1
بين الورق والذاكرة
نكتب لنحيا.. خالد الباتلي ٢٠٢٣ - 2
من نحن بال احاسيس مرهفة وذاكرة مرهقة! نكره احيانا مشاعرنا التي تكشف املنا وضعفنا وكلماتنا التي تفلت من قلوبنا.. فنتمنى لو نقتلع الستنا ونصفع احاسيسنا ومنحو حلظة ما من ذاكرتنا.. هل سيكون حالنا أفضل بال ذاكرة! هل سنقدم على القرارات بشجاعة دون ان جترنا الذاكرة للخلف!! هل العيش بال ذاكرة عاطفية أسهل؟! ألن يصبح من السهل ان نعيش التفاصيل بذاكرة مؤقتة! فال يرهقنا تراكمها ونشقى بحملها كل يوم.. هل ستبدو السماء أجمل حني تشرق ذاكرة الصباح ومؤشرات العاطفة للصفر! من نحن بال ذاكرة؟ تكتبنا ونكتبها! ومن نحن من دون الكتابة؟ الذاكرة ترصد والكتابة تدون! ان تكتب يعني ان تعيش منتبه جدا.. يف حديثك ويف صمتك يف الزحام ويف خلوتك وحتى يف املنام! ان متسك بيدك ذاكرة تكتب كل شيء امر مرهق وان حتمل يف رأسك ذاكرة ترغمك على الكتابة اشد ارهاقا.. هل ميكن ان تكون الكتابة صديق منام يفشي باألسرار يفضح مواطن الضعف؟! ليس شيئا مريحا ان تكون كاتبا.. تعيش وانت تتأمل ما حولك تلم بأدق التفاصيل.. 3
ويف وسط حدث ما ..تتخيل وحتاول صنع قصة من مشهد.. فال يعنيك ما يعني االخرين! هل تساعد الكتابة أحد؟ رمبا هي ال تساعد أحد سوانا! بالكتابة نعيد تشكيل أنفسنا.. امنا بعد ان نتمزق فال نحصل على نسخة صحيحة منا! بالكتابة نخلق شخصيات تشبهنا ..تشبه هروبنا! يف الكتابة قد نعثر على هويتنا ..وقد نكون ما نريد! يف الواقع.. نحن الذين نكتب نحب وأكثر من حبنا ألنفسنا! امنا يف الكتابة ..فرصة ان نحب أنفسنا أكثر.. يف الكتابة قد نتخطى بعض السطور.. ليتخذ من نحب احلرية يف قراءة ما يريد.. ومساحة أخرى ليقرأ بينها ما نريد.. قد نترك وبال خوف صفحات فارغة.. كأبواب مواربة بني فصولنا.. حتى يكون لهم حق الرفض يف املتابعة أو فرصة للرجوع.. رمبا يف الكتابة.. نتشدق بالدفاع عن املسافات.. واحلب الال مشروط أكثر من قدرتنا يف الواقع.. 4
ففي احلب ..يصعب ان ننسى غريزة التملك.. أو احلاجة لاللتصاق والهلع من البعد! متنحنا الكتابة شجاعة املواجهة مع النفس.. والوقوف على العقد التي تشتبك عندها االمور كل مرة.. بالكتابة قد نتوصل للقناعة بفكرة قبول منح االخر احلرية.. امنا قد تظل فكرة هشة! حبرها مملوء برائحة الغيرة وباخلوف.. لكن اخلوف ليس اسوء ما نواجه.. بل العجز على اعتناق الفكرة !... نكتب حني نتصور اننا بالكتابة منلك شجاعة ان تكتب: «انا هنا متى احتجت.. واني سأكون دوما هنا على ايه حال.. لكن انا احررك بكل حب».. ونهمس س ًرا:
«مع اصدق متنياتي ان حتتاج إلي»
5
حني نتذكر نكتب.. ونكتب بحرقة حني نبكي.. وحني نشعر الالشيء ميكن ان ينقذنا من افساد ما نحب.. وأننا يوما ما لن نتمكن من اصالحه ابدا.. فنكتب آملني أننا بالكتابة ننجو! لكننا منضي على أية حال.. ونحن ال نرغب يف التفكير بذلك!... منضي ونحن نكتب.. نكتب مواساة.. ألولئك الذين يقرؤون.. نتمنى اال يضطروا ان يشعروا مبا شعرنا به! ونكتب ممتنني ملن آذونا.. حني تولت الكتابة االعتناء بالفوضى التي خلفتها جراحهم فينا.. نكتب فراغا.. فور االحساس بالذنب جتاه من نحب!... اوحني نرتكب هفوة.. وحني نعجز عن شكر.. نكتب فضاءا.. من االمتنان لهم وللحروف التي اوصلت احساسنا ..ألنها مصدر التقاءنا بهم.. 6
نكتب انتماءا.. حني نبحث بالكتابة عن مكان ال نعاني فيه من اخلوف.. او من الوحدة ال نتوقع فيه النبذ او املوت وحيدين.. نكتب ونكتب.. الى ان نصل ملكان ال تشعر فيه املفردات باخلوف من الالفهم! نكتب زمنا.. حني تقع انظارنا على مالمح لقاء بعيد فترسم احلروف تفاصيله بني أيدينا.. ونكتب حني تشدنا الذاكرة فال نستطيع العودة بالعمر للوراء.. نعود بالكتابة نغمس الشعور يف محبرة السنني ونكتب.. نقلــب صفحــات العمــر للــوراء الــى مــذاق الطفولــة ..نبحــث عــن الروائــح التــي تشــبهه احساســها.. الذاكــرة تعيــد ســرد االحــداث وتكتبنــا ..فتومــض فينــا حلظــة مــا مظلمــة وتعيــد احلنــن لــكل شــيء.. فنبدو واالقالم يف أيدينا وكأننا لن نكبر ابدا.. ثم نبدأ بالكتابة نلهو على جدران املاضي من جديد.. نكتب ونكتب وكأننا لم نكبر اال بقدر ما كتبنا ..ولم نعش إال ما محوناه! نكتب استفزازا.. رمبا ال نكتب كثيرا قبل ان نلتقي أحدهم.. رمبا ظلت الكتابة مترسبة واالنامل متجمدة والعقل فارغا.. والهواء مير عبر اذني الصمت.. 7
دون ان نلحظ الصرير الذي قد يفتك بأصوات الوجود حولنا.. فتدور سواقي احلروف داخلنا بصمت.. دون ان نعترض على حجب االصوات احلاملة.. ومتــر الليالــي وتشــيخ احلكايــا التــي كان ميكــن ان تلهــو حولهــا وميــوت العشــاق الذيــن تســامروا يف قمرتهــا!... نكتب استرساال.. وكأننا جنري يف مضمار احلياة.. تلتقط عني الكاتب منها ماال تبصره اعني االخرين.. عني يفوق ادراكها لألشياء العني العادية.. وكأن الغمامات التي حتيط ابصارنا متنعنا من ابصار املهالك احمليطة بنا.. نعصب باخلياالت انظارنا امتناعا من رؤية جوانب الطريق.. واالســتمتاع بتفاصيــل عاملنــا الــذي نتجــه اليــه كلمــا امســكنا بالقلــم فننطلــق خلــف الكلمــات بــا هــوادة!... ال شأن للحقيقة فيما جنري اليه.. ولم تكن يوما مهمة بقدر حصول الروح على سكاكر قلبها يف نهاية احللم !... نكتب طمسا.. للحاجات املفقودة.. احلاجة بالرغبة يف احلصول على االمان.. االمان املادي او العاطفي.. او جتربة الشعور بالتملك او احلاجة لالحتياج! 8
نكتب دمعا.. حني يزاح قناع ما او نتعثر بإحساس ما.. لنكتشف كم فات من احلياة الكثير.. فتتوقف لترفع رأسك عن أناملك.. فترى أنك تقف على مسافة اميال بعيدة عن موضع قدمك احلقيقي فندرك كم نحن متأخرين جدا.. وكم باعدتنا احلياة عن ركب احلياة نكتب غربة.. حني تشعر وكأنك سقطت من فوهة زمن اخر.. على ارض ال تشبهك ..فتشتد حاجتك لالنتماء.. فيخجلــك ان حتضــر احليــاة متأخــرا ..وقــد فاتــك االحتفــال! فتقــف مبشــاعر رثــة يف حفلــة تتويــج منتصــف العمــر.. وكم يبدو سخيفا ان حتضرها حني ان يبدأ من معك االنصراف!... نكتب ادعاءا.. حني تتصور انه ميكنك ان تعيش دون حاجة لألخرين! تستلهم من اخلارج حياتك اليومية ..تكتب ابوابا تلج بها الى داخلك.. الكتابة حتتكرك رمبا جتعلك تعيش متأخرا على مسافة بعيدة جدا من االخرين.. كاتبا وحيدا ..وال آخر تقاسمه مسراتك او تصب فيه آالمك.. تسير بصحبة هذيانك دون ان تبالي الرفض من اخلارج! ومنهمكا فقط بتصارع رفضك الداخلي لذاتك الكاتبة.. 9
كارهــا ان تعــود اليــك الذاكــرة حاملــة بــن يديهــا اللحظــة الطفلــة ..التــي حتــدث طنــن يف رأســك وال تدعــك تكتبهــا! نكتب أرقا.. حني تؤذينا الكتابة ليال حني تقرع رؤوسنا.. امنا تتمنى ان يغفر لك وجعها أنك مختلف.. بينما اجلميع يغط يف نوم هانئ ..وانت تغط وجعك يف عني سهرك وتكتب.. نكتب عفوية.. فيؤملنا جدا ..حني نكتب عن جرح من نحب بال قصد منا يف االذية.. نكتب جرحا.. حني منرر القلم على االلم.. مرورا سهال وحاد يفتق االحساس وينكأ اجلرح.. بخالف االحساس باملتعة ..متعة! وقد ال توجد كلمات تصفها.. نكتب صراخا.. لتعيد الكتابة تأجج فورة الذاكرة.. لتصحو اللحظات من سباتها بعد ان تصبح احلياة مغمورة..
10
نكتب جلوءا.. فالكتابة حصانه اللحظات ضد النسيان!... نكتب أسرا.. ألننا نعتقد ان تدوين االخرين يحررنا.. بينما نحن نغرق فيهم بالكتابة أكثر!... نكتب حيرة.. هل نحن نكتب ألننا نفتقد أنفسنا؟ ام نعثرها عليها؟ هل ميكن ان يستعيدها لنا االخرون من خاللنا؟! نكتب صراعا.. يف حلظة ما تكون حياتنا ليست ملك لنا وحدنا.. وجند اننا نعيش حيوات متعددة بني العقل والقلب والروح واجلسد.. فتراودنا فكرة االنفصال عنا.. واخذ اجازة من الذاكرة من أنفسنا من كل ما حولنا.. نكتب قيدا.. ونحن يف دوامة احلب حني يتنازعك حجرا ومضغة.. فيختصــم الطــن داخلــك تشــدك لألســفل حفنــة مــن التــراب ..فتنســيك كيــف يجــب ان تســيل ضــوءا منســابا نافــذا ألقاصــي الــروح ..وشــعورا متفانيــا متســاميا ممتنــا ..فقــط 11
بــا قيــد وال شــرط ملــن تشــعر معــه احليــاة بالــروح! نكتب استسالما.. حــن تتســلط علينــا الكتابــة تعاقبنــا تعيدنــا ألول الســطر ..وتذكرنــا ان نحــاول العــودة بالذاكــرة ونقــف بعيــدا.. نكتب امتنانا.. ونصلي كثيرا ملا بني ايدينا من نعم ..حتى ننعم باملزيد واملزيد من احلياة.. نكتب تساميا.. حتــى نوســع بالكتابــة حــدود احليــاة حولنــا دون االســراف باحلــب ..دون االغــراق يف الشــكوى! نكتب حتى مننح أنفسنا ماال منلك حتى ال نكون متطلبني! نكتب شموخا.. حني نخذل فال نطيل الوقوف امام غير املتاح ودون ان نغضب على غير املمكن.. ونستمتع باالستسالم ..ونلوح للرحيل!... نكتب خيالءا.. حني نحب نكتب وحني نكتب نحب.. فنتحرك ويف رؤوسنا فكرة عظيمة بأننا من قلة كم هم محظوظون بالكتابة.. ويف قلوبنا مسرة أعظم بأننا محظوظون مبن نحب!... 12
نكتب شتاتا.. حني نتجول فينا دون ان نحدد مباذا سنبدأ او اين سنقف.. على حدود الذاكرة فال ندري ما نختار ان نحتفظ به منا.. اي املشاهد سنقتطع وايها سيطرأ الحقا وايها سيرحل وأيها يخلد!... نكتب كرا وفرا.. يف احلياة نحن ال نختار اي املعارك سنواجه ومن هم اعداؤنا.. لكن قد نختار االنهزام او االستسالم او النصر.. وقــد نبقــى يف هدنــة ابديــة ..يف صمــت فيفزعنــا صريــر االبــواب كلمــا تصورنــا اننــا نحيــا بســام واصــوات احلــرب ..تقــرع طبولهــا داخلنــا يف كل حلظــة فــرح.. نخشى ان نرفع اقالمنا فتشهر علينا السيوف ..فنتراجع!.. حني نكتب قد نكون حقا نقف يف اخر الصف ..لنصف االشياء وهي متضي عنا.. فنســير ونقــع دون ان تتعلــم ان نبــدي االهتمــام بالعوائــق اخلارجيــة ..نتركهــا حتــدث خدوشــها دون مبــاالة وكأننــا فقدنــا االحســاس بأقدامنــا ..ال نــدرك ايــن املســير وال الــى ايــن تأخذنــا خطواتنــا ..وكأن كل غايتنــا االنتهــاء فقــط.. االنتهاء من تدوين مشهد لالرحتال آلخر! نكتب للعدم ..للوهم.. فتجف روحك ..وتتهاوى حروفك وتنأى ذاكرتك.. متــد يــدك جلوفــك ترغــب ان تســحب احساســك لتلقــي بــه علــى الســطر فتخذلــك قريحتــك.. ويف حلظــة مــا متتــد يــد مــن الســماء ..تــرمم ارواحنــا وتــرد نظرتنــا للداخــل وتذكرنــا 13
بذاتنــا احلقيقــة.. نظراتها تهدينا مرآة ننظر كم هي احلياة حولنا باهية!! دائما هناك أحدهم يقبل نحوك من محض صدفة يأتيك بتوقيته املختلف.. التوقيت املناسب متاما للشعور.. تدركه فتدرك به احلياة! فتقع متأخرا ..امنا تقع معه يف أول احلياة من جديد !... فتتجدد به حاجتك للكتابة وتشتد حاجتك للعمر!... حاجتك للبحث عن االصوات التي تالشت يف ازيز الزحام.. فتبدأ معه التساؤالت اللذيذة ..واخلياالت الشيقة.. دون ان حتتاج ان متلك اجابة ملاذا االن؟ أو الى اين؟! نكتب رجاءا.. لعلنا جنعل احلياة ممكنة أكثر بال ألم بال زلل.. لعلنا نعرف حني نقرأ ما كتبناه ما الذي نريد ..ونعمل عليه.. نكتب أمال.. ان االخر يقرأ فيكون اسعد.. نكتب آسفا.. حني نعلم كم كنا جنهل..
14
نكتب اعترافا.. اننا سيئون يف قراءة أكثر مسارات احلياة حياة.. نكتبهم فنعلق داخل قوقعة التركيز حول ما يحدث خارجنا.. بينما كل االشياء كانت حتدث داخلنا دون ان نلتفت لها! نكتب افتقادا.. ألنفســنا القدميــة وحلاجاتنــا البســيطة ..لعــل الكتابــة متنحها مســاحة ضئيلة من نســختنا احلديثة.. نكتب ندما.. اننــا قضينــا العمــر وقــد فوتنــا االســتمتاع الروحــي وقلصنــا مســاحته ..ولــم منــد اخلطــأ الكافيــة للوصــول الينــا.. وبقينا بعيدا متأخرين جدا عنا.. نكتب حسرة.. اننا مضينا ونحن ال نعترف بوجود الروح.. امضينــا احليــاة نخفــي ارواحنــا الفتيــة يف الكتابــة ..لكيــا تظهــر كهولتهــا علــى وجــه الواقــع ..وال تغيرهــا مالمــح حياتنــا.. نكتب تناقضا.. فلم نستطع التخلي عنا يف الكتابة ولم نستطع االعتراف بنا! فأخفقتا يف حل معادلة حتقيق الذات بالكتابة.. 15
فتأخرنا عنا واتسعت املساحة بيننا ولهذا نبدو دوما بعيدا.. نكتب هربا.. حني نكتب نحن ال نفقد ارواحنا بل نهرب منها.. ألننا نخاف االمعان يف حقيقتنا.. نكتب ترددا.. نخاف الندم على التفويت واالعتياد على احملو.. فهو العقاب األسواء على االطالق! نكتب جتاوزا.. ألننا ال نعلم كيف جنتاز مرارة األيام ..لكنها متضي بالكتابة على اية حال! نكتب احتياجا.. للعناية بأرواحنا من خالل التأمالت وعيش اللحظة على حدة.. واالستمتاع مبذاقها ان نحافظ على من مينحنا االشياء التي نحتاج اليها.. لنحيا ويبقي جذوة احلماس متقدة فينا.. نكتب لنخلق ارواح جديدة تقهر موت االشياء فينا.. نحتاج ان جنعل احلاجات فينا تستمر بالنمو داخلنا وال تخبو شعلتها.. نكتب أمانا.. حتى ال نخاف من ان متس حاجتنا ..فيكشف ضعفنا.. وحتى يظل احتياج االخرين لنا وارد.. 16
نكتب عزاءا.. فموت الرغبات هو املوت احلقيقي.. وأعظم خساراتنا ..موت الكتابة.. نكتب غفلة.. حني نسير يف اخر الركب وعلى مسافة بعيدة وال ننتبه اال ونحن نتساءل: كيف ابتعد االخرون ومتى بلغنا هذا العمر فجأة كيف أصبحنا مسنني بهذا القدر! نكتب وهما.. ألننــا كنــا نقــف بعيــدا يف اخللــف ونظــن اننــا تســتطيع ان نســعد بصحبــة أنفســنا دون الشــعور بحاجــة لوجــود شــريك ..دون حاجــة لتضامــن االيــدي وأمــان الكتــف.. دون حاجة للحاجة للحب من اجل احلب.. نكتب سخرية.. حتى يومض فجأة يف قلبك شعور ..لكنك حينها بعيد.. نكتب تداويا.. الكتابة قد ال تغيرنا لكن احلب يفعل ..احلب يغيرك! قد متنحنا الكتابة التشايف.. وان تتعلــم منهــا القبــول واالكتفــاء بالــذات فنحــاول بالكتابــة اال نقاســي فقــد االشــياء او االخريــن..
17
نكتب معجزة.. تظل تكتب بحبر اسود حتى تعثر على ملهمك فيمنحك ذاكرة ال تنسى! ومينح قلمك حبرا بألوان الطيف.. فيلتصــق بهــا كل مــا مينحــك احليــاة بــل يهبــك معنــى احليــاة والتمتــع بحيويــة اللحظــة.. مينحــك تفاصيــل ال تغيــب بعــد ان تكــون اوشــكت علــى االستســام.. فجــأة تشــعر ان حياتــك بــدأت تخصــك وحــدك وأنــك وحــدك اشــد اهميــة لــك مــن االخريــن! نكتب حياة.. واحد فقط يعمل على حتقيق هويتنا يعيدنا الى اول ممرات احلياة.. نعود معه الى صفوف الدراسة ونلهو معه يف الطرقات.. نعيش فيه حياتنا من جديد طفولة مراهقة شباب.. يف كل ممر يترك يف الذاكرة احساس مختلف يهتم بصنع اللذات.. نكتب مرارة.. حني تصب جام املك على من حتب ..فتود ان تقتلع قلبك قبل ان متس قلبه بكدر.. نكتب سفها.. كيف ميكن ان يدمر الغضب جمال حلظة مع من يزيد االمور جماال يف حياتك! نكتب امتنانا.. حــن حتولــت كل اللحظــات الهالكــة بــن يديــه الــى طــوق جنــاة تعبرهــا معــه بيقــن حتــى 18
تصــل لألمــان وتنجــو بهــذه القــوة التــي انــت عليهــا االن والتــي مــا كنــت لتكونهــا لــواله.. بالكتابــة نعتــرف اننــا تعيــش حيــوات متعــددة لآلخريــن وحســب ..ويف اوقــات متعــددة دون ان نأبــه بــكل شــيء خســرناه ومــا كنــا ميكــن ان نربحــه.. نكتب زهدا.. ثم بذاك الواحد تصبح حياتنا ثمينة وحروفنا ذات قيمة نحرص عليها.. جنملها بكل ما اكتسبناه بحبه بقربه او بعده مبا حققناه معا من اجنازات روحية.. نسد بها فجوات احلياة الصغيرة ونقيم عليها جسور جديدة متتد إليهم بثقة.. فتشعرنا اننا حصلنا على بدايات آمنة وميالد قلب جديد.. نكتب نزاعا.. حــن نركــض علــى صفحــات احليــاة ..واقــدام الذاكــرة تســرع اخلطــأ ثــم تقــف وتلهــث علــى عتبــات فقــد جديــد! نكتب تسليما.. بعد كل جتربة فقد نتيقن منها اننا فانون ثم مند ساقنا بكل ألم للريح.. وكأننــا نشــعر بالذنــب لبقائنــا علــى قيــد احليــاة ..ولكــن هــي وقفــة مؤقتــه ننفــض بعدهــا احلــزن ونتابــع ألننــا نخــاف النســيان بقــدر مــا نحتاجــه لنعيــش.. نكتب خلسة.. كلما خشينا ان يقتل النسيان ذاكرتنا ويجعل امواتنا يغيبون ثانية! 19
نكتب خلدا.. حني نتمسك بأبدية من نحب حني ترهقنا وتورثنا الشعور باليأس! نكتب مكابرة.. حني نتصالح وتتعايش مع فكرة فناءهم كفكرة أخف وطأة.. من رحيلهم حتى ال نشعر باخليبة ..كلما تصورنا غيابهم! نكتب سرا.. لنتجاوز ضعفنا ..ونكابد صمتا صراعاتنا يف الذاكرة يكمن اخلوف من احلب أكثر من الرغبة فيه! فنخاف من أنفسنا أكثر ممن نحب.. يف حلظات احلب ..نحن نقول اشياء فنكتب اشياء احلب حتى ال نفقدها! نكتب عجزا.. ألننا قد نفقد قدرتنا ان نقول ما نريد! نكتب رغبة.. ان تكون الصداقة بيننا بالدرجة األولى.. ان نتفق على عدم متلك ما نحب.. ان يكون كل منا مسؤول عن سعادة االخر.. ان يحترمه ويصدق معه..
20
نكتب ترسيخا.. فنكتــب ونكتــب ألنــك تريــد ان ترســخ فكــرة ان تتغيــر مــن الداخــل ..لتتوافــق مــع كونــه اخــر وليــس انــت ..وانــت تتمنــى ان ال تخونــك الذاكــرة ثانيــة وتنقــاد النانيتــك فيــه! نكتب احتكارا.. حتى ال تنسى اال تبوح االمك ومخاوفك اال للكتابة.. نكتب حذرا.. حتى تترك يف الذاكرة الفتة حتذرك اال تنكر االختالف.. اختالف االخر عنك عبر القبول ال الرفض.. والقبول بأنك مهما اقتربت التزال تقف على مسافة بعيدة.. نكتب مشقة.. رحلة وصول الروح لتوأمها! فنكتبــه درب ثابتــة جنمــل خطاهــا بالصبــر ..فبقــدر ثباتنــا علــى املســافات بيننــا يتوقــف احساســنا مبــدى وعــورة الــدرب وقدرتنــا علــى اجتيــاز عقباتهــا.. وانــت تكتــب هــذه الرحلــة ..عليــك اال تشــعر أنــك العابــر ..بــل عليــك ان تشــعر وكأنــك الــدرب.. حني تعجز ان تكون الرفيق ..اختر ان تكون الدرب اآلمن للرفيق.. نكتب احيانا.. الن اجلرح ممن يشبهك اشد املا من يد غريبة عنك.. 21
نكتب حتررا.. من مشاعرنا ونتخلص من ممارسة الرقابة عليها.. نكتب ذعرا.. حني يتملكنا اخلوف اال منلك ملن نحب اال نوع واحد من احلب !... نكتب اجتهادا.. لنتعلم ان حتب االخر بكل وجه ممكن للحب.. نكتب حلما.. تترائ فيه جنمة نسرق بها من حياتنا حلظات لن يأتي أحد ليقدمها لنا.. نكتب رضا.. حني جند ان ما بني ايدينا خير مما على الشجرة.. نكتب محاولة.. لالتزان بني انانية وتضحية ..مغفرة وكبرياء! ان تسمح له ان يحبك كما انت ..فيغفر انانيتك ويضحي من اجل الفوز بها وحده! نكتب حالة.. فيها كل كلمات احلب والفرح من اجله ..دون ان يكون ضمنها كلمة مقابل!
22
تكتب تخمة.. لتشــعر وانــت يف احضانــه أنــك مقيــم يف احضــان النعيــم ..وتتــذوق يف قبالتــه مــذاق الفــردوس.. بالكتابة جنري خلف الذكريات نفتش اين تذهب؟! لنقبض على اللحظات كفرص ثمينة للنجاة ونعيد صنعها من جديد.. نكتب لنمسك بخيط ذاكرتنا وننسج منه خياالت ال يعاقبنا عليها أحد.. نكتب لنحيا.. حياتنا بصورة مختلفة لنصغي ألصوات احلب أكثر لننفس عن ابتهاجنا.. ويف كل مرة النكتب.. ننفصل عن ذواتنا.. منوت فتعيد الكتابة احياءنا من جديد.. نكتب تأمال.. حتى ال نفقد متعة تأمل الطريق ونحن منضي نحو النهايات.. نكتب اهتماما.. لنجمــع مــن تفاصيــل الــدرب صــورة نتذكرهــا قبــل ان نخلــد للنــوم ..لنعيــد يف الصبــاح التالــي استنشــاق عبيرهــا.. حتى نغادر الركن البعيد ونحث املسير ونطوي املسافات.. لنرتب الكلمات يف ايدينا ملسة وفاء.. 23
ونغرس يف كفوف الذاكرة براعم امتنان جديد.. ونكتب حتما.. حني نحب ..فنحب أكثر.. الكتابة رمبا تغير حياتنا نحو االفضل! امنا ان يهبك اهلل من يلهمك الكتابة.. فهو أفضل ما قد يحصل لك على االطالق!... يلهمك انه مهما امتدت عالقاتنا ومهما تعددت جتاربنا او ضحلت امكانياتنا.. نحن ال منضي بسالم اال حني نصبو لهدف واحد.. قبــول ذواتنــا ليحســن اســتقبالها االخ ..يشــعرك حبــه لــك كــم حتــب نفســك ويدعــوك حبــه للتصالــح معها! يف الكتابة نتنقل بني منعطفات احلياة ممسكا بيده.. نقفز تارة لقمة احللم مع شخصياتنا املأمولة ونلوذ تارة يف كهوف احملال.. وبــن احللــم والواقــع نعيــش حياتــن بــن الوهــم واحلقيقــة ..بــن العقــل والقلــب بــن الــروح واجلســد.. تنشب معارك حب ال تنتهي ..ونكتب انتصارات حب ال يهزم!... يلهمون حياتنا مبا ال جنده اال معهم.. نعيشهم رواية يف كل فصل من فصولها تتمحور اال منا.. ومنارس يف احلياة أدوارنا البعيدة عنا.. فنصبح اثنني مختلفني ومتشابهني معا! 24
نلتقي يف عالم موازي لعاملنا فيه مسراتنا أحلى مذاقا وآالمنا أكثر حدة.. نفرغ قلقنا يف الكتابة.. قلقنا علينا على ما نحتاج اليه فنغمس متعنا يف الشعور باألمان تارة وباجلنون تارة.. فننسى أنفسنا ونقتسمها بيننا.. ونحلم ان نقف امام بعضنا ونحن كال كامال.. نحلم ان نقف قبالة احالمنا نكتب وعدا.. بأن مننح يف املقام االول العناية بنا.. العناية بسعادتنا من خالل سعادة االخر بنا وفينا!...
25
بين الورق والذاكرة
نكتب لنحيا.. خالد الباتلي ٢٠٢٣ - 26