الدبلوماسي 2

Page 1



‫كلمة العدد‬ ‫يشهد العالم سنويًا تنظيم العديد من المنتديات الهادفة إلى إيجاد بيئة‬ ‫مناسبة‪ ،‬ومناخ فكري أصيل يتيح تبادل التجارب الرائدة واألفكار النيرة‪،‬‬ ‫ويعمق ويعزز الروابط بين القيادات السياسية والمفكرين‬ ‫ويخلق التفاعل‪ّ ،‬‬ ‫ورجال األعمال والناشطين في مجال المجتمع المدني من مختلف دول‬ ‫العالم‪ ،‬ويسهم في بلورة رؤى مشتركة عند النظر إلى القضايا السياسية‬ ‫واالستراتيجية واالقتصادية واالجتماعية واإلعالمية التي تهم المجتمع‬ ‫ويكرس الجهود لتحقيق مسارات الديمقراطية والتنمية والتجارة‬ ‫الدولي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحرة‪ ،‬وتحليل العقبات التي تواجهها‪ ،‬واستشراف الحلول المناسبة لها‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار جاء تنظيم منتدى الدوحة الثاني عشر في شهر مايو‬ ‫المنصرم‪ ،‬الذي افتتحه حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل‬ ‫ثاني‪ ،‬أمير البالد المفدى‪ ،‬وشارك فيه أكثر من ‪ 700‬من كبار الشخصيات‬ ‫السياسية األكاديمية‪ ،‬وممثلين عن المنظمات الدولية‪ ،‬ورجال اإلعالم‪ ،‬وكبار‬ ‫العاملين في قطاع األعمال‪ ،‬جاءوا من كافة دول العالم لتبادل اآلراء‪ ،‬وعقد‬ ‫حوار جاد يستند إلى المكاشفة والمصارحة والشفافية في مناقشة قضايا تهم‬ ‫المشهد السياسي واالقتصادي العالمي واإلقليمي‪ ،‬وكذلك عمليات التحول‬ ‫إضافة إلى مناقشة قضايا التنمية‬ ‫الديمقراطي في ظل ثورات الربيع العربي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بأبعادهاالمختلفة‪.‬‬ ‫غاية‬ ‫إننا على قناعة تامة بأن منتدى الدوحة‪ ،‬وغيره من المنتديات‪ ،‬لن يكون ً‬ ‫رئيسة للوصول إلى رؤى مشتركة‪ ،‬وبلورة أفكار تساعد‬ ‫بحد ذاته‪ ،‬بل أدا ًة‬ ‫ً‬ ‫على اتخاذ القرار السليم‪ .‬إذ إن االطالع على تجارب اآلخرين‪ ،‬وتبادل اآلراء‬ ‫بين المفكرين‪ ،‬وعرض اإلشكاالت التي تواجه المشهد السياسي واالقتصادي‬ ‫راق ينبغي‬ ‫جو فكري ٍ‬ ‫العالمي واإلقليمي‪ ،‬كل هذه العناصر ستسهم في خلق ٍّ‬ ‫االستفادة منه في الجانب العملي عند وضع السياسات العامة‪ ،‬واالستراتيجيات‬ ‫االقتصادية والتنموية لمختلف بلدان العالم‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي تغمرنا فيه السعادة للنجاح الكبير الذي تحققه دولتنا‬ ‫في التعامل مع مختلف القضايا السياسية واالقتصادية الدولية‪ ،‬من خالل‬ ‫استضافتها لمثل هذه المنتديات‪ ،‬فإننا نتطلع إلى المضي قدماً‪ ،‬وبالتعاون مع‬ ‫األسرة الدولية‪ ،‬إلى تحويل التحديات التي تواجه المجتمع الدولي واالقتصاد‬ ‫العالمي إلى فرص‪ ،‬والفرص إلى حقائق ملموسة تسهم في تعزيز األمن‬ ‫والسلم والتنمية في ربوع المعمورة‪.‬‬

‫خالد بن حممد العطية‬

‫وزير الدولة للشؤون الخارجية‬

‫‪1‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫المحتويات‬

‫مجلة فصلية تصدر عن‬ ‫المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫المشرف العام‪:‬‬ ‫سعادة الدكتور خالد بن محمد العطية‬ ‫وزير الدولة للشؤون الخارجية‬ ‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫د‪ .‬حسن بن إبراهيم المهندي‬ ‫مدير المعهد الدبلوماسي‬ ‫الناشر‪:‬‬ ‫المعهد الدبلوماسي‪ /‬وزارة الخارجية‬ ‫عناوين اإلتصال‪:‬‬ ‫دولة قطر ‪ -‬الدوحة‬ ‫ص‪ .‬ب ‪250 :‬‬ ‫هـــاتف ‪)+974( 40112500 :‬‬ ‫فاكس ‪)+974( 40112511 :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪:‬‬ ‫‪Diplomacy@mofa.gov.qa‬‬ ‫الموقع اإللكتروني‪:‬‬ ‫‪http://di.mofa.gov.qa‬‬ ‫ جميع المراسالت بإسم رئيس التحرير‬‫ المقاالت المنشورة تعبر عن آراء مؤلفيها‬‫وال تعبر بالضرورة عن توجهات المجلة‬

‫‪1‬‬

‫كلمة العدد‬

‫مؤتمرات‬

‫‪4‬‬

‫في خطاب سياسي اقتصادي إنمائي اجتماعي شامل‬ ‫افتتح به سموه منتدى الدوحة‬ ‫األمير‪ :‬ال يمكن فصل التحول إلى الديمقراطية عن سياسات التنمية‬

‫متابعات‬

‫‪8‬‬

‫جامعة قطر والمعهد الدبلوماسي ينظمان‪:‬‬ ‫المؤتمر الطالبي األول لمحاكاة منظمة التعاون اإلسالمي‬

‫متابعات‬

‫‪12‬‬

‫الدفعة األولى من موظفي وزارة الخارجية الملتحقين بالمعهد‬ ‫الدبلوماسي ينهون برنامج تدريبي حول الدبلوماسية التركية باسطنبول‬

‫ندوات‬

‫‪14‬‬

‫عريقات‪ ..‬يحاضر حول التغييرات في الوطن العربي‬

‫شخصيات‬

‫‪18‬‬

‫الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود‬

‫أضواء‬

‫‪20‬‬

‫أضواء على منظمة‪ ..‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‬

‫تقارير‬

‫‪23‬‬

‫أضواء على‪ ..‬تقرير التنمية البشرية لعام ‪2011‬‬

‫مقاالت‬

‫‪26‬‬

‫ظاهرة الدبلوماسية القطرية‬

‫مقاالت‬

‫‪28‬‬

‫التحوالت في العالم العربي‪ :‬أي دور لالتحاد األوروبي؟‬

‫مقاالت‬

‫‪33‬‬

‫توظيف مقومات الدولة في رسم السياسـة الخارجية‬

‫مراجعة كتاب‬

‫‪36‬‬

‫خطرة‬ ‫زمن الخداع‪ :‬الدبلوماسية النووية في أزمنة ِ‬

‫اصدارات‬

‫‪39‬‬

‫من اصدارات المعهد‪ ..‬التغييرات في العالم العربي‪..‬‬

‫‪40‬‬

‫من القاموس السياسي‬

‫‪4‬‬

‫مؤتمرات‬

‫في خطاب سياسي اقتصادي إنمائي اجتماعي‬ ‫شامل افتتح به سموه منتدى الدوحة‬

‫األمير‪ :‬ال يمكن فصل التحول إلى‬ ‫الديمقراطية عن سياسات التنمية‬

‫‪2‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫متابعات‬

‫جامعة قطر والمعهد‬ ‫الدبلوماسي ينظمان‪:‬‬

‫المؤتمر الطالبي األول لمحاكاة‬ ‫منظمة التعاون اإلسالمي‬

‫‪8‬‬

‫‪12‬‬

‫عريقات‪ ..‬يحاضر حول‬

‫التغييرات في الوطن العربي‬

‫الدفعة األولى من موظفي‬ ‫وزارة الخارجية الملتحقين بالمعهد‬ ‫الدبلوماسي ينهون برنامج تدريبي‬ ‫حول الدبلوماسية التركية باسطنبول‬

‫شخصيات‬

‫أضواء‬

‫‪20‬‬

‫الملك فيصل بن‬ ‫عبد العزيز آل سعود‬

‫‪18‬‬

‫متابعات‬

‫أضواء على منظمة‪..‬‬ ‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‬

‫(‪)UNDP‬‬ ‫مقاالت‬

‫ظاهرة الدبلوماسية‬ ‫القطرية‬

‫‪26‬‬

‫‪14‬‬ ‫تقارير‬

‫أضواء على‪..‬‬ ‫تقرير التنمية البشرية لعام ‪2011‬‬

‫‪23‬‬

‫مقاالت‬

‫مقاالت‬

‫التحوالت في العالم العربي‪:‬‬ ‫أي دور لالتحاد األوروبي؟‬

‫توظيف مقومات الدولة في‬ ‫رسم السياسـة الخارجية‬

‫‪28‬‬

‫‪33‬‬

‫مراجعة كتاب‬

‫اصدارات‬

‫زمن الخداع‪ :‬الدبلوماسية‬ ‫خطرة‬ ‫النووية في أزمنة ِ‬

‫‪39‬‬

‫‪36‬‬

‫ندوات‬

‫من اصدارات المعهد‪..‬‬ ‫التغييرات في العالم العربي‪..‬‬

‫من القاموس‬ ‫السياسي‬

‫‪40‬‬ ‫‪3‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مؤتمرات‬

‫في خطاب سياسي اقتصادي إنمائي اجتماعي‬ ‫شامل افتتح به سموه منتدى الدوحة‬

‫األمير‪ :‬ال يمكن فصل التحول إلى‬ ‫الديمقراطية عن سياسات التنمية‬ ‫«حان الوقت لتنال فلسطين حريتها»‬ ‫«الربيع العربي يجب أن يرافقه ربيع للسالم‬ ‫العادل في الشرق األوسط»‬ ‫ّ‬ ‫«ليس لدى هذا الجيل عقد نقص‪ ...‬وال يسلم‬ ‫باحتكار إسرائيل للقوة والسالح النووي»‬

‫عقد في الدوحة خالل الفترة من ‪ 22-20‬مايو ‪« 2012‬منتدى الدوحة الثاني عشر»‪ ،‬وقد تفضل حضرة صاحب السمو‬ ‫ً‬ ‫الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البالد المفدى بافتتاحه‪ .‬وألقى سموه كلمة أكد فيها أن انعقاد دورة المنتدى‬ ‫ً‬ ‫هذا العام «يأتي في مرحلة مصيرية وحاسمة من تاريخ وطننا العربي‪ ،‬وكثيرا من األحداث التي تجري في منطقتنا‬ ‫وفي أرجاء مختلفة من العالم»‪ .‬وأضاف سموه «لقد سبقت ثورات الحرية العربية مؤشرات لجمود شامل‪ ،‬بل وشلل‬ ‫على مستوى فاعلية السياسات‪ ،‬وغضب عارم على المستوى الشعبي‪ ،‬وكان بعضهم يتجاهل هذه المؤشرات إلى أن‬ ‫ً‬ ‫فوجئ بالثورات وهي تنفجر‪ ،‬منذرة بتحول تاريخي غير مسبوق‪ ،‬يؤكد أن الشعوب العربية بدأت تنفض عن نفسها غبار‬ ‫التراخي الطويل‪ ،‬وأخذت تسعى من جديد للمساهمة في ركب الحضارة اإلنسانية»‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مؤتمرات‬

‫و�أكد �سموه �أن ال�شعوب العربية لن تن�سى فل�سطني متام ًا كما ال نن�سى‬ ‫الأ�رسى وغزة املحا�رصة‪ ،‬و�أنه حان الوقت لتنال فل�سطني حريتها‪ .‬ودعا‬ ‫�سموه �إ�رسائيل �إىل اتخاذ خطوة �إيجابية من �أجل ال�سالم والعي�ش امل�شرتك‪.‬‬ ‫كما تناول �سموه يف كلمته الأهداف الإمنائية للألفية قائ ًال «�إن الت�أخر‬ ‫املتوقع يف حتقيق الأهداف الإمنائية للألفية ملا بعد ‪ 2015‬يجب �أال يثنينا‬ ‫عن حتقيقها ولو بعد �سنوات‪ ،‬كما ينبغي علينا من الآن �صياغة �أهداف‬ ‫�إمنائية �إ�ضافية ت�أخذ بعني االعتبار الأحداث والتطورات اجلديدة‪،‬‬ ‫والفروقات الكبرية بني �أفراد البلد الواحد»‪.‬‬ ‫و�أكد �سمو الأمري يف ختام كلمته �أن منتدى الدوحة‪ ،‬وهو يوا�صل دوراته‬ ‫بانتظام للعقد الثاين على التوايل‪� ،‬سيظل منرب ًا لتبادل الر�أي فيما يحدث‪،‬‬ ‫�سواء يف منطقتنا �أم عرب العامل‪ ،‬والنظر فيما ميكن �أن يحدث‪ ،‬واقرتاح كل‬ ‫ما من �ش�أنه االرتقاء بالدميوقراطية والتنمية والتجارة احلرة‪.‬‬ ‫و�أكد معايل ال�شيخ حمد بن جا�سم بن جرب �آل ثاين رئي�س جمل�س‬ ‫الوزراء وزير اخلارجية‪ ،‬يف كلمته خالل افتتاح املنتدى‪ ،‬على �أهمية‬ ‫الق�ضايا املطروحة على جدول �أعمال املنتدى‪ ..‬الفت ًا �إىل �أنها تن�صب على‬ ‫م�سائل حيوية تهم العالقات الإن�سانية على الأ�صعدة الوطنية والإقليمية‬ ‫والدولية‪ ،‬وهي مطروحة للحوار احلر امل�س�ؤول والبناء لكي ن�ستخل�ص‬ ‫من ذلك قواعد العمل التي حتقق املكت�سبات للجميع‪.‬‬ ‫وقال رئي�س جمل�س الوزراء وزير اخلارجية «ال�شك يف �أن �أهم العنا�رص‬ ‫التي متثل خ�صائ�ص املرحلة ال�سيا�سية التي متر بها املنطقة هو قوة‬ ‫وفاعلية املطالب ال�شعبية الوا�سعة للإ�صالح التي كانت املحفز الأ�سا�سي‬ ‫للثورات العربية‪ ..‬ولهذا �شهدنا التحرك ال�شعبي القوي باجتاه املطالبة‬ ‫ب�سلطة القانون‪ ،‬واحرتام احلريات‪ ،‬واجتثاث الف�ساد‪ ،‬وتر�سيخ التنمية‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية»‪ .‬و�أ�شار معايل ال�شيخ حمد بن جا�سم بن جرب‬ ‫�آل ثاين �إىل �أن منطقة ال�رشق الأو�سط تواجه حتديات غري هينة بدء ًا‬ ‫بتحديد و�سائل احلراك باجتاه حتقيق الإ�صالح‪ ،‬وانتها ًء بتوفري �أ�سباب‬

‫ال�سلم واال�ستقرار والبناء اجلديد للحياة املجتمعية على ال�صعيد الوطني‪.‬‬ ‫وحتدث يف اجلل�سة االفتتاحية للمنتدى فخامة ال�سيد ماهيندا‬ ‫راجاباك�سا رئي�س جمهورية �سريالنكا‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن املنتدى يكت�سي‬ ‫�أهمي ًة بالغ ًة لأنه ينعقد يف ظل �أزمة مالية عاملية‪ ،‬وهناك حاجة للتفكري يف‬ ‫حلول عاملية لهذه امل�شكالت من خالل النقا�ش الإيجابي والبناء‪ .‬و�أ�شار‬ ‫�إىل التطلعات التي حتملها بالده من وراء امل�شاركة يف هذا املنتدى‪ ،‬م�ؤكد ًا‬ ‫على �أهمية اخلو�ض يف م�س�ألة اال�ستثمار العاملي واملعونة الدولية‪.‬‬ ‫كما حتدث يف اجلل�سة نف�سها �سعادة ال�سيد عبدو �ضيوف الرئي�س‬ ‫ال�سنغايل الأ�سبق‪ ،‬رئي�س املنظمة الدولية للفرنكوفونية‪ ،‬قائ ًال �إن ا�ستمرار‬ ‫دولة قطر يف عقد منتدى الدوحة يج�سد ر�ؤيتها‪ ،‬ويثبت رغبتها الأكيدة‬ ‫يف االلتزام بخدمة ق�ضايا الأمن واال�ستقرار وال�سالم يف املنطقة‪ .‬و�شدد‬ ‫�سعادته على �أن �إرادة قطر‪ ،‬ورغبتها ال�صادقة �سمحا لها‪ ،‬يف غ�ضون‬ ‫�سنوات قليلة‪� ،‬أن تر�سي �أ�س�س ًا لتنمية الفتة‪ ،‬ولت�صبح مركز ًا للحداثة‬ ‫والتطور‪ ،‬ومركز ًا يقيم �إرثه وتاريخه وثقافته‪ ،‬وينفتح على العامل بذهنية‬ ‫مبنية على الت�سامح واحلوار الذي يحرتم الأخر‪.‬‬ ‫وقد ت�ضمن جدول �أعمال املنتدى جمموع ًة من اجلل�سات وور�ش العمل‪،‬‬ ‫ا�شتملت اجلل�سة الأوىل‪ ،‬التي كانت بعنوان «امل�شهد ال�سيا�سي واالقت�صادي‬ ‫العاملي»‪ ،‬على عدد من املو�ضوعات‪ ،‬حيث حتدث فيها �سعادة وزير اخلارجية‬ ‫اجلزائري مراد مدل�سي قائ ًال �إن العوملة �أحلقت ال�رضر بجميع البلدان مبا‬ ‫فيها البلدان املتقدمة‪ ،‬وكانت ال�سبب يف �إحداث �أزمة مالية غري م�سبوقة‪،‬‬ ‫م�ؤكد ًا على �رضورة �أن ت�ستوقف هذه املالحظة املجتمع الدويل‪ ،‬الذي‬ ‫يتحتم عليه الإ�رساع يف �إيجاد حلول جديدة من �شانها �أن تنقذ الو�ضع‬ ‫احلايل املت�أزم‪ ،‬مطالب ًا دول العامل ب�إعادة بناء عوملة جديدة تقوم على �أهداف‬ ‫ت�ضامنية �أ�سا�سها تغليب امل�صالح اجلماعية على امل�صالح الفردية‪.‬‬ ‫وحتدث يف هذه اجلل�سة �أي�ض ًا اندرو �سويجر‪ ،‬نائب رئي�س �رشكة‬ ‫�أك�سون موبيل‪ ،‬م�شيد ًا بال�سيا�سة احلكيمة التي تنتهجها دولة قطر لرفع‬

‫‪5‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مؤتمرات‬

‫ً‬ ‫«العالم اآلن يواجه تحديات جسيمة‬ ‫سواء اقتصادية أم سياسية تجعلنا‬ ‫أمام خيارات تحتاج إلى قرارات‬ ‫وآليات دقيقة وفعالة»‬

‫‪6‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫م�ستوى التعليم‪ ،‬وجهودها الكبرية يف حماية البيئة‪ ،‬ورفع م�ستوى الدخل‬ ‫القومي للفرد‪ ،‬و�إيجاد فر�ص عمل جديدة لل�شباب‪� .‬أما املبعوث اخلا�ص‬ ‫ال�سابق لل�سالم يف ال�رشق الأو�سط جورج ميت�شيل‪ ،‬ف�أ�شار �إىل الدور الريادي‬ ‫لدولة قطر يف املنطقة العربية حتت قيادة ح�رضة �صاحب ال�سمو ال�شيخ حمد‬ ‫بن خليفة �آل ثاين �أمري البالد املفدى‪ .‬كما حتدث يف اجلل�سة نف�سها رئي�س‬ ‫الوزراء الإ�سباين ال�سابق خو�سيه لوي�س رودريغيث ثاباتريو‪ ،‬متوقع ًا �أن‬ ‫تتجاوز منطقة اليورو الأزمات التي تع�صف بها حالي ًا‪� ،‬رشيطة �أن تت�ضامن‬ ‫�أكرث مع اليونان لتخطي �أزماتها وم�ساعدتها على النمو‪ ،‬وقال �إن جمموعة‬ ‫الع�رشين �أدارت‪ ،‬يف اجتماعاتها الأخرية ب�إيجابية‪ ،‬بع�ض جوانب الأزمة‬ ‫املالية الأخرية‪ ،‬داعي ًا ك ًال من �أمريكا وقادة الدول الأوربية �إىل الت�ضامن‬ ‫�أكرث لتجاوز �أقوى �أزمة اقت�صادية تع�صف بالعامل حالي ًا‪.‬‬ ‫وناق�ش املتحدثون يف اجلل�سة الثانية (جل�سة التنمية) الأهداف الإمنائية‬ ‫للألفية‪ ،‬وت�أثريات الأزمات االقت�صادية‪ ،‬والعالقة بني التنمية والعدالة‬ ‫االجتماعية والتعليم املكر�س لتحقيق �أهداف التنمية والثورة املعرفية‪،‬‬ ‫ودور اال�ستثمار الأجنبي واملعونة الدولية يف حتقيق التنمية الوطنية‪،‬‬ ‫والتحديات التي تواجه التنمية يف ال�رشق الأو�سط ما بعد ثورات الربيع‬ ‫العربي‪ ،‬ومالمح التنمية املطلوبة يف العامل العربي‪ .‬و�أ�شار املتحدثون يف‬ ‫اجلل�سة �إىل الف�شل يف حتقيق الأهداف الإمنائية للألفية يف موعدها املحدد‪،‬‬ ‫و�أكدوا على �رضورة �إعادة النظر يف ر�سم م�سارات التنمية ومناهجها‪.‬‬ ‫�أمااجلل�سةالثالثةللمنتدى(م�ستقبلال�سالميفال�رشقالأو�سط)‪،‬ف�أكدفيها‬ ‫امل�شاركون على �أن ثورات الربيع العربي �أفرزت واقع ًا جدي ًا يفر�ض ا�ستعمال‬ ‫لغة جديدة‪ ،‬وا�ستيعاب املتغريات لطرح حلول حقيقية للق�ضايا املطروحة‪.‬‬ ‫وتوافقت �آراء املتحدثني يف اجلل�سة حول عدة نقاط يف هذا الإطار‪� ،‬أبرزها �أن‬ ‫�إ�رسائيل ال تريد فع ًال ال�سالم‪ ،‬و�أن القيادة الفل�سطينية �ضعيفة يف مواقفها من‬ ‫هذا ال�رصاع‪ ،‬والواليات املتحدة غري م�ؤهلة‪� ،‬أو غري م�ستعدة يف هذه الأثناء‬ ‫للعمل من �أجل ح�سم امل�س�ألة‪ ،‬كونها من�شغلة باالنتخابات‪ ،‬و�أن الغرب غالب ًا ما‬ ‫يعزف على الوتر الإ�رسائيلي‪،‬ويتجاهلمطالبال�شارعالفل�سطيني‪.‬‬ ‫وناق�شت اجلل�سة الرابعة للمنتدى التغريات ال�سيا�سية واحلقوق املدنية‬ ‫يف ال�رشق الأو�سط‪ ،‬وركزت املدخالت على �أهمية احلوار‪ ،‬ومقاربة الإدماج‬ ‫ملعاجلة �إ�شكاليات الأقليات‪ ،‬وا�سرتاتيجية الرتبية والتعليم‪ ،‬واحرتام‬ ‫القانون‪ ،‬و�سن القوانني لتمكني املر�أة من حقوقها وقيامها بدورها املطلوب‬ ‫يف املجتمع‪ .‬كما �أكدت على �أهمية االعتماد على الذات يف حتقيق ال�شعوب‬


‫مؤتمرات‬

‫لتطلعاتها �إىل احلرية والدميقراطية‪ ،‬دون انتظار الدعم اخلارجي‪ ،‬مع‬ ‫الت�أكيد على �أهمية املجتمع املدين‪ .‬ومتيز النقا�ش يف هذه اجلل�سة بتعدد الآراء‬ ‫وجر�أتها يف الكثري من الأحيان‪ ،‬ال�سيما عندما مت تناول التحوالت التي حدثت‬ ‫يف العامل العربي ويف �سوريا على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫ويف اجلل�سة اخلام�سة للمنتدى حول االقت�صاد والتجارة احلرة‪،‬‬ ‫متحور النقا�ش حول ت�أثري �أزمة اليورو على االقت�صاد العاملي‪ ،‬وجدلية‬ ‫التجارة احلرة وتنمية ال�صناعة الوطنية‪ ،‬وموازين القوى االقت�صادية‬ ‫العاملية يف ظل الدول ال�صاعدة‪� ،‬إ�ضافة �إىل مو�ضوعات تتعلق بالتجارة‬ ‫البينية والتكامل االقت�صادي‪ ،‬والتحديات االقت�صادية التي تواجه ال�رشق‬ ‫الأو�سط‪ .‬وجرى يف اجلل�سة الت�أكيد على �أن الأزمة االوربية اندلعت نتيجة‬ ‫لرتاكمات على مدى عقود عديدة‪ ،‬ومن يعتقد ب�أنها �أزمة وليدة اللحظة‬ ‫ف�إنه مل يقر�أ ما يكفي من تاريخ القرن الع�رشين‪.‬‬ ‫وناق�ش امل�شاركون يف اجلل�سة ال�ساد�سة‪ ،‬املخ�ص�صة ملو�ضوع‬ ‫«الدميقراطية وحتديات الربيع العربي» �أبرز التحديات التي تواجه‬ ‫الربيع العربي‪ ،‬مو�ضحني �أن الدميوقراطية يجب �أن تكون م�ستدامة‪،‬‬ ‫فال�شعوب �أ�صبحت تتطلع �إىل احلرية والدميوقراطية‪ ،‬وتبذل اجلهود يف‬ ‫�سبيل حتقيق طموحاتها‪ .‬وحتدثوا عن �أهمية بناء املواطنة يف �إطار التعددية‬ ‫الدينية‪ ،‬م�ؤكدين على �أهمية دور م�ؤمترات ومنتديات حتالف احل�ضارات‬ ‫التي ت�سعى �إىل تقريب وجهات النظر‪ .‬كما �أكد املتحدثون يف اجلل�سة على‬

‫�أن ثورات الربيع العربي �شكلت هاج�س ًا وحتدي ًا رئي�س ًا لدول الغرب‪ ،‬التي‬ ‫كانت عملي ًا جتهل املنطقة‪ ،‬وال تعرف اجتاهات الأمور‪ ،‬واعتمدت على قادة‬ ‫مت�سلطني وراهنت عليهم‪ ،‬ومن ثم ا�ضطرت �إىل االنقالب عليهم‪ ،‬ومد ج�سور‬ ‫مع جماعات كانت تخاف منها‪ ،‬وال�سيما جماعة الإخوان امل�سلمني‪.‬‬ ‫�أما اجلل�سة ال�سابعة للمنتدى‪ ،‬اخلا�صة بالإعالم‪ ،‬فقد نوق�ش فيها‬ ‫دور الأعالم يف �إحداث التغيري ال�سيا�سي واالجتماعي يف املنطقة العربية‪،‬‬ ‫وامل�س�ؤولية الأخالقية حلماية ال�صحفيني يف ظل النزاعات امل�سلحة‪ ،‬ودور‬ ‫و�سائل الأعالم الإلكرتوين يف التغريات ال�سيا�سية يف املنطقة‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل‬ ‫�سلبيات و�سائل الأعالم احلديث يف زمن التغريات االجتماعية‪.‬‬ ‫ويف اجلل�سة الأخرية للمنتدى حتدث �سعادة ال�شيخ �أحمد بن حممد‬ ‫بن جرب �آل ثاين م�ساعد وزير اخلارجية ل�ش�ؤون التعاون الدويل‪ ،‬م�ؤكد ًا‬ ‫على �أن العامل يف �أم�س احلاجة حالي ًا �إىل حلول جديدة ملعاجلة امل�شكالت‬ ‫التي تع�صف به‪ ،‬و�أن منتدى الدوحة �سي�أخذ اعتبار ًا من العام القادم‬ ‫منحى جديد ًا لي�صبح منرب ًا تتمخ�ض عنه مقرتحات وحلول ت�ستفيد منها‬ ‫الب�رشية‪ .‬و�أ�ضاف �سعادته �أن التطلعات والأهداف امل�ستقبلية للمنتدى‬ ‫تركز على �أال يكون هذا احلدث ملتقى للتحاور والت�شاور فقط‪ ،‬و�إمنا‬ ‫منرب ًا لأ�صحاب الفكر النري لو�ضع مقرتحات وحلول قابلة لتحويلها‬ ‫�إىل خطط و�سيا�سات وبرامج ت�ستفيد منها الب�رشية‪ .‬كما حتدث �ستيفن‬ ‫�سبيغل‪ ،‬مدير مركز تنمية ال�رشق الأو�سط من جامعة كاليفورنيا يف لو�س‬ ‫�أجنلو�س‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن التحديات التي تواجهها منطقة ال�رشق الأو�سط‬ ‫والعامل ب�أ�رسه تتطلب تفكري ًا جماعي ًا من خالل مثل هذه املنتديات‪ ،‬ومن‬ ‫�أهمها التحديات االقت�صادية امل�ستقبلية يف املنطقة �إىل جانب تطلع ال�شعوب‬ ‫�إىل الدميقراطية‪ .‬ومن جهته اعرتف ال�سيد �شون كلريي م�ؤ�س�س عامل‬ ‫امل�ستقبل وامل�ست�شار لدى رئي�س منتدى دافو�س‪ ،‬بوجود تق�صري من دول‬ ‫العامل لفهم منطقة ال�رشق الأو�سط مما �أدى �إىل ارتكاب �أخطاء يف التعامل‬ ‫معها‪ ،‬و�أكد �أن الف�شل يف تقدمي حلول عملية و�سلمية لل�رصاع الفل�سطيني‬ ‫الإ�رسائيلي �سيبقي املنطقة يف حالة من عدم اال�ستقرار‪ ،‬لذلك ف�إن من‬ ‫م�صلحة �إ�رسائيل ودول املنطقة �إيجاد حل عادل و�شامل يحقق ال�سالم‪.‬‬ ‫كما رافقت جل�سات املنتدى العديد من الور�ش‪ ،‬التي تناولت حقوق‬ ‫الأقليات يف الإقليم وم�ستقبلها‪ ،‬وتو�صيات امل�ؤمتر الدويل حلماية‬ ‫ال�صحفيني يف املناطق اخلطرة‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫متابعات‬

‫جامعة قطر والمعهد الدبلوماسي ينظمان‪:‬‬

‫المؤتمر الطالبي األول لمحاكاة‬ ‫منظمة التعاون اإلسالمي‬ ‫في إطار التعاون بين المعهد الدبلوماسي وجامعة قطر‪ ،‬جرى تنظيم المؤتمر الطالبي األول لكلية الشريعة‬ ‫والدراسات اإلسالمية بعنوان «محاكاة منظمة التعاون اإلسالمي»‪ ،‬خالل الفترة من ‪ 28-27‬أبريل ‪.2012‬‬ ‫وقد حضر حفل افتتاح المؤتمر سعادة الشيخة هند بنت حمد آل ثاني مدير مكتب سمو األمير‪ ،‬وسعادة‬ ‫الدكتورة شيخة بنت عبدالله المسند رئيس جامعة قطر‪ ،‬وعدد من سفراء الدول اإلسالمية المعتمدين في‬ ‫ً‬ ‫الدولة‪ ،‬ونخبة من االساتذة والخبراء‪ ،‬وبمشاركة طالب جامعة قطر الذين مثلوا (‪ )29‬وفدا من دول إسالمية‬ ‫أعضاء في منظمة التعاون اإلسالمي‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫متابعات‬ ‫وهدف المؤتمر إلى ما يأتي‪:‬‬ ‫ التأكيد على ثقافة الحوار البناء فيما يتعلق بالوحدة‬‫اإلسالمية والفهم المتبادل‪.‬‬ ‫ تعزيز روح القيادة لدى الطلبة‪ ،‬وإعطائهم الفرصة‬‫لتطوير مهاراتهم في اإللقاء والتواصل والحوار‪.‬‬ ‫ ربط الطلبة بواقعهم‪ ،‬وبالقضايا الراهنة‪ ،‬بما يسهم‬‫في توسيع مداركهم‪ ،‬وتعميق فهمهم للموضوعات‬ ‫ذات االهتمام المشترك كالدين والثقافة والقومية‪.‬‬

‫ا�ستهلت �أعمال امل�ؤمتر بتالوة من �آيات الذكر احلكيم تالها �أحد طلبة‬ ‫جامعة قطر‪ ،‬ثم كلمة للأ�ستاذة الدكتورة عائ�شة املناعي عميد كلية ال�رشيعة‬ ‫والدرا�سات الإ�سالمية‪� ،‬أ�شارت فيها �إىل �أن الكلية �أرادت �أن تن�ضم‪،‬‬ ‫بطالبها وطالباتها‪� ،‬إىل الركب امل�ستنري الواعي بق�ضايا �أمته‪ ،‬القادر على‬ ‫ا�ستيعاب تلك الق�ضايا ومناق�شتها من منظور �إ�سالمي �صحيح‪ ،‬ومن خالل‬ ‫دولة ترعى الكثري من تلك الق�ضايا ب�شتى �أ�شكالها‪ ،‬وهي قطر التي �أثبتت‬ ‫جدارتها بر�ؤية قائدها ح�رضة �صاحب ال�سمو ال�شيخ حمد بن خليفة �آل‬ ‫ثاين �أمري البالد املفدى‪ ،‬يف حتمله م�س�ؤولية عجز عن حملها الكثري للدفاع‬ ‫عن ال�شعوب وم�ساعدتها يف الو�صول �إىل بر الأمان‪.‬‬ ‫و�أكدت الدكتورة املناعي �أن طالب وطالبات جامعة قطر �أرادوا‪ ،‬بكثري‬ ‫من العزمية والإ�رصار‪ ،‬حماكاة منظمة التعاون الإ�سالمي‪ ،‬بر�ؤيتها‬ ‫ور�سالتها و�أهدافها‪ ،‬ومب�ساندة من �أ�ساتذة كلية ال�رشيعة‪ ،‬ومن املعهد‬ ‫الدبلوما�سي بوزارة اخلارجية‪ .‬وذكرت �أن العامل الإ�سالمي مير مبرحلة‬ ‫خطرية تتمثل يف الثورات على الظلم واال�ستبداد‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل التحديات‬ ‫اخلطرية‪ ،‬التي تواجه الدول العربية والإ�سالمية والغرب والواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬وعلى ر�أ�سها الأزمة االقت�صادية‪ ،‬وتطال م�صداقية الإ�سالميني‬ ‫يف الو�صول �إىل احلكم‪ ،‬وتطبيقهم ملبادئ ال�رشيعة ال�سمحة‪ ،‬التي ترقى‬ ‫بالإن�سان يف تعامله مع الآخر بكل �أطيافه‪.‬‬

‫و�أ�شادت الدكتورة املناعي بالدعم الكبري الذي قدمه �سعادة الدكتور خالد‬ ‫بن حممد العطية وزير الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية‪ ،‬الذي رحب بتقدمي امل�ساعدة‬ ‫الق�صوى من خالل م�شاركة املعهد الدبلوما�سي بالوزارة‪ ،‬و�إ�سهامه الفاعل‬ ‫يف عقد امل�ؤمتر‪ ،‬وال�سيما �سعادة ال�سفري الدكتور ح�سن بن �إبراهيم املهندي‬ ‫مدير املعهد‪ ،‬الذي مل ي�أ ُل جهد ًا‪ ،‬وبذل كل ما بو�سعه لإجناح اللقاء بكثري‬ ‫من ال�صدق والإخال�ص‪ .‬وقدمت الدكتورة املناعي ال�شكر للأ�ستاذة الدكتورة‬ ‫�شيخة بنت عبداهلل امل�سند رئي�س اجلامعة على ت�شجيعها ودعمها لهذا امل�ؤمتر‪.‬‬ ‫ثم حتدث الدكتور ح�سن بن �إبراهيم املهندي مدير املعهد الدبلوما�سي‪،‬‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن هذا امل�ؤمتر مهم لأن مو�ضوعه هو حماكاة عمل منظمة‬ ‫التعاون الإ�سالمي‪ ،‬التي ت�ش ّكل ن�شاطاتها نقطة تالقي مع العمل‬ ‫الدبلوما�سي‪ ،‬ومت ّثل �أدوارها جميع القناعات ب�أن العمل الإ�سالمي‬ ‫امل�شرتك يبد�أ بالتعاون‪ ،‬ويجب �أن يكون حمكوم ًا باملبادئ واملعايري‬ ‫الأخالقية والإن�سانية‪ .‬و�أ�ضاف �أن امل�ؤمتر ُيع ّد باكورة التعاون مع جامعة‬ ‫قطر‪ ،‬واملعهد يتط ّلع �إىل ا�ستمرار التعاون وتطوره م�ستقب ًال لتحقيق‬ ‫الأهداف امل�شرتكة‪ .‬و�أ�شار الدكتور املهندي �إىل �أنه جرى اختيار منظمة‬ ‫التعاون الإ�سالمي مو�ضوع ًا مل�ؤمتر هذا العام‪ ،‬لكون هذه املنظمة‪ ،‬التي‬ ‫�أن�شئت عام ‪ 1969‬بعد احلادث الأليم املتمثل بحرق امل�سجد الأق�صى‪،‬‬ ‫تُعترب ثاين �أكرب منظمة حكومية بعد الأمم املتحدة‪ ،‬وبينّ �أنها ت�ضم يف‬ ‫ع�ضويتها (‪ )57‬دول ًة‪ ،‬مي ّثل �سكانها قرابة ‪ %15‬من �سكان العامل ‪.‬‬ ‫و�أو�ضح الدكتور املهندي �أن تنظيم هذا امل�ؤمتر جاء يف وقت تواجه فيه‬ ‫الدول الأع�ضاء يف منظمة التعاون الإ�سالمي حتدياتٍ متعددةً‪ ،‬ال�سيما يف‬ ‫ظل الأزمة املالية‪ ،‬التي تلقي بظاللها على دول العامل املتقدمة والنامية‬ ‫على حد �سواء‪ ،‬وتعاين �أغلب �شعوب الدول الأع�ضاء يف املنظمة من الفقر‬ ‫والبطالة‪ ،‬اللتني فاقمتهما الأزمة املالية العاملية نتيج ًة لفقدان العديد من‬ ‫مواطني ال�شعوب الإ�سالمية فر�ص عملهم‪ ،‬وهو ما يجعل املنظمة �أمام‬ ‫حت ٍّد كبري مل�ساعدة الدول الإ�سالمية من �أجل تخفي�ض ن�سبة ال�سكان‪،‬‬ ‫الذين يقل دخلهم اليومي عن دوالر واحد �إىل الن�صف بحلول عام ‪.2015‬‬

‫‪9‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫متابعات‬

‫وبينّ الدكتور املهندي �أن ال�شباب امل�سلم كان له دور فاعل يف التحوالت التي �شهدتها املنطقة‬ ‫خالل العام املن�رصم واحلايل‪ ،‬و�أثبتوا �أنهم قوة ال ي�ستهان بها يف �إحداث التغيري‪ ،‬وقادرون على‬ ‫�إ�سماع �صوتهم للمجتمع الدويل‪ ،‬الذي وقف مذهو ًال من التحوالت التي �سيكون لها ت�أثري كبري‪،‬‬ ‫لي�س على م�ستقبل الأمن ال�سيا�سي واالقت�صادي لل�رشق الأو�سط‪ ،‬بل على العامل ب�أ�رسه‪ ...‬و�أ ّكد‬ ‫�سدى‪ ،‬ال بد �أن يكون لهم دور فاعل يف �إكمال م�سرية التحوالت‪،‬‬ ‫�أن ت�ضحيات ال�شباب‪ ،‬كي ال تذهب ً‬ ‫من خالل التع ّرف على ما ينبغي القيام به من �أجل جتنب الآثار ال�سلبية على �أو�ضاع دولهم‪ ،‬ال�سيما‬ ‫الأمنية واالقت�صادية‪.‬‬ ‫ومن جانبه ث ّمن �سعادة الدكتور غيث بن مبارك الكواري وزير الأوقاف وال�ش�ؤون‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬يف كلمته التي �ألقاها نياب ًة عن �سعادته ال�سيد يحيى النعيمي‪ ،‬املبادرة الطيبة التي‬ ‫تهدف �إىل تعريف الطلبة مبا مي ّكنهم من حتقيق وعي بهويتهم الإ�سالمية الأ�صيلة‪ ،‬و�أكد‬ ‫�أن العامل الإ�سالمي بحاجة ما�سة �إىل �شباب عارف بالآخر‪ ،‬مل ٍّم بلغاته‪ ،‬قادر على املناظرة‬ ‫واحلوار‪ ...‬ومن دون ذلك لن ي�ستطيع العامل الإ�سالمي ا�ستثمار الدوائر احلليفة يف الغرب‪،‬‬ ‫التي تقتنع يوم ًا بعد يوم ب�أن احل�ضارة الإ�سالمية لي�ست‪ ،‬كما �صورتها �أعمال بع�ض غالة‬ ‫امل�ست�رشقني‪ ،‬ح�ضارة ٍ‬ ‫عنف وت�سلطٍ و�صدا ٍم‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن التفريط يف تلك الدوائر احلليفة‬ ‫يف ّوت على العامل فر�ص ًا للتفاهم والت�شارك يف بناء م�ستقبل �آمن للإن�سانية‪.‬‬ ‫و�أعترب الدكتور الكواري �أن هذا امل�ؤمتر منا�سبة للطالب للتدريب‪ ،‬وتبادل الآراء‪ ،‬والتطلع �إىل‬ ‫الإ�سهام يف بناء الأمن الثقايف ال�شامل‪ ،‬الذي يتيح للأمة الإ�سالمية فر�صة جتاوز التحديات الكثرية‬ ‫التي تواجهها‪ ،‬ون ّوه بالقائمني على تنظيم امل�ؤمتر‪ ،‬مذكر ًا الطالب والطالبات ب�أن الأمة تنتظر‬ ‫�أفعالهم وتفوقهم ومتيزهم ليوا�صلوا حمل لواء الإ�سالم‪ ،‬الذي رفعته الأجيال قبلهم‪.‬‬ ‫كما حتدث يف اجلل�سة االفتتاحية للم�ؤمتر �سعادة ال�سيد نا�رص بن فهيد الهاجري‪ ،‬رئي�س جمل�س‬ ‫�إدارة �رشكة ح�صاد الغذائية‪ ،‬عن �أهداف ال�رشكة ور�سالتها ال�سامية يف حتقيق الأمن الغذائي يف‬ ‫‪10‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫متابعات‬

‫قطر وخارج قطر‪ ،‬م�شيد ًا بدور ال�رشكة‪ ،‬وما حتققه لأهل قطر واملنطقة منذ‬ ‫�أربع �سنوات‪ ،‬كون الغذاء ي�ش ّكل متطلب ًا �أ�سا�سي ًا ومهم ًا للجميع مثل الأمن‬ ‫والطاقة‪ .‬و�أو�ضح �أن ال�رشكة حققت جناحات كبريةً‪ ،‬وا�ستطاعت �إن�شاء‬ ‫بع�ض الزراعات واملنتجات و�إدخالها �إىل ال�سوق القطري‪ .‬واختتم الهاجري‬ ‫كلمته بدعوة جميع الطلبة �إىل امل�شاركة يف م�شاريع ال�رشكة لتحقيق الأمن‬ ‫الغذائي جلميع املقيمني على هذه الأر�ض الطيبة‪.‬‬ ‫واختتمت اجلل�سة االفتتاحية للم�ؤمتر بكلمة الطالب �ألقاها الطالب عبد‬ ‫اهلل عزت من كلية الهند�سة نياب ًة عن زمالئه‪� ،‬أ�شار فيها �إىل �أن مثل هذه‬ ‫الأن�شطة والفعاليات الكبرية‪ ،‬التي حتاكي املنظمات العاملية‪ ،‬ت�ساعد يف‬ ‫بناء �شخ�صية الطالب علمي ًا وثقافي ًا و�سلوكي ًا‪ ،‬كما �أنها تك�سبه خربات‬ ‫متنوع ًة يف جماالت احلياة العملية احلالية وامل�ستقبلية‪ ،‬وجتعل منه �شاب ًا‬ ‫فاع ًال يف جمتمعه‪ ،‬ونافع ًا لأمته ي�سري بها �صوب الطريق ال�سديد امل�ستقيم‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف الطالب عزت �أن هذا امل�ؤمتر الطالبي ُيع ّد و�سيل ًة لتعزيز‬ ‫قدرات ال�شباب‪ ،‬وتفعيل �أدوارهم‪ ،‬وحثهم على القيادة‪ ،‬على م�ستوى‬ ‫املجتمع والأمة‪ ،‬مبا يخ�ص الق�ضايا التي متر بها الأمة الإ�سالمية‪ .‬و�أ�شار‬ ‫�إىل �أن هذا امل�ؤمتر الطالبي ي�سعى �إىل حتقيق خم�سة �أبعاد‪ :‬الأول ديني‬ ‫ُيعنى بتعزيز رابط الأخوة‪ ،‬والعمل الد�ؤوب للحفاظ على املقد�سات‪،‬‬ ‫و�إحياء روح التعاون بني امل�سلمني‪ ،‬ومنا�رصة الق�ضايا املختلفة للدول‬ ‫الأع�ضاء‪ ،‬والثاين �أخالقي يغر�س القيم‪ ،‬ويوطد العالقات‪ ،‬ويربي على‬ ‫�آداب احلوار والنقد الهادف البناء‪ ،‬والثالث بعد ثقايف ُيب�صرّ العقل وينري‬ ‫الذهن لي�ستفيد من خربات الآخرين‪ ،‬ويتعرف على �أحوال امل�سلمني يف‬ ‫�شتى بقاع الأر�ض‪ ،‬فيما البعد الرابع تعليمي يدرب الطالب تدريب ًا عملي ًا‬ ‫على القيادة وحتمل امل�س�ؤولية‪ ،‬مما ُيخ ّرج كوادر م�ؤهل ًة لقيادة الأمة‪،‬‬ ‫ممتلك ًة القدرة على الت�أثري والتفاعل الإيجابي يف املجتمعات الإ�سالمية‬ ‫بتوازن فكري ور�أي �سديد‪� ،‬أما البعد اخلام�س فهو بعد حواري ُيحيي‬ ‫روح التناف�س‪ ،‬ويرثي النقا�ش بفكر �صائب وخُ لق �إ�سالمي رفيع‪.‬‬ ‫وقُدم بعد جل�سة االفتتاح‪ ،‬على مدار يومني‪ ،‬عدد من االوراق ملجموعة‬ ‫من الطالب متحورت حول دول املنظمة‪ ،‬وناق�شت عدد ًا من الق�ضايا‪ ،‬على‬ ‫ر�أ�سها ق�ضية الأمن الغذائي والتغريات املناخية‪ ،‬والتغريات ال�سيا�سية يف‬ ‫العاملني العربي والإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪11‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫متابعات‬

‫الدفعة األولى من موظفي وزارة الخارجية‬ ‫الملتحقين بالمعهد الدبلوماسي ينهون برنامج‬ ‫تدريبي حول الدبلوماسية التركية باسطنبول‬ ‫في إطار تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة بين وزارة الخارجية بدولة قطر‪ ،‬واألكاديمية الدبلوماسية بوزارة‬ ‫الخارجية التركية‪ ،‬والتي تهدف إلى تعزيز التعاون في مجاالت التدريب في العمل الدبلوماسي‪ ،‬وتبادل‬ ‫المعلومات ذات الصلة بالقانون الدولي والشؤون الدبلوماسية والتخصصات األكاديمية األخرى ذات العالقة‬ ‫ً‬ ‫بممارسة الدبلوماسية والعالقات الدولية‪ ،‬شارك (‪ )27‬متدربا من المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية في‬ ‫برنامج تدريبي نظمه كل من مدرسة الحكومة والقيادة‪ ،‬ومركز دراسات الحضارات بجامعة باهشا شاهير‬ ‫بمدينة اسطنبول التركية خالل الفترة من ‪ 28 -23‬مايو ‪.2012‬‬

‫‪12‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫متابعات‬

‫ا�ستهل الربنامج بحفل ا�ستقبال نظمته اجلامعة‪ُ ،‬ق ّدم فيه عر�ض حول الربامج‬ ‫والتخ�ص�صات العلمية التي تدر�س فيها‪ ،‬كما قدم مدير مدر�سة احلوكمة والقيادة عر�ض ًا‬ ‫تناول فيه برنامج الدرا�سات العليا‪ ،‬ثم حتدث مدير مركز درا�سات احل�ضارة عن الربنامج‬ ‫التدريبي مرحب ًا باملتدربني‪.‬‬ ‫وتلقى املتدربون طيلة �أربعة �أيام حما�رضات متخ�ص�صة �ألقاها عدد من الأكادمييني العاملني‬ ‫باجلامعات الرتكية املتخ�ص�صني يف خمتلف جماالت العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬تناولت النظام ال�سيا�سي‬ ‫يف تركيا‪ ،‬التعاون والأمن الدويل‪ ،‬ت�أثري العالقات الرتكية الأمريكية على ال�رشق الأو�سط‪،‬‬ ‫عالقات تركيا باالحتاد الأوربي‪ ،‬عمليات تكامل االقت�صاد الرتكي مع ال�رشق الأو�سط‪ ،‬عالقات‬ ‫العامل العربي مع تركيا‪ ،‬وت�أثريات الربيع العربي على ال�سيا�سة اخلارجية الرتكية‪.‬‬ ‫وعقب انتهاء الربنامج التدريبي ن ُّظمت زيارات للم�شاركني يف الربنامج �إىل بع�ض امل�ؤ�س�سات‬ ‫الثقافية واملعامل التاريخية ملدينة ا�سطنبول‪� ،‬شملت زيارة مركز البحوث للتاريخ والفنون‬ ‫والثقافة الإ�سالمية التابع ملنظمة التعاون الإ�سالمي‪ ،‬حيث قدم مدير املركز عر�ض ًا حول �أهم‬ ‫ن�شاطات وبرامج املركز‪ ،‬وكذلك مكتبة املركز التي ت�ضم الأر�شيف العثماين‪ .‬كما زار امل�شاركون‬ ‫�أهم املتاحف القدمية وامل�ساجد والق�صور العثمانية‪.‬‬ ‫وجرى يف اختتام الربنامج التدريبي تنظيم حفل ع�شاء �أقامه القن�صل العام لدولة قطر‬ ‫با�سطنبول‪ ،‬بح�ضور ممثل عن جمل�س الوزراء ووزارة اخلارجية الرتكية‪ ،‬ورئي�س جمل�س �أمناء‬ ‫جامعة باه�شا �شاهري‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل العديد من التدري�سيني والأكادمييني الأتراك‪ ،‬و ُوزعت خالله‬ ‫ال�شهادات على امل�شاركني يف الربنامج‪ ،‬وجرى تبادل الهدايا مع اجلانب الرتكي‪.‬‬ ‫كما زار امل�شاركون يف الربنامج وزارة اخلارجية الرتكية ب�أنقرة‪ ،‬وتلقوا حما�رضات‬ ‫متخ�ص�صة حول ال�سيا�سة اخلارجية‪ ،‬و�أنظمة احلكم‪ ،‬والقانون الدويل والأعراف الدبلوما�سية‬ ‫والقواعد الربوتوكولية‪ ،‬وكذلك زاروا الأكادميية الدبلوما�سية والربملان الرتكي وبع�ض املعامل‬ ‫التاريخية املعروفة ب�أنقرة‪ .‬و�أقام �سعادة عبد الرزاق �آل عبد الغني �سفري دولة قطر لدى تركيا‬ ‫حفل ا�ستقبال للم�شاركني يف الربنامج‪.‬‬ ‫‪13‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫ندوات‬

‫عريقات‪ ..‬يحاضر حول‬

‫التغييرات في الوطن العربي‬ ‫طالب الدكتور صائب عريقات‪ ،‬عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬رئيس الوفد‬ ‫الفلسطيني لمفاوضات الوضع النهائي‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية بضرورة إيجاد آليات عمل لتنفيذ‬ ‫ً‬ ‫العهود التي قطعها الرئيس باراك أوباما فيما يتعلق بعملية السالم في الشرق األوسط‪ ،‬مشددا‬ ‫على ضرورة وضوح السياسة األمريكية تجاه إسرائيل‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫ندوات‬

‫وقال عريقات‪ ،‬يف ندوة نظمها املعهد الدبلوما�سي يف ‪ 20‬مار�س‬ ‫املا�ضي بعنوان «التغيريات يف العامل العربي و�آثارها على الواليات‬ ‫املتحدة والغرب وفل�سطني و�إ�رسائيل»‪« :‬املطلوب من وا�شنطن �أن تُلزِم‬ ‫رئي�س الوزراء الإ�رسائيلي بنيامني نتنياهو بالرتاجع �إىل حدود ‪،1967‬‬ ‫و�رضورة ربط ال�سالم بالدميقراطية يف املنطقة ال�ستحالة الف�صل بينهما»‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف عريقات‪�« :‬إذا قام كل طرف مبا يجب عليه عندها ميكن �أن تكون‬ ‫هناك بداية متوا�ضعة لتحديد العالقات الغربية‪ -‬العربية‪� ،‬رشيطة �أ ّال‬ ‫تتعامل وا�شنطن مع �إ�رسائيل على �أنها دولة فوق القانون»‪.‬‬ ‫واعترب عريقات ما يحدث بالعامل العربي هو الأبرز منذ �ألف عام‪ ،‬لكنه‬ ‫لي�س التجربة الأوىل للدميقراطية بال�رشق الأو�سط‪ ..‬م�ستذكر ًا يف هذا‬ ‫ال�صدد جتربة رئي�س الوزراء الإيراين الأ�سبق حممد م�صدق عام ‪،1951‬‬ ‫حني ح�صلت حكومته على ثقة الربملان‪ ،‬وكان �أول عمل قام به �إلغاء امتياز‬ ‫�رشكة البرتول الأجنلو‪� -‬إيرانية‪ ،‬الذي كان من املفرت�ض �أن ي�ستمر حتى‬ ‫عام ‪ ،1993‬حيث �صادرت احلكومة كافة ممتلكات ال�رشكة‪ ،‬وهو ما دفع‬ ‫فيما بعد احلكومتني الأمريكية والربيطانية لإ�سقاطه عام ‪ ،1953‬حيث‬ ‫�أطاح اجلرنال زاهدي بحكومة م�صدق‪ ،‬و�أ�صدر �شاه �إيران قرار �إقالته‪،‬‬ ‫واعتقل وحوكم بتهمه اخليانة العظمى‪ ،‬وحكمت عليه حمكمة ع�سكرية‬ ‫بالإعدام‪ ،‬والحق ًا جرى تخفيف العقوبة �إىل ثالث �سنوات‪ ،‬ثم ُو�ضع رهن‬ ‫الإقامة اجلربية حتى وفاته عام ‪.1968‬‬ ‫و�أ�شار عريقات �إىل �أن م�صدق علق على �إ�سقاطه بالقول‪�« :‬أعظم ذنب‬ ‫اقرتفته هو ت�أميم �رشكة برتول �إيران‪ ،‬وحماولة �إ�سقاط نظام ا�ستغالل‬ ‫اقت�صادي و�سيا�سي‪ ،‬كر�سته الإمرباطورية العظمى القمعية‪ ،‬نظام‬ ‫امل�ؤامرات واال�ستعمار‪� ..‬إين �أعلمكم �أن م�صريي �سيكون عربة تدر�س يف‬ ‫امل�ستقبل ملنطقة ال�رشق الأو�سط‪ ،‬لكل من يحاول ك�رس العبودية وخدمة‬ ‫امل�صالح اال�ستعمارية»‪ .‬كما ا�ست�شهد بطريقة تعامل الغرب مع الرئي�س‬ ‫العراقي الراحل �صدام ح�سني‪ ،‬فقد اعتربه ديكتاتور ًا جيد ًا عندما حارب‬ ‫�إيران‪ ،‬لكنه حتول �إىل عدو بعدما غزا الكويت‪ ،‬والأمر نف�سه بالن�سبة للعقيد‬ ‫الليبي معمر القذايف‪ ،‬الذي ق ّبل الغرب يديه من �أجل ا�ستثمارات اقت�صادية‪،‬‬

‫وبعدما ح�صلوا على غر�ضهم هاجموه وقتلوه‪ ،‬ثم الرئي�س الفل�سطيني‬ ‫يا�رس عرفات‪ ،‬الذي دخل البيت الأبي�ض ‪ 21‬مرة‪ ،‬ثم قتلوه بعدما حا�رصوه‪.‬‬ ‫وقال عريقات �إن احلركة التغيريية يف العامل العربي لي�ست حركة �أفراد‬ ‫هبوا من �أجل تغيري و�ضعيتهم ومعي�شتهم‪ ،‬بل حركة تغيري حلاكم فقد‬ ‫�رشعيته‪ ،‬ومن ث ّم وجب نزعه‪ .‬وبينّ �أن الغرب يف تعاطيه مع ال�رشق الأو�سط‬ ‫حدد منذ البداية ثالثة حماور تتمثل يف مواجهة ال�شيوعية‪ ،‬و�ضمان تدفق‬ ‫النفط‪ ،‬واحلفاظ على �أمن �إ�رسائيل‪ ..‬م�شري ًا �إىل �أنه واكب معظم ما ُكتب بعد‬ ‫الربيع العربي لدى امل�ؤ�س�سات البحثية واال�سرتاتيجية بالغرب‪ ،‬وخلُ�ص �إىل‬ ‫�أن الغرب ال ي�س�أل �إ ّال عن االتفاقيات التي وقعت مع �إ�رسائيل‪ ،‬وال ي�س�أل عن‬ ‫الو�سائل الكفيلة بدعم الدميقراطية واحلريات باملنطقة‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف عريقات �أن الغرب يرى �أن العوامل التي �أدت �إىل �سقوط‬ ‫الرئي�س امل�رصي املخلوع ح�سني مبارك موجودة يف كل مكان باملنطقة‪،‬‬ ‫ومن ث ّم على �أمريكا �أن تعزز احلليف الوحيد يف املنطقة وهو �إ�رسائيل‪.‬‬ ‫كما طالب احلكومات‪ ،‬التي ت�شكلت يف عدد من الدول بعد الربيع العربي‪،‬‬ ‫�أن ت�ؤكد ملواطنيها �أنها ملتزمة بالقوانني الدولية حلقوق الإن�سان‪ ،‬وال‬ ‫حاجة لدرو�س من �أحد‪ ،‬والتنبيه �إىل �أن بع�ض ما يحدث بالعامل العربي يجب‬ ‫�أ ّال يكون مقدم ًة للفو�ضى‪ ،‬لأنه يجب عدم ال�سماح بن�شوء �أنظمة يف ظلها‪.‬‬ ‫وبينّ عريقات �أن ما يحدث باملنطقة العربية من �سقوط لأنظمة‪،‬‬ ‫وحماوالت بناء �أنظمة جديدة لي�س املرة الأوىل التي يحدث فيها هذا يف‬ ‫العامل‪ ،‬لأن الغرب م ّر ب�أكرث من هذا‪ ،‬مثلما حدث عام ‪ 1848‬حني ا�ضطر‬ ‫امل�ست�شار النم�ساوي كليمنز مرتنينخ �إىل الهروب من فيينا عندما حا�رصه‬ ‫املتظاهرون‪ ،‬وبعدها انهارت �أنظمة يف فرن�سا و�إيطاليا و�أملانيا‪ ،‬وتكررت‬ ‫ظاهرة املتظاهرين الغا�ضبني‪ ،‬وفرحتهم بهروب الأمراء وامللوك من‬ ‫ق�صورهم يف �أوروبا املنهكة اقت�صادي ًا‪ ،‬واملبعرثة �سيا�سي ًا‪ ،‬واملنق�سمة‬ ‫اجتماعي ًا‪ ،‬وهو الأمر الذي ح�صل لزين العابدين بن علي وح�سني مبارك‬ ‫ومعمر القذايف‪ ،‬الذي ي�شبه م�صريه ما حدث للوي�س ال�ساد�س ع�رش عام‬ ‫‪ 1793‬عندما انتهى �إىل املق�صلة‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫ندوات‬ ‫استحالة تكريس الديمقراطية بمعزل‬ ‫عن حل القضية الفلسطينية‬

‫و�أكد عريقات �أن على العرب �أخذ الدرو�س والعرب من جتارب الآخرين‪،‬‬ ‫ففي نهاية املطاف كان زرع بذور الدميقراطية املقدمة الأوىل للنمو‬ ‫االقت�صادي‪ ،‬والتطور التعليمي واالجتماعي‪ ،‬وخلق البيئة املنا�سبة‬ ‫لال�ستثمار‪ .‬ودعا الأحزاب العربية الرابحة يف االنتخابات واحلكومات‬ ‫العربية الربملانية �إىل زراعة بذور الدميقراطية‪ ،‬والبدء يف بناء الهياكل‬ ‫االقت�صادية القادرة على توفري حاجات ال�شعوب‪ ،‬وحت�سني ظروفها‬ ‫املعي�شية‪ ،‬واملبادرة ب�صياغة الد�ساتري التي حتدد احلقوق والواجبات‪،‬‬ ‫وت�ضمن م�شاركة املواطن يف احلكم‪ ،‬واحلريات‪ ،‬وامل�ساءلة‪ ،‬واملكا�شفة‪،‬‬ ‫واملحا�سبة‪ ،‬وحقوق الإن�سان واملر�أة‪ ،‬وتداول ال�سلطة دميقراطي ًا‪.‬‬ ‫وقال‪ :‬لقد �أكدت التجارب الدميقراطية العربية املحدودة ال�سابقة يف‬ ‫فل�سطني ولبنان �أنه من امل�ستحيل ا�ستتباب الدميقراطية‪ ،‬وتكري�سها ك�أ�سا�س‬ ‫للحياة ال�سيا�سية مبعزل عن حل الق�ضية الفل�سطينية من كافة جوانبها‪.‬‬ ‫البترولوالديمقراطية‬

‫وت�ساءل عريقات هل ميكن للدول الغربية �أن حتافظ على م�صاحلها يف‬ ‫منطقة ال�رشق االو�سط‪ ،‬و�أن تدعم يف الوقت نف�سه الدميقراطية‪ ،‬و�أجاب‬ ‫ا�ستناد ًا �إىل ت�رصيحات الرئي�س الأمريكي �أوباما �أثناء حملته االنتخابية‪،‬‬ ‫الذي قال «�إن حقوق الإن�سان والأمن القومي لي�سا �أمرين متعار�ضني‪ ،‬بل‬ ‫يكمل بع�ضهما بع�ض ًا»‪.‬‬ ‫وا�ست�شهد عريقات ب�سل�سلة من الآراء املتباينة حول هذه امل�س�ألة‪،‬‬ ‫فهناك من يرى �أن املهم احلفاظ على امل�صالح دون التدخل فيما يريده‬ ‫العرب‪ ،‬وفيما ال يريدونه‪ ،‬وهناك من دعا �إىل تبني الدميقراطية يف العامل‬ ‫العربي‪ ،‬والتعلم من درو�س املا�ضي‪.‬‬ ‫وحول م�صالح الواليات املتحدة والغرب يف املنطقة‪ ،‬قدم عريقات‬ ‫�أرقام ًا �إح�صائي ًة بينت �أن الدول العربية و�إيران متتلك ‪ %35‬من الإنتاج‬ ‫العاملي للبرتول دون الغاز الطبيعي‪ .‬وقال �إن اخلطر احلقيقي الذي يهدد‬ ‫�إمدادات النفط قد ال يتمثل يف اندالع �أزمات داخلية يف البلدان املنتجة‬ ‫للنفط‪ ،‬فاخلطر احلقيقي هو اندالع حرب �إقليمية ينزلق �إليها �أكرث من‬ ‫طرف‪ .‬ليعود من جديد �إىل الت�أكيد على �أن حتقيق ال�سالم يف منطقة‬

‫‪16‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫ال�رشق االو�سط‪ ،‬و�إنهاء االحتالل الإ�رسائيلي‪ ،‬و�إقامة الدولة الفل�سطينية‬ ‫امل�ستقلة‪ ،‬وتنفيذ خريطة الطريق‪ ،‬واملبادرة العربية لل�سالم يعترب الركن‬ ‫الرئي�سي يف ا�سرتاتيجية ا�ستقرار املنطقة‪ ،‬كما �أن الركيزة الأخرى‪ ،‬التي‬ ‫ال تقل �أهمي ًة تتكامل مع ال�سالم‪ ،‬تتم ّثل يف الإ�صالح والدميقراطية يف‬ ‫البلدان العربية كلها و�إيران من دون ا�ستثناء‪.‬‬ ‫بدء حوار‬

‫كما ر�أى عريقات �أن على الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬وباقي الدول‬ ‫الغربية البدء بحوار جدي مع جميع الدول العربية من �أجل حتقيق‬ ‫الإ�صالح والدميقراطية‪ ،‬و�إر�ساء البنى التحتية القت�صاديات قادرة على‬ ‫تلبية احتياجات املجتمعات‪ ،‬وحتديد ًا يف جمال ا�ستيعاب الأجيال ال�شابة‬ ‫يف �أ�سواق العمل‪ ،‬وحماربة الف�ساد من خالل امل�ساءلة واملحا�سبة‪ ،‬وو�ضع‬ ‫امل�صالح العامة فوق امل�صالح اخلا�صة للأفراد والنخب احلاكمة‪.‬‬ ‫ودعا عريقات �إىل �رضورة اال�ستثمار يف بناء تركيبة اقت�صادية قوية‬ ‫يف م�رص وتون�س وليبيا واليمن و�سوريا والأردن واملغرب‪ ،‬م�شري ًا �إىل‬ ‫�أن م�رص وليبيا و�سوريا وتون�س واليمن خ�رست خالل الأ�شهر الت�سعة‬ ‫الأوىل من عام ‪ 2011‬نحو ‪ 56‬بليون دوالر‪.‬‬


‫ندوات‬

‫وخل�ص عريقات �إىل القول �إن التهديد احلقيقي للم�صالح الأمريكية‬ ‫والغربية يف منطقة ال�رشق االو�سط يتمثل يف غياب الدميقراطية وال�سالم‪،‬‬ ‫و�إن على حلفاء الغرب يف منطقة ال�رشق الأو�سط من العرب الدخول‪،‬‬ ‫من دون تردد �أو �إبطاء‪ ،‬يف طريق الإ�صالح والدميقراطية‪ ،‬وعلى حليف‬ ‫�إ�رسائيل �أن يتخذ قرار ًا ا�سرتاتيجي ًا ب�صناعة ال�سالم‪ ،‬و�إنهاء االحتالل‪.‬‬ ‫وحول ت�أثري التغيريات يف العامل العربي فل�سطيني ًا‪ ،‬حتدث عريقات عن‬ ‫امل�صاحلة الفل�سطينية‪ ،‬حيث جتلت �أحداث العامل العربي بتوقيع اتفاق‬ ‫امل�صاحلة يف القاهرة يف �شهر مايو العام املا�ضي‪ ،‬واتفاق الدوحة بني فتح‬ ‫وحما�س قبل �شهور‪ ،‬معرتف ًا بخط�أ االنق�سام الفل�سطيني وخطورته‪ ،‬و�أنه ال‬ ‫وجدتا لتحرير فل�سطني‪ ،‬و�إن على‬ ‫م�س ّوغ ال�ستمراره‪ .‬وقال �إن فتح وحما�س ِ‬ ‫ال�شعب الفل�سطيني العمل من �أجل �إعادة فل�سطني �إىل خريطة اجلغرافيا‪.‬‬ ‫وحول ت�أثري التغيريات يف العامل العربي على «�إ�رسائيل»‪ ،‬قال عريقات‬ ‫�إن �إ�رسائيل متار�س �سيا�سة االنتظار‪ ،‬وا�ستخدام الربيع العربي لعدم‬ ‫االنخراط يف عملية ال�سالم‪ ،‬مع ا�ستغالل ذلك لتكثيف اال�ستيطان‪ ،‬وفر�ض‬ ‫احلقائق على الأر�ض‪ ،‬ال�سيما فيما يتعلق مبدينة القد�س املحتلة وما حولها‪.‬‬ ‫وقال د‪ .‬عريقات‪� :‬إننا �إذا حتدثنا عن ا�سرتاتيجية �إ�رسائيلية يف هذا الو�ضع‪،‬‬ ‫ف�إنه البد من القول �إن هدف �إ�رسائيل هو ف�صل ال�ضفة‪ ،‬ودفع م�س�ؤولية‬ ‫قطاع غزة �إىل احلكومة امل�رصية‪ ،‬وذلك لإف�شال امل�رشوع الفل�سطيني‪.‬‬ ‫و�أ�شار عريقات �إىل �أنه بعد �أن تغريت قواعد اللعبة‪ ،‬ف�إنه مطلوب من‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية �إيجاد �آليات عمل لتنفيذ العهود التي قطعها‬ ‫�أوباما‪ ..‬و�ش ّدد على �رضورة و�ضوح ال�سيا�سة الأمريكية جتاه �إ�رسائيل‬ ‫على �أن حت ّدد لرئي�س الوزراء الإ�رسائيلي ماذا يجب �أن يعمل‪.‬‬ ‫وبعد انتهاء املحا�رضة فُتح باب النقا�ش‪ ،‬حيث �أعرب ال�سفري العراقي‬ ‫د‪ .‬جواد الهنداوي عن خماوفه من م�صادرة التغيريات الإيجابية التي‬ ‫حدثت يف العامل العربي‪ ،‬وقال �إن هذه التغيريات يجب �أن تقودنا �إىل‬ ‫تغيريات يف العقل ال�سيا�سي العربي‪ ،‬ويف ال�سلوكيات العربية‪ ،‬وتر�سيخ‬ ‫ثقافة الدولة‪ .‬كما �أعرب عن �أمله يف �أن تحُ دِث هذه التغيريات حتو ًال يف‬ ‫ا�سرتاتيجية الواليات املتحدة جتاه الدول العربية‪ ،‬وعلى الأخ�ص الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية‪ .‬وت�ساءل د‪ .‬يحيى الأغا‪ ،‬امل�ست�شار الثقايف ب�سفارة فل�سطني‪،‬‬

‫عما �إذا كانت التحوالت التي حدثت يف العامل العربي �ستحدث تنازالت يف‬ ‫الق�ضايا التي كانت القيادة الفل�سطينية قد طرحتها‪ ،‬كما ت�ساءل عما �إذا‬ ‫كانت ثمة �ضغوط على الرئي�س الفل�سطيني ال�سيد حممود عبا�س‪ .‬فيما‬ ‫�أ�شار �سفري �سلطنة عمان‪ ،‬ال�سيد حممد بن نا�رص الوهيبي‪� ،‬إىل �أنه من‬ ‫املبكر �أن نحكم على املتغريات يف العامل العربي‪ ،‬كما �أنه من املبكر �أن‬ ‫نعطيها �صف ًة ما لأن الثورات يف مراحلها الأوىل‪.‬‬ ‫المهم المصلحة العربية‬

‫وتعليق ًا على هذه الآراء‪ ،‬قال د‪ .‬عريقات �إنه من خالل هذه التغيريات‬ ‫البد �أن ننظر �إىل م�صلحتنا‪ ،‬و�أ�ضاف «�أننا يف حال احتالل مل ن�صل �إىل‬ ‫مفهوم الدولة‪ ،‬و�أن �أي �شخ�ص يعطي �صف ًة للقد�س يف ظل االحتالل يكون‬ ‫غري مو�ضوعي‪ ،‬وقدرنا �أن ن�صرب ونبني م�ؤ�س�ساتنا‪ ،‬وعجلة التاريخ لن‬ ‫تتوقف‪ ،‬والتغيريات لن تتوقف»‪.‬‬ ‫و�أكد عريقات �أننا ال ميكن �أن نقف جتاه التغيريات التي حدثت مكتويف‬ ‫الأيدي‪ ،‬وال ميكن �أن نقول �إنه لي�س من املبكر احلديث عن حتوالت‪،‬‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن هذه التحوالت ت�ستفيد منها الق�ضية الفل�سطينية‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫شخصيات‬

‫الملك فيصل بن‬ ‫عبد العزيز آل سعود‬

‫ولد الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬عام ‪ ،1906‬وهو االبن الثالث من الذكور للملك عبد العزيز‪ .‬تربى في بيت‬ ‫ّ‬ ‫جديه ألمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ التميمي وهيا بنت عبد الرحمن آل مقبل التميمي‪ ،‬وتلقى على يديهما‬ ‫العلم بعد وفاة والدته وهو في عمر الستة شهور‪ ،‬وأدخله والده الملك عبد العزيز في السياسة في سن مبكر‪ ،‬حيث أرسله‬ ‫في زيارات للمملكة المتحدة وفرنسا مع نهاية الحرب العالمية األولى‪ ،‬وكان عمره حينها ‪ 13‬سنة‪ ،‬كما رأس وفد المملكة إلى‬ ‫مؤتمر لندن عام ‪ 1939‬حول القضية الفلسطينية والمعروف بمؤتمر المائدة المستديرة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫على المستوى المحلي قاد القوات السعودية لتهدئه الوضع المتوتر في عسير عام ‪ ،1922‬وفي عام ‪ 1925‬قاد جيشا إلى‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫منطقة الحجاز‪ ،‬واستطاع تحقيق النصر والسيطرة عليها‪ ،‬وفي عام ‪ 1926‬عينه والده فيها نائبا عنه‪ ،‬كما عين في عام ‪1927‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫رئيسا لمجلس الشورى‪ ،‬وفي عام ‪ 1932‬عين وزيرا للخارجية‪ ،‬إضافة إلى كونه رئيسا لمجلس الشورى‪ ،‬وشارك في عام ‪1934‬‬ ‫في الحرب السعودية اليمنية‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫شخصيات‬ ‫يف �أثناء توليه وزارة اخلارجية طلب من امللك عبد العزيز قطع العالقات‬ ‫الدبلوما�سية مع الواليات املتحدة‪ ،‬وذلك بعد قرار الأمم املتحدة القا�ضي‬ ‫بتق�سيم فل�سطني �إىل دولتني‪ ،‬لكن امللك مل ي�ستجب لطلبه‪ ،‬ويف ‪� 9‬أكتوبر‬ ‫‪� 1953‬أ�صدر امللك عبد العزيز �أمر ًا بتعيينه نائب ًا �أول لرئي�س جمل�س‬ ‫الوزراء‪ ،‬مع احتفاظه مبن�صب وزير اخلارجية‪ ،‬وذلك بعد تعيني الأمري‬ ‫�سعود رئي�س ًا للوزراء‪.‬‬ ‫بعد وفاة والده‪ ،‬وتتويج �أخيه �سعود ملك ًا‪ ،‬عينه ولي ًا للعهد ونائب ًا‬ ‫�أول لرئي�س جمل�س الوزراء ووزير ًا للخارجية‪ ،‬فيما �ألغى من�صبني له‬ ‫هما نائب امللك يف احلجاز‪ ،‬ورئي�س جمل�س ال�شورى‪ ،‬ويف عام ‪1954‬‬ ‫�أر�سله امللك �سعود �إىل بع�ض الدول يف زيارات ر�سمية نياب ًة عنه‪ ،‬ويف عام‬ ‫‪ 1957‬وقعت الأزمة املالية ال�سعودية‪ ،‬وكان قبلها قد �سلمه امللك �سعود‬ ‫بع�ض مهماته‪ ،‬حيث �أ�صبح م�سئو ًال عن املال وخزينة الدولة والأو�ضاع‬ ‫اخلارجية للبالد‪ ،‬ويف عام ‪ 1958‬مل ي�ستطع حل تلك الأزمة ب�سبب النفط‬ ‫و�أوامر امللك‪ ،‬ف�أ�صبحت الدولة تقرت�ض املال من الدول الغربية و�رشكة‬ ‫�أرامكو‪ .‬و�إ�ضاف ًة �إىل كونه نائب ًا لرئي�س الوزراء عينه امللك �سعود وزير ًا‬ ‫للمالية ووزير ًا للداخلية‪ ،‬ويف عام ‪ 1960‬حدثت توترات �شديدة بينه‬ ‫وبني امللك �سعود ا�ستمرت حتى نهاية حكم امللك‪ ،‬فقرر �إلغاء من�صبيه‬ ‫الوزاريني و�إبقائه نائب ًا لرئي�س الوزراء فقط‪ ،‬لكن امللك‪ ،‬رغم ا�ستمرار‬ ‫خالفاته معه‪ ،‬عينه عام ‪ 1962‬رئي�س ًا للوزراء ووزير ًا للخارجية‪.‬‬

‫عانى امللك �سعود يف �سنوات حكمة الأخرية من �أمرا�ض عديدة منها‬ ‫�آالم املفا�صل وارتفاع �ضغط الدم‪ ،‬مما ا�ضطره �إىل العالج يف اخلارج‪ .‬وقد‬ ‫�أدى ا�شتداد تلك الأمرا�ض عليه �إىل عدم قدرته على القيام ب�أعمال احلكم‪،‬‬ ‫كما ات�سعت اخلالفات بينه وبني الأمري في�صل خالل تلك الفرتة‪ ،‬وب�سبب‬ ‫ذلك اجتمع العلماء والأمراء يف ‪ 29‬مار�س ‪ ،1964‬ف�أ�صدروا فتوى تن�ص‬ ‫على بقاء امللك �سعود مل ًكا على �أن يقوم الأمري في�صل بت�رصيف جميع‬ ‫�أمور اململكة الداخلية واخلارجية بوجود امللك يف البالد �أو غيابه عنها‬ ‫(نائب ًا للملك)‪ .‬وبعد �صدور هذا القرار تو�سع اخلالف بينه وبني �أخيه‬ ‫امللك‪ ،‬الذي ازداد عليه املر�ض‪ ،‬ولكل تلك الأ�سباب اتفق �أهل احلل والعقد‬ ‫من �أبناء الأ�رسة املالكة على �أن احلل الوحيد لهذه امل�سائل هو خلع امللك‬ ‫�سعود من احلكم وتن�صيب امللك في�صل مل ًكا‪ ،‬و�أر�سلوا قرارهم �إىل علماء‬ ‫الدين لأخذ وجهة نظرهم من الناحية ال�رشعية‪ ،‬فاجتمع العلماء لبحث‬ ‫هذا الأمر‪ ،‬وقرروا ت�شكيل وفد ملقابله امللك �سعود و�إقناعه بالتنازل عن‬ ‫احلكم‪ ،‬و�أبلغوه ب�أن قرارهم قد اتخذ‪ ،‬و�أنهم �سيوقعون على قرار خلعه‬ ‫من احلكم‪ ،‬و�أن من الأ�صلح له �أن يتنازل‪� ،‬إال �إنه رف�ض ذلك‪.‬‬

‫ويف ‪ 1‬نوفمرب ‪ 1964‬اجتمع علماء الدين والق�ضاة‪ ،‬و�أعلن مفتي اململكة‬ ‫حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ �أنه مت خلع امللك �سعود بن عبد العزيز �آل‬ ‫�سعود من احلكم‪ ،‬و �ستتم مبايعة الأمري في�صل مل ًكا‪ ،‬ويف يوم ‪ 2‬نوفمرب‬ ‫‪ 1964‬بويع الأمري في�صل مل ًكا‪.‬‬ ‫ازدهرت يف عهد امللك في�صل ال�سيا�سة الداخلية للمملكة يف املجاالت‬ ‫االقت�صادية والزراعية وال�صحية واملوا�صالت‪ ،‬كما قام بو�ضع اخلطة‬ ‫اخلم�سية عام‪1970‬م‪.‬‬ ‫على �صعيد ال�سيا�سة اخلارجية �أهتم بالق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬و�شارك‬ ‫يف الدفاع عن حقوق فل�سطني يف املحافل العاملية‪ ،‬وظهر ذلك جلي ًا عندما‬ ‫خطب يف عام ‪ 1963‬على منرب الأمم املتحدة‪ ،‬مذ ِّكر ًا العامل ب�أن ال�شيء‬ ‫الوحيد الذي بدد ال�سالم يف املنطقة العربية هو امل�شكلة الفل�سطينية منذ‬ ‫قرار الأمم املتحدة بتق�سيم فل�سطني‪ .‬ومن �سيا�سته التي اتبعها حول‬ ‫هذه الق�ضية عدم االعرتاف ب�إ�رسائيل‪ ،‬وتوحيد اجلهود العربية‪ ،‬وترك‬ ‫اخلالفات بد ًال من فتح جبهات جانبية ت�ستنفذ اجلهود والأموال والدماء‪،‬‬ ‫و�إن�شاء هيئة متثل الفل�سطينيني‪ ،‬و�إ�رشاك امل�سلمني يف الدفاع عن الق�ضية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من اخلالفات بينه وبني الرئي�س امل�رصي جمال عبد‬ ‫النا�رص‪ ،‬فقد تعهد‪ ،‬بعد حرب ‪ ،1967‬وعقد م�ؤمتر القمة العربية يف‬ ‫اخلرطوم‪ ،‬بتقدمي معونات مالية �سنوية حتى‬ ‫تزول �آثار احلرب على م�رص‪ ،‬كما قرر مع عدة‬ ‫دول عربية قطع النفط يف �أثناء حرب �أكتوبر عام‬ ‫‪ ،1973‬وعمل على حل اخلالف بني ال�سعودية‬ ‫وم�رص حول الق�ضية اليمنية‪.‬‬ ‫�أما على �صعيد ال�سيا�سة اخلارجية‪ ،‬فقد‬ ‫عمل على تنمية عالقات ال�سعودية مع فرن�سا‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا بعد توجه احلكومة الفرن�سية �إىل‬ ‫الوقوف �إىل جانب العرب �ضد �إ�رسائيل‪ .‬كما‬ ‫�شهد عهده عودة العالقات ال�سعودية مع اململكة املتحدة‪ ،‬التي قُطعت بعد‬ ‫العدوان الثالثي على م�رص عام ‪ ،1956‬وذلك �إثر زيارته لها يف يونيو‬ ‫عام ‪ ،1967‬وقد بد�أت العالقات بالعودة تدريجي ًا ابتدا ًء من عام ‪،1963‬‬ ‫كما زار يف مايو عام ‪ 1966‬الواليات املتحدة بدعوة ر�سمية من الرئي�س‬ ‫الأمريكي ريت�شارد نيك�سون‪ ،‬وقد تظاهر اليهود �ضد تلك الزيارة‪ .‬وكان‬ ‫يرف�ض �إقامة �أي عالقه �أو متثيل �سيا�سي مع الدول ال�شيوعية لئال يظهر‬ ‫يف ال�سعودية �أي مبد�أ يعار�ض ال�رشيعة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫انتهى عهد حكم امللك في�صل‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬يوم الثالثاء ‪ 25‬مار�س‬ ‫‪ ،1975‬عندما �أطلق عليه النار الأمري في�صل بن م�ساعد بن عبد العزيز‬ ‫�آل �سعود (ابن �أخيه)‪ ،‬وهو ي�ستقبل وزير النفط الكويتي عبد املطلب‬ ‫الكاظمي يف مكتبة بالديوان امللكي‪ ،‬و�أرداه قتي ًال‪ ،‬حيث اخرتقت �إحدى‬ ‫الر�صا�صات الوريد‪ ،‬فكانت ال�سبب الرئي�سي لوفاته‪ ،‬ومل يت�أكد حتى الآن‬ ‫الدافع احلقيقي وراء اغتياله‪ ،‬لكن ثمة من يزعم �أن ذلك حدث بتحري�ض‬ ‫من الواليات املتحدة وبريطانيا ب�سبب ال�سيا�سة النفطية التي انتهجتها‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية يف عهده خالل حرب �أكتوبر ‪ 1973‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪19‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫أضواء‬

‫أضواء على منظمة‪..‬‬

‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي‬

‫(‪)UNDP‬‬

‫ُ‬ ‫تأسس برنامج األمم المتحدة اإلنمائي عام ‪ ،1965‬وهو تابع لألمم المتحدة‪ ،‬ويعد أكبر مصدر عالمي‬ ‫ً‬ ‫جماعي للمنح الموجهة لتطوير القوى البشرية‪ ،‬ويمتلك شبكة تتكون من ‪ 132‬مكتبا في جميع أنحاء‬ ‫العالم‪ ،‬ويتعامل مع ‪ 174‬دولة‪ ،‬ويتمركز ‪ %85‬من موظفي الشبكة في الدول النامية‪ ،‬وهي تعمل‬ ‫على تنسيق الجهود العالمية والوطنية للوصول إلى تحقيق األهداف اإلنمائية لأللفية بحلول عام‬ ‫‪ ،2015‬كما تعمل على تطوير القدرات المحلية التي تعتمد على موظفي برنامج األمم المتحدة‬ ‫اإلنمائي وشريحة واسعة من الشركاء‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫أضواء‬ ‫ً‬ ‫يضع المجلس التنفيذي لبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬المؤلف من ‪ 36‬بلدا‪،‬‬ ‫السياسات‪ ،‬ويقر البرنامج ويحدد توزيع الموارد‪ ،‬وللبرنامج ممثلون مقيمون في‬ ‫‪ 128‬دولة نامية ينسقون جميع عمليات األمم المتحدة‪ .‬ويسعى البرنامج إلى‬ ‫تحقيق األهداف اآلتية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ /1‬المساعدة على جعل األمم المتحدة قوة فاعلة ومتماسكة تحقق التنمية‬ ‫البشرية المستدامة‪.‬‬ ‫‪ /2‬تعبئة الموارد المتاحة للبرنامج لتحقيق سلسلة من األهداف التي ترتبط‬ ‫بتطوير التنمية البشرية‪ ،‬والقضاء على الفقر‪ ،‬والحفاظ على البيئة‪ ،‬وإيجاد فرص‬ ‫العمل‪ ،‬والسعي إلى النهوض بالمرأة‪.‬‬ ‫‪ /3‬تقوية التعاون الدولي لتحقيق التنمية البشرية المستدامة‪.‬‬ ‫حدد برنامج األمم المتحدة اإلنمائي (‪ )UNDP‬أهدافه‪ ،‬المتمثلة في اإلسراع في‬ ‫التقدم الشامل في التنمية البشرية‪ ،‬في «المخطط االستراتيجي من العام ‪2008‬‬ ‫حتى العام ‪ ، »2011‬الذي صادقت عليه الدول األعضاء في المجلس التنفيذي‬ ‫التابع للبرنامج في العام ‪ ،2007‬والتي جرى فيها التركيز على المجاالت التنموية‬ ‫األربعة اآلتية‪:‬‬

‫‪ /1‬إدارة الحكم الديمقراطي‪:‬‬ ‫ تعزيز المشاركة الشاملة‪.‬‬‫ تقوية المؤسسات الحاكمة المستجيبة‪.‬‬‫‪ -‬وتعزيز ممارسات الحكم الناشئة عن مبادئ دولية‪.‬‬

‫‪ /2‬الحد من الفقر ودعم األهداف اإلنمائية لأللفية‪:‬‬ ‫ تعزيز النمو الشامل‪.‬‬‫ المساواة بين الجنسين‬‫ تحقيق األهداف اإلنمائية لأللفية‪.‬‬‫ تعزيز العولمة الشاملة‪.‬‬‫‪ -‬التخفيف من تأثير فيروس نقص المناعة البشرية (اإليدز) على التنمية البشرية‪.‬‬

‫‪ /3‬البيئة والتنمية المستدامة‪:‬‬ ‫ توجيه البيئة والطاقة‪.‬‬‫ توجيه التمويل المتعلق بالبيئة‪.‬‬‫ تعزيز تكييف التغيرات المناخية‪.‬‬‫‪ -‬تطوير قدرة محلية على إدارة البيئة‪ ،‬وتوسيع مدى النفاذ إلى خدمة توزيع الطاقة‪.‬‬

‫‪ /4‬منع األزمات والنهوض‪:‬‬ ‫ تعزيز القدرات على إدارة مخاطر النزاعات والكوارث‪.‬‬‫ تقوية وظائف الحكم ما بعد النزاعات‪.‬‬‫ ترميم المؤسسات المعنية بالتنمية على المستوى المحلي ‪.‬‬‫يركز تقرير التنمية البشرية السنوي‪ ،‬بتفويض من برنامج األمم المتحدة‬ ‫اإلنمائي‪ ،‬على قضايا التنمية العالمية‪ ،‬وتوفير أدوات قياس وتحليل مبتكرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واقتراح سياسات عامة تكون في كثير من األحيان مثيرة للجدل‪ .‬كما يدعم برنامج‬ ‫األمم المتحدة اإلنمائي جميع تقارير التنمية البشرية اإلقليمية والقطرية وحتى‬ ‫المحلية المبنية على إطار تحليلي‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫أضواء‬ ‫من المعروف أن البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة قد دأب منذ عام ‪ 1990‬على إصدار‬ ‫تقرير سنوي عن أوضاع التنمية البشرية على الصعيد العالمي‪ ،‬وهو تقرير مستقل يستند‬ ‫إلى تحاليل تجريبية تتناول القضايا واالتجاهات والتطورات والسياسات اإلنمائية‪ ،‬ويقوم‬ ‫على ترتيب الدول‪ ،‬وفق مقياس دليل التنمية البشرية ‪ ،Human Development Index‬إلى‬ ‫ً‬ ‫دول تتمتع بتنمية بشرية مرتفعة جدا‪ ،‬ودول تتمتع بتنمية بشرية مرتفعة‪ ،‬ودول تتمتع‬ ‫بتنمية بشرية متوسطة‪ ،‬ودول تتمتع بتنمية بشرية منخفضة‪ .‬وعلى مدار عقدين من الزمن‬ ‫غطى التقرير مواضيع متنوعة تمثلت باآلتي‪:‬‬ ‫السنة‬

‫موضوع التقرير‬

‫‪1990‬‬

‫مفهوم التنمية البشرية وقياسها‬

‫‪1991‬‬

‫تمويل التنمية البشرية‬

‫‪1992‬‬

‫األبعاد العالمية للتنمية البشرية‬

‫‪1993‬‬

‫المشاركة الشعبية‬

‫‪1994‬‬

‫أبعاد جديدة لألمن البشري‬

‫‪1995‬‬

‫النوع االجتماعي والتنمية البشرية‬

‫‪1996‬‬

‫النمو االقتصادي والتنمية البشرية‬

‫‪1997‬‬

‫التنمية البشرية والقضاء على الفقر‬

‫‪1998‬‬

‫االستهالك من أجل التنمية البشرية‬

‫‪1999‬‬

‫العولمة ذات الوجه اإلنساني‬

‫‪2000‬‬

‫حقوق اإلنسان والتنمية البشرية‬

‫‪2001‬‬

‫توظيف التقنية الحديثة لخدمة التنمية البشرية‬

‫‪2002‬‬

‫تعميق الديمقراطية في عالم مفتت‬

‫‪2003‬‬

‫أهداف التنمية لأللفية‪ :‬تعاهد بين األمم إلنهاء الفاقة‬

‫‪2004‬‬

‫الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع‬

‫‪2005‬‬

‫التعاون الدولي على مفترق طرق‪ :‬المعونة والتجارة واألمن في عالم غير متساو‬

‫‪2006‬‬

‫ما هو أبعد من الندرة‪ :‬القوة والفقر وأزمة المياه العالمية‬

‫‪2008/2007‬‬

‫محاربة تغير المناخ‪ :‬التضامن اإلنساني في عالم منقسم‬

‫‪2009‬‬

‫التغلب على الحواجز‪ :‬قابلية التنقل البشري والتنمية‬

‫‪2010‬‬

‫الثروة الحقيقية لألمم‪ :‬مسارات إلى التنمية البشرية‬

‫‪2011‬‬

‫االستدامة واإلنصاف‪ :‬مستقبل أفضل للجميع‬

‫وسيتمحور عمل برنامج األمم المتحدة اإلنمائي (‪ )UNDP‬حول هذه القضايا بشكل مستمر‬ ‫بهدف تعزيز دوره التشغيلي‪ ،‬وتأمين الدعم التقني والسياسات للبلدان التي يشملها‬ ‫البرنامج من خالل العمل على التحديات المتعددة القطاعات والدفاع عنها‪ ،‬والمتمثلة في‬ ‫ً‬ ‫الحد من الفقر والحكم الرشيد ومنع األزمات والنهوض والبيئة والتنمية المستدامة‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى أنه سيعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين‪ ،‬وتمكين المرأة ومساعدة البلدان التي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يغطيها البرنامج على تقوية قدراتها الخاصة لتصميم استراتيجيات تنمية تعكس ظروفا وطنية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معينة وأهدافا وطنية وتحقيقها‪ ،‬ضمن إطار األهداف اإلنمائية لأللفية المتفق عليها دوليا‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بعالقة دولة قطر ببرنامج األمم المتحدة اإلنمائي‪ ،‬فقد جرى افتتاح مكتب‬ ‫للبرنامج بالدوحة عام ‪ ،1976‬واستمر في ممارسة أنشطته حتى غلقه عام ‪ ،1998‬وفي عام‬ ‫‪ 2004‬عقدت اتفاقية مع البرنامج من خالل مكتبه اإلقليمي في أبوظبي بدولة االمارات‬ ‫العربية المتحدة‪ ،‬يقوم بموجبها المكتب بتقديم خدمات التعاون الفني من استشارات‬ ‫وخبرات لدولة قطر‪ ،‬وقد استفاد بالفعل العديد من وزارات الدولة وأجهزتها من خدمات‬ ‫ُ ّ‬ ‫البرنامج‪ ،‬حيث قدمت المساعدة الفنية في مجال وضع السياسات والبرامج التنموية في‬ ‫ً‬ ‫مختلف المجاالت‪ ،‬خصوصا في مجاالت الصحة والزراعة والتنمية البشرية‪ ،‬وما زال البرنامج‬ ‫يقدم خدماته لدولة قطر من خالل مكتبه اإلقليمي في دولة اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫تقارير‬

‫أضواء على‪..‬‬

‫تقرير التنمية البشرية‬ ‫لعام ‪2011‬‬ ‫د‪ .‬نوزاد عبدالرحمن الهيتي *‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يعد تقرير التنمية البشرية‪ ،‬الذي صدر أول مرة عام ‪ 1990‬عن برنامج األمم المتحدة اإلنمائي (‪ ،)UNDP‬والذي يشكل دعوة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إنسانية بليغة إلى اعتماد نهج جديد في االقتصاد والتنمية‪ ،‬من أهم التقارير التنموية التي تصدر حاليا على الصعيد العالمي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً ُ‬ ‫وبات يشكل مرجعا علميا لصناع القرار والمخططين والخبراء‪ ،‬وكافة المهتمين بشأن التنمية المستدامة في دول العالم‬ ‫المختلفة‪ .‬وقد استطاع تقرير التنمية البشرية‪ ،‬بما تضمنه من بيانات تجريبية‪ ،‬وطرق جديدة للتفكير في مفهوم التنمية‬ ‫وقياسها‪ ،‬إحداث تغيير كبير في المناهج المتبعة في إعداد السياسات التنموية في كافة دول العالم‪ ،‬بصرف النظر عن‬ ‫فلسفاتها التنموية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويشكل دليل التنمية البشرية ‪ ،Human Development Index‬الذي يصدره منذ أكثر من عقدين من الزمن برنامج األمم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫المتحدة اإلنمائي (‪ ،)UNDP‬واحدا من أهم المؤشرات التي تعطي صورة إجمالية عن حجم التقدم المحرز في التنمية البشرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهو مقياس مركب للصحة والتعليم والدخل‪ ،‬ويقيم مستويات التقدم درجاتها باالستناد إلى مفهوم إنمائي أوسع من‬ ‫ُ‬ ‫مفهوم الدخل‪ ،‬وهو كأي مقياس إجمالي آخر يستخدم للمقارنة الدولية‪ ،‬وال يغطي سوى جزء مختصر مما تعنيه التنمية‬ ‫البشرية‪ .‬وهو مؤشر مركب يتألف من ثالثة أبعاد‪ ،‬هي‪:‬‬

‫البعد المتعلق بالمعرفة‪:‬‬ ‫ويقاس من خالل مؤشر متوسط سنوات الدراسة‪،‬‬ ‫ومؤشر متوسط سنوات الدراسة المتوقع (أي مجموع‬ ‫ُ‬ ‫السنوات التي يتوقع أن يقضيها طفل في المدرسة‬ ‫على أساس معدالت االلتحاق الحالية)‪.‬‬

‫البعد المتعلق بمستوى المعيشة‪:‬‬ ‫ويقاس من خالل مؤشر نصيب الفرد من الدخل‬ ‫القومي اإلجمالي‪.‬‬

‫البعد المتعلق بالصحة‪:‬‬ ‫ويقاس من خالل مؤشر العمر المتوقع عند الوالدة‪.‬‬

‫*‬

‫ويقدم تقرير التنمية الب�رشية لعام ‪� 2011‬إ�سهام ًا مهم ًا يف احلوار‬ ‫العاملي‪ ،‬الذي �سيجمع قادة العامل يف م�ؤمتر الأمم املتحدة للتنمية امل�ستدامة‬ ‫(‪ ،)Rio+20‬الذي �س ُيعقد يف ريو دي جانريو يف يونيو ‪ ،2012‬بهدف‬ ‫الو�صول �إىل توافق جديد حول الإجراءات الالزمة حلماية م�ستقبل الأر�ض‪،‬‬ ‫وحق �أجيال امل�ستقبل يف كل مكان يف حياة �صحية والئقة‪ ،‬وهذا ي�ش ّكل بحد‬ ‫ذاته التحدي الإمنائي الكبري للقرن احلادي والع�رشين‪.‬‬ ‫ويو�ضح تقرير التنمية الب�رشية لعام ‪ 2011‬مدى الرتابط الوثيق ال�صلة‬ ‫بني اال�ستدامة والإن�صاف‪� ،‬أي العدالة االجتماعية �إتاحة املزيد من الفر�ص‬ ‫حلياة �أف�ضل للجميع‪ ،‬كما ي�ؤكد �أن اال�ستدامة ال تقت�رص على ق�ضية البيئة‬ ‫وال تتوقف عليها‪ ،‬بل هي يف الأ�سا�س نتيجة خليارنا يف �أن نعي�ش حياتنا‪،‬‬ ‫مدركني �أن كل عمل نقوم به الآن �سيكون له �أثر على �سبعة مليارات ن�سمة‬ ‫تعي�ش على الأر�ض اليوم‪ ،‬ومليارات �أخرى �ستعي�ش يف القرون املقبلة‪.‬‬ ‫وي�شري اجلدول الآتي �إىل الدول الأكرث تقدم ًا يف جمال التنمية الب�رشية‬ ‫على ال�صعيد العاملي‪ ،‬والتي تتمتع مب�ستوى تنمية ب�رشية مرتفع جد ًا‪ ،‬وفق ًا‬ ‫لدليل التنمية الب�رشية لعام ‪2011‬م‪.‬‬

‫خبير تعاون دولي ‪ -‬وزارة الخارجية‪/‬دولة قطر‬

‫‪23‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫تقارير‬ ‫الدول العشر األولى في تقرير التنمية البشرية لعام ‪2011‬م‬ ‫دليل التنمية‬ ‫البشرية‬

‫متوسط العمر المتوقع‬ ‫عند الوالدة (بالسنوات)‬

‫متوسط سنوات‬ ‫الدراسة (بالسنوات)‬

‫متوسط سنوات الدراسة‬ ‫المتوقع (بالسنوات)‬

‫نصيب الفرد من الدخل‬ ‫القومي اإلجمالي (دوالر)‬

‫البلد‬ ‫‪1‬‬

‫النرويج‬

‫‪0.943‬‬

‫‪81.1‬‬

‫‪12.6‬‬

‫‪17.3‬‬

‫‪47.557‬‬

‫‪2‬‬

‫أستراليا‬

‫‪0.929‬‬

‫‪81.9‬‬

‫‪12.0‬‬

‫‪18.0‬‬

‫‪34.431‬‬

‫‪3‬‬

‫هولندا‬

‫‪0.910‬‬

‫‪80.7‬‬

‫‪11.6‬‬

‫‪16.8‬‬

‫‪36.402‬‬

‫‪4‬‬

‫الواليات المتحدة‬

‫‪0.910‬‬

‫‪78.5‬‬

‫‪12.4‬‬

‫‪16.0‬‬

‫‪43.017‬‬

‫‪5‬‬

‫نيوزيلندا‬

‫‪0.908‬‬

‫‪80.7‬‬

‫‪12.5‬‬

‫‪18.0‬‬

‫‪23.737‬‬

‫‪6‬‬

‫كندا‬

‫‪0.908‬‬

‫‪81.0‬‬

‫‪12.1‬‬

‫‪16.0‬‬

‫‪35.166‬‬

‫‪7‬‬

‫أيرلندا‬

‫‪0.908‬‬

‫‪80.6‬‬

‫‪11.6‬‬

‫‪18.0‬‬

‫‪29.322‬‬

‫‪8‬‬

‫ليخنتشتاين‬

‫‪0.905‬‬

‫‪79.6‬‬

‫‪10.3‬‬

‫‪14.7‬‬

‫‪ 83.717‬‬

‫‪9‬‬

‫ألمانيا‬

‫‪0.905‬‬

‫‪80.4‬‬

‫‪12.2‬‬

‫‪15.9‬‬

‫‪34.854‬‬

‫‪10‬‬

‫السويد‬

‫‪0.904‬‬

‫‪81.4‬‬

‫‪11.7‬‬

‫‪15.7‬‬

‫‪35.837‬‬

‫ ‪Source: UNDP,Human Development Report 2011, New York, 2011.P.127‬‏‬

‫و ُيالحظ �أي�ض ًا‪ ،‬من خالل درا�سة تقرير التنمية الب�رشية لعام ‪ ،2011‬وحتليل البيانات الواردة فيه �أن دولة قطر قد حققت �إجناز ًا دولي ًا جديد ًا‪ ،‬حيث‬ ‫قفزت �إىل املرتبة (‪ )37‬عاملي ًا‪ ،‬والثانية عربي ًا بعد الإمارات العربية املتحدة من بني (‪ )182‬دولة �شملها التقرير‪ ،‬كما كانت قطر واحد ًة من ثالث دول‬ ‫فقط من املنطقة (الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬ومملكة البحرين) �ضمن فئة الدول التي تتمتع مب�ستوى تنمية ب�رشية مرتفع جد ًا‪.‬‬ ‫الدول العربية في دليل التنمية البشرية لعام ‪2011‬م‬ ‫الدولة‬

‫الترتيب عربيًا‬

‫قيمة دليل التنمية البشرية‬

‫الترتيب عالميًا (‪)2011‬‬

‫‪1‬‬

‫اإلمارات العربية المتحدة‬

‫‪0.846‬‬

‫‪30‬‬

‫‪2‬‬

‫قطر‬

‫‪0.831‬‬

‫‪37‬‬

‫‪3‬‬

‫مملكة البحرين‬

‫‪0.806‬‬

‫‪42‬‬

‫‪4‬‬

‫المملكة العربية السعودية‬

‫‪0.770‬‬

‫‪56‬‬

‫‪5‬‬

‫الكويت‬

‫‪0.760‬‬

‫‪63‬‬

‫‪6‬‬

‫ليبيا‬

‫‪0.760‬‬

‫‪64‬‬

‫‪7‬‬

‫لبنان‬

‫‪0.739‬‬

‫‪71‬‬

‫‪8‬‬

‫سلطنة عُ مان‬

‫‪0.705‬‬

‫‪89‬‬

‫‪9‬‬

‫تونس‬

‫‪0.698‬‬

‫‪94‬‬

‫‪10‬‬

‫األردن‬

‫‪0.698‬‬

‫‪95‬‬

‫‪11‬‬

‫الجزائر‬

‫‪0.698‬‬

‫‪96‬‬

‫‪12‬‬

‫مصر‬

‫‪0.644‬‬

‫‪113‬‬

‫‪13‬‬

‫سوريا‬

‫‪0.632‬‬

‫‪119‬‬

‫‪14‬‬

‫المغرب‬

‫‪0.582‬‬

‫‪130‬‬

‫‪15‬‬

‫العراق‬

‫‪0.573‬‬

‫‪132‬‬

‫‪16‬‬

‫اليمن‬

‫‪0.462‬‬

‫‪154‬‬

‫‪17‬‬

‫موريتانيا‬

‫‪0.453‬‬

‫‪159‬‬

‫‪18‬‬

‫جزر القمر‬

‫‪0.433‬‬

‫‪163‬‬

‫‪19‬‬

‫جيبوتي‬

‫‪0.430‬‬

‫‪165‬‬

‫‪20‬‬

‫السودان‬

‫‪0.408‬‬

‫‪169‬‬

‫ ‪Source: UNDP,Human Development Report 2011, New York, 2011.P.127-130‬‏‬

‫‪24‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫تقارير‬ ‫وتعك�س املرتبة اجلديدة التي احتلتها دولة قطر على ال�صعيد العاملي مدى التقدم والتطور الكبري واملطرد اللذين حققتهما يف جمال التنمية الب�رشية‪،‬‬ ‫واجلهد الكبري الذي بذلته القيادة الر�شيدة يف الدولة يف جمايل تطوير التعليم‪ ،‬وحت�سني اخلدمات ال�صحية‪ ،‬واالرتقاء بامل�ستوى املعي�شي لل�سكان‪ ،‬وكذلك‬ ‫جت�سيد ر�ؤية قطر الوطنية‪ ،‬التي �شكلت التنمية الب�رشية �إحدى ركائزها الأربع‪ ،‬و�أ�شارت �إىل «تطوير وتنمية �سكان قطر لكي يتمكنوا من بناء جمتمع‬ ‫مزدهر»‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أن التنمية الب�رشية ت�شكل الهدف الأ�سمى الذي ت�سعى �إىل حتقيقه ا�سرتاتيجية التنمية الوطنية (‪.)2016 -2011‬‬ ‫ومن �أجل التعرف‪ ،‬ب�صورة تف�صيلية‪ ،‬على موقع دولة قطر يف امل�ؤ�رشات املكونة للدليل‪ ،‬والتي تتعلق بجوانب ال�صحة والتعليم والدخل‪ ،‬نرجع �إىل‬ ‫اجلدول الآتي‪:‬‬ ‫دليل التنمية البشرية وعناصره لدولة قطر وفقًا لتقرير التنمية البشرية لعامي ‪ 2010‬و ‪2011‬م‬ ‫‪2011‬‬

‫‪2010‬‬

‫المؤشر‬ ‫قيمة دليل التنمية البشرية‬

‫‪0.831‬‬

‫‪0.803‬‬

‫مؤشر العمر المتوقع عند الوالدة (بالسنوات)‬

‫‪78.4‬‬

‫‪76‬‬

‫متوسط سنوات الدراسة (بالسنوات)‬

‫‪7.3‬‬

‫‪7.3‬‬

‫متوسط سنوات الدراسة المتوقع (بالسنوات)‬

‫‪12.0‬‬

‫‪12.7‬‬

‫‪107.721‬‬

‫‪79.426‬‬

‫‪36 -‬‬

‫‪36 -‬‬

‫‪0.757‬‬

‫‪0.737‬‬

‫نصيب الفرد من الدخل القومي اإلجمالي (معادل القوى الشرائية بالدوالر األمريكي لعام ‪)2005‬‬ ‫ترتيب نصيب الفرد من الدخل القومي اإلجمالي ناقصًا الترتيب حسب دليل التنمية البشرية‬ ‫دليل التنمية البشرية غير المرتبطة بالدخل‬

‫ ‪Source: UNDP,Human Development Report 2011, New York, 2011.P.127‬‏‬

‫ُيالحظ من اجلدول �أعاله ارتفاع‪:‬‬ ‫قيمة دليل التنمية الب�رشية من (‪ )0.803‬عام ‪� 2010‬إىل (‪ )0.831‬عام‬ ‫‪ ،2011‬وهذا قاد بدوره �إىل حت�سن موقع دولة قطر يف الرتتيب العاملي‪،‬‬ ‫�إذ ارتفع ترتيبها مبقدار درجة واحدة‪ ،‬من الرتتيب ‪� 38‬إىل الرتتيب ‪.37‬‬ ‫معدل العمر املتوقع عند الوالدة مبقدار (‪� )2.4‬سنة‪ ،‬و�أدى هذا �إىل‬ ‫انتقال الرتتيب‪ ،‬يف هذا امل�ؤ�رش‪ ،‬من املركز (‪ )41‬يف عام ‪2010‬م �إىل املركز‬ ‫(‪ )32‬عاملي ًا يف العام ‪2011‬م‪ ،‬ويعزى ذلك �إىل التطور الذي �شهده القطاع‬ ‫ال�صحي‪ ،‬واالرتقاء بجودة اخلدمات ال�صحية‪ ،‬وكذلك �إىل التح�سن يف‬ ‫البيانات اخلا�صة بتوقعات احلياة‪.‬‬ ‫�أما فيما يتعلق مب�ؤ�رشات التعليم‪ ،‬فبالرغم من بقاء م�ؤ�رش متو�سط‬ ‫�سنوات الدرا�سة على حاله يف عامي ‪ 2011‬و‪ ،2010‬واملقدر بـ (‪)7.3‬‬ ‫�سنة‪ ،‬فقد تراجع املركز الذي حتتله دولة قطر كثري ًا من املرتبة (‪)98‬‬ ‫عام ‪� 2010‬إىل املرتبة (‪ )113‬عام ‪ ،2011‬وفيما يتعلق مب�ؤ�رش متو�سط‬ ‫�سنوات الدرا�سة املتوقع‪ ،‬فقد هبط من (‪� )12.3‬سنة عام ‪� 2010‬إىل‬ ‫(‪� )12‬سنة عام ‪2011‬م‪ ،‬مما �أثر على ترتيب قطر عاملي ًا‪� ،‬إذ تخلف بواقع‬ ‫(‪ )31‬مرتبة‪ ،‬فبعد �أن كان يحتل املركز (‪� )77‬أ�صبح يف املركز (‪)108‬‬ ‫عاملي ًا عام ‪.2011‬‬ ‫وفيما يتعلق مب�ؤ�رش ن�صيب الفرد من الدخل القومي الإجمايل‪ ،‬فقد‬ ‫ارتفع من نحو (‪� )79.4‬ألف دوالر عام ‪� 2010‬إىل نحو (‪� )107.7‬ألف‬

‫دوالر عام ‪ ،2011‬حمقق ًا ارتفاع ًا بن�سبة (‪ ،)%36‬حمت ًال املركز الأول‬ ‫عاملي ًا عام ‪ ،2011‬بعد �أن كان يحتل املركز الثاين يف العام ‪ 2010‬بعد‬ ‫ليخنت�شتاين‪ ،‬ويعك�س هذا الت�صاعد الكبري يف ح�صة الفرد من الدخل‬ ‫القومي الإجمايل ارتفاع ًا كبري ًا يف امل�ستوى املعي�شي لل�سكان‪ .‬وقد �أ�سهم‬ ‫هذا امل�ؤ�رش يف االرتقاء بدولة قطر �إىل م�صاف الدول التي تتمتع مب�ستوى‬ ‫تنمية ب�رشية مرتفع جد ًا وفق ًا لدليل التنمية الب�رشية لعام ‪.2011‬‬ ‫وجدير بالذكر‪� ،‬أن املحافظة على الت�صنيف املرتفع جد ًا للتنمية‬ ‫الب�رشية يف دولة قطر يتطلب بذل جهود كبرية‪ ،‬وال�سيما فيما يتعلق‬ ‫بامل�ؤ�رشات التعليمية الداخلة يف تكوين دليل التنمية الب�رشية‪ ،‬وهذا‬ ‫ي�ستدعي من اجلهات املعنية بالتعليم �أن تبذل جهود ًا �أكرب لالرتقاء‬ ‫بجودة �أداء القطاع التعليمي واخلدمات املقدمة به‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل حت�سني‬ ‫البيانات الإح�صائية ذات ال�صلة بالتعليم مبختلف مراحله‪.‬‬ ‫وت�أ�سي�س ًا على املركز الذي احتلته دولة قطر يف م�ؤ�رش ح�صة الفرد‬ ‫من الدخل القومي الإجمايل‪ ،‬ويف ظل الإ�صالحات والتطورات الإيجابية‬ ‫اجلارية يف جمايل التعليم والرعاية ال�صحية‪ ،‬ال�سيما �أن الدولة قد‬ ‫خ�ص�صت مبالغ كبرية �ضمن الإنفاق اال�ستثماري على قطاع ال�صحة‬ ‫والتعليم يف الربنامج اال�ستثماري لإ�سرتاجتية التنمية الوطنية ‪-2011‬‬ ‫‪ ،2016‬ومن املتوقع �أن يتح�سن ترتيب قطر يف دليل التنمية الب�رشية‬ ‫خالل ال�سنوات القليلة املقبلة‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مقاالت‬

‫ظاهرة الدبلوماسية القطرية‬ ‫د‪ .‬مصطفى العاني *‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫لحل الخالفات والنزاعات ليست بعيدة عن التقاليد العربية اإلسالمية‪ ،‬فحتى‬ ‫دبلوماسية التوسط‪ ،‬أو الوساطة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫قبل ظهور الدول والكيانات السياسية‪ ،‬بشكلها المتعارف عليه اليوم‪ ،‬كانت دبلوماسية الوساطة تعد من أهم‬ ‫آليات تسوية الخالفات والنزاعات القبلية في الجزيرة العربية‪ .‬فخالل مسيرة الحضارة العربية تمتعت مجموعة من‬ ‫كبير ضمن المجتمعات العربية‬ ‫واحترام‬ ‫خاصة‬ ‫بمكانة‬ ‫األشخاص‪ ،‬الذين وصفوا بكونهم «حكماء وعقالء القوم»‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لكونهم وسيلة مؤثرة في إيجاد تسوية للخالفات القبلية‪ ،‬وإنهاء النزاعات والحروب الدامية بين القبائل الكبيرة‪.‬‬ ‫وتميزت هذه الطبقة ‪ -‬إلى جانب الحكمة ‪ -‬بالحيادية‪ ،‬وانتفاء المصالح والمنافع الذاتية‪ ،‬أو الشخصية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفي تاريخ العالقات الدولية‪ ،‬خالل القرنين الماضيين‪ ،‬لعبت الدبلوماسية دورا فعاال في تسوية الخالفات‪،‬‬ ‫والصراعات الداخلية‪ ،‬أو الدولية‪ ،‬وفي إيقاف الحروب‪ ،‬أو تجنبها‪ .‬وشهدت سنوات ما بعد الحرب العالمية األولى‪-‬‬ ‫ً‬ ‫بشكل خاص‪ -‬تناميا في فن الدبلوماسية‪ ،‬إذ برزت مدارس متعددة‪ ،‬وفلسفات مختلفة تصب جميعها في تطوير فن‬ ‫كوسيلة لحل النزاعات‪ ،‬وتجنب استخدام القوة والعنف‪.‬‬ ‫الدبلوماسية‬ ‫ٍ‬

‫*‬ ‫‪26‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫المستشار األول‪ ،‬مدير قسم الدراسات األمنية والدفاعية‪ ،‬مركز الخليج لألبحاث‬


‫مقاالت‬ ‫أر�ض‬ ‫وقبل ما يقارب خم�سة ع�رش عام ًا مل يكن للدبلوما�سية القطرية � ٌ‬ ‫تقف عليها‪ ،‬وال مالمح ميكن للمراقب متييزها‪ ،‬وال دور ميكن للباحث‬ ‫الإ�شارة �إليه‪ .‬وعن�رص الغياب‪� ،‬أو التغ ُّيب‪ ،‬مل يكن حم�صور ًا بدبلوما�سية‬ ‫الدولة فقط‪ ،‬فدولة قطر مل يكن لها مو�ض ٌع معلو ٌم يف خارطة العامل‬ ‫الدبلوما�سية‪ ،‬ومل يكن �أغلب �سكان العامل يعلم بوجود دولة ا�سمها‬ ‫قطر‪� .‬أما اليوم‪ ،‬وخالل ال�سنوات القليلة املا�ضية‪ ،‬فقد برزت دولة‬ ‫قطر كقو ٍة دبلوما�سي ٍة مهمة‪ ،‬لي�س فقط على ال�ساحة الإقليمية‪ ،‬بل‬ ‫امتد دورها �إىل ال�ساحة الدولية‪ .‬وكان �أهم بروز لقطر‪� -‬ضمن جمال‬ ‫الن�شاطات الدبلوما�سية‪ -‬يرت َّكز يف الأ�سا�س على تبني الدولة لدو ٍر مه ٍّم‬ ‫يف دبلوما�سية التوفيق ‪ ،Conciliation Diplomacy‬ودبلوما�سية‬ ‫الو�ساطة ‪. Mediation Diplomacy‬‬ ‫تقوم دبلوما�سية الو�ساطة على «دور الطرف الثالث» يف تقريب‬ ‫وجهات النظر بني الأطراف املتنازعة‪ ،‬وحماولة تهيئة الأجواء املالئمة‬ ‫للتو�صل �إىل ت�سوية مقبولة وقابلة للتطبيق‪ .‬و�ضمن مفاهيم دبلوما�سية‬ ‫الو�ساطة لعبت الدبلوما�سية القطرية جميع الأدوار املطلوبة يف هذا‬ ‫الإطار‪ ،‬ال�سيما الأدوار الثالثة الرئي�سة التي يتطلب من دولة الو�سيط‬ ‫لعبها يف مهمات دبلوما�سية الو�ساطة‪ ،‬وهي دور املُ�سهل �أو امل�ساعد‬ ‫‪ ،Facilitative Mediation‬الذي يقوم من خالله الطرف الو�سيط‬ ‫بتوفري جميع امل�ستلزمات الإدارية واللوج�ستية من �أجل توفري‬ ‫الأجواء الالزمة لأطراف النزاع للتو�صل �إىل ت�سوية‪ .‬ويف �أحيانٍ �أخرى‬ ‫لعبت الدبلوما�سية القطرية دور الو�ساطة التقييمية �أو التحكيمية‬ ‫‪ ،Evaluative Mediation‬وهذا يتطلب قيام طرف الو�ساطة بتقييم‬ ‫ودرا�سة عنا�رص اخلالف و�إ�صدار ر� ٍأي يحدد امل�س�ؤولية الواقعة على‬ ‫كل طرف من �أطراف النزاع‪ .‬و�أخري ًا مل تتخلف دبلوما�سية الو�ساطة‬ ‫القطرية عن لعب الدور الأكرث فعالية واملتمثل يف دور الو�ساطة التدخُ لية‬ ‫‪ ،Interventionist Mediation‬التي تتطلب قيام الطرف الثالث‪� ،‬أو‬ ‫الطرف الو�سيط‪ ،‬بتقدمي م�شاريع احللول ومبادرات الت�سوية‪ ،‬وحتديد‬ ‫عنا�رص االتفاق املقرتح‪ ،‬التي تقوم‪ ،‬يف �أغلب احلاالت‪ ،‬على مبد�أ «احلل‬ ‫الو�سط»‪ ،‬ومطالبة �أطراف النزاع بتنازالتٍ متبادلةٍ‪.‬‬ ‫عا�ش امل�شهد الأكادميي والإعالمي‪ ،‬خالل ال�سنوات املا�ضية‪ ،‬نقا�شاتٍ‬ ‫وجداالتٍ وا�سع ًة حول طبيعة الدبلوما�سية القطرية ودورها �إقليم ًّيا‬ ‫ودول ًّيا‪ ،‬ال�سيما طبيعة «دبلوما�سية الو�ساطة» ودورها‪ ،‬التي تبنتها‬ ‫دولة قطر ب�شكل بارز‪ .‬وانق�سم املجتمع الأكادميي والإعالمي بني م�ؤيد‬ ‫ومعار�ض للدور القطري‪ .‬ورغم اجلدال الدائر‪ ،‬ف�إن احلقيقة تقول �إن من‬ ‫ال�صعب �إغفال ظاهرة الدبلوما�سية القطرية‪ ،‬وال ميكن �إنكار �أو جتاوز‬ ‫حقيقة الإجنازات الكبرية التي حققتها دبلوما�سية الو�ساطة القطرية‬ ‫بالتحديد خالل العقد املا�ضي على امل�ستويني الإقليمي والدويل‪ .‬وب�شكل‬ ‫عام‪ ،‬يدور الت�سا�ؤل والنقا�ش حول ال�رس الكامن وراء الدور البارز الذي‬ ‫�ضمنته «ظاهرة الدبلوما�سية القطرية»‪ .‬لقد متثلت �أ�س�س هذه الظاهرة‬ ‫يف كون دولة �صغرية ن�سبي ًا‪ ،‬يف �سكانها وم�ساحتها اجلغرافية‪ ،‬وحديثة‬ ‫اال�ستقالل متكنت‪ ،‬خالل فرتة زمنية ق�صرية‪ ،‬من لعب دو ٍر فاع ٍل يف‬ ‫الدبلوما�سية الإقليمية والدبلوما�سية الدولية‪ ،‬يف منطقة ت�شتعل بالأزمات‬ ‫وامل�شاكل ذات اجلذور التاريخية‪ ،‬وال�رصاعات امل�ستحدثة‪.‬‬

‫حاول بع�ض الآراء اختزال فعالية الدور الدبلوما�سي القطري بكون‬ ‫قطر «دولة غنية» مال ًّيا‪ ،‬لكن اجلواب املنطقي على هذا االفرتا�ض �أن هناك‬ ‫دو ًال عديد ًة يف منطقة اخلليج‪� ،‬أو ال�رشق الأو�سط‪ ،‬وطبع ًا يف العامل‪� ،‬أكرث‬ ‫ثرو ًة وموارد من دولة قطر‪ ،‬و�أغنى منها ب�أ�ضعاف م�ضاعفة‪� ،‬إ ّال �أنها مل‬ ‫مقارب للدور القطري‪ ،‬ورغم �أن للعامل املادي دور ًا‬ ‫تتمكن من لعب دو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫مهم ًا‪ ،‬ف�إنه يف كل الأحوال ال ميكن اختزال النجاح الدبلوما�سي القطري‬ ‫يف عامل القدرات املادية؛ لهذا ف�إن جناح الدبلوما�سية القطرية ميكن �أن‬ ‫ُيعزى �إىل عوامل متعددة توفرت يف الدور القطري‪ ،‬ومنحته املكانة املميزة‬ ‫يف عامل الدبلوما�سية الإقليمية‪.‬‬ ‫يبدو �أن ال�شعور باحلاجة �إىل مبادرة دبلوما�سية هو الدافع الأ�سا�سي‬ ‫وراء قرار الدبلوما�سية القطرية يف عر�ض جهود الو�ساطة‪ ،‬ففي معظم‬ ‫ال�رصاعات والأزمات التي تدخلت الدبلوما�سية القطرية فيها‪ ،‬ولعبت‬ ‫دور الو�سيط يف ت�سويتها‪ ،‬مل يكن الأمر يعني دولة قطر‪ ،‬ومل يكن‬ ‫ال�رصاع الدائر ي�ؤثر على �أمنها وم�صاحلها احليوية من قريب �أو من‬ ‫بعيد‪ .‬وهناك �صفة اجلراءة يف اتخاذ القرار‪ ،‬وال�رسعة يف �إعالنه‪ ،‬وعدم‬ ‫الت�شبث باحتماالت الف�شل كذريعة لعدم حتمل امل�س�ؤولية‪ ،‬ففي �أي ن�شاط‬ ‫دبلوما�سي تربز‪ ،‬ب�شكل ماثل‪ ،‬ورمبا متعادل‪ ،‬حظوظ الف�شل والنجاح‪،‬‬ ‫واخل�سارة والربح‪ ،‬والإدانة �أو الإطراء‪ .‬وقد تبنَّت الدبلوما�سية القطرية‬ ‫مبد�أ ال�شفافية يف التعامل الدبلوما�سي‪ ،‬فهي ال تخجل من الف�شل‪ ،‬وال‬ ‫ترتدد يف ت�سمية الأمور ب�أ�سمائها‪ .‬وقد د�أبت اجلهود الدبلوما�سية‬ ‫القطرية على العمل بنا ًء على مبد�أ �أن الف�شل لي�س نهاية الطريق‪ .‬ويف معظم‬ ‫احلاالت كررت الدبلوما�سية القطرية ن�شاطاتها يف التو�سط يف ق�ضايا بدت‬ ‫م�ستع�صي ًة‪ ،‬وبعد ف�شل جوالتٍ عديد ٍة من عمليات التفاو�ض �أو الو�ساطة‪،‬‬ ‫�إن كانت قطرية �أو غري قطرية‪ .‬فهناك ظاهرة عدم الإ�صابة بالإحباط‪،‬‬ ‫والعودة للعب الدور الدبلوما�سي املطلوب رغم جوالت الف�شل ال�سابقة‪.‬‬ ‫فالدبلوما�سية القطرية تتحني ا�ستئناف دورها كلما حدث تطور جديد‬ ‫يف الظروف‪� ،‬أو ظهر ب�صي�ص �أمل يف النجاح‪� .‬إن �صنّاع الدبلوما�سية‬ ‫القطرية على عل ٍم تا ٍّم ب�أن «دبلوما�سية الو�ساطة» ال تو ِّلد الأ�صدقاء فقط‪،‬‬ ‫جهات متعدد ٌة من‬ ‫بل تو ِّلد الأعداء كذلك‪ ،‬فال�رصاعات الدولية تغذي نا َرها ٌ‬ ‫امل�ستفيدين من هذه ال�رصاعات‪ ،‬ومن الذين ترتبط م�صاحلهم باحلفاظ‬ ‫على وترية ال�رصاع ودميومته؛ لهذا ف�إن قيادة الدبلوما�سية القطرية‬ ‫قبلت‪ ،‬وتعاي�شت مع املردودات ال�سلبية لنجاحاتها يف حل ال�رصاعات‪.‬‬ ‫وبنا ًء عليه ف�إن ال�رس الأ�سا�سي يف جناح دبلوما�سية الو�ساطة القطرية‬ ‫يكمن يف �أمر تفتقده الدول الأخرى‪ ،‬ذلك هو‪ :‬طبيعة القيادة القطرية‪،‬‬ ‫و�أ�سلوب تفكريها‪ ،‬و�آلية العمل‪ ،‬واتخاذ القرار‪ ،‬و�إميان القيادة‬ ‫العميق ب�صحة الدور القطري وحكمته‪ .‬ويف حاالت كثرية يكون اجلهد‬ ‫اخلارجي للدولة قائم ًا على ح�ساب �إهمال الداخل‪� ،‬أي �أن تركيز اهتمام‬ ‫الدولة على �سيا�ستها اخلارجية ي�ؤدي �إىل �إهمال االهتمام بق�ضايا‬ ‫ال�سيا�سة الداخلية‪ ،‬و�إغفال هموم املواطن‪ ،‬وهذا ما مل يحدث يف قطر‪،‬‬ ‫فكل متابع لل�ش�أن القطري الداخلي يجد �أن �إجنازات الداخل تعادل‪� ،‬أو‬ ‫تتفوق على �إجنازات اخلارج‪ ،‬و�أن دخل املواطن يف قطر يع ُّد الأعلى يف‬ ‫العامل‪� ،‬إىل جانب م�شاريع التنمية الداخلية‪ ،‬وم�شاريع البنية التحتية‬ ‫العمالقة التي َّمت �إجنازها‪.‬‬ ‫‪27‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مقاالت‬

‫التحوالت في العالم العربي‪:‬‬

‫أي دور لالتحاد األوروبي؟‬

‫د‪ .‬حسني عبيدي *‬ ‫نهاية المقاربة األمنية‬ ‫أثارت التطورات المتالحقة في الوطن العربي الكثير من ردود الفعل‪ ،‬وأدت إلى تفاعل النظام الدولي‪ ،‬السيما‬ ‫القوى الغربية‪ ،‬مع هذه المستجدات وانعكاساتها على مستقبل المنطقة عالقاتها مع المنظومة الغربية‪.‬‬ ‫كما أثارت مواقف الدول الغربية‪ ،‬وذهولها إزاء الثورات التي حدثت في تونس ومصر وغيرها الكثير من الجدل‬ ‫واالستفهام داخل االوساط األكاديمية‪ ،‬ودوائر صنع القرار حول جدوى هذه القيم «الحداثية»‪ ،‬مثل الديمقراطية‬ ‫ً‬ ‫والعدالة والمساواة في البلدان العربية‪ .‬لكن البحث عن حقيقة االختالل في الرؤى يبدو‪ ،‬في الواقع‪ ،‬سابقا ألوانه‬ ‫باعتراف االتحاد االوروبي نفسه‪ ،‬والذي ما زال يواكب التحوالت في الجنوب لصياغة سياسته الجديدة تجاه العالم‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪ .‬إال أن قراءة أولية في الخطاب األوروبي من شأنها أن تفيدنا بأسباب التعثر األوروبي غداة االنتفاضات‬ ‫العربية‪ .‬ويمكن تلخيصها في ما يأتي‪:‬‬

‫*‬

‫‪28‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫مدير مركز الدراسات واألبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف‬


‫مقاالت‬

‫‪ -1‬با�سم املحافظة على م�صاحله اال�سرتاتيجية وهو�سه بالإ�سالم‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬جتاهل بع�ض الدول الأوروبية مدى �أهمية الديناميات‬ ‫االجتماعية واملدنية وت�أثريها على احلياة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫‪ -2‬بع�ض وجوه االحتجاجات وجد نف�سه يف حميط مغلق عنيف مع حكوماته‬ ‫يف بلدان اجلنوب‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل فقدان حلقة التوا�صل والثقة مع الآخر‪،‬‬ ‫ومن ث ّم اىل زيادة ال�شكوك يف نوايا املنتف�ضني و�أهدفهم �ضد الدول ال�سلطوية‪.‬‬ ‫‪ -3‬مبنحه الدعم ال�سيا�سي واملادي للأنظمة امل�ستبدة‪� ،‬ساند الغرب �أنظم ًة‬ ‫�سيا�سي ًة كان يعرف جيد ًا طبيعتها القمعية و�أ�ساليبها العنيفة‪.‬‬ ‫‪ -4‬عن�رص املفاج�أة والراديكالية يف بع�ض املطالب التي طبعت الثورات‬ ‫يف العامل العربي‪� ،‬س ّبب حا ًال من الرتدد لدى الدول الأوروبية يف اتخاذ‬ ‫القرارات الالزمة‪.‬‬ ‫‪ -5‬الفاعلون اجلدد‪ ،‬وقادة عملية التغيري لي�سوا بال�رضورة �أولئك الذين‬ ‫�ألِفَ االحتاد الأوروبي التفاو�ض معهم‪ ،‬وجنح يف ا�ستمالتهم‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫�سيتطلب بع�ض الوقت للتعرف على ذهنية املخاطبني اجلدد‪.‬‬ ‫‪ -6‬كون �آليات االحتاد الأوروبي حتكمها �سيا�سات قُطرية‪ ،‬ومنطق الإجماع يف‬ ‫القرار‪� ،‬إ�ضافة �إىل تعقيدات �أوروبية م�ؤ�س�ساتية‪ ،‬غلب الت�أخر‪ ،‬وعدم التنا�سق‬ ‫على مواقف دول االحتاد‪ ،‬ف�أتت مت�أخرة‪ ،‬مقارنة بت�سارع الأحداث‪.‬‬ ‫مفهوم االنتقال السياسي‬

‫منذ عدة عقود‪ ،‬يعكف تيار العلوم ال�سيا�سية «علم االنتقالية» على �إجراء‬ ‫درا�سات حول عملية التحول الدميقراطي يف العامل‪ ،‬وظاهرة االنتقال‬ ‫املقارن‪ .‬ومن الأهمية مبكان الإطالع على حمتوى هذه الدرا�سات بنا ًء‬ ‫على املالحظات االمربيقية العملية‪ ،‬و�إمكانية مالئمتها للف�ضاء العربي‪،‬‬ ‫فالدمقرطة هي اللحظة احلا�سمة التي يتم فيها التفاو�ض حول املواثيق‬ ‫والعقود‪ .‬ويجمع علماء االنتقال ال�سيا�سي على �أن �رشوط �ضمان التحول‬ ‫�إىل نظام تعددي هي‪:‬‬ ‫ التحرر ال�سيا�سي‪.‬‬‫ �إر�ساء مبادئ التعددية ال�سيا�سية والإعالمية‪ ،‬واعتماد اقت�صاد ال�سوق‪.‬‬‫‪ -‬تعزيز الدميقراطية‪ ،‬و�ضمان �رشوط ا�ستمرارها‪.‬‬

‫ووفق ًا للعلوم ال�سيا�سية‪ ،‬ينق�سم العامل العربي يف جمال الت�صنيف‬ ‫الدميقراطي �إىل مع�سكرين‪:‬‬ ‫ �أنظمة ما زالت ت�رص على اال�ستبداد‪ ،‬وتقاوم جميع �أ�شكال التغيري‬‫والإ�صالح‪.‬‬ ‫ �أنظمة تدرك خماطر التغيري املفرو�ض عليها‪ ،‬فتعمد على ر�سم �آليات التحول‬‫من دون م�شاركة مدنية حتى ت�ستطيع هند�سة معامل التحول الذي تريده‪.‬‬ ‫و�ضع عامل ال�سيا�سة الأمريكي روبرت دال منوذج ًا لالنتقال ُيع ّد �أكرث‬ ‫جناع ًة‪� ،‬إذ يتطلب‪ ،‬ح�سب دال‪ ،‬م�سار االنتقال يف الدول القيام ب�إعادة هيكلة‬ ‫�أنظمتها على ثالثة م�ستويات‪ :‬االنتقال من حكومة حزب واحد �إىل نظام‬ ‫دميقراطي تعددي‪ ،‬اخلروج من التخطيط املركزي �إىل اقت�صاد ال�سوق‪،‬‬ ‫والتحول من �أحد �أ�شكال االكتفاء الذاتي �إىل االندماج يف االقت�صاد العاملي‪.‬‬ ‫وميكن �أن ينطبق هذا النموذج على جميع �أنواع الإ�صالح‪ .‬ومن ث ّم‪ ،‬ف�إن‬ ‫هذه النظرية حتدد الإطار العام لالنتقال والعراقيل التي يجب تخطيها‪.‬‬ ‫لكن هذا التحول يخ�ضع لفكرة البقاء �أكرث من خ�ضوعه لفكرة تر�سيخ‬ ‫القناعات‪ ،‬التي ت�ؤ�س�س للعملية الدميقراطية وفق ًا ملرتكزات �سليمة‪ .‬فهي‬ ‫مرحلة انتقالية ق�رسية‪ ،‬غري متفق عليها‪� ،‬أو اختيارية‪.‬‬ ‫الأكيد‪� ،‬أن النظام ال�سيا�سي خ ّلف للمجتمع �إرثه القدمي‪ ،‬لكنه يف الوقت‬ ‫نف�سه لن يتخلى عن نفوذه وهيمنته‪.‬‬ ‫هذه «اال�سرتاتيجية للبقاء على قيد احلياة» تدل على �أن «التحرير‬ ‫االقت�صادي‪ ،‬من دون �إدماج �إعادة توزيع ال�سلطة» تتمحور حول التحول‬ ‫الدميقراطي‪ ،‬كما يو�ضح عامل ال�سيا�سة الفرن�سي غي هريميت‪ ،‬م�شري ًا يف‬ ‫ال�سياق ذاته �إىل �أن ذلك يف�ضي �إىل ثالثة م�سارات خمتلفة‪:‬‬ ‫ �إن�شاء م�ؤ�س�سات دميقراطية‪.‬‬‫ �إن�شاء عملية دميقراطية ترتكز على احرتام القانون‪ ،‬ونظام �أحزاب‬‫م�ستمر‪ ،‬والو�ساطة‪.‬‬ ‫ و�أخري ًا‪ ،‬معاجلة املعوقات االقت�صادية ذات الطبيعة الهيكلية والدورية‬‫القادرة على �إف�شال عملية الدمقرطة‪.‬‬ ‫‪29‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مقاالت‬ ‫التحول السياسي في أوروبا الشرقية‪ :‬حالة دراسية‬

‫ُطرح الكثري من الت�سا�ؤالت يف الآونة الأخرية‪ ،‬ملعرفة هل كان للربيع‬ ‫العربي قوا�سم م�شرتكة مع �سقوط الأنظمة ال�شيوعية يف �أوروبا ال�رشقية‬ ‫عام ‪ .1989‬هناك فرق كبري يف الأداء الغربي ميكن �أن ن�شري �إليه‪ ،‬على‬ ‫وجه التحديد‪ :‬دعم الدول الغربية للأنظمة يف تون�س ويف م�رص على ح�ساب‬ ‫تطلعات املجتمع‪ .‬وهو نقي�ض ملا حدث يف ذلك الوقت مع الدول ال�رشقية‪،‬‬ ‫فالغرب‪� ،‬آنذاك‪ ،‬دعم املجتمع على ح�ساب الأنظمة حتت ذريعة ال�رصاع‬ ‫بني الكتلتني يف احلرب الباردة‪� .‬أما يف تون�س وم�رص وليبيا‪ ،‬فقد حتررت‬ ‫هذه ال�شعوب من احلكام امل�ستبدين بو�سائلها اخلا�صة‪ ،‬وهذا �رشف لها‪.‬‬ ‫لقد كان العامل العربي املنطقة الوحيدة يف العامل التي بقيت بعيدة عن موجة‬ ‫الإ�صالح الدميقراطي‪ ،‬التي �شهدتها �آ�سيا و�أمريكا الالتينية يف الثمانينات‪.‬‬ ‫وظل الغرب‪ ،‬عقود ًا من الزمن‪ ،‬يعتقد ب�أن العرب ي�شكلون ا�ستثنا ًء �سيا�سي ًا‬ ‫وثقافي ًافيمايتعلقبالدميقراطية‪،‬مبعنى�أنهمغريم�ؤهلنيللنظامالدميقراطي‪.‬‬

‫�أكرث من ذلك‪ ،‬ظل الغرب‪� ،‬سنوات عديدة يفكر يف العرب من منطلق‬ ‫درء خماطر �إرهابه وتطرفه‪ .‬لكن التحوالت التي �أ�صبحت واقع ًا يف‬ ‫العامل العربي‪ ،‬منذ نهاية ‪� ،2010‬أ�ضحت ت�شري �إىل تعط�ش هذه ال�شعوب‬ ‫للدميقراطية والعدالة واحلرية‪ .‬ما حدث يف العامل العربي‪ ،‬يلحق جزء ًا‬ ‫من العرب بالثورة الدميقراطية الكربى التي وقعت مع انهيار املع�سكر‬ ‫اال�شرتاكي‪ ،‬و�أف�ضت‪ ،‬بدرجات خمتلفة‪� ،‬إىل ثورة دميقراطية و�صفها‬ ‫�صامويل هنتنغتون «باملوجة الثالثة»‪ .‬وقد نكون نحن اليوم على م�شارف‬ ‫«موجة رابعة» من الدمقرطة‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬نحن نعي�ش حلظ ًة تاريخي ًة‪ ،‬فبعد ثورة تون�س و م�رص و ليبيا لن‬ ‫يكون العامل العربي كما كان عليه �سابق ًا‪� .‬أدرك �صانع القرار �أن ال�شعوب‬ ‫قادرة على التعبري عن مطالبها‪ ،‬والدفاع عنها حتى �آخر رمق‪ .‬ومهما‬ ‫كانت نتائج هذه الثورات‪ ،‬ف�إنه يبدو وا�ضح ًا وجلي ًا �أن العامل العربي‬

‫‪30‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫ال ميكن �أن يعود �أدراجه �إىل الوراء‪ ،‬فالأنظمة العربية‪ ،‬التي تخلفت‬ ‫عن االنخراط‪ ،‬مدعوة �إىل �إعادة النظر يف �أ�سلوب قيادتها وتعاملها مع‬ ‫�شعوبها‪ ،‬رغم كون بع�ض الأنظمة القائمة غري م�ستعدة لذلك‪ ،‬وقد انتابها‬ ‫اخلوف والتهور‪ ،‬وكان ردها الوحيد القمع والرتهيب عن طريق الأمن‬ ‫واجلي�ش‪ ،‬و�صارت ال�شعوب جتابهه �أنظمة م�ستبد ًة وقمعي ًة‪.‬‬ ‫االنتقال السياسي‪ :‬مسار غير مضمون‬

‫ال �شك يف �أن الدول العربية مقبلة على مرحلة طويلة من عدم اال�ستقرار‪،‬‬ ‫و�ست�شهد الفرتة االنتقالية الكثري من القلق وعدم اليقني‪ ،‬فعودة احلكم‬ ‫اال�ستبدادي لي�س م�ستبعد ًا يف مثل هذه العمليات االنتقالية‪ ،‬والف�شل هو‬ ‫افرتا�ض معقول �إذا مل يقرتن االنتقال ب�إن�شاء م�ؤ�س�سات �رشعية‪.‬‬ ‫كيف ميكن الرد على تطلعات �شعوب نفذ �صربها ب�سبب اال�ضطهاد‪،‬‬ ‫وترغب يف التحكم مب�صريها؟‬ ‫�إن تراكم امل�شاكل ي�سهم‪ ،‬ب�شكل مبا�رش‪ ،‬يف �إ�ضعاف عملية التغيري‪ .‬من‬ ‫جهة‪ ،‬يجب �إقناع ال�شعوب ب�أن الإ�صالحات ال�رضورية يجب �أن ت�أخذ‬ ‫الوقت الكايف‪ ،‬لهذا فهي بطيئة‪ ،‬ومن جهة �أخرى‪ ،‬ف�إن احلكومات االنتقالية‬ ‫م�ضطرة �إىل التجديد ا�ستجاب ًة لل�ضغوط واملطالب ال�شعبية امللحة والآنية‪.‬‬ ‫لكن قد يتطلب ذلك وجود فاعلني �سيا�سيني واقت�صاديني لهم من اخلربة‬ ‫ما يكفي‪ ،‬بالرغم من عدم قبول ال�شعب بالوجوه القدمية‪� ،‬أو التي لها عالقة‬ ‫بالأنظمة ال�سابقة‪ ،‬ورغبته يف قطيعة كاملة وفورية مع النظام ال�سابق‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال الذي يفر�ض نف�سه هنا هو كيفية حتقيق القطيعة مع النظام‬ ‫القدمي بالتوازي مع بناء م�رشوع �سيا�سي جديد مقبول من طرف‬ ‫اجلميع‪ ،‬وهو ما مييز كل من تون�س وم�رص‪.‬‬ ‫ففي كال البلدين ‪ -‬م�رص وتون�س ‪ -‬اللذين ميران مبرحلة انتقالية‪،‬‬ ‫قام اجلي�ش بتعيني �شخ�صيات من النظام ال�سابق يف منا�صب مهمة‪،‬‬ ‫ومن امل�ؤكد �أن اجلي�ش يبحث عن الأمن واال�ستقرار‪ ،‬فهو يريد �أن يكون‬ ‫التحول مرفوق ًا بالأمن والنظام‪ ،‬و�ضمان ا�ستمرارية الدولة‪.‬‬ ‫يف الوقت نف�سه‪ ،‬التزمت م�ؤ�س�سة اجلي�ش يف م�رص بنوع من احلياد‪،‬‬ ‫على خالف تون�س‪ ،‬حفاظ ًا على مكانتها‪ ،‬لتحقيق هدفني‪ ،‬الأول‪ :‬الت�أكيد‬ ‫على دور امل�ؤ�س�سة الع�سكرية ورجالها يف كل حتول �سيا�سي‪ ،‬وهو ما يف�رس‬ ‫جلوء الرئي�س امل�رصي املطاح به �إىل ت�سليم دواليب ال�سلطة �إىل ع�سكريني‪،‬‬ ‫والثاين حتقيق انتقال �سيا�سي �سل�س يجري ب�شكل تدريجي و�سلمي وفق‬ ‫املقت�ضيات الد�ستورية احلالية‪� ،‬أو املعدلة يف ظل النظام احلايل‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل‬ ‫اعتبارات داخلية‪ ،‬فالو�ضع الإقليمي مل�رص يجعلها حتت جمهر الكثري من‬ ‫القوى الدولية الفاعلة‪ .‬لذلك‪ ،‬ف�إن الغرب يريد تغيري ًا يحقق هدفني اثنني‪:‬‬


‫مقاالت‬

‫‪ -1‬قطع الطريق �أمام حكومة �أو رئا�سة يهيمن عليها الإ�سالم ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫و�إن كان ذلك ال مينع من م�شاركته يف املرحلة االنتقالية‪ ،‬وهذا يعني �أن‬ ‫الغرب ال يريد تغيري ًا ميكن �أن يعزز مع�سكر الراديكاليني‪ ،‬لأن من �ش�أن‬ ‫ذلك �أن يقلب موازين القوى يف املنطقة‪ ،‬والتي �سعى الغرب �إىل تر�سيخها‪.‬‬ ‫‪ -2‬عدم امل�سا�س باتفاقية ال�سالم مع �إ�رسائيل‪ ،‬لأن هذه الأخرية متخوفة‬ ‫من و�صول حكومة �إ�سالمية �أو مناوئة‪ .‬لهذا ف�إن االحتاد الأوروبي حذر‬ ‫يف تفاعله مع تطورات الأحداث يف م�رص‪ ،‬فهو يريد التغيري من جهة‪ ،‬لكنه‬ ‫يرغب‪ ،‬من جهة �أخرى‪ ،‬يف �أن ي�سود اال�ستقرار يف املنطقة باملفهوم الذي‬ ‫يراه منا�سبا مل�صاحله‪� ،‬أي ال مي�س العالقات مع �إ�رسائيل‪ ،‬وال ميكن �أن‬ ‫ي�ص ّعد قو ًة مناوئ ًة للم�صالح الغربية يف املنطقة‪.‬‬ ‫إعادة النظر في مسار هلسنكي‬

‫رياح التغيري ال�سيا�سي التي تهز العامل العربي اليوم كلفت حتى الآن‬ ‫(‪ )0‬يورو�سينت لدافعي ال�رضائب الأوروبيني‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ومنذ احلوار‬ ‫العربي الأوروبي ال�شهري‪ ،‬الذي بد�أ يف ال�سبعينيات �إىل غاية امل�سار الأورو‬ ‫متو�سطي‪ ،‬مرورا بـ «�سيا�سة اجلوار»‪ ،‬واملحاولة امل�أ�ساوية لالحتاد من‬ ‫�أجل املتو�سط‪ ،‬فقد �أنفقت بروك�سل مبالغ طائل ًة يف حماولة للح�صول على‬ ‫«�أي �إ�صالح حمتمل»‪ .‬لكن النتيجة كانت دائم ًا واحدة وهي‪ :‬تر�سيخ‬ ‫اال�ستبداد وحتديثه ليتوافق مع املتطلبات الأوروبية‪.‬‬ ‫«الربيع العربي» �أخل باملقاربة املعمول بها يف العوا�صم الأوروبية‪،‬‬ ‫فالقادة والنخب اعتمدوا‪ ،‬مد ًة طويلة‪ ،‬على الأنظمة القائمة لتحقيق‬ ‫الإ�صالحات‪ ،‬لكن من دون �أخذ احلراك الداخلي م�أخذ اجلد‪ .‬ومن‬ ‫الوا�ضح �أن «الإ�صالح» الأوروبي مل ي�ستطع �أن ي�ؤتي ثماره‪ ،‬فقد ا�صطدم‬ ‫بالإ�شكاالت ال�سيا�سية التي ق ّل�صت من ال�رشاكة الأورومتو�سطية‪.‬‬ ‫لذلك مل تتمكن �أوروبا من اال�ستفادة من التغريات اجلديدة يف العامل‬ ‫العربي‪ ،‬وبقيت معت�صم ًة وراء مقاربة �أمنية وا�سرتاتيجية‪ ،‬ال تفتح‬ ‫�أمامها �أفق امل�صاحبة الذكية لهذه التحوالت‪.‬‬

‫ورغم ذلك‪ ،‬مل يفت الأوان بعد لالحتاد الأوروبي‪ ،‬الذي قام مبهمة‬ ‫تاريخية يف دول املع�سكر ال�رشقي ال�سابق‪ ،‬حيث �سمح ببداية م�سار‬ ‫هل�سنكي‪ ،‬مع «ال�سالت الثالث» ال�شهرية‪ ،‬وهي هند�سة �سيا�سية‬ ‫ا�ستطاعت‪ ،‬بدعمها للمجتمع املدين واحلركية الثقافية واالجتماعية‪،‬‬ ‫م�ساعدة بلدان �أوروبا ال�رشقية على التحرر من الهيمنة ال�سوفياتية‪،‬‬ ‫�إ�ضاف ًة �إىل البعدين االقت�صادي والثقايف‪.‬‬ ‫لكن م�سار بر�شلونة (يوروميد)‪ ،‬امل�ستوحى من العنا�رص الثالثة‬ ‫لهل�سنكي‪ -‬ال�سيا�سية واالقت�صادية والثقافية‪ -‬مل يكن له الت�أثري املتوخى‪،‬‬ ‫وواجه ا�ستع�صاء ال�رصاع الإ�رسائيلي الفل�سطيني‪ ،‬وميول احلكومات‬ ‫العربية �إىل اتخاذ تعرث عملية ال�سالم بني العرب و�إ�رسائيل للتباط�ؤ يف هذا‬ ‫امل�سار وعدم االلتزام به‪ ،‬ف�ض ًال عن �أنها ترى يف امل�سار الأورومتو�سطي‬ ‫منرب ًا �سيا�سي ًا‪ ،‬وبرهان ًا ل�رشعية مفقودة‪ ،‬ولي�س م�سار ًا جدي ًا يف عملية‬ ‫االنتقال ال�سيا�سي من التفرد يف ال�سلطة �إىل التعددية احلقيقية‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة لأوروبا‪ ،‬فهي مل ت�رص‪ ،‬مبا فيه الكفاية‪ ،‬على رغبتها يف‬ ‫ر�ؤية ال�ضفة الأخرى من البحر الأبي�ض املتو�سط تتمتع بحد �أدنى من‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬بل اكتفت ببع�ض الر�ضا عما يقوم به جريانها يف اجلنوب يف‬ ‫حربهم �ضد الإرهاب‪ ،‬ومكافحة الهجرة غري ال�رشعية‪ ،‬والإ�شادة بجهودهم‬ ‫يف التحرر االقت�صادي‪ .‬وميكن حلقوق الإن�سان االنتظار يف الطابور‬ ‫اخلام�س‪ .‬وبح�صولها على �صفة حماور مع الدميقراطيات الأوروبية‪،‬‬ ‫متكنت �أنظمة ا�ستبدادية من احل�صول على �رشعية جديدة �أمام �شعوبها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوروبا ‪ :‬كيف يمكن أن تصبح ضامنا للمرحلة االنتقالية‬

‫االحتاد الأوروبي‪ ،‬الذي كان يف طليعة التحول الدميقراطي يف بلدان‬ ‫�أوروبا الو�سطى وال�رشقية‪ ،‬ميتلك دور ًا يلعبه يف تطور البلدان العربية‪،‬‬ ‫فما دام �رشيك ًا مع الدول العربية يف �إطار االحتاد من �أجل املتو�سط‪،‬‬ ‫با�ستطاعته �أن يف ّكر يف و�ضع �أجهزة ميكنها �أن تخلق حلق ًة حميد ًة تربط‬ ‫الإ�صالحات الدميقراطية ب�أهداف حمددة وحتفيزية مبا فيه الكفاية‬ ‫بالن�سبة للبلدان املعنية‪ ،‬لأجل خلق م�رشوطية �سيا�سية حقيقية يف احرتام‬ ‫ال�سيادة الوطنية‪ .‬ومن م�صلحة �أوروبا توجيه نظرها �إىل املجتمعات‬ ‫املدنية يف الدول العربية لإن�شاء �شبكة غنية من التبادل والدعم‪ ،‬ولتكون‬ ‫�س ّباق ًة ورا�شد ًة يف خلق وحدة بني �شعوب البحر الأبي�ض املتو�سط‪.‬‬ ‫جاء التطوع الدبلوما�سي اجلديد بعد فرتة طويلة من ال�سبات‪ ،‬ويرجع‬ ‫هذا �إىل ثالثة عوامل �أهمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬عدم قدرة �أوروبا‪ ،‬ال على تقدمي حتفيزات اقت�صادية �أو �سيا�سية‪ ،‬وال‬ ‫تدابري ردعية ذات م�صداقية �ضد �أطراف ال�رصاع‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مقاالت‬ ‫‪ -2‬امتالك البلدان الأع�ضاء يف االحتاد الأوروبي تف�ضيالت متناق�ضة‪ ،‬بل �أن‬ ‫بع�ض الدول لديها �أولويات تتعار�ض مع الأهداف الآنية للتغيري ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫‪ -3‬عمل الأمريكيني‪ ،‬جاهدين‪ ،‬من �أجل �إبعاد الأوروبيني عن امللفات التي‬ ‫يعتربونها حكر ًا لهم‪ .‬كما �أن بروك�سل لن تلح يف �رصاع مع وا�شنطن على‬ ‫دور يبدو جناحه غري م�ؤكد‪ .‬بالن�سبة لأوروبا‪ ،‬فقد حان الوقت لإعادة‬ ‫النظر يف نهجها الإ�سرتاتيجي‪ ،‬لإعادة تركيز �أن�شطتها‪ ،‬وال�سعي �إىل مزيد‬ ‫من التن�سيق الفعال (توزيع �أو�ضح للعمل) مع الواليات املتحدة للإ�سهام‬ ‫يف ال�سالم‪ ،‬واال�ستقرار يف ال�رشق الأو�سط‪.‬‬ ‫العواقب بالنسبة لالتحاد األوروبي‬

‫من ال�صعب على االحتاد الأوروبي فهم الأ�شياء اجلديدة‪ ،‬والتغيريات‬ ‫املتكررة يف البلدان العربية بعد �سنوات من اال�ستقرار واجلمود‪ .‬فالعامل‬ ‫العربي‪ ،‬الذي يتغري‪ ،‬ي�شكل حتدي ًا لالحتاد الأوروبي‪.‬‬ ‫خطر ارتفاع تدفقات الهجرة غري املتحكم فيها‪ ،‬مع �آثار �سلبية على‬ ‫الر�أي العام يف البلدان الأع�ضاء يف االحتاد الأوروبي‪.‬‬ ‫االحتاد الأوروبي مطالب بتغيري وجهة �سيا�سته‪ ،‬والت�سا�ؤل عن‬ ‫�إمكانية تطبيق �سيا�سته اخلارجية‪ ،‬التي و�ضعت بنا ًء على نخبة �سيا�سية‪،‬‬ ‫فقدت الآن كل امل�صداقية والتعامل مع و�ضعية جتاوزها الزمن‪.‬‬ ‫مزايا مقاربة جديدة في سياسة االتحاد األوروبي‬

‫حان الوقت ملنح مهمة جديدة لالحتاد الأوروبي يف املرحلة االنتقالية‪ ،‬ملاذا؟‬ ‫‪ -1‬التناق�ض بني الدول الأوروبية يف �إدارة العالقات مع البلدان التي‬ ‫متر مبرحلة انتقالية ميكن �أن يتيح لالحتاد الأوروبي فر�ص ًة ليكون طرف ًا‬ ‫مف�ض ًال مع هذه الدول‪ .‬فف�شل ال�سيا�سات الأوروبية القطرية ال�سابقة‬ ‫ميكن �أن يكون حج ًة ملنح االحتاد الأوروبي املزيد من ال�سلطة والقوة‪.‬‬

‫‪32‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫‪� -2‬ضعف بع�ض الأنظمة يف اجلنوب‪ ،‬املعروفة مبقاومتها امل�ستمرة للتغيري‬ ‫ال�سيا�سي واالقت�صادي‪ ،‬هو عن�رص �إيجابي لت�أكيد توجيهات بروك�سل‪.‬‬ ‫‪ -3‬الهيئات االنتقالية اجلديدة تتقا�سم القيم الدميقراطية نف�سها مع‬ ‫االحتاد الأوروبي‪ ،‬مما ي�سهل احل�صول على توافق �أوروبي‪ ،‬واحل�صول‬ ‫على دعم �سيا�سي ومايل من دون عقبات من طرف الربملان الأوروبي‪.‬‬ ‫‪ -4‬غياب فاعل حمايد يف �إدارة املرحلة االنتقالية‪ ،‬وتنظيم النزاعات يف�سح‬ ‫املجال لربوك�سل لأخذ مكانة امل�سهل بني جميع الأطراف‪ ،‬كما �أن تواجد‬ ‫الآالف من الإطارات ذات الأ�صول العربية يف �أوروبا هو من املزايا املهمة‬ ‫التي ميكن ا�ستعمالها كعامل �إ�ضايف للو�ساطة واالنتقال‪.‬‬ ‫�إن التغريات التي حت�صل اليوم يف العامل العربي ال تخلو من �إيجابيات‬ ‫تفر�ض ا�ستلهام معانيها بالن�سبة لكافة مكونات النظام العربي‪ ،‬لكنها يف‬ ‫الوقت نف�سه ال تخلو من حتديات اجتماعية واقت�صادية وثقافية �ست�ضع‬ ‫على املحك قدرة هذه االنتفا�ضات على خلق التغيري املن�شود‪ ،‬الذي ينبغي‬ ‫�أن يف�ضي �إىل �إعادة بناء املجتمعات على �أ�س�س احلرية‪ ،‬والدميقراطية‪،‬‬ ‫واحلداثة‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫احلجة التي قدمها �أن�صار البناء الأوروبي لت�سويغ غياب �سيا�سة‬ ‫خارجية م�شرتكة‪ ،‬هي‪ :‬نق�ص املوارد والقدرات الع�سكرية الكافية‪،‬‬ ‫فاالحتاد الأوروبي املكون من ‪ 27‬بلد ًا ال يزال يعتمد على املظلة الأمريكية‬ ‫يف جمال الدفاع‪� .‬إن الت�شدد والغرور الوطنيني مينعان بروز توافق يف‬ ‫الآراء ي�سمح بتطبيق دبلوما�سية �أوروبية حقيقية‪.‬‬ ‫�إن م�سار بر�شلونة �سنة ‪ 1996‬كان ا�ستجاب ًة خالق ًة ملتطلبات املرحلة‪،‬‬ ‫لكن دول الربيع العربي ر�أت يف هذا امل�سار‪ ،‬حني االعالن عنه‪ ،‬زواج ًا‬ ‫عرفي ًا‪� ،‬أو عر�ض ًا �أوروبي ًا ملنح �رشعية جديدة‪ ،‬وقد قبلوه بعد �إفراغه من‬ ‫حمتواه‪ ،‬وهو ما �أدى �إىل ف�شل مربمج مل�سار بر�شلونة‪.‬‬


‫مقاالت‬

‫توظيف مقومات الدولة‬ ‫في رسم السياسـة الخارجية‬ ‫الدكتور جــواد الهنــداوي *‬

‫مقومات أو مكونات الدولة هي ثالثة ‪( :‬السلطة واإلقليم والشعب)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وبترابطها وتفاعلها‪ ،‬واالعتراف دوليا بنتائجها‪ ،‬تكون للدولة سيادة‪.‬‬

‫نبتدئ بال�سلطة فنقول �إنها التعبري املادي والر�سمي لإرادة ال�شعب‪،‬‬ ‫وتتج�سد مب�ؤ�س�سات ت�رشيعية وتنفيذية وق�ضائية‪ ،‬ورغم كون م�صدرها‬ ‫ال�شعب ف�إنها (�أي ال�سلطة) هي القوة امل�ؤثرة فيه واملوجهة له‪ ،‬وهي‬ ‫�أي�ض ًا دليل على قوة الدولة وم�ؤ�رش �إىل �صحتها‪.‬‬ ‫�أ�ش ّبه ال�سلطة يف كيان الدولة بالكريات البي�ض يف ج�سم الإن�سان‪،‬‬ ‫حتميه وتدافع عنه عندما حتاول �أج�سام غريبة اخرتاقه و�شل وظائفه‪.‬‬ ‫وعندما ت�ضعف ال�سلطة‪� ،‬أو تنعدم‪� ،‬أو تمُ ا َر�س ب�شكل ا�ستبدادي ال يعود‬ ‫للدولة مكان وال مقام وال ن�صاب‪ .‬وعليه ف�إن �أي ممار�سة لل�سلطة يجب‬ ‫�أن جتري وفق ًا الختيارات عقائدية واجتماعية‪ ،‬وب�رصف النظر عن تلك‬ ‫االختيارات‪ ،‬ف�إنها (�أي ممار�سة ال�سلطة) ت�ستدعي وجود م�ؤ�س�سات‬ ‫وقواعد �إجرائية ت�ضمن عدم حت ّولها �إىل �سلطة ال تخدم �إ ّال القائمني‬ ‫عليها‪ ،‬وتتط ّلب �أي�ض ًا الت�أمل العلمي واملو�ضوعي يف �رشوط ممار�ستها‪.‬‬ ‫ال�سلطة بو�صفها مكون ًا �أول للدولة‪ ،‬ال ينبغي النظر �إليها من زاوية‬ ‫وجودها‪� ،‬أو عدم وجودها كقوة حلفظ النظام العام‪ ،‬و�إمنا (وهذا هو‬ ‫املهم) من زاوية كيفية ممار�ستها‪ ،‬هل الدول متار�س �سلطاتها من خالل‬ ‫م�ؤ�س�سات د�ستورية‪ ،‬وت�سعى �إىل احرتام حقوق الإن�سان‪ ،‬ون�رش وتر�سيخ‬ ‫املمار�سات الدميقراطية‪� ،‬أم متار�س �سلطاتها بطريقة ا�ستبدادية؟‬ ‫عندما متار�س الدولة ال�سلطة وفق ًا ملبد�أ تداول ال�سلطة‪ ،‬وتخلق وعي ًا‬ ‫�سيا�سي ًا �سليم ًا تكت�سب �رشعيتها‪ ،‬وت�ستمد �سيادتها من �إرادة ال�شعب‪،‬‬ ‫وتكون عالقاتها الدولية مبني ًة‪� ،‬إىل حد ما‪ ،‬على عن�رص الثقة والتعاون‪،‬‬ ‫وعندما متار�س الدولة ال�سلطة وفق ًا ملبد�أ احتكار ال�سلطة‪ ،‬وتخلق نهج ًا‬ ‫�سيا�سي ًا �أحادي ًا‪ ،‬تكت�سب �رشعيتها‪ ،‬وت�ستمد �سيادتها‪ ،‬لي�س من �إرادة‬ ‫ال�شعب‪ ،‬و�إمنا من تطبيق القانون الذي و�ضعته‪ ،‬وغالب ًا ما يكون القانون‬

‫*‬

‫هادف ًا �إىل حفظ النظام العام‪ ،‬ودميومة احلكومة �أكرث من كونه و�سيل ًة‬ ‫لتحقيق العدالة‪.‬‬ ‫تكون العالقات الدولية لهذه الدولة مبني ًة على عن�رص الريبة وال�شك‬ ‫وال�رصاع‪ ،‬فالنموذج الذي تقدمه ال�سلطة يف تعاملها مع املجتمع‪ ،‬بكل‬ ‫تركيباته ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬يربى النا�س يف هذا‬ ‫االجتاه �أو ذاك‪ ،‬فهنالك منوذج ين�شئ النا�س على الت�سامح وال�صدق‬ ‫واحرتام القانون وحقوق الإن�سان‪ ،‬وهناك منوذج �آخر ال يتعامل مع‬ ‫املجتمع �إ ّال بلغة امل�صادرة والقمع واال�ستبداد‪ ،‬ولكل منوذج �آثاره على‬ ‫ال�صعيد الداخلي و�صعيد العالقات اخلارجية‪.‬‬ ‫ال�سلطة يجب �أ ّال تكون و�سيل ًة لال�ستبداد واال�ستغالل‪ ،‬و�إمنا ممار�س ًة‬ ‫لبناء الفرد واملجتمع والدولة على �أ�سا�س الأخوة والعدالة وامل�ساواة‪،‬‬ ‫وهي ممار�سة لكل من خوله القانون جمموعة من ال�صالحيات‪ ،‬بغ�ض‬ ‫النظر عن موقعه‪� ،‬سواء يف قمة هرم الدولة �أو يف مزرعة �أو يف مدر�سة‪.‬‬ ‫رضه‪ ،‬فهي �إما �أن‬ ‫هذه املمار�سة اختبار لقدرة امل�س�ؤول و�أخالقه وحت� ّ‬ ‫تكون ممار�س ًة وفق ًا لتعريف ال�سلطة يف القانون والأنظمة والتعليمات‪،‬‬ ‫ويف هذه احلال تكون ممار�س ًة �إيجابي ًة وم�س�ؤول ًة وهادف ًة‪ ،‬لأنها ترتجم‬ ‫احرتام امل�س�ؤول لإرادة ال�شعب‪ ،‬و�سعيه �إىل بناء الفرد واملجتمع والدولة‪،‬‬ ‫�رشيطة �أن تكون �إرادة ال�شعب م�صدر ًا للقانون‪ .‬وقد تكون ممار�سة‬ ‫ال�سلطة خالف ًا لتعريفها يف القانون والأنظمة والتعليمات‪ ،‬ويف هذه احلال‬ ‫تكون ممار�س ًة �سلبي ًة‪ ،‬وترتجم ا�ستخفاف امل�س�ؤول ب�إرادة ال�شعب‪،‬‬ ‫وتقدميه منوذج ًا �سيئ ًا يتجه �إىل ا�ستغالل ال�سلطة مل�آرب �شخ�صية تقود‬ ‫�إىل �إف�ساد املجتمع والدولة‪.‬‬ ‫كيفية ممار�سة ال�سلطة يف دولة ما ت�سهم �إىل حد كبري يف بناء ح�ضارة‬ ‫ال�شعب‪ ،‬وحتديد هويته الثقافية‪ ،‬وكذلك م�سريته ال�سيا�سية �صوب‬ ‫الدميقراطية واحلرية‪� ،‬أم �صوب الدكتاتورية واال�ستبداد‪ .‬ونبني ذلك ب�أمثلة‬

‫سـفير جمهوريـة العـراق في الدوحــة‬

‫‪33‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مقاالت‬ ‫من الواقع‪ ،‬بع�ض الدول هي من رحم واحد وانتماء ثقايف وح�ضاري واحد‪،‬‬ ‫لكن �أ�صبح لكل منها م�سار خمتلف‪ ،‬فبع�ضها يتمتع بنظام دميقراطي‪،‬‬ ‫وبنمو اقت�صادي متفوق‪ ،‬وبا�ستقرار �سيا�سي وعالقات دولية مبنية على‬ ‫الثقة والتعاون‪ ،‬يف حني يعاين بع�ضها الآخر من عدم ا�ستقرار �سيا�سي‪،‬‬ ‫ودميقراطية ه�شة‪ ،‬وانقالبات ع�سكرية متكررة‪ ،‬وعالقات دولية قائمة على‬ ‫الرتقب وال�شك‪.‬‬ ‫ثمة �أ�سباب عديدة الختالف م�سار ومنهج هذه الدولة او تلك‪� ،‬أهمها‬ ‫اال�ستخدام الر�شيد ملقوم من مقومات الدولة‪ ،‬وهو ال�سلطة‪ :‬فعند‬ ‫ا�ستخدامها ا�ستخدام ًا د�ستوري ًا وقانوني ًا ي�ؤدي ذلك �إىل نظام دميقراطي‬ ‫ثابت‪ ،‬ونظام �سيا�سي مبني على تعزيز الدولة وتعميق االنتماء الوطني‬ ‫على ح�ساب االنتماءات والوالءات الأخرى‪.‬‬ ‫الإقليم كمكون ثانٍ للدولة‪ ،‬ال ننظر �إليه بو�صفه م�ساح ًة جغرافي ًة‬ ‫حمدد ًة يعي�ش عليها ال�شعب وميار�س �سلطاته‪ ،‬و�إمنا مبا حتتويه هذه‬ ‫امل�ساحة من ثروات طبيعية‪� ،‬أو خمزون من الطاقة‪ ،‬وكذلك باملوقع‬ ‫اجلغرايف وال�سيا�سي (جيوبولتيك)‪ ،‬فكل دولة ت�ستمد �إىل حد ما �أهميتها‬ ‫ال�سيا�سية تبع ًا ملوقعها اجلغرايف‪� ،‬أو ثرواتها الطبيعية‪� ،‬أو م�ساحتها‪.‬‬ ‫املفكر الفرن�سي مونت�سكيو ذكر عام ‪ ،1784‬يف كتابه «من روح‬ ‫القوانني»‪ ،‬وجود عالقة بني ال�سلوكيات ال�سيا�سية ملجتمع ما وبني املناخ‪.‬‬ ‫وقال نابليون بونابرت‪:‬‬ ‫«يكفي �أن �أعرف جغرافية بلد ما كي �أعرف �سيا�سته اخلارجية»‪.‬‬ ‫ال ت�ستطيع �أي دولة �أن تبلور �سيا�ستها اخلارجية ب�شكل م�ؤثر وفعال‬ ‫�إال �إذا �أخذت بعني االعتبار موقعها اجلغرايف‪ ،‬وكذلك موقع الدول‬ ‫الأخرى‪ ،‬خا�ص ًة املجاورة واحلدودية‪.‬‬ ‫مي ّيز املفكر الأمريكي برزن�سكي الدول من حيث موقعها اجلغرايف‬ ‫ودورها ال�سيا�سي �إىل ثالث فئات‪ :‬دول يف فئة الفاعل اجلغرايف‬ ‫واال�سرتاتيجي‪ ،‬ودول يف فئة الداعم اجلغرايف ال�سيا�سي‪ ،‬ودول يف فئة‬ ‫الدول القوية‪.‬‬ ‫فدول الفاعل اجلغرايف‪ -‬اال�سرتاتيجي هي تلك الدول التي تلعب دور ًا‬ ‫ا�سرتاتيجي ًا على امل�ستوى اجلغرايف متجاوز ًة حدودها اجلغرافية‪ ،‬ه�ؤالء‬ ‫هم الالعبون اال�سرتاتيجيون‪ .‬وهناك دول ال ت�ستطيع �أن تلعب هذا الدور‪،‬‬ ‫لكنها مت ّثل موقع ًا جغرافي ًا مهم ًا ميكن ا�ستخدامه وتوظيفه لتحقيق‬ ‫�أهداف و�سيا�سات معينة‪ ،‬وهي بذلك ت�ش ّكل دعامات جغرافي ًة‪� -‬سيا�سي ًة‪.‬‬ ‫�أما الفئة الثالثة فهي الدول القوية واملهمة جد ًا‪ ،‬لكنها ال ت�ستطيع �أن‬ ‫تلعب دور ًا ا�سرتاتيجي ًا على امل�رسح الدويل‪.‬‬ ‫وال ُيخفى على القارئ الكرمي موقف و�سيا�سة الدول العظمى من هذه‬ ‫الدول‪ ،‬التي ت�شكل دعامات جغرافي ًة و�سيا�سي ًة‪.‬‬ ‫ال�شعب بو�صفه املكون الثالث للدولة‪ ،‬تكمن قوته و�أثره لي�س يف‬ ‫عدده‪ ،‬و�إمنا يف حيويته وقدرته على العطاء‪ ،‬وبتحديد هويته وانتمائه‬ ‫الثقايف واحل�ضاري‪ ،‬واملهم فيه لي�س فقط �أحزابه‪ ،‬وقيادته ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫ومنظمات املجتمع املدين‪ ،‬والنقابات واحلركات الأخرى‪ ،‬و�إمنا �أي�ضا‬ ‫‪34‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫الوعي اجلماعي الذي يتج�سد يف االنتماء �إىل الوطن �أو �إىل الأمة‪ ،‬وجعل‬ ‫الوالء للوطن �أو الأمة من خالل هذا االنتماء ولي�س من خالل انتماءات‬ ‫عرقية‪ ،‬طائفية �أو مذهبية‪ .‬الوعي اجلماعي لل�شعب يتج�سد �أي�ض ًا من‬ ‫خالل االحتكام �إىل د�ستور‪ ،‬واحرتام ال�سلطات الد�ستورية‪ ،‬وال�سعي‬ ‫ك ٌّل من خالل موقعه �إىل تطبيق املبادئ الد�ستورية الأ�سا�سية التي حتقق‬ ‫العدالة واحلرية والدميقراطية‪ ،‬مثل املبادئ املتعلقة باحلريات‪ ،‬وحقوق‬ ‫الإن�سان‪ ،‬وتكاف�ؤ الفر�ص‪ ،‬الذي ينبغي �أن يكون �ضمان ًا مل�ساواة املواطنني‬ ‫�أمام فر�ص العمل‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وممار�سة احلقوق واحلريات‪ ،‬وكذلك مبد�أ‬ ‫تداول ال�سلطة من خالل االحتكام �إىل �صناديق االقرتاع‪.‬‬ ‫ر�سم و ُيح َّدد �إذ ًا بفعل‬ ‫�إن االنتماء الثقايف احل�ضاري ل�شعب �أو �أمة ُي َ‬ ‫�إرادة ال�شعب جتاه مقومات الدولة‪ .‬ت�أكيده على انتمائه �إىل الدولة من‬ ‫خالل املواطنة والدفاع عنها‪ ،‬ت�أكيده على انتمائه �إىل الأر�ض‪ -‬الإقليم من‬ ‫خالل بنائه اقت�صادي ًا‪ ،‬وا�ستغالل ثرواته يف البناء والتعمري‪ ،‬وا�ستغالل‬ ‫موقعه اجلغرايف �سيا�سي ًا وا�سرتاتيجي ًا‪ ،‬وتبنيه ل�سلطة د�ستورية قادرة‬ ‫على ترجمة واحرتام �إرادته‪ ،‬ومتثيلها داخلي ًا وخارجي ًا‪ .‬كما �أن ح�ضارة‬ ‫ال�شعب �أو الأمة ترجمة لقدرة ال�شعب على توظيف مقومات الدولة توظيف ًا‬ ‫عقالني ًا يف عامل تغزوه تقنيات ومفاهيم جديدة ومتغرية‪ ،‬بحيث تكون قوة‬ ‫الدولة‪� ،‬أو ال�شعب‪� ،‬أو املجتمع تكمن‪ ،‬لي�س فقط مبا ميتلكه املجتمع من‬ ‫ثروات و�إمكانات‪ ،‬و�إمنا من ثقافة وفكر ونظام قانوين واقت�صادي قادر‬ ‫على حمايته وتطويره ودميومته‪.‬‬ ‫يت�ساءل املفكر وال�سيا�سي الفرن�سي �أالن بريفيت‪« :‬ملاذا ت�ستطيع الهند‬ ‫اجلنوبية �إطعام ‪� 385‬شخ�ص ًا يف الكيلومرت املربع الواحد‪ ،‬يف حني �أن‬ ‫�إفريقيا اال�ستوائية التي ت�سخو عليها الطبيعة باملطر‪ ،‬وال�شبيهة بها من‬


‫مقاالت‬ ‫حيث مناخها وطبيعة �أرا�ضيها وت�ضاري�سها‪ ،‬تكاد ال ت�ستطيع �أن ت�ضمن‬ ‫�إطعام �أربعة �أ�شخا�ص من �سكانها يف الكيلومرت املربع الواحد؟ من امل�ؤكد‬ ‫�أن البحث عن �أ�سباب هذا الفارق ال يكمن يف الأر�ض‪ ،‬بل يف الب�رش» (‪.)1‬‬ ‫م�شكلة تخلف �أو تقدم ال�شعب هي م�شكلة ثقافته وح�ضارته‪ ،‬ولي�س‬ ‫م�شكلة طبيعية (الرثوات) �أو اقت�صادية‪� ،‬أو �سيا�سية‪ .‬كل هذه الظواهر‬ ‫هي جت�سيد وانعكا�س لثقافة ال�شعب وذهنيته‪ .‬ف�إذا كان ال�شعب يتحرك‬ ‫بذهنية الإرادة والتحدي ي�صبح قادر ًا على �صنع احل�ضارة‪ ،‬وحتقيق‬ ‫الإجنازات واملعجزات‪ ،‬والت�أثري يف م�سار التاريخ‪ .‬امل�ؤرخ �أرنولد توينبي‬ ‫جعل من مفهوم التحدي احلجر الأ�سا�س يف فل�سفته للتاريخ‪ ،‬وتف�سري‬ ‫ن�شوء احل�ضارات و�سقوطها‪ ،‬فكلما كان التحدي �أكرب كان الإجناز �أكرب‪.‬‬ ‫«مايهم الناس ليس هو اإليديولوجية‬ ‫أو المصالح االقتصادية‪ ،‬بل اإليمان‬ ‫واألسرة والدم والعقيدة»‬

‫هنتنغتون‬

‫�إن ح�ضارة ال�شعوب والأمم كانت وال تزال معيار ًا لت�صنيفها ومتيزها‪،‬‬ ‫و�أ�صبحت الآن بتعريفها ودورها عام ًال يف ر�سم العالقات الدولية‪ .‬وقد‬ ‫ن�رشت �أفكار ودرا�سات عديدة ملفكرين وم�ؤلفني وخمت�صني لت�أكيد ذلك‪،‬‬ ‫نذكر مث ًال املفكر الأمريكي هنتنغتون‪ ،‬الذي و�ضع يف كتاب ــه «�صدام‬ ‫احل�ضارات» (طبعة ثانية ‪،1999‬الرتجمة العربية طلعت ال�شايب)‬ ‫ت�سل�س ًال ملراحل ال�رصاع يف التاريخ‪ ،‬فكان قدمي ًا بني امللوك والأباطرة‪،‬‬ ‫ثم بني القوميات والإيديولوجيات‪ ،‬لكن بعد احلرب الباردة �سين�شب‬ ‫ال�رصاع بني احل�ضارات‪ .‬يقول هنتنغتون‪:‬‬ ‫«مايهم النا�س لي�س هو الإيديولوجية �أو امل�صالح االقت�صادية‪ ،‬بل‬ ‫الإميان والأ�رسة والدم والعقيدة»‪ .‬ويقول �أي�ضا �إن «الدين حموري يف‬ ‫العامل احلديث‪ ،‬ورمبا كان القوة املركزية التي حترك الب�رش وحت�شدهم»‪.‬‬ ‫واحل�ضارة عند الكاتب هي الكيان الثقايف الأو�سع «احل�ضارات هي‬ ‫الإن�سانية الكربى و�صدام احل�ضارات �رصاع قبلي عاملي والفروق‬ ‫الثقافية هي التي حتتل الأ�سا�س واملركز يف الت�صنيف والتمييز بني‬ ‫الب�رش اليوم»‪� .‬إن ذكرنا باخت�صار لأفكار هنتنغتون‪ ،‬يف كتابه «�صدام‬ ‫احل�ضارات»‪ ،‬هو لغر�ض تبيان �أهمية ثقافة املجتمع وح�ضارته يف ر�سم‬ ‫عالقاته الدولية و�سيا�سته اخلارجية‪ ،‬وال يعني ذلك ت�أييدنا لتحليالته‪.‬‬ ‫يف نف�س االجتاه‪ ،‬لكن بنظرة �أو�سع‪ ،‬يرى املفكر الأمريكي‪ ،‬م�ؤلف كتاب‬ ‫«نهاية التاريخ»‪ ،‬فران�سي�س فوكوياما‪ ،‬يف مداخلة له �ضمن ندوة �أقيمت‬ ‫برو�سيا‪ ،‬نُ�رش جزء منها يف جريدة ال�رشق الأو�سط (‪ ،2007/8/7‬عدد‬ ‫‪� ،10479‬ص ‪� ، )10‬أن العوامل الثقافية �أ�صبحت العد�سات التي ينظر‬ ‫من خاللها الكثري من النا�س �إىل الق�ضايا الدولية‪ ،‬و�أنها تعرقل عوامل‬ ‫االندماج التي حترك التطور على م�ستوى عاملي‪� ،‬أي العوملة‪ ،‬لكن ح�سبما‬ ‫يرى‪ ،‬ونتفق معه يف ذلك‪� ،‬أن مبادرة قوى العوملة االقت�صادية بنزع القدرة‬ ‫من املجتمعات املحلية يف حتديد الكيفية التي تتم �صياغة حياتها ال�سيا�سية‬ ‫�ستكون عم ًال غري دميقراطي‪.‬‬

‫يقول برزن�سكي �إن الرهان اجلغرايف ال�سيا�سي لأمريكا هو القارة‬ ‫الأوروبية‪ -‬والقارة الآ�سيوية‪ ،‬ولي�س �إفريقيا �أو �أمريكيا الالتينية‪ ..‬ملاذا؟‬ ‫لأن ال�شعوب الأوروبية والآ�سيوية هي التي كانت ت�سيطر على العامل منذ‬ ‫خم�سة قرون وحتى اليوم‪� ،‬أي منذ �أن ُوجدت العالقات الدولية‪ .‬والقوة‬ ‫التي ت�سيطر على العامل اليوم هي الواليات املتحدة الأمريكية وبعمر‬ ‫حمدود‪ ،‬و�سيطرتها على العامل �ستكون ملدة‪ ،‬مثلها يف ذلك مثل بقية‬ ‫الإمرباطوريات التي �سبقتها‪ ،‬لكن املهم هو �إطالة �أمد هذه ال�سيطرة �إىل‬ ‫�أق�صى حد ممكن‪ .‬ويكون ذلك ممكن ًا‪ ،‬ح�سب ر�أي املفكر‪� ،‬إذا ا�ستطاعت‬ ‫�أمريكا �أن تلعب على وتر التناف�سات بني الدول الكربى‪ :‬ال�صني ورو�سيا‬ ‫والهند و�أوروبا‪ ،‬و�أن حتجم الواحدة عن طريق الأخرى‪ ،‬كي تظل القوة‬ ‫املهيمنة �إىل �أطول مدة ممكنة (‪.)2‬‬ ‫ينبغي �أن يكون النظر والتعامل مع االنتماء الثقايف واحل�ضاري ل�شعب‪،‬‬ ‫�أو جمتمع معني‪ ،‬بو�صفه مكون ًا من مكونات الدولة‪ ،‬ولي�س بدي ًال عن‬ ‫الدولة‪ ،‬يحل حملها يف التفاعالت والعالقات الدولية‪� ،‬أي يجب �أن تكون‬ ‫الدولة هي الوحدة الأ�سا�سية يف العالقات الدولية‪ ،‬التي حتكمها قوانني‬ ‫العالقات الدولية وال�رشعية الدولية من اخلارج‪ ،‬وقوانني املواطنة من‬ ‫الداخل‪ ،‬بعبارة �أخرى يجب �أ ّال ترتاجع الدولة ل�صالح وحدات ثقافية‬ ‫وح�ضارية‪� ،‬أو جماعات تنظيمية يف احلوار مع الدول الأخرى‪ ،‬خا�ص ًة‬ ‫الدول ذات الأطماع والتي قد تهدف �إىل خلق قيادات بديلة عن الدولة‪.‬‬ ‫�إن الدولة ال ت�ستطيع �أن تكون منتج ًة ومنجز ًة ما مل تكن قادر ًة على‬ ‫�إ�رشاك رعاياها يف منط ح�ضارة ع�رصهم‪� ،‬أي يف �إنتاج قِيمه وا�ستهالكها‬ ‫على حد �سواء‪.‬‬ ‫قال الفيل�سوف هيغل «�إن الفرد‪� ،‬أو الأمة‪� ،‬أو النظام ال�سيا�سي‪ ،‬الذي‬ ‫يكف عن الإبداع واخللق‪ ،‬يتحول �إىل ما ي�شبه احليوان �أو ال�شجرة‪ .‬ومن‬ ‫الأف�ضل لل�شعوب التي ّ‬ ‫تكف عن الإبداع �أن تتعلم كيف متوت بد ًال من‬ ‫موا�صلة البقاء عبئ ًا على احلياة وعلى تقدم الوعي الإن�ساين» (‪.)3‬‬ ‫المصادر‪:‬‬ ‫(‪ )1‬أالن بيرفيت‪ ،‬المعجزة في االقتصاد‪ :‬من المدن الفينيقية إلى اليابان‪.‬‬ ‫بيروت‪ ،‬دار النهار‪ ،1997 ،‬ص‪.31‬‬ ‫(‪ )2‬هاشم صالح‪ ،‬الشرق األوسط‪ ،2007/8/16 ،‬العدد ‪.10488‬‬ ‫)‪Hegel. lecans sur la philosophie de l histoire. 1954 . p.226 ets . (3‬‬

‫‪35‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مراجعة كتاب‬

‫زمن الخداع ‪:‬‬ ‫الدبلوماسيةالنووية‬ ‫خطرة‬ ‫في أزمنة ِ‬

‫اسم المؤلف‪ :‬د‪ .‬محمد البرادعي‪ :‬الحاصل على جائزة نوبل للسالم‪ ,‬المدير العام السابق‬ ‫ّ‬ ‫للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فينا خالل الفترة من ‪.2009 - 1997‬‬ ‫اس��م الكتاب‪THE AGE OF DECEPTION Nuclear Diplomacy in Treacherous Times :‬‬ ‫خطرة )‬ ‫( زمن الخداع‪ :‬الدبلوماسية النووية في أزمنة ِ‬ ‫تاريخ النشر‪ 2011 :‬م‪.‬‬ ‫مكان النشر‪ :‬في الشرق األوس��ط‪ :‬مؤسسة بلومسبري قطر للنشر‪ ،‬الدوحة‪ ،‬قطر‪ .‬في‬ ‫نيويورك‪ :‬مؤسسة ‪Fifth 175 .Metropolitan Books, Henry Holt and Company, LLC‬‬ ‫‪.10010 ,Avenue, New York, New York‬‬ ‫حقوق الطبع‪ :‬للمؤلف‪.‬‬

‫د‪ .‬أحمد محمود جمعة *‬ ‫ً‬ ‫يحتوي الكتاب على مقدمة واثني عشر فصال وخاتمة في ‪ 340‬صفحة من القطع المتوسط‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويتناول في جملته مذكرات د‪ .‬محمد البرادعي‪ ،‬بوصفه مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية‬ ‫خالل مرحلة من أخطر مراحل تطور ما يسميه بـ « الدبلوماسية النووية»‪ ،‬التي فشلت في النهاية‬ ‫داع وال مبرر»‪.‬‬ ‫في درء خطر الحرب في العراق‪ ،‬التي يصفها بأنها «كانت بدون ٍ‬

‫*‬

‫‪36‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫مستشار في معهد الدراسات الدبلوماسية السعودي‪ ،‬وسفير سابق‬


‫مراجعة كتاب‬ ‫ويخ�ص�ص امل�ؤلف ن�صف هذه املذكرات لتجربة العراق يف املقدمة‬ ‫والف�صلني الأول والثالث‪ .‬ويعر�ض يف الف�صل الثاين جتربته يف التعامل‬ ‫مع الن�شاط النووي لكوريا ال�شمالية‪ ،‬وهي التي انتهت بالف�شل التام‪،‬‬ ‫وبخروجها من املحادثات ال�سدا�سية (ت�شمل الكوريتني وال�صني‬ ‫واليابان ورو�سيا والواليات املتحدة)‪ ،‬وب�إعالنها االن�سحاب من معاهدة‬ ‫منع انت�شار الأ�سلحة النووية‪ ،‬وجتربة �سالح نووي �أول عام ‪2006‬م‪،‬‬ ‫وثانٍ يف مايو ‪2009‬م‪.‬‬ ‫ويعر�ض يف الف�صل ال�ساد�س جتربته مع ليبيا حني ك�شفت له اال�ستخبارات‬ ‫الربيطانية يف مار�س ‪ 2003‬م عن وجود من�شئات نووية غري معلنة يف تاجوراء‪،‬‬ ‫وهي مدينة �صغرية �رشقي طرابل�س‪ .‬ويذكر �أن التطورات واملعلومات حول‬ ‫املو�ضوع تتابعت ب�رسعة كبرية حتى تلقى ات�صا ًال من ال�سيد معتوق حممد‬ ‫معتوق‪ ،‬نائب رئي�س الوزراء الليبي للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬يف ‪ 18‬دي�سمرب‬ ‫‪ 2003‬م يخربه فيه �أن وزير اخلارجية الليبي �سيعلن خالل �ساعات قرار‬ ‫ليبيا تفكيك برناجمها النووي‪ .‬و�أفاده معتوق ب�أنه �سيح�رض فور ًا �إىل فينا‬ ‫مع معاونيه للقاء مدير عام الوكالة لبحث الرتتيبات الالزمة‪ .‬وي�ستذكر‬ ‫الربادعي �أن الأمر كان له وقع املفاج�أة عليه حيث مل ت�صله قبلها معلومات‬ ‫بوجود برنامج �رسي لليبيا‪ .‬وعندما التقى امل�سئول الليبي �سلمه وثائق‬ ‫تفيد بح�صولهم من العامل النووي الباك�ستاين عبد القدير خان على خرائط‬ ‫وخمططات لإقامة مركز تخ�صيب‪ ،‬وب�رشائهم لأجهزة وت�سهيالت من جهات‬ ‫دولية متعددة يف هذا املجال‪ .‬وكانت هذه �أول مرة يعلم فيها الربادعي بوجود‬ ‫�سوق �سوداء عاملية بهذا االت�ساع تبيع املواد النووية‪ .‬ومل جتد الوكالة‪ ،‬مع‬ ‫توفر التعاون الليبي‪ ،‬م�شاكل تذكر يف تفكيك الربنامج خالل �شهور‪.‬‬ ‫ينتقل الربادعي بعد ذلك �إىل امللف النووي الإيراين‪ ،‬الذي ال يزال‬ ‫مفتوح ًا على كل االحتماالت‪ ،‬وخ�ص�ص له الف�صول‪ :‬التا�سع‪ ،‬واحلادي‬ ‫ع�رش‪ ،‬والثاين ع�رش‪.‬‬ ‫تبد�أ املقدمة ب�إطاللة عل م�شهد درامي م�ؤثر يف ‪ 9‬فرباير ‪ 2003‬م يف بغداد‬ ‫ملا ي�سميه الربادعي بـ « الع�شاء الأخري » بينه‪ ,‬ب�صفته م�سئو ًال عن اجلانب‬ ‫النووي من عمل �أفرقة التفتي�ش‪ ,‬وهانز بليك�س‪ ,‬ال�سويدي اجلن�سية امل�سئول‬ ‫عن التفتي�ش عن الأ�سلحة الكيميائية والبيولوجية‪ ،‬وبني وفد عراقي ر�سمي‬ ‫كبري تر�أ�سه وزير اخلارجية ناجي �صربي‪ ,‬واللواء عامر حمودي ح�سن‬ ‫ال�سعدي‪ ,‬امل�ست�شار العلمي الأول للرئي�س العراقي �صدام ح�سني‪ ,‬وح�سام‬ ‫�أمني رئي�س جهاز االت�صال العراقي مع �أفرقة التفتي�ش‪ .‬و� ّألح الربادعي‬ ‫وبليك�س على م�ضيفيهما خالل اللقاء بال�س�ؤال ذاته‪�« :‬أنتم ت�ؤكدون عدم‬ ‫وجود �أ�سلحة دمار �شامل لديكم‪ ،‬ولكننا بحاجة ملزيد من الدالئل حتى نغلق‬ ‫هذا امللف‪� ،‬ساعدونا على �أن ن�ساعدكم»‪ .‬وي�ستذكر الربادعي �أن ح�سني �أمني‬ ‫مال وقتها �إىل الأمام وقال‪ « :‬دعنا نكون �رصيحني‪ .‬ففي املقام الأول ال ميكننا‬ ‫�إعطاءكم املزيد لأنه ال يوجد مزيد لدينا‪ ،‬ويف املقام الثاين �أنتم ال ت�ستطيعون‬ ‫م�ساعدتنا لأن احلرب واقعة‪ ،‬وال �شيء يف مقدور �أينا فعله لوقفها‪ ،‬ونحن‬ ‫و�أنتم نعلم ذلك‪ .‬ومهما فعلنا‪ ،‬فقد ح�سم الأمر»‪ .‬وهز ال�سعدي ر�أ�سه م�صدق ًا‬ ‫على ما قاله �أمني بابت�سامة حزينة‪ .‬ويقول الربادعي �أنه كان‪ ،‬حتى ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬ال ي�س ّلم مبقولة �أمني‪ ،‬حيث كانت فرق تفتي�ش الوكالة الدولية قد‬ ‫تولت التدقيق يف كم هائل من املعلومات التي زودتها بها خمتلف �أجهزة‬ ‫اال�ستخبارات الغربية دون �أن جتد دلي ًال واحد ًا على ن�شاط نووي خمالف‬ ‫يف العراق‪ ،‬وهو �أمر �أكده �أمام جمل�س الأمن يف ‪ 27‬يناير ‪ 2003‬م‪ ،‬و�أثار‬

‫عليه �سخط م�سئولني ورجال �إعالم غربيني‪ .‬غري �أن الوكالة‪ ,‬على حد تعبري‬ ‫الربادعي‪ ,‬مل تكن بعد يف و�ضع ميكنها من �إ�صدار �شهادة خلو تام ل�صالح‬ ‫العراق‪ ،‬ومن ثم طلبت �إمهالها ب�ضعة �أ�شهر �أخرى ال�ستكمال مهام التفتي�ش‪،‬‬ ‫معترب ًة �أن ذلك �سيمثل « ا�ستثمار ًا عظيم ًا يف ال�سالم»‪ .‬غري �أن الت�صعيد كان‬ ‫قد بلغ مداه‪ ،‬ولهجته زادت حدتها ب�صورة حممومة يف لندن ووا�شنطن‪.‬‬ ‫وكان وزير اخلارجية الأمريكي كولن باول قد عر�ض على جمل�س الأمن‪ ,‬قبل‬ ‫ع�شاء بغداد ب�أربعة �أيام فقط‪ ,‬جمموع ًة مما �أ�سماها بالوثائق والت�سجيالت‬ ‫التي الت�صل بحال �إىل مرتبة الأدلة الدامغة على تورط العراق يف �أن�شطة‬ ‫حمظورة‪ .‬ومل ي�ستطع كم �أعمال التفتي�ش‪ ،‬على مدى الأ�سابيع ال�ست التالية‬ ‫خلطاب باول‪� ،‬إظهار �أية �أدلة‪ ،‬بل �أثبت التحقيق �أن ما ن�رش قبلها من وثائق‬ ‫حول �رشاء العراق يورانيوم من النيجر كان مزور ًا‪.‬‬ ‫ويتذكر الربادعي �أنه تلقى يف �صبيحة ‪ 17‬مار�س ‪ 2003‬م طلب ًا من‬ ‫البعثة الأمريكية يف فينا ب�سحب فريق التفتي�ش التابع للوكالة من بغداد‪،‬‬ ‫حيث الغزو على و�شك الوقوع‪ .‬ومل يكن هناك‪ ،‬يف نظره �أدنى مربر‬ ‫لهذه احلرب‪ ،‬وملا �أ�سماه «جتاهل دور الدبلوما�سية النووية للوكالة مع‬ ‫حتويلها �إىل ورقة تني للتغطية‪ ،‬والتحايل على ما كان يجب �أن يتم ح�سب‬ ‫امل�سار ال�سليم»‪ .‬وي�ضيف �أن اللواء عامر ال�سعدي �س ّلم نف�سه لقوات‬ ‫التحالف يوم ‪� 12‬إبريل ‪ 2003‬م‪ .‬و�أ�رص على �أن ت�شهد حمطة التلفزة‬ ‫الأملانية ‪ ZDF‬ا�ست�سالمه‪ .‬وقال‪ ،‬موجه ًا حديثه �إىل الكامريا‪« ،‬ال توجد‬ ‫لدينا �أ�سلحة دمار �شامل‪ ,‬و�ستثبت الأيام �صدق كالمي»‪.‬‬ ‫يعود امل�ؤلف يف الف�صول التالية �إىل ا�ستعرا�ض جتارب الوكالة يف‬ ‫متابعة وك�شف برامج ت�صنيع �أ�سلحة الدمار ال�شامل‪ ،‬ويبد�أ بالعراق منذ‬ ‫عام ‪1991‬م يف �أعقاب حرب حترير الكويت مبا�رشةً؛ فقد كانت الوكالة‬ ‫‪37‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫مراجعة كتاب‬ ‫تط ّبق ال�ضمانات على مفا ِع َلي �أبحاث �أحدهما �سوفيتي ال�صنع‪ ،‬والآخر‬ ‫فرن�سي‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل معمل �صغري لت�صنيع الوقود وخمزن للوقود‪.‬‬ ‫واكت�شف مفت�شو الوكالة‪ ،‬يف ظروف ما بعد حرب اخلليج الثانية‪ ،‬وجود‬ ‫�أن�شطة �رسية غري معلنة يف املوقع نف�سه‪ ،‬ويف مواقع �أخرى متناثرة يف‬ ‫العراق‪ .‬وهو ق�صور وجه اللوم عنه للوكالة ولأجهزة التفتي�ش والرقابة‬ ‫فيها‪ .‬غري �أن الوكالة كانت وقتها تتحرك يف نطاق ما توفره الدولة املعنية‬ ‫من معلومات وت�سهيالت‪ .‬و�ألزمت القرارات ال�صادرة عن جمل�س الأمن‬ ‫بعد حترير الكويت حكومة العراق بالإعالن عن كافة من�ش�آتها النووية‪،‬‬ ‫و�أوكلت لوكالة الطاقة الذرية‪ ،‬وللجنة مراقبة الأ�سلحة الكيميائية‬ ‫والبيولوجية «‪ »UNSCOM‬مهمة تطهري العراق منها‪ .‬ومل يكن للعراق‪،‬‬ ‫كدولة مهزومة‪ ،‬يف ذلك من حول وال قوة‪.‬‬ ‫وي�ستعر�ض الربادعي حماوالت امل�سئولني العراقيني يف تلك الفرتة‬ ‫�إخفاء �أجزاء هامة من �أن�شطتهم غري املعلنة عن �أعني �أفرقة التفتي�ش‪،‬‬ ‫و�إ�رصار املفت�شني على املتابعة ب�أ�ساليب كانت تبدو مهينة �أحيان ًا للجانب‬ ‫العراقي‪ .‬واعترب �أن ما �أ�سفرت عنه هذه التجربة هي ح�صوله على دعم‬ ‫دويل وا�سع القرتاح �صياغة منوذج بروتوكول �إ�ضايف حول ال�ضمانات‬ ‫�أقره جمل�س حكام الوكالة يف ‪ 13‬مايو ‪ 1997‬م‪ .‬ومثلت هذه اخلطوة‪ ،‬يف‬ ‫نظره‪ ،‬اخرتاقا هاما يف اجتاه تدعيم نظام ال�ضمانات ال�شامل للوكالة من‬ ‫خالل �إغالق كافة الثغرات و�سبل التحايل على نحو ما حدث يف العراق‪.‬‬ ‫ويذكر الربادعي �أن فريق الوكالة �أجنز مهماته يف العراق‪ ،‬بينما تعرث‬ ‫فريق مراقبة الأ�سلحة الكيميائية والبيولوجية و�سط اتهامات بزرع‬ ‫�أفراد من اال�ستخبارات الأمريكية داخله حتت غطاء مفت�شني‪.‬‬ ‫وجاء الهجوم اجلوي الكا�سح على العراق عام ‪1999‬م‪ ،‬املعروف بـ‬ ‫«‪ ،»Desert Fox‬ليقنع العراقيني ب�أنهم مهما فعلوا‪ ،‬يف جمال التعاون‬ ‫التام حول �أ�سلحة الدمار ال�شامل‪ ،‬لن يجدي فتي ًال‪ ،‬فمن الوا�ضح �أن‬ ‫الهدف هو �إ�سقاط وتغيري النظام‪ .‬وطلبت احلكومة العراقية من فرق‬ ‫التفتي�ش املغادرة‪ ،‬وتوقفت �أعمالها �أربعة �أعوام‪.‬‬ ‫ويرى د‪ .‬الربادعي �أن الو�ضع تغري بعد �أحداث احلادي ع�رش من‬ ‫�سبتمرب ‪2001‬م يف الواليات املتحدة‪ ،‬حيث �أ�صبحت الإدارة الأمريكية يف‬ ‫ظل الرئي�س جورج بو�ش �أكرث ت�شدد ًا‬ ‫يف م�سائل نزع ال�سالح ب�صورة‬ ‫عامة‪ ،‬يف حني �صارت الوكالة �أكرث‬ ‫خرب ًة بعد جتربتي العراق وكوريا‪،‬‬ ‫و�أكرث كفاء ًة يف �إدارة عمليات الرقابة‬ ‫والتفتي�ش‪ .‬وتزايدت حدة عدم الثقة مع‬ ‫اجلانب العراقي خالل الأ�سابيع وال�شهور‬ ‫التالية‪ .‬وغدا وا�ضح ًا �أن وا�شنطن‬ ‫الر�سمية �أ�صبحت تتخذ موقف ًا متحفظ ًا من‬ ‫الوكالة‪ .‬وكان من هذا القبيل ت�رصيح ديك‬ ‫�شيني‪ ،‬وزير الدفاع الأمريكي‪ ،‬يف برنامج‬

‫‪38‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫«قابل ال�صحافة ‪ »Meet the Press‬قبل الغزو ب�أيام عندما ووجه بتقدير‬ ‫الوكالة ب�أن �صدام ح�سني مل ي�ست�أنف بناء برناجمه النووي‪ ،‬فقد �أكد‬ ‫�أن الواليات املتحدة تعتقد العك�س‪ ،‬و�أن الربادعي «خمطئ»‪ .‬لكن �شيني‬ ‫حتدث يف الربنامج نف�سه يف �سبتمرب ‪2003‬م ‪ ،‬ذاكر ًا �أنه خانه التعبري‬ ‫يف حديثه الأول‪ ،‬و�أن الواليات املتحدة مل يتوفر لديها قط دليل بامتالك‬ ‫�صدام ح�سني �أ�سلحة نووية‪ .‬ويختتم الربادعي عر�ضه مل�أ�ساة العراق‬ ‫با�ستعرا�ض حجم الدمار والقتل‪ ،‬ويت�ساءل‪� :‬ألي�س من العدالة حما�سبة‬ ‫امل�س�ؤولني عن هذه الفظائع‪ ،‬وعن �شن حرب ا�ستناد ًا �إىل �أد ّلة مزيفة‪ ،‬ويف‬ ‫انتهاك �صارخ للقانون الدويل �أمام املحكمة اجلنائية الدولية؟‬ ‫ويكتب امل�ؤلف عن امللف النووي الإيراين مو�ضح ًا �أنه يرى �أن ال�سعي �إىل‬ ‫امتالك نا�صية التكنولوجيا النووية �أ�صبح ميثل هدف ًا قومي ًا وا�سرتاتيجي ًا‬ ‫لإيران‪ .‬وهي ترى �أن حتقيقه يعزز مكانتها الإقليمية‪ ،‬ويردع خ�صومها‪.‬‬ ‫ومع ذلك ف�إن �إيران‪ ،‬يف تقديره ال�شخ�صي‪ ،‬وا�ستناد ًا �إىل خربات طويلة يف‬ ‫التعامل معها‪ ،‬رمبا ال ت�سعى �إىل مت ّلك �سالح نووي اكتفا ًء بامتالك نا�صية‬ ‫التكنولوجيا النووية بالكامل يف ما يعرف بـ «دورة الوقود النووي»‪.‬‬ ‫ويرى �أن النموذج اجلاذب لها لي�س كوريا ال�شمالية‪ ،‬التي �أ�صبحت منبوذ ًة‬ ‫عاملي ًا بخروجها من معاهدة منع االنت�شار و�إجرائها جتارب نووية‪ ،‬و�إمنا‬ ‫الربازيل واليابان‪ ،‬وكلتيهما متتلك تكنولوجيا نووية متفوقة مت ّكنها من‬ ‫ت�صنيع �أ�سلحة يف فرتة وجيزة لو اقت�ضت ذلك ظروف قاهرة‪ .‬وعاب امل�ؤلف‬ ‫على جمموعة التفاو�ض مع �إيران (‪ ،)1 + 5‬ال�سيما الغربية منها‪ ،‬ازدواجية‬ ‫معايريها يف الت�شدد غري امل�س ّوغ �أحيان ًا مع �إيران‪ ،‬مقابل التهاون مع كوريا‬ ‫ال�شمالية‪ .‬ومل يحاول تعليق اجلر�س يف رقبة القط بتبيان دور �إ�رسائيل‬ ‫وجماعات ال�ضغط ال�صهيونية يف ا�ستثارة العداء لإيران‪.‬‬ ‫ويف ختام عر�ضه لتحديات الأمن التي جتابه عامل اليوم‪ ،‬ي�ؤكد امل�ؤلف على‬ ‫�رضورة مواجهتها بحزم و�شمولية‪ .‬ويرى �أن العامل بحاجة لنظام جديد‬ ‫من الأمن اجلماعي‪ ،‬بحيث يكون املفهوم ال�سائد لي�س �صفري ًا ل�صالح فرد‬ ‫�أو جماعة �أو دولة‪ ،‬و�إمنا ت�ضامني ًا عاد ًال ل�صالح الب�رشية جمعاء‪ ،‬م�شدد ًا‬ ‫على �أهمية دور املنظمات الدولية يف ذلك‪ .‬ي�ستمد هذا الكتاب �أهميته من كونه‬ ‫ميثل �رسد ًا لواقع دويل الزال قائم ًا‪ ،‬ي�صاحبه حتليل وتقومي من �شخ�صية‬ ‫عربية ودولية بارزة تراكمت لديها‪ ،‬عرب �أكرث من �أربعني عام ًا‪ ،‬خربات‬ ‫وا�سعة‪ ،‬ودراية فائقة بدقائق وخفايا املمار�سة الدبلوما�سية عامة‪ ،‬وتلك‬ ‫املتعلقة بال�ش�أن النووي ب�صفة خا�صة‪ .‬وهو ميثل‪ ،‬بالن�سبة للأجيال احلالية‬ ‫والقادمة من فر�سان الدبلوما�سية العربية منوذج ًا المع ًا ملا ميكن حتقيقه‬ ‫باملثابرة واجلهد‪ ،‬وبرتاكم اخلربة والتعليم على‬ ‫نحو ما فعل د‪ .‬الربادعي وغريه‪ .‬ويقدم امل�ؤلف يف‬ ‫كتابه �إطاللة على �أ�ساليب تفكري‪ ،‬وطرائق عمل‬ ‫مفكرين و�سا�سة �أ َّ​ّثروا يف حركة التاريخ يف‬ ‫منطقتنا والعامل على مدى العقود املا�ضية‪.‬‬


‫اصدارات‬

‫من اصدارات المعهد‬

‫التغييرات في العالم العربي‪..‬‬ ‫أصدر المعهد الدبلوماسي دراسته األولى بعنوان «التغييرات في العالم‬ ‫العربي وآثارها على الواليات المتحدة األمريكية والغرب وفلسطين وإسرائيل‬ ‫ُ‬ ‫(عملية السالم)»‪ ،‬تأليف الدكتور صائب عريقات‪ ،‬عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة‬ ‫التحرير الفلسطينية‪ ،‬رئيس الوفد الفلسطيني لمفاوضات الوضع النهائي‪.‬‬

‫ت�ش ّكل الدرا�سة محُ اول ًة �أولي ًة ملُالحظة �آثار التغيريات يف العامل العربي‬ ‫على الواليات املتحدة الأمريكية والغرب‪ ،‬حيث يجري الرتكيز على‬ ‫�أن العالقات العربية‪ -‬الغربية مل حتدد ُمنذ عام ‪ ،1683‬عندما حا�رص‬ ‫جنود الإمرباطورية ا ُلعثمانية مدينة فينا‪ .‬ومل ي�ش�أ امل�ؤلف التطرق يف‬ ‫هذه الدرا�سة �إىل ما مر به الغرب‪ ،‬خالل اخلم�سمائة �سنة الأخرية‪ ،‬من‬ ‫�إ�صالحات مارتن لوثر كينج‪ ،‬ن�شوء املذهب الربوت�ستانتي‪ ،‬الف�صل بني‬ ‫الدولة والدين‪� ،‬صلح وي�ستفليا (‪ ،)West phalia‬الذي �أنهى حرب‬ ‫الثالثيــن عام ـ ًا (‪ ،)1648 -1618‬والتي حددت مبد�أ ال�سيادة للدول‪،‬‬ ‫و�أكدت عدم التدخل يف ال�ش�ؤون الداخلية للدول‪ ،‬ثم جميء ع�رص التنوير‬ ‫(‪ ،)Enlightenment‬الفل�سفة الأخالقية وحقوق الإن�سان‪ ،‬فالثورة‬ ‫الفرن�سية عام ‪ ،1789‬والثورات الأوروبية عام ‪.1848‬‬ ‫على مدى خم�سمائة عام مر الغرب مبرحلة انتقالية �إىل العلمانية‬ ‫(‪ ،)Secularization‬لكن العالقات العربية ‪ -‬الغربية مل تتغري مع التغريات‬ ‫التي طر�أت على هيكل احلكم يف الغرب‪ ،‬ومل تحُ دد �إىل يومنا هذا‪.‬‬ ‫مل تتطرق الدرا�سة �إىل �رصاع احل�ضارات �أو التاريخ‪ ،‬بل انتقلت �إىل‬ ‫التجربة الأوىل يف الدميقراطية يف ال�رشق الأو�سط (‪� ،)1951‬أي �إيران‪،‬‬ ‫عندما ح�صل الدكتور حممد م�صدق على ‪� 79‬صوت ًا ُمقابل ‪� 12‬صوت يف‬ ‫الربملان الإيراين‪ ،‬وقام بت�شكيل حكومته‪ ،‬التي �أ�سقطتها الإدارة الأمريكية‬ ‫واحلكومة الربيطانية عام ‪ .1953‬وهذا يعني �أن اخليار الدميقراطي‬ ‫للإيرانيني مل ُيحرتم‪ .‬كما ي�ؤكد �أن الواليات املتحدة الأمريكية والغرب‬

‫اختارا ما �أ�سمياه احلفاظ على امل�صالح على ح�ساب القيم الدميقراطية‪،‬‬ ‫وتعامال مع نظام الفرد الواحد‪� ،‬أو العائلة‪� ،‬أو الع�سكر على ح�ساب‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬وحقوق الإن�سان واملر�أة‪ ،‬واملُ�ساءلة‪ ،‬واملُكا�شفة‪ ،‬واملُحا�سبة‪.‬‬ ‫تو�ضح الدرا�سة �أن الواليات املتحدة والغرب مل يتوانيا عن عقد‬ ‫ال�صفقات‪ ،‬ويف �أف�ضل الأحيان التغا�ضي عن قمع �أي حركة دميقراطية‬ ‫حل�ساب الأوتوقراطية �أو الثيوقراطية‪ ،‬فلم ن�سمع يف القرن املا�ضي �أي‬ ‫حديث عن الدميقراطية وحقوق الإن�سان يف العامل العربي‪ ،‬طبع ًا با�ستثناء‬ ‫احلديث عن احلليف اال�سرتاتيجي للغرب (�إ�رسائيل)‪ ،‬التي ُينظر �إليها‬ ‫بو�صفها الدولة الدميقراطية الوحيدة يف املنطقة‪.‬‬ ‫تتطرق الدرا�سة �أي�ض ًا �إىل كيفية تعامل الغرب مع احلكام العرب‪ ،‬مثل‬ ‫الرئي�س العراقي ال�سابق �صدام ح�سني �أثناء حربه مع �إيران‪ ،‬وكيف جرى‬ ‫التعامل معه بعد احتالله للكويت‪ .‬كذلك التعامل مع الزعيم الليبي ال�سابق‬ ‫ُمعمر القذايف‪ ،‬قبل تخليه عن برنامج الت�سلح غري التقليدي وما بعده‪.‬‬ ‫تُقارن الدرا�سة بني ما حدث يف �أوروبا عام ‪ ،1848‬وما يحدث اليوم يف‬ ‫العامل العربي‪ ،‬وحتاول �أن تقدم توازن ًا للغرب يف حتديد عالقته مع العرب‬ ‫بني امل�صالح والدميقراطية‪ ،‬م�ؤكد ًة على عدم وجود تناق�ض بينهما‪.‬‬ ‫بعد ذلك تبحث الدرا�سة يف الآثار املُرتتبة على الفل�سطينيني‬ ‫والإ�رسائيليني (عملية ال�سالم)‪ ،‬نتيج ًة للتغيريات احلا�صلة يف العامل‬ ‫العربي‪ ،‬وتحُ اول �أن تربط بني الدميقراطية وال�سالم‪ ،‬وتتو�صل �إىل‬ ‫ا�ستنتاج مفاده عدم �إمكانية الف�صل بينهما‪.‬‬ ‫كما تُناق�ش الدرا�سة كيفية تعامل ُ�صناع القرار يف �إ�رسائيل وفل�سطني‬ ‫مع التغيريات‪ ،‬وحماوالت عدة مدار�س فكرية �إ�رسائيلية‪ ،‬ومعها احلكومة‬ ‫الإ�رسائيلية‪� ،‬أو �أن�صار �إ�رسائيل يف �أمريكا والغرب‪ ،‬جتيري ما يحدث يف‬ ‫العامل العربي للتهرب من ا�ستحقاقات عملية ال�سالم وتعميق الهوة بني‬ ‫الغرب والعرب‪.‬‬ ‫وتطرح الدرا�سة �س�ؤا ًال على كل الأطراف املُتداخلة (الواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية‪ ،‬الدول الغربية‪� ،‬إ�رسائيل‪ ،‬العرب)‪ ،‬وال�سيما الأحزاب العربية‬ ‫التي خا�ضت االنتخابات وك�سبتها مفاده‪ :‬ما هو املطلوب كل طرف‬ ‫ل�ضمان جناح الدميقراطية يف الدول العربية؟‬

‫‪39‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬


‫من القاموس‬

‫السياسي‬ ‫األمن ‪Security‬‬

‫األمن الجماعي ‪Collective Security‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫بقي مفهوم «األمن» ينظر إليه‪ ،‬فترة طويلة‪ ،‬على أنه أمن‬ ‫حدود الوطن من العدوان الخارجي‪ ،‬أو أنه حماية المصالح القومية‬ ‫في السياسة الخارجية‪ ،‬أو أنه األمن العالمي المتعلق بحدوث‬ ‫حرب نووية‪ .‬ومع انتهاء الحرب الباردة أصبح هذا المفهوم غير‬ ‫ذي جدوى في أذهان معظم الناس الذين يرون أن انعدام األمن‬ ‫يتأتى من المشكالت المتعلقة بالحياة اليومية أكثر مما ينشأ نتيجة‬ ‫ً‬ ‫الخوف من حدوث مشكالت عالمية‪ ،‬فأن تكون آمنا يعني أن تكون‬ ‫ً‬ ‫سليما من األذى‪ .‬لكن ال يوجد أحد‪ ،‬بالطبع‪ ،‬آمن بالكامل‪ ،‬فالحوادث‬ ‫ً‬ ‫ممكنة والموارد قد تصبح شحيحة‪ ،‬وقد يفقد الناس عملهم وتقع‬ ‫ّ‬ ‫الحروب‪ .‬إال أن من المؤكد أن الحاجة إلى اإلحساس باألمن قيمة‬ ‫إنسانية أساسية وشرط مسبق لنتمكن من العيش بكرامة‪.‬‬

‫ُ‬ ‫مجموعة آليات ذات ركيزة قانونية‪ ،‬وضعت لمنع اعتداء أي‬ ‫دولة على أخرى‪ ،‬أو لقمع ذلك االعتداء إن حدث‪ .‬ويتحقق ذلك‬ ‫من خالل توجيه تهديدات ذات صدقية إلى المعتدين الحقيقيين‬ ‫ً‬ ‫أو المحتملين‪ ،‬وتقديم وعود‪ ،‬ذات صدقية أيضا‪ ،‬إلى الضحايا‬ ‫الحقيقيين أو المحتملين‪ ،‬باتخاذ تدابير جماعية للحفاظ على‬ ‫السالم‪ ،‬وتنفيذها عند الضرورة‪ .‬وقد تراوحت هذه التدابير بين‬ ‫المقاطعة الدبلوماسية‪ ،‬وفرض العقوبات‪ ،‬وحتى القيام بأعمال‬ ‫عسكرية‪ .‬ويكمن أساس الفكرة في عقاب جماعي ضد المعتدين‬ ‫ً‬ ‫من خالل استخدام قوة كبيرة جدا‪ .‬وتتنازل الدول المنتمية إلى هذا‬ ‫ُ‬ ‫النظام عن اللجوء إلى حل النزاعات الناشبة بينها‪ ،‬لكنها تعد في‬ ‫معتد‪ .‬أما في‬ ‫الوقت نفسه باستخدام القوة الجماعية ضد أي‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫القضايا األخرى فتظل الدول كيانا صاحب سيادة‪.‬‬

‫األمن اإلنساني ‪Human Security‬‬ ‫مفهوم أطلقه برنامج األمم المتحدة اإلنمائي في تسعينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬وهو قضية ذات طبيعة عالمية‪ ،‬ومهم للناس في‬ ‫كل مكان‪ ،‬األغنياء و الفقراء على السواء‪ .‬وتقود فكرة األمن اإلنساني‬ ‫إلى التركيز على حاجة الفرد إلى أن يكون بمأمن من الجوع والمرض‬ ‫ً‬ ‫والقمع كما حاجته إلى أن يكوم محميا ضد أحداث تهدد على االرجح‬ ‫نمط حياته اليومي‪ .‬وهذا بدوره يعكس الحاجة إلى إعادة توزيع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الثروة توزيعا ملموسا وعادال لصالح الفقراء على الصعيد العالمي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بدال من أن ينعم بها األغنياء فقط‪ .‬وهناك مكونان أساسيان لألمن‬ ‫اإلنساني هما‪ :‬التحرر من الخوف‪ ،‬والتحرر من الحاجة‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫العدد الثاني ‪ -‬يونيو ‪2012‬‬

‫األمن المشترك ‪Common Security‬‬ ‫ً‬ ‫يعبر هذا المفهوم عن فكرة أن األمن ال يحتاج إلى أن يكون قيمة‬ ‫تتنافس عليها الدول‪ .‬وقد أتجه العلماء‪ ،‬من الناحية التقليدية‪ ،‬إلى‬ ‫ً‬ ‫الحديث عن األمن في سياق مرجعي صراعي يركز أوال على الخطط‬ ‫العسكرية‪ .‬وعلى النقيض من مفهوم المعضلة األمنية‪ ،‬تشدد‬ ‫فكرة األمن المشترك على المقاربات غير التنافسية التي يستطيع‬ ‫الخصوم من خاللها إحالل األمن فيما بينهم‪ ،‬ال بعضهم ضد بعض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولم يدخل هذا المفهوم التداول المشترك إال في ثمانينيات القرن‬ ‫الماضي‪ ،‬كردة فعل جزئية على تدهور العالقات بين الشرق والغرب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ورغم أن األمن المشترك مازال‪ ،‬من نواح عديدة‪ ،‬مصطلحا مبهما‬ ‫وغير محدد‪ ،‬فأنه يحظى بجاذبية كبيرة لدى مؤيدي التغيير الجذري‪،‬‬ ‫ومناصري التعايش السلمي األكثر براغماتية بين الكتل المتنافسة‪.‬‬ ‫وقد اعتمد هذه العبارة الزعيم السوفيتي غورباتشوف‪ ،‬الذي كان‬ ‫يأمل مع اعتناق فكرة األمن المشترك‪ ،‬جذب الواليات المتحدة وأوربا‬ ‫الغربية إلى دعم عملية تقليص جذري متبادل لألسلحة‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.