2014
د/عدنانإبراهيم تفريغ وتنسيق الكتاب :د/منى زيتون 24/10/2014
كارهو الحياة ج1 د/عدنان الجمعة خطبة 24أكتوبر 2244
1
إبراهيم
اكرهو احلياة ج1
زورواموقعنا: http://www.dradnanibrahim.net
0
2
كارهو الحياة ج1 د .عدنان إبراهيم
خطبة الجمعة 24أكتوبر 2014م تفريغ :د/منى زيتون
وسيئات أعمالنا ،مف ييده اهلل فبل مضؿ لو ،ومف يضمؿ فبل ىادي لو ،وأشيد أف ال إلو إال اهلل وحده ال شريؾ لو ،وأشيد أف محمداً عبده ورسولو وصفوتو مف خمقو وأمينو عمى وحيو ،صمى اهلل تعالى عميو وعمى آلو الطيبيف الطاىريف، وصحابتو المباركيف المياميف وأتباعيـ بإحساف إلى يوـ الديف وسمـ تسميماً كثي اًر. عباد اهلل ...أوصيكـ ونفسي الخاطئة بتقوى اهلل العظيـ ولزوـ طاعتو، كما أحذركـ وأحذر نفسي مف عصيانو سبحانو ومخالفة أمره لقولو جؿ مف
قائؿ "من ع ِمل ص ِ اِلا فَلِنَ ف ِس ِ ك بِظَالٍَّم أ ن م و و َساء فَ َعلَي َها َوَما َربُّ َ ََ َ َ َ َ َ ً لِّلعبِ ِ يد". َ 3
قصة س يدان يونس عليه السالم
إف الحمد هلل ..نحمده ونستعينو ونستغفره ،ونعوذ باهلل مف شرور أنفسنا
ثـ أما بعد أييا اإلخوة المسمموف األحباب ..أيتيا األخوات المسممات
الفاضبلت يقوؿ الحؽ جؿ مجده في كتابو العزيز :بعد أف أعوذ باهلل مف
الشيطاف الرجيـ ..بسـ اهلل الرحمف الرحيـ "يا أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا أ ِ َط ُيعوا اللَّ َو َ َ َ َ ورسولَو والَ تَولَّوا عنو وأَنتم تَسمعو َن ( )20والَ تَ ُكونُوا َكالَّ ِ ين قَالُوا ذ ََ ُ ُ َ َ َ ُ َ ُ َُ َ َ ََِسعنَا وُىم الَ يسم ُعو َن ( )21إِ َّ الص ُّم البُك ُم الد ر ش ن ند اللَّ ِو ُّ َّو ِّ َّ اب ِع َ َ َ َ َ َ الَّ ِ ين الَ يَع ِقلُو َن (َ )22ولَو َعلِ َم اللَّوُ فِي ِهم َخي ًرا ََّّلََسَ َع ُهم َولَو أََسَ َع ُهم ذ َ ضو َن ( )23يا أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا استَ ِجيبوا لِلَّ ِو ولِ َّلرس ِ ول إِ َذا لَتَ َولَّوا َّوُىم ُّمع ِر ُ َ َ َ ُ ُ َ َ دعا ُكم لِ ِ َّ َّ ْي ال َمرِء َوقَلبِ ِو َوأَنَّوُ إِلَي ِو ب ول ُي و ل ال َن أ ا و م ل اع و م ك ي ي ُي ا م ُ ُ َ َ ُ ََ َ ُ ََ َ ُ َ يَب الَّ ِ ُُت َشرو َن ( )24واتَّ ُقوا فِت نَةً الَّ تُ ِ اصةً َواعلَ ُموا ذ ص َّ ين ظَلَ ُموا ِمن ُكم َخ َّ َ َ َ ُ اب ( )25واذ ُكروا إِذ أَنتم قَلِ أ ََّن اللَّو ش ِ يد العِ َق ِ يل ُّمستَض َع ُفو َن ِِف د ُ َ َ ُ ٌ َ ُ َّ اَّلَر ِ آوا ُكم َوأَيَّ َد ُكم بِنَص ِرهِ َوَرَزقَ ُكم ِّم َن َّاس فَ َ ض ََتَافُو َن أَن يَتَ َخط َف ُك ُم الن ُ ات لَعلَّ ُكم تَش ُكرو َن ( )26يا أَيُّها الَّ ِ الطَّيِّب ِ ين َآمنُوا الَ ََتُونُوا اللَّ َو ذ َ َ َ َ َ ُ ول َوََتُونُوا أ ََمانَاتِ ُكم َوأَنتُم تَعلَ ُمو َن (َ )27واعلَ ُموا أَََّّنَا أَم َوالُ ُكم الر ُس َ َو َّ نده أَجر ع ِظيم ( )28يا أَيُّها الَّ ِ وأَوال ُد ُكم فِت نَةٌ وأ ََّن اللَّو ِ ين َآمنُوا إِن ذ ع َ َ َ َ ٌ َ ُ ٌ َ َ َ تَتَّ ُقوا اللَّوَ ََي َعل لَّ ُكم فُرقَاناً َويُ َكفِّر َعن ُكم َسيِّئَاتِ ُكم َويَغ ِفر لَ ُكم َواللَّوُ ذُو ال َفض ِل الع ِ ظي ِم ({ )29سورة األنفال} .صدؽ اهلل العظيـ وبمغ رسولو الكريـ َ ونحف عمى ذلكـ مف الشاىديف .الميـ اجعمنا مف شيداء الحؽ القائميف
بالقسط .آميف الميـ آميف. 4
إخواني وأخواتي" ..استَ ِجيبوا لِلَّ ِو ولِ َّلرس ِ ول إِ َذا َد َعا ُكم لِ َما ُُييِي ُكم". َ ُ ُ
قمنا ذات مرة مف قريب أنو مف الخطأ بؿ مف الكارثة أف يحدد اإلسبلـ وسمي ًا
–أي وسائمياً ،-وأنو ينبغي أف يحدد بغاياتو قبؿ أف يحدد بوسائمو ،واال فيي
الكارثة الكارثة .حيف تشيع العدمية بكؿ ما تستجره وتستتميو وتستتبعو مف التدميرية ،مف النزعة النحرية واالنتحارية ،مف الجنوف المنفمت يصير السؤاؿ
ىو سؤاؿ المعنى ،وتعمؽ سائر األسئمة إلى وقت آخر؛ فبل تغدو أسئمة
المحظة أي ال تغدو أسئمة تكتسي أىمية في المحظة المعيشة .إنما السؤاؿ ىو سؤاؿ المعنى .معنى الوجود .معنى الحياة وأعني الحياة اإلنسانية ،واذا ذكر اإلنساف وحياة اإلنساف ذ كر سؤاؿ معنى الديف ،معنى األخبلؽ ،معنى األدب والفف ،معنى الفكر والعمـ والمعرفة والفمسفة .إذف فالسؤاؿ ىو سؤاؿ المعنى
"ما معنى ىذا كمو؟" ،كي نفيـ معنى لبل معنى ،ولحالة العدمية التي نعيشيا
ال بد أف نعود إلى سؤاؿ المعنى الذي يبدو أننا لـ نطرحو بشكؿ جيد ولـ نتعانى البحث عف جواب أو جوابات لو مف منظورات مختمفة ليست بالضرورة
متعارضة وانما متعددة .يأتي سؤاؿ المعنى قبؿ سؤاؿ اليدؼ ،فبل معنى
لمسؤاؿ عف اليدؼ قبؿ أف نجيب سؤاؿ المعنى ألف اليدؼ يتمو المعنى.
بالضرورة إذا تعيف المعنى سيؿ تحديد اليدؼ ،أما أف ننبعث في إدعاء وفي
تحديد أىداؼ دوف أف نجيب عف سؤاؿ المعنى ىذا معناه أننا نتآكؿ نتحمؿ
نذوب نتعارض نتفارؽ باستمرار .طبعاً أعني ىنا الػ "نحف" بالمعنى الوجودي
العريض العميؽ ،أي الػ "نحف" المعرفية الثقافية الدينية الحضارية .كؿ شيء
ينتيي .كؿ شيء يذوب ويتحالؿ ،يتفارؽ ويتعارض ،يتآكؿ وال يتكامؿ. 5
بالضبط ىذ ه ىي الحالة التي نعيشيا اآلف كأمة مسممة؛ فنحف أمة في طور التحمؿ والذوباف والتفكؾ .واضح أنيا تعيش ىذه الحالة مف أسؼ شديد. يعنينا في ىذا المقاـ ،ونحف نطرح السؤاؿ الكبير ،ولعمو أكبر األسئمة
"سؤاؿ المعنى" أف نجتزيء ونكتفي لمبررات ال تخفى عميكـ وعميكف بسؤاؿ
"معنى الديف" ألف روح ىذه العدمية التي نعاني ونكابد لؤلسؼ ىي روح دينية؛ فجذرىا ديني .شئنا أـ أبينا ،وأذكر بما تعرفونو جيداً أف السماء بخير ،وحاليا عمى ما يراـ؛ فميس فييا خصومات ،ليس فييا نزاعات ،ليس فييا إرادات
لمييمنة والتسمط واإللغاء واإلقصاء .السماء بخير؛ لذلؾ يجب أف نكوف واضحيف مع سؤاؿ الديف؛ فالديف ليس لمسماء .كؿ تفسير وكؿ تأويؿ يحاوؿ
أف يفيـ أف الديف لمسماء وأف التديف لمسماء ىو فاشؿ بؿ خبيث ومخادع
ٍ وممتو يخفي في النياية إرادة ىيمنة .ستقوؿ "ال ،بؿ إرادة تغييب" ،وأنا أرد بأف اإلرادة األبعد ىي دائماً إرادة ىيمنة ،فانتبيوا. لو سئمت عف الشر األكبر الذي يمكف انتزاعو –ال أدري بانتزاع جيناتو،
حتى الجينات الثقافية أعني جينات دوكنز "الميمات" -بضربة واحدة ،وىو شر وحيد ،أي إذا كاف لنا الخيار أف ننتزع ش اًر وحيداً مف اإلنساف مف بيف عشرات إف لـ يكف مئات وآالؼ الشرور فأنا لف أتردد في أف ىذا الشر
األكبر واألعظـ واألدىى الذي ينبغي مباشرة أف نجتزيء بتنحيتو وازالتو ىو إرادة الييمنة .إرادة تسمط اإلنساف عمى اإلنساف .أكثر ما كرث ودمر المجتمعات البشرية ،وأكثر ما لوث وسمـ الديف والقيـ واألخبلقيات والمثؿ
وكؿ المعاني النبيمة دائماً ىي إرادة الييمنة .ىيمنة شعب عمى شعب ،ىيمنة 6
أمة عمى أمة ،ىيمنة دولة عمى دولة ،ىيمنة حزب عمى حزب ،ىيمنة جماعة عمى جماعة ،ىيمنة طائفة عمى طائفة ،ىيمنة رجؿ عمى جماعة ،ىيمنة رجؿ
عمى طائفة .مرة بؿ مرات كثيرة باسـ الديف ،ومرات باسـ السياسة والمصالح
واالقتصاد؛ فإرادة الييمنة ىي المعنة الكبرى .في نظري أف أعظـ عبلج إلرادة
الييمنة ىي اإليماف ،لكف ليس اإليماف الوثني؛ فمعظـ أنماط وصور اإليماف
التي ينطوي عمييا المتدينوف مف سائر األدياف ىي أنماط وثنية .اإليماف باهلل تبارؾ وتعالى عمى أنو األكبر واألوحد واألعظـ والمطمؽ في كؿ صفاتو ونعوتو ال إلو إال ىو يعد أعظـ عبلج ،وفي نظري ىو العبلج األخير واألوحد
لكؿ صنوؼ النرجسية اإلنسانية ،ولكؿ صنوؼ األنانيات ،ومف ثـ لكؿ صور
وأنماط الييمنة ،لكف لؤلسؼ الشديد فإف ىذا العبلج العظيـ الذي تكرمت بو السماء عمى األرض مباشرة عبث بو الرجاؿ؛ رجاؿ الديف بالذات ورجاؿ
السياسة معيـ ،والحمؼ متواصؿ مف قديـ بيف ىؤالء وىؤالء ،بيف أصحاب
العرش وبيف رجاؿ الكينوت .حمؼ متواصؿ باستمرار لؤلسؼ الشديد في كؿ
األمـ ،وكؿ لمصالحو والعتبارات تخصو .مباشرة كاف يتـ توثيف مفيوـ
اإليماف باهلل .مباشرة كانت تغتصب وتختزؿ وتخفض ىذه الصورة المعتقدية –
كما أدعوىا -لتخدـ أغراضاً مختزلة ودنيئة دائماً ،فيي دائماً دنيئة إذ ال يمكف
أف تكوف رفيعة ونبيمة؛ فباسـ اهلل وباإلحالة عمى اهلل تبرر أبشع صور الجرائـ
والكوارث .في يوـ مف األياـ صاح أحد رجاؿ الديف ىنا في الغرب الكاثوليكي
يقوؿ" :آه يا اهلل ..كـ باسمؾ كرىنا بعضنا البعض وذبحنا بعضنا البعض"!!! .ىذا يتـ باسـ اهلل وليس فقط باسـ الحرية!! 7
أذكر اآلف المحظة حيف شب النزاع المشيور بيف الديمقراطييف أعداء
الرئيس األمريكي السادس عشر إبراىاـ لينكولف ،وبيف رجاؿ حزبو الجميورييف
حوؿ التعديؿ الثالث عشر في الدستور األمريكي ،وىو التعديؿ الذي اقترحو
لينكولف لتحرير العبيد والغاء مؤسسة العبودية مغام اًر بمستقبمو السياسي
برمتو .بعض الجميورييف وكؿ الديمقراطييف كانوا ضد ذلؾ ،لكف الرجؿ كاف
نبيبلً وكاف نافذ البصر .كاف ذا بصيرة ،وألح .عمى كؿ حاؿ ،في رسالة الكونجرس دارت نقاشات محتدمة ألسابيع ،وقاـ أحد الديمقراطييف البمغاء
أصحاب األلسنة السميطة واأللفاظ القوية المعبرة الموحية ليقوؿ" :ىذا التعديؿ
معارض إلرادة الرب!!!! ولشرع اهلل تبارؾ وتعالى الذي أراد لمبشر أف يكونوا
مختمفيف ،فيو خمقيـ أسود وأبيض كي يستعبد األبيض األسود!!!" ،يقوؿ ىذه
إرادة اهلل!!! ،طبعاً يتحدث باسـ اهلل ،والكؿ يتحدث باسـ اهلل لتبرير العبودية،
كؿ أشكاؿ العبودية ،فميست عبودية البشر السود أو الممونيف فقط بؿ عبودية
البشر كبشر ،ممونيف وغير ممونيف ،ودائماً باسـ اهلل!!! ،فالمذابح حيث يذبح
اآلخروف وتتـ تصفيتيـ تتـ باسـ اهلل وعمى أنو الجياد في سبيؿ اهلل .ىذا ىو الجياد!! ىذا مراد اهلل تبارؾ وتعالى!! ،ىكذا يقاؿ أف اهلل يريد ىذا!!!.
عجيب ،أليذ ه الدرجة يمكف أف نتج أر عمى اهلل تبارؾ وتعالى ،وأف نغتصب صبلحيات اهلل ،وأف نتكمـ باسـ السماء بمثؿ ىذا العنفواف ومثؿ ىذا الغرور
وىذا االنتفاخ الساذج؟!!!
بالمناسبة ،حيف تدققوف وحيف تمعنوف النظر تجدوا أف كؿ الحروفييف، كؿ الجامديف ،كؿ الذيف يتعامموف مع النص الكريـ المقدس بمجانية –فيو 8
غير مكمؼ -وباستخفاؼ –إذ يستخفوف تماماً أف يعزوا إلى اهلل ما شاءوا والى رسولو والى األدياف والى الفطرة والطبيعة والى قانوف اهلل الكوني ،كؿ ىؤالء يعانوف مف إعاقة –أعتقد أنيا إعاقة في الدماغ عمى المستوى العصبي،- وأتكمـ اآلف بمغة العمـ الطبيعي الذي يمكف أف تستقصى فيو الحاالت تجريبياً
وليس تأممياً .كؿ الحروفييف الجامديف يكرىوف المجاز فيـ يفشموف دائماً في أف يمضوا مع النص خطوة فضبلً عمى أف يمضوا خطوات في طريؽ الرمزية والمجاز ،في طريؽ ما ىو أبعد مف الحرؼ المباشر الذي يمكف أف يتمقاه
اإلنساف األكثر عادية أو اعتيادية ،األكثر سذاجة وأمية ثقافية .ىـ يفشموف
في ىذا ويكرىونو ويؤصموف ليذا بطرؽ نظرية .اآلف في عمـ األعصاب –عمـ الدماغ -يعتبر ىذا مرضاً؛ ذلؾ أنو تـ اكتشاؼ أف الذيف يعانوف مف انقطاع
بعض االتصاالت –وسنبسط الحديث -يعانوف مف ىذا كأعراض لممرض،
فمف الصعب عمييـ جداً أف يتخيموا ،وىـ ال يفيموف المغة الرمزية .أحيان ًا يعاني الواحد منا مف بعض الناس حيف تذىب تمازحو وتفاكيو فيأخذ األمر
دائماً عمى ٍ نحو جد .ىذا يعاني لديو مشكمة عصبية ال يفيـ الشيء رمزي ًا مجازياً .ال يعرفوف وال يستطيعوف ىذا ،فيـ يفشموف ألف عندىـ عجز واعاقة
عصبية ،وحيف يصبح ىؤالء منتجيف لفكر ،منتجيف لتأويؿ ولتفسير الديف فيذه ىي الكارثة .العواـ المساكيف ال يعرفوف سوى المظاىر –المحية والجمباب
واأللقاب -ويصدقوف .ال نموـ عمييـ ولكف نموـ عمى أىؿ الفكر .أنتيز ىذه الفرصة كي أقوؿ :نموـ ونموـ وال بد أف نموـ بمقدار التقاعس والعجز والكسؿ
وعدـ إبراء الذمة مف مسئولية الوقت.
9
قميؿ مف حنظؿ الشر يفسد الكثير والكثير جداً مف عسؿ الخير .نحف
نعيش ىذا دائماً ،فيذا شيء يومي أصبح مبتذالً .أنت يمكف أف تحسف إلى
أحد الناس عشر سنيف ثـ تسيء مرة فينسى كؿ إحسانؾ ويتذكر دائماً ىذه المرة .عمى ٍ كؿ ىذا شيء سيء جداً ولكنو في نياية المطاؼ في التحميؿ األخير إنساني ،فيذ ا طبع اإلنساف الفرد والجماعة .يمكف ألمة أف تقدـ الكثير
لغيرىا ولمحضارة ولممعرفة البشرية ثـ تسيء مرة أو مرات فتضخـ ىذه اإلساءة باستمرار .ىذه طبيعة البشر .سبحاف اهلل ىـ ال يحتفوف كثي اًر بالخير وبالجانب اإليجابي ،لكف يفتحوف عيونيـ فناجيف عمى الشر وعمى الذلة ،عمى
الفضيحة وعمى الخطأ .يحبوف ىذا جداً ،ولذلؾ تعاني اآلف األمة اإلسبلمية.
اإلسبلـ نفسو يعاني مف أخطاء بعض أبنائو ،وكما نقوؿ دائماً ىـ نسبة
ضئيمة –وىذا ليس كبلمي بؿ نتائج إحصائيات عممية في االتحاد األوروبي
جالوب وغيرىا .-اإلحصائيات تقوؿ أف أكثر مف %59مف المسمميف وبعض اإلحصائيات تقوؿ بؿ أكثر مف %59مف المسمميف مسالموف طيبوف
وادعوف .حياتيـ تؤكد ىذا؛ فأكثر الضحايا عمى وجو األرض ىـ مف المسمميف .نحف أكثر الناس ضحايا .نحف أكثر الناس الذيف نظمـ ،لكف البقية
لدييـ موقؼ مختمؼ .ىذه الدراسات العممية تؤكد –وىذا شيء جيد ومف
إنصاؼ ىذه الدراسات -أنو حتى ىذه البقية المبررات الحقيقية لمواقفيا المتشددة سياسية في الجوىر .يسعدني أف يكوف األمر كذلؾ ولكف أنا كمسمـ
ال أحب أف أغرر بنفسي فبل أوافؽ عمى ىذا تماماً ألف ىناؾ شيء ال بد مف إيضاحو أنو لو كانت البواعث الحقيقية سياسية وىي كذلؾ إلى حد بعيد جداً، بمعنى أنو لو لـ يكف ىناؾ ظمـ نزؿ وحاؽ بالمسمميف في ببلدىـ وأوطانيـ، 10
بشعوبيـ بأىمييـ ،لما انبعثت كؿ ىذه الحركات المجنونة المتطرفة التي صار أك ثر مف يعاني منيا اآلف ىـ المسمموف أنفسيـ في ببلدىـ وعمى أرضيـ. إذف ىناؾ أسباب سياسية واضحة أو لنقؿ ذات طبيعة سياسية ،فيذه بواعث ال نستطيع أف ننكرىا ولكف انتبيوا ،ما ىي الوسيمة التي يتوسميا ىؤالء الغاضبوف الناقموف الساخطوف المحبطوف؟ اإلجابة :ىي الديف .ما ىو
الخطاب الذي ينطمقوف منو يظيروف بو أىدافيـ ويبررونيا؟ اإلجابة :ىي
الديف .ىذه ىي المصيبة اآلف ،والديف يدفع الثمف .مف الصعب أف تفيـ إنساناً غير متمرس بالدرس العممي وباألسموب واآلليات العممية أف ىؤالء
مظيرىـ ديني ويتكمموف لغة دينية ويبرروف أفعاليـ بنصوص الديف –قاؿ اهلل
وقاؿ الرسوؿ -ثـ تقوؿ أف اإلسبلـ براء!!! اإلسبلـ ال عبلقة لو!!!! ،مف الصعب جداً أف يفيـ اآلخر ىذ ا ،خاصة اآلخر غير المسمـ ،فالمسمـ نفسو
مف الصعب أف يفيـ ىذا ،فكيؼ بغير المسمـ؟!!! خاصةً وأف قميبلً مف الشر
–كما قمت لكـ -يعفي عمى كثير في سجؿ الخير .طبعاً الشر بطبيعتو ىكذا، فيو ناري جحيمي .ش اررة واحدة يمكف أف تحرؽ مدينة أو تحرؽ غابة .الشر مف طبيعة نارية ،ومف طبيعة فوضوية ،ليس لو خطة ،وليس لو منطؽ ،مثؿ
النار حيف تستشري ليس ليا منطؽ معيف ،فمف الصعب بؿ مف المستحيؿ أف
نتنبأ بمسارىا بدقة ،كذلؾ الحاؿ مع نار الشر فيي مف طبيعة فوضوية.
تفكروا مثبلً في معمومة تصؿ إلى ىيئة مطار يعج بألوؼ المسافريف
والمتحركيف فيو جيئة وذىاباً ،مجرد معمومة عف فرد انتحاري في ىذا المطار،
فإف ىذه المعمومة تكوف كافية أف تجعؿ ىذه األلوؼ الكثيرة مف الناس تعاني 11
اإلجراءات األمنية المشددة مف أجميا –مف أجؿ مصمحتيا ،-فقط بسبب
شخص واحد مجنوف بمغت عنو معمومات أنو ٍ منتو أف يفجر نفسو ويحدث
التفجير في المطار .طبعاً الكؿ سيعاني .قد يحدث ىذا عمى مستوى مدينة فيعاني كؿ أىؿ المدينة بسبب مجنوف واحد ،لكف مف أجميـ في نياية
المطاؼ .ىذه ىي طبيعة الشر .اآلف األمة اإلسبلمية وىي أكثر مف مميار
ونصؼ تعاني في كؿ مكاف .أنت مسمـ عميؾ –تقريباً -أف تخجؿ!!! لماذا
أخجؿ مف ديني؟! ماذا فعمت أنا؟!! ماذا فعؿ ىو أو ىي؟! اإلجابة :ىكذا فأنت مسمـ! ،المسمموف ىكذا وضعيـ!! ،وضعونا في موضع ال نحسد عميو.
أصبحنا محرجيف حقيقة رغماً عنا .ال نستطيع أف ننكر ىذا .نحف محرجوف. أحرجونا وأحرجوا دينيـ تماماً وأحرجوا أمتيـ .ىذا بسبب ىؤالء ،لكف –ولذلؾ
نقوؿ أننا نموـ ونموـ ونموـ -لماذا واألكثرية ىي التي تعاني بسبب ىذه األقمية
المنذورة ال نرى تصدياً فاعبلً مف ىذه األكثرية؟ ،ما الذي يحدث؟ ،لماذا ال
نجد أصواتاً كثيرة ترتفع باإلدانة وبالدمغ وبالتحميؿ والتفسير والتفكيؾ بؿ وبالتعقيـ؟ ،أيف التعقيـ الثقافي؟ ،أيف التعقيـ الفكري؟ ،ال يوجد تعقيـ .أنا ال
أشاىد تعقيماً بؿ عمى العكس فأنا أشاىد لغة –في األكثر -تبريرية .لغة
(نعـ -طيب -ولكف) .لغة (لكف)!!! ،أسميتيـ مرة (أبناء ابف لكف)!!!! ىذه المغة التبريرية (ولكف) تستخدـ باستمرار ،والشباب يفيموف الرسالة بأف المسألة
ليست بتمؾ الدرجة مف السوء ،ليست بتمؾ الكارثية ،بالتالي يمكف لؾ أف تصبح في يوـ مف األياـ مف ىؤالء ،مف ىذا الحزب .لماذا؟ ىذا ىو السؤاؿ،
وىو سؤاؿ محير جداً :لماذا األكثرية صامتة؟ 12
في خمسينيات القرف العشريف المنصرـ عانى الغرب األوروبي
واألمريكي مف حالة مشابية؛ إذ خرج مف حرب عالمية ثانية بزىاء 08مميوف
ضحية .كانت حرباً مدمرة .بالمناسبة فإف القرف العشريف –كما وصفو بريجنسكي -ىو أكثر القروف دموية في تاريخ البشرية .اإلحصاءات تت ارواح
ما بيف 08مميوف في الحرب العالمية الثانية مضاؼ إلييا 28مميوف في الحرب العالمية األولى بإجمالي 088مميوف عمى أقؿ تقدير ،تصؿ في
تقديرات أعمى لبعض الدراسات لممختصيف إلى 008مميوف كإجمالي ضحايا القرف العشريف .شيء كارثي لـ تشيد البشرية في تاريخيا مثؿ القرف العشريف
الذ ي وصمنا فيو لقمة العمـ والتكنولوجيا والفمسفة!! ،كانت ىذه ىي الحالة
وىي حالة مخيفة ،فمماذا؟ ،واآلف نريد أف نشبؾ بيف حالتيف ووضعيف .عمى كؿ حاؿ ىي خرجت مف حرب عالمية ثانية أحرقت األخضر واليابس ،دمرت
كؿ شيء وأحالت العامر إلى خراب كمي ،وبدأ التحضر لحرب نووية .تعمموف أنو في فترة الحرب الباردة كاف ىناؾ احتماؿ انفبلت العقاؿ في أي لحظة وأف
تشب الحرب النووية والتي كانت ستنسي كؿ حروب التاريخ البشري إف قامت
بيف القوتيف العظمييف .العجيب كما سجؿ المحمؿ والمفكر اإلنساني الكبير ايريؾ فروـ أنو لوحظ أف الجماىير الكثيرة ،تمؾ المبلييف المممينة لـ ِ تبد فاعمية حقيقية ممموسة في إنكار الوضع ،كأنيا تقوؿ ال نبالي! لماذا؟!!!،
يقوؿ فروـ أنو قدمت تفسيرات كثيرة تفسر جوانب وتعجز عف تفسير سائر الجوانب .قاؿ :الذي اقترحتو أنا –ويبدو أنو تفسير صائب إلى حد بعيد -أف السبب الجوىري والعميؽ ىو كره الناس لمحياة!! ،أي أنو قاؿ أف الشعوب
ليست فقط غير مبالية بؿ ىي شعوب كارىة لمحياة وتقريباً مفتتنة بالموت!، 13
فقد أصبحت تعشؽ الدمار ،تعشؽ الخراب ،تعشؽ الموت!! ،وبمغة المحمميف النفسييف ىي "شعوب نيكروفيمية" .الشخص النيكروفيمي ىو ىذا العاشؽ
لمدمار والعاشؽ لمموت ،وىو مفيوـ أوسع مف كونو عاشقاً لمجثث فقط
والمقصود بو التعاطي الجنسي مع الجثث ،فالنيكروفيمية مفيوـ أوسع مف ىذا النطاؽ الضيؽ بكثير ،لكف بكممة واحدة ىي عشؽ الموت ،عشؽ الخراب،
عشؽ الدمار.
كيؼ؟ ىؿ الحضارة الغربية انبثقت فييا فمسفة تعشؽ الخراب والدمار؟
نعـ ىذا الذي حدث ،وىذا الذي يفسر قياـ حربيف مجنونتيف في ربع قرف فقط، وىو شيء ال يكاد يصدؽ .األولى انتيت 0500والثانية بدأت .0595طبعاً ألف الفمسفة العامة ىنا ىي فمسفة آليينية (آلية) تجريبية ميكانيكية تتعاطى مع
اإلنساف عمى أنو شيء مف األشياء .بالكاد تراه إنساناً .ىي ميكانيكية آلية
تشيء اإلنساف .ىذ ا منافي لطبيعة الحياة فعمى العكس الحياة طبيعتيا عضوية مختمفة تماماً عف الطبيعة اآللية الميكانيكية مف كؿ وجو تقريباً.
يقوؿ فروـ :ولقد لمست ىذا االفتتاف بالموت حتى في األمثمة والكممات، ولؤلسؼ ىذا يوجد عند العرب اآلف –وعند أكثر الشعوب ،-فنجد العربي يقوؿ" :بأحبو موت" !! ،كيؼ "أحبو موت"؟" ،حبو يقتمني" كما يقوؿ اإلنجميز
"ىذا يقتمني"!! أي أنو جميؿ جداً!!" ،يقتمني!! إذف ىو شيء فظيع!!" ،أحبو موت"!! ىو حب الموت إذف .يحيا الموت إذف ،viva la muerte .ىذا
شعار العدمييف .شعار القتمة" .يحيا الموت"!!! .سألتقط ىذا الخيط -انتيبوا،- كي أقوؿ لكـ أنو ليس اكتشافاً أف ىذه ىي الثقافة اإلسبلمية وأعني ثقافة 14
المتعصبيف الجامديف اإلرىابييف التدميرييف وتسمى الثقافة الجيادية ظمماً
وعدواناً ،فأنا ال يمكف إال أف أؤكد عمى الطابع اإلنساني لمجياد القرآني الذي ىو إنساني بكؿ معنى اإلنسانية .إي واهلل ىو إنساني بكؿ معنى اإلنسانية.
كاتبة ييودية ال أدرية – Lesley Hazletonليست ممحدة ،-ليست
متدينة بالديانة الييودية لكف ىي ييودية أمريكية تتحدث عف قراءة القرآف في محفؿ عاـ في الواليات المتحدة األمريكية -قدمت كممة في مؤتمر مف
مؤتمرات - TEDوتقوؿ" :يتيـ القرآف بأنو يميؿ إلى العنؼ ويتعاطؼ مع العنؼ ،وتحدث في آيات كثيرة عف القتاؿ والجياد ،بينما أنا وجدت القرآف
حيف يتحدث عف القتاؿ والجياد يسمح بالقتاؿ والجياد والعنؼ ،ويتعاطى مع
العنؼ ولكف كيؼ؟ تقوؿ بشروط بسيطة ،وىي ىنا تمزح وتسخر مف ىؤالء الذيف يكذبوف عمى القرآف –وىي الييودية األمريكية البل أدرية وال عبلقة ليا
باألدياف أصبلً!! -تقوؿ " :القرآف يقوؿ أنو يمكف أف يسمح لكـ أف تقاتموىـ بشروط :الشرط األوؿ أف يقاتموكـ ىـ أوالً ،والشرط الثاني أف القاعدة أال يكوف
ىذا في الحرـ إال أف يكوف رداً لمعدواف بمثمو ،والشرط الثالث أف تنقضي مدة السماح –تشير إلى آية سورة التوبة ،-والشرط الرابع أف تمتزموا بمبدأ التناسبية
أي مكافأة رد الفعؿ لمفعؿ ،فيو اعتدى عميؾ وأنت ترد العدواف لكف بطريقة
متكافئة ،يسمى بمغة عصرنا عدـ اإلفراط في استخداـ القوة فيذا ممنوع ،ثـ مع كؿ الشروط وألف اهلل رحيـ وغفور وصفوح فكأنو يقوؿ لكـ أنو مف األفضؿ
أال تقتموىـ في نياية المطاؼ!!!" .ىذا ىو القتاؿ القرآني ،فعف أي عنؼ نتحدث؟ أنا ال أستطيع أف أستوعب شخصياً كإنساف قرأت التاريخ تاريخ 15
األفكار وتاريخ الحضارات ،واف لـ يستوعب ىذا ولكف بالعكس ىؤالء المنتفخوف أدعياء الثقافة والفكر الذيف يطعنوف في القرآف وفي محمد .ىـ ال
يفقيوف شيئاً ،وأقوليا بكؿ تواضع .ييودية مثؿ تمؾ المرأة قرأت القرآف في شيور فقيت ورأت ما لـ يره ىؤالء األدعياء مف أبناء المسمميف ،وىذا لؤلسؼ
الشد يد .ال أستطيع أف أفقو وال أف أفيـ كيؼ كاف يمكف أف ينبثؽ مثؿ ىذا التشريع ،ومثؿ ىذ ا التقييد لجنوف الحرب في القروف الوسطى ،وبالذات في مجتمع الجزيرة العربية ،وبالذ ات مف طرؼ المسمميف إزاء األطراؼ األخرى التي حزمت أمرىا وآلت إال أف تستأصميـ مف جذورىـ ،تمؾ القوى التي
أقسمت أال يكوف لمحمد وأصحابو حؽ في الحياة والوجود ،وفي المقابؿ يكوف
ىذا ىو رد فعؿ محمد؟!! ،ال أستطيع أف أفيـ ىذا إال انو فعبلً ديف إليي. ديف رب أغنى مف أف ينتقـ مف البشر ،ومف أف يتصرؼ بنزؽ إنساني .البشر
ىو الذي ينتقـ .قؿ لي أيف مفيوـ االنتقاـ في القتاؿ اإلسبلمي؟ تحدثنا عف مبدأ التناسبية ،فأيف االنتقاـ؟ ،طبعاً يتفرع مف مبدأ التناسبية مبدأ التكافؤ وىو
تحريـ االنتقاـ .ماذا يقوؿ اهلل تبارؾ وتعالى؟ "فَِإ َذا لَِقيتم الَّ ِ ين َك َفُروا ذ َ ُُ الرقَ ِ اق فَِإ َّما َمنًّا بَع ُد َوإَِّما وىم فَ ُش ُّدوا ال َوثَ َ ب ِّ فَ َ اب َح َّ ىَت إِ َذا أَث َخنتُ ُم ُ ضر َ فِ َداء" .عجيب أنو ال يوجد انتقاـ .فاالنتقاـ حؽ هلل تبارؾ وتعالى .محمد ال ً
ينتقـ .الصحابة ال ينتقموف .الجندي المسمـ الحؽ القرآني ال ينتقـ .ال يوجد
انتقاـ .أحدىـ يقوؿ لـ أفيـ ،كيؼ يوجد قتاؿ وعنؼ وضرب الرقاب وال يوجد
انتقاـ؟! ما المقصود؟!
16
يتحدث العمماء والمختصوف عف أنماط أربعة عمى األقؿ مف العنؼ
تناوليا فروـ وغيره:
النمط األوؿ وىو األكثر اعتيادية ىو نمط عادي وطيب يسمى بالعنؼ المعوب ،باعثو ليس الكره وغايتو ليست التدمير كالرياضات العسكرية الحربية والتي ال تنتيي إلى قتؿ ،تيدؼ إلى شحف القوى وتنشيطيا
وتيذيبيا واظيار الميارة والمياقة فقط ،فيي نوع مف األلعاب دوف
اإلضرار باآلخر ،فيذا العنؼ المعوب اإلنساني الذي ينتمي إلى مجاؿ
اإلنساف ،فيو ينتمي إلى الحياة ويخدـ الحياة كما يقوؿ الدارسوف.
النمط الثاني وىو العنؼ االرتكاسي ،وىو أشيع أنماط العنؼ ،والذي
يجد جذره في الخوؼ .باختصار -وكي نبتعد عف المغة الفنية -فالعنؼ االرتكاسي ىو عنؼ رد العدواف .حيف يعتدى عمى حياتي فرداً أو
جماعة –قد تكوف الجماعة أمة أو شعباً ،-حيف يعتدى عمى حريتي
وكرامتي وعمى ممتمكاتي ال بد أف أرد .ىذا تصرؼ طبيعي فاإلنساف
يحب أف ينجى وينجو وينجو مف معو .ىي غريزة ببل شؾ ،وطبع ًا تكوف المعالجة عنفية أي عمى مستوى المخ الزواحفي.
بحسب نظرية المخ الثالوثي لمدكتور بوؿ ماكميف لدينا ثبلثة أمخاخ،
ففي العنؼ والقتاؿ والقتؿ والدفاع والصراع مف أجؿ البقاء نستخدـ
وننطمؽ ونخضع لممخ الغرزي مف حيث األصؿ ،لكف بالطبع ىناؾ
المخ العاطفي –مخ الثدييات األوسط -يتدخؿ ،وبعد ذلؾ يتدخؿ المخ العاقؿ الراشد الموجود بالقشرة الدماغية .فيذا ىو اإلنساف يكوف مركب. 17
العنؼ والقتاؿ والدـ ينشأ مف المخ الغرزي –مخ الزواحؼ -حيث ال توجد عاطفة –التمساح يأكؿ أبناءه وال يعرؼ ما ىي العاطفة .-نحف لدينا مخ الزواحؼ ،وبعض الناس يعيش معظـ حياتو بمخ الزواحؼ.
مخ الثدييات –المخ العاطفي -الذي تتسـ بو القطط والكبلب والخنازير واألبقار والشمبانزي ال يعرفو ىؤالء!!! ،ىذا عجيب أف يفتقد الواحد
منيـ العاطفة والبكاء والرحمة والحب والتواصؿ والعبلقات االجتماعية،
فبل يعرفيا!!! .مثؿ ىذا الشخص ىو وحش كاسر كالتمساح ،يعيش
كتمساح ويمتح مف ثقافة تمساحية زواحفية ،وعار عمى اإلنساف أف
يعيش ىذا .يقاؿ أف ىذه ىي المسيرة التطورية لمدماغ البشري وأنو مف عشرة مبلييف سنة كاف لدينا مخ الزواحؼ ثـ تبله مخ الثدييات ومف
نص ؼ مميوف سنة فقط تميزنا بالمخ الواعي الراشد في قشرة المخ .ىذا
نحف .ىذا ىو البشر ككائف عاقؿ .ىذا ما يميزنا مف الحيوانات؛ مف الزواحؼ بالخصوص ثـ مف الثدييات. ىذ ا العنؼ يعمؿ عمى المستوى الغرزي ببل شؾ ولكف يرشده المخ
الحديث العاقؿ الراشد ،فيحدد حدود العنؼ فيقؼ عند حدود الدفاع بأف
أدفع األذية عف نفسي ،فإذا حصؿ ىذا أكتفي وال أنتقـ .ال آكؿ
خصمي .ال أطبخو .ال أقطعو .ال أعمؽ رأسو مثمما تعمؽ مبلبس الغسيؿ .ال أضعو في قدور وأتصور إلى جانبو .ال يمكف لئلنساف أف
يفعؿ ىذا .فقط التماسيح تفعؿ ىذا ،أما البشر فبل يفعؿ ىذا بؿ يرفضو عمى مستوى القشرة الدماغية التي تحدد المخ العاقؿ اإلنساني .ىذا 18
غير مقبوؿ بالمرة لكف كزاحؼ أنت تقبمو فأنت حر أف تعيش ككائف زاحؼ ،أما البشر العاقؿ –ونكرر -ال يمكف أف يقبمو ،فما بالنا ببشر
عاقؿ متديف!!! ىذا مستحيؿ ألف المسافة فمكية كي نقبؿ ىذا .طبعاً ال
ي عني أف كونؾ ترفع شعار بشرية وشعار ديف أنؾ أصبحت تتحرؾ بالمخ العاقؿ .انتبو ،فالشعارات ال تغني شيئاً .السموؾ والفيـ والتجذر الثقافي والروحي المذ اف يعطياف العمؽ الروحي والعمؽ المعرفي –عمؽ
التجربة والخبرة -ىذا ما يحيمؾ إلى بشر حقيقي والى إنساف كامؿ، يتكامؿ في سبيؿ بشرية راشدة عاقمة معقمنة ومتروحنة متصمة بالسماء.
فيذا ىو العنؼ االرتكاسي الذي ىو دفاعي ال ينتيي –كما ذكرنا -إلى االنتقاـ.
النمط الثالث ىو العنؼ االنتقامي .ىذا النوع مف العنؼ يخطو خطوة نحو اإلمراض ،أي نحو العنؼ المرضي (التعويضي) ،فالنيكروفيمية
ىي مرض والعياذ باهلل .ىي اختبلؿ يشرخ الشخصية تماماً ،بؿ يذيبيا
ويحمميا ويدمرىا ويفسدىا تماماً .لماذا؟
الفرؽ بيف العنؼ الدفاعي االرتكاسي والعنؼ االنتقامي ىو أنني حيف
أدافع عف نفسي فأنا أدفع األذى المتوقع أو الواقع ،وحيف يندفع األذى
ينتيي كؿ شيء وأعود إلى حالتي وسيرتي األولى .األمر ينتيي فبل مجاؿ لمعنؼ بعد ذلؾ. أستغؿ ىذه الفرصة ألقوؿ أنو مما يزعج ويقمؽ جداً أف يغمب عمى
خطاب بعض الناس–عشنا سنوات وال زاؿ الناس يعيشوف -عمى منابر 19
رسوؿ اهلل –كما أسمييا ألف رسوؿ اهلل ىو مف أعطانا ىذا الحؽ بأف نقؼ عمى ىذه المنابر ،وىو حؽ غير طبيعي واستثنائي تماماً،-
يزعجنا أف يغمب عمى خطابيـ ما نسمعو .يقؼ إنساف المفترض أف
تتوفر فيو شروط كثيرة لمغاية كي يخاطب ىذا اإلنساف الطبيب والميندس والمؤرخ والفيمسوؼ والعامي والسائؽ والعامؿ وكؿ طبقات
الناس عمى اختبلفيـ خاصة مف ىـ مثمو أو أرقى منو ،ويأخذ مف
وقتيـ كؿ أسبوع عشريف دقيقة أو ساعة أو ساعة وعشريف دقيقة مثمما
يفعؿ العبد الفقير لؤلسؼ .ىذا الشخص ال بد أف تتوفر فيو صفات
كثيرة جداً واال فما عنده الحؽ لسرقة أوقات الناس .أنت عندما تخطب
في ألؼ إنما تأخذ ألؼ ساعة مف حياة األمة ،فماذا تقوؿ ليـ؟ دائماً
في كؿ خطبة يقولوف" :وصمى اهلل عمى محمد الضحوؾ القتاؿ!!". ىؤالء الناس تصدر عف منطؽ حربي باستمرار!! ،كأننا في ساحة
حرب!! ،وساحة الحرب ىي تمؾ التي ينبعث إلييا اإلنساف بتأثير المخ
الزواحفي وىي حالة استثنائية .أعود زاحفاً –مف حيث األصؿ -ولكف
متقيد بالعقبلنية بمستويات مختمفة .ىذه حالة استثنائية تماماً ،والقرآف يعرض ليا عمى أنيا حالة استثنائية .دعونا مف الفقو اإلسبلمي ،مف
فقو بعض الفقياء الذيف قالوا" :ال ،الحرب ىي الحالة األصمية!!!" .ىذا جنوف وليس فقط خطأ فقيي .كيؼ أف الحرب ىي الحالة األصمية؟ قد يقوؿ قائؿ أنيا في القروف الوسطى كانت كذلؾ ،وىذا صحيح ،وىذا
الذ ي يخفؼ مف دمغنا لحدة ما أسميناه الجنوف ،وما كاف ينبغي ربما
أف نسميو الجنوف ،لكف ىذا ال يعفييـ مف مسئولية أنيـ قصروا عف أف 20
يرتقوا إلى مصاؼ القرآف العظيـ ،فمو أحسنوا فيـ كتاب اهلل تبارؾ وتعالى ولـ يخضعوا لضغط الظروؼ غير السوية غير الطبيعية ألدوا
رسالة القرآف عمى وجو أحسف بكثير ،ولما ظمموا دينيـ ،وبالتالي ٍ بشكؿ أو بآخر .قوليـ بأف "األصؿ ىو الحرب وأف أنفسيـ واآلخريف السبلـ ىو االستثناء" قوؿ غير صحيح .لف نخوض في ىذا الموضوع
فيو موضوع آخر .حدثتكـ فيو عمى كؿ حاؿ قبؿ ذلؾ .األصؿ ىو
السبلـ والحرب ىي االستثناء .المفترض أف يكوف الوضع ىكذا واال
نعيش في غاب ،ويصبح العود إلى الغاب أفضؿ لنا ،فمنترؾ حتى
السافانا ونرجع إلى الغابات األفريقية مع ذوات األربع ونتسمؽ ،فأفضؿ
لنا أف نعيش ىذا الوضع!! ،لكف كبشر ال بد أف نفكر عمى مستوى مختمؼ تماماً لنقرر أف السبلـ ىو األصؿ والحرب ىو الطاريء ،ويوـ أف يط أر الطاريء سنتخذ لو عدتو ونتكمـ بمنطقو في ساحتو ،في ساحة
الحرب وما تستتبع ،لكف ليس اآلف وطواؿ األربع وعشريف ساعة خبلؿ
االثنا عشر شي اًر وفي كؿ السنيف نتكمـ بمغة حربية بمنطؽ حربي!!!!!،
يبدو األمر كأننا مخموقوف –نحف المسمموف بالذات -وديننا منزؿ مف السماء العمية مف أجؿ أف نعادي البشر وأف يعادونا وأف نكوف في حالة
عداء مستمر ،ونتقوؿ بنصرة اإلسبلـ ونصرة الديف!!! ،ما ىذا؟!!،
نحف ال نعيش حالة حرب مستمرة عمى ديننا .ما ىذا المنطؽ؟! ،ىذا ما شوه عقوؿ الشباب ونفوسيـ وجعميـ عدمييف محبيف لمموت ولمتدمير
كارىيف لمحياة –سنعود إلى ىذا الموضوع بالتفصيؿ بعد قميؿ ،فيذا موضوع خطبة اليوـ.-
21
عمى كؿ حاؿ ..فالعنؼ االرتكاسي يختمؼ عف العنؼ االنتقامي مف حيث أف األوؿ ينقطع ويتوقؼ عند حد رد األذية ،أما العنؼ االنتقامي
فمؤلسؼ يخطو نحو المرض خطوة –قد تكوف فسيحة وبعيدة -فينتقـ.
لماذا طالما أف األذية ارتفعت وانتيى كؿ شيء ،والعدو انيزـ وانكسر؟!! ننتقـ اآلف وننكؿ باألعداء ونمنعيـ كؿ الحقوؽ التي لمبشر. نصبح نحف اآلف غير بشر ألنو ال يمكف لؾ أف تتعامؿ ببل إنسانية مع
إنساف وتبقى إنساناً .ىذا ىو بيت القصيد ،لذلؾ أنا أقوؿ أنو حتى لو كاف التفكير –ولو كاف تفكير فقياء وأئمة كبار -ىو التفكير الذي يبرر
العدواف فيو مرفوض .حدثتكـ مرة عف فقياء عبر العصور ومنيـ فقياء معاصروف كبار ،عمماء ومفكروف لف أذكرىـ مرة أخرى حتى ال أسيء إلييـ رحمة اهلل عمى أرواحيـ وغفر اهلل لنا وليـ جميعاً .ىؤالء
يقولوف -كما قمت لكـ" :-نحف ال نعطي السبلـ مجاناً كيدية إلى العالـ ،أبداً بؿ ىي حالة مدفوعة الثمف ،فبل بد لمعالـ أف يدفع ثمف ذاؾ
السبلـ!!!" .طبعاً ىذ ا إف جاز في القروف الوسطى ألننا كنا األمة األقوى واألمة األعنؼ فيذا ال يجوز اآلف فنحف األمة األضعؼ .ال
يمكف أف يصدر منا ىذا المنطؽ ،فيذا المنطؽ يقتمنا ،لكنو يصدر
منيـ ويصروف عميو!!!! ،وىذه حالة انفصاـ عف الواقع .حالة مرضية جنونية .مف أنت حتى تتحدث ىذه المغة؟ أنت األضعؼ يا مسكيف.
واهلل الذي ال إلو إال ىو لو أف عدوؾ تبنى مثؿ ىذا المنطؽ ما بقيت
عمى وجو األرض يوماً واحداً .تخيؿ أنت اليوـ أف أوروبا أو الواليات
المتحدة األمريكية تتبنى مثؿ ىذ ا المنطؽ ،وتوافؽ عميو الشعوب الغربية 22
فكـ تبقى األمة اإلسبلمية عمى وجو األرض؟ أجيبؾ "وال يوـ واحد، ألف لدييـ القدرة أف يبيدوا كؿ المسمميف .لدييـ قنابؿ ذرية معدة تمقى
تباعاً فبل يبقى أحد ،بؿ لف نقوؿ قنابؿ ذرية بؿ أقؿ مف ذلؾ أيضاً وال يبقى مسمـ عمى وجو األرض .ىـ ال يفعموف ىذا وشعوبيـ ترفض ىذا،
فمماذا نحف نقبمو باسـ الديف ونعزوه إلى اهلل والى الرسوؿ ونقوؿ ىذا ديننا؟!!!!!!!!! ،لماذا نقوؿ لمعالـ ال طماعية لكـ في السبلـ حتى
تدفعوا ثمنو؟!! ،أف تؤدوا ثمنو خضوعاً وجزية!!! ،فتخضعوف لنا بعد أف تشب المعارؾ التي نشعميا نحف!!! ،نبتدؤىا نحف عميكـ!!! فإذا
دفعتـ الجزية وخضعتـ وخضضنا شوكتكـ وكسرنا كبرياءكـ بذلنا لكـ
سبلماً مييناً .أي إنساف يقبؿ ىذا؟ أي حضارة تقبؿ ىذا اآلف؟ أي
ثقافة؟ في أي عصر نعيش؟ ىذه أفكار المودودي وأفكار الشييد سيد
قطب رحمة اهلل عمى الجميع .ىذ ا دمار وعار فكري وثقافي .ابعد عف منطؽ الحرب .منطؽ ىـ أقوى ونحف أضعؼ .نحف أعنؼ .نحف أجف.
ابعد ىذا المنطؽ وحاوؿ أف ترى تأثير وردة فعؿ العقبلء مف البشر في كؿ األمـ عمى ىكذا منطؽ .يقوؿ لؾ رد فعميـٍ : "أؼ لمثؿ ىذا الفقو.
ال نريده .نحف لـ نعد حتى نحترمكـ .كنا ال نحبكـ واآلف نحف ال
نحترمكـ .ال ندري ماذا أنتـ؟ كيؼ تتحدثوف بيذه المغة؟ أيف أخبلقياتكـ؟ كيؼ تتبنوف ىذا المنطؽ وىذا الفقو وىذا الديف؟" ،والمشكمة
اآلف ىي اغتصاب النص الديني لؤلسؼ الشديد –إف جاز التعبير،-
أو لنقؿ االفتئات عمى النص.
23
بالمناسبة فالنصوص كثيرة فميست فقط ما يزيد عف الستة آالؼ ومائتي
آية وعشرات ألوؼ األحاديث ،بؿ حتى ىذه اآليات كثيرة ،فالنصوص
كثيرة!!! .تصبح النصوص كثيرة جداً حيف تنتزع مف سياقاتيا ،فتصبح
كثيرة جداً جداً جداً .فقط العب ىذه المعبة الحقيرة بانتزاع النصوص مف سياقاتيا وعندىا ستصبح النصوص تقريب ًا ال متناىية ،وستبرر تمؾ
النصوص كؿ ما يراد ليا أف تبرره ،لكف إذا خضعت لمشرط المنيجي
الميثودولوجي العممي بأف تسيؽ النصوص –أي تضع كؿ نص في
سياقو -عندىا ستصبح النصوص قميمة جداً بؿ أقؿ مما ىي ،ألنو لف
يصبح لديؾ خمسوف أو ستوف آية في القتاؿ بؿ سيصبح لديؾ آيتاف
فقط يتحصبلف لديؾ ،وفي نياية المطاؼ فالنتيجة التي تنتيي إلييا أنو
ال قتاؿ إال أف يكوف رداً لعدواف ،واذا وقع ىذا القتاؿ ال ينتيي باالنتقاـ ألف االنتقاـ مف حؽ الرب ال إلو إال ىو ،فميس لدينا انتقاـ!!! ،لذلؾ
يقوؿ تعالى:
اق" وىم فَ ُش ُّدوا ال َوثَ َ " َح َّ ىَت إِذَا أَث َخنتُ ُم ُ
أي األسر
فينكسروا ،ثـ ماذا بعد أف نأسرىـ ىؿ ننتقـ؟ ال بؿ يقوؿ الو تعالى:
"فَِإ َّما َمنًّا بَع ُد َوإَِّما فِ َداءً"،
أي إما أف تمف عميو فتطمؽ إساره ببل
شيء أو تفاديو فتأخذ مقابمو فدية وتطمؽ أسره ،وينتيي األمر .أيف االنتقاـ؟ ال يوجد ،وىذا يدؿ أف العنؼ اإلسبلمي ىو عنؼ أخبلقي.
نحف رأينا تمؾ السيدة المفجوعة بابنيا ،وىنا ال يعنيني خمفية السيدة
وخمفية ابنيا ،بؿ يعنيني أنو كاف أسي اًر وكاف مدنياً لـ يكف محارباً بؿ كاف صحفياً ،وبعض ىؤالء األسرى إغاثي يغيث المسمميف في ببلد 24
المسمميف ،وأمو ناشدت زعيـ ىذ ا التنظيـ وىي تتكمـ بمغة باكية محزنة منكسرة وترجوه أال يحرميا فرحة أف ترى أحفادىا مف ابنيا الوحيد .واهلل
الذي ال إلو إال ىو لو كاف عنده ذرة ال أقوؿ مف إسبلـ بؿ مف إنسانية
لمباىا ولعفا عنو .الرسوؿ عميو الصبلة وأفضؿ السبلـ يوـ أف قتؿ النضر بف الحارث –وىو ليس مجرد كافر بؿ مجرـ حرب فيو شيخ
كبير كاف دائماً يؤلب عمى رسوؿ اهلل وعمى المسمميف في السمـ والحرب ،فيو مؤلب ويعد مف مجرمي الحرب -يوـ أف وقع في يد النبي فالنبي قتمو كمجرـ حرب ألنو يشعؿ نيراف الحروب باستمرار،
بكاءا أليماً وقالت شع اًر تخاطب رسوؿ اهلل ،فمما تمي ىذا فبكتو أختو ً الشعر عمى مسامع أرحـ الخمؽ وأعرفيـ بالحؽ بكى وقاؿ "لو بمغني ىذا قبؿ قتمو لمننت عميو" .ياه عمى عظمة رسوؿ اهلل فيذا النضر ليس
رجبلً عادياً ليس إغاثياً وال صحفياً ،بؿ ىو النضر بف الحارث ،ولكنيا
رحمة الرسوؿ بأختو فإنيا تحب أف نطمقو فما كاف ضرنا لو عفونا
عنو .كما قالت ىي في شعرىا "ما كاف ضرؾ لو مننت وربما ***
مف الفتى وىو المغيط المحنؽ" ،أي ما ضرؾ لو عفوت؟ ،فالرسوؿ صدؽ عمى كبلميا بأنو بالفعؿ ما كاف سيضر وينكسر لو كاف عفا
عنو ،وبكى النبي .أما ىؤالء ال يبكوف وال يرحموف دموع مف يبكي .ال
يعرفوف فميس لدييـ ىذا المنطؽ بؿ منطقيـ ىو منطؽ انتقاـ يقولوف
ىذا ىو الديف ،ال بؿ ىذا ليس ىو الديف ،بؿ ىذا تصوير لمعنؼ االنتقامي بعد العنؼ االرتكاسي.
25
العنؼ المرضي .يبقى ىذا الشكؿ المرضي مف العنؼ المتمحض مف
المرض النفسي -وربما كاف المرض العقمي أيضاً .-ىذا ىو العنؼ
التعويضي فاحذروه وحذروا منو وعالجوه تربوياً ثـ فكرياً وثقافياً ومعرفي ًا.
العنؼ التعويضي ىو عنؼ الفشمة والعجزة .عنؼ شخص شعر بأنو قد
أخؿ بتوازنو .ىو يشعر أنو كاف يقدر أف يسير عشر خطوات ولكنو لـ
يسر إال خطوتيف ،فيشعر باأللـ وباإلحباط ،وقد يكوف المسئوؿ ىو
المجتمع متمثبلً في السمطة السياسية والظروؼ المحمية أو اإلقميمية،
فالظروؼ منعتو .وفي باطنو لديو ذلؾ الوعي بالمأساة وباأللـ ،فيذا الشخص يعي ىذ ا .يعي أف لديو القدرة أف يخطو عشر خطوات ،فمماذا
اعتقمت خطواتو فمـ يخطو إال خطوتيف؟ ،وأنت مف المفترض أال تخاؼ مف شخص تراه أمياً وىو بالفعؿ أمياً عمى مستوى الوعي ،فميس لديو
الوعي والتنبو الذ اتي ،فيو ال يفيـ أنو كاف مف الممكف أف يكوف في
حاؿ أفضؿ مما ىو عميو ،فيو ر ٍ اض ،وما ىو فيو ىو منتيى المراد مف رب العباد ،وفي حالة انبساط ،ويعيش بأقؿ اإلمكانيات –كما تقوؿ
العواـ في ببلدنا يعيش عمى قطعة خبز وبصمة ،-وال ييمو شيء مف أمر الدنيا .ىذا الشخص عمى ىذه الشاكمة ال يمكف أف يكوف عنيف ًا
تعويضياً ،فمثمو يعيش ويموت مسالماً وادعاً –غمباناً بتعبير العامة،- لكف يمكف لشخص آخر أمي أيضاً فيو لـ يكتب ولـ يق أر تشعر أنو ينطوي عمى م اررة عظيمة ،فتعتصره مشاعر اإلحباط واليأس والغضب
السافر ،وحيف تكاشفو ترى أنو ينطوي بالفعؿ عمى إمكانات أكثر مف
ذاؾ األوؿ ،بؿ قد تكوف أكثر بكثير ،بمعنى أنو بالفعؿ كاف يمكف ليذا 26
الشخص األمي لو اتيحت لو الفرصة وتسنت وتييأت لو الظروؼ المناسبة أف يخرج منو شيء كبير وأف يشغؿ مكانة كبيرة في المجتمع،
وىو يعي ىذا.
ستقوؿ لي :واحسرتاه ،يبدو أنو قدر لنا ونحف منذوروف اآلف لمعيش في
حقبة حضارية تجعؿ أكثرنا عرضة ألف يكوف عنيفاً تعويضياً بسبب
التواصؿ الكبير بفعؿ أف العالـ بالفعؿ أصبح قرية صغيرة -بؿ وصغيرة
جداً كحي في مدينة صغيرة ،-بمعنى أف ىذا الوضع قد رفع مستوى التطمعات ومستوى الطموحات ومستوى التحديات والمقارنات إلى آفاؽ
ومصاؼ غير مسبوقة .لـ يعد اآلف التحدي أف أكوف أفضؿ مف جاري
في قرية أجدادي -حيث كاف يتفوؽ عمى جدي ببضعة آالؼ مفالجنييات .ال ،بؿ التحدي مع أصحاب المبلييف اآلف ،وتراىـ كؿ يوـ،
وألنؾ تراىـ تظف أنؾ تممكيـ ،باألحرى يممككـ سياؽ واحد .ىو بشر
وأنا بشر –خاصة إف كاف عربي ًا ،-فيو عربي وأنا عربي ،وىو مسمـ
وأنا مسمـ ،وىو مصري وأنا مصري ،فما القصة؟ لما عنده مبلييف وليست عندي مبلييف؟ ،لما عنده فمؿ وليس عندي؟ ،وعنده وعنده
وليس لدي أي شيء ،فتغضب جداً .لماذا ىذا الشخص عنده ىذه
الشيادات العميا وىذا العمـ وىذه الشيرة العالمية وأنا ليس عندي؟ وطبع ًا المقارنة ليست مع جارؾ األستاذ الذي يتفوؽ عميؾ بشيادة دبموـ أخذىا
في ستة أشير -فميس تحدياً بسيطاً عمى مستوى دبموـ في ستة أشير-
،بؿ عمى مستوى جائزة نوبؿ وأنت ال شيء ما زلت تحبو .ىذا 27
يغضبؾ ويحبطؾ .ىذا ىو عالمنا .بالمناسبة ..فممذيف خيبتيـ الثورات العربية ،وقالوا أنو بعد الثورات وجدنا الشباب ال يحبوف أف يشتغموا أو يعمموا بؿ يريدوف كؿ شيء ببل عمؿ .أكثر مف بمد عربي تعاني مف
ىذه الظاىرة .وما ذكرنا يفسره تقريباً أو لنقؿ ىو شيء مف تفسيره.
عمى كؿ حاؿ فالعنؼ التعويضي ىو عنؼ شخص فاشؿ وعاجز،
وألسباب كثيرة فقد تكوف ىناؾ أسباب موضوعية حقيقية ،وقد يكوف
جزء مف األسباب –قميؿ أو كثير -يعزى إليو لتقصير منو.
ىذا ىو العنؼ التعويضي ،فاحذروا العاجز والفاشؿ ألنو يريد أف يرد كرامتو السميبة ،أف يرد اعتباره لنفسو ،يريد أف يعيد أو يستعيد التوازف
الذي شعر أنو أخؿ بو ،ولكف ليس بالطريقة الصحيحة بؿ بطريقة العنؼ .ىذا الشخص يكوف خطي اًر جداً.
ىذا النوع مف العنؼ قد يكوف سبباً في أشياء كثيرة تحدث عمى مستوى
األسر إف كاف ىناؾ فارؽ عممي أو ثقافي بيف الزوج والزوجة فبنسبة
%58تكوف الحياة مؤىمة ومرشحة في النياية أف تنتيي إلى كارثة،
ألنو –سواء كاف الزوج أو الزوجة -في مقتبؿ العمر وبداية الحياة يكوف المستقبؿ في األماـ وليس الخمؼ ،وأعني مستقبؿ ذلؾ الطرؼ أو ذاؾ
الطرؼ .الميـ أنو ال توجد مشكمة فزوجي أكثر تعمماً مني وأرفع منزلة
واعتبا اًر اجتماعياً مني ال مشكمة وسألحقو ألف المستقبؿ أمامي ،وكذا الحاؿ لمزوج عندما تكوف زوجتو سيقوؿ نفسو أف المستقبؿ أمامو .حتى
اآلف تكوف األمور متماشية ،أما بعد عشر سنوات أو عشريف سنة 28
عندما ندخؿ في الشيخوخة ال يعد ىناؾ مجاؿ لمتحصيؿ وال لمعمـ والشيادات واإلنجاز ،عندىا تعتصر ىذا الطرؼ مشاعر الم اررة واإلحباط والغضب واليأس ،ويريد أف يحمؿ الطرؼ اآلخر المسئولية،
فمثبلً الزوجة متعممة ولدييا شيادات وليس لديو مثميا وعندىا تبدأ المشاكؿ .طبعاً كاف عمييما أف يفيما ىذا منذ البداية وأف يحذراه وأف
يعمبل عمى أال يصبل إلى ىذه النياية بالعمؿ واإلبداع واالجتياد .ىذا ىو بالعمؿ والتكامؿ وليس الكسؿ وبالقعود ،ثـ ندمر بمشاعر اإلحباط
والغضب .ىذا خطأ .ىذا يحدث أيضاً عمى مستوى الجماعات واألحزاب والطوائؼ والفرؽ .وعمينا أف ننتبو أف الحؿ الحقيقي لمعنؼ
التعويضي ىو العمؿ والعمؿ والعمؿ ،وأعني اإلبداع والخبلقية واإلنتاج وباستمرار ،فالعبلقة عكسية بيف العنؼ التعويضي وبيف العمؿ واإلبداع
واإلنتاج.
أعود إلى موضوعي وأحوصؿ فأقوؿ يبدو أف ثقافة نيكروفيمية كارىة لمحياة محبة لمموت قد شاعت بيننا في العقود األخيرة .أحدىـ قد يقوؿ أف ىذه
دعوى كبيرة .ىذ ا نوع مف التطبيؽ واإلسقاط أنت تدعيو ،وأجيبو ال ،فغير طبيعي بالمرة أف يكثر الحديث عف الموت وعف القبر وعذاب القبر وما يتعمؽ
بالقبر بشكؿ غير مسبوؽ ،فقد مرت فترة مف الفترات ربما متواصمة تعطى خطب ودروس باستمرار ،وتطالعنا بكائيات وحزف ولطيـ .ما ىذه النغمة؟!،
ىذ ا شيء مرعب ومخيؼ ،وأصبح مف الضروري لمف يؤـ الناس أف يأتي بآيات مثؿ
"وجاءت سكرةُ المو ِ ت بِاِلَ ِّق". ََ َ َ َ 29
ال بد أف يكوف ىناؾ حديث
عف الموت وأف يبكي ويتباكى ويبكي مف خمفو كأف ديننا جاء كي نستقيؿ مف الحياة .طبعاً يردوف ال قطع اهلل لسانؾ بؿ ىذا استعداد لمموت ،وأنا أقوؿ لكـ
أف االستعداد ال يكوف باإلعبلف عنو .تخيؿ أف ضيفاً كريماً سيحؿ عميؾ في
بيتؾ أو دارؾ –والموت فعبلً ضيؼ سيحؿ عمينا فيو خير غائب ًينتظر
لممؤمف الصالح كما قاؿ الصحابي معاذ بف جبؿ رضواف اهلل عمى الصحابة
أجمعيف -فيؿ يكوف االستعداد الستقبالو بأف تجمس أنت وزوجؾ وأبناؤؾ تتحدثوف وتكرروف بأنو "ينبغي أف نستعد ليذا الضيؼ .استعدوا يا إخواني.
ينبغي أف نستعد .ىيا ن ستعد .االستعداد جميؿ .استعدوا لمضيؼ الكريـ".
مستحيؿ فيذا كبلـ فارغ ،ويطب عميؾ الضيؼ والبيت حالو سيئة ال يصمح
الستقبالو .ليس ىكذ ا يكوف االستعداد ،فاالستعداد يكوف بكممة وبإعبلف واحد ثـ يبدأ العمؿ .االستعداد لمموت
"لِيَب لُ َوُكم أَيُّ ُكم أَح َس ُن َع َمالً".
أي أف
االستعداد لو يكوف بالعمؿ وليس بالكبلـ ،وأف نقضي األربعة والعشريف ساعة يومياً في مواعظ عف الموت والقبر والعذاب والنكير والمنكر .ليس بالكبلـ، ليس بيذه الكيفية .ىذا خطأ بؿ يكوف بالعمؿ .بتعميـ الناس أف يجودوا العمؿ
وأف يحسنوا نمط حياتيـ وطرؽ تفكيرىـ وانتاجيـ وابداعيـ .ىذا ىو االستعداد لمموت ،لذلؾ يقوؿ تعالى:
َّمت لِغَ ٍد"، س َما قَد َ " َولتَ نظُر نَف ٌ
فالغرض ىو
التقديـ أي أف أقدـ بأف أفعؿ الخير وأبذؿ المعروؼ وأجعؿ الحياة مكاناً أفضؿ
لمناس .أجعؿ قريتي أو مدينتي أفضؿ ،أو بالنسبة لئلنساف الكبير العظيـ مف
الذيف خمقيـ اهلل ليحسنوا مستوى الدنيا.
30
اىا فَ َكأَََّّنَا أَحيَا أنا اليوـ أفكر وأنا في طريقي إليكـ في آية " َوَمن أَحيَ َ النَّاس َِ يعا" ،وبصراحة حسدت العالـ لويس باستير مؤسس عمـ َج ً َ
الميكروبيولوجي .حسدتو وأقسـ عمى ىذا باهلل ألنني فكرت باآلية مف زاوية
ثانية ،حيث أف ىذه اآلية تتناوؿ مف؟ ،عندما أفكر في فمسفة حياة وفمسفة موت ،ثقافة حياة وثقافة موت فالقرآف يقوؿ:
النَّاس َِ َج ًيعا"، َ
اىا فَ َكأَََّّنَا أَحيَا " َوَمن أَحيَ َ
وبالمناسبة ىؤالء كارىو المجاز المصابوف بخمؿ عصبي –كما
ذكرت لكـ -يجعميـ أعجز مف أف يمضوا مع اآلية مجازياً ورمزياً سيقوؿ لؾ أحدىـ في تفسير ىذه اآلية –وىذا طبعاً نموذج جاىز ساذج في التفسير -أف
ىذه اآلية ال تمزمني ألنيا مف شرع بني إسرائيؿ ،بؿ وسيتيمني بالجيؿ
ويدعوني لقراءتيا!!!! ،فاآلية تقوؿ في أولياِ " :من أَج ِل ىَذلِ ك َكتَب نَا َعلَ ىى َ س أَو فَ َس ٍاد ِِف اَّلَر ِ بَِِن إِسَرائِيل أَنَّوُ َمن قَتَل نَف ًسا بِغَ ِْي نَف ٍ ض فَ َكأَََّّنَا قَتَ َل َ َ ِ ِ َّ يعا" ،فيذا شرع بني َّاس ََج ًيعا َوَمن أَحيَ َ َّاس ََج ً اىا فَ َكأََّنَا أَحيَا الن َ الن َ إسرائيؿ وليس شرعاً لنا إذا عارض شرعنا ففي شرعنا عمى األرجح أف دماء
ا لناس ليست متساوية ،اإلنسانية ليست متساوية ،فالمؤمف ليس كالكافر وال يقتؿ مسمـ بكافر ،وىذا رأي الجماىير خبلفاً ألبي حنيفة ومف شايعو مف فقياء الكوفة وغير فقياء الكوفة .ىذا نرد عميو ونقوؿ" :استيقظ" أو كما يقوؿ
العامة" :صح النوـ"" .كؿ عاـ وأنت بخير وبارؾ اهلل فيؾ" .مثؿ ىذا ال يعمـ
أنو ال يعمـ أنو تورط بيذ ا القوؿ بدعوييف بؿ بتقريريف خطيريف لمغاية .التقرير األوؿ :أف دينو ليس ىو األعظـ أخبلقية ،بالنسبة لو ليست لديو مشكمة في 31
اإلقرار بذلؾ ،فبل مشكمة لديو أف يقوؿ "ديني ليس أكثر أخبلقية!!! بؿ ديف بني إسرائيؿ ىو األكثر أخبلقية!!" ألنو في عرفو أف القاعدة تقوؿ أف "شرع
مف قبمنا ليس شرعاً لنا" .لـ يتنبو ىو وكذا الفقياء الذيف وضعوا ىذه القواعد أنو في مثؿ ىذا المورد بالذات
ِ ك "... " ِمن أَج ِل ىَذل َ
أف اآلية جاءت في
سياؽ قصة قابيؿ وىابيؿ مأساة البشرية األولى ،فالقرآف ىنا يدعوؾ إلى
االنفتاح األخبلقي حتى المديات األبعد ويقوؿ لؾ إذا استطعت –وقد قالو
بالفعؿ تفصيبلً -أف تحقؽ اكتساحاً وتفوقاً أخبلقياً عمى ىذه الشريعة أيضاً فافعؿ فأنا أريد ىذا ،ولذ لؾ دعاؾ القرآف إلى أف تعفو وتغفر وتصفح حتى
عمف قتمؾ بؿ مف قتمؾ عمداً ،وأخبرؾ أف ىذا الذي أحبو ،فيذا يتجاوز نفس
بنفس وعيف بعيف .ىذا الشخص كاره المجاز المصاب بيذا العوؽ العصبي لـ
يفيـ ىذا بؿ يقوؿ بتفاخر" :ىذا شرع ال يمزمني!!" ،كأنو يقوؿ بالفـ المآلف
والضرس القاطع" :ديني ليس أكثر أخبلقية ،وال يضيرني!!"" ،وديني ىو الحؽ!!!" ،وكأنو يقوؿ بعبارة ثانية أف الحؽ يمكف أف يتعارض مع
األخبلقية!!! ،وأف عقمو يقبؿ الحؽ والبلأخبلقية متجاوريف بؿ متعايشيف!!،
ىذه كوارث حقيقية!! .يعطي شيكاً عمى بياض لآلخريف .يقوؿ ليـ" :دينكـ أكثر تقدماً مني وأكثر إنسانية!!" .مرحباً بالجيؿ وبالعار باسـ الديف وباسـ أصوؿ الفقو وباسـ الفقو .ما ىذا الذي نعيشو؟ ،أقوؿ قولي ىذا وأستغفر اهلل
لي ولكـ.
32
الخطبة الثانية: الحمد هلل ..الحمد هلل الذي يقبؿ التوبة عف عباده ويعفو عف السيئات، ويعمـ ما تفعموف ،ويستجيب الذيف آمنوا وعمموا الصالحات ويزيدىـ مف فضمو والكافروف ليـ عذاب شديد ،وأشيد أف ال إلو إال اهلل وحده ال شريؾ لو ،وأشيد أف محمداً عبده ورسولو ،صمى اهلل تعالى عميو وعمى آلو وأصحابو وسمـ تسميماً كثي اًر. أما بعد ..ليس طبيعياً وليس عادياً وليس مفيوماً أف تشيع أيضاً تمؾ الكتب والكتيبات والكاسيتات والمحاضرات باأللوؼ –بؿ ربما بمئات األلوؼ- حوؿ أشراط الساعة وقرب انتياء العالـ و دفور الدنيا .ىذا شيء ال يكاد يصدؽ .ادخؿ عمى موقع اليوتيوب واكتب "نياية الدنيا" أو "نياية العالـ" وستجد أف مئات ألوؼ المتابعيف يشاىدوف ويتابعوف مثؿ ىذه النوعية مف الفيديوىات .يرونيا أشياء جميمة .قد يتعجب أحدىـ ويقوؿ" :ماذا في ىذا؟، فيذا مف ديننا" ،بؿ ىذ ا ديف يمشي عمى رأسو ،فحتى القتؿ والقتاؿ ديف ولكف ىناؾ أولويات وبنية وتركيب معيف لمديف ،فيذا الذي يحدث ىو تشويو لمديف. الشيء الصغير تجعمو عظيماً جداً مثمما قاؿ نيتشو مرة" :تخيموا رجبلً طاؿ أنفو حتى غدا متريف مثبلً وقصرت ساقاه حتى غدت عشرة سنتيمترات ،فكيؼ سيكوف شكؿ ىذا المسخ؟!" ،أنتـ تتدينوف بديف ممسوخ ،ىذا مسخ لمديف، 33
فالحديث عف الساعة والقيامة يكوف فقط كالحديث عف الموت لبلستعداد ،كي تكوف مستعداً .صحيح أف الساعة ربما لف تقوـ في حياتؾ ولكف اعمؿ ألنؾ إف مت قامت قيامتؾ كما أشار النبي إلى ىذا المعنى في أحد األحاديث، فاإلنساف حيف يموت تقوـ قيامتو .إذف فالقيامة قريبة بؿ ىي أقرب مف شراؾ نعمؾ ،فيي قريبة كالموت تماماً ،وذلؾ بقرب الموت .إذف اعمؿ
َّمت لِغَ ٍد". س َما قَد َ نَف ٌ
" َولتَ نظُر
بؿ إف الصادؽ المصدوؽ لو كممة في ىذا المقاـ،
وىنا أتحدى أف تأتوا مف كؿ تراث البشرية -كممة عف بوذا أو المسيح أو كونفشيوس أو موسى أو أرسطو أو أفبلطوف أو أي أحد تريدوف -بمثؿ ىذه الكممة مفعمية بالحياة والعمراف والتمديف واإلبداع واإلنجاز والعطاء .يقوؿ
صمى اهلل عميو وسمـ" :إف قامت الساعة وبيد أحدكـ فسيمة –فرخ نبات يزرع في األرض -فإف استطاع أف ال يقوـ حتى يغرسيا فميفعؿ" .يا اهلل يا رسوؿ اهلل!!! ،فممف ىذه وأنت تقوؿ أف الساعة تقوـ وقتيا؟! فربما كانت النجوـ تنكدر أو العالـ يضطرب ويمور ،وفي يدي فسيمة ويمكف أف أغرسيا قبؿ أف ينيار كؿ شيء!!! ،ىنا يأتي األمر النبوي" :اغرسيا" .إذف فيؿ النبي يريد أف تعمر األرض أـ تعمر النفس؟ ،بؿ النفس ،فالنبي يريد ىذه النفس أف تعمر وأف تخضر وأف تورؽ ،يريدىا أف تصبح جنائف وارفة فينانة ذات بيجة. فاليدؼ ىي النفس واال فاألرض تقوـ قيامتيا بعد دقيقة ،والنبي يعرؼ ىذا ويأمر "فميغرسيا". 34
أقوؿ لكـ -وىذا شيء ميـ وتحميؿ في العمؽ اآلف -أنو ال يعد مبر اًر وال مسوغاً بأي وجو مف الوجوه أف مف أحب لنفسو الموت –فبعض الناس يحب الموت ، -ونحف لـ نحفظ مف تاريخ الجياد اإلسبلمي كمو مثمما حفظنا تمؾ العبارة" :فمنبعثف إليكـ ،فمنأتينكـ بقوـ يحرصوف عمى الموت حرصكـ عمى الحياة" ،وىذا منطؽ حرب وجيد أف يقاؿ في الحرب ،ولكف إياؾ أف تقولو في السبلـ ،إياؾ أف تقولو مثبلً في ىذا المسجد في ىذه الحالة ،ذلؾ أف الحرص عمى الموت ال يكوف إال لمشخص المدمر النيكروفيمي العدمي كاره الحياة ،لكف الناس تفيـ خطأ أف الشخص إذا كانت لديو شجاعة واخبلص في طمب الموت حتى بنحر نفسو وبتفجير نفسو فيذا يقدـ مبر اًر لبلستخفاؼ بحيوات اآلخريف ،فإذا قتؿ جر معو في الطريؽ مائة أو مائتيف وربما ألفاً وألفيف .يدمر بمداً كاممة ويصير مجاىد عظيـ!! ،وستجد مف يدافع عنو ويقوؿ لؾ" :يكفيو يا أخي –قطع اهلل لسانؾ -أنو ضحا بنفسو" ،وأنا أقوؿ بؿ قطع اهلل أمثالؾ وأمثالو فمثمكـ جديروف بالقطع وليس لساني ألف ىذا عدو الحياة، كاره لمحياة .يحتاج إلى تحميؿ ودراسة لنفسيتو وعقميتو .ليس لنا دخؿ بو .لديو مشكمة –كاف مف المفترض أف تكوف الخطبة اليوـ ىي نوع مف التحميؿ النفسي لشخصيات ىؤالء النيكروفيمييف ،ولكف نعد بيذا في الخطبة القادمة إف شاء اهلل .-ىذ ا حمو أف نبحث في مشكمتو ببحث الثقافة التي تغذى عمييا في البيت في المدرسة في المسجد ،فيذا شخصية متداعية ،فميست ىذه ىي 35
الشخصية المحمدية القرآنية ،ليس ىذا ىو المؤمف .ليس ىذا ىو الحي محب الحياة ومحب العمراف .يقوؿ تعالى:
فِ َيها".
" ُى َو أَن َشأَ ُكم ِم َن اَّلَر ِ ض َواستَ ع َمَرُكم
ليس ىذا ابف النص اإلسبلمي "فميغرسيا" .يقولوف" :طالما أنو يحب
الموت فبل مشكمة!!" .مثؿ ىذا يبرر لو إماتتو –قتمو -وتدميره لآلخريف ،ونحف
نرد بأف ىذا ال يبرر لو بأي حاؿ مف األحواؿ ،فافيموا ىذا جيداً. إذف فشيوع ثقافة القبر والموت وأمثاليا أمر غير طبيعي ،وكذا شيوع ثقافة عبلمات الساعة وأشراطيا وكيؼ ستقوـ الدنيا ،وطباعة مجمدات ،وبث حمقات متمفزة قد تصؿ إلى خمسيف أو ستيف حمقة ،كؿ ىذا عار .ماذا نريد مف ىذا؟ ،بدالً مف ستيف حمقة عف عبلمات الساعة أريد ستة آالؼ حمقة عف إعادة بناء الثقافة والمعرفة والحضارة ،وكيؼ تستعيد ىذه األمة اإلسبلمية مكانتيا بيف األمـ ،ولف أتطاوؿ ألف أقوؿ ولتتصدر الركب فبل زلنا بعيدوف جداً عمى أف نتصدر ،لكف عمى األقؿ لنستعيد مكانتنا وتكوف لنا مكانة. عندما أسمع رجبلً كفاروؽ الباز العبلمة المصري الكبير المعروؼ لمجميع يقوؿ أنو يحزنني أنو مف العالـ العربي كمو -وىـ ثمانمائة مميوف بشر عمى األقؿ -تقريباً ال يوجد واحد أو اثنيف يقدموف دكتوراه في عموـ الفضاء .عموـ فضاء ماذ ا؟!! ،لدينا مائة ألؼ شيخ يحثوف عمى العنؼ والقتؿ والدمار ويقولوف اذبحوىـ واكرىوىـ ،ويقولوف أف تمؾ عبلمة الصحوة!! ،عف أي 36
صحوة نتحدث؟ ىذه غفوة الموت والعياذ باهلل .ال أحد يطمب معرفة وال ييتـ بالمعرفة .أنا أقوؿ لكـ -وأنتـ ربما تعمموف ىذا -أف خطبة مثؿ ىذه منكورة مرفوضة في كؿ منابر العالـ اإلسبلمي .سيقولوف ىذه ليست خطبة بؿ ىذه محاضرة ،خمطت فييا الفمسفة بعمـ النفس بالتاريخ ،وأتت عمى ذكر المبلحدة والكفار وغيرىـ .سيقولوف ما ىذا؟ ليس ىذا الديف؟ ،بؿ ىذا ىو الديف في عمقو .يريدوف ديف ترديدي "قاؿ اهلل وقاؿ الرسوؿ" ،وبالمعنى الذي يفيمونو – معنى التكاره والبغضاء والتناحر .-يكمؿ فاروؽ الباز فيقوؿ" :فأما مف اليند وأما مف الصيف فحدث وال حرج فكؿ عاـ يسجؿ مئات في ىذا التخصص"، فأكثر شعب يبعث أبناءه لمتسجيؿ في الدكتوراه في تخصص عموـ الفضاء ىي اليند ،مف سنوات –عمى ما أذكر -ذ كر الرقـ وقاؿ أف عددىـ يصؿ إلى 088سنوياً ،رغـ أف الشعب اليندي ىو شعب فقير جداً لكف ىناؾ ديمقراطية حقيقية وارادة نيوض وحياة وبناء .توجد عظمة ديمقراطية وتنوع في شغؿ المناصب القيادية في الدولة بيف أبناء الديانات المختمفة ما بيف مسمميف وسيخ وىندوس!!! ،بينما نحف نقوؿ أننا أمة واحدة وال نستحي أف نؤذف في اليوـ والميمة خمس مرات ونتذابح .الشيعي يؤذف كما يؤذف السني كما الزيدي كما اإلباضي ونتذابح ونتكاره والكؿ يؤلب عمى الكؿ .تباً لنا ،ىذا عار عمينا إذ ندعي أننا أمة واحدة!!!! .أيف ىذه الوحدة؟ أفيموني أيف ىي؟ بينما ىذه شعوب تتعايش فييا كؿ األدياف وكؿ الطوائؼ ويتقاسموف ويتشاركوف الحكـ 37
في أعمى مستوياتو .ىذه عظمة نحتاج إلييا .ينبغي أف نتوؽ إلييا .ينبغي أف نعمميا. لؤلسؼ أدركنا الوقت ،وكما وعدتكـ فيذه الخطبة إف شاء اهلل ليا تتمة. فكروا معي في األسبوع المقبؿ في سمات الشخصية كارىة الحياة محبة الموت .فكروا فييا وادرسوىا عممياً ،وبعد ذلؾ نحاوؿ أف نطبؽ فيؿ فعبلً لدينا في العقود األخيرة ثقافة كارىة لمحياة محبة لمموت ،وبالتالي ىي ثقافة تدميرية ونحرية وانتحارية؟ أو ليس لدينا تمؾ الثقافة ،ونأمؿ أال تكوف لدينا .سوؼ نرى. الميـ إنا نسألؾ اليدى والتقى والعفاؼ والغنى .عممنا ما ينفعنا ،وانفعنا بما عممتنا ،وزدنا عمماً .الميـ اىدنا فيمف ىديت ،وعافنا فيمف عافيت وتولنا فيمف توليت ،وبارؾ الميـ لنا فيما أعطيت .اغفر لنا ولوالدينا ،ولممسمميف والمسممات ،ولمف حضر األحياء منيـ واألموات ،برحمتؾ يا أرحـ الراحميف. وقنا الفتف ما ظير منيا وما بطف .عباد اهلل ..إف اهلل يأمر بالعدؿ واإلحساف وايتاء ذي القربى ،وينيى عف الفحشاء والمنكر والبغي ،يعظكـ لعمكـ تذكروف. فستذكروف ما أقوؿ لكـ ،وأفوض أمري إلى اهلل إف اهلل بصير بالعباد ،وأقـ الصبلة.
38
39