(5) خلي الوفي أ

Page 1

‫غالب شعث‬ ‫)سيرة ذاتية‪(5-‬‬

‫ي‬ ‫خ‬ ‫خـلـــــــي الوفــــ ي‬


2


‫إهـــــــــــــــــــــــــداء‪..‬‬

‫إلى روح أخي "عابد"‪ ..‬أستاذي ومعلمي‪،‬‬ ‫الذي برع في التعبيرعن حبــــه لي بسخريــــــاتة اللذعة مني‪.‬‬ ‫عساي أن أنجح في التعبيرعن حبي وعرفاني له‪،‬‬ ‫ولو بالسخرية من نفسي!‬

‫‪3‬‬


‫"العـــــــــــــــــــــــودة" )!(‬ ‫‪4‬‬


‫أخيرا‪ ،‬في ‪ ،23/6/1995‬وبعد انتظار طال‪ ،‬جاءني الخبر اليقين على‬ ‫لسان مدير مكتب وزيرالتخطيط والتعاون الدولي في مكالمة تليفونية‬ ‫من غزة‪:‬‬ ‫"رقم الكومبيوتر الذي تصدره السلطات السرائيلية‪) ،‬والذي دأبت‬ ‫سلطتنا الوطنية على تسميته بـ"الرقم الوطني"( أصبح بانتظارك في‬ ‫معبر رفح‪".‬‬ ‫مرحى!‬ ‫إذن‪ ،‬هاهو "بصيص النور"‪ ،‬الذي كان يلوح دائما في "نهاية النفق"‪،‬‬ ‫يومض الن مقتربا!‬ ‫ولم يبق سوى أن ألقي وراء ظهري بكل مرارات الغربة والمنفى‪ ،‬وأن‬ ‫أنسى مشقة أن يكون المرء بل وطن‪ ،‬أو بل مكان"يعود" إليه‪.‬‬ ‫ألم أكن أردد دائما بأن ما يحتاج إليه أي إنسان‪ ،‬وأي شعب‪ ،‬لكي يستطيع‬ ‫أن ينممي فيه ذاته‪ ،‬ويصقل قدراته‪ ،‬ليمارس دوره الذي خلق من أجله‪،‬‬ ‫ببساطة وبعيدا عن كل الحذلقات و الرطانات السياسية‪ ..‬هو الوطن؟‬ ‫الماء والهواء‪ ..‬والوطن!‬ ‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫ت أحاول أن أجد تسمية مناسبة لتلك‬ ‫كثيرا ماكن ت‬ ‫"الوطان" المؤقتة التي تنقلت بينها‪ ،‬أو"تواجدت"‬ ‫فيها‪ .‬لكن ذلك لم يتوفر لي إل عندما‬ ‫عدت مضطرا إلى القاهرة‪ ،‬نتيجة للجتياح السرائيلي‬ ‫لبيروت عام ‪ ،82‬ليصادف انتشاراستعمال الكومبيوتر‪،‬‬ ‫الحاسوب الشخصي‪ ،‬و"العوالم الفتراضية" التي‬ ‫يساهم في خلقها ذلك الختراع‪.‬‬ ‫عندها جاهدت لكي يكون لي "حاسوبي" الخاص‪.‬‬ ‫وعندها وجدت التسمية‪" :‬وطن إفتراضي"‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫في ذلك الوطن الفتراضي‪ ،‬الذي كنت أنتقل لأتواجد فيه مرغما‪ ،‬كنت‬ ‫أشعر‪ ،‬في كل مرة‪ ،‬وكأني كنت أولد من جديد‪ ..‬ولدة قيصرية‪.‬‬ ‫كنت كثيرا ما أخالني أعيش فصول رواية من الجنس الدبي‬ ‫المسمى"اللمعقول"‪ ،‬أو"العبثي"‪ ،‬وتظل نفسي تراودني وتحدثني أنه‬ ‫ل بد من كتابة ولو "رؤوس أقل"م" لتلك الرواية‪ ،‬لعلي‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬أجد‬ ‫متسعا من الوقت لكتابتها‪.‬‬ ‫وبالفعل وجدتني أدون من يو"م لخر بضع كلمات أو خواطر‪.‬‬ ‫كأنما كنت أقارن بين ما كنت أرى‪ ،‬وما أشتهي أن أرى‪.‬‬ ‫ما قبل الهجرة‪ ..‬وما بعدها‪.‬‬ ‫أو ما قبل "بيروت"‪ ..‬وما بعدها‪.‬‬ ‫أو ما قبل "أوسلو"‪ ..‬وما بعدها‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫أستعيد اللحظات المتفائلة التي مرت بي أثناء "زيارتي المؤقتة"‬ ‫الولى للوطن في أبريل ‪ ،95‬والثانية في نوفمبر من نفس العا"م‪.‬‬ ‫تلمع في خاطري ومضات ممتعة من ذكريات ما مللت من استرجاعها‪،‬‬ ‫عن أيا"م قضيتها في أحضان الوطن وأهله‪ ،‬تتخللها بقع داكنة من‬ ‫أحاديث بعض الذين سبقوني بالعودة بعد أن نالوا شرف الحصول على‬ ‫ذلك "الرقم السحري"‪.‬‬ ‫وسرعان ما تصطد"م ذاكرتي بتفاصيل رواياتهم عن بوابة العبور وذلك‬ ‫"التحقيق" الذي خضع إليه الكثيرين منهم عند مرورهم من "المعبر"‪،‬‬ ‫"معبر رفح"‪ ،‬كأول إجراء إسرائيلي أمني‪.‬‬ ‫أزيح هذه الخاطرة المزعجة جانبا‪ .‬أؤجلها‪.‬‬ ‫أجلس‪ ،‬كعادتي‪ ،‬إلى رفيـقي و"خلمــي الوفــي"‪" ،‬ثالث المستحيلت"‪،‬‬ ‫الذي غدا من الممكنات‪ ،‬لسجل هذا الحدث التاريخي‪ ،‬وأترك العنان‬ ‫لخواطري‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫قد أجرؤ على الدعاء بأنني أسلك الطريقة الجديدة للكتابة‪ .‬وهي ما قد‬ ‫يسمى بآلمية "الكتابة الرقمية" الخذة في النتشار‪ .‬فبالرغم من حديث‬ ‫بعض الكتاب عن العلقة العاطفية الخاصة‪ ،‬التي ل فكاك منها ول‬ ‫تنفصم عراها كما يقولون‪ ،‬بينهم وبين القلم والورقة‪ ،‬إل أنني‪،‬‬ ‫باعتباري لست "كاتبا" محترفا تعتريه حالت الكتابة‪ ،‬لم أجد ضيرا في‬ ‫استبدال القلم بلوحة الحروف‪ ،‬الـ"كي بورد"‪ ،‬بما في ذلك من استغللل‬ ‫أو استثمالر لكل إمكانات هذا الكائن‪ ،‬الحاسوب‪ ،‬لمواصلة تدوين سيرتي‬ ‫الذاتية‪ .‬وهي‪ ،‬والحق يقال‪ ،‬إمكانات غير محدودة‪ .‬تبدأ بالتخزين‪،‬‬ ‫وحفظ مئات الصفحات‪ ،‬ول تنتهي عند الضافة أو الشطب‪ ،‬أو تغيير‬ ‫موقع تلك الجملة‪ ،‬أو المعلومة‪ ،‬أو الفقرة‪ ،‬أو الصفحة‪ ..‬إلى موقع آخر‬ ‫في "مل م‬ ‫ف" آخر‪.‬‬ ‫إلى غير ذلك من المكانيات‪.‬‬ ‫ولقد تعودت على مجالسة "خلمـي الوفي" كلما عن لي خاطر أو ذكرى‬ ‫تستحق التدوين‪ .‬على أن تأتي بعد ذلك مرحلة التبويب حسب الزمان‬ ‫والمكان والمضمون والهمية كلما تراكمت الذكريات والخواطرالتي تم‬ ‫تدوينها‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫تداعب أصابعي‪ ،‬بين حين وآخر‪ ،‬أزرار الـ"كي بورد" لجدني أتجول‬ ‫بين الملفات المختلفة المختزنة في ذاكرة رفيقي "الحاسوب"‪ ،‬لينداح على‬ ‫أديم الشاشة سيل من الفكار أو التعليقات أو الملحظات‪ ،‬التي اندرجت‬ ‫تحت عنوان فرعي هو‪" :‬قراءات وخواطر قصيرة"‪.‬‬ ‫سطور كنت دائما ما أقو"م بتسجيلها وتخزينها في حينها عساي أن أحتاج‬ ‫إليها في حين آخر‪ .‬وهي عادة كانت قد تمكنن ت‬ ‫ت مني منذ أن تمكتن ت‬ ‫ت‪ ،‬عا"م‬ ‫‪ ،1991‬من أن أضم أول "حاسوب" إلى مقتنياتي الخاصة‪ .‬ذلك عندما‬ ‫اكتشفت فيه‪ ،‬إضافة إلى مزاياه العديدة‪ ،‬معينا مخلصا لذاكرة الشيخوخة‬ ‫الخؤون!‬ ‫ولقد دأبت على الرمز لتلك "القراءات" برسم الكتاب‬ ‫أما "الخواطر" أو"التعليقات" فرأيت أن أميزها برسم القلم‬ ‫‪7‬‬


‫وما أسهل أن أضغط على بعض الزرار بتتابع معين‪ ،‬لأستدعي هذا‬ ‫الملف أو ذلك‪ ،‬فتكون النتيجة سطورا أو فقرات متتابعة عشوائيا‪ ،‬تنهال‬ ‫كما هي‪ ،‬بدون تسلسل معين‪ ،‬على شاشة الحاسوب فل أرى حرجا في‬ ‫إعادة مطالعتها أو استعراضها‪ .‬وسرعان ما أقو"م بشطب بعض‬ ‫السطور لسذاجتها‪ ،‬أو لسذاجتي إذ كنت قد دونتها‪ ،‬أو أبقي على ما أرى‬ ‫له أهمية‪ ،‬أو أضيف إليه‪ ،‬أو أقو"م بنقله إلى موضع آخر في مل ف‬ ‫ف آخر‪.‬‬ ‫*‬

‫*‬

‫‪8‬‬

‫*‬


‫قراءات وخواطر قصيرة‬

‫في البدء تكون المعلومة‪..‬‬ ‫ومن تراكم المعلومات وتفاعلها تكون المعرفة‪..‬‬ ‫والمعرفة شرط أساسي لتخاذ القرار‪.‬‬ ‫معنى هذا أن "ثورة المعلومات" التي نعيش في عصرها الن سوف‬ ‫تؤثرعلى قرارات الدول‪ ،‬وتصبح المعلومة هي مصدرالثروة‪،‬‬ ‫ومصدرالقوة‪.‬‬ ‫وسوف نتعود قريبا على سماع اصطلح "حرب المعلومات"‪ ،‬أو‬ ‫"المعلوماتية"‪ ،‬إلى جانب "حرب النجو"م" أو "حرب المياه"‪.‬‬ ‫أي أن مصيرالعالم قد أصبح الن في أيدي العارفين‪ ..‬أو الكثرمعرفة‪.‬‬ ‫منذ موت إبن خلدون)‪ (1406‬وانتهاء مساهمة العرب والمسلمين‬ ‫في إنتاج المعرفة النسانية ونحن ماضون في استهلك معارف‬ ‫الخرين‪.‬‬ ‫في بداية الستينيات‪ ،‬أثناء دراستي في "فيينا"‪ ،‬كان الخطاب الشائع‬ ‫في إعلمنا العربي‪ ،‬الكرنفالي‪ ،‬الذي‪ ،‬حسب وصف بعض اصحاب‬ ‫القل"م اللذعة‪ ،‬يثرثر ول يؤثر‪ ،‬يدور حول ما كان يسمى "إسرائيل‬ ‫المزعومة" و "عصابات الصهاينة" التي شكلت جيشها‪.‬‬ ‫في ذلك الحين‪ ،‬أتيحت لي‪ ،‬ولول مرة‪ ،‬قراءة مذكرات عراب‬ ‫الصهيونية النمساوي "تيودور هيرتسل"‪ ،‬بلغته الصلية‪ ،‬وأشياء‬ ‫أخرى كنت أعثرعليها لتضيف إلى معرفتي معارف أخرى‪ .‬منها‪ ،‬على‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬خطاب "ناحو"م جولدمان"‪ ،‬رئيس المؤتمر اليهودي‬ ‫العالمي)الوكالة اليهودية( قبل إنشاء "إسرائيل" الذي كان يؤكد فيه أن‪:‬‬ ‫‪9‬‬


‫"إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين ليس لتعتبارات دينية أو‬ ‫اقتصادية بل ل ن فلسطين تقع في ملتقى الطرق بين آسيا وأفريقيا‬ ‫وأوروبا‪ ،‬وبذلك تكو ن هي المركز العسكري الستراتيجي للسيطرة‬ ‫تعلى العالم لنها مركز القوة السياسية العالمية الحقيقي‪".‬‬ ‫من أهم أهداف النتداب البريطاني‪ ،‬عا"م ‪ ،1921‬تسهيل‬ ‫الهجرة اليهودية من أنحاء مختلفة من العالم إلى فلسطين‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تسهيل نقل ملكية الراضي الفلسطينية لليهود المهاجرين إلى فلسطين‬ ‫ارتفع عدد اليهود في فلسطين‪ ،‬فترة النتداب البريطاني )‪192‬‬ ‫‪ ،(1948 -1‬من ‪ 50‬ألف إلى ‪ 600‬ألف!‬ ‫إل أنهم لم يتمكنوا سوى تملك ‪ %5,6‬من الراضي الفلسطينية‪.‬‬ ‫حكا"م بريطانيا وصفوا الفلسطينيين بـ"الجماتعات غير‬ ‫اليهودية"‪ ،‬كما جاء في رسالة "بلفور" الشهيرة التي أعطت اليهود‬ ‫حق إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين‪ .‬هذا‪ ،‬بينما كانت هذه‬ ‫"الجماتعات" العربية تشكل ‪ %93‬من سكا ن فلسطين )!(‬ ‫اللواء العبري في الجيش البريطاني كان يعد ‪ 30‬ألف جندي‬ ‫انضم إلى المنظمات الرهابية المختلفة ليصبح عدد القوات المسلحة‬ ‫العبرية ‪ 106‬ألف مقاتل!‬ ‫هذا بينما كان مجموع أفراد الجيوش العربية التي شاركت في حرب‬ ‫عجبي!(‬ ‫)‬ ‫‪ 48‬ل يتجاوز ‪ 31‬ألف جندي!‬ ‫إذا كانت الجمعية العامة للمم المتحدة‪ ،‬التي أصدرت قراراتها‬ ‫بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين‪ ،‬توافق على تسمية إحداهما "دولة‬ ‫يهودية"‪ ،‬فلماذا لم تطلق على الدولة الخرى ‪-‬شقيقتها المقترحة‪-‬‬ ‫"دولة إسلمية"؟‬ ‫‪10‬‬


‫دولة "إسرائيل" قامت على تلك الفرضية المضللة وهي أن‬ ‫يهود العالم يتطلعون إلى العودة إلى وطنهم الصل‪.‬‬ ‫وبعد أكثرمن خمسين عاماعلى قيامها وإعلنها وطنا لكل يهود العالم‪،‬‬ ‫ما زال غالبية اليهود يعيشو ن خارج الدولة اليهودية‪ ،‬وما زال تعداد‬ ‫يهود الوليات المتحدة الميريكية يزيد على تعدادهم في دولة‬ ‫"إسرائيل" نفسها‪ ،‬بالرغم من كل النداءات والغراءات‪ ،‬و‪.‬بالرغم من‬ ‫"قانون العودة" السرائيلي الذي يبيح لكل يهودي في أي مكان في‬ ‫العالم أن "يعود" إلى "أرض الميعاد" ويتمتع بالجنسية السرائيلية مع‬ ‫كامل حقوق المواطنة‪.‬‬ ‫هذا‪ ..‬مع العلم بأننا‪ ،‬منذ إعلن الدولة الصهيونية وحتى اليو"م‪ ،‬ما زلنا‬ ‫نرى ونسمع عن ما سمي بـ ‪" ..‬الهجرة المعاكسة"‪.‬‬ ‫ماالذي تخشاه إسرائيل من تطبيق قرارات الشرعية الدولية‬ ‫بعودة اللجئين الفلسطينيين؟!‬ ‫هل يعني هذا أن حكا"م إسرائيل على يقين من أن الفلسطينيين أكثر ولء‬ ‫لوطنهم الصلي من اليهود‪ ،‬وأنهم أكثر منهم تطلعا إلى العودة إليه؟‬ ‫يبدو‪ ،‬بل المؤكد‪ ،‬أن "حق العودة" للفلسطينيين يمثل في اللشعور‬ ‫السرائيلي إيذانا بنهاية دولتهم‪.‬‬ ‫يقول الحاخا"م الكبر د‪.‬ج‪.‬هـ ‪ .‬هيرتس في ص ‪ 216‬من كتابه )في‬ ‫الفكراليهودي( عن اليهود‪:‬‬ ‫"لقد هاجنمتهم جميع المم المسيحية فأشبعتهم شتما وامتهانا واحتقارا‬ ‫وسلبا ونهبا‪ ،‬ولقد طردهم إدوارد الخامس من انجلترا ‪ ،‬وشارل‬ ‫السادس من فرنسا‪ ،‬فلم يجدوا ملجأ إل الندلس حيث احاطهم أمراء‬ ‫السل"م بعطف خاص‪ .‬ولكن في ساعة نحس وشؤ"م اكتسح الصليب‬ ‫الهلل‪ ،‬واحتل مكانه على قمة "الحمرا"‪ ،‬فهد"م هذا الملذ الوحيد‪،‬‬ ‫وخفت مصباح التسامح الديني في إسبانيا‪ ،‬إذ تقررإخراج اليهود منها‬ ‫‪11‬‬


‫من بعد ما واجهوا عمليات البادة على يد محاكم التفتيش سنة‬ ‫‪"..1492‬‬ ‫هذه شهادة بأن "معاداة السامية" عبارة عن صناعة إسرائيلة‬ ‫تماما مثل "صناتعة الهولوكوست" ** ليصبح هذا التها"م آلية قوية‬ ‫لسكات أي معارضة لسياسة إسرائيل القمعية‪.‬‬ ‫يشيع البعض أن هناك من المفكرين أو الكتاب السرائيليين من هم‬ ‫"دعاة سل"م" وأصحاب مواقف مؤيدة للحق العربي‪ ..‬مثل "عاموس‬ ‫عوز" مثل‪.‬‬ ‫ثم نجد "عوز" هذا يقول في روايته "في مكان آخرأسود ربما"‪،‬‬ ‫‪":1969‬لمدة ألف تعام كا ن هذا المكا ن قفرا‪ ،‬إلى أ ن جاء مستوطنونا‬ ‫الوائل ونصبوا خيامهم فجعلوا الصحراء تزهو بأحدث الوسائل‬ ‫الزراتعية‪"..‬‬ ‫كلهم يرددون نفس الكذوبة‪ ..‬صقورا كانوا‪ ..‬أو حمائم‪.‬‬ ‫جاء في حديث المؤرخ البريطاني "هنري بريستد" في كتاب‬ ‫"العصور القديمة" عن الكنعانيين العرب قوله‪:‬‬ ‫"في ذلك الحين ‪ -‬أي عند مجيء اليهود إلى أرض كنعان‪ -‬كان لديهم‬ ‫)الكنعانيين العرب( حضارة عمرها ‪ 1500‬سنة‪ .‬ومدنا تضم بيوتا ا‬ ‫مريحة‪ ،‬وحكومة‪ ،‬وصناتعات‪ ،‬وتجارة‪ ،‬وكتابة‪ ،‬وديانة‪".‬‬ ‫الصحراء كانت بلقعا "ل زرع فيها" و"ل يعيش فيها أحد"‬ ‫هي كلها عبارات توراتية استعاروها واستغلوها ليصفوا بها أرض‬ ‫فلسطين‪ ،‬بينما كان يقصد بها صحراء سيناء‪.‬‬ ‫__________________________________________‬ ‫)**(‬

‫تعنوا ن كتاب الباحث اليهودي الميريكي "نورما ن فنكيلشتاين"الذي يفند فيه مزاتعم الصهيونية‬

‫‪12‬‬


‫أما عبارة "وكا ن الكنعانيو ن حينئذ في الرض" التي تكرر ورودها‬ ‫في سفرالتكوين من"العهد القديم"‪ ،‬فقد تجاوزوها لنها تدحض حججهم‬ ‫ول تخد"م أغراضهم‪.‬‬ ‫لماذا نستغرب من دعم أميريكا لسرائيل وسكوتها عن‬ ‫تجاوزاتها؟ أليست أميريكا نفسها دولة قامت على مبدأ الستعمار‬ ‫الستيطاني الحللي‪ ،‬القائم على إبادة أصحاب الرض الصليين؟!‬ ‫ألم تبرهن أميريكا أنها "القدوة" وصاحبة الخبرة والسبق في إبادة‬ ‫الشعوب‪ ..‬الهنود الحمر مثل؟!‬ ‫مشروع "شيمون بيريز" لشرق أوسط جديد يتلحص في‪:‬‬ ‫‪ .1‬رؤوس أموال عربية‬ ‫‪ .2‬يد عاملة مصرية )عربيه(‬ ‫‪ .3‬ذكاء إسرائيلي‬ ‫في "الموساد"‪ ،‬مثل غيرها من أجهزة المخابرات في "الدول‬ ‫الكبرى"‪ ،‬إدارة إسمها "إدارة الحـرب النفسـية"‪ ،‬مهمتها تعكيرالمياه!‬ ‫سدد"!‬ ‫وشعارها الحكمة ال ستعمارية القائلة‪"..‬فررق ت س‬ ‫"قانو ن جيسو"‪ ..‬صدرفي فرنسا عا"م ‪1990‬ونصت المادة‬ ‫‪ 24‬منه على تجريم ما أسمته بالتشكيك في ما انتهت إليه‬ ‫محاكم"نورمبرج" من تحديد عدد ضحايا النازية من اليهود بـ ستة‬ ‫مليين يهودي‪.‬‬ ‫وحينما نال باحث ومؤرخ فرنسي يدعي "هنري روك" في منتصف‬ ‫الثمانينات درجة الدكتوراه في جامعة "نانت"عن رسالة يناقش فيها‬ ‫وثائق الضابط النازي "جرنشتاين" واعترافاته‪ ،‬ويفندها أكاديميا في‬ ‫مجال بحث ومناقشة النصوص التاريخية‪ ،‬ثارت ثائرة اليهود واللوبي‬ ‫الصهيوني في فرنسا وجندوا وسائل العل"م الضخمة التي يهيمنون‬ ‫‪13‬‬


‫عليها لمهاجمة "هنري روك"ووصمه بمعاداة السامية‪ .‬وحوكم المؤرخ‬ ‫الفرنسي‪ ،‬وسحبت منه درجة الدكتوراه‪ ..‬بفعل قانون"جيسو"!‬ ‫المادة الخامسة من الفقرة الثالثة من إتفاقية أوسلو ‪1993‬‬ ‫تنص على أنه بعد خمس سنوات من العمل على "رتعاية المن‬ ‫السرائيلي وضمانه" توضع المطالب الفلسطينية على مائدة‬ ‫المفاوضات استعدادا للحل النهائي )مشكلة القدس ومصيراللجئين و‬ ‫مستقبل المستوطنات(‪.‬‬ ‫وفقا لنسخة من "التفاقية" أذاعتها الخارجية السرائيليه‪ ،‬ورد‬ ‫في تقرير "للسوشييتد برس" في أكتوبر ‪ 1995‬أن‪:‬‬ ‫السرائيليون يحتفظون بثلثي الضفة الغربيه‪ ،‬باستبعاد المدن والقرى‬ ‫الفلسطينية المكتظة بسكانها‪ .‬ويشمل ذلك‪:‬‬ ‫الحدود على البحرالميت ونهرالردن‬ ‫‪‬‬ ‫و ‪ 128‬مستوطنة تضم ‪140‬ألف مستوطن‬ ‫‪‬‬ ‫ومساحة في بلدة الخليل يعيش فيها مستوطنون‬ ‫‪‬‬ ‫والمسجد البراهيمي‬ ‫‪‬‬ ‫والطرق التي يستخدمها الفلسطينيون‬ ‫‪‬‬ ‫والسرائيليون‬ ‫وحق إسرائيل في إعتقال الفلسطينيين في الضفة‬ ‫‪‬‬ ‫وقطاع غزه‪.‬‬ ‫اتفاقية تمنح إسرائيل حق السيطرة على معابرنا ومياهنا‬ ‫وسمائنا وتجارتنا‪ .‬وتوصيف الواقع الذي سوف يتاح لنا العيش فيه‬ ‫سجناء لنملك حق النتقال من غزة وإليها‪ ..‬ومن الضفة وإليها‪..‬‬ ‫منهما وإليهما‪ ..‬وفيهما‪.‬‬ ‫كأنما تريد إسرائيل أن تصبح مهمة السلطة الفلسطينية هي‬ ‫القيا"م نيابة عنها بفرض الرقابة البوليسية على الشعب الفلسطيني‪..‬‬ ‫‪14‬‬


‫وفرض الضرائب )التي تجنيها السلطات السرائيلية لترهق بها‬ ‫المواطن الفلسطيني ولتتولى صرفها أو حجزها كما تشاء(‪ .‬هذا إلى‬ ‫جانب حماية أمن إسرائيل‪.‬‬ ‫إذا كانت السيادة تقو"م على افتراض أن هناك حدودا راسخة‬ ‫بين الدول‪ ،‬فأين السيادة الفلسطينية )والعربية( في ظل وجود دولة‬ ‫مجاورة لم تعلن بعد تعن دستورها الذي من شأنه أ ن يعلن تعن‬ ‫حدودها‪.‬‬ ‫وما هو السر في استمرار إتعتراف هذا العدد الهائل من دول العالم‬ ‫بدولة إسرائيل بالرغم من كونها )دولة إسرائيل( دولة بدو ن دستور‬ ‫يحدد ويرسم حدودها مع الدول المجاورة لها؟!‬ ‫المفاوضات هي الفخ الذي نصبته أميريكا‪ ،‬بالتواطؤ مع‬ ‫إسرائيل‪ ،‬أوالعكس‪ ،‬كحلقة من سلسلة المحاولت لـ "كسب الوقت"‪،‬‬ ‫وخلق "أمر واقع جديد" و "حقائق جديدة" متعاقبة على أرض‬ ‫فلسطين‪ ،‬هذا إلى جانب محاولة تحسين صورة إسرائيل أمام العالم‬ ‫بتصويرها حريصة تعلى السلم‪ ،‬متسامحة‪ ،‬ومستعدة دائما للتفاوض‬ ‫ولتقديم التنازلت‪.‬‬ ‫هل في ذلك ما هو عصمي على الفهم؟!‬ ‫إلخ ‪ ..‬إلخ ‪ ..‬إلخ !!!‬

‫*‬

‫*‬

‫‪15‬‬

‫*‬


16


‫"تعودة"‪ ..‬إلى الفنادق )!(‬

‫هأنا‪ ،‬من بعد ما طال انتظاري‪ ،‬أحصل على "رقم الكومبيوتر" المجيد‪،‬‬ ‫الذي تمخضت عنه‪ ،‬أو أفرزته‪ ،‬إتفاقية "أوسلو" الكريمة!‬ ‫كان وزيرالتخطيط والتعاون الدولي‪ ،‬الذي اجتهد لمعرفة سبب خلو‬ ‫قوائم العائدين من إسمي‪ ،‬قد أسمر لي أنه قد تحدث بشأن "رقمي"‬ ‫الضائع مع السيد"إسحق رابين" شخصيا في الوقت الذي توقف فيه‬ ‫إصدار مثل هذه الرقا"م من قبل السلطات السرائيلية‪.‬‬ ‫حدثت نفسي قائل‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬لم يبق سوى أن تعلن السلطات السرائيلية عن ذلك بأن تعلق‬‫على المعابرالمؤدية إلى "غزة" أو إلى"الضفة" تلك اللفتة‬ ‫التقليدية‪"..‬كــــامل العــــدد"!‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫عرض علمي الصديق "أبو صالح"‪ ،‬العائد إلى غزة‪ ،‬مرافقتي له‪ ،‬حيث‬ ‫أنه قد اتفق مع سيارة أجرة تنطلق من القاهرة‪ ،‬عبر "معبررفح"‪ ،‬في‬ ‫صباح يو"م الربعاء ‪.4/9/1996‬‬ ‫‪17‬‬


‫كانت هناك سيارة في انتظارنا على الجانب الفلسطيني من المعبر‪.‬‬ ‫لكن إجراءات دخولي أنا استغرقت وقتا أطول مما كنا نتوقع فكان‬ ‫علي‪ ،‬بعد طول انتظار‪ ،‬النتظارلليو"م التالي لن ضابط المن المكلف‬ ‫بـ"التحقيق" معي قدغادرالمعبر‪ .‬فتم التفاق مع "أبوصالح" على أن‬ ‫يحتفظ بحقيبة سفري معه إلى أن أصل غزة‪.‬‬ ‫وبقيت‪ ،‬بحقيبة يد خفيفة‪ ،‬عالقا على الحدود أسترجع أيا"م الشتات التي‬ ‫تعودنا فيها على النتظار‪ ،‬وربما المبيت‪ ،‬في الموانيء البرية والبحرية‬ ‫والجوية على اختلف جنسياتها‪.‬‬ ‫كنت في هذه المرة أما"م خيارين‪ ،‬أحدهما العودة إلى القاهرة ومن ثم‬ ‫معاودة الحضور إلى المعبر في وقت مبكر من الغد‪.‬‬ ‫أما الثاني فهو قضاء الليلة في فندق ما بمدينة العريش القريبة‪.‬‬ ‫وانتهيت إلى الخيارالثاني‪ ،‬بالرغم من نفوري من العودة إلى المبيت في‬ ‫الفنادق‪ .‬وذلك تحسبا من تسديد قيمة فواتيرها الباهظة التي يتعيــن‪ ،‬هــذه‬ ‫المرة‪ ،‬على العبد الفقير ل تسديدها من جيبه البائس!‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫ها هي تجربة جديدة‪ ،‬من نوع جديد‪ ،‬تضاف إلى تجاربي التي تنافس‬ ‫إحداها الخرى في مقدار غرابتها‪ ..‬و كآبتها‪.‬‬ ‫حاولت جاهدا أن أخفي استفزازي من عد"م وجود"ضابط التحقيق"‬ ‫السرائيلي لحظة وصولي المعبر‪ ،‬علما بأننا وصلناه مبكرين‪ .‬و يبدو أن‬ ‫ذلك كان أحد "اللاعـيب" التي يحلولهم أن يمارسوها معنا‪ ..‬إمعانا في‬ ‫إذللنا‪.‬‬ ‫لم تستطع أن أستمر في تجاهل تلك الخاطرة التي ظلت تلح علي أن‬ ‫أتخيل ماسوف يجري بيني وبين ذلك "المحقق" من أسئلة وأجوبة‪،‬‬ ‫حسبما سمعت وعرفت ممن سبقوني‪،‬عن أجواء ذلك النوع من‬ ‫"الجراءات السرائيلية المنية"‪.‬‬ ‫‪18‬‬


‫ولم يكن من الصعب علي أن أدبمج في خيالي ما يسمى بـ"سيناريو"‬ ‫لذلك المشهد الذي شغلني تخيمل تفاصيله منذ أن جاءتني تلك المكالمة‬ ‫التليفونية‪.‬‬ ‫كتمت غيظي‪ ،‬واعتصمت بــبرودي‪ .‬وأقنعـت نفسـي أنهــا مناســبة لكــي‬ ‫أســـتعد للقيـــا"م بـــدوري فـــي مشـــهد التحقيـــق القـــاد"م‪ ،‬هـــذا المشـــهد‬ ‫الـ"التراجيكوميدي"!‬ ‫أخذت أستعيد ما سمعته من تجارب الخرين‪.‬‬ ‫منهم من أذهلني بقدرته الفائقة على الجدال‪ ..‬وبالتالي إحراج المحقق‬ ‫ودحض حججه‪ .‬ومنهم من رأى أن أحسن طريقة هي الردود القصيرة‬ ‫جدا على أسئلته‪ .‬ومنهم من نصحني بمجاراته وعد"م النسياق‬ ‫لمحاولته لستفزازي‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪19‬‬

‫*‬


20


‫" ‪ .......‬التحقيق"‬

‫من البديهي أن يبادرني المحقق بسؤاله عن علقتي بـ"منظمة التحرير‬ ‫الفلسطينية"‪ .‬وهنا أرى أن أرد عليه باليجاب والصراحة‪ ،‬وأن "أتققتر"‬ ‫بأنني كنت أعمل كمخرج سينمائي في مجال العل"م الفلسطيني‪.‬‬ ‫فيبدأ بمواجهتي‪:‬‬ ‫ طبعا‪ ،‬وهذه هي مهنتنك‪ ،‬سوف تستمرفي عملك كمخرج‪ ،‬فما هي‬‫ياترى نوعية الفل"م العلمية التي سوف تقو"م بعملها؟‬ ‫ لم أفكرفي هذه التفاصيل بعد‪ .‬ما يشغل ذهني الن هوالعودة إلى‬‫بلدي فقط‪.‬‬ ‫ ما هوعنوانك‪ ..‬هل لك عنوان معين؟‬‫ القدس‪ ..‬البلده القديمة‪ ..‬حارة الواد‪ ..‬بالقرب من‪.. ..‬‬‫يقاطعني‪:‬‬ ‫ ربما كان من حقك العودة إلى القدس قبل عا"م ‪ ،67‬أما الن‪ ،‬بعد‬‫أن تمت عودة القدس إلى دولة إسرائيل فالمر يختلف تماما‪.‬‬ ‫أقاطعه بهدوء‪:‬‬ ‫ القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولن ما زالت‬‫تعتبر من ققبل المجتمع الدولي برمته ‪ -‬بما في ذلك حليفتكم‬ ‫ض محتلة‪ ،‬وليس جزءاا من إسرائيل‪.‬‬ ‫الوليات المتحدة ‪ -‬أرا ل‬ ‫وذلك ما تؤيده اتفاقية جنيف الرابعة لعا"م ‪ 1949‬التي وقعت عليها‬ ‫إسرائيل أيضا‪ ..‬وأظنه من العدل أن‪.. ..‬‬ ‫‪21‬‬


‫يقاطعني مواصل كلمه بلهجة ل تخلو من سخرية‪:‬‬ ‫ مهل مهل‪ ..‬هناك ‪ 22‬دولة عربية‪ ..‬لم تقبلكم منها واحدة‪ .‬أما نحن‬‫اليهود فلنا دولة واحدة‪ ،‬وهي التي وعدنا بها الرب‪ .‬وهانحن نقبلكم‬ ‫فيها!‬ ‫ولكن بشرط أن نختار نحن أين وكيف نقبلكم‪.‬‬ ‫أليس في ذلك من العدل ما فيه الكفاية؟‬ ‫ القدس هي مسقط رأسي‪ ،‬وهي المكان الذي يجب أن أعود إليه‬‫ففيها داري التي ولدت فيها‪ ،‬والتي أمتلكها بحكم الميراث‬ ‫الشرعي‪ ..‬والقانون المدني‪ ..‬والدولي‪.‬‬ ‫ المشرع الكبرهوالرب الذي أورث إسرائيل لليهود واليهود فقط!‬‫هل ذكرالشعب الفلسطيني في القرآن؟‬ ‫هل ذكرت القدس في القرآن؟‬ ‫أجيبه بهدوء وبعد فترة صمت‪:‬‬ ‫ أليس غريبا أنكم تعتمدون في دعوى ملكية الرض على الوعد‬‫الإلهي لكم‪ ،‬مع العلم بأن نسبة المتدينين عندكم‪ ،‬حسب المصادر‬ ‫السرائيلية ذاتها‪ ،‬ل تزيد عن ‪.%15‬‬ ‫والنسبة الباقية‪ ،‬علمانية‪ ،‬ل تأبه للديان وكتبها المقدسة؟!‬ ‫ دعنا من الحجج الواهية والرقا"م المغلوطة‪ .‬ولنبق مع نص التوراة‬‫الثابت والقائل على لسان الرب‪:‬‬ ‫"لنسلك أعطي هذه الرض‪".‬‬ ‫أتواصل بهدوء ل يخلو من سخرية‪:‬‬ ‫‪ ..‬والكثرغرابة أن سيدنا "إبراهيم" كان‬ ‫‬‫له ولــدان‪ ..‬جدنـــــا "إسماعيل"‪ ..‬و جدكــــم "إسحق"‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ..‬فحـتى لوأردنـا أن نأخـذ بمــا جــاء فـي التـوراة فلمــاذا ل‬ ‫تنادون بعودة الرض لكليهما مثل؟‬ ‫ هأنت تعود إليها‪ .‬ما الخطأ في ذلك؟‬‫ والكثرغرابة من هذا وذاك أنكم تتحدثون عن بناء الهيكل في‬‫دولة إسرائيل‪ ،‬بينما الشريعة اليهودية ‪-‬الهالخاه‪ -‬تقتضي أن ل‬ ‫‪22‬‬


‫تقو"م دولة إسرائيل ول يبني الهيكل قبل مجيء المسيح المنتظر‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن بناء الهيكل بما في ذلك قيام دولة إسرائيل هو‬ ‫انتهاك لصول العقيدة اليهودية وشرتعيتها أيضا‪..‬‬ ‫ثم أعود لموضوع الوراثة بنفس الهدوء‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬ثم إننا نعرف أن الوراثة لها قوانينها في كل الملل والديان‪.‬‬‫أما في القدس المحتلة‪ ،‬مثل‪ ،‬فأنتم تباشرون بالستيلءعلى‬ ‫"الرث"‪ ،‬وهو ممتلكات الفلسطينيين‪ ،‬وصاحب الحق ما زال‬ ‫حي يرزق‪.‬‬ ‫يعود للسخرية‪:‬‬ ‫ هل كان الجدى أن ننتظر حتى نمارس معكم عمليات البادة‬‫الجماعية التي تعرضنا لها؟‬ ‫أجيبه محاول التشبث بالصبر والهدوء‪:‬‬ ‫ الحقائق تقول أن عمليات البادة والتطهير العرقي في بلدي‬‫المحتل لم تتوقف منذ خمسين عاما‪.‬‬ ‫ألم يكن شعار "تيودور هيرتسل"‪ ،‬عراب الصهيونية‪ ،‬حسبما‬ ‫جاء في مذكراته‪،‬هو‪:‬‬ ‫"نريد فلسطين بدون عرب"!‬ ‫وبعد إعلن تأسيس إسرائيل عا"م ‪ ،48‬ألم يقم "بن جوريون"‬ ‫وأعوانه‪ ،‬عمل بتوصية "هيرتسل"‪ ،‬بتأسيس لجنة الطرد‪ ،‬المسماه‬ ‫"ترانسفير"‪ .‬ليصبح الشعار‪:‬‬ ‫"نريد إسرائيل بدون عرب"؟‬ ‫لكنهم ‪-‬ويا للغرابة‪ -‬اكتشفوا بعد مرور أكثر من خمسين عاما‬ ‫على محاولتهم الدءوبة لبادة الشعب الفلسطيني أنه شعب ل‬ ‫يفنى‪.‬‬ ‫أل ترى أن الشعوب مثل "المادة" التي تقول قوانينها الطبيعية‬ ‫بأنها "ل تفنَى‪ ..‬ول تسستحدث"؟‬ ‫فالشعوب ل تفنى أبدا!‬ ‫‪23‬‬


‫كما وأنها أيضا ل تتستحدث يا صديقي!‬ ‫ دعنا من هذه المغالطات‪ ،‬ولننظر إلى المر بواقعية‪.‬‬‫فالمرالواقع هو أن "الشعب اليهودي" كان موجودا كما أن‬ ‫"إسرائيل" كانت موجودة‪ ..‬وستبقى‪..‬‬ ‫ثم يبتسم المحقق محاول أن يدير دفة الحديث في إتجاه آخر‪:‬‬ ‫ أكيد ‪ -‬وأنت رجل مثقف‪ -‬قد سمعت عن حركة السل"م الن‪ .‬وأنا‬‫شخصيا من مؤيديها‪ .‬وهذا يعني أنك مقبل على التعايش مع‬ ‫مجتمع فيه ديمقراطية وحرية كاملة‪ .‬مجتمع يريد لكم الخير‪.‬‬ ‫هذا طالما حرصتم على سلمة وأمن إسرائيل‪..‬‬ ‫ أمن إسرائيل وبقائها يحتاج إلى إقامة الجسور وليس إلى إقامة‬‫الحواجز والجدران العازلة‪ ،‬و بناء المستوطنات على أنقاض‬ ‫الديار في الراضي الفلسطينية المحتلة‪.‬‬ ‫ المستوطنات هي حل لمشكلة إنسانية‪.‬‬‫ لكن القانون الدولي ما زال يراها مظهرا من مظاهرالتعدي على‬‫أرض الغير وتثبيت الحتلل غيرالشرعي لجزاء من أرضنا‪.‬‬ ‫ أعتقد أننا وصلنا إلى اتفاقات وتفاهمات من شأنها أن تنسينا أخطاء‬‫وأحقاد الماضي ومضاعفاتها‪ ،‬وعلينا أن نبدأ مرحلة نحاول فيها‬ ‫أن نتعايش بسل"م‪..‬‬ ‫ تعاليمكم تأمر بعكس ذلك‪.‬‬‫ كيف؟‬‫ مثل‪ ..‬أل تطلق تعاليمكم على غيراليهود لقب "الغيار" وتوصي‬‫بكل وضوح على "تعدم تعلج المريض من الغيار"‪ ..‬كما‬ ‫وتوصي بـ"تعدم إخراج من يسقط منهم في البئر"؟!‬ ‫بل وتنصح بـ"دفع الغيارإلى البئر للتخلص منهم"؟!‬ ‫أهذا هو السل"م الذي تتحدث عنه؟‬ ‫‪.. .. .. .. .. .. ..‬‬ ‫وفجأة‪ ..‬أجدني أبتسم ساخرا من نفسي‪ ..‬وقد أصابني الملل من هذا‬ ‫الحوار الممل‪ ..‬المفتعل‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫أقرر أن أخرج إلى شرفة غرفة الفندق المطلة على البحر لكي أستنشق‬ ‫هواءه النقي‪.‬‬ ‫تنعشني النسمات التي‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬تسللت إلى الشرفة وهي تحمل شيئا‬ ‫من فوح بحر "فلسطين" القريبة‪ .‬وسرعان ما أنعستني‪ ،‬وسلمتني لنو"م‬ ‫عميق‪ ،‬لستفيق منه في اليو"م التالي مبكرا‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪25‬‬

‫*‬


26


‫سرمهه ما شئت!‬

‫ل أعرف كيف مرت الساعات الثقيلة التي كانت تفصل بيني وبين‬ ‫لحظة خلتها أطول لحظات العمر‪ .‬وهي لحظة مثولي أما"م عدو ينتظر‬ ‫مني أن أستجدي منه العبور إلى أرضي‪.‬‬ ‫كأنما قد لمس ما أنا فيه من توتر بالرغم من محاولتي للتماسك‬ ‫والظهور بعكس ذلك‪ .‬تصنع المحقق البتسا"م والطيبة وهو يواصل‪،‬‬ ‫باللغة العربية وبلكنة فلسطينية شمالية ل تخطئها الذن‪ ،‬حديثا ربما‬ ‫يندرج تحت مسمى"الستظراف"‪:‬‬ ‫ ‪ .. ..‬هذا ليس تحقيقا يستدعي الضطراب الذي أراه باديا عليك‪.‬‬‫إنه مجرد تعارف بينك وبين مواطن إسرائيلي سوف تعيش إلى‬ ‫جواره‪.‬‬ ‫وأحب أن أؤكد لك أنك تستطيع أن تعلن نهاية هذا اللقاء في أي‬ ‫لحظة تراها‪ ..‬فكما قلت لك‪ ..‬سممه ما شئت‪ ،‬ولكنه ليس تحقيقا‪.‬‬ ‫وكمن يطوي صفحة ويبدأ بالقراءة من صفحة أخرى‪ ،‬سارعني المحقق‬ ‫وهو يتحاشى أن أقرأ في عينيه ما وراء سؤاله مسددا نظراته إلى‬ ‫"ملف" تعبث به يديه‪ ،‬بسؤاله‪:‬‬ ‫ ماذا تنوي أن تعمل‪ ..‬بعد أن حصلت على التصريح لك بالعودة؟‬‫لم يفاجئني ول أدهشني هذا السؤال الذي ليخلو من مراوغة‪ .‬قلت وأنــا‬ ‫أحاول أن أختصرالطريق إلى مقصده‪:‬‬ ‫ أواصل أحلمي‪ ..‬وأصنع أفلما‪ ..‬ألم تر إلى وثيقتي الموجودة‬‫أمامك‪ ..‬وأما"م خانة الوظيفة فيها كلمة مخرج سينمائي؟‬ ‫‪27‬‬


‫ حسنا‪ ..‬وماهي يا ترى نوعية الفل"م التي سوف تقو"م بإخراجها؟‬‫عاد لمحاولته للستظراف وكأنما حبكت نفسها النكتة التي لم يستطع أن‬ ‫يكتمها‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬أرجو أن ل تكون أفلما تحريضية تطالب بعودة فلسطين من‬‫النهر إلى البحر!‬ ‫تضاحك وهو يحاول أن ينفي بحركة من يده أي قصد سيء من وراء‬ ‫نكتته هذه‪ .‬فاستجبت لمحاولته‪ ..‬بمسايرته‪:‬‬ ‫ أرجو أن أتمكن من أن أصنع أفلما تدعو إلى السل"م والمحبة‪،‬‬‫وتجسد أحل"م الجيال القادمة‪ ،‬وتروي قصص الحب والوفاء‪...‬‬ ‫ قصص الحب‪ ..‬يعني قصدك زي "روميو وجولييت"‪..‬؟‬‫قلت مغاليا في مسايرته‪:‬‬ ‫ كل أنواع الحب‪ ،‬بما في ذلك حب الوطن طبعا‪ .‬ول بأس أيضا من‬‫قصة حب جديدة‪ ..‬قد تكون عن "أحمد و شوشانا"! **‬ ‫ هل تعتقد أن ذلك ما زال ممكنا؟‬‫ ولم ل ؟ المهم النوايا الطيبه‪.‬‬‫كأنما كان ينتظراللحظة المناسبة لكي يبادر بسؤال كان يتحفز لسؤاله‪،‬‬ ‫بعد أن ألقى نظرة إلى الوراق التي أمامه‪:‬‬ ‫ ما دمت تتحدث عن النوايا الطيبة‪ ،‬فلماذا لم تستجب إلى الدعوة‬‫"الطيبة" التي وجهت إليك للمشاركة في "مهرحان حيفا"‬ ‫السينمائي‪..‬؟‬ ‫تذكرت قراءاتي عن أساليب المحققين في أن يبحثوا عن تفصيلة أو‬ ‫اكثر ليرددوها أما"م الشخص الماثل أمامهم‪ ،‬مما قد يوهم بأنهم يعرفون‬ ‫كل صغيرة وكبيرة عنه‪.‬‬ ‫__________________________________________‬ ‫)**(‬

‫إشارة إلى قصة حقيقية بطلها إبن جيراننا في القدس القديمة‪ ،‬قبل الهجرة‪ ،‬وزوجته اليهودية‬ ‫سنه" باللغة العبرية!‬ ‫سدو َ‬ ‫"شوشانا"‪ .‬وهو إسم الزهرة " َ‬

‫‪28‬‬


‫كانت الجابة في متناول لساني‪ .‬فلقد سئلت نفس السؤال قبل ذلك أكثر‬ ‫من مرة في لقاءات صحفية أو غيرها‪ .‬أجبت محاول أن أبتعد عن‬ ‫الحفرة التي يسوقني إليها‪ ،‬بينما تتابع نظراته المتفحصة أثر كلماته‬ ‫على وجهي‪:‬‬ ‫ كل ما هنالك أنني كنت في ذلك الوقت أصر على أن ترسل‬‫الدعوة لي على عنواني الحقيقي‪.‬‬ ‫ أي عنوان تقصد؟‬‫ عنوان داري التي ولدت فيها‪ ،‬حيث يفترض أن أكون‪ ،‬في بلدي‬‫القدس‪ .‬وحيث يكون عنواني هو‪..‬البلدة القديمة‪ ..‬طريق الل"م‪..‬‬ ‫بجوار "قهوة الباسطي" ‪ ..‬مقابل "هوسبيس النمسا" المعروف‪.‬‬ ‫وعندها أفكر‪....‬‬ ‫قاطعني وهو يعاود النظر إلى الدوسيه التي عادت أصابعه تعبث‬ ‫بأوراقه‪:‬‬ ‫ ل داعي للعودة إلى موضوع قد انتهينا من تفاصيله‪ ،‬فعنوانك من‬‫الن فصاعدا هو في قطاع غزه‪ .‬لن رقمك‪ ،‬وهويتك التي سوف‬ ‫تحملها صادرة عن "قطاع غزه" وليس "الضفة الغربية"‪...‬‬ ‫صدمت‪ ،‬وحاولت أن أداري اضطرابي‪ ..‬وأكملت‪:‬‬ ‫ ل أعرف لي عنوانا آخرغير بلدي‪ ..‬القدس‪.‬‬‫ هل لك أقارب في القدس؟‬‫ لي هناك ما ل يقل أهمية عن القارب‪ .‬لي داري التي ولدت فيها‬‫وأمتلكها و‪..‬‬ ‫ أنت تعرف أن قضايا "القدس" و"اللجئين" وغيرها قد تأجلت‬‫مناقشتها ول مجال للحديث عنها الن‪ .‬ومن الحكمة أن نقبل‬ ‫بالمر الواقع ونحاول أن نتعايش معه‪.‬‬ ‫"المرالواقع"‪ ..‬و"الحقائق الجديدة"‪ ..‬هذه هي لعبتهم التي استطاعوا‬ ‫بها أن يضللوا العالم‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫رسمت على وجهي ابتسامة الرضى والقبول بالمر الواقع الذي لم‬ ‫نستطع أن نغيره ونحن نعيش غرباء في المنفى‪.‬‬ ‫فها هي فرصتنا تلوح لنا لكي نحاول أن نغيره بينما نحن نعيش في‬ ‫أرضنا‪.‬‬ ‫ولشدة دهشتي‪ ..‬فوجئت بالسيد المحقق ينهض مادا يده لي‪ ،‬بعد أن‬ ‫اختطف نظرة أخيرة إلى "أوراقي" التي أمامه‪ ،‬ثم يقول وهو يبتسم‬ ‫ابتسامة عريضة موصى عليها‪:‬‬ ‫ سعدت بلقائك‪ ..‬سيد شعث‪..‬‬‫لكن سرعان ما زالت دهشتي عندما انسابت بقية الجملة التي سبق أن‬ ‫سمعتها من أحد العائدين وهو يروي لي ما دار بينه وبين المحقق‪..‬‬ ‫نفس الفتتاحية تقريبا‪ ..‬ونفس الخاتمة‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬أنا إسمي "يورا"م مازار"‪ .‬وربما نلتقي في يو"م ما خارج هذا‬‫المكان‪ .‬وكل ما أرجوه أن أكون قد تركت في نفسك أثرا طيبا‪،‬‬ ‫كما فعلت أنت‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪30‬‬

‫*‬


‫العبور الثالث*‪..‬‬

‫كان "عبوري" الول من خلل "معبر" رفح في يو"م الثلثاء‪ ،‬الموافق‬ ‫أبريل ‪ ،95‬بتصريح لزيارة مؤقتة لقطاع غزة لمدة ثلثة أشهر‪.‬‬ ‫وعبوري الثاني‪ ،‬من"مطاراللد المحتل"‪ ،‬في يو"م الجمعة ‪ 3‬نوفمبر‬ ‫‪ ،95‬بتصريح مماثل‪.‬‬ ‫وكنت في كلتا الحالتين حبيس خليط من المشاعراستغرقت وقتا طويل‬ ‫حتى تمكنت من أن أتخلص من بعضها وأن أتآلف مع بعضها‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫أما بعد العبورالثالث‪ ،‬في ‪ 5‬سبتمبر ‪ ،96‬فكانت مشاعري في متناول‬ ‫قدرتي على الستيعاب بعد التجربتين المختلفتين اللتان كانتا‬ ‫تحملن إسما واحدا هو "زيارة مؤقتة" إلى الوطن بعد زهاء‬ ‫نصف قرن من التشرد في مختلف المنافي‪.‬‬ ‫ذلك بعد أن كدت أن‪ ..‬أتعود على "العيش خارج المكان"‪.‬‬ ‫مع العتذار لشاعرنا "محمود درويش"‪.‬‬ ‫يختلف المر‪ ،‬الن‪ ،‬اختلفا بمينا‪.‬‬ ‫فلقد جرى تصنيفي‪ ،‬بفضل اتفاقية "اوسلو" الكارثية‪ ،‬كمواطن في‬ ‫قطاع غزة)!( ذلك الجزء الجنوبي من أراضي "السلطة الوطنية"‪.‬‬ ‫وكان هذا غير ماكنت أشتهي‪ ،‬وهو العودة إلى أراضي "الضفة‬ ‫الغربية" حيث تقع بلدي ومسقط‬ ‫____________________________________‬ ‫)**( اتيممنا بالعبور المجيد لقناة السويس عا"م ‪73‬‬

‫‪31‬‬


‫رأسك‪..‬القدس‪ ،‬حيث ما برحت خطط العدو تتجه إلى الستيلء على‬ ‫أملك المقدسيين والتخلص منهم عنوة‪ ،‬والحيلولة دون عودة الغائبين‬ ‫منهم‪.‬‬ ‫كما وإني أصبحت أعرف طريقي إلى فنادق "غزة"‪ .‬وقد صارفي‬ ‫حوزتي "نوتة" تحتوي على حصيلة ل بأس بها من أرقا"م تليفونات‬ ‫وعناوين المعارف والأصدقاء‪ ،‬القدماء منهم‪ ،‬والجدد الذين سعدت‪،‬‬ ‫أثناء زياراتمي السابقتين‪ ،‬بمعرفتهم وبترحيبهم وتفاؤلهم‪ .‬منهم الكتاب‬ ‫ومنهم الشعراء ومنهم فنانو المسرح والسينما ممن يحدوهم الطموح‬ ‫والتفاؤل‪ ،‬ومن يبعث في النفس المل في المستقبل الفضل الذي كنا‬ ‫نتطلع إليه‪.‬‬ ‫هذا‪ ..‬بالضافة إلى"القرباء" الذين كانت قد فاتتني معرفتهم ‪ .‬حيث‬ ‫أنهم ولدوا أثناء غيبتي عن مدينة "غزة" واغترابي الطويل المد‪ ،‬وهم‬ ‫الذين توطدت صلتي بهم أثناء "زيارتي المؤقتة" لغزة قبل بضعة‬ ‫شهور‪.‬‬ ‫ومنهم الشاب "سهيل" الذي لم يكد يعلم بوصولي‪ ،‬هذه المرة‪ ،‬ونزولي‬ ‫في "فندق فلسطين" حتى جاء بسيارته‪ ،‬حسب تعليمات والده "الحاج‬ ‫كامل"‪ ،‬ليتولى وبدون مناقشة‪ ،‬نقلي للقامة في شقة أخيه التي تم‬ ‫إعدادها لقامته بعد عودته المرتقبة من دولة خليجية بعد شهور‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫ألم أذكر مرة أن جيلنا لم يكن يعرف‪ ،‬أو يعترف‬ ‫بما يسمى القامة في الفنادق؟‬ ‫فلقد كانت دارنا‪ ،‬دار"أبو العابد"‪ ،‬في قديم الزمان "مضـــافة" للقادمين‬ ‫من أقاربنا‪ ،‬القريبين منهم والبعيدين‪ ،‬إلى القدس العاصمة‪ ،‬للعلج‪ ،‬أو‬ ‫لمراجعة إحدى الدوائر الحكومية‪ ،‬أو لـزيارة المسجد القصى‪،‬‬ ‫أو"التقديس" بعد أداء فريضة الحج‪ ،‬أو لتسجيل البن أو البنت في‬ ‫إحدى المدارس الثانوية الداخلية‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫كانت هناك لهم‪ ،‬ولنا في منازلهم‪،‬غرفة إسمها "اوضة الضيوف"‪.‬‬ ‫وكان أبي يبدو سعيدا وهو يرحب بضيوفنا‪ .‬كان يشعر بأنه يؤدي واجبا‬ ‫تحتمه عليه عاداتنا وتقاليدنا‪ .‬يلمع في عينيه بريق ذكرني به بريق‬ ‫عيني صديقي "جورج إبراهيم" عندما جاء إلى "البنسيون" في "را"م‬ ‫ا‪ ،‬قبل شهور‪ ،‬ليحملني ضيفا إلى داره في "كفرعقب"‪.‬‬ ‫لم نكن نعرف أو نتقبل كلمات مثل "بنسيون"‪ ..‬أو"أوتيل"‪ ..‬ول‪..‬‬ ‫"ستارز"**!‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫في مبنى "وزارة الثقافة" الجديد استقبلني‪ ،‬رفيق المنفى‪ ،‬الشاعر‬ ‫المشهور بدماثة خلقه ورقة شعره‪" ،‬أحمد دحبور"‪ ،‬الذي أصبح الن‬ ‫يشغل منصب "المديرالعا"م" للوزارة‪ ،‬بحضورعدد كبير من موظفيها‪،‬‬ ‫الذين تزايدعددهم‪ ،‬بالحضان وهو يؤكد ويقسم لي أنه رأى رأين العين‬ ‫)اللي راح ياكلها الدود‪ ،‬حسب تعبيره( القرارالموقع من الرئيس‬ ‫"ياسرعرفات" بمنحي درجة "مديرعا"م" في وزارة الثقافة‪.‬‬ ‫أثلج صدري تهليل الجميع ومباركتهم لي على المنصب الذي لم أتطلع‬ ‫إليه‪ ،‬فلم يكن لي يوما أي تطلعات لمركز أو جاه‪ .‬فلقد عودت نفسي‬ ‫دائما أن أتفاعل مع ظروفي‪ .‬فأنا أجد نفسي في الموقع الذي يفرضه‬ ‫منطق المور‪ ،‬طالما أتاح لي هذا الموقع حضورا فنيا يتناسب مع‬ ‫طموحاتي‪ ،‬وظروفا ملئمة للعمل الذي أحبه‪.‬‬ ‫ولكنني اضطررت لأن أسعى إليه بعد أن لفت انتباهي الكثيرين من‬ ‫الزملء العائدين‪ ،‬الذين عانوا من غلء السعار وارتفاع إيجارات‬ ‫السكن‪.‬‬ ‫لم يبق سوى أن يقو"م الرفيق "ياسرعبد ربه"‪ ،‬وزيرالثقافة‪ ،‬بتفعيل‬ ‫القرارالمذكور ليتم تحويل مكان إقامتي إلى "را"م ا"‪ .‬فبغير ذلك‬ ‫يتوجب علي أن أحصل من السلطات السرائيلية على تصاريح"مؤقتة"‬ ‫________________________‬ ‫)**( فقرة مستعارة من جزء سابق من السيرة ‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫محدودة المدة للمرورمن معبر"إيريتز"‪ ،‬في شمالي قطاع غزة‪ ،‬إلى‬ ‫أراضي "الضفة الغربية"‪.‬‬ ‫مها"م الوزير‪ ،‬الذي يحمل حقيبة "الثقافة" إلى جانب حقيبة "العل"م"‪،‬‬ ‫تقتضي الكثير من التنقل والسفر‪ .‬وليس أمامي سوى النتظار‪ ،‬وهو ما‬ ‫كان وما صار وما أمسى وما فتيء وما زال من سمات المرحلة‪.‬‬ ‫لكن‪ ..‬ل شك في أن أهم سمات المرحلة القادمة‪ ،‬التي سرعان ما سوف‬ ‫تعلن عن نفسها‪ ،‬هو العمل والبداع ‪ .‬حدثت نفسي‪:‬‬ ‫بكل تأكيد أن العمل والبداع تحت سماء وطني سيكون له مزايا أخرى‪..‬‬ ‫و مذاق آخر‪.‬‬ ‫هناك فرق بين العمل في المنفى وبينه وأنأ في أحضان الوطن‪ ،‬وفي‬ ‫كنف أبنائه من الهل والزملء والصدقاء‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫صديقي الكاتب الروائي الفلسطيني "أحمدعمرشاهين"‪ ،‬الذي مازال‬ ‫قابعا في القاهرة في انتظار "الرقم السحري"‪ ،‬قال لي معبرا عن‬ ‫غبطته وهو يودعني مبتسما متمنيا‪:‬‬ ‫ عسانا أن نرى في القريب العاجل أفلما "ملونة" بألوان بلدنا‬‫الطبيعية الجميلة‪ ،‬بعد أن كدنا أن نتعود على مشاهدة أفل"م‬ ‫"السود والسوند"!‬ ‫ن‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫عندما كنت في نهاية عا"م ‪ 1990‬منهمكا في متابعة المها"م التي كلفت‬ ‫بها‪ ،‬في القاهرة‪ ،‬كجزء من برنامج "السبوع الثقافي الفلسطيني" الذي‬ ‫أقيمت إحتفالياته في فندق "شبرد"‪ ،‬والذي تتموج بتكريم مختلف‬ ‫المبدعين الفلسطينيين بحضورهم من مختلف أماكن تواجدهم‪ ،‬والذي‬ ‫يعتبر إنجازا يحتسب لرئيس "دائرة الثقافة" في منظمة التحرير‬ ‫‪34‬‬


‫الفلسطينية السيد "عبد ا حوراني"‪ ،‬فوجئت بمن يبتسم لي وهو يقد"م‬ ‫لي حزمة صغيرة من الكتب معرفا نفسه‪:‬‬ ‫ أحمدعمرشاهين ‪..‬‬‫وسرعان ما لمحت اسمه على أغلفة الكتب‪ ..‬فزالت دهشتي‪.‬‬ ‫واصل تقديم نفسه‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬رأيت أن الفضل أن تتعرف عليم من خلل قراءتك لهذه‬‫الروايات التي لمست من بعض الصدقاء المشتركين أنها لم تصل‬ ‫إليك بعد‪.‬‬ ‫أما أنا فقد عرفتك‪ ،‬منذ حوالي خمسة عشر سنة‪ ،‬من خلل‬ ‫مشاهدتي لفيلمك "الظلل في الجانب الخر"‪ ،‬وبعض أعمالك‬ ‫التلفزيونية هنا في القاهرة‪ .‬وكل ما أرجوه هو أن ل يطول‬ ‫انتظاري هذه المرة لكي تتاح لنا فرصة اللقاء‪ ،‬وتبادل الحديث‬ ‫والتعارف‪.‬‬ ‫أسرني تواضعه وطريقة تقديم نفسه لي‪.‬‬ ‫كنت أعرفه‪ ،‬إسما‪ ،‬ككاتب وباحث ومترجم فقط‪.‬‬ ‫وشعرت أنني سأجد في "رواياته" شيئا مما أبحث عنه‪ .‬عقدت العز"م‬ ‫على قراءتها في أسرع وقت‪.‬‬ ‫ولكن لم تلبث أن اختطفتني المهمات التي كانت تشغل بالي ومن‬ ‫ضمنها الجراءات اللزمة لستقبال فرقة "صابرين" الفنية‪ ،‬التي‬ ‫حرصت على استدعاءها من "القدس" للمشاركة في احتفالاتنا‪ ،‬وكان ل‬ ‫بد من متابعة اللمسات الخيرة في إعداد أحد المسارح لقامة حفلتها‪.‬‬ ‫لم أعرف‪ ،‬ول أعرف حتى اليو"م‪ ،‬أين ومتى وكيف ضاعت مني‬ ‫الروايات المهداة لي من كاتبنا "أحمدعمرشاهين"‪ .‬وضاعت جهودي‬ ‫في البحث عن المكان الذي نسيتها فيه‪.‬‬ ‫كل ما استطعته‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬وبشق النفس‪ ،‬هو شراء الروايات الثلث‪،‬‬ ‫عن طريق ذلك الصديق المشترك‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫وبعد قراءة الروايات الثلث‪ ،‬في زمن قياسي‪ ،‬ولفرط إحساسي‬ ‫بالتقصير والهمال في حق ذلك الكاتب الذي سعى إلي بأسلوبه المهذب‬ ‫البليغ‪ ،‬قررت أن أسعى إليه‪.‬‬ ‫وقبل أن أشرع بإبداء رأيي فيما قرأت‪ ،‬فاجأني "أحمدعمر شاهين"‬ ‫بأنه في نفس اليو"م الذي قد"م لي فيه هديته فوجيء بها ملقاة على أحد‬ ‫مقاعد صالة الفندق‪ ..‬قال لي‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬أخذت أرقب كتبي عن بعد منتظرا حضورك لتأخذها ولكن‬‫"جودو" لم يحضر‪ ..‬فقررت أن أستردها‪ .‬وقلت في نفسي يبدو أن‬ ‫هذا المخرج ل يختلف عن الكثيرين من غيره من بعض‬ ‫المخرجين السينمائيين‪ ..‬الذين ل يقرأون‪ .‬عادي!‬ ‫ولم أجد أنه من الضرورة أن أبين له بقية ما حدث‪ .‬فقد أدرك أنني لم‬ ‫أتدبرالحصول على الروايات فحسب‪ ،‬بل أنني انتهيت من قراءتها‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وكان هذا اللقاء بداية لصداقة أمتعتني طوال سنوات وجودي في‬ ‫القاهرة بعد ذلك‪.‬‬ ‫هو يسكن في أحد أطرافها‪ ،‬في جنبات الحي العتيد "السيدة زينب"‪،‬‬ ‫بينما أسكن أنا في الطرف الخر‪ ،‬في أعماق "مدينة نصر" البعيدة‪.‬‬ ‫ولذلك تعودنا‪ ،‬إلى جانب اللقاءات الهاتفية‪ ،‬على اللقاء أسبوعيا في‬ ‫وسط البلد‪ ،‬في مقهى "متاتيا" العريق‪ ،‬الذي كان يؤمه "جمال الدين‬ ‫الفغاني" وتلميذه‪ ،‬والذي كان من الماكن المفضلة للقاء الفنانين‬ ‫لموقعه المتوسط بين "دارالوبرا" و"المسرح القومي"‪ .‬ثم انتقلت‬ ‫لقاءاتنا‪ ،‬بعد أن جرى ذلك "التغيير" المؤسف على منطقة‬ ‫"دارالوبرا"‪ ،‬ومن ثم بعد أن أصبح مقهى "متاتيا" التاريخي في ذمة‬ ‫التاريخ‪ ،‬إلى مقهى "النصر"‪ ،‬في ميدان "باب اللوق"‪ .‬وكثيرا ما كنا‬ ‫ننتقل إلى "أتيلييه القاهرة"‪ ،‬لنلتقي هناك بأصدقائنا من الدباء‬ ‫والفنانين‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫كانت لقاءاتنا ل تخلو من استعراض لقراءاته‪ ،‬وقراءاتي‪ ،‬وتعليقاتنا‬ ‫عليها‪ .‬أما عن أعماله‪ ،‬التي قاربت في ذلك الوقت العشرين عمل‪ ،‬فقد‬ ‫مكنني هو لقتنائها بكاملها‪ .‬ولم تخل جلساتنا من حوار حولها‪.‬‬ ‫كان كثيرا ما يحاصرني بأسئلة حول الفن السينمائي ودوره‪ ،‬فيتطرق‬ ‫بنا الحديث إلى كافة الفنون الخرى لنني كنت أنطلق من أن السينما‬ ‫هي البوتقة التي تنصهر فيها كل الفنون لتصيرتلك السبيكة العجيبة‬ ‫المسماة‪" ..‬الفن السابع"‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫تطرق حديثنا في أحد الجلسات‪ ،‬ثم كان أن أصبح يحلو لنا أن نستأنفه‬ ‫في جلسات أخرى‪ ،‬حول رواية جديدة اتفقنا أن يكتبها هو بحيث‬ ‫يفترض أن تجري أحداثها بعد سنوات تكون فيها "الدولة الفلسطينية"‬ ‫وعاصمتها القدس قد قامت وتم العتراف بها‪ .‬ول بأس من أن تتحول‬ ‫هذه الرواية بعد‪ ،‬أو قبل‪ ،‬ذلك إلى فيلم سينمائي أقو"م أنا بإخراجه!‬ ‫أخذنا نتخيل ما ستكون عليه دولتنا‪ ..‬ذلك الحلم الجميل النبيل‪.‬‬ ‫تارة نتصورها ذلك النموذج الذي درج البعض من مثقفينا على وصفها‬ ‫بأنها ستكون قدوة للمم في ديمقراطيتها وقدرتها على تجسيد أحل"م‬ ‫شعبها في ظل النظا"م الذي يكفل له الحرية والرفاهية والعدالة‪ .‬وكان‬ ‫من علمات تلك الفترة انتشار ظاهرة انضما"م الكثيرين من المثقفين‬ ‫العرب‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬إلى الثورة الفلسطينية‪ ،‬وتواجدهم جنبا إلى جنب مع‬ ‫كوادرها في بيروت‪.‬‬ ‫ثم نتدارك المر‪ ،‬تارة أخرى‪ ،‬ونتخلى مؤقتاعن المثالية‪ ،‬ونسمح‬ ‫لبعض السلبيات أن تتسلل لتتفشى في بعض أجهزة ثورتنا بعد أن‬ ‫تتحول إلى دولة و"نظا"م"‪ ،‬شأن كل أنظمة العالم‪.‬‬ ‫ونتحدث‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬عن مظاهر تهميش وإهمال العامل‬ ‫الثقافي لحساب العامل السياسي‪ ،‬أو تغييب المفكر والمثقف لحساب‬ ‫رجل السياسة‪ .‬ويصل بنا الحديث إلى مظاهر الوصولية والنتهازية‬ ‫والجشع عند بعض البعض‪ ،‬ومن كنت أسميهم في مكان آخر من‬ ‫سيرتي هذه بـ "قــ ط‬ ‫طاع الطـرق"‪ ،‬وهم أولئك الذي يبنون المتاريس‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫‪37‬‬


‫ليحولوا دون وصولك أو وصول كلمتك إلى الشرفاء من أولي المر‪.‬‬ ‫ذلك خوفا على المواقع المهمة التي شغلوها في غفلة من الزمن‪ ،‬وهم‬ ‫يعرفون أكثر من غيرهم أنهم ليسوا أهل لها‪.‬‬ ‫وهم نمن وصفهم أستاذنا "طه حسين" في إهدائه لكتاب"المعذبو ن في‬ ‫الرض" بقوله "الذين ل يعملون ويضيرهم أن يعمل غيرهم"‪ .‬أو هم‬ ‫"المترفين"** الذين أغرتهم زخارف الدولة التي أتيحت لهم على‬ ‫السترخاء فـ"فسقوا فيها"‪ ،‬أو من أطلق أحد الكتاب الظرفاء على‬ ‫أمثالهم في بعض النظمة الخرى وصف "البقارالمقدسة" التي ل‬ ‫فائدة ترجى منها بينما تحميها بعض العقائد‪ ،‬وتحر"م التخلص منها‪.‬‬ ‫وتارة أخرى يسوقنا الحديث ويعود بنا إلى التأمل في الفجوة بين‬ ‫النخبة المثقفة والمفكرين‪ ،‬وبين بعض أصحاب القرار وصمناعه من‬ ‫ذوي الأفكار منتهية الصلحية‪ ،‬منزوعي الفكر‪ ،‬الذين يعانون من أنيميا‬ ‫حادة في الذوق والتذوق! أو تلك القلة من أصحاب القرار‪ ،‬ذوي‬ ‫النزعة السلطوية التي تلغي النقد وتقتل الروح‪ .‬والذين يبسطون أيديهم‬ ‫كل البسط في أمور ل تهم سواهم‪ ..‬بينما يجعلون أيدهم مغلولة إلى‬ ‫أعناقهم عندما يتعلق المر بالثقافة والفنون وإسعاد الخرين‪.‬‬ ‫هذا إلى جانب إصرارنا على العودة‪ ،‬بين كل حين و آخر‪ ،‬لتلبية‬ ‫أشواقنا ولهفتنا‪ ،‬التي ل تكل ول تذوي‪ ،‬إلى الحديث عن المثل العليا‬ ‫وأصحابها من الحالمين الشرفاء‪ ،‬وكذلك "البراقشيين" منهم‪ ،‬وما‬ ‫أكثرهم! هؤلءالذين "جنوا تعلى أنفسهم" ويعانون من نتيجة‬ ‫اختياراتهم المثالية )!(‬ ‫وهكذا لم نترك جلسة من جلساتنا تخلو من الحديث عن المؤسسات التي‬ ‫كنا نحلم بأن تزخر بها دويلتنا المأمولة‪ ،‬والتي سوف تعمل على إحياء‬ ‫ثقافتنا وتطويرها‪.‬‬ ‫__________________________________________‬ ‫)**(‬

‫رجوتعا إلى الية الكريمة "إذا أردنا أ ن نهلك قرية أطمدرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق تعليها القول‬ ‫فدمرناها تدميرا‪".‬‬

‫هو‪ ،‬الديب الذي ل يمتلك من حطا"م الدنيا سوى أدبه و مكتبته التي‬ ‫تتكون من آلف الكتب القيمة والنادرة‪ ،‬يتحدث عن "دار الكتب"‬ ‫‪38‬‬


‫الفلسطينيه التي يحلم بها‪ ،‬والتي أوصى في وصيته‪ ،‬كما أسر لي‬ ‫مؤخرا‪ ،‬أن تنتقل مكتبته هذه إليها‪ ،‬في بلدته "خان يونس"‪ ،‬كمساهمة‬ ‫منه‪ .‬ثم يتحدث بإسهاب عن "دار النشر" التي سوف تهتم وزارة ثقافتنا‬ ‫بإنشائها ودعمها لكي تعيد طباعة ونشر التراث الدبي الفلسطيني‪ ،‬إلى‬ ‫جانب دعم وتشجيع وتلبية طموحات الدباء والمبدعين الشبان‪.‬‬ ‫وأتحدث أنا عن "مؤسسة السينما" التي سوف ترعاها دويلتنا‪ ،‬والتي‬ ‫سوف ترعى بدورها المواهب الشابة من السينمائيين الفلسطينيين‬ ‫المبعثرين في كثير من النحاء وإعطائهم الفرص ليؤدوا دورهم في‬ ‫الدفاع عن قضيتهم والتعبيرعن تطلعاتهم وآمالهم‪ ،‬وتحقيق أحلمهم‬ ‫وإبداعاتهم‪ .‬وأمنى لنا أن ننسى "الرشيف السينمائي الفلسطيني"‪ ،‬ذاكرة‬ ‫المة‪ ،‬الذي طالما انتظرناه لكي يقو"م بجمع وحفظ كل ما أنتج من‬ ‫الفل"م عن فلسطين وقضيتها وتاريخها‪ ،‬ونضال شعبها وتضحياته‪.‬‬ ‫هذا إلى جانب "صناتعة السينما الفلسطينية" التي أثبتنا عمليا‪ ،‬في‬ ‫بيروت‪ ،‬من خلل "معمل الصخرة"**‪ ،‬بأننا قادرين على امتلك‬ ‫أدواتها‪ ..‬وإنشائها‪ ..‬وتطويرها‪.‬‬ ‫ولم ننس أن نعطي بقية الفنون حقها من الهتما"م والعناية والدعم‪..‬‬ ‫كالفنون المسرحية والموسيقية والتشكيلية والتطبيقية ‪ ..‬و ‪ ..‬و ‪ ..‬إلخ‬ ‫كل هذا ونحن مدركين أ ن الصمت تعن أخطائنا يقربنا من نهايتنا‪،‬‬ ‫وأ ن في فضيلة "نقد الذات" حماية لنا من النزلق إلى مهاوي‬ ‫الغرور الذي من شأنه أ ن يعطل نمو الوتعي لدينا ومن قدرتنا تعلى أ ن‬ ‫نتدارك ونبادر بتصحيح هذه الخطاء‪.‬‬ ‫ولم نختلف أبدا حول تصنيف تلك "الرواية" المأمولة‪ ،‬وكذلك الفيلم‬ ‫__________________________________________‬ ‫)**( التابع لقطاع السينما في مؤسسة معامل أبناء شهداء فلسطين "صامد"‪ ،‬الذي كا ن لي آنذاك شرف‬ ‫المساهمة بتأسيسه وبتطويره‪ ،‬والذي تم تصفيته خلل الجتياح السرائيلي لبيروت تعام ‪1982‬‬

‫طبعا‪ ،‬الذي رأينا أنه سوف يندرج تحت مسمى الدراما الكوميدية‪.‬‬ ‫فهناك في حياتنا الكثير من المضحكات!‬ ‫‪39‬‬


‫هذا‪ ..‬وكثيرا ما كانت جلساتنا تسفرعن حوارات حول مختلف فروع‬ ‫الثقافة وصنوفها‪ .‬فقد كان صديقي واسع الطلع‪ ،‬بارعا في طرح‬ ‫أسئلته التي كانت سرعان ما تقودنا إلى تحليلت لم تكن تخطر على‬ ‫البال‪.‬‬ ‫وهكذا يجرنا الحديث ويتشعب إلى موضوعات شتى تتعلق بالفنون‪..‬‬ ‫الصالة والمعاصرة‪ ..‬الشكل والمضمون‪ ..‬التراث والحداثة‪ ..‬الثقافة‬ ‫والسلطة‪ ..‬الحرية‪ ..‬النقد والنقد الذاتي‪ ..‬اللتزا"م‪ ..‬الخر‪ ..‬العولمة‪ ..‬و‬ ‫"صراع الحضارات"‪ ..‬وماإلى ذلك من المصطلحات والمسميات‬ ‫الجديدة‪ ..‬إلخ‬ ‫وكنت أعود بعد كل لقاء لجلس إلى صديقي "الحاسوب"‪ ،‬فأعيد‬ ‫صياغة إجاباتي وتعليقاتي على أسئلة وطروحات "أحمدعمرشاهين"‪.‬‬ ‫فقد كنت أجدني في الكتابة أكثراستجابة‪ ،‬أوأكثرقدرة على صياغة‬ ‫الجابات بشكل أكثر وضوحا‪.‬‬ ‫كنا‪ ،‬في نهاية كل جلسة‪ ،‬نؤكد أن ل ينسى أحدنا أن يحضر جهاز‬ ‫التسجيل المحمول لكي يختزن ما دار بيننا من "حوارات" تستحق‬ ‫النشر‪ ،‬و"ما نطقنا به من درر"‪ ..‬حسب تعبير صديقي الطريف!‬ ‫وفي أحد المرات‪ ،‬أتيت له بورقة مطبوعة فيها "صياغة" لما جادت به‬ ‫ذاكرتي عن آخر ما دار بيننا‪ .‬قرأها وسارعني بسؤاله‪:‬‬ ‫ مادمت تمتلك‪ ،‬إضافة إلى لغتك السينمائية‪ ،‬قدرة ل بأس بها على‬‫التعبير كتابنة‪ ،‬فلماذا ل تبدأ بكتابة سيرتك الذاتية التي أرى فيها‪،‬‬ ‫حسب ما سمعته عنك‪ ،‬ومنك‪ ،‬الكثير مما يستحق التدوين؟ وأخص‬ ‫بالذكرهنا ما يتعلق بـ"السينما الفلسطينية"‪ ..‬وتاريخها‬ ‫ومسيرتها؟‬ ‫قلت له‪ ،‬متداركا‪ ،‬ما أكدته مرارا بأن التأريخ للسينما الفلسطينية له‬ ‫أصحابه الكفاء وأن كل ما أستطيع فعله هو أ ن أحاول أ ن أزودهم بما‬ ‫يتعلق بتجربتي أنا‪ ،‬التي ل يعرفها الكثيرين‪.‬‬ ‫وأكدت له أنني قد بدأت بالفعل بتدوين ما يسمى بالسيرة الذاتية‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫وتكررت بعد ذلك لقاءاتنا‪ ،‬وحواراتنا‪ ،‬وأحاديثنا التي أسفرت عن‬ ‫مزيد من مدوناتي‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪41‬‬

‫*‬


42


‫في أحد‬

‫المرات‪..‬‬

‫سألني صديقي‪ ،‬كما سألني آخرون‪ ،‬إذ بلغهم‪ ،‬صدفنة‪ ،‬أنني أقو"م‬ ‫بتدوين سيرتي الذاتية‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬هل تنوي أن تنشر ما تكتب؟‬‫م‬ ‫وجدتني أرد‪ ،‬كتاباة‪ ،‬بيني وبين "خلي الوفي"‪:‬‬ ‫بالرغم من أن بعض المقربين من الصدقاء قد قرأوا بعض ما كتبت‪،‬‬ ‫وأبدوا إهتمامهم‪ .‬بل وقارنوا ‪ -‬لصالحي‪ -‬بين بعض ما قرأوه لي‪،‬‬ ‫وما نشر الخرون‪.‬‬ ‫بالرغم من ذلك فأنا ما زلت أشعر أنني أكتب لنفسي‪.‬‬ ‫أحدق في ذاتي وما حولها‪ .‬أغوص في بحرها‪ .‬ألطم أمواج الذكريات‬ ‫وأغتسل بها من همومي‪.‬‬ ‫أستعيد أياما أكثر سوءا من أيامي هذه فاحمد ا على ما أنا فيه‪.‬‬ ‫أو أياما حلوة ‪ -‬فأحمد ا أيضا ‪ -‬وأستعين بها على النسيان‬ ‫والسلوان‪.‬‬ ‫أحاول فيما أحاول‪ ،‬أن أرى نفسي في مرايا الخرين‪ ،‬وأعيدالنظر إلى‬ ‫الخرين في مراياي‪.‬‬ ‫أحرص‪..‬‬ ‫)إن وقعت عين يوما على ما كتبت(‬ ‫أن ل يت ن‬ ‫ظن بي أنني أسجل "إعترافات" لي‬ ‫)وما أكثرها‪ ،‬أخطائي التي لم تؤذ أحدا إلي(‬ ‫وأتجنب‪..‬‬ ‫أن تيرى فيما أكتب شبهة العتذار‪ ..‬أوالتبرير‪..‬‬ ‫‪43‬‬


‫أو تيظن أنها محاولت لتأكيد ما أنجزت‬ ‫)وما أقله(‬ ‫افتخارا به‪ ..‬أو تجميل له ‪ ..‬أو حتى إعادة صياغة قلذاتي‬ ‫)بعد طول نكران مني لها(‬ ‫لتبدو بشكل أكثر قبول‪.‬‬ ‫وأخشى‪..‬‬ ‫من أن تتسرب سنوات العمروتنساب‪ ،‬قبل أن أقول مايليق بي أن أقول‪.‬‬ ‫فإذا ما داخلني شعور بأنني قد فعلت‪..‬عندها قد أفكرفي النشر‪.‬‬ ‫هل تراني مترددا؟‬ ‫أ"م تراني أرهب أن يتحول بعض ما قد يتسرب من خلل كلماتي‪..‬‬ ‫)رغما عني(‬ ‫م‬ ‫إلى حراب في أيدي "قطاع الطرق"**‪..‬‬ ‫تهدد حتى خواطري التي لم أنطق بها‪ ..‬أو أدونها بعد؟!‬ ‫فأنا أعرف بعض من حاول "كاتم الصوت" إسكاتهم‪..‬‬ ‫ي أصواتهم المكتومة‪.‬‬ ‫فإذا بنا‪ ،‬بذلك‪ ،‬ل نكف تعن سماع دو ط‬ ‫ما قيمة ما أكتب إن لم أضمنه رأيي فيما تيكتب؟‬ ‫ما قيمة قولي إن كان ل يضيء عتمة ما يقال؟‬ ‫ما قيمة رأيي إن لم يكن فيه تقويم لما أرى؟‬ ‫ما قيمة صوتي إن لم يسمع الناس تعقيبي على ما أسمع؟‬ ‫ألم تأبقد مخاوفي بالمس من هذا الذي يخيفنا اليو"م؟‬ ‫ألس ت‬ ‫ت القائل مرة أنه‪ ،‬لكي نرى واقعنا بدو ن ظلل‪ ،‬ل بد من أ ن تتعدد‬ ‫مصادر النور؟‬ ‫وبما أنني‪ ،‬كما اعترفت في أكثر من مناسبة‪ ،‬ل أجيد قراع الكلمات‬ ‫الشفوية‪ ،‬فإنني بسبيل أن أدلي بشهادتي مدونة‪ .‬ولن يوقفني شيء عن‬ ‫مواصلة الكتابة‪.‬‬ ‫_______________________________________‬

‫)**( "ق ط‬ ‫طاع الطرق" أصبح وصفا لفئة تعجزت تعن أ ن تجد لها مكانا فقررت أ ن تحول دو ن وصول‬ ‫الخرين إلى غاياتهم ‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫أقول‪..‬‬ ‫قد يستطيعون تجريدي من كل شيء‪.‬‬ ‫أصبح بل أرض‪ ..‬بل وطن‪ ..‬بل مأوى!‬ ‫لكن هل يمكن أن يجردوني من كلماتي‪ ..‬ثوب أفكاري‪ ..‬من لغتي التي‬ ‫تسكنني و أسكنها‪ ،‬وآوي إليها عندما يتبدد الحلم‪ ..‬أو يكاد؟‬ ‫وما زلت أقول مع القائلين بأن‪:‬‬ ‫أكثر العداء عداء لبلد ما هو نفر من أهلها جاء بهم "السلطان"‬ ‫ليجلس كل منهم على كرسي لم يسبق له أن تطلع في أحلمه إلى مثله‪،‬‬ ‫ليقين منه أنه لم تكتمل له الهلية لذلك الكرسي‪ .‬وهنا يصبح الشاغل‬ ‫الوحيد لشاغل ذلك الكرسي هو مراقبة ملمح وجه "السلطان" لرصد‬ ‫معالم الرضى والقبول لديه‪ ،‬وإعمال الحيلة‪ ،‬ول أقول إعمال الفكر‪،‬‬ ‫للحيلولة دون ما من شأنه أن يهز ثقته به‪ .‬وأول تلك الحيل هو التحلي‬ ‫بالحكمة القائلة‪:‬‬ ‫"من ل يعمل‪ ..‬ل يخطيء!"‬ ‫أما الحيل الخرى فتدور في فلك "حممالي الحطب" و "قت م‬ ‫طاع الطرق"‬ ‫وأساليبهم‪.‬‬ ‫وأعيد القول‪:‬‬ ‫سوف أمارس حريتي ‪ -‬ذلك المطلب العصمي‪ -‬في الكتابة‪.‬‬ ‫ومن يدري؟‬ ‫فيقيني أنه سيأتي ذلك الحين الذي أتمكن فيه‪ ،‬كما تمنيت دائما‪ ،‬من‬ ‫العودة إلى الكتابة بلغتي التي أحبها وأجيدها‪..‬‬ ‫الكتابة بالنور‪ ..‬والظلل‪ ..‬والغنيات‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪45‬‬

‫*‬


46


‫لم يكن يعرف‪!..‬‬

‫الكاتب الفلسطيني‪ ،‬المتنفذ‪) ،‬ل داعي لذكر اسمه‪ ،‬فهو واحد من‬ ‫كثيرين(‪ ،‬أقبل وعلى وجهه ابتسامة عريضة تنم عن حالة الرضا‬ ‫والسعادة التي يمر بها في تلك اللحظة‪ ،‬وهو يحمل رزمة من نسخ‬ ‫الطبعة الولى لخر مؤلفاته الروائية‪ ،‬ويشرع في إهداءها‪ ،‬بتوقيعه‪،‬‬ ‫لبعض الزملء في دائرة الثقافة‪ ،‬في تونس‪.‬‬ ‫يخصني بابتسامة خاصة لم أتوصل إلى معناها في البداية أثناء رواحه‬ ‫ومجيئه بين مختلف أنحاء تواجد الزملء‪ .‬بينما أنا أرى تقلصا ملحوظا‬ ‫في كمية النسخ التي يحملها‪ ،‬وأنا أتوقع في كل مرة أنه سرعان ما‬ ‫يخصني بنسخة من روايته الجديدة‪ .‬لم أتعجل ذلك لنه كان يحمل بين‬ ‫يديه عددا لبأس به من النسخ وسوف أحظى بكل تأكيد بواحدة منها‪.‬‬ ‫إلى أن فرغت النسخ من بين يديه تماما‪.‬‬ ‫استوقفته بنظرة متسائلة ‪.‬‬ ‫نظر إلي ببراءة شديدة وهو يكاد أن يسألني‪:‬‬ ‫ مالك؟ هل أنت بخير؟!‬‫لم أكن بحاجة إلى كلمات لبدي له تعجبي من عد"م حصولي على‬ ‫نسختي‪.‬‬ ‫حسبته سوف يعتذر لي بأن فلنا قد استولى عليها‪ ،‬وأنه سوف يعدني‬ ‫بمثلها في أقرب فرصة‪.‬‬ ‫لكنه فاجأني بقوله‪:‬‬ ‫ أنا آسف‪ ..‬لم أكن أعرف أنك تحب القراءة!‬‫كذا ؟!!!!‬ ‫"السينمائي"‪ ،‬في نظر بعض "المتنفذين" أو "أصحاب القرار"‪ ،‬أو‬ ‫القائمين منهم على ادارة شئون السينما‪ ،‬هو شخص"حقرنفي" ل شأن له‬ ‫بغير هذا "الكار"‪ .‬وهو‪ ،‬على أحسن الفروض‪ " ،‬معلم " أو "أسطى"‬ ‫‪47‬‬


‫يفهم في شئون التصويرأو الضاءة أو تسجيل الصوت أو تركيب‬ ‫الصور‪ ..‬وما الى ذلك‪.‬‬ ‫وهو تصورأبسط ما يمكن أ ن يوصف به أنه متخلف‪ .‬وستظل‬ ‫"ثقافة" المؤسسات والدوائر التابعة للسلطة متخلفة أيضا‪ ،‬ما لم‬ ‫تتغيرتلك النظره‪ ،‬وما لم تأخذ السينما مكانها كفن وتعلم وصناتعة‪،‬‬ ‫وما لم تصبح رقما في معادلة الثقافة الفلسطينية‪ .‬وما لم يعتبر‬ ‫السينمائي مبدتعا‪ ..‬مفكرا‪ ..‬ذو رسالة‪ ،‬أسوة بغيره من المبدتعين‬ ‫والمفكرين الذين يحملو ن مسئولية رفع لواء الثقافة الفلسطينية‪.‬‬ ‫والسينما‪،‬على فكره‪ ،‬ليست مجرد خطب سياسية موضحة بالصورة‬ ‫المتحركة الناطقة‪ .‬كما أنها ليست أفلما "تسجيلية"‪ ،‬أو"وثائقية"‬ ‫فحسب!‬ ‫ولقد كتبت ذات مرة‪:‬‬ ‫"وتعريفي للسينما بشكل تعام هو أنها‪" ..‬لغه"‪ .‬ومن يمتلك هذه‬ ‫اللغة‪ ،‬يستطيع أ ن يقرأ لنا التاريخ‪ ..‬ويضعنا أمام الحاضر الواقع‪.‬‬ ‫ويستشف لنا المستقبل‪ ،‬ويملنا بالتفاؤل والقوة والحساس بالجمال‪،‬‬ ‫ويقول لنا شعرا‪ ،‬ويحكي لنا رواية‪ ،‬ويرينا فنا تشكيليا‪ ،‬وسيـسمعنا‬ ‫موسيقى‪ ،‬ويمتعنا بكل أنواع الفنو ن‪ .‬وهو من خلل ذلك كله يوصل‬ ‫الينا "رسالته"‪ ،‬التي يمكن أ ن تحمل الينا تساؤلت تعن أتعقد‬ ‫القضايا‪ ،‬أو تفسيرا لها‪.‬‬ ‫وأخص بذلك الفيلم الروائي بالذات‪".‬‬ ‫والسينما الروائية ليست مقصورة على"الخبراء الجانب"‪ .‬نلجأ اليهم‪،‬‬ ‫ونغدق عليهم‪ ،‬عساهم أن يحكون للعالم عن قضايانا وهمومنا‪.‬‬ ‫وليتق "أصحاب القرار" ا في الجيل التالي‪ ،‬والحالي‪ ،‬من السينمائيين‬ ‫الفلسطينيين‪.‬‬

‫*‬

‫*‬ ‫‪48‬‬

‫*‬


‫الخبــــــراء‪..‬‬

‫كثيرا ما ينعم ا على بعض"متنفذينا" بلحظات يشعرون فيها أنهم ل بد‬ ‫وأن يسايروا الزمن‪.‬‬ ‫وما زلت أذكرأحدهم‪ ،‬وقد قابلته صدفة في المطار لدى وصولي تونس‬ ‫قادما من القاهره‪ ،‬حينما رحب بي بحفاوة بالغة‪ ،‬وتبادل مع رفيق سفره‬ ‫نظرة أشعرتني أنهما كانا يبحثان عني‪ ،‬ثم أخذ يزف إلي بشرى قرار‬ ‫الدائرة التي يشغلونها بإنتاج فيلم روائي ها"م عن القضية الفلسطينيه‪.‬‬ ‫ثم‪ ..‬سألني‪ ،‬بصفتي قد قضيت وقتا طويل في مصرعلى علقة بالوسط‬ ‫السينمائي )!(‪ ،‬أن أدله على "مخرج سينمائي" مصري جيد ليقو"م بهذه‬ ‫المهمه!‬ ‫تساءلت بيني وبين نفسي‪:‬‬ ‫ولم هذا التواضع!؟‬ ‫ألم تسمعوا عن "المخرجين العالميين" الذين استأجرتهم "الصهيونية‬ ‫العالميه" لخراج "أفل"م عالميه"‪ ..‬مثل فيلم "قائمة شندلر"‪ ..‬ومن‬ ‫قبله فيلم "الخروج"‪ ..‬مث ا‬ ‫ل؟‬ ‫ثم قلت بيني وبين نفسي أيضا‪:‬‬ ‫بل هي‪،‬على القل‪ ،‬خطوة عرجاء في إتجاه صحيح‪.‬‬ ‫أما قصتي مع المتنفذ الخر‪ ،‬القتصادي ذو الشأن الكبير‪ ،‬الذي أخذ‬ ‫يبرر قراره‪ ،‬الذي كان السبب في فشل أكثر من مشروع سينمائي‬ ‫فلسطيني ها"م‪ ،‬بأن دوافعه في ذلك أنه ‪ -‬بالحرف الواحد‪" -‬يشتغل‬ ‫سياسه"!‬ ‫وهو يعني أن قراره نابع من إعتبارات سياسيه‪ .‬وكأن السينما مجرد‬ ‫تهريج لعلقة لها بأي اعتبارات أخرى!‬ ‫‪49‬‬


‫تلك قصة تبين أن هناك من المتنفذين من "يفهم" في السياسة‬ ‫والقتصاد مثلما "يفهم" في‪ ..‬السيما‪.‬‬ ‫وعسى أن يأتي اليو"م الذي يدركون فيه أن هناك أمورا حياتية يتعين‬ ‫على أهل السياسة أن يتفهموا بواعثها ونتائجها لكي يعرفوا كيف‬ ‫يتعاطوا السياسة‪.‬‬ ‫وما أكثر ما سمعنا ردودا على مطالبنا بتمويل مشروع سينمائي‪،‬‬ ‫تتلخص في أن المقاتل الفلسطيني أحوج إلى الرصاصة منه إلى الفيلم‬ ‫السينمائي‪ .‬فتيسقط في أيدينا‪ ،‬كما يقولون‪ ،‬ونجاهد في سبيل أن نسكت‪.‬‬ ‫ذلك‪ ،‬في الوقت الذي كنا نسمع فيه عن أموال تصرف على التوالي‬ ‫لمخرجين )ومخرجات( أجانب‪ ،‬بإصرار وبدون تردد‪ .‬وتكون النتيجة‬ ‫أنهم‪ ،‬حسب شهادة العارفين‪ ،‬لم يقدموا ‪-‬أيضا‪ -‬شيئا متميــــــــــزا‪.‬‬ ‫وفي بعض الحالت‪ ،‬ثبت أنهم‪ ،‬بعد أن تقاضوا مبالغ طائلة‪ ،‬لم يقدموا‬ ‫شيئا على الطـــــــــــلق)؟!(‬ ‫في أحد اليا"م‪ ،‬بعد أن سكتت البنادق والمدافع‪ ،‬قال القائد العا"م "ياسر‬ ‫عرفات"‪ ،‬في اجتماع له مع أفراد المكتب الداري لتحاد الفنانين‬ ‫الفلسطينيين‪ ،‬وكنت أنا منهم‪ ،‬ما معناه أنه لم يبق للفلسطيني‪،‬‬ ‫المحاصرفي منفاه‪ ،‬أوحتى في أرضه‪ ،‬من سقف يجمعه مع إخوته‬ ‫سوى تراثه وحضارته‪ .‬قلت هاهو"أهمهم" قد شهد أخيرا أن ا حق‪.‬‬ ‫وتمنيت أن يعطى جزءا يسيرا من ثمن تلك المدافع‪ ،‬التي سكتت‪،‬‬ ‫للفنانيـــــن الفلسطينييــــــن لكي "يطلقوا" مواهبهم وقدراتهم‪ .‬وهي‪،‬‬ ‫كما قال‪ ،‬السلح الوحيـــــد المتاح‪ ..‬في معركتنا القادمه‪.‬‬

‫*‬

‫*‬ ‫‪50‬‬

‫*‬


‫أفكــــــــار‪..‬‬

‫لم أكن بحاجة إلى إلحاح‪ .‬كنت أجدني في أشد الحاجة إلى أكثر من‬ ‫رأي فيما أكتب‪ .‬فما بالك إذا كان من بينها رأي كاتبنا "أحمد عمر‬ ‫شاهين"**؟‬ ‫وعندما كان موعد "عودتي" يقترب‪ ،‬كان يرى أن لقاءا‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬معي‬ ‫على صفحات الصحف المحلية‪ ،‬التي تصدر في تلك "النتفة" من أرض‬ ‫الوطن‪ ،‬حسب تعبيره‪ ،‬قد يكون له أثره في التعريف بنا والتأكيد على‬ ‫أهمية دورنا ورسالتنا البالغة الهمية‪ ..‬نحن السينمائيين‪.‬‬ ‫كان قد عرف عن معاناتنا‪ ،‬نجاحاتنا وإخفاقاتنا‪ ،‬في بيروت التي قضيت‬ ‫فيها زمنا امتد من عا"م ‪ 74‬حتى عا"م ‪ .1982‬أعمل مع غيري في مجال‬ ‫السينما الفلسطينية‪.‬‬ ‫كنت أؤجل تنفيذ اقتراحه مرة بعد أخرى‪ ،‬متسائل‪"..‬ماذا عساي أن‬ ‫أقول؟" وقد أشبعنا أمورنا أقوال‪.‬‬ ‫وإذا بصديقي "أحمد"‪ ،‬في اليو"م السابق لسفري‪ ،‬يناولني بضعة أوراق‬ ‫لعلي أجد في وقتي متسعا للجابة على ما جاء فيها من أسئلة‪ ،‬فأقو"م بعد‬ ‫ذلك بإرسالها له عبر البريد اللكتروني‪ .‬ليتولى هو صياغة "الحوار"‬ ‫المطلوب بالشكل الذي يراه‪ ،‬وإرساله للنشر في الصحيفة التي يراها‬ ‫مناسبة‪ .‬ولحسن الحظ ‪ ،‬كنت قد قمت بما يسمى "تفريغ الشرطة" التي‬ ‫___________________________________________‬ ‫)**(‬

‫صديقي الكاتب "توفيق فياض" كا ن أحد المقربين القلئل الذين أفادوني وجادوا تعلطي بملحظاتهم‬ ‫تعلى بعض ما كتبت‪ ،‬وإ ن كنت ألمس قدرا من المحاباة التي تفرضها صداقتنا ويمليها حرصه‬ ‫تعلى تشجيعي‪ .‬لكنه استطاع مع الصديق الكاتب "مهدي الحسيني" أ ن ينجح في تزويدي‬ ‫بملحظات هامة بذكاء ملحوظ ‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫تم تسجيلها في جلساتنا‪ ،‬وتخزينها في ذاكرة الحاسوب‪ ،‬بحيث يسهل‬ ‫الرجوع إلى مضمون أحاديثنا في أي وقت لحق‪ .‬ولم ينس صديقي أن‬ ‫يوصيني بالسترسال‪ ،‬أو عد"م الختصار‪ ،‬في الكتابة‪ ،‬وعد"م التقيد‬ ‫بحجمها‪ ،‬إذ ربما يتم نشر الحوار على أكثر من حلقة‪ ..‬في أكثر من‬ ‫صحيفة‪.‬‬ ‫*‬

‫*‬

‫‪52‬‬

‫*‬


‫حـــوار حول النســا ن‪ ..‬وإبداتعــاته‪..‬‬ ‫صديقي العزيز أحمد‪..‬‬ ‫أحمد ا أنني )بينما أنا في انتظار اللقاء المصيري مع الرفيق"ياسرعبد‬ ‫ربه‪ ،‬الوزيرالذي يحمل‪ ،‬لشدة دهشتي واستنكاري‪ ،‬لما في ذلك من‬ ‫"‬ ‫العل"م‪ ،‬وظيفته‬ ‫"‬ ‫الثقافة إلى جانب حقيبة"‬ ‫تسطيح لمفهو"م الثقافة‪ ،‬حقيبة" "‬ ‫الرئيسية التي أعترف بأنها تليق به ويليق بها(‪ ،‬وجدت متسعا من‬ ‫الوقت‪ ،‬بالضافة إلى متسلع من الترحيب من قبل فتيات مكتب‬ ‫"‬ ‫الحاسوب‬ ‫غزة‪ ،‬لن أجلس إلى جهاز"‬ ‫السكرتارية في مقرالوزارة في" "‬ ‫هناك‪ ،‬لكي أغوص‪ ،‬على فترات‪ ،‬في بحر أسئلتك سائل المولى أن‬ ‫يكفيني شر الغرق!‬ ‫ولقد رأيت أن أختصرالشارة إلى السئلة‪ ،‬أو حتى عد"م ذكرها في‬ ‫بعض الحالت‪ ،‬لنني أعتقد أن الجابة سوف تحتوي على فحوى‬ ‫السؤال‪ .‬ولك بعد ذلك‪ ،‬على أي حال‪ ،‬أن تعيد صياغة‪ ،‬أواختصار‪ ،‬أو‬ ‫إعادة تبويب ما أكتب‪ ،‬لتجعله يأخذ شكل الحوارالذي تراه صالحا‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫كما رأيت‪ ،‬نظرا لغزارة السئلة وتنوعها‪ ،‬أن تكون إجاباتي على‬ ‫دفعات‪ .‬ذلك لكي أتيح لنفسي فرصة للتفكير في صياغتها‪.‬‬ ‫هذا‪ ..‬مع يقيني بأنك سوف تستبعد ما من شأنه أن يثير الحساسية‪،‬‬ ‫وتبقي على ما من شأنه إكمال الصورة‪.‬‬ ‫وذلك مع قناعتي بأن الحوار بين طرفين‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬ل يكو ن في الصل‬ ‫بغير حضورهما في زما ن ومكا ن واحد‪ ،‬لكي تكتمل له أهم تعناصره‪،‬‬ ‫ومنها السترسال‪ ..‬والتداتعي والتبادل في الفكار والخواطر‪.‬‬ ‫ولكن ما حيلتنا وقد جمعتنا صفة التشتت‪ ،‬أو الوجود خارج مكاننا؟!‬ ‫ودمتم‪.‬‬ ‫)انتهت الرسالة(‬ ‫غزه في ‪5/9/1996‬‬ ‫‪53‬‬


‫س‪:‬‬

‫الفن‪..‬؟‬

‫ج ‪ :‬رحم ا الديب والمفكر "زكي مبارك" صاحب سلسلة‬ ‫المقالت الشهيرة "الحديث ذو شجون"‪ ،‬في جريدة "البل"غ" المصرية‬ ‫العتيدة‪.‬‬ ‫فالحديث عن الفن ل بد وأن يأخذ شكل مشابها‪ ،‬ل يخلو من التداعي‬ ‫والسترسال‪ .‬خصوصا وقد أتيحت لي رفاهية أن أنفرد وأجلس إلى‬ ‫جهاز الحاسوب‪ ،‬مستعينا بذاكرتي‪ ..‬وذاكرته‪.‬‬ ‫فعسى أن أوفق في إجاباتي‪ ..‬ول أنزلق إلى حافة إدعاء المعرفة‪.‬‬ ‫وعلى كل حال‪ ،‬فما المعرفة إل حصيلة ما قرأناه‪ ..‬وتعايشناه‪ ..‬وما‬ ‫جاء ردا تعلى تساؤلتنا إطبا ن رحلة العمر‪.‬‬ ‫بداية أحب أن أؤكد أنه من العبث‪ ،‬بالرغم من كل ما قيل في الفن‪ ،‬أن‬ ‫نجد تعريفا شامل لماهيتة ومعناه‪ .‬فالفن ل يعمرف مثل سائرالشياء‪،‬‬ ‫إنه ليس بشيء‪ ..‬إنه طريق إلى الكثير من الشياء‪.‬‬ ‫إنه مثل كل القيم الكبيرة التي تعجزالعبارات أن تحيط بها وتعطيها‬ ‫حقها من التعريف‪ .‬هل استطاع أحدنا أن يضع لنا تعريفا شافيا كافيا‬ ‫لمعنى الحياة‪ ..‬والصدق‪..‬والصداقة‪ ..‬والحب‪ ..‬والوفاء‪ ..‬والعدالة ‪..‬‬ ‫والجمال؟‬ ‫كل مانستطيع أن نفعله هوالقتراب من صورة ومضمون هذا المفهو"م‬ ‫أو ذاك‪.‬‬ ‫وعلى كل حال‪ ..‬فكلمة "فن" تستخد"م عادة لتدل علي أعمال إبداعية‬ ‫كفن الرقص‪ ..‬أوالموسيقى والتلحين‪ ..‬أوالغناء‪ ..‬أوالشعر‪ ..‬أوالكتابة‬ ‫والتأليف‪.‬‬ ‫والتي تعد نتاجا للموهبة البداعية عند البعض‪.‬‬ ‫الفن هو أجمل تعبير عن ميلد الحياة على الرض‪.‬‬ ‫إنه ملذ للروح‪..‬‬ ‫وهو نافذة الروح إلى العالم والشياء والناس‪..‬والخرين‪.‬‬ ‫وربما يكفي الفن تعريفا أنه القادر على أن يوفر لنا المباهج الروحية‪،‬‬ ‫‪54‬‬


‫التي من شأنها أن تزيل رواسب متاعبنا البدنية والنفسية‪.‬‬ ‫إنه مهارة يحكمها الذوق‪ ..‬والموهبة‪.‬‬ ‫وهو وسيلة‪ ،‬وليس هدفا‪.‬‬ ‫إنه الطريق السرع لبناء الحضارات‪.‬‬ ‫هذا ولقد جرى التعارف تعلى أ ن هناك نوتعا ن من الحقيقه‪:‬‬ ‫حقيقة تنير لنا الطريق‪..‬وأخرى تعلي كلمة الحق‪..‬والخير‪ ..‬والجمال‪..‬‬ ‫و تدفيء القلب‪ ..‬وتنعش الروح‪.‬‬ ‫الولى هي العلم‪ ،‬والثانية هي الفن والبداع‪.‬‬ ‫فالفن هو قيمة إنسانية لها ثمارها كما الشجار‪ ،‬أصلها يغوص في رحم‬ ‫الرض‪ ،‬وفروعها ترتفع حاملة أنواعا شتى من الزهار والثمار‪.‬‬ ‫والفنون على أشكالها ما هي إل وجوه مختلفة للحضارة النسانية‪.‬‬ ‫فالفن إذن‪ ،‬هو إمكانية أ ن نجعل للمشاتعر شكل محسوسا‪.‬‬ ‫أو أنه القدرة تعلى صياغة الحلم بشكل يقربها من الحقيقة‪.‬‬ ‫ونحن عندما نمتلك الموهبة‪ ،‬المدعومة بالثقافة والعلم‪ ،‬ونتمكن من أن‬ ‫نعبرعن مشاعرنا بطريقة محسوسة ملموسة‪ ..‬فهذا هوالفن‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬علما بأن أدوات التعبير عن المشاعر كثيرة متعددة متنوعة‪.‬‬ ‫وهي قد أضحت من أهم الوسائل لفهم الحياة و العالم‪.‬‬ ‫والفن‪ ،‬كما كان يحلو لـ"بابلو بيكاسو" أن يعمرفه‪:‬‬ ‫"كذبة تجعلنا نتعرف على الحقيقة"‪.‬‬ ‫أو كما يقول "جوستاف فلوبير"‪:‬‬ ‫"من كل الكاذيب‪ ،‬الفن هو أبعدهم من تعدم الصدق‪".‬‬ ‫وقديما قالوا عن الشعر‪ ،‬وهوأحد أهم وأعرق الفنون‪ ،‬مداعبين‪:‬‬ ‫"اعذب الشعرأكذبه"!‬ ‫وأضاف شاعرنا "البحتري" ممازحا‪:‬‬ ‫"الشعر تيغني عن صدقه كذبه"!‬ ‫‪55‬‬


‫والفن‪ ،‬بعلقته الوثيقة المتواطئة مع الحل"م‪ ،‬يعتبر شريكا وثيق‬ ‫الصلة بالحب‪ .‬بما في ذلك حب الوطن ‪ ..‬وحب الخر‪ ..‬وحب الخير‬ ‫إلخ‪.‬‬ ‫فأنت إذا استبعدت الحب لن يكون هناك أحل"م‪ ..‬ول فن‪.‬‬ ‫والفرق بين الفن واللفن‪ ،‬يشبه ‪ -‬وشتان بين هذا وذاك‪ -‬الفرق بين‬ ‫"الحلم" و "الكابوس"‪ .‬فالحل"م تعيش في إيحاءاتها‪ ،‬والكوابيس تموت‬ ‫إن لم يحولها الفنان إلى أحل"م‪.‬‬ ‫في "السينما" مثل‪ ..‬يندفع المشاهد‪ ،‬تحت تأثير المفردات البصرية في‬ ‫العمل السينمائي‪ ،‬مستعينا بخبرته ومخزونه في هذا المجال‪ ،‬للمشاركة‬ ‫في خلق الحالة التي يسعى إليها المبدع لينشأ عن ذلك شحنة نفسية‬ ‫تحمل مضمونا موحيا‪ ،‬تستدرج حواسنا‪ ،‬بصرا وسمعا‪ ،‬لتمنحها بهجة‬ ‫غامضة فيها شعور بلذة ما!‬ ‫س‪:‬‬

‫وظيفة الفن‪ ..‬ومهمة الفنا ن؟‬

‫ج ‪ :‬الفن واقع خيالي يكمن في تفاصيله جوهر الحقيقة‪ .‬بمعنى أننا‬ ‫لو حرصنا على إعادة عرض هذه التفاصيل بطريقة مبتكرة لتمكنا من‬ ‫أن نصل بالمتلقي إلى غرض أو هدف معين‪.‬‬ ‫إن من صميم أغراض الفن إظهارالمزايا الداخلية للشياء‪ ،‬أما الشكل‬ ‫الخارجي فهو ثانوي الهمية‪.‬‬ ‫ومن أغراض الفن بلورة "العواطف" وصياغتها إلى "أفكار"‪ ،‬ومن ثم‬ ‫عرضها في "شكل ما"‪.‬‬ ‫والفن هو‪ ،‬إن جازالتعبير‪" ،‬صدمة" يحدثها العمل الفني في المتلقي‪..‬‬ ‫يكون نتيجتها "التغيير"‪ ..‬إلى الفضل طبعا‪.‬‬ ‫والخبير الياباني "ماساكي إماي" كان له الفضل في تكريس تعبير‬ ‫يتكون من كلمتين هما "كاي"‪ ،‬وتعني التغيير‪ ،‬و"زن"‪ ،‬التي تعني‬ ‫للفضل‪ ،‬حينما دمج الكلمتين في لفظ واحد وهو "كايز ن" ليصبح‬ ‫المعنى التغيير إلى الفضل‪ .‬وذلك ما أصبح يشير إلى نظرية باسم ذلك‬ ‫‪56‬‬


‫الخبير الياباني ترفض الفكار المسبقة وتنادي بالمواظبة تعلى محاولة‬ ‫التغيير التدريجي إلى الفضل بدو ن كلل أو ملل‪.‬‬ ‫فالفن هو أداة للتمرد‪ ،‬أو التعبيرعنه‪ ،‬وبالتالي فهو طريق إلى التغيير‪.‬‬ ‫وهو‪ ،‬بشكل عا"م وبمعناه الشمل‪ ،‬خطوات دؤوبة متواصلة نحو‬ ‫اكتمال الوجود‪ ،‬مما يحقق للنسان قدرا من التفاؤل والسعادة من خلل‬ ‫تأكيد قيم الحق والخير والعدالة والجمال‪ ،‬ومما يبين لنا أن وظيفة الفن‬ ‫هي‪ ،‬أيضا‪ ،‬أن يمسح عن أرواحنا غبار مشاكل الحياة اليومية وأعباءها‬ ‫وأحزانها‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وإنه‪ ،‬بل شك‪ ،‬لمما يدعو إلى التشاؤ"م أن نكون غير قادرين على‬ ‫التغيير! ذلك لن التغيير هو سنة الحياة‪ ..‬ودليل على استمرارها‪.‬‬ ‫وقديما قالوا أ ن التغيير هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في الحياة‪.‬‬ ‫س ‪ .. .. .. :‬؟‬ ‫ج ‪ :‬البداع لم يكن‪ ،‬ولن يكون‪ ،‬ترفا‪.‬‬ ‫إنه ضرورة يقع تحقيقها على عاتق الفنان‪ ،‬الذي يتعين عليه القيا"م‬ ‫بدوره عن طريق إبداعاته في الرتقاء بالذوق‪ ،‬وصقل "ثقافة الحواس"‬ ‫وتنمية "ذكاء المشاعر"‪ ،‬لتؤكد تناقضها مع القبح‪ .‬قبح التصرفات‬ ‫والسلوك أيضا‪.‬‬ ‫و"ثقافة الحواس"‪ ..‬و"ذكاء المشاتعر" هي صفات إنسانية يترتب‬ ‫عليها نمو المهارات والصفات التي من شأنها أن تساعد الناس على‬ ‫التجانس معا‪.‬‬ ‫الشاعر والمفكر اللماني "جوته" يوصينا‪:‬‬ ‫"يجب على النسان أن يواظب ‪ ،‬في كل يو"م من أيا"م حياته‪ ،‬على سماع‬ ‫الموسيقى أو قراءة الشعر أومشاهدة الصورالجميلة لكي ل تذوي حاسة‬ ‫تذوق الجمال التي وهبها ا إياه‪".‬‬ ‫وأفلطون يؤكد موصيا‪:‬‬ ‫"علموا أولدكم الفن‪ ،‬ثم أغلقوا السجون!"‬

‫‪57‬‬


‫تعلى أ ن العمل الفني‪ ،‬تعبيريا كا ن أم تشكيليا‪ ،‬ل يكتمل بدو ن الحوار‬ ‫الصامت بينه وبين المتلقي‪ ..‬ومن ثم الحوار الصاخب الجاد بين‬ ‫المتلقين أنفسهم‪.‬‬ ‫هذا‪..‬ول ننسى أ ن المعيار الحقيقي للفن أ ن يستطيع تذوقه أقــل النــاس‬ ‫تحصيل وأكثرهم تحصيل تعلى السواء‪.‬‬ ‫س ‪ :‬تصنيف العمل الفني‪..‬؟‬ ‫ج ‪ :‬أحب هنا أن أؤكد قناعتي بأن الفنان يبدع أول‪ ..‬ثم تتبين لنا‬ ‫أدواته بعد ذلك ما كان يعنيه و يرمي إليه‪ .‬وللناقد أو المتلقي بعد ذلك أن‬ ‫تيجري تصنيفه‪ ..‬وتفسيراته‪ .‬فالعمل الفني يوجد أول‪ ..‬ثم يصنف بعد‬ ‫ذلك‪ ..‬وليس العكس‪ .‬والبداع الحقيقي هو الذي يسبق النظرية ويمهد‬ ‫لها‪ .‬وهدف الفنان هو أن يوحي فقط ‪ ..‬وعلى المتلقي أن يستنبط‬ ‫الدللت‪.‬‬ ‫والعبرة‪ ،‬في أي عمل فني‪ ،‬هي في المعنى الجمالي للعمل!‬ ‫ول يجوز محاسبة التفاصيل بعيدة عن سياقها!‬ ‫هذا علوة على أن العملية البداعية هي محاولة لإدماج الحلم بالواقع‪..‬‬ ‫كما يعتقد السيرياليون‪ ،‬الذين يرون أن الحقيقة تكمن في الخيال‪ ،‬ل في‬ ‫العقل كما يرى الكلسيكيون‪ ،‬ول في النفعال كما يرى الرومانسيون‪،‬‬ ‫أو فنانو المدرسة التأثيرية الفرنسية الذين رسموا كما رأوا واستشعروا‬ ‫ل كما عرفوا‪ ،‬حيث أن ألوانهم التي نراها تختلف عن تلك التي تقبع في‬ ‫ذاكرتنا بوصفها سمة الشياء والطبيعة‪.‬‬ ‫وكأنما كانت مهمة الفنان‪ ،‬في أي زمان‪ ،‬هي أن يكتشف بحاسته‬ ‫المرهفة ما لم تفعله يد الطبيعة من قبل‪ ،‬ليفعله هو‪ ،‬أو يوحي بذلك‪.‬‬ ‫س ‪ :‬مكا ن التأثير للفن‪ ..‬هل هو العقل أم القلب؟‬ ‫ج ‪ :‬سؤال يكاد أن يكون عبثيا‪ ..‬مراوغا‪.‬‬ ‫وإلم لما تعددت بشأنه الجابات والجتهادات والدراسات والكتشافات‪،‬‬ ‫بحيث كدنا نخشى أن نركن إلى واحدة منها دون الخرى‪ ،‬ول بأس من‬ ‫أن نتطرق معا إلى إحدى هذه الجتهادات‪:‬‬ ‫‪58‬‬


‫فكلنا نعرف أن القلب هو مجرد مضخة لتوزيع الد"م إلى أنحاء الجسد‬ ‫لمداده بالغذاء والقوة‪ .‬فالقلب‪ ،‬كما تعلمنا في دروس الصحة‪ ،‬يتكون‬ ‫من جزأين‪ :‬جزء أيمن‪ ،‬يستقبل الد"م الفاسد‪ ،‬أو المستهنلك‪ ،‬ويرسله إلى‬ ‫الرئة لتقو"م بتصفيته وتنقيته بفعل الوكسجين المستخلص من الهواء‬ ‫عن طريق الرئتين‪ .‬وجزء أيسر‪ ،‬يستقبل الد"م الصالح‪ ،‬أو النقي‪ ،‬ليعيد‬ ‫إرساله إلى أنحاء الجسم ليستفيد منه ويستعيد لياقته وتوازنه‪ .‬وذلك ما‬ ‫سمي بالدورة الدموية‪.‬‬ ‫ولقد قرأت فيما قرأت أن الدما"غ‪ ،‬الذي يحتوي العقل‪ ،‬أيضا جزءان‪.‬‬ ‫الجزء اليمن الذي يتميز بمسئولية جزء من تلفيفه‪ ،‬التي تسمى مراكز‬ ‫شعورية‪،‬عن الخيال المبدع واللهام‪ ،‬والجزء اليسر الذي يشمل‬ ‫التلفيف أو المراكز الشعورية المسئولة عن التحليل والمنطق‪.‬‬ ‫ولو فرضنا أن الد"م المتدفق من وإلى القلب تقابله "مشاعر" متدفقة من‬ ‫وإلى الدما"غ‪ ،‬فإن الجزء اليمن منه هو الذي يقو"م بمهمة تنقية ما وصل‬ ‫إليه من المشاعر‪ .‬والجزء اليسر يقو"م بمهمة توزيع هذه المشاعر‬ ‫اليجابية‪..‬النقية‪..‬لكل الجسم حتى يشعر بالتوازن‪.‬‬ ‫ربما نقترب أكثر من الجابة على سؤال "القلب أ"م العقل" عند‬ ‫الستعانة بما أدلى به "د‪ .‬جاري شفارتس"‪ ،‬أستاذ علم النفس بجامعة‬ ‫"أريزونا"‪ ،‬بشأن زراعة العضاء‪ ،‬والقلب بالذات‪ ،‬وأثر ذلك على‬ ‫بعض سلوكيات المريض بعد ذلك‪.‬‬ ‫فعندما أجريت هذه العملية لشخص كان على وشك الموت قبــل أن يجــد‬ ‫متبرعا بقلبه‪ ،‬لوحظ‪ ،‬بعد أن تم إجراء العملية له بنجاح‪ ،‬أنه بينمــا كــان‬ ‫المريض يستمع إلى أغنية حزينة‪ ،‬أنه كان يبكي متأثرا بكلماتها‪.‬‬ ‫هذا‪..‬علما بأن المريض لم يسبق له أن تأثر بهذا النوع من الغاني التي‬ ‫تبين أن المتوفي‪ ،‬صــاحب القلــب المنقــول إلــى المريــض‪ ،‬كــان يفضــل‬ ‫سماعها ويتأثر بها‪.‬‬ ‫يفسر"د‪ .‬شفارتس"ظاهرة التغيرات هذه بأن كل خلية في جسم النســان‬ ‫تحتوي بشكل عا"م على مجموعة متكاملة من الصفات الوراثية الخاصة‬ ‫بالشخص المتبرع وهــذا هــو ســرتغير ســلوك وعواطــف مــن تعرضــوا‬ ‫لهذه النوعية من الجراحات‪ .‬وفيما يخص القلب‪ ،‬فبالضافة إلى صــفاته‬ ‫‪59‬‬


‫الوراثية‪ ،‬فهو يحتوي أيضا على جزء من ذاكــرة النســان وهــو الجــزء‬ ‫الذي له علقة بذوق وميول وعواطف وأحاسيس صاحبه‪ .‬وهذه الذاكرة‬ ‫هي السبب فــي التغيــرات الــتي تطــرأ علــى كــل مــن تجــرى لــه عمليــة‬ ‫زراعة القلب‪ .‬وتظهر هذه التأثيرات بوضوح كلما كان الختلف كبيرا‬ ‫ملحوظا بين ذوق وسلوك المتبرع والشخص الذي تم نقــل هــذا العضــو‬ ‫له‪.‬‬ ‫ومن أطرف ما قرأت حول هذا الشــأن‪ ،‬هــو ظــاهرة ورود ألفــاظ بذيئــة‬ ‫على لسان شخص أجريت له عمليــة "زرع لســان" لــم يحــدث‪ ،‬بشــهادة‬ ‫المقربين منه‪ ،‬أن تفوه بها قبل إجراءالعملية له‪ .‬بينما شـهد بعضـهم بـأن‬ ‫المتوفي‪ ،‬صاحب اللسان‪ ،‬قد درج على التفوه بتلك اللفــاظ! وذلــك ممــا‬ ‫يؤكد أن أعضاء النسان تمتلك ذاكرتها الخاصة‪.‬‬ ‫ثم يكتشف العلماء مؤخرا أن القلب يحوي أكثر من أربعين ألف خلية‬ ‫عصبية لها دور مهم في التفكير والدراك والسلوك وتوجيه الدما"غ‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الحاسة السادسة‪ ..‬والفنا ن؟‬ ‫ج ‪ :‬من الطبيعي أن يتمتع الفنان بنسبة أعلى من غيره من هذه‬ ‫المنحة الربانية‪ ،‬التي تتجلى قدرتها بأشكال وأسماء مختلفة‪ ..‬مثل‬ ‫الشفافية‪ ..‬والفراسة‪ ..‬أو الحدس‪ ..‬أو الستبصار‪ ..‬أو نفاذ البصيرة إلى‬ ‫أشخاص أو أحداث‪ ..‬أوالذكاء الجتماعي‪ ..‬وحب المغامرة المحسوبة‬ ‫أو قراءة الأفكار أو المشاعر‪ ..‬أو التنبؤ بأحداث أثناء وقوعها في مكان‬ ‫بعيد‪ ،‬بل حتى قبل وقوعها‪.‬‬ ‫قد ل تشعر بارتياح لشخص بدون أن تعرف سببا ا لشعورك هذا‪ .‬بل تجد‬ ‫هاتفا من أعماقك يطالبك بأن تتجنبه‪ .‬فإذا ما توطدت علقتك به أثبتت‬ ‫لك اليا"م صدق إحساسك الخفي‪.‬‬ ‫هذا هو أحد مظاهر الحاسة السادسة‪.‬‬ ‫وقد يرف جفنك )وذلك ما بات يعتبر من الموروثات الشعبية( إعلنا‬ ‫عن حدث ما يشغل بالك‪ ..‬تتوقعه‪ ..‬ول يلبث أن يتحقق‪.‬‬ ‫ولقد أكد الباحثون أن الحاسة السادسة ليست ثابتة‪ ،‬أي أنها ليست إرادية‬ ‫مثل الحواس الخمس الخرى‪ .‬وهي موجودة لدى الجميع‪ ،‬لكنها نشطة‬ ‫‪60‬‬


‫لدى البعض ومعطلة جزئيا أو كليا لدى البعض الخر‪ .‬ويتوقف ذلك‬ ‫على بعض العوامل مثل المزاج المعتدل وصفاء الذهن‪ .‬فكلما كان‬ ‫النسان في حالة جيدة تنشط الحاسة السادسة‪ ..‬والعكس صحيح‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الفن و الدين ؟‬ ‫ج ‪ :‬عرفنا الديان عن طريق أنبياء يحملون إلينا رسالتهم‪ ..‬وحيا ا‬ ‫من ا‪.‬‬ ‫وعرفنا الفنون‪ ،‬عن طريق مبدعين لتخلو إبداعاتهم من رسالت‪..‬‬ ‫إلهاما منه عز وجل‪.‬‬ ‫الفرق بين رسالة النبي‪ ..‬ورسالة الفنان‪ ..‬مثل الفرق بين الشجرة‬ ‫والفرع‪ ..‬مثل الفرق بين الزهرة وثمارها‪.‬‬ ‫الدين يعلي من شأن العقل‪ ..‬ويتخذ من الجتهاد مصدرا للتشريع‪..‬‬ ‫تأسيسا للديمقراطية‪.‬‬ ‫آيات ا المتمثلة في الكون البديع‪ ..‬بما فيه من طبيعة خ م‬ ‫لبه‪ ..‬وتناسق‬ ‫جميل‪ ..‬وتضاد أجمل‪ ،‬وبما فيه من ألوان وأشكال‪ ..‬وأحجا"م ومساحات‬ ‫وضوء وظلل‪ ..‬وخليقة ونباتات‪ ..‬هي صور يحاول الفنان إعادة‬ ‫صياغتها‪ ..‬متأمل فيها‪ ..‬وفي تأمله عباده‪.‬‬ ‫فعندما نشاهد وجها أو منظرا جميل‪ ..‬أو نسمع لحنا جميل‪ ..‬أو تلفحنا‬ ‫نسمة محملة بعبق الطبيعة‪ ..‬تنطلق منا‪ ،‬بدون وعي أو تدبير‪ ،‬كلمة‬ ‫"اللــــــــه"!‬ ‫المسلم يـ ت "رتل القرآن ترتيل"‪..‬‬ ‫و "الورغل" يحتل مكان الصدارة في الكنيسه‪..‬‬ ‫و بدايات المسرح لم تكن في التاريخ سوى طقوس دينيه‪..‬‬ ‫والفن التشكيلي كان‪ ،‬وما زال‪ ،‬يستمد موضوعاته من الكتب السماوية‬ ‫على مرالتاريخ‪.‬‬ ‫م‬ ‫وإذا كان الدين يقو"م بتنظيم علقات البشر‪ ،‬فإن الفن يتولى تنظيم‬ ‫النسان من داخله وإحداث التوازن فيه‪ .‬وما ذلك إل تكامل مع رسالة‬ ‫الدين‪ .‬ول أظنني مجاف للمنطق عندما أقول أن في ممارسة الفن أو‬ ‫تامله شيء من العبادة‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫فإذا تأملنا أقوال مثل "العمل عبادة" أو "التأمل في خلق ا عبادة" أو‬ ‫قوله تعالى "إن ا يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه‪ ،".‬نجد أن هذه‬ ‫المعاني ليست بعيدة عن جوهر الفن‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الفن والسياسة؟‬ ‫ج ‪ :‬الفنان هو إنسان يكره الحديث في السياسة‪ ..‬ولكنه يمارسها‬ ‫بطبعه‪ .‬فهو شاهد عصره وضمير أمته‪ .‬وهو من يحرص دائما في‬ ‫إبداعاته على أن يعبر عن معاناة الناس وآمالهم وأحلمهم‪ ..‬ومن ثم‬ ‫على تحديد لملمح أمته‪.‬‬ ‫فهو إذن من أبرز وأهم حماة الهوية‪ ،‬وهو الذي يرى أكثرمن غيره أن‬ ‫الحياة مع الخرين‪ ،‬ومن أجلهم‪ ،‬هي جوهر فلسفة الحياة‪.‬‬ ‫والهم من ذلك كله أنه ل بد وأ ن يدرك أ ن العمل الفني يجب أ ن ل‬ ‫يخضع لمعاييرالفن والجمال فقط ‪ .‬فهناك معايير أخرى مثل مقدار‬ ‫اللتزام الجتماتعي والسياسي والخلقي‪ ..‬والمعايير التي تعبرتعن‬ ‫أحوال وآمال الغلبية الساحقة من الناس‪.‬‬ ‫فمهمة الفنا ن‪ ،‬إذ ن‪ ،‬هي أ ن ينصت إلى الصوات الخافتة )من هول‬ ‫القمع( ليعيد ترديد معانيها بوضوح‪ ..‬وبالشكل الذي يحسنه‪.‬‬ ‫أليس في ذلك ما يقترب بالعمل الفني‪ ،‬بطريقة أو بأخرى‪ ،‬من مفهو"م‬ ‫"السياسة"‪ ،‬التي يرجع أصلها إلى فعل ساس‪ ..‬يسوس؟‬ ‫ذلك بمعنى‪ :‬تسيير الأمور وقيادتها و معرفة كيفية التوفيق بين‬ ‫التوجهات النسانية المختلفة و التفاتعلت بين أفراد المجتمع الواحد‪.‬‬ ‫س ‪ :‬مساحة الحرية‪..‬؟‬ ‫ج ‪ :‬تقصد‪ ..‬إلى أي مدى يمكن أن تذهب حرية الفنان؟ وهل‬ ‫للبداع حدود ينبغي أن يتوقف عندها؟‬ ‫ردي على ذلك هو أنه ل مجال للحديث تعن البداع بدو ن توفر القدر‬ ‫الكافي من الحرية‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫فالقدرة على الختيارهي التي تحقق التزان وتخلق التوازن داخل‬ ‫المبدع‪ ،‬مما يجعل عمله يتسم بالنضوج‪ ،‬ومما يسهل انعكاس ذلك على‬ ‫المتلقي بوضوح‪.‬‬ ‫ما فائدة أن أمتلك القدرة على التعبير وأنا ل أتمتع بالحرية؟‬ ‫فل بد لي عمل إبداعي‪ ،‬لكي يخرج في شكله الناضج المتزن‪ ،‬من‬ ‫قدرة المبدع على الختيار‪ ،‬ومن ثم الشهار‪.‬‬ ‫أكرر‪..‬الحرية بالنسبة للعمل البداعي شرط لغنى عنه أبدا‪ .‬فالعلو"م‬ ‫والفنون والثقافة ل تعطي ثمارها المتجددة إل في ظل الحرية‪.‬‬ ‫وكما هو النورللعينين‪ ..‬والهواء للرئتين‪ ..‬والحب للقلب‪ ،‬كذلك الحرية‬ ‫هي بالنسبة لروح النسان‪.‬‬ ‫س‪ :‬فن حديث‪ ..‬وفن قديم‪..‬؟‬ ‫ج ‪ :‬صحيح أن الفنان إبن زمانه‪ ..‬وإبداعاته تعبرعنهما‪.‬‬ ‫ومما ل شك فيه أن البداع الصيل يظل معاصرا مهما تقاد"م الزمن‪.‬‬ ‫ول صحة لوجود فنان يسبق زمانه‪.‬‬ ‫و قد يكون هنالك بعضهم )وهم كثر( ممن هم دون الزمان‪ .‬وهم الذين‬ ‫لفظهم‪ ،‬أوسيلفظهم‪ ،‬التاريخ‪.‬‬ ‫وهناك قول لقـ"إبن قتيبة"‪ ،‬صاحب "الشعروالشعراء"‪ ،‬ل يفوتني أن‬ ‫أستظهره‪ ،‬وهو‪:‬‬ ‫"ولم يقصر ا العلم والشعر والبلغة تعلى زمن دو ن زمن‪ ،‬بل جعل‬ ‫ذلك مشتركا مقسوما بين تعباده في كل دهر‪ ،‬وجعل كل قديم حديثا في‬ ‫تعصره‪".‬‬ ‫وإذا سلمنا بأن لكل عصر"تراثه"‪ ،‬فإنه بالتالي ل قيمة لحداثة ل تؤسس‬ ‫على التراث‪ ،‬أو ل تكون إطاراا يحتوي مضمونا حديثا‪.‬‬ ‫ولقد اتفق النقاد على تلخيص ما فات بقولهم أن‪:‬‬ ‫"الحداثة الحقة هي التي تنطلق من التراث وتؤسس تعليه‪".‬‬ ‫‪63‬‬


‫س ‪ :‬محاكاة الطبيعة‪ ..‬والحداثة‪..‬؟‬ ‫ج ‪ :‬منذ نشأة النسان الول وهو يبذل ما في وسعه للتواصل مع‬ ‫بقية أبناء جنسه‪ ،‬وربما مع سائر المخلوقات التي تشاركه بيئته‪ .‬وقد‬ ‫تمكن‪ ،‬بالتدريج وبالخبرة‪ ،‬من الوصول إلى مجموعة من‬ ‫الرموزالمنطوقة للدللة بها على احتياجاته‪ ،‬وأفكاره ومشاعره‪.‬‬ ‫ربما حاكى في البداية بعض الكائنات الخرى‪ ،‬التي سبق وجودها‬ ‫وجدوده‪ ،‬ولكنه شيئا فشيئا أخذ يبتكر رموزه الخاصة‪.‬‬ ‫وهكذا كانت بداية اللغة المنطوقة‪ ،‬ومن ثم اللغة المكتوبة المطورة عن‬ ‫الصور أو الرسومات التي كانت مفرداته في البداية‪ .‬هذا بالضافة إلى‬ ‫الحركات واليماءات المرئية والطقوس التي درج على أن يستعين بها‪،‬‬ ‫محاكيا‪ ،‬لدعم لغته عندما كانت تعجزعن التعبير عما يعتمل في نفسه‬ ‫وما يدور في خاطره وفكره‪.‬‬ ‫وكذلك الحال مع الفنون التشكيلية‪ ..‬والتعبيرية‪.‬‬ ‫أفلم يحاول النسان الول محاكاة ذلك النوع من اليائل وهي تقف على‬ ‫مرتفع من الرض بمواجهة الريح وتحرك رأسها‪ ،‬ذات القرون المتعرجة‬ ‫المتعددة الثقوب‪ ،‬يمينا وشمال في جذل‪ ،‬ليصدرعنها‪ ،‬بفعل أنفاس الريح‪،‬‬ ‫تلك الزغاريد الهوائية الطروب فتبعث النشوة في اليائل ومن ثم في‬ ‫النسان الذي اهتدى منذ فجر التاريخ إلى آلة النفخ الموسيقية؟‬ ‫فمعظم الفنون‪ ،‬إن لم يكن كلها‪ ،‬ابتدأت بمحاكاة الطبيعة والواقع‪ ،‬وإن‬ ‫جاءت الحداثة لتتعارض مع ذلك في كثير من الحيان‪.‬‬ ‫لكن الكيد أن محاكاة الواقع ليست من الفن في شيء إ ن لم تحمل‬ ‫بين طياتها دللت يستقبلها المتلقي ومعها وجهة نظر معينة‪ ..‬أو‬ ‫إيحاء مقصود‪.‬‬ ‫فالفن يتجاوزالواقع السائدالملموس إلى عوالم إفتراضية رحبة مقصودة‪.‬‬ ‫وجماليات الفن‪ ،‬حسب الكاتب والناقد الكبير جابر عصفور‪ ،‬رهينة‬ ‫لنسبية الزمن حيث تتغير طاقة المبدع وتتبدل ذائقة المتلقي‪.‬‬

‫‪64‬‬


‫س ‪ :‬تقدم التكنولوجيا‪ ..‬والحداثة في الفن؟‬ ‫ج ‪ :‬ليس صحيحا ما يقال بأن الحداثة في الفن هي نتيجة لتقد"م‬ ‫العلو"م والتكنولوجيا‪ .‬فلكل تعصر حداثته‪ .‬وجوهرأي عصركان‪،‬‬ ‫وسيكون دائما‪ ،‬متميزا متألقا بنور معارف ذلك العصر وإشعاعات‬ ‫حضارته‪.‬‬ ‫ألم يتحدث النقاد عن "الرموز" في شعر "أبو نواس"؟‬ ‫وعن الصور المأخوذة من"فوق الواقع" أو من "تحته"‪ ،‬كما يقولون‪،‬‬ ‫في شعر"امرؤ القيس"؟‬ ‫فهل معنى هذا أن نطلق على الول لقب "شاعر رمزي"‪..‬‬ ‫وعلى الثاني "شاعر سوريالي"؟‬ ‫س ‪ :‬الغموض أحد سمات فناني الحداثة‪ ..‬لماذا؟‬ ‫ج ‪ :‬ألســت معــي فــي أن الغللــة الرقيقــة علــى وجــه المــرأة أو حــول‬ ‫جسدها قد تلفت النظر إلى محاسنها أكثر من أن تخفيها؟‬ ‫من هنا كان ل بد للفنان المبدع من أن يلجأ إلى حيلة الغموض‪ ،‬لكي‬ ‫يضفي قيمة إلى إبداعه بـ زيادة جرتعة اليحاء‪.‬‬ ‫فما قيمة الفن بل قدرته على اليحاء أو خلق الحوار بين عقل المبدع‬ ‫الباطن ووجدان المتلقي وعقله؟‬ ‫وغالبا ما تكون الرموز والدللت من خلق المتلقي نفسه ومن‬ ‫استنباطاته‪ .‬لن العمل الفني من شأنه في الصل أن يظل بعيدا عن‬ ‫المباشرة وأن يوحي بالحالت والصور فقط‪.‬‬ ‫فالفن‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬يوحي‪ ..‬وعلى المشاهد أن يستنبط الدللت‪.‬‬ ‫وقد قالوا أن ميلد الفن كان يو"م أن قالت حواء لد"م‪" :‬ما أشهى‬ ‫التفاحة!" ولم تقل له‪" :‬هاك التفاحة لتأكلها!"‬ ‫س ‪ :‬الواقعية؟‬ ‫ج ‪ :‬في رأيي أنه ربما تكو ن الواقعية أحيانا هي تعدم الرضوخ‬ ‫للمر الواقع‪ .‬بمعنى أن الواقعية تبدأ من اللحظة التي نعمبر فيها‬ ‫بإبداعاتنا عن نفورنا وثورتنا على قسوة المر الواقع‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫وحتى لو سلمنا بمقولة أن الخيال هو سيد الكتابة‪ ،‬وأن هناك من‬ ‫صنوف البداع ما يسمى بـ"الخيال العلمي"‪ ،‬فما ذلك إل محاولة‬ ‫للهروب من الواقع‪ ..‬أي أنه نابع أيضا من الواقع‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الخلود في الفن؟‬ ‫ج ‪ :‬خلود الفن هو أحد صفاته ومزاياه‪ ،‬طالما كان معبرا صادقا‬ ‫ملتزما‪ .‬وعندما يكون الفنان المبدع قادرا على إثارة الجدل‪ ،‬بإبداعاته‪،‬‬ ‫في حياته وبعد رحيله‪ ،‬فذلك هو الخلود للفنان وإبداعاته‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الفن الفلسطيني‪ ..‬ودوره؟‬ ‫ج ‪ :‬الفنون تجعل الشعوب أكثر تقاربا وتفاهما‪..‬والعالم أكثر جمال‪.‬‬ ‫والفن وحده هو الذي يستطيع أن يتخطى الحدود‪ ،‬ويفتح طرق التواصل‬ ‫بين المم‪ .‬وما أحوج الشعب الفلسطيني إلى التقارب والتفاهم والتواصل‬ ‫وتخطي الحدود‪.‬‬ ‫الفن الفلسطيني‪ ،‬بمختلف أشكاله وأجناسه‪ ،‬هوالقادرعلى فتح البواب‬ ‫الموصدة من حوله والخروج بالنسان الفلسطيني إلى الآفاق الرحبة‪،‬‬ ‫مما يجعله يحقق حلمه بالعودة إلى المشاركة في بناءالحضارة النسانية‪.‬‬ ‫وهنا أخص بالذكرمن الفنون‪" ..‬السينما الفلسطينية"‪.‬‬ ‫ولقد كان الشعرالفلسطيني هوأول الجناس الفنية التي اخترقت الحدود‪.‬‬ ‫ولم يلبث الفن التشكيلي أن شارك في هذا التواصل جنبا إلى جنب مع‬ ‫الفنون الشعبية‪ .‬أما الموسيقى والغناء والمسرح والسينما‪ ..‬فهم ما زالوا‬ ‫يتعثرون بعقبات النتاج وتكاليفه‪ ،‬وافتقادهم لسقف يحميهم ويدعم‬ ‫صمودهم في ظروف التشرد في المنافي‪ .‬أو الغربة داخل وطن محتل‪.‬‬ ‫وللحـــــــــــوار بقيـــــــــــــــة‪..‬‬

‫*‬

‫*‬ ‫‪66‬‬

‫*‬


‫مع وزير الثقافة‪..‬‬

‫أخيرا‪ ..‬جادت علي الظروف‪ ،‬التي كانت تحول دون لقائي بالسيد وزير‬ ‫الثقافة‪ ،‬بأن مكنتني من اقتناص لحظة مروره وتواجده في مقر الوزارة‬ ‫في "غزة"‪.‬‬ ‫كنت أعتقد أنه سوف يرحب بي ويبارك عودتي بعد حصولي على‬ ‫"الرقم الوطني"‪ ،‬الذي استعصى علي في البداية مما أدى إلى وجود‬ ‫خانة فارغة في هيكل وزارة الثقافة‪ ،‬والذي سوف يتيح لي البقاء في‬ ‫أرض الوطن‪ ،‬وبالتالي العودة إلى مواصلة ما بدأنا التخطيط له في‬ ‫"را"م ا" أثناء "زيارتي المؤقتة" لها قبل شهور‪.‬‬ ‫لكنني فوجئت بلقاء فاتر أفضي لي فيه بأن الدولة الخليجية ربما تتراجع‬ ‫عن مشروع التمويل الذي سبق وأن قمدنمته )!؟(‬ ‫أحسست أنه متعكرالمزاج‪ ،‬ل يريد الخوض في أي موضوع‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫عرفته في بيروت‪ ،‬في عا"م ‪ ،75‬في بداية انتقالي وتفرغي للعمل في‬ ‫منظمة التحريرالفلسطينية‪ .‬وكان يشغل موقعا هاما في الجبهة‬ ‫الديمقراطية )التي انفصل عنها بعد اتفاقية أوسلو ليكمون جبهة "فدا"‬ ‫ويكون أمينها العا"م(‪ .‬ولم أستطع في حينها إل أن أبدي إعجابي به‬ ‫كمناضل صلب ومتحدث لبق ملتز"م‪ .‬ذلك بعد أن شاهدته وسمعته في‬ ‫لقاءات عامة في دائرة الثقافة أو غيرها من الماكن‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫ولم تلبث أن جاءت المناسبة التي لحت فيها بداية معرفتي الشخصية‬ ‫بالرفيق "ياسرعبد ربه"‪ ،‬في بيروت أيضا‪ .‬ففي ذلك الوقت كانت‬ ‫"الجبهة الديمقراطية"‪ ،‬من خلل منظمة التحرير‪ ،‬قد عقدت اتفاقا مع‬ ‫ج سينمائلي مشترك‪.‬‬ ‫"ألمانيا الشرقية" لنتا ل‬ ‫وبعد فترة من وجود المخرج‪ ،‬المنتدب من قبل الجبهة الديمقراطية‪،‬‬ ‫وإشغاله لحدى غرف "المونتاج" في ستوديو"ديفا" السينمائي لمدة‬ ‫طالت أكثر مما يجب‪ ،‬دانخنل الشك مسئولي مؤسسة السينما اللمانية في‬ ‫برلين في أن المخرج سوف يتمكن من إنهاء مهمته في موعدها‪،‬علما‬ ‫بوجود قائمة انتظار طويلة لدخول غرفة "المونتاج"‪ ،‬وهي المرحلة‬ ‫الهم من مراحل عمل الفل"م التسجيلية‪ ،‬فأرسلوا إلى بيروت ما ينذر‬ ‫بإنهاء التفاق‪ ،‬لعد"م إلتزا"م المخرج بالشروط الزمنية وانعدا"م وجود‬ ‫"لغة تفاهم" بين الطرفين‪ .‬وبذلك وقع علمي الختيار للسفر إلى برلين‬ ‫لنقاذ الموقف بصفتي مخرجا سينمائيا‪..‬يتقن اللغة اللمانية أيضا )!(‬ ‫عندها جرى أول لقاء بيني وبين الرفيق "ياسرعبد ربه" الذي أوصى‪،‬‬ ‫من خلل مسئول العل"م الموحد‪ ،‬بالقيا"م بالشراف على العمل هناك‬ ‫والنتهاء من إخراج الفيلم في الموعد المحدد لكي يتسنى له أن يشارك‬ ‫في مهرجان "ليبتزج" السينمائي لذلك العا"م‪.‬‬ ‫وكان أن وفقت في تأدية المهمة بنجاح ملحوظ بحيث أتيح للفيلم أن‬ ‫يشارك في المهرجان المذكور‪ ..‬والحصول على جائزة أيضا‪.‬‬ ‫هذه كانت بداية معرفة الوزير بي كمخرج سينمائي‪.‬‬ ‫عرفت‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬أنه بات يكن لي احتراما نابعا من موقف يستوجب‬ ‫هذا الحترا"م منه‪ .‬فما الذي يجعله يقابلني بهذا الفتور‪ ،‬بينما أنا أظهر‬ ‫حماسي الشديد للعمل؟!‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫ربما كانت الظروف تستدعي وجود من يحل مكاني في "دائرة السينما"‬ ‫في وزارة الثقافة لحين صدور"رقم الكومبيوتر" الخاص بي‪ ،‬والذي‬ ‫تأخر صدوره من قبل السلطات السرائيلية لسباب علمها عند ربي‪،‬‬ ‫‪68‬‬


‫وهو ما يتاح لي بموجبه العودة إلى أرض الوطن أسوة بالعائدين من‬ ‫كوادر منظمة التحرير أو غيرهم‪.‬‬ ‫سبق وأن سنحت لي "فرصة استثنائية" أن أتمكن من التواجد في "را"م‬ ‫ا" بموجب "تصريح مؤقت" لمدة ثلثة أشهر )‪-3/11/95‬‬ ‫‪ ، (2/2/96‬حيث فوجئت بالسيدة "ليانه بدر"‪ ،‬زوجة وزير الثقافة‪،‬‬ ‫تحتل موقع "رئيس دائرة السينما"‪ ..‬وتتعامل معي كأحد مرءوسيها )!(‬ ‫لم يكن هناك‪ ،‬من جهتي‪ ،‬ما يستدعي المواجهة لنه كان لزاما علي‬ ‫المغادرة بعد شهورثلثة‪ ،‬ومن ثم النتظارفي مصر‪ ،‬لجل غير معلو"م‪،‬‬ ‫إلى حين صدورالتصريح النهائي لك بالعودة لأتمكن من الدخول إلى‬ ‫أرض الوطن مرة أخرى والستقرار في "را"م ا"‪ ،‬مقرالوزارة‪.‬‬ ‫هذا بالضافة إلى إنشغالي بما كلفني به سيادة الوزير بالعداد لخراج‬ ‫فيلم تموله دولة المارات عن القدس‪ ..‬الشيء الذي كنت وما زلت‬ ‫أعتبره أكثر أهمية من المنصب‪.‬‬ ‫ويبدو أن سيادة الوزيركان يتخذ إحتياطاته لتجنب أي مواجهة مع السيدة‬ ‫حرمه‪ ،‬فما كان منه إل أن قا"م بإصدار قرار بانتدابي لرعاية شئون‬ ‫السينما الفلسطينية‪ ..‬في مصر)!(‬ ‫ذلك بعد أن كان قد أصدر أمرا بتعييني مستشارا له في وزارة الثقافة)!(‬ ‫بينما كان قد استصدر لزوجته قرارا رئاسيا بترفيعها إلى درجة‬ ‫"مديرعا"م"‪ .‬مما يتيح لها إدارة شئؤن السينما‪ ،‬وسائر الفنون‪ ،‬في‬ ‫الوزارة‪.‬‬ ‫))وهنا‪ ،‬ولوجه الحقيقة‪ ،‬ل بد لك من أن أعترف أن سيادة الوزير‬ ‫الكريم كان قد وعدني باستصدار قرار لترفيعي من درجة مدير"جـ"‪،‬‬ ‫التي ل أدري كيف وجدت طريقها إلي‪ ،‬إلى درجة مدير"أ"‪ ..‬وهي‬ ‫الدرجة التي سوف تؤهلني‪ ،‬عندئذ‪ ،‬للعودة إلى درجة "مديرعا"م" بعد‬ ‫ثلث أو أربع سنوات!((‬ ‫هذا‪ ..‬ول بد من التأكيد أن حرصي على حصول الترفيع يأتي بالدرجة‬ ‫الولى لسبب مادي إقتصادي بحت‪ ،‬إذ أنه بمرتب "مدير جـ" ل يتمكن‬ ‫أي "مبتديء" أن يبدأ حياته في بلد مثل "را"م ا"‪ ،‬لن إيجار شقة‬ ‫‪69‬‬


‫مناسبة متواضعة يستهلك أكثر من نصف المرتب المقرر للمدير بدرجة‬ ‫"جـ"‪.‬‬ ‫وبالرغم من إتفاق سيادة الوزير معي في هذه النقطة‪ ،‬عندما واجهتنه‬ ‫بهذه الحقيقة‪ ،‬إل أنه كرر إعتذاره عن عد"م استطاعته الحصول لي على‬ ‫درجة "مديرعا"م"‪ .‬وعندما سألته عن المقاييس التي بموجبها تتقرر‬ ‫الدرجات أجابك باختصار‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬ليست هناك مقاييس!‬‫هذا‪ ..‬مع العلم بأن هناك قرارا رئاسيا بتعييني مديرا عاما‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫كانت هناك بعض المشاكل المتعلقة بمرتباتي المتوقفة منذ وجود‬ ‫"السلطة الوطنية" في غزة‪ .‬وكان علمي اللجوء إلى "الصندوق القومي‬ ‫الفلسطيني" في عمان لكي يحل هذه المشكلة‪ .‬وقد تم حلها بعد فترة‬ ‫ليست بالقصيرة‪.‬‬ ‫أما عن مرتباتي منذ أن عدت بـ "الرقم الوطني" فقد فوجئت بأن هناك‬ ‫إجراءات معقدة‪ ،‬بحيث كنت أجدني كمن يتقد"م لشغل وظيفة من جديد‪.‬‬ ‫ثم اكتشفت أن حكاية تعديل مرتبتي الوظيفية إلى "مديرعا"م" لم يتخذ‬ ‫فيها أي إجراء‪ .‬ذلك بالرغم من عودة مديرعا"م الوزارة‪ ،‬الشاعر "أحمد‬ ‫دحبور"‪ ،‬إلى التأكيد لي بأنه رأى القرار بعينه "اللي راح ياكلها الدود"‬ ‫حسب تعبيره مرة أخرى‪ ..‬وثالثة‪.‬‬ ‫إذن فقد بقي مرتبي كما هو‪ ..‬فئة "مدير ج"‪ .‬وهو ما ل يتفق مع‬ ‫احتياجاتي من استئجار شقة وتأثيثها للستقرار في "را"م ا"‪.‬‬ ‫ول يعني هذا الموقف من السيد الوزير‪ ،‬إذا ترجم بالرقا"م‪ ،‬سوى‬ ‫إبقائي عاجزا عن ممارسة حقي في القامة في بلدي‪ ،‬وإبعادي‬ ‫وحرماني من التواجد والستقرار فيها )!(‬ ‫صددق‪ ..‬أو ل تصددق!‬

‫*‬

‫*‬ ‫‪70‬‬

‫*‬


‫)بقيــــــه ‪(1‬‬

‫حــوار حول النســا ن‪ ..‬وإبداتعــاته‪..‬‬

‫س ‪ :‬العدالة؟‬ ‫ج ‪ :‬ربما كان في لفظ اللتزا"م شيء مما تعنيه العدالة‪ .‬أو ربما كانت‬ ‫العدالة‪ ،‬أوالعدل‪ ،‬أشمل في معناها من اللتزا"م‪ .‬وكلهما‪" ،‬العادل" و‬ ‫"الملتز"م"‪ ،‬من شأنه وصفاته التمسك بأهداب المبادئ والفكار التي‬ ‫تتربص لهزيمة الظلم‪.‬‬ ‫أي أن العدالة معناها وجود مجموعة من القيم النسانية المتفق عليها‬ ‫والتي تنعكس كلها في قانون يتساوى أمامه الناس جميعا‪.‬‬ ‫والعدالة والحرية تفقدا ن معناهما إذا انفصلتا تعن بعضهما‪.‬‬ ‫وهما بدون قوة تساندهما مجرد وهم‪.‬‬ ‫والقوة بدون عدالة إن هي إل طغيان لن يقود إل إلى فوضى‪.‬‬ ‫والحساس بالعدالة‪ ،‬والحرية‪ ،‬أمر في غاية الهمية‪ ،‬وهو الذي يطلق‬ ‫طاقات النسان ويحثه على الجتهاد ويجعله يحلم بالمستقبل وهو يشعر‬ ‫بالنتماء والثقة من قدرته على تحقيق هدفه‪.‬‬ ‫على أنه ليس من العدل في شئ أن يكون تمسكنا بأهداب هذه المبادئ‬ ‫نتيجة لخوفنا من معاناة الظلم‪ .‬ول يكتمل للعدل معناه إل إذا أنصفت‬ ‫الضحية‪ ..‬والمجتمع أيضا‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الظلم؟‬ ‫ج ‪) :‬من الظلم‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬أن تطلب مني ما ل طاقة لي به‪ ..‬فإن‬ ‫تعريف كل هذه الشياء يحتاج إلى "دراسة" ول يكفيها المرور عنها‬ ‫في "حوار"عابر‪(.‬‬ ‫‪71‬‬


‫على كل حال‪ ،‬فالظلم هو البن الشرعي لغرورالقوة الذي يعمي‬ ‫الجهلء عن الحقيقة التاريخية التي تقول أن ما يتم حصاده اليو"م‪،‬‬ ‫بالكراه‪ ،‬لبد وأن يتم سداده غدا أو بعد غد بإكراه أشد نكرا‪.‬‬ ‫ول شك في أ ن وجود الظلم في أي مكا ن‪ ..‬هو تهديد للعدل في كل‬ ‫مكا ن‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الصدق‪..‬والكذب؟‬ ‫ج ‪ :‬الصدق أصل الشياء‪ .‬والصدق في التعبيرتعن الواقع‪ ..‬هو لب‬ ‫الرسالة الحقيقية للفن‪.‬‬ ‫أما الكذب فإنه أبشع الخطايا‪..‬على اختلف أنواعها‪ .‬فالخيانة كثيرا ما‬ ‫تبدأ أيضا بلحظة صدق‪ ،‬وتبدأ بشاعتها ‪ -‬فقط ‪ -‬عندما نكذب‪..‬عندما‬ ‫ننكر تلك اللحظة‪..‬أو نتنكرلها‪.‬‬ ‫والصدق غالبا ما يكمن في الكيفية التي نقول بها الكلمات‪ ،‬وليس فيما‬ ‫تقوله الكلمات‪.‬‬ ‫وقد يكذ مب بعضهم أقوالك‪ ،‬ولكنه ل مناص لهم من أن يصدقوا أفعالك‪.‬‬ ‫ويجب أن ل ننسى أنه‪:‬‬ ‫"ل يكفي أ ن نبتعد تعن الكذب‪ ..‬بل يجب أ ن يصحب ذلك إقتراب من‬ ‫الحقيقه‪".‬‬ ‫تقول العالمة النفسية الفرنسية‪" ،‬كلودين"بيلن"‪ ،‬مؤلفة كتاب "نفسية‬ ‫الكذاب"‪ ،‬أن الكذب له مردود سلبي للغاية على الصحة‪ ،‬وأن الشعور‬ ‫بالذنب‪ ،‬أوالخوف من ظهورالحقيقة يؤدي إلى الصابة بضغط عصبي‬ ‫مزمن وما ينطوي على ذلك من آثار سلبية على الصحة العامة مثل‬ ‫اضطرابات النو"م أو سرعة النفعال والقلق وآل"م الرأس‪ ،‬وغيرها من‬ ‫الثارالناجمة عن هذا الشعور‪.‬‬ ‫في الساطيرحكايات تتحدث عن الخوف من العداء‪ .‬وفي إحداها يروى‬ ‫‪72‬‬


‫أن بعضهم كان يقيم جدارا بينه وبين عدوه‪ ،‬ول يلبث أن يقو"م بتعليته‬ ‫يوما بعد يو"م إلى أن أصبح عاجزا عن رؤية هذا العدو‪.‬‬ ‫لقد حجب الجدارالرؤية‪ ..‬رؤية العدو القابع خلف الجدار‪ ..‬وبقي العدو‬ ‫الساكن في داخله‪ ..‬في داخلنا‪ .‬الخوف‪ ،‬الذي يعمي البصائرعن رؤية‬ ‫مشاكلنا أو أسباب مشاكلنا لكي نعالجها‪.‬‬ ‫الخوف هو الذي يجعلنا نلجأ إلى الكذب‪..‬‬ ‫نخاف من المجهول‪ ..‬ومن كل ما نجهل‪..‬‬ ‫نخاف من ما يمكن أ ن يكتشفه الغير فينا‪..‬‬ ‫نخاف من ما سوف يطرأ تعلى بال غيرنا‪..‬‬ ‫وفي كل مرة نمارس فيها الكذب‪..‬‬ ‫تتعاظم وتكبر تلك المخاوف‪.‬‬ ‫س ‪ :‬السعادة؟‬ ‫ج ‪ :‬السعادة‪..‬هي رحلة‪ ،‬وليست محطة للوصول‪ ،‬يكتنفها شعور‬ ‫صادق متوهج بمباهج الحياة وحبها‪.‬‬ ‫والسعادة هي حالة ذهنية‪ ..‬نتيجة الشعور بالرضا‪ ..‬والراحة والسل"م‬ ‫الداخلي والطمأنينة‪ ..‬نتيجة قناعة النسان بما يؤديه في الحياة‪.‬‬ ‫إنها خليط من الراحة النفسية والعقلية والبدنية‪..‬غالبا ما نشعر بها عند‬ ‫إنجازنا لعمل ما أو تحقيق أمنية ما‪.‬‬ ‫على أن الحياة أكثر بكثير من مجرد أن نحقق لنفسنا فوزا أو هدفا‪.‬‬ ‫ولو شطبهنا الحياة بالنغمة الحلوة‪ ..‬فإ ن السعادة هي تعندما نجد النص‬ ‫الملئم لهذه النغمة‪.‬‬ ‫ويقال أن الدما"غ البشري يفرز هرمونا يسمى الـ"سيروتونين" هو‬ ‫المسئول عن الشعور بالسعادة‪ ،‬وما الدوية الموصوفة لمكافحة الكآبة‬ ‫سوى "عامل مساعد" غني بمادة الـ"تريتوفان" القادرة على تحفيز‬ ‫الدما"غ البشري كيميائيا على إفراز ذلك الهرمون المذكور‪.‬‬ ‫والناس‪ ،‬كما يقول "أبراها"م لنكولن"‪ ،‬سعداء بقدر ما تعقدوا العزم‬ ‫تعلى الوصول إلى ما يسعدهم‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫فإذا أردت أن تكون سعيدا فما عليك سوى أن تتخذ القرار بذلك‪.‬‬ ‫فسعادة النسان تنبع من داخله‪ .‬والثقة بالنفس لها دور قوي في صنع‬ ‫سعادتنا‪.‬‬ ‫والنفس البشرية إن لم تنطلق طاقاتها في العمل والنتاج فإنها ستكون‬ ‫عرضة للفكار الخبيثة‪ .‬وعلى النسان‪ ،‬كما يقول الحكماء‪ ،‬أن يحرص‬ ‫على أن "يشغل نفسه بالحق‪ ..‬وإل شغلته الحياة بالباطل"‪.‬‬ ‫إذن‪ ..‬فالسعادة ليست هدفا‪ ،‬وإنما هي أسلوب في الحياة‪ ،‬وهي خيار‬ ‫كثيرا ما يحتاج إلى مجهود‪ .‬إنها رحلة‪ ..‬وليست‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬محطة‬ ‫نصل إليها‪.‬‬ ‫ولكي تتوفر لنا السعادة ل بد من شرطين هما‪:‬‬ ‫الحل"م‪ ..‬والرادة!‬ ‫وهؤلء الذين يؤمنون بجدوى أحلمهم وجمالها‪ ،‬ل بد لهم من امتلك‬ ‫زما"م المستقبل‪ .‬و لو انعدمت الحل"م‪ ,‬فإن الحياة ستكون مثل طير‬ ‫مكسورالجناح‪ ..‬ليطير‪.‬‬ ‫ولكي تحقق الشياء العظيمة يجب أن ل "تعمل" و "تخطط" و‬ ‫"تؤمن" فحسب‪ ..‬بل وأن يسبق ذلك كله أحلمـــــــك‪.‬‬ ‫ول بأس من أن تحلم بالنجو"م‪ ،‬ولكن في نفس الوقت يجب أل‬ ‫تنسى أ ن تحرص تعلى أ ن تبقى قدمك ثابتة تعلى الرض ‪.‬‬ ‫كما أنه ل بأس من أن تحلم لوحدك‪ ،‬ولكنك عندما تشارك الخرين‬ ‫في أحلمك‪ ،‬فهذه هي بداية الواقع‪ ،‬او الواقعية‪.‬‬ ‫والسعادة شيء نسبي‪ .‬فهي في سن معينة غيرها في سن آخر‪.‬‬ ‫ول يمكن للنسان أن يستشعرالسعادة إل إذا أحس بها منعكسة من‬ ‫الخرين ‪ .‬فل يعرف السعادة من ل يبحث عنها في عيونهم‪.‬‬ ‫وهناك من يجدو ن سعادتهم في إسعاد الحيوانات البهيــمة الليفة‪..‬‬ ‫وما أصدق هؤلء!‬ ‫‪74‬‬


‫أما أركا ن السعادة المتعارف تعليها فهي أربعة‪:‬‬ ‫شيء تحبه وتؤمن به‪..‬‬ ‫وشيء ترجوه وتسعى إليه‪..‬‬ ‫وشيء تعمله وتتفانى في تعمله‪..‬‬ ‫وشيء تعطيه وأنت تشعر أنك لن تفقده‪..‬‬ ‫على أن السعادة ل تأتي إل نتيجة إيمانك بما تفعله‪ ،‬ومعرفتك به‪،‬‬ ‫وحبك له‪ .‬و هي‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬الشيء الوحيد الذي يتزايد لديك كلما‬ ‫عاودت منحه للخرين‪.‬‬ ‫س ‪ :‬القناتعة؟‬ ‫ج ‪ :‬أن أعرف حدودي جيدا‪ ..‬ولكن‪ ..‬أن ل أرضى بأقل مما أستحق‪.‬‬ ‫وهل هناك أكثر متعة من أن يكون لك مطالب محددة‪ ،‬غير محدودة‪،‬‬ ‫على أن تقو"م بتحقيقها لنفسك بنفسك؟‬ ‫س ‪ :‬الخر؟‬ ‫ج ‪ :‬ل بد أول من التأكيد على أن اصطلح "الخر" ل يعني العدو‬ ‫أو الطرف السيء أو الشاذ‪ ،‬وأن اختلف أي إنسان مع إنسان آخر ل‬ ‫يعني بالضرورة أن أحدهما يتصف بالسوء‪.‬‬ ‫فالختلف عن الخر ل يجوزأن يؤدي إلى الخلف معه‪ ،‬أوالنفصال‬ ‫عنه‪،‬لن وجود الخرهو ما يثري رؤيتنا للمور‪ ،‬ويجعلنا نتلمس‬ ‫الحقائق ونراها من وجهة نظر أخرى‪.‬‬ ‫ويجب أن ل ننسى أن الجهل بالخرهو أساس العداء معه‪ .‬وأن‬ ‫النسان بدون الخرين كأنه يبدأ من الصفر‪ .‬فحاجته إلى الخرهي مما‬ ‫تقتضيه الرغبة في الكتمال‪ .‬ول يكتمل للذات وعيها إل عندما يكتمل‬ ‫وعيها بالخر‪ .‬فنحن نأخذ من الخرين بقدر ما نضيف إليهم‪.‬‬ ‫وتعلى النسا ن أ ن يتذكر أيضا أنه بالنسبة للخرين‪ ..‬آخر‪.‬‬ ‫وعلى كل حال فـ"الخر" أو "الخرو ن" هي فكرة فلسفية‪ ،‬وهي‬ ‫المضادة لمعنى "فلسفة الذات"‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫وهناك من الفلسفة من سمى "الخر" بـ الذات الخرى"‪ ،‬مما‬ ‫يستوجب الهتما"م به أو بها‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الماضي‪ ..‬والحاضر‪ ..‬والمستقبل؟‬ ‫ج ‪ :‬أيامنا‪ ،‬حلوها ومرها‪ ،‬تتحول مع الزمن إلى ذكريات‪ .‬وبقدر‬ ‫معاناتنا وصبرنا‪ ،‬وبقدر ثقتنا بأنفسنا وتفاؤلنا‪ ،‬يكون لهذه الذكريات‬ ‫جمالها‪ ..‬حلوها‪ ..‬ومرها‪.‬‬ ‫ولو توغلنا في الماضي‪ ،‬حسب ادعاء أحد الظرفاء‪ ،‬سنجد أن حياتنا‬ ‫تبدأ من ساتعة كنا فيها نغرق في الدموع ‪ ..‬والخراء!‬ ‫ومع ذلك تستمر الحياة‪ ..‬ونتعرف على شتى وجوهها‪ ..‬ثم يأتي زمن‬ ‫يصبح فيه هذا الماضي ذكريات مبهجة‪ ..‬تعطرة!‬ ‫و نحن نحب الماضي لنه ذهب‪ ،‬ولوعاد لكرهناه‪ .‬وآه لو أن البصيرة‬ ‫تخترق ظلمات الحاضر وتنفذ إلى المستقبل‪ ،‬لتسمر إلينا ببعض خباياه‪..‬‬ ‫إذن لثرنا أن نتذكر الماضي بأحسن حالته بدل من أن نقو"م بترميمه‬ ‫ثم نظل‪ ،‬ما تبقى لنا من العمر‪ ،‬نرى أماكن الشروخ في ثناياه‪.‬‬ ‫وما دمنا ل نستطيع أن نغير الماضي فلنتعلم من أخطائه تجنبا لها في‬ ‫المستقبل‪.‬‬ ‫وكل ذكرى من الماضي ولها وقتها الذي ل تمتلك أن تختاره‪.‬‬ ‫وما أكثر ما تنهال عليك وتقتحمك ذكرى أناس حالوا بينك وبين حبيبتك‬ ‫في نفس الوقت الذي كنت فيه تذوب شوقا إلي ذكراها هي؟‬ ‫س ‪ :‬ثنائية "الطريق و البيت"؟‬ ‫ج ‪ :‬الحلم أكثر جمال وبهجة وصفاء من الواقع‪ .‬هذا ما أجمع عليه‬ ‫الكثير من المبدعين‪ ،‬وآخرهم كان شاعرنا "محمود درويش"‪،‬‬ ‫الذي أكد في أحد حواراته‪ ،‬ومن خلل تجربته‪ ،‬بأن الطريق إلى‬ ‫البيت أجمل من البيت نفسه‪ .‬وهوعكس ما كان يظن‬ ‫عندما كان في الخارج‪ .‬ذلك لنه‪ ،‬ببساطة شديدة‪،‬‬ ‫شأن الكثيرين‪ ،‬ضل الطريق ولم يجد البيت‪.‬‬ ‫س ‪ :‬اللمل؟‬ ‫‪76‬‬


‫ج ‪ :‬ما أصدق شاعرنا العربي "الطغرائي" إذ يقول‪:‬‬ ‫ما أضيق العيش لول فسحة المل‬ ‫أتعلل النفس بالمــــال أرقبــها‬ ‫المل هو ما يجعلنا نصمر على الستمرار‪..‬‬ ‫وما يعطينا الرغبة والقدرة في تخطي العقبات‪..‬‬ ‫فهو ما يحافظ على بقاء النسان‪.‬‬ ‫وهو ما يجعل لحياتنا جدواها‪ ،‬ولمستقبلنا معناه‪.‬‬ ‫وليست المال سوى أحل"م اليقظين‪.‬‬ ‫وما أشبه الذين يعيشون بل أمل بالراقصين‪ ..‬بدون موسيقى‪.‬‬ ‫فالمل هو الدعامة التي توفر لنا التوازن‪ ،‬وتقي العالم من النهيار‪.‬‬ ‫ومن يتمتع بالمعرفة يمتلك المل‪ ..‬والحياة‪.‬‬ ‫فالحياة تعبارة تعن سفينة شراتعها المل‪ ،‬ووقودها المعرفة والعمل‪.‬‬ ‫والذي يمتلك المل يمتلك كل شيء‪.‬‬ ‫ونحن‪ ،‬كما أوجز شاعرنا "سعدا ومنوس"‪ :‬محكومو ن بالمل‪.‬‬ ‫س ‪ :‬متفائل‪ ..‬ومتشائم؟‬ ‫ج ‪ :‬من أطرف ما قرأت عن تعريف المتفائل والمتشائم هو‪:‬‬ ‫"إذا أنت صورت الشياء بأجمل مما هي عليه‪..‬‬ ‫فأنت رومانسي متفائل‪.‬‬ ‫وإذا أنت وصفتها بأسوأ مما هي عليه‪..‬‬ ‫فأنت متشائم‪.‬‬ ‫أما إذا وصفت الشياء كما هي في الحقيقة‪..‬‬ ‫فأنت إنسان ساخر‪.‬‬ ‫ومن أطرف الخواطرالتي طرأت لي‪ ،‬كرد فعل للحساس بالتفاؤل‬ ‫الذي غمرني أثناء زيارتي لمدينة "الناصرة" العربية في فلسطين‬ ‫المحتلةعا"م ‪ ،48‬هي عندما قلت في حينها لمن حولي‪ ،‬قياسا على‬ ‫نظرية نصف الكأس الفار"غ ونصفه الملن‪:‬‬ ‫المتشائم يرى أ ن فلسطين )المحتلة تعام ‪ (48‬يسكنها ال ن ‪ % 80‬من‬ ‫المهاجرين والمستوطنين اليهود‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫والمتفائل يرى أ ن في دولة "إسرائيل" اليوم ‪ %20‬من العرب‪ ،‬أي‬ ‫ما يربو عن مليون مواطن فلسطيني عربي‪ ،‬علما بأن تعدادهم وصل‬ ‫في عا"م ‪ 49‬إلى ما ل يزيد عن ‪ 150‬ألف نسمة‪ .‬ذلك بفعل أعمال‬ ‫الطرد و البادة والتطهير العرقي التي مورست آنذاك مع سكان‬ ‫فلسطين العربية‪.‬‬ ‫وربما كان هذا التفاؤل مما يجعلني أزداد قناعة بالحل القائل بالدولة‬ ‫الواحدة‪..‬الديمقراطية العلمانية‪.‬‬ ‫ونستون تشرتشل كان يقول‪:‬‬ ‫"المتشائم يرى صعوبة في كل مناسبة‪ .‬والمتفائل يرى فرصة مناسبة‬ ‫في كل صعوبة‪".‬‬ ‫س ‪ :‬النقد ؟‬ ‫ج ‪ :‬يجب أن نعي أول أن من الثناء ما هو إساءة‪ ،‬تماما كما‬ ‫الهجاء‪ .‬وأن النقد ل علقة له بهذا ول ذاك‪.‬‬ ‫أي أن "العجاب" و"النفور" ليسا من المعاييرالنقدية‪.‬‬ ‫ففي العمال الفنية ل وجود لثنائية "جميل" و"قبيح"‪ .‬لن القبيح في‬ ‫عيني قد يكون جميلا في عيون الخرين‪.‬‬ ‫وقد قيل أن العين ليست عضاوا مستقلا ومنعزلا عن الفكر والشعور‪،‬‬ ‫ضل بين العمال‬ ‫بل هي‪ ،‬بشكل ما‪ ،‬تفدكر وتحب وتكره وتتفا ق‬ ‫البداعية‪**.‬‬ ‫ومـن أهم أغراض النقد إيضاح وتفسيرالعمل الفني ليستوعبه الخرين‪.‬‬ ‫فهو يقو"م بمهمة الكشف عن دللته التعبيرية‪ ،‬ومن ثم إيضاح أسباب‬ ‫إعجابنا‪ ،‬أوعدمه‪ ،‬بالعمل الفني ذاته‪ .‬ذلك بعد أ ن يقوم الناقد برصد‬ ‫أشكال تأثير العمل تعلى المشاهد ليتمكن من استخلص وصف التأثير‬ ‫الذي ينبغي أ ن يكو ن‪.‬‬ ‫هذا إلى جانب البحث تعن السلبيات‪ ..‬لتجنبها‪ ،‬ورصد اليجابيات‬ ‫والدفع في سبيل تكريسها‪.‬‬ ‫___________________________________________‬ ‫‪78‬‬


‫)**( وهذا يعيدنا إلى نظرية د‪" .‬جاري شفارتس" التي سبق الشارة إليها والتي تؤكد أ ن كل تعضو في‬ ‫جسم النسا ن يحتفظ بذاكرة خاصة به ‪ ،‬بحيث تنتقل هذه الذاكرة بمحتوياتها مع هذا العضو أو ذاك‬ ‫من جسم إنسا ن ميت إلى جسم النسا ن المريض تعند إجراء تعملية "نقل التعضاء" ‪.‬‬

‫وأي عمل إبداعي ل بد أن يقو"م على قاعدة أضلعها أربعة‪ ،‬مكملة‬ ‫لبعضها البعض‪ ،‬شريطة أن تجمع بينهم الحرية‪:‬‬ ‫الرسالة‪ ..‬والمبدع‪ ..‬والمتلقي‪ ..‬والناقد‪.‬‬ ‫وقد أصبح النقد يعد واحدا من الجناس الدبية بحيث تجد المتعة في‬ ‫قراءة ما يكتبه بعض النقاد المتميزين مما يعمل تعلى تنمية الذوق‬ ‫الفني‪ ،‬ونشـرالـوتعي بالفنو ن بين المتلقين‪.‬‬ ‫ذلك تعندما يمتلك الناقد ناصية الكلمة ويحدثك بلغة جذابة تعن تفاصيل‬ ‫تجعلك تواقا لتعادة النظر والتأمل في هذا العمل الفني أو ذاك لتكتشف‬ ‫بنفسك كنوزه ومزاياه‪.‬‬ ‫إذ ن‪ ،‬فالنقد في ذاته تعملية إبداتعية لها أثرها الذي ل يستها ن به تعلى‬ ‫المتلقي‪.‬‬ ‫وهذا يستلز"م أن يكون الناقد‪ ،‬السينمائي مثل‪ ،‬ملما إلماما شامل بعملية‬ ‫صناعة الفيلم من اللف إلى الياء‪ ،‬كما يتعين عليه التحملي بقدرته على‬ ‫التذوق الفني والقدرة على استنباط ما وراء المشهد‪ .‬لن المخرج‬ ‫السينمائي غالبا ما يلجأ إلى شكل من السرد قوامه العنصر البصري‬ ‫الموحي‪ ،‬مبتعدا عن المباشرة‪ .‬ولعملي ل أخرج عن حيادي عندما أشير‬ ‫إلى واحد من هؤلء النقاد الذين تتوفرفيهم هذه الصفة‪ ،‬كمجرد مثال‬ ‫من وجهة نظري الشخصية‪ ،‬وهوالناقد السينمائي "كمال رمزي"‪ .‬وفي‬ ‫رأيي أيضا أن هناك العديد منهم ممن ل يتسع المجال لذكرهم الن‪.‬‬ ‫بينما قد ورد‪ ،‬وربما سيرد‪ ،‬الحديث عنهم في مكان آخر من سيرتي‪.‬‬ ‫س ‪ :‬نقد الذات؟‬ ‫ج ‪ :‬من أهم الصفات التي تقربنا من الكمال أن نتسلح بسلح‬ ‫اللتزا"م الواعي‪ ..‬والنقد الذاتي أو فضيلة نقد الذات‪.‬‬ ‫و ل شك في أ ن إهمال آلية نقد الذات هي تعطيل لنمو الوتعي‪ ،‬وهي‬ ‫الحائل دو ن إمكانية تصحيح الخطأ‪.‬‬ ‫‪79‬‬


‫ونقد الذات فضيلة تخلق حالة التنافس معها‪ ،‬فكلما تنافس النسان مع‬ ‫نفسه كلما زاد ذلك من قدرته على التطور‪ ،‬بحيث يكون اليو"م أفضل‬ ‫مماكان عليه بالمس‪ ،‬ول يكون في الغد ا إل أفضل مما هو عليه اليو"م ‪.‬‬ ‫س ‪ :‬إلتزام الفنا ن؟‬ ‫ج ‪ :‬اللتزام تفسيره تعندي أنه أقصى درجات الوتعي بالغير‪.‬‬ ‫ويكون الديب‪ ،‬أو الفنان المبدع ملتزما دون أن يدري أو يفتعل ذلك‪،‬‬ ‫لن التزامه نابع من داخله‪ ،‬بحكم بيئته ونشأته وثقافته‪ ،‬وليس نتيجة‬ ‫للزا"م أيديولوجي مفروض من خارجه‪.‬‬ ‫النتماء و اللتزا"م شرطان أساسيان من شروط البداع‪.‬‬ ‫ول يمكن لفنان أن يبدع بدون إنتماء إلى فكر ما واللتزا"م به‪.‬‬ ‫وإلتزا"م الفنان هو أن يكون منتميا معايشا باحثا عن همو"م المجموع‪..‬‬ ‫وأن يكون صوت الخرين‪ ..‬صوت وعيهم وعقلهم‪ ..‬كأنما هو منتدب‬ ‫من المجموع ليتكلم نيابة عنهم‪.‬‬ ‫والنتماء الحقيقي هوالوعي بما هو مفيد للمة وضار لها‪ .‬إنه انتماء‬ ‫عضو النسان إلى جسده الذي "‪..‬إذا اشتكى منه تعضو تداتعى له‬ ‫سائر الجسد بالحمى والسهر‪".‬‬ ‫س ‪ :‬العطاء؟‬ ‫ج ‪ :‬المرء يساوي‪ ،‬في نظري‪ ،‬ذلك الشيء الذي يملكه طالما هوعلى‬ ‫استعداد لن يعطيه لغيره من الخرين‪ .‬وغير ذلك فهو ل يساوي شيئا!‬ ‫فما فائدة أن تمتلك مصباحا‪ ..‬إذا لم تبادر بإنارة الشياء من حولك؟!‬ ‫س ‪................... :‬‬ ‫ج ‪ :‬كل ما هنالك أنني نشأت في بيئة محافظة متدينة‪ ،‬مما أورثني‬ ‫أو ترك لدي إحساسا تلقائيا عاليا بالغير‪.‬‬ ‫س ‪ ... ... ... :‬؟‬ ‫ج ‪ :‬المهم هو الرأي الصحيح‪ ..‬وليس مصدرهذا الرأي‪ .‬فأنا ل‬ ‫اتردد في أن أتبنى فقط ما أراه صحيحا‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬في‬ ‫‪80‬‬


‫الماركسية‪ .‬ومن المؤكد أن تعاطفي الشديد مع موقف ماركس الخلقي‬ ‫وكراهيته للستغلل والظلم ل يعني أنني أقبل كل نظرياته القتصادية‬ ‫أو أنني ماركسي الهوى‪.‬‬ ‫وأنا‪ ،‬تعلى كل حال‪ ،‬أرى أ ن هناك في تاريخنا من سبق "ماركس"‬ ‫في صياغة وتبني الكثير مما أتى به‪.‬‬ ‫مثال ذلك‪ ،‬إلى جانب رسل الديانات السماوية‪ ،‬تعمر بن الخطاب‪..‬‬ ‫وتعمر بن تعبدالعزيز‪ ..‬وأبو ذرالغفاري‪ ..‬وغيرهم ممن شغلتهم هموم‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫هذا‪ ..‬وأظنني لن أجد مكانا أكثر ملءمة لرواية آخر وأطرف ما قرأت‬ ‫عن أباطرة الصين الذين نذروا حياتهم لسعاد الخرين و كانوا دائما‬ ‫هم من دأبوا تعلى أ ن يبتدتعوا أشياء تنفع الناس‪ ..‬فاستحقوا أ ن‬ ‫سيتطوجهم الناس أباطرة‪ ..‬مثل‪:‬‬ ‫" شين تانج"‪ ..‬الذي ذاق مائة ألف عشبة‪ ،‬ووصل الى اختراع مائة‬ ‫دواء لمائة داء‪ .‬فكافأه الشعب واختاروه امبراطورا‪.‬‬ ‫و"سوجين شيه"‪ ..‬ذلك الذي اخترع فن الطهي‪ ،‬وأنقذ الناس من أكل‬ ‫اللحم النيء والخضروات الفجة‪ ،‬وجعل الطعا"م شيئا جميل مفيدا‪.‬‬ ‫فكافأه الشعب ونصبه امبراطورا‪.‬‬ ‫و" هسي لوا ن"‪ ..‬أول من علم الناس كيف يستعملون الملبس‪ ،‬وكان‬ ‫أول من حاكها في الصين‪ .‬فكافأه الشعب ونصبه امبراطورا‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الديمقراطية؟‬ ‫ج ‪ :‬سوف أحاول أن أوجز‪ ،‬متجنبا الوقوع في أحابيل اللغة النمطية‬ ‫في الحديث عن هذا الموضوع البالغ الهمية والخطورة‪.‬‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬بالرغم مما يشاع عنها بأنها سلح ذو حدين‪،‬‬ ‫إل أنها تظل أروع وأهم وأغلى مكتشفات النسان ومنجزاته‪.‬‬ ‫وهي التي ل يمكن بدونها أن يكون ثمة أي تطور إنساني‪.‬‬ ‫وهي النظا"م الوحيد الذي أثبت بالتجربة أنه يجعل للحياة معنى بما يحققه‬ ‫من حماية وضمانات لحقوق الناس في حريتها وكرامتها وأمنها‬ ‫وأشواقها إلى العدالة والتقد"م الروحي والفكري و المادي‪ .‬وكفى!‬ ‫‪81‬‬


‫س ‪ :‬الحرية ؟‬ ‫ج ‪ :‬الحرية تعني‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬أن نكون على قناعة بالحق‬ ‫وشجاعة كافية للدفاع عنه في كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫والحرية تعني المسئولية‪ ،‬بمعنى أن تكون لديك الرادة في أن تتحمل‬ ‫مسئولية الغير مع مسئولية نفسك‪.‬‬ ‫فأنت ل تستطيع أن تحمي حرياتك في هذا العالم بدون أن تكون مستعدا‬ ‫لحماية حريات الخرين‪ .‬والعكس صحيح‪.‬‬ ‫فأنت حر فقط تعندما أكو ن أنا حرا‪.‬‬ ‫وعندما نتعلم كيف نكون أحرارا كأفراد‪ ..‬فإننا نستطيع أن نكون أحرارا‬ ‫كجماعات‪ .‬ول يمكن وجود مواطن حر إل بوجود مجتمع حر‪.‬‬ ‫كما أنه ل يمكن أن تقو"م النهضة في وطن بدون أهم ركائزها‪ ..‬وهي‬ ‫النسان الحر‪.‬‬ ‫و يجب أن ل ننسى أن الحياة نعمة تستحق أن نحياها بكل حرية‪.‬‬ ‫وأننا‪ ،‬بل حرية‪ ،‬لن نشعر بقيمة هذه الحياة‪.‬‬ ‫لن تقييد الحريات ما هو إل إلغاء للنسان نفسه‪.‬‬ ‫والحريات الساسية عند الفيلسوف السياسي "جون رولس" هي‪:‬‬ ‫حرية الفكر‪..‬‬ ‫حرية التعبير والصحافة‪..‬‬ ‫حرية التجمع‪..‬‬ ‫حرية العمل المشترك‪..‬‬ ‫حرية التنقل‪.‬‬ ‫حرية اختيار الوظيفة‪.‬‬ ‫وللحـــــــــــــوار بقيــــــــــــــــة‪...‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪82‬‬

‫*‬


‫تعزائـــــــــــــــــــي‪..‬‬

‫تمضي اليا"م متثاقلة‪ .‬وعزائي الوحيد‪ ،‬إلى جانب انشغالي بتدوين‬ ‫إجاباتي على أسئلة صديقي "أحمدعمرشاهين" التي يلحقني بها‪،‬‬ ‫كان ذلك الترحيب الرقيق الذي يلقيني به الزملء في الوزارة‪،‬‬ ‫والمتردين عليها من شباب صادق واعد في مجالت الدب والفن‪.‬‬ ‫ومن أكثرالزملء رقة كان هو "حارس الوزارة"‪ ،‬هكذا كنا نسميه‪،‬‬ ‫فهو أول من يصلها في الصباح وآخر من يغادرها‪ ،‬حتى ليخيل إليك‬ ‫أنه يسكنها ول يفارقها‪ ،‬وابتسامته العذبة ل تفارق شفتيه‪.‬‬ ‫إنه "د‪ .‬محمد الديب"‪ ،‬الذي عرفته قبل ذلك في مقر "دائرة الثقافة"‬ ‫بمنظمة التحرير في تونس‪ ،‬حيث كان يرأس قسم الثار والتراث‪.‬‬ ‫مكتبه الن يقع في أول غرفة على يمين الداخل إلى مبنى الوزارة‪،‬‬ ‫يشاركه الغرفة الكاتب الروائي "غريب عسقلني" الذي ل يقل عنه‬ ‫بشاشة وترحيبا‪.‬‬ ‫كان "د‪ .‬محمد الديب" دائم النشغال بتصفح المراجع المتخصصة‬ ‫بالتاريخ والثار والتراث‪ ،‬المختلفة لغاتها‪ ،‬فإذا ما كان المرجع باللغة‬ ‫اللمانية‪ ،‬وجدته‪ ،‬وقد وضع قصاصات من الورق في أماكن مختلفة‬ ‫من المرجع‪ ،‬يمطرني باستفساراته‪.‬‬ ‫ثم ل يلبث أن يواصل حديثه بحماس شديد عن اكتشافاته وعن أحلمه‬ ‫بإنشاء متحف وطني للثار في مدينة غزة‪ ،‬التي يعشقها‪ ،‬والتي تعج‬ ‫بآثارها الناطقة بتاريخها المتوغل في القد"م‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫كان حماسه واندفاعه في الحديث عن مشاريعه المستقبلية وأحلمه‬ ‫كثيرا ما يثير سخرية بعض الزملء به‪ ،‬واتهامه أحيانا بما يشبه الهوس‬ ‫أو الجنون إلى آخر ذلك من الهمز واللمز!‬ ‫إل أنه كان يقابل ذلك بابتسامته العذبة المتسامحة‪.‬‬ ‫كان واسع الطلع‪،‬غزيرالعلم بشؤون التراث الفلسطيني‪ .‬وكانت‬ ‫أحاديثه زاخرة بحكايات وطرائف بحيث ل يمضي يو"م إل وقد أتحفنا‬ ‫برواية لحداها‪ .‬ثم ل يلبث أن يلحقها يزيد من عمق معناها‪.‬‬ ‫يحضرني منها الن واحدة حكاها له والده تعن أحد رؤسائه في العمــل‪.‬‬ ‫ظلت تدور في خلــدي إلــى أن اســتطعت أن أعيــد ســردها‪ ،‬وإخراجهــا‪،‬‬ ‫بشكل تراثي وأن أقدمها له في يو"م تال مكتوبة كالتي‪:‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫مالم يحهكهه "بَديـدبا" الحكيم للطاغية "دبشليم"‪ ،‬فلم يترجمه "بن‬ ‫المقفع"‪:‬‬ ‫يحكى أ ن جطمال احتار في أمر قافلته التي حر ن إبلها وأوغلوا في‬ ‫حرونهم بحيث أبوا أ ن يتحركوا من موقعهم بالرغم من كل محاولت‬ ‫الجطمال التي اتعتمدت تعلى خبراته السابقة في قيادتهم‪ ،‬مما جعل‬ ‫القافلة كلها تتوقف تعن المسير‪.‬‬ ‫حاول الجطمال أ ن يخفف من حمل "الجمل الول" فما أدى ذلك إلى أي‬ ‫نتيجة‪.‬‬ ‫حاول أ ن يطعمه ويسقيه‪ ..‬وأ ن يغريه‪ ،‬دو ن غيره‪ ،‬بشتى الوسائل‪،‬‬ ‫فما زاده ذلك إل تعنادا وإصرارا تعلى موقفه الرافض‪.‬‬ ‫حاول أ ن يشده بكل ما أوتــي مــن قـوة‪ ،‬ليحثــه تعلـى مواصـلة السـير‪،‬‬ ‫حتى إذا ما بلغ منه الجهد سقط الجطمال من التعياء‪ ،‬فجلس ليستريح‬ ‫وهو يحدث نفسه‪ ،‬وقد أدركته الحيرة‪ ،‬سائل تعن سبب حرو ن الجمل‬ ‫‪84‬‬


‫هو ورفاقه من الإبل‪ .‬وبينما هو كــذلك‪ ،‬إذا بالجمــل يقــترب منــه كــأنه‬ ‫يريد أ ن يهمس في أذنه‪:‬‬ ‫‪ ..‬أما وقد أتعيتك الحيل‪ ،‬التي طال ما انطلت تعلينا نحن العاملين‬ ‫‬‫معك بدو ن كلل‪ ،‬بكامل إرادتنا‪ ،‬فاسمح لي‪ ،‬بالصالة تعن نفسي‬ ‫وبالنيابة تعن رفاقي جمال القافلة‪ ،‬أ ن أهمس في أذنك تعتابي‬ ‫وتعتابهم تعلى ما بدر منك‪ ،‬وما حاولنا دائما تجاوزه ح طابا‬ ‫وكرامة لك‪.‬‬ ‫كم من السنين قضيناها في خدمتك‪ ،‬وما من مرة تعصينا لك‬ ‫فيها أمرا؟‬ ‫كم من المرات غدربك الزما ن وبارت فيها تجارتك‪ ،‬وما‬ ‫تركناك في محنتك؟‬ ‫ف التراب في كنفك‪ ،‬لكي‬ ‫كنا‪ ،‬وما زلنا‪ ،‬مستعدين ل ن نس ط‬ ‫تحقق ما تصبو إليه‪ ،‬لنك راتعينا ورمزنا‪ ..‬تعطزنا من تعطزتك‪.‬‬ ‫صبرنا كثيرا وتحملنا الكثير‪ ،‬وما أنت بغافل تعن مدى قدرتنا‬ ‫نحن معشرالجمال تعلى تحمل الجوع والعطش‪ ،‬وما زلنا‪.‬‬ ‫سأقولها‪ ..‬وليس لك بعدها تعندنا من تعتاب‪.‬‬ ‫وهنا التقط راتعي القافلة نَ​َفسه وهتف بلهفة‪:‬‬ ‫قلها برربك وأرحني‪ ،‬فإنني مصهغ إليك!‬ ‫‬‫أومأ الجمل برأسه مشيرا إلى حمارالجطمال الذي يسيرتعادة في مقدمة‬ ‫القافلة‪ ،‬والذي استملح انقياد القافلة إليه‪ ،‬فطغى وبغى‪..‬‬ ‫وتجبر وتكبر!‬ ‫ثم هز الجمل رأسه بأســاى ذات اليميــن وذات اليســار‪ ..‬وأضــاف وهــو‬ ‫يردد محذرا بإصرار‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬أقول ما زلنا مستعدين لتحمل كل الصعاب‪ ،‬إل واحدة‪:‬‬‫وهي أ ن تعود إلى ربطنا بذيل ذاك الحمار!‬

‫*‬ ‫‪85‬‬

‫*‬

‫*‬


‫وكثيرا ما كان"د‪ .‬محمد الديب" يعاود الحديث بحماس عن أفكار تتعلق‬ ‫بالتراث‪ .‬وعن فكرة إنشاء ما كان يطلق عليه "متحف النتفاضة"‪،‬‬ ‫على غرار متاحف "الهولوكوست" التي أغرقت مدن العالم‪.‬‬ ‫ومهمة هذا المتحف هو توثيق الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني‬ ‫الذي ل تيخفي نواياه على مواصلة ارتكاب جرائمه حتى يحقق أهدافه‬ ‫المعلنة وغير المعلنة‪ .‬وما أحوج العالم لمعرفة مظاهر قسوة وجبروت‬ ‫هذا المحتل الصهيوني من قتل للمدنيين البرياء‪ ،‬وهد"م أو مصادرة‬ ‫لممتلكاتهم‪ ،‬وارتكاب الجرائم البيئية‪ ،‬من تخريب وتجريف للرض‪،‬‬ ‫واقتلع لشجارالزيتون‪ ،‬مصدر رزقهم‪ .‬علوة على دفن النفايات‬ ‫السامة في الراضي العربية مما يؤثرعلى مخزون المياه الجوفية‪.‬هذا‬ ‫إلى جانب سائرأساليب التطهيرالعرقي‪ ،‬وهو ما يندرج بالتأكيد تحت‬ ‫مسمى "جرائم الحرب"‪.‬‬ ‫وغالبا ما كان حديثنا ينتهي بتأكيده على وجوب محاكمة "مجرمي‬ ‫الحرب" على غرار ما جرى في "نورينبيرج" بألمانيا‪ ،‬بعد نهاية‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪ .‬ومن هنا تنبع ضرورة التوثيق لتلك الجرائم‪.‬‬ ‫ولقد حدثني في أحد اليا"م أنه لن ينتظر حتى تتحرك أجهزة العل"م‬ ‫لتنفيذ هذه الفكرة‪ ،‬وأنه شرع في جمع المعلومات‪ ،‬صوتا وصورة‪،‬‬ ‫ليقو"م بتنفيذها عن طريق موقع سيقو"م بفتحه بنفس المسمى على شبكة‬ ‫النترنت عمل بما جاء في الحديث الشريف‪.." ..‬وذلك أضعف‬ ‫اليمان‪".‬‬ ‫يلي "د‪ .‬محمد الديب" في قائمة الصدقاء الجدد‪ ،‬الفنان التشكيلي‬ ‫"إبراهيم المزين"‪ ،‬والشاعر "باسم النبريص"‪ ،‬وزميله الشاعر"سليم‬ ‫النفار"‪ ،‬والكاتب "حسن خضر"‪ ،‬و"عاطف أبوسيف"‪ ،‬والمخرج‬ ‫المسرحي "خليل طافش"‪ ..‬وغيرهم من المترددين على الوزارة مثل‬ ‫الشاعر المرهف"خالد جمعه"‪ ،‬والمخرج السينمائي "عبدالسل"م‬ ‫شحاته"‪ ..‬والشاعرة الرقيقة "دنيا المل"‪ ..‬وغيرهم‪ ..‬وغيرهم ممن‬ ‫كانت رفقتهم تبشربالخير وتبعث على التفاؤل وتورق أغصان المل‬ ‫التي طال عريها‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫فلقد عشت معهم أياما كنت فيها على يقين بأن استعادة ذكرها أو‬ ‫تدوينه ستكون في غاية المتاع‪.‬‬

‫)بقيــــــه ‪(2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫حــوار حول النســا ن‪ ..‬وإبداتعــاته‪..‬‬

‫س ‪ :‬المرأة؟‬ ‫ج ‪ :‬أقول‪ ..‬إثنان لغنى لحدهما عن الخر‪..‬القوس والوتر‪ ،‬وكذا‬ ‫النثى والذكر‪.‬‬ ‫النثى هي شرط لبقاء النسان على هذه الرض‪.‬‬ ‫إنها النصف الخر للرجل‪..‬وهي التي أنجبته‪.‬‬ ‫إنها الحياة مختزلة‪.‬‬ ‫وهي سر كمال هذا الكون وجماله‪.‬‬ ‫وأقول‪ ..‬ربما خلق ا آد"م قبلها ليتفر"غ لها‪ ،‬بعد أن يكون قد استفاد من‬ ‫التجربة الولى وعيوبها‪ .‬وا أعلم!‬ ‫م‬ ‫فمنذ أن خلق ا المرأة أرادها أن تكون جميلة‪ .‬ولذلك تأنى في خلقها‪.‬‬ ‫و"المرأة الجميلة"هي التي أحسنت فهم الغرض الذي خلقها ا من‬ ‫أجله‪.‬‬ ‫المرأة هي ذلك الكنزالغني المترع بالعواطف‪ ..‬المليء بكل انواع‬ ‫المشاعر والحاسيس النبيلة‪ .‬وما أسعده ذلك الذي يدرك ذلك‪ ،‬فيشرع‬ ‫في البحث عن هذا الكنز‪ ..‬ويعثر عليه‪.‬‬ ‫فعالم الرجل ليكتمل ال بوجود هذا الكنز‪ ..‬المراة‪.‬‬ ‫والمرأة عندي كالكتاب‪،‬ل بد ‪ ،‬لكي تستطيع فك رموزه‪ ،‬من أن تمسك‬ ‫به وتقترب منه‪.‬‬ ‫لبد من أن تفتح غلفه‪ ..‬وتتصفحة‪ ..‬وتقلب اوراقه‪.‬‬ ‫س ‪ :‬المرأة‪ ..‬ومساواتها بالرجل‪ ..‬وتقليدها له أوالتشبه به؟‬ ‫ج ‪ :‬المساواة‪ ..‬نعم! ولكن ما حاجة المرأة لأن تقلد الرجال؟‬ ‫‪87‬‬


‫ب المرأة ما لها من صفات وفضائل تميزها عن الرجال‪.‬‬ ‫حس ت‬ ‫وإذا عنن لها أن تفعل ذلك‪ ،‬فل بأس من أن تقلد العقلء منهم‪.‬‬ ‫المرأة‪ ،‬بما لها من فضائل‪ ..‬عالم رحب‪.‬‬ ‫المرأة الفاضلة وطن‪.‬‬ ‫ما عرفت‪ ،‬أنا المهاجر‪ ،‬وطنا بديل لي كما المرأة‪.‬‬ ‫"الرض" و "العرض" من مقدسات أجدادنا التي لمساومة فيها‪.‬‬ ‫ول عجب إذا اقترن ذكرالمرأة بالرض‪ ،‬فكلهما يتسم بالعطاء‪.‬‬ ‫وإذا كان البعض يجد صفة أخرى مشتركة بينهما‪ ..‬وهي "الجاذبية"‪،‬‬ ‫فجاذبية المرأة من شأنها‪ ،‬بعكس الرض‪ ،‬أن ترفعنا إلى أعلى‪.‬‬ ‫أليست هي الملهمة التي تقف وراء كل رجل عظيم؟‬ ‫لم يكتف ا بالجنة التي وعدنا بها في الحياة الخرة‪ ،‬مقابل حسناتنا‬ ‫التي أمرنا بأن نكثر منها‪ ،‬بل خلق ا لنا المرأة‪ ،‬جنة الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫فهى ال"م الحنون‪ ..‬والخت الودود‪ ..‬والبنة البارة‪ ..‬والحبيبه الملهمة؟‬ ‫قالوا‪ ..‬حسب المرأة أن ا اختصها‪ ،‬دون الرجل‪ ،‬في كتابه بسورة‬ ‫مستقلة‪ ..‬وهي سورة "النساء"‪.‬‬ ‫وأقول‪ ..‬هل هو من قبيل الصدفة أن"الحياة"‪ ..‬و"البهجـة"‪..‬‬ ‫و"المـــودة" ‪ ..‬و"الرحمـة" ‪ ..‬و"البتسامة" ‪ ..‬و"السعادة"‪..‬‬ ‫و"الصحة" ‪ ..‬و"الرقــــة" ‪ ..‬و"الراحـــة" ‪ ..‬و "المتعة"‪..‬‬ ‫و"الجنــــة" إلخ ‪ ..‬كلمات مؤنثـــــــة؟‬ ‫س ‪ :‬الحب؟‬ ‫ج ‪" :‬يقول أناس لو وصفت لنا الهــــوى‬ ‫فوا ما أدري الهوى كيف يوصف"‬ ‫هذا ما قاله الشاعر"كرمة بن هانئ"‪ ،‬الشهير بأبي نواس‪ ،‬نفسه‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫أما أنا فقد سبق لي أن قلت في الفن جملة يمكنني أن أستعيرها في سياق‬ ‫محاولتي هذه للحديث عن الحب ‪ ،‬مع بعض التصرف في تتابع‬ ‫الكلمات‪:‬‬ ‫"والحب‪ ،‬بعلقته الوثيقة المتواطئة مع الحلم‪ ،‬يعتبر شريكا وثيق‬ ‫الصلة بالفن والجمال‪".‬‬ ‫وقد أسس أفلطون لهذا التعريف بقوله‪:‬‬ ‫"مع لمسة الحب‪ ..‬نصبح كلنا شعراء‪".‬‬ ‫الحب يجعل من تفاصيل الحياة المملة شيئا جميل‪.‬‬ ‫الحب هو أن نبحرمعا في قارب واحد اسمه الرغبة في الكتمال‪.‬‬ ‫أن ندخل معا في حالة من الوجد الحلل‪.‬‬ ‫إنه رحلة في بحرالمتعة تحملك أمواجه إلى عوالم لم تكن تعرفها‪.‬‬ ‫وممارسة الحب‪ ،‬بالمفهو"م النساني‪ ،‬هي بدون شك من أهم الشياء في‬ ‫توحد الشباع الذهني والبدني في متعة الحب لهو بلو"غ‬ ‫الحياة‪ ،‬وإن م‬ ‫لحلى ذروات سل"م النفس‪.‬‬ ‫والحب مطلب فطري‪ ،‬وكمال إنساني‪ ،‬وتكامل بين العواطف والمشاعر‬ ‫وبين نداء العقل والبصيرة‪ ،‬ول يجوز كتمانه وحرمانه من التنفس‬ ‫والنمو في الهواء الطلق‪.‬‬ ‫والقلب الممتليء بالحب يختنق إذا لم يجد من يحب وما يحب‪.‬‬ ‫غاندي يقول‪:‬‬ ‫"أينما يوجد الحب توجد الحياة"‪.‬‬ ‫فالحب هدفه البدي هو الحياة‪ ،‬ونقيضه هو الشر الذي سرعان ما‬ ‫يختفي من المكان الذي يوجد فيه الحب‪.‬‬ ‫وهو الحل الوحيد للخروج من سجن الذات إلى اتساع الكون ورحابة‬ ‫الخرين‪.‬‬ ‫فعليحب‪ ،‬ومن بعده‬ ‫فعل في الحياة الدنيا‪ ..‬هو " "‬ ‫وفي نظري أ ن أجمل" "‬ ‫"‪ .‬كما أ ن التعمال العاديه الخرى تبدو جميلة من خلل‬ ‫يأتي فعل"يعمل‬ ‫الحب‪.‬‬ ‫‪89‬‬


‫الحب هوعندما يسكن كل منا في أفكارالخروتنمو فينا رغبة في تزاوج‬ ‫الحلم والواقع‪ ..‬وتكامل الحسي مع المعنوي‪ ..‬والجسدي مع الروحي‪.‬‬ ‫فالحياة بدون حب كأنها الجسد بل روح‪.‬‬ ‫أو كما يقول "جبران"‪ ..‬كأنها الشجار بل براعم أو ثمار‪.‬‬ ‫وأقول‪:‬‬ ‫ما أشبه كلمة "التحب"‪ ،‬بضم الحاء‪ ،‬بكلمة "النحب"‪ ،‬بفتح حائها‪.‬‬ ‫فالنحب ‪ -‬بفتح الحاء ‪ -‬شيء تمسكه بيديك‪ ..‬تمتلكه‪ ..‬تجد له الرض‬ ‫المناسبة‪ ..‬تبذره‪ ..‬تعطيه‪ ..‬ترعاه‪ ..‬دون أن تمل النتظار‪ .‬فإذا أنت‬ ‫أحسنت الاختيار للمكان وللزمان‪ ..‬وأخلصت في الرعاية‪ ،‬أنبت‬ ‫عطاؤك‪ ،‬وجنيت الثمار‪.‬‬ ‫والتحب ‪ -‬بالضمة‪ -‬شيء من هذا القبيل!‬ ‫إنه أيضا بذرة‪ .‬يفترض أن تكون بين يديك‪ ..‬أو لديك‪ .‬تضعها في‬ ‫التربة التي تختارها‪ .‬وبشيء من العناية‪ ..‬وكثيرمن الصدق في العطاء‬ ‫تجني الثمار‪ ..‬سنابل من الحتب‪.‬‬ ‫سوف تحصل على الحب إذا أنت أعطيته بصدق‪ .‬وإذا عرفت لمن‬ ‫تعطيه‪ ..‬وكيف ومتى تعطيه‪.‬‬ ‫وليس للحب علقة بما تصبوإليه وتحصل عليه‪ ..‬بل بما أنت مقبل على‬ ‫إعطائه‪ ،‬لن الحياة من أجل الخرين هي التي تستحق أ ن تعاش‪.‬‬ ‫وقد تستطيع أن تعطي من غير حب‪ ،‬ولكن أي جدوى في أن تحب‬ ‫بغيرعطاء؟‬ ‫والحب هو ذلك الفيض الخالد الدائم من الطاقة التي من شأنها أن تمنح‬ ‫النسان الهدوء وتهبه الشعور بالمن والسعادة وتحقيق الذات‪ ،‬والثقة‬ ‫بها‪ ..‬وتجعله يتعرف على مواطن الضعف والقوة في نفسه‪.‬‬ ‫وأن يحبك أحد بعمق فذلك مما يعطيك القوة والثقة بالنفس‪ ،‬وأن تحب‬ ‫أحدا بعمق فذلك مما يعطيك الشجاعة‪.‬‬ ‫"إ ن الحب يحول المر حلوا‪ ،‬والتراب تبرا‪ ،‬والكدر صفاءا‪ ،‬واللم‬ ‫شفاء‪ ،‬والسجن روضة‪ ،‬والسقم نعمة‪ ،‬وهو الذي يلين الحديد ويذيب‬ ‫الحجر‪ ،‬ويبعث الميت‪ ،‬وينفخ فيه الحياة‪".‬‬ ‫هذا ماقاله جلل الدين الرومي‪.‬‬ ‫‪90‬‬


‫أما ابن حز"م فيقول في رائعته "طوق الحمامة"‪:‬‬ ‫" الحب هو اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة"‪.‬‬ ‫وتفسير ذلك أن الحب هو إرادة إلهية تمتزج بقوتها روحين في روح‬ ‫واحده‪ ،‬وأن النفس تنقسم ذات حين‪ ،‬وعندما يحين أوان التئا"م شطريها‬ ‫ثانية يقال أن "الحب" قد شاء أن يصل بين النفسين‪.‬‬ ‫وهنا يطيب لي القول أ ن للشياء "رنين" تتميز به‪ .‬فإذا ما تأملتها‬ ‫سرتعا ن ما يستجيب مكانها في الذاكرة إلى نداءه‪ ،‬تماما مثلما تعلمنا‬ ‫في دروس الطبيعة‪"،‬الفيزباء"‪ ،‬في تجربة "الشوكة الرنانة"‪ ،‬ذات‬ ‫"التردد" المعين‪ ،‬التي تستجيب لرنين شوكة أخرى لها تردد مساو‬ ‫في القيمة‪.‬‬ ‫كذلك الشخاص‪ ..‬يتجاذبو ن‪ ،‬ويتحابو ن‪ ،‬تعن طريق ظاهرة الرنين‬ ‫هذه‪.‬‬ ‫وهنا ربما نجد تفسيرا لما يسمى بـ"الحب من النظرة الولى" الذي ل‬ ‫أعتقد أنه من قبيل اللمعقول كما يتصور البعض في بعض الحيان‪.‬‬ ‫فنحن بشكل عا"م نكون قد وضعنا تصورنا مسبقا لما سيكون عليه‬ ‫النسان الذي سوف نحبه‪ ،‬حزينا أو مرحا‪ ،‬رشيقا أو مكتنزا‪ ،‬أسمرا أو‬ ‫أشقرا‪ ،‬بضفائر ذهبية أو كستنائية‪ ،‬وعيون خضراء أو سوداء‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫وعندما نلتقي بنموذج يحمل تلك الصفات التي تروق لنا‪ ،‬فسرعان ما‬ ‫تتحقق ظاهرة "الرنين"‪ .‬أو سرعان ما يحين أوان "التئا"م شطري‬ ‫النفس المقسومة"‪.‬‬ ‫الحب‪ ..‬هو ذلك الحساس الفطري بالقدرة على العطاء‪ ،‬والرغبة فيه‬ ‫والحاجة إليه‪.‬‬ ‫وهو تلك الطاقة الكامنة في داخلنا‪ ،‬القريبة الشبه من طاقة المومة التي‬ ‫ل بد لها أن تجد المكان الذي تتنفس و تنمو فيه‪.‬‬ ‫إنه تلك المعزوفة التي تتوفر فيها شروط الخلود‪.‬‬ ‫وهناك سعادة واحدة في هذه الحياة‪ ..‬هي أ ن نهحب ونَحب‪.‬‬ ‫وربما كا ن الجحيم هو أحدهما منفردا‪.‬‬ ‫شوقي يقول‪:‬‬ ‫"نحن في الحب حديث بعدنا‪".‬‬ ‫‪91‬‬


‫ومحمود درويش يقول ‪:‬‬ ‫"أنا وحبيبي صوتان في شفة واحدة‪".‬‬ ‫وأخيرا وليس آخرا‪ ..‬أحب أن ل تفوتني الشارة إلى مقولة دارجة عن‬ ‫الحب‪ ،‬وهي أن "الحب أعمى"!‬ ‫وهي مقولة خاطئة ناتجة عن الخلط بين "العمى" و "العننمته"‪.‬‬ ‫فالعمى للبصر والرؤية الحسية‪.‬‬ ‫والعمه للبصيره والدراك المعنوي‪.‬‬ ‫والتبصرهو إعمال للعقل وليس للعين‪.‬‬ ‫حب أعتنمٌهه"‪ ،‬لنه ل‬ ‫"الم ق‬ ‫ب نعنمٌهه"‪ ..‬أو أن ت‬ ‫والصح‪ ،‬هنا‪ ،‬هو أن "التح م‬ ‫يأبه بالعوائق ول يهتم بالعقبات!‬ ‫وها نحن نقرأ بأن "اختبارات الدم التي أجريت تعلى الشخاص الذين‬ ‫وقعوا في الحب أخيرا قد تعرضوا لمستويات تعالية من نمو الخليا‬ ‫العصبية‪ .‬حيث قام الباحثو ن بفحص تعينات دم لثلث مجموتعات‬ ‫مختلفة من الشخاص‪ ،‬الولى للذين وقعوا أخيرا في الحب‪ ،‬والثانية‬ ‫تشمل الشخاص المرتبطين بعلقات طويلة المد‪ ،‬والثالثة لمجموتعة‬ ‫من العازبين‪ .‬فأظهرت المجموتعة الولى مستويات تعالية لنمو‬ ‫التعصاب مقارنة للشخاص المرتبطين منذ فترة طويلة أو الشخاص‬ ‫الذين يعانو ن من الوحدة‪".‬‬ ‫وهذا مما يبين أ ن الوقوع في تعلقة حب يعمل تعلى زيادة نمو الخليا‬ ‫العصبية المسئولة تعن الذاكرة والتعلم في المخ‪ .‬وأ ن الحب يعزز قوة‬ ‫المخ ويحفز نمو خليا المخ التي تعد مزكز التعلم والذاكرة‪ ،‬بل و‬ ‫يعمل تعلى خفض الجهاد والكتئاب‪.‬‬ ‫وا أتعلم!‬ ‫س ‪ :‬حب الذات‪..‬؟‬ ‫ج ‪ :‬هذا يعيدنا إلى الحديث عن الحواس المختلفة‪ ،‬والتي حدد‬ ‫العلماء مكانها في تلفيف المخ‪ .‬هنا السمع‪ ..‬وهنا البصر‪ ..‬وهنا اللمس‬ ‫و‪ ..‬وأماكن أخرى أطلقوا عليها مدارك أخرى‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫فإذا كان هناك جزء من هذه التلفيف مخصص لـ"الحب"‪ .‬مهمته أن‬ ‫يسيطرعلى تلك الطاقة‪ ،‬وكانت هناك أجزاء أخرى مخصصة لـ ق "حب‬ ‫الوطن"‪ ..‬وحب ال"م‪ ..‬وحب الخير‪ ..‬و ‪ ..‬و"حب الذات"‪ ،‬فإن الجزء‬ ‫المخصص لهذا النوع الخير‪ ،‬حب الذات‪ ،‬يحتل تعند البعض‪ ،‬جزءا‬ ‫كبيرا من تلك التلفيف‪.‬‬ ‫وفي تقديري أن هذا الجزء مجاور للجزء المخصص لـ"الكراهيه"‪..‬‬ ‫مما يترتب عليه اختلط المر في بعض الحيا ن‪ ..‬ليصبح حب الذات‬ ‫أقرب إلى الكراهية‪ ..‬أو كراهية الخرين!‬ ‫وما زال العلم الحديث يأتينا تباعا بحقائق ربما تتباين عن ما كنا نعتقد‬ ‫أننا نعرفه حتى الن‪ ،‬وهو أن الدما"غ بأجزاءه وتلفيفه هو المسئول عن‬ ‫صفات النسان وحالته الذهنية‪ ،‬وهو المحرك أوالذي يصدر‬ ‫الوامرلتحريك أعضاء معينة من الجسم‪ ,‬أوقيامها بردود الفعال‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫وللحـــــــــــــوار بقيــــــــــــــــة‪...‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪93‬‬

‫*‬


94


‫فيلم روائي تعن القدس‪!..‬‬

‫كانت "دولة المارات"‪ ،‬في وقت سابق‪ ،‬قد قامت برصد مبلغ من‬ ‫المال لنتاج فيلم تسجيلي عن القدس‪ .‬ولقد رتشح المخرج المعروف‬ ‫"يوسف شاهين"لخراجهذا الفيلم‪،‬والكاتب المصري الكبير"محفوظ‬ ‫عبد الرحمن" لكتابة السيناريو له‪ .‬وسافر ت‬ ‫ت من "را"م ا" لجنة من‬ ‫علية قو"م الوزارة للتفاوض مع المخرج والكاتب‪.‬‬ ‫ولكنهم فوجئوا باعتذارالمخرج يوسف شاهين‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫هنا‪ ..‬يحضرني ذلك الموقف الذي كان "يوسف شاهين" بطله منذ‬ ‫حوالي عشرين عاما‪ .‬فلقد حكيت عنه في مكان ما من سيرتي هذه‪ .‬ول‬ ‫بأس من استدعاء تلك الحكاية لهذا المكان‪.‬‬ ‫ذلك عندما حضر المخرج "يوسف شاهين" إلى بيروت لعرض فيلمه‬ ‫الشهير "إسكندريه‪ ..‬ليه" عرضا خاصا للخ القائد "ياسرعرفات"‬ ‫‪95‬‬


‫كمحاولة للحصول على وساطة لتخطي تلك التحفظات التي ظهرت‬ ‫تجاه عرض الفيلم في ذك الوقت‪ ،‬في بعض الدول العربية‪.‬‬ ‫عقب نهاية العرض طلب"أبوعمار" من مستشاره "أحمد الزهري"‪،‬‬ ‫في ذلك الوقت‪ ،‬أن يلحق به في مكتبه مع المخرج "يوسف شاهين"‪.‬‬ ‫ولم أجد يومها مفرا من الستجابة للحاحهما علمي لمرافقتهما‪ ،‬حيث‬ ‫بادرالخ القائد المخرج‪ ،‬بعد أن أثنى على الفيلم ثناء ملفتا‪ ،‬قائل بود‬ ‫شديد‪ ..‬وبلهجته المصريه‪:‬‬ ‫ مش تشد حيلك يا "جو"‪ ..‬عشان تعمل لنا فيلم زي ده‪ ..‬عن‬‫فلسطين!‬ ‫وهنا أجابه يوسف شاهين بتلقائية وبدون تكلف‪:‬‬ ‫ أنا كمان لمي فلسطيني يا أخ أبوعمار‪ .‬وفلسطين بتاعتي هي"سينا"‬‫المحتلة‪.‬‬ ‫ثم نظرإلي‪ ،‬وربت بكفه على كتفي وهو يكمل‪:‬‬ ‫ وانتوعندكو مخرجين قدها وقدود!‬‫وظل المستشار "أحمد الزهري" يروي هذه القصة في كل مجالسه‬ ‫و يتباهى بموقف بلدياته "يوسف شاهين"‪ ،‬صاحب الموقف‪ ،‬الذي كان‬ ‫بإمكانه‪ ،‬حسب تأكيد المستشار‪ ،‬في تلك اللحظة من ذلك الزمن‪ ،‬أن‬ ‫يحصل على أية مبالغ يطلبها لتمويل الفيلم‪.‬‬ ‫ولقد حدثني المخرج الكبير صلح أبوسيف‪ ،‬أثناء لقاء لنا في أحد‬ ‫المهرجانات الدولية عن موقف مشابه جعله يستغرب من سلوك بعض‬ ‫المسئولين الفلسطينيين‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫وهكذا لم يبق‪ ،‬كما يبدو‪ ،‬سوى التلويح لي بهذه المهمة التي قبلتها على‬ ‫مضض‪ .‬فلقد كنت قد قررت بيني وبين نفسي أن ل أعمل إل في مجال‬ ‫‪96‬‬


‫السينما الروائية التي أعددت نفسي لها منذ أن تفرغت للعمل في منظمة‬ ‫التحرير في بيروت التي ذهبت إليها في أواخرعا"م ‪ 74‬ومعي‬ ‫مشاريعي من الفل"م الروائية‪ .‬ذلك بعد حوالي عشرين عاما من‬ ‫الدراسة في الخارج‪ ،‬واكتساب الخبرة في مصر في هذا المجال‪.‬‬ ‫لكنني خشيت أن يؤخذ هذا الموقف دليل على ما كان يتهمني به‬ ‫بعضهم من الكسل‪ ..‬وهو ما يسميه البعض الخر‪ ..‬التأني والنتقاء‪،‬‬ ‫وما أسميه أنا‪ ..‬اللتزا"م بتخصصي والثقة بقدراتي واحترامها‪.‬‬ ‫أما حقيقة تهمة الكسل فهي‪ ،‬حسب تقديري وتفسيري‪ ،‬ذريعة ذوي‬ ‫النفوس العدوانية المشوهة الذين يسقطون تشوهاتهم على زملءهم‪.‬‬ ‫وهي ذريعة الذين يحجمون )جبناا( عن المجاهرة برأيهم ول يجرؤون‬ ‫على الدلء به إل في أضيق الحدود‪ .‬ظنا منهم أن ذلك سوف يعفيهم‬ ‫من إلتزامهم باتخاذ موقف شريف من شأنه إنصاف قضايا زملءهم‬ ‫من الملتزمين‪.‬‬ ‫هذا‪ ..‬مع العلم بأنني‪ ،‬بالرغم من الستحسان الذي نالته أفلمي‬ ‫التسجيلية‪ ،‬وبصرف النظرعن الجوائزالدولية التي نالتها‪ ،‬كنت أعتبر‬ ‫نفسي مقحما في ذلك المجال‪ ،‬الذي أرى أنني مؤهل للبداع في غيره‪.‬‬ ‫وهو الفيلم الروائي‪ ..‬قدري وملعبي‪ ..‬والأساس الذي بنيت عليه علقتي‬ ‫بالسينما‪ ،‬وبمنظمة التحرير الفلسطينية‪.‬‬ ‫هذا هو سبب ترددي الحقيقي وسرإحجامي‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫بعد عدة اجتماعات للجنة التحضيرية المكلفة بإعداد المادة العلمية لفيلم‬ ‫"القدس"‪ ،‬التسجيلي‪ ،‬والتي كنت أحد أعضاءها‪ ،‬فوجئت بأنباء عن‬ ‫وجود نوايا للستعانة بمخرج تركي )!(‬ ‫ولما استوضحت المر من معالي وزيرالثقافة‪ ،‬السيد ياسرعبد ربه‪،‬‬ ‫قال أن وراء نية الستعانة بالمخرج التركي هدف سياسي‪.‬‬ ‫ولم يبخل علي معالي الوزير بالتوضيح بأن وجود هذا المخرج سوف‬ ‫يتيح لنا الحصول على الوثائق السينمائية القديمة الموجودة في تركيا‪.‬‬ ‫‪97‬‬


‫وبعد ذلك تردد اسم صديقي المخرج الفلسطيني "ميشيل خليفي"‬ ‫كشريك لي في الخراج )!(‬ ‫لم أبد أي معارضة‪ .‬بل اعتبرت ذلك مخرنجا مناسبا من مأزقي‪.‬‬ ‫واتفقت مع سيادة الوزير‪ ،‬أن أقو"م بترتيب المورعلى أن يقو"م‬ ‫"جورج خليفي"‪ ،‬شقيق المخرج المذكور‪ ،‬بإدارة النتاج‪.‬‬ ‫وفي لقاء آخر مع الوزير تم التفاق على استئجار مكتب "جورج"‪،‬‬ ‫الكائن في القدس الشرقية‪ ،‬لكي يكون مقرا لفريق العمل في الفيلم‬ ‫المذكور‪ .‬وقمت بتقديم ورقة‪ ،‬كتبتها في الحال‪ ،‬أذكر فيها النقاط التي‬ ‫اتفقنا عليها‪ ،‬كبرنامج للعمل‪ ،‬مذيلة بنقطة أخيرة وهي "تسمية‬ ‫المخرج"‪ .‬ذلك بعد أن ردد الوزيرإسمي عدة مرات بدون ذكر "ميشيل‬ ‫خليفي"‪ ،‬أو أي مخرج آخر‪ ،‬محاولة مني لوضع حلد للمواربة واللف‬ ‫والدوران‪.‬‬ ‫فما كان من الوزير إل أن أضاف إلى الورقة بخط يده أما"م خانة تسمية‬ ‫المخرج ‪" :‬غالب شعث"!‬ ‫لم أتردد إزاء ذلك في طلبي منه التوقيع على الورقة‪ ،‬ففعل‪.‬‬ ‫عقب ذلك فوجئت بأن صديقي "ميشيل خليفي" قد استتدعي من باريس‬ ‫خصيصا للتعاقد معه‪ .‬ونما إلى علمي بعدها‪ ،‬من شقيقه "جورج‬ ‫خليفي"‪ ،‬أن"ميشيل" قد تقد"م بعدة أفكار لم تصادف هوى في نفس‬ ‫"إدارة الفنون" بالوزارة‪.‬‬ ‫ثم انتهى المر بأن صرح لي الوزير بعد ذلك بعدة شهور بما يوحي‬ ‫بأن إتحاد المارات قد يتردد في أمر تمويل الفيلم )!(‬ ‫كان ذلك في نهاية الشهورالثلثة التي كانت السلطات السرائيلية قد‬ ‫صرحت لي بها بزيارة "أراضي الضفة"‪.‬‬ ‫كنت محكوما في ذلك الوقت بالعودة إلى مصرلنتظار "رقم‬ ‫الكومبيوتر"‪ ،‬أو "الرقم الوطني"‪ ،‬وبالتالي التصريح النهائي لي‬ ‫بالعودة إلى الوطن‪.‬‬

‫*‬ ‫‪98‬‬

‫*‬

‫*‬


‫أما وقد أمسيت أحمل ذلك الرقم السحري الذي مكنني من العودة إلى‬ ‫جزء من أراضي السلطة الوطنية‪ ،‬فقد أصبح بقاء السيدة "ليانه بدر"‪،‬‬ ‫زوجة وزيرالثقافة‪ ،‬في موقعها الذي أتيح لها بسبب غيابي مثير لبعض‬ ‫التساؤلت‪ ،‬والكثيرمن الستنكارات‪ ،‬من معظم كوادرالوزارة‪ .‬فكان ل‬ ‫بد لسيادة الزوج الطيب أن يعمل على استبعادي‪ ..‬استجابة‪ ،‬كما يبدو‪،‬‬ ‫لمزاج الزوجة‪ ،‬التي طاب لها المقا"م في موقع يتيح لها الكثير مما تراه‬ ‫من المزايا‪ ،‬مثل السفر‪ ..‬وحضور المهرجانات السينمائية بأضوائها‬ ‫الخلبة‪ ..‬والقامة في الفنادق ذوات النجو"م المتعددة‪ ..‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫ولذلك تكر"م سيادة الوزير وأصدر قرارا بندبي للعمل في القاهرة )!(‬ ‫وتجدد النتداب عدة مرات‪ .‬ولم يكن هناك أي تفسير لذلك سوى‬ ‫التخلص من إلحاحي على العمل‪ .‬هذا من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪،‬‬ ‫إبعادي عن "را"م ا"‪ ،‬حيث استأثرت السيدة "ليانه بدر"‪ ،‬زوجة‬ ‫الوزير‪ ،‬كما ذكرت‪ ،‬بموقع إدارة شؤون السينما‪ ،‬والفنون‪ ،‬بعد أن‬ ‫حصل لها زوجها‪ ،‬الوزير‪ ،‬على رتبة‪ ..‬مديرعا"م )!(‬ ‫ولم أجد‪ ،‬في ذلك الوقت‪ ،‬مناصا من القبول بالنتداب إلى القاهرة‪،‬‬ ‫مؤقتا‪ ،‬بالرغم من يقيني أنه ل ضرورة ول نفع يرجى من ذلك‪ .‬لكنني‬ ‫كنت أرى أن انتظارتنفيذ قرارالرئيس بتعديل وضعي الوظيفي في بيتي‬ ‫في القاهرة أكثر عقلنية من قضاء الوقت في أحد فنادق "غزة" أو‬ ‫"را"م ا" التي اصبحت عاجزا عن تسديد فواتيرها‪.‬‬ ‫ثم أدركت أن المرسيطول‪ ،‬بعد أن تكررت زياراتي إلى "غزة"‬ ‫ومنها إلى "را"م ا"‪ ،‬الشيء الذي كان يتطلب الحصول على تصريح‬ ‫من السلطات السرائيلية )تصريحا مؤقتا( في كل مرة‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬ول بد من الشارة إلى أن مدة سريان هذا التصريح كانت خمسة‬ ‫عشر يوما فقط‪ ،‬بحيث أذهب إلى "را"م ا" في الصباح الباكر على أن‬ ‫أسجل في معبر"إيريتس" عودتي إلى "غزة" في نفس اليو"م قبل‬ ‫الساعة السابعة مساء‪.‬‬ ‫أي قهر هذا!‬ ‫‪99‬‬


‫ثم كان ذلك القرار بتعييني مستشارا للوزير بتاريخ )‪(8/6/1997‬‬ ‫كنوع من الترضية)!( وتبعه ذلك اللقاء الذي طالبني فيه سيادة الوزير‬ ‫بالعودة إلى العداد لفيلم تسجيلي عن القدس‪.‬‬ ‫قلت له‪ ،‬محاول أن أخفف من وقع رفضي لطلبه‪ ،‬إلى جانب محاولتي‬ ‫للتعبير عن القهر الذي أشعر به جراء حرماني من ممارسة العمل الذي‬ ‫جرى تفرغي له في منظمة التحريرالفلسطينية على أساسه‪ ،‬أنه لم يبق‬ ‫في تعمري الكثير لضيعه في تعمل الفلم التسجيلية الذي ل‬ ‫يستهويني ول يتفق مع تخصصي‪ ،‬وأنني أحلم بأ ن أختتم هذا العمر‬ ‫بفيلم روائي يتناسب مع طموحاتي وإمكاناتي‪ ،‬ويتحدث تعن مدينتي‬ ‫ومسقط رأسي‪"..‬القدس"‪.‬‬ ‫قال الرجل‪ ،‬بعد فترة صمت‪ ،‬وقد تغيرت معالم وجهه و بدا عليه‬ ‫التأثر‪:‬‬ ‫ إذن‪ ..‬إذهب إلى القاهرة‪ ،‬واختر كاتب السيناريو الذي تراه قادرا‬‫على ذلك‪ ،‬واتفقوا معا على الموضوع الذي ترونه سويا‪ .‬ونحن‬ ‫في النتظار‪.‬‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫ وماذا عن التمويل؟‬‫قال بأداء خلته صادقا‪ ،‬وبالحرف الواحد‪:‬‬ ‫ سوف "أخلق" لك تمويل!‬‫كنت على وشك أن أذدكره أنني أيضا كاتب سيناريو‪ ،‬بحكم دراستي‬ ‫والدبلو"م الذي أحمله علوة على دبلو"م الخراج‪ ،‬وبحكم الخبرة‬ ‫والممارسة‪ ،‬وأنه بإمكاني القيا"م بهذا العمل بالذات أفضل من غيري‪،‬‬ ‫بحكم كوني من أبناء القدس‪ ،‬الذين يعانون من حرمانهم من العودة‬ ‫إليها‪ .‬ولكنني رأيت أ ن وجود كاتب محترف له إسمه وسمعته سوف‬ ‫يكو ن مدتعاة لخذ المور‪ ،‬هذه المرة ‪ ،‬بشيء من الحزم والجدية‪.‬‬ ‫‪100‬‬


‫ولشدة سعادتي‪ ،‬صادف دخول السيد "يحيى يخلف"‪ ،‬وكيل وزارة‬ ‫الثقافة‪ ،‬ليكون شاهدا على هذا التفاق‪ .‬وأذكر أنه بادرني باسما )وكأنه‬ ‫كان يعرف مايدور بيني وبين معالي الوزير( بقوله أنني قد حصلت‬ ‫أخيرا على فرصتي‪ ،‬وماعليم إل أن أجتهد وأن أغتنم هذه الفرصة‪..‬‬ ‫وإل‪) ..‬مازحا وهو يرمق الوزير بنظرة ذات معنى ل تخطئه العين(‪:‬‬ ‫ ‪" .. ..‬فسوف لن تنجو من تشهيرنا بك"!‬‫قلت لهما )مشاركا في ما بدا منهما من مزاح ل يخلو من سماجة(‪:‬‬ ‫ أنا أقبل التحدي‪ ..‬ولكن بشرط‪..‬‬‫تعمدت السكوت لحظة لكي أعطي ما سأقوله قدرا من الجدية والهمية‬ ‫ثم أكملت مؤكدا‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬فأنا لن أتورع تعن التشهير بكم أيضا في حال تراجعكم!‬‫)مشيرا إلى ما بدرمنهم‪ ،‬ومن غيرهم في السنوات الماضية‪ ،‬من‬ ‫تراجعات قبل ذلك(‪.‬‬ ‫قلت جملتي هذه وأنا أحرص على وضوح ما يعنيه كل حرف من‬ ‫حروفها‪ .‬وانفض المجلس‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫قيل لي فيما قيل‪:‬‬ ‫ل تصدق هذا الرجل‪ ،‬فهو ل يملك كلمته في وزارة الثقافة‪ ،‬فقد نصبت‬ ‫زوجته السيدة "ليانا بدر" نفسها مديرا تعاما لشئو ن الفنو ن في‬ ‫الوزارة‪ .‬وأصبحت هي القائم تعلى شئو ن وزارة الثقافة‪ ،‬إنطلقا من‬ ‫أنه ل يجد في وقته متسعا لتحمل تعبء وزارتين‪" ..‬الثقافة" و‬ ‫"التعلم"‪.‬‬ ‫لكنني‪ ،‬كمتفائل أزلي‪ ،‬فضلت أن أصدق الرجل‪ ،‬فلقد أبدى تأثره‬ ‫وتعاطفه معي بأداء يدعو إلى تصديقه‪.‬‬ ‫‪101‬‬


*

*

102

*


‫)بقيــــــه ‪(3‬‬

‫حــوار حول النســا ن‪ ..‬وإبداتعــاته‪..‬‬

‫س ‪" .. :‬فــــن السيــــــنما"؟‬ ‫ج ‪ :‬والحديث عن فن السينما‪ ،‬أيضا‪ ،‬لبد وأن يعيدني إلى مقولة‬ ‫"الحديث ذو شجون"‪ .‬فهو‪ ،‬أيضا‪،‬ل يخلو من أسباب التداعي‬ ‫والسترسال‪.‬‬ ‫كلنا يعرف أنه في البدء كانت الكلمة تتحمل عبء خلق الصورة لدى‬ ‫المتلقي‪ .‬كانت هناك "الصورة السمعية"‪" ..‬صورة الكلمة"‪.‬‬ ‫ثم جاءت "الصورة البصرية" اليدوية‪ ،‬ومن ثم "صورةاللة"‪ ،‬التي‬ ‫تطورت حتى كادت أن تضاهي الولى دقة وجمال وإيحاء لكونها‬ ‫زاخرة بالتفاصيل‪.‬‬ ‫وشيطان الفن‪ ،‬كما يقولون‪ ،‬يكمن في مثل هذه التفاصيل‪.‬‬ ‫وكلنا يدرك أنه كثيرا ما تؤدي وساطة الكلمات إلى عد"م الدقة في نقل‬ ‫الصورة‪ .‬ويكاد أن ل يختلف اثنان على أن هناك مفاهيم ل تكفيها‬ ‫الكلمات‪ ،‬بل تحتاج إلى"رؤية" العيو ن وحكمتها ووتعيها وفراستها‪.‬‬ ‫فعندما يتحدث السينمائي عن فكرة أو أفكار‪ ،‬وليس حكايات أو أسرار‬ ‫وأخبار‪ ،‬يلجأ إلى شكل من السرد قوامه العنصرالبصري بتفاصيله‪.‬‬ ‫فالسينما هي أ ن تحلم وتعيونك مفتوحة‪.‬‬ ‫‪103‬‬


‫الحركة والسكون‪ ..‬النور والظل‪ ..‬البعيد والقريب‪ ..‬الواضح والمبهم‪..‬‬ ‫حرارة اللوان وبرودتها‪ ..‬هي على الشاشة علقات تشبه علقة‬ ‫الصوت والصمت في الموسيقى‪ .‬أو علقة الحروف ببعضها حين‬ ‫تتجاور أو تنتظم في ترتيب معين مقصود لتعطي كلمة ذات مدلول‬ ‫معين‪ ،‬أوعلقة الكلمات ببعضها لتعطي جملة ذات معنى معينا أو‬ ‫مباشرا أو غير مباشر‪.‬‬ ‫وعندما تقد"م لي السينما‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬وجها جميل يحتل الشاشة‪،‬‬ ‫"كلوز أب"‪ ،‬فهي بذلك تجعل ذلك الجمال "ملء العين"‪ .‬وهي بذلك‬ ‫تكون بدورها قد قامت بتجسيد ذلك المعنى الدبي الجميل‪ ،‬باللغة‬ ‫السينمائية‪ ،‬بل‪ ..‬وتفوقت بها على اللغة الدبية‪.‬‬ ‫س ‪ :‬السينما والدب؟‬ ‫ج ‪ :‬الدب والسينما نوعان مختلفان متشابهان‪.‬‬ ‫ففن الرواية‪ ،‬القرب إلى السينما‪ ،‬هو ذلك الفضاء الذي ينفجر فيه‬ ‫الخيال كما في الحلم‪.‬‬ ‫في الرواية ينطلق خيال القاريء في ذلك الفضاء بحرية ليتقمص دور‬ ‫المخرج السينمائي ويقو"م تلقائيا بقـ"إخراج" ما يقرأه بالشكل الذي يروق‬ ‫له ويستشعره‪ .‬وربما يقو"م‪ ،‬بنفسه‪ ،‬بقـ"توزيع الدوار"‪ ،‬وإعطاء‬ ‫الملمح التي يراها للشخصيات التي يتعاطف معها أو ينفر منها‪،‬‬ ‫وخلق "صورة" ذهنية لكل ما يقرأ‪..‬إلخ‬ ‫أما في السينما فيكون خيال "المخرج السينمائي" قد أخذ المبادرة في‬ ‫تحديد الكثيرمن التفاصيل‪ ،‬وبالتالي بتحديد وتقييد نسبي ل يخلو من‬ ‫البداع لخيال المتلقي أو المتفرج‪.‬‬ ‫و"الرواية" المكتوبة و"الفيلم" السينمائي يشتركان في محاولة‬ ‫استكشاف ما يدورفي العقل البشري‪ .‬لكن بأساليب مختلفة‪ ..‬متكاملة‪.‬‬ ‫على أن هناك فرق جوهري بين الرواية‪ ،‬التي يقف وراءها شخص‬ ‫واحد‪ ،‬وبين السينما التي يقف وراءها فريق متكامل‪.‬‬ ‫فالديب هوتعازف "سوليست"‪ ،‬أما المخرج السينمائي فهو قائد‬ ‫"اوكسترا"‪.‬‬ ‫‪104‬‬


‫س ‪ ... ... ... :‬؟‬ ‫ج ‪ :‬ليست مهمة الرواية أو الفيلم السينمائي هو سرد وقائع أيا"م‬ ‫وساعات ودقائق الشخصيات الواردة‪ ،‬ولكنها‪ ..‬وضع المتلقي على‬ ‫طريق اكتشاف الحياة الداخلية لهؤلء "البطال" الذين هم نحن‪.‬‬ ‫أنا أتعتقد أ ن العمل الدبي بمجمله‪ ،‬أو حتى بتفاصيله‪ ،‬وكذلك العمل‬ ‫السينمائي‪ ،‬أوالفني بشكل تعام‪ ،‬هوأداة لليحاء تماما كما الموسيقى‪.‬‬ ‫فكثيرا ما يستهوينا الستمتاع بإتعادة مشاهدة فيلم سينمائي أو أجزاء‬ ‫معينة منه‪ .‬إنه الداء المتقن للمشهد الذي ل يقل تأثيرا تعن الداء‬ ‫الموسيقي الذي يستحثك تعلى إتعادة الستماع إليه مرة بعد مرة‪.‬‬ ‫فمامعنى أن نستمتع أحيانا بجزء من عمل فني بمعزل عن بقية العمل؟‬ ‫أليس في ذلك ما يدل على قوة اليحاء التي يمتلكها هذا العمل‪ ،‬أوهذا‬ ‫الجزء من هذاالعمل؟‬ ‫فعندما يتحدث السينمائي عن "فكرة" يلجأ‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬إلى ذلك الشكل من‬ ‫أشكال السرد بعناصره البصرية‪ ،‬الذي تدعمه الموسيقى عند الحاجة‬ ‫لزيادة جرعة اليحاء‪.‬‬ ‫والكلمة‪ ،‬أداة التعبير الوحيدة في الرواية‪ ،‬لها دورها ومفعولها‪ .‬ولكن‬ ‫ليس صحيحا أن الصورة هي أداة التعبير الوحيدة في الفيلم السينمائي‪.‬‬ ‫ولكنها تشكل وجها آخر تتكامل معه الكلمة‪.‬‬ ‫ولقد جاءنا الفن السينمائي بأدلة ملموسة محسوسة تثبت أنه القادر على‬ ‫التعبيرعن أشياء في اللوعي مما ل تستطيع الكلمات أن تعبرعنها‪،‬‬ ‫وذلك باللجوء للتعبير بإيحاء من تتابع الصور السينمائية بتر تيب معين‬ ‫بما يرافقها من الموسيقى أو المؤثرات المختلفة‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫السينما‪ ،‬كما ذكرت في مكا ن آخر‪ ،‬لغه‪ .‬ومن يمتلك هذه اللغة يستطيع‬ ‫أ ن يقول شعرا‪ ..‬ويحكي رواية‪ ..‬ويرينا فنا تشكيليا‪ ..‬ويسمعنا‬ ‫موسيقى ويمتعنا بكل الفنو ن‪ .‬وهو من خلل ذلك كله يوصل الينا‬ ‫‪105‬‬


‫رسالته التي يمكن أ ن تحمل الينا تساؤلت تعن أتعقد القضايا‪ ،‬أو‬ ‫تفسيرا لها‪ .‬وأخص بذلك الفيلم الروائي بالذات‪.‬‬ ‫وخلصة القول أن السينما رحيق الثقافة‪.‬‬ ‫السينما‪ ..‬هي ذلك النسيج الجميل من خيوط الفنون كلها‪.‬‬ ‫فهي فن يتغذى على كل الفنون الخرى‪ ،‬وفي مقدمتها الرواية‪.‬‬ ‫و من شأنه‪ ،‬كما قلت‪ ،‬أن يمتعنا بكل تلك الفنون‪.‬‬ ‫أو كما قيل‪ ..‬يحثنا على أن نتذوق شتى الفنون حيث تتدرب آذاننا‪ ،‬إن‬ ‫جازالتعبير‪ ،‬على "رؤية الصورة"‪ ،‬وعيوننا على "سماعها"!‬ ‫س ‪... ... ... :‬؟‬ ‫ج ‪ :‬من أهم مها"م المخرج السينمائي أن يجعل المشاهد يفهم أشياء لم‬ ‫يسجلها على شريطه‪ ،‬وأن يحفزه على أن يذهب إلى أبعد مما أشار‪.‬‬ ‫شأنه في ذلك شأن أي فنان صاحب رسالة ينآى بها عن اللغو‬ ‫والمباشرة الفجة‪.‬‬ ‫س ‪... ... ... :‬؟‬ ‫ج ‪ :‬ل توجد قواعد لخراج الفيلم الجيد‪ .‬هناك مخرجين جيدين‬ ‫أبدعوا أفلما كل بطريقته الخاصة‪ .‬من الممكن أن نتخذ هذه الفل"م‬ ‫أمثلة نحتذي بها‪.‬‬ ‫س ‪... ... ... :‬؟‬ ‫ج ‪ :‬أشعر بالمتنان لصاحب أي فيلم سينمائي جيد‪ ،‬لنني أشعر أنه‬ ‫انتصارلي‪ .‬وكثيرا ما عبرت علنا عن شعوري هذا‪.‬‬ ‫س ‪ :‬أدب وسينما الخيال العلمي؟‬ ‫ج ‪ :‬لو اتفقنا على أن "الدب" و"السينما"‪ ،‬والفن بشكل عا"م‪ ،‬هم‬ ‫من مكونات الثقافة‪ ،‬وأنهم أكثر صلة بالحل"م من العلم‪ ،‬فإن ذلك يعتبر‬ ‫اعترافا ضمنيا بأن للفن والحل"م فضل على العلم‪ .‬فلول الحل"م ما‬ ‫‪106‬‬


‫كانت هناك اختراعات ول ابتكارات ول اكتشافات ول أي شئ يمت‬ ‫إلى العلو"م‪ .‬ولول ذلك الحالم‪" ،‬عباس بن فرناس"‪ ،‬الذي صنع لنفسه‬ ‫أجنحة من الشمع‪ ،‬أودت بحياته في أول محاولة لتقليد الطيور في‬ ‫طيرانها‪ ،‬لما كان هناك "رواد فضاء"‪ .‬ولما كانت هناك أحل"م أخرى‬ ‫وتطلعات إلى مستقبل يتاح فيه قضاء عطلة في الفضاء‪ ،‬أو على سطح‬ ‫القمر‪ .‬فللدب‪ ،‬بالتالي‪ ،‬وكذلك الفن طبعا‪ ،‬فضل على العلم‪.‬‬ ‫س ‪... ... ... :‬؟‬ ‫ج ‪ :‬أول تأثير للسينما عليم‪ ،‬في طفولتي‪ ،‬هو خروجي من الفيلم‬ ‫متقمصا شخصية البطل‪ .‬وكان بطلي في ذلك الوقت هو "زورو" أو‬ ‫"فلش جوردن"‪.‬‬ ‫كنت أشعر فعل أنني في قوة هؤلء البطال‪ ،‬وأنني أستطيع أن أثأر‬ ‫لنفسي من بطش بعض القران الذين كانت بنيتي الضعيفة تغريهم‬ ‫على سرقة "غذائي" الذي حملته معي إلى المدرسة‪ .‬أبحث عنهم فل‬ ‫أجدهم‪ .‬ثم يذوي تدريجيا ويتلشى ذلك الحساس بالقوه )!(‬ ‫أما الثر الخر الذي تركته السينما عندي بعد ذلك‪ ،‬فهو نمو إيماني بأن‬ ‫الثقافة هي لغة التفاهم والتعايش السلمي بين الفراد و الشعوب‪ ،‬وأن‬ ‫الفن هو أقرب مفردات الثقافة إلى قلوب وعقول الناس وأعمقها تأثيرا‪،‬‬ ‫وأن السينما هي الوعاء الذي يحتوي خلصة فنون الثقافة لنها تعتمد‬ ‫على الصورة لغة سهلة الفهم لجميع الشعوب‪ ،‬مما جعلني أقرر يوما أن‬ ‫أتحول‪ ،‬كما ذكرت قبل ذلك‪ ،‬من "الهندسـة المعمـارية" إلى‬ ‫"السيـنما"‪ ،‬تلك الداة الناتعمة‪ ..‬القوية‪.‬‬ ‫ذلك بإلحاح من المسئولية القومية والوطنية التي كانت تحتم علينا العمل‬ ‫على الوصول إلى أسلوب لمواجهة القهر الذي يتعرض له الفلسطيني‪.‬‬ ‫س ‪:‬‬ ‫ج ‪:‬‬

‫السينما سلح؟‬ ‫نعم!‬ ‫‪107‬‬


‫وكذلك سائرالفنون الخرى أيضا‪ .‬فهي تنضوي تحت ذلك المسمى‬ ‫الحديث‪" ..‬القوة الناعمة"‪.‬‬ ‫فهناك نوعان من القوة‪:‬‬ ‫القوة العسكرية المتعارف عليها منذ القد"م‪ ،‬وهي التي درجت‬ ‫‪‬‬ ‫الدول على استعمالها في تحقيق مصالحها في سياستها )الخارجية‬ ‫والداخلية(‪ ،‬وما قد تتطلبه المصلحة من غزو عسكري‪ ،‬وهي ما‬ ‫يعرف بالقوة الصلبة الخشنة ‪.((Hard Power‬‬ ‫والقوة الناعمة ) ‪ ،(Soft Power‬وهي أداة بديلة يكون هدفها‬ ‫‪‬‬ ‫ما اصطلح على تسميته بالغزو الثقافي‪ .‬وهي الخطر‪ ،‬لن‬ ‫الخضاع الثقافي بالقوة الناعمة هو احتلل حقيقي للعقول عن‬ ‫طريق أدواتها المتمثلة بوسائل العل"م المستحدثة وأفل"م السينما‬ ‫وشبكات التلفزيون‪.‬‬ ‫‪.‬وقد أثبتت القوة الناعمة قدرة تأثيرها بالتجربة العملية‬ ‫فجماهيرالدول الفقيرة التي كانت تشاهد الفلم الميريكية استطاتعت"‬ ‫تعبرها معرفة أ ن الناس بالغرب ل تقف في طوابير للحصول تعلى‬ ‫الطعام‪ ،‬ويقيمو ن في مساكن مستقلة‪ ،‬ولديهم سياراتهم الخاصة‪..‬‬ ‫"‪.‬وهكذا‬ ‫هذا ما أدلى به "جوزيف ناي"‪ Jozef Nay ،‬رئيس مجلس ‪،‬‬ ‫الستخبارات الوطني الميركي‪ ،‬ومساعد وزير الدفاع في عهد ادارة‬ ‫الرئيس "بيل كلينتون"لم تعد السلحة والصواريخ هي كل شيء‪ .‬هناك‬ ‫المال )الرصدة(‪ ..‬و المقاطعة‪ ..‬والبترول‪ .‬هناك المعلوماتيه‪..‬‬ ‫" والـ ‪".. Know how.‬الطريق السريع للمعلومات‬ ‫هناك الشركات عابرة القارات‪.‬‬ ‫وهناك"الميديا"‪ ..‬والفنون بأشكالها‪ ..‬والفضائيات‪ ..‬و"النترنت"‪..‬‬ ‫و"الفيس بوك "‪ ..‬إلخ!‬ ‫ول شك في أن من امتلك هذه السلحة قد امتلك من القوة ما يجعله قادر‬ ‫على التأثير‪.‬‬

‫‪108‬‬


‫هذا‪ ..‬ولقد دأب الصهاينة على ترويج أفكارهم بكل الوسائل المتاحة‬ ‫بصرف النظرعن مدى شرعية تلك الوسائل‪ .‬فعلوة على سلح‬ ‫العل"م الذي برعوا في تسخيره لتزوير الحقائق وتزييف التاريخ‪،‬‬ ‫لجأوا إلى شكل آخر من أشكال "القوة الناعمة" المؤثرة في عقول‬ ‫الناس‪ ..‬وهوالدين‪.‬‬ ‫فلقد سمخروا الدين لغراض سياسية‪ ،‬ودأبواتعلى ربط النجيل بالتوراة‬ ‫واستدراج المسيحيين للتعتقاد بأ ن "العهد الجديد" ما هو إل تتمة لـ‬ ‫"العهد القديم"‪ ،‬مما أدى إلى تسهيل مهمة امتلك تعواطفهم و إلى‬ ‫التمهيد لـ"تهويد الذهن المسيحي"‪ ،‬لتسريب دتعوات الصهيونية إلى‬ ‫نفوس المسيحيين وإضفاء قدسية تعلى الخرافات المفسرة للتوراة‬ ‫وأساطيرها بحيث أصبحت الذهنية الدينية الغربية مهيأة لقبول فكرة‬ ‫"الوتعد اللهي" بتجميع اليهود وتعودتهم إلى "أرض الميعاد"‬ ‫لقامة دولة إسرائيل في فلسطين‪ .‬ولقد أحرزت هذه الفكار نجاحا‬ ‫يتجلى في تعاطف الغرب ودتعمه للدولة السرائيلية‪.‬‬ ‫ذلك كله بفضل ما سمي بالقوة الناعمة‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الفيلم السياسي‪..‬؟‬ ‫ج ‪ :‬أليست السياسة هي تنظيم علقة دول العالم فيما بينها‪..‬‬ ‫وأجزاء الدول فيما بينها‪ ..‬المدن وقراها‪ ..‬وسكان القرية فيما بينهم‪..‬‬ ‫حتى نصل الى أصغر خلية من خليا المجتمع‪..‬الى أن نصل الى أنها‬ ‫أيضا تنظيم علقة الفرد مع أفراد أسرته؟‬ ‫اذن لماذا هذه التسميات التي تصنف الفنون الى فن سياسي‪ ،‬وفن غير‬ ‫سياسي؟‬ ‫إن كل نبضة نبضة من نبضات الفنان سياسه‪.‬‬ ‫أليس الفنان هو شاهد عصره‪ ،‬أو ضمير زمانه؟‬ ‫الفنان هوالنسان الذي ل يتحدث عن السياسة‪ ،‬ولكنه يمارسها‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬ول يكفي أن يحمل الفيلم فكرة سياسية مهما كانت نبيلة وحقيقية‬ ‫لكي نسميه فيلما سياسيا‪ ،‬بل يجب أيضا أن يكون فيلما جميل وقويا!‬ ‫‪109‬‬


‫لذلك تسقط‪ ،‬في نظري‪ ،‬تلك التسميه‪ .‬ويصبح أي فيلم نابع من معاناة‬ ‫الناس‪ ،‬ويعبرتعن آمالهم من خلل حكاية غيرملفقة‪ ،‬وتقنيةغيرمعقدة‪،‬‬ ‫وأسلوب غيرمباشر‪ ،‬وأداء طبيعي غيرمتشنج‪ ..‬هو فيلم سياسي!‬ ‫وخلصة القول أن السينما وجهة نظر عامة‪.‬‬ ‫س ‪ :‬ولماذا‪" ..‬الفن السابع"؟‬ ‫ج ‪ :‬هناك أجناس عديدة للفن‪ ،‬منها ما هو في عمرالنسان‪ ،‬ومنها‬ ‫ما ظهرحديثا‪ .‬وهناك اليو"م فنون جميلة تشكيلية مثل التصوير والنحت‬ ‫والحفر والعمارة والتصميم الداخلي والرسم‪ ،‬وفنون تعبيرية كالموسيقى‬ ‫والدب والشعر والرقص والمسرح‪ .‬ثم جاءت "السينما"‪.‬‬ ‫وجاء الناقد‪ ،‬والروائي والشاعر والمسرحي‪ ،‬فرنسي الجنسية‪ ،‬ايطالي‬ ‫الصل‪" ،‬ريتشيوتو كانودو" ‪ ، Riciotto Canudo‬الذي أنشأ عا"م‬ ‫‪ 1923‬مجلة للفنون‪ ،‬وكان من الطبيعي أن تحتوي المجله على البواب‬ ‫التاليه‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الرسم‬ ‫‪ - 2‬النحت‬ ‫‪ - 3‬العماره‬ ‫‪ - 4‬الشعر‬ ‫‪ - 5‬الموسيقى‬ ‫‪ - 6‬الرقص والفنون الشعبية‬ ‫وعندما قرر أن تحتوي مجلته بابا عن فن السينما‪ ،‬خطرت له فكرة‬ ‫تسميتها بمجلة "الفنون السبع"‪ .‬فكان أول من أطلق اسم "الفن السابع"‬ ‫على فن السينما‪.‬‬ ‫وهنا ل بد أن نتذكر أن قدماء اليونانيين هم الذين صنفوا الفنون الستة‪:‬‬ ‫العمارة‪ ،‬والموسيقى‪ ،‬والرسم‪ ،‬والنحت‪ ،‬والشعر‪ ،‬والرقص‪.‬‬ ‫أما المسرح الذي اكتسب شعبية كبيرة منذ قديم الزمن فقد كان توليفة‬ ‫من الرقص والموسيقى ولذلك لم يكن من الضرورة أن يجدوا له مكانا‬ ‫في ذلك التصنيف‪.‬‬ ‫‪110‬‬


‫س ‪ :‬الوسكار؟‬ ‫ج ‪ :‬تمنح أكاديمية الفنون والعلو"م السينمائية‪ ،‬وهي أكاديمية فخرية‬ ‫وليست تعليمية‪ ،‬جائزة للفل"م السينمائية الفائزة في المسابقة التي‬ ‫تقيمها في كاليفورنيا سنويا‪ ،‬ابتداء من عا"م ‪ .1927‬وأصل هذه التسمية‬ ‫نكتة‪ ،‬حيث يروى أن سيدة‪ ،‬اسمها "مارغريت هاريك"‪ ،‬كانت تعمل‬ ‫مشرفة على مكتبة الفل"م في الكاديمية المذكورة‪ ،‬دأبت على تشبيه‬ ‫التمثال الذي يمثل الجائزة بعممها "أوسكار"‪ .‬فما كان من اللجنة‬ ‫المختصة بمنح هذه الجائزة إل أن أجمعت على إطلق هذا السم على‬ ‫الجائزة‪.‬‬ ‫س ‪ :‬السينما‪ ..‬والنقد؟‬ ‫ج ‪ :‬قيمة الفيلم السينمائي ل تحدده قدرة الكاتب‪ ،‬ولعبقرية‬ ‫المخرج‪ ،‬ول تممكن المصور من الخلق والتجسيد‪ ،‬ول إبداع الممثلين‪،‬‬ ‫ول أهمية الموسيقى‪ ،‬ول الديكور‪ ،‬ول المونتاج أو الصوت أو‬ ‫‪.‬المكساج‪..‬إلخ‬ ‫قيمة الفيلم السينمائي تنبع من كل ما ذكرنا‪ ،‬بالضافة إلى ما يستطيع‬ ‫‪.‬أن يحركه في الجماهير‬ ‫وهنا يبرز دورأحد أركان أو أعمدة العمل الفني الهامة‪ ..‬وهوالنقد‪.‬‬ ‫و"الناقد" هو الركن الرابع‪ ،‬أو العماد الرابع‪ ،‬الذي يستند إليها بناء‬ ‫العمل الفني‪.‬‬ ‫في الدرجة الولى تأتي "الرسالة" التي يتناولها "المبدع"‪ ،‬وهو‬ ‫العماد الثاني‪ ،‬ليتولى توصيلها‪ ،‬بلغته الخاصة‪ ،‬إلى "المتلقي"‪ ،‬وهو‬ ‫الجمهور‪ ،‬ثالث الركان‪ ،‬أو العمده‪.‬‬ ‫ثم بأتي دور "الناقد" الذي يتولى تقييم "الرسالة"‪ ،‬محاول أن يحلل‬ ‫علقتها بلغة "المبدع" ومقدار اقترابها من "المتلقي"‪.‬‬ ‫ويجب أن ل يقتصرعمل الناقد على تناول العمل الفني‪ ،‬أو الفيلم‬ ‫السينمائي‪ ،‬من وجهة نظره كعمل فني أو"قطعة فنيه"‪ .‬فبعض النقاد ل‬ ‫يبذلون جهدا في "بحث" ودراسة أثرالفيلم في الجمهور‪ .‬الشيء الذي‬ ‫‪111‬‬


‫يجب أن يتكرر مع كل فيلم‪ .‬إنهم يتكلمون عن الفعل‪ ،‬وهو الفيلم‪،‬‬ ‫وينسون الحديث عن رد الفعل‪ ،‬وهو أثركل فيلم في الجماهير‪.‬‬ ‫الناقد هو الذي يحمل قلما مميزا‪ ،‬ليضع به خطوطا تحت أو حول‬ ‫المناطق الهامة‪ ،‬أو الكثرأهمية في العمل البداعي‪ .‬وكثيرا ما يكتشف‬ ‫تعلقات صاغها المبدع بحسه وتلقائيته دو ن أ ن يشعر بحاجة‬ ‫للتفسير‪ ،‬لنه لم يشك في مقدرة المتلقي تعلى الستيعاب‪ .‬ولو ساوره‬ ‫الشك لحظة لشعر المتلقي بالستهانه‪.‬‬ ‫قد نجد أن الفيلم "الجيد"‪ ،‬في بعض الحيان‪،‬قد ضل طريقه إلى‬ ‫الجماهير‪ .‬أو أنها فهمته بشكل يختلف عن ما كان يقصده صاحبه‪.‬‬ ‫أل يدل ذلك على أن هناك ما يجب أن يتدرنس‪ ،‬ثم يتقال؟‬ ‫يجب أن يتناول النقاد "رد الفعل"‪ ،‬أوعدمه‪ ،‬بالدراسة والبحث‪.‬‬ ‫وقبول الجمهور أو رفضه للفيلم السينمائي هو الحكم الول والخير‬ ‫والكثر أهمية‪ .‬وهنا تتجلى مقدرة "السينما" على الحتكاك بالواقع‬ ‫والتأثير فيه‪ ،‬أو التأثر به‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الكتابة للسينما؟‬ ‫ج ‪ :‬أرى أنه ل بأس من الستعانة بذاكرة "حاسوبي" التي تحتفظ‬ ‫بمدونات تتعلق بموضوعات سبق لي معالجتها‪ ،‬ومنها ما قلته عن‬ ‫"الكتابة للسينما"‪ ..‬وأسئلة أخرى‪:‬‬ ‫ففيما مضى‪ ..‬لم يكن أما"م المؤلف سوى طريقتان لتقديم العمل الدبي‬ ‫إلى الجمهور‪ :‬الكتاب‪ ،‬والمسرح‪.‬‬ ‫ثم قد"م إلينا عصرنا الحاضر طرقا أخرى‪ ..‬منها‪" :‬الشاشه"‪.‬‬ ‫وأصبح "السيناريو" فرعا من فروع الدب‪ .‬مثل القصة‪ ..‬والرواية‪..‬‬ ‫والشعر‪ ..‬والمسرحيه‪.‬‬ ‫وفيما مضى أيضا‪ ..‬كان لزاما على الديب أن يدرس قواعد الدراما‪،‬‬ ‫إذا هو أقبل على كتابة القصة‪،‬أو الرواية‪ ،‬أوالمسرحية‪ .‬ول مفر له‬ ‫اليو"م من أن يتقن "تكنيك" وجماليات "السينما" إذا هو أراد أن يكتب‬ ‫"السيناريو"‪.‬‬ ‫‪112‬‬


‫وها هي أكثر من مائة عا"م تنقضي على ظهور أول "شريط"‬ ‫سينمائي‪ .‬ظهرت خللها مختلف التجاهات الجديدة في مختلف البلدان‬ ‫تؤكد هذا القول‪ .‬وإلى جانب أعمال كبار رجالت الدب والمسرح‬ ‫والموسيقى‪ ،‬أصبحت كنوزالفن تحتوي أيضا على العمال السينمائية‪.‬‬ ‫وأصبحت دورالنشرل تقتصرعلى عرض كتب القصة والرواية‬ ‫والمسرحية من فنون الدراما‪ ،‬بل هناك أيضا‪ ،‬إلى جانب كتب النقد‬ ‫والتاريخ والتكنيك السينمائي‪ ..‬إلخ‪ ،‬هناك الكتب التي تحتوي تعلى‬ ‫نص"سيناريوهات" الفلم السينمائية المتميزه‪.‬‬ ‫وأصبحت السينما شريكا لبقية الثقافات الخرى في بناء الرأي وفي‬ ‫تربية الذوق والتذوق‪ .‬وباتت بذلك جزءا من حياة المليين‪.‬‬ ‫وكما أن المخرج السينمائي ل سبيل له للنجاح إذا لم يتقن معرفة‬ ‫الدراما‪ ،‬ولم يحس بقوة الكلمه‪ .‬فإن كاتب السيناريو لن يستطيع القيا"م‬ ‫بعمله بإتقان إذا هو لم يعرف أسرارالسينما وإمكانياتها‪ .‬تماما كما‬ ‫عرف المسرحي الناجح أسرار المسرح وإمكانياته‪.‬‬ ‫س ‪" :‬اللغة السينمائية" و "اللغة المنطوقة"؟‬ ‫ج ‪ :‬في "اللغة المنطوقة" تكون "الكلمة" هي "وحدة التعبير"‪.‬‬ ‫والكلمة هي لفظ مطلق لعلقة في الغالب بينه وبين مدلوله‪ ،‬وإل لما‬ ‫تعددت اللغات‪.‬‬ ‫والكلمة في اللغة الواحدة هي"اصطلح" له مدلول واحد ل يتغير‪.‬‬ ‫فالماء هوالماء‪ ،‬الذي يتكون من الوكسيجين واليدروجين بنسبة ‪2-1‬‬ ‫والهواء هو خليط من الوكسيجين والنيتروجين وثاني أوكسيد الكربون‬ ‫و… و…إلخ‪.‬‬ ‫أمــا"اللغــة الســينمائية" أو "التعبيرالســينمائي"‪ ،‬ووحــدته"الصــورة"‬ ‫المدتعومة بالصوت‪ ،‬فهي لغة عالمية‪ .‬والعلقة بيــن الصــورة ومــدلولها‬ ‫ل يمكن أن يختلف فيها اثنان حتى لو كانا من قارتين مختلفــتين‪ ،‬أو مــن‬ ‫عصرين مختلفين‪ .‬وهذا ما يجعلها تتصف بالعالميه‪.‬‬ ‫‪113‬‬


‫س ‪ :‬تعن مسيرة السينما الفلسطينية؟‬ ‫ج ‪ :‬ظهرت‪ ،‬هنا وهناك‪ ،‬بعض المحاولت لكتابة تاريخ السينما‬ ‫الفلسطينيه‪ .‬وربما كان في محاولتي هذه بتدوين تجربتي الشخصية في‬ ‫هذا المجال مساهمة متواضعة تضاف إليها‪.‬‬ ‫ولعلي أتمكن من قطع شوط في كتابة‪ ،‬أو تجميع ما تم لي كتابته‪ ،‬مما‬ ‫يتيح لغيري‪ ،‬من المتخصصين في الكتابة‪ ،‬أن يرى فيها إضافة‪،‬‬ ‫أوحافزا للبدء في تجميع ما كتتب حتى الن‪.‬‬ ‫هذا مع العلم بأن من مدوناتي السابقة التي يحتفظ بها "حاسوبي" ما له‬ ‫علقة بالسينما بوجه عا"م‪ ،‬والسينما الفلسطينية بوجه خاص‪ ،‬وما‬ ‫يحتوي على إجابات لكثيرمن السئلة التي تتردد‪ ،‬أو لم تتردد بعد‪ ،‬على‬ ‫خاطرالكثيرين‪ ..‬ومنهم صديقي "أحمد عمر شاهين"‪.‬‬ ‫ولعله من الجدى‪ ،‬كما سبق وأ ن ألمحت‪ ،‬أ ن أفرد لهذا الموضوع‪،‬‬ ‫أوغيره‪ ،‬في صفحات قادمة‪ ،‬مكانا لئقا مستقل بفقرات مستقلة تعن‬ ‫الحوارالسابق‪.‬‬ ‫ولعلي‪،‬أيضا‪ ،‬أ ن أجد مكانا أنسب‪ ،‬ومتسعا من الوقت‪ ،‬للحديث تعن‬ ‫جيل من السينمائيين الشبا ن الفلسطينيين المثقفين** الذين أثبتوا‬ ‫وجودهم بالرغم من ظروفهم الصعبة وأوضاتعهم المعقدة‪ ،‬والذين‬ ‫أتعتبر أ ن وجودهم ونجاحاتهم الخذة في وضع السينما في مكانها‬ ‫الصحيح في معادلة الثقافة الفلسطينية هو انتصار لي‪ ،‬يثلج صدري‪،‬‬ ‫ويخلصني من ذلك الشعور القاسي بالوحدة الذي ظل يطاردني قبل ظ‬ ‫هورهم‪.‬‬ ‫وربما كا ن مما تقتضيه المانة أ ن أتخلى‪ ،‬ولو للحظة‪ ،‬تعن حيادي‪،‬‬ ‫وادتعائي المزتعوم بالموضوتعية‪ ،‬بأ ن أشير إلى واحد من هؤلء‬ ‫المخرجين‪ ،‬وهو الفنا ن المبدع "ميشيل خليفي"‪ .‬فهو أول من حمل‬ ‫راية الفيلم الروائي الفلسطيني الحديث‪ .‬فله ولباقي الزملء الذين‪.‬‬ ‫شاركوني وحدتي‪ ..‬أو أنقذوني منها‪ ..‬أهدي شكري وامتناني‬ ‫وتعرفاني‪.‬‬ ‫_______________________________________________________‬ ‫)**( قد يكو ن من العدل أيضا أ ن أحاول أ ن أشحذ ذاكرتي لستدتعي أسماء مثل ‪:‬‬

‫‪114‬‬


‫إيزيدور مسلم‪ ،‬إيلي سليما ن‪ ،‬بثينه خوري‪ ،‬تيسيرتعبود‪ ،‬حنا إلياس‪ ،‬رشيد مشهراوي‪ ،‬سعود مهنا ‪،‬‬ ‫سهى تعراف‪ ،‬شيرين دتعبيس‪ ،‬صبحي الزبيدي‪ ،‬تعبد الوهاب الهندي‪ ،‬تعلي نصار‪،‬تعلياء أرصوغلي ‪،‬‬ ‫تعمرالقطا ن‪ ،‬غاده الطيراوي‪ ،‬ليلى صنصوره‪ ،‬مجدي العمري‪ ،‬محمد السوالمه‪ ،‬مى المصري‪ ،‬ناهد‬ ‫تعواد‪ ،‬نجوى نجار‪ ،‬هاني أبو أسعد‪ ،‬وفاء جميل‪ ،‬يحيى بركات ‪ .. .. ..‬إلخ‬ ‫هذا ما اتسعت له ذاكرتي في هذه اللحظة‪.‬‬ ‫منهم من سعدت بمعرفتهم تعن قرب‪ ،‬ومنهم من أنتظر‪.‬‬ ‫منهم من ثبتت أقدامهم‪ ..‬ومنهم من يحتاج إلى دتعواتنا بالتوفيق والنجاة من صدمة الهبوط إلى أرض‬ ‫الواقع !‬ ‫ويا حبذا لو تفضلوا بمنحي لفتة إليكترونية تعلى تعنواني ‪ghshaath@yahoo.com‬‬ ‫ملحظة هامة ‪ :‬يرحع الفضل في الترتيب البجدي إلى الخواص التي يتميز بها صديقي الحاسوب‬

‫س ‪ :‬وحكاية "ميـَرهمطيـه" ؟‬ ‫ج ‪ :‬حكاية طويلة‪ ..‬أفردت لها بضع صفحات في مكان آخر من‬ ‫سيرتي الذاتية‪ .‬وهي عبارة عن حلم يقظة شغلني لفترة‪ .‬كنت أرى فيه‬ ‫دولتنا وقد أصبح لها مؤسساتها‪ ،‬ومنها "التلفزيون الفلسطيني" الذي‬ ‫يبث برامجه من القدس )!(‬ ‫وتخيلت نفسي وأنا )استنادا إلى خبرة سبع سنوات في تلفزيون ج‪".‬م‪.‬ع‪.‬‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬مسبوقة بستة شهور في تلفزيون النمسا( مسئول عن إخراج‬ ‫برنامج تلفزيوني فلسطيني يتسم بالتنوع‪ .‬ويقترب من شكل المجلة‬ ‫المقروءة التي تتضمن فقرات مختلفة منها الجتماعية‪..‬‬ ‫والفنية‪..‬والسياسية‪..‬والتاريخية والجغرافية‪ ،‬التي تتعلق طبعا بفلسطين‪.‬‬ ‫ولقد ظهر العدد صفر من هذه المجلة على شكل شريط ‪VHS‬‬ ‫الحترافي بغلف خارجي من تصميم الفنان ناجي شاكر‪ .‬ثم توقئدت‬ ‫الفكرة على يد أحد "البوات"‪.‬‬ ‫وعندما حاولت استرداد الشريط المذكور‪ ،‬إتضح لي أن السيد المدير‪،‬‬ ‫أحمد دحبور‪ ،‬وباعترافه‪ ،‬قد استعمل الشريط بعد مسحه لغراض‬ ‫أخرى خاصة به )!(‬ ‫وللحـــــــــــــوار بقيـــــــــــــــة ‪..‬‬

‫*‬

‫*‬ ‫‪115‬‬

‫*‬


116


‫وأخيــــــــــراا ‪..‬‬

‫تعهد‪ ،‬كما ذكرت‪ ،‬وزيرالثقافة بتدبير تمويل لفيلم روائي عن القدس‬ ‫أقو"م أنا بإخراجه‪.‬‬ ‫وشرعت‪ ،‬وأنا مدجج بعزمي على العمل‪ ،‬في العداد للفيلم مع الزميل‬ ‫"فايزغالي"‪ ،‬كاتب السيناريو المصري المعروف والذي كان يتحرق‬ ‫شوقا لعمل موضوع قومي كموضوع "القدس" بالذات‪ ،‬وهو ذلك‬ ‫المسيحي الذي يعتبر أن "القدس" قضيته الخاصة‪.‬‬ ‫كان الستاذ "فايزغالي" قد قرأ بعض العمال الروائية الفلسطينية‪،‬‬ ‫التي زودته ببعضها‪ ،‬عله يجد من بينها ما يصلح منطلقا للسيناريو‬ ‫المطلوب‪ .‬هذا بالضافة إلى قراءته لروايتين للكاتب "يحيى يخلف"‪،‬‬ ‫وكيل الوزارة‪ .‬الذي كان يسعى بما يشبه اللحاح لن يتم اختيار واحدة‬ ‫منهما‪.‬‬ ‫‪117‬‬


‫كانت بعض أوراقي التي كتبتها عن طفولتي في القدس‪ ،‬وعن بداية‬ ‫الهجرة منها‪ ،‬من ضمن ما عرضته على صديقي "فايزغالي"‪ ،‬بهدف‬ ‫وضعه في الصورة‪ .‬ويبدو أن ما جاء فيها قد استهواه واستدرجه‬ ‫للتعرف على المزيد من التفاصيل الخاصة بأجواء القدس وأهلها‪ ،‬في‬ ‫تلك الفترة بالذات‪.‬‬ ‫حكيت له المزيد عن ذكرياتي فيها‪ ،‬بحيث أصبح يكرر استيضاحه عن‬ ‫الماكن والشخصيات التي لفتت انتباهه‪.‬‬ ‫وهنا قررنا العمل على السفر سويا إلى‪ ..‬القدس‪.‬‬ ‫لم نتوقف طويل أما"م تهمة "التطبيع" التي سوف يتهم بها‪ .‬هذا مع‬ ‫العلم بأن الجمعية العمومية لنقابة السينمائيين المصريين كانت قد‬ ‫أصدرت قرارا بحظر أشكال التطبيع في عا"م ‪.1987‬‬ ‫فلقد كان "فايز" ل يقل عني حماسا لمشروع الفيلم‪ .‬ولذلك طالبني‬ ‫برسالة موجهة إليه من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية‪ ،‬تطلب منه‬ ‫التعاو ن معي‪ ،‬وتدتعوه لزيارة مقر الوزارة في "رام ا" للتفاق معه‬ ‫تعلى كتابة السيناريو المطلوب‪.‬‬ ‫هذا‪ ..‬مع قناعتنا بأن التواصل مع شعبنا الذي يعيش في الوطن المحتل‬ ‫بغرض دعمه في نضاله ل يعتبر تطبيعا مع العدو المغتصب‪ ،‬تماما‬ ‫مثلما أن التعاون مع السجين ل يعتبر تطبيعا مع السجان‪.‬‬ ‫وكان أن وصلت الدعوة إلى كاتب السيناريو في كتاب يوضح الغرض‬ ‫من زيارة القدس‪ ،‬موضوع الفيلم‪ ،‬بحيث يمكن إبرازها عند الحاجة إلى‬ ‫نقابة المهن السينمائية التي كانت قد اتخذت بدورها موقفا متشددا ضد‬ ‫التطبيع مع العدوالسرائيلي‪.‬‬ ‫كذلك قامت الوزارة بعمل الترتيبات اللزمة لوصول كاتب السيناريو‬ ‫عن طريق "عمان" مع المحافظة على شرط عد"م تعريض جواز سفره‬ ‫المصري لي أختا"م "غير مرغوب فيها"‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬ولم أدر كيف أغفلت الوزارة‪ ،‬في البداية‪ ،‬عمل الترتيبات اللزمة‬ ‫لوصولي إلى "را"م ا"‪ ،‬لملقاته هناك‪ ،‬حيث أنني بحا جة دائما إلى‬ ‫‪118‬‬


‫تصريح من السلطات السرائيلية للعبور من قطاع غزة إلى الضفة‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫حاول "المسئولون" إقناع السيد "فايزغالي" بالحضور بدون انتظار‬ ‫إجراءات حضوري أنا )!(‬ ‫إل أن الكاتب أصرعلى أن ينتظر حتى تصله إشارة مني بأنني في‬ ‫انتظاره في "را"م ا"‪ .‬لنه يرى أن ل جدوى من وجوده هناك بدون‬ ‫"المخرج"‪.‬‬ ‫وبالفعل سافرت إلى غزة بمجرد أن وصلني ما يفيد بأن التصريح‬ ‫الخاص بعبوري إلى الضفة الغربية بانتظاري هناك‪.‬‬ ‫وتمكنا من تدبير زيارتنا إلى القدس‪.‬‬ ‫وتم لقائي مع صديقي الكاتب "فايزغالي" في "را"م ا" في أول سبتمبر‬ ‫‪. 98‬‬ ‫كانت هذه الزيارة ضرورية بالنسبة لكاتب السيناريو‪ ،‬ليتعرف على‬ ‫مدينة القدس وأهلها وأجواءها‪ ..‬من خلل أحد أبناءها‪.‬‬ ‫عادت إلى ذهني ذكرى زيارتي الولى للقدس برفقة الصديق "جورج‬ ‫خليفي"‪ ،‬حيث زرنا "حارة الواد"‪ ،‬وداري التي ولدت فيها‪ ،‬وجيراني‬ ‫الذين غادرتهم طفل‪ ،‬ثم عدت لملقاتهم كهل يخطو إلى الشيخوخة‪.‬‬ ‫استمع صديقي "فايز"‪ ،‬ومعه جهاز التسجيل‪ ،‬إلى قصص الجيران‪،‬‬ ‫ومعاناتهم تحت الحتلل‪ ،‬منذ عا"م ‪.67‬‬ ‫قمنا بجولت في ربوع القدس القديمة‪ ..‬دروبها‪ ..‬أزقتها‪ ..‬قناطرها‪..‬‬ ‫كنائسها ومساجدها‪ .‬مشينا في "طريق الل"م" من أوله‪ ،‬من حيث حمل‬ ‫السيد المسيح صليبه ‪ ،‬حتى نهايته على جبل الجلجثة‪ ،‬حيث صلب‬ ‫ودفن‪.‬‬ ‫وكانت مشاهدات "فايز" ومسموعاته وتسجيلته كفيلة بأن تجعله‬ ‫يصرف النظر عن أي رواية مكتوبة‪ ،‬وأن يضع السيناريو من واقع‬ ‫انطباعاته وما تم له سماعه ومشاهدته‪ .‬فلقد لمست صدق انفعالته‬ ‫وانغماسه في موضوع القدس‪ ..‬وقدسيته‪.‬‬ ‫‪119‬‬


*

*

120

*


‫صردق‪ ..‬أو‪ ..‬ل تصردق!‬

‫عدنا إلى عقد الجلسات لستعرض انطباعات "فايز" إثر زياراتنا‬ ‫للقدس التي لم تكن تخلو من جديد ومثير‪ .‬وتمت لنا مقابلة السيد وزير‬ ‫الثقافة‪ ،‬الذي أبدى ترحيبه كما نقل لنا رغبة السيد الرئيس‬ ‫"ياسرعرفات" في مقابلتنا‪ ،‬وهو الذي أشاد بمشروعنا ورحب بنا أيما‬ ‫ترحيب ‪.‬‬ ‫ثم جاءت اللحظة الحاسمة‪ ،‬حيث ل بد من وضع خطتنا للعمل في‬ ‫"برنامج عمل" مفصل للمشروع بحيث يشمل الخطوات العملية‬ ‫والتنفيذية‪.‬‬ ‫‪121‬‬


‫وكان ل بد من إبرا"م اتفاق مكتوب بين وزارة الثقافة وكاتب السيناريو‬ ‫"فايزعالي"‪ ،‬وهو الكاتب المحترف الذي يحتاج إلى التفر"غ للكتابة‪،‬‬ ‫كما يحتاج لعقد عمل يلزمه تجاه الوزارة ويضمن له حقوقه‪.‬‬ ‫طلب منه الوزير أن يضع مسودة لبنود العقد المطلوب‪.‬‬ ‫جاء في سياق مسودة العقد‪ ،‬والذي بموجبه سوف يتفر"غ للعمل لمدة‬ ‫ثمانية شهور لكتابة السيناريو‪ ،‬أنه ‪ ،‬إلى جانب مشاهداته وقراءاته و‬ ‫شهادات الخرين‪ ،‬ممن سوف يواصل البحث عنهم وإجراء حواراته‬ ‫التي سوف تقوده إلى التفاصيل‪ ،‬سوف يعتمد أيضا على أوراق‬ ‫شخصية هامة غير منشورة للمخرج‪ ..‬المقدسي‪.‬‬

‫‪122‬‬


‫مع فايز ‪ ..‬وأبوعمار‬

‫كان "فايزغالي" قد تحدث بتأمثر عن انطباعاته إثر زياراته للقدس‬ ‫ومقابلته لمختلف الشخصيات وسماعه لمختلف الشهادات‪ .‬ول أدري‬ ‫لماذا توقف الوزير عند إشارة كاتب السيناريو إلى "أوراق المخرج"!‬ ‫هنا واجهني سيادة الوزير بتعليق ينطوي على شيء من الستخفاف‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬يعني عاوز تعمل زي "يوسف شاهين"؟‬‫تجرعت السخرية‪ .‬واعتبرتها دعابة‪ ،‬وإن كانت دعابة سمجة‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫لم يكن "فايزغالي" قد غفل عن قراءة بعض العمال الروائية‬ ‫الفلسطينية عله يجد من بينها ما يصلح منطلقا للسيناريو‪.‬‬ ‫هذا بالضافة إلى قراءته لروايتين للكاتب "يحيى يخلف"‪ ،‬وكيل‬ ‫الوزارة‪ ،‬الذي كان يسعى‪ ،‬كما أسلفت‪ ،‬بشكل مكشوف لن يتم اختيار‬ ‫واحدة منهما بالذات‪ ،‬وهي رواية "نهر يستحم في البحيرة"‪.‬‬ ‫وكان رد كاتب السيناريو على إلحاح السيد وكيل الوزارة أنها رواية‬ ‫عظيمة‪ ،‬ولكنها ل تمت إلى موضوعنا بصلة‪.‬‬ ‫جرت بعد ذلك تفاصيل كثيرة‪ ..‬وثرثرات‪ ..‬و"كولسات"‪ ..‬وإملء‬ ‫شروط إن دلت على شيء فإنما كانت تدل على جهل وغباء يصل إلى‬ ‫درجة مطالبة كاتب السيناريو بكتابة المعالجة وتقديمها قبل توقيع العقد‪،‬‬ ‫وهو المطلب الذي ل يخلو من وقاحة‪ .‬هذا بالضافة إلى تقديم ميزانية‬ ‫للفيلم‪ ،‬وهو الشيء الذي استنكره "فايزغالي"‪ ..‬ويستنكره أي كاتب‬ ‫محترف آخر‪ .‬وحاول أن يشرح للوزير أن الميزانية ليست من مهماته‬ ‫‪123‬‬


‫وإنماهي مهمة رجل يحترف مسئولية النتاج‪ ،‬يكتبها بناء على‬ ‫سيناريو نهائي للفيلم‪ ،‬بعد أن تكون قد تمت الموافقة النهائية على‬ ‫شكله ومضمونه‪ ،‬والعاملين فيه‪ ،‬وأماكن التصوير ومستلزماته‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫وجدت نفسي في موقف غاية في الحرج‪ .‬بماذا أفسر هذه التصرفات‬ ‫الصبيانية‪ ،‬أنا الذي أوهمت صديقي "فايز" بأننا بصدد مشروع العمر‬ ‫الذي سوف يسجله التاريخ لكلينا‪ ،‬وأننا مدعومون من وزير ثقافة‬ ‫مناضل وملتز"م‪.‬‬ ‫ول أدري كيف استطاع أن يحافظ على هدوءه وهو يقترح أن يتم‬ ‫توقيع العقد‪ ،‬وعند تسليم "المعالجة" في موعدها حسب شروط العقود‬ ‫المتعارف عليها‪ ،‬فإنه‪ ،‬في حالة عد"م الموافقة على مضمونها‪ ،‬سوف‬ ‫يرد كل ما تقاضاه من مقد"م أتعابه‪ ،‬وهو الشيء الذي ل يتفق مع‬ ‫قوانين العمل السينمائي وأعرافه في أي مكان‪ .‬وإن دل ذلك التعهد على‬ ‫شيء فإنما يدل على ثقة كاتب السيناريو بنفسه وبقدراته واستعداده‪.‬‬ ‫حاول "يحيى يخلف"‪ ،‬وكيل وزارة الثقافة‪ ،‬عبثا إقناع "فايزغالي"‬ ‫بالتنازل عن قناعاته‪ ،‬وكتابة "معالجة سينمائية" قبل توقيع العقد )!(‬ ‫وطالبه بعد"م التسرع‪ ،‬بل بالعودة إلى القاهرة وكتابتها على مهل‪.‬‬ ‫ووعد بإرسال العقد بالفاكس موقعا من طرف الوزارة‪ ،‬بالضافة إلى‬ ‫تسوية الموضوع المالي الذي ينص عليه العقد‪ .‬وأضاف أن الوزير ل‬ ‫يملك أن يعطل مشروعا كهذا‪ ،‬وأنه سوف يستصدر أمرا من الرئيس‬ ‫"ياسرعرفات" بوضع المور في نصابها اللئق‪ ..‬و ‪ ..‬و‬ ‫وفي الفندق‪ ،‬ليلة عودته إلى القاهرة ‪ ،‬في ‪ ، 12/9/98‬كان "فايز"‬ ‫يبدو مستاء كمن يشعر بالهانة لهذا التصرف الصبياني الغريب الذي‬ ‫ل يليق بوزير ووكيله تجاه كاتب له مكانته وإسمه‪.‬‬ ‫ومع كأسه الخير قال لي "فايز"‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬بصراحة يا غالب‪ ..‬هم‪ ،‬وباختصار شديد‪ ،‬مش عاوزينك‪.‬‬‫إفهمها بقى يا صاحبي!‬ ‫ثم عاد إلى القاهرة وترك لي مهمة محاولة تسوية الموضوع بأي‬ ‫طريقة أراها‪.‬‬ ‫‪124‬‬


‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫وكان ل بد لي‪ ،‬بالرغم من ذلك كله‪ ،‬من القيا"م بكتابة المعالجة بنفسي‬ ‫وتسليمها للوزير‪ ،‬مع وعد بكتابة موسعة بإشراف وموافقة "فايزغالي"‬ ‫و إرسالها من القاهرة‪.‬‬ ‫وحرصا مني لم أقنع بإرسال المعالجة من القاهرة كما وعدت‪ ،‬بل‬ ‫ذهبت إلى "غزة"‪ ،‬التي أستطيع الوصول إليها بحكم الهوية التي‬ ‫صدرت لي مؤخرا‪ ،‬وهي التي ل تؤهلني للوصول إلى "را"م ا" إل‬ ‫بعد استصدار تصريح خاص من السلطات السرائيلية‪ .‬ومن "غزة"‬ ‫أرسلت لمعالي الوزير مع مديرعا"م الوزارة‪" ،‬أحمد دحبور"‪ ،‬ملفا فيه‬ ‫دراسة وافية‪ ،‬تقع في ثلث وعشرين صفحة‪ ،‬عن الفيلم والرسالة التي‬ ‫يحملها وأحداثه وشخصياته وميزانياته "التحضيرية" و "التقديرية"‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪125‬‬

‫*‬


126


‫معالجة مشروع فيلم روائي طويل‬

‫إسم الفيــــــلم ‪" :‬الـقــــــــــدس"‬ ‫سيناريو وحوار ‪ :‬فايز غـــــــالي‬ ‫قصة وإخــراج ‪ :‬غالب شـــــعث‬

‫مرفقات ) من إعداد المخرج الفلسطيني غالب شعث( ‪:‬‬ ‫‪ -1‬مقدمــــــــــــــــــــــــــــــه‬ ‫‪ -2‬موجــــز فكــــرة الفيـــــلم‬ ‫‪ -3‬إضاءة على الشخصيـات‬

‫‪127‬‬


‫مقدمــــــــــــــــــــــــــــــــه‬ ‫تنطلق دولة "إسرائيل" في خطابها عن قضية "القدس" من منطلقات‬ ‫مغلوطة مخادعة‪ ،‬تماما كما انطلقت أكذوبة "أرض بل شعب لشعب‬ ‫بل أرض"‪ ،‬التي مررها العل"م الصهيوني على العالم‪.‬‬ ‫فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬عندما ظهرت مشكلة برلين‪ ،‬المدينة‬ ‫التي جرى تقسيمها‪ ،‬ظل الرأي العا"م العالمي يستنكر‪ ،‬بشتى الوسائل‪،‬‬ ‫هذا التقسيم ويتعاطف مع فكرة إعادة توحيدها‪ ،‬بشتى الوسائل أيضا‪.‬‬ ‫وفي عا"م ‪ ،67‬وفي ظل هذا الستنكار للتقسيم‪ ،‬والتعاطف المتزايد مع‬ ‫إعادة التوحيد‪ ،‬توحيد برلين‪ ،‬أخذت أجهزة العل"م الصهيونية تصور‬ ‫للعالم أن "القدس" هي الخرى قد تعرضت لنفس المصير‪.‬‬ ‫وأصبح الرأي العا"م العالمي‪ ،‬الواقع تحت تأثير أخطبوط العل"م‬ ‫الصهيوني‪ ،‬والذي لم يجد أمامه إعلما قويا يتصدى له ليبين حقيقة ما‬ ‫يجري‪ ،‬يتعاطف تلقائيا مع فكرة "توحيد القدس"‪ ،‬بدون أن يدرك متى‬ ‫وكيف قتدسمت‪ ،‬ومن الذي قنسمها‪.‬‬ ‫وسوف يظل العالم متعاطفا مع فكرة توحيدها‪ ،‬لصالح إسرائيل‪ ،‬ما لم‬ ‫تتح له فرصة معرفة الحقيقة‪ ،‬أو لنقل‪ ،‬الوجه الخر للحقيقة‪.‬‬ ‫انهار السور الفاصل بين "برلين الشرقية" و "برلين الغربية "‪،‬‬ ‫وبارك العالم كله عودة "الحق" إلى نصابه‪ ،‬وسوف يظل يبارك ويؤيد‬ ‫ويساند فكرة إعادة توحيد القدس‪ ،‬شرقها وغربها‪ ،‬من منطلق أخلقي‬ ‫خاطيء ومضنلل‪.‬‬ ‫‪128‬‬


‫تعلينا أ ن نصوغ روايتنا الخاصة تعن القدس لكي نعرضهاتعلى العالم‪،‬‬ ‫الذي تعود أ ن "يسمع و يرى" رواية أخرى ل يملك سوى أ ن‬ ‫يصدقها‪ ،‬لنه يكاد ل يعرف سواها‪.‬‬ ‫ربما فعلت أجهزة العل"م والدبلوماسية العربية‪ ،‬والفلسطينية بالذات‪،‬‬ ‫الكثير من أجل القضية الفلسطينية‪ ،‬وذلك مما جعل العالم يكاد يجمع‬ ‫على تأييد فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة‪.‬‬ ‫لكن قضية القدس ظلت شبه مبهمة‪ ،‬بفضل "الرواية" السرائيلية التي‬ ‫تجاوزت الحقائق التاريخية والدينية والحضارية‪.‬‬ ‫القدس كانت دائما قدسا واحدة‪ ،‬متعددة المرايا‪ ،‬تتمتع منذ صدور‬ ‫"العهدة العمرية" بعهود تسود فيها روح التسامح والتعايش والتعددية‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫والحتلل السرائيلي العنصري هو الذي حول القدس إلى قدسين‪،‬‬ ‫شرقية وغربية‪.‬‬ ‫وإذا كان لحد أن ينادي بتوحيدها‪ ،‬لصالحه‪ ،‬فهو الجانب العربي‪.‬‬ ‫أما أن يقتطع المحتل ‪ -‬بالقوة‪ -‬جزءا من القدس‪ ،‬ثم يتمادى في سياسة‬ ‫"القضم" وخلق الواقع الجديد المعروفة ‪Creation of New Facts‬‬ ‫ثم ينادي ويعمل بعد ذلك على توحيدها‪ ،‬لصالحه‪ ،‬فهذا مما يثير‬ ‫التساؤل‪ ..‬ويستوجب منا التوضيح‪.‬‬ ‫ومن أبرز وسائل العل"م وأكثرها وقعا في الرأي العا"م العالمي‪..‬‬ ‫هي "السينما الروائية" التي غزت بأفلمها قلوب‪ ،‬ومن ثم عقول العالم‬ ‫الغربي‪.‬‬ ‫فلقد تأتيح لسرائيل تسخير "سحر" السينما الروائية للتأثير على الرأي‬ ‫العا"م العالمي وملحقته بإلحاح ل يكل ول يتوانى‪.‬‬ ‫)) طوال أكثرمن ساتعتين‪ ،‬وهي مدة تعرض الفيلم‪ ،‬كانت تتناهى إلى‬ ‫مسامعي همسات المشاهدين‪ ،‬ونهنهات الباكين ‪ ،‬وشهقات‬ ‫المندهشين‪ ،‬وآهات المنفعلين‪ ،‬وتعليقات المستنكرين‪ ،‬وتصفيق‬ ‫المتعاطفين‪.‬‬ ‫‪129‬‬


‫شاهدت الفيلم مرة أخرى‪ ،‬وثالثة‪ ،‬ورابعه‪.‬‬ ‫وفي كل مرة‪ ،‬كا ن القبال يتزايد‪ .‬ويخرج المشاهدو ن وكأنما‬ ‫أجريت لكل واحد منهم تعملية "غسيل دماغ"!‬ ‫أمارات "التغيير" بادية تعليهم‪ .‬كنت أرقب تلك الشياء التي جسدت‬ ‫أمامي مقولة أ ن "التغيير" هو "غاية الفنو ن وهدفها"‪ ..‬وأ ن‬ ‫السينما "أهم الفنو ن"‪.‬‬ ‫قصة شعب أتعزل يعاني من اضطهاد قوى الشر‪ ،‬التي تقترف جرائم‬ ‫القتل الجماتعي ضده تارة‪ ،‬وتحول دونه والعودة إلى أرضه ‪ -‬أرض‬ ‫الميعاد‪ -‬تارة أخرى)!(‬ ‫ثم تعلن‪ ،‬قوى الشر تلك‪ ،‬تقسيم أرضه وإتعطاء جزء منها إلى فئة‬ ‫من البدو المتوحشين‪ ،‬الذين نراهم وهم يحرقو ن الزرع ويقتلو ن‬ ‫المواشي‪ ،‬و يكرو ن ويفرو ن مولولين كما "الهنود الحمر" في‬ ‫الفلم الميريكية‪.‬‬ ‫لكنهم‪ ،‬أبناء شعب ا المختار‪ ،‬بإيمانهم وتضحياتهم وتضافرهم‬ ‫وتمسكهم بحضارتهم‪ ،‬بعد سنوات طويلة من تعناء القهر والظلم‪،‬‬ ‫استطاتعوا أ ن يحققوا النصر ويعلنوا قيام دولتهم المسالمة‪ ،‬التي‬ ‫تستحق العطف والتأييد‪ ،‬لنها قائمة تعلى الحب والديمقراطية وسمو‬ ‫المباديء والهداف!‬ ‫كل ذلك‪ ،‬بلغة سينمائية تعالية‪ ،‬وأداء متقن مقنع لممثلين لهم مكانتهم‬ ‫العالميه‪ ،‬ومشاهد مؤثرة توففر لتنفيذها كل المكانات التقنية بدو ن‬ ‫حساب‪ ..‬أو بحساب دقيق‪.‬‬ ‫ل أبالغ حينما أقول أنني كدت‪ ،‬أنا الفلسطيني المشرد‪ ،‬أ ن أتأثر بما‬ ‫رأيت وسمعت‪* ((.‬‬ ‫عشرات من"الفل"م الروائية"‪ ،‬جندت لها الطاقات ورصدت لها المئات‬ ‫من مليين الدولرات‪ ،‬كانت تحمل في طياتها قصصا "إنسانية" تروي‬ ‫في وطن قومي )!(‬ ‫وظل هذا الوطن القومي ينمو ويتسع ويتمدد في ظل التعاطف الذي‬ ‫خلقته تلك القصص‪.‬‬ ‫‪130‬‬


‫رواية واحدة‪ ،‬تؤكد حق ذلك النسان –المضطنهد‪ ،‬المعنذب‪ ،‬المطانرد‪-‬‬ ‫_____________________________________‬ ‫)* (‬

‫من أوراقي ‪ ..‬تعليق تعلى الفيلم الصهيوني الشهير "الخروج"‪Exodus‬‬ ‫"أوتو بريمنجر" تعن رواية بنفس السم لـ "ليو ن أوريس"‪.‬‬

‫من إخراج‬

‫لم ير العالم فيلما سينمائيا واحدا يحكي "روايتنا" بنفس السلوب‬ ‫البعيدعن الشعارات المتشنجة‪.‬‬ ‫وقد آن لنا أن نكف عن مخاطبة أنفسنا‪ ،‬وأن نتوجه للعالم بتلك اللغة‬ ‫التي تمتلك القدرة على مخاطبة الوجدان والعقل معا‪.‬‬ ‫آن الوان لكي نحكي للعالم روايتنا‪ ..‬قصة"النسان" الفلسطيني البسيط‬ ‫الذي ولد وعاش في بلد ولد فيها أجداده‪ ،‬مسيحيون أو مسلمون أو‬ ‫غيرهم‪ ،‬وعاشوا فيها يجمعهم ذلك البعد النساني‪ ،‬إلى أن جاءت‬ ‫الصهيونية متذرعة بحق تاريخي مزور ل يمت إلى اليهودية إل من‬ ‫بعيد‪ ،‬لكي تنفرد بمدينة القدس بعد محاولت تبديد تراثها النساني‬ ‫وسرقة ما يحلو لهم من هذا التراث وتحويل المدينة إلى مدينة ذات‬ ‫بعد يهودي محض‪ ،‬لتبقى بكاملها عاصمة أبدية للدولة العبرية‪ ،‬بما‬ ‫يعنيه ذلك من هد"م للمسجد القصى )) أولى القبلتين وثالث الحرمين‬ ‫الشريفين(( وبناء الهيكل المزعو"م في مكانه‪.‬‬ ‫هذه المدينة‪ ..‬حاضرة المدن‪ ،‬لؤلؤة التاريخ‪ ،‬قدس النبياء‪ ،‬جامعة‬ ‫الديان‪ ،‬ما زالت تحلم بمستقبل يليق بها‪ ،‬ينطلق من ماضيها‪.‬‬ ‫ففي الوقت الذي يتصاعد فيه إرهاب المتطرفين اليهود بينما هم‬ ‫"يتلون مزاميرهم في إسرائيل"‪ ،‬وفي الوقت الذي تزعم فيه‬ ‫"إسرائيل" أنها تداوي جراح القدس بتوحيدها‪ ،‬نرى أن هناك حدودا‬ ‫مصننعة قوامها الممارسات العنصرية ذاتها التي كان من شأنها تدمير‬ ‫وحدة المدينة‪.‬‬

‫*‬

‫*‬ ‫‪131‬‬

‫*‬


‫موجز فكرة الفيلم‬ ‫سوف يتخذ الفيلم شكل أشبه بالفيلم التوثيقي‪ ،‬ولكنه في سياقه يتمتع‬ ‫بنسيج درامي‪ ،‬يروي مأساة مدينة أسيرة تتعرض للنهب والغتصاب‪،‬‬ ‫ومصائر بعض من عاشوا سنوات النكبة الخمسين‪ ،‬ويكشف نوايا‬ ‫الغدر السرائيلي المبنيت‪ ،‬الضالع في توظيف قدرته على الحتيال‪،‬‬ ‫والظهور أما"م العالم بالثوب الحضاري المزيف الملمون بد"م البرياء‪.‬‬ ‫ثم ينتهي الفيلم‪ ،‬بالرغم من ذلك كله‪ ،‬بالتلويح براية المل الصادق‬ ‫والرغبة في سل"م عادل شامل‪ ،‬حتى يتسنى لنا أن نواصل ممارسة‬ ‫دورنا‪ ،‬إلى جانب شعوب الرض المحبة للسل"م‪ ،‬في العمل من أجل‬ ‫حضارة البشرية وكرامة النسان‪.‬‬ ‫"عمر"‪ ..‬مخرج في العقد السادس من عمره‪ ،‬وقد استقر به المقا"م في‬ ‫بلد عربي بعد تجوال اقتضته ظروف العيش وطلب العلم و العمل‬ ‫الملتز"م بقضايا الوطن والنسان‪ .‬إلى أن جاء إعلن قيا"م السلطة‬ ‫الوطنية في غزة والضفة الغربية‪ ،‬حيث يقع الختيار عليه‪ ،‬من قبل‬ ‫المؤسسة التي ينتمي إليها‪ ،‬للقيا"م بإخراج فيلم روائي طويل عن مدينة‬ ‫القدس بمناسبة مرور خمسين عا"م على النكبة‪ .‬وذلك ضمن حملة‬ ‫إعلمية أخذت‪ ،‬للمرة الولى‪ ،‬أهمية دور الفيلم السينمائي "الروائي"‬ ‫في إزهاق الباطل وإظهار الحق بعين العتبار‪.‬‬ ‫"رمزي"‪ ..‬كاتب السيناريو المصري المنوط به صياغة الفكرة بشكل‬ ‫درامي مناسب‪ ،‬استنادا إلى تاريخه وخبراته المشهود له بها‪.‬‬ ‫يلتقي الثنان في مدينة القدس‪ ..‬ويبدآن رحلة البحث عن تفاصيل‬ ‫الفيلم‪.‬‬ ‫وأثناء تجوالهما في زواريب المدينة القديمة‪ ،‬يندمج "عمر" بسرد‬ ‫بعض ذكريات الطفولة التي تثيرها المكنة العتيقة في نفسه‪ ،‬بينما‬ ‫‪132‬‬


‫يراقبه "رمزي" من خلل عدسة الكاميرا التي ل تفارقه تارة‪ ،‬أو‬ ‫ينصت إلى حديثه الذي لن تغفله آلة التسجيل التي في يده تارة أخرى‪.‬‬ ‫ثم تأتي اللحظة التي يمسك فيها "رمزي" بطرف الخيط الذي سوف‬ ‫يقوده إلى ضالته‪:‬‬ ‫سوف يحكي الفيلم قصة "عمر" ذلك الفلسطيني العائد إلى وطنه‪،‬‬ ‫ومسقط رأسه القدس‪ ،‬بعد أن تركها صبيا قبل خمسين عاما‪ ،‬إثر نهاية‬ ‫النتداب البريطاني وإعلن ولدة إسرائيل عا"م ‪1948‬واشتعال‬ ‫الحرب‪ ،‬وحدوث مذبحة "ديرياسين" التي أصابت الكثيرين بالذعر‬ ‫بحيث راجت فكرة اللجوء إلى مكان أكثر أمنا‪ ،‬ريثما تتمكن الجيوش‬ ‫العربية من وضع حد لزحف العصابات الصهيونية‪ ،‬وسرعان‪ ،‬كما‬ ‫كانوا يقولون‪ ،‬ما يعود بعد ذلك كل إلى بلده وداره‪.‬‬ ‫لكن السنوات تمر تلو السنوات حتى تقارب الخمسين‪ ،‬والحلم‬ ‫الفلسطيني مازال في مهده‪.‬‬ ‫صحيح أن الحلم بدا منذ البداية وكأنه مجرد أمل اللجئين الفلسطينيين‬ ‫في"العودة"‪ .‬ولكن سرعان ما اكتملت ملمح هذا المل وتبلورت في‬ ‫صورة قرار حاسم بدولة فلسطينية مستقلة‪.‬‬ ‫وها هو "عمر" يحقق حلما مزدوجا‪ ..‬العودة إلى موطنه ومسقط رأسه‬ ‫ودولته الوليدة تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية‪ ،‬ومن ثم عمل‬ ‫فيلم عن مدينة القدس‪ ،‬الشيء الذي أتيح لكثير من المخرجين الجانب‬ ‫وظل عصيا عليه وهو إبن تلك المدينة‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫يحكي "عمر"‪ ،‬رداما على استفسارات كاتب السيناريو "رمزي"‪ ،‬عن‬ ‫تجربة العودة‪ ..‬وعن مشاعره وهو يعبر الحدود المصرية الفلسطينية‬ ‫لول مرة‪ ..‬بعد قيا"م السلطة الفلسطينية‪.‬‬ ‫ثم تشترك الصورة مع الكلمة في السرد‪:‬‬ ‫فما أن يحتل مكانه في سيارة الجرة التي سوف تنقله من رفح إلى غزة‬ ‫حتى ينهمر سيل الذكريات‪ .‬وتتداعى إلى مخيلته صور هجرته من‬ ‫القدس إلى غزة‪ ،‬ثم تعود به الذاكرة إلى القدس نفسها‪.‬‬ ‫‪133‬‬


‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫يتذكر أيا"م الطفولة التي قضاها في داره في البلدة القديمة ذات الطراز‬ ‫المعماري المقدسي المميز‪.‬‬ ‫يتذكر تفاصيل الدار‪ ..‬ووجوه الجيران والقران‪ ..‬والطرقات التي‬ ‫كانت تقوده إلى مدرسته الولى‪.‬‬ ‫يتذكر الغنيات التي كانت تمل جوانب الحارة‪ ،‬منبعثة من المقهى‬ ‫القريب الذي يقع أما"م إحدى محطات "مسيرة الل"م"‪ ،‬ويتذكر الطقوس‬ ‫والمواكب الدينية التي كانت تمر أيا"م الجمعة من كل أسبوع في‬ ‫"طريق الل"م" ‪ ،Via Dolorosa‬والطريق الذي يتفرع فيصل أحد‬ ‫فرعيه إلى كنيسة القيامة‪ ،‬حيث يقع قبر المسيح عليه السل"م‪ ،‬بينما‬ ‫يقودنا الفرع الخر إلى الحر"م الشريف والمسجد القصى‪.‬‬ ‫يتذكر "شوشانا"‪ ،‬زوجة ابن الجيران‪ ،‬اليهودية‪ ،‬التي سنعرف فيما بعد‬ ‫عا"م ‪ -67‬أنها‪ ،‬بالرغم من محاولت وإغراءات أهلها خارج البلدة‪،‬‬‫أصرت على البقاء في حارتها وبين جيرانها الذين أحبوها وأحبتهم إلى‬ ‫أن دفنت في مقابرهم‪ ،‬حسب وصيتها‪.‬‬ ‫يتذكر"أبو الياس"‪ ،‬صديق والده الذي عاد من المهجر‪ ،‬نيكاراجوا‪،‬‬ ‫بعد وفاة والده عا"م ‪ ،47‬لكي يرعى أرضه الكائنة في أطراف مدينة‬ ‫القدس‪ .‬وعندما أصبحت "لقدس القديمة" لفترة ما أكثر أمنا من‬ ‫أطراف المدينة‪ ،‬حيث تقع دارهم في حي "القطمون"‪ ،‬اقتطع والد‬ ‫"عمر" غرفتين من داره الوسيعة ليسكنهما صديقه "أبو الياس" مع‬ ‫عائلته الصغيرة المكونة من زوجته "روزاليا"‪ ،‬وابنتها الصبية اليافعة‬ ‫"هنيه" ذات الثني عشر ربيعا‪.‬‬ ‫يتذكر الغنيات السبانية الجميلة‪ ،‬ذات الجرس العربي المميز‪ ،‬التي‬ ‫كان يشارك "هنيه" في ترديدها بدون أن يفهم معانيها‪ ،‬وكيف كانت‬ ‫الحرب والهجرة سببا في توقف محاولته في تعلم لغتها كما وعدها‪.‬‬ ‫يعود ويتذكر تلك الفترة العصيبة من حصار للقدس القديمة وقصف‬ ‫لها‪ ،‬ومحاولت ضارية لقتحامها من قبل العصابات اليهودية قبل‬ ‫‪134‬‬


‫دخول الجيش العربي لنقاذها‪ .‬يتذكر تفاصيل هجرته‪ ،‬صبيا في الثالثة‬ ‫عشر من عمره‪ ،‬من القدس إلى غزة عا"م ‪ ..48‬والطريق الجبلي الوعر‬ ‫الذي سلكه مع شقيقه الكبر مشيا على القدا"م إلى مدينة "بيت لحم"‪،‬‬ ‫بسبب قطع العصابات اليهودية للطريق الرئيسي‪ ،‬ليواصل الرحلة عن‬ ‫طريق مدينة "الخليل"‪ .‬ويتذكر حرون الحمار‪ ،‬الذي كان يحمل‬ ‫أمتعتهما‪ ،‬وهو يرفض مواصلة رحلة الهجرة‪ ،‬ثم عصيانه وتمرده‬ ‫وفراره عائدا من حيث أتى بعد أن تخلص من حمله‪.‬‬ ‫ويتذكر انقضاء السابيع والشهور والسنوات في غزة‪ ..‬في انتظار‬ ‫العودة‪.‬‬ ‫ثم يتوقف شريط الذكريات‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫بعد وصوله إلى أولى المدن المحررة‪ ،‬مدينة غزة )‪ ،(1994‬يتمكن‬ ‫عمر" من الحصول على تصريح مؤقت لزيارة مدينته‪ ،‬القدس المحتلة‪،‬‬ ‫ليرى رأي العين مظاهر العبث بتاريخ البلد وجغرافيتها‪ ،‬ويعيش‬ ‫لحظات من الشجن والسى تتخللها لحظات أخرى من السعادة والحنين‬ ‫في كنف مدينة التاريخ‪ ،‬المدينة المسكونة بآثارالحضارات‪ ،‬المدينة التي‬ ‫تعج بالذكريات‪.‬‬ ‫يتأمل واقع المدينة المسالمة التي تتعرض معالمها التاريخية والتراثية‬ ‫والحضارية لمحاولت المحو‪ ..‬والتدمير والغتصاب والتهويد‪ ..‬وما‬ ‫يستتبع ذلك من امتهان للحجر والبشر‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫في هذه اللحظات المأساوية‪ ،‬يتوقف السرد‪ .‬وكأنما يسوقنا الموقف إلى‬ ‫لحظة من التأمل‪:‬‬ ‫هل سلبتنا سنوات النكبة الحساس بأننا بشر‪ ،‬نتحلى بما يميزنا عن بقية‬ ‫الكائنات وهو القدرة على الحب والفرح وبهجة العطاء؟!‬ ‫هل يمكن أن تنقرض كل العواطف النبيله ول يبقى من الحب سوى‪..‬‬ ‫"حب البقاء"؟‬ ‫‪135‬‬


‫يتذكر "عمر" كيف كان المقاتلون الفلسطينيون في جنوب لبنان‪ ،‬وكيف‬ ‫كان للحب والفرح متسع في قلوبهم في أحلك أوقاتهم هناك‪ .‬وكيف كان‬ ‫الحب والفرح جزءا من حبهم للوطن‪.‬‬ ‫وكأنما هو يتساءل‪:‬‬ ‫أل يليق بنا أيضا أن نتباهى بقدرتنا على الحب‪ ،‬وسعينا للسل"م‪،‬‬ ‫وأشواقنا إلى البتسا"م‪ ،‬وإلى حكايا رومانسية وأغنيات تربط الماضي‬ ‫بالحاضر وترنو إلى المستقبل‪ ،‬وتضفي شيئا من التفاؤل والمل‪،‬‬ ‫وتعيدنا إلى مكاننا بين المم‪.‬‬ ‫وهنا يتدخل كاتب السيناريو "رمزي" ليؤكد لـ"عمر" ما معناه أنه لن‬ ‫يؤلف ولن يبتكر قصصا‪ ،‬فهو لم ينس بعد حديث "عمر" عن جارته‬ ‫في القدس‪ ،‬الصبية "هنيه"‪ ،‬إبنة جارهم "أبو إلياس"‪ ،‬المولودة من أ"م‬ ‫"إسبانيولية" في"نيكاراحوا"‪ ،‬وأغنياتها السبانيه عن الحب و السل"م‪.‬‬ ‫ويستمر السرد السينمائي‪:‬‬ ‫ويكبر "عمر" ‪ ،‬وتكبر معه أحلمه‪ ،‬ليصبح مخرجا سينمائيا ناجحا‪.‬‬ ‫وفي أحد المهرجانات الدولية‪ ،‬في بلد أوروبي‪ ،‬في برلين‪ ،‬وفي عا"م‬ ‫‪ ،75‬يلتقي "عمر" بصحفية تقترب من الربعين من عمرها آتية من‬ ‫القدس‪ ،‬ليتعرف فيها على رفيقة الطفولة‪"..‬هنيه"‪.‬‬ ‫تخبره عن حدسها‪ ،‬من خلل معلوماتها كصحفية تهتم أيضا بأخبار‬ ‫الفنون‪ ،‬بأن المخرج السينمائي "عمر" لن يكون سوى جارها ورفيق‬ ‫طفولتها لبضعة شهور‪ ،‬في القدس القديمة‪.‬‬ ‫كانت "هنيه" قد تزوجت وأنجبت بنتا أسمتها "مريم"‪ ،‬وهي التي تبدو‬ ‫الن‪ ،‬في صورها‪ ،‬في الثانية عشر من عمرها‪ ،‬بينما نرى "عوده"‪،‬‬ ‫إبن "عمر"‪ ،‬في إحدى صوره وهو يبدو في الرابعة عشر من عمره‪.‬‬ ‫يستذكران‪" ،‬هنيه" و"عمر"‪ ،‬سويا تلك الفترة من عمريهما في القدس‬ ‫)عا"م ‪.( 48‬‬ ‫‪136‬‬


‫‪Brandenburg‬‬

‫ثم نراهما يقفان بالقرب من بوابة "براندنبورج"‬ ‫التي تفصل شرق مدينة "برلين" عن غربها‪.‬‬ ‫يتحدثان عن أوضاع مدينة "القدس" التي تخضع بالتدريج لبعض‬ ‫التغيرات التي ل تنبيء بالخير‪ .‬وعن محاولة إسرائيل‪ ،‬لستغلل‬ ‫تعاطف أوروبا مع فكرة إعادة توحيد "برلين"‪ ،‬في تصوير وضع‬ ‫"القدس" وكأنها أيضا مدينة مقسمة ل بد من إعادة توحيدها‪ ،‬لصالح‬ ‫إسرائيل طبعا‪.‬‬

‫ثم تحكي له كيف عبرت بوابة "ماندلباو"م" ‪ ،Mandelbaum‬التي‬ ‫دأبت أن تفصل القدس الشرقية عن غربها‪ ،‬بعد عا"م ‪ ،67‬لزيارة بيتهم‬ ‫في حي "القطمون" لتجد أسرة مهاجرة من بلد أوروبي تحتله‪ ،‬وما‬ ‫زالت محتويات البيت تسكن فيه‪ ،‬سجاد‪ ،‬نحاسيات‪ ،‬صيني‪ ..‬ثريات‪..‬‬ ‫إلخ‪.‬‬ ‫يعودان للحديث عن أوضاعهما الشخصية‪.‬‬ ‫عن زوجها الذي اعتقل لعدة سنوات‪ ،‬ثم أبعد مع غيره من المناضلين‬ ‫إلى لبنان ثم عاد "متسلل" إلى بلده حيث أعيد اعتقاله‪ ،‬ومحاكمته‬ ‫بتهمة التسلل‪ ..‬إلى وطنه)!(‬ ‫عن زوجته الراحلة منذ مدة أطول من السنوات‪.‬‬ ‫عن إرتباط "هنيه" بالقدس‪ ،‬وبقضية المعتقلين‪ ،‬والراضي والملك‬ ‫المصادره‪.‬‬ ‫تتحدث بجذل عن ابنتها "مريم "‪ ،‬التي تبدأ خطواتها الولى إلى عتبة‬ ‫الحياه‪ ،‬ذات الصوت الجميل‪ ،‬وعن حبها للغناء‪ ،‬وعن نيتها في تمهيد‬ ‫الطريق لها لتنمية موهبتها بالدراسة‪.‬‬ ‫يتحدث عن إنشغاله بقضايا بلده‪ ،‬وبالفل"م التسجيلية التي تورط في‬ ‫العمل بها بعد أن كانت أحلمه تسافر به إلى أبعد من ذلك بكثير‪.‬‬ ‫ويحكي بحذر عن "هوس" إبنه بالموسيقى‪،‬الفن الرفيع‪ ،‬الذي ل يطعم‬ ‫في بلدنا ول يغني من جوع‪.‬‬ ‫‪137‬‬


‫يتكرر اللقاء مرة أخرى عا"م ‪ 78‬في إسبانيا‪ ،‬حيث يعرض في‬ ‫مهرجان "بلباو" أحد أفل"م "عمر" التسجيلية‪ ،‬ويفوز بإحدى الجوائز‪.‬‬ ‫تقوده "هنيه"‪ ،‬التي تتقن اللغة السبانية‪ ،‬لغة ال"م بالنسبة لها‪ ،‬في رحلة‬ ‫إلى "غرناطة" لمشاهدة "قصرالحمرا" و آثار الحضارة العربية‬ ‫الندلسية‪ ،‬ذلك التراث النساني‪ ،‬حيث يدور الحوار عن التدمير الذي‬ ‫تمارسه إسرائيل للتراث العربي الفلسطيني‪ ،‬والتغييرات التي تجري‬ ‫على مدينة القدس بالذات‪.‬‬ ‫كما يجري الحديث عن مستعمرة " ياميت " التي يأبى اليهود إل أن‬ ‫يدمروها قبل النسحاب منها‪ .‬بينما نحن نرى )بدون تعليق( ما تركه‬ ‫العرب في اسبانيا من علمات ما زالت تحكي عن حضارتهم‬ ‫وتسامحهم‪.‬‬ ‫ويتكرر اللقاء دائما في بلد ثالث‪ .‬يتعارف الولدان‪ .‬يكبران‪.‬‬ ‫تنشأ بين "مريم" و "عوده"‪ ،‬اللذان يدرسان في نفس البلد الوروبية‪،‬‬ ‫علقة حب جميلة يكاد يخنقها ذلك الواقع الجائر‪.‬‬ ‫"عوده"‪ ..‬الشاعر الموسيقي‪ ،‬الذي دأب على كتابة الغاني واللحان‬ ‫التي كانت تغنيها "مريم" في حفلت إتحاد الطلبة زمن الدراسة معا‬ ‫في بلد أجنبي‪ ،‬وظل بعد تخرجهما مرتبطا بها مقتنعا بموهبتها يكتب‬ ‫ويلحن لها الغاني‪ ،‬يدعم مشروع "كورال الطفال" الذي كرست له‬ ‫حياتها‪ ،‬يتعاون ويتواصل معها من بعيد‪ ،‬ل يستطيع مقابلتها إل في بلد‬ ‫ثالث‪ ،‬لنه مثل أبيه ل يمتلك الوثيقة التي تؤهله لدخول بلده القدس‪.‬‬ ‫ويظل المل حاميا يكبر وينمو‪ ،‬و تظل مقاومة الظلم مستمرة ل تتوقف‪.‬‬ ‫وها هي مآذن القدس تنطلق منها ابتهالت تختلط مع صوت أجراس‬ ‫الكنائس‪ ،‬لتقول أن القدس سوف تظل مدينة النور والسل"م والمل‪.‬‬ ‫عاصمة التاريخ والديان السماوية‪ ..‬والدولة الفلسطينية‪.‬‬ ‫ينتهي الفيلم بأغنية‪ ،‬يبرز فيها دور كورال الطفال‪ ،‬تطالب بالفراج‬ ‫عن المعتقلين‪ ،‬وباستمرار مقاومة سياسة التمييزالعنصري‪ ،‬والنضال‬ ‫‪138‬‬


‫من أجل السل"م القائم على العدل‪ ،‬والحرية لكل الشعوب في تقرير‬ ‫مصيرها‪.‬‬ ‫)يكتب الغنية شاعر غنائي مسترشدا بالمعاني التي جاءت في تعريفي‬ ‫لمعنى المل‪:‬‬ ‫‪ ‬المل هو ما يعطينا الرغبة والقدرة في تخطي الصعاب‪.‬‬ ‫‪ ‬إنه ما يجعلنا نرغب في الستمرار‪.‬‬ ‫‪ ‬وما يجعل لحياتنا جدواها‪ ..‬ولمستقبلنا معناه‪.‬‬ ‫‪ ‬المل هو ما يحافظ على بقاءالنسان‪.‬‬ ‫‪ ‬ول فائدة من المحاولة إذا لم يشاركها المل‪.‬‬ ‫‪ ‬المل هو الدعامة التي تقي العالم من النهيار‪.‬‬ ‫‪ ‬والذي يعيش بل أمل كالراقص بدون موسيقى‪.‬‬ ‫‪ ‬وإذا كان اليأس "غربة"‪ ..‬فالمل هو "الوطن"‪.‬‬ ‫‪ ‬ومن يتمتع بالمعرفة يمتلك المل‪.‬‬ ‫‪ ‬والذي يمتلك المل يمتلك كل شيء‪.‬‬ ‫تؤدي "مريم" مقاطعا من الغنية أداء مؤثرا‪ ،‬في حفل كبير يقا"م في‬ ‫منطقة مرتفعة ))راس العين(( تطل على مدينة القدس القديمة بأبراج‬ ‫كنائسها‪ ،‬ومآذنها‪ ،‬وحر"م المسجد القصى ومسجد الصخرة بقبته‬ ‫الذهبية اللمعة‪ ،‬بينما هي تتخميـــــــــل"عوده" وهو يقود الفرقة‬ ‫الموسيقية‪ .‬وهي أغنية مطورة عن أغنية كان يرددها الطفلن "هنيه"‬ ‫و"عمر" قبل خمسين عاما‪ .‬ثم نرى‪ ،‬من وجهة نظر "مريم"‪ ،‬فيما‬ ‫يشبه الحلم‪ ،‬في أحد صفوف المتفرجين المامية‪"،‬عمر"‪ ..‬بينما "هنيه"‬ ‫تتأبط ذراع زوجها الذي خرج من المعتقل‪.‬‬ ‫وتظل النهاية مفتوحة إلى أن يدخل "الفيلم" حيز التنفيذ‪ .‬فلعل أن‬ ‫تحتفل النهاية بإعلن قيا"م الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس‬ ‫الشريف‪.‬‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫إضاءة تعلى بعض شخصيات الفيلم‬ ‫‪139‬‬


‫رمــــــــــزي‬ ‫عمــــــــــــر‬ ‫هنيــــــــــــه‬ ‫عـــــــــــوده‬ ‫مريـــــــــــم‬

‫‪..‬‬ ‫‪..‬‬ ‫‪..‬‬ ‫‪..‬‬ ‫‪..‬‬

‫كاتب سيناريو من مصر‬ ‫مخرج من فلسطين‬ ‫صحفية من فلسطين )والدة مريم(‬ ‫شاعر وموسيقي )إبن المخرج(‬ ‫المغنية الشابه )بنت هنيه(‬

‫شوشــــــــانا ‪ ..‬يهوديه )من السفارديم(‬ ‫ليـــفيــــــــــا ‪ ..‬يهوديه )من الشكنازيم(‬

‫‪140‬‬


‫"رمــــــــــــــــــــــــزي"‪..‬‬ ‫لم يكن اختيار "رمزي" لشخصية كاتب السيناريو مرتجل‪ ..‬أو بناء‬ ‫على سمعته ككاتب سيناريو متمكن من فنه فحسب‪ ،‬بل إن مواقفه‬ ‫الوطنية والقومية كانت أساسا لهذا الختيار‪ .‬فهو ينتمي إلى مجموعة‬ ‫من الفنانين المصريين الذين يضعون قضية الرض الفلسطينية‬ ‫والشعب الفلسطيني في مقدمة إهتماماتهم المصيرية بقضايا الوطن‬ ‫العربي ككل‪.‬‬ ‫"رمزي" فنان صاحب قضية وموقف‪ .‬وهو يؤمن بصحة وجدوى‬ ‫موقف زملئه من رفض تطبيع العلقات مع العدو السرائيلي‪.‬‬ ‫وهو يرى في قبوله للشتراك في صنع فيلم "القدس" تفسيرا لذلك‬ ‫الرفض وتعميقا له‪.‬‬ ‫فهو يذهب إلى إخوته المحاصرين ليساهم في الدفاع عن قضيتهم‪.‬‬ ‫ليرى بأ"م عينه‪ ،‬وينقل للخرين‪ ،‬تلك الصورة البشعة التي تخضع في‬ ‫كثير من الحالت للتعتيم من قبل العدو‪ .‬وهو يفسر ذلك أيضا بأنها‬ ‫"حالة" لن تتكرر‪ ..‬ولن تشكل للخرين الحجة والذريعة‪ .‬ويؤكد أن‬ ‫موقفه وموقف زملئه الفنانين والمثقفين المصريين سيظل ثابتا ل‬ ‫يتغير ما دا"م حق الفلسطينيين في أرضهم ودولتهم وعاصمتهم مغتصبا‪،‬‬ ‫وما لم تتحرر كل الراضي العربية المحتلة‪ ،‬وما لم يعم السل"م العادل‬ ‫والشامل المنطقة كلها‪.‬‬ ‫يحرص "رمزي" في زيارته للقدس وما حولها أن يرى رأي العين‬ ‫كل ما كان يقرأه أو يراه في وسائل العل"م المتاحة‪ .‬ول يفوته‬ ‫تصوير بعض الماكن التي يراها موحية‪ ،‬أو تسجيل شهادات بعض‬ ‫من يقابلهم هناك لتساعده على تعميق المواقف والحوارات التي سوف‬ ‫تكدون لبنات البناء السينمائي للسيناريو الذي سيكتبه‪.‬‬ ‫ربما يقترب دور "رمزي" في الفيلم من دور الراوي في المسرحية‬ ‫الكلسيكية‪ .‬وربما يختلط المر على المتفرج‪ ،‬لبعض الوقت‪ ،‬ليكتشف‬ ‫بعد ذلك أن المشهد الذي يراه لم يكن من وحي خيال كاتب السيناريو‪،‬‬ ‫بل هو من واقع صورة الماضي في ذهن "عمر"‪" ..‬فلش باك"‬ ‫‪141‬‬


‫‪ Flashback‬أو العودة إلى الماضي‪ .‬أو‪ ..‬ليكتشف أنه لم يكن سوى‬ ‫استباق واستشفاف لما سيكون عليه سياق الحداث في النهاية‬ ‫‪.Flashforward‬‬ ‫لعبة خلط ما كان بما سيكون‪ ..‬يراد بها تعميق الحساس بالواقع‪..‬‬ ‫وبمصداقية الحدث‪.‬‬ ‫ذلك بالرغم من الستعانة بالمواقف التي تعتمد في كثير من الحيان‬ ‫على الصدفة‪ ..‬التي هي أيضا جزء من حياتنا وواقعنا‪.‬‬ ‫هذا ولن يعيب الفيلم أن يعيد سرد جزء من أحد المواقف بقصد تأكيد‬ ‫واقعة أو نفيها‪ .‬فذلك سيكون من صلب السلوب الذي اختاره كاتب‬ ‫السيناريو لروايتة‪.‬‬ ‫أما ظهور كاتب السيناريو في الفيلم الذي يقو"م بكتابته فذلك ما ندعي‬ ‫بأنه يساهم في التشويق إلى جانب مساهمته في تعميق المصداقية في‬ ‫محاولة التوثيق‪.‬‬

‫"تعمــــــــــــــــر"‪..‬‬ ‫وإذا كان اختيار أوراق المخرج الشخصية التي تسجل جزءا من سيرته‬ ‫الذاتية لتكون أساسا أو ركنا من أركان مضمون الفيلم‪ ،‬فذلك‪ ،‬كما‬ ‫ذكرنا في بداية "موجز فكرة الفيلم"‪ ،‬مما يخد"م فكرة عمل فيلم‬ ‫سينمائي عن القدس يكون في حقيقته توثيقا للواقع‪ ،‬وفي شكله العا"م‬ ‫يتمتع بنسيج درامي يساهم في تعميق تأثيره‪.‬‬ ‫ولقد جرى التفاق بين كاتب السيناريو والمخرج على ذلك لقناعة‬ ‫مشتركة بأن الواقع في مثل هذه الحالة أشد ارتباطا بالحقيقة وأصدق‬ ‫تعبيرا عنها من الخيال‪ .‬لم اللجوء إلى الفتعال بينما نحن نرى أمامنا‬ ‫الفعل والفاعل‪ ..‬والمفعول بلحمه ودمه‪.‬‬ ‫أي دليل على فظاعة المأساة ووحشية المحتل أقوى من حرمان إنسان‬ ‫من العودة إلي بلده بعد أن أنهى دراسته خارجها؟‬ ‫‪142‬‬


‫هذا‪ ،‬بينما كانت قمة أحلمه وسعادته وما زالت تتجلى في رغبته في‬ ‫المساهمة والمشاركة في إثراء التراث النساني من خلل إبداع قومي‪..‬‬ ‫تماما كما فعل أجداده العرب من قبل‪.‬‬ ‫أي دليل على عدالة القضية أقوى من متابعة مصائر ضحايا الحتلل‪،‬‬ ‫ورؤية أصحاب الرض والقرى والمدن‪ ،‬العزل‪ ،‬وهم يقاومون‬ ‫المحتلين الغرباء المدججين بالسلح؟‬ ‫أي دليل على تصميم هذا الشعب على الوصول إلى حقه‪ ،‬وعلى‬ ‫وجوب دعم هذا الشعب من أجل الوصول إلى حقه‪ ،‬أوضح من هذا‬ ‫النموذج الذي لم تفل سنوات التشرد الخمسين من عزيمته؟‬

‫"هنيـــطـــــــــــــــــــــــــه"‪..‬‬

‫إبنة"أبو إلياس"‪ ،‬أحد جيران بلدة القدس القديمة‪ ،‬الذي عاد من بلد‬ ‫المهجر "نيكاراجوا"‪ ،‬عا"م صدور قرار التقسيم ‪ ،1947‬لملحقة حقوق‬ ‫أملك العائلة في القدس الجديدة‪.‬‬ ‫بعد عا"م ‪ ،48‬كبرت "هنيه"‪ ،‬وكبرت فيها مدينة القدس‪.‬‬ ‫توفي والدها "أبوالياس" عا"م ‪ ،67‬بعد أيا"م من زيارته معها لداره في‬ ‫القدس الجديدة )المحتلة(‪.‬‬ ‫طرقت باب الدار بنفس اليد النحاسية التي تقبض على كرة من النحاس‪،‬‬ ‫فتحت لهما سيدة أجنبية حدثتهما بلغة إنجليزية موملدة‪ ..‬ولم تكن في‬ ‫حاجة لن تسأل عن شخصيتهما أو عن هدف الزيارة‪ .‬عرفت ذلك من‬ ‫نظراتهما المتسللة من فرجة الباب‪.‬‬ ‫دخلت "هنيه" الدار‪ ،‬دارها‪ ،‬بدعوة من "أصحابها" الجدد‪ .‬كانوا لطفاء‬ ‫معها‪ .‬سمحوا لها أن ترى غرفتها وشرفتها ومرتع طفولتها‪ .‬رأت على‬ ‫الحيطان تحفا ما زالت عالقة في ذاكرتها‪ .‬رأت أثاثا ما زال يأخذ مكانه‬ ‫ويقو"م بدوره‪.‬‬ ‫رفض أبوها الدخول‪ .‬خانته قواه‪ .‬جلس على المصطبة الحجرية في‬ ‫انتظار أن تعود ابنته‪.‬‬ ‫بعد أيا"م معدودة‪ ،‬مات "أبو الياس" بذات القلب‪.‬‬ ‫‪143‬‬


‫لم يستطع قلبه الضعيف أن يرى بعينيه داره التي سكنها الغرباء فلم‬ ‫يعد بمقدوره العودة إليها‪ ،‬أو أراضيه المصادرة التي لم يعد يملك أن‬ ‫يطأها‪.‬‬ ‫اختارت "هنيه" الصحافة مهنة لها‪ ،‬وتبنت قضية "المعتقلين"‬ ‫و"مصادرة الراضي"‪ .‬تزوجت زميل صحفيا مناضل بالرغم من‬ ‫معرفتها بالحتمالت الواضحة لعتقاله‪ .‬وسرعان ما تم اعتقاله‬ ‫بالفعل‪ ،‬قبيل وضعها لمولودتها "مريم"‪.‬‬ ‫تحملت مسئولية تربية المولودة‪ .‬وقامت بعمل كل ما يمكنها عمله‬ ‫لمستقبل ابنتها ولتحقق لها ما كانت تتمناه لنفسها من دراسة لفنون‬ ‫الغناء والموسيقى‪.‬‬ ‫ولم تنس مسئولياتها والتزاماتها الخرى تجاه قضايا موطنها‬ ‫ومواطنيها‪.‬‬ ‫وبقيت قبل كل شيء مخلصة لزوجها المعتقل‪ ،‬ولفكره وأحلمه‪.‬‬

‫"تعـــــــــــــــــوده"‪..‬‬ ‫هو ليس إل إمتداد لـ"عمر"‪.‬‬ ‫هنا تقتضي الضرورة الدرامية اللجوء إلى استدعاء شخصيات أخرى‬ ‫ليست غريبة عن الواقع الفلسطيني‪ .‬وهو نموذج ل يضاهيه رومانسية‬ ‫إل المقاتل الفدائي‪ .‬يناضل من أجل حقه المغتصب في منفاه‪..‬‬ ‫ويتواصل مع نضال المضطهدين في وطنهم‪.‬‬ ‫ربما يطرح وجود هذه الشخصية أو تلك أسئلة تدور في أذهان الناس‬ ‫هنا وهناك‪ ،‬الشيء الذي يعتبر في صالح العمل الفني دائما‪ .‬ومن ضمن‬ ‫السئلة التي يثيرها وجود شخصية "عمر" هو‪:‬‬ ‫من هو الرهابي؟‬ ‫ومن هو الذي يرفض السل"م؟‬ ‫أهنو ذلك الذي اختار الغنية‪ ،‬والتمسك بالتراث‪ ،‬سلحا؟‬ ‫)وهو الذي عايش النتفاضة‪ ،‬وثقافة تكسير العظا"م عن بعد(‬ ‫‪144‬‬


‫أ"م هو ذلك الغريب المستوطن المدجج بالسلح‪ ،‬الذي يتمتع بحماية‬ ‫نظا"م عماده المؤسسة العسكرية‪ ،‬والذي يتسلى بحصد المواطنين الذين‬ ‫ينشدون السل"م‪ ،‬وينشدون للسل"م في صلتهم؟‬ ‫عندما وقعت مذبحة الحر"م البراهيمي‪ ،‬كان"عوده" يقو"م بتلحين‬ ‫قصيدة عن قيمة السل"م والتعايش السلمي‪.‬‬ ‫عندها يتوقف عن العمل وهو يكاد يكفر بذلك السل"م المزعو"م‪ .‬وهنا‬ ‫كان ل بد لموقفه الرافض من أن يؤثر على علقته بـ"مريم" بحيث‬ ‫تكاد تصل إلى مفترق الطريق‪.‬‬ ‫لكنه سرعان ما تتضح المور وتتوالى الحداث مما يجعله ينتصرعلى‬ ‫أحزانه ويأسه‪ .‬وينتصر الحب على الحقد و الكراهية‪.‬‬ ‫ويعود المل والتحدي والعمل من أجل المستقبل الفضل‪.‬‬

‫" مريـــــــــــــــــــــم"‪..‬‬ ‫"مريم"‪ ،‬مغنية من نوع خاص‪ ،‬تعمل الن في فرقة "القدس"‬ ‫الموسيقية‪ .‬وتعمل على تأسيس "كورال" للطفال الفلسطينيين‪.‬‬ ‫وهي تحمل هوية القدس وتعيش فيها ولها‪ .‬وتتعرض هي وفرقتها‬ ‫لمضايقات سلطات الحتلل وتهديداتها بسحب الهوية‪ ،‬بسبب‬ ‫نشاطاتهم المتكررة ضد الحتلل في صورة أعمال فنية تحريضية‬ ‫تندد بعمليات تهويد مدينة القدس وفصل قطاعها الشرقي عن بقية‬ ‫الراضي الفلسطينية‪ ،‬ببناء حزا"م من سلسلة من المستوطنات الجديدة‬ ‫حولها‪ ..‬لربطها مباشرة بإسرائيل‪.‬‬ ‫كل فئات الشعب تشترك في مسيرة مطلبها الساسي هو السل"م‬ ‫للجميع ‪ .‬وإذا كانت "مريم" ترمز إلى الحاضر‪ ،‬الضاربة جذوره في‬ ‫عمق الماضي‪ ،‬المستنير‪ ،‬المتسامح‪ ،‬المؤمن‪..‬فإننا نرى أنها تمثل‬ ‫القدوة لجيل المستقبل‪ .‬وليس أدل على ذلك من أن كلمة "الوحدة‬ ‫الوطنية" بين المسيحي والمسلم لن ترد على أي لسان‪ ..‬لنها قائمة‬ ‫بالفعل‪.‬‬ ‫‪145‬‬


‫و"مريم" التي كانت قد أصابت نجاحا في الخارج‪ ،‬شأنها في ذلك شأن‬ ‫جدها "أبوالياس"‪ ،‬ترى أن مكانها الطبيعي هو مدينتها القدس‪ ،‬بين‬ ‫أهلها ومواطنيها‪ ،‬ل تثنيها عقوبات المحتل وإجراءاته القمعية‪ .‬ول تفل‬ ‫من إرادتها الوضاع "المؤقتة" التي تحول دون عودة "عوده"‪.‬‬ ‫هي تناضل من أجله وهو يناضل من أجلها‪ ،‬وهما يناضلن من أجل‬ ‫الحرية والسل"م للجميع‪.‬‬

‫"شوشانــــــــــــا" و‬

‫"ليفيـــــــــــا"‪..‬‬

‫إذا كانت "شوشانا" الفلسطينية اليهودية قد تشبثت‪ ،‬بدوافع عاطفية‪،‬‬ ‫بإختياراتها في الماضي‪ ،‬فها هو صوت العقل ينطلق من"ليفيا" الشابة‪،‬‬ ‫التي تنتمي لحركة "السل"م الن"‪ ،‬والتي ترى أن "المن والسل"م" هو‬ ‫مطلب واحد ل يحتمل التجزئة ول المساومة‪ .‬وهو مطلب ينادي به‬ ‫الجميع من أجل الجميع‪ .‬ول أمن ول سل"م في غياب الحق والعدل‪.‬‬ ‫))محاولة حذرة للقتراب من حركة "السل"م الن" والتعرف إليها((‬ ‫هذا‪ ،‬وقد تحتم الضرورة إيجاد شخصيات أخرى تخلق الحدث وتؤثر‬ ‫فيه‪ ،‬أو يخلقها الحدث لتعلق عليه‪.‬‬ ‫وكل ذلك في إطارعمل فني يثير التساؤلت‪ ،‬ويشير إلى الحلول‬ ‫القائمة على الحق‪.‬‬ ‫حق الفلسطيني في تقرير مصيره‪ ..‬و حقه في إقامة دولته المستقلة‪..‬‬ ‫وعاصمتها القدس الشريف ‪.‬‬ ‫وتظل النهاية‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬مفتوحة إلى أن يدخل "الفيلم" حيز التنفيذ‪.‬‬ ‫فلعل أن تحتفل النهاية بإعلن قيا"م الدولة الفلسطينية المستقلة‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪146‬‬

‫*‬


‫)بقيــــــه ‪(4‬‬

‫حــوار حول النســا ن‪ ..‬وإبداتعــاته‪..‬‬

‫س ‪ :‬الموسيقى‪..‬؟‬ ‫ج ‪ :‬عودة إلى الحديث عن موضوع من الموضوعات التي أحبها‬ ‫ول أمل من طرقها‪.‬‬ ‫الموسيقى واحدة من أعظم عطايا ا‪.‬‬ ‫إنها أحد أهم قواعد الفكرالفني‪.‬‬ ‫وهي تعبيرعن الشياء التي ليمكن أن تقال‪ ،‬ول يمكن إل أن نبوح بها‪.‬‬ ‫فالموسيقى كما الحب‪ ..‬لغة كونية‪ ..‬يتكلمها ويفهمها‪ ..‬أو يحس بها‬ ‫الجميع‪.‬‬ ‫الموسيقى هي قمة التجريد في الفن‪ .‬فهي وإن كانت ل تثير في السامع‬ ‫معان محددة‪ ،‬إل أنها تحمل إليه من المعاني ما تعجزعنه الكلمات‪.‬‬ ‫فحينما نستمع إلى الموسيقى ندرك بالسليقة ما ترمي إليه‪ ،‬ونعرف‬ ‫أحيانا ما تعنيه بالضبط‪ .‬فالتعبيرالموسيقي ينساب في وجداننا ويوحي‬ ‫لمضمونه‪ ،‬ويزداد الفهم مع تكرار الستماع‪.‬‬ ‫وكثيرا ما تحفزنا على إعادة توظيفها‪ ،‬أوترديد معانينا الخاصة لتلئم‬ ‫هذه الموسيقى‪.‬‬ ‫وهذا هو سر عظمة الموسيقى حيث تكون قد حققت أغراضها‪.‬‬ ‫الموسيقى هي طريقة أخرى للتفكير‪ ،‬وربما كان التفكير هو نوع آخر‬ ‫من الموسيقى‪.‬‬ ‫الموسيقى تعيد ترديد أفكار وإلهامات الناس والزمان‪ .‬وهي تعبرعن‬ ‫أفراح المم وأحزانها وأحلمها وتطلعاتها‪ .‬وهي ركن أساسي في‬ ‫تكوين ثقافة الشعوب وحضارتها‪.‬‬ ‫ونحن نستطيع أن نقرأ تاريخ الشعوب في أغانيهم‪.‬‬ ‫والغاني عبارة عن كلمات وألحان مناسبة ترحل في الزمان والمكان‪،‬‬ ‫‪147‬‬


‫في التاريخ والجغرافيا‪.‬‬ ‫في الغاني كثيرا ما يجد الضعفاء سلحا يحاربو ن به ضعفهم‬ ‫ويأسهم‪.‬‬ ‫وكم من الغنيات الجميلة ولدت وراء القضبان‪ ..‬ولم يستطع القهرأن‬ ‫يمنع تلك الغنيات الجميلة‪ ،‬بالرغم من تلك القضبان‪ ،‬من التحليق في‬ ‫الجواء للوصول إلى قلوب الحرار وعقولهم؟!‬ ‫ربما كانت الموسيقى أكثر الفنون دللة على المستوى الثقافي أو‬ ‫الحضاري عند شعب ما أو مجتمع معين‪ ،‬لنها تعبير صادق صادر‬ ‫عن هذا المجتمع‪ .‬فهي تحمل إلينا من المعاني ما تعجز عنه الكلمات‪.‬‬ ‫الموسيقى مقياس للحضارة‪ ،‬بسبب قدرتها على التأثير في المشاعر‬ ‫وتهدئة النفعالت‪ ،‬وهي جسر بين مختلف الفنون‪ ،‬ومن ثم فهي‬ ‫بدورها جسر بين مختلف الشعوب‪.‬‬ ‫والموسيقى لغة مختصرة للعواطف‪ .‬وهي ملجأ للنفوس التي هجرتها‬ ‫السعادة‪ .‬إنها تختزل العواطف وتكثفه‪ ،‬وتزيل غبار الحياة اليومية عن‬ ‫النفس‪.‬‬ ‫وبدون الموسيقى تبدو الحياة كأنها رحلة في الصحراء‪.‬‬ ‫أو حتى كما يقول "نيتشه"‪:‬‬ ‫"إن الحياة بدون الموسيقى ستكون إثما‪".‬‬ ‫الموسيقى هي الحب وهو يبحث تعن الكلمات‪.‬‬ ‫وهي اللغة الوحيدة التي ل تحتوي على مفردات نابية‪ ،‬أو التي ل‬ ‫تستطيع بها أن تتلفظ بالبذاءات‪.‬‬ ‫طاغور يقول‪:‬‬ ‫" يحدثني الكون بألوانه‪ ..‬وأجيبه بالموسيقى‪".‬‬ ‫أما "كونفوشيوس" فيقول‪:‬‬ ‫"تخلق الموسيقى نوعا من البهجة ل تملك إل الستسل"م إليها‪".‬‬ ‫وأستطيع أن أستكمل ذلك بقولي‪:‬‬ ‫‪148‬‬


‫فهي تتسلل إليك و تبحث تعن ركن هاديء في نفسك‪ ،‬تحتطله‪ ،‬ثم تأخذ‬ ‫بالتمدد في ذلك الركن في محاولة دؤوبة لتوسيعه‪ ،‬فل تملك إل المزيد‬ ‫من الستسلم للمشاتعر النبيلة‪.‬‬ ‫وسرعان ما يختفي الشر من المكان الذي توجد فيه الموسيقى‪.‬‬ ‫وإذا كانت القبلة عند المحبين مصدرا من مصادر المتعة عن طريق‬ ‫الشفاه‪ ،‬فكذلك هي الموسيقى‪ ..‬عن طريق الذن‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الموسيقى‪ ..‬والفلم السينمائية؟‬ ‫ج ‪ :‬موضوع ها"م‪ .‬ويستحق فقرة مستقلة عن هذا الحوار‪.‬‬ ‫وكذلك الحديث عن جدلية "الصورة"‪ ..‬و"الكلمة"‬

‫وللحـــــــوار بقيـــــــــــة‪..‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪149‬‬

‫*‬


150


‫الفلم السينمائيه‪ ..‬والموسيقى؟‬

‫لم يأت تحولي من فن العمارة إلى فن السينما مصادفة‪ .‬كما لم يأت‬ ‫تشبيه فن صناعة الفيلم السينمائي بالفن المعماري من فرا"غ‪ .‬وليس‬ ‫غريبا إذا ما استعار النقاد اصطلحا هو "البناء المعماري" للسيناريو‬ ‫للتعبيرعن "الشكل الدرامي" للفيلم السينمائي‪ .‬فهناك‪ ،‬في الصل‪،‬‬ ‫قواسم مشتركة بين الفنون كلها‪ ،‬ابتداء من دورها ورسالتها‪ ،‬وانتهاء‬ ‫بأدواتها‪.‬‬ ‫لذلك فل عجب إن استعرنا اصطلحا "معماريا"‪ ،‬مثل "التقوية" أو‬ ‫"الدعم"‪ ،‬أو "التسليح"‪ ،‬وباللغة النجليزية ‪، reinforcement‬‬ ‫عندما نتحدث عن دور الموسيقى في المشهد السينمائي الدرامي‪.‬‬ ‫فالعمدة التي تحمل البناء المعماري تكون مسلحة بالحديد‪ .‬أما المشهد‬ ‫الدرامي في الفيلم السينمائي فيجري "تسليحه" بالموسيقى‪.‬‬ ‫ولم تدخل "الموسيقى" على "السينما"‪ ،‬كما هو الحال مع "اللوان"‬ ‫أو "الصوت المجسم" أو غير ذلك من المقويات أو المشهيات‪ ،‬من‬ ‫باب زيادة عنصرالبهار من أجل الصمود أما"م منافسة الفنون‬ ‫التعبيرية الخرى‪ ،‬وخصوصا‪ ..‬التلفزيون‪.‬‬ ‫لكنها‪ ،‬الموسيقى‪ ،‬كانت عنصرا أساسيا في السينما منذ بداياتها‪.‬‬ ‫ولقد تعود المتفرجون‪ ،‬أيا"م السينما الصامتة‪ ،‬على مشاهدة الفل"م‬ ‫بمصاحبة عزف منفرد على البيانو‪ ،‬أو عزف "أوركسترا" كاملة‪.‬‬ ‫ول يخفى أن أولى البدايات في استعمال الموسيقى كان الغرض منها‬ ‫هوالتخفيف من ضجيج آلة العرض‪ ،‬وذلك عندما كانت العروض‬ ‫"السينماتوجرافيه" مجرد عروض لصور متحركة ل أكثر‪ .‬وعندما‬ ‫‪151‬‬


‫تطورت هذه العروض لتحكي حدثا‪ ،‬أصبحت الموسيقى تعزف من‬ ‫أجل زيادة الغموض في بعض المواقف‪ ،‬وتأكيد عنصر التشويق‪،‬‬ ‫والعمل على تصاعده‪ .‬فلم تكن الفل"م الصامتة مقبولة بدون الموسيقى‬ ‫المصاحبه‪ .‬وجدير بالذكر أن الفل"م الصامتة كانت توزع وتباع مع‬ ‫مختارات من الموسيقى المناسبه‪.‬‬ ‫بل إن السينمائيين‪ ،‬أيا"م السينما الصامتة‪ ،‬قد دأبوا على عزف‬ ‫الموسيقى أثناء تصويرالمشاهد الدرامية لتصعيد إحساس الممثل‬ ‫واندماجه في دوره‪ ،‬ووضعه في الحالة النفسية المطلوبه‪ .‬فكان عازف‬ ‫البيانو‪ ،‬وأحيانا الوركسترا بأكملها‪ ،‬تعزف الموسيقى في التيلييه‪،‬‬ ‫بالرغم من أن طبيعة التصوير السينمائي تتطلب التوقف من لقطة إلى‬ ‫أخرى‪ .‬فقد أدرك السينمائيون أن الموسيقى من العناصر التي تساعد‬ ‫الممثل على العودة إلى الحالة النفسية لمواصلة المشهد في لقطة أخرى‪،‬‬ ‫بعد توقف ربما يكون سببا في عد"م ملءمة لقطات المشهد عند تركيبها‬ ‫بالتسلسل المطلوب‪.‬‬ ‫وقد كانت الفرقة الموسيقية تعزف مقطوعات من الموسيقى‬ ‫الكلسيكية‪ ،‬أو ما يقع عليه اختيارالمخرج من المؤلفات الشائعة‪،‬‬ ‫وخصوصا كلسيكيات القرن التاسع عشر‪ ،‬اعتقادا منه أنها تلئم‬ ‫الظرف والموقف‪.‬‬ ‫ولم يستمرالمر كذلك في جميع الحوال‪ ،‬بل لقد ذهب بعضهم إلى‬ ‫أبعد من ذلك‪ ،‬وكلف أحد الموسيقيين بكتابة موسيقى توضع خصيصا‬ ‫من أجل فيلم معين‪ .‬وأول مثال على ذلك كانت الموسيقى التي وضعها‬ ‫الموسيقي الشهير "كاميل سان سينز" ‪Camille Saint-Saens‬‬ ‫لفيلم "انتحار دوق جويز" عا"م ‪.1908‬‬ ‫لكن العلمة الهامة في تاريخ التأليف الموسيقي للفل"م السينمائية كانت‬ ‫في فيلم "ميلاد أمه" ‪ Birth of a Nation‬عا"م ‪ 1915‬للمخرج‬ ‫جريفيث ‪ D W.Griffith‬حيث كتب له الموسيقى جوزيف برايل‬ ‫‪ joseph Breil‬بالشتراك مع المخرج نفسه‪.‬‬ ‫‪152‬‬


‫ثم درج كبارالمخرجين على تكليف مشاهير الموسيقيين على كتابة‬ ‫الموسيقى لفلمهم‪ ،‬منذ بداية الثلثينات‪.‬‬ ‫ومن الجديربالذكر أنه عندما انتقلت أمارة الصناعة السينمائية‪ ،‬بفعل‬ ‫الحروب العالمية‪ ،‬إلى "هوليوود"‪ ،‬كان ل بد من استقدا"م الخبرات‬ ‫الموسيقية أيضا من أوروبا وغرب آسيا‪ ،‬التي وصل فيها تطور‬ ‫الموسيقى إلى مستويات ل تبارى‪ .‬فتلك البلد هي مهد موسيقى‬ ‫"الباليه" و"الوبرا" وغيرها من فنون الموسيقى الدرامية‪ ،‬أو الدراما‬ ‫الموسيقيه‪.‬‬ ‫وكان من الطبيعي أن يلجأ السينمائيون الجدد دائما إلى موسيقى تلئم‬ ‫اليقاع الجديد‪ ،‬من وضع موسيقيين جدد‪.‬‬ ‫ففي الخمسينات بدأت موسيقى الجاز تتسلل لفل"م السينما لسباب‬ ‫أخرى غيرملءمة العصر‪ ،‬وهي أسباب اقتصادية بحته‪ ،‬حيث أن عدد‬ ‫أفراد أوركسترا موسيقى الجاز يكون في العادة محدودا قليل التكلفة‬ ‫قياسا بالوركسترا الكلسيكي التقليدي‪.‬‬ ‫وفي نظري أن كتابة الموسيقى للفل"م يجب أن تخضع للقواعد التي‬ ‫يخضع لها تصميم الديكور والملبس‪ ،‬مثل‪ .‬وأعني بذلك أن يجري‬ ‫التفاق على تفاصيلها قبل بدء التصوير‪ .‬وليس‪ ،‬كما هو متبع في معظم‬ ‫الفل"م العربيه‪ ،‬بعد انتهاء نسخة العمل من الفيلم‪.‬‬ ‫ففي بعض الحيان يكون للموسيقي وجهة نظر‪ ،‬أو إضافة تثري العمل‬ ‫الفني‪ .‬ول مجال للستفادة من هذه الضافات إل بإشراك الموسيقي‬ ‫منذ البداية‪ .‬وفي هذه الحالة يتعاون المخرج مع كاتب الموسيقى على‬ ‫تحديد الـ"موتيفات" المطلوبة‪ ،‬والتي تساعد على إبراز الشخصيات‬ ‫بما هي عليه من ملمح غيرمرئيه‪ .‬ومن ثم توضيح المواقف الدرامية‬ ‫ورفع مستوى التعبيرفي فترات الصمت)السكوت عن الكل"م(‪ ،‬مثل‪،‬‬ ‫فتزيد الموسيقى من مفعول تلك الفترات‪.‬‬ ‫ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن الموسيقى نفسها‪ ،‬أو القطعة الموسيقية‪،‬‬ ‫ما هي إل توليفة مدروسة من لحظات صمت تقصر أو تطول مع‬ ‫لحظات تعلو أو تنخفض فيها أصوات اللة أو اللت الموسيقية‬ ‫المختلفة حسبما هو مرسو"م لها‪.‬‬ ‫‪153‬‬


‫وهنا ل بد من الشارة إلى أهمية الصمت‪ ،‬الذي ل يقل مفعوله عن‬ ‫مفعول الموسيقى‪ ،‬إذا ما جاء في اللحظات المناسبة واستمر للمدة‬ ‫المناسبة‪ .‬بل إن للموسيقى دورا في بنترنوزة وإظهار لحظات الصمت‬ ‫المعنيه‪ .‬وأقصد بذلك أن تأتي لحظة الصمت بعد جملة موسيقية تقو"م‬ ‫بالتمهيد لها‪ ،‬على أن تنتهي تلك اللحظة بجملة موسيقية أخرى تعلن‬ ‫نهايتها وتزيد من أثرها‪.‬‬ ‫ولذلك وجب الحرص في استخدا"م الموسيقى التصويرية‪ ،‬فكما يمكنها‬ ‫أن تدعم وتقوي البناء الدرامي وتتصاعد به فإنها يمكن أن تهبط به‬ ‫وتدمره‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪154‬‬

‫*‬


‫جدلية "الصورة"‪ ..‬و"الكلمة"‬ ‫ليس صحيحا أن "الصورة" هي مفردة "اللغة السينمائية" مثلما أن‬ ‫"الكلمة" هي مفردة "اللغة الدبيه"‪ .‬فها هو الديب ل يكف عن محاولة‬ ‫خلق "الصور" ليراها القاريء بمخيلته‪ .‬وفي الناحية الخرى‪ ،‬هل‬ ‫استطاع السينمائي ‪ -‬حتى في أيا"م السينما الصامتة ‪ -‬أن يستغني عن‬ ‫"الكلمه"‪ ..‬بالرغم من تعدد أدواته التعبيريه؟!‬ ‫في البدء كانت الكلمة تتحمل عبء خلق الصورة لدى المتلقي‪.‬‬ ‫كانت هناك "صورة الكلمة"‪ ،‬التي لم تستطع "صورة اللة" أن‬ ‫تضاهيها جمال وإيحاء‪.‬‬ ‫وتعود بنا جدلية العلقة بين "الصورة" و "الكلمة" الى فجرالتاريخ‪.‬‬ ‫ففي البداية لم تكن هناك من طريقة أما"م النسان الول لتحقيق‬ ‫تواصله مع الخر‪ ،‬وتخليد وجوده على الرض سوى هبة ا للنسان‬ ‫المتمثلة في قدرته على التناسل والبقاء‪.‬‬ ‫ثم كانت الطريقة الخرى‪ ،‬التي اعتبرها قدماء المصريين أيضا هبة‬ ‫من عند الخالق‪ ..‬وهي الكتابة‪ .‬ذلك عندما أصبح هذا النسان يقو"م‬ ‫بأولى محاولته لتسجيل انطباعاته أو خواطره‪.‬‬ ‫وتاريخ الحضارة يؤكد لنا أن أولى أدوات التعبير "تسجيل"‬ ‫أو"كتابة"‪ ..‬كانت هي الصوره‪ .‬بل وتشهد الرسو"م القديمة التي وجدت‬ ‫على جدران مغارات "ألتاميرا" في اسبانيا‪ ،‬وغيرها‪ ،‬أن النسان‬ ‫الول حاول‪ ،‬أيضا‪ ،‬أن يحرك الصورة‪ .‬أو‪ ،‬بتعبير أدق‪ ،‬أن يسجل‬ ‫الحركة‪ ..‬أو يعبرعنها في رسوماته‪.‬‬ ‫ولكن يبدو أن النسان الول قد "أرجأ" استكمال محاولته في‬ ‫تحريك الصورة الى أن يصل الى صناعة "الله" أولا‪.‬‬ ‫واكتفى أحفاده بمحاولت "تحريك" الكلمة‪ .‬وأعني بذلك خلق‬ ‫علقات بين الكلمات‪ ،‬من شأنها أن تثري مدلولها‪ ..‬وتؤدي الى‬ ‫"صور" ومعان جديدة‪ .‬وتصل باللغة المحكية أو المكتوبة الى‬ ‫‪155‬‬


‫الكتشافات التي توارثناها‪ ،‬وما اصطلح على تسميتها ب "البلغة"‪،‬‬ ‫و"البديع"‪ ،‬و"البيان"‪ ..‬إلخ‪ .‬لتصبح اللغة )المنطوقة أو المكتوبة( في‬ ‫كامل لياقتها‪ ..‬ولتكون أكثرتعبيرا عن الحاسيس البشرية‪ ،‬التي‬ ‫ازدادت تعقيدا بازدياد وتشعب التجربة النسانية ذاتها‪.‬‬ ‫وبمجرد أن توصل النسان‪ ،‬في العصرالحديث‪ ،‬الى اللة وطورها‬ ‫وطوعها لحتياجاته المختلفة‪ ،‬عاد لمواصلة محاولته في تحريك‬ ‫الصوره‪ ،‬فكانت "السينماتوجرافيا"‪.‬‬ ‫وظلت "السينماتوجرافيا" اختراعا‪ ،‬أو‪ ،‬كما وصفها الناقد المؤرخ‬ ‫جورج سادول‪ " ،‬صناعة يدوية‪ ،‬لفتت أنظار رجال العمال"!‬ ‫إلى أن وضع المبدعون من رمواد السينما القواعد والنظريات في‬ ‫جماليات "اللغة السينمائيه"‪ .‬ومارسوا كل ضروب البلغة‬ ‫والمحسنات البديعية في تعبيراتهم السينمائيه‪ ،‬من تشبيه‪ ،‬واستعارة‪،‬‬ ‫وكناية‪ ،‬وجناس‪ ،‬ومطابقة‪ ..‬إلخ‬ ‫إلى أن اكتملت تجربة دمج "المؤثرالبصري" مع "المؤثرالسمعي"‪،‬‬ ‫كلمة‪ ،‬وموسيقى‪ ،‬وما إلى ذلك من المؤثرات الصوتية الخرى‪.‬‬ ‫عندها أصبحت السينما‪ ،‬بحق ‪" ،‬الفن السابع"!‬ ‫وعلى الرغم من أن رجال العمال‪ ،‬الذين لفت أنظارهم ذلك‬ ‫الختراع‪ ،‬قد استعانوا بالدب ‪ -‬قصة أو رواية ‪ -‬كمصدرللحدث‪،‬‬ ‫الذي أصبحت "السينماتوجرافيا" قادرة على روايته‪ ،‬مستثمرين رواج‬ ‫تلك العمال الدبية ل أكثر‪ .‬إل أن المبدعين ظلوا ينظرون بعين‬ ‫خ م‬ ‫لقة الى مسألة التزاوج‪ ،‬الذي كان من الطبيعي أن ينشأ بين الدب‬ ‫والسينما‪ .‬فالبداع الدبي‪ ،‬كما قلت‪ ،‬لم يتوقف عن محاولة خلق‬ ‫الصورة وتحريكها في مخيلة القاريء‪.‬‬ ‫والسينما قادرة على تجسيد تلك "الصور"‪ ،‬وفي بعض الحيان‪ ،‬على‬ ‫كبح جماح الخيال الذي يتمتع به القاريء‪ ،‬لكي ل يتجاوز ما يرمي‬ ‫إليه الديب‪ ..‬شيء من الواقعيه!‬ ‫ربما صارت إحدى مهمات الرواية الدبية هي رفد السينما‬ ‫بالموضوعات‪ ،‬لو جف المعين‪ .‬وربما أصبحت إحدى مهمات السينما‬ ‫‪156‬‬


‫هي نشر العمل الدبي‪ ،‬أو التعريف به‪ ،‬على نطاق أوسع من الكتاب‪،‬‬ ‫خصوصا حيث ترتفع نسبة الميه‪.‬‬ ‫لكن ضربا من ضروب البداع السينمائي‪ ،‬له دوافعه ومبرراته‪ ،‬ما‬ ‫زال وسيظل يعتني بإعادة "رواية" القصة أو الرواية الدبيه‪.‬‬ ‫هنا نعود الى موضوعنا‪ .‬حيث أود أن أؤكد أنه ل بد من أن يحمل‬ ‫العمل السينمائي‪ ،‬المبني على عمل أدبي‪ ،‬مبررات ظهوره في هذا‬ ‫الثوب الجديد‪ ،‬أوهذه اللغة الخرى‪ .‬وهي نفس المبررات التي يحملها‬ ‫ظهورعمل أدبي يعالج قضية سبقت معالجتها في عمل أدبي آخر‪.‬‬ ‫إنه‪ ،‬في نظري‪ ،‬محاولة إلقاء أضواء جديدة‪ ،‬من زوايا جديدة‪،‬على‬ ‫شخصية ما أو حدث ما أو علقات ما‪ ..‬من شأنها‪ ،‬على القل‪ ،‬أن‬ ‫تخفف من حدة الظلل‪ ،‬التي كثيرا ما تحجب الحقائق‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪157‬‬

‫*‬


158


‫)بقيــــــه ‪(5‬‬

‫حوار حول النسا ن‪ ..‬وإبداتعاته‪..‬‬

‫س ‪ :‬الشعر‪ ..‬والغناء؟‬ ‫ج ‪ :‬الشعر والغناء توأمان‪.‬‬ ‫يدين الشعر للغناء‪ ..‬والغناء للشعر‪.‬‬ ‫وما أكثرالقصائد التي استطاعت أن تظل باقية في وجداننا توفر لنا‬ ‫المتعة كنص شعري مستقل‪ ،‬ثم جاء إليه اللحن والموسيقى بعد ذلك‬ ‫فأغناها‪.‬‬ ‫وأصبحت بذلك أتعقد القصائد‪ ،‬بكلماتها الفصحى‪ ،‬المستعصية معانيها‬ ‫أحيانا‪ ،‬ططيعة للحفظ‪ ،‬والفهم‪ ،‬تتردد بسهولة تعلى لسا ن البسطاء‪ ،‬كما‬ ‫في كثير من الغنيات من أشعار شوقي‪ ..‬وحافظ إبراهيم‪ ..‬وجبرا ن‪..‬‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫الشعر حاضر دائما في مفردات لغتنا الجميلة مثل الدرر المنثورة‪،‬‬ ‫والشاعر هو الذي يلتقط هذه الدرر ويلضمها بترتيب معين لتخرج إلينا‬ ‫قصائد منظومة لها بريقها وعنفوانها‪.‬‬ ‫وأخيرا أقول مضيفا‪:‬‬ ‫بعض الشعر نسمعه غنااء‪..‬‬ ‫تنطق به العينا ن‪..‬‬ ‫قبل أ ن يغادر الشفتين‪..‬‬ ‫وهو أتعذب الشعر‪ ..‬وأصدقه‪.‬‬ ‫س ‪ :‬دور الشعر والشعراء؟‬ ‫ج ‪ :‬الشعر والشعراء كانوا دائما من علمات عصور الحضارة‬ ‫و مزاياها‪ .‬وقد كان للشعراء دائما دورا في مسيرة الحضارة والتقد"م‬ ‫‪159‬‬


‫والنضال من أجل سعادة البشرية‪.‬‬ ‫فمن صفات الشاعر‪ ،‬أو الفنان‪ ،‬التمرد والخروج عن السرب بحثا عن‬ ‫الحرية والتغني بها‪ ..‬والدعوة لها‪.‬‬ ‫"ميلتو ن"‪ ..‬حمل السلح ضد الملك الظالم‪.‬‬ ‫"شيلي"‪ ..‬دعى الجماهير المقهورة إلى الثورة على الظلم‪.‬‬ ‫"بايرو ن"‪ ..‬ساند الشعوب المستضعفة في وجه ظالميها‪ ،‬وحارب في‬ ‫صفوف اليونانيين ضد الستعمارالتركي‪.‬‬ ‫"أراجو ن"و"إيلوار"‪ ..‬من أهم شعراء المقاومة الفرنسية ضد النازي‪.‬‬ ‫"لوركا"‪ ..‬شاعر المقاومة السبانية‪.‬‬ ‫"بابلو نيرودا"‪ ..‬خيرمن وصف أوجاع "شيلي"‪ ،‬ونادى بحريتها‪.‬‬ ‫"ناظم حكمت"‪ ..‬شاعر تركيا الذي دفع حريته ثمنا لحرية الكلمة‪.‬‬ ‫"وول سوينكا"‪ ..‬النيجيري عدوالستعمارالحاصل على جائزة نوبل ‪1986‬‬ ‫"ر‪ .‬طاغور"‪ ..‬رفيق غاندي في كفاحه والحاصل على نوبل ‪1913‬‬ ‫"حسا ن بن ثابت "‪ ..‬عرف واشتهر بأنه كان شاعرالرسول‪.‬‬ ‫"البارودي"‪ ..‬اشتهر بأنه "رب السيف والقلم"‪ ،‬وشارك في‬ ‫الثورةالعرابية عا"م ‪ ،1881‬ونفي مع "عرابي" إلى خارج البلد‪.‬‬ ‫"تعبد الرحيم محمود"‪..‬الشهيد الفلسطيني الذي حمل روحه على‬ ‫راحته‪ ..‬ليلقي بها في مهاوي الردى‪ ..‬وهو يحارب الحتلل‪.‬‬ ‫"أبوالقاسم الشابي"‪ ..‬الذي تغنى بإرادة الحياة وحتمية استجابة القدر‪.‬‬ ‫"أمل دنقل"‪ ..‬دق أجراس خطر التهاون في حقوق المة‪.‬‬ ‫و"محمود درويش"‪ ..‬الذي استحق لقب "شاعرالنسانية"‪ ،‬علوة على‬ ‫"الشاعرالستثنائي" و"شاعرفلسطين" الذي"تفوح منه رائحة الوطن"‪،‬‬ ‫والذي اتخذ من لغته وطنا‪ " ،‬بلدا من الكلمات" حسب تعبيره‪ .‬واستطاع‬ ‫شعره أن يخاطب ضمير العالم‪.‬‬ ‫والشعراء الذين ل نعرفهم بشعرهم‪ ،‬كما يقول العقاد‪ ،‬ليستحقون أن‬ ‫تيعرفوا!‬ ‫ول يفوتني هنا أن أشير إلى دور شعراء العامية في إذكاء وعي الشعوب‪.‬‬ ‫فهناك منهم من ل يقل دوره وقيمتة عن دور وقيمة شعراء الفصحى‪.‬‬ ‫و المثلة كثيرة‪.‬‬ ‫‪160‬‬


‫هذا‪..‬ولبد أن نعترف بأن الشعرالعامي شعر مشافهة‪ ،‬تزيــده الموســيقى‬ ‫تأثيرا وبقاء‪.‬ويذهب جزء كبير من جماله وروعته حينما تيكتــب‪ .‬فشــتان‬ ‫بين وقع قصيدة عامية يلقيها شاعرها أو نسمعها معمناة وبين تأثير نفــس‬ ‫القصيدة مكتوبة‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الشعراء المحدثين؟‬ ‫ج ‪ :‬بعض "الشعراءالمحدثين" ‪ -‬في نظري‪ -‬يمتلكون من‬ ‫الدوات ما يمدكنهم ليس من "تقليد" الشعراء فحسب‪ ،‬بل والمزايدة‬ ‫عليهم أيضا‪ .‬ودليلهم في ذلك هو القول القديم "خالف تتعرف"‪ ،‬أو‬ ‫القول المضلل‪" ..‬يجوز للشاعر مال يجوز لغيره"‪.‬‬ ‫بل إن هناك ما يؤرقهم دائما‪ ..‬وهو الخوف من أن يساورنا الشك أو‬ ‫نكتشف بأنهم "يقلدون"! ولذلك فهم ل يتركون للقاريء فرصة‬ ‫اكتشاف علقة أحد سطورهم بالخر‪ ..‬أو إحدى مفرداتهم بالخرى‪..‬‬ ‫وإل اكتشف ذلك القاريء أن شعرهم‪" ..‬تقليدي"‪.‬‬ ‫أما الطامة الكبرى فهي في "النقاد المحدثين"‪ ،‬الذين يعانون من قهر‬ ‫ذلك الشعر)!(‬ ‫لواعترفوا بأنهم ل يفهمونه‪ ،‬أو ل يستسيغونه‪ ،‬فهو اعتراف بجهلم‪ ،‬أو‬ ‫بأنهم ‪ -‬بلغة المحدثين‪" -‬دي موديه"‪.‬‬ ‫إذن فل بد من أن يترنحوا طربا لسماع ذلك الشعر‪ ،‬خوفا من إتهامهم‬ ‫بالجهل‪ ،‬أو التخلف‪ ،‬أو عد"م مواكبة التيارات الحديثة في الشعر‪..‬‬ ‫وفي الدب ‪ ..‬أو الفن ‪..‬‬ ‫وا أعلم !‬ ‫س ‪ :‬اللغة؟‬ ‫ج ‪ :‬إذا كان الولون قد عمرفوا النسان بأنه "كائن‪ ،‬أو حيوان ناطق"‪،‬‬ ‫فإننا الن ل بد وأن نضيف مؤكدين أنه كائن ذو ذاكرة‪ ..‬ولغة‪.‬‬ ‫فلغة النسان‪ ،‬على اختلف أشكالها‪ ،‬هي ثوب أفكاره التي يتواصل بها‬ ‫مع الخر‪ .‬من شأنها تأكيد ارتباطه ببيئتنه الثقافية وبالعالم من حوله‪.‬‬ ‫‪161‬‬


‫فعند تعريف الثقافة ل بد من ذكر اللغة‪ ،‬فهي الوعاء الذي يحتوي كافة‬ ‫الرموز الثقافية‪ .‬وهي أداة الحفاظ على موروثات النسان وثقافته‬ ‫وخبراته‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الحضارة ؟‬ ‫ج ‪ :‬أحد تعريفات الحضارة هو‪:‬‬ ‫" كل جهد يرتفع بمستوى البشر ويحقق أفضل الشروط النسانية لهم ‪،‬‬ ‫وكل ما يميز أمه تعن أمه من حيث العادات والتقاليد وأسلوب المعيشه‬ ‫والقيم الدينيه والخلقيه والميراث الثقافي والتاريخي والعمرا ن والتقدم‬ ‫التقني ‪".‬‬ ‫والحضارة هي كل ما يتركه النسان في مختلف المجالت من علم‪ ،‬وفن‪،‬‬ ‫وفكر‪ .‬ويجب أن ل ننسى أن الفنون على أشكالها ما هي إل وجوه مختلفة‬ ‫للحضارة ذاتها‪.‬‬ ‫س ‪ :‬والثقافة؟‬ ‫ج ‪" :‬الثقافة"‪ ،‬في أبسط تعريفاتها‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫"مجموع تعناصر الحياة وأشكالها ومظاهرها في مجتمع من‬ ‫المجتمعات‪ ،‬سيا ن كانت درجة رقي هذا المجتمع"‪ .‬وهي عملية‬ ‫تراكمية‪.‬‬ ‫وهي "العمرا ن"‪ ،‬عند ابن خلدون‪" ،‬ومفهومه مفهوم شامل يتناول‬ ‫الحياة الجتماتعية بكاملها ويضم مختلف أشكالها وألوانها"‪.‬‬ ‫والثقافة ل تقف عند الحدود الضيقة لمفهو"م استيعاب المعارف‬ ‫والمعلومات أوالوعي بالظروف المحيطة‪ .‬إنها من أهم أسس التنمية في‬ ‫كل جوانبها‪ ،‬اقتصاديا‪ ،‬واجتماعيا‪ ،‬وسياسيا‪ ،‬وفكريا‪ ،‬وعمرانيا‪ ،‬وعلميا‬ ‫وفنيا‪.‬‬ ‫والثقافة‪ ،‬كقسمة أساسية من سمات النسان‪ ،‬هي ذلك النسق من القيم‬ ‫والمعتقدات والتقاليد‪ ،‬إلى جانب أسلوب الحياة ونمط المعيشة وطرائق‬ ‫التفكير‪ ،‬للجماتعات البشرية المختلفة‪.‬‬ ‫‪162‬‬


‫على أن الثقافة ل تستحق اسمها إل عند تحديثها وإعادة نشرها وتفسيرها‬ ‫وعيشها مجددا‪.‬‬ ‫كما أن الصل في الثقافة أنها إطار يؤمن بالتعددية ويقبل الخر‬ ‫ويتعايش مع الغير‪ .‬ول مستقبل لثقافة أساسها مرتبط بجنس معين‪ ،‬أو‬ ‫تنطلق من قومية ضيقة‪.‬‬ ‫والمثقف هو الذي يدرك ويعي التغيرات التي تطرأ وتؤثر في المجتمع‬ ‫وقضاياه‪ ..‬فكرية كانت أو سياسية أو أدبية أو فنية‪ .‬وهو الذي يقع على‬ ‫عاتقه كبح جماح التمرد بقصد وضع وترسيم الحدود الفاصلة بين‬ ‫الحرية والفوضى ‪.‬‬ ‫والفنان هو ذلك المثقف الذي اهتدى إلى اللغة الخاصة به التي سوف‬ ‫يترجم بها وعيه وإدراكه لكي يصل إلى الخرين بغية التغيير إلى‬ ‫الفضل‪ ،‬عن طريق خلق المناخ الصالح للتحليل والحوار‪.‬‬ ‫س ‪ :‬الثقافة‪ ..‬والرأي العام‪..‬؟‬ ‫ج ‪ :‬من أهم حقوق النسان‪ ،‬هو حقه في قسط من الثقافة والمعرفه‬ ‫التي تساعده على تحديد موقفه مما هو جار حوله‪.‬‬ ‫والمثقف‪ ،‬من خلل تمرده‪ ،‬له دور في صنع "الرأي العا"م" الذي تستمد‬ ‫السلطة قوتها منه‪.‬‬ ‫وعليه أن يؤدي دوره دون انتظار إذن من أحد‪.‬‬ ‫ول قيمة للمثقف إن هو تخلى عن تمرده‪ ..‬وفقد الحساس بدوره‬ ‫الحقيقي وأهميته والتزامه‪ ..‬وإحساسه بالخرين!‬ ‫س ‪ :‬الثقافة والسلطة‪ ..‬أو الدولة؟‬ ‫ج ‪ :‬إن من أولويات واجبات الدولة هي العناية بالمؤسسات الثقافية‬ ‫التي من شأنها أن تعمل على ازدهار الثقافة وانتشارها وتطورها‪ .‬ففي‬ ‫ذلك مواجهة لعوامل التحدي‪ ،‬ووسيلة للدفاع عن وجداننا القومي ضد‬ ‫التيارات العاتية التي تستهدف هويتنا وشخصيتنا‪.‬‬ ‫نجيب محفوظ كان يقول دائما‪:‬‬ ‫"تعلينا أ ن نوفر الضوء والهواء إذا أردنا أزهارا يانعة‪".‬‬ ‫‪163‬‬


‫فالثقافة هي رؤية ودرجة من درجات الوعي تجعل النسان ملما بكل‬ ‫التطورات من حوله‪ ،‬مدركا لحتمالت المستقبل‪ ،‬وتعطيه بعدا خاصا‪،‬‬ ‫نسميه "الرؤيه"‪ .‬وهذه الرؤية ليست بالضرورة معادية للسلطه كما‬ ‫يخيل للبعض‪ ،‬ولكنها رؤية أكثر التصاقا بالحقيقة وأكثر استشرافا‬ ‫للواقع ومقدرة لخدمة الهداف الوطنية والقومية و النسانيه‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬ل بد من الهتما"م بالثقافة وبناء المؤسسات المعنية بتطورها‬ ‫وازدهارها كوسيلة من وسائل الدفاع عن الوجدان القومي ‪ ،‬وتعبئة‬ ‫النسان معنويا وروحيا ليستطيع الصمود في وجه التيارات التي‬ ‫تتربص بهويته وشخصيته‪.‬‬ ‫وهنا تبرزأهمية دورالفن‪ ،‬والفن السينمائي" بالذات‪ ،‬واضحة جلية‪.‬‬ ‫س ‪ :‬المثقف والسلطة؟‬ ‫ج ‪ :‬المفروض أن تكون "السلطة" في أي مكان وزمان‪ ..‬وطنيه ‪.‬‬ ‫ومن نعم ا علينا أن سلطتنا ولدت بإسم‪"..‬السلطه الوطنيه"‪ .‬ونحن ل‬ ‫نملك أن ننكر أنها قادرة على أن تحمل تلك الصفه أيضا )!(‬ ‫والمفروض والمتعارف عليه أيضا‪ ،‬أن ل يكون هناك أي تعارض بين‬ ‫المثقف والسلطه‪ .‬اللهم سوى في بعض الحالت التي يصطنعها‬ ‫أصحاب الهداف "السياسيه" لتوظيف الثقافة في خدمة أغراض‬ ‫سياسيه‪ .‬فثورتنا‪ ،‬مثل‪ ،‬قبل أن تتحول إلى سلطه وطنيه‪ ،‬كان لها‬ ‫دورها في ما أسموه "تسييس الثقافه"‪ .‬فكان أن تحول الكثيرون من‬ ‫مثقفينا إلى سياسيين!‬ ‫وأصبحوا يستمدو ن قطوتهم ‪ -‬كما المحاربين القدامى‪ -‬من كونهم‬ ‫"مثقفين قدامى" )!(‬ ‫أما "المحاربين القدامى"‪ ..‬فقد اسندت إليهم ‪ ،‬كما نعلم‪ ،‬مهمات غزو‬ ‫مواقع كثيرة ظلت شاغرة بعد أن تم إجلء أصحابها عنها‪.‬‬ ‫ذلك عمل بالتوصية التي ترى تفضيل أهل الثقة تعلى أهل العلم‬ ‫والمعرفة‪.‬‬ ‫والويل والثبور إن حاولت السلطة تكريس ما يسمى بـ"تثقيف‬ ‫السياسه"‪ ،‬ليصبح عندها ساستنا كلهم‪ ..‬مثقفون‪ ،‬فينطبق عليهم وصف‬ ‫‪164‬‬


‫"السياسيين القدامى"‪ ..‬أو ربما "المثقفين الجدد"‪،‬على غرار‬ ‫"المحافظين الجدد"!!!‬ ‫س ‪ :‬القراءة‪ ..‬والمعرفة؟‬ ‫ج ‪ :‬ربما كان هناك قدرا من الصحة فيما قيل عن الهنود الحمر‬ ‫في أميريكا بأنهم قد انقرضوا‪ ،‬أوكادوا‪ ،‬لنهم أمة أممية‪..‬ل تقرأ ول‬ ‫تكتب!‬ ‫لكن المؤكد أن ذلك كان‪،‬إلى جانب نوايا الستعمار الجنبي الستيطاني‬ ‫الحللي‪ ،‬أحد العوامل التي أدت إلى ذلك‪.‬‬ ‫إن المعرفة من أهم حقوق النسان التي تساعده على تحديــد مــوقفه ممــا‬ ‫هو جار حوله‪ .‬إنها مصدر قوة‪.‬‬ ‫والقراءة هي أحد وسائل التثقيف والوصول إلى المعرفة لتنمية القدرات‬ ‫وإثراء الطاقة الروحية وإعادة صياغة الوجدان وبناءالشخصية‪،‬‬ ‫والحفاظ على الهوية‪ ،‬والطلل على ثقافات الخرين‪.‬‬ ‫إن ثقافتنا وعاداتنا وقناعاتنا غالبا ما تكون نتاجا لمــا قــا"م بــه آباؤنــا مــن‬ ‫تأسيس لها فينا في الصغر‪ .‬ولقد قرأت فيما قرأت أن خمسين بالمئة مــن‬ ‫النمو الذهني عند الطفل يتشكل في الرابعة من عمــره‪ ،‬وأن القــراءة لــه‬ ‫في هذه الفترة‪ ،‬خصوصا قبل النو"م‪ ،‬حيث تكتمل أثناءه عملية تخزين ما‬ ‫اســتجد لــه مــن المعــارف أو المفــردات‪.‬وهــي خيروأهــم وســيلة لزيــادة‬ ‫الوعي والفهم‪ ،‬ولتعزيزهذا النمو الذهني عنده‪.‬‬ ‫كمــا أنــه‪ ،‬فــي السادســة مــن عمــره تقريبــا‪ ،‬يصــبح أكــثر قــدرة علــى‬ ‫الستيعاب واقتحا"م مزيد من المجالت‪ ،‬فيكــون إشــغال الطفــل فــي هــذا‬ ‫السن بالقراءة استثمارا جيدا لهذه الطاقة وتنميتهــا‪ ،‬بحيــث نجعلــه يجــد‬ ‫فيها ما هو أقرب إلى المتعة منها إلى الواجب المقرر‪.‬‬ ‫والقارئ له حضور في قراءة النص‪ ،‬مما يجعله طرفا مباشرا في‬ ‫صياغة معناه‪ .‬فتصبح تجربة القراءة هي في ذاتها تعملية إبداتعية‬ ‫بدليل اختلف الصورة أو النطباع عند مختلف القراء لعمل واحد‪.‬‬ ‫وتشترك معها في ذلك تجربة المشاهدة لعمل فني من الفـنون التعبيرية‬ ‫)سينما أو مسرح أو باليه( أوالفنون التشكيلية‪.‬‬ ‫‪165‬‬


‫ول ن المعرفة تعند أطراف الصابع‪ ،‬كما يقولو ن‪ ،‬فل تعذر لحد‬ ‫بالجهل‪.‬‬ ‫ومما ل شك فيه أ ن من ل يقرأ ليعرف شيئا جديدا كل يوم‪ ،‬يزداد‬ ‫جهل يوما بعد يوم‪.‬‬ ‫تعلى أ ن مفتاح المعرفة تعندي‪ ،‬إضافة إلى القراءة والطلع‪ ،‬هو‬ ‫القدرة تعلى صوغ السؤال‪ ،‬وصول إلى معارف الخرين‪.‬‬ ‫والمعرفة هي الشيء الوحيد الذي يبقى لديك غير منقوصا‪ ،‬مهما‬ ‫عاودت منحه للخرين‪.‬‬ ‫قالوا‪:‬‬ ‫"عش حياتك كأنك سوف تموت غدا‪ .‬وواظب على المعرفة كأنك سوف‬ ‫تعيش أبدا‪".‬‬ ‫ولربما تنطبق المقولة القديمة "نحن نأكل لنعيش" أيضا على القراءة‪.‬‬ ‫فنحن اليو"م لكي نعيش ل بد لنا من أن نقرأ أيضا‪ .‬فالقراءة ضرورة‬ ‫للنسان كما الماء والهواء‪ ،‬حتى لو أعطتنا المدنية والتطور وسائل‬ ‫عصرية أخرى للتعلم والتثقيف‪ ،‬سمعيا وبصريا‪.‬‬ ‫ففي القراءة‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والقبال على المعرفة انفتاح على الخرين‬ ‫وعلى الذات أيضا‪ .‬وفيهما اكتشاف لخبايا وأسرار الوجود من حولنا‪.‬‬ ‫وبالقراءة الجادة نستطيع أن نمتلك ناصية الكلمة ونرتقي بلغتنا‪ ،‬ثوب‬ ‫أفكارنا‪ ،‬مما يتيح ويمهد لنا طريقا سهل للوصول إلى الخرين‬ ‫والتواصل معهم‪.‬‬ ‫قالوا‪:‬‬ ‫"قلت لي ماذا تقرأ؟ أقلت لك من تكون‪".‬‬ ‫وقد أقول مضيفا‪ ،‬وبمعنى أعمق‪:‬‬ ‫بالقراءة أتعرفني‪ ..‬وبالكتابة أفهمني‪.‬‬ ‫س ‪ :‬حق القارئ في ما يقرأ؟‬ ‫ج ‪ :‬هنا أحب أن أبدي قناعتي بأن ما نعرفه هو نتاج خبرتنا‬ ‫وقراءاتنا لخبرات الخرين‪ ،‬وأن ما نقرأه ونستوتعبه ونحسن فهمه‬ ‫يصبح في كثير من الحوال ملكا لنا‪ ،‬ولنا مطلق الحرية في أن نتداوله‬ ‫‪166‬‬


‫بدون الشارة في كل صغيرة وكبيرة إلى مصادره‪ .‬فنحن لن نجد‬ ‫متسعا في حديثنا وفي كتاباتنا لكل ذلك‪ ،‬اللهم فيما عدا بعض الحالت‬ ‫التي تحتم ذلك وتستدعيه‪ ،‬أو عندما يرى المتحدث أو الكاتب أن في‬ ‫ذلك إضافة نافعة‪.‬‬ ‫فهناك حقائق ل داعي للرجوع دائما لصحاب الفضل في اكتشافها كلما‬ ‫ذكرنا إحدى تلك الحقائق‪ .‬فليس من الضروري‪ ،‬عندما نتحدث عن‬ ‫كروية الرض ودورانها حول الشمس‪ ،‬أن نعود للشارة إلى ذلك‬ ‫الفلكي البولندي "نيكولس كوبيرنيكوس"‪.‬‬ ‫كذلك ليس من الضروري‪ ،‬إن قلت في حديثي أنني "رضيت من‬ ‫الغنيمة بالياب"‪ ،‬أن أعلن في كل مرة بأن "امرؤ القيس" هو‬ ‫صاحب هذا التعبير‪ .‬أو أن أشير إلى "أبوالعلء المعري" كلما عمن لي‬ ‫أن أردد مقولتة "أولوالفضل في أوطانهم غرباء"‪ ..‬وما إلى ذلك من‬ ‫القوال المأثورة )!(‬ ‫س ‪ :‬الدب‪..‬؟‬ ‫ج ‪ :‬هناك تعريف نجده في القواميس اللغوية يقول أن "الدب هو‬ ‫رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي"‪.‬‬ ‫وقيل أنه الجادة في كل ما هو منظو"م أو منثور‪.‬‬ ‫ولكنني أجد أن ذلك يفتقر إلى التفسير والشرح‪ .‬ولقد وجدت تعريفا أكثر‬ ‫رشاقة وأوقع تأثيرا‪ ،‬وهوأن الدب تعبير جمالي يتناول الرؤى‬ ‫والقناعات والعواطف و الأفكار و الخواطر النسانية والتجارب‬ ‫الشعورية بالساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى النثر المنظو"م إلى‬ ‫الشعر الموزون لتفتح للنسان أبواب القدرة على التعبير‪.‬‬ ‫فالدب هدفه إمتاع القارئ بتأثيره في وجدانه‪ ،‬بشرط تحقيق التوازن بين‬ ‫القيمة الجمالية‪ ،‬و الثراء المعرفي الهادف‪.‬‬ ‫توفيق الحكيم يقول‪:‬‬ ‫"أكتب لهدف واحد هو إثارة القارئ لكي يفكر‪".‬‬ ‫وذلك‪ ،‬في نظري‪ ،‬ينطبق على البداعات الخرى‪.‬‬ ‫وفرانتس كافكا يؤكد ما معناه‪:‬‬ ‫‪167‬‬


‫"في الكتابة كفاح من أجل البقاء‪".‬‬ ‫أما الديب البرازيلي "جورج أمادو" فيقول‪:‬‬ ‫"أكتب لكي يقرأني الخرو ن‪ ،‬ولكي أؤثر فيهم‪ ،‬ومن ثم استطيع‬ ‫المشاركة في تغيير واقع بلدي وحمل راية المل والكفاح‪".‬‬ ‫ويشاركه "تشيكوف" بقوله أن التعبيرتعن آلم الناس هدفه الدتعوة إلى‬ ‫التغيير‪.‬‬ ‫فما من شك بأن الشارة إلى هذه الل"م والقدرة على التعبير عنها‬ ‫نعمة ففي ذلك إنذار بوجود خطر يجعل النسان يبادر في البحث عن‬ ‫سبب هذا الخطر لمعالجته‪ .‬ولول ذلك يمكن أن يموت النسان كما‬ ‫ينفق الحيوان بدون معرفة السبب‪.‬‬ ‫يقول "د‪ .‬ماثيو ليبرمان"‪ ،‬أستاذ العصاب في جامعة " كاليفورنيا"‬ ‫الميريكية أن التعبير تعن النفس بالكتابة يعد نوتعا من تنظيم‬ ‫العواطف‪ .‬وأ ن مجرد المساك بالقلم والكتابة تعن مشاتعرك يساتعد‬ ‫بشكل كبير تعلى تجاوز مشاتعر القلق والخوف والحز ن‪ .‬وأ ن التعبير‬ ‫تعن المشاتعر بالكتابة يحفز مناطق في الدماغ مسئولة تعن‬ ‫الضطرابات العاطفية‪ .‬كما أكد تعلماء آخرين بأ ن جودة المادة‬ ‫المكتوبة ل تهم لحداث الثر المطلوب بقدر ما تهم العفوية‪.‬‬ ‫والكتابة مرتبطة بمراحل تطور الوعي الذي من شأنه أن يزيد من‬ ‫طموح النسان ورغبته في المشاركة في التغيير‪ ..‬سنة الحياة‪.‬‬ ‫وليس مهما من الذي كتب ما تكتب‪ ،‬كما يقول المفكرالفلسطيني‬ ‫"إدوارد سعيد"‪ ،‬بل‪ ..‬كيف تكتب وكيف تيقرأ ؟‬ ‫س ‪ :‬أنت والكتابة؟‬ ‫ج ‪" :‬فولتير" يقول‪:‬‬ ‫"ليضيرني أ ن ليس تعلى رأسي تاج ما دام في يدي قلم‪".‬‬ ‫والكتابة‪ ،‬في نظري‪ ،‬كانت وما زالت بالنسبة للنسان لونا هاما‬ ‫ضروريا من ألوان البداع‪ .‬ابتداء من كتابات الجدران التاريخية‪ ..‬إلى‬ ‫‪168‬‬


‫"المقامات"‪ ..‬حتى الكتابة في التاريخ والجغرافيا أو سائر العلو"م‬ ‫والفنون‪ ..‬وصول إلى كتابة السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫وبالرغم من أنني لم أكن يوما كاتبا محترفا تنتابني وتتعقبني "حالت‬ ‫الكتابة"‪ ،‬إل أنني ل أنكرأنني كثيرا ما كنت أجد متعة في كتابة بعض‬ ‫الخواطر‪ .‬ولكن محاولتي للكتابة البداعية لم تكتمل‪ ،‬ربما لظروف‬ ‫حياتي الغير مستقرة‪ ..‬المتنقلة بين مختلف المنافي‪ ..‬وبالتالي فقداني‬ ‫المتكرر لوراقي الخاصة‪.‬‬ ‫وسرعان ما أصبحت‪ ،‬بعد تخصصي بالعمل السينمائي‪ ،‬أشعر بمزيد‬ ‫من متعة الكتابة‪ ،‬ل سيما وأنا أشعرأنني سوف أحول ما كتبت إلى‬ ‫صورمتحركة ناطقة مرة ثانية‪ ،‬لن الكتابة السينمائية‪ ،‬أو كتابة‬ ‫"السيناريوالسينمائي"‪ ،‬ما هي إل وصف دقيق مفصل للصور التي‬ ‫كنت تراها‪ .‬هذا مع وصف تفصيلي بالغ الدقة لكيفية إيصال ما وراء‬ ‫هذه الصور‪ .‬وهو ما يعتبر تدريبا وارتقاء بالقدرات الكتابية أيضا‪.‬‬ ‫هذا‪ ..‬ولبد أن أعترف بأن صديقي جهاز"الحاسوب"‪ ،‬بذاكرته التي‬ ‫ليشق لها غبار‪ ،‬قد أضفى على نمط حياتي شيئا من الطمئنان‪ .‬ذلك‬ ‫لما له من فضل على تعويضي عن ما أخذ تقدمي في السن في المعاناة‬ ‫منه‪.‬‬ ‫س ‪ .. :‬والسلوب؟‬ ‫ج ‪ :‬ل أستطيع أنا أن أحدد إذا كان لي أسلوب معين‪ .‬ولكن مما‬ ‫أثلج صدري ما سمعته من بعض المقربين‪ ،‬تعليقا على ما أكتب‪ ،‬بأن‬ ‫هناك وجها للشبه بين ما أكتب‪ ،‬وبين الرؤية السينمائية‪ .‬وهو ما كنت‬ ‫أفعله بوعي تا"م‪.‬‬ ‫فالصفحة عندي تجدها مقسمة إلى فقرات قصيرة مليئة بالفواصل‬ ‫والفقرات المنفصلة المتصلة‪ ،‬بحيث تكاد تشبه المشهد السينمائي‬ ‫المكون من عدة لقطات تتميز بطولها أو بقصرها‪.‬‬ ‫وتفسيري لذلك هو أنني أرى أن للفواصل وظيفة حيوية‪ ،‬إذ أنها تفرض‬ ‫إيقاعا على حالة القاريء المزاجية‪ ،‬وتتحكم بشكل ما في قدرته على‬ ‫‪169‬‬


‫استيعاب وتقبل ما كتبت‪ .‬تماما مثل الثر الذي يتركه تتابع الصور‬ ‫المرئية‪.‬‬ ‫وبما أن الكتابة‪ ،‬كما يؤكد "جابريل جارثيا ماركيز"‪ ،‬أداة لليحاء‬ ‫كالموسيقى وغيرها من الفنون‪ .‬لذلك فإ ن أي خطأ في اليقاع من‬ ‫الممكن أ ن يضيع سحر التأثير‪.‬‬ ‫هذا‪ ..‬وأجدني‪ ،‬باستمرار‪ ،‬أزداد يقينا من أن الكتابة هي إحدى وسائل‬ ‫البحث عن الذات واكتشافها‪ .‬وكأني بالكاتب "جوزيف كونراد" أسمعه‬ ‫يردد خواطري حينما يقول عن الكتابة‪:‬‬ ‫"يقيم الكاتب منها له بيتا‪ ..‬ومن لم يعد له وطن تغدو الكتابة بالنسبة‬ ‫إليه مكانا للعيش"‪.‬‬ ‫كأنما كانت الكتابة الخاصة‪ ،‬وما زالت ‪ ،‬هي الملجأ الذي ألوذ إليه‪ ،‬أو‬ ‫المرفأ الذي أرسو فيه‪ ،‬انتظارا لن تتحقق أحلمي في مواصلة الرحلة‬ ‫وممارسة عملي الصلي الذي أحبه‪ ..‬وهو الكتابة عن أحل"م‬ ‫الفلسطيني وأشواقه إلى البتسا"م وحنينه إلى حياة أفضل‪ ،‬بالضوء‪..‬‬ ‫والظلل‪ ..‬والموسيقى‪ ..‬والغنيات‪ ،‬بما فيها من كلمات‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪170‬‬

‫*‬


‫تعلى هامش الرحلة إلى القدس‪..‬‬

‫في حياتنا لحظات ل تنسى‪ ،‬تظل محفورة في ذاكرتنا‪ ،‬نكتشف فيها‬ ‫ذواتنا‪ ،‬وتتجلى فيها حقيقتنا بل زيف ول حرج‪ .‬ول نتردد في تدوينها‬ ‫في دفاترنا‪.‬‬ ‫س ل أنسى صديقي "فايزغالي" يو"م زيارة "كنيسة القيامة"‪ ،‬في‬ ‫فإن أن ن‬ ‫القدس القديمة‪ ،‬ولحظة التوترالذي بدا عليه وهو في انتظار دوره‬ ‫للدخول مع مجموعة صغيرة من الزائرين الجانب إلى قبر السيد‬ ‫المسيح‪ .‬لم أدخل معه لتاحة الفرصة لخرين جاءوا من أصقاع الدنيا‬ ‫البعيدة مقدسين‪.‬‬ ‫خرج جميع الزائرين‪ ،‬وبقيت أنا في انتظار خروجه‪ .‬ولما طال‬ ‫انتظاري وشعرت بالقلق‪ ،‬رأيت أن أدخل لطمئن عليه‪.‬‬ ‫كان راكعا أما"م القبر‪ ..‬يجهش بالبكاء‪.‬‬ ‫عندها ازددت يقينا أن صدق "فايز" سوف يتجلى في كتابته عن‬ ‫القدس‪.‬‬ ‫احترمت مشاعره‪ ،‬ولم نتبادل الحديث إل بعد عودتنا إلى فندقنا في‬ ‫"را"م ا"‪.‬‬ ‫تكرر هذا المشهد في مدينة "بيت لحم"‪ ،‬عندما زرنا "كنيسة المهد"‬ ‫برفقة الصديقة الفنانة المسرحية "ساميه بكري" وزوجها الصديق‬ ‫"إسماعيل"‪.‬‬

‫*‬

‫*‬ ‫‪171‬‬

‫*‬


172


‫شالــــــــوم أخـــــــــــي!‬ ‫صديقي"إسماعيل بكري" وزوجته "ساميه"‪ ،‬المسرحية المعروفة‪ ،‬من‬ ‫عرب ‪ ،** 48‬يقيمان في مدينة "عكا" ويحملن الجنسية السرائيلية‪.‬‬ ‫وسيارتهما تحمل‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬اللوحة المعدنية الصفراء المميزة‬ ‫ذات الرقا"م السرائيلية‪.‬‬ ‫كان صديقي "إسماعيل"‪ ،‬الذي تطوع بتحقيق حلم "فايزغالي" بزيارة‬ ‫"كنيسة المهد"‪ ،‬يقود سيارته بنا في الطريق إلى مدينة "بيت لحم"‪.‬‬ ‫وكنت أتظاهر بالشجاعة لكي أساعد ضيفنا "فايز" على التغلب على‬ ‫اضطرابه ومخاوفه من تلك المغامرة‪ .‬فلم نكن ‪ -‬فايز وأنا‪ -‬نمتلك أي‬ ‫وثيقة تؤهلنا للمرور في تلك المنطقة التي تسيطرعليها قوات "المن‬ ‫السرائيلي"‪ .‬لكن"إسماعيل" كان واثقا من أن أحدا لن يعترض طريقنا‬ ‫طالما كانت سيارته تحمل أرقاما إسرائيلية‪.‬‬ ‫وكنت أنا أستمد شجاعتي من ثقته هذه‪ ،‬استنادا إلى تجارب مشتركة‬ ‫سابقة‪.‬‬ ‫وهنا ل بد من تسجيل ملحظتي‪ ،‬أثناء سفرنا‪ ،‬لنموالقدس وانتشار‬ ‫المباني الجديدة طوال الطريق‪ ،‬وكأنه ليس هناك حدود بين القدس و‬ ‫بيت لحم‪ ،‬أوكأن "بيت لحم" قد أصبحت إحدى ضواحي مدينة‬ ‫القدس! وهذا مما يؤكد ما يقال عن نوايا التوسع للوصول إلى ما‬ ‫يسمى "القدس الكبرى"‪ ،‬السرائيلية‪ ،‬التي تبلغ مساحتها ربع الضفة‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫وصلنا المدينة العربية التي كانت تخضع في ذلك الوقت لعمليات‬ ‫إنشاءات استعدادا للظهور بمظهر عصري لئق في مطلع القرن‬ ‫ل‬ ‫الحادي والعشرين‪ ،‬حسب ما يمليه مشروع "بيت لحم ‪."2000‬‬ ‫_________________________________________‬ ‫ضل تداول هذا الوصف للفلسطينيين الذين صمدوا أمام تعمليات التهجير بالقوة و لم يغادروا‬ ‫)**( سيف ف‬ ‫أماكن مدنهم وقراهم تعام ‪ ، 48‬ذلك لتدارك الوصف المراوغ بأنهم "تعرب إسرائيل" أسوة بـ‬ ‫"روس إسرائيل"‪ ..‬و"ألما ن إسرائيل"‪ ..‬و"بولنديو إسرائيل" وغيرهم من المستوطنين الذين‬ ‫جاءوا محتلين لفلسطين من كل أنحاء العالم‪.‬‬

‫‪173‬‬


‫زرنا "كنيسةالمهد"‪ ،‬واستغرقنا وقتا طويل في التجول في سراديبها‪،‬‬ ‫والتقاط الصور لصديقنا "فايز" الذي كان يعتبرأن هذه الزيارة كانت‪،‬‬ ‫بشكل أو بآخر‪ ،‬ل تقل أهمية عن باقي لقاءاته‪.‬‬ ‫عندما شارفت الشمس على الغروب سارعنا بالعودة‪ ،‬خصوصا بعد‬ ‫سماعنا لصوت زخات من الرصاص تخترق سكون المدينة‪.‬‬ ‫أخذ "إسماعيل" يحاول أن يهديء من روعنا بعد أن لحظ أمارات‬ ‫القلق التي تطل من وجوهنا‪ ،‬وتتسلل من تعليقاتنا‪ .‬ولم نكد نمر من‬ ‫خلل أحد الحواجزالعسكرية بسل"م‪ ،‬حتى وصلنا إلى حاجز آخر‪،‬‬ ‫حيث فوجئنا بجنديين إسرائيليين‪ ،‬من طائفة "الفلشا" الفريقية الذين‬ ‫ل تخطئهم العين‪ ،‬يعترضان طريقنا بأسلحتهم المشرعة‪.‬‬ ‫حبست أنفاسي وأنا أتظاهر بأن المورطبيعية‪.‬‬ ‫أطل أحد الجنديين عابسا إلى داخل السيارة‪ ،‬من الجهة اليمنى التي‬ ‫احتل أنا مقعدها المامي‪.‬‬ ‫ولم يكد يفعل ذلك حتى بادره إسماعيل‪:‬‬ ‫ شالو"م أخي!‬‫فجأة‪ ..‬انفرجت أسارير الرجل العابس‪ ،‬وغمره إحساس فاض على‬ ‫ملمحه الفريقية ليشي بسعادة غامرة‪ .‬وضحك عن أسنان بيضاء‬ ‫وهو يردالتحية بأحسن منها‪ ،‬ويشير إلى زميله أن يفسح لنا الطريق‪،‬‬ ‫ويلوح لنا مودعا بمودة‪:‬‬ ‫ شالو"م!‬‫انطلقت السيارة‪ .‬وأخذ إسماعيل يرمقنا بنظرة العارف وهو يبتسم بثقة‬ ‫شديدة‪.‬‬ ‫لم نكن في حاجة إلى أي تفسير لما جرى‪.‬‬ ‫لم نبذل جهدا لفهم الجملة العبرية القصيرة التي نطق بها إسماعيل‪.‬‬ ‫"سل"م يا أخي "!‬ ‫كان لها وقع السحرعلى الجندي‪.‬‬ ‫بعد فترة من الصمت الذي ران علينا‪ ،‬علق "إسماعيل" قائل‪:‬‬ ‫‪174‬‬


‫ ‪ ..‬ببساطة‪ ،‬هذا الجندي "السرائيلي" لم يتعود على سماع كلمة‬‫"أخي" من مواطن إسرائيلي آخر! فالتفرقة العنصرية تتجلى في‬ ‫معاملة اليهود الغربيين لليهود الشرقيين‪ .‬فما بالك عندما يكون المواطن‬ ‫السرائيلي‪ ..‬شرقي من أفريقيا السوداء‪.‬‬ ‫أكملت بيني وبين نفسي‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬كأنما كان يذوب شوقا لسماع هذه الكلمة التي أشعرته بدون‬‫شك بأنه مواطن له قيمته‪.‬‬ ‫يقيني أنه كان على استعداد لن يبيع "شرفه العسكري" مقابل هذه‬ ‫الكلمه التي ردت إليه شيئا من "كرامته الشخصية" المسلوبة‪ ،‬والتي‬ ‫كانت بمثابة إعتراف بإنسانيته المكلومة‪ ،‬في ظل الـتمييزالعنصري‬ ‫الذي يعاني منه هو وأمثاله من اليهود المهاجرين من إفريقيا وبلدان‬ ‫الشرق الوسط المختلفة‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫قرأت فيما قرأت أنه قد تقد"م عدد كبير من "الفلشا"‪ ،‬الفارقة)الذين‬ ‫قامت إسرائيل بترغيبهم وتهريبهم إلى الراضي الفلسطينية( مع‬ ‫غيرهم للتبرع بالد"م‪ .‬وغادر ذلك العدد الكبيرمن"الفلشا" مكان التبرع‬ ‫وهم راضون وعلى قناعة تامة بأنهم قد قاموا بأداء واجبهم تجاه وطنهم‬ ‫الجديد إسرائيل‪.‬‬ ‫ولم يعرف أحد منهم أن دماءهم قد ألقيت في القمامة دونما تحليل أو‬ ‫اختبار‪ .‬ل لسبب سوى أنها دماء زنجية‪ ،‬مكانها القمامة‪ ،‬حفاظا على‬ ‫نقاء الدولة اليهودية )!(‬

‫*‬

‫‪175‬‬

‫*‬

‫*‬


176


‫ماذا بعد؟!‬

‫قال لي الشاعر "أحمد دحبور"‪ ،‬وكيل وزارة الثقافة‪ ،‬بعدعودته من‬ ‫"را"م ا"‪ ،‬بأن الوزير تسلم المعالجة المرسلة معه بغير حماس‪ ،‬مع‬ ‫"تعليق‪" :‬صح النو"م‬ ‫!‬ ‫ثم أسنر لي بأن هناك اتفاق مع آخرين لعمل فيلم عن "القدس"‪.‬‬ ‫واعتذر عن إبداء أي تفاصيل‪.‬‬ ‫ولم ألبث أن سمعت تلك الشائعة من بعض المصادر الخرى‪.‬‬ ‫وعندما صدر لي التصريح المؤقت من السطات السرائيلية بالعبور‬ ‫إلى "را"م ا"‪ ،‬صادف أن سافرت برفقة صديقي الفنان التشكيلي‬ ‫"إبراهيم المزين"‪ .‬وكان أن اتجهنا فور وصولنا مباشرة‪ ،‬لسبب في‬ ‫نفس "إبراهيم"‪ ،‬إلى المقهى الذي يمتلكه المخرج "رشيد‬ ‫المشهراوي"‪ ،‬الذي تربطه به علقة صداقة‪ .‬هناك أحسست بفتور‬ ‫مقابلة "رشيد" لي على غير عادته‪ .‬وعندما أبديت دهشتي لبراهيم ‪،‬‬ ‫أسر لي عندها بأنه كان يعلم عن إتفاق الوزارة معه على إخراج فيلم‬ ‫"القدس"‪.‬‬ ‫عدت إلى القاهرة وأنا أتمسك بأهداب المل في أن يفي وكيل الوزارة‬ ‫الصديق "يحيى يخلف" بوعوده‪.‬‬ ‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫بالرغم مما أوتيت به )في مجال تخصصي( من العلم‪) ،‬وفي تجارب‬ ‫الحياة بشكل عا"م( من الخبرة فلقد انزلقت‪ ،‬وهذا اعتراف مني بذلك‪،‬‬ ‫في حفرة حسن الظن‪.‬‬ ‫‪177‬‬


‫وهي تجربة أثبتت أنني لم أستطع أن أميز أداء ذلك "الرجل" حينما‬ ‫"انفعل" في أحد المواقف وطلب مني أن أبدأ في التحضير لفيلم روائي‬ ‫عن "القدس"‪ ،‬مع وعده القاطع بأن "يخلق" للفيلم تمويل‪.‬‬ ‫وتذكرت يو"م أن وقع الوزير على ورقة تسميني مخرجا للفيلم‬ ‫التسجيلي عن "القدس"‪ ،‬وهو نفس اليو"م الذي كان ينتظر فيه حضور‬ ‫صديقي المخرج "ميشيل خليفي" من باريس للتفاق معه على إخراج‬ ‫الفيلم ذاته‪ ،‬كما أكد لي شقيقه "جورج خليفي" بعد ذلك‪.‬‬ ‫وتذكرت نصائح البعض بأن ل أصدق كل"م الوزير‪.‬‬ ‫وتذكرت إشارتهم )مازحين( بالتشهير بي لو تقاعست عن هذه المهمة‪.‬‬ ‫وكأنما كانوا على يقين بأنهم بتكليفي بتلك المهمة )التي لن أنجزها‬ ‫حسب توقعهم(‪ ،‬سوف يكونون قد قاموا بما يسمى "رفع العتب" عليهم‬ ‫حينما يستنكرالبعض تكليفهم لغيري بمهمة إخراج هذا الفيلم أو ذاك‪.‬‬ ‫وتذكرت محاولتهم المتكررة لستقبال كاتب السيناريو"فايزغالي"‬ ‫بمفرده‪ ،‬لول إصراره على عد"م جدوى وجوده بينهم بدون‬ ‫"المخرج"‪ ..‬الذي هو العبد الفقير!‬ ‫وتذكرت الحديث الذي نقله لي الصديق د‪ .‬محمد البطراوي‪ ،‬والذي دار‬ ‫بين وكيل وزارة الثقافة‪ ،‬الصديق يحيى يخلف‪ ،‬والمسئول المالي في‬ ‫الوزارة‪ ،‬وهو ما عدت وسمعته من أطراف أخرى‪ ،‬حيث كان الخير‬ ‫يحاول إقناع "يحيى يخلف" بأن يعمل على تأ جيل تنفيذ مشروع فيلم‬ ‫القدس بعض الوقت‪ ،‬بحيث يتولى إخراجه إبن "يحيى يخلف" الذي‬ ‫يدرس السينما في القاهرة‪ ،‬والذي سرعان ما ينهي دراسة الخراج‬ ‫السينمائي‪ .‬و"خملي زيتنا في دقيقنا"!!‬ ‫صفدق‪ ..‬أو ل تصفدق!‬ ‫كما تذكرت تفاصيل تشي بإحساسهم بالوقوع في المأزق وهم يجدون‬ ‫أنفسهم في مواجهة كاتب سيناريو معروف يأخذ المور بنفس الجدية‬ ‫التي تم بها إتفاقه مع تلفزيون جمهورية مصرالعربية حينما كانوا‬ ‫يتفاوضون معه على كتابة فيلمه الشهير "الطريق إلى إيلت"‪.‬‬

‫*‬

‫*‬ ‫‪178‬‬

‫*‬


‫هل قلستــــــــها‪..‬؟‬ ‫طال بي التحديق في الصفحة البيضاء‪ ،‬أقصد في الشاشة البيضاء‪،‬‬ ‫بعد أن قمت بالضغط على أزرار جهاز الكومبيوتر‪ ،‬الخاصة بتدوين‬ ‫تاريخ اليو"م الذي تجري فيه الكتابة‪6/6/1999 ..‬‬ ‫ماذا أكتب؟‬ ‫عدت للتحديق في التاريخ المكتوب‪.‬‬ ‫إنه اليو"م الذي غادرت فيه بيروت‪ ،‬قبل سبعة عشرعاما‪ ،‬عا"م ‪! 1982‬‬ ‫أخذت الذكريات تنثال في خاطري‪ .‬أعادتني إلى أيا"م مضت‪ .‬أيا"م‬ ‫بيروت‪ ،‬الكثر رقة وبهجة بالرغم من كل قساوتها‪.‬‬ ‫أيا"م كنا نطل باشتياق ولهفة وأمل إلى المستقبل‪ ،‬تماما كما كنا نطل من‬ ‫أعالي الجبال الحدودية في الجنوب اللبناني إلى‪ ..‬أراضي فلسطين‪.‬‬ ‫مازل ن‬ ‫ت تردد‪" :‬ترونها بعيدة ونراها قريبة‪"..‬‬ ‫وهأنا ‪ -‬يا سيدي "الرئيس"‪ -‬أراها تمعن في البعد‪.‬‬ ‫ل‪ ..‬لست متشائما!‬ ‫ولكنني كنت أكثر تفاؤل أيا"م كن ن‬ ‫ت لنا ‪" ..‬الخ"‪" ..‬القائد"‪..‬‬ ‫أيا"م كن ت‬ ‫ت‪ ،‬أو غيري‪ ،‬في بيروت‪ ،‬ل نحتاج سوى أن نقطع المسافة‬ ‫على أقدامنا لنصل إليك في دقائق‪.‬‬ ‫كانت البواب مشرعة‪ .‬وكن ن‬ ‫ت لنا حقا م ‪ " ..‬الخ القائد "‪..‬‬ ‫لم أكن أنا يوما من طارقي أبوابك‪ ،‬أو المترددين على أعتابك‪ .‬وأنت‬ ‫تعرف أنني لم أكن كذلك إل لنني كنت على يقين من أن دوري إنما‬ ‫هو تكملة لدورك‪ ..‬ل يتعارض معه‪.‬‬ ‫ولم يكن لسلوكي‪ ،‬الذي أعرف أنك كنت تعرف منطلقه‪ ،‬ما يفسره إل‬ ‫إحساسي بالندية ‪ -‬إزاء كافة "الخوة" و "الباء"‪ -‬وبأن أحدنا ل‬ ‫يقل عن الخر وطنية‪ ،‬أو إخلصا و ولء للقضيه‪.‬‬ ‫‪179‬‬


‫كان ذلك أيا"م كنت لنا‪" ..‬الخ"‪" ..‬القائد"‪..‬‬ ‫لكنك الن ‪ -‬يا سيادة الرئيس ‪ -‬أصبحت بعيدا ممعنا في البعد‪.‬‬ ‫أصبحت المسافة التي كنا نمشيها على أرجلنا لمدة دقائق تكلفني أياما‬ ‫طويلة‪ ،‬بل أسابيعا‪ ،‬أقضيها‪ ،‬أو يقضيها غيري‪ ،‬منتظرا السماح‬ ‫بمقابلتك‪.‬‬ ‫ويبدو لي أنها ستكون المرة الخيرة‪.‬‬ ‫ل‪..‬ل تظنني أصدق أنها تعليماتك أنت‪.‬‬ ‫إنهم ‪ -‬يا سيادة الرئيس‪" -‬قت م‬ ‫طاع الطرق"‪ ،‬الذين يقيمون حولك ما يشبه‬ ‫الجدار‪.‬‬ ‫قلتن لي يومها بصوت واهن مرهق‪ ،‬وشفتين مرتعشتين‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬كيف حالك يا غالب؟‬‫أشفقت عليك‪ .‬كتمت همومي التي كنت أنوي البوح بها إليك‪ ،‬بالرغم‬ ‫من أنها لم تكن أبدا هموما شخصية‪.‬‬ ‫شكرتك ومضيت‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫سألني صديقي‪ ،‬د‪ .‬محمد الديب‪ ،‬في صباح اليو"م التالي عن نتيجة‬ ‫مقابلتي للرئيس‪ .‬سكت ت‬ ‫ت‪ .‬لم انطق بكلمة‪.‬‬ ‫كأنه فهم‪ .‬قال لي وفي حلقه غصة‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬الهم من كل شيء‪ ،‬يا صديقي‪ ،‬أن يكون النسان راض عن‬‫نفسه‪ .‬ول أخفيك أنني بدأت أفكر في أن أحذو حذوك‪ ..‬حماية‬ ‫لكبريائي‪.‬‬ ‫وعندما لمح نظرة التعجب التي ارتسمت تلقائيا على وجهي‪ ..‬أضاف‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬صحيح أنني لم أبلغ سن "التقاعد" بعد‪ ،‬ولكن هناك ما يسمى بـ‬‫"التقاعد المبكر"‪ .‬فليس هناك ما يشجعني على النتظار‪.‬‬ ‫ثم أكمل كمن يحدث نفسه‪ ،‬أو يستظهر قول مأثورا ‪:‬‬ ‫ ‪ .. ..‬تخضع العلقات والدوافع النسانية إلى تغيرات في الوتعي‬‫شّيؤ"‪ ،‬أو كيف‬ ‫يفرضها ذلك الذي أسماه جورج لوكاش بـ "التَ َ‬ ‫‪180‬‬


‫تتحول جميع المور‪ ،‬وكل التجارب النسانية إلى أشياء‪ ..‬إلى‬ ‫سلع قابلة للمساومة‪ ..‬والبيع‪.‬‬ ‫وعاد وكأنه يستأنف حديثه معي ويختمه قائل‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬أما وقد أيقن ت‬‫ت أنك قد عرفت ما يجري من وراءك بشأن‬ ‫مشروع فيلم القدس‪ ،‬فأنا ل أرى ما يستوجب الستمرار في إخفاء‬ ‫ما سمعته عن "فلن"‪ ،‬المسئول المالي‪ ،‬الذي كان يلح مقترحا‬ ‫على وكيل الوزارة‪ ،‬صديقك‪ ،‬أن يتولى إبنه‪ ،‬الطالب في معهد‬ ‫السينما‪ ،‬إخراج الفيلم!‬ ‫يا للسخرية! فلقد كنت على وشك أن أقترح عليك أن تتخذ منه‪،‬‬ ‫بعد تخرجه‪ ،‬مساعدا‪ ،‬لعل في ذلك ما يتيح له بعض الخبرة‬ ‫العملية‪.‬‬ ‫هكذا يا صديقي تتحول كل المور‪ ،‬والمصيرية منها‪ ،‬إلى أشياء!‬ ‫ثم عادت إلى وجههه ابتسامته العذبة‪ ،‬وكأنه أشفق أن ينهي حديثه بما‬ ‫يضاعف الحساس الحزين بالتشاؤ"م‪ .‬فما لبث أن عاد ليردد إحدى‬ ‫مقولته الموروثة‪ ،‬محاولة منه لشاعة شيء من المرح بسخرياته‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪181‬‬

‫*‬


182


‫الَعـــــدود أحمـــــد‪!..‬‬

‫وهأنا أعود إلى القاهرة‪ ..‬حماية لكبريائي‪.‬‬ ‫قدماي فقط‪ ،‬هما اللتان تغادران أرض الوطن‪.‬‬ ‫أما قلبي وعقلي ووجداني فسوف يظلوا متشبثين بها رغما عن كل‬ ‫الظروف‪ ،‬لنها طبيعة المور‪.‬‬ ‫في القاهرة‪ ،‬استطعت دائما أن أجد ما يساعدني على أن أتغلب على‬ ‫أحزاني والنتقال من حال إلى حال أفضل‪.‬‬ ‫هناك الصدقاء‪ ،‬من مختلف المستويات‪ .‬وهم من وجدت دائما في‬ ‫إبتساماتهم وتعليقاتهم المرحة بعض العزاء‪.‬‬ ‫هناك مكتبتي التي حرصت على إعادة تكوينها بعد أن فقدت مكتبتي‬ ‫مع بيتي في بيروت‪.‬‬ ‫هناك أحتمي بالقراءة من العزلة‪ ،‬التي أدت بالبعض إلى الهذيان‪.‬‬ ‫هناك الكثير مما يمكن فعله بغرض الهروب مما فات‪ ،‬والستعداد‬ ‫لستيعاب ما هو آت‪ ،‬أو التصدي له‪.‬‬ ‫هناك جهاز "الحاسوب" الذي من ا به علينا‪.‬‬ ‫أحد المستحيلت الثلثة الذي بات ممكنا‪.‬‬ ‫"الخل الوفي"‪ ،‬أنبل اختراعات العصر‪ ،‬الذي ل يملمك ول يشكو من‬ ‫ما يعتريك من حالت‪ .‬تجلس إليه‪ ،‬طوال الساعات‪ ،‬تبوح‪ ،‬ويختزن‬ ‫ما ل تستطيع أن تقوله للخرين ‪ .‬تفر"غ في ذاكرته كل ما علق في‬ ‫ذاكرتك من خواطر أو ذكريات ‪.‬‬

‫*‬

‫*‬ ‫‪183‬‬

‫*‬


184


‫خــــــــــاتمه‪..‬‬ ‫عد ت‬ ‫ت‪ ،‬كعادتي‪ ،‬لعبث بأزرار "الحاسوب" متصفحا بعض ما كنت قد‬ ‫دونت‪ .‬قرأت في أحد الملفات‪:‬‬ ‫"من الشياء التي أوقن أنها "أكثرأهمية من أ ن يهملها‬ ‫المرء أو يتناساها"‪ ،‬هي "محطات" الوقوف التي تشكل‬ ‫جزءا هاما من رحلة العمر‪ .‬تلك الرحلة الطويلة في قطار‬ ‫يعج بالركاب‪ .‬يتوقف في هذه المحطة أو تلك‪ .‬ركاب‬ ‫يصعدو ن‪ ،‬وركاب ينزلو ن‪ .‬منهم من يترك تعلمة في‬ ‫ذاكرتك‪ .‬ومنهم من ل تدري متى صعد أو متى نزل‪ .‬منهم من‬ ‫لم يعرك اهتمامه‪ .‬ومنهم من اتسعت ذاكرته لملمحك‪.‬‬ ‫منهم من نسيك‪ .‬ومنهم من يتناساك‪.‬‬ ‫وعمن لي‪ ،‬بعدما لمسته‪ ،‬في زيارتي الخيرة لغزة‪ ،‬من تغيرات في‬ ‫سلوك بعض الذين كانوا يمطرونني بعبارات الترحيب والسترضاء‪،‬‬ ‫أن أضيف إلى ذلك ما رأيت أن ل بد من إضافته‪:‬‬ ‫منهم الذي تعرف‪ ،‬كا يقولو ن‪ ،‬من أين تؤكل الكتف‪.‬‬ ‫ومنهم الساذج الذي كا ن يتوسم فيك أ ن تغدو من رجال‬ ‫وزارة الثقافة‪ ،‬فيعمل لغده بأ ن يبالغ في إظهار تقديره‬ ‫لمواهبك!‬ ‫ومنهم الريب الذي تعرف أ ن أمثالك من الحالمين ل‬ ‫لهم في "سدة الحكم"‪ ،‬ول في طابقه الرضي‪،‬‬ ‫مكا ن‬ ‫ول حتى في "بدرومه"‪ .‬فل داتعي لضاتعة الوقت في‬ ‫مجاملتهم أو في استرضائهم‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫كثيرا ما يكون الجلوس إلى جهاز الكومبيوتر بمثابة الجلوس على‬ ‫كرسي العتراف‪ ..‬يؤدي إلى التطهر‪ ،‬وراحة الضمير؟‬ ‫‪185‬‬


‫أؤكد‪ ،‬بالرغم من عد"م رضائي عما أنا فيه الن‪ ،‬بأن ضميري ل يثقله‬ ‫ما يستدعي العتراف‪ ،‬بقدر ما يجعلني أتساءل‪:‬‬ ‫ما الذي جنيته حتى أؤذى على هذا النحو الذي جرى؟!‬ ‫هل أنا أخطأت عندما كنت أومن بأن السينما هي اللغة التي يمكن‬ ‫بواسطتها أن نروي للعالم روايتنا‪ ،‬لنها تعتمد على الصورة لغة سهلة‬ ‫الفهم لجميع الشعوب‪ ،‬ولذلك فقد قررت‪ ،‬بعد أن أيقنت من خلو ساحتنا‬ ‫قمن نمن هم متخصصون في هذا المجال‪ ،‬أن أتحول من مهندس‬ ‫معماري إلى مخرج سينمائي؟‬ ‫ذلك‪ ،‬كما سبق وأن قلت‪ ،‬بإلحاح من المسئولية القومية والوطنية التي‬ ‫كانت تحتم علينا العمل على الوصول إلى أسلوب لمواجهة القهر الذي‬ ‫يتعرض له الفلسطيني‪.‬‬ ‫هل أنا أخطأت عندما أخذت على عاتقي وحملت نفسي‪ ،‬بالتعاون مع‬ ‫غيري من الزملء‪ ،‬مسئولية محاولة وضع "السينما" في مكانها‬ ‫الصحيح في معادلة الثقافة الفلسطينية؟‬ ‫هل أنا أخطأت عندما اخترت التفر"غ للعمل في بيروت‪ ،‬وتركت‬ ‫القاهرة وأنا على عتبات النجاح والتميز‪ ،‬الشيء الذي يسعى إليه كل‬ ‫من يعمل في مجال الثقافة والفنون؟‬ ‫هل ما أنجزته في "بيروت" أو "تونس" أو "را"م ا" يعادل ما قد‬ ‫حققته‪ ،‬أو ما كان يمكنني مواصلة تحقيقه في القاهرة؟‬ ‫ول داعي للخوض في تجربة "الهجرة إلى الوطن" المؤلمة ذاتها‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬

‫‪186‬‬

‫*‬


‫وهأنا أعود يا صديقي "أحمد عمرشاهين"‪ ..‬لنستكمل معا تحويل‬ ‫الرواية‪ ،‬التي ل بد أنك قد انتهيت من كتابتها الن‪ ،‬إلى سيناريو‪ ،‬كما‬ ‫اتفقنا‪ ،‬لكي أقو"م بإخراجها‪ ..‬ولوعلى الورق!‬ ‫ربما نضيف إليها‪ ،‬إن فاتك ذلك‪ ،‬فصل أخيرا يحكي عن بعض الذين‬ ‫حظوا بكل ما يحتاجونه‪ ،‬والذين يستمتعون بالوفرة في كل شيء‪ ،‬لهين‬ ‫باحثين بلهفة عن ما يزيدهم ترفا‪ .‬وهم الذين يرفلون في "نعيم" الحكم‬ ‫الذاتي‪ ..‬المحدود‪ ..‬والمؤقت‪.‬‬ ‫نعيم هو بمثابة َددينس نـحـن رهائنه‪.‬‬ ‫ربما أستطيع‪ ،‬الن‪ ،‬أن أصف لك ذلك الشيء الذي كنا نقترب من‬ ‫الحديث عنه‪ ،‬نسمع عنه بدون أن نجربه‪ ،‬وهو شعور "الغربة في‬ ‫الوطن"‪.‬‬ ‫ربما نعود للحديث عن حاجتنا الملحة الماسة إلى تعاملنا مع الواقع‬ ‫بقدر أكبر من الوعي‪ ،‬إلى ممارسة الديمقراطية الحقيقية‪.‬‬ ‫ولكن‪ ..‬هيهات أن يتأتى ذلك إل بمحاولة القضاء على أسباب الفشل‬ ‫وإتاحة الفرص للطاقات الجديدة‪ .‬ذلك لن تفشي الولءات الشخصية‪،‬‬ ‫والمصلحة في تولي المناصب الدارية والتنظيمية‪ ،‬وانعدا"م حساب‬ ‫الكفاءة‪ ،‬واحترا"م الذات‪ ،‬هي السباب بعينها‪.‬‬ ‫قد نجد من يجيبنا بأن تاريخ "فلن" يشهد له بأنه كان مقاتل فدائيا‬ ‫ومناضل يستحق هذا المنصب أو ذاك‪ .‬فل نجد رداعلى ذلك سوى ما‬ ‫أقوله و ما يقوله الكثيرون‪:‬‬ ‫"هم تعلى راسنا من فوق‪ .‬لكن مكافأة المناضلين و تكريمهم تكو ن في‬ ‫وضعهم في مكانهم اللئق المناسب‪ ،‬وفي توفير سبل العيش الكريم‬ ‫لهم‪ ،‬بدو ن أ ن نورطهم في إشغال مناصب ليسوا مؤهلين لها‪.‬‬ ‫وهل يليق بمن حمل سلح الثائر يوما أ ن تنتهي مهمته إلى حمل‬ ‫الحقيبة الخاصة بأبي فل ن؟!"‬ ‫قلنا‪ ،‬فيما قلنا‪ ،‬أن هزائمنا المتعاقبة هي دليل قاطع ساطع على عد"م‬ ‫صلحية بعض القائمين على أمورنا‪ .‬وأنه طالما نحن غير قادرين على‬ ‫‪187‬‬


‫صنع النتصارات والتقد"م‪ ،‬فل أقل من أن نعمل على تجنب المزيد من‬ ‫الهزائم والتخلف‪.‬‬ ‫ولنا في التاريخ من الحكايات والطرائف ما يمكن أن نحتذي به‪ ،‬إذ‪:‬‬ ‫يحكى تعن ملـــوك الخـــزر أ ن مدة مسلــكهم أربعو ن سنة ل تزيــــــــد‪،‬‬ ‫وإذا جاوزها أحدهم يوما واحدا‪ ،‬قتلته رتعيته وقالوا‪:‬‬ ‫"هـــــذا قـــــد نقــــص تعقلـــــه واضــــطرب رأيــــه!"‬ ‫لكن‪ ..‬ها هو "بيرتولد بريخت" يحاول أن يساعدنا على العبور إلى‬ ‫شاطئ التفاؤل‪ ..‬فيقول‪:‬‬ ‫"ل ن المور قد أصبحت تعلى ما هي تعليه‪ ،‬فإ ن المور لن تبقى تعلى‬ ‫ما هي تعليه‪".‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪188‬‬

‫*‬


‫خــــــــــاتمة‪ ..‬مرة أخرى‬ ‫في نهاية شهر مارس ‪ ،2000‬كانت زيارتي الخيرة إلى غزة‪.‬‬ ‫كانت أسباب الزيارة هذه المرة عاطفية بحتة‪ ..‬حيث كنت أتمتع في‬ ‫حينها بلقب "متقاعد"‪..‬أو ‪" ..‬على المعاش"!‬ ‫دخلت مبنى وزارة الثقافة مبكرا‪ ،‬وكلي شوق إلى رؤية الزملء‬ ‫والصدقاء‪ .‬وبالذات د‪ .‬محمد الديب‪ ،‬الذي كنت أحمل له نسخة من‬ ‫كتاب حديث الصدور كان قد حدثني عنه وهو "صناتعة‬ ‫الهولوكوست"‪ ،‬للمفكر اليهودي المريكي "نورما ن فنكلشتاين"‪.‬‬ ‫وبشرى قرب صدور الترجمة النجليزية من كتاب "التطهير العرقي‬ ‫في فلسطين" لواحد من أهم "المؤرخين السرائيليين الجدد"‪..‬‬ ‫"إيل ن بابيه"‪.‬‬ ‫لفت نظري خلو الغرفة الولى من أي من شاغليها‪ .‬قلت في نفسي‬ ‫أنني ربما بالغت في التبكير بمجيئي‪.‬‬ ‫جلست إلى طاولته‪ ،‬منتظرا حضوره‪ ،‬وأنا أتخيل وقع المفاجأة عليه‬ ‫عندما يراني بانتظاره بعد غيبة ل بأس بها‪ ،‬وعلى طاولته كتاب‬ ‫"صناعة الهولوكوست" الذي وعدته به‪.‬‬ ‫لكن انتظاري طال‪ .‬تقاطر الزملء الواحد بعد الخر‪.‬‬ ‫ولم يحضر د‪ .‬محمد الديب‪.‬‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫"تعندما كسرواباب شقته مع جمع من جيرانه)في ‪(28/2/2000‬‬ ‫وجدوه‪ ..‬وكا ن ينام تعلى وجهه ويده تعلى قلبه‪".‬‬ ‫‪189‬‬


‫جملة قرأتها في كتيب أصدرته وزارة الثقافة في حوالي ‪ 60‬صفحة‪،‬‬ ‫يحتوي على مراثي زملء الفقيد في الوزارة‪.‬‬ ‫وبعدها بأيا"م حضرت حفل التأبين الذي أقيم له‪ ،‬حيث تتابع إلقاء كلمات‬ ‫مؤثرة من زملءه‪ ،‬تشيد بالتزامه‪ ..‬وعبقريته‪ ..‬وسحرابتسامته )!(‬ ‫نفس الزملء الذين وصفوه في أيا"م ماضية بما أستحي أن أكرره من‬ ‫الوصاف‪.‬‬ ‫عدت لتكرار تساؤلي في نفسي‪:‬‬ ‫إن طال الزمان أو قصر فسوف يقف غيرنا‪ ،‬ليشحذوا قدراتهم البلغية‬ ‫لرثاءنا وتعداد صفاتنا ومناقبنا‪ ،‬بعد أن ينقضي المر‪ .‬ثم يعود الجميع‬ ‫إلى هذا المكان أو غيره لسماع السؤال المتكرر إياه‪:‬‬ ‫هل يتعين تعلى الديب أو الفنا ن أ ن يرحل‪ ،‬لكي تنهال تعلى قبره‬ ‫المدائح‪ ،‬وقصائد الرثاء‪ ،‬أو لكي نقول فيه كلمة حق؟!‬ ‫وهل تكفي الكلمات؟‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫أما في القاهرة‪ ..‬وبعد مرور ما يناهز العا"م‪.‬‬ ‫فقد تواصل رنين التليفون في مساء أحد اليا"م بإلحاح‪.‬‬ ‫ليس من عادتي أن أترك أحدا‪ ،‬مهما كان‪ ،‬ينتظر طويل‪ .‬جففت وجهي‬ ‫ويداي بسرعة‪ ،‬والتقطت السماعة‪ .‬جاءني صوت ل أعرفه‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬ألو‪ ..‬الستاذ غالب؟ أنا جار الستاذ أحمد‪ ..‬همو كلفني أتصل‬‫بحضرتك‪ ..‬همو بعافيه شويه‪ ..‬خود كملمه‪..‬‬ ‫انتظرت طويل حتى جاءني صوت صديقي"أحمدعمرشاهين"‪ ..‬واهنا‬ ‫متحشرجا‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬أنا تعبان يا غالب‪ ..‬تعبان ‪.. ..‬‬‫‪190‬‬


‫كانت الساعة تجاوز العاشرة مساء‪ .‬وكنت أعرف عن حالت مرض‬ ‫السنكرالذي تنتاب صديقي منذ مدة طويلة‪ .‬خطرت لي فكرة اللتجاء‬ ‫لمستشفى فلسطين‪ ،‬حيث اهتموا بصديقي "عدلي فخري" بمجرد أن‬ ‫اتصلت بمديرالمستشفى‪ .‬وحيث أشاروا علي بالتصال برقم ‪123‬‬ ‫ليرسلوا له سيارة إسعاف تقو"م بنقله إلى المستشفى‪ .‬كسبا للوقت‪.‬‬ ‫ ‪ ..‬أعطيني جارك يا أحمد أكلمه!‬‫ألو‪..‬من فضلك‪ ..‬أنا أعرف المكان‪ ..‬ولكني ل أحفظ إسم الشارع‬ ‫أورقم البيت‪ ،‬وأعتقد أنك ستكون أسرع مني في شرح كيفية‬ ‫الوصول إليه‪.‬ولذلك أرجوك أن تتصل برقم ‪ 123‬وتطلب سيارة‬ ‫إسعاف لنقل الستاذ أحمد إلى مستشفى فلسطين‪ ..‬وأنا راح‬ ‫أنتظركم هناك‪.‬‬ ‫كانت سيارة السعاف أسرع مما كنت أتوقع‪.‬‬ ‫وجدت صديقي في "العناية المركزة"‪ ،‬ومن حوله مدير المستشفى و‬ ‫بعض الطباء الذي حاولوا أن يطمئنوني عن حالته‪.‬‬ ‫لم يكن هناك إمكانية أو ضرورة لبقائي إلى جانبه‪.‬‬ ‫في الصباح الباكر من اليو"م التالي‪ ،‬يو"م ‪16/10/2001‬‬ ‫يقابلني موظف الستعلمات في المستشفى بلهفة‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬مش حضرتك اللي جيت امبارح عشان المريض اللي في‬‫العناية المركزة؟ أنا آسف أقول لك إنه‪ ..‬تعيش إنت‪..‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪191‬‬

‫*‬


192


‫رحمهم ا‪..‬‬ ‫أرى‪ ،‬وأنا أدرك أنني وقعت في"شرك" تدوين تجربتي مع حلم‬ ‫"السينما الفلسطينية"‪ ،‬وبالتالي مع بعض أولي المر وأصحاب القرار‬ ‫الذين كان لهم بطبيعة الحال دورا أساسيا ل يمكن إغفاله )سلبا كان أ"م‬ ‫إيجابا(‪ ،‬أرى أن ل أترك الفرصة تفوت دون أن أسجل هذه الخاطرة‬ ‫التي ل تخلو من طرافة‪.‬‬ ‫فمن أمثالنا الفلسطينية الشعبية واحد يخطر ببالي‪ ،‬فأبتسم‪ ،‬أكثر من مرة‬ ‫في اليو"م الواحد‪ ،‬وذلك بينما أنا أحاول أن ألملم شتات الذكريات عن‬ ‫هذه "التجربة" أو تلك‪.‬‬ ‫يقول هذا المثل الضاحك الباكي‪:‬‬ ‫ب‪ ..‬إل "ختيار" ماتت أجياله‪.‬‬ ‫ول أكذب من "شاب" تغطر س‬ ‫وليس غريبا ول مستبعدا أن يممسني هذا المثل الشعبي‪.‬‬ ‫ألم أقض‪ ،‬حتى الن‪ ،‬أكثر من خمسين سنة من عمري )شبابي‬ ‫وكهولتي وقدرا ل بأس به من سنوات الشيخوخة( في الغربة‪ ،‬متنقل‬ ‫من بلد إلى آخر؟‬ ‫وهأنا الن‪ ،‬بعد هذا العمر‪ ،‬وأنا أستذكر وقائعا أراها على جانب من‬ ‫الطرافة )إن لم يكن الهمية(‪ ،‬أكاد ل أسترجع تفاصيل واقعة منها‬ ‫وأتذكرأحد "أطرافها" إل ووجدتني أتمتم بيني وبين نفسي‪:‬‬ ‫"فلن الفلني" ‪ ..‬ا يرحمه!‬ ‫هل أتراجع عن فكرة الكتابة ‪ ،‬حتى أتجنب الغمزات واللمزات التي‬ ‫‪193‬‬


‫)إذا ما قدر لسطوري هذه أن تتسرب للخرين يوما ما( سوف تضعني‬ ‫في مصاف "الشباب" اللي تغربوا‪ ..‬والـ"ختياريه" اللي ماتت‬ ‫أجيالهم؟ أ"م أواصل روايتي؟ وليصدقني من يشاء‪ ..‬وليغفر ا لمن‬ ‫يشاء‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬وأكرر بأن محاولتي هذه لن تتجاوز حدود تسجيل "سيرتي‬ ‫الذاتية" كأحد الذين ساهموا بإخلص وبحهد متواضع في مسيرة‬ ‫"السينما الفلسطينية"‪ ،‬إذ ربما‪ ،‬كما أسلفت‪ ،‬يستعين بها من هو أقدر‬ ‫مني على كتابة تاريخها‪.‬‬ ‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫أحدهم قال لي مرة مازحا‪:‬‬ ‫ ‪ ..‬سطجل "سيرتك" بيدك قبل أ ن تمتد إليها أيدي الخرين‪ .‬فهناك من‬‫يستهويهم ويشغلهم "سيرة الناس"‪ ..‬والعبث بها!‬ ‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫خطر لي‪ ،‬بينما أنا أضع اللمسات الخيرة لسيرتي الذاتيه‪ ،‬في)‪،(22/11/2014‬‬ ‫أن أدون أسماء من توفاهم ا من القارب والصدقاء والزملء ممن جاء ذكرهم‬ ‫وكان لهم حضور مؤثر في مجرى تلك اليا"م ‪ ،‬فكانت النتيجة‪:‬‬ ‫‪.1‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪.5‬‬ ‫‪.6‬‬

‫إبراهيم الصحن‬ ‫أبو الهول )هايل عبد الجميد(‬ ‫أبو إياد‬ ‫أبو خالد البطراوي‬ ‫أبوجهاد‬ ‫أبوعمار )ياسرعرفات(‬ ‫‪194‬‬


‫‪ .7‬أبوفؤاد الكرزون‬ ‫‪ .8‬أحمد الديب د‪.‬‬ ‫‪ .9‬أحمد فؤاد نجم‬ ‫‪ .10‬أحمد عمر شاهين‬ ‫‪ .11‬أحمد كامل مرسي‬ ‫‪ .12‬أحمد مرعي‬ ‫‪ .13‬أسماء الفغاني‬ ‫‪ .14‬أمل دنقل‬ ‫‪ .15‬إميل توما‬ ‫‪ .16‬إميل حبيبي‬ ‫‪ .17‬بروين شعث‬ ‫‪ .18‬بهجت عثمان‬ ‫‪ .19‬توفيق صالح‬ ‫‪ .20‬توفبق شعث‬ ‫‪ .21‬ثروت عكاشه د‪.‬‬ ‫‪ .22‬جمال عبد الناصر‬ ‫‪ .23‬جلل الغزالي‬ ‫‪ .24‬حاز"م حلوه‬ ‫‪ .25‬حسنيه شعث‬ ‫‪ .26‬رأفت الميهي‬ ‫‪ .27‬رجاء النقاش‬ ‫‪ .28‬رشيده شعث‬ ‫‪ .29‬رفيق الصبان د‪.‬‬ ‫‪ .30‬زين العابدين الحسيني‬ ‫‪ .31‬سامي السلموني‬ ‫‪ .32‬سامي العلمي‬ ‫‪ .33‬سعد أردش‬ ‫‪ .34‬سعد ا شعث‬ ‫‪ .35‬سعد لبيب‬ ‫‪ .36‬سعيد أبو بكر‬ ‫‪ .37‬سعيد مراد‬ ‫‪ .38‬سلوى حجازي‬ ‫‪ .39‬سها"م المهتدي‬ ‫‪ .40‬سيد خميس‬ ‫‪195‬‬


‫‪ .41‬شادي عبد السل"م‬ ‫‪ .42‬شفيق نور الدين‬ ‫‪ .43‬الشيخ إما"م‬ ‫‪ .44‬صلح الحسيني‬ ‫‪ .45‬صلح جاهين‬ ‫‪ .46‬صلح مرعي‬ ‫‪ .47‬طاهر الدبا"غ‬ ‫‪ .48‬عباس أحمد‬ ‫‪ .49‬عبد الحليم حافظ‬ ‫‪ .50‬عبد الرحمن شعث‬ ‫‪ .51‬عبد الرحمن الطحاوي‬ ‫‪ .52‬عبد الرحيم منصور‬ ‫‪ .53‬عبد ا حوراني‬ ‫‪ .54‬عدلي رزق ا‬ ‫‪ .55‬عدلي فخري‬ ‫‪ .56‬علي شعث‬ ‫‪ .57‬عمار الشريعي‬ ‫‪ .58‬غالب هلسا‬ ‫‪ .59‬فاروق عبد القادر‬ ‫‪ .60‬فايق اسماعيل‬ ‫‪ .61‬فتحي فرج‬ ‫‪ .62‬فخري الليثي‬ ‫‪ .63‬فدوى طوقان‬ ‫‪ .64‬كر"م مطاوع‬ ‫‪ .65‬كمال بكير‬ ‫‪ .66‬ماجد أبوشرار‬ ‫‪ .67‬محمد الحته الغنيمي‬ ‫‪ .68‬محمد حما"م‬ ‫‪ .69‬محمد لطفي‬ ‫‪ .70‬محمد سليم ياسين‬ ‫‪ .71‬محمود أمين العالم‬ ‫‪ .72‬محمود درويش‬ ‫‪ .73‬محمود دياب‬ ‫‪ .74‬محيي اللباد‬ ‫‪196‬‬


‫‪ .75‬مصطفى أبوعلي‬ ‫‪ .76‬مصطفى درويش‬ ‫‪ .77‬مطيع ‪.. ..‬‬ ‫‪ .78‬معين بسيسو‬ ‫‪ .79‬نجيب محفوظ‬ ‫‪ .80‬نسيبه شعث‬ ‫‪ .81‬نور الدمرداش‬ ‫‪ .82‬هبه عنايت‬ ‫‪ .83‬ورده الجزائرية‬ ‫‪ .84‬يحيى الطاهر عبد ا‬ ‫‪ .85‬يوسف السباعي‬ ‫‪ .86‬يوسف السيسي‬ ‫‪ .86‬يوسف شعث‬ ‫*‬

‫*‬

‫‪-‬‬

‫‪197‬‬

‫*‬


198


‫خــــــــــاتمة‪ ..‬مرة أخيــــــره!‬

‫حرصا مني على تجنب النهاية الكئيبة‪ ،‬فكرت في البحث عن ابتسامة‬ ‫أختتم بها مدونتي هذه‪.‬‬ ‫لم يطل بحثي‪ ،‬فسرعان ما أنقذني "حاسوبي" باثنتين من الحكايات‬ ‫التي دأبت على تسجيلها في أحد ملفاته الذي اخترت له عنوانا يقول‪:‬‬ ‫ابتسم من فضلك!‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫وزارة "أبو فل ن"‪..‬‬ ‫كثيرا ما يتداول الناس النكات السياسية التي تتشابه في كثيرمن الحيان‪ ،‬بالرغم‬ ‫من اختلف اللغة‪ ،‬والزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬بحيث نسمع النكتة الواحدة منسوبة إلى‬ ‫"تشيرتشل" مرة‪ ،‬ثم إلى "بولجانين" مرة ثانية‪ ،‬أو إلى "فيديل كاسترو" مرة‬ ‫ثالثة‪ ..‬وهكذا!‬ ‫وفي هذا السياق تحضرني‪ ،‬ونحن نتتبع أخبارتكوين أول وزارة للسلطة الوطنية‪،‬‬ ‫نكتة أجنبية قديمة كنت قد قرأتها‪ .‬وهي ل تحتاج إل إلى بعض الرتوش لكي‬ ‫تصبح نكتة "محليه"‪ ..‬تنطبق على أحوالنا‪.‬‬

‫النكتة الصلية رويت عن دولة "إسرائيل"! وقد وردت في كتاب اسمه‬ ‫"حكايات المس‪ ،‬تاريخ اليوم"‪ .‬وهو لكاتب نمساوي إسمه "جوتفريد‬ ‫هايندل" ‪ Gottfried Heindl‬يسرد فيه "طرائف" ساخرة جرت‬ ‫‪199‬‬


‫عبر القرن العشرين يغلب عليها طابع النقد السياسي‪ ،‬ونجد ترجمتها‬ ‫الحرفية فيما يلي‪ ،‬فيما عدا بعض التعديلت المشار إليها‪:‬‬

‫بينما كا ن رئيس وزارة إحدى الدول الحديثة الولدة )دولة إسرائيل(‬ ‫منشغل في تكوين وزارته‪ ،‬جاءه أحد أصدقائه يطالبه بإلحاح‪،‬‬ ‫وتعشم‪ ،‬أ ن ستسند إليه وزارة‪" ..‬المناجم"!‬ ‫أجابه الرئيس‪:‬‬ ‫ ولكن بلدنا يا صديقي ل تحتوي تعلى أي نوع من المناجم‪،‬‬‫ولن يكو ن لدينا‪ ،‬لذلك‪ ،‬مثل هذه الوزارة‪ ،‬فكيف ستكو ن وزيرا‬ ‫لشيء غير موجود ؟!‬ ‫فيرطد تعليه الصديق العشما ن‪:‬‬ ‫إعل"م يا‬ ‫ ولو‪ ،‬يا " أبو‪ ،"...‬مش صار عندك وزارة "سقافه و "‬‫ماحلها‪ ..‬وإلها وزير ياما هنا ياما هناك؟!‬

‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫أما "الحوارية" القصيرة الضاحكة‪ ،‬التي قرأناها في طفولتنا في كتب‬ ‫المطالعة‪ ،‬فقد خطرت لي عندما قرأت في شيخوختي خبر تولي‬ ‫"أبوفلن" رئاسة الوزارة‪ ،‬مما حفزني على تدوينها‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫سأل الصمعي غلما‪:‬‬ ‫أتحب أ ن يكو ن لك مال وأنت أحمق؟‬ ‫‬‫ل!‬ ‫‬‫ولم ل؟‬ ‫‬‫أخاف أ ن يجني تعلي حمقي جناية تذهب‬ ‫‬‫بمالي‪ ..‬ويبقى تعليط حمقي!‬ ‫هناك من الحمقى من تبوأوا أعلى المناصب‪ .‬ول يستبعد أن يجني‬ ‫عليهم حمقهم جناية تذهب بما لنتهم من مناصب‪ ،‬ويبقى عليهم‪ ،‬ليجنــــي‬ ‫تعلينـــــــا‪ ،‬حمقهم!‬ ‫‪200‬‬


‫*‬

‫*‬

‫*‬

‫وختاما‪ ..‬أجدني وقد عدت‪ ،‬من حيث ل أدري‪ ،‬لستكمال مطالعة‬ ‫محتويات الملف الزاخر بالقراءات والتعليقات والخواطر‪ ،‬وتدوين‬ ‫خواطر أخرى ل تقل أهمية عن ما فات‪:‬‬ ‫الخبير الهولندي "يان دي يونج" كان يروج للفكار السرائيلية‬ ‫حول القدس‪ .‬ومن بينها بناء مدينة جديدة خارج نطاق "القدس الكبرى"‪،‬‬ ‫حول بلدة "أبو ديس"‪ ،‬بحيث تصبح هذه المدينة الجديدة بديل عن القدس‬ ‫لتعتبر هي العاصمة الفلسطينية المرجموة‪.‬‬ ‫‪ 80%‬من يهود "إسرائيل" يعيشون في ‪ %12‬من مساحتها فقط!‬ ‫‪.1‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫‪.4‬‬ ‫‪.5‬‬ ‫‪.6‬‬ ‫‪.7‬‬

‫الـ "لءات السبع" التي تتردد على لسان "نتنياهو" دائما‪:‬‬ ‫لعودة إلى حدود ما قبل ‪ 5‬يونيو ‪1967‬‬ ‫ل انسحاب من الجولن‪.‬‬ ‫ل انسحاب كامل من الضفة الغربية‪.‬‬ ‫ل تجميد لبناء المستوطنات‪.‬‬ ‫ل لتقسيم القدس‪.‬‬ ‫ل عودة للجئين‪.‬‬ ‫ل لدولة فلسطين‪.‬‬

‫اللوبي اليهودي في أميريكا نجح في إيجاد دولة يهودية بين‬ ‫العرب فيما فشلت ‪ 22‬دولة عربية في إيجاد لوبي عربي واحد في‬ ‫أميريكا!‬ ‫"حي أبوغنيم تم بناؤه بإسمنت "أبوتعلء"‪ ،‬وبذلك تكو ن‬ ‫مستوطنة إسرائيلية قد درت أرباحا لهذه السرة الفلسطينية‪ ،‬أسرة‬ ‫أبوتعلء‪ ،‬كما أ ن هناك قصصا أخرى ل حصر لها"‪.‬‬ ‫‪201‬‬


‫جدعون عيشيت ‪ -‬يديعوت أحرنوت )‪(12/11/2004‬‬

‫عزا"م" ؟!‬ ‫صفر ‪ +‬صفر يساوي كا"م يا " م‬ ‫قالها "سعد زغلول" لعبد الرحمن عزا"م باشا حينما أخذ الخير يتكلم‬ ‫عن العروبة في مجلس النواب‪.‬‬ ‫والن ل يختلف المر كثيرا‪ ،‬سوى أن عدد الصفار قد زاد‪..‬‬ ‫وأصبح ‪ 23‬صفرا‪ ..‬والنتيجة واحدة‪.‬‬ ‫و "سعد زغلول"‪ ،‬بهذه المناسبة‪ ،‬هو صاحب المقولة الشهيرة‪:‬‬ ‫"ما فيش فايده"‬ ‫)مجرد محاولة يائسة أخرى مني لستدراج البتسامة‪(.‬‬ ‫لوجازالتعبير بأن "الرؤية" عند النسان لها شرايين مسئولة‬ ‫عن تغذيتها‪ ،‬لقلت عن "بعضهم" أنهم مصابون بقـ"تصلب في شرايين‬ ‫الرؤية"‪.‬‬ ‫ما أشــبه مـؤتمرات القمـة العربيــة بمفهومنــا الخــاطيء لـــمعنى‬ ‫"الصيــــــانة"‪ ،‬وهو بذل الجهود لصلح الخراب‪ ،‬بدل من محــاولت‬ ‫التحصين ضد هذا الخراب قبــــل حدوثه!‬ ‫الجدى أن تساهم مؤتمرات القمة في زيادة حصانتنا‪ ،‬وقدرتنا على‬ ‫تفادي المصائب قبل حدوثها‪ .‬فسيدنا "نوح"بدأ في بناء سفيننة قبل هياج‬ ‫الطوفان‪.‬‬ ‫بئس البلد ذلك الذي ينتظر دائما نبيا لنقاذه!‬ ‫الجامعة العربية هي "مجموع الضعف العربي" وليس‬ ‫"مجموع القوة العربية" كما كان ينبغي أن تكون‪.‬‬ ‫قال "أرسطو"‪:‬‬ ‫المستحيلت المحتمل حدوثها أفضل من الممكنات المستعصية‪.‬‬ ‫‪202‬‬


‫وبإضافة متواضعة هي‪:‬‬ ‫‪ ..‬أو الممكنات المشكوك في أمرها!‬ ‫يصبح الكل"م موجها إلــى فريــق المفاوضــين فــي أي "كــامب ديفيــد" أو‬ ‫"أوسلو" أخرى‪.‬‬ ‫"أرسطو"‪ ..‬تلميذ "أفلطون"‪ ..‬قال أيضا‪:‬‬ ‫"أحب أفلطون‪ ..‬ولكن أحب الحقيقة أكثر!"‬ ‫إلخ‪ ..‬إلخ‪..‬‬ ‫يتسحاق شامير رئيس الوزراء السابق كان يقول‪:‬‬ ‫"اننا سنفاوض مئة سنة أخرى نكو ن خللها قد فرضنا تعلى الرض‬ ‫ما نريد‪ .‬ا ن الحدود الحالية تكفي الجيل الحالي‪ ،‬أما الجيال القادمة‬ ‫فهي بحاجة إلى حدود أخرى‪".‬‬

‫*‬

‫*‬

‫‪Word 2003‬‬

‫‪203‬‬

‫*‬


204


‫فهـــــــــــــــــــــــــــــــرس‬

‫الغلف ‪ ...‬هجرة إلى الوطن من أوراق مهاجر‪1.............................‬‬ ‫إهداء ‪3................................................................................‬‬ ‫عودة‪5.................................................................................‬‬ ‫قراءات وخواطر قسيرة ‪9.........................................................‬‬ ‫عودة ‪ ..‬إلى الفنادق ‪17..............................................................‬‬ ‫‪ ....‬التحقيق ‪21.......................................................................‬‬ ‫سممه ما شئت ‪27......................................................................‬‬ ‫العبور الثالث ‪31.....................................................................‬‬ ‫في أحد المرات ‪43...................................................................‬‬ ‫لم يكن يعرف ‪47 ....................................................................‬‬ ‫أفكار‪49................................................................................‬‬ ‫حوار حول اإنسان و إبداعاته‪51...................................................‬‬ ‫وزير الثقافة‪69 .......................................................................‬‬ ‫بقية حوار ‪75........................................................................1‬‬ ‫عزائي ‪89..............................................................................‬‬ ‫بقية حوار ‪93...................................................................... 2‬‬ ‫فيلم روائي عن فلسطين ‪101..........................................................‬‬ ‫الخبراء الجانب ‪109..................................................................‬‬ ‫بقية حوار ‪109.......................................................................3‬‬ ‫وأخيرا ‪123..............................................................................‬‬ ‫صدق أول تصدق ‪127.................................................................‬‬ ‫معالجة لمشروع فيلم روائي ‪131....................................................‬‬ ‫بقية حوار ‪153.......................................................................4‬‬ ‫الفل"م السينمائية ‪ ..‬والموسيقى ‪157 ..............................................‬‬ ‫جدلية الصورة ‪ ..‬والكلمه ‪159 .......................................................‬‬ ‫بقية حوار ‪163 ..................................................................... 5‬‬ ‫‪205‬‬


‫على هامش الرحلة ‪177 ..............................................................‬‬ ‫شالو"م أخي ‪179 ........................................................................‬‬ ‫ماذا بعد ‪183.............................................................................‬‬ ‫هل قلتها ‪187............................................................................‬‬ ‫العود أحمد ‪191 ........................................................................‬‬ ‫خاتمة ‪193...............................................................................‬‬ ‫خاتمة ‪ ..‬مرة أخرى ‪197..............................................................‬‬ ‫خاتمة ‪ ..‬مرة أخيرة ‪201..............................................................‬‬

‫الفهرس ‪ 205 ....................................................‬و ‪208‬‬

‫‪206‬‬


207


208


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.