غالب شعث )سيرة ذاتية(5-
ي خ خـلـــــــي الوفــــ ي
2
إهـــــــــــــــــــــــــداء..
إلى روح أخي "عابد" ..أستاذي ومعلمي، الذي برع في التعبيرعن حبــــه لي بسخريــــــاتة اللذعة مني. عساي أن أنجح في التعبيرعن حبي وعرفاني له، ولو بالسخرية من نفسي!
3
"العـــــــــــــــــــــــودة" )!( 4
أخيرا ،في ،23/6/1995وبعد انتظار طال ،جاءني الخبر اليقين على لسان مدير مكتب وزيرالتخطيط والتعاون الدولي في مكالمة تليفونية من غزة: "رقم الكومبيوتر الذي تصدره السلطات السرائيلية) ،والذي دأبت سلطتنا الوطنية على تسميته بـ"الرقم الوطني"( أصبح بانتظارك في معبر رفح". مرحى! إذن ،هاهو "بصيص النور" ،الذي كان يلوح دائما في "نهاية النفق"، يومض الن مقتربا! ولم يبق سوى أن ألقي وراء ظهري بكل مرارات الغربة والمنفى ،وأن أنسى مشقة أن يكون المرء بل وطن ،أو بل مكان"يعود" إليه. ألم أكن أردد دائما بأن ما يحتاج إليه أي إنسان ،وأي شعب ،لكي يستطيع أن ينممي فيه ذاته ،ويصقل قدراته ،ليمارس دوره الذي خلق من أجله، ببساطة وبعيدا عن كل الحذلقات و الرطانات السياسية ..هو الوطن؟ الماء والهواء ..والوطن! *
*
*
ت أحاول أن أجد تسمية مناسبة لتلك كثيرا ماكن ت "الوطان" المؤقتة التي تنقلت بينها ،أو"تواجدت" فيها .لكن ذلك لم يتوفر لي إل عندما عدت مضطرا إلى القاهرة ،نتيجة للجتياح السرائيلي لبيروت عام ،82ليصادف انتشاراستعمال الكومبيوتر، الحاسوب الشخصي ،و"العوالم الفتراضية" التي يساهم في خلقها ذلك الختراع. عندها جاهدت لكي يكون لي "حاسوبي" الخاص. وعندها وجدت التسمية" :وطن إفتراضي". 5
في ذلك الوطن الفتراضي ،الذي كنت أنتقل لأتواجد فيه مرغما ،كنت أشعر ،في كل مرة ،وكأني كنت أولد من جديد ..ولدة قيصرية. كنت كثيرا ما أخالني أعيش فصول رواية من الجنس الدبي المسمى"اللمعقول" ،أو"العبثي" ،وتظل نفسي تراودني وتحدثني أنه ل بد من كتابة ولو "رؤوس أقل"م" لتلك الرواية ،لعلي ،فيما بعد ،أجد متسعا من الوقت لكتابتها. وبالفعل وجدتني أدون من يو"م لخر بضع كلمات أو خواطر. كأنما كنت أقارن بين ما كنت أرى ،وما أشتهي أن أرى. ما قبل الهجرة ..وما بعدها. أو ما قبل "بيروت" ..وما بعدها. أو ما قبل "أوسلو" ..وما بعدها.
*
*
*
أستعيد اللحظات المتفائلة التي مرت بي أثناء "زيارتي المؤقتة" الولى للوطن في أبريل ،95والثانية في نوفمبر من نفس العا"م. تلمع في خاطري ومضات ممتعة من ذكريات ما مللت من استرجاعها، عن أيا"م قضيتها في أحضان الوطن وأهله ،تتخللها بقع داكنة من أحاديث بعض الذين سبقوني بالعودة بعد أن نالوا شرف الحصول على ذلك "الرقم السحري". وسرعان ما تصطد"م ذاكرتي بتفاصيل رواياتهم عن بوابة العبور وذلك "التحقيق" الذي خضع إليه الكثيرين منهم عند مرورهم من "المعبر"، "معبر رفح" ،كأول إجراء إسرائيلي أمني. أزيح هذه الخاطرة المزعجة جانبا .أؤجلها. أجلس ،كعادتي ،إلى رفيـقي و"خلمــي الوفــي"" ،ثالث المستحيلت"، الذي غدا من الممكنات ،لسجل هذا الحدث التاريخي ،وأترك العنان لخواطري. 6
قد أجرؤ على الدعاء بأنني أسلك الطريقة الجديدة للكتابة .وهي ما قد يسمى بآلمية "الكتابة الرقمية" الخذة في النتشار .فبالرغم من حديث بعض الكتاب عن العلقة العاطفية الخاصة ،التي ل فكاك منها ول تنفصم عراها كما يقولون ،بينهم وبين القلم والورقة ،إل أنني، باعتباري لست "كاتبا" محترفا تعتريه حالت الكتابة ،لم أجد ضيرا في استبدال القلم بلوحة الحروف ،الـ"كي بورد" ،بما في ذلك من استغللل أو استثمالر لكل إمكانات هذا الكائن ،الحاسوب ،لمواصلة تدوين سيرتي الذاتية .وهي ،والحق يقال ،إمكانات غير محدودة .تبدأ بالتخزين، وحفظ مئات الصفحات ،ول تنتهي عند الضافة أو الشطب ،أو تغيير موقع تلك الجملة ،أو المعلومة ،أو الفقرة ،أو الصفحة ..إلى موقع آخر في "مل م ف" آخر. إلى غير ذلك من المكانيات. ولقد تعودت على مجالسة "خلمـي الوفي" كلما عن لي خاطر أو ذكرى تستحق التدوين .على أن تأتي بعد ذلك مرحلة التبويب حسب الزمان والمكان والمضمون والهمية كلما تراكمت الذكريات والخواطرالتي تم تدوينها. * * * تداعب أصابعي ،بين حين وآخر ،أزرار الـ"كي بورد" لجدني أتجول بين الملفات المختلفة المختزنة في ذاكرة رفيقي "الحاسوب" ،لينداح على أديم الشاشة سيل من الفكار أو التعليقات أو الملحظات ،التي اندرجت تحت عنوان فرعي هو" :قراءات وخواطر قصيرة". سطور كنت دائما ما أقو"م بتسجيلها وتخزينها في حينها عساي أن أحتاج إليها في حين آخر .وهي عادة كانت قد تمكنن ت ت مني منذ أن تمكتن ت ت ،عا"م ،1991من أن أضم أول "حاسوب" إلى مقتنياتي الخاصة .ذلك عندما اكتشفت فيه ،إضافة إلى مزاياه العديدة ،معينا مخلصا لذاكرة الشيخوخة الخؤون! ولقد دأبت على الرمز لتلك "القراءات" برسم الكتاب أما "الخواطر" أو"التعليقات" فرأيت أن أميزها برسم القلم 7
وما أسهل أن أضغط على بعض الزرار بتتابع معين ،لأستدعي هذا الملف أو ذلك ،فتكون النتيجة سطورا أو فقرات متتابعة عشوائيا ،تنهال كما هي ،بدون تسلسل معين ،على شاشة الحاسوب فل أرى حرجا في إعادة مطالعتها أو استعراضها .وسرعان ما أقو"م بشطب بعض السطور لسذاجتها ،أو لسذاجتي إذ كنت قد دونتها ،أو أبقي على ما أرى له أهمية ،أو أضيف إليه ،أو أقو"م بنقله إلى موضع آخر في مل ف ف آخر. *
*
8
*
قراءات وخواطر قصيرة
في البدء تكون المعلومة.. ومن تراكم المعلومات وتفاعلها تكون المعرفة.. والمعرفة شرط أساسي لتخاذ القرار. معنى هذا أن "ثورة المعلومات" التي نعيش في عصرها الن سوف تؤثرعلى قرارات الدول ،وتصبح المعلومة هي مصدرالثروة، ومصدرالقوة. وسوف نتعود قريبا على سماع اصطلح "حرب المعلومات" ،أو "المعلوماتية" ،إلى جانب "حرب النجو"م" أو "حرب المياه". أي أن مصيرالعالم قد أصبح الن في أيدي العارفين ..أو الكثرمعرفة. منذ موت إبن خلدون) (1406وانتهاء مساهمة العرب والمسلمين في إنتاج المعرفة النسانية ونحن ماضون في استهلك معارف الخرين. في بداية الستينيات ،أثناء دراستي في "فيينا" ،كان الخطاب الشائع في إعلمنا العربي ،الكرنفالي ،الذي ،حسب وصف بعض اصحاب القل"م اللذعة ،يثرثر ول يؤثر ،يدور حول ما كان يسمى "إسرائيل المزعومة" و "عصابات الصهاينة" التي شكلت جيشها. في ذلك الحين ،أتيحت لي ،ولول مرة ،قراءة مذكرات عراب الصهيونية النمساوي "تيودور هيرتسل" ،بلغته الصلية ،وأشياء أخرى كنت أعثرعليها لتضيف إلى معرفتي معارف أخرى .منها ،على سبيل المثال ،خطاب "ناحو"م جولدمان" ،رئيس المؤتمر اليهودي العالمي)الوكالة اليهودية( قبل إنشاء "إسرائيل" الذي كان يؤكد فيه أن: 9
"إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين ليس لتعتبارات دينية أو اقتصادية بل ل ن فلسطين تقع في ملتقى الطرق بين آسيا وأفريقيا وأوروبا ،وبذلك تكو ن هي المركز العسكري الستراتيجي للسيطرة تعلى العالم لنها مركز القوة السياسية العالمية الحقيقي". من أهم أهداف النتداب البريطاني ،عا"م ،1921تسهيل الهجرة اليهودية من أنحاء مختلفة من العالم إلى فلسطين ،ومن ثم تسهيل نقل ملكية الراضي الفلسطينية لليهود المهاجرين إلى فلسطين ارتفع عدد اليهود في فلسطين ،فترة النتداب البريطاني )192 ،(1948 -1من 50ألف إلى 600ألف! إل أنهم لم يتمكنوا سوى تملك %5,6من الراضي الفلسطينية. حكا"م بريطانيا وصفوا الفلسطينيين بـ"الجماتعات غير اليهودية" ،كما جاء في رسالة "بلفور" الشهيرة التي أعطت اليهود حق إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين .هذا ،بينما كانت هذه "الجماتعات" العربية تشكل %93من سكا ن فلسطين )!( اللواء العبري في الجيش البريطاني كان يعد 30ألف جندي انضم إلى المنظمات الرهابية المختلفة ليصبح عدد القوات المسلحة العبرية 106ألف مقاتل! هذا بينما كان مجموع أفراد الجيوش العربية التي شاركت في حرب عجبي!( ) 48ل يتجاوز 31ألف جندي! إذا كانت الجمعية العامة للمم المتحدة ،التي أصدرت قراراتها بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين ،توافق على تسمية إحداهما "دولة يهودية" ،فلماذا لم تطلق على الدولة الخرى -شقيقتها المقترحة- "دولة إسلمية"؟ 10
دولة "إسرائيل" قامت على تلك الفرضية المضللة وهي أن يهود العالم يتطلعون إلى العودة إلى وطنهم الصل. وبعد أكثرمن خمسين عاماعلى قيامها وإعلنها وطنا لكل يهود العالم، ما زال غالبية اليهود يعيشو ن خارج الدولة اليهودية ،وما زال تعداد يهود الوليات المتحدة الميريكية يزيد على تعدادهم في دولة "إسرائيل" نفسها ،بالرغم من كل النداءات والغراءات ،و.بالرغم من "قانون العودة" السرائيلي الذي يبيح لكل يهودي في أي مكان في العالم أن "يعود" إلى "أرض الميعاد" ويتمتع بالجنسية السرائيلية مع كامل حقوق المواطنة. هذا ..مع العلم بأننا ،منذ إعلن الدولة الصهيونية وحتى اليو"م ،ما زلنا نرى ونسمع عن ما سمي بـ " ..الهجرة المعاكسة". ماالذي تخشاه إسرائيل من تطبيق قرارات الشرعية الدولية بعودة اللجئين الفلسطينيين؟! هل يعني هذا أن حكا"م إسرائيل على يقين من أن الفلسطينيين أكثر ولء لوطنهم الصلي من اليهود ،وأنهم أكثر منهم تطلعا إلى العودة إليه؟ يبدو ،بل المؤكد ،أن "حق العودة" للفلسطينيين يمثل في اللشعور السرائيلي إيذانا بنهاية دولتهم. يقول الحاخا"م الكبر د.ج.هـ .هيرتس في ص 216من كتابه )في الفكراليهودي( عن اليهود: "لقد هاجنمتهم جميع المم المسيحية فأشبعتهم شتما وامتهانا واحتقارا وسلبا ونهبا ،ولقد طردهم إدوارد الخامس من انجلترا ،وشارل السادس من فرنسا ،فلم يجدوا ملجأ إل الندلس حيث احاطهم أمراء السل"م بعطف خاص .ولكن في ساعة نحس وشؤ"م اكتسح الصليب الهلل ،واحتل مكانه على قمة "الحمرا" ،فهد"م هذا الملذ الوحيد، وخفت مصباح التسامح الديني في إسبانيا ،إذ تقررإخراج اليهود منها 11
من بعد ما واجهوا عمليات البادة على يد محاكم التفتيش سنة "..1492 هذه شهادة بأن "معاداة السامية" عبارة عن صناعة إسرائيلة تماما مثل "صناتعة الهولوكوست" ** ليصبح هذا التها"م آلية قوية لسكات أي معارضة لسياسة إسرائيل القمعية. يشيع البعض أن هناك من المفكرين أو الكتاب السرائيليين من هم "دعاة سل"م" وأصحاب مواقف مؤيدة للحق العربي ..مثل "عاموس عوز" مثل. ثم نجد "عوز" هذا يقول في روايته "في مكان آخرأسود ربما"، ":1969لمدة ألف تعام كا ن هذا المكا ن قفرا ،إلى أ ن جاء مستوطنونا الوائل ونصبوا خيامهم فجعلوا الصحراء تزهو بأحدث الوسائل الزراتعية".. كلهم يرددون نفس الكذوبة ..صقورا كانوا ..أو حمائم. جاء في حديث المؤرخ البريطاني "هنري بريستد" في كتاب "العصور القديمة" عن الكنعانيين العرب قوله: "في ذلك الحين -أي عند مجيء اليهود إلى أرض كنعان -كان لديهم )الكنعانيين العرب( حضارة عمرها 1500سنة .ومدنا تضم بيوتا ا مريحة ،وحكومة ،وصناتعات ،وتجارة ،وكتابة ،وديانة". الصحراء كانت بلقعا "ل زرع فيها" و"ل يعيش فيها أحد" هي كلها عبارات توراتية استعاروها واستغلوها ليصفوا بها أرض فلسطين ،بينما كان يقصد بها صحراء سيناء. __________________________________________ )**(
تعنوا ن كتاب الباحث اليهودي الميريكي "نورما ن فنكيلشتاين"الذي يفند فيه مزاتعم الصهيونية
12
أما عبارة "وكا ن الكنعانيو ن حينئذ في الرض" التي تكرر ورودها في سفرالتكوين من"العهد القديم" ،فقد تجاوزوها لنها تدحض حججهم ول تخد"م أغراضهم. لماذا نستغرب من دعم أميريكا لسرائيل وسكوتها عن تجاوزاتها؟ أليست أميريكا نفسها دولة قامت على مبدأ الستعمار الستيطاني الحللي ،القائم على إبادة أصحاب الرض الصليين؟! ألم تبرهن أميريكا أنها "القدوة" وصاحبة الخبرة والسبق في إبادة الشعوب ..الهنود الحمر مثل؟! مشروع "شيمون بيريز" لشرق أوسط جديد يتلحص في: .1رؤوس أموال عربية .2يد عاملة مصرية )عربيه( .3ذكاء إسرائيلي في "الموساد" ،مثل غيرها من أجهزة المخابرات في "الدول الكبرى" ،إدارة إسمها "إدارة الحـرب النفسـية" ،مهمتها تعكيرالمياه! سدد"! وشعارها الحكمة ال ستعمارية القائلة"..فررق ت س "قانو ن جيسو" ..صدرفي فرنسا عا"م 1990ونصت المادة 24منه على تجريم ما أسمته بالتشكيك في ما انتهت إليه محاكم"نورمبرج" من تحديد عدد ضحايا النازية من اليهود بـ ستة مليين يهودي. وحينما نال باحث ومؤرخ فرنسي يدعي "هنري روك" في منتصف الثمانينات درجة الدكتوراه في جامعة "نانت"عن رسالة يناقش فيها وثائق الضابط النازي "جرنشتاين" واعترافاته ،ويفندها أكاديميا في مجال بحث ومناقشة النصوص التاريخية ،ثارت ثائرة اليهود واللوبي الصهيوني في فرنسا وجندوا وسائل العل"م الضخمة التي يهيمنون 13
عليها لمهاجمة "هنري روك"ووصمه بمعاداة السامية .وحوكم المؤرخ الفرنسي ،وسحبت منه درجة الدكتوراه ..بفعل قانون"جيسو"! المادة الخامسة من الفقرة الثالثة من إتفاقية أوسلو 1993 تنص على أنه بعد خمس سنوات من العمل على "رتعاية المن السرائيلي وضمانه" توضع المطالب الفلسطينية على مائدة المفاوضات استعدادا للحل النهائي )مشكلة القدس ومصيراللجئين و مستقبل المستوطنات(. وفقا لنسخة من "التفاقية" أذاعتها الخارجية السرائيليه ،ورد في تقرير "للسوشييتد برس" في أكتوبر 1995أن: السرائيليون يحتفظون بثلثي الضفة الغربيه ،باستبعاد المدن والقرى الفلسطينية المكتظة بسكانها .ويشمل ذلك: الحدود على البحرالميت ونهرالردن و 128مستوطنة تضم 140ألف مستوطن ومساحة في بلدة الخليل يعيش فيها مستوطنون والمسجد البراهيمي والطرق التي يستخدمها الفلسطينيون والسرائيليون وحق إسرائيل في إعتقال الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزه. اتفاقية تمنح إسرائيل حق السيطرة على معابرنا ومياهنا وسمائنا وتجارتنا .وتوصيف الواقع الذي سوف يتاح لنا العيش فيه سجناء لنملك حق النتقال من غزة وإليها ..ومن الضفة وإليها.. منهما وإليهما ..وفيهما. كأنما تريد إسرائيل أن تصبح مهمة السلطة الفلسطينية هي القيا"م نيابة عنها بفرض الرقابة البوليسية على الشعب الفلسطيني.. 14
وفرض الضرائب )التي تجنيها السلطات السرائيلية لترهق بها المواطن الفلسطيني ولتتولى صرفها أو حجزها كما تشاء( .هذا إلى جانب حماية أمن إسرائيل. إذا كانت السيادة تقو"م على افتراض أن هناك حدودا راسخة بين الدول ،فأين السيادة الفلسطينية )والعربية( في ظل وجود دولة مجاورة لم تعلن بعد تعن دستورها الذي من شأنه أ ن يعلن تعن حدودها. وما هو السر في استمرار إتعتراف هذا العدد الهائل من دول العالم بدولة إسرائيل بالرغم من كونها )دولة إسرائيل( دولة بدو ن دستور يحدد ويرسم حدودها مع الدول المجاورة لها؟! المفاوضات هي الفخ الذي نصبته أميريكا ،بالتواطؤ مع إسرائيل ،أوالعكس ،كحلقة من سلسلة المحاولت لـ "كسب الوقت"، وخلق "أمر واقع جديد" و "حقائق جديدة" متعاقبة على أرض فلسطين ،هذا إلى جانب محاولة تحسين صورة إسرائيل أمام العالم بتصويرها حريصة تعلى السلم ،متسامحة ،ومستعدة دائما للتفاوض ولتقديم التنازلت. هل في ذلك ما هو عصمي على الفهم؟! إلخ ..إلخ ..إلخ !!!
*
*
15
*
16
"تعودة" ..إلى الفنادق )!(
هأنا ،من بعد ما طال انتظاري ،أحصل على "رقم الكومبيوتر" المجيد، الذي تمخضت عنه ،أو أفرزته ،إتفاقية "أوسلو" الكريمة! كان وزيرالتخطيط والتعاون الدولي ،الذي اجتهد لمعرفة سبب خلو قوائم العائدين من إسمي ،قد أسمر لي أنه قد تحدث بشأن "رقمي" الضائع مع السيد"إسحق رابين" شخصيا في الوقت الذي توقف فيه إصدار مثل هذه الرقا"م من قبل السلطات السرائيلية. حدثت نفسي قائل: ..لم يبق سوى أن تعلن السلطات السرائيلية عن ذلك بأن تعلقعلى المعابرالمؤدية إلى "غزة" أو إلى"الضفة" تلك اللفتة التقليدية"..كــــامل العــــدد"!
*
*
*
عرض علمي الصديق "أبو صالح" ،العائد إلى غزة ،مرافقتي له ،حيث أنه قد اتفق مع سيارة أجرة تنطلق من القاهرة ،عبر "معبررفح" ،في صباح يو"م الربعاء .4/9/1996 17
كانت هناك سيارة في انتظارنا على الجانب الفلسطيني من المعبر. لكن إجراءات دخولي أنا استغرقت وقتا أطول مما كنا نتوقع فكان علي ،بعد طول انتظار ،النتظارلليو"م التالي لن ضابط المن المكلف بـ"التحقيق" معي قدغادرالمعبر .فتم التفاق مع "أبوصالح" على أن يحتفظ بحقيبة سفري معه إلى أن أصل غزة. وبقيت ،بحقيبة يد خفيفة ،عالقا على الحدود أسترجع أيا"م الشتات التي تعودنا فيها على النتظار ،وربما المبيت ،في الموانيء البرية والبحرية والجوية على اختلف جنسياتها. كنت في هذه المرة أما"م خيارين ،أحدهما العودة إلى القاهرة ومن ثم معاودة الحضور إلى المعبر في وقت مبكر من الغد. أما الثاني فهو قضاء الليلة في فندق ما بمدينة العريش القريبة. وانتهيت إلى الخيارالثاني ،بالرغم من نفوري من العودة إلى المبيت في الفنادق .وذلك تحسبا من تسديد قيمة فواتيرها الباهظة التي يتعيــن ،هــذه المرة ،على العبد الفقير ل تسديدها من جيبه البائس!
*
*
*
ها هي تجربة جديدة ،من نوع جديد ،تضاف إلى تجاربي التي تنافس إحداها الخرى في مقدار غرابتها ..و كآبتها. حاولت جاهدا أن أخفي استفزازي من عد"م وجود"ضابط التحقيق" السرائيلي لحظة وصولي المعبر ،علما بأننا وصلناه مبكرين .و يبدو أن ذلك كان أحد "اللاعـيب" التي يحلولهم أن يمارسوها معنا ..إمعانا في إذللنا. لم تستطع أن أستمر في تجاهل تلك الخاطرة التي ظلت تلح علي أن أتخيل ماسوف يجري بيني وبين ذلك "المحقق" من أسئلة وأجوبة، حسبما سمعت وعرفت ممن سبقوني،عن أجواء ذلك النوع من "الجراءات السرائيلية المنية". 18
ولم يكن من الصعب علي أن أدبمج في خيالي ما يسمى بـ"سيناريو" لذلك المشهد الذي شغلني تخيمل تفاصيله منذ أن جاءتني تلك المكالمة التليفونية. كتمت غيظي ،واعتصمت بــبرودي .وأقنعـت نفسـي أنهــا مناســبة لكــي أســـتعد للقيـــا"م بـــدوري فـــي مشـــهد التحقيـــق القـــاد"م ،هـــذا المشـــهد الـ"التراجيكوميدي"! أخذت أستعيد ما سمعته من تجارب الخرين. منهم من أذهلني بقدرته الفائقة على الجدال ..وبالتالي إحراج المحقق ودحض حججه .ومنهم من رأى أن أحسن طريقة هي الردود القصيرة جدا على أسئلته .ومنهم من نصحني بمجاراته وعد"م النسياق لمحاولته لستفزازي.
*
*
19
*
20
" .......التحقيق"
من البديهي أن يبادرني المحقق بسؤاله عن علقتي بـ"منظمة التحرير الفلسطينية" .وهنا أرى أن أرد عليه باليجاب والصراحة ،وأن "أتققتر" بأنني كنت أعمل كمخرج سينمائي في مجال العل"م الفلسطيني. فيبدأ بمواجهتي: طبعا ،وهذه هي مهنتنك ،سوف تستمرفي عملك كمخرج ،فما هيياترى نوعية الفل"م العلمية التي سوف تقو"م بعملها؟ لم أفكرفي هذه التفاصيل بعد .ما يشغل ذهني الن هوالعودة إلىبلدي فقط. ما هوعنوانك ..هل لك عنوان معين؟ القدس ..البلده القديمة ..حارة الواد ..بالقرب من.. ..يقاطعني: ربما كان من حقك العودة إلى القدس قبل عا"م ،67أما الن ،بعدأن تمت عودة القدس إلى دولة إسرائيل فالمر يختلف تماما. أقاطعه بهدوء: القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولن ما زالتتعتبر من ققبل المجتمع الدولي برمته -بما في ذلك حليفتكم ض محتلة ،وليس جزءاا من إسرائيل. الوليات المتحدة -أرا ل وذلك ما تؤيده اتفاقية جنيف الرابعة لعا"م 1949التي وقعت عليها إسرائيل أيضا ..وأظنه من العدل أن.. .. 21
يقاطعني مواصل كلمه بلهجة ل تخلو من سخرية: مهل مهل ..هناك 22دولة عربية ..لم تقبلكم منها واحدة .أما نحناليهود فلنا دولة واحدة ،وهي التي وعدنا بها الرب .وهانحن نقبلكم فيها! ولكن بشرط أن نختار نحن أين وكيف نقبلكم. أليس في ذلك من العدل ما فيه الكفاية؟ القدس هي مسقط رأسي ،وهي المكان الذي يجب أن أعود إليهففيها داري التي ولدت فيها ،والتي أمتلكها بحكم الميراث الشرعي ..والقانون المدني ..والدولي. المشرع الكبرهوالرب الذي أورث إسرائيل لليهود واليهود فقط!هل ذكرالشعب الفلسطيني في القرآن؟ هل ذكرت القدس في القرآن؟ أجيبه بهدوء وبعد فترة صمت: أليس غريبا أنكم تعتمدون في دعوى ملكية الرض على الوعدالإلهي لكم ،مع العلم بأن نسبة المتدينين عندكم ،حسب المصادر السرائيلية ذاتها ،ل تزيد عن .%15 والنسبة الباقية ،علمانية ،ل تأبه للديان وكتبها المقدسة؟! دعنا من الحجج الواهية والرقا"م المغلوطة .ولنبق مع نص التوراةالثابت والقائل على لسان الرب: "لنسلك أعطي هذه الرض". أتواصل بهدوء ل يخلو من سخرية: ..والكثرغرابة أن سيدنا "إبراهيم" كان له ولــدان ..جدنـــــا "إسماعيل" ..و جدكــــم "إسحق". ولذلك ..فحـتى لوأردنـا أن نأخـذ بمــا جــاء فـي التـوراة فلمــاذا ل تنادون بعودة الرض لكليهما مثل؟ هأنت تعود إليها .ما الخطأ في ذلك؟ والكثرغرابة من هذا وذاك أنكم تتحدثون عن بناء الهيكل فيدولة إسرائيل ،بينما الشريعة اليهودية -الهالخاه -تقتضي أن ل 22
تقو"م دولة إسرائيل ول يبني الهيكل قبل مجيء المسيح المنتظر، وبالتالي فإن بناء الهيكل بما في ذلك قيام دولة إسرائيل هو انتهاك لصول العقيدة اليهودية وشرتعيتها أيضا.. ثم أعود لموضوع الوراثة بنفس الهدوء: ..ثم إننا نعرف أن الوراثة لها قوانينها في كل الملل والديان.أما في القدس المحتلة ،مثل ،فأنتم تباشرون بالستيلءعلى "الرث" ،وهو ممتلكات الفلسطينيين ،وصاحب الحق ما زال حي يرزق. يعود للسخرية: هل كان الجدى أن ننتظر حتى نمارس معكم عمليات البادةالجماعية التي تعرضنا لها؟ أجيبه محاول التشبث بالصبر والهدوء: الحقائق تقول أن عمليات البادة والتطهير العرقي في بلديالمحتل لم تتوقف منذ خمسين عاما. ألم يكن شعار "تيودور هيرتسل" ،عراب الصهيونية ،حسبما جاء في مذكراته،هو: "نريد فلسطين بدون عرب"! وبعد إعلن تأسيس إسرائيل عا"م ،48ألم يقم "بن جوريون" وأعوانه ،عمل بتوصية "هيرتسل" ،بتأسيس لجنة الطرد ،المسماه "ترانسفير" .ليصبح الشعار: "نريد إسرائيل بدون عرب"؟ لكنهم -ويا للغرابة -اكتشفوا بعد مرور أكثر من خمسين عاما على محاولتهم الدءوبة لبادة الشعب الفلسطيني أنه شعب ل يفنى. أل ترى أن الشعوب مثل "المادة" التي تقول قوانينها الطبيعية بأنها "ل تفنَى ..ول تسستحدث"؟ فالشعوب ل تفنى أبدا! 23
كما وأنها أيضا ل تتستحدث يا صديقي! دعنا من هذه المغالطات ،ولننظر إلى المر بواقعية.فالمرالواقع هو أن "الشعب اليهودي" كان موجودا كما أن "إسرائيل" كانت موجودة ..وستبقى.. ثم يبتسم المحقق محاول أن يدير دفة الحديث في إتجاه آخر: أكيد -وأنت رجل مثقف -قد سمعت عن حركة السل"م الن .وأناشخصيا من مؤيديها .وهذا يعني أنك مقبل على التعايش مع مجتمع فيه ديمقراطية وحرية كاملة .مجتمع يريد لكم الخير. هذا طالما حرصتم على سلمة وأمن إسرائيل.. أمن إسرائيل وبقائها يحتاج إلى إقامة الجسور وليس إلى إقامةالحواجز والجدران العازلة ،و بناء المستوطنات على أنقاض الديار في الراضي الفلسطينية المحتلة. المستوطنات هي حل لمشكلة إنسانية. لكن القانون الدولي ما زال يراها مظهرا من مظاهرالتعدي علىأرض الغير وتثبيت الحتلل غيرالشرعي لجزاء من أرضنا. أعتقد أننا وصلنا إلى اتفاقات وتفاهمات من شأنها أن تنسينا أخطاءوأحقاد الماضي ومضاعفاتها ،وعلينا أن نبدأ مرحلة نحاول فيها أن نتعايش بسل"م.. تعاليمكم تأمر بعكس ذلك. كيف؟ مثل ..أل تطلق تعاليمكم على غيراليهود لقب "الغيار" وتوصيبكل وضوح على "تعدم تعلج المريض من الغيار" ..كما وتوصي بـ"تعدم إخراج من يسقط منهم في البئر"؟! بل وتنصح بـ"دفع الغيارإلى البئر للتخلص منهم"؟! أهذا هو السل"م الذي تتحدث عنه؟ .. .. .. .. .. .. .. وفجأة ..أجدني أبتسم ساخرا من نفسي ..وقد أصابني الملل من هذا الحوار الممل ..المفتعل. 24
أقرر أن أخرج إلى شرفة غرفة الفندق المطلة على البحر لكي أستنشق هواءه النقي. تنعشني النسمات التي ،كما يبدو ،تسللت إلى الشرفة وهي تحمل شيئا من فوح بحر "فلسطين" القريبة .وسرعان ما أنعستني ،وسلمتني لنو"م عميق ،لستفيق منه في اليو"م التالي مبكرا.
*
*
25
*
26
سرمهه ما شئت!
ل أعرف كيف مرت الساعات الثقيلة التي كانت تفصل بيني وبين لحظة خلتها أطول لحظات العمر .وهي لحظة مثولي أما"م عدو ينتظر مني أن أستجدي منه العبور إلى أرضي. كأنما قد لمس ما أنا فيه من توتر بالرغم من محاولتي للتماسك والظهور بعكس ذلك .تصنع المحقق البتسا"م والطيبة وهو يواصل، باللغة العربية وبلكنة فلسطينية شمالية ل تخطئها الذن ،حديثا ربما يندرج تحت مسمى"الستظراف": .. ..هذا ليس تحقيقا يستدعي الضطراب الذي أراه باديا عليك.إنه مجرد تعارف بينك وبين مواطن إسرائيلي سوف تعيش إلى جواره. وأحب أن أؤكد لك أنك تستطيع أن تعلن نهاية هذا اللقاء في أي لحظة تراها ..فكما قلت لك ..سممه ما شئت ،ولكنه ليس تحقيقا. وكمن يطوي صفحة ويبدأ بالقراءة من صفحة أخرى ،سارعني المحقق وهو يتحاشى أن أقرأ في عينيه ما وراء سؤاله مسددا نظراته إلى "ملف" تعبث به يديه ،بسؤاله: ماذا تنوي أن تعمل ..بعد أن حصلت على التصريح لك بالعودة؟لم يفاجئني ول أدهشني هذا السؤال الذي ليخلو من مراوغة .قلت وأنــا أحاول أن أختصرالطريق إلى مقصده: أواصل أحلمي ..وأصنع أفلما ..ألم تر إلى وثيقتي الموجودةأمامك ..وأما"م خانة الوظيفة فيها كلمة مخرج سينمائي؟ 27
حسنا ..وماهي يا ترى نوعية الفل"م التي سوف تقو"م بإخراجها؟عاد لمحاولته للستظراف وكأنما حبكت نفسها النكتة التي لم يستطع أن يكتمها: ..أرجو أن ل تكون أفلما تحريضية تطالب بعودة فلسطين منالنهر إلى البحر! تضاحك وهو يحاول أن ينفي بحركة من يده أي قصد سيء من وراء نكتته هذه .فاستجبت لمحاولته ..بمسايرته: أرجو أن أتمكن من أن أصنع أفلما تدعو إلى السل"م والمحبة،وتجسد أحل"م الجيال القادمة ،وتروي قصص الحب والوفاء... قصص الحب ..يعني قصدك زي "روميو وجولييت"..؟قلت مغاليا في مسايرته: كل أنواع الحب ،بما في ذلك حب الوطن طبعا .ول بأس أيضا منقصة حب جديدة ..قد تكون عن "أحمد و شوشانا"! ** هل تعتقد أن ذلك ما زال ممكنا؟ ولم ل ؟ المهم النوايا الطيبه.كأنما كان ينتظراللحظة المناسبة لكي يبادر بسؤال كان يتحفز لسؤاله، بعد أن ألقى نظرة إلى الوراق التي أمامه: ما دمت تتحدث عن النوايا الطيبة ،فلماذا لم تستجب إلى الدعوة"الطيبة" التي وجهت إليك للمشاركة في "مهرحان حيفا" السينمائي..؟ تذكرت قراءاتي عن أساليب المحققين في أن يبحثوا عن تفصيلة أو اكثر ليرددوها أما"م الشخص الماثل أمامهم ،مما قد يوهم بأنهم يعرفون كل صغيرة وكبيرة عنه. __________________________________________ )**(
إشارة إلى قصة حقيقية بطلها إبن جيراننا في القدس القديمة ،قبل الهجرة ،وزوجته اليهودية سنه" باللغة العبرية! سدو َ "شوشانا" .وهو إسم الزهرة " َ
28
كانت الجابة في متناول لساني .فلقد سئلت نفس السؤال قبل ذلك أكثر من مرة في لقاءات صحفية أو غيرها .أجبت محاول أن أبتعد عن الحفرة التي يسوقني إليها ،بينما تتابع نظراته المتفحصة أثر كلماته على وجهي: كل ما هنالك أنني كنت في ذلك الوقت أصر على أن ترسلالدعوة لي على عنواني الحقيقي. أي عنوان تقصد؟ عنوان داري التي ولدت فيها ،حيث يفترض أن أكون ،في بلديالقدس .وحيث يكون عنواني هو..البلدة القديمة ..طريق الل"م.. بجوار "قهوة الباسطي" ..مقابل "هوسبيس النمسا" المعروف. وعندها أفكر.... قاطعني وهو يعاود النظر إلى الدوسيه التي عادت أصابعه تعبث بأوراقه: ل داعي للعودة إلى موضوع قد انتهينا من تفاصيله ،فعنوانك منالن فصاعدا هو في قطاع غزه .لن رقمك ،وهويتك التي سوف تحملها صادرة عن "قطاع غزه" وليس "الضفة الغربية"... صدمت ،وحاولت أن أداري اضطرابي ..وأكملت: ل أعرف لي عنوانا آخرغير بلدي ..القدس. هل لك أقارب في القدس؟ لي هناك ما ل يقل أهمية عن القارب .لي داري التي ولدت فيهاوأمتلكها و.. أنت تعرف أن قضايا "القدس" و"اللجئين" وغيرها قد تأجلتمناقشتها ول مجال للحديث عنها الن .ومن الحكمة أن نقبل بالمر الواقع ونحاول أن نتعايش معه. "المرالواقع" ..و"الحقائق الجديدة" ..هذه هي لعبتهم التي استطاعوا بها أن يضللوا العالم. 29
رسمت على وجهي ابتسامة الرضى والقبول بالمر الواقع الذي لم نستطع أن نغيره ونحن نعيش غرباء في المنفى. فها هي فرصتنا تلوح لنا لكي نحاول أن نغيره بينما نحن نعيش في أرضنا. ولشدة دهشتي ..فوجئت بالسيد المحقق ينهض مادا يده لي ،بعد أن اختطف نظرة أخيرة إلى "أوراقي" التي أمامه ،ثم يقول وهو يبتسم ابتسامة عريضة موصى عليها: سعدت بلقائك ..سيد شعث..لكن سرعان ما زالت دهشتي عندما انسابت بقية الجملة التي سبق أن سمعتها من أحد العائدين وهو يروي لي ما دار بينه وبين المحقق.. نفس الفتتاحية تقريبا ..ونفس الخاتمة: ..أنا إسمي "يورا"م مازار" .وربما نلتقي في يو"م ما خارج هذاالمكان .وكل ما أرجوه أن أكون قد تركت في نفسك أثرا طيبا، كما فعلت أنت.
*
*
30
*
العبور الثالث*..
كان "عبوري" الول من خلل "معبر" رفح في يو"م الثلثاء ،الموافق أبريل ،95بتصريح لزيارة مؤقتة لقطاع غزة لمدة ثلثة أشهر. وعبوري الثاني ،من"مطاراللد المحتل" ،في يو"م الجمعة 3نوفمبر ،95بتصريح مماثل. وكنت في كلتا الحالتين حبيس خليط من المشاعراستغرقت وقتا طويل حتى تمكنت من أن أتخلص من بعضها وأن أتآلف مع بعضها الخر. أما بعد العبورالثالث ،في 5سبتمبر ،96فكانت مشاعري في متناول قدرتي على الستيعاب بعد التجربتين المختلفتين اللتان كانتا تحملن إسما واحدا هو "زيارة مؤقتة" إلى الوطن بعد زهاء نصف قرن من التشرد في مختلف المنافي. ذلك بعد أن كدت أن ..أتعود على "العيش خارج المكان". مع العتذار لشاعرنا "محمود درويش". يختلف المر ،الن ،اختلفا بمينا. فلقد جرى تصنيفي ،بفضل اتفاقية "اوسلو" الكارثية ،كمواطن في قطاع غزة)!( ذلك الجزء الجنوبي من أراضي "السلطة الوطنية". وكان هذا غير ماكنت أشتهي ،وهو العودة إلى أراضي "الضفة الغربية" حيث تقع بلدي ومسقط ____________________________________ )**( اتيممنا بالعبور المجيد لقناة السويس عا"م 73
31
رأسك..القدس ،حيث ما برحت خطط العدو تتجه إلى الستيلء على أملك المقدسيين والتخلص منهم عنوة ،والحيلولة دون عودة الغائبين منهم. كما وإني أصبحت أعرف طريقي إلى فنادق "غزة" .وقد صارفي حوزتي "نوتة" تحتوي على حصيلة ل بأس بها من أرقا"م تليفونات وعناوين المعارف والأصدقاء ،القدماء منهم ،والجدد الذين سعدت، أثناء زياراتمي السابقتين ،بمعرفتهم وبترحيبهم وتفاؤلهم .منهم الكتاب ومنهم الشعراء ومنهم فنانو المسرح والسينما ممن يحدوهم الطموح والتفاؤل ،ومن يبعث في النفس المل في المستقبل الفضل الذي كنا نتطلع إليه. هذا ..بالضافة إلى"القرباء" الذين كانت قد فاتتني معرفتهم .حيث أنهم ولدوا أثناء غيبتي عن مدينة "غزة" واغترابي الطويل المد ،وهم الذين توطدت صلتي بهم أثناء "زيارتي المؤقتة" لغزة قبل بضعة شهور. ومنهم الشاب "سهيل" الذي لم يكد يعلم بوصولي ،هذه المرة ،ونزولي في "فندق فلسطين" حتى جاء بسيارته ،حسب تعليمات والده "الحاج كامل" ،ليتولى وبدون مناقشة ،نقلي للقامة في شقة أخيه التي تم إعدادها لقامته بعد عودته المرتقبة من دولة خليجية بعد شهور.
*
*
*
ألم أذكر مرة أن جيلنا لم يكن يعرف ،أو يعترف بما يسمى القامة في الفنادق؟ فلقد كانت دارنا ،دار"أبو العابد" ،في قديم الزمان "مضـــافة" للقادمين من أقاربنا ،القريبين منهم والبعيدين ،إلى القدس العاصمة ،للعلج ،أو لمراجعة إحدى الدوائر الحكومية ،أو لـزيارة المسجد القصى، أو"التقديس" بعد أداء فريضة الحج ،أو لتسجيل البن أو البنت في إحدى المدارس الثانوية الداخلية. 32
كانت هناك لهم ،ولنا في منازلهم،غرفة إسمها "اوضة الضيوف". وكان أبي يبدو سعيدا وهو يرحب بضيوفنا .كان يشعر بأنه يؤدي واجبا تحتمه عليه عاداتنا وتقاليدنا .يلمع في عينيه بريق ذكرني به بريق عيني صديقي "جورج إبراهيم" عندما جاء إلى "البنسيون" في "را"م ا ،قبل شهور ،ليحملني ضيفا إلى داره في "كفرعقب". لم نكن نعرف أو نتقبل كلمات مثل "بنسيون" ..أو"أوتيل" ..ول.. "ستارز"**!
*
*
*
في مبنى "وزارة الثقافة" الجديد استقبلني ،رفيق المنفى ،الشاعر المشهور بدماثة خلقه ورقة شعره" ،أحمد دحبور" ،الذي أصبح الن يشغل منصب "المديرالعا"م" للوزارة ،بحضورعدد كبير من موظفيها، الذين تزايدعددهم ،بالحضان وهو يؤكد ويقسم لي أنه رأى رأين العين )اللي راح ياكلها الدود ،حسب تعبيره( القرارالموقع من الرئيس "ياسرعرفات" بمنحي درجة "مديرعا"م" في وزارة الثقافة. أثلج صدري تهليل الجميع ومباركتهم لي على المنصب الذي لم أتطلع إليه ،فلم يكن لي يوما أي تطلعات لمركز أو جاه .فلقد عودت نفسي دائما أن أتفاعل مع ظروفي .فأنا أجد نفسي في الموقع الذي يفرضه منطق المور ،طالما أتاح لي هذا الموقع حضورا فنيا يتناسب مع طموحاتي ،وظروفا ملئمة للعمل الذي أحبه. ولكنني اضطررت لأن أسعى إليه بعد أن لفت انتباهي الكثيرين من الزملء العائدين ،الذين عانوا من غلء السعار وارتفاع إيجارات السكن. لم يبق سوى أن يقو"م الرفيق "ياسرعبد ربه" ،وزيرالثقافة ،بتفعيل القرارالمذكور ليتم تحويل مكان إقامتي إلى "را"م ا" .فبغير ذلك يتوجب علي أن أحصل من السلطات السرائيلية على تصاريح"مؤقتة" ________________________ )**( فقرة مستعارة من جزء سابق من السيرة .
33
محدودة المدة للمرورمن معبر"إيريتز" ،في شمالي قطاع غزة ،إلى أراضي "الضفة الغربية". مها"م الوزير ،الذي يحمل حقيبة "الثقافة" إلى جانب حقيبة "العل"م"، تقتضي الكثير من التنقل والسفر .وليس أمامي سوى النتظار ،وهو ما كان وما صار وما أمسى وما فتيء وما زال من سمات المرحلة. لكن ..ل شك في أن أهم سمات المرحلة القادمة ،التي سرعان ما سوف تعلن عن نفسها ،هو العمل والبداع .حدثت نفسي: بكل تأكيد أن العمل والبداع تحت سماء وطني سيكون له مزايا أخرى.. و مذاق آخر. هناك فرق بين العمل في المنفى وبينه وأنأ في أحضان الوطن ،وفي كنف أبنائه من الهل والزملء والصدقاء.
*
*
*
صديقي الكاتب الروائي الفلسطيني "أحمدعمرشاهين" ،الذي مازال قابعا في القاهرة في انتظار "الرقم السحري" ،قال لي معبرا عن غبطته وهو يودعني مبتسما متمنيا: عسانا أن نرى في القريب العاجل أفلما "ملونة" بألوان بلدناالطبيعية الجميلة ،بعد أن كدنا أن نتعود على مشاهدة أفل"م "السود والسوند"! ن
*
*
*
عندما كنت في نهاية عا"م 1990منهمكا في متابعة المها"م التي كلفت بها ،في القاهرة ،كجزء من برنامج "السبوع الثقافي الفلسطيني" الذي أقيمت إحتفالياته في فندق "شبرد" ،والذي تتموج بتكريم مختلف المبدعين الفلسطينيين بحضورهم من مختلف أماكن تواجدهم ،والذي يعتبر إنجازا يحتسب لرئيس "دائرة الثقافة" في منظمة التحرير 34
الفلسطينية السيد "عبد ا حوراني" ،فوجئت بمن يبتسم لي وهو يقد"م لي حزمة صغيرة من الكتب معرفا نفسه: أحمدعمرشاهين ..وسرعان ما لمحت اسمه على أغلفة الكتب ..فزالت دهشتي. واصل تقديم نفسه: ..رأيت أن الفضل أن تتعرف عليم من خلل قراءتك لهذهالروايات التي لمست من بعض الصدقاء المشتركين أنها لم تصل إليك بعد. أما أنا فقد عرفتك ،منذ حوالي خمسة عشر سنة ،من خلل مشاهدتي لفيلمك "الظلل في الجانب الخر" ،وبعض أعمالك التلفزيونية هنا في القاهرة .وكل ما أرجوه هو أن ل يطول انتظاري هذه المرة لكي تتاح لنا فرصة اللقاء ،وتبادل الحديث والتعارف. أسرني تواضعه وطريقة تقديم نفسه لي. كنت أعرفه ،إسما ،ككاتب وباحث ومترجم فقط. وشعرت أنني سأجد في "رواياته" شيئا مما أبحث عنه .عقدت العز"م على قراءتها في أسرع وقت. ولكن لم تلبث أن اختطفتني المهمات التي كانت تشغل بالي ومن ضمنها الجراءات اللزمة لستقبال فرقة "صابرين" الفنية ،التي حرصت على استدعاءها من "القدس" للمشاركة في احتفالاتنا ،وكان ل بد من متابعة اللمسات الخيرة في إعداد أحد المسارح لقامة حفلتها. لم أعرف ،ول أعرف حتى اليو"م ،أين ومتى وكيف ضاعت مني الروايات المهداة لي من كاتبنا "أحمدعمرشاهين" .وضاعت جهودي في البحث عن المكان الذي نسيتها فيه. كل ما استطعته ،بعد ذلك ،وبشق النفس ،هو شراء الروايات الثلث، عن طريق ذلك الصديق المشترك.
35
وبعد قراءة الروايات الثلث ،في زمن قياسي ،ولفرط إحساسي بالتقصير والهمال في حق ذلك الكاتب الذي سعى إلي بأسلوبه المهذب البليغ ،قررت أن أسعى إليه. وقبل أن أشرع بإبداء رأيي فيما قرأت ،فاجأني "أحمدعمر شاهين" بأنه في نفس اليو"م الذي قد"م لي فيه هديته فوجيء بها ملقاة على أحد مقاعد صالة الفندق ..قال لي: ..أخذت أرقب كتبي عن بعد منتظرا حضورك لتأخذها ولكن"جودو" لم يحضر ..فقررت أن أستردها .وقلت في نفسي يبدو أن هذا المخرج ل يختلف عن الكثيرين من غيره من بعض المخرجين السينمائيين ..الذين ل يقرأون .عادي! ولم أجد أنه من الضرورة أن أبين له بقية ما حدث .فقد أدرك أنني لم أتدبرالحصول على الروايات فحسب ،بل أنني انتهيت من قراءتها أيضا. وكان هذا اللقاء بداية لصداقة أمتعتني طوال سنوات وجودي في القاهرة بعد ذلك. هو يسكن في أحد أطرافها ،في جنبات الحي العتيد "السيدة زينب"، بينما أسكن أنا في الطرف الخر ،في أعماق "مدينة نصر" البعيدة. ولذلك تعودنا ،إلى جانب اللقاءات الهاتفية ،على اللقاء أسبوعيا في وسط البلد ،في مقهى "متاتيا" العريق ،الذي كان يؤمه "جمال الدين الفغاني" وتلميذه ،والذي كان من الماكن المفضلة للقاء الفنانين لموقعه المتوسط بين "دارالوبرا" و"المسرح القومي" .ثم انتقلت لقاءاتنا ،بعد أن جرى ذلك "التغيير" المؤسف على منطقة "دارالوبرا" ،ومن ثم بعد أن أصبح مقهى "متاتيا" التاريخي في ذمة التاريخ ،إلى مقهى "النصر" ،في ميدان "باب اللوق" .وكثيرا ما كنا ننتقل إلى "أتيلييه القاهرة" ،لنلتقي هناك بأصدقائنا من الدباء والفنانين.
36
كانت لقاءاتنا ل تخلو من استعراض لقراءاته ،وقراءاتي ،وتعليقاتنا عليها .أما عن أعماله ،التي قاربت في ذلك الوقت العشرين عمل ،فقد مكنني هو لقتنائها بكاملها .ولم تخل جلساتنا من حوار حولها. كان كثيرا ما يحاصرني بأسئلة حول الفن السينمائي ودوره ،فيتطرق بنا الحديث إلى كافة الفنون الخرى لنني كنت أنطلق من أن السينما هي البوتقة التي تنصهر فيها كل الفنون لتصيرتلك السبيكة العجيبة المسماة" ..الفن السابع".
*
*
*
تطرق حديثنا في أحد الجلسات ،ثم كان أن أصبح يحلو لنا أن نستأنفه في جلسات أخرى ،حول رواية جديدة اتفقنا أن يكتبها هو بحيث يفترض أن تجري أحداثها بعد سنوات تكون فيها "الدولة الفلسطينية" وعاصمتها القدس قد قامت وتم العتراف بها .ول بأس من أن تتحول هذه الرواية بعد ،أو قبل ،ذلك إلى فيلم سينمائي أقو"م أنا بإخراجه! أخذنا نتخيل ما ستكون عليه دولتنا ..ذلك الحلم الجميل النبيل. تارة نتصورها ذلك النموذج الذي درج البعض من مثقفينا على وصفها بأنها ستكون قدوة للمم في ديمقراطيتها وقدرتها على تجسيد أحل"م شعبها في ظل النظا"م الذي يكفل له الحرية والرفاهية والعدالة .وكان من علمات تلك الفترة انتشار ظاهرة انضما"م الكثيرين من المثقفين العرب ،وغيرهم ،إلى الثورة الفلسطينية ،وتواجدهم جنبا إلى جنب مع كوادرها في بيروت. ثم نتدارك المر ،تارة أخرى ،ونتخلى مؤقتاعن المثالية ،ونسمح لبعض السلبيات أن تتسلل لتتفشى في بعض أجهزة ثورتنا بعد أن تتحول إلى دولة و"نظا"م" ،شأن كل أنظمة العالم. ونتحدث ،على سبيل المثال ،عن مظاهر تهميش وإهمال العامل الثقافي لحساب العامل السياسي ،أو تغييب المفكر والمثقف لحساب رجل السياسة .ويصل بنا الحديث إلى مظاهر الوصولية والنتهازية والجشع عند بعض البعض ،ومن كنت أسميهم في مكان آخر من سيرتي هذه بـ "قــ ط طاع الطـرق" ،وهم أولئك الذي يبنون المتاريس ل س 37
ليحولوا دون وصولك أو وصول كلمتك إلى الشرفاء من أولي المر. ذلك خوفا على المواقع المهمة التي شغلوها في غفلة من الزمن ،وهم يعرفون أكثر من غيرهم أنهم ليسوا أهل لها. وهم نمن وصفهم أستاذنا "طه حسين" في إهدائه لكتاب"المعذبو ن في الرض" بقوله "الذين ل يعملون ويضيرهم أن يعمل غيرهم" .أو هم "المترفين"** الذين أغرتهم زخارف الدولة التي أتيحت لهم على السترخاء فـ"فسقوا فيها" ،أو من أطلق أحد الكتاب الظرفاء على أمثالهم في بعض النظمة الخرى وصف "البقارالمقدسة" التي ل فائدة ترجى منها بينما تحميها بعض العقائد ،وتحر"م التخلص منها. وتارة أخرى يسوقنا الحديث ويعود بنا إلى التأمل في الفجوة بين النخبة المثقفة والمفكرين ،وبين بعض أصحاب القرار وصمناعه من ذوي الأفكار منتهية الصلحية ،منزوعي الفكر ،الذين يعانون من أنيميا حادة في الذوق والتذوق! أو تلك القلة من أصحاب القرار ،ذوي النزعة السلطوية التي تلغي النقد وتقتل الروح .والذين يبسطون أيديهم كل البسط في أمور ل تهم سواهم ..بينما يجعلون أيدهم مغلولة إلى أعناقهم عندما يتعلق المر بالثقافة والفنون وإسعاد الخرين. هذا إلى جانب إصرارنا على العودة ،بين كل حين و آخر ،لتلبية أشواقنا ولهفتنا ،التي ل تكل ول تذوي ،إلى الحديث عن المثل العليا وأصحابها من الحالمين الشرفاء ،وكذلك "البراقشيين" منهم ،وما أكثرهم! هؤلءالذين "جنوا تعلى أنفسهم" ويعانون من نتيجة اختياراتهم المثالية )!( وهكذا لم نترك جلسة من جلساتنا تخلو من الحديث عن المؤسسات التي كنا نحلم بأن تزخر بها دويلتنا المأمولة ،والتي سوف تعمل على إحياء ثقافتنا وتطويرها. __________________________________________ )**(
رجوتعا إلى الية الكريمة "إذا أردنا أ ن نهلك قرية أطمدرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق تعليها القول فدمرناها تدميرا".
هو ،الديب الذي ل يمتلك من حطا"م الدنيا سوى أدبه و مكتبته التي تتكون من آلف الكتب القيمة والنادرة ،يتحدث عن "دار الكتب" 38
الفلسطينيه التي يحلم بها ،والتي أوصى في وصيته ،كما أسر لي مؤخرا ،أن تنتقل مكتبته هذه إليها ،في بلدته "خان يونس" ،كمساهمة منه .ثم يتحدث بإسهاب عن "دار النشر" التي سوف تهتم وزارة ثقافتنا بإنشائها ودعمها لكي تعيد طباعة ونشر التراث الدبي الفلسطيني ،إلى جانب دعم وتشجيع وتلبية طموحات الدباء والمبدعين الشبان. وأتحدث أنا عن "مؤسسة السينما" التي سوف ترعاها دويلتنا ،والتي سوف ترعى بدورها المواهب الشابة من السينمائيين الفلسطينيين المبعثرين في كثير من النحاء وإعطائهم الفرص ليؤدوا دورهم في الدفاع عن قضيتهم والتعبيرعن تطلعاتهم وآمالهم ،وتحقيق أحلمهم وإبداعاتهم .وأمنى لنا أن ننسى "الرشيف السينمائي الفلسطيني" ،ذاكرة المة ،الذي طالما انتظرناه لكي يقو"م بجمع وحفظ كل ما أنتج من الفل"م عن فلسطين وقضيتها وتاريخها ،ونضال شعبها وتضحياته. هذا إلى جانب "صناتعة السينما الفلسطينية" التي أثبتنا عمليا ،في بيروت ،من خلل "معمل الصخرة"** ،بأننا قادرين على امتلك أدواتها ..وإنشائها ..وتطويرها. ولم ننس أن نعطي بقية الفنون حقها من الهتما"م والعناية والدعم.. كالفنون المسرحية والموسيقية والتشكيلية والتطبيقية ..و ..و ..إلخ كل هذا ونحن مدركين أ ن الصمت تعن أخطائنا يقربنا من نهايتنا، وأ ن في فضيلة "نقد الذات" حماية لنا من النزلق إلى مهاوي الغرور الذي من شأنه أ ن يعطل نمو الوتعي لدينا ومن قدرتنا تعلى أ ن نتدارك ونبادر بتصحيح هذه الخطاء. ولم نختلف أبدا حول تصنيف تلك "الرواية" المأمولة ،وكذلك الفيلم __________________________________________ )**( التابع لقطاع السينما في مؤسسة معامل أبناء شهداء فلسطين "صامد" ،الذي كا ن لي آنذاك شرف المساهمة بتأسيسه وبتطويره ،والذي تم تصفيته خلل الجتياح السرائيلي لبيروت تعام 1982
طبعا ،الذي رأينا أنه سوف يندرج تحت مسمى الدراما الكوميدية. فهناك في حياتنا الكثير من المضحكات! 39
هذا ..وكثيرا ما كانت جلساتنا تسفرعن حوارات حول مختلف فروع الثقافة وصنوفها .فقد كان صديقي واسع الطلع ،بارعا في طرح أسئلته التي كانت سرعان ما تقودنا إلى تحليلت لم تكن تخطر على البال. وهكذا يجرنا الحديث ويتشعب إلى موضوعات شتى تتعلق بالفنون.. الصالة والمعاصرة ..الشكل والمضمون ..التراث والحداثة ..الثقافة والسلطة ..الحرية ..النقد والنقد الذاتي ..اللتزا"م ..الخر ..العولمة ..و "صراع الحضارات" ..وماإلى ذلك من المصطلحات والمسميات الجديدة ..إلخ وكنت أعود بعد كل لقاء لجلس إلى صديقي "الحاسوب" ،فأعيد صياغة إجاباتي وتعليقاتي على أسئلة وطروحات "أحمدعمرشاهين". فقد كنت أجدني في الكتابة أكثراستجابة ،أوأكثرقدرة على صياغة الجابات بشكل أكثر وضوحا. كنا ،في نهاية كل جلسة ،نؤكد أن ل ينسى أحدنا أن يحضر جهاز التسجيل المحمول لكي يختزن ما دار بيننا من "حوارات" تستحق النشر ،و"ما نطقنا به من درر" ..حسب تعبير صديقي الطريف! وفي أحد المرات ،أتيت له بورقة مطبوعة فيها "صياغة" لما جادت به ذاكرتي عن آخر ما دار بيننا .قرأها وسارعني بسؤاله: مادمت تمتلك ،إضافة إلى لغتك السينمائية ،قدرة ل بأس بها علىالتعبير كتابنة ،فلماذا ل تبدأ بكتابة سيرتك الذاتية التي أرى فيها، حسب ما سمعته عنك ،ومنك ،الكثير مما يستحق التدوين؟ وأخص بالذكرهنا ما يتعلق بـ"السينما الفلسطينية" ..وتاريخها ومسيرتها؟ قلت له ،متداركا ،ما أكدته مرارا بأن التأريخ للسينما الفلسطينية له أصحابه الكفاء وأن كل ما أستطيع فعله هو أ ن أحاول أ ن أزودهم بما يتعلق بتجربتي أنا ،التي ل يعرفها الكثيرين. وأكدت له أنني قد بدأت بالفعل بتدوين ما يسمى بالسيرة الذاتية. 40
وتكررت بعد ذلك لقاءاتنا ،وحواراتنا ،وأحاديثنا التي أسفرت عن مزيد من مدوناتي.
*
*
41
*
42
في أحد
المرات..
سألني صديقي ،كما سألني آخرون ،إذ بلغهم ،صدفنة ،أنني أقو"م بتدوين سيرتي الذاتية: ..هل تنوي أن تنشر ما تكتب؟م وجدتني أرد ،كتاباة ،بيني وبين "خلي الوفي": بالرغم من أن بعض المقربين من الصدقاء قد قرأوا بعض ما كتبت، وأبدوا إهتمامهم .بل وقارنوا -لصالحي -بين بعض ما قرأوه لي، وما نشر الخرون. بالرغم من ذلك فأنا ما زلت أشعر أنني أكتب لنفسي. أحدق في ذاتي وما حولها .أغوص في بحرها .ألطم أمواج الذكريات وأغتسل بها من همومي. أستعيد أياما أكثر سوءا من أيامي هذه فاحمد ا على ما أنا فيه. أو أياما حلوة -فأحمد ا أيضا -وأستعين بها على النسيان والسلوان. أحاول فيما أحاول ،أن أرى نفسي في مرايا الخرين ،وأعيدالنظر إلى الخرين في مراياي. أحرص.. )إن وقعت عين يوما على ما كتبت( أن ل يت ن ظن بي أنني أسجل "إعترافات" لي )وما أكثرها ،أخطائي التي لم تؤذ أحدا إلي( وأتجنب.. أن تيرى فيما أكتب شبهة العتذار ..أوالتبرير.. 43
أو تيظن أنها محاولت لتأكيد ما أنجزت )وما أقله( افتخارا به ..أو تجميل له ..أو حتى إعادة صياغة قلذاتي )بعد طول نكران مني لها( لتبدو بشكل أكثر قبول. وأخشى.. من أن تتسرب سنوات العمروتنساب ،قبل أن أقول مايليق بي أن أقول. فإذا ما داخلني شعور بأنني قد فعلت..عندها قد أفكرفي النشر. هل تراني مترددا؟ أ"م تراني أرهب أن يتحول بعض ما قد يتسرب من خلل كلماتي.. )رغما عني( م إلى حراب في أيدي "قطاع الطرق"**.. تهدد حتى خواطري التي لم أنطق بها ..أو أدونها بعد؟! فأنا أعرف بعض من حاول "كاتم الصوت" إسكاتهم.. ي أصواتهم المكتومة. فإذا بنا ،بذلك ،ل نكف تعن سماع دو ط ما قيمة ما أكتب إن لم أضمنه رأيي فيما تيكتب؟ ما قيمة قولي إن كان ل يضيء عتمة ما يقال؟ ما قيمة رأيي إن لم يكن فيه تقويم لما أرى؟ ما قيمة صوتي إن لم يسمع الناس تعقيبي على ما أسمع؟ ألم تأبقد مخاوفي بالمس من هذا الذي يخيفنا اليو"م؟ ألس ت ت القائل مرة أنه ،لكي نرى واقعنا بدو ن ظلل ،ل بد من أ ن تتعدد مصادر النور؟ وبما أنني ،كما اعترفت في أكثر من مناسبة ،ل أجيد قراع الكلمات الشفوية ،فإنني بسبيل أن أدلي بشهادتي مدونة .ولن يوقفني شيء عن مواصلة الكتابة. _______________________________________
)**( "ق ط طاع الطرق" أصبح وصفا لفئة تعجزت تعن أ ن تجد لها مكانا فقررت أ ن تحول دو ن وصول الخرين إلى غاياتهم .
44
أقول.. قد يستطيعون تجريدي من كل شيء. أصبح بل أرض ..بل وطن ..بل مأوى! لكن هل يمكن أن يجردوني من كلماتي ..ثوب أفكاري ..من لغتي التي تسكنني و أسكنها ،وآوي إليها عندما يتبدد الحلم ..أو يكاد؟ وما زلت أقول مع القائلين بأن: أكثر العداء عداء لبلد ما هو نفر من أهلها جاء بهم "السلطان" ليجلس كل منهم على كرسي لم يسبق له أن تطلع في أحلمه إلى مثله، ليقين منه أنه لم تكتمل له الهلية لذلك الكرسي .وهنا يصبح الشاغل الوحيد لشاغل ذلك الكرسي هو مراقبة ملمح وجه "السلطان" لرصد معالم الرضى والقبول لديه ،وإعمال الحيلة ،ول أقول إعمال الفكر، للحيلولة دون ما من شأنه أن يهز ثقته به .وأول تلك الحيل هو التحلي بالحكمة القائلة: "من ل يعمل ..ل يخطيء!" أما الحيل الخرى فتدور في فلك "حممالي الحطب" و "قت م طاع الطرق" وأساليبهم. وأعيد القول: سوف أمارس حريتي -ذلك المطلب العصمي -في الكتابة. ومن يدري؟ فيقيني أنه سيأتي ذلك الحين الذي أتمكن فيه ،كما تمنيت دائما ،من العودة إلى الكتابة بلغتي التي أحبها وأجيدها.. الكتابة بالنور ..والظلل ..والغنيات.
*
*
45
*
46
لم يكن يعرف!..
الكاتب الفلسطيني ،المتنفذ) ،ل داعي لذكر اسمه ،فهو واحد من كثيرين( ،أقبل وعلى وجهه ابتسامة عريضة تنم عن حالة الرضا والسعادة التي يمر بها في تلك اللحظة ،وهو يحمل رزمة من نسخ الطبعة الولى لخر مؤلفاته الروائية ،ويشرع في إهداءها ،بتوقيعه، لبعض الزملء في دائرة الثقافة ،في تونس. يخصني بابتسامة خاصة لم أتوصل إلى معناها في البداية أثناء رواحه ومجيئه بين مختلف أنحاء تواجد الزملء .بينما أنا أرى تقلصا ملحوظا في كمية النسخ التي يحملها ،وأنا أتوقع في كل مرة أنه سرعان ما يخصني بنسخة من روايته الجديدة .لم أتعجل ذلك لنه كان يحمل بين يديه عددا لبأس به من النسخ وسوف أحظى بكل تأكيد بواحدة منها. إلى أن فرغت النسخ من بين يديه تماما. استوقفته بنظرة متسائلة . نظر إلي ببراءة شديدة وهو يكاد أن يسألني: مالك؟ هل أنت بخير؟!لم أكن بحاجة إلى كلمات لبدي له تعجبي من عد"م حصولي على نسختي. حسبته سوف يعتذر لي بأن فلنا قد استولى عليها ،وأنه سوف يعدني بمثلها في أقرب فرصة. لكنه فاجأني بقوله: أنا آسف ..لم أكن أعرف أنك تحب القراءة!كذا ؟!!!! "السينمائي" ،في نظر بعض "المتنفذين" أو "أصحاب القرار" ،أو القائمين منهم على ادارة شئون السينما ،هو شخص"حقرنفي" ل شأن له بغير هذا "الكار" .وهو ،على أحسن الفروض " ،معلم " أو "أسطى" 47
يفهم في شئون التصويرأو الضاءة أو تسجيل الصوت أو تركيب الصور ..وما الى ذلك. وهو تصورأبسط ما يمكن أ ن يوصف به أنه متخلف .وستظل "ثقافة" المؤسسات والدوائر التابعة للسلطة متخلفة أيضا ،ما لم تتغيرتلك النظره ،وما لم تأخذ السينما مكانها كفن وتعلم وصناتعة، وما لم تصبح رقما في معادلة الثقافة الفلسطينية .وما لم يعتبر السينمائي مبدتعا ..مفكرا ..ذو رسالة ،أسوة بغيره من المبدتعين والمفكرين الذين يحملو ن مسئولية رفع لواء الثقافة الفلسطينية. والسينما،على فكره ،ليست مجرد خطب سياسية موضحة بالصورة المتحركة الناطقة .كما أنها ليست أفلما "تسجيلية" ،أو"وثائقية" فحسب! ولقد كتبت ذات مرة: "وتعريفي للسينما بشكل تعام هو أنها" ..لغه" .ومن يمتلك هذه اللغة ،يستطيع أ ن يقرأ لنا التاريخ ..ويضعنا أمام الحاضر الواقع. ويستشف لنا المستقبل ،ويملنا بالتفاؤل والقوة والحساس بالجمال، ويقول لنا شعرا ،ويحكي لنا رواية ،ويرينا فنا تشكيليا ،وسيـسمعنا موسيقى ،ويمتعنا بكل أنواع الفنو ن .وهو من خلل ذلك كله يوصل الينا "رسالته" ،التي يمكن أ ن تحمل الينا تساؤلت تعن أتعقد القضايا ،أو تفسيرا لها. وأخص بذلك الفيلم الروائي بالذات". والسينما الروائية ليست مقصورة على"الخبراء الجانب" .نلجأ اليهم، ونغدق عليهم ،عساهم أن يحكون للعالم عن قضايانا وهمومنا. وليتق "أصحاب القرار" ا في الجيل التالي ،والحالي ،من السينمائيين الفلسطينيين.
*
* 48
*
الخبــــــراء..
كثيرا ما ينعم ا على بعض"متنفذينا" بلحظات يشعرون فيها أنهم ل بد وأن يسايروا الزمن. وما زلت أذكرأحدهم ،وقد قابلته صدفة في المطار لدى وصولي تونس قادما من القاهره ،حينما رحب بي بحفاوة بالغة ،وتبادل مع رفيق سفره نظرة أشعرتني أنهما كانا يبحثان عني ،ثم أخذ يزف إلي بشرى قرار الدائرة التي يشغلونها بإنتاج فيلم روائي ها"م عن القضية الفلسطينيه. ثم ..سألني ،بصفتي قد قضيت وقتا طويل في مصرعلى علقة بالوسط السينمائي )!( ،أن أدله على "مخرج سينمائي" مصري جيد ليقو"م بهذه المهمه! تساءلت بيني وبين نفسي: ولم هذا التواضع!؟ ألم تسمعوا عن "المخرجين العالميين" الذين استأجرتهم "الصهيونية العالميه" لخراج "أفل"م عالميه" ..مثل فيلم "قائمة شندلر" ..ومن قبله فيلم "الخروج" ..مث ا ل؟ ثم قلت بيني وبين نفسي أيضا: بل هي،على القل ،خطوة عرجاء في إتجاه صحيح. أما قصتي مع المتنفذ الخر ،القتصادي ذو الشأن الكبير ،الذي أخذ يبرر قراره ،الذي كان السبب في فشل أكثر من مشروع سينمائي فلسطيني ها"م ،بأن دوافعه في ذلك أنه -بالحرف الواحد" -يشتغل سياسه"! وهو يعني أن قراره نابع من إعتبارات سياسيه .وكأن السينما مجرد تهريج لعلقة لها بأي اعتبارات أخرى! 49
تلك قصة تبين أن هناك من المتنفذين من "يفهم" في السياسة والقتصاد مثلما "يفهم" في ..السيما. وعسى أن يأتي اليو"م الذي يدركون فيه أن هناك أمورا حياتية يتعين على أهل السياسة أن يتفهموا بواعثها ونتائجها لكي يعرفوا كيف يتعاطوا السياسة. وما أكثر ما سمعنا ردودا على مطالبنا بتمويل مشروع سينمائي، تتلخص في أن المقاتل الفلسطيني أحوج إلى الرصاصة منه إلى الفيلم السينمائي .فتيسقط في أيدينا ،كما يقولون ،ونجاهد في سبيل أن نسكت. ذلك ،في الوقت الذي كنا نسمع فيه عن أموال تصرف على التوالي لمخرجين )ومخرجات( أجانب ،بإصرار وبدون تردد .وتكون النتيجة أنهم ،حسب شهادة العارفين ،لم يقدموا -أيضا -شيئا متميــــــــــزا. وفي بعض الحالت ،ثبت أنهم ،بعد أن تقاضوا مبالغ طائلة ،لم يقدموا شيئا على الطـــــــــــلق)؟!( في أحد اليا"م ،بعد أن سكتت البنادق والمدافع ،قال القائد العا"م "ياسر عرفات" ،في اجتماع له مع أفراد المكتب الداري لتحاد الفنانين الفلسطينيين ،وكنت أنا منهم ،ما معناه أنه لم يبق للفلسطيني، المحاصرفي منفاه ،أوحتى في أرضه ،من سقف يجمعه مع إخوته سوى تراثه وحضارته .قلت هاهو"أهمهم" قد شهد أخيرا أن ا حق. وتمنيت أن يعطى جزءا يسيرا من ثمن تلك المدافع ،التي سكتت، للفنانيـــــن الفلسطينييــــــن لكي "يطلقوا" مواهبهم وقدراتهم .وهي، كما قال ،السلح الوحيـــــد المتاح ..في معركتنا القادمه.
*
* 50
*
أفكــــــــار..
لم أكن بحاجة إلى إلحاح .كنت أجدني في أشد الحاجة إلى أكثر من رأي فيما أكتب .فما بالك إذا كان من بينها رأي كاتبنا "أحمد عمر شاهين"**؟ وعندما كان موعد "عودتي" يقترب ،كان يرى أن لقاءا ،أو أكثر ،معي على صفحات الصحف المحلية ،التي تصدر في تلك "النتفة" من أرض الوطن ،حسب تعبيره ،قد يكون له أثره في التعريف بنا والتأكيد على أهمية دورنا ورسالتنا البالغة الهمية ..نحن السينمائيين. كان قد عرف عن معاناتنا ،نجاحاتنا وإخفاقاتنا ،في بيروت التي قضيت فيها زمنا امتد من عا"م 74حتى عا"م .1982أعمل مع غيري في مجال السينما الفلسطينية. كنت أؤجل تنفيذ اقتراحه مرة بعد أخرى ،متسائل"..ماذا عساي أن أقول؟" وقد أشبعنا أمورنا أقوال. وإذا بصديقي "أحمد" ،في اليو"م السابق لسفري ،يناولني بضعة أوراق لعلي أجد في وقتي متسعا للجابة على ما جاء فيها من أسئلة ،فأقو"م بعد ذلك بإرسالها له عبر البريد اللكتروني .ليتولى هو صياغة "الحوار" المطلوب بالشكل الذي يراه ،وإرساله للنشر في الصحيفة التي يراها مناسبة .ولحسن الحظ ،كنت قد قمت بما يسمى "تفريغ الشرطة" التي ___________________________________________ )**(
صديقي الكاتب "توفيق فياض" كا ن أحد المقربين القلئل الذين أفادوني وجادوا تعلطي بملحظاتهم تعلى بعض ما كتبت ،وإ ن كنت ألمس قدرا من المحاباة التي تفرضها صداقتنا ويمليها حرصه تعلى تشجيعي .لكنه استطاع مع الصديق الكاتب "مهدي الحسيني" أ ن ينجح في تزويدي بملحظات هامة بذكاء ملحوظ .
51
تم تسجيلها في جلساتنا ،وتخزينها في ذاكرة الحاسوب ،بحيث يسهل الرجوع إلى مضمون أحاديثنا في أي وقت لحق .ولم ينس صديقي أن يوصيني بالسترسال ،أو عد"م الختصار ،في الكتابة ،وعد"م التقيد بحجمها ،إذ ربما يتم نشر الحوار على أكثر من حلقة ..في أكثر من صحيفة. *
*
52
*
حـــوار حول النســا ن ..وإبداتعــاته.. صديقي العزيز أحمد.. أحمد ا أنني )بينما أنا في انتظار اللقاء المصيري مع الرفيق"ياسرعبد ربه ،الوزيرالذي يحمل ،لشدة دهشتي واستنكاري ،لما في ذلك من " العل"م ،وظيفته " الثقافة إلى جانب حقيبة" تسطيح لمفهو"م الثقافة ،حقيبة" " الرئيسية التي أعترف بأنها تليق به ويليق بها( ،وجدت متسعا من الوقت ،بالضافة إلى متسلع من الترحيب من قبل فتيات مكتب " الحاسوب غزة ،لن أجلس إلى جهاز" السكرتارية في مقرالوزارة في" " هناك ،لكي أغوص ،على فترات ،في بحر أسئلتك سائل المولى أن يكفيني شر الغرق! ولقد رأيت أن أختصرالشارة إلى السئلة ،أو حتى عد"م ذكرها في بعض الحالت ،لنني أعتقد أن الجابة سوف تحتوي على فحوى السؤال .ولك بعد ذلك ،على أي حال ،أن تعيد صياغة ،أواختصار ،أو إعادة تبويب ما أكتب ،لتجعله يأخذ شكل الحوارالذي تراه صالحا للنشر. كما رأيت ،نظرا لغزارة السئلة وتنوعها ،أن تكون إجاباتي على دفعات .ذلك لكي أتيح لنفسي فرصة للتفكير في صياغتها. هذا ..مع يقيني بأنك سوف تستبعد ما من شأنه أن يثير الحساسية، وتبقي على ما من شأنه إكمال الصورة. وذلك مع قناعتي بأن الحوار بين طرفين ،أو أكثر ،ل يكو ن في الصل بغير حضورهما في زما ن ومكا ن واحد ،لكي تكتمل له أهم تعناصره، ومنها السترسال ..والتداتعي والتبادل في الفكار والخواطر. ولكن ما حيلتنا وقد جمعتنا صفة التشتت ،أو الوجود خارج مكاننا؟! ودمتم. )انتهت الرسالة( غزه في 5/9/1996 53
س:
الفن..؟
ج :رحم ا الديب والمفكر "زكي مبارك" صاحب سلسلة المقالت الشهيرة "الحديث ذو شجون" ،في جريدة "البل"غ" المصرية العتيدة. فالحديث عن الفن ل بد وأن يأخذ شكل مشابها ،ل يخلو من التداعي والسترسال .خصوصا وقد أتيحت لي رفاهية أن أنفرد وأجلس إلى جهاز الحاسوب ،مستعينا بذاكرتي ..وذاكرته. فعسى أن أوفق في إجاباتي ..ول أنزلق إلى حافة إدعاء المعرفة. وعلى كل حال ،فما المعرفة إل حصيلة ما قرأناه ..وتعايشناه ..وما جاء ردا تعلى تساؤلتنا إطبا ن رحلة العمر. بداية أحب أن أؤكد أنه من العبث ،بالرغم من كل ما قيل في الفن ،أن نجد تعريفا شامل لماهيتة ومعناه .فالفن ل يعمرف مثل سائرالشياء، إنه ليس بشيء ..إنه طريق إلى الكثير من الشياء. إنه مثل كل القيم الكبيرة التي تعجزالعبارات أن تحيط بها وتعطيها حقها من التعريف .هل استطاع أحدنا أن يضع لنا تعريفا شافيا كافيا لمعنى الحياة ..والصدق..والصداقة ..والحب ..والوفاء ..والعدالة .. والجمال؟ كل مانستطيع أن نفعله هوالقتراب من صورة ومضمون هذا المفهو"م أو ذاك. وعلى كل حال ..فكلمة "فن" تستخد"م عادة لتدل علي أعمال إبداعية كفن الرقص ..أوالموسيقى والتلحين ..أوالغناء ..أوالشعر ..أوالكتابة والتأليف. والتي تعد نتاجا للموهبة البداعية عند البعض. الفن هو أجمل تعبير عن ميلد الحياة على الرض. إنه ملذ للروح.. وهو نافذة الروح إلى العالم والشياء والناس..والخرين. وربما يكفي الفن تعريفا أنه القادر على أن يوفر لنا المباهج الروحية، 54
التي من شأنها أن تزيل رواسب متاعبنا البدنية والنفسية. إنه مهارة يحكمها الذوق ..والموهبة. وهو وسيلة ،وليس هدفا. إنه الطريق السرع لبناء الحضارات. هذا ولقد جرى التعارف تعلى أ ن هناك نوتعا ن من الحقيقه: حقيقة تنير لنا الطريق..وأخرى تعلي كلمة الحق..والخير ..والجمال.. و تدفيء القلب ..وتنعش الروح. الولى هي العلم ،والثانية هي الفن والبداع. فالفن هو قيمة إنسانية لها ثمارها كما الشجار ،أصلها يغوص في رحم الرض ،وفروعها ترتفع حاملة أنواعا شتى من الزهار والثمار. والفنون على أشكالها ما هي إل وجوه مختلفة للحضارة النسانية. فالفن إذن ،هو إمكانية أ ن نجعل للمشاتعر شكل محسوسا. أو أنه القدرة تعلى صياغة الحلم بشكل يقربها من الحقيقة. ونحن عندما نمتلك الموهبة ،المدعومة بالثقافة والعلم ،ونتمكن من أن نعبرعن مشاعرنا بطريقة محسوسة ملموسة ..فهذا هوالفن. هذا ،علما بأن أدوات التعبير عن المشاعر كثيرة متعددة متنوعة. وهي قد أضحت من أهم الوسائل لفهم الحياة و العالم. والفن ،كما كان يحلو لـ"بابلو بيكاسو" أن يعمرفه: "كذبة تجعلنا نتعرف على الحقيقة". أو كما يقول "جوستاف فلوبير": "من كل الكاذيب ،الفن هو أبعدهم من تعدم الصدق". وقديما قالوا عن الشعر ،وهوأحد أهم وأعرق الفنون ،مداعبين: "اعذب الشعرأكذبه"! وأضاف شاعرنا "البحتري" ممازحا: "الشعر تيغني عن صدقه كذبه"! 55
والفن ،بعلقته الوثيقة المتواطئة مع الحل"م ،يعتبر شريكا وثيق الصلة بالحب .بما في ذلك حب الوطن ..وحب الخر ..وحب الخير إلخ. فأنت إذا استبعدت الحب لن يكون هناك أحل"م ..ول فن. والفرق بين الفن واللفن ،يشبه -وشتان بين هذا وذاك -الفرق بين "الحلم" و "الكابوس" .فالحل"م تعيش في إيحاءاتها ،والكوابيس تموت إن لم يحولها الفنان إلى أحل"م. في "السينما" مثل ..يندفع المشاهد ،تحت تأثير المفردات البصرية في العمل السينمائي ،مستعينا بخبرته ومخزونه في هذا المجال ،للمشاركة في خلق الحالة التي يسعى إليها المبدع لينشأ عن ذلك شحنة نفسية تحمل مضمونا موحيا ،تستدرج حواسنا ،بصرا وسمعا ،لتمنحها بهجة غامضة فيها شعور بلذة ما! س:
وظيفة الفن ..ومهمة الفنا ن؟
ج :الفن واقع خيالي يكمن في تفاصيله جوهر الحقيقة .بمعنى أننا لو حرصنا على إعادة عرض هذه التفاصيل بطريقة مبتكرة لتمكنا من أن نصل بالمتلقي إلى غرض أو هدف معين. إن من صميم أغراض الفن إظهارالمزايا الداخلية للشياء ،أما الشكل الخارجي فهو ثانوي الهمية. ومن أغراض الفن بلورة "العواطف" وصياغتها إلى "أفكار" ،ومن ثم عرضها في "شكل ما". والفن هو ،إن جازالتعبير" ،صدمة" يحدثها العمل الفني في المتلقي.. يكون نتيجتها "التغيير" ..إلى الفضل طبعا. والخبير الياباني "ماساكي إماي" كان له الفضل في تكريس تعبير يتكون من كلمتين هما "كاي" ،وتعني التغيير ،و"زن" ،التي تعني للفضل ،حينما دمج الكلمتين في لفظ واحد وهو "كايز ن" ليصبح المعنى التغيير إلى الفضل .وذلك ما أصبح يشير إلى نظرية باسم ذلك 56
الخبير الياباني ترفض الفكار المسبقة وتنادي بالمواظبة تعلى محاولة التغيير التدريجي إلى الفضل بدو ن كلل أو ملل. فالفن هو أداة للتمرد ،أو التعبيرعنه ،وبالتالي فهو طريق إلى التغيير. وهو ،بشكل عا"م وبمعناه الشمل ،خطوات دؤوبة متواصلة نحو اكتمال الوجود ،مما يحقق للنسان قدرا من التفاؤل والسعادة من خلل تأكيد قيم الحق والخير والعدالة والجمال ،ومما يبين لنا أن وظيفة الفن هي ،أيضا ،أن يمسح عن أرواحنا غبار مشاكل الحياة اليومية وأعباءها وأحزانها. هذا ،وإنه ،بل شك ،لمما يدعو إلى التشاؤ"م أن نكون غير قادرين على التغيير! ذلك لن التغيير هو سنة الحياة ..ودليل على استمرارها. وقديما قالوا أ ن التغيير هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في الحياة. س .. .. .. :؟ ج :البداع لم يكن ،ولن يكون ،ترفا. إنه ضرورة يقع تحقيقها على عاتق الفنان ،الذي يتعين عليه القيا"م بدوره عن طريق إبداعاته في الرتقاء بالذوق ،وصقل "ثقافة الحواس" وتنمية "ذكاء المشاعر" ،لتؤكد تناقضها مع القبح .قبح التصرفات والسلوك أيضا. و"ثقافة الحواس" ..و"ذكاء المشاتعر" هي صفات إنسانية يترتب عليها نمو المهارات والصفات التي من شأنها أن تساعد الناس على التجانس معا. الشاعر والمفكر اللماني "جوته" يوصينا: "يجب على النسان أن يواظب ،في كل يو"م من أيا"م حياته ،على سماع الموسيقى أو قراءة الشعر أومشاهدة الصورالجميلة لكي ل تذوي حاسة تذوق الجمال التي وهبها ا إياه". وأفلطون يؤكد موصيا: "علموا أولدكم الفن ،ثم أغلقوا السجون!"
57
تعلى أ ن العمل الفني ،تعبيريا كا ن أم تشكيليا ،ل يكتمل بدو ن الحوار الصامت بينه وبين المتلقي ..ومن ثم الحوار الصاخب الجاد بين المتلقين أنفسهم. هذا..ول ننسى أ ن المعيار الحقيقي للفن أ ن يستطيع تذوقه أقــل النــاس تحصيل وأكثرهم تحصيل تعلى السواء. س :تصنيف العمل الفني..؟ ج :أحب هنا أن أؤكد قناعتي بأن الفنان يبدع أول ..ثم تتبين لنا أدواته بعد ذلك ما كان يعنيه و يرمي إليه .وللناقد أو المتلقي بعد ذلك أن تيجري تصنيفه ..وتفسيراته .فالعمل الفني يوجد أول ..ثم يصنف بعد ذلك ..وليس العكس .والبداع الحقيقي هو الذي يسبق النظرية ويمهد لها .وهدف الفنان هو أن يوحي فقط ..وعلى المتلقي أن يستنبط الدللت. والعبرة ،في أي عمل فني ،هي في المعنى الجمالي للعمل! ول يجوز محاسبة التفاصيل بعيدة عن سياقها! هذا علوة على أن العملية البداعية هي محاولة لإدماج الحلم بالواقع.. كما يعتقد السيرياليون ،الذين يرون أن الحقيقة تكمن في الخيال ،ل في العقل كما يرى الكلسيكيون ،ول في النفعال كما يرى الرومانسيون، أو فنانو المدرسة التأثيرية الفرنسية الذين رسموا كما رأوا واستشعروا ل كما عرفوا ،حيث أن ألوانهم التي نراها تختلف عن تلك التي تقبع في ذاكرتنا بوصفها سمة الشياء والطبيعة. وكأنما كانت مهمة الفنان ،في أي زمان ،هي أن يكتشف بحاسته المرهفة ما لم تفعله يد الطبيعة من قبل ،ليفعله هو ،أو يوحي بذلك. س :مكا ن التأثير للفن ..هل هو العقل أم القلب؟ ج :سؤال يكاد أن يكون عبثيا ..مراوغا. وإلم لما تعددت بشأنه الجابات والجتهادات والدراسات والكتشافات، بحيث كدنا نخشى أن نركن إلى واحدة منها دون الخرى ،ول بأس من أن نتطرق معا إلى إحدى هذه الجتهادات: 58
فكلنا نعرف أن القلب هو مجرد مضخة لتوزيع الد"م إلى أنحاء الجسد لمداده بالغذاء والقوة .فالقلب ،كما تعلمنا في دروس الصحة ،يتكون من جزأين :جزء أيمن ،يستقبل الد"م الفاسد ،أو المستهنلك ،ويرسله إلى الرئة لتقو"م بتصفيته وتنقيته بفعل الوكسجين المستخلص من الهواء عن طريق الرئتين .وجزء أيسر ،يستقبل الد"م الصالح ،أو النقي ،ليعيد إرساله إلى أنحاء الجسم ليستفيد منه ويستعيد لياقته وتوازنه .وذلك ما سمي بالدورة الدموية. ولقد قرأت فيما قرأت أن الدما"غ ،الذي يحتوي العقل ،أيضا جزءان. الجزء اليمن الذي يتميز بمسئولية جزء من تلفيفه ،التي تسمى مراكز شعورية،عن الخيال المبدع واللهام ،والجزء اليسر الذي يشمل التلفيف أو المراكز الشعورية المسئولة عن التحليل والمنطق. ولو فرضنا أن الد"م المتدفق من وإلى القلب تقابله "مشاعر" متدفقة من وإلى الدما"غ ،فإن الجزء اليمن منه هو الذي يقو"م بمهمة تنقية ما وصل إليه من المشاعر .والجزء اليسر يقو"م بمهمة توزيع هذه المشاعر اليجابية..النقية..لكل الجسم حتى يشعر بالتوازن. ربما نقترب أكثر من الجابة على سؤال "القلب أ"م العقل" عند الستعانة بما أدلى به "د .جاري شفارتس" ،أستاذ علم النفس بجامعة "أريزونا" ،بشأن زراعة العضاء ،والقلب بالذات ،وأثر ذلك على بعض سلوكيات المريض بعد ذلك. فعندما أجريت هذه العملية لشخص كان على وشك الموت قبــل أن يجــد متبرعا بقلبه ،لوحظ ،بعد أن تم إجراء العملية له بنجاح ،أنه بينمــا كــان المريض يستمع إلى أغنية حزينة ،أنه كان يبكي متأثرا بكلماتها. هذا..علما بأن المريض لم يسبق له أن تأثر بهذا النوع من الغاني التي تبين أن المتوفي ،صــاحب القلــب المنقــول إلــى المريــض ،كــان يفضــل سماعها ويتأثر بها. يفسر"د .شفارتس"ظاهرة التغيرات هذه بأن كل خلية في جسم النســان تحتوي بشكل عا"م على مجموعة متكاملة من الصفات الوراثية الخاصة بالشخص المتبرع وهــذا هــو ســرتغير ســلوك وعواطــف مــن تعرضــوا لهذه النوعية من الجراحات .وفيما يخص القلب ،فبالضافة إلى صــفاته 59
الوراثية ،فهو يحتوي أيضا على جزء من ذاكــرة النســان وهــو الجــزء الذي له علقة بذوق وميول وعواطف وأحاسيس صاحبه .وهذه الذاكرة هي السبب فــي التغيــرات الــتي تطــرأ علــى كــل مــن تجــرى لــه عمليــة زراعة القلب .وتظهر هذه التأثيرات بوضوح كلما كان الختلف كبيرا ملحوظا بين ذوق وسلوك المتبرع والشخص الذي تم نقــل هــذا العضــو له. ومن أطرف ما قرأت حول هذا الشــأن ،هــو ظــاهرة ورود ألفــاظ بذيئــة على لسان شخص أجريت له عمليــة "زرع لســان" لــم يحــدث ،بشــهادة المقربين منه ،أن تفوه بها قبل إجراءالعملية له .بينما شـهد بعضـهم بـأن المتوفي ،صاحب اللسان ،قد درج على التفوه بتلك اللفــاظ! وذلــك ممــا يؤكد أن أعضاء النسان تمتلك ذاكرتها الخاصة. ثم يكتشف العلماء مؤخرا أن القلب يحوي أكثر من أربعين ألف خلية عصبية لها دور مهم في التفكير والدراك والسلوك وتوجيه الدما"غ. س :الحاسة السادسة ..والفنا ن؟ ج :من الطبيعي أن يتمتع الفنان بنسبة أعلى من غيره من هذه المنحة الربانية ،التي تتجلى قدرتها بأشكال وأسماء مختلفة ..مثل الشفافية ..والفراسة ..أو الحدس ..أو الستبصار ..أو نفاذ البصيرة إلى أشخاص أو أحداث ..أوالذكاء الجتماعي ..وحب المغامرة المحسوبة أو قراءة الأفكار أو المشاعر ..أو التنبؤ بأحداث أثناء وقوعها في مكان بعيد ،بل حتى قبل وقوعها. قد ل تشعر بارتياح لشخص بدون أن تعرف سببا ا لشعورك هذا .بل تجد هاتفا من أعماقك يطالبك بأن تتجنبه .فإذا ما توطدت علقتك به أثبتت لك اليا"م صدق إحساسك الخفي. هذا هو أحد مظاهر الحاسة السادسة. وقد يرف جفنك )وذلك ما بات يعتبر من الموروثات الشعبية( إعلنا عن حدث ما يشغل بالك ..تتوقعه ..ول يلبث أن يتحقق. ولقد أكد الباحثون أن الحاسة السادسة ليست ثابتة ،أي أنها ليست إرادية مثل الحواس الخمس الخرى .وهي موجودة لدى الجميع ،لكنها نشطة 60
لدى البعض ومعطلة جزئيا أو كليا لدى البعض الخر .ويتوقف ذلك على بعض العوامل مثل المزاج المعتدل وصفاء الذهن .فكلما كان النسان في حالة جيدة تنشط الحاسة السادسة ..والعكس صحيح. س :الفن و الدين ؟ ج :عرفنا الديان عن طريق أنبياء يحملون إلينا رسالتهم ..وحيا ا من ا. وعرفنا الفنون ،عن طريق مبدعين لتخلو إبداعاتهم من رسالت.. إلهاما منه عز وجل. الفرق بين رسالة النبي ..ورسالة الفنان ..مثل الفرق بين الشجرة والفرع ..مثل الفرق بين الزهرة وثمارها. الدين يعلي من شأن العقل ..ويتخذ من الجتهاد مصدرا للتشريع.. تأسيسا للديمقراطية. آيات ا المتمثلة في الكون البديع ..بما فيه من طبيعة خ م لبه ..وتناسق جميل ..وتضاد أجمل ،وبما فيه من ألوان وأشكال ..وأحجا"م ومساحات وضوء وظلل ..وخليقة ونباتات ..هي صور يحاول الفنان إعادة صياغتها ..متأمل فيها ..وفي تأمله عباده. فعندما نشاهد وجها أو منظرا جميل ..أو نسمع لحنا جميل ..أو تلفحنا نسمة محملة بعبق الطبيعة ..تنطلق منا ،بدون وعي أو تدبير ،كلمة "اللــــــــه"! المسلم يـ ت "رتل القرآن ترتيل".. و "الورغل" يحتل مكان الصدارة في الكنيسه.. و بدايات المسرح لم تكن في التاريخ سوى طقوس دينيه.. والفن التشكيلي كان ،وما زال ،يستمد موضوعاته من الكتب السماوية على مرالتاريخ. م وإذا كان الدين يقو"م بتنظيم علقات البشر ،فإن الفن يتولى تنظيم النسان من داخله وإحداث التوازن فيه .وما ذلك إل تكامل مع رسالة الدين .ول أظنني مجاف للمنطق عندما أقول أن في ممارسة الفن أو تامله شيء من العبادة. 61
فإذا تأملنا أقوال مثل "العمل عبادة" أو "التأمل في خلق ا عبادة" أو قوله تعالى "إن ا يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه ،".نجد أن هذه المعاني ليست بعيدة عن جوهر الفن. س :الفن والسياسة؟ ج :الفنان هو إنسان يكره الحديث في السياسة ..ولكنه يمارسها بطبعه .فهو شاهد عصره وضمير أمته .وهو من يحرص دائما في إبداعاته على أن يعبر عن معاناة الناس وآمالهم وأحلمهم ..ومن ثم على تحديد لملمح أمته. فهو إذن من أبرز وأهم حماة الهوية ،وهو الذي يرى أكثرمن غيره أن الحياة مع الخرين ،ومن أجلهم ،هي جوهر فلسفة الحياة. والهم من ذلك كله أنه ل بد وأ ن يدرك أ ن العمل الفني يجب أ ن ل يخضع لمعاييرالفن والجمال فقط .فهناك معايير أخرى مثل مقدار اللتزام الجتماتعي والسياسي والخلقي ..والمعايير التي تعبرتعن أحوال وآمال الغلبية الساحقة من الناس. فمهمة الفنا ن ،إذ ن ،هي أ ن ينصت إلى الصوات الخافتة )من هول القمع( ليعيد ترديد معانيها بوضوح ..وبالشكل الذي يحسنه. أليس في ذلك ما يقترب بالعمل الفني ،بطريقة أو بأخرى ،من مفهو"م "السياسة" ،التي يرجع أصلها إلى فعل ساس ..يسوس؟ ذلك بمعنى :تسيير الأمور وقيادتها و معرفة كيفية التوفيق بين التوجهات النسانية المختلفة و التفاتعلت بين أفراد المجتمع الواحد. س :مساحة الحرية..؟ ج :تقصد ..إلى أي مدى يمكن أن تذهب حرية الفنان؟ وهل للبداع حدود ينبغي أن يتوقف عندها؟ ردي على ذلك هو أنه ل مجال للحديث تعن البداع بدو ن توفر القدر الكافي من الحرية.
62
فالقدرة على الختيارهي التي تحقق التزان وتخلق التوازن داخل المبدع ،مما يجعل عمله يتسم بالنضوج ،ومما يسهل انعكاس ذلك على المتلقي بوضوح. ما فائدة أن أمتلك القدرة على التعبير وأنا ل أتمتع بالحرية؟ فل بد لي عمل إبداعي ،لكي يخرج في شكله الناضج المتزن ،من قدرة المبدع على الختيار ،ومن ثم الشهار. أكرر..الحرية بالنسبة للعمل البداعي شرط لغنى عنه أبدا .فالعلو"م والفنون والثقافة ل تعطي ثمارها المتجددة إل في ظل الحرية. وكما هو النورللعينين ..والهواء للرئتين ..والحب للقلب ،كذلك الحرية هي بالنسبة لروح النسان. س :فن حديث ..وفن قديم..؟ ج :صحيح أن الفنان إبن زمانه ..وإبداعاته تعبرعنهما. ومما ل شك فيه أن البداع الصيل يظل معاصرا مهما تقاد"م الزمن. ول صحة لوجود فنان يسبق زمانه. و قد يكون هنالك بعضهم )وهم كثر( ممن هم دون الزمان .وهم الذين لفظهم ،أوسيلفظهم ،التاريخ. وهناك قول لقـ"إبن قتيبة" ،صاحب "الشعروالشعراء" ،ل يفوتني أن أستظهره ،وهو: "ولم يقصر ا العلم والشعر والبلغة تعلى زمن دو ن زمن ،بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين تعباده في كل دهر ،وجعل كل قديم حديثا في تعصره". وإذا سلمنا بأن لكل عصر"تراثه" ،فإنه بالتالي ل قيمة لحداثة ل تؤسس على التراث ،أو ل تكون إطاراا يحتوي مضمونا حديثا. ولقد اتفق النقاد على تلخيص ما فات بقولهم أن: "الحداثة الحقة هي التي تنطلق من التراث وتؤسس تعليه". 63
س :محاكاة الطبيعة ..والحداثة..؟ ج :منذ نشأة النسان الول وهو يبذل ما في وسعه للتواصل مع بقية أبناء جنسه ،وربما مع سائر المخلوقات التي تشاركه بيئته .وقد تمكن ،بالتدريج وبالخبرة ،من الوصول إلى مجموعة من الرموزالمنطوقة للدللة بها على احتياجاته ،وأفكاره ومشاعره. ربما حاكى في البداية بعض الكائنات الخرى ،التي سبق وجودها وجدوده ،ولكنه شيئا فشيئا أخذ يبتكر رموزه الخاصة. وهكذا كانت بداية اللغة المنطوقة ،ومن ثم اللغة المكتوبة المطورة عن الصور أو الرسومات التي كانت مفرداته في البداية .هذا بالضافة إلى الحركات واليماءات المرئية والطقوس التي درج على أن يستعين بها، محاكيا ،لدعم لغته عندما كانت تعجزعن التعبير عما يعتمل في نفسه وما يدور في خاطره وفكره. وكذلك الحال مع الفنون التشكيلية ..والتعبيرية. أفلم يحاول النسان الول محاكاة ذلك النوع من اليائل وهي تقف على مرتفع من الرض بمواجهة الريح وتحرك رأسها ،ذات القرون المتعرجة المتعددة الثقوب ،يمينا وشمال في جذل ،ليصدرعنها ،بفعل أنفاس الريح، تلك الزغاريد الهوائية الطروب فتبعث النشوة في اليائل ومن ثم في النسان الذي اهتدى منذ فجر التاريخ إلى آلة النفخ الموسيقية؟ فمعظم الفنون ،إن لم يكن كلها ،ابتدأت بمحاكاة الطبيعة والواقع ،وإن جاءت الحداثة لتتعارض مع ذلك في كثير من الحيان. لكن الكيد أن محاكاة الواقع ليست من الفن في شيء إ ن لم تحمل بين طياتها دللت يستقبلها المتلقي ومعها وجهة نظر معينة ..أو إيحاء مقصود. فالفن يتجاوزالواقع السائدالملموس إلى عوالم إفتراضية رحبة مقصودة. وجماليات الفن ،حسب الكاتب والناقد الكبير جابر عصفور ،رهينة لنسبية الزمن حيث تتغير طاقة المبدع وتتبدل ذائقة المتلقي.
64
س :تقدم التكنولوجيا ..والحداثة في الفن؟ ج :ليس صحيحا ما يقال بأن الحداثة في الفن هي نتيجة لتقد"م العلو"م والتكنولوجيا .فلكل تعصر حداثته .وجوهرأي عصركان، وسيكون دائما ،متميزا متألقا بنور معارف ذلك العصر وإشعاعات حضارته. ألم يتحدث النقاد عن "الرموز" في شعر "أبو نواس"؟ وعن الصور المأخوذة من"فوق الواقع" أو من "تحته" ،كما يقولون، في شعر"امرؤ القيس"؟ فهل معنى هذا أن نطلق على الول لقب "شاعر رمزي".. وعلى الثاني "شاعر سوريالي"؟ س :الغموض أحد سمات فناني الحداثة ..لماذا؟ ج :ألســت معــي فــي أن الغللــة الرقيقــة علــى وجــه المــرأة أو حــول جسدها قد تلفت النظر إلى محاسنها أكثر من أن تخفيها؟ من هنا كان ل بد للفنان المبدع من أن يلجأ إلى حيلة الغموض ،لكي يضفي قيمة إلى إبداعه بـ زيادة جرتعة اليحاء. فما قيمة الفن بل قدرته على اليحاء أو خلق الحوار بين عقل المبدع الباطن ووجدان المتلقي وعقله؟ وغالبا ما تكون الرموز والدللت من خلق المتلقي نفسه ومن استنباطاته .لن العمل الفني من شأنه في الصل أن يظل بعيدا عن المباشرة وأن يوحي بالحالت والصور فقط. فالفن ،كما قلنا ،يوحي ..وعلى المشاهد أن يستنبط الدللت. وقد قالوا أن ميلد الفن كان يو"م أن قالت حواء لد"م" :ما أشهى التفاحة!" ولم تقل له" :هاك التفاحة لتأكلها!" س :الواقعية؟ ج :في رأيي أنه ربما تكو ن الواقعية أحيانا هي تعدم الرضوخ للمر الواقع .بمعنى أن الواقعية تبدأ من اللحظة التي نعمبر فيها بإبداعاتنا عن نفورنا وثورتنا على قسوة المر الواقع. 65
وحتى لو سلمنا بمقولة أن الخيال هو سيد الكتابة ،وأن هناك من صنوف البداع ما يسمى بـ"الخيال العلمي" ،فما ذلك إل محاولة للهروب من الواقع ..أي أنه نابع أيضا من الواقع. س :الخلود في الفن؟ ج :خلود الفن هو أحد صفاته ومزاياه ،طالما كان معبرا صادقا ملتزما .وعندما يكون الفنان المبدع قادرا على إثارة الجدل ،بإبداعاته، في حياته وبعد رحيله ،فذلك هو الخلود للفنان وإبداعاته. س :الفن الفلسطيني ..ودوره؟ ج :الفنون تجعل الشعوب أكثر تقاربا وتفاهما..والعالم أكثر جمال. والفن وحده هو الذي يستطيع أن يتخطى الحدود ،ويفتح طرق التواصل بين المم .وما أحوج الشعب الفلسطيني إلى التقارب والتفاهم والتواصل وتخطي الحدود. الفن الفلسطيني ،بمختلف أشكاله وأجناسه ،هوالقادرعلى فتح البواب الموصدة من حوله والخروج بالنسان الفلسطيني إلى الآفاق الرحبة، مما يجعله يحقق حلمه بالعودة إلى المشاركة في بناءالحضارة النسانية. وهنا أخص بالذكرمن الفنون" ..السينما الفلسطينية". ولقد كان الشعرالفلسطيني هوأول الجناس الفنية التي اخترقت الحدود. ولم يلبث الفن التشكيلي أن شارك في هذا التواصل جنبا إلى جنب مع الفنون الشعبية .أما الموسيقى والغناء والمسرح والسينما ..فهم ما زالوا يتعثرون بعقبات النتاج وتكاليفه ،وافتقادهم لسقف يحميهم ويدعم صمودهم في ظروف التشرد في المنافي .أو الغربة داخل وطن محتل. وللحـــــــــــوار بقيـــــــــــــــة..
*
* 66
*
مع وزير الثقافة..
أخيرا ..جادت علي الظروف ،التي كانت تحول دون لقائي بالسيد وزير الثقافة ،بأن مكنتني من اقتناص لحظة مروره وتواجده في مقر الوزارة في "غزة". كنت أعتقد أنه سوف يرحب بي ويبارك عودتي بعد حصولي على "الرقم الوطني" ،الذي استعصى علي في البداية مما أدى إلى وجود خانة فارغة في هيكل وزارة الثقافة ،والذي سوف يتيح لي البقاء في أرض الوطن ،وبالتالي العودة إلى مواصلة ما بدأنا التخطيط له في "را"م ا" أثناء "زيارتي المؤقتة" لها قبل شهور. لكنني فوجئت بلقاء فاتر أفضي لي فيه بأن الدولة الخليجية ربما تتراجع عن مشروع التمويل الذي سبق وأن قمدنمته )!؟( أحسست أنه متعكرالمزاج ،ل يريد الخوض في أي موضوع.
*
*
*
عرفته في بيروت ،في عا"م ،75في بداية انتقالي وتفرغي للعمل في منظمة التحريرالفلسطينية .وكان يشغل موقعا هاما في الجبهة الديمقراطية )التي انفصل عنها بعد اتفاقية أوسلو ليكمون جبهة "فدا" ويكون أمينها العا"م( .ولم أستطع في حينها إل أن أبدي إعجابي به كمناضل صلب ومتحدث لبق ملتز"م .ذلك بعد أن شاهدته وسمعته في لقاءات عامة في دائرة الثقافة أو غيرها من الماكن. 67
ولم تلبث أن جاءت المناسبة التي لحت فيها بداية معرفتي الشخصية بالرفيق "ياسرعبد ربه" ،في بيروت أيضا .ففي ذلك الوقت كانت "الجبهة الديمقراطية" ،من خلل منظمة التحرير ،قد عقدت اتفاقا مع ج سينمائلي مشترك. "ألمانيا الشرقية" لنتا ل وبعد فترة من وجود المخرج ،المنتدب من قبل الجبهة الديمقراطية، وإشغاله لحدى غرف "المونتاج" في ستوديو"ديفا" السينمائي لمدة طالت أكثر مما يجب ،دانخنل الشك مسئولي مؤسسة السينما اللمانية في برلين في أن المخرج سوف يتمكن من إنهاء مهمته في موعدها،علما بوجود قائمة انتظار طويلة لدخول غرفة "المونتاج" ،وهي المرحلة الهم من مراحل عمل الفل"م التسجيلية ،فأرسلوا إلى بيروت ما ينذر بإنهاء التفاق ،لعد"م إلتزا"م المخرج بالشروط الزمنية وانعدا"م وجود "لغة تفاهم" بين الطرفين .وبذلك وقع علمي الختيار للسفر إلى برلين لنقاذ الموقف بصفتي مخرجا سينمائيا..يتقن اللغة اللمانية أيضا )!( عندها جرى أول لقاء بيني وبين الرفيق "ياسرعبد ربه" الذي أوصى، من خلل مسئول العل"م الموحد ،بالقيا"م بالشراف على العمل هناك والنتهاء من إخراج الفيلم في الموعد المحدد لكي يتسنى له أن يشارك في مهرجان "ليبتزج" السينمائي لذلك العا"م. وكان أن وفقت في تأدية المهمة بنجاح ملحوظ بحيث أتيح للفيلم أن يشارك في المهرجان المذكور ..والحصول على جائزة أيضا. هذه كانت بداية معرفة الوزير بي كمخرج سينمائي. عرفت ،بعد ذلك ،أنه بات يكن لي احتراما نابعا من موقف يستوجب هذا الحترا"م منه .فما الذي يجعله يقابلني بهذا الفتور ،بينما أنا أظهر حماسي الشديد للعمل؟!
*
*
*
ربما كانت الظروف تستدعي وجود من يحل مكاني في "دائرة السينما" في وزارة الثقافة لحين صدور"رقم الكومبيوتر" الخاص بي ،والذي تأخر صدوره من قبل السلطات السرائيلية لسباب علمها عند ربي، 68
وهو ما يتاح لي بموجبه العودة إلى أرض الوطن أسوة بالعائدين من كوادر منظمة التحرير أو غيرهم. سبق وأن سنحت لي "فرصة استثنائية" أن أتمكن من التواجد في "را"م ا" بموجب "تصريح مؤقت" لمدة ثلثة أشهر )-3/11/95 ، (2/2/96حيث فوجئت بالسيدة "ليانه بدر" ،زوجة وزير الثقافة، تحتل موقع "رئيس دائرة السينما" ..وتتعامل معي كأحد مرءوسيها )!( لم يكن هناك ،من جهتي ،ما يستدعي المواجهة لنه كان لزاما علي المغادرة بعد شهورثلثة ،ومن ثم النتظارفي مصر ،لجل غير معلو"م، إلى حين صدورالتصريح النهائي لك بالعودة لأتمكن من الدخول إلى أرض الوطن مرة أخرى والستقرار في "را"م ا" ،مقرالوزارة. هذا بالضافة إلى إنشغالي بما كلفني به سيادة الوزير بالعداد لخراج فيلم تموله دولة المارات عن القدس ..الشيء الذي كنت وما زلت أعتبره أكثر أهمية من المنصب. ويبدو أن سيادة الوزيركان يتخذ إحتياطاته لتجنب أي مواجهة مع السيدة حرمه ،فما كان منه إل أن قا"م بإصدار قرار بانتدابي لرعاية شئون السينما الفلسطينية ..في مصر)!( ذلك بعد أن كان قد أصدر أمرا بتعييني مستشارا له في وزارة الثقافة)!( بينما كان قد استصدر لزوجته قرارا رئاسيا بترفيعها إلى درجة "مديرعا"م" .مما يتيح لها إدارة شئؤن السينما ،وسائر الفنون ،في الوزارة. ))وهنا ،ولوجه الحقيقة ،ل بد لك من أن أعترف أن سيادة الوزير الكريم كان قد وعدني باستصدار قرار لترفيعي من درجة مدير"جـ"، التي ل أدري كيف وجدت طريقها إلي ،إلى درجة مدير"أ" ..وهي الدرجة التي سوف تؤهلني ،عندئذ ،للعودة إلى درجة "مديرعا"م" بعد ثلث أو أربع سنوات!(( هذا ..ول بد من التأكيد أن حرصي على حصول الترفيع يأتي بالدرجة الولى لسبب مادي إقتصادي بحت ،إذ أنه بمرتب "مدير جـ" ل يتمكن أي "مبتديء" أن يبدأ حياته في بلد مثل "را"م ا" ،لن إيجار شقة 69
مناسبة متواضعة يستهلك أكثر من نصف المرتب المقرر للمدير بدرجة "جـ". وبالرغم من إتفاق سيادة الوزير معي في هذه النقطة ،عندما واجهتنه بهذه الحقيقة ،إل أنه كرر إعتذاره عن عد"م استطاعته الحصول لي على درجة "مديرعا"م" .وعندما سألته عن المقاييس التي بموجبها تتقرر الدرجات أجابك باختصار: ..ليست هناك مقاييس!هذا ..مع العلم بأن هناك قرارا رئاسيا بتعييني مديرا عاما.
*
*
*
كانت هناك بعض المشاكل المتعلقة بمرتباتي المتوقفة منذ وجود "السلطة الوطنية" في غزة .وكان علمي اللجوء إلى "الصندوق القومي الفلسطيني" في عمان لكي يحل هذه المشكلة .وقد تم حلها بعد فترة ليست بالقصيرة. أما عن مرتباتي منذ أن عدت بـ "الرقم الوطني" فقد فوجئت بأن هناك إجراءات معقدة ،بحيث كنت أجدني كمن يتقد"م لشغل وظيفة من جديد. ثم اكتشفت أن حكاية تعديل مرتبتي الوظيفية إلى "مديرعا"م" لم يتخذ فيها أي إجراء .ذلك بالرغم من عودة مديرعا"م الوزارة ،الشاعر "أحمد دحبور" ،إلى التأكيد لي بأنه رأى القرار بعينه "اللي راح ياكلها الدود" حسب تعبيره مرة أخرى ..وثالثة. إذن فقد بقي مرتبي كما هو ..فئة "مدير ج" .وهو ما ل يتفق مع احتياجاتي من استئجار شقة وتأثيثها للستقرار في "را"م ا". ول يعني هذا الموقف من السيد الوزير ،إذا ترجم بالرقا"م ،سوى إبقائي عاجزا عن ممارسة حقي في القامة في بلدي ،وإبعادي وحرماني من التواجد والستقرار فيها )!( صددق ..أو ل تصددق!
*
* 70
*
)بقيــــــه (1
حــوار حول النســا ن ..وإبداتعــاته..
س :العدالة؟ ج :ربما كان في لفظ اللتزا"م شيء مما تعنيه العدالة .أو ربما كانت العدالة ،أوالعدل ،أشمل في معناها من اللتزا"م .وكلهما" ،العادل" و "الملتز"م" ،من شأنه وصفاته التمسك بأهداب المبادئ والفكار التي تتربص لهزيمة الظلم. أي أن العدالة معناها وجود مجموعة من القيم النسانية المتفق عليها والتي تنعكس كلها في قانون يتساوى أمامه الناس جميعا. والعدالة والحرية تفقدا ن معناهما إذا انفصلتا تعن بعضهما. وهما بدون قوة تساندهما مجرد وهم. والقوة بدون عدالة إن هي إل طغيان لن يقود إل إلى فوضى. والحساس بالعدالة ،والحرية ،أمر في غاية الهمية ،وهو الذي يطلق طاقات النسان ويحثه على الجتهاد ويجعله يحلم بالمستقبل وهو يشعر بالنتماء والثقة من قدرته على تحقيق هدفه. على أنه ليس من العدل في شئ أن يكون تمسكنا بأهداب هذه المبادئ نتيجة لخوفنا من معاناة الظلم .ول يكتمل للعدل معناه إل إذا أنصفت الضحية ..والمجتمع أيضا. س :الظلم؟ ج ) :من الظلم ،يا صديقي ،أن تطلب مني ما ل طاقة لي به ..فإن تعريف كل هذه الشياء يحتاج إلى "دراسة" ول يكفيها المرور عنها في "حوار"عابر(. 71
على كل حال ،فالظلم هو البن الشرعي لغرورالقوة الذي يعمي الجهلء عن الحقيقة التاريخية التي تقول أن ما يتم حصاده اليو"م، بالكراه ،لبد وأن يتم سداده غدا أو بعد غد بإكراه أشد نكرا. ول شك في أ ن وجود الظلم في أي مكا ن ..هو تهديد للعدل في كل مكا ن. س :الصدق..والكذب؟ ج :الصدق أصل الشياء .والصدق في التعبيرتعن الواقع ..هو لب الرسالة الحقيقية للفن. أما الكذب فإنه أبشع الخطايا..على اختلف أنواعها .فالخيانة كثيرا ما تبدأ أيضا بلحظة صدق ،وتبدأ بشاعتها -فقط -عندما نكذب..عندما ننكر تلك اللحظة..أو نتنكرلها. والصدق غالبا ما يكمن في الكيفية التي نقول بها الكلمات ،وليس فيما تقوله الكلمات. وقد يكذ مب بعضهم أقوالك ،ولكنه ل مناص لهم من أن يصدقوا أفعالك. ويجب أن ل ننسى أنه: "ل يكفي أ ن نبتعد تعن الكذب ..بل يجب أ ن يصحب ذلك إقتراب من الحقيقه". تقول العالمة النفسية الفرنسية" ،كلودين"بيلن" ،مؤلفة كتاب "نفسية الكذاب" ،أن الكذب له مردود سلبي للغاية على الصحة ،وأن الشعور بالذنب ،أوالخوف من ظهورالحقيقة يؤدي إلى الصابة بضغط عصبي مزمن وما ينطوي على ذلك من آثار سلبية على الصحة العامة مثل اضطرابات النو"م أو سرعة النفعال والقلق وآل"م الرأس ،وغيرها من الثارالناجمة عن هذا الشعور. في الساطيرحكايات تتحدث عن الخوف من العداء .وفي إحداها يروى 72
أن بعضهم كان يقيم جدارا بينه وبين عدوه ،ول يلبث أن يقو"م بتعليته يوما بعد يو"م إلى أن أصبح عاجزا عن رؤية هذا العدو. لقد حجب الجدارالرؤية ..رؤية العدو القابع خلف الجدار ..وبقي العدو الساكن في داخله ..في داخلنا .الخوف ،الذي يعمي البصائرعن رؤية مشاكلنا أو أسباب مشاكلنا لكي نعالجها. الخوف هو الذي يجعلنا نلجأ إلى الكذب.. نخاف من المجهول ..ومن كل ما نجهل.. نخاف من ما يمكن أ ن يكتشفه الغير فينا.. نخاف من ما سوف يطرأ تعلى بال غيرنا.. وفي كل مرة نمارس فيها الكذب.. تتعاظم وتكبر تلك المخاوف. س :السعادة؟ ج :السعادة..هي رحلة ،وليست محطة للوصول ،يكتنفها شعور صادق متوهج بمباهج الحياة وحبها. والسعادة هي حالة ذهنية ..نتيجة الشعور بالرضا ..والراحة والسل"م الداخلي والطمأنينة ..نتيجة قناعة النسان بما يؤديه في الحياة. إنها خليط من الراحة النفسية والعقلية والبدنية..غالبا ما نشعر بها عند إنجازنا لعمل ما أو تحقيق أمنية ما. على أن الحياة أكثر بكثير من مجرد أن نحقق لنفسنا فوزا أو هدفا. ولو شطبهنا الحياة بالنغمة الحلوة ..فإ ن السعادة هي تعندما نجد النص الملئم لهذه النغمة. ويقال أن الدما"غ البشري يفرز هرمونا يسمى الـ"سيروتونين" هو المسئول عن الشعور بالسعادة ،وما الدوية الموصوفة لمكافحة الكآبة سوى "عامل مساعد" غني بمادة الـ"تريتوفان" القادرة على تحفيز الدما"غ البشري كيميائيا على إفراز ذلك الهرمون المذكور. والناس ،كما يقول "أبراها"م لنكولن" ،سعداء بقدر ما تعقدوا العزم تعلى الوصول إلى ما يسعدهم. 73
فإذا أردت أن تكون سعيدا فما عليك سوى أن تتخذ القرار بذلك. فسعادة النسان تنبع من داخله .والثقة بالنفس لها دور قوي في صنع سعادتنا. والنفس البشرية إن لم تنطلق طاقاتها في العمل والنتاج فإنها ستكون عرضة للفكار الخبيثة .وعلى النسان ،كما يقول الحكماء ،أن يحرص على أن "يشغل نفسه بالحق ..وإل شغلته الحياة بالباطل". إذن ..فالسعادة ليست هدفا ،وإنما هي أسلوب في الحياة ،وهي خيار كثيرا ما يحتاج إلى مجهود .إنها رحلة ..وليست ،كما قلنا ،محطة نصل إليها. ولكي تتوفر لنا السعادة ل بد من شرطين هما: الحل"م ..والرادة! وهؤلء الذين يؤمنون بجدوى أحلمهم وجمالها ،ل بد لهم من امتلك زما"م المستقبل .و لو انعدمت الحل"م ,فإن الحياة ستكون مثل طير مكسورالجناح ..ليطير. ولكي تحقق الشياء العظيمة يجب أن ل "تعمل" و "تخطط" و "تؤمن" فحسب ..بل وأن يسبق ذلك كله أحلمـــــــك. ول بأس من أن تحلم بالنجو"م ،ولكن في نفس الوقت يجب أل تنسى أ ن تحرص تعلى أ ن تبقى قدمك ثابتة تعلى الرض . كما أنه ل بأس من أن تحلم لوحدك ،ولكنك عندما تشارك الخرين في أحلمك ،فهذه هي بداية الواقع ،او الواقعية. والسعادة شيء نسبي .فهي في سن معينة غيرها في سن آخر. ول يمكن للنسان أن يستشعرالسعادة إل إذا أحس بها منعكسة من الخرين .فل يعرف السعادة من ل يبحث عنها في عيونهم. وهناك من يجدو ن سعادتهم في إسعاد الحيوانات البهيــمة الليفة.. وما أصدق هؤلء! 74
أما أركا ن السعادة المتعارف تعليها فهي أربعة: شيء تحبه وتؤمن به.. وشيء ترجوه وتسعى إليه.. وشيء تعمله وتتفانى في تعمله.. وشيء تعطيه وأنت تشعر أنك لن تفقده.. على أن السعادة ل تأتي إل نتيجة إيمانك بما تفعله ،ومعرفتك به، وحبك له .و هي ،مرة أخرى ،الشيء الوحيد الذي يتزايد لديك كلما عاودت منحه للخرين. س :القناتعة؟ ج :أن أعرف حدودي جيدا ..ولكن ..أن ل أرضى بأقل مما أستحق. وهل هناك أكثر متعة من أن يكون لك مطالب محددة ،غير محدودة، على أن تقو"م بتحقيقها لنفسك بنفسك؟ س :الخر؟ ج :ل بد أول من التأكيد على أن اصطلح "الخر" ل يعني العدو أو الطرف السيء أو الشاذ ،وأن اختلف أي إنسان مع إنسان آخر ل يعني بالضرورة أن أحدهما يتصف بالسوء. فالختلف عن الخر ل يجوزأن يؤدي إلى الخلف معه ،أوالنفصال عنه،لن وجود الخرهو ما يثري رؤيتنا للمور ،ويجعلنا نتلمس الحقائق ونراها من وجهة نظر أخرى. ويجب أن ل ننسى أن الجهل بالخرهو أساس العداء معه .وأن النسان بدون الخرين كأنه يبدأ من الصفر .فحاجته إلى الخرهي مما تقتضيه الرغبة في الكتمال .ول يكتمل للذات وعيها إل عندما يكتمل وعيها بالخر .فنحن نأخذ من الخرين بقدر ما نضيف إليهم. وتعلى النسا ن أ ن يتذكر أيضا أنه بالنسبة للخرين ..آخر. وعلى كل حال فـ"الخر" أو "الخرو ن" هي فكرة فلسفية ،وهي المضادة لمعنى "فلسفة الذات". 75
وهناك من الفلسفة من سمى "الخر" بـ الذات الخرى" ،مما يستوجب الهتما"م به أو بها. س :الماضي ..والحاضر ..والمستقبل؟ ج :أيامنا ،حلوها ومرها ،تتحول مع الزمن إلى ذكريات .وبقدر معاناتنا وصبرنا ،وبقدر ثقتنا بأنفسنا وتفاؤلنا ،يكون لهذه الذكريات جمالها ..حلوها ..ومرها. ولو توغلنا في الماضي ،حسب ادعاء أحد الظرفاء ،سنجد أن حياتنا تبدأ من ساتعة كنا فيها نغرق في الدموع ..والخراء! ومع ذلك تستمر الحياة ..ونتعرف على شتى وجوهها ..ثم يأتي زمن يصبح فيه هذا الماضي ذكريات مبهجة ..تعطرة! و نحن نحب الماضي لنه ذهب ،ولوعاد لكرهناه .وآه لو أن البصيرة تخترق ظلمات الحاضر وتنفذ إلى المستقبل ،لتسمر إلينا ببعض خباياه.. إذن لثرنا أن نتذكر الماضي بأحسن حالته بدل من أن نقو"م بترميمه ثم نظل ،ما تبقى لنا من العمر ،نرى أماكن الشروخ في ثناياه. وما دمنا ل نستطيع أن نغير الماضي فلنتعلم من أخطائه تجنبا لها في المستقبل. وكل ذكرى من الماضي ولها وقتها الذي ل تمتلك أن تختاره. وما أكثر ما تنهال عليك وتقتحمك ذكرى أناس حالوا بينك وبين حبيبتك في نفس الوقت الذي كنت فيه تذوب شوقا إلي ذكراها هي؟ س :ثنائية "الطريق و البيت"؟ ج :الحلم أكثر جمال وبهجة وصفاء من الواقع .هذا ما أجمع عليه الكثير من المبدعين ،وآخرهم كان شاعرنا "محمود درويش"، الذي أكد في أحد حواراته ،ومن خلل تجربته ،بأن الطريق إلى البيت أجمل من البيت نفسه .وهوعكس ما كان يظن عندما كان في الخارج .ذلك لنه ،ببساطة شديدة، شأن الكثيرين ،ضل الطريق ولم يجد البيت. س :اللمل؟ 76
ج :ما أصدق شاعرنا العربي "الطغرائي" إذ يقول: ما أضيق العيش لول فسحة المل أتعلل النفس بالمــــال أرقبــها المل هو ما يجعلنا نصمر على الستمرار.. وما يعطينا الرغبة والقدرة في تخطي العقبات.. فهو ما يحافظ على بقاء النسان. وهو ما يجعل لحياتنا جدواها ،ولمستقبلنا معناه. وليست المال سوى أحل"م اليقظين. وما أشبه الذين يعيشون بل أمل بالراقصين ..بدون موسيقى. فالمل هو الدعامة التي توفر لنا التوازن ،وتقي العالم من النهيار. ومن يتمتع بالمعرفة يمتلك المل ..والحياة. فالحياة تعبارة تعن سفينة شراتعها المل ،ووقودها المعرفة والعمل. والذي يمتلك المل يمتلك كل شيء. ونحن ،كما أوجز شاعرنا "سعدا ومنوس" :محكومو ن بالمل. س :متفائل ..ومتشائم؟ ج :من أطرف ما قرأت عن تعريف المتفائل والمتشائم هو: "إذا أنت صورت الشياء بأجمل مما هي عليه.. فأنت رومانسي متفائل. وإذا أنت وصفتها بأسوأ مما هي عليه.. فأنت متشائم. أما إذا وصفت الشياء كما هي في الحقيقة.. فأنت إنسان ساخر. ومن أطرف الخواطرالتي طرأت لي ،كرد فعل للحساس بالتفاؤل الذي غمرني أثناء زيارتي لمدينة "الناصرة" العربية في فلسطين المحتلةعا"م ،48هي عندما قلت في حينها لمن حولي ،قياسا على نظرية نصف الكأس الفار"غ ونصفه الملن: المتشائم يرى أ ن فلسطين )المحتلة تعام (48يسكنها ال ن % 80من المهاجرين والمستوطنين اليهود. 77
والمتفائل يرى أ ن في دولة "إسرائيل" اليوم %20من العرب ،أي ما يربو عن مليون مواطن فلسطيني عربي ،علما بأن تعدادهم وصل في عا"م 49إلى ما ل يزيد عن 150ألف نسمة .ذلك بفعل أعمال الطرد و البادة والتطهير العرقي التي مورست آنذاك مع سكان فلسطين العربية. وربما كان هذا التفاؤل مما يجعلني أزداد قناعة بالحل القائل بالدولة الواحدة..الديمقراطية العلمانية. ونستون تشرتشل كان يقول: "المتشائم يرى صعوبة في كل مناسبة .والمتفائل يرى فرصة مناسبة في كل صعوبة". س :النقد ؟ ج :يجب أن نعي أول أن من الثناء ما هو إساءة ،تماما كما الهجاء .وأن النقد ل علقة له بهذا ول ذاك. أي أن "العجاب" و"النفور" ليسا من المعاييرالنقدية. ففي العمال الفنية ل وجود لثنائية "جميل" و"قبيح" .لن القبيح في عيني قد يكون جميلا في عيون الخرين. وقد قيل أن العين ليست عضاوا مستقلا ومنعزلا عن الفكر والشعور، ضل بين العمال بل هي ،بشكل ما ،تفدكر وتحب وتكره وتتفا ق البداعية**. ومـن أهم أغراض النقد إيضاح وتفسيرالعمل الفني ليستوعبه الخرين. فهو يقو"م بمهمة الكشف عن دللته التعبيرية ،ومن ثم إيضاح أسباب إعجابنا ،أوعدمه ،بالعمل الفني ذاته .ذلك بعد أ ن يقوم الناقد برصد أشكال تأثير العمل تعلى المشاهد ليتمكن من استخلص وصف التأثير الذي ينبغي أ ن يكو ن. هذا إلى جانب البحث تعن السلبيات ..لتجنبها ،ورصد اليجابيات والدفع في سبيل تكريسها. ___________________________________________ 78
)**( وهذا يعيدنا إلى نظرية د" .جاري شفارتس" التي سبق الشارة إليها والتي تؤكد أ ن كل تعضو في جسم النسا ن يحتفظ بذاكرة خاصة به ،بحيث تنتقل هذه الذاكرة بمحتوياتها مع هذا العضو أو ذاك من جسم إنسا ن ميت إلى جسم النسا ن المريض تعند إجراء تعملية "نقل التعضاء" .
وأي عمل إبداعي ل بد أن يقو"م على قاعدة أضلعها أربعة ،مكملة لبعضها البعض ،شريطة أن تجمع بينهم الحرية: الرسالة ..والمبدع ..والمتلقي ..والناقد. وقد أصبح النقد يعد واحدا من الجناس الدبية بحيث تجد المتعة في قراءة ما يكتبه بعض النقاد المتميزين مما يعمل تعلى تنمية الذوق الفني ،ونشـرالـوتعي بالفنو ن بين المتلقين. ذلك تعندما يمتلك الناقد ناصية الكلمة ويحدثك بلغة جذابة تعن تفاصيل تجعلك تواقا لتعادة النظر والتأمل في هذا العمل الفني أو ذاك لتكتشف بنفسك كنوزه ومزاياه. إذ ن ،فالنقد في ذاته تعملية إبداتعية لها أثرها الذي ل يستها ن به تعلى المتلقي. وهذا يستلز"م أن يكون الناقد ،السينمائي مثل ،ملما إلماما شامل بعملية صناعة الفيلم من اللف إلى الياء ،كما يتعين عليه التحملي بقدرته على التذوق الفني والقدرة على استنباط ما وراء المشهد .لن المخرج السينمائي غالبا ما يلجأ إلى شكل من السرد قوامه العنصر البصري الموحي ،مبتعدا عن المباشرة .ولعملي ل أخرج عن حيادي عندما أشير إلى واحد من هؤلء النقاد الذين تتوفرفيهم هذه الصفة ،كمجرد مثال من وجهة نظري الشخصية ،وهوالناقد السينمائي "كمال رمزي" .وفي رأيي أيضا أن هناك العديد منهم ممن ل يتسع المجال لذكرهم الن. بينما قد ورد ،وربما سيرد ،الحديث عنهم في مكان آخر من سيرتي. س :نقد الذات؟ ج :من أهم الصفات التي تقربنا من الكمال أن نتسلح بسلح اللتزا"م الواعي ..والنقد الذاتي أو فضيلة نقد الذات. و ل شك في أ ن إهمال آلية نقد الذات هي تعطيل لنمو الوتعي ،وهي الحائل دو ن إمكانية تصحيح الخطأ. 79
ونقد الذات فضيلة تخلق حالة التنافس معها ،فكلما تنافس النسان مع نفسه كلما زاد ذلك من قدرته على التطور ،بحيث يكون اليو"م أفضل مماكان عليه بالمس ،ول يكون في الغد ا إل أفضل مما هو عليه اليو"م . س :إلتزام الفنا ن؟ ج :اللتزام تفسيره تعندي أنه أقصى درجات الوتعي بالغير. ويكون الديب ،أو الفنان المبدع ملتزما دون أن يدري أو يفتعل ذلك، لن التزامه نابع من داخله ،بحكم بيئته ونشأته وثقافته ،وليس نتيجة للزا"م أيديولوجي مفروض من خارجه. النتماء و اللتزا"م شرطان أساسيان من شروط البداع. ول يمكن لفنان أن يبدع بدون إنتماء إلى فكر ما واللتزا"م به. وإلتزا"م الفنان هو أن يكون منتميا معايشا باحثا عن همو"م المجموع.. وأن يكون صوت الخرين ..صوت وعيهم وعقلهم ..كأنما هو منتدب من المجموع ليتكلم نيابة عنهم. والنتماء الحقيقي هوالوعي بما هو مفيد للمة وضار لها .إنه انتماء عضو النسان إلى جسده الذي "..إذا اشتكى منه تعضو تداتعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". س :العطاء؟ ج :المرء يساوي ،في نظري ،ذلك الشيء الذي يملكه طالما هوعلى استعداد لن يعطيه لغيره من الخرين .وغير ذلك فهو ل يساوي شيئا! فما فائدة أن تمتلك مصباحا ..إذا لم تبادر بإنارة الشياء من حولك؟! س ................... : ج :كل ما هنالك أنني نشأت في بيئة محافظة متدينة ،مما أورثني أو ترك لدي إحساسا تلقائيا عاليا بالغير. س ... ... ... :؟ ج :المهم هو الرأي الصحيح ..وليس مصدرهذا الرأي .فأنا ل اتردد في أن أتبنى فقط ما أراه صحيحا ،على سبيل المثال ،في 80
الماركسية .ومن المؤكد أن تعاطفي الشديد مع موقف ماركس الخلقي وكراهيته للستغلل والظلم ل يعني أنني أقبل كل نظرياته القتصادية أو أنني ماركسي الهوى. وأنا ،تعلى كل حال ،أرى أ ن هناك في تاريخنا من سبق "ماركس" في صياغة وتبني الكثير مما أتى به. مثال ذلك ،إلى جانب رسل الديانات السماوية ،تعمر بن الخطاب.. وتعمر بن تعبدالعزيز ..وأبو ذرالغفاري ..وغيرهم ممن شغلتهم هموم الناس. هذا ..وأظنني لن أجد مكانا أكثر ملءمة لرواية آخر وأطرف ما قرأت عن أباطرة الصين الذين نذروا حياتهم لسعاد الخرين و كانوا دائما هم من دأبوا تعلى أ ن يبتدتعوا أشياء تنفع الناس ..فاستحقوا أ ن سيتطوجهم الناس أباطرة ..مثل: " شين تانج" ..الذي ذاق مائة ألف عشبة ،ووصل الى اختراع مائة دواء لمائة داء .فكافأه الشعب واختاروه امبراطورا. و"سوجين شيه" ..ذلك الذي اخترع فن الطهي ،وأنقذ الناس من أكل اللحم النيء والخضروات الفجة ،وجعل الطعا"م شيئا جميل مفيدا. فكافأه الشعب ونصبه امبراطورا. و" هسي لوا ن" ..أول من علم الناس كيف يستعملون الملبس ،وكان أول من حاكها في الصين .فكافأه الشعب ونصبه امبراطورا. س :الديمقراطية؟ ج :سوف أحاول أن أوجز ،متجنبا الوقوع في أحابيل اللغة النمطية في الحديث عن هذا الموضوع البالغ الهمية والخطورة. الديمقراطية ،يا صديقي ،بالرغم مما يشاع عنها بأنها سلح ذو حدين، إل أنها تظل أروع وأهم وأغلى مكتشفات النسان ومنجزاته. وهي التي ل يمكن بدونها أن يكون ثمة أي تطور إنساني. وهي النظا"م الوحيد الذي أثبت بالتجربة أنه يجعل للحياة معنى بما يحققه من حماية وضمانات لحقوق الناس في حريتها وكرامتها وأمنها وأشواقها إلى العدالة والتقد"م الروحي والفكري و المادي .وكفى! 81
س :الحرية ؟ ج :الحرية تعني ،قبل كل شيء ،أن نكون على قناعة بالحق وشجاعة كافية للدفاع عنه في كل زمان ومكان. والحرية تعني المسئولية ،بمعنى أن تكون لديك الرادة في أن تتحمل مسئولية الغير مع مسئولية نفسك. فأنت ل تستطيع أن تحمي حرياتك في هذا العالم بدون أن تكون مستعدا لحماية حريات الخرين .والعكس صحيح. فأنت حر فقط تعندما أكو ن أنا حرا. وعندما نتعلم كيف نكون أحرارا كأفراد ..فإننا نستطيع أن نكون أحرارا كجماعات .ول يمكن وجود مواطن حر إل بوجود مجتمع حر. كما أنه ل يمكن أن تقو"م النهضة في وطن بدون أهم ركائزها ..وهي النسان الحر. و يجب أن ل ننسى أن الحياة نعمة تستحق أن نحياها بكل حرية. وأننا ،بل حرية ،لن نشعر بقيمة هذه الحياة. لن تقييد الحريات ما هو إل إلغاء للنسان نفسه. والحريات الساسية عند الفيلسوف السياسي "جون رولس" هي: حرية الفكر.. حرية التعبير والصحافة.. حرية التجمع.. حرية العمل المشترك.. حرية التنقل. حرية اختيار الوظيفة. وللحـــــــــــــوار بقيــــــــــــــــة...
*
*
82
*
تعزائـــــــــــــــــــي..
تمضي اليا"م متثاقلة .وعزائي الوحيد ،إلى جانب انشغالي بتدوين إجاباتي على أسئلة صديقي "أحمدعمرشاهين" التي يلحقني بها، كان ذلك الترحيب الرقيق الذي يلقيني به الزملء في الوزارة، والمتردين عليها من شباب صادق واعد في مجالت الدب والفن. ومن أكثرالزملء رقة كان هو "حارس الوزارة" ،هكذا كنا نسميه، فهو أول من يصلها في الصباح وآخر من يغادرها ،حتى ليخيل إليك أنه يسكنها ول يفارقها ،وابتسامته العذبة ل تفارق شفتيه. إنه "د .محمد الديب" ،الذي عرفته قبل ذلك في مقر "دائرة الثقافة" بمنظمة التحرير في تونس ،حيث كان يرأس قسم الثار والتراث. مكتبه الن يقع في أول غرفة على يمين الداخل إلى مبنى الوزارة، يشاركه الغرفة الكاتب الروائي "غريب عسقلني" الذي ل يقل عنه بشاشة وترحيبا. كان "د .محمد الديب" دائم النشغال بتصفح المراجع المتخصصة بالتاريخ والثار والتراث ،المختلفة لغاتها ،فإذا ما كان المرجع باللغة اللمانية ،وجدته ،وقد وضع قصاصات من الورق في أماكن مختلفة من المرجع ،يمطرني باستفساراته. ثم ل يلبث أن يواصل حديثه بحماس شديد عن اكتشافاته وعن أحلمه بإنشاء متحف وطني للثار في مدينة غزة ،التي يعشقها ،والتي تعج بآثارها الناطقة بتاريخها المتوغل في القد"م. 83
كان حماسه واندفاعه في الحديث عن مشاريعه المستقبلية وأحلمه كثيرا ما يثير سخرية بعض الزملء به ،واتهامه أحيانا بما يشبه الهوس أو الجنون إلى آخر ذلك من الهمز واللمز! إل أنه كان يقابل ذلك بابتسامته العذبة المتسامحة. كان واسع الطلع،غزيرالعلم بشؤون التراث الفلسطيني .وكانت أحاديثه زاخرة بحكايات وطرائف بحيث ل يمضي يو"م إل وقد أتحفنا برواية لحداها .ثم ل يلبث أن يلحقها يزيد من عمق معناها. يحضرني منها الن واحدة حكاها له والده تعن أحد رؤسائه في العمــل. ظلت تدور في خلــدي إلــى أن اســتطعت أن أعيــد ســردها ،وإخراجهــا، بشكل تراثي وأن أقدمها له في يو"م تال مكتوبة كالتي:
*
*
*
مالم يحهكهه "بَديـدبا" الحكيم للطاغية "دبشليم" ،فلم يترجمه "بن المقفع": يحكى أ ن جطمال احتار في أمر قافلته التي حر ن إبلها وأوغلوا في حرونهم بحيث أبوا أ ن يتحركوا من موقعهم بالرغم من كل محاولت الجطمال التي اتعتمدت تعلى خبراته السابقة في قيادتهم ،مما جعل القافلة كلها تتوقف تعن المسير. حاول الجطمال أ ن يخفف من حمل "الجمل الول" فما أدى ذلك إلى أي نتيجة. حاول أ ن يطعمه ويسقيه ..وأ ن يغريه ،دو ن غيره ،بشتى الوسائل، فما زاده ذلك إل تعنادا وإصرارا تعلى موقفه الرافض. حاول أ ن يشده بكل ما أوتــي مــن قـوة ،ليحثــه تعلـى مواصـلة السـير، حتى إذا ما بلغ منه الجهد سقط الجطمال من التعياء ،فجلس ليستريح وهو يحدث نفسه ،وقد أدركته الحيرة ،سائل تعن سبب حرو ن الجمل 84
هو ورفاقه من الإبل .وبينما هو كــذلك ،إذا بالجمــل يقــترب منــه كــأنه يريد أ ن يهمس في أذنه: ..أما وقد أتعيتك الحيل ،التي طال ما انطلت تعلينا نحن العاملين معك بدو ن كلل ،بكامل إرادتنا ،فاسمح لي ،بالصالة تعن نفسي وبالنيابة تعن رفاقي جمال القافلة ،أ ن أهمس في أذنك تعتابي وتعتابهم تعلى ما بدر منك ،وما حاولنا دائما تجاوزه ح طابا وكرامة لك. كم من السنين قضيناها في خدمتك ،وما من مرة تعصينا لك فيها أمرا؟ كم من المرات غدربك الزما ن وبارت فيها تجارتك ،وما تركناك في محنتك؟ ف التراب في كنفك ،لكي كنا ،وما زلنا ،مستعدين ل ن نس ط تحقق ما تصبو إليه ،لنك راتعينا ورمزنا ..تعطزنا من تعطزتك. صبرنا كثيرا وتحملنا الكثير ،وما أنت بغافل تعن مدى قدرتنا نحن معشرالجمال تعلى تحمل الجوع والعطش ،وما زلنا. سأقولها ..وليس لك بعدها تعندنا من تعتاب. وهنا التقط راتعي القافلة نََفسه وهتف بلهفة: قلها برربك وأرحني ،فإنني مصهغ إليك! أومأ الجمل برأسه مشيرا إلى حمارالجطمال الذي يسيرتعادة في مقدمة القافلة ،والذي استملح انقياد القافلة إليه ،فطغى وبغى.. وتجبر وتكبر! ثم هز الجمل رأسه بأســاى ذات اليميــن وذات اليســار ..وأضــاف وهــو يردد محذرا بإصرار: ..أقول ما زلنا مستعدين لتحمل كل الصعاب ،إل واحدة:وهي أ ن تعود إلى ربطنا بذيل ذاك الحمار!
* 85
*
*
وكثيرا ما كان"د .محمد الديب" يعاود الحديث بحماس عن أفكار تتعلق بالتراث .وعن فكرة إنشاء ما كان يطلق عليه "متحف النتفاضة"، على غرار متاحف "الهولوكوست" التي أغرقت مدن العالم. ومهمة هذا المتحف هو توثيق الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني الذي ل تيخفي نواياه على مواصلة ارتكاب جرائمه حتى يحقق أهدافه المعلنة وغير المعلنة .وما أحوج العالم لمعرفة مظاهر قسوة وجبروت هذا المحتل الصهيوني من قتل للمدنيين البرياء ،وهد"م أو مصادرة لممتلكاتهم ،وارتكاب الجرائم البيئية ،من تخريب وتجريف للرض، واقتلع لشجارالزيتون ،مصدر رزقهم .علوة على دفن النفايات السامة في الراضي العربية مما يؤثرعلى مخزون المياه الجوفية.هذا إلى جانب سائرأساليب التطهيرالعرقي ،وهو ما يندرج بالتأكيد تحت مسمى "جرائم الحرب". وغالبا ما كان حديثنا ينتهي بتأكيده على وجوب محاكمة "مجرمي الحرب" على غرار ما جرى في "نورينبيرج" بألمانيا ،بعد نهاية الحرب العالمية الثانية .ومن هنا تنبع ضرورة التوثيق لتلك الجرائم. ولقد حدثني في أحد اليا"م أنه لن ينتظر حتى تتحرك أجهزة العل"م لتنفيذ هذه الفكرة ،وأنه شرع في جمع المعلومات ،صوتا وصورة، ليقو"م بتنفيذها عن طريق موقع سيقو"م بفتحه بنفس المسمى على شبكة النترنت عمل بما جاء في الحديث الشريف.." ..وذلك أضعف اليمان". يلي "د .محمد الديب" في قائمة الصدقاء الجدد ،الفنان التشكيلي "إبراهيم المزين" ،والشاعر "باسم النبريص" ،وزميله الشاعر"سليم النفار" ،والكاتب "حسن خضر" ،و"عاطف أبوسيف" ،والمخرج المسرحي "خليل طافش" ..وغيرهم من المترددين على الوزارة مثل الشاعر المرهف"خالد جمعه" ،والمخرج السينمائي "عبدالسل"م شحاته" ..والشاعرة الرقيقة "دنيا المل" ..وغيرهم ..وغيرهم ممن كانت رفقتهم تبشربالخير وتبعث على التفاؤل وتورق أغصان المل التي طال عريها. 86
فلقد عشت معهم أياما كنت فيها على يقين بأن استعادة ذكرها أو تدوينه ستكون في غاية المتاع.
)بقيــــــه (2
* * * حــوار حول النســا ن ..وإبداتعــاته..
س :المرأة؟ ج :أقول ..إثنان لغنى لحدهما عن الخر..القوس والوتر ،وكذا النثى والذكر. النثى هي شرط لبقاء النسان على هذه الرض. إنها النصف الخر للرجل..وهي التي أنجبته. إنها الحياة مختزلة. وهي سر كمال هذا الكون وجماله. وأقول ..ربما خلق ا آد"م قبلها ليتفر"غ لها ،بعد أن يكون قد استفاد من التجربة الولى وعيوبها .وا أعلم! م فمنذ أن خلق ا المرأة أرادها أن تكون جميلة .ولذلك تأنى في خلقها. و"المرأة الجميلة"هي التي أحسنت فهم الغرض الذي خلقها ا من أجله. المرأة هي ذلك الكنزالغني المترع بالعواطف ..المليء بكل انواع المشاعر والحاسيس النبيلة .وما أسعده ذلك الذي يدرك ذلك ،فيشرع في البحث عن هذا الكنز ..ويعثر عليه. فعالم الرجل ليكتمل ال بوجود هذا الكنز ..المراة. والمرأة عندي كالكتاب،ل بد ،لكي تستطيع فك رموزه ،من أن تمسك به وتقترب منه. لبد من أن تفتح غلفه ..وتتصفحة ..وتقلب اوراقه. س :المرأة ..ومساواتها بالرجل ..وتقليدها له أوالتشبه به؟ ج :المساواة ..نعم! ولكن ما حاجة المرأة لأن تقلد الرجال؟ 87
ب المرأة ما لها من صفات وفضائل تميزها عن الرجال. حس ت وإذا عنن لها أن تفعل ذلك ،فل بأس من أن تقلد العقلء منهم. المرأة ،بما لها من فضائل ..عالم رحب. المرأة الفاضلة وطن. ما عرفت ،أنا المهاجر ،وطنا بديل لي كما المرأة. "الرض" و "العرض" من مقدسات أجدادنا التي لمساومة فيها. ول عجب إذا اقترن ذكرالمرأة بالرض ،فكلهما يتسم بالعطاء. وإذا كان البعض يجد صفة أخرى مشتركة بينهما ..وهي "الجاذبية"، فجاذبية المرأة من شأنها ،بعكس الرض ،أن ترفعنا إلى أعلى. أليست هي الملهمة التي تقف وراء كل رجل عظيم؟ لم يكتف ا بالجنة التي وعدنا بها في الحياة الخرة ،مقابل حسناتنا التي أمرنا بأن نكثر منها ،بل خلق ا لنا المرأة ،جنة الحياة الدنيا. فهى ال"م الحنون ..والخت الودود ..والبنة البارة ..والحبيبه الملهمة؟ قالوا ..حسب المرأة أن ا اختصها ،دون الرجل ،في كتابه بسورة مستقلة ..وهي سورة "النساء". وأقول ..هل هو من قبيل الصدفة أن"الحياة" ..و"البهجـة".. و"المـــودة" ..و"الرحمـة" ..و"البتسامة" ..و"السعادة".. و"الصحة" ..و"الرقــــة" ..و"الراحـــة" ..و "المتعة".. و"الجنــــة" إلخ ..كلمات مؤنثـــــــة؟ س :الحب؟ ج " :يقول أناس لو وصفت لنا الهــــوى فوا ما أدري الهوى كيف يوصف" هذا ما قاله الشاعر"كرمة بن هانئ" ،الشهير بأبي نواس ،نفسه.
88
أما أنا فقد سبق لي أن قلت في الفن جملة يمكنني أن أستعيرها في سياق محاولتي هذه للحديث عن الحب ،مع بعض التصرف في تتابع الكلمات: "والحب ،بعلقته الوثيقة المتواطئة مع الحلم ،يعتبر شريكا وثيق الصلة بالفن والجمال". وقد أسس أفلطون لهذا التعريف بقوله: "مع لمسة الحب ..نصبح كلنا شعراء". الحب يجعل من تفاصيل الحياة المملة شيئا جميل. الحب هو أن نبحرمعا في قارب واحد اسمه الرغبة في الكتمال. أن ندخل معا في حالة من الوجد الحلل. إنه رحلة في بحرالمتعة تحملك أمواجه إلى عوالم لم تكن تعرفها. وممارسة الحب ،بالمفهو"م النساني ،هي بدون شك من أهم الشياء في توحد الشباع الذهني والبدني في متعة الحب لهو بلو"غ الحياة ،وإن م لحلى ذروات سل"م النفس. والحب مطلب فطري ،وكمال إنساني ،وتكامل بين العواطف والمشاعر وبين نداء العقل والبصيرة ،ول يجوز كتمانه وحرمانه من التنفس والنمو في الهواء الطلق. والقلب الممتليء بالحب يختنق إذا لم يجد من يحب وما يحب. غاندي يقول: "أينما يوجد الحب توجد الحياة". فالحب هدفه البدي هو الحياة ،ونقيضه هو الشر الذي سرعان ما يختفي من المكان الذي يوجد فيه الحب. وهو الحل الوحيد للخروج من سجن الذات إلى اتساع الكون ورحابة الخرين. فعليحب ،ومن بعده فعل في الحياة الدنيا ..هو " " وفي نظري أ ن أجمل" " " .كما أ ن التعمال العاديه الخرى تبدو جميلة من خلل يأتي فعل"يعمل الحب. 89
الحب هوعندما يسكن كل منا في أفكارالخروتنمو فينا رغبة في تزاوج الحلم والواقع ..وتكامل الحسي مع المعنوي ..والجسدي مع الروحي. فالحياة بدون حب كأنها الجسد بل روح. أو كما يقول "جبران" ..كأنها الشجار بل براعم أو ثمار. وأقول: ما أشبه كلمة "التحب" ،بضم الحاء ،بكلمة "النحب" ،بفتح حائها. فالنحب -بفتح الحاء -شيء تمسكه بيديك ..تمتلكه ..تجد له الرض المناسبة ..تبذره ..تعطيه ..ترعاه ..دون أن تمل النتظار .فإذا أنت أحسنت الاختيار للمكان وللزمان ..وأخلصت في الرعاية ،أنبت عطاؤك ،وجنيت الثمار. والتحب -بالضمة -شيء من هذا القبيل! إنه أيضا بذرة .يفترض أن تكون بين يديك ..أو لديك .تضعها في التربة التي تختارها .وبشيء من العناية ..وكثيرمن الصدق في العطاء تجني الثمار ..سنابل من الحتب. سوف تحصل على الحب إذا أنت أعطيته بصدق .وإذا عرفت لمن تعطيه ..وكيف ومتى تعطيه. وليس للحب علقة بما تصبوإليه وتحصل عليه ..بل بما أنت مقبل على إعطائه ،لن الحياة من أجل الخرين هي التي تستحق أ ن تعاش. وقد تستطيع أن تعطي من غير حب ،ولكن أي جدوى في أن تحب بغيرعطاء؟ والحب هو ذلك الفيض الخالد الدائم من الطاقة التي من شأنها أن تمنح النسان الهدوء وتهبه الشعور بالمن والسعادة وتحقيق الذات ،والثقة بها ..وتجعله يتعرف على مواطن الضعف والقوة في نفسه. وأن يحبك أحد بعمق فذلك مما يعطيك القوة والثقة بالنفس ،وأن تحب أحدا بعمق فذلك مما يعطيك الشجاعة. "إ ن الحب يحول المر حلوا ،والتراب تبرا ،والكدر صفاءا ،واللم شفاء ،والسجن روضة ،والسقم نعمة ،وهو الذي يلين الحديد ويذيب الحجر ،ويبعث الميت ،وينفخ فيه الحياة". هذا ماقاله جلل الدين الرومي. 90
أما ابن حز"م فيقول في رائعته "طوق الحمامة": " الحب هو اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة". وتفسير ذلك أن الحب هو إرادة إلهية تمتزج بقوتها روحين في روح واحده ،وأن النفس تنقسم ذات حين ،وعندما يحين أوان التئا"م شطريها ثانية يقال أن "الحب" قد شاء أن يصل بين النفسين. وهنا يطيب لي القول أ ن للشياء "رنين" تتميز به .فإذا ما تأملتها سرتعا ن ما يستجيب مكانها في الذاكرة إلى نداءه ،تماما مثلما تعلمنا في دروس الطبيعة"،الفيزباء" ،في تجربة "الشوكة الرنانة" ،ذات "التردد" المعين ،التي تستجيب لرنين شوكة أخرى لها تردد مساو في القيمة. كذلك الشخاص ..يتجاذبو ن ،ويتحابو ن ،تعن طريق ظاهرة الرنين هذه. وهنا ربما نجد تفسيرا لما يسمى بـ"الحب من النظرة الولى" الذي ل أعتقد أنه من قبيل اللمعقول كما يتصور البعض في بعض الحيان. فنحن بشكل عا"م نكون قد وضعنا تصورنا مسبقا لما سيكون عليه النسان الذي سوف نحبه ،حزينا أو مرحا ،رشيقا أو مكتنزا ،أسمرا أو أشقرا ،بضفائر ذهبية أو كستنائية ،وعيون خضراء أو سوداء..إلخ. وعندما نلتقي بنموذج يحمل تلك الصفات التي تروق لنا ،فسرعان ما تتحقق ظاهرة "الرنين" .أو سرعان ما يحين أوان "التئا"م شطري النفس المقسومة". الحب ..هو ذلك الحساس الفطري بالقدرة على العطاء ،والرغبة فيه والحاجة إليه. وهو تلك الطاقة الكامنة في داخلنا ،القريبة الشبه من طاقة المومة التي ل بد لها أن تجد المكان الذي تتنفس و تنمو فيه. إنه تلك المعزوفة التي تتوفر فيها شروط الخلود. وهناك سعادة واحدة في هذه الحياة ..هي أ ن نهحب ونَحب. وربما كا ن الجحيم هو أحدهما منفردا. شوقي يقول: "نحن في الحب حديث بعدنا". 91
ومحمود درويش يقول : "أنا وحبيبي صوتان في شفة واحدة". وأخيرا وليس آخرا ..أحب أن ل تفوتني الشارة إلى مقولة دارجة عن الحب ،وهي أن "الحب أعمى"! وهي مقولة خاطئة ناتجة عن الخلط بين "العمى" و "العننمته". فالعمى للبصر والرؤية الحسية. والعمه للبصيره والدراك المعنوي. والتبصرهو إعمال للعقل وليس للعين. حب أعتنمٌهه" ،لنه ل "الم ق ب نعنمٌهه" ..أو أن ت والصح ،هنا ،هو أن "التح م يأبه بالعوائق ول يهتم بالعقبات! وها نحن نقرأ بأن "اختبارات الدم التي أجريت تعلى الشخاص الذين وقعوا في الحب أخيرا قد تعرضوا لمستويات تعالية من نمو الخليا العصبية .حيث قام الباحثو ن بفحص تعينات دم لثلث مجموتعات مختلفة من الشخاص ،الولى للذين وقعوا أخيرا في الحب ،والثانية تشمل الشخاص المرتبطين بعلقات طويلة المد ،والثالثة لمجموتعة من العازبين .فأظهرت المجموتعة الولى مستويات تعالية لنمو التعصاب مقارنة للشخاص المرتبطين منذ فترة طويلة أو الشخاص الذين يعانو ن من الوحدة". وهذا مما يبين أ ن الوقوع في تعلقة حب يعمل تعلى زيادة نمو الخليا العصبية المسئولة تعن الذاكرة والتعلم في المخ .وأ ن الحب يعزز قوة المخ ويحفز نمو خليا المخ التي تعد مزكز التعلم والذاكرة ،بل و يعمل تعلى خفض الجهاد والكتئاب. وا أتعلم! س :حب الذات..؟ ج :هذا يعيدنا إلى الحديث عن الحواس المختلفة ،والتي حدد العلماء مكانها في تلفيف المخ .هنا السمع ..وهنا البصر ..وهنا اللمس و ..وأماكن أخرى أطلقوا عليها مدارك أخرى. 92
فإذا كان هناك جزء من هذه التلفيف مخصص لـ"الحب" .مهمته أن يسيطرعلى تلك الطاقة ،وكانت هناك أجزاء أخرى مخصصة لـ ق "حب الوطن" ..وحب ال"م ..وحب الخير ..و ..و"حب الذات" ،فإن الجزء المخصص لهذا النوع الخير ،حب الذات ،يحتل تعند البعض ،جزءا كبيرا من تلك التلفيف. وفي تقديري أن هذا الجزء مجاور للجزء المخصص لـ"الكراهيه".. مما يترتب عليه اختلط المر في بعض الحيا ن ..ليصبح حب الذات أقرب إلى الكراهية ..أو كراهية الخرين! وما زال العلم الحديث يأتينا تباعا بحقائق ربما تتباين عن ما كنا نعتقد أننا نعرفه حتى الن ،وهو أن الدما"غ بأجزاءه وتلفيفه هو المسئول عن صفات النسان وحالته الذهنية ،وهو المحرك أوالذي يصدر الوامرلتحريك أعضاء معينة من الجسم ,أوقيامها بردود الفعال المختلفة. وللحـــــــــــــوار بقيــــــــــــــــة...
*
*
93
*
94
فيلم روائي تعن القدس!..
كانت "دولة المارات" ،في وقت سابق ،قد قامت برصد مبلغ من المال لنتاج فيلم تسجيلي عن القدس .ولقد رتشح المخرج المعروف "يوسف شاهين"لخراجهذا الفيلم،والكاتب المصري الكبير"محفوظ عبد الرحمن" لكتابة السيناريو له .وسافر ت ت من "را"م ا" لجنة من علية قو"م الوزارة للتفاوض مع المخرج والكاتب. ولكنهم فوجئوا باعتذارالمخرج يوسف شاهين.
*
*
*
هنا ..يحضرني ذلك الموقف الذي كان "يوسف شاهين" بطله منذ حوالي عشرين عاما .فلقد حكيت عنه في مكان ما من سيرتي هذه .ول بأس من استدعاء تلك الحكاية لهذا المكان. ذلك عندما حضر المخرج "يوسف شاهين" إلى بيروت لعرض فيلمه الشهير "إسكندريه ..ليه" عرضا خاصا للخ القائد "ياسرعرفات" 95
كمحاولة للحصول على وساطة لتخطي تلك التحفظات التي ظهرت تجاه عرض الفيلم في ذك الوقت ،في بعض الدول العربية. عقب نهاية العرض طلب"أبوعمار" من مستشاره "أحمد الزهري"، في ذلك الوقت ،أن يلحق به في مكتبه مع المخرج "يوسف شاهين". ولم أجد يومها مفرا من الستجابة للحاحهما علمي لمرافقتهما ،حيث بادرالخ القائد المخرج ،بعد أن أثنى على الفيلم ثناء ملفتا ،قائل بود شديد ..وبلهجته المصريه: مش تشد حيلك يا "جو" ..عشان تعمل لنا فيلم زي ده ..عنفلسطين! وهنا أجابه يوسف شاهين بتلقائية وبدون تكلف: أنا كمان لمي فلسطيني يا أخ أبوعمار .وفلسطين بتاعتي هي"سينا"المحتلة. ثم نظرإلي ،وربت بكفه على كتفي وهو يكمل: وانتوعندكو مخرجين قدها وقدود!وظل المستشار "أحمد الزهري" يروي هذه القصة في كل مجالسه و يتباهى بموقف بلدياته "يوسف شاهين" ،صاحب الموقف ،الذي كان بإمكانه ،حسب تأكيد المستشار ،في تلك اللحظة من ذلك الزمن ،أن يحصل على أية مبالغ يطلبها لتمويل الفيلم. ولقد حدثني المخرج الكبير صلح أبوسيف ،أثناء لقاء لنا في أحد المهرجانات الدولية عن موقف مشابه جعله يستغرب من سلوك بعض المسئولين الفلسطينيين.
*
*
*
وهكذا لم يبق ،كما يبدو ،سوى التلويح لي بهذه المهمة التي قبلتها على مضض .فلقد كنت قد قررت بيني وبين نفسي أن ل أعمل إل في مجال 96
السينما الروائية التي أعددت نفسي لها منذ أن تفرغت للعمل في منظمة التحرير في بيروت التي ذهبت إليها في أواخرعا"م 74ومعي مشاريعي من الفل"م الروائية .ذلك بعد حوالي عشرين عاما من الدراسة في الخارج ،واكتساب الخبرة في مصر في هذا المجال. لكنني خشيت أن يؤخذ هذا الموقف دليل على ما كان يتهمني به بعضهم من الكسل ..وهو ما يسميه البعض الخر ..التأني والنتقاء، وما أسميه أنا ..اللتزا"م بتخصصي والثقة بقدراتي واحترامها. أما حقيقة تهمة الكسل فهي ،حسب تقديري وتفسيري ،ذريعة ذوي النفوس العدوانية المشوهة الذين يسقطون تشوهاتهم على زملءهم. وهي ذريعة الذين يحجمون )جبناا( عن المجاهرة برأيهم ول يجرؤون على الدلء به إل في أضيق الحدود .ظنا منهم أن ذلك سوف يعفيهم من إلتزامهم باتخاذ موقف شريف من شأنه إنصاف قضايا زملءهم من الملتزمين. هذا ..مع العلم بأنني ،بالرغم من الستحسان الذي نالته أفلمي التسجيلية ،وبصرف النظرعن الجوائزالدولية التي نالتها ،كنت أعتبر نفسي مقحما في ذلك المجال ،الذي أرى أنني مؤهل للبداع في غيره. وهو الفيلم الروائي ..قدري وملعبي ..والأساس الذي بنيت عليه علقتي بالسينما ،وبمنظمة التحرير الفلسطينية. هذا هو سبب ترددي الحقيقي وسرإحجامي.
*
*
*
بعد عدة اجتماعات للجنة التحضيرية المكلفة بإعداد المادة العلمية لفيلم "القدس" ،التسجيلي ،والتي كنت أحد أعضاءها ،فوجئت بأنباء عن وجود نوايا للستعانة بمخرج تركي )!( ولما استوضحت المر من معالي وزيرالثقافة ،السيد ياسرعبد ربه، قال أن وراء نية الستعانة بالمخرج التركي هدف سياسي. ولم يبخل علي معالي الوزير بالتوضيح بأن وجود هذا المخرج سوف يتيح لنا الحصول على الوثائق السينمائية القديمة الموجودة في تركيا. 97
وبعد ذلك تردد اسم صديقي المخرج الفلسطيني "ميشيل خليفي" كشريك لي في الخراج )!( لم أبد أي معارضة .بل اعتبرت ذلك مخرنجا مناسبا من مأزقي. واتفقت مع سيادة الوزير ،أن أقو"م بترتيب المورعلى أن يقو"م "جورج خليفي" ،شقيق المخرج المذكور ،بإدارة النتاج. وفي لقاء آخر مع الوزير تم التفاق على استئجار مكتب "جورج"، الكائن في القدس الشرقية ،لكي يكون مقرا لفريق العمل في الفيلم المذكور .وقمت بتقديم ورقة ،كتبتها في الحال ،أذكر فيها النقاط التي اتفقنا عليها ،كبرنامج للعمل ،مذيلة بنقطة أخيرة وهي "تسمية المخرج" .ذلك بعد أن ردد الوزيرإسمي عدة مرات بدون ذكر "ميشيل خليفي" ،أو أي مخرج آخر ،محاولة مني لوضع حلد للمواربة واللف والدوران. فما كان من الوزير إل أن أضاف إلى الورقة بخط يده أما"م خانة تسمية المخرج " :غالب شعث"! لم أتردد إزاء ذلك في طلبي منه التوقيع على الورقة ،ففعل. عقب ذلك فوجئت بأن صديقي "ميشيل خليفي" قد استتدعي من باريس خصيصا للتعاقد معه .ونما إلى علمي بعدها ،من شقيقه "جورج خليفي" ،أن"ميشيل" قد تقد"م بعدة أفكار لم تصادف هوى في نفس "إدارة الفنون" بالوزارة. ثم انتهى المر بأن صرح لي الوزير بعد ذلك بعدة شهور بما يوحي بأن إتحاد المارات قد يتردد في أمر تمويل الفيلم )!( كان ذلك في نهاية الشهورالثلثة التي كانت السلطات السرائيلية قد صرحت لي بها بزيارة "أراضي الضفة". كنت محكوما في ذلك الوقت بالعودة إلى مصرلنتظار "رقم الكومبيوتر" ،أو "الرقم الوطني" ،وبالتالي التصريح النهائي لي بالعودة إلى الوطن.
* 98
*
*
أما وقد أمسيت أحمل ذلك الرقم السحري الذي مكنني من العودة إلى جزء من أراضي السلطة الوطنية ،فقد أصبح بقاء السيدة "ليانه بدر"، زوجة وزيرالثقافة ،في موقعها الذي أتيح لها بسبب غيابي مثير لبعض التساؤلت ،والكثيرمن الستنكارات ،من معظم كوادرالوزارة .فكان ل بد لسيادة الزوج الطيب أن يعمل على استبعادي ..استجابة ،كما يبدو، لمزاج الزوجة ،التي طاب لها المقا"م في موقع يتيح لها الكثير مما تراه من المزايا ،مثل السفر ..وحضور المهرجانات السينمائية بأضوائها الخلبة ..والقامة في الفنادق ذوات النجو"م المتعددة ..وغير ذلك. ولذلك تكر"م سيادة الوزير وأصدر قرارا بندبي للعمل في القاهرة )!( وتجدد النتداب عدة مرات .ولم يكن هناك أي تفسير لذلك سوى التخلص من إلحاحي على العمل .هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى، إبعادي عن "را"م ا" ،حيث استأثرت السيدة "ليانه بدر" ،زوجة الوزير ،كما ذكرت ،بموقع إدارة شؤون السينما ،والفنون ،بعد أن حصل لها زوجها ،الوزير ،على رتبة ..مديرعا"م )!( ولم أجد ،في ذلك الوقت ،مناصا من القبول بالنتداب إلى القاهرة، مؤقتا ،بالرغم من يقيني أنه ل ضرورة ول نفع يرجى من ذلك .لكنني كنت أرى أن انتظارتنفيذ قرارالرئيس بتعديل وضعي الوظيفي في بيتي في القاهرة أكثر عقلنية من قضاء الوقت في أحد فنادق "غزة" أو "را"م ا" التي اصبحت عاجزا عن تسديد فواتيرها. ثم أدركت أن المرسيطول ،بعد أن تكررت زياراتي إلى "غزة" ومنها إلى "را"م ا" ،الشيء الذي كان يتطلب الحصول على تصريح من السلطات السرائيلية )تصريحا مؤقتا( في كل مرة. هذا ،ول بد من الشارة إلى أن مدة سريان هذا التصريح كانت خمسة عشر يوما فقط ،بحيث أذهب إلى "را"م ا" في الصباح الباكر على أن أسجل في معبر"إيريتس" عودتي إلى "غزة" في نفس اليو"م قبل الساعة السابعة مساء. أي قهر هذا! 99
ثم كان ذلك القرار بتعييني مستشارا للوزير بتاريخ )(8/6/1997 كنوع من الترضية)!( وتبعه ذلك اللقاء الذي طالبني فيه سيادة الوزير بالعودة إلى العداد لفيلم تسجيلي عن القدس. قلت له ،محاول أن أخفف من وقع رفضي لطلبه ،إلى جانب محاولتي للتعبير عن القهر الذي أشعر به جراء حرماني من ممارسة العمل الذي جرى تفرغي له في منظمة التحريرالفلسطينية على أساسه ،أنه لم يبق في تعمري الكثير لضيعه في تعمل الفلم التسجيلية الذي ل يستهويني ول يتفق مع تخصصي ،وأنني أحلم بأ ن أختتم هذا العمر بفيلم روائي يتناسب مع طموحاتي وإمكاناتي ،ويتحدث تعن مدينتي ومسقط رأسي"..القدس". قال الرجل ،بعد فترة صمت ،وقد تغيرت معالم وجهه و بدا عليه التأثر: إذن ..إذهب إلى القاهرة ،واختر كاتب السيناريو الذي تراه قادراعلى ذلك ،واتفقوا معا على الموضوع الذي ترونه سويا .ونحن في النتظار. قلت: وماذا عن التمويل؟قال بأداء خلته صادقا ،وبالحرف الواحد: سوف "أخلق" لك تمويل!كنت على وشك أن أذدكره أنني أيضا كاتب سيناريو ،بحكم دراستي والدبلو"م الذي أحمله علوة على دبلو"م الخراج ،وبحكم الخبرة والممارسة ،وأنه بإمكاني القيا"م بهذا العمل بالذات أفضل من غيري، بحكم كوني من أبناء القدس ،الذين يعانون من حرمانهم من العودة إليها .ولكنني رأيت أ ن وجود كاتب محترف له إسمه وسمعته سوف يكو ن مدتعاة لخذ المور ،هذه المرة ،بشيء من الحزم والجدية. 100
ولشدة سعادتي ،صادف دخول السيد "يحيى يخلف" ،وكيل وزارة الثقافة ،ليكون شاهدا على هذا التفاق .وأذكر أنه بادرني باسما )وكأنه كان يعرف مايدور بيني وبين معالي الوزير( بقوله أنني قد حصلت أخيرا على فرصتي ،وماعليم إل أن أجتهد وأن أغتنم هذه الفرصة.. وإل) ..مازحا وهو يرمق الوزير بنظرة ذات معنى ل تخطئه العين(: " .. ..فسوف لن تنجو من تشهيرنا بك"!قلت لهما )مشاركا في ما بدا منهما من مزاح ل يخلو من سماجة(: أنا أقبل التحدي ..ولكن بشرط..تعمدت السكوت لحظة لكي أعطي ما سأقوله قدرا من الجدية والهمية ثم أكملت مؤكدا: ..فأنا لن أتورع تعن التشهير بكم أيضا في حال تراجعكم!)مشيرا إلى ما بدرمنهم ،ومن غيرهم في السنوات الماضية ،من تراجعات قبل ذلك(. قلت جملتي هذه وأنا أحرص على وضوح ما يعنيه كل حرف من حروفها .وانفض المجلس.
*
*
*
قيل لي فيما قيل: ل تصدق هذا الرجل ،فهو ل يملك كلمته في وزارة الثقافة ،فقد نصبت زوجته السيدة "ليانا بدر" نفسها مديرا تعاما لشئو ن الفنو ن في الوزارة .وأصبحت هي القائم تعلى شئو ن وزارة الثقافة ،إنطلقا من أنه ل يجد في وقته متسعا لتحمل تعبء وزارتين" ..الثقافة" و "التعلم". لكنني ،كمتفائل أزلي ،فضلت أن أصدق الرجل ،فلقد أبدى تأثره وتعاطفه معي بأداء يدعو إلى تصديقه. 101
*
*
102
*
)بقيــــــه (3
حــوار حول النســا ن ..وإبداتعــاته..
س " .. :فــــن السيــــــنما"؟ ج :والحديث عن فن السينما ،أيضا ،لبد وأن يعيدني إلى مقولة "الحديث ذو شجون" .فهو ،أيضا،ل يخلو من أسباب التداعي والسترسال. كلنا يعرف أنه في البدء كانت الكلمة تتحمل عبء خلق الصورة لدى المتلقي .كانت هناك "الصورة السمعية"" ..صورة الكلمة". ثم جاءت "الصورة البصرية" اليدوية ،ومن ثم "صورةاللة" ،التي تطورت حتى كادت أن تضاهي الولى دقة وجمال وإيحاء لكونها زاخرة بالتفاصيل. وشيطان الفن ،كما يقولون ،يكمن في مثل هذه التفاصيل. وكلنا يدرك أنه كثيرا ما تؤدي وساطة الكلمات إلى عد"م الدقة في نقل الصورة .ويكاد أن ل يختلف اثنان على أن هناك مفاهيم ل تكفيها الكلمات ،بل تحتاج إلى"رؤية" العيو ن وحكمتها ووتعيها وفراستها. فعندما يتحدث السينمائي عن فكرة أو أفكار ،وليس حكايات أو أسرار وأخبار ،يلجأ إلى شكل من السرد قوامه العنصرالبصري بتفاصيله. فالسينما هي أ ن تحلم وتعيونك مفتوحة. 103
الحركة والسكون ..النور والظل ..البعيد والقريب ..الواضح والمبهم.. حرارة اللوان وبرودتها ..هي على الشاشة علقات تشبه علقة الصوت والصمت في الموسيقى .أو علقة الحروف ببعضها حين تتجاور أو تنتظم في ترتيب معين مقصود لتعطي كلمة ذات مدلول معين ،أوعلقة الكلمات ببعضها لتعطي جملة ذات معنى معينا أو مباشرا أو غير مباشر. وعندما تقد"م لي السينما ،على سبيل المثال ،وجها جميل يحتل الشاشة، "كلوز أب" ،فهي بذلك تجعل ذلك الجمال "ملء العين" .وهي بذلك تكون بدورها قد قامت بتجسيد ذلك المعنى الدبي الجميل ،باللغة السينمائية ،بل ..وتفوقت بها على اللغة الدبية. س :السينما والدب؟ ج :الدب والسينما نوعان مختلفان متشابهان. ففن الرواية ،القرب إلى السينما ،هو ذلك الفضاء الذي ينفجر فيه الخيال كما في الحلم. في الرواية ينطلق خيال القاريء في ذلك الفضاء بحرية ليتقمص دور المخرج السينمائي ويقو"م تلقائيا بقـ"إخراج" ما يقرأه بالشكل الذي يروق له ويستشعره .وربما يقو"م ،بنفسه ،بقـ"توزيع الدوار" ،وإعطاء الملمح التي يراها للشخصيات التي يتعاطف معها أو ينفر منها، وخلق "صورة" ذهنية لكل ما يقرأ..إلخ أما في السينما فيكون خيال "المخرج السينمائي" قد أخذ المبادرة في تحديد الكثيرمن التفاصيل ،وبالتالي بتحديد وتقييد نسبي ل يخلو من البداع لخيال المتلقي أو المتفرج. و"الرواية" المكتوبة و"الفيلم" السينمائي يشتركان في محاولة استكشاف ما يدورفي العقل البشري .لكن بأساليب مختلفة ..متكاملة. على أن هناك فرق جوهري بين الرواية ،التي يقف وراءها شخص واحد ،وبين السينما التي يقف وراءها فريق متكامل. فالديب هوتعازف "سوليست" ،أما المخرج السينمائي فهو قائد "اوكسترا". 104
س ... ... ... :؟ ج :ليست مهمة الرواية أو الفيلم السينمائي هو سرد وقائع أيا"م وساعات ودقائق الشخصيات الواردة ،ولكنها ..وضع المتلقي على طريق اكتشاف الحياة الداخلية لهؤلء "البطال" الذين هم نحن. أنا أتعتقد أ ن العمل الدبي بمجمله ،أو حتى بتفاصيله ،وكذلك العمل السينمائي ،أوالفني بشكل تعام ،هوأداة لليحاء تماما كما الموسيقى. فكثيرا ما يستهوينا الستمتاع بإتعادة مشاهدة فيلم سينمائي أو أجزاء معينة منه .إنه الداء المتقن للمشهد الذي ل يقل تأثيرا تعن الداء الموسيقي الذي يستحثك تعلى إتعادة الستماع إليه مرة بعد مرة. فمامعنى أن نستمتع أحيانا بجزء من عمل فني بمعزل عن بقية العمل؟ أليس في ذلك ما يدل على قوة اليحاء التي يمتلكها هذا العمل ،أوهذا الجزء من هذاالعمل؟ فعندما يتحدث السينمائي عن "فكرة" يلجأ ،كما قلنا ،إلى ذلك الشكل من أشكال السرد بعناصره البصرية ،الذي تدعمه الموسيقى عند الحاجة لزيادة جرعة اليحاء. والكلمة ،أداة التعبير الوحيدة في الرواية ،لها دورها ومفعولها .ولكن ليس صحيحا أن الصورة هي أداة التعبير الوحيدة في الفيلم السينمائي. ولكنها تشكل وجها آخر تتكامل معه الكلمة. ولقد جاءنا الفن السينمائي بأدلة ملموسة محسوسة تثبت أنه القادر على التعبيرعن أشياء في اللوعي مما ل تستطيع الكلمات أن تعبرعنها، وذلك باللجوء للتعبير بإيحاء من تتابع الصور السينمائية بتر تيب معين بما يرافقها من الموسيقى أو المؤثرات المختلفة ..إلخ. السينما ،كما ذكرت في مكا ن آخر ،لغه .ومن يمتلك هذه اللغة يستطيع أ ن يقول شعرا ..ويحكي رواية ..ويرينا فنا تشكيليا ..ويسمعنا موسيقى ويمتعنا بكل الفنو ن .وهو من خلل ذلك كله يوصل الينا 105
رسالته التي يمكن أ ن تحمل الينا تساؤلت تعن أتعقد القضايا ،أو تفسيرا لها .وأخص بذلك الفيلم الروائي بالذات. وخلصة القول أن السينما رحيق الثقافة. السينما ..هي ذلك النسيج الجميل من خيوط الفنون كلها. فهي فن يتغذى على كل الفنون الخرى ،وفي مقدمتها الرواية. و من شأنه ،كما قلت ،أن يمتعنا بكل تلك الفنون. أو كما قيل ..يحثنا على أن نتذوق شتى الفنون حيث تتدرب آذاننا ،إن جازالتعبير ،على "رؤية الصورة" ،وعيوننا على "سماعها"! س ... ... ... :؟ ج :من أهم مها"م المخرج السينمائي أن يجعل المشاهد يفهم أشياء لم يسجلها على شريطه ،وأن يحفزه على أن يذهب إلى أبعد مما أشار. شأنه في ذلك شأن أي فنان صاحب رسالة ينآى بها عن اللغو والمباشرة الفجة. س ... ... ... :؟ ج :ل توجد قواعد لخراج الفيلم الجيد .هناك مخرجين جيدين أبدعوا أفلما كل بطريقته الخاصة .من الممكن أن نتخذ هذه الفل"م أمثلة نحتذي بها. س ... ... ... :؟ ج :أشعر بالمتنان لصاحب أي فيلم سينمائي جيد ،لنني أشعر أنه انتصارلي .وكثيرا ما عبرت علنا عن شعوري هذا. س :أدب وسينما الخيال العلمي؟ ج :لو اتفقنا على أن "الدب" و"السينما" ،والفن بشكل عا"م ،هم من مكونات الثقافة ،وأنهم أكثر صلة بالحل"م من العلم ،فإن ذلك يعتبر اعترافا ضمنيا بأن للفن والحل"م فضل على العلم .فلول الحل"م ما 106
كانت هناك اختراعات ول ابتكارات ول اكتشافات ول أي شئ يمت إلى العلو"م .ولول ذلك الحالم" ،عباس بن فرناس" ،الذي صنع لنفسه أجنحة من الشمع ،أودت بحياته في أول محاولة لتقليد الطيور في طيرانها ،لما كان هناك "رواد فضاء" .ولما كانت هناك أحل"م أخرى وتطلعات إلى مستقبل يتاح فيه قضاء عطلة في الفضاء ،أو على سطح القمر .فللدب ،بالتالي ،وكذلك الفن طبعا ،فضل على العلم. س ... ... ... :؟ ج :أول تأثير للسينما عليم ،في طفولتي ،هو خروجي من الفيلم متقمصا شخصية البطل .وكان بطلي في ذلك الوقت هو "زورو" أو "فلش جوردن". كنت أشعر فعل أنني في قوة هؤلء البطال ،وأنني أستطيع أن أثأر لنفسي من بطش بعض القران الذين كانت بنيتي الضعيفة تغريهم على سرقة "غذائي" الذي حملته معي إلى المدرسة .أبحث عنهم فل أجدهم .ثم يذوي تدريجيا ويتلشى ذلك الحساس بالقوه )!( أما الثر الخر الذي تركته السينما عندي بعد ذلك ،فهو نمو إيماني بأن الثقافة هي لغة التفاهم والتعايش السلمي بين الفراد و الشعوب ،وأن الفن هو أقرب مفردات الثقافة إلى قلوب وعقول الناس وأعمقها تأثيرا، وأن السينما هي الوعاء الذي يحتوي خلصة فنون الثقافة لنها تعتمد على الصورة لغة سهلة الفهم لجميع الشعوب ،مما جعلني أقرر يوما أن أتحول ،كما ذكرت قبل ذلك ،من "الهندسـة المعمـارية" إلى "السيـنما" ،تلك الداة الناتعمة ..القوية. ذلك بإلحاح من المسئولية القومية والوطنية التي كانت تحتم علينا العمل على الوصول إلى أسلوب لمواجهة القهر الذي يتعرض له الفلسطيني. س : ج :
السينما سلح؟ نعم! 107
وكذلك سائرالفنون الخرى أيضا .فهي تنضوي تحت ذلك المسمى الحديث" ..القوة الناعمة". فهناك نوعان من القوة: القوة العسكرية المتعارف عليها منذ القد"م ،وهي التي درجت الدول على استعمالها في تحقيق مصالحها في سياستها )الخارجية والداخلية( ،وما قد تتطلبه المصلحة من غزو عسكري ،وهي ما يعرف بالقوة الصلبة الخشنة .((Hard Power والقوة الناعمة ) ،(Soft Powerوهي أداة بديلة يكون هدفها ما اصطلح على تسميته بالغزو الثقافي .وهي الخطر ،لن الخضاع الثقافي بالقوة الناعمة هو احتلل حقيقي للعقول عن طريق أدواتها المتمثلة بوسائل العل"م المستحدثة وأفل"م السينما وشبكات التلفزيون. .وقد أثبتت القوة الناعمة قدرة تأثيرها بالتجربة العملية فجماهيرالدول الفقيرة التي كانت تشاهد الفلم الميريكية استطاتعت" تعبرها معرفة أ ن الناس بالغرب ل تقف في طوابير للحصول تعلى الطعام ،ويقيمو ن في مساكن مستقلة ،ولديهم سياراتهم الخاصة.. ".وهكذا هذا ما أدلى به "جوزيف ناي" Jozef Nay ،رئيس مجلس ، الستخبارات الوطني الميركي ،ومساعد وزير الدفاع في عهد ادارة الرئيس "بيل كلينتون"لم تعد السلحة والصواريخ هي كل شيء .هناك المال )الرصدة( ..و المقاطعة ..والبترول .هناك المعلوماتيه.. " والـ ".. Know how.الطريق السريع للمعلومات هناك الشركات عابرة القارات. وهناك"الميديا" ..والفنون بأشكالها ..والفضائيات ..و"النترنت".. و"الفيس بوك " ..إلخ! ول شك في أن من امتلك هذه السلحة قد امتلك من القوة ما يجعله قادر على التأثير.
108
هذا ..ولقد دأب الصهاينة على ترويج أفكارهم بكل الوسائل المتاحة بصرف النظرعن مدى شرعية تلك الوسائل .فعلوة على سلح العل"م الذي برعوا في تسخيره لتزوير الحقائق وتزييف التاريخ، لجأوا إلى شكل آخر من أشكال "القوة الناعمة" المؤثرة في عقول الناس ..وهوالدين. فلقد سمخروا الدين لغراض سياسية ،ودأبواتعلى ربط النجيل بالتوراة واستدراج المسيحيين للتعتقاد بأ ن "العهد الجديد" ما هو إل تتمة لـ "العهد القديم" ،مما أدى إلى تسهيل مهمة امتلك تعواطفهم و إلى التمهيد لـ"تهويد الذهن المسيحي" ،لتسريب دتعوات الصهيونية إلى نفوس المسيحيين وإضفاء قدسية تعلى الخرافات المفسرة للتوراة وأساطيرها بحيث أصبحت الذهنية الدينية الغربية مهيأة لقبول فكرة "الوتعد اللهي" بتجميع اليهود وتعودتهم إلى "أرض الميعاد" لقامة دولة إسرائيل في فلسطين .ولقد أحرزت هذه الفكار نجاحا يتجلى في تعاطف الغرب ودتعمه للدولة السرائيلية. ذلك كله بفضل ما سمي بالقوة الناعمة. س :الفيلم السياسي..؟ ج :أليست السياسة هي تنظيم علقة دول العالم فيما بينها.. وأجزاء الدول فيما بينها ..المدن وقراها ..وسكان القرية فيما بينهم.. حتى نصل الى أصغر خلية من خليا المجتمع..الى أن نصل الى أنها أيضا تنظيم علقة الفرد مع أفراد أسرته؟ اذن لماذا هذه التسميات التي تصنف الفنون الى فن سياسي ،وفن غير سياسي؟ إن كل نبضة نبضة من نبضات الفنان سياسه. أليس الفنان هو شاهد عصره ،أو ضمير زمانه؟ الفنان هوالنسان الذي ل يتحدث عن السياسة ،ولكنه يمارسها. هذا ،ول يكفي أن يحمل الفيلم فكرة سياسية مهما كانت نبيلة وحقيقية لكي نسميه فيلما سياسيا ،بل يجب أيضا أن يكون فيلما جميل وقويا! 109
لذلك تسقط ،في نظري ،تلك التسميه .ويصبح أي فيلم نابع من معاناة الناس ،ويعبرتعن آمالهم من خلل حكاية غيرملفقة ،وتقنيةغيرمعقدة، وأسلوب غيرمباشر ،وأداء طبيعي غيرمتشنج ..هو فيلم سياسي! وخلصة القول أن السينما وجهة نظر عامة. س :ولماذا" ..الفن السابع"؟ ج :هناك أجناس عديدة للفن ،منها ما هو في عمرالنسان ،ومنها ما ظهرحديثا .وهناك اليو"م فنون جميلة تشكيلية مثل التصوير والنحت والحفر والعمارة والتصميم الداخلي والرسم ،وفنون تعبيرية كالموسيقى والدب والشعر والرقص والمسرح .ثم جاءت "السينما". وجاء الناقد ،والروائي والشاعر والمسرحي ،فرنسي الجنسية ،ايطالي الصل" ،ريتشيوتو كانودو" ، Riciotto Canudoالذي أنشأ عا"م 1923مجلة للفنون ،وكان من الطبيعي أن تحتوي المجله على البواب التاليه: - 1الرسم - 2النحت - 3العماره - 4الشعر - 5الموسيقى - 6الرقص والفنون الشعبية وعندما قرر أن تحتوي مجلته بابا عن فن السينما ،خطرت له فكرة تسميتها بمجلة "الفنون السبع" .فكان أول من أطلق اسم "الفن السابع" على فن السينما. وهنا ل بد أن نتذكر أن قدماء اليونانيين هم الذين صنفوا الفنون الستة: العمارة ،والموسيقى ،والرسم ،والنحت ،والشعر ،والرقص. أما المسرح الذي اكتسب شعبية كبيرة منذ قديم الزمن فقد كان توليفة من الرقص والموسيقى ولذلك لم يكن من الضرورة أن يجدوا له مكانا في ذلك التصنيف. 110
س :الوسكار؟ ج :تمنح أكاديمية الفنون والعلو"م السينمائية ،وهي أكاديمية فخرية وليست تعليمية ،جائزة للفل"م السينمائية الفائزة في المسابقة التي تقيمها في كاليفورنيا سنويا ،ابتداء من عا"م .1927وأصل هذه التسمية نكتة ،حيث يروى أن سيدة ،اسمها "مارغريت هاريك" ،كانت تعمل مشرفة على مكتبة الفل"م في الكاديمية المذكورة ،دأبت على تشبيه التمثال الذي يمثل الجائزة بعممها "أوسكار" .فما كان من اللجنة المختصة بمنح هذه الجائزة إل أن أجمعت على إطلق هذا السم على الجائزة. س :السينما ..والنقد؟ ج :قيمة الفيلم السينمائي ل تحدده قدرة الكاتب ،ولعبقرية المخرج ،ول تممكن المصور من الخلق والتجسيد ،ول إبداع الممثلين، ول أهمية الموسيقى ،ول الديكور ،ول المونتاج أو الصوت أو .المكساج..إلخ قيمة الفيلم السينمائي تنبع من كل ما ذكرنا ،بالضافة إلى ما يستطيع .أن يحركه في الجماهير وهنا يبرز دورأحد أركان أو أعمدة العمل الفني الهامة ..وهوالنقد. و"الناقد" هو الركن الرابع ،أو العماد الرابع ،الذي يستند إليها بناء العمل الفني. في الدرجة الولى تأتي "الرسالة" التي يتناولها "المبدع" ،وهو العماد الثاني ،ليتولى توصيلها ،بلغته الخاصة ،إلى "المتلقي" ،وهو الجمهور ،ثالث الركان ،أو العمده. ثم بأتي دور "الناقد" الذي يتولى تقييم "الرسالة" ،محاول أن يحلل علقتها بلغة "المبدع" ومقدار اقترابها من "المتلقي". ويجب أن ل يقتصرعمل الناقد على تناول العمل الفني ،أو الفيلم السينمائي ،من وجهة نظره كعمل فني أو"قطعة فنيه" .فبعض النقاد ل يبذلون جهدا في "بحث" ودراسة أثرالفيلم في الجمهور .الشيء الذي 111
يجب أن يتكرر مع كل فيلم .إنهم يتكلمون عن الفعل ،وهو الفيلم، وينسون الحديث عن رد الفعل ،وهو أثركل فيلم في الجماهير. الناقد هو الذي يحمل قلما مميزا ،ليضع به خطوطا تحت أو حول المناطق الهامة ،أو الكثرأهمية في العمل البداعي .وكثيرا ما يكتشف تعلقات صاغها المبدع بحسه وتلقائيته دو ن أ ن يشعر بحاجة للتفسير ،لنه لم يشك في مقدرة المتلقي تعلى الستيعاب .ولو ساوره الشك لحظة لشعر المتلقي بالستهانه. قد نجد أن الفيلم "الجيد" ،في بعض الحيان،قد ضل طريقه إلى الجماهير .أو أنها فهمته بشكل يختلف عن ما كان يقصده صاحبه. أل يدل ذلك على أن هناك ما يجب أن يتدرنس ،ثم يتقال؟ يجب أن يتناول النقاد "رد الفعل" ،أوعدمه ،بالدراسة والبحث. وقبول الجمهور أو رفضه للفيلم السينمائي هو الحكم الول والخير والكثر أهمية .وهنا تتجلى مقدرة "السينما" على الحتكاك بالواقع والتأثير فيه ،أو التأثر به. س :الكتابة للسينما؟ ج :أرى أنه ل بأس من الستعانة بذاكرة "حاسوبي" التي تحتفظ بمدونات تتعلق بموضوعات سبق لي معالجتها ،ومنها ما قلته عن "الكتابة للسينما" ..وأسئلة أخرى: ففيما مضى ..لم يكن أما"م المؤلف سوى طريقتان لتقديم العمل الدبي إلى الجمهور :الكتاب ،والمسرح. ثم قد"م إلينا عصرنا الحاضر طرقا أخرى ..منها" :الشاشه". وأصبح "السيناريو" فرعا من فروع الدب .مثل القصة ..والرواية.. والشعر ..والمسرحيه. وفيما مضى أيضا ..كان لزاما على الديب أن يدرس قواعد الدراما، إذا هو أقبل على كتابة القصة،أو الرواية ،أوالمسرحية .ول مفر له اليو"م من أن يتقن "تكنيك" وجماليات "السينما" إذا هو أراد أن يكتب "السيناريو". 112
وها هي أكثر من مائة عا"م تنقضي على ظهور أول "شريط" سينمائي .ظهرت خللها مختلف التجاهات الجديدة في مختلف البلدان تؤكد هذا القول .وإلى جانب أعمال كبار رجالت الدب والمسرح والموسيقى ،أصبحت كنوزالفن تحتوي أيضا على العمال السينمائية. وأصبحت دورالنشرل تقتصرعلى عرض كتب القصة والرواية والمسرحية من فنون الدراما ،بل هناك أيضا ،إلى جانب كتب النقد والتاريخ والتكنيك السينمائي ..إلخ ،هناك الكتب التي تحتوي تعلى نص"سيناريوهات" الفلم السينمائية المتميزه. وأصبحت السينما شريكا لبقية الثقافات الخرى في بناء الرأي وفي تربية الذوق والتذوق .وباتت بذلك جزءا من حياة المليين. وكما أن المخرج السينمائي ل سبيل له للنجاح إذا لم يتقن معرفة الدراما ،ولم يحس بقوة الكلمه .فإن كاتب السيناريو لن يستطيع القيا"م بعمله بإتقان إذا هو لم يعرف أسرارالسينما وإمكانياتها .تماما كما عرف المسرحي الناجح أسرار المسرح وإمكانياته. س " :اللغة السينمائية" و "اللغة المنطوقة"؟ ج :في "اللغة المنطوقة" تكون "الكلمة" هي "وحدة التعبير". والكلمة هي لفظ مطلق لعلقة في الغالب بينه وبين مدلوله ،وإل لما تعددت اللغات. والكلمة في اللغة الواحدة هي"اصطلح" له مدلول واحد ل يتغير. فالماء هوالماء ،الذي يتكون من الوكسيجين واليدروجين بنسبة 2-1 والهواء هو خليط من الوكسيجين والنيتروجين وثاني أوكسيد الكربون و… و…إلخ. أمــا"اللغــة الســينمائية" أو "التعبيرالســينمائي" ،ووحــدته"الصــورة" المدتعومة بالصوت ،فهي لغة عالمية .والعلقة بيــن الصــورة ومــدلولها ل يمكن أن يختلف فيها اثنان حتى لو كانا من قارتين مختلفــتين ،أو مــن عصرين مختلفين .وهذا ما يجعلها تتصف بالعالميه. 113
س :تعن مسيرة السينما الفلسطينية؟ ج :ظهرت ،هنا وهناك ،بعض المحاولت لكتابة تاريخ السينما الفلسطينيه .وربما كان في محاولتي هذه بتدوين تجربتي الشخصية في هذا المجال مساهمة متواضعة تضاف إليها. ولعلي أتمكن من قطع شوط في كتابة ،أو تجميع ما تم لي كتابته ،مما يتيح لغيري ،من المتخصصين في الكتابة ،أن يرى فيها إضافة، أوحافزا للبدء في تجميع ما كتتب حتى الن. هذا مع العلم بأن من مدوناتي السابقة التي يحتفظ بها "حاسوبي" ما له علقة بالسينما بوجه عا"م ،والسينما الفلسطينية بوجه خاص ،وما يحتوي على إجابات لكثيرمن السئلة التي تتردد ،أو لم تتردد بعد ،على خاطرالكثيرين ..ومنهم صديقي "أحمد عمر شاهين". ولعله من الجدى ،كما سبق وأ ن ألمحت ،أ ن أفرد لهذا الموضوع، أوغيره ،في صفحات قادمة ،مكانا لئقا مستقل بفقرات مستقلة تعن الحوارالسابق. ولعلي،أيضا ،أ ن أجد مكانا أنسب ،ومتسعا من الوقت ،للحديث تعن جيل من السينمائيين الشبا ن الفلسطينيين المثقفين** الذين أثبتوا وجودهم بالرغم من ظروفهم الصعبة وأوضاتعهم المعقدة ،والذين أتعتبر أ ن وجودهم ونجاحاتهم الخذة في وضع السينما في مكانها الصحيح في معادلة الثقافة الفلسطينية هو انتصار لي ،يثلج صدري، ويخلصني من ذلك الشعور القاسي بالوحدة الذي ظل يطاردني قبل ظ هورهم. وربما كا ن مما تقتضيه المانة أ ن أتخلى ،ولو للحظة ،تعن حيادي، وادتعائي المزتعوم بالموضوتعية ،بأ ن أشير إلى واحد من هؤلء المخرجين ،وهو الفنا ن المبدع "ميشيل خليفي" .فهو أول من حمل راية الفيلم الروائي الفلسطيني الحديث .فله ولباقي الزملء الذين. شاركوني وحدتي ..أو أنقذوني منها ..أهدي شكري وامتناني وتعرفاني. _______________________________________________________ )**( قد يكو ن من العدل أيضا أ ن أحاول أ ن أشحذ ذاكرتي لستدتعي أسماء مثل :
114
إيزيدور مسلم ،إيلي سليما ن ،بثينه خوري ،تيسيرتعبود ،حنا إلياس ،رشيد مشهراوي ،سعود مهنا ، سهى تعراف ،شيرين دتعبيس ،صبحي الزبيدي ،تعبد الوهاب الهندي ،تعلي نصار،تعلياء أرصوغلي ، تعمرالقطا ن ،غاده الطيراوي ،ليلى صنصوره ،مجدي العمري ،محمد السوالمه ،مى المصري ،ناهد تعواد ،نجوى نجار ،هاني أبو أسعد ،وفاء جميل ،يحيى بركات .. .. ..إلخ هذا ما اتسعت له ذاكرتي في هذه اللحظة. منهم من سعدت بمعرفتهم تعن قرب ،ومنهم من أنتظر. منهم من ثبتت أقدامهم ..ومنهم من يحتاج إلى دتعواتنا بالتوفيق والنجاة من صدمة الهبوط إلى أرض الواقع ! ويا حبذا لو تفضلوا بمنحي لفتة إليكترونية تعلى تعنواني ghshaath@yahoo.com ملحظة هامة :يرحع الفضل في الترتيب البجدي إلى الخواص التي يتميز بها صديقي الحاسوب
س :وحكاية "ميـَرهمطيـه" ؟ ج :حكاية طويلة ..أفردت لها بضع صفحات في مكان آخر من سيرتي الذاتية .وهي عبارة عن حلم يقظة شغلني لفترة .كنت أرى فيه دولتنا وقد أصبح لها مؤسساتها ،ومنها "التلفزيون الفلسطيني" الذي يبث برامجه من القدس )!( وتخيلت نفسي وأنا )استنادا إلى خبرة سبع سنوات في تلفزيون ج".م.ع. بالقاهرة ،مسبوقة بستة شهور في تلفزيون النمسا( مسئول عن إخراج برنامج تلفزيوني فلسطيني يتسم بالتنوع .ويقترب من شكل المجلة المقروءة التي تتضمن فقرات مختلفة منها الجتماعية.. والفنية..والسياسية..والتاريخية والجغرافية ،التي تتعلق طبعا بفلسطين. ولقد ظهر العدد صفر من هذه المجلة على شكل شريط VHS الحترافي بغلف خارجي من تصميم الفنان ناجي شاكر .ثم توقئدت الفكرة على يد أحد "البوات". وعندما حاولت استرداد الشريط المذكور ،إتضح لي أن السيد المدير، أحمد دحبور ،وباعترافه ،قد استعمل الشريط بعد مسحه لغراض أخرى خاصة به )!( وللحـــــــــــــوار بقيـــــــــــــــة ..
*
* 115
*
116
وأخيــــــــــراا ..
تعهد ،كما ذكرت ،وزيرالثقافة بتدبير تمويل لفيلم روائي عن القدس أقو"م أنا بإخراجه. وشرعت ،وأنا مدجج بعزمي على العمل ،في العداد للفيلم مع الزميل "فايزغالي" ،كاتب السيناريو المصري المعروف والذي كان يتحرق شوقا لعمل موضوع قومي كموضوع "القدس" بالذات ،وهو ذلك المسيحي الذي يعتبر أن "القدس" قضيته الخاصة. كان الستاذ "فايزغالي" قد قرأ بعض العمال الروائية الفلسطينية، التي زودته ببعضها ،عله يجد من بينها ما يصلح منطلقا للسيناريو المطلوب .هذا بالضافة إلى قراءته لروايتين للكاتب "يحيى يخلف"، وكيل الوزارة .الذي كان يسعى بما يشبه اللحاح لن يتم اختيار واحدة منهما. 117
كانت بعض أوراقي التي كتبتها عن طفولتي في القدس ،وعن بداية الهجرة منها ،من ضمن ما عرضته على صديقي "فايزغالي" ،بهدف وضعه في الصورة .ويبدو أن ما جاء فيها قد استهواه واستدرجه للتعرف على المزيد من التفاصيل الخاصة بأجواء القدس وأهلها ،في تلك الفترة بالذات. حكيت له المزيد عن ذكرياتي فيها ،بحيث أصبح يكرر استيضاحه عن الماكن والشخصيات التي لفتت انتباهه. وهنا قررنا العمل على السفر سويا إلى ..القدس. لم نتوقف طويل أما"م تهمة "التطبيع" التي سوف يتهم بها .هذا مع العلم بأن الجمعية العمومية لنقابة السينمائيين المصريين كانت قد أصدرت قرارا بحظر أشكال التطبيع في عا"م .1987 فلقد كان "فايز" ل يقل عني حماسا لمشروع الفيلم .ولذلك طالبني برسالة موجهة إليه من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية ،تطلب منه التعاو ن معي ،وتدتعوه لزيارة مقر الوزارة في "رام ا" للتفاق معه تعلى كتابة السيناريو المطلوب. هذا ..مع قناعتنا بأن التواصل مع شعبنا الذي يعيش في الوطن المحتل بغرض دعمه في نضاله ل يعتبر تطبيعا مع العدو المغتصب ،تماما مثلما أن التعاون مع السجين ل يعتبر تطبيعا مع السجان. وكان أن وصلت الدعوة إلى كاتب السيناريو في كتاب يوضح الغرض من زيارة القدس ،موضوع الفيلم ،بحيث يمكن إبرازها عند الحاجة إلى نقابة المهن السينمائية التي كانت قد اتخذت بدورها موقفا متشددا ضد التطبيع مع العدوالسرائيلي. كذلك قامت الوزارة بعمل الترتيبات اللزمة لوصول كاتب السيناريو عن طريق "عمان" مع المحافظة على شرط عد"م تعريض جواز سفره المصري لي أختا"م "غير مرغوب فيها". هذا ،ولم أدر كيف أغفلت الوزارة ،في البداية ،عمل الترتيبات اللزمة لوصولي إلى "را"م ا" ،لملقاته هناك ،حيث أنني بحا جة دائما إلى 118
تصريح من السلطات السرائيلية للعبور من قطاع غزة إلى الضفة الغربية. حاول "المسئولون" إقناع السيد "فايزغالي" بالحضور بدون انتظار إجراءات حضوري أنا )!( إل أن الكاتب أصرعلى أن ينتظر حتى تصله إشارة مني بأنني في انتظاره في "را"م ا" .لنه يرى أن ل جدوى من وجوده هناك بدون "المخرج". وبالفعل سافرت إلى غزة بمجرد أن وصلني ما يفيد بأن التصريح الخاص بعبوري إلى الضفة الغربية بانتظاري هناك. وتمكنا من تدبير زيارتنا إلى القدس. وتم لقائي مع صديقي الكاتب "فايزغالي" في "را"م ا" في أول سبتمبر . 98 كانت هذه الزيارة ضرورية بالنسبة لكاتب السيناريو ،ليتعرف على مدينة القدس وأهلها وأجواءها ..من خلل أحد أبناءها. عادت إلى ذهني ذكرى زيارتي الولى للقدس برفقة الصديق "جورج خليفي" ،حيث زرنا "حارة الواد" ،وداري التي ولدت فيها ،وجيراني الذين غادرتهم طفل ،ثم عدت لملقاتهم كهل يخطو إلى الشيخوخة. استمع صديقي "فايز" ،ومعه جهاز التسجيل ،إلى قصص الجيران، ومعاناتهم تحت الحتلل ،منذ عا"م .67 قمنا بجولت في ربوع القدس القديمة ..دروبها ..أزقتها ..قناطرها.. كنائسها ومساجدها .مشينا في "طريق الل"م" من أوله ،من حيث حمل السيد المسيح صليبه ،حتى نهايته على جبل الجلجثة ،حيث صلب ودفن. وكانت مشاهدات "فايز" ومسموعاته وتسجيلته كفيلة بأن تجعله يصرف النظر عن أي رواية مكتوبة ،وأن يضع السيناريو من واقع انطباعاته وما تم له سماعه ومشاهدته .فلقد لمست صدق انفعالته وانغماسه في موضوع القدس ..وقدسيته. 119
*
*
120
*
صردق ..أو ..ل تصردق!
عدنا إلى عقد الجلسات لستعرض انطباعات "فايز" إثر زياراتنا للقدس التي لم تكن تخلو من جديد ومثير .وتمت لنا مقابلة السيد وزير الثقافة ،الذي أبدى ترحيبه كما نقل لنا رغبة السيد الرئيس "ياسرعرفات" في مقابلتنا ،وهو الذي أشاد بمشروعنا ورحب بنا أيما ترحيب . ثم جاءت اللحظة الحاسمة ،حيث ل بد من وضع خطتنا للعمل في "برنامج عمل" مفصل للمشروع بحيث يشمل الخطوات العملية والتنفيذية. 121
وكان ل بد من إبرا"م اتفاق مكتوب بين وزارة الثقافة وكاتب السيناريو "فايزعالي" ،وهو الكاتب المحترف الذي يحتاج إلى التفر"غ للكتابة، كما يحتاج لعقد عمل يلزمه تجاه الوزارة ويضمن له حقوقه. طلب منه الوزير أن يضع مسودة لبنود العقد المطلوب. جاء في سياق مسودة العقد ،والذي بموجبه سوف يتفر"غ للعمل لمدة ثمانية شهور لكتابة السيناريو ،أنه ،إلى جانب مشاهداته وقراءاته و شهادات الخرين ،ممن سوف يواصل البحث عنهم وإجراء حواراته التي سوف تقوده إلى التفاصيل ،سوف يعتمد أيضا على أوراق شخصية هامة غير منشورة للمخرج ..المقدسي.
122
مع فايز ..وأبوعمار
كان "فايزغالي" قد تحدث بتأمثر عن انطباعاته إثر زياراته للقدس ومقابلته لمختلف الشخصيات وسماعه لمختلف الشهادات .ول أدري لماذا توقف الوزير عند إشارة كاتب السيناريو إلى "أوراق المخرج"! هنا واجهني سيادة الوزير بتعليق ينطوي على شيء من الستخفاف: ..يعني عاوز تعمل زي "يوسف شاهين"؟تجرعت السخرية .واعتبرتها دعابة ،وإن كانت دعابة سمجة.
*
*
*
لم يكن "فايزغالي" قد غفل عن قراءة بعض العمال الروائية الفلسطينية عله يجد من بينها ما يصلح منطلقا للسيناريو. هذا بالضافة إلى قراءته لروايتين للكاتب "يحيى يخلف" ،وكيل الوزارة ،الذي كان يسعى ،كما أسلفت ،بشكل مكشوف لن يتم اختيار واحدة منهما بالذات ،وهي رواية "نهر يستحم في البحيرة". وكان رد كاتب السيناريو على إلحاح السيد وكيل الوزارة أنها رواية عظيمة ،ولكنها ل تمت إلى موضوعنا بصلة. جرت بعد ذلك تفاصيل كثيرة ..وثرثرات ..و"كولسات" ..وإملء شروط إن دلت على شيء فإنما كانت تدل على جهل وغباء يصل إلى درجة مطالبة كاتب السيناريو بكتابة المعالجة وتقديمها قبل توقيع العقد، وهو المطلب الذي ل يخلو من وقاحة .هذا بالضافة إلى تقديم ميزانية للفيلم ،وهو الشيء الذي استنكره "فايزغالي" ..ويستنكره أي كاتب محترف آخر .وحاول أن يشرح للوزير أن الميزانية ليست من مهماته 123
وإنماهي مهمة رجل يحترف مسئولية النتاج ،يكتبها بناء على سيناريو نهائي للفيلم ،بعد أن تكون قد تمت الموافقة النهائية على شكله ومضمونه ،والعاملين فيه ،وأماكن التصوير ومستلزماته ..إلخ. وجدت نفسي في موقف غاية في الحرج .بماذا أفسر هذه التصرفات الصبيانية ،أنا الذي أوهمت صديقي "فايز" بأننا بصدد مشروع العمر الذي سوف يسجله التاريخ لكلينا ،وأننا مدعومون من وزير ثقافة مناضل وملتز"م. ول أدري كيف استطاع أن يحافظ على هدوءه وهو يقترح أن يتم توقيع العقد ،وعند تسليم "المعالجة" في موعدها حسب شروط العقود المتعارف عليها ،فإنه ،في حالة عد"م الموافقة على مضمونها ،سوف يرد كل ما تقاضاه من مقد"م أتعابه ،وهو الشيء الذي ل يتفق مع قوانين العمل السينمائي وأعرافه في أي مكان .وإن دل ذلك التعهد على شيء فإنما يدل على ثقة كاتب السيناريو بنفسه وبقدراته واستعداده. حاول "يحيى يخلف" ،وكيل وزارة الثقافة ،عبثا إقناع "فايزغالي" بالتنازل عن قناعاته ،وكتابة "معالجة سينمائية" قبل توقيع العقد )!( وطالبه بعد"م التسرع ،بل بالعودة إلى القاهرة وكتابتها على مهل. ووعد بإرسال العقد بالفاكس موقعا من طرف الوزارة ،بالضافة إلى تسوية الموضوع المالي الذي ينص عليه العقد .وأضاف أن الوزير ل يملك أن يعطل مشروعا كهذا ،وأنه سوف يستصدر أمرا من الرئيس "ياسرعرفات" بوضع المور في نصابها اللئق ..و ..و وفي الفندق ،ليلة عودته إلى القاهرة ،في ، 12/9/98كان "فايز" يبدو مستاء كمن يشعر بالهانة لهذا التصرف الصبياني الغريب الذي ل يليق بوزير ووكيله تجاه كاتب له مكانته وإسمه. ومع كأسه الخير قال لي "فايز": ..بصراحة يا غالب ..هم ،وباختصار شديد ،مش عاوزينك.إفهمها بقى يا صاحبي! ثم عاد إلى القاهرة وترك لي مهمة محاولة تسوية الموضوع بأي طريقة أراها. 124
*
*
*
وكان ل بد لي ،بالرغم من ذلك كله ،من القيا"م بكتابة المعالجة بنفسي وتسليمها للوزير ،مع وعد بكتابة موسعة بإشراف وموافقة "فايزغالي" و إرسالها من القاهرة. وحرصا مني لم أقنع بإرسال المعالجة من القاهرة كما وعدت ،بل ذهبت إلى "غزة" ،التي أستطيع الوصول إليها بحكم الهوية التي صدرت لي مؤخرا ،وهي التي ل تؤهلني للوصول إلى "را"م ا" إل بعد استصدار تصريح خاص من السلطات السرائيلية .ومن "غزة" أرسلت لمعالي الوزير مع مديرعا"م الوزارة" ،أحمد دحبور" ،ملفا فيه دراسة وافية ،تقع في ثلث وعشرين صفحة ،عن الفيلم والرسالة التي يحملها وأحداثه وشخصياته وميزانياته "التحضيرية" و "التقديرية".
*
*
125
*
126
معالجة مشروع فيلم روائي طويل
إسم الفيــــــلم " :الـقــــــــــدس" سيناريو وحوار :فايز غـــــــالي قصة وإخــراج :غالب شـــــعث
مرفقات ) من إعداد المخرج الفلسطيني غالب شعث( : -1مقدمــــــــــــــــــــــــــــــه -2موجــــز فكــــرة الفيـــــلم -3إضاءة على الشخصيـات
127
مقدمــــــــــــــــــــــــــــــــه تنطلق دولة "إسرائيل" في خطابها عن قضية "القدس" من منطلقات مغلوطة مخادعة ،تماما كما انطلقت أكذوبة "أرض بل شعب لشعب بل أرض" ،التي مررها العل"م الصهيوني على العالم. فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ،عندما ظهرت مشكلة برلين ،المدينة التي جرى تقسيمها ،ظل الرأي العا"م العالمي يستنكر ،بشتى الوسائل، هذا التقسيم ويتعاطف مع فكرة إعادة توحيدها ،بشتى الوسائل أيضا. وفي عا"م ،67وفي ظل هذا الستنكار للتقسيم ،والتعاطف المتزايد مع إعادة التوحيد ،توحيد برلين ،أخذت أجهزة العل"م الصهيونية تصور للعالم أن "القدس" هي الخرى قد تعرضت لنفس المصير. وأصبح الرأي العا"م العالمي ،الواقع تحت تأثير أخطبوط العل"م الصهيوني ،والذي لم يجد أمامه إعلما قويا يتصدى له ليبين حقيقة ما يجري ،يتعاطف تلقائيا مع فكرة "توحيد القدس" ،بدون أن يدرك متى وكيف قتدسمت ،ومن الذي قنسمها. وسوف يظل العالم متعاطفا مع فكرة توحيدها ،لصالح إسرائيل ،ما لم تتح له فرصة معرفة الحقيقة ،أو لنقل ،الوجه الخر للحقيقة. انهار السور الفاصل بين "برلين الشرقية" و "برلين الغربية "، وبارك العالم كله عودة "الحق" إلى نصابه ،وسوف يظل يبارك ويؤيد ويساند فكرة إعادة توحيد القدس ،شرقها وغربها ،من منطلق أخلقي خاطيء ومضنلل. 128
تعلينا أ ن نصوغ روايتنا الخاصة تعن القدس لكي نعرضهاتعلى العالم، الذي تعود أ ن "يسمع و يرى" رواية أخرى ل يملك سوى أ ن يصدقها ،لنه يكاد ل يعرف سواها. ربما فعلت أجهزة العل"م والدبلوماسية العربية ،والفلسطينية بالذات، الكثير من أجل القضية الفلسطينية ،وذلك مما جعل العالم يكاد يجمع على تأييد فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. لكن قضية القدس ظلت شبه مبهمة ،بفضل "الرواية" السرائيلية التي تجاوزت الحقائق التاريخية والدينية والحضارية. القدس كانت دائما قدسا واحدة ،متعددة المرايا ،تتمتع منذ صدور "العهدة العمرية" بعهود تسود فيها روح التسامح والتعايش والتعددية الدينية. والحتلل السرائيلي العنصري هو الذي حول القدس إلى قدسين، شرقية وغربية. وإذا كان لحد أن ينادي بتوحيدها ،لصالحه ،فهو الجانب العربي. أما أن يقتطع المحتل -بالقوة -جزءا من القدس ،ثم يتمادى في سياسة "القضم" وخلق الواقع الجديد المعروفة Creation of New Facts ثم ينادي ويعمل بعد ذلك على توحيدها ،لصالحه ،فهذا مما يثير التساؤل ..ويستوجب منا التوضيح. ومن أبرز وسائل العل"م وأكثرها وقعا في الرأي العا"م العالمي.. هي "السينما الروائية" التي غزت بأفلمها قلوب ،ومن ثم عقول العالم الغربي. فلقد تأتيح لسرائيل تسخير "سحر" السينما الروائية للتأثير على الرأي العا"م العالمي وملحقته بإلحاح ل يكل ول يتوانى. )) طوال أكثرمن ساتعتين ،وهي مدة تعرض الفيلم ،كانت تتناهى إلى مسامعي همسات المشاهدين ،ونهنهات الباكين ،وشهقات المندهشين ،وآهات المنفعلين ،وتعليقات المستنكرين ،وتصفيق المتعاطفين. 129
شاهدت الفيلم مرة أخرى ،وثالثة ،ورابعه. وفي كل مرة ،كا ن القبال يتزايد .ويخرج المشاهدو ن وكأنما أجريت لكل واحد منهم تعملية "غسيل دماغ"! أمارات "التغيير" بادية تعليهم .كنت أرقب تلك الشياء التي جسدت أمامي مقولة أ ن "التغيير" هو "غاية الفنو ن وهدفها" ..وأ ن السينما "أهم الفنو ن". قصة شعب أتعزل يعاني من اضطهاد قوى الشر ،التي تقترف جرائم القتل الجماتعي ضده تارة ،وتحول دونه والعودة إلى أرضه -أرض الميعاد -تارة أخرى)!( ثم تعلن ،قوى الشر تلك ،تقسيم أرضه وإتعطاء جزء منها إلى فئة من البدو المتوحشين ،الذين نراهم وهم يحرقو ن الزرع ويقتلو ن المواشي ،و يكرو ن ويفرو ن مولولين كما "الهنود الحمر" في الفلم الميريكية. لكنهم ،أبناء شعب ا المختار ،بإيمانهم وتضحياتهم وتضافرهم وتمسكهم بحضارتهم ،بعد سنوات طويلة من تعناء القهر والظلم، استطاتعوا أ ن يحققوا النصر ويعلنوا قيام دولتهم المسالمة ،التي تستحق العطف والتأييد ،لنها قائمة تعلى الحب والديمقراطية وسمو المباديء والهداف! كل ذلك ،بلغة سينمائية تعالية ،وأداء متقن مقنع لممثلين لهم مكانتهم العالميه ،ومشاهد مؤثرة توففر لتنفيذها كل المكانات التقنية بدو ن حساب ..أو بحساب دقيق. ل أبالغ حينما أقول أنني كدت ،أنا الفلسطيني المشرد ،أ ن أتأثر بما رأيت وسمعت* ((. عشرات من"الفل"م الروائية" ،جندت لها الطاقات ورصدت لها المئات من مليين الدولرات ،كانت تحمل في طياتها قصصا "إنسانية" تروي في وطن قومي )!( وظل هذا الوطن القومي ينمو ويتسع ويتمدد في ظل التعاطف الذي خلقته تلك القصص. 130
رواية واحدة ،تؤكد حق ذلك النسان –المضطنهد ،المعنذب ،المطانرد- _____________________________________ )* (
من أوراقي ..تعليق تعلى الفيلم الصهيوني الشهير "الخروج"Exodus "أوتو بريمنجر" تعن رواية بنفس السم لـ "ليو ن أوريس".
من إخراج
لم ير العالم فيلما سينمائيا واحدا يحكي "روايتنا" بنفس السلوب البعيدعن الشعارات المتشنجة. وقد آن لنا أن نكف عن مخاطبة أنفسنا ،وأن نتوجه للعالم بتلك اللغة التي تمتلك القدرة على مخاطبة الوجدان والعقل معا. آن الوان لكي نحكي للعالم روايتنا ..قصة"النسان" الفلسطيني البسيط الذي ولد وعاش في بلد ولد فيها أجداده ،مسيحيون أو مسلمون أو غيرهم ،وعاشوا فيها يجمعهم ذلك البعد النساني ،إلى أن جاءت الصهيونية متذرعة بحق تاريخي مزور ل يمت إلى اليهودية إل من بعيد ،لكي تنفرد بمدينة القدس بعد محاولت تبديد تراثها النساني وسرقة ما يحلو لهم من هذا التراث وتحويل المدينة إلى مدينة ذات بعد يهودي محض ،لتبقى بكاملها عاصمة أبدية للدولة العبرية ،بما يعنيه ذلك من هد"م للمسجد القصى )) أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين(( وبناء الهيكل المزعو"م في مكانه. هذه المدينة ..حاضرة المدن ،لؤلؤة التاريخ ،قدس النبياء ،جامعة الديان ،ما زالت تحلم بمستقبل يليق بها ،ينطلق من ماضيها. ففي الوقت الذي يتصاعد فيه إرهاب المتطرفين اليهود بينما هم "يتلون مزاميرهم في إسرائيل" ،وفي الوقت الذي تزعم فيه "إسرائيل" أنها تداوي جراح القدس بتوحيدها ،نرى أن هناك حدودا مصننعة قوامها الممارسات العنصرية ذاتها التي كان من شأنها تدمير وحدة المدينة.
*
* 131
*
موجز فكرة الفيلم سوف يتخذ الفيلم شكل أشبه بالفيلم التوثيقي ،ولكنه في سياقه يتمتع بنسيج درامي ،يروي مأساة مدينة أسيرة تتعرض للنهب والغتصاب، ومصائر بعض من عاشوا سنوات النكبة الخمسين ،ويكشف نوايا الغدر السرائيلي المبنيت ،الضالع في توظيف قدرته على الحتيال، والظهور أما"م العالم بالثوب الحضاري المزيف الملمون بد"م البرياء. ثم ينتهي الفيلم ،بالرغم من ذلك كله ،بالتلويح براية المل الصادق والرغبة في سل"م عادل شامل ،حتى يتسنى لنا أن نواصل ممارسة دورنا ،إلى جانب شعوب الرض المحبة للسل"م ،في العمل من أجل حضارة البشرية وكرامة النسان. "عمر" ..مخرج في العقد السادس من عمره ،وقد استقر به المقا"م في بلد عربي بعد تجوال اقتضته ظروف العيش وطلب العلم و العمل الملتز"م بقضايا الوطن والنسان .إلى أن جاء إعلن قيا"م السلطة الوطنية في غزة والضفة الغربية ،حيث يقع الختيار عليه ،من قبل المؤسسة التي ينتمي إليها ،للقيا"م بإخراج فيلم روائي طويل عن مدينة القدس بمناسبة مرور خمسين عا"م على النكبة .وذلك ضمن حملة إعلمية أخذت ،للمرة الولى ،أهمية دور الفيلم السينمائي "الروائي" في إزهاق الباطل وإظهار الحق بعين العتبار. "رمزي" ..كاتب السيناريو المصري المنوط به صياغة الفكرة بشكل درامي مناسب ،استنادا إلى تاريخه وخبراته المشهود له بها. يلتقي الثنان في مدينة القدس ..ويبدآن رحلة البحث عن تفاصيل الفيلم. وأثناء تجوالهما في زواريب المدينة القديمة ،يندمج "عمر" بسرد بعض ذكريات الطفولة التي تثيرها المكنة العتيقة في نفسه ،بينما 132
يراقبه "رمزي" من خلل عدسة الكاميرا التي ل تفارقه تارة ،أو ينصت إلى حديثه الذي لن تغفله آلة التسجيل التي في يده تارة أخرى. ثم تأتي اللحظة التي يمسك فيها "رمزي" بطرف الخيط الذي سوف يقوده إلى ضالته: سوف يحكي الفيلم قصة "عمر" ذلك الفلسطيني العائد إلى وطنه، ومسقط رأسه القدس ،بعد أن تركها صبيا قبل خمسين عاما ،إثر نهاية النتداب البريطاني وإعلن ولدة إسرائيل عا"م 1948واشتعال الحرب ،وحدوث مذبحة "ديرياسين" التي أصابت الكثيرين بالذعر بحيث راجت فكرة اللجوء إلى مكان أكثر أمنا ،ريثما تتمكن الجيوش العربية من وضع حد لزحف العصابات الصهيونية ،وسرعان ،كما كانوا يقولون ،ما يعود بعد ذلك كل إلى بلده وداره. لكن السنوات تمر تلو السنوات حتى تقارب الخمسين ،والحلم الفلسطيني مازال في مهده. صحيح أن الحلم بدا منذ البداية وكأنه مجرد أمل اللجئين الفلسطينيين في"العودة" .ولكن سرعان ما اكتملت ملمح هذا المل وتبلورت في صورة قرار حاسم بدولة فلسطينية مستقلة. وها هو "عمر" يحقق حلما مزدوجا ..العودة إلى موطنه ومسقط رأسه ودولته الوليدة تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية ،ومن ثم عمل فيلم عن مدينة القدس ،الشيء الذي أتيح لكثير من المخرجين الجانب وظل عصيا عليه وهو إبن تلك المدينة.
*
*
*
يحكي "عمر" ،رداما على استفسارات كاتب السيناريو "رمزي" ،عن تجربة العودة ..وعن مشاعره وهو يعبر الحدود المصرية الفلسطينية لول مرة ..بعد قيا"م السلطة الفلسطينية. ثم تشترك الصورة مع الكلمة في السرد: فما أن يحتل مكانه في سيارة الجرة التي سوف تنقله من رفح إلى غزة حتى ينهمر سيل الذكريات .وتتداعى إلى مخيلته صور هجرته من القدس إلى غزة ،ثم تعود به الذاكرة إلى القدس نفسها. 133
*
*
*
يتذكر أيا"م الطفولة التي قضاها في داره في البلدة القديمة ذات الطراز المعماري المقدسي المميز. يتذكر تفاصيل الدار ..ووجوه الجيران والقران ..والطرقات التي كانت تقوده إلى مدرسته الولى. يتذكر الغنيات التي كانت تمل جوانب الحارة ،منبعثة من المقهى القريب الذي يقع أما"م إحدى محطات "مسيرة الل"م" ،ويتذكر الطقوس والمواكب الدينية التي كانت تمر أيا"م الجمعة من كل أسبوع في "طريق الل"م" ،Via Dolorosaوالطريق الذي يتفرع فيصل أحد فرعيه إلى كنيسة القيامة ،حيث يقع قبر المسيح عليه السل"م ،بينما يقودنا الفرع الخر إلى الحر"م الشريف والمسجد القصى. يتذكر "شوشانا" ،زوجة ابن الجيران ،اليهودية ،التي سنعرف فيما بعد عا"م -67أنها ،بالرغم من محاولت وإغراءات أهلها خارج البلدة،أصرت على البقاء في حارتها وبين جيرانها الذين أحبوها وأحبتهم إلى أن دفنت في مقابرهم ،حسب وصيتها. يتذكر"أبو الياس" ،صديق والده الذي عاد من المهجر ،نيكاراجوا، بعد وفاة والده عا"م ،47لكي يرعى أرضه الكائنة في أطراف مدينة القدس .وعندما أصبحت "لقدس القديمة" لفترة ما أكثر أمنا من أطراف المدينة ،حيث تقع دارهم في حي "القطمون" ،اقتطع والد "عمر" غرفتين من داره الوسيعة ليسكنهما صديقه "أبو الياس" مع عائلته الصغيرة المكونة من زوجته "روزاليا" ،وابنتها الصبية اليافعة "هنيه" ذات الثني عشر ربيعا. يتذكر الغنيات السبانية الجميلة ،ذات الجرس العربي المميز ،التي كان يشارك "هنيه" في ترديدها بدون أن يفهم معانيها ،وكيف كانت الحرب والهجرة سببا في توقف محاولته في تعلم لغتها كما وعدها. يعود ويتذكر تلك الفترة العصيبة من حصار للقدس القديمة وقصف لها ،ومحاولت ضارية لقتحامها من قبل العصابات اليهودية قبل 134
دخول الجيش العربي لنقاذها .يتذكر تفاصيل هجرته ،صبيا في الثالثة عشر من عمره ،من القدس إلى غزة عا"م ..48والطريق الجبلي الوعر الذي سلكه مع شقيقه الكبر مشيا على القدا"م إلى مدينة "بيت لحم"، بسبب قطع العصابات اليهودية للطريق الرئيسي ،ليواصل الرحلة عن طريق مدينة "الخليل" .ويتذكر حرون الحمار ،الذي كان يحمل أمتعتهما ،وهو يرفض مواصلة رحلة الهجرة ،ثم عصيانه وتمرده وفراره عائدا من حيث أتى بعد أن تخلص من حمله. ويتذكر انقضاء السابيع والشهور والسنوات في غزة ..في انتظار العودة. ثم يتوقف شريط الذكريات.
*
*
*
بعد وصوله إلى أولى المدن المحررة ،مدينة غزة ) ،(1994يتمكن عمر" من الحصول على تصريح مؤقت لزيارة مدينته ،القدس المحتلة، ليرى رأي العين مظاهر العبث بتاريخ البلد وجغرافيتها ،ويعيش لحظات من الشجن والسى تتخللها لحظات أخرى من السعادة والحنين في كنف مدينة التاريخ ،المدينة المسكونة بآثارالحضارات ،المدينة التي تعج بالذكريات. يتأمل واقع المدينة المسالمة التي تتعرض معالمها التاريخية والتراثية والحضارية لمحاولت المحو ..والتدمير والغتصاب والتهويد ..وما يستتبع ذلك من امتهان للحجر والبشر.
*
*
*
في هذه اللحظات المأساوية ،يتوقف السرد .وكأنما يسوقنا الموقف إلى لحظة من التأمل: هل سلبتنا سنوات النكبة الحساس بأننا بشر ،نتحلى بما يميزنا عن بقية الكائنات وهو القدرة على الحب والفرح وبهجة العطاء؟! هل يمكن أن تنقرض كل العواطف النبيله ول يبقى من الحب سوى.. "حب البقاء"؟ 135
يتذكر "عمر" كيف كان المقاتلون الفلسطينيون في جنوب لبنان ،وكيف كان للحب والفرح متسع في قلوبهم في أحلك أوقاتهم هناك .وكيف كان الحب والفرح جزءا من حبهم للوطن. وكأنما هو يتساءل: أل يليق بنا أيضا أن نتباهى بقدرتنا على الحب ،وسعينا للسل"م، وأشواقنا إلى البتسا"م ،وإلى حكايا رومانسية وأغنيات تربط الماضي بالحاضر وترنو إلى المستقبل ،وتضفي شيئا من التفاؤل والمل، وتعيدنا إلى مكاننا بين المم. وهنا يتدخل كاتب السيناريو "رمزي" ليؤكد لـ"عمر" ما معناه أنه لن يؤلف ولن يبتكر قصصا ،فهو لم ينس بعد حديث "عمر" عن جارته في القدس ،الصبية "هنيه" ،إبنة جارهم "أبو إلياس" ،المولودة من أ"م "إسبانيولية" في"نيكاراحوا" ،وأغنياتها السبانيه عن الحب و السل"م. ويستمر السرد السينمائي: ويكبر "عمر" ،وتكبر معه أحلمه ،ليصبح مخرجا سينمائيا ناجحا. وفي أحد المهرجانات الدولية ،في بلد أوروبي ،في برلين ،وفي عا"م ،75يلتقي "عمر" بصحفية تقترب من الربعين من عمرها آتية من القدس ،ليتعرف فيها على رفيقة الطفولة"..هنيه". تخبره عن حدسها ،من خلل معلوماتها كصحفية تهتم أيضا بأخبار الفنون ،بأن المخرج السينمائي "عمر" لن يكون سوى جارها ورفيق طفولتها لبضعة شهور ،في القدس القديمة. كانت "هنيه" قد تزوجت وأنجبت بنتا أسمتها "مريم" ،وهي التي تبدو الن ،في صورها ،في الثانية عشر من عمرها ،بينما نرى "عوده"، إبن "عمر" ،في إحدى صوره وهو يبدو في الرابعة عشر من عمره. يستذكران" ،هنيه" و"عمر" ،سويا تلك الفترة من عمريهما في القدس )عا"م .( 48 136
Brandenburg
ثم نراهما يقفان بالقرب من بوابة "براندنبورج" التي تفصل شرق مدينة "برلين" عن غربها. يتحدثان عن أوضاع مدينة "القدس" التي تخضع بالتدريج لبعض التغيرات التي ل تنبيء بالخير .وعن محاولة إسرائيل ،لستغلل تعاطف أوروبا مع فكرة إعادة توحيد "برلين" ،في تصوير وضع "القدس" وكأنها أيضا مدينة مقسمة ل بد من إعادة توحيدها ،لصالح إسرائيل طبعا.
ثم تحكي له كيف عبرت بوابة "ماندلباو"م" ،Mandelbaumالتي دأبت أن تفصل القدس الشرقية عن غربها ،بعد عا"م ،67لزيارة بيتهم في حي "القطمون" لتجد أسرة مهاجرة من بلد أوروبي تحتله ،وما زالت محتويات البيت تسكن فيه ،سجاد ،نحاسيات ،صيني ..ثريات.. إلخ. يعودان للحديث عن أوضاعهما الشخصية. عن زوجها الذي اعتقل لعدة سنوات ،ثم أبعد مع غيره من المناضلين إلى لبنان ثم عاد "متسلل" إلى بلده حيث أعيد اعتقاله ،ومحاكمته بتهمة التسلل ..إلى وطنه)!( عن زوجته الراحلة منذ مدة أطول من السنوات. عن إرتباط "هنيه" بالقدس ،وبقضية المعتقلين ،والراضي والملك المصادره. تتحدث بجذل عن ابنتها "مريم " ،التي تبدأ خطواتها الولى إلى عتبة الحياه ،ذات الصوت الجميل ،وعن حبها للغناء ،وعن نيتها في تمهيد الطريق لها لتنمية موهبتها بالدراسة. يتحدث عن إنشغاله بقضايا بلده ،وبالفل"م التسجيلية التي تورط في العمل بها بعد أن كانت أحلمه تسافر به إلى أبعد من ذلك بكثير. ويحكي بحذر عن "هوس" إبنه بالموسيقى،الفن الرفيع ،الذي ل يطعم في بلدنا ول يغني من جوع. 137
يتكرر اللقاء مرة أخرى عا"م 78في إسبانيا ،حيث يعرض في مهرجان "بلباو" أحد أفل"م "عمر" التسجيلية ،ويفوز بإحدى الجوائز. تقوده "هنيه" ،التي تتقن اللغة السبانية ،لغة ال"م بالنسبة لها ،في رحلة إلى "غرناطة" لمشاهدة "قصرالحمرا" و آثار الحضارة العربية الندلسية ،ذلك التراث النساني ،حيث يدور الحوار عن التدمير الذي تمارسه إسرائيل للتراث العربي الفلسطيني ،والتغييرات التي تجري على مدينة القدس بالذات. كما يجري الحديث عن مستعمرة " ياميت " التي يأبى اليهود إل أن يدمروها قبل النسحاب منها .بينما نحن نرى )بدون تعليق( ما تركه العرب في اسبانيا من علمات ما زالت تحكي عن حضارتهم وتسامحهم. ويتكرر اللقاء دائما في بلد ثالث .يتعارف الولدان .يكبران. تنشأ بين "مريم" و "عوده" ،اللذان يدرسان في نفس البلد الوروبية، علقة حب جميلة يكاد يخنقها ذلك الواقع الجائر. "عوده" ..الشاعر الموسيقي ،الذي دأب على كتابة الغاني واللحان التي كانت تغنيها "مريم" في حفلت إتحاد الطلبة زمن الدراسة معا في بلد أجنبي ،وظل بعد تخرجهما مرتبطا بها مقتنعا بموهبتها يكتب ويلحن لها الغاني ،يدعم مشروع "كورال الطفال" الذي كرست له حياتها ،يتعاون ويتواصل معها من بعيد ،ل يستطيع مقابلتها إل في بلد ثالث ،لنه مثل أبيه ل يمتلك الوثيقة التي تؤهله لدخول بلده القدس. ويظل المل حاميا يكبر وينمو ،و تظل مقاومة الظلم مستمرة ل تتوقف. وها هي مآذن القدس تنطلق منها ابتهالت تختلط مع صوت أجراس الكنائس ،لتقول أن القدس سوف تظل مدينة النور والسل"م والمل. عاصمة التاريخ والديان السماوية ..والدولة الفلسطينية. ينتهي الفيلم بأغنية ،يبرز فيها دور كورال الطفال ،تطالب بالفراج عن المعتقلين ،وباستمرار مقاومة سياسة التمييزالعنصري ،والنضال 138
من أجل السل"م القائم على العدل ،والحرية لكل الشعوب في تقرير مصيرها. )يكتب الغنية شاعر غنائي مسترشدا بالمعاني التي جاءت في تعريفي لمعنى المل: المل هو ما يعطينا الرغبة والقدرة في تخطي الصعاب. إنه ما يجعلنا نرغب في الستمرار. وما يجعل لحياتنا جدواها ..ولمستقبلنا معناه. المل هو ما يحافظ على بقاءالنسان. ول فائدة من المحاولة إذا لم يشاركها المل. المل هو الدعامة التي تقي العالم من النهيار. والذي يعيش بل أمل كالراقص بدون موسيقى. وإذا كان اليأس "غربة" ..فالمل هو "الوطن". ومن يتمتع بالمعرفة يمتلك المل. والذي يمتلك المل يمتلك كل شيء. تؤدي "مريم" مقاطعا من الغنية أداء مؤثرا ،في حفل كبير يقا"م في منطقة مرتفعة ))راس العين(( تطل على مدينة القدس القديمة بأبراج كنائسها ،ومآذنها ،وحر"م المسجد القصى ومسجد الصخرة بقبته الذهبية اللمعة ،بينما هي تتخميـــــــــل"عوده" وهو يقود الفرقة الموسيقية .وهي أغنية مطورة عن أغنية كان يرددها الطفلن "هنيه" و"عمر" قبل خمسين عاما .ثم نرى ،من وجهة نظر "مريم" ،فيما يشبه الحلم ،في أحد صفوف المتفرجين المامية"،عمر" ..بينما "هنيه" تتأبط ذراع زوجها الذي خرج من المعتقل. وتظل النهاية مفتوحة إلى أن يدخل "الفيلم" حيز التنفيذ .فلعل أن تحتفل النهاية بإعلن قيا"م الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. * * *
إضاءة تعلى بعض شخصيات الفيلم 139
رمــــــــــزي عمــــــــــــر هنيــــــــــــه عـــــــــــوده مريـــــــــــم
.. .. .. .. ..
كاتب سيناريو من مصر مخرج من فلسطين صحفية من فلسطين )والدة مريم( شاعر وموسيقي )إبن المخرج( المغنية الشابه )بنت هنيه(
شوشــــــــانا ..يهوديه )من السفارديم( ليـــفيــــــــــا ..يهوديه )من الشكنازيم(
140
"رمــــــــــــــــــــــــزي".. لم يكن اختيار "رمزي" لشخصية كاتب السيناريو مرتجل ..أو بناء على سمعته ككاتب سيناريو متمكن من فنه فحسب ،بل إن مواقفه الوطنية والقومية كانت أساسا لهذا الختيار .فهو ينتمي إلى مجموعة من الفنانين المصريين الذين يضعون قضية الرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني في مقدمة إهتماماتهم المصيرية بقضايا الوطن العربي ككل. "رمزي" فنان صاحب قضية وموقف .وهو يؤمن بصحة وجدوى موقف زملئه من رفض تطبيع العلقات مع العدو السرائيلي. وهو يرى في قبوله للشتراك في صنع فيلم "القدس" تفسيرا لذلك الرفض وتعميقا له. فهو يذهب إلى إخوته المحاصرين ليساهم في الدفاع عن قضيتهم. ليرى بأ"م عينه ،وينقل للخرين ،تلك الصورة البشعة التي تخضع في كثير من الحالت للتعتيم من قبل العدو .وهو يفسر ذلك أيضا بأنها "حالة" لن تتكرر ..ولن تشكل للخرين الحجة والذريعة .ويؤكد أن موقفه وموقف زملئه الفنانين والمثقفين المصريين سيظل ثابتا ل يتغير ما دا"م حق الفلسطينيين في أرضهم ودولتهم وعاصمتهم مغتصبا، وما لم تتحرر كل الراضي العربية المحتلة ،وما لم يعم السل"م العادل والشامل المنطقة كلها. يحرص "رمزي" في زيارته للقدس وما حولها أن يرى رأي العين كل ما كان يقرأه أو يراه في وسائل العل"م المتاحة .ول يفوته تصوير بعض الماكن التي يراها موحية ،أو تسجيل شهادات بعض من يقابلهم هناك لتساعده على تعميق المواقف والحوارات التي سوف تكدون لبنات البناء السينمائي للسيناريو الذي سيكتبه. ربما يقترب دور "رمزي" في الفيلم من دور الراوي في المسرحية الكلسيكية .وربما يختلط المر على المتفرج ،لبعض الوقت ،ليكتشف بعد ذلك أن المشهد الذي يراه لم يكن من وحي خيال كاتب السيناريو، بل هو من واقع صورة الماضي في ذهن "عمر"" ..فلش باك" 141
Flashbackأو العودة إلى الماضي .أو ..ليكتشف أنه لم يكن سوى استباق واستشفاف لما سيكون عليه سياق الحداث في النهاية .Flashforward لعبة خلط ما كان بما سيكون ..يراد بها تعميق الحساس بالواقع.. وبمصداقية الحدث. ذلك بالرغم من الستعانة بالمواقف التي تعتمد في كثير من الحيان على الصدفة ..التي هي أيضا جزء من حياتنا وواقعنا. هذا ولن يعيب الفيلم أن يعيد سرد جزء من أحد المواقف بقصد تأكيد واقعة أو نفيها .فذلك سيكون من صلب السلوب الذي اختاره كاتب السيناريو لروايتة. أما ظهور كاتب السيناريو في الفيلم الذي يقو"م بكتابته فذلك ما ندعي بأنه يساهم في التشويق إلى جانب مساهمته في تعميق المصداقية في محاولة التوثيق.
"تعمــــــــــــــــر".. وإذا كان اختيار أوراق المخرج الشخصية التي تسجل جزءا من سيرته الذاتية لتكون أساسا أو ركنا من أركان مضمون الفيلم ،فذلك ،كما ذكرنا في بداية "موجز فكرة الفيلم" ،مما يخد"م فكرة عمل فيلم سينمائي عن القدس يكون في حقيقته توثيقا للواقع ،وفي شكله العا"م يتمتع بنسيج درامي يساهم في تعميق تأثيره. ولقد جرى التفاق بين كاتب السيناريو والمخرج على ذلك لقناعة مشتركة بأن الواقع في مثل هذه الحالة أشد ارتباطا بالحقيقة وأصدق تعبيرا عنها من الخيال .لم اللجوء إلى الفتعال بينما نحن نرى أمامنا الفعل والفاعل ..والمفعول بلحمه ودمه. أي دليل على فظاعة المأساة ووحشية المحتل أقوى من حرمان إنسان من العودة إلي بلده بعد أن أنهى دراسته خارجها؟ 142
هذا ،بينما كانت قمة أحلمه وسعادته وما زالت تتجلى في رغبته في المساهمة والمشاركة في إثراء التراث النساني من خلل إبداع قومي.. تماما كما فعل أجداده العرب من قبل. أي دليل على عدالة القضية أقوى من متابعة مصائر ضحايا الحتلل، ورؤية أصحاب الرض والقرى والمدن ،العزل ،وهم يقاومون المحتلين الغرباء المدججين بالسلح؟ أي دليل على تصميم هذا الشعب على الوصول إلى حقه ،وعلى وجوب دعم هذا الشعب من أجل الوصول إلى حقه ،أوضح من هذا النموذج الذي لم تفل سنوات التشرد الخمسين من عزيمته؟
"هنيـــطـــــــــــــــــــــــــه"..
إبنة"أبو إلياس" ،أحد جيران بلدة القدس القديمة ،الذي عاد من بلد المهجر "نيكاراجوا" ،عا"م صدور قرار التقسيم ،1947لملحقة حقوق أملك العائلة في القدس الجديدة. بعد عا"م ،48كبرت "هنيه" ،وكبرت فيها مدينة القدس. توفي والدها "أبوالياس" عا"م ،67بعد أيا"م من زيارته معها لداره في القدس الجديدة )المحتلة(. طرقت باب الدار بنفس اليد النحاسية التي تقبض على كرة من النحاس، فتحت لهما سيدة أجنبية حدثتهما بلغة إنجليزية موملدة ..ولم تكن في حاجة لن تسأل عن شخصيتهما أو عن هدف الزيارة .عرفت ذلك من نظراتهما المتسللة من فرجة الباب. دخلت "هنيه" الدار ،دارها ،بدعوة من "أصحابها" الجدد .كانوا لطفاء معها .سمحوا لها أن ترى غرفتها وشرفتها ومرتع طفولتها .رأت على الحيطان تحفا ما زالت عالقة في ذاكرتها .رأت أثاثا ما زال يأخذ مكانه ويقو"م بدوره. رفض أبوها الدخول .خانته قواه .جلس على المصطبة الحجرية في انتظار أن تعود ابنته. بعد أيا"م معدودة ،مات "أبو الياس" بذات القلب. 143
لم يستطع قلبه الضعيف أن يرى بعينيه داره التي سكنها الغرباء فلم يعد بمقدوره العودة إليها ،أو أراضيه المصادرة التي لم يعد يملك أن يطأها. اختارت "هنيه" الصحافة مهنة لها ،وتبنت قضية "المعتقلين" و"مصادرة الراضي" .تزوجت زميل صحفيا مناضل بالرغم من معرفتها بالحتمالت الواضحة لعتقاله .وسرعان ما تم اعتقاله بالفعل ،قبيل وضعها لمولودتها "مريم". تحملت مسئولية تربية المولودة .وقامت بعمل كل ما يمكنها عمله لمستقبل ابنتها ولتحقق لها ما كانت تتمناه لنفسها من دراسة لفنون الغناء والموسيقى. ولم تنس مسئولياتها والتزاماتها الخرى تجاه قضايا موطنها ومواطنيها. وبقيت قبل كل شيء مخلصة لزوجها المعتقل ،ولفكره وأحلمه.
"تعـــــــــــــــــوده".. هو ليس إل إمتداد لـ"عمر". هنا تقتضي الضرورة الدرامية اللجوء إلى استدعاء شخصيات أخرى ليست غريبة عن الواقع الفلسطيني .وهو نموذج ل يضاهيه رومانسية إل المقاتل الفدائي .يناضل من أجل حقه المغتصب في منفاه.. ويتواصل مع نضال المضطهدين في وطنهم. ربما يطرح وجود هذه الشخصية أو تلك أسئلة تدور في أذهان الناس هنا وهناك ،الشيء الذي يعتبر في صالح العمل الفني دائما .ومن ضمن السئلة التي يثيرها وجود شخصية "عمر" هو: من هو الرهابي؟ ومن هو الذي يرفض السل"م؟ أهنو ذلك الذي اختار الغنية ،والتمسك بالتراث ،سلحا؟ )وهو الذي عايش النتفاضة ،وثقافة تكسير العظا"م عن بعد( 144
أ"م هو ذلك الغريب المستوطن المدجج بالسلح ،الذي يتمتع بحماية نظا"م عماده المؤسسة العسكرية ،والذي يتسلى بحصد المواطنين الذين ينشدون السل"م ،وينشدون للسل"م في صلتهم؟ عندما وقعت مذبحة الحر"م البراهيمي ،كان"عوده" يقو"م بتلحين قصيدة عن قيمة السل"م والتعايش السلمي. عندها يتوقف عن العمل وهو يكاد يكفر بذلك السل"م المزعو"م .وهنا كان ل بد لموقفه الرافض من أن يؤثر على علقته بـ"مريم" بحيث تكاد تصل إلى مفترق الطريق. لكنه سرعان ما تتضح المور وتتوالى الحداث مما يجعله ينتصرعلى أحزانه ويأسه .وينتصر الحب على الحقد و الكراهية. ويعود المل والتحدي والعمل من أجل المستقبل الفضل.
" مريـــــــــــــــــــــم".. "مريم" ،مغنية من نوع خاص ،تعمل الن في فرقة "القدس" الموسيقية .وتعمل على تأسيس "كورال" للطفال الفلسطينيين. وهي تحمل هوية القدس وتعيش فيها ولها .وتتعرض هي وفرقتها لمضايقات سلطات الحتلل وتهديداتها بسحب الهوية ،بسبب نشاطاتهم المتكررة ضد الحتلل في صورة أعمال فنية تحريضية تندد بعمليات تهويد مدينة القدس وفصل قطاعها الشرقي عن بقية الراضي الفلسطينية ،ببناء حزا"م من سلسلة من المستوطنات الجديدة حولها ..لربطها مباشرة بإسرائيل. كل فئات الشعب تشترك في مسيرة مطلبها الساسي هو السل"م للجميع .وإذا كانت "مريم" ترمز إلى الحاضر ،الضاربة جذوره في عمق الماضي ،المستنير ،المتسامح ،المؤمن..فإننا نرى أنها تمثل القدوة لجيل المستقبل .وليس أدل على ذلك من أن كلمة "الوحدة الوطنية" بين المسيحي والمسلم لن ترد على أي لسان ..لنها قائمة بالفعل. 145
و"مريم" التي كانت قد أصابت نجاحا في الخارج ،شأنها في ذلك شأن جدها "أبوالياس" ،ترى أن مكانها الطبيعي هو مدينتها القدس ،بين أهلها ومواطنيها ،ل تثنيها عقوبات المحتل وإجراءاته القمعية .ول تفل من إرادتها الوضاع "المؤقتة" التي تحول دون عودة "عوده". هي تناضل من أجله وهو يناضل من أجلها ،وهما يناضلن من أجل الحرية والسل"م للجميع.
"شوشانــــــــــــا" و
"ليفيـــــــــــا"..
إذا كانت "شوشانا" الفلسطينية اليهودية قد تشبثت ،بدوافع عاطفية، بإختياراتها في الماضي ،فها هو صوت العقل ينطلق من"ليفيا" الشابة، التي تنتمي لحركة "السل"م الن" ،والتي ترى أن "المن والسل"م" هو مطلب واحد ل يحتمل التجزئة ول المساومة .وهو مطلب ينادي به الجميع من أجل الجميع .ول أمن ول سل"م في غياب الحق والعدل. ))محاولة حذرة للقتراب من حركة "السل"م الن" والتعرف إليها(( هذا ،وقد تحتم الضرورة إيجاد شخصيات أخرى تخلق الحدث وتؤثر فيه ،أو يخلقها الحدث لتعلق عليه. وكل ذلك في إطارعمل فني يثير التساؤلت ،ويشير إلى الحلول القائمة على الحق. حق الفلسطيني في تقرير مصيره ..و حقه في إقامة دولته المستقلة.. وعاصمتها القدس الشريف . وتظل النهاية ،كما قلنا ،مفتوحة إلى أن يدخل "الفيلم" حيز التنفيذ. فلعل أن تحتفل النهاية بإعلن قيا"م الدولة الفلسطينية المستقلة.
*
*
146
*
)بقيــــــه (4
حــوار حول النســا ن ..وإبداتعــاته..
س :الموسيقى..؟ ج :عودة إلى الحديث عن موضوع من الموضوعات التي أحبها ول أمل من طرقها. الموسيقى واحدة من أعظم عطايا ا. إنها أحد أهم قواعد الفكرالفني. وهي تعبيرعن الشياء التي ليمكن أن تقال ،ول يمكن إل أن نبوح بها. فالموسيقى كما الحب ..لغة كونية ..يتكلمها ويفهمها ..أو يحس بها الجميع. الموسيقى هي قمة التجريد في الفن .فهي وإن كانت ل تثير في السامع معان محددة ،إل أنها تحمل إليه من المعاني ما تعجزعنه الكلمات. فحينما نستمع إلى الموسيقى ندرك بالسليقة ما ترمي إليه ،ونعرف أحيانا ما تعنيه بالضبط .فالتعبيرالموسيقي ينساب في وجداننا ويوحي لمضمونه ،ويزداد الفهم مع تكرار الستماع. وكثيرا ما تحفزنا على إعادة توظيفها ،أوترديد معانينا الخاصة لتلئم هذه الموسيقى. وهذا هو سر عظمة الموسيقى حيث تكون قد حققت أغراضها. الموسيقى هي طريقة أخرى للتفكير ،وربما كان التفكير هو نوع آخر من الموسيقى. الموسيقى تعيد ترديد أفكار وإلهامات الناس والزمان .وهي تعبرعن أفراح المم وأحزانها وأحلمها وتطلعاتها .وهي ركن أساسي في تكوين ثقافة الشعوب وحضارتها. ونحن نستطيع أن نقرأ تاريخ الشعوب في أغانيهم. والغاني عبارة عن كلمات وألحان مناسبة ترحل في الزمان والمكان، 147
في التاريخ والجغرافيا. في الغاني كثيرا ما يجد الضعفاء سلحا يحاربو ن به ضعفهم ويأسهم. وكم من الغنيات الجميلة ولدت وراء القضبان ..ولم يستطع القهرأن يمنع تلك الغنيات الجميلة ،بالرغم من تلك القضبان ،من التحليق في الجواء للوصول إلى قلوب الحرار وعقولهم؟! ربما كانت الموسيقى أكثر الفنون دللة على المستوى الثقافي أو الحضاري عند شعب ما أو مجتمع معين ،لنها تعبير صادق صادر عن هذا المجتمع .فهي تحمل إلينا من المعاني ما تعجز عنه الكلمات. الموسيقى مقياس للحضارة ،بسبب قدرتها على التأثير في المشاعر وتهدئة النفعالت ،وهي جسر بين مختلف الفنون ،ومن ثم فهي بدورها جسر بين مختلف الشعوب. والموسيقى لغة مختصرة للعواطف .وهي ملجأ للنفوس التي هجرتها السعادة .إنها تختزل العواطف وتكثفه ،وتزيل غبار الحياة اليومية عن النفس. وبدون الموسيقى تبدو الحياة كأنها رحلة في الصحراء. أو حتى كما يقول "نيتشه": "إن الحياة بدون الموسيقى ستكون إثما". الموسيقى هي الحب وهو يبحث تعن الكلمات. وهي اللغة الوحيدة التي ل تحتوي على مفردات نابية ،أو التي ل تستطيع بها أن تتلفظ بالبذاءات. طاغور يقول: " يحدثني الكون بألوانه ..وأجيبه بالموسيقى". أما "كونفوشيوس" فيقول: "تخلق الموسيقى نوعا من البهجة ل تملك إل الستسل"م إليها". وأستطيع أن أستكمل ذلك بقولي: 148
فهي تتسلل إليك و تبحث تعن ركن هاديء في نفسك ،تحتطله ،ثم تأخذ بالتمدد في ذلك الركن في محاولة دؤوبة لتوسيعه ،فل تملك إل المزيد من الستسلم للمشاتعر النبيلة. وسرعان ما يختفي الشر من المكان الذي توجد فيه الموسيقى. وإذا كانت القبلة عند المحبين مصدرا من مصادر المتعة عن طريق الشفاه ،فكذلك هي الموسيقى ..عن طريق الذن. س :الموسيقى ..والفلم السينمائية؟ ج :موضوع ها"م .ويستحق فقرة مستقلة عن هذا الحوار. وكذلك الحديث عن جدلية "الصورة" ..و"الكلمة"
وللحـــــــوار بقيـــــــــــة..
*
*
149
*
150
الفلم السينمائيه ..والموسيقى؟
لم يأت تحولي من فن العمارة إلى فن السينما مصادفة .كما لم يأت تشبيه فن صناعة الفيلم السينمائي بالفن المعماري من فرا"غ .وليس غريبا إذا ما استعار النقاد اصطلحا هو "البناء المعماري" للسيناريو للتعبيرعن "الشكل الدرامي" للفيلم السينمائي .فهناك ،في الصل، قواسم مشتركة بين الفنون كلها ،ابتداء من دورها ورسالتها ،وانتهاء بأدواتها. لذلك فل عجب إن استعرنا اصطلحا "معماريا" ،مثل "التقوية" أو "الدعم" ،أو "التسليح" ،وباللغة النجليزية ، reinforcement عندما نتحدث عن دور الموسيقى في المشهد السينمائي الدرامي. فالعمدة التي تحمل البناء المعماري تكون مسلحة بالحديد .أما المشهد الدرامي في الفيلم السينمائي فيجري "تسليحه" بالموسيقى. ولم تدخل "الموسيقى" على "السينما" ،كما هو الحال مع "اللوان" أو "الصوت المجسم" أو غير ذلك من المقويات أو المشهيات ،من باب زيادة عنصرالبهار من أجل الصمود أما"م منافسة الفنون التعبيرية الخرى ،وخصوصا ..التلفزيون. لكنها ،الموسيقى ،كانت عنصرا أساسيا في السينما منذ بداياتها. ولقد تعود المتفرجون ،أيا"م السينما الصامتة ،على مشاهدة الفل"م بمصاحبة عزف منفرد على البيانو ،أو عزف "أوركسترا" كاملة. ول يخفى أن أولى البدايات في استعمال الموسيقى كان الغرض منها هوالتخفيف من ضجيج آلة العرض ،وذلك عندما كانت العروض "السينماتوجرافيه" مجرد عروض لصور متحركة ل أكثر .وعندما 151
تطورت هذه العروض لتحكي حدثا ،أصبحت الموسيقى تعزف من أجل زيادة الغموض في بعض المواقف ،وتأكيد عنصر التشويق، والعمل على تصاعده .فلم تكن الفل"م الصامتة مقبولة بدون الموسيقى المصاحبه .وجدير بالذكر أن الفل"م الصامتة كانت توزع وتباع مع مختارات من الموسيقى المناسبه. بل إن السينمائيين ،أيا"م السينما الصامتة ،قد دأبوا على عزف الموسيقى أثناء تصويرالمشاهد الدرامية لتصعيد إحساس الممثل واندماجه في دوره ،ووضعه في الحالة النفسية المطلوبه .فكان عازف البيانو ،وأحيانا الوركسترا بأكملها ،تعزف الموسيقى في التيلييه، بالرغم من أن طبيعة التصوير السينمائي تتطلب التوقف من لقطة إلى أخرى .فقد أدرك السينمائيون أن الموسيقى من العناصر التي تساعد الممثل على العودة إلى الحالة النفسية لمواصلة المشهد في لقطة أخرى، بعد توقف ربما يكون سببا في عد"م ملءمة لقطات المشهد عند تركيبها بالتسلسل المطلوب. وقد كانت الفرقة الموسيقية تعزف مقطوعات من الموسيقى الكلسيكية ،أو ما يقع عليه اختيارالمخرج من المؤلفات الشائعة، وخصوصا كلسيكيات القرن التاسع عشر ،اعتقادا منه أنها تلئم الظرف والموقف. ولم يستمرالمر كذلك في جميع الحوال ،بل لقد ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك ،وكلف أحد الموسيقيين بكتابة موسيقى توضع خصيصا من أجل فيلم معين .وأول مثال على ذلك كانت الموسيقى التي وضعها الموسيقي الشهير "كاميل سان سينز" Camille Saint-Saens لفيلم "انتحار دوق جويز" عا"م .1908 لكن العلمة الهامة في تاريخ التأليف الموسيقي للفل"م السينمائية كانت في فيلم "ميلاد أمه" Birth of a Nationعا"م 1915للمخرج جريفيث D W.Griffithحيث كتب له الموسيقى جوزيف برايل joseph Breilبالشتراك مع المخرج نفسه. 152
ثم درج كبارالمخرجين على تكليف مشاهير الموسيقيين على كتابة الموسيقى لفلمهم ،منذ بداية الثلثينات. ومن الجديربالذكر أنه عندما انتقلت أمارة الصناعة السينمائية ،بفعل الحروب العالمية ،إلى "هوليوود" ،كان ل بد من استقدا"م الخبرات الموسيقية أيضا من أوروبا وغرب آسيا ،التي وصل فيها تطور الموسيقى إلى مستويات ل تبارى .فتلك البلد هي مهد موسيقى "الباليه" و"الوبرا" وغيرها من فنون الموسيقى الدرامية ،أو الدراما الموسيقيه. وكان من الطبيعي أن يلجأ السينمائيون الجدد دائما إلى موسيقى تلئم اليقاع الجديد ،من وضع موسيقيين جدد. ففي الخمسينات بدأت موسيقى الجاز تتسلل لفل"م السينما لسباب أخرى غيرملءمة العصر ،وهي أسباب اقتصادية بحته ،حيث أن عدد أفراد أوركسترا موسيقى الجاز يكون في العادة محدودا قليل التكلفة قياسا بالوركسترا الكلسيكي التقليدي. وفي نظري أن كتابة الموسيقى للفل"م يجب أن تخضع للقواعد التي يخضع لها تصميم الديكور والملبس ،مثل .وأعني بذلك أن يجري التفاق على تفاصيلها قبل بدء التصوير .وليس ،كما هو متبع في معظم الفل"م العربيه ،بعد انتهاء نسخة العمل من الفيلم. ففي بعض الحيان يكون للموسيقي وجهة نظر ،أو إضافة تثري العمل الفني .ول مجال للستفادة من هذه الضافات إل بإشراك الموسيقي منذ البداية .وفي هذه الحالة يتعاون المخرج مع كاتب الموسيقى على تحديد الـ"موتيفات" المطلوبة ،والتي تساعد على إبراز الشخصيات بما هي عليه من ملمح غيرمرئيه .ومن ثم توضيح المواقف الدرامية ورفع مستوى التعبيرفي فترات الصمت)السكوت عن الكل"م( ،مثل، فتزيد الموسيقى من مفعول تلك الفترات. ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن الموسيقى نفسها ،أو القطعة الموسيقية، ما هي إل توليفة مدروسة من لحظات صمت تقصر أو تطول مع لحظات تعلو أو تنخفض فيها أصوات اللة أو اللت الموسيقية المختلفة حسبما هو مرسو"م لها. 153
وهنا ل بد من الشارة إلى أهمية الصمت ،الذي ل يقل مفعوله عن مفعول الموسيقى ،إذا ما جاء في اللحظات المناسبة واستمر للمدة المناسبة .بل إن للموسيقى دورا في بنترنوزة وإظهار لحظات الصمت المعنيه .وأقصد بذلك أن تأتي لحظة الصمت بعد جملة موسيقية تقو"م بالتمهيد لها ،على أن تنتهي تلك اللحظة بجملة موسيقية أخرى تعلن نهايتها وتزيد من أثرها. ولذلك وجب الحرص في استخدا"م الموسيقى التصويرية ،فكما يمكنها أن تدعم وتقوي البناء الدرامي وتتصاعد به فإنها يمكن أن تهبط به وتدمره.
*
*
154
*
جدلية "الصورة" ..و"الكلمة" ليس صحيحا أن "الصورة" هي مفردة "اللغة السينمائية" مثلما أن "الكلمة" هي مفردة "اللغة الدبيه" .فها هو الديب ل يكف عن محاولة خلق "الصور" ليراها القاريء بمخيلته .وفي الناحية الخرى ،هل استطاع السينمائي -حتى في أيا"م السينما الصامتة -أن يستغني عن "الكلمه" ..بالرغم من تعدد أدواته التعبيريه؟! في البدء كانت الكلمة تتحمل عبء خلق الصورة لدى المتلقي. كانت هناك "صورة الكلمة" ،التي لم تستطع "صورة اللة" أن تضاهيها جمال وإيحاء. وتعود بنا جدلية العلقة بين "الصورة" و "الكلمة" الى فجرالتاريخ. ففي البداية لم تكن هناك من طريقة أما"م النسان الول لتحقيق تواصله مع الخر ،وتخليد وجوده على الرض سوى هبة ا للنسان المتمثلة في قدرته على التناسل والبقاء. ثم كانت الطريقة الخرى ،التي اعتبرها قدماء المصريين أيضا هبة من عند الخالق ..وهي الكتابة .ذلك عندما أصبح هذا النسان يقو"م بأولى محاولته لتسجيل انطباعاته أو خواطره. وتاريخ الحضارة يؤكد لنا أن أولى أدوات التعبير "تسجيل" أو"كتابة" ..كانت هي الصوره .بل وتشهد الرسو"م القديمة التي وجدت على جدران مغارات "ألتاميرا" في اسبانيا ،وغيرها ،أن النسان الول حاول ،أيضا ،أن يحرك الصورة .أو ،بتعبير أدق ،أن يسجل الحركة ..أو يعبرعنها في رسوماته. ولكن يبدو أن النسان الول قد "أرجأ" استكمال محاولته في تحريك الصورة الى أن يصل الى صناعة "الله" أولا. واكتفى أحفاده بمحاولت "تحريك" الكلمة .وأعني بذلك خلق علقات بين الكلمات ،من شأنها أن تثري مدلولها ..وتؤدي الى "صور" ومعان جديدة .وتصل باللغة المحكية أو المكتوبة الى 155
الكتشافات التي توارثناها ،وما اصطلح على تسميتها ب "البلغة"، و"البديع" ،و"البيان" ..إلخ .لتصبح اللغة )المنطوقة أو المكتوبة( في كامل لياقتها ..ولتكون أكثرتعبيرا عن الحاسيس البشرية ،التي ازدادت تعقيدا بازدياد وتشعب التجربة النسانية ذاتها. وبمجرد أن توصل النسان ،في العصرالحديث ،الى اللة وطورها وطوعها لحتياجاته المختلفة ،عاد لمواصلة محاولته في تحريك الصوره ،فكانت "السينماتوجرافيا". وظلت "السينماتوجرافيا" اختراعا ،أو ،كما وصفها الناقد المؤرخ جورج سادول " ،صناعة يدوية ،لفتت أنظار رجال العمال"! إلى أن وضع المبدعون من رمواد السينما القواعد والنظريات في جماليات "اللغة السينمائيه" .ومارسوا كل ضروب البلغة والمحسنات البديعية في تعبيراتهم السينمائيه ،من تشبيه ،واستعارة، وكناية ،وجناس ،ومطابقة ..إلخ إلى أن اكتملت تجربة دمج "المؤثرالبصري" مع "المؤثرالسمعي"، كلمة ،وموسيقى ،وما إلى ذلك من المؤثرات الصوتية الخرى. عندها أصبحت السينما ،بحق " ،الفن السابع"! وعلى الرغم من أن رجال العمال ،الذين لفت أنظارهم ذلك الختراع ،قد استعانوا بالدب -قصة أو رواية -كمصدرللحدث، الذي أصبحت "السينماتوجرافيا" قادرة على روايته ،مستثمرين رواج تلك العمال الدبية ل أكثر .إل أن المبدعين ظلوا ينظرون بعين خ م لقة الى مسألة التزاوج ،الذي كان من الطبيعي أن ينشأ بين الدب والسينما .فالبداع الدبي ،كما قلت ،لم يتوقف عن محاولة خلق الصورة وتحريكها في مخيلة القاريء. والسينما قادرة على تجسيد تلك "الصور" ،وفي بعض الحيان ،على كبح جماح الخيال الذي يتمتع به القاريء ،لكي ل يتجاوز ما يرمي إليه الديب ..شيء من الواقعيه! ربما صارت إحدى مهمات الرواية الدبية هي رفد السينما بالموضوعات ،لو جف المعين .وربما أصبحت إحدى مهمات السينما 156
هي نشر العمل الدبي ،أو التعريف به ،على نطاق أوسع من الكتاب، خصوصا حيث ترتفع نسبة الميه. لكن ضربا من ضروب البداع السينمائي ،له دوافعه ومبرراته ،ما زال وسيظل يعتني بإعادة "رواية" القصة أو الرواية الدبيه. هنا نعود الى موضوعنا .حيث أود أن أؤكد أنه ل بد من أن يحمل العمل السينمائي ،المبني على عمل أدبي ،مبررات ظهوره في هذا الثوب الجديد ،أوهذه اللغة الخرى .وهي نفس المبررات التي يحملها ظهورعمل أدبي يعالج قضية سبقت معالجتها في عمل أدبي آخر. إنه ،في نظري ،محاولة إلقاء أضواء جديدة ،من زوايا جديدة،على شخصية ما أو حدث ما أو علقات ما ..من شأنها ،على القل ،أن تخفف من حدة الظلل ،التي كثيرا ما تحجب الحقائق.
*
*
157
*
158
)بقيــــــه (5
حوار حول النسا ن ..وإبداتعاته..
س :الشعر ..والغناء؟ ج :الشعر والغناء توأمان. يدين الشعر للغناء ..والغناء للشعر. وما أكثرالقصائد التي استطاعت أن تظل باقية في وجداننا توفر لنا المتعة كنص شعري مستقل ،ثم جاء إليه اللحن والموسيقى بعد ذلك فأغناها. وأصبحت بذلك أتعقد القصائد ،بكلماتها الفصحى ،المستعصية معانيها أحيانا ،ططيعة للحفظ ،والفهم ،تتردد بسهولة تعلى لسا ن البسطاء ،كما في كثير من الغنيات من أشعار شوقي ..وحافظ إبراهيم ..وجبرا ن.. وغيرهم. الشعر حاضر دائما في مفردات لغتنا الجميلة مثل الدرر المنثورة، والشاعر هو الذي يلتقط هذه الدرر ويلضمها بترتيب معين لتخرج إلينا قصائد منظومة لها بريقها وعنفوانها. وأخيرا أقول مضيفا: بعض الشعر نسمعه غنااء.. تنطق به العينا ن.. قبل أ ن يغادر الشفتين.. وهو أتعذب الشعر ..وأصدقه. س :دور الشعر والشعراء؟ ج :الشعر والشعراء كانوا دائما من علمات عصور الحضارة و مزاياها .وقد كان للشعراء دائما دورا في مسيرة الحضارة والتقد"م 159
والنضال من أجل سعادة البشرية. فمن صفات الشاعر ،أو الفنان ،التمرد والخروج عن السرب بحثا عن الحرية والتغني بها ..والدعوة لها. "ميلتو ن" ..حمل السلح ضد الملك الظالم. "شيلي" ..دعى الجماهير المقهورة إلى الثورة على الظلم. "بايرو ن" ..ساند الشعوب المستضعفة في وجه ظالميها ،وحارب في صفوف اليونانيين ضد الستعمارالتركي. "أراجو ن"و"إيلوار" ..من أهم شعراء المقاومة الفرنسية ضد النازي. "لوركا" ..شاعر المقاومة السبانية. "بابلو نيرودا" ..خيرمن وصف أوجاع "شيلي" ،ونادى بحريتها. "ناظم حكمت" ..شاعر تركيا الذي دفع حريته ثمنا لحرية الكلمة. "وول سوينكا" ..النيجيري عدوالستعمارالحاصل على جائزة نوبل 1986 "ر .طاغور" ..رفيق غاندي في كفاحه والحاصل على نوبل 1913 "حسا ن بن ثابت " ..عرف واشتهر بأنه كان شاعرالرسول. "البارودي" ..اشتهر بأنه "رب السيف والقلم" ،وشارك في الثورةالعرابية عا"م ،1881ونفي مع "عرابي" إلى خارج البلد. "تعبد الرحيم محمود"..الشهيد الفلسطيني الذي حمل روحه على راحته ..ليلقي بها في مهاوي الردى ..وهو يحارب الحتلل. "أبوالقاسم الشابي" ..الذي تغنى بإرادة الحياة وحتمية استجابة القدر. "أمل دنقل" ..دق أجراس خطر التهاون في حقوق المة. و"محمود درويش" ..الذي استحق لقب "شاعرالنسانية" ،علوة على "الشاعرالستثنائي" و"شاعرفلسطين" الذي"تفوح منه رائحة الوطن"، والذي اتخذ من لغته وطنا " ،بلدا من الكلمات" حسب تعبيره .واستطاع شعره أن يخاطب ضمير العالم. والشعراء الذين ل نعرفهم بشعرهم ،كما يقول العقاد ،ليستحقون أن تيعرفوا! ول يفوتني هنا أن أشير إلى دور شعراء العامية في إذكاء وعي الشعوب. فهناك منهم من ل يقل دوره وقيمتة عن دور وقيمة شعراء الفصحى. و المثلة كثيرة. 160
هذا..ولبد أن نعترف بأن الشعرالعامي شعر مشافهة ،تزيــده الموســيقى تأثيرا وبقاء.ويذهب جزء كبير من جماله وروعته حينما تيكتــب .فشــتان بين وقع قصيدة عامية يلقيها شاعرها أو نسمعها معمناة وبين تأثير نفــس القصيدة مكتوبة. س :الشعراء المحدثين؟ ج :بعض "الشعراءالمحدثين" -في نظري -يمتلكون من الدوات ما يمدكنهم ليس من "تقليد" الشعراء فحسب ،بل والمزايدة عليهم أيضا .ودليلهم في ذلك هو القول القديم "خالف تتعرف" ،أو القول المضلل" ..يجوز للشاعر مال يجوز لغيره". بل إن هناك ما يؤرقهم دائما ..وهو الخوف من أن يساورنا الشك أو نكتشف بأنهم "يقلدون"! ولذلك فهم ل يتركون للقاريء فرصة اكتشاف علقة أحد سطورهم بالخر ..أو إحدى مفرداتهم بالخرى.. وإل اكتشف ذلك القاريء أن شعرهم" ..تقليدي". أما الطامة الكبرى فهي في "النقاد المحدثين" ،الذين يعانون من قهر ذلك الشعر)!( لواعترفوا بأنهم ل يفهمونه ،أو ل يستسيغونه ،فهو اعتراف بجهلم ،أو بأنهم -بلغة المحدثين" -دي موديه". إذن فل بد من أن يترنحوا طربا لسماع ذلك الشعر ،خوفا من إتهامهم بالجهل ،أو التخلف ،أو عد"م مواكبة التيارات الحديثة في الشعر.. وفي الدب ..أو الفن .. وا أعلم ! س :اللغة؟ ج :إذا كان الولون قد عمرفوا النسان بأنه "كائن ،أو حيوان ناطق"، فإننا الن ل بد وأن نضيف مؤكدين أنه كائن ذو ذاكرة ..ولغة. فلغة النسان ،على اختلف أشكالها ،هي ثوب أفكاره التي يتواصل بها مع الخر .من شأنها تأكيد ارتباطه ببيئتنه الثقافية وبالعالم من حوله. 161
فعند تعريف الثقافة ل بد من ذكر اللغة ،فهي الوعاء الذي يحتوي كافة الرموز الثقافية .وهي أداة الحفاظ على موروثات النسان وثقافته وخبراته. س :الحضارة ؟ ج :أحد تعريفات الحضارة هو: " كل جهد يرتفع بمستوى البشر ويحقق أفضل الشروط النسانية لهم ، وكل ما يميز أمه تعن أمه من حيث العادات والتقاليد وأسلوب المعيشه والقيم الدينيه والخلقيه والميراث الثقافي والتاريخي والعمرا ن والتقدم التقني ". والحضارة هي كل ما يتركه النسان في مختلف المجالت من علم ،وفن، وفكر .ويجب أن ل ننسى أن الفنون على أشكالها ما هي إل وجوه مختلفة للحضارة ذاتها. س :والثقافة؟ ج " :الثقافة" ،في أبسط تعريفاتها ،هي: "مجموع تعناصر الحياة وأشكالها ومظاهرها في مجتمع من المجتمعات ،سيا ن كانت درجة رقي هذا المجتمع" .وهي عملية تراكمية. وهي "العمرا ن" ،عند ابن خلدون" ،ومفهومه مفهوم شامل يتناول الحياة الجتماتعية بكاملها ويضم مختلف أشكالها وألوانها". والثقافة ل تقف عند الحدود الضيقة لمفهو"م استيعاب المعارف والمعلومات أوالوعي بالظروف المحيطة .إنها من أهم أسس التنمية في كل جوانبها ،اقتصاديا ،واجتماعيا ،وسياسيا ،وفكريا ،وعمرانيا ،وعلميا وفنيا. والثقافة ،كقسمة أساسية من سمات النسان ،هي ذلك النسق من القيم والمعتقدات والتقاليد ،إلى جانب أسلوب الحياة ونمط المعيشة وطرائق التفكير ،للجماتعات البشرية المختلفة. 162
على أن الثقافة ل تستحق اسمها إل عند تحديثها وإعادة نشرها وتفسيرها وعيشها مجددا. كما أن الصل في الثقافة أنها إطار يؤمن بالتعددية ويقبل الخر ويتعايش مع الغير .ول مستقبل لثقافة أساسها مرتبط بجنس معين ،أو تنطلق من قومية ضيقة. والمثقف هو الذي يدرك ويعي التغيرات التي تطرأ وتؤثر في المجتمع وقضاياه ..فكرية كانت أو سياسية أو أدبية أو فنية .وهو الذي يقع على عاتقه كبح جماح التمرد بقصد وضع وترسيم الحدود الفاصلة بين الحرية والفوضى . والفنان هو ذلك المثقف الذي اهتدى إلى اللغة الخاصة به التي سوف يترجم بها وعيه وإدراكه لكي يصل إلى الخرين بغية التغيير إلى الفضل ،عن طريق خلق المناخ الصالح للتحليل والحوار. س :الثقافة ..والرأي العام..؟ ج :من أهم حقوق النسان ،هو حقه في قسط من الثقافة والمعرفه التي تساعده على تحديد موقفه مما هو جار حوله. والمثقف ،من خلل تمرده ،له دور في صنع "الرأي العا"م" الذي تستمد السلطة قوتها منه. وعليه أن يؤدي دوره دون انتظار إذن من أحد. ول قيمة للمثقف إن هو تخلى عن تمرده ..وفقد الحساس بدوره الحقيقي وأهميته والتزامه ..وإحساسه بالخرين! س :الثقافة والسلطة ..أو الدولة؟ ج :إن من أولويات واجبات الدولة هي العناية بالمؤسسات الثقافية التي من شأنها أن تعمل على ازدهار الثقافة وانتشارها وتطورها .ففي ذلك مواجهة لعوامل التحدي ،ووسيلة للدفاع عن وجداننا القومي ضد التيارات العاتية التي تستهدف هويتنا وشخصيتنا. نجيب محفوظ كان يقول دائما: "تعلينا أ ن نوفر الضوء والهواء إذا أردنا أزهارا يانعة". 163
فالثقافة هي رؤية ودرجة من درجات الوعي تجعل النسان ملما بكل التطورات من حوله ،مدركا لحتمالت المستقبل ،وتعطيه بعدا خاصا، نسميه "الرؤيه" .وهذه الرؤية ليست بالضرورة معادية للسلطه كما يخيل للبعض ،ولكنها رؤية أكثر التصاقا بالحقيقة وأكثر استشرافا للواقع ومقدرة لخدمة الهداف الوطنية والقومية و النسانيه. إذن ،ل بد من الهتما"م بالثقافة وبناء المؤسسات المعنية بتطورها وازدهارها كوسيلة من وسائل الدفاع عن الوجدان القومي ،وتعبئة النسان معنويا وروحيا ليستطيع الصمود في وجه التيارات التي تتربص بهويته وشخصيته. وهنا تبرزأهمية دورالفن ،والفن السينمائي" بالذات ،واضحة جلية. س :المثقف والسلطة؟ ج :المفروض أن تكون "السلطة" في أي مكان وزمان ..وطنيه . ومن نعم ا علينا أن سلطتنا ولدت بإسم"..السلطه الوطنيه" .ونحن ل نملك أن ننكر أنها قادرة على أن تحمل تلك الصفه أيضا )!( والمفروض والمتعارف عليه أيضا ،أن ل يكون هناك أي تعارض بين المثقف والسلطه .اللهم سوى في بعض الحالت التي يصطنعها أصحاب الهداف "السياسيه" لتوظيف الثقافة في خدمة أغراض سياسيه .فثورتنا ،مثل ،قبل أن تتحول إلى سلطه وطنيه ،كان لها دورها في ما أسموه "تسييس الثقافه" .فكان أن تحول الكثيرون من مثقفينا إلى سياسيين! وأصبحوا يستمدو ن قطوتهم -كما المحاربين القدامى -من كونهم "مثقفين قدامى" )!( أما "المحاربين القدامى" ..فقد اسندت إليهم ،كما نعلم ،مهمات غزو مواقع كثيرة ظلت شاغرة بعد أن تم إجلء أصحابها عنها. ذلك عمل بالتوصية التي ترى تفضيل أهل الثقة تعلى أهل العلم والمعرفة. والويل والثبور إن حاولت السلطة تكريس ما يسمى بـ"تثقيف السياسه" ،ليصبح عندها ساستنا كلهم ..مثقفون ،فينطبق عليهم وصف 164
"السياسيين القدامى" ..أو ربما "المثقفين الجدد"،على غرار "المحافظين الجدد"!!! س :القراءة ..والمعرفة؟ ج :ربما كان هناك قدرا من الصحة فيما قيل عن الهنود الحمر في أميريكا بأنهم قد انقرضوا ،أوكادوا ،لنهم أمة أممية..ل تقرأ ول تكتب! لكن المؤكد أن ذلك كان،إلى جانب نوايا الستعمار الجنبي الستيطاني الحللي ،أحد العوامل التي أدت إلى ذلك. إن المعرفة من أهم حقوق النسان التي تساعده على تحديــد مــوقفه ممــا هو جار حوله .إنها مصدر قوة. والقراءة هي أحد وسائل التثقيف والوصول إلى المعرفة لتنمية القدرات وإثراء الطاقة الروحية وإعادة صياغة الوجدان وبناءالشخصية، والحفاظ على الهوية ،والطلل على ثقافات الخرين. إن ثقافتنا وعاداتنا وقناعاتنا غالبا ما تكون نتاجا لمــا قــا"م بــه آباؤنــا مــن تأسيس لها فينا في الصغر .ولقد قرأت فيما قرأت أن خمسين بالمئة مــن النمو الذهني عند الطفل يتشكل في الرابعة من عمــره ،وأن القــراءة لــه في هذه الفترة ،خصوصا قبل النو"م ،حيث تكتمل أثناءه عملية تخزين ما اســتجد لــه مــن المعــارف أو المفــردات.وهــي خيروأهــم وســيلة لزيــادة الوعي والفهم ،ولتعزيزهذا النمو الذهني عنده. كمــا أنــه ،فــي السادســة مــن عمــره تقريبــا ،يصــبح أكــثر قــدرة علــى الستيعاب واقتحا"م مزيد من المجالت ،فيكــون إشــغال الطفــل فــي هــذا السن بالقراءة استثمارا جيدا لهذه الطاقة وتنميتهــا ،بحيــث نجعلــه يجــد فيها ما هو أقرب إلى المتعة منها إلى الواجب المقرر. والقارئ له حضور في قراءة النص ،مما يجعله طرفا مباشرا في صياغة معناه .فتصبح تجربة القراءة هي في ذاتها تعملية إبداتعية بدليل اختلف الصورة أو النطباع عند مختلف القراء لعمل واحد. وتشترك معها في ذلك تجربة المشاهدة لعمل فني من الفـنون التعبيرية )سينما أو مسرح أو باليه( أوالفنون التشكيلية. 165
ول ن المعرفة تعند أطراف الصابع ،كما يقولو ن ،فل تعذر لحد بالجهل. ومما ل شك فيه أ ن من ل يقرأ ليعرف شيئا جديدا كل يوم ،يزداد جهل يوما بعد يوم. تعلى أ ن مفتاح المعرفة تعندي ،إضافة إلى القراءة والطلع ،هو القدرة تعلى صوغ السؤال ،وصول إلى معارف الخرين. والمعرفة هي الشيء الوحيد الذي يبقى لديك غير منقوصا ،مهما عاودت منحه للخرين. قالوا: "عش حياتك كأنك سوف تموت غدا .وواظب على المعرفة كأنك سوف تعيش أبدا". ولربما تنطبق المقولة القديمة "نحن نأكل لنعيش" أيضا على القراءة. فنحن اليو"م لكي نعيش ل بد لنا من أن نقرأ أيضا .فالقراءة ضرورة للنسان كما الماء والهواء ،حتى لو أعطتنا المدنية والتطور وسائل عصرية أخرى للتعلم والتثقيف ،سمعيا وبصريا. ففي القراءة ،والكتابة ،والقبال على المعرفة انفتاح على الخرين وعلى الذات أيضا .وفيهما اكتشاف لخبايا وأسرار الوجود من حولنا. وبالقراءة الجادة نستطيع أن نمتلك ناصية الكلمة ونرتقي بلغتنا ،ثوب أفكارنا ،مما يتيح ويمهد لنا طريقا سهل للوصول إلى الخرين والتواصل معهم. قالوا: "قلت لي ماذا تقرأ؟ أقلت لك من تكون". وقد أقول مضيفا ،وبمعنى أعمق: بالقراءة أتعرفني ..وبالكتابة أفهمني. س :حق القارئ في ما يقرأ؟ ج :هنا أحب أن أبدي قناعتي بأن ما نعرفه هو نتاج خبرتنا وقراءاتنا لخبرات الخرين ،وأن ما نقرأه ونستوتعبه ونحسن فهمه يصبح في كثير من الحوال ملكا لنا ،ولنا مطلق الحرية في أن نتداوله 166
بدون الشارة في كل صغيرة وكبيرة إلى مصادره .فنحن لن نجد متسعا في حديثنا وفي كتاباتنا لكل ذلك ،اللهم فيما عدا بعض الحالت التي تحتم ذلك وتستدعيه ،أو عندما يرى المتحدث أو الكاتب أن في ذلك إضافة نافعة. فهناك حقائق ل داعي للرجوع دائما لصحاب الفضل في اكتشافها كلما ذكرنا إحدى تلك الحقائق .فليس من الضروري ،عندما نتحدث عن كروية الرض ودورانها حول الشمس ،أن نعود للشارة إلى ذلك الفلكي البولندي "نيكولس كوبيرنيكوس". كذلك ليس من الضروري ،إن قلت في حديثي أنني "رضيت من الغنيمة بالياب" ،أن أعلن في كل مرة بأن "امرؤ القيس" هو صاحب هذا التعبير .أو أن أشير إلى "أبوالعلء المعري" كلما عمن لي أن أردد مقولتة "أولوالفضل في أوطانهم غرباء" ..وما إلى ذلك من القوال المأثورة )!( س :الدب..؟ ج :هناك تعريف نجده في القواميس اللغوية يقول أن "الدب هو رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي". وقيل أنه الجادة في كل ما هو منظو"م أو منثور. ولكنني أجد أن ذلك يفتقر إلى التفسير والشرح .ولقد وجدت تعريفا أكثر رشاقة وأوقع تأثيرا ،وهوأن الدب تعبير جمالي يتناول الرؤى والقناعات والعواطف و الأفكار و الخواطر النسانية والتجارب الشعورية بالساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى النثر المنظو"م إلى الشعر الموزون لتفتح للنسان أبواب القدرة على التعبير. فالدب هدفه إمتاع القارئ بتأثيره في وجدانه ،بشرط تحقيق التوازن بين القيمة الجمالية ،و الثراء المعرفي الهادف. توفيق الحكيم يقول: "أكتب لهدف واحد هو إثارة القارئ لكي يفكر". وذلك ،في نظري ،ينطبق على البداعات الخرى. وفرانتس كافكا يؤكد ما معناه: 167
"في الكتابة كفاح من أجل البقاء". أما الديب البرازيلي "جورج أمادو" فيقول: "أكتب لكي يقرأني الخرو ن ،ولكي أؤثر فيهم ،ومن ثم استطيع المشاركة في تغيير واقع بلدي وحمل راية المل والكفاح". ويشاركه "تشيكوف" بقوله أن التعبيرتعن آلم الناس هدفه الدتعوة إلى التغيير. فما من شك بأن الشارة إلى هذه الل"م والقدرة على التعبير عنها نعمة ففي ذلك إنذار بوجود خطر يجعل النسان يبادر في البحث عن سبب هذا الخطر لمعالجته .ولول ذلك يمكن أن يموت النسان كما ينفق الحيوان بدون معرفة السبب. يقول "د .ماثيو ليبرمان" ،أستاذ العصاب في جامعة " كاليفورنيا" الميريكية أن التعبير تعن النفس بالكتابة يعد نوتعا من تنظيم العواطف .وأ ن مجرد المساك بالقلم والكتابة تعن مشاتعرك يساتعد بشكل كبير تعلى تجاوز مشاتعر القلق والخوف والحز ن .وأ ن التعبير تعن المشاتعر بالكتابة يحفز مناطق في الدماغ مسئولة تعن الضطرابات العاطفية .كما أكد تعلماء آخرين بأ ن جودة المادة المكتوبة ل تهم لحداث الثر المطلوب بقدر ما تهم العفوية. والكتابة مرتبطة بمراحل تطور الوعي الذي من شأنه أن يزيد من طموح النسان ورغبته في المشاركة في التغيير ..سنة الحياة. وليس مهما من الذي كتب ما تكتب ،كما يقول المفكرالفلسطيني "إدوارد سعيد" ،بل ..كيف تكتب وكيف تيقرأ ؟ س :أنت والكتابة؟ ج " :فولتير" يقول: "ليضيرني أ ن ليس تعلى رأسي تاج ما دام في يدي قلم". والكتابة ،في نظري ،كانت وما زالت بالنسبة للنسان لونا هاما ضروريا من ألوان البداع .ابتداء من كتابات الجدران التاريخية ..إلى 168
"المقامات" ..حتى الكتابة في التاريخ والجغرافيا أو سائر العلو"م والفنون ..وصول إلى كتابة السيرة الذاتية. وبالرغم من أنني لم أكن يوما كاتبا محترفا تنتابني وتتعقبني "حالت الكتابة" ،إل أنني ل أنكرأنني كثيرا ما كنت أجد متعة في كتابة بعض الخواطر .ولكن محاولتي للكتابة البداعية لم تكتمل ،ربما لظروف حياتي الغير مستقرة ..المتنقلة بين مختلف المنافي ..وبالتالي فقداني المتكرر لوراقي الخاصة. وسرعان ما أصبحت ،بعد تخصصي بالعمل السينمائي ،أشعر بمزيد من متعة الكتابة ،ل سيما وأنا أشعرأنني سوف أحول ما كتبت إلى صورمتحركة ناطقة مرة ثانية ،لن الكتابة السينمائية ،أو كتابة "السيناريوالسينمائي" ،ما هي إل وصف دقيق مفصل للصور التي كنت تراها .هذا مع وصف تفصيلي بالغ الدقة لكيفية إيصال ما وراء هذه الصور .وهو ما يعتبر تدريبا وارتقاء بالقدرات الكتابية أيضا. هذا ..ولبد أن أعترف بأن صديقي جهاز"الحاسوب" ،بذاكرته التي ليشق لها غبار ،قد أضفى على نمط حياتي شيئا من الطمئنان .ذلك لما له من فضل على تعويضي عن ما أخذ تقدمي في السن في المعاناة منه. س .. :والسلوب؟ ج :ل أستطيع أنا أن أحدد إذا كان لي أسلوب معين .ولكن مما أثلج صدري ما سمعته من بعض المقربين ،تعليقا على ما أكتب ،بأن هناك وجها للشبه بين ما أكتب ،وبين الرؤية السينمائية .وهو ما كنت أفعله بوعي تا"م. فالصفحة عندي تجدها مقسمة إلى فقرات قصيرة مليئة بالفواصل والفقرات المنفصلة المتصلة ،بحيث تكاد تشبه المشهد السينمائي المكون من عدة لقطات تتميز بطولها أو بقصرها. وتفسيري لذلك هو أنني أرى أن للفواصل وظيفة حيوية ،إذ أنها تفرض إيقاعا على حالة القاريء المزاجية ،وتتحكم بشكل ما في قدرته على 169
استيعاب وتقبل ما كتبت .تماما مثل الثر الذي يتركه تتابع الصور المرئية. وبما أن الكتابة ،كما يؤكد "جابريل جارثيا ماركيز" ،أداة لليحاء كالموسيقى وغيرها من الفنون .لذلك فإ ن أي خطأ في اليقاع من الممكن أ ن يضيع سحر التأثير. هذا ..وأجدني ،باستمرار ،أزداد يقينا من أن الكتابة هي إحدى وسائل البحث عن الذات واكتشافها .وكأني بالكاتب "جوزيف كونراد" أسمعه يردد خواطري حينما يقول عن الكتابة: "يقيم الكاتب منها له بيتا ..ومن لم يعد له وطن تغدو الكتابة بالنسبة إليه مكانا للعيش". كأنما كانت الكتابة الخاصة ،وما زالت ،هي الملجأ الذي ألوذ إليه ،أو المرفأ الذي أرسو فيه ،انتظارا لن تتحقق أحلمي في مواصلة الرحلة وممارسة عملي الصلي الذي أحبه ..وهو الكتابة عن أحل"م الفلسطيني وأشواقه إلى البتسا"م وحنينه إلى حياة أفضل ،بالضوء.. والظلل ..والموسيقى ..والغنيات ،بما فيها من كلمات.
*
*
170
*
تعلى هامش الرحلة إلى القدس..
في حياتنا لحظات ل تنسى ،تظل محفورة في ذاكرتنا ،نكتشف فيها ذواتنا ،وتتجلى فيها حقيقتنا بل زيف ول حرج .ول نتردد في تدوينها في دفاترنا. س ل أنسى صديقي "فايزغالي" يو"م زيارة "كنيسة القيامة" ،في فإن أن ن القدس القديمة ،ولحظة التوترالذي بدا عليه وهو في انتظار دوره للدخول مع مجموعة صغيرة من الزائرين الجانب إلى قبر السيد المسيح .لم أدخل معه لتاحة الفرصة لخرين جاءوا من أصقاع الدنيا البعيدة مقدسين. خرج جميع الزائرين ،وبقيت أنا في انتظار خروجه .ولما طال انتظاري وشعرت بالقلق ،رأيت أن أدخل لطمئن عليه. كان راكعا أما"م القبر ..يجهش بالبكاء. عندها ازددت يقينا أن صدق "فايز" سوف يتجلى في كتابته عن القدس. احترمت مشاعره ،ولم نتبادل الحديث إل بعد عودتنا إلى فندقنا في "را"م ا". تكرر هذا المشهد في مدينة "بيت لحم" ،عندما زرنا "كنيسة المهد" برفقة الصديقة الفنانة المسرحية "ساميه بكري" وزوجها الصديق "إسماعيل".
*
* 171
*
172
شالــــــــوم أخـــــــــــي! صديقي"إسماعيل بكري" وزوجته "ساميه" ،المسرحية المعروفة ،من عرب ،** 48يقيمان في مدينة "عكا" ويحملن الجنسية السرائيلية. وسيارتهما تحمل ،بطبيعة الحال ،اللوحة المعدنية الصفراء المميزة ذات الرقا"م السرائيلية. كان صديقي "إسماعيل" ،الذي تطوع بتحقيق حلم "فايزغالي" بزيارة "كنيسة المهد" ،يقود سيارته بنا في الطريق إلى مدينة "بيت لحم". وكنت أتظاهر بالشجاعة لكي أساعد ضيفنا "فايز" على التغلب على اضطرابه ومخاوفه من تلك المغامرة .فلم نكن -فايز وأنا -نمتلك أي وثيقة تؤهلنا للمرور في تلك المنطقة التي تسيطرعليها قوات "المن السرائيلي" .لكن"إسماعيل" كان واثقا من أن أحدا لن يعترض طريقنا طالما كانت سيارته تحمل أرقاما إسرائيلية. وكنت أنا أستمد شجاعتي من ثقته هذه ،استنادا إلى تجارب مشتركة سابقة. وهنا ل بد من تسجيل ملحظتي ،أثناء سفرنا ،لنموالقدس وانتشار المباني الجديدة طوال الطريق ،وكأنه ليس هناك حدود بين القدس و بيت لحم ،أوكأن "بيت لحم" قد أصبحت إحدى ضواحي مدينة القدس! وهذا مما يؤكد ما يقال عن نوايا التوسع للوصول إلى ما يسمى "القدس الكبرى" ،السرائيلية ،التي تبلغ مساحتها ربع الضفة الغربية. وصلنا المدينة العربية التي كانت تخضع في ذلك الوقت لعمليات إنشاءات استعدادا للظهور بمظهر عصري لئق في مطلع القرن ل الحادي والعشرين ،حسب ما يمليه مشروع "بيت لحم ."2000 _________________________________________ ضل تداول هذا الوصف للفلسطينيين الذين صمدوا أمام تعمليات التهجير بالقوة و لم يغادروا )**( سيف ف أماكن مدنهم وقراهم تعام ، 48ذلك لتدارك الوصف المراوغ بأنهم "تعرب إسرائيل" أسوة بـ "روس إسرائيل" ..و"ألما ن إسرائيل" ..و"بولنديو إسرائيل" وغيرهم من المستوطنين الذين جاءوا محتلين لفلسطين من كل أنحاء العالم.
173
زرنا "كنيسةالمهد" ،واستغرقنا وقتا طويل في التجول في سراديبها، والتقاط الصور لصديقنا "فايز" الذي كان يعتبرأن هذه الزيارة كانت، بشكل أو بآخر ،ل تقل أهمية عن باقي لقاءاته. عندما شارفت الشمس على الغروب سارعنا بالعودة ،خصوصا بعد سماعنا لصوت زخات من الرصاص تخترق سكون المدينة. أخذ "إسماعيل" يحاول أن يهديء من روعنا بعد أن لحظ أمارات القلق التي تطل من وجوهنا ،وتتسلل من تعليقاتنا .ولم نكد نمر من خلل أحد الحواجزالعسكرية بسل"م ،حتى وصلنا إلى حاجز آخر، حيث فوجئنا بجنديين إسرائيليين ،من طائفة "الفلشا" الفريقية الذين ل تخطئهم العين ،يعترضان طريقنا بأسلحتهم المشرعة. حبست أنفاسي وأنا أتظاهر بأن المورطبيعية. أطل أحد الجنديين عابسا إلى داخل السيارة ،من الجهة اليمنى التي احتل أنا مقعدها المامي. ولم يكد يفعل ذلك حتى بادره إسماعيل: شالو"م أخي!فجأة ..انفرجت أسارير الرجل العابس ،وغمره إحساس فاض على ملمحه الفريقية ليشي بسعادة غامرة .وضحك عن أسنان بيضاء وهو يردالتحية بأحسن منها ،ويشير إلى زميله أن يفسح لنا الطريق، ويلوح لنا مودعا بمودة: شالو"م!انطلقت السيارة .وأخذ إسماعيل يرمقنا بنظرة العارف وهو يبتسم بثقة شديدة. لم نكن في حاجة إلى أي تفسير لما جرى. لم نبذل جهدا لفهم الجملة العبرية القصيرة التي نطق بها إسماعيل. "سل"م يا أخي "! كان لها وقع السحرعلى الجندي. بعد فترة من الصمت الذي ران علينا ،علق "إسماعيل" قائل: 174
..ببساطة ،هذا الجندي "السرائيلي" لم يتعود على سماع كلمة"أخي" من مواطن إسرائيلي آخر! فالتفرقة العنصرية تتجلى في معاملة اليهود الغربيين لليهود الشرقيين .فما بالك عندما يكون المواطن السرائيلي ..شرقي من أفريقيا السوداء. أكملت بيني وبين نفسي: ..كأنما كان يذوب شوقا لسماع هذه الكلمة التي أشعرته بدونشك بأنه مواطن له قيمته. يقيني أنه كان على استعداد لن يبيع "شرفه العسكري" مقابل هذه الكلمه التي ردت إليه شيئا من "كرامته الشخصية" المسلوبة ،والتي كانت بمثابة إعتراف بإنسانيته المكلومة ،في ظل الـتمييزالعنصري الذي يعاني منه هو وأمثاله من اليهود المهاجرين من إفريقيا وبلدان الشرق الوسط المختلفة.
*
*
*
قرأت فيما قرأت أنه قد تقد"م عدد كبير من "الفلشا" ،الفارقة)الذين قامت إسرائيل بترغيبهم وتهريبهم إلى الراضي الفلسطينية( مع غيرهم للتبرع بالد"م .وغادر ذلك العدد الكبيرمن"الفلشا" مكان التبرع وهم راضون وعلى قناعة تامة بأنهم قد قاموا بأداء واجبهم تجاه وطنهم الجديد إسرائيل. ولم يعرف أحد منهم أن دماءهم قد ألقيت في القمامة دونما تحليل أو اختبار .ل لسبب سوى أنها دماء زنجية ،مكانها القمامة ،حفاظا على نقاء الدولة اليهودية )!(
*
175
*
*
176
ماذا بعد؟!
قال لي الشاعر "أحمد دحبور" ،وكيل وزارة الثقافة ،بعدعودته من "را"م ا" ،بأن الوزير تسلم المعالجة المرسلة معه بغير حماس ،مع "تعليق" :صح النو"م ! ثم أسنر لي بأن هناك اتفاق مع آخرين لعمل فيلم عن "القدس". واعتذر عن إبداء أي تفاصيل. ولم ألبث أن سمعت تلك الشائعة من بعض المصادر الخرى. وعندما صدر لي التصريح المؤقت من السطات السرائيلية بالعبور إلى "را"م ا" ،صادف أن سافرت برفقة صديقي الفنان التشكيلي "إبراهيم المزين" .وكان أن اتجهنا فور وصولنا مباشرة ،لسبب في نفس "إبراهيم" ،إلى المقهى الذي يمتلكه المخرج "رشيد المشهراوي" ،الذي تربطه به علقة صداقة .هناك أحسست بفتور مقابلة "رشيد" لي على غير عادته .وعندما أبديت دهشتي لبراهيم ، أسر لي عندها بأنه كان يعلم عن إتفاق الوزارة معه على إخراج فيلم "القدس". عدت إلى القاهرة وأنا أتمسك بأهداب المل في أن يفي وكيل الوزارة الصديق "يحيى يخلف" بوعوده. *
*
*
بالرغم مما أوتيت به )في مجال تخصصي( من العلم) ،وفي تجارب الحياة بشكل عا"م( من الخبرة فلقد انزلقت ،وهذا اعتراف مني بذلك، في حفرة حسن الظن. 177
وهي تجربة أثبتت أنني لم أستطع أن أميز أداء ذلك "الرجل" حينما "انفعل" في أحد المواقف وطلب مني أن أبدأ في التحضير لفيلم روائي عن "القدس" ،مع وعده القاطع بأن "يخلق" للفيلم تمويل. وتذكرت يو"م أن وقع الوزير على ورقة تسميني مخرجا للفيلم التسجيلي عن "القدس" ،وهو نفس اليو"م الذي كان ينتظر فيه حضور صديقي المخرج "ميشيل خليفي" من باريس للتفاق معه على إخراج الفيلم ذاته ،كما أكد لي شقيقه "جورج خليفي" بعد ذلك. وتذكرت نصائح البعض بأن ل أصدق كل"م الوزير. وتذكرت إشارتهم )مازحين( بالتشهير بي لو تقاعست عن هذه المهمة. وكأنما كانوا على يقين بأنهم بتكليفي بتلك المهمة )التي لن أنجزها حسب توقعهم( ،سوف يكونون قد قاموا بما يسمى "رفع العتب" عليهم حينما يستنكرالبعض تكليفهم لغيري بمهمة إخراج هذا الفيلم أو ذاك. وتذكرت محاولتهم المتكررة لستقبال كاتب السيناريو"فايزغالي" بمفرده ،لول إصراره على عد"م جدوى وجوده بينهم بدون "المخرج" ..الذي هو العبد الفقير! وتذكرت الحديث الذي نقله لي الصديق د .محمد البطراوي ،والذي دار بين وكيل وزارة الثقافة ،الصديق يحيى يخلف ،والمسئول المالي في الوزارة ،وهو ما عدت وسمعته من أطراف أخرى ،حيث كان الخير يحاول إقناع "يحيى يخلف" بأن يعمل على تأ جيل تنفيذ مشروع فيلم القدس بعض الوقت ،بحيث يتولى إخراجه إبن "يحيى يخلف" الذي يدرس السينما في القاهرة ،والذي سرعان ما ينهي دراسة الخراج السينمائي .و"خملي زيتنا في دقيقنا"!! صفدق ..أو ل تصفدق! كما تذكرت تفاصيل تشي بإحساسهم بالوقوع في المأزق وهم يجدون أنفسهم في مواجهة كاتب سيناريو معروف يأخذ المور بنفس الجدية التي تم بها إتفاقه مع تلفزيون جمهورية مصرالعربية حينما كانوا يتفاوضون معه على كتابة فيلمه الشهير "الطريق إلى إيلت".
*
* 178
*
هل قلستــــــــها..؟ طال بي التحديق في الصفحة البيضاء ،أقصد في الشاشة البيضاء، بعد أن قمت بالضغط على أزرار جهاز الكومبيوتر ،الخاصة بتدوين تاريخ اليو"م الذي تجري فيه الكتابة6/6/1999 .. ماذا أكتب؟ عدت للتحديق في التاريخ المكتوب. إنه اليو"م الذي غادرت فيه بيروت ،قبل سبعة عشرعاما ،عا"م ! 1982 أخذت الذكريات تنثال في خاطري .أعادتني إلى أيا"م مضت .أيا"م بيروت ،الكثر رقة وبهجة بالرغم من كل قساوتها. أيا"م كنا نطل باشتياق ولهفة وأمل إلى المستقبل ،تماما كما كنا نطل من أعالي الجبال الحدودية في الجنوب اللبناني إلى ..أراضي فلسطين. مازل ن ت تردد" :ترونها بعيدة ونراها قريبة".. وهأنا -يا سيدي "الرئيس" -أراها تمعن في البعد. ل ..لست متشائما! ولكنني كنت أكثر تفاؤل أيا"م كن ن ت لنا " ..الخ"" ..القائد".. أيا"م كن ت ت ،أو غيري ،في بيروت ،ل نحتاج سوى أن نقطع المسافة على أقدامنا لنصل إليك في دقائق. كانت البواب مشرعة .وكن ن ت لنا حقا م " ..الخ القائد ".. لم أكن أنا يوما من طارقي أبوابك ،أو المترددين على أعتابك .وأنت تعرف أنني لم أكن كذلك إل لنني كنت على يقين من أن دوري إنما هو تكملة لدورك ..ل يتعارض معه. ولم يكن لسلوكي ،الذي أعرف أنك كنت تعرف منطلقه ،ما يفسره إل إحساسي بالندية -إزاء كافة "الخوة" و "الباء" -وبأن أحدنا ل يقل عن الخر وطنية ،أو إخلصا و ولء للقضيه. 179
كان ذلك أيا"م كنت لنا" ..الخ"" ..القائد".. لكنك الن -يا سيادة الرئيس -أصبحت بعيدا ممعنا في البعد. أصبحت المسافة التي كنا نمشيها على أرجلنا لمدة دقائق تكلفني أياما طويلة ،بل أسابيعا ،أقضيها ،أو يقضيها غيري ،منتظرا السماح بمقابلتك. ويبدو لي أنها ستكون المرة الخيرة. ل..ل تظنني أصدق أنها تعليماتك أنت. إنهم -يا سيادة الرئيس" -قت م طاع الطرق" ،الذين يقيمون حولك ما يشبه الجدار. قلتن لي يومها بصوت واهن مرهق ،وشفتين مرتعشتين: ..كيف حالك يا غالب؟أشفقت عليك .كتمت همومي التي كنت أنوي البوح بها إليك ،بالرغم من أنها لم تكن أبدا هموما شخصية. شكرتك ومضيت.
*
*
*
سألني صديقي ،د .محمد الديب ،في صباح اليو"م التالي عن نتيجة مقابلتي للرئيس .سكت ت ت .لم انطق بكلمة. كأنه فهم .قال لي وفي حلقه غصة: ..الهم من كل شيء ،يا صديقي ،أن يكون النسان راض عننفسه .ول أخفيك أنني بدأت أفكر في أن أحذو حذوك ..حماية لكبريائي. وعندما لمح نظرة التعجب التي ارتسمت تلقائيا على وجهي ..أضاف: ..صحيح أنني لم أبلغ سن "التقاعد" بعد ،ولكن هناك ما يسمى بـ"التقاعد المبكر" .فليس هناك ما يشجعني على النتظار. ثم أكمل كمن يحدث نفسه ،أو يستظهر قول مأثورا : .. ..تخضع العلقات والدوافع النسانية إلى تغيرات في الوتعيشّيؤ" ،أو كيف يفرضها ذلك الذي أسماه جورج لوكاش بـ "التَ َ 180
تتحول جميع المور ،وكل التجارب النسانية إلى أشياء ..إلى سلع قابلة للمساومة ..والبيع. وعاد وكأنه يستأنف حديثه معي ويختمه قائل: ..أما وقد أيقن تت أنك قد عرفت ما يجري من وراءك بشأن مشروع فيلم القدس ،فأنا ل أرى ما يستوجب الستمرار في إخفاء ما سمعته عن "فلن" ،المسئول المالي ،الذي كان يلح مقترحا على وكيل الوزارة ،صديقك ،أن يتولى إبنه ،الطالب في معهد السينما ،إخراج الفيلم! يا للسخرية! فلقد كنت على وشك أن أقترح عليك أن تتخذ منه، بعد تخرجه ،مساعدا ،لعل في ذلك ما يتيح له بعض الخبرة العملية. هكذا يا صديقي تتحول كل المور ،والمصيرية منها ،إلى أشياء! ثم عادت إلى وجههه ابتسامته العذبة ،وكأنه أشفق أن ينهي حديثه بما يضاعف الحساس الحزين بالتشاؤ"م .فما لبث أن عاد ليردد إحدى مقولته الموروثة ،محاولة منه لشاعة شيء من المرح بسخرياته.
*
*
181
*
182
الَعـــــدود أحمـــــد!..
وهأنا أعود إلى القاهرة ..حماية لكبريائي. قدماي فقط ،هما اللتان تغادران أرض الوطن. أما قلبي وعقلي ووجداني فسوف يظلوا متشبثين بها رغما عن كل الظروف ،لنها طبيعة المور. في القاهرة ،استطعت دائما أن أجد ما يساعدني على أن أتغلب على أحزاني والنتقال من حال إلى حال أفضل. هناك الصدقاء ،من مختلف المستويات .وهم من وجدت دائما في إبتساماتهم وتعليقاتهم المرحة بعض العزاء. هناك مكتبتي التي حرصت على إعادة تكوينها بعد أن فقدت مكتبتي مع بيتي في بيروت. هناك أحتمي بالقراءة من العزلة ،التي أدت بالبعض إلى الهذيان. هناك الكثير مما يمكن فعله بغرض الهروب مما فات ،والستعداد لستيعاب ما هو آت ،أو التصدي له. هناك جهاز "الحاسوب" الذي من ا به علينا. أحد المستحيلت الثلثة الذي بات ممكنا. "الخل الوفي" ،أنبل اختراعات العصر ،الذي ل يملمك ول يشكو من ما يعتريك من حالت .تجلس إليه ،طوال الساعات ،تبوح ،ويختزن ما ل تستطيع أن تقوله للخرين .تفر"غ في ذاكرته كل ما علق في ذاكرتك من خواطر أو ذكريات .
*
* 183
*
184
خــــــــــاتمه.. عد ت ت ،كعادتي ،لعبث بأزرار "الحاسوب" متصفحا بعض ما كنت قد دونت .قرأت في أحد الملفات: "من الشياء التي أوقن أنها "أكثرأهمية من أ ن يهملها المرء أو يتناساها" ،هي "محطات" الوقوف التي تشكل جزءا هاما من رحلة العمر .تلك الرحلة الطويلة في قطار يعج بالركاب .يتوقف في هذه المحطة أو تلك .ركاب يصعدو ن ،وركاب ينزلو ن .منهم من يترك تعلمة في ذاكرتك .ومنهم من ل تدري متى صعد أو متى نزل .منهم من لم يعرك اهتمامه .ومنهم من اتسعت ذاكرته لملمحك. منهم من نسيك .ومنهم من يتناساك. وعمن لي ،بعدما لمسته ،في زيارتي الخيرة لغزة ،من تغيرات في سلوك بعض الذين كانوا يمطرونني بعبارات الترحيب والسترضاء، أن أضيف إلى ذلك ما رأيت أن ل بد من إضافته: منهم الذي تعرف ،كا يقولو ن ،من أين تؤكل الكتف. ومنهم الساذج الذي كا ن يتوسم فيك أ ن تغدو من رجال وزارة الثقافة ،فيعمل لغده بأ ن يبالغ في إظهار تقديره لمواهبك! ومنهم الريب الذي تعرف أ ن أمثالك من الحالمين ل لهم في "سدة الحكم" ،ول في طابقه الرضي، مكا ن ول حتى في "بدرومه" .فل داتعي لضاتعة الوقت في مجاملتهم أو في استرضائهم.
*
*
*
كثيرا ما يكون الجلوس إلى جهاز الكومبيوتر بمثابة الجلوس على كرسي العتراف ..يؤدي إلى التطهر ،وراحة الضمير؟ 185
أؤكد ،بالرغم من عد"م رضائي عما أنا فيه الن ،بأن ضميري ل يثقله ما يستدعي العتراف ،بقدر ما يجعلني أتساءل: ما الذي جنيته حتى أؤذى على هذا النحو الذي جرى؟! هل أنا أخطأت عندما كنت أومن بأن السينما هي اللغة التي يمكن بواسطتها أن نروي للعالم روايتنا ،لنها تعتمد على الصورة لغة سهلة الفهم لجميع الشعوب ،ولذلك فقد قررت ،بعد أن أيقنت من خلو ساحتنا قمن نمن هم متخصصون في هذا المجال ،أن أتحول من مهندس معماري إلى مخرج سينمائي؟ ذلك ،كما سبق وأن قلت ،بإلحاح من المسئولية القومية والوطنية التي كانت تحتم علينا العمل على الوصول إلى أسلوب لمواجهة القهر الذي يتعرض له الفلسطيني. هل أنا أخطأت عندما أخذت على عاتقي وحملت نفسي ،بالتعاون مع غيري من الزملء ،مسئولية محاولة وضع "السينما" في مكانها الصحيح في معادلة الثقافة الفلسطينية؟ هل أنا أخطأت عندما اخترت التفر"غ للعمل في بيروت ،وتركت القاهرة وأنا على عتبات النجاح والتميز ،الشيء الذي يسعى إليه كل من يعمل في مجال الثقافة والفنون؟ هل ما أنجزته في "بيروت" أو "تونس" أو "را"م ا" يعادل ما قد حققته ،أو ما كان يمكنني مواصلة تحقيقه في القاهرة؟ ول داعي للخوض في تجربة "الهجرة إلى الوطن" المؤلمة ذاتها.
* *
186
*
وهأنا أعود يا صديقي "أحمد عمرشاهين" ..لنستكمل معا تحويل الرواية ،التي ل بد أنك قد انتهيت من كتابتها الن ،إلى سيناريو ،كما اتفقنا ،لكي أقو"م بإخراجها ..ولوعلى الورق! ربما نضيف إليها ،إن فاتك ذلك ،فصل أخيرا يحكي عن بعض الذين حظوا بكل ما يحتاجونه ،والذين يستمتعون بالوفرة في كل شيء ،لهين باحثين بلهفة عن ما يزيدهم ترفا .وهم الذين يرفلون في "نعيم" الحكم الذاتي ..المحدود ..والمؤقت. نعيم هو بمثابة َددينس نـحـن رهائنه. ربما أستطيع ،الن ،أن أصف لك ذلك الشيء الذي كنا نقترب من الحديث عنه ،نسمع عنه بدون أن نجربه ،وهو شعور "الغربة في الوطن". ربما نعود للحديث عن حاجتنا الملحة الماسة إلى تعاملنا مع الواقع بقدر أكبر من الوعي ،إلى ممارسة الديمقراطية الحقيقية. ولكن ..هيهات أن يتأتى ذلك إل بمحاولة القضاء على أسباب الفشل وإتاحة الفرص للطاقات الجديدة .ذلك لن تفشي الولءات الشخصية، والمصلحة في تولي المناصب الدارية والتنظيمية ،وانعدا"م حساب الكفاءة ،واحترا"م الذات ،هي السباب بعينها. قد نجد من يجيبنا بأن تاريخ "فلن" يشهد له بأنه كان مقاتل فدائيا ومناضل يستحق هذا المنصب أو ذاك .فل نجد رداعلى ذلك سوى ما أقوله و ما يقوله الكثيرون: "هم تعلى راسنا من فوق .لكن مكافأة المناضلين و تكريمهم تكو ن في وضعهم في مكانهم اللئق المناسب ،وفي توفير سبل العيش الكريم لهم ،بدو ن أ ن نورطهم في إشغال مناصب ليسوا مؤهلين لها. وهل يليق بمن حمل سلح الثائر يوما أ ن تنتهي مهمته إلى حمل الحقيبة الخاصة بأبي فل ن؟!" قلنا ،فيما قلنا ،أن هزائمنا المتعاقبة هي دليل قاطع ساطع على عد"م صلحية بعض القائمين على أمورنا .وأنه طالما نحن غير قادرين على 187
صنع النتصارات والتقد"م ،فل أقل من أن نعمل على تجنب المزيد من الهزائم والتخلف. ولنا في التاريخ من الحكايات والطرائف ما يمكن أن نحتذي به ،إذ: يحكى تعن ملـــوك الخـــزر أ ن مدة مسلــكهم أربعو ن سنة ل تزيــــــــد، وإذا جاوزها أحدهم يوما واحدا ،قتلته رتعيته وقالوا: "هـــــذا قـــــد نقــــص تعقلـــــه واضــــطرب رأيــــه!" لكن ..ها هو "بيرتولد بريخت" يحاول أن يساعدنا على العبور إلى شاطئ التفاؤل ..فيقول: "ل ن المور قد أصبحت تعلى ما هي تعليه ،فإ ن المور لن تبقى تعلى ما هي تعليه".
*
*
188
*
خــــــــــاتمة ..مرة أخرى في نهاية شهر مارس ،2000كانت زيارتي الخيرة إلى غزة. كانت أسباب الزيارة هذه المرة عاطفية بحتة ..حيث كنت أتمتع في حينها بلقب "متقاعد"..أو " ..على المعاش"! دخلت مبنى وزارة الثقافة مبكرا ،وكلي شوق إلى رؤية الزملء والصدقاء .وبالذات د .محمد الديب ،الذي كنت أحمل له نسخة من كتاب حديث الصدور كان قد حدثني عنه وهو "صناتعة الهولوكوست" ،للمفكر اليهودي المريكي "نورما ن فنكلشتاين". وبشرى قرب صدور الترجمة النجليزية من كتاب "التطهير العرقي في فلسطين" لواحد من أهم "المؤرخين السرائيليين الجدد".. "إيل ن بابيه". لفت نظري خلو الغرفة الولى من أي من شاغليها .قلت في نفسي أنني ربما بالغت في التبكير بمجيئي. جلست إلى طاولته ،منتظرا حضوره ،وأنا أتخيل وقع المفاجأة عليه عندما يراني بانتظاره بعد غيبة ل بأس بها ،وعلى طاولته كتاب "صناعة الهولوكوست" الذي وعدته به. لكن انتظاري طال .تقاطر الزملء الواحد بعد الخر. ولم يحضر د .محمد الديب.
*
*
*
"تعندما كسرواباب شقته مع جمع من جيرانه)في (28/2/2000 وجدوه ..وكا ن ينام تعلى وجهه ويده تعلى قلبه". 189
جملة قرأتها في كتيب أصدرته وزارة الثقافة في حوالي 60صفحة، يحتوي على مراثي زملء الفقيد في الوزارة. وبعدها بأيا"م حضرت حفل التأبين الذي أقيم له ،حيث تتابع إلقاء كلمات مؤثرة من زملءه ،تشيد بالتزامه ..وعبقريته ..وسحرابتسامته )!( نفس الزملء الذين وصفوه في أيا"م ماضية بما أستحي أن أكرره من الوصاف. عدت لتكرار تساؤلي في نفسي: إن طال الزمان أو قصر فسوف يقف غيرنا ،ليشحذوا قدراتهم البلغية لرثاءنا وتعداد صفاتنا ومناقبنا ،بعد أن ينقضي المر .ثم يعود الجميع إلى هذا المكان أو غيره لسماع السؤال المتكرر إياه: هل يتعين تعلى الديب أو الفنا ن أ ن يرحل ،لكي تنهال تعلى قبره المدائح ،وقصائد الرثاء ،أو لكي نقول فيه كلمة حق؟! وهل تكفي الكلمات؟
*
*
*
أما في القاهرة ..وبعد مرور ما يناهز العا"م. فقد تواصل رنين التليفون في مساء أحد اليا"م بإلحاح. ليس من عادتي أن أترك أحدا ،مهما كان ،ينتظر طويل .جففت وجهي ويداي بسرعة ،والتقطت السماعة .جاءني صوت ل أعرفه: ..ألو ..الستاذ غالب؟ أنا جار الستاذ أحمد ..همو كلفني أتصلبحضرتك ..همو بعافيه شويه ..خود كملمه.. انتظرت طويل حتى جاءني صوت صديقي"أحمدعمرشاهين" ..واهنا متحشرجا: ..أنا تعبان يا غالب ..تعبان .. ..190
كانت الساعة تجاوز العاشرة مساء .وكنت أعرف عن حالت مرض السنكرالذي تنتاب صديقي منذ مدة طويلة .خطرت لي فكرة اللتجاء لمستشفى فلسطين ،حيث اهتموا بصديقي "عدلي فخري" بمجرد أن اتصلت بمديرالمستشفى .وحيث أشاروا علي بالتصال برقم 123 ليرسلوا له سيارة إسعاف تقو"م بنقله إلى المستشفى .كسبا للوقت. ..أعطيني جارك يا أحمد أكلمه!ألو..من فضلك ..أنا أعرف المكان ..ولكني ل أحفظ إسم الشارع أورقم البيت ،وأعتقد أنك ستكون أسرع مني في شرح كيفية الوصول إليه.ولذلك أرجوك أن تتصل برقم 123وتطلب سيارة إسعاف لنقل الستاذ أحمد إلى مستشفى فلسطين ..وأنا راح أنتظركم هناك. كانت سيارة السعاف أسرع مما كنت أتوقع. وجدت صديقي في "العناية المركزة" ،ومن حوله مدير المستشفى و بعض الطباء الذي حاولوا أن يطمئنوني عن حالته. لم يكن هناك إمكانية أو ضرورة لبقائي إلى جانبه. في الصباح الباكر من اليو"م التالي ،يو"م 16/10/2001 يقابلني موظف الستعلمات في المستشفى بلهفة: ..مش حضرتك اللي جيت امبارح عشان المريض اللي فيالعناية المركزة؟ أنا آسف أقول لك إنه ..تعيش إنت..
*
*
191
*
192
رحمهم ا.. أرى ،وأنا أدرك أنني وقعت في"شرك" تدوين تجربتي مع حلم "السينما الفلسطينية" ،وبالتالي مع بعض أولي المر وأصحاب القرار الذين كان لهم بطبيعة الحال دورا أساسيا ل يمكن إغفاله )سلبا كان أ"م إيجابا( ،أرى أن ل أترك الفرصة تفوت دون أن أسجل هذه الخاطرة التي ل تخلو من طرافة. فمن أمثالنا الفلسطينية الشعبية واحد يخطر ببالي ،فأبتسم ،أكثر من مرة في اليو"م الواحد ،وذلك بينما أنا أحاول أن ألملم شتات الذكريات عن هذه "التجربة" أو تلك. يقول هذا المثل الضاحك الباكي: ب ..إل "ختيار" ماتت أجياله. ول أكذب من "شاب" تغطر س وليس غريبا ول مستبعدا أن يممسني هذا المثل الشعبي. ألم أقض ،حتى الن ،أكثر من خمسين سنة من عمري )شبابي وكهولتي وقدرا ل بأس به من سنوات الشيخوخة( في الغربة ،متنقل من بلد إلى آخر؟ وهأنا الن ،بعد هذا العمر ،وأنا أستذكر وقائعا أراها على جانب من الطرافة )إن لم يكن الهمية( ،أكاد ل أسترجع تفاصيل واقعة منها وأتذكرأحد "أطرافها" إل ووجدتني أتمتم بيني وبين نفسي: "فلن الفلني" ..ا يرحمه! هل أتراجع عن فكرة الكتابة ،حتى أتجنب الغمزات واللمزات التي 193
)إذا ما قدر لسطوري هذه أن تتسرب للخرين يوما ما( سوف تضعني في مصاف "الشباب" اللي تغربوا ..والـ"ختياريه" اللي ماتت أجيالهم؟ أ"م أواصل روايتي؟ وليصدقني من يشاء ..وليغفر ا لمن يشاء. هذا ،وأكرر بأن محاولتي هذه لن تتجاوز حدود تسجيل "سيرتي الذاتية" كأحد الذين ساهموا بإخلص وبحهد متواضع في مسيرة "السينما الفلسطينية" ،إذ ربما ،كما أسلفت ،يستعين بها من هو أقدر مني على كتابة تاريخها. *
*
*
أحدهم قال لي مرة مازحا: ..سطجل "سيرتك" بيدك قبل أ ن تمتد إليها أيدي الخرين .فهناك منيستهويهم ويشغلهم "سيرة الناس" ..والعبث بها! *
*
*
خطر لي ،بينما أنا أضع اللمسات الخيرة لسيرتي الذاتيه ،في)،(22/11/2014 أن أدون أسماء من توفاهم ا من القارب والصدقاء والزملء ممن جاء ذكرهم وكان لهم حضور مؤثر في مجرى تلك اليا"م ،فكانت النتيجة: .1 .2 .3 .4 .5 .6
إبراهيم الصحن أبو الهول )هايل عبد الجميد( أبو إياد أبو خالد البطراوي أبوجهاد أبوعمار )ياسرعرفات( 194
.7أبوفؤاد الكرزون .8أحمد الديب د. .9أحمد فؤاد نجم .10أحمد عمر شاهين .11أحمد كامل مرسي .12أحمد مرعي .13أسماء الفغاني .14أمل دنقل .15إميل توما .16إميل حبيبي .17بروين شعث .18بهجت عثمان .19توفيق صالح .20توفبق شعث .21ثروت عكاشه د. .22جمال عبد الناصر .23جلل الغزالي .24حاز"م حلوه .25حسنيه شعث .26رأفت الميهي .27رجاء النقاش .28رشيده شعث .29رفيق الصبان د. .30زين العابدين الحسيني .31سامي السلموني .32سامي العلمي .33سعد أردش .34سعد ا شعث .35سعد لبيب .36سعيد أبو بكر .37سعيد مراد .38سلوى حجازي .39سها"م المهتدي .40سيد خميس 195
.41شادي عبد السل"م .42شفيق نور الدين .43الشيخ إما"م .44صلح الحسيني .45صلح جاهين .46صلح مرعي .47طاهر الدبا"غ .48عباس أحمد .49عبد الحليم حافظ .50عبد الرحمن شعث .51عبد الرحمن الطحاوي .52عبد الرحيم منصور .53عبد ا حوراني .54عدلي رزق ا .55عدلي فخري .56علي شعث .57عمار الشريعي .58غالب هلسا .59فاروق عبد القادر .60فايق اسماعيل .61فتحي فرج .62فخري الليثي .63فدوى طوقان .64كر"م مطاوع .65كمال بكير .66ماجد أبوشرار .67محمد الحته الغنيمي .68محمد حما"م .69محمد لطفي .70محمد سليم ياسين .71محمود أمين العالم .72محمود درويش .73محمود دياب .74محيي اللباد 196
.75مصطفى أبوعلي .76مصطفى درويش .77مطيع .. .. .78معين بسيسو .79نجيب محفوظ .80نسيبه شعث .81نور الدمرداش .82هبه عنايت .83ورده الجزائرية .84يحيى الطاهر عبد ا .85يوسف السباعي .86يوسف السيسي .86يوسف شعث *
*
-
197
*
198
خــــــــــاتمة ..مرة أخيــــــره!
حرصا مني على تجنب النهاية الكئيبة ،فكرت في البحث عن ابتسامة أختتم بها مدونتي هذه. لم يطل بحثي ،فسرعان ما أنقذني "حاسوبي" باثنتين من الحكايات التي دأبت على تسجيلها في أحد ملفاته الذي اخترت له عنوانا يقول: ابتسم من فضلك!
*
*
*
وزارة "أبو فل ن".. كثيرا ما يتداول الناس النكات السياسية التي تتشابه في كثيرمن الحيان ،بالرغم من اختلف اللغة ،والزمان ،والمكان ،بحيث نسمع النكتة الواحدة منسوبة إلى "تشيرتشل" مرة ،ثم إلى "بولجانين" مرة ثانية ،أو إلى "فيديل كاسترو" مرة ثالثة ..وهكذا! وفي هذا السياق تحضرني ،ونحن نتتبع أخبارتكوين أول وزارة للسلطة الوطنية، نكتة أجنبية قديمة كنت قد قرأتها .وهي ل تحتاج إل إلى بعض الرتوش لكي تصبح نكتة "محليه" ..تنطبق على أحوالنا.
النكتة الصلية رويت عن دولة "إسرائيل"! وقد وردت في كتاب اسمه "حكايات المس ،تاريخ اليوم" .وهو لكاتب نمساوي إسمه "جوتفريد هايندل" Gottfried Heindlيسرد فيه "طرائف" ساخرة جرت 199
عبر القرن العشرين يغلب عليها طابع النقد السياسي ،ونجد ترجمتها الحرفية فيما يلي ،فيما عدا بعض التعديلت المشار إليها:
بينما كا ن رئيس وزارة إحدى الدول الحديثة الولدة )دولة إسرائيل( منشغل في تكوين وزارته ،جاءه أحد أصدقائه يطالبه بإلحاح، وتعشم ،أ ن ستسند إليه وزارة" ..المناجم"! أجابه الرئيس: ولكن بلدنا يا صديقي ل تحتوي تعلى أي نوع من المناجم،ولن يكو ن لدينا ،لذلك ،مثل هذه الوزارة ،فكيف ستكو ن وزيرا لشيء غير موجود ؟! فيرطد تعليه الصديق العشما ن: إعل"م يا ولو ،يا " أبو ،"...مش صار عندك وزارة "سقافه و "ماحلها ..وإلها وزير ياما هنا ياما هناك؟!
*
*
*
أما "الحوارية" القصيرة الضاحكة ،التي قرأناها في طفولتنا في كتب المطالعة ،فقد خطرت لي عندما قرأت في شيخوختي خبر تولي "أبوفلن" رئاسة الوزارة ،مما حفزني على تدوينها ،وهي: سأل الصمعي غلما: أتحب أ ن يكو ن لك مال وأنت أحمق؟ ل! ولم ل؟ أخاف أ ن يجني تعلي حمقي جناية تذهب بمالي ..ويبقى تعليط حمقي! هناك من الحمقى من تبوأوا أعلى المناصب .ول يستبعد أن يجني عليهم حمقهم جناية تذهب بما لنتهم من مناصب ،ويبقى عليهم ،ليجنــــي تعلينـــــــا ،حمقهم! 200
*
*
*
وختاما ..أجدني وقد عدت ،من حيث ل أدري ،لستكمال مطالعة محتويات الملف الزاخر بالقراءات والتعليقات والخواطر ،وتدوين خواطر أخرى ل تقل أهمية عن ما فات: الخبير الهولندي "يان دي يونج" كان يروج للفكار السرائيلية حول القدس .ومن بينها بناء مدينة جديدة خارج نطاق "القدس الكبرى"، حول بلدة "أبو ديس" ،بحيث تصبح هذه المدينة الجديدة بديل عن القدس لتعتبر هي العاصمة الفلسطينية المرجموة. 80%من يهود "إسرائيل" يعيشون في %12من مساحتها فقط! .1 .2 .3 .4 .5 .6 .7
الـ "لءات السبع" التي تتردد على لسان "نتنياهو" دائما: لعودة إلى حدود ما قبل 5يونيو 1967 ل انسحاب من الجولن. ل انسحاب كامل من الضفة الغربية. ل تجميد لبناء المستوطنات. ل لتقسيم القدس. ل عودة للجئين. ل لدولة فلسطين.
اللوبي اليهودي في أميريكا نجح في إيجاد دولة يهودية بين العرب فيما فشلت 22دولة عربية في إيجاد لوبي عربي واحد في أميريكا! "حي أبوغنيم تم بناؤه بإسمنت "أبوتعلء" ،وبذلك تكو ن مستوطنة إسرائيلية قد درت أرباحا لهذه السرة الفلسطينية ،أسرة أبوتعلء ،كما أ ن هناك قصصا أخرى ل حصر لها". 201
جدعون عيشيت -يديعوت أحرنوت )(12/11/2004
عزا"م" ؟! صفر +صفر يساوي كا"م يا " م قالها "سعد زغلول" لعبد الرحمن عزا"م باشا حينما أخذ الخير يتكلم عن العروبة في مجلس النواب. والن ل يختلف المر كثيرا ،سوى أن عدد الصفار قد زاد.. وأصبح 23صفرا ..والنتيجة واحدة. و "سعد زغلول" ،بهذه المناسبة ،هو صاحب المقولة الشهيرة: "ما فيش فايده" )مجرد محاولة يائسة أخرى مني لستدراج البتسامة(. لوجازالتعبير بأن "الرؤية" عند النسان لها شرايين مسئولة عن تغذيتها ،لقلت عن "بعضهم" أنهم مصابون بقـ"تصلب في شرايين الرؤية". ما أشــبه مـؤتمرات القمـة العربيــة بمفهومنــا الخــاطيء لـــمعنى "الصيــــــانة" ،وهو بذل الجهود لصلح الخراب ،بدل من محــاولت التحصين ضد هذا الخراب قبــــل حدوثه! الجدى أن تساهم مؤتمرات القمة في زيادة حصانتنا ،وقدرتنا على تفادي المصائب قبل حدوثها .فسيدنا "نوح"بدأ في بناء سفيننة قبل هياج الطوفان. بئس البلد ذلك الذي ينتظر دائما نبيا لنقاذه! الجامعة العربية هي "مجموع الضعف العربي" وليس "مجموع القوة العربية" كما كان ينبغي أن تكون. قال "أرسطو": المستحيلت المحتمل حدوثها أفضل من الممكنات المستعصية. 202
وبإضافة متواضعة هي: ..أو الممكنات المشكوك في أمرها! يصبح الكل"م موجها إلــى فريــق المفاوضــين فــي أي "كــامب ديفيــد" أو "أوسلو" أخرى. "أرسطو" ..تلميذ "أفلطون" ..قال أيضا: "أحب أفلطون ..ولكن أحب الحقيقة أكثر!" إلخ ..إلخ.. يتسحاق شامير رئيس الوزراء السابق كان يقول: "اننا سنفاوض مئة سنة أخرى نكو ن خللها قد فرضنا تعلى الرض ما نريد .ا ن الحدود الحالية تكفي الجيل الحالي ،أما الجيال القادمة فهي بحاجة إلى حدود أخرى".
*
*
Word 2003
203
*
204
فهـــــــــــــــــــــــــــــــرس
الغلف ...هجرة إلى الوطن من أوراق مهاجر1............................. إهداء 3................................................................................ عودة5................................................................................. قراءات وخواطر قسيرة 9......................................................... عودة ..إلى الفنادق 17.............................................................. ....التحقيق 21....................................................................... سممه ما شئت 27...................................................................... العبور الثالث 31..................................................................... في أحد المرات 43................................................................... لم يكن يعرف 47 .................................................................... أفكار49................................................................................ حوار حول اإنسان و إبداعاته51................................................... وزير الثقافة69 ....................................................................... بقية حوار 75........................................................................1 عزائي 89.............................................................................. بقية حوار 93...................................................................... 2 فيلم روائي عن فلسطين 101.......................................................... الخبراء الجانب 109.................................................................. بقية حوار 109.......................................................................3 وأخيرا 123.............................................................................. صدق أول تصدق 127................................................................. معالجة لمشروع فيلم روائي 131.................................................... بقية حوار 153.......................................................................4 الفل"م السينمائية ..والموسيقى 157 .............................................. جدلية الصورة ..والكلمه 159 ....................................................... بقية حوار 163 ..................................................................... 5 205
على هامش الرحلة 177 .............................................................. شالو"م أخي 179 ........................................................................ ماذا بعد 183............................................................................. هل قلتها 187............................................................................ العود أحمد 191 ........................................................................ خاتمة 193............................................................................... خاتمة ..مرة أخرى 197.............................................................. خاتمة ..مرة أخيرة 201..............................................................
الفهرس 205 ....................................................و 208
206
207
208