماركس وانجلز المنجز الثوري للتقليد المسيحي ,حيث تمثل المسيحية نتاجاً وهمياً لعالم لوعي ُمستلب ,ما يتطلّب إخضاعها للنقد ال التهجم عليها"[ ,]9وهذا هو المنهج مع ّذب واسقاطاً ذهنياً ٍّ الذي يجب أن نستخدمه في تعاطينا مع الدين اإلسالمي في صراعنا السياسي الديمقراطي مع حركات
اإلسالم السياسي الرجعية ,لفضح إهدافها ومصالحها التي تخدم بصورة مباشرة أو غير مباشرة النظام الرأسمالي والمصالح الطبقية ألنظمة االستبداد واالستغالل في بالدنا .
وفي هذا السياق ,فإن من المفيد اإلشارة إلى المفكر الماركسي اإليطالي "جرامشي" الذي أكد في
كتابه "دفاتر السجن" أن الدين هو أحد أركان البنيان الفوقي اآليديولوجي للتشكيلة االجتماعية الملموسة ,وهو متداخل مع بنيتها السوسيو-اقتصادية ,وهنا يمكن التفريق في وظيفته من خالل
مستويين أساسيين :األول يتعلق بالمجتمع المدني ,والثاني له عالقة بالمجتمع السياسي -الدولة التي تعتمد على وظيفة الهيمنة.
لكن نهجه ظ ّل بعيداً عن وقد حاول غرامشي ,بعد ماركس وانجلز ,إعادة النظر في المسألة الدينيةّ , يستمده استمد غرامشي نهجه من الممارسة الكفاحية العملية ,ولم توجهات الماركسيين العرب ,وقد ّ ّ
من الكتب والتعليمات.
285
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أن "الدين أفيون الشعوب" ,فإن هذه واذا كان ماركس قد قال في كتابه نقد فلسفة الحق لدى هيغل ّ العبارة لم تُفهم في سياقها ,إذ أنه كان يقصد العالقة بين الدولة البروسية والكنيسة البروتستانينه
وموقفها من الدين باعتباره ضرورة المتصاص ظلم ومعاناة العمال والفالحين الفقراء ,وضمان
رضوخهم واستسالمهم تطبيقاً لمقولة "شيشرون" أن الدين شيء البد منه للفقراء والعبيد لكي يقوموا
حمل عذابات الدنيا في مقابل أجرهم في السماء ,وهنا بالتحديد بتنفيذ االعمال الشاقة الموكولة إليهم وتَ ُّ يتجلى رفض ماركس للظلم الواقع على الفقراء باسم الدين ,وتشبيهه باألفيون الذي كان يستخدم
عالجاً لتهدئة آالم المرض في زمانه .
فاألفيون في القرن التاسع عشر كان عالجاً طبياً وقانونياً يستعمل في الطب ,وتتعامل به
مدم ارً لجسم اإلنسان ,وانما هو مس ّكن المستشفيات والمراكز الصحية ,ال باعتباره ّ مخد ارً ساماً أو ّ مؤقت من اآلالم واألوجاع ,ولم يكن النظر إليه كعمل إجرامي أو فعل مخالف للقانون ,كما هو الحال في الوقت الحاضر ,بل كان أم ارً مرخصاً له ومسموحاً به ومفيداً .
أن ماركس قد اقتبس عبارة "الدين أفيون الشعوب" من الفيلسوف وفي هذا الجانب ,نشير إلى ّ األلماني عمانوئيل كانط ,حيث وردت هذه العبارة في كتابه "الدين في حدود الفعل البسيط" ,لكن
ماركس أضاف قائالً " :الدين هو روح عالم بال روح" ويقصد بذلك تحديداً الطبقات االرستقراطية
والبورجوازية الحاكمة التي تعيش عالماً بال روح ,وبال أخالق وبال ضمير ,انه عالم االستغالل البشع
لكن إسهام ماركس بالذات كان في البحث في وظيفة الدين وأسباب حاجة البشر للعمال والفقراء ّ " , إليه باعتباره "الزهرة الوهمية على قيد العبد" أو "زفرة المقهور" .وقد استفاد ماركس من رؤية فيورباخ إزاء الدين ,ولم يكن له موقف عدائي مسبق"[.]7
إن عبارة "الدين هو روح عالم بال روح" هي ٌّ رد على الفكرة المادية المبتذلة ,من أنصارها أو من
تجسد القيم األخالقية خصومها ,التي تعتبر الماركسية تهتم بالماديات فقط ,وهي نقيض الروح التي ّ أن الحضارة الرأسمالية هي التي سلبت البشر واإلنسانية والمثل العليا ,ففي استخدام ماركس يرى ّ
روحهم ,أي قضت على دينهم الحقيقي ,وألنه يريد القضاء على االستغالل فإ ّنه يريد تحرير الروح من الهيمنة الرأسمالية من جهة ,ومن جهة أخرى منع استغالل تلك الروح من ِقبل المؤسسات الدينية التي التدين تحديداً بسبب توظفها بالضد منها .وكم هي صحيحة هذه اللفتة للتأمل في ّ ّ الردة الحالية نحو ّ خواء رأسمالية عصر العولمة القيمي وفسادها األخالقي وفقرها الروحي"[.]1 وبالتالي فإن ماركس بهذه العبارة" ,الدين هو روح عالم بال روح" أراد أن يبين فيها ان اإلنسان
البسيط الفقير المظلوم المضطهد ,يلجأ إلى السماء ويتمسك بالدين لكي ُي َه ِّون على نفسه معاناته ومآسيه الحياتية ,فالدين هنا ليس عزاء وسلوى لما هو فيه من فقر وبؤس وحرمان ,بل أيضاً ,يرى فيه المظلوم عزاءه وتعويضه عن انتفاء آدميته الناجمة عن الظلم الطبقي ,وهنا تتجلى عبقرية
أن الحضارة الرأسمالية هي التي ماركس المعرفية الثورية في استخدامه لهذه العبارة ,لكي يوضح ّ 286
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
سلبت البشر روحهم ,أي قضت على دينهم الحقيقي ,وألنه يريد القضاء على االستغالل ,فإ ّنه يريد
تحرير الروح من الهيمنة الرأسمالية وكل أشكال الظلم والقهر من جهة ,ومنع استغالل تلك الروح من بالضد منها من ِقبل الطبقات الرجعية والبورجوازية الحاكمة ,ومن المؤسسات الدينية التي توظفها ّ
جهة أخرى .وكم هي صحيحة هذه اللفتة للتأمل في الرّدة الحالية التي تتعرض لها مجتمعاتنا وشعوبنا العربية من خالل حركات اإلسالم السياسي صوب مزيد من التبعية والتخلف واالستغالل ,لخدمة مصالح الطبقات والشرائح الكومبرادورية والبيروقراطية والعشائرية ,تحت ستار ديني ,يهدف إلى
تكريس العالقات الرأسمالية الرثة في سياق الخضوع للنظام االمبريالي المعولم وفساده األخالقي
والسياسي وفقره الروحي والمعنوي.
وكان المؤرخ الفرنسي مكسيم رودنسون قد أحسن التعبير عن هذه الظاهرة قبل أكثر من ربع قرن.
بقوله "ال أعرف إلى متى ستستمر الحركة األصولية ,فقد يصل ذلك إلى ثالثة أو حتى خمسة عقود
من اآلن .لكنها في جوهرها حركة عابرة .وهي ستبقى ,طالما كانت خارج الحكم ,نموذجاً مثالياً تغذيه اإلحباطات والمظالم االجتماعية الدافعة إلى التطرف"[ .]6أما نبذ الحكم الديني ,فلن يحصل اال بعد تجربة طويلة من المعاناة في ظله .باختصار :األصولية اإلسالمية ستواصل سيطرتها على المرحلة
الحالية لفترة زمنية مرهونة بنهايتها لتوفر البديل الشعبي الديمقراطي وقدرته على استقطاب الجماهير
الشعبية من ناحية ,وعندما يفشل النظام األصولي بشكل ال يقبل الشك ويقود الى طغيان واضح
ومجتمع تراتبي خانع ,أو يعانى نكسات من المنظور الوطني من ناحية ثانية" ,سيقود ذلك الكثيرين
إلى السعي نحو البديل .لكن هذا يتطلب وجود بديل يتمتع بالمصداقية ويثير الهمم ويعبىء الشعب.
إنه بالتأكيد ليس باألمر السهل"[. ]01
وهاهم تجار الدين الذين يجعلوه أفيوناً للشعوب ,أو حركات اإلسالم السياسي قد وصلوا إلى
المنوم لوعودهم ,كما هو الحال في مصر وتونس السلطة" .ومن شأن ذلك حتماً أن ُيضعف المفعول ِّ اليوم ,خصوصاً حينما ال يتوفَّر لهم – بخالف زمالئهم اإليرانيين – ريعٌ نفطي كبير يتيح لهم شراء رضا قطاع عريض من السكان أو رضوخهم"[ ,]00لذلك فإن قوى اإلسالم السياسي بقيادة اإلخوان
المسلمين التي تتصدر المشهد السياسي في اللحظة الراهنة ,تحاول إفراغ االنتفاضة الثورية في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا من مضمونها الطبقي –االقتصادي واالجتماعي -الذي كان السبب األول
النفجارها جنباً إلى جنب مع مطلب الديمقراطية والحريات الفردية والكرامة ,حيث نالحظ أن حركات اإلسالم السياسي حرصت منذ أن قررت االلتحاق باالنتفاضة ,على إزاحة شعارات الشباب الثوري
والعمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين التي تؤكد على مطالبهم في الخالص من كل أشكال االستبداد واالستغالل الطبقي واإلذالل االجتماعي ,إلى شعارات تؤكد على أن المعركة هي بين القوى
الديمقراطية العلمانية واليسارية والقومية ,وبين اإلسالم الذي تدعي تمثيله ,وتقدمه على أنه "الحل
المنشود" وذلك تعبي ارً عن رؤيتها ومصالحها الطبقية التي ال تختلف في طبيعتها وجوهرها االستبدادي 287
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عن طبيعة األنظمة المخلوعة ,من اجل تكريس تخلف وتبعية بلدانها واحتجاز تطورها ....لذلك كان من الطبيعي ان تنفجر الثورة الشعبية من جديد ,معلنة رفضها للديكتاتورية والتفرد والقمع واالستبداد
واالستغالل بعد أن اكتشفت الجماهير حقيقة التيارات الدينية وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف -
في جوهرها -عن سياسات النظام المخلوع ,ما يعني أن ـنظمة االسالم السياسي بقيادة جماعة االخوان
المسلمين تعمل على تحويل الديمقراطية من مهد للتغيير والتقدم الى لحد تدفن فيه كل طموحات
الجماهير الشعبية.
حول الدين والدولة والموقف من التدين الشعبي:
في هذا الجانب يقول عالم االجتماع التقدمي العراقي علي الوردي " :إن الدين والدولة أمران
متنافران بالطبيعة فإذا اتحدا في فترة من الزمان ,كان اتحادهما مؤقتاً ,وال مناص أن يأتي عليهما يوم
ويفترقان ,واذا رأينا الدين ملتصقاً بالدولة ,علمنا أنه دين كهان ال دين انبياء ,فالناس لم يثوروا على
ألن الناس قد اعتادوا ذلك وألفوه وجوعوهم وضربوا ظهورهم بالسياط ,ذلك ّ الطغاة الذين سفكوا دماءهم ّ جيالً بعد جيل ,لك ّنهم يثورون ثورة عارمة عندما تنتشر مبادئ اجتماعية جديدة فتبعث فيهم الحماس وقوة النقد". وتمنحهم ذالقة البيان ّ وفي هذا السياق ,نشير إلى المفكر الديني الشيخ عبد الرحمن الكواكبي الذي أكد في معظم
كتاباته وخطبه على رفض كل أشكال االستبداد ,وطالب بفصل الدين واستقالله عن الدولة والحكم
واستبعاد السلطة عن التدخل في أمور الشريعة .
تطور العرب ,لكن طابعه إننا إذ نؤكد على أن االسالم قد لعب دو ارً تاريخياً مهماً في صيرورة ّ مبسطة ساذجة وأسطورية ,خاصة في مراحل االنحطاط التي بدأت مع تحول إلى تصورات ّ ّ الدنيوي ّ الدولة األموية وتكرست في الدولة العباسية وما تالها حتى المرحلة الراهنة ,وأصبحت الرؤى التي
التصور المثالي الغيبي الذي طرحه "أبوحامد الغزالي" ضد عقالنية " ابن رشد" مجرد سادت في ضوء ّ جملة طقوس بسيطة ,من دون عقل أو معادية للعقل ,فقد رفض الغزالي ك ّل مجاالت العلم والعقل صر «العلم» في «علوم الدين» األمر الذي لم يقره والفلسفة ,كما عبر عنها الفيلسوف ابن رشدَ , وح َ ولم يوافق عليه علماء الدين المستنيرين – في العصر الحديث والمعاصر -من أمثال جمال الدين
االفغاني ,ومحمد عبده وأحمد أمين والشيخ علي عبد الرازق ثم الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد
أبو زهره وجمال البنا ومحمد سعيد عشماوي وغيرهم .
وفي هذا السياق ,تتجلى أهمية كتاب الشيخ األزهري علي عبد الرازق "اإلسالم وأصول الحكم",
"الذي يناقش فيه مجموع اآل ارء والمواقف من مسألة الخالفة في اإلسالم ,انطالقا من السؤال الرئيسي حول دينية أو عدم دينية منصب الخالفة[ ,]03فإذا كان البعض يعتبرها منصبا دينيا ,وضرورة دينية,
فإن علي عبد الرازق في رده على هذا القول ومن أجل تفنيده ,يعود إلى المصادر األساسية لإلسالم: 288
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الكتاب والسنة واإلجماع ,يبحث عن شرعية أو عدم شرعية هذا القول .ليخرج بنتيجة مفادها أن ال الكتاب وال السنة وال اإلجماع يعطيه الشرعية.
واذا كانت الخالفة بالنسبة لعبد الرازق ال تستند ال على الكتاب وال على السنة وال على اإلجماع.
فإنها ال تستند في رأيه إال على القوة والقهر والعنف بحد السيف من أجل فرض نفسها على المسلمين ,وفي هذا اإلطار يستعين المؤلف بالتاريخ اإلسالمي من خالل بعض اللحظات التاريخية,
ومن بعض الذين مارسوا الحكم لالستدالل على القوة والقهر.
"لقد طالب الشيخ علي عبد الرازق في كتابه "اإلسالم وأصول الحكم" بإلغاء نظام الخالفة ,حيث
رأى "أن مؤسسة الخالفة ليس لها أي سند أو أساس فقهي من األصول والمصادر المعتمدة للدين
عند المسلمين ,ومن ثم يجب نزع واسقاط أية صفة قداسة كانت تنسب للخالفة ,وبالتالي يصبح لكل
أمة إسالمية الحق والحرية في اختيار نوع الحكم المالئم لها ,وفي اختيار من تريده حاكماً عليها, وفي خلعه ,ما يؤكد على أن مضمون دعوة الشيخ علي عبد الرازق هو أن اإلسالم دين ال دولة ,ومن
ثم يجب الفصل بينهما ,واعتماد العقد االجتماعي والديمقراطية أساس للحكم"[.]02
لكن تزايد عمق التخلف والتبعية في بالدنا العربية ,في هذه المرحلة بالذات من القرن الحادي
والعشرين ,مع تزايد حالة االنحطاط االجتماعي واالقتصادي والهبوط السياسي ,أدى كل ذلك إلى بروز
الظاهرة األكثر خطورة المتمثلة في بعض الشعارات التي تستغل "الوعي الديني" لدى البسطاء من
الناس ,وتجعل منه نقيضاً للعقل والفكر والتقدم العلمي والديمقراطية من ناحية ونقيضاً لمفهومي الوطنية والقومية بذريعة انهما مفهومان علمانيان من ناحية ثانية ! ! ؟ ولألسف فإن ما يدعو إلى
مزيد من الحزن واألسى واأللم ان "المؤسسات الدينية" أصبحت تعيد انتاج "الثقافة" والطقوس الدينية
الشكالنية المعادية للعلم والعقل عبر ماليين "الكتب" التي تقوم دول الخليج والسعودية خصوصاً ,بدفع
تكاليف طباعتها وتوزيعها لترويج األفكار التي تعزز عوامل التخلف بما يخدم مصالح أولئك الحكام
وغيرهم من امراء وأصحاب المال والثروة من الشرائح الرأسمالية الرثة ,الكومبرادورية والطفيلية
.
والبيروقراطية
والمفارقة هنا تتبدى في أن هذه األنظمة و "المؤسسات الدينية" تميل إلى تكريس الوعي العامي
التطور الحداثي ,بما في ذلك الحرب على كل منطق عقالني أو كل العفوي الموروث عبر الحرب على ّ ّ نضال وطني أو قومي وتقدمي ,لتكريس هيمنة األنظمة الرجعية على عقول الجماهير ,لكنها كذلك تكرس الليبرالية على الصعيد االقتصادي ,وما يستدعيه ذلك من غياب أي شكل من التناقض مع ّ اإلمبريالية األمريكية والنظام الرأسمالي المعولم .
هنا سنجد أن الماركسية –من خالل احزابها -في صراع مع هذه التيارات من هذه الزوايا ,وهو –
في حقيقته -صراع ضد اإلمبريالية والصهيونية ,كما هو صراع ضد كل اشكال االستغالل والتخلف واالستبداد والفقر من أجل حرية شعوبنا واستنهاضها. 289
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وبناء على ذلك ,فإننا نرى أن الخطوة الضرورية األولى على هذا الطريق النضالي والديمقراطي
الدين والدولة ,وهذا يعني التركيز على تعميم الفكر الحديث النهضوي ,هي في تحقيق الفصل بين ّ الديمقراطي العقالني العلماني ,إذ أن هذه العملية هي التي سوف تقود إلى تحقيق ذاك الفصل ,انطالقاً األصولية ال ينبع الشعبية إلى الحركات ميل الطبقات من إدراكنا -بصورة موضوعية خالصة – إلى أن ْ ّ ّ السياسي ,وفي هذا يجب أن يكون دور من الوعي ّ الديني ,وفق ما ّ يظن البعض ,بل نابع من دورها ّ الماركسيين ,أي دورهم في تقديم وممارسة تطبيق برنامج نضالي سواء ضد اإلمبريالية والحركة
الصهيونية ودولتها ,أو في مواجهة النظم الكومبرادورية التابعة والمتخلفة ,وأن يطرحوا بديالً ثورياً واقعياً ,قاد ارً على تغيير الوضع الراهن وتوليد مقومات المستقبل.
إن أسلمة الدولة عند الحركات والجماعات اإلسالموية تستهدف هيمنة هذه الجماعات على
المجتمع من خالل سيطرتها على الدولة ,والغاء الفرد والمواطن ,وتعطيل أو إسقاط مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة ,واالنتقال إلى النشأة المستأنفة للقهر الدموي العنصري الطائفي كما يجري اآلن في سوريا والعراق ومصر وغيرها ,إنها تحاول أن تمارس دو ار قريبا مما سماه مهدي
عامل ,االستبدال الطبقي ارتباطاً بمصالح الشرائح الكومبرادورية والطفيلية والبيروقراطية ,حيث تحاول جماعة اإلخوان المسلمين بناء دولتها بمنهج تفكيكي يقوم على "نظام طائفي هو ,بالضبط ,نظام
سيطرتها الطبقية الذي فيه ,وبإعادة إنتاجه ,يعاد ,باستمرار ,إنتاج تفكك المجتمع"[ ,]02ألن الدولة الطائفية هي العائق األساسي أمام توحيد المجتمع ,ألن الجماعات الدينية أو حركات اإلسالم السياسي
حدا أدنى من المصداقية التاريخية والسياسية والثقافية واالقتصادية واالجتماعية من مفهوم ال تملك ّ الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة ,بل هي ضدها وذلك ألنها ليست معنية بتطلعات الشعوب في
النهوض والتقدم والثورة ,بقدر ما هي معنية بترسيخ سطوتها وسيطرتها نحو الدولة اإلسالمية الواسعة
التي تدعو لها وهو ما يعني إجهاض الثورات وعدم الوصول بها إلى أهدافها في الحرية والعدالة
االجتماعية ,ووقف المد الثوري الذي فجرته الشعوب ضد االستبداد القهري .لهذا هي ليست معادية
لإلمبريالية ,بل إنها تتحالف ذاتيا وموضوعيا ,ماديا وسياسيا واعالميا ,مع البلدان األكثر رجعية
وعمالة في بالدنا مثل قطر والسعودية وغيرها ,ويعود السبب في ذلك ,إلى "أن جماعة اإلخوان
الحر ولكن التابع والرث ,يمثلون الكومبرادور النقي, المسلمين وعقيدتهم االقتصادية القائلة باالقتصاد ّ المقيد بتدخل الدولة ,وهي أكثر إذا صح التعبير ,في إطار من اقتصاد المحاسيب أو "اإلخوان" غير َّ ويعبر عن تلك العقيدة انسجاماً مع المذهب النيوليبرالي من واقع الرأسمالية السائدة في ظل مباركِّ . خير تعبير خيرت الشاطر[ ,]02الرأسمالي الكبير والرجل الثاني في اإلخوان بعد المرشد وممثل أكثر
أجنحة الجماعة محافظ ًة ,وكذلك حسن مالك ,العظيم الثروة والعضو البارز في اإلخوان"[.]09
لكن موقفنا النقيض والمعادي لموقف القوى البورجوازية والرجعية من الدين واستخدامه كسالح
فكري أساسي لتكريس سطلتها ,ال يعني أبداً موقفاً مضاداً لمشاعر الجماهير الشعبية من الدين ,إذ ال 291
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ألي حركة يسارية ثورية أن تتجاهل الظاهرة الدينية ,ال يمكن ,في مجتمع مثل مجتمعاتنا العربيةِّ ,
سيما أنها ظاهرة مجتمعية ,واالّ فإنها ,هي ذاتها ,سوف ال تكون ثورية ,واذا ما فعلت ذلك فلن يعود ّ بإمكانها القيام بالتغيير االجتماعي الحقيقي للمجتمع. لذا علينا أن نتعلم من دروس وتجارب الحركات الثورية اليسارية في أمريكا الالتينية ,التي
تفاعلت ايجابياً مع الهوت التحرير المسيحي واستخدمته في مقاومة الظلم الطبقي والنضال التحرري آخذين بعين االعتبار الفارق بين الهوت التحرر المسيحي وطابعه الديمقراطي وبين المذاهب والحركات
اإلسالمية الرجعية ,في العالقة مع مظاهر التدين الشعبي.
فإن من فالتدين الشعبي هو أحد معطيات الواقع االجتماعي الذي ينبغي أخذه بنظر االعتبار ,ولذلك ّ ّ بد وأن يعمل على كسب هذا السند الشعبي بما فيه من معطيات تاريخية يعتبر نفسه طليعة الشعب ,ال ّ
سيما القيم وتراثية سلبية وايجابية ,األمر الذي يستوجب احترام الدين واتخاذ موقف إيجابي منه ,ال ّ اإلنسانية المشتركة التي تمثل ,إلى حد كبير ,قيماً للماركسية" كالدعوة للمساواة والعدالة والحرية وانهاء كافة مظاهر االستغالل واالستبداد .
لع ّل ذلك يجعلنا نؤكد على أن الظاهرة الدينية ظاهرة ترتبط بالوعي والثقافة الشعبية ,وهي تعبير عن اإلحساس المشترك الذي كان علينا – كفصائل واحزاب ماركسية عربية -إدراكه والتعامل معه من
التصدي موقع نقدي ,وليس من موقف نفي سلبي ,وكان علينا االستفادة منها بدالً من صدمها أو ّ لها ,أو ممارسة بعض المظاهر الضارة التي ال تحترم المشاعر الدينية للجماهير الشعبية الفقيرة ,مثل المواقف العدائية للدين أو االستهزاء بتدين الجماهير واتهامها بالرجعية والتخلف ,واالستهزاء بالتقاليد التراثية الدينية أو التفاخر باإلفطار في شهر رمضان ,وغير ذلك من الممارسات التي تؤكد على
ضحالة الوعي من جهة ,وتؤدي إلى انفضاض الجماهير من حولنا ,بل واستجابتها للدعاية الرجعية
واالمبريالية المغرضة ضد احزابنا ومبادئها من جهة ثانية ,األمر الذي يكرس عزلتنا وخسارتنا للقطاع
الواسع من جماهير الفقراء الذين يمكننا كسبهم لصالح قضية النضال التحرري الثوري والنضال
الديمقراطي والصراع الطبقي االجتماعي في آن واحد ,انطالقاً من ضرورة وعي كل رفيق من رفاقنا – في جميع األحزاب والفصائل العربية -بأن اآليديولوجيا الدينية ,بذاتها ولذاتها ,ليست رجعية أو
ثورية ,وانما هي حمالة أوجه ,تتلون باللون الذي تعطيه إياه القوى االجتماعية الحاملة لذلك الوعي يوجه إلى العقيدة الدينية واإليمان الديني وتكييفها لمضامينها لمصالحها .ولع ّل النقد ال ينبغي أن ّ والرؤية الوجدانية والروحية ,وهذه جزء من منظومة متكاملة ,وخاصة للكون والطبيعة والمجتمع ,ولهذا
بشدة ضد المواقف السياسية الليبرالية الهابطة واالستسالمية ,وضد الرؤى ينبغي أن َي ْن َّ صب النقد ّ سيما أولئك الذين الفكرية واالقتصادية واالجتماعية اليمينية والرجعية, ّ وضد دور بعض رجال الدين ,ال ّ يستغلون المشاعر الوجدانية واإليمانية الروحانية لتخدير الناس والتأثير في وعيهم وتوظيفه بالوجهة
التي تريدها السلطة واألنظمة الرجعية .
290
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
"واذا كانت المسألة الدينية في العالم العربي من أعقد المشكالت ,بل وأخطرها ,وقد ازدادت اشتباكاً
والتباساً منذ أواسط السبعينيات ,فقد ارتبطت هذه المسألة ,أوالً ,بصعود التيار الديني ,وبشكل خاص
اإلسالمي أو اإلسالموي ,وثانياً ,األمر له عالقة بالمواقف االنتهازية للغالبية الساحقة من السلطات
وقدم الحكام الحاكمة التي حاولت مداهنة اإلسالميين ,بل وحتى تملّقهم ,عسى أن يرضوا عنهاّ , التنازل تلو اآلخر لها على الصعيد الدستوري أو القانوني أو على الصعيد العملي ,أما ثالثاً فيتعلّق سيما الماركسي ,في برنامجه الفكري والسياسي ,وتراجعه عن مواقعه ,إضاف ًة إلى بفشل اليسار ,ال ّ بقائه على هامش وعي الجماهير ومعتقداتها اليومية"[.]07 فإن بحث المسألة الدينية من منظور ماركسي يستهدف فهم العالقة بين الدين كخطاب وبالتالي ّ وتراث ومحطات تاريخية ,من جهة ,وبينه وبين الممارسة االجتماعية عبر تداخل الدين وتأثيره في
عملية الصراع الطبقي الجارية في بالدنا من جهة أخرى.
لذلك "فإن تناولنا لموضوع اإلسالم و الماركسية ,و معالجتنا لعالقة االلتقاء و االختالف ,إنما
يهدف إلى تجديد التفكير فيهما سعيا إلى زحزحة ما اصبح أو ما أريد له أن يكون من الثوابت ,وهو
العداء القائم بين الماركسية واإلسالم الذي ال يعبر عن العداء المطلق بقدر ما يعبر عن عداء مؤدلجي الدين اإلسالمي للماركسية باعتبارها منهجا علميا يسعى إلى تحليل الواقع ,و الكشف عن التناقضات القائمة فيه ,ومجابهتها ,والتسريع بتجاوزها في أفق تحقيق المجتمع االشتراكي ,و هو ما لم يسع إليه
اإلقطاعيون و أشباههم البورجوازيون و كل من يتطلع إلى أن يكون كذلك" [.]01
وفي هذا الجانب ,نقول ,إن مهمة الكشف عن خلفيات تكريس عداء "اإلسالم السياسي" لمفاهيم
العقل والتنوير والديمقراطية واالشتراكية والماركسية ,تقع بالدرجة األساسية على عاتق األحزاب
الطليعية الثورية اليسارية والديمقراطية ,وهي أيضاً مهمة المثقفين الثوريين الذين تقتضي األمانة العلمية أن يكونوا على معرفة عميقة باإلسالم و بالماركسية معا ,من اجل البحث العميق في العالقة بينهما ,فاإلسالم إسالم ,و الماركسية ماركسية ,و شروط ظهور كل منهما مختلفة ,و أهدافهما
مختلفة ,مع إمكانية التقاطع بينهما ,ما يدفعنا إلى القول بأن العداء بين جوهر "اإلسالم" و الماركسية
عداء مفتعل ,و هو ما يستلزم التصدي لهذا االفتعال ,إلرجاع الصراع إلى وضعه الحقيقي كصراع بين
الطبقات الموجودة على ارض الواقع ,ال بين السماء و األرض ,ألن صراعا من هذا النوع هو تحريف
للحقيقة ,و ظلم للواقع ,وفقدان للعلم ,و ابتئاس للمنهج .ولذلك فإن من واجبنا تناول الموضوع بصورة تاريخية وموضوعية ,لكي يساهم في النقاش الذي يجب استرجاعه إلى الساحة النظرية بصفة عامة
و الفكرية بصفة خاصة حتى تتم إعادة النظر في المقوالت الجاهزة عند مؤدلجي الدين اإلسالمي من
جهة وعند كل من يسعى إلى تحويل الماركسية إلى عقيدة من جهة أخرى .
توجهه لمخاطبة فئات واسعة من السكان ,ال وبما ّ أن الدين أوسع من اآليديولوجيا ,فضالً عن ّ سيما الفئات الشعبية ,فإنه يصبح سالحاً ذي حدين بيد الحاكم والطبقات الرجعية والبورجوازية ,من ّ 292
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أجل تكريس االستغالل ,وكذلك بيد الجماهير الفقيرة للثورة على أنظمة االستغالل واسقاطها ,وفي هذه
الحالة ,هل يصبح هدف محاربة الدين في حد ذاته هدفاً ثورياً ؟ الجواب ال بالقطع ,الن الدين والتراث
الديني "حَّمال أوجه" وملئ بالمقوالت التي تُ َح ّرض على المساواة بين البشر ,بمثل ما نجد فيه أيضاً فأي ماركسية إذن ,تلك التي تتوجه مقوالت تستخدمها القوى الطبقية ضد مصالح الجماهير الشعبية ّ , ضرب سيما الفئات الشعبية؟ إن في ذلك إلى معارضة دين ومعتقدات الغالبية الساحقة من السكان ,ال ّ ٌ من الصبيانية وعدم الشعور بالمسؤولية ,ناهيكم عن الجهل ,إالّ إذا كان ناجماً عن وعي وسبق
إصرار ,فإنه -في هذه الحالة -يبقى يدور في نخبوية نظرية خارج الماركسية وليس مهمة نضالية تغييرية كما هي الماركسية" .
وبالتالي فإن موقفنا الواضح من هذه المسألة ,يقوم على أننا في صراعنا مع حركات اإلسالم
السياسي ,وفي عالقتنا مع الجماهير الشعبية ,لسنا في وارد تناول موضوعة الدين من زاوية فلسفية, في إطار الصراع التاريخي بين المثالية والمادية ,فهذه المسألة ليست بجديدة ,كما أنها ليست ملحة,
كما أن عملية عدم الخلط بين الدين كعقيدة يحملها الناس ,وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة هامة
وحساسة ,فأن يكون لنا موقف فلسفي من الدين ,ال يعني على اإلطالق سحب ذلك الموقف على
الجمهور المتدين ,بل على العكس ,فان واجبنا النضالي يفترض منا االقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية ,والتفاعل مع قضاياه وهمومه ,وجذبه إلي النضال من اجل الحرية واالستقالل
والديمقراطية ,وانهاء كافة أشكال االستغالل والقهر واالستبداد ,انطالقاً من فهمنا للماركسية بأنها ليست نظرية مضادة للدين كما يروج دعاة االسالم السياسي والقوى الرجعية واالمبريالية.
تكونت خارج الواقع ال يمكنه أن يكون ماركسياً؛ فالماركسية فالماركسي الذي ينظر إلى الفكرة التي ّ نظرية لفهم الواقع والصراع الطبقي وفضح كل مظاهر االستغالل واالضطهاد ,وبالتالي العمل على
تغييره" ,ولع ّل الكثير من الماركسيين ,بمن فيهم العرب والعالمثالثيين ,عند بحثهم المسألة الدينية لم يخضعونها للمنهج الجدلي ,وهو موقف غريب ,ولذلك كانت استنتاجاتهم غريبة أيضاً ,ألنها نقيض
سيما عدم إدراك طبيعة التناقضات في الظاهرة الدينية"[.]06 للماركسية ,ال ّ ألي جماعة ثورية أن تتجاهل الظاهرة إذ ال يمكن ,في مجتمع مثل مجتمعاتنا العربية واإلسالمية ِّ ,
سيما أنها ظاهرة مجتمعية ,واالّ فإنها ,هي ذاتها ,سوف ال تكون ثورية .واذا ما فعلت ذلك الدينية ,ال ّ فلن يعود بإمكانها التوسع في أوساط الجماهير الفقيرة والقيام بالتغيير االجتماعي الحقيقي للمجتمع. فإن من فالتدين الشعبي هو أحد معطيات الواقع االجتماعي الذي ينبغي أخذه بنظر االعتبار ,ولذلك ّ ّ بد وأن يعمل على كسب هذا السند الشعبي بما فيه من معطيات ,األمر يعتبر نفسه طليعة الشعب ال ّ
سيما القيم اإلنسانية المشتركة التي تمثل, الذي يستوجب احترام الدين واتخاذ موقف إيجابي منه ,ال ّ في الوقت نفسه ,قيماً للماركسية.
293
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ولع ّل انتشار حركات اإلسالم السياسي في بالدنا اليوم ,بحاجة إلى دراسة سوسيوثقافية بعد هزيمة مشروع اليسار ,بشقيه الماركسي والعروبي (القومي) ,خاصة وان غالبية المناقشات حول المسألة
الدينية اكتسبت طابعاً عاطفياً وراهنياً ,دون النظر إليها كبعد إستراتيجي ,فضالً عن غياب الرؤية الموضوعية لدى قوى اليسار في التعاطي مع الظاهرة الدينية ,األمر الذي راكم في تعقيد المسألة,
ناهيكم عن استخدامها من جانب القوى الرجعية واإلمبريالية.
فبدالً من أن توجه بعض قوى اليسار (في كل البلدان العربية) النقد إلى األنظمة المستبدة,
واجراءاتها القمعية ضد الجماهير الفقيرة المؤمنة بعفويتها ,والى بعض رجال الدين الفاسدين ,قامت
بتوجيه نقدها أحياناً – بطرق مباشرة أو غير مباشرة -إلى الدين واإليمان الديني والجماهير المؤمنة واتهامها بالرجعية ,بل وسخرت من بعض الممارسات الدينية ,أو أهملت التعاطي معها ,من موقع
ٍ متعال ومترفّع ,وهو ما عملت على استثماره جماعة اإلخوان المسلمين والحركات الدينية األصولية,
ووظفته الحقاً ضدنا على نحو مسيء.
ومع اقرارنا بهذا القصور من جانب الحركات الماركسية والشيوعية العربية ,إال اننا نؤكد بالمقابل
ان أحزاب وقوى اليسار الفلسطيني ,لم ترفض التعاون في إطار النضال التحرري مع الحركات الدينية ,
خاصة في ظروف االنتفاضة الفلسطينية ,0663-0617لكن الحركات الدينية ,وحركة حماس
تحديداً ,رفضت أي شكل من التحالف مع قوى اليسار ارتباطاً برؤيتها الدينية والطبقية من ناحية ,
وانعكاساً لشعورها بكثير من التعالي والغرور والتفرد في قيادة الجماهير من ناحية ثانية (حزب اهلل
وحركة أمل وحماس والجهاد وبعض حركات المقاومة في العراق) ,وهي اليوم مازالت مصره على هذا
الرفض بعد وصولها إلى الحكم في تونس وليبيا واليمن والعراق ,ما يعني بوضوح حرص حركات اإلسالم السياسي على التفرد بالسلطة والحكم لحساب رؤيتهم السياسية االجتماعية التي تعكس بوضوح المصالح الطبقية للكومبرادور والعالقات الرأسمالية التابعة في ظل انفتاحها وقبولها بالسياسات
األمريكية ومهادنتها للدولة الصهيونية .
وهنا بالضبط ,نؤكد على أن حركات اإلسالم السياسي الرجعية والمهادنة ,ال تعارض أبداً السياسات
االقتصادية الرأسمالية المرتبطة بحرية المنافسه واالقتصاد الحر والملكية الخاصة والتفاوت في الدخل
والثروة وكل أشكال االستغالل في إطار اقرارها بالطبقات والتمايز الطبقي ,وبالتالي يتخذون موقفاً متطابقاً مع النظام االمبريالي العالمي ليس في سياسته االقتصادية فحسب ,بل أيضاً في العديد من
القضايا السياسية والمجتمعية.
وفي هذا الجانب ,نشير إلى ادعاءات الحركات السياسية اإلسالمية بدورها في "تخفيف " معاناة
الجماهير الفقيرة من خالل المؤسسات و"الجمعيات الخيرية" الدينية ,لتقديم المساعدات المالية أو
العينية باسم اإلحسان إلى الفقراء ! ,وهذا ال يعدو ان يكون "أفيوناً" أو وهماً مثالياً غيبياً وديماغوجياً يستهدف امتصاص غضب الفقراء ونقمتهم وانتفاضهم ضد مظاهر استغاللهم ومعاناتهم وبؤسهم من 294
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
جهة ,وللحفاظ على أوضاع التفاوت واالستغالل الطبقي الرأسمالي وكافة السياسات والممارسات
الرأسمالية البشعة من جهة ثانية .
وهنا يتجلى الفرق الجوهري بين طروحات اليسار الماركسي الثوري ,التي تلتزم بالنضال ضد اتظمة
التبعية واالستبداد وكل أشكال االستغالل والتفاوت الطبقي من أجل مجتمع قائم على العدالة
االجتماعية والمساواة ,وبين حركات اإلسالم السياسي والقوى الطبقية الرجعية التي تستخدم مفهوم
"اإلحسان والصدقات" بالمعنى الديني ,لتضليل الجماهير الشعبية واستغالل بساطتها وعفويتها حفاظاً على المصالح الطبقية للسلطة الحاكمة والطبقات المتحالفة معها ,كما هو الحال اآلن في كل بلدان
النظام العربي .
الموقف المطلوب من األحزاب والفصائل الشيوعية والماركسية تجاه الجماهير الشعبية المتدنية :
في هذا السياق علينا ان ندرك جيداً ,حرص أحزابنا والتزامها – في كل الظروف -باحترام المشاعر الدينية لدى الجماهير الفقيرة ,وأن العالقة بينها وبين العمال وجموع الفقراء المتدينين في مجتمعاتنا,
باعتبارهم مادة وهدف النضال الثوري ببعديه التحرري الوطني ,واالجتماعي الديمقراطي ,هي عالقة تستند باألساس على تحريضهم وتوعيتهم ضد كل أشكال االستغالل واالضطهاد والظلم التي يعيشونها, دون أي تدخل في معتقداتهم اإليمانية ,فإذا كان لهذه الجماهير أن تتخلص من أوهامها الدينية ,فإن
ذلك لن يكون من خالل البراهين والكتب والكراسات فحسب ,ولكن أيضاً ,بالدرجة األساسية من خالل المشاركة في النضال الثوري التحرري والديمقراطي االجتماعي في إطار الصراع الطبقي ,وفي مثل هذه
الحالة ,يجب على رفاقنا في جميع هذه االحزاب ,ضمان أال تكون االختالفات الدينية ,أو االختالفات
بين المتدينين وغير المتدينين ,عقبة في طريق وحدة نضال جماهير العمال والفالحين الفقراء وكل
الكادحين والمضطهدين ,فبقدر ما يصبح كل حزب أو فصيل من أحزاب اليسار العربي حزباً جماهيريا
حقيقياً ,يقود العمال وجماهير الفقراء في أماكن العمل وفي المجتمع ,بقدر ما سيكون في صفوفه فئة من العمال والفقراء الذين ال يزالون متدينيين ,أو شبه متدينين .وسيكون رفض هؤالء العمال بسبب
أوهامهم الدينية موقفاً مرفوضاً ومضادا للماركسية.
لكننا في نفس الوقت ,نحذر من سقوط بعض أحزابنا في مستنقع الغيبيات أو تبنى المنطلقات
الديني ة أو أن يقوم توجه الحزب السياسي واستراتيجيته وتكتيكاته على اعتبارات دينية ,ذلك ان مستقبل أحزابنا الماركسية العربية وانتصارها يعني أن يسترشد كل رفاقنا بالنظرية الماركسية ومنهجها
المادي الجدلي ,بما يضمن التجسيد الثوري في التعبير عن المصالح الجماعية ,وعن نضال الطبقة
العاملة وجماهير الفقراء.
ولذلك يجب على كل كادر من هذه األحزاب والفصائل في هذا المجال أن يكون واثقا من أنه هو
من يثقف أعضاءه المتدينيين ويؤثر عليهم ,وليس العكس ,انطالقاً من موقف واضح وصريح ,يتجلى في أن تعاملنا مع المسألة الدينية بصورة موضوعية وعلمية ,يجب أن ال يقتصر على مجرد إبداء 295
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
رأي أو تعامل مرحلي معها ,أو حتى مسألة انتهازية انتخابية مثالً ,بل يتجاوز ذلك عبر الوعي العميق لبعض جوانب التراث الديني الثوري المنحاز للفقراء من ناحية ,وعبر فهم األفكار األساسية واألهداف
االجتماعية والسياسية للماركسية في تطبيقها على واقعنا من ناحية ثانية .
وبالتالي ,فإن أحزابنا وفصائلنا اليسارية العربية ,إذ تعتمد الماركسية ,كنظرية علمية لدراسة
التطورات االجتماعية من منظور ثوري نقيض للمنظور الرأسمالي الطبقي ,فال بد لنا من استخدام
طريقة الماركسية ومنهجها الجدلي الذي يجسد شكل ومضمون المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية واالقتصاد السياسي واالشتراكية من أجل تحليل وتغيير الواقع االجتماعي والسياسي المتخلف والتابع
السائد اليوم في مجتمعاتنا العربية ,وان هذا المنهج بما هو اداة لكشف وتحليل الظواهر االجتماعية
والطبيعية ,يفرض على كل رفاقنا عموماً ,والكوادر الحزبية خصوصاً ,أن يتابعوا بروح نقدية استكشافية عقالنية كافة التطورات والصراعات االجتماعية ,لتقديم الرؤى والبرامج واليات العمل
الهادفة الى تغيير وتجاوز الواقع المحكوم من قبل الطبقات المستغلّة في مجتمعنا لحساب تحقيق
أهداف المضطهدين وكل الكادحين والفقراء في االنعتاق والتحرر والعدالة االجتماعية بآفاقها
االشتراكية.
وفي هذا السياق ,فإننا نشير إلى أن أياً من فصائل وأحزاب وحركات اليسار العربي ,لم تنجح
تاريخياً –وبدرجات متفاوتة -بتعميم وتكريس منهاجها األيديولوجي ومنطلقاتها التربوية األخالقية, وثقافتها العقالنية على قواعدها التنظيمية من الناحية الجوهرية ,وبالتالي ظلت االيديولوجيا بوجه
عام ,غير ممأسسة تنظيمياً ومتناثرة ومحصورة أو محاصرة او هامشية مهملة ,ولم ترتق بأفضل
أحوالها لتشكل منهجاً رئيسياً ناظماً للحياة التنظيمية او حالة فكرية جماعية أو قاعدة واسعة لوعي
نظري منظم ,االمر الذي يستدعي من هذه القوى واألحزاب الماركسية العربية ,أن تبدأ جدياً بتفعيل البعد األيديولوجي باعتباره أحد أهم مرتكزات حزبها وصيرورته الراهنة والمستقبلية ,عبر االلتزام
بمأسسة النشاط الفكري في اذهان رفاقها بما يضمن إحياء وتجديد إطار التفاعل الجاري بشأن إعادة االعتبار للنشاط التثقيفي لمنظمات حزبها القيادية والكادرية والقاعدية ,كبوصلة ومرجعية اولى لمسيرة نضالنا وتحقيق اهداف شعوبنا وجماهيرنا الفقيرة في التحرر الوطني والديمقراطي على طريق الثورة
الوطنية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية .
ووفق هذه الرؤية ,فإننا نرى في طروحات ومفاهيم وبرامج حركات اإلسالم السياسي الرجعية
طروحات نقيضه للحداثة والتطور والديمقراطية والتحرر والنهوض ,وهي أيضاً تكريس للتخلف والتبعية واالستغالل الطبقي ولكل مظاهر االستبداد والقهر ,وبالتالي فإن نضال فصائلنا وأحزابنا الثورية ,ضد
القوى الرجعية والظالمية هو نضال سياسي ديمقراطي مجتمعي في إطار التناقضات الداخلية ,جنباً إلى جنب مع نضالها وتناقضها الرئيسي التناحري ضد التحالف اإلمبريالي الصهيوني في بالدنا ...
وفي هذا الجانب ,نؤكد على أن قناعتنا بأهداف التحرر الوطني والديمقراطي ,يعني في أحد جوانبه, 296
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
النضال من أجل تطبيق الديمقراطية ببعديها السياسي واالجتماعي في بالدنا ,لكن هذه العملية ال يمكن تحققها بدون الرؤية الموضوعية لمفهوم العلمانية ,الذي نفهمه ونتعاطى معه كشرط من شروط
الديمقراطية ,وباعتباره مفهوماً ال يتناقض مع الدين ,وليس منافساً له ,فالعلمانية ,ليست مذهباً أو تيا ارً فلسفياً وليست نظرية معرفية ,وال هي نظرية في علم من العلوم ,كما ان العلمانية بالنسبة لنا , ال تعني عقيدة ال دينية ,وال استبعاد الدين من الحياة العامة ,وال تقييد الحريات الدينية ,انها تعني
حياد الدولة ومؤسساتها تجاه االديان والعقائد حتى تضمن المساواة الكاملة بين مواطنيها بصرف النظر عن اعتقاداتهم.
ومن ذلك المنطلق الثوري بإمتياز ,تتبنى الماركسية مصالح وتطلعات كافة المضطهدين عموماً َ ِ هن الجنس والطبقة العاملة خصوصاً ,بوصفها الطبقة المنتجة غير المالكة ,وكذلك النساء باعتبار ّ المضطهد ,إلى جانب دفاعها عن قضايا ومستقبل تحرر األمم والشعوب المقهورة ,وهذه نقطة أساسية
في التثقيف الثوري لسبب بديهي هو التالي :قبل أن يتعلّم المناضلون الماركسية كعلم ,ولكي
يستوعبونها حقاً ,ال بد لهم باديء ذي بدء أن يتلقنوا منطلقاتها األخالقية ويجعلونها منطلقاتهم ,واال فما قيمة "المناضل" الذي حفظ "قرآن" الماركسية عن ظهر قلب وال تزال عادات التعالي االجتماعي إزاء
تخيم على أطباعه .فما نفع األتعس منه حظاً ,والذكورية والعنصرية والقومجية العنصرية والشوفينيه ّ "المادية الديالكتيكية والتاريخية" إذا درسها ذاك "المناضل" وهو لم يتخلص من رواسب سلبيات تربيته االجتماعية التي تتناقض مع مبادئ ومفاهيم الديمقراطية والحرية والعدالة االجتماعية بآفاقها
االشتراكية .
إن المنطلقات والمفاهيم التربوية واألخالقية الماركسية ال يمكن دراستها كأي"علم" بل فقط كمبادىء
أخالقية يجب التحقق من فهمها ليس عن طريق التثقيف فحسب ,بل في الممارسة داخل الحزب,
وعلى مستوى الحياة اليومية .
وفي هذا السياق ,فإننا نجدد تأكيد التزامنا باحترام المشاعر الدينية السائدة في أوساط الجماهير,
بمختلف مذاهبها وطوائفها ,وذلك انطالقاً من اعتبارنا للدين أحد أهم مكونات الثقافة العربية اإلسالمية ,عالوة على أنه مسألة خاصة ,شخصية وضميرية بين اإلنسان والسماء ,وبالتالي ال بد
من فصله –بالمعنى الموضوعي -عن الدولة ,وفق ما أكد عليه العديد من علماء وشيوخ المسلمين أمثال عبد الرحمن الكواكبي وعلي عبد الرازق ومحمد عبده وطه حسين وأحمد لطفي السيد وغيرهم ممن رفعوا شعارات التنوير والديمقراطية وحرية الرأي والمعتقد في إطار رؤيتهم العلمانية الهادفة إلى
اثراء الجدل للعالقة بين الدين والدولة ,بما يتجاوز الفهم السطحي لمقوالت ماركس حول الدين من
جهة ولمفهوم العلمانية من جهة ثانية.
297
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
العلمانية والديمقراطية :
الع ْلمانية هي :مفهوم يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي ,الدولة ال تمارس َ فيه أية سلطة دينية ,كما أن المراجع الدينية ال تمارس أية سلطة سياسية ,بمعنى الفصل بين الزمني
والروحي ,بين الدولة والدين ,أي بين االختصاصات الدنيوية واالختصاصات الدينية ,كما أن الدولة العلمانية ليست دولة ال دينية ,بل هي دولة ال طائفية ,فالدولة العلمانية الديمقراطية ليست هي الدولة التي تنكر الدين ,بل هي الدولة التي ال تميز دينا على دين ,وال تقدم أبناء طائفة على أبناء
طائفة أخرى ,وال تخص بعض وظائف الدولة بأبناء طبقة بعينها دون سائر الوظائف .
هذا من الناحية القانونية ,أما من الناحية الفلسفية و المعرفية ,فإن أقصى ما تعنيه العلمانية
ليس اإللحاد أو نفى وجود اهلل بل " تأسيس حقل معرفي مستقل عن الغيبيات و االفتراضات اإليمانية
المسبقة".
و بكلمة واحدة ,إن العلمانية ليست نفيا لالعتقاد ,بل هي تحرير له من القيود و اإلكراهات
الخارجية .وال غرو بالتالي أن يكون الفكر الديني الحديث قد عرف في ظل العلمانية تطو ار في العمق ما أتيح له أن يعرفه في ظل األنظمة الثيوقراطية .
ووفق هذه الرؤية ,فإن موقفنا الموضوعي تجاه مفهوم العلمانية يقوم على األسس التالية: -0تامين الحرية الدينية. -3
فصل الدين عن الدولة.
-2
تعزيز المحاكم المدنية العامة لضمان المساواة التامة في الحقوق والواجبات.
-2 -2
اعتبار الشعب أو المجتمع مصدر التشريع و القوانين .
عقلنة الدولة والمجتمع وتعزيز الثقافة العلمية العقالنية وفق آالليات الديمقراطية
والتعددية الفكرية والسياسية.
-9
تحرير الدين من سيطرة الدولة واساءة استعماله ألغراض سياسية ,وكذلك تحرير
الدولة من هيمنة المؤسسات الدينية.
فالعلمانية بالنسبة لنا كماركسيين تعني أيضاً ,على الصعيد المعرفي تحرير العقل من المسبقات,
والمطلقات ,او تحرير الفكر من االوهام والخرافات وتحرير االنسان من العبودية التي تمتد جذورها الى
تقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة وتركز الثروة وظهور الطبقات (تحريره من نظام االستغالل) ...
العلمانية ليست ضد الدين ,لكنها ضد الوثنية الدينية وضد سلطة رجال الدين وتدخلهم في حياة
االنسان ,فالعلمانية عملية تاريخية او سيرورة تقدم في التاريخ والمعرفة ,وهي لغوياً مشتقة من العالم
الدنيوي او عالم البشر الذين يصنعون تاريخهم بأنفسهم ,وهي بذلك تقيم سلطة العقل والمنطق ,وتعلن نسبية الحقيقة وتاريخيتها وتغيرها ,وذلك هو جوهر الحداثة التي ندعو رفاقنا إلى وعي جوهر حركتها 298
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الالنهائية من ناحية ,ووعي سماتها الرئيسية المرتبطة -كما يقول الصديق د.هشام غصيب -
باكتشافين جوهريين هما: -
اكتشاف الطبيعة بوصفها كياناً مادياً مستقالً.
واكتشاف اإلنسان بوصفه فرداً خالّقاً وتاريخاً ومجتمعاً.
السياسي ,ال عالقة الدولة هكذا نفهم أن مفهوم ّ ّ اإلسالمية الذي ترفع شعاره قوى اإلسالم الطّائفي ّ الدينية ,بل هي ممارسة شعب المقهور المسلم ,أي ال عالقة لهذه القوى لها بمعتقد ال ّ باإليديولوجية ّ ّ
شريعة والخوف من اهلل ,على دينية, كالحاكمية وال ّ ّ السياسي بأقنعة ّ ّ سياسية تستهدف فرض التّمثيل ّ االقتصادية المزرية ,والغاء الصعبة ,وأوضاعها عبية التي دفعتها ظروفها الفئات ال ّ ّ ّ ش ّ االجتماعية ّ
السياسي وتطلعها إلى الثّورة والتّغيير .وكما يقول المفكر الراحل مهدي عامل " إن ما تهدف وجودها ّ سياسية ,من غير أن تعي ذلك ,أي من قوة ّ إليه الطّبقة البرجو ّ ازية :أن تظ ّل هذه الطّبقات الكادحة بال ّ لد عند تلك الطّبقات الكادحة الوهم الطّبقي السياسي الذي ُي َو ِّ غير أن تكتشف بوعيها انعدام وجودها ّ سياسية"[.]31 قوة ّ ّ بأن لها ّ وعلى الرغم من كل ما تقدم ,علينا أن ندرك في ضوء المستجدات والمتغيرات المتالحقة راهناً ,إلى
أننا سنواجه –مع حركات اإلسالم السياسي -ظروفا وأوضاعاً معقدة ,ما يفرض على قوى اليسار
العربي أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العالقة الديموقراطية وقضايا الصراع
الطبقي والسياسي ,ومفاهيم االستنارة والعقالنية مع هذه الحركات بمختلف مذاهبها ,كما عبر عنها جمال الدين األفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد وأحمد أمين ..وغيرهم, بحيث نحرص على أن ال تصل االختالفات معها ,إلى مستوى التناقض التناحري ,وأن تظل الخالفات
محكومة للعالقات الديمقراطية.
وفي هذا السياق ,نؤكد على أن احترامنا لألديان عموماً والتراث الديني اإلسالمي خصوصاً ,يتطلب
منا –عبر الحوار الديمقراطي -رفض استخدام الدين كأداة لقمع حرية الفكر واإلبداع والبحث العلمي وحرية الرأي والرأي اآلخر ,وكذلك رفض اختزال اإليمان الديني إلى تعصب حاقد ضد اآلراء واألفكار
والعقائد األخرى.
وفي كل األحوال ,يجب أن تظل عالقة اليسار العربي مع قوى اإلسالم السياسي ,عالقة متحركة
وجدلية تبعاً لتناقضات الواقع والصراعات الطبقية االجتماعية والسياسات الداخلية ,وطبقاً للموقف من
العدو ا المبريالي الصهيوني ,دون أن نتجاوز مخاطر تطبيق الرؤية األيديولوجية الدينية على الصعيد االجتماعي ,حيث يتجلى التعارض والتناقض بصور أكثر حضو ارً ,سواء على صعيد فهم الديمقراطية
كقيم وآليات وممارسة لبناء المجتمع ومؤسساته أو تجاه القضايا االجتماعية الرئيسية للعمال والفالحين ,والشباب ,والمرأة ,وحرية االعتقاد والرأي والتعبير واالجتهاد واإلبداع الثقافي وقضايا
العدالة االجتماعية واالقتصادية بمختلف تجلياتها .إن وضوح هذه الرؤية ,ومن ثم البناء عليها 299
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بالنسبة لعالقة القوى اليسارية مع القوى اإلسالمية (بدون شرط التحالف معها) يتطلب من هذه
األخيرة أن تتخذ موقفاً واضحاً من التوجهات التالية:
أوال :تكريس أسس الدولة المدنية الديمقراطية ,وااللتزام بمفاهيم وآليات الديمقراطية السياسية واالجتماعية وترسيخها كنهج حياة مجتمعي يضمن الحرية بكافة أنواعها وفي مقدمتها حرية
المعتقد.
ثانيا :رفض التبعية للقوى االمبريالية بأشكالها المختلفة السياسية واالقتصادية والثقافية .
ثالثا :رفض االعتراف أو التطبيع مع دولة العدو الصهيوني .
رابعا :تغليب التناقضات الرئيسية على الثانوية ,وااللتزام بقواعد الحوار الديمقراطي ,واالحتكام للجماهير ,مع نبذ استخدام العنف وكل وسائل وآليات الجبر واإلكراه في إدارتها .
ففي مشهد اإلسالم السياسي الراهن ,نالحظ بوضوح كيف استطاعت جماعة اإلخوان المسلمين,
بعد أن نجحت في قطف ثمار االنتفاضات الثورية في تونس وليبيا واليمن ومصر ( قبل وبعد
سقوطها في 3102/9/21على يد الجماهير) ,تعمل إلثارة النزعات الطائفية ,وتعمل أيضاً على
السياسي الصراع بعدا نمطيا ّ ّ دينيا ,من خالل التن ّكر للوجود ّ تغييب االقتصادي االجتماعي بإعطاء ّ ائفية كقوة لل ّ ازية بك ّل أقنعتها الطّ ّ ياسية للطبقة البرجو ّ الس ّ ّ سياسية مستقلّة ونقيضة في ممارستها ّ شعب ّ
اإلسالمية في ائفية اثنية ياسية ,مهما أخذت من أشكال ّ ومذهبية .هذه القوى الطّ ّ ّ دينية و ّ ّ الس ّ ّ االجتماعية دينيا -كما تريد أن توهم -بتضليل إيديولوجي ,الفئات ّ ياسية ليست مسلمة ّ الس ّ ممارستها ّ سياسية طبقيّة تبعية ّ السياسي المستقل ,وتأسرها في ّ المسلمة الكادحة لتسلب منها حقّها في التّنظيم ّ ازية الكولونيالية. للبرجو ّ صحيح بأن الممارسة االجتماعية اإلنسانية تجعلنا نقول بنوع من الحس التاريخي بأن الحل
الوطني الديمقراطي العلماني الحديث ,يحتاج إلى مسيرة معقدة ومركبة من التضحيات الجسام ,في
وجه حل التفتيت و التجزيء الطائفي الفاشي الدموي الذي ينتصب في أفق التناقض المأزقي الطائفي
السياسي ,المدعوم من قبل القوى والطبقات الرجعية وسيدها اإلمبريالي.
إن الحديث من قبل حركات اإلسالم السياسي عن أسلمة الدولة والمجتمع ,وسقوط الدولة وتفكك
المجتمع ,ال يمكن أن يخفي عداء هذه الحركات وقوى اإلسالم الطائفي الصريح لشعوبها حتى للفئات
المسلمة منها ,ألنها في نظرها مدانة كافرة ,أو ما تطلق عليه "جاهلية القرن العشرين" ,كما ال
الوطنية الديمقراطية الحديثة التي تتفاعل فيها كل المكونات السوسيو- تخفي عداءها لمفهوم الدولة ّ ثقافية ,واالنقسامات العمودية اللغوية والدينية واال ثنية والمذهبية .فمشروعها ماضوي نكوصي يعود
إلى ما قبل الدولة.
والمفارقة هنا أنها تمارس الضحك على الذقون ,إذ تحلم بالخالفة من خالل سياسة القروض
األجنبية ,أي الخضوع للمؤسسات المالية التي تفرض اختياراتها وتوجهاتها التي تتناقض وأهداف 311
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وتوجهات واختيارات الطموحات الشعبية من ثوراتها ,والغنيمة واضحة هنا هي شعوبها وأوطانها ,ألنها بذلك تتنازل مجانا عن حقها في امتالك سيادة ق ارراتها السياسية واالقتصادية واالجتماعية .وهي بذلك
االستعمارية التي تهدد وجود الدولة والكيانات الوطنية ,من خالل إعالن فتوحات تتكامل مع المشاريع ّ في شكل حروب أهلية عنصرية طائفية داخلية ,و تدمير لحمة التنوع والتعدد واختالف النسيج المجتمعي ,وتفتيت الوحدة الوطنية ,كما جرى في العراق والسودان وكما يجري اآلن في سوريا,
ويزحف تدريجياً في مصر . الخاتمة:
تتجلى أهمية استخدام مفاهيم الحداثة و التنوير والعلمانية والثورة الديمقراطية ,من كل رفاقنا في
كافة الفصائل واالحزاب الشيوعية والماركسية العربية ,في مجابهة استقطاب القوى اليمينية بشقيها,
الليبرالي الرث والتابع المتمثل في أنظمة التبعية والتخلف واالستبداد وشرائحها البيروقراطية
الكومبرادورية الحاكمة ,واليميني الديني السلفي المتمثل في قوى وحركات اإلسالم السياسي ,إلى جانب المجابهة الثقافية والفكرية والسياسية ,لكافة الجوانب السلبية والرجعية في تراثنا ,إذ ال يمكن
انضاج وتوليد مفاهيم العقالنية والعلمانية والديمقراطية من أوضاع تابعة ومستبدة من ناحية ,ومن
هيمنة قوى ماضوية سلفية جامدة ,بل من القطيعة المنهجية والمعرفية معها من جهة ,ومع كل مظاهر التبعية والتخلف السائدة في بالدنا من جهة ثانية .
جسد في السلوك ,إال إذا انطلقنا من الفعل والتفاعل مع بمعنى آخر ,ال يكون العقل ثورياً ,وال ُي َّ
احتياجات وتطلعات الجماهير الشعبية واالندماج في مساماتها ,وخضوعنا لمنطقها ومستقبلها ,من
خالل عملية التجريد والتوضيح والتعقيل ,لكي نتمكن من استبدال وتجاوز أوضاع االستبداد واالستغالل
الطبقي ,واستبدال المنطق الموروث أو سلبياته المعرفية تحديداً التي تتمظهر وتتجلى منذ القرن الرابع عشر ,حيث تعيش المجتمعات العربية حالة من المراوحة الفكرية على تراث الغزالي وابن تيمية وابن القيم الجوزية والتواصل المعرفي مع هذه المحطات السالبة في التراث القديم (خاصة بعد إزاحة ابن
رشد وابن خلدون والفارابي والكندي والمعتزلة فرسان العقل في اإلسالم) من جهة ,ومع األنماط
اال قتصادية واالجتماعية القديمة والحديثة او الرأسمالية الرثة التابعة من جهة ثانية ,وهو تواصل
صت عليه الطبقات الحاكمة في مجتمعاتنا العربية بمختلف أشكالها وأنماطها التاريخية والحديثة َح ِر َ والمعاصرة حتى يومنا هذا ,وهو حرص استهدف دوماً إبقاء الوعي العفوي لألغلبية الساحقة من الناس في حالة من الجهل والتخلف بما يضمن استمرار مصالح الشرائح البيروقراطية الكومبرادورية
والطفيلية الحاكمة ,عبر دور متميز لحركات اإلسالم السياسي -كما هو الحال في مساحة كبيرة من
االنتفاضات العربية راهناً .
310
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فعلى الرغم من دخولنا القرن الحادي والعشرين ,إال أن مجتمعاتنا العربية مازالت في زمان القرن
الخامس عشر قبل عصر النهضة ,أو في زمان ما قبل الرأسمالية ,وبالتالي غربة مفاهيم الديمقراطية والعلمانية والمواطنة عن هذه المجتمعات ,وذلك يعود إلى رثاثة العالقات الرأسمالية في بالدنا
وتبعيتها وطابعها التجاري الوسيط – الكومبرادوري والخدمي غير المنتج ,عالوة على أن معظم شرائح
"البورجوازية" في بالدنا هي وليدة الطبقة شبه اإلقطاعية وامتداد لمصالحها ,وهي بحكم تبعيتها وطابعها التجاري ,حرصت على تكريس مظاهر التخلف االجتماعي عبر تكيفها مع األنظمة
االوتوقراطية والثيوقراطية الحاكمة ,والشواهد على ذلك كثيرة ,فالمجتمع العربي لم يستوعب السمات
األساسية للثقافة العقالنية أو ثقافة التنوير ,بمنطلقاتها العلمية وروحها النقدية التغييرية ,وابداعها واستكشافها المتواصل في مناخ من الحرية والديمقراطية ,ففي غياب هذه السمات ,يصعب إدراك
الوجود المادي والوجود االجتماعي والدور التاريخي الموضوعي للتطور أو التبلور الطبقي ,اآلمر الذي أدى إلى إضعاف الوعي بالظلم الطبقي لدى جماهير العمال والفالحين الفقراء واستمرار هيمنة أوضاع
التخلف االجتماعي في أوساطهم ,وتعطيل إدراكهم بوجودهم الطبقي المتميز ,إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي احتياجات التطور السياسي واالجتماعي واالقتصادي على المستوى القطري أو على المستوى العربي
العام ,ولعلنا نتفق أن السبب الرئيس لهذه اإلشكالية الكبرى ,يكمن في طبيعة العالقات االقتصادية واالجتماعية التاريخية والمعاصرة ,باعتبارها نتاج وامتداد ألنماط اقتصادية /اجتماعية من رواسب
قبلية وعشائرية وشبه إقطاعية ,وشبه رأسمالية ,تداخلت عضوياً وتشابكت بصورة غير طبيعية,
وأنتجت هذه الحالة االجتماعية/االقتصادية المعاصرة ,المشوهة ,والمتخلفة ,والتابعة .
أمام هذا الواقع المعقد والمشوه ,وفي مجابهته ,ندرك أهمية الحديث عن مفاهيم العلمانية
والديمقراطية والمجتمع المدني ,والنضال من أجل تطبيقها وتوعية الجماهير بها ,ولكن بعيداً عن المحددات والعوامل الخارجية والداخلية ,المستندة إلى حرية السوق والليبرالية ,ألننا نرى أن تعاطينا
مع هذه المفاهيم وفق النمط الليبرالي ,فرضية ال يمكن أن تحقق مصالح جماهيرنا الشعبية ,ألنها
تتعاطى وتنسجم مع التركيبة االجتماعية-االقتصادية التابعة والمشوهة من جهة ,ويتم استخدام
مضامين هذه المفاهيم في اإلطار السياسي االجتماعي الضيق للنخبة الطبقية ومصالحها المشتركة
في إطار الحكم أو خارجه من جهة ثانية.
وهنا بالضبط تتبدى الضرورة التاريخية التي تستدعي من القوى اليسارية الثورية في كل بلد
عربي ,تركيز أهدافها ومهماتها النضالية ,السياسية والمجتمعية ,باتجاه تغيير وتجاوز هذا الواقع ,
وان تتحمل مسؤلياتها الكبرى ,في كونها تشكل في هذه المرحلة طليعة الحامل االجتماعي الديمقراطي الثوري على طريق النهوض والتقدم الديمقراطي والعدالة االجتماعية وتحقيق أهداف الثورة الوطنية
الديمقراطية بآفاقها االشتراكية ,شرط أن تبادر أوالً إلى نشر وتعميق الوعي داخل تنظيماتها ,بمفاهيم
312
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
التنوير والعلمانية والديمقراطية والحداثة ,والثورة والفكر الماركسي المتجدد واستخدامه من أجل تغيير
الواقع الراهن وتجاوزه. هوامش
[ ]0تعريف المنهج :المنهج هو الطريق الذي يؤدي بنا إلى الهدف ,والمرتكز على مجموع القواعد الثابتة المنبثقة من التجربة الحياتية والمعارف العلمية ,فالمنهج الجدلي للمعرفة يتطلب تناول كل الظواهر في العالم المحيط بنا في ترابطها وتفاعلها وتطورها الدائم ,أما المنهج الميتافيزيقي فيتناول كل ظاهرة بصورة منفردة وبمعزل عن ترابط وتفاعل الظواهر فيما بينها ,وعند تناول التغير والحركة يغفل
المنهج الميتافيزيقي أبعاد التطور الحقيقي الموضوعية ,ويفسر العمليات أو الحركة في الطبيعة والمجتمع تفسي ارً غيبياً ".الدائرة
الثقافية"
[ ]3جون مولينو – عن الماركسية والدين– ترجمة محمد الحاج سالم – الحوار المتمدن – االنترنت – . 3102/0/2 [ ]2جون مولينو – عن الماركسية والدين -ترجمة محمد الحاج سالم – الحوار المتمدن – االنترنت – . 3102/0/2 [ ]2حوار مع فراس سواح – األسطورة مكون أساسي من مكونات الدين – االنترنت
[ ]2جون مولينو – عن الماركسية والدين– ترجمة محمد الحاج سالم – الحوار المتمدن – االنترنت – . 3102/0/2
[ ]9عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد – 216مارس – -3102ص 901 [ ]7عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد – 216مارس
-3102ص 309
[ ]1عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد – 216مارس – -3102ص 901 [ ]6جلبير األشقر" ,المستشرق الفرنسي الراحل مكسيم رودنسون وشؤون اإلسالم السياسي واألصولية" ,الحياة 2 ,سبتمبر/أيلول .3112
[ ]01جلبير األشقر ,المصدر السابق .
[ ]00جلبير األشقر – الرأسمالية المتطرفة – لإلخوان المسلمين –الحوار المتمدن االنترنت . 3102/3/1 - [ ]03الحداثة السياسية في فكر النهضة ( -عالقة الدين بالدولة) -مراد زوين
[ ]02ملخص كتاب "الدين والصراع االجتماعي في مصر" - 0612 -0671د .عبد اهلل شلبي -كتاب األهالي رقم - 97القاهرة – أغسطس 3111 - [ ]02مهدي عامل في الدولة الطائفية -دار الفارابي ط - 3112 - 2ص .62
شح األول لإلخوان المسلمين في االنتخابات الرئاسية .وبعد رفض ترشيحه استُبدل بالسيد مرسي. [ ]02كان السيد الشاطر هو المر ّ [ ]09جلبير األشقر – الرأسمالية المتطرفة – لإلخوان المسلمين –الحوار المتمدن االنترنت . 3102/3/1 -
[ ]07عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد – 216 مارس –3102ص 306
[ ]01اإلسالم/الماركسية عالقة االلتقاء واالختالف – محمد الحنفي -االنترنت [ ]06عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد – 216
مارس 3102
[ ]31مهدي عامل مدخل إلى نقض الفكر الطائفي دار الفارابي ط 2س 0616ص 027
313
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مدخل إىل الفلسفة املاركسية ..املادية اجلدلية والتارخيية
3102/01/02 المحتويات
تقديم211 .......................................................................................
الفصل ااول 300 ............................................................................... الفلسفة وتطورها التاريخي 300 ................................................................... تعريف الفلسفة200 .............................................................................
ما هي الفلسفة200 .............................................................................
نشأة الفلسفة 203 ..............................................................................
الفلسفة اليونانية( االغريقية) القديمة202 ....................................................... فلسفة العصر االقطاعي 202 ....................................................................
مجابهة الفلسفة االقطاعية 202 ................................................................. المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو والدة عصر النهضة 209 .............................
الفلسفة األوروبية الحديثة :عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حتى نهاية القرن
الثامن عشر207 ................................................................................... المسار الفكري التاريخي لعصر النهضة201 ..................................................... التنويـــر الفرنسي والفلسفة األلمانية في القرن الثامن عشر 230 .................................
أوالً :التنوير الفرنسي230 ...................................................................... ثانياً :الفلسفة األلمانية233 .................................................................... المقدمات األيديولوجية لظهور الماركسية 232 ................................................... مصادر الفلسفة الماركسية232 ..................................................................
أوالً :الفلسفة األلمانية232 ..................................................................... ثانياً :االقتصاد السياسي االنجليزي 232 ........................................................ ثالثا :االشتراكية الطوباوية232 .................................................................
الفصل الثاني336 ............................................................................... المور الفلسفة الماركسية ومصادرها ومكوناتما 336 ...............................................
تمهيد 239 ......................................................................................
المادية الجدلية237 .............................................................................
314
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المنهج الديالكتيكي الماركسي237 ...............................................................
أيهما أسبق الوعي أم المادة؟231 ............................................................... أهمية القول بأولوية المادة 236 .................................................................
المادة وأشكال وجودها221 ...................................................................... المادة 221 ................................................................................... الحركة شكل لوجود المادة 223 ............................................................... -الحركة مطلقة والسكون نسبي 223 ...........................................................
مقوالت المادية الجدلية222 .....................................................................
الخاص والعام222 .............................................................................. ما هو الخاص والعام 222 .................................................................... -جدلية الخاص والعام229 .....................................................................
المضمون والشكل 229 .......................................................................... ما هو المضمون والشكل 229 ................................................................-التناقض بين الشكل والمضمون229 ...........................................................
الجوهر والظاهرة227 ............................................................................ ما هو الجوهر والظاهرة227 .................................................................. جدلية الجوهر والظاهرة 221 .................................................................. -أهمية مقولتي الجوهر والظاهرة 221 ..........................................................
السبب والنتيجة 221 ............................................................................ -ما هو السبب والنتيجة221 ...................................................................
الضرورة والصدفة 226 .......................................................................... ما هي الضرورة والصدفة ؟226 .............................................................. جدلية الضرورة والصدفة221 ................................................................. -أهمية مقولتى الضرورة والصدفة221 .........................................................
االمكانية والواقع221 ............................................................................ -ما هي االمكانية والواقع 221 .................................................................
الفصل الثالث 343 .............................................................................. نالرية المعرفة في المادية الجدلية 343 ...........................................................
تمهيد 223 ....................................................................................: ما هي المعرفة ؟ 222 ........................................................................315
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الممارسة نقطة انطالق عملية المعرفة وأساسها222 .......................................... وحدة النظرية والممارسة222 ................................................................. من التفرج (أو التأمل) الحي إلى التفكير المجرد222 .......................................... المعرفة الحسية 222 ......................................................................... -المعرفة المنطقية 229 ........................................................................
المذهب الماركسي عن الحقيقة 229 ............................................................. موضوعية الحقيقة229 ....................................................................... من الحقيقة النسبية إلى الحقيقة المطلقة 227 ................................................ الحقيقة الموضوعية :ديالكتيك الحقيقة المطلقة والنسبية 227 ................................ -الممارسة محك الحقيقة221 .................................................................
الممارسة كأساس للمعرفة ومقياس للحقيقة226 .................................................
المكان والزمان 221 ............................................................................. -المفهوم الفلسفي عن المكان والزمان 221 ....................................................
الدور الحاسم للعمل في ظهور الوعي220 ....................................................... اللغة والتفكير 223 .............................................................................. نظرية التطور الديالكتيكية 222 ..................................................................
الفصل الرابع 384 ............................................................................... قوانين الديالكتيت384 ............................................................................ تمهيد 222 ...................................................................................... قانون االنتقال من التبدالت الكمية إلى التبدالت النوعية222 .................................. وحدة شكلي التطور :الشكل االرتقائي والشكل الثوري -القفزات 227 .......................... قانون وحدة وصراع المتناقضات 221 ......................................................... -الخطوط الرئيسية للديالكتيك الماركسي عن قانون وحدة وصراع المتناقضات 226 ..............
قانون نفي النفي 292 ........................................................................... -األحكام األساسية لهذا القانون292 ...........................................................
الديالكتيك كنظرية للمعرفة 291 .................................................................. -المنطق الديالكتيكي والمنطق الشكلي291 .....................................................
الفصل الخامر369 ............................................................................. المادية التاريخية 369 ............................................................................ موضوع بحث المادية التاريخية 296 ............................................................. 316
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-مقدمات ظهور المادية التاريخية270 .........................................................
-0المقدمات االجتماعية – االقتصادية 270 .................................................... -3المقدمات الفكرية النظرية270 .............................................................. -المقوالت األساسية للمادية التاريخية 273 .....................................................
التشكيل االجتماعي – االقتصادي273 ........................................................... اإلنتاج المادي كأساس لوجود المجتمع وتطوره 272 .............................................
)0مفهوم اإلنتاج272 .......................................................................... )3قوى اإلنتاج في المجتمع 279 ............................................................... )2عالقات اإلنتاج277 ......................................................................... ديالكيتك تطور قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج271 ................................................ قانون توافق عالقات اإلنتاج ومستوى تطور القوى اإلنتاجية276 ............................... :
أثر عالقات اإلنتاج على تطور قوى اإلنتاج211 .................................................
القاعدة االقتصادية والبناء الفوقي 210 ..........................................................
317
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
تقديم...
لم يكن انميار االتحاد السوفيتي وبلدان المنالومة االتشتراكية حدثال طارلزال فزي تزاريخ البتشزرية المعاصزر،
بل حمل في طياته مقدمات وعوامل انمياره عبر تراكمات بدأت مفاعيلما طوال عقود طويلزة سزبقت لحالزة
االنميار.
لقززد جززاء ذلززت االنميززار فززي لحالززة تطوريززة علميززة واقتصززادية واجتماعيززة وثقافيززة هاللززة مززن لحالززات
التطور المعاصر لكوكبنا تم تتويجما في نالام العولمة الذي جاء بدوره انعكاسزال لوصزول النالزام ال أرسزمالي اإلمبريالي مرحلة الذروة في تطوره ومحاوالته الميمنزة علزس مقزدرات تشزعو العزالم عمومزال والتشزعو الفقيزرة في بلدان العالم الثالث ومن بينما بلدان وطننا العربي خصوصال.
وفززي مثززل هززذه الالززروف والمتغيزرات خززالل العقززدين الماضززيين ،كززان مززن الطبيعززي أن تتعززر
القززوى
وااح اإ التشزيوعية واليسزارية العالميزة ىلزس حالزة مزن الت ارجزع واالرتبزات الزذي وصزل ىلزس تشزكل مزن أتشزكال الفوضززس الفكريززة ،خاصززة تجززاه الموقززف مززن الماركسززية ،لكززن بتشززاعة االسززتغالل ال أرس زمالي فززي مرحلززة
العولمززة الراهنززة ،أكززدت مززن جديززد علززس عززودة الماركسززية لززير فقززط كنالريززة ثوريززة تلبززي تطلعززات ومصززالح العمززال والفالحززين الفق زراء وكززل الكززادحين والمضززطمدين ،بززل أيض زال عودتمززا كنالريززة علميززة متجززددة قابلززة للتطور وفق الروف عصرنا الراهن ومتغيراته بما يخدم خصوصية هذا الواقع االجتماعي االقتصزادي فزي
هزذا البلزد أو ذات ،مزن هنززا يبزرإ أمامنزا سزؤال مززا هزي الفلسزفة الماركسزية الززذي مزا إال متزداوالل – بمززذه الدرجة أو تلت من الجدية والزوعي أو الت ارجزع أو االرتبزات – بزين معالزم رفاقنزا فزي جميزع أحز اإ وفصزالل
اليسزار العربزي ،ومزا إال النقززا
حزول هزذا السزؤال محمزوالل بالتشزكوت او اليقززين العزاطفي البعيزد -بمسززافة
نسززبية بززين هززذا الرفيززق او ذات– عززن امززتالت الززوعي بالفلسززفة وبالنالريززة الماركسززية وقوانينمززا ومقوالتمززا وجوهرهززا المززادي النقززي
للفلسززفة المثاليززة ولكززل اافكززار والمفززاهيم الغيبيززة أو الميتافيإيقيززة ،مززا يعنززي ان
أح ز اإ وفصززالل اليسززار العربززي تعززي
عموم زال حالززة مززن االرتبززات الفكززري أو فوضززس اافكززار ،عززإإت
وكرسززت – حتززس اللحالززة – نوع زال مززن التفكززت أو الت ارجززع فززي هويتمززا الفكريززة ،لحسززا
"هويززات" أو أفكززار
طارلة توفيقية وملتبسة أو تشكالنية ذات طابع وطني أو قزومي مبسزط أو مبتزذل أو دينزي أو ليب ارلزي متشزوه
،علززس الززرغم مززن ان الماركسززية ،نالريززة علميززة ال تحتمززل أي تشززكل مززن أتشززكال التوفيززق مززع "المويززات"
ااخرى المتشار ىليما.
ولذلت ف ن درور وعبر االلتإام الخالق بالماركسية ،كموية فكرية ناالمة احإابنا وفصاللنا ،تتجلس
في ضرورة الوعي بالنالرية والتفاعل معما من خالل وعي مكونات الواقع االقتصادي االجتماعي والسياسي والثقافي في هذا البلد العربي أو ذات ،كعملية جدلية في ىطار المنالومة الفكرية والسياسية والتناليمية المتكاملة ،بحيث ال يجوإ للكادر أن يكتفي فقط بقراءة العديد من الكت
الماركسية دون أن
يتعاطس مع القضايا ااخرى ،السياسية والتناليمية ،والمجتمعية ،والجماهيرية برؤية تشمولية مترابطة ،
318
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فالقراءة أو التثقيف الحإبي ،علس أهميته وضرورته وأولويته القصوى ،ىال أنه يالل طريقال أو بعدال أحاديال ال يمكن ان يحقق تأثيره أو نتالجه المأمولة بدون التفاعل مع كافة القضايا ااخرى بصورة تشاملة
ومترابطة ،بحيث يمكن عندلذ الحديث عن تحول النالرية الماركسية ىلس منما عمل ،ووالس سياسات وأوضاع وهياكل تناليمية متاللمة ومتطلبات وأهداف هذا الحإ أو الفصيل أو ذات ،وبدون ذلت تالل
الماركسية مجرد الفتة حمراء أو تشعا الر مرفوعال محكومال للتشكل أو المالاهر بعيدال عن الجوهر الحقيقي الذي توخته أو استمدفته.
وهنا تتبدى أهمية طرح السؤال مجددال :ما هي الماركسية وجوابنا الصريح والواضح رغم كزل مزا يزدور
مززن نقاتشززات موضززوعية او مقترحززة حززول هززذا الموضززوع ،ان الماركسززية هززي نالريززة علميززة ،بمعنززس انمززا تتكززون مززن مجموعززة مززن الق زوانين والمقززوالت والفرضززيات ،وهززي أيضززا – وهززذا هززو الممززم -تنطززوي علززس
المنما :أي الطريقة أو ااسلو ،وهما ااداة ااساسية لكل علم من العلوم ،وفي هذا الجان
نؤكد علس
"أن الماركسية ليست "علمال" بالمعنس المعتاد للكلمة ،وواال لكفس أي انسان –كما يقول الصزديق البروفيسزور جيلبير ااتشقر -أن يدرسما في مدرسزة أو جامعزة مزا ويتخزرو بتشزمادة فزي "الماركسزية" وهزو أبعزد مزا يكزون عن الماركسية الجوهرية".
ومن ذلت المنطلق الثزوري بامتيزاإ تتبنزس الماركسزية وجمزة كافزة المضزطمدين :الطبقزة العاملزة بوصزفما زر... الطبقة المنتِجة غير المالكة ،والنساء باعتبارهن الجنر المضطمد واامم والتشعو المقمورة ،وهلزم ج ا وهذه نقطة أساسية في التثقيف الثوري لسب
بديمي هو التالي :قبل أن يتعلم المناضلون الماركسية كعلم،
ولكي يستوعبونما حقال ،ال بد لمم بادىء ذي بدء أن يتلقنوا منطلقاتما ااخالقية ويجعلونما منطلقاتمم ،وواال
فما قيمة "المناضل" الذي يدعي الثورية وحفال التشعارات الماركسية عن المر قل
وال تإال عادات التعالي
اإلجتماعي ىإاء ااتعر منه حالال ،والذكوريزة والعنصزرية والتشزوفينيه تخزيم علزس أطباعزه .فمزا نفزع "الماديزة
الديالكتيكية والتاريخية" ىذا درسما ذات "المناضل" وهو لم يزتخل
مزن رواسز
سزلبيات تربيتزه اإلجتماعيزة
التي تتناق
مع مبادئ ومفاهيم الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة
أخالقية يجز
التحقزق مزن فمممزا لزير عزن طريزق المسزابقات الخطيزة ،بزل فزي الممارسزة داخزل الحزإ أو
ىن المنطلقززات والمفززاهيم التربويززة وااخالقيززة الماركسززية ال يمكززن د ارسززتما كززأي"علززم" بززل فقززط كمبززادىء
الفصيل ،وعلس مستوى الحياة اليومية .
وهنززا ال بززد مززن التأكيززد علززس الكيفيززة التززي نتعززاطس بمززا مززع المززنما 1الجززدلي الماركسززي فززي الممارسززة
الحياتيززة ،لززير مززن أجززل الززتخل 1
مززن الرواسز
االجتماعيززة الرجعيززة السززالدة ،بززل أيضزال مززن أجززل مراكمززة
تعريف المنهج :المنهج هو الطريق الذي يؤدي بنا إلى الهدف ,والمرتكز على مجموع القواعد المنبثقة من التجربة الحياتية والمعارف العلمية ,فالمنهج الجدلي للمعرفة يتطلب تن اول كل الظواهر في العالم المحيط بنا في ترابطها وتفاعلها وتطورها الدائم ,أما المنهج الميتافيزيقي فيتناول كل ظاهرة بصورة منفردة وبمعزل عن ترابط وتفاعل الظواهر فيما بينها ,وعند تناول التغير والحركة يغفل المنهج
الميتافيزيقي أبعاد التطور الحقيقي الموضوعية ,ويفسر العمليات أو الحركة في الطبيعة والمجتمع تفسيراً غيبياً ".الدائرة الثقافية"
319
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ووعي منطلقات أخالقية تتفاعل بصورة جدلية خالقة مع ىستراتيجية أحإابنا وفصزاللنا اليسزارية فزي الزوطن العرب ززي ،ورؤيتم ززا الثوري ززة التغييري ززة م ززن أج ززل التح ززرر ال ززوطني وال ززديمقراطي والعدال ززة االجتماعي ززة بآفاقم ززا االتشتراكية الوطنية والقومية وااممية ،مزا يسزتدعي بالضزرورة تعميزق الزوعي فزي صزفوف الرفزاق بالنالريزة
الماركسية وأدبياتما ومسارها التطوري المعرفي والسياسي منذ منتصف القرن التاسع عتشر ىلس يومنا هذا .
فالمنما الجدلي المادي تشانه تشأن مزنما العلزم ،يمزدف لتطزوير النالريزة لكزي توجزه الممارسزة الحياتيزة
التي بدورها تطور وتغني النالرية ،وهذا بالضبط ما قصده "كزارل مزاركر" بقولزه "ىننزي لزم أضزع ىال حجزر
الإاويززة فززي هززذا العلززم " مززا يؤكززد علززس أن نالريززة المعرفززة الماركسززية هززي جززإء مززن صززيرورة حركززة الحيززاة ومتغيراتما التي ال تعرف الجمود او التوقف ،وهزو مزا يعنزي بوضزوح تشزديد رفضزنا التعزاطي مزع الماركسزية
فززي ىطززار مززنما أو بنيززة فكريززة مغلقززة أو نماليززة التكززوين والمحتززوى ،بززل يتوج ز
علينززا ان نتعززاطس معمززا
كمززنما او بنيززة فكريززة تتطززور دوم زال مززع تطززور االنجززاإات واالكتتشززافات العلميززة فززي جميززع مجززاالت الحيززاة وحقالقما الجديدة ،ىذ أن الماركسية تكف عن ان تكون نالريزة جدليزة ىذا مزا تزم حصزرها فزي ىطزار منمجزي
منغلق أو في الروف تاريخية محددة.
ىذن الماركسززية لمززا منمجمززا ،الززذي هززو اداة لكتشززف وتحليززل الال زواهر االجتماعيززة والطبيعيززة ،يفززر
علس كل ماركسي ان يتابع بروح نقدية استكتشافية عقالنية كافة التطورات والصراعات االجتماعيزة ،لتقزديم
الرؤى والبراما وآليات العمل المادفة الس تغيير وتجاوإ الواقع المحكوم من قبل الطبقات المستغلة في هذا البلززد او ذات لحسززا
تحقيززق أهززداف المضززطمدين وكززل الكززادحين والفق زراء فززي االنعتززاق والتحززرر والعدالززة
االجتماعية بآفاقما االتشتراكية.
وفي هذا السياق ،ف ننا نتشير ىلس أن أيال من قزوى اليسزار العربزي ،لزم تزنجح تاريخيزال بتعمزيم وتكزرير
منماجما اايديولوجي ومنطلقاتما التربوية ااخالقية ،وثقافتما العقالنية علس قواعدها التناليمية من الناحية
الجوهرية ،وبالتالي اللت االيديولوجيا بوجه عام غير ممأسسة تناليميال ومتناثرة ومحصزورة أو محاصزرة او هامتشززية ممملززة ،ولززم ترتززق بأفضززل أحوالمززا لتتشززكل ناالم زال للحيززاة التناليميززة او حالززة فكريززة جماعيززة أو
قاعززدة واس ززعة ل ززوعي نال ززري م ززنالم ،االم ززر ال ززذي يسززتدعي م ززن ه ززذه الق ززوى ،أن تب ززدأ ج ززديال بتفعي ززل البع ززد اايززديولوجي باعتب ززاره أح ززد أه ززم مرتك زإات الح ززإ وص ززيرورته الراهن ززة والمسززتقبلية ،عب ززر االلتززإام بمأسس ززة
النتشاط الفكري في االذهان بما يضمن ىحياء وتجديد ىطار التفاعل الجاري بتشأن ىعزادة االعتبزار للنتشزاط التثقيفززي لمنالمززات الحززإ القياديززة والكادريززة والقاعديززة ،كبوصززلة ومرجعيززة اولززس ومترافقززة ضززمن مسززيرة النضززال التشززاملة ولتحقيززق أهززداف الثززورة الوطنيززة التشززعبية التحرريززة الديمقراطيززة بآفاقمززا االتشززتراكية فززي كززل
بلدان وطننا العربي.
غازي الصوراني اكتوبر 3103 301
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الفصل األول
الفلسفة وتطورها التارخيي تعريف الفلسفة :
الفلسفة ليست ح
الحكمة فحس
..ىنما في المقام االول ح
المعرفة ،وهي قبل كل تشيء موقف
اإلنسزان مزن الالزواهر وااحزداث السياسزية واالجتماعيزة والطبيعيزة مزن حولزه ..اإلنسزان الحقيقزي هزو
الموقف ،اإلنسزان الالمبزالي ،ىنسزان ال يسزتحق االحتزرام ..مزن ناحيزة أخزرى ىن الموقزف المقزاوم للاللزم الطبقزي واالسزتبداد ومقاومزة المحتزل هزو موقزف واعزي بتشزكل مسزبق بااهزداف التحرريزة والديمقراطيزة .. وبزدون ذلزت الزوعي فزي تشزكله العفزوي أو الطليعزي ال يتحقزق رد الفعزل المقزاوم لالسزتبداد او لالحزتالل أو
الاللزم االجتمزاعي ..ىن الزوعي بزالاللم االجتمزاعي وباالسزتغالل هزو المقدمزة الضزرورية لعمليزة التغييزر
االجتماعي ..ىن كل أتشكال هذا الوعي هي موقف فلسزفي بتشزكل مباتشزر أو غيزر مباتشزر ،ىن االلتحزاق
الطوعي في العمل الحإبي هو تشكل متطور للموقف الفلسفي وانتقاله من تشكله البسيط ىلس تشكله وجوهره الطليعي ،هنا يتحول الوعي – عبر المعرفة – ىلس اراده واعية من أجل التغيير الثوري والديمقراطي.
ىن الواليفة الجوهرية لكل فكر أو فلسفة هي الكتشف عن معضلة الواقع عبر نقدها نقدا واعيا ينفذ ىلس
مكنوناتما ،لمعرفة قوانينما ..ومن ثم العمل علس ىإاحة المعضلة وتغيير الواقع ..من هنا فالحديث عن نماية الفلسفة ،هو حديث عن نماية الفكر ،ونماية الواليفة الجوهرية المرتبطة باستتشراف المستقبل أو
تحليل الواقع وتغييره ،وفي هذا السياق ،نقول ،ىن الحديث عن نماية الفلسفة قد الإم تاريخما منذ بدايتما
،ويتواجد جنبا الس ...جن
مع الحديث عن البدايات ،ىذن فكل حديث عن النماية هو بداية لتشيء ما ،
وكل حديث عن البداية هو نماية امر آخر ....ألير المفكر هو من يموى صناعة السؤال وحرفة
االستفمام كذلت فن صناعة السؤال يستلإم اإلحاطة بالكثير من ااجوبة ...وهذه االحاطة آمل أن تكون
متوفرة بالمعنس النسبي لدى رفاقي وأصدقالي من أجل تعميق معارفمم في خدمة ممارساتمم من اجل التغيير ،فبقدر ما يتملت المرء من أجوبة ،كذلت يكون " قدر " ااسللة التي يطرحما.
ما هي الفلسفة
ىن التعريززف الززذي نتوخززاه للفلسززفة يقززول بززأن الفلسززفة هززي مجموعززة مززن النال زرات التشززاملة ىلززس العززالم
والطبيعة والمجتمع واإلنسان عبر التالإم الجدلي بين العام والخا
.
• ىنما مجمل اآلراء والتصورات عن القضايا العامة لتطور الوجود والوعي(عالقة الفكر بالوجود).
300
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
• هي تشكل من أتشزكال الزوعي االجتمزاعي (أتشزكال الزوعي االجتمزاعي هزي :العلزم -الفلسزفة -الفزن -
ااخالق -السياسة -الدين كلما مترابطة عضويال ).
هنات مستويين من الوعي االجتماعي - 0 :مستوى عفوي -اعتيادي -3مستوى عميق – طليعي
(أيديولوجي).
األول :المستوى العفوي( االعتيادي ): أو السيكولوجي االجتماعي وهزو يمثزل وعزي النزار لألحزداث والوقزالع والالزواهر السزطحية واالنفعزاالت
واامإجززة ويرسززخ فززي العززادات والتقاليززد وااع زراف لززدى جميززع الفلززات االجتماعيززة والطبقززات واامززم ،هززذا
المس ززتوى يعب ززر ع ززن العالق ززات والمص ززالح اليومي ززة والقريب ززة للن ززار بارتباطم ززا بالبع ززد الت ززاريخي أو الت ارث ززي
المتراكم بكل معطياته السالبة واإليجابية .
الثاني :المستوى الطليعي (الثقافي االيديولوجي): ويعني تعمزق الزوعي بتشزكل نزوعي فزي سزبر أغزوار الوجزود االجتمزاعي ،فاايزديولوجيا تعكزر الجوانز
الداخليززة المامززة مززن الحيززاة االجتماعيززة -قوانينمززا وقواهززا االجتماعيززة المحركززة ونإعززات تطورهززا ،فززالوعي علززس المسززتوى اايززديولوجي يعكززر الوجززود االجتمززاعي فززي النالريززات واافكززار والمززذاه
والمفززاهيم وهززو
يصاغ بتفكير وترو عميقين من قبل ممثلين للطبقة المعنية ( ىنمم ىيزديولوجيو الطبقزة ااكثزر فعاليزة وقزدرة
علس " اإلبداع " بما يحقق نإوعمم نحو السيطرة أو اانعتاق ).
أخي ـ ار ..الفلسززفة فززي رأينززا هززي أهززم تشززكل مززن أتشززكال الززوعي االجتمززاعي (تززنعكر فيززه حصززيلة التقززدم
العلمززي واالجتمززاعي وكافززة التناقضززات االجتماعيززة ) ىنمززا كمززا يقززول مززاركر إبززدة عصززرها الروحيززة وهززي روح الثقاف ززة الحي ززة ،وبم ززذا المعن ززس ال يمكنن ززا ع ززإل الفلس ززفة ع ززن معطي ززات التح ززرر ال ززوطني وال ززديمقراطي
النمضززوي العربززي ،كمزا اليمكززن عإلمززا عززن الواقززع السياسززي االجتمززاعي االقتصززادي الززذي نعيتشززه اليززوم ، ان الت ز زرابط بز ززين الفلسز ززفة والسياسز ززة والتز ززاريخ أصز ززبح حالز ززة موضز ززوعية فز ززي عص ز زرنا ال ز زراهن علز ززس وجز ززه
الخصو
.
نتشأة الفلسفة :
• نتشززأت الفلسززفة القديمززة وتطززورت فززي ارتبززاط وثيززق بالتصززورات ااسززطورية والخياليززة حززول الوسززط
المحيط باإلنسان ( أصل العالم نار -ماء-فراغ ) هيراقليطر -طالير وغيرهم . * وجها الفلسفة:
الوجه المثالي ,والوجه المادي: كل منمما يحاول اإلجابة عن المسألة ااساسية في الفلسفة!!..
عالقة الفكر بالوجود أو عالقة الروح بالطبيعة … ىنه السؤال الخالد أيمما أسبق ىلس الوجود عبر اإلجابة علس هذا السؤال يتحدد موقفنا مع المثالية أم مع المادية ومنمجما.
302
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
* المفكر المادي: هو الذي ينالر ىلزي العزالم المحزيط باإلنسزان ( تشزمر ونجزوم وأر
وبحزار وكالنزات حيزة ) علزس أنمزا
أتشززياء موجززودة موضززوعيال ،أي أنمززا غيززر مرهونززة فززي وجودهززا بززالوعي البتشززري ،مززن ناحيززة أخززرى تززرى المادية أن العالم الموضوعي هو عالم سرمدي ،غير مخلوق وأنه هو علة وجود الوعي ،ال العكر ( أي
أنه سب
الوعي).
* المفكر المثالي: يقول بأن الوعي ( أو الفكر أو الروح أو اإللزه الفزرق ) هزو ااسزبق علزس الوجزود .ىنزه ينكزر أن يكزون
وعززي النززار انعكاس زال للواقززع الموضززوعي (.مثاليززة ذاتيززة ،وموضززوعية ) .بززالرغم مززن موضززوعية الرؤيززة
المادية للعالم ،ىال أننا ال ندعو ىلي الوقوف أمزام هزذه المسزألة التزي قزد تثيزر كثيز الر مزن الجزدل و التسزاؤالت والخالف ززات دون أي طال ززل ف ززي ه ززذه المرحل ززة بال ززذات ،نح ززن م ززع الم ززنما العلم ززي الج ززدلي وم ززع الموق ززف
الموضزوعي تجززاه كزل مززا تتعزر
لززه مجتمعاتنزا العربيززة فززي كزل جوانبمززا الحياتيزة مززن أجزل الوصززول عبززر
االجتماعيززة والديمقراطيززة والنمززو
ب عتبززار هززذه القضززايا ىطارنززا العملززي المباتشززر فززي مواجمززة الواقززع مززن
هذا المنما ىلي المواقف والتطبيقات التي نتطلزع ىليمزا فيمزا يتعلزق بزالتحرر السياسزي واالقتصزادي والعدالزة
حولنا وفي تطبيق وعينا الفلسفي أو المنمجي أو السياسي علس هذا الواقع ،هذا هو المقيار.
الفلسفة اليونانية( االغريقية) القديمة
برإت الفلسفة اليونانية في القرنين السادر والخامر ق.م و ىستمرت حتس القرن ال اربزع ق.م ثزم بزرإت
بعدها الفلسفة الرومانية في أواخر القرن الثاني ق.م حتي القرن السادر الميالدي .
ىن افضليه الفلسفة اإلغريقية ىنما كانت الرالده في تحرير الفكر عبر تساؤالتما عن طبيعة الوقع
وحقيقة العقل و العديد من القضايا ذات الطابع المعرفي التشمولي ،و بقدر ما كانت عالمة االغريق
قالمه علس ضوء الفكر ،ىستندت روما -التي وضعت فلسفه مواإيه للفلسفه اليونانيه الس " عالمة القوة ".
في تعرضنا للفلسفة اليونانية يبرإ كل من افالطون و ارسطو كمحور اساسي لمذه الفلسفة ،آخذين
باالعتبار و التقدير دور العديد من الفالسفة االغريق الذين وضعوا االسر التي ىنطلق منما كل من افالطون و ارسطو ،من هؤالء " طالير " الذي قال ىن جميع الموجودات صدرت عن مادة رطبة (الماء
البارد ) ،وتلميذه " انا كسمندر " الذي كان ماديا ىهتم بحقالق الكون وأصل الحياه ،ثم فيتاغورث - المولود في ىيطاليا ( 811-851ق.م ) الذي آمن بتناسخ االرواح ،و ىتشتغل بالحسا
و المندسة ،و
هو القالل بان " هذا العالم كرة ناريه حية " و هيراقليطر " ذلت الفيلسوف المادي الذي اعلن ان " بداية
هذا الكون من النار وان هذا العالم سيالل نا الر حية تنطفي بمقدار و تتشتعل بمقدار " و" انا كساغور"
الذي قال "ان التشمر جس م مادي و أن العالم يتألف من عدد ال متناه من الدقالق الصغيره و ان الحياه 303
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عمليه دالمه و متصلة و مستمرة " ،ىتممه" ديمقراطيو اثينا االرستقراطيين باإللحاد و طردوه منما ،بعد
ذلت برإت "السفسطاليه" كالاهرة فلسفيه لعصر ديمقراطية العبيد في اثينا ،حيث كان االنسان عند
السفسطاليين" معيار ااتشياء جميعال ،وتشككوا في التصورات الدينية " ثم " ديمقريطر " الفيلسوف المادي الذي قال " لير في هذا العالم اال الخالء والذرات تتألف منما كل الموجودات " ،وارجع المور الكالنات الحية الس الالروف الطبيعية عبر توحد الذرات ،كان نصي الر للديمق ارطية العبودية ،بعكر " سقراط " رالد
الفلسفة االرستقراطية النخبوية الذي وقف بعناد ضد الديمقراطية في اثينا ب عتبار انما تؤدي -كما يقول-
الس الفوضس عبر تحكيم الجماهير الدهماء في هذه العملية ،ونتيجة موقفه حكم بالموت رافضال طل
الرحمة من الجماهير ،من أهم اقواله " أي تشيء اتشد سخرية من هذه الديمقراطية التي تقودها الجماهير
التي تسوقما العاطفة " ألير من الغرابة ان يحل مجرد العدد محل الحكمة " ،وجاء افالطون ( -439 349ق.م) من بعده كتلميذ نجي
استاذه ليستكمل الرسالة في العداء للديمقراطية وفق اسر مغايره ،انه
فيلسوف الفردية اارستقراطية الذي نتشأ في جو ارستقراطي مريح.
" ان التغير عند افالطون معناه االضمحالل ،بينما الكمال معناه انعدام التطور " لقد اراد مجتمعال
ثابتا (اسبرطيا ال يتحرت بالديمقراطية كما في اثينا ) يتولس ادارته نخبة مختارة من االرستقراط الذين يمتلكون القدره علس التفكير و التأمل لإلتشراف علس ضبط "المجتمع الثابت " الذي يج
ان تقتلع منه
تلت القوى التس تعمل من اجل التغيير ،هذه االفكار طبقتما اارستقراطية االوروبية فيما بعد طوال اكثر
من الف عام تحت راية الكنيسة او النخبة الالهوتيه ،وهذه االفكار موجودة نسبيا في تراثنا العربي حيث
نالحال تعاي
الوعي العفوي مع مفموم "حالة الثبات " عبر امثلة كثيرة منما " الذي ينالر الس اعلس
تقطع رقبته " و " العين ال تعلو علس الحاج
" و العديد من االمثال التي تدعو الس تكرير حالة الثبات
ضد التغير.
فلسفة العصر االقطاعي
• المززرت هززذه الفلسززفة بعززد اسززتقرار وتفعيززل دور الكنيسززة فززي الغززر خززالل الق زرنين الثززاني والثالززث الميالديززين ،وتعاالمززت هيمنتمززا فززي القززرن السززادر بعززد الغززاء االفالطونيززة واعززالن المسززيحية ديززن الدولززة
الرسمي عام 839م(يوستينيانور).
• هيمنت االيديولوجيزة الدينيزة علزس الحيزاة الفكريزة فزي هزذا العصزر حيزث تحولزت الفلسزفة الزس خادمزة
لالهزوت عبزر طابعمزا الرجعزي التصزوفي وكزان مبررهزا ان الحكمزة والمعرفزة تزتم فقزط عبزر الوجزد الصززوفي ورفز ز
التجرب ززة او طري ززق العق ززل ،لق ززد انحط ززت الفلس ززفة ف ززي ه ززذا العص ززر ال ززس درت التص ززوف والس ززحر
واالساطير ،وارتدى صراع الطبقات فيه تشكل خافت من الصراع الديني .
ابرإ فالسفة هذا العصر :افلوطين (391-318م) الذي قزال ان التطزور يبزدأ بزااللمي الزذي ال يمكزن
االحاطة به ويج
االيمان به. 304
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اوغسززطين (431-384م) ال ززذي ت ززأثر باالفالطوني ززة الجدي ززدة (الت ززي وض ززع اسس ززما افالط ززون) واعتن ززق
المسزيحية فيمزا بعززد ،مزن اقوالزه "االنسززان يملزت الحريززة ولكزن كزل مززا يفعلزه بز رادة مسززبقة مزن اهلل"" ،الحيززاة الجإلي" " ،اننا نعرف اهلل ال بالتفكير بل باإلع ار
الدنيوية سقوط وانفصال عن االإلي واتصال بالناق
عن التفكير" ،هذه المواقف تم تطبيقما عمليا في هذا العصر بما يخدم الكنيسزة واالمزراء ،بحيزث تحولزت
الفلسفة الس "علم" جنوني بالغي
وامتإاو االيمان بالسحر.
بعزد ذلزت المزرت الفلسزفة السزكواللية (المدرسزية ) scholasticismخزالل القزرنين الثزاني عتشزر والثالزث
عتشز ززر المتز ززأثرة باالفالطونيز ززة المحدثز ززة ومثلز ززت التيز ززار الرليسز ززي فز ززي فلسز ززفة المجتمز ززع االقطز ززاعي ،كز ززان
السززكوالليون أعضززاء مززؤثرين فززي الرهبنززة المسزيحية وكززانوا اعضززاء فززي محززاكم التفتززي هذا التيار توما االكويني (0394-0338م) الذي خا
،مززن اهززم مفكززري
صراعا حادا ضد الرتشدية حينما كان أستاذا في
جامعة بارير ،قال ان االيمان والعقل يتشكالن وحدة منسجمة وال يختلفان بعكر ابن رتشد " ،الصورة عنزد
توما ااكويني توجزد بزدون المزادة ،امزا المزادة فزال يمكزن ان توجزد بزدون الصزورة (بزدون اهلل) ،وان الزوحي اإللمي ال يتضمن أي خطزأ وفزي حالزة وجزود التنزاق
الالهوت وان الحاكم يج علس اار
فزان المخطزسء هزو العقزل ال االيمزان او الفلسزفة ال
ان يخضع للسلطة الروحية التي يقف علس رأسما المسيح فزي السزماء والكنيسزة
" لقد كانت "التوماوية" بمثابة المرتكإ الفكري للكنيسة الكاثوليكية المميمنة علس عقول النار
في ذلت العصر.
مجابهة الفلسفة االقطاعية
بززدأت المجابمززة عبززر عززدد مززن المفك زرين كززان مززن أبززرإهم العززالم الفيلسززوف روجززر بيكززون (-0304
0394م).؛ الذي طرح فك الر نقديال " للفلسزفة االقطاعيزة عبزر ىعالنزه أن الوصزول ىلزس الحقيقزة يتطلز العوالق التي تعتر
المعرفة " وأهم هذه العوالق عند بيكون" :رواس
لمفكري الماضي ،وأن أفكارنا الصحيحة يج
ى اإلزة
الجمل وقوة العادة والتبجيل المفرط
أن تثبت بالتجربة".
لقد كانت هذه اآلراء المعول ااول في هدم المعطيات الفكرية لمذا العصر بالرغم مزن أنمزا كانزت سزببال
فززي سززجنه ،وكانززت أيض زال أحززد مقومززات المززذه
البروتسززتنطي الززذي ي زرف
الموجززودة لززدى الكاثوليززت واارثززوذكر ،حيززث أكززد أصززحا
هززذا المززذه
القديسززين والعززذراء والماللكززة
أن " النعمززة اإللميززة تصززل ىلززس
اإلنسززان مززن عنززد اهلل دون وس زاطة الكنيسززة " هززذا الموقززف جعززل مززن الكنيسززة والبابززا – فيمززا بعززد -تشززيلال
تشكليال وساهم في تحرير اإلنسان من ااغالل الفكرية للعصر اإلقطاعي. ىن المغ ززإى ال ززذي ن ززدعو ىل ززس استخالص ززه م ززن ه ززذا االس ززتع ار
العصززر اإلقطززاعي علززس وجززه الخصززو المقارنزة الموضزوعية لزبع
ل ززبع
يكمززن فززي امكانيززة تززوفير بعز
جوانز ز
الفلس ززفة عمومز زال وف ززي
المقومززات الفكريززة الالإمززة لعقززد
أوجزه السززمات الفكريزة والثقافيزة واالجتماعيزة المترديززة فزي وطننزا العربزي التززي
305
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
تتقززاطع أو تتتشززابه فززي جوهرهززا أو فززي نتالجمززا مززع المقومززات الفلسززفية والفكريززة واالجتماعيززة التززي عرفتمززا
أوروبا في العصر اإلقطاعي ،الذي تميإت فلسفته بأنما:
.0انطلقت من فرضيات مذهبية جامدة ال يمكن ىثباتما بالتجربة أو بالمالحالة . .3لم تمتم بالعلوم أو الوقالع الحياتية .
.3لززم تتطلززع ىلززس البحززث عززن الحقيقززة ،فقززد كززان هززم معالززم المفك زرين فززي هززذه المرحلززة ىثبززات صززحة العقالد الدينية لتثبيت مصالح ملوت أوروبا والكنيسة ورموإ اإلقطاع .
ىن الفكر اإلقطاعي لم يمتم ببحث المسالل المطروحة بل إو في ىطار النتيجة المسلم بما ،وكزان البزد
للفلسززفة القالمززة علززس مثززل هززذه ااسززر أن تسززير فززي در االنحطززاط فززي الززروف بززدأ فيمززا يتعززإإ العلززم
ليتحززول ىلززس ميززدان بحززث مسززتقل نسززبيال ،وهززذا مززا حززدث عنززدما بــدأ أســلوب اإلنتــاج الجديــد يتشــكل فــي
أحشــاء المجتمــع اإلقطــاعي مفســحاً الطريــق لعصــر النهضــة وللديمقراطيــة البرجوازيــة بعــد أن تــم كســر هيمنة الكنيسة على عقول الناس.
المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو والدة عصر النهضة
قلنا ان الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( اإلقطاعية ) لم يمتم ببحث المسالل المطروحة بمزا يزدفع نحو االنتقال مزن حالزة الجمزود أو الثبزات ىلزس حالزة النمزو
والحركزة الصزاعدة ،ولزم تسزفر تلزت المرحلزة
(التززي مززا إلنززا نعززاني مززن رواسززبما فززي وطننززا العربززي حتززس اللحالززة) عززن نتززالا ىيجابيززة تززذكر س زواء فززي الفلسفة أو في العلم ،ذلت أن "المفكرين" لم يتطلعوا ىلس البحث عن الحقيقة بزل عزن وسزالل البرهزان علزس صحة العقالد الدينية خدمة لمصالح الملوت والنبالء اإلقطاعيين ورجال الدين .
كان بداية ذلت التتشكل عبر ىطارين كان البد من والدتمما مع اقت ار نماية تلت المرحلزة وهمزا :ىطزار
التعاونيات ،وواطار المانيفاكتوره التي كانت البدايات التمميدية نحو والدة المجتمع الرأسمالي حيث المرت المانيفاكتورات في المدن اإليطالية أوالل ثم انتقلت ىلس باقي المدن ااوروبية . في هذه المرحلة االنتقالية ،نالحال تطو الر ونموال للمدن والمور التجار والصناعيين وأصزحا
واالكتتش ززافات التكنيكي ززة المغ ززاإل اآللي ززة – دواليز ز
البنزوت ،
المي ززاه – اافز زران العالي ززة ودوره ززا ف ززي ص ززناعة التع ززدين
واختراع ااسلحة النارية والبارود والطباعة في أواسط القرن الخامر عتشر .
فيمززا بعززد تززم ىح زراإ نجاحززات أخززرى عززإإت تطززور أسززلو اإلنتززاو ال أرسززمالي الصززاعد والمنتتشززر فززي
أوروبا ،وارتبطت هذه النجاحات بعناوين كثيرة ضمن محورين أساسيين:
.0الكتشززوفات الجغرافيززة مززع نمايززة القززرن الخززامر عتشززر وبدايززة السززادر عتشززر ،خصوصزال اكتتشززاف أميركا والطريزق البحزري ىلزس المنزد ورحلزة " مزاجالن " حزول اار
العالمية الالحقة .
306
وبالتزالي ىرسزاء أسزر التجزارة
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
.3
ت ارفزق كزل ذلززت مزع تغيزرات ثقافيززة وفكريزة رحبززة كسزرت الجمزود الفكززري الالهزوتي السززالد ،وأدت
ىل ززس " تم ززاوي اس ززتبداد الكنيس ززة ف ززي عق ززول الن ززار " وواخف ززاق وت ارج ززع نف ززوذ الكنيس ززة االقتص ززادي والسياسي ،والمور مجموعات من المثقفين البرجواإيين قطعوا كزل صزلة لمزم بالكنيسزة والالهزوت
الززديني المززذهبي ،وارتبطزوا مباتشزرة بززالعلم والفززن ،وقززد سززمي هزؤالء بأصززحا
النإعززة اإلنسززانية
" ( ،"HUMANISMوهو مصطلح نورده هنا اهميته ىذ أنه دل آنذات علس الثقافة الإمنيزة فزي مواجمززة الثقافززة الالهوتيززة أو السززكواللية الرجعيززة ) وقززد أخززذ ه زؤالء المثقفززون مززن أصززحا
اإلنس ززانية علز زس ع ززاتقمم معارض ززة ونقز ز
النإعززة
المف ززاهيم والعل ززوم الديني ززة الكنيس ززية عب ززر نتش ززر عل ززوممم
الدنيوية التي كانت بالفعل أقر ىلس التعبير عن مإاو البرجواإية الصاعدة آنذات.... .
الفلسفة األوروبية الحديثة :عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حتى نهاية القرن الثامن عشر والدة هذا العصر لم تكن عملية سهلة في المكان أو الزمان ولم تتم أو تظهر معالمها دفعـة واحـدة,
أو اتخذت شكل القطع منذ اللحظة األولى .إذ أن هذا االنقطاع لـم يأخـذ أبعـاده فـي االنفصـام التـاريخي
إالَ بعد أربـع قـرون مـن المعانـاة وتحـوالت ثوريـة فـي االقتصـاد والتجـارة والزراعـة والمـدن كانـت بمثابـة التجسيد لفكر النهضة واإلصالح الديني والتنوير من جهة والتالحم مع هذه المنظومـة الفكريـة الجديـدة
من جهة أخرى ,تمهيداً للثورات السياسـية البرجوازيـة التـي أنجـزت كثيـ ارً فـي هولنـدا فـي مطلـع القـرن
الســابع عشــر ,وفــي بريطانيــا مــن , 0911_ 0920ثــم الثــورة الفرنســية الكبــرى , 0102 _ 0716 والثورة األلمانية في منتصف القرن التاسع عشر .
لقــد كــان نجــاح هــذه الثــورات بمثابــة اإلعــالن الحقيقــي لمــيالد عصــر النهضــة والتنــوير أو عصــر
الحداثة ففي هذا العصر انتقلت أوروبا الغربية من مجتمع الطبيعة المحكـوم بنظريـة الحـق اإللهـي إلـى
المجتمع المـدني ,مجتمـع الديمقراطيـة والثـورة العلميـة الكبـرى التـي أحـدثت زلـ ازالً فـي الفكـر األوروبـي الحديث كان من نتائجه الرئيسية " انتقال موضوع الفلسفة من العالقة بين اهلل والعالم ,إلى العالقة بين
اإلنسان والعالم وبين العقل والمادة.
وفي هذا الجانب ,نشير الى أن الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( اإلقطاعية ) لم يهـتم ببحـث
المســـائل المطروحـــة بم ززا يززدفع نحززو االنتق ززال مززن حالززة الجم ززود أو الثبززات ىلززس حال ززة النمززو
والحرك ززة
الصاعدة ،ذلزت أن "المفكرين" لم يتطلعوا إلى البحث عـن الحقيقـة بـل عـن وسـائل البرهـان علـى صـحة
العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبالء اإلقطاعيين ورجال الدين.
307
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كان البد لهذه الفلسفة القائمة على مثل هذه األسس أن تسير فـي درب االنحطـاط فـي ظـروف
بدأ فيها يتعزز العلم مع بدايات تشكل أسلوب أو نمط اإلنتاج الجديد في أحشاء المجتمع اإلقطاعي مـا
بــين القــرنين الرابــع والخــامس عشــر ,وقـد كانــت بدايــة ذلــك التشــكل عبــر إطــارين :إطــار التعاونيــات , واطار المانيفاكتوره. 1
ففي هذه المرحلة االنتقاليـة ,نالحـظ تطـو ارً ونمـواً للمـدن وظهـور التجـار والصـناعيين وأصـحاب
البنوك ,واالكتشافات التكنيكية المغازل اآللية – دواليب المياه – األفـران العاليـة والبـارود والطباعـة فـي
أواسط القرن الخامس عشر .
فيما بعد تم إحراز نجاحات أخرى عإإت تطور أسلو اإلنتاو الرأسمالي ضمن محورين أساسيين :
0. .3
الكشوفات الجغرافية مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر.
ترافق كل ذلك مع تغيرات ثقافية وفكرية رحبة كسرت الجمود الفكري الالهوتي السائد ,وأدت
إلى " تهاوي استبداد الكنيسة في عقول الناس " .
وظهــور مجموعــات مــن المثقفــين البرج ـوازيين قطع ـوا كــل صــلة لهــم بالكنيســة والالهــوت الــديني
المـــــذهبي ,وارتبطـــــوا مباشـــــرة بـــــالعلم والفـــــن ,وقـــــد ســـــمي هـــــؤالء بأصـــــحاب النزعـــــة اإلنســـــانية
"."HUMANISM
المسار الفكري التاريخي لعصر النمضة :
1المانيفاكتورة هي الشكل الكالسيكي للتعاون القائم على أساس تقسيم العمل ,وقد كانت سائدة من سنة 0221وحتى ,0771وهي تنشأ: .0
إما بتجميع حرف مختلفة يؤدي كل منها جزءا تفصيليا من العمل (مثال صنع العربات) حيث يفقد الحرفي المنفرد قدرته ,شيئا
فشيئا ,على ممارسة حرفته برمتها ,ويكتسب من جهة ثانية مهارة أفضل في عمله الجزئي .وهكذا تنقسم كامل العملية إلى مكوناتها الجزئية.
.3
أو بأن يقوم العديد من الحرفيين بأداء أعمال متشابهة ,أو القيام بنفس العمل على شكل جماعة موحدة في المعمل نفسه ,ولكن عوضا عن إنجاز األعمال الفردية واحدة بعد أخرى من قبل شغيل واحد ,يتم تجزئتها بشكل تدريجي إلى أن يجري تنفيذها من قبل عمال متعددين في وقت واحد (صناعة اإلبر..الخ) وبدال من أن يكون المنتوج نتاج حرفي واحد ,يصبح اآلن نتاج عمل مجموعة من الحرفيين الذين ال يؤدي أحد منهم سوى جزء تفصيلي من العملية.
إن كل مجموعة من العمال ,في المانيفاكتورة ,تجهز المجموعة األخرى بالمادة األولية ,وينجم عن هذا شرط أساسي ,إذ يتوجب على كل مجموعة أن تنتج كمية معينة في وقت معين ,فنحصل بذلك على استمرارية وانتظام وتناسق وشدة عمل من نوع مختلف تماما عما يخلقه
التعاون في الحرفة المستقلة .وهكذا نحصل على القانون التكنيكي لعملية اإلنتاج :أن يكون العمل هو العمل الضروري اجتماعيا.
ظهرت اآلالت بشكل مبكر في مانيفاكتورة متفرقة –مطاحن الحبوب ومصانع الورق..الخ ..ولكن اآللة كانت شيئا ثانويا .إن اآللة الرئيسية في المانيفاكتورة هي العامل الجماعي المندمج الذي يمتلك درجة من الكمال أعلى من العامل الحرفي المنفرد القديم .إن كل نواقص الحرفي التي تزداد وتتطور بالضرورة عند تقسيم العمل ,تصبح في المانيفاكتورة الكمال بعينه. وتخلق المانيفاكتورة فروقات بين العمال الجزئيين وتقسمهم إلى عمال ماهرين وعمال غير ماهرين ,بل إنها تؤسس نظاما للمراتب وسلما متدرجا لألجور.
308
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
البــدايات األولــى مــع ميكــافيلي ( )0237-0296وهززو مززن أوالززل المنالزرين السياسززيين البرجزواإيين ، حاول في مؤلفاته البرهنة علس أن البواعث المحركزة لنتشزاط البتشزر هزي اانانيزة و المصزلحة الماديزة ،وهزو
صززاح
مقولززة" :أن النززار ينسززون مززوت آبززالمم أسززرع مززن نسززيانمم فق زد ممتلكززاتمم" ،ىن السززمة الفرديززة
والمصلحة عنده هما أسار الطبيعة اإلنسانية؛ ومن جان
آخر فقد رأى أن القوة هي أسار الحق.
نيقوال كوبرنيكس ( 0272م 0223 _ .م :) .سزاهم هزذا المفكزر فزي تحطزيم اايديولوجيزة الالهوتيزة فززي الكززون وذلززت عبززر اكتتشززافه لنالريززة مركإيززة التشززمر
القالمززة علززس القززول بمركإيززة اار
Helio
Contricismالتي قام علس أساسما علم الفلت الحديث؛ وهذه النالرية من أهم منجإات "كزوبرنيكر" علزس اإلطالق وهي تستند ىلس مبدأين_: أوالً :ليست اار
تفسير تعاق
ثابتة في مركإ الكون بل تدور حول محورها الخا
الليل والنمار .ثانياً :اار
؛ وقد استطاع من خالل ذلت
تدور حول التشمر مركإ الكون.
-جوردانــو برونــو ( 0221م 0911 _ .م :) .فيلسززوفال وعالمزال فلكيزال ،قززام بتطززوير وتصززحيح نالريززة
كوبرنيكر ،بدأ حياته راهبا وبسب
أفكاره المادية انفصل عن الكنيسزة وتفزرغ لنالرياتزه العلميزة ،آمزن ب ز "ال
نماليززة" المكززان أو النماليززة الطبيعززة ،ورف ز
مركإيززة التش ززمر فززي الكززون مؤكززدال علززس أن ال وجززود لم ززذا
المركزإ ىال كمركزإ نسزبي فقززط "فتشمسزنا ليسزت الزنجم الوحيززد الزذي لزه أقمزار تززدور حولزه" .لقزد حطزم برونززو التصززورات القديمززة عززن العززالم المخلززوق ليجعززل الكززون ممتززدال ىلززس مززا ال نمايززة وهززو القالززل بززأن" :الكلمززة ااخيزرة فززي كززل مجزال مززن مجززاالت المعرفزة تكمززن فززي العقززل وحزده" ؛ ألقززي القززب التفتززي
التززي سززجنته ثمانيززة سززنوات أحرقززوه بعززدها علززس أحززد أعمززدة التعززذي
عليزه مززن قبززل محززاكم
بعززدما رف ز
ىنكززار فلسززفته
وتوجماته العلمية.
ليوناردو دافنشي ( ,)0206-0223وضع العديد من التصاميم لألجسام الطائرة .
جــاليليو ( , )0923-0292صــمم تلســكوب بنفســه كــان الكتشــافاته فــي علــوم الفلــك دو ارً كبي ـ ارً.
يعتبر جاليلو من أبرإ مفكري ذلت العصر الذين صاغوا النالرة الديلية deismىلس الطبيعة التي ىعتنقما عززدد مززن فالسززفة ومفكززري القزرنين السززابع عتشززر والثززامن عتشززر؛ أسززممت هززذه النال زرة ىلززس جانز
أصززحا
النإعة اإلنسزانية والفلسزفة البانتيليزة ( وحزدة الوجزود ) فزي تعإيزإ وتطزور الفلسزفة العقالنيزة والمزنما المزادي
العلمي كمنطلقات أساسية لعصر النمضة.
ثانياً :المرحلة التاريخية الثانية أو تطور الفلسفة ااوروبية في عصر الثزورات البرجواإيزة أواخزر القزرن
السززادر عتشززر ونمايززة القززرن الثززامن عتشززر -:أدى تفسززخ العالقززات االجتماعيززة واالقتصززادية فززي النالززام اإلقطاعي ااوروبي ىلس تغيير كبير في الدور الذي يلعبه الدين في المجتمع. وفي ضوء هذا التطزور الزذي أصزا
كزل منزاحي الحيزاة فزي عصزر النمضزة ،رفزع فالسزفة هزذا العصزر
رغزم االختالفزات بززين مزذاهبمم تشززعار "العلزم" مزن أجززل تزدعيم سززيطرة اإلنسزان علزس الطبيعززة ورفز
309
تشززعار
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
العلم من أجل العلم ..لقد أصبحت التجربة هي الصيغة ااساسية لالختراعات واابحاث العلمية التطبيقيزة
في هذا العصر وأبرإها:
• صياغة القوانين ااساسية للميكانيت الكالسيكي بما فيما قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن (0643 – . )0939
• تطوير علوم الرياضيات والمندسة والفيإياء وااحياء_ ديكارت واليبنتإ. • اكتتشاف الدورة الدموية -هارفي " -تأكيد اكتتشاف ابن النفير". • قوانين الميكانيت وتعريف مفموم العنصر الكيميالي_ بويل.
• ميإان الح اررة الإلبقي والضغط الجوي_ تورتشيللي ( أحد تالمذة جاليليو). لم يكن سمالل لمذه االكتتشافات العلمية وغيرها أن تكون بدون تطور الفلسفة عمومال والمزذه
علس وجه الخصو
،في سياق الحزرات والتنزاق
التجريبزي
والصزراع االجتمزاعي الزدالم والمسزتمر بوتزالر متفاوتزة
في تسارعما بين القديم والجديد ،ىذ أنه بدون هذه الحركة والتناق
لم يكزن ممكنزال بزروإ الزدعوة مزن أجزل
التغيير والتقدم التي عبر عنما فالسفة عصر النمضة في أوروبا أمثال فرنسير بيكون ،ديكارت ،هزوبر،
اليبنتإ ،سبينو اإ.
-فرنسيس بيكون ( 0290م _ 0939م ) :فيلسوف انجليإي "أول من حاول ىقامة مزنما علمزي
جديد يرتكإ ىلس الفمم المادي للطبيعزة والواهرهزا" ؛ وهزو مؤسزر الماديزة الجديزدة والعلزم التجريبزي وواضزع أسززر االسززتقراء العلمززي؛ فززالغر
مززن الززتعلم عنززده إيززادة سززيطرة اإلنسززان علززس الطبيعززة وهززذا ال يمكززن
تحقيقه ىال عن طريق التعليم الذي يكتشف العلل الخفية لألتشياء.
لقد تشت بيكون في كل ما كان يالن "أنه يقين حق" غير أن التشزت عنزده لزم يكزن هزدفال بذاتزه بزل وسزيلة
لمعرفة الحقيقة؛ وأول خطوة علس هذا الطريق تناليف العقل من ااوهام ااربعة "أوهام بيكون"
-رينيــه ديكــارت ( 0269م _ 0921م ) :وهززو فيلسززوف فرنسززي وعززالم رياضززيات وفيإيززالي وعززالم
فسيولوجيا ،كان "ديكارت" في مبحث المعرفزة مؤسزر المزذه
العقالنزي ،هزذا المزذه
الزذي يرتكزإ عنزده
علززس مبززدأ التشززت المنمجززي أو التشززت العقلززي "التشززت الززذي يرمززي ىلززس تحريززر العقززل مززن المسززبقات وسززالر
الس ززلطات المرجعي ززة" وم ززن س ززلطة الس ززلف ،التش ززت ال ززذي ي ززؤدي ىل ززس الحقيق ززة ع ززن طري ززق البداه ززة العقلي ززة
كالحدر_ التحليل_ التركي .
لقززد أقززام "ديكززارت" وفززق أسززر التشززت المنمجززي والبداهززة العقليززة؛ يقينززه ااول مززن مبززدأه البسززيط الززذي
عرفنزاه مززن خاللززه "أنززا أفكززر ..أنززا موجززود" ،هززذا المبززدأ ااول هززو بدايززة كززل فكززر عقالنززي وهززو مززا سززنجده
مضم الر وصريحال في الفلسفة العقالنية من ديكارت ىلس ماركر.
-توماس هوبز ( 0211م _ 0976م ) :أحد فالسفة القرن السابع عتشزر ،تزأثرت فلسزفته الماديزة
بززالثورة البرجواإيززة اإلنجليإيززة ضززد اارسززتقراطية اإلقطاعيززة فززي تلززت المرحلززة؛ رفز
القانون والدولة نالريات ااصل اإللمي للمجتمع.
321
هززوبإ فززي مذهبززه فززي
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
جوتفريـد فـيلهلم اليبنتـز ( 0929م – 0709م ) :وصزل مزن خزالل الالهزوت " "Theologyىلزسمبدأ الترابط المحكم (التشامل والمطلق) بين المادة والحركة"بعكر "ديكارت" الذي يقول :بجوهرين مستقلين
مادي وغير مادي؛ ىلتإم بمبدأ التجريبية في المعرفة التي تعتبر ااحاسير تشيلال ال غنس عنه للمعرفة.
في مؤلفه "العدالة اإللمية" ..حاول أن يبرهن فيه علس أن عالمنا الذي خلقه اهلل هو بالرغم مما فيه من
تشرور ،أحسن العوالم الممكنة ،فما نزراه مزن تشزرور هزو تشزرط ضزروري فزي أريزه للتناسزق فزي العزالم ككزل ، في رأينا ىن جزوهر هزذه الفلسزفة هزو االستسزالم لألمزر الواقزع ،وهزو يقتزر مزن فلسزفة " لزير فزي اإلمكزان
أبدع مما كان" ،وهذه المقولة ال تختلف في جوهرها عن المقولة التراثية اإلسالمية " لو اطلعزتم فزي الغيز الخترتم الواقع".
-بــاروخ ســبينو از (0923م – 0977م ) :وهززو يمززودي هولنززدي ..تتشززكل فلسززفته أحززد االتجاهززات
الرليسززية فززي ماديززة القززرن السززابع عتشززر؛ وقززد أكززد علززس أن الفلسززفة يج ز الطبيعززة ..دح ز
أن تعززإإ سززيطرة اإلنسززان علززس
سززبينو اإ افت زراءات رجززال الززدين اليمززود عززن "قززدم التززوراة" وأصززلما اإللمززي ..فمززي ،أي
"التوراة" كما يقول ليست وحيال ىلميال بل مجموعة من الكتز
وضزعما أنزار مثلنزا وهزي تزتالءم مزع المسزتوى
ااخالقززي للعصززر الززذي وض زعت فيززه ..وأنمززا "سززمة لكززل ااديززان" حززول الحكززم يعتبززر "سززبينو اإ" أن الحكززم الديمقراطي هو أرفع أتشكال الحكم بتشرط أن يكون تناليم الدولة موجمال لخدمة مصالح كل النار.
-جــون لــــوك ( 0923م0712 – .م : ) .مززن كبززار فالسززفة الماديززة اإلنجليإيززة ،وقززد بززرهن علززس
صحة المذه رف
الحسي المادي الذي يرجع جميع الروف المعرفة ىلس اإلدرات الحسي للعالم الخارجي.
وجزود أيزة أفكزار نالريزة فزي الزذهن ..فالتجربزة بالنسزبة لزه هزي المصزدر الوحيزد لكافزة اافكزار!..
وحززول فلسززفته يقز ززول مززاركر ":لقززد أقززام لززوت فلسززفة العقززل اإلنسززاني السززليم ..أي أنززه أتشززار بطريقززة غيززر
مباتشرة ىلس أنه ال وجود لفلسفة ىال فلسفة البصيرة المستندة ىلس الحوار السليمة".
-جون ستيوارت مل ( :)0712-0923قـال بـأن جميـع أشـكال المعرفـة تعـود إلـى اإلدراك الحسـي
المادي للعالم الخارجي .
التنوي ززر الفرنسي والفلسفة االمانية في القرن الثامن عتشر-:
أوالً :التنوير الفرنسي :تشزمدت فرنسزا قبيزل الثزورة البورجواإيزة الفرنسزية ( )0959بأربعزة عقزود حركزة
فكريزة واسززعة وقويززة عرفززت "بحززركة التنززوير" ،وضززع رجالمززا نصز
أعيززنمم مممززة نقززد ركززالإ اايديولوجيززة
اإلقطاعيزة ،ونقززد ااوهززام والمعتقززدات الدينيززة والنضززال مززن أجززل ىتشززاعة روح التسززامح الززديني وحريزة الفكززر
والبحث العلمي والفلسفي وواعالء تشأن العقل والعلم في مواجمة الغيبية. شارل مونتسكيو ( : )0722-0916صاحب كتاب "روح القوانين" ..يرى أن الضمانة ااساسيةللحريززة فززي المؤسسززات الدسززتورية التززي تحززد مززن العسززف وتكبحززه ،يززرى فززي التفززاني وواخززال وتضحيته من أجل المصلحة العامة ،القوة المحركة في النالام الديمقراطي وأسار اإدهاره . 320
كززل فززرد
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ومن أهم آراله ،رأيه في الحكم المطلق الذي يعتبره تشكالل مناقضال للطبيعة اإلنسانية ومناقضزال للحقزوق
التشخصية وحصانتما وأمنما.
-فرانس ـوا فــولتير ( 0962م0771 – .م : ) .عززا
الديني وضد اانالمة الملكية وطغيانما؛ رفز
لكونما تفتقر ىلس البرهان.
كززل حياتززه مناض زالل ضززد الكنيسززة والتعص ز
فزولتير جميزع تعزاليم الزديانات _اإليجابيزة_ فزي صزفات اهلل
-جان جاك روسو ( : ) 0771 – 0703من الذين نادوا بالمصالح البرجواإية ضد اإلقطاع ،فقد
ناضل روسزو لزير فقزط ضزد السزلطة اإلقطاعيزة بزل كزان مسزتوعبال لتناقضزات المجتمزع الفرنسزي أكثزر مزن غيره؛ فقد وقف مع وجمزة نالزر البرجواإيزة الصزغيرة "الراديكاليزة" والفالحزين والحزرفيين ..وكزان موقفزه أكثزر
ديمقراطية من معاصريه.
فف ززي كتاب ززه "العق ززد االجتم ززاعي" يح ززاول روس ززو البرهن ززة عل ززس أن الوس ززيلة الوحي ززدة لتص ززحيح التف ززاوت
االجتماعي هي في ضمان الحرية والمساواة المطلقة أمام القانون.
-ديني ديدرو ( :) 0712 - 0702من أبرإ وجوه الماديين الفرنسيين علس اإلطالق ..ينطلق في
أفكاره مزن القزول بأإليزة الطبيعزة وخلودهزا فليسزت الطبيعزة مخلوقزة احزد وال يوجزد سزواها أو خارجمزا تشزيء مطلززق؛ وقززف ضززد التفسززير المثززالي الالهززوتي للتززاريخ اإلنسززاني ليؤكززد مززع إماللززه المززاديين الفرنسززيين أن العقل اإلنساني وتقدم العلم والثقافة هي القوة المحركة لتاريخ البتشرية. يرى أن الطريق ىلس الخال
من عيو أتشكال الحكم القالم ال يمزر عبزر الثزورة بزل مزن خزالل ىتشزاعة
التنوير في المجتمع.
ثانياً :الفلسفة األلمانية :
-عمانويــل كانــت ( :) 0112 - 0732مززن مؤلفاتززه انطلززق مززن نالريتززه عززن "ااتشززياء فززي ذاتمززا"
والال زواهر؛ ىلززس القززول :أن هنززات عززالم مسززتقل عززن الززوعي (الح زوار ،الفكززر) ،وهززو عززالم ااتشززياء التززي
يسميما "ااتشياء في ذاتما" والعالم المستقل عن الوعي هو العالم الموضوعي. عزار
مزإاعم اإلقطززاع االمززاني فزي "أن التشززع
المبدأ يعني أن الحرية لن تأتي في يوم من اايام".
لززم ينضززا بعززد للحريزة؛ مبينزال أن التسززليم بصززحة هززذا
ىن "كززانط" يفمززم الحريززة المدنيززة علززس أنمززا حززق الفززرد فززي عززدم االمتثززال ىال للق زوانين التززي وافززق عليمززا
مسبقال واعترف بمساواة جميع المواطنين أمام القانون.
-جورج ويلهلم فريدريك هيجل ( : ) 0530 - 0991تكمزن مأثرتزه التاريخيزة العاليمزة فزي أنزه كزان
أول مززن نالززر ىلززس العززالم الطبيعززي والتززاريخي والروحززي بوصززفه عمليززة؛ أي فززي حركززة دالمززة وفززي تغيززر وتطور .لقد صاغت فلسفة "هيجل" بتشكل منالم النالرة "الديالكيتكية" ىلس العالم.
-نقطة االنطالق في فلسفة "هيجــل" :ىن الوحزدة ااوليزة التزي تتشزكل ااسزار الجزوهري للعزالم هزي:
"وحدة الوجود والفكر" ,يرى "هيجززل" أن الفكر "يغي ز ززر" وجزوده ىلزس تشزكل مزادة ،طبيعزة ..وهزي وجزود آخزر 322
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لمززذا الفكززر القززالم موضززوعيال والززذي يسززميه هيج ز زل "بززالفكرة المطلقززة"؛ وهكززذا ىن العقززل لززير ملكززة خاصززة ااولي للعالم ،ولذا فان العالم يتطور وينمو وفقال لقوانين الفكزر أو العقزل ..وبمزذا باإلنسان بل هو ااسار َّ
يك ززون الفك ززر أو العق ززل عن ززد هيج ز ززل ه ززو الج ززوهر المطل ززق _المس ززتقل ع ززن اإلنس ززان واإلنس ززانية_ للطبيع ززة واإلنسززان والتززاريخ العززالمي؛ وأن هززذا الفكززر كماهيززة جوهريززة موجززودة ال خززارو العززالم بززل فززي العززالم ذاتززه بوصفه المستوى الداخلي لمذا العالم.
إن المساهمات الرئيسية للديالكتيك الهيغلي يمكن تلخيصها في: .0ترابط ااتشياء فال يمكن قبول أي حدث بمعإل عن ااحداث ااخرى. .3رف
المنما الميتافيإيقي الذي ينالر ىلس ااتشياء بعإلما عن بعضما البع
،فعلس سبيل المثزال
لزير هنززات تشزيء اسززمه "الطبيعزة اإلنسززانية" فززي حزد ذاتمززا _أي موجزودة فززي خزارو اإلنسززان_ بززل هنات طبيعة ىنسانية في هذا الموقف أو ذات.
.3يدعونا ىلس النالر ىلس ااتشياء كافة ال كأتشياء جامدة ال تتحرت ولكن أن ننالر ىليما كأتشياء سزبق أن كانت أتشياء أخرى وستكون في المستقبل تشيلال جديدال مختلفال فلزير هنزات مزن تشزيء دالزم؛ كزل تشيء في مرحلة انتقال وفي تطور دالم ..هذه هي عالمة المنما الجدلي عند هيجل.
بعد هيجززل اختلف الكثيرون حول فلسفته وبرإ تيارين رليسيين انعكاسال لما أو دفاعال عنما؛ تيار يميني
دعي ممثلزوه بزالميغليين التشزيو الزذين تمسزكوا باايديولوجيزة اإلقطاعيزة /المسزيحية ضزد التيزار اليسزاري أو
الميغليون التشبا .
حركة الميغليزين التشزبا
أحدهم.
التزي لعبزت دو الر تقزدميال فزي الثالثينيزات مزن القزرن التاسزع عتشزر وكزان مزاركر
-لودفيج فيورباخ ( :) 0173 – 0112كان هدف فيوربا تحرير اإلنسان من الوعي الديني؛ وفي
مؤلفه "نقززد فلسفززة هيجززل" أعطزس حزالل ماديزال للمسزألة السياسزية فزي الفلسزفة وهزذا الحزل يرتكزإ علزس اعتبزار الطبيعززة ،أو الوجززود ،أو المززادة واقع زال ينتشززأ عنززه بالضززرورة العقززل المفكززر .اقتززر فززي أواخززر حياتززه مززن االتشتراكية العلمية خصوصال بعد أن ق أر رأر المال.
وفي رأيه ىذا كان الدين يعد اإلنسان بالنجاة بعد الموت ف ن الفلسفة مدعوه لتحقق علس اار
ما يعد
به الدين في عالم الغي ..أي أن علس الفلسفة أن تلغي ااوهام الدينية لتوفر وتعطي اإلنسان القدرة علس معرفة ىمكانياته الحقيقية في بلوغ السعادة.
المقدمات اايديولوجية لالمور الماركسية :
كززان ديكززارت وبززابيف وديززدرو وفززولتير مززن أبززرإ أسززالف الفلسززفة الماركسززية ،باعتبززارهم مززن أهززم رمززوإ
عصر النمضة الزذين ممزدوا أيزديولوجيال للثزورات البرجواإيزة فزي أوروبزا فزي القزرنين 09و ، 05كزذلت فز ن
المفكرين االجتماعيين مثل هوبإ /لوت /مونتسكيو /وروسو ،كانوا جميعال من هؤالء ااسالف العالام، 323
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فقززد كززانوا رمززوإ عصززر التنززوير وأنصززار العقالنيززة الززذين وجم زوا نقززدال عنيف زال لألنالمززة اإلقطاعيززة ،وأعلن زوا ضرورة ىتشاعة الحريات المدنية والمساواة بين النار ..لقد إرعوا بذور التغيير وساهموا في ىنضاجما. مصادر الفلسفة الماركسية : أوالً :الفلسفة األلمانية:
• هيجزل )0530 – 0991( :أبزرإ رجزاالت الفلسزفة الكالسزيكية االمانيزة ،وقزد بلغزت هزذه الفلسزفة
ذروتما في مذهبه الذي تكمن مأثرته التاريخية في أنه كان أول من نالر ىلزس العزالم ،الطبيعزي والتزاريخي والروحي بوصفه عملية ،أي في حركة دالمة ،في تغير وتطور ،ىنما عمليزة ديالكتيكيزة ،وهزو أول مزن
أعطززس صززياغة دقيقززة لق زوانين الززديالكتيت ااساسززية ،لكنززه رغززم ذلززت وقززف علززس أرضززية المثاليززة الفلسززفية
الخاطلة .
• لززودفيا فيوربززا ( ) 0593 – 0514لعبززت فلسززفته الماديززة دو الر هامزال فززي وضززع مززاركر وانجلززإ
للرؤية المادية ،لقد وجه فيوربا نقدال عنيفال للمثالية الميجلية ،لكنه عمومال الل ماديزال ميتافيإيقيزال ،بسزب
أن ماديته لم تتفمم القيمة العلمية لديالكتيت هيجل ،كذلت لزم يزدرت حزق اإلدرات ماهيزة اإلنسزان ،فزاعتبره
كالنال بيولوجيال فقط ،ولم يتبين الجان
المادي من العالقات االجتماعية .
ثانياً :االقتصاد السياسي االنجليزي :
م ززن المص ززادر أيضز زال النالري ززات االقتص ززادية الت ززي وض ززعما ك ززل م ززن آدم س ززميث () 0991 – 0933
وديفيد ريكاردو ( ) 0533 – 0993وخاصة نالرية القيمة – العمل التزي كزان لمزا أهميزة بالغزة فزي تكزون المذه
الفلسفي الماركسي ،ىن نالريتمما أوضحت واول مرة أهمية ااسار االقتصادي لنتشزاط النزار ،
كما بينا أن تطور المجتمع يرتكإ ىلس التفاعل االقتصادي بين النار ،لكنمما (سزميث وريكزاردو ) كونممزا
مززن المززدافعين عززن ال أرسززمالية ،عمززال علززس تبريززر اسززتغالل ال أرسززماليين للعمززال ،وصززو ار هززذا االسززتغالل تفاعالل بين تشريكين متكافلين في ىطار عالقات السوق ،أمزا الزربح فزاعتبراه مكافزأة لل أرسزمالي علزس تنالزيم
االنتاو ووادارته ،الممم أن مذهبمما االقتصادي كان منطلقال للبحث الالحق للعالقات االقتصادية وللكتشزف عن التناق
بين العمل والرأسمال من حيث هو التناق
ثالثا :االشتراكية الطوباوية :
ااساسي في المجتمع البرجواإي .
من المصادر أيضال ،اافكار االتشتراكية الطوباوية ،وأهم الرموإ :سان سيمون () 0538 – 0961
دور هامزال فزي وفورييه ( ) 0539 – 0993وروبرت اوين ( ، ) 0585– 0990وقد لعبزت هزذه اافكزار ال التمميززد لالمززور الفلسززفة الماركسززية ،وخاصززة الماديززة التاريخيززة ،لقززد ارتكززإت أفكززار ه زؤالء الززرواد علززس
مطالبتمم بضرورة انتتشار الملكية العامة ( الجماعية ) والعمل الجمزاعي ،بمزا يسزمح بالقضزاء علزس بزؤر الجماهير ،لكنمم لم يروا السبل المؤدية ىلس التحول االتشت اركي وأنكروا دور الثزورة والصزراع الطبقزي أو لزم يفممززوه ،واعتبززروا أن الطريززق ىلززس االتشززتراكية يمززر عبززر التنززوير وتعززاون الطبقززات ،وهززو أمززر مسززتحيل ،
تلت هي مثاليتمم.
324
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
علززس ضززوء االنجززاإات النالريززة ابززرإ رجززاالت الفلسززفة واالقتصززاد السياسززي ،واالتشززتراكية الطوباويززة،
وضع ماركر وانجلإ نالرية فلسفية جديدة كل الجدة تجمع اول مرة في تاريخ العلزم بزين الماديزة الفلسزفية
والمززنما الززديالكتيكي ،وتعط ززي تفسززي الر علميز زال لحيززاة المجتمززع البتش ززري ،وبفضززلمما تح ززول العلززم الفلس ززفي ليصبح أداة بيد الطاللع المثقفة والقوى الكادحة والبروليتاريا في نضالما لتغيير العالم.
325
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الفصل الثاني ظهور الفلسفة املاركسية ومصادرها ومكوناتها تمهيد
ىن الفلسززفة الماركسززية هززي علززم عززن ق زوانين عالقززة الززوعي بالعززالم الموضززوعي ،وعززن الق زوانين العامززة
للحركززة فززي الطبيعززة والمجتمززع والفكززر البتشززري .ىن المززور الماركسززية فززي أربعينيززات القززرن التاسززع عتشززر
ترافق مع تطور الرأسمالية وتكتشف طبيعتما التناحرية وجوهرهزا القزالم علزس االسزتغالل والقمزر كمزا نتشزاهده ونلمسه ونعاني منه يوميال عبر همجية وتوح
االستبداد والتخلف في بالدنا.
العولمة االمريكيزة وحليفمزا الصزميوني وتوابعمزا مزن انالمزة
كــارل مــاركس ) 0112 – 0101 ( :مؤسززر فلسززفة الماديززة الجدليززة والماديززة التاريخيززة واالقتصززاد
السياسي " ،ولد في ترييف – بألمانيا ،حيث أنمس الثانوية عام ، 0538والتحزق بجامعزة بزون ،وبزرلين " ت ززأثر بأفك ززار هيج ززل وفيورب ززا وآدم س ززميث ،ن ززال درج ززة ال ززدكتوراه ف ززي الفلس ززفة ع ززن رس ززالته بعنز زوان " االخزتالف بزين فلسزفة ديمزوقرطير الطبيعيزة وفلسزفة ىبيقزور " عزام ، 0540ومزن خزالل د ارسزته لالقتصزاد السياسي ومتشاركته في ااحداث الثورية في المانيا وفرنسا ،اكتتشف اول مره الزدور التزاريخي للبروليتاريزا وتوصزل ىلزس النتيجزة القاللزة بحتميزة الثزورة االجتماعيززة وضزرورة توحيزد حركزة الطبقزة العاملزة ،كمزا وضززع
نالريززة فززال
القيمززة التززي تمثززل حجززر الإاويززة فززي االقتصززاد السياسززي االتشززتراكي وتكتشززف بوضززوح عمليززة
االسززتغالل ال أرسززمالي ،أصززدر العديززد مززن اابحززاث والكت ز
أهممززا " المخططززات االقتصززادية والفلسززفية "
( )0544و " العالل ز ززة المقدس ز ززة " ( )0548و " االي ز ززديولوجيا االماني ز ززة " ( )0546و"ب ز ززؤر الفلس ز ززفة " (
" )0549و"ىطروحززات حززول فيوربززا " بالتعززاون مززع إميلززه " ىنجلززإ " ثززم أصززد ار معزال " البيززان التشززيوعي "
( " )0545الززذي وضززع الخطززوط العريضززة لتصززور جديززد للعززالم ،وهززو الماديززة المتماسززكة ونالريززة صزراع الطبقززات والززدور الثززوري للطبقززة العاملززة ،وبعززد أن وضززع عززددال مززن الكت ز
المامززة حززول الثززورة فززي فرنسززا
وأوروبززا والص زراع الطبقززي ،أصززدر فززي عززام 0569المجلززد ااول لكتابززه الرليسززي البززالغ ااهميززة " رأر
المال " والذي تم استكماله فيما بعد علس يد رفيقه " فريدريت انجلإ" 0558و . 0594 ىلس جان
غريز
كل ذلت ،فقد كان ماركر فيلسوفال ماديال جدليال " رف
فمم الفلسفة علس ىنما علزم مطلزق ،
عززن الحيززاة العمليزة والنضززال ،مؤكززدال ىن مممزة الفلسززفة والفكززر االجتمزاعي ليسززت بنززاء أو ىنتشزاء
Constructionالمسزتقبل ،وال وضزع نالريزات تصزلح لجميزع العصزور والزدهور ،بزل ىن مممتمزا " النقزد
الززذي ال يززرحم لكززل مززا هززو قززالم ،نقززد ال يززرحم بمعنيززين ،ال يمززا
326
اسززتنتاجاته الذاتيززة ،وال يت ارجززع أمززام
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
االصطدام بالسلطات القالمة ،هكذا طرح ماركر مسألة نفي الفلسفة بمعناها القديم " ،ح
الحكمزة " أو
" علززم العلززوم" ،ىنززه ضززد عززإل الفلسززفة عززن النتشززاط العملززي ،والسززيما حركززة الكززادحين والفقزراء التحريريززة ،
فمززو يقززول " التشززي يمنعنززا أن ن زربط ممارسززتنا بنقززد السياسززة ،بموقززف حإبززي معززين فززي السياسززة ،أي أن نربط ونقزرن نقزدنا بالنضزال الزواقعي ..ىن مزأثرة فلسزفة مزاركر تكمزن فزي كونمزا البرهزان الفلسزفي والعملزي في آن واحد علزس حتميزة التحويزل الجزذري لمجتمعاتنزا نحزو االنعتزاق والتحزرر والعدالزة االجتماعيزة بآفاقمزا االتشتراكية ،رغم كل ما يتبزدى اليزوم مزن مالزاهر القزوة والعزدوان للتحزالف االمبريزالي الصزميوني فزي بالدنزا
مززن ناحيززة ورغززم كززل عوامززل وأدوات ورمززوإ المبززوط السياسززي والتبعيززة والقمززر والتخلززف السززلفي الرجعززي
والليبرالي المابط من ناحية ثانية. المادية الجدلية:
ال تشززت أن االكتتشززافات العلميززة المذهلززة فززي أواخززر القززرن العتشزرين وبدايززة القززرن الحززادي والعتشزرين ،قززد
أكززدت علززس انتصززار وتغل ز
المفززاهيم العلميززة الماديززة الجدليززة علززس كافززة المفززاهيم الغيبيززة ،ىذ أن العلززم
الحزديث (فزي علزوم المندسزة الوراثيزة واالستنسززا والجينزات والفيإيزاء والليزإر ،والمندسزة (النزانو) والفززامتو
Famto Secondوالكومبيوتر وعلوم الفضاء واالتصال...ىلخ) أكد علس استبدال مفموم المزادة الضزيق
بمفمومما الديالكتيكي الواسع ،بما يكرر مصداقية الفلسفة الماديزة الجدليزة التزي تعزرف المزادة بأنمزا " واقزع موضوعي قالم بغ
النالر عن الوعي البتشري الذي يعكسه" .ان التعريزف العلمزي للمزادة يتضزمن ثالثزة النالر عنه )3 .المادة هي ما يولد ااحاسير لزدينا؛
جوان )0 :المادة هي ما يوجد خارو الوعي وبغ
وهي ما تعتبر أحاسيسنال ووعينال علس العموم انعكاسال لما.
وهــذا يفــتح علــى مســألة هامــة هــي أن الفكــر جــزء مــن الواقــع المــادي أيض ـاً .فهــو نتــاج اإلنســان
الواعي ,أي اإلنسان الساعي إلـى صـوغ واقعـه فـي تصـورات وأفكـار .والفـارق بـين الواقـع والمـادة هـو هنا ,حيث تخضع المادة لفعل اإلنسان ولكن لـ "عقله " أيضاً .هذا الفعل وذاك العقل يسهمان فـي وعـي
المادة ,وبالتالي ,في السيطرة عليها وتطويرها كذلك.
المنهج الديالكتيكي الماركسي :
يتميز هذا المنهج عن المنهج الميتافيزيقي بميزات أربع هي تباعاً:
أ .النظــر إلــى الطبيعــة بوصــفها ك ـالً موحــداً ومتماســكاً تــرتبط فيــه الموضــوعات والظــاهرات ارتباط ـاً عضوياً فيما بينها ويشترط بعضها بعضاً.
ب .النظر إلى الطبيعة بوصفها فـي حالـة حركـة وتبـدل مسـتمرين ,وتجـدد ونمـو ال ينقطعـان إذ ثمـة دائماً شيء ما يولد وينموا وآخر ينحل ويزول.
327
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ج .النظر إلى سيرورة النمو بوصـفها إنتقـاالً مـن التبـدل الكمـي الخفـي إلـى التبـدل الجـذري الكيفـي, والنظر إلى التبدل الكيفي بوصفه تبدالً ضرورياً يحصل بقفزات ويسير أبداً إلى أمام مـن القـديم
إلى الجديد ومن البسيط إلى المركب ومن األدنى إلى األعلى.
د .النظــر إلــى موضــوعات الطبيعــة وظاهراتهــا مــن زاويــة تناقضــها الــداخلي ,أي النظــر إلــى جانبهــا السالب وجانبها الموجب ,إلى ماضيها ومستقبلها ,إلى مـا يختفـي فيهـا ويظهـر ,ألن مضـمون
النمو الداخلي هو صراع األضداد وألن كل شيء يخضع للظروف والزمان والمكان.
أمــا الماديــة الفلســفية الماركســية فتنطلــق مــن مبــادئ ثالثــة يعــارض كــل منهــا مبــدأ فــي المثاليــة
الفلسفية:
أ .المبدأ القائل أن العالم مادي بطبيعته ,وأن مختلف ظاهراته ليست سوى أوجـه مختلفـة مـن أوجـه المادة المتحركة وذلك على عكـس المثاليـة – التـي يختصـرها هيغـل هنـا علـى مـا يبـدو – التـي تنظر إلى العالم بوصفه تجسـيداً للفكـرة المطلقـة أو الـروح الكلـي – لكـن إثبـات ماديـة العـالم ال يتوقف هنا ,بل يقترن بالقول إن حركـة المـادة والعـالم تحصـل بموجـب قـوانين ضـرورية ,وهـي
القوانين التي يثبتها المنهج الديالكتيكي في عالقات الظاهرات وتشارطها.
ب .المبدأ القائل أن العالم المادي هو واقع موضوعي قائم خارج وعينا به وبمعزل عنه .وأن المـادة او الكــون أو الطبيعــة ,هــي المعطــى األولــي فــي حــين ان الــوعي أو الفكــر هــو المعطــى الثــاني المشتق النه نتاج للمادة ولدرجة عليا من درجات تطورها وكمالها.
ج .المبدأ القائل إن العالم ,وقوانينه ,قابل ألن يعرف معرفة كاملة .وان معرفتنا بقوانينه هي معرفـة مقبولة عندما تؤكدها التجربة والممارسة.1
أيهما أسبق الوعي أم المادة؟
يتضح مما تقدم أن جوهر المسألة الفلسفية يتجلس في السؤال التالي :أيمما أسبق الوعي أم المادة
يعتبززر السزؤال عززن أولويززة الززوعي أو المززادة س زؤاال مركإيززا فززي الفلسززفة ،ولززو أردنززا ان نصززوغه بطريقززة
سلسة ومبسطة لقلنا :أيمما يسبق اآلخر هل يسبق الوعي المزادة أم تسزبق المزادة الزوعي فزي واقزع االمزر أهمية هذا السؤال تنبع من التركي
وهل توجد مادة خارو الوعي وبدونه
االكثزر وضزوحا وأهميزة وهزو :هزل يوجزد تفكيزر أو وعزي خزارو المزادة
للوهلزة االولززس قززد نتسزرع بوضززع ىجابززات اعتباطيزة تنززإع ىلززس طبيعزة التكززوين الززذاتي الثقزافي لكززل منززا ،
ولذا فنحن نحتاو لتشيء من الصبر للحكم علس الموضوعة أو اختيار ىجابة.
1
الموسوعة الفلسفية العربية -معهد اإلنماء العربي -المجلد الثاني– الطبعة األولى –ص.0062-0062
328
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
قبل أن نتعرف علس الخالف في جذوره حول أولوية المادة أو الوعي علينا أوال أن نعي مقصود المزادة
ومقصود الوعي في ضوء دراستنا ونقاتشنا وفممنا للماركسية وفلسفتما ،فبالنسبة للمادة هي الموجود المادي
بكل ابعاده مستقال عن الروح ومستغن عنما ،أو المادة هي الوجود الموضوعي القالم بذاتزه خزارو وعينزا.
أما كيف هي المادة فمذا سؤال يجيبنا عليه العلم عن طبيعة المادة وخواصما....الخ .ىذن ما هزو الزوعي اآلن يززتلخ
الززوعي فمم زال بكونززه اإلدرات ،واإلدرات الموضززوعي تحديززدال ،ان اإلدرات الحسززي المباتشززر
الززاهرة توجززد لززدى اإلنسززان والحي زوان علززس الس زواء بينمززا يتميززإ اإلنسززان ب ز درات موضززوعي يؤهلززه للتفكيززر المنطقي أي القدرة علس ربط ااسبا
اللغة.
بالمسببات ،أو التفكير المنتالم بلغزة مممزا بلغزت درجزة بداليزة هزذه
اتخذت المادية إذن كفلسفة موقفا مبدئيا علميا من مسألة أولويـة المـادة ؛ ذلـك أن عمليـات اإلدراك
والتفكير وتكوين الوعي ال يمكن أن تتحقق إال في بيئة مادية ,وبالتالي فوجود المادة شرط أساسـي ال
غنى عنـه فـي عمليـة الـوعي ،تزدلنا القزوانين العلميزة الناالمزة للوجزود المزادي علزس اسزتحالة تكزوين وعزي بدون مادة ،أي أن الفر
القالل ب مكانية تحقق وعزي بزدون إمزان أو مكزان أو حركزة فزر
التحقق ،فالوعي ىذن مالمر من مالاهر وجود المادة.
أهمية القول بأولوية المادة:
أن القول بأولوية المادة معناه رفز
غيزر ممكزن
كزل أطروحزات الفلسزفة المثاليزة التزي تحزاول تفسزير العزالم
والوجود االنساني انطالقا من ما وراليات أو أي وعي سبق المادة ،وبالتالي فمي دعزوة لفمزم واقزع االنسزان ووجوده ىنطالقا مزن وعزي مزا هزو مزادي ،ووعزي مزا هزو مزادي ىنمزا يسزتند للعلزم ،فزالعلم هزو الزذي يجيبنزا عن ماهية المادة ،وبالتالي ف ن الفلسزفة الماديزة ىنمزا تبنزي مقوالتمزا كلمزا منطلقزة مزن الزوعي العلمزي الزذي
يكزون موضزوعه ااساسزي الوجززود المزادي للكزون واإلنسززان والمجتمزع ،وقزد ىتخزذ مززاركر موقفزا أبعزد مززن ذلززت عنززدما طال ز
ب نتقززال الفلسززفة مززن تفسززير العززالم ىلززس تغيي زره ،جززوهر هززذا الكززالم المطالبززة بتواليززف
القوانين المادية التي تحكم الوجود في تغيير الوجود نفسه ،وبالتالي ىخضاع الوجود الموضوعي لإلنسزان
وتمكينه من خالل فممه المادي للوجود من تغيير هذا الوجود في مصلحته نحو واقع أكثر تطو ار.
تعرف المادية الجدلية في معالم المراجع علس النحو التالي :انما قوانين ومبادئ ومقوالت تعمل فزي
جززانبين ،جان ز
المعرفززة العلميززة ( العلززوم المختلفززة ) ،والجان ز
اآلخززر هززو الحركززة المجتمعيززة وتطززور
المجتمع تبعا لمذه القوانين .أي أنما تطبق في العلوم المعرفية وعلم االجتماع علس حد سواء ،ىذن يمكننا القول ،ىن الماديزة الجدليزة هزي ذلزت العلزم الفلسزفي الزذي ينطلزق مزن أولويزة المزادة مسزتخدما قزوانين الجزدل
المادي لفمم الوجود وتطوره.طبعا لير بمقدورنا أن نقف علس المعنس المراد في التعريف المتقدم ىال عندما
نقززف علززس قززوانين الجززدل المززادي ونفمممززا جيززدا ،ىال أن االنطززالق مززن دقززة التعريززف الززذي سززنعود لفممززه
329
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بدقززة أكبززر مززع فممنززا لقزوانين الجززدل يززوفر لنززا مسززاحة التفاعززل الجززدلي أيضززا مززع التعريززف نفسززه وبالتأكيززد سنجد أنفسنا ونحن نعود ىليه نعيد صياغته أو فممه بتشكل أكثر نضجا . المادة وأشكال وجودها:1 ىن نقطززة انطززالق الماديززة الديالكتيكيززة هززي اإلعتزراف بززالوجود الموضززوعي للمززادة ،للطبيعززة ،المتطززورة،
المتحركة ،بتشكل خالد .لمذا البد ،في البداءة ،من دراسة المادة وأتشكال وجودها. -المادة:
يحيط بنا عدد ال حصر له من الكالنات المتباينة أعالم تباين في خصالصما بعضما يحتشر في عزداد
الكالنززات الحيززة .وبعضززما ال يتززوفر فيززه أي دليززل علززس الحيززاة .بعضززما قززار وبعضززما طززري أو سززالل. بعض ززما متن ززاه ف ززي الص ززغر وخفي ززف ،وبعض ززما ذو أجس ززام هالل ززة وثقيل ززة ج ززدال .بعز ز
ااجس ززام متش ززحونة
بالكمرباء ،وبعضما غير متشحون بما ....ىلخ .كل هذا بمجموعه يتشكل ما يدعس بالطبيعة.
وممما تباينت أجسام الطبيعزة وتمزايإت عزن بعضزما ،فالخاصزة الجامعزة بينمزا هزي ىنمزا موجزودة خزارو
وعي اإلنسان ،واحساسه ونفسه وبتشكل مستقل عنه.
ولززم ينتش ززأ اإلنسززان ووعيززه اال فززي درجززة معينززة مززن تطززور الطبيعززة كنتززاو رفيززع لمززا ،فززي حززين وجززدت
الطبيعززة ذاتمززا بتشززكل خالززد ،ولززم يوجززد وال يمكززن أن يوجززد أي "وعززي مززا فززوق اإلنسززان" أو "وعززي مطلززق"، وعلس هذا فالفلسفة المادية تعلزم أن الطبيعزة ،أن المزادة ،هزي السزابقة؛ وأن الزروح ،أن الزوعي هزو الالحزق،
وعل ززس الص ززعيد االجتم ززاعي ،فز ز ن الوج ززود االجتم ززاعي ه ززو ال ززذي يح ززدد ال ززوعي االجتم ززاعي بالنس ززبة للف ززرد وبالنسبة للمجتمع.
ىن الفلسززفة الماديززة ،ىذ تعمززم حصززيلة التطززور التززاريخي الطويززل تصززوغ ،تشززيلال فتشززيلال ،مفمززوم المززادة
العلمي.
يقول لينين" :ىن المادة هي مقولة فلسفية للداللة علس الواقع الموضوعي الذي تعرفنزا عليزه ىحساسزاتنا،
الواقع الذي تنسخه هذه اإلحساسات وتصوره وتعكسه ،ويوجد بتشكل مستقل عنما". في هذا التعريف ينعكر جوهر النالرة المادية عن العالم ،وانتصا
استحالة المعرفة.
الماديزة ضزد المثاليزة وضزد نالريزة
ىن آفاق زال ال تحززد تتكتشززف أمززام العلززم فززي استقصززاله اعمززاق المززادة ،مممززا صززغرت ومممززا تعقززدت ،ىن
العقززل البتشززري ال يتوقززف عززن الحززدود التززي عرفمززا بززل يحززاول أن يتعززداها ليتعمززق فززي معرفززة جززوهر المززادة
1
المصدر :المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي /عدنان جاموس /بدر الدين السباعي ...دار
الجماهير –دمشق – – 0672ط – 2ص.72
331
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وجإلياتما ،ذلت أن الحقالق التي عرفناها ،يستقر خلفما حقالق أخرى لم نعرفما بعد ،وهزذه تممزد الكتتشزاف
حقالق ثالثة وهكذا ىلس ما ال نماية.
ثم أنه ال ينبغي الخلط بين سؤالين اثنين :أولمما هو هل لألجسام الطبيعية كيزان خزارو وعينزا ومسزتقل
عنه وثانيمما :ما هي بنية هذه ااجسام ،وما هي العناصر الفيإيالية التي تتكون منما وما هي الصفات الفيإياليززة لمززذه العناصززر الس زؤال ااول فلسززفي ويتعلززق بنالريززة المعرفززة ،أمززا اإلجابززة علززس الثززاني فمززن
مممززات العلززوم الطبيعيززة ،وال سززيما الفيإيززاء .بيززد أننززا حززين نؤك زد علززس الفززارق بززين الس زؤالين ،ال نسززتطيع
الفصل بينمما .ىن العلوم الطبيعية تدرر العالم الواقعي وااجسام المختلفة في هذا العالم ،كما تدرر بنيزة هززذه االجسززام وخواصززما ،وارتبززاط بعضززما بززبع
،والقانونيززات المالإمززة لمززا .بيززد أن هززذه العلززوم ال يمكززن
وجودها من غير االعتراف بالواقع الموضوعي للعالم المحزيط بنزا .ومفمزوم المزادة هزو انعكزار لمزذا الواقزع
الموضززوعي .ولمززذا فمفمززوم المززادة ،بززالمعنس الفلسززفي الماركسززي ،يتمتززع بأهميززة كبززرى بالنسززبة ىلززس العلززوم الطبيعية.
ىن المفززاهيم ااساسززية التززي أوجززدتما العلززوم الطبيعيززة ،للداللززة علززس مواضززيع هززذه العلززوم :كالصززغيرة
ااولية ،والذرة ،والجإيء والعنصر الكيماوي والتتشكيلة الجيولوجيزة ،والمنالومزة الفضزالية ....ىلزخ ،ىن هزذه المفاهيم ترتبط حتمال بمفموم المادة الفلسفي ،ويعبر عنما من خالله.
لقززد القززس مفمززوم المززادة هجومزال أعنززف مززن أي هجززوم تعرضززت لززه الفلسززفة الماديززة .وال عجز
فززي ذلزت
ان هذا المفموم هو حجر الإاوية في المفموم المادي عن العالم ،لذا يماجمه أعداء المادية باسزتمرار .لقزد
أكد المثاليون مز ار الر وتكز ار الر أن مفمزوم المزادة الزذي يعنزي الواقزع الموضزوعي ىنمزا دحز تطور العلم ،ومعطيات ممارسة النتشاط العملي أثبتا ،بتشكل ال يدح
أو تشزا ؛ غيزر أن
،عكر ما ذهبوا ىليه.
كل تشيء في تبدل وتغير وذو نماية .ولكن ىذا ما اختفزس تشزيء بزرإ مكانزه تشزيء آخزر ،بحيزث أن أيزة
صزغيرة ماديزة ال تختفززي مزن غيززر أثزر ،وال تتحززول ىلزس ال تشززيء ،وبالمقابزل فلززير هنزات مززن صزغيرة مممززا كان تشأنما ،تخلق مزن ال تشزيء .وحيزث تنتمزي حزدود أحزد ااتشزياء الماديزة تبزدأ حزدود أتشزياء ماديزة أخزرى. وال نماية لمذا التعاق
ال نماية لما وال حدود.
الذي ال حد له ،وال للتأثير المتبادل بين ااجسام الماديزة .فالمزادة ،فالطبيعزة خالزدة،
ليسززت المززادة تشززيلال وحيززد الصززورة ومززن نوعيززة واحززدة .ىنمززا تبززرإ فززي أجسززام متباينززة ال حصززر لتباينمززا،
متميزإة نوعزال وكم زال ،وهززي تتشززكل جماعززات مززن ااتشززياء ااقززار ،مززن حيززث خصالصززما ،وهززي مززا نسززميما باانواع المتباينة للمادة.
وهذه اانواع المتباينة للمادة تتميإ بالتعقيد ىلس هزذا الحزد أو ذات ،وهزي مواضزيع بحزث مختلزف العلزوم
مززن الفيإيززاء ىلززس الكيميززاء ،والبيولوجيززا....ىلززخ .أمززا اانزواع البسززيطة نسززبيال منمززا فمززي الصززغيريات ااوليززة ك ز ز ززالفوتون ،وااللكت ز ز ززرون ،والب ز ز ززوإيترون ،والبروت ز ز ززون ،والمي ز ز ززإون ،واانت ز ز ززي بروت ز ز ززون والنت ز ز ززرون واالنت ز ز ززي
نترون....ىلخ.
330
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أما التعقيزد الواسزع فمزو مزن نصزي
الزذرات والجإيلزات ثزم تليمزا فزي التعقيزد الغزاإات والسزوالل وااجسزام
الصز ززلبة التز ززي نحتز ززت بمز ززا فز ززي حياتنز ززا اليوميز ززة .وكز ززذلت ااج ز زرام السز ززماوية المختلفز ززة كالكواك ز ز والمجموعات النجمية.
والنجز ززوم
وتتميز أجسام الطبيعة العضوية ,وخاصة اإلنسان ,ثمرتها العليا ,بدرجة عالية من التعقيـد .ويعتبـر
المجتمع اإلنساني موضوعاً مادياً خاصاً تدرس علوم كثيرة جوانبه ومظـاهره المختلفـة :مـن هـذه العلـوم المادية التاريخية ,والتاريخ واالقتصاد السياسي ,واالحصاء االقتصادي....إلخ. -الحركة شكل لوجود المادة
1
المادية الجدلية ال تحصر تعدد أتشكال الحركة في تشكل واحد منما ،ميكانيكي ،مثالل أو أي تشكل واحد
آخر ،بل تربط الحركة بالتغير ،بتطور االجسام ،بمولد الجديد واندثار القديم ،ال توجد المادة ىال في حركة وهكذا ف ن الحركة تشكل من أتشكال وجود المادة وهي خاصية مالإمة لما" .ىن الحركة هي أسلو
لوجود المادة .ولم توجد في أي مكان مادة دون حركة وال يمكن أن توجد". الحركة مطلقة والسكون نسبيحركة المادة مطلقة وابدية ،وخالفال لكون الحركة مطلقة ف ن السكون نسبي .ولكنه ال يجوإ تصوره
حالة جامدة متحجرة .فالجسم ال يمكن أن يكون ساكنال ىال بالنسبة لجسم آخر ،لكنه بالضرورة يتشترت في
الحركة العامة للمادة .وفوق ذلت فحتس حين يكون الجسم في حالة سكون ف ن عمليات فيإيالية أو كيميالية أو عمليات أخرى تجري فيه طيلة الوقت.
ف ن حركة المادة ابدية مطلقة ،في حين أن السكون وقتي نسبي ،أنه مجرد لحالة من لحالات
الحركة.
ذلززت ىن كززل مززا يولززد ااحاسززير لززدينا مززادي ،ولكززن لززير كززل الال زواهر الماديززة تولززد لززدينا أحاسززير:
فااتشعة مزا فزوق البنفسزجية والعمليزات الجاريزة وسزط التشزمر وعزدد ال يحصزس مزن الالزواهر ااخزرى لزير بمقدورنا أن نحر بمزا .وبزالرغم مزن كزل أهميزة السزمتين الثانيزة والثالثزة للمزادة فزاامر الرليسزي الزذي يميزإ
المادي عن غير المادي هو وجوده خارو الوعي.
1
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص23
332
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ىن هززذا الفمززم للمززادة يتسززم بأهميززة كبززرى فززي الوقززت الحاضززر وتؤكززده كليزال االكتتشززافات العلميززة الحديثززة
والمعاصرة .وعلس ضوء التصورات العلمية الحديثة يمكن أن نتشير ىلزس المجموعزات التاليزة اتشزكال حركزة
المادة: 1
-0ااتشكال الميكانيكية :وهي تنقل ااجسام مكانيال بالنسبة ىلس بعضما البع
.
-3ااتشكال الفيإيالية :وهي التغيرات في الواقع المكاني والسزرعة والكتلزة والطاقزة والتشزحنة الكمرباليزة ودرجة الح اررة والحجم وغير ذلت من صفات ااتشياء المادية ،وهي أيضال مجموعة أتشكال الحركة الت ززي تدرس ززما الفيإي ززاء كالعملي ززات الح ارري ززة والكمرطيس ززية بم ززا فيم ززا الالز زواهر الض ززولية والتج ززاذ
المتبادل وكافة العمليات التي تجري داخل الذرة وداخل النواة. -3ااتشكال الكيميالية :وهي تحول بع تكوينما (اتحادها وانفصالما).
الزذرات وواعزادة
المزواد ىلزس بعضزما اآلخزر ،وتكزوين تراكيز
-4ااتشكال البيولوجية :وهي كافة التغيرات أو الحركة في الحياة العضوية.
-8ااتشزكال االجتماعيززة :وهززي التغيزرات الجاريززة موضززوعيال فزي المجتمززع البتشززري وحززده والمالإمززة لززه دون غي ز زره ،أو هز ززي العمليز ززات االجتماعيز ززة (التناقضز ززات والص ز زراعات الطبقيز ززة ...ىلز ززخ) وتز ززاريخ
المجتمع اإلنساني.
ىن أي تشززكل مززن أتشززكال الحركززة المززذكورة أعززاله ىنمززا هززو موجززود موضززوعيال بع ز
النالززر عززن وعززي
البتشر ،وهو يمثل عملية مادية .أما حركة أحاسيسنا وأمإجتنا وأفكارنا فمي موجودة في أذهان البتشر فقزط. وبديمي أن ااحاسير واافكار ال يمكن أن توجد بدون حاملما المادي ،نعني الدماغ. مقوالت المادية الجدلية : يعتبر البحث في مسألة المقوالت جإءال من البحث في متشكلة المعرفة .وتشرط المعرفة اليقينية سالمة
اال ستنتاو أو سالمة التسلسل المبني علس قيار صحيح ،أي من يفيد البرهان وكانت مقدماته صحيحة. والقسم الذي يتولس هذا النمط من التفكير هو المنطق بالتشكل الذي وضع فيه أرسطو أول مبادله .ىذ ان
معيار الحقيقة قبل أرسطو لم يكن بالضرورة صحة القيار المبني علس المقدمات اليقينية.2
و المقوالت بتحديد أرسطو لما هي اعم المحموالت التي يمكن ىسنادها ىلس الموجود .لذا تدعس أحيانال
بالمسندات ،كما دعيت أيضال بااجنار العامة .والمقوالت كما حددها أرسطو عتشرة .وهي :الجوهر، الكم ،الكيف ،النسبة ،المكان ،الإمان ،الوضع ،الحال ،الفعل واالنفعال.
1
المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – -0672ص.13
2الموسوعة الفلسفية العربية -معهد اإلنماء العربي -المجلد األول -الطبعة األولى – ص 777 - 779
333
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والجوهر بتحديد أرسطو هو الموجود الذي تضاف ىليه جميع المحموالت ااخرى .وبتحديد آخر له
يقول :هو ما يقوم بنفسه وال يحتاو في قوامه ىلس تشيء آخر خارو عنه .وفي "ما بعد الطبيعة" ميإ أرسطو بين الجوهر المادي والصوري وبذلت قد يكون الجوهر عبارة عن التشكل او عن ماهية التشيء .أو
قد يكون الجسم المرك
محالل لألع ار
من مادة وصورة .ومن ميإات الجوهر ااخرى أنه قد يكون حامالل لألضداد .أي
دون أن يلحقه من جراء ذلت أي تغير.
والكم هي المقولة التي تعبر عن كل ما يمكن قياسه أو عده .وقد ميإ أرسطو وكذلت الفالسفة العر
بين الكم المتصل كالسطح مثالل والكم المنفصل كااعداد.
والكيف .هي المقولة التي تبحث في هيلة التشيء كما تبحث أيضال في ما يحدث للجسم من عوار
كالصالبة أو الليونة مثالل أو من عوار
نفسية تدخل علس الجسم االنساني كاالنفعال والخجل .أما
مقولة النسبة أو اإلضافة والمضاف كما يقول الفارابي فمدار بحثما الطريقة التي ترتبط بما ااتشياء
ببعضما بعضال .كالكثير ب ضافته ىلس القليل.
والمكان والإمان مقولتان تبحثان في الموضع وفي الوقت الذي يحدث فيه الفعل.
المقوالت في فلسفة كانط :1 ربما تشكل رأي كانط في المقوالت تشيلال ممي الإ عما هي عليه في الفلسفة المتشالية .جعل كانط همه
البحث عن طريق المعرفة .وهذه الطريق يج بواسطة المفاهيم ،أداة االتصال والتواصل.
أن تبحث أوالل في تشروط المعرفة .والمعرفة ال تتم ىال
فعلس الذهن ىذن ،ليتحقق من سالمة المعرفة ،أن يضبط التشكل الذي تصاغ فيه هذه المفاهيم بوضع
المقوالت.
والمقوالت هي المعاني الذاتية التي تربط بين ااحكام أي بين ما يصادف في الإمان والمكان من
الواهر.
ىن كل علم – ممما كان مجال الواقع المادي الذي يدرسه -لير عبارة عن نالام من القوانين فحس
بل عبارة أيضال عن مقوالت محددة ،أي أعم المفاهيم التي تصاغ خالل تطور كل علم ،وتتشكل أساسه.
فمذه المقوالت في الميكانيكا ،مثالل ،هي الكتلة والطاقة والقوة ،وفي االقتصاد السياسي – السلعة والقيمة والنقود وما اليما.2
وواذ لخصت الفلسفة ىنجاإات العلم ونتشاط النار العملي ،فقد كونت نالامما الخا
1الموسوعة الفلسفية العربية -معهد اإلنماء العربي -المجلد األول -الطبعة األولى – ص 777 - 779
2
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص030
334
من المقوالت .
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
"ىن المقوالت الفلسفية "مفاهيم تعكر ما هو عام لدى الواقع من سمات وارتباطات وجوان
وخصال
،فقد عرفنا عددا من أهم المقوالت عند دراستنا للمادية الفلسفية ،ونعني بما أوالل مقوالت المادة
والوعي ثم الحركة والمكان والإمان ،وسندرر خصيصال في هذا الفصل مجموعة أخرى من المقوالت
هي :الخا
والعام ،والمضمون والتشكل ،والجوهر والالاهر ،والسب
واالمكانية والواقع".1
-ما هو الخاص والعام
والنتيجة ،والضرورة والصدفة
الخاص والعام
2
لكل تشيء عدد من السمات الخاصة التي تالإمه وحده ،فلنأخذ ،مثالل ،تشجرة الحور ،ان لما حجمما
وعدد فروعما المنالمة بطريقة خاصة ،والتكوين الخا ولكل انسان تكوينه الخا
لجذورها وغير ذلت من السمات.
وقدراته واهتماماته وميوله وطريقة سيره وحديثه ،وهذا ما يميإه من ملات
الماليين من النار.
وتشجرة الحور المعنية واالنسان المعني والتشيء أو الالاهرة المفردان في العالم المادي هي بالذات .
الفردي أو الخا
غير انه ال يوجد تشيء خا
المعني يعي
علس اار
،فردي بذاته ،بدون االرتباط بغيره من ااتشياء والالواهر ،فاالنسان
حيث يعي
الكثيرون حوله ،ولديه الكثير مما هو متشترت معمم ىذ أنه يرتبط
بمم بآالف الوتشالا ،ان لديه ممنة وهذا يعني أن لديه سمات تالإم كل ممثلي هذه الممنة ،وهو ينتمي
ىلس طبقة محددة وأمة محددة ،ومن هنا فتالإمه سمات قومية وطبقية معينة. أما فيما يخ
التركي
الفسيولوجي التتشريحي ،والقدرة علس التشعور والتفكير وعلس العمل والكالم
ىلخ .ف ن هذه السمات مالإمة لجميع النار ،وبالمثل ف ن لكل تشيء ،ىلس جان سمات متشتركة مع غيره من ااتشياء.
سماته الخاصة الفردية،
والعام هو ما يالإم الكثير من ااتشياء المفردة الخاصة ،وللن كانت السمات الفردية تميإ التشيء
المعنس عن غيره ف ن العام كأنما يقر بينه وبين ااتشياء ااخرى ويجعلما مترابطة فيما بينما ومنتمية ىلس صنف معين من ااتشياء المتجانسة .
1 2
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص032 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص032
335
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
جدلية الخاص والعاملير الخا
1
والعام مترابطين فحس ،بل هما يتغيران علس الدوام ،فالحدود بينمما متحركة ،ويحدث
عامال والعكر
خالل التطور في الروف معينة أن ينتقل الواحد منمما ىلس اآلخر فيصبح الخا بالعكر.
-ما هو المضمون والشكل
المضمون والشكل
2
المضمون هو مجمل العناصر والعمليات التي تتشكل التشيء أو الالاهرة المعنية ،والتشكل هو تركي
وتناليم المضمون ،وهو لير تشيلال خارجيال تجاه المضمون ،بل هو كامن فيه .
المضمون والتشكل يالإمان الالواهر االجتماعية ،ف ن القوى المنتجة (وفي المقام ااول أدوات االنتاو
والنار الذين يستخدمونما) تمثل مضمون أسلو انتاو محدد تاريخيال ،أما عالقات االنتاو (ترابط النار
خالل عملية االنتاو والذي يقوم علس عالقاتمم بمذه اادوات) فتمثل تشكل أسلو االنتاو.
وتنطلق المادية الجدلية من وحدة المضمون والتشكل ،من كونمما ال ينفصمان ،فكال من التشكل
والمضمون كامن في التشيء المعني ،ومن هنا ال يمكن فصل الواحد عن اآلخر .فال مضمون بوجه عام وانما يوجد مضمون متتشكل أي مضمون له تشكل محدد ،وبالمثل ال تشكل خال
فللتشكل دالمال مضمون ،وهو يفتر
دون أي مضمون،
مسبقال مضمونال محددال يمثل هذا التشكل بنيته أو تناليمه.
المضمون تشديد النتشاط ،وهو بفضل تناقضاته الداخلية يتطور ويتحرت باستمرار .ثم مع تغير
المضمون يتغير التشكل أيضال ،فالمضمون يحدد التشكل.
ال يجوإ استصغار دور التشكل وأهميته في التطور .ىننا نعلم أن اعداء الماركسية ،االنتماإيين ،
سعيا منمم لمنع تأسير حإ ثوري جديد الطراإ انكروا دور ااتشكال التناليمية للحإ إاعمين أن التشكل
سلبي ساكن وال يؤثر في مضمون النضال الثوري اطالقال. ويج
أن ال يغي
عن بالنا كذلت ،عند تحليل التفاعل بين التشكل والمضمون ،انه تبعال للالروف
يمكن أن يتطور نفر المضمون في أتشكال مختلفة . -التناقض بين الشكل والمضمون :3
وبغية تكوين فكرة اكمل عن العالقة بين التشكل والمضمون من الممم ىدرات الطابع المتناق العالقة .لقد سبق واوضحنا ان التشكل أكثر ثباتال واقل تحركال من المضمون .وهذا هو السب
1 2 3
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص032 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص021 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص022
336
لمذه في أنه
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
يتخلف عن تطور المضمون ،ويصبح عتيقال ويدخل في تناق
معه .وعادة ما ينتمي التناق
بين
التشكل القديم والمضمون الجديد ىلس طرح التشكل القديم واالستعاضة عنه بتشكل جديد ،اامر الذي يكس
المضمون مجاالل رحبا من أجل التطور الحقال.
ما هو الجوهر والظاهرة :1مفموم الجوهر قري
الجوهر والظاهرة
من مفموم المضمون ولكنه ال يتطابق معه .وللن كان المضمون مجمل جميع
العناصر والعمليات التي تتشكل التشيء المعني فان الجوهر هو الجان
الرليسي الداخلي الثابت نسبيال من
التشيء (أو مجموع جوانبه وعالقاته) .ويحدد الجوهر طبيعة التشيء ،وتنبع منه كل جوانبه ااخرى وسماته .
ويعبر الجوهر في الالواهر االجتماعية كذلت عن الجان
الداخلي ،الرليسي للعمليات .فعندما وصف
لينين االمبريالية – أعلس مراحل الرأسمالية -عرفما بأنما رأسمالية احتكارية .ف ن سيطرة االحتكارات التي
حلت محل المإاحمة هي جوهر االمبريالية .ومن سيطرة االحتكارات تنبع كل السمات ااخرى لالمبريالية، وفي المقام ااول حصول الرأسماليين المنضمين ىلس االتحادات االحتكارية علس الربح الفاح
االحتكاري.
ولثورات التحرر الوطني وجوهرها الخا
أيضال .وهو يتلخ
في احراإ االستقالل الوطني والتخل
من التبعية االقتصادية للرأسمالية العالمية وتطوير االقتصاد والثقافة الوطنيين وبناء الدولة الديمقراطية
التشعبية .
أما جوهر المجتمع االتشتراكي فمو سيادة الملكية االتشتراكية وتخطيط االقتصاد وعدم وجود االستغالل
وتحقيق التعاون والمساعدة المتبادلة بين أفراد المجتمع وتلبية احتياجات النار علس أكمل وجه علس
طريق تطوير االنتاو وتحسينه علس أسار التكنيت المتقدم.
فما هو الظاهرة ؟ ان الظاهرة هي التعبير الخارجي المباشر عن الجوهر وشكل تجليه ويتجلس جوهر االمبريالية في تشنما الحرو
العدوانية (العالمية والمحلية) وفي سباق التسلح وفي
الجماهير الكادحة وفي اإدياد البطالة وانخفا
وفي تإايد االجرام وفي تتشديد
االإمة العامة (االقتصادية والسياسية واالخالقية) للرأسمالية التي تتفاقم باطراد وفي تتشديد استغالل استغالل الدول الضعيفة والتابعة .
مستوى حياة التشع
أما جوهر االتشتراكية فيتجلس في والمساواة ووالغاء كل مالاهر االستغالل واالستبداد وامتالت الدولة للثروة وبناء المصانع الجديدة والتقدم التكنيكي في مختلف فروع االقتصاد الوطني والوتالر الرفيعة لبناء 1
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص022
337
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المساكن والمؤسسات الثقافية ،وتخفي
ساعات عمل التشغيلة ،وإيادة ااجور وتحسين الضمان
االجتماعي والخدمات المعيتشية وما ىلس ذلت . جدلية الجوهر والظاهرة :1لير ثمة جوهر "خا
" أي جوهر ال يتجلس في تشيء فكل جوهر يعبر عن ذاته في عدد كبير من
الالواهر .فجوهر االتشتراكية يعبر عن ذاته من خالل كثير من أحداث ووقالع نمط الحياة االتشتراكي . ولير الجوهر والالاهرة وحدة فحس ،لكنمما أيضال ضدان ،فمما ال يتوافقان كليال أبدال ،والتناق
بينمما مالمر لكون أتشياء الواقع ذاتما متناقضة داخليال ،فالجوهر غير مرلي علس السطح ،بل هو مخفي وغير قابل للمراقبة المباتشرة ،وال يمكن كتشفه اال في مجرى الدراسة التشاملة الطويلة للتشيء . أهمية مقولتي الجوهر والظاهرة :2ان معرفة جدلية الجوهر والالاهرة بالغة ااهمية في الحياة االجتماعية والعلم والنتشاط العملي ،فمذه المعرفة تعطي العلماء ثقة في أنه ممما كان تعقد عملية معرفة الالواهر التي يدرسونما ،وممما كان عمق
اختفاء الجوهر خلف هذه الالواهر ف ن هذا الجوهر سيعرف في آخر المطاف.
وان معرفة الجوهر ضرورية بخاصة ان الالاهرة غالبال ما تعطي فكرة إالفة عن طبيعة عملية ما،
فيبدو لنا ،مثالل ،ان التشمر تدور حول اار ،في حين اننا نعرف أن اار
في الواقع هي التي
تدور حول التشمر .وقد يبدو انه ثمة ديمقراطية واسعة في العالم االمبريالي :ففيه يعلن عن الحق االنتخابي العام وحرية الكالم والصحافة وحرية تكوين االح اإ
والجماعات السياسية والخ ،لكن الواقع ان
الديمقراطية في الل االمبريالية ليست سوى خدعة ،فمي ديمقراطية محدودة ،ديمقراطية لالغنياء وحدهم.
ان المعرفة القالمة علس الالاهري فقط ،علس مالاهر الجوهر ،عاجإة عن ان تقدم صورة صحيحة
للعالم ،وال يمكن أن تكون مرتشدال للعمل ،ويؤدي العجإ عن تميإ الالاهرة عن الجوهر ىلس اخطاء خطيرة
في النالرية والممارسة .
-ما هو السبب والنتيجة
3
السبب والنتيجة
والالاهرة أو مجموعة الالواهر المتفاعلة التي تسبق الواهر أخرى وتولدها تسمس السب ،أما الالاهرة التي يولدها فعل السب
1 2 3
فتسمس النتيجة .
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص029 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص027 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص021
338
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والسب
يسبق النتيجة دالمال ،لكن التتابع الإمني لير عالمة كافية للسب ،فالنمار ،مثالل ،يتلو
الليل ،لكن الليل لير سب
النمار ،ويتم تتابع الليل والنمار نتيجة دوران اار
السببية بين الاهرتين توجد فقط حين ال تسبق أحداهما ااخرى فحس وال يجوإ الخلط بين السب
حول محورها ،فالعالقة
بل تولدها بالضرورة.
وبين الدافع ،فالدافع حدث يسبق النتيجة مباتشرة ،لكنه لير بحد ذاته سببال
لما ،وانما يحفإ مفعول السب . "ىن السب
السب
والنتيجة مترابطان ترابطال ال ينفصم ،فال نتيجة دون سب
والعكر بالعكر ،وللترابط بين
والنتيجة طابع داخلي حتمي ،وهو ترابط تنبع في الله النتيجة من السب
أن النتيجة بعد أن يولدها السب
وتكون نتاجال لفعله ،غير
ال تالل غير مبالية بسببما بل تمارر تأثي الر عكسيال عليه ،وهكذا ف ن
العالقات االقتصادية بين النار في مجرى االنتاو هي سب ،مصدر االفكار السياسية والفلسفية وغيرها
من اافكار ،لكن هذه اافكار بدورها تؤثر علس تطور العالقات االقتصادية . ويتجلس الترابط بين السب
والنتيجة كذلت في ان الاهرة عينما يمكن ان تكون سببا في حالة ما
ونتيجة في حالة أخرى ،فاحتراق الفحم في موقد الغاليات في المحطات الكمربالية هو سب
ىلس بخار ،أما البخار كنتيجة الحتراق الفحم فمو نفسه سب التي هي مصدر ،سب
تحول الماء
دوران المولد ،فبنتيجة دورانه يولد الكمرباء
حركة الكثير من اآلالت واالجمإة ،وتعطي النار الح اررة والضوء الخ.
ويمكن أن توسع هذه السلسلة من التدليالت ،ف ن السببية بالذات تفسر هذه السلسلة الالمتناهية من
الترابطات ،أي التفاعل التشامل بين أتشياء والواهر العالم حيث كل حلقة هي سب
نفسه".1
-ما هي الضرورة والصدفة ؟
2
ونتيجة في الوقت
الضرورة والصدفة
بغية تسميل فمم ما هي الضرورة والصدفة لنج
ااحداث من كل بد في الالروف المعنية وهل يج
أوالل علس السؤالين التاليين :هل يج
بالذات ولير بنحو آخر
أن تقع جميع
أن تجري جميعال في تلت الالروف بمذا النحو
اننا جميعال نعرف جيدال انه ىذا إرعت بذرة فستنبت ىذا ما توفرت الرطوبة والح اررة .لكن النبتة الصغيرة
قد تملت نتيجة لمطول أمطار غإيرة ،فمل يج
أن يقع هذان الحدثان (استنبات البذرة وهالت النبات)
من كل بد
" لير الحدثان معا واجبي الوقوع ،فخبرتنا اليومية تدلنا علس ان استنبات البذرة في الروف معينة ،أي
عند توافر الح اررة والرطوبة الماللمتين ،ضروري .فتلت هي طبيعة النبات ذاتما ،لكن هطول اامطار
1 2
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص022 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص022
339
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الغإيرة تشيء قد يحدث أو ال يحدث ،وهو قد يدمر النبات أو يلحق الضرر به فقط ،وهو ال ينبع اطالقال
من طبيعة النبات ،فمو لير ضروريال البتة في الالروف المعنية .
والالاهرة أو الحدث الذي يقع من كل بد ىذا ما توفرت الروف معينة يسمس ضرورة (وفي مثلنا كان
استنبات البذرة ضرورة) ،فالنمار يتبع الليل بالضرورة ،والفصول تتابع بالضرورة ،ومولد ونمو الحركة
التشيوعية للطبقة العاملة في الل الرأسمالية ضرورة ،ىذ ان هذه الحركة وليدة الروف حياة هذه الطبقة
ومكانتما في المجتمع ،والممام التي طرحما التاريخ أمامما".1 2
-جدلية الضرورة والصدفة
الضرورة والصدفة مترابطتان ترابطال جدليال ،فالحدث ذاته يمكن أن يكون ضروريال وصدفيال في نفر
الوقت – ضروري من ناحية وصدفي من ناحية أخرى ،ف ن االمطار بصفتما صدفة بالنسبة لمالت النبات هي نتيجة ضرورية لألحوال الجوية في المنطقة التي تمطل فيما. -أهمية مقولتى الضرورة والصدفة
3
من الممم جدال في النتشاط العلمي والعملي مراعاة الجدلية الموضوعية للضرورة والصدفة .
ىن معرفة القوانين والضرورة الموضوعية تساعد اإلنسان علس ان يخضع العديد من الواهر الطبيعة
والحياة االجتماعية لمصالحه ،ويج
علس كل علم ان يستمدف بالدرجة ااولس معرفة الضرورة ،ف ن
مممة علم االجتماع ،مثالل ،هي معرفة الضرورة الموضوعية لتطور المجتمع ومن ثم ،علس أسار هذه الضرورة المدركة ،تغيير النالم االجتماعية لصالح االنسان الكادح.
وطالما أن الصدفة تشكل لالمور الضرورة ف ن علس العلم اال يتجاهل الصدف .وبما أن الصدف توجد
وتمارر تأثي ار ع لس الحياة ف ن علس العلم أن يضع في اعتباره دورها في التطور وأن يحمي االنسان من
الصدف غير المؤاتية.
-ما هي االمكانية والواقع
4
االمكانية والواقع
ان الجديد ،أي الذي يتطور هو ضروري ،لكنه ال يالمر دفعة واحدة .ففي البدء تنتشأ مقدمات، عوامل محددة لالموره ،ثم تنضا هذه المقدمات وتتطور ،ويالمر ،بفعل القوانين الموضوعية ،التشيء
الجديد أو الالاهرة الجديدة ،وهذه المقدمات الالإمة لالمور الجديد والكامنة في الموجود تسمس امكانيات.
1 2 3 4
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص029 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص029 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 021-027 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص021
341
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وهكذا ف ن كل جنين لديه امكانية التطور ،التحول ىلس كالن بالغ ،والكالن البالغ الذي نمس عن هذا
الجنين هو الواقع ،فالواقع هو االمكانية المتحققة .
"ولما كانت أتشياء العالم والواهره متناقضة ف ن االمكانيات بدورها متناقضة أيضال ،ويج
أن نفرق
بين االمكانية التقدمية (االيجابية) والرجعية (السلبية) ،فكل ثورة اجتماعية ،مثالل ،تحوى امكانية ايجابية
هي انتصار القوى التقدمية ووامكانية سلبية هي انتصار القوى الرجعية ،ولكن بحكم مفعول قوانين التاريخ الموضوعية تنتصر االمكانيات التقدمية في آخر المطاف في حين أن انتصار االمكانيات الرجعية ،وان
كان يحدث في بع
1
الحاالت ،لير سوى انتصار مؤقت عار " .1
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص020
340
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الفصل الثالث
نظرية املعرفة يف املادية اجلدلية تمهيد :
إن المعرفة بالنسبة لنا ال تتوقف عند المعرفة األولية التي تتشكل فـي األذهـان عـن طريـق الحـواس
فحسب ,بل علينا أن نحاول دوماً إدراك األشياء ,وكل الموجودات من حولنا ,إدراكاً عقالنياً يمكننا مـن فهم األسباب التي تحول دون تحقيق مهام الثورة التحررية الوطنية والقومية الديمقراطيـة فـي مجتمعنـا
الفلســطيني ومجتمعاتنــا العربيــة ,وص ـوالً إلــى معرفــة الســبل الكفيلــة بتجــاوز واقــع الهزيمــة والتبعيــة
والتخلف واالسـتبداد ,وهنـا تتجلـى "األيـديولوجيا" أو الرؤيـة الماركسـية -المتطـورة والمتجـددة ابـدا -
كمفهــوم جراحـــي تســتطيع فصـــائل وأحــزاب اليســـار الماركســـي فــي فلســـطين والــوطن العربـــي أن تـــوفر ألعضــائها وكوادرهــا ,ثــم لجمهورهــا مــن خاللهــا ,وعيــا بحقيقــة الص ـراع الوجــودي ضــد دولــة العــدو الصهيوني من جهة وبحقيقة الصـراع الطبقـي (السياسـي واالجتمـاعي واالقتصـادي) الـداخلي مـن جهـة
ثانية ,لكي يشتركوا في مباشرته ,وبالتالي فإن المعرفة التي ندعو إلى امتالكها ووعيها ,هـي المعرفـة المشغولة بالثورة التحررية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية على الصعيدين الوطني والقـومي ,والملتزمـة
– سلوكا وتطبيقا -بمفاهيم الديمقراطيـة والمواطنـة والنهـوض واالرتقـاء والتطـور ,والمتسـلحة بـالعلم واالستكشاف المرتكز إلى العقل والتجربة ,وتخليص البحث المعرفي من سـلطة السـلف وقدسـية وجمـود األفكار ,كمدخل البد منـه لتحريـر الواقـع العربـي وتخليصـه مـن كـل رمـوز وأنظمـة الدكتاتوريـة والعمالـة
"ملوكاً " و "رؤساء" و "أمراء" كشرط للقضاء على مظاهر التخلـف والتبعيـة والخضـوع واالسـتبداد وقمـع الحريــات ,وتحريــر فكرنــا العربــي مــن حالــة الجمــود واالنحطــاط ,مــدركين أن اعتمــاد العقــل كــأداة وحيــدة للتحليل ,والعقالنية كمفهوم ,يستند على المنهج العلمي الجدلي ,سـيدفع بفكرنـا العربـي صـوب الـدخول
في منظومة المفاهيم النهضوية الحديثة والمعاصرة التي تقوم على أن للعقـل الثـوري الجمعـي (الحـزب)
دو ارً أولي ـاً ومركزي ـاً فــي تحليــل وتغييــر الواقــع والــتحكم فــي صــيرورة حركتــه لحســاب مصــالح الجمــاهير
الشعبية.
إن المعرفـة اإلنســانية مطلقـة ,مســتقلة ,ذلـك ألنهــا قـادرة علــى إعطـاء الحقيقــة الموضـوعية ,وعلــى
عكس األشياء عكساً صحيحاً .وليس هناك من حدود لمعرفتنا وليس هنا من أشـياء ال تمكـن معرفتهـا, بل توجد أشياء لم تعرف بعد ولكنها يمكن أن تعرف خالل تطور العلم ,إن بنية الذرة والطاقـة التـي فـي
342
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
داخلهــا ظلتــا مــدة طويلــة "شــيئاً فــي ذاتــه" غيــر معــروف ,ولكنهمــا أصــبحتا اآلن بفضــل جهــود العلمــاء والمهندسين "شيئاً من أجلنا".
ىن المعرفززة محززدودة ونسززبية (ليسززت مطلقززة) فززي كززل مرحلززة مززن م ارحززل تطورهززا لززدى جيززل معززين مززن
النار .ىن الحقيقة الموضوعية في تشكلما التزام والكامزل تسزمس الحقيقزة المطلقزة ،ونعنزي بمزذه ااخيزرة تلزت المعرفة التي ال يمكن أن تدح
خالل التطور التالي للعلم والتطبيق.
فمل هنات وجود للحقيقة المطلقة ىن الماركسية تجي
عن هذا السؤال باإليجزا
دون أي تزردد ،يقزول
لين ززين" :ىن االعتز زراف بالحقيق ززة الموض ززوعية أي بالحقيق ززة المس ززتقلة ع ززن اإلنس ززان وع ززن اإلنس ززانية يعن ززي االعتراف بالحقيقة المطلقة علس هذا التشكل أو ذات".
إن المعرفة مطلقة عندما تتحرك في طريق الحقيقة الموضوعية ,وال يمكنها أن تكون مطلقة إال فـي
حركتها هذه ,فالحقيقة المطلقة ال وجود لها خارج حركة المعرفة ,والحقيقـة ليسـت مطلقـة إال مـن حيـث
مصدرها ومن حيث نزعة الحركة .ولذا فإن جميع فروع المعرفة العلميـة تحتـوي علـى نظريـات صـحيحة
بشكل مطلق ,ال يمكن أن تدحض خالل التطـور التـالي للعلـم ,وفـي كـل حقيقـة موضـوعية توجـد بعـض
عناصر وجوانب المطلق .وهكزذا نجزد أن مجمزل مزا نعرفزه عزن البنيزة الفيإياليزة للمزادة لزير كزامالل ومطلقزال ولكن توجد فيه عناصر كثيرة من المطلق (كقولنا مثالل أن الذرة قابلة للتقسيم وأن اإللكترونات والبروتونات
والنيترونات هي عناصر الذرة ،ىن هذا القول صحيح بتشكل مطلق). -ما هي المعرفة ؟
1
المعرفة هي االنعكار الفعال المادف للعالم الموضوعي وقوانينه في مخ االنسان ،ومصدر المعرفة
هو العالم الخارجي المحيط باالنسان ،فمو يؤثر علس االنسان ويثير لديه االحاسير والتصورات والمفاهيم المعنية .فاالنسان يرى الغابات والحقول والجبال ،ويتشعر بالح اررة ويدرت ضوء التشمر ،ويسمع تغريد الطيور ويتشم عبير الإهور ،ولو لم تؤثر عليه هذه ااتشياء الموجودة خارو وعي االنسان لما كان لديه
أقل تصور عنما.
االعتراف بالعالم الموضوعي واتشياله والواهره باعتبارها المصدر الوحيد للمعرفة االنسانية هو المسلمة
ااساسية لنالرية المعرفة الماركسية المادية الجدلية.
" ىن السمة المميإة ااساسية لنالرية المعرفة الماركسية هي انما وضعت عملية المعرفة علس أسار
من الممارسة ومن نتشاط النار المادي االنتاجي ،ففي مجرى هذا النتشاط بالذات يعرف االنسان االتشياء والالواهر ،والممارسة في الفلسفة الماركسية هي نقطة انطالق ،أسار عملية المعرفة ومعيار صحة
المعارف علس حد سواء. 1
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص022
343
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ففي النتشاط العملي للنار واالنتاو المادي بالذات تالمر الفعالية والتوجه للمعرفة االنسانية .فاالنسان
ال يمارر تأثي ار فعاال علس العالم المحيط به وحيدا ،بل بالتعاون مع غيره من النار ،مع المجتمع
ككل .وهذا يعني أنه ىذا كان العالم المادي هو موضوع المعرفة ومصدرها ف ن المجتمع االنساني هو الذات بالنسبة للمعرفة وحاملما ،واالعتراف بالطبيعة االجتماعية للمعرفة سمة مميإة هامة لنالرية المعرفة
الماركسية.
فالمعرفة من وجمة نالر المادية الجدلية هي العملية الالمتناهية القت ار التفكير من الموضوع الجارية
معرفته ،وهي حركة الفكر من الجمل ىلس المعرفة ،ومن المعرفة غير الكاملة وغير الدقيقة ىلس معرفة
أكثر كماالل ودقة ،وتسير المعرفة ىلس اامام كاتشفة عن جوان
جديدة متإايدة للواقع ومستبدلة النالريات
البالدة بنالريات أخرى جديدة ،ومضيفة مإيدال من الدقة علس النالريات القديمة" . 1 -الممارسة نقطة انطالق عملية المعرفة وأساسها
2
الممارسة هي النتشاط الفعال للنار في تحويل الطبيعة والمجتمع ،وأسار الممارسة هو العمل ،االنتاو المادي ،كما تتشمل الممارسة كذلت النضال السياسي ،الطبقي وحركة التحرر الوطني والتجار العلمية. والممارسة اجتماعية من حيث طابعما ،فمي ليست نتشاط افراد معإولين بل نتشاط جماعات كبيرة من
النار ،نتشاط جميع التشغيله ،أي أوللت الذين ينتجون الخيرات المادية ،ىلس جان
نتشاط ااح اإ
والحركات الثورية.
والممارسة هي نقطة انطالق المعرفة وأساسها
" ىن الممارسة ليست فحس
أساسا للمعرفة بل هي كذلت هدف للمعرفة ،ف ن االنسان ال ينك
علس
معرفة العالم المحيط به وكتشف قوانين تطوره اال بغية استخدام نتالا المعرفة هذه في نتشاطه العملي " .3 -وحدة النظرية والممارسة
4
المعرفة أحد أتشكال نتشاط النار ،انما نتشاطمم النالري ،غير ان النالرية بذاتما عاجإة عن تغيير
الواقع ،هذا ما يميإها عن الممارسة .فالنالرية انما تعكر العالم فحس ،تعمم خبرة البتشرية العملية، ولكنما ىذ تعمم الممارسة تترت تأثي الر معاكسال عليما وتسمم في تطورها ،فالنالرية دون الممارسة عديمة المعنس ،والممارسة دون النالرية عمياء ،فالنالرية تمدى الممارسة ىلس الطريق وتتشير ىلس اكفأ وسالل
تحقيق ااهداف العملية . 1 2 3 4
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 027 - 029 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 027 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص021
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 026
344
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فالوحدة بين النالرية والممارسة هي المبدأ ااعلس للماركسية . -من التفرج (أو التأمل) الحي إلى التفكير المجرد
1
المعرفة ال تقف ساكنة ،بل تتحرت وتتطور علس الدوام ،وبحد تطور المعرفة تعبي الر عنه في حركتما
من التفرو الحي المباتشر ىلس التفكير المجرد .يقول لينين" :من التفرو الحي ىلس التفكير المجرد ومنه ىلس الممارسة – هذا هو الطريق الجدلي لمعرفة الحقيقة ،لمعرفة الواقع الموضوعي". -المعرفة الحسية
2
تبدأ المعرفة دالمال باإلطالع علس أتشياء العالم الخارجي عن طريق الحوار ،فالحوار أتشبه بنافذة
"ينفذ" منما العالم الخارجي ىلس ذهن اإلنسان ،وتمكن الحوار اإلنسان من معرفة ألوان وروالح وأصوات الطبيعة ومذاق مختلف ثمارها ووالخ.
واإلحسار هو التشكل الرليسي للمعرفة الحسية ،واإلحسار ،هو انعكار لمختلف الخصال
والسمات والجوان
هذه الخصال
للتشيء ،فاالتشياء قد تكون ساخنة أو باردة ،معتمة أو فاتحة ،ناعمة أو ختشنة – وكل
وغيرها تولد احاسير معينة بتأثيرها علس حواسنا.
واامر الذي يجعل االحاسير ذات أهمية هاللة في عملية المعرفة هو انما تعطينا المواد التي تمكننا
من الحكم علس التشيء ،وتقوم كل عملية المعرفة الالحقة علس المعلومات التي تقدمما لنا احاسيسنا عن
التشيء.
" ان خبرة االنسان اليومية ومعطيات العلم تبين أن الحوار ال تخدعنا ،ف ذا ثار لدينا تشت في بيانات
احد هذه الحوار ف ننا نلجأ ىلس غيرها من الحوار ،ف ذا لم يصدق االنسان عينيه ف نه يلجأ ىلس استخدام
اصابعه ،وواذا لم تكن هذه كافية ف ن في خدمته اعين واصابع االخرين ،وواذا لم يكن هذا كله كافيال ف ن االنسان يلجأ ىلس اادوات والتجار والخبرة العملية. وهكذا ف ن الحوار ىذ تتم مراجعتما ببعضما البع
وباحاسير اآلخرين وبالخبرة والتجربة والممارسة
تقدم لنا بتشكل عام فكرة صحيحة عن ااتشياء المتاحة لنا. ومن أتشكال المعرفة الحسية ،ىلس جان
اإلحاسير ،المدركات والتصورات ،فاالدرات تشكل أرقس من
أتشكال المعرفة الحسية ،وهو يعكر التشيء في كليته الحسية المباتشرة وفي مجموع جوانبه الخارجية وسماته المميإة.
أما التصور فمو استرجاع في ذهن االنسان لما تم ىدراكه سابقال ،فنحن نستطيع ،مثالل ،أن نسترجع
في ذهننا ،ان نتصور ،هيلة معلمنا القديم رغم اننا لم نتشاهده منذ سنوات طويلة" .3
1 2 3
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 091 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 090-091 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 093
345
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-المعرفة المنطقية
1
ان الصورة التي تقدمما حواسنا غنية متنوعة للغاية ورغم ذلت ف نما محدودة بعيدة عن الكمال.
فالمعرفة الحسية ال تعطينا اال فكرة عن الجوان
الخارجية لالتشياء ،فمن الممكن بواسطة الحوار ان نرى
مصباحال كمرباليال مثالل ،ولكن ال يمكن أن نتصور ان الكمرباء تيار من االليكترونات التي تتحرت بسرعة
معينة .كما انه من غير الممكن ان ندرت عن طريق حواسنا سرعة الضوء الماللة وحركة الدقالق ااولية في الذرة وكثي الر غيرها من الواهر الطبيعة والحياة االجتماعية المعقدة.
"وباختصار ف ن المعرفة الحسية ال تستطيع ان تكتشف عن الطبيعة الداخلية لألتشياء ،عن جوهرها،
عن قوانين تطورها ،في حين أن هذا هو المدف الرليسي للمعرفة.
ومن المعلوم جيدال أن معرفة القوانين وجوهر ااتشياء هي وحدها التي تصلح كمرتشد لالنسان في
نتشاطه العملي ،وهنا يم
لنجدته التفكير المجرد أو ،كما يسمس أيضال ،التفكير المنطقي.
ان التفكير المنطقي هو مرحلة جديدة كيفيال وأرقس في تطور المعرفة ،ودوره ان يكتشف عن خوا
التشيء وسماته الرليسية ،ففي مرحلة التفكير المنطقي تتحقق معرفة قوانين تطور الواقع الضرورية جدال
لالنسان في نتشاطه العملي" .2
-موضوعية الحقيقة
3
المذهب الماركسي عن الحقيقة
تقصد المادية الجدلية بالحقيقة تلت المعارف عن التشيء التي تعكر هذا التشيء بتشكل صال ،أي تتفق معه ،علس سبيل المثال ف ن التأكيدات العلمية بان "االجسام تتكون من ذرات" وأن "اار
قبل أن يوجد االنسان" وان "التشع
علس أي تشيء تتوقف الحقيقة
هو خالق التاريخ" ىلخ .هي تأكيدات صحيحة.
وجدت
هل تتوقف علس االنسان الذي تنتشأ في عقله هذه الحقيقة أو علس
الموضوع الذي تعكسه .
يرى المثاليون ان الحقيقة ذاتية ،أي انما تتوقف علس االنسان الذي يحدد بنفسه صحة معرفته بغ
النالر عن الحالة الواقعية لألمور .
وعلس عكر المثالية ،ف ن المادية الجدلية التي تعتمد علس منجإات العلم وخبرة االنسان طوال قرون،
تؤكد ان الحقيقة موضوعية ،وبما ان الحقيقة تعكر العالم الموجود موضوعيا ،ف ن مضمونما ال يتوقف
1 2 3
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص093 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 092-093 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 096
346
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
علس وعي االنسان .ان الحقيقة الموضوعية ،كما كت
لينين ،هي مضمون معرفتنا الذي ال يتوقف علس
االنسان وال علس البتشرية .ان مضمون الحقيقة تحدده تلت العمليات الموضوعية التي تعكسما. -من الحقيقة النسبية إلى الحقيقة المطلقة
1
ان المادية الجدلية باعترافما بموضوعية الحقيقة تحل كذلت مسألة أخرى هامة في المعرفة ،وهي كيف
يعرف االنسان الحقيقة الموضوعية :في الحال وبتشكل كامل ،وبال تشروط ،وبتشكل مطلق أو علس وجه التقري
وبتشكل نسبي ان هذه المسألة ،هي مسألة التناس
بين الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية.
ان الفروق بين الحقيقة المطلقة والنسبية تعود ىلس أن درجة تطابق المعرفة مع الواقع ودرجة نفاذ عقل
االنسان ىلس هذا الواقع غير متماثلتين ،وتتطابق بع
المعارف تمامال مع الواقع ،بدقة مطلقة ،بينما
تتطابق معارف أخرى جإليال .ف ن الحقيقة المطلقة هي الحقيقة الموضوعية بكاملما ،وهي انعكار دقيق
اطالقال للواقع.
فمل يمكن معرفة الحقيقة المطلقة بكاملما
من حيث المبدأ ،نعم ،ىذ أنه ال يوجد تشيء ال يمكن
معرفته ،كما لير هنات حدود لقدرة العقل االنساني علس المعرفة . ولمذا السب
كانت معرفة االنسان نسبية في كل مرحلة من مراحل التاريخ ،وتتخذ بالضرورة طابع
الحقيقة النسبية ،والحقيقة النسبية هي التطابق غير الكامل بين المعرفة والواقع.
"ىن الحقيقة النسبية تحتوي من كل بد بعضال من الحقيقة المطلقة ،ان معرفة االنسان مطلقة ونسبية
سواء بسواء ،فمي نسبية النما ليست معرفة مكتملة ،بل معرفة تتطور وتتعمق علس الدوام كاتشفة عن
جوان
جديدة وجديدة من الواقع ،وهي مطلقة النما تحتوي عناصر من المعرفة اابدية والدقيقة اطالقال".2
الحقيقة الموضوعية :ديالكتيك الحقيقة المطلقة والنسبية :ىن المسألة الرليسزية فزي الزديالكتيت ،بصزفته نالريزة للمعرفزة ،هزي مسزألة :الحقيقزة ،فمزا هزي الحقيقزة ومم تتألف وهل يمكن الوصول ىلس المعرفزة الحقيقيزة وكيزف تحزدث حركزة المعرفزة نحزو الحقيقزة ومزا هزو
مقيار صحة معارفنا هذه هي المسالل ااساسية في نالرية المعرفة.
ىن االعتزراف بالحقيقززة الموضززوعية 3يعنززي أن العززالم وقنوناتززه متاحززة للمعرفززة كمززا هززي موجززودة بنفسززما
وباستقالل عن الوعي.
1 2 3
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 071 افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 070 يسمى شكل مضمون معارفنا وتصوراتنا هذا ,الذي ال يرتهن ال بإنسان بعينيه وال بالبشرية عموماً بالحقيقة الموضعية .
يسمى شكل
التعبير عن الحقيقة الموضوعية ,الذي يتوقف على الظروف التاريخية الملموسة ,والذي يميز مستوى دقتها وصرامتها واكتمالها المحقق على
347
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ىن جز ززوهر الحقيقز ززة ،ىن المعرفز ززة ال تكز ززون حقيقيز ززة موضز ززوعيال ىال ىذا عكسز ززت بأمانز ززة مز ززا هز ززو موجز ززود
باستقالل عن الوعي العاكر .ولذا ف ن النالرية تالل ،موضوعيال ،حقيقة بغ
بما من النار (كثيرون أم قليلون) وعن تشخصياتمم.
النالزر عزن عزدد مزن يأخزذ
ونحن ,من ناحية أخرى ,نعلـم أن النظريـات الخاطئـة والعقائـد الباليـة يمكـن أن تسـيطر علـى عقـول
جمــاهير واســعة مــن الكــادحين لمــدة طويل ـة ,كالعقائــد الدينيــة وبعــض األفكــار التــي تروجهــا الدعايــة
البرجوازية ,ولكن الزيف يبقى زيفاً بغض النظر عن عدد الناس الذين يأخذون به.
كيف نصل ىلزس الحقيقزة :أنحزيط بمزا بتماممزا دفعزة واحزدة أم بالتزدريا ىن هزذا السزؤال يتطلز
عليه تبيان العالقة المتبادلة بين الحقيقة الموضوعية والنسبية.
لإلجابزة
إن االعتراف بوجود الحقيقة المطلقة غير كاف بالنسـبة لإلنسـان المـادي -الـديالكتيكي ,إذ ان مـن
الضـروري اكتشــاف الطريـق الموصــل إليهـا ,والوصــول إليهـا ال يتــأتى لإلنسـان دفعــة واحـدة ,وذلــك ألن هذه الحقيقة تتألف من حقائق نسبية.
ىن الحقيقة النسبية هي المعرفة التي تعكر الواقع بتشكل صحيح من حيث ااسار ،ولكن لير بتشزكل تام ،بل ضمن حدود معينة ،وفي الروف وعالقات معينة ،وخالل التطزور التزالي للعلزم تزإداد هزذه المعرفزة
دقة وكماالل وعمقال وحسية.
إن الحقيقتــين المطلقـــة والنســـبية همـــا عنصـــ ار الحقيقـــة الموضـــوعية ,وهمـــا تتباينـــان ال مـــن حيـــث
المصدر بل مـن حيـث درجـة الدقـة ومـن حيـث تطابقهمـا مـع الواقـع ودرجـة الكمـال التـي يعكسـانه بهـا.
فالحقيقة المطلقة تتألف من حقائق نسبية ,وكل درجة في سلم تطور العلم تضيف عنص ارً إلى الحقيقـة
المطلقة.
-الممارسة محك الحقيقة :
"إن الممارسة هي ذلك المحك الوحيد للحقيقة"
1
,حيث يمكننا أن نناقش بال نهاية عن صحة هذه
الفكرة أو النظرية العلمية أو تلك ,لكنها هذه المناقشة يمكن حسمها فقط عن طريق الممارسة
النضالية أو التنظيمية أو السياسية أو التجربة العملية والعلمية ..إلخ.
الممارسة كأساس للمعرفة ومقياس للحقيقة:
تنتشزأ المعرفززة علززس أسزار حاجززات الممارسززة العمليززة لإلنسزان ومززن أجززل سززد هزذه الحاجززات فززي خضززم النتشزاط الثزوري او االجتمزاعي فززي اوسزاط الجمزاهير ،وبالتززالي فز ن للممارسزة دو الر هامزال وأساسزيال فزي ىنتززاو
مستوى المعرفة المعنى بالحقيقية النسبية. 1
المطلقة " .الدائرة الثقافية".
وتسمى المعرفة الدقيقة ,الشاملة ,الوافية ,والكاملة تماماً لظاهرة ما من الظواهر بالحقيقة
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص 072
348
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المعرفة ،ىذ أن أهم نوع من انواع النتشاط البتشري هو الممارسة ،وهي عبارة عن نتشاط حسزي مزادي يرمزي
ىلس تغيير واقع التخلف والقمر واالستغالل المحيط بنا ،ويتدرو في أسار كل اانواع ااخرى من النتشاط
االجتمزاعي والروحززي بمزا فيززه عمليزة المعرفززة .ىذن فالممارسزة تنطززوي لزير علززس عمليزة العمززل فحسز
بززل
علس كل نتشاط البتشر االجتماعي والتحويلي والثوري فالممارسة هي التي تدل علس الوعي بالنالرية.
ىن أهم أسمام ثوري للمادية الجدلية في نالرية المعرفة هو ىدرات الدور ااساسي للممارسزة فزي النتشزاط
المعرفززي واكتتشززاف أن الممارسززة هززي التززي تجعززل هززذا النتشززاط ممكن زال وتتززيح تمييززإ المعرفززة الحقيقيززة عززن
المعرفة الكاذبة.
وبالتالي من المستحيل عمليال ونالريال أن نفمم واقعنا االجتماعي وأن نحوله ثوريزال ىذا لزم نعتمزد فزي هزذه
العمليززة الواحززدة المإدوجززة علززس الفكززر الماركسززي ،فمززذا الفكززر هززو تشززرط ىمكانيززة فمززم مجتمعنززا وبالتززالي
تحويله ثوريال ،فال حركة ثورية بزدون نالريزة ثوريزة ،وانطالقزال مزن هزذه العالقزة البنيويزة بزين النتشزاط النالزري
والنضززال العملززي -كمززا يقززول ممززدي عامززل -يمكززن أن نفمززم كززذلت تشززكل الممارسززة الفلسززفية او الص زراع
االيديولوجي ،ففي كل فلسفة أيديولوجية وكل أيديولوجية تعكزر واقعزال طبقيزال معينزال وصزراعال طبقيزال معينزال، وذروة التضليل في الفكر الفلسفي أن يالمر وكأنه بعيد غري
عن اايديولوجية ،بعيد غري
عن الصزراع
الطبقي الواقعي.
ىن الممارسززة الفعليززة الفلسززفية هززي ص زراع أيززديولوجي ،ضززد اايززديولوجيات الرجعيززة والبرجواإيززة التززي
تختفي وراء قناع الفلسفة المجردة ،ان الصراع اايديولوجي كما فممه لينين علس حقيقته تشكل من أتشكال
الصز زراع الطبق ززي ،والصز زراع الطبق ززي ف ززي أساس ززه ،صز زراع سياس ززي ،ىال أن ززه يتخ ززذ أتش ززكاالل متع ززددة كصز زراع أيديولوجي مثالل ،وهنا بالضبط يتجلس دور الممارسة فزي اكتسزا
المعرفزة وتطويرهزا وتجديزدها وفزق حركزة
الواقع والصراع الطبقي والوطني والفكري ضد اعدالنا .فالممارسة هي أهم نوع من انواع النتشاط البتشري ، بززل علززس كززل نتشززاط البتشززر االجتمززاعي التغييززري التحززرري
وهززي تنطززوي لززير علززس عمليززة العمززل فحسز
والديمقراطي والثوري.
المكان والزمان :
-المفهوم الفلسفي عن المكان والزمان
1
حين ننالر باهتمام ىلس ااتشياء التي تحيط بنا نجد أن كال منما ليست فحس
متحركال لكنه كذلت يمتد
في المكان ،وقد تكون ااتشياء كبيرة أو صغيرة لكن لما جميعال طولما وعرضما وارتفاعما ،وهي تتشغل
مكانال محددال ولما حجم.
1
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص26
349
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لكنما موضوعة بطريقة ما بالنسبة لبعضما البع
وااتشياء في الطبيعة ال تمتلت حجمال فحس
فبعضما يقع أبعد أو أقر لنا من بعضما اآلخر أو أعلس أو أدنس أو علس اليسار أو اليمين.
،
ويعكر المفموم الفلسفي عن المكان خاصية تشاملة لألجسام المادية هي االمتداد في المكان ،أي انما
تتشغل مكانال محددال وتقع علس نحو خا
وسط غيرها من أتشياء العالم.
وال توجد ااتشياء في المكان فحس ،لكنما تتتابع في تسلسل إمني محدد ،وتحتل بع
ااتشياء مكان
بعضما اآلخر ،ثم تحل أخرى مكان هذه ااخيرة وهلمجرا ،فلكل تشيء مدة وجود معينة ،أي ان له بداية
ونماية .
ويعكر المفموم الفلسفي عن الإمان خاصية تشاملة للعمليات المادية بحيث تتبع بعضما البع
تسلسل محدد وتمتلت االستمرار ،وتتطور علس مراحل وأطوار .
والإمان والمكان تشكالن تشامالن لوجود المادة ،ومن أهم خوا
في
المكان والإمان موضوعيتمما ،أي
كونمما مستقلين عن وعي اإلنسان ،وهذا طبيعي النمما هما التشكالن ااساسيان للوجود ،للمادة
الموجودة موضوعيال.
ىن الخاصية المالإمة للمكان كتشكل لوجود المادة هي ثالثية ابعاده ،وهذا يعني أن كل جسم مادي له
ابعاد ثالثة :الطول والعر
واالرتفاع ،وبالتالي ف ن الجسم يستطيع أن يتحرت في ىطار االتجاهات
الثالثة التي هي عمودية بالنسبة لبعضما البع
.
وعلس عكر المكان لير للإمان سوى بعد واحد ،وهذا هو السب
في أن كل االجسام تتطور في
الإمان باتجاه واحد فحس ،أي من الماضي ىلس المستقبل ،وان الإمان ال يعود ىلس الخلف وانما هو يتحرت ىلس اامام فحس
ومن المستحيل ىعادة حركته واستعادة الماضي.
وهذه الحقيقة الطبيعية ال يريد الموافقة عليما الساسة الرجعيون الذين يسعون ىلس ىعادة عجلة التاريخ
ىلس الوراء تلت السيطرة التي ولس إمانما ولن تعود مطلقال .ووان عالم القرن الحادي والعتشرين يستحيل عودته ىلس القرن التاسع عتشر ،فالإمن تغير اآلن .
أو
مممززا كززان التشززيء المززادي الززذي نتناولززه فمززو دالم زال ذو امتززداد مززا :ىنززه طويززل أو قصززير ،ع زري خال من امتداد علس تشكل طول أو عر أو ارتفاع ،ض عال أو منخف ،وال وجود لتشيء ض ضيق ،ض خال من
أي حجم كان .ىن كل تشيء في هذا العالم المحيط بنا قالم في مكان ما بين أتشياء أخرى.
ىن كززل تشززيء مززن أتشززكال حركززة المززادة م زرتبط ،بالضززرورة ،بالتنقززل المكززاني الززذي نقززوم بززه ،اجسززام
صغيرة أو كبيرة ،أي أن المكان هو التشرط ااساسي لحركة المادة ،وعلس هذا فالمكان هو التشكل الحقيقي
موضوعيال لوجود المادة المتحركة.
ثم ىن العمليات المادية ال تتم فقزط فزي أمزاكن مختلفزة وفزي أإمزان متباينزة ،ووان كزون الم ارحزل المتباينزة للعمليات ذات أإمان متباينة ،أي أنما مفصولة عن بعضما بفترات ما ،يعتبر التشرط ااساسي لوجزود هزذه 351
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
العمليززات ،فل زوال هززذا االمتززداد الإمنززي ،ل زوال هززذا التبززاين الإمنززي بززين الم ارحززل المختلفززة لعمليززة واحززدة ،لمززا وجدت هذه المراحل ذاتما ،وبالتالي لما حدثت أية تبدالت تنقل الالواهر من مرحلة ىلس أخرى ،ولما أمكن
تطززور الالزواهر والعمليززات ،وانتقالمززا مززن ااتشززكال الزدنيا ىلززس ااتشززكال العليززا ،وهززذا يعنززي أن حركززة المززادة غير ممكنة خارو الإمن وبتشكل مستقل منه .
وعل ززس ه ززذا ف ززالإمن ه ززو التش ززكل الحقيق ززي موض ززوعيال لوج ززود الم ززادة المتحرك ززة ،وال تس ززتطيع ه ززذه الم ززادة
المتحركة أن تتحرت من غير ىطار من الإمان والمكان ".
ىن أي تشززيء مززادي ال يمكززن أن يوج زد فززي المكززان فقززط دون أن يكززون فززي الإمززان ،أو أن يوجززد فززي
الإمززان دون أن يوجززد فززي المكززان ،وأي جسززم كززان هززو دالم زال وفززي كززل مكززان موجززود فززي المكززان كمززا فززي
الإمان .ورغم أن الإمان والمكان هما تشكالن لوجود المادة علس حد سواء ىال أنمما تشكالن متباينان لوجود
متشزتركة متعزددة ،ىال أنممزا يتباينزان عزن بعضزمما كثيز الر ،ىن
المادة ،فبالرغم مزن أنممزا يتمتعزان بخصزال
ما يجمع بينمما هو أنممزا :موضزوعيان ،موجزودان بتشزكل مسزتقل عزن وعينزا ،خالزدان بسزب
خلزود المزادة،
لقد كانا موجودين ،وهما موجودان ،وسيالالن موجودين ،ان المزادة ال يمكزن أن توجزد مزن دونممزا ،انممزا غير محددين وغير نماليين ،ىن الال محدودية والال نمالية هما ميإتان متباينتان للمكان والإمان.
ىن مكان الكون لير غير محدد فحس ،بل هو غيزر متنزاه أيضزال ،وليسزت هنزات أيزة معطيزات تثبزت،
بتشكل ال يقبل الجدل ،أنه مكان مغلق.
لنقززل علززس سززبيل المجززاإ أنززه لززو قززدر لنززا السززير فززي الكززون فززي اتجززاه واحززد لمززا رجعنززا أبززدال ىلززس نقطززة
انطالقنا ،وسنستمر في سيرنا ،دالمال علس أماكن كونية جديدة. الدور الحاسم للعمل في ظهور الوعي
1
يختلف وعي االنسان كيفيال عن نفسية الحيوانات ،فما هو مبعث هذا الفارق يرجع هذا الفارق ىلس ان
نفسية الحيوانات هي نتاو للتطور البيولوجي وحده في حين أن وعي اإلنسان نتاو للتطور التاريخي، االجتماعي.
ويقول ماركر ان حوار االنسان الخمر هي نتاو لكل تاريخ العالم ،فأذن االنسان الموسيقية وعينه
التي تتأمل جمال الطبيعة ،وتذوقه الرفيع ،وغيرها من الحوار قد تطورت علس أسار الخبرة االجتماعية التاريخية.
والعمل أي انتاو القيم المادية هو العامل الحاسم في المور االنسان ،وفي تطور وعيه .ويؤكد انجلر
ان "العمل خلق االنسان نفسه" ،فبفضل العمل تحول سلفنا القديم ،التشبيه بالقرد ،ىلس االنسان المعاصر-
1
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص92
350
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
،Homo Sapiensووفر العمل لالنسان الطعام والملبر والمأوى ،ولم يحمه فحس العاتية ،بل مكنه من اخضاعما ووضعما في خدمته.
من القوى الطبيعية
وخالل العمل تغير االنسان نفسه ىلس حد يفوق التصور ،كما غير كذلت معالم كوكبنا ،فالعمل هو
اثمن ما يمتلكه االنسان ،وهو تشرط ال غنس عنه لحياته وتطوره.
وقد توفرت لدى القرد التشبيه باالنسان مقدمات للعمل ،فكانت القردة تستخدم العصس واالحجار
وغيرها من ااتشياء البسيطة للحصول علس الطعام ،لكنما كانت تفعل ذلت بطريقة عرضية غير واعية،
فليست القردة وال أي حيوانات أخرى بقادرة علس صنع ابسط أدوات العمل ،أما اإلنسان فيصنع أدوات
االنتاو ويستخدمما بصورة واعية ،اامر الذي يتشكل الخاصية الكيفية لعمله.
ولكن تعلم االنسان فعل ذلت استغرق ملات اآلالف من السنين التي جرت طوالما عملية معقدة للغاية
هي عملية تكون االنسان وتتشكل وتطور وعيه .
اللغة والتفكير
1
كانت للغة والكالم المنطوق أهمية كبيرة في تكون وعي االنسان ،فقد كانت اللغة التي المرت مع
الوعي علس أسار العمل قوة جبارة مكنت اإلنسان من الخروو من ملكوت الحيوان وتطوير تفكيره وتناليم االنتاو المادي.
وقد سمس ماركر اللغة الواقع المباتشر للفكر ،وقد فعل ذلت ان الفكر ال يمكن ان يوجد اال في
الغالف المادي للكلمة أو االتشارة والرمإ اللذين يحالن محلما ،فسواء فكر االنسان في نفسه أو عبر عن أفكاره بصوت مسموع ،أو كت
هذه اافكار ،ان اافكار تتجلس وتتجسد ويتم نقلما ووادراكما عبر
الكلمات المنطوقة ،ولوال اللغة المنطوقة والكتابة لكانت الخبرة القيمة لالجيال العديدة ستضيع ،والجبر كل
جيل جديد علس ان يبدأ من جديد عملية تشاقة للغاية لدراسة العالم . نالرية التطور الديالكتيكية: ىن قوانين العالم الموضوعي -وفق الرؤية الفلسفية الماركسية -هي قوانين الحركزة والتطزور وال يمكزن
فمززم ااتشززياء والال زواهر فمم زال صززحيحال ،وال تفسززيرها تفسززي الر صززالبال ىال ىذا درسززت فززي سززير عمليززة نتشززولما وتطورها.
ىن الماديززة الديالكتيكيززة تفمززم التطززور فممزال متاللمزال مززع الواقززع القززالم موضززوعيال ،تفممززه علززس أنززه حلززول
الجديد محل القديم ،علس أنه موت القديم ونتشوء الجديد ،وهي تكتشف التناقضات الداخلية التي تحزدث فزي ااتشياء المتبدلة ،وترى في حل هذه التناقضات وتطورها القوة الرليسية المحركة للتطور. 1
افاناسييف -كتاب :أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – – 0676ص99
352
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
نالري ززة التط ززور الديالكتيكي ززة ت ززدلنا عل ززس الطري ززق الص ززحيح للمعرف ززة ،وبالت ززالي ،عل ززس الطري ززق الموث ززوق
للسيطرة علس قوانين وقوى الطبيعة والمجتمع.
353
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الفصل الرابع
قوانني الديالكتيك تمهيد
إن قوانين الديالكتيك األساسية هي : -قانون تحول التبدالت الكمية ىلس تبدالت كيفية .
قانون وحدة المتناقضات وصراعما ( صراع االضداد). -قانون نفي النفي .
وكل قانون من هذه القوانين يعكر ناحية جوهريزة مزا مزن نزواحي التطزور الموضزوعي ،وحزده ،وتشزكله، وعاملززه .والززس جانز
هززذه القزوانين يوجززد عززدد وافززر مزن المقزوالت أمثززال العالقززة العامززة للالزواهر ،والسززب
والنتيجة ،والمحتوى والتشكل ،والعرضية والضرورة ،والجوهر والالاهر ...الخ.
ىن قوانين الديالكتيت ومقوالته هذه لم تخترع اختراعال ،بل استخلصت مزن الطبيعزة والحيزاة االجتماعيزة،
ىنما تعكر القوانين الموضوعية القالمة بتشكل مستقل عن وعي اإلنسان.
ىن الززديالكتيت لززير مجززرد أداة إلثبززات الحقززالق الجززاهإة ،بززل هززو مرتشززد للبحززث فززي الالزواهر والعمليززات
الحقيقية ،هو طريقة معرفة الحقيقة الموضوعية.
ىن قزوانين الززديالكتيت تعمززل فززي جميززع الميززادين :فززي الطبيعززة العضززوية وغيززر العضززوية ،ففززي الطبيعززة
العضوية تعمل في عالمي النبات والحيوان ،كما تعمزل فزي المجتمزع فزي مختلزف الم ارحزل التاريخيزة ،وهزي عبززارة عززن ق زوانين التفكيززر فززي جميززع مجززاالت المعرفززة ،كالرياضززيات ،والفيإيززاء ،والكيميززاء ،والبيولوجيززا،
واالقتصاد السياسي ،وعلم االجتماع ...الخ.
ىن التطبيق الحسي للديالكتيت كطريقة علس الالواهر الحسية ،هو وحده الذي يؤمن النجاح في المعرفة
والنتشززاط العمل ززي ،لم ززذا ك ززان مطلز ز
التحلي ززل الحس ززي للواق ززع ىح ززدى أه ززم خص ززال
ال ززديالكتيت الماركس ززي
وأكثرها تأثي الر ولمذا بالذات نجد أن أهم مبدأ للديالكتيت يقول :ال وجود للحقيقة المجردة والمطلقة ،والحقيقزة
هي دالمال حسية ونسبية.. .
354
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
قانون االنتقال من التبدالت الكمية إلى التبدالت النوعية :1يصاغ هذا القانون وفق ااسر التالية:
-0ىن كل الاهرة أو عملية هزي عبزارة عزن وحزدة كميزة وكيفيزة ،بعبزارة أخزرى ،ىنمزا تتسزم بتعزين كيفزي وكمي يميإها هي وحدها.
-3ىن التغيرات الكمية تجري بصورة تدريجية ،رتيبة متواصلة ىلس حد معين ،وفي نطزاق هزذا الحزد ال تسب
تغيرات في الكيفية المعنية ،كما أن التغيرات الكمية تتسم بالحجم والدرجة والكثافة ويمكن
قياسما والتعبير عنما برقم معين بواسطة وحدات قيار مناسبة.
-3عند وصول التغيرات الكمية الس حدها ااقصس ( ويسمس حد القطع ) ،فانما تؤدي الزس تغيزرات وتحوالت كيفية /نوعية جذرية تفضي ىلس تتشكل كيفية جديدة.
-4تجززري التغيزرات الكيفيززة بتشززكل قفزإه ،أي انقطززاع فززي التززدرو ،ولززير ل اإمزال أن تجززري القفزإات بتشززكل انقطاع خاطف ،بل يمكن أن تستغرق فترة إمنية طويلة أو قصيرة (حس
الطبيعة أو اإلنسان).
-8تتسم الكيفية الجديدة الناتشزلة نتيجزة القفزإة بخزوا وحدة الكمية والكيفية.
الحالة في المجتمع أو
أو ثوابزت كميزة جديزدة ،وكزذلت بحزد جديزد مزن
-6ىن مصززدر تحززول التغي زرات الكميززة ىلززس كيفيززة والكيفيززة ىلززس كميززة هززو وحززدة وص زراع المتناقضززات اوااضداد وتنامي التناقضات وحلما.
ويسززري مفع زول قززانون الجدليززة (حززول التغي زرات الكميززة ىلززس الكيفيززة والكيفيززة ىلززس كميززة) علززس الطبيعززة
والمجتمع والفكر ،وهو يتجلس تجليال خاصال في كل حالة بعينما ،ولمذا يتطل
استخدامه فيمزا يتعلزق بتنفيزذ
الممم ززات التطبيقي ززة المتس ززمة بتف ززرد كبي ززر الق ززدرة عل ززس اس ززتخدام الموض ززوعات العام ززة للجدلي ززة م ززع م ارع ززاة
المواصفات الفردية لكل حالة بعينما وكل مممة بعينما.
ىن الجدلية تؤكد باالستناد ىلس تجربزة التطزور التزاريخي ،وبالتطزابق التزام مزع معطيزات العلزم الحزديث،
أن التغيزرات الكميززة التدريجيززة ايززة الززاهرة أو عمليززة تززؤدي بالضززرورة وبحكززم قزوانين التطززور ،ىلززس المززرور
عبر حد معين ىلس تغيرات كيفية جذرية تنتشأ في نتيجتما كيفية جديدة والاهرة أو عملية جديدة.
ولذلت ،البد لفمم قانون انتقال التغيرات أو التبدالت الكمية ىلس تبدالت نوعية ،من معالجة مفمومي
الكززم والنوعيززة ،فعنززدما نززدرر تشززيلال مززا يتبززدى لنززا ،قبززل كززل تشززيء كيانززه المحززدد الززذي يمي زإه عززن ااتشززياء
ااخرى ،وهذا بالذات ما يكون نوعيته.
1
المصدر :المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي /عدنان جاموس /بدر الدين السباعي ...دار
الجماهير –دمشق – – 0672ط –– 2ص.321
355
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ىن التحديد النوعي أمر مالإم لجميع الالواهر االجتماعية ،فالرأسمالية ،مثالل ،عبارة عن نوعية معينزة،
عززن مجمززوع عززدد مززن السززمات والصززفات والن زواحي الجوهريززة بالنسززبة لمززذا النالززام :كوجززود طبقززة مالكززي
وسالل اإلنتاو ،وطبقة العمال المأجورين ،واستثمار العمزال مزن قبزل ال أرسزماليين ...الزخ ،أمزا االتشزتراكية، باعتبارهززا تتشززكيلة اجتماعيززة جديززدة نوعي زال ،فتتمتززع بصززفات أخززرى ،مززن ملكيززة جماعيززة لوسززالل اإلنتززاو، وانعدام العمل المأجور ،والقضاء علس استثمار اإلنسان لإلنسان.
هذان المثالن يتيحان لنا فمم أن النوعية هي ،قبل كل تشزيء ،مزا يحزدد ااتشزياء والالزواهر ،وبينمزا هزي
وحدة سماتما ونواحيما ااساسية التي تجعل منما هذه ااتشياء والالواهر بالذات ،ال غيرها.
وليست هنالك أية ظواهر أو أشياء مجردة مـن التحديـد النـوعي ,فالكـائن المجـرد مـن كيانـه النـوعي
غير ممكن الوجود.
ىن النوعية تالمر من خالل الخوا
،ورغم أن مفمومي النوعية والخاصية غالبال ما يستعمالن بمعنزس
واحززد ،ىال أن بينممززا اختالف زال .وال يمكننززا أن نعززرف تشززيلال عززن كيفيززة موجززود مززا (أي عززن الكيززان المحززدد
الداخلي لمذا التشيء) ىال من الصفات المالإمة لمذا التشيء التي تتجلس فيما تركيبته. فخوا
بع
التشيء يمكن أن تتغير تبعال لتغير عالقاته مع العالم المحيط ،كمزا يمكزن أن تختفزي أو تالمزر
خصال
التشيء بدون أن يتغير هو نفسه أو نوعيته ااساسية.
مثززال ذلززت أن بعز
خصززال
ال أرسززمالية تتبززدل فززي مرحلززة ال أرسززمالية العليززا ،اإلمبرياليززة (االحتكززار)،
فتتحول المإاحمة الحرة ىلس نقيضما ،وبدون أخذ هذا التحول المام بعين االعتبار ال يمكن فمزم االمبرياليزة المعاصرة وتحولما الس مرحلة العولمة.
ىن مفمززوم الكميززة هززو أيضزال مقولززة عامززة تعكززر ناحيززة مززن النزواحي المامززة اي تشززيء أو الززاهرة أو
عملية ،وتبرإ الكمية أيضال كتحديد لألتشياء ،ىال أنما ،خالفال للنوعية ،تميإ التشيء من ناحيزة درجزة تطزور
خصالصه :كمقداره ،وحجمه وعدده ،وسرعة حركته ،وبمر لونه ...الخ ،فالطاولزة ،مزثالل ،يمكزن أن تكزون
كبيرة أو صغيرة ،والصوت يمكن أن يكون طويالل أو قصي الر ،تشديدال أو خافتال ...الخ.
ىن التحديد الكمي للالزواهر االجتماعيزة ال يعبزر عنزه دالمزال ،بمثزل المقزادير الدقيقزة التزي يعبزر بمزا عزن
الزواهر الطبيعززة الالعضززوية ،ولكززن لكززل الززاهرة ،وكززل عمليززة تتمتززع هنززا أيضزال ال بناحيززة نوعيززة فقززط ،بززل وبناحية كمية أيضال ،مثال ذلت مستوى تطور ىنتاجية العمل ،والقزوى المنتجزة ،ووتيزرات تطزور اإلنتزاو فزي
البلززدان ال أرسززمالية ومقارنتمززا مززع البلززدان التابعززة ،وغيززر ذلززت مززن نزواحي الحيززاة االجتماعيززة ،وعززدد النززار العاملين عمالل منتجال ودرجة استثمار العمال من قبل الرأسماليين ...الخ.
فالكميــة يمكــن أن تــنقص أو تزيــد ,دون أن يفقــد الشــيء حالتــه النوعيــة ,فالكميــة هــي صــفة تحــدد
الشيء من الخارج أكثر مما تحدده من الداخل ,وتبدو للوهلة األولى وكأنها منفصلة عن النوعية ,فـإذا تبدل الشيء كمياً فإنه ال يتحول إلى شيء آخر ما دام التبدل لم يتجاوز حداً معيناً. 356
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ىال أن تززأثير التبززدالت الكميززة علززس التشززيء يتبززدى ،بوضززوح ،عنززد إيززادة هززذه التبززدالت ،فخززالل سززير
التب زدالت الكميززة تبززرإ بززرو الإ واضززحال ،اللحالززة التززي يززؤدي فيمززا أصززغر تبززدل فززي الكميززة ىلززس تبززدل نززوعي جذري ،يؤدي ىلس نتشوء نوعية جديدة ( لحالة الغليان ...او الثورة ).
-وحدة شكلي التطور :الشكل االرتقائي والشكل الثوري -القفزات
1
ىن تحليل التبزدالت الكميزة والتبزدالت الكيفيزة لألتشزياء يزدل علزس أن هزذين التشزكلين مزن التبزدالت عبزارة
عن تشكلين مختلفين للحركة رغم أنمما مرتبطان ببعضمما ،ولكل منمما خصالصه.
فالتبدالت الكمية عبارة عن شكل ارتقـائي للتطـور ,2أمـا التبـدالت النوعيـة فهـي علـى العكـس ,شـكل
ثوري له.
وبما أن التبدالت الكمية والكيفية مرتبط بعضها ببعض ,لـذا نسـتنتج أن التطـور هـو وحـدة التبـدالت
الثوريــة واالرتقائيــة ,وهــو أمــر لــه أهميتــه المبدئيــة الكبيــرة ,ويشــكل إحــدى النـواحي الهامــة فــي نظريــة
التطور الديالكتيكية.
التطور االرتقائي هو التبدل الذي يطرأ ,بسببه على الكائن تبـدل كمـي تـدريجي ,أمـا التطـور الثـوري
فهو تبدل الكائن تبدالً نوعياً جـذرياً ,بمعنـى وصـوله الـى حـد القطـع .التبـدل الثـوري عبـارة عـن قفـزة, عن توقف التبدالت الكمية التدريجية عن انتقال من نوعية إلى أخرى ,وكل تبدل نوعي يتم بشكل قفزة.
ورغززم جميززع الف زوارق القالمززة بززين الحركززة االرتقاليززة والحركززة الثوريززة ،بززين الحركززة المتواصززلة والحركززة القززافإة ،ف ز ن كلتيممززا تتشززترط ااخززرى ،وتتشززكل طرف زال فززي عمليززة تطززور واحززدة :فالتبززدالت الكميززة تحضززر القفإات ،تحضر انقطاع تدرو التبدالت الكمية ،والقفإة تخلق تشروط التبدالت الكمية التالية.
لمذا كان تطور الطبيعة ،والمجتمع ،والفكر اإلنساني يحزدث ال وفزق خزط متواصزل ال انقطزاع فيزه ،بزل
وفق خط تنقطع فيه التبدالت الكمية التدريجية بقفإات ،وباالنتقال من القديم ىلس الجديد ،وبنتشوء تتشكيالت
جديدة نوعيال.
إن أهمية هذا القانون الطرائقية تكمن فـي أنـه أوالً ,يشـير إلـى طريـق التطـور العـام الشـامل لجميـع
ظـواهر العـالم الموضـوعي ,كمـا تكمـن ثانيـاً ,فــي أن هـذا العـام يتطلـب للقيـام بالعمـل بنجـاح أعظــم ,أن نجـد ,ونلـتقط ,ونفهـم ,بشـكل محســوس ,أشـكال االنتقـال النوعيـة الخاصـة التــي تعـود لكـل حادثـة علــى
1
2
المصدر :المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي /عدنان جاموس /بدر الدين السباعي ...دار الجماهير –دمشق – – 0672ط –– 2ص.320
غالباً ما تستعمل كلمة ارتقاء في معنيين .يراد بالمعنى األول مفهوم االرتقاء الذي يرادف مفهوم "التطور" .إن نظرية "دارون" عن نشوء
االجناس تسمى ,مثالً ,نظرية االرتقاء ,وذلك النها تنطلق من أن األجناس العضوية ليست ثابتة بل هي في تطور .واإلرتقاء بهذا المعنى يشمل التبدالت الكمية والتبدالت النوعية معاً .ويراد بالمعنى الثاني ,االرتقاء الذي هو أحد أشكال التطور ,وهو على وجه التحديد ,التبدالت
الكمية التدرجية لألشياء ,تميزاً لها عن التبدل النوعي الثوري الذي يحدث على شكل قفزة .وكلمة "االرتقاء" هنا تستعمل دائماً بمعناها الثاني
(المادية الديالكتيكية –ص.)320
357
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
انفراد (وهنا يتجلـى دور العامـل الـذاتي/الحـزب فـي زيـادة التراكمـات الكميـة (التوسـع التنظيمـي) بصـورة واعية وثورية من أجل توفير ظروف التحول النوعي).
ىن قانون انتقال التبدالت الكمية ىلس كيفية ،يعكر ناحية من نواحي التطور المامة ،ويكتشف عن سير
التحوالت النوعية لألتشياء.
ىال أن نالريززة انتقززال التبززدالت الكميززة ال تجيز
علززس سزؤال مززا هززو مصززدر كززل تطززور ،بمززا فيززه انتقززال
التبدالت الكمية ىلس كيفية. يجي ز ز
علز ززس هز ززذا الس ز زؤال قز ززانون ديز ززالكتيكي آخز ززر ،هز ززو قز ززانون وحز ززدة وص ز زراع المتناقضز ززات ،قز ززانون
التناقضات كمصدر للتطور.
-قانون وحدة وصراع المتناقضات :1
قززانون وحززدة وص زراع المتناقضززات ،هززو قززانون التناقضززات كمصززدر للتطززور .فالتناقضــات هــي ن ـواة
الديالكتيك الماركسي التي هي مفتاح فهم جميع نواحي وعوامل التطور.
وفي هذا السياق ,يمكن أن نضع صيغة لهذا القانون على النحو اآلتي:
-0أن كــل ظــاهرة أساســية (جوهريــة) فــي الطبيعــة والمجتمــع والفكــر تنطــوي علــى جوانــب وصــفات
ومميزات ومنظومات ثانوية (عناصر) متضادة تتفاعـل أو تتـرابط فيمـا بينهـا ترابطـاً ضـرورياً,
أي أنها تندرج في وحدة.
-3هناك عالقة تناقض جدلي بين االضداد المندرجة في وحدة.
-2إن مصدر الحركة ,أياً كانت ,والسيما مصـدر التطـور هـو نشـوء التناقضـات الداخليـة األساسـية واستفحالها وحلها ,ويعتبر حل التناقضات العامل الحاسم والسبب الرئيسي للتطور.
-2يجري في سياق التطور انتقال بعض األضداد إلـى بعضـها اآلخـر انتقـاالً جـدلياً .ويجـري تصـادم األضداد وتفاعلها وتداخلها.
-2في نتيجة صراع األضداد وتحولهـا المتبـادل وتناقالتهـا المتبادلـة ,وفـي حصـيلة حـل التناقضـات تنشأ ظواهر أو عمليات أو مميزات جديدة ال ارتدادية ,لم يكن لها وجود من قبل.
ويرتدي قانون وحدة وصراع ااضداد طابعال عامال متعدد ااغز ار
،ولفمزم هزذا القزانون أهميزة فالقزة ،
منمجيززة وأيديولوجيززة كبيزرة .فالتناقضززات هززي "نزواة" الززديالكتيت الماركسززي و هززي مفتززاح فمززم جميززع نزواحي وعوامل التطور االجتماعي واالقتصادي والثقافي في مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية.
1
المصدر :المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي /عدنان جاموس /بدر الدين السباعي ...دار
الجماهير –دمشق – – 0672ط –– 2ص.327
358
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لهذا فقانون وحدة وصراع المتناقضات 1يحتـل مثـل هـذا المكـان الرئيسـي فـي الـديالكتيك الماركسـي,
وليتحدد دوره وأهميته في أنه يكشف عن الـدوافع والمصـادر الداخليـة للتطـور لهـذا يعتبـر هـذا القـانون
المحك الذي يكشف مدى علمية وحيوية هذه النظرية أو تلك من نظريات التطور.
-الخطوط الرئيسية للديالكتيك الماركسي عن قانون وحدة وصراع المتناقضات:
.0األشياء والظواهر لوحدة المتناقضات ....صراع المتناقضات هو مصدر التطور :2 ىن كثيز ز الر م ززن الفالس ززفة البرجز زواإيين ،ف ززي إمانن ززا ه ززذا ،يض ززطرون ىل ززس االعتز زراف بحقيق ززة التناقض ززات،
ولكززنمم يحززاولون القززول بززأن التنززاق
والتنززاحر القززالمين مززثالل فززي الحيززاة االجتماعيززة للمجتمززع ال أرسززمالي،
همززا خالززدان ،وال حززل لممززا ،وبززأن جززوهر العالقززات المتبادلززة بززين الطبقززات كأنززه مسززتقر فززي عززدم ىمكانيززة
التغل
علس التناقضات االجتماعية.
وهنات آخرون ،يرون المتناقضات ،بل ويتشزيرون ىلزس أهميتمزا أيضزال ،ولكزنمم يعتبزرون أن حلمزا ممكزن
فقط في ميدان الدين( ،كما هو الحال عندنا بالنسبة لحركات االسالم السياسي) .
الزديالكتيت الماركسزي ينطلزق مزن المعطيزات العلميزة الموضزوعية ،والتجربزة التاريخيزة لإلنسزانية ،ويؤكززد
علززس أن جميززع ااتشززياء والال زواهر ذات تناقضززات داخلي زة ،وأن كززل تشززيء هززو وحززدة متناقضززات ،ووان كززل أتشززياء العززالم المحززيط بنززا ،وال زواهره تتمتززع بناحيززة ىيجابيززة ،وأخززرى سززلبية ،لمززا ماضززيما ولمززا مسززتقبلما، وصراع هذه االتجاهات المتناقضة التي تحتويما ااتشياء والواهر العالم الموضوعي ،هو مصدر التطزور،
وهو القوة المحركة له.
لو أنه لم يكن هنات تناقضات داخلية في ااتشزياء والالزواهر ،لزو أنزه لزم يكزن صزراع بزين االتجاهزات
المتناقضة ،لبقيت ااتشياء والالواهر غير متبدلزة ،ولمزا أمكزن حزدوث التطزور ،والتبزدل النزوعي ،ولبقزي كزل
تشززيء فززي حالززة الجمززود .لززو لززم تقززم ،مززثالل ،الطبقززات البورجواإيززة فززي المجتمعززات االوروبيززة بنضززال ضززد الطبقات االقطاعية االرسزتقراطية التزي انقضزس إمانمزا ،لمزا انحلزت التناقضزات القالمزة بزين الطزرفين ،ولمزا
المر عصر النمضزة ،لهذا فالماركسـية تبقـى غريبـة عـن األفكـار االنتهازيـة القائلـة بانسـجام الطبقـات
المتعادية.
ىن صز زراع المتناقض ززات ه ززو عملي ززة معق ززدة لنتش ززوء وتط ززور وح ززل التناقض ززات ،ولم ززذه العملي ززة درجاتم ززا
ومراحلما ،وطابعمزا الخزا
فزي كزل درجزة مزن هزذه الزدرجات ،وبتعبيزر آخزر ،ىن التناقضزات الحسزية ذات
امتداد يطول أو يقصر ،فيه بداية واسزتمرار ونمايزة .لكزن التنزاق
ال يكزون مصزحوبال دالمزال بحزدة مباتشزرة،
1للمزيد من اإلطالع على مفهوم التناقض انظر كراس في الممارسة العملية والتناقض -ماوتسي تونغ -اصدار الدائرة الثقافية المركزية – 2
أيار 3119 للمزيد من اإلطالع على مفهوم التناقض انظر كراس في الممارسة العملية والتناقض -ماوتسي تونغ -اصدار الدائرة الثقافية المركزية –
أيار –3119ص.391
359
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فمو عادة ،يتمتع فزي الم ارحزل ااولزس ،بطزابع فزارق فقزط ،وهزو التشزكل ااولزي للتنزاق
في سير التطور ،ىلزس تضزاد ،أي تنزاق ىلس نفي الناحية ااخرى بحدة.
،ثزم يتحزول الفزارق
أكثزر تطزو الر ،وذلزت عنزدما تعمزد كزل ناحيزة مزن نزواحي التنزاق
إن نمو التناقض على أساس صراع المتضادات يؤدي ,بالنتيجة ,إلى االزدواجيـة المتعاظمـة للوحـدة
(الشــيء) وهــو ,فــي النهايــة يبلــغ درجــة فــي تطــور التنــاقض ,ال تســتطيع معهــا المتضــادات البقــاء فــي
الوحدة ,عندئذ يحين زمن حل التناقض .ليس من حل للتناقضات إال في الصراع ,وعن طريق الصـراع. إن التناقضات ال تتهادن او تعيش حالة من السلم والهدوء ,لكنها تتصارع ,وعملية التطور ,هي عبـارة
عــن عمليــة تعــاظم المتناقضــات والص ـراعات الطبقيــة والسياســية والفكريــة التــي تســتمر فــي تراكماتهــا
الكمية حتى تصل الى لحظة التحول النوعي لحل هذه التناقضات وبداية مرحلة جديدة من التطور.
ىن حل التناقضات ااساسية ،الجذرية ىنما يعني القضاء علس القديم ،ونتشوء الجديد ،ثم أن مرحلة حل
التناقضات هامة جدال في التطور ،فعندما يستنفذ القديم ذاته ،ويصبح لجامال ،عالقال في طريق الجديد ،فز ن التناق
بين القديم والجديد ينبغي أن يحل عن طريق انعدام القديم والفر الجديد.
ىن نسززبية وحززدة المتضززادات هززي التعبيززر عززن أن تواصززل التشززيء أمززر مؤقززت ،وأن التشززيء لززه بدايززة
ونماية ،وبمذا تفسر الصيغة الديالكتيكية التشميرة القاللة بأن التناق نسززتخل
يدفع ىلس اامام.
مززن كززل مززا تقززدم ،صززياغة جززوهر قززانون وحززدة وصزراع المتضززادات كمززا يلززي :إن وحــدة
وصراع المتضادات هي القانون الذي بموجبـه تصـبح االتجاهـات والنـواحي المتناقضـة داخليـاً ,والكائنـة
في حالة الصراع ,مالزمة لجميع العمليات ,والظواهر ,واألشياء.
إن صراع المتضادات يعطي الدافع الداخلي للتطور ,ويؤدي إلى نمو التناقضات ,التي تجد حلها في
فترة معينة ,عن طريق القضاء على القديم ,ونشوء الجديد. .3التناقضات الداخلية والخارجية:1
ىن ما قيل عن التطور عن طريق نتشوء التناقضات الداخلية في ااتشياء ،والتغل
عليما يعطينا صزورة
عن طابع الحركة ،أو التطور .فالحركة أو التطور ،هو حركة ذاتيزة للمزادة ،أو تطورهزا الزذاتي ،والكزالم ال يجري هنا عن أن التطور في الحياة االجتماعية ،يتم بنفسه ،وبدون تدخل النار ،وبدون نتشاطمم الفعال،
أو أن الطبيعة تستطيع أن تتحول لصالح النار بدون تأثيرهم عليما. ىن الطبيعة نفسما تتطور حس
قوانينما الخاصة من ااتشكال الدنيا ىلس العليا ،ىن الطبيعة غير الحية
خلقززت ،عززن طريززق الحركززة الذاتيززة ،التشززيء المغززاير لمززا ،نقيضززما ،أي الطبيعززة الحيززة ،واامززر كززذلت فززي المجتمع أيضال ليست القوى الخارجية ،بل القوانين الخاصة بتطور التتشكيالت االجتماعية هزي التزي تزؤدي 1
المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – -0672ص.373
361
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ىلس نتشوء قوى داخل المجتمزع المعزين ،تدفعزه ىلزس حتفزه وتحولزه ىلزس نقيضزه .أمزا أسزبا
أو مصزادر هزذه
الحركة الذاتية والتحول ،فمي التناقضات الداخليزة ،وتطورهزا ،وحلمزا ،والقضزاء عليمزا ،علزس أسزار صزراع
المتناقضات ،إال أن الديالكتيك ال ينفي الدور الهام ,للتناقضات الخارجية ,في سير عملية التطور.
فعلززس النززار ،لتززأمين حيززاتمم أن يعمل زوا ،والعمززل هززو تززأثير النززار علززس الطبيعززة بمززدف ىنتززاو وسززالل المعيتشة الضرورية ،ىن عملية حل التناقضات بين المجتمع والطبيعزة ،هزي ،مزن حيزث الجزوهر ،عمليزة ال نماليززة ،وتتشززكل أحززد المصززادر المامززة لتطززور المجتمززع ،ولكززن بززين التناقضززات الداخليززة والخارجيززة يوجززد
اخززتالف موضززوعي ،ال يمكززن عززدم أخززذه بعززين االعتبززار .ىن التنززاق
التشيء بالذات ،بحيث أن التشيء ال يمكن أن يوجد بدون هذين الضدين. التنززاق
الخززارجي هززو تنززاق
الززداخلي هززو تنززاق
فززي جززوهر
بززين ااتشززياء المختلفززة ،أو الج زواهر المختلفززة ،فالنبززات والتشززمر التززي
تعطيه الدفء ،هما جوهران مختلفان ،لكل منمما تناقضاته الداخلية ،كما أن المجتمع والطبيعة هما عبارة
عززن تنززاق
جزواهر مختلفززة .ىن ااضززداد الخارجيزة ،كالداخليززة ،مرتبطززة فيمززا بينمززا ،ولكززن ال يوجززد بينمززا
متشروطية متبادلزة وثيقزة كمزا فزي التناقضزات الداخليزة ،ىن الطبيعزة ،أحزد طرفزي التنزاق
من دون المجتمع ،كذلت التشمر يمكن أن توجد من دون النبات ...الخ.
،يمكزن أن توجزد
إن التمييز بين التناقضات الداخلية والخارجية أمر هام ,ألن دور كل منهما في التطور ليس واحداً,
ومن الطبيعي أن هذا التمييز غير مطلق بل نسبي ,إن التناقض الخارجي هو ,على الغالب ,تعبير عن
وجــود التناقضــات الداخليــة وشــكل هــذا الوجــود وهكــذا فالتنــاقض بــين الســلعة والنقــد يســميه مــاركس
"تناقضاً خارجياً ,وتعبـر السـلعة فيـه عـن التنـاقض الكـامن فيهـا (أي الـداخلي) بـين القيمـة االسـتعمالية والقيمة".
بـــين التنـــاقض الـــداخلي والخـــارجي توجـــد عالقـــة ,التناقضـــات الداخليـــة ال توجـــد ,وال تعمـــل ,خـــارج
عالقتها مع التناقضات الخارجية ,أمـا تـأثير التناقضـات الخارجيـة علـى تطـور الشـيء فـال يمكـن فهمـه
بدون اعتبار تناقضاته الداخلية.
ىن الماديززة الجدليززة عنززدما ال تتجاهززل قززط أهميززة التناقضززات الخارجيززة تؤكززد أن التناقضززات الداخليززة تلع ز ز
دو الر رليسز ززيال أولي ز زال فز ززي التطز ززور .أمز ززا التناقضز ززات الخارجيز ززة فتلع ز ز
دو الر ثانوي ز زال غيز ززر رليسز ززي .ىن
التناقضززات الداخليززة والخارجيززة توجززد فززي عمليززة التطززور فززي وحززدة ،فززي عالقززة ،ولكززن مززن الخطززأ الفززادح تبديل ااولس ،القالدة ،بالثانية.
لــذلك يناضــل الــديالكتيك ضــد النظريــة المنتشــرة فــي الفلســفة البرجوازيــة واإلصــالحية أو مــا يعــرف
بالمواقف التوفيقية الليبرالية .إن جوهر هذه النظرية يكمن فـي نفـي التناقضـات الداخليـة للتطـور وفـي
االعتراف باألهمية الحاسمة للتناقضـات الخارجيـة ,وان أنصـار نظريـة التـوازن ,عنـدما يطبقونهـا علـى المجتمع يعتبرون أن المصدر الرئيسي للتطور االجتماعي ال تناقضات المجتمع الداخلية بل التناقضات
360
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بين المجتمع وعوامل خارجية ,وهذا الفهم للقضية غير صحيح نظرياً ,ويؤدي سياسياً إلى اسـتنتاجات
رجعية او هابطة .
.3خصائص التناقضات المختلفة: ىن تناقضات أسلو اإلنتزاو فزي المجتمزع الطبقزي تزنعكر فزي صزراع الطبقزات ،ولصزراع المتناقضزات
في هذا المجتمع تشكل صراع اقتصادي وسياسي وأيديولوجي.
كم ززا أن الصز زراع ااي ززديولوجي ي ززنعكر ف ززي تش ززكل صز زراع النالري ززات الفلس ززفية واالقتص ززادية والسياس ززية
والحقوقيززة والدينيززة وااخالقيززة ...الززخ كمززا هززو الحززال فززي الص زراعات بززين قززوى اليسززار مززن جمززة والقززوى الليبرالية واالسالم السياسي من جمة ثانية .
وفي هذا الجانب يجب تمييز نوعين من التناقضات :التناحرية والالتناحرية.
ىن قضززية التناقضززات التناحريززة والالتناحريززة قضززية لمززا ابعززاد سياسززية واجتماعيززة واقتصززادية خاصززة،
فالصراع مع العدو الصميوني االمبريالي يندرو تحت مفمزوم التناقضزات التناحريزة التزي ال يمكزن حلمزا اال بالغاء وانماء الوجود الصميوني واالمبريالي.
فالتناقضززات التناحريززة هززي عبززارة عززن تناقضززات القززوى السياسززية واالجتماعيززة المتعاديززة ،والمصززالح
وااهداف والميول المتضاربة ،التي تنتا عن تناق
مصالحما الجذريزة .ووان التغلز
عليمزا يزتم ،كقاعزدة،
في النضال الثوري السياسي والكفاحي والطبقي الضاري.
ومثالنزا الصزار علزس التناقضزات التناحريزة يتجلزس فزي الصزراع بزين تشزعبنا الفلسزطيني /العربزي وبززين
دولة العدو الصميوني والتحالف اإلمبريالي ،كما يتجلس ايضا ،بين البرجواإية الكومبرادورية والطفيلية في البلدان العربية وبين التشرالح الفقيرة من العمال والفالحين والمضطمدين ،بين تشعو المستعمرات والدول
االستعمارية .وكذلت فز ن التناقضزات بزين النالزام االمبريزالي وبلزدان المحزيط مزن أجزل مإيزد مزن السزيطرة ، ومناطق النفوذ والمواد الخام (النفط) ،وأسواق البيع ،هي تناقضات تناحريزة ،مزن هنزا نزرى أن التناقضزات
التناحرية متعددة ااتشكال ونتيجة ذلت ،فدرجة حدتما مختلفة.
ونالز الر لوجززود طبقززات تززدافع بجميززع الوسززالل عززن القززديم الممتزرئ ،وتقززاوم ىقامززة نالززم اجتماعيززة جديززدة
تسودها العدالة االجتماعية والديمقراطية ،ف ن النضال الطبقي الحاد والثورات االجتماعية ،هي وسيلة حل
هذه التناقضات المتناحرة.
أما التناقضات الزال متنزاحرة فمزي خالفزال للمتنزاحرة ،تعبزر عزن تناقضزات أضزداد سياسزية غيزر تناحريزة،
تعبر عن تناقضات تلت القوى االجتماعية والسياسية والميول التي يجمع بينما جذريال ،كما يج
أن تكزون
عليه العالقة في بالدنا بين الجبمة التشعبية وحركتي فتح وحمار وبقية القوى السياسية اليمينية.
علس أي حال ال بد أن نتشير ىلس أنه ممما ىختلفزت التناقضزات التناحريزة والزال تناحريزة ف نمزا تحزل فزي
النضززال ،وعززن طريززق نضززال الجديززد ضززد القززديم ،عززن طريززق النضززال التقززدمي ضززد الرجعززي ،المحززافال، 362
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الجامززد ،البيروق ارطززي ،البززالي ،انززه مززن الخطززأ اتخززاذ خصززال
حززل التناقضززات الززال تناحريززة علززس أنمززا
خصززال مسززالمة ،وانسززجام .فلحززل هززذه التناقضززات البززد مززن تشززن نضززال مسززتمر للتغلز علس كل ما هو ممترئ ،ض بال ،وجامد ،وكل ما يعيق تطور الجديد والتقدمي.
عليمززا ،للتغلز
ىن الفززارق بززين أتش ززكال ونمززاذو التناقضززات ال يكم ززن فقززط ف ززي كززون التناقضززات المختلف ززة لمززا طبيع ززة
مختلفززة ،وبالتززالي أسززالي
وطززرق مختلفززة لحلمززا ،بززل الممززم هززو أن نميززإ بززين التناقضززات الرليسززية وغيززر
الرليسية ،بين ااساسية وغير ااساسية في التشبكة المعقدة للتناقضات.1
لذلت فمن الممم جدال -وخاصة في الحياة االجتماعية ،واستراتيجية وتكتيت نضزال الطبقزات وااحز اإ
االجتماعيزة -عززدم الخلززط بززين التناقضززات الرليسززية وغيززر الرليسززية ،ااساسززية وغيززر ااساسززية ،بززل رؤيزة الفززارق بينمززا ،وفززرإ تلززت التناقضززات التززي تلعز ،فززي المرحلززة التاريخيززة المعينززة ،دو الر حاسززمال ،ثززم تخطززيط
النتشاط العملي حس
ذلت.
التناقضــات األساســية ،هززي التناقضززات التززي تحززدد التناقضززات النوعيززة وتنتشززأ عنمززا ،مثززال التنززاق
الرليسززي اسززلو اإلنت ززاو ال أرسززمالي ه ززو التنززاق
ب ززين الطززابع االجتم ززاعي لإلنتززاو وب ززين طززابع الحي ززاإة
ال أرسزمالية الخاصزة ،أنزه يحزدد جميزع التناقضزات ااخززرى التزي هزي متشزتقة مزن التنزاق فالتنززاق
ااساسزي .وهكززذا
بززين تعززاالم اإلنتززاو فززي المجتمززع البرجزواإي وبززين قززدرة الجمززاهير التشزرالية المختلفززة هززو تنززاق
متشتق من التناق ىن التن ززاق
الرليسي ،ويبرإ كمالمر وتعبير عن التناق
الرليسي للرأسمالية.
ااساس ززي للتط ززور االجتم ززاعي الع ززالمي الح ززديث ه ززو التن ززاق
ب ززين االمبريالي ززة المعولم ززة
والتشعو التابعة والمضطمدة.
ىن تمييإ التناقضات الرليسية وغير الرليسية ،والمقدرة علس رؤية سير تعاالم تناقضات جديدة ،وتحول
التناقضات الرليسية ىلس غير رليسية والعكر بالعكر ،كل ذلزت يمكزن مزن السزيطرة علزس الحلقزة الحاسزمة في التشروط الحسية المعينة. اخي ار نود االشارة الى التناقض بين المحتوى الجديد والشكل القديم الذي يسـتدعي صـراعاً بينهمـا,
هذا الصراع هو من أهم مظاهر مفعول قانون صراع المتضادات في الطبيعة والمجتمـع والتفكيـر .وهـذا
الصراع ال يتوقف ما لم يستبدل الشكل القديم بآخر جديد ,يتالءم والمحتوى المتبدل.
مززثالل فززي المجتمززع التنززاحري (كمززا هززو حززال االنالمززة العربيززة فززي مرحلززة االنتفاضززات الثوريززة) تززدافع
الطبق ززات وااحز ز اإ الحاكم ززة ع ززن ااتش ززكال المرم ززة الت ززي يممم ززا المحافال ززة عليم ززا وال ززدفاع عنم ززا .وممم ززا استمرت مقاومة التشكل القديم الليبرالي او الديني /االسالم السياسي ،البد له ،مع تطور المحتوى الثوري ،
1
لمزيد من االطالع ,انظر كراس "في التناقض" ماوتسي تونغ-اعداد الدائرة الثقافية .
363
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مززن التخلززي عززن مكانززه للتشززكل الجديززد ،لززذلت كززان الص زراع بززين التشززكل القززديم والمحتززوى الجديززد ،مصززد الر
للتطور.
قانون نفي النفي
1
إنه قانون تطور الطبيعة والتاريخ والفكر" إنجلز" بفلسزفة ،ف نزه يمكزن العثزور عليمزا
مقولة النفي ليست مقولة حديثة ،وواذا كانت قد ارتبطت بتشكل خا في الفلسفات القديمة ،واذا كان هيغل أقام مقولتي النفي ونفي النفي في إطار المنطـق ,فـإن مـاركس قـد
أعـــاد بناءهمـــا وربطهمـــا بـــالوعي االجتمـــاعي وبـــالتحوالت االجتماعيـــة ,حيـــث تنتقـــل المقـــوالت مـــن
"المضمون المجرد" إلى "المضمون المـادي" ألن النفـي ال يحيـل الشـيء إلـى مجـرد ,بـل إلـى شـيء لـه مضمون محدد ,أي أن النفي له مضمون محدد ومشخص ومميز ونمطه يعتمد على طبيعة كل ظاهرة,
فكــل شــيء لــه شــكل نفيــه الخــاص بــه .ولقززد عممززت الماركسززية مقولززة نفززي النفززي علززس جميززع الال زواهر الطبيعيززة واالجتماعيززة .فقززانون نفززي النفززي يجززد تحققززه فززي المملكززة الحيوانيززة وفززي عززالم النبززات وفززي حقززل الجيولوجي ززا ،مث ززل م ززا يج ززد تحقق ززه ب ززين البتش ززر وتط ززور المجتمع ززات عموم ززا ،وف ززي الم ززور نم ززط اإلنت ززاو
الرأسمالي خصوصزا ،حيزث تت اإيزد بتشزاعة االسزتغالل الطبقزي وتت اإيزد معمزا تراكمزات الزوعي بزالاللم الطبقزي واالضطماد بما يممد للثورات تشرط توفر ونضوو العامل الذاتي /الحإ الماركسي الثوري . -األحكام األساسية لهذا القانون:
-0في عملية التطور ,ينشـأ باسـتمرار شـيء جديـد لـم يكـن لـه وجـود فـي الماضـي ,وهـذه العمليـة تسمى النفي الجدلي للقديم.
-3فـي عمليـة النفـي يبقـى كــل مـا هـو قـيم وحيـوي وينــدرج فـي الجديـد بشـكل محـول ,وال يتعــرض للفناء إال جزء معين من القديم هو الجزء الذي بات يعرقل التطور.
-3ينطوي التطور على ما يشبه العـودة إلـى المراحـل المقطوعـة وتكرارهـا (نفـي إثبـات نفـي) ولكـن على مستوى جديد أكثر رقياً ,ولهذا يتسم التطور بطابع لولبي وليس دائري أو مستقيم.
-4في عملية التطور يوجد دائماً ,وبصورة موضوعية ,نزعات تقدمية وأخرى تقهقرية عند االنتقال مــن القــديم إلــى الجديــد ,ويتحــدد الــنمط التقــدمي أو التقهقــري بحســب التغي ـرات الجاريــة فــي
الظاهرة المعنية عموماً تبعاً للنزعة التي تكون لها الغلبة في هذه العملية التطورية المترابطـة جدلياً.
1
المصدر :المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي /عدنان جاموس /بدر الدين السباعي ...دار
الجماهير –دمشق – – 0672ط369 –– 2
364
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إن تحليل قانون انتقال التبدالت الكمية إلى تبـدالت كيفيـة ,وقـانون وحـدة وصـراع المتضـادات يبـين
لنا أنه نتيجة لعمل هذين القانونين تتم عمليـة ال نهايـة لهـا ,عمليـة اسـتبدال بعـض الظـواهر واألشـياء
بأخرى ,في هذا الصراع المتواصل بين الجديد والقديم ,بين المولود والفاني ,هذه الناحية مـن التطـور,
الناشئة إلى حد كبير عن قوانين الديالكتيك المذكورة أعاله ,تجد تعبيرها األعمق في قانون نفي النفي.
إن مكان وأهمية هذا القـانون فـي منظومـة قـوانين ومقـوالت الـديالكتيك المـادي ,يتحـدد فـي اعطائـه
أعم وأشمل مفهوم عن طابع التطور.
.0جوهر ودور النفي الديالكتيكي في عملية التطور:1 ىن التطززور يتضززمن فززي نفسززه عززامالل قانونيزال ،ىلإاميزال ،هززو النفززي فالتبززدالت النوعيززة تعنززي نفززي النوعيززة
القديمة ،ثم ىن صراع المتضادات يتم بالفر متضاد علس آخر ،فالنفي بالتزالي لزير عزامالل ثانويزال مرتبطزال بعملية التطور من الخارو ،بل هو متشروط قانونيال بجوهر التطور ذاته.
وللنفززي دور ه ززام ف ززي جمي ززع عملي ززات الطبيع ززة والمجتم ززع والتفكي ززر ،وه ززو يتب ززدى بأتش ززكال مختلف ززة تبعز زال
الختالف العمليات ،فتحول ااورانيوم ىتشعاعيال ىلس راديوم هو مالمر "نفي" أحد العوامل الكيماوية ،وتتشكل عامززل كيميززاوي آخززر منززه ،كمززا أن نفززي البززرعم بززالإهرة ،والإه زرة بززالثمرة همززا العززامالن الضززروريان لنمززو
النبات.
وتاريخ المجتمع ال معنى له من دون نفي األنظمة االجتماعية القديمة من قبل الجديـدة ,المجتمـع,
من دون عامل النفي ,يتحول إلى مستنقع راكد.
إال أن االعت ـراف بعامــل النفــي ,فــي التطــور ,غيــر كـ ٍ ـاف ,البــد مــن الفهــم الصــحيح لطبيعــة النفــي,
لطابعه الديالكتيكي.
ال ينبغي فهم أحد عوامل التطور ,وهي النفي ,كنفي مطلق ,أي كنفي ال يحتوي في ذاتـه أي شـيء
إيجابي ,فلو أن األمر كذلك لما أمكن التطور ,لو أن نفي البرعم ,في دورة نمو النبتـة ,كـان نفيـاً فقـط,
لما حدث انتقال من البرعم إلى الزهـرة .فهـذا أيضـاً نفـي ,ولكنـه نفـي تهـديمي ,وال يخلـق الشـروط لنمـو النبتة الطبيعي ,مثل هذا النفي ال يشكل شرط التطور.
إن قانون نفي النفي الديالكتيكي هو قـانون التطـور ,فهـو ال يقصـد أي نفـي كـان ,بـل يقصـد النفـي
الذي يستخدم كمقدمة ,كشرط للتطور ,يقول إنجلز "النفي في الديالكتيك ال يعنـي قـول "ال" ببسـاطة ,أو
التصريح عن شيء بأنه غير موجود أو القضاء عليه بأية وسيلة كانـت ,إن النفـي المفهـوم ديالكتيكيـاً والمعبــر عنــه تعبيـ ارً صــائباً هــو هــذه الـــ "ال" التــي تحتــوي فــي الوقــت ذاتــه علــى "نعــم" أي وحــدة النفــي
واإلثبات.
1
المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – –0672ص.367
365
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وباإلضافة إلى أن النفي شرط التطور ,فهو أيضاً تعبير عن مواصلة التطور وتواليه ,بين ما ُينفي,
وبين ما ينفي ,هذه أهم ناحيـة فـي النفـي .إن النفـي الـدياكتيكي ال ينبغـي فهمـه كانقطـاع فـي التطـور,
كنفي للصالت بين القديم والجديد ,إن الصالت بينهما قائمة بفعل أن الجديـد ال يولـد مـن ال شـيء ,بـل من القديم فقط ,والصلة تجد تعبيرها في أن الجديد يتمسك بكل ما هو إيجابي في القديم.
لقد نتشأت الفلسفة الماركسية كنفزي للفلسزفة السزابقة ،ولكنمزا بعزد تغلبمزا علزس الخزاطي الزذي لزم يتحمزل وطأة تجربة الإمن ،احتفالت بكل ما تضمنته هذه الفلسفة السابقة من حقالق. .3الطابع التصاعدي للتطور وأشكاله:1
ىن تحليل الدور الذي يلعبه النفي يؤدي ىلس استنتاو التطور التقدمي للواقع ،تطو الر تصاعديال .فزالتطور
التصاعدي هو نتيجة حتمية لقضية ىن كل جديزد يمزت
منه أساسال للحركة المقبلة.
فزي نفسزه كزل مزا تزم التوصزل ىليزه سزابقال ويجعزل
وفي هذا السياق من الممكن طرح السؤال التالي :لماذا يسمى هذا القانون الذي ندرسه بقانون نفي
النفي؟ أو ال يمكن االكتفـاء بمفهـوم النفـي وحـده ..؟ جوابنـا هـو ان التطـور الموضـوعي ذاتـه ,يحتـوي
على هذا النفي المزدوج ,ومفهوم "نفي النفي" يعكس فقط العمليات التي تتم بشكل مستقل عن وعينا.
ولتوضززيح ذلززت نتصززور ن اإعزال بززين ط زرفين حززول قضززية علميززة مززا ،ىن الطززرف ااول يقززدم فك زرة معينززة
(نالرية) والطرف الثاني يقدم نفي هزذه الفكزرة (ضزد النالريزة) .ىن كزال مزن الطزرفين المتعارضزين يمكزن أن يصي
بع
نافيال له .وتنتش
فيما بينمما.
الحقيقة ،ولكنمما يعار
أحدهما اآلخر من جانز
واحزد ويقزف أحزدهما مزن اآلخزر بصزفته
بين الطرفين معركة فكر تنتمي بالمور فكرة جديدة تنفي الفكرتين السابقتين المتصارعتين
تاريخ العلم ملي بأمثلة من هذا النوع ،تبين حركة المعارف اإلنسانية نحو الحقيقة المتصارعة.
ففززي القززرن السززابع عتشززر سززادت نالريززة تؤكززد ان الضززوء يتكززون مززن جإيلززات صززغيرة جززدال تنتتشززر وفززق
قوانين حركة الجإيلات ،وفي هذه الفترة نفسما المرت نالرية تقول بزأن للضزوء طبيعزة تموجيزة وهزو ينتتشزر وفززق التمززوو ،وبززدا آنززذات أن النالريززة الثانيززة قززد انتصززرت علززس ااولززس فززي هززذا الص زراع ،ولكززن العلززم فززي
القززرن العتش زرين اكتتشززف الطبيعززة الكوانتيززة للضززوء وبززرهن عليمززا ،وقززد المززر أن انكسززار الضززوء وحركاتززه االهت اإإيزة تتشززمد علززس طبيعتززه التموجيزة ،أمززا تززأثيره فززي التصززوير الكمربزالي ومفعولززه الكيميززالي وغيززر هززذا
مززن الصززفات فتززدل علززس أن الضززوء يتصززف فززي الوقززت نفسززه بصززفة الجإيلززات .وهكززذا عمززدت النالريززة
الحديث ززة للض ززوء بص ززفتما نفيز زال للنف ززي ،ىل ززس جم ززع وتركيز ز
العناص ززر اإليجابي ززة ف ززي النالز زريتين الس ززابقتين
وحررتمما من وحدة الجان .
1
المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – –0672ص.212
366
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ىن التطور في كل مكان يحدث علس النحو التالي :كل درجة عليا من دورة التطور هذه أو تلزت ،تبزرإ
كتركي
للحركة السابقة كلما.
وهكزذا فزالتطور يمزر فزي درجزة تثبزت وجزود الالزاهرة ،ثزم فزي درجزة نفيمزا ،وأخيز الر فزي درجزة نفزي النفزي.
وبفضززل ذلززت ف ز ن التطززور بمجموعززه يسززير فززي خززط صززاعد ،مززن البسززيط ىلززس المعقززد ،مززن اادنززس ىلززس
ااعلس ،لمذا يتمتع قانون نفي النفي بأهمية عالمس في توضيح االتجاه ااساسي في التطور.
ونززرى فززي المجتمززع أن كززل تتشززكيلة اجتماعيززة اقتصززادية جديززدة هززي عبززارة عززن درجززة تطززور أعلززس،
وعملية الصعود من اادنس ىلس ااعلس ال تتشمل البنيان االجتماعي بمجموعه فقط ،بل وتتشمل كل ناحية
منفصلة من نواحي المجتمع :مثل التكنيت ،االنتاو ،العلم ،الفن ،حياة النار.
ىن طريززق تطززور المعرفززة هززو االنتقززال مززن التصززورات ااوليززة البسززيطة المحتشززوة كثي ز الر بااوهززام ،عززن
العالم ،ىلس الذري المتشرقة التي توصلنا ىليما بفضل العلم الحديث.
في كل مكان ،وفي أي ميدان طرقناه ،نرى االتجاه ااسار ذاته ،نرى التطور وفق خط صاعد.
ىن الحركة الصاعدة هي عملية معقدة ال يمكن فممما ببساطة فالتطور الصاعد في الطبيعزة والمجتمزع
يتحقق ،علس أرضنا ،في كتلة من ااتشزكال والالزواهر التزي يسزتبدل بعضزما بعضزال ،وكزل منمزا عزابر غيزر
ثابت.
وال ينبغي أن نفمم أمر التطور علس أن كل تشكل من أتشكال النبات أو الحيوان يتطور دالمال وفزق خزط
صاعد.
إن بعض أجزاء خط التطور ,في اتجاه الحركة التقدمي العام ,يمكن أن تتوجه ال إلى األمام ,بل إلى
الــوراء ,يمكــن أن تعبــر عــن فت ـرات الحركــة الراجعــة ,عــن التــأخر ,ففــي المجتمــع مــثالً ال تظفــر القــوى
الطليعيــة الجديــدة دفعــة واحــدة ,فكثي ـ ارً مــا تفشــل أمــام قــوى القــديم التــي تكــون اكثــر قــوة مــن الجديــد
الناشيء .ففي المجتمع يدور صراع بين الطبقات واألحزاب المتناحرة ,وسير هذا الصراع متعلـق بنسـبة
القوى.
ىن قانون نفي النفي ،كأي قانون دياليكتيكي آخر ،يتشير فقط ىلس االتجاه االعم في التطور وهو ،كأي
قانون ،يتبدل ،ويغير تشكله عند التنفيزذ ،حسز وقد نبه انجلإ بتشكل خا
طبيعزة التشزيء والتشزروط التزي يزتم فيمزا تطزور هزذا التشزيء.
قالالل بأن طريقة النفي "تتعلق بالطبيعة الخاصة بكل الرف علس حدة".
لقزد سزخر انجلززإ ولينزين مزن أوللززت الزذين يتممزون الماركسززية وكأنمزا تتشزير ىلززس حتميزة مزوت ال أرسززمالية
والفززر االتشززتراكية باالعتمززاد علززس نفززي النفززي ،و"الم ارحززل الززثالث" .ىن مززاركر محز
فززي جبززال الوقززالع،
واكتتشززف قزوانين تطززور ال أرسززمالية ،والفززر االتشززتراكية ،ولززم يتوصززل ىلززس النتيجززة القاضززية فززي حتميززة مززوت
الرأسمالية ،والفر االتشتراكية ،ىلس علس أسار العمليات الموضوعية(دون ىغفزال العامزل الزذاتي /الحزإ ). ولم يكن الديالكتيت ،بما فيه قانون نفي النفي ،اال طريقة تمحي
367
تلت الوقالع.
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ىن النتشاط العملي يبرإ كبدء ،كنقطة انطالق للنالرية ،والنالريزة تجيز
علزس أسزللة ومتطلبزات النتشزاط
العملزي .وهزذا النتشزاط وحزده هزو القزادر علزس تبيزان حقيقزة النالريزة وفزي نتشزاط النزار العملزي وحزده تتحقززق منجإات النالرية.
الديالكتيت كنالرية للمعرفة
1
المنطق الديالكتيكي والمنطق الشكلي:ىن المعرفززة انعكززار للواقززع وهززي عمليززة ديالكتيكيززة معقززدة ينفززذ فيمززا العقززل ىلززس جززوهر ااتشززياء .وتززتم
المعرفة من خالل نتشوء التناقضات وحلما وتحمل طابعال فعاالل خالقال. كت ز
لينززين يقززول "فــي نظريــة المعرفــة ,كمــا فــي كــل مجــاالت العلــم األخــرى يجــب أن نفكــر تفكي ـ ارً
ديالكتيكيـاً ,أي يجـب أن ال نفتـرض أن معرفتنـا جـاهزة وال تتبــدل بـل أن نـدرس الطـرق التـي نشـأت بهــا
المعرفة من الال معرفة ,وبأي شكل تصبح المعرفـة غيـر التامـة وغيـر الدقيقـة معرفـة أكثـر كمـاالً وأكثـر دقة".
وتنطلق الفلسفة الماركسية من أن ما يسمس بالديالكتيت الذاتي (تطزور تفكيرنزا) هزو انعكزار للزديالكتيت
الموضوعي (تطور الواهر العالم المادي) .
ىن وحدة قوانين التفكيزر وقزوانين الواقزع ال تعنزي عزدم وجزود فزارق بينممزا ،أنمزا قزوانين واحزدة مزن حيزث
المحتزوى فحسز ،ولكنمززا مختلفززة مزن حيززث أتشززكال وجودهززا ،فقزوانين الواقزع موجززودة وجززودال موضززوعيال أمززا القوانين ااخرى فموجودة في وعي اإلنسان كانعكار لألولس ذلت "ان قوانين المنطـق هـي نتـاج انعكـاس
ما هو موضوعي في وعي اإلنسان الذاتي" .
ىن مضمون المنطق الديالكتيكي هي دراسة العالقات بين المفاهيم والتحوالت والتناقضات فيما . ىن المسألة الرليسزية التزي يمزتم بمزا المنطزق الزديالكتيكي هزي مسزألة :الحقيقزة ،فمزو ينالزر فزي أتشزكال
التفكير علس أنما أتشكال ذات مضزمون ويبزين لنزا كيزف نتوصزل ىلزس المعرفزة الحقيقيزة عزن العزالم فزي هزذه ااتشكال .
1
المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – –0672ص.207
368
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الفصل اخلامس
املادية التارخيية موضوع بحث المادية التاريخية
تدرر المادية التاريخية القزوانين التزي تحكزم تفاعزل المزادة والزوعي والقزوانين الكونيزة للوجزود فيمزا يتعلزق
بالحياة في المجتمع.1
لكن هذا ال يعني بطبيعة الحال أن المادية الديالكتيكية ال تدرر مالاهر القوانين الكونية لحركزة المزادة وتطورهززا فززي المجتمززع ،فالماديززة الديالكتيكيززة التززي تواجززه مممززة د ارسززة الق زوانين الكامنززة فززي كززل مجززاالت الوجود ال يمكنما أن تتفادى تقصي كيف تزؤدي هزذه القزوانين واليفتمزا فزي الحيزاة االجتماعيزة ،لكنمزا وهزي
تدرر تعبيرات هذه القوانين في المجتمع فمي تركإ اهتمامما فقط علس تلت العناصر والجوانز
المتشتركة في كل مجاالت الوجود ااخرى.
والعالقزات
ت ززدرر المادي ززة التاريخي ززة واليف ززة القز زوانين الكوني ززة ف ززي الحي ززاة االجتماعي ززة م ززن اج ززل ان تكتش ززف ع ززن
مضمونما الخا
المحدد ،المتشروط بخصوصيات التشكل االجتماعي من حركة المادة.
وعن طريق اثبات الطبيعة الخاصة للقوانين (التي درستما المادية الديالكتيكية) في الحيزاة االجتماعيزة،
تكتتشف المادية التاريخية القوانين العامة التي تحكم واليفة وتطور المجتمع االنساني.
هكذا ...فعلى حين تثبت المادية الديالكتيكية قوانين الترابط الداخلي بين المادة والوعي على العمـوم
بتقديم الحل للمشكلة األساسية في الفلسفة ,فإن الماديـة التاريخيـة ,وهـي تتعامـل مـع المشـكلة نفسـها في تطبيقها على المجتمع ,تكشف قوانين الترابط الـداخلي بـين الكـائن االجتمـاعي والـوعي االجتمـاعي,
بين الحياة المادية والحياة الروحية في المجتمع .هذه االنماط التي تحكمهـا القـوانين -رغـم انهـا تعبيـر
عــن الق ـوانين العامــة التــي تنطبــق علــى الواقــع كلــه – لهــا مضــمونها الخــاص ,ومــن ثــم فهــي ق ـوانين مستقلة تحكم عمل الكائن االجتماعي.
وفــي ســياق الماديــة التاريخيــة ,فــإن قانونـاً عامـاً مثــل وحــدة و"صـراع" االضــداد يأخــذ شــكل الصـراع
الطبقــي فــي مجتمــع معــاد ,والتــرابط الــداخلي بــين االنتــاج واالســتهالك وغيرهمــا مــن قــوانين التطــور
االجتمــاعي .وقــانون تحــول التغي ـرات الكميــة إلــى كيفيــة حــين يطبــق علــى المجتمــع يأخــذ شــكل الثــورة االجتماعية وشكل قوانين أخرى للتغير الكيفي في مختلف جوانب الحياة االجتماعية.
1
ا.ب .شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – – 0610ص.026
369
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وقانون نفي النفي يأخذ شكل إبدال التكوينات االجتماعية – االقتصادية في عملية التطور التاريخي
وتكرار االحداث الماضية في مرحلة أرقى ,وهو ما يحدث في كل مجاالت الحياة االجتماعية ,وهكذا.
إذن فالمادية التاريخية تدرس قوانين العالقة الداخلية بين المـادة والـوعي ,والقـوانين العامـة للوجـود
في تعبيراتها الخاصة بالحياة االجتماعية .وتكشف – على هـذا األسـاس – القـوانين العامـة التـي تحكـم
وظيفــة وتطــور المجتمــع كشــكل خــاص مــن حركــة المــادة .إذن فموضــوع بحــث الماديــة التاريخيــة هــو
القوانين العامة التي تحكم وظيفة المجتمع وتطوره.
وواذا كانت المادية الديالكتيكية هي الفلسفة الماركسية بالمعنس العام للكلمة ،هي العلزم الزذي يزدرر اعزم قزوانين حركززة الطبيعززة والمجتمززع والفكززر اإلنسززاني ،فز ن الماديززة التاريخيززة هززي نالريززة المجتمززع الماركسززية، هززي العلززم الززذي يبحززث فززي القزوانين العامززة والقززوى المحركززة لتطززور المجتمززع البتشززري .وال يقتصززر موضززوع المادي ززة التاريخي ززة عل ززس د ارس ززة ت ززاريخ المجتمع ززات ،ت ززاريخ الم ززور وتط ززور وتغي ززر التتش ززكيالت االجتماعي ززة
االقتصززادية ،بززل يتشززمل أيضزال د ارسززة قانونيززات الحيززاة المعاص زرة لمختلززف البلززدان (ال أرسززمالية ،االتشززتراكية،
المتخلفة) وقانونيات الحياة االجتماعية لإلنسانية بوجه عام.
إن المادية التاريخيـة بوصـفها علمـاً عـن قـوانين التطـور االجتمـاعي هـي نظريـة فلسـفية ,منهجيـة,
سسيولوجية في الوقت نفسه. فمي تجي
عن المسألة ااساسية في الفلسفة ،مطبقة علس المجتمع ،ىجابزة ماديزة ،بتأكيزدها ،أن حيزاة
المجتمززع الماديززة ،وبخاصززة عمليززة اإلنتززاو المززادي ،تتشززكل أسززار تفاعززل جميززع الالززاهرات االجتماعيززة، وتحززدد فززي نمايززة المطززاف الميززدان الروحززي مززن حيززاة المجتمزع وكززذلت جميززع الاهراتمززا ااخززرى .وهززذا هززو
مبدأ المادية.
لكن هذه النظرية االجتماعية العامة هي مرشد لدراسة المجتمع ,وليس وسيلة لرسم مجرى التاريخ,
وليست مفتاحاً سحرياً يعفـي مـن دراسـة السـير الـواقعي الملمـوس لحركـة التـاريخ فـي كـل زمـان ومكـان
عموماً وفي تاريخ التطور االجتماعي االقتصادي الفلسطيني والعربي على وجه الخصوص.
وفي هذا السياق يؤكد انجلس على " أن المنهج المادي ينقلب إلى نقيضه كل مـرة يسـتعمل فيهـا ال
كدليل موجه للبحث التاريخي بل كنموذج جاهز لنحـت واعـادة نحـت الوقـائع التاريخيـة" ونصـح "بإعـادة دراسة كامل مراحل التاريخ ...وبإخضاع شروط عيش مختلف التشكيالت االجتماعية إلى بحث مفصل قبـل أن يحـاول أن يسـتخلص منهــا التصـورات السياسـية والقانونيـة والفلســفية والدينيـة التـي تطابقهــا".
كما دقق انجلس بقوة ,في "إن العامل المحدد حسب التصور المادي للتاريخ هو في آخر التحليل إنتاج
الحياة الواقعية وتجديد إنتاجها ,ولم يقل ماركس أبداً وال أنا أكثر من ذلـك .فـإن شـوه أحـدهم هـذا الـرأي بأن جعله يدل على أن العامل االقتصادي هو المحدد الوحيـد فقـد حولـه إلـى كـالم أجـوف ومجـرد وغيـر
معقــول" .أبــرز إنجلــس فــي هــذا الــنص االســتقاللية النســبية التــي تتمتــع بهــا مكونــات البنــاء الفــوقي:
فأشكال الصراع الطبقي السياسي ونتائجـه والدسـاتير والصـيغ القانونيـة والنظريـات القانونيـة والفلسـفية 371
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والتصورات الدينية وتطورها إلى انظمـة دوغمائيـة فـي كثيـر مـن الحـاالت ,كـل ذلـك يحـدده بصـفة كبيـرة
جداً شكل التطور التاريخي" :فكل هذه العوامل تتفاعل فيما بينها وتتوصل الحركة االقتصـادية فـي آخـر األمر إلى شق طريق لها في صلب هذا التفاعل ,من خالل عدد ال متنـاه مـن األحـداث الجـائزة ,ويكـون
ذلك بمثابة الضرورة".1
-مقدمات ظهور المادية التاريخية:2
-0المقدمات االجتماعية – االقتصادية: لز ززم يكز ززن ممكن ز زال أن تالمز ززر الماركسز ززية ،والماديز ززة التاريخيز ززة كجز ززإء مكز ززون لمز ززا ،قبز ززل نضز ززا الالز ززروف
االجتماعية الموضوعية الالإمة لالمورها.
فمع تطور الرأسمالية إالت العإلة التي كانت قالمة بين مختلف البلدان والتشعو ،ويتبزين أكثزر فزأكثر،
أن تاريخ البتشرية بأسرها واحد ،وأن كل تشع
يمر خاللما بمراحل تحكمما قوانين تاريخية حتمية.
ولم يكتشف تطور الرأسمالية ىمكانيات جديدة للمعرفة االجتماعية فحس ،بل خلق الحاجزة االجتماعيزة
ىلس بناء علم عن المجتمع.
وكان العامل الحاسم في المور المادية التاريخية هو اكتمال تكون الطبقة االجتماعيزة ،التزي يعبزر هزذا
العلم عن مصالحما .لقد كانت الطبقة العاملة (البروليتاريا) وحدها ،هي الطبقة االجتماعية التي ال يعنيما اسزتمرار النالززام االجتمززاعي القزالم علززس اسززتغالل اإلنسززان لإلنسزان ،بززل تززتلخ
مصزلحتما فززي ىنمززاء هززذا
النالام ،وواقامة المجتمزع الالطبقزي .ىن هزذه الطبقزة لزم تالمزر وتتكزون ،فزي البلزدان ال أرسزمالية المتقدمزة ،ىال
فززي الق زرنين السززابع عتشززر والثززامن عتشززر ،وال تصززل ىلززس درجززة كافيززة مززن الززوعي السياسززي ،بحيززث تتشززكل طبقة اجتماعية جديدة ،تلع
دو الر ممي الإ في التاريخ ىال في أواسط القرن التاسع عتشر.
لقززد كززان المززور الماركسززية تعبي ز الر عززن النضززا السياسززي والفكززري لطاللززع الطبقززة العاملززة ،وواتشززارة ىلززس
حلول دورها التاريخي في النضال ضد الرأسمالية ،وضد جميع أتشكال االستغالل االقتصادي واالجتمزاعي والسياسي والروحي ،وفي بناء المجتمع الخالي من الطبقات. -3المقدمات الفكرية النظرية:
لززم يكززن المززور الماديززة التاريخيززة خارج زال عززن ىطززار تطززور الفكززر العلمززي بوجززه عززام ،ذلززت "ىن تززاريخ
الفلسززفة ،وتززاريخ العلززم االجتمززاعي ،يبينززان بكززل وضززوح أن الماركسززية ال تتشززبه البدعززة فززي تشززيء ،بمعنززس المذه
المتحجر المنطزوي علزس نفسزه ،الزذي قزام بمعزإل عزن الطريزق الرليسزي لتطزور الحضزارة العالميزة.
علس العكر من ذلت ،ف ن عبقرية ماركر كلما تتجلس بالضبط في كونه أجزا
الفكر اإلنساني التقدمي.
1 2
عزن ااسزللة التزي طرحمزا
معجم الماركسية النقدي – مجموعة مؤلفين بإشراف الفيلسوف جورج البيكا – دار الفارابي – بيروت – – 3112ص.0023 معجم الماركسية النقدي – مجموعة مؤلفين بإشراف الفيلسوف جورج البيكا – دار الفارابي – بيروت – – 3112ص.0092
370
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وتجدر اإلتشارة ىلس العيو الرليسية للنالرات السسيولوجية التي كانت سالدة قبل ماركر وانغلإ:
أوالً :كززان المفكززرون السسززيولوجيون قبززل مززاركر يعززالجون ااحززداث التاريخيززة مززن وجمززة نالززر الززدوافع
المثالية لنتشاط النار بالدرجة ااولس ،دون النالر في ااسبا
العميقة التي تحدد تلت الدوافع.
ثانياً :كانت النالرات السسيولوجية المثاليزة قزد حفزرت هزوة عميقزة بزين المجتمزع والطبيعزة المحيطزة بزه.
أما ماركر فقد بين أن اإلنسان ،والمجتمع اإلنساني ،هو جإء من العالم المادي المحيط به ،ووان كانت له
خصالصه المميإة.
ثالث ـاً :تتجاهززل السس زيولوجيا المثاليززة الززدور الحاسززم الززذي تلعبززه الجمززاهير التشززعبية فززي صززنع التززاريخ،
وترجع تاريخ المجتمع البتشري ىلس تاريخ نتشاط التشخصيات العاليمة.
وأخي ـ ارً :اعتبززر المؤرخززون وعلمززاء االجتمززاع وعلمززاء االقتصززاد قبززل مززاركر أن ال أرسززمالية هززي النالززام
الطبيعي اابدي غير القابل للتجاوإ.
المقوالت األساسية للمادية التاريخية:1نستطيع أن نستخل
المقوالت ااساسية التاليزة ،التزي صزارت تتشزكل أحجزار الإاويزة فزي الفمزم المزادي
للتاريخ ،وفي المنما المادي التاريخي لدراسة الالواهر االجتماعية: -
الوجود االجتماعي (الواقع االجتماعي).
-
الوعي االجتماعي.
-
البناء الفوقي.
-
التتشكيل (التتشكيلة) االجتماعي – االقتصادي. قوى اإلنتاو (القوى اإلنتاجية ،القوى المنتجة).
التشكيل االجتماعي – االقتصادي:
التتشززكيل االجتمززاعي – االقتصززادي أحززد المقزوالت ااساسززية ،التززي تسززتخدمما الماديززة التاريخيززة لتحديززد
المرحلة التي يعيتشما المجتمع في تطوره التاريخي ،وللتأكيد علس الوحدة والترابط الديالكتيكيين بين مختلف الاهرات الحياة االجتماعية في كل مرحلة من التاريخ.
1الموسوعة الفلسفية العربية -معهد اإلنماء العربي -المجلد الثاني– الطبعة األولى – ص.0096
372
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ويمكن تعريف التشكيل االجتماعي على النحو التالي:
"هــو عضــوية اجتماعيــة – إنتاجيــة فــي حالــة تطــور دائــم ,لهــا ق ـوانين خاصــة بظهورهــا ,وقيامهــا
بوظائفها ,وتطورها ثم تحولها إلى عضوية اجتماعيـة – إنتاجيـة أخـرى أكثـر تعقيـداً .وفـي كـل عضـوية من هذه العضـويات نمـط خـاص لإلنتـاج ,وشـكل معـين مـن العالقـات اإلنتاجيـة ,وطـابع خـاص للتنظـيم
االجتمــاعي للعمــل ,وطبقــات خاصــة ,وأشــكال خاصــة لالســتغالل الطبقــي (فــي التشــكيالت الطبقيــة),
وأشــكال خاصــة ,محــددة تاريخيـــاً ,مــن تجمعــات النــاس والعالقـــات بيــنهم ,وطرائــق معينــة فـــي اإلدارة والتنظيم السياسي ,وأشكال متميزة في تنظيم األسرة والعالقات األسرية ,وأفكار اجتماعية خاصة".
هذا التعريف يعني أن التشكيل االجتماعي هو المجتمع كله في مرحلة معينة مـن تاريخـه ,وأن هـذا
المفهوم يشمل كل الظواهر االجتماعية في وحـدتها العضـوية ,وتأثيرهـا المتبـادل فـي مرحلـة معينـة مـن تاريخ مجتمع ما.
في مقدمة كتابزه مسزاهمة فزي نقزد االقتصزاد السياسزي ،يعزر
مزاركر مزا يعتبزر الصزياغة الكالسزيكية
لألسزر الماديززة التاريخيزة ،ويضززم أهزم مقوالتمززا ،فمزو يقززول :ىن النتيجزة العامززة التزي توصززلت ىليمزا ،والتززي أصبحت بمثابة خيط هام في أبحاثي الالحقة ،ىنما يمكن صياغتما ب يجاإ علس النحو التالي:
"ىن النار ،أثناء اإلنتاو االجتماعي لحياتمم ،يقيمون فيما بينمم عالقات معينة ضرورية ،مسزتقلة عزن
ىرادتمم .هي عالقات اإلنتاو التي تاللم درجة معينة من تطور قواهم اإلنتاجية المادية ،ومجمزوع عالقزات اإلنتززاو هززذه يؤلززف البنيززة االقتصززادية للمجمززوع ،أي القاعززدة الفعليززة التززي يقززوم عليمززا بنززاء فززوقي حقززوقي
سياسي ،تاللمه أتشكال معينة من الوعي االجتماعي" .ثم يضزيف مزاركر بقولزه " ىن أسزلو ىنتزاو الحيزاة
المادية يتشترط سيرورات الحياة االجتماعية السياسية والفكرية بصورة عامزة ،فلزير وعزي النزار هزو الزذي يحدد وجزودهم ،بزل علزس العكزر مزن ذلزت وجزودهم االجتمزاعي هزو الزذي يحزدد وعزيمم" .وعنزدما تبلزغ قزوى المجتمع اإلنتاجية المادية درجة معينة مزن تطورهزا ،تزدخل فزي تنزاق
مزع عالقزات اإلنتزاو الموجزودة ،أو
مززع عالقززات الملكيززة -وليسززت هززذه سززوى التعبيززر الحقززوقي لتلززت -التززي كانززت حتززس ذلززت الحززين تتطززور ضمنما .وتصبح هذه العالقات قيودال لقوى اإلنتاو بعد أن كانت أتشكاالل لتطورها ،وعندلزذ يحزل عمزد الثزورة االجتماعية ،ومزع تغيزر القاعزدة االقتصزادية يحزدث انقزال
تلت.
فزي كزل البنزاء الفزوقي المالزل ،بمزذه السزرعة أو
إن أي تشكيل اجتماعي ال يموت قبل أن يكتمل تطور جميع القوى االنتاجية –في التشكيل الجديد-
التي تفسح لها ما يكفي من المجال ,وال تظهر أبداً عالقات إنتـاج جديـدة أرقـى ,قبـل أن تنضـج شـروط وجودهــا الماديــة فــي قلــب المجتمــع القــديم بالــذات ,ولمززذا ال تض زع اإلنسززانية أماممززا ىال المسززالل التززي
تس ززتطيع حلم ززا .ىذ يتض ززح دالمز زال ،عن ززد البح ززث ع ززن كثز ز ،أن المس ززألة نفس ززما ال تالم ززر ىال عن ززدما تك ززون التشروط المادية لحلما موجودة ،أو علزس ااقزل ،آخزذة فزي التكزون وبوجزه عزام يمكزن اعتبزار أنمزاط اإلنتزاو
ااسززيوي ،والقززديم ،اإلقطززاعي والبرج زواإي الحززديث ،بمثابززة عمززود متصززاعدة مززن التتشززكيالت االجتماعيززة 373
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
االقتص ززادية .ووان عالق ززات اإلنت ززاو البرجواإي ززة ه ززي التش ززكل التن ززاحري ااخي ززر لعملي ززة اإلنت ززاو االجتماعي ززة التناحري ال بالمعنس الفردي ،بزل بمعنزس التنزاحر الزذي ينمزو مزن التشزروط االجتماعيزة لحيزاة اافزراد ،ولكزن قوى اإلنتاو المتنامية في قل
المجتمع البرجزواإي تخلزق فزي الوقزت نفسزه التشزروط الماديزة اجزل حزل هزذا
التناحر.
فززي ضززوء مززا تقززدم ،نسززتطيع أن نسززتخل
المق زوالت ااساسززية التاليززة ،التززي صززارت تتشززكل أحجززار
الإاوية في الفمم المادي للتاريخ ،وفي المنما التاريخي لدراسة الالواهر االجتماعية.
الوجززود االجتمززاعي (الواقززع االجتمززاعي) – الززوعي االجتمززاعي – التتشززكيل (التتشززكيلية) االجتمززاعي –
االقتصززادي القاعززدة االقتصززادية البنززاء التحتززي – البنززاء الفززوقي -نمززط اإلنتززاو (أسززلو اإلنتززاو) – قززوى اإلنتاو (القوى اإلنتاجية ،القوى المنتجة) – عالقات اإلنتاو (العالقات اإلنتاجية).
اإلنتاج المادي كأساس لوجود المجتمع وتطوره:
)0مفهوم اإلنتاج:1
كما سبق أن أتشرنا ف ن المجتمع علس عكر القطيع الحيواني ال يوجد فقط بالتوافق مع البيلة الطبيعية
واسززتخدام الوسززالل الماديززة التززي يخلقمززا ،لكنززه أيضزال يطززوع الوسززالل الطبيعيززة لتلبيززة احتياجاتززه عززن طريززق
تغييزر خصزال
ااجسزام الماديزة التزي خلقتمزا الطبيعزة وتحويلمزا ىلزس ادوات ماديزة تحقزق مطلز
اإلنسززان
في البقاء .وتحويزل المزواد الطبيعيزة ىلزس وسزالل يحقزق بمزا النزار الزوفرة الماديزة يزتم عزن طريزق العمزل فزي الطبيعززة بززأدوات مصززممة لمززذا خصيصزال هززي أدوات العمززل أو وسززالله ،هززذا التززأثير المززادف علززس الطبيعززة
وتحويزل خصالصزما لصزالح المجتمزع هزو اإلنتزاو ،وأهزم عناصزر اإلنتزاو هزي )0( :النتشزاط المززادف)3( ،
مواد العمل )3( ،وسالل العمل.
وفي عمليزة العمزل يزتم الزتحكم فزي النتشزاط اإلنسزاني بزوعي ويخضزع لمزدف بدقزة ،ولتوضزيح االخزتالف
بزين النتشزاط اإلنتززاجي واافعزال الغريإيززة للحيزوان أتشززار مزاركر ىلزس هززذه الصزفة نفسززما أي الطزابع الزواعي والمادف لعمليات العمل ،كت
ماركر" :ىن اإلنسان ال يؤثر فقط في تشكل المادة التي يعمل عليمزا ،لكنزه
أيضال يحقق هدفال خاصال به هو يحدد قانون أسلو عمله ،وعليه أن يخضع ىرادته له."...
ومززادة العمززل هززي ذلززت الجززإء مززن الطبيعززة الززذي يززؤثر عليززه اإلنسززان فززي عمليززة اإلنتززاو ويحولززه ىلززس
موضززوع قززادر علززس تلبيززة بعز
احتياجززات المجتمززع ،فالحديززد والفحززم والبتززرول التززي تسززتخرو مززن اار
وتمر بعمليات معينة هي مواد العمل.
1
ا.ب .شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – – 0610ص.097
374
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والم زواد س زواء كان ززت موجززودة ف ززي صززورتما الطبيعيززة (المع ززادن فززي اار
وااس ززمات فززي المس ززاحات
المالية الطبيعية والغابات وااراضي العذراء...ىلخ) أو مرت بعمليات تصنيع أولية بتطبيزق العمزل (الحديزد
في المسزبت ،القطزن فزي المغزاإل ،القمزح فزي المطزاحن ،الزدقيق فزي المخزابإ...ىلزخ) يمكزن اعتبارهزا جميعزال مواد العمل ،ومزواد العمزل التزي مزرت بزبع
عمليزات المعالجزة وتتضزمن قزد الر مزن العمزل اإلنسزاني تعزرف
بززالمواد الخززام ،أي مززادة خززام ىذن هززي "مززادة للعمززل ،ولكززن لززير كززل تشززيء للعمززل هززو مززادة خززام ،ىنمززا هززو يصبح كذلت ىذا مر ببع والتشيء أو مرك
التغيرات عن طريق العمل."...
ااتشياء الذي يضعه اإلنسان بين نفسه وبين مادة العمل والذي يقزوم بزدور الموصزل
لتأثير اإلنسان علس هذا التشيء هو أدوات العمل أو وسالل العمل.
ف ز ززاالدوات اآللي ز ززة والماكين ز ززات ومختل ز ززف المع ز ززدات وأبني ز ززة اإلنت ز ززاو ووس ز ززالل النق ز ززل الض ز ززرورية لخدم ز ززة
المتشززروعات الصززناعية ومززا ىلززس ذلززت ،هززي جميع زال ادوات العمززل فززي الصززناعة ،وبالنسززبة للإ ارعززة فمنززات
اآلالت الإ ارعيززة وكافززة اادوات التززي تسززتخدم فززي إ ارعززة اار
وفززي الحصززاد وفززي ىعززداد اار
قبززل
الإ ارعززة ،مززن حيززث هززي جميع زال جززإء مززن كززل التشززروط الضززرورية للبززذور كززي تنبززت وللنبززات كززي ينمززو وينضا ،كذلت أيضال وسالل النقزل التزي تسزتخدم لنقزل البزذور والمحاصزيل ومخزاإن الحبزو والمسزتودعات
لحفززال المحاصززيل ومززا ىلززس ذلززت .وفززي تربيززة المواتشززي تتشززمل أدوات العمززل الحيوانززات التززي تربززي مززن أجززل الصزوف واللززبن والإبززد وغيرهززا مززن المنتجززات والحالززالر التززي توضززع فيمززا هززذه الحيوانززات ،وآالت صززيانتما
واستغاللما ...ىلخ.
وأدوات العمل ( )instrunmentsفلة مستقلة من وسالل العمل ،فأدوات العمل هي وسالل العمل التي
تستخدم كموصالت مباتشرة لتأثير اإلنسان علس موضوع العمل والتي تحدث فيه تغيرات مماثلة عن طريق خصالص ززما (اآللي ززة أو الفيإيقي ززة أو الكيميالي ززة) ،فك ززل أنز زواع اآلالت والع ززدد مث ززل المخ ززارط وآالت تص ززنيع المعادن وآالت الغإل والنسيا وما ىليما ،كذلت المحراث ومسجاة التربزة وماكينزة الخياطزة وآلزة الحصزاد... ه ززذه كلم ززا أمثل ززة ادوات العم ززل ،وأبس ززط أدوات خلقم ززا اإلنس ززان ف ززي الم ارح ززل ااول ززس م ززن تط ززور المجتم ززع
اإلنساني هي المدية والفأر والمطرقة والجرافة ...الخ .
موضوعات العمل ووسائل العمل هي معاً وسائل اإلنتاج :
تلع
وسالل العمل دو الر هامال في ىنتاو الوفرة المادية ،ومستوى تطورها يجدد طابع النالزام االقتصزادي
للمجتمززع ودرجززة سززيطرة اإلنسززان علززس الطبيعززة ،كتز
مززاركر" :ىنمززا ليسززت اادوات التززي صززنعت ،ولكززن
كيف صنعت وبأي أدوات أخرى هو ما يمكننا أن نميإ بين الحقول االقتصادية المختلفة."...
375
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
)3قوى اإلنتاج في المجتمع:1
(أ) جوهر قوى اإلنتاج هي عبارة عن:
وســائل العمــل والنــاس الــذين يضــعونها فــي التطبيــق وينتجــون الــوفرة الماديــة بفضــل خبــرة اإلنتــاج
المحددة ومهارات العمل تمثل قوى اإلنتاج في المجتمع.
ووانتززاو الززوفرة الماديززة يززتم عززن طريززق النززار ،فالكالنززات اإلنسززانية هززي التززي تززؤثر فززي الطبيعززة وتحززول
الم زواد ىلززس وسززالل إلنتززاو ضززرورات الحيززاة ،وواضززح بالتززالي أن النززار الززذين يسززممون فززي اإلنتززاو يج ز
ىدراجمم ضمن قوى اإلنتاو ،فضزالل عزن ذلزت فالنزار هزم قزوة اإلنتزاو ااساسزية فزي المجتمزع ،فمزم مصزدر اإلبداع والجان
الحي من النتشاط اإلنتاجي.
ويززؤثر النززار فززي الطبيعززة ال بأيززديمم العاريززة بصززورة غيززر مباتش زرة ،ولكززن عززن طريززق وسززالل العمززل،
وتعتمد الدرجة التي تتغير بما الطبيعة وكمية الوفرة الماديزة التزي يزتم ىنتاجمزا اعتمزادال أساسزيال علزس وسزالل وأدوات العمل المستخدمة ،ىذن فوسالل العمل أيضال تمثل جانبال من قوى اإلنتاو في المجتمع. وفي حين أن وسالل العمل عنصر أساسي بين قوى اإلنتاو فيج
ولكن فقط عن طريق اتحادها العضوي مع اإلنسان .
واسززتخدام حتززس أبسززط وسززالل العمززل فززي العمليززة الخالقززة يفتززر
أن نؤكد أنما قزوى ىنتزاو ال بزذاتما،
معرفززة كيفيززة اسززتخدام هززذه الوسززالل
وممززارة وخب زرة خاصززة فززي اسززتخدام وسززالل العمززل المحززددة ،وكلمززا إادت الخب زرة فززي اسززتخدام أي وسززالل للعمل كلما أصبحت أفعال النار أفضل وأكثر كفاءة ،وتعاالمت قواهم اإلنتاجية.
ىذن فقززوى اإلنتززاو فززي المجتمززع تعتمززد لززير فقززط علززس النززار الززذين يتشززاركون فززي ىنتززاو الززوفرة الماديززة
ووسالل العمل التي يستخدمونما ولكن أيضال علس الخبرة في استخدامما وممارة العاملين.
والتناليم التكنيكي أو التقني للعمل ،أي وضع النار أثناء عملية اإلنتاو وتقسيم الوالالف بينمم عوامل
تؤثر في قوى المجتمع اإلنتاجيزة وكلمزا تقزدم تنالزيم العمزل واسزتخدامه اسزتخدامال عقالنيزال واالنتفزاع بوسزالل
العمل وقوة العمل كلما تعاالمت قوى اإلنتاو في المجتمع . (ب)
القوى اإلنتاجية في المجتمع والعلم:2
في المراحل المبكرة مزن تطزور المجتمزع حزين كزان العلزم ال يزإال فزي ممزده وأدوات العمزل علزس مسزتوى
بسززيط بززدالي ومصززمم مززن أجززل العمززل اليززدوي كززان النززار قززانعين –فيمززا يتعلززق ب نتززاو الززوفرة الماديززة- بالمعرفززة التجريبيززة التززي جمعتمززا ااجيززال السززابقة فززي صزراعمم ضززد الطبيعززة وراكموهززا فززي وسززالل العمززل التي انتجوها وفي خبرات اإلنتاو التي نقلوها من جيل لجيل ،ومع التحول التدريجي مع العمل اليدوي ىلس
1 2
ا.ب .شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – .096 – 0610 ا.ب .شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – .071 – 0610
376
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اإلنت ززاو اآلل ززي فليس ززت المعرف ززة الت ززي اكتس ززبما المنتج ززون مباتشز زرة م ززن عملي ززات العم ززل والت ززدري
فق ززط ب ززل
واالكتتشافات العمليزة أيضزال بزدأت تنزدما فزي وسزالل العمزل التزي تنزتا وفزي وسزالل اسزتخدامما .ىن تصزميم وتتشززغيل اآلالت قززام علززس أسززار االسززتخدام المززنالم لق زوانين الطبيعززة التززي اكتتشززفما العلززم ،وقززد أتززاح هززذا
وضع عناصر الطبيعة في خدمة اإلنتاو ووابدالما بالعمل اإلنساني. وفززي الم ارحززل ااوليززة كززان اسززتخدام العلززم فززي اإلنتززاو محززدودال بعز
التشززيء ،والقزوانين العلميززة كانززت
توضع في االعتبار فقط في خلق الوسالل الميكانيكيزة للعمزل فزي حزين كانزت تكنيكزات اإلنتزاو غالبزة عزن
اهتمام العلم ،وعلس أي حزال فزالثورة الصزناعية التزي بزدأت مزع بدايزة القزرن التاسزع عتشزر سزرعان مزا أثزرت
فززي تطززور الصززناعات ااخززرى ،وبززدأ العلززم يلع ز
دو الر مت اإيززدال فززي اإلنتززاو ،ف ز لس جان ز
تحسززين تكنيكززات
اإلنتززاو فقززد بززدأ يفسززح الطريززق أمززام نتشززوء صززناعات جديززدة ،وعلززس حززين كانززت الميكانيكززا النالريززة فززي
الماضي هي التي ترتبط أساسيال باإلنتاو ،اآلن جزاء دور علزوم الفيإيزاء والكيميزاء لتنفزذ بفعاليزة ىلزس مجزال
اإلنت ز ز ززاو ،فاالكتتش ز ز ززافات ف ز ز ززي الكمرب ز ز ززاء م ز ز ززثالل كالت ز ز ززأثير الكمرومغناطيس ز ز ززي وأتش ز ز ززعة الك ز ز ززاثود والنالري ز ز ززة الكمرومغناطيسزية فزي الضزوء قزد أدت ىلزس ىعزادة البنززاء التكنيكزي لإلنتزاو ،واعزدت االكتتشزافات الكبيزرة فززي
الكيمياء ىلس قيام الصناعة الكيميالية والس التراكي
الصناعية للعديد من المواد الالإمة لعملية اإلنتاو.
وفززي مرحلززة العولمززة الراهنززة تطززور العلززم بصززورة غيززر مسززبوقة خززالل العقززود الثالثززة الماضززية وأصززبح
بالفعل قوة ىنتاجية هاللة ىلزس جانز
وسزالل اإلنتزاو ورأر المزال ،تتجسزد هزذه القزوة مزن خزالل االكتتشزافات
العلمية المعاصرة في علوم الذرة والفيإياء والمندسة الوراثية واالستنسا والفضاء ...ىلخ. )2عالقات اإلنتاج : تعبر القوى اإلنتاجية للنار عن عالقتمم بالطبيعة ،ومستوى تطورهم يتضح في الدرجزة التزي تسزتجي بمززا الطبيعززة لمصززالح المجتمززع ،أي المززدى الززذي يحققززه اإلنسززان فززي السززيطرة علززس عناصززرها ،وعلززس أي
حززال ففززي عمليززة اإلنتززاو يززدخل النززار فززي عالقززات محززددة ال بالطبيعززة فقززط ولكززن كززل بززاآلخر .ىن هززذه العالقززات والت زرابط الززداخلي المحززدد بينمززا هززي التشززرط الرليسززي لواليفززة اإلنتززاو وتطززوره ،وتحززول الطبيعززة
لخدمة مصالح المجتمع ال يبدأ ىال من داخل هذه العالقات بفضل الروابط االجتماعية القالمة بين النار، هذه الروابط والعالقات هي التشكل االجتماعي الذي في الله يمارر اإلنسان تأثيره علزس الطبيعزة ويحولمزا
ويطوعما أو ياللمما.
وبالتالي ف ن العالقات التي تتتشكل بين النار في عملية ىنتاو وتوإيع واسزتمالت البضزالع الماديزة هزي
عالقات اإلنتاو.
كما أن العالقات التي تتتشكل في عملية تبادل أنتشطة معينة بين أعضزاء المجتمزع هزي كزذلت عالقزات
ىنتاو ،وهي علس وجه الخصو
العالقات بالنقود او بالسلع في مقابل النقود.
377
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وحس ز
مززا ىذا كانززت وسززالل اإلنتززاو ملكيززة عامززة أو خاصززة تقززوم العالقززات ىمززا علززس أسززار التعززاون
ه ززذين النمطززين ااساس ززيين م ززن
والمسززاعدة المتبادل ززة ووامززا عل ززس أسززار الس ززيطرة والخضززوع .ووال ززس جان ز عالقززات اإلنتززاو ،فثمززة عالقززات ىنتززاو انتقاليززة تالمززر فززي م ارحززل معينززة مززن التطززور التززاريخي تقززوم علززس الملكية الخاصة والعامة معال ،وتمتإو فيما عناصر من التعاون والمسزاعدة المتبادلزة بعناصزر مزن السزيطرة والخضوع.
وثمة أنمـاط ثالثـة مـن عالقـات اإلنتـاج تمثـل السـيطرة والخضـوع ,وتتفـق مـع أشـكال مـن الملكيـة
الخاصة ظهرت وسادت في فترات محددة من تطور المجتمع ,تلـك هـي عالقـات إنتـاج ملكيـة العبيـد ثـم
اإلقطاعية فالرأسمالية.
وحيززث أن عالقززات اإلنتززاو هززي التشززكل االجتمززاعي الززذي يززؤدي فيززه اإلنتززاو والالفززه ويتطززور فمززي ال
توجززد معإولززة عززن قززوى اإلنتززاو وال خززارو أدوات العمززل والبتشززر الززذين يقومززون علززس تتشززغيلما أو مسززتقلة عنمم ،قوى اإلنتاو وعالقات اإلنتاو همزا جانبزان مختلفزان – ووان كزان بينممزا تزرابط عضزوي -مزن عمليزة
اإلنتاو ،هما معال يمثال نمط اإلنتاو.
ونمززط اإلنتززاو لززير سززوى نمززط نتشززاط النززار الززذي يحززول مختلززف المزواد الطبيعيززة ىلززس وسززالل للحيززاة،
ويعيد بالتالي ىنتاو الوجود الفيإيقي للنار ،لكن تأثير نمط النتشاط علس حياة النار ال يقتصر علس ذلت، بل هو يحدد طريقتمم في الحياة ذاتما ،وقد أتشار ماركر وأنجلر ىلزس أنزه "حزين يعبزر النزار عزن حيزاتمم
ف نمم يحددون من هم ،"...ومن هم هذه تعتمد علس ما ينتجه النار وكيف ينتجونه.
ونم ززط ىنت ززاو البض ززالع المادي ززة ه ززو أس ززار ك ززل الحي ززاة االجتماعي ززة م ززن حي ززث أن ززه يح ززدد بن ززاء الكي ززان
االجتم ززاعي وعملي ززات الحي ززاة االجتماعي ززة والسياس ززية والروحي ززة ،ك ززذلت العالق ززات االجتماعي ززة والعالق ززات
الدوليززة ،فانقسززام المجتمززع ىلززس طبقززات والعالقززات بززين الطبقززات وتشززكل العاللززة وااخالقيززات السززالدة فززي المجتمع والعالقات القانونية والرؤى الدينية والجمالية – ىنما تعتمد جميعال علس نمط اإلنتزاو ،وحزين يتغيزر
هذا النمط يتبعه تغير كل العالقات االجتماعية وبناء كل الكيان االجتماعي.
وتبدأ التغيرات في نمط اإلنتاو بالتغيرات في قوى اإلنتاو في المجتمع "فحين يكتس
النار قوى ىنتاو
جديدة يغيرون من نمط اإلنتاو ،وحزين يغيزرون طريقزة كسزبمم مزا يقزيم حيزاتمم فز نمم يغزرون كزل عالقزاتمم
االجتماعية."...
ديالكيتت تطور قوى اإلنتاو وعالقات اإلنتاو :1
اعتماد عالقات اإلنتاج على مستوى تطور قوى اإلنتاج: تمثل قوى اإلنتاو مضمون اإلنتاو ،وتمثل عالقات اإلنتزاو تشزكله االجتمزاعي ،وحيزث أن قزوى اإلنتزاو
هي مضمون اإلنتاو فمي في حركة مستمرة دالمة ،في حالة من التغير والتطور. 1
ا.ب .شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – – 0610ص.072
378
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وحين تبلغ القوى اإلنتاجية مستوى معينال من التطزور ف نمزا تحزدث تغييز الر فزي عالقزات اإلنتزاو ،وواحزالل
تشكل معين من عالقات اإلنتاو محل تشكل آخر يعني االنتقال ىلس مرحلة أرقس من التقزدم التزاريخي ،ىلزس
تكززوين اجتمززاعي – اقتصززادي جديززد .علززس هززذا النحززو حززل نالززام ملكيززة العبيززد محززل المتشززاعية البدالي زة، واإلقطززاع محززل ملكيززة العبيززد ،وال أرسززمالية محززل العالقززات اإلقطاعيززة ،وتحززل العالقززات االتشززتراكية محززل
العالقات الرأسمالية. كتز
مززاركر" :ىن النززار ليسزوا أحز ار الر فززي اختيززار قزواهم اإلنتاجيززة – التززي هززي اسززار تززاريخمم كلززه-
ان كل قوة ىنتاجية هي قوة مكتسبة نتيجة نتشاط سابق ،القزوى اإلنتاجيزة هزي بالتزالي نتيجزة طاقزة ىنسزانية
مطبقة تطبيقال عمليال ،لكن هذه الطاقة نفسما متضمنة في التشروط التي وجد النار أنفسمم فيما ،في القوى اإلنتاجيززة المكتسززبة بالفعززل فززي الجيززل السززابق والتززي يسززتخدمونما كمززادة خززام إلنتززاو جديززد ،هكززذا يحززدث
التماست في التاريخ اإلنساني ويتتشكل تاريخ اإلنسانية ...وينتا عن هذا بالضرورة أن التزاريخ االجتمزاعي للنززار هززو تززاريخ تطززورهم الفززردي ،س زواء كززانوا واعززين بمززذا أو لززم يكون زوا ،فعالقززتمم الماديززة أسززار كززل عالقاتمم ،والعالقات المادية هي فقط ااتشكال الضرورية التي يتحقق فيما نتشاطمم المادي والفردي...".
قانون توافق عالقات اإلنتاج ومستوى تطور القوى اإلنتاجية: جززوهر هززذا القززانون أن القززوى اإلنتاجيززة المحززددة تتطل ز
علززس التحديززد عالقززات ىنتززاو خاصززة تتوافززق
ومستوى تطورها ،وأن التغير في القوى اإلنتاجية يحدث في النماية تغي الر مناسبال له في عالقات اإلنتاو، ذلت أن توافق عالقات اإلنتاو والقوى اإلنتاجية تشرط أساسي لواليفة اإلنتاو االجتماعي وتطوره.
وقد الحالنزا فيمزا سزبق أن كزل عالقزات اإلنتزاو الخاصزة تتتشزكل علزس أسزار مسزتوى محزدد مزن تطزور القززوى المنتجززة وتحززت تأثيرهززا المباتشززر ،وواذا كززان اامززر هكززذا فكيززف يحززدث أال تتوافززق عالقززات اإلنتززاو أحيانال والقوى المنتجة . حيث أن القوى اإلنتاجية التي تمثل مضزمون اإلنتزاو فزي حالزة مزن التغيزر الزدالم ،وعالقزات اإلنتزاو –
من حيث هي التشكل االجتماعي لإلنتاو -تمثل نالامال علس درجة نسبية من الثبات للعالقات بين النزار، يتم داخله تبادل المواد بين المجتمع والطبيعة وتبزادل اانتشزطة بزين النزار (الزذين يكونزون المجتمزع) ،ففزي مرحلة محددة من تطورها ،ورغم أن عالقات اإلنتاو كانت تشكل وتشرط تطور القوى اإلنتاجية في المرحلة ااولس حين كانت متوافقة وهذه ااخيرة ،فمي في المرحلة الثانية حين يالمر التباعد بزين عالقزات اإلنتزاو
والق ززوى اإلنتاجي ززة ويح ززدث الصز زراع بينمم ززا فز ز ن عالق ززات اإلنت ززاو تص ززبح عالقز زال أو كابحز زال لتط ززور الق ززوى
اإلنتاجية .
379
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وخززالل التطززور التززالي لإلنتززاو يززإداد هززذا التنززاق
حززدة ويصززبح صزراعال يحززتم الضززرورة التاريخيززة فززي
ىبززدال ااتشززكال القديمززة مززن عالقززات اإلنتززاو ونتشززاط النززار بأتشززكال أخززرى جديززدة تتوافززق ومسززتوى القززوى
اإلنتاجية.
وأنمززاط عالق ززات اإلنت ززاو الت ززي يح ززل اح ززدها ت ززدريجيال مح ززل اآلخ ززر "تتش ززكل ف ززي مجملم ززا تط ززور الت ززاريخ
كسالسل متماسكة من أتشكال التفاعل ،ويتمثل تماسكما في أن مكان تشكل قديم من التفاعزل أصزبح عالقزال يقزوم تشززكل جديززد يتفززق والقززوى اإلنتاجيززة ااكثززر تطززو الر ،ويتوافززق مززن ثززم والززنمط المتقززدم مززن النتشززاط الززذاتي
لألفراد ،وهو تشكل سيصبح عالقال بدوره فيستبدل بتشكل جديد...".
وديالكتيت التحول من توافق عالقزات اإلنتزاو والقزوى اإلنتاجيزة ىلزس االخزتالف بينمزا فزي مسزار التطزور
التاريخي ،والذي يصحبه تحول عالقات اإلنتاو في تشكل يدفع القوى اإلنتاجية ىلس قيد علس هذا التطزور، يمكن مالحالته بيسر خالل استع ار
تاريخ المجتمزع اإلنسزاني ،ولنحزاول أن ننالزر باختصزار فزي عمليزة
ىحالل تشكل من عالقات اإلنتاو محل تشكل آخر في عملية التطور التاريخي.
أثر عالقات اإلنتاج على تطور قوى اإلنتاج:
اذا كانت عالقات اإلنتاو تعتمد علس قوى اإلنتاو ،ىال أن عالقات اإلنتاو – وهي تتغيزر بتزأثير قزوى
اإلنتاو -ال تبقس سلبية ،بل هي تستجي
بفاعلية وتؤثر علس قوى اإلنتاو التي خلقت وجودها.
فقززد خلقززت عالقززات اإلنتززاو ال أرسززمالية دافع زال أكثززر قززوة لتطززور اإلنتززاو عنززد المسززتغلين( بكسززر الغززين)
والمسززتغلين (بفززتح الغززين) جميع زال ،فالمززدف الرليسززي لإلنتززاو ال أرسززمالي هززو أن يززوفر للبرجواإيززة قززد الر كبي ز الر
متإايدال من فال
اإلنتاو ،ومن ثم فمنات رغبة غير محدودة في مراكمة الثروة والتوسع في اإلنتاو ،وتلزت
سمة لم تكن موجودة ال فزي المجتمزع اإلقطزاعي وال فزي مجتمزع مزالت العبيزد ،فالمزدف الرليسزي عنزد سزادة اإلقطاع ومالت العبيد هو اسزتمالت النزاتا ،ولزير مصزادفة ان كانزت نسزبة التوسزع فزي اإلنتزاو فزي هزذين
المجتمعين نسبة ال تكاد تذكر.
وال تشت في أن للعامل مصلحة أكبر في رفع ىنتاجية العمل أكثر ما كان للقن ،فعمل العامل لمصلحته
الخاصززة ال ينفصززل عززن عملززه لمصززلحة ال أرسززمالي ،وكززل عمززل يعملززه وكززل دقيقززة عمززل تحمززل الفالززدة لززه
وللرأسمالية معال ،وحين يعمل العامل بنالام القطعة تصبح مصلحته أكبر في رفزع اإلنتزاو ،وربمزا ال تكزون هذه المصلحة ذات نسبة مرتفعة ،فالعامل يوقن أنه يعمل لصالح الرأسمالي ومن أجل ثراله.
ىن عالقات اإلنتاو اإلتشتراكية هي فقط التي تخلزق –للمزرة ااولزس -مصزلحة تشزاملة مزن جانز
العمزال
فزززي تطزززوير اإلنتز ززاو ،ففز ززي الزززل االتشز ززتراكية يعز ززي العمز ززال أنمزززم يعمل ززون لمصز ززلحتمم الخاصزززة ومصز ززلحة مجززتمعمم ،ويثيززر هززذا الززوعي لززديمم الرغبززة فززي رفززع ىنتاجيززة العمززل وتحسززين التكنولوجيززا وتطززوير اإلنتززاو
تشززرط تززوفر العالقززات الديمقراطيززة بززين العمززال واجمزإة الدولززة االتشززتراكية بعيززدا عززن العالقززات القالمززة علززس االستبداد البيروقراطي كما كانت تجربة االتحاد السوفياتي التي ادت الس انميار وفتشل التجربة االتشتراكية. 381
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
القاعدة االقتصادية والبناء الفوقي:1
تنطل ززق المادي ززة التاريخي ززة م ززن أن عالق ززات اإلنت ززاو الس ززالدة ه ززي الت ززي تتش ززكل البن ززاء التحت ززي للتتش ززكيل
االقتصززادي واالجتمززاعي ،بينمززا تتشززكل اايززديولوجيا والدولززة والمنالمززات السياسززية والدينيززة وغيرهززا بنززاءه الفوقي.
ىن العالقززات فززي القاعززدة (عالقززات اإلنتززاو) هززي عالقززات ماديززة ،موضززوعية يززدخل فيمززا النززار بغز
النال ززر ع ززن ى اردتم ززم ووع ززيمم ،أم ززا العالق ززات ف ززي البن ززاء الف ززوقي في ززدخل فيم ززا الن ززار ع ززن معرف ززة ووع ززي، فالعالقززات االقتصززادية فززي كززل مجتمززع معنززي تتجلززس كمصززالح ،كمززا يقززول انغلززإ .وفززي سززياق نتشززوء هززذه المصالح ،وفزي غمزرة النضزال الطبقزي ،يتتشزكل وعزي المصزالح الطبقيزة المتشزتركة ،وتعارضزما مزع مصزالح
الطبقززات المعاديززة ،هززذا الززوعي يززدفع ويحززر
علززس ىنتشززاء أح ز اإ وحركززات ثوريززة ومنالمززات تعبززر عززن
مصالح الجماهير التشعبية الفقيرة ،وتحميما ،وتدافع عنما.
ىن اايديولوجية السالدة ليست دالمال اايديولوجيزة الوحيزدة التزي توجزد فزي التتشزكيل ،ففزي سزياق التطزور
التززاريخي ،ومززع تززأإم التناقضززات االجتماعيززة ،تنبثززق أيديولوجيززة جديززدة تعكززر مصززالح الطبقززات الثوريززة، وتعزار
اايديولوجيزة السزالدة ،وتكسز
تززدريجيال ىلزس جانبمزا جمزاهير أكبززر فزأكبر مزن النزار .وبتجسززيدها
في الجماهير تتحول اايديولوجية ىلس قوة مادية تعمل علس هدم النالام القالم ،وهنا تتجلس فعالية ااح اإ
والنقابززات والمؤسسززات السياسززية والثقافيززة ااخززرى التززي تعتبززر جززإءال مززن البنززاء الفززوقي ،مززن أجززل مواصززلة
النض ززال لتحقي ززق الميمن ززة السياس ززية والثقافي ززة ف ززي اوس ززاط الجم ززاهير التش ززعبية تممي ززدال للث ززورة عل ززس أنالم ززة االستبداد واالستغالل الطبقي وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقما االتشتراكية.
أخي ارً ..لقد استهدفنا عبر كل ما قدمناه من نصوص مكونة لهذه الدراسة ,ليس فقط للفهم والتأمـل
العقالنــي والمعرفــي فــي اوســاط رفاقنــا فحســب ,بقــدر مــا هــي أيض ـاً دعــوة لمزيــد مــن الحركــة النضــالية والمجتمعية على جميع المستويات ,ومزيد من التوسع التنظيمي لحزبنـا فـي أوسـاط الجمـاهير الشـعبية
التي يتوجب علينا االلتحام في صفوفها بكل ما فينا من مصداقية الثوري وتواضعه ,انطالقاً من حرصنا الشديد على استيعاب هويتنا الفكرية ..النظرية الماركسية في صيرورتها وتطورها الدائمين بعيـداً عـن
كــل أشــكال ومظــاهر الثبــات أو الجمــود أو العقائديــة مــن ناحيــة ,والــوعي العميــق بكــل مكونــات واقعنــا الفلسطيني والعربي بما يمكننا من اإلسهام بصورة واضحة في تطبيـق شـعاراتنا وسياسـاتنا علـى طريـق
النضال من أجل تغيير هذا المشهد السوداوي الذي نعيشه اليوم.
1
الموسوعة الفلسفية العربية -معهد اإلنماء العربي -المجلد الثاني– الطبعة األولى – ص0071
380
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
على هامش املوقف االجيابي املتضمن يف خطاب األخ امساعيل هنية
06 / 01 / 3102
بكل موضوعية أقول :ال بد من تداعي كافة الفصائل الوطنية لحوار جدي وقراءة موضوعية
لموقف االخوة في حركة حماس من المصالحة كما قدمها األخ اسماعيل هنية ,بالرغم من تحفظنا
على اتفاقات مكة والقاهرة ,وبهدف البناء على المنطلقات االيجابية النهاء هذه الحالة االنقسامية
التي باتت عقبة كأداء تحول دون تحقيق أي من أهداف شعبنا التحررية او الديمقراطية .
ففي ظل استمرار االنقسام والصراع بين األخوة األعداء ,تتواصل الممارسات العدوانية العنصرية
للكيان الصهيوني ,والسؤال هو :ما هي تلك الغنيمة الهائلة التي يتنازع قطبي الصراع المتصادمين عليها؟ ال شيء سوى مزيد من التفكك واالنهيارات والهزائم ..فالحرب بين الفلسطيني والفلسطيني لن
تحقق نص ار ألي منهما ,وانما هزيمة جديدة لمن يزعم انه انتصر ,يؤكد على هذا االستنتاج الواقع
الراهن الذي يعيشه أبناء شعبنا في الوطن والشتات .
ِ أبناء شع ِبنا وقواه السياسية نوح الفلسطينية الى كل أتوجه من هنا من قطاع غزةَ ..سفينة ٍ ِ والمجتمعية في كل مدن ومخيمات الضفة والقطاع وكل مخيمات المنافي واللجوء ان يتوقفوا عن
ٍ بشعار صمتهم وأن يبادروا إلى ممارسة الضغط الشعبي الجماهيري عبر االعتصامات والمظاهرات ٍ ِ االنقسام" والعودة الى االحتكام للشعب واالنتخابات الديمقراطية من اجل تكريس انهاء موحد هو " ُ الوحدة الوطنية التعددية أساسا وحيدا لصمود شعبنا واالرتقاء بنضاله السياسي والكفاحي من اجل
معنى وال قيم ًة أو مصداقية ألي اهدافه وثوابته الوطنية في التحرر والعودة وتقرير المصير ,اذ ال ً نضال وطني سياسي أو كفاحي في ظل االنقسام والصراع على السلطة والمصالح الفئوية بين حركتي ٍ هدف وطني فلسطيني دون الخالص فتح وحماس ,أيضا ال معنى او مصداقية أو امكانية لتحقيق أي ِ ِ من هذه الحالة االنقسامية التي كرست عوامل القل ِ أبناء شعبنا في كل االحباط واليأس في صفوف قو أماكن تو ِ اجده مع تزايد عدوانية العدو الصهيوني ,حيث يعيش شعبنا الفلسطيني اليوم في مواجهة
خارطة سياسية جديدة ,محكومة في مساحة كبيرة منها ,بالمصالح الفئوية ,إلى جانب الصراع و
المنافسة غير المبدئية بين القطبين فتح وحماس–حتى لو تم توقيع المصالحة بينهما -وفي مثل هذه
الظروف ,فإن من واجب فصائل وأحزاب اليسار أن تنتقل من حالة الركود الراهنة إلى حالة التفاعل
الذي يحقق قدرتها على االستجابة والتحدي للمأزق السياسي والمجتمعي الراهن ,وأن تتعاطى مع ما
يجري من على أرضية المصالح واألهداف الوطنية والديمقراطية المطلبيه ,ارتباطاً وثيقاً بالرؤية
القومية للصراع مع العدو الصهيوني باعتباره صراع عربي إسرائيلي ,جنباً إلى جنب مع تفعيل دورها
382
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
في المقاومة المسلحة والشعبية ,في المكان المناسب والزمان المناسب ,بما يوفر لها امكانيات كسر االستقطاب الثنائي لحركتي فتح وحماس ,واالنطالق إلى رحاب الجماهير الشعبية والتوسع في صفوفها لكي يستعيد شعبنا من جديد,فعالياته النضالية وأفكاره وقيمه الوطنية والديمقراطية
واالجتماعية التوحيدية ,ويطرد قيم االنتهازية والتخاذل والواقعية المستسلمة وشروطه المذلة عبر
مفاوضات عبثية لن تحقق سوى المزيد من التفكك وانسداد اآلفاق.
383
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
30 / 01 / 3102
عن مسلسل هبوط قيادة م.ت.ف
يمكن متابعة البدايات العلنية األولى لعملية الهبوط السياسي لقيادة م.ت.ف بعد الدورة ()03
للمجلس الوطني الفلسطيني – القاهرة ,0672/9/0حيث نالحظ التراجع عن بعض نقاط برنامج النقاط العشر التي أقرها المجلس الوطني في تلك الدورة ,حيث وافق المجلس على مضمون رسالة
الراحل ياسر عرفات إلى المستشار النمساوي كرايسكي التي تتضمن " إن منظمة التحرير الفلسطينية
على استعداد لعقد معاهدة عدم اعتداء مع إسرائيل" .وهنا أصبح الكالم صريحاً ومكشوفاً عن ضرورة
السير بحثاً عن (حل سياسي) مع إسرائيل ,ثم استمر الهبوط في الدورة ( )07للمجلس– عمان /33 تشرين الثاني ,0612وكانت أهم ق ارراته :السير سياسياً ودبلوماسياً على إستراتيجية تعتمد على جميع ق اررات األمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية ,ومن ثم بداية نهج التسوية ,ففي ,شهر
تشرين األول 0613 /أرسلت قيادة م.ت.ف وفداً لزيارة القاهرة بعد خمسة أعوام من انقطاع العالقات
العربية بسبب اتفاقات كامب ديفيد .وفي 0612/0/01دعا عرفات إلجراء محادثات مع دولة العدو
الصهيوني ,وأعاد محاولته في 0612/2/32بالتأكيد عالنية على رغبته في "التفاوض مع إسرائيل
وجها لوجه .الدورة ( )01للمجلس – الجزائر ,0617/2/31أصدر المجلس بيانان "يؤيد عقد
المؤتمر الدولي في إطار األمم المتحدة وتحت إشرافها" .وفي هذه الفترة كانت قيادة عرفات قد فتحت عدة قنوات اتصال بالعدو الصهيوني منها قنوات كل من محمود عباس (أبو مازن) وسعيد كمال,
وبسام أبو شريف ,ونبيل الرمالوي ,ومجموعة من رجال األعمال الفلسطينيين .الدورة ( )06للمجلس–
الجزائر ( 0611/00/02دورة االنتفاضة) :كان قرار إعالن قيام الدولة ابرز الق اررات ,وتضمن الفقرة الهامة التالية " :كما تعلن (دولة فلسطين) في هذا المجال أنها تؤمن بتسوية المشاكل الدولية واإلقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق األمم المتحدة وق ارراتها وانها ترفض التهديد بالقوة او العنف أو اإلرهاب أو باستعمالها ضد سالمة أراضيها واستقاللها السياسي وسالمة أراضي أي دولة أخرى" .وفي
ضوء ذلك قام ياسر عرفات بتوظيف كل التطورات في اتجاه التسوية ,وراح يسابق الزمن ليسرع في
عقد تسوية مع دولة العدو خشية بروز قيادة فلسطينية بديلة ,مستفيداً من قرار فك االرتباط الذي
أعلنه الملك حسين .راح يجري اتصاالت سرية باإلدارة األمريكية عن طريق (وليام كوانت) و (استيفن
كوهن) ,معلناً استعداده للقبول بالشروط األمريكية ,بما في ذلك االستعداد للتفاوض مع (إسرائيل) على
أساس قراري مجلس األمن 323و 221والتعهد بالعيش بسالم مع (إسرائيل) في حدود األرض
المحتلة عام , 0697وادانة العنف واإلرهاب وعدم ممارسته .وفي 02كانون األول /ديسمبر 0611وهو اليوم التالي إلعالن ياسر عرفات قبول الشروط األمريكية كما ورد في خطابه أمام
384
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الجمعية العامة لألمم المتحدة /جنيف ,أعلن الرئيس األمريكي (ريغان) انتهاء الحظر األمريكي الرسمي على التعامل مع المنظمة .أما الدورة ( )31للمجلس– الجزائر 0660/6/32فقد تضمنت ق اررات المجلس الوطني في هذه الدورة الموافقة على إجراء تسوية سياسية مع دولة العدو الصهيوني,
تحت غطاء مؤتمر السالم ,ثم استمرت عملية التفاوض العبثية منذ مدريد ثم واشنطن وصوالً إلى اتفاق أوسلو التي جسدت مخالفة القيادة المتنفذة في م.ت.ف لجميع األسس المتفق عليها بين كافة فصائل المقاومة في مقابل قبولها بالشروط األمريكية اإلسرائيلية وانتهاج سياسية االستسالم المستمرة
حتى اللحظة عبر مفاوضات عبثية محكومة للواقعية الرثة التي ميزت – وما زالت تميز – قيادة
م.ت.ف ورئيسها ابو مازن.
385
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
خواطر من وحي االنتفاضات العربية والصراع مع قوى التخلف 37 / 01 / 3102
والرجعية واالسالم السياسي
()0
منظور للعالقة بين أحزاب وفصائل اليسار وحركات اإلسالم السياسي
في إطار حديثي عن عالقة اليسار العربي مع حركات اإلسالم السياسي ,فإنني أود التوضيح هنا
أنني لست في وارد تناول موضوعة " الدين" من زاوية فلسفية ,في إطار الصراع التاريخي بين
المثالية والمادية ,فهذه المسألة ليست بجديدة ,كما أنها ليست ملحة ,كما أن عملية عدم الخلط بين
الدين كعقيدة يحملها الناس ,وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة مهمة وحساسة ,فان يكون لنا موقف فلسفي من الدين ,ال يعني على اإلطالق سحب ذلك الموقف على الجمهور المتدين ,بل على
العكس ,فان التحليل الموضوعي ,إلى جانب الوعي والشعور بالمسئولية والواجب ,يفترض منا االقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية ,والتفاعل مع قضاياه وهمومه وجذبه إلي النضال
من اجل الحرية والعدالة االجتماعية والديمقراطية وانهاء كافة أشكال االستغالل والقهر واالستبداد,
انطالقاً من فهمنا للماركسية بأنها ليست نظرية مضادة للدين – كما يروج دعاة اإلسالم السياسي
والقوى الرجعية واالمبريالية – بل هي طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته ,فالماركسية تنظر إلى الدين
تطور الوعي البشري في محاولتهم فهم واقعهم ,وصوغ الرؤية التي تكيفهم معه ,وأنه بوصفه جزءاً من ّ تطو ارً كبي ارً في مسار الفكر ,وانتظام البشر في الواقع. ش ّكل –في مراحل تاريخية معينةّ - أما بالنسبة للعالقة الخالفية بين اليسار وحركات اإلسالم السياسي ,فهي تستند – من وجهة نظري
-إلى التحليل الموضوعي الذي يؤكد على أن األساس في هذه الحركات هو دعوتها إلى معالجة
القضايا المعاصرة ,االجتماعية واالقتصادية والسياسية ,...عبر منطق غيبي تراجعي عاجز عن بلورة برنامج سياسي ديمقراطي اجتماعي تنموي ,يتناقض مع جوهر النظام المخلوع في تونس ومصر أو
مع أي نظام استبدادي ,ما يعني إعادة إنتاج أنظمة ليبرالية رثة ,وتابعة ومحتجزة التطور ,مع
استمرار النظام االقتصادي االستغاللي على ما هو عليه أسي ارً وتابعاً لشروط الصندوق والبنك الدوليين وللسياسات األمريكية .
وعلى الرغم من كل ما تقدم ,علينا أن ندرك في ضوء المستجدات والمتغيرات المتالحقة راهناً ,إلى
أننا سنواجه –مع حركات اإلسالم السياسي -ظروفا وأوضاعاً معقدة ,ما يفرض على قوى اليسار العربي أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العالقة الديمقراطية وقضايا الصراع الطبقي
والسياسي ,ومفاهيم االستنارة والعقالنية مع هذه الحركات بمختلف مذاهبها ,كما عبر عنها جمال 386
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الدين األفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد وأحمد أمين ..وغيرهم, بحيث نحرص على أن ال تصل االختالفات معها ,إلى مستوى التناقض التناحري ,وأن تظل الخالفات
محكومة للعالقات الديمقراطية.
االنفصام السياسي االقتصادي االجتماعي ,سيظل سمة رئيسية من سمات المرحلة الحالية ,أو
مرحلة "اإلسالم السياسي" وهي مرحلة قد تطول ,لكن الجماهير الشعبية ستتكشف تدريجياً حقيقة
التيارات الدينية وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف -في جوهرها -عن سياسات النظام المخلوع, ما يفرض على القوى الديمقراطية الوطنية والقومية ,والقوى اليسارية أن تكرس كل جهودها من أجل مراكمة توسعها ونضالها في أوساط الجماهير ,بما يمكنها من أن تتخطى حالة االنفصام المذكور ,
وذلك من خالل امتالكها لرؤية سياسية مجتمعية اقتصادية ,تنطلق من استمرار النضال الستكمال
مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية ,عبر التوسع في صفوف العمال والفالحين والشباب وكافة األطر والجمعيات المهنية والنقابات ,لكي تدخل معترك االنتخابات القادمة واثقة من انتصارها ,خاصة وأن
أسباب االنتفاضة الثورية لن تتالشى أو تزول ,بل ستتراكم مجدداً لتنتج حالة ثورية نوعية ,تقودها القوى الديمقراطية ,المدنية ,العلمانية واليسارية لكي تحقق األهداف التي انطلقت االنتفاضات
الشعبية من أجلها. ()3
بالرغم من نضالنا من أجل تكريس الحريات الفردية والحريات العامة والديمقراطية السياسية ,إلى
جانب إيماننا العميق بأولوية العلمانية في سياق التطور االجتماعي واالقتصادي والثقافي في
مجتمعاتنا العربية ,إال أننا نرفض الوقوف عند حدود الديمقراطية السياسية ,بمثل ما نرفض استخدام
العلمانية بدون الديمقراطية ببعديها السياسي واالجتماعي معاً , ,فهما مفهومان مترابطان ال يجوز فصل أحدهما عن اآلخر ,الن استخدام العلمانية وحدها يفتح األبواب مشرعة أمام االستبداد والتفرد
بالحكم ,وبالتالي فإن التطبيق اإلكراهي للعلمانية ,ال يعدو كونه مظه ارً بشعاً من مظاهر االستبداد الدكتاتوري الفردي والشمولي ,كما أن استخدام الديمقراطية بدون ربطها بالعلمانية والقضايا
االجتماعية ,يعني إتاحة كل الفرص أمام قوى الثورة المضادة ,وقوى التبعية والتخلف واإلسالم
السياسي والطوائف ,الستغالل عفوية الجماهير الشعبية الفقيرة وتوجيهها لحساب الرؤى والسياسات
االقتصادية الرأسمالية التابعة بصورة ديماغوجية ,كما حصل في تونس ومصر وليبيا والعراق واليمن
وسوريا .األمر الذي يؤكد على أن النضال التحرري الثوري والديمقراطي ,في إطار الصراع الوطني والطبقي ,من أجل نشر وتعميم فكرتي العلمانية والديمقراطية في أوساط الجماهير ,يحتاج بالضرورة
إلى أحزاب ثورية توفر األسس السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية في قلب البنية التحتية
للجماهير الشعبية.
387
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
()2
عن أوهام الربيع العربي وضرورات التواصل الثوري ..بمناسبة مرور عامين على االنتفاضات
العربية في تونس ومصر.....
بعد حوالي عام من فوز جماعة اإلخوان المسلمين ووصولها إلى سدة الحكم في مصر وتونس ,
بات من الواضح أن حركات اإلسالم السياسي وكافة القوى الرجعية والبورجوازية الرثة والبيروقراطية
العسكرية والمدنية (المدعومة من االمبريالية األمريكية) يتحركون داخل حلقة دائرية تعيد إنتاج التبعية والتخلف السياسي واالقتصادي واالجتماعي والثقافي وتجدده بأساليب وشعارات ديماغوجية ,والعودة
إلى تراث انتقائي موهوم استطاعت التيارات األصولية إعادة زراعته وانتاجه باسم وأوهام ما يسمى بــ"
الربيع العربي " عبر شكل " جديد "من أنظمة االستبداد واالستغالل الطبقي ,في قلب عفوية الجماهير الشعبية ,وبالتالي ,فإن ما يسمى بالربيع العربي لم يجلب للجماهير الشعبية العربية سوى مزيد من
االستبداد واالستغالل والتخلف ,إلعادة تشكيل بلدان النظام العربي في إطار أشكال جديدة من التبعية للسياسات األمريكية والنظام الرأسمالي العالمي من خالل القوى السياسية واالجتماعية واالقتصادية المؤثرة ,رجال األعمال والكومبرادور وبقية أشكال الرأسمالية الطفيلية المعادية لتطلعات الشباب
الثوري و جماهير الفقراء من العمال والفالحين وكل المضطهدين ,وهو أمر غير مستغرب عبر قراءتنا لدورها السياسي ومصالحها الطبقية ,إذ أن هذه القوى الطبقية كانت وستظل حريصة على إعاقة
ربيع الثورة وتعطيل و تبهيت الصراع الطبقي ,وهي بالتالي تعمل دوماً على إرجاع مسيرة الثورة الشعبية إلى الوراء ,فهي ضد التنوير وضد الحداثة وضد الديمقراطية وضد االشتراكية والصراع الطبقي
الثوري ,ما يؤكد استعداداها لمهادنة االمبريالية والتعاطي معها ...لكن صيرورة الثورة الشعبية لن تنطفئ ,بل ستشتعل من جديد معلنة بداية ربيعها الثوري الديمقراطي القادم ال محالة . ()2
انظمة االسالم السياسي بقيادة جماعة االخوان المسلمين تعمل في مصر وتونس وغيرهما من
بلدان الوطن العربي على تحويل الديمقراطية من مهد للتغيير والتقدم الى لحد تدفن فيه كل طموحات
الجماهير الشعبية....
ان قوى اإلسالم السياسي التي تتصدر المشهد السياسي في اللحظة الراهنة ,تحاول إفراغ
االنتفاضة الثورية في مصر وتونس من مضمونها الطبقي –االقتصادي واالجتماعي -الذي كان
السبب األول النفجارها جنباً إلى جنب مع مطلب الديمقراطية والحريات الفردية والكرامة والعدالة وتحديد الحد األدنى واالقصى لالجور ,حيث نالحظ أن حركات اإلسالم السياسي حرصت منذ أن قررت 388
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
االلتحاق باالنتفاضة ,على إزاحة شعارات الشباب الثوري والعمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين
التي تؤكد على مطالبهم في الخالص من كل أشكال االستبداد واالستغالل الطبقي واإلذالل االجتماعي,
إلى شعارات تؤكد على أن المعركة هي بين القوى الديمقراطية العلمانية واليسارية والقومية ,وبين
اإلسالم الذي تدعي تمثيله ,وتقدمه على أنه "الحل المنشود" وذلك تعبي ارً عن رؤيتها ومصالحها
الطبقية التي ال تختلف في طبيعتها وجوهرها االستبدادي عن طبيعة النظام المخلوع… من اجل تكريس
تخلف وتبعيةمصر وتونس واحتجاز تطورهما ....لذلك كان من الطبيعي ان تنفجر الثورة الشعبية معلنة رفضها للديكتاتورية والتفرد والقمع واالستبداد بعد اكتشفت الجماهير حقيقة التيارات الدينية
وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف -في جوهرها -عن سياسات النظام المخلوع ,وبالتالي فان
القوى الديمقراطية اليسارية والوطنية والقومية ,يجب أن تتوحد في هذه اللحظة وتكرس كل جهودها
من أجل مراكمة توسعها في أوساط الجماهير لكي تستمر في النضال الديمقراطي الستكمال مهمات
واهداف الثورة الوطنية الديمقراطية التي انطلقت االنتفاضات الشعبية من أجلها. ()2
المجتمعات العربية بين هيمنة التخلف وآفاق عصر التنوير ...
المجتمعات العربية حتى هذه اللحظة من القرن الحادي والعشرين لم تدخل بعد الى عصر
التنوير..بسبب استمرار سيطرة وهيمنة االنظمة الرجعية التي تجسد أبشع المصالح الطبقية وتفرز يوميا أبشع االفكار الغيبية المتخلفه في اطار من القهر واالستبداد واالستغالل للجماهير الشعبية الفقيرة التي بدأت في االنتفاضة والتمرد ومواصلة الثورة من اجل الحريه واالنعتاق والعد...الة وسيادة
مفاهيم التنوير والعقالنية والديمقراطية بعد ان تكشفت زيف مشهد االسالم السياسي ومحاوالته في
اعادة انتاج التخلف والتبعية واالستبداد والقهر ,النقيضة لمفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة التي يستحيل انتشارها وتكريسها طالما بقيت مفاهيم وأدوات التخلف وثقافته الرجعية سائدة مهيمنة على
مجتمعاتنا ....وهنا تتبدى الحاجة الى وعي مفاهيم التنوير ودمجها مع مفاهيم الثورة التحررية
الديمقراطية ...تلك المفاهيم التي انتشرت في القرن الثامن عشر في اوروبا فيما عرف بعصر التنوير الذي لم يكن مجرد حقبة متميزة أو تغير حاسم في التاريخ اإلنساني فحسب ,بل كان حركة سياسية
وعلمية ,وأخالقية هائلة ...قادها صفوة رواد عصر النهضة من الفالسفة والمفكرين :فولتير , وموننتسكيو ,وديدرو ,وروسو ,وهولباخ ,ودالمبير ,وديفيد هيوم ....جون لوك ,وفرانسس
بيكون ,وتوماس هوبز ,وقبل هؤالء جميعا اسحاق نيوتن .
كان التنوير -كما يقول ليود سبنسر وزميله كروز في كتابهما " عصر التنوير" -تيا ارً عقلياً حرك
أوروبا كلها إبان القرن الثامن عشر ,وتركز في باريس ,ثم انتشر منها في كل أرجاء أوروبا ومنها
389
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إلى المستعمرات األمريكية فكانت هناك شبكة من الكتاب والمفكرين ,أعطيت للقرن الثامن عشر
تماسكاً عقلياً ملحوظاً مهد النتشار الثورات الديمقراطية واالجتماعية االشتراكية . ()9
المذاهب والفلسفة اإلسالمية
مارس المفكرون اإلسالميون نوعاً شجاعاً من االجتهاد على نطاق واسع خالل القرون األولى
للحضارة العربية اإلسالمية ,وكان من نتيجة هذا االجتهاد بروز المذاهب التي يتوزع المسلمون بينها
إلى يومنا هذا ,ومن المعروف أن االجتهاد قد توقف منذ القرن الرابع عشر الميالدي تقريباً ,أو ما يمكن أن نطلق عليه حالة االنقطاع الفكري ,حيث تجمد الفكر في مدارس المذاهب المذكورة وضاق
هامش التفسير الحر للشريعة ,فلم يعد من الممكن الخروج عن حدود المذاهب المعترف بها ,وفي
هذا السياق ,يقول د.الجابري في كتابه الهام " تكوين العقل العربي " ,إن " الثقافة العربية االسالمية
تنقسم إلى ثالث مجموعات .0 :علوم البيان من فقه ونحو وبالغة – .3علوم العرفان من تصوف وفكر شيعي وفلسفة وطبابه وفلك وسحر وتنجيم – .2علوم البرهان من منطق ورياضيات
وميتافيزيقيا .ويتوصل إلى أن الحضارة االسالمية هي حضارة فقه ,في مقابل الحضارة اليونانية التي كانت حضارة فلسفة ,لقد تجمدت الحضارة العربية عند الفلسفة اليونانية ,وغاب عنها العنصر
المحرك :التجربة ,بعد أن غلب عليها الالهوت أو علوم العرفان أو الالمعقول " .ثم يستطرد د.الجابري بالقول " إن العقل البياني العربي اليقبل بطبيعته التجربة ألنه يحتقر المعرفة الحسية ويترفع عن التجربة ويتعامل مع النصوص أكثر من تعامله مع الطبيعة وظواهرها ,ويعود السبب في ذلك كما
يقول إلى "أن الفلسفة اليونانية التي أخذها العرب عن اإلغريق كانت فلسفة تؤكد على مجتمع السادة
والعبيد ,والتؤمن بالتجربة ألنها من أعمال العبيد ( وكذلك جميع الحرف ) ,أما السادة فهم من نوع "
أعلى "ومهامهم تنحصر في التفكير والنظر وانتاج الخطاب " وكانت المحصلة أن "إنجازات العرب في
اللغة والفقه والتشريع شكلت قيوداً للعقل الذي أصبح سجين هذا البناء من الركود والتخلف" وهي قيود يتم اآلن اعادة صياغتها في مشهد االسالم السياسي الراهن. ()7
عن تخلف المجتمعات العربية وتقييم حركات االسالم السياسي...
منذ القرن الرابع عشر " :دخل الفكر اإلسالمي -كما يقول المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد -
في مرحلة الركود بحكم الظروف الداخلية والخارجية التي أدت الى الجمود االجتماعي والسياسي "
وتقلصت المساحة النقدية منذ ذلك القرن " ,عندما راح اإلعالن الرسمي للمذاهب يفرض بالتدريج
ممارسة " أرثوذكسية " للفكر الديني بعيداً عن العلوم الدنيوية ,واستمر هذا الحال حتى نهاية القرن 391
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
التاسع عشر ,وظهور ما عرف بحركة اإلصالح الديني الحديث ,التي أطلقها جمال الدين األفغاني ومحمد عبده ,ولم تفلح -كما يقول الجابري -في " بلورة مشروع نهضوي تتجاوز به اإلشكالية التي تطرحها في التجربة الحضارية العربية منذ اندالع النزاع بين علي ومعاوية أو العالقة بين الدين
والسياسة " ,كما لم تفلح االتجاهات العلمانية ,المادية والعقالنية التي ظهرت في تلك المرحلة وبداية القرن الماضي ,في بلورة مشروعها النهضوي عبر اتجاهاتها الفكرية المتعددة ,المادية والتنويرية
التي عبر عنها أبرز مثقفي هذا التيار شبلي شميل ,وفرح أنطون وسالمة موسى وعلي عبد الرازق
وطه حسين ولطفي السيد .
والسؤال اآلن :كيف وصل العرب في العصر الحديث الى هذه الحال ,وأين يكمن الخلل ؟ يرى
المفكر جورج طرابيشي ,أن الخطر في هذا الزمن القطري ,ليس تراجع فكرة الوحدة العربية بحد ذاته ,
حيث أن مثل هذا التراجع قد يكون مؤقتاً ,وانما تراجع فكرة القومية بالذات " ,أماالمفكر الراحل د. هشام شرابي ,فيرى أن " ما جرى في المائة سنة األخيرة من الحياة العربية التي سادتها " األبوية "
أفضى الى تحديث القديم دون تغييره جذرياً " ,ويضيف د .هشام شرابي "أن األصولية اإلسالمية لن
تقوى على توفير عالج ناجح للفوضى التي تتحكم بالمجتمعات العربية ,وذلك ألنها " مثالية " ستكون حلولها بالضرورة سلطوية ومرتكزة الى عقيدة وسبل جبرية مطلقة ,وستلجأ الى فرض نظام أبوي
سلطوي يقوم على أيدلوجية غيبية دينية .أما وجهة نظر المفكر الماركسي د.سمير أمين فتتلخص
في أن حركات اإلسالم السياسي " ,تجسد اليوم اتجاه رفضي سلبي ال يقدم بديالً إيجابياً على مستوى
التحديات العالمية ,حيث يقوم المشروع الذي تتبناه على ثالثة أعمدة هي أوالً :إلغاء الديمقراطية
وثانياً :إحالل خطاب أيدلوجي شمولي محلها ( ينتهي الى ) خضوع شكلي لطقوس دينية ال غير وثالثاً :قبول االنفتاح الكومبرادوري الشامل على الصعيد االقتصادي . ()1
نالحظ أن حركات اإلسالم السياسي حرصت منذ أن قررت االلتحاق باالنتفاضة ,على إزاحة
شعارات الشباب الثوري والعمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين التي تؤكد على مطالبهم في
الخالص من كل أشكال االستبداد واالستغالل الطبقي واإلذالل االجتماعي ,إلى شعارات تؤكد على أن المعركة هي بين القوى الديمقراطية العلمانية واليسارية والقومية ,وبين اإلسالم الذي تدعي تمثيله,
وتقدمه على أنه "الحل المنشود" وذلك تعبي ارً عن رؤيتها ومصالحها الطبقية التي ال تختلف في
طبيعتها وجوهرها االستبدادي عن طبيعة النظام المخلوع… من اجل تكريس تخلف وتبعيةمصر وتونس واحتجاز تطورهما ....لذلك كان من الطبيعي ان تنفجر الثورة الشعبية من جديد معلنة رفضها للديكتاتورية والتفرد والقمع واالستبداد بعد اكتشفت الجماهير حقيقة التيارات الدينية وسياساتها
وممارساتها التي لن تختلف -في جوهرها -عن سياسات النظام المخلوع ,وبالتالي فان القوى 390
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الديمقراطية اليسارية والوطنية والقومية ,يجب ان تتوحد في هذه اللحظة وتكرس كل جهودها من أجل
مراكمة توسعها ونضالها في أوساط الجماهير معلنة استمرار النضال الستكمال مهمات واهداف الثورة
الوطنية الديمقراطية التي انطلقت االنتفاضات الشعبية من أجلها. ()6
رفاقي واصدقائي ......ان رفضنا لمنطق ما يسمى بأطر المعارضة وقياداتها من امثال ما يسمى
الجيش الحر والمجلس والشيخ معاذ الخطيب رئيس ما يسمى االئتالف الوطني وغيرهم من العمالء
امثال غسان هيتو او رموز الليبرالية الرثة أواالخوان المسلمين واالسالم السياسي هو في جوهره رفض للقوى اليمينية التي لجأت الى الواليات المتحدة االمريكية واالتحاد االوروبي وحلف الناتو وركيزته
تركيا في بالدنامن اجل تفكيك الدولة السورية بذريعة البحث عن الديمقراطية ..وارتمت في احضان
ابشع رموز االستبداد والتخلف والعمالة ملوك وامراء السعودية وقطر والخليج , ..انه رفض ينبع من
قناعتنا وادراكنا بصورة موضوعية ,بأن ذلك المنطق بكل تحالفاته الطبقية ,لن يؤدي في بالدنا سوى الى مزيد من الخضوع للتحالف االمبريالي الصهيوني ,والى اعادة تهميش الجماهير الشعبية وفقدانها لتحررها الذاتي والسياسي على المستويين الوطني والقومي ,والى مزيد من اعادة انتاج التبعية واالستبدادواالستغالل والمعاناة والحرمان في صفوفهم بما يدفع الى االعتراف االكراهي بمشروعية
الالمساواة ,وغياب مفاهيم وآليات الديمقراطية والمواطنة والعدالة االجتماعية وتكافؤ الفرص والحريات
الحقيقية .وبالتالي فان الموقف ضد انظمة االستبداد واالستغالل والتخلف والقمع في أي نظام عربي تابع ومستبد ,يجب أن يتوحد مع الموقف ضد القوى االمبريالية وركيزته الحركة الصهيونية ,وضد أي
تدخل خارجي مهما كانت ذرائعه ,وضد العمالء العرب مما يسمى بملوك وامراء ومشايخ ,وهذا هو
المقياس االول -من وجهة نظري – لمصداقية قوى المعارضة الوطنيةالديمقراطية الثورية في قلب نضال جماهير االنتفاضات العربية من اجل اسقاط انظمة العمالة واالستغالل واالستبداد.... ()01
الوضع الراهن ,الذي تعيشه شعوبنا العربية ,لم يكن ممكناً تحققه بعيداً عن عوامل التفكك و
الهبوط الناجمة عن تكريس وتعمق خضوع وارتهان الشرائح الحاكمة في النظام العربي للنظام
االمبريالي حفاظا على مصالحها الطبقية النقيضة لتطلعات ومصالح الجماهير ,لدرجة أن ربع القرن
األخير حمل معه صو ارً من التراجع لم تعرف جماهيرنا مثيالً لها في كل تاريخها الحديث ,فبدالً مما كان يتمتع به العديد من بلدان الوطن العربي في الستينات من إمكانات للتحرر والنهوض الوطني والقومي الديمقراطي ,تحول هذا الوطن بدوله العديدة وسكانه إلى رقم كبير ,يعج بالنزاعات الداخلية
والعداء بين دوله وطوائفه ,ال يحسب له حساب أو دور يذكر في المعادالت الدولية ,وتحولت معظم 392
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أنظمته وحكوماته إلى أدوات للقوى المعادية ,فيما أصبح ما تبقى منها عاج ازً عن الحركة والفعل والمواجهة ,في إطار عام من التبعية على تنوع درجاتها وأشكالها السياسية واالقتصادية والتكنولوجية
والثقافية والسيكولوجية ,في ظروف فقدت فيها القوى واألحزاب اليسارية روحها وارادتها الثورية
وهويتها ,وفقدت قدرتها على الحركة والنشاط والنمو ,وتراجع دورها في التأثير على الناس أو على
األحداث من حولها ,األمر الذي أفسح المجال واسعا لتيار اإلسالم السياسي بمختلف تالوينه ومسمياته في بلداننا العربية بذريعة منطلقاته الدينية أو اإليمانية التي ال تشكل تناقضا جذريا مع
البرامج والسياسات اإلمبريالية عموما وبرامجها االقتصادية والمجتمعية خصوصا , .ما يعني بوضوح
شديد أن بلدان الوطن العربي أمام خيارين ..إما البربرية أو الثورة االشتراكية . ()00
السمات الرئيسية للمرحلة على الصعيد الفلسطيني.....
أوال :السمة االولى على الصعيد الوطني تتمثل باستسالم الجناح القيادي البيروقراطي المتنفذ في م.ت.ف والشريحة الكمبرادورية المتحالفة معه والداعمة له في داخل الوطن وخارجه ,الى
جانب تراجع حركة حماس عن جوهر ثوابتها الوطنية وتقاطعها بمساحة واسعة مع برنامج ابو مازن والسلطة بعد فوز االخوان المسلمين في مصر وبروز مشهد االسالم السياسي .
ثانيا :على ضوء الواقع الجديد وعلى ضوء صيرورة المخطط المعادي ,سيشهد المجتمع الفلسطيني وقواه السياسية جملة من التغيرات والتفاعالت السياسية والمجتمعية والثقافية التي سيكون لها دو ار مباش ار في صياغة اتجاهات الصراع ( مع استمرار االنقسام جوهريا رغم
المصالحات الشكلية في القاهرة او الدوحة !!) ,ويمكن تلمس هذه التحوالت من خالل:
أ -دفع المشروع التصفوي باتجاه تشويه وتفكيك بنية المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع
والشتات اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا الى مجتمعين او عدة مجتمعات ,ونشر ثقافة قيم الهبوط والتطبيع والخضوع او االستسالم لالمر الواقع ,جنبا الى جنب مع ثقافة NGO,sوقيم
االستهالك الباذخ ,الطفيلي ,من ناحية واستمرار مظاهر االفقار والبطالة من ناحية ثانية ,
في اطار تكريس ربط االقتصاد الوطني باالحتالل .
ب -تنامي الميل لنقد تجربة المقاومة ومواثيق م.ت.ف بأكثر من اتجاه ,فجزء سيتجه الستخالص الدروس والعبر واالمساك بمقدمات النهوض ,وجزء سيعتبر ان هذا هو نهاية المطاف ويندفع
للقبول بما هو قائم والرضوخ له .
ت -الميل إلنشاء ووالدة أحزاب وحركات سياسية ,ذات طابع طبقي يميني انتهازي تابع ومشوه , تمثل المعادلة السياسية الجديدة كتعبير عن حالة التراجع الحاصل وكاستجابة لمحاوالت
393
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
التدجين للحركة السياسية ولتطبيع العالقة مع االحتالل والقوى الرجعية العربية العميلة في
الخليج وقطر والجزيرة العربية " السعودية ".
إن صيرورة هذه العملية سترتبط بمسألة االتجاه الذي ستنتهي إليه عملية الحراك االجتماعي _
الطبقي في المجتمع الفلسطيني ,والى إعادة صياغة لوحة التناقضات واالصطفافات السياسية...اخي ار,
إن هذا الواقع الذي يتشكل يفرض علينا التمسك مجددا بثوابتنا في الصراع والتناقض التناحري ضد العدو الصهيوني من جهة والتوقف أمام عنوان هام وهو ما بات يعرف باإلسالم السياسي -في اطار
التناقض الديمقراطي -الفكري واالجتماعي والسياسي -لتحديد رؤية واضحة موضوعية وعلمية منه
من جهة ثانية. ()03
رؤية يسارية حول مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية الديمقراطية 2/0
ال شك أن الحديث عن دولة مدنية ديمقراطية أو مجتمع مدني ,في أي بلد عربي في ظل استمرار
بقاء أنظمة االستبداد والتبعية والتخلف أو في ظل مشهد االسالم السياسي من جهة ,وفي إطار هذا
المزيج أو الشكل المرقع من "الجماعات" ما قبل الحداثة أو المدنية في المجتمعات العربية من جهة ثانية ,مسألة تحتاج إلى المراجعة الهادئة التي تستهدف تشخيص الواقع االجتماعي العربي ,وأزمته
المستعصية الراهنة ,تشخيصاً يسعى إلى صياغة البديل الديمقراطي القومي وآلياته وصوالً إلى تفعيل مفاهيم وأدوات الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية ومؤسسات المجتمع المدني في إطار النضال
الوطني والقومي التحرري والديمقراطي من ارضية الصراع الطبقي وفق رؤية وبرامج ماركسية واضحة,
ونقيضة لمفهوم المجتمع المدني والديمقراطية الليبرالية الذي تروج له بعض القوى السياسية
والمنظمات غير الحكومية ,عبر " نخب" تخلى رموزها عن مواقفهم اليسارية السابقة ,ولم تنجح في
الوصول أو التغلغل بأي شكل من األشكال إلى األوساط الجماهيرية الشعبية ,وان دل ذلك على شيء, فإنما يدل على غربة هذه المفاهيم بطابعها وجوهرها الليبرالي عن الواقع من جهة ,وغرابة صيغها
وعناوينها الفرعية المتعددة ,مثل " :التمكين في المشاركة" "الشراكة الجديدة بين الدولة واألسواق",
"تنمية قدرات اإلنسان"" ,تقدير الفقر بمشاركة الفقراء في وضع استراتيجيات تخفيف فقرهم!" "تنمية المبادرات المحلية" " ,والتنمية المستدامة"" ,دور المنظمات األهلية مع القطاع الخاص"" ,التنمية البشرية من منطلق األطفال"" ,الجندر"" ,عمليات التشبيك"" ,الليبرالية والخصخصة واقتصاد السوق"..
الخ حلت محل المفاهيم المعادية لإلمبريالية والصهيونية ومفاهيم التحرر القومي والوحدة واالشتراكية,
وأضيفت إلى مفردات اللغة والخطاب السياسي الهابط ,الذي حدد النظام الرأسمالي المعولم الجديد,
أسسه ومنطلقاته الليبرالية ,الفكرية والسياسية العامة ,بما يؤكد تقويم المفكر العربي سمير أمين
لهذه المنظمات بقوله "إن الطفرة في المنظمات غير الحكومية ,تتجاوب الى حد كبير مع استراتيجية 394
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
العولمة ,الهادفة الى عدم تسييس شعوب العالم ,وهي انسجام أو إعادة تنظيم إلدارة المجتمع من قبل
القوى المسيطرة".
تابع /رؤية يسارية حول مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية الديمقراطية 2/3
إذا كنا نتفق على أن رفيقنا المفكر الماركسي الثوري الشهيد مهدي عامل ,قد قدم نظرية للثورة ,
فإن من واجبنا –كأحزاب وفصائل يسارية عربية -في هذه المرحلة التفاعل والتواصل المعرفي مع
أفكاره ومقوالت نظريته الثورية ,واغنائها واإلضافة عليها عبر دراسة وتحليل وتفكيك واقعنا االجتماعي والسياسي في إطار الصراع الطبقي الداخلي ,والصراع ضد الوجود االمبريالي الصهيوني في بالدنا ,عبر انطالقنا من الفكرة المركزية التي أكد عليها المفكر الراحل مهدي في الترابط بين التحرر الوطني والصراع الطبقي من جهة ,وعبر انطالقنا من الوحدة الجدلية بين الماركسية والرؤية
القومية التحررية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية من جهة ثانية ,األمر الذي يستوجب تداعي جميع أحزاب وفصائل اليسار الماركسي ,إلى البحث الجاد على قاعدة الحوار ,من أجل مراجعة ونقد تجاربها
السابقة وتجديد وتطوير أحزابها واالتفاق على الرؤى السياسية والمجتمعية ,وعلى األهداف واألسس
الفكرية والتنظيمية التوحيدية المشتركة فيما بينها لكي تستعيد مصداقيتها ودورها الطليعي ,بما يسمح
قوة قادرة عبر بناء وتفعيل البديل الشعبي الديمقراطي التقدمي -في كل قطر عربي- تتحول إلى ّ بأن ّ على مجابهة االستقطاب اليميني ,وتأسيس مقدرتها على تفعيل االنتفاضات أو الحالة الثورية العربية وصيرورتها الراهنة ,وتحقيق أهدافها للخالص من كل أشكال ومظاهر وأدوات االستغالل الطبقي واالستبداد ,واثقين من انتصارها ,خاصة وأن أسباب االنتفاضة الثورية لن تتالشى أو تزول ,بل
ستتراكم مجدداً -بعد أن تكتشف زيف الليبراليين وقوى اإلسالم السياسي لتنتج حالة ثورية نوعية, تقودها جماهير العمال والفالحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين وفي طليعتهم أحزاب وقوى اليسار الماركسي الثوري جنبا إلى جنب مع القوى الديمقراطية المدنية ,العلمانية الوطنية والقومية
لكي تحقق األهداف التي انطلقت االنتفاضات الشعبية من أجلها .
تابع /رؤية يسارية حول مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية الديمقراطية 2/2
في هذا المشهد الملتبس داخلياً ,في إطار النظام العربي المأزوم والمهزوم ,وخارجياً على الصعيد
العالمي ,وخاصة في ظل مشهد االسالم السياسي الراهن وما يعنيه من تكريس التبعية واعادة انتاج
التخلف واالستبداد واالستغالل الطبقي في مجتمعاتنا العربية يصبح الحديث عن الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية عنوانا رئيسيا وأولويا في برامج قوى واحزاب اليسار العربي في هذه المرحلة , انطالقا من ادراكنا أن الحديث عن الدولة المدنية والمجتمع المدني العربي ,هو حديث عن مرحلة
ط مع أدواتها ومعطياتها المعرفية العقالنية التي تحل محل تطورية لم ندخل أعماقها بعد ,ولم نتعا َ 395
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
األدوات والمعطيات المتخلفة الموروثة ,وبالتالي فان مجتمعنا العربي اليوم ,هو "مجتمع بال مجتمع
بالدنا في ٍ ي وال تنتسب له ,بالمعنى الجوهري ,فإن زمن غير حداثي /حضار ٍّ ٍّ مدني" ,فطالما كانت ُ العودة إلى القديم أو ما يسمى بإعادة إنتاج التخلف سيظل أم ارً طبيعياً فيها,خاصة في ظل مشهد
االسالم السياسي.
أمام هذا الواقع المعقد والمشوه ,وفي مجابهته ,ندرك أهمية الحديث عن الدولة المدنية والمجتمع
المدني وضروراتهما في سياق النضال من اجل استكمال مهمات الثورة الوطنية الديقراطية الشعبية
بافاقها االشتراكية ,بعيداً عن المحددات والعوامل الخارجية والداخلية ,المستندة إلى حرية السوق والليبرالية ,ألننا نرى أن صيغة مفهوم المجتمع المدني وفق النمط الليبرالي ,فرضية ال يمكن أن تحقق
مصالح جماهيرنا الشعبية ,ألنها تتعاطى وتنسجم مع التركيبة االجتماعية-االقتصادية الكومبرادورية التابعة والمشوهة من جهة ,وتتعاطى مع المفهوم المجرد للمجتمع المدني في اإلطار السياسي
االجتماعي الضيق للنخبة ومصالحها المشتركة في إطار الحكم أو خارجه.
ِ المجتمع المدني وتطبيقاته في بالدنا ,تتجاوز التجزئة لمفهوم وفي هذا السياق ,فإن رؤيتنا ِ
القطرية ألي بلد عربي ,تتجاوزها كوحدة تحليلية قائمة بذاتها (مع إدراكنا لتجذر هذه الحالة القطرية
ورسوخها) ,نحو رؤية اشتراكية ديمقراطية قومية -تدرجية -تنطلق من الضرورة التاريخية لوحدة
األمة -المجتمع العربي ,وتتعاطى مع اإلطار القومي كوحدة تحليلية واحدة ,ثقافياً واجتماعياً وسياسياً, في بنيتها التحتية ومستوياتها الجماهيرية الشعبية على وجه الخصوص .....من هنا أهمية التركيز
على حقل المعرفة كحقل مميز من حقول الصراع الطبقي" ذلك إن وحدة المفاهيم أو اإلطار المعرفي
السياسي ,ووضوحها لدى احزاب اليسار الماركسي ,ارتباطاً بوضوح تفاصيل مكونات الواقع االجتماعي -االقتصادي-الثقافي العربي ,ستدفع نحو توليد الوعي بضرورة وحدة العمل المنظم المشترك ,وخلق
"المثقف الجمعي العربي" عبر اإلطار التنظيمي الديمقراطي االشتراكي الموحد من ناحية وبما يعزز ويوسع إمكانيات الفعل الموجه نحو تحقيق شروط "الهيمنة الثقافية" في أوساط الجماهير الشعبية من
ناحية ثانية .
بهذا التصور ,يصبح تعاملنا مع مفهوم المجتمع المدني ,مرحلياً ,وبعيداً عن المشروع الرأسمالي
وحرية السوق والليبرالية الجديدة ,وبالقطيعة معها ,دون أن نتخطى أو نقطع مع دالالت النهضة والحداثة في الحضارة الغربية من الناحية المعرفية والعقالنية والعلمية والديمقراطية وجميع المفاهيم
الحداثية األخرى ,وتسخيرها في خدمة أهدافنا في التحرر القومي والبناء االجتماعي التقدمي بآفاقه
االشتراكية كمخرج وحيد لتجاوز أزمة مجتمعاتنا العربية المستعصية ,ومن أجل اإلسهام في بناء
النظام السياسي العالمي الجديد الرافض لسلطة رأس المال االحتكاري .لقد حانت اللحظة للعمل الجاد
المنظم في سبيل تأسيس عولمة نقيضة من نوع آخر عبر أممية جديدة ,ثورية وعصرية وانسانية.
396
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
()02
عن التنوير وموقف حركات االسالم السياسي.......
يقول الفيلسوف العربي صادق جالل العظم "...بعد فشل المشروع القومي الشعبوي واليساري
سنحت الفرصة لحركات االسالم السياسي السترجاع الخسارة التاريخية التي لحقت بهم و استعادة المواقع التي ما زالوا يظنون انها من حقهم وحق أمرائهم ومشايخهم .من هنا رفضهم أعظم شعار
رفعه التاريخ العربي الحديث":الدين هلل والوطن للجميع" .ويضيف قائال في تفسيره للهجوم الذي ال يهدأ ,في هذه األيام على أفكار التنوير وعلى المفكرين التنويريين " أعتقد أن مصدر المشكلة ليس
األفكار التنويرية نفسها بالضرورة .يكمن مصدر المشكلة في ارتباط أفكار التنوير بمشروع سياسي اجتماعي تحرري كبير الذي نسميه بالمشروع القومي أو النهضوي أو حركة التحرر العربي أو الثورة
العربية وما شابه ,وانتهاء هذا المشروع إلى أزمة وانهيار وانسداد واخفاق .أعتقد أن هذه الواقعة هي
التي تجعل حركات االسالم السياسي تتج أر على مهاجمة المشروع كله أحياناً ,واألفكار التي رافقته أو أتت معه أو ارتبطت به بشكل من األشكال في أحيان أخرى.
كنا في الستينات ,كتيار يساري ,ال ننتقد أفكار التنوير ذاتها وانما أوجه القصور في عصر
النهضة .وذلك من مواقع بدت لنا يومها أكثر راديكالية وتقدماً وتقدمية .أي أننا كنا نرى أن عصر النهضة لم يكن جذرياً كفاية ,ولم يكن ثورياً تماماً ,وننتقد التعلق المرضي به .كنا نضيق بهذا الترداد
الدائم ألسماء محمد عبده والكواكبي واألفغاني وغيرهم وكأن شيئاً مهماً لم يط أر على حياتنا منذ أيامهم ,وكنا نطالب بانتاج فكر مالئم ومطابق وأكثر تقدماً من فكر عصر النهضة .تبين أننا كنا ضحية
تفاؤل كاذب إذ دمرت هزيمة حزيران 0697الفرضية التي أوهمتنا بأننا تجاوزنا ,أو تمكنا من تجاوز,
عصر النهضة ومشكالته وأفكاره .اآلن ,يبدو لي أن هناك تراجعاً إلى خط الدفاع الثاني أمام الهجوم
اآلتي من اليمين ,وخصوصاً اليمين الديني .علماً بأن هجوم أعضائه ال يتركز على التنوير وقيمه فقط
وانما على عصر النهضة برمته .وهم صريحون في التعبير عن هذا النقد ويعتبرون أن مصائبنا كلها أتت بسبب عصر النهضة ومعه ومنه ,وكان يجب أال يكون هناك نهضة وال من ينهضون .والغالة
منهم يمجدون الحقبة العثمانية " ويضيف قائال " أنا أجد نفسي اآلن ,مع آخرين كثيرين ,في موقع
الدفاع عن عصر النهضة وانجازات عصر النهضة وأفكار التنوير .كما أعتقد أن قيم التنوير جديرة بأن يدافع عنها ,ويدافع عنها بقوة ,وال سيما أن هناك خطأ آخر ارتكبه اليسار يتمثل في إهماله القيم
المرتبطة كالسيكياً بالتنوير .أعني استخفاف الخطاب اليساري والممارسات اليسارية بأمور مثل
المجتمع المدني والديمقراطية وحقوق اإلنسان والمواطن والحريات العاملة والعلمانية ...إلخ .وكلها
أصبحت موجودة اآلن على جدول أعمالنا بقوة .لم يدرك المشروع اليساري (وأصحابه) بأنه كان عليه
أن يستوعب هذه األفكار والقيم والممارسات بحيث تصبح جزءاً من حياتنا الفكرية والعملية إذا كان
جاداً حقاً في تجاوزها إلى ما هو أرقى .وهنا أقول أن ياسين الحافظ كان المفكر اليساري األبرز الذي 397
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
سبق الجميع وأشار إلى هذه المسألة ووعي أهميتها ونبه إلى خطورتها ,في الوقت الذي كان اليسار يعتبرها إما مسائل جانبية أو إنها ستأتي بشكل عفوي مع انتصار الثورة. ()02
من اقوال المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد :حول االستخدام النفعي لالسالم
من أهم التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا العربية اآلن ,ذلك االستخدام اإليديولوجي النفعي لإلسالم
لتحقيق مصالح وغايات ذات طبيعة فئوية محلية عاجلة .وسواء تم هذا االستخدام من جانب جماعات
سياسية بعينها ,أو من جانب أنظمة وسلطات سياسية فاقدة للمشروعية االجتماعية والسياسية والقانونية ,فالنتيجة واحدة ,هي تحويل اإلسالم إلي أداة من األدوات واختزاله في وظائف وغايات ذات
طبيعة دنيوية متدنية .ولننظر مثال في مقولة أن اإلسالم دين شمولي ,من أهم أهدافه ووظائفه تنظيم شئون الحياة اإلنسانية االجتماعية والفردية في كل صغيرة وكبيرة ,بدءا من النظام السياسي ونزوال
إلي كيفية ممارسة الفرد لنظافته الذاتية في الحمام .هذه المقولة تفترض أن دخول الفرد في اإلسالم بالميالد والوراثة أو باالختيار الواعي يعني تخلي اإلنسان طواعية أو قس ار عن طبيعته اإلنسانية
الفردية التي تسمح له باتخاذ القرار بشأن كثير من التفاصيل الحياتية التي من شأنها أن تتضمن
اختيارات عديدة ,وهذا يتناقض كليا مع حديث نبي هذا الدين -الذي لم يجد غضاضة ,حين لم ينجح
اقتراحه في تأبير النخل -أن يعلن موقفه الصريح والصحيح قائال أنتم أدري بشئون دنياكم ...وهو حديث يتوافق مع مفاهيم وشعارات التطور والتقدم بما فيها شعار " فصل الدين عن الدولة وليس عن
المجتمع .وبالتالي فان خطر مقولة " االسالم دين شمولي" يكمن في ذلك الفهم السقيم لإلسالم ,الذي من شأنه أن يرسخ سلطة رجل الدين والمؤسسات الدينية ,لتصبح سلطة شاملة ومهيمنة في كل
المجاالت .ومن شأن هذا االستفحال واالمتداد السلطوي أن يخلق وضعا نعاني منه اآلن أشد المعاناة اجتماعيا وسياسيا وفكريا .فبرغم كل االدعاءات والدعاوي العريضة ,والفارغة من المضمون ,عن عدم وجود سلطة دينيه في اإلسالم تشبه سلطة الكنيسة في المسيحية ,فالواقع الفعلي يؤكد وجود هذه
السلطة ,بل وجود محاكم التفتيش في حياتنا .والسلطة هذه تجمع السياسي والديني في قبضة واحدة, فيصبح المخالف السياسي مارقا خارجا عن اإلجماع ومهددا لوحدة األمة ,وبالمثل يقول رجل الدين إن
من يغير دينه يجب التعامل معه بوصفه خائنا للوطن .إن اتحاد الدين والوطن يجد تعبيره في كل
الدساتير السياسية التي تحصر الوطن في دين ,وتختزل الدين في الوطن .وهنا يختزل الوطن في
الدولة ,وتختزل الدولة في نظامها السياسي ,ويجد المواطن نفسه حبيس أكثر من سجن .إن مقولة
الشمولية تبدأ من الفكر الديني لتخترق مجال السياسة والمجتمع ,أو تبدأ من الفكر السياسي لتأسر
الدين في إيديولوجيتها ,والنتيجة واحدة .فأي خطر أشد من هذا وأي بالء!
398
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
()02
التحدي الكبير الذي يواجه شعوب امتنا العربية اليوم يجب أن يبدأ بعملية تغيير سياسي جذري
وديمقراطي من منطلق الصراع الطبقي ضد أنظمة اإلسالم السياسي وكل أنظمة االستبداد واالستغالل
والفساد التي تحكمها ,وذلك انطالقاً من وعينا بأن هذه األنظمة شكلت األساس الرئيسي في تزايد واتساع الهيمنة االمبريالية على مقدرات وثروات شعوبنا العربية ,كما شكلت األساس الرئيسي لتزايد
واتساع عنصرية وصلف وهمجية "دولة" العدو اإلسرائيلي.
إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية كلها ,في هذه اللحظة الثورية ,ال يعني أننا
نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دو ارً رئيسياً وأحادياً فيها ,بل يعني تفعيل وانضاج عوامل وأدوات التغيير الديمقراطية الحديثة والمعاصرة ,والبحث عن مبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة
من قلب واقعنا الراهن. ()09
المشهد الراهن والصراع ضد قطبي اليمين الليبرالي واإلسالم السياسي
في فلسطين كما في بلدان وطننا العربي ,في هذه المرحلة ,يبدو أننا أمام مشهد معقد ,ومأزوم,
يكاد يصل بنا إلى أفق مسدود ,بسبب تعمق وتكريس مظاهر التبعية والتخلف والخضوع لشروط آليات
العدو األمريكي/الصهيوني عبر النظام العربي الرسمي –بدرجاته المتفاوتة ,وبسبب االنحسار الشديد في بنيان الحركات الوطنية والقومية واليسارية وتراجع دورها السياسي في الشارع العربي ,بصورة غير
مسبوقة في كل تاريخنا الحديث ,وفي مقابل هذه الصورة ,تتجلى حركات التيار الديني عبر تنوعها
عبر ما يسمى ب "اإلسالم السياسي" لتشكل العنوان األبرز في الشارع السياسي العربي كما في الذهنية الشعبية العربية ,إلى جانب العنوان الرئيسي اآلخر ,المتمثل في األنظمة العربية بمختلف
درجات استبدادها وتبعيتها وتخلفها سواء فيما يسمى ببلدان الصحراء المحكومة حتى اللحظة ألكثر
مظاهر التخلف واالنحطاط المجتمعي عبر العشيرة أو القبلية أو المشيخات .
وفي ظالل هذا المشهد المأساوي المهين ,عبر قطبيه المتصارعين ,اللذان ال يمكن ألي منهما أن
يحمل أو يشتق برنامجاً مستقبلياً لمجابهة هذا الوضع المأزوم والخروج منه صوب التحرر والنهوض والعدالة االجتماعية والديمقراطية ,لذلك فان وعينا في كل حركات اليسار العربي –بدورنا ,ورؤيتنا
صوب إعادة بناء الحركة الماركسية القومية العربية ,كمخرج وحيد لكل أزماتنا ,يجعلنا نؤكد على
أهمية إعادة عملية البناء التنظيمي والفكري والسياسي الحزابنا كأولوية تعلو على ما عداها ,انطالقا 399
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
من أن هذه المرحلة السوداء ,المحكومة لقطبي الصراع في فلسطين والبلدان العربية ,ليست مرحلتنا من حيث المشاركة أو التحالف مع أي منهما ,دون أن يعني ذلك تغييب حضورنا وفعالياتنا في
النضال الوطني والديمقراطي في اوساط الجماهيرمن جهة ودون أن تغيب عبر أذهاننا رؤيتنا وبرنامجنا
المستقبلي من ناحية ثانية.
411
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
رفاقي وأصدقائي يف احزاب وفصائل اليسار املاركسي العربي... 1 / 03 / 3102 ان األخالق الثورية تبرز في الحزب كقوة تتجسد في سلوك الجماهير ,ولكن اذا ما تعرض الحزب
الثوري أو اليساري الماركسي إلى عوامل وتراكمات االزمة الداخلية في صفوفه ,فإن األزمة األخالقية الفعلية ,تبلغ ذروتها بسبب استمرار مفاعيل و تراكمات هذه االزمة(عبر رموزها) طالما بقي الحزب
عاج از عن الخروج منها ,حيث تتراجع المبادئ وتختل أسس الحوار الديمقراطي الداخلي مما يؤدي الى اختالل قواعد التنظيم وتراجع الوعي ومن ثم تراجع االهداف والمبادىء وكل معاني االلتزام واالنتماء والمصداقية واالحترام والعالقات الرفاقية الدافئة ,ويسود منطق الشللية و التكتل والنفاق
وانزالق بعض الرفاق إلى مستنقع االنتهازية التي تتجلى في كسب األنصار بأية طريقة كانت , فتتراجع النظرة الموضوعية ,كما تتراجع الثقافة النظرية ,والهوية الفكرية للحزب ,ويصبح االنجرار
وراء األشخاص ,ال التمسك بالمبادئ ,هو السائد ,ويغيب النقد والنقد الذاتي .ولذلك فان المهمة األكبر
التي تواجه الحزب المأزوم هي الكيفية التي يواجه بها هذه النزعة ال ُخلُقية الشائنة المتفشيه في صفوفه .وفي مثل هذا الوضع ,يصبح المطلوب من هذا الحزب أو الفصيل أن يكون أكثر قدرة وأكثر
حزماً في التصدي لمظاهر االزمة وادواتها رغم الظروف الصعبة التي يمكن مالحظتها ليس فقط فيما يتعلق بقضايا االختالف السياسي والفكري فحسب بل في تلك الممارسات الشللية والتكتالت االنتهازية والالأخالقية التي تعزز دوما بقاء ازمة الحزب بكل تراكماتها ورموزها التي تسد الطريق على خروجه
من االزمة صوب النهوض .وبالتالي فإن كل هذه المؤشرات والمظاهر والممارسات السيئة تفرض
على كافة اعضاء وكوادر وقيادة الحزب أن يعملوا على إعادة ترسيخ القيم الثورية المبدئية واالخالقية
(السياسية والفكرية والتنظيمية) التي بني الفصيل او الحزب على اساسها ودرج عليها بما يتوافق مع روحه الكفاحية العالية ومع مواقفه المبدئية الثابتة ,وبدون ذلك العالج تشتد مفاعيل المرض وتتفاقم
األزمة المشخصنة تمهيدا للسقوط واسدال الستار .
410
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عن االستبداد واملصاحل لدى حكومتي فتح ومحاس غري الشرعيتني ..... 09 / 03 / 3102 ان منطق االستبداد والهيمنة في ظل النظام األبوي ,الفردي شبه المطلق في السلطة الفلسطينية
منذ قيامها ,أدى بدوره إلى تشجيع بروز أشكال مماثلة من التفرد والهيمنة والفساد في مؤسسات
وأجهزة السلطة ,وذلك باالستناد إلى مجموعات الوالء الشخصي أو االستزالم التي تضخمت تراكماتها
حتى لحظة انفضاض اغلبية الجماهير الفلسطينية عنها وصوال الى فوز حركة حماس يناير 3119
تحت شعار " التغيير واالصالح" ( في ظل عجز او ضعف وتراجع تأثير القوى اليسارية ) ,آخذين بعين
االعتبار أن الترجمة الدينية للتناقضات االجتماعية والسياسية التي تعيشها -بصورة عفوية بسيطة-
قطاعات واسعة من الشرائح االجتماعية الفلسطينية ,توافقت مع المنطلقات الدينية لحركة حماس- وهي منطلقات سياسية في جوهرها ,حيث عمدت "حماس" إلى استغالل هذا االلتفاف الشعبي –
الوطني في جوهره و الديني في مظهره -وتعبئته معنوياً فقط ,دون أن تملك _ولن تملك_ القدرة على
بلورته كحركة اجتماعية سياسية اقتصادية وفق مشروع أو برنامج محدد.
إن هذا االحتكار من قبل حركة حماس للتدين الشعبي العفوي ,تطور -كما يقول د.علي الكنز -
"كرد فعل باألساس حول نسيج اجتماعي متفكك بسبب األزمة االقتصادية والعنف المتعدد األشكال, وكذلك بسبب نظام فكري يستند إلى تصور ماضي تاريخي مجيد ,قد يكون ناضجاً على المستوى
المعنوي ,ولكنه ال يتمتع بأدنى فعالية أمام المشاكل الراهنة" .
لكن حركة حماس فشلت في تطبيق شعارها عبر تعزيز االنقسام والصراع الفئوي على السلطة ,
األمر الذي ادى الى اعادة انتاج االستبداد الذي اصبح برأسين وبمسميات مختلفة عبر حكومتي رام
اهلل وغزة غير الشرعيتين دون أي اعتبار أو التزام حقيقي من "الحكومتين" بتفعيل عملية التحرر
الوطني ,و بمبادىء الديمقراطية والتعددية وجوهر القوانين والنظام األساسي ,وفي مثل هذه األوضاع,
كان طبيعياً انتشار وسيادة منطق االستبداد والوالء ألمصلحي أو الديني الشكلي إلى جانب انتشار مظاهر القلق واإلحباط والخوف ,األمر الذي مهد إلثارة المزيد من األزمات الداخلية ذات الطابع الديني
ألعدمي المتطرف أو االنتهازي ,وبدرجات متفاوتة ,وهي أزمات بدأت باالنتقال من الحيز التنظيمي الضيق إلى الحيز االجتماعي والسياسي العام ,وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة على
مجمل نسيج الحركة الوطنية ,ومجمل الوحدة الوطنية واألمن االجتماعي ,خاصة في ظل تراخي او
عجز جميع القوى وانتهازية بعضهاعن اإلسهام بدورها في انهاء االنقسام واطفاء الصراع الداخلي
412
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ووقف أسباب األزمة على قاعدة وضوح الرؤية واإلستراتيجية الوطنية أو العقد االجتماعي الناظم
للجميع.
إن استعراضنا لهذه المظاهر والتداعيات االجتماعية يظهر مجموعة من الحقائق و المفاهيم و
المؤشرات الدالة على الظروف والعوامل الموضوعية والذاتية ( الداخلية والخارجية) التي أدت إلى
انتشار هذه المظاهر ,وأبرزها طبيعة الخارطة أو التركيبة الطبقية الفلسطينية ,التي لم تتبلور بصورة
نهائية بعد ,و التي ما زالت تملك دو ارً و تأثي ارً ملموسا في عملية توزيع الدخل و الثروة و السلطة , و لنا في تجربة األعوام الماضية أن نستنبط العديد من األمثلة على هذه العالقة التي ينجم عنها ما
نسميه بإعادة إنتاج العالقات المتخلفة بما فيها ظاهرة الوالء الشخصي واالستزالم ,خصوصاً في أوساط الجماهير الفقيرة ,حيث يتم استغالل هذه العالقة ضمن أبعادها الخاصة أو الحياتية بعيداً عن
الرؤى الوطنية والمجتمعية التوحيدية ,بحيث يمكن توصيف العالقات السائدة عندنا اليوم ,على أنها تأكيد لمجتمع ما قبل الحداثة أو الرأسمالية ,حيث تمتزج و تنصهر فيها عالقات اإلنتاج االقتصادية من ناحية و عالقات التبعية و الوالءات ذات الطابع الفردي أو الجهوي من ناحية أخرى ,و كما هي
الحال عندنا في الضفة و القطاع ,فإن هذه العالقات االستزالمية –لهذا المسئول أو القيادي أو ذاك- تأخذ شكل العالقات الشخصية القائمة على المصالح االقتصادية اآلنية والمباشرة ,عبر "النخب"
السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي أفرزها االنقسام الراهن في حكومتي فتح وحماس غير
الشرعيتين ,والذين تتجلى قوتهم األساسية – كما هو الحال لدى كل من قيادة م.ت.ف وحركة فتح - لحماية مصالحهم الفئوية بوسائل االستبداد والقهر عبر الجهاز البيروقراطي المدني والعسكري واألمني
من ناحية أخرى ,نستنتج من كل ما تقدم على أن الجوهر والمصالح الطبقية لكل من حماس وفتح هي
واحدة على الرغم من اختالف الشكل بينهما ,األمر الذي يفرض على كافة القوى اليسارية الديمقراطية
العربية مزيداً من الوحدة والنضال الديمقراطي لتثبيت أسس وبرامج الثورة الوطنية الديمقراطية ارتباطاً بمنظور الثورة القومية التحررية والديمقراطية.
413
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بروباجندات احلكام الدينية والسياسية 09 / 2 / 3102
فاطمة الفالحي في حوار مع غازي الصوراني
بعنوان :
بروباجندات الحكام الدينية والسياسية
.0هل تختلف أدوار األوجراء بين الشعوب لتمرير بروباجندات الحكام الدينية والسياسية باختالف
األزمنة ؟
نعم تختلف أدوار األوجراء بين الشعوب لتمرير برامج الحكام باختالف األزمنة من جهة وباختالف
خصوصية تطور المجتمعات من جهة ثانية ,إذ أنني ال استطيع االقرار بصحة قوانين عامة تتحدث
عن مسار موحد وسمات مشتركة لشعوب العالم في سياق تطورها التاريخي.
وعلى الرغم من انحيازي المعرفي –بالمعنى الموضوعي -لتحليل الفيلسوف كارل ماركس لألنماط
أو التشكيالت االقتصادية االجتماعية للبشرية في كوكبنا ,بدءاً من النمط المشاعي ثم العبودي واالقطاعي وصوالً إلى النمط الرأسمالي ثم االشتراكي ,إال أنني أرى أن هذه السلسلة من انماط التطور
التي تنطبق على المجتمعات األوروبية بحكم طبيعة تطورها االجتماعي واالقتصادي والثقافي
والخصوصيات المشتركة فيما بينها ,إال أنها بالتأكيد ال تنطبق على مجتمعات آسيا وأفريقيا وأمريكا
الالتينية عموماً ,ومجتمعاتنا العربية خصوصاً.
فالتطور االجتماعي االقتصادي في المجتمعات العربية يختلف في شكله وجوهره عن تلك
التشكيالت التي تناولها كارل ماركس في إطار المادية التاريخية ,حيث لم تشهد مجتمعاتنا نمطاً عبودياً ,بمعنى استخدام العبيد في العملية االنتاجية ,وكذلك األمر لم تشهد نمطاً اقطاعياً على شاكلة النمط االقطاعي الذي عرفته أوروبا ,بل كان أقرب إلى النمط الريعي أو النمط األسيوي لإلنتاج ,حيث انحصرت العالقات االنتاجية واالجتماعية في كال النمطين لنوع من المركزية الشديدة التي سادت في
التاريخ القديم (ق.م ).في مصر والعراق ,ثم امتدت وتواصلت في الدولة والدويالت اإلسالمية عبر تكريس مظاهر التفرد واالستبداد التي نالحظ آثارها ومفاعليها المتراكمة في كافة األنظمة العربية في التاريخ الحديث والمعاصر مع اختالف اشكال االستبداد والقهر ,حيث نالحظ أن الصراع الطبقي في بالدنا ليس صراعا حصريا بين البروليتاريا والبورجوازية كما هو في البلدان الصناعية ,بل هو صراع
تختلط في ه العوامل االقتصادية مع العوامل الدينية ضمن تطور اجتماعي مشوه تختلط فيه االنماط
الطبقية القديمة والحديثة والمعاصرة (النمط القبائلي وشبه االقطاعي والرأسمالي التابع والكومبرادوري).
414
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لذلك نجد العديد من الباحثين يتحدثون عن "االقطاع الشرقي" والنموذج اآلسيوي ,واالقطاع
القبلي ,واالقطاع العسكري والمجتمع المحكوم بالعالقات الرأسمالية المشوهه ..والمجتمع المتعدد االنماط...الخ .وهنا أستلهم تحليل المفكر العربي عالم االجتماع العراقي علي الوردي.
واليوم ونحن في مطلع األلفية الثالثة ,تتعرض مجتمعاتنا العربية ,من جديد ,لمرحلة انتقالية لم
تتحدد أهدافها النهائية بعد ,على الرغم من مظاهر الهيمنة الواسعة للشرائح والفئات الرأسمالية العليا,
(أو األوجراء حسب السؤال) بكل أشكالها التقليدية والحديثة ,التجارية والصناعية والزراعية, والكومبرادورية والبيروقراطية الطفيلية ,التي باتت تستحوذ على النظام السياسي ,وتكيفه حسب
أي تحول ديمقراطي حقيقي في مصالحها ومصالح الحكام في البلدان العربية ,بما ادى إلى إعاقة َّ مجتمعاتنا التي اندمجت أو تم إلحاقها بصورة ذيلية تابعة للنظام الرأسمالي المعولم من جهة ,من ثم
تكريس مظاهر التبعية والتخلف واالستبداد األبوي والطائفي على الصعيد المجتمعي بأشكاله المتنوعة من جهة أخرى ,من خالل التكيف والتفاعل بين النمط شبه الرأسمالي الذي تطور عبر عملية االنفتاح
والخصخصة خالل العقود الثالثة الماضية ,وبين النمط القبلي /العائلي ,شبه اإلقطاعي ,الريعي ,الذي
ما زال سائداً برواسبه وأدواته الحاكمة أو رموزه االجتماعية ذات الطابع التراثي التقليدي الموروث ,ما
يعني بكل وضوح أن كافة الرموز والشرائح الطبقية السائدة في مجتمعاتنا العربية ,تختلف جذرياً عن الشرائح الطبقية السائدة في المجتمعات الرأسمالية ,لكنها بالمقابل تتفق أو تتقاطع مع مثيالتها في
أوساط الشعوب المتخلفة والتابعة في البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا من حيث تبريرها وتمريرها
لبروباجندات الحكام الدينية والسياسية والثقافية انعكاساً للمصالح االقتصادية المشتركة بين الشرائح
البورجوازية العليا عموماً والشرائح الكومبرادورية والطفيلية خصوصاً.
ففي هذا الزمن الذي يعيش فيه العالم ,زمن الحداثة والعولمة وثورة العلم والمعلومات واالتصال,
يشهد مجتمعنا العربي من خالل أولئك األوجراء أو الشرائح الطبقية السائدة ,عودة الى الماضي عبر
تجديد عوامل التخلف فيه ,لم يعرف مثيالً لها في تاريخه الحديث منذ مائة عام أو يزيد ,فهو الى
جانب ترعرع األنماط القديمة القبلية والحمائلية والطائفية ,واألصولية والتعصب الديني ,يوصف اليوم بحق على أنه مجتمع مرحلي ,انتقالي ,تراثي ,شديد التخلف وعميق التبعية ,مع استمرار تزايد انتشار
مظاهر الفقر والبطالة والجهل واألميه ,األمر الذي عزز دور األوجراء في ركوب موجة السلفية الرجعية التي قامت بدورها المرسوم في تمرير بروباجندات الطبقة الحاكمة ومصالحها الطبقية عبر خطاب ديني شكالني نجح في تفكيك وحدة المجتمع وتفتيته وانقسامه إلى مذهبيات وطوائف دينية وعشائرية
محكومة للصراعات الدموية واالرهاب البشع كما هو الحال في معظم الدول العربية بدرجات متفاوتة ,
عبر شرائح طبقية أو أوجراء ال َه َّم لهم سوى الحفاظ على مصالحهم الطبقية األنانية ,واستمرار مراكمة
ثرواتهم غير المشروعة في إطار تحالفهم واندماجهم وحرصهم في الدفاع عن النظام أو الطاغية (ملكاً
415
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أو رئيساً أو أمي ارً أو شيخاً) ,وتمرير بروباجنداته بأشكال ديماغوجية مزيفة ومخادعة تخاطب عفوية الجماهير الشعبية وبساطتها وايمانها الشديد بالغيب والقضاء والقدر.
من هنا ليس من المبالغة القول ,إن هناك تحالفا موضوعيا بين احتكار السلطة عبر األوجراء
واحتكار الحقيقة عبر النظام المستبد .فهما يكمالن بعضهما البعض ,ال يعيشان إال معا وال يتواجدان
إال متجاورين ومتضامنين ,ويتغذيان من نتائج عملهما المتبادل.
فبقدر ما يجرد الطغيان السياسي الفرد من وعيه وضميره وحسه النقدي ,أي من إرادته واستقالله,
يحوله إلى لقمة سائغة ألصحاب المشاريع الدينية أو المشاريع السياسية الهابطة بصورة إكراهية
وبدواعي الحرص على تأمين لقمة العيش.
وبالطبع فإن هؤالء األوجراء أو الشرائح الطبقية العليا ,بحكم تبعيتهم للخارج ,ليسوا معنيين أبداً
البحث عن قاعدة اجتماعية حاملة للمشروع الديمقراطي الليبرالي من داخل مجتمعاتهم ,بل توقفوا فقط عند الجانب االقتصادي الرث منه بما يخدم مصالحهم االنانية ,ومن ثم أصبح التحالف مع النظام
االمبريالي في موازاة تدعيم السلطة االستبدادية ,شرطان الزمان لبقاء الرأسمالية التابعة نفسها في
وجه االحتجاج والتذمر االجتماعي الشعبي المستمر ,الذي مازال عاج ازً عن تحقيق أهداف الثورة
الوطنية الديمقراطية بسبب غياب القوى الديمقراطية اليسارية وبديلها الشعبي ,األمر الذي يفتح األبواب مشرعة أمام قوى الثورة المضادة والصراعات الطائفية الدموية والمزيد من تفكك الدولة
الوطنية ,ومن ثم بروز أوجراء أو قوى طبقية "جديدة" في خدمة بروباجندات الحكام "الجدد" لحساب
المزيد من التخلف والتبعية واالستبداد.
وهذا يدفعني إلى الحديث عن القوى الطبقية المهيمنة في الوضع العربي الراهن ,حيث تتصدر
الساحة السياسية العربية مجموعتان تختلفان شكالً رغم جوهرهما الواحد :مجموعة الرأسماليين
(كومبرادور وطفيليين وبيروقراطية عسكرية ومدنية) المنضوين تحت لواء السلطة أو أنظمة الحكم, ومجموعة الرأسماليين المنضوين أو المتنفذين في قيادة حركة اإلخوان المسلمين (رغم القاعدة
س ْيطَر عليها الشعبية الفقيرة والبرجوازية الصغيرة لهذه الحركة) .أي أن الساحة السياسية العربية ُم َ عملياً من جانب قوة واحدة (عبر برنامجين :اليمين "العلماني" ,واليمين الديني) وهى الرأسمالية الطفيلية والكومبرادورية بالتحالف مع البيروقراطية العسكرية والمدنية الحاكمة ,وكالهما ال يتناقض
في الجوهر مع اإلمبريالية والنظام الرأسمالي مع اختالف زاوية ومرجعية كل فريق عن االخر.
إن هذه القوى الرأسمالية بجناحيها " اليميني العلماني " و" اليميني الديني او االسالم السياسي "
– في كل بلدان الوطن العربي -ال تملك في الواقع مشروعاً حضاريا او ديمقراطيا وطنياً مستقال
نقيضاً للنظام االمبريالي الرأسمالي ,كما أنها ال تملك أيضاً مشروعاً تنموياً ينهي التبعية ويتجاوزها صوب مبدأ االعتماد العربي على الذات ,فالتنمية عندها هي ما تأتي به قوى السوق المفتوح
والمبادرات العشوائية للقطاع الخاص المحلي الكومبرادوري الذي ال يستهدف سوى تحقيق الربح ,حتى 416
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
لو كان على حساب دماء الكادحين والفقراء من ابناء الطبقات الشعبية ,إلى جانب حرصهما على
تشجيع نشاط المستثمرين األجانب ,الذي ال يتفق ومتطلبات االقتصاد الوطني والقومي ,بقدر ما يتفق
واستراتيجيات الشركات المتعدية الجنسية الكبرى في تحقيق أكبر ربح على الصعيد العالمي ,في إطار
تطبيق مقولة االستيالء على فائض القيمة لشعوبنا من ناحية ,وابقاء شعوبنا أسيرة آلليات التخلف والتبعية واالستغالل واحتجاز التطور من ناحية ثانية ,في مقابل حرص القوى اإلمبريالية على تقديم
كل مقومات القوه لدولة العدو اإلسرائيلي تكريساً لدورها ووظيفتها في خدمة األهداف اإلمبريالية
والنظام الرأسمالي العالمي.
.3إن التاريخ هو سيرورة اضعاف أو مسيرة علمنة وخيبة أمل بحسب الفيلسوف اإليطالي
جيانتيريزو ,وما التاريخ بحسب المفكر السياسي غازي الصوراني ؟
اعتقد أن وصف التاريخ على أنه "سيرورة اضعاف أو مسيرة علمنة وخيبة أمل" يندرج تحت ما
أسميه نزوة رغبوية ذاتية في تفسير التاريخ ,وكأنه العنصر الرئيسي المباشر في إدارة العملية
سسة أو الصانعه الم َؤ ِّ التطورية للبشر في كوكبنا األرضي ,وهي نزوه ارادوية تلغي او تتجاوز المفاهم ُ للتاريخ ,وأقصد بذلك ,القوى المنتجة وانماط وعالقات االنتاج ,وقبل كل شيء الصراع الطبقي والتناقضات التناحرية وغيرها ,الكامنة في اطاره ضمن البنى التحتية (المادية واالنتاجية) والبنى الفوقية الفكرية والقانونية المنعكسة عنها.
واذا كان السياق التطوري للمجتمعات البشرية في المنظور العام على هذه الشاكلة ,فإن خصوصية
التطور في كل مجتمع من المجتمعات عموماً ,وبين المجتمعات الرأسمالية المتقدمة والمجتمعات
التابعة والمتخلفة خصوصاً ,تفرض مسا ارً وسيرورة للتاريخ تختلف باختالف تطور المجتمعات ,بحيث يمكن القول ,إن إبراز حركة التاريخ وسيرورته رهن بطبيعة تطور المجتمع ,أو هي باألحرى مرتبطة
ارتباطاً وثيقاً مع تقدم أو تخلف األوضاع االقتصادية االجتماعية والفكرية التي تحدد أو تصنع معالم التاريخ وسيرورته في هذا المجتمع أو ذاك.
وهنا أشير إلى ان الفيلسوف االيطالي جيانتيريزو (المعروف بـ "فاتيمو") ُي َعِّرف التاريخ (حسب السؤال المطروح أعاله) من منظور أيديولوجي بحيث يصبح التاريخ ملحقاً لأليديولوجيا ,على النقيض من رؤية كارل ماركس التي أنهت الحاق التاريخ باأليديولوجيا ,عندما انطلق من األسس المادية
العلمية (االقتصادية االجتماعية) لتطور التاريخ ,وبذلك صاغ ماركس القواعد األساسية لميدان كان قد بقي حتى ذلك الوقت موضع حلم أو تفسير ذاتي او ارادوي ,بدل أن يكون موضع استكشاف فعلي من
قلب العالقات االجتماعية السائدة في المجتمعات في مرحلة زمانية محددة ,وهذا ما حصل بالفعل على
أثر تراجع ثم اضمحالل قوى االنتاج والعالقات االنتاجية ومن ثم العالقات االجتماعية في المرحلة
االقطاعية في أوروبا التي امتدت تقريباً منذ القرن الرابع الميالدي حتى نهاية القرن السابع عشر, 417
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وبزوغ عصر النهضة أو ما يعرف اليوم بالحداثة من قلب العالقات الرأسمالية الجديدة انعكاساً قوياً لمصالح البورجوازية الناهضة منذ نهاية القرن السابع عشر.
فعلى الصعيد التاريخي في عصر النهضة ,بدأت الحداثة بادراك مادية الطبيعة ومحورية اإلنسان,
بعد أن فقدت الكنيسة تأثيرها على عقول الناس في أوروبا ,ذلك إن عنص ارً أساسياً من عناصر
الحداثة هو اكتشاف قيمة الفرد بوصفه ذاتاً خالقة ,فالفرد وفق الحداثة تنبع قيمته من ذاته المن ملّته وال من قبيلته ,وهذه الفكرة الحداثوية الجوهرية بما تحمله من مفاهيم الديمقراطية والمواطنة والمجتمع المدني لم تتبلور بعد في مجتمعاتنا العربية ,بسبب استمرار فواتها وتخلفها ورفض الشرائح أو القبائل
والعائالت واألنظمة الحاكمة في بالدنا العربية لتلك األفكار ,حفاظاً على مصالحها الطبقية األنانية الخاصة عبر تكريس كل مظاهر االستتباع والتخلف واالستبداد والقمع وفق مقتضيات تحالفها االستراتيجي مع النظام االمبريالي ضد مصالح وتطور شعوبها ,كما نالحظ بوضوح لدى أنظمة الخليج
والسعودية من ناحية ولدى أنظمة االستبداد من ناحية ثانية ,التي ترفض كلياً مفاهيم وأفكار الحداثة
والديمقراطية والعلمانية ,مما أدى إلى تكريس ما أسميه مجا ازً تعطيل واعاقة حركة التاريخ في بالدنا,
من خالل هيمنة عقلية الصحراء المتخلفة (وأقصد بذلك ملوك وأمراء السعودية والخليج الى جانب
حركات االسالم السياسي التي ترفع شعار الخالفة!) بحيث يصح القول أن الصحراء تحكم المدينة أو تتحكم في التطور الحديث أو كما يقول ماركس "الميت يحكم الحي" ,إذ أن "هذا الميت" الصحراوي مازال أصحابه من ملوك وأمراء وشيوخ القبائل العربية ,حتى اللحظة يتحركون في حلقة دائرية تعيد
انتاج التخلف االقتصادي واالجتماعي وتجدده ,في محاولة منهم التهرب من تحدي الحداثة ,بالعودة
إلى تراث انتقائي موهوم استطاعت التيارات األصولية اعادة زراعته وانتاجه بالتنسيق مع تلك األنظمة في قلب عفوية الجماهير الشعبية ,باستحضار التاريخ الماضي بصورة رثة ,بذريعة العودة إلى اصول
االيمان واالعتقاد.
وال آخال نفسي مختلفاً في المضمون أو الدالالت عن جوهر أفكار الفيلسوف االيطالي فاتيمو التي
تنتمي – في قسم منها -إلى الفكر الحداثي عموماً والفلسفة الماركسية خصوصاً ,لكنني اختلف بالتأكيد مع طروحاته الفكرية التي تنتمي إلى ما يسمى بفلسفة ما بعد الحداثة .خاصة وأنه يربط بين
العدمية وحقيقة التاريخ ,معتب ارً أن التاريخ هو مسيرة علمنة وخيبة أمل ,لكنه يرى "أنها مسيرة تفترض ق ار ارً بنبذ العنف" ,وهو قرار ينطلق من دعوة ارادوية ذاتية ومثالية في آن واحد ,على الرغم من أنها تحمل ابعاداً ومضامين انسانية الطابع ,لكنها تتجاوز طبيعة الصراعات السياسية والطبقية المتفاقمة
انعكاساً لمصالح الرأسمالية العالمية في الظروف الراهنة ,والدور االمبريالي المتحكم في موازين القوى العالمية حتى اللحظة ,وتأثيره الفعال – المباشر وغير المباشر -في التخطيط والتنفيذ لعمليات
عدوانية عنيفة تكريساً لضمان "ديمومة" مصالحه في بالدنا ,إلى جانب دوره المعروف في إثارة
واشعال أبشع مظاهر العنف الدموي ,الطائفي واالثني والمذهبي ,التي باتت اليوم عنواناً بار ازً في 418
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
العديد من البلدان العربية بديالً عن الصراع الطبقي ,وبديالً عن الصراع العربي ضد االمبريالية والصهيونية.
وهنا بالضبط يتجلى العنف كظاهرة مرتبطة بنزوع النظام االمبريالي الدائم صوب التوسع والسيطرة
على ثروات ومقدرات شعوب العالم الفقيرة ,ما يعني ان الدعوة إلى نبذه ,مسألة تندرج ضمن رؤية انسانية مثالية نبيلة على المستوى الذاتي ,لكنها مستحيلة التحقيق بحكم تناقضها مع الطبيعة
العدوانية للنظام االمبريالي ,وهي طبيعة تستدعي ممارسة العنف الثوري المضاد من قبل الشعوب المضطهدة في مجابهة هذه العدوانية وفك االرتباط وكل اشكال التبعية مع ذلك النظام وذلك هو
الطريق الوحيد صوب تحويل مجرى تاريخنا العربي المعاصر من سيرورة االضعاف واالستسالم إلى
سيرورة التحدي المعتمدة على الذات وتحديد مصيرنا الراهن المستقبلي برؤية نهضوية وديمقراطية
وانسانية ,وعند ذلك فقط يمكن الحديث عن نبذ العنف وفق رؤية وممارسة واقعية ثورية بعيداً عن األوهام المثالية أو العدمية المنسجمة مع أفكار "ما بعد الحداثة" ,وهي عندي ليست سوى نوع من
االنحراف عن مجرى فلسفة الحداثة ومسارها التطوري الالنهائي .
وهنا بالضبط يتحدد الدور الطليعي -الراهن و المستقبلي -للمثقف العربي الماركسي الثوري
الديمقراطي –بالمعنى الجمعي ,العضوي ,الحزب -لمجابهة هذا الواقع المأزوم والثورة عليه وتغييره
انطالقاً من رؤية واضحة ومحددة تقوم على القطيعة المعرفية والسياسية مع مفاهيم التاريخ الماضي من خالل القطيعة الثورية مع كل األنظمة الرجعية وأنظمة االستبداد والتبعية والتخلف والتوريث من جهة ,والقطيعة الكلية والشاملة مع كل أشكال ومظاهر التبعية أو التحالف (مهما كانت المبررات) مع مجمل نظام العولمة اإلمبريالي ,و النظام الرأسمالي أو ما يسمى باالقتصاد الحر والليبرالية الجديدة
من جهة ثانية ,ما يعني أن هذه الرؤية الثورية الديمقراطية هي في ذات الوقت رؤية تاريخية حداثية
تقدمية راهنة يتوجب أن تنطلق بداية من الغاء النظام الرأسمالي باعتباره نظاماً لالستغالل والقهر والقمع واالستبداد واالفقار ,وبالتالي فإن النضال السياسي والديمقراطي والمجتمعي والكفاحي ضد
الوجود االمبريالي ,هو شرط أول يتوازى ويندمج تماماً مع هدف التغيير الديمقراطي صوب تحقيق
أهداف الثورة الوطنية والقومية التحررية والديمقراطية العربية في بالدنا ,وذلك انطالقاً من وعينا بضرورة العمل على مراكمة العوامل الموضوعية والذاتية لتحقيق هذه الرؤية الثورية الهادفة إلى تغيير
مجمل العالقات االجتماعية القديمة وتحطيمها على طريق بلورة عالقات وقوى انتاجيه وبنى فوقية
تكون قادرة على اشتقاق مسار وسيرورة تاريخنا المعاصر بعيداً عن كل خيبات األمل أو سيرورات
التراجع واالضعاف .
419
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
.2هل هناك في ُعرف دول العالم المتقدمة من عقد قران بين النظامين الرأسمالي والديموقراطي؟ الشك أن انتصار الثورات السياسية البورجوازية الديمقراطية في أوروبا نهاية القرن الثامن عشر
شن ميالد عصر جديد في هذا الكوكب ,هو عصر النهضة والتنوير والديمقراطية والمواطنة ,حيث دّ انتقلت أوروبا من مجتمع الطبيعة المحكوم لنظرية الحق االلهي إلى المجتمع المدني أو مجتمع
الديمقراطية.
كرست لدى ويبدو أن هذه النشأة التاريخية المتفاوتة لكل من الديمقراطية الحديثة والبورجوازية ّ العديد من المفكرين تلك الثنائية أو عقد القران بين النظام الرأسمالي والديمقراطية ,وهذا صحيح جزئياً ,ألن الديمقراطية الليبرالية في النظام الرأسمالي ,منذ والدته إلى يومنا هذا ,كانت –وال تزال -شرطاً
من شروط السوق الحر والمنافسة بين األقوياء لضمان عملية التوسع الرأسمالي كما عبر عنها "آدم
سميث" في مقولته "دعه يعمل ..دعه يمر" ,إال أن هذه العملية الديمقراطية لم يكن ممكناً تطبيقها بصورة كليه على كافة الشرائح والطبقات االجتماعية بوتائر متساوية ,ألن جذر الديمقراطية
الرأسمالية ينمو ويكبر من خالل المنافسة بين الرأسماليين ,او المنافسة بين األقوياء ,في إطار قانوني أو دستوري يغلق األبواب في وجه أي برنامج نقيض للمصالح الرأسمالية ,ما يجعل من امكانية تطبيق الديمقراطية على جميع أفراد المجتمع مسألة نسبية بالغة التعقيد ,مثالي على ذلك تجربة
الديمقراطية الليبرالية الغربية عبر المجالس أو البرلمانات المنتخبة التي جاءت دوماً تجسيداً لمراكز القوى الرأسمالية عبر المنافسة بين األقوياء عبر حزبين رئيسيين –غالباً -كما هو حال المجتمعات
الغربية الرأسمالية عموماً والواليات المتحدة األمريكية خصوصاً ,انها إذن برلمانات القوى الرأسمالية , التي ال تتيح المجال ألي سلطة في هذه البلدان بعيداً عن سلطة وقوة رأس المال.
وهنا بالضبط نالحظ ان عقد القران بين النظام الرأسمالي والديمقراطية هو في حقيقته عقد قران بين
شرائح الرأسمالية العليا المتنفذة أو نسبة %01من مجموع السكان على األكثر ,وبين الديمقراطية
الم َع ِّبر عن مصالح الشريحة الرأسمالية العليا ,ليس ضمانة في حد الليبرالية ,إذ أن وجود البرلمان ُ ذاته على وجود وانتشار الديمقراطية ببعديها السياسي واالجتماعي في المجتمع ,حيث يمكن – واألمثلة كثيرة على ذلك -ان يستخدم البرلمان أداة لطمس جوهر الديمقراطية االجتماعية والحفاظ على
شكلها السياسي فقط .
لكن على الرغم مما تقدم ,ال أستطيع انكار أو تجاوز تطور انتشار وتكريس الديمقراطية الليبرالية
في المجتمعات األوروبية المعاصرة ,كما ال أستطيع – وهذا هو األهم -انكار إقراري واقتناعي –
بالمعنى الموضوعي -بمعاني ومضامين العقالنية والحرية الفردية والتعددية السياسية والفكرية وحق االقتراع واالنتخابات التي تجلت وتفتحت في التجربة الديمقراطية الغربية ,في موازاة الهيمنة البورجوازية الرأسمالية والملكية الخاصة واالستالب في إطار المجتمع المدني البورجوازي والصراع
ال طبقي والتفاوت الهائل بين الثروات والدخل أو بين الطبقات الرأسمالية والطبقات الفقيرة ,بما يكرس 401
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
شكالنية الديمقراطية الليبرالية ,ويعري التناقض بين المساواه المواطنية وبين الصراعات والتناقضات
الطبقية التي ال يمكن حلها إال بإلغاء تلك التناقضات وتحقيق االنعتاق االجتماعي عبر الثورات
الشعبية الديمقراطية.
وفي هذا السياق البد من اقرارنا بأن النظام الرأسمالي الذي استطاع الخروج – حتى اللحظة -من
كل أزماته التي تعرض لها في التاريخ الحديث والمعاصر ,ونجح في إعادة مراكمة شروط الرأسمالية
من جديد عبر توفير الفرص الجديدة من خال ل استغالل فائض القيمة للشعوب الفقيرة ,ومن خالل التطور العلمي الهائل ,إال أن هذا النظام بعد أن تعرض ألزمته الكبرى عام 0636بدأ في تطبيق
العديد من القوانين واألنظمة التي تحد من بشاعة االستغالل وفق مقترحات وأفكار عالم االقتصاد
االنجليزي "جون مينارد كينز" ,الذي دعا إلى ضرورة تدخل الدولة في االقتصاد ,والبدء بتطبيق العديد
من االمتيازات والضمانات التي تكفل حداً معيناً من العدالة االجتماعية للعمال والعاطلين عن العمل , مما أدى إلى خلق ما يسميه الفيلسوف األمريكي "هربرت ماركيوزه" االنسان ذو البعد الواحد عبر
التطور النوعي لقوى االنتاج وارتفاع الدخل في أوساط العمال ,واآلثار الناجمة عن ذلك في التغيير التدريجي التراكمي الذي عزز استقرار البنية التحتية االقتصادية والعالقات االجتماعية التي انتجت
بدورها بنية فوقية موازية على صعيد الثقافة النخبوية والشعبية في المجتمعات ال أرسمالية استطاعت –
بتأثير وسائل اإلعالم وضعف أحزاب اليسار -واضعاف التناقضات الطبقية الحادة والصراع الطبقي ,
وخاصة في الدول االسكندنافية (النرويج والسويد والدنمرك) ,األمر الذي أدى – لدى البعض- بتكريس عقد القران بين النظامين الرأسمالي والديمقراطي بصورة شموليه بكل مكونات المجتمع ,وهو
استنتاج خاطئ ,يقفز ويتجاوز عن الحقيقة الموضوعية التي تؤكد –عبر الوقائع -على أنه عقد قران
بين الطبقة السائدة والنظام ضمن سقف محدد ال يسمح أبداً بتطوير الديمقراطية والحريات -في
أوساط العمال والفالحين والبورجوازية الصغيرة -من شكلها السياسي إلى مضمونها االجتماعي
والطبقي.
وفي هذا السياق علينا أن نتوقف ونتأمل بوعي نتائج المتغيرات النوعية في بنية النظام الرأسمالي
العالمي خالل العقود الثالثة األخيرة ,وآثارها ليس على قوى االنتاج المادي والسلعي فحسب ,بل آثارها
العميقة على تحويل العلم والمعرفة والتكنولوجيا إلى قوه انتاجية هائلة ,حيث لم تعد األصول الرأسمالية
التقليدية عامالً رئيسياً وحيداً في البنية الرأسمالية في ظل بروز دور تكنولوجيا العلم والمعلومات كقوة انتاجية استطاعت أن تفرض نفسها على مجمل األوضاع االجتماعية والطبقات والمفاهيم في
المجتمعات الرأسمالية بما يزيد من تعزيز "عقد القران" بين الديمقراطية والرأسمالية بعد أن بدأت
التغيرات في بنية الطبقة العاملة ,الصناعية التقليدية (البروليتاريا) لصالح أنواع جديدة من األعمال والتخصصات لدى ذوي الياقات البيضاء من المهندسين والعاملين في قطاعات االنتاج اإللكتروني ,
والمعلومات واالتصاالت.
400
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أخي ارً ..إن الديمقراطية تفترض إلغاء جميع المطلقات ,وفي المقدمة منها عقود "عقد القران",
واحالل محلها مطلق وحيد هو حرية الفكر والرأي في جميع الميادين ,فالديمقراطية ليست سوى تحرير الذهن من أحكام مسبقة مهما كانت ,وبالتالي فإن العلمانية شرط ال مفر منه والبد من أن يترافق
معها ,هذه العلمانية تفترض فصل شؤون الدين كعقيدة فردية عن شؤون الدولة ,واقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي ذي طابع اجتماعي ...مدني بحت ,مع التأكيد على ان الديمقراطية بدون تأمين
وتطبيق مضمونها االجتماعي لمصلحة الفقراء ,فانها تتحول الى ديمقراطية ليبرالية تسخدم جس ار لتكريس التبعية ,وال تتجاوز الحرية فيها حرية قبول قواعد الرأسمالية المعولمة وشروطها ,وفي هذه
الحالة ستؤدي هذه الديمقراطية الليبرالية الى مأزق اجتماعي حاد تخطى "عقد القران" المؤقت بينها
وبين النظام الرأسمالي .
على أي حال ,إن كل ديمقراطية كشكل من أشكال التنظيم السياسي للمجتمع تخدم االنتاج في
النهاية ,وتتحدد في النهاية بالعالقات االنتاجية في مجتمع معين ,ومن ثم فمن الجوهري تقدير
حدته. التطور التاريخي للديمقراطية االجتماعية وعلى طابع الصراع الطبقي ومدى ّ
واأل هم من ذلك أن الديمقراطية في األنظمة الرأسمالية ال يكون لها وجود في الحقيقة إال بالنسبة
ألعضاء الطبقة المسيطرة ,القادرين على الدخول إلى ملعب المنافسة الرأسمالي .فالديمقراطية في
المجتمع البورجوازي – مثال – شكل من أشكال السيطرة الطبقية (وليس عقد قران) من جانب
البورجوازية .وتريد البورجوازية أن تكون الديمقراطية – حتى حد معين – أداة لحكمها السياسي .فهي تضع دستورا ,وتشكل برلمانا وغير ذلك من األجهزة النيابية ,والحريات السياسية الشكلية .ولكن
ص بشتى مكاسب الجماهير الشعبية لالستفادة من كل هذه الحقوق والمؤسسات الديمقراطية تُْنتَقَ ْ الطرق ,حيث يمارس الجهاز البيروقراطي – األمني" -الديمقراطي" لجمهورية بورجوازية أسلوباً معينا يشل النشاط السياسي للعمال وجماهير الفقراء والكادحين ,ويقصيه عن الشؤون السياسية .وليست
هناك ضمانات للحقوق السياسية المعلنة رسميا .ومما يميز الديمقراطية البورجوازية النظام البرلماني
– أي فصل السلطتين التشريعية والتنفذية – مقرونا بنمو متميز نسبيا لألخيرة منهما ,من هنا حرصنا –كمثقفين وقوى يسارية عربية -على تطوير مفهوم الديمقراطية ونقله من طابعه السياسي البرجوازي
الشكلي ,إلى جوهره الحقيقي الذي تتوحد فيه الحريات السياسية جنباً إلى جنب مع قضايا التوزيع العادل للثروة والدخل وتكافئ الفرص والمساواة وكافة اوجه العدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية. .2لماذا العمل السلعي ينشأ اإلستالب ؟ وهل هو من ضروريات استمرار الرأسمال وتوسعه؟
سأتعاطى في اجابتي على هذا السؤال من تشابك وتداخل مفهوم االستالب (وكذلك مفهومي
االغتراب والتشيؤ) مع مفهوم االستغالل حيث يؤدي كل منهما إلى نفس المعنى والمضمون ,وبالتالي
402
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فإن تعريف االستالب أو االستغالل هو :االستيالء على فائض القيمة ,وهي عملية تتم ضمن وسائل
متنوعة من أهمها عملية االنتاج (العمل) السلعي .
يقول ماركس":إن فائض القيمة يجب أن يفهم على أساس افتراض أن السلع تتبادل بقيمتها واال
فلن يفهم أبداً .لكن ماهي السلع؟ هي منتجات العمل التي تتبادل في األسواق .هذه المنتجات نافعة, فهي ذات قيمة استعمال ,وهي قابلة للتداول,فهي ذات قيمة مبادلة.
نشأ اإل نتاج السلعي الرأسمالي تاريخياً من اإلنتاج السلعي البسيط ,ليصبح اإلنتاج لسلع أي
لمنتجات معدة للبيع في السوق ,وليس لالستهالك الشخصي ,وبالتالي فإن أساس اإلنتاج السلعي
الرأسمالي هو العمل المستأجر مقابل أجر ,كما يفترض اإلنتاج الرأسمالي الملكية الخاصة لوسائل
اإل نتاج والتقسيم االجتماعي للعمل .وبقدر تطور التقسيم االجتماعي للعمل سعة وعمقاً يتطور االقتصاد السلعي الرأسمالي وفق الصيغة التالية :نقود -سلعة -نقود أكثر ,من خالل تراكم االستيالء على فائض القيمة ,أو االستغالل أو االستالب الناشئ عن االنتاج السلعي.
إن االستغال ل أو االستالب الرأسمالي يتحقق من خالل حقيقة بسيطة ,هي كون العامل قاد ارً على
خلق قوة عمله ,وعلى تجديدها ,وعلى العمل مدة أطول مما تسمح قوته فعالً.وهكذا تعتبر قوة العمل
سلعة ممتدة ,تجعل الرأسمالي (خاصة في مجتمعاتنا الفقيرة) ,يطيل ساعات العمل أو يزيد من حدة
وكثافة العمل ليحصل على إنتاج أكبر بنفس األجر .والفرق بين ما يحصل عليه العامل من أجر فعالً
وما أنتجه من قيمة فعالً هو فائض القيمة ,يذهب إلى جيوب الرأسمالي وحده.
واذن فالعامل يقدم نوعين من العمل :عمالً أصلياً يتلقى عنه أجره بالكامل وهذا هو العمل
الضروري -وعمالً إضافياً ال يتلقى عنه أج ارً ,وهذا هو العمل الفائض الناجم عن االستالب.
بهذا أتوصل إلى البديهية التي تقول :إن الطابع الفردي للملكية ,والطابع االجتماعي لالنتاج ,
سمة رئيسه من سمات المجتمع الرأسمالي ,وهي تستند بدرجة أساسية إلى االنتاج أو العمل السلعي
وملكية وسائل االنتاج ,التي تحدد بدورها مجمل العالقات االجتماعية في إطار ثنائية تناقض رئيسي بين الملكية الخاصة من جهة ,وبين كل العاملين المنتجين للسلعة من جهة ثانية ,وهذه الثنائية
المتناقضة في المجتمعات الرأسمالية بما تفرزه من شعور لدى العامل بالظلم واالضطهاد وتحول دون تملكه النتاج عمله ,ودون تملكه لحريته واستقالله الذاتي ,أدت إلى توليد وخلق الظروف التي يترعرع
وينشأ فيها الشعور باالستالب ,وطالما استمرت هذه العالقة بين مالك وسائل االنتاج والعمال
المنتجين ,ستظل ظاهرة االستالب قائمة في جوهرها ,على الرغم من تباين اشكالها الخارجية وممارستها المختلفة في ظروف القرن التاسع عشر عن القرن العشرين عن القرن الحادي والعشرين
في إطار تطور الرأسمالية بتأثير التطور الهائل في العلوم والتكنولوجيا واالتصاالت أو ما يعرف بثورة
المعلومات ,التي أفرزت بدورها (في البلدان الرأسمالية المتقدمة) مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الزراعة , ومجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الصناعة ,تمثله الثالثية التاليه :مجتمع المعلومات ,ومجتمع المعرفة 403
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كأهم مورد للتنمية االقتصادية ,ومجتمع التعلم والذكاء البشري ,ومازالت هذه "المجتمعات" محصورة
ضمن ما يعرف بالدول الصناعة الثمانية (.)G 8
لكن على الرغم من تقدم دور التكنولوجيا واالختراعات العلمية والمعرفة في تراكم وتوسع رأس المال
المالي العالمي ,إال أن االنتاج السلعي يظل أحد أهم سمات النظام الرأسمالي عموماً ,وفي البلدان
الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية وبالدنا العربية خصوصاً ,ويظل بالتالي مصد ارً رئيساً
لالستالب واالستغالل ليس على صعيد االستغالل أو االستيالء على القيمة الزائدة من
العامل/البروليتاري من قبل صاحب العمل فحسب ,بل انتشار ظاهرة االستيالء على فائض القيمة للشعوب الفقيرة واالستيالء على ثرواتها ومقدراتها كما هو حال األ وضاع االقتصادية لهذه الشعوب في مرحلة العولمة الراهنة.
فطبقاً لبيانات البنك الدولي عن التنمية في العالم (أو ما اسميه ظاهرة االستالب المعولم) ,فإن
مجموعة الدول منخفضة الدخل بلغ العدد اإلجمالي لسكانها عام 3103نحو 3211مليون نسمة,
من إجمالي سكان العالم البالغ عددهم 7مليار نسمة ,وفى المقابل ,بلغت القيمة الكلية للناتج
اإلجمالي للمجموعة حوالي 3.7تريليون دوالر فقط ,من الناتج العالمي المقدر(عام )3103بنحو
92تريليونا .
وهنا ,من المهم التوقف أمام مظاهر الرأسمالية المتوحشة باألرقام لكي نجسد ابشع معاني
االستالب:
-0الفقراء يزدادون فق ارً 0.3 :مليار نسمة هو عدد الجوعى في العالم ,ينضم إليهم 72مليون سنويا بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود ,وهذه الزيادة في اعداد الجوعى تقابلها
زيادة هائلة في ثروات ,األثرياء الذين ازداد عددهم ليصل عام 3103الى 00.2مليون
شخص مجموع أموالهم تقدر بحوالي 22تريليون دوالر .
-3وعلى صعيد المناطق الجغرافية ال تزال أميركا الشمالية تحتكر القسم األعظم من الثروات وعدد
المليونيرات ,حيث يوجد فيها 2مليون شخص مليونير يملكون نحو 02.2تريليون دوالر. تليها في المركز الثاني أوروبا بعدد مليونيرات بلغ 2.2مليون شخص تقدر ثرواتهم بنحو 02
تريليون دوالر.
-2تنامي الناتج المحلي اإلجمالي العالمي من 26.2تريليون دوالر عام 0662إلى 21.9 تريليون دوالر عام 3119الى 93تريليون دوالر عام 3100يتوزعون على خمسة شرائح
كما يلي :
الشريحة األولى :أغنى 0.2( %31مليار نسمة) يمتلكون %13.7من دخل العالم ,ما يعادل 20.372تريليون $بمعدل $ 29932للفرد سنوياً ,تضم هذه الشريحة
الواليات المتحدة واالتحاد االوروبي واليابان. 404
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الشريحة الثانية :أل 0.2( %31مليار نسمة) التالية يمتلكون %00.7من دخل العالم ,ما يعادل 7.322تريليون $بمعدل $ 2010للفرد سنوياً.
الشريحة الثالثة :أل 0.2( %31مليار نسمة) التالية يمتلكون %3.2من دخل العالم ,ما يعادل 0.239تريليون $أو $0101للفرد سنوياً.
الشريحة الرابعة :أل 0.2( %31مليار نسمة) التالية يمتلكون %0.6من دخل العالم ,ما يعادل 0.071تريليون $أو $120للفرد سنوياً.
الشريحة الخامسة :أفقر 0.2( %31مليار نسمة) التالية يمتلكون %0.2من دخل العالم ,ما يعادل 1.191تريليون $أو $931للفرد سنوياً !!!!.
001 -2دولة فقيرة هو عدد الدول التي يضمها "نادي الفقراء" إذ ارتفع عددها من 32دولة في عام 0670إلى 21دولة في عام 0666وصوالً إلى 001دولة عام .3101فقد تزامن انتصار الليبرالية االقتصادية وسياسات الخصخصة وبيع القطاع العام في الدول الفقيرة مع
ارتفاع مطرد في عدد الفقراء والجوعى.
-2هناك مليار شخص دخلوا في القرن الواحد والعشرين وهم غير قادرين على الق ارءة أو توقيع أسمائهم .ويعيش اليوم 0.2مليار شخص بأقل من دوالر في اليوم و 2مليارات شخص بأقل من دوالرين .وهناك 0.2مليار شخص ال يصل إليهم الماء النظيف و 2مليارات ال تصل
إليهم خدمات المجاري وملياران ال تصل إليهم الكهرباء ,ويوجد في المجتمعات النامة 111
مليون شخص ال يحصلون على الطعام الذي يكفيهم ,بينما هناك 211مليون يعانون,
بصورة مزمنة ,سوء التغذية و 07مليوناً يموتون كل عام من أمراض ال شفاء
منها...باالضافة الى( )37مليون شخص يعانون العبودية على الرغم من نبذها قبل 311
عام.
في ضوء هذه الوقائع ,أصبح من غير الممكن التعاطي مع هذه المتغيرات أو فهمها أو االقتراب
منها دون فهم واستيعاب ظاهرة التخلف والتبعية من جهة ,وظاهرة العولمة الرأسمالية باعتبارها اإلطار
المرجعي لكل هذا االستغالل واالستالب والهيمنة من جهة ثانية.
أخي ارً ,إن رأس المال ال يعرف السكون ,واذا ما تعرض ألي شكل من أشكال التوقف أو السكون,
فإنه يكف عن كونه رأسماالً ,إذ أن الحركة والنشاط الدائمين من خالل عملية االنتاج المادي السلعي, يشكالن المصدر األساسي الوحيد لتراكم رأس المال عبر مراكمة القيمة الزائدة أو فائض القيمة
ق عملية االستغالل (أو االستالب) الذي يتلخص تعريفه في كافة واالستيالء عليها ,ومن ثم تبلور وتحقُ ْ الموسوعات العلمية كما يلي :االستغالل هو االستيالء على فائض القيمة.
405
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بناء على ذلك ,فإن االستالب أو االستغالل يمكن تحديده علمياً حسب كارل ماركس في أنه يتيح ً ِ المستغلّين الذين ينهبون فضل القيمة (القيمة الزائدة) ,والمست َغلَين (بفتح بيناً: فصل معسكرين فصالً ّ الغين) الذين ليس لديهم ما يبيعونه سوى قوة عملهم. ولكن بالرغم من الدور المباشر لالقتصاد في نشوء االستالب أو االستغالل الطبقي ,إال أن
الماركسية تتحدث عن أشكال متعددة من االستالب االجتماعي والديني والسياسي ,وهي أشكال فرعية من األصل االقتصادي أو االستالب األساسي الذي تتعرض له الطبقة العاملة في سياق نمط االنتاج
ررة لإلنسان إلى نشاط السلعي أو الرأسمالي ,حيث يرى ماركس بحق أن العمل يتحول من قوة ُم َح ِّ مستلب أو ُمشتَ َغ ْل في ظروف االنتاج الرأسمالي .
إن مفهوم االستالب – عند ماركس -يرتبط ويتحدد بالتشويه الذي يصيب فكرة حرية العمل التي
تتحول إلى عملية بيع إجباري من العامل إلى صاحب العمل ,حيث يتحول العمل هنا إلى وسيلة للعيش ويفقد مفهوم الحرية الفردية معناه الحقيقي بعد أن أصبح االستالب أو االستغالل هو سيد الموقف ,بعد
ان يتجرد العامل من نتاج عمله ,بل على العكس يصبح نتاج عمل العامل بمثابة قوة معادية تسيطر تماماً عليه ,ألن منتوجه السلعي بات ملكاً لصاحب العمل – الرأسمالي الذي قام بشراء قوة عمل العامل,
وفي هذه المعادلة يتضح فقدان العامل حريته وسلوكه ونشاطه اثناء العمل لحساب تلبية احتياجاته
وأسرته لكي يستمروا أحياء.
إذن االستالب ضرورة من ضرورات استمرار الرأسمال وتوسعه ,ففي النظام الرأسمالي ال يمكن أن
يتحقق التراكم أو الحصول على فائض القيمة ,إال من خالل عمل العامل ,وهذا في حد ذاته ابشع
مظاهر االستالب ,حيث يصبح العمل أ ,الشغل وسيلة وأداة الستالب الذات وقهرها واذاللها في ظل شروط االنتاج الرأسمالي التي تقوم على شراء قوة عمل العامل ,وهنا تجلت عبقرية كارل ماركس حين
أكد أن مملكة الحرية ال يمكن أن تبدأ في الواقع إال حين تنتهي تلك العالقة االستغاللية أو االستالبية
بين العامل ورأس المال ,من خال ل الثورة االشتراكية والقضاء على الملكية الفردية لوسائل االنتاج
وتحويلها إلى ملكية جماعية ديمقراطية ومؤنسنة ,تضمن أن يكون العمل واالنتاج ,خاضعاً للحاجات
اإلنسانية ومعب ارً عنها وعن كرامة االنسان.
.2ما الوسائل الناجعة للتمرد الثوري في مقاومة الحكومات المستبدة واسقاطها؟
الثورة هي نتاج تراكمات بطيئة ومتسارعة وصلت إلى حد القطع أو لحظة الثورة ,أو التغيير
السريع بعيد االثر في هذا الكيان االجتماعي أو ذاك ,بهدف تحطيم أسس وبنية نظام االستبداد
بناء جذرياً وفق األسس الثورية الديمقراطية واالستغالل ,واعادة تنظيم وبناء النظام االجتماعي ً الجديدة. وقد ذهب كارل ماركس ( )0112-0101الى ابعد من ذلك ,فاعتبر الثورة هي القانون العام لسير 406
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الطبيعة والمجتمع ,وهي الوسيلة الوحيدة لحل مشكالته والسيما الجانب االقتصادي الذي يستند عليه,
وينبثق عنه نظام المجتمع في الوجوه االخرى ,السياسية واالجتماعية والثقافية والقانونية واألخالقية
والفلسفية وغيرها ,وذلك انطالقاً من وعي ماركس للدولة الرأسمالية باعتبارها مؤسسة ظالمة اوجدتها ِ المستغلة (بكسر الغين) وهي الطبقة التي تمثل األقلية المهيمنة (عبر المؤسسات الحكومية الطبقة البيروقراطية واألمنية والجيش) لحماية مصالحها االقتصادية على حساب اكثرية الشعب عموماً والشرائح والطبقات الفقيرة خصوصاً ,حفاظاً على الوضع القائم المبني على االستغالل واالستبداد ,ومنع
مطالبتها بحقوقها المشروعة اقتصادياً وسياسياً ,وما ينتج عن ذلك من اتساع الشعور بالظلم
واالستغالل في أوساط األغلبية الساحقة.
من ناحية ثانية ,فإن الثورة ال تنضج بمقدماتها فحسب ,بل تكتمل بتوفير العناصر الموضوعية
للوضع الثوري والعامل الذاتي ووحدتهما معاً ,وهي أيضاً ال يمكن أن تندلع –بالصدفة أو بحفنة من المناضلين المعزولين عن الشعب ,بل بالحزب الثوري الديمق ارطي المؤهل ,الذي يتقدم صفوف الجماهير
الشعبية الفقيرة ,واعياً لمصالحها وتطلعاتها وحامالً لإلجابة على أسئلتها ,ومستعداً للتضحية من أجلها ,واثقاً كل الثقة من االنتصار في مسيرته وتحقيق االهداف التي تأسس من أجلها .
وفي هذا الجانب ,أشير إلى أنه بدون توفر اإلرادة الشعبية وااللتفاف الجماهيري ,يصبح خوض
التمرد الثوري بالعنف الشعبي والمسلح أو بوسائل الضغط الجماهير الديمقراطي ألي حزب أو فصيل
نوعاً من المغامرة ,الن الجماهير منفضة من حوله ,خاصة وان الطليعة ال تناضل نيابة عن جماهيرها, بل بها ,وفي مقدمتها ,فهي من يرعى المناضلين ,ويمدهم بالعون والدعم المادي والمعنوي ,ويخفيهم ويحميهم عند الضرورة ,كما يمدهم بالدماء الجديدة ,ما يجعل انفصال األحزاب الثورية الديمقراطية عن
الجماهير الشعبية – كما هو حالها في مجتمعاتنا -سمة من سمات هبوط وتفكك هذه األحزاب وتراجعها
السياسي والفكري والتنظيمي والجماهيري ,لذلك فان التأييد الجماهيري مسألة أساسية ,إذ إننا – على
سبيل المثال -لن نستطيع تنظيم وانجاح إضراب أو اعتصام أو مظاهرة شعبية ال يقتنع الجمهور بأهدافها أو باألسباب الداعية لتنظيمها.
وفي هذا السياق ,أشير إلى أسباب عجز أحزاب وفصائل اليسار العربي عن إنجاز القضايا األهم
في نضالها الثوري ,وهي على سبيل المثال وليس الحصر:
اوال :عجزت عن بلورة وتفعيل االفكار المركزية التوحيدية العضاءها وكوادرها وقياداتها واقصد
بذلك ,األفكار الوطنية الديمقراطية ,الحداثية العقالنية المستنيرة ,استرشاداً بالفكر
الماركسي ومنهجه الجدلي وصيرورته المتطورة المتجددة.
ثانيا :عجزت عن تشخيص ووعي مكونات واقع بلدانها ( االقتصادي السياسي االجتماعي الثقافي)
ومن ثم عجزت عن ايجاد الحلول او صياغة البديل الديمقراطي الشعبي التوحيدي الجامع
لجماهير الفقراء وكل المضطهدين.
407
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ثالثا :عجزت عن بناء ومراكمة عملية الوعي الثوري في صفوف اعضاءها وكوادرها وقياداتها, ليس بهوية حزبهم الفكرية ,الماركسية ومنهجها المادي الجدلي فحسب ,بل ايضا عجزت
عن توعيتهم بتفاصيل واقعهم الطبقي (االقتصاد ,الصناعة ,الزراعة ,المياه ,البترودوالر ,
الفقر والبطالة والقوى العاملة ,الكومبرادور وبقية الشرائح الراسمالية الرثة والطفيلية ,قضايا المرأة والشباب ,قضايا ومفاهيم الصراع الطبقي والصراع الطائفي والمذهي ,وقضايا التنوير
والحداثة والديمقراطية والتخلف والتبعية والتقدم والثورة....الخ) فالوعي وااليمان الثوري
(العاطفي والعقال ني معاً ) لدى كل رفيقة ورفيق ,بالهوية الفكرية ,وبضرورة تغيير الواقع
المهزوم والثورة عليه ,هما القوة الدافعة الي حزب او فصيل يساري ,وهما ايضا الشرط
الوحيد صوب خروج هذه االحزاب من ازماتها صوب تقدمها وتوسعها وانتشارها في اوساط
جماهيرها على طريق نضالها وانتصارها .
وفي هذا السياق ,البد أن تنطلق الثورة الوطنية الديمقراطية في بالدنا العربية ,من منظور يساري
يضمن تفعيل العالقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية و الثورة االشتراكية ,وذلك على أساس أن
الثورة الوطنية الديمقراطية هي ثورة معادية ومقاومة للوجود االمبريالي الصهيوني ولكل مظاهر التبعية والتخلف ,وكافة قوى اليمين الليبرالي او االسالم السياسي ,انها ثورة تستهدف تحقيق االستقالل
الوطني والسيادة الكاملة على االرض والموارد والتوزيع العادل للثروة والدخل ,وهي ايضا ثورة ضد القوى
البورجوازية وكل مظاهر االستبداد واالفقار واالستغالل الرأسمالي ,وبالتالي فان قيادة الثورة يجب ان
تتوالها الطبقات الشعبية الفقيرة من العمال والفالحين الفقراء ضمن احزاب يسارية ثورية ,بما يضمن
تطبيق أسس ومفاهيم الحداثة والديمقراطية والتقدم ,وفتح سبل التطور الصناعي واالقتصادي وفق
قواعد التخطيط والتنمية المستقلة وتكافؤ الفرص وتحديد الحد االدنى للدخل الذي يضمن تأمين احتياجات اسرة العامل ,وتحديد الحد االعلى للدخل بما ال يزيد عن ثالثة اضعاف دخل العامل المنتج, الى جانب تطوير االوضاع الصحية والتأمينات االجتماعية والثقافية للجماهير الشعبية وتحقيق مبادىء
واليات العدالة االجتماعية الثورية...وهنا بالضبط فان الثورة الوطنية الديمقراطية هي مرحلة انتقالية في
الطريق إلى االشتراكية.
.9يقول يوسف القعيد ":المثقف اآلن ,وردة حمراء في عروة بدلة النظام".
هل أن ارتجاليات المتحذلق المثقف والمتثاقف السياسي ,التي وصلت حد اإلعياء في المنظومات
اإلعالمية ,هي من أجل الترويج لمنابرية الساسة ,مدفوعة الثمن؟
أود في البداية أن اتوقف أمام مفهوم المثقف المتعدد المضامين أو التعريفات ,فالمثقف –وفق
منظوري الفكري والسياسي -هو الحامل لرؤية نظرية ثورية وديمقراطية تلتزم بمصالح وتطلعات الجماهير الشعبية الفقيرة ومستقبلها ,بما يمكنه من صياغة رسالته وبرنامجه في إطار الحزب المنظم 408
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
من ناحية وهو أيضاً المثقف العضوي بالمعنى الجرامشي ,الذي يعمل على إنجاح المشروع السياسي
ش ّكلة من العمال والفالحين الفقراء ,وهو "الداعية" الم َ والمجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية ٌ الم َحِّرض" "صاحب االيدولوجيا" أو حاملها ,المدافع عن قضايا الحقوق والحريات, "االختصاصي" " ٌ الملتزم بالدفاع عن قضية سياسية ,او قيم ثقافية ومجتمعية أو كونية ,بأفكاره أو بكتاباته ومواقفه تجاه
الرأي العام ,هذه صفته ومنهجيته ,بل هذه مشروعيته ومسئوليته تجاه عملية التغيير التي يدعو إليها.
ولعلنا نتفق على ان هذا المفهوم (كما ورد أعاله) ليس مفهوماً مجرداً,وليس عنواناً او فرضية ,بل
هو ملخص منظومة فكرية مكتملة ,تحققت تاريخياً عبر الممارسة في مجتمع معين في مراحل تطوره المختلفة ,وأدت او أسهمت في تغيير العديد من األنماط واألنظمة السياسية عبر دور فعال على مدار التاريخ البشري ,خاصة في عصر النهضة االوروبية حيث الحظنا الدور االول والرئيسي للفالسفة
والمفكرين في نشر مبادئ العقالنية والتنوير والحداثة والثورة ...الخ ,وهذا ما يتوجب أن يمارسه –
وبوعي -المثقف العربي الملتزم بقضايا العقالنية والتقدم والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية في
بالدنا.
أما بالنسبة النحيازي لشمولية مفهوم المثقف ,فإن الشمولية التي أقصدها هنا ال تتناقض مع
عبر عنها مجموعة من المفكرين في تعريفهم للمثقف بأنه " هو اإلنسان الذي يضع التعريفات التي ّ نظرة شاملة لتغيير المجتمع" أو هو المفكر المتميز المسلح بالبصيرة كما يقول ماكس فيبر ,أو هو الذي يمتلك القدرة على النقد االجتماعي والعلمي والسياسي ,أو هو المفكر المتخصص المنتج للمعرفة, وهي تعريفات عامة ال تحرص على تحديد الزاوية أو الموقع الذي ينطلق منه ذلك المثقف في ممارسة
النقد االجتماعي أو السياسي أو في صياغته للنظرة الشاملة للتغيير.
أما الزاوية التي أقصدها ,فهي تتمحور عند الموقع الطبقي بالتحديد ,فهو الغاية والقاعدة المنتجة
والمحددة لكل رؤية فكرية ثقافية أو لكل ممارسة نقدية ,وفي ضوء ذلك تتجلى أهمية استخدام مفاهيم الحداثة و التنوير والعقالنية والثورة الديمقراطية ,في مجابهة أنظمة التبعية والتخلف واالستبداد وشرائحها البيروقراطية الكومبرادورية الحاكمة ,وفي مجابهة الجوانب السلبية لتراثنا ,إذ ال يتولد مفهوم
العقل من ماضوية أو جمود التراث بل من القطيعة المنهجية والمعرفية معه ,وذلك شرط للعقل كعقالنية,
فالعقل هنا ,حسب هذا المفهوم ,هو العقالنية التي تمثل مؤشر ورمز المجتمع الحديث وليس غير ذلك.
جسد في السلوك ,إال إذا انطلقنا من الفعل وخضعنا لمنطقه, بمعنى آخر ,ال يكون العقل عقالنية ,وال ُي َّ من خالل عملية التجريد والتوضيح والتعقيل ,لكي نتمكن من استبدال المنطق الموروث أو سلبياته
المعرفية التراثية الرجعية تحديداً التي تمظهرت وترسخت في مجتمعاتنا منذ القرن الرابع عشر الميالدي, حيث تعيش المجتمعات العربية حالة من المراوحة الفكرية على تراث الغزالي وابن تيمية وابن القيم
الجوزية او ما اسميه التواصل المعرفي مع هذه المحطات السالبة في التراث القديم (خاصة بعد إزاحة ابن رشد وابن خلدون والفارابي والكندي والمعتزلة فرسان العقل في اإلسالم) من جهة والتواصل الحياتي 409
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ص ْت عليه مع األنماط والعالقات االقتصادية واالجتماعية القديمة من جهة ثانية ,وهو تواصل َح ِر َ الطبقات الحاكمة في بالدنا بمختلف أشكالها وأنماطها االقتصادية الريعيه المتخلفة حتى يومنا هذا ,وهو
حرص استهدف دوماً إبقاء الوعي العفوي لألغلبية الساحقة من الناس في حالة من الجهل والتخلف المرتبط بالعشيرة أو الشيخ أو األمير أو الطائفة أو الرئيس الفرد القائد ,بما يضمن استمرار مصالح
الطبقات الحاكمة- ,كما هو الحال في مساحة كبيرة من االنتفاضات العربية راهنا.
وهنا تتبدى أهمية تفعيل واستنهاض دور المثقف في بالدنا لمجابهة وتغيير هذا الواقع ,وهي
عملية مشروطة باستيعاب مفهوم المثقف ودوره في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة .
لذلك أرى ضرورة الجمع بين المثقف حامل الرسالة ,وبين المثقف العضوي الملتزم تنظيمياً ,بحكم
تقاطع أو توحد الرؤيتين في نقطة التقاء هامة ,وهي الوظيفة النقدية للمثقف ,والوظيفة النقدية هنا
تتخطى التبشير أو الرسالة إلى التغيير وتجاوز الواقع ...المهم الزاوية الطبقية التي ينطلق منها المثقف,وبهذا المعنى البد من أن أشير إلى انحسار دور هذا المثقف العضوي الماركسي في بالدنا
بصورة مريعة ومقلقة ,في هذه المرحلة التي تغيرت فيها مراتب القيم ,بحيث باتت القيم السياسية
الهابطة ,والقيم االنتهازية المصلحية ,وقيم النفاق واالستسالم ,والقيم الفردية االنانية ,والقيم االستهالكية التي أصبح لها منظروها من المثقفين االنتهازيين الذين استم أروا كونهم مجرد وردة صفراء
في عروة بدلة النظام/األنظمة.
إن حالة التردي والهبوط الراهنة ,وصلت إلى أكثر من حد االعياء والمرض في المنظومات
اإلعالمية من أجل الترويج لمنابريه الساسة ,مدفوعة الثمن ,والشاهد على ذلك ,انحسار دور المثقف الديمقراطي الثوري في مجتمعاتنا ,على الرغم من االنتفاضات الشعبية العفوية ضد االستبداد والتخلف واالستغالل ,وهو انحسار مريع ومقلق في هذه المرحلة التي –على ما يبدو -تغيرت فيها مراتب القيم
,بحيث باتت األفكار الليبرالية والقيم السياسية الهابطة والقيم االنتهازية المصلحية وقيم النفاق
والقيم االستهالكية ,هي البضاعة الرائجة بتأثير واضح لمنظمات NGO.sالتي نجحت في إغواء واغراء ومن ثم خراب وارتداد اآلالف – من المثقفين واليساريين العرب – عن بداياتهم الفكرية, وأحالمهم الثورية التي يبدو انها كانت مجرد احالم"البورجوازي الصغير" في لحظه من لحظات االنفعال والقلق والخوف من تردي وضعه الطبقي ,ولما حانت فرصة اإلغراء المادي على طبق NGO.sأو
المحتل األجنبي ,سرعان ما تخلى عن االحالم والمبادىء الثورية ومخاطرها بذريعة االعتدال والواقعية , وذهب راكضا او زاحفا صوب االلتحاق بقافلة الليبرالية الجديدة ومقتضياتها في تبرير احتالل بالده
بذريعة الديمقراطية والسالم ,ومن ثم تمهيد الطريق لالعتراف بمشروعية الدولة الصهيونية وتوسعها
وتزايد عدوانيتها في مقابل تفكيك الدولة الوطنية العربية.
على أي حال ,لقد باتت هذه الظواهر المرتدة او االنتهازية جزءا من الحياة السياسية االجتماعية
الفلسطينية والعربية ,وهي ظواهر قديمة ,لكنها تزايدت بصورة غير اعتيادية خالل العقود االربعة 421
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الرث ,و التراجع والهبوط السياسي ما بعد اتفاقات كامب ديفيد الماضية مع تزايد وتائر االنفتاح الليبرالي َّ واوسلو ووادي عربه ,وانهيار االتحاد السوفياتي وهيمنة العولمة االمريكية وغير ذلك من العوامل
الموضوعية ,لكن يظل العامل الذاتي لدى المثقف البورجوازي هو المسألة الحاسمة ,اذ غالباً ما يحدث
أن يبدأ بعضا من المثقفين البورجوازيين عندنا بواكير حياتهم ثوريين أو حالمين وينتهون في أواخر
حياتهم إما مرتدين او خداما للسلطة أو انتهازيين لمن يدفع أكثر أو يائسين من واقعهم ناعين له,
وكأن حركة التاريخ في مجالنا العربي تسير نحو مزيد من الهبوط والتراجع ,بحيث تجعل من االنتهازية
أو النعي خطاباً مفضالً عند هذا البعض.
وهنا أود التأكيد – بال كلل او يأس -على أهمية انحياز المثقف الماركسي لمصالح وأهداف
الطبقات الشعبية الفقيرة ,فاما االشتراكية او البربرية ,إذ أن هذا االنحياز الواعي لالشتراكية ,هو
األساس األول في تحديد جوهر دور المثقف و ماهية موقفه السياسي ,ورؤيته الفكرية أو األيدلوجية وفق ما يتطابق مع تطلعات الطبقات الشعبية وأهدافها المستقبلية ,األمر الذي يفرض –كضرورة
تاريخية راهنة ومستقبلية – أن تبادر قوى وأحزاب اليسار إلعادة بناء أحزابها او بناء احزاب ماركسية ثورية جديدة ,كمدخل وحيد الستعادة دورها وقيادتها لحركة التحرر الوطني الديمقراطي في بلدانها ,من أجل تجاوز وتغيير هذا الواقع المهزوم صوب مستقبل النهوض القومي الديمقراطي ,النقيض –بصورة
كلية -ألفكار ومصالح البورجوازية الشوفينية من ناحية ,والمحمول بتطلعات وأماني الجماهير الشعبية
العربية الفقيرة صوب الحرية والديمقراطية والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية.
420
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
يف الذكرى الثامنة والثالثني ليوم األرض 36 / 2 / 3102 الثالثون من آذار ,ذكرى لها داللتها في تاريخ الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني ,في ذلك
اليوم من عام ,0679هبت الجماهير الفلسطينية في الجليل والنقب ومناطق االحتالل0621 وشاركتها الجماهير الفلسطينية في باقي األراضي المحتلة عام 0697ضد عملية وسياسة المصادرة
لأل راضي التي تقوم بها السلطات اإلسرائيلية ,ووقف الشعب الفلسطيني يدافع عن األرض التي أنجبته واحتضنته عبر آالف السنين ,أعطاها دمه وعرقه وعقله وأودعها أحالمه ,وأعطته مأواه وخبزه
ووطنه وهويته اإلنسانية...
في هذه المناسبة الخالدة ,أدرك كما يدرك معظم ابناء شعبنا ,أن قضيتنا اليوم باتت محكومة
لقيادات سياسية استبدلت المصلحة الوطنية العليا برؤاها وبمصالحها الخاصة ,ففي ظل االنقسام
والصراع بين األخوة األعداء في فلسطين ,وفي ظل الصراع الدموي الهادف الى تفكيك وتجديد تخلف
وتفتيت سوريا وليبيا ومصر والعراق وغيرها ,يتحول "الربيع " العربي الى ربيع امريكي اسرائيلي ,
ويرقص عدونا اإلسرائيلي طربا بهذا المصير الذي لم يستطع تحقيقه في كل حروبه ضدنا ؟؟!!! ,ومرة أخرى نستعيد نحن الفلسطينيون في الذكرى الثامنة والثالثين ليوم األرض ,أطياف ذكريات ماضية ,
ولكن في وضع مؤسف عنوانه "تزايد الصراع بين قطبي الصراع فتح وحماس على السلطة والمصالح " وانسداد األفق السياسي بالنسبة للدولة أو المشروع الوطني ال فرق ,والسؤال هو :ما هي تلك الغنيمة الهائلة التي يتنازع قطبي الصراع المتصادمين عليها؟ ال شيء سوى مزيد من التفكك واالنهيارات
والهزائم ..فالحرب بين الفلسطيني والفلسطيني لن تحقق نص ار ألي منهما ,وانما هزيمة جديدة لمن يزعم انه انتصر ,يؤكد على هذا االستنتاج الواقع الراهن الذي يعيشه أبناء شعبنا في الوطن والشتات.
لكن على الرغم من كل محطات التراجع والهبوط بالثوابت واألهداف الوطنية التحررية والديمقراطية
لشعبنا الفلسطيني ,إال أن قضية األرض وعودة أصحابها من الالجئين الفلسطينيين إليها ,تشكل جوهر القضية الفلسطينية ,كما أنها تمثل التجسيد الكثيف لمأساة الشعب الفلسطيني .إنها تجسيد
سياسي ,ثوري وانساني وأخالقي باعتبارها جوهر الصراع الفلسطيني في إطار الصراع العربي الصهيوني .وبهذا المعنى أضحى الموقف من حق العودة خطاًّ معيارياً على أساسه يمكن قياس
عدالة وجدية أي مشروع مطروح للح ّل السياسي ,وأيضاً قياس مصداقية مواقف القوى السياسية كما األفراد. لذلك فإن المهمة العاجلة أمام الحركة الوطنية الفلسطينية ,أن تعيد النظر في الرؤية
422
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اإلستراتيجية التحررية الديمقراطية ,الوطنية/القومية ببعديها السياسي والمجتمعي ,انطالقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية ,ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي ال يستهدف
فلسطين فحسب ,بل يستهدف –بنفس الدرجة -ضمان السيطرة اإلمبريالية على مقدرات الوطن العربي
واحتجاز تطوره .
وبالتالي ,إذا كان صراعنا نحن الفلسطينيون ضد الدولة الصهيونية هو صراع وجودي ,فهو
أيضاً من أجل فتح أفق الثورة الوطنية الديمقراطية في كل قطر عربي على طريق التوحيد القومي و
التطور و الحداثة و الدمقرطة والعدالة االجتماعية بافاقها االشتراكية .األمر الذي يجعل معالجة ّ متضمنة في المشروع القومي الديمقراطي العربي ,و يؤسس في سياق النهوض المسألة الفلسطينية ّ الشعبي العربي إلى تغيير موازين القوى لحساب مصالح ومستقبل الجماهير الشعبية العربية.
وضمن ذلك ليس من الممكن التفكير بفلسطين ككيان قطري ,و هذا يعني تأكيد الطابع العربي
لفلسطين مقابل " تهويدها" ما يؤكد على أن النضال الفلسطيني ال يمكن أن ينعزل عن عمقه العربي وأن ال آفاق له سوى أن يكون رأس حربة النضال التحرري والديمقراطي العربي كله.
وهذا يعني أن الصراع مع المشروع الصهيوني هو صراع مع النظام الرأسمالي اإلمبريالي من أجل
تغيي ر وتجاوز النظام العربي الكومبرادوري الراهن كمهمة إستراتيجية على طريق النضال من أجل
تحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية وتواصله ضد الوجود األمريكي ,وضد الدولة الصهيونية
وازالتها واقامة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها وحل المسألة اليهودية ضمن هذا المنظور .
انطالقاً من ذلك يمكن أن يصاغ الحل ,على أساس أن فلسطين جزءاً من دولة عربية ديمقراطية
شِّردوا منها بالرغم من كل الصعاب أو "المستحيالت" التي موحدة وأن تتحقق عودة الالجئين الذين ُ يزعمها البعض أن الجماهير الشعبية الفلسطينية التي رسمت بالدم – آالف المرات – خارطة الوطن
عبر نضالها وتضحياتها من أجل حق العودة هي جماهير قادرة -من خالل طليعة ثورية -على
تحقيق حلم االنتصار ....
423
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ً
مراحل تطور الرأمسالية اىل االمربيالية وصوال إىل مرحلة العوملة املتوحشة الراهنة
32 / 2 / 3102 مراحل تطور الرأسمالية الى االمبريالية وصوالً إلى مرحلة العولمة المتوحشة الراهنة (بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة االمبريالية )
تمهيد
منذ اجتياز النظام الرأسمالي العالمي – في العقد التاسع من القرن العشرين -لمرحلة تمركز االنتاج
واالستقطاب والصراع من أجل التوسع في اطار الثنائية القطبية ,وانتقاله الى مرحلة سيادة العولمه وتعمقها لتصبح السمة المركزية للمنظومة الرأسمالية العالمية التي قادتها وحددت مسارها الواليات
المتحدة االمريكية ,عبر هيمنتها االحاديه على نظام العولمة الرأسمالي طوال العقود األربعة الماضية
حيث برز النظام االنتاجي المعولم ساعياً الى مزيد من الهيمنة لكي يفرض نفسه بديالً للنظم
االنتاجية ,الوطنية ,القومية في دول العالم الثالث التي بدأت -وألسباب داخلية وخارجية -تفقد القدرة
على توفير احتياجات شعوبها ,اضافة الى عجزها في مواجهة متطلبات او شروط االقتصاد الراسمالي
المعولم ,وقد ترافق مع هذا التحول االقتصادي ,تغيرات نوعية ,سياسية واجتماعية وايديولوجية في
بلدان األطراف او العالم الثالث بوجه خاص ,عززت انقسامها -كما يقول د .سمير أمين -الى بلدان
توفرت لديها امكانات التصنيع في حدود معينه ,بما يسمح بادخالها الى السوق العالمي وفق شروطه
الجديدة مع بقاءها ضمن دائرة العالم الثالث مثل بعض دول امريكا الالتينية وآسيا ,وبلدان عجزت عن
توفير هذه االمكانيات ,خرجت من اطار العالم الثالث وأصبحت تندرج فيما يسمى ببلدان العالم الرابع
(أو أكثر) ,تتوزع على قارتي افريقيا وآسيا عموماً ,ومعظم بلدان الوطن العربي خصوصاً.
كما شهدت العقود األربعة الماضية ,إنتشا ارً واسعاً الفكار الليبرالية الجديدة ,وقد كشفت األزمة
المالية الراهنة ,أن هناك وجه آخر للحقائق أو الوقائع األمريكية التي تنمو وتتراكم بصورة سلبية,
ستجعل وجه الواليات المتحدة األمريكية في نظر شعوب العالم في بلدان األطراف خصوصاً ,أكثر
بشاعة من وجه النازية في أحط درجاتها وممارستها ,وذلك عبر سياسة "عولمة السالح" وارادة القوة
الباغية التي تمارسها الواليات المتحدة ضد شعوب العالم في أمريكا الالتينية وأفريقيا واسيا وفي بلداننا العربية ,عبر وكيلها االمبريالي الصغير دولة العدو الصهيوني التي تقوم في هذه المرحلة
بممارسة أبشع أدوارها الوظيفية في خدمة المصالح والسياسات االمبريالية األمريكية في بالدنا. 424
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
فإذا كانت السياسة هي تكثيف لالقتصاد ,فإن االضطراب العام الذي يعرفه النظام الرأسمالي هو
تأكيد على صحة مقولة ماركس حول فوضى اإلنتاج باعتبارها قانونا مالزما للرأسمالية من ناحية وهو
أيضا تعبير عما يجري في أسواق المال العالمية من ناحية ثانية ,إذ أن هذا االضطراب (األزمة)
سيوفر بالضرورة مناخاً جديداً لمتغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية هامة على الصعيد العالمي
,كما هو حال التطور التاريخي للبشرية ,فالمتغيرات التي رافقت النمط اإلقطاعي في أوروبا في
القرنين السادس عشر والسابع عشر حتى نهاية القرن الثامن عشر أدت إلى نمو البورجوازية ومن ثم
والدة النمط الرأسمالي باالنسجام مع أفكار وأسس ليبرالية السوق كما صاغها " آدم سميث "
( )0761-0732وفق شعار "دعه يعمل دعه يمر" أو سياسة حرية السوق دون أية قيود ,وقد استمر تطبيق هذه السياسة حتى عام 0636عندما انفجرت األزمة االقتصادية العالمية ,وأدت إلى متغيرات جديدة دفعت إلى االستعانة بآراء "جون ماينارد كينز" ( )0629-0112التي دعت إلى
ضرورة تدخل الدولة في إدارة االقتصاد وتحمل مسئولية التخلص من حاالت الركود االقتصادي خالفاً
للنظرية الليبرالية/الكالسيكية التي تقوم على مبدأ حرية السوق وعدم التدخل,والغاء كافة الرسوم ومفهوم اليد الخفية.
من هنا فإن الدعوة إلى مقاومة عولمة االستسالم ,تمثل أحد أبرز عناوين الصراع العربي الراهن
من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية , -مدركين أن أحد أهم شروط هذا التحدي العربي لهذه الظاهرة هو امتالك تقنيات العصر ومعلوماته وفق مفاهيم العقل والعلم
والحداثة ,في إطار أيدلوجي تقدمي ينتمي إلى الواقع العربي ويتفاعل معه ويعبر عنه في الممارسة
العملية من جهة ,والى االشتراكية والفكر الماركسي كضرورة تاريخية للخالص والتحرر الوطني
والقومي و االجتماعي من جهة أخرى ,إنها مهمة ال تقبل التأجيل ,يتحمل تبعاتها – بشكل مباشر – المثقف التقدمي الملتزم في كل أقطار الوطن العربي ,إذ أنه في ظل استفحال التخلف وعدم تبلور
الحامل االجتماعي الطبقي النقيض للعولمة وتأثيرها المدمر ,ال خيار أمام المثقف العربي سوى أن
يتحمل مسئوليته – في المراحل األولى – منفرداً ,وهذا يستلزم – كخطوة أولى – من كافة األحزاب
والقوى واألطر اليسارية الثورية ,أن تتخطى شروط أزمتها الذاتية ,وأن تخرج من حالة الفوضى والتشتت الفكري والسياسي والتنظيمي الذي يكاد يصل إلى درجة الغربة عن الواقع عبر التوجهات
الليبرالية الهابطة أو العدمية التائهة .
لقد آن األوان الستخدام النظرية والمنهج العلمي استخداماً جدلياً مع الواقع العربي بكل تفاصيله
وخصوصياته ,وذلك على قاعدة االلتزام األيدلوجي من جهة وااللتزام بالديمقراطية كوسيلة ال بد من
نشرها وتعميقها ومأسستها على الصعيد المجتمعي ,وتطويرها من شكلها السياسي أو التعددي الفوقي
إلى جوهرها الشعبي االجتماعي االقتصادي الذي يمثل نقيضاً ألوهام الليبرالية الغربية وشروطها المعولمة من جهة أخرى .
425
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
إن الدعوة لاللتزام بهذه الرؤية وآلياتها ,تستهدف في أحد أهم جوانبها ,وقف حالة اإلحباط
واليأس التي تستشري اآلن في أوساط الطبقات االجتماعية الكادحة والفقيرة ,ومن ثم إعادة تفعيل مشروع النهضة القومي الوحدوي كفكرة مركزية توحيدية في الواقع الشعبي العربي ,ونقله من حالة
السكون أو الجمود الراهنة إلى حالة الحركة والحياة والتجدد ,بما يمكن من تغيير وتجاوز الواقع
الراهن .
والدة الرأسمالية من احشاء النظام االقطاعي في مرحلة تفككه التاريخي :
بدأ تفسخ النظام االقطاعي في أوروبا منذ القرن السادس عشر مع تطور االنتاج السلعي ونمو
السوق الداخلي والخارجي ..الخ ,وكان من أوائل أيدلوجيي البرجوازية ميكافيلي ()0237 – 0296
الذي ذهب إلى أن المجتمع اليتطور تبعاً الرادة خارجية وميتافيزيقية ,وانما وفقاً السباب طبيعية , تضرب جذورها في التاريخ وفي النفسية البشرية والوقائع الملموسة .
وفي مرحلة تشكل العالقات الرأسمالية تأثر الفكر االجتماعي بحركة اإلصالح المناوئة للكنيسة
اإلقطاعية الكاثوليكية ,ومن زعماء هذه الحركة مارثن لوثر ( ) 0229 – 0212وتوماس مونزو
( ) 0232 – 0222اللذان أكدا على فكرة اإلتصال المباشر باهلل دون واسطة الكنيسة ..أيضاً ظهرت
في هذه المرحلة بعض األفكار االشتراكية الطوباوية ,ومن مفكريها توماس مور () 0222 – 0271
الذي أكد في كتابه ( األوتوبيا – أو الكتاب الذهبي ) إلى أن أصل ويالت الشعب هو الملكية الخاصة
التي البد من القضاء عليها في رأيه ,وجاء بعده المفكر اإليطالي ( توماسوكمبانيال )0926-0291
ليؤكد ويطور نفس األفكار الطوباوية في كتابه " مدينة الشمس " ولكن هذه األفكار لم يقدر لها أن
تنتشر بسبب الظروف الموضوعية السائدة في القرن السادس عشر .
ومع تطور انتاج البضاعة والسلع الرأسمالية شرعت البرجوازية في التصدي لسلطة االقطاعيين ,
وطالبت بإلغاء االمتيازات والتقسيمات المراتبية ,وبرز في هذا السياق عدد من المفكرين من أبرزهم
سبينو از( )0977-0923الذي طالب بتأسيس الدولة كتنظيم يخدم مصالح كل الناس ,وجون لوك
( )0712-0923الذي قال بأن الحالة الطبيعية للبشر تتأكد عند سيطرة الحرية والمساواة كمفاهيم أساسية تحكم المجتمع .
وفي القرن 01تطورالفكر االجتماعي في اوروبا تحت راية التنوير في فرنسا ,وكان فولتير
( ) 0771 – 0962من أبرز مفكري التنوير ,أكد على الحق الطبيعي في نقده للنظام اإلقطاعي , وعنده أن القوانين الطبيعية هي قوانين العقل ,فاإلنسان يولد ح ارً واليجب أن يخضع إال لقوانين
الطبيعة.
ومن بين المفكرين أصحاب النزعة الديمقراطية الثورية كان جان جاك روسو ()0771-0703
الذي رأى أن أصل الشرور والتفاوت بين البشر يعود إلى الملكية الخاصة كسبب أولي وحيد فهو 426
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
القائل " إن العداء والكراهية واألنانية بين البشر ,بدأت حينما وضع أول إنسان سياجاً حول قطعة من األرض معلناً أنها ملكيته الخاصة " .
أما الفيلسوف المادي الفرنسي هولباخ ( ) 0716 -0732فنادى بتأسيس دولة أو عقد اجتماعي
قائم على الحرية والملكية واألمن ,وجاء رائد الفلسفة الكالسيكية األلمانية ( كانط )0112 -0732
الذي اعتبر التاريخ تطو ارً للحرية البشرية وبلوغاً لحالة قائمة على العقل ,واعترف بمساواة المواطنين
أمام القانون ,ثم ساهم هيجل ( )0120– 0771بقسط كبير في معالجة المشكالت الفلسفية لتاريخ المجتمع وافترض أن في صلب الكون تقوم " الفكرة المطلقة " الدائمة التطور ,والتي خلقت العالم كله – الطبيعة واإلنسان ,والمجتمع .
ان أهمية الفلسفة السابقة ودورها ,يكمن في توفير المرجعية المعرفية العقالنية والليبرالية
النقيضة للمرجعية المعرفية االرستقراطية ومجمل افكار المجتمع االقطاعي ,ومن ثم شق الطريق للبورجوازية الصاعدة آنذاك وبداية تكون المالمح األولى للطبقة البرجوازية ,كطبقة مالكه لوسائل وأدوات االنتاج ,وقد كان مستوى التطور النسبي لإلنتاج البضاعي ( السلعي ) في أواخر التشكيلة
االقطاعية ,السبب الرئيسي ( عبر االنتاج والتجارة والمرابين والتراكم النقدي ) في نشوء العالقات
.
الرأسمالية
ومع تطور الرأسمالية ,تتطور قوى االنتاج باستمرار ,وما ينتج عن ذلك من تعارض حاد أحياناً بينها وبين عالقات االنتاج القديمة ,وهذا اليعني أن الرأسمالية تستطيع دائماً أن تحل أزماتها الداخلية بما
يضمن استمرار صعودها ,فبالرغم من كل مانالحظه اليوم من تطور هائل وانتشار " واسع " ,إال أن
ذلك اليلغي إطالقاً طبيعة األزمة والتناقضات الداخلية للنظام الرأسمالي منذ وصوله إلى مرحلة
االمبريالية ,في نهاية القرن التاسع عشر ,وامتداده إلى عصرنا الراهن حيث اصبحت العولمة الرأسمالية هي السمة االساسية لإلمبريالية في طورها الجديد ,إن العولمة " صيغة تهدف إلى إعادة صياغة النظم السياسية واالقتصادية السائدة في العالم ,بهدف إخضاع العالم إلرادة كونية واحدة ,
إ نها انفتاح عالمي بال حدود ,وهيمنة بال حدود ,تقوم على حرية حركة رؤوس األموال والمنتجات
والتسليم بسيادة السوق ,وفي العولمة ستصبح دول العالم الثالث ,والوطن العربي تحديداً ( في ظل انظمة الكومبرادور الديني االسالم السياسي أو الليبرالي الرث) ,مجرد مشروعات يتم بواسطتها تدمير السوق الوطني أو القومي ,ولكن كما أن للعولمة مخططاتها ومقوماتها ,فإن لبديل العولمة أو نقيضها مقوماته ,المسألة إذن مرتبطة باللحظة التاريخية الراهنة ,وتطور تراكمات النقيض ,العامل
الذاتي ,الحزب الماركسي الثوري ( في مجتمعاتنا العربية ودول العالم الثالث ) وماستحمله هذه التراكمات من متغيرات نوعية لن تقتصر على الصراع االقتصادي فحسب ,بل ستمتد للصراع السياسي
وااليديولوجي " بشكل متجدد ومستمر سيدفع بالضرورة إلى كسر اندفاعة العولمة الرأسمالية
ومقوماتها ,وهذا يستدعي بالضرورة رؤية واطا ارً جديدين ,على الصعيد الوطني أوالً والقومي ثانياً 427
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
واألممي ثالثاً دون أي انفصام بين هذه العناصر ,لمواجهة هذه الهيمنة المتوحشة ,وتجاوز رموزها وأدواتها الطبقية في كل أرجاء الوطن العربي .
المراحل التاريخية ( األساسية) لتطور الرأسمالية:
من هنا تأتي أهمية الوعي بالمراحل التاريخية لتطور الرأسمالية .وسوف نميز هنا بين خمسة
مراحل أساسية ,جرى فيها ضغط ال هوادة فيه من جانب الرأسمالية العالمية على البالد المتخلفة
لتطويع هذه البالد واخضاعها لشروط نمو الرأسمالية وحركة تراكم رأس المال بالمراكز الصناعية .وهذه
المراحل هي:
-0مرحلة الكشوف الجغرافية .
-3المرحلة المركنتيلية (الرأسمالية التجارية). -2مرحلة الثروة الصناعية. -2مرحلة االستعمار.
-2مرحلة اإلمبريالية.
-9مرحلة العولمة األحادية الرأسمالية .
المرحلة األولى :مرحلة الكشوف الجغرافية :وهي مرحلة التمهيد لنشأة الرأسمالية ,أي فترة
الكشوف الجغرافية التي امتدت من نهاية القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن السابع عشر,
وهي الفترة التي مهدت لتكوين السوق العالمية فيما بعد .عبر اندفاع جحافل من التجار والبحارة
المغامرين في أوروبا (أسبانيا ,البرتغال )..إلى البحار والمحيطات الواسعة لكسر حدة السيطرة التجارية التي كانت تفرضها اإلمبراطورية العثمانية على مبادالت أوروبا مع المناطق الشرقية األفريقية.
ومن هنا ,استهدفت حركة الكشوف الجغرافية التي تمت في هذه المرحلة هدفين رئيسيين-:
-
األول ,هو كسر الحصار التجاري الذي فرضته اإلمبراطورية العثمانية.
الثاني ,هو البحث عن الذهب ومصادره.
وبالفعل تمكن عدد كبير من البحارة المعروفين( ,فاسكودي جاما ,وكريستوفر كولومبس )...بمؤازرة
تمويل ضخم من األمراء وكبار التجار ,من الوصول إلى الهند والعالم الجديد (أمريكا الجنوبية
والشمالية) ,حيث تمكن األوروبيون من نهب موارد هائلة من الذهب والفضة من البالد المكتشفة,
وتكوين مستعمرات للمستوطنين البيض على المناطق الساحلية ,واقامة محطات تجارية فيها. وهكذا استطاعوا من تحويل اتجاهات التجارة الدولية وطرقها لصالحهم .وخالل هذه المرحلة التي مثلت
فجر الرأسمالية المبكر بدأت أولى محاوالت تكييف الهيكل االقتصادي لتلك البالد والمناطق من خالل فرض نمط إنتاج كولونيالي عبودي ,يقوم على إجبار السكان المحليين إلنتاج بعض المنتجات 428
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الزراعية التي كان الطلب عليها قد تزايد في أوروبا ,مثل الدخان والشاي والبن والسكر والقطن
واألصباغ.
ومن المهم هنا ,أن نعي أن وسيلة تكييف هذه المناطق لمتطلبات القارة األوروبية ,كانت هي الغزو الحربي واستخدام القوة والقهر واالبادة الجماعية للسكان وعمليات القرصنة واراقة الدماء.
المرحلة الثانية :المرحلة المركنتيلية (الرأسمالية التجارية) :وهي المرحلة التي تمتد من منتصف
القرن السابع عشر وحتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر ,والتي سيطر فيها رأس المال
التجاري األوروبي على أسواق العالم وظهر فيها ما يسمى بالدول القومية .فقد استطاعت الرأسمالية التجارية من خالل جماعات التجار المغامرين والشركات االحتكارية الكبرى (مثل شركة الهند الشرقية,
وشركة الهند الغربية )...أن تُخضع البالد المفتوحة لعمليات نهب ال رحمة فيها ,وأن تتاجر في أحقر تجارة عرفتها البشرية ,وهي تجارة العبيد الذين كانوا يقتنصون من أفريقيا ,بأبشع وسائل القنص, ويرسلون إلى مزارع السكر والدخان في أمريكا الجنوبية والشمالية وأوروبا.
وقد استطاعت الرأسمالية التجارية بشركاتها العمالقة ومن خالل ما كونته من إمبراطوريات واسعة,
أن تكدس أرباحا ضخمة عن طريق العمل على ترسيخ نمط اإلنتاج الكولونيالي الذي أرسى دعائمه
المستوطنون البيض في فترة الكشوف الجغرافية .وكان من شأن ذلك تحقيق موازين تجارية مواتية
(ذات فائض) لدول القارة األوروبية .وبذلك تمكنت الرأسمالية التجارية أن "تشفط" ذهب وفضة المناطق الشرقية واألفريقية واألمريكية.
والحقيقة ان تلك األرباح والثروات الهائلة التي كونها التجار ,وفرت أحد المصادر الهامة للتراكم
البدائي لرأس المال في مرحلة الثورة الصناعية .وهكذا تمكنت الرأسمالية التجارية من تكييف وتطويع مناطق عبر البحار من خالل رأس المال التجاري ,الذي كان قد نما وتطور في هذه الفترة وهو يقطر
دماً وتفوح منه رائحة السرقة والنخاسة والغش والخداع.
المرحلة الثالثة :مرحلة الثورة الصناعية :بدأت هذه المرحلة مع ظهور رأس المال الصناعي,
وتحققت الثورة الصناعية خالل الفترة الممتدة بين النصف الثاني من القرن الثامن عشر وحتى
سبعينيات القرن التاسع عشر ,مع استمرار المراكز الرأسمالية في تطويع وتكييف المناطق المسيطر
عليها.
فلم تعد حاجة الرأسمالية قاصرة على السكر والدخان والبهارات والتوابل والرق والمعادن النفيسة ,
بل اتسعت لتشمل المواد الخام التي تلزم الستمرار دوران عجالت الصناعة ,والمواد الغذائية (القمح
واللحوم والزبد )...التي تلزم إلطعام سكان المدن والعمال الصناعيين.
ومن ناحية أخرى ,سرعان ما أدى النمو الهائل الذي حدث في المنتجات الصناعية بفضل ثورة
الماكينات إلى ظهور الحاجة للبحث عن منافذ إضافية لهذه المنتجات خارج الحدود القومية للرأسمالية
الصناعية المحلية.
429
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وقد لعبت "ثورة المواصالت" –النقل البحري والسكك الحديدية -وما أتاحته من اتصال بأبعد مناطق
العالم ,دو ار خطي ار في فتح هذه المناطق وغزوها بالمنتجات الصناعية الجديدة .وتشير بعض المصادر ,إلى أن التجارة توسعت خالل الفترة 0611-0131بمعدل أسرع بكثير من معدل نمو اإلنتاج الصناعي ,إذ تضاعفت واحدا وثالثين مرة في تلك الفترة.
وعند هذه المرحلة أُرسيت دعائم تقسيم العمل الدولي غير المتكافئ بين البالد الرأسمالية
الصناعية والمستعمرات وأشباه المستعمرات .ففي ضوء التفاوت الحاد الذي برز بين درجة التطور في قوى اإلنتاج في البالد األوروبية التي دخلت مرحلة الثورة الصناعية ,وبين البالد األخرى عبر البحار,
في افريقيا واسيا وأمريكا الجنوبية والتي ظلت تراوح مكانها وما زالت تعيش في حالة سابقة على الرأسمالية ,وفي ضوء التنافس الضاري على التصدير الخارجي وفتح األسواق الخارجية بالقوة ,وجدت مجموعة البالد األخيرة نفسها أمام جحافل ضخمة من المنتجات المصنعة الرخيصة نسبيا التي تنافس
بشدة اإلنتاج المحلي .وقد أدى ذلك إلى دمار اإلنتاج الحرفي الداخلي .ومن اآلن فصاعدا ,سيفرض على هذه البالد نمط جديد للتخصص ,تقوم بمقتضاه بإنتاج المواد الخام ,الزراعية والمنجمية ,على
أن تستورد في مقابل ذلك المنتجات المصنعة في الغرب الرأسمالي ,وأن تتبع في ذلك سياسة الباب
المفتوح ,أو التجارة الحرة.
وبذلك أدمجت مناطق وراء البحار ,والتي كانت مكتفية ذاتيا وذات بنيان إنتاجي متنوع ,أدمجت في
االقتصاد الرأسمالي العالمي لكي تكون منبعا إلنتاج وتوريد المواد الخام والمواد الغذائية وسوقا واسعة
لتصريف فائض اإلنتاج السلعي الذي كانت تضيق عن استيعابه األسواق المحلية للرأسماليات
الصناعية الغربية.
ومنذ تلك اللحظة التاريخية ,سيتحدد مركز وقوة كل بلد في النظام الرأسمالي العالمي بدرجة نموه
وتفوقه على اآلخرين في التجارة العالمية ,وبموقعه في نظام التخصص وتقسيم العمل الدوليين.
المرحلة الرابعة :مرحلة االستعمار :بدات هذه المرحلة مع دخول الرأسمالية مرحلة االحتكار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ,حيث زادت درجة تركز اإلنتاج ورأس المال ,وأخذت المؤسسات
الصناعية الكبيرة تزيح من أمامها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ,منهية بذلك عصر رأسمالية
المنافسة ,وبرزت قوة رأس المال المالي ,وهو رأسمال يستخدم في الصناعة بصورة أساسية ,وتسيطر عليه البنوك والشركات الصناعية.
فلم تعد مهمة البنوك مجرد التوسط لجمع المدخرات واعادة إقراضها لمن يريد بل "غدت احتكارات
قوية" تجمع تحت أيديها الجزء األكبر من رأس المال النقدي للجماعة ,وتتحكم في جانب من وسائل
اإلنتاج ومصادر المواد األولية.
وبذلك دخلت البنوك في عملية اإلنتاج ,ونفذت إلى الصناعة ,وامتزج رأسمال البنوك برأسمال
الصناعة ,مكونا أقلية مالية هائلة القوة االقتصادية.
431
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وعند هذه المرحلة تحتدم مشكلة فائض رأس المال داخل البالد الرأسمالية الصناعية ,وتنشأ الحاجة
الموضوعية لتصديره .والفائض هنا نسبي وليس مطلقا ,بمعنى أنه ال يعني بأي حال من األحوال ,أن هذه البالد أصبحت تعج بوفرة كبيرة من رؤوس األموال ,ومن ثم ال تحتاج الستثمارها بالداخل في
الصناعة والزراعة والخدمات ,وانما الفائض يعني هنا ,أنه إذا استثمر في الداخل ,فإنه سيؤدي إلى
تدهور معدل الربح .وهنا يسعى الرأسماليون للبحث عن مجاالت خارجية لالستثمار يكون فيها متوسط
معدل الربح أعلى من نظيره في الداخل (.وهذه هي السمة الرئيسية لرأس المال الذي يسعى دوماً للتوسع لمزيد من الربح عبر ممارسة أبشع وسائل االستغالل واالضطهاد لكل الفقراء والكادحين في
بلدانه عموماً وفي بلدان األطراف خصوصاً)
ولهذا فقد شهدت الفترة 0172وحتى عشية اندالع الحرب العالمية األولى ,سباقا محموما ,ولكن
غير متكافئ ,بين الدول الرأسمالية الصناعية في مجال تصدير رؤوس األموال ,ولم تعد بريطانيا
وحدها تستأثر بهذا التصدير وانما سرعان ما شاركها في ذلك فرنسا وألمانيا والواليات المتحدة. فقد أصبح البحث -في هذه المرحلة -عن مغانم جديدة في افريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية من خالل تصدير رأس المال إليها لالستثمار في مجال إنتاج المواد الخام ,أصبح حقالً للتنافس الضاري بين
الدول الرأسمالية الصناعية.
ولهذا فقد تميزت الفترة الممتدة من العقد الثامن من القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية
األولى بصراع محموم بين المراكز الرأسمالية االحتكارية القتسام مناطق العالم وضمان احتوائها للوفاء
بمتطلبات استمرار عمليات تراكم رأس المال في تلك المراكز .يشهد على ذلك أنه في عام 0611كان
%61.2من مساحة افريقيا و %72من مساحة آسيا قد تم اقتسامها بين القوى االستعمارية ,لكن هذا التقسيم لم يكن متكافئا بين هذه القوى ,وهو األمر الذي أجج صراعا محموما فيما بينها ,انتهى
بإشعال الحرب العالمية األولى.
على أن تكييف وتطويع المستعمرات والبالد التابعة على النحو الذي يلبي حاجات تراكم رأس المال
بالمراكز الرأسمالية االستعمارية ,كان يتطلب تحقيق مجموعة هامة من التغيرات الجذرية الداخلية.
وقد تمثلت أهم هذه التغيرات في إدخال نظام الملكية الخاصة لأل راضي الزراعية ,والغاء نظام المقايضة
والتوسع في استخدام النقود ,وانشاء نظام نقدي ومصرفي يخضع آلليات نظام النقد الدولي آنذاك
(قاعدة الذهب) ,والقضاء على نظام الطوائف الحرفية ,وخلق طبقة عاملة أجيرة للعمل في المناجم والمزارع والمشروعات األجنبية بأجور زهيدة ال عالقة لها بمستوى اإلنتاجية.
وفوق هذا وذاك ,العمل على تكوين شرائح وفئات اجتماعية موالية ,ترتبط مصالحها مع المستعمر.
كما استخدمت سياسة إغراق هذه البالد في الديون الخارجية (حالة مصر وتونس والجزائر ,)...إلحكام
السيطرة عليها والتدخل المباشر في شئونها الداخلية ,وفرض االحتالل العسكري عليها فيما بعد. ومن المؤكد ان تلك التغيرات الجذرية وما تمخض عنها من تنظيمات وقوانين وعالقات اقتصادية 430
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
واجتماعية وسياسية ,أصبحت تتكفل فيما بعد بإعادة إنتاج واستمرار تقسيم العمل الدولي الالمتكافئ
بين الرأسمالية المسيطرة والبالد المتخلفة المسيطر عليها.
كان لهذه التغيرات نتائج مدمرة على مستقبل تطور المستعمرات وأشباه المستعمرات والبالد التابعة,
فقد تم تشويه بنيانها اإلنتاجي من خالل نمط التخصص الذي فرض عليها وتم "شفط" فائضها
االقتصادي وحرمانها ,ومن ثم من مصادرها الذاتية للتراكم ,عبر آليات االستثمار األجنبي وحرية
التجارة.
ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية ,وكان اندالعها تجسيما ألزمة كبرى تمر بها منظومة النظام
الرأسمالي ,وانعكاسا للتناقض الشديد الذي تفجر بين القوى االحتكارية في الدول الرأسمالية
الصناعية(.على أثر بروز ألمانيا النازية وسعيها إلى مزيد من السيطرة على األسواق العالمية بقوة السالح)
وما يعنينا هنا أنه في خضم هذه الحرب وما بعدها ,نشأت وتطورت حركات التحرر الوطني في
آسيا وافريقيا وأمريكا الالتينية ,لتؤدي في النهاية إلى الحصول على االستقالل السياسي وخروج
المستعمر ,أو بعبارة اخرى الى إزاحة نظام السيطرة العسكرية والسياسية واإلدارية المباشرة في
المستعمرات وشبه المستعمرات.
المرحلة الخامسة :مرحلة اإلمبريالية :لقد أدركت الرأسمالية العالمية التي تولت قيادتها الواليات
المتحدة األمريكية بعد الحرب العالمية الثانية ,أدركت ان إعادة إنتاج عالقات السيطرة واالستغالل تجاه
الدول المتخلفة سوف يتطلب أشكاال جديدة ,تأخذ بعين االعتبار التغيرات المختلفة التي طرأت على
عالقات القوى النسبية الفاعلة في العالم .وكان الوصول إلى هذه األشكال هو أهم ما عبرت عنه مرحلة اإلمبريالية.
إن السند الرئيسي الذي استندت عليه الرأسمالية العالمية في سعيها الدءوب لتجديد عالقات
التبعية والسيطرة على البالد المتخلفة حديثة االستقالل ,كان يتمثل في استمرارية بقاء الهيكل االقتصادي التابع والمشوه الذي ورثته هذه البالد من الفترة الكولونياليه واالستعمارية ,وما يرتبط بهذا
الهيكل من شرائح وقوى اجتماعية اعتمدت مصالحها وقوتها في المجتمع على دوام هذا الهيكل.
ومهما يكن من أمر ,فإننا لو ألقينا إطاللة سريعة على جوانب الخبرة التاريخية التي تراكمت في
العقود األربعة التي تلت الحرب العالمية الثانية ,لنستخلص منها أهم أدوات اإلمبريالية الجديدة التي
استخدمتها المراكز الرأسمالية الصناعية الستمرار "تكييف" البالد المتخلفة بعد حصولها على استقاللها السياسي ,ألمكننا رصد األدوات التالية: .0
سعت الدول الرأسمالية االستعمارية إلى إيجاد نوع من العالقات الخاصة الثنائية مع
مستعمراتها السابقة.
432
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
.3استخدام سالح ما سمي "بالمعونة االقتصادية" :المعونات الغذائية والهبات والقروض والتسهيالت االئتمانية.
.2خلق روابط متينة مع بعض الفئات والشرائح االجتماعية (من االقطاعين من كبار المالك والتجار ما يسمى بالوجهاء من أبناء العائالت والمخاتير ..الخ) ورجال الحكم من كبار
الموظفين المدنيين والعسكريين (البيروقراطية العيا) حتى يمكن المحافظة على الوضع القائم.
.2استخدام أسلوب المعونات العسكرية التي قدمت لكثير من األنظمة الديكتاتورية والرجعية لحماية وتأمين األمن الداخلي لهذه النظم وقمع أي حركات ثورية بالداخل ,ودمجها ضمن
االستراتيجية العسكرية للرأسمالية العالمية ,من خالل إقامة القواعد العسكرية والدخول في
األحالف واتفاقيات األمن المتبادل.
كانت محصلة هذه األدوات الهامة ,استمرار هذه البالد مجاال مفتوحا أمام الصادرات الصناعية
من البالد الرأسمالية ,ومجاالً مربحا لالستثمارات األجنبية ,ومصد ار غنيا ورخيصا للمواد الخام ولم تتحقق فيها تنمية ذات بال في مجال قواها اإلنتاجية وتنويع بنيانها اإلنتاجي في سياق تكريس مظاهر
وأدوات التخلف والتبعية كما هو حال بلدان النظام العربي الرسمي في هذه المرحلة من تحول الرأسمالية
إلى طور العولمة ,حيث تعمقت تبعية وخضوع الشرائح الطبقية الحاكمة في بالدنا العربية للهيمنة
والشروط األمريكية – اإلسرائيلية ,ما يؤكد على فقدان هذه األنظمة لوعيها الوطني بعد أن فقدت وعيها
القومي ولم يعد لها من هم سوى المزيد من استغالل ونهب ثروات شعوبها التي باتت من شدة معاناتها وحرمانها تتطلع بشوق للمشاركة في تغيير وتجاوز هذا الواقع المهزوم. سادساً :مرحلة العولمة الرأسمالية االحاديه:
لم يعد ثمة خالف على أن المتغيرات العالمية ,النوعية المتدفقة ,التي ميزت العقدين األخيرين
من القرن العشرين ,في السياسة و االقتصاد و التطور العلمي ,شكلت في مجملها واقعاً تاريخياً
معاص ارً و رئيسياً وضع كوكبنا األرضي على عتبة مرحلة جديدة ,في القرن الحادي و العشرين ,لم يعهدها من قبل ,و لم يتنبأ بمعطياتها ووتائرها المتسـارعة أشد الساسة و المفكرين استشرافا أو
تشاؤماً و أقربهم إلى صناع القرار ,خاصة ذلك االنهيار المريع في كل من المنظومة االشتراكية
العالمية و منظومة التحرر القومي من جهة ,و االنحسار أو التراجع المريع أيضاً ,و لكن المؤقت للبنية األيديولوجية أو الفكرية لقوى االشتراكية و التحرر القومي من جهة أخرى ,األمر الذي أخل بكل توازنات القوة و المصالح وفق مفاهيم و أسس الثنائية القطبية التي سادت طوال حقبة الحرب الباردة السابقة ,ووفر معظم مقومات بروز مرحلة األحادية القطبية أو العولمة منذ ثمانينات القرن الماضي,
التي اقترنت باإلمبريالية األمريكية التي استطاعت -حتى تفجر األزمة العالمية المالية في سبتمبر
-3111استكمال فرض هيمنتها على مقدرات هذا الكوكب ,بحكم ادعائها أنها المنتصر الوحيد ,و 433
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بالتالي صاحبة الحق الرئيسي في رسم و تحديد طبيعة و مسار العالقات الدولية في المرحلة الجديدة
وفق آليات ومفاهيم الليبرالية الجديدة .
تطور مفهوم العولمة وآثاره الضارة :
في سياق هذا التحول المادي الهائل الذي انتشر تأثيره في كافة أرجاء كوكبنا األرضي بعد أن
تحررت الرأسمالية العالمية من كل قيود التوسع الالمحدود ,بتأثير هذا التطور النوعي الهائل في
مجال االتصاالت وثورة المعلومات والتكنولوجيا ,وقيام التكتالت االقتصادية العالمية العمالقة ,كان
البد من تطوير وانتاج النظم المعرفية ,السياسية واالقتصادية التي تبرر وتعزز هذا النظام العالمي
األحادي في ظل حالة من القبول أو التكييف السلبي ,بل والمشاركة أحيانا من البلدان األوروبية
واليابان وروسيا االتحادية ,شجعت على تطبيق شروط العولمة ,إضافة الى هذا المناخ العام
المهزوم أو المنكسر في بلدان العالم الثالث أو األطراف ,الذي أصبح جاه ازً لالستقبال واالمتثال للمعطيات السياسية واالقتصادية ,الفكرية والمادية الجديدة عبر أوضاع مأزومة ألنظمة فقدت في
غالبيتها الساحقة وعيها الوطني أو كادت ,وقامت بتمهيد تربة بالدها للبذور التي استنبتها النظام
العالمي " الجديد " تحت عناوين تحرير التجارة العالمية ,إعادة الهيكلة ,والتكيف ,والخصخصة,
باعتبارها أحد الركائز الضرورية الالزمة لتوليد وتفعيل آليات النظام العالمي " الجديد " أو العولمة ,
كظاهرة نشأت في ظروف موضوعية وذاتية –دولية واقليمية -مواتية ,وليس كحتمية تاريخية كما يدعي أو يتذرع أصحابها أو المدافعين عنها الخاضعين لشروطها المذلة ,فالعولمة ليست في حد
ذاتها شكال طارئا من أشكال التطور البشري ,وانما هي امتداد بالمعنى التاريخي والسياسي والمعرفي واالقتصادي لعملية التطور الرأسمالي التي لم تعرف التوقف عن الحركة والصراع والتوسع والنمو ,
المتسارع والبطيء ,منذ مرحلتها الجنينية األولى في القرن الخامس عشر ,الى مرحلة نشوئها في القرن الثامن عشر ,ومن ثم تطورها الى شكلها اإلمبريالي في نهاية القرن التاسع عشر ,هذه
المرحلة التي وصل فيها النظام الرأسمالي طوره اإلمبريالي المعولم الذي يسعى –استنادا الى منطق
إرادة القوة المتوحشة -الى العودة بشعوب العالم الى جوهر وقواعد مرحلة النشوء األولى للرأسمالية
وآلياتها التدميرية القائمة على قواعد المنافسة األنانية التي تضمن هيمنة األقوى لالستيالء على
فائض القيمة المحلي في بالدنا كما في بلدان األطراف جميعا ,باسم الشعار القديم "دعه يعمل دعه
يمر" كدعوة صريحة تستجيب لفكرة الهيمنة التي تشكل اليوم هدف ومحور نشاط المراكز الرأسمالية
المعولمة الراهنة ,ولضمان عملية التوسع االكراهي -بالقوة العسكرية واالحتالل المباشر أو عبر
أنظمة التبعية والخضوع أو كالهما معا -ضد مقدرات شعوب العالم الفقيرة باسم الخصخصة واالنفتاح والليبرالية الجديدة ,ومشهد اإلسالم السياسي في المرحلة الراهنة تحت ستار زائف من الشكل األحـادي
"الديمقراطي" الليبرالي وحقوق اإلنسان ,هدفه الضغط على دول العالم عموما ,والعالم الثالث على وجه الخصوص ,لألخذ بالشروط الجديدة تحت شعار "برامج التصحيح والتكيف" التي تمثل كما يقول 434
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
د.رمزي زكي "أول مشروع أممي ,تقوم به الرأسمالية العالمية في تاريخها إلعادة دمج بلدان العالم الثالث في االقتصاد الرأسمالي من موقع ضعيف ,بما يحقق مزيدا من إضعاف جهاز الدولة ,
وحرمانها من الفائض االقتصادي ,وهما الدعامتان الرئيسيتان اللتان تعتمد عليهما الليبرالية الجديدة".
هذا هو جوهر اإلمبريالية في طورها المعولم في القرن الحادي والعشرين ,وبالتالي فإننا نرى أنه
ليس نظاما دوليا جديدا ,وانما هو امتداد لجوهر العملية الرأسمالية القائم على التوسع واالمتداد ,
وهو أيضا استمرار للصراع في ظروف دولية لم يعد لتوازن القوى فيها أي دور أو مكانة ,ولذلك كان
من الطبيعي أن تقوم الواليات المتحدة األمريكية ومعها االتحاد األوروبي واليابان (الثالثون المعولم
حسب د.سمير أمين) ,بملء الفراغ الناجم عن انهيار التوازنات الدولية السابقة بهذه الصورة االستبدادية المتوحشة.
وبنشوء هذا الفراغ ,السياسي ,االقتصادي ,األيديولوجي ,أصبحت الطريق ممهدة أمام
المخططات التوسعية للرأسمالية صوب المزيـد من السيطرة ,ففي ضـوء وضوح هذه المخططات خالل
الع قود األربعة الماضية تتكشف الطبيعة المتوحشة للرأسمالية المعولمة اليوم على حقيقتها عبر ممارساتها البشعة القائمة على استغالل فائض القيمة لشعوب العالم الفقيرة ,ضد كافة القيم
اإلنسانية الكبرى في العدالة االجتماعية والمساواة ,كما في الثقافة والفكر والحضارة ,وذلك باالستناد
إلى المؤسسات الدولية التي تكرست لخدمة نظام العولمة الرأسمالي الراهن ,وهي :
.0صندوق النقد الدولي الذي يشرف على إدارة النظام النقدي العالمي ويقوم بوضع سياساته وقواعده األساسية ,وذلك بالتنسيق الكامل مع البنك الدولي ,سواء في تطبيق برامج
الخصخصة والتكيف الهيكلي أو في إدارة القروض والفوائد واإلشراف على فتح أسواق البلدان النامية أمام حركة بضائع ورؤوس أموال بلدان المراكز الصناعية .
.3منظمة التجارة العالمية WTOوهي أهم وأخطر مؤسسة من مؤسسات العولمة االقتصادية ,
تقوم اآلن باإلشراف على إدارة النظام التجاري العالمي الهادف الى تحرير التجارة الدولية وازالة العوائق الجمركية ,وتأمين حرية السوق وتنقل البضائع ,بالتنسيق المباشر وعبر دور مركزي
للشركات المتعددة الجنسية .
وفي ضوء هذه السياسات والشروط المحددة من قبل الصندوق والبنك الدوليان من جهة ,ومنظمة
التجارة الدولية من جهة ثانية ,أصبحت السياسة التجارية للدول المستقلة ,وألول مرة في التاريخ
االقتصادي لألمم ,شأنا دوليا ,أو معولما ,وليس عمال من أعمال السيادة الوطنية أو القومية
الخالصة … فعلى النقيض من كل ما كتبه مفكرو العولمة ,المدافعين عن إجراءات الخصخصة
والليبرالية وتحرير التجارة العالمية ,وآثارها اإليجابية على الدول النامية ,فإن النتائج الناجمة عن
اندماج بلدان العالم الثالث في هذه اإلجراءات ,تشير الى تكريس مظاهر التبعية السياسية والمالية
435
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والتجارية والتكنولوجية ,مع تزايد مظاهر اإلفقار والبطالة وتراجع النمو واعاقة عمليات التنمية في هذه البلدان وفقدانها لجوهر استقاللها السياسي واالقتصادي.
لكن تطور التناقضات الناجمة عن سياسات إقتصاد السوق والمنافسة الحرة واالنفتاح بال قيود أمام
حركة رأس المال المالي والسلعي ,ادى إلى نشوء وتراكم عوامل األزمة المالية واالقتصادية التي
تفجرت في سبتمبر /أيلول , 3111األمر الذي يؤذن ببداية مرحلة جديدة _ في إطار النمط
الرأسمالي _ تقوم على حساب أحاديه الهيمنة األمريكية على كوكبنا ,وازاحتها صوب نظام قطبي تعددي في االقتصاد والسياسة العالمية عبرة ادوار جديدة ونسبية لالتحاد األوروبي وروسيا والصين
واليابان والهند والبرازيل في إطار كتل سياسية اقتصادية وقواعد جديدة للعالقات الرأسمالية العالمية
في مرحلة ما بعد األزمة.
أخي ارً ,لقد أقامت الماركسية البرهان العلمي على أن الحل المادي لكافة مشكالت الحياة االجتماعية
إنما ينبع من الحل المادي لمسألة عالقة الوجود االجتماعي ,بالوعي االجتماعي الذي بدوره يمارس
تأثي ارً عكسياً على الوجود االجتماعي ,شرط كشف بشاعة االستغالل الرأسمالي وممارسة عملية التحريض الثوري في أوساط الجماهير الشعبية الفقيرة والكادحة من العمال والفالحين وكافة
المضطهدين والمظلومين ,وذلك عبر المسارعة إلى التقاط لحظة نضوج الظروف الموضوعية للثورة على كل مظاهر وأدوات االستغالل الطبقي وكل أشكال االستبداد والتبعية والتخلف ,وذلك كله مرهون
بتوفير عناصر ومقومات الحزب الماركسي الثوري في كافة أقطار العالم عموماً ,وفي أقطار
ومجتمعات العالم الثالث وبلدان الوطن العربي خصوصاً ,إذ أنه بدون توفر العامل الذاتي /الحزب الماركسي الثوري الممتلك للرؤية السياسية والطبقية الواضحة إلى جانب التحامه واندماجه في أوساط
جماهير الكادحين ,لن يكون هناك أي امكانية النتصار االنتفاضات الشعبية ضد أنظمة االستغالل واالستبداد ,بل ستنجح قوى الثورة المضادة والقوى اللبرالية الرثة وقوى اإلسالم السياسي في قطف
ثمار االنتفاضات العفوية والوصول إلى السلطة وتغيير شكل النظام المستبد بشكل آخر ال يختلف في
جوهره ومضامينه ومصالحه الطبقية عن النظام المخلوع كما جرى في مصر وتونس واليمن وليبيا في
المشهد الراهن .
436
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
يوميات صمود غزة ومقاومتها حلرب االبادة الصهيونية 09 / 7 / 3102 ()0
رسالة من قطاع غزة3102/7/09 ..............
فيما يستمر العدوان الصهيوني على غزة لليوم العاشر ,ويتزايد عدد الشهداء ليصل الى اكثر من
311شهيد و 0211جريح ومئات البيوت والمؤسسات المدمرةوينتشر الدمار والرعب ورائحة الموت
والدم في شوارعها ,يستمر قطاع غزة ( بمخيماته ومدنه وقراه) عنيداً في اصراره على رفع راية هويته
الوطنية بيد ,وسالح الصمود والمجابهة والتحدي باليد االخرى ..ثم يلتقط انفاسه فقط لكي يدفن
مملوء بروح الحقد على الصهاينة واالمريكان وحكام العرب ..وال غرابة في شهدائه وينهض من جديد ً ذلك فغزة سفينة نوح الفلسطينية ,لكنها عاتبه وحزينه من وعلى الفصائل واالحزاب والمثقفين وما
يسمى بالمستقلين وعلى كافة الحركات السياسية الفلسطينية والعربية بمختلف اطيافها من اليمين والوسط واليسار ..وتسألهم جميعا ..ايها الفصائل واالحزاب :يا من تصدحون بشعار "المقاومة
الشعبية"او شعار " التضامن " ..ما الذي تنتظرونه لكي تطبقوا شعاركم هذا في مخيمات ومدن وقرى الضفة الغربية وفي مخيمات سوريا وفي مخيمات لبنان واالردن ؟ اين هي المظاهرات الشعبية في
العواصم العربية ؟ واين هذه المظاهرات للتضامن مع اخوتكم في غزة الجريحة ...اين هي احتجاجاتكم
واعتصاماتكم وتنديداتكم ..؟ ام انكم تنتظرون الجمعة لكي تؤدوا صالة الغائب على غزة ؟ يبدو واضحا
ان عزلتكم عن جماهيركم في الضفة ومخيمات الشتات باتت فجوتها على درجة من االتساع تحول
دون دوركم النضالي ,ودون ممارسة شعار "المقاومة الشعبية" او كما اسميه اضعف االيمان إن لم
يكن –هذا الشعار -مؤش ار على مزيد من هبوطكم وتراجعكم وفقدانكم لمصداقيتكم....في كل االحوال
اقول عاش كفاح ونضال شعبنا الفلسطيني من اجل حريته وعودته ودولته الوطنية المستقلة كاملة
السيادة.....ويا غزة ...كوني مرآة للنور وكوني أبدية.............. ()3
3102/7/09.
إن استعادة هدف الصراع ومواصلته ضد الوجود الصهيوني بكل اشكال ووسائل النضال وصوال الى
تحقيق اهداف شعبنا في الحرية والعودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كاملة السيادة ,هي عملية
استعادة ألصل الصراع ,لكن ال ينبغي علينا استسهال األمر ,فهي ليست عملية ارتجالية وال ميدانا
437
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
للمزايدات ,انه تحدي المستقبل الذي يفرض علينا ثورة في الوعي ,وثورة في االلتحام بالجماهير ,
وثورة في التوسع التنظيمي وأساليب النضال الكفاحية والديمقراطية ,حيث ستفرض هذه األهداف نفسها علينا كتحدي تاريخي ,كي نكون بمستوى التحدي واإلدراك العميق آلليات التاريخ ونطابق بنانا
الفكرية والكفاحية والعلمية معها ,ونصبح بمستوى الغاية الحقيقية المحركة للطاقات والخبرات والضمائر ,وبأننا بمستوى وطن ننتمي إليه ونستحقه ونحن واعون لما نفعل ,بوعي وارادة .. . ()2
3102/7/02
الحديث عن صمود قطاع غزة الفلسطيني بكل مخيماته ومدنه وقراه في مجابهة العدوان الصهيوني ال
يعني على اإلطالق اختالف طبيعة األهداف أو النضال فيه عن أي موقع آخر في مخيمات الدهيشة واليرموك وخان الشيح والنيرب ومار الياس وعين الحلوة وصب ار وشاتيال وبرج البراجنة ونهر البارد
والبداوي ونور شمس واالمعري وشعفاط وقلنديا والثوري والوحدات والبقعة ,وال يختلف عن اي موقع
آخر من المدن الفلسطينية اللد والرملة وحيفا أو النقب أو الخليل او نابلس أو القدس وبيت لحم ..بل
هو امتداد تاريخي عضوي ومعنوي لتلك التجمعات واألهداف النضالية التي توحد شعبنا في الوطن كما
في المنافي مدركا ان االمال واالهداف العظيمة تولد من االالم العظيمة ,وها هو قطاع غزة في اليوم
التاسع لصموده ومقاومته الباسله للعدوان يضم في حضنه الدافىء كل المناضلين من ابناءه الذين
توحدوا في أتون المعركة ضد العدوان الصهيوني مؤكدين بعزائم ال تقهر شعار شعبنا الفلسطيني في
الوطن والمنافي أنه ال خيار أمامنا سوى استمرار النضال الوطني التحرري المقاوم والديمقراطي حتى
تحقيق أهدافنا في الحرية وتقرير المصير والعودة ..ففلسطين ليست يهودية ..ولن تكن إال وطناً ح ارً
مستقالً ,وبدون ذلك سيبقى الخيار المحتوم هو الخيار بين النكبة واالستسالم. ()2
3102/7/02
من أقوال القائد الراحل المؤسس جورج حبش حول رؤيته للصراع مع العدو الصهيوني...
-إننا في حالة صراع مفتوح ,ونضال مستمر ,وصيرورة تاريخية في مواجهة المعتدي ..وليس
مستغرباً أن يظهر على هامش هذه الصيرورة النضالية من يعبث بالحق الفلسطيني بصرف النظر عن األسماء والمسميات ,وكل محاولة للعبث بهذه الحقوق الوطنية عن وعي أو بدون وعي هي بمثابة كوابح سياسية وعملية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني ,وعليه فإن كل المؤتمرات والالءات والوثائق
التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح بفعل تمسك الشعب الفلسطيني بكافة حقوقه
وثوابته .هل استطاعت أوسلو ووثائقها أن تنهي الحق الفلسطيني ,أو تعيد جزءاً من الحق 438
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الفلسطيني؟ إن «إسرائيل» تستطيع أن تقول الءاتها .ولكن كل واحدة من هذه الالءات سيواجهها
شعبنا بضراوة كفاحياً وسياسياً واستراتيجياً ..ويجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية ال تنحصر في عناوين هذه الالءات األربع ..إنما هي األرض والشعب معاً ,أي فلسطين التاريخية .
-أن الصراع مع عدو ,كالصهيونية – واسرائيل – واالمبريالية ,هو صراع تاريخي مفتوح لن
تختزله لحظات انكفاء عابرة ,هذا الفهم يدفع عملياً نحو ضرورة إدارة الصراع بطريقة شمولية, وبصورة يتساند ويتشابك فيها النضال التحرري القومي مع النضال االجتماعي الديمقراطي ,وهذا يعني وعي الديمقراطية كأداة للنهوض وقيم للسلوك والفكر والممارسة لتحرير المجتمع ,فالديمقراطية ,هي
في حد ذاتها ,ليست هي الحل وانما بوابة للحل ,أما الحل فهو قوى المجتمع وحريته القادرة على
تحديد األهداف والطموحات والنضال من أجل تحقيقها. ()2
3102/7/02
القوى الطبقية المهيمنة في الوضع العربي الراهن..............
تتصدر الساحة السياسية العربية مجموعتان تختلفان شكالً رغم جوهرهما الواحد :مجموعة
الرأسماليين ( كومبرادور وطفيليين وبيروقراطية عسكرية ومدنية )المنضوين تحت لواء السلطة أو
أنظمة الحكم ,ومجموعة الرأسماليين المنضوين أو المتنفذين في قيادة حركة اإلخوان المسلمين (رغم
القاعدة الشعبية الفقيرة والبرجوازية الصغيرة لهذه الحركة).وكالهما ال يتناقض مع التحالف االمبريالي
الصهيوني ,أي أن الساحة السياسية العربية مسيطر عليها عملياً من جانب قوة واحدة (عبر
برنامجين :اليمين "العلماني" ,واليمين الديني) وهى الرأسمالية الطفيلية والكومبرادورية بالتحالف مع البيروقراطية الحاكمة ,وكالهما ال يتناقض في الجوهر مع اإلمبريالية والنظام الرأسمالي مع اختالف
زاوية ومرجعية كل فريق عن االخر.
إن هذه القوى الرأسمالية بجناحيها " اليميني العلماني " و" اليميني الديني او االسالم السياسي " –
في كل بلدان الوطن العربي -ال تملك في الواقع مشروعاً حضاريا او ديمقراطيا وطنياً مستقال نقيضاً
للنظام االمبريالي الرأسمالي ,كما أنها ال تملك أيضاً مشروعاً تنموياً ينهي التبعية ويتجاوزها صوب مبدأ االعتماد العربي على الذات ,فالتنمية عندها هي ما تأتي به قوى السوق المفتوح والمبادرات
العشوائية للقطاع الخاص المحلي الكومبرادوري الذي ال يستهدف سوى تحقيق الربح حتى لو كان على حساب دماء الكادحين والفقراء من ابناء الطبقات الشعبية ,إلى جانب حرصهما على تشجيع نشاط
المستثمرين األجانب ,الذي ال يتفق ومتطلبات االقتصاد الوطني والقومي ,بقدر ما يتفق واستراتيجيات الشركات المتعدية الجنسية الكبرى في تحقيق أكبر ربح على الصعيد العالمي في إطار
تطبيق مقولة االستيالء على فائض القيمة لشعوبنا من ناحية وابقاء شعوبنا أسيرة آلليات التخلف 439
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
والتبعية واالستغالل واحتجاز التطور من ناحية ثانية ,في مقابل حرص القوى اإلمبريالية على تقديم
كل مقومات القوه لدولة العدو اإلسرائيلي تكريساً لدورها ووظيفتها في خدمة األهداف اإلمبريالية والنظام الرأسمالي العالمي .وهنا بالضبط يتجلى دور اليسار الثوري عبر المبادرة الى تشكيل البديل الديمقراطي الشعبي القادر على اثبات وجوده وفعاليته في مجابهة مخاطر هذا االستقطاب الثنائي
وازاحته ... ()9
3102/7/02
المهمة العاجلة أمام الحركة الوطنية الفلسطينية ,أن تعيد النظر في الرؤية اإلستراتيجية التحررية
الديمقراطية ,الوطنية/القومية ببعديها السياسي والمجتمعي ,انطالقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية ,ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي ال يستهدف فلسطين فحسب ,بل
يستهدف –بنفس الدرجة -ضمان السيطرة اإلمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره . وبالتالي ,إذا كان صراعنا نحن الفلسطينيون ضد الدولة الصهيونية هو صراع وجودي ,فهو أيضاً من
التطور و أجل فتح أفق الثورة الوطنية الديمقراطية في كل قطر عربي على طريق التوحيد القومي و ّ الحداثة و الدمقرطة والعدالة االجتماعية بافاقها االشتراكية .األمر الذي يجعل معالجة المسألة متضمنة في المشروع القومي الديمقراطي العربي ,و يؤسس في سياق النهوض الشعبي الفلسطينية ّ العربي إلى تغيير موازين القوى لحساب مصالح ومستقبل الجماهير الشعبية العربية .وضمن ذلك ليس
من الممكن التفكير بفلسطين ككيان قطري ,و هذا يعني تأكيد الطابع العربي لفلسطين مقابل " تهويدها" ما يؤكد على أن النضال الفلسطيني ال يمكن أن ينعزل عن عمقه العربي وأن ال آفاق له سوى أن يكون رأس حربة النضال التحرري والديمقراطي العربي كله. ()7
3102/7/02
هل يمكن لليهودي ان يكون يساريا وصهيونيا في آن واحد ؟
ان اإلنسان اليساري الملتزم بمبادئه ,ال يمكن ان يدافع عن الظاهرة ونقيضها في آن واحد ,بمعنى
أنه ال يمكن أن يكون صهيونياً ويسارياً في آن ,اال اذا كان انتهازياً كما هو حال األغلبية الساحقة من لوحة اليسار اليهودي في إسرائيل ,اذ ان اليهودي اليساري (من مختلف االصول والجنسيات) هو فقط
من يرفض المساهمة في اغتصاب فلسطين واضطهاد شعبها من ناحية ويرفض الدور الوظيفي لدولة إسرائيل في خدمة النظام االمبريالي الرأسمالي من ناحية ثانية ,وهو أيضا من يرفض اإلقرار بوجود قومية يهودية او شعب يهودي ,ما يعني بوضوح ان دولة "إسرائيل" نشأت وتأسست وفق مشروع 441
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
أرسمالي امبريالي توسعي حدد لها وظيفتها منذ البدايات األولى للفكرة الصهيونية التي تلفحت او تذرعت – كما تذرع النظام الرأسمالي أيضاً -بالفكرة الدينية او "التوراتية" لتضم في إطارها فسيفساء
واسعة من أجناس بشرية ,من أصول غربية وشرقية ,من أوروبا وأمريكا وروسيا واسيا وافريقيا ,ال وجود ألي رابط اجتماعي او تاريخي بينهم ,ويستحيل انصهارهم في مجتمع متجانس او قومية واحدة,
لكنهم التقوا جميعاً بدوافع ومنطلقات وأهداف تعددت فيها الدرجات والوسائل والغايات ,لخدمة المشروع الرأسمالي العالمي الذي حدد هدفه االستراتيجي من إقامة هذه الدولة" :إسرائيل" تحقيقاً لوظيفة
استهدفت وما زالت ,اغتصاب بالدنا فلسطين أوالً ,ثم اإلسهام في إبقاء تطور شعوبنا العربية محتج ازً في اطار من التبعية والتخلف والخضوع كما هو حالنا اليوم ,حفاظاً على المصالح االمبريالية في وطننا العربي بما يضمن استمرار الهيمنة على مقدراتنا وثروات شعوبنا ويحول دون تطورها او
استنهاضها ,ذلك هو الدور الوظيفي لدولة العدو اإلسرائيلي التي تحولت اليوم الى دولة امبريالية
صغرى تغذيها وتدعمها االمبريالية األم ...الواليات المتحدة األمريكية ...ذلك هو هدف عملية
التطهير العرقي الذي مارسته الحركة الصهيونية على أبناء شعبنا الفلسطيني عشية /02ايار0621/
او النكبة األولى ,التي تؤكد مقدماتها ونتائجها ان الصراع منذ اللحظة األولى كان صراعاً عربياً
صهيونياً. ()1
3102/7/02
غزة -سفينة نوح الفلسطينية -الصامدة المقاومة تتلقى ضربات العدو الصهيوني وتكتم احزانها
وتودع شهداؤها وتحنو على جرحاها وتحتضنهم وحدها لكن كبرياؤها يمنعها من الصراخ ..يا وحدي
...وتسأل -واأللم يعتصر فؤادها -ما الذي جرى النتماؤكم ولثقافتكم الوطنية يا اهلي ..يا اخوتي
..فلسطينيين وعرب ...أما آن لكم ...لبعضكم ...لفصائلكم ...الحزابكم ...لجامعاتكم وجمعياتكم ونواديكم ان تخرجوا عن صمتكم ..تضامنا مع غزة وشهدائها وجرحاها واهلها الصامدين في وجه االلة
العسكرية الصهيونية ... ()6
3102/7/02
قطاع غزة يتعرض االن -ومجددا -لقصف صواريخ وطيران العدو الصهيوني الذي يحاول يائسا
ان ينال من صموده ..خسئتم ايها الصهاينة فالقطاع هو سفينة نوح الفلسطينية التي تحتضن ابناء شعبنا من كل قرى ومدن وبادية فلسطين ,وهو األم الوالدة للهوية الوطنية المتجددة ابدا ..المصقولة
بنار الصمود والتضحيات والشهداء والمقاومة ..غزة الصامدة المقاومة تتلقى ضربات العدو الصهيوني 440
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وتكتم احزانها وتودع شهداؤها وتحنو على جرحاها وتحتضنهم وحدها لكن كبرياؤها يمنعها من الصراخ
..يا وحدي....عاشت فلسطين حرة عربية... ()01
3102/7/02
من هو اإلرهابي؟
هل هو الفلسطيني الذي يناضل من أجل حريته واستقالله وعودته وحياته الكريمة اآلمنة ؟ أم ذلك
العدو الصهيوني الذي اغتصب فلسطين بدواعي مصالح الرأسمالية العالمية دون أي مسوغ أو حق تاريخي فيها على االطالق ,ويمعن في تكريس هذا االغتصاب برفضه القبول بق اررات الشرعية الدولية رغم أن الضحية قد أكرهت على قبول تلك الق اررات في ظل متغيرات واوضاع دولية وعربية عززت
النزعة التوسعية الصهيونية ,وادت إلى هذا االختالل العميق في ميزان القوى لصالح العدو
اإلسرائيلي ,الذي استمر في ضم األراضي الفلسطينية وتجزئتها وتحويلها إلى كانتونات تحاصر الشعب
الفلسطيني من كل جانب رافضا ق اررات الجمعية العامة ومجلس االمن وقرار محكمة الهاي االخير
بخصوص الجدار التوسعي ,من اجل تحقيق هدفه في اذالل شعبنا وفرض االستسالم عليه عبر صور
من اإلرهاب الصهيوني – أكثر انحطاطاً من كل أشكال اإلرهاب النازي والعنصري في التاريخ الحديث, األمر الذي فرض على شعبنا أن يتصدى لهذا اإلرهاب الصهيوني بكل أشكال المقاومة كحق وواجب
وطني أقرته مواثيق الشرعية الدولية ,ما يجعل من المقاومة الفلسطينية من أجل الحرية والعودة هي النقيض الحقيقي لإلرهاب الصهيوني. ()00
3102/7/02
عن النظام العربي....
ان تحول النظام العربي إلى حالة –غير مسبوقة -من العجز والتخاذل والخضوع عززت ضعف
السلطة الفلسطينية وهبوطها وتخاذلها ومن ثم انقسامها ,الذي أدى إلى انقسام الغاية والهدف ,ففي ظل تجزئة الغاية جرى تفكيك أداوت النضال نفسها ,والتخلي عن عناصر القوة والمقاومة والبعد
العربي وتكريس االنقسام المؤسساتي والجغرافي بين الضفة والقطاع ,وما جرى من حصيلة أفقدت
وع َّرته بضمور الغاية وغيابها . الواقع الفلسطيني أسلحته المعنوية َ إن إعادة تأسيس رؤيتنا للصراع ,وما يشبه إعادة التصميم لركائز قضيتا الفلسطينية ,واعادة إنتاجها في الواقع الفلسطيني ,بكل مرتكزاته الثورية ,القومية والوطنية في الداخل والمنافي ,إنما
442
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
يستهدف استعادة روح القضية من براثن الهبوط الفلسطيني الداخلي من ناحية واستعادتها من براثن الهزيمة والخضوع العربي الرسمي من ناحية ثانية .
()03
3102/7/03
طوال ما يقرب من مائة عام مضت ,قدم شعبنا في كل عام من هذه األعوام ,قوافالً من الشهداء
الذين تجاو از مئة ألف شهيد أو يزيد ,وفي هذه المسيرة المتجددة من النضال والصمود واآلالم
والمعاناة ,يواجه شعبنا في قطاع غزة في هذه االيام العدوان الصهيوني ,بروح عالية من التحدي لن
تعرف االستسالم او االذعان على الرغم من تزايد عدد الشهداء الى اكثر من 022شهيد واكثر من
الف جريح واكثر من 311منزل مدمر ,فمع كل هذه التضحيات الغالية يتجدد الجرح الفلسطيني ,لكن
تتجدد معه وحدة هذا الشعب ,وتبدأ الذكريات تنبعث من جديد من داخل شوراع المخيمات في
النصيرات والبريج ورفح وخانيونس وجباليا ومن بين أزقة الشجاعية والزيتون والتفاح ,ومن قلب
المعاناة والفقر والحرمان ,حيث يتوحد أبناء شعبنا الفلسطيني في الشتات والوطن أمام همجية العدو رغم التباعد في المكان ,ذلك أنهم يتنسمون رائحة القرية,البلد ,المدينة ,من عطر الشهداء وجراح
المناضلين ومعاناة شعبنا في المسيرة المتصلة ,حيث تتجدد اآلمال التي لطالما حملها األجداد واآلباء
لكي تبقى الذكرى ويبقى األمل حاف ازً للصمود والمقاومة حتى تحقيق االهداف التي ضحى شهداء شعبنا من اجلها . ()02
310/7/03
واهم كل من يعتقد ان ارادة شعبنا الفلسطيني ستنكسر ....
ها هو قطاع غزة في اليوم السادس لصموده ومقاومته الباسله للعدوان يضم في حضنه الدافىء
كل المناضلين من ابناءه في كتائب القسام وسرايا القدس وابو على مصطفى وشهداء االقصى والمقاومة الوطنية وغيرهم الذين توحدوا في أتون معركة الصمود والمقاومة ضد العدوان الصهيوني مؤكدين بعزائم ال تقهر شعار شعبنا الفلسطيني في الوطن والمنافي أنه ال خيار أمامنا سوى استمرار
النضال الوطني التحرري المقاوم والديمقراطي حتى تحقيق أهدافنا في الحرية وتقرير المصير والعودة..
ففلسطين ليست يهودية ..ولن تكن إال وطناً ح ارً مستقالً ,وكل ذلك يحتم النهوض بالمشروع الوطني الثوري من كبوته وهبوطه ,وبدون ذلك النهوض سيبقى الخيار المحتوم هو الخيار بين النكبة
واالستسالم.
443
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
()02
3102/7/03
إن الوضع الفلسطيني اآلن يفرض علينا المراجعة الجدية الهادئة والمعمقة لكافة األفكار التي
طرحت خالل العقود الثالث الماضية ,بعد أن بات الحل المطروح مذاك والقائم على أساس حل
الدولتين ,أسي ارً للشروط األمريكية اإلسرائيلية ,وبعد ان تحول النظام العربي إلى حالة –غير
مسبوقة -من العجز والتخاذل والخضوع عززت ضعف السلطة الفلسطينية وهبوطها وتخاذلها ومن ثم انقسامها ,الذي أدى إلى انقسام الغاية والهدف ,ففي ظل تجزئة الغاية جرى تفكيك أداوت النضال
نفسها ,والتخلي عن عناصر القوة والمقاومة والبعد العربي وتكريس االنقسام المؤسساتي والجغرافي
وع َّرته بضمور بين الضفة والقطاع ,وما جرى من حصيلة أفقدت الواقع الفلسطيني أسلحته المعنوية َ الغاية وغيابها .
إن إعادة تأسيس رؤيتنا للصراع ,وما يشبه إعادة التصميم لركائز قضيتا الفلسطينية ,واعادة
إنتاجها في الواقع الفلسطيني ,بكل مرتكزاته الثورية ,القومية والوطنية في الداخل والمنافي ,إنما يستهدف استعادة روح القضية من براثن الهبوط الفلسطيني الداخلي من ناحية واستعادتها من براثن
الهزيمة والخضوع العربي الرسمي من ناحية ثانية . ()02
3102/7/03
الفلسطيني وهو يقاوم يسعى إلى الحرية واالنعتاق لكي يشعر باالطمئنان ولكي تنتهي إلى األبد
صفة الضحية التي الزمته حتى اللحظة بسبب المغتصب والقاتل الصهيوني الذي يحاول القضاء على
كل آماله في الحرية والحياة ...فمن هو إذن اإلرهابي؟ الذي يناضل من أجل حريته واستقالله وحياته
الكريمة اآلمنة ؟ أم ذلك العدو الصهيوني الذي اغتصب فلسطين بدواعي مصالح الرأسمالية العالمية دون أي مسوغ أو حق تاريخي فيها على االطالق ,ويمعن في تكريس هذا االغتصاب برفضه القبول بق اررات الشرعية الدولية رغم أن الضحية قد أكرهت على قبول تلك الق اررات في ظل متغيرات واوضاع
دولية وعربية عززت النزعة التوسعية الصهيونية ,وادت إلى هذا االختالل العميق في ميزان القوى لصالح العدو اإلسرائيلي ,الذي استمر في ضم األراضي الفلسطينية وتجزئتها وتحويلها إلى كانتونات
تحاصر الشعب الفلسطيني من كل جانب رافضا ق اررات الجمعية العامة ومجلس االمن وقرار محكمة
الهاي االخير بخصوص الجدار التوسعي ,من اجل تحقيق هدفه في اذالل شعبنا وفرض االستسالم
عليه عبر صور من اإلرهاب الصهيوني – أكثر انحطاطاً من كل أشكال اإلرهاب النازي والعنصري في
التاريخ الحديث ,األمر الذي فرض على شعبنا أن يتصدى لهذا اإلرهاب الصهيوني بكل أشكال 444
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
المقاومة كحق وواجب وطني أقرته مواثيق الشرعية الدولية ,ما يجعل من المقاومة الفلسطينية من أجل الحرية والعودة هي النقيض الحقيقي لإلرهاب الصهيوني. ()09
3102/7/00
رؤية استراتيجية...........
يمكن فهم اصرار العدو اإلسرائيلي على مواصلة حصاره وعدوانه ,ورفضه لمرجعيات الشرعية
الدولية ,واستفراده بشكل ومضمون ما يسمى بالحل المرحلي وفق رؤيته السياسية واألمنية ,التي
تستند إلى خمسة الءات كانت – وما زالت – محسومة صهيونياً ,وهي ال انسحاب من القدس ,ال انسحاب من وادي األردن ,ال إزالة للمستوطنات ,ال عودة لالجئين ,وال للدولة الفلسطينية المستقلة,
التصرف بها انطالقا من ذلك, فالمسألة بحسب ّ التصور الصهيوني أن األرض هي أرض يهودية و ّ األمر الذي يجعل الحكم الذاتي هو الشكل األقصى للسلطة الفلسطينية في إطار دولة يهودية تسيطر
على كل فلسطين (طالما بقيت موازين القوى على ما هي عليه) ,ما يعني بوضوح أن كل حديث عن
إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة في ضوء موازين القوى الراهنة ليس إال نوعاً من الوهم.
لذلك فإن المهمة العاجلة أمام قوى وأحزاب اليسار العربي والفلسطيني ,أن تعيد النظر في الرؤية
اإلستراتيجية التحررية الديمقراطية ,الوطنية/القومية ببعديها السياسي والمجتمعي ,انطالقاً من إعادة احياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية ,ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي ال يستهدف
فلسطين فحسب ,بل يستهدف –بنفس الدرجة -ضمان السيطرة اإلمبريالية على مقدرات الوطن العربي
واحتجاز تطوره ,وتكريس تبعية وتخلف وافقار بلدانه وشعوبه ,وهذا يعني أن الصراع مع المشروع الصهيوني هو صراع مع النظام الرأسمالي اإلمبريالي من أجل تغيير وتجاوز النظام العربي
الكومبرادوري الراهن كمهمة إستراتيجية على طريق النضال من أجل تحقيق أهداف الثورة الوطنية
الديمقراطية وتواصله ضد الوجود االمريكي ,وضد الدولة الصهيونية وازالتها واقامة فلسطين
الديمقراطية لكل سكانها وحل المسألة اليهودية ضمن هذا المنظور . ()07
3102/7/00
ستة وستون عاما مضت على إرتكاب النظام اإلمبريالي الرأسمالي وصنيعته الحركة الصهيونية,
لجريمة ,كانت وما زالت ,من أبشع جرائم العصر الحديث ,جريمة اقتالع معظم أبناء شعبنا العربي
الفلسطيني من أرض وطنه ودياره ,واحالل المغتصبين الصهاينة مكانه بقوة السالح واإلرهاب وتزوير 445
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
حقائق التاريخ ,هكذا تم قيام دولة العدو اإلسرائيلي كدولة وظيفية تستهدف استمرار حالة التجزئة
والتفكيك بين بلدان وشعوب وطننا العربي من ناحية وحماية المصالح الرأسمالية اإلمبريالية التي تقوم على االستيالء والتحكم بمواردنا وثرواتنا من ناحية ثانية ,وبهذا المعنى فإن الصراع يجب أن يخرج
من أحادية الصراع الفلسطيني – اإلسرائيلي ليتخذ مجراه الموضوعي بين كل من الحركة التحررية
العربية التقدمية ,وبين التحالف االمبريالي – الصهيوني ,وفي هذا اإلطار فإن من الطبيعي والحتمي
أيضاً أن يكون لشعبنا الفلسطيني وحركته الوطنية دو ارً طليعياً فيه من أجل تحقيق أهدافه في تقرير المصير والعودة في دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها. ()01
3102/7/00
واهم كل من يعتقد ان ارادة شعبنا الفلسطيني ستنكسر ....
ها هو قطاع غزة في اليوم الخامس لصموده ومقاومته الباسله للعدوان يضم في حضنه الدافىء
كل المناضلين من ابناءه في كتائب القسام وسرايا القدس وابو على مصطفى وشهداء االقصى
والمقاومة الوطنية وغيرهم الذين توحدوا في أتون معركة الصمود والمقاومة ضد العدوان الصهيوني مؤكدين بعزائم ال تقهر شعار شعبنا الفلسطيني في الوطن والمنافي أنه ال خيار أمامنا سوى استمرار
النضال الوطني التحرري المقاوم والديمقراطي حتى تحقيق أهدافنا في الحرية وتقرير المصير والعودة..
ففلسطين ليست يهودية ..ولن تكن إال وطناً ح ارً مستقالً ,في مجتمع عربي حر وديمقراطي موحد.. وكل ذلك يحتم النهوض بالمشروع الوطني الثوري من كبوته وهبوطه ,وبدون ذلك النهوض سيبقى
الخيار المحتوم هو الخيار بين النكبة واالستسالم. ()06
3102/7/00
من الخطاب الوداعي للقائد المؤسس الراحل جورج حبش في المؤتمر السادس للجبهة( تموز
/يوليو ........)3111
في هذا الخطاب الوداعي قال الحكيم حول الوضع السياسي الفلسطيني والعربي " :إن الساحة
الفلسطينية والعربية فيها خندقان واضحان لمن يريد أن يرى ذلك :خندق أمريكا ,أي خندق اإلمبريالية
انضمت لهذا الخندق والصهيونية و(إسرائيل) ,ويؤسفني هنا القول أن القيادة الرسمية لـ م.ت.ف قد ّ بعد اتفاق أوسلو ,مع إدراكي ووعيي للتناقضات القائمة بين تلك القيادة الرسمية و(إسرائيل) ,ولكنها تناقضات أخذت شكل التعارضات الثانوية ,التي يمكن حلها والتعامل معها تحت السقف والرعاية
األمريكية .يقابل ذلك الخندق الذي يعبر عن مصالح أهداف الجماهير الفلسطينية والعربية ,خندق 446
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
الصمود والمقاومة ,خندق قوى الثورة التي تواصل طريق الحرية واالستقالل لتحقيق أهدافنا العادلة. الخندق الذي يسعى لتحقيق مصلحة كل طبقات الشعب الفلسطيني ,الخندق الذي يعرف حقيقة
(إس ارئيل) والصهيونية وحقه في النضال المستمر حتى دحر الصهيونية بالكامل الخندق الذي يؤمن بأن الدولة وتقرير المصير والعودة أهداف مرحلية وليس نهاية المطاف أو الصراع ,وبالتالي فإنه يواصل النضال لتحقيق دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية,التي ستكون جزء من مشروع إقامة
المجتمع العربي الديمقراطي الجديد ,لكي نقدم حالً إنسانياً وديمقراطياً للمسألة اليهودية". ()31
3102/7/00
الحديث عن صمودقطاع غزة الفلسطيني بكل مخيماته ومدنه وقراه في مجابهة العدوان الصهيوني
ال يعني على اإلطالق اختالف طبيعة األهداف أو النضال فيه عن أي موقع آخر في مخيمات
والدهيشة واليرموك وخان الشيح والنيرب ومار الياس وعين الحلوة وصب ار وشاتيال وبرج البراجنة ونهر
البارد والبداوي ونور شمس واالمعري وشعفاط وقلنديا والثوري والوحدات والبقعة ,وال يختلف عن اي موقع آخر من المدن الفلسطينية اللد والرملة وحيفا أو النقب أو الخليل او نابلس أو القدس وبيت
لحم ..بل هو امتداد تاريخي عضوي ومعنوي لتلك التجمعات واألهداف النضالية التي توحد شعبنا في الوطن كما في المنافي مدركا ان االمال واالهداف العظيمة تولد من االالم العظيمة. ()30
3102/7/01
شعبنا الفلسطيني على العهد...............
ان شعبنا الفلسطيني رغم كل ما لحق به من أشكال التشرد والمعاناة والحرمان واللجوء والتشتت
من جهة وممارسات دولة العدو الصهيوني العنصرية النازية العدوانية الهمجية المتواصلة من جهة
أخرى أثبت في كل محطات الصراع ,أنه أقوى من كل المخططات والممارسات العدوانية التي استهدفت تفكيكه وتشريده وتحطيم شعوره العميق بهويته الوطنية والقومية ,وحرصه الدائم على حمايتها
وامتدادها في كل األجيال ,إذ أن ما جرى لشعبنا وحركته الوطنية طوال التاريخ المعاصر من محاوالت
التصفية أو الطمس لهويته وأهدافه الوطنية المشروعة ,في العودة وتقرير المصير والحرية في فلسطين التاريخية ,لم تنجح أبدا في تحطيم اإلجماع الذاتي في أوساط شعبنا على االلتفاف الطوعي
والعفوي حول الفكرة الوطنية التوحيدية المركزية في ذهنيته وممارساته السياسية ,بل على العكس,
فقد كان من أهم نتائج تلك الممارسات العدوانية ,أنها راكمت وبعمق مشاعر الحقد الوطني والطبقي
في أذهان شعبنا ضد كل أشكال العدوان واالستبداد واالضطهاد والحرمان ,التي تعرض لها من العدو 447
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اإلسرائيلي ,و ضد قطبي االنقسام ,وضد مختلف المصادر والقوى العربية والدولية المعادية ,بالرغم
من توزع أبناء شعبنا ,في الجغرافيا الفلسطينية والعربية والدولية ,عبر مجتمعات وعالقات اجتماعية
تختلف باختالف الجغرافيا أو أماكن اللجوء والشتات. ()33
3102/7/6
في اليوم الخامس للعدوان الصهيوني ....غـــــــــزة رغم جراحها وشهدائها تنتصر للمســــــــــتقبل
........
إن مشاعل الحرية والعودة التي أضاءها شهداء شعبنا ومناضليه من أبناء الفقراء والكادحين ,لن
تنطفئ ولن تتوقف مهما تزايدت عدوانية الدولة الصهيونية وحليفها اإلمبريالي ,ومهما تزايدت عمالة
ما يسمى بامراء وملوك العرب الخونة واسيادهم االمريكان والصهاينة الذين يتوهمون انهاء القضية
الفلسطينية وتوطين الالجئين الفلسطينيين او فصل غزة عن الوطن الفلسطيني وشطب هويتنا الوطنية أو وقف نضال شعبنا الوطني التحرري ...وها هو قطاع غزة في اليوم الخامس لصموده ومقاومته الباسله للعدوان يضم في حضنه الدافىء كل المناضلين من ابناءه في كتائب القسام وسرايا القدس
وابو على مصطفى وشهداء االقصى والمقاومة الوطنية وغيرهم الذين توحدوا في أتون المعركة ضد العدوان الصهيوني مؤكدين بعزائم ال تقهر شعار شعبنا الفلسطيني في الوطن والمنافي أنه ال خيار
أمامنا سوى استمرار النضال الوطني التحرري المقاوم والديمقراطي حتى تحقيق أهدافنا في الحرية
وتقرير المصير والعودة ..ففلسطين ليست يهودية ..ولن تكن إال وطناً ح ارً مستقالً ,في مجتمع عربي
حر وديمقراطي موحد ..وكل ذلك يحتم النهوض بالمشروع الوطني الثوري من كبوته وهبوطه ,وبدون
ذلك النهوض سيبقى الخيار المحتوم هو الخيار بين النكبة واالستسالم. ()32
3102/7/1
قطاع غزة يتعرض االن -ومجددا -لقصف صواريخ وطيران العدو الصهيوني الذي يحاول يائسا
ان ينال من صمود ه ..خسئتم ايها الصهاينة فالقطاع هو سفينة نوح الفلسطينية التي تحتضن ابناء شعبنا من كل قرى ومدن وبادية فلسطين ,وهو األم الوالدة للهوية الوطنية المتجددة ابدا
..المصقولة بنار الصمود والتضحيات والشهداء والمقاومة..عاشت فلسطين حرة عربية.
448
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
30 / 7 / 3102
دروس وعرب نضال وصمود قطاع غزة ...
دروس وعبر نضال وصمود قطاع غزة ...بلدان الوطن العربي أمام خيارين ..إما البربرية أو الثورة
االشتراكية......
بعد أسبوعين على العدوان الصهيوني وقصفه الهمجي من البر والبحر والجو ,قطاع غزة يجسد
بصموده ومقاومته ارادة وتطلعات شعبنا الفلسطيني في الوطن والمنافي رغم تزايد التضحيات ودماء
الشهداء الذين وصل عددهم الى 221بينهم 71مواطنا من حي الشجاعية في هذا اليوم ( االحد
الدامي) األكثر دموية وبشاعة منذ بدء العدوان اإلسرائيلي ورغم تزايد عدد الجرحى الى اكثر من
2211جريح...لكن قطاع غزة سرعان ما يحتضن جرحاه ويحنو عليهم ,وسرعان ما يودع الشهداء بفخر واعتزازوكبرياء حاقد على العدو ,ويدفنهم ليبدأ من جديد في مواصلة صموده ومقاومته واضاءة
شموع الثورة لينير الطريق لكل الثوار والمناضلين الفلسطينيين والعرب المؤمنين بأن ال مستقبل
لشعوبنا العربية عموما وجماهيرنا الشعبية الفقيرة خصوصا سوى مواصلة النضال والصراع الثوري والطبقي ضد الوجود االمبريالي الصهيوني ,وضد انظمة التبعية والتخلف واالستبداد واجتثاثها عبر
تفعيل واشعال الثورات الشعبية الديمقراطية بافاقها االشتراكية ,ما يعني بوضوح شديد أن بلدان الوطن
العربي أمام خيارين ..إما البربرية أو الثورة االشتراكية.
الموت لعمالء األمريكان والصهاينة ...عاشت فلسطين حرة عربية ...المجد والخلود لشهداء
فلسطين واألمة العربية ...نعم لمقاومة ودحر الوجود االمريكي الصهيوني ...نعم للثورات الشعبية العربية من أجل اجتثاث أنظمة التخلف والتبعية واالستبداد على طريق تحقيق أهداف الثورة الشعبية
الديمقراطية بآفاقها االشتراكية...
449
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وجهة نظر حول مفهوم الثورة الوطنية/الشعبية الدميقراطية
20 / 1 / 3102
في مجابهة اوضاع الخضوع والتبعية والتخلف واالستبداد واالستغالل واالفقار السائدة في كافة
االنظمة /المجتمعات العربية المحكومة سياسيا وطبقيا من قبل التحالف الكومبرادوري والرأسمالي الرث
والبيروقراطي المدني والعسكري في المرحلة الراهنة ,تتجلى الضرورتين الموضوعية والذاتية الستنهاض فصائل وأحزاب اليسار العربي ,وخروجها من أزماتها وصراعاتها الداخلية لتلبية حاجة
الجماهير الشعبية من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة االجتماعية والمواطنة على طريق انجاز مهام
الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية ,في إطار الرؤية القومية التحررية الديمقراطية والتقدمية
األشمل ,واالنتشار والتوسع في اوساط جماهير العمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين والكادحين
لمراكمة عوامل الثورة السقاط هذه االنظمة وادواتها الطبقية .
فمنذ اكثر من ثالثة عقود ,تتصدر الساحة السياسية العربية حالة استقطاب غير مسبوقة في
التاريخ العربي المعاصر عبر مجموعتان تختلفان شكالً رغم جوهرهما الواحد :مجموعة الرأسماليين
المنضوين تحت لواء السلطة أو أنظمة الحكم ,ومجموعة الرأسماليين المنضوين أو المتنفذين في قيادة
الحركات االسالموية .أي أن المجتمعات العربية وساحاتها السياسية مسيطر عليها عملياً من جانب قوة واحدة ,وهى الرأسمالية التابعة ,الطفيلية والكومبرادورية بالتحالف مع البيروقراطية الحاكمة (عبر
برنامجين :اليمين "العلماني" ,واليمين الديني) وكالهما محكومان –بهذه الدرجة أو تلك -لقاعدة التبعية والتخلف ,كما أن كل منهما ال يتناقض في الشكل أو الجوهر مع اإلمبريالية والنظام الرأسمالي
,األمر الذي يفرض على كافة قوى اليسار الثوري في بالدنا تفعيل جوانب النضال الوطني والصراع
الطبقي وصوال الى مرحلة نضوج عوامل البديل الشعبي ارتباطا بمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية من
منظورنا اليساري الماركسي لهذا المفهوم ,ووفقا لذلك فان هذه الثورة هي استمرار لثورة التحرر
الوطني من جهة وهي استمرار لسيرورة الثورة االشتراكية من جهة ثانية ,انطالقا من العالقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية و الثورة االشتراكية .
فالثورة الوطنية الديمقراطية ترتكز إلى تحالف واسع من الجماهير يضم القوة الرئيسية للتحالف
الثوري المكونة من العمال والفالحين الفقراء ,الى جاتب الشرائح الفقيرة من البورجوازية الصغيرة ,
(حيث ال وجود للبورجوازية الوطنية في بالدنا ,وان وجدت فهي مرتبطة بالبورجوازية الكومبرادورية
الكبيرة) ويخطئ كل من يحاول القفز على المهام الوطنية الديمقراطية والسير رأسا نحو"الثورة االشتراكية" أو كل من يحاول حصر المرحلة الوطنية الديمقراطية في األفق البرجوازي المسدود .فهي تهدف إلى استكمال التحرر الوطني في الميدان االقتصادي االجتماعي ,كما وترمي إلى القيام
451
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بتحوالت طبقية /اجتماعية ثورية تضمن انهاء كل اشكال التبعية لالمبريالية وانهاء هيمنة الكومبرادور والراسمالية الطفيلية واقتصاد السوق في المجتمع لحساب اقتصاد التسيير الذاتي والتعاوني والقطاع
العام والمختلط ,وهذا يعني أن مهامها :
.0تصفية البنية االقتصادية التابعة وتصفية البنية االقتصادية الكومبرادورية ,والغاء سيطرة اقتصاد السوق في الميدان االقتصادي .
.3تصفية البنى اليمينية الليبرالية وبنى االسالم السياسي االقتصادية واالجتماعية والثقافية وتقكيك وازاحة هيمنتها في البناء الفوقي ,وهذا يعني اعادة هيكلة وبناء مؤسسات الدولة
قانونيا وسياسيا وثقافيا بما يتطابق مع المصالح الطبقية لجماهير الفقراء والكادحين في سياق
العمل الدؤوب اللغاء كافة مظاهر التخلف االقتصادي واالجتماعي والثقافي .
.2اعتماد تطبيق مبادىء التنمية المستقلة المعتمدة على الذات في كل قطر عربي ارتباطا بمبدأ االعتماد الجماعي العربي.
وانطالقا من وعينا بان مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية هو مفهوم علمي يرتبط -ارتباطا وثيقا -
بتناقضات الصراع الطبقي والصراع الوطني ,فهي ثورة تحرر وطني مناضلة ومقاومة للوجود االمبريالي الصهيوني من اجل اجتثاثه من بالدنا ..وهي في نفس الزمان والمكان ثورة ديمقراطية ضد أنظمة االستبداد واالستغالل والتبعية تستهدف اسقاطها ومواصلة النضال من اجل استكمال التحرر
والسيادة الوطنية في االقتصاد والسياسة والثقافة وكافة قضايا المجتمع برؤية طبقية تستهدف اساسا مصالح الشرائح الفقيرة وكل الكادحين المضطهدين ,وبرؤية تنموية تقوم على مبدأ التنمية المستقلة
واالعتماد على الذات ,فالثورة الوطنية او الشعبية الديمقرااطية -في اوضاعنا العربية الراهنة -هي الثورة التي تلتزم برؤية وبرامج تجسد مصالح واهداف العمال والفالحين الفقراء وكافة الشرائح الجماهيرية الفقيرة والمضطهدة ,بقيادة الحزب الماركسي الثوري لضمان انجاز المهام الديمقراطية
السياسية واالجتماعية والتنموية االقتصادية وتكريس اسسها وبنيتها التحتية وقاعدتها االنتاجية ,
وفي هذه المرحلة سيتمتع المجتمع بالمعاني الحقيقية للمساواة وتطبيق مفهوم المواطنة والديمقراطية
ببعديها السياسي واالجتماعي طالما أن الجماهيرالشعبية تشارك بشكل ديمقراطي ثوري ملموس من
خالل مندوبيها في هذه العملية ,بما يمكنها أن تتولى بشكل مباشر – عبر الدور الطليعي للحزب
الماركسي الثوري في اطار االئتالف الجبهاوي التقدمي االشتراكي -إدارة شئون المجتمع عموما وبما يؤكد على مراكمة عوامل التطور النهضوي للبنية المادية التحتية في جميع القطاعات االنتاجية
(خاصة قطاعات الصناعة والزراعة واالقتصاد والتقدم التكنولوجي وقطاع الخدمات ) بما يعزز تنمية وتوافق البنية الفوقية مع البنية التحتية ,حيث سيكون التوسع المستمر في اإلنتاج وتحقيق العدالة
450
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
في التوزيع كفيلين بالقضاء على القاعدة المادية للراسمالية واالقتصاد الحر ولكل اشكال المنافسة
والخوف والعوز تمهيدا لالنتقال الى المجتمع االشتراكي.
ووفق هذه الرؤية فان الثورة الوطنية الديمقراطية هي باختصار ثورة وطنية وطبقية مناضلة ضد
كل اشكال التبعية والتخلف واالستغالل واالستبداد ,وضد كافة قوى اليمين الليبرالي او االسالم
السياسي ,فهي ثورة تستهدف تحقيق االستقالل الوطني والسيادة الكاملة على االرض والموارد
والتوزيع العادل للثروة والدخل ,وهي ايضا ثورة ضد القوى البورجوازية وكل مظاهر االستبداد واالفقار واالستغالل الرأسمالي ,وبالتالي فان قيادة الثورة يجب ان تتوالها الطبقات الشعبية الفقيرة من العمال
والفالحين الفقراء بقيادة احزاب يسارية ماركسية ثورية ,بما يضمن تطبيق اسس ومفاهيم الحداثة والتنوير العقالني والديمقراطية والتقدم وفتح سبل التطور الصناعي واالقتصادي وفق قواعد التخطيط
والتنمية المستقلة وتكافؤ الفرص وتحديد الحد االدنى للدخل الذي يضمن تأمين احتياجات اسرة
العامل ,وتحديد الحد االعلى للدخل بما ال يزيد عن خمسة اضعاف دخل العامل المنتج الى جانب تطوير االوضاع الصحية والتأمينات االجتماعية والثقافية والرفاه للجماهير الشعبية وتحقيق مبادىء
واليات العدالة االجتماعية الثورية .
بهذا التوجه في الرؤية والبرامج ,فان الثورة الوطنية الديمقراطية تستهدف القيام بتحوالت نوعية
عريضة ,ديمقراطية ثورية تحقق انهاء البنية الطبقية الرأسمالية وادواتها الطبقية بكل تالوينها
ومسمياتها ومصادرة ثرواتها ,ضمن خطة تستهدف بناء االقتصاد الوطني ,وتحقيق التنمية المستقلة
من خالل :إقامة التعاونيات ,وتطوير وتوسيع الصناعة الوطنية والزراعة المكثفة والتجارة الداخلية
مع دور مركزي للدولة بالنسبة ألولويات التجارة الخارجية ,بما يضمن توفير اسس بناء البنية الفوقية للنظام الثوري الديمقراطي الجديد بالقطيعة مع البنية االمبريالية والطبقية اليمينية السابقة عبر تحطيم
العالقات ما قبل الرأسمالية ,وتصفية التخلف االجتماعي الثقافي جنبا الى جنب مع خطط محو األمية, وتطوير الصحة والتأمين الصحي المجاني للفقراء الى جانب العلم والثقافة الوطنية ببعديهما القومي
واالنساني ,وبناء الجيش الوطني والمؤسسات األخرى التي تخدم أغراض الدولة الوطنية الديمق ارطية .
اخي ار ...إن الثورة الوطنية /الشعبية الديمقراطية يمكن ان ترتكز إلى تحالف واسع من القوى السياسية الملتزمة بهذه الرؤية ,الى جانب التحالف الشعبي الذي يضم إلى جانب العمال والفالحين الفقراء,
الشريحة الفقيرة من البورجوازية الصغيرة (حيث ال وجود للبورجوازية الوطنية في بالدنا ,وان وجدت فهي مرتبطة بالبورجوازية الكومبرادورية الكبيرة) ...وهنا بالضبط فان الثورة الوطنية او الشعبية
الديمقراطية هي مرحلة انتقالية صوب االشتراكية .وبالتالي فان القوى الديمقراطية اليسارية في البلدان العربية ,يجب أن تتوحد أو تأتلف في اطار جبهوي في هذه اللحظة وتكرس كل جهودها من أجل 452
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مراكمة توسعها ونضالها في أوساط جماهيرها – في كل قطر عربي -معلنة استمرار النضال الستكمال مهمات واهداف الثورة الوطنية الديمقراطية من أجل إقامة مجتمع اشتراكي خال من االستغالل ,قائم
على مبادىء ومفاهيم الحداثة ووالعدالة االجتماعية والديمقراطية والعلمانية واالنسانية على طريق تحقيق مهمات واهداف الثورة الوطنية القومية التحررية الديمقراطية على طريق بناء مجتمع عربي
اشتراكي موحد.
453
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عن ابناء الشهداء واجلرحى واصحاب البيوت املدمرة ،وعن خطة اعمار قطاع
غزة وتعثر والدة حكومة الوحدة الوطنية رغم الشروط املذلة للدول املاحنة ..... 9 / 6 / 3102 عن ابناء الشهداء والجرحى واصحاب البيوت المدمرة ,وعن خطة اعمار قطاع غزة وتعثر والدة
حكومة الوحدة الوطنية رغم الشروط المذلة للدول المانحة .....
االثنين 3102/1/39توقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة بعد 20يوما من صموده
ومقاومته الباسلة في مواجهة القصف الهمجي التدميري الذي ادى الى استشهاد اكثر من 3011
شهيد واكثر من 00ألف جريح ,وتدمير اكثر من عشرة االف منزل وشقة ومنشىآت مدنية ,منها
حوالي 2111منزل تدمير كلي ,وأكثر من 221مصنع ومزرعة وورشة تدمي ار كليا وجزئيا....ومنذ ذلك التاريخ لم يلمس ابناء الشهداء أو المتضررين أي خطوة تبشر بقرب تطبيق ما تم االتفاق عليه
من فتح المعابر وازالة الحصار وتوفير اسس مصالحة حقيقية بين قطبي الصراع فتح وحماس وتشكيل
حكومة وحدة وطنية وبداية خطة االعمار من الدول المانحة ( االجنبية والعربية ) دون ان يدرك
البعض ( في الفصائل )الثمن السياسي الذي سيدفعه شعبنا ومشروعنا الوطني مقابل المبالغ المخصصة لالعمار ,وهو ثمن سيكون في حده االدنى مشروطا من كل الدول المانحة بالتأكيد على
ان دفع االموال ليس موقفا انسانيا على االطالق ,بل مقابل تكريس وضمان التهدئة الفلسطينية-
االسرائيلية ووقف كافة " االعمال العدوانية "؛ وتثبيت اسس المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس
بما يضمن سيطرة السلطة الفلسطينية؛ ودعم حكومة الرئيس محمود عباس وشرعيتها واتفاقاتها
المعقودة مع الدولة الصهيونية ,كما سيفرض مؤتمر المانحين – المنوي عقده في - 3102/01/1 الشروط واالليات التي تحظى بثقة الواليات المتحدة والدول المانحة ؛ بما في ذلك رفض أية حلول
مستندة الى المقاومة المسلحة في غزة او في الضفة الغربية؛ انطالقا من الموقف االمريكي والدولي
والعربي الرسمي أن ال حل إال الحل السياسي وبالعودة الى التفاوض مع" إسرائيل"؛ على قاعدة دعم ما يسمى بحل الدولتين للصراع؛ وضمان عدم دخول أسلحة غير شرعية لقطاع غزة؛ ودعم رعاية مصر
للحوار والمصالحة والتهدئة؛ وتشكيل حكومة فلسطينية تحترم االلتزامات واالتفاقات مع دولة العدو
االسرائيلي الى جانب االلتزام باالتفاقات الدولية؛ وكل تلك الشروط وغيرها تجسد الثمن السياسي الذي
يجب ان يدفعه الفلسطيني ( من وجهة نظر امريكا والدول المانحة ) مقابل الوعد بتقديم االموال
الالزمة العادة إعادة إعمار قطاع غزة!!!.
454
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وها هم ابناء وذوي الشهداء ينتظرون – بقلق وحسرة وألم -تطبيق الخطة الكفيلة بتقديم
المعونات والتعويضات الطارئة والمصاريف الدائمة لهم وسبل رعاية ابناء الشهداء بضمان كل مستلزمات الحياة الكريمة لهم وألسرهم وضمان التعليم المجاني بكل مراحله لهم ,كما ينتظر اصحاب
البيوت المدمرة – بكل مشاعر األسى والحزن -البدء الفوري بتطبيق خطة الطوارىء لتوفير منازل مستأجرة او كرافانات مؤقتة تأويهم لحين تطبيق " خطة اعادة االعمار والتعويضات" ,وفي قائمة
االنتظار يتطلع ايضا اصحاب الورش والمصانع والمزارع المدمرة – بنفس المشاعر -الى خطة التعويض واالعمار ليبدأوا اعمالهم ودوراتهم االنتاجية من جديد ,واالسهام في تخفيف مظاهر الفقر
والبطالة التي ارتفعت اليوم في قطاع غزة الى ما ال يقل عن %91من مجموع القوى العاملة ( حوالى
ربع مليون عاطل عن العمل في قطاع غزة يعيلون اكثر من مليون شخص) وكذلك األمر بالنسبة
البناء شعبنا في قطاع غزة الذين طال انتظارهم منذ 7سنوات العادة التيار الكهربائي من خالل اصالح وتقوية طاقة شركة الكهرباء واقامة محطات لتحلية المياه بعد ان اصبح أكثر من %61من
المياه الجوفية في قطاع غزة ال تصلح لالستخدام االدمي يسبب شدة ملوحتها ومرارتها ,وينتظرون
ايضا اعادة اعمار المباني والمؤسسات الحكومية والمساجد والكنائس والمراكز الثقافية...الخ ,كما ينتظرون اصالح شبكات صرف المياه العادمة التي تصب يوميا في بحر غزة ما ال يقل عن 011ألف
متر مكعب يوميا ادت الى تلويث الشاطىء وقتل أو هروب االسماك داخل البحر وحرمان االهالي من
السباحة... ,.فهل تبادر الفصائل واالحزاب والحركات والشخصيات والفعاليات الوطنية الى ممارسة كل اشكال االتحريض في أوساط الجماهير في الضفة وقطاع غزة والشتات بهدف الضغط السياسي
الديمقراطي على قطبي الصراع فتح وحماس النهاء كل رواسب اال نقسام وذيوله صوال الى االتفاق على صيغة وطنية ديمقراطية جامعة تضمن رفض االستسالم للشروط المذلة المطروحة من الواليات المتحدة والدول المانحة ,بمثل ما تضمن بناء النظام السياسي الوطني الديمقراطي الفلسطيني الذي
يوفر اسس مواصلة النضال بكل اشكاله من اجل حرية شعبنا واقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على ارضها وسمائها ومياهها وبحرها ومواردها ومعابرها كحل مرحلي لن يلغي حقوق شعبنا
التاريخية في ارض وطنه.
455
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عن االزمة البنيوية يف أطر احلركة الوطنية الفلسطينية بتياراتها املختلفة واستحقاق البديل الدميقراطي اآلن وفورا......دعوة للحوار......
1 / 6 / 3102
تجلى االختالل التراكمي في موازين القوى ,فلسطينياً على شكل أزمة بنيوية شاملة تضرب في كل
اتجاه .وهكذا وجدت الحركة الوطنية الفلسطينية بتياراتها المختلفة نفسها ,وعلى نحو مفاجئ ,وجهاً لوجه أمام أزمة بنيوية طاحنة ,رغم وضوح مقدمات األزمة ومظاهرها األولية .عبرت األزمة عن ذاتها
عملياً في حقائق أساسية سجلتها الوثيقة السياسية – الصادرة عن المؤتمر الوطني السادس للجبهة
الشعبية كما يلي:
( )0استسالم القيادة الفلسطينية الرسمية التي ربطت خياراتها السياسية بالمشروع األمريكي – اإلسرائيلي ودخلت المفاوضات السياسية بروح وعقلية الواقعية المهزومة.
( )3أزمة قوى المعارضة ,التي لم تتمكن من كبح اندفاعة القيادة الفلسطينية الرسمية ,كما لم تستطع بناء ذاتها على أساس رؤية جديدة تشمل أدائها الفكري والسياسي والتنظيمي
والجماهيري ارتباطاً بتحوالت الصراع ,فازدادت عزلتها وتراجعت مصداقيتها بعد ان عجزت او تراخت عن تفعيل البرنامج المطلبي الديمقراطي المعبر عن هموم وتطلعات جماهيرها.
ما تقدم -,كما تضيف الوثيقة " -يفرض استحقاق البديل الوطني الديمقراطي وشروط قيامه بصورة
قسرية ,حيث إننا أمام لوحة تحكمها تناقضات الصراع التاريخية والراهنة أو التي ال تزال في رحم
المستقبل.لوحة تعبر عن شمولية الصراع وتاريخيته .صراع يديره التحالف االمبريالي الصهيوني والرجعي العربي ,بكل ما يملك من قوة .
ما يعني أن طبيعة الصراع الموضوعية ,والذي نجد انعكاساً له في استمرار مظاهر الصراع,
واحتدام التناقضات مع العدو ,تشير على أن األزمة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية ,هي تعبير عن قصور وعجز العامل الذاتي عن االرتقاء برؤيته وأدائه وممارسته السياسية والفكرية إلى
مستوى استحقاقات وشروط الصراع" .
"هنا تقع مكانة الحالة الديمقراطية في الساحة الفلسطينية والدور التاريخي الذي ينتظرها في هذه
المرحلة الدقيقة حيث سيتقرر غير شأن مصيري ,وتمأل المساحة الفارغة التي ما زالت تنتظر إطارها
التاريخي ,القادر على تقديم الرؤية وتقدير اللحظة والدور والمكانة ومؤهل ليعبر عنهما .
في ضوء المعنى الدقيق المشار إليه ,يمكن قراءة التحديات واألسئلة الكبرى التي تواجه البديل
الوطني الديمقراطي ,واستنتاج أننا أمام عملية عميقة وشاملة تستدعي القطع الجدي مع الفكر السائد,
الذي يحصر مفهوم البديل الديمقراطي في وحدة بعض الفصائل الديمقراطية الفلسطينية .تكمن معضلة
456
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
هذا الفكر في أنه ال يذهب بالمسائل إلى جذورها ,بل يعيد إلى إنتاج األزمة ,ألنه يعود إلى نفس
الذهنية والمفاهيم السياسية التي قادت إلى األزمة .
تأسيساً على هذا الفهم ,يصبح باإلمكان قراءة تجربة التيار الديمقراطي في الساحة الفلسطينية,
وتحديد جذور إخفاقاته وفشله التي تعود في جوهرها إلى تراجعه التراكمي عن تأدية دوره ووظيفته
كبديل وطني ديمقراطي بما يمثله من رؤية سياسية واجتماعية وفكرية وتأدية دوره ووظيفته كبديل
وطني ديمقراطي تاريخي لليمين الفلسطيني بشقيه الليبرالي الرث واالسالم السياسي ,تتجاوز حدود هذا التيار ,لتصيب في النهاية الشعب الفلسطيني الذي فقد ,بسبب إخفاق وعجز التيار الديمقراطي عن
تأدية دوره ووظيفته كبديل تاريخي ,عنصر التوازن المطلوب في حياته السياسية ,تاركاً الفرصة
لذهنية التفرد والهيمنة والهبوط في مستوى معايير األداء ربطاً بغياب الرقيب – المنافس –
البديل...الخ .
وبالتالي فإن الحديث عن البديل الوطني الديمقراطي يفقد علميته ومنطقه حين يبتذل إلى مستوى
النظر لكارثة أوسلو ,والتعامل معها وكأنها نتيجة نهائية أو خيار وحيد ممكن لحركة الصراع
الفلسطيني – الصهيوني ,وبالتالي التأسيس عليها وكأنها منصة االنطالق ألية مهام قادمة .
إن البديل المطلوب ,ال بد وأن يكون من خارج أوسلو ,ألن غير ذلك يضع النضال الوطني
الفلسطيني ضمن دينامية سياسية اجتماعية في منتهى الخطورة ,بحكم القيود والهيمنة التي كرستها
"إسرائيل "في االتفاقات الموقعة وما تفرضه من وقائع مادية ميدانية ,األمر الذي يتيح لها تكريس مصالحها كإطار مرجعي يمكنها من استخدام عناصر تفوقها لتعزيز إنجازاتها من جانب ,وقطع الطريق
على محاوالت النهوض الوطني الفلسطيني من جانب آخر.
بناء على ما تقدم" ,فإن مفهوم البديل الوطني الديمقراطي يعني رؤية الواقع ومستجداته وحركته,
لخدمة الرؤية الشاملة للصراع الوطني التحرري واالجتماعي الديمقراطي .بهذا المعنى ,تتضح فكرة
القطع مع أوسلو كمنهج وخيار التصرف تجاهه كواقع معطى" .
هكذا تستقيم المعادلة وتنسجم -كما تؤكد الوثيقة ,-حيث يتجسد البديل كعملية سياسية -
اجتماعية – اقتصادية – ثقافية – كفاحية نقيضه لكل من المشروع المعادي ,والفكر اليومي العاجز لليمين الفلسطيني.
يستدعي هذا الواقع من كافة القوى اليسارية والديمقراطية"العمل لتخطي الخلل ,الذي حكم ممارسة
المعارضة السياسية ,إلى دور الرافعة وحامل مشروع "البديل الوطني الديمقراطي" .بما هو تعبير عن مشروع وطني تحرري اجتماعي ديمقراطي إيجابي في جوهره ومظهره.
وبالتالي فإن تخطي األزمة التي تعاني منها القوى الديمقراطية الفلسطينية ,مشروط بقدرتها على
إعادة بناء ذاتها ,وفق استحقاقات البديل الوطني الديمقراطي ,واالنتقال بالعملية من المستوى الفصائلي الضيق إلى المستوى الوطني الشامل ,ومن المستوى التنظيمي المحدود إلى مستوى فهمها 457
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
كعملية بنائية ترتقي عبرها القوى الديمقراطية أو التيار الديمقراطي من مستوى الفعل المحدود لبعض
القوى السياسية والشخصيات االجتماعية إلى مستوى الحالة الديمقراطية الشاملة لعموم الشعب
الفلسطيني ,التي بدونها يستحيل ترجمة مفهوم البديل الوطني الديمقراطي .
458
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
رؤية راهنة ومستقبلية عن رؤية ودور القوى اليسارية الثورية الفلسطينية
02 / 6 / 3102 انطالقا من ان فكرة المقاومة (بكل اشكالها) الهادفة إلى هزيمة الدولة الصهيونية تشكل هدفا
استراتيجيا لكل فصائل واحزاب حركة التحرر الوطني العربية أقدم رؤية راهنة ومستقبلية عن دور
القوى اليسارية الثورية الفلسطينية ورؤيتها ومواقفها المطلوبة تجاه الوضع العربي وفق االسس
التالية:
-0ا النطالق من رؤية إستراتيجية تقوم على أن الدولة الصهيونية هي جزء من المشروع
االمبريالي ,وليست كما يزعم البعض أنها "وجدت لتبقى" أو أنها "دولة اليهود" أو "أرضاً
للميعاد" ,فهذه كلها كذبة كبرى استخدمت غطاء ألهداف النظام الرأسمالي ,األمر الذي تثبته وتؤكد عليه حقائق الصراع مع دولة العدو اإلسرائيلي المعنية باإلسهام في الهيمنة على الوطن العربي كونها دولة أنشئت لتحقق وظيفة محددة في خدمة رأس المال االمبريالي ,ما
يعني بوعي وبوضوح التأكيد على إنهاء المشروع الصهيوني ,عبر هزيمة المشروع االمبريالي
في الوطن العربي من ناحية والتأكيد على ضرورة التغيير في الوضع العربي إلنهاء النظم
التابعة كلها من ناحية ثانية.
-3انطالقا من أن التناقض األساسي التناحري مع العدو الصهيوني ,دون تجاوز التناقض مع أنظمة التبعية واالستبداد والتخلف الرجعية العربية باعتباره تناقض سياسي رئيسي ,وال يعني
ذلك أن تقوم القوى الثورية الفلسطينية بمهمة التغيير في البلدان العربية واسقاط األنظمة ,بل
يعني "التحالف مع حركة الجماهير العربية وقواها التقدمية الثورية الديمقراطية إلسقاط أي نظام رجعي أو تابع للحلف اإلمبريالي الصهيوني.
-2ضرورة الترابط المتبادل بين النضال الوطني الفلسطيني والنضال القومي الديمقراطي النهضوي
العربي :فشعار استقاللية العمل والقرار الفلسطينيين شعار سليم عندما تتم ترجمته على قاعدة ضارً إذا قصد حماية الثورة الفلسطينية من األنظمة العربية المشار إليها ,ولكنه يصبح شعا ارً ّا به حصر معركة التحرير بالشعب الفلسطيني.
-2المساهمة في إسقاط نهج التفريط الخيانة ,واقتالع كل تواجد أو نفوذ إمبريالي عسكري أو اقتصادي أو ثقافي من األرض العربية ,وبالتالي المساهمة في تحقيق كامل أهداف الشعوب
والجماهير الشعبية العربية في التحرير والديمقراطية والعدالة االجتماعية واألشتراكية والوحدة. 459
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-2المهمات التنظيمية المركزية األستراتيجية المقترحة للحوار على الصعيد العربي :
أوالً :النضال الجاد من أجل تحقيق وحدة القوى اليسارية على الصعيد القطري .
ثانياً :النضال الجاد من أجل إقامة الجبهة الوطنية التقدمية الديمقراطية على الصعيد القطري.
ثالثاً :النضال الجاد والدؤوب والمثابر وطويل النفس من أجل بناء الحزب الماركسي الثوري العربي قائد الثورة الوطنية الديمقراطية العربية المتصلة بالثورة االشتراكية.
461
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
نظرة حتليلية لواقع التخلف العشائري والنمط شبه الرأمسايل التابع والرث وانتشار الفساد يف جمتمعاتنا العربية....
32 / 6 / 3102 من المهم والضروري في اطار عملية النضال الديمقراطي والصراع الطبقي في مجتمعاتنا العربية ,
متابعة مخاطر النمط شبه الرأسمالي الذي تطور في البلدان العربية عبر عملية االنفتاح والخصخصة
خالل العقود الثالثة الماضية ,وبين النمط القبلي /العائلي ,شبه اإلقطاعي ,الريعي ,الذي ما زال سائداً برواسبه وأدواته الحاكمة أو رموزه االجتماعية ذات الطابع التراثي التقليدي الموروث ,اذ أن هذا النمط
المشوه من العالقات االقتصادية تنعكس آثاره بالضرورة على العالقات االجتماعية العربية بما يعمق
األزمات السياسية واالجتماعية ,واتساعها األفقي والعامودي معاً ,خاصة مع استشراء تراكم الثروات الفردية غير المشروعة ,وأشكال »الثراء السريع« كنتيجة مباشرة لسياسات االنفتاح والخصخصة, والهبوط بالثوابت السياسية واالجتماعية الوطنية ,التي وفرت مقومات ازدهار اقتصاد المحاسيب وأهل
الثقة ,القائم على الصفقات والرشوة والعموالت بأنواعها ,وهذه الظاهرة شكلت بدورها ,المدخل الرئيسي لتضخم ظاهرة الفساد بكل أنواعه ,في السياسة واالقتصاد واالجهزة البيروقراطية االدارية واالمنية
والعالقات االجتماعية ,حيث تراكم وانتشر الفساد الكبير -منذ عقود طويلة -لدى "كبار المسئولين من الحكام واالمراء والمشايخ والوزراء ومعظم وكالء الو ازرات والمديرين ,ثم تكرست مرحلة الفساد
الصغير وانتشرت افقيا بمساحات واسعة في صفوف صغار الموظفين ورجال الشرطة واالمن وغيرهم , بحيث اصبحت الواسطة والوسائل غير المشروعة ,هي القاعدة في التعامل ضمن إطار أهل الثقة أو
المحاسيب ,بعيداً عن أهل الكفاءة والخبرة ,ودونما أي اعتبار هام للقانون العام والمصالح الوطنية والمجتمعية ,مما يحول دون ممارسة الحد األدنى من العدالة ,وغابت تماما امكانية تطبيق الحد
االدني من مفهوم المواطنة او الديمقراطية ناهيكم عن تطبيق مفهوم المجتمع المدني أو تطبيقاته
السياسية بحكم استمرار تغلغل الفساد واالستبداد الناجم عن استفحال التبعية والتخلف واحتكار الثروات والمصالح الطبقية في االنظمة العربية الحاكمةال فرق بين نظام ملكي او مشيخي او اميري او
جمهوري ...وبالتالي ال خيار أمام احزاب اليسار الديمقراطي الثوري سوى االندماج في حركة السيرورة الثورية الجماهيرية لتحقيق اهداف العمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين في الحرية والعدالة
االجتماعية والتنمية بافاقها االشتراكية .
460
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
عن عملية االعمار واستمرار احلصار ،وعن السكان والقوى العاملة والبطالة يف الضفة الغربية وقطاع غزة كما يف منتصف 3104
32 / 01 / 3102 استناداً الى كراس مسح القوى العاملة الصادر عن الجهاز المركزي لالحصاء الفلسطيني بتاريخ
ابريل ,3102فقد بلغ اجمالي عدد السكان في الضفة وقطاع غزة منتصف عام )21230( 3102 مليون نسمة ,وبإضافة نسبة النمو السنوي للسكان ومقدارها %2يصبح عدد السكان في الضفة
والقطاع منتصف عام )2.22( 3102مليون نسمة ,يتوزعون في الضفة الغربية بنسبة %90.2
ما يعادل 317611321شخص ,وقطاع غزة بنسبة %21.2ما يعادل 017201721شخص. أما نسبة القوى البشرية ,ضمن سن العمل ( 02سنة فأكثر) فقد بلغت في الضفة وقطاع غزة
%26.6من مجموع السكان فيهما ,ما يعادل 317321221شخص ,منهم في الضفة
017221602شخص بنسبة %93من مجموع سكان الضفة الغربية ,مقابل نسبة %29.2في قطاع غزة ,ما يعادل 616721شخص .
أما مجموع القوى العاملة في الضفة والقطاع كما في منتصف عام ,3102فيبلغ 010111369
شخص بنسبة %22.9من مجموع القوى البشرية ( 02سنة فأكثر) ,يتوزعون بنسبة %22في الضفة الغربية ,ما يعادل 711711شخص ,مقابل نسبة %20.3في قطاع غزة ,ما يعادل
217269شخص.
هذا وقد بلغت نسبة العاملين بالفعل في الضفة والقطاع منتصف عام )%72.9( 3102ما يعادل
112ألف عامل ,مقابل نسبة العاطلين عن العمل التي بلغت %32.2ما يعادل 371ألف عاطل
عن العمل ,أما عدد العاملين بالفعل في الضفة الغربية (منتصف )3102فقد بلغ 901ألف عامل
بنسبة %10.2من مجموع القوى العاملة مقابل نسبة %01.9عاطلين عن العمل ما يعادل 020 ألف شخص ,في مقابل نسبة %97.2عاملين بالفعل في قطاع غزة ,ما يعادل 397ألفاً ,ونسبة
%23.9عاطلين عن العمل ,ما يعادل 036ألف عاطل عن العمل.
وفي منتصف هذا العام ,3102فإن نسبة العاملين في الضفة الغربية تصل إلى حوالي %10من
مجموع القوى العاملة ,ما يعادل 923297عامل ,مقابل نسبة بطالة ال تزيد عن %06ما يعادل
021222عاطل عن العمل ,اما في قطاع غزة ,فقد استمرت نسبة العاملين فيه حتى منتصف عام 3102أو بداية العدوان الصهيوني عليه أول شهر تموز/يوليو 3102عند نسبة %97.2عاملين
462
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بالفعل ,أي ما يعادل 372731عامل ,مقابل نسبة %23.9عاطلين عن العمل ,ما يعادل
023179عاطل عن العمل في قطاع غزة حتى منتصف عام .3102
وفي ضوء نتائج العدوان الصهيوني على القطاع الذي تواصل منذ صباح يوم 3102/7/1واستمر
لمدة 20يوماً حتى تاريخ 3102/1/31حيث تم تدمير أكثر من 021مصنع تدمي ارً كلياً وجزئياً وأكثر من 311منشأة زراعية وأكثر من عشرة أالف منزل ومنشأة سكنية ومحالت تجارية وورش
صغيرة ,األمر الذي ادى إلى شلل الحياة االقتصادية بعد أن تحول قطاع غزة إلى منطقة منكوبة ,وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة منذ اول آب 3102حتى تاريخ اعداد هذه الورقة
إلى حوالي %91من مجموع القوى العاملة ,ما يعادل 322227عاطل عن العمل ينتظرون انهاء
الحصار واستعادة النشاط االقتصادي بكل قطاعاته االنتاجية والخدمية ارتباطاً باعادة إعمار قطاع غزة
ارتباطاً بالدعم المالي من المانحين الذين وعدوا عبر مؤتمر القاهرة , 3102/01/03بتقديم األموال
الالزمة لتنفيذ خطة االعمار ,األمر الذي يستوجب تشكيل هيئة وطنية من كافة القوى المتابعة ومراقبة
تنفيذ خطة إعمار غزة ,أما اذا استمرت كل من حركتي فتح وحماس على مواصلة حالة الصراع
االنقسامي بينهما ,فإن مصر لن تلتزم بتطبيق اتفاقية التهدئة أو بفتح معبر رفح ,وكذلك األمر
بالنسبة للدول المانحة ,التي لن تلتزم بتقديم الدعم المطلوب لالعمار بدون االستجابة لشروطها
السياسية .ما يعني تزايد األوضاع االقتصادية واالجتماعية الكارثية ليس بالنسبة للعاطلين عن العمل
فحسب ,بل ايضاً بالنسبة ألكثر من اربعماية ألف من سكان القطاع الذين تشردوا بسبب دمار بيوتهم, وكذلك األمر بالنسبة ألسر الشهداء والجرحى ,إلى جانب تزايد حالة االحباط واليأس في صفوف
الشباب وارتفاع نسبة الراغبين منهم للهجرة من قطاع غزة رغم كافة المخاطر التي تعترض طريقهم بما
في ذلك الموت غرقاً ,ما يعني بوضوح تفاقم أوضاع االحباط والتذمر واالنحطاط مع ارتفاع نسبة البطالة وانتشار المظاهر والسلوكيات االجتماعية المتردية (تعاطي المخدرات والحشيش والسرقات
واالنحالل االخالقي ..الخ) بسبب انتشار واتساع أحوال الفقر المدقع الى جانب تفاقم االوضاع
الصحية وانتشار االمراض ( الجرب /والتفوئيد /والسحايا /امراض سوء التغذية " /ابو دغيم") عالوة على احتمال انتشار امراض الكلى الناجمة عن شدة ملوحة المياه في قطاع غزة الذي انخفض مخزونه من المياه العذبة الصالحة لالستهالك البشرى الى اقل من % 01من المخزون ,االمر الذي يفرض
على كافة القوى الوطنية مطالبة السلطة الفلسطينية والجامعة العربية والدول المانحة باقامة محطات
تحلية المياه بما يضمن انتاج ما ال يقل عن مائة مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب
سنويا.
أخي ارً ,إن ما يعرض علينا اليوم من حلول تخديرية (باسم التسوية أو إعادة إعمار قطاع غزة)
وفق منطق ارادة العدو االمريكي االسرائيلي تحت مسميات متنوعة ترفض مبدأ الحديث عن حق العودة
وازالة المستوطنات واالنسحاب الكامل والدولة المستقلة ,ال تسعى إال إلى تكريس الموقف األمريكي 463
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
اإلسرائيلي ..أو شرعية المحتل وشروطه المذلة ,وبالتالي فإن الحد األدنى المطلوب الذي يمكن ان يقبله شعبنا كنهاية اخيرة لسقف التنازالت يتلخص فيما ورد في وثيقة الوفاق الوطني ,التي يتوجب
التمسك بنصوصها والتمترس حول بنودها وأسسها بحيث تكون المحدد الرئيس ألية وثيقة تفاوضية
للحل المرحلي .
وهذا يعني صراحة رفض الرؤية األمريكية اإلسرائيلية رغم إدراكنا لموازين القوى المختلة مع العدو
,لكننا لن نقبل شروطهم أو وثائقهم االستسالمية ,الن قبولنا هو الخسارة الكبرى أو مؤشر الضعف
واالستسالم ,ورفضنا هو مؤشر القوة والصمود في وجه هذا العدو األمريكي اإلسرائيلي المتغطرس
الذي يريد ان يفرض على شعبنا إرادة القوة الغاشمة أو شرعية المحتل الغاصب ..التي سيرفضها
وفاء منه لرسالة شهدائه وجرحاه وأسراه ,والتزاماً بتواصل مسيرة النضال من أجل دولة وطنية شعبنا ً ديمقراطية مستقلة كاملة السيادة على كل جزء من ارضنا وسماءنا ومياهنا ..هذا هو الحد االدنى
المطلوب في هذه المرحلة .
464
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
غازي الصوراني 3102/00/0
عملية إعمار قطاع غزة ...شرعنة االحتالل أم إعمار؟ عرض وحتليل ومالحظات نقدية
(النص الكامل للورقة المقدمة إلى ندوة الحوار المفتوح المنعقدة في مطعم التيرنا – غزة – )3102/01/37
ارحب بكل األخوة والرفاق الحضور آمالً ان نتوصل عبر حوار هادئ إلى مجموعة توصيات أو
مقترحات حول "خطة األعمار" انطالقاً من حرصنا على ضرورة اإلسراع بتطبيقها في إطار رؤية تنموية
وطنية بعيداً عن شروط الدول المانحة ,بما يضمن معالجة آثار الحرب والعدوان اإلجرامي الذي تعرض
له قطاع غزة لمدة 20يوماً منذ السابع من تموز لغاية السادس والعشرين من آب ,3102حيث
اعتمد خاللما العدو سياسة التدمير الممنما ،لير لقدرات ووامكانيات المقاومة فحس ،بل بتشكل أساسي استمدف مقدرات ووامكانيات تشعبنا الفلسطيني في القطاع ،من خالل ايقاع أكبر عدد من التشمداء والجرحس %41 -منمم باتوا اصحا
اعاقات دالمة -وتدمير للمناإل وللبنية التحتية والمنتشآت
الصناعية والإراعية والخدماتية ،بحيث يمكن القول بأن العدو الصميوني تفوق علس الناإيه في هجماته
من البر والبحر والجو التي لم تترت بتش الر أو حج الر أو تشج الر ىال وكانت هدفال بالنسبة له.
صحيح أن العدو اعتمد تلت الممارسات الناإيه أيضال خالل حربيه السابقتين 3119-3115و
3103وفي كل حروبه السابقة ،ىال أن هذه الحر (تموإ ،)3104كانت خسالرها أكبر مما كان عليه
في الحربين السابقتين ،وبمقارنات سريعة سنجد الفرق واضحال ،فعلس صعيد الخسالر البتشرية ،ف ن مجموع ما استتشمد خالل الحربين السابقيين 0943وأصي
، 9455أما نتيجة العدوان الممجي في
تموإ ،3104فقد بلغ عدد التشمداء 3049منمم 530طفالل ،و 302امرأة ،و23تشميدال من الطواقم
الطبية ،و 16صحفيال ،و11تشميدال من موالفي وكالة اامم المتحدة إلغاثة وتتشغيل الالجلين الفلسطينيين
(ااونروا) ،وبلغ عدد الجرحس طوال فترة الحر 00011جريحال ،تراوحت ىصاباتمم بين متوسطة وطفيفة وخطيرة ،منمم 3,303طفالل و 2,101امرأة .وتتشير اإلحصاءات ااولية ىلس أن ألف طفل علس ااقل
سيعانون من ىعاقات دالمة.1
وعلس صعيد المناإل المدمرة عامي 3119و 3103بلغ مجموعما 385881بين كلي وجإلي ،
وخالل حر 3104نالحال تإايد الممجية الناإية الصميونية التي قامت بتدمير أكثر من 61ألف من
الوحدات السكنية /بين كلي وجإلي .أما علس صعيد تقدير الخسالر المادية ،فبلغ خالل حر 3103
1
المرصد األورومتوسطي ,حصيلة شاملة لنتائج الهجوم اإلسرائيلي على غزة.2014/8/28 ,
465
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ما يقر من 355مليار دوالر ،في حين أنه خالل حر 3104بلغت التقديرات أكثر من 6مليار
دوالر.
وللوقوف علس حقيقة الوضع في قطاع غإة وحجم الخسالر التي تكبدها نورد باارقام واالحصاليات
حس
العديد من المصادر والجمات الرسمية وغير الرسمية الموثقة:
أوالً :الخسائر البشرية :
المنطقة
عدد الشهداء
عدد الجرحى
تشمال قطاع غإة
358
3055
مدينة غإة
462
3719
الوسطس
292
1673
خان يونر
613
1663
رفح
422
990
ثانياً :قطاع المباني والمنشآت الصناعية:
الوحدات السكنية المهدمة والمتضررة حسب المحافظة : 1 نوع الضرر
تدمير كامل
ضرر جزئي
ضرر كبير أضرار جسيمة في
منازل الوصف
مدمرة
من
أجزاء
تدمير كامال ال ًا يمكن إصالحها,
المنزل,
وال
تصلح
هذه
وهي بحاجة إلى
المنازل للسكن
هدم واعادة بناء.
حتى يتم إعادة تأهيلها
1
مجموع الوحدات السكنية
أضرار صغيرة في جزء من المنزل, ويمكن السكن في المنزل لكنه يبقى بحاجة
إلى
ترميم.
شمال غزة
31211
31211
11111
031911
غزة
31611
31611
021111
311111
وسط غزة
01211
01211
91111
61111
خان يونس
31111
31111
71111
001111
رفح
01211
01211
21111
91911
المجموع
011111
011111
211111
91.111
المصدر :الخطة الوطنية العمار غزة المقدمة إلى مؤتمر الدول المانحة في القثاهرة -3102/01/03ص29
466
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
-0البيوت : تدمير جزئي غير
تدمير كلي
تدمير جزئي
صالح للسكن 7272
1321
المجموع 221111وحدة
36211
سكنية
-3المنشآت الصناعية : تدمير كلي
تدمير جزئي
021منشأة
المجموع
201بين كبيرة
صناعية بين كبيرة
291
وصغيرة
وصغيرة
-2المدارس والجامعات : التصنيف
تدمير كلي
تدمير جزئي
المجموع
مراكز إيواء (غير
صالحة للدراسة)
المدارس
33
006
32
020
الجامعات
-
3
-
3
كليات متوسطة
-
2
-
2
-2األماكن المقدسة والجمعيات الخيرية والمؤسسات المالية: التصنيف
تدمير كلي
تدمير جزئي
المجموع
المساجد
92
091
332
الكنائس
3
-
3
المقابر
-
01
01
جمعيات خيرية
33
-
33
مؤسسات مالية
06
-
06
467
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
ثالثاً :قطاع المياه والصرف الصحي والكهرباء : التصنيف المياه
تدمير كلي وجزئي
أكثر من 021بئر مياه تدمير كلياً و جزئي
33بين كلي وجزئي منهم محطة التوليد الوحيدة في
الكهرباء
قطاع غزة
محطات مياه وصرف
6بين كلي وجزئي
صحي
رابعاً :قطاع الزراعة والثروة السمكية :
-0بلغت خسائر القطاع الزراعي بالدوالر األمريكي 320مليون دوالر موضحة في الجدول
التالي:
التصنيف
المبلغ بالدوالر
االنتاج النباتي
020مليون دوالر
التربة والري
29مليون دوالر
االنتاج الميداني
22مليون دوالر
-3الثروة السمكية مركب صيد 21مركب تدمير كلي
خامساً :القطاع الصحي: التصنيف
مولد كهرباء
ماتور 011ماتور تستخدم في سحب السفن والشباك
71مولد كهربائي
غرف 21غرفة صيد تدمير كلي
تدمير كلي
تدمير جزئي
المجموع
مستشفى
0
03
02
مراكز رعاية
-
03
03
سيارات اسعاف
09
-
02
468
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
األخوات واإلخوة والرفاق الحضور ..كلنا ندرت الحاجة الملحة لتمويل عملية اإلعمار ،ارتباطال
ب دراكنا لآلثار التدميرية الناجمة عن العدوان في تموإ 3104وأثره علس االقتصاد بكل قطاعاته
(الصناعة والإراعة واإلنتشاءات والخدمات) وتأثيره المباتشر علس أوضاع البطالة والفقر والقوى العاملة في قطاع غإة التي يبلغ مجموعما حوالي 411ألف تشخ
منمم %61عاطلين عن العمل بسب
الدمار
التشامل ،عالوة علس معاناة أبناء التشمداء وذويمم ،ومعاناة الجرحس وأكثر من 51ألف عاللة تشردت بعد
أن دمرت بيوتما كليال أو جإليال ،منمم حوالي 08ألف عاللة بال مأوى حتس اللحالة .
في ضوء ما تقدم ،ف نني اعتقد ان قطاع غإة بحاجة ماسة ىلس حوالي 6مليارات دوالر لإلغاثة
واالعمار ،ولألسف ف ن مؤتمر الدول المانحة هو الجمة الوحيدة التي بادرت وقررت تخصي
مليار إلعمار القطاع.
854
لكننا بالمقابل ندرك أن أموال الدول المانحة ليست أمواالً خيرية أو إنسانية ,فهي أموال مشروطة
بتدفيع شعبنا ثمناً سياسياً مقابلها في محاولة من هذه الدول –بقيادة الواليات المتحدة األمريكية-
الوصول إلى تسوية مذلة تحت عناوين:التهدئة الدائمة ووقف أعمال العنف ومواصلة عملية التسوية السياسية للصراع وفق الشروط اإلسرائيلية /األمريكية ,مقابل أموال االعمار ,بحيث يمكن وصف
عملية االعمار بأنها عملية ابتزاز ,تسعى واهمة فرض استسالم شعبنا الفلسطيني لشروطها ارتباطاً بالموقف السيا سي الهابط للسلطة الفلسطينية ورئيسها من جهة ,وبموافقة مبدئية من حركة حماس
على شروط الدول المانحة واألمم المتحدة من جهة ثانية ,واستغالل ظروف معاناة شعبنا عموماً وفي قطاع غزة خصوصاً من جهة ثالثة.
وفي هذا السياق أشير –بأسف وحزن شديدين -إلى نتائج الحرب العدوانية ,والمفاوضات غير
المباشرة التي لم تحقق أي مطلب من مطالب الفصائل الفلسطينية بالنسبة لرفع الحصار ,وبداية
االعمار ,وزيادة مساحة الصيد وتحرير األراضي الزراعية الممنوع استخدامها على الشريط الحدودي
لقطاع غزة بطول 22كم وعرض 211متر ,حوالي ( )07ألف دونم ,والغاء التعقيدات واالغالقات
لمعبر رفح ,ناهيكم عن البدء بإنشاء الميناء واصالح وتشغيل المطار ,إلى جانب عدم البدء بالتمويل بصورة جدية.
وهنا أود التنبيه إلى أن المؤسسات الدولية التابعة لألمم المتحدة ,لدينا في غزة أكثر من 21
مؤسسة دولية ,كلها متفقة على عدم تنفيذ أية مشاريع اعمارية للمصانع أو المزارع أو البيوت التي تقع على مسافة كيلو متر واحد من الحدود شرق األسفلت الشرقي في انتظار موافقة دولة العدو
اإلسرائيلي!!؟
ما يدفعني إلى القول بصراحة مؤلمة :لقد انتهت الحرب وعقدت المفاوضات غير المباشرة ,ولم
يرفع الحصار ,وبدالً من ذلك ,تم التوصل إلى اتفاق ثالثي (السلطة واسرائيل واألمم المتحدة –ما
يسمى خطة روبرت سيري) يتضمن صراحة الموافقة على شروط العدو اإلسرائيلي التي ستطبق من 469
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
خالل مئات المراقبين الدوليين ,ومن خالل الكاميرات التي تم تثبيتها بالفعل –بموافقة السلطة وحركة
حماس -في مخا زن تجار مواد البناء لمراقبة عملية تسليم األسمنت بما يتوافق مع الكشوف المرسلة مسبقاً إلى "إسرائيل" من خالل وزارة األشغال ,وكذلك مراقبة كل ما يتعلق بآليات توريد مواد البناء الالزمة لعملية اإلعمار!!؟ إن
خطة "روبرت سيري" –حسب صحيفة هآرتس اإلسرائيلية -تقضي بانتشار مفتشي األمم
المتحدة في مواقع بناء المشاريع الكبرى ,كما أنهم سيراقبون –من خالل الكاميرات -المواقع التي
سيتم تخزين مواد بناء فيها ,مثل اإلسمنت والباطون ومواد مثل األنابيب الفوالذية أو قضبان
حديدية".
وقد أكد حسين الشيخ وزير الشئون المدنية في السلطة على تلك الخطة بقوله " :سيتم تسليم
كوبون لكل متضرر الثبات تضرر منزله وكاميرات مراقبة على المستودعات ,وتثبيت أنظمة مراقبة
متطورة ,تتضمن جهاز لتحديد المواقع ( ,)GPSعلى كل المعدات الثقيلة ,والتي تشمل الجرافات
والكسارات ومعدات الحفر ,لمعرفة تحركاتها داخل القطاع ,حتى ال يتم توجيهها للعمل في حفر 1
األنفاق"!!؟
بالنسبة لكميات مواد البناء الالزمة لعملية األعمار ,تؤكد اإلحصائية شبه النهائية الصادره عن
وزارة األشغال العامة في غزة ,أن إجمالي كميات مواد البناء الالزمة إلعادة إعمار غزة ,تبلغ 0.2
مليون طن إسمنت ( 032ألف طن شهرياً) و ( 2099طن يومياً) ,و 337ألف طن حديد ,وخمسة
ماليين طن حصى ,ما يعني توفير أكثر من 911شاحنة يومياً على مدار العامين القادمين لتأمين وصول هذه الكميات من مواد البناء إضافة إلى أكثر من 211شاحنة يومياً لتأمين مستلزمات قطاع
غزة في حين أن معبر كرم أبو سالم ال يستوعب أكثر من 711-911شاحنة يومياً!!
عالوة على ما تقدم ,وحسب المعلومات ,فإن كل المؤسسات الدولية في قطاع غزة ,رتبت أوضاعها
لتنفيذ برامج ومشاريع االغاثة واالنعاش لمدة 01شه ارً من أول شهر 3102/01بعيداً عن مشاريع
االعمار للبيوت المدمرة وغير ذلك من المشاريع الواردة في الخطة.
ما يعني بوضوح أن شروط عملية إعادة االعمار هي تكريس وتشريع للحصار واالحتالل ,األمر
الذي يستدعي مراجعة كل ما جرى برؤية نقدية وطنية ,بعيدة عن مبررات وذرائع كل من حركتي فتح
وحماس وموافقتهما على هذه الشروط المذلة ,األمر الذي يستدعي من كافة القوى الوطنية المبادرة
إلى الدعوة من أجل تشكيل هيئة وطنية بالتعاون مع مؤسسات "المجتمع المدني" والقطاع الخاص وبمشاركة فعاله من أصحاب المصانع والمزارع والبيوت المدمرة ,لمتابعة ومراقبة تنفيذ عملية االعمار.
1
المصدر :وكالة سما االخبارية – .3102/01/32
471
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي هذا السياق أؤكد على قصور القوى الوطنية عموماً واليسارية خصوصاً التي لم تبادر إلى
توعية وتحريض أصحاب البيوت والمصانع والمزارع المدمرة بهدف تأسيس جمعيات ولجان شعبية تقود
جماهير المتضررين لضمان تحقيق مطالبهم في إعادة االعمار برؤية وطنية وأولويات تنموية.
أما عن تقديرات إعادة إعمار قطاع غزة حسب الخطة الوطنية لإلنعاش (إعداد وزارة االقتصاد /رام
اهلل) فقد تحددت بمبلغ 2مليار دوالر لالعمار باإلضافة إلى 21212مليار دوالر تقديرات دعم ميزانية السلطة لألعوام ( )3107-3102ما مجموعه 11212مليار دوالر ,في حين أن مؤتمر إعادة
االعمار – القاهرة -3102/01/03وعد بتقديم 212مليار دوالر %21منها يخصص لدعم موازنة السلطة الفلسطينية!!؟ أي أن ما يبقى لإلعمار واإلغاثة ...إلخ فقط 317مليار دوالر يذهب منها لإلغاثة والقطاع االجتماعي –حسب الخطة 710 -مليون دوالر باإلضافة إلى 0322مليون دوالر
للقطاع االقتصادي ,وال يبقى سوى 792مليون دوالر إل زالة االنقاض والسكن والمآوى واعادة اإلعمار
!!؟ واذا أخذنا بعين االعتبار تكاليف إقامة ورواتب أكثر من 221مراقب دولي بما يزيد عن مائة مليون دوالر ,باإلضافة إلى 012مليون دوالر لتشغيل مؤسسات الحكومة والبلديات ,فلن يبقى
لالعمار سوى مبلغ 210مليون دوالر من أصل المبلغ المقترح حسب الخطة المحدد بمبلغ 0309
مليون دوالر للسكن والمأوى وازالة األنقاض ,ما يعني أننا أمام أوضاع كارثية تضاف على النتائج
الكارثية للعدوان الصهيوني.
وفي الل الوضع الراهن ،من المتوقع قيام "ىسراليل" بتوريد أكثر من %91من مستلإمات عملية االعمار من داخل المصانع في "ىسراليل" والمستوطنات ،في مقابل غيا البناء من الدول العربية المجاورة! .
أي خطة تطال
بتوريد مواد
المسألة األخرى التي أود اإلشارة إليها ,هي حديثي عن المفارقة التالية ,للتأمل والحوار :فعلس
الرغم من ىدرات الجميع لحجم الدمار المضاعف الناجم عن عدوان 3104مقارنة بعدوان 3119ىال أن المؤتمر وخطة االعمار (و اإرة االقتصاد والسلطة) طالبوا بنفر المبلغ 4مليار دوالر دون مراعاة الفرق المالل في الدمار والتشمداء والجرحس بين 3104و !! 3119
وهذا يعيدنا إلى الموقف الرسمي العربي ,خاصة السعودية والخليج القادر على تأمين كافة المبالغ
المطلوبة إلعمار قطاع غزة وهي في تقديرنا ال تتجاوز ( % 0/3نصف بالمائة ما يعادل ستة مليارات
دوالر) من الناتج المحلي اإلجمالي لتلك الدول ,لكن بلدان النظام العربي عموماً ,والسعودية والخليج خصوصاً ,تعيش حالة من التبعية والخضوع واالرتهان للنظام االمبريالي ,األمر الذي يجعل من هذه
أعداء لشعبنا وقضيتنا. األنظمة ً وفي هذا الجانب ,نالحظ ان حصة الدول العربية في وعودات االعمار تتجاوز النصف ,إال إن التأثير العربي اضعف من قيمته الفعليه ,فالدول العربية تدفع والواليات المتحدة واسرائيل توجه وتجني ,وذلك ارتباطاً بخضوع وارتهان هذه الدول (األنظمة العربية) للسياسات األمريكية. 470
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي هذا السياق ,البد لي من أن أشير –بكل ألم -إلى تقصير رجال األعمال الفلسطينيين في
الشتات بالنسبة لدعم خطة اإلعمار وتخفيف الثمن السياسي ,والسبب في ذلك يعود إلى أن مصالح
هذه الشريحة أو معظمها من رجال األعمال الذين يتذرعون شكلياً بالهوية الوطنية أو بهوية اإلسالم السياسي ,حالت دون تقديم أي مبادرة منهم لدعم عملية االعمار في قطاع غزة ,ما يؤكد على أن
مصالحهم األنانية االنتهازية أهم من شكل مظهرهم الوطني او الديني ,وهي مصالح مرتبطة برأس
المال المالي المعولم من ناحية وبالقوى الرأسمالية الكومبرادورية الحاكمة في البلدان العربية واإلسالمية الرجعية من ناحية ثانية ,رغم أن ثرواتهم حسب العديد من التقديرات تتجاوز الـ 11مليار
دوالر!! ,وهو مبلغ أكبر عشرات المرات من ثروة رجل األعمال اليهودي االنجليزي "روتشيلد" الذي قام بتقديم أكثر من نصف أمواله لدعم الحركة الصهيونية بداية القرن الماضي ,لكن يبدو ان معاناة شعبنا
ونضاله من أجل الحرية واالستقالل لم يحرك عواطف أو مشاعر رجال األعمال الفلسطينيين قيد 1
أنمله!؟
عالوة على كل ما تقدم ,وعلى الرغم من كل هذه الوقائع المريرة ,إال أن أحداً ال يعرف متى وكيف
ستتم عملية التمويل؟ والسؤال األهم هل ستستمر حالة االنقسام أم أن المصلحة الوطنية تفرض على
فتح وحماس انهاء هذه الحالة باالحتكام إلى وثائق المصالحة الوطنية والقانون األساسي؟ خاصة
وأننا ندرك أن دولة العدو االسرائيلي التي اكتفت اليوم باشتراط اإلعمار بالحفاظ على وقف إطالق النار والهدوء القائم ,إال أنها ال تخفي نواياها اشتراط نزع سالح القطاع بخطوات مستقبلية كشرط الستمرار
تطوير القطاع واعماره.
على أي حال ,هناك أسئلة عديدة وكبيرة تحتاج إلى إجابة من نوع :كم من الموارد سوف يصل
فعال ؟ وبأي وقت؟ وكم منه فعال سينفق على اإلعمار؟ وكم ستكون نصيب المؤسسات الدوليه وموظفيها ومندوبيها ومراقبيها من الكعكه؟ ثم كم سيكون نصيب الوسطاء
واللجان والمكاتب
االستشارية والفنية ؟ وكم سيبقى ألصحاب البيوت المدمرة والمشردين؟ وكم سيبقى لذوي الشهداء
والجرحى والمعوقين؟ وكم سيبقى ألصحاب المصانع والورش والمزارع المدمرة؟ ناهيكم عن أولويات التنمية في مواجهة الفقر والبطالة.
السؤال األهم هنا هو ,كيف ستتصرف القوى والهيئات والفعاليات الوطنية تجاه طرفي الصراع
واالنقسام فتح وحماس؟ وهل ستجد الطريق المالئم للتوافق على برنامج يستهدف متابعة ومراقبة
وتقييم عملية اإلعمار ارتباطاً برؤية وطنية فلسطينية ؟؟ بحيث تستطيع هذه الرؤية أن تقدم برنامجاً واضحاً يجيب على أسئلة جماهير المتضررين ,المحكومة في هذه اللحظة بعوامل القلق ومظاهر
1
نشرت الفضائيات –قبل أيام -خب ارً مفاده ان الباكستانية "مالال يوسف" الحائزة على جائزة نوبل تبرعت بملغ ( )21ألف دوالر إلعمار غزة في حين لم نسمع عن فلسطيني أو عربي بادر إلى تقديم أي تبرع !!.
472
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
االحباط السائدة في أوساطهم (معظمهم من الشرائح الفقيرة سكان الشريط الحدودي) ,إلى جانب تفاقم مظاهر الفقر والبطالة واستمرار الحصار وبقاء مظاهر االنقسام والصراع بين فتح وحماس واستمرار
إغالق معبر رفح وما ينتج عن ذلك من مظاهر العنف والجريمة ,بعد أن يعجز الجميع عن أنهاء
معاناة الناس وانهاء الحصار الصهيوني.
نحن إذن ,أمام أوضاع معقدة في مجابهة شروط العدو االسرائيلي وشروط الدول المانحة من
ناحية وفي حرصنا على ايجاد الحلول الكفيلة بإنهاء معاناة أبناء شعبنا الذين دمرت بيوتهم ومصانعهم ومزارعهم من ناحية ثانية ,إلى جانب النضال من أجل انهاء حصار قطاع غزة الذي بات
كبيرً بال سقف من ناحية ثالثة. سجناً ا
أخي ارً ...إن االشراف الوطني على عملية االعمار ومراقبتها من خالل هيئة وطنية لمتابعة خطة
االعمار يكون مقرها الرئيسي في غزة ,بمشاركة المتضررين من القطاع الخاص وأصحاب البيوت
المدمرة وأبناء الشهداء والجرحى ,بما يضمن تنفيذ عملية االعمار بصورة صحيحة ,مشروطة بالضغط
الشعبي إلنهاء االنقسام وتطبيق خطوات المصالحة بصورة جادة وسريعة بعيداً عن الصراع الفئوي والصراع على السلطة والمصالح بين فتح وحماس ,عبر شعار وطني ديمقراطي توحيدي لكل أبناء
شعبنا يؤكد على الضرورة العاجلة لتكريس نظام سياسي ديمقراطي كمخرج وحيد ألوضاعنا المنقسمة والمأزومة الراهنة ,يضمن مواصلة النضال التحرري والديمقراطي من أجل الحرية وتقرير المصير
والعودة وبناء الدولة الديمقراطية المستقلة كاملة السيادة ,وبدون ذلك ستتزايد مظاهر الهبوط
السياسي والتفكك االقتصادي واالجتماعي ,وتزايد تراكمات البطالة والفقر المدقع والتشرد وارتفاع نسبة
الجريمة االجتماعية بما قد يجعل من قطاع غزة مرتعاً خصباً لكل أشكال ومظاهر التطرف والفوضى المتوحشة التي تفتح األبواب واسعة أمام "داعش" وغيرها من الحركات األصولية المتطرفة.
أقدم فيما يلي ملخص التكاليف حسب القطاع والقطاع الفرعي كما ورد في "الخطة الوطنية
لالنعاش":
القطاع االجتماعي 1
ملخص التكاليف حسب القطاع والقطاع الفرعي
1
(بالمليون دوالر)
اإلنعاش
إعادة 11
207 301 030
القطاع الفرعي
اإلغاثة
الحماية االجتماعية
321
1
الصحة والدعم النفسي اإلجتماعي
02
026
22
التربية والتعليم العالي
0
22
72
المبكر
اإلعمار
المصدر :كراس الخطة الوطنية لالنعاش واعادة االعمار في غزة – وزار االقتصاد – رام اهلل – تشرين أول – 3102ص.96
473
اإلجمالي
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
البنية التحتية والبيئة االقتصادي الحوكمة
المجتمع المدني والمنظمات المجتمعية والمؤسسات الدينية
1
2
20
22
المجموع الفرعي
322
302
320
710
إزالة األنقاض ومخلفات الحرب القابلة لإلنفجار
1
31
02
22
الطاقة
1
23
022
012
المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية
21
11
009
329
السكن والمأوى
021
022
601
0013
المباني الحكومية والبنية التحتية العامة األخرى
1
20
67
026
المعابر الحدودية
1
2
21
22
الطرق
1
1
71
71
البيئة
1
0
1
0
المجموع الفرعي
096
223
0201
0600
الزراعة
1
062
327
220
الصناعة والتصنيع
1
72
312
226
التجارة والخدمات
1
021
77
317
التشغيل
1
93
7
96
تشجيع االستثمار
1
31
021
021
المجموع الفرعي
1
210
722
0322
القدرة التشغيلية لمؤسسات الحكم المركزي
1
002
1
002
القدرات التشغيلية لمؤسسات الحكم المحلي
1
20
1
20
سيادة القانون وحقوق اإلنسان
1
0
9
7
التنفيذ والتنسيق
1
03
31
23
المجموع الفرعي
1
027
39
012
202
0012
3223
2121
المجموع
المبلغ المطلوب لدعم ميزانية السلطة ()3107-3102 المجموع اإلجمالي
474
2212 1222 مليون دوالر
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
االمطار خري وبركة ولكنه وبال على املشردين واصحاب البيوت املدمرة يف قطاع غزة!....؟
31 / 00 / 3102 المنخفض واالمطار الشديدة في غزة اصاب بالضرر والغرق العديد من البيوت والشوارع...فما بالكم
بحجم االضرار والمعاناة من العراء والفقر والبرد وصقيع الليل لدى لكثر من 11ألف من المشردين
حتى اللحظة بال مأوى سوى المدارس ,ولدى أكثر من 21ألف عائلة اصحاب البيوت المدمرة ,
ومعظمهم من فقراء قطاع غزة القاطنين شرق القطاع في المنطقة الممتدة بطول 22كم من رفح الى
بيت حانون في انتظار اعمار لم يبدأ بصورة جدية كريمة ومحترمة تشعرهم ليس بالتضامن والتكافل
معهم فحسب ,بل وباالعتزاز والفخر بدورهم النضالي في مجابهة العدو الصهيوني الذي قام بتدمير بيوتهم وتشريدهم ,وها هم جميعا مع عائالتهم واطفالهم يترحمون على شهدائهم بصمت وكبرياء ...
تحملوا ومازالوا كل اشكال البؤس والمعاناة من المرض والفقر والتشرد...وها هي امطار الخير تنزل
عليهم لتفاقم معاناتهم وبؤسهم ..صبروا ويصبرون لكن لكل صبر حدود ونهاية ...ولئال نصل الى تلك النهاية المفجعة ,يجب أن تبدأ عملية التنفيذ الفوري لالعمار بصورة سريعة دون توقف تصل الليل
بالنهار ..قد يقول البعض لقد بدأت عملية االعمار ! نعم بدأ االعمار ولكن بصورة أحادية للبيوت
المدمرة جزئيا ..كما بدأ بطيئا ومحدودا ومشروطا بشروط الرقابة التي صاغتها الدولة الصهيونية ويتم تطبيقها من خالل ما يسمى مندوب " االمم المتحدة" ! روبرت سيري ووكالة غوث الالجئين /االونروا
من خالل المدعو " تيري" حيث تتم االن عملية الرقابة من خالل الكاميرات التي تم تثبيتها بالفعل – بموافقة السلطة وحركة حماس !؟ -في مخازن تجار مواد البناء لمراقبة عملية تسليم األسمنت وحديد
البناء والحصمة بما يتوافق مع الكشوف المرسلة مسبقاً إلى "إسرائيل" من خالل وزارة األشغال ,وكذلك
مراقبة كل ما يتعلق بآليات توريد مواد البناء الالزمة لعملية اإلعمار!!؟ والمعروف ان خطة "روبرت
سيري" –حسب صحيفة هآرتس اإلسرائيلية -تقضي بانتشار مفتشي األمم المتحدة في مواقع بناء المشاريع الكبرى ,كما أنهم سيراقبون –من خالل الكاميرات -المواقع التي سيتم تخزين مواد بناء فيها ,مثل اإلسمنت والباطون ومواد مثل األنابيب الفوالذية أو قضبان حديدية".
واألدهى واالكثر مرارة وبدون استغراب او اندهاش من ممارسات السلطة ,فقد أكد حسين الشيخ
وزير الشئون المدنية في السلطة على تلك الخطة بقوله " :سيتم تسليم كوبون لكل متضرر الثبات تضرر منزله وكاميرات مراقبة على المستودعات ,وتثبيت أنظمة مراقبة متطورة ,تتضمن جهاز لتحديد
المواقع ( ,)GPSعلى كل المعدات الثقيلة ,والتي تشمل الجرافات والكسارات ومعدات الحفر ,لمعرفة 475
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
تحركاتها داخل القطاع ,حتى ال يتم توجيهها للعمل في حفر األنفاق"!!؟؟؟ ما يعني بوضوح أن شروط عملية إعادة االعمار هي تكريس وتشريع للحصار واالحتالل ,األمر الذي يستدعي رفض ومراجعة كل ما جرى برؤية نقدية وطنية ,بعيدة عن مبررات وذرائع كل من حركتي فتح وحماس وموافقتهما على
هذه الشروط المذلة.بحيث تستطيع هذه الرؤية أن تقدم برنامجاً واضحاً يجيب على أسئلة جماهير المتضررين ,المحكومة في هذه اللحظة بعوامل القلق ومظاهر االحباط السائدة في أوساطهم (معظمهم
من الشرائح الفقيرة سكان الشريط الحدودي) ,إلى جانب تفاقم مظاهر الفقر والبطالة( حوالي ربع
مليون عاطل عن العمل في قطاع غزة اليوم بنسبة %91من القوى العاملة فيه) واستمرار الحصار
وبقاء مظاهر االنقسام والصراع على السلطة والمصالح الفئوية بين فتح وحماس واستمرار إغالق
معبر رفح وما ينتج عن تلك االوضاع المتردية من مظاهر العنف والجريمة ,بعد أن يعجز الجميع عن
أنهاء معاناة الناس وانهاء الحصار الصهيوني.
476
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
غازي الصوراني 3102/03/7
اإلعمار ...حقائق وأرقام ( ورقة مقدمة الى ندوة اللجنة الثقافية في جمعية الهالل االحمر لقطاع غزة) لعلنا نتفق علس أن اللحالة الفارقة الراهنة في مسيرة النضال الوطني التحرري الديمقراطي الفلسطيني
تتميإ بأنما تحمل في طياتما مخاطر تشديدة التأثير ،ارتباطال بوصول الوضع الفلسطيني ىلس مأإق عميق
،لير بسب
ممارسات العدو الصميوني فحس
،بل أيضال بسب
استمرار هذا االنقسام البتشع ،
واستمرار الصراع علس السلطة والمصالح بين حركتي فتح وحمار ،وعجإ قوى المعارضة الفلسطينية
عن ممارسة الضغط التشعبي المطلو
إلنماء هذا االنقسام علس طريق استعادة النالام السياسي
الديمقراطي الفلسطيني الموحد كمخرو وحيد من المأإق الراهن .
علس أي حال ،طالما أن حديثنا اليوم عن عملية االعمار ،ف نني أؤكد علس أنه بالرغم من هذا
المأإق ،اال اننا ندرت الحاجة الملحة لتمويل عملية اإلعمار وتفعيلما واالسراع بخطوات تنفيذها ،ارتباطال ب دراكنا لآلثار التدميرية الناجمة عن العدوان في تموإ 3104وأثره علس االقتصاد بكل قطاعاته
(الصناعة والإراعة واإلنتشاءات والخدمات) وتأثيره المباتشر علس أوضاع البطالة والفقر والقوى العاملة في قطاع غإة التي يبلغ مجموعما حوالي 411ألف تشخ
منمم %61عاطلين عن العمل بسب
الدمار
التشامل ،عالوة علس معاناة أبناء التشمداء وذويمم ،ومعاناة الجرحس وأكثر من 51ألف عاللة تشردت بعد
أن دمرت بيوتما كليال أو جإليال ،منمم حوالي 08ألف عاللة بال مأوى حتس اللحالة . أرقام عن السكان والقوى العاملة والبطالة في الضفة وقطاع غزة :
-عدد السكان في الضفة والقطاع منتصف عام )2.22( 3102مليون نسمة ,يتوزعون في
الضفة الغربية بنسبة %90.2ما يعادل 317611321شخص ,وقطاع غزة بنسبة %21.2ما
يعادل 017201721شخص (.الناتج المحلي نهاية 3102يبلغ 001619.6دوالر ,أما الناتج
المحلي للفرد بلغ 31122.0دوالر.
-أما مجموع القوى العاملة في الضفة والقطاع كما في منتصف عام ,3102فيبلغ
010111369شخص ,يتوزعون بنسبة %22في الضفة الغربية ,ما يعادل 711711شخص , مقابل نسبة %20.3في قطاع غزة ,ما يعادل 217269شخص.
-وفي منتصف هذا العام ,3102فإن نسبة العاملين في الضفة الغربية تصل إلى حوالي %10
من مجموع القوى العاملة ,ما يعادل 923297عامل ,مقابل نسبة بطالة ال تزيد عن %06ما يعادل 477
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
021222عاطل عن العمل ,اما في قطاع غزة ,فقد استمرت نسبة العاملين فيه حتى منتصف عام 3102أو بداية العدوان الصهيوني عليه أول شهر تموز/يوليو 3102عند نسبة %97.2عاملين
بالفعل ,أي ما يعادل 372731عامل ,مقابل نسبة %23.9عاطلين عن العمل ,ما يعادل
023179عاطل عن العمل في قطاع غزة حتى منتصف عام .3102
-وفي ضوء نتائج العدوان الصهيوني على القطاع الذي تواصل منذ صباح يوم 3102/7/1
واستمر لمدة 20يوماً حتى تاريخ , 3102/1/31تحول قطاع غزة إلى منطقة منكوبة ,وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة منذ اول آب 3102إلى حوالي %91من مجموع القوى
العاملة ,ما يعادل 322227عاطل عن العمل ينتظرون انهاء الحصار واستعادة النشاط االقتصادي
بكل قطاعاته االنتاجية والخدمية ارتباطاً باعادة إعمار قطاع غزة ارتباطاً بالدعم المالي من المانحين
الذين وعدوا عبر مؤتمر القاهرة , 3102/01/03بتقديم األموال الالزمة لتنفيذ خطة االعمار. خطة السلطة لالعمار:
من المعروف أن الخطة قامت بتقسيم عملية االعمار إلى ثالث مراحل :
.0مرحلة االغاثة العاجلة ,وتشمل التدخالت السريعة والقصيرة .وقد خصص لها مبلغ 202 مليون دوالر.
.3مرحلة االنعاش المبكر ,وهي تدخالت متوسطة المدى ,من شهر إلى 03شه ارً .وقد خصص لها مبلغ 0.012مليار دوالر.
.2مرحلة إعادة االعمار والتنمية ,وتستمر لسنوات عدة .وقد خصص لها مبلغ 3.223مليار دوالر!!!؟؟
سكنية وبنائها, بالنسبة للبيوت المدمرة ,فقد طرحت الخطّة مثالً إعادة ترميم 91.111وحدة ّ جزئي موزعة على الشكل التالي 01.111 :منزل (تدمير كامل) ,و 01.111منزل (تدمير وهي ّ ّ
التطرق إلى النتائج المتوقّعة على جزئي بسيط) ,لكن من دون كبير) و 21.111منزل (تدمير ّ ّ االقتصاد الكلي. في ضوء ما تقدم ،ف نني اعتقد ان قطاع غإة بحاجة ماسة ىلس حوالي 6مليارات دوالر لإلغاثة واالعمار ،وانتشاء محطتي تحلية للمياه في القطاع بطاقة ال تقل عن 81مليون متر مكع
العذبة سنويال ،ىلس جان
من المياه
ىنتشاء محطات لمعالجة المياه العادمة ،ومحطة للكمرباء وتوريد محوالت جديد
بما يضمن تلبية حاجة القطاع من التيار الكمربالي البالغة 381ميغاوات وبالتالي االستغناء عن التيار
الكمربالي الوارد من دولة العدو االسراليلي ،لكن مؤتمر الدول المانحة لم يأخذ بعين االعتبار أولويات القطاع وحاجته للمياه العذبة والتيار الكمربالي ومعالجة المياه العادمة ،وقرر تخصي
إلعمار القطاع ،علمال بأن نصف هذا المبلغ سيذه
ىلس تغطية عجإ السلطة الفلسطينية . 478
854مليار
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
بالطبع ,إنني أدرك –كما تدركون – أن مؤتمر الدول المانحة ليس معنياً بمعاناة شعبنا في قطاع
غزة ,إلى جانب ادراكنا أن أموال الدول المانحة ليست أمواالً خيرية أو إنسانية ,بل هي مشروطة
سياسياً بالتوافق مع مصالح الدولة الصهيونية انعكاساً للموقف األمريكي . نظرة تحليلية ونقدية سريعة للمبالغ المقترحة العمار غزة:
من المعروف أن تقديرات إعادة إعمار قطاع غزة حسب الخطة الوطنية لإلنعاش (إعداد وزارة
االقتصاد /رام اهلل) قد تحددت بمبلغ 2مليار دوالر لالعمار باإلضافة إلى 21212مليار دوالر
تقديرات دعم ميزانية السلطة لألعوام ( )3107-3102ما مجموعه 11212مليار دوالر ,في حين
أن مؤتمر إعادة االعمار – القاهرة -3102/01/03وعد بتقديم 212مليار دوالر %21منها
يخصص لدعم موازنة السلطة الفلسطينية!!؟ أي أن ما يبقى لإلعمار واإلغاثة ...إلخ فقط 317مليار
دوالر يذهب منها لإلغاثة والقطاع االجتماعي –حسب الخطة 710 -مليون دوالر باإلضافة إلى
0322مليون دوالر للقطاع االقتصادي ,وال يبقى سوى 792مليون دوالر إل زالة االنقاض والسكن والمآوى واعادة اإلعمار !!؟ واذا أخذنا بعين االعتبار تكاليف إقامة ورواتب أكثر من 221مراقب دولي بما يزيد عن مائة مليون دوالر ,باإلضافة إلى 012مليون دوالر لتشغيل مؤسسات الحكومة
والبلديات ,فلن يبقى لالعمار سوى مبلغ 210مليون دوالر من أصل المبلغ المقترح حسب الخطة
المحدد بمبلغ 0309مليون دوالر للسكن والمأوى وازالة األنقاض ,ما يعني أننا أمام أوضاع كارثية تضاف على النتائج الكارثية للعدوان الصهيوني.
وفي الل الوضع الراهن ،من المتوقع قيام "ىسراليل" بتوريد أكثر من %91من مستلإمات عملية
االعمار من داخل المصانع في "ىسراليل" والمستوطنات ،في مقابل غيا
أي خطة تطال
بتوريد مواد
البناء من الدول العربية المجاورة! .
المسألة األخرى التي أود اإلشارة إليها ,هي حديثي عن المفارقة التالية ,للتأمل والحوار :فعلس
الرغم من ىدرات الجميع لحجم الدمار المضاعف الناجم عن عدوان 3104مقارنة بعدوان 3119ىال أن المؤتمر وخطة االعمار (و اإرة االقتصاد والسلطة) طالبوا بنفر المبلغ 4مليار دوالر دون مراعاة الفرق المالل في الدمار والتشمداء والجرحس بين 3104و !! 3119
وهذا يعيدنا إلى الموقف الرسمي العربي ,خاصة السعودية والخليج القادر على تأمين كافة المبالغ
المطلوبة إلعمار قطاع غزة وهي في تقديرنا ال تتجاوز ( % 0/3نصف بالمائة ما يعادل ستة مليارات
دوالر) من الناتج المحلي اإلجمالي لتلك الدول ,لكن بلدان النظام العربي عموماً ,والسعودية والخليج
خصوصاً ,تعيش حالة من التبعية والخضوع واالرتهان للنظام االمبريالي ,األمر الذي يجعل من هذه
أعداء لشعبنا وقضيتنا. األنظمة ً
479
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
وفي هذا السياق ,البد لي من أن أشير –بكل ألم -إلى تقصير رجال األعمال الفلسطينيين في
الشتات بالنسبة لدعم خطة اإلعمار وتخفيف الثمن السياسي ،رغم أن ثرواتهم حسب العديد من
التقديرات تتجاوز الـ 11مليار دوالر!! ,وهو مبلغ أكبر عشرات المرات من ثروة رجل األعمال اليهودي
االنجليزي "روتشيلد".
هل انتهى الحصار ؟
لقد انتهت الحرب وعقدت المفاوضات غير المباشرة ,ولم يرفع الحصار ,وبدالً من ذلك ,تم التوصل
إلى اتفاق ثالثي (السلطة واسرائيل واألمم المتحدة –ما يسمى خطة روبرت سيري) يتضمن صراحة الموافقة على شروط العدو اإلسرائيلي التي ستطبق من خالل مئات المراقبين الدوليين ,ومن خالل
الكاميرات التي تم تثبيتها بالفعل –بموافقة السلطة وحركة حماس -في مخازن تجار مواد البناء
لمراقبة عملية تسليم األسمنت بما يتوافق مع الكشوف المرسلة مسبقاً إلى "إسرائيل" من خالل وزارة األشغال ,وكذلك مراقبة كل ما يتعلق بآليات توريد مواد البناء الالزمة لعملية اإلعمار!!؟ إن
خطة "روبرت سيري" –حسب صحيفة هآرتس اإلسرائيلية -تقضي بانتشار مفتشي األمم
المتحدة في مواقع بناء المشاريع الكبرى ,كما أنهم سيراقبون –من خالل الكاميرات -المواقع التي
سيتم تخزين مواد بناء فيها ,مثل اإلسمنت والباطون ومواد مثل األنابيب الفوالذية أو قضبان
حديدية".
ما يعني بوضوح أن شروط عملية إعادة االعمار هي تكريس وتشريع للحصار واالحتالل ,األمر
الذي يستدعي مراجعة كل ما جرى برؤية نقدية وطنية ,بعيدة عن مبررات وذرائع كل من حركتي فتح
وحماس وموافقتهما على هذه الشروط المذلة ,األمر الذي يستدعي من كافة القوى الوطنية المبادرة
إلى الدعوة من أجل تشكيل هيئة وطنية بالتعاون مع مؤسسات "المجتمع المدني" والقطاع الخاص وبمشاركة فعاله من أصحاب المصانع والمزارع والبيوت المدمرة ,لمتابعة ومراقبة تنفيذ عملية االعمار. أرقام احصائية عن كميات مواد البناء الالزمة لالعمار : بالنسبة لكميات مواد البناء الالزمة لعملية األعمار ,تؤكد اإلحصائية شبه النهائية الصادره عن
وزارة األشغال العامة في غزة ,أن إجمالي كميات مواد البناء الالزمة إلعادة إعمار غزة ,تبلغ 0.2
مليون طن إسمنت ( 032ألف طن شهرياً) و ( 2099طن يومياً) ,و 337ألف طن حديد ,وخمسة ماليين طن حصى ,ما يعني توفير أكثر من 911شاحنة يومياً على مدار العامين القادمين لتأمين
وصول هذه الكميات من مواد البناء إضافة إلى أكثر من 211شاحنة يومياً لتأمين مستلزمات قطاع
غزة في حين أن معبر كرم أبو سالم ال يستوعب أكثر من 711-911شاحنة يومياً!!
481
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
مواد البناء الوارده لعملية االعمار خالل الفترة من 3102/03/2 – 3102/01/06حسب االتفاق /البرنامج بين السلطة واسرائيل واألمم المتحدة
المادة
عدد الشاحنات
أسمنت (إجمالي الكمية المطلوبة
029
الكمية المطلوبة يومياً لتغطية حاجة االعمار ولمدة
الكمية (بالطن) 2121
العمار البيوت والمنشآت
عام/أو عامين
2099طن يومياً × 292يوم= 012مليون طن
(حوالي 011شاحنة حملة 21طن يومياً ) أو 21 شاحنة يومياً على مدار عامين.
المدمرة 012مليون طن)
(كميات األسمنت التي كانت تدخل القطاع قبل الحصار ( )2211طن يومياً)..
حديد بناء
03
211
931طن يومياً × 292يوم= 337ألف طن (02
حصمة
72
3691
02ألف طن يومياً × 292يوم= 2مليون طن
0211
23231
11
221
شاحنة يومياً) أو 1شاحنات يومياً لمدة عامين.
( 211شاحنة يومياً) أو 021شاحنة يومياً لمدة عامين.
بيس كورس /للمشاريع القطرية بيتومين لألسفلت
منحه من مصر
توفير الكميات المذكورة أعاله ,يتطلب إزالة كل المعوقات مع توسيع معبر كرم أبو سالم
والسماح بالتوريد واالستيراد من الدول العربية عن طريق معبر رفح ,وبدون ذلك فإن عملية االعمار
ستتأخر لسنوات طويلة.
بالنسبة للمشاريع الدولية (مشاريع undpو األونروا واليونيسيف ومشاريع سلطة المياه
والمشاريع التركيه ,فكل مواد البناء الواردة هي خارج آلية االعمار ,ويتم التنسيق بادخالها عبر
األونروا والهيئات األخرى).
اعتبار من هدد عدد من أصحاب المصانع اإلنشائية في قطاع غزة بالقيام بخطوات تصعيدية ً يوم األحد.03/7 تم عقد اجتماع يوم األحد الماضي بتاريخ 21نوفمبر في الغرفة التجارية في مدينة غزة,
بحضور الغرف التجارية الخمس الممثلة عن كافة محافظات القطاع باإلضافة إلى تسع شركات لإلسمنت وعدد من التجار ,وأكدوا رفضهم لخطة "روبرت سيري" ,وطالبوا عدم حرمان فئة كبيرة من
المواطنين والتجار الراغبين باالستفادة من مواد البناء".
لم تبدأ حتى تاريخه أي خطوة لتعويض أصحاب المصانع والمزارع والمحالت التجارية
والصيادين ..وكل ما جرى هو تسجيل أسماء المتضررين!
480
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
السؤال األهم هنا هو ,كيف ستتصرف القوى والهيئات والفعاليات الوطنية تجاه طرفي الصراع
واالنقسام فتح وحماس؟ وهل ستجد الطريق المالئم للتوافق على برنامج يستهدف متابعة وم ارقبة
وتقييم عملية اإلعمار ارتباطاً برؤية وطنية فلسطينية ؟؟ بحيث تستطيع هذه الرؤية أن تقدم برنامجاً واضحاً يجيب على أسئلة جماهير المتضررين ,المحكومة في هذه اللحظة بعوامل القلق ومظاهر
االحباط السائدة في أوساطهم (معظمهم من الشرائح الفقيرة سكان الشريط الحدودي) ,إلى جانب تفاقم مظاهر الفقر والبطالة واستمرار الحصار وبقاء مظاهر االنقسام والصراع بين فتح وحماس واستمرار
إغالق معبر رفح وما ينتج عن ذلك من مظاهر العنف والجريمة ,بعد أن يعجز الجميع عن أنهاء
معاناة الناس وانهاء الحصار الصهيوني.
نحن إذن ,أمام أوضاع معقدة في مجابهة شروط العدو االسرائيلي وشروط الدول المانحة من
ناحية ,وفي حرصنا على ايجاد الحلول الكفيلة بإنهاء معاناة أبناء شعبنا الذين دمرت بيوتهم ومصانعهم ومزارعهم عالوة على معاناة ذوي الشهداء والجرحى والمعوقين من ناحية ثانية ,إلى جانب
النضال من أجل انهاء حصار قطاع غزة الذي بات سجناً كبي ارً بال سقف من ناحية ثالثة.
أخي ارً ...إن االشراف الوطني على عملية االعمار ومراقبتها من خالل هيئة وطنية لمتابعة خطة
االعمار
بالتنسيق مع االخوة في اللجنة الشعبية ,وبمشاركة المتضررين من القطاع الخاص
وأصحاب البيوت المدمرة وأبناء الشهداء والجرحى ,بما يضمن تنفيذ عملية االعمار بصورة صحيحة.
لكن هذه العملية مشروطة بالضغط الشعبي إلنهاء االنقسام وتطبيق خطوات المصالحة بصورة
جادة وسريعة بعيداً عن الصراع الفئوي والصراع على السلطة والمصالح بين فتح وحماس ,عبر شعار وطني ديمقراطي توحيدي لكل أبناء شعبنا يؤكد على الضرورة العاجلة لتكريس نظام سياسي ديمقراطي كمخرج وحيد ألوضاعنا المنقسمة والمأزومة الراهنة ,يضمن مواصلة النضال التحرري والديمقراطي من
أجل الحرية وتقرير المصير والعودة وبناء الدولة الديمقراطية المستقلة كاملة السيادة ,وبدون ذلك
ستتزايد مظاهر الهبوط السياسي والتفكك االقتصادي واالجتماعي ,وتزايد تراكمات البطالة والفقر المدقع
والتشرد وارتفاع نسبة الجريمة االجتماعية بما قد يجعل من قطاع غزة مرتعاً خصباً لكل أشكال ومظاهر التطرف والفوضى المتوحشة التي تفتح األبواب واسعة أمام "داعش" وغيرها من الحركات
األصولية المتطرفة.
482
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
احملتويات
الموضوع
الرقم
التاريخ
الصفحة
3102/0/02
2 01
.0
غازي الصوراني -مفكر يساري وماركسي -في حوار مفتوح مع القارئات
.3
رفض التطبيق الميكانيكي لمفهوم -المركزية الديمقراطية -
3102/0/01
.2
مدخل الى الخطوط الكبرى لتاريخ الفلسفة
3102/0/21
33
.2
حول طبيعة التطور االجتماعي العربي المشوه ودور المثقف الثوري العضوي..
3102/3/2
32
.2
طروحات في الفلسفة
3102/3/31
32
.9
عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حتى نهاية القرن الثامن
3102/3/32
27
.7 .1
الستين إلى رفيقي أحمد سعدات في عيده ّ
3102/3/32
20
االقتصاد الفلسطيني وسبل الخروج من أزماته المستعصية
3102/2/2
23
.6
مقارنــة ســريعة بــين الرفيــق هوجــو شــافيز ...وبــين مــا يســمى بزعمــاء الــدول
3102/2/7
77
.01
الفلسفة الماركسية موقف أخالقي قبل أن تكون علماً
3102/2/03
76
3102/2/32
10
3102/2/21
12
3102/2/09
19
3102/2/03
16
3102/2/21
67
3102/9/2
010
3102/9/6
012
3102/9/03
012
3102/9/02
021
3102/9/02
021 091
والقراء حول :معارك ماركسية فكرية حول قضايا راهنة ومستقبلية
عشر
االسالمية والعربية!!!!....
.00 .03
ُمهات !. أ َّ
مداخلة حول -الحملة اإلسرائيلية لنزع صفة الجئ عن ابناء وأحفاد الالجئين-
.02
هنيئــا للعمــال والفالحــين الفق ـراء وكــل المضــطهدين فــي فنــزويال بفــوز الرفيــق
.02
السيرورات الثورية لال نتفاضات العربية وتأثيرها على القضية الفلسطينية
.02
المقاييس الفكرية والتنظيمية والعملية والطبقية والنضالية والقيادية والمسلكية
.09
الوضع العربي بعد 29عاماً على هزيمة حزيران ..0697مزيد من تراجع
.07
موجز رحلة لم تنته بعد
.01
مقتطفات من كتاب رأس المال -تأليف د .فؤاد مرسي -اعداد غازي
مادورو
والعلميةالمطلوب تطبيقها ومتابعتها وتطويرها في احزاب اليسار العربي الهويتين القومية والوطنية لحساب مشهد االسالم السياسي
الصوراني .06 .31
خمسة وستون عاماً من النضال واللجوء ..أما آن أوان المراجعة مصر العربية في خطر
.30
قطاع غزة 0627 – 0621دراسة تاريخية سياسية اجتماعية
3102/9/06
.33
على موعد مع انتصار الثورة الشعبية الديمقراطية في مصر
3102/7/0
011
.32
لحظة النهوض الثوري والديمقراطي لمصر وللوطن العربي كله
3102/7/3
013
483
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
.32
الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور يساري
.32
مــن وحــي الثــورة الشــعبية فــي مصــر العربيــة ...القــوى اليســارية الثوريــة هــي
.39
رؤية أولية حول موقف القوى اليسارية والديمق ارطية العربية من حركات
.37
في مفهوم االغتراب وبؤس فصائل واحزاب اليسار العربي
3102/7/03
.31
المفاهيم والقيم االخالقية والمجتمعية العربية وافاق المستقبل.....
3102/7/06
062
3102/7/32
067
3102/7/32
312
3102/7/32
319 303
القوى الوحيدة المؤهلة لقيادة هذه المرحلة ومستقبلها
اإلسالم السياسي..
3102/7/3
012
3102/7/2
012
3102/7/9
017 060
.36
الحالة الثورية في مصر وتداعياتها على حركة حماس والوضع الفلسطيني
.21
االنتفاضات الثورية ومشهد تفكك وسقوط انظمة االستبداد والتخلف واالستغالل
.20
ورقة اولية حول نشـأة وتطـور الحركـة الشـيوعية فـي فلسـطين وموقـف الجبهـة
.23
كيف ترى تطور الهوية لفلسطيني 21؟
3102/7/39
.22
عن -ازمة الماركسية -وأزمة احزاب وفصائل اليسار العربي وسبل النهوض
3102/7/31
302
.22
الموقف الثوري المطلوب من فصـائل واحـزاب اليسـار العربـي تجـاه قـوى اليمـين
3102/1/00
306
.22
قطاع غزة - 0662 0627القسم الثاني
3102/1/32
331
.29
حول الديمقراطية الليبرالية والصراع الطبقي والمجتمع المدني والثورة االشتراكية
3102/1/39
322
.27
حول شعار -االسالم هو الحل-
3102/6/2
321
.21
حديث عن إخفاقات منظمـة التحريـر الفلسـطينية ...بعـد 31عـام علـى توقيـع
3102/6/02
326
.26
31عام على توقيع اتفاق اوسلو
3102/6/32
396
.21
ما هي إشكالية النضال القطري الفلسطيني؟
3102/6/32
370
.20
انسداد أفق النضال الفلسطيني الراهن ومستقبل اليسار
3102/6/32
372
.23
الماركسية والدين والعلمانية والديمقراطية
3102/01/1
376
.22
دخل إلى الفلسفة الماركسية ..المادية الجدلية والتاريخية
3102/01/02
212
.22
على هامش الموقف االيجابي المتضمن في خطاب األخ اسماعيل هنية
3102/01/06
213
.22
عن مسلسل هبوط قيادة م.ت.ف
3102/01/30
212
.29
خــواطر مـــن وحـــي االنتفاضـــات العربيـــة والصـــراع مـــع قـــوى التخلـــف والرجعيـــة
3102/01/37
219
.27
رفاقي وأصدقائي في احزاب وفصائل اليسار الماركسي العربي...
3102/03/1
210
.21
عن االستبداد والمصالح لدى حكومتي فتح وحماس غير الشرعيتين .....
3102/03/09
213
.26
بروباجندات الحكام الدينية والسياسية
3102/2/09
212
.21
في الذكرى الثامنة والثالثين ليوم األرض
3102/2/36
233
في مجتمعاتنا العربية الشعبية
الليبرالي واالسالم السياسي..
اتفاق اوسلو
واالسالم السياسي........
484
مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس :من عام 3102إلى عام 3102
.20
مراحل تطور الرأسمالية الى االمبريالية وصوالً إلى مرحلة العولمة المتوحشة
.23
يوميات صمود غزة ومقاومتها لحرب االبادة الصهيونية
3102/7/09
.22
دروس وعبر نضال وصمود قطاع غزة ...
3102/7/30
226
.22
وجهة نظر حول مفهوم الثورة الوطنية/الشعبية الديمقراطية
3102/1/20
221
.22
عن ابناء الشهداء والجرحى واصحاب البيوت المدمرة ,وعن خطة اعمار
الراهنة
قطاع غزة وتعثر والدة حكومة الوحدة الوطنية رغم الشروط المذلة للدول
المانحة ..... .29
عن االزمة البنيوية في أطر الحركة الوطنية الفلسطينية بتياراتها المختلفة
.27
رؤية راهنة ومستقبلية عن رؤية ودور القوى اليسارية الثورية الفلسطينية
.21
نظرة تحليلية لواقع التخلف العشائري والنمط شبه الرأسمالي التابع والرث
.26
عن عملية االعمار واستمرار الحصار ,وعن السكان والقوى العاملة والبطالة
واستحقاق البديل الديمقراطي اآلن وفو ار......دعوة للحوار......
وانتشار الفساد في مجتمعاتنا العربية....
في الضفة الغربية وقطاع غزة كما في منتصف 3102 .91
عملية إعمار قطاع غزة ...شرعنة االحتالل أم إعمار؟ ..عرض وتحليل
.90
االمطار خير وبركة ولكنه وبال على المشردين واصحاب البيوت المدمرة في
.93
االعمار حقائق وأرقام
ومالحظات نقدية
قطاع غزة!....؟
485
3102/2/32
232 227
3102/6/9
222
3102/6/1
229
3102/6/02
226
3102/6/32
290
3102/01/32
293
3102/00/0
292
3102/00/31
272
3102/03/7
277