Phoenician bird summer

Page 1

‫وت‬ ‫بري‬

‫طائر الفينيق‬ ‫صيف ‪٢٠٢٠‬‬

‫عودة الفينيق‬

‫د‪.‬حسن فرحات‬

‫دمية‬

‫حيايت‬

‫حكمت حسن‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫رضب اإلبرة" الحقنة"‬

‫د‪ .‬ماهر حسن‬

‫اختاري ما يناسبك حسب برشتك‬ ‫مريم باجي‬

‫مأكوالت‪ ...‬ضد الصداع‬ ‫مرينا شمس الدين‬

‫يك واملد ّين‬ ‫بوي امل ّ‬ ‫فلسفة الجهاد ال َّن ّ‬ ‫د‪ .‬فادي أسعد نصيف‬


‫‪.52‬‬ ‫البحر ومدلوالته يف الرواية املعرصة " قناديل البحر‪ " 1‬لجان توما ‪2‬‬ ‫الباحثة رئيفه مح ّمد ال ّرزّوق‬

‫‪.62‬‬ ‫رضورة االجتامع اإلنساين‬ ‫د‪ .‬مرياي أبو حمدان‬ ‫‪.64‬‬

‫عذرا أيها املواطن االستثنايئ فام عاد من يشء مطابق‬

‫كارين كيوان‬ ‫‪.66‬‬ ‫رامية‬ ‫نزيهه صالح‬ ‫‪.68‬‬ ‫كورونا‬ ‫رفيف عمر شبيل‬

‫‪2‬‬


‫ا‬ ‫مل‬ ‫حت‬

‫افتتاحية‬

‫و‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ت‬

‫‪.7‬‬ ‫عودة الفينيق‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‬

‫أدب‬

‫‪.9‬‬ ‫مت املُجدي والعقالن ّية‬ ‫الص ُ‬ ‫َّ‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫‪.11‬‬ ‫ك وامل َ َد ِ ّن‬ ‫بوي امل َ ّ ّ‬ ‫فلسفة الجهاد ال ّن ّ‬ ‫د‪ .‬أسعد نصيف‬ ‫‪.23‬‬ ‫آليات البناء الرسدي يف قصيدة "نريون" لخليل مطران‬ ‫د‪ .‬صفاء عباس‬ ‫‪.36‬‬ ‫الحج الشامي يف العرص العثامين‬ ‫د‪ .‬هنادي أمني‬ ‫‪.51‬‬ ‫حيايت‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫‪3‬‬


‫تغذية‬

‫‪.88‬‬

‫مأكوالت ‪ ...‬ضد الصداع‬ ‫إخصائية التغذية‪ :‬مرينا شمس الدين‬

‫صحة‬

‫‪.91‬‬ ‫رضب اإلبرة" الحقنة"‬

‫الدكتور الصيديل ‪ :‬ماهر حسن‬

‫‪.94‬‬ ‫ارتفاع الضغط الدموي‬ ‫الربوفسور غازي الحلبي‬

‫جامل‬

‫‪.101‬‬ ‫اختاري ما يناسبك حسب برشتك‬ ‫مريم باجي‬ ‫‪All rights reserved.2020. No reproduction, copying or‬‬ ‫‪passing without expressed consent from the founder of‬‬ ‫‪the magazine. For permission or writing opportunities‬‬ ‫‪please contact: Submissions@7eloarabiamagazine.com‬‬ ‫‪Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat, MD‬‬

‫رئيس التحرير‪ :‬الدكتور حسن فرحات‬ ‫مريم باجي ‪ :‬مراسلة وسفرية املجلة يف املغرب العرب‬ ‫‪4‬‬


‫شعر‬

‫‪.73‬‬ ‫ْ‬ ‫األلوف‬ ‫نشيد‬ ‫عمر شبيل‬ ‫‪.76‬‬ ‫شارد الفكر‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬ ‫‪.78‬‬ ‫تحت طنني الفراغ‬ ‫نهى املوسوي‬ ‫‪.81‬‬ ‫مواقف ممزوجة باملوا ّد الحافظة‬ ‫ٌ‬ ‫عطاف الخشن‬ ‫‪.82‬‬ ‫دمية‬ ‫حكمت حسن‬ ‫‪.85‬‬ ‫يا واح َة الظِّل‬ ‫زهراء املوسوي‬ ‫‪5‬‬


‫عودة الفينيق‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‪ /‬رئيس التحرير‬ ‫إن عودة صدور مجلة الفينيق تعيد إىل أذهاننا صورة العنقاء التي تحرتق‪ ،‬ثم تقوم من رمادها تعبريا ً عن الخلود بعد املعاناة‪،‬‬ ‫فالفينيق تعود إىل قرائها مؤمن ًة بأن الخلود هو نتاج الثقافة والوعي‪ .‬وتقريباً لرمزية الفينيق وعالقته بالثقافة نقول إن الثقافة‬ ‫هي الفينيق وهي العنقاء وهي طائر ال ُرخ الذي أنقذ السندباد من املوت يف عاصف املوج وظالم املحيط‪ .‬فالثقافة تيضء شعلتها‬ ‫لتحرق الجهل ولتُقيم رصوح الحضارة وليعود بناء الحضارة حامالً قدرة اإلنسان عىل التامسك والتطور والنجاة من االندثار‪.‬‬ ‫فالفينيق مبقدار ما هو رمز أسطوري فهو تحد لظاهرة الفناء‪ .‬فالثقافة عنقاء الوجود ألنها عص ّية عىل الفناء‪ ،‬إنها االنبعاث ‪.‬‬ ‫وتحول الرماد إىل أجنحة قوية خارقة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الفينيق اسامً ملجلتنا كنا ندري أننا سنعاين يف محاربة الرتابة والجمود والتخلف وهيمنة الجهل‬ ‫سنوات‬ ‫ونحن يوم اخرتنا قبل‬ ‫َ‬ ‫عىل أولئك الذين يرفضون أن الحياة تعيد بناء نفسها باستمرار‪ ،‬وعرب حرائقها التي ال تنتهي‪ .‬وهكذا تكون رمزية الفينيق حتمية‬ ‫مم ليس منه بُ ُّد”وال بد من‬ ‫للتطور والقيامة من رماد التخلف والبعرثة‪ ،.‬وكنا ندري صعوبة القدرة عىل االنبعاث‪ .‬ولكن “الب ّد ّ‬ ‫انتصار الوعي عىل الجهل والضوء عىل الظالم والحقيقة عىل الوهم ‪.‬‬ ‫وهاهي الفينيق تعود إليكم يا أصدقايئ وأصدقائها مكس َّو ًة بكلامت تنبعث منها رائحة الحياة الجامل‪ .‬وسنستمر بكم ومعكم‬ ‫ألننا ندرك معاً دور الكلمة يف بناء الحياة وتقدمها‪ ،‬وأنه مل تقم أمة وتنجز رسالة إال بالثقافة التي هي نسغ الحياة وروحها‪.‬‬ ‫وجاء يف ِسفْر التّكوين أنه “يف البدء كانت الكلمة”‪ .‬أطلقت الحياة عىل عباقرتها ومفكريها اسم املعلم‪ ،‬وذلك ألنه يبني معامل‬ ‫الطريق للسالكني إىل األرقى‪ ،‬وهذا قانون حتمي‪ ،‬لقد زال الفاتحون واندثروا وضاعت انتصاراتهم‪ .‬أما العبقريات التي أنتجت‬ ‫فكرا ً فام تزال خالدة‪ ،‬وقد صدق الشاعر السوري بدوي الجبل حني قال‪:‬‬

‫الده ُر ُمل ُْك العبقري ِة وحدَ ها ال ُمل ُْك ج ّبا ٍر وال سفّا ِح‬ ‫والكون يف أرساره وكنوزه للفك ِر ال لوغى وال لسال ٍح‬ ‫مهب ريا ِح‬ ‫ٌ‬ ‫ذ َر ِت السنونَ الفاتحني كأنهم‬ ‫رمل تعاو َر ُه ُّ‬ ‫ونحن يا أصدقايئ وبكم وبأقالمكم املؤمنة بالحقائق وبنهضة األمة سنبدأ عرب الفينيق للمساهمة يف نهضة إنساننا العريب ليعود‬ ‫كام كان منتمياً لعرص النور واالنبعاث‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫افتتاحية‬

‫‪7‬‬


‫مت املُج ِدي والعقالن َّية‬ ‫الص ُ‬ ‫َّ‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫الص ِ‬ ‫مت خالل األزمات ال يعترب قبوالً مب ْن كانوا سب ًبا بنشأتها ‪ ،‬ولكن هو نوع من ضبط النفس حفاظًا عىل‬ ‫مامرس ُة َّ‬ ‫كل الشوائب والتجاذبات السياس َّية العقيمة الّتي كانت وال زالت ترى أ َّن‬ ‫إنجازات عظيمة حصلت وكانت مبنأى عن ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫وأخالقي ٍ‬ ‫رخيص من أجل الهيمنة‬ ‫مادي‬ ‫وحس‬ ‫تضحيات املرء آنذاك مل تكن بدافعٍ إنسا ِّين‬ ‫وطني‪ ،‬وإنّ ا كانت بدافعِ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫واختصار املجتمع بفك ٍر ٍ‬ ‫أخالقي نابع‬ ‫واجب‬ ‫وطني وإنسا ٍّين هي‬ ‫كل إنجاز‬ ‫واحد ال يقبل اآلخر ‪ .‬لذلك فاملحافظة عىل ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ضعيف‬ ‫كل من يحاول تشويه صورة املجتمع وكأنّه‬ ‫من تربية صالحة وأصالةموروثة من السلف الصالح مبعزل عن ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ال يستطيع أن يصون نفسه ويحميها من الغرباء والطامعني واملحتلني‪ .‬التضحيات عادة تستنزف املجتمع كثمنٍ‬ ‫باهظ ليك يبقى قويًا متامسكًا عادالً مشجعاً للعيش فيه دون خوف من اآليت‪.‬‬ ‫كل أزمة مهام كانت طبيعتها تدعونا ليك نتخىل عن انجازات‬ ‫لذلك يستحيل قيام املجتمع وعلو شأنه إذا ك ًنا عند ِّ‬ ‫األفراد والجامعات التي وضعت خريطة الوطن بني األمم بعدما ك ّنا يف عامل النسيان‪.‬ولك َّن إعادة تصويب النضال من‬ ‫بكل ما يلزمها يستجوب جهدا ً وعمالً مضنياً من‬ ‫أجل بناء مؤسسات الدولة والعمل عىل استقالل قضائها ‪ ،‬ودعمها ِّ‬ ‫كل املخلصني واملستقمني والنزهاء من املسؤولني ومن الشعب ليك تبقى إنجازات املايض حارضة يف وجدان‬ ‫قبل ِّ‬ ‫األجيال القادمة وتكون حافزا ً لهم عىل امليض قد ًما يف تحقيق املزيد منها عىل جميع األصعدة ‪ .‬ولكن كيف ميكن لنا‬ ‫فردي ‪ ،‬أو شعار تافه ‪ ،‬نن َّجر إىل أساليب‬ ‫كل حادثة او خطأ‬ ‫تحقيق ما نصبو اليه؟! إذا ك ّنا عند ِّ‬ ‫برشي أو تهور ٍّ‬ ‫ِّ‬ ‫وترصفات هي بعيد ٌة عىل ثقافتنا وديننا وبعدنا اإلنساين‪.‬‬ ‫فليعلم الجميع أن الشهدا َء مل ميوتوا أبدا ً وأن دماءهم مصونة يف قلوب املخلصني ويف العقول الناضجة واملتزنة‬ ‫شخيص أو‬ ‫والواعدة وليس يف قبضات متهورة من قبل املوتورين والغوغائيني الذين يف أغلبهم يترصفون بدافع‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الهدف ‪ ،‬كأنّهم يختزلون اآلخرين ‪ ..‬إ ّن قضايانا العادلة الوطن َّية والقوم َّية‪ ،‬والتضحيات ‪ ،‬كلّها مقدسة يف‬ ‫مدفوع‬ ‫محق ان تصبح هي خاضعة‬ ‫مطلب‬ ‫كل‬ ‫قاموسنا وقامئة ومستمرة يف أرحام أمهاتنا ‪.. ،‬فمن غرياملقبول عند ِّ‬ ‫اجتامعي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫للمساومات الرخيصة‪.‬‬ ‫عم قبلها ‪،‬وإ ّن ما‬ ‫إ ّن قطار التغريات يف العامل قد بدأ ويسري برسعة تفوق رسعة البرش ‪ ،‬وإن ما بعد الكورونا يختلف ّ‬ ‫بعد مقتل املواطن األمرييك جورج فلويد ذو األصول األفريقيّة ليس كام قبله‪ ،‬علينا استباق األحداث وقطار‬ ‫التغريات ونسعى إلجراء إصالحات جذرية وجوهرية باملؤسسات وأن يكون الشعب حارضا ً بقوة فيها يك ال نقع‬ ‫منطلق للتغيري يرتكز عىل إبعاد الفاسدين عن الحكم الذين‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫مجددا ً يف أخطاء املايض عندما غيِّب عمدا ً‪ .‬إ ّن َّ‬ ‫كل أبناء الوطن من املقيمني واملغرتبني لإلنخراط بورشة عمل تأهيل‬ ‫يح ِّددهم القضاء املستقل وحده ال غري ودعوة ّ‬ ‫وكف أيدي األشخاص‬ ‫الوطن وتسهيل اإلجراءات اإلداريَّة التي كانت وال زالت تعيق إقامة املشاريع الحيويَّة ّ‬ ‫النافذين الذين يعيقونها‪ ،‬واستحضاردماء الشهداء دامئاً يف القرارات املصرييَّة التي ته ُّم الوطن والشعب عىل ح ِّد‬ ‫سواء‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫أدب‬

‫« عندما ميوت الوطن‪،‬‬ ‫ميوت اإلنسان‪،‬‬ ‫وعندما ميوت اإلنسان‪،‬‬ ‫يولد الوطن»‬ ‫الضمري‬ ‫‪9‬‬


‫ك وامل َ َد ِ ّن‬ ‫بوي ‪ /‬امل َ ّ ّ‬ ‫لسفَة الجِ هاد ال َّن ّ‬ ‫َف َ‬ ‫بحث حول القواعد العامة للجهاد النبوي‬ ‫إعداد الدكتور‬

‫فادي أسعد نصيف‬ ‫‪2020‬‬

‫مقدمة‬

‫الجهاد ‪ ،‬كلمة لها أبعادها وآثارها الكثرية ‪ ،‬وقد ظهرت مالصقة لإلسالم ‪ ،‬منذ بداياته‪ ،‬وقد ُعمل كثريا عىل‬ ‫شيطنتها أو تحويلها عن معناها الحقيقي ‪ ،‬من خالل تلبيسها كل األعامل اإلرهابية املنحرفة عن األسس اإلسالمية‬ ‫والقواعد التي بُ ِن َي عليها دين اإلسالم ‪ ،‬لذلك وجدنا أنه من الرضوري العمل عىل إظهار الحقيقة امللتبسة للجهاد‬ ‫يف اإلسالم ‪ ،‬ووجدنا أيضا أن ذلك ال يكون إال بالعودة إىل املصدر الرئيس الذي بدأ منه هذا الدين ‪ ،‬وهو العرص‬ ‫النبوي والذي دام ثالتة وعرشين عاما ‪ ،‬وإن هذا العرص وبتقسيم أغلبية املؤرخني ينقسم إىل مرحلتني أساسيتني‪:‬‬ ‫‪10‬‬


‫كونوا رحامء عىل األحياء من أبناء شعبكم‪ ،‬ال ّن األموات يف مكان آمنٍ ورحيم ‪.‬فال دا ِعي لزهق ارواح الناس من‬ ‫أجلٍ كريس وال دا ِعي إليقاظ عصب ّية طائف ّية مذهب ّية قبل ّية ال تخدم شعبنا وال تشبهنا وال هي من تراثنا وثقافتنا‬ ‫كل فر ٍد جزاءه إذا أخطا‬ ‫وال هي ثقافة مورثة عن األنبياء وال ُرسل واألولياء والصالحني ‪ .‬حان الوقت ليك ينال ُّ‬ ‫رص َف او أساء الكالم ‪ ،‬ففعل األفراد ال ميثل إال أنفسهم ‪ ...‬لنا قدوة حسنة برسول اإلنسانيَّة محمد (ص) الذي‬ ‫الت ُّ‬ ‫الخلق كلُّهم عيال الله وأ َّح ُبهم إليه أنفعهم لعياله‪.‬‬ ‫أرسله الله رحمة للعاملني وليس لفئة معينة من الناس ‪”:‬‬ ‫ُ‬ ‫الحي الذي هو توام‬ ‫أيُّها املؤمنون باالختالف وتق ّبل اآلخر واملتسلِّحون باملنطق والعقل أخاطبكم بضمريي ّ‬ ‫ضامئركم ‪ :‬إذا مل نتعلّ ْم من تجارب املايض فسنسبح جميعاً يف بح ٍر من الظالم يعيدنا إىل عرص الجاهليَّة ولكن‬ ‫عندها لن يبعث الله محمدا أخر ليهدينا للرصاط املستقيم ألنّنا لسنا جديرين بهذا النبي الصادق األمني وال‬ ‫نستحق رحمة الله ونعمه علينا‪.‬‬ ‫الناس وإال فغ ِّرد بعيداً عن ِسب ال َّنفس والقلب"‬ ‫"قل كال ًما حس ًنا يق ِّر ُبك من ِ‬ ‫ْ‬

‫‪11‬‬


‫الجهاد يف املرحلة املكية‪:‬‬ ‫بعد القراءة املتأنية والتدقيق يف التاريخ اإلسالمي والسرية النبوية الرشيفة‪ ،‬تبني أن الجهاد القتايل مل يكن مرشعاً‬ ‫يف الفرتة املكية‪ ،‬والتي دامت عرش سنوات‪ ،‬إال أن هذا ال يعني أن الجهاد مبعناه الواسع مل يكن قامئا‪ ،‬فالجهاد‬ ‫له أنواع وأشكال مختلفة‪ ،‬وقد كان مامرساً يف الفرتة املكية بصور وأشكال خاصة بعيدة عن الجهاد القتايل‪ ،‬ومن‬ ‫هذه األشكال‪:‬‬ ‫لجهاد بالصرب عىل اإليذاء‪:‬‬ ‫اتخذ الجهاد يف الفرتة املكية أشكاالً مختلفة‪ ،‬حيث أنه كان يقوم وبشكل أسايس عىل الصرب عىل اإليذاء‪ ،‬وهذا‬ ‫اإليذاء كان يأيت بصور مختلفة منها ‪:‬‬ ‫اإليذاء الجسدي‪:‬‬ ‫من النامذج البارزة املشهورة عىل هذا اإليذاء “بالل بن رباح”(‪ )2‬العبد الحبيش الذي دخل اإلسالم ‪ ،‬ومل يقبل‬ ‫سيده “أمية بن خلف”(‪ )3‬بذلك ‪ ،‬فعذبه أشد أنواع التعذيب ‪ ،‬إىل أن اشرتاه أبو بكر الصديق ريض الله عنه‬ ‫‪ ،‬وأعتقه ‪ ،‬فلم يكن ذلك دافعا إىل اغتيال أمية بن خلف الذي عذبه ونكل به أشد التنكيلوأيضا من النامذج‬ ‫البارزة عىل اإليذاء الجسدي “عامر بن يارس” (‪ )4‬وعائلته والتي عذبتها قريش عذابا وصل ح َّد قتل األم واألب‬ ‫أمام االبن (عامر) وأيضا مل يكن الرد عىل ذلك من خالل االغتياالت السياسية أو األعامل العنفية ‪ ،‬ويف هذا املقام‬ ‫البد من ذكر حادثة “الطائف”(‪ )5‬وما تعرض له النبي محمد عليه السالم من إيذاء بالرضب ورميه بالحجارة‬ ‫حتى سالت دماؤه الرشيفة‪.‬‬ ‫اإليذاء املعنوي‪:‬‬ ‫عاىن النبي محمد عليه السالم كثريا من اإليذاء املعنوي ‪ ،‬فقد كانت قريش تناديه باملذمم بدال من اسمه محمدا‬ ‫‪ ،‬إضافة إىل األوصاف الكثرية التي كانوا يطلقونها عليه كالساحر والكذاب والكاهن ‪ ،‬زيادة عىل اإلهانات التي‬ ‫كان يتعرض لها أصحابه ممن دخل دين اإلسالم‬ ‫اإليذاء املادي‪:‬‬ ‫فرضت قريش عىل كل من تبع دين اإلسالم وحتى من نارصه مقاطعة‪ ،‬كتبت عىل صحيفة وعلقت عىل جدار‬ ‫داخل الكعبة‪ ،‬نصت عىل أن مينع التعامل مع املسلمني ال بيعا وال رشاء وال زواجا ‪ ،..‬وقد اضطر املسلمون حينها‬ ‫إىل االنتقال إىل “ ِشعب بني طالب “ (‪ )6‬فوصل املسلمون ومن نارصهم إىل حد املجاعة فأكلوا أوراق الشجر‪.‬‬ ‫فيظهر من كل ما تقدم أن القتال مبعناه الجسدي قبل الهجرة كان محظورا عىل املسلمني‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫املرحلة املكية‪:‬‬

‫والتي دامت ثالتة عرشعاما ‪ ،‬كان الهدف فيها العمل عىل إدخال قريش إىل اإلسالم‪ ،‬واإلنطالق منها إىل العامل ‪.‬‬

‫املرحلة املدنية‪:‬‬

‫والتي دامت عرشة أعوام ‪ ،‬وكان الهدف منها بناء األساس للدولة اإلسالمية ‪ ،‬واإلنطالق منها إىل نرش اإلسالم يف العاملوانطالقا من‬ ‫هذا التقسيم ‪ ،‬عملنا عىل النظر ومن خالل منهجية االستقراء والتحليل عىل توضيح شكل الجهاد وأبعاده وقواعده التي بني‬ ‫عليها ‪ ،‬وبالتايل نعرف كينونة هذا املصطلح وابعاده عن أي مصطلح آخر‪.‬‬

‫تعريف الجهاد‪:‬‬ ‫الجهاد يف اللغة‪:‬‬

‫مفهوم الجهاد‬

‫مصدر جاهد يُجاهد ‪ ،‬وأصله من ال َجهد أو ال ُجهد بفتح الجيم وض ّمها ‪ :‬مبعنى بَ ُ‬ ‫ذل كل ما يف وسع اإلنسان للوصول إىل الغاية‬ ‫املنشودة‪ ،‬سواء أكان هذا ال َب ُ‬ ‫ذل قوال أو فعال ‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ :‬سوا ٌء أكان الجهد جسميا أو عقليا (‪)1‬‬

‫الجهاد باملعنى العام‪:‬‬

‫إن الجهاد مبعناه العام يشمل حياة الفرد واملجتمع كلها ‪ ،‬بجوانبها املختلفة الفكرية واالجتامعية والسياسية واالقتصادية ‪،‬‬ ‫والرصاع فيه يشمل أعداء كثريين يشمل النفس وشهواتها‪ ،‬والهوى ووساوس الشياطني؛ شياطني الجن واإلنس‪ ،‬ووساوس هؤالء‬ ‫الشياطني عىل نوعني ‪ :‬نوع هدفه زرع الشبهات ‪ ،‬وآخر هدفه اتباع الشهوات؛ ومكافحة األول بنرش العلم والفكر الصحيح ‪،‬‬ ‫ومقاومة الثاين بنرش الفضائل واألخالق الحميدة‪.‬‬ ‫فال ميكن أن نحرص الجهاد بالقتال ‪ ،‬بل إن مرافق الحياة بكل أشكالها ‪ ،‬تحتاج إىل الجهاد فيها للوصول إىل الغايات املنشودة‬ ‫‪ ،‬ومن املمكن أن يكون الجهاد محمودا أو مذموما وذلك باعتبار الغاية املنشودة ‪ ،‬وأيضا الوسيلة املتبعة ال بد أن تكون‬ ‫محمودة ‪ ،‬فال تربر الغاية املحمودة الوسيلة املذمومة‪.‬‬ ‫ومن هنا ننطلق إىل التعرف عىل أشكال الجهاد يف عهد النبوة‪ ،‬وكيف كانت خالل الزمنني امليك‪ ،‬و املدين‪ ،‬لنخلص إىل القواعد‬ ‫العامة التي ينطوي تحتها الجهاد يف كل العصور‪ ،‬وعندها نستطيع أن منيز بني ما هو موافق للترشيع النبوي الرباين‪ ،‬وما هو‬ ‫مخالف له‪.‬‬

‫مدخل‪:‬‬

‫املتتبع لنصوص السرية النبوية وبداية الدعوة اإلسالمية ‪ ،‬يظهر له جليا أن الجهاد مبفهومه القتايل ‪ ،‬مل يرشع يف الفرتة املكية ‪ ،‬فقد كان‬ ‫املستضعفون من الذين دخلوا اإلسالم يعانون التعذيب الجسدي واملعنوي وحتى املادي ممن مل يقبل هذه الدعوة ‪ ،‬وإليكم بعض‬ ‫النامذج من الجهاد يف الفرتة املكية‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫‪“ :‬ن َْم عىل فرايش‪ ،‬واتَّشح بربدي األخرض‪ ،‬فنم‬ ‫فيه‪ ،‬فإنَّه ال يخلص إليك يشء تكرهه‪ ،‬وأمره أن يؤ ِّدي ما عنده ِمن وديعة وأمانة” (‪)8‬‬ ‫الجهاد بالهجرة‬ ‫للهجرة يف الدعوة اإلسالمية أهمية كربى‪ ،‬فقد كانت أحد أبرز أنواع الجهاد‪ ،‬فبها حفظت هذه الدعوة من‬ ‫اإلنقراض ‪ ،‬مع ما كان يقوم به القرشيون تجاه من يتبع هذا الدين من اإليذاء ‪ ،‬قد يصل إىل القتل يف كثري من‬ ‫األحيان ‪ ،‬باإلمكان أن نقسم الهجرة إىل قسمني ‪ :‬الهجرة الصغرى ‪ ،‬والهجرة الكربى‪.‬‬ ‫والصفح‬ ‫األمر من الله بالعفو َّ‬

‫مل يقترص األمر عند املسلمني مبنعهم من الرد عىل اإليذاء بالقتال‪ ،‬وإمنا زاد األمر إىل أنهم أُمروا بالعفو والصفح عمن يؤذيهم ‪،‬‬ ‫اصف َْح إِنَّ اللَّهَ ُي ِح ُّبالْ ُم ْح ِس ِن َني”(املائدة‪:‬‬ ‫ومن اآليات التي نزلت قبل الهجرة تدعو إىل الصفح والعفو‪ ،‬قوله تعاىل‪ “ :‬فَا ْع ُ‬ ‫ف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫(‪)13‬‬ ‫األمر باملعاملة الحسنة ورد اإلساءة باإلحسان‬ ‫الديني املتمثل بالقرآن الكريم ‪ ،‬دعا إىل تجاوز كل ذلك فارتقى من العفو والصفح إىل أمر النبي عليه السالم ومن معه‬ ‫إن النص‬ ‫ّ‬ ‫من املسلمني باملعاملة الحسنة ور ّد اإلساءة باإلحسان فانظر إىل قوله تعاىل ‪ “ :‬ا ْدف َْع بِالَّ ِتي ِه َي أَ ْح َس ُن َفإِ َذا الَّ ِذي َب ْي َنكَ َو َب ْي َنهُ‬ ‫يم “ (فصلت‪ )34 :‬ومن اآليات أيضا ما يدعو إىل تجاهل اإلساءة من غري املسلمني قوله تعاىل ‪َ “ :‬و ِع َبا ُد‬ ‫عَدَ ا َو ٌة كَأَنَّهُ َو ِ ٌّل َح ِم ٌ‬ ‫ال َّر ْح َم ِٰن الَّ ِذي َن َيْشُ ونَ َع َل ْالَ ْر ِض َه ْونًا َو إِ َذا خَاطَ َب ُه ُم الْ َجا ِهلُونَ َقالُوا َس َل ًما” (الفرقان‪)63 :‬‬ ‫الجهاد بالحجة والربهان والتحدي‬ ‫وهذا النوع من الجهاد كان األبرز يف املرحلة املكية ‪ ،‬فكان ذلك من خالل التحدي الربهاين بتالوة القرآن الكريم وأن يأتوا مبثله ‪،‬‬ ‫قال تعاىل ‪ ”:‬ق ُْل ل ِ َْئ اِ ْجتَ َم َع ْت الْ ِنْس َوالْ ِج ّن َع َل أَ ْن يَأْت ُوا بِ ِثْلِ َهذَا الْ ُق ْرآن َل يَأْت ُو َن بِ ِثْلِ ِه َولَ ْو كَا َن بَ ْعضه ْم لِ َب ْع ٍض ظَ ِه ًريا “(اإلرساء‪:‬‬ ‫‪ )88‬وقد أمر الله تعاىل نبيه الكريم بالجهاد بالقرآن الكريم ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ “ :‬و َجا ِه ْد ُهم ِب ِه ِج َها ًدا كَ ِب ًريا” (الفرقان ‪ )52 :‬قال‬ ‫الطربي يف تفسريه ‪ :‬أي جاهدهم بالقرآن جهادا كبريا‪ ،‬حتى ينقادوا لإلقرار مبا فيه من فرائض الله ‪ ،‬ويدينوا به ‪ ،‬ويذعنوا للعمل‬ ‫بجميعه (‪ )7‬إضافة للتحدي بالربهان العقيل كان التحدي بأن يأتوا مبثله ‪ ،‬ال بل فقط بعرش سور مثله ‪ ،‬مفرتيات أي أنها من‬ ‫ش ُس َو ٍر ِّم ْثلِ ِه ُمف َ َْت َي ٍ‬ ‫ات َوا ْد ُعوا َم ِن ْاس َتطَ ْع ُتم‬ ‫عند محمد عليه السالم مكذوبات ‪ ،‬قال تعاىل ‪“ :‬أَ ْم َيقُولُونَ اف َ َْتا ُه ۖ ُق ْل َفأْتُوا ِب َع ْ ِ‬ ‫ِّمن ُدونِ اللَّ ِه إِن كُن ُت ْم َصا ِد ِق َني” (هود‪)13:‬‬ ‫الجهاد بالعمل الصالح‬ ‫لهذا النوع من الجهاد أثر يعود عىل بعدين ‪ ،‬األول ‪ :‬عىل النفس ‪ ،‬حيث أنه يبعث يف النفس الطأمنينة والراحة النفسية ‪،‬‬ ‫وأما الثاين ‪ :‬فيعود عىل املجتمع ‪ ،‬فيبعث فيه االستقرار واأللفة واألمن االجتامعي ‪ ،‬ومنه قوله تعاىل ‪َ “ :‬و َمن َجاهَدَ َفإِنَّ َا‬ ‫يُ َجا ِهدُ لِ َنف ِْس ِه “ (العنكبوت ‪ )6 :‬وقوله تعاىل ‪َّ “ :‬م ْن َع ِم َل َصالِ ًحا َفلِ َنف ِْس ِه “ (فصلت ‪ )46 :‬وقوله تعاىل ‪َ ”:‬والَّ ِذي َن َجاهَدُ وا‬ ‫ِفي َنا لَ َن ْه ِديَ َّن ُه ْم ُس ُبلَ َنا “ (العنكبوت ‪ ، )69 :‬بالنظر إىل اآليات نرى الحض عىل الجهاد بالعمل الصالح ‪ ،‬وهو ما يعود بالنفع عىل‬ ‫النفس أوال واملجتمع ثانيا‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫والصفح‬ ‫األمر من الله بالعفو َّ‬ ‫مل يقترص األمر عند املسلمني مبنعهم من الرد عىل اإليذاء بالقتال‪ ،‬وإمنا زاد األمر إىل أنهم أُمروا بالعفو والصفح‬ ‫اصفَح إِنَّ‬ ‫عمن يؤذيهم ‪ ،‬ومن اآليات التي نزلت قبل الهجرة تدعو إىل الصفح والعفو‪ ،‬قوله تعاىل‪َ “ :‬فا ْع ُ‬ ‫ف َع ْن ُه ْم َو ْ‬ ‫اللَّهَ يُ ِح ُّبالْ ُم ْح ِس ِن َني”(املائدة‪)13( :‬‬ ‫األمر باملعاملة الحسنة ورد اإلساءة باإلحسان‬ ‫الديني املتمثل بالقرآن الكريم ‪ ،‬دعا إىل تجاوز كل ذلك فارتقى من العفو والصفح إىل أمر النبي عليه‬ ‫إن النص‬ ‫ّ‬ ‫السالم ومن معه من املسلمني باملعاملة الحسنة ور ّد اإلساءة باإلحسان فانظر إىل قوله تعاىل ‪ “ :‬ا ْد َف ْع بِالَّ ِتي ِه َي‬ ‫يم “ (فصلت‪ )34 :‬ومن اآليات أيضا ما يدعو إىل تجاهل اإلساءة‬ ‫أَ ْح َس ُن َفإِ َذا الَّ ِذي َب ْي َن َك َو َب ْي َنهُ َعدَ ا َو ٌة كَأَنَّهُ َو ِ ٌّل َح ِم ٌ‬ ‫من غري املسلمني قوله تعاىل ‪َ “ :‬و ِع َبا ُد ال َّر ْح َم ِٰن الَّ ِذي َن َيْشُ ونَ َع َل ْالَ ْر ِض َه ْونًا َو إِ َذا خَاطَ َب ُه ُم الْ َجا ِهلُونَ َقالُوا َس َل ًما”‬ ‫الفرقان‪)63 (:‬‬ ‫الجهاد بالحجة والربهان والتحدي‬ ‫وهذا النوع من الجهاد كان األبرز يف املرحلة املكية ‪ ،‬فكان ذلك من خالل التحدي الربهاين بتالوة القرآن الكريم‬ ‫وأن يأتوا مبثله ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ”:‬ق ُْل ل ِ َْئ اِ ْجتَ َم َع ْت الْ ِنْس َوالْ ِج ّن َع َل أَ ْن يَأْتُوا بِ ِثْلِ َهذَا الْ ُق ْرآن َل يَأْت ُو َن بِ ِثْلِ ِه َولَ ْو كَا َن‬ ‫بَ ْعضه ْم لِ َب ْع ٍض ظَ ِه ًريا “(اإلرساء‪ )88 :‬وقد أمر الله تعاىل نبيه الكريم بالجهاد بالقرآن الكريم ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ “ :‬و َجا ِه ْد ُهم‬ ‫ِب ِه ِج َها ًدا كَ ِب ًريا” (الفرقان ‪ )52 :‬قال الطربي يف تفسريه ‪ :‬أي جاهدهم بالقرآن جهادا كبريا‪ ،‬حتى ينقادوا لإلقرار مبا‬ ‫فيه من فرائض الله ‪ ،‬ويدينوا به ‪ ،‬ويذعنوا للعمل بجميعه (‪ )7‬إضافة للتحدي بالربهان العقيل كان التحدي بأن‬ ‫يأتوا مبثله ‪ ،‬ال بل فقط بعرش سور مثله ‪ ،‬مفرتيات أي أنها من عند محمد عليه السالم مكذوبات ‪ ،‬قال تعاىل ‪“ :‬أَ ْم‬ ‫ش ُس َو ٍر ِّم ْثلِ ِه ُمف َ َْت َي ٍ‬ ‫ات َوا ْد ُعوا َم ِن ْاس َتطَ ْع ُتم ِّمن ُدونِ اللَّ ِه إِن كُن ُت ْم َصا ِد ِق َني” (هود‪)13:‬‬ ‫َيقُولُونَ ا ْف َ َتا ُه ۖ ُق ْل َفأْتُوا ِب َع ْ ِ‬ ‫الجهاد بالعمل الصالح‬ ‫لهذا النوع من الجهاد أثر يعود عىل بعدين ‪ ،‬األول ‪ :‬عىل النفس ‪ ،‬حيث أنه يبعث يف النفس الطأمنينة والراحة‬ ‫النفسية ‪ ،‬وأما الثاين ‪ :‬فيعود عىل املجتمع ‪ ،‬فيبعث فيه االستقرار واأللفة واألمن االجتامعي ‪ ،‬ومنه قوله تعاىل ‪“ :‬‬ ‫َو َمن َجاهَدَ َفإِنَّ َا ُي َجا ِهدُ لِ َنف ِْس ِه “ (العنكبوت ‪ )6 :‬وقوله تعاىل ‪َّ “ :‬م ْن َع ِم َل َصالِ ًحا َفلِ َنف ِْس ِه “ (فصلت ‪ )46 :‬وقوله‬ ‫تعاىل ‪َ ”:‬والَّ ِذي َن َجاهَدُ وا ِفي َنا لَ َن ْه ِديَ َّن ُه ْم ُس ُبلَ َنا “ (العنكبوت ‪ ، )69 :‬بالنظر إىل اآليات نرى الحض عىل الجهاد بالعمل‬ ‫الصالح ‪ ،‬وهو ما يعود بالنفع عىل النفس أوال واملجتمع ثانيا ‪ ،‬ومن األعامل الصالحة البارزة يف عمل النبي عليه‬ ‫السالم حفظ األمانات لديه ‪ ،‬وحتى ممن ناصبوه العداء من قريش ‪ ،‬فقد كانوا يضعون األمانات لديه‪ ،‬ملا عرفوه عنه‬ ‫من حفظ األمانة ‪ ،‬حتى أنه مل يهاجر إىل يرثب إال بعد أن وضع من يؤدي األمانات عنه إىل أصحابها ‪ ،‬فقال لعيل بن‬ ‫أيب طالب ريض الله عنه‪:‬‬

‫‪15‬‬


‫األوىل‬ ‫هي املتمسكة بعبادة اآلباء واألجداد (عبدة األوثان)‬ ‫الثانية ‪ :‬املتبعون للدين الجديد (اإلسالم) ‪ ،‬وبينهام خالف جذري ال ميكن الجمع أو التوفيق بينهام ‪ ،‬وقد تحدثنا‬ ‫سالفا عن املعاناة التي عاناها املسلمون من قريش‪.‬‬ ‫أما البيئة الدميوغرافية يف املدينة املنورة‪:‬‬ ‫فقد كانت تتألف من أربعة فئات ‪ ،‬هي‬ ‫الفئة األوىل ‪ ،‬األنصار ‪ :‬وهم أهل املدينة من األوس والخزرج الذين دخلوا يف اإلسالم وسموا باألنصار ألنهم‬ ‫نارصوا من جاءهم فارا بدينه من االضطهاد الحاصل عليه من قريش ‪ ،‬بال مال وال زاد‪.‬‬ ‫الفئة الثانية ‪ ،‬املهاجرون ‪ :‬وهم املسلمون الفارون من مكة (قريش) ‪ ،‬بال مال وال زاد‪.‬‬ ‫الفئة الثالثة ‪ ،‬املنافقون ‪ :‬وهم من أهل املدينة ‪ ،‬الذين تظاهروا باإلسالم ‪ ،‬وبقوا عىل دينهم السابق قلبيا ‪ ،‬هؤالء‬ ‫مل يقتنعوا باإلسالم إال أنهم وجدوا أنفسهم قلة ‪ ،‬لذلك مل يعارضوا الواقع الجديد القوي ‪ ،‬إىل أن تأتيهم فرصة‬ ‫للتغيري ‪.‬‬ ‫الفئة الرابعة ‪ ،‬اليهود ‪ :‬وهم بنو قريظة وبنو النضري وبنو قينقاع ‪ ،‬وكانوا يسكنون املدينة املنورة ‪ ،‬وهم يتّبعون‬ ‫الديانة اليهودية‪.‬‬ ‫وقد عمل النبي محمد عليه السالم عىل إقامة عقد اجتامعي جديد ‪ ،‬يرسخ من خالله الحقوق والواجبات عىل‬ ‫جميع الفئات ‪ ،‬وقد عرف هذا العقد “بالوثيقة” (‪ )11‬أرست االستقرار والطأمنينة لدى جميع املقيمني يف املدينة‬ ‫املنورة ‪ ،‬خاصة يف الفرتة األوىل‪.‬‬ ‫مرشوعية الجهاد القتايل‬ ‫يك كان شديدا ً ‪ ،‬فقد ُض ّيق عليهم من قبل صناديد قريش وكربائها ‪،‬‬ ‫إن الوضع الذي عاشه املسلمون يف العهد امل ّ‬ ‫فام كان للمسلمني ب ّد من أن يتخلّوا عن أوطانهم وديارهم ‪ ،‬فرارا ً بدينهم ‪ ،‬وطلباً ملكان يعبدون فيه ربّهم ‪ ،‬دون‬ ‫أن يتع ّرض لهم أحد‪ ،‬وقد وصف الله تعاىل حالهم يف كتابه ‪ ،‬فقال ‪ " :‬الَّ ِذي َن أُ ْخ ِر ُجوا ِمن ِديَا ِر ِهم ِبغ َْيِ َح ٍّق إِ َّل أَن‬ ‫يَقُولُوا َربُّ َنا اللَّهُ " (الحج‪)40 :‬‬ ‫وقد خرج املسلمون املهاجرون بدينهم تاركني خلفهم كل أموالهم وبيوتهم وأمالكهم ‪ ،‬فام كان من قريش إال أن‬ ‫استولت عىل كل أمالكهم وأموالهم وبيوتهم ‪ ،‬ومن األمثلة عىل ذلك “ صهيب الرومي “ (‪ )12‬الذي مل تدعه قريش‬ ‫يهاجر إال بعد أن أخذوا كل ما ميلك‪ ،‬فلام وصل املدينة قال له النبي عليه السالم ‪ “ :‬ربح البيع أبا يحيى (‪ )13‬وتال‬ ‫شي نَف َْسهُ ابْ ِتغَا َء َم ْرضَ ِ‬ ‫وف بِالْ ِع َبا ِد "(البقرة ‪)207 :‬‬ ‫قول الله تعاىل ‪َ " :‬و ِم َن ال َّن ِ‬ ‫اس َمن يَ ْ ِ‬ ‫ات اللَّ ِه ۗ َواللَّهُ َر ُء ٌ‬ ‫‪16‬‬


‫‪ ،‬ومن األعامل الصالحة البارزة يف عمل النبي عليه السالم حفظ األمانات لديه ‪ ،‬وحتى ممن ناصبوه العداء من قريش ‪ ،‬فقد‬ ‫كانوا يضعون األمانات لديه‪ ،‬ملا عرفوه عنه من حفظ األمانة ‪ ،‬حتى أنه مل يهاجر إىل يرثب إال بعد أن وضع من يؤدي األمانات‬ ‫عنه إىل أصحابها ‪ ،‬فقال لعيل بن أيب طالب ريض الله عنه‪“ :‬ن َْم عىل فرايش‪ ،‬واتَّشح بربدي األخرض‪ ،‬فنم‬ ‫فيه‪ ،‬فإنَّه ال يخلص إليك يشء تكرهه‪ ،‬وأمره أن يؤ ِّدي ما عنده ِمن وديعة وأمانة” (‪)8‬‬

‫الهجرة الكربى‪:‬‬ ‫بعد ثالثة عرش سنة من املعاناة والجهاد بالدعوة يف قريش ‪ ،‬والتي مل يستطع خاللها النبي عليه السالم ‪ ،‬ومن‬ ‫معه من إقناع القرشيني باإلسالم وهذه الدعوة ‪ ،‬ومعها أيضا االستمرار باإليذاء ‪ ،‬بدأ النبي عليه السالم بالبحث‬ ‫عن سبيل ومكان جديد لهذه الدعوة ‪ ،‬فعمل عىل لقاء العديد من القبائل العربية للوصول مع أحدها إىل ت ٍّنب‬ ‫لهذه الدعوة ‪ ،‬فكان االتفاق مع قبيلتي األوس والخزرج من يرثب وكانت بيعة العقبة األوىل والثانية ‪ ،‬ومن‬ ‫بعدها هجرة املسلمني إىل يرثب ‪.‬‬ ‫أحست قريش بالخطر ال ّداهم عليها وعىل زعامتها للعرب ‪ ،‬وأن انتقال النبي محمد عليه السالم إىل دار الهجرة‬ ‫‪ ،‬سيفتح له اآلفاق ويقوى بهم ‪ ،‬وبطبيعة الحال ستتغري املواجهة بينهم ‪ ،‬وقد تتخذ شكال جديدا قد يكون قتاليا ‪،‬‬ ‫وبذلك يفقدون السيطرة عىل هذا الدين الجديد وعىل زعامة العرب‪.‬‬ ‫فأخذت قريش القرار باالجتامع يف “دار الندوة” (‪ )10‬للتداول يف أمر محمد عليه السالم ‪ ،‬وكان هناك العديد‬ ‫ألي منها استحسان‪،‬‬ ‫من اآلراء يف كيفية منعه من الهجرة إىل يرثب ‪ ،‬منها أن الحبس أو النفي أو القتل ‪ ،‬ومل يكن ّ‬ ‫فقالوا عن الحبس يأيت قومه فيخلصوه‪ ،‬والنفي إن له لسانا عذبا يجتمع عليه الناس‪ ،‬وأما القتل فال مفرمن أن‬ ‫يُقتل قاتله به ‪ ،‬وكان الرأي الذي اجتمع عليه الجميع ‪ ،‬وهو أن يؤخذ من كل قبيلة شابا جلدا فيقتلوه برضبة‬ ‫واحدة ‪ ،‬فال يكون لقومه الطاقة باألخذ بالثأر‪ ،‬وقد صور القرآن هذا االجتامع وما دار فيه ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ “ :‬و إِ ْذ‬ ‫ُوك أَ ْو يُ ْخ ِر ُج َ‬ ‫وك أَ ْو يَ ْقتُل َ‬ ‫َ ْي ُك ُر ب َِك ال َِّذي َن كَ َف ُروا لِيُثْ ِبتُ َ‬ ‫وك ۚ َو َ ْي ُك ُرو َن َو َ ْي ُك ُر اللَّ ُه ۖ َواللَّ ُه َخ ْ ُي ال َْمكِرِي َن (األنفال‪)30:‬‬ ‫فأمر الله نبيه بالهجرة إىل “يرثب” ‪ ،‬والتي أسميت بعدها ب”املدينة املنورة” ‪ ،‬وكانت الهجرة الكربى ‪ ،‬وانتقال‬ ‫الدعوة اإلسالمية من مكة إىل املدينة املنورة ‪ ،‬ومعها بدأ عهد جديد يف الدعوة ‪ ،‬وأسلوب جديد وجهاد جديد ‪،‬‬ ‫وهو ما سنتكلم عنه ‪ ،‬لنتل ّمس معا أشكال الجهاد الجديد ‪ ،‬ونستخلص القواعد التي بُني علها هذا الجهاد‪.‬‬ ‫الجهاد يف الفرتة املدنية‪:‬‬ ‫اختلفت األحوال والظروف ما بني البيئة املكية والبيئة املدنية ‪ ،‬فبمجرد وصول النبي محمد عليه السالم إىل‬ ‫املدينة ‪ ،‬بدأ عهد جديد من العمل ‪ ،‬وقد بدأ بإرساء الدعائم لدولة جديدة مستقلة بنظامها وقوانينها وشكلها ‪.‬‬ ‫الشكل الدميوغرايف للمدينة املنورة‪:‬‬ ‫اختلف الوضع الدميوغرايف من البيئة املكية إىل البيئة املدنية ‪ .‬ففي مكة كان املجتمع مؤلف من فئتني‪:‬‬

‫‪17‬‬


‫ثالثا ‪ :‬إحرتام العهود واملواثيق‬ ‫“أشريوا عيل أيها الناس” هذه املقولة التي أطلقها النبي محمد عليه السالم ‪ ،‬مل تكن فقط احرتاما ملبدأ “الشورى ‪ ،‬وإمنا‬ ‫أيضا إحرتاما منه ملبدأ “إحرتام العهود واملواثيق “ ‪ ،‬فقد كان النبي عليه السالم قد بايع األنصار عىل أن ينرصوه ويدفعوا‬ ‫يل أيها الناس” أن يسمع من‬ ‫عنه‪ ،‬إال أن هذا األمر يكون داخل املدينة ال خارجها ‪ ،‬لذلك أراد من ترداد مبدأ “أشريوا ع ّ‬ ‫األنصار ‪ ،‬فهو ال يريد أن يلزمهم بأمر مل يعطوه إياه ضمن البيعة التي حصلت بينهم ‪ ،‬فلم يزل يردد عبارته ‪ ،‬إىل أن تكلم‬ ‫زعيم األنصار “سعد بن معاذ “ (‪ ، )15‬فقال ‪ “ :‬لكأنك تريدنا يا رسول الله ‪ ،‬فقال النبي عليه السالم ‪“ :‬أجل” فقال سعد‬ ‫‪ :‬قد آمنا بك وصدقناك ‪،‬وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ‪ ،‬وأعطيناك عىل ذلك عهودنا ومواثيقنا عىل السمع والطّاعة لك‬ ‫‪ ،‬فامض ملا أردت ‪ ،‬فنحن معك ‪ ...‬فرس بنا عىل بركة الله “ عندها قال لهم النبي عليه السالم ‪ “ :‬سريوا وأبرشوا ‪ ، ”..‬من‬ ‫هنا نرى مبدأ‪ “ :‬احرتام العهود واملواثيق “‬ ‫رسخ هذا املبدأ طوال العهد النبوي ‪ ،‬فقد كان جليا يف “صلح الحديبية “ الذي كان مع قريش‬ ‫إضافة إىل هذه الغزوة ‪ّ ،‬‬ ‫‪ ،‬والتي كانت العداوة بينهام مستحكمة‪ ،‬ومع اعرتاض بعض أصحاب النبي عليه السالم ‪ ،‬عىل بعض بنوده ‪ ،‬إال أنه مل‬ ‫يخلف يف عهده معهم ‪ ،‬وبخاصة يف البند الخامس منه والذي كان ينصه عىل أنه ‪ “ :‬يرد املسلمون من يأتيهم من قريش‬ ‫مسلام بدون إذن ول ّيه ‪ ،‬وأال ترد قريش من يعود إليها من املسلمني” (‪ )16‬فقد رأى فيه أصحاب النبي عليه السالم غُبناً‬ ‫واضحاً ‪ ،‬إال أن النبي عليه السالم كان يريد الصلح ‪ ،‬وإيقاف الحرب ولو مؤقتا وهذا ما يؤكد عىل أن من مبادئ اإلسالم يف‬ ‫الجهاد العمل عىل “إرساخ السلم ال الحرب”‬ ‫رابعا ‪ :‬العمل عىل إرساخ السلم ال الحرب‬ ‫كان اإلسالم ومنذ بدايته يف عهد النبوة ‪ ،‬يسعى دامئا إىل “ السلم ال الحرب “ ‪ ،‬يظهر هذا جليا ‪ ،‬يف الكثري من املواقع ‪،‬‬ ‫ومنها “ فتح مكة “ (‪ )17‬والتي عمل فيها النبي عليه السالم عىل الرسيّة التامة ‪ ،‬بهدف مفاجأة قريش فال يكون لهم‬ ‫القدرة عىل املواجهة ‪ ،‬وبذلك يتجنب سفك الدماء ‪ ،‬وبالتايل ترسيخ مبدأ السلم ال الحرب عند اإلمكان ‪ ،‬فبعد أن نقضت‬ ‫قريش الصلح بينها وبني املسلمني ‪ ،‬والذي حصل يف الحديبية ‪ ،‬حيث أنه كان من ضمن البنود ‪“ :‬من أراد من قبائل‬ ‫العرب الدخول يف ِحلف املسلمني فليدخل‪ ،‬ومن أراد منهم الدخول يف ِحلف قريش‬ ‫(فليدخل “ (‪18‬‬ ‫بنتيجة هذا العهد دخلت قبيلة بني بك ٍر يف ِحلف قُريش ‪ ،‬وقبيلة ُخزاعة يف حلف ال َّنبي عليه السالم ‪ ،‬وكان بني هاتني‬ ‫السنة الثَّامنة للهجرة‬ ‫القبيلتني ثأر قديم ‪ ،‬فانتهز بنو بك ٍر ُّ‬ ‫الصلح وأغاروا عىل ُخزاعة ليالً يف شهر شعبان من َّ‬ ‫يف ذلك ال ُهجوم قتل بني بك ٍر من ُخزاعة ما يزيد عن عرشين رجالً ‪ ،‬ث ُ ّم بدأوا يف مطاردتهم حتى وصلوا مكّة وقاتلوهم‬ ‫فيها ‪ ،‬وعند وصول مطاردة القبيلتني إىل مكة ‪ ،‬وقفت قريش مع حلفائها بنو بكر‪ ،‬وأعانتهم بالسالح‬ ‫واملال عىل خزاعة ‪ ،‬فلم تلتزم قريش باملعاهدة وخرقت نص املادة املذكورة سابقا ‪.‬‬ ‫عندما وصل الخرب لل َّرسول عليه السالم ‪ ،‬وما لحق بخزاعة من القتل واالعتداء ‪ ،‬وهم ممن دخلوا يف ِحلف املسلمني ‪ ،‬وقد‬ ‫مم أمنع نفيس منه” (‪)19‬‬ ‫أسلم عد ٌد كب ٌري منهم ‪ ،‬قال ال َّرسول عليه السالم مقولته املشهور‪”:‬والله ألمنع ّنكم ّ‬

‫‪18‬‬


‫بدأت املواجهة بني املسلمني وقريش بالتعرض للقوافل التي كانت متر بالقرب من املدينة املنورة متجهة إىل الشام‬ ‫أو عائدة منها ‪ ،‬ومل يكن ذلك إال بعد اإلذن من الله ‪ ،‬قال تعاىل “ أُ ِذنَ لِلَّ ِذي َن يُقَاتَلُونَ ِبأَنَّ ُه ْم ظُلِ ُموا َو إِنَّ اللَّهَ َع َل‬ ‫َص ِه ْم لَ َق ِدير” (الحج ‪ )39 :‬وقد كان ذلك نوعاً من الحرب االقتصادية عليهم ‪ ،‬و رغب ًة يف رد حقوق املسلمني‬ ‫نْ ِ‬ ‫املسلوبة وأموالهم املنهوبة‪ ،‬وهو ما أدى إىل أول مواجهة جهادية قتالية بني املسلمني وقريش ‪ ،‬وكانت تلك‬ ‫املوقعة قي منطقة معروفة ب”بدر”‬ ‫القواعد العامة للجهاد القتايل من خالل الغزوات النبوية‬ ‫من خالل القراءة العامة للغزوات النبوية من بعد الهجرة إىل املدينة ‪ ،‬وأول مواجهة قتالية مع قريش يف بدر‬ ‫وحتى فتح مكة ‪ ،‬نالحظ أن هناك قواعد عامة للقتال ‪ ،‬التزم من خاللها املسلمون وعىل رأسهم املصدر الترشيعي‬ ‫لإلسالم محمد عليه السالم ‪ ،‬من خالل القرآن الكريم والس ّنة النبوية الرشيفة ‪ ،‬فالقتال يف اإلسالم ال يقوم إال عىل‬ ‫أسس ترشيعية‪.‬‬ ‫أوال ‪ :‬الحرب رضورة وليست غاية‬ ‫يظهر من خالل املرحلتني املكية واملدنية ‪ ،‬أن اعتامد الجهاد القتايل ‪ ،‬مل يرشع إال بعد الهجرة ‪ ، ،‬قال تعاىل “ أُ ِذنَ‬ ‫َص ِه ْم لَ َق ِدير” (الحج ‪ ، )39 :‬وكان ذلك يف العام الثاين للهجرة ‪ ،‬ومل‬ ‫لِلَّ ِذي َن يُقَاتَلُونَ ِبأَنَّ ُه ْم ظُلِ ُموا َو إِنَّ اللَّهَ َع َل ن ْ ِ‬ ‫تكن املواجهة مبارشة ‪ ،‬وإمنا كان املقصود االستيالء عىل قافلة قريش القادمة من الشام ‪ ،‬وكان عىل رأسها أبو‬ ‫سفيان زعيم قريش ‪ ،‬إال أن األحداث املفاجئة جعلت املواجهة املبارشة حتميَّة ‪ ،‬وجعلت النبي محمد عليه السالم‬ ‫أمام قرار مصريي ‪ ،‬وقد كانت املواجهة أمرا ً المف َّر منه‪.‬‬ ‫(ثانيا ‪ :‬قرار السلم والحرب قرارأمة (الشورى‬ ‫بعد األحداث املفاجئة للمسلمني يف بدر ‪ ،‬وذلك بتحرك قريش نحوهم للمواجهة املبارشة‪ ،‬وأيضا العتاد القليل‬ ‫املتوفر لديهم ‪ ،‬ويف املقابل الجهوزية الكاملة نسبيا لدى قريش‪.‬‬ ‫مل يتخذ النبي محمد عليه السالم القرار منفردا ‪ ،‬بل توجه إىل من معه من األنصار واملهاجرين ‪ ،‬وأطلق القاعدة‬ ‫الذهبية والتي أصبحت ت ُبنى عليها القرارات املصريية ‪ ،‬وخاصة املتعلق منها ب"السلم والحرب" ‪ " :‬أشريوا عيل‬ ‫عارضه أحد ‪ ،‬ولكنه أراد أن يرسخ هذه القاعدة املب َدئ َّية هي ‪:‬‬ ‫أيها النا " (‪ )14‬ولوأراد أن يتخذ القرار منفردا ملا َ‬ ‫“ أن قرار السلم والحرب ال يتخذ من القائد منفردا وإمنا بالتشاور” ‪ ،‬وذلك ألن العواقب سواء اكانت إيجابي ًة أم‬ ‫سلبي ًة فهي ستكون عىل الجميع ‪ ،‬وبذلك يتحمل الجميع عواقب القرار فال تالم القيادة عىل قرارها ‪ ،‬مع اإلشارة‬ ‫إىل أن هذه القاعدة مل تكن فقط يف غزوة بدر ‪ ،‬بل يف كل الغزوات التي خاضها النبي عليه السالم ‪ ،‬ففي غزوة‬ ‫أحد اتخذ النبي عليه السالم قرارا مخالفا ملا كان يرى شخصيا وهو التحصن باملدينة ‪ ،‬بل سار مع رأي األغلبية‬ ‫وخاصة الشباب منهم ‪ ،‬الذين مل يشهدوا بدرا ‪ ،‬فقد أرادوا املواجهة املبارشة خارج املدينة ‪ ،‬نازال عىل رأيهم ‪ ،‬ومن‬ ‫بعدها تحمل الجميع عواقب القرار ‪ ،‬فتحملوا جميعا عواقب الهزمية‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫والبد من التأكيد عىل أن « اإلسالم هو دين السالم»‬ ‫فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ريض الله عنهام ‪ ،‬عن النبي صل الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ « :‬املُسلم َمن َسلم الناس من‬ ‫لسانه ويده ‪ ،‬واملُهاجر من َهجر ما نَهى الله عنه (‪)24‬‬ ‫ويف الختام فلتكن دعوتنا يف كل األديان هي دعوة السالم ‪ ،‬وأما الدخول إىل اإلسالم أو أي دين من األديان الساموية ‪،‬‬ ‫هو ُحرية يتحمل َمسؤوليتها صاحبها ‪ ،‬ولتكن أبواب التعرف عىل جميع األديان مفتوحة ‪ ،‬فيتعرف عليها كل الناس ‪ ،‬ويف‬ ‫ين» (البقرة ‪)256 :‬‬ ‫النهاية اإلنسان هو صاحب القرار يف مامرسة إميانه الذي قرر اختياره ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ »:‬ل إِكْ َرا َه ِف الدِّ ِ‬ ‫املصادر واملراجع‬ ‫(‪ )1‬الشريازي‪ ،‬الفريوز أباد ‪ ،‬القاموس املحيط ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بريوت‪ ،2005-1426 ،‬ط ‪ ، 8‬مادة جهد‬ ‫(‪ )2‬بالل بن رباح ‪ :‬من الحبشة ‪ ،‬ولد بعد عام الفيل بثالث سنني ‪ ،‬كان من أوائل من دخلوا يف اإلسالم وعذب واتهض ‪،‬‬ ‫عرف مبؤذن الرسول ‪ ،‬تويف عام ‪ 20‬للهجرة يف سوريا ‪ ،‬بسبب الطاعون ‪ ،‬ودفن فيها يف مقربة باب الصغري ‪ .‬سري أعالم النبالء‬ ‫‪،‬ج‪،1‬ص‪،351‬برقم (‪)76‬‬ ‫(‪ )3‬أمية بن خلف ‪ :‬هو أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح أحد سادات قريش ‪ ،‬حارب دعوة النبي عليه‬ ‫السالم وعذب املستضعفني من املسلمني ‪ ،‬ومن أبرز من عذب منهم بالل بن رباح ‪ ،‬قتل يف غزوة بدر العام الثاين للهجرة‬ ‫(‪ )4‬عامر بن يارس‪ :‬هو ابن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الوذيم ‪ ،‬أمه سمية موالة بني مخزوم ‪ ،‬من أوائل‬ ‫الداخلني يف اإلسالم ‪ ،‬شهد مع بدرا واملشاهد كلها ‪ ،‬وشهد مع عيل بن أيب طالب موقعة الجمل ومعركة صفني وله إحدى‬ ‫وتسعون وقيل أربعة وتسعون عاما وقتل يف صفني عام ‪ 37‬للهجرة ‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪ ،‬ج‪،1‬ص‪406‬‬ ‫(‪ )5‬الطائف ‪ :‬مدينة سعودية تقع يف الجنوب الغريب من شبه الجزيرة العربية ‪ ،‬تحيط بها الجبال من جميع الجهات ‪،‬‬ ‫ترتفع عن سطح البحر مبسافة تتدرج مابني ‪ 1700‬م إىل ‪ ، 2500‬مام أكسبها جوا لطيفا ‪ .‬أنظر ‪ :‬الطائف عروس املصايف‬ ‫السعودية ‪ ،‬وزارة اإلعالم ‪ ،‬الشؤون اإلعالمية ‪1994-1415 ،‬م ‪،‬ص ‪4‬‬ ‫(‪ )6‬شعب أيب طالب ‪ :‬أو شعب بني هاشم ‪ ،‬هو املكان الذي قوطعت وحورصت فيه بنو هاشم ملدة ثالث سنوات ‪،‬‬ ‫ابتداء من السنة السابعة من البعثة ‪ .‬أنظر ‪ :‬الطبقات الكربى ‪ :‬ج‪ – 7‬ص ‪203‬‬ ‫(‪ )7‬تفسري الطربي ‪،‬ج ‪،19‬ص‪281‬‬ ‫(‪ )8‬انظر ‪ :‬السرية النبوية البن هشام ‪ ،‬دار املعرفة – بريوت ‪،‬ط ‪ ،3‬ج‪ ، 2‬ص‪436‬‬ ‫(‪ )9‬انظر ‪ :‬السرية النبوية البن هشام ‪،‬ج‪ ، 1‬ص ‪300‬‬ ‫(‪ )10‬دار الندوة ‪ :‬هي أول دار بنيت يف مكة ‪ ،‬بناها قيص بن كالب زعيم قريش ‪ ،‬وكان الهدف من إنشائها أن تكون دار‬ ‫للتشاور بني القرشيني يف أمورهم العامة ‪ .‬انظر ‪ :‬ابن األثري ‪ ،‬عيل بن محمد ‪ ،‬الكامل يف التاريخ ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬دار الصياد ‪،‬‬ ‫‪ ، 1965-1385‬ج‪ ، 2‬ص(‪)508‬‬

‫‪20‬‬


‫وعندها أخذ النبي عليه السالم القرار بالتوجه إىل مكة لفتحها ‪ ،‬ولكن دون قتال ‪ ،‬واعتمد لذلك مبدأ «الرسية‬ ‫واملفاجئة» ‪ ،‬فلم يخرب أحدا حتى أقرب املقربني إليه زوجته عائشة ريض الله عنها ‪ ،‬وكذلك أبو بكر الصديق ريض‬ ‫قريش‪ ،‬حتى نبغ َتها يف بالدها» (‪ .)20‬والهدف من‬ ‫ٍ‬ ‫الله عنه ‪ ،‬ومن ذلك دعاؤه ‪»: :‬اللهم خُذ العيون واألخبار عن‬ ‫ذلك مباغتة قريش يف عقر دارها ‪ ،‬فال يكون لها القدرة عىل املواجهة وال التحضري ‪ ،‬وبالتايل تجنب القتال وسفك‬ ‫الدماء ‪ ،‬وهكذا كان‪.‬‬ ‫خامسا ‪ :‬استنفاد كل الوسائل السلمية قبل اتخاذ القرار بالجهاد القتايل‬ ‫أي منها‪ ،‬إال بعد أن يبذل كل‬ ‫النبي عليه السالم ‪ ،‬مل يُقبل عىل ّ‬ ‫املتابع لسري الغزوات النبوية الرشيفة ‪ ،‬يلحظ أن ّ‬ ‫ال ُوسع يف تجنبها ‪ ،‬أو عىل األقل تجنب املواجهة املبارشة ‪ ،‬ونرى ذلك واضحا يف «غزوة األحزاب» (‪ ، )21‬أو ما‬ ‫الفاريس « (‪ )22‬أن‬ ‫النبي وبعد املشاورة املعتادة ألصحابه اقرتح عليه « سلامن‬ ‫ّ‬ ‫يعرف بغزوة الخندق ‪ ،‬حيث أن ّ‬ ‫يحفروا خندقا حول املدينة ‪ ،‬وهذا ما مينع وصول جيش األحزاب إليهم ويتجنبهم القتال ‪ ،‬وبالفعل هذا ما حصل‬ ‫‪ ،‬فقد بقيت قريش وكل من صحبها يف هذه الغزوة من القبائل العربية واليهود يحارصون املدينة فرتة شهر كامل‬ ‫‪ ،‬ومع ذلك مل يخرج النبي عليه السالم للمواجهة املبارشة تجنبا للقتال وسفك الدماء ‪.‬‬ ‫سادسا ‪ :‬القيادة هي ُجزء ال يتجزأ من الناس‬ ‫نرى ومن خالل االستقراء لسرية النبي محمد عليه السالم ‪ ،‬أن القيادة بكل أركانها ‪ ،‬من الرأس وحتى القاعدة‬ ‫ال تنفصل عن الناس ‪ ،‬ال بل ما تتحمله القيادة قد ال يتحمله الناس من العموم ‪ ،‬فعندما ُحفر الخندق يف غزوة‬ ‫األحزاب ‪ ،‬كان النبي عليه السالم بنفسه يعمل مع الجميع ‪ ،‬فال مييز نفسه عنهم ‪ ،‬وقد وقع الجوع نتيجة‬ ‫للحصار الحاصل عليهم يف نفس الغزوة ‪ ،‬وقد جاع النبي عليه السالم كام جاع الجميع ‪،‬ال بل وأكرث منهم ‪ ،‬فعن‬ ‫أنس ريض الله عنه قال‪« :‬جئت رسول الله صل الله عليه وسلم يوماً ‪ ،‬فوجدته جالساً مع أصحابه يحدثهم ‪،‬‬ ‫عصب‬ ‫وقد عصب بطنه ب ِعصابة‪ ،‬قال أسامة (أحد رواة الحديث)‪ :‬وأنا أشك عىل حجر‪ ،‬فقلت‪ :‬لبعض أصحابه‪ :‬مل َ‬ ‫رسول الله صل الله عليه وسلم بطنه؟ فقالوا‪ :‬من الجوع‪ ،)23( »...‬فلم يكن النبي عليه السالم وجميع أصحابه‬ ‫من القيادات متيز نفسها عن الباقني ‪ ،‬بل تجتهد يف أن تكون أكرث إقباال عىل العمل والجهد‪.‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫بعد هذا العرض و من خالل االستقراء ألحوال وأشكال الجهاد يف الفرتة النبوية الرشيفة‪ ،‬والتي هي أساس لبناء‬ ‫القواعد واألسس الرشعية ‪ ،‬والتي أيضا ت ُبنى عليها األحكام ‪ ،‬تبني أن الجِهاد القتايل ليس غاية يُعمد إليها ‪ ،‬وإمنا‬ ‫هو آخر الحلول ‪ ،‬والتي ت ُرغم عليها القيادة يف حال نفاد جميع الوسائل املمكنة ‪ ،‬كام أنه ال يقصد إال باألوجه‬ ‫الضيقة للوصول إىل الغاية األوىل واألخرية أال وهي نرش الدعوة ‪ ،‬فلو أن قريشا مل متنع نرش الدعوة ومل تحاربها يف‬ ‫النبي عليه السالم إىل الخروج منها ‪.‬‬ ‫مكة ‪ ،‬ملا اضطّ َّر ّ‬ ‫وطاملا أنه ليس هناك ما مينع انتشار الدعوة بالحكمة واملوعظة الحسنة ‪ ،‬فال مربر للقتال ‪ ،‬ومن هنا يبقى الجهاد‬ ‫القتايل ضمن إطاره الذي وضعه النبي عليه السالم فيه ‪ ،‬فليس املقصود القتال للقتال بل قتال وقف يف وجه‬ ‫(الدعوة وعمل عىل ص ّد املسلمني ‪ ،‬فإذا انتفى السبب (منع الدعوة) ينتفي معه امل ُ َس َّبب له (وهو القتال)‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫آليات البناء الرسدي يف قصيدة "نريون" لخليل مطران‬ ‫صفاء عباس‪" :‬طالبة دراسات عليا"‬ ‫نصا‬ ‫سعت الدراسات اللسانية الحديثة املتمثلة يف البنيوية الشعرية وغريها من نظريات النقد الجديد إىل جعل القصيدة ً‬ ‫شعريًا شفافًا‪ ،‬يفيض إىل عوامل خفية‪ ،‬قابل ٍة للتأويل‪ ،‬حيث يغدو النص الشعري خارج سيطرة قارئه‪ ،‬ويغدو صاحب النص أحد‬ ‫يظل أيضاً مرتبطاً بعامله الخارجي‬ ‫القراء‪ ،‬وهذا ينتج من الغوص أكرث يف العامل الج َّواين لصاحب النص الشعري‪ .‬ولكن النص ّ‬ ‫النص يجمع أصوات ًا متعددة أو وجهات نظر مختلفة‪،‬‬ ‫ومع النصوص املحيطة به؛ والتي كانت سبب نتاجه‪ .‬وهذا يعني أن ّ‬ ‫ويستوعب تعيينيات املكان‪ ،‬وتحيينات الزمان‪ ،‬وتسميات مختلفة‪ ،‬وآليات رسدية مختلفة قد يستعريها من املوروث الواقعي‬ ‫التاريخي أو الشعبي أو األسطوري أو الرمزي‪ ...‬متثلت جميعها يف مفهوم “التناص األديب” أو “املتعاليات النص ّية” ‪ .‬وأكّد‬ ‫النقد أ ّن “األسلوب هو الرجل” ألنه يجعل النتاج مرتبطاً بالذات املنتجة وبتأثريات املكان والزمان يف تكوين النص‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫(‪ )11‬الوثيقة ‪ :‬هي أول دستور مدين ‪ ،‬متت كتابته فور هجرة النبي عليه السالم إىل املدينة ‪ ،‬وهو يهدف إىل‬ ‫تأسيس العالقة بني الطوائف والجامعات يف املدينة من أنصار ومهاجرين ويهود وغريهم ‪ ،‬انظر ‪ :‬انظر ‪ :‬السرية‬ ‫النبوية البن هشام ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص(‪.)452‬‬ ‫(‪ )12‬صهيب الرومي ‪ :‬هو صهيب بن سنان املعروف بالرومي ألن الروم سبته صغريا فرتىب يف ديارهم ‪ ،‬وأخذ عنهم‬ ‫لسانهم ‪ ،‬ثم اشرتاه تاجر من العرب ثم اعتق ‪ ،‬موىل لبني تيم بن مرة ‪ ،‬أحد السابقني يف اإلسالم ‪ ،‬تويف عام ‪38‬‬ ‫للهجرة‪ .‬انرض سري أعالم النبالء ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪17‬‬ ‫(‪ )13‬الطبقات الكربى البن سعد ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص‪227‬‬ ‫(‪ )14‬انظر ‪ :‬السرية النبوية البن هشام ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪545‬‬ ‫(‪ )15‬سعد بن معاذ ‪ :‬هو سعد بن معاذ بن امرئ القيس بن زيد بن عبد األشهل أبو عمرو األنصاري األويس ‪،‬‬ ‫أسلم عىل يد مصعب بن عمري ‪ ،‬شهد بدرا ‪ ،‬أصيب يوم الخندق فعاش شهرا ثم انقض جرحه فامت وكان ذلك‬ ‫العام الخامس للهجرة ‪ ،‬انظر سري أعالم النبالء ‪ ،‬ج‪ ، 26‬ص‪517‬‬ ‫(‪ )16‬انظر ‪ :‬السرية النبوية البن هشام ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص‪271‬‬ ‫(‪ )17‬فتح مكة ‪ :‬كان فتح مكة يف العام الثامن للهجرة يف شهر رمضان ‪ ،‬انظر ‪ :‬السرية النبوية البن هشام ‪ ،‬ج‪، 4‬‬ ‫ص‪. 330‬‬ ‫(‪ )18‬انظر ‪ :‬السرية النبوية البن هشام ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص‪271‬‬ ‫(‪ )19‬انظر ‪ :‬السرية النبوية البن هشام ‪،‬ج‪ ، 4‬ص‪335‬‬ ‫(‪ )20‬انظر ‪ :‬السرية النبوية البن هشام ‪،‬ج‪ ، 4‬ص‪337‬‬ ‫(‪ )21‬غزوة األحزاب ‪ :‬كانت يف شوال العام الخامس للهجرة ‪ ،‬انظر ‪ :‬انظر ‪ :‬السرية النبوية البن هشام ‪،‬ج‪، 3‬‬ ‫ص‪184‬‬ ‫(‪ )22‬سلامن الفاريس ‪ :‬قال عنه الحافظ بن عساكر ‪ :‬هو سلامن ابن االسالم ‪ ،‬أبو عبد الله الفاريس سابق الفرس إىل‬ ‫اإلسالم ‪ ،‬صحب النبي عليه السالم ‪ ،‬هو صاحب فكرة الخندق يف غزوة األحزاب‪ ،‬انظر ‪ :‬سري أعالم النبالء ‪ ،‬ج‪، 1‬‬ ‫ص (‪.)505‬‬ ‫(‪ )23‬أخرجه مسلم يف صحيحه ‪ ،‬عن أنس بن مالك ريض الله عنه ‪ ،‬رقم الحديث ‪2040‬‬ ‫(‪ )24‬أخرجه اإلمام أحمد يف مسنده ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪ ، 224‬رقم ‪7086‬‬

‫‪23‬‬


‫ومن الطبيعي أ ّن بعض تجارب الشعر العريب الحديث منذ مطلع القرن العرشين تأثرت بدعوة التجديد الشعري‪،‬‬ ‫فسعت إىل التخفف من قيود الغنائية واالستقاللية النوعية والوجدانية‪ ،‬والتوجه نحو الخطاب الدرامي واملوضوعي‪،‬‬ ‫لتحقيق الوحدة العضوية يف القصيدة العربية‪ .‬ورغم منهجية الوحدة العضوية يف القصيدة‪ ،‬إالّ أن وحدتها العضوية مل‬ ‫تكن سبباً يف سلب غنائيتها‪ ،‬فغنائية الشعر مرتبطة بالوجدان الشعري للشاعر‪ .‬وكان الشاعر اللبناين خليل مطران ‪ ،‬من‬ ‫رواد التجديد إذ أدخل عنارص جديدة عىل الشعر العريب يف قصائده‪ ،‬بطريقة جمعت بني الرتاث العريب والثقافة الغربية‬ ‫والعرص الجديد ‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن الشعر العريب ومنذ بداياته قد أدخل الرسد القصيص عىل القصيدة‪ ،‬إالّ أ ّن مطران كتب القصيدة‬ ‫القصصية يف مط ّوالت هادفة إىل غرض تسري القصيدة إىل تأكيده يف البيت األخري‪ ،‬فقد تكثّفت قصيدة نريون كلها يف بيتها‬ ‫األخري الرائع الذى حوى كل تفاصيل القصيدة حني قال يف نهايتها‪:‬‬ ‫قيل له أو قيل كرسى‬ ‫قيرص َ‬ ‫هم‬ ‫ُّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫قوم خالِقو نريونِ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫لقد هدف مطران من توسيع الرسد القصيص عىل فنون الشعر العريب‪ ،‬ليك يخلق موضو ًعا مرتابطًا يف قصيدته كامالً يف‬ ‫الصياغة والتصوير عىل نحو شعراء الغرب الرومانسيني ‪ ،‬فرتك تراث ًا قصص ًيا جدي ًرا بالدراسة استقاه من الواقع االجتامعي‬ ‫يف لبنان ومرص‪ ،‬ومن ثقافته التاريخية ومن تراثه الشعبي‪.‬‬ ‫وقد ظهرت يف الفصل الثاين من ديوانه مجموعة من القصائد التي نجح يف نظمها وصياغتها بأسلوب متم ِّيز؛جمعت بني‬ ‫الشعر والرسد القصيص‪ ،‬وكان من بينها قصيدة “نريون”‬ ‫________________________________‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫هو خليل بن عبده بن يوسف مطران (‪ ،)1949 1871-‬شاعر‪ ،‬غ ّواص عىل املعاين‪ ،‬من كبار الكتاب‪ .‬له اشتغال بالتاريخ والرتجمة‬ ‫ولد يف بعلبك بلبنان وتعلم باملرسة البطريركية ببريوت‪ .‬وسكن مرص‪ ،‬فتوىل تحرير جريدة “األهرام” بضع سنني‪ ،‬ث ّم أنشأ “املجلة املرصية”‬ ‫وبعدها جريدة “الجوائب املرصية” يومية‪ ،‬نارص بها مصطفى كامل “باشا” فقي حركته الوطنية‪ ،‬واستمرت أربع سنوات‪ .‬وص ّنف “مرآة األيام يف‬ ‫ملخص التاريخ العام‪ -‬ط” واشرتك مع الشاعر حافظ ابراهيم يف ترجمة “املوجز يف علم االقتصاد‪ -‬ط” خمسة أجزاء عن الفرنسية‪ ،‬وترجم عدة‬ ‫“روايات” من تأليف شكسبري وكورناي وراسني وهيجو وبول بورجيه‪.‬وعلت شهرته ‪ ،‬ولقّب بشاعر القطرين‪ ،‬وكان يشبه باألخطل‪ ،‬بني حافظ‬ ‫وشوقي‪ .‬وشبهه املنفلوطي بابن الرومي يف تقدميه العناية باملعاين عىل العناية باأللفاظ‪ .‬وكان غزير العلم باألدبني العريب والفرنيس‪ ،‬رقيق الطبع‪،‬‬ ‫قل أن ذكر أح ًدا بغري الخري‪ ،‬و”ديوان شعره –ط” يف أربعة أجزاء‪( ،‬ديوان الخليل‪ ،‬مطبعة الهالل‪ ،‬القاهرة‪ .)1949 ،‬تويف بالقاهرة‪.‬‬ ‫ودو ًدا‪ ،‬مسامل ًا‪ّ ،‬‬ ‫انظر يف معجم امل ُنجد يف األعالم‪ ،‬خري الدين الزركيل‪ ،‬دار العلم للماليني بريوت‪ ،‬الطبعة السابعة ‪ ،1986‬ص ‪.320‬‬ ‫رواد التجديد يف الشعر العريب الحديث‪ ،‬أنس داود‪ ،‬مكتبة عني شمس‪ ،‬دار الجيل للطباعة‪ ،1975 ،‬ص ‪.41‬‬ ‫يجيب خليل مطران يف سياق تأكيده أنّه أجرأ من ؟أحمد شوقي وحافظ ابراهيم عىل التجديد‪ ،‬فيقول‪“ :‬ليس قصدي بالتجديد أن نقنع بقليل‬ ‫من األلفاظ والعبارات‪ ،‬إنّ ا أقصد بالتجديد أن يخلق الشاعر موضو ًعا من أوله آلخره ويصوغه ويص ّوره ويفصله عىل النحو الذي وجدنا كل شعراء‬ ‫الغرب العبقريني قد نحوه يف مولدات قرائحهم (‪ )...‬وهذا أمر مل يقدم عليه ومل يفكر فيه (عندنا) أحد لآلن‪”.‬‬ ‫عن مشاركة للدكتور جورج طراد بعنوان وعي النقد ومبادئ التأسيس (خليل مطران أمنوذ ًجا)‪ ،‬مؤمتر “النقد العريب الحديث بني التنظري‬ ‫والتأسيس‪ ،‬املعهد العايل للدكتوراه‪ ،‬الجامعة اللبنانية‪ ،‬يف ‪.12-12-2019‬‬ ‫ديوان الخليل‪ ،‬خليل مطران‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بريوت‪ ،‬طبعة جديدة‪ ،1977 ،‬ص ‪.124 101-‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫أخذت هذه الكلمة عن مصطلح غريب (‪ ، )Intertextualité‬الجزء االول ‪ Inter‬وهو لفظ يدل عىل‬ ‫التبادل‪ ،‬والثاين “‪ ”Textualité‬يدل عىل النص‪ .‬أما اصطال ًحا فنجد يف القاموس املعريف الجديد لعلوم اللغة‬ ‫“‪ ”Dictionnaire Encyclopédique des sciences du langage‬ما يفيد تعريفه‪ ،‬فقد وضع هذا املفهوم‬ ‫العامل الرويس ميخائيل باختني “‪ ”Mikhail Bakhtine‬يف معرض حديثه عن “مبدأ الحوارية” بني النصوص أو‬ ‫تعدد األصوات‪ ،‬وقد طورته الناقدة الفرنسية البلغارية األصل جوليا كريستيفا “‪ ،”Julia Kristeva‬وأجرت عليه‬ ‫استعامالت إجرائية الفتة‪ ،‬يف دراستها الشهرية “ثورة اللغة الشعرية” (‪)La Révolution du langage poétique‬‬ ‫عام ‪ ،1974‬والتي عينت فيها التناص عىل أنه “التفاعل النيص يف نص بعينه”‪ ،‬وتوسعت يف تبني قابلياته اإلجرائية‪،‬‬ ‫إذ تناولت أحوال التناص يف شعر لوتريامون “‪ ”Lautréamont‬تحدي ًدا‪ ،‬متوقفة أمام عمليات “التحوير” التي‬ ‫ووسع النقد هذا‬ ‫أقامها الشاعر عىل نصوص عديدة معروفة‪ ،‬مبا يشبه “اختطافها”‪ ،‬أو تحويلها عن مجراها‪ّ .‬‬ ‫املفهوم ليصل إىل أن النص املادي ال ميكن أن يكون إال جز ًءا من نص عام‪ ،‬وهذا ما م َّهد إىل التحول من مفهوم‬ ‫البنيوية يف النص األديب إىل ما بعد البنيوية‪.‬‬ ‫تناص القوم‪ :‬أي‬ ‫أما يف املعاجم العربية فنجد “التناص” يفيد أحد معانيها معنى االزدحام ‪ ،‬فقد جاء يف املُنجد ‪ّ :‬‬ ‫ازدحوا‪.‬‬ ‫انظريف املُنجد يف اللغة واألدب والعلوم‪ ،‬لويس معلوف‪ ،‬الطبعة التاسعة عرشة‪ ،‬املطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص‬ ‫‪.811‬‬ ‫وتناول النقد العريب الحديث مفهوم التناص فقد ع ّرف عىل أنه تشكيل نص جديد من نصوص سابقة وخالصة‬ ‫لنصوص متاهت فيام بينها فلم يبق منها إالّ األثر‪ ،‬وال ميكن إال للقارئ النموذجي أن يكتشف األصل‪ ،‬فهو ال ّدخول‬ ‫يف عالقة مع نصوص بطرق مختلفة “يتفاعل بواسطتها النص مع املايض والحارض واملستقبل وتفاعله مع القراء‬ ‫والنصوص األخرى”‪.‬‬ ‫انظر يف النقد والداللة نحو تحليل سميايئ لألدب‪ ،‬محمد عزام‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪ ،1996 ،‬ص ‪.148‬‬ ‫يرتبط مفهوم التناص األديب مبفهوم املتعاليات النصيّة التي تناولها الناقد والباحث الفرنيس جريار جني”ت” �‪Gé‬‬ ‫‪ ”rard Genette‬أحد أهم أعالم الشعرية الحديثة يف كتابه “تطريسات” (‪ ،)Palimpests‬عام ‪،1982‬عندما درس‬ ‫نصا ما يتعالق مع نص آخر بشمل ضمني أو ترصيحي‪ ،‬مؤك ًدا أن موضوع‬ ‫مجموعة العالقات النصية التي تجعل ً‬ ‫الشعرية هو “جامع النص” (‪ )le paratexte‬أو ما أسامه الحقًا بــ”النصية الجامعة للنص” وجعلها خمسة عالقات‬ ‫كان من بينها التناص االديب‪ ،‬قائالً‪“ :‬واألجدر أن أقول اليوم‪ ،‬وبسعة أكرب‪ ،‬بأن هذا املوضوع هو النصية املتعالية‬ ‫(‪ ،)Transtextualité‬أو التعايل النيص للنص (‪ ،)Transcendance textuel du texte‬والذي أع ّرفه مسبقاً‪،‬‬ ‫وبطريقة إجاملية بكل ما يجعله يف عالقة ظاهرة أو ضمنية مع نصوص أخرى”‪.‬‬ ‫انظر يف املدخل النظري من كتاب أطراس‪ :‬األدب يف الدرجة الثانية‪ .‬ترجمة املختار حسني للفصل االول‪ ،‬فكر‬ ‫ونقد‪.1999 ،‬‬

‫‪25‬‬


‫أقلة آنذاك‪ -‬بإشعال ذلك الحريق خافيًا الحقيقة‪ ،‬وباسطًا سلطته عىل جنوده‪ ،‬مق ّد ًما لهم العطاء الوفري ليسكتهم‪.‬‬ ‫فأمرهم مبعاقبة املسحيني‪ ،‬وعذّبهم بصور وحشية‪ ،‬وأطعمهم للنمور واألسود‪.‬‬ ‫ونتيجة طبيعية الزدياد ظلمه واستبداده قامت الثورات وتكاتف املسيحيون وانقلب جنوده عليه‪ ،‬وفشل يف‬ ‫إخامد ثورة جنوده‪ ،‬فأمروا بعزله وحكموا عليه بالقتل‪ .‬واختلفت الروايات يف رسد طريقة موته‪ ،‬فبعضعها تروي‬ ‫أنه هرب إىل كو ٍخ بعيد ألحد خدامه‪ ،‬وقتل نفسه فيه‪ .‬وبعضها تقول إن عب ًدا كان قد استأجره أمره بقتله وذلك‬ ‫يف العام ‪ 68‬م‪.‬‬ ‫ومقارن ًة بأحداث حكاية “نريون” خارج إطار القصيدة‪ ،‬ميكننا مالحظة أن الشاعر قد ذكر يف قصيدته أهم األحداث‬ ‫غي يف بعض األحداث الفرعية‪ ،‬فمثالً ذكر يف قصيدته أ ّن “نريون” قتل بنفسه معلّمه “سينيكا”‬ ‫املؤثرة فيها‪ ،‬لكنه ّ‬ ‫وهو ما يختلف عن الحكاية الواقعية املروية‪ ،‬وهو ما يعود إىل عاملني‪ :‬األول رغبة مطران يف تكثيف صفات‬ ‫“نريون” السيئة ملقاصد تعبريية معينة أرادها‪ ،‬والثاين الختالف الروايات وتعدد مصادرها‪.‬‬ ‫الرتابط الرسدي بني أقسام القصيدة‬‫قسمها‬ ‫إذا تأملنا البناء الفني لهذه القصيدة نراها قصيدة طويلة‪ ،‬نظم فيها الشاعر ما يقارب ‪ 326‬بيتًا شعريًا‪ّ ،‬‬ ‫طباع ًيا إىل عرشين مقط ًعا‪ ،‬يرتبط كل واحد بسابقه وبتاليه بعالقات بنائية مع ّينة‪ ،‬كان أهمها األحداث الرسدية‬ ‫املتشابكة‪ ،‬فبني األسباب والنتائج تنبني القصيدة ويشتد وثاقها‪ .‬يتمثل هذا الرتابط ببنائها الرسدي الذي يحتم‬ ‫معي يف رسد األحداث‪ ،‬مينعنا من تغيري مواضع هذه املقاطع أو من حذفهايبدأ الرتابط من عنوان‬ ‫تسلسل ّ‬ ‫القصيدة “نريون” املنتقى بعناية من قبل الشاعر‪ ،‬فهو الشخصية املحورية واألساسية التي يدور حولها موضوع‬ ‫القصيدة‪ ،‬والتي تنتج عنها أغلب األحداث‪ .‬ومن خالل هذا العنوان ميكننا االستدالل إىل موضوعها من خالل‬ ‫التعرف عىل هوية هذه الشخصية‪ ،‬والبحث يف سريتها‪ ،‬واكتشاف أهم األحداث التي قام بها‪ .‬هذا ما يؤمن رابط‬ ‫متني بني عنوان القصيدة ومتنها الشعري‪.‬‬ ‫يعرض البحث أقسام هذه القصيدة معتم ًدا عىل بنائها الطباعي‪ ،‬ويُق ّدم الفكرة الرئيسة لكل قسم‪ ،‬ليصل‬ ‫فيالنهاية إىل تبيان الرتابط الرسدي القائم يف األحداث‪:‬‬ ‫القسم األول‪“ :‬ذلك الشعب‪ ....‬قف ًرا”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬هي عبارة عن مناسبة عامة للقصيدة‪ ،‬ومدخل متهيدي أو مطلع استهاليل رسدي يعرف ّنا بالشخصية‬ ‫الرئيسة “نريون”‪ ،‬كام يحدد املكان والزمان‪.‬‬ ‫القسم الثاين‪“ :‬إنّ ا ‪ ....‬ذُخ ًرا”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬بداية لحكم عادل ومستقر‪ ،‬ثم ظهور بوادر أعامل “نريون” اإلجرامية املتمثلة بقتله أقربائه‬ ‫والناس املحيطة به‬ ‫رش ‪ ....‬وت ًرا‬ ‫القسم الثالث‪ :‬حذ ّروه ّ‬ ‫رش أعامله‪ ،‬وفشله يف ذلك‪ ،‬وتحريض أصحاب الفنت نريون عىل‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬تحذير معلّمه “سينيكا” له من ّ‬ ‫قتل معلمه‪.‬‬ ‫القسم الرابع‪“ :‬ع َّد عن ذلك ‪ ...‬بقرا”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬قتل نريون ألمه بعد أن قتلت بدورها ع ّمه لتعطي الحكم البنها‪.‬‬ ‫القسم الخامس‪“ :‬هكذا الباغي ‪ ...‬هزرا”‬ ‫‪26‬‬


‫فام هي أهم العنارص التي ينبغي دراستها الكتشاف آليات البناء الرسدي يف هذه القصيدة؟‬ ‫الخلفية التاريخية الواقعية للقصيدة ‪-‬‬ ‫ ‬ ‫لقد اطّل َع خليل مطران عىل التاريخ واستفاد من أحداثه الكربى ‪ ،‬فبعد قراءة القصيدة للمرة األوىل يكتشف‬ ‫وشعب ما‪ .‬ويستكمل البحث مسريته يف طيات التاريخ ليكتشف‬ ‫قصة حصلت بني حاكم‬ ‫ٍ‬ ‫القارئ أحداث ًا دالّة عىل ّ‬ ‫خلفية واقعية لهذه الحكاية يدور موضوعها حول إمرباطور لُقّب بـ “نريون” ابن االمرباطور “كلوديوس” بالتبني‪،‬‬ ‫حكم دولة “روما” من عام ‪ 54‬م إىل ‪68‬م‪ .‬وقد صعد إىل العرش وهو ال يزال صغ ًريا‪ ،‬قليل الخربة‪ ،‬فكانت‬ ‫بدايةحكمه ركيكة ال أساس متني لها‪.‬‬ ‫ث ّم م ّرت السنوات معتدلة تتسم باالستقرار بفضل مساعدة معلّمه “سينيكا” له يف إدارة أمور الحكم‪ ،‬ولكن‬ ‫رسعان ما بدأ “نريون” باتباع أساليب عديدة من العنف والظلم ألبناء شعبه‪ .‬فقتل وعذّب وقهر كثريا ً من الناس‪.‬‬ ‫واتسعت دائرة استبداده تدريج ًيا حتى وصل به الحال قتل أقرب الناس إليه بسبب خوفه من انتزاع الحكم منه‪،‬‬ ‫وكان من بينهم أمه ومعلّمه‪.‬‬ ‫ومل تقترص جرامئه عىل القتل فقط بل تجرأ ليقوم يو ًما ما بأبشع جرمية شهدها التاريخ‪ ،‬فقد أحرق مدينة روما‬ ‫عام ‪64‬م‪ ،‬بعد أن أشعل النار فيها لسبب لخصه خليل مطران بقوله‪“ :‬‬

‫محرقاً روما ليستبد َع فكرا‬

‫فاز نريو ُن بأشهى ما اشتهى‬

‫لقد جلس نريون يف برج مرتفع متفر ًجا عىل ما أنجزه من دمار مستمت ًعا برؤية الخوف يف عيون شعبه‪ ،‬يغني‬ ‫أشعار “هومريوس”‪ ،‬ويستمتع برؤية املشهد صوت ًا وصور ًة ليشبع شغفه املزيّف بالفن‪.‬‬ ‫اتخذ “نريون” من ذلك الحريق مصد ًرا إلبداعاته املزيفة م ّدعيًا أ ّن الفن يستجيب له مبا فعل ‪ ،‬وسانده شعبه عىل‬ ‫التامهي واالستبداد بتأييدهم له والخضوع لحكمه الظامل‪ .‬ازداد ظلمه أكرث عندما اتّهم املسحيني كانوا‪.‬‬

‫_____________________________‬ ‫‪.‬افتتح مطران ديوانه بقصيدة تاريخية (‪ )1870 1806-‬يصف فيها انتصار نابليون األول عىل األملان يف معركة يانا ودخوله برلني ث ّم‬ ‫سمه “مرآة األيام يف التاريخ‬ ‫انتصار األملان عىل نابليون الثالث ودخولهم باريس‪ .‬وأول تأليف مطران كان يف التاريخ فقد أ لّف كتابًا ّ‬ ‫العام”‪ .‬يف جزءين صدر األول منهام سنة ‪ 1897‬وفيه يجمع آراء كان قد قرأها يف كتب التاريخ‪.‬‬ ‫انظر يف كتاب خليل مطران باكورة التجديد‪ ،‬ميشال جحا‪ ،‬دار املسرية بريوت‪ ،‬ط‪1981 ،1‬م‪ ،‬ص ‪’150‬‬

‫‪27‬‬


‫القسم التاسع عرش‪ :‬من يلم ‪ ...‬أخرى”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬لوم الشاعر مجد ًدا شعب روما الذي مل يقف يف وجه الظلم‪ ،‬ومل يردعه‪.‬‬ ‫القسم العرشون واألخري‪ “ :‬كل قوم ‪ ....‬كرسى”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬رسالة عامة لكل الشعوب يف كل زمان ومكان يدعو الشاعر إىل توخي الحذر والوعي التام لعدم‬ ‫خلق نريون جديد‬ ‫إذا أردنا أن نجمع بالرتتيب هذه األفكار املتمثلة يف كل مقطع يف القصيدة سنكتشف ملخص الحكاية من بدايتها‬ ‫إىل نهايتها‪ ،‬وذلك بسبب ترابط أحداثها‪ .‬يف الحقيقة هذا الرتابط هو ليس كرتابط األحداث يف الرواية ألن الشاعر‬ ‫قام بانتقاالت زمنية كبرية‪ ،‬فمثالً قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫“درت األمة من ظاملها كلّام ج َّر عليها الظلم دفرا‬ ‫مستَ ّشا”‬ ‫وعىل ذاك تغابت مرة بعد أخرى‪ ،‬ومتادى ْ‬ ‫اخترص الشاعر فرتة زمنية طويلة من نضال النصارى لالستيالء عىل الحكم يف “روما”‪ ،‬والسعي إىل االنقالب عىل‬ ‫“نريون” وإىل عزله وقتله‪.‬‬ ‫معي‬ ‫الشخصيات وتحركاتها يف إطار زماين ومكاين ّ‬‫مل يشدد مطران عىل ذكر شخصيات الحكاية بقدر ما ش ّدد عىل ذكر األحداث املتأتية عنها‪ ،‬ألن الهدف األساس‬ ‫من هذه القصيدة هو إيصال رسالة معينة للقراء من وراء هذه الحكاية‪ ،‬ما يرفع من أهمية أحداث الحكاية أو‬ ‫الحبكة الحكائية املحكمة التي بدأت بوضع أول مستقر يتمثل بتسلم “نريون” الحكم‪ ،‬ثم ظهر العنرص املسبب‬ ‫لتأزم األحداث وهو قتل أقربائه والذين يحيطون به لالحتفاظ بالحكم‪ ،‬وتوالت األحداث تدريج ًيا وتأزمت وصوالً‬ ‫إىل القمة عند حرقه “روما”‪ ،‬ث ّم اتهام النصارى‪ ،‬فاندالع الثورات وصوالً إىل الحل يف عزله وقتله‪...‬‬ ‫‪:‬أ ّما الشخصيات فتنقسم إىل طرفني أساسيني‬ ‫الطرف األول‪ :‬هو الطرف الظامل املستبد‪ ،‬املتمثل بالحاكم “نريون” الذي ظلم شعبه‪ ،‬وقتل الناس‪ ،‬واستبد بالحكم‪،‬‬ ‫وا ّدعى الفن‪ ،‬وحرق روما‪.‬‬ ‫الطرف الثاين‪ :‬فهو الشعب الذي ينقسم بدوره إىل ثالث فئات‪.‬‬‫‪ .‬الفئة األوىل‪ :‬هي األكرثية (عامة الناس)‪ ،‬يع ّم عليها الجهل والسذاجة‪ .‬يف بداية القصيدة كانت صامتة ال حركة‬ ‫لها سوى الخضوع لظلم حاكمها‪ .‬تقف موقف الضعيف الذي يقبل الخضوع‪ ،‬ويُق ّبل اليد التي تق ّيده‪ .‬كانت‬ ‫نهايتها الحرق‪ ،‬وهي نتيجة عادلة لصمتها وعجزها‪.‬‬ ‫‪ .‬الفئة الثانية‪ :‬تضم حاشية االمرباطور وجنوده ومن يحيط به يف الحكم‪ .‬هذه الفئة كانت واعية ومدركة ملسا ِوئ‬ ‫حكم “نريون” الظامل‪ .‬أغلبها تجاهل هذا الواقع وسعى وراء مصالحه الشخصية وأهوائه‪ ،‬كأم نريون (مصدر‬ ‫الفساد) التي قتلت زوجها لتويل ابنها الحكم‪ ،‬زرعت الفساد فيه فحصدت نتيجة أعاملها بعد أن قتلها ابنها‪ .‬أ ّما‬ ‫جنود “نريون” وحاشيته فارتشيت بالعطاء الوفري‪ ،‬وعاشت يف رفاهية ورخاء‪ ،‬ما يجعلها رشيكة يف جرائم الحاكم‪.‬‬ ‫ونستثني منها “سينيكا” (معلم نريون) فقد كان الشخصية الوحيدة من هذه الفئة التي أدركت ظلمه وحاولت‬ ‫توجيهه وتحذيره من عاقبة مساره‪ ،‬لكنه ظلمه وض ّحى به ليك اليعيق طريقه‪ .‬وجود هذه الشخصية رضوري يف‬ ‫الحكاية ألنها تشري إىل مصري التحرك منفر ًدا يف الحكم‪ ،‬حيث ال ميكن سامع صوت شخص بني زحمة من الناس ولو‬ ‫مأل رصاخه أرجاء املكان‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫الفكرة الرئيسة‪ :‬استمرار ظلم نريون‪ ،‬ومتجيد الشعب ألعامله متجي ًدا زائفًا‪.‬‬ ‫القسم السادس‪“ :‬أفتدري ‪ ...‬ليرضى”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬تداخالت حكائية عن االمرباطور “قيلوال” كمثال آخر عن الحاكم الفاسد واملتسلط‪ ،‬ولتبيان دور‬ ‫الشعب الجاهل والخاضع يف تثبيت حكمه‪.‬‬ ‫القسم السابع‪“ :‬ال سقاك ‪ ...‬أ ِق ّرا”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬ا ّدعاء نريون الفن وازدياد وترية غروره املتامشية مع سكوت الشعب ومتجيد ف ّنه‪.‬‬ ‫القسم الثامن‪“ :‬قال ‪ُ ...‬عرى”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬حوار مبارش بني الشعب ونريون‪ ،‬وهو حوار مفتعل من زاوية الراوي‪ ،‬يصف لنا صورة الطرفني‬ ‫حيث يتقابل الجهل والضعف والذل أمام التسلط والنفوذ والظلم‪ .‬ثم يرسد ذهاب الحاكم إىل أثينا إللقاء الشعر‪،‬‬ ‫وذيا عصيته‪.‬‬ ‫القسم التاسع‪“ :‬ذاك تأويل ‪ُ ...‬صخ ًرا”‪.‬‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬عودة نريون إىل بالده وإستقباله بحفاوة وإخفاء الحزن‪ ،‬وعرض لزينة ال مثيل لها‪.‬‬ ‫القسم العارش‪“ :‬فاز نريون ‪ ...‬خم ًرا”‪.‬‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬حرق روما وانتشار اللهب يف كل قسم فيها ووصف دقيق لحال الناس وملشاهد النريان وهي‬ ‫تلتهم كل يشء أمامها‪.‬‬ ‫“دفق الترب ‪ ...‬كد ًرا”‬ ‫القسم الحادي عرش‪:‬‬ ‫َ‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬املناظر الوصفية مستمرة ملق ًيا الشاعر لومه عىل الشعب‪.‬‬ ‫القسم الثاين عرش‪“ :‬قام ‪ ...‬زمرا”‬ ‫رسم وشع ًرا وموسيقى‪ ،‬مستلذًا مبا‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬وصف “نريون” الحريق كلوحة اجتمعت فيها عنارص اإلبداع ً‬ ‫يرى مستبد ًعا فكرا‪ ،‬ووصف دقيق للحيوانات واملباين والناس‪.‬‬ ‫القسم الثالث عرش‪“ :‬هكذا‪ ...‬سط ًرا”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬الرسم بال ريشة وال حرب‪.‬‬ ‫القسم الرابع عرش‪“ :‬د ّمرت ‪ُ ...‬ح ّرا”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬تدمري حارضة الدنيا (روما)‪ ،‬وقتل الناس وسخرية الشاعر من نريون وف ّنه‪.‬‬ ‫القسم الخامس عرش‪“ :‬إ ّن ‪ ...‬وترا”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬الشعب هو املسؤول عن استمرار حكم نريون‪.‬‬ ‫القسم السادس عرش‪“ :‬بم غ ّر‪ ...‬شهرا”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬محاولة نريون إسكات القوم‪ ،‬واتهام املسحيني (النصارى) بحرق روما ليسرت ذنبه‪ ،‬جمعهم‬ ‫ومعاقبتهم بإطعامهم للنمور الجائعة وازدياد أعامله الشنيعة واإلجرامية‪.‬‬ ‫“خاب ‪...‬فطفرا”‬ ‫القسم السابع عرش‪:‬‬ ‫َ‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬والدة الحقد والثأر عند النصارى واالستيالء عىل الحكم بعد فرتة زمنية‪ .‬القسم الثامن عرش‪:‬‬ ‫“د َر ِت قدرا”‬ ‫الفكرة الرئيسة‪ :‬سيطرة النصارى عىل الحكم‪ ،‬واألمر بقتل نريون‪ ،‬ولكنه أمر عب ًدا له ليك يقتله‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫أسلوب الحوار والوصف الرسدي‬ ‫كرثت الجمل الخربية يف هذه القصيدة خاص ًة الفعلية‪ ،‬وأكرث الشاعر من استخدام األفعال املاضية التي تفيد‬ ‫الحركة والدالّة عىل أحداث حصلت يف الزمن املايض (فاز نريون‪ -‬ش ّبت النار‪ -‬زحفت رابية‪ -‬جمعت أقسام‪.)...‬‬ ‫تنقض‬ ‫كام نجد أفعاالً بصيغة املضارعة يف األبيات الدالة عىل الوصف “املباين تتهاوى‪ -‬الجذى ترتامى‪ -‬الدمى ُّ‬ ‫جمرا‪ ”...‬خدمت هذه األفعال فن التصوير املشهدي يف القصيدة؛ فالشاعر أراد أن ينقل لنا بدقة األحداث وينقل‬ ‫صورة املأساة ليضعها أمامنا‪ ،‬وكأنه يرسم أمامنا لوحة ح ّية من أحداث ماضية يجس ّدها يف مشهدية حركية‪.‬‬ ‫ض ّمن الشاعر قصيدته الصور واملحسنات اللفظية‪ ،‬كالتشبيه للمساعدة عىل التصوير الفني الذي ميكن أن‬ ‫يستوعبه البناء الشعري للقصيدة ما يزيد من شعريتها‪ ،‬قائالً‪:‬‬ ‫كتلقي فات ٍح فت ًحا أغ ّرا”‬ ‫“فتلقاه بروما أهلها‬ ‫كام كرثت أفعال القول يف املقاطع الرسدية القامئة عىل الحوار بني شخصيات الحكاية‪ ،‬خاص ًة يف املقطع الثامن‬ ‫حيث يدور حوار مبارش بني الشعب وحاكمه‪ ،‬وهو حوار عىل لسان الشاعر يفتعله‪ ،‬ينطلق من ذاته الشاعرية‬ ‫واإلنسانية ومن رؤيته الساخرة يف الحكم عىل األمور‪ ،‬ليساعد القارئ عىل توصيف الشخصيات وإظهار صفاتهم‬ ‫وسلوكهم املسببة يف الوصول إىل عاقبة نهايتهم‪ ،‬قائالً‬ ‫ْت الناس ط ّرا”‬ ‫“قال‪ :‬يب حسن‪ ،‬فقالت‪ :‬وبه يا فقيد الشبه‪ ،‬فُق َ‬ ‫استعمل الشاعر هذا الحوار وض ّمنه قصيدته ليظهر خضوع الشعب لحاكمه والتفاعل الطبيعي القائم بني األسباب‬ ‫والنتائج املحتومة؛ حيث كان مدح الشعب املزيف لــ”نريون” نتيجة الزدياد غروره وبطشه‪.‬‬ ‫خليل مطران بني الشاعر والراوي‬‫اتّخذ الشاعر دور الراوي الذي يروي أحداث قصة تاريخية واقعية‪ ،‬تخلّلت هذه األحداث بعض املساحات الخاصة‬ ‫بالشاعر؛ ظهر فيها برأيه أو بوجهات ذاتية خاصة به يرى من خاللها هذه األحداث ويحكم عليها ‪ ،‬فقال مثال‪ً:‬‬ ‫كب ٌد تلقى عىل األنذال ح َّرى‬ ‫“لست محزونًا عىل القوم وهل‬ ‫ُ‬ ‫عتب فنٍ وهو باإلبداع أدرى”‬ ‫غيــــــر ّأن لـــي علــــــى ابداعه‬ ‫“قيرص” قيل أم قيل له “كرسى”‬ ‫قــــــــوم خــــــــالقو نريونــــهم‬ ‫كل‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ويخصه باالهتامم‪ ،‬فهو يريد أن يقيم عالقات تواصلية‬ ‫استغل الشاعر الراوي هذه املساحات يك يتجه إىل القارئ‬ ‫ّ‬ ‫بينهام لريسل رسائل ضمن ّية إنسانية ت ّوعي الشعب عىل مبدأ الحرية واملطالبة بها‪ ،‬ويحفّز شعورهم بالوعي‬ ‫السيايس ودورهم الفاعل يف انتقاء الطبقة الحاكمة‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫خصها الشاعر بأهمية‬ ‫‪ .‬الفئة الثالثة‪ :‬هي فئة قليلة من عامة الشعب متثل الطائفة املسيحية (النصارى) آنذاك‪ّ ،‬‬ ‫معيّنة ملا لها من دور بارز يف تحرير دولة “روما” من حكم الطاغي “نريون”‪ .‬تعرضت هذه الفئة يف بداية الحكاية‬ ‫للقهر والظلم‪ ،‬وعاشت يف فقر وإذالل‪ ،‬ما خلّف حقدا ً وكرهاً تجاهه‪ ،‬فتكاتفت وثارت ضد حكمه خاص ًة بعد اتهامه‬ ‫لها بحرق “روما”‪ ،‬ومعاقبتهم عرب إطعامهم للنمور واألسود (قمة الظلم)‪ .‬جاء تحرك هذه الفئة جامعياً بعكس‬ ‫املعلم “سينيكا”‪ ،‬فنتج عن ذلك قوة ال ميكن إيقافها‪ ،‬فاستطاعت أن تقلب مسار أحداث الحكاية بعزل الحاكم‬ ‫وبقتله وباستالم الحكم وهي نتيجة عادلة ومستحقة‪.‬‬ ‫نجح مطران يف توصيف شخصيات هذه الحكاية ونقل تحركاتها ضمن أطر زمنية ومكانية‪ ،‬عىل الرغم من القالب‬ ‫الشعري العمودي الجامد الذي ح ّد من انسيابية األلفاظ الخربية ورسد األحداث وتتابع الجمل‪ .‬وتحركت هذه‬ ‫تعي يف تحركات الشخصية الرئيسة “نريون” الذي كان انتقل من روما إىل أثينا‪،‬‬ ‫الشخصيات يف إطار مكاين محدد‪ّ ،‬‬ ‫ث ّم عاد إىل روما‪ .‬أ ّما الزمان فقد تفنن الشاعر يف التالعب به‪ ،‬واستغلّه كعنرص فاعل يف رسد أحداث حكايته‪ ،‬حيث‬ ‫انطلق من الحارض (لحظة الصفر) لريوي أحداث ًا حصلت يف املايض‪ .‬وكر ّر الشاعر يف استعامله لهذه التقنية (العودة‬ ‫بالزمن إىل الوراء)‪ ،‬فقال مثالً‪:‬‬ ‫”عدَّ عن ذلك واذكر قتله أ ّمه كم عظ ٍة يف طي ذكرى“‬ ‫أيضا إىل زمن أمه عندما قتلت ع ّمه لتوليه الحكم يف بعض األبيات‪ ،‬ث ّم يعود الشاعر ليتابع التحرك األسايس‬ ‫وعاد بنا ً‬ ‫الذي يسري إىل األمام ليكمل لنا األحداث‪ ،‬ويرجع مجد ًدا إىل الوراء لزمن االمرباطور “قيلقوال” (والد نريون) الذي‬ ‫سخر من شعبه من خالل تعيني حصانه عض ًوا يف مجلس حكمه‪ ،‬فقدمه الشاعر كشاهد آخر عىل أعامل الظلم‬ ‫وليبي من جهة أخرى‪ ،‬سذاجة هذا الشعب وخضوعه‪.‬‬ ‫والفساد املتأصلة يف عائلة “نريون” من جهة‪ّ ،‬‬ ‫تساعد هذه التقنية يف توصيف املشهد وتخ ّيله‪ ،‬فكأنها تق ّدم لقطات مشهدية جامعة بني الوصف والرسد ورمبا‬ ‫الحوار‪ ،‬شبيهة باللقطات السينامئية يف األفالم‪ .‬ويتابع مطران رسد هذه الوقائع يف ح ّيز زماين أسايس يتقدم ببطء‪،‬‬ ‫تعرتض طريقه أحداتٌ تعيده إىل الوراء‪ ،‬ليصل أخ ًريا إىل ذكر الفاجعة الكربى حرق “روما” وشعبها؛ نجح مطران من‬ ‫خالل وصفه لهذه الفاجعة يف املقطع الثاين عرش وأن يعكس حالة “نريون” النفسية‪ ،‬عندما حاول بكتابته الشعرية‬ ‫فقسم هذا املقطع إىل ثالث وحدات داخلية تصف هذا الحريق شع ًرا فتصوي ًرا ث ّم‬ ‫أن يُص ّور هوس “نريون” بالفن‪ّ ،‬‬ ‫سام ًعا‪ ،‬وكأن الشاعر يعرض أمامنا مشه ًدا سينامئ ًيا كامالً يف مقطع شعري واحد يشكّل جوهر عمله الشعري‪ ،‬فهو‬ ‫يجسد شعريًا شكالً ومضمونًا هوس “نريون” النفيس بالفن الذي يصل عنده إىل درجة االختالل العقيل‬ ‫بتقسيمه هذا ّ‬ ‫ما دفعه إىل حرق “روما” واالستمتاع برؤية الناس يتأملون ويرصخون ويعانون ليجمع أنواع الفن (الشعر‪ ،‬الرسم‪،‬‬ ‫يعب عن وجع وأمل واقعي يشبع به رغباته املريضة‪.‬‬ ‫املوسيقى) يف عمل فني واحد حقيقي ّ‬ ‫قا َم سو ٌر حول “روما” ِ‬ ‫وصفْرا“‬ ‫ساط ٌع‬ ‫ناشا أعـــال َم ُه كًــــــــ ْمتًا ُ‬ ‫ًِ‬ ‫ِحذْق ُه َر ْس ًم وموسيقى َو ِشعرا‬ ‫”ينظــــــر ال َغ ِاش ُم يف أقــــــسا ِمها‬ ‫ينتهي الشاعر بقول تعميمي يتحرر من أطره الزمانية واملكانية ليكون حكمة صالحة يف كل مكان وزمان‪،‬‬ ‫يف املايض والحارض واملستقبل‪ .‬يو ّجه الشاعر من خاللها دعوة مفتوحة للقارئ توعيه وتق ّدم له عربة من هذه‬ ‫حاكم فاس ًدا مثل نريون‪ .‬قائالً‬ ‫الحكاية ورسالة إنسانية تذكره بدوره كمواطن قد يخلق بجهله وخضوعه‬ ‫ً‬ ‫قوم خالقو “نريونهم” “”قيرص قيل ل ُه أم قيل “كرسى“‬ ‫ّ‬ ‫!”كل ٍ‬ ‫‪31‬‬


‫أهداف الشاعر من نظم القصيدة‬‫“أتيت مبجهود يف التامس غاية‪،‬‬ ‫كان لخليل مطران أسباب كثرية دفعت به إىل نظم هذه القصيدة‪ ،‬قائالً يف ديوانه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اتيت بآية” ‪ .‬فام هي غاية الشاعر الرئيسة؟ وما أهم العوامل التي أث ّرت عليه؟‬ ‫وما ُ‬ ‫من خالل العودة إىل سرية خليل مطران الشاعر واألديب والصحفي ومقاربتها مبا جاءت به القصيدة ميكننا‬ ‫الكشف عن أهم العوامل التي أثرت عىل عملية نظم هذه القصيدة وعىل بنائها الشعري‪.‬‬ ‫‪-١‬العامل الفني‪:‬‬ ‫تأثر الشاعر بالثقافة األوروبية‪ ،‬وخاص ًة الفرنسية بعد أن اطّلع عىل أدب الرومانسيني وأفكارهم‪ .‬فأراد أن ينقل‬ ‫صورة التطور األديب إىل بلده بهدف التجديد ومواكبة التطورات الثقافية األدبية والجاملية‪ ،‬وهذا ما أث ّر عىل بناء‬ ‫قصيدته وعىل أسلوب كتابته الشعرية؛ فأدخل عنرص املطوالت الرسدية يف املوضوع الواحد إلنشاء تجربة جديدة‬ ‫من شأنها أن ترد اتهام اللغة العربية بالعجز عن مجاراة الثقافة الغربية؛ ونجح مطران يف ذلك‪ ،‬فجدد يف األسلوب‬ ‫والبناء الفني للقصيدة العربية‪ ،‬ودمج عنارص أدبية مغايرة يف طبيعتها عن الشعر يف بناء قصيدته (عنارص الرسد)‪،‬‬ ‫ليحقق وحدتها العضوية من دون أن ينسلخ عن تراثه الشعريب العريب‪ ،‬ملتز ًما بهيئة القصيدة العمودية القدمية‬ ‫القامئة عىل البيت الشعري بشطريه املتناظرين وبأوزانه الخليلية وبقافيته الواحدة‪.‬‬ ‫ولذلك كان مطران من شعراء مدرسة اإلحياء ‪ ،‬وكانت حركة اإلحياء مقدمة لظهور مدرسة الكالسيكية الحديثة‪،‬‬ ‫‪-٢‬العامل اإلنساين‪:‬‬ ‫ال يرى مطران الشعر مجرد وظيفة لغوية جاملية‪ ،‬بل عليه أن يكون رسالة وجدان وفكر ودعوة إصالح لألجيال‬ ‫الحارضة والالحقة؛ فكانت الغاية األساسية من نظم قصيدته إيصال رسالة إنسانية ضمنية تصلح املجتمع وتساهم‬ ‫يف ترقيه‪.‬‬ ‫مل ينتق مطران حكاية تاريخية عربية ليفخر برتاثه التاريخي‪ ،‬بل وقع اختياره عىل حكاية تاريخية عاملية فوظف‬ ‫الرتاث األديب العاملي كاستشهاد مناسب لنقل ما يريد إيصاله إىل القارئ‪ .‬فمن هذه الحكاية يستخلص القارئ عربة‬ ‫توعيه من أجل املطالبة بحقوقه كإنسان وكمواطن له دور فاعل يف تحديد مصري عيشه‪.‬‬ ‫‪-٣:‬العامل السيايس‬ ‫نالحظ يف أشعار مطران نزعة سياسية واضحة‪ ،‬فهو دامئًا يهاجم الحكم السيايس الديكتاتوري املستبد وينادي إىل‬ ‫تحرير الشعوب كار ًها جهلهم وعات ًبا عليهم‪ .‬فمثالً يقول الشاعر يف مقتل “بزرجمهر”‬ ‫“سجدوا لكرسى إذ بدا إجالالً كسجودهم للشمس إذ تتالال‬ ‫وهم أرادوا أن يصول فصاال‬ ‫تحـــــكم‬ ‫هم حـــــــكموه فاستــــبد‬ ‫ً‬ ‫والجــــهل داء قد تقادم عهده يف العاملني وال يزال عضاال”‬ ‫هذه النزعة السياسية الساعية إىل تحرير الشعوب تتجىل بوضوح يف سرية الشاعر؛ فقد قام بنرش أول قصيدة له‬ ‫باسم “معركة ايانا” التي لقيت مقاومة عنيفة ملا فيها من انتهاج حديث يف الشعر‪ ،‬حيث عال صوته تأث ًرا عىل‬ ‫االستبداد الحميدي ودعا إىل الوعي القومي‪ ،‬فالحقه الحكام وأوقفوه وضيقوا عليه‪ ،‬فهرب إىل باريس وأقام فرتة‬ ‫طويلة يدرس األدب الفرنيس واالنكليزي‪ ،‬واتصل برجال الحركة الوطنية الرتكية من أعضاء حزب “تركيا الفتاة”‪،‬‬ ‫فضيقت عليه الحكومة الرتكية أكرث‪ ،‬ث ّم قصد مرص وشارك بشارة تقال يف تحرير جريدة “األهرام” كام أنشأ جريدة‬ ‫“الجوانب املرصية” وهي صحيفة يومية اشرتك يف تأسيسها مع الشيخ يوسف الخازن‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫ونستدل عىل ظهور الراوي الذايت املتسلل بني األحداث الرسدية من خالل وجود ضمري املتكلم‪“ :‬أين‪ -‬يل‪ -‬ضمري‬ ‫(لست)”‪ .‬هذا ما يشري إىل أمرين أساسني األول هو أن وجود الراوي هو من آليات الرسد القصيص‪،‬‬ ‫الرفع املتحرك‬ ‫ُ‬ ‫والثاين هو أن وجوده الذايت الذي يسعى من خالله إىل التأثري عىل املتلقي وتوجيهه يدل عىل النزعة الشعرية‬ ‫الذاتية املسيطرة عىل هذا النص الشعري‪.‬‬ ‫ما يجعل هذه اآلليات الرسدية تقنيات استعارها الشاعر من الرسد ووظفّها يف البناء الشعري الطاغي واملسيطر‪.‬‬ ‫أيضا الهيئة الشعرية العمودية التي عرفتها القصيدة العربية الكالسيكية القامئة عىل البيت‬ ‫وما يؤكد ذلك ً‬ ‫الشعري بشطريه املتناظرين وبأوزانه الخليلية وبقافيته الواحدة‪.‬‬ ‫كام أن النزعة الشعرية الذاتية املتحكمة بالنص واملتمثلة بوجود الجمل اإلنشائية املقابلة للجمل الخربية خري‬ ‫‪:‬دليل عىل ذلك؛ فرنى التن ّو ع الظاهر يف أساليب التعبري كاالستفهام‬ ‫الخلق أو يقرأُ ِسفرا؟”‬ ‫يتق َّرى‬ ‫“أين منها شأن ُمفني ُعمر ِه‬ ‫َ‬ ‫‪:‬كام استعمل التوكيد‬ ‫القوم مام كان رشا”‬ ‫“إ ّن روما جعلت “نريونها”‬ ‫رش ِ‬ ‫وهو ُّ‬ ‫‪:‬واستعمل أسلوب التعجب‬ ‫الوحي ُد ّرا!”‬ ‫وحي ُه‪ ،‬لله ذاك‬ ‫رأسا أكربوا‬ ‫“وإذا ح ّرك ً‬ ‫ّ‬ ‫‪:‬واستعمل “الرشط” و”النفي”‬ ‫أجمعوا رأيًا أدار الطع َن نرثا”‬ ‫الناس فرادى فـــإذا‬ ‫ُ‬ ‫“يختـــــــل َ‬ ‫ي َر مـــــــــن يأمنـــها يأمـــ ُن وترا”‬ ‫“ مل يخل ذلك “نريون” ومل‬ ‫عرف الراوي مسار أحداث هذه الحكاية مسبقًا‪ ،‬فوظف الرسد يف بنائه الشعري املهيمن‪ ،‬ورسدها ضمن تنويع‬ ‫أسلويب ذايت مستنك ًرا حي ًنا بسؤاله‪ ،‬ومتعج ًبا حي ًنا آخر من الجهل املسيطر عىل شعب روما‪ ،‬مؤك ًدا النتيجة‬ ‫الحاصلة وهي أ ّن روما (الشعب) هي التي جعلت نريونها وق ّوته‪.‬‬ ‫ظهرت ضمن الهيئة البرصية الطباعية عالمات غري لغوية تشري إىل آليات الرسد يف ذلك الوقت‪ ،‬حيث أ ّن الجمل‬ ‫الخربية حتّمت عىل الشاعر استعامل عالمات الرتقيم يف بعض األحيان لغايات نحوية وشكل ّية تحدد نهاية الجمل‪،‬‬ ‫وتس ّهل عملية القراءة عند املتلقي‪ ،‬خاص ًة يف املقاطع الحوارية التي تستوجي استعامل عالمات ترقيم خاصة‬ ‫كالنقطتني (‪ ):‬بعد فعل القول‪:‬‬ ‫ْت الناس ط ّرا”‬ ‫“قال‪ :‬يب حسن‪ ،‬فقالت‪ :‬وبه‬ ‫يا فقيد الشبه‪ ،‬فُق َ‬ ‫أيضا لتحديد نهاية الجمل‪ ،‬وغريها من عالمات الرتقيم كعالفة االستفهام والتعجب‪...‬و استعمل‬ ‫ونرى الفاصلة (‪ً )،‬‬ ‫الشاعر املزدوجني (“”) للداللة عىل أسامء العلم ‪”:‬روما”‪“ -‬نريون”‪“ -‬كرسى”‪...‬‬ ‫أيضا أدوات الرتابط املستخدمة من أحرف عطف “و‪ -‬ث ّم‪ -‬فـــ” التي تزيد من ترابط الجمل وأحداث‬ ‫وكرثت ً‬ ‫الحكاية‪ .‬كام استعمل الشاعر بعض الكلامت الدالة عىل الرسد القصيص الحكايئ ملخاطبة القراء‪ ،‬كــ “سرنى‪،‬‬ ‫ع ّد عن ذلك‪ ”...‬وهي كلامت نسمعها عىل لسان الرواة دامئًا‪ ،‬تفتج أبواب التواصل بني الراوي واملتلقي‪ ،‬فيثري‬ ‫بواسطتها الراوي عنرص التشويق عند القارئ ويثري فضوله يف معرفة األحداث الالحقة‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫الئحة املصادر واملراجع‬ ‫أنس داود‪ ،‬رواد التجديد يف الشعر العريب الحديث‪ ،‬دار الجيل للطباعة‪.1975 ،‬جورج طراد‪ ،‬وعي النقد ومبادئ التأسيس(خليل‬ ‫مطران أمنوذ ًجا)‪ ،‬مؤمتر “النقد العريب الحديث بني التنظري والتأسيس‪ ،‬املعهد العايل للدكتوراه‪ ،‬الجامعة اللبنانية‪ ،‬يف ‪12-12-‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫جريار جنيت‪ ،‬كتاب أطراس‪ :‬األدب يف الدرجة الثانية‪ .‬ترجمة املختار حسني للفصل األول‪ ،‬فكر ونقد‪.1999 ،‬‬ ‫حاتم الصكر‪ ،‬مرايا نرسيس األمناط النوعية والتشكالت البنائية لقصيدة الرسد الحديثة‪ ،‬املؤسسة الجامعية للدراسات‬ ‫والنرش والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪.1999 ،‬‬ ‫‪.‬خليل مطران‪ ،‬ديوان الخليل‪ ،‬املجلد الثاين‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬طبعة جديدة‪ ،‬بريوت‪.1977 ،‬‬ ‫‪.‬خري الدين الزركيل‪ ،‬معجم املُنجد يف األعالم‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬بريوت‪.1986 ،‬لويس معلوف‪ ،‬املُنجد يف‬ ‫اللغة واألدب والعلوم‪ ،‬الطبعة التاسعة عرشة‪ ،‬املطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بريوت‪.‬‬ ‫محمد عزام‪ ،‬النقد والداللة نحو تحليل سمياين لألدب‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪.1996 ،‬‬ ‫ميشال جحا‪ ،‬خليل مطران باكورة التجديد يف الشعر العريب الحديث‪ ،‬دار املسرية‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪1981 ،‬م‪.‬‬ ‫ميشال جحا‪ ،‬الشعر العريب الحديث من أحمد شوقي إىل محمود درويش‪ ،‬دار العودة ودار الثقافة‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪.1999 ،‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫حفل تاريخ الشاعر بالنضاالت السياسية والوطنية‪ ،‬كام حفلت نصوصه الشعرية بالرسائل الضمنية الهادفة إىل‬ ‫تحرير الشعوب‪ .‬قائالً‪“ :‬كنت أرى آالم الشعوب وتعاستها‪ ،‬وأنكرها واعتقد أنها متأتية من جهل الشعوب‪ ،‬فأردتُ‬ ‫أن تشعر الشعوب مبسؤوليتها بحقّها يف الحياة الح ّرة السعيدة‪ ،‬وأن ال تتنازل عنه عىل الرغم من التهديد”‪.‬‬ ‫تعرب رسالة الشاعر زمن املايض فانتزعت منه أحداث حكاية االمرباطور “نريون” لتصل إىل زمن الشاعر‪ ،‬متوجه ًة‬ ‫إىل الشعوب العربية الخاضعة بإرادتها لظلم واستبداد الحكّام العرب‪ ،‬الواقفة موقف الصامت املتفرج عىل‬ ‫لتعب عن واقع كثري من الدول‬ ‫االنتهاكات اإلنسانية الحاصلة‪ .‬وتتعدى هذه الرسالة حارض الشاعر إىل املستقبل ّ‬ ‫العربية التي ال تزال تشهد نريونها الخاص‪ ،‬متوجه ًة من جهة إىل الشعوب العربية املريضة املصابة بداء الجهل‬ ‫حتى يومنا هذا ‪-‬فهو عىل حد قوله ال يزال عضاالً‪ -‬مقدر ًة كل محاوالت الشعوب الثائرة عىل ظلم وفساد نريونها‪،‬‬ ‫من جهة ثانية‪.‬‬ ‫وظّف الشاعر خليل مطران آليات الرسد يف بناء قصيدته “نريون” ملقاصد تعبريية أراده وقد حققت وحدتها‬ ‫العضوية‪ ،‬وعكست شعريتها‪ ،‬فجاءت يف بناء متامسك طويل ذا نزعة قصصية ملحمية بني الرسد والشعر‪ ،‬من‬ ‫جهة‪ ،‬وبني القديم والجديد من جهة أخرى‪ ،‬له قوة خطابية شعرية فاعلة ومؤثرة عىل القارئ‪ .‬اندمجت كل هذه‬ ‫العنارص يف بوتقة داللية واحدة مثلت تجربة شعرية أصيلة أبقت عىل هوية القصيدة العربية املعروفة وعىل‬ ‫خصائص البناء الشعري‪ ،‬ولكنها جاءت بروح جديدة فتحت أبواب التناص بني األنواع األدبية وبني النصوص األدبية‬ ‫والتاريخية‪ .‬وكانت هذه القصيدة خري مثال عىل إمكانيات القصيدة املوروثة بقيودها يف الوزن والقافية التي‬ ‫ال تحد الوحدة املوضوعية والعضوية إذا تيرس للعمل الفني شاعر عظيم كمطران يعرف عمق هذه اإلمكانات‬ ‫ويوظفها مبا يخدم أغراضه الفنية‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪.‬خليل مطران باكورة التجديد يف الشعر العريب الحديث‪ ،‬ميشال جحا‪ ،‬ص ‪. 85 79-‬‬ ‫الشعر العريب الحديث من أحمد شوقي إىل محمود درويش‪ ،‬ميشال خليل جحا‪ ،‬دار العودة ودار الثقافة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪. ،1999 ،1‬‬ ‫‪.‬ص‪90‬‬

‫‪35‬‬


‫ومن ناحية املغرب‪ ،‬ارتسم درب الحج املرصي‪ ،‬يسلكه حجاج مرص ومن رافقهم من حجاج املغرب واألندلس‬ ‫وأفريقيا يف طريقهم إىل مكة املكرمة متجهني إىل شبه جزيرة سيناء للوصول إىل أيلة “العقبة” وهي أول محطة‬ ‫يف الطريق‪ ،‬ويلتقي هذا الدرب يف منطقة السقيا “الخشيبة” بطريق الحج الشامي ليسري معه إىل املدينة املنورة‪.‬‬ ‫ومن سواحل الشام‪ ،‬كان الطريق الشامي هو األهم‪ ،‬ويبدأ مساره من دمشق‪ ،‬ومير ببرصى الشام “درعا”‪ ،‬وعرف‬ ‫أيضاَ باسم التبوكية نسبة إىل بلدة تبوك التي مير بها‪.‬‬ ‫يف العهد العثامين‪ ،‬وبعد متدد السلطنة العثامنية عىل بالد الشام والعراق والحجاز ومرص‪ ،‬أبدى العثامنيون‬ ‫اهتاممهم بتجهيز قوافل الحجاج وبذلوا يف ذلك الجهود املتعددة‪ ،‬عىل املستويات كافة‪ .‬ال سيام وأن السالطني‪،‬‬ ‫ومنذ إبداء رشيف مكة فروض الطاعة للسطان سليم األول‪ ،‬أوقفوا عىل مكة‪ ،‬قبلة املسلمني‪ ،‬األوقاف‪ ،‬فكان لها‬ ‫ثلث ما يجبى من مرص‪ ،‬ثم أوقفوا عليها مردود اليونان بعد فتحها؛ إضافة اىل إعفائها من الرضائب‪.‬كانت قافلة‬ ‫الحج الشامي إحدى القوافل التي كانت تجهز من قبل السلطات العثامنية يف األمصار؛ فكان هناك قافلة الحج‬ ‫العراقي وضمت حجاج العراق وفارس‪ ،‬وقافلة الحج اليمني‪ ،‬وتضم حجيج اليمن والهند وماليزيا وأندونيسيا‪،‬‬ ‫وينضم إليهم حجاج الحبشة والصومال واألفارقة الذين يصلون إىل مصوع وسواكن ومواىنء اليمن‪ .‬وتجدر اإلشارة‬ ‫اىل أن قافلة الحج املرصي كانت من أهم القوافل‪ :‬إذ كانت تضم حجيج مرص وشامل أفريقيا‪ ،‬وتركز عليها‬ ‫االهتامم كونها ضمت املحمل املرصي وكسوة الكعبة املرشفة الجديدة‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫الحج الشامي يف العرص العثامين‬ ‫د‪ .‬هنادي أمني‬ ‫ارتبط تاريخ املسلمني وترابطهم يف ما بينهم بالحج‪ ،‬إذ اعتربت قوافل الحج التي عربت الدروب من قارات العامل القديم‪،‬‬ ‫مبثابة جسور تواصل تلتقي مرة كل عام يف مكة مهد الرسالة وعاصمة اإلسالم الدينية عىل مر العصور‪ .‬وكانت وترية‬ ‫الركبان عامرة عىل تلك الدروب‪ ،‬وارتبطت بها حركة التجارة والثقافة والعمران‪ .‬وليس هذا فحسب‪ ،‬بل غدت هذه‬ ‫الدروب مسارات ثابتة يف غري مواسم الحج‪ ،‬يسلكها املسافرون بني األمصار كونها أسلم الطرق مبا تحويه من محطات‬ ‫وخانات تساعد املسافر عىل التقاط أنفاسه من وسائل النقل البسيطة التي كانت معتمدة آنذاكوبالنسبة للحج‪ ،‬عىل‬ ‫مر العهود اإلسالمية‪ ،‬تعددت الدروب املؤدية اليه من األمصار‪ .‬فكانت مدن بغداد والكوفة والبرصة محطات للقادمني‬ ‫من مشارق العامل اإلسالمي‪ ،‬فيام كانت مدن القاهرة والقدس ودمشق املقصد األخري للحجاج للتجمع قبل االنطالق يف‬ ‫القوافل املنطلقة عىل دروب الحج‪ .‬فكان هناك طرق الكوفة‪ -‬مكة‪ ،‬وهو من أهم طرق الحج والتجارة‪ ،‬و ُعرف باسم درب‬ ‫زبيدة‪ ،‬نسبة إىل زوجة الخليفة هارون الرشيد التي أسهمت يف عامرته وإغنائه بالعامرات واملحطات واملرافق الالزمة من‬ ‫آبار وغريها ‪ .‬ثم طريق البرصة‪ ،‬ويلتقي طريق البرصة بالطريق الرئييس املمتد من الكوفة عند منطقة معدن النقرة‪ ،‬كام‬ ‫يلتقي به عند محطة أم خرمان يف األوطاس ‪ .‬ومن طرق الحج أيضاً‪ ،‬تلك التي ربطت بني اليمن والحجاز وقد اختلفت‬ ‫مساراتها‪ ،‬وتعددت كذلك املدن التي تسري منها‪ ،‬ولعل أهم املدن التي انطلقت منها جموع الحجاج اليمنيني إىل مكة هي‬ ‫عدن‪ ،‬وتعز و صنعاء وزبيد وصعدة يف شامل اليمن‪.‬‬

‫_____________________‬

‫ سعد عبد العزيز الراشد‪ ،‬درب زبيدة‪ ،‬طريق الحج من الكوفة اىل مكة املكرمة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الوطن للنرش واالعالم‪ ،‬الرياض‪1414 ،‬هـ‪1993/‬م‪.‬‬‫‪ -‬عوض بن صالح الرسور‪ ،‬طريق الحج البرصي بني النباج والرقعي‪ ،‬شبكة الوسام‪2012 ،‬‬

‫‪37‬‬


‫أوالً‪ :‬التوافد وتهيئة القافلة‪:‬‬ ‫قبل موسم الحج‪ ،‬كان يدخل دمشق‪ ،‬عدد كبري من الحجاج‪ ،‬من املناطق الشاملية والرشقية‪ ،‬من داخل الدولة‬ ‫العثامنية وخارجها‪ ،‬ويصلون إليها جامعات عرفت بحسب مناطقها؛ وكان أبرزها الحج الرومي‪ ،‬والحج الحلبي‪،‬‬ ‫والحج العجمي‪ ،‬والحج الشامي‪ ،‬ومل تكن هذه التقسيامت الجغرافية ضيقة املعنى‪ ،‬اذ التحق بهذه الجامعات‬ ‫حجاج من خارج مناطقهم‪ .‬وكان أكرث هذه الجامعات عددا ً الحج الرومي ألن كلمة روم أطلقت عىل املناطق ما‬ ‫وراء طوروس والفرات‪.‬‬ ‫وكان موعد التوافد عىل مدينة دمشق بدءا ً من شهر رمضان‪ ،‬حيث ينزل الوافدون يف الخانات‪ ،‬كخان الحرمني‬ ‫القريب من باب الربيد‪ ،‬وخان أسعد باشا يف سوق البزورية‪ ،‬ويف أحياء الخراب شامل حي الشاغور والقنوات‬ ‫وسوق ساروجة‪.‬‬ ‫ومل يرش املؤرخون إىل عدد حجاج قافلة الحج الشامي ككل إال يف الحاالت التي هوجمت فيها القافلة يف طريقها‬ ‫إىل الحجاز‪ .‬ومل تكن األعداد التي أعطوها صحيحة ألنها غري مبنية عىل أية وقائع‪ .‬وكثريا ً ما كانت تضخم لإليحاء‬ ‫بشدة الهجوم وكرثة الخسائر‪ ،‬كام حدث مثالً بالنسبة للقافلة التي هوجمت يف طريق العودة يف أيلول ‪1757‬م‪،‬‬ ‫يف املنطقة بني القطرانة ومعان‪ .‬وقد قدر عدد هذه القافلة الرحالة الفرنيس فولني‪ ،‬الذي زار بالد الشام يف‬ ‫حوايل عام ‪1784‬م‪ ،‬بأنه كان ‪ . 60000‬وقدرها مصدر معارص يف استانبول بأنها كانت بني ‪ 7000‬و ‪100000‬؛ وذكر‬ ‫فولني أن عدد حجاج القافلة يف الظروف العادية تراوح بني ‪ 30000‬و ‪ 50000‬وقد قدر عددها مراقب آخر يف‬ ‫عام ‪1739‬م بأنه يرتاوح بني ‪ 15000‬و‪ .20000‬ولعل متوسط عدد حجاج قافلة الحج الشامي كان بحدود ‪،20000‬‬ ‫وارتفع أحياناً إىل ‪ ،40000‬أو أكرث‪.‬‬ ‫وقد تناقص عدد الحجاج األروام‪ ،‬امللتحقني بقافلة الحج الشامي‪ ،‬يف القرن التاسع عرش امليالدي‪ /‬الثالث عرش‬ ‫الهجري‪ ،‬يف أعقاب تسيري البواخر املنتظمة يف البحر األبيض املتوسط‪ ،‬فانتقل عدد متزايد من الحجاج بواسطتها‬ ‫إىل جدة‪ ،‬وبخاصة بعد افتتاح قناة السويس يف عام ‪1869‬م‪ .‬وقدر عدد حجاج القافلة التي عادت إىل دمشق يف‬ ‫‪ 21‬نيسان ‪ 1845‬بـ ‪ 6000‬منهم ‪ 2000‬تريك و ‪ 2000‬عجمي والبقية من العرب‪.‬‬ ‫وممن وصف الحج الشامي التونيس سنة ‪ 1300‬هـ ‪ ،‬وقال إن القافلة يرافقها ‪ 400‬عسكري عىل الخيل و ‪100‬‬ ‫جندي رامي و ‪ 50‬طوبجية معهم مدفعني وباش بوسطجي بيده أمرة املكاتيب الصادرة والواردة كام يرافقهم‬ ‫نائب القضاء محمود أفندي ‪ .‬ورافق الحملة الطبيب نائف أفندي‪ .‬وكان عدد النفوس ‪ 5000‬شخص بني رجال‬ ‫وركبان مقسمني عىل املقومني‪ .‬ويف رحلة أحدث د ّونها سليامن شفيق كاميل عام ‪١٣٠٦‬هجري‪ ،‬وكان والده حامال‬ ‫للرصة وقد دون يوميات مفيدة جدا يقول‪ :‬وقد خرج الركب من دمشق ‪ ٢٠‬مايو ويقول إنه كان يف القافلة ‪٣٠٠‬‬ ‫أو ‪ ٤٠٠‬عكام و ‪ ٧٠٠‬أو ‪ ٨٠٠‬حامل وما يقرب من ‪ ٢٠٠٠‬اىل ‪ ٣٠٠٠‬ناقة‪ .‬وكان قائد الحملة سعيد باشا‬ ‫_______________________‬

‫ راجع الخريطة رقم ‪1‬‬‫ صالح الدين املنجد ‪ ،‬والة دمشق يف العهد العثامين‪ ،‬دمشق ‪ ،1947 ،‬ص ‪53 ، 2‬‬‫‪ -‬أحمد البديري الحالق‪ ،‬حوادث دمشق اليومية‪ ،‬تحقيق أحمد عبد الكريم ‪ ،‬القاهرة ‪ ،1959‬ص ‪176‬‬

‫‪38‬‬


‫بالنسبة لقافلة الحج الشامي‪ ،‬كانت تضم حجاج بالد الشام والجزيرة وأذربيجان والقوقاز والقرم واألناضول‬ ‫والبلقان‪ ،‬وحجاج إستانبول نفسها‪ ،‬وكان عددها يرتاوح ما بني ثالثني وخمسني ألفًا‪ .‬من هنا‪ ،‬ميكن اعتبارها أيضاً‬ ‫من أهم القوافل‪ ،‬إذ كان السلطان العثامين يرشف بنفسه عىل ترتيب وإعداد هذه القافلة وخروجها من مدينة‬ ‫إستانبول‪ .‬وقد لعبت قافلة الحج الشامي دورا ً مهامً يف تاريخ دمشق وبالد الشام بعامة‪ ،‬وكانت لها أهمية خاصة‬ ‫يف الدولة العثامنية ألن السلطان العثامين‪ ،‬منذ فتحه حلب يف عام ‪1516‬م ‪ ،‬اتخذ لقب حامي ( أو خادم ) الحرمني‬ ‫الرشيفني‪ ،‬واقتىض ذلك تأمني سالمة الحجاج لزيارة الحرمني الرشيفني أما بالنسبة للطريق الذي سلكته قافلة‬ ‫الحج الشامي‪ ،‬قدمياً فكان عىل ثالثني مرحلة وفق ابن شجاع‪ ،‬يف رسالته منازل الحجاز‪ :‬الكسوه – الضمري – زرع ‪-‬‬ ‫وادي الشجرة ‪ -‬وادي الظليل ‪ -‬وادي الزرقاء‪ -‬زيزا يف البلقاء ‪ -‬ألف نادور ‪ -‬قبل الجول ‪ -‬عسيكر ‪ -‬أرض الحفري‬ ‫– مدينة معان ‪ -‬مسيل مسيحر ‪ -‬عقبة ‪ -‬رسغ ‪ -‬حالة ‪ -‬مدينة تبوك ‪ -‬وادي الديسة ويسمى وادي الطلح‬ ‫ بري األخيرض ‪ -‬اسفل الحاكة ‪ -‬األقارع ‪ِ -‬‬‫الحجر ‪ -‬العال ‪ -‬الحفائر – دياوان ‪ -‬هدية ‪ -‬وادي املف ّرح ‪ -‬غدير‬ ‫يلب ‪ -‬غراب – وصوالً اىل املدينة الرشيفة ويقول الجزيري إن املسافة بني تبوك والعال تعترب األكرث مشقة‪ ،‬حيث ال‬ ‫يتوسط مسافتها سوى برئ واحدة‪ ،‬هو األخيرض‪ ،‬وتسمى املفازة الكربى‪ ،‬وقد اعتنى بعض التجار الشامييني بعمله‬ ‫وإصالحه‪.‬‬ ‫ويف العهد العثامين‪ ،‬يبدأ مسار هذا الطريق من دمشق و مير ببرصى الشام (درعا)‪ ،‬و مبنازل أخرى أهمها‬ ‫أذرعات‪ ،‬و معان واملدورة ( رسغ ) ثم يدخل الحجاز‪ ،‬ومير عىل حالة عامر‪ ،‬ثم ذات الحاج ثم تبوك‪ ،‬ثم األخيرض‬ ‫ثم املعظم ثم األقرع ‪ ،‬ثم الحجر‪ ،‬ثم العال فيمر بعد العال عىل قلعة الفقري ( مغرية )‪ ،‬ثم عىل سهل املطران‪ ،‬ثم‬ ‫بقلعة زمرد‪ ،‬ثم بالبرئ الجديدة‪ ،‬ثم هدية‪ ،‬ثم إسطبل عنرت‪ ،‬ثم الفحلتني ‪ ،‬ثم آبار نصيف‪ ،‬ثم الحفرية واصال اىل‬ ‫طابة الطيبة‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫ جارس الحمد‪ ،‬منازل الحج الشامي البن شجاع الدمشقي‪ ،‬مجلة العرب‪ ،1976،‬مجلد ‪ ،10‬ص ‪869-908‬‬‫ عبد القادر بن محمد الجزيري‪ ،‬الدرر الفرائد املنظمة يف أخبار الحاج وطريق مكة املعظمة‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪،2002 ،‬الباب‬‫الخامس‪ ،‬ص ‪63‬‬

‫‪39‬‬


‫ولهذا عمد السلطان يف عام ‪ 1708‬إىل تعيني وايل دمشق باستمرار أمريا ً للحج الشامي‪.‬‬ ‫ومن التطورات الهامة التي ترتبت عىل تعيني وايل دمشق أمريا ً للحج واستمراره يف منصبه طاملا أنه يؤمن سالمة‬ ‫القافلة مام أرىض السلطان والرأي العام الديني‪ .‬ولهذا شهدت دمشق‪ ،‬منذ عام ‪ ،1708‬استمرار والتها يف الحكم‬ ‫سنوات عديدة‪ ،‬خالفاً ملا كان عليه األمر يف القرن السابق‪ .‬وقد أدى ذلك إىل إطالة حكم الوالة من آل العظم‬ ‫الذين أمنوا سالمة القافلة ‪ ،‬وحكموا دمشق حوايل ستني سنة بشكل متقطع يف القرن الثامن عرش و التاسع عرش‬ ‫امليالدي‪.‬‬ ‫واستمر والة دمشق يعينون أمراء للحج حتى عام ‪ 1866‬حني فصل املنصبان‪ ،‬وعهد باإلمارة إىل قائد قوات ( الباش‬ ‫بوزوق ) ‪ ،‬الذي أصبح يعرف مبحافظ الحج ‪ .‬وتشري مراجع أخرى أن وايل سورية عام‪ ،1871‬فقد “منصباً رشفياً‬ ‫هاماً‪ ،‬وذلك لفصل إدارة الحج الشامي عن وظيفته وإفرادها بأمري خاص‪ ،‬وكان ذلك يف عهد الوايل عبد اللطيف‬ ‫صبحي باشا”‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬متويل القافلة‬ ‫تنوعت املصادر املالية التي مولت قافلة الحج الشامي‪ ،‬وجاء قسم كبري منها من الرضائب التي أشري إليها مبال‬ ‫املريي‪ ،‬أو من الرسوم التي فرضتها الدولة عىل التجارة والصناعات يف والية الشام بصورة رئيسية ويف واليات صيدا‬ ‫وطرابلس وحلب إىل حد ما ‪ .‬وقد سبقت اإلشارة إىل أن تعيني أمري الحج من بني حكام صناجق نابلس‪ ،‬عجلون‪،‬‬ ‫اللجون‪ ،‬غزه‪ ،‬صفد ‪ ،‬القدس‪ ،‬أو تعيني أمري الحج حاكامً‪ ،‬يف الوقت نفسه‪ ،‬عىل واحد أو اكرث من هذه الصناجق‪،‬‬ ‫يف الفرتة التي سبقت تعيني وايل الشام أمريا ً للحج‪ ،‬يف ‪ ، 1708‬كان الهدف منه جمع أموال املريي من هذه املناطق‬ ‫لتمويل قافلة الحج‪ .‬وعرف املال املخصص لذلك بأنه “ مال الحج “‪ ،‬واملال املخصص للجردة بأنه “ مال مالقاة‬ ‫الجردة “ ‪ . .‬وعندما عني وايل دمشق أمريا ً للحج أصبح يخرج بنفسه كل سنة‪ ،‬قبيل خروج القافلة ليدور عىل‬ ‫الصناجق التابعة لواليته ويجمع منها مال املريي املخصص للقافلة ‪ ،‬وعرف خروجه هذا بالدورة ‪ .‬ورغم أن وايل‬ ‫دمشق هو يف األساس املحصل الرئييس ألموال املريي يف واليته فلم يكن مضطرا ً قبل تعيينه إلمارة الحج للخروج‬ ‫كل سنة لجمع الرضائب ألن حكام الصناجق املحليني الذين عينوا أمراء للحج قاموا عنه بهذه املهمة ‪.‬‬ ‫واستخدم أمري الحج هذه املوارد لإلنفاق عىل احتياجات القافلة مثل استئجار قوى عسكرية غري نظامية للمشاركة‬ ‫يف حامية القافلة‪ ،‬وتوفري املؤن الالزمة للقامئني بشؤون الحج‪ ،‬وكذلك وسائط نقلهم‪.‬‬ ‫واحتاج أمري الحج إىل استئجار املئات من الجامل لنقل الجنود واملؤن املتعلقة بالقافلة‪ .‬فقد استأجر عثامن باشا‬ ‫وايل الشام وأمري الحج‪ ،‬يف جامدى األوىل ‪ 1174‬ه‪ /‬كانون األول ‪1760‬م‪ ،‬خمسامئة جمل من مشايخ قرى حوران‬ ‫لنقل أثقاله إىل املدينة املنورة‪ .‬واستأجر أكرث من ذلك العدد يف العام التايل‪.‬‬ ‫وانفق أمري الحج‪ ،‬من املال املخصص للحج‪ ،‬املبالغ املرصدة للرص أو الرصة التي كانت تدفع إىل بعض القبائل‬ ‫البدوية عىل طريق الحج لرشاء حاميتها‪ .‬وقد حاول العثامنيون‪ ،‬يف مطلع حكمهم لبالد الشام‪ ،‬السيطرة عىل‬ ‫القبائل البدوية‪ .‬يف جنويب بالد الشام‪ .‬ولكنهم فشلوا‪ ،‬ولذلك لجأوا إىل العادة القدمية برشاء رىض القبائل باملال‬ ‫وكان السلطان العثامين يرسل‪ ،‬مبناسبة سفر قافلة الحج الشامي إىل الحجاز أعطيات نقدية وعينية‪ ،‬عرفت بالرصة‪،‬‬ ‫إىل أرشاف وعلامء وفقراء األماكن املقدسة ‪ ،‬التي ضمت مكة واملدينة وأحياناً القدس‪.‬‬ ‫________________________‬ ‫ املرجع نفسه‪.‬‬‫ عبد العزيز محمد عوض‪ ،‬االدارة العثامنية يف والية سورية (‪ ،)1864-1914‬دار املعارف‪ ،‬مرص‪ ،‬ال ت‪ ،.‬ص ‪87‬‬‫ امحمد بن طولون‪ ،‬أعالم الورى‪ ،‬تحقيق أحمد دهمن‪ ،‬دمشق ‪ ،1964‬ص ‪225 220-‬‬‫ عبد الكريم رافق‪ ،‬بالد الشام ومرص‪ ،‬دمشق ‪ ،1968‬ص ‪225 220-‬‬‫‪ -‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪231 225- ،214 213-‬‬

‫‪40‬‬


‫ثانياً‪ :‬قيادة القافلة‬ ‫عمد العثامنيون‪ ،‬يف بالد الشام ‪ ،‬إىل تعيني أحد األمراء املحليني‪ ،‬من حكام صناجق غزة أو عجلون أو اللجون أو‬ ‫نابلس أو صفد أو القدس‪ ،‬التي كانت تتبع والية الشام ‪ ،‬أمريا ً عىل الحج‪ ،‬وممن عني من هؤالء األمراء املحليني‬ ‫أمراء لقافلة الحج الشامي قانصوه بن مساعدة الغزاوي أمري عجلون والكرك‪ ،‬الذي شغل منصب أمري الحج‬ ‫الشامي مدة خمس عرشة سنة‪ ،‬من حوايل عام ‪ 980‬ه‪1572 – 1572/‬م‪ ،‬وعني أيضاً لهذا املنصب األمري منصور‬ ‫بن فريخ ‪ ،‬أمري البقاع‪ ،‬الذي مد سلطته عىل صناجق صفد وعجلون ونابلس‪ ،‬واألمري أحمد بن األمري قانصوه بن‬ ‫مساعد الغزاوي ‪ ،‬حاكم عجلون‪ ،‬واألمري طراباي‪ ،‬حاكم اللجون‪ ،‬واألمري فروخ بن عبدالله‪ ،‬حاكم نابلس والقدس ‪.‬‬ ‫وكانت الدولة العثامنية قد اعرتفت بهؤالء األمراء املحليني‪ ،‬الذين قامت قوتهم عىل أسس قبلية وإقطاعية‪ ،‬حكاماً‬ ‫عىل الصناجق التابعة لوالية الشام ألنهم أثبتوا وجودهم وسلطتهم محلياً‪ ،‬ثم عمدت إىل تعيني بعضهم أمراء‬ ‫للحج ألنهم أصحاب سلطة بني البدو وبإمكانهم تسيري قافلة الحج بسالم إىل الحجاز‪.‬‬ ‫وحني قام فخر الدين املعني الثاين‪ ،‬أمري جبل لبنان‪ ،‬بتوسيع سلطته يف الفرتة بني ‪ 1590‬و ‪1635‬م‪ ،‬لتشمل الساحل‬ ‫اللبناين والبقاع وصناجق فلسطني ‪،‬اصطدم باألمراء املحليني‪ ،‬الذين عينوا أمراء عىل الحج‪ ،‬فأزال بعضهم من‬ ‫السلطة‪ ،‬وأضعف البعض اآلخر‪ .‬وحني قضت الدولة العثامنية عىل األمري فخر الدين يف عام ‪1635‬م ظهر فراغ‬ ‫محيل يف املنطقة‪ .‬رسعان ما مأله والة دمشق ووالة صيدا‪ ،‬وعمدت الدولة إىل تعيني إنكشارية دمشق الذين‬ ‫ازدادت سلطتهم يف هذه الفرتة ‪ ،‬أمراء عىل الحج الشامي‪.‬‬ ‫ثم أقامت طائفة إنكشارية جديدة عرفت بالقايب ( عبيد السلطان ) إىل جانبهم‪ .‬وكانت هذه الطائفة أكرث والء‬ ‫للسلطان‪ .‬ولجأت الدولة إىل تعيني موظفني عثامنيني ‪ ،‬ضموا بعض والة دمشق‪ ،‬أمراء للحج الشامي‪ ،‬وعني بعضهم‪،‬‬ ‫يف الوقت نفسه ‪ ،‬حكاماً عىل الصناجق السابقة‪ .‬وطبيعي أنه مل تكن هناك من سنة محددة تم فيها استبدال‬ ‫طائفة من أمراء الحج بأخرى‪ ،‬إذ تداخلت الفرتات مع بعضها‪ ،‬ومع ذلك متيزت كل فرتة باشتهار فئة معينة يف‬ ‫إمارة الحج‪.‬‬ ‫ومل يكن للموظفني العثامنيني‪ ،‬الذين عينوا أمراء للحج‪ ،‬مصالح محلية‪ ،‬عىل غرار حكام الصناجق املحليني ‪،‬‬ ‫ليحرصوا عليها بل كان همهم اإلثراء من منصبهم بعد أن اشرتوه باملال‪ ،‬لذا عمدوا إىل االمتناع عن دفع ما‬ ‫اعتادت الدولة دفعه من أعطيات للقبائل املتحكمة بطريق الحج لرشاء طاعتها وحاميتها للقافلة‪ .‬وقد عرفت‬ ‫هذه األعطيات بالرص أو الرصة‪ .‬وكانت تدفع للقبائل عىل قسطني‪ ،‬يف الذهاب ويف اإلياب وأدى امتناع أمري الحج‬ ‫عن دفع الرص إىل البدو‪ ،‬وبخاصة يف طريق العودة‪ ،‬إىل مهاجمة القبائل للقافلة‪ .‬ومام أغرى البدو للقيام بذلك أن‬ ‫القافلة يف طريق العودة كانت محملة بالبضائع‪.‬‬ ‫وقد هوجمت قافلة الحج سبع مرات يف القرن التاسع عرش امليالدي‪ ،‬جرت خمس منها يف الثالثني سنة األخرية من‬ ‫القرن‪ ،‬حني عني أمراء الحج من املوظفني ‪ .‬وأدى هجوم عام ‪ 1112‬ه‪1701 – 1700/‬م إىل إبادة القافلة بكاملها‬ ‫تقريباً‪ .‬وتسببت كثافة الهجامت يف األرضار بهيبة الدولة لدى املسلمني‪.‬‬ ‫________________________‬ ‫ أحمد البديري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪171‬‬‫ املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪10‬‬‫ املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪161‬‬‫ عبد الكريم رافق‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪9‬‬‫ املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪9‬‬‫‪ -‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪10‬‬

‫‪41‬‬


‫وأسهمت طائفة العكامة يف عملية نقل الحجاج‪ ،‬ولكن دورها كان ثانوياً إذا ما قورن باملقومني الذين تعهدوا‬ ‫عملية النقل بكاملها‪ .‬والعكام هو الذي يقود الجمل ويخدم راكبيه‪ .‬ويف حني أن طائفة املقومني اختصت بنقل‬ ‫الحجاج فقط‪ ،‬فإن طائفة العكامة استخدمت يف مرافقة حيوانات النقل‪ ،‬من جامل وغريها‪ ،‬ويف خدمات متعددة‪،‬‬ ‫مثل نقل الذخائر بني حلب وبالد الروم‪ ،‬أو مرافقة املسافرين يف أنحاء االمرباطورية‪ .‬وأسهمت كذلك طائفة‬ ‫الجاملة يف تقديم الجامل ألغراض الحج ولكنها مل تتدخل مبارشة بنقل الحجاج‪ .‬وتقديم الجامل ألغراض الحج جزء‬ ‫من عمل هذه الطائفة الذي شمل أيضاً تقديم الجامل للقيام بخدمات التحميل بصورة عامة‪ .‬كام أن املشعلجية‪،‬‬ ‫وهم حملة املشاعل‪ ،‬رافقوا جامعات املسافرين ‪ .‬كام كان هناك املهتار‪ :‬ووظيفته القيام عىل خيم الحجاج‬ ‫املوجودين عند املقوم من أمر نصبها عند نزول الحجاج للراحة‪ ،‬وفكها عند سري الركب وهلم جرا‪ ...‬وتكون‬ ‫حركته يف كل مرحلة يسبق الركب‪ ،‬وعند نهاية املرحلة ينصب الخيام ويهيئها للحجاج‪ .‬وهذه وظيفته يف الذهاب‬ ‫واإلياب‪ ،‬وله أجرة معلومة من املقوم‪.‬‬ ‫واختلفت أسعار نقل الحجاج‪ ،‬تبعاً للخدمات املقدمة لهم ‪ .‬مثال عىل ذلك عينتني‪ :‬األوىل من حلب‪ ،‬من حوايل‬ ‫منتصف القرن الحادي عرش الهجري‪ ،‬والثانية من دمشق‪ ،‬من حوايل منتصف القرن الثاين عرش الهجري‪ .‬ففي‬ ‫العينة األوىل تعاقد مسافر وأمه ‪ ،‬يف ‪ 16‬شعبان ‪ 1045‬ه‪ 25/‬كانون الثاين ‪1626‬م‪ ،‬مع مقوم عىل أن يدفعا له‬ ‫لقاء حملهام يف محارتني من الخشب ( شقدوفتني )‪ ،‬ونقلهام من مدينة حلب إىل مكة املكرمة ثم إىل عرفات‪ ،‬ثم‬ ‫إىل مكة عودا‪ ،‬صحبة الركب الرشيف ( أي قافلة الحج الشامي ) ‪ ،‬املتوجه يف ذلك العام إىل الحجاز‪ ،‬وتزويدهام‬ ‫“بجميع أكلهام ومائهام وزادهام وساير لوازمهام الرضورية التي ال بد منها يف الطريق” أجرة قدرها مائة قرش‬ ‫مقبوضة من املتعاقدين “ قبضاً تاماً سلفاً ومعجالً”‪.‬‬ ‫ويبدو أن هناك تخفيضاً ألفراد األرسة‪ ،‬ورمبا روعي سن األوالد ‪ ،‬بدليل أن األم وابنها يف املثال السابق دفعا مائة‬ ‫قرش يف حني أن أمرأة من حلب تعاقدت بعد شهر من العقد السابق عىل أن تدفع للمسافة نفسها وللخدمات‬ ‫ذاتها سبعني قرشاً‪.‬‬ ‫ويبدو أن دفع أجرة الذهاب واإلياب معاً كانت أكرث توفريا ً ألن املقوم يضمن العودة بدون شواغر ‪ .‬وكانت العادة‬ ‫أن يتخلف بعض الحجاج يف الحجاز للمجاورة ‪ .‬وسواء كانت الرحلة للذهاب فقط‪ ،‬أم للذهاب واإلياب‪ ،‬فقد‬ ‫دفعت األجرة للمقوم عىل أقساط ‪ .‬وبقي أحياناً جزء من األجرة إىل ما بعد العودة‪ .‬وعمد بعض الراغبني بالسفر‬ ‫إىل الحجاز إىل استئجار الجامل فقط بدون الخدمات األخرى‪ .‬وبلغت أجرة الجمل من حلب إىل مكة ‪ ،‬ثم إىل‬ ‫عرفات ‪ ،‬وعودا ً إىل مكة ‪ ،‬يف تلك الفرتة أربعاً وأربعني قرشاً‪ ،‬مام يعني أن قيمة الخدمات‪ ،‬باملقارنة مع مثال األم‬ ‫ست وخمسني قرشاً‪ .‬ويفرتض أن صاحب الجامل املؤجرة رافقها إىل الحجاز للعودة بها ‪ .‬وإذا كان قد‬ ‫وابنها‪ ،‬بلغت ً‬ ‫رتب مسبقاً إليجارها من هناك فهذا يدل عىل تنظيم دقيق يف النقل واملواصالت‪.‬‬ ‫________________________‬ ‫ عبد العزيز العظمة‪ ،‬مرآة الشام‪ ،‬تاريخ دمشق وأهلها‪ ،‬رياض الريس للكتب والنرش‪ ،1987 ،‬ص ‪116‬‬‫ املقوم‪ :‬هو من يتعهد مبشال الركب الحجازي حني قصده السفر لجهة الحرمني الرشيفني‪ .‬وصاحب هذه الحرفة يكون مستعدا ً لوجود عدد‬‫وافر من الجامل تكون عنده من جميع ما يلزمها من ِع َدد‪ ،‬وهي الخيم ومعداتها‪ ،‬التخوت‪ ،‬واملحاير‪ ،‬والشباري وغريها‪ ،‬للركوب بها‪ .‬مع وجود‬ ‫أنواع ال َخ َدمة‪ ،‬من عكّامة وغلامن‪ ،‬وطباخني‪ ،‬ومهاترة‪ ،‬وسقاية‪ ،‬وغري ذلك من أصحاب هذه الحرفة‪ ،‬املذكور بحرفته مام ال يستغنى عن كل منهم‪:‬‬ ‫خالد عمر كييك‪ ،‬الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي‪ ،‬مجلة العريب نوفمرب ‪2009‬‬ ‫ حيدر شهاب‪ ،‬تاريخ األمري حيدر الشهايب‪ ،‬القاهرة ‪ ،1901 1900-‬ص ‪684 683- 677-‬‬‫ العكام‪ :‬من أهل ال َجلَد والقوة عىل امليش يتسلم جمالً وعليه املحارة يركبها شخصان يسحب الجمل بهام يف الطريق ويتوىل خدمتهام وكل ما‬‫يلزم الراكبني املذكورين من طبخ وغري‪ :‬خالد عمر كييك‪ ،‬الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي‪ ،‬مجلة العريب نوفمرب ‪.2009‬‬

‫‪42‬‬


‫رابعاً‪:‬نقل الحجاج‪:‬‬ ‫مام يثري االهتامم معرفة الطريقة التي تم بها نقل ما بني خمسة عرش ألفاً وعرشين ألف حاج‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫القوات املرافقة لهم‪ ،‬ومن دمشق إىل الحجاز‪ ،‬كل سنة‪ ،‬وكذلك نقل القوات املرافقة للجردة‪ .‬إن الحيوان الرئييس‬ ‫الذي استخدم يف عملية النقل كان الجمل‪ .‬وقد اشتهرت قرى حوران‪ ،‬التي كان سكانها بدوا ً أو من أصول بدوية‪،‬‬ ‫بتوريد آالف الجامل إىل القامئني عىل شؤون القافلة مام سهل نقلها وأىت بالفوائد املالية ألصحاب الجامل‪ .‬وقام‬ ‫مشايخ قرى حوران بالنيابة عن سكانها بتأجري الجامل إىل املسؤولني يف دمشق‪.‬‬ ‫وقد حرض مشايخ القرى‪ ،‬الذين أجروا الجامل إىل وايل دمشق أمري الحج‪ ،‬إىل املحكمة الرشعية بدمشق لتسجيل‬ ‫واقعة التأجري وكيفية دفع األجرة ‪ ،‬وتربئة ذمة الوايل مام يستحق لهم عليه‪.‬‬ ‫ويشري عبد العزيز العظمة فيذكر يف كتاب مرآة الشام‪ ،‬تاريخ دمشق وأهلها عن وسائط الركوب للحجاج ويدعوها‬ ‫(املطايا) ما ييل‪“ :‬مطايا الحجاج ثالثة أنواع تخوت ومحائر ورهاوين‪ ،‬فالتخت كوخ خشبي ذو باب ونافذتني‬ ‫يُحمل عىل جملني أو بغلني متقابلني ويجلس فيه رجل واحد مرتاحاً‪ ،‬واملحارة محفة ت ُحمل عىل جمل وت ُغطى‬ ‫بأقمشة مزخرفة عىل طراز أقمشة الخيام من نسيج مدينة دمشق‪ ،‬ولها مقعدان يجلس ويرقد فيها حاجان معاً‪.‬‬ ‫والرهاوين يختارها بعض الحجاج‪ ،‬ويفضلونها عىل املحارة‪ ،‬ألنها تساعد عىل النزول يف الطريق‪ ،‬حيث توجد‬ ‫مقا ٍه سيارة ترافق الركب عىل آخره‪ ،‬ألن طول الركب عند املسري يتجاوز الساعة أو أكرث‪ .‬و ُجل مساحات املراحل‬ ‫طويلة ال يقوى الركب عىل قطعها دفعة واحدة‪ ،‬فيجعلون يف منتصف املساحة ساعة اسرتاحة ينزل فيها الحجاج‪،‬‬ ‫ويقضون حاجاتهم‪ ،‬ويصلون‪ ،‬ويأكلون‪ ،‬ويرشبون‪ ،‬ويطعمون دوابهم‪ ،‬ثم يرحلون عىل أصوات املدافع أيضاً”‬ ‫كام وقد وجدت طوائف حرفية خاصة يف دمشق وحلب وغريها لنقل الحجاج إىل الحجاز‪ .‬وأبرز هذه الطوائف‬ ‫طائفة املقومني الدوجية‪ .‬وكلمة الدوجية ‪ ،‬أو الدعجية‪ ،‬املستخدمة بالرتكية‪ ،‬مشتقة من الكلمة العربية( يدعو)‪،‬‬ ‫وتشري إىل الذين يدعون إىل الله‪ .‬واملقوم هو الذي يتعهد بنقل الراغب بالحج من دمشق أو غريها إىل مكة‬ ‫املكرمة‪ ،‬ويعيده‪ ،‬بحسب االتفاق‪ ،‬إىل مكان بدء الرحلة‪.‬‬ ‫وانتظام املقومني يف طائفة لها شيخها يدل عىل أهمية هذه الحرفة‪ ،‬ورضورة مراقبة أفرادها ذاتياً وحرفياً‪ ،‬من‬ ‫قبل شيخ الطائفة ‪ ،‬ومبعرفة القايض الرشعي‪ .‬وخوفاً من تقصري املقوم ( الدوجي ) يف خدمة زبائنه ‪ ،‬أو هربه‬ ‫يف الطريق‪ ،‬تعهد املقومون‪ ،‬أمام القايض الرشعي‪ ،‬قبل السفر إىل الحج‪ ،‬بأنهم يضمنون بعضهم بعضاً‪ ،‬فإذا أخل‬ ‫أحدهم برشوط العقد مع املسافر ضمنه زمالؤه ‪ ،‬وضمن الجميع شخص واحد‪ ،‬وذلك لحرص املسؤولية‪.‬‬

‫________________________‬

‫‪ -‬عبد الكريم رافق‪ ،‬قافلة الحج الشامي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪10‬‬

‫‪43‬‬


‫وقد أشري إىل الطريق الرئييس‪ ،‬الذي سلكته القافلة من دمشق إىل الحجاز‪ ،‬بالطريق السلطاين‪ ،‬وتألف من عدة‬ ‫منازل( مفردها منزل أو منزلة )‪ ،‬حيث يتوقف الحجاج للراحة ‪ ،‬والتزود باملاء‪ ،‬وأحياناً باملؤن‪.‬‬ ‫“ومن املناطق التي متر بها القافلة عرب هذا الطريق منتزه مزريب يف حوران‪ ،‬وبجوار عني مزريب أمر السلطان‬ ‫سليم األول ببناء قلعة ‪ -‬مازالت أطاللها باقية حتى اآلن ‪ -‬لحامية قافلة الحج‪ ،‬ثم الزرقاء فالبلقاء‪ ،‬ثم القطرنة‬ ‫حيث القلعة التي شيدها سليامن القانوين بجوار الربكة التي أمر بإعادة تطهريها بعد أن كانت قد تساوت مع‬ ‫األرض‪ .‬ومن القطرنة تتابع القافلة سريها حتى الكرك‪ ،‬ثم عنيزة‪ ،‬فقلعة معان‪ ...‬ومن معان إىل ظهر العقبة نحو‬ ‫“ذات الحج”‪ ،‬ويف ذات الحج أو حجر هذه أمر القانوين بإقامة قلعة لحامية القوافل من غارات البدو واألعراب‪،‬‬ ‫وتشتهر بتمورها ومثارها الجيدة‪ .‬ومنها إىل “قاع البسيط” فتبوك ثم أخيرض التي تقع يف منتصف املسافة بني مكة‬ ‫والشام‪ ...‬وقد كلف السلطان سليامن القانوين عند جلوسه عىل العرش سنة ‪926‬هـ ‪1520 -‬م واليه عىل الشام‬ ‫مصطفى باشا ببناء قلعة أخيرض‪ ،‬وبعدها تصل القوافل إىل بركة املعظم‪ ،‬ثم جبل الطاق الذي عقرت فيه ناقة‬ ‫النبي صالح عليه وعىل نبينا ‪ -‬الصالة والسالم‪.‬‬ ‫ثم مربك الناقة‪ ،‬ثم قرى صالح‪ ،‬ثم ديار مثود‪ ،‬وهي تلك املنازل التي نحتت يف الجبال‪ ،‬وفيها مسجد النبي صالح ‪-‬‬ ‫عليه السالم ‪ ،-‬ومنها إىل العال التي تبعد عن املدينة املنورة بست مراحل‪ ،‬وهي من ملحقات املدينة املنورة؛ وأمر‬ ‫السلطان القانوين بتجديد قلعتها وحصنها لحاميتها من غارات األعراب‪ .‬ومنها إىل شعب النعام ومنزل فحلتني‪ ،‬ثم‬ ‫وادي القرى الذي تكرث فيه املياه والغابات‪ ،‬وأبيار عيل ‪ -‬رىض الله عنه ‪ ،-‬وفيها يحرم الحجيج جمي ًعا‪ ،‬ومنها متر‬ ‫القوافل بقبور الشهداء‪ ،‬ثم الجديدة وقاع الربو وبالد طارق وعقبة السويق؛ ومنها إىل عسفان حيث اآلبار النبوية‬ ‫املأثورة‪ ،‬وبعدها تدخل القوافل إىل مكة املكرمة يف أوائل ذي الحجة من كل عام‪ ،‬بعد أن تكون قد قطعت‬ ‫املسافة من املدينة يف مائة وست ساعات‪.‬‬

‫________________________‬

‫ الصفصايف أحمد القطوري‪ ،‬قوافل الحج يف العرص العثامين‪ ،‬شبكة األلوكة‪:2012 ،‬الرابط‬‫ املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪10‬‬‫‪ -‬بالل الداهية‪ ،‬الدولة العثامنية وطريق الحج الشامي من حادثة ‪ 1757‬إىل واقعة الخرماء؛ الرابط‪:‬موقع األرشيف العثامين‬

‫‪/http://www.ottomanarchives.info/2015/03/21‬الدولة‪-‬العثامنية‪-‬وطريق‪-‬الحج‪-‬الشامي‪-‬من‬

‫‪ -‬خالد عمر كييك‪ ،‬الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي‪ ،‬مجلة العريب‬

‫‪44‬‬


‫خامساً‪ :‬سفر القافلة‪:‬‬ ‫‪:‬قبل انطالق القافلة‪ ،‬كانت تقام التحضريات واإلجراءات لقافلة الحج الشامي‬ ‫“الدورة‪ :‬هي جولة تفتيشية يقوم بها الباشا مع بعض جنوده يف أواخر رجب أو يف أوائل شعبان لجمع املال من‬ ‫سكان املناطق الجنوبية من الوالية ليستعني بهذه األموال يف إعداد قافلة الحج واملحمل‪ ،‬ثم يعود إىل دمشق يف‬ ‫أوائل شوال‪.‬‬ ‫الرصة‪ :‬يف منتصف شهر رمضان أو األسبوع الثالث منه يصل ركب (الرصة أميني) أو أمني الرصة من استانبول‪،‬‬ ‫وهي املال الذي ترسله الدولة العثامنية ألرشاف الحجاز ولرؤساء القبائل املرابطة يف طريق الحج‪ .‬وتتضمن الرصة‬ ‫أيضاً التي تدعى (الرصة السلطانية) والتي ت ُجهز بدمشق زيوتا وشموعا وماء الورد والزهر التي ترسل لغسل‬ ‫الكعبة والحجرة النبوية‪.‬‬ ‫املحمل الرشيف‪ :‬كان تجهيز املحمل وانطالقه من دمشق يبدأ من عيد الفطر ويستغرق االحتفال بتجهيزه ثالثة‬ ‫أيام‪ .‬يف اليوم األول يبدأ العمل بإخراج السنجق وهو عبارة عن قطعة من القامش املتني زهري اللون‪ ،‬وقد كتب‬ ‫عليه بالخيوط الذهبية اآليات القرآنية ومير بحي امليدان باتجاه ضاحية القدم‪ ،‬حيث يوضع يف مكان يسمى‬ ‫«العسايل» ويف اليوم الثاين تحتفل الهيئات الدينية والشعبية بأجمعها مع البشوات ومشايخ الطرق‪ ،‬ويجمعون‬ ‫كميات كبرية من الشموع والزيوت ويحملونها إىل موقع «العسايل» وتوضع يف الصناديق متهيدا ً إلرسالها مع‬ ‫موكب الحج‪ .‬ويف اليوم الثالث تشرتك الحكومة املحلية بصورة رسمية‪ ،‬فيحرض املشري والوايل وكبار الضباط‬ ‫والعلامء واملوظفني ومشايخ الطرق وقطاعات مختلفة من الجيش واملدارس بأجمعها وذلك لوداع املحمل‬ ‫الرشيف‪ ،‬الذي يحمله جمل عظيم يف ضخامته ونظافته‪.‬‬ ‫ويكون االحتفال أمام قرص املشريية الذي كان قامئاً يف شارع النرص بدمشق ومكانه اآلن القرص العديل‪ .‬وينطلق‬ ‫هذا املوكب مع السنجق الذي أُعيد يف اليوم السابق من العسايل‪ ،‬وكان املحمل يودع يف جامع السنجقدار‪ ،‬مارا ً‬ ‫بطريق امليدان‪ .‬أما الكسوة الرشيفة فقد كانت تصنع من ِقبل ص ّناع مهرة يقيمون بدمشق ويتقاضون رواتبهم‬ ‫من الدولة‪.‬‬ ‫الجردة‪ :‬تختار الدولة العثامنية أحد وزرائها أو أحد والتها ويدعى (رسدار الجردة) إلعداد قافلة الجردة‪ ،‬وهي‬ ‫قافلة مؤن ت ُعد إلسعاف الحجاج يف طريق عودتهم إىل بالد الشام خشية أن يكون ما عندهم منها قد نفد‪،‬‬ ‫ويصحب الجردة عدد من الجند لحراستها”‪.‬‬ ‫ثم كانت قافلة الحج الشامي تغادر دمشق يف موكب حافل‪ ،‬ويسري فيه الوايل‪ -‬أمري الحج‪ ،‬ويحمل فيه املحمل‬ ‫والصنجق‪ ،‬وترافقه قوات كثرية‪ .‬وتتم املغادرة‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬بني الثاين عرش والعرشين من شهر شوال‪ .‬ويتوقف‬ ‫أمري الحج عند قبة الحج‪ ،‬خارج باب أو بوابة الله ( سميت بذلك ألنها تؤدي إىل بالد الله يف الحجاز والقدس) ‪،‬‬ ‫بانتظار تجمع الحجاج‪.‬‬ ‫________________________‬

‫ البديري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪46 42-‬‬‫ خالد عمر كييك‪ ،‬الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي‪ ،‬مجلة العريب نوفمرب ‪.2009‬‬‫ عبد الكريم رافق‪ ،‬قافلة الحج الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪-11 10‬‬‫‪ -‬خالد عمر كييك‪ ،‬الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي‪ ،‬مجلة العريب نوفمرب ‪2009‬‬

‫‪45‬‬


‫وقبل وصول الركب الشامي‪“ ،‬يقوم أهل الحجاج وذويهم بإعداد أسباب القرى واإلكرام لهم‪ ،‬واالحتفاء بهم وبحاشيتهم‪.‬‬ ‫فيستحرضون لكل حاج كسوة جديدة‪ ،‬وقد تتعدد فتكون أكرث من واحدة‪ ،‬ويذهب البعض الستقبال الحجاج من منازل‬ ‫مختلفة تبتدئ من الكسوة‪ ،‬ومتتد أحياناً اىل الزرقاء‪ ،‬ويعودون معهم فرحني بلقائهم‪ ،‬وتقام لهم عقب وصولهم األفراح‬ ‫سبعة أيام بلياليها” ‪.‬‬ ‫أما املدة التي استغرقتها قافلة الحج الشامي يف الوصول إىل مكة من دمشق‪ ،‬فكانت حوايل خمسة وثالثني يوماً ‪.‬‬ ‫واستغرقت املدة ذاتها تقريباً يف طريق العودة ‪ .‬وقد قدر أحد الحجاج ساعات السفر التي اقتضاها الوصول إىل مكة من‬ ‫دمشق بـ ‪ 490‬ساعة‪ ،‬وقدر آخر ساعات العودة بـ ‪ 450‬ساعة وهذا يعني أن القافلة كانت تسري بني ‪ 14 – 13‬ساعة يف‬ ‫اليوم ‪.‬‬ ‫ويتبني مدى مساهمة قافلة الحج الشامي يف التجارة الدولية مام رافق القافلة‪ ،‬التي عادت إىل دمشق من الحجاز بتاريخ‬ ‫‪ 28‬آذار ‪1842‬م ‪ ،‬من بضائع‪ .‬فقد ضمت ‪ 225‬حمالً من الحناء زنتها ‪ 2250‬رطالً ( حوايل ‪ 14500‬كغ) ‪ ،‬سعرها ‪120000‬‬ ‫قرش‪ ،‬وأربعني حمالً من النب الحجازي كانت يف األساس تسعني حمالً‪ ،‬ولكن رسق منها خمسون حمالً يف الطريق تزن‬ ‫‪ 4000‬رطل قيمتها ( ‪ 140000‬قرش )‪ ،‬وعرشين حمالً من نسيج هندي يصلح للعامئم ‪ ،‬ويتألف كل حمل من بالتني ‪،‬‬ ‫تضم الواحدة منها مائة قطعة‪ ،‬مثن القطعة ‪ 200‬قرش‪ ،‬ومجموع مثنها ‪ 800000‬قرش‪ .‬وقدرت قيمة املجوهرات التي‬ ‫حملتها تلك القافلة بـ ‪ 100000‬قرش‪ .‬واشتملت البضائع أيضاً عىل ريش النعام ‪ ،‬وقيمته ‪ 17000‬قرش‪ ،‬وعطورات مثنها‬ ‫‪ 160000‬قرش‪ ،‬ومتفرقات قيمتها ‪ 60000‬قرش‪ ،‬وبلغ مجموع قيمة البضائع التي حملتها تلك القافلة ‪ 387000‬فرنك أو ما‬ ‫يعادل ‪ 1،850،200‬قرش ‪.‬‬ ‫وقد رغب عدد من املسلمني األغراب اإلقامة يف دمشق سواء منهم الذين قدموا اليها مبناسبة الحج‪ ،‬أو الذين قصدوها‬ ‫خصيصاً بهدف املجاورة لبعض الوقت أو لإلقامة فيها كنزالء‪ .‬واجتذبت دمشق‪ ،‬بصورة خاصة ‪ ،‬العلامء واملتصوفة بسبب‬ ‫شهرة ما ضمته من أماكن دينية‪ .‬ونظرا ً لكرثة األغراب الذين دفنوا فيها‪ ،‬وبخاصة من الحجاج‪ ،‬فقد خصص مكان لدفنهم‪،‬‬ ‫عرف مبقابر الغرباء‪ ،‬يف تربة مرج الدحداح وقد جاء ‪ ،‬مثالً‪ ،‬يف أحد السجالت‪ ،‬حول املتوفني يف دمشق‪ ،‬يف األعوام ‪1163-‬‬ ‫‪ 1166‬هجرية‪ ،‬ذكر خمسة وسبعني غريباً‪ ،‬معظمهم من الحجاج األروام ‪ ،‬دفنوا يف دمشق‪ ،‬أما العلامء األغراب فقد دفنوا‬ ‫يف الغالب حيث دفن علامء دمشق ‪.‬‬ ‫وقد شغل عدد من نزالء دمشق مراتب عليا فيها ‪ ،‬سواء يف اإلمامة أو يف التدريس‪ ،‬عىل اختالف مستوياته ‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫تدريس الحديث تحت قبة النرس يف الجامع األموي‪ ،‬وأقام النزيل‪ ،‬أو املجاور‪ ،‬عادة ‪ ،‬يف حجرة يف مدرسة أو يف جامع وإذا‬ ‫ما تزوج سكن يف دار ‪ ،‬وإذا مل يكن النزيل عريب اللسان أمكنه تعلم العربية بدمشق‪ ،‬واستغل العلامء املحليون وجود‬ ‫العلامء األغراب يف دمشق‪ .‬مبناسبة الحج‪ ،‬فحصلوا منهم عىل اإلجازات فيام اختصوا به من علم‪ .‬وأفاد العوام‪ ،‬كذلك ‪ ،‬من‬ ‫علامء النزالء الذين كانوا مبستوى معرفتهم‪.‬‬

‫____________________‬

‫ عبد الكريم رافق‪ ،‬قافلة الحج الشامي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪18 17-‬‬‫ عبد الكريم رافق‪ ،‬بحث حول التاريخ االقتصادي واالجتامعي لرتكيا‪ ،‬املؤمتر الدويل الثاين‪ ،‬جامعة سرتاسبورغ ( ‪ 1-5‬متوز ‪.)1980‬‬‫‪ -‬عبد الكريم رافق‪ ،‬قافلة الحج الشامي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪10-11‬‬

‫‪46‬‬


‫وكان أمن القافلة من أولويات السلطان العثامين‪ ،‬فكان يصدر أوامره إىل الوالة لتسهيل مهمة مرور القافلة‪ ،‬وأن يتولوا‬ ‫مهام حراستها حتى تصل إىل حدود الوالية املجاورة‪ .‬كام اهتمت الدولة العثامنية‪ ،‬منذ بدء حكمها يف بالد الشام ‪ ،‬ببناء‬ ‫القالع يف منازل الحج‪ ،‬أو ترميمها‪ ،‬أو تعزيزها بالحاميات لحامية القافلة‪ .‬وقام والة دمشق‪ ،‬عىل فرتات‪ ،‬ببناء أو ترميم ‪،‬‬ ‫القالع ‪ ،‬ووضع الحاميات فيها‪ .‬وقد عهدت الدولة العثامنية ‪ ،‬يف بادئ األمر‪ ،‬إىل الجنود السباهيني‪ .‬من أصحاب االقطاعات‬ ‫بتأمني الحامية‪ ،‬ثم خلفهم االنكشارية‪ ،‬حني حل مكانهم‪ ،‬يف حامية القلعة وسور وأبواب دمشق‪ ،‬االنكشارية القايب قول‬ ‫“ولتأمني سالمة القافلة من هجامت البدو وجدت الدولة العثامنية حال يتمثل يف رشاء والء القبائل العربية الكربى التي‬ ‫تسيطر عىل الطريق عن طريق دفع مبلغ سنوي من املال لها‪ ،‬وعرف هذا املبلغ بـ"الرصة" واملوظف الذي يكلف بحمله‬ ‫وتسليمه إىل باشا دمشق ب"الرصة أميني"‪ ،‬وكان أمراء الحج يدفعون نصف املبلغ يف مرحلة الذهاب‪ ،‬والنصف اآلخر أثناء‬ ‫اإلياب‪ ،‬مقابل عمل بعض أبناء القبائل كأدالء للقافلة يف الصحراء‪ ،‬وتجنيد القبيلة للدفاع عن الحجاج إن لزم ذلك‪ ،‬ويف‬ ‫بعض الحاالت االستثنائية كان األمراء يرفضون تسليم الرصة إىل القبائل البدوية طمعا باالحتفاظ بها ألنفسهم‪ ،‬وهذا ما‬ ‫عرض القافلة لهجامت كثرية‪.‬‬ ‫ومنذ الفتح العثامين وإىل غاية ‪ 1757‬تعرض الركب الشامي حسب ما أحصاه الدارسون إىل ‪ 24‬عملية اعتداء والغريب يف‬ ‫هذه اإلحصائية أن ‪ 19‬هجمة منها متت يف القرن الثامن عرش فقط‪ ،‬أما القرنان السادس عرش والسابع عرش فلم يشهدا‬ ‫سوى خمس هجامت مام يدل عىل القوة والهيبة التي متتعت بها الدولة يف القرنني األولني وعىل تراجعها منذ مطلع‬ ‫القرن الثامن عرش‪...‬ولكن أكرب اعتداء عرفه تاريخ املحامل الشامية هو دون شك ذلك الذي حدث يف سنة ‪ 1757‬أثناء‬ ‫والية حسني باشا بن ميك عىل دمشق”‪.‬‬ ‫واضطرت القافلة‪ ،‬أحياناً‪ ،‬يف طريق العودة إىل دمشق‪ ،‬إىل التخيل عن الطريق السلطاين‪ ،‬لتحايش هجامت البدو عليها‪ ،‬أو‬ ‫إلنقاذ ما ميكن إنقاذه يف أعقاب الهجوم عليها‪ .‬وحولت طريقها‪ ،‬إىل غزة‪ ،‬حيث مير الطريق التجاري املتجه من دمشق‬ ‫إىل مرص‪ ،‬وكان أكرث أمناً‪ .‬وعرف هذا بالطريق أو الدرب بالغزاوي‪ .‬واقتضت العودة عن هذا الطريق تأخر وصول القافلة‬ ‫إىل دمشق إىل ما بعد النصف األول من صفر‪ ،‬وهو املوعد العادي لعودتها يف الطريق السلطاين‪ .‬وإذا هدد الجردة‪ ،‬التي‬ ‫كانت تخرج إلستقبال القافلة‪ ،‬خطر مامثل عادت هي األخرى عىل الطريق الغزاوي‪.‬‬ ‫ويسبق عودة القافلة إىل دمشق وصول جوقدار الحج اليها‪ ،‬مرسالً من قبل أمري الحج‪ ،‬إلبالغ الدمشقيني بسالمة القافلة‪.‬‬ ‫وغالباً ما أرسل الجوقدار من معان‪ ،‬حيث دخلت القافلة منطقة األمان‪ .‬ويصل الجوقدار إىل دمشق‪ ،‬يف العادة‪ ،‬يف أواخر‬ ‫شهر محرم‪ .‬وخالل أسبوع من وصول الجوقدار يصل دمشق كتاب الحج حامالً رسائل الحجاج إىل ذويهم‪ ،‬وتوزع الرسائل‬ ‫يف الدويشية‪ .‬ويرسل الكتاب يف الغالب‪ ،‬من منزلة القطرانة‪ ،‬ويحمل كتاب آخرون الرسائل إىل حامه وحلب‪ .‬أما الحجاج‬ ‫األروام فإنهم يرسلون املكاتيب إىل استانبول لدى وصول القافلة إىل منزل ظهر العقبة‪.‬‬ ‫ويف إثر ال َكتَّاب‪ ،‬بعد يومني أو ثالثة يبدأ وصول الحجاج إىل دمشق فيصلونها بني ‪ 2‬و ‪ 5‬صفر ويستمر دخولهم إىل املدينة‬ ‫نحو خمسة أيام‪ ،‬ويف إثرهم يدخل أمري الحج ورسدار الجردة ‪ .‬ويستبقون بذلك وصول املحمل وأمري الحج بحوايل أسبوع‬ ‫‪ ،‬وهي املدة نفسها تقريباً بني خروج املحمل من دمشق إىل قبة الحج‪ ،‬يف الطريق إىل الحجاز‪ ،‬ولحاق آخر الحجاج به‬ ‫ويتوقف أمري الحج العائد يف قبة الحج‪ ،‬حيث يستقبله أعيان دمشق‪.‬‬ ‫____________________‬

‫ خالد عمر كييك‪ ،‬الحج الشامي والخط الحديدي الحجازي‪ ،‬مجلة العريب‬‫ عبد الكريم رافق‪ ،‬غزه دراسة عمرانية واجتامعية واقتصادية ‪ ،‬بحيث قدم للمؤمتر الدويل الثالث لتاريخ بالد الشام ‪ ،‬عامن ‪ ،‬نيسان ‪ ، 1980‬ص‬‫‪81 80-‬‬

‫‪47‬‬


‫_______________________‬

‫طريق الحج الشامي‪ ،‬من مقال منشور عىل موقع األرشيف العثامين بعنوان‪ :‬الدولة العثامنية وطريق الحج الشامي من ‪Figure 1:‬‬ ‫‪:‬حادثة ‪ 1757‬إىل واقعة الخرماء ‪ -‬د‪ .‬بالل الداهية ؛ الرابط‬ ‫‪/‬الدولة‪-‬العثامنية‪-‬وطريق‪-‬الحج‪-‬الشامي‪-‬من‪http://www.ottomanarchives.info/2015/03/21/‬‬

‫‪48‬‬


‫خامتة‬

‫مل تكن رحلة قافلة الحج الشامي يف العهد العثامين نزهة‪ ،‬بل كانت من أشق الرحالت كام صورها املؤرخون‪ .‬ولعل‬ ‫أبرع من نقل صورة تفصيلية عن هذه الرحلة ويوميات القافلة الدقيقة‪ ،‬كان املسترشق “تشارلز داويت” الذي‬ ‫اندمج ضمن الفرقة الفارسية الذاهبة اىل الحج‪ ،‬عىل هيئة طبيب عريب‪ ،‬بعد أن رفض طلبه مرات عدة ملرافقة‬ ‫قافلة الحج الشامي رسمياً‪ .‬فطريقة السري منهكة جدا وال يتحملها الضعيف‪ ،‬فعند املغرب هناك اسرتاحة ساعتني‬ ‫للعشاء –ثم تدوي طلقة مدفع معلنة مواصلة املسري بالليل –ثم يرسون كل الليل حوايل ‪11‬ساعة مع اإلضاءة‬ ‫واملشاعل‪ ،‬وعند منتصف الليل يتم إطالق طلقتني فيتطارح الحجاج من إبلهم وينامون يف أماكنهم عىل األرض‬ ‫نصف ساعة فقط؛ ثم تدوي طلقة جديدة مرعبة ثم يسريون ثانية قبل الفجر‪ .‬وعند الفجر هناك اسرتاحة ثانية‬ ‫حوايل نصف ساعة للصالة‪ ،‬ثم يواصلون السري بال توقف حتى اسرتاحة الظهر وهي نصف ساعة‪ .‬وهكذا والويل‬ ‫ملن ينام ويتأخر فقد ميوت من العطش أو السباع أو الضياع ولكن عند وصولهم ملحطة رئيسية كتبوك والعال‬ ‫يرتاحون يوما أو يومني‪ .‬وق ّدر عدد الحجاج يف قافلته بعدد ‪ 6000‬حاج وقال إن العدد انخفض يف السنوات األخرية‬ ‫بسبب استخدام طريق البحر خاصة للنساء الاليت ال يتحملن قافلة الرب‪.‬‬ ‫ويورد وصفاً دقيقاً للمساحات واملحطات التي تقطعها قافلة الحج الشامي‪ ،‬واملعاناة من التعب‪ ،‬والجوع‪ ،‬وقلة‬ ‫املياه‪ ،‬واألمراض‪ ،‬كام يورد الصرب واألناة لدى الحجيج ومن يرافقهم من القوامني واملكاريني‪ .‬وتعجب داويت من‬ ‫قوة تحمل العكامني الدمشقيني(الجاملني) للميش عىل أقدامهم كل هذه املسافة وهم اليأكلون إال وجبة واحدة‬ ‫يف املساء وقال عنهم‪ :‬قليل منهم من ميرض‪ ،‬طبيعتهم السام ّية كاملعدن الضعيف ولكن املرن وأيضا مزاجهم الجيد‬ ‫وصربهم يف سبيل الله‪ .‬كام وصف كيفية نصب مخيامت الراحة وتنظيمها بشكل ممنهج وموحد‪ ،‬حيث تصل كل‬ ‫مجموعة حجيج إىل موقعها دون أن يتغري حتى نهاية الرحلة‪ ،‬وكأن املخيم مدينة متنقلة بشوارعها‪ ،‬ال يضيع فيها‬ ‫الحاج عن مبيته‪ .‬وهكذا كانت رحلة الحاج الشامي‪ ،‬بكل مشاقها‪ ،‬ره ٌن بالتنظيم العثامين لها يك تصل إىل هدفها‬ ‫السامي‪ ،‬من مواكبة لها‪ ،‬وحامية‪ ،‬إىل التمويل‪ ،‬إىل "الرصة" التي يلعب جز ٌء منها دورا ً يف الحامية من غزوات‬ ‫البدو‪ ،‬إىل تدبري أمور املياه يف تلك البيئة القاحلة؛ وهكذا تبدو رحلة الحج الشامي من دمشق إىل مكة‪ ،‬رحلة‬ ‫يختلط فيها الديني بالدنيوي‪ ،‬وتنكشف فيها قدرات البرش عىل تحمل الصعاب ألداء ركنٍ من أركان الدين‪.‬‬ ‫____________________‬

‫ (‪ : )Charles Doughty‬شاعر ورحالة إنجليزي‪ ،‬من صنف الرحالة العلامء‪ ،‬درس الجيولوجيا يف جامعة كمربدج‪ ،‬وقام برحلة‬‫استكشافية إىل املناطق املتجمدة وهو يف العرشين من عمره‪ .‬بدأ داويت رحالته بإسبانيا وإيطاليا ثم ذهب إىل اليونان فـــمرص حيث‬ ‫وصل القاهرة عام ‪1875‬م‪ ،‬ثم عرب صحراء سيناء حتى وصل مدينة البرتاء حيث سمع عن مدائن صالح املدينة األثرية يف شاميل الحجاز‬ ‫التي مل تنجح كل من بوركهارت وبريتون يف الوصول إليها‪ ،‬وعزم داويت عىل مشاهدتها وانضم إىل قافلة للحج تحت اسم مستعار (خليل)؛‬ ‫وصل إىل مدائن صالح يف نوفمرب ‪ /‬ترشين الثاين ‪1876‬م‪ ،‬واستطاع أن يتجول يف املنطقة مستنسخاً الكتابات والرسوم املنقوشة يف واجهات‬ ‫املقابر‪ ،‬وبدالً من العودة مع الحجاج إىل دمشق آثر داويت حياة البداوة وعاش مع جامعة بدوية وتجول معهم‪ ...‬يف الخامس من يوليو‬ ‫‪ /‬متوز ‪1878‬م توجه مع قافلة للحجاج إىل الحجاز‪ ،‬ووصل الطائف ثم توجه إىل جدة يف أغسطس ‪ /‬آب ‪1878‬م‪ ،‬وكتب كتابه الجزيرة‬ ‫العربية الصحراوية‪ ،‬ورسم فيه صورة فريدة من نوعها عن الجزيرة كام كتب عن حياة البدو وما يقاسونه من معاناة وشدة‪ ،‬وأبرز كثريا ً‬ ‫من املفارقات يف حياتهم االجتامعية‪ ،‬وكجيولوجي أدرك الرتابة الفائقة لصحراء التيه القاحلة‪ ،‬كام أنه يعد من أكرث الرحالة الذين عانوا‬ ‫من الذل والهوان ومشاق الحياة‪ .‬أهم أعامله كتاب الرتحال يف صحاري العرب (‪ )Travels in Arabia Deserta‬الذي كتبه عام ‪1888‬‬ ‫وهو عبارة عن قصته عندما جاء عام ‪1876‬م ومكث عدة سنوات جال من خاللها أجزاء من الجزيرة العربية تحت اسم مستعار “خليل”‪.‬‬ ‫‪ -‬تشارلز داويت‪ ،‬ترحال يف صحراء الجزيرة العربية‪ ،‬ترجمة صربي محمد حسن‪ 4 ،‬مجلدات‪ ،‬املركز القومي للرتجمة‪.‬‬

‫‪49‬‬



‫حيايت‬ ‫د‪ .‬هنادي أمني‬ ‫تنهيدة محرقة تسبح ساعية يف أعامق الالنهاية باحثة عن الرىض والتوفيق اإللهي‪.‬صوت يحايك رنني األوتار الفضية والحياء‬ ‫يغالب لسانها ملعانقة روح الله كالزهرة النابتة بني األشواك تستميل جاملها نفيس ومتأل عطرها كبدي‪.‬‬ ‫حيايت‬ ‫ذلك الجبل الغني بنور الشمس الفقري إىل نور املعرفة باملستقبل ترتعش كالزنبقة أمام نسيم السحر ‪،‬صامتة تتآلف مع‬ ‫الغبطة وتعيش مع الحزن‪.‬‬ ‫حيايت‬ ‫سيدة قد ب ّيض الشيب مفرقها من شدة الهموم ‪،‬تنظر مبتسمة مستسلمة إىل تيار الغبطةوالرسور ‪،‬متناسية حوادث األمس‬ ‫منرصفة عن مآيت الغد ‪،‬منعكفة عىل استثامر دقائق الحارض‪.‬‬ ‫حيايت‬ ‫غزال جازع هارب إىل كناسه من الذئاب الخاطفة ‪،‬عاشت أمر من عويل املوت وتعيش اليوم نغمة أعذب من همس‬ ‫الحياة وألطف من حفيف األجنحة وأعمق من أنني األمواج ‪،‬نبضاتها تتموج باألمل واللذة ويف صدرها من امليول‬ ‫والعواطف امللتمعة الشارقة املوعودة‪.‬‬ ‫حيايت‬ ‫مزيج من أرسار الحب واملوت والحياة ‪،‬تبحث عن النور يف الظلمة ‪،‬ترتقب خروج املاء من الصخرة وظهور الورد من‬ ‫القطرب ‪،‬مستسلمة استسالم األعمى ‪،‬أرض جائعة تلوك كل مصاعب الحياة لقمة واحدة ‪،‬تخفيها وتحميها يف صدرها‬ ‫مثلام تحمي البذور من ثلوج الشتاء حتى يجيء الربيع‪.‬‬ ‫حيايت‬ ‫روح هامئة تعي أغاين الكواكب ‪َ ،‬مألَها املجد انبثق منها ألوهية اإلنسان ‪،‬تنام نوماً هنيئاً عميقاً مكتنفة برباقع أحالم‬ ‫مزعجة ‪،‬فهي مهد نشيد سليامن تتأوه فقدان العدل تطلق زفرات قضاء األنانية ‪،‬نهايتها تحفظها األبدية كجوهرة‪.‬‬ ‫حيايت‬ ‫تأمل باألمل وتحيا باملحبة واإلهتامم وتنتعش بالشوق ترتوي من روحها النقية ‪،‬لغتها تشع باألناقة وتزهر بالثقة العمياء‬ ‫‪،‬منتظرة حياتها لتأخذ ما يليق بها ويوازي روحها من حلم وكلامت‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫املقد مة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫العالمي‪ ،‬فام زالت صورة البحر تفنت القارئ‬ ‫والعاملي من املك ّونات امله ّمة لل ّنظام‬ ‫تع ّد صورة البحر يف األدب العر ّيب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتغريه الستكشافمخزونهااملعرفيوأنساقهاالثقافيةاملضمرة‪،‬املرتبطة مبوضوعات التّيه والغربة واملغامرة والعودة‬ ‫واالنتامء‪ ،‬وغريها من ال ّدالالت واألبعاد التي اكتنفها البحر يف منت ال ّن ّص‪.‬‬ ‫يشكّل البحر أحد األمكنة األكرث حضو ًرا يف األدب املعارص‪ ،‬وما لفت انتباهي إىل صورة البحر أنّه فضاء للتّأ ّمالت‬ ‫والسديّة الباحثة عن معنى الوطن من خالل جدل ّية األرض والغربة‪ .‬وما دام البحر وما يرتبط به من‬ ‫الشّ عريّة ّ‬ ‫السفن واألرشعة‪ )...‬من عالمات الخروج واالبتعاد عن األرض‪ ،‬وصور ال ّرحيل‬ ‫أشكال مكانيّة (املوج‪ ،‬امليناء‪ ،‬ال ّنوارس‪ّ ،‬‬ ‫واملغامرة يف املجهول‪ ،‬كام يع ّد عالمة عىل انتظار العودة والعائدين ملا اختزنه من آمال الغائبينوأحالمهم‪ ،‬تغزوهم‬ ‫هواجس العودة‪.‬‬ ‫الصورة تشكّل ظاهرة رمزيّة‬ ‫وسأدرس يف هذا البحث صورة البحر عند أديب امليناء "جان توما"‪ ،‬باعتبار هذه ّ‬ ‫ومستوى أيقونيًّا‪ ،‬لكونها أصبحت منوذ ًجا ملجموعة من التّمثيالت املوضوعاتيّة املرتبطة بقضايا األرض والغربة‬ ‫والعودة‪.‬‬ ‫مم سبق‪ ،‬كان ال ب ّد من معالجة اإلشكال ّية التّالية‪ :‬هل شكّلت صورة البحر بأبعادها ودالالتها عالمة‬ ‫انطالقًا ّ‬ ‫منمذجة لعامل "توما" ال ّروا ّيئ؟‬ ‫لقد وقع االختيار عىل رواية "قناديل البحر" لل ّدكتور جان توما ألنّها عمل انبثق من مخزون شعبي عميق‪ ،‬متتاز به‬ ‫البلدات واملدن الساحلية املتشاطئة مع بلدات ومدن مقابلة يف فضاء العالقات املفتوحة عىل تالقح ثقايف‪ ،‬وتلك‬ ‫واحدة من مزايا هذا الكاتب الذي ال يفتأ ينبش يف الذاكرة الفردية والجامعية ويشتغل عىل ترسيد الحكايات‬ ‫الشعبية والخرافية املرتبطة برحالت البسطاء وأسفارهم‪ ،‬بحثًا عن الرزق‪ ،‬أو الذّات‪ ،‬أو الرغبة يف اكتشاف اآلخر‬ ‫وعوامله املجهولة املدهشة‪ ،‬مبا يكتنفها من سحر وغموض يف املتخيل الشعبي‪ .‬غري أن ما متتاز به هذه الرواية أنّها‬ ‫توظّف‪ ،‬البحر تعب ًريا عن لحظات األمل واألمل‪ ،‬وتقلّبات الذوات بني اليأس والرجاء‪ ،‬وتقريب الف َرج‪ ،‬والعودة إىل‬ ‫األهل واألح ّبة‪ ،‬ساملني غامنني‪.‬‬ ‫رالسيم‬ ‫الس‬ ‫يميولوجي‪،‬كونه وسيلةإلضاءةاملناطقاملعتمةداخالل ّن ّص‪ ،‬فال ّن ّصفيالتّص ّو ّ‬ ‫سأتّبع يف هذا البحث املنهج ّ‬ ‫ّ‬ ‫دي كغريه من الخطابات‪ ،‬يستند إىل‬ ‫الس ّ‬ ‫يائيّمفتوحوغريمكتفبذاته‪،‬ويستم ّدمعانيهمناإلمياءاتالتّأويليّة‪.‬والخطاب ّ‬ ‫السريورة السيميائية للعالمةاملتمظهرة يف فعل املتواصل ‪ -‬األلفاظ املشكلة للغة ‪ -‬حيث إ ّن األلفاظ يف الرتكيب‪،‬‬ ‫تجرى مجرى العالمات والسامت‪ ،‬السيام وأ ّن العالمة تستعمل بغية نقل املعلومات من أجل القول أو اإلشارة إىل‬ ‫يشء ما‪ .‬وعليه فإ ّن السيميائ ّية متنح الرسد‪ ،‬بُ ْع ًدا سيميائ ًّيا عا ًما‪ ،‬يتجاوز تلك ال ّنظرة املعهودة يف ال ّدراسات األدب ّية‪،‬‬ ‫السد ذو طبيعة لفظيّة لنقل الرسالة‪.‬‬ ‫التي ترى أ ّن ّ‬

‫‪52‬‬


‫البحر ومدلوالته يف ال ّرواية املعارصة‬ ‫"قناديل البحر " لجان توما أمنوذ ًجا"‬ ‫الباحثة رئيفه مح ّمد ال ّرزّوق‬

‫_______________________‬

‫‪.‬صادرة عن تعاونية النور األرثوذكسية للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪. 2007 ،‬‬ ‫أديب وراوٍ‪ ،‬مواليد ميناء طرابلس ‪ ،1955‬أستاذ يف الجامعات‪ :‬اللبنانية‪ ،‬جامعة القديس يوسف‪ ،‬جامعة الجنان‪ ،‬سيّدة اللويزة ‪.‬‬ ‫والبلمند‪ .‬له أكرث من خمسة عرش كتابًا يف األدب والنقد‪ ( .‬إميل يعقوب‪ :‬موسوعة أدباء لبنان وشعرائه‪ .‬دار نوبيليس‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪: www.jeantouma.com).‬األوىل‪ ،‬ص‪ 186‬ومن صفحته الرسمية‬

‫‪53‬‬


‫كانت هذه البدايات األوىل لتجليات أدب البحر عند العرب‪،‬ث ّم ارتبطت أسامء عديد من الكتّاب العرب والعجم‬ ‫وأعاملهم الروائية‪ ،‬بشكل ما‪ ،‬بالبحر وعوامله املدهشة والعجائبية ومجاهيله ومغامراته ومقامراته‪ ،‬أمثال فيكتور‬ ‫"عمل البحر"‪ ،‬وأرنست هيمنغواي يف "الشيخ والبحر"‪ ،‬وح ّنا مينة يف "الياطر" و"الرشاع والعاصفة"‪،‬‬ ‫هوغو يف ّ‬ ‫و"ثالثية حكاية بحار"‪ ،‬وجربا إبراهيم جربا يف "السفينة"‪ ،‬ومحمد زفزاف يف "األفعى والبحر"‪ ،‬وغريهم من‬ ‫ال ّروائيّني العرب واألجانب‪.‬‬ ‫وأخ ًريا‪ ،‬ميكن القول إ ّن الخوض يف غامر الحديث عن نشأة أدب البحر‪ ،‬هو الخوض يف عباب بحر أوسع من أن‬ ‫تستوعبه صفحات هذا البحث‪ ،‬فاألدب الحديث واملعارص كانت له وقفة عند شاطئ البحر‪ ،‬لرتسو أقالم املبدعني‬ ‫يف مرفئه‪.‬‬ ‫البحر يف رواية "قناديل البحر"‪:‬‬ ‫رواية "قناديل البحر" مكثفة‪ ،‬وتشغل حي ًزا ورق ًّيا ض ّيقًا‪ ،‬لك ّنها ممتدة باتساع البحار التي تشكل فضا ًء رسديًّا‬ ‫الفرنيس يف منطقة "امليناء " البحريّة‬ ‫ممت ًدا‪ ،‬تجري أحداثها يف زمن ما بعد الحرب العاملية األوىل‪ ،‬إ بّان الوجود‬ ‫ّ‬ ‫الواقعة يف شامل لبنان‪ ،‬مسقط رأس الكاتب‪ ،‬فتبدو الرواية أشبه باملعادل الرسدي لها‪ ،‬إذ أضاءت عىل الجوانب‬ ‫السياسيّة واالجتامعيّة التي أحاطت باملدينة وأهلها آنذاك‪ ،‬فكانت ال ّرواية ملم ًحا من مالمح الخصوصيّة املحليّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وراف ًدا من روافده اإلبداعية املوصولة بالبحر‪.‬‬ ‫____________________‬

‫‪54‬‬


‫نشأة أدب البحر عند العرب‪:‬‬ ‫ذكر الشّ عراء واألدباء صورة البحر يف مختلف تص ّوراتهم‪ ،‬وساقوا لها أصولً مق ّدسة استم ّدوها من املصادر التّورات ّية‬ ‫أفعال مق ّدسة مح ّملة بفكرة الوطن‬ ‫ً‬ ‫والقرآن ّية‪ ،‬ألنّها يف هذا الجانب ارتبطت مبفهوم الخروج والعودة باعتبارها‬ ‫واألرض يف أبعادها اإلنسانيّة‪.‬‬ ‫وقد ورد ذكر البحر يف مثانٍ وعرشين آية من آيات القرآن الكريم‪ .‬يف مواضع متباينة‪ ،‬تتعلّق يف الغالب باملالحة‬ ‫والصيد واستخراج اللّؤلؤ واملرجان‪ .‬ونقل البضائع وال ّركّاب‪ .‬ﭧﭐﭨ ﱡﭐﭐ‪ .‬وتعني كلمة بحر‪ ،‬كام جاء يف املعجم‬ ‫والفلك‪ّ ،‬‬ ‫الوجيز ملجمع اللّغة العرب ّية‪ :‬املاء الواسع الكثري الذي يغلب فيه امللح‪ ،‬والبحر من الرجال الواسع يف الكرم أو يف‬ ‫العلم‪ ،‬جمعه أبحر وبحور وبحار”‪.‬‬ ‫والواقع أ ّن البحر ملهم الف ّن ومحفز اإلبداع؛ فلطاملا تغ ّنى به األدباء والشعراء؛ ليمت ّد من ديوان عرب الجاهلية‬ ‫يف معلقاتهم‪ ،‬إىل قصيدة الومضة والقصيدة الرقم ّية؛ بل إىل االستحواذ عىل مساحة شاسعة من ديوان عرب اليوم‪.‬‬ ‫الساحة النقديّة األدبيّة اليوم هو ندرة الدراسات التي تتط ّرق ألدب البحر بصفة خاصة‪ ،‬عىل‬ ‫غري أن ما يالحظ يف ّ‬ ‫ال ّرغم من توافر املادة األول ّية للدراسة‪ ،‬سواء منها الشّ عرية أو النرثيّة‪ ،‬وعىل ال ّرغم من أ ّن معظم ال ّدول العرب ّية‬ ‫سبيل لقضاء مآربها املتن ّوعة‪.‬‬ ‫تطل عىل البحر‪ ،‬وتتّخذه ً‬ ‫ّ‬ ‫“وتُ َر ّد بذور ال ّنشأة األوىل ألدب البحر إىل سرياف عىل الخليج العر ّيب” ‪ ،‬حيث يروي التّاريخ أنّها كانت مرك ًزا‬ ‫اسرتاتيجيًّا لتالقي الب ّحارة والتّجار‪ ،‬من مختلف البقاع واألمصار‪ ،‬وفيها راجت أطرف أخبار املالحة‪ ،‬والقصص التي‬ ‫يتداولها ربابنة السفن واملغامرون‪ ،‬وملا كانت تلك القصص املليئة باألساطري واألعامل البطول ّية؛ مدعاة للمتعة‬ ‫البحري‪.‬‬ ‫السندباد‬ ‫واللّذّة‪ ،‬فقد القت روا ًجا كب ًريا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫خاصة تلك التي تحيك عن مغامرات ّ‬ ‫وتشري املصادر القدمية إىل أ ّن “أقدم هذه القصص موجودة يف مخطوط قديم بعنوان‪“ :‬رحلة التّاجر سليامن”‬ ‫املالحي بني سرياف وكانتون ‪ ،‬ومقارنة‬ ‫يرجع تاريخ تأليفه إىل عام (‪237‬ه‪851/‬م)‪ ،‬وفيه وصف ممتع للطّريق‬ ‫ّ‬ ‫طريفة بني أحوال أهل الهند وأهل الصني‪ .‬وقد عنى بهذا املخطوط‪ -‬الذي توجد نسخته يف مكتبة باريس‪-‬‬ ‫من املسترشقني كل من جوزيف توسان رينو(‪1795/1867‬م)‪ .‬وجربييل فران( ‪1964/1935‬م)‪ ،‬ثم جان‬ ‫سوفاجيه‪01901/1950‬م)‪ ،‬من بعدهم‪ ...‬ث ّم ظهرت‪ ..‬مجموعة من القصص البحرية املعروفة باسم “عجائب‬ ‫تول جمعها ربّان يدعى “ بزرك بن شهريار الرام هرمزي” بني سنوات (‪905 900-‬م)‬ ‫الهند” حيث ّ‬ ‫كل من أبو حامد الغرناطي(‪1080/1170‬م)‪ ،‬وابن جبري األندليس (‪1145/1217‬م)‪ ،‬وأحمد بن‬ ‫باإلضافة إىل ما كتبه ّ‬ ‫ماجد (‪1418/1500‬م)‪ ،‬وغريهم"‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫يقول عبد القاهر الجرجاين يف متييزه بني وصف الكالم بأنّه عىل رضبني‪" :‬رضب تصل منه إىل الغرض بداللة اللّفظ‬ ‫وحده‪ ،‬ورضب آخر يدلّك اللّفظ عىل معناه الذي يقتضيه موضوعه يف اللّغة‪ ،‬ث ّم تجد لذلك املعنى داللة ثانية؛‬ ‫تصل بها إىل الغرض (‪ )...‬فها هنا عبارة مخترصة وهي أن نقول‪ :‬املعنى ومعنى املعنى‪ ،‬تعني باملعنى املفهوم من‬ ‫ظاهر اللّفظ؛ والذي تصل إليه بغري واسطة‪ ،‬ومبعنى املعنى أن تعقل من اللّفظ معنى‪ ،‬ث ّم يفيض بك ذلك املعنى‬ ‫"إىل معنى آخر"‬

‫مثلّث تشارلز بريس ودالالت البحر‪:‬‬

‫تجل يف مفهومه للعالمة أو ال ّدليل الّذي هو‪ -‬حسب رأيه‪" -‬عبارة عن يشء ما يع ّوض شيئًا مع ّي ًنا بالنسبة لشخص‬ ‫ّ‬ ‫معي؛ أي أنّه يخلق يف ذهن هذا الشخص‬ ‫معي وفق عالقة مع ّينة أو صفة مع ّينة‪ ،‬إ ّن الدليل مو ّجه إىل شخص ّ‬ ‫ّ‬ ‫دليل أكرث يس ّميه بريس مؤ ّوال (‪)Interprétant‬لل ّدليل األ ّول‪ .‬ويع ّوض هذا الدليل شيئًا معيّ ًنا هو ما‬ ‫دليل معادلً أو ً‬ ‫ً‬ ‫السيميا ّيئ"‪ :‬ال ّد ّال‪ ،‬املدلول واملوضوع‪ ،‬نحصل‬ ‫يس ّميه بريس مبوضوع (‪)Objet‬الدليل" ‪ .‬وانطالقًا من "مثلّث بريس ّ‬ ‫عىل ما ييل‪.‬‬ ‫ال ّد ّال‪ /‬املمثّل‬ ‫البحر‬ ‫العالمة‬

‫الظّلامت واملجهول‬ ‫املدلول‪ /‬املؤ ّول‬

‫رفض الغربة‬ ‫الواقع املشار إليه‪ /‬املوضوع‬

‫ِ‬ ‫يكتف أن يكون دالًّ مدلوله الغربة والظّلامت‪ ،‬فكان له مدلوالت فرع ّية كثرية‪:‬‬ ‫رمز البحر يف ال ّرواية‪ ،‬مل‬

‫____________________‬

‫‪. Greimas, J courtès, dictionnaire raisonné de la théorie du langage, éd seuil, 1977, p 34.‬‬ ‫م)‪ .‬واضع أصول البالغة ومن امثة اللغة‪ (.‬خري الدين الزركيل‪ :‬األعالم‪ .‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوتن لبنان‪ ،‬الطبعة العارشة‪(000/1078،‬‬ ‫)‪ ،1992‬الجزء الرابع‪ ،‬ص‪48‬‬ ‫‪.‬عبد القاهر الجرجاين‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ .‬القاهرة‪ ،‬منشورات مكتبة الخانجي‪1984 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 265 264-‬‬ ‫تشارلز ساندرز بريس (‪1839/1914‬م)‪ .‬فيلسوف أمرييك‪ .‬كتب مقاالت يف علم األصوات وعلم الفهارس والعلم والسيكولوجيا‪ (.‬جورج ‪.‬‬ ‫)طرابليس‪ :‬معجم الفالسفة‪ .‬دار الطليعة للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬الطبعة الثالثة‪ ،2006 ،‬ص‪225‬‬ ‫السيميائيّات‪ .‬الدار البيضاء‪ -‬املغرب‪ ،‬دار توبقال لل ّنرش‪ ،‬ط‪1987 ،1‬م‪ ،‬ص ‪. 45‬‬ ‫‪.‬حنون مبارك‪ :‬دروس يف ّ‬

‫‪56‬‬


‫دالالت وصف البحر بيان ًّيا‪:‬‬ ‫مثل‪ ،‬يح ّول‬ ‫الصور التي ترتجمها ال ّرموز اللّغويّة يف ال ّرواية بشكل مبارش‪ ،‬فنجد ال ّراوي ً‬ ‫يظهر هذا ال ّنوع من الوصف‪ ،‬يف ّ‬ ‫وأحس أنّه يرسل‬ ‫البحر إىل مرسال ذكريات يفرغ فيه األشواق واألحاسيس‪" :‬تذكّر شاطئ (الرنكا) يف قربص التي هرب إلهيا‬ ‫ّ‬ ‫كل موجة عابرة شوقًا إىل كاهن ال ّرع ّية هناك‪ ،‬وإىل األزقّة القدمية‪ ،‬لك ّنه يف قرارة نفسه يعرف أ ّن املوج ينكرس بعد‬ ‫مع ّ‬ ‫حني‪ ،‬وأ ّن الحلم يصري كزبد البحر هباء" (ص ‪ ،)88‬وتارة يجعله أداة تسهم يف تحريك عجلة التّجارة عىل سبيل التّصوير‬ ‫األجنبي يف البالد العرب ّية‪" :‬لن تسلم املنطقة من عبث أصحاب املصالح ال ّدول ّية‪ ،‬فبحرنا سوق‬ ‫البيا ّين‪ ،‬ليعلّل سبب التّد ّخل‬ ‫ّ‬ ‫تجاريّة‪ ،‬وأرايض العرب غنيّة بالبرتول" (ص‪.)39‬‬ ‫ويف أحيان أخرى‪ ،‬يلبسه عباءة الحاكم ليصبح سلطانًا عىل ر ّواده‪" :‬ث ّم إ ّن البحر يسحب املرء من مجتمعه وبيته ومن‬ ‫وسط أوالده‪ ،‬وتاليًا يف مواقفه اليوميّة وسلوكيّاته‪ ،‬ليضعه يف مواجهة سلطة أخرى هي سلطة البحر بكنز باطنه‪ ،‬وبجربوته‪،‬‬ ‫ومبساحته‪ ،‬وبهدير موجه‪ ،‬وباستكانته‪ ،‬فإ ّما أن ير ّوضك البحر وإ ّما أن تر ّوضه‪ ،‬لك ّن أعداءك هنا كرث بني ريح وبرق ومطر‬ ‫وانقالب موج‪ ،‬وأنت كام أنت" ( ص‪ ،)92‬فرنى البحر هنا ينقلب إىل عد ّو مستع ّد لتسخري جنوده أثناء املحاربة‪ ،‬فمن ال‬ ‫يُجيد فهم لغته لن ينجو من غدره‪ .‬فنجد أ ّن البحر قد اكتسب سامت جديدة مستعارة كالعداوة والتّسلّط‪( :‬جربوت‪-‬‬ ‫ير ّوض‪ -‬انقالب)‪.‬‬ ‫املتوسط صفات إضاف ّية‪ ،‬للتّعبري عن املكانة التي يحتلّها البحر‪ ،‬فهو ليس مج ّرد مياه‬ ‫لقد حمل الكاتب البحر األبيض‬ ‫ّ‬ ‫اللمتناهي املقرتن يف خيال األدباء‬ ‫مالحة يف مساحة جغرافيّة شديدة االت ّساع‪ ،‬وإنّ ا كان نافذة انفتاح عىل الغربة‪ ،‬ألنّه ّ‬ ‫موضوعي لصورة تقوم عىل‬ ‫الضياع والغرق‪ ،‬فتح ّولت صورة البحر إىل معادل‬ ‫باملغامرة وأساطري ال ّرحيل القدمية وقصص ّ‬ ‫ّ‬ ‫جدل الغربة والعودة‪ ،‬فكان البحر ال ّنافذة املفتوحة عىل أمل العودة‪" :‬شوقه يزداد إىل أرضه وبحره" (ص‪.)46‬‬ ‫دالالت ال ّتقابل العكيس‪ّ:‬‬ ‫يف البداية‪ ،‬تقابل ال ّرواية بني وضعني متناقضني‪ :‬املايض بأحالمه وطموحاته بتحقيق الوحدة العرب ّية ونجاح الثّورة العرب ّية‬ ‫الفرنيس وفشل مخطّطات امللك فيصل‪ ،‬من خالل املقابلة بني‬ ‫الكربى‪ ،‬والحارض بخيباته وانكساراته بعد سيطرة االنتداب‬ ‫ّ‬ ‫(الض ّيق‪/‬امليناء)‪ ،‬كان رغم ضيقه يحمل تطلّعات نجيب وأحالمه وآماله بالتّغيري‪،‬‬ ‫(الض ّيق‪ /‬الفسيح)‪ّ ،‬إل أ ّن املكان ّ‬ ‫املكانني ّ‬ ‫شكل‪ /‬البحر) الذي ح ّوله الكاتب إىل حيّز ضيّق خانق‪ ،‬عىل ال ّرغم من امتداده يف الواقع‪:‬‬ ‫عىل عكس املكان (املتّسع ً‬ ‫مقتحم العتمة وبحر الظّلامت واألرسار" (ص‪" ،)21‬حني تل ّمس "نجيب" ال ّدم‬ ‫البخاري‬ ‫ليشعل القبطان‪ ،‬الحقًا‪ ،‬مح ّركه‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫السور‪ ،‬فيا كان يقلب جسده من ضفّة الجدار إىل‬ ‫األحمر يسيل من راحة يده املجروحة من ال ّزجاج املكسور عىل أطراف ّ‬ ‫الضفّة األخرى ليغرق يف جلباب اللّيل ويلج أمواج املجهول‪ ،‬تذكّر خ ّد حبيبته‪ ،‬قبل ال ّرحيل بلحظات‪ ،‬حني طبع قبلة الوداع‬ ‫ّ‬ ‫لتذكره يف غيابه ولتبقى عىل العهد" (ص‪.)13‬‬ ‫والسم ّو بها‪ ،‬واإلدالء غري املبارش‪ ،‬مبوقفه ال ّرافض‬ ‫وبهذا شكّل البحر رم ًزا‪ ،‬استطاع "جان توما"‪ ،‬من خالله‪ ،‬تغليف رؤيته ّ‬ ‫خل عن األرض‪ ،‬داعيًا للبقاء فيها والذّود عنها مهام كلّف ذلك من مثن‪ ،‬يقول عىل لسان نجيب‪" :‬ما الذي يأيت باإلنسان‬ ‫للتّ ّ‬ ‫السلطة والشّ هوة ال يعرف‬ ‫ألعل الطّمع‬ ‫من أقايص األرض إىل تراب ال يعرفه ومل يجبل به ليصري مدف ًنا له؟ ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحب ّ‬ ‫البرشي ّ‬ ‫يتست خلف ال ّرموز‪.‬‬ ‫حدو ًدا للجشع؟ ألعلّها كالتّ ّنني" (ص ‪ ، )60‬فمعنى املعنى يف ال ّرواية ّ‬ ‫العادي للبحر كرمز بوسعه التّمييز بني معنى ابتدايئ يفيض إىل داللة واضحة‪ :‬البحر‪ ‬الغربة واملجهول‬ ‫ورغم أ ّن االستعامل‬ ‫ّ‬ ‫تشتق منها ال ّدالالت‪،‬‬ ‫والظّلامت‪ ،‬فإ ّن الفرق بني املعنى ومعنى املعنى ممت ّد ومفتوح عىل التّأويل‪ .‬فاملعنى هو املا ّدة التي ّ‬ ‫يؤسس ال ّنشاط اإلنسا ّين‬ ‫حيث ينظر إليه " ألخريداس جوليان دغرمياس"( ‪1917-1992‬م)‪ .‬من زاويتني‪" :‬أ ّو ًل باعتباره ما ّ‬ ‫منظو ًرا إليه كقصديّة‪ .‬فال يشء ميكن أن يقال عن املعنى قبل أن تت ّم مفصلته عىل شكل دالالت" ؛ وهذا ما يقودنا إىل‬ ‫رضورة التّمييز بني املعنى ومعنى املعنى‪ ،‬فاملعنى إحالة مبارشة تت ّم داخل العالمة بشكل مبارش‪ ،‬بينام معنى املعنى‬ ‫السياقات املمكنة التي تشتمل عليها العالمة‪:‬العالمة‪ :‬البحر ‪ ‬غربة ومجهول وظلامت ‪ ‬رفض‬ ‫هو ال ّداللة التي تشري إىل ّ‬ ‫الغربة‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫السلب واإليجاب‪:‬‬ ‫تح ّوالت ال ّداللة بني ّ‬ ‫استطاع "توما" أن يوظّف البحر بوصفه مك ّونًا من مك ّونات العامل ال ّروا ّيئ؛ فهو فضاء تجري فيه األحداث‪ ،‬وتتنفّس‬ ‫بكل أجزاء ال ّن ّص‪ ،‬فالبحر رمز لحرك ّية‬ ‫فيه الشّ خص ّيات‪ .‬كام جعل البحر كمتخ ّيل ال ميكن القبض عليه إلّ يف ارتباطه ّ‬ ‫مركزي ينتظم حوله‬ ‫الحياة وفعال ّيتها‪ ،‬لذلك كان له عالمات تأرجحت بني ال ّداللة ونقيضها‪ .‬فـ "ال ّداللة مفهوم‬ ‫ّ‬ ‫السيميا ّيئ يف مجمله" ‪ ،‬فنجد أ ّن البحر قد استحوذ لنفسه عىل ال ّداللة اإليجاب ّية‪ ،‬بعد أن كان رم ًزا للخوف‬ ‫ال ّنشاط ّ‬ ‫والعداء‪" :‬مل يسقط "نجيب" يف مصيدة الوقوف عند محطّات االنتظار‪ ،‬كان ه ّمه أن يعرف أكرث عن ذاك املدع ّو‬ ‫املتوسط فلم يقع إلّ عىل قبض ريح‪ ،‬لك ّنه بقي صام ًدا كسنديانة يف وجه‬ ‫تغي ًريا‪ ،‬والذي بحث عنه يف شواطئ‬ ‫ّ‬ ‫األعاصري"( ص‪" ، )119‬ولك ّنك ستبقى أخا سفر ج ّواب أرض ‪ ،‬من ًريا باألمل واألمل‪ .....‬كقناديل البحر"(ص ‪.)122‬‬

‫____________________‬

‫‪.‬يوري لومتان وسيزا قاسم وآخرون‪ :‬جامل ّيات املكان‪ .‬ال ّدار البيضاء‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬ط ‪1988 ،2‬م‪،‬ص ‪. 64‬‬ ‫‪. Greimas; sémantique structural, éd, larousse, paris, 1966, p 5.‬‬ ‫اب ٍ‬ ‫تقاذفت‪ /‬به فَلَ َواتٌ فهو أشعثُ أغ ُرب( ديوانه‪. ،‬‬ ‫أرض‬ ‫ْ‬ ‫هذا صدر لبيت شعري لعمر بن ايب ربيعة يقول فيه‪ [ :‬الطويل]أخا سفرٍ‪ ،‬ج ّو َ‬ ‫‪).‬دار صادر للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪،1998 ،‬ص ‪121‬‬ ‫‪.‬صالح فضل‪ :‬أساليب الشّ عريّة املعارصةَ‪ .‬بريوت‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬ط ‪1995 ،1‬م‪ ،‬ص ‪. 121‬‬ ‫‪.‬نرشته الجريدة الرسميةيف العدد ‪ 24‬تاريخ ‪ 13‬حزيران ‪1996‬‬

‫‪58‬‬


‫‌أ‪-‬البحر رمز الخوف‪ :‬بحر = الهرب والفرار‬ ‫"ماذا ينتظر الهاربون هناك خلف جرف املوج ونهاية األفق؟ أيسقطون كام تقول األساطري يف هاوية الخوف أو‬ ‫تبقى لهم من نور الشّ مس صبا ًحا إرشاقة أمل وكرسة رجاء؟!"( ص‪.)21‬‬ ‫البحر رمز الكفاح‪ :‬بحر = مصدر لل ّرزق والعيش‪:‬‬ ‫ليل سعيًا إىل كسب العيش‪ ،‬وقد استحقّت عليه استحقاقات ع ّدة‪ ،‬فمن أ ّم بحاجة إىل‬ ‫"ق ّرر "نجيب" أن يُبحر ً‬ ‫الص ّيادين إىل لجج البحر أنّه لن‬ ‫رعاية إىل حبيبة تنتظر فستان عرسها‪ .‬مل يفكّر "نجيب" وهو يخرج مع رفاقه ّ‬ ‫يبتعد عن رصيف الي ّم بل شعر‪ ،‬وللم ّرة األوىل‪ ،‬أ ّن املاء املالح هو رصيف املدينة البحريّة‪ ،‬وأ ّن هذا ال ّرصيق يحمل‬ ‫بشق ال ّنفس"( ص‪.)91‬‬ ‫الص ّيادين ّإل ّ‬ ‫الكثريين‪ ،‬ويقودهم إىل مراتع لقمة العيش التي ال تأيت عند ّ‬ ‫‌ب‪-‬البحر‪ :‬رمز األمل وال ّنجاة‪ :‬البحر = الوصول إىل ب ّر األمان‪:‬‬ ‫اإلنكليزي منذ العام ‪،1870‬‬ ‫السلطة العثامن ّية‪ ،‬والخاضعة للوجود‬ ‫ّ‬ ‫"صبا ًحا‪ ،‬بانت شواطئ قربص‪ ،‬املتح ّررة من من ّ‬ ‫الخارجي‪ ،‬لل ّراغبني يف فتح صفحة حياة جديدة‪ .‬من هنا‪ ،‬يأخذ الهاربون سفينة‬ ‫وها هي مدينة الرنكا‪ ،‬ب ّوابة العامل‬ ‫ّ‬ ‫السويس إىل العامل الجديد‪ ،‬أو الربازيل أو‬ ‫إىل "بور سعيد" يف مرص‪ ،‬ومن هناك يعربون برحلة بحريّة عرب قناة ّ‬ ‫اللتينيّة"( ص ‪.)29‬‬ ‫غريها‪ ،‬من ال ّدول ّ‬ ‫ّبيعي إزاء الوضع الجديد غري املتوقّع‪،‬‬ ‫هكذا يُحاط البحر بهالة كبرية من الشّ عور بالخوف‪ ،‬وهو الشّ عور الط ّ‬ ‫فـ"نجيب" مل يجد بُ ًّدا من الهرب وترك امليناء بعد دخول الفرنس ّيني‪ ،‬وإحساسه مبالحقتهم له والتّضييق عليه‪،‬‬ ‫فآثر الهرب إىل بالد الله الواسعة‪ ،‬من دون علم أ ّمه وحبيبته‪ ،‬فكانت رحلته يف زورق إىل جزيرة البقر القربية من‬ ‫بخاري كبري يوصلهم إىل جزيرة قربص‬ ‫الشّ اطئ‪ ،‬حيث كان خمسة من الفا ّرين بانتظاره‪ ،‬لينتقلوا جمي ًعا إىل مركب‬ ‫ّ‬ ‫كمحطّة أوىل لهم‪.‬‬ ‫رحلة بحريّة شابها الخوف من املجهول‪ ،‬لك ّن البحر يبقى حبل ال ّنجاة الذي سيقودهم إىل بلدان يأمنون فيها من‬ ‫السلطة العثامن ّية يف"‬ ‫تعسف الفرنس ّيني واالنكليز‪ ،‬فام كان بالهاربني إلّ أن استعادوا ّ‬ ‫قصة أولئك الذين يف ّرون من ّ‬ ‫سفر برلك" الجئني إىل البواخر الفرنسويّة ال ّرابضة يف عرض البحر‪" :‬تلك ال ّرحلة البحريّة أعادت إىل ذهن "الهاربني"‬ ‫ليل من أبناء امليناء من ال ّنري العثام ّين ومن التّجنيد‬ ‫قصة أولئك الذين كانوا يف ّرون ً‬ ‫من "العيون" الفرنسويّة ّ‬ ‫السخرة و"سفر برلك" إضافة إىل املجاعة التي قضت عىل الكثريين العام ‪ ("1916‬ص‪)25‬‬ ‫اإللزامي‪ ،‬زمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالضياع؛ قيل‪" :‬عندما ال تعرف امليناء الذي تتّجه إليه‬ ‫فكان البحر مساحة يؤطّرها اإلحساس الغامض والشّ عور ّ‬ ‫أحس به "نجيب" يف قربص‪ ،‬مل يستطع نسيان أرضه التي‬ ‫سفينتك ّ‬ ‫فكل ال ّرياح سواء"‪ .‬لكن‪ ،‬رغم األمان الذي ّ‬ ‫ففضل العودة ليخوض‪ ،‬من جديد‪ ،‬معركة أخرى مع البحر‪ ،‬حني عاد للعمل ص ّيا ًدا عىل مركب‬ ‫تجذّرت يف كيانه‪ّ ،‬‬ ‫السنسول‪.‬‬ ‫والده‪ ،‬ورئيس ورشة بناء ّ‬ ‫من هنا‪ ،‬ميكن أن نخلص إىل ما ييل‪:‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬نجد أ ّن البحر تجاوز حدود مساحته الجغراف ّية وكينونته املائ ّية‪ ،‬ليصبح "موضو ًعا لألدب"‪ ،‬حيث تفاعل‬ ‫دي ومستوى املضمون الذي يجعله منت ًجا‬ ‫والس ّ‬ ‫ّفظي‪ ،‬ومتفصل بني مستوى التّعبري يف شقّيه الخطا ّيب ّ‬ ‫بال ّنظام الل ّ‬ ‫لقيم دالليّة معيّنة‪.‬‬ ‫وكل ما يختلج فيها‪،‬‬ ‫املوضوعي‪ ،‬وإنّ ا تتد ّخل الذّات بأحاسيسها وتجاربها‪ّ ،‬‬ ‫ويف عامل ال ّرواية ال وجود للمكان‬ ‫ّ‬ ‫لتصوغ املكان وفق منظورها‪ ،‬فـ "املكان الذي يعيش فيه البرش مكان ثقا ّيف‪ ،‬أي أ ّن اإلنسان يح ّول معطيات الواقع‬ ‫املحسوس وينظمها‪ ،‬ال من خالل توظيفها املا ّد ّي لس ّد حاجاته املعيش ّية فقط‪ ،‬بل من خالل إعطائها داللة وقيمة"‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫لكتب العربية‪:‬‬

‫املصادر واملراجع‬

‫القرآن الكريم‬ ‫ابن بطوطة‪ :‬تحفة النظار يف غرائب األمصار وعجائب األسفار‪ .‬تحقيق عبد املنعم العريان دار أحياء العلوم‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬ ‫األوىل‪1987 ،‬م‪.‬‬ ‫أنور عبد العليم‪" :‬املالحة وعلوم البحار عند العرب"‪ .‬الكويت‪ ،‬املجلس الوطني للثّقافة والفنون واآلداب‪ ،‬سلسلة عامل‬ ‫املعرفة‪ ،‬العدد ‪1990 ،13‬م‪.‬‬ ‫إميل يعقوب‪ :‬موسوعة أدباء لبنان وشعرائه‪ .‬دار نوبيليس‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2006،‬‬ ‫جان توما‪ :‬قناديل البحر‪ .‬تعاون ّية ال ّنور األرثوذكس ّية لل ّنرش والتّوزيع‪،‬بريوت‪ ،‬ط‪2007 ،1‬م‪.‬‬ ‫جورج طرابليس‪ :‬معجم الفالسفة‪ .‬دار الطليعة للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬الطبعة الثالثة‪.2006 ،‬‬ ‫السيميائ ّيات‪ .‬الدار البيضاء‪ -‬املغرب‪ ،‬دار توبقال لل ّنرش‪ ،‬ط‪1987 ،1‬م‪.‬‬ ‫حنون مبارك‪ :‬دروس يف ّ‬ ‫خري الدين الزركيل‪ :‬األعالم‪ .‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوتن لبنان‪ ،‬الطبعة العارشة‪.1992 ،‬‬ ‫سمر روحي الفيصل‪ :‬معجم الروائيني العرب‪ .‬جروس برس‪ ،‬طرابلس‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1995 ،‬م‪.‬‬ ‫صالح فضل‪ :‬أساليب الشّ عر ّية املعارصة‪ .‬بريوت‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬ط ‪1995 ،1‬م‪.‬‬ ‫عبد القاهر الجرجاين‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ .‬القاهرة‪ ،‬منشورات مكتبة الخانجي‪1984 ،‬م‪.‬‬ ‫عمر بن أيب ربيعة‪ :‬ديوانه‪ .‬دار صادر للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪.1998 ،‬‬ ‫التبية والتّعليم املرصيّة‪ ،‬ط‪1980 ،1‬م‪.‬‬ ‫مجمع اللّغة العرب ّية‪ :‬معجم الوجيز‪ .‬مرص‪ ،‬وزارة ّ‬ ‫محمد التونجي‪ :‬املعجم املفصل قي األدب‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1413 ،‬هـ‪1993/‬م‪.‬‬ ‫محمود شاكر‪ :‬العامل اإلسالمي‪ .‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دمشق‪ ،‬عامن‪ ،‬الطبعة الثامنه‪1421،‬ه‪2000/‬م‪.‬‬ ‫موريس حنا رشبل‪ :‬موسوعة الشعراء واألدباء األجانب‪ .‬جروس برس‪ ،‬طرابلس‪ ،‬لبنان‪ ،‬ال ط‪.1996 .‬‬ ‫ياقوت الحموي‪ :‬معجم البلدان‪ .‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ال ت‪ .‬ال ط‪.‬‬ ‫يوري لومتان وسيزا قاسم وآخرون‪ :‬جامل ّيات املكان‪ .‬ال ّدار البيضاء‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬ط ‪1988 ،2‬م‪.‬‬ ‫الكتب األجنبية‪:‬‬ ‫‪Greimas, J courtès, dictionnaire raisonné de la théorie du langage, éd seuil, 1977.‬‬ ‫‪Greimas; sémantique structural, éd, larousse, paris, 1966.‬‬ ‫ّ‬ ‫واملجلت‪:‬‬ ‫الصحف‬ ‫ّ‬ ‫الجريدة الرسمية اللبنانية ‪ -‬العدد ‪ 24‬تاريخ ‪ 13‬حزيران ‪1996‬‬ ‫املواقع االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪www.jeantouma.com‬‬

‫‪60‬‬


‫ميكن القول‪ ،‬إ ّن صورة البحر ال تغيب عن طيّات ال ّرواية‪ ،‬وحضوره يتح ّول إىل مساءلة داخليّة‪ ،‬وإطالق ما تخبّئه ال ّنفس‬ ‫تتوسع يف نسج حقولها‬ ‫من رصخات موجعة عند شاطئه‪ ،‬تشكّلت عربها ال ّرسالة ال ّدالل ّية‪ ،‬فمنظومة اللّغة املكان ّية ال ّرامزة ّ‬ ‫خري‪ -‬مرمى ال ّرمل"‪،‬‬ ‫الصورة الكلّ ّية‪" :‬رمال‪ -‬أرضه‪ -‬امليناء‪ -‬ال ّرصيف ّ‬ ‫من البحر‪ ،‬لتستحرض أمكنة إضاف ّية تشرتك يف بناء ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫أيضا‪ ،‬ويف طبيعتها البرصيّة ذاتها‪ ،‬إذ إنّها‪.‬‬ ‫فـ"ال ّرسالة البرصيّة تتشكّل باللّغة‪ ،‬ال من الخارج فحسب‪ ،‬وإنّ ا من ال ّداخل ً‬ ‫الصورة باألبعاد ال ّنفسيّة‪،‬‬ ‫تصبح قابلة للفهم بفضل أبنيتها اللّغويّة" ‪ ،‬وترتافق هذه األمكنة بلغة تتّجه نحو الفجائيّة لتشبع ّ‬ ‫كل املشهد تع ّزز هذه األبعاد التي‬ ‫كل يشء ملتبس بالقلق والخوف والحنني‪ ،‬وشمول ّية صورة البحر عىل ّ‬ ‫ففي هذه األمكنة ّ‬ ‫منها يصوغ "توما" أسئلته الباحثة عن مكان‪ ،‬وما دامت صورة البحر تحتفظ بذاكرة الحنني والشّ وق‪ ،‬فإ ّن رغبة العودة‬ ‫يظل يحتفظ بصلة‬ ‫إىل الوطن ظلّت كامنة خلف هذه املشاهد البرصيّة؛ أل ّن البحر رغم ارتباطه بداللة الغربة واملجهول‪ّ ،‬‬ ‫برصي‬ ‫خفيّة بالوطن‪ ،‬ما دام يثري ذاكرة األ ّم ومدن الوطن "امليناء"‪ ،‬وهكذا تح ّولت صورة البحر تدريجيًّا من مج ّرد مشهد‬ ‫ّ‬ ‫وصورة تسجيل ّية إىل خطاب يتفاعل مع الذّات والواقع‪ ،‬ليصبح محور ال ّدالالت‪ ،‬ألنّه باإلضافة إىل تحقيق مه ّمة توصيل‬ ‫ال ّرسالة البرصيّة يصبح وسيلة الكتشاف عامل الذّات التي بها يُقيم عالقاته باملكان‪.‬‬ ‫الص ّيادين"‪ ،‬بحيث تأخذ‬ ‫ومن خالل متابعة اللّغة املكان ّية يتد ّرج حضور األمكنة املألوفة‪" :‬األرض‪ ،‬امليناء‪ ،‬الشّ اطئ‪ ،‬مرافئ ّ‬ ‫مم‬ ‫صورة البحر مه ّمة التّواصل مع هذه األمكنة واستدعائها عرب الذّاكرة‪ ،‬ومن خاللها ميزج الشّ اعر بني الحنني والغربة‪ّ ،‬‬ ‫خاصة بالبحر‪ ،‬تتمظهر يف التّجارب اإلنسان ّية‪ ،‬وتصاغ من‬ ‫يجعل من رواية "قناديل البحر" قادرة عىل ض ّخ دالالت وأبعاد ّ‬ ‫خاصة يف عامل ال ّرواية‪ ،‬فتق ّدم أبعا ًدا واقع ّية‪ ،‬تبثّ صور املجتمع اللّبنا ّين إبّان الحرب العامل ّية األوىل‪.‬‬ ‫خالل خربات ف ّن ّية ّ‬

‫الخامتة‪:‬‬

‫ميكن أن نخلص إىل أ ّن "قناديل البحر" رواية استطاعت أن تقتحم عوامل عديدة‪ ،‬ومجاهل الحياة‪ ،‬وال ّنفس البرشيّة‪ ،‬وبذلك‬ ‫ق َّدمت لنا‪ ،‬معرفة عميقة بالذّات والوجود‪ ،‬يف تن ُّوعاته وتش ُّعباته‪ .‬ويُ َع ّد الفضاء البحريّبإغرائه ومجهول ّيته من الفضاءات‬ ‫ميل من تكراره‪ ،‬وبكائناته الحقيق ّية واألسطوريّة‪-‬‬ ‫الخصبة التي ت َ َّم استثامرها يف هذه ال ّرواية‪ .‬فالبحر‪ -‬بنشيده الذي ال ّ‬ ‫يجتذب اإلنسان نحو املغامرة واملقامرة كام فعل سندباد‪ .‬ولذلك نجد البحر قد تشكَّل يف مخيال اإلنسان برموز عديدة‪،‬‬ ‫ودالالت كونيّة‪.‬‬ ‫البحر عند "جان توما" إحالة إىل صورة استعاريّة تنسج ال ّرغبة يف الثّورة والتّحرير‪ ،‬لذا نجده يعيد ترتيب عالقته مع‬ ‫والضياع واالغرتاب إىل فضاء للبحث عن الذّات‪ .‬حضور البحر يف ال ّن ّص يتّخذ بُع ًدا رمزيًّا‪ ،‬يضفي‬ ‫البحر من عنوان للتّيه ّ‬ ‫عىل صورته ما استق ّر يف األذهان من أساطري وأحداث تاريخ ّيةتتعلّق بالوجه املظلم والعايت لصورة البحر‪ ،‬أو الخوف من‬ ‫املجهول‪،‬ليصل من خالله إىل بُ ْعد آخر ورمز مختلف‪ ،‬هواالستمرار يف ال ّرحلة إىل العامل الفسيح‪ ،‬لك ّن رعاية األهل والواقع‬ ‫املفروض حال دون ذلك إىل ح ّد ما‪.‬‬ ‫حال من حاالت التّامهي بني الكاتب والبحر‪ ،‬دالل ًة وتأويالً‪ ،‬فقد َغ َرفَكاتبنا من معجم‬ ‫إ ّن رواية "قناديل البحر" عكست ً‬ ‫بحري موغل يف تشكيل ذاته اإلبداع ّية ورؤيته‪ ،‬ووعيه املبكر بالعامل‪ ،‬منذ نشأته يف بلدة ساحل ّية مفتوحة الفضاء طبيع ًّيا‬ ‫ّ‬ ‫سجل الذّاكرة‬ ‫عىل بحر محيط ال يح ّد (امليناء)‪ ،‬وهو الفضاء الذي متاهى فيه "توما"‪ ،‬ليعيد تشكيله فنيًّا وجامليًّا من ّ‬ ‫والص ّيادين ومباهجهم وعالقاتهم اإلنسان ّية‪ .‬لذا ميكن القول‪ ،‬إ ّن البحر‬ ‫البحريّة‪ ،‬وتفاصيلها اليوم ّية‪ ،‬وصور معاناة الب ّحارة ّ‬ ‫كان عالمة منمذجة لرواية "توما"‪ ،‬فكلامته مبلّلة برموزه‪.‬‬ ‫‪61‬‬


‫رضورة االجتامع اإلنساين‬ ‫د‪ .‬مرياي أبو حمدان‬ ‫مييل اإلنسان بفعل تكوينه البيولوجي إىل االلتفاف حول الجامعة اإلنسانية ضمن منظومة حياتية متوازية مع‬ ‫أبناء جنسه‪.‬وقد ظهرت هذه العملية االجتامعية ‪،‬والفطرية ‪،‬والبيولوجية‪،‬وال ّنفسية‪،‬نتيجة لتفاعل اإلنسان مع‬ ‫محيطه‪،‬الستمرارية ال ّروابط اإلنسانية ‪،‬وإزالة الفردية ‪،‬والوحدوية ‪،‬والحواجز اله ّدامة‪.‬‬ ‫فهو الكائن الوحيد الّذي ال ميكنه ان يعيش منفردا ًمن دون سلطة أو قانون ينظّم حياته االجتامعية‪،‬ويبعده عن عوامل‬ ‫الفوىض واالختالف مع البيئة‪.‬فاإلنسان منذ تكوينه ُوجد ضمن منظومة اجتامعية محكمة‪،‬ال ميكنه البقاء من دونها‪.‬‬ ‫التكيب‬ ‫فهي عملية تلقائية‪،‬وعفوية ترسي يف عروق البرش‪،‬وتلزمهم ال ّدوران ضمن ال ّدائرة االجتامعية‪،‬ألنّها نابعة من ّ‬ ‫الطّبيعي للفرد ‪،‬ومن الذّات اإلنسانية‪.‬وهذه الحاجة إىل تالقي الجامعة ‪،‬ال تبعد شبح االختالف وال ّنزاعات الّتي تؤ ّدي إىل‬ ‫الكثري من الظّواهر االجتامعية‪،‬وما يتبعها من قوانني وأسس بفعل تواجدهم يف حياة مشرتكة تلزمهم التّفاعل والّتبادل‬ ‫ألفكارهم وآرائهم يف بيئة طبيعية تجمعها ال ّروابط النفسية واالجتامعية‪.‬‬ ‫فاإلنسان اجتامعي بطبعه‪،‬وهو ينضوي تحت مجتمع أوجدته إرادة التّالقي والتّواصل ‪،‬وهذه الخاص ّية هي نتاج حاجة‬ ‫اإلنسان لالستقرار وتحديد الوظائف ‪،‬واألدوار ‪،‬واألهداف‪،‬كام تجتمع العاطفة والعقل يف بؤرة التّخاطب اإلنساين‪،‬فتؤسس‬ ‫لبناء إنسان حضاري ‪،‬تحضنه الفكرة واملنطق واألسلوب‪.‬‬ ‫وكل فرد من أفراد هذا املجتمع يسهم يف تجديده وتدويره من أجل اإلصالح والتّق ّدم ‪،‬واالحتكاك بواقع أحداث الحياة‬ ‫ّ‬ ‫فتولّد اإلبداع والج ّدة يف املامرسة اإلنسانية واألخالقية‪،‬ما يؤكّد عىل العالقة املتينة بني اإلنسان وبيئته‪ ،‬وتحقيق قيمه يف‬ ‫بوتقة اإلرادة البرشية‪ ،‬ومجاالت تطلّعاته وقناعاته‪.‬‬ ‫الخلق واملبادرات التّفاهمية مع اآلخر وجعل األفكار تحت مجهر العمل خري دليل عىل حريّة اإلرادة‬ ‫إن التّفاعل الفكري ّ‬ ‫وفاعلية الفكر واملعرفة إذ يرتجم العامل الالمحسوس داخل العقل الباطني إىل ظواهر ملموسة‪،‬فتساهم يف زيادة املعرفة‬ ‫وال ّنشاط االبداعي والقدرات الب ّناءة لل ّنجاح والتّجديد‪.‬‬

‫‪62‬‬



‫وألن الدولة ال تقبل أن تقف مكتوفة األيدي وال بد أن تشارك يف الحرب عىل الفساد الغذايئ كانت حملة وزارة الصحة‬ ‫عىل املطاعم واملتاجر واملصانع ألخذ عينات من محتوياتها وفحصها ليعرف اللبناين حقيقة ما يرشب ويأكل‬ ‫ال أعتقد أن أحدا منا ينىس تلكالفرتة وأيام قوائم يصلح وال يصلح‪.‬‬ ‫كانت تلك القوائم مثار إهتاممنا لفرتة وقد تفاأل املتفاؤلون عندما ختمت معامل عمالقة ومطاعم فخمة بالشمع األحمر‬ ‫وشهر بها يف اإلعالم دون أي مواربة‪.‬‬ ‫حينها قيل أن املفسدين سيتساقطون واحدا واحدا وسيفكرون بعد اآلن ألف مرة قبل التالعب بصالحية منتج أو‬ ‫إستخدام املواد الضارة بصحة املواطن‪.‬‬ ‫ومرت األيام وبدأ الشمع األحمر يذوب ومعه قوائم ما يصلح وما ال يصلح‪ .‬فتحت املطاعم واملتاجر واملعامل وعاد إليها‬ ‫زوارها ومرتادوها كأن يشءا مل يكن‪.‬‬ ‫وألن لكل قاعدة من يشذون عنها ظهرت قلة من اللبنانيني تدعو ألخذ اإلحتياطات الالزمة للمحافظة عىل الصحة‬ ‫ومقاطعة كل من ضبطتهم الوزارة يوما وهم يتالعبون بسالمة املواطن وغذائه‪ .‬ومن هذه القلة أحد أصدقاء العائلة‬ ‫صديقنا هذا يرتب حياته حسب قوائم الوزارة ونتائج مخترباتها‪ .‬كلام ملّح تقرير يف نرشة إخبارية إىل مطعم بإحتامل‬ ‫رشاء لحم فاسد شطبه من قامئة املطاعم التي مير بجوارها‪ .‬وكلام رفع أحد برامج الفضائح الكثرية صوته بتلوث مادة‬ ‫غذائية أزالها من قامئة إحتياجاته اليومية‪ .‬فرتاه يشطب أكرث مام يبقي‪.‬‬ ‫ويكفي أن أخربك عزيزي القارئ أن صديقنا ذاك إخذ قرضا من املرصف ليشرتي جهاز تنقية هواء ملنزله وفلرتا ذو‬ ‫مواصفات عاملية لصنابري املياه يف البيت‪.‬‬ ‫وكونه يسكن وحيدا كان ال بد من أن يجد مطعام يوفر عليه مشاق الطهو العصيبة مع محافظتهعىل أسس النظافة‬ ‫والسالمة‪.‬‬ ‫وقع إختياره عىل مطعم صغري بعد أن داهم مطبخه مرات وقرأ شهادة وزارة الصحة املثبتة مطابقته ملعايري الجودة‬ ‫ولكن رغم كل اإلحرتاز يقع البالء‪.‬‬ ‫إنه اآلن يرقد يف املستشفى مصابا بإنهيار عصبي إثر تلقيه رضبتني موجعتني يف يوم واحد‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬اكتشف املسكني أن مطعمه املحبب يحصل عىل الدجاج من رشكة ضبطت متلبسة بجرم رشوة مفتيش وزارة الصحة‬ ‫ملنح دواجنها إفادات نجاح دون اخضاعها ألي اختبار‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬جميع صحون التبولة والفتوش التي كان يشيد بطعمها يوردها للمطعم صاحب بستان يف أحد السهول التي تروى‬ ‫مباء النهر املشهور بأن مياهه باتت مزيجا من مياه رصف صحي مضافا إليهاا بعض بقايا النفايات املشكّلة‬ ‫قررنا أن نقوم بزيارة الصديق يف املستشفى‪ .‬دخلنا عليه وهو منوم بفعل املهدئات وقد إتصل بيده أنبوب التغذية‬ ‫بأكياس املصل‪.‬‬ ‫أفلتت من أخي ضحكة ال تليق باملشهد العام رسعان ما فرسها يل بهمسة ساخرة‪" :‬لقد قرأت يف الصباح مقاال عن أن‬ ‫أكياس املصل يف بعض املستشفيات مغشوشة فامذا سيكون موقف صاحبنا لو وصلته تلك املعلومة وهو يف هذه الحالة؟"‬

‫‪64‬‬


‫عذرا أيها املواطن االستثنايئ فام عاد من يشء مطابق‬ ‫كارين كيوان‬

‫بني حني وآخر تطل علينا شاشات التلفزة بتقارير إخبارية وحلقات دسمة من برامج الفضائح حول فساد جديد يطال‬ ‫طعامنا ورشابنا‪ .‬فمن املواد الغري مسموح بها يف الحليب ومشتقاته إىل األغذية مزورة الصالحية مرورا بالطحني الذي‬ ‫نتشاركه مع الفرئان والهمربغر بنكهة القطط واملزروعات املروية من مياه الرصف الصحي‪.‬‬ ‫مثل تلك الحلقات كانت يف البداية تحدث خضات يف املجتمع اللبناين فتحقق القناة نسب مشاهدة عالية لربامجها تلك‬ ‫ويستمر الحديث يف املوضوع أسابيع وشهور ويرضب كثريون عن إستخدام املنتجات محور الفضيحة‪.‬‬ ‫ومع الوقت وألننا شعب يعتاد كل يشء ويتأقلم مع كل رضوب الذل أصبحت مثل تلك املسائل متر مرورا عابرا فنستقبلها‬ ‫بيشء من الغثيان ومنشورات عىل مواقع التواصل اإلجتامعي لصور مذيلة بتعليقات ووجوه تعبريية متقززة‪ ,‬مع بعض‬ ‫التنكيت عىل العادة اللبنانية‪.‬‬ ‫ولنكن رصيحني كل السموم التي يف موادنا الغذائية ال تكاد تذكر أمام عيشنا متجاورين مع كل أنواع النفايات تاريكني‬ ‫لها حرية مشاركتنا طرقاتنا‪ ,‬بحرنا‪ ,‬أنهارنا والهواء الذي نتنفسه‪.‬‬ ‫وسريا عىل قاعدة أننا شعب إيجايب بطبيعته علينا أن نعرتف بأن هذا املزيج العجيب من امللوثات قد قوى مناعتنا حتى‬ ‫أصبحت خارقة‪ .‬فلو كنا ال نزال من فئة البرش العاديني للقينا حتفنا جميعا منذ زمن‪.‬‬ ‫اآلن أصبح شعبنا قادرا عىل أن يحيا مطمئنا فال خوف علينا من حرب كيميائية أو نووية قادمة فأقنعتنا موجودة فينا‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫يعرض عناء أهلنا وأجدادنا يف القرية والقرى املجاورة‪ ،‬ليبني قيمة العمل والجهاد واألرض‪ ،‬ليبني كم ُدفع مثنها من عرق‬ ‫جباههم (ص ‪ ،)162 -160‬يعود بنا إىل األمس البعيد والقريب معا‪ ،‬اىل زمان كان فيه فداء الناس باملال واملمتلكات يعد‬ ‫كرامة ومرجلة وفضيلة ترتك للتاريخ (ص‪ .)137 -134‬كتاب يذخر بصدق تراب األرض الذي ال يغش وال يُغش‪ ،‬فكانت‬ ‫أحداثه وأخباره ونوادره مؤثرة‪ ،‬وتشبهه بكل صورة وحرف وحكاية ووجع‪ .‬يذكر السياسة واملواقف والوالء يف جبل عامل‬ ‫وتأثر اهله بالعمل املقاوم يف املنطقة منذ االحتالل الصهيوين لفلسطني‪ ،‬بدءا ً من املقاوم ناصيف النصار (ص ‪ )18‬ومؤمتر‬ ‫وادي الحجري بقيادة السيد عبد الحسني رشف الدين واملقاومني أدهم خنجر وصادق حمزة (ص ‪ )84‬مرورا بعبد النارص‬ ‫وكيف ان العرب دفنوا إنجازاته قبل دفنه (ص‪ )175 -251‬وصوالً اىل أيب عامر وشعاره "البندقية وغصن الزيتون" د‬ ‫(ص‪.)23 ٩‬‬ ‫يسلط الضوء عىل دور النساء يف ذاك الزمن كفاعالت يف املجتمع ويُظهر دورهن اإليجايب‪ ،‬ويرى هذا البعد التاريخي‬ ‫لدور املرأة انه من صميم املحافظة عىل الذاكرة الجامعية للمكان املرتبط بالزمان حتام‪ .‬ويعطي مثاال عن زينب جرادي‬ ‫التي كان لها باع طويل يف ابداء الرأي ووضع الحلول لألزمات‪ ،‬فكان لها الدور الفعال يف اقناع الحاكم العسكري يف تبنني‬ ‫بأخذ الفدية عن عدد من املقاومني من رامية الذين حكمت عليهم سلطات اإلنتداب الفرنيس باإلعدام لرفضهم التقسيم‬ ‫واإلنفصال‪ ،‬فذهبت بنفسها لدفع مئتي لرية ذهبية مقابل صك براءتهم (ص ‪ 87‬و ‪.)88‬‬ ‫ونظرا ألهمية الذاكرة الجامعية يف تشكيل الهوية ويف تحديد عنارص االنتامء واالرتباط بني افراد املجتمع فإن البعد‬ ‫التاريخي يكتسب أهمية خاصة يف هذا الكتاب ويف ابراز دور كافة افراد املجتمع من نساء ورجال‪ .‬ويرسد الكثري من‬ ‫العالقات التي كانت تسود بني اهل قرية رامية والقرى املجاورة‪ ،‬وكذلك العونة وصنع املونة عىل أنواعها والتبادل‬ ‫والتزاوج بني القرى وإقامة األفراج والدبكة عىل صوت املجوز والقصب دون ان ينىس ذكر أهم مشاهري الدبيكة يف رامية‬ ‫وعيتا الشعب وطربيخا وصلحا وبيت ليف (ص ‪ .)191 -187‬وكذلك العالقات بني اهل قريته رامية وقرى فلسطينية‬ ‫أخرى مثل حرفيش التي يقول بأن أصل سكان أهل رامية منها (ص ‪ .)20‬وال ينىس ذكر سهرات الشتاء وقراءة السري‬ ‫الشعبية (ص ‪.) 171‬‬ ‫ان التذكر الفردي يف الكتاب هو تعبري عن الهوية الثقافية الجمعية‪ ،‬وهو نقل تواصيل نتيجة الذاكرة التواصلية الف ّعالة‬ ‫بالرموز الثقافية‪.‬‬ ‫"رامية" كتاب يدخل يف االنرثوبولوجيا الشعبية من خالل وضع الذاكرة الجامعية يف التواصل بني القديم والحديث‪ ،‬موثقة‬ ‫وغنية بالنقل التواصيل القبيل والبعدي‪.‬‬ ‫يربز الكاتب الحنني للمكان‪ ،‬حنني للروح والعطر والذاكرة‪ ،‬حنني لجامعات ولصداقات عابرة تركت آثارها رمبا بشكل‬ ‫أعمق من صداقات دامئة‪ ،‬حنني للوجوه التي ال زال الكاتب يذكر مالمحها سواء كانت وجوها طيبة ام حاقدة‪ .‬تركيز‬ ‫دائم عىل املكان وربطه باألشخاص‪ ،‬كأنه يقول من خالل كلامته تأكدوا من نبضات أماكنكم قبل أن ترتكوها‪ ،‬فهي تشعر‬ ‫بفقدكم وغيابكم عنها‪.‬‬ ‫يف الحنني للمكان انتصا ٌر عىل بعد املسافات؛ فكم من أماكن ابتعدنا عنها او أُبعدنا ولكنها بقيت بقلوبنا شاهدة عىل‬ ‫ظل الحنني يشتد إليها حتى ونحن بني أحضانها‪.‬‬ ‫حنيننا لها‪ ،‬وكم من أماكن ّ‬ ‫األماكن كالبرش؛ لها خصوصياتها وأحضانها‪ ،‬وهي ذاتها التي تزرع فينا القدرة عىل تفقد قلوبنا حني نفقدها ذات غفلة‪،‬‬ ‫أماكن بعواطف برش تهبك حميمية تشعر بها صارخة كلام زرتها أو مررت عليها‪.‬‬ ‫ويف الختام اذكر ما ذكره الكاتب من خامتة كتابه أنه أراده ان يكون "اكتامال للرؤية وتوثيقا للرتاث واملوروث ليبقى حيا يف‬ ‫الذاكرة العامة املستمرة عرب األجيال‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫رامية‬

‫نزيهه صالح‬ ‫كتاب”رامية” بتاريخها وتراثها وعالقاتها من الجذور حتى الحارض املنظور‪ ،‬للكاتب عبد الحميد حيدر (أبو حمزة)‪ ،‬قدم‬ ‫له األستاذ املريب حسن دياب اإلسامعيل الذي شبهه مبارسيل بروست يف قوة ذاكرته وقدرته عىل اسرتجاع الزمن املايض‬ ‫الضائع يف كتابه “بحثا عن الزمن الضائع”‪ ،‬كام شبهه بأسامة بن منقذ يف كتابه اإلعتبار الذي روى سريته الذاتية وقتاله‬ ‫الصليبيني (ص ‪ .)11-12‬كتاب من القطع الكبري طبعة خاصة‪ 256 ،‬صفحة‪ .‬من يقرأه يجد سرية ذاتية لقرية رامية‪.‬‬ ‫بأحداثها وتواريخها الخاصة‪ ،‬ويف بساطتها وتقاليدها وعاداتها وطبيعة عالقات الناس فيام بينهم‪ .‬يعيش الكاتب مع قريته‬ ‫بالتواضع الرسدي‪ ،‬تاركا فيها بصامت جهاده طيلة سني املقاومة منذ العام ‪ ،1948‬وهو املعارص للنكبة والنكسة وما ‪v‬‬ ‫تبعهام من ويالت مرت عىل األمة منذ بدء الرصاع ونشوء املقاومة الفلسطينية وصوال اىل املقاومة اإلسالمية يف لبنان‬ ‫يأخذنا الكاتب اىل الواقع‪ ،‬أبعد من املكان والزمان‪ ،‬إىل تاريخ سكن وجدانه يف ذاكرة القرية ف ُيدخلنا اليها من بابها‬ ‫الواسع‪ ،‬لنتعرف عىل ما مل يكن يف ذاكرتنا نحن األجيال التي تلت جيله وما بعد ما بعد جيله‪ ،‬ولنحس بنبض العامل كله‬ ‫يخفق خلف باب رامية والقرى املحيطة بها كأنها تقف اآلن أمامنا تحدثنا عن حدودها وقالعها وحصونها وعلامئها‬ ‫(ص‪.)15-18‬‬ ‫يعرض عناء أهلنا وأجدادنا يف القرية والقرى املجاورة‪ ،‬ليبني قيمة العمل والجهاد واألرض‪ ،‬ليبني كم ُدفع مثنها من عرق‬ ‫جباههم (ص ‪ ،)162 160-‬يعود بنا إىل األمس البعيد والقريب معا‪ ،‬اىل زمان كان فيه فداء الناس باملال واملمتلكات يعد‬ ‫كرامة ومرجلة وفضيلة ترتك للتاريخ (ص‪.)137 134-‬‬

‫‪67‬‬


‫كورونا‬

‫رفيف عمر شبيل‬

‫والسؤال من استغل من؟ هل الكورونا بصغرها استغلت نقطة ضعف اإلنسان ؟ أم االنسان استغل عدوه االصغر ليقيض‬ ‫به عىل عدوه األكرب؟‬ ‫تالمسك بلطف وتدخل بهدوء إىل جسدك وتصادق اجزاءك وتجول فيها وتصنع الذكريات يف إجازة سعيدة تستمتع‬ ‫خاللها بأدق التفاصيل وعندما يحني وقت العودة تختبىء إىل أن تطمنئ اعضاؤك وتسرتخي ‪ ،‬وهذه هي اللحظة التي‬ ‫تخرج بها من مخبئها الرسي بخططها الذكية لتسيطر بلحظات عىل اهم جزء حيوي باختصار مصدر الحياة‪.‬‬ ‫يا لها من خبيثة ‪ ،‬هذا ما قاله الجسد‪،‬لقد وثق بها وفتح لها ارشع االبحار‪ ...‬فامذا فعلت؟! غدرت به يف وقت ضعفه‬ ‫الوحيد‪.‬‬ ‫أال يحق لهذا الجسد ان يرتاح قليال؟! أال يحق لخط دفاعه األول بقيلولة ؟أال يحق له بصديق ويف؟!‬ ‫هل الغدر هو انتصار عادل؟‬ ‫والسؤال األهم ‪ ،‬هل يحق لهذا الجسد بأن يطرح كل هذه األسئلة؟!!! هل رحمنا بعضنا البعض؟ هل أحببنا بعضن‬ ‫البعض؟ هل تعايشنا مع بعضنا البعض؟أم هل فتكنا وغدرنا ببعضنا البعض؟!!‬ ‫هل هذا بالء أم صدفة؟‬ ‫‪،‬رس إلهي يف هذا اليشء الصغري والالمريئ‪.‬‬ ‫بصمته جعل األوطان ترصخ‪ ،‬وبصغره هزم أعتى الجيوش‪ ،‬هو خبيث وقبيح نعم ولكن ما الحكمة التي أىت بها؟‬ ‫لقد أعاد اإلنسان اىل انسانيته؟! والطبيعة اىل طبيعتها؟!‬ ‫خرجت الحيوانات ألول مرة بالتاريخ الحديث تجول الشوارع بال خوف‪،‬عادت الحياة اىل مياه البحار واالنهار بعدما خلت‬ ‫من تلوث اإلنسان ومل تعد الطيور خائفة من التحليق يف سامء زرقاء وصافية من جديد‪.‬‬ ‫أما العائلة فاجتمعت بدفئ ُحرمت منه اجيال‪ ،‬وعادت أحاديث وجمعات القصص الجميلة‪.‬‬ ‫هذا اليشء الصغري جعلنا نكتشف ذاتنا ونكتشف عاملنا بكل ما فيه من ثغرات ونقاط ضعف وقوة وكأننا خلقنا من‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫فرصة تاريخية ‪ ،‬فهل سيستغلها االنسان إلعادة بناء انسانيته أم سيستغل عدوه االصغر ليقيض به عىل عدوه األكرب؟!!!‬

‫‪68‬‬



‫من الذاكرة‬



‫شعر‬


‫األلوف‬ ‫نشيد‬ ‫ْ‬ ‫عمر شبيل‬

‫يا ساديت ‪ ،‬هل تدركون أنّك ْم‬ ‫الخريف‬ ‫دخلْتم‬ ‫ْ‬ ‫لك ّننا من قبلِ أ ْن نراكُ ُم كورقِ‬ ‫الخريف‬ ‫ْ‬ ‫ُسوف ُ‬ ‫نقول لكُم ‪:‬‬ ‫ظل من جراحنا‬ ‫علَّ ْمتُمونا أ َّن ما قد َّ‬ ‫بالنزيف‬ ‫الكريس‬ ‫ستستم ُّر طاملا انت ْم عىل‬ ‫ْ‬ ‫ّْ‬ ‫علّ ْمتمونا أ َّن من يعيش من أطفالِنا‬ ‫الرغيف‬ ‫ينقص ُه‬ ‫ْ‬ ‫يف ع ِ‬ ‫رصك ْم ُ‬ ‫علَّ ْمتمونا أنّنا بحاج ٍة‬ ‫نظيف‬ ‫لحاكم‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يشتبك الجو ُع‬ ‫علَّ ْمتمونا عندما‬ ‫ْ‬ ‫السيوف‬ ‫مع‬ ‫ْ‬ ‫السيوف‬ ‫تنهز ُم‬ ‫علَّ ْمتمونا أ َّن شعباً عندما‬ ‫ْ‬ ‫باأللوف‬ ‫يزحف‬ ‫ُ‬ ‫نيف‬ ‫رص ذاك‬ ‫الحاكم امل ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫لق ِ‬ ‫فهو بال شهاد ٍة منك ْم‬ ‫نظيف‬ ‫ومن أتبا ِعك ْم‬ ‫ْ‬ ‫علَّ ْمتمونا أنّها معرك ٌة‬ ‫ما بني سلط ٍة فاسد ٍة‬ ‫لصوص‬ ‫ُحكّا ُمها‬ ‫ْ‬ ‫نظيف‬ ‫وشار ٍع‬ ‫ْ‬ ‫يا إخويت‪ ،‬من ِ‬ ‫بعد أربعني حاجزا ً‬ ‫يف‬ ‫و نِ ْ‬ ‫النظيف‬ ‫ما زلت ُم يف الشار ِع‬ ‫ْ‬

‫‪73‬‬




‫وتناثر رذاذ الشّ وق‬ ‫لينعش صمته ويريح الذّات‬ ‫الغيم ‪...‬يا حبيبي‬ ‫دون سامءك‬ ‫أسري مشتّ ٌت‬ ‫يف دنيا الشّ تات‬ ‫ُض ّمه بكفّيك ‪،‬اجمعه‬ ‫ليسقيك آالف األمنيات‬ ‫وينحت وجودك يف األثري‬ ‫بعدما عجز عنك‬ ‫كل ال ّنحات‬ ‫ّ‬ ‫لست وحيدا ً بعد اليوم‬ ‫وليس كل ما فات قد فات‬ ‫سأزرع األمل بني ضلوعك‬ ‫حتى تناديني عيون لهفتك‬ ‫راكعة تحت ثغرك‬ ‫قائل ًة‪:‬إن عشقي‬ ‫آت ِ‬ ‫ليس بغائب فإنه ِ‬ ‫‪...‬آت‬ ‫ملوناً بشيزوفرينيا الحروف‬

‫‪76‬‬


‫شارد الفكر‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬ ‫رشد الغيم وراء الغيم‬ ‫نحو شمس املسافات‬ ‫لرياقص نور عشقه‬ ‫مرتّالً أحىل األغنيات‬ ‫ألفاه شارد الفكر‬ ‫تعصف يف رأسه‬ ‫رياح التّساؤالت‬ ‫ضائع يف دنيا الربم‬ ‫يتأمل يلوك‬ ‫الغربة بسكات‬ ‫وحيد‪ ،‬كالورد صامتاً‬ ‫يصارع أهازيج الحياة‬ ‫وكله ثبات‬ ‫كل األرجاء‬ ‫عابقاً بروحه ّ‬ ‫ليحيي بها حلامً قد مات‬ ‫أمطر الغيم دمع ًة عىل‬ ‫كل الفتات‬ ‫مقلتيه جامعاً ّ‬

‫‪77‬‬


78


‫تحت طنني الفراغ‬

‫نهى املوسوي‬

‫*مزهرون بأصوات غامضة يف زمن ملغى‬ ‫ومحادثات تحت طنني الفراغ‬ ‫واغتيال األحالم املتثاقلة‬ ‫نحن الذين شيّدنا املنازل ألوهامنا‪ ،‬وعشنا تحت سقف واحد‬ ‫‪،‬عىل ضوء شمعة وحيدة‬ ‫وسج ّنا أبصارنا يف مرآة‪ ،‬تك ّررمالمحنا‪ ،‬وال تتذكرنا‬ ‫أرضا‬ ‫ننظر الينا‪ ،‬فنصاب بالذّعر ‪ ،‬ونسقط ً‬ ‫‪،‬يف الحد الفاصل بني اليقظة والنوم‬ ‫أو بني الحياة واملوت‬ ‫*تحت سقف األوهام‬ ‫‪،‬مل نكرتث للغرباء‬ ‫وال للرياح عند تقاطع القلوب‬ ‫‪،‬كان الهواء مم ّو ًها بالزهور‬ ‫ومل ننتبه‪ ،‬انّهم لوثوا األنهار بالدم‬ ‫*تحت سقف األوهام‬ ‫‪،‬كيف ميكننا الغناء يف الساعة املثىل‬ ‫وكل ال ّنصوص الرشقيّة خدعة مرتوكة (عىل العشب القايس من الثّلج‬ ‫ّ‬ ‫وأمنياتنا‪ ،‬تساوم جدارية الزمن عىل عمود شيطاين بخفة يف الهواء الحزين‬ ‫تحت سقف األوهام‬ ‫نحن ظالل شخصيات تبحث عن نفسها يف الروايات التي تقرؤها‬ ‫نحن سالح شهرزاد الفطري الحتواء الزمن‬ ‫)نحن (الرموز التي تنبىء الذريق بأ ّن العرب سيفتحون اسبانيا‬ ‫نحن بنية العامل وأساطريه املستعارة‬ ‫*تحت سقف األوهام‬ ‫ويف غفلة من أوهامنا‬ ‫السارد بالشطرنج‪ ،‬ويح ّركنا كيفام يشاء‬ ‫يلعب ّ‬ ‫*أَيَّتُ َها الحروب التي بالجدوى‬ ‫)املوت‬ ‫َ‬ ‫َل يُب َعثُون‬ ‫) ُهم َمو ُجو ُدون(‬ ‫بريوت ‪12-2019—25‬‬ ‫‪79‬‬



‫مواقف ممزوجة باملوا ّد الحافظة‬ ‫ٌ‬ ‫عطاف الخشن‬

‫القلب‬ ‫مألتُ كف َّ​ّي من قم ِح‬ ‫ِ‬ ‫ألُط ِع َم رو ًحا جائعة‬ ‫كان يتباىك أمامي كأخو ِة يوسف‬ ‫وي ّدعي األىس‬ ‫ٍ‬ ‫وريقات م َن الور ِد‬ ‫ُ‬ ‫حاولت أن أنرثَ‬ ‫عىل جب ِني الزمنِ‬ ‫لتعب السنني‬ ‫وأبي َع أجزايئ‬ ‫ِ‬ ‫لكن دون جدوى‬ ‫***‬ ‫ألصل إىل تالل الشوق‬ ‫غامرتُ كث ًريا َ‬ ‫القوافل العائدة‬ ‫َ‬ ‫ألترق َّب‬ ‫طال َيب اإلنتظا ُر قرب هذه املحطة‬ ‫وقطا ُر ال ُع ُم ِر مييض‬ ‫ومل ِ‬ ‫يأت‬ ‫***‬ ‫ِ‬ ‫التضحيات‬ ‫كت ب ُِسل ِّم‬ ‫متس ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫مل أجد إال عنجهية ال ّنكران‬ ‫انحطا ُط ال بُ ّد له من قرار‬ ‫نيس أنّني امرأ ٌة تتسل ُّق السطو َر بال سالمل‬ ‫َ‬ ‫النطق باآله‬ ‫الجبل دون‬ ‫َ‬ ‫وت ُق َّد‬ ‫ِ‬ ‫تتدحرج من قلمي ِ‬ ‫حذرة‬ ‫ّمت كلاميت أن‬ ‫عل ُ‬ ‫َ‬ ‫يك ال ت ُك ّب َل بجنازير نظراتك الحقودة‬ ‫مواقف َُك ُم َعلّبَة ممزوجة باملوا ّد الحافظة‬ ‫ستنتهي صالح ّي ُة وجو ِد َك بحيايت مع األيام‬ ‫العيش بوج ٍه َمثلوم مثلك‬ ‫َ‬ ‫فأنا ال أستطي ُع‬ ‫***‬ ‫ت ّدعي الطيبة ويف جو ِف َك‬ ‫صناديق النفاق‬ ‫كونرسوة من‬ ‫ِ‬ ‫إمياين بالله لعظيم‬ ‫ُ‬ ‫ترفرف فخرا‬ ‫فالحق راية‬ ‫ّ‬ ‫إميانك بربّ َك شعوذة‬ ‫كمخت ٍرب صامت ال حياة فيه‬ ‫ولن تكون معك أي حياة‬ ‫‪81‬‬


82


‫دمية‬

‫حكمت حسن‬

‫ستكونني أنت‬ ‫سنلبسك فستانًا الم ًعا‬ ‫سنزيّنك بغرائزنا‬ ‫فشهواتنا تؤيّدك‬ ‫مستسلمة‬ ‫جميلة‬ ‫سرنسمك بريشة عذراء‬ ‫سنتغ ّنى مبا جعلنا منها‬ ‫من تق ّدس أصابعنا‬ ‫حواسنا‬ ‫ّ‬ ‫جوفنا‬ ‫وعندما يحني األوان‬ ‫عرسا‬ ‫نلبسك ً‬ ‫نستعري نبضك‬ ‫ونرتك فيك املسامري‬ ‫لتثبتي‬ ‫بانتظار أن تكوين‬ ‫لعبة إغراء‬ ‫ألخرى‬ ‫يف عرسها‬

‫‪83‬‬



‫يا واح َة الظِّل‬ ‫زهراء املوسوي‬ ‫ألمي أق ّد ُم حبي‬ ‫الحب حتى‬ ‫ولست عىل ضفّة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫‪،‬أقول تق ّد ْم من النخلِ يا أيها النهر‬ ‫َ‬ ‫الضفاف لغريي‬ ‫خل]‬ ‫أنا النه ُر‪ّ ،‬‬ ‫يحتاج‬ ‫وليس سؤال الجذور عن املاء‬ ‫ُ‬ ‫سبب‬ ‫َّ‬ ‫أي ْ‬ ‫فإ ّن حنني النخيل إىل النهر مسأل ٌة‬ ‫‪،‬وحده النه ُر ُ‬ ‫يدرك تفسريها‬ ‫إن ث ْد َي األمومة ليس يعرفُه غري ثغ ِر الول ْد‬ ‫ألمي أق ّد ُم ثغر الطفولة‪ ،‬إين أري ُد‬ ‫قلب أمي‪.‬‬ ‫الرجو َع إىل ِ‬ ‫الحب يقتلْ ُه‬ ‫فس‬ ‫َّ‬ ‫ومن َّ َ‬ ‫يحتاج‬ ‫ليس سؤال الجذور عن املاء‬ ‫ُ‬ ‫أي دليل‬ ‫ّ‬ ‫حب‬ ‫هو ثغ ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫وثدي وأمي وقص ُة ٍّ‬ ‫رس ِه‬ ‫‪،‬ويا مثرا ً يسأل الجذ َر عن ّ‬ ‫والحب يف القلب‬ ‫الحب‪،‬‬ ‫إنه‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫أسمى عقيد ْة‬ ‫أنت يا أ ِّم ِ‬ ‫إذ ْن ِ‬ ‫السبب‬ ‫كنت‬ ‫ْ‬ ‫الحب ٍ‬ ‫الس َب ْب‬ ‫فلِهذا‬ ‫كنت أنت َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫وح َني تكونني قريب‬ ‫ِ‬ ‫حب تؤنِّق يل فرحاً‬ ‫أحس‬ ‫ّ‬ ‫مساحات ٌ‬ ‫وسعاد ْة‬ ‫و أنىس ال ُّن َو ْب‬ ‫و ح َني تكونني ِ‬ ‫أنت بِقلبي‬ ‫أُ ِح ُّس بأن ِّك ِ‬ ‫أنت أنا‬ ‫ِ‬ ‫و أنىس ّ‬ ‫سواك‬ ‫بأن أرى يف الوجود‬

‫‪85‬‬


‫تغذية‬ ‫مرينا شمس الدين‬

‫‪86‬‬


‫ِ‬ ‫هواك‬ ‫ذكريات‬ ‫ُ‬ ‫مألت عاملي‬ ‫لقد ْ‬ ‫األمس يا أ ِّم إين‬ ‫فهايت َيل‬ ‫َ‬ ‫كل يش ٍء ِ‬ ‫أراك‬ ‫أنا اآلنَ يف ّ‬ ‫تلك ٍ‬ ‫أنت‬ ‫أَيا َف َرحي و تكوِيني‬ ‫فقد ِ‬ ‫كنت ترنيمة الليلِ حتى أنا ْم‬ ‫وكنت ضياء الصبا ِح ألصحو‬ ‫القصب‬ ‫و يا بُ َّح َة الناي هايت أن َني‬ ‫ْ‬ ‫القَصب‬ ‫****‬ ‫ِ‬ ‫تجف حيايت‬ ‫الغيث حني‬ ‫ويا أ َّو َل‬ ‫ُّ‬ ‫باب‬ ‫ويا مطراً هاطالً ِفَّ ال َي ْ‬ ‫ويا واح َة الظِّ ِّل يف رحلة العمر‬ ‫إين أحبك قبل ماميت‬ ‫وبعد ماميت‬ ‫خذيني ِ‬ ‫إليك‪ ،‬فأنت الوسادة حني أنام‬ ‫ِ‬ ‫لحاف األماين بفصل الصقيع‬ ‫وأنت‬ ‫ُ‬ ‫الربيع‬ ‫وأنت‬ ‫ْ‬ ‫الطرقات أجيء ِ‬ ‫إليك‬ ‫ُ‬ ‫وأنت إذا انسدّ ِت‬ ‫شفتي أرى ظامً‬ ‫كل يشء‪ ،‬ففي‬ ‫دعي ّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫أقدامك الطاهرة‬ ‫أللثم‬ ‫‪،‬فقد قال فيك الرسول‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬ ‫رجليك جنات عدنٍ‬ ‫تحت‬ ‫ودرب النعيم‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪87‬‬


‫احرصوا عىل تناول ‪ 6‬وجبات يف اليوم‬ ‫ليك تكون نسبة السكر يف الدم متوازنة خالل ساعات النهار‪ .‬فالتنازل عن الوجبات يؤدي النخفاض مستوى السكر يف‬ ‫الدماغ‪ ،‬وهو ما قد يؤدي للشعور بالصداع‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فليس من املفضل تناول وجبات كبرية جدا تؤدي النخفاض ضغط‬ ‫الدم‪ ،‬األمر الذي من شأنه أن يسبب نوبة أيضا‪.‬‬ ‫رشب املاء والسوائل‬ ‫من املفضل رشب ليرتين من املاء عىل األقل يف اليوم‪ .‬إذا كنتم تعانون من الصداع ‪ -‬فإن رشب كأس من القهوة السوداء‬ ‫الثقيلة قد يساهم يف التخفيف من هذا الشعور بفضل تأثريه املقلص للرشايني‪ ,‬لكن قبل ذلك يجب التأكد أن األمل مل ينبع‬ ‫من اإلفراط برشب القهوة أو من قلة رشب املاء‪ ،‬حيث أن القهوة مدرة للبول وقد تفاقم األمل‪.‬‬ ‫تناولوا هذه االطعمة‬ ‫من املفضل أن تحتوي قامئة الطعام عىل الكربوهيدرات املركبة الغنية بالسرياتونني ‪ : Serotonin‬وهي املادة الكيميائية‬ ‫املوجودة بشكل خاص يف الجهاز العصبي‪ ،‬وأيضا القمح‪ .‬خالل فصل الشتاء‪ ،‬يكون هنالك انخفاض يف مستويات‬ ‫السرياتونني‪ ،‬كام ينخفض مستواه لدى النساء قبل حصول الدورة الشهرية‪.‬‬ ‫يجب تناول ‪ 3‬بيضات يف األسبوع‪ .‬فالبيض غني بالكولني (‪ ،)Choline‬وهو عنرص هام للدماغ (أظهرت األبحاث أن هنالك‬ ‫عالقة بني تناول األطعمة التي تحتوي عىل الكولني وبني التأثري اإليجايب عىل مرىض الصداع النصفي‬ ‫يجب أن يحتوي الطعام عىل أسامك البحر الشاميل العميق كالتونة‪ ،‬سمك السلمون‪ ،‬اإلسقمري‪ ،‬أو الهلبوت الحتوائه عىل‬ ‫كمية جيدة من األوميغا ‪ ،3‬والتي لها أهمية كربى يف غشاء خاليا الدماغ‪ ،‬وتتسم بتأثريها املضاد لاللتهاب‪ ،‬حيث تخفف‬ ‫من حدة االلتهاب إن كان موجودا خالل وقت النوبة أكل الفواكة والخرضوات ألنها تحتوي عىل األلياف التي تساعد يف‬ ‫منع اإلمساك‪ ،‬إذ أن األخري قد يكون أحد اسباب الصداع‪.‬‬ ‫إدخال أطعمة غنية باملاغنيسيوم إىل قامئة طعامنا‪ ،‬مثل الجوز‪ ،‬الخرضوات الخرضاء‪،‬السمسم والعدس‪ .‬فاملاغنيسيوم‬ ‫يساعد يف إرخاء العضالت والرشايني املتقلصة كام أن له تأثريا مهدئا‪ .‬وقد تبني أن األشخاص الذين يعانون من الصداع‬ ‫النصفي‪ ،‬يعانون باألساس من نقص مادة املاغنيسيوم‪.‬‬ ‫احرصوا عىل اتباع نظام نوم ثابت‬ ‫حاولوا الخلود للنوم واالستيقاظ بنفس الساعة (أيضا ايام العطلة)‪ .‬فالنوم غري املنتظم (نقص أو فائض بساعات النوم)‬ ‫ممكن أن يؤدي لنوبة صداع وحتى لصداع نصفي‪.‬‬ ‫متارين التمدد‬ ‫خذوا اسرتاحات قصرية من أجل إجراء متارين التمدد‪ ،‬خصوصا إذا كنتم تعملون وقتا طويال مقابل الحاسوب تشنج‬ ‫عضالت املنطقة العلوية من الظهر‪ ،‬األكتاف‪ ،‬والعنق‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫مأكوالت ضد الصداع‬ ‫إخصائية التغذية‪ :‬مرينا شمس الدين‬

‫إخصائية التغذية‪ :‬مرينا شمس الدين‬ ‫يصيب الصداع أكرث من ‪ %90‬من الناس‪ .‬هنالك من يعاين من الصداع يف بعض الحاالت النادرة‪ ،‬وهنالك من يعاين من‬ ‫الصداع املتكرر‪.‬وعىل الرغم من معدالت اإلصابة املرتفعة به‪ ،‬مل يتم بعد إيجاد عالج ناجع للصداع‪ ،‬عالج يخفف بشكل‬ ‫حقيقي عن كل من يعاين منه‪.‬‬ ‫هنالك عدة أسباب لتحفيز الصداع العادي واإلصابة به‪ ،‬وهو الصداع املعروف لكل الناس تقريبا‪.‬‬ ‫األسباب املمكنة للصداع‬ ‫الصداع النفيس‪.‬‬ ‫قلة أو كرثة النوم‪.‬‬ ‫املشبعة باألمالح والدهون )‪ (Junkfood‬التغذية غري الصحية التي تشمل تناول الوجبات الرسيعة‪.‬‬ ‫فرط استهالك الكافيني‪.‬‬ ‫فرط استهالك الكحول‪.‬‬ ‫الوجود يف بيئة صاخبة ودون تهوئة‪.‬‬ ‫الرتكيز املستمر‪.‬‬ ‫الضغط عىل العيون ‪ -‬فرط إجهاد العيون (ميكن أن يحدث بسبب وضع نظارات غري مالمئة(‪.‬‬ ‫الصداع والطعام‬ ‫امتنعوا عن استهالك الكافيني بكرثة‬

‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫فالكافيني ‪ -‬يف الواقع ‪ -‬يؤدي إىل تقلص الرشايني‪ ،‬لكنه من املمكن أن يؤدي للصداع أو الصداع النصفي لدى من يعانون من‬ ‫الحساسية‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن التوصيات تشري إىل رضورة تحديد استهالك القهوة بثالثة كؤوس يف اليوم عىل األكرث ومحاولة عدم تناول‬ ‫املرشوبات الخفيفة والغازية التي تحتوي عىل الكافيني‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يجب االمتناع عن تناول القهوة دفعة واحدة وبشكل‬ ‫مفاجئ‪ ،‬إذ أن االنقطاع املفاجئ عن تناول القهوة يؤدي لتمدد الرشايني‪ ،‬األمر الذي من املمكن أن يسبب نوبة‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫صحة‬


‫"رضب اإلبرة" الحقنة‬ ‫الدكتور الصيديل ‪ :‬ماهر حسن‬ ‫األخصائيني ( مم ّرضني – صيادلة – أط ّباء )‪ ،‬فبعد رضب اإلبرة العضل ّية يجب‬ ‫هناك خطأ شائع عند كثري من‬ ‫ّ‬ ‫الضغط عىل املنطقة م ّدة ترتاوح بني ‪1‬و‪2‬‬ ‫االنتباه أنّه وبعد سحب اإلبرة يجب أن توضع شاشة معقّمة ‪ ،‬ويت ّم ّ‬ ‫دقائق متواصلة ‪ ،‬وال يكفي أن يقوم بفرك القطنة أو الشّ اشة مل ّدة ثواين فقط‪.‬‬ ‫عند إدخال ال ّرأس املعدين لإلبرة إىل داخل العضل‪.‬‬ ‫الصغرية ومي ّزقها ‪،‬‬ ‫مي ّر هذا ال ّرأس عرب طبقات الجلد ‪ ،‬وعرب طبقات العضالت ‪ ،‬فيصطدم ببعض الشّ عريات ال ّدموية ّ‬ ‫تبدأ هذه الشّ عريات بال ّنزف ‪ ،‬فإذا كان ال ّنزف يف طبقة األدمة (الطّبقة الثّانية من الجلد الغن ّية باألوعية ال ّدموية)‬ ‫أصبح هناك كومة زرقاء مكان ال ّنزف ‪ ،‬وإذا كان ال ّنزف عميقًا يف العضلة ‪ ،‬فإنّه يحدث نزف يف قلب العضلة يبدأ‬ ‫بالتّج ّمع‪.‬‬ ‫بشكل تدريجي مس ّب ًبا كتلة كروية يف داخل العضلة‪.‬‬ ‫يف املرحلة األوىل تتل ّيف هذه الكتلة ‪ ،‬وإذا بقيت تتكلّس ‪ ،‬فيصبح هناك ما يشبه الحجر يف داخل العضلة ‪،‬‬ ‫ويصبح مؤملًا ومزعجا ‪ ،‬ويعيق الجلوس والحركة وامليش ‪ ،‬وال ميكن التّخلّص منها ّإل بعمل ّية جراح ّية عميقة يت ّم‬ ‫استصاله فيها‪.‬‬ ‫ولذلك إذا كان األخصايئ مشغوال فيجب أن يخرب املريض أن يضغط بنفسه وبش ّدة وبإحكام‪.‬‬ ‫رصف إذا وخزت نفسك بإبرة مستعملة ؟‬ ‫‪-٢‬كيف تت ّ‬ ‫ع ّرض مكان اإلصابة للامء الجاري ودع الجرح ينزف‪.‬‬ ‫الصابون‪.‬‬ ‫اغسل الجرح بكم ّية وافرة من ّ‬‫ ال تفرك الجرح أثناء غسله‪.‬‬‫ ال متتّص ال ّدم من منطقة الجرح‪.‬‬‫ جفّف الجرح وض ّمده بالصق جروح مضاد للمياه‪.‬‬‫ويجب عليك أيضا طلب املشورة الطّ ّبية العاجلة من أقرب قسم للطوارىء‪.‬‬ ‫‪-٣‬اإلصابات ال ّناتجة عن وخز اإلبرة‪:‬‬ ‫ يطلق عىل اإلصابات ال ّناجمة عن اإلبر الطّ ّبية اسم إصابات وخز اإلبرة أو اإلصابات باألجسام الحا ّدة ‪،‬وميكن أن‬‫تشمل األجسام الحا ّدة لوازم ط ّبية أخرى مثل املحاقن واملشارط وال ّزجاج ال ّناتج عن املع ّدات املكسورة ‪ ،‬ومبج ّرد‬ ‫استخدام أحد األشخاص إلبرة ما ‪ ،‬فقد يتل ّوث دمه بأحد الفريوسات الخطرية كفريوس التهاب الكبد ( ب) أو‬ ‫التهاب الكبد ( س) أو فريوس نقص املناعة املكتسبة ‪.‬وهذا يشمل أيضا اإلبر املستخدمة لحقن املخ ّدرات‪.‬‬

‫‪91‬‬


92


‫‪-٤‬تقييم اإلصابة‬ ‫قد يكون هناك حاجة إلجراء تحاليل عىل ع ّينات من دمك للكشف عن فريوس التهاب الكبد (ب) و‬ ‫(س) وفريوس نقص املناعة املكتسبة ‪ ،‬عىل ال ّرغم من كونها حاالت نادرة ‪ ،‬فهناك أيضا خطر من‬ ‫العدوى بفريوسات أخرى تنتقل عن طريق ال ّدم املل ّوث ‪ ،‬مثل الفريوس املض ّخم للخاليا ‪ ،‬وفريوس‬ ‫ابشتاين بار‪.‬‬ ‫‪-٥‬هل ستكون بحاجة للعالج ؟‬ ‫قد ال تحتاج ألي عالج يف حال اعتقد الطّبيب عدم لزوم ذلك ‪ ،‬لكن يف حال وجود خطر أكرب لحدوث‬ ‫العدوى فقد تحتاج إىل‪.‬‬ ‫العالج باملضادات الحيويّة ‪ :‬إذا كنت تعاين من التهاب الجلد عىل سبيل املثال ‪ -‬التّطعيم ضد فريوس‬‫التهاب الكبد (ب)‪.‬‬ ‫ العالج الّذي يهدف ملنع اإلصابة بفريوس نقص املناعة املكتسبة‪.‬‬‫ يف حال كان هناك خطر كبري باإلصابة بفريوس نقص املناعة املكتسبة ‪ ،‬فقد ينصحك الطّبيب املعالج‬‫بأخذ العالج الّذي يرعى بالوقاية بعد التّع ّرض‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫يرتفع ضغط الدم و ينخفض عادة خالل اليوم حسب الوقت والظروف‪ .‬يكون ضغط الدم منخفضاً خالل النوم ويرتفع‬ ‫عند االستيقاظ والحركة‪ ،‬خاصة التامرين الرياضية‪ .‬ثم يعود لحالته الطبيعية عند الراحة‪ .‬بقاء الضغط مرتفعاً وعدم‬ ‫انخفاضه اىل الوضع الطبيعي يعني اإلصابه مبرض ارتفاع ضغط الدم‪ .‬االجهاد‪ ،‬القلق‪ ،‬التدخني واالفراط يف تناول‬ ‫املرشوبات الكحولية تؤدي إىل ارتفاع ضغط الدم‪ .‬أحيانا يتأثر قياس ضغط الدم بالحالة النفسية للشخص عند وجوده يف‬ ‫عيادة الطبيب‪ ،‬وهذا ما يُطلق عليه األطباء إسم "ضغط املريول األبيض"‪ .‬ومبا أن القلب والرشايني والجهاز العصبي‬ ‫والجهاز البويل والغدد والهرمونات تتحكم جميعها بضغط الدم‪ ،‬فزيادة دقات القلب أو فقدان الرشايني ملرونتها ألي‬ ‫سبب من األسباب (خاصة عند املسنني حيث تصبح الرشايني اقل مرونة) تزيد من مقاومة جدران الرشايني ملرور الدم‪،‬‬ ‫فريتفع الضغط الدموي‪ .‬كذلك توتر األعصاب‪ ،‬وجود حىص يف الكىل‪ ،‬أمراض الغدد‪ ،‬كلها تؤدي اىل ارتفاع يف ضغط الدم‪.‬‬ ‫أنواع إرتفاع الضغط الدموي‪:‬‬ ‫يوجد نوعان رئيسيان من ضغط الدم املرتفع‪:‬‬ ‫‪ -1‬النوع األويل أو األسايس ‪ : Essential hypertension‬وهو األكرث انتشارا ً وشيوعاً يف العامل‪ .‬ال يُعرف سبب‬ ‫ ‬ ‫معني لحدوثه‪ .‬يشكّل ‪ % 99‬من حاالت ارتفاع ضغط الدم‪.‬‬ ‫‪ -2‬النوع الثانوي ‪ :Secondary Hypertension‬هو نتيجة ملرض معني يؤدي إىل ارتفاع يف ضغط الدم مثل‬ ‫ ‬ ‫أمراض الكىل أو الرشيان األبهر أو أمراض بعض الغدد الصامء يف الجسم‪ ،‬وبالتايل فإن عالج هذه األمراض يصاحبه نزول‬ ‫الضغط‪ .‬هذه الحاالت ال تتعدى ‪ %1‬من حاالت ارتفاع ضغط الدم‪.‬‬

‫اسباب ارتفاع ضغط الدم األويل‬ ‫السبب الحقيقي الرتفاع هذا النوع من الضغط غري معروف‪ ،‬ولكن هناك عوامل رئيسية تلعب دورا ً هاماً يف جعل‬ ‫املريض أكرث تعرضاً لهذا املرض عن غريه من الناس‪ .‬من هذه العوامل ما هو قابل للتغيري وميكن السيطرة عليه‪،‬مثل‬ ‫زيادة الوزن‪ :‬فقد لوحظ أن احتامل حدوث ضغط الدم عند الشخص البدين هو أكرث منه عند الشخص العادي‪ ،‬كام‬ ‫يحسن من حاالتهم ويُخفض الضغط بدرجات متفاوتة‪.‬‬ ‫لوحظ أن تنقيص الوزن لدى مرىض الضغط البدينني ّ‬ ‫طريقة الغذاء‪ :‬إن تنا ُول كميات كبرية من امللح‪ ،‬وكميات كبرية من الحلويات واألغذية الغنية بالدهون تؤدي اىل ارتفاع يف‬ ‫ضغط الدم‪ .‬كذلك تناول الكحول بكميات كبرية يسبب ارتفاع ضغط الدم ‪،‬كام أن التدخني يعترب سبباً رئيسياً لبعض‬ ‫أمراض القلب مثل تصلب الرشايني والجلطات وارتفاع الضغط الدموي وزيادة الدم وزيادة دقات القلب‪ .‬وأثبتت‬ ‫الدراسات أن عدم تناول أغذية غنية بالبوتاسيوم والكالسيوم واملغنيسيوم يساهم يف ارتفاع الضغط الدموي‪.‬‬ ‫منط الحياة والتوتر والكبت والقلق‪ :‬تلعب شخصية الفرد دورا ً هاماً يف استعداد الشخص لإلصابة بارتفاع ضغط الدم‬ ‫حيث أن استجابة الشخص للتوتر والقلق‪ ،‬للضغوطات النفسية والكبت‪ ،‬وكذلك استامع نرشات األخبار التي غالباً ما‬ ‫تحمل أخبارا ً سلبية وتحريضاً سياسياً ودينياً وطائفياً أو أخبار الحروب والكوارث واإلجرام ‪ ..‬كلها من مسببات ارتفاع‬ ‫ضغط الدم حيث أن جسم اإلنسان يف هذه الحاالت يفرز مادة األدرينالني التي ترفع ضغط الدم‪.‬‬

‫‪94‬‬


‫ارتفاع الضغط الدموي‬ ‫الربوفسور غازي الحلبي‬ ‫مرض ارتفاع الضغط الدموي هو من ضمن أمراض القلب والرشايني التي تُعترب أكرث أمراض العرص الشائعة يف العامل‪ .‬حيث‬ ‫يُعاين من ضغط الدم املرتفع أكرث من مليار شخص من سكان الدول املتطورة والدول النامية‪ ،‬وهذا الرقم قد ارتفع بعد‬ ‫صدور توصيات جمعيات أطباء القلب والضغط األوروبية واألمريكية الجديدة التي حددت قيامً أدىن للضغط‪.‬‬ ‫تزداد نسبة اإلصابة بارتفاع ضغط الدم بازدياد العمر‪ ،‬حيث أن ‪ 75%‬من األشخاص بعمر ‪ 65‬عام وما فوق يعانون من‬ ‫ارتفاع يف ضغط الدم‪ .‬هذا يعني أن معظم الناس سوف يعانون يوماً ما من ارتفاع الضغط‪ .‬أما األشخاص املصابون مبرض‬ ‫السكري فهم معرضون لالصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة قد تصل إىل ‪ 3‬أضعاف أكرث من االشخاص غري املصابني مبرض‬ ‫السكري بنفس الفئة العمرية‪.‬‬ ‫بعد أن كانت نسبة الوفايات األعىل يف العامل لثالثة عقود خلت بسبب األمراض الجرثومية واملعدية‪ ،‬فقد إحتلت املرتبة‬ ‫األوىل اليوم أمراض القلب والرشايني‪ ،‬تليها األمراض الرسطانية‪ .‬ومن أصل ‪ 17‬مليون حالة وفاة تُسجل سنوياً يف منظمة‬ ‫الصحة العاملية‪ ،‬منها ‪ 7.5‬ماليني حالة سببها الضغط املرتفع‪.‬‬ ‫ضغط الدم هو عبارة عن قوة ضخ القلب للدم عرب الرشايني التي تقوم بتنظيم الضغط‪ ،‬وكمية الدم املارة بها عن طريق‬ ‫التمدد والتقلص مع نبضات القلب‪.‬‬ ‫كيف تتم الدورة الدموية؟‬ ‫يتحكم الدماغ واملراكز العصبية يف جسم اإلنسان بالدورة الدموية‪ .‬عندما تنقبض عضلة القلب‪ ،‬تضخ الدم الدم األحمر‬ ‫امليلء باألوكسجني والغذاء من البطني األيرس يف القلب عرب الرشيان األبهر ومنه عرب باقي الرشايني إىل كافة أجزاء الجسم‪،‬‬ ‫ليصل اىل كل الخاليا واألنسجة واألعضاء‪ .‬ثم يعود الدم املشبع بثاين أوكسيد الكربون والنفايات من األنسجة والخاليا‬ ‫واألعضاء عرب األوردة إىل األذين األمين ومنه إىل البطني األمين ليتم ضخه إىل الرئتني عرب الرشيانني الرئويني األيرس واألمين‪،‬‬ ‫وبذلك تتم تنقيته من ثاين أكسيد الكربون وبعض الغازات األخرى وإشباعه باألوكسجني لريجع الدم عرب األوردة الرئوية‬ ‫إىل األذين األيرس ومنه إىل البطني األيرس للقلب ليتم ضخه مرة أخرى عرب األبهر ومنه إىل جميع أجزاء الجسم‪.‬‬ ‫إنقباض عضلة القلب يُنتج ما يسمى بالضغط االنقبايض (‪SBP) - Systolic Blood Pressure‬ومستواه الطبيعي أقل‬ ‫من ‪ 140‬ملم ‪.‬إذا ارتفع أكرث أصبح يعترب عالياً‪ .‬يصاب عادة بارتفاع ضغط الدم اإلنقبايض‪ ،‬كبار السن بسبب تصلب‬ ‫الرشايني مع تقدم العمر‪.‬‬ ‫إنبساط عضلة القلب واسرتخاؤها الستقبال الدم من أنحاء الجسم يُنتج ما يسمى بالضغط االنبساطي– ()‪DBP‬‬ ‫‪ .Diastolic Blood Pressure‬يعترب هذا الضغط مرتفعاً إذا تجاوز ‪ 90‬ملم‪ .‬يصاب به عادة الشباب‪ .‬الضغط املثايل هو‬ ‫‪ 120/80‬ملم زئبق‪ ،‬لكن حسب العمر والطول والوزن والجنس ميكن أن يرتاوح الضغط ما بني ‪ 70\100‬و ‪ 85\130‬ملم‬ ‫زئبق‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫عند اكتشاف ارتفاع ضغط الدم يتم يف العاده عمل فحوصات مخربيه يف محاوله مبدئيه للتعرف إذا كان هناك سبب‬ ‫الرتفاع ضغط الدم وهي‪ :‬فحص دم عام‪ ،‬فحص بول‪ ،‬فحص كيمياء الدم مثل فحص اليوريا والكرياتنني ونسبة السكر‬ ‫والدهنيات والكولسرتول يف الدم‪ .‬كذلك فحص دم للغدة الدرقية وتخطيط قلب كهربايئ للتعرف إن كان هناك تضخم‬ ‫يف عضلة القلب (وهي من احدى مضاعفات ارتفاع الضغط)‪ .‬وإذا لزم األمر ميكن إجراء فحص هولرت وهو قياس الضغط‬ ‫ملدة ‪ 24‬ساعة‪.‬‬

‫خطورة ارتفاع الضغط‬

‫ضغط الدم املرتفع يُجرب القلب عىل بذل جهد أكرب يف عمله‪ ،‬ويعمل عىل عطب الجدار الداخيل لرشايني الجسم‪ ،‬خاصة‬ ‫رشايني القلب والدماغ والكىل بشكل صامت‪ ،‬مسبباً مضاعفات عديدة أهمها الجلطة القلبية والدماغية‪ .‬كذلك يؤدي‬ ‫ارتفاع الضغط الدموي اىل تضخم عضلة القلب‪ ،‬فشل القلب والفشل الكلوي وأذية العني وما تسببه من اختالل الرؤية‬ ‫والنظر‪ ..‬وبحسب احصائيات منظمة الصحة العاملية فان ‪ %62‬من السكتات الدماغية و ‪ %49‬من السكتات القلبية سببها‬ ‫ارتفاع ضغط الدم‪ .‬فقد أثبت تحليل إلحدى وستني دراسة شملت مليون شخص بالغ ترتاوح أعامرهم من ‪ 40‬حتى ‪80‬‬ ‫سنة‪ ،‬مل يُعرف مسبقاً أنهم يعانون من أمراض الرشايني‪ ،‬تناولت نسبة إرتفاع الضغط الدموي وتأثريه عىل معدل الوفيات‬ ‫خالل فرتة ‪ 10‬سنوات‪ ،‬أظهر أن كال من الضغط اإلنقبايض – (‪ - )SBP‬واإلنبساطي – (‪ )DBP‬مرتبطان بقوة وبشكل‬ ‫مبارش بنسبة وفيات أمراض األوعية الدموية يف منتصف العمر والشيخوخة‪ .‬فخطر الوفيات يتضاعف مع كل زيادة‬ ‫‪ 10/20‬مم زئبق يف الضغط الدموي‪ .‬مع ارتفاع الضغط الدموي اإلنقبايض ‪ 20 SBP‬مم زئبق أو اإلنبساطي ‪10 DBP‬‬ ‫مم زئبق ‪ ،‬كانت نسبة الوفيات الناجمة عن نشاف رشايني القلب ‪ IHD‬أو عن السكتة الدماغية ‪ Stroke‬أعىل مبرتني‬ ‫يزداد تسارع العطب بازدياد ارتفاع الضغط اكرث وأكرث يف ظل وجود عوامل خطورة اخرى مثل االصابة مبرض السكري‬ ‫وارتفاع نسبة الكولسرتول والدهنيات يف الدم‪ ،‬والتي تتواجد عادة معاً حتى أنه ميكن القول بأنهم توائم‪ ،‬مام يزيد من‬ ‫احتاملية حدوث أمراض القلب والرشايني بنسبة أعىل بكثري‪.‬‬

‫تواجهنا ثالث مشكالت مع إرتفاع الضغط الدموي‪:‬‬

‫‪ – 1‬األوىل منها أن البعض ال يعلم باملرض‪ .‬نصف املرىض يف الغالب ال يعرفون أن الضغط الدموي لديهم مرتفع‪ ،‬وغالباً‬ ‫ما نكتشف ذلك بالصدفة‪ ،‬حيث أن املريض يأيت لسبب آخر كإلتهابات يف اللوزتني أو يف الشُ عب الرئوية مثالً‪ ،‬وبالصدفة‬ ‫من خالل قياس الضغط نجد أن الضغط الدموي لديه مرتفع‪ .‬لذلك يُنصح بقياس الضغط كل ستة أشهر لكل شخص‬ ‫تجاوز سن الثالثني أو بأي عمر يف حاالت زيادة الوزن أو يف حاالت توارث املرض بني أفراد العائلة الواحدة‪.‬‬ ‫‪ – 2‬املشكلة الثانية هي أن البعض يعلم وال يتلقى العالج الالزم‪ .‬أكرث من نصف األشخاص الذين يعلمون مبرضهم ال‬ ‫يتلقون العالج الالزم إما ألسباب مادية أو لجهل بخطورة هذا املرض‪ .‬وقد أثبتت الدراسات اإلحصائية أن ثلثي املرىض ال‬ ‫تتلقى العالج‪.‬‬ ‫‪ – 3‬واملشكلة الثالثة تكمن يف أن قسامً كبرياً من املرىض الذين يتلقون العالج ال يصلون اىل املستوى املطلوب للضغط‪.‬‬ ‫فنسبة سبعني باملئة تقريباً من املرىض املتلقني العالج ال تصل اىل املستوى الطبيعي للضغط الدموي‪.‬‬

‫‪96‬‬


‫أما العوامل غري القابلة للتغيري والتي تلعب دورا ً هاماً يف إرتفاع الضغط الدموي وال ميكن السيطرة عليها‪ ،‬فهي‬ ‫الوراثة‪ :‬أثبتت الدراسات أنه يف حالة وجود إصابة لدى أحد الوالدين بارتفاع ضغط الدم فإن احتامل اإلصابة لدى األبناء‬ ‫بهذا املرض هو ‪ .%25‬أما إذا كان كال الوالدان مصابني بهذا املرض فقد تصل النسبة إىل ‪.%90‬‬ ‫العمر‪ :‬إن املتقدمني يف السن هم أكرث تعرضاً لإلصابة بهذا املرض من الشباب‪ ،‬وقد يكون السبب يف ذلك هو أن رشايني‬ ‫كبار السن تكون متصلبة مام يؤدي إىل ارتفاع يف الضغط االنقبايض بصفة خاصة‪.‬‬ ‫عوامل أخرى‪ :‬مثل الجنس ولون برشة الجلد‪ .‬فقد تبني أن اإلصابة لدى السود أكرث من البيض‪ ،‬ولدى الرجال يف عمر‬ ‫الشباب أكرث من النساء‪ ،‬لكن مع تقدم العمر تتساوى النسب بني النساء والرجال‪.‬‬ ‫اسباب ارتفاع ضغط الدم الثانوي‬ ‫أمراض الكىل‪ :‬وهي أكرث األسباب شيو ًعا‪ .‬يضعف أداء الكىل يف التخلص من األمالح‪ ،‬فتتجمع هذه املواد يف الجسم مؤدية‬ ‫إىل ارتفاع ضغط الدم‪ ،‬إال أنه عند عالج ضعف الكىل ميكن للضغط أن يعود إىل حالته الطبيعية‪.‬‬ ‫زيادة إدرار بعض الهرمونات‪ :‬زيادة إدرار الغدة الدرقية الذي يصاحبه ميل املصاب إىل تجنب الجو الدافئ‪ ،‬وزيادة‬ ‫التعرق وارتفاع دقات القلب‪ ،‬كذلك زيادة إفراز غدد اخرى مثل الغدة الكظرية وغريها يؤدي إىل ارتفاع ضغط الدم‪.‬‬ ‫وعندما يتم عالج هذه األمراض يعود ضغط الدم إىل حالته الطبيعية‪.‬‬ ‫الحمل‪ :‬يف بعض األحيان يرتفع ضغط الدم أثناء الحمل وخاصة يف األشهر األخرية منه إال أنه يعود إىل الوضع الطبيعي‬ ‫بعد الوالدة بقليل‪.‬‬ ‫مضادات اإللتهاب وحبوب منع الحمل‪ :‬إن األدوية املضادة لإللتهاب وكذلك حبوب منع الحمل تحتوي عىل هرموين‬ ‫اإلسرتوجني والربوجستريون وكالهام يسببان ارتفاعاً يف ضغط الدم لذلك ينصح األطباء النساء الاليت يستخدمن حبوب منع‬ ‫الحمل بفحص ضغط دمهن كل ستة شهور وخاصة إذا ك ّن مدخنات‪.‬‬ ‫أعراض إرتفاع الضغط الدموي‬ ‫يف معظم األحيان ال يوجد مؤرشات تحذيرية أو أعراض معينة تدل عىل وجود ارتفاع يف ضغط الدم ولهذا السبب يدعى‬ ‫مرض ارتفاع الضغط بالقاتل الصامت‪ ،‬لذلك نجد أن الكثري من الناس يعتقدون أنهم ليسوا بحاجة إىل عالج ملجرد أنهم ال‬ ‫يشعرون بوجود أعراض وهنا تكمن الخطورة بعينها‪.‬‬ ‫أحياناً قد يشعر الشخص بعض األعراض والتي تعترب مبثابة نتيجة الرتفاع الضغط‪ ،‬مع أن وجودها ال يعني بالتأكيد وجود‬ ‫ارتفاع ضغط الدم ألنها قد تكون أعراضاً ألمراض أخرى‪ .‬منها‪:‬‬ ‫صداع متكرر يف خلفية الرأس مع طنني يف األذنني أو دوخة وغثيان‪.‬‬ ‫اختالل يف الرؤية‪ ،‬تشويش واختالل يف الذاكرة‪.‬‬ ‫الشعور باللهثة وضيق تنفس عند القيام بجهد‪.‬‬ ‫أمل بالصدر مع زيادة يف رضبات القلب‪.‬‬ ‫لكن الشعور بهذه األعراض يستوجب استشارة طبيب وعدم إهامل األمر‪ .‬ومبا أن ارتفاع الضغط الدموي مرض بال أعراض‪،‬‬ ‫فليس هناك طريقة لتشخيصه إال بالقياس والفحص الدوري لدى الطبيب‪ .‬فقد يكتشف الشخص أنه مصاب بارتفاع‬ ‫ضغط الدم عند حدوث أزمة قلبية‪ ،‬أو هبوط حاد بوظائف الكىل‪ ،‬أو بالصدفة عند قياس ضغط الدم الدوري‪ .‬عند ذلك‬ ‫يفضل تكرار القياس بعدها مرتني أو ثالث مرات‪ ،‬للتأكد من التشخيص‪ .‬قياس ضغط الدم يستوجب أن يكون الشخص‬ ‫بعي ًدا عن التوتر‪ ،‬ويجب أن يكون املريض جالساً‪ ،‬أو مسرتخياً قبل قياس ضغط الدم‪ ،‬ويفضل مطالبته بعدم التدخني قبل‬ ‫ساعة أو ساعتني‪ .‬فإذا كان أحد الرقمني االنقبايض أو االنبساطي مرتف ًعا‪ ،‬ذلك يكفي لتشخيص ارتفاع ضغط الدم‪.‬‬ ‫‪97‬‬


‫العالج‪:‬‬

‫الهدف من العالج هو أن يستقر الضغط وينتظم بحيث أن يكون أقل من ‪ 140/90‬ملم زئبق‪ ،‬بغض النظر عن عمر‬ ‫الشخص صغريا ً كان أم كبريا ً‪ ،‬ويف حاالت خاصة مثل مرىض السكري ومرىض الفشل الكلوي يفضل أن يكون مستوى‬ ‫الضغط أقل من ‪ 130/80‬ملم زئبق‪.‬‬ ‫إن عالج مرض ارتفاع ضغط الدم قد يكون طويل األمد أو دامئاً وذلك ألن العالج بالعقاقري ال يشفي املريض ولكن يسيطر‬ ‫عىل ارتفاع الضغط‪ ،‬وبالتايل فإن اتباع إرشادات الطبيب املعالج مهم جدا ً‪ ،‬كام أن إيقاف الدواء دون استشارة الطبيب‬ ‫بحجة أن ضغط دمه أصبح عادياً يعترب أمرا ً خطريا ً‪ .‬يجب عىل املريض اتباع اإلرشادات التالية وذلك ألهميتها‪.‬‬ ‫ تغيري منط حياته بالبعد بقدر اإلمكان عن أسباب التوتر والقلق والضغط النفيس‪.‬‬‫ إتباع نظام غذاء صحي وسليم وتخفيف الوزن إذا كان املريض بديناً‪ -‬التقليل من تناول ملح الطعام وميكن استبداله‬‫بالليمون‪ ،‬وأيضاً التقليل من تناول املخلالت واألجبان أو األسامك املالحة‪ .‬مبا يف ذلك كبيس‪-‬بزوات‪-‬بندورة‪-‬زيتون‪... ...‬‬ ‫والتقليل من تناول األطعمة الغنية بالدهون‪.‬‬ ‫ التوقف عن رشب الكحول وعن التدخني بكافة أشكاله‪ .‬فالنيكوتني وهو أحد عنارص التبغ الرئيسية والتي يُعزى اليها‬‫عادة اإلدمان بني املدخنني‪ ،‬يزيد من رضبات القلب و يرفع ضغط الدم يف كل مرة يدخن فيها الشخص‪ .‬كام أنها تسبب‬ ‫تقلص وانقباض الرشايني مام يرفع أيضاً من ضغط الدم‪ .‬ترتسب مادة النيكوتني السامة واملوجودة يف التبغ‪ ،‬عىل الجدار‬ ‫املبطن للرشايني التاجية محدثاً خلالً يف وظيفة الخاليا كام أنه يساعد عىل تراكم الدهون والكولسرتول‪ ،‬فهو يزيد من‬ ‫نسبة الكولسرتول اليسء يف الجسم أي (‪ )LDL-Chol‬ويخفض من نسبة الكولسرتول الجيد أي ‪ ))HDL-Chol‬مام يزيد‬ ‫من خطر اإلصابه مبرض الرشايني التاجية للقلب واملوت املفاجئ خاص ًة بني الشباب‪ .‬تجدر االشارة اىل أن املدخنني ال‬ ‫يسفيدون االستفادة الكاملة من األدوية‪ ،‬خاص ًة أدوية مخفضات الضغط‪ ،‬ألن التدخني يقلل من فعالية هذه األدوية‪.‬‬ ‫يوىص باإلكثار من الفواكة و الخرضوات ومن تناول الحليب ومشتقاتة قليلة الدسم واأللياف والربوتني النبايت والتقليل من‬ ‫األطعمة الغنية بالدهنيات املشبعة والكولسرتول‪ .‬كام ان القيام بنشاطات ومتارين رياضية لنصف ساعة عىل األقل بشكل‬ ‫منتظم يومياً‪ ،‬تعترب من اإلجراءات األساسية التي تعمل كعالج غري دوايئ يخفض من ضغط الدم‪ ،‬ويغني يف كثري من‬ ‫األحيان عن تناول أدوية مخفضات الضغط‪.‬‬ ‫يف كثري من األحيان ال يشعر مريض ضغط الدم بأي يشء‪ ،‬ولذلك فإن تقبله لتناول العقاقري الخاصة بضغط الدم يكون‬ ‫قليالً‪ ،‬خاصة وأن بعض هذه العقاقري لها آثار جانبية كام أن بعضها مرتفعة التكاليف لذلك يتوهم أنه ال يشعر باالستفادة‬ ‫من الدواء ولكن يشعر بآثاره الجانبية وتكلفته العالية‪ .‬هذا مفهوم خاطئ وعىل املريض أن يعلم أنه محظوظ جدا ً اليوم‬ ‫بوجود كم هائل من األدوية التي متنع عنه مضاعفات ارتفاع الضغط الدموي‪.‬‬

‫‪98‬‬


99


‫جامل‬


‫اختاري ما يناسبك حسب برشتك‬ ‫مريم باجي‬

‫يف كثري من األحيان نقع ضحايا هوس املوضة أو اقتناء يشء ما أعجبنا و يف النهاية نجد ما قمنا برشائه ال يناسبنا‬ ‫تتسألني سيديت عن السبب ؟‬ ‫سأجيبك ببساطة ألننا مختلفون يف الخلقة و لون البرشة و عدة أمور أخرى لذا ما يناسب غرينا قد ال يناسبنا ‪ ،‬و‬ ‫يف مقايل هذا سأتحدث أكرث عن مسألة ما يناسبنا من املالبس حسب نوع برشتناقبل اقتنائك للمالبس يجب أن‬ ‫تقومي بوضع دراسة شاملة حول جسدك خاصة وجهك ‪ ،‬ويجب مراعاة درجة لون البرشة و الشعر و العينني ‪،‬‬ ‫هذه الدراسة ستفيدك يف االختيار املناسب لك بحيث ستدركني بعدها أن هناك ألوانا ستفسد جاملك و أخرى‬ ‫ستزيد من جاملك‪.‬‬ ‫عليك أوال االبتعاد عن املالبس املشابهة للون برشتك ألنها ستحجب وجهك من الظهور ‪ ،‬يف نفس الوقت عليك أن‬ ‫ال تحرمي نفسك من هذه األلوان ‪ ،‬و لتدارك األمر قومي بوضع ملسات خفيفة باإلكسسوارات أو األحذية التي‬ ‫تحمل األلوان التي ال تستطيعني ارتداءها‪.‬‬ ‫لكل لون من البرشة ألوان تناسبها و ألوان ال تناسبها و فيام ييل سأذكر ما يناسب كل لون من البرشة حسب‬ ‫الغالبية‪.‬‬ ‫صاحبة البرشة الفاتحة ‪ :‬تناسبها األلوان املبهجة و امللونة ‪ ،‬و إذا كانت عينيك زرقاء أو خرضاء فإن اللون األزرق‬ ‫و األخرض يناسبك كثريا ‪ ،‬باإلضافة لهذه األلوان هناك ألوان أخرى تناسب صاحبة هذه البرشة كاللون األرجواين و‬ ‫الرمادي و الوردي‪.‬‬ ‫صاحبة البرشة الداكنة ‪ :‬صاحبة هذا النوع من البرشة ال متتلك خيارات كثرية من األلوان ‪ ،‬أما ما يناسبها فينحرص‬ ‫يف اللون األبيض و الرمادي و األزرق املليك و الساموي و اللون القرمزي و البنفسجي ‪ ،‬كام عليها االبتعاد عن‬ ‫األلوان الفاقعة‪.‬‬ ‫صاحبة البرشة املعتدلة ‪ :‬لديها نصيب كبري من األلوان و يف أغلب األحيان سيالحظن صاحبات هذه البرشة أن‬ ‫األلوان التي تناسبهن لها عالقة بلون أعينهن و شعرهن ‪ .‬صاحبات هذه البرشة سيتمتعن بجامل خالب عند‬ ‫ارتدائهن ملالبس باللون البني أو العسيل ‪.‬كام أ ّن لوين األحمر واألخرض بدرجاتهام يناسبان أيضا هذه البرشة‪.‬‬

‫‪101‬‬


‫كل‬ ‫ُّ‬ ‫"كل الدروب سالكة إال درباً مل يسلكه الفك ُر"‬

‫د‪ .‬حسن فرحات‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.