التعصب كبنيه By
خطبة الدكتور عدنان إبراهيم الجمعة 2011/9/9م تفريغ :أ /رانيا بن ظافر مراجعة وتدقيق :د/منى زيتون تنسيق الكتاب :محمد عدوي
زورونا في الصفحه:
تفريغات خطب الدكتور عدنان إبراهيم
1
التعصب كبنيه إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالناَ ,من يهده هللا فال مضل له ومن ُيضلل فال ُ وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وال نظير له وال مثال هادي له, ً ُ وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبد هللا ورسوله ,وصفوته من له, خلقه وأمينه على وحيه ,صلى هللا ععاىى عليه وعلى لله الطيبين الطاهرين, ُ وصحابته املباركين امليامين ,وأتباعهم بإحسان إىى يوم الدين وسلم ً عسليما كثيرا.
عباد هللا أوصيكم ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظيم ولزوم طاعته ,كما أحذركم وأحذر نفس ي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره ,لقوله جل من قائل َ :من َعم َل َ ص ِال ًحا ِ َ َ َ َ َ ف ِلنف ِس ِه ۖ َو َمن أ َس َاء ف َعلي َها ۗ َو َما َرُّب َك ب َظ االم لل َ يد -.ثم أما بعد ب ع ِ ٍ ِ ِ ِ أيها األخوة املسلمون األحباب أيتها األخوات املسلمات الفاضالت ,يقول هللا سبحانه وععاىى في كتابه الكريم بعد أن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم..
2
بسم هللا الرمحن الرحيم
إخواني و أخواعي في معرض
َ َُ ُ َ َ ُ ُ ين َآم ُنوا إ ْن َت َّت ُقوا َّ َ َ"يا َأ ُّي َها َّالذ َ اَّلل َي ْج َع ْل لك ْم ف ْرق ًانا َو ُيك ِِّف ْر َع ْنك ْم َس ِِّيئا ِتك ْم ِ ِ ْ ْ َّ َ ُ ين ك َف ُروا ل ُي ْثب ُت َ اَّلل ُذو ال َف ْ ضل ال َعظيم (َ )92وإ ْذ َي ْمك ُر ب َك الذ َ َو َي ْغف ْر َل ُك ْم َو َّ ُ وك ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َ ْ َ َِ َُْ ُ َ ُ ُ وك أ ْو ُي ْخر ُج َ َأ ْو َي ْق ُتل َ اَّلل َخ ْي ُر اْلاكر َ اَّلل َو َّ ُ وك َو َي ْمك ُرو َن َو َي ْمك ُر َّ ُ ين ( )03وِإذا تتلى ِ ِ ِ َ َ ْ َّ َع َل ْيه ْم َآي ُات َنا َق ُالوا َق ْد َسم ْع َنا َل ْو َن َش ُاء َل ُق ْل َنا م ْث َل َه َذا إ ْن َه َذا إَّل أ َساط ُير اْل َّولينَ ِ ِ ِ ِ ِ َ ِ ِ َ ْ َ َ َ (َ )03وإ ْذ َق ُالوا ا َّلل ُه َّم إ ْن ك َ ان َهذا ُه َو ال َح َّق م ْن ع ْند َك فأ ْمط ْر َعل ْي َنا ح َجا َر ًة منَ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َ َ َ َ َ َ ِّ ْ اَّلل ل ُي َعذ َب ُه ْم َوأ ْن َت فيه ْم َو َما ك َ ان َّ ُ َ َ َ َّ ُ َّ اَّلل الس َم ِاء أ ِو ائ ِت َنا ِب َعذ اب أ ِل ٍيم ( )09وما كان ِ ِ ِِ ٍ ِّ َ َ َ ُ ْ َ َّ ُ َ ِّ َ ُ ُ َّ ُ َ ُ ْ َ ُ َ ْ ص ُّدون َع ِن ُم َع ِذ َب ُه ْم َو ُه ْم َي ْس َتغ ِف ُرو َن ( )00وما لهم أَّل يع ِذبهم اَّلل وهم ي َ ُ َ ْ َْ َ ُ َّ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ َ َ اْل ْس ِج ِد ال َح َر ِام َو َما كانوا أ ْوِل َي َاء ُه ِإ ْن أ ْوِل َياؤ ُه ِإَّل اْل َّت ُقون َول ِك َّن أكث َر ُه ْم َّل َي ْعل ُمون" (.)03
استفصال املالئكة في مسألة استخالف هللا او إعرابه عن مراده سبحانه و ععاىى أو إرادته في استخالف هذه الخليقة و في رأسها أبوها لدم عليه السالم ورد "أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء" .يبدو أن هذا أظهر ما وقعت عليه املالئكة من طبيعة هذا الكائن ،من طبيعة هذا الخلق ،إنه كائن نزاع إىى اإلجرام وإىى إحداث املصائب
ّ صدق هللا العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين.
واملرائر والكوارث ،يفسد فيها
اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط .لمين اللهم لمين.
ويسفك الدماء .والظاهر أن هللا
3
ً تبارك وععاىى سلم لهم هذا مبدئيا والدليل على صحة هذا الفهم ما ذكرناه غير مرة أننا ال نعثر بالقطع و الجزم واليقين -وال نقول ال نكاد -على موضع يذكر فيه اإلنسان إال ذكر فيه بالذم في كتاب هللا تبارك وععاىى "قتل اإلنسان ما أكفره"" ،يا أيها اإلنسان ما غرك بربك الكريم"" ،وحملها ً اإلنسان إنه كان ظلوما جهوال"" ،إن اإلنسان لظلوم كفار"" ،إن اإلنسان لفي خسر" .كل اآليات ال تذكر اإلنسان إال و وسمته و وصمته بهذا العار
عظيم منها طبيعة منحطة ً تماما ،وطبيعة متوحشة وطبيعة دموية مفسدة ومخيفة ً تماما ،ال يزال هذا يتبرهن عبر التاريخ اإلنساني كله بداية من ً ذلك الذي قتل أخاه ظلما ً ً ً وحسدا وبغيا وعدوانا فال يزال
الذي يجلله وهو الكفران والجحود والجريمة والظلم والجهل والنسيان ً إىى لخره ،لكن هناك دائما مراهنة إلهية قرلنية على ش يء واحد وهو
يصيبه كفل من كل جريمة
اإليمان ،أن يتبع اإلنسان منهج هللا تبارك وععاىى ،فاإليمان يشكل است ناء ً فقط ،وهو االست ناء الوحيد بحسب املنظور القرلني .عموما هذا الطرح
تحتقب إىى يوم يرث هللا األرض ومن عليها ،ليس لنا أن نقلق
أنا أؤكد أنه سيفجأ كل إنسان ال يفهم الخطة القرلنية والنظرية القرلنية
حيال طبيعتنا .اآلن سأذكر
في تصوير جوهر اإلنسان وكيفية إصالحه ،واإلصالح ممكن ،خاصة من ً غير املسلمين سيقولون بداية متشائمة جدا بداية كافرة باإلنسان ،نحن
بعض الحقائق والتجارب العلمية التي تؤكد تجذر هذه
نتنكر لهذه البداية نرفضها ليس لنا أن نقلق حيال طبيعتنا ،وهي في شطر
الطبيعة .إنها طبيعة البشر
4
طبيعة املتعلمين كما هي طبيعة البدائيين والهمج ،طبيعة الشعوب األوروبية في القرن العشرين والحادي والعشرين كما رأينا في سجن أبو
ً ً لكن لو دفعت قردا أو حصانا أو ً ً نمرا أو قطا يستطيع أن ينجو
غريب ،كما هي طبيعة املتوحش األول البدائي .نفس الطبيعة ال تزال
بنفسه ألنه متسلح بقدر أكبر
موجودة كائن تقوده غرائز متوحشة ومخيفة لكن علينا أن نقلق حيال
من الغرائز ،يستطيع أن يجابه
ثقافتنا ،حيال األفكار التي نتغذى عليها ،التي نمد بها على املصفوفات
ويواجه بنجاح تكيفي وتالؤمي
الثقافية إن جاز التعبير ،وكل بيئة بها مصفوفات ثقافية حاكمة على أبنائها ،على من ينتمون إليها.
مصاعب الحياة والبيئة ،بينما اإلنسان يفشل هنا ألن الطبيعة
ً يجب علينا أن نقلق حيال الثقافة ال حيال الطبيعة ألسباب كثيرة ،أوال
ضعيفة ،ألنه متسلح بعدد أقل،
ألن هذه الطبيعة مهما بدت دموية قانية ومتوحشة شرسة وعنيفة
فهو األقل من بين الرئيسيات
ومندفعة هيجانية نزوية تتبع النزوات والرغائب طريقة بهيمية إال أنها ً ً ليست بتلكم القوة التي توجد مثال في الحيوان ،أبدا إنها طبيعة ضعيفة
من الغرائز ،غرائزه قليلة ألن
بدليل أن اإلنسان وهذه حقيقة مقررة في البيولوجيا وعلم األحياء هو أقل الحيوانات الرئيسية غرائز ،فكل الحيوانات غرائزها أكثر من غرائز اإلنسان ،ومعنى هذا أنه لو دفع اإلنسان إىى الحياة وحده هكذا يهلك،
هللا خلقه هكذا وصاغه هكذا وأبدعه هكذا ،لكي يظل يراهن ً دائما على الثقافة ال على ً الغريزة .أنت لم تخلق حيوانا
5
ً لتبقى حيوانا ،أنت فيك نفخة من روح هللا تبارك وععاىى مؤهلة أن تجعلك ً خلقا لخر .عليك أن تتعاطى مع الثقافة ومع الفكر. في ععريفي الشخص ي للحضارة قلت :هي الضبط الغرزي ،هناك مليون ععريف للحضارة الذي أتبناه وأرتاح إليه هو أنها الضبط الغرزي فينا، ً حين ينضبط الغريزة تبزغ الحضارة لكنها ال تذهب أشواطا بعيدة إال بمجاوزة هذا الغرزي ،عند تجاوز الغريزة والتعاىي عليها هنا يبزغ اإلنسان
اإلسالمية اليوم -أنا يعنيني كمشتغل بهذا الحقل الثقافة االسالمية بالذات الحقل
ً االسالمي بين املسلمين عربا كانوا أم غير عرب ،-ال يستطيع أحد أن يزعم ويزيف الوقائع
الحقيقي وبه ومعه تبزغ الحضارة اآلدمية البشرية اإلنسانية الحقيقية، وفي ما عدا ذلك وبدون ذلك نظل قابعين في األفق الحيواني وفي املهد
اإلسالمية السائدة بخير وعفاء
الحيواني ،لذلك ليس لنا أن نقلق حيال طبيعتنا ،علينا أن نقلق حيال
وصحية ،بل إنها ليست بخير
ثقافتنا وحيال أفكارنا ومتبنياتنا ومفروضاتنا وقبلياتنا ومسبقاتنا
وليست معافاة وليست صحية،
ومسلماتنا ،حيال مثل هذه األشياء التي نغذي بها أنفسنا وأوالدنا واآلخر ً ونبشر بها صباح مساء ،هذا ما ينبغي أن نطيل الوقوف عنده جدا.
بل هي ثقافة ععاني من إصابات ً وأعطاب كثيرة جدا في مفاصلها، ً في بناها ،دائما يمكن -ال أقول
وسأطيل في املقدمات حتى نستطيع أن نستوعب. ً ً ثانيا :أستغرب جدا وبين مزدوجين .ال يستطيع أحد أن يقول أن الثقافة
ويتنكر الحقائق أن هذه الثقافة
يزعم -أن يقرر أن أبشع درجة
6
ً يمكن أن يتمثل بها التعصب السني تناظرها تماما وععادلها أبشع درجة ً ً يتظهر فيها التعصب الشيعي تماما ،أي أن أكثر السنيين ععصبا -ال أحب ً أن أذكر االتجاهات حتى ال أس يء ألحد -يساوي ويعادل تماما فهما وجهان ً ً لعملة واحدة أكثر املتشيعين ععصبا ،بمعنى نقول له هذا قريبك ،طبعا ً مثله سيرد مستنكرا" :قريبي!!!! هو أعدى أعدائي" ،ال بل هو أقرب
ً كانوا كاثوليكا ،وهذه مسألة عرضية ليست جوهرية ،وأن ضحاياهم كانوا من الكاثوليك املوسومين بالهرطقة ،وهذه ً مسألة عرضية جدا ألن هذا العصاب الجماعي الذي تمثل في
أقرباءك ،املشموالت مختلفة ،املتضمنات واملوضوعات مختلفة لكن البنية واحدة ،العقلية واملزاج واحد ،لذلك إذا تحول هذا بقدرة قادر - ً ً وهذا صعب جدا إن لم يكن مستحيال -ليتحول هذا الشيعي املحترق لهذا ً السني املحترق ،سيظل محترقا بنفس الكيفية ،وسوف يعادي الشيعة ً بنفس الكيفية الشرسة مع أنه باألمس كان شيعيا .رأينا هذا في بعض املتعصبين من السنة الذين صاروا شيعة أو بالعكس .ش ئ عجيب ،لم ً ً يتواصل لم يصبح مقربا ،أبدا فالبنية واحدة. بذكاء الحظ الفيلسوف األمريكي املعاصر رالف باتنبيري في كتابه "إنسانية
الكفرة الزنادقة املالعين الذين يريدون إفساد الحياة ومنظومة
اإلنسان" عرضية أن الذين كانوا قائمين على محاكم التفتيش في أسبانيا
العقائد واألعراف والتقاليد .كل
شكل ش يء اسمه محكمة تفتيش تفتش عن عقائد الناس وعن ضمائرهم ،وتجعلهم طعمة للنيران وسط حشود تتهلل ً وتصطرخ فرحا وانتشاء بحرق
7
هذه األشياء عرضية بدليل أن البروتيستان بعد ذلك لم يكونوا أحسن عرضية ،فالضحية صار من ضحايا محاكم التفتيش التي انتقلت إىى ً مناطق في أوروبا من ضحاياها البروتيستان في القرن السادس عشر مثال، والصوفيون في القرن السادس عشر والسابع عشر ،وفي القرن الثامن عشر صار من ضحاياها الفولتاريون أتباع فولتار والهوبسيون أتباع ً توماس هوبس ،أيضا املالحدة والربوبيون الذين يؤمنون بالدين الطبيعي يؤمنون بوجود هللا وينكرون الوحي والشرائع السماوية صاروا ضحايا لها في القرن التاسع عشر ،الجمهوريون والتحرريون صاروا ضحايا محاكم ً التفتيش فضال عن املسلمين واليهود في أسبانيا ،املرانوس واملرسكوس ً ً ً الذين أصبحوا رغما عنهم يهودا متحولين مرنوس ،وأيضا خضع هؤالء املرانوس إىى محاكم التفتيش ألنهم كانوا محل ارتياب وخضع املوركسوس إىى محاكم التفتيش ألنهم كانوا موضع ارتياب رغم ععمدهم ً وتحويلهم ألديانهم ،كل هؤالء ضحايا .إذن كون الضحية كاثوليكيا هو ً مسألة عرضية ،وكون الجالد كان كاثوليكيا هو مسألة عرضية .إنها بنية
واحدة .البروتيستان مارسوا بعد ذلك دور الجالد، والفاشيون مارسوه، واالشتراكيون الشيوعيون مارسوه ،النازيون املتعصبون العرقيون مارسوه ،واليوم املسلم السني يمارسه واملسلم الشيعي يمارسه كل في حق
ً أخيه ،وهذا ش يء غريب ،وغدا
وفي الغد القريب ربما في حق من ً طائفته أيضا ،فالبنية واحدة. انتبهوا علينا أن نكون أذكياء هنا وعلميين ،واملقدمة التي أحب أن أدىي إليها بعد هذا االستهالل أنني
8
ً ً قلق جدا ،وينبغي علينا جميعا أن نكون قلقين حيال تلكم القسوة
ويرض ى من يرض ى من غير
والجفاف واملسلك الالإنساني الذي يصدر عنه العلماء والدعاة والقادة الروحيون هنا وهناك ،إذ ال يزالون مصرين ويزعمون التعاطي العالجي
دغدغة العواطف ،وأن تكون حتى الجماهير جماهيري طائفتي
مع املشكلة وأنهم يحبون أن يعالجوا املشكلة ،ال يزالون مصرين على أن
ال ععنيني ،هذه وظيفة القائد
يتناولوها من ذات أو من الزوايا ذاتها التي أشعلت نيرانها وأرثت أحقادها، من نفس الزوايا .ماذا يقولون ماذا نقول ،هم كفار هم تجاوزوا هم
الروحاني ،وظيفة املفكر،
كذبوا ،نحن على حق ،وهكذا من نفس الزوايا .وأقول ما الذي أشعل هذه النيران؟ هذه الطريقة ،لكن الضحايا تقع ،وهناك مجازر وهناك مذابح وهناك تفجير وهناك خوزقة .ال يتحرك هؤالء ال يعنيهم ،وليقع
وظيفة العالم ،وظيفة الباحث والدارس ،لكنهم ال يفعلون. لذلك قلت مرة بجسارة وسأعيدها وسيعدونها جريمة
املزيد من الضحايا .وأنبه أن طريقة العالج هذه تؤهل ملزيد من جرائم ً الكراهية ،ومن الواضح جدا أن املزيد ينتظرنا وأن األسوأ لم يأت ،وهذا
أني وهذا ما أشعر به وهذا ما ً ً أتلمحه -أحيانا ليس دائما بالطبع -أرى في إلحاد بعض
الروحانيين الذين يتنكرون للحقائق من الطرفين .ليس لديهم شجاعة
امللحدين من حيث بواعثه
يعرب عن قدر من موت الضمير ،ومن الالإنسانية من هؤالء القادة وجراءة أن يقروا بالحقيقة كما هي بغض النظر أن ينزعج من ينزعج
ً واألسباب الحاملة عليه قدرا من
9
ً اإلنسانية وقدرا من اآلدمية ال أجده في إيمان معظم هؤالء املؤمنين وأنا سأقول لكم هذا كما أفهمه ،بعض هؤالء املالحدة في الشرق والغرب مثار إلحاده ومبعثه هو ما يراه في الحياة من مصائب ومن ويالت ،من أشياء تبدو ألول وهلة وحتى لعاشر وهلة بالنسبة لعقلي غير معقولة وغير
وبأعضاء زائدة أو ناقصة وبوظائف فاشلة؟ ملاذا يعاني
ً هذا الطفل الذي لم يرتكب ذنبا ً ً ولم يفعل شيئا؟ امللحد طبعا
رحيمة ،ملاذا ععاني الشعوب املستضعفة من االستعمار؟ ملاذا تطحن عبر
وما شاء هللا حين يبزغ مثل هذا
ستين وسبعين سنة وتقتل كل يوم بالجملة والتفصيل وال أحد يتحرك؟، ً ً تقريبا ال يتغير الوضع .يقول امللحد ملاذا يسمح هللا بهذا إن كان موجودا؟ ً ملاذا يسمح بهذا؟ أين عدالته؟ أين رحمته؟ ،طبعا أنا ال أطرح السؤال لكي أقول لكم أن السؤال في موضعه .السؤال مطروح على كل حال ويرون أنه
امللحد ،ولألسف والحمد هلل
بال جواب ،ال ،بل هناك جوابات نحن نساهم في إعطاء ش يء من الجواب، نساهم على كل حال وغيرنا يساهم ،وال يزال .ال أتحدث عن سؤال وجواب
الذي ال يحمد على مكروه سواه أن هذا املد اإللحادي وأكرر للمرة املائة يزداد في العالم العربي ،وسأقول لكم للمرة
بل أتحدث عن مسألة اإلنسانية ،فقط هذا هو القدر الذي يبدو في إلحاد
األلف كلما ازداد شبابنا وشوابنا ً ثقافة وقراءة وانفتاحا سيعلو
امللحد من إنسانية يفتقر إليها من يزعم اإليمان ،وهذه داهية ما لها من
املد اإللحادي والالديني ألن
واهية .ملاذا يولد الصغار مشوهين معاقين بأطراف زائدة أو ناقصة
الخطاب اإلسالمي بائس.
10
الخطاب املشائخي املسكين هذا العاطفي الدجماطيقي بائس خطاب غير ً مثقف غير متسلح بسالح حقيقي ،ضعيف جدا ال يمكن أن يقنع هذه العقول الطلعة املتعطشة للمعرفة للحق والحقيقة ،ال يمكن لهذا ً الخطاب البائس املسكين الذي في معظمه -طبعا ال أعمم -هو بائس و ً مسكين يستحق الرثاء حقا ،وهذا بين قوسين .يتساءل امللحد ويألم هذا ً ً امللحد فهو ليس أنانيا ليس وحشا ،إنه يألم لغيره ،يألم للمستضعفين
أطرح عليك يا موالنا يا عالمة العصر هذه األسئلة ثم تقول ىي: يا بنيتي ،هذه األسئلة ععدت حدود العقل اإلنساني .قالت: فقلت له من فوري العقل هو الذي يسأل ،العقل يتكلم ما
واملذامين واملهانين ،للمكروثين واملصابين ،يألم ويتساءل أين الرحمة ً اإللهية؟ أين دور هللا؟ أين تدخله؟ ِلم يحدث كل هذا؟ هل هو حقا موجود؟ بعد ذلك حين -لألسف -ععييه الحيل ويعجز هؤالء املشائخ
هذه األسئلة تخطت حدود
بخطابهم البائس عن إقناعه يفض ي به األمر إىى اإللحاد .التقيت في بلد
العقل ،كأن الذي يسأل من
عربي بفتاة -وهي اآلن ربما ستسمعني -من العبقريات ،فاملقياس على IQ ً جدا يؤهلها أن تكون عبقرية ،وطرحت ّ علي أسئلة من هذا القبيل مرتفع ً تماما ،وقالت ىي التقيت بثالثة من املشائخ -منهم اثنان من أكبر مشائخنا اليوم على اإلطالق ،-ولكنها أزرت بجوابهم في أقل من ثانية .ما معنى أن
عالم االليانز والغرائب أو الحور
هذا الكالم الفارغ؟ .لألسف طريقة مشائخية .قال :يا بنيتي
العين!!!!! ،الذي يسأل بشر، والعقل هو الذي يتساءل ،قل: يا بنيتي هذه األسئلة لم أخبرها
11
ً من قبل ،أنا عاجز ،ولسف ليس عندي الجواب ،كن متواضعا ،لكنها أزرت بجوابه في أقل من ثانية ،قالت له :العقل هو الذي يمثل هنا ً ويتساءل عقلي ،فأنا فالنة ولست للية من املريخ ،فطبعا قطع به ،والشيخ العالمة الثاني قال لها :هذا ليس سؤال عبد لرب إنما سؤال رب لرب،
الصديق وعمر وعلي؟ أي أنه ً ً ً مؤمن إيمانا عميقا جدا ،يقول: نعم أنا مؤمن مسلم ،أقول له: ً أبدا ،هذا ليس يقين اإليمان بمقدار ما هو بالدة إنسان خلو
قالت :املتسائل هو العبد ،أنا عبد ولذلك أطلب الحقيقة ،قالت له :أنا أحترق بالنيران من سبع سنين ،أبكي وحدي في ليلي مسهدة ال جواب
من اإلنسانية ،بدليل أنك لم
حقيقي عن هذه املعضالت ،على كل حال فقد جلست معها من أجل أن أساهم في الجواب ،لن أقول لكم ما النتيجة .على كل حال هذه هي
تتساءل حيال هذه املصائب ً يوما ،أنت لم تتساءل ،لو
الطريقة ،هذا امللحد حين يلحد هو يلحد على قاعدة إنسانية ،واملبعث
عساءلت على األقل ستعطينا
إنساني واملثار إنساني ،وعنده قدر من الرحمة وقدر من التحسس بخالف
جوابات .ما الجواب؟ هل أنت
املؤمن الذي يزعم اإليمان ويدعيه وال يستثار وال يتحسس وال يألم
عساءلت؟ لم يفعل ،والدليل ً أيضا أن العقل الذي يتساءل ال
لآلخرين ،لذلك مثل هذه املعضالت العقائدية والفكرية ال تخطر على باله ،يقول لك ال أنا مؤمن بينما ال هو ملحد مشكك ،أما أنا أختلف فأنا
يزال يتساءل ،أي أن العقل
مؤمن .وما معنى أنه؟ هل هو مؤمن إيمان الفالسفة ،يؤمن إيمان أبي بكر
الذي يشتغل يشتغل ،وليس
12
ً يشتغل في نطاق ثم يموت ،فهل أنت أيضا في من ساهموا في إثراء الفكر ً اإلنساني والديني؟ ،لم تفعل أبدا ،لست من طالب العلم ،لست من العلماء ،لست من الذين يتساءلون ،لست من الذين يبحثون ،في أحسن أحوالك أنت من الذين يبتلعون ويلقنون أشياء ثم تقيؤها علينا ،هذا في أحسن أحوالك ،ولذلك أنت لست الكائن املتسائل ،أنت الكائن الذي ً ُ تحش ى باملعلومات واملقررات والعقائد ،لست متسائال ،لذلك أنت خلو من اإلنسانية ،ال عشعر باآلخرين .لهذه الدرجة الوضع قد يكون بائس،
وحياتنا ،هذه الطريقة في التفكير ،إنها بنية التحيز الذي يترجمه العرب بالتعصب، يقولون ععصب والتعصب ش يء لحد ما ،لكن ال بأس إن مختلف ٍ فهمت أنك تتكلم عن التعصب باملعنى الذي يعنيه الدارسون في الشرق والغرب االنحياز والتحيز
وأنا صادق مع نفس ي ومعكم أن بعض من هؤالء لديهم من اإلنسانية ما ً ليس لدى الكثيرين مناِ ،من َمن ال يتساءلون أصال حيال هذه املوضوعات ً أبدا ألن إيمانهم هو إيمان التقليد واالجترار والتكرار والتلقن فقط وليس إيمان الفكر والتبرر والتسويغ العقلي والضمائري والتجريبي عبر تجربته ً الروحية .هذه مقدمة أيضا مهمة.
أوسع من هذا بكثير .إذن
نعود إىى موضوعنا ،وهو موضوع هذه البنية الثقافية املعطوبة ،وال أحب أن أقول اللعينة ،وهذه املصطلحات املعطوبة والخطيرة تتهدد مستقبلنا
ال تضللنا الترجمات واختالف
واألحكام املسبقة ،يا حي هال .ال نتحدث عن التعصب بمعنى ضيق كما يعطيه املعجم ،املعنى ً سنتحدث عن هذا مجموعا حتى
13
االصطالحات ،نتحدث عن األحكام املسبقة ،نتحدث عن التحيزات بأنواعها .هذا ما يشكل جوهر هذه البنية ،ومعالم هذه البنية التعصبية ً التحيزية .طبعا تتظاهر بالكره والغضب واالنتقام .هذه كلها أعراض لهذا ً املرض اللعين ،وطبعا في رأس األسباب الكسل .أنا سأفض ي بهذا واحد، نعم الكسل ،حتى في حق العلماء والدارسين .الكسل الذي يتبرم بمقتضيات البحث العلمي املرهقة ،أي مسألة مهما بدت للناس بسيطة
الحنابلة لم يبرأوا من جريمة ً أنهم ذبحوا اآلخرين أيضا ،جرائم ً ً كثيرة جدا جدا على خلفيات ً عقائدية ودينية وكالمية .طبعا هكذا هو التعصب .في نهاية ً املطاف ما كان صادقا سيقول
وواضحة مقررة لدى بحثها تحتاج إىى ألوف الساعات ،إذا لم نقل أيام ً فعال ملعرفة حقيقة القول أو ملقاربة الحقيقة فيها ،الحقيقة املطلقة عند ً هللا تبارك وععاىى .هؤالء لديهم قدر عظيم جدا من الكسل ،ال يحبون ال أن يبحثوا ،ال أن يقارنوا ،ال أن يحاكموا ،ال أن يقايسوا ،يحبون أن
فيتماش ى مع الطبيعة اإلنسانية
يحفظوا ،وأن يقرروا ،وإن كانت النتيجة أن أكفر اآلخرين وأن أذبحهم،
ألنه األسهل .هناك نظرية اسمها
ومن قديم وكما قال محمد بن شجاع الثلجي الحنفي في يوم من األيام - ً ً وكان عدوا مبينا للحنابلة ،-قال :الحنابلة هؤالء يستحقون أن يذبحوا، ً ً قال ما معناه :أدعو للذبح ،تخيل هذا إمام وعالم وألف كتبا ،وطبعا
النزوع إىى األسهل تفسر بها
لك هكذا ،ألنه الطريق السهل، فالتسامح ضد الطبيعة اإلنسانية ،أما التعصب
أشياء كثيرة في علم االجتماع وفي علم النفس .أسهل ّ علي مليون
14
مرة أن أكمم فمك أن أودعك غيابات السجن ،أو أن أقطع لسانك أو
بالزخرفة ليس بما له عالقة
رأسك ال قدر هللا من أن أقض ي معك األيام والسنين أناقشك وأناظرك وأحاول أن أغريك بتبني الجميل الذي عندي ،الحق الذي عندي ،أو
بمستقبل العمارة ،مثل هذا ال يصوت عليه ،لكن ملاذا نصوت
العكس أسهل وخاصة السلطة تفعل هذا ،أي سلطة سواء سلطة
في قضايا الدين واالعتقاد ونأخذ
معرفية أو سلطة تنفذية أو غيرها تفعل هذا بسرعة ،فهذا أسهل عليها
برأي الجماعات؟ ،أناس ال
من النقاش والدرس والبحث.
عالقة لهم ال يحسن أحدهم
مصيبة املصائب أن من يدعي العلم والبحث والدرس يحشد ويحشر إىى
حتى قراءة كتاب هللا على وجهه،
ميدان املسألة العامة ويستنجد بهم -مصيبة املصائب هذه كارثة منذ
وله صوت في املسائل التي ظلت
البداية -أنه يستغيث بالجمهور ،يدغدغ عواطفهم ،يدخلهم في النقاش بطريقة أو بأخرى ،هذه هي الغوغائية .عالم محترم ال يفعل هذا ،مفكر ً محترم ال يستنجد بالعامة ،وال يعمل تصويتا ،هل رأيتم مرة باهلل عليكم جماعة مهندسين مدنيين ومعماريين وغيرهم يصوتون بصدد وضع املعالم
األمة تتطاحن فيها ألف وأربع ً مائة سنة!!!! ليس معقوال ،هذه
الرئيسة للخطة التي سيترتب عليها املستقبل اآلمن للبناء ،مستحيل هذا ال يصوت عليه ،يصوت على أشياء لها عالقة بالفضائية بالجمالية
غوغائية ،هذه دهمائية ،هذا مسلك الغوغائيين في كل زمان ومكان .نعم يستنجدون بالعامة ويحشدونهم إىى امليدان.
15
ً سأكون واضحا معكم ،من صغري كنت أكره -وأنا ابن املساجد منذ نعومة أظفاري -ما أراه في املساجد وفي األحفال الدينية ،وهللا وإىى اليوم أكرهه ،يقوم واحد هللا اكبر وهلل الحمد ،وهكذا ،أكره هذا ،هذا يحدث في ميدان املعركة فقط ،تصرخون ملاذا؟ تتصايحون ملاذا؟ ،نعم هذا ينمي ً شيئا من عواطف وانفعاالت االنتماء والتعصب ،ولكن هذا في نهاية املطاف يغتال العقل ،هذا في الحرب ويجوز فيها الكذب والخدعة لكن
السيارات ،كنت أكره هذا وال أحب أن أنطلق في التظاهرات ضد االحتالل ،أنا أحتج على االحتالل بطرقي الخاصة ،ال أحب هذا األسلوب ،لو كانت ً ً مظاهرات حضارية أهال وسهال،
ليس في السلم .في مناظرة فرج فودة مع الشيخ املرحوم الغزاىي بدأ شاب
لكن هذه غوغائية ال ينبغي أن
مسلم" :هللا أكبر" ،ملاذا ما هذا اإلرهاب؟ هذا إرهاب جئتم به ليتناقش
نفعلها .أعرف أن كالمي هذا لن
فترهبونه ،إن الجمهور معي ،هؤالء الجمهور يحتكم إىى القرلن والسيف، ً بلى غوغائية ،عيب أشعر بالعار لهذا عندما كنت صغيرا ،لذلك في حياعي
يستفيد منه إال نسبة مئوية ضئيلة هي التي أريدها بالخطاب.
لم أمش ي إال مرات معدودات في التظاهرات ،حتى التظاهرات ال أحبها
أعرف أن العامة ستبقى عامة،
أشعر أن هويتي الفردية تضيع في التظاهرة ألن التظاهرة في العموم ال تكون عقالئية بل تكون غوغائية ،ومن يرفع شعار أكثر غوغائية يردد ً معه الجمهور ،أكره هذا دائما ،ثم نكسر مدارسنا ونكسر مشافينا ونرجم
تبقى لها أنماطها وبناها في التفكير ،مستحيل وحماقة مني إن ظننت أني أغيرهم بخطبة أو
16
حتى بألف خطبة .هذا الخطاب ملن يحسن أن يستفيد منه ،ملن يحسن
سكتوا لن أسكت ،حتى لو كلهم تجاهلوا أقول هناك حريق يا
أن يفككه وأن يفهمه من غير تبجح ،يمكن أن يستفيد منه ،لذلك ال بد أن يقال ال يمكن أن نساير الحشود ،ال بد أن نقول لن نقع في ما يعرف
جماعة حتى إذا قالوا ال ،وهذا
بتجاهل األغلبية .هذا في علم النفس االجتماعي ثابت ،إذا األغلبية
مصطلح علمي اسمه تجاهل
تجاهلت عليك أن تتجاهل ،وإال ستتهم في وطنيتك ،في والئك ،في دينك. ً في تجربة لطيفة جدا قام بها علماء علم النفس االجتماعي أحضروا مجموعة من الطالب ،وكان هؤالء الطالب يجلسون في مقاعدهم
األغلبية ما دام تجاهلوا إذن تجاهل ،ثم عندما تكون ضمن أغلبية مهما أجرمت يضعف
ينتظرون بدء التجربة ،والطالب املبحوثون بعضهم متواطيء مع العالم
تحسسك للمعايير األخالقية
املجرب .بدأ بعد قليل قبل أن تبدأ التجربة دخان يتصاعد من إحدى النوافذ ،املتواطئون -وهم عدد ال بأس به -أظهروا عدم اكتراث ،أي أنه ال
باتجاه الخير والشر وباتجاه
يوجد ش يء غير طبيعي ،بينما اآلخرون نظروا بقلق وبعدها أظهروا عدم اكتراث للدخان ،الدخان قد يكون بداية حريق لكن هؤالء وهم أناس محترمون ونسبة كبيرة لم يكترثوا لذا ّ علي أن ال أكترث .هذا هو اإلنسان أين عقلي؟ أين ضميري؟ أين التزامي الشخص ي؟ ،ألتزم حتى لو كلهم
استنكار الجريمة ألن الكثرة ععمل هذا ،ترسل لك رسالة بأن ما نفعل أمر عادي ،خاصة إن كانت تفعل هذا بأوامر من رموز السلطة يتراجع التحسس
17
االنتهاكي للمعايير األخالقية بشكل يجذب إنسانية اإلنسان ،يتراجع بنسبة
األخالقية بل يرزح لها ،وأال
مقلقة جدا .إنها التجربة األشهر تجربة العالم الشهير ستانلي ميليغرام في
نفقد املعركة .قضايا خطيرة
الثالث والسبعين مشهورة -وال يوجد وقت لنذكر تفاصيل هذه التجارب،-
وحساسة .أكبر صراع هؤالء
من شاهد فيلم اإلذعان لستانلي ميليغرام يفهم حقيقة هذا الش يء،
وهؤالء ،ال تتعلق بطبيعة
املسألة يبدو أنها في طبيعة البشر ،قلت لكم علينا أن ال نقلق حيال
اإلنسان كإنسان مسلم وغير مسلم في الشرق والغرب ،في
طبيعتنا ،هذه طبيعتنا لألسف ،طبيعة معطوبة سيئة "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها" ،فالفجور قبل التقوى فاألغلب فجورها ويأعي
القديم والحديث ،هذا هو
في البداية ثم تأعي تقواها ،ش يء مخيف .قال :هذه هي الطبيعة ،ولذلك
اإلنسان وعلينا أن نفهم هذه
علينا أن نستنجد بالثقافة ،هذا صحيح ،فألهمها فجورها وهو اإللهام األول ،وتقواها وهو اإللهام الثاني ،هو الذي يهيء للبشر أن يقاوموا
املقدمات من زاوية علمية
اإلكراه ،أن يقاوموا الظلم ،أن يقاوموا االستعباد بفضل هللا على ً الطبيعة ،لكن الطبيعة ال ععادل الطبيعة دائما خاصة إذا وقفت السلطة مع الطبيعة الفاسدة ،لذلك علينا أن نراهن على الثقافة ،وأن ً نراهن أيضا على بلورة نظام سياس ي عادل ال يسمح بانتهاكات للمعايير
وبطريقة علمية حتى يمكن أن نتعاطى معها بشكل ناجع وناجح بإذن هللا تبارك وععاىى. إذن كلما كنت في الجماعة ،كلما كنت في الحشد غلب عليك
18
التنميط ،لسبب أو آلخر ،أدمنت .وأعتقد أن كل شاب مسلم نشأ في الحقل االسالمي أدمن أن يخبر هذه الخبرة ،رجل مجهول إىى اآلن اكس
وهو أنك لو سألت هذا املعلق
( )Xغير معروف انتماؤه الحزبي التنظيمي ،يدىي بقول يبدو أنه كالم مع
للحكم هل ما يقوله هذا الرجل حق أو باطل ؟ ععرفون ماذا
العامة مع العاديين ،يبدو أنه خارج عن املألوف فيما يبدو ،ولذلك دأبنا
سيكون الجواب؟ الجواب
على أن نحيا نخبر هذه الخبرة ،يبرز أحدهم يتساءل عن ما هو؟ ليس من
يتوقف على ما هو ،إن بان
هو فالن؟ محمد أم حسين؟ هذا ال يعنينا ،ما يعنينا ما هو؟ هل هو منا أم ليس منا؟ ،هل هو داخل اإلطار أو ليس داخل اإلطار؟ هذا عساؤل قد ً ً يبدو بريئا ،ال ليس بريئا باملرة .ما معنى هذا التساؤل؟ ما معنى أنك ععمل ً ععليقا للحكم؟ ،أنا لن أحكم على من يقول والذي فيما يبدو أنه معارض ً للمألوف ،أقواله غريبة ،ليس ّ لدي دليل أنها خارجة تماما ،لكن يبدو أنها
ووضح أنه منا يبدو أن ما يقوله
من الحشد والقطيع سننتحل له
غريبة لذلك سأعلق الحكم ،لن أحكم عليها ،هل هي حق؟ هل هي باطل؟
األعذار ألنه منا ،هنا تبدو
ليست هذه قضيتي ،قضيتي اآلن معرفة هويته التنظيمية الحزبية االنتمائية ،سني أم شيعي؟ ،تحريري أم إخواني؟ ،صوفي أم وهابي؟ ،إىى
النحن و الهم ،أما إذا بدا أنه ً ليس منا فقطعا ما يقوله باطل، ً وقطعا سيرمى بجريمة كذا
لخر هذه التنويعات .إذن سنسأل عن ما هو هذا؟ يتضمن ش يء له داللة،
حق ،وفي أسوأ الظروف سننتحل له األعذار إذا بدا أنه ً ً ليس حقا تماما ،بقول لخرين
19
وكذا ،وسيطعن في دينه وعقله وملته ،إىى لخره .عجيب!!!! قول واحد ً ً يمكن أن يكون حقا ،ويمكن أن يكون باطال ،نعم يتوقف هذا على ما هو، هو أخ أم ليس أخ؟ ،معنا أم ليس معنا؟ من جماعتنا أم ال؟ ثم نأعي ً بالحكم ،وهذه مسألة خطيرة جدا. ً يتسلح هؤالء أيضا بحيلة بائسة أخرى ،حيلة فقيرة متهافتة ،وهي من أجل من يقال هذا الكالم؟ ملصلحة من؟ لم يقال في هذا الوقت بالذات؟ لم
واملصلحة .الحقيقة مقدسة لذاتها "وقل الحق من ربكم"، والنبي حدثنا عن نبي يبعث يوم القيامة ومعه رجل ،تخيلوا نبي وليس مفكر مصلح ،نبي بعث في أمة من مائة ألف أو يزيدون أو حتي عشرة مليون ولم يسلم معه
تطرح هذه القضايا في هذا الوقت بالذات؟ ولنا ععليقات على هذا ً التساؤل البسيط املترع بالتهافت .أوال :هل فعال الحقيقة لها أوقات تقال
إال رجل واحد ،والنبي حدثنا عن
فيها وأخرى ال تقال فيها؟ تقال يوم السبت واالثنين وتخفى يوم الخميس
نبي يبعث وليس معه أحد ،ما
والجمعة؟ الحقيقة نخبؤها في أيام ونقولها في أيام .هذا سؤال ،وال بد أن ً نتساءل هذا السؤال حيال الحقائق ،ثانيا :هذا التساؤل املترع بالتهافت ً ً ً ويبدو أنه يعتمد منظورا مصلحيا براجماتيا ميكافيليا حتى في النظر إىى
معنى هذا الكالم؟ في ضوء ما أقول أعتقد أن املعنى أصبح ً واضحا ،الحقيقة ينبغي أن
الحقائق واألفكار واآلراء والعقائد ،نعم ملصلحة من؟ ،من قال لك أن الحقائق ينبغي أن توزن يا ويليام جيمس أو جون ديوي بمقياس املنفعة
تقال ،وأن يصدع بها ،وأن يرفع لواؤها حتى ولو لم يتبنها واحد.
20
الحقائق ال يصوت عليها ،لكن هؤالء يتحدثون بمنظور مصلحي ،ملصلحة
هنا إذن أنا مصيب في سائر
من يقال هذا؟ ،وسأكشف النقاط عن ما هو أخطر ،ما هو مضمن في هذا التساؤل البريء املتهافت أخطر بكثير مما أعربت عنه ،هو يكشف
املسائل ،يحدث هذا للغوغاء العامة فيظنون هذا ،يظنون أن ً فالنا أفحم فالن في هذه املسألة
يقض ي بأن تبدي مخالفة لكل من ليس من النحن ،لكل الهم اآلخرين ،في ً ً كل ما يمكن أن يظن من مختصاتهم بغض النظر كان حقا أم كان باطال،
إذن انتهى وكل ما عنده باطل، يخافون من هذا ،لذلك السني
هذا ال يعنينا .كل ما يمكن أن يوصف بأنه من مختصات الهم ال بد أن نكون ضده ،ألنه لو أبديت موافقة ولو في مسألة واحدة أنت لست عغري
يخاف ملاذا تتكلم عن يزيد وعن
عن منظور لخر في منتهى السقوط والضعف والرعونة ،هذا املنظور
بإتباعهم في كل مسائلهم ،وهذا املنظور معظم الناس لألسف الشديد يخضعون له ،لذلك الدعاة الخطيرون -دعاة الفكر -في الشرق والغرب مسلمين وغير مسلمين وحتى املالحدة الذين درسوا علم النفس وعلم النفس االجتماعي يعرفون هذه الحيلة ،فيأت ليتكلم لينتصر ملعتقده ً أليدولوجيته ،ملذهبيته ،في مسألة هو قوي جدا فيها ،ويطيل النفس، ً ويجعلها أم املسائل ،وطبعا يحدث انطباع لدى اآلخرين مادام أنا أصبت
قتل الحسين؟ ملاذا تنتقد معاوية؟ لصالح من يا رجل اتق هللا فينا؟ ،ألنه لو ثبت أن الشيعة في موقفهم هذا أنهم على حق وأن يزيد هذا ملعون وأن ً ً معاوية كان مخطئا متجاوزا على الشريعة وعلى املسلمين معناها
21
أنك ستغري الناس أن يصبحوا شيعة .اتق هللا ما هذا املنظور؟ هذا ً املنظور ال يمكن أن يتبناه مفكر واعي ،أبدا الغوغاء تفكر بهذه الطريقة، الباحث الدارس ال يفكر هكذا ،أنا أقول لكم املفكر األصيل املتسم
الجملة ،وليس هذا فقط ً يسألون سنناظر من؟ ،طبعا ال ً ً بد أيضا أن يأخذ شيكا على
باألصالة لو نجحت في أن تبرهن عسع وعسعين في املائة من أفكارك لن ً ً يعطيك شيكا على بياض ،لن يعطيك اعتمادا للفكرة املائة املتبقية أو ً النسبة الواحد في املائة املتبقية بناء على رصيدك املآلن ،أبدا سيقول لك
بياض ضمانة قبل أن أناظر ً أحدا ،البد أن يترجح ّ لدي أني
حتى الواحد في املائة أريد أن تبرهنها ،قد يقتنع بها أو قد ال يقتنع ،هكذا
سأغلبه وأصرعه ،أما إذا كان ً ً قويا وعبقريا يستحيل أن أناظره .ألنه -وكما قال بعضهم-
املفكر ليس عنده أنت أصبت في خمس في املائة أن اتبعك في كل ما ذهبت ً إليه ،الغوغاء تفعل هذا بينما املفكر ال يفعل هذا ،بل يطلب تبريرا لكل ً متبنياته ،يطلب مبررا وبالدليل ،هذا معنى الفكر ،وإن لم تكن كذلك ً فأنت لم عشم رائحة الفكر أصال. ً مثل هؤالء يتذرعون بش يء خطير جدا ،كما قلت هم يدأبون مناقشة الفكرة من الزاوية التي أرثت نيرانها وزكتها ،وهذا مسلك ال إنساني في نفس
واملناظرة مغامرة ،كل مناظرة
الوقت يتنكرون للمحاورة الحقيقية وللمناظرة ،ال يحبون هذا في
مغامرة قد تربح وقد تخسر،
إبليس ناظر هللا ،وهذا منطق ً غريب جدا ،ألن إبليس ناقش هللا فلماذا أناقش؟ ،هذا يعني ً أنه ال يؤمن أصال باملناظرة،
22
واملفروض أن الذي يناظر يناظر على قاعدة أن الحق ال تحتازه طائفة معينة ،وال شخص بحياله ،يمكن أن يصيب أخي -ال نقول عدوي -في مسائل معينة وأنا سأعترف له .ذات مرة معمر بن راشد رحمة هللا عليه قال لحماد بن أبي سليمان أستاذ أبي حنيفة رض ي هللا عنه ،قال له :يا ً ً ً حماد كنت رأسا في أصحابك وكنت إماما فخالفتهم فصرت تابعا بعد أن ً كنت متبوعا!!! هل هذا منطق؟!!!!! فقال حماد رضوان هللا عليه" :وهللا ً ً تابعا في الحق أحب ّ أن أكون إىي من أن أكون متبوعا في الباطل" ،أي ال ً ً يعنيني هذا ،كنت إماما في مسائل كنت فيها مبطال ،بينما أنا اآلن لست ً ً إماما بل أصبحت تابعا لغيري في مسائل أصبت فيها الحق .هللا اكبر ،هذا ً ً ً وفظيعا بين ّ يدي الذي يخش ى هللا ،هذا الذي يقدم لنفسه موقفا مهيبا ً هللا غدا يوم القيامة ،ال الذي يلعب بالحقائق وباألشياء من أجل مصالح ً دنيوية تافهة وصغيرة ومحقورة أبدا .ومثله على ما أعتقد عبيد هللا العنبري قاض ي البصرة الذي رجع في مسألة أخطأ فيها ،فقال إذن ارجعوا وأنا صاغر ،قالها أمام الناس ،قال :أرجع إىى الحق وأنا صاغر وألن أكون
ً ذنبا في الحق خير من أن أكون ً رأسا في الباطل .هللا أكبر ،هؤالء الرجال أنا اقول لكم ال يمكن أن تقعوا على أحد لديه االستعداد باإلقرار بضعفه بخطئه بتجاوزه ويعرب عن هذا إال أن يكون شخصية عظيمة بمعنى العظمة ،شخصية ناضجة، وللتبسيط والتوضيح شخصية رصيدها مترع ومآلان فمهما فقد ً منه شيئا يبقى الكثير الذي يعول عليه بخالف الفاشلين، كل أولئك العنيدون الدجماطيقيون مغلقو الرؤوس
23
واألدمغة فارغون وغير ناضجين في تجربة الحياة ،لذلك يكذبون على
حدثتكم مرة بالقصة التي قصها
أنفسهم وعلى حقائقهم ،الرسام الفرنس ي االنطباعي بيار رينواه كتب مرة يقول :أنا شخص ضعيف ّفي القليل من الخير والكثير من الشر ،أعرف
أبو بكر بن العربي في أحكام
هذا وال أكذب بصدده .هذه عظمة ،هذا إنسان ناجح ،رسام معروف على مستوى العالم ،عنده ما يمكن أن يعتمد عليه ،فقط أشياء شخصية، لكن ال بأس عنده أشياء ععزيني ،أما الفارغ الرأس املغلق الدماغ ععرفون ما عنده عنده اللحظي اآلن ،املسألة التي يناقش فيها إن فقدها ،لذلك تجدهم يتناقشون في االتجاه املعاكس بطريقة مزرية بطريقة عصابية، رجل معصوب سواء ربحت أو خسرت لن يتغير الكون بنقاشك يا أستاذي ،لن تدمر بهذه الحلقة ساعة إال ربع ،ملاذا أنت هكذا معصوب ً مضطرب؟ ،ألن هذه املعركة األوىى واألخيرة ،دائما ليس عنده رصيد حقيقي ،وهذا هو الفرق بين الناضج والفارغ ،ولذلك هؤالء ال يؤمنون بأن املناظرة مغامرة ،نعم قد أربح وقد أخسر ،ال يعنيني بالعكس حين أربح ً معرفة حقيقة كنت جاهال بها فهذا فضل عظيم من هللا تبارك وععاىى.
القرلن ،لألسف مرة أخطأت ظننت أنها اتفقت البن العربي وباملراجعة وجدت أنها اتفقت ألحد العلماء وكان من معارف ابن العربي فنستغفر هللا .املهم جاء مرة في فسطاط مصر في مجلس العالمة أبو فضل الجوهري فأبو فضل الجوهري قال على رؤوس الناس :النبي طلق ولل من نسائه وظاهر منهن ،وهذا صحيح أن النبي طلق ،كما أنه صحيح أنه لل،
24
ولكنه لم يظاهر ،قال :ولل ،قال :وتركته حتى انفض عنه الناس فاقتربت ً منه ،فقال :لعل لك شيئا تقوله؟ ،فقلت :نعم ،قال :فأخذني إىى بيته ،ثم قال ملن معه :افرجوا له عن كالمه عن منطقه ،فقلت له :موالنا لقد قلت في مجلسك كذا وكذا ،أما أنه طلق ولل فهذا ،أما أنه ظاهر فالنبي لم يظاهر ،وما ينبغي له ألن الظهار منكر من القول والزور ،وقد عصم هللا نبيه من املنكر والزور ،قال :فاعتنقني وقبل رأس ي ،وقال :نعشك هللا بالحق كما نعشتني أنا راجع ،فما كان من الغد وامتأل املسجد لهذا العالمة اإلمام الكبير بالناس ،قال :فرلني رمقني ،فقالّ : إىي به ،افسحوا له ،ععلمون من هذا؟ قال :حتى إذا صرت عنده أجلسني على كرسيه ورفعني ،وأنا أغرق في خجلي وحيائي .إنسان غريب وطالب للعلم وهذا إمام معروف بين تالميذه!!! لكن انظروا إىى حب الحق وليس إنكار الصعاليك للحق ،صعاليك ال عالقة لهم بالعلم وينكرون الحق على أهله ،ش يء عجيب ال ُيفهم ،وعالم وإمام كبير يتقبل الحق من تلميذ مجهول ال يعرفه ،زائر ملصر ال يعرفه أحد ،قال لهم :ععلمون من هذا
قالوا :ال نعلم ،قال :أنا معلمكم وهذا معلمي ،هذا شيخي ،هذا فتح علينا به هللا في مسألة أخطأت فيها بحق رسول هللا، وحكى لهم ،وقال أنا ال أكاد أصدق .علق ابن العربي -بمعنى الكالم -قال" :هذا هو الدين املتين ،هذه هي اإلمامة ،وهذه هي محبة الحق ،وليس دس دس وخبيء خبيء ،وإبليس ناقش
ً فنحن ال نناقش ألننا نريد شيئا ً مضمونا ،وأن ننتصر ولو في ً الباطل .ليس معقوال .نسأل هللا أن يشفينا من هذا الداء العياء.
25
ً يتساءل بعضهم أيضا بهذا الصدد يقولون :كيف نسمح بمثل هذا االنفتاح؟ ومثل هذا التحول؟ ومثل هذا اإلطالع املرن على اآلراء والعقائد واملذاهب واألفكار ،وهذا قد يعرض اإلنسان للتهور والوقوع في األخطاء؟، ععرفون من أعظم ما ينكر ّ علي كلما قلت للناس اقرأوا كل ش يء ،ععلموا كل ش يء ،انفتحواُ ،يجن جنونهم ،كيف تقول هذا؟ أنت ععرض الناس للخطأ ،أنت كذا ،كأنهم لم يقرأوا كالم النبي "فمن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد" ،إنه أجر للبحث عن الحقيقة ،واملثل االنجليزي الرائع يقول" :إذا ً لم عغامر بش يء لن تكسب شيئا" ،والبحث عن الحقيقة مغامرة ،وكما ً قلت املناظرة أيضا مغامرة ،واملحاورة مغامرة ،والقراءة مغامرة، ً سأغامر ،أخسر أشياء قطعا ثم سأكسب أشياء أهم منها ،لكن القراءة واإلطالع واملرونة تصحح نفسها ،أنا سأصحح نفس ي بنفس ي ،اآلراء التي
أقبلها عن تبرير وعن عسويغ وعن فهم وإدراك منيران -إن جاز التعبير -تصبح لرائي حتى وإن كانت لغيري مثل النحلة ،النحلة تحط على هذه الزهرة وعلى تلك ً وتلك ثم تخرج عسال هو عسلها، وليس هو رحيق األزهار مع أنه من رحيق األزهار .كوراموس الكاتب اإلغريقي وهو أول كاتب كوميدي في القرن الخامس قبل امليالد ،كتب مرة يقول كلمة رائعة أن اإلدراك وحده هو
أبتلعها ثم أرددها ليست لرائي ،إنها عشعرني بنوع من الغربة ،أغترب عن نفس ي ،عسمعون باالغتراب ،هو مصطلح هيغل وماركس وهذه الجماعة،
املبصر السميع ،و بدونه كل
فهذا اغتراب ،ليست لرائي ،لكن اآلراء التي أقبلها حتى لو كانت لغيري
ش يء أعمى أصم وبال روح ،أي
26
أن تتبنى الش يء عن فهم وعن إدراك وإال تبقى أعمى وتبقى أصم ،ال ترى
أي مثقف فيكم وفيكن ،ويخبره
وال عسمع .هذا هو اإلدراك املنير البصيع السميع .إذا لم عغامر بش يء لن
في حياته اليومية في املساجد وفي
تكسب أي ش يء.
الشوارع وفي املنتديات ،وحين
باهلل عليكم وهذا ما نلمسه اآلن ،أي مثقف وأي مثقفة ،مسلم أو مسلمة
يقرأ مثال إىى ليسنغ عبارة كلما
حين يتعاطى مع التراث اإلنساني بما فيه التراث الغربي وفيه أشياء أكثر
قرأتها تهزني ،وأشعر بفضل هللا
من رائعة ،ويقرأ هذا التراث وألعالم هذا التراث ثم يخبر أمثال هؤالء
وأحمد هللا على أني وصلت إىى
أصحاب العقليات املغلقة أصحاب الغوغائيات والخطاب العاطفي الجماهيري الذي يؤسس إىى العقل الشعبوي الجماهيري ،عقل متحكم
هذه الدرجة ،أشعر وأقسم باهلل
فيه ،عقل محاصر أسير مسجون ،حين يقرأ لهؤالء ويقرأ لهؤالء ،حين
أن هذا هو اإلنسان الذي يريده هللا ،ال اإلنسان الذي يقول يا
يسمع ما تلوت عليكم" :أنا ال أناقش ألن إبليس ناقش هللا" ،ملاذا ننقاش؟
رب ،أنا سلمت بكالمك ،وكالم
إذن ماذا تريد؟ نقاتل عن ما نعتقد حتى سفك الدماء وليقاتلوا هم
رسولك ،وكالم طائفتي كله من
ولتحصل املذابح وال توجد مشكلة؟!!!! لكن ال نتناقش ،لن ندخل في هذه
غير تفكير وأغلقت دماغي،
املغامرة غير املأمونة ،ليس لدينا شيك على بياض أننا سننتصر ونرفع
وقاتلت عنه وأنا عبدك ،هللا سيقول له أنا لم أخلق لك هذا
رؤوسنا وتظل مكاسبنا املادية واملعنوية محرزة لنا ،باهلل عليكم حين يقرأ
27
املخ كي يشتغل كطنجرة أو كبطيخة ،ال ،ماذا فعلت بهذا؟ هللا سيقول له
"أو أمض ي حقبا" أي حتى لو
يا أحمق ،يا صاحب األمانة التي كعت عنها السموات واألرض والجبال ،يا فارغ .ال ،الذي يحبه هللا ويريده أمثال عقلية ليسنغ .ليسنغ يقول :لو كان
سافرت آلالف السنين البد أن
بيد الرب ال إله إال هو ،لو كان بيده اليمنى الحقيقة كلها ،الحقيقة
أصيب هذا الرجل الذي عنده
الكاملة الناجزة ،وبيسراه البحث الدؤوب عنها املترافق مع السعي الدائم
ما ليس عندي وأععلم .جعل هللا نفوسنا موسوية ،ورفعها بش يء
والخطأ ،واكتنان الحقيقة ،أي تبقى مختفية ال ععرب عن نفسها لكن إن
من املحمدية ،بعشق العلم
هو إال بحث مستمر وستقع في خطأ مستمر ،ولن تطالع وجه الحقيقة -
واملعرفة .لو قرأ مثقف مسلم
هكذا قال وليس هذا الذي يحصل بفضل هللا ،لكن لو كان هكذا ،-ثم
هذا -اآلن تخيل نفسك قرأت
قال ىي اختر ،قال لجثوت على ركبتي عند يسراه ،ولقلت له إلهي أعطني ما في اليسرى ،أما الحقيقة كلها فهي التي تليق بمجدك وجاللك .الحقيقة
هذه املأثرة العظيمة لليسنغ -ثم
لك أنت ،الحقيقة الناجزة من يعرفها كلها بضربة واحدة هو رب العاملين، ال أنا ،وال أنت ،وال ابن تيمية ،وال ابن املطهر ،وال الشافعي ،وال أبو حنيفة ،وال أحد .النبي ال يعرف الحقيقة كاملة" ،وقل ربي زدني علما"، العلم كله هلل ،الحق كله هلل ،نحن نحاول أن نقترب ونقارب .موس ى قال:
تقرأ هذا ملشائخنا وكتابنا ً وعلمائنا ،طبعا ستقول بال شك أنا بريء من هذه املزاعم ،من هذه االنغالقية ،أنا بريء من القصور العصبية ،هذه
28
القصور الكئيبة .سأنتمي إىى أحرار الفكر .املستقبل للنابهين ،املستقبل لألحرار ،املستقبل ليس للحمقى وال للعبيد .أقول قوىي هذا وأستغفر هللا ىي ولكم.
اإلنسانية من املتعصب.
ً سأشرح ألن هؤالء جميعا يعترفون بأنهم مرتكبو جرائم
=======================
وأنهم خارجون عن املعايير األخالقية والقانون ،وأنهم إنما
الحمد هلل ,الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ُ ويستجيب الذين لمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من ويعلم ما تفعلون، ٌ عذاب شديد ,وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال فضله والكافرون لهم ً ُ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،صلى هللا ععاىى عليه وعلى لله شريك له ً ً وأصحابه وأتباعهم باحسان وسلم عسليما كثيرا.
يفعلون هذا ملصالحهم الشخصية .يقولون نحن
الخطبة الثانية:
كلمتان قبل أن نغادر هذا املقام الكريم ،الفيلسوف الذي ذكرته لكم ً ً اليوم رالف بيري أيضا له عبارة في كتابه ذاته أعجبتني جدا ،قال" :يبقى في القرصان وقاطع الطريق والسارق املتوحش املتعصب الناهب ش يء بريء وبسيط ينتمي لإلنسانية بخالف املتعصب" ،أي هؤالء أقرب إىى
مجرمون ،نحن دنيئون ،نعرف هذا ،هذا إنساني .أن تقر بالحقيقة حتى حقيقة العار الذي يجللك .هذا من اإلنسانية. قال صلى هللا عليه وسلم" :خير الخطائين التوابون"" ،لو لم تذنبوا لذهب هللا بكم وألعى
29
بقوم لخرين يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم" ،ال املتعصب ال يؤمن بهذا،
ً باطال وارزقنا اجتنابه ،واجعلنا
هو ال يذنب وال يخطيء ،كل ما عنده حق ،وحق مطلق ،لذلك يقود الناس إىى املذبحة إذا لم يتبعوه على كل ما يقول ،فيقرر أن املتعصب باريء من ً أدنى معاني اإلنسانية ألنه دائما في الوقت الذي يعمل فيه ملصالح
مفاتيح للخير مغاليق للشر. اهدنا واهدي بنا وأصلحنا وأصلح بنا .اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها وما قدمنا وما أخرنا وما
شخصية دنيئة وفئوية ضيقة يزعم أنه يعمل هلل وللوطن ،لذلك هذا أبعد من اإلنسانية بدرجات وبمراحل ،السارق خير منه .أحدهم يقول
أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما
بعد أن يجرب -واسألوا الذين جربوا -بالضبط ،وهللا مائة باملائة ألن
أنت أعلم به منا.
السراق كم أضروا بنا؟ كم سرقوا؟ لكن هؤالء أوقعوا بنا املذابح ،ذبح منا األلوف ،وال تزال الناس تذبح وعسلخ وتخوزق ،وتلك مصيبة ،وهؤالء املجرمين يتكلمون باسم الدين وباسم اآلخرة .يا إلهي كم ذبحنا أنفسنا باسمك ال اله إال هللا ،كم ذبحنا وال زلنا نذبح باسم هللا وفي وجه هللا ولوجه هللا. نسأل هللا أن يبرأنا من أمراض التعصب ،وأن يجعلنا ممن يستمعون ً القول فيتبعون أحسنه .اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ،وأرنا الباطل
30