التعصب كبنيه عدنان إبراهيم

Page 1

‫التعصب كبنيه‬ ‫‪By‬‬

‫خطبة الدكتور عدنان إبراهيم‬ ‫الجمعة ‪2011/9/9‬م‬ ‫تفريغ‪ :‬أ‪ /‬رانيا بن ظافر‬ ‫مراجعة وتدقيق‪ :‬د‪/‬منى زيتون‬ ‫تنسيق الكتاب‪ :‬محمد عدوي‬


‫زورونا في الصفحه‪:‬‬

‫تفريغات خطب الدكتور عدنان إبراهيم‬

‫‪1‬‬


‫التعصب‬ ‫كبنيه‬ ‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور‬ ‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪َ ,‬من يهده هللا فال مضل له ومن ُيضلل فال‬ ‫ُ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وال نظير له وال مثال‬ ‫هادي له‪,‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبد هللا ورسوله‪ ,‬وصفوته من‬ ‫له‪,‬‬ ‫خلقه وأمينه على وحيه‪ ,‬صلى هللا ععاىى عليه وعلى لله الطيبين الطاهرين‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫وصحابته املباركين امليامين‪ ,‬وأتباعهم بإحسان إىى يوم الدين وسلم‬ ‫ً‬ ‫عسليما كثيرا‪.‬‬

‫عباد هللا أوصيكم ونفس ي‬ ‫الخاطئة بتقوى هللا العظيم‬ ‫ولزوم طاعته‪ ,‬كما أحذركم‬ ‫وأحذر نفس ي من عصيانه‬ ‫سبحانه ومخالفة أمره‪ ,‬لقوله‬ ‫جل من قائل ‪َ :‬من َعم َل َ‬ ‫ص ِال ًحا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ف ِلنف ِس ِه ۖ َو َمن أ َس َاء ف َعلي َها ۗ َو َما‬ ‫َرُّب َك ب َظ االم لل َ‬ ‫يد‪ -.‬ثم أما بعد‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ِ ٍ ِ ِ ِ‬ ‫أيها األخوة املسلمون األحباب‬ ‫أيتها األخوات املسلمات‬ ‫الفاضالت‪ ,‬يقول هللا سبحانه‬ ‫وععاىى في كتابه الكريم بعد أن‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان‬ ‫الرجيم‪..‬‬

‫‪2‬‬


‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫إخواني و أخواعي في معرض‬

‫َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ين َآم ُنوا إ ْن َت َّت ُقوا َّ َ‬ ‫َ"يا َأ ُّي َها َّالذ َ‬ ‫اَّلل َي ْج َع ْل لك ْم ف ْرق ًانا َو ُيك ِّ​ِف ْر َع ْنك ْم َس ِِّيئا ِتك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ين ك َف ُروا ل ُي ْثب ُت َ‬ ‫اَّلل ُذو ال َف ْ‬ ‫ضل ال َعظيم (‪َ )92‬وإ ْذ َي ْمك ُر ب َك الذ َ‬ ‫َو َي ْغف ْر َل ُك ْم َو َّ ُ‬ ‫وك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َِ َُْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وك أ ْو ُي ْخر ُج َ‬ ‫َأ ْو َي ْق ُتل َ‬ ‫اَّلل َخ ْي ُر اْلاكر َ‬ ‫اَّلل َو َّ ُ‬ ‫وك َو َي ْمك ُرو َن َو َي ْمك ُر َّ ُ‬ ‫ين (‪ )03‬وِإذا تتلى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َع َل ْيه ْم َآي ُات َنا َق ُالوا َق ْد َسم ْع َنا َل ْو َن َش ُاء َل ُق ْل َنا م ْث َل َه َذا إ ْن َه َذا إَّل أ َساط ُير اْل َّولينَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(‪َ )03‬وإ ْذ َق ُالوا ا َّلل ُه َّم إ ْن ك َ‬ ‫ان َهذا ُه َو ال َح َّق م ْن ع ْند َك فأ ْمط ْر َعل ْي َنا ح َجا َر ًة منَ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫اَّلل ل ُي َعذ َب ُه ْم َوأ ْن َت فيه ْم َو َما ك َ‬ ‫ان َّ ُ‬ ‫َ َ َ َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫اَّلل‬ ‫الس َم ِاء أ ِو ائ ِت َنا ِب َعذ‬ ‫اب أ ِل ٍيم (‪ )09‬وما كان ِ ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ َ ُ ْ َ َّ ُ َ ِّ َ ُ ُ َّ ُ َ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ص ُّدون َع ِن‬ ‫ُم َع ِذ َب ُه ْم َو ُه ْم َي ْس َتغ ِف ُرو َن (‪ )00‬وما لهم أَّل يع ِذبهم اَّلل وهم ي‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ َّ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫اْل ْس ِج ِد ال َح َر ِام َو َما كانوا أ ْوِل َي َاء ُه ِإ ْن أ ْوِل َياؤ ُه ِإَّل اْل َّت ُقون َول ِك َّن أكث َر ُه ْم َّل َي ْعل ُمون"‬ ‫(‪.)03‬‬

‫استفصال املالئكة في مسألة‬ ‫استخالف هللا او إعرابه عن‬ ‫مراده سبحانه و ععاىى أو إرادته‬ ‫في استخالف هذه الخليقة و في‬ ‫رأسها أبوها لدم عليه السالم‬ ‫ورد "أتجعل فيها من يفسد فيها‬ ‫و يسفك الدماء"‪ .‬يبدو أن هذا‬ ‫أظهر ما وقعت عليه املالئكة من‬ ‫طبيعة هذا الكائن‪ ،‬من طبيعة‬ ‫هذا الخلق‪ ،‬إنه كائن نزاع إىى‬ ‫اإلجرام وإىى إحداث املصائب‬

‫ّ‬ ‫صدق هللا العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين‪.‬‬

‫واملرائر والكوارث‪ ،‬يفسد فيها‬

‫اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط‪ .‬لمين اللهم لمين‪.‬‬

‫ويسفك الدماء‪ .‬والظاهر أن هللا‬

‫‪3‬‬


‫ً‬ ‫تبارك وععاىى سلم لهم هذا مبدئيا والدليل على صحة هذا الفهم ما ذكرناه‬ ‫غير مرة أننا ال نعثر بالقطع و الجزم واليقين ‪-‬وال نقول ال نكاد‪ -‬على موضع‬ ‫يذكر فيه اإلنسان إال ذكر فيه بالذم في كتاب هللا تبارك وععاىى "قتل‬ ‫اإلنسان ما أكفره"‪" ،‬يا أيها اإلنسان ما غرك بربك الكريم"‪" ،‬وحملها‬ ‫ً‬ ‫اإلنسان إنه كان ظلوما جهوال"‪" ،‬إن اإلنسان لظلوم كفار"‪" ،‬إن اإلنسان‬ ‫لفي خسر"‪ .‬كل اآليات ال تذكر اإلنسان إال و وسمته و وصمته بهذا العار‬

‫عظيم منها طبيعة منحطة‬ ‫ً‬ ‫تماما‪ ،‬وطبيعة متوحشة‬ ‫وطبيعة دموية مفسدة ومخيفة‬ ‫ً‬ ‫تماما‪ ،‬ال يزال هذا يتبرهن عبر‬ ‫التاريخ اإلنساني كله بداية من‬ ‫ً‬ ‫ذلك الذي قتل أخاه ظلما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحسدا وبغيا وعدوانا فال يزال‬

‫الذي يجلله وهو الكفران والجحود والجريمة والظلم والجهل والنسيان‬ ‫ً‬ ‫إىى لخره‪ ،‬لكن هناك دائما مراهنة إلهية قرلنية على ش يء واحد وهو‬

‫يصيبه كفل من كل جريمة‬

‫اإليمان‪ ،‬أن يتبع اإلنسان منهج هللا تبارك وععاىى‪ ،‬فاإليمان يشكل است ناء‬ ‫ً‬ ‫فقط‪ ،‬وهو االست ناء الوحيد بحسب املنظور القرلني‪ .‬عموما هذا الطرح‬

‫تحتقب إىى يوم يرث هللا األرض‬ ‫ومن عليها‪ ،‬ليس لنا أن نقلق‬

‫أنا أؤكد أنه سيفجأ كل إنسان ال يفهم الخطة القرلنية والنظرية القرلنية‬

‫حيال طبيعتنا‪ .‬اآلن سأذكر‬

‫في تصوير جوهر اإلنسان وكيفية إصالحه‪ ،‬واإلصالح ممكن‪ ،‬خاصة من‬ ‫ً‬ ‫غير املسلمين سيقولون بداية متشائمة جدا بداية كافرة باإلنسان‪ ،‬نحن‬

‫بعض الحقائق والتجارب‬ ‫العلمية التي تؤكد تجذر هذه‬

‫نتنكر لهذه البداية نرفضها ليس لنا أن نقلق حيال طبيعتنا‪ ،‬وهي في شطر‬

‫الطبيعة‪ .‬إنها طبيعة البشر‬

‫‪4‬‬


‫طبيعة املتعلمين كما هي طبيعة البدائيين والهمج‪ ،‬طبيعة الشعوب‬ ‫األوروبية في القرن العشرين والحادي والعشرين كما رأينا في سجن أبو‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫لكن لو دفعت قردا أو حصانا أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نمرا أو قطا يستطيع أن ينجو‬

‫غريب‪ ،‬كما هي طبيعة املتوحش األول البدائي‪ .‬نفس الطبيعة ال تزال‬

‫بنفسه ألنه متسلح بقدر أكبر‬

‫موجودة كائن تقوده غرائز متوحشة ومخيفة لكن علينا أن نقلق حيال‬

‫من الغرائز‪ ،‬يستطيع أن يجابه‬

‫ثقافتنا‪ ،‬حيال األفكار التي نتغذى عليها‪ ،‬التي نمد بها على املصفوفات‬

‫ويواجه بنجاح تكيفي وتالؤمي‬

‫الثقافية إن جاز التعبير‪ ،‬وكل بيئة بها مصفوفات ثقافية حاكمة على‬ ‫أبنائها‪ ،‬على من ينتمون إليها‪.‬‬

‫مصاعب الحياة والبيئة‪ ،‬بينما‬ ‫اإلنسان يفشل هنا ألن الطبيعة‬

‫ً‬ ‫يجب علينا أن نقلق حيال الثقافة ال حيال الطبيعة ألسباب كثيرة‪ ،‬أوال‬

‫ضعيفة‪ ،‬ألنه متسلح بعدد أقل‪،‬‬

‫ألن هذه الطبيعة مهما بدت دموية قانية ومتوحشة شرسة وعنيفة‬

‫فهو األقل من بين الرئيسيات‬

‫ومندفعة هيجانية نزوية تتبع النزوات والرغائب طريقة بهيمية إال أنها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ليست بتلكم القوة التي توجد مثال في الحيوان‪ ،‬أبدا إنها طبيعة ضعيفة‬

‫من الغرائز‪ ،‬غرائزه قليلة ألن‬

‫بدليل أن اإلنسان وهذه حقيقة مقررة في البيولوجيا وعلم األحياء هو‬ ‫أقل الحيوانات الرئيسية غرائز‪ ،‬فكل الحيوانات غرائزها أكثر من غرائز‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ومعنى هذا أنه لو دفع اإلنسان إىى الحياة وحده هكذا يهلك‪،‬‬

‫هللا خلقه هكذا وصاغه هكذا‬ ‫وأبدعه هكذا‪ ،‬لكي يظل يراهن‬ ‫ً‬ ‫دائما على الثقافة ال على‬ ‫ً‬ ‫الغريزة‪ .‬أنت لم تخلق حيوانا‬

‫‪5‬‬


‫ً‬ ‫لتبقى حيوانا‪ ،‬أنت فيك نفخة من روح هللا تبارك وععاىى مؤهلة أن تجعلك‬ ‫ً‬ ‫خلقا لخر‪ .‬عليك أن تتعاطى مع الثقافة ومع الفكر‪.‬‬ ‫في ععريفي الشخص ي للحضارة قلت‪ :‬هي الضبط الغرزي‪ ،‬هناك مليون‬ ‫ععريف للحضارة الذي أتبناه وأرتاح إليه هو أنها الضبط الغرزي فينا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حين ينضبط الغريزة تبزغ الحضارة لكنها ال تذهب أشواطا بعيدة إال‬ ‫بمجاوزة هذا الغرزي‪ ،‬عند تجاوز الغريزة والتعاىي عليها هنا يبزغ اإلنسان‬

‫اإلسالمية اليوم ‪-‬أنا يعنيني‬ ‫كمشتغل بهذا الحقل الثقافة‬ ‫االسالمية بالذات الحقل‬

‫ً‬ ‫االسالمي بين املسلمين عربا‬ ‫كانوا أم غير عرب‪ ،-‬ال يستطيع‬ ‫أحد أن يزعم ويزيف الوقائع‬

‫الحقيقي وبه ومعه تبزغ الحضارة اآلدمية البشرية اإلنسانية الحقيقية‪،‬‬ ‫وفي ما عدا ذلك وبدون ذلك نظل قابعين في األفق الحيواني وفي املهد‬

‫اإلسالمية السائدة بخير وعفاء‬

‫الحيواني‪ ،‬لذلك ليس لنا أن نقلق حيال طبيعتنا‪ ،‬علينا أن نقلق حيال‬

‫وصحية‪ ،‬بل إنها ليست بخير‬

‫ثقافتنا وحيال أفكارنا ومتبنياتنا ومفروضاتنا وقبلياتنا ومسبقاتنا‬

‫وليست معافاة وليست صحية‪،‬‬

‫ومسلماتنا‪ ،‬حيال مثل هذه األشياء التي نغذي بها أنفسنا وأوالدنا واآلخر‬ ‫ً‬ ‫ونبشر بها صباح مساء‪ ،‬هذا ما ينبغي أن نطيل الوقوف عنده جدا‪.‬‬

‫بل هي ثقافة ععاني من إصابات‬ ‫ً‬ ‫وأعطاب كثيرة جدا في مفاصلها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫في بناها‪ ،‬دائما يمكن ‪-‬ال أقول‬

‫وسأطيل في املقدمات حتى نستطيع أن نستوعب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬أستغرب جدا وبين مزدوجين‪ .‬ال يستطيع أحد أن يقول أن الثقافة‬

‫ويتنكر الحقائق أن هذه الثقافة‬

‫يزعم‪ -‬أن يقرر أن أبشع درجة‬

‫‪6‬‬


‫ً‬ ‫يمكن أن يتمثل بها التعصب السني تناظرها تماما وععادلها أبشع درجة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يتظهر فيها التعصب الشيعي تماما‪ ،‬أي أن أكثر السنيين ععصبا ‪-‬ال أحب‬ ‫ً‬ ‫أن أذكر االتجاهات حتى ال أس يء ألحد‪ -‬يساوي ويعادل تماما فهما وجهان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لعملة واحدة أكثر املتشيعين ععصبا‪ ،‬بمعنى نقول له هذا قريبك‪ ،‬طبعا‬ ‫ً‬ ‫مثله سيرد مستنكرا‪" :‬قريبي!!!! هو أعدى أعدائي"‪ ،‬ال بل هو أقرب‬

‫ً‬ ‫كانوا كاثوليكا‪ ،‬وهذه مسألة‬ ‫عرضية ليست جوهرية‪ ،‬وأن‬ ‫ضحاياهم كانوا من الكاثوليك‬ ‫املوسومين بالهرطقة‪ ،‬وهذه‬ ‫ً‬ ‫مسألة عرضية جدا ألن هذا‬ ‫العصاب الجماعي الذي تمثل في‬

‫أقرباءك‪ ،‬املشموالت مختلفة‪ ،‬املتضمنات واملوضوعات مختلفة لكن‬ ‫البنية واحدة‪ ،‬العقلية واملزاج واحد‪ ،‬لذلك إذا تحول هذا بقدرة قادر ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وهذا صعب جدا إن لم يكن مستحيال‪ -‬ليتحول هذا الشيعي املحترق لهذا‬ ‫ً‬ ‫السني املحترق‪ ،‬سيظل محترقا بنفس الكيفية‪ ،‬وسوف يعادي الشيعة‬ ‫ً‬ ‫بنفس الكيفية الشرسة مع أنه باألمس كان شيعيا‪ .‬رأينا هذا في بعض‬ ‫املتعصبين من السنة الذين صاروا شيعة أو بالعكس‪ .‬ش ئ عجيب‪ ،‬لم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يتواصل لم يصبح مقربا‪ ،‬أبدا فالبنية واحدة‪.‬‬ ‫بذكاء الحظ الفيلسوف األمريكي املعاصر رالف باتنبيري في كتابه "إنسانية‬

‫الكفرة الزنادقة املالعين الذين‬ ‫يريدون إفساد الحياة ومنظومة‬

‫اإلنسان" عرضية أن الذين كانوا قائمين على محاكم التفتيش في أسبانيا‬

‫العقائد واألعراف والتقاليد‪ .‬كل‬

‫شكل ش يء اسمه محكمة‬ ‫تفتيش تفتش عن عقائد الناس‬ ‫وعن ضمائرهم‪ ،‬وتجعلهم طعمة‬ ‫للنيران وسط حشود تتهلل‬ ‫ً‬ ‫وتصطرخ فرحا وانتشاء بحرق‬

‫‪7‬‬


‫هذه األشياء عرضية بدليل أن البروتيستان بعد ذلك لم يكونوا أحسن‬ ‫عرضية‪ ،‬فالضحية صار من ضحايا محاكم التفتيش التي انتقلت إىى‬ ‫ً‬ ‫مناطق في أوروبا من ضحاياها البروتيستان في القرن السادس عشر مثال‪،‬‬ ‫والصوفيون في القرن السادس عشر والسابع عشر‪ ،‬وفي القرن الثامن‬ ‫عشر صار من ضحاياها الفولتاريون أتباع فولتار والهوبسيون أتباع‬ ‫ً‬ ‫توماس هوبس‪ ،‬أيضا املالحدة والربوبيون الذين يؤمنون بالدين الطبيعي‬ ‫يؤمنون بوجود هللا وينكرون الوحي والشرائع السماوية صاروا ضحايا لها‬ ‫في القرن التاسع عشر‪ ،‬الجمهوريون والتحرريون صاروا ضحايا محاكم‬ ‫ً‬ ‫التفتيش فضال عن املسلمين واليهود في أسبانيا‪ ،‬املرانوس واملرسكوس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الذين أصبحوا رغما عنهم يهودا متحولين مرنوس‪ ،‬وأيضا خضع هؤالء‬ ‫املرانوس إىى محاكم التفتيش ألنهم كانوا محل ارتياب وخضع‬ ‫املوركسوس إىى محاكم التفتيش ألنهم كانوا موضع ارتياب رغم ععمدهم‬ ‫ً‬ ‫وتحويلهم ألديانهم‪ ،‬كل هؤالء ضحايا‪ .‬إذن كون الضحية كاثوليكيا هو‬ ‫ً‬ ‫مسألة عرضية‪ ،‬وكون الجالد كان كاثوليكيا هو مسألة عرضية‪ .‬إنها بنية‬

‫واحدة‪ .‬البروتيستان مارسوا‬ ‫بعد ذلك دور الجالد‪،‬‬ ‫والفاشيون مارسوه‪،‬‬ ‫واالشتراكيون الشيوعيون‬ ‫مارسوه‪ ،‬النازيون املتعصبون‬ ‫العرقيون مارسوه‪ ،‬واليوم‬ ‫املسلم السني يمارسه واملسلم‬ ‫الشيعي يمارسه كل في حق‬

‫ً‬ ‫أخيه‪ ،‬وهذا ش يء غريب‪ ،‬وغدا‬

‫وفي الغد القريب ربما في حق من‬ ‫ً‬ ‫طائفته أيضا‪ ،‬فالبنية واحدة‪.‬‬ ‫انتبهوا علينا أن نكون أذكياء هنا‬ ‫وعلميين‪ ،‬واملقدمة التي أحب أن‬ ‫أدىي إليها بعد هذا االستهالل أنني‬

‫‪8‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫قلق جدا‪ ،‬وينبغي علينا جميعا أن نكون قلقين حيال تلكم القسوة‬

‫ويرض ى من يرض ى من غير‬

‫والجفاف واملسلك الالإنساني الذي يصدر عنه العلماء والدعاة والقادة‬ ‫الروحيون هنا وهناك‪ ،‬إذ ال يزالون مصرين ويزعمون التعاطي العالجي‬

‫دغدغة العواطف‪ ،‬وأن تكون‬ ‫حتى الجماهير جماهيري طائفتي‬

‫مع املشكلة وأنهم يحبون أن يعالجوا املشكلة‪ ،‬ال يزالون مصرين على أن‬

‫ال ععنيني‪ ،‬هذه وظيفة القائد‬

‫يتناولوها من ذات أو من الزوايا ذاتها التي أشعلت نيرانها وأرثت أحقادها‪،‬‬ ‫من نفس الزوايا‪ .‬ماذا يقولون ماذا نقول‪ ،‬هم كفار هم تجاوزوا هم‬

‫الروحاني‪ ،‬وظيفة املفكر‪،‬‬

‫كذبوا‪ ،‬نحن على حق‪ ،‬وهكذا من نفس الزوايا‪ .‬وأقول ما الذي أشعل‬ ‫هذه النيران؟ هذه الطريقة‪ ،‬لكن الضحايا تقع‪ ،‬وهناك مجازر وهناك‬ ‫مذابح وهناك تفجير وهناك خوزقة‪ .‬ال يتحرك هؤالء ال يعنيهم‪ ،‬وليقع‬

‫وظيفة العالم‪ ،‬وظيفة الباحث‬ ‫والدارس‪ ،‬لكنهم ال يفعلون‪.‬‬ ‫لذلك قلت مرة بجسارة‬ ‫وسأعيدها وسيعدونها جريمة‬

‫املزيد من الضحايا‪ .‬وأنبه أن طريقة العالج هذه تؤهل ملزيد من جرائم‬ ‫ً‬ ‫الكراهية‪ ،‬ومن الواضح جدا أن املزيد ينتظرنا وأن األسوأ لم يأت‪ ،‬وهذا‬

‫أني وهذا ما أشعر به وهذا ما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أتلمحه ‪-‬أحيانا ليس دائما‬ ‫بالطبع‪ -‬أرى في إلحاد بعض‬

‫الروحانيين الذين يتنكرون للحقائق من الطرفين‪ .‬ليس لديهم شجاعة‬

‫امللحدين من حيث بواعثه‬

‫يعرب عن قدر من موت الضمير‪ ،‬ومن الالإنسانية من هؤالء القادة‬ ‫وجراءة أن يقروا بالحقيقة كما هي بغض النظر أن ينزعج من ينزعج‬

‫ً‬ ‫واألسباب الحاملة عليه قدرا من‬

‫‪9‬‬


‫ً‬ ‫اإلنسانية وقدرا من اآلدمية ال أجده في إيمان معظم هؤالء املؤمنين وأنا‬ ‫سأقول لكم هذا كما أفهمه‪ ،‬بعض هؤالء املالحدة في الشرق والغرب مثار‬ ‫إلحاده ومبعثه هو ما يراه في الحياة من مصائب ومن ويالت‪ ،‬من أشياء‬ ‫تبدو ألول وهلة وحتى لعاشر وهلة بالنسبة لعقلي غير معقولة وغير‬

‫وبأعضاء زائدة أو ناقصة‬ ‫وبوظائف فاشلة؟ ملاذا يعاني‬

‫ً‬ ‫هذا الطفل الذي لم يرتكب ذنبا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ولم يفعل شيئا؟ امللحد طبعا‬

‫رحيمة‪ ،‬ملاذا ععاني الشعوب املستضعفة من االستعمار؟ ملاذا تطحن عبر‬

‫وما شاء هللا حين يبزغ مثل هذا‬

‫ستين وسبعين سنة وتقتل كل يوم بالجملة والتفصيل وال أحد يتحرك؟‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ال يتغير الوضع‪ .‬يقول امللحد ملاذا يسمح هللا بهذا إن كان موجودا؟‬ ‫ً‬ ‫ملاذا يسمح بهذا؟ أين عدالته؟ أين رحمته؟‪ ،‬طبعا أنا ال أطرح السؤال لكي‬ ‫أقول لكم أن السؤال في موضعه‪ .‬السؤال مطروح على كل حال ويرون أنه‬

‫امللحد‪ ،‬ولألسف والحمد هلل‬

‫بال جواب‪ ،‬ال‪ ،‬بل هناك جوابات نحن نساهم في إعطاء ش يء من الجواب‪،‬‬ ‫نساهم على كل حال وغيرنا يساهم‪ ،‬وال يزال‪ .‬ال أتحدث عن سؤال وجواب‬

‫الذي ال يحمد على مكروه سواه‬ ‫أن هذا املد اإللحادي وأكرر‬ ‫للمرة املائة يزداد في العالم‬ ‫العربي‪ ،‬وسأقول لكم للمرة‬

‫بل أتحدث عن مسألة اإلنسانية‪ ،‬فقط هذا هو القدر الذي يبدو في إلحاد‬

‫األلف كلما ازداد شبابنا وشوابنا‬ ‫ً‬ ‫ثقافة وقراءة وانفتاحا سيعلو‬

‫امللحد من إنسانية يفتقر إليها من يزعم اإليمان‪ ،‬وهذه داهية ما لها من‬

‫املد اإللحادي والالديني ألن‬

‫واهية‪ .‬ملاذا يولد الصغار مشوهين معاقين بأطراف زائدة أو ناقصة‬

‫الخطاب اإلسالمي بائس‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫الخطاب املشائخي املسكين هذا العاطفي الدجماطيقي بائس خطاب غير‬ ‫ً‬ ‫مثقف غير متسلح بسالح حقيقي‪ ،‬ضعيف جدا ال يمكن أن يقنع هذه‬ ‫العقول الطلعة املتعطشة للمعرفة للحق والحقيقة‪ ،‬ال يمكن لهذا‬ ‫ً‬ ‫الخطاب البائس املسكين الذي في معظمه ‪-‬طبعا ال أعمم‪ -‬هو بائس و‬ ‫ً‬ ‫مسكين يستحق الرثاء حقا‪ ،‬وهذا بين قوسين‪ .‬يتساءل امللحد ويألم هذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫امللحد فهو ليس أنانيا ليس وحشا‪ ،‬إنه يألم لغيره‪ ،‬يألم للمستضعفين‬

‫أطرح عليك يا موالنا يا عالمة‬ ‫العصر هذه األسئلة ثم تقول ىي‪:‬‬ ‫يا بنيتي‪ ،‬هذه األسئلة ععدت‬ ‫حدود العقل اإلنساني‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫فقلت له من فوري العقل هو‬ ‫الذي يسأل‪ ،‬العقل يتكلم ما‬

‫واملذامين واملهانين‪ ،‬للمكروثين واملصابين‪ ،‬يألم ويتساءل أين الرحمة‬ ‫ً‬ ‫اإللهية؟ أين دور هللا؟ أين تدخله؟ ِلم يحدث كل هذا؟ هل هو حقا‬ ‫موجود؟ بعد ذلك حين ‪-‬لألسف‪ -‬ععييه الحيل ويعجز هؤالء املشائخ‬

‫هذه األسئلة تخطت حدود‬

‫بخطابهم البائس عن إقناعه يفض ي به األمر إىى اإللحاد‪ .‬التقيت في بلد‬

‫العقل‪ ،‬كأن الذي يسأل من‬

‫عربي بفتاة ‪-‬وهي اآلن ربما ستسمعني‪ -‬من العبقريات‪ ،‬فاملقياس على ‪IQ‬‬ ‫ً‬ ‫جدا يؤهلها أن تكون عبقرية‪ ،‬وطرحت ّ‬ ‫علي أسئلة من هذا القبيل‬ ‫مرتفع‬ ‫ً‬ ‫تماما‪ ،‬وقالت ىي التقيت بثالثة من املشائخ ‪ -‬منهم اثنان من أكبر مشائخنا‬ ‫اليوم على اإلطالق‪ ،-‬ولكنها أزرت بجوابهم في أقل من ثانية‪ .‬ما معنى أن‬

‫عالم االليانز والغرائب أو الحور‬

‫هذا الكالم الفارغ؟‪ .‬لألسف‬ ‫طريقة مشائخية‪ .‬قال‪ :‬يا بنيتي‬

‫العين!!!!!‪ ،‬الذي يسأل بشر‪،‬‬ ‫والعقل هو الذي يتساءل‪ ،‬قل‪:‬‬ ‫يا بنيتي هذه األسئلة لم أخبرها‬

‫‪11‬‬


‫ً‬ ‫من قبل‪ ،‬أنا عاجز‪ ،‬ولسف ليس عندي الجواب‪ ،‬كن متواضعا‪ ،‬لكنها‬ ‫أزرت بجوابه في أقل من ثانية‪ ،‬قالت له‪ :‬العقل هو الذي يمثل هنا‬ ‫ً‬ ‫ويتساءل عقلي‪ ،‬فأنا فالنة ولست للية من املريخ‪ ،‬فطبعا قطع به‪ ،‬والشيخ‬ ‫العالمة الثاني قال لها‪ :‬هذا ليس سؤال عبد لرب إنما سؤال رب لرب‪،‬‬

‫الصديق وعمر وعلي؟ أي أنه‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫مؤمن إيمانا عميقا جدا‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫نعم أنا مؤمن مسلم‪ ،‬أقول له‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أبدا‪ ،‬هذا ليس يقين اإليمان‬ ‫بمقدار ما هو بالدة إنسان خلو‬

‫قالت‪ :‬املتسائل هو العبد‪ ،‬أنا عبد ولذلك أطلب الحقيقة‪ ،‬قالت له‪ :‬أنا‬ ‫أحترق بالنيران من سبع سنين‪ ،‬أبكي وحدي في ليلي مسهدة ال جواب‬

‫من اإلنسانية‪ ،‬بدليل أنك لم‬

‫حقيقي عن هذه املعضالت‪ ،‬على كل حال فقد جلست معها من أجل أن‬ ‫أساهم في الجواب‪ ،‬لن أقول لكم ما النتيجة‪ .‬على كل حال هذه هي‬

‫تتساءل حيال هذه املصائب‬ ‫ً‬ ‫يوما‪ ،‬أنت لم تتساءل‪ ،‬لو‬

‫الطريقة‪ ،‬هذا امللحد حين يلحد هو يلحد على قاعدة إنسانية‪ ،‬واملبعث‬

‫عساءلت على األقل ستعطينا‬

‫إنساني واملثار إنساني‪ ،‬وعنده قدر من الرحمة وقدر من التحسس بخالف‬

‫جوابات‪ .‬ما الجواب؟ هل أنت‬

‫املؤمن الذي يزعم اإليمان ويدعيه وال يستثار وال يتحسس وال يألم‬

‫عساءلت؟ لم يفعل‪ ،‬والدليل‬ ‫ً‬ ‫أيضا أن العقل الذي يتساءل ال‬

‫لآلخرين‪ ،‬لذلك مثل هذه املعضالت العقائدية والفكرية ال تخطر على‬ ‫باله‪ ،‬يقول لك ال أنا مؤمن بينما ال هو ملحد مشكك‪ ،‬أما أنا أختلف فأنا‬

‫يزال يتساءل‪ ،‬أي أن العقل‬

‫مؤمن‪ .‬وما معنى أنه؟ هل هو مؤمن إيمان الفالسفة‪ ،‬يؤمن إيمان أبي بكر‬

‫الذي يشتغل يشتغل‪ ،‬وليس‬

‫‪12‬‬


‫ً‬ ‫يشتغل في نطاق ثم يموت‪ ،‬فهل أنت أيضا في من ساهموا في إثراء الفكر‬ ‫ً‬ ‫اإلنساني والديني؟‪ ،‬لم تفعل أبدا‪ ،‬لست من طالب العلم‪ ،‬لست من‬ ‫العلماء‪ ،‬لست من الذين يتساءلون‪ ،‬لست من الذين يبحثون‪ ،‬في أحسن‬ ‫أحوالك أنت من الذين يبتلعون ويلقنون أشياء ثم تقيؤها علينا‪ ،‬هذا في‬ ‫أحسن أحوالك‪ ،‬ولذلك أنت لست الكائن املتسائل‪ ،‬أنت الكائن الذي‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تحش ى باملعلومات واملقررات والعقائد‪ ،‬لست متسائال‪ ،‬لذلك أنت خلو‬ ‫من اإلنسانية‪ ،‬ال عشعر باآلخرين‪ .‬لهذه الدرجة الوضع قد يكون بائس‪،‬‬

‫وحياتنا‪ ،‬هذه الطريقة في‬ ‫التفكير‪ ،‬إنها بنية التحيز الذي‬ ‫يترجمه العرب بالتعصب‪،‬‬ ‫يقولون ععصب والتعصب ش يء‬ ‫لحد ما‪ ،‬لكن ال بأس إن‬ ‫مختلف ٍ‬ ‫فهمت أنك تتكلم عن التعصب‬ ‫باملعنى الذي يعنيه الدارسون في‬ ‫الشرق والغرب االنحياز والتحيز‬

‫وأنا صادق مع نفس ي ومعكم أن بعض من هؤالء لديهم من اإلنسانية ما‬ ‫ً‬ ‫ليس لدى الكثيرين منا‪ِ ،‬من َمن ال يتساءلون أصال حيال هذه املوضوعات‬ ‫ً‬ ‫أبدا ألن إيمانهم هو إيمان التقليد واالجترار والتكرار والتلقن فقط وليس‬ ‫إيمان الفكر والتبرر والتسويغ العقلي والضمائري والتجريبي عبر تجربته‬ ‫ً‬ ‫الروحية‪ .‬هذه مقدمة أيضا مهمة‪.‬‬

‫أوسع من هذا بكثير‪ .‬إذن‬

‫نعود إىى موضوعنا‪ ،‬وهو موضوع هذه البنية الثقافية املعطوبة‪ ،‬وال أحب‬ ‫أن أقول اللعينة‪ ،‬وهذه املصطلحات املعطوبة والخطيرة تتهدد مستقبلنا‬

‫ال تضللنا الترجمات واختالف‬

‫واألحكام املسبقة‪ ،‬يا حي هال‪ .‬ال‬ ‫نتحدث عن التعصب بمعنى‬ ‫ضيق كما يعطيه املعجم‪ ،‬املعنى‬ ‫ً‬ ‫سنتحدث عن هذا مجموعا حتى‬

‫‪13‬‬


‫االصطالحات‪ ،‬نتحدث عن األحكام املسبقة‪ ،‬نتحدث عن التحيزات‬ ‫بأنواعها‪ .‬هذا ما يشكل جوهر هذه البنية‪ ،‬ومعالم هذه البنية التعصبية‬ ‫ً‬ ‫التحيزية‪ .‬طبعا تتظاهر بالكره والغضب واالنتقام‪ .‬هذه كلها أعراض لهذا‬ ‫ً‬ ‫املرض اللعين‪ ،‬وطبعا في رأس األسباب الكسل‪ .‬أنا سأفض ي بهذا واحد‪،‬‬ ‫نعم الكسل‪ ،‬حتى في حق العلماء والدارسين‪ .‬الكسل الذي يتبرم‬ ‫بمقتضيات البحث العلمي املرهقة‪ ،‬أي مسألة مهما بدت للناس بسيطة‬

‫الحنابلة لم يبرأوا من جريمة‬ ‫ً‬ ‫أنهم ذبحوا اآلخرين أيضا‪ ،‬جرائم‬ ‫ً ً‬ ‫كثيرة جدا جدا على خلفيات‬ ‫ً‬ ‫عقائدية ودينية وكالمية‪ .‬طبعا‬ ‫هكذا هو التعصب‪ .‬في نهاية‬ ‫ً‬ ‫املطاف ما كان صادقا سيقول‬

‫وواضحة مقررة لدى بحثها تحتاج إىى ألوف الساعات‪ ،‬إذا لم نقل أيام‬ ‫ً‬ ‫فعال ملعرفة حقيقة القول أو ملقاربة الحقيقة فيها‪ ،‬الحقيقة املطلقة عند‬ ‫ً‬ ‫هللا تبارك وععاىى‪ .‬هؤالء لديهم قدر عظيم جدا من الكسل‪ ،‬ال يحبون ال‬ ‫أن يبحثوا‪ ،‬ال أن يقارنوا‪ ،‬ال أن يحاكموا‪ ،‬ال أن يقايسوا‪ ،‬يحبون أن‬

‫فيتماش ى مع الطبيعة اإلنسانية‬

‫يحفظوا‪ ،‬وأن يقرروا‪ ،‬وإن كانت النتيجة أن أكفر اآلخرين وأن أذبحهم‪،‬‬

‫ألنه األسهل‪ .‬هناك نظرية اسمها‬

‫ومن قديم وكما قال محمد بن شجاع الثلجي الحنفي في يوم من األيام ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وكان عدوا مبينا للحنابلة‪ ،-‬قال‪ :‬الحنابلة هؤالء يستحقون أن يذبحوا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قال ما معناه‪ :‬أدعو للذبح‪ ،‬تخيل هذا إمام وعالم وألف كتبا‪ ،‬وطبعا‬

‫النزوع إىى األسهل تفسر بها‬

‫لك هكذا‪ ،‬ألنه الطريق السهل‪،‬‬ ‫فالتسامح ضد الطبيعة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬أما التعصب‬

‫أشياء كثيرة في علم االجتماع وفي‬ ‫علم النفس‪ .‬أسهل ّ‬ ‫علي مليون‬

‫‪14‬‬


‫مرة أن أكمم فمك أن أودعك غيابات السجن‪ ،‬أو أن أقطع لسانك أو‬

‫بالزخرفة ليس بما له عالقة‬

‫رأسك ال قدر هللا من أن أقض ي معك األيام والسنين أناقشك وأناظرك‬ ‫وأحاول أن أغريك بتبني الجميل الذي عندي‪ ،‬الحق الذي عندي‪ ،‬أو‬

‫بمستقبل العمارة‪ ،‬مثل هذا ال‬ ‫يصوت عليه‪ ،‬لكن ملاذا نصوت‬

‫العكس أسهل وخاصة السلطة تفعل هذا‪ ،‬أي سلطة سواء سلطة‬

‫في قضايا الدين واالعتقاد ونأخذ‬

‫معرفية أو سلطة تنفذية أو غيرها تفعل هذا بسرعة‪ ،‬فهذا أسهل عليها‬

‫برأي الجماعات؟‪ ،‬أناس ال‬

‫من النقاش والدرس والبحث‪.‬‬

‫عالقة لهم ال يحسن أحدهم‬

‫مصيبة املصائب أن من يدعي العلم والبحث والدرس يحشد ويحشر إىى‬

‫حتى قراءة كتاب هللا على وجهه‪،‬‬

‫ميدان املسألة العامة ويستنجد بهم ‪-‬مصيبة املصائب هذه كارثة منذ‬

‫وله صوت في املسائل التي ظلت‬

‫البداية‪ -‬أنه يستغيث بالجمهور‪ ،‬يدغدغ عواطفهم‪ ،‬يدخلهم في النقاش‬ ‫بطريقة أو بأخرى‪ ،‬هذه هي الغوغائية‪ .‬عالم محترم ال يفعل هذا‪ ،‬مفكر‬ ‫ً‬ ‫محترم ال يستنجد بالعامة‪ ،‬وال يعمل تصويتا‪ ،‬هل رأيتم مرة باهلل عليكم‬ ‫جماعة مهندسين مدنيين ومعماريين وغيرهم يصوتون بصدد وضع املعالم‬

‫األمة تتطاحن فيها ألف وأربع‬ ‫ً‬ ‫مائة سنة!!!! ليس معقوال‪ ،‬هذه‬

‫الرئيسة للخطة التي سيترتب عليها املستقبل اآلمن للبناء‪ ،‬مستحيل هذا‬ ‫ال يصوت عليه‪ ،‬يصوت على أشياء لها عالقة بالفضائية بالجمالية‬

‫غوغائية‪ ،‬هذه دهمائية‪ ،‬هذا‬ ‫مسلك الغوغائيين في كل زمان‬ ‫ومكان‪ .‬نعم يستنجدون بالعامة‬ ‫ويحشدونهم إىى امليدان‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫ً‬ ‫سأكون واضحا معكم‪ ،‬من صغري كنت أكره ‪-‬وأنا ابن املساجد منذ‬ ‫نعومة أظفاري‪ -‬ما أراه في املساجد وفي األحفال الدينية‪ ،‬وهللا وإىى اليوم‬ ‫أكرهه‪ ،‬يقوم واحد هللا اكبر وهلل الحمد‪ ،‬وهكذا‪ ،‬أكره هذا‪ ،‬هذا يحدث في‬ ‫ميدان املعركة فقط‪ ،‬تصرخون ملاذا؟ تتصايحون ملاذا؟‪ ،‬نعم هذا ينمي‬ ‫ً‬ ‫شيئا من عواطف وانفعاالت االنتماء والتعصب‪ ،‬ولكن هذا في نهاية‬ ‫املطاف يغتال العقل‪ ،‬هذا في الحرب ويجوز فيها الكذب والخدعة لكن‬

‫السيارات‪ ،‬كنت أكره هذا وال‬ ‫أحب أن أنطلق في التظاهرات‬ ‫ضد االحتالل‪ ،‬أنا أحتج على‬ ‫االحتالل بطرقي الخاصة‪ ،‬ال‬ ‫أحب هذا األسلوب‪ ،‬لو كانت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مظاهرات حضارية أهال وسهال‪،‬‬

‫ليس في السلم‪ .‬في مناظرة فرج فودة مع الشيخ املرحوم الغزاىي بدأ شاب‬

‫لكن هذه غوغائية ال ينبغي أن‬

‫مسلم‪" :‬هللا أكبر"‪ ،‬ملاذا ما هذا اإلرهاب؟ هذا إرهاب جئتم به ليتناقش‬

‫نفعلها‪ .‬أعرف أن كالمي هذا لن‬

‫فترهبونه‪ ،‬إن الجمهور معي‪ ،‬هؤالء الجمهور يحتكم إىى القرلن والسيف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بلى غوغائية‪ ،‬عيب أشعر بالعار لهذا عندما كنت صغيرا‪ ،‬لذلك في حياعي‬

‫يستفيد منه إال نسبة مئوية‬ ‫ضئيلة هي التي أريدها بالخطاب‪.‬‬

‫لم أمش ي إال مرات معدودات في التظاهرات‪ ،‬حتى التظاهرات ال أحبها‬

‫أعرف أن العامة ستبقى عامة‪،‬‬

‫أشعر أن هويتي الفردية تضيع في التظاهرة ألن التظاهرة في العموم ال‬ ‫تكون عقالئية بل تكون غوغائية‪ ،‬ومن يرفع شعار أكثر غوغائية يردد‬ ‫ً‬ ‫معه الجمهور‪ ،‬أكره هذا دائما‪ ،‬ثم نكسر مدارسنا ونكسر مشافينا ونرجم‬

‫تبقى لها أنماطها وبناها في‬ ‫التفكير‪ ،‬مستحيل وحماقة مني‬ ‫إن ظننت أني أغيرهم بخطبة أو‬

‫‪16‬‬


‫حتى بألف خطبة‪ .‬هذا الخطاب ملن يحسن أن يستفيد منه‪ ،‬ملن يحسن‬

‫سكتوا لن أسكت‪ ،‬حتى لو كلهم‬ ‫تجاهلوا أقول هناك حريق يا‬

‫أن يفككه وأن يفهمه من غير تبجح‪ ،‬يمكن أن يستفيد منه‪ ،‬لذلك ال بد‬ ‫أن يقال ال يمكن أن نساير الحشود‪ ،‬ال بد أن نقول لن نقع في ما يعرف‬

‫جماعة حتى إذا قالوا ال‪ ،‬وهذا‬

‫بتجاهل األغلبية‪ .‬هذا في علم النفس االجتماعي ثابت‪ ،‬إذا األغلبية‬

‫مصطلح علمي اسمه تجاهل‬

‫تجاهلت عليك أن تتجاهل‪ ،‬وإال ستتهم في وطنيتك‪ ،‬في والئك‪ ،‬في دينك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫في تجربة لطيفة جدا قام بها علماء علم النفس االجتماعي أحضروا‬ ‫مجموعة من الطالب‪ ،‬وكان هؤالء الطالب يجلسون في مقاعدهم‬

‫األغلبية ما دام تجاهلوا إذن‬ ‫تجاهل‪ ،‬ثم عندما تكون ضمن‬ ‫أغلبية مهما أجرمت يضعف‬

‫ينتظرون بدء التجربة‪ ،‬والطالب املبحوثون بعضهم متواطيء مع العالم‬

‫تحسسك للمعايير األخالقية‬

‫املجرب‪ .‬بدأ بعد قليل قبل أن تبدأ التجربة دخان يتصاعد من إحدى‬ ‫النوافذ‪ ،‬املتواطئون ‪-‬وهم عدد ال بأس به‪ -‬أظهروا عدم اكتراث‪ ،‬أي أنه ال‬

‫باتجاه الخير والشر وباتجاه‬

‫يوجد ش يء غير طبيعي‪ ،‬بينما اآلخرون نظروا بقلق وبعدها أظهروا عدم‬ ‫اكتراث للدخان‪ ،‬الدخان قد يكون بداية حريق لكن هؤالء وهم أناس‬ ‫محترمون ونسبة كبيرة لم يكترثوا لذا ّ‬ ‫علي أن ال أكترث‪ .‬هذا هو اإلنسان‬ ‫أين عقلي؟ أين ضميري؟ أين التزامي الشخص ي؟‪ ،‬ألتزم حتى لو كلهم‬

‫استنكار الجريمة ألن الكثرة‬ ‫ععمل هذا‪ ،‬ترسل لك رسالة بأن‬ ‫ما نفعل أمر عادي‪ ،‬خاصة إن‬ ‫كانت تفعل هذا بأوامر من رموز‬ ‫السلطة يتراجع التحسس‬

‫‪17‬‬


‫االنتهاكي للمعايير األخالقية بشكل يجذب إنسانية اإلنسان‪ ،‬يتراجع بنسبة‬

‫األخالقية بل يرزح لها‪ ،‬وأال‬

‫مقلقة جدا‪ .‬إنها التجربة األشهر تجربة العالم الشهير ستانلي ميليغرام في‬

‫نفقد املعركة‪ .‬قضايا خطيرة‬

‫الثالث والسبعين مشهورة ‪-‬وال يوجد وقت لنذكر تفاصيل هذه التجارب‪،-‬‬

‫وحساسة‪ .‬أكبر صراع هؤالء‬

‫من شاهد فيلم اإلذعان لستانلي ميليغرام يفهم حقيقة هذا الش يء‪،‬‬

‫وهؤالء‪ ،‬ال تتعلق بطبيعة‬

‫املسألة يبدو أنها في طبيعة البشر‪ ،‬قلت لكم علينا أن ال نقلق حيال‬

‫اإلنسان كإنسان مسلم وغير‬ ‫مسلم في الشرق والغرب‪ ،‬في‬

‫طبيعتنا‪ ،‬هذه طبيعتنا لألسف‪ ،‬طبيعة معطوبة سيئة "ونفس وما سواها‬ ‫فألهمها فجورها وتقواها"‪ ،‬فالفجور قبل التقوى فاألغلب فجورها ويأعي‬

‫القديم والحديث‪ ،‬هذا هو‬

‫في البداية ثم تأعي تقواها‪ ،‬ش يء مخيف‪ .‬قال‪ :‬هذه هي الطبيعة‪ ،‬ولذلك‬

‫اإلنسان وعلينا أن نفهم هذه‬

‫علينا أن نستنجد بالثقافة‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬فألهمها فجورها وهو اإللهام‬ ‫األول‪ ،‬وتقواها وهو اإللهام الثاني‪ ،‬هو الذي يهيء للبشر أن يقاوموا‬

‫املقدمات من زاوية علمية‬

‫اإلكراه‪ ،‬أن يقاوموا الظلم‪ ،‬أن يقاوموا االستعباد بفضل هللا على‬ ‫ً‬ ‫الطبيعة‪ ،‬لكن الطبيعة ال ععادل الطبيعة دائما خاصة إذا وقفت‬ ‫السلطة مع الطبيعة الفاسدة‪ ،‬لذلك علينا أن نراهن على الثقافة‪ ،‬وأن‬ ‫ً‬ ‫نراهن أيضا على بلورة نظام سياس ي عادل ال يسمح بانتهاكات للمعايير‬

‫وبطريقة علمية حتى يمكن أن‬ ‫نتعاطى معها بشكل ناجع وناجح‬ ‫بإذن هللا تبارك وععاىى‪.‬‬ ‫إذن كلما كنت في الجماعة‪ ،‬كلما‬ ‫كنت في الحشد غلب عليك‬

‫‪18‬‬


‫التنميط‪ ،‬لسبب أو آلخر‪ ،‬أدمنت‪ .‬وأعتقد أن كل شاب مسلم نشأ في‬ ‫الحقل االسالمي أدمن أن يخبر هذه الخبرة‪ ،‬رجل مجهول إىى اآلن اكس‬

‫وهو أنك لو سألت هذا املعلق‬

‫(‪ )X‬غير معروف انتماؤه الحزبي التنظيمي‪ ،‬يدىي بقول يبدو أنه كالم مع‬

‫للحكم هل ما يقوله هذا الرجل‬ ‫حق أو باطل ؟ ععرفون ماذا‬

‫العامة مع العاديين‪ ،‬يبدو أنه خارج عن املألوف فيما يبدو‪ ،‬ولذلك دأبنا‬

‫سيكون الجواب؟ الجواب‬

‫على أن نحيا نخبر هذه الخبرة‪ ،‬يبرز أحدهم يتساءل عن ما هو؟ ليس من‬

‫يتوقف على ما هو‪ ،‬إن بان‬

‫هو فالن؟ محمد أم حسين؟ هذا ال يعنينا‪ ،‬ما يعنينا ما هو؟ هل هو منا‬ ‫أم ليس منا؟‪ ،‬هل هو داخل اإلطار أو ليس داخل اإلطار؟ هذا عساؤل قد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يبدو بريئا‪ ،‬ال ليس بريئا باملرة‪ .‬ما معنى هذا التساؤل؟ ما معنى أنك ععمل‬ ‫ً‬ ‫ععليقا للحكم؟‪ ،‬أنا لن أحكم على من يقول والذي فيما يبدو أنه معارض‬ ‫ً‬ ‫للمألوف‪ ،‬أقواله غريبة‪ ،‬ليس ّ‬ ‫لدي دليل أنها خارجة تماما‪ ،‬لكن يبدو أنها‬

‫ووضح أنه منا يبدو أن ما يقوله‬

‫من الحشد والقطيع سننتحل له‬

‫غريبة لذلك سأعلق الحكم‪ ،‬لن أحكم عليها‪ ،‬هل هي حق؟ هل هي باطل؟‬

‫األعذار ألنه منا‪ ،‬هنا تبدو‬

‫ليست هذه قضيتي‪ ،‬قضيتي اآلن معرفة هويته التنظيمية الحزبية‬ ‫االنتمائية‪ ،‬سني أم شيعي؟‪ ،‬تحريري أم إخواني؟‪ ،‬صوفي أم وهابي؟‪ ،‬إىى‬

‫النحن و الهم‪ ،‬أما إذا بدا أنه‬ ‫ً‬ ‫ليس منا فقطعا ما يقوله باطل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقطعا سيرمى بجريمة كذا‬

‫لخر هذه التنويعات‪ .‬إذن سنسأل عن ما هو هذا؟ يتضمن ش يء له داللة‪،‬‬

‫حق‪ ،‬وفي أسوأ الظروف‬ ‫سننتحل له األعذار إذا بدا أنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ليس حقا تماما‪ ،‬بقول لخرين‬

‫‪19‬‬


‫وكذا‪ ،‬وسيطعن في دينه وعقله وملته‪ ،‬إىى لخره‪ .‬عجيب!!!! قول واحد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يمكن أن يكون حقا‪ ،‬ويمكن أن يكون باطال‪ ،‬نعم يتوقف هذا على ما هو‪،‬‬ ‫هو أخ أم ليس أخ؟‪ ،‬معنا أم ليس معنا؟ من جماعتنا أم ال؟ ثم نأعي‬ ‫ً‬ ‫بالحكم‪ ،‬وهذه مسألة خطيرة جدا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يتسلح هؤالء أيضا بحيلة بائسة أخرى‪ ،‬حيلة فقيرة متهافتة‪ ،‬وهي من أجل‬ ‫من يقال هذا الكالم؟ ملصلحة من؟ لم يقال في هذا الوقت بالذات؟ لم‬

‫واملصلحة‪ .‬الحقيقة مقدسة‬ ‫لذاتها "وقل الحق من ربكم"‪،‬‬ ‫والنبي حدثنا عن نبي يبعث يوم‬ ‫القيامة ومعه رجل‪ ،‬تخيلوا نبي‬ ‫وليس مفكر مصلح‪ ،‬نبي بعث في‬ ‫أمة من مائة ألف أو يزيدون أو‬ ‫حتي عشرة مليون ولم يسلم معه‬

‫تطرح هذه القضايا في هذا الوقت بالذات؟ ولنا ععليقات على هذا‬ ‫ً‬ ‫التساؤل البسيط املترع بالتهافت‪ .‬أوال‪ :‬هل فعال الحقيقة لها أوقات تقال‬

‫إال رجل واحد‪ ،‬والنبي حدثنا عن‬

‫فيها وأخرى ال تقال فيها؟ تقال يوم السبت واالثنين وتخفى يوم الخميس‬

‫نبي يبعث وليس معه أحد‪ ،‬ما‬

‫والجمعة؟ الحقيقة نخبؤها في أيام ونقولها في أيام‪ .‬هذا سؤال‪ ،‬وال بد أن‬ ‫ً‬ ‫نتساءل هذا السؤال حيال الحقائق‪ ،‬ثانيا‪ :‬هذا التساؤل املترع بالتهافت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويبدو أنه يعتمد منظورا مصلحيا براجماتيا ميكافيليا حتى في النظر إىى‬

‫معنى هذا الكالم؟ في ضوء ما‬ ‫أقول أعتقد أن املعنى أصبح‬ ‫ً‬ ‫واضحا‪ ،‬الحقيقة ينبغي أن‬

‫الحقائق واألفكار واآلراء والعقائد‪ ،‬نعم ملصلحة من؟‪ ،‬من قال لك أن‬ ‫الحقائق ينبغي أن توزن يا ويليام جيمس أو جون ديوي بمقياس املنفعة‬

‫تقال‪ ،‬وأن يصدع بها‪ ،‬وأن يرفع‬ ‫لواؤها حتى ولو لم يتبنها واحد‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫الحقائق ال يصوت عليها‪ ،‬لكن هؤالء يتحدثون بمنظور مصلحي‪ ،‬ملصلحة‬

‫هنا إذن أنا مصيب في سائر‬

‫من يقال هذا؟‪ ،‬وسأكشف النقاط عن ما هو أخطر‪ ،‬ما هو مضمن في‬ ‫هذا التساؤل البريء املتهافت أخطر بكثير مما أعربت عنه‪ ،‬هو يكشف‬

‫املسائل‪ ،‬يحدث هذا للغوغاء‬ ‫العامة فيظنون هذا‪ ،‬يظنون أن‬ ‫ً‬ ‫فالنا أفحم فالن في هذه املسألة‬

‫يقض ي بأن تبدي مخالفة لكل من ليس من النحن‪ ،‬لكل الهم اآلخرين‪ ،‬في‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كل ما يمكن أن يظن من مختصاتهم بغض النظر كان حقا أم كان باطال‪،‬‬

‫إذن انتهى وكل ما عنده باطل‪،‬‬ ‫يخافون من هذا‪ ،‬لذلك السني‬

‫هذا ال يعنينا‪ .‬كل ما يمكن أن يوصف بأنه من مختصات الهم ال بد أن‬ ‫نكون ضده‪ ،‬ألنه لو أبديت موافقة ولو في مسألة واحدة أنت لست عغري‬

‫يخاف ملاذا تتكلم عن يزيد وعن‬

‫عن منظور لخر في منتهى السقوط والضعف والرعونة‪ ،‬هذا املنظور‬

‫بإتباعهم في كل مسائلهم‪ ،‬وهذا املنظور معظم الناس لألسف الشديد‬ ‫يخضعون له‪ ،‬لذلك الدعاة الخطيرون ‪-‬دعاة الفكر‪ -‬في الشرق والغرب‬ ‫مسلمين وغير مسلمين وحتى املالحدة الذين درسوا علم النفس وعلم‬ ‫النفس االجتماعي يعرفون هذه الحيلة‪ ،‬فيأت ليتكلم لينتصر ملعتقده‬ ‫ً‬ ‫أليدولوجيته‪ ،‬ملذهبيته‪ ،‬في مسألة هو قوي جدا فيها‪ ،‬ويطيل النفس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ويجعلها أم املسائل‪ ،‬وطبعا يحدث انطباع لدى اآلخرين مادام أنا أصبت‬

‫قتل الحسين؟ ملاذا تنتقد‬ ‫معاوية؟ لصالح من يا رجل اتق‬ ‫هللا فينا؟‪ ،‬ألنه لو ثبت أن‬ ‫الشيعة في موقفهم هذا أنهم على‬ ‫حق وأن يزيد هذا ملعون وأن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معاوية كان مخطئا متجاوزا على‬ ‫الشريعة وعلى املسلمين معناها‬

‫‪21‬‬


‫أنك ستغري الناس أن يصبحوا شيعة‪ .‬اتق هللا ما هذا املنظور؟ هذا‬ ‫ً‬ ‫املنظور ال يمكن أن يتبناه مفكر واعي‪ ،‬أبدا الغوغاء تفكر بهذه الطريقة‪،‬‬ ‫الباحث الدارس ال يفكر هكذا‪ ،‬أنا أقول لكم املفكر األصيل املتسم‬

‫الجملة‪ ،‬وليس هذا فقط‬ ‫ً‬ ‫يسألون سنناظر من؟‪ ،‬طبعا ال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بد أيضا أن يأخذ شيكا على‬

‫باألصالة لو نجحت في أن تبرهن عسع وعسعين في املائة من أفكارك لن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يعطيك شيكا على بياض‪ ،‬لن يعطيك اعتمادا للفكرة املائة املتبقية أو‬ ‫ً‬ ‫النسبة الواحد في املائة املتبقية بناء على رصيدك املآلن‪ ،‬أبدا سيقول لك‬

‫بياض ضمانة قبل أن أناظر‬ ‫ً‬ ‫أحدا‪ ،‬البد أن يترجح ّ‬ ‫لدي أني‬

‫حتى الواحد في املائة أريد أن تبرهنها‪ ،‬قد يقتنع بها أو قد ال يقتنع‪ ،‬هكذا‬

‫سأغلبه وأصرعه‪ ،‬أما إذا كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قويا وعبقريا يستحيل أن‬ ‫أناظره‪ .‬ألنه ‪-‬وكما قال بعضهم‪-‬‬

‫املفكر ليس عنده أنت أصبت في خمس في املائة أن اتبعك في كل ما ذهبت‬ ‫ً‬ ‫إليه‪ ،‬الغوغاء تفعل هذا بينما املفكر ال يفعل هذا‪ ،‬بل يطلب تبريرا لكل‬ ‫ً‬ ‫متبنياته‪ ،‬يطلب مبررا وبالدليل‪ ،‬هذا معنى الفكر‪ ،‬وإن لم تكن كذلك‬ ‫ً‬ ‫فأنت لم عشم رائحة الفكر أصال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مثل هؤالء يتذرعون بش يء خطير جدا‪ ،‬كما قلت هم يدأبون مناقشة‬ ‫الفكرة من الزاوية التي أرثت نيرانها وزكتها‪ ،‬وهذا مسلك ال إنساني في نفس‬

‫واملناظرة مغامرة‪ ،‬كل مناظرة‬

‫الوقت يتنكرون للمحاورة الحقيقية وللمناظرة‪ ،‬ال يحبون هذا في‬

‫مغامرة قد تربح وقد تخسر‪،‬‬

‫إبليس ناظر هللا‪ ،‬وهذا منطق‬ ‫ً‬ ‫غريب جدا‪ ،‬ألن إبليس ناقش‬ ‫هللا فلماذا أناقش؟‪ ،‬هذا يعني‬ ‫ً‬ ‫أنه ال يؤمن أصال باملناظرة‪،‬‬

‫‪22‬‬


‫واملفروض أن الذي يناظر يناظر على قاعدة أن الحق ال تحتازه طائفة‬ ‫معينة‪ ،‬وال شخص بحياله‪ ،‬يمكن أن يصيب أخي ‪-‬ال نقول عدوي‪ -‬في‬ ‫مسائل معينة وأنا سأعترف له‪ .‬ذات مرة معمر بن راشد رحمة هللا عليه‬ ‫قال لحماد بن أبي سليمان أستاذ أبي حنيفة رض ي هللا عنه‪ ،‬قال له‪ :‬يا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حماد كنت رأسا في أصحابك وكنت إماما فخالفتهم فصرت تابعا بعد أن‬ ‫ً‬ ‫كنت متبوعا!!! هل هذا منطق؟!!!!! فقال حماد رضوان هللا عليه‪" :‬وهللا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تابعا في الحق أحب ّ‬ ‫أن أكون‬ ‫إىي من أن أكون متبوعا في الباطل"‪ ،‬أي ال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يعنيني هذا‪ ،‬كنت إماما في مسائل كنت فيها مبطال‪ ،‬بينما أنا اآلن لست‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إماما بل أصبحت تابعا لغيري في مسائل أصبت فيها الحق‪ .‬هللا اكبر‪ ،‬هذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفظيعا بين ّ‬ ‫يدي‬ ‫الذي يخش ى هللا‪ ،‬هذا الذي يقدم لنفسه موقفا مهيبا‬ ‫ً‬ ‫هللا غدا يوم القيامة‪ ،‬ال الذي يلعب بالحقائق وباألشياء من أجل مصالح‬ ‫ً‬ ‫دنيوية تافهة وصغيرة ومحقورة أبدا‪ .‬ومثله على ما أعتقد عبيد هللا‬ ‫العنبري قاض ي البصرة الذي رجع في مسألة أخطأ فيها‪ ،‬فقال إذن ارجعوا‬ ‫وأنا صاغر‪ ،‬قالها أمام الناس‪ ،‬قال‪ :‬أرجع إىى الحق وأنا صاغر وألن أكون‬

‫ً‬ ‫ذنبا في الحق خير من أن أكون‬ ‫ً‬ ‫رأسا في الباطل‪ .‬هللا أكبر‪ ،‬هؤالء‬ ‫الرجال أنا اقول لكم ال يمكن أن‬ ‫تقعوا على أحد لديه االستعداد‬ ‫باإلقرار بضعفه بخطئه بتجاوزه‬ ‫ويعرب عن هذا إال أن يكون‬ ‫شخصية عظيمة بمعنى‬ ‫العظمة‪ ،‬شخصية ناضجة‪،‬‬ ‫وللتبسيط والتوضيح شخصية‬ ‫رصيدها مترع ومآلان فمهما فقد‬ ‫ً‬ ‫منه شيئا يبقى الكثير الذي‬ ‫يعول عليه بخالف الفاشلين‪،‬‬ ‫كل أولئك العنيدون‬ ‫الدجماطيقيون مغلقو الرؤوس‬

‫‪23‬‬


‫واألدمغة فارغون وغير ناضجين في تجربة الحياة‪ ،‬لذلك يكذبون على‬

‫حدثتكم مرة بالقصة التي قصها‬

‫أنفسهم وعلى حقائقهم‪ ،‬الرسام الفرنس ي االنطباعي بيار رينواه كتب مرة‬ ‫يقول‪ :‬أنا شخص ضعيف ّفي القليل من الخير والكثير من الشر‪ ،‬أعرف‬

‫أبو بكر بن العربي في أحكام‬

‫هذا وال أكذب بصدده‪ .‬هذه عظمة‪ ،‬هذا إنسان ناجح‪ ،‬رسام معروف على‬ ‫مستوى العالم‪ ،‬عنده ما يمكن أن يعتمد عليه‪ ،‬فقط أشياء شخصية‪،‬‬ ‫لكن ال بأس عنده أشياء ععزيني‪ ،‬أما الفارغ الرأس املغلق الدماغ ععرفون‬ ‫ما عنده عنده اللحظي اآلن‪ ،‬املسألة التي يناقش فيها إن فقدها‪ ،‬لذلك‬ ‫تجدهم يتناقشون في االتجاه املعاكس بطريقة مزرية بطريقة عصابية‪،‬‬ ‫رجل معصوب سواء ربحت أو خسرت لن يتغير الكون بنقاشك يا‬ ‫أستاذي‪ ،‬لن تدمر بهذه الحلقة ساعة إال ربع‪ ،‬ملاذا أنت هكذا معصوب‬ ‫ً‬ ‫مضطرب؟‪ ،‬ألن هذه املعركة األوىى واألخيرة‪ ،‬دائما ليس عنده رصيد‬ ‫حقيقي‪ ،‬وهذا هو الفرق بين الناضج والفارغ‪ ،‬ولذلك هؤالء ال يؤمنون بأن‬ ‫املناظرة مغامرة‪ ،‬نعم قد أربح وقد أخسر‪ ،‬ال يعنيني بالعكس حين أربح‬ ‫ً‬ ‫معرفة حقيقة كنت جاهال بها فهذا فضل عظيم من هللا تبارك وععاىى‪.‬‬

‫القرلن‪ ،‬لألسف مرة أخطأت‬ ‫ظننت أنها اتفقت البن العربي‬ ‫وباملراجعة وجدت أنها اتفقت‬ ‫ألحد العلماء وكان من معارف‬ ‫ابن العربي فنستغفر هللا‪ .‬املهم‬ ‫جاء مرة في فسطاط مصر في‬ ‫مجلس العالمة أبو فضل‬ ‫الجوهري فأبو فضل الجوهري‬ ‫قال على رؤوس الناس‪ :‬النبي‬ ‫طلق ولل من نسائه وظاهر‬ ‫منهن‪ ،‬وهذا صحيح أن النبي‬ ‫طلق‪ ،‬كما أنه صحيح أنه لل‪،‬‬

‫‪24‬‬


‫ولكنه لم يظاهر‪ ،‬قال‪ :‬ولل‪ ،‬قال‪ :‬وتركته حتى انفض عنه الناس فاقتربت‬ ‫ً‬ ‫منه‪ ،‬فقال‪ :‬لعل لك شيئا تقوله؟‪ ،‬فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأخذني إىى بيته‪ ،‬ثم‬ ‫قال ملن معه‪ :‬افرجوا له عن كالمه عن منطقه‪ ،‬فقلت له‪ :‬موالنا لقد قلت‬ ‫في مجلسك كذا وكذا‪ ،‬أما أنه طلق ولل فهذا‪ ،‬أما أنه ظاهر فالنبي لم‬ ‫يظاهر‪ ،‬وما ينبغي له ألن الظهار منكر من القول والزور‪ ،‬وقد عصم هللا‬ ‫نبيه من املنكر والزور‪ ،‬قال‪ :‬فاعتنقني وقبل رأس ي‪ ،‬وقال‪ :‬نعشك هللا‬ ‫بالحق كما نعشتني أنا راجع‪ ،‬فما كان من الغد وامتأل املسجد لهذا‬ ‫العالمة اإلمام الكبير بالناس‪ ،‬قال‪ :‬فرلني رمقني‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬ ‫إىي به‪ ،‬افسحوا‬ ‫له‪ ،‬ععلمون من هذا؟ قال‪ :‬حتى إذا صرت عنده أجلسني على كرسيه‬ ‫ورفعني‪ ،‬وأنا أغرق في خجلي وحيائي‪ .‬إنسان غريب وطالب للعلم وهذا‬ ‫إمام معروف بين تالميذه!!! لكن انظروا إىى حب الحق وليس إنكار‬ ‫الصعاليك للحق‪ ،‬صعاليك ال عالقة لهم بالعلم وينكرون الحق على‬ ‫أهله‪ ،‬ش يء عجيب ال ُيفهم‪ ،‬وعالم وإمام كبير يتقبل الحق من تلميذ‬ ‫مجهول ال يعرفه‪ ،‬زائر ملصر ال يعرفه أحد‪ ،‬قال لهم‪ :‬ععلمون من هذا‬

‫قالوا‪ :‬ال نعلم‪ ،‬قال‪ :‬أنا معلمكم‬ ‫وهذا معلمي‪ ،‬هذا شيخي‪ ،‬هذا‬ ‫فتح علينا به هللا في مسألة‬ ‫أخطأت فيها بحق رسول هللا‪،‬‬ ‫وحكى لهم‪ ،‬وقال أنا ال أكاد‬ ‫أصدق‪ .‬علق ابن العربي ‪-‬بمعنى‬ ‫الكالم‪ -‬قال‪" :‬هذا هو الدين‬ ‫املتين‪ ،‬هذه هي اإلمامة‪ ،‬وهذه‬ ‫هي محبة الحق‪ ،‬وليس دس دس‬ ‫وخبيء خبيء‪ ،‬وإبليس ناقش‬

‫ً‬ ‫فنحن ال نناقش ألننا نريد شيئا‬ ‫ً‬ ‫مضمونا‪ ،‬وأن ننتصر ولو في‬ ‫ً‬ ‫الباطل‪ .‬ليس معقوال‪ .‬نسأل هللا‬ ‫أن يشفينا من هذا الداء العياء‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫ً‬ ‫يتساءل بعضهم أيضا بهذا الصدد يقولون‪ :‬كيف نسمح بمثل هذا‬ ‫االنفتاح؟ ومثل هذا التحول؟ ومثل هذا اإلطالع املرن على اآلراء والعقائد‬ ‫واملذاهب واألفكار‪ ،‬وهذا قد يعرض اإلنسان للتهور والوقوع في األخطاء؟‪،‬‬ ‫ععرفون من أعظم ما ينكر ّ‬ ‫علي كلما قلت للناس اقرأوا كل ش يء‪ ،‬ععلموا‬ ‫كل ش يء‪ ،‬انفتحوا‪ُ ،‬يجن جنونهم‪ ،‬كيف تقول هذا؟ أنت ععرض الناس‬ ‫للخطأ‪ ،‬أنت كذا‪ ،‬كأنهم لم يقرأوا كالم النبي "فمن اجتهد وأخطأ فله أجر‬ ‫واحد"‪ ،‬إنه أجر للبحث عن الحقيقة‪ ،‬واملثل االنجليزي الرائع يقول‪" :‬إذا‬ ‫ً‬ ‫لم عغامر بش يء لن تكسب شيئا"‪ ،‬والبحث عن الحقيقة مغامرة‪ ،‬وكما‬ ‫ً‬ ‫قلت املناظرة أيضا مغامرة‪ ،‬واملحاورة مغامرة‪ ،‬والقراءة مغامرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سأغامر‪ ،‬أخسر أشياء قطعا ثم سأكسب أشياء أهم منها‪ ،‬لكن القراءة‬ ‫واإلطالع واملرونة تصحح نفسها‪ ،‬أنا سأصحح نفس ي بنفس ي‪ ،‬اآلراء التي‬

‫أقبلها عن تبرير وعن عسويغ‬ ‫وعن فهم وإدراك منيران ‪-‬إن جاز‬ ‫التعبير‪ -‬تصبح لرائي حتى وإن‬ ‫كانت لغيري مثل النحلة‪ ،‬النحلة‬ ‫تحط على هذه الزهرة وعلى تلك‬ ‫ً‬ ‫وتلك ثم تخرج عسال هو عسلها‪،‬‬ ‫وليس هو رحيق األزهار مع أنه‬ ‫من رحيق األزهار‪ .‬كوراموس‬ ‫الكاتب اإلغريقي وهو أول كاتب‬ ‫كوميدي في القرن الخامس قبل‬ ‫امليالد‪ ،‬كتب مرة يقول كلمة‬ ‫رائعة أن اإلدراك وحده هو‬

‫أبتلعها ثم أرددها ليست لرائي‪ ،‬إنها عشعرني بنوع من الغربة‪ ،‬أغترب عن‬ ‫نفس ي‪ ،‬عسمعون باالغتراب‪ ،‬هو مصطلح هيغل وماركس وهذه الجماعة‪،‬‬

‫املبصر السميع‪ ،‬و بدونه كل‬

‫فهذا اغتراب‪ ،‬ليست لرائي‪ ،‬لكن اآلراء التي أقبلها حتى لو كانت لغيري‬

‫ش يء أعمى أصم وبال روح‪ ،‬أي‬

‫‪26‬‬


‫أن تتبنى الش يء عن فهم وعن إدراك وإال تبقى أعمى وتبقى أصم‪ ،‬ال ترى‬

‫أي مثقف فيكم وفيكن‪ ،‬ويخبره‬

‫وال عسمع‪ .‬هذا هو اإلدراك املنير البصيع السميع‪ .‬إذا لم عغامر بش يء لن‬

‫في حياته اليومية في املساجد وفي‬

‫تكسب أي ش يء‪.‬‬

‫الشوارع وفي املنتديات‪ ،‬وحين‬

‫باهلل عليكم وهذا ما نلمسه اآلن‪ ،‬أي مثقف وأي مثقفة‪ ،‬مسلم أو مسلمة‬

‫يقرأ مثال إىى ليسنغ عبارة كلما‬

‫حين يتعاطى مع التراث اإلنساني بما فيه التراث الغربي وفيه أشياء أكثر‬

‫قرأتها تهزني‪ ،‬وأشعر بفضل هللا‬

‫من رائعة‪ ،‬ويقرأ هذا التراث وألعالم هذا التراث ثم يخبر أمثال هؤالء‬

‫وأحمد هللا على أني وصلت إىى‬

‫أصحاب العقليات املغلقة أصحاب الغوغائيات والخطاب العاطفي‬ ‫الجماهيري الذي يؤسس إىى العقل الشعبوي الجماهيري‪ ،‬عقل متحكم‬

‫هذه الدرجة‪ ،‬أشعر وأقسم باهلل‬

‫فيه‪ ،‬عقل محاصر أسير مسجون‪ ،‬حين يقرأ لهؤالء ويقرأ لهؤالء‪ ،‬حين‬

‫أن هذا هو اإلنسان الذي يريده‬ ‫هللا‪ ،‬ال اإلنسان الذي يقول يا‬

‫يسمع ما تلوت عليكم‪" :‬أنا ال أناقش ألن إبليس ناقش هللا"‪ ،‬ملاذا ننقاش؟‬

‫رب‪ ،‬أنا سلمت بكالمك‪ ،‬وكالم‬

‫إذن ماذا تريد؟ نقاتل عن ما نعتقد حتى سفك الدماء وليقاتلوا هم‬

‫رسولك‪ ،‬وكالم طائفتي كله من‬

‫ولتحصل املذابح وال توجد مشكلة؟!!!! لكن ال نتناقش‪ ،‬لن ندخل في هذه‬

‫غير تفكير وأغلقت دماغي‪،‬‬

‫املغامرة غير املأمونة‪ ،‬ليس لدينا شيك على بياض أننا سننتصر ونرفع‬

‫وقاتلت عنه وأنا عبدك‪ ،‬هللا‬ ‫سيقول له أنا لم أخلق لك هذا‬

‫رؤوسنا وتظل مكاسبنا املادية واملعنوية محرزة لنا‪ ،‬باهلل عليكم حين يقرأ‬

‫‪27‬‬


‫املخ كي يشتغل كطنجرة أو كبطيخة‪ ،‬ال‪ ،‬ماذا فعلت بهذا؟ هللا سيقول له‬

‫"أو أمض ي حقبا" أي حتى لو‬

‫يا أحمق‪ ،‬يا صاحب األمانة التي كعت عنها السموات واألرض والجبال‪ ،‬يا‬ ‫فارغ‪ .‬ال‪ ،‬الذي يحبه هللا ويريده أمثال عقلية ليسنغ‪ .‬ليسنغ يقول‪ :‬لو كان‬

‫سافرت آلالف السنين البد أن‬

‫بيد الرب ال إله إال هو‪ ،‬لو كان بيده اليمنى الحقيقة كلها‪ ،‬الحقيقة‬

‫أصيب هذا الرجل الذي عنده‬

‫الكاملة الناجزة‪ ،‬وبيسراه البحث الدؤوب عنها املترافق مع السعي الدائم‬

‫ما ليس عندي وأععلم‪ .‬جعل هللا‬ ‫نفوسنا موسوية‪ ،‬ورفعها بش يء‬

‫والخطأ‪ ،‬واكتنان الحقيقة‪ ،‬أي تبقى مختفية ال ععرب عن نفسها لكن إن‬

‫من املحمدية‪ ،‬بعشق العلم‬

‫هو إال بحث مستمر وستقع في خطأ مستمر‪ ،‬ولن تطالع وجه الحقيقة ‪-‬‬

‫واملعرفة‪ .‬لو قرأ مثقف مسلم‬

‫هكذا قال وليس هذا الذي يحصل بفضل هللا‪ ،‬لكن لو كان هكذا‪ ،-‬ثم‬

‫هذا ‪-‬اآلن تخيل نفسك قرأت‬

‫قال ىي اختر‪ ،‬قال لجثوت على ركبتي عند يسراه‪ ،‬ولقلت له إلهي أعطني ما‬ ‫في اليسرى‪ ،‬أما الحقيقة كلها فهي التي تليق بمجدك وجاللك‪ .‬الحقيقة‬

‫هذه املأثرة العظيمة لليسنغ‪ -‬ثم‬

‫لك أنت‪ ،‬الحقيقة الناجزة من يعرفها كلها بضربة واحدة هو رب العاملين‪،‬‬ ‫ال أنا‪ ،‬وال أنت‪ ،‬وال ابن تيمية‪ ،‬وال ابن املطهر‪ ،‬وال الشافعي‪ ،‬وال أبو‬ ‫حنيفة‪ ،‬وال أحد‪ .‬النبي ال يعرف الحقيقة كاملة‪" ،‬وقل ربي زدني علما"‪،‬‬ ‫العلم كله هلل‪ ،‬الحق كله هلل‪ ،‬نحن نحاول أن نقترب ونقارب‪ .‬موس ى قال‪:‬‬

‫تقرأ هذا ملشائخنا وكتابنا‬ ‫ً‬ ‫وعلمائنا‪ ،‬طبعا ستقول بال شك‬ ‫أنا بريء من هذه املزاعم‪ ،‬من‬ ‫هذه االنغالقية‪ ،‬أنا بريء من‬ ‫القصور العصبية‪ ،‬هذه‬

‫‪28‬‬


‫القصور الكئيبة‪ .‬سأنتمي إىى أحرار الفكر‪ .‬املستقبل للنابهين‪ ،‬املستقبل‬ ‫لألحرار‪ ،‬املستقبل ليس للحمقى وال للعبيد‪ .‬أقول قوىي هذا وأستغفر هللا‬ ‫ىي ولكم‪.‬‬

‫اإلنسانية من املتعصب‪.‬‬

‫ً‬ ‫سأشرح ألن هؤالء جميعا‬ ‫يعترفون بأنهم مرتكبو جرائم‬

‫=======================‬

‫وأنهم خارجون عن املعايير‬ ‫األخالقية والقانون‪ ،‬وأنهم إنما‬

‫الحمد هلل‪ ,‬الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات‬ ‫ُ‬ ‫ويستجيب الذين لمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من‬ ‫ويعلم ما تفعلون‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫عذاب شديد‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال‬ ‫فضله والكافرون لهم‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬صلى هللا ععاىى عليه وعلى لله‬ ‫شريك له‬ ‫ً ً‬ ‫وأصحابه وأتباعهم باحسان وسلم عسليما كثيرا‪.‬‬

‫يفعلون هذا ملصالحهم‬ ‫الشخصية‪ .‬يقولون نحن‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫كلمتان قبل أن نغادر هذا املقام الكريم‪ ،‬الفيلسوف الذي ذكرته لكم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اليوم رالف بيري أيضا له عبارة في كتابه ذاته أعجبتني جدا‪ ،‬قال‪" :‬يبقى‬ ‫في القرصان وقاطع الطريق والسارق املتوحش املتعصب الناهب ش يء‬ ‫بريء وبسيط ينتمي لإلنسانية بخالف املتعصب"‪ ،‬أي هؤالء أقرب إىى‬

‫مجرمون‪ ،‬نحن دنيئون‪ ،‬نعرف‬ ‫هذا‪ ،‬هذا إنساني‪ .‬أن تقر‬ ‫بالحقيقة حتى حقيقة العار‬ ‫الذي يجللك‪ .‬هذا من اإلنسانية‪.‬‬ ‫قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬خير‬ ‫الخطائين التوابون"‪" ،‬لو لم‬ ‫تذنبوا لذهب هللا بكم وألعى‬

‫‪29‬‬


‫بقوم لخرين يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم"‪ ،‬ال املتعصب ال يؤمن بهذا‪،‬‬

‫ً‬ ‫باطال وارزقنا اجتنابه‪ ،‬واجعلنا‬

‫هو ال يذنب وال يخطيء‪ ،‬كل ما عنده حق‪ ،‬وحق مطلق‪ ،‬لذلك يقود الناس‬ ‫إىى املذبحة إذا لم يتبعوه على كل ما يقول‪ ،‬فيقرر أن املتعصب باريء من‬ ‫ً‬ ‫أدنى معاني اإلنسانية ألنه دائما في الوقت الذي يعمل فيه ملصالح‬

‫مفاتيح للخير مغاليق للشر‪.‬‬ ‫اهدنا واهدي بنا وأصلحنا‬ ‫وأصلح بنا‪ .‬اللهم اغفر لنا ذنوبنا‬ ‫كلها وما قدمنا وما أخرنا وما‬

‫شخصية دنيئة وفئوية ضيقة يزعم أنه يعمل هلل وللوطن‪ ،‬لذلك هذا‬ ‫أبعد من اإلنسانية بدرجات وبمراحل‪ ،‬السارق خير منه‪ .‬أحدهم يقول‬

‫أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما‬

‫بعد أن يجرب ‪-‬واسألوا الذين جربوا‪ -‬بالضبط‪ ،‬وهللا مائة باملائة ألن‬

‫أنت أعلم به منا‪.‬‬

‫السراق كم أضروا بنا؟ كم سرقوا؟ لكن هؤالء أوقعوا بنا املذابح‪ ،‬ذبح منا‬ ‫األلوف‪ ،‬وال تزال الناس تذبح وعسلخ وتخوزق‪ ،‬وتلك مصيبة‪ ،‬وهؤالء‬ ‫املجرمين يتكلمون باسم الدين وباسم اآلخرة‪ .‬يا إلهي كم ذبحنا أنفسنا‬ ‫باسمك ال اله إال هللا‪ ،‬كم ذبحنا وال زلنا نذبح باسم هللا وفي وجه هللا‬ ‫ولوجه هللا‪.‬‬ ‫نسأل هللا أن يبرأنا من أمراض التعصب‪ ،‬وأن يجعلنا ممن يستمعون‬ ‫ً‬ ‫القول فيتبعون أحسنه‪ .‬اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا الباطل‬

‫‪30‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.