م ل ا حديث ع دات د.عدنان إبراهيم خطبة الجمعة 1002/3/21م الموافق 2211/2/10 تفريغ :د/منى زيتون
حديث مع اذلات 1
تفريغات خطب الدكتور عدنان إبراهيم
حديث مع الذات د.عدنان إبراهيم
إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال
حديث مع اذلات
هللا وحده ال شريك له وال نظير له وال مثال له ،وأشهد ً أن سيدنا ونبينا محمدا عبد هللا ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه ،صلى هللا تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ،وصحابته املباريين ،وأتباعه ً ً بإحسان إلى يوم الدين ،وسل تسليما يثيرا. عباد هللا ..أوصيك ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظي ولزوم طاعته ،يما أحذري وأحذر نفس ي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى" :من ً عمل صالحا فلنفسه ،ومن أساء فعليها ،وما ربك بظالم للعبيد".
أرشف عىل تنس يق الكتاب:
محمد عدوي
2
ث أما بعد أيها اإلخوة املسلمون األحباب ,أيتها األخوات املسلمات الكريمات يقول الحق سبحانه وتعالى في يتابه العزيز ,بعد أن أعوذ باهلل من الشيطان الرجي ,
حديث مع اذلات
بس هللا الرحمن الرحي ُ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ََْ َََْ ُ ْ َا َ ُْ َ ا ا َ َ اب تعالوا ِإلى ك ِلم ٍة سو ٍاء بيننا وبينك أال نعبد ِإال اَّلل وال "قل يا أهل ال ِكت ِ ا َ ْ َ ا َُ ُ ُن ْشر َك به َش ْي ًئا َوال َي اتخ َذ َب ْع ُ ض َنا َب ْع ً ضا َأ ْرَب ًابا م ْن ُ ن اَّلل ف ِإن ت َول ْوا فقولوا و د ِ ِ ِ ِ ِِ ِ َ َ ْ ا اش َه ُدوا ِبأنا ُم ْس ِل ُمون" صدق هللا العظي ,وبلغ رسوله الكري ,ونحن على ذلك من الشاهدين, الله اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط آمين الله آمين. أيها اإلخوة األفاضل ،أيتها األخوات الفاضالت .هذه الخطبة لن تكون ً سجاال أو محاورة بيننا وبين أهل الكتاب ،بل بالعكس ستكون محاورة بيننا نحن وحسب ،محاورة مع الذات ..مع النفس ،وبالتالي ستكون هذه الخطبة كالتعقيب والتلخيص والتحصيل ملا سبقها من خطب ال سيما الخطبتين األخيرتين .ذلك ألن تلك الخطب كانت تدور على محور واحد
3
وهو محور استفزاز الوعي النقدي لدى املسل .وسنقدم بين يدي خطبة
ً اليوم مجموعة املقدمات ،األولى منها ستكون جوابا عن سؤال وملاذا ً الوعي؟ ألن بعض الناس أصال ال يستسيغ وال يوافق على هذه البداية .ملاذا الوعي؟ ملاذا ليس العمل مباشرة؟! ،والعمل يختصر ويسطح في وعيه ً ويقتصر إلى العمل املسلح ،إلى العمل الغليظ املباشر .طبعا لألسف أن ُ ً هذا العمل ُجرب مرات وكانت عاقبه دائما الخسران ،وقد اتخذ اآلن ذريعة إللصاق تهمة باملسلمين ه بامتياز حصري من بين سائر العاملين ضحايا هذه التهمة؛ فاملسلمون في العال ه ضحايا اإلرهاب ذلك أن %08من
حديث مع اذلات
الدماء السائلة في العال دماء مسلمين ،و %08من الالجئين في العال من ً ً املسلمين ،وأيثر من دفع ثمنا باهظا لإلرهاب واالستكبار الداخلي والخارجي ه املسلمون ،ث يقال اآلن أنه أمة لإلرهابيين وأن دينه هو اإلرهاب.
ً مثل هذا الوعي الذي بجدارة يجوز لنا ويسوغ أن نصفه بأنه ال وعي أصال ال ينطلق من خلفية قرآنية ,إن البيان اإللهي األول أي القرآن هو "اقرأ باس ربك الذي خلق ,خلق اإلنسان من علق ,اقرأ وربك األيرم ,الذي عل بالقل " ،وفي ذات السورة "يال إن اإلنسان ليطغى أن رآه استغنى" ,وفي آخر السورة "يال ال تطعه واسجد واقترب" .إن هذا البيان اإللهي األول ليكثف ويمريز ويمحور كل ما عن وما يعن لنا ,وكل ما جد وما وقع لهذه األمة من أزمات ومن إشكاالت عبر التاريخ وفي واقعها املعيش.
4
البداية -يما يقول البيان القرآني األول -ينبغي أن تكون من الوعي ,والوعي ً ً ال يكون بالطريقة األرسطية ,أي ال يكون وعيا تأمليا فيجلس إنسان ويبدأ ً يفكر لكي يجترح لنا حلوال لكل أزماتنا السياسية واالقتصادية واالجتماعية ً والثقافية .بل هللا يقول" :اقرأ باس ربك الذي خلق" ,بالقراءة أوال ,وأخذنا املستوى الثاني القراءة السلسة ,مستوى قراءة املكتوب ,فإن هذا املستوى وحده هو الكفيل أن يورث الفرد منا تراث البشر أجمعين ,خبرة أيثر من عشرة آالف سنة ,و ذلك بأن تقرأ التاريخ ,فالتاريخ هو مختبر األفكار
حديث مع اذلات
والنظريات ,هو مختبر األديان ,ومختبر األيديولوجيات ,ومختبر الحلول. ومن هنا يكون تأثير الكتاب العزيز على التاريخ ,فالقرآن يريز على التاريخ ً ً يثيرا جدا مثلما ل يفعل يتاب إلهي من قبل ,ومثلما ال تفعل أيثر يتب البشر -وبالذات املسلمين اآلن -ألن املسلمين بينه وبين درس التاريخ جفوة ,ألنه يقولون إن من أجال في التاريخ نظره ,هكذا قال أبو تمام نع ! ً ألن تاريخنا في شطره السياس ي تاريخ أسود ,والزال واقعنا امتداد نكدا لهذا التاريخ .على العكس القرآن يشيد بالتاريخ على أنه منبع من منابع املعرفة، ً ً والفكر التأملي وحده مجردا ال يمكن أن يجدي في هذا املقام شيئا .بعض الناس يظن أنه إن عاد للكتاب وللسنة وفتح املعاج العربية يستطيع أن ً ً يجترح لنا حلوال لكل ش يء ,وهو مخطيء أيضا ,فاهلل وحده تبارك وتعالى هو
5
الذي يستطيع أن يعطيك هذا الحل ,لكن بلغة إن ل تفهمها ألنها لغة
إلهية ,أما هذا القرآن الذي أنزل بلغة أنت تفهمها فاملشكلة أـن وحدة نصه ال تعني بحال وحده معناه ,كل الذين اختلفوا وتقاتلوا وتراشقوا ته التكفير واستباحة الدماء واألعراض واألموال كانوا يزعمون أنه يصدرون عن القرآن الكري ,وحتى املاريسيون ذوو الخلفيات العلمانية البحتة ممن ً يدعون أنه من اليسار اإلسالمي أيضا يقولون القرآن هو خلفيتنا ,الكل ً يعود إلى القرآن ولن يكونوا يذابين ,فعال يعودون إلى القرآن ,لكن املشكلة في الزاوية التي يض يء منها كل واحد النص اإللهي في الحقل املعرفي الذي موحدة ,ستختلف دالالت اآلية عند كل منهما ألن كل منهما يعتمد على موضوع آخر ,على مدى الضبط املنهجي في النظر ,وأيثر من ذلك قد يكون ً الضبط متحدا ,فيتوقف املعنى على الخلفية املعرفية التي يتمتع بها كل
حديث مع اذلات
ينتمي إليه ,حتى إن اثنان ضمن حقل معرفي واحد وضمن إذن زاوية نظر
واحد منهما.
ً القرآن طبعا فيه إشارات إلى كل مجاالت الحياة ,فهو يعالج الحياة منشبكة بكل تعقيداتها .القرآن يعالج الحياة وحدة واحدة يما هي ,يما أنه يصر على أن يعالج اإلنسان وحدة واحدة من غير انفصام ,ومن هنا قدرته الترييزية التكثيفية الهائلة التي من الصعب مع محاولة بعضنا االستهانية تفكيك هذا الترييز بمفك براغي يما نفكك أي آلة ,هذا مستحيل فاألمر ً أصعب من ذلك بكثير ,ولذلك ال يمكن لحزب أو طائفة أو مفكر كائنا من
6
كان أن يزع احتكار إضاءة النص القرآني وحده ,هذا جاهل ومغرور, لذلك هذا الكتاب هو يتاب األم وليس يتاب هذه األمة ,وهو يتاب األزمان ,وليس يتاب هذا الزمن ,يتاب كل أي وآن ,وهذا معنى أنه يتاب ً ً رباني وليس يتابا بشريا. ولو جاء إنسان متخصص في عل االجتماع ,وآخر في التاريخ ,وثالث في االقتصاد وقرأ كل منهما آية من زاوية نظر اجتماعية أو زاوية نظر
حديث مع اذلات
اقتصادية فستختلف الداللة ،يما أنه بحسب الخلفية املعرفية الثنين ً ينتميان إلى حقل معرفي واحد والضبط املنهجي متحد لديهما أيضا ستختلف الدالالت القرآنية لديهما ,إذن قالوها وفعلوها واختلفوا ,هذا ً وضع صحي وطبيعي تماما ,الوضع غير الصحي وغير الطبيعي أن يأتي أحد ما ليزع زاوية نظره هي الزاوية الوحيدة الجديرة باالعتبار ,ث يزع بعد ذلك أن الدالالت التي توصل إليها وحدها هي الجديرة باالعتبار ,هنا نكون قد دخلنا في العنف واالستبداد الفكري الذي هو قاعدة لكل استبداد, فحتى الزعماء األغبياء األميون في العلوم السياسية ه عند أنفسه فريدو عصره ليس مثله أحد ,ألنه أينما وجد مستكبر طاغية مباشرة يوجد من حوله طائفة من أهل النفاق وامللق يفهمونه أن هللا عز وجل ل
7
يخلق له ثان ,فهو في جمال يوسف ,وفي حكمة لقمان ,وفي ذكاء أرسطو, وفي عظمة اإلسكندر ,إذا هدر بكالم ليس له معنى ,قالوا خطاب تاريخي,
إذا أصدر أوامر سبهلل ,قالوا توجيهات سامية ,وهكذا يبلع هذا املسكين هذه الكبسولة من النفاق ,ث بعد ذلك من يثرة ما يكذب عليه يصدق ً الكذب ,وه أيضا يصدقون يذبه ,هؤالء الكذبة ,جماعة الهتافة الذي لو وجد اآلن منه في هذا الغرب املستنير -بال شك -ملا كان له إال أن ً يحجزوا في مصحة األمراض العقلية ,هل تتصورون مثال أن يخرج البعض ليهتف لهانز فيشر رئيس البرملان "بالروح بالدم نفديك يا فيشر" مباشرة
املجانين مجموعة من الهتافة؟! ما الذي حصل ,وما الذي يحصل ,هكذا يفعل بأمة؟! وال تستحق أمة أيثر ً من هذا فقد وعيها الجمعي .ل التشاكي ,ول التباكي؟! إن فهما يهذا
حديث مع اذلات
سوف يت إبالغ السلطات ويقبض على هؤالء ليوضعوا في مستشفى األمراض العقلية ,فهل نحن أمة حك عليها بأن تكون مجموعة من البله
يعطينا بعض الراحة ,ليست راحة الجهل واالستقالة من الوعي واستخدام الفكر ،بل إنها راحة معرفة الحقيقة وبالتالي فك السر عن هذا الواقع املسحور .بعض الناس يظن أن حكمة وقدر هللا قد سد األفق أمام هذه ً ً األمة ,أبدا حاشا هللا! إن هللا أعدل وأحك أن يجعل األفق مسدودا أمام ً أمة من األم ,فضال عن هذه األمة ,إن هللا يفتح أمام األمة أفق واسع وفسيح ,لكن املشكلة أنه ال توجد عيون قادرة على أن تلتقط سعة وعمق هذا األفق ,ألنها تنظر مباشرة إلى مواطيء أقدامها.
8
ً ً نحن نتكل ونتكل ,ال نتكل ترفا وترويحا ,نتكل في محاولة ألن نعي ,ألن البداية بحسب البيان القرآني هي الوعي ,فيجب أن نعي وبالصيغة السليمة ألن هذا الوعي ستكون كل النتائج والعواقب مشروطة به ,فأول خطوة وعي صحيح نضعها في الطريق الصحيح تعني أننا وصلنا ولو بعد مائة سنة ,ما ل نضع هذه الخطوة األولى في الطريق الصحيح فسنظل نراوح في مكاننا ولو مئات السنين.
حديث مع اذلات
إذن ملاذا الوعي؟ ألنه -ويما قال القرآن -هو البداية الصحيحة .املشكلة أن ً وعيننا في هذه الشئون بالذات يمسلمين والبشر عموما -لألسف الشديد- وعي مهزول ،فإلي اليوم ال يمكن أن يقال التطور الحاصل في العلوم اإلنسانية ,وهي التي تهمنا في هذا املقام ،هي الته أمة محمد كلها ,فاآلن أمة ً محمد كلها أصبحوا أطباء ومهندسين وتكنوقراط ,أبدا ستبقي مكانها, فاألمة تحتاج إلى وعي آخر ,وعي ييف تصوغ التاريخ ,ييف تدير سياسة الشعوب ,ييف تنهض بهذه األمة من التخلف إلى التنمية الحقيقية ,هذا ال يقدر عليه التكنوقراط ,يستطيعه مفكرون ضليعون في هذه الشئون, ً ونحن فقراء جدا في هذه الشئون ,فكل ما طوره العربي املعاصر في هذه ً الشئون قريب جدا من الصف ,فالعال كله ضعيف في هذه الشئون وإن
9
كان أقوى منا ,والدليل على ذلك قول العال سكنر في يتابه "ما بعد ً الكرامة والحرية" لو قدر أن أرسطو بعث حيا من قبره اآلن وطلب إليه أن
ً يشارك في نقاش في السياسة مثال ,فإنه سيشارك في هذا املضمار باقتدار ً جيد جدا ،أرسطو يستطيع أن يقارع يبار علماء االجتماع ومنظري ً السياسة املعاصرين ولن يظهر جاهل يثيرا أمامه ,لكن أرسطو لو جاء ً ليناقش طفال في الصف الخامس االبتدائي في عل الفيزياء أو الكيمياء ً ً سيظهر فقيرا جدا ومشوه التفكير واملنهج ,ألن العلوم التطبيقية تطورت ً ً ً ً تطورا سحيقا جدا ,لكن علوم اإلنسان ال زالت يسيحة وتحبوا حبوا, ً وحظنا نحن منها بخس جدا ,وإن ظهر نبوغ أو اجتهاد في هذه األمة ال يوجد العلوم التي تدر املال فقط ,وتبقي األمة بال وعي حقيقي وال تستطيع أن ً ً تصنع وتبلور وعيا حقيقيا ,هذه هي املأساة وال بد أن نلتفت إليها.
حديث مع اذلات
وال يستثمر وال يوظف في هذه العلوم التي تحتاجها األمة ,بل يوظف في
لقد قال أخ حبيب منذ أيام ,وهو ما جعلني أعد هذه الخطبة ,ل ال نقول: ً ً ً لو أن هللا تبارك وتعالى يسر لنا حايما قويا ,ولو كان مستبدا لكنه عادل وسيفرض الحق والعدل على الناس ,أال يختصر لنا املراحل؟! قلت له :يال. ً ال أؤمن به وأرفضه بداءة مثل هذا الحاي ,قال لي ملاذا؟ قلت له :أوال هل ً نضمن أن هذا الحاي لن ينقلب على نفسه ليعود جبارا ,ليعود رمسيس, ً ليعود إيفان الرهيب؟! قال لي ال أضمن ,قلت له هذا يحدث دائما ,ألنك تراهن على ضمير شخص ي ,ضمير ينشد العدالة ويقدس املثل الكريمة, ً هذا الضمير ال وثاق فيه ,وقد فه الغربيون هذا الدرس تماما وقالوا ال
10
ثقة في اإلنسان ,فأنا يمجتمع على أن أقي رقابة صارمة تقل أظفار كل من تسول له نفسه أن يخرج على القانون واملباديء. صاحب يتاب "دستور إنجلترا" في القرن السابع عشر يتب يقول بالحرف, إن الشعب محمي ومضمون من ظل حكومته ,ألن هذا الشعب ل يعط ثقته للحايمين ,وإنما أعطاها للذين يراقبون هؤالء الحايمين ,ونحن اآلن ً طبعا بصيغة إسالمية نراهن على صاحب الضمير الحي ,نريد الشيخ ّ صاحب اللحية التقي البكاء الصوام القوام العفيف األمين .جميل ،ولكن
حديث مع اذلات
قد ينقلب هذا الشيخ في ليلة واحدة ,فال أمان لإلنسان ,كل أمانته وإيمانه ً هذا عند هللا في ميزان حسناته وال يهمني يثيرا ,الذي يهمني أن يكون لديه النصاب والحد األدنى من اإلسالم وااللتزام والوعي والقدرة على عمله ,أي ً ً ً أن يكون "قويا أمينا" باالصطالح القرآني ,ث بعد ذلك يخضع للرقابة أيا كان. عمر بن الخطاب حتى يون الصحابة صحابة ,ل يقل هؤالء أصحاب محمد وقد زكاه القرآن ,وه مؤمنون ,ول يعتقد عصمة الصحابة ,كان يولي صغار الصحابة حتى إذا أخطأ أحده صفعه ,وقد صفع مرة أبا موس ى األشعري أمام الناس ,كان يضع صغار الصحابة ,ث يحسن عليه الرقابة ,فقد كان لعمر جواسيس على الوالة يقول أحد املؤرخين ,كان له
11
على كل عامل عين ال يفارقه في حل وال في ترحاله ,ولذلك أخبار والته
وعماله األبعدين منه تصله يأخبار األدنين ,وكان يقول إن أهون ش يء علي ً أن أبدل الناس واليا بوالي ,ولذلك صادر أموال أبا هريرة وعزله من عمله وأقعده في بيته ,وصادر أبا موس ى ث أعاده إلى الوالية ,وصادر سعد بن أبي ً وقاص أيضا وعزله عن البصرة ,وكان يقول :إن لي على كل عامل عينين الطين واملاء ,ما معنى هذا؟ هذا له قصة وهي أن عمر كان يسير مرة فرأى ً بيتا يبنى بالجص واللبن ,فقال ملن هذا؟ قالوا لفالن عاملك على البحرين, فأتى به فعزله وصادره ,وقال هذه العبارة املال البد أن تظهر أنيابه ،كانت سألني أحد األخوة مرة بعد أن تكلمت في هذا السياق ويمثل هذه املنهجية, فقال :ما الذي تقول؟ إذن من سنؤمن؟ لو وضعناك أنت علينا .قلت :إذا
حديث مع اذلات
هناك رقابة حتى على أصحاب محمد.
وضعتني البد أن تضع احتمال %08أنني يمكن أن أخون ,يمكن أن أتحول إلى فرعون ,لقد تعلمت وعلمنا درس التاريخ ,وأنا لست استثناء .مشكلة هذه األمة أنها مجموعة من االستثناءات أفرادها استثنائيون ,أحوالها استثنائية ,ظروفها استثنائية ,كل ش يء فيها استثنائي ,ولذلك ال يحكمها ال ً التاريخ وال الشرع أيضا. قوانين التاريخ ال تسير علينا ألننا أمة استثنائية ,فإذا طالبنا بأي ش يء حتى بالحرية ,وبالديموقراطية .قالوا :ال ،لنا ظروف استثنائية ال تسمح في هذه املرحلة بالحريات ,هللا أيبر! إذن تسمح بماذا؟! تسمح بأن نولد في قرى
12
يلبسون لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ويصنع غيره .قرى في حالة يسوف وخسوف حضاري وفكري واجتماعي وثقافي ,هكذا يولد الواحد منه ويموت في ظل قوانين الطواريء ,وال يخبر ولو ملرة واحدة معنى الحلة الدستورية ,ما هذا ,أين نعيش ,في أي زمان؟! ث نعتب على اآلخرين إذا نظروا إلينا باحتقار ,وهللا له الحق بأن يحتقرونا .إيمانويل كانط الفيلسوف األملاني النقدي الكبير يقول :إن أمة ال تشعر وال تقدر قيمة الحرية ال تستحق الحرية.
حديث مع اذلات
عجبت لسؤال طرح في االنترنت على أيثر من مفكر إسالمي :أيها أولى تطبيق الشريعة أو الحرية؟ السؤال في نظري نصف جريمة ,ال ينبغي أن يطرح في الوعي اإلسالمي سؤال يهذا ,يجب أن يكون مقطوع به لدينا أن ً ً األولية دائما وأبدا لإلنسان ,وأولوية أوليات اإلنسان الحرية ,الحرية قبل الشريعة ,قبل اإليمان ,قبل الكفر ,قبل أن ش يء ث بعد ذلك هللا ال يخاف من الحرية ,القرآن ال يخاف من الحرية ,أهل الحق وحملته ال يخافون من الحرية ,الحرية هي كل ما نريد,ألن هذه الحرية هي الضمانة الوحيدة وهي املعيار الوحيد الذي سيفرز الحق من الباطل ,والصالح من الطالح ,ففي غياب الحرية -ولو أعطينا األولية لتطبيق الشريعة أو أي ِش يء آخر -ماذا الذي سيحصل؟ بعض الناس قد يكفرنا ويقول ييف تقدم ش يء اسمه
13
الحرية وهو مصطلح غربي على شرع هللا فشرع هللا هو الذي سيعطي
الناس الحرية .مسكين هذا! إنه ل يفه يما قلنا أي درس من دروس التاريخ ,فالذين طبقوا شرع هللا من األمويين والعباسيين والعثمانيين ً ً واملماليك واملعاصرين أيضا قد قتلوا العلماء بهذا الشرع ,وبشرع هللا أيضا قتلوا األئمة وأذاقوا األمة لباس الجوع والخوف ,أليس يذلك؟ هؤالء الذين طبقوا الشريعة ل يرضوا إلمام مثل أحمد بن حنبل أن يبقى ً ً وادعا ,قد كان مهادنا وله جمل وعبارات صريحة في عدم معاداة السلطان ووجوب طاعته وعدم الخروج على السلطان مهما فعل وإن أخذ مالك األمية -في عقله موال يحب أن يغنيه ,وهو موال خلق القرآن ,ما دخل ً املأمون بخلق القرآن؟! إنها مشكلة من قرأ فيها أحيانا آالف الصفحات ل
حديث مع اذلات
وجلد ظهرك ,ومع ذلك ل ينج أحمد بن حنبل ,ألن السلطان -يما يقال في
يفهمها على وجهها ,مشكلة في منتهى التعقيد الفلسفي والكالمي ,ييف يريد هذا املأمون أن تصبح هذه القضية قضية العامة ,ليست قضية العامة, حتى الخاصة أيثره ال يحتاجونها ,وقد فقد اإلمام املسكين يرامته وجرد ً إال من سرواله وضرب مائة وعشرين سوطا ,إمام يحفظ مليون حديث من أحاديث املصطفى صلوات ربي وتسليماته عليه وآله وأصحابه يعذب من أجل أن املأمون يريد أن يغنى هذا املوال ,ولذلك ال توجد حرية اجتهاد وال حرية رأي ,فلو تقرأون يتب التاريخ املعتمدة ،تلك الكتب التي سيرها ً املأمون إلى والته يأمره بقسر العلماء واألئمة قسرا على هذه العقيدة،
14
وحينها كان املأمون ينطق باس هللا وباس الدين والشرع واعتبره زنادقة خارجين على هذه األمة الذين ال يقولون بهذه العقيدة كل هذا حدث باس الشرع. لذلك األولوية يجب أن تكون للحرية الحقيقية وفي ظل الحرية الحقيية فالحق ال يستوحش ,والعقل سيأخذ مداه ويتفتح إلى آخر مشواره, وسيتميز الحق من الباطل ,لكن إذا غابت هذه الحرية سيحصل قبض وبسط ,ضغط وتفريج ,طي ونشر ,وسنرى في شخوص املجتمع وقيادات
حديث مع اذلات
املجتمع على جميع املستويات والظاهرات االجتماعية واألحداث االجتماعية بانوراما كاريكاتورية بفعل القبض والبسط. من أراد أن يفه سر آلية القبض والبسط في غياب الحريات ,فليفكر في الغاز إذا ما ُسلط عليه ضغط ,يمية يبيرة من الغاز يمكن أن تمأل مثل هذه الساحة عشر مرات بالضغط قد يستحيل إلى ثالث أو أربع قطرات من السائل .فقط هكذا تطحن األمة وتقزم العقول واألفاق والقدرات لكن آلية النشر واملد في حدود الحرية الحقيقية ,وهي آلية فاعلة للجميع ومع الجميع ,ما الذي يحصل؟ قطرات العطر البسيطة الغازية ال يظهر لها أي فعل وال أي أثر حتى إذا فتحت وأعطيت حريتها فاحت عبيرها في مساحة يهذه أو ربما أيبر أو أصغر يظهر أثرها ,وهكذا تظهر ثمار العقول
15
وإيجابية اإلنسان ,قدرة اإلنسان على العطاء ,على النقد ,على البناء ,على
املساهمة في إدارة مجتمعه وبناء حضارته .لذلك األولوية الحقيقية للحرية.
ً بعض الناس أيضا ال يستوعب ويقول :نحن ينبغي أن نكون اعتقادين,
فالحق معنا ,والقرآن بين أيدينا ,والسنة رهن إشارتنا فلماذا ال نقسر ً ً الناس عليها قسرا؟! وهذا أيضا ل يستوعب مقدمة الخطوة ,وأقول له: أي حق الذي معك ,حق السني ,حق الشيعي ,حق العلماني اإلسالمي ,حق اليسار اإلسالمي ,حق صاحب التفكير الخارجي ,صاحب التفكير الجهادي,
واملجتمع لخصها هللا بقوله "يذلك زينا لكل أمة عمله " .إذا أردت أن
حديث مع اذلات
حق الذي قزم الدين ويدعى أن هذا هو دين هللا تبارك وتعالى ,أي حق؟! ً ً هذا أيضا ل يستوعب حقيقة قرآنية خطيرة جدا ولها أثر يبير في التاريخ تستند إلى منطق الحق بطريقة اعتقادية ضد منطقية ,إذن فاليهودي, يعتقد حقانية ما هو عليه بنفس الكيفية ,والنصراني والبوذي وامللحد ً ويموتون أيضا من أجل أفكاره في مثل هذه األوضاع ,ما الذي سيحصل؟ اقتتال حتى النهاية ,وقد صدق الفيلسوف الفرنس ي جان جاك روسو حين قال" :ليست جنة ,وال يمكن أن تكون جنة تلك التي يقاد الناس إليها بالسالسل" .إذا كانت جنة ,فال يمكن أن تكون جنة باغتيال حريتي ,دع لي حريتي حتى أدخل هذه الجنة وأجرب ,إنه تفكير سلي ! إذن فلتكن األولوية للحرية ,ولو فعل اإلسالميون هذا ووعوه قبل نصف
16
قرن لوفروا علينا وعلى أنفسه مأس ي وعذابات وأثمان فادحة دفعت وما زالت تدفع ,لو فعلوا وقدروا أن رسالته ودعوته وأن أولويته هي الحرية, ليست له فقط ,بل للجميع وهذا روح قرآني ,ث بعد ذلك نعمل على قدم املساواة ويما قلنا سيتميز املحق من املبطل وسنأخذ فرصتنا يا ليت لكن هذه خطوة لألسف اآلن ينبغي أن تستدرك ,هذه هي املسألة. نعود ..قلت لهذا األخ :هل تأمن إذن أن ينقلب هذا الرجل عليك في
حديث مع اذلات
منتصف الطريق؟ قال :ال ,قلت إذن ملاذا تريد هذا املستبد العادل؟ ,أراد ً هذا الرجل املستبد العادل يأنه كان متأثرا بكلمة اإلمام محمد عبده الذي ً ً قالها محبطا وبائسا من السياسة ,فقال في آخر حياته ,من للشرق بمستبد عادل ينجز في خمس سنين ما عجز املصلحون والدعاة واملربون والعلماء في عن إنجازه في خمسمائة سنة؟ ,يال .ال يمكن .ث قلت لهذا األخ الفاضل: عمر بن عبد العزيز كان هذا الرجل الذي تريده بفارق واحد ,وهو أنه ل ً ً ً ً ً يكن مستبدا ,كان عادال ,كان منصفا ,كان تقيا ورعا ,وحمل الناس في سنتين وأربعة أشهر على العدل واإلنصاف من غير استبداد ,قال :إذن نجح ,قلت له :ل ينجح ,قال ملاذا؟ قلت :أول من دفع ضريبة هذا العدل ً هو عمر بن عبد العزيز نفسه ,وهو أنه مات مسموما ,فجريمته العدل, ً فقد كان مجرما في حق الظلمة ,في حق الذين ربطوا مصالحه باألوضاع
17
املنصرمة ,هؤالء كان جريمة ابن عبد العزيز عنده هي عدله وإنصافه
فقالوا فلنتخلص منه فدسوا له الس ,فمات من ليلته رضوان هللا عليه, أين العبرة؟! العبرة أن األمة بعد ذلك مباشرة تقبلت اآلتي الجديد يأنه ً ً ً حفيد طبيعي ,وهو ل يكن حفيدا ال طبيعيا وال شرعيا لعمر بن عبد العزيز ,هذا من عال وهذا من عال ,هشام بن عبد امللك ,وهكذا عادت ً األمة إلى سابقتها ويأن عمر بن عبد العزيز ل يفعل شيئا. السؤال اآلن الذي ينبغي أن نطرحه ,ملاذا وافقت األمة على هذا؟ هذا هو ً السؤال الذي نريد بالجواب عنه أن نقول ما نحب أن نقوله دائما ونعيد واعية ,هذه األمة التي تنش يء وتبلور وتخلق من ضمانات الرقابة ما تقل به أظفار كل من تسول له نفسه أن يخرج عن مصلحتها ومبادئها ودستورها
حديث مع اذلات
فيه ألن الرهان ليس على حاي صالح أو غير صالح ,الرهان على أمة
وشرعها ,لذلك ستقوم األمة بدورها املطلوب في اللحظة الحرجة واملناسبة ولألسف سنتان ونصف السنة ل تكن كافية ألن يقوم الراشد الخامس برفع مستوى وعي األمة إلى الدرجة الكافية ,لذلك عادت األمور يما كانت ً ويأن شيئا ل يكن. لتعميق هذا املفهوم سأنزل درجة وأوضح لكن بأمثلة ,في باطن كل واحد منا يبشر غول رهيب ,سفاح ,جبار عتيد" ,ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها" بدأ بالفجور ,ث التقوى ,هذا موجود وهذا موجود وهذا املجرم موجود ,وهذا املصلح الواعي املثقف موجودن لكن املجرم يخرج
18
بشرط واحد وهو أن يستل مفاتيح قوة مطلقة من غير رقابة ليستحيل مباشرة في أي إدارة وفي أي شرية ،في كل مكان ,فراش خدام ,إلى ديكتاتور يبير ,أعطه مفاتيح القوة من غير رقابة وسوف ترى ييف يتحول إلى إيفان الرهيب ,أو ستالين أو هتلر أي واحد من هؤالء. كان هناك منظر اشمئز منه وأنا صغير وأغضب ,سائق التايس ي هذا كان
حديث مع اذلات
يقف في الساحة يتوسل إلينا أن نريب معه وال نريب مع غيره ,حتى إذا ايتمل النصاب وريب سبعة من الركاب السيارة استحال هذا الذليل ً ً الخسيس فرعونا جبارا ,يصرخ فيقول :أغلق الباب وأربطوا األحزمة بصياح وجبروت ,وينت استغرب ما الذي حول هذا إلى فرعون في لحظة, إنها السلطة ,سلطة أنك في سيارته وسيقودك ويتحك فيك ,ييف لو ً ً أصبح رئيس وزراء هذا؟ ييف لو أصبح رئيسا أو ملكا؟! هذه حقيقتنا ,هذه حقيقتي وحقيقتك ,ومن هنا املشكلة ,املدرس هو رب على تالميذ منكوبين به ,وجربنا ييفية األرباب من البشر ,اآلن بان لك ً ً ووضح ملاذا نصت اآلية في أول الخطبة "أال يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون هللا" .إن اإلنسان يما الحظ أبو حامد الغزالي في يتابه "إحياء علوم الدين" ,وقد سبق برتراند راسل الذي كان يؤرقه هاجس السلطة والفرد,
19
وهاجس تأله هذا الفرد ,لقد سبق راسل بمئات السنين ,حيث قال :إن في ً كل نفس بشرية منزوع إلى التأله كل واحد فينا يمكن أن يصبح إلها ولو
ً مصغرا ,مثل آلهة األوملب ,وقد قال برتراند راسل نفس الش يء في يتابه "الفرد والسلطة" :إن كل إنسان ينطوي على رغبة جامحة إلى أن يصبح ً إلها من آلهة األوملب ,فال ثقة في هذا اإلنسان يما قال ديكارت. لنرجع إلى مرجعيتنا ,إلى هذا الكتاب العزيز العجيب الذي نريد أن نضيئه من زاوية جديدة ,اقرأوا كلمة اإلنسان باملطلق ,ال مسل ,وال كافر ,ال ذير, ال أنثى ,ال عرقي ,اإلنسان باملطلق ,ال يمكن وال في أي موضع من الكتاب أن
اإلنسان ما غرك بربك" في كل يتاب هللا ال تذير كلمة اإلنسان إال بهذه
حديث مع اذلات
تجد مدح اإلنسان بعنوان اإلنسانية .إذا قال هللا "اإلنسان" ستجده على ً الفور مذموم" :إن اإلنسان خلق هلوعا" " :قتل اإلنسان ما أيفره" "إن ً ً اإلنسان لظلوم يفار" ,وحملها اإلنسان إنه كان ظلوما جهوال"" ,يا أيها الطريقة ,طريقة الذم ,طريقة ذمه وذم طبائعه السوء ,إذن القرآن كافر ً باإلنسان؟! ال ،ليس كافرا باإلنسان ,ألن هناك استثناء وحيد والتاريخ ُ يؤيده والواقع يؤيده ,فاهلل دائما يقول هكذا هو اإلنسان "إال الذين آمنوا" ليس إيمان أيدلوجيات وال إيمان عصبيات ,إنما اإليمان الحقيقي الذي يعطي اإلنسان حجمه الحقيقي بإزاء رب العاملين ,يعطي التراب حجمه بإزاء رب األرباب ال إله إال هو ,ومن هنا قال أحد العارفين باهلل, الشيطان ملا تهدد وتوعد قال ث ألتينه من بين أيديه ومن خلفه وعن إيمانه وعن شمائله وال تجد أيثره شايرين ,ل يقل الشيطان ومن
20
فوقه ومن تحته ,ملاذا؟ قال هذا العارف باهلل :ألن من عرف مقامه األدنى ً من مقام ربه األعلى ل يكن للشيطان عليه سبيال ,ودائما البد أن تنظر بهذه العين. أقبح ش يء يقبح به اإلنسان هو الكبر والغطرسة ,فكيف إذا صار الكبر ً ً ً ً ً ً والغطرسة استبدادا وطغيانا وتألها وظلما وسفكا للدماء واعتقاال ً للحريات؟! لذلك فإن هذا اإلنسان من غير معادلة اإليمان ال يساوي شيئا,
حديث مع اذلات
إنه ش يء مكفور به ,إنه ش يء ال يوثق به حتى مع معادلة اإليمان ,تلك ً املعادلة الباطنية التي ال يستطع تقويمها حقا إال رب العاملين ,فيبقى ً اإلنسان فيما يظهر أيضا في خانة عدم املوثوقية ,وييف يثق بعضنا ببعض؟! نثق في بعضنا من باب املجامالت فيما يظهر ,لكن كل ش يء مفتوح على احتماالت يثيرة ,ولقد وجدنا األخ يخون أخاه ,األخ األصغر الذي رباه أخوه األيبر وصرف عليه وعلمه ,ث يهتك عرض أخيه األيبر هذا ,قصص واقعية في عال العرب واملسلمين ,أين الثقة؟ ولذلك إذا كان هذا الفرد ال يوثق وال يؤتمن على عرض ولي نعمته ,أيوثق على مقدرات أمة على مصير أمة وعلى مستقبلها؟! إال أن تكون أمة من الهبل واملجانين ,لكن أمة من الوعاة واملدريين ال يمكن ,ولهذا هذا االقتراح الذي يأمل فيه هذا ً ً األخ وأمثاله بأن يرسل لنا هللا مستبدا عادال يفرض علينا الحق والعدل
21
مرفوض مبدأ ومنتهي لألسباب التي ذيرنا.
ً إذن أخيرا على ماذا يكون الرهان؟ نراهن على ش يء واحد وهو الوعي ,وهذا الوعي يأخذ طريقه إلى الجماهير ,كل ما نريده هو نصاب أدنى من الوعي, وهذا الوعي هو الذي سيرتق فتوق الواقع .بعض الناس يقول من الصعب ً جدا أن أشعر بحرية ل أعشها ,هذا صحيح وأنا أوافق عليه ,من الصعب ً ً جدا أن تعرف قيمة ش يء ل تعشه ,لكن يمكن للوعي أن يسد مسدا في هذا الباب ألن الوعي يفتح أفاق الخيال ,والخيال صفة من صفات اإلنسان ال يتمتع بها الحيوان ,هذا الوعي يمكن أن يلعب في خيالك ليسد فتوق هذا األه من ذلك هو تربية األجيال الناشئة .إذا نشأ الطفل الصغير في أسرة وفي مدرسة ،أي في مناخ يعلمه ما هي الحرية وييف تكون الحرية ,والبداية
حديث مع اذلات
الواقع املريض هذه واحدة.
تكون باحترام هذا الطفل ,باحترام شخصيته وتساؤالته ورأيه منذ البداية. أحد العلماء املربين الغربيين الكبار في القرن العشرين ,بعد تفكير واجتهاد وجد أن السبب في وجود ظاهرة البشر املطواعين والبشر املستبدين -أن يكون اإلنسان مطواع فقط ،يطيع واآلخر فقط يصدر أوامر -هو نمط التعلي الصارم الذي يفه املتعل واملعل كليهما أن عالقة بين آدميين ,بين إنسانيين ال تعدو أن تكون عالقة مصدر األوامر ومنفذ األوامر" :ايتب ً ً حل ،ما هو الجواب؟" طريقة عقيمة جدا ،بالعكس ال ّبد أن تتخذ أسلوبا في التربية والتعلي يقوم على املحاورة واستفزاز الرأي واملعارضة ,وبعد
22
ذلك بطريقة املقارعة يمكن أن نتوصل إلى أفكار جديدة ,إذن البد أن تختلف طريقة التعلي ,ومن هنا أشعر بغضاضة ,بحك هذا الدور الذي يتب على أن أؤديه ,بغضاضة من هذا األسلوب املنبري ,من هذه األلفاظ ً التي أقع أحيانا ضحية لها مثل "اعلموا عباد هللا ..افهموا عباد هللا" هذا ً أسلوب س يء جدا ,ال يمكن بهذه الطريقة أن تخرج أمة من األحرار ,من املستقلين.
ً ً الشعوب تنكب بذراعها العسكرية سواء داخليا وخارجيا إذا ساقها إلى
حديث مع اذلات
حروب تدمر ثروات الشعوب وتزهق نفوس شبابها وأبنائها ,وهذه الحروب ً يما قيل في التاريخ هي تسلية امللوك ,وطبعا في الداخل معروف ماذا تفعل هذه الذراع الطويلة مع غياب حس املسئولية الفردية ,إنك مسئول ,أمام ً املجتمع مسئول ,أمام التاريخ مسئول ,أمام ضميرك مسئول ,غدا بين يدي ً هللا أنت مسئول ,كل واحد منا ُيسأل غدا بين يدي هللا ,ليس عن صالته وزكاته وصيامه وحجه وتربية أبنائه وحسب ,بل عن قضايا هذه األمة, قضية فلسطين ,وقضية العراق ,وقضية الشيشان وقضية األمة وقضية ً اإلسالم .مسئول عن كل هذا ,والقرآن يقول هذا لكن بطريقة معمقة جدا, والنبي قاله بأساليب واضحة لكن نحن ما تربينا بهذه الطريقة ,ما تربينا ً ً ً حقيقي يترج هذا الوعي ,إننا فعال ينبغي أن نشعر بحس لكي ننجز عمال
23
املسئولية الحقيقية.
الفيلسوف املسل الكبير رجاء جارودي يقول أنه مع غياب الشخصية املستقلة ومسحة التفكير تت الكارثة ,لذلك نحن نحتاج مسحة من التفكير ,وإلى درجة دنيا من الوعي ،وليس املقصود يثرة املعلومات ،ليس يثرة الكتب التي تقرأ ,إنما الوعي يعكس منهجية صادقة صحيحة في ً التفكير ,والوعي ليس حدثا ال زماني ,الوعي عملية ومعنى يونه عملية أنه عملية ممتدة متصلة نابضة حية ,ولذلك قد تكون اآلن تتميز بالوعي بإزاء
حديث مع اذلات
قضية معينة ,لو بقي وعيك هذا في إطار الالزمانية سيصبح بعد قليل ً جهال وعمى ,وإذا استمر بشكل صيرورة نابضة حية متابعة للشروط ً ً واملتغيرات سيبقى وعيا ,وسيضخ وتصبح لديه قدرة على أن يبرز دائما ً ً مقترحاتا وحلوال جديدة ,وعلى أن يوايب التغير بعين فاحصة وناقدة .هذا هو الوعي ,لذلك املسألة تحتاج إلى تعمي نصاب أدنى من الوعي ,والبد من لعب ورقة التربية ولتكن البداية في األسرة ,أقول قولي هذا واستغفر هللا لي ولك فاستغفروه إنه غفور تاب رحي . الخطبة الثانية الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعل ما تفعلون ,ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيده من فضله, والكافرون له عذاب شديد ,وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له, ً وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ,صلى هلل تعالى عليه وعلى آله
24
الطيبين وصحابته املجاهدين وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسل ً ً تسليما يثيرا. "اقرأ باس ربك الذي خلق ,خلق اإلنسان من علق" .قراءة التاريخ والخلق والطبيعة والكون "اقرأ وربك األيرم" هذه هي تتمة املعادلة ,على قدر الوعي ,على قدر القراءة ,على قدر التواصل مع هذا الوجود ومع التاريخ ً أيضا يكون يرم هللا تبارك وتعالى ,يكون عطاء هللا ,ربط القرآن الكري الكرامة والكرم والعطاء بهذا الش يء قال تبارك وتعالى" :ولقد يرمنا من بني
حديث مع اذلات
آدم" ما هي مظاهر التكري ؟ "وحملناه في البر والبحر ,"..تريد أن تحمل ُ ُ يما ُحمل هؤالء الغربيون ,تريد أن ترزق ,تريد أن تعز؟! عليك أن تقرأ وربك األيرم ,هذا هو البيان القرآني األول ,سورة العلق. ويما قلنا هذه كارثتنا املتكررة ,ث قال" :إن اإلنسان ليطغى أن رآه استغنى" تريد أن تعرف سبب الطغيان باملعنى الديني ,باملعنى السياس ي, باملعنى االجتماعي ,باملعنى اإلداري؟ هذا هو السبب األول "أن رآه استغنى"،
25
ويوم يكون لنا حكام يحتاجون إلينا وال يقعون في وه االستغناء عنا ,يوم يحتاج الحاي إلى أصواتنا في صندوق االنتخاب لن يطغى علينا ,سيبقى ً ذليال في خدمتنا وفي مصالحنا ,وقد رأيته في درس الواقع ييف أن جيرهارد شرودر املستشار األملاني جسر ألول مرة بعد الحرب العاملية الثانية على أن يقول ألمريكا "ال" .شرودر بذاته أضعف بكثير من أن يقول ألمريكا "ال"
ألنه ال يستغني عن أصوات األملان ,واألملان قالوا ألمريكا "ال" فاضطر أن يقول هو "ال" .يجب أن نفه هذه املعادلة ,لذلك أصواتنا لها قيمة ,وهنا الشعور باملسئولية الحقيقية ,البد أن نفكر بهذه الطريقة الحضارية حتى نستطيع أن نتقدم ,لكن طريقة الهبر والنبر وضربة واحدة تأتي على كل ً ش يء صدقوني بنفس الضربة أيضا ستأتي على كل ما أنجز. ث قال هللا تبارك وتعالى في األخير "يال ال تطعه واسجد واقترب" ويوم تبلى بفرعون صغير أو فرعون يبير يريد أن يضع العص ي في دواليب العمل تغافل عنه ث أيمل الطريق الذي تسير فيه ,قال ال تطعه واسجد واقترب واستعن باهلل ,استمد القوة من هللا وتغافل وستكون العاقبة للعاملين ال ً للهدامين .وهذه صيغة ممتازة جدا لخصها القرآن في كلمتين "ال تطعه
حديث مع اذلات
ودواليب الحرية ماذا تفعل؟ هللا قال ال عليك من املناوشات السخيفة,
واسجد واقترب" ,وقد قال البواتيه لكل املخاطبين خاصة الشعوب األوروبية" :إن نيل نعمة الحرية أسهل مما تتخيلون" ,فكأنها لفرط سهولتها ال يستطيع الناس أن يغتنموها ,ال أطلب منك مصادمة الحكام وال الثورة املسلحة ,يكفي فقط أال تستجيبوا له ,ال تعطوه ,ألنه باملال الذي تعطوه إياه يقوون عليك ,ال تساعدوه ألنه بأيديك يضربونك يونوا فقط سلبيين مثل مقاومة غاندي لإلنجليز يقول البواتيه :سوف يسقط هذا الصن الكبير.
26
ً الحاي الطاغية هو تمثال يبير جدا من نحاس ,من برونز لكن بقدمين من طين أو عجين أو ملح حتى أو ثلج ,كل ما هو مطلوب أن تضرب هاتين القدمين ,ما هما هاتان القدمان؟ ه املتملقون ,املستضعفون ,املنافقون حذاء السلطان .ويكون ضربه بالوعي ,لكن أين هو الوعي إذا ينا نجعل ً ً من حذاء السلطان ربا صغيرا ونريع آللهة كاذبة ,فنحن حتى نكاد نريع أمام
حديث مع اذلات
بواب ضابط مباحث لعله يتوسل لنا ,بمثل هذه الطريقة وبمثل هذا االستخزاء سيبقى الصن قائ على رجلين من عجين ،لكن يما يقول ً البواتيه يوم تقع هاتان القدمان سوف يخر سريعا تحت ثقله الذاتي. ً مثال كلمة خبيثة اجتثت من فوق األرض ما لها من قرار" أقول "وضرب هللا هذا القول واستغفر هللا لي ولك . الله إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ,هللا علمنا ما ينفعنا ً وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ,الله خذ بأيدينا إلى الهدى وإلى الحق ً ً ً وصراط املستقي ,الله عد بنا إلى دينك عودا حميدا ,وردنا إليه ردا ً جميال ,الله اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين وللمسلمات وللمؤمنين واملؤمنات األحياء منه واألموات ,ربنا وتقبل عنا وعنه أحسن ما عملنا, وتجاوز عن سيئاتنا وسيئاته في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا
27
يوعدون ,الله إنا نسألك ونضرع إليك أن تنصر اإلسالم واملسلمين وأن ً تعز املسلمين ,الله من أراد باإلسالم وباملسلمين خيرا فكن له خير معين,
ً ومن أراد به وبه شرا فخذه أخذ عزيز مقتدر فإنه ال يعجزك ،إلهنا وموالنا رب العاملين. عباد هللا! إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى ،وينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي ،يعظك لعلك تذيرون ,اذيروا هللا العظي يذيري ,اشكروه على نعمه يزدي ,واسألوه من أفضاله يعطك ,وقوموا إلى صالتك يرحمني ويرحمك هللا. (
حديث مع اذلات 28