كلمة العدد يشهد العالم سنويًا تنظيم العديد من المنتديات الهادفة إلى إيجاد بيئة مناسبة ،ومناخ فكري أصيل يتيح تبادل التجارب الرائدة واألفكار النيرة، ويعمق ويعزز الروابط بين القيادات السياسية والمفكرين ويخلق التفاعلّ ، ورجال األعمال والناشطين في مجال المجتمع المدني من مختلف دول العالم ،ويسهم في بلورة رؤى مشتركة عند النظر إلى القضايا السياسية واالستراتيجية واالقتصادية واالجتماعية واإلعالمية التي تهم المجتمع ويكرس الجهود لتحقيق مسارات الديمقراطية والتنمية والتجارة الدولي، ّ الحرة ،وتحليل العقبات التي تواجهها ،واستشراف الحلول المناسبة لها. وفي هذا اإلطار جاء تنظيم منتدى الدوحة الثاني عشر في شهر مايو المنصرم ،الذي افتتحه حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ،أمير البالد المفدى ،وشارك فيه أكثر من 700من كبار الشخصيات السياسية األكاديمية ،وممثلين عن المنظمات الدولية ،ورجال اإلعالم ،وكبار العاملين في قطاع األعمال ،جاءوا من كافة دول العالم لتبادل اآلراء ،وعقد حوار جاد يستند إلى المكاشفة والمصارحة والشفافية في مناقشة قضايا تهم المشهد السياسي واالقتصادي العالمي واإلقليمي ،وكذلك عمليات التحول إضافة إلى مناقشة قضايا التنمية الديمقراطي في ظل ثورات الربيع العربي، ً بأبعادهاالمختلفة. غاية إننا على قناعة تامة بأن منتدى الدوحة ،وغيره من المنتديات ،لن يكون ً رئيسة للوصول إلى رؤى مشتركة ،وبلورة أفكار تساعد بحد ذاته ،بل أدا ًة ً على اتخاذ القرار السليم .إذ إن االطالع على تجارب اآلخرين ،وتبادل اآلراء بين المفكرين ،وعرض اإلشكاالت التي تواجه المشهد السياسي واالقتصادي راق ينبغي جو فكري ٍ العالمي واإلقليمي ،كل هذه العناصر ستسهم في خلق ٍّ االستفادة منه في الجانب العملي عند وضع السياسات العامة ،واالستراتيجيات االقتصادية والتنموية لمختلف بلدان العالم. وفي الوقت الذي تغمرنا فيه السعادة للنجاح الكبير الذي تحققه دولتنا في التعامل مع مختلف القضايا السياسية واالقتصادية الدولية ،من خالل استضافتها لمثل هذه المنتديات ،فإننا نتطلع إلى المضي قدماً ،وبالتعاون مع األسرة الدولية ،إلى تحويل التحديات التي تواجه المجتمع الدولي واالقتصاد العالمي إلى فرص ،والفرص إلى حقائق ملموسة تسهم في تعزيز األمن والسلم والتنمية في ربوع المعمورة.
خالد بن حممد العطية
وزير الدولة للشؤون الخارجية
1 العدد الثاني -يونيو 2012
المحتويات
مجلة فصلية تصدر عن المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية العدد الثاني -يونيو 2012
المشرف العام: سعادة الدكتور خالد بن محمد العطية وزير الدولة للشؤون الخارجية رئيس التحرير: د .حسن بن إبراهيم المهندي مدير المعهد الدبلوماسي الناشر: المعهد الدبلوماسي /وزارة الخارجية عناوين اإلتصال: دولة قطر -الدوحة ص .ب 250 : هـــاتف )+974( 40112500 : فاكس )+974( 40112511 : البريد اإللكتروني: Diplomacy@mofa.gov.qa الموقع اإللكتروني: http://di.mofa.gov.qa جميع المراسالت بإسم رئيس التحرير المقاالت المنشورة تعبر عن آراء مؤلفيهاوال تعبر بالضرورة عن توجهات المجلة
1
كلمة العدد
مؤتمرات
4
في خطاب سياسي اقتصادي إنمائي اجتماعي شامل افتتح به سموه منتدى الدوحة األمير :ال يمكن فصل التحول إلى الديمقراطية عن سياسات التنمية
متابعات
8
جامعة قطر والمعهد الدبلوماسي ينظمان: المؤتمر الطالبي األول لمحاكاة منظمة التعاون اإلسالمي
متابعات
12
الدفعة األولى من موظفي وزارة الخارجية الملتحقين بالمعهد الدبلوماسي ينهون برنامج تدريبي حول الدبلوماسية التركية باسطنبول
ندوات
14
عريقات ..يحاضر حول التغييرات في الوطن العربي
شخصيات
18
الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
أضواء
20
أضواء على منظمة ..برنامج األمم المتحدة اإلنمائي
تقارير
23
أضواء على ..تقرير التنمية البشرية لعام 2011
مقاالت
26
ظاهرة الدبلوماسية القطرية
مقاالت
28
التحوالت في العالم العربي :أي دور لالتحاد األوروبي؟
مقاالت
33
توظيف مقومات الدولة في رسم السياسـة الخارجية
مراجعة كتاب
36
خطرة زمن الخداع :الدبلوماسية النووية في أزمنة ِ
اصدارات
39
من اصدارات المعهد ..التغييرات في العالم العربي..
40
من القاموس السياسي
4
مؤتمرات
في خطاب سياسي اقتصادي إنمائي اجتماعي شامل افتتح به سموه منتدى الدوحة
األمير :ال يمكن فصل التحول إلى الديمقراطية عن سياسات التنمية
2 العدد الثاني -يونيو 2012
متابعات
جامعة قطر والمعهد الدبلوماسي ينظمان:
المؤتمر الطالبي األول لمحاكاة منظمة التعاون اإلسالمي
8
12
عريقات ..يحاضر حول
التغييرات في الوطن العربي
الدفعة األولى من موظفي وزارة الخارجية الملتحقين بالمعهد الدبلوماسي ينهون برنامج تدريبي حول الدبلوماسية التركية باسطنبول
شخصيات
أضواء
20
الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
18
متابعات
أضواء على منظمة.. برنامج األمم المتحدة اإلنمائي
()UNDP مقاالت
ظاهرة الدبلوماسية القطرية
26
14 تقارير
أضواء على.. تقرير التنمية البشرية لعام 2011
23
مقاالت
مقاالت
التحوالت في العالم العربي: أي دور لالتحاد األوروبي؟
توظيف مقومات الدولة في رسم السياسـة الخارجية
28
33
مراجعة كتاب
اصدارات
زمن الخداع :الدبلوماسية خطرة النووية في أزمنة ِ
39
36
ندوات
من اصدارات المعهد.. التغييرات في العالم العربي..
من القاموس السياسي
40 3 العدد الثاني -يونيو 2012
مؤتمرات
في خطاب سياسي اقتصادي إنمائي اجتماعي شامل افتتح به سموه منتدى الدوحة
األمير :ال يمكن فصل التحول إلى الديمقراطية عن سياسات التنمية «حان الوقت لتنال فلسطين حريتها» «الربيع العربي يجب أن يرافقه ربيع للسالم العادل في الشرق األوسط» ّ «ليس لدى هذا الجيل عقد نقص ...وال يسلم باحتكار إسرائيل للقوة والسالح النووي»
عقد في الدوحة خالل الفترة من 22-20مايو « 2012منتدى الدوحة الثاني عشر» ،وقد تفضل حضرة صاحب السمو ً الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البالد المفدى بافتتاحه .وألقى سموه كلمة أكد فيها أن انعقاد دورة المنتدى ً هذا العام «يأتي في مرحلة مصيرية وحاسمة من تاريخ وطننا العربي ،وكثيرا من األحداث التي تجري في منطقتنا وفي أرجاء مختلفة من العالم» .وأضاف سموه «لقد سبقت ثورات الحرية العربية مؤشرات لجمود شامل ،بل وشلل على مستوى فاعلية السياسات ،وغضب عارم على المستوى الشعبي ،وكان بعضهم يتجاهل هذه المؤشرات إلى أن ً فوجئ بالثورات وهي تنفجر ،منذرة بتحول تاريخي غير مسبوق ،يؤكد أن الشعوب العربية بدأت تنفض عن نفسها غبار التراخي الطويل ،وأخذت تسعى من جديد للمساهمة في ركب الحضارة اإلنسانية».
4 العدد الثاني -يونيو 2012
مؤتمرات
و�أكد �سموه �أن ال�شعوب العربية لن تن�سى فل�سطني متام ًا كما ال نن�سى الأ�رسى وغزة املحا�رصة ،و�أنه حان الوقت لتنال فل�سطني حريتها .ودعا �سموه �إ�رسائيل �إىل اتخاذ خطوة �إيجابية من �أجل ال�سالم والعي�ش امل�شرتك. كما تناول �سموه يف كلمته الأهداف الإمنائية للألفية قائ ًال «�إن الت�أخر املتوقع يف حتقيق الأهداف الإمنائية للألفية ملا بعد 2015يجب �أال يثنينا عن حتقيقها ولو بعد �سنوات ،كما ينبغي علينا من الآن �صياغة �أهداف �إمنائية �إ�ضافية ت�أخذ بعني االعتبار الأحداث والتطورات اجلديدة، والفروقات الكبرية بني �أفراد البلد الواحد». و�أكد �سمو الأمري يف ختام كلمته �أن منتدى الدوحة ،وهو يوا�صل دوراته بانتظام للعقد الثاين على التوايل� ،سيظل منرب ًا لتبادل الر�أي فيما يحدث، �سواء يف منطقتنا �أم عرب العامل ،والنظر فيما ميكن �أن يحدث ،واقرتاح كل ما من �ش�أنه االرتقاء بالدميوقراطية والتنمية والتجارة احلرة. و�أكد معايل ال�شيخ حمد بن جا�سم بن جرب �آل ثاين رئي�س جمل�س الوزراء وزير اخلارجية ،يف كلمته خالل افتتاح املنتدى ،على �أهمية الق�ضايا املطروحة على جدول �أعمال املنتدى ..الفت ًا �إىل �أنها تن�صب على م�سائل حيوية تهم العالقات الإن�سانية على الأ�صعدة الوطنية والإقليمية والدولية ،وهي مطروحة للحوار احلر امل�س�ؤول والبناء لكي ن�ستخل�ص من ذلك قواعد العمل التي حتقق املكت�سبات للجميع. وقال رئي�س جمل�س الوزراء وزير اخلارجية «ال�شك يف �أن �أهم العنا�رص التي متثل خ�صائ�ص املرحلة ال�سيا�سية التي متر بها املنطقة هو قوة وفاعلية املطالب ال�شعبية الوا�سعة للإ�صالح التي كانت املحفز الأ�سا�سي للثورات العربية ..ولهذا �شهدنا التحرك ال�شعبي القوي باجتاه املطالبة ب�سلطة القانون ،واحرتام احلريات ،واجتثاث الف�ساد ،وتر�سيخ التنمية االقت�صادية واالجتماعية» .و�أ�شار معايل ال�شيخ حمد بن جا�سم بن جرب �آل ثاين �إىل �أن منطقة ال�رشق الأو�سط تواجه حتديات غري هينة بدء ًا بتحديد و�سائل احلراك باجتاه حتقيق الإ�صالح ،وانتها ًء بتوفري �أ�سباب
ال�سلم واال�ستقرار والبناء اجلديد للحياة املجتمعية على ال�صعيد الوطني. وحتدث يف اجلل�سة االفتتاحية للمنتدى فخامة ال�سيد ماهيندا راجاباك�سا رئي�س جمهورية �سريالنكا ،م�شري ًا �إىل �أن املنتدى يكت�سي �أهمي ًة بالغ ًة لأنه ينعقد يف ظل �أزمة مالية عاملية ،وهناك حاجة للتفكري يف حلول عاملية لهذه امل�شكالت من خالل النقا�ش الإيجابي والبناء .و�أ�شار �إىل التطلعات التي حتملها بالده من وراء امل�شاركة يف هذا املنتدى ،م�ؤكد ًا على �أهمية اخلو�ض يف م�س�ألة اال�ستثمار العاملي واملعونة الدولية. كما حتدث يف اجلل�سة نف�سها �سعادة ال�سيد عبدو �ضيوف الرئي�س ال�سنغايل الأ�سبق ،رئي�س املنظمة الدولية للفرنكوفونية ،قائ ًال �إن ا�ستمرار دولة قطر يف عقد منتدى الدوحة يج�سد ر�ؤيتها ،ويثبت رغبتها الأكيدة يف االلتزام بخدمة ق�ضايا الأمن واال�ستقرار وال�سالم يف املنطقة .و�شدد �سعادته على �أن �إرادة قطر ،ورغبتها ال�صادقة �سمحا لها ،يف غ�ضون �سنوات قليلة� ،أن تر�سي �أ�س�س ًا لتنمية الفتة ،ولت�صبح مركز ًا للحداثة والتطور ،ومركز ًا يقيم �إرثه وتاريخه وثقافته ،وينفتح على العامل بذهنية مبنية على الت�سامح واحلوار الذي يحرتم الأخر. وقد ت�ضمن جدول �أعمال املنتدى جمموع ًة من اجلل�سات وور�ش العمل، ا�شتملت اجلل�سة الأوىل ،التي كانت بعنوان «امل�شهد ال�سيا�سي واالقت�صادي العاملي» ،على عدد من املو�ضوعات ،حيث حتدث فيها �سعادة وزير اخلارجية اجلزائري مراد مدل�سي قائ ًال �إن العوملة �أحلقت ال�رضر بجميع البلدان مبا فيها البلدان املتقدمة ،وكانت ال�سبب يف �إحداث �أزمة مالية غري م�سبوقة، م�ؤكد ًا على �رضورة �أن ت�ستوقف هذه املالحظة املجتمع الدويل ،الذي يتحتم عليه الإ�رساع يف �إيجاد حلول جديدة من �شانها �أن تنقذ الو�ضع احلايل املت�أزم ،مطالب ًا دول العامل ب�إعادة بناء عوملة جديدة تقوم على �أهداف ت�ضامنية �أ�سا�سها تغليب امل�صالح اجلماعية على امل�صالح الفردية. وحتدث يف هذه اجلل�سة �أي�ض ًا اندرو �سويجر ،نائب رئي�س �رشكة �أك�سون موبيل ،م�شيد ًا بال�سيا�سة احلكيمة التي تنتهجها دولة قطر لرفع
5 العدد الثاني -يونيو 2012
مؤتمرات
ً «العالم اآلن يواجه تحديات جسيمة سواء اقتصادية أم سياسية تجعلنا أمام خيارات تحتاج إلى قرارات وآليات دقيقة وفعالة»
6 العدد الثاني -يونيو 2012
م�ستوى التعليم ،وجهودها الكبرية يف حماية البيئة ،ورفع م�ستوى الدخل القومي للفرد ،و�إيجاد فر�ص عمل جديدة لل�شباب� .أما املبعوث اخلا�ص ال�سابق لل�سالم يف ال�رشق الأو�سط جورج ميت�شيل ،ف�أ�شار �إىل الدور الريادي لدولة قطر يف املنطقة العربية حتت قيادة ح�رضة �صاحب ال�سمو ال�شيخ حمد بن خليفة �آل ثاين �أمري البالد املفدى .كما حتدث يف اجلل�سة نف�سها رئي�س الوزراء الإ�سباين ال�سابق خو�سيه لوي�س رودريغيث ثاباتريو ،متوقع ًا �أن تتجاوز منطقة اليورو الأزمات التي تع�صف بها حالي ًا� ،رشيطة �أن تت�ضامن �أكرث مع اليونان لتخطي �أزماتها وم�ساعدتها على النمو ،وقال �إن جمموعة الع�رشين �أدارت ،يف اجتماعاتها الأخرية ب�إيجابية ،بع�ض جوانب الأزمة املالية الأخرية ،داعي ًا ك ًال من �أمريكا وقادة الدول الأوربية �إىل الت�ضامن �أكرث لتجاوز �أقوى �أزمة اقت�صادية تع�صف بالعامل حالي ًا. وناق�ش املتحدثون يف اجلل�سة الثانية (جل�سة التنمية) الأهداف الإمنائية للألفية ،وت�أثريات الأزمات االقت�صادية ،والعالقة بني التنمية والعدالة االجتماعية والتعليم املكر�س لتحقيق �أهداف التنمية والثورة املعرفية، ودور اال�ستثمار الأجنبي واملعونة الدولية يف حتقيق التنمية الوطنية، والتحديات التي تواجه التنمية يف ال�رشق الأو�سط ما بعد ثورات الربيع العربي ،ومالمح التنمية املطلوبة يف العامل العربي .و�أ�شار املتحدثون يف اجلل�سة �إىل الف�شل يف حتقيق الأهداف الإمنائية للألفية يف موعدها املحدد، و�أكدوا على �رضورة �إعادة النظر يف ر�سم م�سارات التنمية ومناهجها. �أمااجلل�سةالثالثةللمنتدى(م�ستقبلال�سالميفال�رشقالأو�سط)،ف�أكدفيها امل�شاركون على �أن ثورات الربيع العربي �أفرزت واقع ًا جدي ًا يفر�ض ا�ستعمال لغة جديدة ،وا�ستيعاب املتغريات لطرح حلول حقيقية للق�ضايا املطروحة. وتوافقت �آراء املتحدثني يف اجلل�سة حول عدة نقاط يف هذا الإطار� ،أبرزها �أن �إ�رسائيل ال تريد فع ًال ال�سالم ،و�أن القيادة الفل�سطينية �ضعيفة يف مواقفها من هذا ال�رصاع ،والواليات املتحدة غري م�ؤهلة� ،أو غري م�ستعدة يف هذه الأثناء للعمل من �أجل ح�سم امل�س�ألة ،كونها من�شغلة باالنتخابات ،و�أن الغرب غالب ًا ما يعزف على الوتر الإ�رسائيلي،ويتجاهلمطالبال�شارعالفل�سطيني. وناق�شت اجلل�سة الرابعة للمنتدى التغريات ال�سيا�سية واحلقوق املدنية يف ال�رشق الأو�سط ،وركزت املدخالت على �أهمية احلوار ،ومقاربة الإدماج ملعاجلة �إ�شكاليات الأقليات ،وا�سرتاتيجية الرتبية والتعليم ،واحرتام القانون ،و�سن القوانني لتمكني املر�أة من حقوقها وقيامها بدورها املطلوب يف املجتمع .كما �أكدت على �أهمية االعتماد على الذات يف حتقيق ال�شعوب
مؤتمرات
لتطلعاتها �إىل احلرية والدميقراطية ،دون انتظار الدعم اخلارجي ،مع الت�أكيد على �أهمية املجتمع املدين .ومتيز النقا�ش يف هذه اجلل�سة بتعدد الآراء وجر�أتها يف الكثري من الأحيان ،ال�سيما عندما مت تناول التحوالت التي حدثت يف العامل العربي ويف �سوريا على وجه اخل�صو�ص. ويف اجلل�سة اخلام�سة للمنتدى حول االقت�صاد والتجارة احلرة، متحور النقا�ش حول ت�أثري �أزمة اليورو على االقت�صاد العاملي ،وجدلية التجارة احلرة وتنمية ال�صناعة الوطنية ،وموازين القوى االقت�صادية العاملية يف ظل الدول ال�صاعدة� ،إ�ضافة �إىل مو�ضوعات تتعلق بالتجارة البينية والتكامل االقت�صادي ،والتحديات االقت�صادية التي تواجه ال�رشق الأو�سط .وجرى يف اجلل�سة الت�أكيد على �أن الأزمة االوربية اندلعت نتيجة لرتاكمات على مدى عقود عديدة ،ومن يعتقد ب�أنها �أزمة وليدة اللحظة ف�إنه مل يقر�أ ما يكفي من تاريخ القرن الع�رشين. وناق�ش امل�شاركون يف اجلل�سة ال�ساد�سة ،املخ�ص�صة ملو�ضوع «الدميقراطية وحتديات الربيع العربي» �أبرز التحديات التي تواجه الربيع العربي ،مو�ضحني �أن الدميوقراطية يجب �أن تكون م�ستدامة، فال�شعوب �أ�صبحت تتطلع �إىل احلرية والدميوقراطية ،وتبذل اجلهود يف �سبيل حتقيق طموحاتها .وحتدثوا عن �أهمية بناء املواطنة يف �إطار التعددية الدينية ،م�ؤكدين على �أهمية دور م�ؤمترات ومنتديات حتالف احل�ضارات التي ت�سعى �إىل تقريب وجهات النظر .كما �أكد املتحدثون يف اجلل�سة على
�أن ثورات الربيع العربي �شكلت هاج�س ًا وحتدي ًا رئي�س ًا لدول الغرب ،التي كانت عملي ًا جتهل املنطقة ،وال تعرف اجتاهات الأمور ،واعتمدت على قادة مت�سلطني وراهنت عليهم ،ومن ثم ا�ضطرت �إىل االنقالب عليهم ،ومد ج�سور مع جماعات كانت تخاف منها ،وال�سيما جماعة الإخوان امل�سلمني. �أما اجلل�سة ال�سابعة للمنتدى ،اخلا�صة بالإعالم ،فقد نوق�ش فيها دور الأعالم يف �إحداث التغيري ال�سيا�سي واالجتماعي يف املنطقة العربية، وامل�س�ؤولية الأخالقية حلماية ال�صحفيني يف ظل النزاعات امل�سلحة ،ودور و�سائل الأعالم الإلكرتوين يف التغريات ال�سيا�سية يف املنطقة� ،إ�ضاف ًة �إىل �سلبيات و�سائل الأعالم احلديث يف زمن التغريات االجتماعية. ويف اجلل�سة الأخرية للمنتدى حتدث �سعادة ال�شيخ �أحمد بن حممد بن جرب �آل ثاين م�ساعد وزير اخلارجية ل�ش�ؤون التعاون الدويل ،م�ؤكد ًا على �أن العامل يف �أم�س احلاجة حالي ًا �إىل حلول جديدة ملعاجلة امل�شكالت التي تع�صف به ،و�أن منتدى الدوحة �سي�أخذ اعتبار ًا من العام القادم منحى جديد ًا لي�صبح منرب ًا تتمخ�ض عنه مقرتحات وحلول ت�ستفيد منها الب�رشية .و�أ�ضاف �سعادته �أن التطلعات والأهداف امل�ستقبلية للمنتدى تركز على �أال يكون هذا احلدث ملتقى للتحاور والت�شاور فقط ،و�إمنا منرب ًا لأ�صحاب الفكر النري لو�ضع مقرتحات وحلول قابلة لتحويلها �إىل خطط و�سيا�سات وبرامج ت�ستفيد منها الب�رشية .كما حتدث �ستيفن �سبيغل ،مدير مركز تنمية ال�رشق الأو�سط من جامعة كاليفورنيا يف لو�س �أجنلو�س ،م�شري ًا �إىل �أن التحديات التي تواجهها منطقة ال�رشق الأو�سط والعامل ب�أ�رسه تتطلب تفكري ًا جماعي ًا من خالل مثل هذه املنتديات ،ومن �أهمها التحديات االقت�صادية امل�ستقبلية يف املنطقة �إىل جانب تطلع ال�شعوب �إىل الدميقراطية .ومن جهته اعرتف ال�سيد �شون كلريي م�ؤ�س�س عامل امل�ستقبل وامل�ست�شار لدى رئي�س منتدى دافو�س ،بوجود تق�صري من دول العامل لفهم منطقة ال�رشق الأو�سط مما �أدى �إىل ارتكاب �أخطاء يف التعامل معها ،و�أكد �أن الف�شل يف تقدمي حلول عملية و�سلمية لل�رصاع الفل�سطيني الإ�رسائيلي �سيبقي املنطقة يف حالة من عدم اال�ستقرار ،لذلك ف�إن من م�صلحة �إ�رسائيل ودول املنطقة �إيجاد حل عادل و�شامل يحقق ال�سالم. كما رافقت جل�سات املنتدى العديد من الور�ش ،التي تناولت حقوق الأقليات يف الإقليم وم�ستقبلها ،وتو�صيات امل�ؤمتر الدويل حلماية ال�صحفيني يف املناطق اخلطرة.
7 العدد الثاني -يونيو 2012
متابعات
جامعة قطر والمعهد الدبلوماسي ينظمان:
المؤتمر الطالبي األول لمحاكاة منظمة التعاون اإلسالمي في إطار التعاون بين المعهد الدبلوماسي وجامعة قطر ،جرى تنظيم المؤتمر الطالبي األول لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بعنوان «محاكاة منظمة التعاون اإلسالمي» ،خالل الفترة من 28-27أبريل .2012 وقد حضر حفل افتتاح المؤتمر سعادة الشيخة هند بنت حمد آل ثاني مدير مكتب سمو األمير ،وسعادة الدكتورة شيخة بنت عبدالله المسند رئيس جامعة قطر ،وعدد من سفراء الدول اإلسالمية المعتمدين في ً الدولة ،ونخبة من االساتذة والخبراء ،وبمشاركة طالب جامعة قطر الذين مثلوا ( )29وفدا من دول إسالمية أعضاء في منظمة التعاون اإلسالمي.
8 العدد الثاني -يونيو 2012
متابعات وهدف المؤتمر إلى ما يأتي: التأكيد على ثقافة الحوار البناء فيما يتعلق بالوحدةاإلسالمية والفهم المتبادل. تعزيز روح القيادة لدى الطلبة ،وإعطائهم الفرصةلتطوير مهاراتهم في اإللقاء والتواصل والحوار. ربط الطلبة بواقعهم ،وبالقضايا الراهنة ،بما يسهمفي توسيع مداركهم ،وتعميق فهمهم للموضوعات ذات االهتمام المشترك كالدين والثقافة والقومية.
ا�ستهلت �أعمال امل�ؤمتر بتالوة من �آيات الذكر احلكيم تالها �أحد طلبة جامعة قطر ،ثم كلمة للأ�ستاذة الدكتورة عائ�شة املناعي عميد كلية ال�رشيعة والدرا�سات الإ�سالمية� ،أ�شارت فيها �إىل �أن الكلية �أرادت �أن تن�ضم، بطالبها وطالباتها� ،إىل الركب امل�ستنري الواعي بق�ضايا �أمته ،القادر على ا�ستيعاب تلك الق�ضايا ومناق�شتها من منظور �إ�سالمي �صحيح ،ومن خالل دولة ترعى الكثري من تلك الق�ضايا ب�شتى �أ�شكالها ،وهي قطر التي �أثبتت جدارتها بر�ؤية قائدها ح�رضة �صاحب ال�سمو ال�شيخ حمد بن خليفة �آل ثاين �أمري البالد املفدى ،يف حتمله م�س�ؤولية عجز عن حملها الكثري للدفاع عن ال�شعوب وم�ساعدتها يف الو�صول �إىل بر الأمان. و�أكدت الدكتورة املناعي �أن طالب وطالبات جامعة قطر �أرادوا ،بكثري من العزمية والإ�رصار ،حماكاة منظمة التعاون الإ�سالمي ،بر�ؤيتها ور�سالتها و�أهدافها ،ومب�ساندة من �أ�ساتذة كلية ال�رشيعة ،ومن املعهد الدبلوما�سي بوزارة اخلارجية .وذكرت �أن العامل الإ�سالمي مير مبرحلة خطرية تتمثل يف الثورات على الظلم واال�ستبداد� ،إ�ضاف ًة �إىل التحديات اخلطرية ،التي تواجه الدول العربية والإ�سالمية والغرب والواليات املتحدة ،وعلى ر�أ�سها الأزمة االقت�صادية ،وتطال م�صداقية الإ�سالميني يف الو�صول �إىل احلكم ،وتطبيقهم ملبادئ ال�رشيعة ال�سمحة ،التي ترقى بالإن�سان يف تعامله مع الآخر بكل �أطيافه.
و�أ�شادت الدكتورة املناعي بالدعم الكبري الذي قدمه �سعادة الدكتور خالد بن حممد العطية وزير الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية ،الذي رحب بتقدمي امل�ساعدة الق�صوى من خالل م�شاركة املعهد الدبلوما�سي بالوزارة ،و�إ�سهامه الفاعل يف عقد امل�ؤمتر ،وال�سيما �سعادة ال�سفري الدكتور ح�سن بن �إبراهيم املهندي مدير املعهد ،الذي مل ي�أ ُل جهد ًا ،وبذل كل ما بو�سعه لإجناح اللقاء بكثري من ال�صدق والإخال�ص .وقدمت الدكتورة املناعي ال�شكر للأ�ستاذة الدكتورة �شيخة بنت عبداهلل امل�سند رئي�س اجلامعة على ت�شجيعها ودعمها لهذا امل�ؤمتر. ثم حتدث الدكتور ح�سن بن �إبراهيم املهندي مدير املعهد الدبلوما�سي، م�شري ًا �إىل �أن هذا امل�ؤمتر مهم لأن مو�ضوعه هو حماكاة عمل منظمة التعاون الإ�سالمي ،التي ت�ش ّكل ن�شاطاتها نقطة تالقي مع العمل الدبلوما�سي ،ومت ّثل �أدوارها جميع القناعات ب�أن العمل الإ�سالمي امل�شرتك يبد�أ بالتعاون ،ويجب �أن يكون حمكوم ًا باملبادئ واملعايري الأخالقية والإن�سانية .و�أ�ضاف �أن امل�ؤمتر ُيع ّد باكورة التعاون مع جامعة قطر ،واملعهد يتط ّلع �إىل ا�ستمرار التعاون وتطوره م�ستقب ًال لتحقيق الأهداف امل�شرتكة .و�أ�شار الدكتور املهندي �إىل �أنه جرى اختيار منظمة التعاون الإ�سالمي مو�ضوع ًا مل�ؤمتر هذا العام ،لكون هذه املنظمة ،التي �أن�شئت عام 1969بعد احلادث الأليم املتمثل بحرق امل�سجد الأق�صى، تُعترب ثاين �أكرب منظمة حكومية بعد الأمم املتحدة ،وبينّ �أنها ت�ضم يف ع�ضويتها ( )57دول ًة ،مي ّثل �سكانها قرابة %15من �سكان العامل . و�أو�ضح الدكتور املهندي �أن تنظيم هذا امل�ؤمتر جاء يف وقت تواجه فيه الدول الأع�ضاء يف منظمة التعاون الإ�سالمي حتدياتٍ متعددةً ،ال�سيما يف ظل الأزمة املالية ،التي تلقي بظاللها على دول العامل املتقدمة والنامية على حد �سواء ،وتعاين �أغلب �شعوب الدول الأع�ضاء يف املنظمة من الفقر والبطالة ،اللتني فاقمتهما الأزمة املالية العاملية نتيج ًة لفقدان العديد من مواطني ال�شعوب الإ�سالمية فر�ص عملهم ،وهو ما يجعل املنظمة �أمام حت ٍّد كبري مل�ساعدة الدول الإ�سالمية من �أجل تخفي�ض ن�سبة ال�سكان، الذين يقل دخلهم اليومي عن دوالر واحد �إىل الن�صف بحلول عام .2015
9 العدد الثاني -يونيو 2012
متابعات
وبينّ الدكتور املهندي �أن ال�شباب امل�سلم كان له دور فاعل يف التحوالت التي �شهدتها املنطقة خالل العام املن�رصم واحلايل ،و�أثبتوا �أنهم قوة ال ي�ستهان بها يف �إحداث التغيري ،وقادرون على �إ�سماع �صوتهم للمجتمع الدويل ،الذي وقف مذهو ًال من التحوالت التي �سيكون لها ت�أثري كبري، لي�س على م�ستقبل الأمن ال�سيا�سي واالقت�صادي لل�رشق الأو�سط ،بل على العامل ب�أ�رسه ...و�أ ّكد �سدى ،ال بد �أن يكون لهم دور فاعل يف �إكمال م�سرية التحوالت، �أن ت�ضحيات ال�شباب ،كي ال تذهب ً من خالل التع ّرف على ما ينبغي القيام به من �أجل جتنب الآثار ال�سلبية على �أو�ضاع دولهم ،ال�سيما الأمنية واالقت�صادية. ومن جانبه ث ّمن �سعادة الدكتور غيث بن مبارك الكواري وزير الأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية ،يف كلمته التي �ألقاها نياب ًة عن �سعادته ال�سيد يحيى النعيمي ،املبادرة الطيبة التي تهدف �إىل تعريف الطلبة مبا مي ّكنهم من حتقيق وعي بهويتهم الإ�سالمية الأ�صيلة ،و�أكد �أن العامل الإ�سالمي بحاجة ما�سة �إىل �شباب عارف بالآخر ،مل ٍّم بلغاته ،قادر على املناظرة واحلوار ...ومن دون ذلك لن ي�ستطيع العامل الإ�سالمي ا�ستثمار الدوائر احلليفة يف الغرب، التي تقتنع يوم ًا بعد يوم ب�أن احل�ضارة الإ�سالمية لي�ست ،كما �صورتها �أعمال بع�ض غالة امل�ست�رشقني ،ح�ضارة ٍ عنف وت�سلطٍ و�صدا ٍم ،م�شري ًا �إىل �أن التفريط يف تلك الدوائر احلليفة يف ّوت على العامل فر�ص ًا للتفاهم والت�شارك يف بناء م�ستقبل �آمن للإن�سانية. و�أعترب الدكتور الكواري �أن هذا امل�ؤمتر منا�سبة للطالب للتدريب ،وتبادل الآراء ،والتطلع �إىل الإ�سهام يف بناء الأمن الثقايف ال�شامل ،الذي يتيح للأمة الإ�سالمية فر�صة جتاوز التحديات الكثرية التي تواجهها ،ون ّوه بالقائمني على تنظيم امل�ؤمتر ،مذكر ًا الطالب والطالبات ب�أن الأمة تنتظر �أفعالهم وتفوقهم ومتيزهم ليوا�صلوا حمل لواء الإ�سالم ،الذي رفعته الأجيال قبلهم. كما حتدث يف اجلل�سة االفتتاحية للم�ؤمتر �سعادة ال�سيد نا�رص بن فهيد الهاجري ،رئي�س جمل�س �إدارة �رشكة ح�صاد الغذائية ،عن �أهداف ال�رشكة ور�سالتها ال�سامية يف حتقيق الأمن الغذائي يف 10 العدد الثاني -يونيو 2012
متابعات
قطر وخارج قطر ،م�شيد ًا بدور ال�رشكة ،وما حتققه لأهل قطر واملنطقة منذ �أربع �سنوات ،كون الغذاء ي�ش ّكل متطلب ًا �أ�سا�سي ًا ومهم ًا للجميع مثل الأمن والطاقة .و�أو�ضح �أن ال�رشكة حققت جناحات كبريةً ،وا�ستطاعت �إن�شاء بع�ض الزراعات واملنتجات و�إدخالها �إىل ال�سوق القطري .واختتم الهاجري كلمته بدعوة جميع الطلبة �إىل امل�شاركة يف م�شاريع ال�رشكة لتحقيق الأمن الغذائي جلميع املقيمني على هذه الأر�ض الطيبة. واختتمت اجلل�سة االفتتاحية للم�ؤمتر بكلمة الطالب �ألقاها الطالب عبد اهلل عزت من كلية الهند�سة نياب ًة عن زمالئه� ،أ�شار فيها �إىل �أن مثل هذه الأن�شطة والفعاليات الكبرية ،التي حتاكي املنظمات العاملية ،ت�ساعد يف بناء �شخ�صية الطالب علمي ًا وثقافي ًا و�سلوكي ًا ،كما �أنها تك�سبه خربات متنوع ًة يف جماالت احلياة العملية احلالية وامل�ستقبلية ،وجتعل منه �شاب ًا فاع ًال يف جمتمعه ،ونافع ًا لأمته ي�سري بها �صوب الطريق ال�سديد امل�ستقيم. و�أ�ضاف الطالب عزت �أن هذا امل�ؤمتر الطالبي ُيع ّد و�سيل ًة لتعزيز قدرات ال�شباب ،وتفعيل �أدوارهم ،وحثهم على القيادة ،على م�ستوى املجتمع والأمة ،مبا يخ�ص الق�ضايا التي متر بها الأمة الإ�سالمية .و�أ�شار �إىل �أن هذا امل�ؤمتر الطالبي ي�سعى �إىل حتقيق خم�سة �أبعاد :الأول ديني ُيعنى بتعزيز رابط الأخوة ،والعمل الد�ؤوب للحفاظ على املقد�سات، و�إحياء روح التعاون بني امل�سلمني ،ومنا�رصة الق�ضايا املختلفة للدول الأع�ضاء ،والثاين �أخالقي يغر�س القيم ،ويوطد العالقات ،ويربي على �آداب احلوار والنقد الهادف البناء ،والثالث بعد ثقايف ُيب�صرّ العقل وينري الذهن لي�ستفيد من خربات الآخرين ،ويتعرف على �أحوال امل�سلمني يف �شتى بقاع الأر�ض ،فيما البعد الرابع تعليمي يدرب الطالب تدريب ًا عملي ًا على القيادة وحتمل امل�س�ؤولية ،مما ُيخ ّرج كوادر م�ؤهل ًة لقيادة الأمة، ممتلك ًة القدرة على الت�أثري والتفاعل الإيجابي يف املجتمعات الإ�سالمية بتوازن فكري ور�أي �سديد� ،أما البعد اخلام�س فهو بعد حواري ُيحيي روح التناف�س ،ويرثي النقا�ش بفكر �صائب وخُ لق �إ�سالمي رفيع. وقُدم بعد جل�سة االفتتاح ،على مدار يومني ،عدد من االوراق ملجموعة من الطالب متحورت حول دول املنظمة ،وناق�شت عدد ًا من الق�ضايا ،على ر�أ�سها ق�ضية الأمن الغذائي والتغريات املناخية ،والتغريات ال�سيا�سية يف العاملني العربي والإ�سالمي. 11 العدد الثاني -يونيو 2012
متابعات
الدفعة األولى من موظفي وزارة الخارجية الملتحقين بالمعهد الدبلوماسي ينهون برنامج تدريبي حول الدبلوماسية التركية باسطنبول في إطار تنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة بين وزارة الخارجية بدولة قطر ،واألكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية التركية ،والتي تهدف إلى تعزيز التعاون في مجاالت التدريب في العمل الدبلوماسي ،وتبادل المعلومات ذات الصلة بالقانون الدولي والشؤون الدبلوماسية والتخصصات األكاديمية األخرى ذات العالقة ً بممارسة الدبلوماسية والعالقات الدولية ،شارك ( )27متدربا من المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية في برنامج تدريبي نظمه كل من مدرسة الحكومة والقيادة ،ومركز دراسات الحضارات بجامعة باهشا شاهير بمدينة اسطنبول التركية خالل الفترة من 28 -23مايو .2012
12 العدد الثاني -يونيو 2012
متابعات
ا�ستهل الربنامج بحفل ا�ستقبال نظمته اجلامعةُ ،ق ّدم فيه عر�ض حول الربامج والتخ�ص�صات العلمية التي تدر�س فيها ،كما قدم مدير مدر�سة احلوكمة والقيادة عر�ض ًا تناول فيه برنامج الدرا�سات العليا ،ثم حتدث مدير مركز درا�سات احل�ضارة عن الربنامج التدريبي مرحب ًا باملتدربني. وتلقى املتدربون طيلة �أربعة �أيام حما�رضات متخ�ص�صة �ألقاها عدد من الأكادمييني العاملني باجلامعات الرتكية املتخ�ص�صني يف خمتلف جماالت العلوم ال�سيا�سية ،تناولت النظام ال�سيا�سي يف تركيا ،التعاون والأمن الدويل ،ت�أثري العالقات الرتكية الأمريكية على ال�رشق الأو�سط، عالقات تركيا باالحتاد الأوربي ،عمليات تكامل االقت�صاد الرتكي مع ال�رشق الأو�سط ،عالقات العامل العربي مع تركيا ،وت�أثريات الربيع العربي على ال�سيا�سة اخلارجية الرتكية. وعقب انتهاء الربنامج التدريبي ن ُّظمت زيارات للم�شاركني يف الربنامج �إىل بع�ض امل�ؤ�س�سات الثقافية واملعامل التاريخية ملدينة ا�سطنبول� ،شملت زيارة مركز البحوث للتاريخ والفنون والثقافة الإ�سالمية التابع ملنظمة التعاون الإ�سالمي ،حيث قدم مدير املركز عر�ض ًا حول �أهم ن�شاطات وبرامج املركز ،وكذلك مكتبة املركز التي ت�ضم الأر�شيف العثماين .كما زار امل�شاركون �أهم املتاحف القدمية وامل�ساجد والق�صور العثمانية. وجرى يف اختتام الربنامج التدريبي تنظيم حفل ع�شاء �أقامه القن�صل العام لدولة قطر با�سطنبول ،بح�ضور ممثل عن جمل�س الوزراء ووزارة اخلارجية الرتكية ،ورئي�س جمل�س �أمناء جامعة باه�شا �شاهري� ،إ�ضاف ًة �إىل العديد من التدري�سيني والأكادمييني الأتراك ،و ُوزعت خالله ال�شهادات على امل�شاركني يف الربنامج ،وجرى تبادل الهدايا مع اجلانب الرتكي. كما زار امل�شاركون يف الربنامج وزارة اخلارجية الرتكية ب�أنقرة ،وتلقوا حما�رضات متخ�ص�صة حول ال�سيا�سة اخلارجية ،و�أنظمة احلكم ،والقانون الدويل والأعراف الدبلوما�سية والقواعد الربوتوكولية ،وكذلك زاروا الأكادميية الدبلوما�سية والربملان الرتكي وبع�ض املعامل التاريخية املعروفة ب�أنقرة .و�أقام �سعادة عبد الرزاق �آل عبد الغني �سفري دولة قطر لدى تركيا حفل ا�ستقبال للم�شاركني يف الربنامج. 13 العدد الثاني -يونيو 2012
ندوات
عريقات ..يحاضر حول
التغييرات في الوطن العربي طالب الدكتور صائب عريقات ،عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ،رئيس الوفد الفلسطيني لمفاوضات الوضع النهائي ،الواليات المتحدة األمريكية بضرورة إيجاد آليات عمل لتنفيذ ً العهود التي قطعها الرئيس باراك أوباما فيما يتعلق بعملية السالم في الشرق األوسط ،مشددا على ضرورة وضوح السياسة األمريكية تجاه إسرائيل.
14 العدد الثاني -يونيو 2012
ندوات
وقال عريقات ،يف ندوة نظمها املعهد الدبلوما�سي يف 20مار�س املا�ضي بعنوان «التغيريات يف العامل العربي و�آثارها على الواليات املتحدة والغرب وفل�سطني و�إ�رسائيل»« :املطلوب من وا�شنطن �أن تُلزِم رئي�س الوزراء الإ�رسائيلي بنيامني نتنياهو بالرتاجع �إىل حدود ،1967 و�رضورة ربط ال�سالم بالدميقراطية يف املنطقة ال�ستحالة الف�صل بينهما». و�أ�ضاف عريقات�« :إذا قام كل طرف مبا يجب عليه عندها ميكن �أن تكون هناك بداية متوا�ضعة لتحديد العالقات الغربية -العربية� ،رشيطة �أ ّال تتعامل وا�شنطن مع �إ�رسائيل على �أنها دولة فوق القانون». واعترب عريقات ما يحدث بالعامل العربي هو الأبرز منذ �ألف عام ،لكنه لي�س التجربة الأوىل للدميقراطية بال�رشق الأو�سط ..م�ستذكر ًا يف هذا ال�صدد جتربة رئي�س الوزراء الإيراين الأ�سبق حممد م�صدق عام ،1951 حني ح�صلت حكومته على ثقة الربملان ،وكان �أول عمل قام به �إلغاء امتياز �رشكة البرتول الأجنلو� -إيرانية ،الذي كان من املفرت�ض �أن ي�ستمر حتى عام ،1993حيث �صادرت احلكومة كافة ممتلكات ال�رشكة ،وهو ما دفع فيما بعد احلكومتني الأمريكية والربيطانية لإ�سقاطه عام ،1953حيث �أطاح اجلرنال زاهدي بحكومة م�صدق ،و�أ�صدر �شاه �إيران قرار �إقالته، واعتقل وحوكم بتهمه اخليانة العظمى ،وحكمت عليه حمكمة ع�سكرية بالإعدام ،والحق ًا جرى تخفيف العقوبة �إىل ثالث �سنوات ،ثم ُو�ضع رهن الإقامة اجلربية حتى وفاته عام .1968 و�أ�شار عريقات �إىل �أن م�صدق علق على �إ�سقاطه بالقول�« :أعظم ذنب اقرتفته هو ت�أميم �رشكة برتول �إيران ،وحماولة �إ�سقاط نظام ا�ستغالل اقت�صادي و�سيا�سي ،كر�سته الإمرباطورية العظمى القمعية ،نظام امل�ؤامرات واال�ستعمار� ..إين �أعلمكم �أن م�صريي �سيكون عربة تدر�س يف امل�ستقبل ملنطقة ال�رشق الأو�سط ،لكل من يحاول ك�رس العبودية وخدمة امل�صالح اال�ستعمارية» .كما ا�ست�شهد بطريقة تعامل الغرب مع الرئي�س العراقي الراحل �صدام ح�سني ،فقد اعتربه ديكتاتور ًا جيد ًا عندما حارب �إيران ،لكنه حتول �إىل عدو بعدما غزا الكويت ،والأمر نف�سه بالن�سبة للعقيد الليبي معمر القذايف ،الذي ق ّبل الغرب يديه من �أجل ا�ستثمارات اقت�صادية،
وبعدما ح�صلوا على غر�ضهم هاجموه وقتلوه ،ثم الرئي�س الفل�سطيني يا�رس عرفات ،الذي دخل البيت الأبي�ض 21مرة ،ثم قتلوه بعدما حا�رصوه. وقال عريقات �إن احلركة التغيريية يف العامل العربي لي�ست حركة �أفراد هبوا من �أجل تغيري و�ضعيتهم ومعي�شتهم ،بل حركة تغيري حلاكم فقد �رشعيته ،ومن ث ّم وجب نزعه .وبينّ �أن الغرب يف تعاطيه مع ال�رشق الأو�سط حدد منذ البداية ثالثة حماور تتمثل يف مواجهة ال�شيوعية ،و�ضمان تدفق النفط ،واحلفاظ على �أمن �إ�رسائيل ..م�شري ًا �إىل �أنه واكب معظم ما ُكتب بعد الربيع العربي لدى امل�ؤ�س�سات البحثية واال�سرتاتيجية بالغرب ،وخلُ�ص �إىل �أن الغرب ال ي�س�أل �إ ّال عن االتفاقيات التي وقعت مع �إ�رسائيل ،وال ي�س�أل عن الو�سائل الكفيلة بدعم الدميقراطية واحلريات باملنطقة. و�أ�ضاف عريقات �أن الغرب يرى �أن العوامل التي �أدت �إىل �سقوط الرئي�س امل�رصي املخلوع ح�سني مبارك موجودة يف كل مكان باملنطقة، ومن ث ّم على �أمريكا �أن تعزز احلليف الوحيد يف املنطقة وهو �إ�رسائيل. كما طالب احلكومات ،التي ت�شكلت يف عدد من الدول بعد الربيع العربي، �أن ت�ؤكد ملواطنيها �أنها ملتزمة بالقوانني الدولية حلقوق الإن�سان ،وال حاجة لدرو�س من �أحد ،والتنبيه �إىل �أن بع�ض ما يحدث بالعامل العربي يجب �أ ّال يكون مقدم ًة للفو�ضى ،لأنه يجب عدم ال�سماح بن�شوء �أنظمة يف ظلها. وبينّ عريقات �أن ما يحدث باملنطقة العربية من �سقوط لأنظمة، وحماوالت بناء �أنظمة جديدة لي�س املرة الأوىل التي يحدث فيها هذا يف العامل ،لأن الغرب م ّر ب�أكرث من هذا ،مثلما حدث عام 1848حني ا�ضطر امل�ست�شار النم�ساوي كليمنز مرتنينخ �إىل الهروب من فيينا عندما حا�رصه املتظاهرون ،وبعدها انهارت �أنظمة يف فرن�سا و�إيطاليا و�أملانيا ،وتكررت ظاهرة املتظاهرين الغا�ضبني ،وفرحتهم بهروب الأمراء وامللوك من ق�صورهم يف �أوروبا املنهكة اقت�صادي ًا ،واملبعرثة �سيا�سي ًا ،واملنق�سمة اجتماعي ًا ،وهو الأمر الذي ح�صل لزين العابدين بن علي وح�سني مبارك ومعمر القذايف ،الذي ي�شبه م�صريه ما حدث للوي�س ال�ساد�س ع�رش عام 1793عندما انتهى �إىل املق�صلة. 15 العدد الثاني -يونيو 2012
ندوات استحالة تكريس الديمقراطية بمعزل عن حل القضية الفلسطينية
و�أكد عريقات �أن على العرب �أخذ الدرو�س والعرب من جتارب الآخرين، ففي نهاية املطاف كان زرع بذور الدميقراطية املقدمة الأوىل للنمو االقت�صادي ،والتطور التعليمي واالجتماعي ،وخلق البيئة املنا�سبة لال�ستثمار .ودعا الأحزاب العربية الرابحة يف االنتخابات واحلكومات العربية الربملانية �إىل زراعة بذور الدميقراطية ،والبدء يف بناء الهياكل االقت�صادية القادرة على توفري حاجات ال�شعوب ،وحت�سني ظروفها املعي�شية ،واملبادرة ب�صياغة الد�ساتري التي حتدد احلقوق والواجبات، وت�ضمن م�شاركة املواطن يف احلكم ،واحلريات ،وامل�ساءلة ،واملكا�شفة، واملحا�سبة ،وحقوق الإن�سان واملر�أة ،وتداول ال�سلطة دميقراطي ًا. وقال :لقد �أكدت التجارب الدميقراطية العربية املحدودة ال�سابقة يف فل�سطني ولبنان �أنه من امل�ستحيل ا�ستتباب الدميقراطية ،وتكري�سها ك�أ�سا�س للحياة ال�سيا�سية مبعزل عن حل الق�ضية الفل�سطينية من كافة جوانبها. البترولوالديمقراطية
وت�ساءل عريقات هل ميكن للدول الغربية �أن حتافظ على م�صاحلها يف منطقة ال�رشق االو�سط ،و�أن تدعم يف الوقت نف�سه الدميقراطية ،و�أجاب ا�ستناد ًا �إىل ت�رصيحات الرئي�س الأمريكي �أوباما �أثناء حملته االنتخابية، الذي قال «�إن حقوق الإن�سان والأمن القومي لي�سا �أمرين متعار�ضني ،بل يكمل بع�ضهما بع�ض ًا». وا�ست�شهد عريقات ب�سل�سلة من الآراء املتباينة حول هذه امل�س�ألة، فهناك من يرى �أن املهم احلفاظ على امل�صالح دون التدخل فيما يريده العرب ،وفيما ال يريدونه ،وهناك من دعا �إىل تبني الدميقراطية يف العامل العربي ،والتعلم من درو�س املا�ضي. وحول م�صالح الواليات املتحدة والغرب يف املنطقة ،قدم عريقات �أرقام ًا �إح�صائي ًة بينت �أن الدول العربية و�إيران متتلك %35من الإنتاج العاملي للبرتول دون الغاز الطبيعي .وقال �إن اخلطر احلقيقي الذي يهدد �إمدادات النفط قد ال يتمثل يف اندالع �أزمات داخلية يف البلدان املنتجة للنفط ،فاخلطر احلقيقي هو اندالع حرب �إقليمية ينزلق �إليها �أكرث من طرف .ليعود من جديد �إىل الت�أكيد على �أن حتقيق ال�سالم يف منطقة
16 العدد الثاني -يونيو 2012
ال�رشق االو�سط ،و�إنهاء االحتالل الإ�رسائيلي ،و�إقامة الدولة الفل�سطينية امل�ستقلة ،وتنفيذ خريطة الطريق ،واملبادرة العربية لل�سالم يعترب الركن الرئي�سي يف ا�سرتاتيجية ا�ستقرار املنطقة ،كما �أن الركيزة الأخرى ،التي ال تقل �أهمي ًة تتكامل مع ال�سالم ،تتم ّثل يف الإ�صالح والدميقراطية يف البلدان العربية كلها و�إيران من دون ا�ستثناء. بدء حوار
كما ر�أى عريقات �أن على الواليات املتحدة الأمريكية ،وباقي الدول الغربية البدء بحوار جدي مع جميع الدول العربية من �أجل حتقيق الإ�صالح والدميقراطية ،و�إر�ساء البنى التحتية القت�صاديات قادرة على تلبية احتياجات املجتمعات ،وحتديد ًا يف جمال ا�ستيعاب الأجيال ال�شابة يف �أ�سواق العمل ،وحماربة الف�ساد من خالل امل�ساءلة واملحا�سبة ،وو�ضع امل�صالح العامة فوق امل�صالح اخلا�صة للأفراد والنخب احلاكمة. ودعا عريقات �إىل �رضورة اال�ستثمار يف بناء تركيبة اقت�صادية قوية يف م�رص وتون�س وليبيا واليمن و�سوريا والأردن واملغرب ،م�شري ًا �إىل �أن م�رص وليبيا و�سوريا وتون�س واليمن خ�رست خالل الأ�شهر الت�سعة الأوىل من عام 2011نحو 56بليون دوالر.
ندوات
وخل�ص عريقات �إىل القول �إن التهديد احلقيقي للم�صالح الأمريكية والغربية يف منطقة ال�رشق االو�سط يتمثل يف غياب الدميقراطية وال�سالم، و�إن على حلفاء الغرب يف منطقة ال�رشق الأو�سط من العرب الدخول، من دون تردد �أو �إبطاء ،يف طريق الإ�صالح والدميقراطية ،وعلى حليف �إ�رسائيل �أن يتخذ قرار ًا ا�سرتاتيجي ًا ب�صناعة ال�سالم ،و�إنهاء االحتالل. وحول ت�أثري التغيريات يف العامل العربي فل�سطيني ًا ،حتدث عريقات عن امل�صاحلة الفل�سطينية ،حيث جتلت �أحداث العامل العربي بتوقيع اتفاق امل�صاحلة يف القاهرة يف �شهر مايو العام املا�ضي ،واتفاق الدوحة بني فتح وحما�س قبل �شهور ،معرتف ًا بخط�أ االنق�سام الفل�سطيني وخطورته ،و�أنه ال وجدتا لتحرير فل�سطني ،و�إن على م�س ّوغ ال�ستمراره .وقال �إن فتح وحما�س ِ ال�شعب الفل�سطيني العمل من �أجل �إعادة فل�سطني �إىل خريطة اجلغرافيا. وحول ت�أثري التغيريات يف العامل العربي على «�إ�رسائيل» ،قال عريقات �إن �إ�رسائيل متار�س �سيا�سة االنتظار ،وا�ستخدام الربيع العربي لعدم االنخراط يف عملية ال�سالم ،مع ا�ستغالل ذلك لتكثيف اال�ستيطان ،وفر�ض احلقائق على الأر�ض ،ال�سيما فيما يتعلق مبدينة القد�س املحتلة وما حولها. وقال د .عريقات� :إننا �إذا حتدثنا عن ا�سرتاتيجية �إ�رسائيلية يف هذا الو�ضع، ف�إنه البد من القول �إن هدف �إ�رسائيل هو ف�صل ال�ضفة ،ودفع م�س�ؤولية قطاع غزة �إىل احلكومة امل�رصية ،وذلك لإف�شال امل�رشوع الفل�سطيني. و�أ�شار عريقات �إىل �أنه بعد �أن تغريت قواعد اللعبة ،ف�إنه مطلوب من الواليات املتحدة الأمريكية �إيجاد �آليات عمل لتنفيذ العهود التي قطعها �أوباما ..و�ش ّدد على �رضورة و�ضوح ال�سيا�سة الأمريكية جتاه �إ�رسائيل على �أن حت ّدد لرئي�س الوزراء الإ�رسائيلي ماذا يجب �أن يعمل. وبعد انتهاء املحا�رضة فُتح باب النقا�ش ،حيث �أعرب ال�سفري العراقي د .جواد الهنداوي عن خماوفه من م�صادرة التغيريات الإيجابية التي حدثت يف العامل العربي ،وقال �إن هذه التغيريات يجب �أن تقودنا �إىل تغيريات يف العقل ال�سيا�سي العربي ،ويف ال�سلوكيات العربية ،وتر�سيخ ثقافة الدولة .كما �أعرب عن �أمله يف �أن تحُ دِث هذه التغيريات حتو ًال يف ا�سرتاتيجية الواليات املتحدة جتاه الدول العربية ،وعلى الأخ�ص الق�ضية الفل�سطينية .وت�ساءل د .يحيى الأغا ،امل�ست�شار الثقايف ب�سفارة فل�سطني،
عما �إذا كانت التحوالت التي حدثت يف العامل العربي �ستحدث تنازالت يف الق�ضايا التي كانت القيادة الفل�سطينية قد طرحتها ،كما ت�ساءل عما �إذا كانت ثمة �ضغوط على الرئي�س الفل�سطيني ال�سيد حممود عبا�س .فيما �أ�شار �سفري �سلطنة عمان ،ال�سيد حممد بن نا�رص الوهيبي� ،إىل �أنه من املبكر �أن نحكم على املتغريات يف العامل العربي ،كما �أنه من املبكر �أن نعطيها �صف ًة ما لأن الثورات يف مراحلها الأوىل. المهم المصلحة العربية
وتعليق ًا على هذه الآراء ،قال د .عريقات �إنه من خالل هذه التغيريات البد �أن ننظر �إىل م�صلحتنا ،و�أ�ضاف «�أننا يف حال احتالل مل ن�صل �إىل مفهوم الدولة ،و�أن �أي �شخ�ص يعطي �صف ًة للقد�س يف ظل االحتالل يكون غري مو�ضوعي ،وقدرنا �أن ن�صرب ونبني م�ؤ�س�ساتنا ،وعجلة التاريخ لن تتوقف ،والتغيريات لن تتوقف». و�أكد عريقات �أننا ال ميكن �أن نقف جتاه التغيريات التي حدثت مكتويف الأيدي ،وال ميكن �أن نقول �إنه لي�س من املبكر احلديث عن حتوالت، م�شري ًا �إىل �أن هذه التحوالت ت�ستفيد منها الق�ضية الفل�سطينية.
17 العدد الثاني -يونيو 2012
شخصيات
الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
ولد الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ،رحمه الله ،عام ،1906وهو االبن الثالث من الذكور للملك عبد العزيز .تربى في بيت ّ جديه ألمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ التميمي وهيا بنت عبد الرحمن آل مقبل التميمي ،وتلقى على يديهما العلم بعد وفاة والدته وهو في عمر الستة شهور ،وأدخله والده الملك عبد العزيز في السياسة في سن مبكر ،حيث أرسله في زيارات للمملكة المتحدة وفرنسا مع نهاية الحرب العالمية األولى ،وكان عمره حينها 13سنة ،كما رأس وفد المملكة إلى مؤتمر لندن عام 1939حول القضية الفلسطينية والمعروف بمؤتمر المائدة المستديرة. ً على المستوى المحلي قاد القوات السعودية لتهدئه الوضع المتوتر في عسير عام ،1922وفي عام 1925قاد جيشا إلى ً ُ منطقة الحجاز ،واستطاع تحقيق النصر والسيطرة عليها ،وفي عام 1926عينه والده فيها نائبا عنه ،كما عين في عام 1927 ً ً ً ً ُ رئيسا لمجلس الشورى ،وفي عام 1932عين وزيرا للخارجية ،إضافة إلى كونه رئيسا لمجلس الشورى ،وشارك في عام 1934 في الحرب السعودية اليمنية.
18 العدد الثاني -يونيو 2012
شخصيات يف �أثناء توليه وزارة اخلارجية طلب من امللك عبد العزيز قطع العالقات الدبلوما�سية مع الواليات املتحدة ،وذلك بعد قرار الأمم املتحدة القا�ضي بتق�سيم فل�سطني �إىل دولتني ،لكن امللك مل ي�ستجب لطلبه ،ويف � 9أكتوبر � 1953أ�صدر امللك عبد العزيز �أمر ًا بتعيينه نائب ًا �أول لرئي�س جمل�س الوزراء ،مع احتفاظه مبن�صب وزير اخلارجية ،وذلك بعد تعيني الأمري �سعود رئي�س ًا للوزراء. بعد وفاة والده ،وتتويج �أخيه �سعود ملك ًا ،عينه ولي ًا للعهد ونائب ًا �أول لرئي�س جمل�س الوزراء ووزير ًا للخارجية ،فيما �ألغى من�صبني له هما نائب امللك يف احلجاز ،ورئي�س جمل�س ال�شورى ،ويف عام 1954 �أر�سله امللك �سعود �إىل بع�ض الدول يف زيارات ر�سمية نياب ًة عنه ،ويف عام 1957وقعت الأزمة املالية ال�سعودية ،وكان قبلها قد �سلمه امللك �سعود بع�ض مهماته ،حيث �أ�صبح م�سئو ًال عن املال وخزينة الدولة والأو�ضاع اخلارجية للبالد ،ويف عام 1958مل ي�ستطع حل تلك الأزمة ب�سبب النفط و�أوامر امللك ،ف�أ�صبحت الدولة تقرت�ض املال من الدول الغربية و�رشكة �أرامكو .و�إ�ضاف ًة �إىل كونه نائب ًا لرئي�س الوزراء عينه امللك �سعود وزير ًا للمالية ووزير ًا للداخلية ،ويف عام 1960حدثت توترات �شديدة بينه وبني امللك �سعود ا�ستمرت حتى نهاية حكم امللك ،فقرر �إلغاء من�صبيه الوزاريني و�إبقائه نائب ًا لرئي�س الوزراء فقط ،لكن امللك ،رغم ا�ستمرار خالفاته معه ،عينه عام 1962رئي�س ًا للوزراء ووزير ًا للخارجية.
عانى امللك �سعود يف �سنوات حكمة الأخرية من �أمرا�ض عديدة منها �آالم املفا�صل وارتفاع �ضغط الدم ،مما ا�ضطره �إىل العالج يف اخلارج .وقد �أدى ا�شتداد تلك الأمرا�ض عليه �إىل عدم قدرته على القيام ب�أعمال احلكم، كما ات�سعت اخلالفات بينه وبني الأمري في�صل خالل تلك الفرتة ،وب�سبب ذلك اجتمع العلماء والأمراء يف 29مار�س ،1964ف�أ�صدروا فتوى تن�ص على بقاء امللك �سعود مل ًكا على �أن يقوم الأمري في�صل بت�رصيف جميع �أمور اململكة الداخلية واخلارجية بوجود امللك يف البالد �أو غيابه عنها (نائب ًا للملك) .وبعد �صدور هذا القرار تو�سع اخلالف بينه وبني �أخيه امللك ،الذي ازداد عليه املر�ض ،ولكل تلك الأ�سباب اتفق �أهل احلل والعقد من �أبناء الأ�رسة املالكة على �أن احلل الوحيد لهذه امل�سائل هو خلع امللك �سعود من احلكم وتن�صيب امللك في�صل مل ًكا ،و�أر�سلوا قرارهم �إىل علماء الدين لأخذ وجهة نظرهم من الناحية ال�رشعية ،فاجتمع العلماء لبحث هذا الأمر ،وقرروا ت�شكيل وفد ملقابله امللك �سعود و�إقناعه بالتنازل عن احلكم ،و�أبلغوه ب�أن قرارهم قد اتخذ ،و�أنهم �سيوقعون على قرار خلعه من احلكم ،و�أن من الأ�صلح له �أن يتنازل� ،إال �إنه رف�ض ذلك.
ويف 1نوفمرب 1964اجتمع علماء الدين والق�ضاة ،و�أعلن مفتي اململكة حممد بن �إبراهيم �آل ال�شيخ �أنه مت خلع امللك �سعود بن عبد العزيز �آل �سعود من احلكم ،و �ستتم مبايعة الأمري في�صل مل ًكا ،ويف يوم 2نوفمرب 1964بويع الأمري في�صل مل ًكا. ازدهرت يف عهد امللك في�صل ال�سيا�سة الداخلية للمملكة يف املجاالت االقت�صادية والزراعية وال�صحية واملوا�صالت ،كما قام بو�ضع اخلطة اخلم�سية عام1970م. على �صعيد ال�سيا�سة اخلارجية �أهتم بالق�ضية الفل�سطينية ،و�شارك يف الدفاع عن حقوق فل�سطني يف املحافل العاملية ،وظهر ذلك جلي ًا عندما خطب يف عام 1963على منرب الأمم املتحدة ،مذ ِّكر ًا العامل ب�أن ال�شيء الوحيد الذي بدد ال�سالم يف املنطقة العربية هو امل�شكلة الفل�سطينية منذ قرار الأمم املتحدة بتق�سيم فل�سطني .ومن �سيا�سته التي اتبعها حول هذه الق�ضية عدم االعرتاف ب�إ�رسائيل ،وتوحيد اجلهود العربية ،وترك اخلالفات بد ًال من فتح جبهات جانبية ت�ستنفذ اجلهود والأموال والدماء، و�إن�شاء هيئة متثل الفل�سطينيني ،و�إ�رشاك امل�سلمني يف الدفاع عن الق�ضية. وعلى الرغم من اخلالفات بينه وبني الرئي�س امل�رصي جمال عبد النا�رص ،فقد تعهد ،بعد حرب ،1967وعقد م�ؤمتر القمة العربية يف اخلرطوم ،بتقدمي معونات مالية �سنوية حتى تزول �آثار احلرب على م�رص ،كما قرر مع عدة دول عربية قطع النفط يف �أثناء حرب �أكتوبر عام ،1973وعمل على حل اخلالف بني ال�سعودية وم�رص حول الق�ضية اليمنية. �أما على �صعيد ال�سيا�سة اخلارجية ،فقد عمل على تنمية عالقات ال�سعودية مع فرن�سا، خ�صو�ص ًا بعد توجه احلكومة الفرن�سية �إىل الوقوف �إىل جانب العرب �ضد �إ�رسائيل .كما �شهد عهده عودة العالقات ال�سعودية مع اململكة املتحدة ،التي قُطعت بعد العدوان الثالثي على م�رص عام ،1956وذلك �إثر زيارته لها يف يونيو عام ،1967وقد بد�أت العالقات بالعودة تدريجي ًا ابتدا ًء من عام ،1963 كما زار يف مايو عام 1966الواليات املتحدة بدعوة ر�سمية من الرئي�س الأمريكي ريت�شارد نيك�سون ،وقد تظاهر اليهود �ضد تلك الزيارة .وكان يرف�ض �إقامة �أي عالقه �أو متثيل �سيا�سي مع الدول ال�شيوعية لئال يظهر يف ال�سعودية �أي مبد�أ يعار�ض ال�رشيعة الإ�سالمية. انتهى عهد حكم امللك في�صل ،رحمه اهلل ،يوم الثالثاء 25مار�س ،1975عندما �أطلق عليه النار الأمري في�صل بن م�ساعد بن عبد العزيز �آل �سعود (ابن �أخيه) ،وهو ي�ستقبل وزير النفط الكويتي عبد املطلب الكاظمي يف مكتبة بالديوان امللكي ،و�أرداه قتي ًال ،حيث اخرتقت �إحدى الر�صا�صات الوريد ،فكانت ال�سبب الرئي�سي لوفاته ،ومل يت�أكد حتى الآن الدافع احلقيقي وراء اغتياله ،لكن ثمة من يزعم �أن ذلك حدث بتحري�ض من الواليات املتحدة وبريطانيا ب�سبب ال�سيا�سة النفطية التي انتهجتها اململكة العربية ال�سعودية يف عهده خالل حرب �أكتوبر 1973وما بعدها. 19 العدد الثاني -يونيو 2012
أضواء
أضواء على منظمة..
برنامج األمم المتحدة اإلنمائي
()UNDP
ُ تأسس برنامج األمم المتحدة اإلنمائي عام ،1965وهو تابع لألمم المتحدة ،ويعد أكبر مصدر عالمي ً جماعي للمنح الموجهة لتطوير القوى البشرية ،ويمتلك شبكة تتكون من 132مكتبا في جميع أنحاء العالم ،ويتعامل مع 174دولة ،ويتمركز %85من موظفي الشبكة في الدول النامية ،وهي تعمل على تنسيق الجهود العالمية والوطنية للوصول إلى تحقيق األهداف اإلنمائية لأللفية بحلول عام ،2015كما تعمل على تطوير القدرات المحلية التي تعتمد على موظفي برنامج األمم المتحدة اإلنمائي وشريحة واسعة من الشركاء.
20 العدد الثاني -يونيو 2012
أضواء ً يضع المجلس التنفيذي لبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي ،المؤلف من 36بلدا، السياسات ،ويقر البرنامج ويحدد توزيع الموارد ،وللبرنامج ممثلون مقيمون في 128دولة نامية ينسقون جميع عمليات األمم المتحدة .ويسعى البرنامج إلى تحقيق األهداف اآلتية: ً ً ً /1المساعدة على جعل األمم المتحدة قوة فاعلة ومتماسكة تحقق التنمية البشرية المستدامة. /2تعبئة الموارد المتاحة للبرنامج لتحقيق سلسلة من األهداف التي ترتبط بتطوير التنمية البشرية ،والقضاء على الفقر ،والحفاظ على البيئة ،وإيجاد فرص العمل ،والسعي إلى النهوض بالمرأة. /3تقوية التعاون الدولي لتحقيق التنمية البشرية المستدامة. حدد برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ( )UNDPأهدافه ،المتمثلة في اإلسراع في التقدم الشامل في التنمية البشرية ،في «المخطط االستراتيجي من العام 2008 حتى العام ، »2011الذي صادقت عليه الدول األعضاء في المجلس التنفيذي التابع للبرنامج في العام ،2007والتي جرى فيها التركيز على المجاالت التنموية األربعة اآلتية:
/1إدارة الحكم الديمقراطي: تعزيز المشاركة الشاملة. تقوية المؤسسات الحاكمة المستجيبة. -وتعزيز ممارسات الحكم الناشئة عن مبادئ دولية.
/2الحد من الفقر ودعم األهداف اإلنمائية لأللفية: تعزيز النمو الشامل. المساواة بين الجنسين تحقيق األهداف اإلنمائية لأللفية. تعزيز العولمة الشاملة. -التخفيف من تأثير فيروس نقص المناعة البشرية (اإليدز) على التنمية البشرية.
/3البيئة والتنمية المستدامة: توجيه البيئة والطاقة. توجيه التمويل المتعلق بالبيئة. تعزيز تكييف التغيرات المناخية. -تطوير قدرة محلية على إدارة البيئة ،وتوسيع مدى النفاذ إلى خدمة توزيع الطاقة.
/4منع األزمات والنهوض: تعزيز القدرات على إدارة مخاطر النزاعات والكوارث. تقوية وظائف الحكم ما بعد النزاعات. ترميم المؤسسات المعنية بالتنمية على المستوى المحلي .يركز تقرير التنمية البشرية السنوي ،بتفويض من برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ،على قضايا التنمية العالمية ،وتوفير أدوات قياس وتحليل مبتكرة، ً واقتراح سياسات عامة تكون في كثير من األحيان مثيرة للجدل .كما يدعم برنامج األمم المتحدة اإلنمائي جميع تقارير التنمية البشرية اإلقليمية والقطرية وحتى المحلية المبنية على إطار تحليلي.
21 العدد الثاني -يونيو 2012
أضواء من المعروف أن البرنامج اإلنمائي لألمم المتحدة قد دأب منذ عام 1990على إصدار تقرير سنوي عن أوضاع التنمية البشرية على الصعيد العالمي ،وهو تقرير مستقل يستند إلى تحاليل تجريبية تتناول القضايا واالتجاهات والتطورات والسياسات اإلنمائية ،ويقوم على ترتيب الدول ،وفق مقياس دليل التنمية البشرية ،Human Development Indexإلى ً دول تتمتع بتنمية بشرية مرتفعة جدا ،ودول تتمتع بتنمية بشرية مرتفعة ،ودول تتمتع بتنمية بشرية متوسطة ،ودول تتمتع بتنمية بشرية منخفضة .وعلى مدار عقدين من الزمن غطى التقرير مواضيع متنوعة تمثلت باآلتي: السنة
موضوع التقرير
1990
مفهوم التنمية البشرية وقياسها
1991
تمويل التنمية البشرية
1992
األبعاد العالمية للتنمية البشرية
1993
المشاركة الشعبية
1994
أبعاد جديدة لألمن البشري
1995
النوع االجتماعي والتنمية البشرية
1996
النمو االقتصادي والتنمية البشرية
1997
التنمية البشرية والقضاء على الفقر
1998
االستهالك من أجل التنمية البشرية
1999
العولمة ذات الوجه اإلنساني
2000
حقوق اإلنسان والتنمية البشرية
2001
توظيف التقنية الحديثة لخدمة التنمية البشرية
2002
تعميق الديمقراطية في عالم مفتت
2003
أهداف التنمية لأللفية :تعاهد بين األمم إلنهاء الفاقة
2004
الحرية الثقافية في عالمنا المتنوع
2005
التعاون الدولي على مفترق طرق :المعونة والتجارة واألمن في عالم غير متساو
2006
ما هو أبعد من الندرة :القوة والفقر وأزمة المياه العالمية
2008/2007
محاربة تغير المناخ :التضامن اإلنساني في عالم منقسم
2009
التغلب على الحواجز :قابلية التنقل البشري والتنمية
2010
الثروة الحقيقية لألمم :مسارات إلى التنمية البشرية
2011
االستدامة واإلنصاف :مستقبل أفضل للجميع
وسيتمحور عمل برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ( )UNDPحول هذه القضايا بشكل مستمر بهدف تعزيز دوره التشغيلي ،وتأمين الدعم التقني والسياسات للبلدان التي يشملها البرنامج من خالل العمل على التحديات المتعددة القطاعات والدفاع عنها ،والمتمثلة في ً الحد من الفقر والحكم الرشيد ومنع األزمات والنهوض والبيئة والتنمية المستدامة ،إضافة إلى أنه سيعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين ،وتمكين المرأة ومساعدة البلدان التي ً ً يغطيها البرنامج على تقوية قدراتها الخاصة لتصميم استراتيجيات تنمية تعكس ظروفا وطنية ً ً ً ً معينة وأهدافا وطنية وتحقيقها ،ضمن إطار األهداف اإلنمائية لأللفية المتفق عليها دوليا. أما فيما يتعلق بعالقة دولة قطر ببرنامج األمم المتحدة اإلنمائي ،فقد جرى افتتاح مكتب للبرنامج بالدوحة عام ،1976واستمر في ممارسة أنشطته حتى غلقه عام ،1998وفي عام 2004عقدت اتفاقية مع البرنامج من خالل مكتبه اإلقليمي في أبوظبي بدولة االمارات العربية المتحدة ،يقوم بموجبها المكتب بتقديم خدمات التعاون الفني من استشارات وخبرات لدولة قطر ،وقد استفاد بالفعل العديد من وزارات الدولة وأجهزتها من خدمات ُ ّ البرنامج ،حيث قدمت المساعدة الفنية في مجال وضع السياسات والبرامج التنموية في ً مختلف المجاالت ،خصوصا في مجاالت الصحة والزراعة والتنمية البشرية ،وما زال البرنامج يقدم خدماته لدولة قطر من خالل مكتبه اإلقليمي في دولة اإلمارات العربية المتحدة.
22 العدد الثاني -يونيو 2012
تقارير
أضواء على..
تقرير التنمية البشرية لعام 2011 د .نوزاد عبدالرحمن الهيتي * ً ّ ُ يعد تقرير التنمية البشرية ،الذي صدر أول مرة عام 1990عن برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ( ،)UNDPوالذي يشكل دعوة ً ً ً إنسانية بليغة إلى اعتماد نهج جديد في االقتصاد والتنمية ،من أهم التقارير التنموية التي تصدر حاليا على الصعيد العالمي. ً ّ ً ُ وبات يشكل مرجعا علميا لصناع القرار والمخططين والخبراء ،وكافة المهتمين بشأن التنمية المستدامة في دول العالم المختلفة .وقد استطاع تقرير التنمية البشرية ،بما تضمنه من بيانات تجريبية ،وطرق جديدة للتفكير في مفهوم التنمية وقياسها ،إحداث تغيير كبير في المناهج المتبعة في إعداد السياسات التنموية في كافة دول العالم ،بصرف النظر عن فلسفاتها التنموية. ّ ويشكل دليل التنمية البشرية ،Human Development Indexالذي يصدره منذ أكثر من عقدين من الزمن برنامج األمم ً ً ً المتحدة اإلنمائي ( ،)UNDPواحدا من أهم المؤشرات التي تعطي صورة إجمالية عن حجم التقدم المحرز في التنمية البشرية، ّ وهو مقياس مركب للصحة والتعليم والدخل ،ويقيم مستويات التقدم درجاتها باالستناد إلى مفهوم إنمائي أوسع من ُ مفهوم الدخل ،وهو كأي مقياس إجمالي آخر يستخدم للمقارنة الدولية ،وال يغطي سوى جزء مختصر مما تعنيه التنمية البشرية .وهو مؤشر مركب يتألف من ثالثة أبعاد ،هي:
البعد المتعلق بالمعرفة: ويقاس من خالل مؤشر متوسط سنوات الدراسة، ومؤشر متوسط سنوات الدراسة المتوقع (أي مجموع ُ السنوات التي يتوقع أن يقضيها طفل في المدرسة على أساس معدالت االلتحاق الحالية).
البعد المتعلق بمستوى المعيشة: ويقاس من خالل مؤشر نصيب الفرد من الدخل القومي اإلجمالي.
البعد المتعلق بالصحة: ويقاس من خالل مؤشر العمر المتوقع عند الوالدة.
*
ويقدم تقرير التنمية الب�رشية لعام � 2011إ�سهام ًا مهم ًا يف احلوار العاملي ،الذي �سيجمع قادة العامل يف م�ؤمتر الأمم املتحدة للتنمية امل�ستدامة ( ،)Rio+20الذي �س ُيعقد يف ريو دي جانريو يف يونيو ،2012بهدف الو�صول �إىل توافق جديد حول الإجراءات الالزمة حلماية م�ستقبل الأر�ض، وحق �أجيال امل�ستقبل يف كل مكان يف حياة �صحية والئقة ،وهذا ي�ش ّكل بحد ذاته التحدي الإمنائي الكبري للقرن احلادي والع�رشين. ويو�ضح تقرير التنمية الب�رشية لعام 2011مدى الرتابط الوثيق ال�صلة بني اال�ستدامة والإن�صاف� ،أي العدالة االجتماعية �إتاحة املزيد من الفر�ص حلياة �أف�ضل للجميع ،كما ي�ؤكد �أن اال�ستدامة ال تقت�رص على ق�ضية البيئة وال تتوقف عليها ،بل هي يف الأ�سا�س نتيجة خليارنا يف �أن نعي�ش حياتنا، مدركني �أن كل عمل نقوم به الآن �سيكون له �أثر على �سبعة مليارات ن�سمة تعي�ش على الأر�ض اليوم ،ومليارات �أخرى �ستعي�ش يف القرون املقبلة. وي�شري اجلدول الآتي �إىل الدول الأكرث تقدم ًا يف جمال التنمية الب�رشية على ال�صعيد العاملي ،والتي تتمتع مب�ستوى تنمية ب�رشية مرتفع جد ًا ،وفق ًا لدليل التنمية الب�رشية لعام 2011م.
خبير تعاون دولي -وزارة الخارجية/دولة قطر
23 العدد الثاني -يونيو 2012
تقارير الدول العشر األولى في تقرير التنمية البشرية لعام 2011م دليل التنمية البشرية
متوسط العمر المتوقع عند الوالدة (بالسنوات)
متوسط سنوات الدراسة (بالسنوات)
متوسط سنوات الدراسة المتوقع (بالسنوات)
نصيب الفرد من الدخل القومي اإلجمالي (دوالر)
البلد 1
النرويج
0.943
81.1
12.6
17.3
47.557
2
أستراليا
0.929
81.9
12.0
18.0
34.431
3
هولندا
0.910
80.7
11.6
16.8
36.402
4
الواليات المتحدة
0.910
78.5
12.4
16.0
43.017
5
نيوزيلندا
0.908
80.7
12.5
18.0
23.737
6
كندا
0.908
81.0
12.1
16.0
35.166
7
أيرلندا
0.908
80.6
11.6
18.0
29.322
8
ليخنتشتاين
0.905
79.6
10.3
14.7
83.717
9
ألمانيا
0.905
80.4
12.2
15.9
34.854
10
السويد
0.904
81.4
11.7
15.7
35.837
Source: UNDP,Human Development Report 2011, New York, 2011.P.127
و ُيالحظ �أي�ض ًا ،من خالل درا�سة تقرير التنمية الب�رشية لعام ،2011وحتليل البيانات الواردة فيه �أن دولة قطر قد حققت �إجناز ًا دولي ًا جديد ًا ،حيث قفزت �إىل املرتبة ( )37عاملي ًا ،والثانية عربي ًا بعد الإمارات العربية املتحدة من بني ( )182دولة �شملها التقرير ،كما كانت قطر واحد ًة من ثالث دول فقط من املنطقة (الإمارات العربية املتحدة ،ومملكة البحرين) �ضمن فئة الدول التي تتمتع مب�ستوى تنمية ب�رشية مرتفع جد ًا. الدول العربية في دليل التنمية البشرية لعام 2011م الدولة
الترتيب عربيًا
قيمة دليل التنمية البشرية
الترتيب عالميًا ()2011
1
اإلمارات العربية المتحدة
0.846
30
2
قطر
0.831
37
3
مملكة البحرين
0.806
42
4
المملكة العربية السعودية
0.770
56
5
الكويت
0.760
63
6
ليبيا
0.760
64
7
لبنان
0.739
71
8
سلطنة عُ مان
0.705
89
9
تونس
0.698
94
10
األردن
0.698
95
11
الجزائر
0.698
96
12
مصر
0.644
113
13
سوريا
0.632
119
14
المغرب
0.582
130
15
العراق
0.573
132
16
اليمن
0.462
154
17
موريتانيا
0.453
159
18
جزر القمر
0.433
163
19
جيبوتي
0.430
165
20
السودان
0.408
169
Source: UNDP,Human Development Report 2011, New York, 2011.P.127-130
24 العدد الثاني -يونيو 2012
تقارير وتعك�س املرتبة اجلديدة التي احتلتها دولة قطر على ال�صعيد العاملي مدى التقدم والتطور الكبري واملطرد اللذين حققتهما يف جمال التنمية الب�رشية، واجلهد الكبري الذي بذلته القيادة الر�شيدة يف الدولة يف جمايل تطوير التعليم ،وحت�سني اخلدمات ال�صحية ،واالرتقاء بامل�ستوى املعي�شي لل�سكان ،وكذلك جت�سيد ر�ؤية قطر الوطنية ،التي �شكلت التنمية الب�رشية �إحدى ركائزها الأربع ،و�أ�شارت �إىل «تطوير وتنمية �سكان قطر لكي يتمكنوا من بناء جمتمع مزدهر»� ،إ�ضاف ًة �إىل �أن التنمية الب�رشية ت�شكل الهدف الأ�سمى الذي ت�سعى �إىل حتقيقه ا�سرتاتيجية التنمية الوطنية (.)2016 -2011 ومن �أجل التعرف ،ب�صورة تف�صيلية ،على موقع دولة قطر يف امل�ؤ�رشات املكونة للدليل ،والتي تتعلق بجوانب ال�صحة والتعليم والدخل ،نرجع �إىل اجلدول الآتي: دليل التنمية البشرية وعناصره لدولة قطر وفقًا لتقرير التنمية البشرية لعامي 2010و 2011م 2011
2010
المؤشر قيمة دليل التنمية البشرية
0.831
0.803
مؤشر العمر المتوقع عند الوالدة (بالسنوات)
78.4
76
متوسط سنوات الدراسة (بالسنوات)
7.3
7.3
متوسط سنوات الدراسة المتوقع (بالسنوات)
12.0
12.7
107.721
79.426
36 -
36 -
0.757
0.737
نصيب الفرد من الدخل القومي اإلجمالي (معادل القوى الشرائية بالدوالر األمريكي لعام )2005 ترتيب نصيب الفرد من الدخل القومي اإلجمالي ناقصًا الترتيب حسب دليل التنمية البشرية دليل التنمية البشرية غير المرتبطة بالدخل
Source: UNDP,Human Development Report 2011, New York, 2011.P.127
ُيالحظ من اجلدول �أعاله ارتفاع: قيمة دليل التنمية الب�رشية من ( )0.803عام � 2010إىل ( )0.831عام ،2011وهذا قاد بدوره �إىل حت�سن موقع دولة قطر يف الرتتيب العاملي، �إذ ارتفع ترتيبها مبقدار درجة واحدة ،من الرتتيب � 38إىل الرتتيب .37 معدل العمر املتوقع عند الوالدة مبقدار (� )2.4سنة ،و�أدى هذا �إىل انتقال الرتتيب ،يف هذا امل�ؤ�رش ،من املركز ( )41يف عام 2010م �إىل املركز ( )32عاملي ًا يف العام 2011م ،ويعزى ذلك �إىل التطور الذي �شهده القطاع ال�صحي ،واالرتقاء بجودة اخلدمات ال�صحية ،وكذلك �إىل التح�سن يف البيانات اخلا�صة بتوقعات احلياة. �أما فيما يتعلق مب�ؤ�رشات التعليم ،فبالرغم من بقاء م�ؤ�رش متو�سط �سنوات الدرا�سة على حاله يف عامي 2011و ،2010واملقدر بـ ()7.3 �سنة ،فقد تراجع املركز الذي حتتله دولة قطر كثري ًا من املرتبة ()98 عام � 2010إىل املرتبة ( )113عام ،2011وفيما يتعلق مب�ؤ�رش متو�سط �سنوات الدرا�سة املتوقع ،فقد هبط من (� )12.3سنة عام � 2010إىل (� )12سنة عام 2011م ،مما �أثر على ترتيب قطر عاملي ًا� ،إذ تخلف بواقع ( )31مرتبة ،فبعد �أن كان يحتل املركز (� )77أ�صبح يف املركز ()108 عاملي ًا عام .2011 وفيما يتعلق مب�ؤ�رش ن�صيب الفرد من الدخل القومي الإجمايل ،فقد ارتفع من نحو (� )79.4ألف دوالر عام � 2010إىل نحو (� )107.7ألف
دوالر عام ،2011حمقق ًا ارتفاع ًا بن�سبة ( ،)%36حمت ًال املركز الأول عاملي ًا عام ،2011بعد �أن كان يحتل املركز الثاين يف العام 2010بعد ليخنت�شتاين ،ويعك�س هذا الت�صاعد الكبري يف ح�صة الفرد من الدخل القومي الإجمايل ارتفاع ًا كبري ًا يف امل�ستوى املعي�شي لل�سكان .وقد �أ�سهم هذا امل�ؤ�رش يف االرتقاء بدولة قطر �إىل م�صاف الدول التي تتمتع مب�ستوى تنمية ب�رشية مرتفع جد ًا وفق ًا لدليل التنمية الب�رشية لعام .2011 وجدير بالذكر� ،أن املحافظة على الت�صنيف املرتفع جد ًا للتنمية الب�رشية يف دولة قطر يتطلب بذل جهود كبرية ،وال�سيما فيما يتعلق بامل�ؤ�رشات التعليمية الداخلة يف تكوين دليل التنمية الب�رشية ،وهذا ي�ستدعي من اجلهات املعنية بالتعليم �أن تبذل جهود ًا �أكرب لالرتقاء بجودة �أداء القطاع التعليمي واخلدمات املقدمة به� ،إ�ضاف ًة �إىل حت�سني البيانات الإح�صائية ذات ال�صلة بالتعليم مبختلف مراحله. وت�أ�سي�س ًا على املركز الذي احتلته دولة قطر يف م�ؤ�رش ح�صة الفرد من الدخل القومي الإجمايل ،ويف ظل الإ�صالحات والتطورات الإيجابية اجلارية يف جمايل التعليم والرعاية ال�صحية ،ال�سيما �أن الدولة قد خ�ص�صت مبالغ كبرية �ضمن الإنفاق اال�ستثماري على قطاع ال�صحة والتعليم يف الربنامج اال�ستثماري لإ�سرتاجتية التنمية الوطنية -2011 ،2016ومن املتوقع �أن يتح�سن ترتيب قطر يف دليل التنمية الب�رشية خالل ال�سنوات القليلة املقبلة. 25 العدد الثاني -يونيو 2012
مقاالت
ظاهرة الدبلوماسية القطرية د .مصطفى العاني * ً ِّ لحل الخالفات والنزاعات ليست بعيدة عن التقاليد العربية اإلسالمية ،فحتى دبلوماسية التوسط ،أو الوساطة، ُّ قبل ظهور الدول والكيانات السياسية ،بشكلها المتعارف عليه اليوم ،كانت دبلوماسية الوساطة تعد من أهم آليات تسوية الخالفات والنزاعات القبلية في الجزيرة العربية .فخالل مسيرة الحضارة العربية تمتعت مجموعة من كبير ضمن المجتمعات العربية واحترام خاصة بمكانة األشخاص ،الذين وصفوا بكونهم «حكماء وعقالء القوم»، ٍ ٍ ٍ ٍ ً ً لكونهم وسيلة مؤثرة في إيجاد تسوية للخالفات القبلية ،وإنهاء النزاعات والحروب الدامية بين القبائل الكبيرة. وتميزت هذه الطبقة -إلى جانب الحكمة -بالحيادية ،وانتفاء المصالح والمنافع الذاتية ،أو الشخصية. ً ً وفي تاريخ العالقات الدولية ،خالل القرنين الماضيين ،لعبت الدبلوماسية دورا فعاال في تسوية الخالفات، والصراعات الداخلية ،أو الدولية ،وفي إيقاف الحروب ،أو تجنبها .وشهدت سنوات ما بعد الحرب العالمية األولى- ً بشكل خاص -تناميا في فن الدبلوماسية ،إذ برزت مدارس متعددة ،وفلسفات مختلفة تصب جميعها في تطوير فن كوسيلة لحل النزاعات ،وتجنب استخدام القوة والعنف. الدبلوماسية ٍ
* 26 العدد الثاني -يونيو 2012
المستشار األول ،مدير قسم الدراسات األمنية والدفاعية ،مركز الخليج لألبحاث
مقاالت أر�ض وقبل ما يقارب خم�سة ع�رش عام ًا مل يكن للدبلوما�سية القطرية � ٌ تقف عليها ،وال مالمح ميكن للمراقب متييزها ،وال دور ميكن للباحث الإ�شارة �إليه .وعن�رص الغياب� ،أو التغ ُّيب ،مل يكن حم�صور ًا بدبلوما�سية الدولة فقط ،فدولة قطر مل يكن لها مو�ض ٌع معلو ٌم يف خارطة العامل الدبلوما�سية ،ومل يكن �أغلب �سكان العامل يعلم بوجود دولة ا�سمها قطر� .أما اليوم ،وخالل ال�سنوات القليلة املا�ضية ،فقد برزت دولة قطر كقو ٍة دبلوما�سي ٍة مهمة ،لي�س فقط على ال�ساحة الإقليمية ،بل امتد دورها �إىل ال�ساحة الدولية .وكان �أهم بروز لقطر� -ضمن جمال الن�شاطات الدبلوما�سية -يرت َّكز يف الأ�سا�س على تبني الدولة لدو ٍر مه ٍّم يف دبلوما�سية التوفيق ،Conciliation Diplomacyودبلوما�سية الو�ساطة . Mediation Diplomacy تقوم دبلوما�سية الو�ساطة على «دور الطرف الثالث» يف تقريب وجهات النظر بني الأطراف املتنازعة ،وحماولة تهيئة الأجواء املالئمة للتو�صل �إىل ت�سوية مقبولة وقابلة للتطبيق .و�ضمن مفاهيم دبلوما�سية الو�ساطة لعبت الدبلوما�سية القطرية جميع الأدوار املطلوبة يف هذا الإطار ،ال�سيما الأدوار الثالثة الرئي�سة التي يتطلب من دولة الو�سيط لعبها يف مهمات دبلوما�سية الو�ساطة ،وهي دور املُ�سهل �أو امل�ساعد ،Facilitative Mediationالذي يقوم من خالله الطرف الو�سيط بتوفري جميع امل�ستلزمات الإدارية واللوج�ستية من �أجل توفري الأجواء الالزمة لأطراف النزاع للتو�صل �إىل ت�سوية .ويف �أحيانٍ �أخرى لعبت الدبلوما�سية القطرية دور الو�ساطة التقييمية �أو التحكيمية ،Evaluative Mediationوهذا يتطلب قيام طرف الو�ساطة بتقييم ودرا�سة عنا�رص اخلالف و�إ�صدار ر� ٍأي يحدد امل�س�ؤولية الواقعة على كل طرف من �أطراف النزاع .و�أخري ًا مل تتخلف دبلوما�سية الو�ساطة القطرية عن لعب الدور الأكرث فعالية واملتمثل يف دور الو�ساطة التدخُ لية ،Interventionist Mediationالتي تتطلب قيام الطرف الثالث� ،أو الطرف الو�سيط ،بتقدمي م�شاريع احللول ومبادرات الت�سوية ،وحتديد عنا�رص االتفاق املقرتح ،التي تقوم ،يف �أغلب احلاالت ،على مبد�أ «احلل الو�سط» ،ومطالبة �أطراف النزاع بتنازالتٍ متبادلةٍ. عا�ش امل�شهد الأكادميي والإعالمي ،خالل ال�سنوات املا�ضية ،نقا�شاتٍ وجداالتٍ وا�سع ًة حول طبيعة الدبلوما�سية القطرية ودورها �إقليم ًّيا ودول ًّيا ،ال�سيما طبيعة «دبلوما�سية الو�ساطة» ودورها ،التي تبنتها دولة قطر ب�شكل بارز .وانق�سم املجتمع الأكادميي والإعالمي بني م�ؤيد ومعار�ض للدور القطري .ورغم اجلدال الدائر ،ف�إن احلقيقة تقول �إن من ال�صعب �إغفال ظاهرة الدبلوما�سية القطرية ،وال ميكن �إنكار �أو جتاوز حقيقة الإجنازات الكبرية التي حققتها دبلوما�سية الو�ساطة القطرية بالتحديد خالل العقد املا�ضي على امل�ستويني الإقليمي والدويل .وب�شكل عام ،يدور الت�سا�ؤل والنقا�ش حول ال�رس الكامن وراء الدور البارز الذي �ضمنته «ظاهرة الدبلوما�سية القطرية» .لقد متثلت �أ�س�س هذه الظاهرة يف كون دولة �صغرية ن�سبي ًا ،يف �سكانها وم�ساحتها اجلغرافية ،وحديثة اال�ستقالل متكنت ،خالل فرتة زمنية ق�صرية ،من لعب دو ٍر فاع ٍل يف الدبلوما�سية الإقليمية والدبلوما�سية الدولية ،يف منطقة ت�شتعل بالأزمات وامل�شاكل ذات اجلذور التاريخية ،وال�رصاعات امل�ستحدثة.
حاول بع�ض الآراء اختزال فعالية الدور الدبلوما�سي القطري بكون قطر «دولة غنية» مال ًّيا ،لكن اجلواب املنطقي على هذا االفرتا�ض �أن هناك دو ًال عديد ًة يف منطقة اخلليج� ،أو ال�رشق الأو�سط ،وطبع ًا يف العامل� ،أكرث ثرو ًة وموارد من دولة قطر ،و�أغنى منها ب�أ�ضعاف م�ضاعفة� ،إ ّال �أنها مل مقارب للدور القطري ،ورغم �أن للعامل املادي دور ًا تتمكن من لعب دو ٍر ٍ مهم ًا ،ف�إنه يف كل الأحوال ال ميكن اختزال النجاح الدبلوما�سي القطري يف عامل القدرات املادية؛ لهذا ف�إن جناح الدبلوما�سية القطرية ميكن �أن ُيعزى �إىل عوامل متعددة توفرت يف الدور القطري ،ومنحته املكانة املميزة يف عامل الدبلوما�سية الإقليمية. يبدو �أن ال�شعور باحلاجة �إىل مبادرة دبلوما�سية هو الدافع الأ�سا�سي وراء قرار الدبلوما�سية القطرية يف عر�ض جهود الو�ساطة ،ففي معظم ال�رصاعات والأزمات التي تدخلت الدبلوما�سية القطرية فيها ،ولعبت دور الو�سيط يف ت�سويتها ،مل يكن الأمر يعني دولة قطر ،ومل يكن ال�رصاع الدائر ي�ؤثر على �أمنها وم�صاحلها احليوية من قريب �أو من بعيد .وهناك �صفة اجلراءة يف اتخاذ القرار ،وال�رسعة يف �إعالنه ،وعدم الت�شبث باحتماالت الف�شل كذريعة لعدم حتمل امل�س�ؤولية ،ففي �أي ن�شاط دبلوما�سي تربز ،ب�شكل ماثل ،ورمبا متعادل ،حظوظ الف�شل والنجاح، واخل�سارة والربح ،والإدانة �أو الإطراء .وقد تبنَّت الدبلوما�سية القطرية مبد�أ ال�شفافية يف التعامل الدبلوما�سي ،فهي ال تخجل من الف�شل ،وال ترتدد يف ت�سمية الأمور ب�أ�سمائها .وقد د�أبت اجلهود الدبلوما�سية القطرية على العمل بنا ًء على مبد�أ �أن الف�شل لي�س نهاية الطريق .ويف معظم احلاالت كررت الدبلوما�سية القطرية ن�شاطاتها يف التو�سط يف ق�ضايا بدت م�ستع�صي ًة ،وبعد ف�شل جوالتٍ عديد ٍة من عمليات التفاو�ض �أو الو�ساطة، �إن كانت قطرية �أو غري قطرية .فهناك ظاهرة عدم الإ�صابة بالإحباط، والعودة للعب الدور الدبلوما�سي املطلوب رغم جوالت الف�شل ال�سابقة. فالدبلوما�سية القطرية تتحني ا�ستئناف دورها كلما حدث تطور جديد يف الظروف� ،أو ظهر ب�صي�ص �أمل يف النجاح� .إن �صنّاع الدبلوما�سية القطرية على عل ٍم تا ٍّم ب�أن «دبلوما�سية الو�ساطة» ال تو ِّلد الأ�صدقاء فقط، جهات متعدد ٌة من بل تو ِّلد الأعداء كذلك ،فال�رصاعات الدولية تغذي نا َرها ٌ امل�ستفيدين من هذه ال�رصاعات ،ومن الذين ترتبط م�صاحلهم باحلفاظ على وترية ال�رصاع ودميومته؛ لهذا ف�إن قيادة الدبلوما�سية القطرية قبلت ،وتعاي�شت مع املردودات ال�سلبية لنجاحاتها يف حل ال�رصاعات. وبنا ًء عليه ف�إن ال�رس الأ�سا�سي يف جناح دبلوما�سية الو�ساطة القطرية يكمن يف �أمر تفتقده الدول الأخرى ،ذلك هو :طبيعة القيادة القطرية، و�أ�سلوب تفكريها ،و�آلية العمل ،واتخاذ القرار ،و�إميان القيادة العميق ب�صحة الدور القطري وحكمته .ويف حاالت كثرية يكون اجلهد اخلارجي للدولة قائم ًا على ح�ساب �إهمال الداخل� ،أي �أن تركيز اهتمام الدولة على �سيا�ستها اخلارجية ي�ؤدي �إىل �إهمال االهتمام بق�ضايا ال�سيا�سة الداخلية ،و�إغفال هموم املواطن ،وهذا ما مل يحدث يف قطر، فكل متابع لل�ش�أن القطري الداخلي يجد �أن �إجنازات الداخل تعادل� ،أو تتفوق على �إجنازات اخلارج ،و�أن دخل املواطن يف قطر يع ُّد الأعلى يف العامل� ،إىل جانب م�شاريع التنمية الداخلية ،وم�شاريع البنية التحتية العمالقة التي َّمت �إجنازها. 27 العدد الثاني -يونيو 2012
مقاالت
التحوالت في العالم العربي:
أي دور لالتحاد األوروبي؟
د .حسني عبيدي * نهاية المقاربة األمنية أثارت التطورات المتالحقة في الوطن العربي الكثير من ردود الفعل ،وأدت إلى تفاعل النظام الدولي ،السيما القوى الغربية ،مع هذه المستجدات وانعكاساتها على مستقبل المنطقة عالقاتها مع المنظومة الغربية. كما أثارت مواقف الدول الغربية ،وذهولها إزاء الثورات التي حدثت في تونس ومصر وغيرها الكثير من الجدل واالستفهام داخل االوساط األكاديمية ،ودوائر صنع القرار حول جدوى هذه القيم «الحداثية» ،مثل الديمقراطية ً والعدالة والمساواة في البلدان العربية .لكن البحث عن حقيقة االختالل في الرؤى يبدو ،في الواقع ،سابقا ألوانه باعتراف االتحاد االوروبي نفسه ،والذي ما زال يواكب التحوالت في الجنوب لصياغة سياسته الجديدة تجاه العالم ّ العربي .إال أن قراءة أولية في الخطاب األوروبي من شأنها أن تفيدنا بأسباب التعثر األوروبي غداة االنتفاضات العربية .ويمكن تلخيصها في ما يأتي:
*
28 العدد الثاني -يونيو 2012
مدير مركز الدراسات واألبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف
مقاالت
-1با�سم املحافظة على م�صاحله اال�سرتاتيجية وهو�سه بالإ�سالم ال�سيا�سي ،جتاهل بع�ض الدول الأوروبية مدى �أهمية الديناميات االجتماعية واملدنية وت�أثريها على احلياة ال�سيا�سية. -2بع�ض وجوه االحتجاجات وجد نف�سه يف حميط مغلق عنيف مع حكوماته يف بلدان اجلنوب ،الأمر الذي �أدى �إىل فقدان حلقة التوا�صل والثقة مع الآخر، ومن ث ّم اىل زيادة ال�شكوك يف نوايا املنتف�ضني و�أهدفهم �ضد الدول ال�سلطوية. -3مبنحه الدعم ال�سيا�سي واملادي للأنظمة امل�ستبدة� ،ساند الغرب �أنظم ًة �سيا�سي ًة كان يعرف جيد ًا طبيعتها القمعية و�أ�ساليبها العنيفة. -4عن�رص املفاج�أة والراديكالية يف بع�ض املطالب التي طبعت الثورات يف العامل العربي� ،س ّبب حا ًال من الرتدد لدى الدول الأوروبية يف اتخاذ القرارات الالزمة. -5الفاعلون اجلدد ،وقادة عملية التغيري لي�سوا بال�رضورة �أولئك الذين �ألِفَ االحتاد الأوروبي التفاو�ض معهم ،وجنح يف ا�ستمالتهم ،الأمر الذي �سيتطلب بع�ض الوقت للتعرف على ذهنية املخاطبني اجلدد. -6كون �آليات االحتاد الأوروبي حتكمها �سيا�سات قُطرية ،ومنطق الإجماع يف القرار� ،إ�ضافة �إىل تعقيدات �أوروبية م�ؤ�س�ساتية ،غلب الت�أخر ،وعدم التنا�سق على مواقف دول االحتاد ،ف�أتت مت�أخرة ،مقارنة بت�سارع الأحداث. مفهوم االنتقال السياسي
منذ عدة عقود ،يعكف تيار العلوم ال�سيا�سية «علم االنتقالية» على �إجراء درا�سات حول عملية التحول الدميقراطي يف العامل ،وظاهرة االنتقال املقارن .ومن الأهمية مبكان الإطالع على حمتوى هذه الدرا�سات بنا ًء على املالحظات االمربيقية العملية ،و�إمكانية مالئمتها للف�ضاء العربي، فالدمقرطة هي اللحظة احلا�سمة التي يتم فيها التفاو�ض حول املواثيق والعقود .ويجمع علماء االنتقال ال�سيا�سي على �أن �رشوط �ضمان التحول �إىل نظام تعددي هي: التحرر ال�سيا�سي. �إر�ساء مبادئ التعددية ال�سيا�سية والإعالمية ،واعتماد اقت�صاد ال�سوق. -تعزيز الدميقراطية ،و�ضمان �رشوط ا�ستمرارها.
ووفق ًا للعلوم ال�سيا�سية ،ينق�سم العامل العربي يف جمال الت�صنيف الدميقراطي �إىل مع�سكرين: �أنظمة ما زالت ت�رص على اال�ستبداد ،وتقاوم جميع �أ�شكال التغيريوالإ�صالح. �أنظمة تدرك خماطر التغيري املفرو�ض عليها ،فتعمد على ر�سم �آليات التحولمن دون م�شاركة مدنية حتى ت�ستطيع هند�سة معامل التحول الذي تريده. و�ضع عامل ال�سيا�سة الأمريكي روبرت دال منوذج ًا لالنتقال ُيع ّد �أكرث جناع ًة� ،إذ يتطلب ،ح�سب دال ،م�سار االنتقال يف الدول القيام ب�إعادة هيكلة �أنظمتها على ثالثة م�ستويات :االنتقال من حكومة حزب واحد �إىل نظام دميقراطي تعددي ،اخلروج من التخطيط املركزي �إىل اقت�صاد ال�سوق، والتحول من �أحد �أ�شكال االكتفاء الذاتي �إىل االندماج يف االقت�صاد العاملي. وميكن �أن ينطبق هذا النموذج على جميع �أنواع الإ�صالح .ومن ث ّم ،ف�إن هذه النظرية حتدد الإطار العام لالنتقال والعراقيل التي يجب تخطيها. لكن هذا التحول يخ�ضع لفكرة البقاء �أكرث من خ�ضوعه لفكرة تر�سيخ القناعات ،التي ت�ؤ�س�س للعملية الدميقراطية وفق ًا ملرتكزات �سليمة .فهي مرحلة انتقالية ق�رسية ،غري متفق عليها� ،أو اختيارية. الأكيد� ،أن النظام ال�سيا�سي خ ّلف للمجتمع �إرثه القدمي ،لكنه يف الوقت نف�سه لن يتخلى عن نفوذه وهيمنته. هذه «اال�سرتاتيجية للبقاء على قيد احلياة» تدل على �أن «التحرير االقت�صادي ،من دون �إدماج �إعادة توزيع ال�سلطة» تتمحور حول التحول الدميقراطي ،كما يو�ضح عامل ال�سيا�سة الفرن�سي غي هريميت ،م�شري ًا يف ال�سياق ذاته �إىل �أن ذلك يف�ضي �إىل ثالثة م�سارات خمتلفة: �إن�شاء م�ؤ�س�سات دميقراطية. �إن�شاء عملية دميقراطية ترتكز على احرتام القانون ،ونظام �أحزابم�ستمر ،والو�ساطة. و�أخري ًا ،معاجلة املعوقات االقت�صادية ذات الطبيعة الهيكلية والدوريةالقادرة على �إف�شال عملية الدمقرطة. 29 العدد الثاني -يونيو 2012
مقاالت التحول السياسي في أوروبا الشرقية :حالة دراسية
ُطرح الكثري من الت�سا�ؤالت يف الآونة الأخرية ،ملعرفة هل كان للربيع العربي قوا�سم م�شرتكة مع �سقوط الأنظمة ال�شيوعية يف �أوروبا ال�رشقية عام .1989هناك فرق كبري يف الأداء الغربي ميكن �أن ن�شري �إليه ،على وجه التحديد :دعم الدول الغربية للأنظمة يف تون�س ويف م�رص على ح�ساب تطلعات املجتمع .وهو نقي�ض ملا حدث يف ذلك الوقت مع الدول ال�رشقية، فالغرب� ،آنذاك ،دعم املجتمع على ح�ساب الأنظمة حتت ذريعة ال�رصاع بني الكتلتني يف احلرب الباردة� .أما يف تون�س وم�رص وليبيا ،فقد حتررت هذه ال�شعوب من احلكام امل�ستبدين بو�سائلها اخلا�صة ،وهذا �رشف لها. لقد كان العامل العربي املنطقة الوحيدة يف العامل التي بقيت بعيدة عن موجة الإ�صالح الدميقراطي ،التي �شهدتها �آ�سيا و�أمريكا الالتينية يف الثمانينات. وظل الغرب ،عقود ًا من الزمن ،يعتقد ب�أن العرب ي�شكلون ا�ستثنا ًء �سيا�سي ًا وثقافي ًافيمايتعلقبالدميقراطية،مبعنى�أنهمغريم�ؤهلنيللنظامالدميقراطي.
�أكرث من ذلك ،ظل الغرب� ،سنوات عديدة يفكر يف العرب من منطلق درء خماطر �إرهابه وتطرفه .لكن التحوالت التي �أ�صبحت واقع ًا يف العامل العربي ،منذ نهاية � ،2010أ�ضحت ت�شري �إىل تعط�ش هذه ال�شعوب للدميقراطية والعدالة واحلرية .ما حدث يف العامل العربي ،يلحق جزء ًا من العرب بالثورة الدميقراطية الكربى التي وقعت مع انهيار املع�سكر اال�شرتاكي ،و�أف�ضت ،بدرجات خمتلفة� ،إىل ثورة دميقراطية و�صفها �صامويل هنتنغتون «باملوجة الثالثة» .وقد نكون نحن اليوم على م�شارف «موجة رابعة» من الدمقرطة. نعم ،نحن نعي�ش حلظ ًة تاريخي ًة ،فبعد ثورة تون�س و م�رص و ليبيا لن يكون العامل العربي كما كان عليه �سابق ًا� .أدرك �صانع القرار �أن ال�شعوب قادرة على التعبري عن مطالبها ،والدفاع عنها حتى �آخر رمق .ومهما كانت نتائج هذه الثورات ،ف�إنه يبدو وا�ضح ًا وجلي ًا �أن العامل العربي
30 العدد الثاني -يونيو 2012
ال ميكن �أن يعود �أدراجه �إىل الوراء ،فالأنظمة العربية ،التي تخلفت عن االنخراط ،مدعوة �إىل �إعادة النظر يف �أ�سلوب قيادتها وتعاملها مع �شعوبها ،رغم كون بع�ض الأنظمة القائمة غري م�ستعدة لذلك ،وقد انتابها اخلوف والتهور ،وكان ردها الوحيد القمع والرتهيب عن طريق الأمن واجلي�ش ،و�صارت ال�شعوب جتابهه �أنظمة م�ستبد ًة وقمعي ًة. االنتقال السياسي :مسار غير مضمون
ال �شك يف �أن الدول العربية مقبلة على مرحلة طويلة من عدم اال�ستقرار، و�ست�شهد الفرتة االنتقالية الكثري من القلق وعدم اليقني ،فعودة احلكم اال�ستبدادي لي�س م�ستبعد ًا يف مثل هذه العمليات االنتقالية ،والف�شل هو افرتا�ض معقول �إذا مل يقرتن االنتقال ب�إن�شاء م�ؤ�س�سات �رشعية. كيف ميكن الرد على تطلعات �شعوب نفذ �صربها ب�سبب اال�ضطهاد، وترغب يف التحكم مب�صريها؟ �إن تراكم امل�شاكل ي�سهم ،ب�شكل مبا�رش ،يف �إ�ضعاف عملية التغيري .من جهة ،يجب �إقناع ال�شعوب ب�أن الإ�صالحات ال�رضورية يجب �أن ت�أخذ الوقت الكايف ،لهذا فهي بطيئة ،ومن جهة �أخرى ،ف�إن احلكومات االنتقالية م�ضطرة �إىل التجديد ا�ستجاب ًة لل�ضغوط واملطالب ال�شعبية امللحة والآنية. لكن قد يتطلب ذلك وجود فاعلني �سيا�سيني واقت�صاديني لهم من اخلربة ما يكفي ،بالرغم من عدم قبول ال�شعب بالوجوه القدمية� ،أو التي لها عالقة بالأنظمة ال�سابقة ،ورغبته يف قطيعة كاملة وفورية مع النظام ال�سابق. ال�س�ؤال الذي يفر�ض نف�سه هنا هو كيفية حتقيق القطيعة مع النظام القدمي بالتوازي مع بناء م�رشوع �سيا�سي جديد مقبول من طرف اجلميع ،وهو ما مييز كل من تون�س وم�رص. ففي كال البلدين -م�رص وتون�س -اللذين ميران مبرحلة انتقالية، قام اجلي�ش بتعيني �شخ�صيات من النظام ال�سابق يف منا�صب مهمة، ومن امل�ؤكد �أن اجلي�ش يبحث عن الأمن واال�ستقرار ،فهو يريد �أن يكون التحول مرفوق ًا بالأمن والنظام ،و�ضمان ا�ستمرارية الدولة. يف الوقت نف�سه ،التزمت م�ؤ�س�سة اجلي�ش يف م�رص بنوع من احلياد، على خالف تون�س ،حفاظ ًا على مكانتها ،لتحقيق هدفني ،الأول :الت�أكيد على دور امل�ؤ�س�سة الع�سكرية ورجالها يف كل حتول �سيا�سي ،وهو ما يف�رس جلوء الرئي�س امل�رصي املطاح به �إىل ت�سليم دواليب ال�سلطة �إىل ع�سكريني، والثاين حتقيق انتقال �سيا�سي �سل�س يجري ب�شكل تدريجي و�سلمي وفق املقت�ضيات الد�ستورية احلالية� ،أو املعدلة يف ظل النظام احلايل� ،إ�ضاف ًة �إىل اعتبارات داخلية ،فالو�ضع الإقليمي مل�رص يجعلها حتت جمهر الكثري من القوى الدولية الفاعلة .لذلك ،ف�إن الغرب يريد تغيري ًا يحقق هدفني اثنني:
مقاالت
-1قطع الطريق �أمام حكومة �أو رئا�سة يهيمن عليها الإ�سالم ال�سيا�سي، و�إن كان ذلك ال مينع من م�شاركته يف املرحلة االنتقالية ،وهذا يعني �أن الغرب ال يريد تغيري ًا ميكن �أن يعزز مع�سكر الراديكاليني ،لأن من �ش�أن ذلك �أن يقلب موازين القوى يف املنطقة ،والتي �سعى الغرب �إىل تر�سيخها. -2عدم امل�سا�س باتفاقية ال�سالم مع �إ�رسائيل ،لأن هذه الأخرية متخوفة من و�صول حكومة �إ�سالمية �أو مناوئة .لهذا ف�إن االحتاد الأوروبي حذر يف تفاعله مع تطورات الأحداث يف م�رص ،فهو يريد التغيري من جهة ،لكنه يرغب ،من جهة �أخرى ،يف �أن ي�سود اال�ستقرار يف املنطقة باملفهوم الذي يراه منا�سبا مل�صاحله� ،أي ال مي�س العالقات مع �إ�رسائيل ،وال ميكن �أن ي�ص ّعد قو ًة مناوئ ًة للم�صالح الغربية يف املنطقة. إعادة النظر في مسار هلسنكي
رياح التغيري ال�سيا�سي التي تهز العامل العربي اليوم كلفت حتى الآن ( )0يورو�سينت لدافعي ال�رضائب الأوروبيني .ومع ذلك ،ومنذ احلوار العربي الأوروبي ال�شهري ،الذي بد�أ يف ال�سبعينيات �إىل غاية امل�سار الأورو متو�سطي ،مرورا بـ «�سيا�سة اجلوار» ،واملحاولة امل�أ�ساوية لالحتاد من �أجل املتو�سط ،فقد �أنفقت بروك�سل مبالغ طائل ًة يف حماولة للح�صول على «�أي �إ�صالح حمتمل» .لكن النتيجة كانت دائم ًا واحدة وهي :تر�سيخ اال�ستبداد وحتديثه ليتوافق مع املتطلبات الأوروبية. «الربيع العربي» �أخل باملقاربة املعمول بها يف العوا�صم الأوروبية، فالقادة والنخب اعتمدوا ،مد ًة طويلة ،على الأنظمة القائمة لتحقيق الإ�صالحات ،لكن من دون �أخذ احلراك الداخلي م�أخذ اجلد .ومن الوا�ضح �أن «الإ�صالح» الأوروبي مل ي�ستطع �أن ي�ؤتي ثماره ،فقد ا�صطدم بالإ�شكاالت ال�سيا�سية التي ق ّل�صت من ال�رشاكة الأورومتو�سطية. لذلك مل تتمكن �أوروبا من اال�ستفادة من التغريات اجلديدة يف العامل العربي ،وبقيت معت�صم ًة وراء مقاربة �أمنية وا�سرتاتيجية ،ال تفتح �أمامها �أفق امل�صاحبة الذكية لهذه التحوالت.
ورغم ذلك ،مل يفت الأوان بعد لالحتاد الأوروبي ،الذي قام مبهمة تاريخية يف دول املع�سكر ال�رشقي ال�سابق ،حيث �سمح ببداية م�سار هل�سنكي ،مع «ال�سالت الثالث» ال�شهرية ،وهي هند�سة �سيا�سية ا�ستطاعت ،بدعمها للمجتمع املدين واحلركية الثقافية واالجتماعية، م�ساعدة بلدان �أوروبا ال�رشقية على التحرر من الهيمنة ال�سوفياتية، �إ�ضاف ًة �إىل البعدين االقت�صادي والثقايف. لكن م�سار بر�شلونة (يوروميد) ،امل�ستوحى من العنا�رص الثالثة لهل�سنكي -ال�سيا�سية واالقت�صادية والثقافية -مل يكن له الت�أثري املتوخى، وواجه ا�ستع�صاء ال�رصاع الإ�رسائيلي الفل�سطيني ،وميول احلكومات العربية �إىل اتخاذ تعرث عملية ال�سالم بني العرب و�إ�رسائيل للتباط�ؤ يف هذا امل�سار وعدم االلتزام به ،ف�ض ًال عن �أنها ترى يف امل�سار الأورومتو�سطي منرب ًا �سيا�سي ًا ،وبرهان ًا ل�رشعية مفقودة ،ولي�س م�سار ًا جدي ًا يف عملية االنتقال ال�سيا�سي من التفرد يف ال�سلطة �إىل التعددية احلقيقية. �أما بالن�سبة لأوروبا ،فهي مل ت�رص ،مبا فيه الكفاية ،على رغبتها يف ر�ؤية ال�ضفة الأخرى من البحر الأبي�ض املتو�سط تتمتع بحد �أدنى من الدميقراطية ،بل اكتفت ببع�ض الر�ضا عما يقوم به جريانها يف اجلنوب يف حربهم �ضد الإرهاب ،ومكافحة الهجرة غري ال�رشعية ،والإ�شادة بجهودهم يف التحرر االقت�صادي .وميكن حلقوق الإن�سان االنتظار يف الطابور اخلام�س .وبح�صولها على �صفة حماور مع الدميقراطيات الأوروبية، متكنت �أنظمة ا�ستبدادية من احل�صول على �رشعية جديدة �أمام �شعوبها. ً أوروبا :كيف يمكن أن تصبح ضامنا للمرحلة االنتقالية
االحتاد الأوروبي ،الذي كان يف طليعة التحول الدميقراطي يف بلدان �أوروبا الو�سطى وال�رشقية ،ميتلك دور ًا يلعبه يف تطور البلدان العربية، فما دام �رشيك ًا مع الدول العربية يف �إطار االحتاد من �أجل املتو�سط، با�ستطاعته �أن يف ّكر يف و�ضع �أجهزة ميكنها �أن تخلق حلق ًة حميد ًة تربط الإ�صالحات الدميقراطية ب�أهداف حمددة وحتفيزية مبا فيه الكفاية بالن�سبة للبلدان املعنية ،لأجل خلق م�رشوطية �سيا�سية حقيقية يف احرتام ال�سيادة الوطنية .ومن م�صلحة �أوروبا توجيه نظرها �إىل املجتمعات املدنية يف الدول العربية لإن�شاء �شبكة غنية من التبادل والدعم ،ولتكون �س ّباق ًة ورا�شد ًة يف خلق وحدة بني �شعوب البحر الأبي�ض املتو�سط. جاء التطوع الدبلوما�سي اجلديد بعد فرتة طويلة من ال�سبات ،ويرجع هذا �إىل ثالثة عوامل �أهمها: -1عدم قدرة �أوروبا ،ال على تقدمي حتفيزات اقت�صادية �أو �سيا�سية ،وال تدابري ردعية ذات م�صداقية �ضد �أطراف ال�رصاع.
31 العدد الثاني -يونيو 2012
مقاالت -2امتالك البلدان الأع�ضاء يف االحتاد الأوروبي تف�ضيالت متناق�ضة ،بل �أن بع�ض الدول لديها �أولويات تتعار�ض مع الأهداف الآنية للتغيري ال�سيا�سي. -3عمل الأمريكيني ،جاهدين ،من �أجل �إبعاد الأوروبيني عن امللفات التي يعتربونها حكر ًا لهم .كما �أن بروك�سل لن تلح يف �رصاع مع وا�شنطن على دور يبدو جناحه غري م�ؤكد .بالن�سبة لأوروبا ،فقد حان الوقت لإعادة النظر يف نهجها الإ�سرتاتيجي ،لإعادة تركيز �أن�شطتها ،وال�سعي �إىل مزيد من التن�سيق الفعال (توزيع �أو�ضح للعمل) مع الواليات املتحدة للإ�سهام يف ال�سالم ،واال�ستقرار يف ال�رشق الأو�سط. العواقب بالنسبة لالتحاد األوروبي
من ال�صعب على االحتاد الأوروبي فهم الأ�شياء اجلديدة ،والتغيريات املتكررة يف البلدان العربية بعد �سنوات من اال�ستقرار واجلمود .فالعامل العربي ،الذي يتغري ،ي�شكل حتدي ًا لالحتاد الأوروبي. خطر ارتفاع تدفقات الهجرة غري املتحكم فيها ،مع �آثار �سلبية على الر�أي العام يف البلدان الأع�ضاء يف االحتاد الأوروبي. االحتاد الأوروبي مطالب بتغيري وجهة �سيا�سته ،والت�سا�ؤل عن �إمكانية تطبيق �سيا�سته اخلارجية ،التي و�ضعت بنا ًء على نخبة �سيا�سية، فقدت الآن كل امل�صداقية والتعامل مع و�ضعية جتاوزها الزمن. مزايا مقاربة جديدة في سياسة االتحاد األوروبي
حان الوقت ملنح مهمة جديدة لالحتاد الأوروبي يف املرحلة االنتقالية ،ملاذا؟ -1التناق�ض بني الدول الأوروبية يف �إدارة العالقات مع البلدان التي متر مبرحلة انتقالية ميكن �أن يتيح لالحتاد الأوروبي فر�ص ًة ليكون طرف ًا مف�ض ًال مع هذه الدول .فف�شل ال�سيا�سات الأوروبية القطرية ال�سابقة ميكن �أن يكون حج ًة ملنح االحتاد الأوروبي املزيد من ال�سلطة والقوة.
32 العدد الثاني -يونيو 2012
� -2ضعف بع�ض الأنظمة يف اجلنوب ،املعروفة مبقاومتها امل�ستمرة للتغيري ال�سيا�سي واالقت�صادي ،هو عن�رص �إيجابي لت�أكيد توجيهات بروك�سل. -3الهيئات االنتقالية اجلديدة تتقا�سم القيم الدميقراطية نف�سها مع االحتاد الأوروبي ،مما ي�سهل احل�صول على توافق �أوروبي ،واحل�صول على دعم �سيا�سي ومايل من دون عقبات من طرف الربملان الأوروبي. -4غياب فاعل حمايد يف �إدارة املرحلة االنتقالية ،وتنظيم النزاعات يف�سح املجال لربوك�سل لأخذ مكانة امل�سهل بني جميع الأطراف ،كما �أن تواجد الآالف من الإطارات ذات الأ�صول العربية يف �أوروبا هو من املزايا املهمة التي ميكن ا�ستعمالها كعامل �إ�ضايف للو�ساطة واالنتقال. �إن التغريات التي حت�صل اليوم يف العامل العربي ال تخلو من �إيجابيات تفر�ض ا�ستلهام معانيها بالن�سبة لكافة مكونات النظام العربي ،لكنها يف الوقت نف�سه ال تخلو من حتديات اجتماعية واقت�صادية وثقافية �ست�ضع على املحك قدرة هذه االنتفا�ضات على خلق التغيري املن�شود ،الذي ينبغي �أن يف�ضي �إىل �إعادة بناء املجتمعات على �أ�س�س احلرية ،والدميقراطية، واحلداثة ،والعدالة االجتماعية. احلجة التي قدمها �أن�صار البناء الأوروبي لت�سويغ غياب �سيا�سة خارجية م�شرتكة ،هي :نق�ص املوارد والقدرات الع�سكرية الكافية، فاالحتاد الأوروبي املكون من 27بلد ًا ال يزال يعتمد على املظلة الأمريكية يف جمال الدفاع� .إن الت�شدد والغرور الوطنيني مينعان بروز توافق يف الآراء ي�سمح بتطبيق دبلوما�سية �أوروبية حقيقية. �إن م�سار بر�شلونة �سنة 1996كان ا�ستجاب ًة خالق ًة ملتطلبات املرحلة، لكن دول الربيع العربي ر�أت يف هذا امل�سار ،حني االعالن عنه ،زواج ًا عرفي ًا� ،أو عر�ض ًا �أوروبي ًا ملنح �رشعية جديدة ،وقد قبلوه بعد �إفراغه من حمتواه ،وهو ما �أدى �إىل ف�شل مربمج مل�سار بر�شلونة.
مقاالت
توظيف مقومات الدولة في رسم السياسـة الخارجية الدكتور جــواد الهنــداوي *
مقومات أو مكونات الدولة هي ثالثة ( :السلطة واإلقليم والشعب)، ً وبترابطها وتفاعلها ،واالعتراف دوليا بنتائجها ،تكون للدولة سيادة.
نبتدئ بال�سلطة فنقول �إنها التعبري املادي والر�سمي لإرادة ال�شعب، وتتج�سد مب�ؤ�س�سات ت�رشيعية وتنفيذية وق�ضائية ،ورغم كون م�صدرها ال�شعب ف�إنها (�أي ال�سلطة) هي القوة امل�ؤثرة فيه واملوجهة له ،وهي �أي�ض ًا دليل على قوة الدولة وم�ؤ�رش �إىل �صحتها. �أ�ش ّبه ال�سلطة يف كيان الدولة بالكريات البي�ض يف ج�سم الإن�سان، حتميه وتدافع عنه عندما حتاول �أج�سام غريبة اخرتاقه و�شل وظائفه. وعندما ت�ضعف ال�سلطة� ،أو تنعدم� ،أو تمُ ا َر�س ب�شكل ا�ستبدادي ال يعود للدولة مكان وال مقام وال ن�صاب .وعليه ف�إن �أي ممار�سة لل�سلطة يجب �أن جتري وفق ًا الختيارات عقائدية واجتماعية ،وب�رصف النظر عن تلك االختيارات ،ف�إنها (�أي ممار�سة ال�سلطة) ت�ستدعي وجود م�ؤ�س�سات وقواعد �إجرائية ت�ضمن عدم حت ّولها �إىل �سلطة ال تخدم �إ ّال القائمني عليها ،وتتط ّلب �أي�ض ًا الت�أمل العلمي واملو�ضوعي يف �رشوط ممار�ستها. ال�سلطة بو�صفها مكون ًا �أول للدولة ،ال ينبغي النظر �إليها من زاوية وجودها� ،أو عدم وجودها كقوة حلفظ النظام العام ،و�إمنا (وهذا هو املهم) من زاوية كيفية ممار�ستها ،هل الدول متار�س �سلطاتها من خالل م�ؤ�س�سات د�ستورية ،وت�سعى �إىل احرتام حقوق الإن�سان ،ون�رش وتر�سيخ املمار�سات الدميقراطية� ،أم متار�س �سلطاتها بطريقة ا�ستبدادية؟ عندما متار�س الدولة ال�سلطة وفق ًا ملبد�أ تداول ال�سلطة ،وتخلق وعي ًا �سيا�سي ًا �سليم ًا تكت�سب �رشعيتها ،وت�ستمد �سيادتها من �إرادة ال�شعب، وتكون عالقاتها الدولية مبني ًة� ،إىل حد ما ،على عن�رص الثقة والتعاون، وعندما متار�س الدولة ال�سلطة وفق ًا ملبد�أ احتكار ال�سلطة ،وتخلق نهج ًا �سيا�سي ًا �أحادي ًا ،تكت�سب �رشعيتها ،وت�ستمد �سيادتها ،لي�س من �إرادة ال�شعب ،و�إمنا من تطبيق القانون الذي و�ضعته ،وغالب ًا ما يكون القانون
*
هادف ًا �إىل حفظ النظام العام ،ودميومة احلكومة �أكرث من كونه و�سيل ًة لتحقيق العدالة. تكون العالقات الدولية لهذه الدولة مبني ًة على عن�رص الريبة وال�شك وال�رصاع ،فالنموذج الذي تقدمه ال�سلطة يف تعاملها مع املجتمع ،بكل تركيباته ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية ،يربى النا�س يف هذا االجتاه �أو ذاك ،فهنالك منوذج ين�شئ النا�س على الت�سامح وال�صدق واحرتام القانون وحقوق الإن�سان ،وهناك منوذج �آخر ال يتعامل مع املجتمع �إ ّال بلغة امل�صادرة والقمع واال�ستبداد ،ولكل منوذج �آثاره على ال�صعيد الداخلي و�صعيد العالقات اخلارجية. ال�سلطة يجب �أ ّال تكون و�سيل ًة لال�ستبداد واال�ستغالل ،و�إمنا ممار�س ًة لبناء الفرد واملجتمع والدولة على �أ�سا�س الأخوة والعدالة وامل�ساواة، وهي ممار�سة لكل من خوله القانون جمموعة من ال�صالحيات ،بغ�ض النظر عن موقعه� ،سواء يف قمة هرم الدولة �أو يف مزرعة �أو يف مدر�سة. رضه ،فهي �إما �أن هذه املمار�سة اختبار لقدرة امل�س�ؤول و�أخالقه وحت� ّ تكون ممار�س ًة وفق ًا لتعريف ال�سلطة يف القانون والأنظمة والتعليمات، ويف هذه احلال تكون ممار�س ًة �إيجابي ًة وم�س�ؤول ًة وهادف ًة ،لأنها ترتجم احرتام امل�س�ؤول لإرادة ال�شعب ،و�سعيه �إىل بناء الفرد واملجتمع والدولة، �رشيطة �أن تكون �إرادة ال�شعب م�صدر ًا للقانون .وقد تكون ممار�سة ال�سلطة خالف ًا لتعريفها يف القانون والأنظمة والتعليمات ،ويف هذه احلال تكون ممار�س ًة �سلبي ًة ،وترتجم ا�ستخفاف امل�س�ؤول ب�إرادة ال�شعب، وتقدميه منوذج ًا �سيئ ًا يتجه �إىل ا�ستغالل ال�سلطة مل�آرب �شخ�صية تقود �إىل �إف�ساد املجتمع والدولة. كيفية ممار�سة ال�سلطة يف دولة ما ت�سهم �إىل حد كبري يف بناء ح�ضارة ال�شعب ،وحتديد هويته الثقافية ،وكذلك م�سريته ال�سيا�سية �صوب الدميقراطية واحلرية� ،أم �صوب الدكتاتورية واال�ستبداد .ونبني ذلك ب�أمثلة
سـفير جمهوريـة العـراق في الدوحــة
33 العدد الثاني -يونيو 2012
مقاالت من الواقع ،بع�ض الدول هي من رحم واحد وانتماء ثقايف وح�ضاري واحد، لكن �أ�صبح لكل منها م�سار خمتلف ،فبع�ضها يتمتع بنظام دميقراطي، وبنمو اقت�صادي متفوق ،وبا�ستقرار �سيا�سي وعالقات دولية مبنية على الثقة والتعاون ،يف حني يعاين بع�ضها الآخر من عدم ا�ستقرار �سيا�سي، ودميقراطية ه�شة ،وانقالبات ع�سكرية متكررة ،وعالقات دولية قائمة على الرتقب وال�شك. ثمة �أ�سباب عديدة الختالف م�سار ومنهج هذه الدولة او تلك� ،أهمها اال�ستخدام الر�شيد ملقوم من مقومات الدولة ،وهو ال�سلطة :فعند ا�ستخدامها ا�ستخدام ًا د�ستوري ًا وقانوني ًا ي�ؤدي ذلك �إىل نظام دميقراطي ثابت ،ونظام �سيا�سي مبني على تعزيز الدولة وتعميق االنتماء الوطني على ح�ساب االنتماءات والوالءات الأخرى. الإقليم كمكون ثانٍ للدولة ،ال ننظر �إليه بو�صفه م�ساح ًة جغرافي ًة حمدد ًة يعي�ش عليها ال�شعب وميار�س �سلطاته ،و�إمنا مبا حتتويه هذه امل�ساحة من ثروات طبيعية� ،أو خمزون من الطاقة ،وكذلك باملوقع اجلغرايف وال�سيا�سي (جيوبولتيك) ،فكل دولة ت�ستمد �إىل حد ما �أهميتها ال�سيا�سية تبع ًا ملوقعها اجلغرايف� ،أو ثرواتها الطبيعية� ،أو م�ساحتها. املفكر الفرن�سي مونت�سكيو ذكر عام ،1784يف كتابه «من روح القوانني» ،وجود عالقة بني ال�سلوكيات ال�سيا�سية ملجتمع ما وبني املناخ. وقال نابليون بونابرت: «يكفي �أن �أعرف جغرافية بلد ما كي �أعرف �سيا�سته اخلارجية». ال ت�ستطيع �أي دولة �أن تبلور �سيا�ستها اخلارجية ب�شكل م�ؤثر وفعال �إال �إذا �أخذت بعني االعتبار موقعها اجلغرايف ،وكذلك موقع الدول الأخرى ،خا�ص ًة املجاورة واحلدودية. مي ّيز املفكر الأمريكي برزن�سكي الدول من حيث موقعها اجلغرايف ودورها ال�سيا�سي �إىل ثالث فئات :دول يف فئة الفاعل اجلغرايف واال�سرتاتيجي ،ودول يف فئة الداعم اجلغرايف ال�سيا�سي ،ودول يف فئة الدول القوية. فدول الفاعل اجلغرايف -اال�سرتاتيجي هي تلك الدول التي تلعب دور ًا ا�سرتاتيجي ًا على امل�ستوى اجلغرايف متجاوز ًة حدودها اجلغرافية ،ه�ؤالء هم الالعبون اال�سرتاتيجيون .وهناك دول ال ت�ستطيع �أن تلعب هذا الدور، لكنها مت ّثل موقع ًا جغرافي ًا مهم ًا ميكن ا�ستخدامه وتوظيفه لتحقيق �أهداف و�سيا�سات معينة ،وهي بذلك ت�ش ّكل دعامات جغرافي ًة� -سيا�سي ًة. �أما الفئة الثالثة فهي الدول القوية واملهمة جد ًا ،لكنها ال ت�ستطيع �أن تلعب دور ًا ا�سرتاتيجي ًا على امل�رسح الدويل. وال ُيخفى على القارئ الكرمي موقف و�سيا�سة الدول العظمى من هذه الدول ،التي ت�شكل دعامات جغرافي ًة و�سيا�سي ًة. ال�شعب بو�صفه املكون الثالث للدولة ،تكمن قوته و�أثره لي�س يف عدده ،و�إمنا يف حيويته وقدرته على العطاء ،وبتحديد هويته وانتمائه الثقايف واحل�ضاري ،واملهم فيه لي�س فقط �أحزابه ،وقيادته ال�سيا�سية، ومنظمات املجتمع املدين ،والنقابات واحلركات الأخرى ،و�إمنا �أي�ضا 34 العدد الثاني -يونيو 2012
الوعي اجلماعي الذي يتج�سد يف االنتماء �إىل الوطن �أو �إىل الأمة ،وجعل الوالء للوطن �أو الأمة من خالل هذا االنتماء ولي�س من خالل انتماءات عرقية ،طائفية �أو مذهبية .الوعي اجلماعي لل�شعب يتج�سد �أي�ض ًا من خالل االحتكام �إىل د�ستور ،واحرتام ال�سلطات الد�ستورية ،وال�سعي ك ٌّل من خالل موقعه �إىل تطبيق املبادئ الد�ستورية الأ�سا�سية التي حتقق العدالة واحلرية والدميقراطية ،مثل املبادئ املتعلقة باحلريات ،وحقوق الإن�سان ،وتكاف�ؤ الفر�ص ،الذي ينبغي �أن يكون �ضمان ًا مل�ساواة املواطنني �أمام فر�ص العمل ،والتعليم ،وممار�سة احلقوق واحلريات ،وكذلك مبد�أ تداول ال�سلطة من خالل االحتكام �إىل �صناديق االقرتاع. ر�سم و ُيح َّدد �إذ ًا بفعل �إن االنتماء الثقايف احل�ضاري ل�شعب �أو �أمة ُي َ �إرادة ال�شعب جتاه مقومات الدولة .ت�أكيده على انتمائه �إىل الدولة من خالل املواطنة والدفاع عنها ،ت�أكيده على انتمائه �إىل الأر�ض -الإقليم من خالل بنائه اقت�صادي ًا ،وا�ستغالل ثرواته يف البناء والتعمري ،وا�ستغالل موقعه اجلغرايف �سيا�سي ًا وا�سرتاتيجي ًا ،وتبنيه ل�سلطة د�ستورية قادرة على ترجمة واحرتام �إرادته ،ومتثيلها داخلي ًا وخارجي ًا .كما �أن ح�ضارة ال�شعب �أو الأمة ترجمة لقدرة ال�شعب على توظيف مقومات الدولة توظيف ًا عقالني ًا يف عامل تغزوه تقنيات ومفاهيم جديدة ومتغرية ،بحيث تكون قوة الدولة� ،أو ال�شعب� ،أو املجتمع تكمن ،لي�س فقط مبا ميتلكه املجتمع من ثروات و�إمكانات ،و�إمنا من ثقافة وفكر ونظام قانوين واقت�صادي قادر على حمايته وتطويره ودميومته. يت�ساءل املفكر وال�سيا�سي الفرن�سي �أالن بريفيت« :ملاذا ت�ستطيع الهند اجلنوبية �إطعام � 385شخ�ص ًا يف الكيلومرت املربع الواحد ،يف حني �أن �إفريقيا اال�ستوائية التي ت�سخو عليها الطبيعة باملطر ،وال�شبيهة بها من
مقاالت حيث مناخها وطبيعة �أرا�ضيها وت�ضاري�سها ،تكاد ال ت�ستطيع �أن ت�ضمن �إطعام �أربعة �أ�شخا�ص من �سكانها يف الكيلومرت املربع الواحد؟ من امل�ؤكد �أن البحث عن �أ�سباب هذا الفارق ال يكمن يف الأر�ض ،بل يف الب�رش» (.)1 م�شكلة تخلف �أو تقدم ال�شعب هي م�شكلة ثقافته وح�ضارته ،ولي�س م�شكلة طبيعية (الرثوات) �أو اقت�صادية� ،أو �سيا�سية .كل هذه الظواهر هي جت�سيد وانعكا�س لثقافة ال�شعب وذهنيته .ف�إذا كان ال�شعب يتحرك بذهنية الإرادة والتحدي ي�صبح قادر ًا على �صنع احل�ضارة ،وحتقيق الإجنازات واملعجزات ،والت�أثري يف م�سار التاريخ .امل�ؤرخ �أرنولد توينبي جعل من مفهوم التحدي احلجر الأ�سا�س يف فل�سفته للتاريخ ،وتف�سري ن�شوء احل�ضارات و�سقوطها ،فكلما كان التحدي �أكرب كان الإجناز �أكرب. «مايهم الناس ليس هو اإليديولوجية أو المصالح االقتصادية ،بل اإليمان واألسرة والدم والعقيدة»
هنتنغتون
�إن ح�ضارة ال�شعوب والأمم كانت وال تزال معيار ًا لت�صنيفها ومتيزها، و�أ�صبحت الآن بتعريفها ودورها عام ًال يف ر�سم العالقات الدولية .وقد ن�رشت �أفكار ودرا�سات عديدة ملفكرين وم�ؤلفني وخمت�صني لت�أكيد ذلك، نذكر مث ًال املفكر الأمريكي هنتنغتون ،الذي و�ضع يف كتاب ــه «�صدام احل�ضارات» (طبعة ثانية ،1999الرتجمة العربية طلعت ال�شايب) ت�سل�س ًال ملراحل ال�رصاع يف التاريخ ،فكان قدمي ًا بني امللوك والأباطرة، ثم بني القوميات والإيديولوجيات ،لكن بعد احلرب الباردة �سين�شب ال�رصاع بني احل�ضارات .يقول هنتنغتون: «مايهم النا�س لي�س هو الإيديولوجية �أو امل�صالح االقت�صادية ،بل الإميان والأ�رسة والدم والعقيدة» .ويقول �أي�ضا �إن «الدين حموري يف العامل احلديث ،ورمبا كان القوة املركزية التي حترك الب�رش وحت�شدهم». واحل�ضارة عند الكاتب هي الكيان الثقايف الأو�سع «احل�ضارات هي الإن�سانية الكربى و�صدام احل�ضارات �رصاع قبلي عاملي والفروق الثقافية هي التي حتتل الأ�سا�س واملركز يف الت�صنيف والتمييز بني الب�رش اليوم»� .إن ذكرنا باخت�صار لأفكار هنتنغتون ،يف كتابه «�صدام احل�ضارات» ،هو لغر�ض تبيان �أهمية ثقافة املجتمع وح�ضارته يف ر�سم عالقاته الدولية و�سيا�سته اخلارجية ،وال يعني ذلك ت�أييدنا لتحليالته. يف نف�س االجتاه ،لكن بنظرة �أو�سع ،يرى املفكر الأمريكي ،م�ؤلف كتاب «نهاية التاريخ» ،فران�سي�س فوكوياما ،يف مداخلة له �ضمن ندوة �أقيمت برو�سيا ،نُ�رش جزء منها يف جريدة ال�رشق الأو�سط ( ،2007/8/7عدد � ،10479ص � ، )10أن العوامل الثقافية �أ�صبحت العد�سات التي ينظر من خاللها الكثري من النا�س �إىل الق�ضايا الدولية ،و�أنها تعرقل عوامل االندماج التي حترك التطور على م�ستوى عاملي� ،أي العوملة ،لكن ح�سبما يرى ،ونتفق معه يف ذلك� ،أن مبادرة قوى العوملة االقت�صادية بنزع القدرة من املجتمعات املحلية يف حتديد الكيفية التي تتم �صياغة حياتها ال�سيا�سية �ستكون عم ًال غري دميقراطي.
يقول برزن�سكي �إن الرهان اجلغرايف ال�سيا�سي لأمريكا هو القارة الأوروبية -والقارة الآ�سيوية ،ولي�س �إفريقيا �أو �أمريكيا الالتينية ..ملاذا؟ لأن ال�شعوب الأوروبية والآ�سيوية هي التي كانت ت�سيطر على العامل منذ خم�سة قرون وحتى اليوم� ،أي منذ �أن ُوجدت العالقات الدولية .والقوة التي ت�سيطر على العامل اليوم هي الواليات املتحدة الأمريكية وبعمر حمدود ،و�سيطرتها على العامل �ستكون ملدة ،مثلها يف ذلك مثل بقية الإمرباطوريات التي �سبقتها ،لكن املهم هو �إطالة �أمد هذه ال�سيطرة �إىل �أق�صى حد ممكن .ويكون ذلك ممكن ًا ،ح�سب ر�أي املفكر� ،إذا ا�ستطاعت �أمريكا �أن تلعب على وتر التناف�سات بني الدول الكربى :ال�صني ورو�سيا والهند و�أوروبا ،و�أن حتجم الواحدة عن طريق الأخرى ،كي تظل القوة املهيمنة �إىل �أطول مدة ممكنة (.)2 ينبغي �أن يكون النظر والتعامل مع االنتماء الثقايف واحل�ضاري ل�شعب، �أو جمتمع معني ،بو�صفه مكون ًا من مكونات الدولة ،ولي�س بدي ًال عن الدولة ،يحل حملها يف التفاعالت والعالقات الدولية� ،أي يجب �أن تكون الدولة هي الوحدة الأ�سا�سية يف العالقات الدولية ،التي حتكمها قوانني العالقات الدولية وال�رشعية الدولية من اخلارج ،وقوانني املواطنة من الداخل ،بعبارة �أخرى يجب �أ ّال ترتاجع الدولة ل�صالح وحدات ثقافية وح�ضارية� ،أو جماعات تنظيمية يف احلوار مع الدول الأخرى ،خا�ص ًة الدول ذات الأطماع والتي قد تهدف �إىل خلق قيادات بديلة عن الدولة. �إن الدولة ال ت�ستطيع �أن تكون منتج ًة ومنجز ًة ما مل تكن قادر ًة على �إ�رشاك رعاياها يف منط ح�ضارة ع�رصهم� ،أي يف �إنتاج قِيمه وا�ستهالكها على حد �سواء. قال الفيل�سوف هيغل «�إن الفرد� ،أو الأمة� ،أو النظام ال�سيا�سي ،الذي يكف عن الإبداع واخللق ،يتحول �إىل ما ي�شبه احليوان �أو ال�شجرة .ومن الأف�ضل لل�شعوب التي ّ تكف عن الإبداع �أن تتعلم كيف متوت بد ًال من موا�صلة البقاء عبئ ًا على احلياة وعلى تقدم الوعي الإن�ساين» (.)3 المصادر: ( )1أالن بيرفيت ،المعجزة في االقتصاد :من المدن الفينيقية إلى اليابان. بيروت ،دار النهار ،1997 ،ص.31 ( )2هاشم صالح ،الشرق األوسط ،2007/8/16 ،العدد .10488 )Hegel. lecans sur la philosophie de l histoire. 1954 . p.226 ets . (3
35 العدد الثاني -يونيو 2012
مراجعة كتاب
زمن الخداع : الدبلوماسيةالنووية خطرة في أزمنة ِ
اسم المؤلف :د .محمد البرادعي :الحاصل على جائزة نوبل للسالم ,المدير العام السابق ّ للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فينا خالل الفترة من .2009 - 1997 اس��م الكتابTHE AGE OF DECEPTION Nuclear Diplomacy in Treacherous Times : خطرة ) ( زمن الخداع :الدبلوماسية النووية في أزمنة ِ تاريخ النشر 2011 :م. مكان النشر :في الشرق األوس��ط :مؤسسة بلومسبري قطر للنشر ،الدوحة ،قطر .في نيويورك :مؤسسة Fifth 175 .Metropolitan Books, Henry Holt and Company, LLC .10010 ,Avenue, New York, New York حقوق الطبع :للمؤلف.
د .أحمد محمود جمعة * ً يحتوي الكتاب على مقدمة واثني عشر فصال وخاتمة في 340صفحة من القطع المتوسط، ً ً ويتناول في جملته مذكرات د .محمد البرادعي ،بوصفه مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية خالل مرحلة من أخطر مراحل تطور ما يسميه بـ « الدبلوماسية النووية» ،التي فشلت في النهاية داع وال مبرر». في درء خطر الحرب في العراق ،التي يصفها بأنها «كانت بدون ٍ
*
36 العدد الثاني -يونيو 2012
مستشار في معهد الدراسات الدبلوماسية السعودي ،وسفير سابق
مراجعة كتاب ويخ�ص�ص امل�ؤلف ن�صف هذه املذكرات لتجربة العراق يف املقدمة والف�صلني الأول والثالث .ويعر�ض يف الف�صل الثاين جتربته يف التعامل مع الن�شاط النووي لكوريا ال�شمالية ،وهي التي انتهت بالف�شل التام، وبخروجها من املحادثات ال�سدا�سية (ت�شمل الكوريتني وال�صني واليابان ورو�سيا والواليات املتحدة) ،وب�إعالنها االن�سحاب من معاهدة منع انت�شار الأ�سلحة النووية ،وجتربة �سالح نووي �أول عام 2006م، وثانٍ يف مايو 2009م. ويعر�ض يف الف�صل ال�ساد�س جتربته مع ليبيا حني ك�شفت له اال�ستخبارات الربيطانية يف مار�س 2003م عن وجود من�شئات نووية غري معلنة يف تاجوراء، وهي مدينة �صغرية �رشقي طرابل�س .ويذكر �أن التطورات واملعلومات حول املو�ضوع تتابعت ب�رسعة كبرية حتى تلقى ات�صا ًال من ال�سيد معتوق حممد معتوق ،نائب رئي�س الوزراء الليبي للعلوم والتكنولوجيا ،يف 18دي�سمرب 2003م يخربه فيه �أن وزير اخلارجية الليبي �سيعلن خالل �ساعات قرار ليبيا تفكيك برناجمها النووي .و�أفاده معتوق ب�أنه �سيح�رض فور ًا �إىل فينا مع معاونيه للقاء مدير عام الوكالة لبحث الرتتيبات الالزمة .وي�ستذكر الربادعي �أن الأمر كان له وقع املفاج�أة عليه حيث مل ت�صله قبلها معلومات بوجود برنامج �رسي لليبيا .وعندما التقى امل�سئول الليبي �سلمه وثائق تفيد بح�صولهم من العامل النووي الباك�ستاين عبد القدير خان على خرائط وخمططات لإقامة مركز تخ�صيب ،وب�رشائهم لأجهزة وت�سهيالت من جهات دولية متعددة يف هذا املجال .وكانت هذه �أول مرة يعلم فيها الربادعي بوجود �سوق �سوداء عاملية بهذا االت�ساع تبيع املواد النووية .ومل جتد الوكالة ،مع توفر التعاون الليبي ،م�شاكل تذكر يف تفكيك الربنامج خالل �شهور. ينتقل الربادعي بعد ذلك �إىل امللف النووي الإيراين ،الذي ال يزال مفتوح ًا على كل االحتماالت ،وخ�ص�ص له الف�صول :التا�سع ،واحلادي ع�رش ،والثاين ع�رش. تبد�أ املقدمة ب�إطاللة عل م�شهد درامي م�ؤثر يف 9فرباير 2003م يف بغداد ملا ي�سميه الربادعي بـ « الع�شاء الأخري » بينه ,ب�صفته م�سئو ًال عن اجلانب النووي من عمل �أفرقة التفتي�ش ,وهانز بليك�س ,ال�سويدي اجلن�سية امل�سئول عن التفتي�ش عن الأ�سلحة الكيميائية والبيولوجية ،وبني وفد عراقي ر�سمي كبري تر�أ�سه وزير اخلارجية ناجي �صربي ,واللواء عامر حمودي ح�سن ال�سعدي ,امل�ست�شار العلمي الأول للرئي�س العراقي �صدام ح�سني ,وح�سام �أمني رئي�س جهاز االت�صال العراقي مع �أفرقة التفتي�ش .و� ّألح الربادعي وبليك�س على م�ضيفيهما خالل اللقاء بال�س�ؤال ذاته�« :أنتم ت�ؤكدون عدم وجود �أ�سلحة دمار �شامل لديكم ،ولكننا بحاجة ملزيد من الدالئل حتى نغلق هذا امللف� ،ساعدونا على �أن ن�ساعدكم» .وي�ستذكر الربادعي �أن ح�سني �أمني مال وقتها �إىل الأمام وقال « :دعنا نكون �رصيحني .ففي املقام الأول ال ميكننا �إعطاءكم املزيد لأنه ال يوجد مزيد لدينا ،ويف املقام الثاين �أنتم ال ت�ستطيعون م�ساعدتنا لأن احلرب واقعة ،وال �شيء يف مقدور �أينا فعله لوقفها ،ونحن و�أنتم نعلم ذلك .ومهما فعلنا ،فقد ح�سم الأمر» .وهز ال�سعدي ر�أ�سه م�صدق ًا على ما قاله �أمني بابت�سامة حزينة .ويقول الربادعي �أنه كان ،حتى ذلك الوقت ،ال ي�س ّلم مبقولة �أمني ،حيث كانت فرق تفتي�ش الوكالة الدولية قد تولت التدقيق يف كم هائل من املعلومات التي زودتها بها خمتلف �أجهزة اال�ستخبارات الغربية دون �أن جتد دلي ًال واحد ًا على ن�شاط نووي خمالف يف العراق ،وهو �أمر �أكده �أمام جمل�س الأمن يف 27يناير 2003م ،و�أثار
عليه �سخط م�سئولني ورجال �إعالم غربيني .غري �أن الوكالة ,على حد تعبري الربادعي ,مل تكن بعد يف و�ضع ميكنها من �إ�صدار �شهادة خلو تام ل�صالح العراق ،ومن ثم طلبت �إمهالها ب�ضعة �أ�شهر �أخرى ال�ستكمال مهام التفتي�ش، معترب ًة �أن ذلك �سيمثل « ا�ستثمار ًا عظيم ًا يف ال�سالم» .غري �أن الت�صعيد كان قد بلغ مداه ،ولهجته زادت حدتها ب�صورة حممومة يف لندن ووا�شنطن. وكان وزير اخلارجية الأمريكي كولن باول قد عر�ض على جمل�س الأمن ,قبل ع�شاء بغداد ب�أربعة �أيام فقط ,جمموع ًة مما �أ�سماها بالوثائق والت�سجيالت التي الت�صل بحال �إىل مرتبة الأدلة الدامغة على تورط العراق يف �أن�شطة حمظورة .ومل ي�ستطع كم �أعمال التفتي�ش ،على مدى الأ�سابيع ال�ست التالية خلطاب باول� ،إظهار �أية �أدلة ،بل �أثبت التحقيق �أن ما ن�رش قبلها من وثائق حول �رشاء العراق يورانيوم من النيجر كان مزور ًا. ويتذكر الربادعي �أنه تلقى يف �صبيحة 17مار�س 2003م طلب ًا من البعثة الأمريكية يف فينا ب�سحب فريق التفتي�ش التابع للوكالة من بغداد، حيث الغزو على و�شك الوقوع .ومل يكن هناك ،يف نظره �أدنى مربر لهذه احلرب ،وملا �أ�سماه «جتاهل دور الدبلوما�سية النووية للوكالة مع حتويلها �إىل ورقة تني للتغطية ،والتحايل على ما كان يجب �أن يتم ح�سب امل�سار ال�سليم» .وي�ضيف �أن اللواء عامر ال�سعدي �س ّلم نف�سه لقوات التحالف يوم � 12إبريل 2003م .و�أ�رص على �أن ت�شهد حمطة التلفزة الأملانية ZDFا�ست�سالمه .وقال ،موجه ًا حديثه �إىل الكامريا« ،ال توجد لدينا �أ�سلحة دمار �شامل ,و�ستثبت الأيام �صدق كالمي». يعود امل�ؤلف يف الف�صول التالية �إىل ا�ستعرا�ض جتارب الوكالة يف متابعة وك�شف برامج ت�صنيع �أ�سلحة الدمار ال�شامل ،ويبد�أ بالعراق منذ عام 1991م يف �أعقاب حرب حترير الكويت مبا�رشةً؛ فقد كانت الوكالة 37 العدد الثاني -يونيو 2012
مراجعة كتاب تط ّبق ال�ضمانات على مفا ِع َلي �أبحاث �أحدهما �سوفيتي ال�صنع ،والآخر فرن�سي� ،إ�ضاف ًة �إىل معمل �صغري لت�صنيع الوقود وخمزن للوقود. واكت�شف مفت�شو الوكالة ،يف ظروف ما بعد حرب اخلليج الثانية ،وجود �أن�شطة �رسية غري معلنة يف املوقع نف�سه ،ويف مواقع �أخرى متناثرة يف العراق .وهو ق�صور وجه اللوم عنه للوكالة ولأجهزة التفتي�ش والرقابة فيها .غري �أن الوكالة كانت وقتها تتحرك يف نطاق ما توفره الدولة املعنية من معلومات وت�سهيالت .و�ألزمت القرارات ال�صادرة عن جمل�س الأمن بعد حترير الكويت حكومة العراق بالإعالن عن كافة من�ش�آتها النووية، و�أوكلت لوكالة الطاقة الذرية ،وللجنة مراقبة الأ�سلحة الكيميائية والبيولوجية « »UNSCOMمهمة تطهري العراق منها .ومل يكن للعراق، كدولة مهزومة ،يف ذلك من حول وال قوة. وي�ستعر�ض الربادعي حماوالت امل�سئولني العراقيني يف تلك الفرتة �إخفاء �أجزاء هامة من �أن�شطتهم غري املعلنة عن �أعني �أفرقة التفتي�ش، و�إ�رصار املفت�شني على املتابعة ب�أ�ساليب كانت تبدو مهينة �أحيان ًا للجانب العراقي .واعترب �أن ما �أ�سفرت عنه هذه التجربة هي ح�صوله على دعم دويل وا�سع القرتاح �صياغة منوذج بروتوكول �إ�ضايف حول ال�ضمانات �أقره جمل�س حكام الوكالة يف 13مايو 1997م .ومثلت هذه اخلطوة ،يف نظره ،اخرتاقا هاما يف اجتاه تدعيم نظام ال�ضمانات ال�شامل للوكالة من خالل �إغالق كافة الثغرات و�سبل التحايل على نحو ما حدث يف العراق. ويذكر الربادعي �أن فريق الوكالة �أجنز مهماته يف العراق ،بينما تعرث فريق مراقبة الأ�سلحة الكيميائية والبيولوجية و�سط اتهامات بزرع �أفراد من اال�ستخبارات الأمريكية داخله حتت غطاء مفت�شني. وجاء الهجوم اجلوي الكا�سح على العراق عام 1999م ،املعروف بـ « ،»Desert Foxليقنع العراقيني ب�أنهم مهما فعلوا ،يف جمال التعاون التام حول �أ�سلحة الدمار ال�شامل ،لن يجدي فتي ًال ،فمن الوا�ضح �أن الهدف هو �إ�سقاط وتغيري النظام .وطلبت احلكومة العراقية من فرق التفتي�ش املغادرة ،وتوقفت �أعمالها �أربعة �أعوام. ويرى د .الربادعي �أن الو�ضع تغري بعد �أحداث احلادي ع�رش من �سبتمرب 2001م يف الواليات املتحدة ،حيث �أ�صبحت الإدارة الأمريكية يف ظل الرئي�س جورج بو�ش �أكرث ت�شدد ًا يف م�سائل نزع ال�سالح ب�صورة عامة ،يف حني �صارت الوكالة �أكرث خرب ًة بعد جتربتي العراق وكوريا، و�أكرث كفاء ًة يف �إدارة عمليات الرقابة والتفتي�ش .وتزايدت حدة عدم الثقة مع اجلانب العراقي خالل الأ�سابيع وال�شهور التالية .وغدا وا�ضح ًا �أن وا�شنطن الر�سمية �أ�صبحت تتخذ موقف ًا متحفظ ًا من الوكالة .وكان من هذا القبيل ت�رصيح ديك �شيني ،وزير الدفاع الأمريكي ،يف برنامج
38 العدد الثاني -يونيو 2012
«قابل ال�صحافة »Meet the Pressقبل الغزو ب�أيام عندما ووجه بتقدير الوكالة ب�أن �صدام ح�سني مل ي�ست�أنف بناء برناجمه النووي ،فقد �أكد �أن الواليات املتحدة تعتقد العك�س ،و�أن الربادعي «خمطئ» .لكن �شيني حتدث يف الربنامج نف�سه يف �سبتمرب 2003م ،ذاكر ًا �أنه خانه التعبري يف حديثه الأول ،و�أن الواليات املتحدة مل يتوفر لديها قط دليل بامتالك �صدام ح�سني �أ�سلحة نووية .ويختتم الربادعي عر�ضه مل�أ�ساة العراق با�ستعرا�ض حجم الدمار والقتل ،ويت�ساءل� :ألي�س من العدالة حما�سبة امل�س�ؤولني عن هذه الفظائع ،وعن �شن حرب ا�ستناد ًا �إىل �أد ّلة مزيفة ،ويف انتهاك �صارخ للقانون الدويل �أمام املحكمة اجلنائية الدولية؟ ويكتب امل�ؤلف عن امللف النووي الإيراين مو�ضح ًا �أنه يرى �أن ال�سعي �إىل امتالك نا�صية التكنولوجيا النووية �أ�صبح ميثل هدف ًا قومي ًا وا�سرتاتيجي ًا لإيران .وهي ترى �أن حتقيقه يعزز مكانتها الإقليمية ،ويردع خ�صومها. ومع ذلك ف�إن �إيران ،يف تقديره ال�شخ�صي ،وا�ستناد ًا �إىل خربات طويلة يف التعامل معها ،رمبا ال ت�سعى �إىل مت ّلك �سالح نووي اكتفا ًء بامتالك نا�صية التكنولوجيا النووية بالكامل يف ما يعرف بـ «دورة الوقود النووي». ويرى �أن النموذج اجلاذب لها لي�س كوريا ال�شمالية ،التي �أ�صبحت منبوذ ًة عاملي ًا بخروجها من معاهدة منع االنت�شار و�إجرائها جتارب نووية ،و�إمنا الربازيل واليابان ،وكلتيهما متتلك تكنولوجيا نووية متفوقة مت ّكنها من ت�صنيع �أ�سلحة يف فرتة وجيزة لو اقت�ضت ذلك ظروف قاهرة .وعاب امل�ؤلف على جمموعة التفاو�ض مع �إيران ( ،)1 + 5ال�سيما الغربية منها ،ازدواجية معايريها يف الت�شدد غري امل�س ّوغ �أحيان ًا مع �إيران ،مقابل التهاون مع كوريا ال�شمالية .ومل يحاول تعليق اجلر�س يف رقبة القط بتبيان دور �إ�رسائيل وجماعات ال�ضغط ال�صهيونية يف ا�ستثارة العداء لإيران. ويف ختام عر�ضه لتحديات الأمن التي جتابه عامل اليوم ،ي�ؤكد امل�ؤلف على �رضورة مواجهتها بحزم و�شمولية .ويرى �أن العامل بحاجة لنظام جديد من الأمن اجلماعي ،بحيث يكون املفهوم ال�سائد لي�س �صفري ًا ل�صالح فرد �أو جماعة �أو دولة ،و�إمنا ت�ضامني ًا عاد ًال ل�صالح الب�رشية جمعاء ،م�شدد ًا على �أهمية دور املنظمات الدولية يف ذلك .ي�ستمد هذا الكتاب �أهميته من كونه ميثل �رسد ًا لواقع دويل الزال قائم ًا ،ي�صاحبه حتليل وتقومي من �شخ�صية عربية ودولية بارزة تراكمت لديها ،عرب �أكرث من �أربعني عام ًا ،خربات وا�سعة ،ودراية فائقة بدقائق وخفايا املمار�سة الدبلوما�سية عامة ،وتلك املتعلقة بال�ش�أن النووي ب�صفة خا�صة .وهو ميثل ،بالن�سبة للأجيال احلالية والقادمة من فر�سان الدبلوما�سية العربية منوذج ًا المع ًا ملا ميكن حتقيقه باملثابرة واجلهد ،وبرتاكم اخلربة والتعليم على نحو ما فعل د .الربادعي وغريه .ويقدم امل�ؤلف يف كتابه �إطاللة على �أ�ساليب تفكري ،وطرائق عمل مفكرين و�سا�سة �أ َّّثروا يف حركة التاريخ يف منطقتنا والعامل على مدى العقود املا�ضية.
اصدارات
من اصدارات المعهد
التغييرات في العالم العربي.. أصدر المعهد الدبلوماسي دراسته األولى بعنوان «التغييرات في العالم العربي وآثارها على الواليات المتحدة األمريكية والغرب وفلسطين وإسرائيل ُ (عملية السالم)» ،تأليف الدكتور صائب عريقات ،عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ،رئيس الوفد الفلسطيني لمفاوضات الوضع النهائي.
ت�ش ّكل الدرا�سة محُ اول ًة �أولي ًة ملُالحظة �آثار التغيريات يف العامل العربي على الواليات املتحدة الأمريكية والغرب ،حيث يجري الرتكيز على �أن العالقات العربية -الغربية مل حتدد ُمنذ عام ،1683عندما حا�رص جنود الإمرباطورية ا ُلعثمانية مدينة فينا .ومل ي�ش�أ امل�ؤلف التطرق يف هذه الدرا�سة �إىل ما مر به الغرب ،خالل اخلم�سمائة �سنة الأخرية ،من �إ�صالحات مارتن لوثر كينج ،ن�شوء املذهب الربوت�ستانتي ،الف�صل بني الدولة والدين� ،صلح وي�ستفليا ( ،)West phaliaالذي �أنهى حرب الثالثيــن عام ـ ًا ( ،)1648 -1618والتي حددت مبد�أ ال�سيادة للدول، و�أكدت عدم التدخل يف ال�ش�ؤون الداخلية للدول ،ثم جميء ع�رص التنوير ( ،)Enlightenmentالفل�سفة الأخالقية وحقوق الإن�سان ،فالثورة الفرن�سية عام ،1789والثورات الأوروبية عام .1848 على مدى خم�سمائة عام مر الغرب مبرحلة انتقالية �إىل العلمانية ( ،)Secularizationلكن العالقات العربية -الغربية مل تتغري مع التغريات التي طر�أت على هيكل احلكم يف الغرب ،ومل تحُ دد �إىل يومنا هذا. مل تتطرق الدرا�سة �إىل �رصاع احل�ضارات �أو التاريخ ،بل انتقلت �إىل التجربة الأوىل يف الدميقراطية يف ال�رشق الأو�سط (� ،)1951أي �إيران، عندما ح�صل الدكتور حممد م�صدق على � 79صوت ًا ُمقابل � 12صوت يف الربملان الإيراين ،وقام بت�شكيل حكومته ،التي �أ�سقطتها الإدارة الأمريكية واحلكومة الربيطانية عام .1953وهذا يعني �أن اخليار الدميقراطي للإيرانيني مل ُيحرتم .كما ي�ؤكد �أن الواليات املتحدة الأمريكية والغرب
اختارا ما �أ�سمياه احلفاظ على امل�صالح على ح�ساب القيم الدميقراطية، وتعامال مع نظام الفرد الواحد� ،أو العائلة� ،أو الع�سكر على ح�ساب الدميقراطية ،وحقوق الإن�سان واملر�أة ،واملُ�ساءلة ،واملُكا�شفة ،واملُحا�سبة. تو�ضح الدرا�سة �أن الواليات املتحدة والغرب مل يتوانيا عن عقد ال�صفقات ،ويف �أف�ضل الأحيان التغا�ضي عن قمع �أي حركة دميقراطية حل�ساب الأوتوقراطية �أو الثيوقراطية ،فلم ن�سمع يف القرن املا�ضي �أي حديث عن الدميقراطية وحقوق الإن�سان يف العامل العربي ،طبع ًا با�ستثناء احلديث عن احلليف اال�سرتاتيجي للغرب (�إ�رسائيل) ،التي ُينظر �إليها بو�صفها الدولة الدميقراطية الوحيدة يف املنطقة. تتطرق الدرا�سة �أي�ض ًا �إىل كيفية تعامل الغرب مع احلكام العرب ،مثل الرئي�س العراقي ال�سابق �صدام ح�سني �أثناء حربه مع �إيران ،وكيف جرى التعامل معه بعد احتالله للكويت .كذلك التعامل مع الزعيم الليبي ال�سابق ُمعمر القذايف ،قبل تخليه عن برنامج الت�سلح غري التقليدي وما بعده. تُقارن الدرا�سة بني ما حدث يف �أوروبا عام ،1848وما يحدث اليوم يف العامل العربي ،وحتاول �أن تقدم توازن ًا للغرب يف حتديد عالقته مع العرب بني امل�صالح والدميقراطية ،م�ؤكد ًة على عدم وجود تناق�ض بينهما. بعد ذلك تبحث الدرا�سة يف الآثار املُرتتبة على الفل�سطينيني والإ�رسائيليني (عملية ال�سالم) ،نتيج ًة للتغيريات احلا�صلة يف العامل العربي ،وتحُ اول �أن تربط بني الدميقراطية وال�سالم ،وتتو�صل �إىل ا�ستنتاج مفاده عدم �إمكانية الف�صل بينهما. كما تُناق�ش الدرا�سة كيفية تعامل ُ�صناع القرار يف �إ�رسائيل وفل�سطني مع التغيريات ،وحماوالت عدة مدار�س فكرية �إ�رسائيلية ،ومعها احلكومة الإ�رسائيلية� ،أو �أن�صار �إ�رسائيل يف �أمريكا والغرب ،جتيري ما يحدث يف العامل العربي للتهرب من ا�ستحقاقات عملية ال�سالم وتعميق الهوة بني الغرب والعرب. وتطرح الدرا�سة �س�ؤا ًال على كل الأطراف املُتداخلة (الواليات املتحدة الأمريكية ،الدول الغربية� ،إ�رسائيل ،العرب) ،وال�سيما الأحزاب العربية التي خا�ضت االنتخابات وك�سبتها مفاده :ما هو املطلوب كل طرف ل�ضمان جناح الدميقراطية يف الدول العربية؟
39 العدد الثاني -يونيو 2012
من القاموس
السياسي األمن Security
األمن الجماعي Collective Security
ً ً ُ بقي مفهوم «األمن» ينظر إليه ،فترة طويلة ،على أنه أمن حدود الوطن من العدوان الخارجي ،أو أنه حماية المصالح القومية في السياسة الخارجية ،أو أنه األمن العالمي المتعلق بحدوث حرب نووية .ومع انتهاء الحرب الباردة أصبح هذا المفهوم غير ذي جدوى في أذهان معظم الناس الذين يرون أن انعدام األمن يتأتى من المشكالت المتعلقة بالحياة اليومية أكثر مما ينشأ نتيجة ً الخوف من حدوث مشكالت عالمية ،فأن تكون آمنا يعني أن تكون ً سليما من األذى .لكن ال يوجد أحد ،بالطبع ،آمن بالكامل ،فالحوادث ً ممكنة والموارد قد تصبح شحيحة ،وقد يفقد الناس عملهم وتقع ّ الحروب .إال أن من المؤكد أن الحاجة إلى اإلحساس باألمن قيمة إنسانية أساسية وشرط مسبق لنتمكن من العيش بكرامة.
ُ مجموعة آليات ذات ركيزة قانونية ،وضعت لمنع اعتداء أي دولة على أخرى ،أو لقمع ذلك االعتداء إن حدث .ويتحقق ذلك من خالل توجيه تهديدات ذات صدقية إلى المعتدين الحقيقيين ً أو المحتملين ،وتقديم وعود ،ذات صدقية أيضا ،إلى الضحايا الحقيقيين أو المحتملين ،باتخاذ تدابير جماعية للحفاظ على السالم ،وتنفيذها عند الضرورة .وقد تراوحت هذه التدابير بين المقاطعة الدبلوماسية ،وفرض العقوبات ،وحتى القيام بأعمال عسكرية .ويكمن أساس الفكرة في عقاب جماعي ضد المعتدين ً من خالل استخدام قوة كبيرة جدا .وتتنازل الدول المنتمية إلى هذا ُ النظام عن اللجوء إلى حل النزاعات الناشبة بينها ،لكنها تعد في معتد .أما في الوقت نفسه باستخدام القوة الجماعية ضد أي ٍ ً القضايا األخرى فتظل الدول كيانا صاحب سيادة.
األمن اإلنساني Human Security مفهوم أطلقه برنامج األمم المتحدة اإلنمائي في تسعينيات القرن الماضي ،وهو قضية ذات طبيعة عالمية ،ومهم للناس في كل مكان ،األغنياء و الفقراء على السواء .وتقود فكرة األمن اإلنساني إلى التركيز على حاجة الفرد إلى أن يكون بمأمن من الجوع والمرض ً والقمع كما حاجته إلى أن يكوم محميا ضد أحداث تهدد على االرجح نمط حياته اليومي .وهذا بدوره يعكس الحاجة إلى إعادة توزيع ً ً ً الثروة توزيعا ملموسا وعادال لصالح الفقراء على الصعيد العالمي، ً بدال من أن ينعم بها األغنياء فقط .وهناك مكونان أساسيان لألمن اإلنساني هما :التحرر من الخوف ،والتحرر من الحاجة.
40 العدد الثاني -يونيو 2012
األمن المشترك Common Security ً يعبر هذا المفهوم عن فكرة أن األمن ال يحتاج إلى أن يكون قيمة تتنافس عليها الدول .وقد أتجه العلماء ،من الناحية التقليدية ،إلى ً الحديث عن األمن في سياق مرجعي صراعي يركز أوال على الخطط العسكرية .وعلى النقيض من مفهوم المعضلة األمنية ،تشدد فكرة األمن المشترك على المقاربات غير التنافسية التي يستطيع الخصوم من خاللها إحالل األمن فيما بينهم ،ال بعضهم ضد بعض. ّ ولم يدخل هذا المفهوم التداول المشترك إال في ثمانينيات القرن الماضي ،كردة فعل جزئية على تدهور العالقات بين الشرق والغرب. ً ً ورغم أن األمن المشترك مازال ،من نواح عديدة ،مصطلحا مبهما وغير محدد ،فأنه يحظى بجاذبية كبيرة لدى مؤيدي التغيير الجذري، ومناصري التعايش السلمي األكثر براغماتية بين الكتل المتنافسة. وقد اعتمد هذه العبارة الزعيم السوفيتي غورباتشوف ،الذي كان يأمل مع اعتناق فكرة األمن المشترك ،جذب الواليات المتحدة وأوربا الغربية إلى دعم عملية تقليص جذري متبادل لألسلحة.