أوطان الربيع العربي المفخخة فالح عبد الجبار faleh-institute@hotmail.com 2013 / 4 / 7
ل أتذكر أين قرأت هذا العنوان المسربل بالعنف .لكن الوطان التي جبلناها منذ قرن ونيف تقريبا ،تحمل أوزار الماضي كله ،فهي أوطان مع وقف التنفيذ ،أمم تحترب مع نفسها، ملتفتة برأسها إلى الوراء ،متفرجة على ماض »تليد« ،ل يسعفنا بشيء لترميم
الحاضر.
موه إرادة العيش المشترك(، الوطان ،قال الفرنسيون ،تبنى بالرضا والتراضي )هو ما س وّ في حاضنة ثقافة متجانسة أو متسامحة مع التختل،ف ،وفي موئل اقتصاد حديث مفتوح ل يحتكره حاكم بأمره ،وفي كنف آلة حكم قانونية .واللمان قالوا إن المم تبنى بالدم المشترك ،المسفوح أو الجاري في العروق ،بدولة مكينة تملك كل شيء ،وأيديولوجيا واحدية ،تنفر من كل وأ وّ ي
اتختل،ف.
العسكر وأحزابهم الواحدة استمرأوا الدرس اللماني المهلك ،فدمروا التراكم الحضاري الوجيز الذي كان في مبتدئها ،وتركوا لنا ألغاما تطوق أعناق الوطان ،فمن مصر إلى تونس ،ومن ليبيا إلى سورية فالعراق واليمن ،ثمة جبال من هذه اللغام ،التي أحالتنا إلى أوطان مفخخة بحق ،فالمة ممزقة ،والثقافة مهشمة ،والقتصاد في أقصى درجات الحتكار والتخلف ،وكل قوى المجتمع الوسطية مسحوقة ،حتى جاءنا السلميون محملين بـ:
اللغم الول ،اتختيار أسوأ ما في تراثنا الغني ،الذي انتزع السلميون منه كل عرق من عقلنية وأحالوه ركاما من تحريمات ذكورية ،لكأن مشكلة الوطان إسفا ُر وجه أو معصم، أو سماع أغنية ،أو التفرج على شاشة .أرجعوا تراثنا الى زمن »أهل الذمة« ،كارها ك َّ ل
ك منها والناجي ،فصار الكل مخام ِلف في الدين ،أو إلى زمن احتراب الفرق والطوائف ،الهام ِل م ِ يتبارى في تدمير المساجد من دون نأمة اعتراض أو احتجاج ،بينما الدنيا تقوم ول تقعد إذا ج للدين .حسبنا تذُّك ُر ما حاق منذ نصف قرن بصادق جلل انتقد عقلني واحد الفهم المعو وّ العظم السوري ،أو ما لقاه قبل عقد ونيف المصري نصر حامد أبو زيد ،أو ما واجهه بالمس العراقي احمد
القبانجي.
لنعتر،ف جهارا بأن أيديولوجيا السلم السياسي ،السني منه والشيعي ،قاسمة للمم والوطان على قاعدة اتختل،ف الدين أو المذهب ،مثلما أن القلَبلية مهشم ٌة لهذه الوطان على قاعدة النساب المنغلقة ،وذلك مثلما حكمتنا الحزاب القومية بأيديولوجيا الحزب الواحد والعنصرية الثنية ،فاعلة الشيء نفسه .وبهذا المعنى ،ثمة استمرارية في الفكر والممارسة مع اتختل،ف التلوين ،وهي استمرارية لن تنقطع من دون اعتراض واع، متواصل ،فالطائفية اليوم مثل ورم تخبيث يمتص كل ما هو حي ،ول غرابة في أن أجدادنا كانوا يطلقون على هذا السقام اسم
الكلة.
اللغم الثاني ،الذي يشق المجتمع شقا ،هو مصير القوى المجتمعية التي اعتاشت على النظام القديم ،تخصوصا حيثما كانت الدولة ،أو بتعبير أدق النخبة الممسكة بتقاليد الحكم، تحتكر الثروات مباشرة ،أو تتحكم بها بقوة القرار الداري والتشريع ،كما هو حاصل في جل البلدان العربية والسلمية .وإذا تركنا حفنة محددة من البؤر اليديولوجية وحفنة من القتلة المنفذين ،وجدنا حشودا هائلة من المنتفعين بحكم واقع الحال ،موظفين ورجال أعمال صغار ،يترزقون على باب السلطان .هذه القطاعات العريضة ل يمكن استبعادها بجرة قلم .ما يسمى »الفلول« في مصر ليست كلها مباركية ،بل تنطوي على ما يمكن أن ميه »قطاعات العيش« ،وهي تقاوم أي مساس بوسائل عيشها ،والحال نفسه في أس وّ تونس ،وكذا في سورية ،وفي العراق الحال أوضح ،كان ثمة مليون
و 800
ألف منتظم في
صفو،ف الحزب الحاكم ،وكثرة كاثرة منهم تريد العيش في بلد ل اقتصاد أو معاش فيه تخارج الدولة إل بالكاد .نذكر هنا أن إقليم كردستان حل هذه المسألة بعفو عام ،فاتحا ل حال .أما ي ،وك ِّ الطريق للندماج الوطني .يمكن استثناء العتاة ،وهم قلة قليلة في أ ِّ الستبعاد الكلي وروح الثأر والقسوة ،فهي أقصر الطرق لهدم معمار أي مجتمع
وتمزيقه.
اللغم الثالث هو استمرار احتكار الثروات ،فالنخب الجديدة تحاكي -مثل القردة -أوليا لَ ء المور السابقين ،مكرمات وعطايا ،عقودا وهبات توَّزع بما يشبه المجان .انفصال أو فصل القتصاد عن الجهاز السياسي مسألة حياة هذه المجتمعات أو موتها .الفكر التنموي الذي عمر طويل ف ً في المنطقة ،والذي محض الدولة حق هذا المتلك باسم التقدم ،كان ول يزال ،الوصفةلَ الكيدة لخراب التنمية وضياع الحريات .والمفارقة أن قادة السلميين الذين ترعرعت غالبيتهم في أوساط التجار ورجال العمال في عدد من البلدان ،صاروا دولتيين بمجرد الوصول إلى سدة الحكم ،بعد أن سودوا الصحائف ذوّما لشتراكية الدولة ،وهي جنس شائه من رأسمالية الموظفين ،والنتيجة تحُّول الحكام الجدد إلى طبقة تملك السياسة والقتصاد معا ،بينما الجموع تتحول قسرا إلى ما يشبه قطيع الغنام الذي ينتظر حفنة
الشعير.
وهذا مآل قطاعات واسعة من الطبقات الوسطى ،فهي تابعة تبعية عمياء للدولة ،بحكم ب عمل أوحد ،بل إن الشرائح المالكة أو المنتجة من هذه وظيفة هذه التخيرة كر ِّ الطبقات ،التي تنهض وتكبو على إيقاع تغير الحكام ،تمد يدها إلى الدولة كسوق رأس للخدمات والعقود .بالمقابل ،هناك شرائح واسعة من هذه الطبقات متحررة من الدولة ،او ل تحظى بما يليق بحياة
إنسان.
اللغم الرابع هو شقاء الوعي المجتمعي .الصوات المثقفة العارفة والمعترضة ،تكاد هي وحركاتها اليوم أن تكون جزيرة في محيط ،باستثناء الحركات النسوية الكثر عنفوانا على نحو يذكي المل ،شأن حركات الشباب ،من أصغرها إلى
أكبرها.
قائمة اللغام تطول ،ولعل بالوسع التختتام بشريحة رجال الدين في المؤسسات الرسمية، فهي تنطوي على طاقة اعتراض على »السلم السياسي« ،طاقة معلنة حينا ومستترة احيانا .وينصبوّ العتراض على الممارسة السياسية الجارية ،كما على التأويلت المزرية لحكام الدين أو ثوابته ،كما يقول الدستور
العراقي.
هذه وغيرها من قوى العتراض لن تزول ،ودرب اللم قد يطول حقا ،لكن ل مفر من اجتيازه.