حديث مع الذات عدنان إبراهيم

Page 1

‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫حديث ع دات‬ ‫د‪.‬عدنان إبراهيم‬ ‫خطبة الجمعة ‪1002/3/21‬م الموافق‬ ‫‪2211/2/10‬‬ ‫تفريغ‪ :‬د‪/‬منى زيتون‬


‫حديث مع اذلات‬ ‫‪1‬‬

‫تفريغات خطب‬ ‫الدكتور عدنان‬ ‫إبراهيم‬


‫حديث مع الذات‬ ‫د‪.‬عدنان إبراهيم‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل‬ ‫من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال‬ ‫مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬

‫حديث مع اذلات‬

‫هللا وحده ال شريك له وال نظير له وال مثال له‪ ،‬وأشهد‬ ‫ً‬ ‫أن سيدنا ونبينا محمدا عبد هللا ورسوله وصفوته من‬ ‫خلقه وأمينه على وحيه‪ ،‬صلى هللا تعالى عليه وعلى آله‬ ‫الطيبين الطاهرين‪ ،‬وصحابته املباريين‪ ،‬وأتباعه‬ ‫ً ً‬ ‫بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وسل تسليما يثيرا‪.‬‬ ‫عباد هللا‪ ..‬أوصيك ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا‬ ‫العظي ولزوم طاعته‪ ،‬يما أحذري وأحذر نفس ي من‬ ‫عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى‪" :‬من‬ ‫ً‬ ‫عمل صالحا فلنفسه‪ ،‬ومن أساء فعليها‪ ،‬وما ربك‬ ‫بظالم للعبيد‪".‬‬

‫أرشف عىل تنس يق‬ ‫الكتاب‪:‬‬

‫محمد عدوي‬

‫‪2‬‬


‫ث أما بعد أيها اإلخوة املسلمون األحباب‪ ,‬أيتها األخوات املسلمات‬ ‫الكريمات يقول الحق سبحانه وتعالى في يتابه العزيز‪ ,‬بعد أن أعوذ باهلل‬ ‫من الشيطان الرجي ‪,‬‬

‫حديث مع اذلات‬

‫بس هللا الرحمن الرحي‬ ‫ُ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َْ​َ َ​ََْ ُ ْ َا َ ُْ َ ا ا َ‬ ‫َ‬ ‫اب تعالوا ِإلى ك ِلم ٍة سو ٍاء بيننا وبينك أال نعبد ِإال اَّلل وال‬ ‫"قل يا أهل ال ِكت ِ‬ ‫ا َ ْ َ ا َُ ُ‬ ‫ُن ْشر َك به َش ْي ًئا َوال َي اتخ َذ َب ْع ُ‬ ‫ض َنا َب ْع ً‬ ‫ضا َأ ْرَب ًابا م ْن ُ‬ ‫ن‬ ‫اَّلل ف ِإن ت َول ْوا فقولوا‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫اش َه ُدوا ِبأنا ُم ْس ِل ُمون"‬ ‫صدق هللا العظي ‪ ,‬وبلغ رسوله الكري ‪ ,‬ونحن على ذلك من الشاهدين‪,‬‬ ‫الله اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط آمين الله آمين‪.‬‬ ‫أيها اإلخوة األفاضل‪ ،‬أيتها األخوات الفاضالت‪ .‬هذه الخطبة لن تكون‬ ‫ً‬ ‫سجاال أو محاورة بيننا وبين أهل الكتاب‪ ،‬بل بالعكس ستكون محاورة‬ ‫بيننا نحن وحسب‪ ،‬محاورة مع الذات‪ ..‬مع النفس‪ ،‬وبالتالي ستكون هذه‬ ‫الخطبة كالتعقيب والتلخيص والتحصيل ملا سبقها من خطب ال سيما‬ ‫الخطبتين األخيرتين‪ .‬ذلك ألن تلك الخطب كانت تدور على محور واحد‬

‫‪3‬‬

‫وهو محور استفزاز الوعي النقدي لدى املسل ‪ .‬وسنقدم بين يدي خطبة‬


‫ً‬ ‫اليوم مجموعة املقدمات‪ ،‬األولى منها ستكون جوابا عن سؤال وملاذا‬ ‫ً‬ ‫الوعي؟ ألن بعض الناس أصال ال يستسيغ وال يوافق على هذه البداية‪ .‬ملاذا‬ ‫الوعي؟ ملاذا ليس العمل مباشرة؟!‪ ،‬والعمل يختصر ويسطح في وعيه‬ ‫ً‬ ‫ويقتصر إلى العمل املسلح‪ ،‬إلى العمل الغليظ املباشر‪ .‬طبعا لألسف أن‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫هذا العمل ُجرب مرات وكانت عاقبه دائما الخسران‪ ،‬وقد اتخذ اآلن ذريعة‬ ‫إللصاق تهمة باملسلمين ه بامتياز حصري من بين سائر العاملين ضحايا‬ ‫هذه التهمة؛ فاملسلمون في العال ه ضحايا اإلرهاب ذلك أن ‪ %08‬من‬

‫حديث مع اذلات‬

‫الدماء السائلة في العال دماء مسلمين‪ ،‬و ‪ %08‬من الالجئين في العال من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املسلمين‪ ،‬وأيثر من دفع ثمنا باهظا لإلرهاب واالستكبار الداخلي‬ ‫والخارجي ه املسلمون‪ ،‬ث يقال اآلن أنه أمة لإلرهابيين وأن دينه هو‬ ‫اإلرهاب‪.‬‬

‫ً‬ ‫مثل هذا الوعي الذي بجدارة يجوز لنا ويسوغ أن نصفه بأنه ال وعي أصال ال‬ ‫ينطلق من خلفية قرآنية‪ ,‬إن البيان اإللهي األول أي القرآن هو "اقرأ باس‬ ‫ربك الذي خلق‪ ,‬خلق اإلنسان من علق‪ ,‬اقرأ وربك األيرم‪ ,‬الذي عل‬ ‫بالقل "‪ ،‬وفي ذات السورة "يال إن اإلنسان ليطغى أن رآه استغنى"‪ ,‬وفي‬ ‫آخر السورة "يال ال تطعه واسجد واقترب"‪ .‬إن هذا البيان اإللهي األول‬ ‫ليكثف ويمريز ويمحور كل ما عن وما يعن لنا‪ ,‬وكل ما جد وما وقع لهذه‬ ‫األمة من أزمات ومن إشكاالت عبر التاريخ وفي واقعها املعيش‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫البداية ‪-‬يما يقول البيان القرآني األول‪ -‬ينبغي أن تكون من الوعي‪ ,‬والوعي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال يكون بالطريقة األرسطية‪ ,‬أي ال يكون وعيا تأمليا فيجلس إنسان ويبدأ‬ ‫ً‬ ‫يفكر لكي يجترح لنا حلوال لكل أزماتنا السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬ ‫ً‬ ‫والثقافية‪ .‬بل هللا يقول‪" :‬اقرأ باس ربك الذي خلق"‪ ,‬بالقراءة أوال‪ ,‬وأخذنا‬ ‫املستوى الثاني القراءة السلسة‪ ,‬مستوى قراءة املكتوب‪ ,‬فإن هذا املستوى‬ ‫وحده هو الكفيل أن يورث الفرد منا تراث البشر أجمعين‪ ,‬خبرة أيثر من‬ ‫عشرة آالف سنة‪ ,‬و ذلك بأن تقرأ التاريخ‪ ,‬فالتاريخ هو مختبر األفكار‬

‫حديث مع اذلات‬

‫والنظريات‪ ,‬هو مختبر األديان‪ ,‬ومختبر األيديولوجيات‪ ,‬ومختبر الحلول‪.‬‬ ‫ومن هنا يكون تأثير الكتاب العزيز على التاريخ‪ ,‬فالقرآن يريز على التاريخ‬ ‫ً ً‬ ‫يثيرا جدا مثلما ل يفعل يتاب إلهي من قبل‪ ,‬ومثلما ال تفعل أيثر يتب‬ ‫البشر ‪-‬وبالذات املسلمين اآلن‪ -‬ألن املسلمين بينه وبين درس التاريخ‬ ‫جفوة‪ ,‬ألنه يقولون إن من أجال في التاريخ نظره‪ ,‬هكذا قال أبو تمام نع !‬ ‫ً‬ ‫ألن تاريخنا في شطره السياس ي تاريخ أسود‪ ,‬والزال واقعنا امتداد نكدا لهذا‬ ‫التاريخ‪ .‬على العكس القرآن يشيد بالتاريخ على أنه منبع من منابع املعرفة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والفكر التأملي وحده مجردا ال يمكن أن يجدي في هذا املقام شيئا‪ .‬بعض‬ ‫الناس يظن أنه إن عاد للكتاب وللسنة وفتح املعاج العربية يستطيع أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يجترح لنا حلوال لكل ش يء‪ ,‬وهو مخطيء أيضا‪ ,‬فاهلل وحده تبارك وتعالى هو‬

‫‪5‬‬

‫الذي يستطيع أن يعطيك هذا الحل‪ ,‬لكن بلغة إن ل تفهمها ألنها لغة‬


‫إلهية‪ ,‬أما هذا القرآن الذي أنزل بلغة أنت تفهمها فاملشكلة أـن وحدة نصه‬ ‫ال تعني بحال وحده معناه‪ ,‬كل الذين اختلفوا وتقاتلوا وتراشقوا ته‬ ‫التكفير واستباحة الدماء واألعراض واألموال كانوا يزعمون أنه يصدرون‬ ‫عن القرآن الكري ‪ ,‬وحتى املاريسيون ذوو الخلفيات العلمانية البحتة ممن‬ ‫ً‬ ‫يدعون أنه من اليسار اإلسالمي أيضا يقولون القرآن هو خلفيتنا‪ ,‬الكل‬ ‫ً‬ ‫يعود إلى القرآن ولن يكونوا يذابين‪ ,‬فعال يعودون إلى القرآن‪ ,‬لكن املشكلة‬ ‫في الزاوية التي يض يء منها كل واحد النص اإللهي في الحقل املعرفي الذي‬ ‫موحدة‪ ,‬ستختلف دالالت اآلية عند كل منهما ألن كل منهما يعتمد على‬ ‫موضوع آخر‪ ,‬على مدى الضبط املنهجي في النظر‪ ,‬وأيثر من ذلك قد يكون‬ ‫ً‬ ‫الضبط متحدا‪ ,‬فيتوقف املعنى على الخلفية املعرفية التي يتمتع بها كل‬

‫حديث مع اذلات‬

‫ينتمي إليه‪ ,‬حتى إن اثنان ضمن حقل معرفي واحد وضمن إذن زاوية نظر‬

‫واحد منهما‪.‬‬

‫ً‬ ‫القرآن طبعا فيه إشارات إلى كل مجاالت الحياة‪ ,‬فهو يعالج الحياة‬ ‫منشبكة بكل تعقيداتها‪ .‬القرآن يعالج الحياة وحدة واحدة يما هي‪ ,‬يما أنه‬ ‫يصر على أن يعالج اإلنسان وحدة واحدة من غير انفصام‪ ,‬ومن هنا قدرته‬ ‫الترييزية التكثيفية الهائلة التي من الصعب مع محاولة بعضنا االستهانية‬ ‫تفكيك هذا الترييز بمفك براغي يما نفكك أي آلة‪ ,‬هذا مستحيل فاألمر‬ ‫ً‬ ‫أصعب من ذلك بكثير‪ ,‬ولذلك ال يمكن لحزب أو طائفة أو مفكر كائنا من‬

‫‪6‬‬


‫كان أن يزع احتكار إضاءة النص القرآني وحده‪ ,‬هذا جاهل ومغرور‪,‬‬ ‫لذلك هذا الكتاب هو يتاب األم وليس يتاب هذه األمة‪ ,‬وهو يتاب‬ ‫األزمان‪ ,‬وليس يتاب هذا الزمن‪ ,‬يتاب كل أي وآن‪ ,‬وهذا معنى أنه يتاب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رباني وليس يتابا بشريا‪.‬‬ ‫ولو جاء إنسان متخصص في عل االجتماع‪ ,‬وآخر في التاريخ‪ ,‬وثالث في‬ ‫االقتصاد وقرأ كل منهما آية من زاوية نظر اجتماعية أو زاوية نظر‬

‫حديث مع اذلات‬

‫اقتصادية فستختلف الداللة‪ ،‬يما أنه بحسب الخلفية املعرفية الثنين‬ ‫ً‬ ‫ينتميان إلى حقل معرفي واحد والضبط املنهجي متحد لديهما أيضا‬ ‫ستختلف الدالالت القرآنية لديهما‪ ,‬إذن قالوها وفعلوها واختلفوا‪ ,‬هذا‬ ‫ً‬ ‫وضع صحي وطبيعي تماما‪ ,‬الوضع غير الصحي وغير الطبيعي أن يأتي أحد‬ ‫ما ليزع زاوية نظره هي الزاوية الوحيدة الجديرة باالعتبار‪ ,‬ث يزع بعد‬ ‫ذلك أن الدالالت التي توصل إليها وحدها هي الجديرة باالعتبار‪ ,‬هنا نكون‬ ‫قد دخلنا في العنف واالستبداد الفكري الذي هو قاعدة لكل استبداد‪,‬‬ ‫فحتى الزعماء األغبياء األميون في العلوم السياسية ه عند أنفسه‬ ‫فريدو عصره ليس مثله أحد‪ ,‬ألنه أينما وجد مستكبر طاغية مباشرة‬ ‫يوجد من حوله طائفة من أهل النفاق وامللق يفهمونه أن هللا عز وجل ل‬

‫‪7‬‬

‫يخلق له ثان‪ ,‬فهو في جمال يوسف‪ ,‬وفي حكمة لقمان‪ ,‬وفي ذكاء أرسطو‪,‬‬ ‫وفي عظمة اإلسكندر‪ ,‬إذا هدر بكالم ليس له معنى‪ ,‬قالوا خطاب تاريخي‪,‬‬


‫إذا أصدر أوامر سبهلل‪ ,‬قالوا توجيهات سامية‪ ,‬وهكذا يبلع هذا املسكين‬ ‫هذه الكبسولة من النفاق‪ ,‬ث بعد ذلك من يثرة ما يكذب عليه يصدق‬ ‫ً‬ ‫الكذب‪ ,‬وه أيضا يصدقون يذبه ‪ ,‬هؤالء الكذبة‪ ,‬جماعة الهتافة الذي‬ ‫لو وجد اآلن منه في هذا الغرب املستنير ‪-‬بال شك‪ -‬ملا كان له إال أن‬ ‫ً‬ ‫يحجزوا في مصحة األمراض العقلية‪ ,‬هل تتصورون مثال أن يخرج البعض‬ ‫ليهتف لهانز فيشر رئيس البرملان "بالروح بالدم نفديك يا فيشر" مباشرة‬

‫املجانين مجموعة من الهتافة؟!‬ ‫ما الذي حصل‪ ,‬وما الذي يحصل‪ ,‬هكذا يفعل بأمة؟! وال تستحق أمة أيثر‬ ‫ً‬ ‫من هذا فقد وعيها الجمعي‪ .‬ل التشاكي‪ ,‬ول التباكي؟! إن فهما يهذا‬

‫حديث مع اذلات‬

‫سوف يت إبالغ السلطات ويقبض على هؤالء ليوضعوا في مستشفى‬ ‫األمراض العقلية‪ ,‬فهل نحن أمة حك عليها بأن تكون مجموعة من البله‬

‫يعطينا بعض الراحة‪ ,‬ليست راحة الجهل واالستقالة من الوعي واستخدام‬ ‫الفكر‪ ،‬بل إنها راحة معرفة الحقيقة وبالتالي فك السر عن هذا الواقع‬ ‫املسحور‪ .‬بعض الناس يظن أن حكمة وقدر هللا قد سد األفق أمام هذه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫األمة‪ ,‬أبدا حاشا هللا! إن هللا أعدل وأحك أن يجعل األفق مسدودا أمام‬ ‫ً‬ ‫أمة من األم ‪ ,‬فضال عن هذه األمة‪ ,‬إن هللا يفتح أمام األمة أفق واسع‬ ‫وفسيح‪ ,‬لكن املشكلة أنه ال توجد عيون قادرة على أن تلتقط سعة وعمق‬ ‫هذا األفق‪ ,‬ألنها تنظر مباشرة إلى مواطيء أقدامها‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫نحن نتكل ونتكل ‪ ,‬ال نتكل ترفا وترويحا‪ ,‬نتكل في محاولة ألن نعي‪ ,‬ألن‬ ‫البداية بحسب البيان القرآني هي الوعي‪ ,‬فيجب أن نعي وبالصيغة‬ ‫السليمة ألن هذا الوعي ستكون كل النتائج والعواقب مشروطة به‪ ,‬فأول‬ ‫خطوة وعي صحيح نضعها في الطريق الصحيح تعني أننا وصلنا ولو بعد‬ ‫مائة سنة‪ ,‬ما ل نضع هذه الخطوة األولى في الطريق الصحيح فسنظل‬ ‫نراوح في مكاننا ولو مئات السنين‪.‬‬

‫حديث مع اذلات‬

‫إذن ملاذا الوعي؟ ألنه ‪-‬ويما قال القرآن‪ -‬هو البداية الصحيحة‪ .‬املشكلة أن‬ ‫ً‬ ‫وعيننا في هذه الشئون بالذات يمسلمين والبشر عموما ‪-‬لألسف الشديد‪-‬‬ ‫وعي مهزول‪ ،‬فإلي اليوم ال يمكن أن يقال التطور الحاصل في العلوم‬ ‫اإلنسانية‪ ,‬وهي التي تهمنا في هذا املقام‪ ،‬هي الته أمة محمد كلها‪ ,‬فاآلن أمة‬ ‫ً‬ ‫محمد كلها أصبحوا أطباء ومهندسين وتكنوقراط‪ ,‬أبدا ستبقي مكانها‪,‬‬ ‫فاألمة تحتاج إلى وعي آخر‪ ,‬وعي ييف تصوغ التاريخ‪ ,‬ييف تدير سياسة‬ ‫الشعوب‪ ,‬ييف تنهض بهذه األمة من التخلف إلى التنمية الحقيقية‪ ,‬هذا ال‬ ‫يقدر عليه التكنوقراط‪ ,‬يستطيعه مفكرون ضليعون في هذه الشئون‪,‬‬ ‫ً‬ ‫ونحن فقراء جدا في هذه الشئون‪ ,‬فكل ما طوره العربي املعاصر في هذه‬ ‫ً‬ ‫الشئون قريب جدا من الصف‪ ,‬فالعال كله ضعيف في هذه الشئون وإن‬

‫‪9‬‬

‫كان أقوى منا‪ ,‬والدليل على ذلك قول العال سكنر في يتابه "ما بعد‬ ‫ً‬ ‫الكرامة والحرية" لو قدر أن أرسطو بعث حيا من قبره اآلن وطلب إليه أن‬


‫ً‬ ‫يشارك في نقاش في السياسة مثال‪ ,‬فإنه سيشارك في هذا املضمار باقتدار‬ ‫ً‬ ‫جيد جدا‪ ،‬أرسطو يستطيع أن يقارع يبار علماء االجتماع ومنظري‬ ‫ً‬ ‫السياسة املعاصرين ولن يظهر جاهل يثيرا أمامه ‪ ,‬لكن أرسطو لو جاء‬ ‫ً‬ ‫ليناقش طفال في الصف الخامس االبتدائي في عل الفيزياء أو الكيمياء‬ ‫ً ً‬ ‫سيظهر فقيرا جدا ومشوه التفكير واملنهج‪ ,‬ألن العلوم التطبيقية تطورت‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫تطورا سحيقا جدا‪ ,‬لكن علوم اإلنسان ال زالت يسيحة وتحبوا حبوا‪,‬‬ ‫ً‬ ‫وحظنا نحن منها بخس جدا‪ ,‬وإن ظهر نبوغ أو اجتهاد في هذه األمة ال يوجد‬ ‫العلوم التي تدر املال فقط‪ ,‬وتبقي األمة بال وعي حقيقي وال تستطيع أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تصنع وتبلور وعيا حقيقيا‪ ,‬هذه هي املأساة وال بد أن نلتفت إليها‪.‬‬

‫حديث مع اذلات‬

‫وال يستثمر وال يوظف في هذه العلوم التي تحتاجها األمة‪ ,‬بل يوظف في‬

‫لقد قال أخ حبيب منذ أيام‪ ,‬وهو ما جعلني أعد هذه الخطبة‪ ,‬ل ال نقول‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫لو أن هللا تبارك وتعالى يسر لنا حايما قويا‪ ,‬ولو كان مستبدا لكنه عادل‬ ‫وسيفرض الحق والعدل على الناس‪ ,‬أال يختصر لنا املراحل؟! قلت له‪ :‬يال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ال أؤمن به وأرفضه بداءة مثل هذا الحاي ‪ ,‬قال لي ملاذا؟ قلت له‪ :‬أوال هل‬ ‫ً‬ ‫نضمن أن هذا الحاي لن ينقلب على نفسه ليعود جبارا‪ ,‬ليعود رمسيس‪,‬‬ ‫ً‬ ‫ليعود إيفان الرهيب؟! قال لي ال أضمن‪ ,‬قلت له هذا يحدث دائما‪ ,‬ألنك‬ ‫تراهن على ضمير شخص ي‪ ,‬ضمير ينشد العدالة ويقدس املثل الكريمة‪,‬‬ ‫ً‬ ‫هذا الضمير ال وثاق فيه‪ ,‬وقد فه الغربيون هذا الدرس تماما وقالوا ال‬

‫‪10‬‬


‫ثقة في اإلنسان‪ ,‬فأنا يمجتمع على أن أقي رقابة صارمة تقل أظفار كل‬ ‫من تسول له نفسه أن يخرج على القانون واملباديء‪.‬‬ ‫صاحب يتاب "دستور إنجلترا" في القرن السابع عشر يتب يقول بالحرف‪,‬‬ ‫إن الشعب محمي ومضمون من ظل حكومته‪ ,‬ألن هذا الشعب ل يعط‬ ‫ثقته للحايمين‪ ,‬وإنما أعطاها للذين يراقبون هؤالء الحايمين‪ ,‬ونحن اآلن‬ ‫ً‬ ‫طبعا بصيغة إسالمية نراهن على صاحب الضمير الحي‪ ,‬نريد الشيخ‬ ‫ّ‬ ‫صاحب اللحية التقي البكاء الصوام القوام العفيف األمين‪ .‬جميل‪ ،‬ولكن‬

‫حديث مع اذلات‬

‫قد ينقلب هذا الشيخ في ليلة واحدة‪ ,‬فال أمان لإلنسان‪ ,‬كل أمانته وإيمانه‬ ‫ً‬ ‫هذا عند هللا في ميزان حسناته وال يهمني يثيرا‪ ,‬الذي يهمني أن يكون لديه‬ ‫النصاب والحد األدنى من اإلسالم وااللتزام والوعي والقدرة على عمله‪ ,‬أي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أن يكون "قويا أمينا" باالصطالح القرآني‪ ,‬ث بعد ذلك يخضع للرقابة أيا‬ ‫كان‪.‬‬ ‫عمر بن الخطاب حتى يون الصحابة صحابة‪ ,‬ل يقل هؤالء أصحاب‬ ‫محمد وقد زكاه القرآن‪ ,‬وه مؤمنون‪ ,‬ول يعتقد عصمة الصحابة‪ ,‬كان‬ ‫يولي صغار الصحابة حتى إذا أخطأ أحده صفعه‪ ,‬وقد صفع مرة أبا‬ ‫موس ى األشعري أمام الناس‪ ,‬كان يضع صغار الصحابة‪ ,‬ث يحسن عليه‬ ‫الرقابة‪ ,‬فقد كان لعمر جواسيس على الوالة يقول أحد املؤرخين‪ ,‬كان له‬

‫‪11‬‬

‫على كل عامل عين ال يفارقه في حل وال في ترحاله‪ ,‬ولذلك أخبار والته‬


‫وعماله األبعدين منه تصله يأخبار األدنين‪ ,‬وكان يقول إن أهون ش يء علي‬ ‫ً‬ ‫أن أبدل الناس واليا بوالي‪ ,‬ولذلك صادر أموال أبا هريرة وعزله من عمله‬ ‫وأقعده في بيته‪ ,‬وصادر أبا موس ى ث أعاده إلى الوالية‪ ,‬وصادر سعد بن أبي‬ ‫ً‬ ‫وقاص أيضا وعزله عن البصرة‪ ,‬وكان يقول‪ :‬إن لي على كل عامل عينين‬ ‫الطين واملاء‪ ,‬ما معنى هذا؟ هذا له قصة وهي أن عمر كان يسير مرة فرأى‬ ‫ً‬ ‫بيتا يبنى بالجص واللبن‪ ,‬فقال ملن هذا؟ قالوا لفالن عاملك على البحرين‪,‬‬ ‫فأتى به فعزله وصادره‪ ,‬وقال هذه العبارة املال البد أن تظهر أنيابه‪ ،‬كانت‬ ‫سألني أحد األخوة مرة بعد أن تكلمت في هذا السياق ويمثل هذه املنهجية‪,‬‬ ‫فقال‪ :‬ما الذي تقول؟ إذن من سنؤمن؟ لو وضعناك أنت علينا‪ .‬قلت‪ :‬إذا‬

‫حديث مع اذلات‬

‫هناك رقابة حتى على أصحاب محمد‪.‬‬

‫وضعتني البد أن تضع احتمال ‪ %08‬أنني يمكن أن أخون‪ ,‬يمكن أن أتحول‬ ‫إلى فرعون‪ ,‬لقد تعلمت وعلمنا درس التاريخ‪ ,‬وأنا لست استثناء‪ .‬مشكلة‬ ‫هذه األمة أنها مجموعة من االستثناءات أفرادها استثنائيون‪ ,‬أحوالها‬ ‫استثنائية‪ ,‬ظروفها استثنائية‪ ,‬كل ش يء فيها استثنائي‪ ,‬ولذلك ال يحكمها ال‬ ‫ً‬ ‫التاريخ وال الشرع أيضا‪.‬‬ ‫قوانين التاريخ ال تسير علينا ألننا أمة استثنائية‪ ,‬فإذا طالبنا بأي ش يء حتى‬ ‫بالحرية‪ ,‬وبالديموقراطية‪ .‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬لنا ظروف استثنائية ال تسمح في هذه‬ ‫املرحلة بالحريات‪ ,‬هللا أيبر! إذن تسمح بماذا؟! تسمح بأن نولد في قرى‬

‫‪12‬‬


‫يلبسون لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ويصنع غيره ‪ .‬قرى في‬ ‫حالة يسوف وخسوف حضاري وفكري واجتماعي وثقافي‪ ,‬هكذا يولد‬ ‫الواحد منه ويموت في ظل قوانين الطواريء‪ ,‬وال يخبر ولو ملرة واحدة معنى‬ ‫الحلة الدستورية‪ ,‬ما هذا‪ ,‬أين نعيش‪ ,‬في أي زمان؟! ث نعتب على اآلخرين‬ ‫إذا نظروا إلينا باحتقار‪ ,‬وهللا له الحق بأن يحتقرونا‪ .‬إيمانويل كانط‬ ‫الفيلسوف األملاني النقدي الكبير يقول‪ :‬إن أمة ال تشعر وال تقدر قيمة‬ ‫الحرية ال تستحق الحرية‪.‬‬

‫حديث مع اذلات‬

‫عجبت لسؤال طرح في االنترنت على أيثر من مفكر إسالمي‪ :‬أيها أولى‬ ‫تطبيق الشريعة أو الحرية؟ السؤال في نظري نصف جريمة‪ ,‬ال ينبغي أن‬ ‫يطرح في الوعي اإلسالمي سؤال يهذا‪ ,‬يجب أن يكون مقطوع به لدينا أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫األولية دائما وأبدا لإلنسان‪ ,‬وأولوية أوليات اإلنسان الحرية‪ ,‬الحرية قبل‬ ‫الشريعة‪ ,‬قبل اإليمان‪ ,‬قبل الكفر‪ ,‬قبل أن ش يء ث بعد ذلك هللا ال يخاف‬ ‫من الحرية‪ ,‬القرآن ال يخاف من الحرية‪ ,‬أهل الحق وحملته ال يخافون من‬ ‫الحرية‪ ,‬الحرية هي كل ما نريد‪,‬ألن هذه الحرية هي الضمانة الوحيدة وهي‬ ‫املعيار الوحيد الذي سيفرز الحق من الباطل‪ ,‬والصالح من الطالح‪ ,‬ففي‬ ‫غياب الحرية ‪-‬ولو أعطينا األولية لتطبيق الشريعة أو أي ِش يء آخر‪ -‬ماذا‬ ‫الذي سيحصل؟ بعض الناس قد يكفرنا ويقول ييف تقدم ش يء اسمه‬

‫‪13‬‬

‫الحرية وهو مصطلح غربي على شرع هللا فشرع هللا هو الذي سيعطي‬


‫الناس الحرية‪ .‬مسكين هذا! إنه ل يفه يما قلنا أي درس من دروس‬ ‫التاريخ‪ ,‬فالذين طبقوا شرع هللا من األمويين والعباسيين والعثمانيين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واملماليك واملعاصرين أيضا قد قتلوا العلماء بهذا الشرع‪ ,‬وبشرع هللا أيضا‬ ‫قتلوا األئمة وأذاقوا األمة لباس الجوع والخوف‪ ,‬أليس يذلك؟‬ ‫هؤالء الذين طبقوا الشريعة ل يرضوا إلمام مثل أحمد بن حنبل أن يبقى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وادعا‪ ,‬قد كان مهادنا وله جمل وعبارات صريحة في عدم معاداة السلطان‬ ‫ووجوب طاعته وعدم الخروج على السلطان مهما فعل وإن أخذ مالك‬ ‫األمية‪ -‬في عقله موال يحب أن يغنيه‪ ,‬وهو موال خلق القرآن‪ ,‬ما دخل‬ ‫ً‬ ‫املأمون بخلق القرآن؟! إنها مشكلة من قرأ فيها أحيانا آالف الصفحات ل‬

‫حديث مع اذلات‬

‫وجلد ظهرك‪ ,‬ومع ذلك ل ينج أحمد بن حنبل‪ ,‬ألن السلطان ‪-‬يما يقال في‬

‫يفهمها على وجهها‪ ,‬مشكلة في منتهى التعقيد الفلسفي والكالمي‪ ,‬ييف يريد‬ ‫هذا املأمون أن تصبح هذه القضية قضية العامة‪ ,‬ليست قضية العامة‪,‬‬ ‫حتى الخاصة أيثره ال يحتاجونها‪ ,‬وقد فقد اإلمام املسكين يرامته وجرد‬ ‫ً‬ ‫إال من سرواله وضرب مائة وعشرين سوطا‪ ,‬إمام يحفظ مليون حديث من‬ ‫أحاديث املصطفى صلوات ربي وتسليماته عليه وآله وأصحابه يعذب من‬ ‫أجل أن املأمون يريد أن يغنى هذا املوال‪ ,‬ولذلك ال توجد حرية اجتهاد وال‬ ‫حرية رأي‪ ,‬فلو تقرأون يتب التاريخ املعتمدة‪ ،‬تلك الكتب التي سيرها‬ ‫ً‬ ‫املأمون إلى والته يأمره بقسر العلماء واألئمة قسرا على هذه العقيدة‪،‬‬

‫‪14‬‬


‫وحينها كان املأمون ينطق باس هللا وباس الدين والشرع واعتبره زنادقة‬ ‫خارجين على هذه األمة الذين ال يقولون بهذه العقيدة كل هذا حدث باس‬ ‫الشرع‪.‬‬ ‫لذلك األولوية يجب أن تكون للحرية الحقيقية وفي ظل الحرية الحقيية‬ ‫فالحق ال يستوحش‪ ,‬والعقل سيأخذ مداه ويتفتح إلى آخر مشواره‪,‬‬ ‫وسيتميز الحق من الباطل‪ ,‬لكن إذا غابت هذه الحرية سيحصل قبض‬ ‫وبسط‪ ,‬ضغط وتفريج‪ ,‬طي ونشر‪ ,‬وسنرى في شخوص املجتمع وقيادات‬

‫حديث مع اذلات‬

‫املجتمع على جميع املستويات والظاهرات االجتماعية واألحداث‬ ‫االجتماعية بانوراما كاريكاتورية بفعل القبض والبسط‪.‬‬ ‫من أراد أن يفه سر آلية القبض والبسط في غياب الحريات‪ ,‬فليفكر في‬ ‫الغاز إذا ما ُسلط عليه ضغط‪ ,‬يمية يبيرة من الغاز يمكن أن تمأل مثل‬ ‫هذه الساحة عشر مرات بالضغط قد يستحيل إلى ثالث أو أربع قطرات‬ ‫من السائل‪ .‬فقط هكذا تطحن األمة وتقزم العقول واألفاق والقدرات لكن‬ ‫آلية النشر واملد في حدود الحرية الحقيقية‪ ,‬وهي آلية فاعلة للجميع ومع‬ ‫الجميع‪ ,‬ما الذي يحصل؟ قطرات العطر البسيطة الغازية ال يظهر لها أي‬ ‫فعل وال أي أثر حتى إذا فتحت وأعطيت حريتها فاحت عبيرها في مساحة‬ ‫يهذه أو ربما أيبر أو أصغر يظهر أثرها‪ ,‬وهكذا تظهر ثمار العقول‬

‫‪15‬‬

‫وإيجابية اإلنسان‪ ,‬قدرة اإلنسان على العطاء‪ ,‬على النقد‪ ,‬على البناء‪ ,‬على‬


‫املساهمة في إدارة مجتمعه وبناء حضارته‪ .‬لذلك األولوية الحقيقية‬ ‫للحرية‪.‬‬

‫ً‬ ‫بعض الناس أيضا ال يستوعب ويقول‪ :‬نحن ينبغي أن نكون اعتقادين‪,‬‬

‫فالحق معنا‪ ,‬والقرآن بين أيدينا‪ ,‬والسنة رهن إشارتنا فلماذا ال نقسر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الناس عليها قسرا؟! وهذا أيضا ل يستوعب مقدمة الخطوة‪ ,‬وأقول له‪:‬‬ ‫أي حق الذي معك‪ ,‬حق السني‪ ,‬حق الشيعي‪ ,‬حق العلماني اإلسالمي‪ ,‬حق‬ ‫اليسار اإلسالمي‪ ,‬حق صاحب التفكير الخارجي‪ ,‬صاحب التفكير الجهادي‪,‬‬

‫واملجتمع لخصها هللا بقوله "يذلك زينا لكل أمة عمله "‪ .‬إذا أردت أن‬

‫حديث مع اذلات‬

‫حق الذي قزم الدين ويدعى أن هذا هو دين هللا تبارك وتعالى‪ ,‬أي حق؟!‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هذا أيضا ل يستوعب حقيقة قرآنية خطيرة جدا ولها أثر يبير في التاريخ‬ ‫تستند إلى منطق الحق بطريقة اعتقادية ضد منطقية‪ ,‬إذن فاليهودي‪,‬‬ ‫يعتقد حقانية ما هو عليه بنفس الكيفية‪ ,‬والنصراني والبوذي وامللحد‬ ‫ً‬ ‫ويموتون أيضا من أجل أفكاره في مثل هذه األوضاع‪ ,‬ما الذي سيحصل؟‬ ‫اقتتال حتى النهاية‪ ,‬وقد صدق الفيلسوف الفرنس ي جان جاك روسو حين‬ ‫قال‪" :‬ليست جنة‪ ,‬وال يمكن أن تكون جنة تلك التي يقاد الناس إليها‬ ‫بالسالسل"‪ .‬إذا كانت جنة‪ ,‬فال يمكن أن تكون جنة باغتيال حريتي‪ ,‬دع لي‬ ‫حريتي حتى أدخل هذه الجنة وأجرب‪ ,‬إنه تفكير سلي !‬ ‫إذن فلتكن األولوية للحرية‪ ,‬ولو فعل اإلسالميون هذا ووعوه قبل نصف‬

‫‪16‬‬


‫قرن لوفروا علينا وعلى أنفسه مأس ي وعذابات وأثمان فادحة دفعت وما‬ ‫زالت تدفع‪ ,‬لو فعلوا وقدروا أن رسالته ودعوته وأن أولويته هي الحرية‪,‬‬ ‫ليست له فقط‪ ,‬بل للجميع وهذا روح قرآني‪ ,‬ث بعد ذلك نعمل على قدم‬ ‫املساواة ويما قلنا سيتميز املحق من املبطل وسنأخذ فرصتنا يا ليت لكن‬ ‫هذه خطوة لألسف اآلن ينبغي أن تستدرك‪ ,‬هذه هي املسألة‪.‬‬ ‫نعود‪ ..‬قلت لهذا األخ‪ :‬هل تأمن إذن أن ينقلب هذا الرجل عليك في‬

‫حديث مع اذلات‬

‫منتصف الطريق؟ قال‪ :‬ال‪ ,‬قلت إذن ملاذا تريد هذا املستبد العادل؟‪ ,‬أراد‬ ‫ً‬ ‫هذا الرجل املستبد العادل يأنه كان متأثرا بكلمة اإلمام محمد عبده الذي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قالها محبطا وبائسا من السياسة‪ ,‬فقال في آخر حياته‪ ,‬من للشرق بمستبد‬ ‫عادل ينجز في خمس سنين ما عجز املصلحون والدعاة واملربون والعلماء‬ ‫في عن إنجازه في خمسمائة سنة؟‪ ,‬يال‪ .‬ال يمكن‪ .‬ث قلت لهذا األخ الفاضل‪:‬‬ ‫عمر بن عبد العزيز كان هذا الرجل الذي تريده بفارق واحد‪ ,‬وهو أنه ل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يكن مستبدا‪ ,‬كان عادال‪ ,‬كان منصفا‪ ,‬كان تقيا ورعا‪ ,‬وحمل الناس في‬ ‫سنتين وأربعة أشهر على العدل واإلنصاف من غير استبداد‪ ,‬قال‪ :‬إذن‬ ‫نجح‪ ,‬قلت له‪ :‬ل ينجح‪ ,‬قال ملاذا؟ قلت‪ :‬أول من دفع ضريبة هذا العدل‬ ‫ً‬ ‫هو عمر بن عبد العزيز نفسه‪ ,‬وهو أنه مات مسموما‪ ,‬فجريمته العدل‪,‬‬ ‫ً‬ ‫فقد كان مجرما في حق الظلمة‪ ,‬في حق الذين ربطوا مصالحه باألوضاع‬

‫‪17‬‬

‫املنصرمة‪ ,‬هؤالء كان جريمة ابن عبد العزيز عنده هي عدله وإنصافه‬


‫فقالوا فلنتخلص منه فدسوا له الس ‪ ,‬فمات من ليلته رضوان هللا عليه‪,‬‬ ‫أين العبرة؟! العبرة أن األمة بعد ذلك مباشرة تقبلت اآلتي الجديد يأنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حفيد طبيعي‪ ,‬وهو ل يكن حفيدا ال طبيعيا وال شرعيا لعمر بن عبد‬ ‫العزيز‪ ,‬هذا من عال وهذا من عال ‪ ,‬هشام بن عبد امللك‪ ,‬وهكذا عادت‬ ‫ً‬ ‫األمة إلى سابقتها ويأن عمر بن عبد العزيز ل يفعل شيئا‪.‬‬ ‫السؤال اآلن الذي ينبغي أن نطرحه‪ ,‬ملاذا وافقت األمة على هذا؟ هذا هو‬ ‫ً‬ ‫السؤال الذي نريد بالجواب عنه أن نقول ما نحب أن نقوله دائما ونعيد‬ ‫واعية‪ ,‬هذه األمة التي تنش يء وتبلور وتخلق من ضمانات الرقابة ما تقل به‬ ‫أظفار كل من تسول له نفسه أن يخرج عن مصلحتها ومبادئها ودستورها‬

‫حديث مع اذلات‬

‫فيه ألن الرهان ليس على حاي صالح أو غير صالح‪ ,‬الرهان على أمة‬

‫وشرعها‪ ,‬لذلك ستقوم األمة بدورها املطلوب في اللحظة الحرجة واملناسبة‬ ‫ولألسف سنتان ونصف السنة ل تكن كافية ألن يقوم الراشد الخامس‬ ‫برفع مستوى وعي األمة إلى الدرجة الكافية‪ ,‬لذلك عادت األمور يما كانت‬ ‫ً‬ ‫ويأن شيئا ل يكن‪.‬‬ ‫لتعميق هذا املفهوم سأنزل درجة وأوضح لكن بأمثلة‪ ,‬في باطن كل واحد‬ ‫منا يبشر غول رهيب‪ ,‬سفاح‪ ,‬جبار عتيد‪" ,‬ونفس وما سواها فألهمها‬ ‫فجورها وتقواها" بدأ بالفجور‪ ,‬ث التقوى‪ ,‬هذا موجود وهذا موجود وهذا‬ ‫املجرم موجود‪ ,‬وهذا املصلح الواعي املثقف موجودن لكن املجرم يخرج‬

‫‪18‬‬


‫بشرط واحد وهو أن يستل مفاتيح قوة مطلقة من غير رقابة ليستحيل‬ ‫مباشرة في أي إدارة وفي أي شرية‪ ،‬في كل مكان‪ ,‬فراش خدام‪ ,‬إلى ديكتاتور‬ ‫يبير‪ ,‬أعطه مفاتيح القوة من غير رقابة وسوف ترى ييف يتحول إلى إيفان‬ ‫الرهيب‪ ,‬أو ستالين أو هتلر أي واحد من هؤالء‪.‬‬ ‫كان هناك منظر اشمئز منه وأنا صغير وأغضب‪ ,‬سائق التايس ي هذا كان‬

‫حديث مع اذلات‬

‫يقف في الساحة يتوسل إلينا أن نريب معه وال نريب مع غيره‪ ,‬حتى إذا‬ ‫ايتمل النصاب وريب سبعة من الركاب السيارة استحال هذا الذليل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الخسيس فرعونا جبارا‪ ,‬يصرخ فيقول‪ :‬أغلق الباب وأربطوا األحزمة‬ ‫بصياح وجبروت‪ ,‬وينت استغرب ما الذي حول هذا إلى فرعون في لحظة‪,‬‬ ‫إنها السلطة‪ ,‬سلطة أنك في سيارته وسيقودك ويتحك فيك‪ ,‬ييف لو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أصبح رئيس وزراء هذا؟ ييف لو أصبح رئيسا أو ملكا؟!‬ ‫هذه حقيقتنا‪ ,‬هذه حقيقتي وحقيقتك‪ ,‬ومن هنا املشكلة‪ ,‬املدرس هو رب‬ ‫على تالميذ منكوبين به‪ ,‬وجربنا ييفية األرباب من البشر‪ ,‬اآلن بان لك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ووضح ملاذا نصت اآلية في أول الخطبة "أال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من‬ ‫دون هللا"‪ .‬إن اإلنسان يما الحظ أبو حامد الغزالي في يتابه "إحياء علوم‬ ‫الدين"‪ ,‬وقد سبق برتراند راسل الذي كان يؤرقه هاجس السلطة والفرد‪,‬‬

‫‪19‬‬

‫وهاجس تأله هذا الفرد‪ ,‬لقد سبق راسل بمئات السنين‪ ,‬حيث قال‪ :‬إن في‬ ‫ً‬ ‫كل نفس بشرية منزوع إلى التأله كل واحد فينا يمكن أن يصبح إلها ولو‬


‫ً‬ ‫مصغرا‪ ,‬مثل آلهة األوملب‪ ,‬وقد قال برتراند راسل نفس الش يء في يتابه‬ ‫"الفرد والسلطة"‪ :‬إن كل إنسان ينطوي على رغبة جامحة إلى أن يصبح‬ ‫ً‬ ‫إلها من آلهة األوملب‪ ,‬فال ثقة في هذا اإلنسان يما قال ديكارت‪.‬‬ ‫لنرجع إلى مرجعيتنا‪ ,‬إلى هذا الكتاب العزيز العجيب الذي نريد أن نضيئه‬ ‫من زاوية جديدة‪ ,‬اقرأوا كلمة اإلنسان باملطلق‪ ,‬ال مسل ‪ ,‬وال كافر‪ ,‬ال ذير‪,‬‬ ‫ال أنثى‪ ,‬ال عرقي‪ ,‬اإلنسان باملطلق‪ ,‬ال يمكن وال في أي موضع من الكتاب أن‬

‫اإلنسان ما غرك بربك" في كل يتاب هللا ال تذير كلمة اإلنسان إال بهذه‬

‫حديث مع اذلات‬

‫تجد مدح اإلنسان بعنوان اإلنسانية‪ .‬إذا قال هللا "اإلنسان" ستجده على‬ ‫ً‬ ‫الفور مذموم‪" :‬إن اإلنسان خلق هلوعا" ‪" :‬قتل اإلنسان ما أيفره" "إن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اإلنسان لظلوم يفار"‪ ,‬وحملها اإلنسان إنه كان ظلوما جهوال"‪" ,‬يا أيها‬ ‫الطريقة‪ ,‬طريقة الذم‪ ,‬طريقة ذمه وذم طبائعه السوء‪ ,‬إذن القرآن كافر‬ ‫ً‬ ‫باإلنسان؟! ال‪ ،‬ليس كافرا باإلنسان‪ ,‬ألن هناك استثناء وحيد والتاريخ‬ ‫ُ‬ ‫يؤيده والواقع يؤيده‪ ,‬فاهلل دائما يقول هكذا هو اإلنسان "إال الذين‬ ‫آمنوا" ليس إيمان أيدلوجيات وال إيمان عصبيات‪ ,‬إنما اإليمان الحقيقي‬ ‫الذي يعطي اإلنسان حجمه الحقيقي بإزاء رب العاملين‪ ,‬يعطي التراب‬ ‫حجمه بإزاء رب األرباب ال إله إال هو‪ ,‬ومن هنا قال أحد العارفين باهلل‪,‬‬ ‫الشيطان ملا تهدد وتوعد قال ث ألتينه من بين أيديه ومن خلفه وعن‬ ‫إيمانه وعن شمائله وال تجد أيثره شايرين‪ ,‬ل يقل الشيطان ومن‬

‫‪20‬‬


‫فوقه ومن تحته ‪ ,‬ملاذا؟ قال هذا العارف باهلل‪ :‬ألن من عرف مقامه األدنى‬ ‫ً‬ ‫من مقام ربه األعلى ل يكن للشيطان عليه سبيال‪ ,‬ودائما البد أن تنظر‬ ‫بهذه العين‪.‬‬ ‫أقبح ش يء يقبح به اإلنسان هو الكبر والغطرسة‪ ,‬فكيف إذا صار الكبر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والغطرسة استبدادا وطغيانا وتألها وظلما وسفكا للدماء واعتقاال‬ ‫ً‬ ‫للحريات؟! لذلك فإن هذا اإلنسان من غير معادلة اإليمان ال يساوي شيئا‪,‬‬

‫حديث مع اذلات‬

‫إنه ش يء مكفور به‪ ,‬إنه ش يء ال يوثق به حتى مع معادلة اإليمان‪ ,‬تلك‬ ‫ً‬ ‫املعادلة الباطنية التي ال يستطع تقويمها حقا إال رب العاملين‪ ,‬فيبقى‬ ‫ً‬ ‫اإلنسان فيما يظهر أيضا في خانة عدم املوثوقية‪ ,‬وييف يثق بعضنا‬ ‫ببعض؟! نثق في بعضنا من باب املجامالت فيما يظهر‪ ,‬لكن كل ش يء‬ ‫مفتوح على احتماالت يثيرة‪ ,‬ولقد وجدنا األخ يخون أخاه‪ ,‬األخ األصغر‬ ‫الذي رباه أخوه األيبر وصرف عليه وعلمه‪ ,‬ث يهتك عرض أخيه األيبر‬ ‫هذا‪ ,‬قصص واقعية في عال العرب واملسلمين‪ ,‬أين الثقة؟ ولذلك إذا كان‬ ‫هذا الفرد ال يوثق وال يؤتمن على عرض ولي نعمته‪ ,‬أيوثق على مقدرات أمة‬ ‫على مصير أمة وعلى مستقبلها؟! إال أن تكون أمة من الهبل واملجانين‪ ,‬لكن‬ ‫أمة من الوعاة واملدريين ال يمكن‪ ,‬ولهذا هذا االقتراح الذي يأمل فيه هذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫األخ وأمثاله بأن يرسل لنا هللا مستبدا عادال يفرض علينا الحق والعدل‬

‫‪21‬‬

‫مرفوض مبدأ ومنتهي لألسباب التي ذيرنا‪.‬‬


‫ً‬ ‫إذن أخيرا على ماذا يكون الرهان؟ نراهن على ش يء واحد وهو الوعي‪ ,‬وهذا‬ ‫الوعي يأخذ طريقه إلى الجماهير‪ ,‬كل ما نريده هو نصاب أدنى من الوعي‪,‬‬ ‫وهذا الوعي هو الذي سيرتق فتوق الواقع‪ .‬بعض الناس يقول من الصعب‬ ‫ً‬ ‫جدا أن أشعر بحرية ل أعشها‪ ,‬هذا صحيح وأنا أوافق عليه‪ ,‬من الصعب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جدا أن تعرف قيمة ش يء ل تعشه‪ ,‬لكن يمكن للوعي أن يسد مسدا في هذا‬ ‫الباب ألن الوعي يفتح أفاق الخيال‪ ,‬والخيال صفة من صفات اإلنسان ال‬ ‫يتمتع بها الحيوان‪ ,‬هذا الوعي يمكن أن يلعب في خيالك ليسد فتوق هذا‬ ‫األه من ذلك هو تربية األجيال الناشئة‪ .‬إذا نشأ الطفل الصغير في أسرة‬ ‫وفي مدرسة‪ ،‬أي في مناخ يعلمه ما هي الحرية وييف تكون الحرية‪ ,‬والبداية‬

‫حديث مع اذلات‬

‫الواقع املريض هذه واحدة‪.‬‬

‫تكون باحترام هذا الطفل‪ ,‬باحترام شخصيته وتساؤالته ورأيه منذ البداية‪.‬‬ ‫أحد العلماء املربين الغربيين الكبار في القرن العشرين‪ ,‬بعد تفكير واجتهاد‬ ‫وجد أن السبب في وجود ظاهرة البشر املطواعين والبشر املستبدين ‪-‬أن‬ ‫يكون اإلنسان مطواع فقط‪ ،‬يطيع واآلخر فقط يصدر أوامر‪ -‬هو نمط‬ ‫التعلي الصارم الذي يفه املتعل واملعل كليهما أن عالقة بين آدميين‪ ,‬بين‬ ‫إنسانيين ال تعدو أن تكون عالقة مصدر األوامر ومنفذ األوامر‪" :‬ايتب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حل‪ ،‬ما هو الجواب؟" طريقة عقيمة جدا‪ ،‬بالعكس ال ّبد أن تتخذ أسلوبا‬ ‫في التربية والتعلي يقوم على املحاورة واستفزاز الرأي واملعارضة‪ ,‬وبعد‬

‫‪22‬‬


‫ذلك بطريقة املقارعة يمكن أن نتوصل إلى أفكار جديدة‪ ,‬إذن البد أن‬ ‫تختلف طريقة التعلي ‪ ,‬ومن هنا أشعر بغضاضة‪ ,‬بحك هذا الدور الذي‬ ‫يتب على أن أؤديه‪ ,‬بغضاضة من هذا األسلوب املنبري‪ ,‬من هذه األلفاظ‬ ‫ً‬ ‫التي أقع أحيانا ضحية لها مثل "اعلموا عباد هللا ‪ ..‬افهموا عباد هللا" هذا‬ ‫ً‬ ‫أسلوب س يء جدا‪ ,‬ال يمكن بهذه الطريقة أن تخرج أمة من األحرار‪ ,‬من‬ ‫املستقلين‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫الشعوب تنكب بذراعها العسكرية سواء داخليا وخارجيا إذا ساقها إلى‬

‫حديث مع اذلات‬

‫حروب تدمر ثروات الشعوب وتزهق نفوس شبابها وأبنائها‪ ,‬وهذه الحروب‬ ‫ً‬ ‫يما قيل في التاريخ هي تسلية امللوك‪ ,‬وطبعا في الداخل معروف ماذا تفعل‬ ‫هذه الذراع الطويلة مع غياب حس املسئولية الفردية‪ ,‬إنك مسئول‪ ,‬أمام‬ ‫ً‬ ‫املجتمع مسئول‪ ,‬أمام التاريخ مسئول‪ ,‬أمام ضميرك مسئول‪ ,‬غدا بين يدي‬ ‫ً‬ ‫هللا أنت مسئول‪ ,‬كل واحد منا ُيسأل غدا بين يدي هللا‪ ,‬ليس عن صالته‬ ‫وزكاته وصيامه وحجه وتربية أبنائه وحسب‪ ,‬بل عن قضايا هذه األمة‪,‬‬ ‫قضية فلسطين‪ ,‬وقضية العراق‪ ,‬وقضية الشيشان وقضية األمة وقضية‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم‪ .‬مسئول عن كل هذا‪ ,‬والقرآن يقول هذا لكن بطريقة معمقة جدا‪,‬‬ ‫والنبي قاله بأساليب واضحة لكن نحن ما تربينا بهذه الطريقة‪ ,‬ما تربينا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حقيقي يترج هذا الوعي‪ ,‬إننا فعال ينبغي أن نشعر بحس‬ ‫لكي ننجز عمال‬

‫‪23‬‬

‫املسئولية الحقيقية‪.‬‬


‫الفيلسوف املسل الكبير رجاء جارودي يقول أنه مع غياب الشخصية‬ ‫املستقلة ومسحة التفكير تت الكارثة‪ ,‬لذلك نحن نحتاج مسحة من‬ ‫التفكير‪ ,‬وإلى درجة دنيا من الوعي‪ ،‬وليس املقصود يثرة املعلومات‪ ،‬ليس‬ ‫يثرة الكتب التي تقرأ‪ ,‬إنما الوعي يعكس منهجية صادقة صحيحة في‬ ‫ً‬ ‫التفكير‪ ,‬والوعي ليس حدثا ال زماني‪ ,‬الوعي عملية ومعنى يونه عملية أنه‬ ‫عملية ممتدة متصلة نابضة حية‪ ,‬ولذلك قد تكون اآلن تتميز بالوعي بإزاء‬

‫حديث مع اذلات‬

‫قضية معينة‪ ,‬لو بقي وعيك هذا في إطار الالزمانية سيصبح بعد قليل‬ ‫ً‬ ‫جهال وعمى‪ ,‬وإذا استمر بشكل صيرورة نابضة حية متابعة للشروط‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واملتغيرات سيبقى وعيا‪ ,‬وسيضخ وتصبح لديه قدرة على أن يبرز دائما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مقترحاتا وحلوال جديدة‪ ,‬وعلى أن يوايب التغير بعين فاحصة وناقدة‪ .‬هذا‬ ‫هو الوعي‪ ,‬لذلك املسألة تحتاج إلى تعمي نصاب أدنى من الوعي‪ ,‬والبد من‬ ‫لعب ورقة التربية ولتكن البداية في األسرة‪ ,‬أقول قولي هذا واستغفر هللا لي‬ ‫ولك فاستغفروه إنه غفور تاب رحي ‪.‬‬ ‫الخطبة الثانية‬ ‫الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعل ما‬ ‫تفعلون‪ ,‬ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيده من فضله‪,‬‬ ‫والكافرون له عذاب شديد‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪,‬‬ ‫ً‬ ‫وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله‪ ,‬صلى هلل تعالى عليه وعلى آله‬

‫‪24‬‬


‫الطيبين وصحابته املجاهدين وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسل‬ ‫ً ً‬ ‫تسليما يثيرا‪.‬‬ ‫"اقرأ باس ربك الذي خلق‪ ,‬خلق اإلنسان من علق"‪ .‬قراءة التاريخ والخلق‬ ‫والطبيعة والكون "اقرأ وربك األيرم" هذه هي تتمة املعادلة‪ ,‬على قدر‬ ‫الوعي‪ ,‬على قدر القراءة‪ ,‬على قدر التواصل مع هذا الوجود ومع التاريخ‬ ‫ً‬ ‫أيضا يكون يرم هللا تبارك وتعالى‪ ,‬يكون عطاء هللا‪ ,‬ربط القرآن الكري‬ ‫الكرامة والكرم والعطاء بهذا الش يء قال تبارك وتعالى‪" :‬ولقد يرمنا من بني‬

‫حديث مع اذلات‬

‫آدم" ما هي مظاهر التكري ؟ "وحملناه في البر والبحر‪ ,"..‬تريد أن تحمل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يما ُحمل هؤالء الغربيون‪ ,‬تريد أن ترزق‪ ,‬تريد أن تعز؟! عليك أن تقرأ‬ ‫وربك األيرم‪ ,‬هذا هو البيان القرآني األول‪ ,‬سورة العلق‪.‬‬ ‫ويما قلنا هذه كارثتنا املتكررة‪ ,‬ث قال‪" :‬إن اإلنسان ليطغى أن رآه‬ ‫استغنى" تريد أن تعرف سبب الطغيان باملعنى الديني‪ ,‬باملعنى السياس ي‪,‬‬ ‫باملعنى االجتماعي‪ ,‬باملعنى اإلداري؟ هذا هو السبب األول "أن رآه استغنى"‪،‬‬

‫‪25‬‬

‫ويوم يكون لنا حكام يحتاجون إلينا وال يقعون في وه االستغناء عنا‪ ,‬يوم‬ ‫يحتاج الحاي إلى أصواتنا في صندوق االنتخاب لن يطغى علينا‪ ,‬سيبقى‬ ‫ً‬ ‫ذليال في خدمتنا وفي مصالحنا‪ ,‬وقد رأيته في درس الواقع ييف أن جيرهارد‬ ‫شرودر املستشار األملاني جسر ألول مرة بعد الحرب العاملية الثانية على‬ ‫أن يقول ألمريكا "ال"‪ .‬شرودر بذاته أضعف بكثير من أن يقول ألمريكا "ال"‬


‫ألنه ال يستغني عن أصوات األملان‪ ,‬واألملان قالوا ألمريكا "ال" فاضطر أن‬ ‫يقول هو "ال"‪ .‬يجب أن نفه هذه املعادلة‪ ,‬لذلك أصواتنا لها قيمة‪ ,‬وهنا‬ ‫الشعور باملسئولية الحقيقية‪ ,‬البد أن نفكر بهذه الطريقة الحضارية حتى‬ ‫نستطيع أن نتقدم‪ ,‬لكن طريقة الهبر والنبر وضربة واحدة تأتي على كل‬ ‫ً‬ ‫ش يء صدقوني بنفس الضربة أيضا ستأتي على كل ما أنجز‪.‬‬ ‫ث قال هللا تبارك وتعالى في األخير "يال ال تطعه واسجد واقترب" ويوم تبلى‬ ‫بفرعون صغير أو فرعون يبير يريد أن يضع العص ي في دواليب العمل‬ ‫تغافل عنه ث أيمل الطريق الذي تسير فيه‪ ,‬قال ال تطعه واسجد واقترب‬ ‫واستعن باهلل‪ ,‬استمد القوة من هللا وتغافل وستكون العاقبة للعاملين ال‬ ‫ً‬ ‫للهدامين‪ .‬وهذه صيغة ممتازة جدا لخصها القرآن في كلمتين "ال تطعه‬

‫حديث مع اذلات‬

‫ودواليب الحرية ماذا تفعل؟ هللا قال ال عليك من املناوشات السخيفة‪,‬‬

‫واسجد واقترب"‪ ,‬وقد قال البواتيه لكل املخاطبين خاصة الشعوب‬ ‫األوروبية‪" :‬إن نيل نعمة الحرية أسهل مما تتخيلون"‪ ,‬فكأنها لفرط‬ ‫سهولتها ال يستطيع الناس أن يغتنموها‪ ,‬ال أطلب منك مصادمة الحكام‬ ‫وال الثورة املسلحة‪ ,‬يكفي فقط أال تستجيبوا له ‪ ,‬ال تعطوه ‪ ,‬ألنه باملال‬ ‫الذي تعطوه إياه يقوون عليك ‪ ,‬ال تساعدوه ألنه بأيديك يضربونك‬ ‫يونوا فقط سلبيين مثل مقاومة غاندي لإلنجليز يقول البواتيه‪ :‬سوف‬ ‫يسقط هذا الصن الكبير‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫ً‬ ‫الحاي الطاغية هو تمثال يبير جدا من نحاس‪ ,‬من برونز لكن بقدمين‬ ‫من طين أو عجين أو ملح حتى أو ثلج‪ ,‬كل ما هو مطلوب أن تضرب هاتين‬ ‫القدمين‪ ,‬ما هما هاتان القدمان؟ ه املتملقون‪ ,‬املستضعفون‪ ,‬املنافقون‬ ‫حذاء السلطان‪ .‬ويكون ضربه بالوعي‪ ,‬لكن أين هو الوعي إذا ينا نجعل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من حذاء السلطان ربا صغيرا ونريع آللهة كاذبة‪ ,‬فنحن حتى نكاد نريع أمام‬

‫حديث مع اذلات‬

‫بواب ضابط مباحث لعله يتوسل لنا‪ ,‬بمثل هذه الطريقة وبمثل هذا‬ ‫االستخزاء سيبقى الصن قائ على رجلين من عجين‪ ،‬لكن يما يقول‬ ‫ً‬ ‫البواتيه يوم تقع هاتان القدمان سوف يخر سريعا تحت ثقله الذاتي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مثال كلمة خبيثة اجتثت من فوق األرض ما لها من قرار" أقول‬ ‫"وضرب هللا‬ ‫هذا القول واستغفر هللا لي ولك ‪.‬‬ ‫الله إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى‪ ,‬هللا علمنا ما ينفعنا‬ ‫ً‬ ‫وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما‪ ,‬الله خذ بأيدينا إلى الهدى وإلى الحق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وصراط املستقي ‪ ,‬الله عد بنا إلى دينك عودا حميدا‪ ,‬وردنا إليه ردا‬ ‫ً‬ ‫جميال‪ ,‬الله اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين وللمسلمات وللمؤمنين‬ ‫واملؤمنات األحياء منه واألموات‪ ,‬ربنا وتقبل عنا وعنه أحسن ما عملنا‪,‬‬ ‫وتجاوز عن سيئاتنا وسيئاته في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا‬

‫‪27‬‬

‫يوعدون‪ ,‬الله إنا نسألك ونضرع إليك أن تنصر اإلسالم واملسلمين وأن‬ ‫ً‬ ‫تعز املسلمين‪ ,‬الله من أراد باإلسالم وباملسلمين خيرا فكن له خير معين‪,‬‬


‫ً‬ ‫ومن أراد به وبه شرا فخذه أخذ عزيز مقتدر فإنه ال يعجزك‪ ،‬إلهنا وموالنا‬ ‫رب العاملين‪.‬‬ ‫عباد هللا! إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى‪ ،‬وينهى عن‬ ‫الفحشاء واملنكر والبغي‪ ،‬يعظك لعلك تذيرون‪ ,‬اذيروا هللا العظي‬ ‫يذيري ‪ ,‬اشكروه على نعمه يزدي ‪ ,‬واسألوه من أفضاله يعطك ‪ ,‬وقوموا‬ ‫إلى صالتك يرحمني ويرحمك هللا‪.‬‬ ‫(‬

‫حديث مع اذلات‬ ‫‪28‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.