SPECIAL EDITION
الفينيق طائر Summer Issue 20 Phoenix Bird
صيف2023/ 2023 العدد العرشون /صيف/ الحسني بن عيل شاهد كل العصور عىل ِّ د .حسن فرحات كلمتي د .هويدا رشيف
وداعاً طالل سلامن بنت العراق أ .حامد خضري الشمري أ.عمر شبيل الراحل الكبري 25
08 2023
1938
األستاذ
طالل سلامن
الصوف ّية يف شعر ال ّنزعة ّ وداعاً أ ّيها الكبري الشرّيازي حافظ ّ طالل سلامن د .سوزان زعيرت د .طالل الورداين سويرسا مدينة السالم والبحريات والشكوالتة أ .سليمة مليزي
موالي ِّإيِّن أرى نورك أ .عيل املويسات الجزائري كربالء أ.لبنى رشارة ميد يل يداً جاءين يسعى ُّ أ.صليحة عناين
لوحات فن ّية ال َّتشكيل َّية حنان بو حسن
السكَّري :أخصائية التغذية مرينا شمس الدين الوقاية من ُ
جميع الحقوق محفوظة
All rights reserved.2023 . No reproduction, copying or passing without expressed consent from the founder of magazine. For permission or writing opportunities please contact: beautyarabiamagazine@gmail.com
تخصهم وحدهم ال غري. اآلراء واألفكار املطروحة يف صفحات املجلة من قبل الك ّتاب ُّ
مجلة الفينيق
مجلة الفينيق هي مجلة جامعة ت ُع َنى باإلنسان وبالقضايا الفكرية العليا التي تنهض باإلنسان وتحاول أن تسهم يف رفع مستوى املجتمع اإلنساين لنعمل معاً ومع الوسائل الثقافية األخرى لنرش الحب والسالم والتعاون بني كل الطبقات اإلنسانية لتعيش بحب وتصالح ووئام وتعمل مجلة الفينيق بواسطة كتَابها املتنورين ان تحارب الجهل ألن الجهل هو صانع الرشور وجميع املآيس اإلنسانية وتدرك مجلة الفينيق عرب املواد الفكرية التي تطرحها أن إصالح املجتمع اإلنساين لن يت َّم ويُن َجز ّإاّل بالثقافة امللتزمة بتوعية اإلنسان وتبيان املنزلقات التي يوصلنا الجهل إليها وحده العقل املتن ِّور بالوعي والثقافة واملعرفة اإلنسانية هو الرساج الذي ينري لنا املسالك الصحيحة ويقودنا لسلوك الطريق الصحيح للوصول إىل ما فيه خري البرشية كلها .ال ب ّد من اتخاذ العقل سالحاً ملواجهة الصعاب التي تعيق منو القدرة اإلنسانية الفاعلة واملتجهة إىل .الرقي وانتصار الخري وردع الرشور ومبقدار ما تهت ُّم مجلة الفينيق بالعقل ودوره الف ّعال يف تنمية إنسانية اإلنسان فإنها تهتم بدور الروح يف السم ّو باإلنسان وتجربته العقلية وتنقيته من كل ما يعكّر مجرى مسريته .إن الروح هي بقية الله فينا وهي الضوء الذي يرافق العقل يف مسريت ُه والروح هي التي تقول لنا جميعاً وبالتساوي" :كلّكم آلدم وآدم من تراب" ومجلة الفينيق تسري يف توجهاتها دامئاً بهذا املنحى الذي يوحد بني الفكر والسلوك ،إذ ال قيمة للفكر الذي ال يتح َّول سلوكاً ويف اعتقادنا دامئاً أ ّن "خري الناس من نفع الناس" ،و"الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إىل الله أنفعهم لعياله" ،وال تفاضل بني الناس ّإاّل بالعمل الذي يساعد تشق طريقها بتصميم وعدم تراجع ألنها تؤمن بأنها اإلنسان عىل التقدم .بالروح والعقل معاً استطاعت مجلة الفينيق أن َّ ُو ِجدتْ لهذه الرسالة اإلنسانية املثىل بهذا التوجه استطاعت مجلة الفينيق أن تجمع فيها عقوالً ِّنرِّية أدباء ومفكرين وشعراء .وجميعهم ملتزمون بنجاح رسالة هذه املجلة الغراء .ومن آفاق مجلة الفينيق أنها استطاعت أن تقيم ِص ٍ الت بني الرشق والغرب النها تعتقد أن العقل والروح ال يتق ّيدان مبكان دون آخر يف هذا الوجود.إنها تصدر يف مكان بعيد خلف البحار ولكن فكرها يجتاز املحيطات ليصل إىل كل ذي عقل منفتح يؤمن بأن جنسية الفكر إنسانية وليست حرصية يف مكان دون آخر تظل رائدة يف خدمة اإلنسان الذي ك ّرمه الله بالعقل والروح وجعله سيد املخلوقات جميعاً. نأمل أن ّ
طائر الفينيق
مجلة أدب ّية ،فكريّة ،متنوعة ،فصلية تصدر يف مدينة نيويورك بالواليات املتحدة األمريك ّية Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat, MD Senior Arts Director: Assad Kamran
الهيئة اإلدارية
رئيس التحرير د .حسن فرحات مريم حوتية :مراسلة وسفرية املجلة يف املغرب العريب التدقيق اللغوي :د.سامي ال ّرتاس -د.فاطمة الب ّزال -أ.عمر شبيل نقد أديب :د.هويدا رشيف -د .مرياي حمدان -أ .سليمة مليزيد .سوزان زعيرت -أ .منال رشف الدين شعر :أ .رانية مرعي -أ.حامد الشمري -ـأ.عيل املويسات الجزائري د .سحر حيدرالتغذية :األخصائية مرينا شمس الدين الفن :الفنانة حنان بو حسن الجامل :الكاتبة مريم حوتية
الهيئة الثقاف ّية يف هذا العدد
د.حسن فرحات أ.عمرشبيل أ.د.هويدارشيف أ.د.دريّة فرحات د.عيل زيتون د.دانا األحمر د.سحر حيدر د.سوزان زعيرت د.طالل الورداين أ.رانية مرعي أ.رىل العريان أ.أغنار عواضة د.مرياي ابو حمدان د.هاين سليامن د.محمد توفيق أبو عيل أ.عيل مويسات الجزائري
أ.نهى املوسوي أ.انيس عطا العراق أ.حامد خضري الشمري أ.عيل حجازي أ.مرينا شمس الدين أ.لبنى رشارة د.دالل مه ّنا الحلبي أ.سليمة ملّيزي أ.حنان بو حسن أ.فواز الحمفيش أ.سناء الحاموش أ.زينة الجوهري أ.زهر عمريي أ.صليحة عناين أ.غدير سعيد حدادين
افتتاح ّية 7
املحتويات
الحسني بن عيل شاهد عىل كل العصور د .حسن فرحات
أدب 106--11 106
قصص صغرية 109
الرحم
د.عيل حجازي
كلمتي أ.د .هويدا رشيف الصوف ّية يف شعر حافظ الشّ ريازي ال ّنزع ُة ّ د.سوزان زعيرت اإلنسان بني الذات واآلخر د.مرياي ابو حمدان بقلم الدكتور الناقد الكبري عيل زيتون دراسة مط َّولة الشاعر عمر شبيل »الحسني بن عيل شاهداً وشهيداً« »الحسني النظريات الحديثة يف علم الرتجمة وعالقتها باألمانة د .دانا األحمر
تغذية 113--111 113 السكري الوقاية من ُّ أخصائية التغذية مرينا شمس الدين
دبّ ُة منلة!!! منلة!!! د .سحر حيدر
خواطر 148--145 148 مل تعد أمكنتي يل الكاتبة رىل العريان انهيار ذاكرة أمام صفعة نهاية الكاتبة رىل العريان
تكريم 220--219 220 كلمة تكريم الشاعر عمر شبيل د .مح ّمد توفيق أبو عيل
فن 228--266 228
اجتامعيات 216--193 216
لوحات فن ّية الفنانة التشكيل ّية حنان بو حسن
مقابلة مع مجلة املنافذ الثقافية سنة2015 سنة2015 شخصية العدد :األستاذ طالل سلامن طالل سلامن الفيء والثّمر د .هاين سليامن وداعاً طالل سلامن الشاعر عمر شبيل »اليوم أتاين نبأ الوفاة« »اليوم الشاعر والكاتب اللبناين :عباس بيضون وكالة األنباء يشء عن حياة طالل سلامن
الصواب اللغوي 232--230 232 قل وال تقل قسم التحرير
وداعا ايها الكبري طالل سلامن د .طالل الورداين
زاوية اللغة 234 األدوات ومعانيها أي أي « »أي ْ ، » ّ قسم التحرير
أدب الرحالت 195--169 195 سويرسا مدينة السالم والبحريات والشوكوالتة االديبة والصحفية سليمة ملّيزي
صفحات لرجال خالدين 183--182 183 إىل «الحسني بن عيل»/ شاهداً وشهيداً الشاعر عمر شبيل
شعر 143--116 143 بنت العراق نار نفيس د .هويدا رشيف الشاعر .حامد خضري الشمري
موالي إين أرى نورك الشاعر :عيل مويسات الجزائري مسرية يف العمر الباقي الشاعر.فواز الحمفيش العراق املرآةُ ُ املش ّّوهه الشاعر .انيس عطا
إليهم ْ الشاعر.عمر شبيل
رغيف الله يبدأ من رصخة ْ الشاعرة .نهى املوسوي
املجنون الشاعرة .زينه الجوهري
كربالء الشاعرة.لبنى رشارة بائع الضحكات الكاتبة.زهر عمريي أنا ،من أنا د .دالل الحلبي
جاءين يسعى ميدُّ يل الشاعرة .صليحة عناين
الصمت الشاعرة .سناء الحاموش
صحوة روح... روح... الشاعرة.رانية مرعي كارما وكرمة أغنار عواضة
من حنني الناي الشاعرة .غدير سعيد حدادين
نساء وسجائر الشاعرة.غدير سعيد حدادين
حني يتكلم الدم تخرس السيوف وتغفو يف أغامدها وتنهزم الرايات الظاملة حتى ولو ظهرت أمام الناس خفّاق ًة يف الهواء ،فالرايات النظيفة تبقى خفّاقة يف أيدي الرجال الرشفاء .إنها ال تنهزم ألنها تعيش يف األرشاف إىل أية فئة انتموا .والراية النظيفة يكون عمرها طويالً كعمر القضية التي رفعتها .أما الرايات الظاملة فسوف تظل ُم َنكّس ًة كأعامر الذين اعتدوا برفعها عىل رشف الحياة. لقد تعلمنا من سيد الشهداء الحسني بن عيل أن جولة الباطل ساعة وجولة الحق حتى قيام الساعة ،وتعلمنا منه أن نكون أوفياء لرسالة االنسان .نحن وأعني املسلمني شوهنا صورة الحسني بانحرافاتنا ورفعنا صوره وادعينا أننا نحبه وكنا كاذبني ألن الحب إذًا مل يتحول إىل سلوك يكون نفاقاً وزورا ً وبهتانا ونحن أناس نصيل وأوجهنا تنحرف صوب عروش الظاملني وندعي أننا صادقون .الحسني ال يطلب منا البكاء وإمنا يريدنا أن نعمل لتنترص القيم العليا. لقد أسأنا للحسني وهو براء من أمة تصيل وتكذب ترفع الشعارات ومتارس الشهوات الدنيا ونتآمر عىل ما ن َّدعي أننا ننتمي إليه شعاراتنا طويلة وأعاملنا قصرية .مآذننا عالية وإمياننا مت َدنٍ ،نقاتل العدو بالخطابات السمينة ونفتتح العامل ونحن مستعمرون .إننا نريد حسيناً مخلِّصاً يخرجنا من الشبهات ويدخلنا يف حقيقته التي ال تقبل التزوير. «الحسني تاريخ ثائر والطف دليل أبديته الّتي ال يأيت عليها الزمن»
افتتاحية الحسين بن علي شاهد عىل كل العصور د .حسن فرحات /رئيس التحرير كلام ُذكِ َر اإلمام الحسني بن عيل استيقظت يب رغبة عالية الحضور لرؤية أعىل قمة صعدها إنسان بشهادته عرب التاريخ وراح يكلمنا من مكانه العايل ومن كالمه تنبلج أضوا ٌء أبع ُد من حرصية الكلامت وقانونية النطق االنساين ألن لغة الشهداء ينطقها لسان ال يوجد يف أفواهنا نحن الذين مل نعرب الربزخ الفاين. الحسني بن عيل(ع) يف القمة ونحن عىل السفح .الحسني نرباس يتقدم مواكب الشهداء الذاهبني اىل الله ،وهو يحمل النرباس ألنه سيد الشهداء ،لقد استشهد ليعيد االستقامة ملسرية الحضارة اإلنسانية وفضل ُه عىل من خلق تفضيال إننا نظلم الحسني كثريا ً حني نحرصه باملسلمني التي أرادها الله لإلنسان الذي ك ّر َم ُه ّ وحدهم أو مبذهب معني. الحسني بن عيل(ع) كان كأبيه يحمل رسالة إنسانية ،وكالهام استشهد إلكامل رسالته .استشهد اإلمام عيل بن أيب طالب(ع) من أجل تصويب رسالة السامء وملنع تغلب الدنيا عىل رسالة السامء ،ولوال هذه الغاية السامية لكانت الدنيا عنده "أزه َد من عفطة عنز" كام قال هو نفسه يف خطبته الشقشقية. وعىل نهجه سار حسينه الذي رفض هيمنة الظلم عىل الرسالة وقال معربا ً عن ذلك بقوله":مثيل ال يبايع مثله" وهذه املقولة تعني أن العدالة ال تستقيم مع الظلم والعادل ال ميد يده ملبايعة حاكم ظامل جائر .ستميش البرشية يف عمرها التاريخي ومكانها الجغرايف وسيظل الحسني بن عيل حامالً راية املوت والشهادة من أجل بناء الحياة املستقيمة.
أدب كلمتي أ.د هويدا رشيف صدقة جارية،تعلو وتهبط مع الفرد وأحواله ،كلمتي مفتاح القلوب،تطفي نريان العداوة والبغضاء،تريح النفوس وتؤلف بينها. كلمتي متلك عقول الناس ومشاعرهم،صالحة لكل زمان ومكان،يحتاجها الطفل واليافع واملشيب،فهي شجرة مورقة إذا وقعت يف القلب أحيته ألنها تعي الوجع وتضمد الجراح. كلمتي قول حس ٌن يحيي،عبارة رقيقة تغ ّرد يف صدور اآلخرين حيناً ،وكالسيف القاطع أحياناً أخرى،تكشف الحقائق بطيبة،تواجه الخبث بالنوايا،ثابتة مع الحق وهابطةمع الباطل منهم من يتقبلها ومنهم من يتجاهلها بصمت. كلمتي ال تساوم عىل الرش،عادلةال تحب القيل والقال،ترقى باملواجهة،وتذبل بغض النظر عن الحق،ألسباب منها الكلمة. كلمتي تكشف الغمة،نور ودليل يتبعه املحب،مسؤولية تسبح يف فضاء رحب ينترص فيه املظلوم عىل الظامل.هي زاد مزخور،ليست كلاميت قبور،ال تسلب النعم،قالع شامخة يعتصم بها النبل البرشي. كلمتي ال تفيش رسا ً،تغيث امللفهوف وتنفّس عن املكروب،عيبها ال تسكت عن الخطأ،تواجه برشاسة القاتل يف املقابل ال تخذل وال تعاند .وعد صادق مقدس،نابع من تربية قامئة عىل املودة والرحمة. كلمتي عقيل،مدونة يف طرف قلمي،إذا نطقت فأصدقت،مخبوءة تحت لساين،ال تقل ما ال تعلم وال تقل كل ما تعلم.
ال ّن ُ ّ الشيرازي الصوف ّية في شعر حافظ زعة ّ د.سوزان زعيرت «ال َخ ْم َر ُة « أمنو َذ ًجا: يُع ُّد الشِّ عر أقرب األشكال التّعبرييّة إىل ال ّنفس اإلنسان ّية ,فهو يُعرِّبِّ عن الصورة الّتي تُربز حقيقة اإلنسان كإنسان لحظ ٍة شعوريّة متم ِّيزة ,وهو ّ
وحقيقته كشاعر ,أل َّن «الشّ اعر ال ينطق بالشّ عر ّإاّل عندما يشعر بنفسه, ومبا يُحي ُط به من طبيعة وكَ ْونٍ زاخ َريْن بالجامل والجالل ومملوءيْن ُلح عليه وتدفعه إىل نظم الشّ عر وال ُّنطق به». باألحاث واملناسبات الّتي ت ُّ خاصة، إنّه يستم ُّد الطّاقة اإلبداع ّية يف هذه الحالة من تجرب ٍة شعريّ ٍة ّ ومرتبطة بذاته كإنسان واحتكاكه ب َو َسطه الحيا ّيت. وسرْب أغوارها, ّ وماّم ال ِمراء فيه أ ّن مشاعر الشّ اعر وإحساسه ميثِّالن الجوهر يف محاولته اكتشاف مكنونات الحياة ْ الصورة الشِّ عريّة» ,وذلك اعنام ًدا وتب ًعا لهذا« ,فال ُمُيكن أن نتص ّور شع ًرا ً خااًل من عنرص التّصوير أو مبعنى آخر ّ خاصة سواء إىل ما يحيط به أم ما يختلج يف ذاته من عىل التّص ّور والخيال .ويبقى الشّ اعر املُعرِّبِّ الوحيد عن رؤية ّ تص ّورات. مفهوم التّص ّوف: كل ما فيه من مصطلحات إ ّن موضوع «التّص ّوف» من أكرث املوضوعات امله ّمة الّتي تتطلَّب جه ًدا كب ًريا للفصل بني ّ بكل ملذّات الحياة و ُمتَعها ,واإليثار مبا هو باقٍ عىل ومفاهيم باعتبار حقيقته إيثا ًرا وتضحي ًة» ؛ فالتّضحية تكون ّ أخروي ,وذلك بوساطة مجاهدة ال ّنفس لكل ما هو مؤ ّجل نيوي وإيثا ٌر ّ ّ ما هو فانٍ ,أي تضحية بالعاجل ال ُّد ّ و ُمغالبة األهواء. _______________________ .1سعيد أحمد غراب ,شعر املناسبات ال ّدين ّية ونقد الواقع املعارص ,العلم واإلميان لل ّنرش والتّوزيع ,كفر الشّ يخ ,ط2007 ,1م ,ص.9 .2م.ن ,ص.10 الصو ّيف ,دار املسرية ,ال.م ,ال.ط ,ال.ت ,ص.32 .3عبد املنعم خفاجي ,األدب يف التذراث ّ
كلمتي لسان العاقل غري الخائف من البائع ضمريه،تزلزل املنافق الكاذب املحتال،ال تعرف التملق،تحب صادق القلب والعقل،تجل املتواضع اللطيف. ّ كلمتي رس النفس،ينرشح لها القلب،توثق األوارص وتقوي الروابط وتكسب التواد ينبوع من النصائح،حلوة كالعسل،ت ّ والرتاحم ،تقول للناس حسناً،فهي كالشجرةالطيبة أصلها ثابت وفرعها يف السامء.
وحي ,ال تح ُّده حدو ٌد وهو يف جوهره»حال» أو «تجرب ٌة روح ّية» ّ خاصة ,فهو الظّاهرة اإلنسان ّية ذات الطّابع ال ّر ّ ما ِّديّة زمانيّة أو مكانيّة ,وليس َوقْفًا عىل أ ّمة بعينها ,وال عىل لغة أو جنس من األجناس البرشيّة ,ألنّه املرآة الّتي تنعكس عىل صفحتها الحياة ال ّروح ّية اإلسالم ّية يف صفائها ونقائها. وروح ملجموع حقائق اإلسالم من عبادة لعل أبرز ما يُقال عن «التّص ّوف» أنّه مثر ٌة كربى يف املعارف اإلسالميّة, ّ ٌ
وإميان ويقني وعرفان ,إذ تط ّورت» دائرته بتق ّدم ال ّزمن من ظاهر ٍة فرديّ ٍة بني اإلنسان وربِّه إىل ظاهر ٍة اجتامع ّي ٍة
ك ُ ََرُث رجالها وأتبا ُعها» . لقد ات ّسم الشّ عر العر ّيب عرب مسريته بالعديد من الظّواهر الف ّن ّية ,الّتي ساهمت بال ٍّ شك يف تحديد مضامينه رس االهتامم به إىل ما يجمع بينه وبني الشِّ عر من وإثرائها ,ومن أه ّم هذه الظّواهر «التّص ّوف» الّذي يرجع ُّ عالقات وروابط ج ِّديّة . الصوفيّة ،عىل ح ّد وال ب ّد من اإلشارة إىل أ ّن «التّص ّوف والشّ عر» هام ٌ نسق واح ٌد؛ فالتّجربة الشّ عريّة والتّجربة ّ سواء ,هام يف حقيقتهام تجربة حيات ّية ونفس ّية شعوريّة تكشف عن واقع الحياة اليوم ّية ،وما يتَ َبلْ َو َر عنها من عاشق يُنفّس عن مشاعره بكلامت تتّسم الصو ّيف ٌ مشاعر يف وجدان الشّ اعر .وتكون التّجربة وليدة معاناة ,ذلك أل ّن ّ عرّب بلُغة العموم ,بل يلجأ إىل ال ُخصوص إيحا ًء بال ّرمزيّة الّتي تفرضها طبيعة املعاين ال ّروح ّية ,فالشّ ّ اعرالصو ّيف ال يُ ّ وترمي ًزا. ف لغ ًة: ال ّتص ُّو ُ «الصوف املعروف ,وصوفة :قو ٌم يف الجاهليّة يخدمون الكعبة ويُجيزون الحاج» ,وقال ابن ع ّرفه ابن زكريا أنّه ّ ٌ السائل يف نقرته »...أ ّما ابوعبد ال ّرحمن الخليل والصوف دريدّ « : معروف يُقال أخذ بصوفة قفاه إذ أخذ بالشّ عر ّ والصوفانة بقلّة زغباء قصرية, بن أحمد فع ّرفه ً الصوف ّ للضأن وشبهه ,وزغبات القفا وتس ّمى صوفة القفاّ , قائاًلّ »: حي من متيم وآل صوفان الّذين كانوا يُجيزون الحجاج من عرفات». وصوفة :اسم ٍّ
_______________________ .4م.ن ,ص.33 الصويف يف الشّ عر العريب املعارص ,منشورات بونة للبحوث وال ّدراسات,ال.م ,ط2008 ,2م ,ص.137 .5سعيد بو سقطة ,ال ّرمز ّ
الصوف ّية صورها وأساليبها من شعر الخمرة ومل الصويف بشعر الخمرة ,فقد استلهمت الخمريّات ّ كذلك تأث ّر الشّ عر ّ «س ّميت خم ًرا ألنّها تخ ُم ُر العقل ,أو ألنّها تركت حتّى أدركت تأخذ مجونه وإباحيّته ,فالخمر يف القاموس املحيط ُ واختمرت أو ألنّها ت ُخامر العقل أي تُخالطه» . حافظ الشّ ريازي: اسمه شمس ال ّدين مح ّمد ,لُقّب ب حافظ ألنّه كان يحفظ القرآن ويُد ّرسهُ .ولد يف أوائل القرن الثّامن الهجري (726ه 1325 -م) ,يف مدينة شرياز ,وت ُ ُو ّيّف فيها (791ه ,)1388 -ورضيحه أصبح مزا ًرا فيها ,ويُس ّمى بالحافظيّة. يعمل طوال ليله حتّى الفجر ,ث ّم يقوم بالعبادة ,ثم انرصف إىل حضور حلقات العلم واألدب ,ودرس علوم كان ُ ال ّدين واللّغة العربيّة والفارسيّة ,وحفظ القرآن عن ظهر قلب وهو فتى. أقوال يف حافظ الشّ ريازي: قائاًل« :حافظ لقد قال الجامي يف حافظ الشّ ريازي إنّه «حافظ لسان الغيْب وترجامن األرسار» ,وأضاف فيتزجريالد ً أفضل عازف عىل الكلامت»« ,لقد نجح حافظ الشّ ريازي من خالل قصائده ال ّرنّانة يف إيجاد فرتة ذهب ّية مليئة بالحكمة واملعرفة بداًلً من استهالك فنون الشّ عر وكرامته يف عبث املديح واألغراض ال ّرخيصة ,إ ّن قصائد حافظ هي إرشاقات به ّية» ,هكذا ,ع ّرف املستشارالثّقايف اإليراين مهدي أحمد شعر حافظ ,أ ّما فخري يوش ,أستاذ األدب الفاريس يف جامعة دمشق ,فقال :لقد كشف حافظ الشّ ريازي من خالل الخمر ما مل يجرؤ اآلخرون عىل املُجاهرة ّ
به ,فقد كشف عن املظاهر الخادعة املتغلغلة يف املجتمع ,والّتي كانت تتّخذ من ال ّدين ِستا ًرا تخفي تحته ال ّرياء
تتجىّل يف شعر حافظ إمارات الع ّزة اإللهيّة» كام قال ال ّدكتور عمر فروخ. والكذب وال ّنفاق» ,و» ّ الفرنيس رينيه جينون رأي يف حافظ ,فقد قال« :إ ّن حافظًا الشّ ريازي حالة من ال ّرقي ال ّروحي وهو وللفيلسوف ّ وأقرب لل ّنشوة بخمر الهوى ,وصاع ٌد عىل خيوط للمحب منه إىل املشتهى, أقرب لل ّزاهد منه ألهل ال ّدنيا ,وأقرب ُ ّ الصمت» ,والشّ اعر اإلنجليزي مل يعرف العشق ّإاّل عىل يدي هذا الخ ّباز( كان حاف ًظ خ ّبازًا يف طفولته), ال ّنور ملقام ّ غاًّل بني يدي هذا الخبّاز الّذي أخذ بكلامته عجينة قلبي وشكّلها كيف يشاء ,وصنع منه قائاًل« :مل أعرف العشق ًّ ً ُخ ْب ًزا تقتات عيه نار الحب ..أنا وحافظ م ًعا يف مدرسة العشق طال ًبا وأستاذًا» . _______________________ والاّلهوت ,دار العودة ,ط2012 ,1م ,ص.289 .13عمر شبيل ,حافظ الشّ ريازي بني ال ّناسوت ّ والاّلهوت ,ص ,7 ,5و.9 .14عمر شبيل ,حافظ الشّ ريازي بني ال ّناسوت ّ
ف اصطال ًحا: ال ّتص ُّو ُ ُ كرُثت تعريفات «التّص ُّوف» وتع ّددت بشكل الفت ,وكلّها تجمع بني معاين ال ّزهد والتّقشّ ف وإنكار الذّات حيّل باألخالق والقناعة ،وعبادة اللّه من دون االلتفات إىل شهوات ال ّدنيا وملذّاتها, واالنرصاف عن ال ّدنيا والتّ ّ بالسخاء» .. مسك ّ وبتلك املعاين يأيت قول أيب الحسن ال ّنوري بأ ّن التّص ّوف هو الح ّرية والكرم ,وترك التّكلّف ,والتّ ّ تعف الصدد إ ّن «التّص ّوف أن تظهر الغنى ,وأن تكون مجهواًلً حتّى ال يعرفك الخلق ,وأن ّ وال ّدينوري يقول يف هذا ّ كل ما الخري فيه» ,وقال سمنون بأ ّن «التّص ّوف أن ال متلك شيئًا ,وال ميلكك شيئ» ,أ ّما معروف الكرخي, عن ّ ماّم يف أيدي الخالئق» . ع ّرفه أنّه» األخذ بالحقائق واليأس ّ الرّشع ّية ظاه ًرا وباط ًنا وهي األخالق اإلله ّية ,وعندنا هي والتّص ّوف عند ابن عريب يعني «الوقوف مع اآلداب ّ
االت ّصاف بأخالق العبوديّة» ،والتّو ّجه الكامل إىل اللّه تعاىل يف الظّاهر والباطن مع التزام األخالق املُثىل يف الوجود، كل فرقة غاية طريقتها ,فالله يجعلنا م ّمن جعل فهي تجعل العبد له خلقًا كالله ,ويقول يف هذا املعنى «حسب ّ عىل الجادة الّتي هو سبحانه غايتها» . وجدير بالذّكر تعريف ابن خلدون للتّص ّوف يف مق ّدمته الّذي ّ يدل داللة واضحة عن معاين التّص ّوف املتع ّددة وعىل قائاًل إنّه «ال ُع ُ كوف عىل العبادة واالنقطاع إىل الله تعاىل ،واإلعراض عن الصوف ّية واهتامماتهم؛ إذ ع ّرفه ً أحوال ّ
زخرف ال ّدنيا وال ّزهد ,يف ما يُقبل عليه الجمهور من ل ّذ ٍة ومال وجاه واالنفراد عن الخلق يف الخلوة والعبادة». الصو ّيف مصادره من مؤثّرات من داخل البيئة اإلسالمية وأشعارها ,ومن مؤثّرات خارجة عنه ,وتأث ّر بالشّ عر استم ّد الشعر ّ الحب عن ك ْونه بَ َرَشيًّا ،ووجدوا أ ّن الله الصو ّيف ,والشّ عراء ّ يني يف اإلسالم ،فهو من أ ّول منابع األدب ّ الصوف ّيون ن ّزهوا ّ ال ّد ّ اإللهي فر ٌع من فروع الغزل ال يختلف عنه يف األلفاظ ،لكن يختلف عنه «فالحب بالحب إليه, حري بالتّو ُّجه وح َده ٌّ ّ ّ ّ الصوفيّني. التّفسري والتّأويل» ,ونجد ذلك عند ابن عريب ,وابن الفارض ,والشّ ريازي ،وغريهم من الشعراء ّ _______________________ .6الكالباذي ,التّع ّرف عىل مذهب أهل التّص ّوف ,ضبط :أحمد شمس ال ّدين ,دار الكتب العلم ّية ,بريوت ,لبنان ,ط1993 ,1م ,ص.6 .7القشريي ,النيسابوري ,ال ّرسالة القشرييّة يف علم التّص ّوف ,تحق :معروف زريق ,عيل عبد الحميد بلطجي ,دار الخري ,بريوت ,لبنان ,ط1993 ,2م,ص.552/2 السعادة ,القاهرة ,ال.ط1334 ,م ,ص.313 السهرودي ,عوارف املعارف ,مطبعة ّ ّ .8 .9الشييل ,تاريخ التّص ّوف ,ال.م ,ال.ط ,ال.ت ,ص.17 الصوف ّية ,دار الكتاب الجديد املتّحدة ,ال.م ,ط20110 ,1م ,ص.54 .10محمد عيل كندي ,يف لغة القصيدة ّ .11م.ن ,ص.55 .12عمر فرخ ,التّص ّوف يف اإلسالم ,دار الكتاب العريب ,بريوت ,لبنان ,ال.ط ,ال.ت ,ص.98
فالخمرة عند أيب نواس ّ الحس ,فإذا أراد ال ّناظر دق معناها حتّى كأنّه رجم الظّنون ,مبعنى أنّها يف عامل الظّ ّن ال يف عامل ّ رؤيتها عاد الطّرف حس ًريا ,فمتى لل ّناظر إليها أن ُمُيسك بها وهي غري موجودة بحسب أيب نواس ,فالخمرة عنده رم ًزا ال تُق ّدمه الخمرة الحقيقيّة ,وهي حني تتح ّول رو ًحا ت ُصبح عصيّ ًة عىل الفهم والتّفسري واإلحاطة ,كال ّروح متا ًما.
رصح برمزيّتها ,وجوهرها املعر ّيف ,إذ يقول: أ ّما الخمرة عند حافظ الشّ ريازي ,فهي خمر ٌة حقيق ّي ٌة وههو يُ ّ أبوابُها فعىس يُقىض بها أَ َريب رْش َع ٌة الحم ُد لله إ ّن الحا َن ُم ْ َ العنب َخ ْم ِر الحقيق ِة ال م ْن َخ ْمرة ِ
ُ األبارق من َج ّياشَ ٌة ُملِئت منها
خصص اللّبيب يف شعره باإلشارة: ويُق ُّر الشّ ريازي باستخدام ال ّرموز يف شعره ,واكتفائه بالتّلويح ,ويُ ّ َوكَتو ٌم أُهدي له األرسارا لبيب لَ ُه اإلشار ُة تكفي ْ هل ٌ ويقول: بِنو ِر ال َخ ْم ِر يسط ُع يف األواين
رويش َج ْو َه َر ك ُِّل فانِ يَرى ال َّد ُ
َوكَ ْم ِم ْن قارئٍ َجه َِل املَعاين
َويَ ُ عرف قيم َة األورا ِد ط ْ ٌَرْي حب ,واهتاممه الكبري بالخمرة يعني لقد تح ّولت الخمرة رم ًزا ّ حس ًّيا يف شعر الشّ ريازي ,فهي تعكس صورة امل ُ ّ اإللهي عىل « أ ّن اإلشارة توحي أكرث ما ُجسد العشق الحضور الكامل لتلقّي اللّذة ال ّنفس ّية املقرونة بالخمرة .إذ ت ّ ّ تحمل اإلثارة واإليحاء ُ الصو ّيف أن تكون لغة ثانية ُفرّس وت ُثري أكرث مام ت ُجيب عن األسئلة ,وتكاد اإلشارة يف األدب ّ ت ّ والظّالل الّتي ت ُغري وال تثبت عىل حال» . ويقول: ساقي ت َ َعال فَ ِتلك خمرتُك الّتي حس بأنّني أنا ح َني أرشبُها أُ ُّ أنا ذلك الرايئ إذاما الكأس يف
يف الفتح صارت كيمياء الرو ِح يل كن ُز « قارون» وفرت ُة نو ِح كَفّي أخذتُها وشُ فتُها بصفا ِء _______________________
السوريّة للكتاب ,وزارة الثّقافة, .19عيل زليخةُ ,مختارات من غزليّات من ديوان حافظ الشّ ريازي مع ّ الرّشوح والتّعليقات ,غزل ,40الهيئة العا ّمة ّ ط ,2009 ,1ص.35 الرّشوح والتّعليقات ,غزل ,19ص.26 .20عيل زليخةُ ,مختارات من غزليّات من ديوان حافظ الشّ ريازي مع ّ الرّشوح والتّعليقات ,غزل ,48ص.38 .21عيل زليخةُ ,مختارات من غزليّات من ديوان حافظ الشّ ريازي مع ّ والاّلهوت ,ص.275 .22عمر شبيل ,حافظ الشّ ريازي بني ال ّناسوت ّ .23شُ ْفتُها :جلوتها.
غني مبا فيه من ذات ّية الشّ عر لغة الوجدان ,وهو نتاج خيال محلِّق وشعور ُمرهف وفكر َر ِحبّ , وللصوف ّية ٌ أدب ٌ خاصة يف ما يتعلّق بوحدة الصو ّيف يحمل نفحات قرآنيّة ونظريّات فلسفيّةّ , ظاهرة ونزعة وجدانيّة قويّة ,فالشّ عر ّ الوجود واحتقار املا ّدة وعالَمها ,وقد لجأ املُتص ّوفة إىل الشّ عر ألنّه أفضل وسيلة للتّعبري عن مواجدهم وأذواقهم عظياًم يتميّز برثاء الخيال وال ّرمز ,وتن ّوع الصوفيّة تراث ًا شعريًّا الّتي ال ُمُيكن للعقل أن يُفصح عنها« ,فقد خلّف ّ ً الصوف ّية عا ّمة» . الحب الصو ّيف ,وتعبري عن اإللهي ,ورشح للفلسفة ّ املوضوعات بني تصوير للتّجربة يف الطّريق ّ ّ ّ الصوفيّون إىل االقتباس من َخمريّات أيب نواس الّذي اشتهر بها يف العرص العبايس ,وذلك نظ ًرا إىل ات ّجه الشّ عراء ّ املفاهيم الفلسف ّية والوجدان ّية املوجودة يف شعره ,وبذلك «أصبح للخمر وض ٌع متم ّي ٌز يف تراث املتص ّوفة األد ّيب ,إذ الصو ّيف» ،فالخمرة كيمياء لتحويل الكيان إىل كيان آخر ,وهي ذات مفهوم كان يع ّد عندهم رم ًزا من رموز الوجد ّ غيبي يستعيص عىل اإلحاطة والحرص ,يقول ابو نواس: َّ دق َم ْعنى ال َخ ْم ِر َحتّى
ُه َو يف َر ْج ِم الظُّنونِ
كُلّام حا َولَها ال ّنا
ِظ ُرمن طَ ْر ِف ال ُجفونِ
َر َج َع الطَّ ْر ُف حس ًريا ْمل ت ُق ْم يف ال َو ْه ِم ّإاّل
َعن َخيا ِل ال َّز َرجونِ كذّبت َع ْ َنْي ال َيق ِني
فمتى تُد َر ُك ما ال
بال ُعيونِ
يتح ّرى
وماّم ال ريب فيه أ ّن أبا نواس ،وغريه من الشّ عراء الّذين استخدموا الخمرة يف قصائدهم الشعريّة ,اقتبسوا من ّ السابقة بعض املفاهيم حول الخمرة وقُدسيّتها ,مستخدمني ال ّرمز الّذي استم ّدوه من األساليب العقائد وال ّديانات ّ ال ّرمزيّة يف القرآن الكريم ,فقد دلّوا يف شعرهم عىل ال َخمر والغزل وال ّنساء والوقوف عىل األطالل ,وغري ذلك من ال ّرموز يَعنون بها أحوالهم مع الله تعاىل.
_______________________ الحاّلج وابن عريب ,دار املعارف ,القاهرة ,ال.ط1404 ,ه ,ص.21 الصو ّيف بني ّ .15عيل الخطيب ,اتّجاهات األدب ّ الصوفيّة ,دار األندلس ,بريوت ,ال.ط ,ال.ت ,ص.339 عري عند ّ .16جودت نرص عاطف ,ال ّرمز الشّ ّ .17ال ّزرجون :الخمرة الذّهبيّة اللّون. .18أبو نواس ,ال ّديوان ,ق ّدمه د.عيل نجيب عطري ,دار الهاللللطّباعة وال ّنرش ,بريوت ,ط1986 ,1م ,ص.379-378
إىل أن يقول: الكأس فَأق ْْبل أيُّها َصفَت ُ ْ السكارى وال رس ُّ اسأل عنِ الِ ِّ و َد ِع ال َع ْنقا ِء ل ْن تصطادها
ِ املجلس را َح ْ ِنْي و ُر ْح وا ْح ُس يف
وأُ َ نبيك ع ّمن وجهه رصتُ عاشقًا
الصو ُّيف وانظُ ْر يف صفا ِء املُدا ْم ّ تسأ ِل
ال ّزاه َد عايل املقام
ِ بش ٍ ِ والحمى منها باك
حرا ْم
إ ّن هيهاتَ م َن ال َوصلِ َدوا ْم
َو َمن ِم ْن شذا ُه كان ُسكري وت َهذاري الصو ُّيف ال يحصل والسكر ّ انطالقًا من مفتاح الخطاب (أال فاعطني َخ ْم ًرا ,)...يتّضح لنا جليًّا أ ّن الشّ اعر يف حالة سكرّ , اإللهي من العبد ,ويرتقّى به يف املقامات ,فالشّ ريازي رشب الخمرة رو ًحا أخرى ُمكتشفًا عربها الحب ّإاّل بعد أن يتمكّن ّ ّ تكشف له أرسا ًرا ,فهي تساعده عىل رس الكون ,فيجد يف الخمرة مرآ ًة ُ عوامله القصيّة ,باحثًا للتّ ّ وصل إىل معرفة ّ فالسكر كام يقول صاحب الرسالة القشرييّة« :ال يكون ّإاّل استجالء املساحات ال َك ْون ّية املمت ّدة بني الخالق واملخلوقّ ,
ألصحاب املواجيد ,فإذا ِ عرّب يف خطابه السكر وطربت ال ّروح وها َم كوشف العبد بصفة الجامل حصل ُّ القلب» .وقد ّ ُ عن حالته ال ّروح ّية وما تُعانيه من ُسكر ملشاهدة املحبوب (ع ّمن وجهه رصتَ عاشقًا) ,وتجلّيه لها « ,فالشّ اعر يسكر اإللهي ومشاهدة تجلّياته يف األعيان ,فتُصيبُه ال ّدهشة ,والغبطة والهيَامن ,وكلّها أحوال يغيب عند مطالعته الجامل ّ فيها العقل ,فتُفيض إىل العوامل ال ّروح ّية» . للسالك ,فإذا َصف َِت الكأس بصفاء األعامل ,بان من خاللها جامل الحق وصفاؤه ونقاؤه الخمرة رم ٌز ّ للحق ,والكأس رم ٌز ّ الصو ّيف الّذي الصو ّيف بخطابه لعدم صفاء أعامله ,وذلك بسبب مسلك ّ خص ّ وضياؤه ,وأصبحت بذلك مرآة للحق ,وهنا ّ بالسكارى فقط ,ألنّهم أصحاب يسأل حاجته لل ّزاهد ,وال ّزاهد ال يستطيع جوابًا عن األسئلة الخمريّة ,فإجاباتها مخصوصة ّ املعرفة الحقيق ّية. _______________________ الرّشوح والتّعليقات ,غزل ,7ص.16 .25عيل زليخةُ ,مختارات من غزليّات من ديوان حافظ الشّ ريازي مع ّ .26حافظ الشّ ريازي ,ال ّديوان ,أغاين شرياز ,ترجمة الّكتور إبراهيم أمني الشّ واريب ,دار املرشق للثّقافة وال ّنرش ,طهران2004 ,م ,غزل ,139ص.288 .27أبو القاسم القشريي ,ال ّرسالة القشرييّة ,تحق :خليل منصور ,دار الكتب العلميّة ,بريوت ,لبنان ,ط ,2005 ,3ص.71 الصو ّيف وآليّات التّأويل ,قراءة يف الشّ عر املغاريب امل ُعارص ,موفم لل ّنرش ,الجزائر ,ال.ت ,ال.ط ,ص.261 .28عبد الحميد هيمة ,الخطاب ّ
كل ما يف تلكم املرآة أبرص ّ السك ِر الل ِ ّذيذ ُ يروق يل يف لحظة ُّ وأكو ُن ذا حو ٍل ألجم َع « خسوري»
يخفى بهذا الك ْونِ من أشيا ِء بكل ِّ إعال ُن م ْملكتي
تسام ِ
واملُعد َم العايف ِ الجام بنفس ِ
يلجأ الشّ ريازي إىل التّأويل إليجاد أوجه التقاء بني جوهر الخمر وما يحدث له من نشو ٍة يف أثناء ُسكر ِه ،والفناء يف الذّات اإلله ّية. استخدم حافظ الشّ ريازي ألفاظ الخمر الحقيقيّة كقوله :ساقي ,خمرتك ,أرشبها ,أحسذ بأنّني ,الكأس ,لحظة السكر اللّذيذ ,الجام ,...فالقارئ لهذه األبيات يتقد جاز ًما أ ّن الشّ اعر هنا يصف الخمر وأعراضه ,ولك ّنه يلجأ إىل ُّ اإللهي. تراسل الحواس ,حيث تأخذ عينه صفة الحسن فتسقيه خمر املحبة اإللهيّة التي تن ّعمت يف الجامل ّ وهكذا ,تقرتن رمزيّة الخمر عنده بالحب اإللهي الّذي ملك كيانه. ويقول: أال فا ْع ِطني َخ ْم ًرا فأُ َ عطيك خرب ًة مبا يف الوجو ِد من ُم َح ِّج ِب أرسا ِر يعمد حافظ إىل ذكر خمريّاته ,لتبيان أثر الخمرة يف رفعة إنسان ّية اإلنسان .إنّها تجعله بص ًريا ,فقد جعل الخمرة سائاًل يُسكب يف فيس ما يُلغي سواها ,فتخرج الخمرة عن ك ْونها ً موضو ًعا قامئًا بذاته ,فكان لها من الحضور ال ّن ّ برب العباد. األواين والكؤوس ,لتكون بذلك ذاته ال َولهى ّ بدأ الشّ اعر يُفتّش عن صيغٍ أكرث كثافة وإيحا ًء وهروبًا من القوالب القاموسيّة ال ّرتيبة للّفظة ,وهذا يعني أ ّن فعاًل ,وبدأ الشّ اعر يبحث عن وحسا| ,وإذا تكثّفت ال ّرؤية ضاقت العبارة ً الحس ّية| لغة وفك ًرا ًّ الشّ اعر يف املراحل ّ السيطرة .ولكن ال بُ ّد أدوات تعبري تحمل كثافة شعوره ,للتّعبري عن املُطلق ,وعن الوجد ّ الصو ّيف الخارج عن حدود ّ يل يجعل الكلامت بحاجة إىل كلامت من نوع آخر ,فبدأ ال ّرمز يأخذ من التّعبري عن الوجد الّذي يُرافقه إرش ٌاق داخ ٌّ مساهاًم كالشّ اعر ال ّرايئ يف تبيان األثر واإلمساك الصو ّيف ,وينقل املُتلقّي إىل آفاقٍ قصيَّة تجعله مداه يف الشّ عر ّ ً بإيحاءات اإلشارة. _______________________ .24جام :كلمة فارسيّة تعني الكأس وال ّزجاج.
-9الشييل ,تاريخ التّص ّوف ,ال.م ,ال.ط ,ال.ت. الصوفيّة ,دار األندلس,بريوت ,ال.ط ,ال.ت. عري عند ّ -10عاطف ,جودت نرص ,ال ّرمز الشّ ّ -11غراب ,سعيد احمد ,شعر املناسبات ال ّدين ّية ونقد الواقع املعارص ,العلم واإلميان لل ّنرشوالتّوزيع ,كفر الشّ يخ ,ط,1 2007م. -12فرخ ,عمر ,التّص ّوف يف اإلسالم,دار الكتاب العريب,بريوت ,لبنان ,ال.ط ,ال.ت. -13الكالباذي ,التّع ّرف عىل مذهب أهل التّص ّوف ,ضبط :أحمد شمس ال ّدين ,دار الكتب العلميّة ,بريوت ,لبنان ,ط,1 1993م. الصوفيّة ,دار الكتاب الجديد املتّحدة ,ط2010 ,1م. -14كندي ,محمد عيل ,يف لغة القصيدة ّ -15القشريي ,النيسابوري ,ال ّرسالة القشرييّة يف علم التّص ّوف ,تحق :معروف زريق ,عيل عبد الحميد بلطجي ,دار الخري ,بريوت ,لبنان ,ط1993 ,2م. الصو ّيف وآل ّيات التّأويل ,قراءة يف الشّ عر املغاريب املعارص ,موفم لل ّنرش ,الجزائر, -16هيمة ,عبد الحميد ,الخطاب ّ ال.ط ,ال.ت.
كلّها ألفا ٌظ توحي بغري معناها الظّاهري « ,فالعنقاء» رمز آخر للمحبوب ,فقد أجاد الشّ ريازي توظيف رموزه, واإلفادة منها أدبيًّا ,من خالل املُعطيات الّتي تتّصل باملفاهيم ال ّراسخة يف الوعي اإلنسا ّين ,وانتقالها إىل جوهر الصوف ّية؛ فالعنقاء إضاف ًة إىل بُعدها املعر ّيف ,إنّها املوضع الّذي يسمو إليه الشّ ريازي ملحبوبه .فالعشق هو املعرفة ّ الصفاء الكامل واالنعتاق من ال ّح ُجب الذّوبان يف الذّات املطلقة ,والحبيب هو املطلق ,والخمرة هي الطّريق إىل ّ واالقرتاب من الحبيب وهو الله . عرّب عن تطلّعات األ ّمة ,وطموحاتها واملُص ّور آلالمها وآمالها ,وهو يُساهم يف األدب هو الحال ال ّناطقة واللّسان امل ُ ّ املرجعي متمث ًّاًل يف تراثها األصيل. الحضاري لهذه األ ّمة ،وربطه بإطارها ائتالف ال ّنسيج ّ ّ شعري الصو ّيف يف صياغة الخيال ,وعرضه يف نظام يُع ُّد حافظ الشّ ريازي شاع ًرا صوفيًّا غلب عىل أسلوبه الطّابع ّ ٍّ السمة األساس ّية ملفرداته, تتو ّجه فيه املعاين اإلميان ّية املمزوجة بروحان ّيات شاعرنا .فقد ّ احتل أسلوبه ال ّر ّ مزي ِّ خاصة تندرج تحتها أبياته الشّ عريّة .فكان شعره عبارة عن واستطاع بقُدرته اللّغويّة الفائقة أن يخلق لنفسه لغة ّ ترجمة ف ّن ّية ألحاسيسه وأحواله ال ّنفس ّية .فقد أدرج رموزه يف صيغة معرف ّية غزل ّي ٍة ,إذ ق ّدمت الخمرة ،الّتي ُع ِن َي الصو ّيف الّذي يطبع غزليّاته. بها ورمز إليها ,معاين خفيّة تشري إىل البُعد ّ قامئة املصادر واملراجع: -1أبو نواس ,ال ّديوان ,ق ّدمه :د .عيل نجيب عطري ,دار الهالل للطّباعة وال ّنرش ,بريوت ,ط1986 ,1م. الصو ّيف يف الشّ عر العريب املُعارص ,منشورات بونة للبحوث وال ّدراسات ,ال.م ,ط,2 -2بو سقطة ,سعيد ,ال ّرمز ّ 2008م. الحاّلج وابن عريب ,دار املعارف ,القاهرة ,ال.ط.1404 , الصويف ّ -3الخطيب ,عيل ,اتجاهات األدب ّ الصو ّيف ,دار املسرية ,ال.م ,ال.ط ,ال.ت. -4خفاجي ,عبد املنعم ,األدب يف ّ الرّتاث ّ السوريّة -5زليخة ,عيل ,مختارات من غزل ّيات من ديوان حافظ الشّ ريازي مع ّ الرّشوح والتّعليقات,الهيئة العا ّمة ّ للكتاب ,وزارة الثّقافة,ط2009 ,1م. السعادة ,القاهرة ,ال.ط1334 ,م. السهرودي ,عوارف املعارف ,مطبعة ّ ّ -6 والاّلهوت,دار العودة ,بريوت2012 ,م. -7شبيل ,عمر ,حافظ الشّ ريازي بني ال ّناسوت ّ -8الشّ ريازي ,حافظ ,ال ّديوان ,أغاين شرياز ,ترجمة ال ّدكتور إبراهيم أمني الشّ واريب ,دار املرشق للثّقافة ,طهران, ط2004 ,1م.
وألن املجتمع مك ّون من أجل صورة اإلنسان الحر ،املبدع ،والخلوق ،لذا إن اإلنسان جسد وروح ،والروح جوهرة الجسم ،إذ ال ميكن فصلهام عن بعضهام ما بقي اإلنسان حيًّا لذلك يتأىت السلوك كام يرتضيه الوسط االجتامعي ،والواقع املعييش . هذه الشعارات جعلت من الشعوب أمة واحدة ،وبالتايل إنسانية واحدة ترتقي باإلنسان اىل مرتبة مجيدة ،وتسافر اىل عامل الصفاء الروحي والنقاء الوجداين ،والنداءات األصيلة الساموية.فاإلنسان هو العطاء اإللهي ،والرمز ال ُخلُقي ،ألنه ُخلِق عىل صورة بارئه ،فهو خليفة الخالق يف األرض،وهو الذي ح ّدد الوجود وبنى املجتمع ،ألنه بوتقة التي تثمر عطاء وح ًبا وطاقة،كقوله تعاىل»ليس لإلنسان إال ما سعى». فوجود اإلنسان يف هذا الكون يجعله خال ًدا بأعامله وأخالقه وإنجازاته،قويًا بطموحاته وآماله،مسكونًا باإلميان الذي نابضا بالعطاء يعطيه الجالل والجامل،ويصونه ويحفظه من شقاق الحياة ،ويحفزه لخدمة اإلنسان ليصبح اإلميان ً ،وضام ًرا املحبة والوفاء،فاألخالق هي الشفافية والتسامح والقيم العليا ،وهي ترتبط بصلة اىل الرشيعة التي تشمل مجموعة من األسس والنواهي التقليدية التي تؤسس إلنسان متف ّوقًا أخالق ًيا. وقد أعطى اإلميان اإلنسان الالنهائية يف املشاعر،والطموح ،واألمل الدائم،ماأدى اىل حاميته وصونه من انشقاقات ،وينسق بينه وبني بني نوعه الدهر،وانزالقات األيام ،فإذا كان اإلميان -ببعده الساموي -يحفظ لإلنسان األمل الدائم ّ من جهة ،وبينه وبني املوجودات كلها من جهة أخرى،فاإلميان اذا يعطيه الجالل والجامل،وصيانتهام وحفظهام.فاإلميان يرتبط بخدمة اإلنسان وكرامته،وهذا االلتزام هو الدعامة الحقيقية لرباءة املجتمع من التفلت واالنصياع لسؤودده. وعليه نجد أن اإلنسان يتميز بطاقات مفعمة بالحيوية والعطاء،وطاقات كل فرد يجب صيانتها وتطويرها لخدمة اإلنسان واملجتمع.فإذا تأملنا تعاليم األديان الساموية نجد أنها تح ّرم الكذب والنفاق ألن هذه الصفات تجرف الطاقة اإليجابية اىل دهاليز مجهولة وشاذة ،وتجعل من الفرد فريسة املح ّرمات وااللتواءات املغرضة،فتؤثر سلبًا عىل طاقات الفرد والجامعة،فالكذب يفرتس الحقائق والعالقات بني أفراد املجتمع ،فتصبح مشوهة ومجهولة ،وتنعكس عىل االتصاالت االجتامعية واملبادالت بني البرش.
_______________________ .3سورة النجم39/53،
سلسلة مرصاد الحياة اإلنسان بيت الذات واآلخر ( الحلقة )1
د.مرياي ابو حمدان ُس ّمي اإلنسان إنسانًا ألنه ُعهد إليه فنيس،فهو يتألف من كلمة ثنائية الوزن من خالل وجود األلف والنون يف نهاية الكلمة عىل وزن فعالن، وبالتايل تكون الكلمةإنسان حسب ابن منظور «مثنى من مفردة هي أنس ،األمر الذي يعني أن هناك مركب من نفس وجسد ،وهام مركبان ماديان مرتبطان ،ويف جدال وحوار بينهام دائم.ولكل منهام خصائصه، ويحتكامن اىل العقل» . وقد جاءت تعاليم األديان واضحة يف خدمة الهدف األسمى الواحد أال وهي خدمة اإلنسان ودخوله يف بوتقة السالم واألمان بعي ًدا عن التنافر والتباعد واآلالم ،فكانت األديان منطلق ملصري واحد ،فالله هو البداية ،والهدف هو اإلنسان يف ظل هذا الكون الواحد .فهي املنرب الرازخ لسلوك طريق اإلنقاذ،وتقريب املسافات وم ّد جسور التواصل بني األفرقاء،ألن الله أخرج الناس من العتمة اىل النور،وعلمهم السعي اىل طريق السالم. وملا أصيب اإلنسان بنقص العظمة والكربياء والتفوق ،زُرعت الفرقة بني ابنائه وتباعدت همومهم وانزلقت يف رضا بينهام. متاهات الحياة ،وتف ّرق اإلنسان عن أخيه اإلنسان ،ةكان الشقاق حا ً وليك يصبح اإلنسان إنسانًا حقيق ًيا عليه أن يعود اىل كنف الله ،اىل رحاب الله،واىل أمان الله بعي ًدا عن العنفوان والكربياء والعظمة.فتلتقي عندئذ باإلنسان املستضعف ،الضائع يف متاهات األيام ،القابض عىل جمر الصعوبات، الخائف من شظى األزمان.وليك ينجو الفرد من عذاب الله،عليه ان يلتقي مع اإلنسان املسحوق واملمزق يف كل مبادئ الحياة ،فتكون األديان واحدة تتمحور حول اإلنسانية البناءة.ونستقي ذلك من خالل اآلية الكرمية « َولَ ْو َرْي ِ ات إِ َىَل الله َم ْرجِ ُعك ُْم َج ِميعاً َف ُي َن ِّب ُئكُم مِبِ َا اس َت ِبقُوا الخ ْ َ شَ آ َء اللَّهُ لَ َج َعلَك ُْم أُ َّم ًة َوا ِحدَ ًة َولَـ ِكن لِّ َي ْبلُ َوك ُْم يف َما آتاكُم َف ْ
كُن ُت ْم ِفي ِه تَ ْخ َتلِفُونَ « .
_______________________ .1ابن منظور،لسان العرب320/10،
.2الرمز الحسيني والشعر: الوضاء الذي ت ّدفق من جرح الحسني عليه السالم ،أما الذاكرة الشعبيّة ،مع تدفّقها احتفظت الذاكرة الثقافية بالوهج ّ وشدة اندفاعتها ،فإنّها قد عجزت عن حمل أمانته وناءت به يعني أ ّن الشعر بوصفه عمقاً ثقافياً .وحده القادر عىل تقديم تلك الرمزية ،فام الشعر؟ ثم ما عالقة الشعر بالرمز؟ يعرّب عام نفذت إليه رؤيته األدب ّية ،عىل وجه العموم ،هو ذلك النسيج اللغوي الذي استطاع أديب ما ،من خالله أن ّ من عمق أعامق العامل املرجعي .فكانت األدبيّة بناء عىل ذلك ،ثالثية األبعاد :رؤية نافذة ،عمق من أعامق أحد جوانب العامل املرجعي ،لغة كاشفة عن ذلك العمق .وال يستطيع أي ضلع من هذه األضالع الثالثة أن يوجد مستقالً. واالنتقال من الطابع العام لألدبيّة إىل الطابع الخاص املتعلّق بالشعرية ،يضعنا يف مواجهة السلطة العليا التي تحكم مك ّونات أية رؤية إىل العامل .وإذا عال سهم املك ّون الثقايف داخل األدب ّية عىل سائر مكونات الرؤية من قناعات، أي مك ّون آخر .فإ ّن الوضع يف الشّ عرية وهموم ،واهتامم .وانفعال من دون أية منازهة للثقافة عىل حاكميّتها من قبل ّ مختلف .واالختالف ،هنا ،من ح ّيز االنفعال .االنفعال يف الشعريّة استعا ٌر يبلغ حد الت ّوهج مبا يجعله منافساً ج ّدياً للثقافة عىل سلطتها ،ولكن من دون أن يعني ذلك تهميشها .إنّه يحاول ج ّرها ومن خلفها القناعات ،والهموم، واالهتاممات إىل وضع ّية تربئ ّية تجعلها متمحورة حول جزء دقيق من أعامق العامل املرجعي ،خصوصاً أ ّن مح ّرك ذلك متاس الشعر مع الحياة. اإلنفعال هو ُّ وإذا كان املجاز الذي أسامه جان كوهني (الحيد) مع ّربة من كلمة ( )l’ecartالفرنسية هو جذر الشعريّة ( مرجعي يعجز املجاز عن التقاطه. أي عمق ،)poeticiteفإ ّن الرمز طاقة متعالية تستطيع التقاط ّ ّ وإذا كانت حقيقة املجاز مرتكز ًة إىل قدرته عىل تعويض القصور املنهجي الذي تتصف به مفردات اللغة يف وضع ّيتها املعجميّة وداللتها الوضعية؛ ألن كل واحدة منها عنوان عا ٌم ال يقوى عىل تقديم خصوصيّة ما .فكلمة (فرح) مثالً، عالمة لغويّة عىل ما ال يُع ُّد وال يُحىص من أنواع الفرح ودرجاته ،وال ميكنها التقاط خصوص ّية (فرح) أحدهم يف وضع ّية خاص احتاميل هو اآلخر. من وضعيّات حياته .فاالحتاملية التي يتّصف بها املجاز وحدها القادرة عىل اإلمساك بفرح ّ وإذا وازنّا احتاملية املجاز باالحتاملية التي يكتنزها الرمز وجدنا االحتاملية الثانية متعالي ًة عىل االحتاملية األوىل مبا ال يُقاس ..ويعني ذلك أ ّن الرمز هو البديل حيت تُعجز املجاز وسائله عن إدراك ما تو ّهجت به ثقافة شاع ٍر ما من معرفة .فكيف إذا كان هذا الرمز هو الرمز الحسيني ،والقضية التي يستكشفها الشاعر قض ّية تتعلق بوجود اإلنسان ومصريه عىل األرض؟
بقلم الدكتور الناقد الكبير علي زيتون دراسة مط َّولة الشاعر
عمر شبلي «الحسين بن علي شاهدا ً وشهيداً» لغة عمر شبيل الشعريّة يف مط ّولته «إىل الحسني بن عيل شاهدا ً وشهيدا ً»
أ .مدخل نظري يقوم عىل نقطتني :الرمز الحسيني ،والرمز الحسيني والشعر. .1الرمز الحسني: الرمز التاريخي ال يكون رمزا ً يف زمن صاحبه .زمان صاحبه يوفّر املادة املرجعية فقط .نعني بها التف ّوق الالفت يف ميدان من ميادين الحياة .هذا التف ّوق الذي يصبح بعد انقضاء صاحبه ،أمنوذجاً يُتمثل به ،ويُقاس عليه .استطاع
كرم حاتم الطايئ ،مثالً ،اخرتاق األجيال عىل مر الزمان .تح ّدث به الناس جيالً بعد جيل .وهذا االحتضان الذي الحامتي من تجارب األجيال املتتالية مع الكرم .وهو، تقوم به الذاكرة الجمعية ليس احتضاناً حياديّاً .تغذى الكرم ّ بهذا الغذاء النامي ،أصبح رمزا ً .ينضج الرمز التاريخي عىل نا ٍر هادئة بعيدا ً عن أي استعجال. والرمز الحسيني ،وإن كان رمزا ً تاريخياً ،إال أنه يختلف عن غريه من الرموز التاريخية .نشأت رمزيّته من تفاصيل كل منها رمزيته من خالل حدوثه .فالحسني حياة اإلمام الحسني عليه السالم اليومية .تلك التفاصيل التي يحمل ُّ عليه السالم ليس شخصية تاريخية ميكن أن تتوازى معها أي شخصية أخرى .يكفي أن يجرتح الفعل ليكون هذا الفعل رمزا ً مثقالً بداللته .ما بالك برجلٍ قال عنه الرسول األكرم صىل الله عليه وسلم »:حسني م ّني وأنا من حسني»؟ أال تكفي هذه اإلشارة ليؤكّد ما ذهبنا إليه بخصوص هذه الشخصية؟ كيف ال وقد نشأ الحسني عليه ألي السالم ّ وترىّب يف مدرسة عيل بن أيب طالب عليه السالم الدينية واألخالقية والثقافية؟ لقد تهيأ له ما مل يتهيأ ّ إنسان آخر فهو خصوصية دينية أخالقية ثقافية مكّنته من تفاصيل سلوكيّة أ ّدت إىل أن تكتمل رمزيته ساعة استشهاده عليه السالم. ومهام يكن من أمر ،ألن الرموز التاريخية العاديّة ال تأخذ من اللغة الشعرية بقدر ما تعطيها .تق ّدم معرفة العمق الذي وصلت إليه رؤية شاع ٍر ما يف جانب من جوانب العامل املرجعي .هذه املعرفة التي تعود لتغذي ذلك الرمز مبثل ما غذاها. أما الرمز الحسيني فهو نب ٌع مينح الشعرية من وهجه ما مينحها ،وال يسرت ّد من تلك الشعريّة ما ميكن أن يغذّي القيم الحسينية التي اكتملت مع اكتامل شهادته .رسولية اإلمام الحسني عليه السالم جعلت من رمزيّته رمزيّة متعالية عىل التاريخ ،ألن شخصيّته بعظمتها ،غري قابلة للتكرار.
1-2التكرار يف مطولة عمر: إ ّن ورود كلمة مح ّددة يف إحدى القصائد ورودا ً عابرا ً ال يتح ّول إىل عالمة دالة .تر ّدد الكلمة نفسها بوترية الفتة يح ّولها حاّمل ُة أوجه. إىل عالمة تفرض حضورها عىل املتلقي فيتنسم داللتها بنا ًء عىل رؤيته إىل العامل ،ألن العالمة نفسها ّ ّ تداعب رؤى املتلقني فتمسك كل رؤية مبا استطاعت الحصول عليه من تلك األوجه. والتكرار يف مط ّولة عمر شبيل عن اإلمام الحسني عليه السالم ليس تكرارا ً مستقالً عن الحقول املعجم ّية .هو متداخل معها بقدر . ورد اسم الحسني عليه السالم يف هذه املط ّولة ما يقارب الثالثني م ّرة .وإذا مثل تر ّدده هذا الرت ّدد األعىل بالنسبة إىل سائر كلامت القصيدة ،صار هذا االسم سلطة متسك بزمام سائر الكلامت فتح ّدد مسارها الداليل وتغذّيها بأبعا ٍد جديدة تعطيها خصوصيتها الدالل ّية ،وانتامئها إىل القصيدة .وحني يخرج التكرار بهذا االسم من كونه اسامً لشخصية تاريخية غري عاديّة ،ليتح ّول إىل عالمة تشري إىل مقام ثقا ّيف جهادي يستحرض رمزيّة هذا اإلمام عليه السالم بكل تدفقها وتعاليها األخالقي والنفيس ،يعني أنّه ال ميكنها أن تكون عالمة معزولة .كيف ال وقد تحلّقت حولها مجموعة من الكلامت الحافة مبقام هذا اإلمام عليه السالم ورمزيته؟ كل من كلمتي (الشهيد) و (الجرح) ما يقارب العرشين م ّرة ،وكل من كلمتي (ذبيح) و(يبيك) عرش م ّرات. فقد تر ّددت ّ النص ست م ّرات .أما كلمة ( الدماء) فخمساً ،وكلمة (العنق) ثالثاً ،ومن وعربت ُّ كل من كلمتي ( الرأس) و (كربالء) ّ يعد إىل السرية الحسينية يجد أن هذه الكلامت هي كلامت مفتاح ّية السرية .تبدأ من (الجرح) لتعرب (العنق) و(الذبح) إىل (الرأس) وصالً إىل (الدماء) و(البكاء) اللذين تحتضنهام (كربالء) .وإذا كانت هذه الكلامت خصوصية حسينية تومئ كل واحدة منها إىل كربالء ،فإنّها مل تعد لتشكل حقالً مكوناً من مجموعة كلامت تنضوي تحت عنوان تخصه وحده دون سائر الناس .فإذا تضايفت وتائر واحد ،بقدر ما باتت تحمل اسم (الحسني) بوصفها عالمات فارقة ّ ورود هذه الكلامت إىل وترية تردد كلمة (الحسني) يف القصيدة قارب العدد التسعني مرة .وميثل هذا العدد الجامع عالمة كربى تق ّدم التجربة الكربالئية املتحيّزة يف تاريخ معروف ،قضيّة إنسانية كربى يقف فيها الجرح الحسيني ،الذي كل يجتاز التاريخ مرحلة مرحلة ،ليالحق الظلم اليزيدي الذي يجتاز ،هو اآلخر ،التاريخ مرحلة إثر مرحلة متخذا ً يف ّ م ّرة شكالً جديدا ً ولوناً مضلالً مختلفاً .ويؤكد هذا الرتابط القائم بني هذه الكلامت من جهة ،وعنوان املط ّولة من جهة أخرى «الحسني شاهدا ً وشهيدا ً» ،ما تر ّدد من كلامت أخرى تغذّي الشهادة وحقلها وتق ّدم خصوصيتها خصوص ّية مختلفة عن أية شهادة أخرى.
ولنئ برزت الذات ،ذات الشاعر ،بشكل واضح يف معظم الرموز التاريخية فأعطتها بعضاً من وهجها ،فإ ّن القض ّية هي املتعالية بشكل حاسم ،يف الرمز الحسيني. ب .املستوى اإلجرايئ. يقوم عىل مجموعة من النقاط هي :سيامئية العنوان ،وشعرية املعجم ،وشعرية الصورة . .1سيامئية العنوان: يشكّل السياق النظري السابق مدخل البحث إىل الرسالة الشعريّة التي تو ّجه بها الشاعر عمر شبيل «إىل الحسني بن يل عليه السالم يعني أنه يقيم قراناً وظيفياً غري يل شاهدا ً وشهيدا ً» .وأن يقرن عم ُر اس َم الحسني عليه باسم والده ع ّ ع ّ حيادي .وإذا كانت كلمة (الحسني) وحدها كافية لإلشارة إىل الحسني الشهيد ،فإن اقرتانها بكلمة (عيل) إمّنّ ا ميثل ّ يل عليه السالم ،بناء عىل فهمه اإلسالم ،ذلك الفهم العميق إشار ًة قويّة إىل مدرسة دين ّية أخالق ّية ثقاف ّية أسسها ع ّ الخاص ،وسار عىل نهجها تالمذته .وارتباط الحسني وعرتته الطاهرة عليه السالم باإلمام عيل عليه السالم ليس ارتباطاً مدريس ثقايف .وهذا ما أبقى الحسني عليه والسالم برمزيته املكتملة عائلياً ،مع أهم ّية ذلك االرتباط ،هو ارتباط ّ كل عرص كل املعارك التي تُخاض ضد يزيد ّ والعصيّة عىل املحارصة ،شاهدا ً عىل التاريخ اليزيدي املستم ّر ،وشهيدا ً يف ّ من العصور. .2شعريّة املعجم: معجم أية قصيدة ليس مجموعة كلامتها التي حرضت يف متنها .الكلمة يف قصيدة ما منتمية إىل تلك القصيدة دون غريها من القصائد ،وهي بقدر رشاكتها مع نفسها يف القصائد األخرى ،هي مختلفة مع نفسها أيضاً .هي مخلوق متج ّدد الداللة مع كل استخدام جديد .معجم القصيدة ،بناء عىل ذلك ،هو معجمها املختلف عن ذاته حني يرد يف أية أي شخص آخر من الناس ،وهي ال تتساوى مع نفسها قصيدة أخرى؛ ألن رؤية الشاعر إىل العامل ال تتساوى مع رؤية ّ يف لحظة أخرى .ما أريد الوصول إليه هو أ ّن املعجم مك ّون فاعل من مك ّونات بنية اللغة الشّ عرية الخاصة بقصيدة لعل أه ّمها :التكرار ،وحضور الحقول مح ّددة .واملستوى املعجمي يف أيّة قصيدة هو معجم متع ّدد التجلّيات ّ املعجمية.
.2-2الحقوق املعجمية: إذا كان التكرار غري مستقل عن حقول معجمية محددة شكّلت إطارا ً و ّجه الداللة وجه ًة حسينية ،فإن مجموعة أخرى من الحقول قد استدعاها موضوع الحسني عليه السالم بوصفه شاهدا ً وشهيدا ً ،وهذه الحقول هي حقل املعارك، وحقل املعارك ،وحقل األعالم ،وحقل األماكن. .2-2-1حقل املعارك: أوردت مط ّولة عمر شبيل الحسينية أسامء مجموعة من املعارك من مثل( :بدر) و (أحد) و (حنني) و (مؤتة) و (كربالء) و(غزة) ،و (الجنوب اللبناين) .فرسمت خارطة الرصاع الذي تخوضه األ ّمة استنادا ً إىل محورية معركة (كربالء).وإذا مثّلت كل من (بدر) و (أحد) و (حنني) رصاع األ ّمة ضد الجاهلية .مؤسسة برسالتها تلك لزمن جديد ،و(مؤتة) انطالقة تلك ّ الرسالة إىل العامل .فإن (كربالء) قصيدة عمر قد أرسلت إشاراتها الضوئية باتجاهني :كانت استكامالً للمعارك اإلسالمية األوىل يف مواجهة انبعاث القبليّة الجاهلية من خالل (يزيد) التاريخ .وكانت تأسيساً ملعارك األ ّمة الحديثة يف فلسطني ولبنان .فام جرى يف غ ّزة وجنوب لبنان هو بعض من إيحاءات كربالء وامتداد لها .إ ّن حضور هذه املعارك بعينها يف مط ّولة عمر شبيل ال يشري إىل الدور الذي أ ّدته كربالء يف وصل النهايات بالبدايات بقدر ما مثّلت إشار ًة تفاؤلية ،حتى لكأنها تقول لنا :بالحسني وحده يُواجه يزيد العرص ،اعتمر كوف ّية ،أم اعتمر قلنسوة حاخام ّية. .2-2-2حقل األعالم: وحيش ،الفاروق ،الح ّر ،صالح الدين، اشتملت املط ّولة ما يقارب الخمسة عرش اسم علم هي ( :الحمزة ،الشمر، ّ يوسف ،محمد الد ّرة ،الفرزدق ،مسليمة ،أبرهة ،أبو أيوب األنصاري ،ابن زياد ،بوش) ،فرزتها القصيدة نفسها قسمني متناقضني ،والفرز قد أجري بنا ًء عىل جانب تلك األسامء التاريخية .أحدهام ميثّل املظلوم ّية الحديثة التي يتع ّرض لها الشعب الفلسطسيني ،عنيت به (محمد الد ّرة) بكل رمزيّته التي تعيد دماءه املنترصة عىل السيف اإلرسائييل بنسبها إىل الدم الحسيني الذي انترص عىل السيف يف كربالء. رش املطلق .عنيت به (بوش) والثاين ميثّل الظامل العاملي املركزي الحديث الذي وصفه اإلمام الخميني (قدس رسه) بال ّ بكل رمزيّته التي تعيد نسبه إىل يزيد وتستقطب حوله جميع ممثيل يزيد هذا الزمان .ولنئ أشارت هذه املواجهة بني ما ميثّله (محمد الد ّرة) وما ميثّله (بوش) إىل أمر ،فإنّها تشري إىل البوصلة املرشدة .فمن أضاعها هوى يف جحيم الرّش ،وقض ّية فلسطني رأس الحق .إنّها البوصلة الظاملني ،ومن استنار بها أرشدته إىل سواء السبيل .فأمريكا رأس ّ الحسينيّة التي تقيم حدا ً فاصالً واضحاً بني املظلوم والظامل ،بني الحث والباطل.
وردت يف حقل الدين كلمة (الصالة) ما يزيد عىل العرش مرات ،وكلمة (املآذن) املرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً ما يقارب السبع م ّرات ،لرتد كلمة ( الجنة) م ّرة واحدة. ويضعنا هذا يف مناخات مقولة اإلمام عيل عليه السالم »:إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ،وال طمعاً بج ّنتك ،ولكنني وجدتك أهالً للعبادة ]الحق[ فعبدتك». منتم إىل املدرسة العل ّوية انتام ًء ثقافياً راقياً .حساب الحق متعا ٍل فيها، ويشري هذا إىل أ ّن اإلمام الحسني عليه السالم ٍ بشكل قوي وواضح ، ،عىل حساب الجزاء .وهذا ما يق ّدم لنا شخصيّة الحسني عليه السالم شخصيّة رساليّة غري عادية .ولقد استدعى كل هذا ،بالرضورة ،ورود كلمة (درب) واملقصود به الدرب الحسيني ،ما يزيد عىل الخمس عرشة م ّرة وإىل جانبها الفعل (تعلّم) عرش مرات .هذا الفعل الذي يشري إىل الدور الرتبوي التعليمي الذي يضطلع به ذلك الدرب. وإذا كانت شخصية الحسني عليه السالم شخصية رسال ّية من طرا ٍز ٍ فريد عا ٍل كان ال ب ّد من حضور (الدرب) و (املدرسة) مثل هذا الحضور .هذا وال ت ُخترص رساليّة اإلمام عليه السالم بأضعف اإلميان ،ولكنها رساليّة تق ّدم سلوك الحسني عليه السالم ع َني قناعاته ،فقد وردت كلمة (سيف) ما يزيد عىل العرش مرات ،و(الحصان) و (الصهيل) ما الست مرات .ويعني ذلك أ ّن الجهادية يف سلوك اإلمام يزيد عىل العرش مرات ،ترتفع إىل جانبهام كلمة (راية) حوايل ّ عليه السالم صنو قناعاته ،تالزمها وتذود عن صدق ّية حضورها. ويبقى أننا إذا أردنا أن نخرج بحصيلة معرفيّة من هذه االحصائية املتعلقة باسم (الحسني) عليه السالم ،فإننا لن نخرج منها بحصيلة ج ّدية إذا مل نقف عند ثنائية (الخصوبة/الجفاف) .وردت كلمة (نهر) عرشين م ّرة تقريباً ،وكلمة (فرات) ما يزيد عىل العرش مرات ،تعضدها كلمة (غامم) التي ترددت ما يقارب الخمس عرشة مرة. هذا وال نجد قبالة حقل املاء الصديق هذا سوى نهر معا ٍد واحد هو (املسيسبي) الذي مل يحرض سوى م ّرة يتيمة واحدة. وإذا أضفنا إىل حقل املاء حقل النبات الذي يتصل بالخصوبة التي ينتجها املاء ،وجدنا كلمة (تخيّل) قد ترددت خمس عرشة م ّرة ،وكلمة (شجر) خمس مرات وإذا جمعنا حقل النبات إىل حقل املاء تحت عنوان الخصوبة بات لدينا حقل يقارب السبعني مفردة .وإذا عرفنا أن كلامت مثل (نهر) و (فرات) و (نخيل) تومئ بغري التفاتة إىل تجربة الحسني الكربالئية ،أدركنا ما تعنيه هذه اإلشارة العالم ّية يف مواجهة اليباب الذي تسلل إىل جسد القصيدة عرب كلمة (صحراء) التي ترددت إحدى عرشة م ّرة وكلمة (رمل) عرش مرات ،وكلمة (جفاف) ثالث ،وكلمة (الظأم) ثالث مرات ،أي ما يقارب الثالثني مر ًة ومام يجدر ذكره ،يف هذا املقام ،إ ّن تفوق حقل الخصوبة مبا يقارب الضعفني إمنا ميثل إشارة إىل ٍ بعد تفاؤيل مؤسس عىل انتصار الدم الحسيني عىل السيف اليزيدي مهام تقلبت الحقب واألزمان.
.3شعريّة الصورة: رأينا ،يف ما سبق ،أن معجم القصيدة ،من الناحية اإلحصائية ،يؤدي دورا ً واضحاً يف إنتاج شعرية القصيدة .وهذا الدور ،مع أهميته ،ال ميكنه التوازي مع الدور الذي تؤديه الصورة يف هذا املجال .فالواقع املوضوعي للعامل قائم عىل سببي منطقي يعيه العقل .فيكون الوضوح هو السمة الغالبة .أ ّما حيت تتصدى رؤية شاعرنا لجانب من نسق ّ جوانب ذلك العامل ،فإنها تتجاوز ظاهر ذلك الجانب الذي يتساوى الناس ،إىل ح ّد كبري يف استيعابه ،لتنفذ ،كام رأينا، إىل عمق ذي خصوصية احتاملية ال متسك بها إال الصورة التي تشكّل االحتاملية سمتها الغالبة فال تشغل بالها باملقدمات املنطقيّة وال مبا يرتتب عليه من نتائج .إنّها تخضع لسببيّة انفعالية رؤيوية واقعة خارج دائرة املنطق. يعني أن الخروج عىل النسق املوضوعي السببي والدخول إىل دائرة السبب ّية الشعورية ال يق ّدم لنا معنى واضحاً قابالً متلق مختلف .وال وجود للشعريّة خارج لفهم مح ّدد ،ولك ّنه يق ّدم لنا داللة احتاملية تحمل بعدا ً مختلفاً مع كل ٍ الصورة الف ّنية .اللغة الشعرية هي الصورة عينها. .1-3رمزية الفرات وشعريّته: يحتل الفرات يف مط ّولة عمر موقعاً غري عادي ،تح ّول إىل رمز يخترص مواجهة الظلم والظاملني قدمياً وحديثاً .فقد ّ خاطب الشاعر اإلمام الحسني عليه السالم قائالً: أي نه ٍر توضأت يا سيد الشهداء؟ «ومن ّ إىل اآلن نهر الفرات يض ّن عىل الشهداء بقطرة ماء كل يوم عىل النهر (شم ٌر) جديد؟ أيف ّ و (بوش) جديد؟»()1 خرج االستفهام يف السطر األ ّول من هذا ال ّنص عىل وظيفته التي أوجدته اللغة للقيام بها .االستقهام ،هنا ،ال يقتيض إجاب ًة وال يطلبها. وما خرج إليه هذا االستفهام ال ينفي أن يكون اإلمام الحسني عليه السالم ،قد توضأ مباء الفرات فحسب .ولك ّنه يخرج بالوضوء نفسه من دائرة الوضوء ،من داللته الوضع ّية بصفته كلمة ،وعن وظيفته العملية بصفته متهيدا ً للصالة أيضاً. يطل هذا االستفهام بغري التافتة إىل الشهادة. حتى الصالة مل تعد الصالة العبادية املعروفةّ . _______________________ .1عمر شبيل .إىل الحسني بن عيل شاهدا ً وشهيدا ً ،الصفحتان 24و .25
ومام يجدر ذكره ،هنا ،هو أن تف ّوق عدد األسامء املنتمية إىل دائرة الظاملني عىل عدد األسامء املنتمية إىل دائرة املظلومني .إمنا متثّل إشارة إىل صعوبة املعركة ،ودعو ًة إىل أن نكون حسينيني يف الزمن الصعب. .3-2-2حقل األماكن: حرض حقل األماكن بكثافة الفتة يف مط ّولة عمر شبيل( :الكوفة ،غزة ،الجنوب اللبناين ،البرصة ،النجف ،الدجيل ،جلق، املسجد النبوي ،الكر ،بحر البقر ،قانا) أي ما يقارب الستة والعرشين مكاناً .وهذه القصيدة ال ميثل ح ّيزا ً للحركة ومرسحاً لألحداث ،فتشاركه الشخصية يف تكوين عالميّته وداللته .أمكنة القصيدة مجموعة رموز استدعتها التجربة وهاّمً عابرا ً التاريخ مكثّفاً .ال تصلنا كلمة الحسينية ،فحرضت حامل ًة بني برديها تاريخاً مكثفاً ،وشخصية مكثّفةّ ، (الكوفة) مبدينة اختطتها حركة الجيوش اإلسالمية يف زمن الفتح فحسب؛ ألننا عندما نقرأ اسم هذه املدينة نجد كل من عيل عليه السالم ،والحسني عليه السالم معها .إنها مكان مثقل بالداللة، أنفسنا أمام رمزيتها املغذّاة بتجربة ّ يح ّرك انتباهنا يف اتجاهات متعددة ،فيق ّدم إلينا داللة احتاملية األبعاد مفتوحة.
ويطول بنا الحديث لو وقفنا أمام رمزية كل ٍ واحد من هذه األماكن الواردة .ما يشملها أن أيّاً منها ال يستطيع أن يكون مستقالً عن الرمز الحسيني يف هذه القصيدة. فاألماكن العراقية التي بلغ عددها ستة عرش مكاناً .وهو العدد األكرب بني الحقول الفرعية التي ميكن تصنيفها داخل حقل املكان املحوري ،متثّل إشارة إىل املكانة التي متثّلها الساحة العراقية يف تاريخ األ ّمة من جهة ،وعالقة هذا التاريخ بالحدث الحسيني عىل وجه الخصوص من جهة ثانية .هذا وتتوسط عقد هذا الحقل كلمتان هام اسامن ملكان واحد (الطف) و (كربالء) .ويعني ذلك أننا لن نتمكن من اإلمساك برمزية أي مكان من هذه األمكنة العراقية مستقالً عن ّ (كربالء) .بؤرة املواجهة واملؤسسة لحركة الرصاع التي شهدها تاريخ أمتنا من زمن يزيد إىل زمن بوش. ومام يجدر ذكره ،يف هذا املقام ،أننا ال نستطيع قراءة املكان الفلسطيني إال يف ضوء املكان العراقي .وإذا كنا ال نستطيع أن نخرج بعض األماكن العربية من دائرة املكان الفلسطيني من مثل :بحر البقر ،سيناء ،والجوالن ،والجنوب اللبناين ،وقانا ،فألنها جميعها قد تعرضت لظلم العدو الذي تع ّرضت له األماكن الفلسطينية. واملكان الفلسطيني هذا متّصل بنسب القرىب والدم واملظلوم ّية بكربالء املق ّدسة .وال ميكنه إال أن يكون امتدادا ً لها. ومام يجدر ذكره ،أن نوعني من األمكنة قد اهتمت بهام القصيدة العمرية .مثلت (حراء) و(أم القرى) و (مكة) فضا ًء إسالمياً ،ومثّلت (جلّق) فضا ًء مكانياً عربياً .ولقد تناغم الفضاءان حتى بلغا ح ّد التو ّحد الذي أسس لكربالء عابرة التاريخ ،حامل ٍة التفاؤل بالنسبة إىل املكان الفلسطسيني الذي ميثّل كربالء جديدة.
إن تنكري كلمة (غاممة) ال يشري إىل ندرة الغامم فحسب ،خصوصاً ذلك الغامم الذي ميكنه أن يحمل ه ّم قض ّية كربى، ولك ّنه يشري إىل عدم خل ّو الساحة من وجود مثل ذلك الغامم أيضاً .ووصف تلك الغاممة املقهورة ال يسبغ عليها هويّة إنسان ّية فحسب ،ولك ّنه يشري إىل حساسة ذلك الهم أيضاً ،والذي يتب ّدى مع هذا القهر قض ّية كربى .فام طبيعة هذه القضية؟ ال يقوم السطر األ ّول عىل مسألة نحويّة (التنكري) ،وأخرى مجازية فقط ،ولك ّنه يقوم عىل كناية ال تخلّص الكلامت من أحاملها الدالل ّية التي أرشنا إليها فحسب ،ولك ّنها تومئ إىل أ ّن ثورة جنين ّية حديثة قيد التشكيل ،خصوصاً
إىل أ ّن الفعل (تبحث) الذي أُس ِند إىل تلك الغاممة إمّنّ ا يقوم عىل عالميّة تشري إىل استمرار املعركة ،وإن كان بالق ّوة، وليس بالفعل .ويعني ذلك غياباً للحضور وانتظارا ً له يف الوقت املناسب. والبحث عن أرض بال شمر وال يزيد كناية تعضد الكناية السابقة وتشري إىل أنّه ال توجد اآلن ،مثل تلك األرض .وال
يوجد قبالة هذا الغياب سوى اإلصطبار واألمل .والفعالن (نحصد) و (منرع) هام فعالن مرتبطان بالخصب ويعودان بنسبهام إىل تلك الغامم الفراتيّة املؤمنة بانتصار الحسني عليه السالم وإن طال الزمان ،وامتد لقرون عديدة .وهذا فيه من التفاؤل ما فيه .وهذه الغاممة التي سمعت الفرات يقول للغزاة « :أنا الذي ما زلت ظآمناً إىل غاممة»( ،)2هي نفسها الغاممة التي سمعته يقول»لن أخذل الثوار م ّرتني»(.)3 ويعني ذلك يف ما يعنيه إنها الغاممة التي ظمئ إليها النهر وأن القض ّية الكربى ما زالت بذرة ح ّية ولن متوت. وإذا كان حضور مثل هذا اإلميان حضورا ً تفاؤلياً ،فإن اإلنتقال ،من البحث عن أرض بال شمر وال يزيد ،إىل عتاب للفرات هو انتقال إيجايب ،وخطوة إىل األمام .كيف ال ،وقد خاطب الشاعر اإلمام عليه السالم ،قائالً: «أشعل لنا جراحك يا حسني نريد أن نعاتب الفرات والنهر حني يجهل النار التي تنمو عىل الضفاف يظل رغم مائه م ّتهامً ّ _______________________ .2عمر شبيل .إىل الحسني بن عيل شاهدا ً وشهيدا ً .ص .9 .3عمر شييل .إىل الحسني بن عيل شاهدا ً وشهيدا ً .ص .10
ووصف اإلمام الحسني عليه السالم بس ّيد الشهداء كان استحقاقاً مؤسساً عىل ذلك النوع من الوضوء .والنهر الذي توضأ الحسني عليه السالم من مائه ليس نهرا ً .التبس بالقيم األخالقية والثقافية التي يعتنقها اإلمام الحسني عليه السطرين الثاين والثالث زينتها من خالل إسناد الفعل السالم .صار إ يّاها ،كام كانت إ يّاه .وال تأخذ شعرية الفرات يف ّ (يض ّن) الخاص بالبخل إليه ،بقدر ما تتجىل بالبعد الكنايئ الذي يقوم عليه هذان السطران .تلك الكناية التي أقامت اتصاالً بني زمن اإلمام الحسني عليه السالم ،والزمن الحديث .فالظلم الذي تع ّرض له اإلمام عليه السالم ما زال قامئاً. فالفرات مستلب وماؤه مح ّرف عن مواضعه .مل يتح ّرر ،بعد ،من ربقة البشعني ( :الشمر) و (بوش): كل يوم (شمر) جديد؟ «أيف ّ و (بوش) جديد؟». يعني أ ّن املعركة التي بدأها الحسني عليه السالم يف مواجهة الظلم مل تزل قامئة .وإذا حمل (الشمر) رمزيّة األداة الظاملة يف زمن الحسني عليه السالم .فإن (بوشاً) قد حمل رمزية األداة الظاملة يف عرصنا الحديث .ويأيت العراق ساح ًة محوريّ ًة لهذا الرصاع الذي احتل فيه الفرات موقعاً فاصالً .فمن ميسك به ميسك بالعراق .وما كان الفرات ليمثّل هذه الرمزية يف مط ّولة عمر لو مل يكن عىل عالقة باملأساة الحسينية التي ارتقت لتكون مأساة األ ّمة نفسها ،يف تاريخها القديم وتاريخها الحديث. ولنئ أومأ (فرات) القصيدة إىل أن مظلوميّة األ ّمة الحالية متصلة باملظلوميّة التي تع ّرض لها الحسني عليه السالم ،فإ ّن محاولة تحرير هذا النهر من أرسه ما زالت قامئة؛ ألنّه ما زال أسريا ً منذ أن وقع يف أرس يزيد والشمر. «مل تزل غامم ٌة مقهور ٌة أرض بال (شمرٍ) ،بال ( ٍ تبحث عن ٍ يزيد) حتى تح َّط حملها. ونحص َد الغامم من جديد ومترع البالد بالشهيد»()1
_______________________ .1عمر شبيل .إىل الحسني بن عيل شاهدا ً وشهيدا ً .ص 15
نو ّد أنّ راي ًة نرفعها يف األشهر الحرام»(.)1 وإذا كان النيسء زيادة يف الكفر يستحرض خصلة من خصال الجاهلية ،فإ ّن الفرار من الح ّر والق ّر مازال يسوغ التقصري ويستحرض املأسأة العلويّة مع رجاله ناقالً إياها من زمانها حني ُح ِر َمت األ ّمة من نهضتها .إىل زماننا الذي مازال يعيش مأساة النيسء والفرار بكل أبعادهام .وال يع ّوض الفعل (نو ّد) البعد املأساوي مع أ ّن اللغة أوجدته واح ًة لألمل. يبرّش بقرب رفع أيّة راية يف األشهر الحرم ألنّه ال ينتمي إىل دائرة الفعل ،يقف عىل مسافة واضحة من الفعل فهو ال ّ (نجرتح) .فهل يدخل ذلك شيئاً من اليأس إىل نفوسنا. العمري حز ٌن منهجي يقلّل من ذلك اليأس أل ّن معرفة التاريخ إىل فلسطني قد تر ّمم ذلك الحزن وتح ّوله فرحاً. الحزن ّ وكالم عمر الذي يصف فيه األ ّمة حني قال « قتلتنا الفتاوى التي ال تس ّمي العد ّو عدوا ً تحلل أكل الجراد وقد أكل األمريكان البالد»(.)2 يصب يف دائرة السلبي متاماً ،إنّه يضع اإلصبع عىل الجراح .ووضع اإلصبع عىل الجراح هو الطريق الوحيد وأساس ال ّ الشفاء. ويعني ذلك توجيه إصبع اإلتهام ،وبشكل مبارش ال لبس فيه ،إىل جميع أولئك الذين يح ّرفون الكلم عن مواضعه خدم ًة لعد ّو األ ّمة الحقيقي املتمثّل بالعد ّو اإلرسائييل. كأين بعمر يقول ال ميكن القضاء عىل الوجود الصهيوين يف فلسطني من دون القضاء عىل ظهريه العريب الذي يحاول إيهام الناس بأ ّن العدو مل يرسل السالح إىل غ ّزة ،وليس َمن يقتل الناس يف غزة فاملعركة حني تُخاض يجب أن تخاض ضد كل يزيد بقطع النظر عن اللباس الذي يتنكر به ،واالنتصار لن يكون إال بالحسني عليه السالم وال يوجد تفاؤل خارج دائرة الحسني ،وعمر حني يقول « :رأيتك مطعوناً عىل الفجر تتّيك»( )3فإنّه يومئ إىل أ ّن الفجر ،زماناً ،هو الوالدة املعادلة للوالدة التي يجرتحها الفرات مكاناً .ولذلك أحب عمر الفرات: _______________________ .1عمر شبيل .إىل الحسني بن عيل شاهدا ً وشهيدا ً .ص 7-6 .2عمر شبيل ,إىل الحسني بن عيل شاهدا ً وشهيدا ً .اص .30 .3عمر شبيل .إىل الحسني بن عيل شاهدا ً وشهيدا ً .ص 3
بالشح والجفاف»(.)1 ّ ال يخرج عتاب الفرات بذلك النهر إىل هويّة برشية بقدر ما يزيل الحدود بني الرموز الحسينية ،لتتواشج داخل ظأم اإلمام الحسني عليه السالم عند ضفة ذلك النهر الغزير املياه ،فتشكّل عالمة شديدة الداللة عىل التخاذل. إ ّن رمزيّة الفرات التي يُراد منها أن تكون عنواناً ملقاومة الظلم ،مل تكن كذلك .كانت إشار ًة خفيّة إىل ما تدخره أمتنا ٍ (خريات) تتجاهل النار ال ّنامية؟ والعتاب إذا مل وجغرافيا أمتنا من خريات مل توظّف الوظيفة املطلوبة .فام نفع ما ٍء
بالشح اتهاماً أخالقياً ،فإ ّن االتهام بالجفاف اتهام يقم بوظيفته املرتجاة تح ّول ،وبشكلٍ آ ّيل ،إىل اتهام .وإذا كان االتهام ّ بفقدان القيمة والدور .فهل ينتظر الشاعر من النفط العريب أن ينتفض عىل سارقيه ،ومتجاهيل حقوق الشعب الفلسطيني فيه؟ وصخرة كهذه الصخرة كم هي مجدية؟ ما مقدار محمولها اإليجايب؟ أمل يتح ّول ذلك النفط سالحاً يبد أعداء األ ّمة؟ كم أنت حزين يا عمر؟ .2-3شعرية املوقف: خاطب الشاعر اإلمام عليه السالم قائالً «ونحن يا حسني ومنذ أن أقفلت األرحام واألصالب ال نعد للقدس سوى بأشهر النيسء. ولكنها يف الح ّر ال تجيء يف الق ّر ال تجيء فآه يا نيسء
_______________________ .1عمر شبيل .إىل الحسني بن عيل شاهدا ً وشهيدا ً .ص.12
أي خب ٍز فيك يا هذا املطر؟ :عمر شبيل ينتظر اإلياب ُّ أقع عىل مجموعة شعريّة جديدة لعمر شبيل فتغمرين سعادة ال توصف ،ويعروين ،قبالتها ،ه ّم .يتعلّق هذا اله ّم بالتقديم الطويل الذي اعتاد الشاعر أن يق ّدم به ملجموعاته الشّ عريّة .يُقبل القارئ عىل مجموعة عمر الشعريّة بق ّوة أي خب ٍز فيك يا هذا ما أسامه روالن بارت «لذّة ّ النص» ،فيتعرضه التقديم طالباً منه التم ّهل .تقديم عمر مجموعته ّ ست عرشة صفحة موزّعة بني وجهات نظر الشاعر النقديّة من جهة ،ومفاتيح القصائد من جهة أخرى. املطر؟! َّ ( السجن ،سقوط الراية ،الكتابة امللتزمة ،ثنائية الذاكرة والحلم ،اإلميان بالله ،ثنائية الحزن والكربياء ،غناء الحارس، البكاء ،األدب والتاريخ ،الشعر والحنني إىل الطفولة ،الخصوص ّية والفرادة ،ه ّم اإليصال والتأثري). النص»؛ ألسباب مختلفة؟ فهل تعكّر مثل هذه املقد ّمة ،عىل القارئ «لذة ّ أي خب ٍز فيك يا هذا املطر؟! هو عنوا ٌن إنشا ّيئ وظيفته قراءة انفعال. ومهام يكن من أمر ،فإ ّن عنوان املجموعة ّ : كل الحاجات األخرى ،لتتمحور حاجته املل ّحة حول فالخبز حاجة جسديّة يومئ حضوره إىل انكفاء الشاعر عن ّ الكفاف ،ما يس ُّد بُلغة الحياة .ويف ذلك إمياءة فاعلة إىل ضيق شديد .ومخاطبة الشاعر املطر بهذه الطريقة (يا هذا (أي املطر) إمّنّ ا يتو ّجه إىل مط ٍر مح ّدد انتظر الشاعر منه خريا ً وفريا ً ،فلم يكن حسن ظن الشاعر به .واستفهام الشاعر ُّ كل حلقات االتصال بني السبب ( املطر)، خبزٍ؟) ال يختزل نفع املطر بنفع وحيد هو إنتاج الخبز فقط ،ولك ّنه يتجاوز ّ والنتيجة (الخبز) أيضاً ،مغيّباً النشاط اإلنساين املرتبط باملطر والحياة .ويف ذلك عالمة أ ّن الشاعر محارص مأزوم. وارتباط عالمة االستفهام بعالمة التع ّجب إشارة إىل ثورة عىل اليأس يف الوقت نفسه .فإذا كان االستفهام إنكاريّاً ينفي إمكانية الخبز ،فإ ّن التع ّجب موقف اعرتايض يرفض النفي ،عىل األقل من الناحية النفسية .ولنا أن نسأل :هل أراد
الشاعر ،من عنوانه هذا ،أن يقول لنفسه :ما جدوى القتال الذي خضتُه؟ وما جدوى أن أُ ْس َجن؟ ويثري هذا السؤال
الخاصة باملجموعة؟ وبتعبري أوضح :هل ميكننا قراءة سؤاالً ثانياً مرتبطاً به :هل ميثّل العنوان البنية الدالليّة الكربى ّ املجموعة يف ضوء العنوان؟ املحوري يف زمن ال يختار الشاعر الكبري عنوان مجموعته الشّ عريّة بعفويّة وارتجال .ولك ّنه يوقّعه عىل نبض ه ّمه ّ كتابة قصائدها.
«فرات أحبك يا أيها النهر يحيك لنا قاتل كيف يأتيك يف جيشه ٌ ويصري القتيل»(.)1 فام تب ّدى انتصارا ً يزيدياً ،كان وهامً ،كان هزمي ًة قياساً عىل سلّم القيم اإلنسان ّية التي أعلنت مع شهادة الحسني عليه السالم انتصار الدم عىل السيف ،فأعطى هذا االنتصار الفرات رمزيته الخالدة عىل م ّر الزمان. كلمة أخرية ويبقى أ ّن الشعر الحسيني ذو مذاقٍ خاص ،فالكلامت فيه تخلع عن نفسها أعباءها التي ُح ّملتها عرب التاريخ ،من بنص اإلمام الحسني عليه السالم .والشعر حني يكون شعرا ً حسين ّياً ،هو اآلخر يخلع نصوص هي هامش إذا ما قيست ّ كل من أدونيس ،وجان كوهني ،وكامل أبو ديب ليصبح لغ ًة متعالية عىل أيّة لغة عن نفسه األحامل التي ح ّمله إ يّاها ٌّ ولعل الشّ عر الحسيني هو غاية الشّ عريّة العامل ّية وحلمها؛ ملا يحمله من هموم وقضايا عابرة الزمان مجتازة أخرىّ . املكان إىل غاية ال تدرك إال بظهور املخلّص. ومهام يكن من أمر ،فإنّنا لن ننصف مط ّولة عمر الحسين ّية إذا مل نرش إىل مرقى الذي بلغته وهي تقوم بالعمل ّية الكشفيّة التي أناطتها بها رؤية الشاعر من ناحية ،وما استطاعت تلك الرؤية من الوصول إليه يف عمق التجربة الحسين ّية الفريدة من ناحية أخرى .رؤية عمر إىل العامل رؤية مثقّف كبري ،مل يتملّك ثقافة عرصه متلّك املسرتيح إىل أريكته الوثرية .متلّكها وهو مثقل بعبء انعدام املسافة بني قناعاته وسلوكه .جرياً عىل القاعدة الحسينيّة نفسها. يعني أنّه كان يعترص الثقافة بقدر ما تعترصه الثقافة .كان يحرجها بأسئلته بقدر ما كانت تجرحه مبا تطرحه عليه من هموم .مبثل هذه الثقافة قرأ عمر التجربة الحسينيّة فنفذ إىل عمق ما كان أليّة ثقافة أخرى أن تصل إليه .ما أريد أن أقوله هو أ ّن مط ّولة عمر قد تح ّملت بأمانة متناهية مسؤولية الشّ عرية يف هذا الزمان ،ومسؤولية أن تكون تلك الشعريّة ملتزمة بقضايا اإلنسان الكربى عىل األرض.
_______________________ .1أي خب ٍز فيك يا هذا املطر ،ص .108
وعمل ّية اإلحصاء والع ّد مل تكن مرتكزة إىل املعاينة .الشاعر يف زنزانته ال يرى ما يدور خارجها .اتصاله بالخارج كان عرب السمع (كنت أسمع صوتاً أسرتيح) .والفعل (أسرتيح) مل يحرض هنا ليفيض عىل الشاعر بعطايا الراحة الفعلية ،ولك ّنه حرض ليعضد البعد السلبي الذي حملته كناية إحصاء النزالء وع ّدهم .ذلك أ ّن هذه الراحة إمياءة تكشف حجم القساوة التي نالت منه يف زنزانته .فسامع الصوت اتصال بالخارج يف ح ّده األدىن األدىن ،ومع ذلك فهو عامل إراحة للسجني ،وإن كان بقدر طفيف جدا ً .وال يرتكنا الشاعر نستشعر ،من خالل هذا البعد الكنايئ وحده ،عمق وجعه سجيناً ،ولكنه يحاول تفسري السبب: « رغم ما يرتكه هذا بصدري من عذاب كان يعني الصوت انّ األرض ما زالت تدور». التفسريي انكفاء للداللة االحتاملية التي حملتها (الراحة)؟ ال تصلنا مقولة «إنّ األرض ما زالت فهل يشكّل البعد ّ تدور» التي أطلقها غاليليه ساعة اقتيد إىل اإلعدام ،بغاليليه نفسه ،بقدر ما تضعنا وجهاً لوجه أما تجربة عمر. فاإلحصاء والع ّد كان يعني أ ّن القضيّة التي ِأرِس من أجلها ما زالت قامئة ،ومازالت تق ّدم مزيدا ً من األرسى .وميثّل هذا
يدل عىل أ ّن الراحة العمرية الناجمة عن سامع الصوت الواقع خارج السجن ال يقوم عىل بُ ٍ عامل طأمنينة ،مبا ّ عد ذايتّ فقط ،عذاب الزنزانة ،ولك ّنها ترتبط ببعد متعلّق بالقض ّية التي يؤمن بها الشاعر .وإذا أمكننا ،من خالل ذلك ،أن نستنتج أن ثنائية (الذات والقض ّية) متاموجة مع ثنائ ّية (الخارج والداخل) ،وهي التي تعطي املكان داللته ،فهل سيظل هذا التاموج قامئاً مع قوله: ّ السجان يوماً، «وإذا ما دخل ّ قلت :قد جاء من الدنيا إذن ،ما زلت فيها وقتها أدركت أين مل أزل ح ّياً ،وقلبي عاد يل»(.)1
نوعي يحمل يف داخله ولعل أ ّول ما يلفت يف السطر ّ ّ الشعري األول هو حضور الفعل (دخل) املسند إىل ّ السجان بثقل ّ ض ّده الفعل (خرج) املسند ،افرتاضياً ،إىل السجني ،أو هو يستحرضه بق ّوة عىل األقل إىل دائرة وعي القارئ .أما بالنسبة إىل الشاعر فإ ّن حضور الفعل (خرج) بق ّوة يف ذاته ،بوصفه سجيناً ،هو الذي استحرض الشاعر بشكل عميق .وإذا كان الفعل (دخل) ميثّل بُعدا ً سلبياً بالنسبة إىل الشاعر، _______________________ أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .29 .1عمر شبيلّ .
ِ (جوف الزنزانة) يتف ّجر يف مئتي صفحة ،وال ميكنها أن املجموعة مخزون عرشين سنة ،مكبوتٌ عرشين سنة من القيد ويحرّض بنا ًء عىل ذلك سؤال مبد ّيئ :من أين ندخل إىل عاّم يبثّه العنوان من إشعاعات. ّ أي كلمة من كلامتها ّ تخرج يف ُّ قصيدة عمر ،يف هذه املجموعة؟ كل من معجم القصيدة ،وتركيبها، لعل املدخل األ ّول املفرتض هو شعريّة القصيدة العمريّة انطالقاً من وظيفيّة ّ ّ وصورتها ،ورمزها .أ ّما املدخل الثاين املفرتض أيضاً ،فهو مدخل موضوعي ميت ّد من حدود ثنائية (املكان والزمان)، املحوري يف وصوالُ إىل ثنائية (الصمود واإلنهيار) مرورا ً بثنائيّة (حضور الوطن وغيابه) .وما سأقوم به هو االبتداء من ّ السجن ّية .أعني به ذلك الحضور الالفت لثنائ ّية ( املكان والزمان) التي يتعاىل فيها املكان الذي اختُ ِرِص تجربة عمر ّ ألصق األشياء بهذه الثنائية ،نعني به (الباب). بالسجن الذي فرز املكان إىل خارج يقابله داخل ،وذلك من خالل ِ ومام يجدر ذكره ،هنا ،هو أ ّن الوقفة املوضوع ّية ،عنده الثنائ ّية املذكورة ،ستكون من خالل التحليل األسلويب ،وهذا ما
ميكّن الدارس من إبراز املدلول عرب إبراز ال ّدال .ويعني ذلك وضع ثنائيّة (الشعريّة واملوضوع) يف أضمومة واحد ٍة املرجعي. النص يف أثناء متثّلنا العمق الجديد الذي كشفته أسلوبية الشاعر من العامل متكّننا من تذ ّوق لذة ّ ّ اختزل السجن املكان ،كام أرشنا ،بثنائيّة أساسيّة هي (الخارج والداخل) ،فكيف عاىن الشاعر هذه الثنائية؟ «كنت أحيص وأع ّد النزالء كنت ،إذ أسمع صوتاً أسرتيح رغم ما يرتكه هذا بصدري من عذاب كان يعني الصوتُ أ ّن األرض ما زالت تدور»(.)1
لقد شكّل السطر الشّ عري األ ّول (كنت أحيص وأع ّد النزالء) كناية تومئ ،من خالل الفعلني املضارعني املس َن َدين إىل الشاعر السجني( :أحيص) و(أع ّد) ،إىل تف ّرغ ذات الشاعر ملتابعة ما يجري خارج الزنزانة .ويعني ذلك ،فيام يعنيه أ ّن هاّمً مهيمناً عىل ذاته ال انشغال لها إال به .أضف إىل ذلك ،أ ّن الكناية تحمل ،من الخارج ،وهو يف جوف زنزانته ،ميثّل ّ بني ما تحمله ،بُعدا ً تشاؤمياً ساخرا ً .فالنزالء ليسوا ضيوف فندق ،ولك ّنهم نزالء زنزانات كزنزانة عمر ،مبا يعني أ ّن الوضع يف الخارج ما زال يرفد السجن بداخلني إليه ،وال يشهد خروجاً منه. _______________________ أي خبز فيك أيها املطر؟ ص 26 .1عمر شبيلُّ ،
أنا طائر ال جناح له»(.)1 إ ّن ارتباط (أآل) االستفتاحيّة بحرف النداء (يا) إعال ٌن عن أهمية ما سيقوله الشاعر ،وتعبري عن ثقة كبرية مبراميه، فاملخاطب عىل عالقة حميمة باملتكلّم .وهذا ما يجعل تلك الثقة تنضج بيشء من العتب الرقيق .فاستدعاء حاممات وادي الحرير هو من قبيل اسرتجاع الطفولة ،أو استحضارها إىل السجن .تلك الطفولة التي أمضت زمناً جميالً مع تلك الحاممات يف ذلك الوادي .ويأيت هذا االستدعاء متكامالً مع ما ُهيئ له من قلب مخضورض .ذلك أ ّن إضافة كلمة الخاصة بالشاعر السجني قد أعطت ذلك القلب هويّة الشجرة مبا توحي به من خرض ٍة (غصن) إىل كلمة (قلبي) ّ وجامل وظلٍ ومثر .وهذه الهويّة ال متثّل إشار ًة إىل صمود ذلك القلب وقوة الحياة فيه فحسب ،ولكنها إمياءة إىل أ ّن الحياة ليست مكتملة بسب تقصري حامماته وعدم حضوره ّن إىل غصن قلبه الرطيب أيضاً .و ّمام يجدر ذكره ،يف هذا املقام ،أ ّن حضور ثالث ّية الحاممة والغصن والهديل (النواح) هو استحضار أليب فراس الحمداين ،فإذا نحن أمام أسريين يتبادالن اإلضاءة ،تربط كالٍّ منهام باآلخر غري آرصة .وإذا هام يستحرضان من حافظتنا القصيدة الشهرية »:أقول وقد جوهري هو أ ّن الحاممة يف سجن أيب فراس هي التي أثارت شجونه ،وأعطته فرصة ناحت بقريب حاممة» ،مع فارق ّ النجوى التي نفّس بها عن كربه ،أما حاممة عمر فهو من استدعاها لتهبه مثل تلك النجوى .وهذا ما يوحي بأ ّن وجع عمر ال يتناغم مع وجع أيب فراس فحسب ،ولك ّنه يتعاىل عليه إيالماً .ويبقى أ ّن عتب عمر عىل حامماته ،طفولته ،هو من قبيل االنكفاء إىل داخل الذات ،فهل سيكون ذلك العتب مجدياً؟ تأيت كلمة (ولكن) االستدراكية بسؤاليها األ ّولني( :ملاذا؟) ،و( هل يطرد الحزن حزناً؟) .لتشكّل ردا ً عىل دعوة الحاممات، وإعالناً مفعامً باليأس .فالسؤال األول( :ملاذا؟) بحثٌ عن جدوى غائبة ،والسؤال الثاين( :وهل يطرد الحزن حزناً؟) استفهام إنكاري يق ّوي غياب الجدوى ويعطي عبث ّية الدعوة مداها األبعد .وخيبة بهذا القدر ستدفع الشاعر إىل استنفار مكامن ق ّوة كامنة يف ذاته ميكن استحضارها ،يف مثل هذه الحال ،لتقوية صموده يف زنزانته ،بوصفه ذاتاً مسؤولة عن مثل هذا الصمود بقطع النظر عن اتصال الصمود بالقض ّية .فام الذي استحرضه؟ استحرض هويّة الطائر يتحسسها يف ذاته .وإذا أعلن الشاعر( :أنا طائر) معطياً نفسه من خالل هذا التشبيه هويّة الطائر التي يشكّل التي ّ انصب عىل ما يُعطي الطائر هويّته التحليق أهم خصائصها ،مل يذهب بعيدا ً يف إبراز طاقته تلك .فالنفي الذي ّ (الجناح) مل يج ّرد ذلك الطائر من عامل ق ّوته فحسب ،ولك ّنه ج ّرده من هويّته أيضاً ،مبا يعني أنّه طائ ٌر معطّل. _______________________ أي خبز فيك يا هذا املطر .ص 79 .1عمر شبيلّ .
فإنّه قد اتخذ بُعدا ً إيجابياً يف هذا السطر الشّ عري؛ ألنّه كان صلة وصل بني طريف املكان عند الشاعر (الخارج والداخل) .أصبح هذا الفعل ،بالنسبة إليه ،عالمة (حياة) يف مواجهة عالمة (املوت) .وإذا كانت الحياة متمركزة يف الخارج (الدنيا) ،فهل يف مواجهة عالمة (املوت) .وإذا كانت الحياة متمركزة يف الداخل ( الزنزانة) ،والزنزانة هي قرب؟ يص ّوب الشاعر اإلجابة .فالتواصل بني طر ّيف املكان عند السجني ينفي صفة القرب عن الزنزانة «إذن ما زلت فيها»
(الدنيا) .ويثري وجع الشاعر يف وجهنا سؤاالً طبيعياً :هل كانت الذات وحدها الفيصل يف تحديد العالقة بني طريف
يعرّب عن ّ املكان بالنسبة إليه ،أم أن حضورا ً للقضية ،بشكل من األشكال، سيتدخل يف ذلك؟ إذا ج ّر الفعل (خرج) الذي ّ رغبة الشاعر املركزية الفعل (دخل) إىل قصيدة عمر ،وأعطاه ما أعطاه من بُعد إيجايب ،فإ ّن الزنزانة (القرب) ،وبالعمق نفسه ،هي التي أعطت الخارج صفة الدنيا ويف ذلك تعا ٍل للذات داخل ثنائية (الذات والقضية) .فهل تس ّبب عذاب
الذات يف الزنزانة بيشء من االنحسار طال القض ّية؟ إ ّن الشاعر وهو يعاين من اآلم الزنزانة ذاتاً ،حرضت القض ّية
بوصفها بُعدا ً من أبعاد تلك الذات وم ّيزة من ميزاتها. «وقتها أدركت أين مل أزل ح ّيأً ،وقلبي عاد يل ُ الربتقال كيف عاد م ّر ًة أخرى ليافا،
وكال قلبي ويافا يف اعتقال؟»(.)1 إ ّن حضور يافا بقلبها (برتقالها) بشكل موا ٍز لحضور عمر بقلبه ،هو تأكيد لتواشج الذات والقض ّية .وذلك من خالل
رمزيّتة يافا وتعبريها عن القضية املحوريّة التي تصغر أمامها أيّة قضية أخرى .إ ّن حضور يافا وهي غريبة ،حيت يتعذّب أي سجني غريب ،لن يكون حياديّاً أبدا ً.
سيظل املُناح اإليجايب التفاؤيل الذي رافق الجدل ُّ ونجد أنفسنا ،مع مجموعة عمر الشعريّة ،أما سؤال ممكن :هل
املركّب املتواشج :بني ثنائية (الذات والقض ّية) من ناحية ،وبني هذه الثنائية واملكان من ناحية أخرى ،أم أنه سيخبو يف
بعض األحيان؟
«أال يا حاممات وادي الحرير تعالني واهدلن حتى الصباح عىل غصن قلبي ولكن ملاذا؟ وهل يطرد الحزن حزناً؟ أي خبز فيك يل هذا املطر .ص 29 .1عمر شبيلّ .
_______________________
هل يف ظلامت البحر أراك؟»(.)1 إذا كان برئ يوسف شكالً من أشكال السجن االنفرادي (جوف الزنزانة) ،وصور ًة من صور الحكم باإلعدام ،فإ ّن حوت يونس هو من النوع نفسه .ولنئ أعطت البرئ عمر بُعدا ً نبويّاً ،فإ ّن الحوت يعطيه ال ُبعد نفسه ،وخصوصاً أ ّن الشاعر مل بقصة يذكر الزنزانة م ّرة إال وقد أوردها مضاف ًة إىل كلمة (جوف) ،مبا يضعنا وجهاً لوجه مع جوف الحوت ويذكّرنا ّ النبي .فهل مثّل اإلحساس بالنب ّوة القوة األخرية القادرة عىل إعطاء الشاعر القدرة عىل الصمود بعد مرور ما يوسف ّ يقارب العرشين عاماً عىل سجنه؟ تو ّجه الشاعر إىل الله بالسؤال »:وكيف أراك؟» ثم أكّده بسؤال ثانٍ هو »:هل يف ظلامت الحوت أراك؟» .وهو بذلك إمّنّ ا يسعى إىل التعبري عن يأس مشفوع بيشء من الرجاء .والنداء الذي سمعه يف سجنه فأسند إليه الفعل (يغسل)، ثم ع ّداه إىل نفسه تعدية مبارش ًة وإىل (خوفه) من خالل حرف الجر (من) ،أعطى الخوف هويّة الوسخ .وأن يكون الخوف وسخاً قابالً للغسل ،عند الشاعر ،ال يعطيه صفة العرضيّة املكروهة فحسب ،ولك ّنه يعيل عليه كالًّ من التامسك والصمود أيضاً .وإذا فعل النداء الذي سمعه عمر فعالً إيجابياً تطهرييّاً للذات من خوفها ،ضعفها ،فإ ّن اإلستفهام « تجىّل النداء صوتاً محسوساً ال يُ ّ شك ريّب؟» ييش بنوع من االستسالم إىل مشيئة الله وحدها بعد أن ّ هل صوتك هذا يا ّ بحقيقته ،أزال الخوف من نفس عمر .واالستسالم يعني ،بالنسبة إليه ،أ ّن الله وحده القادرعىل تخليصه من سجنه الذي طال أمده. فهل ميثّل ذلك تعالياً للذات عىل القض ّية داخل مناخ األزمة التي عاشها السجني حتى ق ّدر أنّه سيمكث يف جوف حوته ،زنزانته ،إىل يوم يبعثون .إ ّن الهويّة اليونسيّة التي تراءى الشاعر عىل مرآتها ،وإن اعرتاها يشء من الضعف يظل إشاره قويّ ًة إىل اختزال الذات بالقضية التي النبوي ّ اليونيس البرشي ،املنتمي إىل الناسوت العمري ،فإ ّن البعد ّ ّ تظل نابض ًة حيّة .ولن تكون ذاتُ يونس أو ذاتُ عمر ذاتاً من دونها. ّ بكل أحامله عىل وجدان ويبقى أن انشطار املكان إىل خارج وداخل بق ّوة كحضور السجن يف املجموعة قد ألقى ّ يفصل بني طريف تلك الثنائية ،نعني به الباب .ها هو الشاعر السجني ،فاتخذ تعبريات متع ّددة كان أكرثها حضورا ً ما ّ الشاعر يقول: « قال يل الس ّجان ملّا _______________________ أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .219 - 218 .1عمر شبيلّ .
فرّس هذا التعطيل الدعوة العبث ّية التي تو ّجه بها إىل حاممات وادي الحرير ،طفولته الفرعاء ،فإ ّن سؤاله الثالث وإذا ّ بكل غناها وغنى قصة يوسف ّ الذي أعقب (ولكن) االستدراكية« :وهل ّ يتدىّل الهديل إىل برئ حزين؟» قد استحرض ّ إيحاءاتها .فإعطاء الزنزانة هويّة البرئ هو إعطاء الذات هويّة يوسف .ويعني ذلك إضاءة ما جرى له مبا جرى ليوسف. ُخيّل عنه .ووضعية سجني كهذه الوضعيّة ،إمّنّ ا تنتظر الغيب مفتاحاً ،مرور بعض السيّارة أو ِدع غيابة (البرئ/السجن) وت ّ ببرئ أحزانه .وإذا حاول الشاعر أن يستعيض عن حبل الس ّيارة ودلوهم بحبل هديل حاممات وادي الحرير ودلّوهن ، فدعاه ّن إىل غصن قلبه يهدلن عليه ،فقد اكتشف أ ّن هذه االستعاضة ستكون بال جدوى؛ أل ّن الحزن ال يطرد حزناً، يتدىّل إىل برئ حزنه. والهديل لن ّ وتخىّل عنه ،فإ ّن ذلك ال يعني خفوتاً يف ويبقى أنّه إذا ما أومأت هذه املشابهة إىل إدانة من رماه يف (البرئ/السجن) ّ النبي هو استحضار للقض ّية املتغ ّيضة يف الذات ،ولقوة الحرص حضور القض ّية يف ذاته؛ أل ّن مج ّرد استحضار يوسف ّ عليها. النبوي ،م ّرة ثانية ،إىل زنزانة عمر ومن داخل الثنائية املحوريّة ،نعني بها انشطار املكان بنا ًء عىل ذلك ويحرض البعد ّ السجن إىل خارج وداخل. «عرشون سنة، وأنا أقرع بابك يا الله وأنا أتأهب للموت الرابض عند الباب، ورأيت النطع ،وكان عليه دم. بقع من ٍ ٌ لك ّن ندا ًء كان يجيء ويغسلني من خويف ريّب؟ هل صوتك هذا يا ّ وملحت الصوت ألدنو منك، فكيف أراك؟ وأنا يف جوف الحوت وقاع البحر. وأنا أسمع تسبيح حصاه هل يف ظلامت الحوت أراك؟
فاستحضار القبضة برمزيّتها العامرة بالق ّوة واالحتجاج مشفوعة بفعل االستمرار ( ظلت ّ تدق) املسند إليها ،املتع ّدي إىل الباب ،ل ُيشكّل إشارة تفاؤل ّية هي من قبيل مقاومة املوت التي مل يجد الشاعر حيلة غريها يف مواجهة الزنزانة، القرب .ويستكمل عمر تحصني ذاته يف مواجهة االنهيار فيقول:
«رمّبا قبضة أ ّمي ّ
رمّبا قبضة طفل كان ال يقبل أن يُسجن ّ حتى يف الرياح
رمّبا قبضة من كان عىل البيدر يعطيني الرغيف ّ
رمّبا قبضة من ليس ينام»(.)1 ّ
كل ما ميلكه من إمكانات .وهي إمكانات متمحورة حول الذات عىل وما كان له أن يستقوي عىل زنزانته إال باستنفار ّ
بكل بكل ما يحتشد يف نفسها من عاطفة ،وطفولة الشاعر بكل ما تحمله من توثب ،واألب ّ كل حال .إ ّن حضور األ ّم ّ ّ كف ،إىل جانب حضور الله الذي كُ ّني عنه بـ ( من ليس ينام) هو عىل متاس مبارش مع ما يرمز إليه من كد ٍح وتشقق ّ ذات السجني بعيدا ً من القض ّية وهمومها وشجونها .بعيدا ً من الذين استدرجوه إىل الحرب .فاألرس ،ثم تخلوا عنه .إ ّن تر ّدد كلمة (قبضة) خمس م ّرات يف سبعة أسطر شعريّة هو تركيز شديد لدفاعات الشاعر يف بُ ٍ يعرّب عن عد ّ رمزي ّ يعرّب عن فعلٍ حقيقي ،ويؤكد الشاعر هذه الرمزية يف قوله: صموده أكرث ّ ماّم ّ
رمّبا الرؤيا التي تقرع باب املستحيل « ّ أعطني حزناً ،فأعطيك مسافة باب موص ٍد عرشين عام»(.)2 خلف ٍ
لقد حرضت كلمة (باب) مشفوع ًة باملضاف إليه (املستحيل) موغل ًة يف مجهولية االنفتاح .فالباب باب املستحيل .بدا النص السابق الذي كان نائب فاعلٍ للفعل (أن يُفتح) املبني للمجهول .وال يبقى أمام الشاعر إال أبعد مناالً من باب ّ أن يعتصم بحزنه من أجل توسيع زنزانته« :أعطني حزناً ،أعطيك مسافة» .ماذا يعني أن يطلب الشاعر السجني حزناً؟ هل يتل ّمس بذلك ما بقي من حقيقيته اإلنسان ّية .هو ال يطلب كثريا ً ،وتفاؤله عىل قدر املسافة القصرية التي تتسع محل الفتح مج ّرد مساف ٍة ،مسافة خلف باب موصد ،وليس يف وحل ّ معها زنزانته بقدر .غاب احتامل (أن يُفتح) البابّ ، الخارج .هل صدئ الباب ومل يعد قابالً للفتح؟ _______________________ أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .24 – 23 .1عمر شبيلّ . أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .24 .2عمر شبيلّ .
أغلق الباب وراح: بعد هذا اليوم لن تحتاج رجلَيك وال عينيك يف هذا املكان إمنا اآلن عليك وضع عينيك وروجليك يف (صندوق األمانات) إىل أن يفتح الباب عليك»(.)1 جاءت الثنائية الض ّدية (أغلق/أن ت ُفتح) املتع ّدي فعالها إىل (الباب) لتكشف لنا وقع القيد عىل قد َمي الشاعر يف جوف زنزانته .فالفعل (أغلق) فعل ٍ خصصته ماض منجز ،فاعله معلوم هو الس ّجان ،والفعل (أن يُفتح) فعل مضارع ّ (أن) للمستقبل غري املح ّدد بأمد ،وهو فعل غري منجز .فاعله مجهول .واملستقبل املتعلّق باملجهول إشارة إىل يأس شديد عام ٍر بالكوابيس التي ال انتهاء لها .كيف ال ،والكناية التي ترت ّبت عىل حضور هذه الثنائية الض ّدية القاسية « بعد هذا اليوم لن تحتاج رجلَيك وال عينيك» هي إشارة إىل تعطيل حضور اإلنسان يف الوجود؛ ألن حرمان املرء من أه ّم وسيلتني ميارس من خاللهام حضوره :امليش والنظر ،هو حرمان من الحياة نفسها .ويف ذلك إمياءة ثانية مؤسسة عىل اإلمياءة السابقة تشريإىل إزالة املسافة بني الزنزانة والقرب ،حتى لتغدو هي القرب .وال تخفف (إىل) التي تفيد إنتهاء امل ّدة يف قوله « :إىل أن يُفتح الباب عليك» من ضيق القرب .أل ّن (إىل) هذه ال توصلنا إىل ما يُرتجى .تركت األمر يف يد املجهول يهيمن عىل مستقبل حضور الشاعر يف الحياة. وهذه املجهول ّية سترتك املستقبل معلّقاً عىل املصادفة والقدر .وال يبقى ما يؤرق الشاعر ضمن هذه الحدود .ورد فعل
(الغلق) يف مكان آخر مبنياً للمجهول مقطوعاً عن فعل (الفتح). «أُغلق الباب ،ولكن قبضة ظلت عىل الباب ُّ تدق» (.)2
صار الفعل املايض الذي كان مبنياً للمعلوم مبن ّياً للمجهول (أُغلق) .ويف ذلك إمياء إىل أ ّن معرفة الفاعل مل تعد ذات
جدوى .بات الباب مغلقاً بقطع النظر ع ّمن أغلقه .فالباب املغلق هو املؤرق العنيد العتيد .صارت له الحاكمية عىل عرّب ذلك عن يأس قاتل ومرارة ال تحتمل ،جاء قول الشاعر « :ولك ّن قبضة ظلت ،عىل الباب ّ تدق» ليحاول عمر .وإذا ّ تغيري املعادلة السابقة.
أي حبز فيك يا هذا املطر .ص 21 .1عمر شبيلّ . أي خبز فيك يا هذا املطر .ص 23 .2عمر شبيلّ .
_______________________
فالنداء عامر بالثقة والتفاؤل .كيف ال ،واملفاتيح يف خطاب عمر حرضت ملتبسة بالرياح ،والغيوم ،واملطر ،والشجر، والطريق .وهذه املفردات التي تبادلت الهويّة والداللة مع مفردة (املفاتيح) أومأت إىل الخصوية والحياة من ناحية، وإىل الحريّة من ناحية أخرى ويف ذلك منتهى التفاؤل .مثّل املفتاح الح ّرية بقدر ما مثّل الباب القيد واليأس ،فاملفتاح واقف يف املوقع املضا ّد من الباب. ويقف( اإلياب) يف مواجهة ثنائية ( الباب/املفتاح) الض ّدية ليهب طرفيها حقيقتهام .فاإلياب ه ّم يعطي باب السجن باب موصد عرشين عاماً؟ إ ّن حقيقته ،بقدر ما يعطي مفتاح ذلك الباب حقيقة أيضاً .واإلياب ومساف ًة ضئيلة خلف ٍ الشعري حقيقته ،خصوصاً ولعل ذلك ما أعطى خطاب عمر يف أزمة هذا الحلم عمقاً إنسانياً تحاول القصيدة سربهّ . ّ عندما تالقى هذا اإلياب وغناء الحارس اللييل .ومهام يكن من أمر فإن ثنائية (غناء الحارس واإلياب) ال تلفت من هيمنة املكان وثنائ ّية األقوى (الخارج /الداخل) .فهام مكان ّيان بامتياز .مثّلت حركة اإلياب إىل الوطن داخل املكان هاّم ً محوريّاً ال يتعاىل عليه ه ٌم آخر. العمري ّ ّ «أنا ٍ آت كل من ليس يُعاين رمبا يبقى غريباً ُّ إياب يف الغياب»(.)1 أي ٍ قلبه َّ (أي) إىل كلمة (إياب) بُعدا ً تع ّددياً لهذه الكلمة القوية الحضور يف نفس الشاعر، وإذا ما أعطت إضافة كلمة ّ قصائده ،حيث تر ّددت ما يزيد عىل العرش م ّرات ،فإ ّن إسناد الفعل (يعاين) إىل (القلب) وتعديته إىل هذه األنواع املتع ّددة من اإلياب قد أعطى اإلياب بُعدا ً شعورياً يل ُّذ الشاعر بقدر ما يؤمله .وتتدرج هذه املعاناة عرب سلسلة من هويّات اإلياب (الدالالت) التي تتجاوز الداللة األ ّم (العودة إىل الوطن) إال دالالت (هويّات تعويض ّية) تندرج يف سياق الداللة الكربى وال تصل إىل حدودها .ويف ذلك تعبري عن الصمود بقدر ما ينضج ذلك الصمود باليأس .فهل متثّل هذه التع ّددية مخرجاً وجودياً من أزمة وجوديّة ،هي السجن؟ ال تتوقف فاعل ّية فعل (يعاين) عند حدود تلك الحال الشعوريّة التع ّددية فقط ،ولكنها تعطي ما ت ُع ّدي إليه (اإلياب) معنى الوالدة ،عىل مقياس الفلسفة الوجودية أيضاً. الوجودي بتع ّدد ما يرسمه من محطات مستقبل ّية لحياته ،تتع ّدد والدات السجني بتع ّدد أنواع فكام تتع ّدد والدات ّ (اإلياب) التي يعانيها .واإلياب ال ميثّل والد ًة جاهزةً ،الوالدة /اإلياب متثّل حاالً تُعاىن. _______________________ أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .55 .1عمر شبيلّ .
يتب ّدى اليأس أوضح حني يقول: «وأنت بال قدمني، وعيناك مطفأتان أي ضوء»(.)1 هو الباب مل يُ ِ بق يل فيهام ّ
صار الباب مبا فعله جسد الشاعر وروحه ،عقد ًة نفس ّية ،بات مرادفاً كلمة (احتضار) يف قاموس الشاعر .فهل تحرض
كلمة (مفتاح) مح ّملة بعالم ّية متفائلة يف خطاب عمر الشّ عري؟
رص مفتاح زنزانتي «وكنت إذا ّ
قفز القلب للباب منتظراً خرباً ليس يأيت»(.)2 لقد حمل املفتاح رمزيّة االنعتاق مبا يتناسب عكس ّياً مع ما ُح ّمله الباب من رمزيّة القيديّة .بدا رصير املفتاح إيقاعاً
جميالً جاذباً .حتى أ ّن الشاعر قد ع ّدى الفعل (قفز) املسند إىل قلبه بوساطة حرف الج ّر (الالم) بديالً لحرف الج ّر (إىل)؛ ألن الالم أقرص مسافة بني القلب والباب من (إىل) .لقد أيقظ الرصير فاعل ّية االنتظار يف قلب الشاعر ،انتظار خ ٍرب ما .وهذه الفاعل ّية فاعل ّية إيجاب ّية سواء أكان املنتظر قابالً للتحقّق أم ال ،مع ما يضمره ذلك من يأس قاتل.
والكناية املتداخلة مع االستعارة يف قوله« :قفز القلب للباب» هي قراءة لهسيس ما يجول يف نفس عمر حول الباب املختصة بالفتح ،ويف ذلك ومعاين عبوره إىل الخارج .ويبقى أ ّن املفتاح مل يحرض بوظيفيته اإلقفالية ،حرض بوظيفته ّ
ومضة تفاؤلية وإن كانت ال تسمن وال تغني ،فهل ظلّت رمزية املفتاح أسرية هذه الدائرة ،أم أنّها قد تجاوزتها؟ يقول الشاعر: « فيا صاحب السجن هات املفاتيح ،هات الرياح وهات الغيوم ،وهات املطر وهات الشجر ِ وهات الطريقّ ...إيّن سأرجع يا وطني»(.)3 النبي فحسب، املالحظ هنا ،هو أ ّن النداء «فيا صاحب السجن» ال يقيم عالقة تواؤم بني سجن عمر وسجن يوسف ّ
كل من يوسف وعمر السجينني عىل السجن أيضاً. ولك ّنه يضمر تعا َيل ّ
_______________________ أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .73 .1عمر شبيلّ . أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .76 .2عمر شبيلّ . أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .169 .2عمر شبيلّ .
ويبقى أ ّن فعل (اإلياب) ال يكون إال من مكان هو أرض الغربة ،والغربة مثار للحزن .تضع الغريب يف مناخ إنسا ّين أي غريب ،مهام كانت أي حزين أو حزن ،وقادر عىل اإلمساك مبقدار غربة ّ شديد الحساسة قادر عىل التداعي مع ّ ضئيلة ،والتفاعل معها. أحب الغناء الذي كان يذرفه حاريس « ّ يف املساء
وأرشب ،يف جوف زنزانتي ،صوته. كان مثيل غريباً»(.)1 إ ّن أ ّول ما يلفت ،هنا ،هو تعدية الفعل (يذرف) إىل (هاء) الغناء ،الذي أعطى الغناء هويّة الدموع .وهذا ما أقام ترادفاً بني الغناء والبكاء ،ترادفاً أشار إىل حزن دفني ينتاب حارس السجن العمري بقدر ما ينتاب عمر .وال تضعنا زمان ّية ( يف
رس ذلك الحزن املساء) ،يف مناخات رومانس ّية بقدر ما تشكّل فضا ًء ثقيالً ال يُقىض إال بالغناء .الغناء (البكاء) .وال ّ يفرّس ّ
سوى إسناد فعل (أرشب) إىل ذات الشاعر السجني ،وتعديته إىل (صوت) حارسه الناشج .ففي ذلك كناية عن تجاوب
حاممة عمر مع هديل الحارس ،غنائه .واملكان ّية ( يف جوف زنزانتي) التي كانت مرسح فعل الرشب ،هي الكاشف العميق
وكل غريب للغريب القوي عن ترادف الغناء والبكاء »،كان مثيل غريباً» .إن استحضار الصيحة التي أطلقها امرؤ القيس» ّ ّ معرّبا ً بها عن غور إنسا ّين غري قابل للسرب ،قد وضعنا أمام تجربة عمر مع الغربة التي ال تنتمي نسيب» يف سالف الزمانّ ، إىل حقيقة إنسان ّية ثابتة .إ ّن ترداد عمر الصيحة نفسها ال يصل (جوف زنزانة عمر) بجوف الواقع الضنك الذي عاناه
يل فحسب ،ولك ّنه يقيم تناغامً إنسانياً يزيل كل نو ٍع من أنواع الحدود بني اإلنسان واإلنسان .يفتح اإلنسان الشاعر الجاه ّ عىل اإلنسان مبطلق ّية غري متناهية .كيف ال ،وقد كان غناء الحارس غري معني له عىل بلواه.
رب ،كيف أقيم بنايئ «تهدّ مت يا ّ
بهذا الخواء العميق؟ ..تعلّمت من حاريس أن أسافر يف األغنية»(.)2 ويبالغ الشاعر يف إعالن تتلمذه يف مدرسة حارسه: «وأقسم بالنجم لوال أغانيه ما كنت أعرف أنّ سنتدرج تسكنه أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .58 .1عمر شبيلّ . أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .109 .2عمر شبيلّ .
_______________________
ويصلنا هذا مبنازل الصو ّيف وأحواله ،حتى لكأ ّن اإلياب األكرب هو أن تدرك الشاعر ُ الحال العظمى ،ويحاول عمر ،من خالل وقوفه أمام مرآة (أوليس) ،أن يتوغّل أكرث يف كشف أعامق جديدة ،أدركها ،من (اإلياب): «أنرش قلوعك فالخلود بأن تظل عىل الطريق تجتاحك الح ّمى اللجوجة باإلياب»(.)1 وما كان لإلفادة من رمزيّة (أوليس) أن تكون مثمرة مبا فيه الكفاية كشفاً شعريّاً ،لوال وجود الثنائية الض ّدية املركّبة (أن تظل /اللجوجة) القامئة عىل مفرديت (فعل /اسم) من جهة ،وعىل مفرديت (طول النفس /ضيقه) من جهة أخرى. تظل الطريق» ويشري ذلك إىل أ ّن الشاعر مسكون بض ّديّة مقلقلة .إ ّن تقديم الخلود ،املطلب املستحيل مرتبطاً بـ «أن ّ قد ق ّدم الشاعر (أوليساً) متعالياً عىل أوليس األوذيسة ،متو ّغالً بذلك أكرث نحو خصوصيّة املغامرة الكشفيّة الخاصة به. ونجد أنفسنا ويف اللحظة نفسها أمام عمر آخر فأن «تجتاح الح ّمى اللجوجة باإلياب» يعني انجذاباً مرضياً نحو العودة إىل البيت .فهل أدخلتنا هذه الضديّة حاالً مرضيّة؟ هل هو الجنون الشعري الذي يصلنا بأبعد تجليات الشّ عريّة؟ وجودي شبيه عاشه السيّاب مبستوى من املستويات ،ويف وضعيّة معيّنة من الوجودي أمام مأزق يضعنا مأزق عمر ّ ّ حياته حني خاطب أوليس قائالً: «عوليس شاب فتاك ،مبسم روحك الوهاج غدا حطباً ،ففيم تفري نحو أهلك أضلع األمواج؟». ألي طرف من طريف وإذا مل يعد إياب السيّاب إىل بيته ُمجدياً عىل عمر ح ٌني من السجن أ ّدى به إىل أن ال يكون ّ الثنائية ( البقاء عىل الطريق /اإلياب) معنى مستقالً عن حضور ض ّده .الطرف اآلخر؟ هل أدمن عمر املغامرة بقدر ما كان بشوقه البيت؟ إ ّن االندفاعة الكشف ّية يف شخص ّية عمر (أوليس) إىل أبعد حدود األوليس ّية ،حتى بدا االكتشاف مرادفاً للمغامرة وصار كل غاية ،ويف أوفياء الح ّمى اللجوجة باإلياب ،إمّنّ ا تعود لتصلنا مبنازل املتص ّوفة وأحوالهم غاية ال وسيلة ،غاية تسمو عىل ّ التي ال تنتهي .وإذا وضعتنا قصيدة عمر يف هذه املناخات ،فإنّها مل تجعلنا ننقطع إىل املناخ الصو ّيف وحده ،ولك ّنه زواج الصوفيّة والناسوتيّة العاديّة املسكونة بح ّمى اإلياب اللجوجة التي متثّل مطلباً طبيعياً ألي إنسان. بني الدرويشيّة ّ _______________________ أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .123 .1عمر شبيلّ .
الشعر ناقدا ً الشعر عمر شبيل ومحمد عيل شمس الدين بدأ العقل العريب اإلسالمي مع ما ُعرف بعلم الكالم ،مبواكبة الوحي من أجل الربهنة عىل صدق ما جاء به ،وارتبطت نشأة هذا العلم باألسئلة املحرجة التي طرحتها الديانات األخرى عىل اإلسالم .ما الذي يجعلنا نص ّدق أن محمدا ً صىل الله عليه وسلم هو رسول مبعوث من الله؟ وملاذا نص ّدق اآلخرين ممن ا ّدعوا النب ّوة؟ وجدت املدرستان الكالميّتان األكرب نفسيهام أمام مسألة كالم الله املعجز ،فاختلفنا حول زمن وجود هذا الكالم .وخطّأت كل ّ مدرسة وجهة نظر املدرسة األخرى ،بنا ًء عىل قاعدة منطقيّة يقبلها العقل .وهذا يعني مأزقاً قد وقع فيه العقل العريب اإلسالمي ،القدم التغرّي يف الذات اإلله ّية. غري جائز :ألنّه رشك ،والحدوث غري جائز أيضاً ألنّه يقتيض ّ وجاءت الفلسفة اإلسالميّة لرتث علم الكالم يف مواكبة الوحي ،ولتواجه سؤاالً محرجاً شبيهاً بالسؤال الذي واجهه علم الكالم .انقسم الفالسفة بني قائل بقدم العامل ،وقائل بحدوثه .وج ّر هذااالنقسام كل فريق ليكفّر الفريق اآلخر ،وكان
كل م ّر ٍة يفكّر ذلك تعبريا ً عن مأزق جديد يقع فيه العقل العريب اإلسالمي ،حتّى لكأ ّن هذا العقل محكوم باملأزقيّة يف ّ
فيها ويحاول اإلجابة عن أسئل ٍة محرجة .ووجدت الثقافة العرب ّية اإلسالمية نفسها بحاجة إىل تجاوز العقل والسبب ّية
إىل سببيّة أخرى هي النتيجة للشعريّة ،فاتخذت من املدارس الصوفيّة والعرفانيّة منهجاً جديدا ً ،وكان السلوك واملنازل واألحوال ذلك املنهج املوصل إىل الحقيقة. يتجىّل إال لهذا املرجعي إىل عمق منه ال ّ أي صو ّيف ،ككل رؤية مبنيّة عىل ثقافة ما ،رؤية تنفذ من سطح العامل ورؤية ّ ّ الرايئ من دون سائر البرش .ولذلك فإ ّن رؤيته ،ككل رؤية ،فرادة ،وما تكشف عنه من العامل باللغة خصوص ّية .كيف ال النص الذي رس شعريّة العامل ،ومبعث شعريّة ّ ،والطرق إىل الحقيقة بعدد أنفاس الخلق؟ هذه التع ّدديّة املفتوحة هي ّ يق ّدم ذلك العامل .يعني ذلك أ ّن العامل الصو ّيف هو شعر سواء أكان من ّزالً عىل إيقاع ّية وزن ّية مح ّددة ،أم غري من ّزل. وتع ّد الشعريّة الصوفيّة حلم الشعريّة العامة. ويبقى أ ّن الشعر الذي ال يتّصل مع العرفان بغري آرصة ،لن يكون شعرا ً قادرا ً عىل أن يأرس املتلقّي إىل عامله أرسا ً فاعالً. املرجعي مل تصل إليه األدوات املعرفيّة كيف ال ،والشعر ،يف آخر ما يصبو إليه ،هو اإليغال يف معرفة أبعا ٍد من العامل ّ الخاصة بالدين أو الفلسفة أو العامل .الشعر رشيك هذه الفاعل ّيات يف الوظيفة املعرف ّية ،وإن كان ما يحاوله الشعر ّ كل من الدين والفلسفة والعلم .فمقاربة الشعر املعرفيّة مقاربة قامئة عىل االنفتاح واقع اليقينيّة التي تشكّل ه ّم ّ متلق أن تلتقط ما تسنطيع التقاطه من أبعاد الجانب املكتشف والذي ال ميكن أليّة املطلق الذي يسمح لرؤية ّ كل ٍّ الشعري واقع خارج دائرة اليقينيّة ،واقع داخل دائرة االحتامليّة. رؤية أخرى أن متسك به .الكشف ّ
والغناء رسوم»(.)1 وما كانت جبال سنندج وبيوتها لترتاءى وحدها يف أغنية الحارس ،كانت تلك األغنية تستحرض قرية الشاعر »:وأبرص الصويرة ،وهي تجوس خاليل»(.)2 القوي لقد ساعدته أغنية حارسه عىل إحضار الصويرة إليه ،إىل جوف زنزانته .ويتساءل القارئ عن داللة هذا الرت ّدد ّ لغناء الحارس (بكائه) يف قصائد هذه املجموعة ( الصفحات 58 :و 59و 109و 110و 133و .)202هل كان هذا الحارس حاممة عمر التي ناحت عىل غصنها العايل الطليق ،فأثارت مواجعه ومكامن حزنه ،فبدا شفّافاً مج ّردا ً .إال من غوره اإلنساين؟ كلمة أخرية أي خيز فيك يا هذا املطر؟!» التي كتبها الشاعر عن سجنه ،وعىل مسافة ما إ ّن مجموعة عمر املوسومة بعنوان « ّ يزيد عىل العرش سنوات من ذلك السجن ،مل تكن استحضارا ً بتجربة ماضيه بعني الحارض ،بقدر ما كانت استحضارا ً بكل حزنها ووجعها وغصصها حتى لكأننا نعيشها هذه اللحظة .فحرارة الدفق الذي يقطر للتجربة السجنيّة مشتعلة ّ نشك بأنها نتاج العام .2014والحديث عن ّ من مشاعر ملتهبة تجعلنا ُّ الشك هو من معرض تأكيد األعجوبة .أن
يضعك يف مواجهة سجني يف سجنه ليس صعباً عىل عمر الذي ألّف القصيدة ،يف سجنه ،بشكلٍ شفوي وحفظها ،حتى ّ إذا خرج من السجن ف ّرغها من ذاكرته يف ثالث مجموعات هي« :العناد يف زمن مكسور» ( 250صفخة) ،و « إنّ الخلود متاع سعره الجسد» ( 351صفحة) و «الحجر الصبور» ( 235صفحة) من القطع الكبري ،متاماً كام يف ّرغ أحدهم رشيط تسجيل عىل ورق ومن يقوم مبثل هذه املعجزة يسهل عليه أن يتق ّمص سجنه ،يحفظه يف وجدانه ،وأن يكتبه قصيد ًة ساعة يشاء. رس زماين ثقا ّيف بني لحظة دخوله السجن وزمن خروجه منه ،حتى لقد أضف إىل ذلك أ ّن شاعرنا قد استطاع إقامة ج ٍ استطاع أن ميأل الفراغ الثقا ّيف الناجم عن غيابه عرشين سنة عن حركة الثقافة يف العامل برسعة قياسيّة .ومجموعته املرجعي .متثّل إشارة واضحة إىل أ ّن عمر مثبت قد َميه يف دنيا التي بني ي َديْنا :شعريّة ،وأبعادا ً مكتشفة من العامل ّ الشّ عرية العرب ّية ،حتى ليع ّد من شعرائنا الكبار الكبار. 2014/3/25 _______________________ أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .110 .1عمر شبيلّ . أي خبز فيك يا هذا املطر .ص .133 .2عمر شبيلّ .
الشاعر بقدر ما يحرض فيه الناقد عمر ،ومن دون أيّة منافسة ،ولكن من خالل تعاون خالّق يسعفه يف ذلك قلم عمر شبيل الغريب املتف ّرد .يعرف عمر متى بدأ قلمه بالسيالن ،ولك ّنه ال يعرف متى ينتهي .وال يُع ّد ذلك عيباً يف كتابة عمر. وظيفي يذوب يف تحرض موسوعيّة عمر املعرفيّة بتهذيب ،فال تفرض حضورا ً معلناً ،تتح ّول بطواعيّة غريبة إىل دور ّ النقطة املحوريّة التي تقوم عليها كتابته .وعمر الذي خرب العرفان يف غيابة ج ّبه ،ويف بطن نونه ،وجالس كالًّ من حافظ الشريازي وجالل الدين الرومي يف زنزانته ،يعرف جيّدا ً كيف تورد اإلبل ،وهو أقدر من يستطيع قراءة مجموعة محمد عيل شمس الدين النازلون عىل الريح العرفان ّية بامتياز ،فكيف به إذا متحورت قراءته حول قصيدة واحدة من هذه املجموعة اختارها شاعر بعناية الناقد ما ّدة لدراسته ،واملعروف أ ّن االختيار ميزان نجاح الناقد يف ما يذهب إليه. وقراءة هذا الكتاب الذي حاول عمر ،من خالله ،أن يفتح نوافذ شمس الدين اللبنا ّين عىل كبار عرفان ّيي العامل ،من مثل حافظ الشريازي الذي أعاد مح ّمد عيل شمس الدين إنتاج شعريّة عرفانه من خالل خصوصيّة رؤيته إليها وإىل الخاص مبحمد عيل شمس الدين .لقد تعامل العامل .وذلك من خالل «شريازيّاته» التي ق ّدمت إلينا حافظ شمس الدين ّ املحب ألستاذه ،ومبعرفة الشاعر الشاعران :عمر شبيل ومحمد عيل شمس الدين ،مع حافظ بدهشة العارف الصادق ّ الناقد العميقة. توىّل أموره وكتاب عمر عن مح ّمد عيل شمس الدين ،كتاب الشاعر عن الشاعر يعني ضمن ما يعنيه أ ّن الشعر قد ّ ولعل ذلك تعبري عن فشل النقد األد ّيب يف مواكبة شعر الكبار من شعراء املرحلة .فهل بنفسه ،نقد نفسه بنفسهّ . سيظل النقد األد ّيب متخلّفاً عن مواكبة ما ّ سيظل النقد األد ّيب متخلفاً عن مواكبة شعر الكبار من شعراء املرحلة .فهل ّ سبق من شعر مجتمعنا؟ هل كان ذلك بسبب أزمة أصابت النقد عندنا ،أم أل ّن املرحلة مل تستطع أن تنتج لنا ناقدا ً شاعرا ً كام أنتجت شاعرا ً ناقدا ً .إنّه السؤال املحرج للنقد األديب الذي يتو ّجب عليه أن ينهض بأدواته إىل مستوى شعر املرحلة .وأدواته لن تكون إال ثفاف ّية معرفي ّة .إ ّن انتامء الناقد إىل ثقافة عرصه ال يكفي لنهوضه مبا سبق من شعر املرحلة .وهو لن يصبح ناقدا ً كبريا ً قادرا ً عىل التفاعل مع شعرائنا الكبار ،إال إذا عرف كيف يطرح عىل ثقافة املرحلة أسئلة محرجة توازي األسئلة التي يطرحها الشعر عليها. املاّلح والسرية الفاعلة يف زمن م ّر عوليس ووعورة املاء ّ
نص ألحد هذين ومن يقف بني شاعرين كبريين يجد نفسه محتاجاً إىل أدوات بحث ّية ال يحتاجها حني يقف أمام ّ الشاعرين .ذلك أ ّن الشاعر ،ليكون شاعرا ً ،يجب أن يضمر ناقدا ً يف ذاته الشاعرة ،وقبالة ذلك فإ ّن الناقد ،ليكون ناقدا ً، يجب أن يضمر شاعرا ً يف ذاته الناقدة .ومن يقرأ شعر محمد عيل شمس الدين يستشف أ ّن وراء هذا الشعر األ ّخاذ معرفة نقديّة متوغّلة إىل أقايص ما وصل إليه النقد الحديث .ومح ّمد عيل شمس الدين الذي تعاطى النقد األديب، حني نقد شعر غريه عرب الندوات واملجالّت والصحف ،كان نقده مصداقاً ملا أرشت إليه. ويشف الناقد فيه عن شاعر كبري .وعمر الذي يشف الشاعر فيه عن ناقد قدير، ّ وال يختلف األمر مع عمر شبيلّ . أمىض ن ّيفاً وعرشين عاماً يف السجون .مل تفته ثقافة العرص ،حتى لكأ ّن السجن الذي أمىض فيه زهرة شبابه ،مل يغ ّيبه الخاصة باللغة واألدب والنقد التي شهدها العامل الحديث خارج سجنه .هل كان السجن مصدرا ً عن الثورة املعرفيّة ّ قيايس بعد خروجه؟ ملعرفة توازي ما حدث خارجه من معرفة وتع ّوضها؟ هل كان مح ّفزا ً لتملّكها يف زمن ّ عمر الذي حفظ شعر املتنبّي كامالً ،وعن ظهر قلب ،يف مطلع شبابه ،وحفظ القرآن الكريم يف مطلع سجنه ،فكان وكل يوم ،والذي ألّف ،يف سجنه ،شعرا ً وحفظه عن ظهر قلب أيضاً ،واستطاع بعد خروجه، ست ساعات كامالً ّ يتلوه يف ّ أن يفرغه من حافظته كام لو كان يفرغه من رشيط تسجيل ،عىل ثالث مجموعات شعريّة كبرية هي :العناد يف زمن الصبور؛ إمّنّ ا ميتلك طاقة ال تحتاج إىل الوقت الذي تحتاجه طاقة مكسور ،وإ ّن الخلود متا ٌع سعره الجسد ،والحجر ّ موسوعي ،من دون أن يكون حقل معر ّيف اإلنسان العادي لتطّلع عىل حدث خارج السجن معرف ًة .وعمر إىل ذلك ّ رضة ،واسع الصدر يكتب فيه عمر عىل حساب حقلٍ آخر .والشعر الذي ش ّبهه بعضهم بالزوج الغيور التي ال تقبل ال ّ عند عمر .كتب يف الثقافة العربية ،كام كتب عن مدينة عربية كالفلوجة ،ترجم شعر حافظ الشريازي إىل العربيّة شعرا ً يف أربعة مجلّدات ،ونقد شعر املتن ّبي ،ثم شعر حافظ ،وهو ينقد اليوم شعر قامة شعرية توازي كالً من املتنبي بكل ذلك ،ومل ي َر أ ّن ذلك عىل حسابه، وحافظ ،شعر محمد عيل شمس الدين ،من دون أن يضيق صدر شعره ّ أي خب ٍز فيك يا هذا املطر؟! دليل عىل أ ّن شعريّة عمر بعيدة الغور ال ومط ّولته عن اإلمام الحسني ،أو ديوانه األخري ّ يعكّر صفوها معكّر. وها هي دراسته التي بدأها قراءة لقصيدة محمد عيل شمس الدين « يوم األحد الواقع فيه صمتي» واملهداة إىل أيب حامد الغزايل يف محنته ،اتسعت وتواصلت حتى صارت كتاباً كامالً .هذا السبب يف ذلك القصيدة نفسها؟ هل هو الشاعر الناقد؟ ومهام يكن من أمر ،فإ ّن هذا الكتاب يحرض فيه شعر عمر
العزم ،مل تستعن ،هنا ،باملاء لتعرف فقط ،استعان بها املاء أيضاً ليك يق ّدم خصوص ّية الدرب الذي سلكه عمر شبيل. نبي ،أو قائد. أعطت هذه اإلضافة املاء صفة الطوفان ّية .تعاىل املاء عىل قمم الجبال ،وطغى عليها ،من دون نو ٍح ،او ٍّ سالك تلك الوعورة .هو الشاعر الذي صار الطوفان طريقه إىل الوطن املفقود الضائع .وإذا افرتضت الوعورة ال ّربيّة احتامالت ضئيلة للنجاة ،فإ ّن الوعورة املائية تجعل من احتامالت الوصول إىل ب ّر فرصة شبه معدومة .فام هي الحال رمزي تخترص جميع حوائل الدنيا ،فام الذي يرومه عمر؟ أي سواحل مفرتضة .ح ّملت اإلضافة املاء ّ إذا افتقد ذلك املاء ّ وإىل أين يتّجه؟ صار من نوافل القول أ ّن الشاعر قد أمىض أكرث من عرشين عاماً يف السجن ث ّم خرج ع ّزى نفسه وم ّناها يوم ووقع سني عمره سيثمر وطناً يتناسب مع طموح األ ّمة الكبري .فهل وجد ،يوم أسريا ً بأ ّن الثمن الذي يدفعه من تضييع ّ لعل هذا السؤال األجدى :هل وجد وطناً؟ ال يشري العنوان إىل ذلك ،يومئ إىل أنّه مل خروجه ،الوطن كام كان يتص ّور؟ ّ يجد وطناً .فمن أين سيأيت الشاعر بوطن مامثل ألوطان الناس؟ تحتاج اإلجابة إىل مجموعة من العناوين الفرعيّة .يتعلّق بعضها بالصقر ،صقر العروبة ،ويتعلّق بعضها اآلخر السلبي عىل اإليجا ّيب .ويجب أال ننىس أن أخوة يوسف قد بالثنائيات الض ّدية التي واجهها ذلك الصقر ،وقد تعاىل فيها ّ
أ ّدوا دورا ً ب ّيناً يف تسعري تلك الثنائيات. الصقر عىل ش ّط الفرات
لعل أول إطاللة للصقر يف مجموعة وعورة املاء كانت تحت عنوان «أوالد ع ّم» .وإذا مثّل هذا العنوان إمياءة وضاحة ّ إىل االتنامء القبيل وما ينطوي عليه هذا االنتامء من تخلّف يحمل اإلرهاب سيفاً مرشباً بال ّدم ،فإ ّن منت القصيدة مشبع برصاع ّية مختالة يديرها التخلّف يف مواجهة نقيضه ،القبلية يف تآمرها عىل الصقر (العروبة). أدب يقتلون أخي «وكانوا عىل ضفة النهر يف ٍ وكان يقول يل القاتلون :تعال ،عليك األمان وكانت تلوح عىل جسدي قرطبة وكانت تلوح دمشق»(.)1 حرض الفعل املايض (كان) ممسكاً بزمام األسطر الشعريّة األربعة .وحضوره هذا ،وإن كان إشارة إىل ما استقرت عليه حلم مخبوء يُض ّن به. الحال ،فإنّه مستد ٍع ض ّده ال محالة .واستدعاء ّ الضد حملة إشارة إىل ٍ _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص 2
عمر شبيل يف حياته اليوم ّية مثقل بأعباء الثقافة .يحزنه واقعها يف مجتمعنا ،فال يرتك سانح ًة من دون أن يج ّند كل إمكاناته يف سياقها .ساع ،دامئاً ،إىل التخطيط لنشاط ثقا ّيف هنا أو هناك ،من دون أن يغمض عينه لحظة عن شجون الشعري ألف ّذ حقّه .وهو إىل ذلك مع ّبأ به ّم مجلّة» املنافذ الثقاف ّية» وشؤونها ،محاوالً فوق ذلك كلّه أن يعطي قلمه ّ فلسطني التي متثّل فاعالً قوياً يف تحديد مواقفه وآرائه .وعمر يف هذا اإلنهامك الشائك باحث ،دقيقة بدقيقة ،عن إمارة ال تشبه أيّة إمارة أخرى .الزعامة آخر ه ّمها .اإلمارة التي يسعى إليها هذا املّالح املسافر داخل عمره هي تحقيق وجود وطن كأوطان الناس .فهل يعني ذلك أنّه خرج من السجن إىل وطن مل يجده وطناً .ما الوطن بعد القوي يف الحياة الكابوس ّية التي يعيشها الشاعر :السجن أم الوطن؟ أما زال عرشين سنة من السجن؟ وأيّهام الفاعل ّ السجن فاعالً حارضا ً يف حياة الشاعر بعد انقضاء هذا األمد الطويل عىل خروجه منه؟ هل هو الوطن غري املتحقّق إىل ح ّد الغياب؟ نشد عم ُر الوطن يف سجنه .ونشد املرأة ،ثم خرج فلم يجد أيّاً منهام .فهل استعاض عن هذا االفتقاد برفاقٍ حدبوا عىل تجربته مق ّدرين كفاحيّته العالية؟ ماذا وجد عمر ؟ هل سيُصدم فينكفئ؟ لسبعيني أن ما وجده الشاعر ليس بسيطاً ،وال عادياً بالنسبة إىل إنسان من طبعه أن يكون سلوكه عني قناعاته ،كيف ّ ولعيني الثقافة وحدها؟ هل يع ّوض بذلك ما مل يذهب يومياً من الصويرة إىل بريوت ثم يعود منها خدم ًة للثقافة ّ يجده ،ما افتقده؟ خرج ومل يجد فلسطني عىل سكّة التحرير الرسميّة ،وال الوحدة قد اتخذت وضعيّتها عىل درب التحقّق ،هذا إذا نيس االشرتاك ّية وما تع ّد به املعوزين. فهل كان من العبثيّة مبكان أن يض ّحي بربع قرن من عمره ،من ريعان عمره ،لتأكله بقرات عجاف خارج السجن ،ال تق ّدم لحامً وال تد ّر لبناً؟ إ ّن الينابيع التي يغرف الشاعر من مائها بعيدة الغور ال يدركها وهن وال كلل. سيامئية املاء والوعورة عند عمر املالّح «وعورة املاء» عنوان املجموعة الشعرية العمرية العتيد كلمتان :مضاف ومضاف إليه .وإذا أفادت اإلضافة التخصيص، خاصاً باملضاف إليه ،فإنّها ،فضالً عن ذلك ،عالمة من عالمات التعريف ،تعريف املضاف باملضاف إليه، جعل املضاف ّ التكرّب ،تتيح اإلضافة إىل تبادل اإلضاءة واالستضاءة بني طرفيها .وكلمة (وعورة) املؤمنة ،بالتنكري ،حرك ّية يف مواجهة ّ داللتها ،وانفتاحها يف غري اتجاه ،أضافها الشاعر إىل كلمة (املاء) ليخرج تلك الداللة من حياديّتها ،ويوظّف حركيّتها تشق عىل غري أويل التوظيف العتيد .فهذه الكلمة اآلتية إىل الديوان من الدروب الخاصة بالجبال ،تلك الدروب التي ّ ّ
وهل ستكون الوالدة الصقريّة العمريّة والدة حقيق ّية أم أنّها والدة مشكل ّية .فقرطبة وإن مثّلت مستوى من مستويات الوالدة ،خصوصاً أ ّن الفرات ( السجن) ليس عريضاً عىل جسد الصقر (عمر) ،وهو قابل ليك يُقطع؛ ؛ إال أنها ليست املحصلة خواء ال طائل تحته .بالنخلة املريض يف الوالدة الواقعيّة الحقيقيّة .مثّلت بعدا ً تعويضيّأً مرضياً .والتعويض ّ ّ تصبح قرطبة دمشق .وإذا مثّلت دمشق الوالدة املثىل ،فإنّها والد ٌة متعذّرة اآلن « .فتلك قريش عىل جدث يف دمشق تبيع ثيابك /للقاتلني» .فهل صار عبور عمر (الفرات /السجن) إىل الوالدة عبورا ً حلم ّياً مرض ّياً؟ قرطبة ليست دمشق وإن زرعنا فيها النخيل .فهل يعني ذلك أ ّن سعي عمر إىل والد ٍة ،وصو ٍل إىل وطن هو سعي ّ متعرّث؟ حاول الشاعر أن يستنبت زهورا ً وسط صحراء عدم الجدوى ،فهل سينجح يف منح هذه األزهار حيا ًة طبيعيّة؟ «ألهذا كلام الجوع متادى يف الرفات يعض املوىت الحياة؟؟؟ كنت أميش يف رفايت وأنا يف حفرة أضيق م ّني مرسعاً يف شارع العمر الطويل أذرع العمر ذهاباً وإيابا باحثاً ِ عنك ،وعن عمري القديم»(.)1 النص نزاعاً مرا ً داخل ثنائية ( :الرفات /العشق) ،عشق الحياة .فالجسد (الرفات) إعالن انتهاء الصالحية، ميثّل هذا ّ وعشق املوىت إعالن مضا ّد .فهل يقوم هذا التنازع عىل تكافؤ بني الطرفني؟ مل يعد العبور إىل خارج السجن عبورا ً إىل مريض أصاب من تعوييض املستقبل ،صار عبورا ً انكفائياً .فالكناية « باحثاً عنك ،وعن عمر قديم» وإن أومأت إىل عبور ّ ّ مكث ما يقارب الربع قرن يف حفرة أضيق من جسده ،كام أسلفنا ،إال أ ّن كلمة (باحثاً) مل تكن كلمة م ّجان ّية ،أومأت بوضوح إىل وجود نسغ تفاؤيل تعمر به عروق الشاعر .فهل سيكون صحيحاً أ ّن «الفجر عىل مرمى وطن»( .)2أجاب الشاعر قائالً: قلت ،وما أمثرته من «كل ما ُ ّ شجر العمر بكفّي ليس يبقى وستذروه الرياح مثل ٍّ قش يابس .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .11 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .22
_______________________
فالكناية التي تجمع السطرين :األ ّول والثاين تومئ إىل هول حضور القبل ّية يف الثقافة حضورا ً مراوغاً يتو ّخى اإلجهاز عىل كل من نقيضها .بدا ذلك من خالل محاولة (كان) السطرين اآلخرين التص ّدي لـ (كان) السابقة .وذلك عرب تأمني تجلذي ّ قرطبة ودمشق عىل جسد الشاعر (الصقر) .فهل أطاحت (كان األوىل بالحلم ،حلم العبور إىل قرطبة (دمشق)؟ كل من يحمل حلم عمر كان عبور الفرات (درب الوطن) عسريا ً .فالكناية (يقتلون أخي) إشارة إىل اإلجهاز عل ّ (العبور) أو يهجس به ،وإىل سلطة (قبيلة) ترصد ذلك الحلم وتناوئه .أ ّما الكناية الثانية (تعال ،عليك األمان) فمح ّملة التخيّل عن حلمه بعد أن شاهد ما حدث لرفيقه حامل الحلم نفسه .ذلك الحلم بحبيلة تحاول ج ّر الشاعر إىل ّ املتجلبب برمزيّة قرطبة (نجاح العبور) ورمزيّة دمشق (عالمة العروبة العنيدة الواضحة) .وإذا كان الصقر رمزا ً للعبور إىل زمن تحقق الحلم (قرطبة) ،مبا يعني أ ّن الصقر صار عالمة عىل الوالدة الجديدة املتج ّددة مبا يعطيه بعدا ً وجوديّاً بامتياز ( ،)l’home n est rien d autre que c qui l se faitفإن الوالدة املنتظرة بالنسبة إىل عمر هي العبور إىل إمارة عروب ّية .فهل ستتحقّق هذه الوالدة العمريّة؟ « وليس الفرات عريضاً عىل جسد الصقر عوم وأدىن غرناط ٌة قاب ٍ وقرطبة قاب نخلٍ تركت لديه أخي دون باكي ٍة ووداع ويا صقر ثوبك من سعف النخل ح ّتى تصل ويف أرض قرطب ٍة إزرع النخل تصبح دمشق ٍ ...فتلك ٌ جدث يف دمشق تبيع ثيابك للقاتلني»(.)1 قريش عىل النص إىل أ ّن الوالدة قد ات ّخذت بعدا ً تفاؤل ّياً فيه .فاألسطر الشعريّة الثالثة األوىل وبرموزها املتفائلة( :الصقر أومأ هذا ّ وغرناطة ودمشق) ،وبعمقها الكنايئ « :ليس الفرات عريضاً» .و» غرناطة قاب عوم وأدىن» « ،وقرطبة قاب نخل» مل ترتفع بالحلم إىل دائرة القداسة فحسب من خالل مناظرة قوله « :قاب نخل وأدىن» لآلية القرآنية ( قاب قوسني أو أدىن) التي تتكفّل باستحضار سدرة املنتهى ،ولك ّنها شفعت تلك القداسة املتفائلة بأسطر شعريّة أومأت الكناية فيها إىل إمكانية تحقق الحلم « :ويا صقر ثوبك من سعف النخل (حتى تصل)»« ،ويف أرض قرطبة أزرع النخل تصبح مدشق» .فهل حملت هذه اإليحائية شيئاً من اليقينية. _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .33
رشطي» ،أصبحت خزائن اضطهاد ،يستخدم ما تختزنه وسيلة للسيطرة ، الخرّية « طاملا يوجد يف أهرائنا جزمة ّ ّ كل حال ،تحمل برمزيّـها بعدين دالليّني متكاملني سلبياً :السحق ،سحق املستضعف ،والتعايل عليه، والجزمة ،عىل ّ الرشطي ،أداة املتسلّطة« ،توازي رأس ثائر» يف معظم األقطار العرب ّية .ولعل ثنائية (الجزمة / خصوصاً أن جزمة ّ الرأس) حيث تتعاىل فيها الجزمة عىل الرأس بشكل أكيد ،هي وراء أن تصبح مرص ،هبة النيل ،عاجز ًة عن إيجاد املأوى للفقراء .أودعتهم إقامة جربيّة يف املقابر «طاملا يسكن ناس يف املقابر» ،يف إشارة إىل معاناة املجتمع املرصي الذي تح ّول عن دوره يف قيادة الرصاع العريب ض ّد إرسائيل .ومل يكن لتعايل الجزمة انعكاس يف مرص وحدها ،مع أه ّمية مرص، وأهم ّية دورها ،وما يعنيه هذا الدور ،فالعراق وسوريا بلدا التص ّدي إلرسائيل صارا مق ّرا ً إلمارة داعشية ت ُعرض فيها « باسم الله للبيع الحرائر» .ومناخ إحباطي وصل إىل هذه الدرجة ،هو مناخ كفيل بأن يدخل اإلحباط القاتل امل ّر إىل نفس عمر .فهل وقع هذا اإلنسان فريسة اإلحباط؟ العكس ما حصل .أنعش هذا املناخ الحياة يف جسد عمر الذي أمض منه ،واقع حال األ ّمة واملجتمع .وهذا ما جعله قادرا ً عىل القول« : بات رفاتاً .غاب السجن ( القرب) بفعل ما هو ّ قوي وواضح عن حضور الحياة بق ّوة قبالة املوت رصختي لن تنتهي /..مهام تالشت ليس ترسو» .والرصخة تعبري ّ واالحتضار ،ومحاولة للدفاع عن نفسها .تعني تطلّعاً إىل النرص ،تحمل يف تضاعفيها نسغاً من تفاؤل .فكيف اجتمعت السوداويّة املاحقة باإلميان بالحياة يف لحظة واحدة ،ويف مجموعة شعريّة واحدة؟ ثنائية ( السجن /الوطن) ثنائية ( السجن /الوطن) واحدة من الثنائيات الض ّديّة التي ن ّغصت عىل الشاعر هجرته فكادت تح ّولها إىل رحيل فيه من التيه ما فيه ،وذلك بسبب تعايل السجن فيها عىل الوطن .أضف إىل ذلك أ ّن كال طريف هذه الثنائيّة مقيم يف ذات الشاعر إقامة أ ّدت إىل أن تختلط املرارة بالعذوبة وتطغى عليها .الوطن هو املقيم األصيل ،والسجن هو املقيم املحتل .والتنافس بني الطرفني ،يف نفسه ،قاس وم ّر ،خصوصاً أ ّن الشاعر حني خرج من السجن مل يجد وطناً، ّ الطارئ وجد السجن هو الباقي املهيمن يف نفسه .وأجد أشالء وطن ،فهل كان الوطن الذي نشد عمر الخروج إليه ضغثاً؟ « وأعرف أنّ الحنني إذا ما استبدّ استحال وطن وما أوجع الليل حني يغطّي ظالم السجون الوطن ويسألني صاحبي :أين «وادي الحرير»؟
كنت أدري أنني أرسق برقاً ُ من غامم يذرف العمر ومييض وأنا أجمع ما ًء يف إناء ال قعر له وفمي يجهد يف الصلصال أن أفتق رتقاً»(.)1 السلبي يف هذه املحاولة العبث ّية الفعل (يجهد) إشارة إىل املحاولة .واملحاولة ليست نجاحاً يقي ّناً ،وال فشالً يقين ّياً .وترجيح ّ التي تب ّدت يف إشارتني كنائتني :األوىل « ما قلت .ما مثّرته ..ليس يبقى» ،والثانية « أجمع ماء /يف إناء ال قعر له» .إمّنّ ا نتحرّي معه كيف سيستطيع الشاعر تجاوزه؟ يؤدي إىل أ ّن عدم الجدوى هي س ّيدة املوقف ،وأ ّن العبث ّية قد وصلت مدى ّ «رصختي لن تنتهي ينتهي البحر عىل ىالشاطئ ،لكن، رصختي ،مهام تالشت ،ليس ترسو، رشطي طاملاً يوجد يف أهرائنا جزمة ٍّ توازي رأس ثائر، ناس يف املقابر طاملا يسكن ٌ طاملا تُعرض باسم الله للبيع الحرائر طاملا تؤمن يوماً أ ّن من كان عىل دينٍ سوى دينك كافر ..... فإيّن أبرص النبتة يف قعر السامء ّ أنظر اآلن إليها، ثم هات املوت يك أقتله إ ّن أ ّمي أخربتني أنني كنت سليل اآللهة»(.)2 لقد خلع عمر حضور السجن يف حياته ،وألغى إقامته املتامدية فيها .غاب السجن عىل وقع ما هو أم ّر منه.
الخاصة بالجامعة ،خلعت عنها هويّتها املوضوع ّية فاألهراءات ،خزائن الرزق ،مؤونة األيّام ّ _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .3 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .6
ليحل محلّه املقياس النفيس(الرجاء) ،يعني أنّنا أمام إشارة إىل حني يغيب املقياس الزمني الواقعي (عدد السنوات)ّ ، يأس كبري يشارف مناخات اإلحباط القاتل .يومئ إىل انهيار الوطن يف الوجدان .مل يبق سوى الرجاء .فهل صار الرجاء وسيلة املدنف إىل اقتناص لحظات من الحياة؟ يسأل الشاعر متى أصل؟ ويجيب: « عىل الطريق قضيت العمر يا وطني وأنت تنأى وذئب السوء يقرتب»(.)1 خاصة بالشاعر؟ يستولد هذا السؤال سؤاالً آخر .أين يوجد هذا الوطن حتى فهل أصبحت القض ّية مشكلة ذات ّية ّ كل ما وأي وطن هو؟ ما حقيقته ،خصوصاً أنّه ينأى بشكل مضطرد مع ّ يقيض أحدهم العمر عىل طريقه وال يصل؟ ّ قصة ذئب السوء الذي يقرتب من الشاعر بقدر ما ينأى الوطن عنه؟ ما التيه؟ يقول تق ّد م للشاعر عىل طريقه؟ ما ّ الشاعر: «فقد جعلتني الزنازين أعمى وما عاد يف العني إال الدموع»(.)2 فأين الرجاء؟ وملاذا يقيض الشاعر عمره كلّه عىل طريق الرجوع إىل الوطن؟ يق ّدم الشاعر فرض ّية مفادها « لو كنت أعمى» ثم يجيب عنها قائالً: «قيل :الصوت يذهب بعيدا ً وال يتالىش رصت صوتاً قلت :يا ليتني ُ ُ ألميش وأميش إىل وطني»(.)3 هل تعني هذه األمن ّية ،ملجرد أنّها أمنية ،يأساً وإحباطاً؟ هل تعني انقطاع األمل بالعودة إىل الوطن ،فلم يبق سوى الصوت ،أو تق ّمصه وسيلة للوصول إليه؟ ويحمل هذا اليأس يف ط ّياته سؤاالً جوهريّاً :هل ما زال هناك وطن يقع خارج السجن؟ إ ّن عرشين عاماً ليست أمرا ً يسريا ً يف حياة سجني. «وحني أصري بعيداً عن السجن عند املساء أعود إليه ظل م ّني هناك الكثري»(.)4 لقد ّ _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .64 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .70 .3عمر شبيل .وعورة املاء .ص .65 .4عمر شبيل .وعورة املاء .ص .66
فقلت :استدر صوب قلبي تجد وطني»(.)1 النص متاهياً بني الحنني وبني الوطن «الحنني ...استحال وطناً» .والحنني ،يف األصل ،ال يكون مبعزل عن الوطن ، أقام ّ ومبعزل عن االبتعاد عنه .وال يكون الحنني إالّ إىل وطن .فاملسافة التي تفصل الغريب عن وطنه هي منتجة الحنني واملتحكّمة مبقداره وفاعل ّيته .وال حنني من دون تلك املسافة ،خصوصاً أ ّن هذه املسافة ال ت ُقاس مبقاييس املسافات العاديّة املألوفة .ت ُقاس بإمكانيّة الرشوع يف اجتيازها ،بح ّرية البعيد يف إلغائها .وحني يستحيل الحنني وطناً بفعل خفي إىل السجن ،إىل ٍ يأس قائم استبداد ذلك الحنني .يعني أ ّن هذا االستبداد قد بات حاكم ّية تشري بأكرث من طرف ّ عىل أ ّن م ّدة انتظار الفكاك من ذلك السجن ،والعودة إىل الوطن غري قابلة للسرب املنظور .كيف ال ،وقد غطّى ظالم السجون الوطن يف تجربة عمر؟ لقد أبدل السجن خارطة الوطن ،قلّصها الحنني لتأخذ مساحة «وادي الحرير» .فام وادي الحرير؟ وأين يوجد؟ «فقلت :استدر صوب قلبي /تجد وطني» .وما كان للوطن أن يكون (وادي الحرير)، امتداد سهل صويرة عمر ،لوال استبداد الحنني .فاإلنغامس يف وادي الحرير انغامس يف الوطن .وإذا كان هذا اإلنغامس غري منظور ،فليكن االنغامس عكسيّاً ،انغامس (وادي الحرير) ( الوطن) يف القلب .غابت الوحدة ،وغابت فلسطني، لتحل محلّها طفولة عمر التي أخذت هيئة الوطن ،ومتثّلت يف وادي الحرير ،مرتع تلك الطفولة ،وفضائها الجميل ّ الذي يصلها بدمشق .فدمشق يف وجدان عمر هي العروبة الخالصة التي تخترص الوطن ومتثّل الوصال األمثل. ويبلغ كابوس السجن الرابض عىل صدر عمر حجامً أسطوريّأً: « وأعرف أنّ املسافة ما بيننا ال تُقاس بغري ال ّرجاء وما كان يل صاحب غري قلبي قال يل صاحبي :ال متت قلت :إنّ الجنازة يا س ّيدي هي أوسع من وطني»(.)2 _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .61-60 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .65
وأستله إخويت من دمايئ غري ّأيّن سأدخل يف محنتي وأفرّس ما سوف يايت ّ
ألنّ املسافات يف الليل تحتاج ضوءاً
وأحتاج نور عامك»(.)1 الشعري األول ،ال لتقيم اتّصال قرىب ما بني أخوة يوسف (أصحاب عمر) ،عىل ح ّد حرضت (كاف) التشبيه يف السطر ّ تعبريه ،والكواكب ،ولكن لتومئ إىل أنّهم مل يكونوا كواكب ،أو كانوا كواكب مزيّفة .ويأيت سؤال السطر الثاين ( :فهل يكذب الضوء يا أبتي؟) ليؤكّد الطبيعة النوران ّية لكوكب ّية إخوته (أصحاب عمر) وإن مل تكن النوران ّية الحقيق ّية
املطلوبة .كانوا ضوءا ً منطفئاً ،أو زائفاً ،ال قيمة له وال وظيفة ،واملسافات يف الليل تحتاج ،كام أفصح الشاعر ،ضوءا ً، ضوءا ً حقي ّقاً .فمن أين نأيت به؟ «وأحتاج نور عامك» يا أبتي .وإذا كان عمى يعقوب مح ّمالً بهموم األ بّوة وحزن البرصي) ،الرؤية القلب ّية اختصار للصرب الذي يتض ّوع أمالً .وإشارة كهذه األنبياء واألصفياء ،فإ ّن نور ذلك ( العمى ّ
اإلشارة تضعنا يف موجهة معادلة مشكل ّية( :وعورة املاء ،الطريق /القدرة عىل الصرب) ،كيف ال ،وهي متثّل إجابة عن
يفرّس ما سوف يأيت .إنها السؤال اآلنف؟ إذ ال ب ّد من أن يدخل اإلنسان يف محنته ،ذلك الدخول الذي ميكّنه من أن ّ بذرة املقاومة تقبع يف أعامق الشاعر. ثنائية (وعورة املاء /املجذاف) كانت رحلة الشاعر من السجن إىل الوطن رحل ًة عسريةً ،إذا مل نقل إنّها كانت متاه ًة (مفازة) .وإذا أسمى العرب
املتاهة مفاز ًة للتفاؤل ،فإ ّن هذه التسمية تعبري عن ثقافة .فهل انرسبت هذه الثقافة التفاؤلية عرب عروق عمر؟ وهل تح ّدرت إليه من جدوده األمجاد .خاطب نفسه قائالً: « أوما اقتنعت بأنّ هذا املوج يعلو كلام اقرتب الوطن؟ وعليك وحدك أن تج ّذف بالوطن والبحر أوسع ما يكون، واألرض أبعد ما يكون، وظللت تؤمن أن مجذافاً عنيداً .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .63
_______________________
فهل يشري هذا إىل أ ّن الوطن الذي عاد إليه عمر مل يكن وطناً ،والسجن هو الحقيقة الباقية هو الوطن النهايئ األخري؟ ال نقول :إ ّن السجن قد رسم مستقبل الشاعر ،ولك ّننا نسأل :هل بات السجن مح ّرك سلوكه األسايس الفاعل ،خارج السجن؟ هل تح ّول إىل عقدة نفسية؟ إ ّن شخصيّة عمر قد وسعت السجن ،وهي قادرة عىل أن تسع سجناً أضيق من كل ما يف كل السجون التي عربها يف حياته السابقة « .وأخلع حزين ،وتلك الليايل التي /خلعتني من الكون»(ّ .)1 ّ األمر أ ّن ثنائ ّية ( السجن /الوطن) كانت أ ّماً لثنائ ّيات أخرى نبتت عىل هامشها. ثنائ ّية ( الظالم /النور) حرضت هذه الثنائيّة بق ّوة يف هذه املجموعة حتى لتخترص قضيّة الشاعر املحوريّة من خالل مواجهة ال ّنور للظلمة مواجهة قاسية. قلت ،وما سوف أقول « كل ما ُ عانيت ُ قاله الناس ،وعانوا مثلام والوضع سيبقى هكذا طاملا يف األرض نور وظال ٌم»(.)2 تشكّل األسطر الشعريّة الثالثة األوىل كناي ًة ال تستطيع اإلفصاح عن قصديّة الشاعر األخرية إال من خالل السطر الشعري الرابع الذي ميثّل هو اآلخر كناية تومئ إىل دعوة إلنهاء الظالم عىل األرض .وهذه الدعوة ،مع ما تحمله من ّ تفاؤل ،فإنّها مرشبة باليأس ،خصوصاً أنّها تومئ إىل أمرين :األ ّول عبثيّة القول واملعاناة مع حضور الظالم ،والثاين أ ّن
كل من الظالم والنور مؤديّة إىل عبث ّية حضوري ّ مج ّرد حضور الظالم هو تعا ٍل له عىل النور .وإذا كانت الخصومة بني ّ القول واملعاناة مبا يعني حاكم ّية الظالم وفاعل ّيته ،وبالتايل تف ّوقه ملجرد وجوده ،فإ ّن كلمة (طاملا) تضمر انتظارا ً ليشء اب طال وجود اإلنسان عىل األرض ،استحرض ما .لعله الفرج .ولنئ أعيت القصيدة جواباً واضحاً ،مبا يومئ إىل انرس ٍ بكل رمزيّتها ،لإلجابة عن السؤال الذي أبقته القصيدة السابقة معلقاً: الشاعر تجربة يوسفّ ،
«وكنت رأيتهم س ّجداً كالكواكب يل فهل يكذب الضوء يا أبتي؟ صعب إذا انطفأ الضوء. وكم هو ٌ _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .67 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .7
عن جسد ما عاد يتّسع لحلول الوطن فيه »:وطني الذي يحتلّني /ما عاد يتّسع الجسد»( .)1وال تبقى الريبة من العبور إىل الوطن عند هذه الحدود .قال الشاعر: «وحدي وتسألني الرياح عىل مدى عمري: ملاذا أنت راحل؟ وأجيبها: قد كان يل بح ٌر ولكن مل يعد
متالصقاً هو والسواحل»(.)2 تبدأ هذه األسطر الشعريّة بحال الشاعر (وحدي) مح ّملة بأحامل العتب التي تطال أولئك الذين تخلّوا عنه وتركوه وحيدا ً .يعني أ ّن هذه الحال تستحرض غائبني يتع ّدى إليهم عتب الشاعر من دون أن يح ّددهم .مع معرفته األكيدة بهم .ويف عدم التحديد إشارة إىل مرارة ما بعدها مرارة .وهل يكون العتب مو ّجهاً إال إىل األقربني ،أو إىل أولئك الذين كان يحسبهم أقربني؟ فمن هم هؤالء األقربون؟ وملاذا مل يجدهم إىل جانبه يف اللحظة املناسبة؟ لعل السؤال الذي أطلقه الشاعر عىل لسان الرياح الرامزة إىل عنف الطبيعة يضمر بعض اإلجابة ،خصوصاً أ ّن هذا السؤال قد امت ّد عىل مساحة العمر كلها « .ملاذا أنت راحل؟» .ومهام يكن من أمر ،فإ ّن اسم الفاعل (راحل) املسند إىل الشاعر يستحرض، بشكل أكيد ،إىل الذهن اسم الفاعل املضا ّد (مهاجر) .هذا االستحضار الذي يسم الرحيل بالسبب ّية يف مواجهة اإليجاب ّية التي تحملها (الهجرة)( .الرحيل) استسالم وانكفاء عن املواجهة بعكس (الهجرة) التي تحمل ه ّم الرجوع واالنتصار.
يحل يف نفس اإلنسان من هزمية .فهل بلغ التيه بعمر الشاعر راحل يعني أنّه مسوق بالقدر .وهذا أقىص ما ميكن أن ّ أقىص حدوده؟ أن يكون للبحر سواحل يعني ،يف الرمزيّة العمريّة ،حضور الهدف املمكن التحقّق .وهو عندما أسند فعل (كان) التا ّم إىل كلمة (بحر) وع ّداه إىل ضمري الشاعر (يل) بعد أن أكّده بـ (قد) التحقيقّة .إمّنّ ا أراد أن يومئ إىل الجامعة التي كان قد و ّجه إليها عتبه امل ّر (وحدي)؛ ألنّه كان يرى فيها الطريق إىل الوطن .أ ّما وقد تفاعلت (كان)
املنفي (يعد) الذي نفى التصاق ذلك البحر بالسواحل ،فإ ّن هذا البحر (الجامعة الخاذلة) قد فقد هذه مع املضارع ّ
كل ذلك مقولة أ ّن الشاعر قد بات يائساً من إمكان ّية الوصول إىل وطن؟ وظيفته ومل يعد مجدياً .فهل يع ّزز ُّ « وأنا بعرض البحر أبحث عن وطن
_______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .2 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .2
سوف يبقى يف يديك، هو الرياح أقوى املجاذيف الوطن»(.)1 إ ّن عالقة تناسب ّية قامئة داخل ثنائية ( اقرتاب الوطن/ازدياد الخطر «املوج يعلو») .وهذا ما أعطى الوطن هويّة املجذاف «أن تجذّف بالوطن» .تح ّول إىل طاقة نفس ّية داخلية تحاول االستقواء عىل االستعصاء .اقرتاب الوطن مدعاة لعل ّو املوج مبا يرمز إليه ذلك العل ّو من صعوبة وخطر .فام سبب هذه الحرك ّية السلب ّية؟ هل هي وحدة الشاعر عىل ذلك الدرب؟ ال ّ شك يف أ ّن عمر قد أدرك ،ذات لحظة ،أنّه قد ت ُرك وحيدا ً يف مواجهة سجنه «وعليك (وحدك) أن
فالتخيّل عن الشاعر يف أثناء سريه إىل الوطن قد أقام جدالً ّ تجذّف بالوطن» .والوحدة تحمل يف تضاعيفها عتباً م ّرا ً. إيجايب العمق بني تلك الوحدة واإلميان بالعبور «وظللت تؤمن أ ّن مجذافاً عنيدا ً/سوف يبقى يف يديك» .وهذا النوع من اإلميان ليس إمياناً رقيقاً مستضعفاً .إنّه إميان عنيد ،خصوصاً أ ّن اإلميان قد اتخذ هيئة املجذاف (صورة الوطن). ويظل السؤال الحائر امل ّر العنيد :متى نصل؟ كيف ال ،و (أقوى املجاذيف الوطن) .إنّه العناد يف زمن مكسورّ . «ويلوح يشء من بعيد لكن ملاذا ال يُقال هو الوطن؟»(.)2 وظيفي يقوم عىل احتاملية موجعة .فاليشء الذي الح قد يكون الوطن .وقد يكون إن تنكري كلمة (يشء) هو تنكري ّ غري الوطن .وما يجعل هذه الكلمة طافحة بالداللة عىل املرارة أ ّن تلك االحتامليّة ال تجد ما يساعدها عىل أن تصبح يقين ّية خاصة بالوطن .والسؤال األخري املستدرك بكلمة (لكن) يف قوله« :لكن ملاذا ال يُقال هو الوطن؟» إمّنّ ا يتحكّم تعرّب عن ٍ عمري هوس ّ بداللته النهائية الفعل املضارع املبني للمجهول (يُقال) الذي يتّجه به نحو مجاهل جواب ّية ّ يعرّب هذا بالوطن .هب أن ذلك اليشء مل يكن الوطن .ملاذا ال يخفّف عن الشاعر حتى عن طريق اإليهام؟ فهل ّ
االستفهام عن حال مرضيّة يعاين منها الشاعر املسكون بالوطن ،حتّى وهو يف غيابة زنزانته ،حتى وهو يف تيهه؟ وهذه املرض ّية أال تشري إىل هول ما يعانيه الشاعر يف أثناء تل ّمسه طريق الوطن من جهة ،وإىل قوة تفاؤله من جهة أخرى؛ أل ّن التفاؤل قدره؟ ومهام يكن من أمر ،فإ ّن السؤال األول «متى نصل؟»وإن حمل من اليأس واإلحباط والخوف ما يحمل ،فإ ّن السؤال األخري يتطلّب عالجاً نفسياً ،إيهاماً يخفّف من هذا اليأس وذلك االرتياب _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .1 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .2
انكسار السيوف لتحقيق هدف يبدو أنّه مستحيل .ولذلك سأل الشاعر السؤال اليائس« :فلامذا طاملا األمر كذا / نشهر األعناق يف وجه سيوف الظاملني؟» .ويأيت املس ّوغ مس ّوغاً مفعامً باإلحباط «ألئ ّنا مل نزل نؤمن أن السيف ال يُكرس /إال بالدماء؟» .كيف ال ،وقد بدا اإلميان إمياناً سوداويّاً ال طائل تحته ،حتى أنّه يثري ،ضمناً ،سؤاالً تشكيكيّأً :هل يُكرس السيف ،ح ّقأً ،بالدماء ،إذا آم ّنا أنّه ال يُكرس إال بالدماء؟ إ ّن ّ محك وظيف ّية هذا اإلميان يأيت من خالل صورة األ ّمة. يسأل الشاعر: « لكن ملاذا نطلب املوىت وت ّجار الحشيش ليك نغري عىل اليهود وشوارع التاريخ خالية سوى من ثكنة مألى بأوسمة وشعب يف القيود؟»(.)1 االستفهام املشفوع باالستدراك عالمة ذات شجون .فإذا كان االستفهام مح ّمالً بالعقم «نطلب املوىت وت ّجار الحشيش، فإ ّن االستدراك إشارة إىل عبث ّية الطلب وعدم جدواه .فحني ال يبقى لأل ّمة إال أن تجلس إىل مأدبة اللئام ،يعني أنّها أ ّمة ولعل إشارة الشاعر إىل الصهاينة من خالل اسم (اليهود)، مفلس ٌة وصلت إىل الدرك األسفل من االنحدار واالنحطاطّ . فأل ّن األ ّمة قد تح ّولت إىل طوائف ،وهي يف أسوأ أيّأمها وأحوالها .والذي قاد األ ّمة إىل مثل هذا الواقع اليسء مرتبط ماّم ميكّنه من تجاوز بتاريخها القائم عىل ثنائيّة( :القمع /الخنوع)( ،الثكنة /الشعب املقيّد) .فامذا بقي للشاعر ّ دائرة االحباط القاتل؟ مل يبق له سوى كربيائه الجريح: «سوف أحيا وأقاوم بعد موتني عىل موسم ور ٍد ينتظر وعل موعد جرحٍ ينترص وإذا كان ال بدّ من املوت عىل صدر الحياة فلنمت مثل الشجر»(.)2 استطاعت هذه األسطر الشعريّة أن تستثمر طاقة كلمة (الشجر) الدالل ّية الرمزيّة استثامرا ً قويّاً .هل حرض الشجر، هنا ،بوصفه رمزا ً للحياة ،للجامل الطبيعي ،للقدرة عىل االنبعاث ،للقدرة عىل املوت وقوفاً؟ ال تتسطيع الرمزيّة األخرية (املوت واقفاً) أن تستأثر بشجرة عمر .كربياء عمر( املوت واقفاً) _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .25 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .25
وطني الذي يحتلّني يقسو ،وأعشقه ،أحمله عىل األمواج يبقى ما بقيت وإن أمت فهو الكفن»(.)1 تعني اإلشارة السالفة «قد كان يل بح ٌر» نفياً المتالك الشاعر بحرا ً ،خصوصاً أ ّن البحر ال يكون بحرا ً وظيف ّياً (وطناً)،
(جامعة) إذا مل يكن «متالصقاً هو والسواحل» .فهل يؤكد ذلك أ ّن الشاعر قد دخل التيه؟ والتيه عن الوطن إشارة إىل أ ّن هذا الوطن قد صار وطناً احتاملياً ،ما ّدة للبحث ،حقيقته غري واضحة وال ب ّينة « :وأنا بعرض البحر أبحث عن
وطن» .وتذهب هذه االحتامل ّية بالوطن إىل أقىص حدودها .صار بالنسبة إىل عمر مسألة وجوديّة ذات ّية «يبقى ما
خاص بالشاعر دون غريه .كيف ال ،وهذا الوطن ،كام يقول عمر »:وإن أمت فهو الكفن». بقيت» ،حتّى لكأنّه وطن ٌّ
لقد فقد الوطن حقيقته املوضوع ّية ليصري متاعاً يزول بزوال صاحبه .يغدو كفناً ،خرق ًة وظيفتها املثىل سرت عورة امليت العمري إىل وطن ،وطنٍ ما ،شكل من أشكال .ويسأل الباحث نفسه :أين حدود اليأس ،وأين حدود األمل يف الوصول ّ
الوطن؟ صار الوصول مشكل ّية خصوصاً أ ّن الوطن مل يعد وطناً موضوع ّياً ،صار كام رأيناه ذات ّياً بامتياز ،لضيق حياة
عمر وحدها .فهل كان ذلك بسبب يأس ما نال شخص شاعرنا؟ لنسمع سؤاله اليائس: ٍ سيوف كُرست من أجل أن «كم الحق ،ولكن ينترص ُّ ظل سيف البغي والعدوان أقوى ّ فلامذا طاملا األمر كذا نشهر األعناق يف وجه سيوف الظاملني؟ السيف ال يُكرس ألئ ّنا مل نزل نؤمن انّ ّ إال بالدماء؟»(.)2
الحق فقط ،ولك ّنها يف تضاعيفها ال تشري (كم) الخربيّة إىل الكم ّية الكبرية من السيوف التي كُرست من أجل أن ينترص ّ
«ظل سيف البغي إشارة إىل عبث ّية هذه التضحيات أيضا ،خصوصاً أ ّن (ولكن) االستدراك ّية التي شُ فعت بالكنايةّ : والعدوان أقوى» قد أكّدت تلك العبث ّية وأومأت إىل عدم جدوى املزيد من
_______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .85 – 84 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .12
خدعه الرساب» :أل ّن هذا الصاحب مل يكن فريسة تلك الخدعة وحدها ،فالكناية التي ينضج بها قول الشاعر «أعلن (الصاحب طبعاً) موت راحلتي» إمّنّ ا تشري إىل تقدير خاطئ ساق ذلك الصاحب إىل ذلك اإلعالن ،الذي يعني يف ما يعنيه انكسار هجرة الشاعر بالسجن الذي كان ال يزال جزءا ً من هجرة عمر .ولقد قاد هذا الخطأ الصاحب إىل اليأس «توضأ بالرتاب» فكان هو من انكرست هجرته .إذ كيف كان له أن يق ّدر أن الوضوء يكون بالرتاب؟ من وجود ماء ،فـ ّ فالسجن بالنسبة إىل عمر ال يعني موت راحلته ،وانتهاء هجرته ،فهل تتكفّل تجربة السجن ،بعد أن توغّل فيها كل األسئلة التي أثارتها هذه األسطر الشعريّة؟ إ ّن اإلجابات االحتامل ّية تبلغ من التشتت الشاعر طويالً ،باإلجابة عن ّ ح ّدا ً غري قابل للحرص .أُرس عمر دفاعاً عن حلم ،بقطع النظر عن طبيعة ذلك الحلم وحقيقته ،وأمىض عرشين عاماً، كل تلك األسئلة امل ُ ّرة؟ زمناً ليس يسريا ً ،وخرج فوجد الحلم ضغثاً ال يلوي عىل يشء من الحقيقة .فلام أفضت ّ «كان ما أصعب أن ي ّتصف الكوكب بالظلمة، نبي أو يظهر من صلب ّ كاذبون ويصري الذئب يف محكم ٍة نبي أبرأ من إبن ّ آ ٍه من إخوة يوسف»(.)1 «اتصف بالظلمة» خرج من هويّته اإليجاب ّية إىل هوية نقيضة .فام الذي قرأه النوران ّية سم ُة الكواكب املحوريّة ،فإذا ّ أمضه من أ ٍمل بوساطة عاّم ّ ليعرّب ّ الشاعر بظلمة الكوكب؟ استدرجنا الشاعر من خالل صيغة التع ّجب (ما أصعب) ّ رس تلك املعادلة مناخات التجربة اليوسف ّية مع إخوته .هذه املناخات القادرة وحدها عىل تقديم التجربة العمريّة .ما ّ النبي هو يعقوب ،الكاذبون أخوة نبي؟ ّ التي أقامها الشاعر بني ات ّصاف الكوكب بالظلمة وبني ظهور كاذبني من صلب ّ بدم كذب عىل قميص أخيهم ذاك .فام األوجاع العمريّة التي ُح ّملتها الرمزيّة اليعقوب ّية؟ يوسف الذي جاؤوا أباهم ٍ أفاد عمر من هويّة يعقوب النبويّة ليخلعها :طهرا ً ،وصدقاً ،ورسال ّية ،واستعدادا ً مق ّدساً للتضحية عىل ما ق ّدر عمر (اإلنسان) أنّه املرجع ّية الجمع ّية القائدة إىل الخالص .فهل تك ّورت تلك املرجع ّية وفاق األمنوذج اليعقو ّيب؟ ما زال عمر مؤمناً .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .26
_______________________
مح ّمل بكثري من القدرة عىل العطاء ،عىل مامرسة الحياة ،عىل إمكان ّية االنبعاث يف الجيل التايل ،وإن كانت إمكان ّية احتامل ّية؛ أل ّن موت الشجرة ،كيف ما كان ال يعني ،بشكل أكيد ،إمكان ّية االنبعاث. إننا أمام صمود حائر معذّب .إنّه الثمن الباهظ الذي يذهب هدرا ً .حرض الوطن ،أيّام كان عمر يف السجن ،عىل هيئة رساب /ماء ،رساب /ماء ،رساب ،...وخرج فلم يجد وطناً ،وجد رساب وطنٍ ،فإذا السجن رفيقه يف حلّه وترحاله. رافقه يف حياة ما بعد السجن. «وحني أصري بعيداً عن السجن عند املساء أعود إليه ظل م ّني هناك الكثري» (.)1 لقد ّ النبي وإخوته والذئب. ولحاق السجن بعمر إىل بيته استحرض معه يوسف الص ّديق وأباه يعقوب ّ إخوة يوسف (أصحاب عمر) بدت عالقة عمر مع من وصفهم بأصحابه عالقة مشكليّة: دمشق مهاج ٌر «أنا يا ُ
انا لست أخلع صاحبي أبداً، ويكمل صاحبي يف الرمل هجرته ويخدعه الرساب هو حني أعلن موت راحلتي توضّ أ بالرتاب»(.)2 يثري السطران الشّ عريان األول والثاين مجموعة من األسئلة املشكل ّية :ملاذا يهاجر؟ وإىل أين؟ وملَ يخاطب دمشق بالذات ليعلن هجرته؟ ومن هو ذلك الصاحب؟ تحرض رمزيّة (دمشق) العروبيّة لتكون مرجعيّة الشاعر ،وموضع ثقته ،وحافظة رسه ،أو قل نجمته الفريدة .وهو حني استخدم اسم الفاعل (مهاجر) ،ال (راحل) إمّنّ ا استخدمه ليخرج نفسه ،ذات لحظ ٍة، ّ رسبت ذات لحظة إليها ،ليقيم ثانياً مواجهة بني سلوكه اإليجا ّيب الجديد وسلوك صاحبه أ ّوالً من عقدة الرحيل التي ت ّ كل االنهيار العر ّيب املريع ،بأمل االنتصار .وهو لذلك « ال السلبي .فهو مهاجر؛ ألنّه مل يتق ّبل الهزمية .ما زال قلبه عامرا ً ،مع ّ ّ يخلع صاحبه» ما دام صاحبه مهاجرا ً ،وليس راحالً ،حتى ولو كانت هجرة هذا الصاحب «يف الرمل» ،لعله يعرث ،يف الصحراء ،يف ساحة الجدب عىل قطرة ماء .وتتسع الشقّة بني هجرته وهجرة صاحبه الذي _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .66 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .23
يف عمل ّية مواجهة الكاذبني فدا ٌء مق ّدس متاماً كام لو كان يف مواجهة الطبقة الرأسامل ّية التي انض ّم إىل نرصتها ،هذه امل ّرة ،من كان أخاً فصار ذئباً( .)1تح ّول األخوة الكاذبون إىل بُ ٍ رش: عد مريض مست ٍ ٍّ «وليست زليخا سوى ما تبعرث من أخويت هو الغدر يا أبتي»(.)2 رش .صار غدرهم (الجمعي) إىل انتامء مفتوح ،وصار أخوته مثارا ً ّ األرسي تجاوز يوسف (عمر) االنتامء ّ لكل فسا ٍد أو ٍّ ّ عمري يعيد كل حساباتنا: نص عالمة ّ كل غد ٍر يف الدنيا .فام تفسري ذلك؟ يفاجئنا ّ ٌّ «ولست ألومك يا صاحبي ُ يوم زغت: ألنني فقدت عىل الدرب ح ّتى قمييص بعت اصطباري بكرسة خب ٍز ومثلك ُ تكاد مرارتها أن تعيد الطريق أل ّوله سأظل أسري ّ ولكننني وأعرف ان الطريق تؤ ّدي الجب والقاتلني وأخوة يوسف إىل ّ والطلقاء»(.)3 القوي يشكّل السطران األول والثاين كناية تومئ إىل أ ّن الصعوبة يف الصرب والصمود قد بلغت درج ًة تفوق طاقة اإلنسان ّ املعهودة عىل التح ّمل .ماذا يعني أن يس ّوغ الشاعر زوغان صاحبه (رفيق دربه)؟ هل يعني أ ّن عمر قد ض ُعف؟ الكناية (أليّن) التعليليّة إمياءة واضحة إىل مستوى من مستويات الضعف .باع عمر اصطباره بكرسة خبز، التسويغيّة التي ج ّرتها ّ شيئ ال يعت ّد به .أضف إىل ذلك أ ّن تلك البيعة كانت كفيل ًة بأن «تعيد الطريق أل ّوله» ،وتوصل إىل الخرسان املؤكّد .فام مقدار ما حملته هذه الكناية امل ُ ّرة من عالمات انهيار الشاعر (اإلنسان)؟ حرضت (ولك ّنني) االستدراك ّية لتعلن تعاليه عىل سأظل أسري» .وما كان هذا السري ليأخذ قيمته ضعفه ذات لحظة ،لتعيد موقفه وسلوكه إىل نصابهام األوىف »:ولكنني ّ الجب والقاتلني وأخوة الحقيقية يف شخص ّية عمر لوال أنّه يعرف سلفاً «أ ّن الطريق /تؤدي إىل ّ _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .48 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .39 .3عمر شبيل .وعورة املاء .ص .34
النص ،فمن ميثّل أخوة بيعقوب ّية تلك املرجع ّية (أب ّوتها) .فأين املشكلة؟ وإذا مثّل يعقوب ما مثّله عند شاعرنا يف هذا ّ
ماّم يتّصف به إخوة يوسف من ٍ وكذب وإجرام ليخلعه عىل حسد ومك ٍر ٍ يوسف أبناء يعقوب (املرجعيّة)؟ أفاد الشاعر ّ أصحابه هو .وإذا كانت خيانتهم يوسف محاول ًة لتدمري رسالة ،فإ ّن خيانة أصحاب عمر إ يّاه محاولة لتدمري رسالة من ناحية وتدمري مصري أ ّمة من ناحية أخرى .وصيحة عمر «آه من إخوة يوسف» إشارة قويّة واضحة إىل ما بات يعانيه
عمر من ضياع أصحابه عن جا ّدة الرسالة (الجامعة الطريق) .وإذا كان يعقوب كناي ًة عن املرجع ّية ،وأخوة يوسف عن أصحاب كاذبني ،فإ ّن حرب عمر عميق ،هو مل يقل ذلك متا ًما .أومأ إليه بغري إشارة تيضء احتامليّتها أكرث من ات ّجاه، ٍ وتنري أكرث من زاوية .فهل بدأ عمر معانا ًة أخرى جديدة فاجأته بعد خروجه من السجن؟ تنتظر اإلجابة عن هذا السؤال أعامقاً أخرى يف منت «وعوة املاء» يجب سربها لتتكشّ ف اإلجابة العتيدة عن ذلك السؤال. « ويصري د ُم الفقراء جميالً لحدّ الغواية حني يقاوم ما ميكرون ال بدّ من دمنا حني يرسق قمصاننا األخوة الكاذبون»(.)1 اليوسفي ،خصوصاً أ ّن سارقيها هم األخوة الكاذبون (أخوة تومئ هذه القمصان املرسوقة بغري التامعة إىل القميص ّ يوسف) .ويحمل هذا إشار ًة إىل قداسة تلك القمصان ،هذه القداسة التي تؤرش إىل املكر الزليخي من جهة ،وإىل أنّها الدليل إىل الحقيقة من جهة ثانية .وعودة الشاعر يف انتامئه إىل الفقراء الذين اشرتك معهم بحضور الضمري الجمعي (نا) الذي يجمعه إليهم «دمنا ..قمصاننا» دون األصحاب (إ يّاهم) «األخوة الكاذبني» ،إمّنّ ا هو إعالن عن تح ّول من رصاع قائم بني الفقراء أنفسهم لصالح مستغلّيهم ،إىل رصاع هؤالء الفقراء يف مواجهة م ّدعي متثيلهم .ويعني ذلك يف رسق من ِقبل األخوة الكاذبني عىل القمصان رسق القمصان ا ّدعاء لنب ّوة زائفةّ . ولعل متحور عمليّة ال ْ ما يعنيه أن ْ وحدها ،فألنها عالمة عىل انتامء البسيها إىل طبقة الفقراء ،إىل دائرة القداسة .ورسقها ما كان ّإاّل ال ّدعاء ذلك االنتامء ا ّدعا ًء زائفاً .مل يشأ الشاعر إذا ً أن يسبغ صفة األخوة عىل جامعة ليست لها تلك الصفة .ومقاومة مكر األخوة الكاذبني صرّي « دم الفقراء جميالً /لح ّد الغواية»؛ أل ّن تقديم ذلك الدم (تآمرهم) يُ ّ _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .40
يا أبتي العمي هم فإنّ الذين أتوا بقمييص ُ ُ والجب أخربين كم هم مظلمون ّ والعمى يف القلوب ولو وسعت حدقات العيون وجاءوا ،ويف دمهم حملوا الذئب يا أبتي طوال الطريق؛ ألنهم فشلوا يف امتالك اليقني»(.)1 عاّم نفذت إليه رؤيته .ما يشغل خلعت األشياء ،مع الشاعر ،هويّاتها املوضوع ّية لتتّخذ هويّات ف ّن ّية تتكفّل بالكشف ّ أي عمق من ذلك الدرب قد نفد؟ باله تع ّرف الدرب املوصل إىل الوطن .فإىل ّ
رشا ً تب ّدل الناس واختلطت األمور عليهم حتّى لكأ ّن نيتشيه قد رشح لهم عدم ّيته وأراهم كيف ميكن أن يكون الخري ّ
رش عىل الخري داخل هذه الثنائ ّية ،فالتبس الض ّد بالض ّد ،فآمنوا بدرسه التفكييكّ .إ ّن تعدية رش خريا ً ،وأن يتعاىل ال ّ وال ّ
الفعل (أعرين) املسند إىل أبيه يعقوب مبا يرمز إليه ،إىل عمى ذلك األب ،ال تعطي العمى هويّة اآللة املفيدة فحسب،
ولك ّنها تستحرض التجربة اليعقوب ّية مع غياب يوسف (سجن عمر) أيضاً ،فيسبغ ذلك عىل الشاعر السجني هويّة اليوسفي القرآين .صار مثارا ً نبويّة .والقميص يف قول الشاعر« :فإ ّن الذين أتوا بقمييص هم العمي» مل يعد القميص ّ
لدالالت تقع داخل التجربة العمريّة .فقد أومأت رمزيّة ذلك القميص بغري إشارة إىل أ ّن الذين يس ّمون أصحاب عمر، رسوا لسجنه ،وتخلّصوا من حضوره .إ ّن أرسارا ً وإن مل يلقوا به ،بشكل مبارش ،يف غيابة السجن العرشيني ،إال أنّهم قد ّ
والجب ،هو كثرية يف تجربة الشاعر قد أشري إىل وجودها من دون أن يُفصح ،بشكل دقيق ،عن حقيقتها .كيف ال، ّ اآلخر ،مل يعد ج ّبأً موضوع ّياً ،التبس بالسجن هويّة وماه ّية ثم تح ّول إىل عالمة دالّة من خالل إسناد الفعل (أخرب) إىل
الجب وتعديتع إىل (ياء) الشاعر؟ وتتكشّ ف الداللة من خالل الكناية ،مادة الخرب« ،كم هم مظلمون» .أخرجتهم ذلك ّ هذه الكناية القامئة عىل استعارة الظلمة من البرئ وإسباغها عىل األصحاب ،أصحاب الشاعر من خالل إسناد إسم
رش)؟ ولعل ما الفاعل (مظلمون) إليهم .ح ّولتهم من برشيّتهم ليصريوا فضا ًء للتيه .كيف ال ،والظلمة مرتع الذئب ّية (ال ّ
اتصف به هؤالء األصحاب ناجم عن أنّهم «فشلوا يف امتالك اليقني» .هل يشري ذلك إىل أنّهم حاولوا امتالك اليقني فلم
يوفّقوا إىل ذلك ،وإ ّن عمر .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .59 -58
_______________________
يوسف /الطلقاء» .إ ّن استحضار رموز من مثل أخوة يوسف والطلقاء يعني أ ّن الحسد واالرتداد واقفان باملرصاد الجب الذي تكفل رمزيّته بجعل هذه األسطر الشعريّة الثالثة كناي ًة تشري إىل عنا ٍد للشاعر املقاوم وأ ّن مصريه إىل ّ أسطوري تتّسم به شخصيّة عمر ،واقعاً وشعرا ً .وأكاد أقول :إنّه ال يعلو تصميمه عىل سلوك الدروب الخطرة ،حني ّ االفرتايض إمياناً ال ميكن أن يثنيه أي تصميم .ويف ذلك كناية ضمن ّية تق ّدم لنا إميان عمر بوطنه يقتيض الوطن ذلكّ ، ّ أي مع ّوق أو خسارة مهام بلغا من الخطورة والضيم .وهو وإن يئس من العبور إىل ذلك الوطن ،وإن عرف عنه ّ مس ّبقاً أنّه ذاهب إىل نوع من أنواع الهالك ،فإنّه ال يخلع نفسه حني يخلع اآلخرون أنفسهم «يزوغون» .الوصول إىل يخص التخيّل عنه أمام صعوبة تعرتض ،الوصول موقف الوطن املنشود ليس هدفاً بسيطاً عاديّأً ميكن ّ وجودي ذايتّ ّ ّ ولعل هذا املوقف النها ّيئ بالنسبة إليه قد تكفّل بتفجري أملٍ من نو ٍع ما يف نفسه. عمرّ . « ال تبتئس يا أيّها املرتوك الجب البعيد يف ّ س ّيارة تأيت، وتبتدئ النب ّوة من جديد»(.)1 تطل بغري التفاتة نحو أكرث من اتّجاه مح ّملة بالعتب املشوب إ ّن مناداة نفسه «يا أيّها املرتوك» كناية عميقة الغور ّ بكثري من اليأس م ّمن تركوه ،وبالعتب امل ّر املو ّجه إليهم .وال يخفّف من مرارة ذلك العتب نهيه الذات عن اإلبتئاس الجب بالبعيد فإشارة شديدة الوضوح إىل السجن الذي مكث الشاعر فيه عرشين عاماً. «ال تبتئس» .أ ّما وصف ّ بالجب ليس إشارة إىل يوسف ّيته فحسب ،ولك ّنها إمياءة إىل أ ّن خالصه لن يكون إال بامتداد يد وتسمية ذلك السجن ّ الغيب ،املشيئة اإللهية ».سيارة تأيت /،وتبتدئ النب ّوة من جديد» .توجد إشارتان يف هذا الكالم :واحدة ارتداديّة تومئ إىل أ ّن الشاعر يوم تع ّرض لألرس كان يعتقد أنّه ميارس فعل النب ّوة ،فعالً رسال ّيأً تجاه وطنه وتجاه قومه ،وثانية
نبوي ،وإن كانت النب ّوة الثانية مؤسسة عىل األوىل ومختلفة عنها .الثانية حركة مستقبليّة متكّنه من مامرسة فعلٍ ّ
الجب (السجن) البعيد كان رسب إىل نفسه وهو يف غيابة ّ تصحي ّحة لألوىل تص ّوب الهدف والطريق .إ ّن األمل الذي ت ّ نوعاً من شعور الذات با ّن نب ّوتها (رسال ّيتها) ستكتمل .وتبلغ نب ّوة عمر (رسال ّيته) أقصاها حني يخاطب أباه مبا يرمز إليه عىل لسان يوسف قائالً: «أعرين عامك ليك أبرص الدرب _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .46
«ال بدّ من سجني ليكتمل الضياء أشعلت ليل السجن بالرؤيا أفرّس ويسألني (العزير) ليك ّ ما يُقال وراء باب يا س ّيدي شقّت قمييص أ ّمتي العزالء من ُقبل ،ومن ُدبر
عىل أنقاض أبواب العواصم كلها. رمّبا تجد الجواب»(.)1 واسأله (زليخا) ّ
ه ّيأت لنا الرموز اليوسف ّية (:السجن ،والعزير ،والباب ،والقميص ،وزليخا) مسبارا رؤيويّاً يتوغّل بنا إىل عمق دفني من أعامق واقع األ ّمة .لقد خرجت (زليخا) من ثوب امرأة غاوية لتأخذ حجم األ ّمة ،لتتل ّبس هيئتها ودورها «يا سيدي
شقّت قمييص أ ّمتي» .يعني أ ّن األ ّمة قد استلفت من (زليخا) غوايتها ،ومن العزير الزوج املصدوم رمزيّة املواطن
الصادق املخذول ،ومن يوسف الذي ق ّدت أ ّمته العزالء «قميصه من قُبل ومن ُدبر» وأدخلته السجن ،استفاد الشاعر منه عصارة عذاباته العابقة برمزيّة ساحرة .أ ّما (السجن) فيمثّل اإلضاءة األقوى ملن آمن بعروبته ودوره ،خصوصاً بعد أن أُخرج القميص الذي شُ ّق من قُ ُبلٍ و ُدبُر ،من كونه عالمة صدق أو كذب ليك يصبح عالمة والدة جديدة ،والدة
مخلّيص األ ّمة من تر ّديها .نعني بهم أولئك الذين يكتمل الضياء معهم فيشعلون ليل سجنهم بالرؤيا .فهل يعني ذلك العمري يولد من هذا الحريق؟ أ ّن األ ّمة قد وصلت إىل أرذل عمرها ،فباتت محتاج ًة إىل فينيق عىل الطراز ّ
االنتفاضة الفينيق السوداوي عالمة ق ّوة ،وإعالن انتصار قادم: الوجودي يف مثل هذا املناخ يصبح الذا ّيت ّ ّ
«يا س ّيدي فليقتلونا ،إمّنّ ا أعامرنا
ستجيء يف جيلٍ يقوم من الدما ِر كل أ ّفاك مريب ليك يحاسب ّ من كرثة القتل استعدنا وعينا وبه عرفنا كيف نرجع للحياة
...... .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .27 – 26
_______________________
وحده من نجح يف تلك التجربة؟ وهل قاد الفشل األخوة ليك يصبحوا ذئاباً يف مواجهة عمر؟ هل يس ّوغ شاعرنا ضاللة من آذوه؛ ليخفّف من مفاعيل اإلت ّهام الذي وج ّهه إليهم؟ إنّها الغربة امل ّرة التي استولت عىل زمن عمر وحياته. قومي إنسا ّين: ليطل بهام عىل ما هو الوجودي ّ ويرتقي الشاعر بحزنه وسجنه من بؤرة الذا ّيت ّ ّ كاشف من باع حزين للعدو «انا ٌ وباع عمري للسجون ٍ عصف خصيب»(.)1 وراح يومض دومنا مط ٍر وال ماّم أراد له تضعنا هذه األسطر الشعريّة الثالثة يف مواجهة بني طرفني :األ ّول التاجر الذي أخرجته الكناية (أنا ٌ كاشف) ّ كل قيم الخري واألخالق .كيف ال ،وقد التاجر أن يكون ،لتق ّدمه قادرا ً عىل املواجهة ووضع التاجر هذا يرينا إ يّأه فاقدا ً ّ كل من تع ّدى الفعل (باع) إىل كلمتَي( :حزن) و ( ُع ْمر) املضافتني إىل ياء الشاعر ،وهذه التعدية كفيلة بتقديم ّ (الحزن) و (العمر) سل َعتني تومئان إىل ٍ خلقي قائم عىل تشييء ما هو إنسا ّين يتّصف به هذا الحاكم التاجر؟ تلف ّ وإذا اقتىض البيع مشرتياً ،فمن هو هذا املشرتي؟ إنّه العد ّو بالنسبة إىل الحزن ،الحزن الذي يق ّدم الضح ّية قام ًة وطن ّية بكل ما تحمله العاملة من قذارة .أضف إىل ذلك أ ّن املشرتي بالنسبة إىل ال ُعمر هو السجن، عالية والبائع عميالًّ ، السجن الذي يُراد منه تعطيل العمر وتحويله إىل ٍ تلف بال جدوى. أطل الذايتّ بق ّوة من خالل ثنائية (الحزن والسجن) مبا ينطوي عليه من ٍ القومي الوطني وجودي ،فإ ّن بعد إنسا ّين وإذا ّ ّ ّ ّ حاّملة ه ٍّم يقع خارج الذات ليشري إىل قد بدا مستف ّزا ً من الشاري (العدو) مبا يجعل من التضحية الذات ّية حزناً وسجناً ّ املبرّشباملطر ،فإ ّن الكناية فلسطني بغري إمياضة والتامعة .وإذا أعطى إسناد الفعل (يومض) ذلك البائع هويّة الربق ّ ٍ عصف خصيب» قد انتقلت بذلك الربق ليكون برقاً خلّباً كاذباً يشري إىل مأساة م ّرة ابتليت بها األ ّمة، «دومنا مط ٍر وال اال ّدعاء الفارغ الذي رفعته األنظمة التي وصفت نفسها بأنّها أنظّمة وطنيّة معادية إلرسائيل .وذلك من خالل رفع الشعارات ال ّرباقة يف مظهرها .املفرغة يف حقيقتها ،فكانت مصيدة أوقعت من كان ك ُعمر ،املسافة بني قناعاته وسلوكه رس م ّجانيّني. معدومة ،بحزن وأ ٍ وماّم يجدر ذكره يف هذا املقام أ ّن قميص يوسف يف هذه املجموعة قد اخترص تجربة األ ّمة ومعامل تدهور ثقافتها. ّ _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .76
ضمني .وإذا كان الجمل إشارة إىل القبول بالح ّد األدىن .بقدر ما هو إشارة إىل التأسيس عىل معاين الهجرة النبويّة ،كام ّ أرشنا ،فإ ّن االستدراك»ولكن ،وهو يلبس ع ّزة أو غ ّزة» إمّنّ ا يص ّوب البوصلة التي تزري بالحاكم العر ّيب الذي دخل دائرة الذلة والهوان أمام العد ّو الصهيو ّين من جهة ،فصار بال (ع ّزة) ،وأبدل ،بالهدف الحقيقي ،هدفاً طائشاً ،فصار بال (غ ّزة) وما ترمز إليه من جهة أخرى .مل تعد إرسائيل هي العد ّو .صار الواقفون مع فلسطني هم األعداء .كيف ال ،والكناية «يستقبل األطفال ناقته» ال تنحو بالالمئة عىل الحاكم العر ّيب وحده ،ولك ّنها تتعداه إىل جيل كامل فشل يف تحرير فلسطني ،حني ضيّع البوصلة والطريق ،فاستبدلت به جيالً جديدا ً ،جيل األطفال ،جيل الجرح. كلمة أخرية عاّم حملته من هموم وقضايا .ويأيت عىل رأس تلك وعرّب بشعريّة عالية ّ ويبقى أ ّن وعورة املاء عنوان كفل املجموعةّ ، الهموم والقضايا قدرة الشاعر عىل اجرتاح التفاؤل يف الزمن العصيب .تلك القدرة التي قاربت األسطورة بغري نسب. والعودة إىل املجموعة ال تكشف عن قساوة املرارة التي تج ّرعها عمر اإلنسان وعمر الشاعر يف أثناء اجتيازه ذلك العمر املرتع بالتح ّديات الج ّبارة فحسب .ولك ّنها تكشف عن إميان عمر العميق بثنائ ّية(الوطن والحياة) ،وقدرته رس ّي سا ٍر يف عروقه ،اسمه التفاؤل باملستقبل أيضاً .واملجموعة ،إىل ذلك ، ،متثّل العجيبة عىل املحافظة عىل نسغ ّ تح ّوالً واضحاً يف لغة عمر الشعريّة ،ويف صوته. أي امتشاق لسيف الكلامت التي تتوخى لفت انتباه فالكناية مبا متثّله من التصاق حميمي بالشعريّة بعيدا ً من ّ ّ ماّم تتوخى ش ّده وإدخاله إىل املناخات الرسيّة التي تكتنزها تلك العظمة ،شكّلت عامد القارئ إىل عظمة اللغة أكرث ّ الشّ عريّة التي ارتكزت إليها هذه املجموعة العمريّة .مل يعد عمر لرييد من الشعر سوى عدل طقسه وحكمة محراثه بكل بساطة وعفويّة ويرس .كيف ال ،وقد وأثالمه ،عىل ح ّد تعبري سميح القاسم .صارت لغته الشعريّة نفساً يتنفّسه ّ تجاوز صوتُ ع ُمر يف هذه املجموعة صوته الذي كان له يف مجموعاته السابقة .بات عصارة تجربة ُع ْم ٍر م ّرة .فيه حكمة الشيخ بقدر ما فيه من أحالم الطفولة املعذّبة وعنفوان الشباب الحامل بوطنٍ ح ٍّر سعيد .إنّه ُعمر الصادق
صدق الرباعم والينابيع ،ال يغريه يشء عىل الخروج من دنيا الرباعم ،وال يلهيه ال ٍه عن التف ّرغ لدفق الينابيع .إنّه عمر الذي ميثّل سلوكه عني قناعاته ،ولذلك استطاع أن يصيح ملء فيه: كاشف من باع حزين للعدو « أنا ٌ وباع عمري للسجون ٍ عصف خصيب» .حوش الرافقة يف 2016/6/2 وراح يومض دومنا مط ٍر وال
د ُمك الفلسطيني آخر راية ظلّت لنا دمت تُقتل ثم ترجع يف الصغار ما َ فلن منوت؛ ألن جيالً واحداً ما عاد يكفي ..... وما زلنا بأفكار العروبة مؤمنني»(.)1 السيايس) الباقي لنا ،والذي يجب أن نعمل لقد تض ّوعت رائحة الفينيق من هذه األسطر الشعريّة ،ق ّدمت لنا ( البيان ّ مبوجبه ويف ضوئه .الشهادة التي تستنسخها األجيال ،جيالً عن جيل ،وحدها ما بقي للعروبة من طريق للقيامة،
وترشئب االنتفاضة من محاق األ ّمة ضوءا ً بازغاً باألوجاع والصعوبات وآالم املخاض. لتحرير فلسطني. ّ
«يا س ّيدي التاريخ إنّا جائعون لصنع قائد ولصنع ٍ نبي او مجاهد سيف أو ّ يأيت ،ولو يايت عىل جملٍ ،ولكن
وهو يلبس ع ّزة أو غ ّزة باب يستقبل األطفال ناقته ،لتربك عند ٍ ليس يفتحه سوى من كان باسم الجرح عائد»(.)2 أسند الشاعر اسم الفاعل الجمع (جائعون) إىل الجامعة (نا) التي ينتمي إليها مؤكّدة بالحرف املش ّبه بالفعل إ ّن،
لتتشكّل من هذا اإلسناد كناية عالم ّية ،خصوصاً ا ّن هذه الجامعة تق ّدم نفسها للتاريخ الذي خاطبته بوصفه س ّيدها، َ ومحك نجاحها أو فشلها .فمن هي هذه الجامعة؟ وإالم جاعت؟ إ ّن تعدية الجوع «لصنع قائد /ولصنع ضابط إيقاعها نبي أو مجاهد» ق ّدم األ ّمة فاقدة القدرة عىل اجرتاح هذه املس ّميات األربعة مبا ترمز إليه .يعني أنّها قد سيف أو ّ كل ذلك ،إمكان ّية لوالدة جديدة؟ إ ّن الكناية» يايت ،ولو يأيت عىل جملٍ » ال قاربت ان تكون أُ ّماً عقيامً .فهل بقيت ،مع ّ تشري إىل قبول الح ّد األدىن البدايئ من تلك الوالدة ( املجيء عىل جمل) ،مبا يشري إىل رغبة جامحة الستقبالها فحسب،
تجىّل ذلك الجمل ناق ًة تربك حيث تؤمر ،وما مثّلته الهجرة ولك ّنها إمياضة إىل الهجرة النبويّة أيضاً خصوصاً بعد أن ّ وبرك الناقة من تأسيس لدولة ،ومن تح ّول إيجا ّيب يف مسار الدعوة اإلسالمية أيضاً ،ويف ذلك ما فيه من تفاؤل _______________________ .1عمر شبيل .وعورة املاء .ص .76 .2عمر شبيل .وعورة املاء .ص .41
ترسم عمله وتح ّدد املناعج التي سيصطنعها يف مقاربة شعر واإلشارة إىل دخول عمر عامل املتن ّبي من دون مق ّدمة ِّ شاعره ،وببساطة متناهية« :سأحاول التع ّرض لكل املك ّونات االبداعية الساطعة ...من خالل ...املناهج النفسيّة، واالجتامع ّية ،والتاريخ ّية ،واللغويّة ،حيث تقتيض الحاجة التي تتطلبها الحال الشعريّة الكامنة يف الحكمة أو يتعصب ألحدها ،أو مل يرفض أحدها .وانفتح ،بهذه الوترية، القصيدة» بدا منفتحاً عىل املناعج النقديّة املشهورة .مل ّ إشارة إىل أنّه مؤمن بأ ّن الحقيقة ال تكون ذات بعد واحد وهي ليست غائبة عن دائرة معارفه .وقبوله بوظيفت ّيها حيث تدعو الحاجة إىل أحدها دليل عىل أنّه لن يتّخذ واحدا ً مح ّددا ً منها مرجعاً محوريّاً لدراسته .وهذا ما أنزلها ولعل السبب يف ذلك أ ّن شخص ّية أدب ّية جميعها عنده منزلة هامشية ،وأ ّن شغله منهج التحليل النفيس أكرث من غريهّ ، نقديّة شهرية كشخصيّة طه حسني يق ّدر الباحث أنّها افرتت عىل املتنبي حني اتخذت من هذا املنهج دريئة متكّنها من ألح ،ويف غري موضع من كتابه ،عىل فتح حوار ج ّدي وعميق ش ّن حملة ظاملة عىل شخصية أيب الط ّيب الشعريّة .ولهذا ّ حول هذه املسألة .وما دمنا نتح ّدث عن تعامل الباحث مع املناهج ،علينا ّأاّل ننىس أ ّن املنهج اللغوي ،الذي انطلق فيه عمر من فهم خاص به ،قد حرض حضورا ً الفتاً يف املبحث املوسوم بعنوان« :البناء الصياغي يف شعر املتنبي»، خصوصاً حني واجه هذا البناء من خالل عنوانني محوريّني« :الكثافة الدالليّة للفظ» ،و»حركة الذات يف حركة الكلامت». وإذا ّ وىّف الناقد مبا وعد به من اللجوء إىل املنهج املناسب يف املوقع املناسب ،فإنّه مل يستطع أن يخفي طويالً املنهج املحوري الذي ارتضاه لدراسته ،قال« :إ ّن أفضل وسيلة لدراسة شاعر ،هي العودة إىل شعره ،واستقراء هذا الشعر. ّ وذلك سيكون أعىل من كل املناهج» النقدي؟ فهل يخفى كالمه هذا إحساناً بأ ّن املناهج قيود ،قد تعيق عمله ّ أي منهج ،مؤسساً عىل فهم مح ّدد لألدبيّة ،فإ ّن هذا الفهم مل يخلق من فراغ .هو وجهة نظر إذا كان املنهج النقديّ ، الفلسفة ،أو التاريخ ،أو علم ال ّنفس ،أو علم االجتامع يف األدب ّية .وهذا الفهم ،وإن ع ّدته حركة الشكليني الروس العلمية املنحى ،تد ّخالً من هذه الحقول التي تقع خارج األدب بشؤون األدب ،ولجأت إىل علم اللغة مدخالً إىل منهج تجىّل ،فيام بعد ،بالبنيويةّ ،إاّل أنّها تظل وجهة نظر حسبها علمي يف النقد ّ _______________________ .1عمر شبيل ،يا أيّها اآليت من املستقبل ،ص .147
عمر شبيل يف قراءته املتن ّبي د .عيل زيتون أن تواجه كتابة إبداعيّة يعني أنك تواجه رؤية إىل العامل برؤية ثانية .وما تقوم به نشاط نقدي يسعى ليكون كتابة إبداع ّية هو اآلخر. وأن تواجه كتابة عىل الكتابة يعني أنك تواجه رؤية إىل رؤية ثانية برؤية ثالثة .وما تقوم به هو نقد النقد .واشتغال الرؤية عىل رؤية اشتغلت عىل رؤية ثالثة يضعنا أمام رؤى .وهذا الحوار هو مفتاح األدب ّية املحفوف باملخاطر، مخاطر مجانبة العلميّة. وأنت تخطو الخطوة األوىل يف كتاب عمر املفتوح إىل املتنبي تجد نفسك أمام حوار بني سامان وجلجامش.يسأل سامان « :ملاذا تحاول املستحيل» ،فيجيبه جلجامش« :إذا كان يجب ّأاّل أفعل ذلك ،فلامذا خلقت يف قلبي هذه الرغبة القلقة؟». وال تستطيع ،مسكوناً يرؤيتك ،أن مت ّر مرور الكرام عىل هذه الحواريّة التي تص ّدرت الكتاب .تستوقفك لتق ّدم إليك الوجودي مفتاحاً من املفاتيح التي سيعتمدها عمر يف فتح مغاليق شعريّة شاعره األثري. القلق ّ الثوري يقل حضور لوركا ق ّوة عن حضور جلجامش .تستوقفك رصخته «أناديك ،وأبيك وأقاوم» لتق ّدم إليك القلق وال ّ ّ تفرّس ثنائ ّية (الخلود /الثورة) شعريّة املتن ّبي؟ مفتاحاً ثانياً من مفاتيح عمر .فعل ّ كل مفاتيحه ،ليدخل بك رحاب معلّقته العصامء يف املتنبي. هكذا ،من غري مق ّدمة ،يحمل شاعرك املسكون بالثورة ّ وأنت ،ليك تكون عىل أُهبة املغامرة التي يدخلك إليها عمر ،عليك أن تتز ّود مبفاتيحك الخاصة لتكون محاورتك فرادة أحب ومع من كره ،مع عمر مجدية .ففرادة عمر قامئة عىل تصالحه مع ذاته ،مفتاحه إىل التصالح مع العامل ،مع من َّ أولئك الذين انضوى تحت راية عسكرهم ،ومع أولئك الذين شهر عليهم السالح ذات يوم .أحد يرقى إىل املصالحة التي أقامها مع اإليرانيني؟ قرأ شاعرهم ،آية وجدانهم ،حافظاً الشريازي بلسان عر ّيب شعري فصيح .لقد أنجز عمر املصالحة واكتفى بها.
إ ّن وجموعة من اإلشارات قد تحيلنا إىل زمن ما قبل اإلسالم مصدرا ً لتلك الروح .كان املتنبي ،بالنسبة إىل الباحث «يحمل الذات العربيّة ،يف الزمن البويهي ،أعاد الحيويّة باندفاع لقيم الشعر الجاهيل ،وحمل وجع الصعاليك ومت ّردهم وتف ّردهم» هل يوحي هذا الكالم بأ ّن الذات العربيّة الخالدة هي ذات البدايات ،أو أنّها قد تك ّونت وشهدت اكتاملها يف تلك املرحلة؟ «تحتل مساحة كربى يف شعره ،أل ّن العرب ّ يصب يف هذا االتجاه كالمه عىل الكرم يف شعر املتنبي .فهذه الفضيلة ّ اختزنوا سمة الكرم يف دواخلهم» وأن نغزو هذه الفضيلة إىل إرث مستمر من الجاهل ّية يعني أ ّن الشخص ّية العرب ّية نتاج مرحلة الوالدة وأسريتها .يؤكّد هذا ما رآه الباحث من أ ّن املتنبي كان «يرى أ ّن العروبة مبعناها الحضاري املك ّون للشخصيّة العربيّة ال يتناقض مع إنسانية عرفها العرب يف رسالة االسالم» .وهذا القول مثار ألسئلة غري محسومة تتعلّق برتاسل العروبة واالسالم من وجهة نظر اجتامعية ثقافيّة. ومهام يكن من أمر ،فإ ّن هذا املنهج التكويني الذي يؤمن بأ ّن السلطة االبداع ّية من ح ّيز شخص ّية األ ّمة وروحها ،قد عرّب الكاتب من ألفه إىل يائه عىل شكل مسلّامت انطلق منها الباحث [من دون أن يحاول اقناع القارئ بها ليكون ّ عىل ب ّينة من أمره]. كل ذلك ،أ ّن خربة عمر الشاعر ومعارفه النقديّة قد جعلته يتعامل مع األدبيّة بعلميّة واضحة .يقول« : ويبقى ،مع ّ ومؤرّشا ً عليها وليس الحال ذاتها» .والفصل يظل مرآة اللفظ [وهو يقصد به الكالم] مهام اقرتب من الحال الداخل ّية ّ ّ بني ما هو مرجعي (الحال الداخلية ...مادة الشعر) وما هو شعري (الشعر نفسه) هو فصل علمي .ال أظ ّنه حني قال (مرآة للحال) قد ارتكز إىل نظريّة االنعكاس األدب ّية التي باتت مرفوضة مع حركة الشكليني الروس ،أل ّن عطفها عىل قوله( :مؤرشا ً عليها) ،قد أبعد فكرة االنعكاس النسخي .فالكالم ليس الحال ذاتها كام يقول .ومل تكن الحال ذاتها فامذا تكون؟ تكمن اإلجابة عن هذا السؤال يف متييزه بني الشعر ومرجعه يف أثناء تحليله قصيدة «واح ّر قلباه» حني قال « الدوري وظل لها هذا ح ّول املتنبي الخصومة يف هذه القصيدة إىل لوحة خالدة .فالخصومة ذهبت بآنيّتها وتالشتّ ، ّ _______________________ .1عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص.16 .2عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص .99 .3عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص .102 .4عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص .68
أن تلتقط جزءا ً من الحقيقة األدب ّية ،وال ميكنها أن تلتقطها كاملة .فالحقيقة األدب ّية هي حقيقة قيد التشكّل .والعقل البرشي غري قادر عىل متثّل ما مل يكتمل تكشّ فه .فهل ير ّدنا عدم ركون النقد األديب إىل منهج ميسك الحقيقة كلها، النص الشعري؟ النص الشعري لدراسة ّ ودفعة واحدة ،إىل منهج عمر شبيل القائل باالنطالق من استقراء ّ إ ّن وجهة نظر عمر مبنيّة عىل وجهة نظر جديرة بأن نتوقّف عندها .الشعريّة التي تشكّل مادة النقد كامنة يف الشعر .وعلينا أن نبحث عنها يف الشعر .والسؤال الذي يواجه عمر :عل ميكننا أن نتعامل مع الشعر من دون أن يكون لدينا مفهوم مح ّدد له؟ أي جانب من الوجود ،اجتامعياً إ ّن أحدا ً من البرش ،مهام ّ قل شأنه خل ّو من رؤية إىل العامل .وهو ال ميكنه أن يتف ّحص ّ كان أم سياسياً أم ثقافياً أم أدبياً ،بشكل مستقل عن رؤيته تلك .وال تكون تلك الرؤية فاعلة إذا مل تكن مرتكزة إىل مفهوم خاص مبا تعانيه الشعريّة هنا .فهل يعيدنا هذا إىل الدائرة التي أراد الباحث أن يتخطّاها؟ البحثي .هذا الهاجس هو ويبقى مع كل ذلك ،أ ّن هاجساً قوياً عند الباحث كان حارضا ً يف مختلف تفاصيل نشاطه ّ النقدي الخفي الذي مل يعلنه رصاحة ،وإن أومأ إليه باستمرار الفت .ويندرج منهجه هذا يف املناهج التكوينية منهجه ّ [فهو مل يقل بأ ّن ظروف والدة الخطاب األديب هي املك ّونة ألدبيّته كاملنهج التاريخي ،وال االنتامء االجتامعي ،وال عامل الالشعور كمنهج التحليل النفيس] .عزا االبداع إىل روح األ ّمة .فعباقرة األ ّمة ومفكّروها ومبدعوها « ...جزء من صنيعها االبداعي الحضاري» .ولقد «كانت خصائص األ ّمة النهضويّة كامنة يف شعراملتنبي» ،ونتاجه الشعري مل يخرج «عن السامت االنسان ّية العميقة التي تشكّل مبجموعها الشخص ّية العرب ّية الجمع ّية» . يقودنا إلحاح باحثنا عىل روح األ ّمة مك ّوناً للشعريّة إىل أن نسأل :وما روح أ ّمة من األمم؟ هل توجد مكتملة دفعة واحدة ،وتستمر عىل حالها أبد الدهور؟ ما الذي جعل األ ّمة العرب ّية ذات روح إنسان ّية؟ هل ذلك خلقة خالق أم انجاز أنجزته األ ّمة؟ وهل توجد أمم ال تحمل روحاً إنسانيّة؟ وملاذا؟
_______________________ .1عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص .7 .2عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص.66 .3عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص .100
ولقد أومأ الباحث إىل سلطة الثقافة يف انتاج شعريّة املتنبي بإشارات عديدة ميكن احصاؤها وتحليلها لو أ ّن يف املناسبة سعة لذلك. كلمة أخرية: إ ّن عجالة كهذه ال ميكنها أن تفي سفرا ً جليالً ككتاب عم شبيل املوسوم بعنوان « :يا أيّها اآليت من املستقبل» حقّه .مثّة رسين أن أقف عند واحد من تلك األسئلة .أعني به عالقة الشاعرين عمر واملتنبي. أسئلة كثرية يثريها هذا الكتاب .وي ّ هل ق ّدم عمر املتنبي وجهاً ثانياً لعمر؟ هل اكتشف نفسه يف املتنبي م ّرة ويف حافظ الشريازي م ّرة أخرى؟. املتنبي عنده مؤمن بالعمل السيايس ،انتامؤه إىل حزب القرامطة تعبري عن رغبته يف خلخلة الواقع العريب الغارق يف ظل طوال حياته يقيم الجسور بني الشعر واملقاومة ،ومل يقف شعره ،الحياد يف االنقسامات والهوان والضعف .وهو ّ معركة األ ّمة .وتدفعنا رؤيته هذه إىل املتن ّبي لنسأل من هو األمني العام لحزب الوحدة العرب ّية املتن ّبي أم عمر؟ ال يوجد من يشبه عمر .هو مثقّف كبري وشاعر كبري من دون أن يكون نرجسيّاً .إ ّن أحدا ً من الشعراء الكبار ال يكلّف نفسه ما كلّف عمر نفسه ،إن أحدا ً منهم ال يفسح يف داره لحضور شاعر آخر مهام كان كبريا ً حافظ الشريازي كان أم املتنبّي .ملاذا ال تكون نرجسيّاً يا عمر؟ عمر شبيل بني الرتجمة والنقد د .عيل زيتون عمر شبيل وأزمة شعرنا الراهن من أين ابتدئ الكالم؟ سؤال تفرضه شخصية الشاعر غري آبه ٍة مبا صاغه حكامء البنيويّة من وجوب التمركز داخل الكالمي داالً ومدلوالً ،أم ٌر النص وهم ساعون ليكونوا علميني .العلمية التي توجب االنطالق من املحسوس ،النسيج ّ مطلوب .ولك ّن هذا النسيج مل يتخلّق ويأخذ وضعيته الجاملية مستقالً .وعدم االستقاللية يجعل من النتائج التي تق ّد!مها تلك العملية املفرتضة يف مقاربة النصوص نتائج غري علمية مبا فيه الكفاية .كيف أُحيّد عمر شبيل وأنا أقرأ نصه؟ إذا كانت أزمة الحركة اليسارية اللبنانية قامئة يف املسافة التي كانت تفصل كلمة (قال) عن كلمة (فعل) ،فإ ّن َّ عمر موجود خارج دائرة تلك األزمة. عد إليه يف كل تفصيل من تفاصيل حياته ،تجده ق ّوالً ف ّعاالً .ال يتأخر فعله عن قوله ّإاّل مبقدار ما يحتاج الفعل إليه من أهبّة فكريّة ونفسيّة وجسديّة ،أرى أنّه رشيك وهي أهبّة منهجيّة مطلوبة .وال أ ّدعي أ ّن هذا املزاج الذي يتمتع تفسرينصه ،ولكنني أرى أنّه رشيك التموضع ،داخل ال ّنص ،يف الكشف عن إبداعية الشاعر. به شاعر قادر وحده عىل ّ
(املعرّب) املتع ّدية إىل (مكنونات النفس) وما يشري إليه التعبري عن ولعل كلمة املعرّب عن مكنونات النفس» ّ . ّ الخارق ّ
املكنونات هي وظيفة كشف ّية قامئة عىل قراءة خصوص ّية مح ّددة ،هي الح ّد الفاصل بني األدب ّية ،ومرجع ّيتها الواقع ّية. تؤكّد ذلك كلمة (ح ّول) املسندة إىل املتنبي .فهي تضعنا أمام تح ّول الرحيق إىل عسل .وحني يصري الرحيق عسالً فإنّه
ال يبقى رحيقاً .ولنئ ّ دل الفصل عىل يشء ،إمّنّ ا يدل عىل سعي دائب من الباحث لالمساك مبا هو فني يف شعر املتنبي. فهل استطاع الوصول؟ ذهب الباحث إىل أ ّن التعبري القائم عىل «اإليحاء وفتح اآلفاق التي ال تنتهي ،هو مكمن املزيّة االبداع ّية ،إذ تخرج األلفاظ « عن معناها القامويس ودالالتها املاديّة املبارشة ،يف كشف املكنون النفيس املتش ّنج يف الصدر» .واملتنبي ،عند عمر « ،كان ُمُيِ ّر الحدث عىل معمله الفني ...فيبدو الحدث أعمق يف الحدث اآلخر الذي
صاغه املتنبي» .فام املعمل الفني؟ وما معنى أن يكون الحدث أعمق يف الصياغة منه يف الواقع املرجعي؟ الذي ال شك
أي شاعر فيه أ ّن عمر قد أراد باملعمل الف ّني رؤية الشاعر ،بصمته الخاصة التي ترى من الواقع املرجعي ما ال يراه ّ آخر .وأن يكون ذلك الحدث أعمق يف صياغة املتنبي يعني أنّه خضع إلعادة تشكيل بفعل رؤيته. رس خلودها، إ ّن الخصوص ّية والفرادة قوام الشعريّة عند عمر تلك الفرادة التي اصطنع الباحث ،من أجل الكشف عن ّ ثالثة مقاييس ال ميكن نكرانها:
مالمسة النفس االنسان ّية يف محاوالت صعودها إىل األعىل. -احتضان الوجدان الشعبي الجامعريي لهذا النتاج.
استمرار هذا االحتضان لعصور طويلة.وإذا سألنا أنفسنا :ملاذا ما زلنا نقرأ طرفة بن العبد ،وابن املقفّع ،وطاغور ،لكانت اإلجابة يف مقاييس عمر .وإذا كان املقياس األول قامئاً داخل الخطاب ،فاملقياسان اآلخران قامئان خرجه .وهام مع أهميتهام ال يشكالن سوى عمل الفني ال ميكن احصايئ يتطلّب تفسريا ً وكشفاً عن داللته .وال تكمن تلك الداللة ّإاّل مبا هو فنيّ . وماّم يجدر ذكره أ ّن ّ
فصله عن الثقايف ،أل ّن قراءة العامل املرجعي من شاعر ما ال تت ّم ّإاّل من خالل رؤيته (ثقافته) .والشاعر الكبري ال يكون
خص ثقافة املتنبي مببحث خاص متعلّق كبريا ً ،ألنّه بالغي كبري ،ولكن ألنّه مثقّف كبري .وباحثنا مل يهمل هذه الناحية ّ مبصادر تلك الثقافة .هذه املصادر التي أرتنا أبا الط ّيب مثقّفاً كبريا ً أمسك بثقافة عرصه وطرح عليها من األسئلة ما
يحرجها.
.1عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص .214 .2عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص .360 .3عمر شبيل .يا أيّها اآليت من املستقبل .ص
_______________________
شهدت الثقافة العاملية علوماً جديدة تطال اللغة والشعر واألدب كام شهدت انعطافاً يتجىل بارهاصات انتقالها من مرحلة الحداثة إىل مرحلة ما بعد الحداثة .ولقد اتسمت املرحلة الجديدة يف الغرب بإزاحة العقل عن عرشه .مل يعد عندها مرجعاً صالحاً لتمييز الخطأ من الصواب .صارت األنظمة العقلية ،ما بعد الحداثة ،أنظمة بالغية ،أو هي القوي الحقيقة التي تصبح مج ّرد وجهة نظر. أنظمة يف االقناع يح ّدد فيها ّ ويبقى أننا مل نجب حتى اآلن عن سؤالنا اآلنف حول امكانية وجود أزمة تطال شعر عمر بسبب سجنه .العودة إىل مقدمة مجموعته املوسومة بعنوان «العناد يف زمن مكسور» قد تضع أمامنا املشكالت الثقافية والفنية التي واجهها نصه يفرّس هذا العناد استمرار الروحية اليسارية يف ّ الشاعر يف أرسه .وعناد العنوان بعض من خصوصية شاعرنا .وال ّ من دون غريه من الشعراء الذين تجاوزوها إىل روحية أخرى ال تزال تائهة ،أل ّن يساريته ليست منتمية إىل اليسارية الثقافية فحسب ،ولكنها منتمية إىل طفولته أيضاً .فهو متح ّدر من أولئك الذين يتعبون ويجعون ،ولقد كان فقريا ً إىل ح ّد مل يكن أحد أغنى منه .ولنئ أعادت تلك املق ّدمة عىل مسامعنا شعارات املرحلة األدبيّة الفائتة من مثل أن الكلمة وسيلة االنسان للخلود ،وأن الشعر فيه يشء من النبوة ،وأ ّن العمل الشعري يف أساسه عمل غري ملتزم ،إال أن ذلك ال يعني أنّه قد وقف عند تخوم املرحلة التي سبقت السجن .حسب الشاعر أن يكون ما يف جيبه كافياً لرحلة تسع عرشة سنة ،وحسبه أن يعيش تجربته مل يعشها شاعر من شعراء جيله فتكون عامالً مؤثرا ً يف إعادة تكوين آرائه النقديّة ،ويف إعادة تشكيل شعره .فااللتزام يف مصهر تجربته تلك «اقتحام ملوقع غري موطّأه[...والشعر الجيد عنده] شعر ملتزم باستمرار حتى ولو بعدت األسباب عن االلتزام مبفهومه املبارش الض ّيق» .ويصلنا كالمه هذا بأحدث النظريات النقديّة املتعلقة بالشعر ،فالجودة عالمات ثالث :أن يكون الشاعر مثقفاً كبريا ً ،متجاوزا ً فرديته ،يرى من جوانب الوجود ما مل يره سابقوه. بحسه املبارش أ ّن الزمن يف داخله كان ينهار ،كام أدرك أن الزمن وال أح ّمل كالم عمر فوق طاقته ،وهو الذي أدرك ّ العريب خارج السجن كان ينهار أيضاً ،وأ ّن عليه أن ينسج داخل هذين الزمنني رشنقة من الشعر والحزن يقي نفسه فيها من القساوتني .وشاعر هذه حاله ال ب ّد من أن تكون كتابة الشعر بالنسبة إليه محاولة ألن يكون .وتصبح مؤرّش يدلنا عىل أ ّن الكلامت، نصه مقهورة ومشحونة بالتوتر .ووعي بهذا القدر للعالمة اللغوية الشعرية ّ الكلامت يف ّ عنده خرجت من دائرة اللغة (األداة) ،لتدخل دائرة اللغة (الغاية) .فرؤية الشاعر إىل عامله ذاك ال تحتاج إىل كلامت (أدوات تعبريية) ،ولكنها تحتاج إىل كلامت تتخلّق ،تغيل كاملرجل متاماً كام كان الشاعر يغيل كاملرجل.
مل يكن عمر مثقفاً يسارياً عادياً .وصل بالثقافة اليساريّة ،مثله مثا أي شاعر كبري ،إىل مواضع حرجها .طرح عليها أسئلته امل ُ ّرة ،تلك التي ال تستطيع االجابة عنها ،أو تلك التي أمامها حائرة .وكان سلوك عمر يف أي موقف من مواقفه الحاسمة التي تضع حياته عىل املحك هو اإلجابة اليقينية الدامئة .وأسأل اليوم هل كان املطلوب من شاعر كبري بحجم عمر شبيل أن يرهن حياته ليسد املأزق الثقافيّة التي عاشتها أمتنا .وال أستكرث عىل األ ّمة أن يستشهد الشعراء ألجل عينيها .الشهادة دأب الصادقني من الشعراء وأهل الثقافة ،من زمن سقراط إىل زمن لوركا ،إىل زمن بابلو نريودا، إىل زمن آخر مثقّف ميوت واقفاً مقيامً تواشجاً وجودياً بني صوته ودمه. وال أح ّمل الثقافة وحدها مسؤولية ما جرى لشاعرنا ،املسألة أعقد من أي تبسيط ممكن .شاء القدر أن يسلم عمر، وأن يكون عمره طويالً ،وأن تكتمل الثقافة االنسانية يف شخصيته مخلّصة من كل بعد عنرصي ،وأن ترقى نوازعه لتصري نوازع االنسان املجرد يف مواجهة املصري البرشي عىل األرض هذه األيام .أين تجد إنساناً يسامح بتسع عرشة سنة تقضت هي اآلن يف طليعة املتص ّدين للمرشوع األمرييك اإلرسائييل يف من عمره ،أل ِّن الدولة التي سجنته بفعل ظروف ّ املنطقة؟ تخلّص عمر بفعل ما جرى له من كل النوازع الذاتية والضيقة والعمياء .أدركته الحال .صارت الحقيقة عنده فعل مكاشفة عرفانية جمعته وهو العلام ّين االنسا ّين بحافظ .كل الدروب موصلة إىل الحقيقة ،واالختالف حولها اختالف بني الظامل واملظلوم وليس بني طالبيها الصادقني .غاب تسع عرشة سنة عام كان دائرا ً يف الخارج من نشاط ثقايف .ونحن ال نعرف نوع الكتب التي كانت تصله يف سجنه ،وال عددها .ومهام يكن من أمر ذلك ،فإ ّن غياباً ما عن الثقافة كان مفروضاً عليه .والسؤال البديهي يف هذا املجال .كيف أث ّر ذلك عىل نتاجه الشعري؟ نعرف أ ّن اللغة والفكر ال يكونان ّإاّل توأمني يف الوالدة .ال وجود للفكرة من دون اللغة ،وال وجود للغة من دون الفكرة .وباالنتقال إىل اللغة الشعرية التي نبحث عن تأثري االنقطاع عليها ،فإنّها يف عالقة جدل ّية مع الثقافة .ال تستطيع العالمات اللغويّة تجاوز نفسها ّإاّل حني ترهص الثقافة بتجاوز نفسها .فهل يعني ذلك أ ّن أزمة يف مستوى من املستويات قد أحاقت بشعرية عمر؟ عاش شعرنا العريب يف النصف الثاين من القرن املنرصم الحداثة الشعرية من باب الثقافة اليسارية .والثقافة اليسارية التي انتجت ذلك الشعر ومن ضمنه شعر عمر قد آذنت باألفول مع انهيار الشيوعية يف العامل .وهذا ما جعل شعرنا من مرشقه إىل مغربه يعيش أزمة مل نستنب حتى اآلن عالمات الخروج منها ،ألننا مل نهتد بعد ،إىل ثقافة بديلة ناجزة تنتج لنا أدبنا .وال يعني ذلك أ ّن غياب عمر عن الساحة الثقافية غري ذي تأثري.
أي قراءة نقديّة هي وجهة نظر ،فالرتجمة وجهة نظر أيضاً .ولنئ تح ّدث عبده عبود يف كتابه «هجرة وأن تك ّون ّ النصوص» عن صعوبة الرتجمة األدبية من دون أن يتط ّرق إىل منطق الخيانة ،فألنه واقعي ال يطلب املستحيل .ولو عاد حافظ اليوم وقرأ نصه عىل لسان عمر لقال« :مل أقل هذا متاماً» .وهذا طبيعي .ومثل هذه الشهادة هي شهادة نجاح .كيف ال وقد أراد شاعرنا أن ينقل إىل العربية خص ّيصة حافظية؟ فرتجمة هذا الشاعر ،بنظر عمر ،إسهام يف نرش ثقافة املحبة والسالم ،ألن حافظاً س ّباق يف اكتشاف السالم الكوين ونبذ العنف .وذلك قبل الدعوة الحديثة لحوار الحضارات .وإذا كان من املستحيل أن متاثل فن ّية عمر فن ّية حافظ متاماً ،فحسب الرتجمة أن تؤدي ما هدفت إليه من ابراز حقيقة حافظ الدامئة .وإذا كنت ال أعرف الفارسية فثقتي بعلو سهم عمر الشعري تجعلني مطمئناً إىل نجاح الرتجمة ،وفاق مقتضيات الرتجمة. إر ٌم بروضها ،يضاف لحسنها هـل ُجسدت اال بضفّة جــدول
مـا ُء الحياة ،ومـا ييش بخلـود مع خمرة عرصت من العنقود
البيتان عرفانيان بامتياز يشدهام رمز الخمرة إىل مستوى تخلع فيه جميع الكلامت أثوابها ،تتع ّرى لتصبح ذوب الحقيقة املطلقة التي ينشدها الشعراء ،تتخذ لنفسها دالالت ما كانت لها لوال رؤيته .كيف ال والعامل املرجعي الخاص مبثل هذا الشعر ليس مرجعياً متاماً .العامل سلفاً غري العامل والكلامت غري الكلامت .نجح البيتان بقطع النظر عن رس ذلك حافظاً؟ الرتجمة .فهل ي ُّ ال ّنص الفاريس
ترجمته الحرفية
هجـــر مـــا رانيست بــايــان الغيـــاث
هـجــــرنـــا ليــس نهــايتــــه الغـــــوث
درد مــــا رانيست درمــــــان الغـيــث
أملنــا ليــس عـــالجـــــــــــه الغــــــوث
دين ودل برنـــد وقصـــد جــــان كننـد
أخذو الدين والقلب وكـان قصدهم الروح
الغيــاث ازجـــور خــوبــــان الغيـــاث
الغـوث مــن ظلــم الحســـان الغــــــــوث
در بهاى بوسه أي جان طلب من كنند
يــطـلـبـــــون الــروح مثنـــــاً لقـبـلــــــة
ايـــــن دلستــــاتـــــان الغيـــــــــــاث
هـــــــؤالء العـشــــــــاق الغـــــــــــــوث
خون مــا خوردند اين كــــافــر دالن
شــربـــوا دمــاءنــــا /كفـــــرة القـلـــوب
أي مسلمـانــان جـــه درمــان الغياث
أيها املسلمون كيف يكون عالج؟ الغــوث
همجو حافظ روز وشب ىب خويشنت
أيضاً حافظ يف الليل والنهار يبحث عن ذاته
كشـته ام سوزان وكــريــان الغيــاث
بحــرقــــــة وبكـــــاء ليصــل إىل الغيــاث
كل ما قال بليىل /ثم يصحو /ترجع الصحراء رمالً /وتُرى ليىل بال أشعاره تبحث عن معنى لها بني عندما يحرق قيس ّ النساء /مثلام تبحث أرض عن سامء /وترى «التوباد» من دون الجبال /هودجاً دون امرأة .وحديثه عن الشعر (الخالص) لن يتساوى مع خمرة النوايس ،يتجاوزها إىل عرفان حافظ. عندما غنيت يا زينب كان القاتلون /يرشبون النفط والويسيك عىل قرب الرسول /عندما غنيت يا زينب كان القاتلون/ يبرصون النار يف عينيك تجتاح البالد /ولذا ال ب ّد من ترجمة الصوت العضاء الوفود /كان يف عينيك حزن النبطيه/ ومواويل الجنوب األزليه. ما أريد الوصول إليه أ ّن سجنه قد عصمه من الوقوع يف األزمة التي عاىن منها ومالؤه الطلقاء ،وأ ّمنه من االنزالق إىل عاّم « تنبأ به األعمى» ما نبّه هو منه ،عنيت به أن يصبح النتاج وليد الحال الثقافية ال وليد الحال الشعرية .أبعده ّ فلم ينظم لنا أع ّم األفكار التي جاءت بها تفكيكية ما بعد الحداثة. ومهام يكن من أمر ،فانني قد استغرقت وقتي يف متابعة شخصية الشاعر بعيدا ً عن املدخل الثاين ،عنيت به متابعة نصه متابعة نقديّة .وال يكون هذا ّإاّل يف استحضار أمرين :األدوات الالزمة للقراءة ،والقراءة املتأنية .وهو عمل ال تتسع له مناسبة تكرمييّة خصوصاً أ ّن الشاعر قد ملّكنا نتاجاً ذا خصوصية فريدة مل نعرفها منذ أيام أيب فراس الحمداين .ومل يُفض أرس الشاعر بعدة مجموعات شعرية كبرية فحسب ،أفاض علينا بعمل كبري هو موضوع هذا اللقاء .عنيت به « حافظ الشريازي بالعربية شعرا ً». ولقد أدخلنا هذا العمل النادر باب الرتجمة األدبية من بابها العريض .فالحديث عن رضورة الرتجمة من نوافل القول، ألنه ال ميكن ألي برشي ،مهام اجتهد ،أن يجيد من األلسن إال ما هو معدود .وال تجربه قاعدة العودة الذهبيّة إىل النصوص األدبية بلفاتها (األم) أن يحرم نفسه من نصوص لغة يجيدها .الرتجمة رضورة ،وال يضطر املرء أن يربهن عىل صحة البديهي لوال بعض أولئك الذين يعتقدون أن األدب العاملي هو الفرنيس واالنكليزي .األدب العاملي موزع عىل خصوصيات أمم األرض قاطبة ومن بينهم الهنود الحمر .ويدعوين هذا الحديث إىل مقولة مفادها أ ّن الرتجمة خيانة للنص .والعودة إىل نظرية النظم الجرجانية تؤكد هذه املقولة .والرتجمة وإن كانت خيانة ،فإنها خيانة ال بد منها. النص االبداعي مثارا ً لتعدد القراءات ولعدم نهائيتها ،فإ ّن الرتجمة واحدة من تلك القراءات .وهي كالعمل وإذا كان ّ النص الفنيّة والدالليّة من أجل إعادة انشائها. النقدي استبطان لقيم ّ
كل املهتمني باألدب والثقافة ،عمر املتواضع يأخذ تشكّل مق ّدماته الطويلة التي يصنعها لكتبه عتاباً رقيقاً مو ّجهاً إىل ّ بكل همومها كل عبارة قبيلة ّ عىل عاتقه تقديم نفسه .وتواضعه ال يعني ا ّن مفاتيح أرساره مبذولة .إ ّن تحت ّ ومشاغلها وهواجسها وتطلّعاتها ،بالهوامش التي تقرتحها ،واألسئلة التي تجرتحها .قال « :استطاع حافظ بشاعريته املتف ّجرة من عامله الجوا ّين أن يضع آذان ق ّرائه عىل أذن قلبه» ،مستحظرا ً الشعريّة متاموجة مع ما ّدتها (العامل لفني للقصيدة هو املادة املرجع ّية نفسها وقد أعيد تشكيلها. خفي إىل أ ّن اإلجراء َّ الجوا ّين) ،مومئاً بطرف ٍّ [الحافظي] يشكّل انعكاساً للهب تلك النار املق ّدسة الحالة يف وجدان هذا املعتكف يف ولعل قوله إ ّن « الشعر ّ ّ محاريب العشق والجامل» ،هو قراءة للعمل ّية الشعريّة املعقدة .الشعر سلطة لها قوانينها ورشوطها ،والروح هي األخرى سلطة لها قوانينها ورشوطها .والرتابط بينهام خضوع متبادل لقوانني الطرف اآلخر ورشوطه .ولذلك فإ ّن لهب النار املق ّدسة الحالة يف وجدان حافظ ال ميكن أن يكون لهباً فطريّاً محضاً .صار إىل ما صار إليه بفعل ثقافة حافظ. ولعل أه ّم ما أمسك به عمر عن مفهوم الشعريّة ووظيفتها قوله« :الشعر الذي ال يثري الدهشة وطرح األسئلة ال يختلف عن ألف ّية ابن مالك كثريا ً» .فالشعر مل يكن يوماً من األيام صوغاً لألجوبة ،كان اجرتاحاً لألسئلة املريكة املحرجة .وهو يتو ّجه إىل العقل بقدر ما يحاول أن ميأل نفس املتلقّي بالدهشة حيال العامل الذي أنتجه ،بوصفه عاملاً مفارقاً للعامل املوضوعي املرجعي كام يراه العامة. حسه يف متابعة مفهوم الشعر ،طرح عىل نفسه سؤاالً مركزيّاً« :ماذا عن شعر حافظ وخفاياه؟، وإذا ما بلغ عمر آخر ّ مهاّمً يطرح نفسه عىل قاريئ عمر .كيف ينقل شاعر داخله برؤية الفتة ال يتّسع املجال للوقوف عندها ،أل ّن سؤاالً ّ شاعرا ً آخر إىل لغة أخرى؟ الشعر قراءة جانب من جوانب العامل ،العامل الواقع داخل الذات أو خارجها ،تت ّم بناء عىل رؤية الشاعر إىل ذلك العامل. ورؤية اإلنسان ثقافته وقناعاته وهمومه واهتامماته .وهي بالنسبة إىل صاحبها بصمته الثقاف ّية التي ال تشبهها بصمة. ترى من أعامق األشياء ما ال يراه غريها .ما تراه ذايت خاص بها .وتكون وظيفة الكتابة الشعريّة نقل ما شوهد. الواقعي ،مبا يراه ال ّناس عاقة منه ،والذي كان قامئاً وفاق هويّات واقع ّية لألشياء ،وعالقات سبب ّية يعني ذلك أ ّن املرجع ّ بينها ،تع ّدله الرؤية ،فتصري األشياء غري األشياء والعالقات غري العالقات يصري كل ذلك فنيّاً ذاتيّاً بامتياز.
عمر وحافظ بالعربية شعرا ً د .عيل زيتون لفتني يف عمر أمران :شعريّته وقرويّته .حاول ،يف صباح العمر ،أن يقنع بريوت الزاهية بأسواقها وبحرها أ ّن صوت الصويرة هو األجمل واألنقى .وما زال عمر مسكوناً بصويرته وقصيدته الجميلة. الشعري األ ّول الذي حافظ عىل ندواته مع مرور الزمان الجميل امل ّر .عجبت كيف ركّب وأنا ما زلت مسكوناً بصوته ّ يل عىل بيادر الزمان يكيل الحنطة للفقراء ،وغبطته عىل عمق رؤيته إىل قضيّة اإلنسان ،عىل عمق عم ُر الصورة .ع ّ وظل عم ُر مع ذلك غريباً بني أهله .مل يستطع أن يل (ع) .كيف استحرض االسالم يف زمن محارصته؟ ّ فهمه رمزيّة ع ّ يلفت انتباه جمهور عقله يف أذنيه .شفى صدري عصام محفوظ الذي رأى يف قصيدة عمر « قراءة ثانية يف معلقة طرفة ابن العبد» عالمة من عالمات نهوض شعريتنا العرب ّية يف الزمن الحديث .مل أدرك يومها ج ّيدا ً كيف تكون قصيدة عالمة نهوض. ككل ف ّن ثقافة بالدرجة األوىل .وإذا مل يكن صوتاً له ّم ثقا ّيف يختار للقصيدة مفرداتها وتراكيبها وصورها لن الشعر ّ يكون شعرا ً .مل تحفظ الذاكرة البرشية أسامء طاغور واملتنبي وحافظ ،ألنّهم بالغيّون كبار ،حفظتها:ألن شعرهم كان
ٍ يل تعبريا ً عن موقف ثقايف كبري يف أزمانهم .وقصيدة «قراءة ثانية يف معلقة طرفة» مل تكن استحضارا ً لشاعر جاه ّ وجودي ،كانت محاورة لثقافتنا ولقصيدة عرصنا كيف يجب أن تكون. ّ
معني بالشعريّة ،بدا اليوم معن ّياً بالثقافة االنسان ّية أكرث من أي يشء آخر .إ ّن أحدا ً وعمر املعني بالثقافة مثلام هو ّ ّ من الشعراء الكبار الذين يوازون عمر يف شعريّتهم ال يوقف عنايته بنفسه لينرصف إىل خدمة شاعر كبري آخر .رأينا رصم من عمره ،يضع عاممة الشعر جانباً ليخوض معارك الحياة .كان من القليلني الذين يضعون عمر ،غري م ّرة يف ما ت ّ الشعر ،وقضايا الحياة العامة ،والثقافة يف خطوط متوازية .إنّها فرادته التي صنعها بالسهر واألرق والعرق. الخاصة حافظاً؟ كان التاريخ ،زمن حافظ ،يعيد انتاج نفسه مع كل حاكم جديد ،فكان أن ملاذا يقاسم عمر شعريّته ّ أدار حافظ ظهره ،لذلك التاريخ .وعمر كان ساكناً يف التاريخ مسكوناً به .فام الذي الذي استنتجه من تجربته تلك؟ إ ّن أحدا ً ال يستطيع الجزم مبا يفكّر بع عمر اآلن .هل اكتشف أن زماننا إعادة انتاج لزمن حافظ؟ هل وجد يف نهج حاّل ملشكلة االنسان يف زماننا؟ ما أق ّدره أ ّن عمر يواجه بحافظ ما يحاول املرشوع االمرييك أن يرسيه حافظ االنسا ّين ّ فوق أرضنا ،ألنّه ومنذ مطلع حياته الشعريّة كان حافظاً يف القامط.
فصل عمر املالكني .م ّر عىل األ ّول قائالً: املصىّل مل يكن يل مانحاً نسيم ّ
إجـــازة بـيـن أو جــواز بعـــاد
وخرب (مل يكن) (مانحاً) مختلف بأبعاده الدالل ّية عن متلّك ذلك النسيم قياد حافظ .وكلمتا (بني) و (بعاد) ال تساويان (سري) و (سفر) يف مقاصدهام. ث ّم م ّر عىل الثاين قائالً: وال نهر ركناباد أعطى إشارة
أي بــالد ألذهب يــوماً صوب ّ
والقسمة عدا تفريقها بني األلفني يف شعر حافظ :النسيم واملاء ،فإنّها أقامت بينهام وبني الشاعر عالقة جديدة ال تساوي التملك (فاملنح) و (إعطاء اإلشارة) وإن حجبا زماناً طويالً فإنّه من املحتمل أن يفرج عنهام يف زمن آخر ،يبغى أ ّن التعديل الذي أجراه عمر هو شعر عىل الشعر.
متلق غري مستقلّة عن رؤية هذا املتلقي سواء أكان متذوقاً عاديّاً ج ّدا ً أم كان ناقدا ً مثقّفاً النص الشعري من ٍّ وقراءة ّ لنص بنيته الفنيّة مفاتيحه إىل ما يقوله. ذا مستوى عال .القراءة هذه امل ّرة ليست قراءة لعامل مرجعي واقعي ،قراءة ّ النص الشعري إحتام ّيل األبعاد بطبيعته ،قابالً لتع ّدد القراءات ،فإ ّن رؤية املتلقي وإذا كان ما يقوله .وإذا كان ما يقوله ّ نص آخر أي رؤية أخرى .يعني ذلك أ ّن النقل لنص شعري ،من لغة إىل أخرى ،هو ّ الشعري ّ ّ ستجد يف ال ّنص ما ال تجده ّ مختلف عن ال ّن ّص املنقول شئنا أم أبينا .وقدمياً قالوا :الرتجمة خيانة .وإذا كانت كلمة (خيانة) ،قاسية ،غري علم ّية، نص حافظ الشريازي الذي رأى عمر أن ألفاظه « تخدعك للنص املرتجم خصوصاً إذا كان ّ قلنا إ ّن الرتجمة إعادة انتاج ّ نص عمر أحياناً كثرية عن مغزاها الحقيقي فتحار يف قصيدة ،ويذهب بك الخيال مذاهب شتّى» .لذلك لن تجد يف ّ نص واحد ال يقوم نص حافظ .ستجد حافظاً جديدا ً مقروءا ً برؤية عمر .وتتبّع رؤيتي الشاعرين يف ّ حافظاً كام هو يف ّ به ّإاّل عارف للغتني :الفارسية والعرب ّية .واللستعانة مبن يرتجم لنا بعض نصوص حافظ ترجمة حرغ ّية هي ترجمة صاحبها عىل كل حال ال تق ّدم املطلوب ،أل ّن الجزيئ ال يجزي .أضف إىل ذلك أ ّن دراسة بهذا املستوى تتطلّب موقفاً نص حافظ. مختلفاً .حسبنا التمثيل عىل التعديل الذي أنتجته رؤية عمر ناقالً ّ رب ،الغياث) .والرتكيب (يا لظلم نقل عمر قول حافظ( :الغياث إزجور خوبان الغياث) قائالً( :يا لظامل الحسانِّ ، (رب) اللذان نقال إىل العرب ّية (إزجور خوبان) = (من ظلم الحسان) يذهبان أبعد مام ذهب إليه الحسان) ،والنداء ِّ تعبري حافظ .فمعاناة عمر أعمق من معاناة حافظ .وبقدر املعاناة تكون االستغاثة .ونقول قول حافظ: دربهاي بوسه أي جان طلب -مي كنند إن دلّستانان الغياث .قائالً: إنّهم سالبو القلوب يريدون
حيايت يف قبلة فالغياث.
فأجرى التعديل م ّرتني :األول بتقديم ما تأ ّخر يف الفارس ّية ،والثاين بإبراز العشّ اق (دلستانان) من خالل وصفهم (أنّهم سالبو القلوب) .التقديم تعال يلفت إىل العشّ اق قبل أن يلفت إىل املعاناة منهم ،ووصفهم أنّهم سالبو القلوب يشيع عاّم يطلب مثناً لقبلة ،األساس الذي يدور حوله بيت حافظ. مناخ هيمنة املعشوق عىل العاشق من قبل الحديث ّ كل من الشاعرين واضحة. ويجعل هذه املسافة بني ما يشيعه كالم ّ ونقل قول حافظ: مني دهند إجازات مرابه سري وسفر
نــسيم باد ّ وآب ركــن آبـاد مـصاّل ِ
املصىّل كل من نسيم ّ والنقل الحريف (إ ّن نسيم املصىل وماء ركناباد مل يأذنا يل بالسري والسفر) ويف ذلك كناية عن متلّك ّ وماء ذلك النهر حافظاً إىل درجة صار معها غري قادر عىل اإلنطالق إىل مكان آخر.
-Iال ّنظريّة ال ّتفسرييّة للمعنى ()la théorie interprétative du sens أبرصت هذه ال ّنظريّة ال ّنور يف جامعة «باريس) ،III» (Paris IIIيف «اإليزيت» ( )ESITمع املرتجمة «ماريان لوديرير» ،والباحثة واملرتجمة «دانيكا سلسكوفتش» ( .)2001-1921( )Danica Seleskovitchوتعترب هذه ال ّنظريّة الرّتجمة ليست عمالً لغويًّا فحسب ،إذ إ ّن املرتجم يُعنى عىل ح ّد سواء بنقل ال ّرسالة واملعنى اللّذين ينطوي عليهام أ ّن ّ النص يف اللّغة يل .وأيًّا تكن طبيعة ّ الرّتجمة ،فوريّة أو كتاب ّية ،فهي تت ّم عىل مراحل ثالثة ،كاآليت :فهم معنى ّ ّ النص األص ّ املصدرّ ، السهل تطبيق هذه املراحل ،فعىل املرتجم فك معناه عن مبناه ،ث ّم إعادة صياغته يف اللّغة الهدف .وليس من ّ النص الذي يعالجه ليك يتمكّن من فهمه .كام عليه أن يل ،وأن يكون مث ّقفًا ومدركًا ملوضوع ّ أن يُتقن لغة ّ النص األص ّ يتقن اللّغة الهدف ليك يتمكن من اإلفهام .يعرتف الجميع بأهميّة املعنى ورضورة نقله بأمانة ،ولكن من مخاطر تطبيق هذه ال ّنظريّة أن يرتكب املرتجم املعاين املعكوسة .ففي الواقع ،ال يُنقَل أحيانًا املعنى الذي يو ّد الكاتب إيصاله النص بأكمله .حتّى أن املعنى يظهر يف البعد النص ،بل يُستخلَص من خالل ّ من خالل كلمة واحدة أو جملة واحدة يف ّ يل .ونستنتج عىل ضوء هذه العاطفي الذي تحمله الفكرة ،وعىل املرتجم أن ينقل التّأثري نفسه الذي يخلقه ّ النص األص ّ والرّصف وال ّنحو .وليك تت ّم عمليّة حيس ،نستخلصه بعيدا ً عن قواعد اللّغة ّ ال ّنظريّة أ ّن املعنى هو أمر مج ّرد غري ّ النص املرت َجم يعتمد املرتجم كام ذكرنا أعاله عىل ثالث ّ يل إىل متلقّي ّ الرّتجمة التي تصبو إىل نقل معنى ّ النص األص ّ مراحل هي التّالية: - 1الفهم الرّتجمة ،ال بل إنّها نقطة انطالقها .إذ يع ّد املرتجم يف ال ّدرجة األوىل قارئًا تؤ ّدي عمليّة الفهم دو ًرا مهاًّمًّ يف عملية ّ النص وأن يفقه مضمونه ورسالته .ويواجه املرتجم صعوب ًة مزدوج ًة للنص األصيل ،أي عليه ّ بكل بساطة أن يفهم ّ ّ بكل ما فيها من خصوصيات النص إىل لغ ٍة أخرى ،أي إىل ثقاف ٍة أخرى ّ مقارنة مع القارئ العادي ،أل ّن عليه أن ينقل ّ ّ ثقاف ّية ولغويّة .لذلك ،من امله ّم ج ّدا ً أن ينقل املرتجم ما يريد الكاتب إيصاله وأن يتق ّمص شخص ّيته متناسياً نفسه. ومن أجل نقل املعنى املطلوب ،يحتاج املرتجم ،إىل جانب املعرفة األلسنيّة ،إىل معرفة خارج نطاق األلسنية .فاملعنى ال يرتبط فقط باللّغة.
النظريات الحديثة في علم الترجمة وعالقتها باألمانة د .دانا األحمر املقدمة: يعد علم الرتجمة ( ) traductologieمن العلوم الحديثة نسبيا .من الشائع ،أ ّن الجميع ال مييز بني علم الرتجمة وتطبيق الرتجمة .أ ّما علامء الرتجمة فيعتربون أن علم الرتجمة هو اختصاص جامعي يدرس الرتجمة .وقد ط ّور هذا العلم العامل األمرييك جيمس هوملز .يتعامل هذا العلم مع نظريات الرتجمة ووصفها وتطبيقها .نظ ًرا ألنه ينظر أيضا كتواصل بني الثقافات .أي انه يراها من منظار التطبيق و للرتجمة ليس فقط عىل أنها نقل بني اللغات ولكن ً كوسيلة لفهم الحركة والتنقل بني اللغات والثقافات املتنوعة. أيضا كام يدرس هذا العلم كيفية ترجمة النصوص املتخصصة (القانونية ،والتجارية ،والطبية .)....وقد يستكشف ً اإلبداع الذي يتجىل يف الرتجمة األدبية فيصبح لدينا ما يعرف يف فن الرتجمة .كام يساعد هذا العلم عىل فهم كيف تؤثر القضايا الثقافية عىل تطبيق الرتجمة. ميكّن هذا العلم من فهم تفاصيل الرتجمة .كام يتضمن تطوير املهارات التحليلية والعملية والتقييمية والجاملية والتفسريية املطلوبة ملعالجة مشاكل الرتجمة .ويساعد عىل تطوير اسرتاتيجيات إلدارة املشاكل اللغوية والثقافية املعقدة .ومن أه ّم نظريات هذا العلم الكثرية ،ميكن ذكر النظرية التفسريية للمعنى ،النظرية التقريرية ،ونظرية سكوبس. سنفصل هذه النظريات ونرى مدى أهميتها يف الرتجمة .وقد وقع اإلختيار عىل هذه النظريات فقط نظرا ً فيام ييل ّ بكل أمانة .كام انّنا ال ميكن نقل كل النصوص وإذا استطعنا فهم املعنى سنتمكّن من الرتّجمة ّ لكون املعنى جوهر ّ النص من دون وضع نصب أعيننا القارئ .فأساس ظهور الرتجمة منذ القدم هو متكني القارئ من التع ّرف عىل يشء ّ جديد .وال ميكن أن نتغاىض عن محور هذه العملية كلّها أال وهو املرتجم .ففي األخري هو من سنقل املعنى للقارئ وهو من سيختار الطرق واإلسرتاتجيات والنظريات األنسب لنقل ال ّنص .وهنا بالذات يطرح السؤال التايل:إىل أي حد تنقل هذه النظريات النص بكل أمانة؟
الصياغة - 3إعادة ّ النص الذي يو ّد ترجمته. يتعنّي عىل املرتجم أن يعيد صياغة األفكار واملضامني التي يكون قد استخرجها من ّ وأخ ًرياّ ، وهذه العمل ّية صعبة ودقيقة ألنّها ت ُربز مدى التزام املرتجم ومدى أمانته .فعليه أن يؤ ّدي دور الكاتب ،وأن يجد النص ،عىل املرتجِم أن يُراعي الشّ كل اللّغوي للّغة التّعابري املناسبة التي تؤ ّدي املعنى املطلوب .وليك يفهم القارئ ّ يل ولكن ينبغي أن تتامىش طرق التّعبري عنه ،يف اللّغة املنقول الهدف .فالواقع أ ّن املعنى يكون ُملكًا للكاتب األص ّ الصياغة ،أسو ًة بعملتي الفهم ّ وفك املعنى عن إليها ،مع املجتمع الهدف ومع الثّقافة الهدف .وتتطلّب عمليّة إعادة ّ يتحىّل املرتجم مبعارف ألسن ّية ومعارف خارج نطاق األلسن ّية .كام يتو ّجب عليه أن يدرك االختالف القائم املبنى ،أن ّ يل يف اللّغة الهدف بني اللّغات وبني الحضارات .وهكذا ،يتمتّع املرتجم بالحريّة املطلقة للتّعبري عن معنى ّ النص األص ّ والرّصف فيها والتي يتحتّم عليه إتقانها. بأسلوبه الخاص ووفقًا لرتاكيب هذه اللّغة الهدف وقواعد النحو ّ الرّتجمة .وت ُك َّرس األمانة فيها للمعنى الذي يريد الكاتب إيصاله تع ّد هذه ال ّنظريّة من أبرز وأه ّم ال ّنظريّات يف علم ّ إىل القارئ .ومن هنا ال يجب أن يبحث املرتجم عن معاين الكلامت بل عن جوهر املعنى الذي يُستخلص من هذه الكلامت .ولنفهم أهميّة هذه ال ّنظرية سنعرض بعض األمثلة املستوحاة من نصوص متن ّوعة. الرّتجمة .ولكن ،ال يجب أن يغيب عن بالنا أ ّن معنى الجملة ال يُجمع ّ الكل عىل أهم ّية إتقان اللّغة من أجل إنجاح ّ يقترص عىل املعاين املبارشة للكلامت التي تؤلّفها ،بل تنطوي الجمل عاد ًة عىل معانٍ ضمنيّة يتو ّجب عىل املرتجم
فهمها وإالّ سيحصل يف اللّغة الهدف عىل جملٍ غري مفهوم ٍة .وخري دليل عىل ذلك هو عمل ّية ترجمة األمثال الشّ عب ّية ونقلها .وإليكم بعض األمثلة: Tel qui rit vendredi, dimanche pleurera-1 مني ،وال توصل الهدف املرج ّو منه. ت ُغ ِفل ترجمة هذا املثل ب» َمن ضحك نهار الجمعة سيبيك نهار األحد» معناه ّ الض ّ السعيدة السعيدة ،واإلنسان مع ّرض الختبار األوقات ّ فاملقصود هنا أ ّن الحياة مملوءة باألوقات الحزينة وباألوقات ّ السواء .فأيّامه لن تكون ضحكًا دامئًا ،كام أنّها لن تكون مملوءة بال ّدموع دامئًا .وعليه ،من األفضل أن والحزينة عىل ّ تُرتجم هذه العبارة كاآليت: يوم لك ويوم عليك
الرّتجمة إمّنّ ا هي عمل ّية معقّدة ال تُح ّد باألمور األلسن ّية واللّغويّة فقط .فاملعرفة خارج نطاق تثبت هذه ال ّنظريّة أ ّن ّ األلسنيّة مه ّمة أل ّن الكلمة بح ّد ذاتها ال تنقل إالّ جز ًءا بسيطاً من املعنى املفروض نقله .وعىل املرتجم أحيانًا أن يجمع النص الذي ينقله ،وحول كاتبه وخلف ّياته وميوله السياس ّية واالجتامع ّية ليتمكّن من فهم املعلومات حول موضوع ّ النص إالّ من أي جزء من ّ النص قبل نقله .ولفهم املعنى ،عىل املرتجم أن يقف عىل مجمل سياق ّ ّ النص ،فال ميكن فهم ّ خالل عالقة هذا الجزء باملضمون كلّه. الرّتجمة .فصحيح أ ّن لهذه املرحلة أوجهاً ألسنيّة، وعليه ،تع ّد عمليّة الفهم مرحلة رضوريّة قبل ّ الرّشوع يف عمليّة ّ يل إيصالها. ولك ّن جوهرها ّ يتجىّل يف ال ّرسالة التي يو ّد كاتب ّ النص األص ّ فك املعنى عن املبنى ّ -2 تعقب عمل ّية الفهم ،عمل ّية ّ متت لأللسن ّية بصلة .ففي الواقع ،ينىس املرتجم برسعة فك املعنى عن املبنى ،وهي ال ّ فترتسخ يف ذهنه بفضل املعرفة األلسنيّة واملعرفة خارج نطاق الكلامت التي سمعها أو قرأها؛ أ ّما املعلومات واملعاينّ ، الرّتجمة الرّتجمة الفو ّرية التي تعطي هذه املرحلة أهم ّية كربى .فهذا ال ّنوع من ّ األلسن ّية .وخري دليل عىل ذلك ،هو ّ ّبيعي أن يحفظ املرتجم الكلامت كلّها ،بل إنّه يركّز عىل التّحليل يع ّول عىل ّ الرّسعة يف العمل ،لذلك من غري الط ّ الرّتجمة الحرف ّية .وإ ّن الفصل بني الشّ كل النص ومعناه العام ويبتعد كل ًّيا عن ّ ّغوي لفهم محتوى ّ الفكري غري الل ّ ّ الرّتجمة ،بسبب اللّغوي واملضمون أمر رضوري .فاملعنى وليد عمليّة تفسرييّة يقوم بها املرتجم .وهكذا تفرز عمليّة ّ ٌّ لجوء املرتجم إىل تقن ّية ّ نصوصا تتباين وفقًا ملنطق املرتجم وذكائه وقدراته التّحليل ّية .زد عىل أ ّن فك املعنى عن املبنى، ً
هذه املرحلة ت ُعترب مبثابة املرحلة االنتقاليّة للنصوص من لغ ٍة إىل لغ ٍة أخرى .وعندما يلتزم املرتجم بتطبيق هذه املرحلة ،سيتشكّل املعنى الذي ستت ّم إعادة صياغته.
كام أضاف «فريمري» إىل هذه ال ّنظريّة «اإلشكال ّية ال ّنمط ّية» ( )problématique typologiqueالتي تتحدث عنها يل بنمط مح ّدد من «كاترينا رايس» ( )... -1923( )Katharina Reissومفادها :إذا متكّن املرتجم من ربط ّ النص األص ّ يل ،بنظر «فريمري»، النصوص ،سيساعده ذلك عىل ّ حل املشكالت التي تعيقه أثناء ّ الرّتجمة .وهكذا ،يع ّد ّ ّ النص األص ّ عرضا ثانيًا الرّتجمة ،فتع ّد ً عرضاً للمعلومات يق ّدمه شخص يف الّلغة املصدر إىل قارئ يشاطره الثّقافة نفسها .أ ّما ّ للمعلومات ألنّها تنقل املعلومات نفسها تقري ًبا إىل قارئ جديد ينتمي إىل مجتمع ذي لغ ٍة وثقاف ٍة مختلفة .ومن هذا يل وهدفه أو أهدافه بشكل عشوا ّيئ ،بل يكيّفها مع املنطلق ،ال ينقل املرتجم املعلومات التي يتض ّمنها ّ النص األص ّ النص» .والجدير بالذّكر حاجات القارئ الهدف .وهذا ما يس ّمى يف اللّغة الفرنس ّية ( )Skopos du texteأي «هدف ّ أ ّن هذا الهدف قد يكون متطابقًا أو مختلفًا بني اللغتني املنقول منها وإليها .فإذا بقي الهدف متطابقًا يف اللّغتني، الوظيفي» ()permanence fonctionnelle؛ وإذا اختلف ،نكون بصدد «االختالف ميكن التّح ّدث عن «االستمرار ّ الرّتجامت لل ّنص الواحد وأن تتب ّدل بتب ّدل هدف الوظيفي» ( .)variance fonctionnelleوهكذا ،ميكن أن تتع ّدد ّ ّ يل الذي يح ّدده املرتجم وفق متطلّبات القارئ الجديد واحتياجاته .فمن واجبات املرتجم أن يعرف ما هو ّ النص األص ّ األنسب للمتلقّي وإالّ باءت ترجمته بالفشل. يل أي للتّأثري والوقع املرج ّو واستنا ًدا إىل ما سبق ،تكون األمانة ،وفق هذه ال ّنظريّة ،للهدف املرج ّو من ّ النص األص ّ النص الواجب ترجمته. تحقيقهام لدى املتلقّي .فمن املحال أن تكلّل ّ الرّتجمة بال ّنجاح إذا مل يت ّم تحديد الغاية من ّ النص ويُعترب املرتجم الالّعب األسايس يف هذه العمل ّية ،ألنّه هو َمن ت ُلقى عىل عاتقه مه ّمة تحديد الهدف الصحيح من ّ ّ رصف وفق ما يراه مناسبًا للمتلقّي يف الثّقافة الهدف. ّ األصيّلّ . ماّم يعني أ ّن األمانة تكون منوطة باملرتجم الذي سيت ّ فيقوم بالتّغيري والتّعديل وفق ما يناسب قارئه الهدف. قصة «Les trois petits تظهر أهميّة نظريّة سكوبوس يف قصص األطفال العامليّة املرتجمة إىل اللّغة العربيّة مثل ّ »cochonsاإلنجليزيّة األصل والتي يُرت َجم عنوانها أحيانًا عىل نح ٍو يتامىش فيه مع الثّقافة العرب ّية ،بحيث ت ُرت َجم كلمة الرّتجمة مع قصة «الخنازير الثّالثة» ،هو تكييف ّ « »Cochonبكلمة «حمل» .واملقصود من وراء هذا التّغيري يف ّ بالصفات التي أراد املتلقّي .فالخنزير يف الثّقافة العرب ّية املسلمة حيوا ٌن مدنّ ٌس ،لذلك يت ّم استبداله بحيوان ّ يتحىّل ّ الكاتب إيصالها من خالل صورة «الخنزير» يف الثّقافة املصدر ،أي الوداعة واللّطف والطّبع املسامل .ولذلك ،يختار القصة. املرتجمون العرب أحياناً «الحمل» كحيوان بديل عن الخنزير يف ترجامتهم لهذه ّ
Tous les chemins mènent à Rome-2 وسائل وطرقاً كثرية َ ليس املقصود هنا تحديد الطّرق التي تؤ ّدي إىل روما أو اإلشارة إليها ،بل املقصود أ ّن هناك معنّي؛ فامله ّم أن يحاول اإلنسان وستُفتح الطّرق كلّها أمامه .لذلك ،يُستحسن أن ننقل هذه الجملة للوصول إىل هدف ّ السبل والغاية واحدة /الطّرق متع ّددة والهدف واحد. كاآليت :تع ّددت ّ الرّتجمة كلم ًة كلم ًة ،ألنّها ت ُفيض إىل ترجامت غري دقيقة أو باألحرى غري أمينة .إذ تفرض وهكذا ،ال ب ّد من تحايش ّ الضمني ومبعنى الجملة بعض العبارات ،أسو ًة باألمثال الشّ عب ّية التي استعرضناها أعاله ،عىل املرتجم االهتامم باملعنى ّ
ٍ ترجامت جوفاء كل منها عىل حدة ،إذ من شأن ذلك أن يؤ ّدي إىل ينصب االهتامم عىل نقل معاين الكلامت ّ ككل .وال ّ ُّ ُعرّب عن ثقافة الشّ عوب التي تتداولها ،لذلك الب ّد من الحفاظ عىل معناها غري مفهومة .إضافة إىل أ ّن هذه األمثال ت ّ مني .وعليه ،يجب عىل املرتجم أن يبحث عن ما يعادل هذه األمثال ليك يتمكّن من ترجمتها وفقاً ملعناها العام ّ الض ّ
ألنّها ال تتح ّمل التّقسيم أو التّجزئة .وبالتايل عىل املرتجم أن يستخدم هذه النظرية لينقل النص بكل أمانة عىل ال ّرغم من الصعوبات الثقافية. -IIنظريّة سكوبوس ()La théorie du skopos تعني الكلمة اليونان ّية ( )Skoposالهدف أو الغاية .وقد أطلقها الباحث األملا ّين «هانز فريمري» ()Hans Vermeer النص املرتجم يف اللّغة ( )2010-1930عىل ال ّنظريّة التي أوجدها يف علم ّ الرّتجمة والتي تركّز عىل الوظيفة التي يُؤ ّديها ّ الهدف .ومن ث ّم تب ّنت املرتجمة «كريستيان نور» ( )Christiane Nordالعام 1988هذه ال ّنظريّة يف أبحاثها ودراساتها واستكملت تطويرها. بالنصوص ال ّدالل ّية ()pragmatiques تشبه هذه ال ّنظريّة إىل ح ّد ما ال ّنظريّة التفسريية للمعنى من ناحية أنّها تهت ّم ّ الرّتجمة ،بحسب هذه ال ّنظريّة ،عمل ّي ًة تتو ّخى والوظيفة أو الوظائف التي تضطلع بها يف الثّقافة الهدف .ولكن تع ّد ّ
تحقيق ٍ النص املرت َجم هو الذي يح ّدد الطّرق معنّيٍ .فقد انطلق «فريمري» من مبدأ أ ّن الهدف املرج ّو تحقيقه من ّ هدف ّ النص واإلسرتاتج ّيات الواجب عىل املرتجم اعتامدها لنقله إىل اللّغة الهدف .وهكذا ،ال يركّز املرتجم اهتاممه عىل كاتب ّ كل ذلك ضمن نطاق منهج ّي ٍة مع ّين ٍة تحتّم عىل املرتجم احرتام بل عىل متلقّيه ،فيك ّيف ترجمته مع حاجاته .ويحصل ّ النصوص (.)cohérence intertextuelle النص الواحد (ّ )cohérence intratextuelle أمرينّ : والرّتابط بني ّ الرّتابط يف ّ الرّتابط ( )règle de cohérenceالتي تقيض بأن يكون وبتعبري آخر ،يتو ّجب عىل املرتجم أن يراعي من جهة قاعدة ّ النص النص مرتابطًا يف اللّغة الهدف ليتمكّن املتلقّي من فهمه؛ وأن يكون أمي ًنا للمعنى من جهة أخرى ،أي أن يُبقي ّ ّ الرّتجمة ح ّر ًة من دون قيود. يل ليك ال تأيت ّ الهدف عىل صلة مع ّ النص األص ّ
يل .إذ يكون ال يجب التّغايض عن واقع أ ّن ّ الرّتجمة تخلّف تأث ًريا أكرب لدى القارئ الهدف منه لدى قارئ ّ النص األص ّ الرّتجمة ،فتختلف ثقافته يل بسبب أحاديّة الثّقافة بينه وبني الكاتب .أ ّما قارئ ّ هذا األخري مطّل ًعا عىل منط ّ النص األص ّ يل .ومن النص املرتجم أحاسيسه وخواطره بشكل أكرب مقارن ًة مع قارئ ّ عن ثقافة الكاتب .وبالتّايل ،س ُيح ّرك ّ النص األص ّ االجتامعي أو الثّقا ّيف ،وقد يختلف عنه .وهنا بالذّات تقع الصعيد هنا ،قد يشبه قارئ ّ يل عىل ّ الرّتجمة القارئ األص ّ ّ الرّتجمة ،فبغياب التّكييف كيف ستكون ر ّدة فعل القارئ الهدف إذا مل يفهم املضمون إشكال ّية األمانة للثّقافة أثناء ّ النص املرت َجم؟ يعرّب عنه ّ الثّقا ّيف املختلف الذي ّ « -IIال ّنظرية ال ّتقريريّة» بحسب «كريستني دوريو» :آفاقها وأبعادها la theorie decisionnelle توسعت يف رشحها يف مقا ٍل لها صدر العام 2009 أبرصت هذه ال ّنظريّة ال ّنور عل يد املرتجمة «كريستني دوريو» وقد ّ للرّتجمة» ( ،)Vers une théorie décisionnelle de la traductionحيث اعتربت بعنوان «نحو نظريّة تقريريّة ّ الرّتجمة هي عبارة عن سلسل ٍة متواصل ٍة من القرارات التي يتّخذها املرتجم نتيجة تحليلٍ يرتكز عىل «دوريو» أ ّن ّ قواعد استدالل ّية دقيقة .إالّ أ ّن هذه العمل ّية ليست محض عقالن ّية ،فإىل جانب التّحليل املنطقي الذي يشكّل ركيز ًة الرّتكيز االنتقايئ ( )attention sélectiveالذي يقوده اإلحساس للتّفكري العقالين املثايل ،ال ب ّد من التّشديد ً أيضا عىل ّ ( )affectوالذي يؤث ّر عىل املعتقدات واألولويّات التي تؤ ّدي دو ًرا أساس ًّيا يف عمل ّية اتّخاذ القرار لدى اإلنسان إجامالً، السليمة. ولدى املرتجم بطبيعة الحال .وهكذا ،يسعى املرتجم إىل استخدام إجراءات منهجيّة للوصول إىل القرارات ّ يتبنّي له أنّه غري ولكن عندما يتعامل املرتجم مع قضايا معقّدة ،كاملفاهيم اللّغويّة والثّقاف ّية العص ّية عىل ّ الرّتجمةّ ،
غب الطّلب ،ال سيّام أنّه يضطّر إىل ات ّخاذ العديد من القرارات يف مهل ٍة زمنيّة قادر عىل اتّباع وصفة ترجميّة جاهزة ّ
ض ّيقة .ومن هنا ،سريكن املرتجم ،ال محال ،إىل خربته وحدسه .وهذا ما يُعرف باسم «منظور العقالن ّية املحدودة» ( .)253.p ,1959 ,Simon( )Bounded rationality Perspectiveوقد ظهر مبدأ العقالنيّة املحدودة للمرة األوىل يف
ميدان االقتصاد .فاملستهلك ال يختار املنتج نتيجة عمل ّي ٍة محض فكريّة ،بل يتأث ّر بأفضل ّياته وأولويّاته ،فتحليله لسامت الرّتجمة .فال ميكن للمرتجم فهم املنتج أو الخدمة التي يقوم برشائها يرتبط مببادئه الخاصة .وينطبق ذلك ً أيضا عىل ّ ّ الخاص ،بشكل وا ٍع أو الواعٍ ،يف عمل ّية ّ فك معنى النص باالستعانة مبعلوماته املكتسبة فقط ،بل يتد ّخل نظام ِق َيمه ّ النص األصيل .فيو ّجه هذا ال ّنظام عمليّة الفهم عند املرتجم ،ويدفعه إىل تفضيل إحدى شيفرات املعنى يف ّ الرّتجم ّية عىل سواها. اإلسرتاتج ّيات ّ
القصة من دون التّسبب برفضها ألنّها تحمل صورة رمز مح ّرم دين ًّيا .فاإلبقاء عىل وبذلك يكونون قد نقلوا مغزى ّ القصة ،إذ يُعترب هذا الحيوان يف الحضارة العربيّة وس ًخا وكسوالً وعنيفًا.كام أنّه الخنازير كشخصيّات رئيسيّة ييسء إىل ّ يأكل القاممة والفضالت والجرذان والفرئان ،وحتّى الجيف مبا يف ذلك جيف أقرانه .ويحمل جسده أكرث من 450 ٍ صفات حميد ٍة مرضاً ،بعضها يقتل اإلنسان .وعليه ،تتناىف ال ّنظرة العربيّة إىل الخنزير مع ما تنقله صورة الخنزير من الرّضوري ،ومن الطب ّيعي ،أن يعمد املرتجمون العرب ،وال س ّيام املسلمني منهم إىل يف ال ّنسخة األصلية .لذلك ،كان من ّ اإلسالمي واضح إزاء هذا املوضوع ،كام يظهر جليّاً يف اآليتني التّاليتني عىل سبيل الذّكر ال الحرص: التّغيري ،فال ّدين ّ اآلية األوىل: ﴿ق ُْل ال أَ ِج ُد ِيِف ما أُ ِ وح َي إِ َ َّيَل ُم َح َّر ًما َعىل طا ِع ٍم يَطْ َع ُم ُه إِالَّ أَ ْن يَكُو َن َميْتَ ًة أَ ْو َد ًما َم ْسفُو ًحا أَ ْو لَ ْح َم ِخنزِي ٍر فَ ِإنَّ ُه ِر ْج ٌس أَ ْو اضطُ َّر غ ْ ََرْي با ٍغ َوال عا ٍد فَ ِإ َّن َربَّ َك َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ سورة األنعام ،اآلية 145 ِف ْسقًا أُ ِه َّل لِ َغ ْ ِرْي اللَّ ِه ِب ِه فَ َمنِ ْ اآلية الثّانية: ﴿ ُح ِّر َم ْت َعلَ ْي ُك ُم الْ َم ْيتَ ُة َوال َّد ُم َولَ ْح ُم ال ِْخنزِي ِر َو َما أُ ِه َّل لِ َغ ْ ِرْي اللَّ ِه ِب ِه َوالْ ُم ْن َخ ِن َق ُة َوالْ َم ْوقُو َذ ُة َوالْ ُم َ َرَت ِّديَ ُة َوال َّن ِطي َح ُة﴾.... سورة املائدة ،اآلية 3 الرّتجمة أن تحرتم االختالف بني الثّقافات .وال يجوز للمرتجم بالتّايل أن يدمج خصائص املجتمعات يف ال ّنهاية ،عىل ّ بشكلٍ عشوايئ غري آب ٍه باالختالفات الحضاريّة بينهام« .فقد تكون األمور التي تعترب جزءا ً ال يتج ّزأ من الحياة اليوميّة
لثقاف ٍة ما ،غري معروف ٍة يف ثقافة أخرى ( ».)100.p ,1990 ,Albirولكن أ َوال يع ّد هذا التّكييف مح ًوا لثقافة الكاتب؟ كل نقلٍ أن يُصار إىل فصل الواقع أ ّن البعض يص ّنف هذا الدمج مبثابة عمليّة التثاقف ( ،)acculturationإذ «يتطلّب ُّ ماّم يؤ ّدي قط ًعا إىل حصول عمل ّية التّثاقف ،وذلك بغية تأمني مقروئ ّية الكتاب ضمن شبكة ّ يلّ ، النص عن سياقه األص ّ يل» (.)24.p ,1991 ,Lederer et Israël عالقات مغايرة عن ّ السياق األص ّ _______________________ - .1ترجمة شخصيّة: ‘’’’.Ce qui fait partie intégrante du quotidien dans une culture peut être ignoré dans une autre .2ترجمة شخصيّة: ‘’Tout transfert suppose une décontextualisation et engendre inévitablement un processus d’acculturation pour que soit ”.assurée, dans un réseau de relations autre que le contexte de production, la lisibilité de l’ouvrage
كام يجب التّشديد عىل أهم ّية املشاعر يف ات ّخاذ القرار .فاملشاعر ليست مجرد ر ّدة فعل ،بل هي مت ّهد للتّرصف .وهذا ما تناوله الطّبيب «أنطونيو دماسيو» ( ،)2007 ,Durieux( )1944-…( )Antonio Damasioمؤكّدا ً عىل أهميّة املشاعر التي تشكّل إحدى الوسائل األساس ّية يف عمل ّية اتّخاذ القرار .فقررات اإلنسان تتعلّق بشكل وثيق مبا يتص ّوره وبالطّريقة التي يربط فيها األشياء يف ذهنه .فاإلنسان يُدرك العامل بواسطة انفعاالته وانطباعاته يف املقام األ ّول، الرّتجمة تقوم عىل ال ّنقاط ماّم سبق ،تعترب «دوريو» ( )2009 ,Durieuxأ ّن عمل ّية ّ وبواسطة عقله بعد ذلك .وانطالقاً ّ التّاليّة: املرتجم التّصور التّقدير املشاعر االنتباه االنتقايئ معالجة املعطيات القرار الرّتجمة التي تسعى إىل التّح ّرر من القيود األلسنيّة وال ّنظريّة لتأخذ بعني االعتبار تُربز هذه النظريّة ديناميكيّة عملية ّ العوامل االنفعال ّية والعاطف ّية التي تتداخل يف عمل ّية التّواصل بني اللّغات والثّقافات. يف النهاية ،يعد علم الرتجمة علامً رضوريا لفهم عامل الرتجمة وفن الرتجمة .ومن من دون هذا العلم لن يتمكّن املرتجم من فهم أوجه النظريات السلبية واإليجابية .فلكل نظرية أسس كام سبق ورأينا والميكن أن يستخدمها املرتجم بشكل عشوا ّيئ .فيمكن القول إذًا إ ّن املرتجم هو َمن يختار كيف يعمل ،وكيف يطبّق األمانة وفق األسس التي يراها هو األنسب .فأمانته يف نقل ال ّنصوص غري منوطة بتب ّني نظريّ ٍة ترجم ّية واحدة فقط ،بل إنّه يب ّدل باستمرار بني
النص نفسه ،ال بل داخل الفقرة نفسها والجملة نفسها .ترتبط األمانة إذًا بقرار ال ّنظريّات واألساليب ّ الرّتجميّة داخل ّ السؤال التّايل :إىل اي مدى يكون قرار املرتجم صحيحا؟ املرتجم ،فهو َمن سيح ّدد طرق تطبيقها .ما يدفعنا إىل طرح ّ الرّتجمة ليك يكون عمله من سيضع الضوابط لقرار املرتجم؟ إىل أي ح ّد يستطيع املرتجم أن يسيطر عىل ذاتيّته أثناء ّ أميناً لألصل؟
ُقسم من حيث طبيعتها إىل وتؤكّد «كريستني دوريو» أ ّن القرارات املتتابعة التي يتّخذها املرتجم أثناء عمل ّية ّ الرّتجمة ت َ نوعني أال وهام :أ ّوالً ،قرارات يتّخذها املرتجم بشكلٍ وا ٍع وتظهر أثناء مرحلة الفهم؛ وثانياً ،قرارات واعية ومدروسة
الصياغة ،أي عندما يختار املرتجم صيغة مع ّينة يف اللّغة الهدف ليستخدمها يف ترجمته. تظهر أثناء مرحلة إعادة ّ
النص كلّها ،بل يق ّرر ما هو األكرث أهم ّية لريكّز انتباهه ولكن ،من البديهي أالّ يعطي املرتجم األهم ّية ذاتها ملك ّونات ّ ّ
الرّتجم ّية األفضل .علامً بأ ّن املرتجم غال ًبا ما وصل إىل الخيارات ّ عليه .وتبدأ رحلة تحديد إسرتاتج ّيات العمل بغية التّ ّ ٍ ٍ لخيارات ولحلو ٍل الرّتجمة كناية عن تجديد متخصصة يف يقوم برتجمة نصوص مجاالت اعتاد العمل فيها ،فتكون ّ ّ الرّتجمة عمل ّية استحضا ٍر لقرارات سابقة ومعلومات مكتسبة آنفًا. توصل إليها سابقاً .فتغدو ّ ّ
ككل ال يكون حصيلة معنى الكلامت التي تؤلّفه فحسب ،بل هو مثرة عمل ّية تحليل ّية النص ّ وتؤكّد «دوريو» أ ّن معنى ّ النص ،أن يلجأ إىل تحليلٍ منطقي يشمل يف الوقت نفسه استنتاج ّية ،أي بتعبري آخر ،يتو ّجب عىل املرتجم ،بغية فهم ّ ّ
املعلومات األلسن ّية والخارجة عن نطاق األلسن ّية ،كمعرفة املوضوع الذي يعالجه النص وظروف التّواصل املحيطة به
النص يتبلور إذًا عىل ضوء سلسلة متداخلة وبنيته األلسن ّية والبيئة الثّقاف ّية الفرديّة والجامع ّية التي أفرزته .فمعنى ّ من االستنتاجات املنطق ّية والحدس ّية ومن مزي ٍج معق ٍّد من املعلومات اللّغويّة والثّقاف ّية.
فالرّتجمة إذًا هي عبارة عن عمل ّية توازنٍ دقيق ٍة بني تأثري املشاعر والقدرة عىل اإلدراك لدى املرتجم .فهي تخضع بال ّ ِ أدىن ّ معتقدات املرتجم الشّ خص ّية وأولويّاته. أيضا لتأثري شك إىل القدرة عىل التّفكري والتّحليل املنطقي ،ولك ّنها تخضع ً الرّتجمة تت ّم وفق طريقتني ،أال وهام: ومن جهته ،يعترب الفيلسوف «كاموس» ( )1960-1913( )Camusأ ّن عمل ّية ّ
أ ّوالً« ،العمل ّية التّلقائ ّية» ( )processus automatiqueالتي تكون رسيعة ومتوازية وتنتج عن الالّشعور أو الالّوعي
الرّتجمة بسهولة؛ وثانياً« ،العمل ّية عند اإلنسان ،وذلك عندما ال يواجه املرتجم صعوبات لغويّة أو ثقاف ّية ،ف ُينجز عمل ّية ّ
املضبوطة» ( )processus contrôléوالتي تكون بطيئة ومتسلسلة وواعية ومتع ّمدة ،ويف هذه الحالة ال تت ّم عمل ّيتا لحل املنهجي ّ يل وإعادة صياغته يف اللّغة الهدف بسهول ٍة ،فيقوم املرتجم بأبحاث أو يعتمد التّفكري فهم ّ النص األص ّ ّ املشاكل التي يواجهها)2009 ,Durieux( . أ ّما بال ّنسبة إىل عامل ال ّنفس والكاتب «أالن برتوز» ( ،)...-1939( )Alain Bertozفيؤكّد يف كتابه «القرار» (La عميق ،إذ غالباً ما يُتّخذ القرار بسبب يل ٍ )décisionالعام ،2003أ ّن عمل ّية اتخاذ القرار ال تتعلّق فقط بتحليلٍ عق ّ
الخاصة .فمعتقدات اإلنسان والقيم التي يُؤمن بها مُتُ يل عليه تفضيل يشء عىل يشء آخر تحت تأثري الحواس واملشاعر ّ
خياراته التي ال تنب ُع دامئًا من العقل .فأحيانًا ينظر اإلنسان إىل يشء ما ويختاره من بني عنارص أخرى ،وهنا يكون قد اليّشء بعد أن ح ّدده وأدركه .فبال ّنسبة إىل «أالن برتوز» القرار هو االختيار ات ّخذ قراره من خالل عمل ّية انتقاء هذا ّ ٍ احتامالت أو خيارات ،هو منافسة بني احتاملني ممكنني ،أو أكرث ،للتّعبري عن الفكرة ذاتها. بني ع ّدة
دب ُّة نملة!!! د .سحر حيدر ٍ بكلامت تقطع األنفاس. يستميلها يتسلّل بخفّة النعس نحو أعامقها ،فتنتيش كام الوردة ،حني يلثمها الندى. «ماذا تريدين؟! ما الذي تشتهينه؟!» كل لقاء سؤال يتك ّرر يف ّ لقا ٌء ،تقتنصه ،تنتظره ،تتوق إليه بني الفينة وتتمسك به كطفلٍ يتيم يشتهي لقمة. واألخرى ّ كأيّن بها تستجدي أب ًدا بوحه ،الذي ملّا يصدق... ّ كربيا ٌء ،غرور أز ّيل يحكم قلبه ،أم ثق ٌة زائدة مبا تحمله ،هي ،يف قلبها؟! وحده ،ميسك خيوط اللعبة ويح ّركها كيفام يشاء. ٍ صمت متأ لّم ،تستشعره من أنفاسه املرت ّددة... وحني يرت ّد إليه السؤال ،يتح ّرر من خيوطه ،يغيب خلف يعتذر حينها ،إن هو اقتحم عنوةً ،خلوتها.. منتقى ،يلفّه االعجاب والوجد. بكالم «مزخرف» غريب أمر «غالبية» الرجال! يستدرجون قلوب النساءٍ ، ٌ ً يتنصلون وكأ ّن لغة «الذكورة» ،مسطّر ٌة يف معجم الزمان ،محكومة بلغة «الك ّر والف ّر». فجأة ّ ضعف أو انتقاص رجول ٍة أو قلّة حكمة؟! كأ ّن البوح مبا يختلج يف الصدور ويثقلهاٌ ، «ما الذي يخطر يف بالِك؟!» يعود ليسأل؟! ِ «أنت ،ماذا تريدين؟!... أأُقحم قلبي بعاطف ٍة أجهل سبلها؟! أأعرتف مبا ال أريد!؟... أوتعتقدين أنني استجدي عطفًا أم انني أبحث عن مال ٍذ دافئ؟ ... غايتي االطمئنان عنك ،ال أكرث؟!!»...
:املصادر واملراجع .Albir, A. (1990). La notion de fidélité en traduction, Paris, Didier Erudition, Traductologie, 236p .Ballard, M. (2006). Qu’est-ce que la traductologie, Lille, Artois Presses Université, 306p .Berthoz, A. (2003). La décision, Paris, Odile Jacob, 391p Guidère, M. (2008). Introduction à la traductologie: penser la traduction: hier, aujourd’hui, .demain, Bruxelles, De boeck, première édition, 166p Larose, R. (1989). Théories contemporaines de la traduction, Québec, Presses de l’Université du .Québec, deuxième édition, 336p Lederer, M. et Israël, F. (1991). Colloque international : La liberté en traduction, Paris : Didier .Erudition, traductologie 7, 312p Munday, J. (2001). Introducing Translation studies: Theories and applications, London, Rout.ledge, 222p .Nida, E. and Taber, ch. (1969). The theory and practice of translation, Leyde, Brill, 331p :املقاالت Durieux, Ch. (2009). Vers une théorie décisionnelle de la traduction , in Lisa, E-journal, Presse Universitaires Rennes, vol. VII – n°3, 349-367 Pergnier, M. (1981). Théorie linguistique et théorie de la traduction, in Meta, Montréal, Presses .de l’Université de Montréal, vol. XXVI, n°3, 225-262 Simon, H. (1959). Theories of Decision Making in Economics and Behavioural Science, in Amer.ican Economic Review, n°49, pp. 253-280
ويح قلبها ،أيح ّبها؟! أيطمح إىل وصا ٍل أم أنّه يهذي؟! ُ إي ٍه من لغة القلب املبهمة... كيف لقلبها الضعيف أن يقاوم دفء رجولته ونغامت صوته املبثوثة ،من عمق بو ٍح أتقن التخفّي خلف عنجهية البتول ّية الصافية ،وقفت عند حدود هيمنة صارخ ٍة من خلف الوعد...
فطري غري مقصود ،وكأ ّن طيفها يتسلّل إىل عمق خياالته القلقة ،يهدف إىل سامع آهاتها املضطربة، يطرق بابها بحيا ٍء ّ
حني يه ِتف... دبّ ُة منل ٍة ،عالق ٌة تكاد تكون وه ًنا... تخيط حبالها عناكب الزمن اآلفل. كل لقا ٍء ،تذوب يف افرتاضية البوح من دون ندم ،وتغرق يف لجج قلبه النابض ،كطفل ٍة نسيها الغياب، غري أنّها ،كام يف ّ فاحرتق شوقها ونامت خلف األمل.. دبّ ُة منل ٍة!! ما ه ّم ،ما دامت الخطوات تخترص األزمنة ،تلغي األمكنة وتجمع قلبني سطّر الحزن خيوط حكايتهام ،رسم الفراق لوعة اللقاء وهيمنت عىل برودة وعيهام ،ذكرياتٌ ال تحمل إال الو ّد واالحرتام واألمل... تطل بخف ٍر وتفتح عىل إرشاقة الصباح اآليت... بات للغد نوافذ أخرىّ ، أيحبّها؟! ليت األوهام تنجيل... لن تفهمه ،غري أن قلبها يقنع بالسؤال.. القيص ،عنها.. سؤاله ّ أمل يحيي موتها//... فاللقاء ،مهام كان لونهٌ ،
قصص صغرية الرحم د.عيل حجازي بعدما توزّع األبناء مهاجرين يف أصقاع األرض ،برى الشوق جسدها ،وأخذ منها كل مأخذ ،فأصيبت بهزال شديد ،فاندفع يوسف إىل معالجتها طويالً، الحنني ّ ولكم كانت دهشته كبرية عندما علم أ ّن رحمها مصابة بذلك املرض العضال، وا ّن الحنني إىل لقاء األبناء الذين كانوا غارقني يف جمع االموال قاتل. يف املشفى ،وبعدما استنفد يوسف الباقي وحيدا ً إىل جنبها ،وقف الطبيب الج ّرا ّح يرقب تلك الصورة الشعاع ّية التي أجراها ت ّوا ً ،مع تلك الفحوصات املخربيّة ،بحزن ظاهر عىل قسامت وجهه ،أل ّن املعالجات التي استم ّرت طويالً فشلت .فأدام النظر إىل يوسف الذي كان يرنو إليه بشغف ،والذ بصمت ثقيل. ما بك يا حكيم؟ قل لقد شغلت بايل (.سأل يوسف) -أصارحك اآلن ،إ ّن الرحم مصاب مبرض عضال ،كام تعلم ،ومل تنفع معه املعالجات ،فال ب ّد من استئصاله فورا ً - .إنّه الرحم وكيف تقطعه ،فالله أوىص بصلة الرحم؟ إذا كان الرحم مصاباً بورم خبيث ،وال رجاء من شفائه ،فال ب ّد من ذلك ،وهذا األمر كان الزماً من زمان ،والقرار قرارك.فكّر مل ّياً. اغمض يوسف عينيه وراح يتذكّر الجفاء الحاصل من إخوته تجاه أ ّمهم ،ا ّمي التي كانت تجرتع مرارات الغياب ، وتحدو لكّل واحد منهم باسمه ،تهدهده لو كان يف املهد ،وتبيك كثريا ً ث ّم نظر إىل الج ّراح بعيني صقر وقال - :أنت محق ،هذا األمر كان الزماً منذ قطع إخويت جذور العاطفة مع أمي واألرض ،بل منذ تجلّدت عواطفهم يف صقيع ّ وحب وحنان وحنني الغربة ،ومنذ انشغالهم بالدنيا وشهواتها ،وتجاهلهم تلك الكتلة البرشيّة املجبولة من عاطفة ّ ا ّمي و ... أقطعه اآلن وال ترت ّدد (قال ذلك ،ومىض يسعى إىل إجراء هذه العمل ّية مكرهاً) ملّا عادوا زائرين أليام ،ووقفوا أمام صورهم املوضوعة بعناية جنب رسيرها ،رحت أح ّدق إليهم تارة ،وإىل صورهم التي يعلم الله وحده عدد القبالت التي طُبعت عليها ،وعدد امل ّرات التي ض ّمتها أ ّمي إىل حنان صدرها ،والك ّم الهائل من التنهيدات والتأوهات التي أطلقتها ،قبل أن تسلم الروح ،عىل أمل اللقاء بهم أبنا ًء أح ّباء ال صورا ً معلّقة عىل الجدران ...
تغذية السكرى الوقاية من ُّ أخصائية التغذية مرينا شمس الدين السكَّري الوقاية من ُّ قد يساعد تغيري منط الحياة يف تجنب اإلصابة بداء السكري من النوع الثاين، وهو النوع األكرث شيو ًعا للمرض. كام قد يفيد إجراء بعض التغيريات البسيطة عىل منط الحياة يف تجنب املضاعفات الصحية الخطرية ملرض السكري يف املستقبل مثل ضمور األعصاب والفشل الكلوي وضعف عضلة القلب. 5نصائح للوقاية من السكري .1تخلَّصوا من الوزن الزائد يعمل إنقاص الوزن عىل الحد من خطورة اإلصابة بداء السكري .ففي دراسة كربى ،استطاع املشاركون الحد من خطورة اإلصابة بداء السكري بنسبة %60تقري ًبا بعد فقدان نحو %7من أوزانهم عن طريق إدخال تغيريات عىل التامرين الرياضية والنظام الغذايئ. .2مارسوا املزيد من األنشطة البدنية هناك العديد من الفوائد من مامرسة األنشطة البدنية بانتظام .ميكن للتدريبات الرياضية أن تساعدكم عىل: • فقدان الوزن • خفض نسبة السكر يف الدم • زيادة حساسية األنسولني ،مام يساعد عىل إبقاء نسبة السكر يف الدم ضمن املعدل الطبيعي .3تناولوا أطعمة نباتية صحية متد األطعمة النباتية الجسم بالفيتامينات واملعادن والكربوهيدرات .وتحتوي الكربوهيدرات عىل السكريات والنشا ،وهام مصدرا الطاقة للجسم ،إىل جانب األلياف التي ال يستطيع الجسم هضمها أو امتصاصها.
أما الدهون املش ّبعة ،أو ما يُطلق عليه «الدهون الضارة» ،فتوجد يف مشتقات الحليب واللحوم .وينبغي أن يحتوي النظام الغذايئ عىل قدر ضئيل من هذه الدهون .ميكنكم الحد من كمية الدهون عن طريق تناول مشتقات حليب منخفضة الدهون ولحوم الدجاج واللحوم الحمراء خفيفة الدهن.
.5اتبعوا الخيارات الصحية يُعد تقسيم الوجبات اسرتاتيجية بسيطة قد تساهم يف اتخاذ قرارات جيدة متعلقة بخيارات األطعمة والكميات املناسبة .ميكنك تعزيز النمط الصحي للتغذية من خالل تقسيم وجبتك إىل األقسام الثالثة التالية: • نصف الوجبة :الفاكهة والخرضوات غري النشوية • ربع الوجبة :الحبوب الكاملة • ربع الوجبة الثاين :األطعمة الغنية بالربوتني ،مثل البقوليات أو األسامك أو اللحوم خفيفة الدهن
ويُشار إىل أن األطعمة الغنية باأللياف تساعد يف إنقاص الوزن وتقليل خطر اإلصابة بداء السكري .فاحرصوا عىل تناول تشكيلة متنوعة من األطعمة الصحية الغنية باأللياف ،وتشمل: • الفواكه • الخرضوات غري النشوية ،مثل الخرضوات الورقية ،والربوكيل (القرنبيط األخرض) ،والقرنبيط • البقوليات مثل الفول والبازالء والعدس بكمية معتدلة • الحبوب الكاملة ،مثل املعكرونة والخبز املصنوعني من حبوب القمح الكاملة ،وحبوب األرز الكاملة ،وحبوب الشوفان الكاملة ،والكينوا بكمية معتدلة من فوائد األلياف: • إبطاء امتصاص السكريات وتقليل مستويات سكر الدم • إعاقة امتصاص األطعمة الدهنية والكوليسرتول • إدارة عوامل الخطر األخرى التي تؤثر عىل صحة القلب ،مثل ضغط الدم وااللتهاب • تقليل كمية الطعام ،إذ أن األطعمة الغنية باأللياف ُمشبِعة أكرث من غريها وغنية بالعنارص التي متد الجسم بالطاقة تجنبوا األطعمة التي تحتوي عىل «كربوهيدرات ضارة» ،وهي أطعمة غنية بالسكريات وقليلة األلياف أو العنارص املغذية مثل الخبز األبيض واملعجنات ،واملعكرونة املصنوعة من الدقيق األبيض ،وعصائر الفاكهة ،واألطعمة املُص ّنعة التي تحتوي عىل السكريات. .4تناولوا الدهون الصحية تعمل الدهون غري املشبعة -سوا ًء الدهون غري املشبعة األحادية أم املتعددة -عىل تعزيز مستويات الكوليسرتول الصحية يف الدم وعىل التمتع بصحة جيدة بالقلب واألوعية الدموية .وتتضمن مصادر الدهون الجيدة ما ييل: • زيت الزيتون ود ّوار الشمس والعصفر وبذرة القطن والكانوال • املكرسات والحبوب ،مثل اللوز والفول السوداين وبذور الكتان وبذور اليقطني • األسامك الدهنية ،مثل السلمون والرسدين والتونة
بنت العراق الشاعر .حامد خضري الشمري ملس اإلله جبينها فتألقا وزها الوجود بنورها وتأنقا حورية هبطت من الفردوس قد بهرت بروعتها الحجى واملنطقا ضلت فظلت يف الرثى أعجوبة حتى استحال بنفسجاً أو زنبقا أىن تحلق تغمر الدنيا شذا ً وإذا تهادت يف يباب أورقا أعيت سليامن الحكيم و ِج َّن ُه وجنو َده وسمت فع َّز املرتقى فكأنها أوىل نبيات الهوى هيهات يوماً مثلها أن تُخلقا خطواتها ن َغ ٌم ومن إيقاعها فاض الفؤاد صبابة وتدفقا نفح قداس ٍة فيها من األسفار ُ كل ح ٍني رونقا يضفى عليها َّ
شعر نار نفيس د .هويدا رشيف خبت نار نفيس باشتعال مو ّدته وطابت صورته يف عيني منذ لقياه يا قلباً ملتاعاً يدرك الحياة بوجوده بعدما أنزلني طول النوى دار آساه الذنب ليس ذنبه،ذنب حياته وأنا ألتطم بأمواج مسعاه الصرب ألحيا بطيبته ملتجئة إىل ّ إىل ال ّدعاء بأيام تحقّق رؤاه ال سبيل لألماين غري كينونته فأنا حبيبته وليس يل حبيب سواه يا شيزوفرينيا حرويف //.
موالي إني أرى نورك الشاعر :عيل مويسات الجزائري املصور :الفنان عبد الرزاق بعجي موالي إين أرى نورك :من ديوان صورة وقصيدة
أي نظرة هاهنا يف األفق ترنو للبعي ْد .. ُ مق الوري ْد .. أتراها نظرة الحب الذي ينب ُع م ْن ُع ِ أ ْم تُراها نظر ٌة متيض ِهياما بني كُثبانٍ وبي ْد .. تارة تبيك وأخرى تذك ُر ٍ ماض سعي ْد .. أ ْم تُراها نظر ٌة تعلو عىل كل صعي ْد .. أ ْم ت ُراها نظرة االٕبحا ِر يف ِ همس القصي ْد .. أ ْم تُراها نظر ُة العقلِ الذي كلام أ ْوغ ََل يأ َم ْل يف املزي ْد .. ما ت ُراها هذه النظر ُة يا ِ أنت ؟ يا ت ُرى ماذا تري ْد ؟ .. قالت إنني أرنو بقلبي وإىل ال ُب ْع ِد املدي ْد .. ر َّد ِت الحسناء ْ ترحل روحي إليه ألرى النور املجي ْد // الي أنا ُ ومل َ ْو َ
فيها تقى الزهراء ،عفة مريم وجامل عشتار عليها أرشقا ما أنجبت أو أرضعت إال األىل بهروا الكواكب بالشهامة والنقا من مل يفز يوماً بها لن يرتوي ممن سواها يف الورى أو يعشقا طهرت فال يرقى سوى َملَك لها أو ُمخلَص ُو ِهب النبوة واتقى شارب أغفو بهمستها كأين ٌ خمرا تألأل يف الدنان معتقا رقَّت كام البلور حتى إنني أبرصت فيها الرافدين ترقرقا الحب وحي الله يبقى فائحاً حتى إذا ما العاشقان تفرقا حلو ُمحيّاها وشه ٌد ثغرها وعىل رىب الشَ هدين ِمسك ُمنتقى بنت العراق أصالة وجاللة بلغت مبا فيها الكامل املطلقا//.
كربالء الشاعرة.لبنى رشارة ِ عىل ِ الطفوف أرض حطّت رحايل أحمل من الشوقٍ ُ ما قد ناءت بحملِه أوصايل شق الحسني ف ِع ُ تأص َل يف ِوجداين قد ّ منذ نعوم ِة أظفاري نهلت من معني نهجه إذ ُ ُج َّل مباديئ ِ وخصايل
ِ السبط أتيت إىل حرض ِة أداوي ِ بلمس الرضي ِح جراحي حول ِ أطوف َ ُ مرقد القداس ِة عبق الجنانِ فأش ّم يف أرجائه َ ِ بشباك ق ٍرب و أم ّرغ وجهي
جانب كل تحفُّه املالئك ُة من ّ ٍ من مثله؟ النبي املصطفى سب ُط ِّ يل املرتىض أبو ُه ع ٌّ
وأ ُّمه الصديق ُة الكربى سيدة النساء شا َء اإلل ُه أن تكو َن دماؤه
رِياً ٍ ألرض أراد إفسادها بنو أمية رحم الشهاد ِة ف ُولِد اليق ُني من ِ
موالي إني أرى نورك الشاعر :عيل مويسات الجزائري املصور :الفنان عبد الرزاق بعجي موالي إين أرى نورك :من ديوان صورة وقصيدة
أتيت الجئ ًة إىل حامك ُ ألقي عىل أعتابِك حمالً قد َ ضاق به صدري والفؤاد الدم ُع يهمي من مقلتي يرف ُد ّ عروقي عزمي ًة ووالء هذا مقامك.. أضحى ِقبلة لكل ح ِّر مؤمنٍ موا ٍل قد ظ ّن أعداؤك املارقون أنّهم بقتلك سوف ُمُيحى ذك ُرك وما دروا أ ّن دي َن الله بشهاد ِة السبط قد ُخلّ َد// .
وتار ًة إىل ساحة الوغى والهفتي.. عىل املُخ ّدرات الطاهرات قد ِرِص َن بعد الع ِّز سبايا سيدي.. بقلب ُمدنَ ٍف أتيت ٍ ُ دروب الرجاء أغ ّذ ال ُخطا عىل ِ تسابق الجس َم مني روحي ُ رحاب كربالء لتح ّط يف ِ العباس شاخصاً أمامي أملح ُ َ مقط َع األوصا ِل يبار ُز الردى والحس ُني يواج ُه املنايا الفسق والفجو َر وحيدا أىب أن يباي َع َ فض ّحى باهله و الولد استذك ُر مصيب َة الحورا َء زينب تار ًة إىل الخيام تهر ُع بني نريانها
إليهم ْ الشاعر.عمر شبيل 2023-9-3
ُ تعال ،يا متن ّبي ،يف قرا ِمط ٍة
السيف يف أعناقِ من َحكَموا َولْتُ ْغ ِمدوا َ
وإ ْن تَجاوزْتَ من أرقا ِمه ْم ِمئَ َة
أو بع َدها بقليلٍ يخجلِ ال َرقَ ُم
الليل يف كَزِنو إ ْن أُبْ ِرِصوا َ ْمَيضغون َ
ِئسام طَ ِعموا أو َمط َع ٍم ،فالْعنوه ْم ،ب َ
أو أُ ِ برِصوا يف احتفا ٍل يخطبون بنا
ماتت قواع ُد سيبوي َه وال َك ِل ُم ْ
املآتم يختارون أ ْربِط ًة ويف ِ
سودا َء حتّى يُ َع ّزوا من غَوى ِب ِه ُم
عت يُه ِّربون الذي أعام ُرنا َج َم ْ
إىل بُ ِ نوك ِف َرنْ ٍج ث َّم نُتَّ َه ُم
رب هذا ِ البنك ،إ ّن ب ِه فلْيعبدوا َّ
ماالً يُ َ ِرَبئُهم ،ولْتخسأِ التُ َه ُم
والعيب فينا ألنّا من نُ َن ِّوبُه ْم ُ
وبعضنا بني أيديه ْم له ْم َخ َد ُم ُ
ِ الرايات باس ِمه ُم وبعضنا رف َع ُ
الص َن ُم وباس ِمنا صا َر يف كُ ْر ِّس ِه َ
النفس ك ّنا بانتخا ِب ِه ُم نُ َعل ُِّل َ
ث َّم انتخ ْبنا فسادا ً ِ آخرا ً ِب ِه ُم
ه ُم الشياط ُني لك ْن من سري ُج ُمهم
بكل بال ِد الل ِه قد ُرجِموا وه ْم ِّ
ِ كاسات ِم ْحن ِتنا فليرشبوا الخم َر يف
ولْ َي ْعلَموا أ َّن خ ْم َر الثائرين د ُم //.
مسيرة في العمر الباقي الشاعر.فواز الحمفيش العراق 2023-9- 8
فاضت َد ْم َع ٌة ِم ْن بَ ْس َم ٍة بَلها َء ْ رغــ َم الحيـــا ِء ت َقــاطَرتْ تتَ َحـ َّد ُر ــت فَ َرأيتُـها أنفــاس فَ ْجــ ٍر نا َز َع ْ َ َغ َب َش ال ُّدجى َيَك ما يَب ُني َو يُ ْس ِف ُر
جام ُحروفها َح ْرْيى َو تَ ْب َحثُ عن لِ ِ روب ُحـروفُــها تَتَبَعثَـ ُر فَ َعلـى ال ُّد ِ تُزجي ُخطاهـا املُتْ َع ِ بـات قَالئـدا ً شَ ْم ٌس ت ُ غيـب َو ت ُ ْن َح ُر ُساق إىل امل َ ِ يـوم ســائ ٌر و ال ُعمـ ُر يومـاً ب ْعــد ٍ
َو ُحطــا ُمــ ُه ِب ُحطــا ِمــ ِه يَتَـ َعثَّــ ُر الصبا َو األُمنياتُ الحالِامتُ ِم َن ِّ
امل ُ َرتفــاتُ ال ّنا ِعمـــاتُ ال ُخ َّضــ ُر شابَ ْت عىل َصربِال ُّر ِ بيس ًة فوف َح َ األسـطُ ُر و مَتَ َ َّردتْ أن تحتــويها ْ بَ َسط َْت ِرِشا َع ال ّراحل َني كَغريِها
يف لُ ّجـ ِة املجـهو ِل راحـت ت ُبحـ ُر كالسـراب لسـائ ٍر أدركـت ّأيّن ِ ُ ت َبقـى املُنــى َو أنـا الّـذي أتَبَ ّخــ ُر القيارة//.
وال أمل فام العمل؟ زرته ثانية وأخربته؛ أن ضحكايت مل تكن سوى قهقهات تتكرس عىل شفاه زائفة، صوتها ،ميأل األرجاء لكن ال رجاء. وأخربته أن غايتي مل تكن تلك الحركات واألصوات.. والرتهات.. وعلمت حينها بعد أن أعييته، أن سادة الظالم مل يرتكوا لنا ضحكات فَ ُهم رسقوها وباعوها يف املحافل والحانات وداسو عىل أحالمنا بعد أن اغتالوها، وح ّملونا نعشها إىل الشتات//.
بائع الضحكات الكاتبة.زهر عمريي أمس ،قصدت متجر بائع الضحكات أخربته أنني أعاين من ٍ نقص حا ٍد يف تلك الفيتامينات وأنني ،أخىش نسيانها مرهاًم يعيد لشفاهي نضارتها وأريد ً ورشابًا يخرج ضحكايت من األعامق. ح ّدق يب برهة ،ث ّم استدار، مرهاّم وبعض الحبيبات وناولني ّ وقال :هل تحيي الليل وتسهر النهار؟ قلت :أجل قال :إليك وصفة سحرية ،علّها تصلح الخلل يك يرجع األمل. وكيّل أمل خرجت من دكانه ّ وواظبت عىل الوصفة دون كلل لكن ،ال رجاء
بأن َّ العمر من منفى ً اىل منفى وإن َّ اللوم َ يأتيه ِ بيوم ٍ ليس َ يدريه ِ يُعاتب ُه ُيُقاضيه ِ ملاذا هذه ضاعت ْ ؟ وهذي كيف ما اسطاعت ْ ؟ قبل ُ وهذي والتي ُ لِم َ التاعت ْ ؟ وإذ ْ أبيك ومن ِ أسف التعب ِ عىل د ّوامة ِ ِ سأترك ُ فوق َ راح ِ الكف ِّ من غضب ِ جروحاً حني أسقطها عىل املرآة ِ الهرب// من ِ
المرآةُ ُ المش ّّوههْ ْ الشاعر.انيس عطا العراق
أمرآيت ِ أأنت الصورة ُ الشوهاء ُ ؟ أم وجهي وعالّيت أحقا ً؟ ما أرى يف وجهك ِ العايت خسئْت ِفالذي ترمني َ من يأس ٍ عىل ذايت مي ّزقني ويرتكني عليال ً ليس َ ي ُـستشفى بطول ِ الليل ِ أنـات ٌ وأوجاع ٌ ملا أخفى وأ ّجــل َ دون َ أن ْ يدري
يراقصون آلهة البحر، فوق رمال شهوة مكسوة مبلح ميحي أمواج الوالدة . أيّتها األحالم، تسلّيل من أمعاء الثكاىل واصدحي بصوت الجياع كل الث ّوار أيّها الجوع يا مشعل ّ ضاّم ًدا كاذبًا) ال تصغي للطغاة فهم (صلبوك وصنعوا لك ّ ح ّنطوك ،وهيّلوا عليك تراب الخوف والدين واملؤامرة، وجففوا املاء من أغصانك. كل العصاة ، أيّها الجوع ،كن مع ّ فالله يبدأ من رصخة رغيف//.
ْ رغيف هللا يبدأ من صرخة الشاعرة .نهى املوسوي بريوت 2023-9-4
أحالم بال قبس ،ونبي بال أجنحة يبحث عن وحي، ووطن مقدس ،يبحث عن قيم سافرت ومل تعد أيتها األحالم، كيف نساوم جداريّة الزمن؟ وأديم األرض يتشقّق من عطش وقمحنا خرائط تعرص ملح التّس ّول كيف نرفع سياج صباحنا الوسنان ونحن نروي املوىت من بكائيات أوجاعنا؟! أيّتها األحالم املختنقة عىل أرستنا الباردة كلاميت ضمري مكسور أتوكأ عليه وأهش به القرون املتواطئة، ّ لصوصا و ملوكًا و قتلة، الحاملة ً وشعراء بال مالمح
رس الذي ال يُكشَ ُف إنه ال ُّ إن ال ِعذ ُْق الذي ال يُقطَف إنه ِص ْن ُو الجنون كم تزحلقْنا به فوق ٍ جليد وصخور كريس القم ْر هو ُّ رش فوق ِ أفهام الب ْ الشمس عليه إنه النور الذي تحسده ُ غنج به وال شكل قصور هو ال ٌ ٌ مدلول عليه ودليل هو كالفراشات التي ترقص باملوت عىل نا ٍر ونور ال تخاطر ،سيدي، أي كسو ْر اجنحتي ليس بها ُّ عرَص إ ّن قلبي مثل ما ٍء ليس يُ َ من حمورايب له دستوره سيدي ال تجزع اآل َن فإين نجمة الصبح تجل ّْت يف السامء نبتت فيه الزهور//. تراب ْ وعىل االرض ٌ
أنا ،من أنا د .دالل الحلبي 2021-10-3
قال من ِ أنت؟ الرتاب امرأ ٌة أنا ،يا اب َن ِ ال تبايل بالذي تسأل عنه ٍ ْ حروف بنصوص أو مل أُ َد َّج ْن الحب لديها كاملدى ُمتَّ ِس ٌع إمنا ُّ يا سيدي ُ الحب معاً الرتحال يف إنّه ِّ
َص ْو َب فضا ٍء واسعٍ أي حدود يف فضا ٍء ما له ُّ إنه نشو ُة فك ٍر قلب إنه شهق ُة ٍ
إنه امل ُّد وال جز َر له صوب السامء أي غطا ْء رس إنه املجهول لك ْن ما له ُّ إنه نشوة ٍّ الحب ال يوج ُد يش ٌء ،واضح سيدي يف ّ ّإاّل معانيه التي تعيى عىل التفسري من كل البرش ُمب َه ٌم حتى الغرابة إنه املعنى الذي ال يُع َر ُف
بشغفي القاتل بأوهامي فكلّلني القدر بالياسمني وسقطت أقنعة الخرافة عن وجوه املضلَّلني يسكنني حنني إىل درب ع ّبدته باألشواق وظلّلت اللقاء بابتسامات بعناق وتركت عيني عىل األفق تبحث عن مكاين ونسيت يف زحمة األيام موعد وصويل// .
صحوة روح .. الشاعرة.رانية مرعي يسكنني حنني إىل أمني ٍة صامتة كانت يو ًما مالذي أخفيتها يف برئ أرساري مل تنجبها الحياة لك ّنها يف خيايل قصة رويتها باالنتظار ّ يسكنني حنني يوم إىل ٍ الحب اعتنقت فيه ُ ّ يف زمن الر ّدة وجاهرتُ بأحالمي بآالمي
وليل ًة تكو ُن من أسوأ الليايل ثم تعانقني وتروم وفجأة تطعنني وال تبايل تطع ُن سكينا» لقلبي الحنون وال تأبه لقدرة احتاميل تارة تضمني كاملجنون الذي يالز ُم كل العمر خيايل//.
المجنون الشاعرة .زينه الجوهري شاركتُ َك أفرا َح َك والهموم وأسكنتُ َك يف قلبي ويف بايل فكنت َ شمسا» بال غيوم وتار ًة عند أملي ال تبايل يوما» تُغرقُني بالسموم ويوما» ترقرق آمايل ليلة تقاسمني ال ُح َّب جنون
كارما وكرمة أغنار عواضة حني أطرز قميصك األبيض بالعتب يطوي» الكم «الهائل نفسه من حويل يف املنتصف ،أنعرص كالعنقود يكوينا العناق نتحول إىل» كيف» خالص. ويظل البياض زبد ا عىل بحر كامل التكوين أما حني أكتب قمحا دقيقا ال أكون دقيقة كثريا أذريه كيفام إتفق مثة أثامل عميقة تغب الحب بألف طريقة وطريقة.
جاءني يسعى يم ُّ د لي يدا صليحة عناين يعرُب االٓفاق نحوي قد بدا ُُ حا ِمال حيس حنينا ِ ماطرا ُمربِقا حويل أرا ُه ُمر ِعدا من ٍ بعيد ش ّد قلبي وسام حب أنس عشقه مثل الردى ُّ ِمن قريبا هزين تـ َّيار ُه المست الندى لست أدري كيف ُ اح ل ُه عاط ُر ِ األنسام ف َّو ٌ
ريح ٍ ِ مسافات املدى مسك يف ُ هل ترى حبي سريوي قلبه
من قوافي ِه إذا ما غردا ؟ هل ت ُراه إن أنا ناولت ُه كأس وجدي هل سيبقى أبدا ُ
حا ِفظا عه َد وفا ٍء بيننا كلام كان بليلٍ سا ِهدا
وأرا ُه ال ُبع ُد يُط َوى دوننا ويصري الوصل جرسا أ ْمـلَدا ؟ إن أنا أهديت ُه نبض املنى وقصيدي بهواه قد شدا هل سيأيت حامال أشواقه او يكون لهوانا ِ جاحدا//.
الصمت الشاعرة .سناء الحاموش
أخربين الصمت عنك انهار ضجيجي وانتظرت ... صدقت نوتات بال صوت .. رذاذ أول شتاء عىل نافذة عطىش ... أتجمد يف هذه اللحظات ال أفارق صمتك ال أغلق نافذيت ... اختارت قدمي الوقوف عىل حافة صوتك واسع صوتك كصحراء ودافئ كشمسها تتلو الكالم كخمر عتيق ... من أين تأيت بكل هذا النبيذ..؟ أخربين صمتك .. عنك ... الكون يطوف حول أناملك ووتر وأنا أرقص .. أرسق من الغجرية ثوبها األخرض ... وأمسك دفا ... أنقر عليه ايقاعا ... أنقر عليه صمتا.. ويخربين عنك//.
كل أسامء الكواكب آلهة يونانية وما أنا إال إمرأة أرضية. النص الذي كتبته لنا يوما ما سخي ونادر مثل خمسني غرام من الزعفران يحتاج إىل خمسني ألف زهرة لصنعه . باذخ وحنون فيام لو زنته بالعقل وبالفعل ال بأس بقليل من الجنون وبغمزات العيون كم غرام من الحشيش نحتاج لينمو عىل قرب هذا العامل ليمكن احتامله أو مغادرته برسعة زائدة تلك هي املسألة//.
نساء وسجائر غدير سعيد حدادين الشاعرة والفنانة التشكيلية( االردن)
تذكر وأنت متر عابر سبيل عىل حواف روايتنا تتلصص خلف سطورها تبحث كعادتك املجنونة عن تبغك الذي لطخت به صور نسائك وترتك عىل منفضة الوهم رمادهن. مل تعد تغريني قصائدك سيد الوقت، وال ذلك الضوء الذي يرشق من أصابعك!. تعلمت أن أميض وحيدة وألفت تجاعيد املرآة.. ُ لفافتك األخرية التي كانت تحرتق أمامي ما هي إال أكاذيب قصيدة قرأت ُها مبلء قلبي ,ومل أصدقه//.
من حنين الناي غدير سعيد حدادين الشاعرة والفنانة التشكيلية ( االردن)
امرأة من حنني الناي أنا من بحة الدمع يف ضحكايت. مبعرثة بني ثرثرة األرصفة وقطار الع ْمر. الشمس وتركت ضوءها يف عسل عيني. صافحتني ُ حسدتني الريح فأفلتت أصابعها يف شَ عري. غاّمز ًة ُّ ترف فراش ًة من ذهب. وقبلني الحب وترك عىل خدي ّ امرأة املصادفات أنا أفيض بصمتي وأشتاق َُك دوما كالفرح.
انهيار ذاكرة أمام صفعة نهاية الكاتبة رىل العريان توعك أنينها النازف صدى يترشد اقتلعت حارضا يتامىض النسيانات يف احرتاق هالس يكون بعدما اختفى الكان البقايئ.... افتقدين..... ولقاء تشظى أشالء قبض عليها عدم يف رساديب وجود يأرس ذكرى بوميض رصاص وزكام صمت قارح يرتعش القيد يف خفايا الوعي يلتهم كوابيس نساء أهرب الهثة اىل نسيان يجتاحني...
خواطر لم تعد أمكنيت يل.... الكاتبة رىل العريان لقد تعرت من اطيايف .... بيتها تلك الكانت «انا» غريب يلتهب بغبار الصقيع.... ارسم غدا ً لن يكون له ماض.... حقاً مل أعد اشعر بالتامهي مل يعد يهزين رحيل ...... عىل مسافات مني..... من كل األشياء.... وداعات ونهايات مخدرة...... اعتزلتني //.....
كأين ألغي لحظة كنت فيها يك ال أتبعرث فراغا ممزقا يف لحظة ال اتقبل أال تكوين كل حضورها... إغامءة وجود تغفو فيه ادعاءات حياة المئة يف سبات الضجيج املتفاقم يكتظ رسابا قامتا يلتف الحداد ذاكريت الثكىل ترتشف ما مل يأت.... يسكنني الرصاخ لوعة سوداء يف غثيان هاتيك املسمى .... أشن فراقي فيها.... ألتحف حزيران مولد نهايات //....
اليوم أردت الحديث عن سويرسا ،هذا البلد الذي يقع يف قلب أوروبا ،الصغري يف مساحته والكبري ،يف شهرته ، الذي يحتضن أكرب البنوك يف العامل ،هنا يف جنيف العاصمة االقتصادية األكرث شهرة يف سويرسا ،أول يوم كان يف عز الصيف أواخر شهر أوت ،ا ركبنا الرتومايا الذي يفصل الحدود املعنوية بني فرنسا وسويرسا ،مررنا عىل بيوت قدمية متناسقة مبنية بالقرميد ،والتي تفصلها أحواض وعيون تزين بالورود كانت من زمان تستعمل للامشية لترشب منها املاء ،عند عودتها من املراعي ،اليوم أصبحت أمكنة للراحة والس ّياح ، وصلنا إىل قلب جنيف الساحرة ببنايتها الجميلة واملتناسقة ،وما زادها جامالً البحرية الكبرية والنهر الذي يشقها ، والنافورة التي ت ُعرف بنافورة جنيف وتسمى (( ,))Jet d›Eauتقف النافورة كأحد أشهر املعامل األوروبية وأشهر ما مييز سويرسا بعد الشكوالتة والساعات والبنوك وأجراس األبقار .وقد بنيت النافورة يف عام 1886بارتفاع متثال الحرية وبذلك تكون من أطول النوافري بالعامل .ويقدر أن النافورة تضخ سبعة أطنان من املياه برسعة تبلغ 200 كيلو مرت يف الساعة من خالل عدة مضخات كهربائية تضخ املاء الرتفاع يصل إىل 140مرت ،تم تصميمها بالبداية لغرض تقليل ضغط املياه عند الضخ لسكان املدينة ،مع حلول العام 1891تم تطويرها لتصبح معلم سياحي جذاب وكانت قدرتها بذلك الوقت 90مرت فقط .إىل عام 1951تم تطويرها أكرث باملضخات ومصادر املاء واإلضاءة لتصبح معلم املدينة املشهور... قريب من ساحات كبرية ومطاعم وحدائق ،ونحن منيش انتبهت إىل مررنا يف شارع رو دو رون جنيف ،وهو ٌ مربعات يف األرض ،مصنوعة من الزجاج ،فيها ِع َبا َراتٌ جميل ٌة بكل اللغات الحية يف العامل ،وكان الشعار باللغة العربية ( ملتقانا غدا ً ) رمبا من كبتها تنبأ بهذا الغد الذي هو اليوم الذي أصبحت فيه جنيف ،مركز للبنوك العربية ،وملتقاهم ومالذهم يف العيش يف رفاهية ،وأقصد أثرياء الخليج ،حيث ال يخلو شارع إال وهناك بنك عريب ،والغريب أن العرب ،أهل الخليج نجدهم يف شوارع ذات محالت للمالبس والعطور ،وعىل ضفاف البحرية ،أو يف املطاعم الفخمة ومحالت الشكوالتة وااليس كريم ،نجد معظم املصطافني العرب يف سويرسا مبدينة جنيف بالذات ،بل وبجزء صغري منها ..أي أنهم يتحركون يف رقعة محدودة .ومن النادر جدا أن ألتقي بعريب يف متاحف جنيف الكثرية أو حتى يف بقيت الدول األوربية حسب رحاليت السابقة إليها ،املهمة أو حتى يف مطاعمها السويرسية أو الفرنسية ،
سياحة أدب السفر /تحرير سويرسا مدينة السالم والبحريات والشوكوالتة بقلم االديبة والصحفية سليمة ملّيزي الجزء األول صيف حار ،األربعاء 23أوت 2023م هناك مدن تصنع تاريخها بعبق املايض ورونق الحارض ،وقوة الحضور عرب األمم واألزمنة ،تاريخ تكتب ُه األماكن والثقافات والفنون وجامل الطبيعة ،ومن أشياء صغرية تجعل تاريخها وحارضها قو ٌة توازي بقية شعوب العامل ،القوة هنا ليست يف مساحات شاسعة من األرايض ،أو وحيل ذكية والبحوث القوة العظمى يف الحروب ،فقط هناك ذكاء قوي ٌ ، املستمرة من أجل التطور ،وبناء حضارة علمية ثقافية ،قادرة عىل مواجهة تطور العامل ،هي التي تصنع هذه الشعوب رغم أقليتها يف العامل ،وتجعل منها دولة قوية لها وزن كبري بني األمم ...نعم أنها سويرسا ،هذا البلد الصغري يف حجمه والكبري يف شانه ، الذي انقسم من ثقافتني مختلفتني وحضارتني مختلفتني ،آال وهي الثقافة الفرنسية واألملانية ،رغم ذلك أصبح من بني الدول التي تحتضن العامل مبؤسساته العاملية السياسية والثقافية والعلمية ،واإلنسانية ... رحلتي اليوم إىل سويرسا ،البلد الذي ارتبط اسمه يف مخيلتنا بالشكوالتة واألجبان واملنازل الريفية الجميلة التي تقع بني املروج الخرضاء طيلة السنة ،وتزينها شالالتٌ وبحريات ،فتتشكل مناظر خالبة ساحرة الجامل ،مام جعلها من أجمل البلدان يف أوروبا...
« العودة من عطلة كانت من أجمل اللحظات التي قضيتها مع عائلتي ،عندنا يف الليل نظرا ً الرتفاع درجة الحرارة التي عرفتها جنوب فرنسا ،من مدينة مونبيليي الساحلية ،التي تقع عىل البحر األبيض املتوسط ، ،ذهبنا إىل الحدود الفرنسية السويرسية ،مدينة صغرية مرتامية األطراف ،تحت جبال شاهقة تسام جريا ،وكأنها تشبه جبال جرجرة يف الجزائر ،فقلت البني .رمبا اسمها أىت من جر جر هي جبال متتالية متناسقة تجر بعضها البعض، ويحتضنها بعيدا ،الجبل الشهري يف فرنسا الجبل االبيض ، mont-Blancالذي تكسوه الثلوج طيلة السنة ،وهو الوجهة السياحية يف فصل الشتاء ،وحتى يف الصيف ،القرية هادئ ٌة جميلة مريحة ترتبع عىل الطبيعة الخالبة من حقول وغابات وأشجار متناسقة ،وقرى جميلة وفيال ت صغرية ذات الطراز العمراين الفرنيس القديم ،ال يفصلها بني مدينة سويرسا جينف اال بحرية كبرية ،وهي بحرية ليامن ،)Lacus Lemannusمن أكرب البحريات التي تقع يف سويرسا .بحرية ليامن)Lac L’émane ، أو بحرية جنيف ( )Lac de Genève هي إحدى أكرب ال ُبحريات األوروبية. وتق ُع ٪60من مساحة البحرية يف الحدود السويرسية ضم َن كانتون فود وكانتون فاليز وكانتون جنيف .و ٪40يف الحدود الفرنسية ضم َن إقليم سافوا العليا .وتعو ُد تسمية البحرية إىل العهد الروما ّين وكانت ت ُسمى (بالالتينية: .)Lacus Lemannusومع اشتهار مدينة جنيف بدأت ت ُسمى ببحرية جنيف ولك َّن االسم املتفق علي ِه يف فرنسا من ُذ القرن الثامن عرش هو بحرية ليامن ، عطر املطر ... نفحات عطر املطر الصباحية باردة منعشة توحي بقدوم الخريف ، عىل بعد مسافات من الشارع الطويل ،الهدوء يعم املكان ،إال من حفيف أوراق األشجار الصفراء املتناثرة عىل حافة الطريق ،هدوء تام ،ال فوىض لإلنسان هنا ،وكأن املكان خالياً من املارة ،إال بعض السيارات التي متر ، أبيض من الغيوم ، وبعض شاحنات البلدية التي تتأهب للعمل يف الحقول املجاورة ،كان جبل جريا يلتحف ثوباً ٌ صنعته الطبيعة بإتقان ،الجو ماطر منعش ،مط ٌر رذاذ ُه يلفح وجوهنا بلطف ،ويغسل تعب حر الصيف ، هكذا بدت يل هذه القرية املرتامية األطراف ،قرية جميلة بهندسة معامرية فرنسية ،تعود إىل خمسينيات القرن املايض ،أو هو طراز معامري ،خاص بالريف ،حتى يبقى الريف له جامل ُه الذي مييز ُه عن املدن الكبرية ، واملكتظة بالسكان ،الجامل يف هذه القرية ،مينحنا الهدوء والراحة ،إنها ال تزال تحافظ عىل تلك العيون التي تتوسطها ،والتي كانت تشبه الزمان الذي كانت قريتي فيه ،قرية بني عزيز التي كانت تسمى سويرسا الصغرية، ،
وهذا ما كتبته يف مقااليت السابقة عن عواصم أوروبية ،خاصة باريس ،حيث كتبت عن متحف الفنان التشكييل الفرنيس كلود مني الذي يقع أمام حدائق القصور امللكية ،عندما زرنا املتحف يف صيف 2022م ،مل نجد العرب داخل املتحف ؟ فقلت متى تصلنا ثقافة زيارة املتاحف التي تضيف لنا ثقافات العامل ،والغوص أكرث يف تاريخها... ظهرت جنيف ألول مرة يف التاريخ كمدينة حدودية عىل حدود ألوبروجيان ،محصن ًة ضد قبيلة سلتيك هيلفيتي، التي استوىل عليها الرومان يف عام 121قبل امليالد. مياًل من األعامل دمر قيرص ،الحاكم الروماين يف بالد الغال ،جرس الرون يف جنيف يف عام 58قبل امليالد ،وشيّد ً 19 الرتابية من بحرية جنيف إىل جبال جورا من أجل منع هجرة الهيلفيتيني ،الذين «حاولوا ،أحيانًا يف النهار ،وغال ًبا يف الليل ،اخرتاق املدينة ،إما عن طريق ضم القوارب م ًعا وصنع عدد من الطوافات (راتيس) ،أو عن طريق عبور نهر الرون حيث كان عمق املياه أقل» (دي بيلو غاليكو ،آي . ،ثم ساعد يف تأسيس جنيف كمدينة رومانية (فيكوس ثم سيفيتاس) من خالل إقامة معسكر هناك وزيادة حجمها بشكل كبري … ترجع نشأة سويرسا إىل 1أغسطس من عام ،1291عندما اجتمعت ثالثة كانتونات وهي شفيتس وأونرتفالدن ويوري ،ووقّعت ميثاق تحالف دفاعي فيام بينها ،يعرف باسم «امليثاق الدائم» ،فكان هذا امليثاق مبثابة حجر األساس لوالدة الكنفدرالية السويرسية، الذي أطلق عليه فيام بعد اسم سويرسا ،نسبة إىل كانتون شفيتس. سويرسا ت ُلقب بعاصمة السالم ،وتشتهر بصناعة الساعات والجواهر الثمينة ،وفيها كث ٌري من مقار املنظامت والهيئات العاملية ،وكتب بها العديد من املعاهدات واالتفاقيات الدولية. تقع جنيف جنويب غريب سويرسا ،ومتتد بشكل هاليل حول بحرية تحمل اسمها ،حيث ينبع نهر الرون الذي يصب يف جنوب رشق فرنسا ،وهي عاصمة إقليم جنيف ،وتبلغ مساحتها نحو 16كيلومرتا مربعا ،ويقسمها نهر الرون إىل قسمني ،قديم وجديد ،يقع القديم جنوب النهر ،وبه شوارع ضيقة متعرجة والكثري من املعامل البارزة مثل جامعة جنيف وقاعة املدينة .ويقع الجديد شامل نهر الرون وبه فنادق كبرية وقرص األمم الذي كان املركز الرئييس لعصبة األمم ( .)1946-1920وملعظم املنظامت العاملية مراكز رئيسية يف جنيف.
منزل مارتيل له 200سنة من التاريخ ،يف عام ،1818افتتح طاهي املعجنات لويس نيفينيجر مؤسستنا األوىل يف مدينة كاروج الساحرة .ثم استوىل صديق طاهي املعجنات ،جول مارتل ،عىل م ّر التاريخ …صناعة الحلويات، وأعاد تسميتها باسمه ،وبالتايل أنشأ ميزون مارتل يف عام .1860ومنذ ذلك الحني ،أصبحت متاجر مارتل مكانًا للرشاهة التي ال مفر منها للربجوازية املحلية .يف عام ،1968توىل مارسيل ماير اإلدارة ،ومع إدامة التقاليد والتميز ،أعطى العالمة التجارية صعو ًدا مبه ًرا .يف الواقع ،أصبح من املمكن اآلن تذوق واكتشاف الشوكوالتة واملعجنات واملعجنات من مارتل يف أكرث من 10متاجر يف الكانتون .لقد كان منزل مارتل جز ًءا من قلوب سكان جنيف ألجيال عديدة وال يوجد نقص يف الحكايات من تجربتهم! يوم الجمعة 25أوت كانت وجهتنا برن عاصمة سويرسا السياسية ،مررنا عىل مدينة نوشاتيل .مدينة جميلة جدا ً ،تعترب من بني املدن األكرث أصالة ومليئة بالقصور والكنائس القدمية واملعامل التاريخية واألثرية وتعد وجهة سياحية بامتياز ،توجد فيها اكرب جامعات أوروبا ،تقع املدينة يف شامل غرب سويرسا ،وتتميز مبوقع سرتاتيجي هام ما يؤهلها لتكون ممرا ً نحو أوروبا الغربية ،تناولنا الغداء يف الحديقة عىل ضفاف البحرية ،وتقاسمت معنا طيور الدوري أو «الزاوش» املعروفة يف الجزائر ،هذا العصفور هنا ال يخاف اإلنسان ،وكم استمتعنا أنا وحفيديت ليىل ونحن نطعمها ،كان منظرا ً مريح ،وفيه متعة ،لو ال الرعود التي أفزعتنا … صادفتنا أمطار غزير ٌة ورعود تركتنا نهرب ،ونتجه إىل مدينة بارن عاصمة سويرسا الرشقية ،التي تعترب أقدم مدن شمس دافئة ،عند وصولنا إىل مدينة برن ،هي رابع أكرب مدن سويرسا ،ونحن يف الطريق تحسن الجو ،وأرشقت ٌ سويرسا الرشقية من حيث عدد السكان بعد زيورخ وجنيف وبازل يعيش يف برن حوايل 127ألف شخص معظمهم يتحدثون األملانية أو األملانية الربنية .برن هي عاصمة كانتون برن ثاين أكرب كانتون من حيث عدد السكان يف سويرسا . ،بنيت املدينة يف شبه الجزيرة املشكلة من نهر اآلر ولكنها رسعان ما منت خارج الحدود الطبيعية للنهر ولهذا السبب بنيت العديد من الجسور عىل اآلر كجرس كرشنفلد وجرس نايدج .وكانها مدينة معلقة للجسور ،وتحتها رسيع الجريان ،ومياهه الصافية ،التي تتدفق من الجبال املحيطة بها ،التي تكسوها الثلوج طيلة السنة ،مام جعلها مدينة رائعة الجامل ،خرافية .مذهلة ،بهندستها املعامرية ،القريبة جدا للطراز العمراين األملاين ،دخلنا يف شارع املشاة ،قابلتنا بيوت عتيقة تتخللها أقواس وبنايات قدمية جدا ً ،وشوارع مرصعة بالحجارة ،وكأنها كانت مخصصة لتلك العربات القدمية التي
تستعمل للامشية لألغنام التي تعود مساءا ً من املراعي ،ليك ترشب منها ثم تذهب إىل اإلسطبالت ،هذه العيون بأحواضها الجميلة ،أصبحت مكاناً لراحة املارين ،تزين للزهور أَ َصائِص ،مام يضفي عىل الشارع منظرا ً جميالً ،وهناك مرابط للخيول التي تشبه اليوم محطات الحافالت ،ال تزال كام هي ،حولت إىل مكان السرتاحة املارة ،ال تزال إىل حد اليوم يف هذه القرية التي تقع تحت سلسلة جبال جريا القريبة جدا من الحدود السويرسية ،ومدينة جنيف ،والتي تفصلها بني جينيف .البحرية الكبرية ليامن )Lacus Lemannusالتي تعترب من أجمل وأكرب البحريات املتواجدة يف سويرسا ….. بقلم سليمة مليزي شهر أوت 2023م أدب الرحالت سويرسا مدينة السالم والبحريات والشكوالتة .. الجزء الثاين يوم 24أوت ، جنيف العاصمة االقتصادية لسويرسا 27 ،اوت يف عز الصيف ،كان الجو حارا ً جدا ً عىل غري العادة ،حيثُ كانت ْ موجة حر ترضب أوروبا ،اتجهنا إىل منزل أو محل مارتيل للشوكوالتة ،بعد نزهتنا عىل حافة بحرية ليامن أو جنيف ،واالستمتاع مبناظر البنايات املرتاصة الجميلة ،ومنظر النافورة الشهرية التي متيز جنيف ،وكان النهر الذي يخرتق قلب جنيف ،مياهه تجري صافية لونها أزرق ،مام يضفي عىل الجو ،نوعاً من االنتعاش ،رغم درجة الحرارة ،التي تجاوزت ، 37واملنظر الجميل لطيور البط واإلوز التي متأل البحرية ،والجميل أن هناك أماكن السرتاحة من حر الصيف ،مزينة بالورود .والظالل ،وحتى توجد مراجيح من أجل ،وتريحهم قليالً من حرارة الجو ،محل الشكوالتة وااليس كريم وحلويات العريق ،تاريخ وجوده منذ ،1818الذي يصنع أجود وألذ الشكوالتة السويرسية …
كام تضم املدينة عددا ً كبريا ً من املتاحف التاريخية الضخمة ذات الهياكل املعامرية الفخمة فضالً عن العديد من الحدائق النباتية وحدائق الحيوان مثل حديقة برن النباتية التي تحوي بداخلها حواىل 6000نوع من النباتات تم تجميعها خصيصاً من مختلف أنحاء العامل لوضعها داخل الحديقة .ومن أشهر معامل هذه املدينة أيضاً البحريات النظيفة النقية التي متتاز مبظهرها الجميل والتي تقدم لكم نزهة ترفيهية جميله عىل ضفافها باإلضافة إىل أنه ميكنكم االستمتاع بالسباحة داخلها ،وازهار جريانيوم التي تزين ،رشفات املباين ،وهناك سوق ينظم كل سنة لعرض أجمل ازهار جريانيوم ،والذي تعدى عامه 65سنة . األحد 28أوت 2023 عدنا إىل جنيف كان الجو ماطرا ً ومنعشاً انعشنا من حر الصيف الذي لفح وجوهنا يوم 23أوت ،اتجهنا نحو محطة الحافالت ،كان الطريق خالياً من املارة ،ونحن منيش بني أشجار البالتن التي بدأت أوراقها تصفر ، املرتامية عىل األرض ،مشكلة لوحة فسيفساء فنية رائعة ،وبعض الرياح الباردة التي كانت تعبث باألوراق ، توحي بقدوم الخريف ...كانت السحب البيضاء تغطي جبل جريا ،كانت رحلتنا اىل جنيف ،االتجاه اىل متحف ..… CERNسارن احد املتاحف التي ت ُع ُ رف باخرتاعات القنابل النووية خالل الحروب ،التي شهدتها أوروبا .، انتظرنا أكرث من ساعة يف الطابور الطويل ،الذي وجدنا فيه السواح من كل أجناس العامل ،هنا تسمع كل لغات األرض ،نظ ًرا ألهمية هذا املتحف ،انتهى بنا الطابور عىل الساعة الثانية عرش ،أين سيتوقف دخول الزوار إىل املتحف ،فقال لنا العامل عودو عىل الساعة الواحدة والنصف ،وقت موعدنا للسفر يف القطار إىل باريس ……. الخميس 31أوت أحسست أن الجن أصبح بكرثة ،وهربت املالئكة ، عدنا إىل باريس مدينة الجن واملالئكة .هذه املرة ُ كلام ازور باريس وأتنزه يف حدائقها الجميلة ،إال وأجد طائر الغراب بكرثة ،هذا الطائر األسود الذيك ،ومنظم ، رس ذكائه الشديد وذاكرته القوية ،يتميز طائر الغراب عن بقية الطيور األخرى بذكائه الشديد حياة الغراب و ُ الذي ميكنه من معرفة وجوه البرش ،وتأقلم معهم ،ومل يعد يخافهم ،وقد ذكر الغراب يف القرآن الكريم حينام علم قابيل كيف يدفن أخاه هابيل عندما حفر يف األرض ليدفن غرابا آخر ميتا ،فمنذ ذلك اليوم تعلم اإلنسان عملية دفن املوىت ،متتلك الغربان قوانني ترسي عىل جميع أفرادها مثل املحاكم التي يخضع لها أي غراب يخالف قوانينها العادلة ،كام أن لكل جرمية عقوبة خاصة بها مثل إلزام الغراب الذي قام بهدم عش غراب آخر ببنائه مرة أخرى ،ورضب الغراب الذي يعتدي عيل أنثي غراب آخر باملناقري حتى املوت.
تجرها األحصنة ،وال تزال تحافظ حتى عىل الحجارة الصلبة التي كانوا يربطون فيها األحصنة ،ويف كل خطوات نجد العيون وتلك األحواض القدمية التي كانت ترشب منها األحصنة واألغنام واألبقار ،عند عودتها من املراعي ، أو الحروب ،وكأنها تحايك و تنطق بتلك القصص الجميلة من الزمن الخرايف ،وكأنك تسمح صهيل الفرس ،وأزيز العربات ،رغم أنهم استبدلوها بحافالت كهربائية حمراء ،مام طفت عىل املكان جامال ممزوج باملايض ،والحارض ،تصادفك بنايات قدمية مزركشة بنقوش توحي مبدى تطور اإلنسان األوريب ،الذي أجتهد وطور هذه املدن بشكل باهر ،ومل يتخل عن حضارته القدمية ،انبهرنا بهذه املدينة التي تقع عىل سفح جبال جريتن وبانتيجر ويخرتقها نهر اآلر ،خريره يصدح املارة ومياهه الصافية ،التي تتدفق برسعة ،عربنا النهر عىل جرس كرشنفلد وجرس نايدج، يقسم املدينة إىل شقني ،كالهام ينضح بجامل عمراين متميز ،بنايات وكنائس وفيالت ،ومتاحف متناسقة ذات ألوان داكنة ،مرتبة كلها تتزين رشفاتها بأصص ازهار جريانيوم الحمراء ،وكأنها لوحات فنية لفنان أبدعت يف خلقها ، القديم من العصور الوسطى وقد اختريت من قبل اليونسكو كموقع تراث ثقايف عاملي .أشهر معاملها برج زيتجلوج ذو الساعة املتقنة الصنع من القرون الوسطى وكاتدرائية منستار القوطية التي يرجع تاريخها للقرن الخامس عرش. يف املدينة العديد من املسارح واملتاحف املميزة كمتحف األلب وبيت أينشتاين ،الذي ،يعترب هذا املتحف أحد أهم متاحف التاريخ الثقايف يف برن .إذ يضم مجموعات ضخمة يف مجاالت علم اآلثار والتاريخ واالثنوغرافيا يصل عددها إىل 50.000قطعة ،تعود إىل فرتات وعصور تاريخية مختلفة فتجد قطعا من العرص الحجري وحتى الوقت الحارض تم جمعها من دول العامل املختلفة .ومن القطع التي ستجدها يف املتحف هناك التامثيل ،والسيارات، واألثاث ،واألقمشة املنقشة ،والسيوف ،والعديد من املومياءات ،ويوجد قي املتحف أيضا قسم خاص بأينشتاين يعطي ملحة عن حياة وعمل الفيزيايئ .وهو متحف مناسب للعائالت (.عند وصولنا إليه لألسف وجدناه مغلقاً ، كان الوقت متأخرا ً ) ...ومتحف الفنون الجميلة ومتحف االتصاالت ومتحف علم النفس ،تقام يف برن العديد من املهرجانات سنويا ،تتزين برن بالكثري من املالمح الطبيعية أيضاً فهي موطن للحدائق واملساحات الخرضاء ،كام أنها مركز رائع تقام فيه العديد من املهرجانات املوسيقية والفنية املتنوعة .ومن أبرز املعامل التاريخية التي تحويها املدينة هي البلدة القدمية والتي يوجد بها برج الساعة الذي كلام تنتهي ساعة تعزف األغاين املوسيقية وتقرع الطبول ،والذي يعترب من أهم الوجهات السياحية يف الدولة.
يف املجتمعات العربية وخاصة يف الجزائر ،يتشاءمون من وجود الغراب قريبا من القرى ،وال نجده أمام األماكن العامرة بالسكان ،وهو بطبعه يحب الغابات املظلمة الكثيفة األشجار ،لكن يف عواصم أوروبا ،نجده بكرثة يعيش يف الحدائق والكنائس والقصور ،ويتأقلم مع اإلنسان األوريب بكل حرية ،عندما زرت باريس سنة 2014 استغربت من وجود ِه بكرثة يف الشوارع والحدائق ،حتى عند عبوره ويأيت إىل بلغراد عاصمة رصبيا للامركة يف ُ املهرجان الدويل لشعر املرأة « الالهية» ،وجدته بكرثة من املطار حتى قلب بلغراد ؟ الغراب ال يهاب اإلنسان ، الرّس ،وعن سبب وجود فعندما كتبت مقايل يف أدب الرحالت عن باريس ،بحثنا أنا وابني عالء الدين ،عن هذا ّ الغربان يف املدن األوربية بهذه الكرثة ،فمن خالل تاريخ الحروب الدموية للحروب التي عاشتها أوروبا يف القرن 15و 16عرش ،أين كانت ترتك الجثث يف الشوارع وال تجد من يدفنها ،فتتعفن فتايت الغربان والنسور لتأكلها ، فكان االستنتاج .أن الغربان استوطنت عواصم أوروبا ،وتأقلمت يف العيش مع اإلنسان ، بقلم سليمة مليزي شهر أوت 2023م سليمة مليزي من أدب الرحالت أوت 2023م
يارون
صفحات لرجال ً ً وشهيدا شاهدا إىل «الحسني بن عيل»/ بقلم عمر شبيل رأيتك مطعوناً عىل الفجـر تت ّـيك
وتصهل ُ تصيّل صال َة الجرح فينا ّ
زلت يا طاهر الرثى تعلـِّمنا كيف العقيد ُة تـُح َم ُل ومن يومها ما َ ***** الدرب مفتوحاً إىل السامء ليك يظل ُ ال بد من عباء ِة الحسني ال ب ّد من ذبيح كربالء ***** حس ُني ،يا حس ْني عنْي حب ُّـ َك ُ فرض ْ ْ علـَّ ْمتـَنا مبوتك الجميل يعيش املر ُء م َّر ْتنْي كيف ُ هل ُ القاتل أ ّن ي َد ُه ً يدرك تصافح الجن ّـ َة لو صافحت الحس ْني ُ ***** حسني يا حسني علـَّ ْمتـَنا أن ننتمي ألجمل الدروب حتى ولو آخرها أفىض إىل «الكوفة» أو «حـُ َنني»
حتى ولو أفىض إىل «أُح ُـ ْد»
فالروح ال تـُه َز ُم مهام زُلز َِل الجس ْد ُ
محشُ َّو ًة بالقهر واإلرصا ْر مثل»الح ِّر» وهو يزجر الرياح تجيء َ من شجر الجنوب يذبحه العد ُّو والصديق تنسج من أشجار ِه عباء ًة جديدة لشجر الجنوب لشجر العراق، ونخله املحروق لغزة الذبيحة والوطن املرسوق ألمة من نومها تفيق تجي ُء يا حسني . ***** تحتك ُم األشجا ُر يوم موتها ينبت الثوا ُر يف ضفاف ِه للنهر حني ُ وتجعل األغصا َن حني ترج ُع الطيور ُ شواه َد القبو ْر أفصح الطيو َر وهي تعزف العودة يف الحقول والقرى ما َ معلن ًة أصوات ُـها الخرضا ُء حا َن موع ُد النشور ***** وها هو الفرات يقول للغزاة: زلت ظآمناً إىل غامم ٍة مخضلـَّ ٍة من ظ ِ أم الحسني أنا الذي ما ُ
يقتلُنا الظل ُم ،ولك ْن عندما يقتلنا الحب يف أطفالنا، لن يستطي َع أن ينال َّ سيول َـ ُد الوال ُد يف الول ْد.
فآ ِه من ٍ سيف يعاين الجوع والظام َ األعناق والدما َء أن تشب َع ُه ويأم ُر الب َّد أن َ يخاف هذا السيف من دمائنا، السيف الذي ال يشبه السيوف يا أيها ُ ْ األعناق رس َك ال ب َّد أن تك َ رس الز َر ْد وتك َ ***** من صخر ٍة تجيء من نخل ٍة تجيء من راي ٍة تنتظ ُر الي َد التي ترفعها تجيء من أم ٍة مذبوح ٍة تجيء ونحن يا حسني واألصالب ومنذ أن أقفرت األرحا ُم ْ ال ن َـ ِعد القدس سوى بأش ُه ِر النيسء لكنـَّها يف الح ِّر ال تجيء يف الق ِّر ال تجيء ***** ت ُـ ِط ُّل رغم جرحك املفتوح كالسامء من رشف ٍة موعود ٍة بأمة تجيء من جراحها بوش عىل ال ُعب ّـا ْد تجيء من مآذن ه ّدمها ُ تجيء من بنادقٍ الث ّوار
والنهر حني يجهل النار التي تنمو عىل الضفاف يظل رغم مائه متهامً بالشح والجفاف ومل ْ ْ وبالجفاف بالشح نزل نتـَّه ُم الفراتَ ِّ فالشهدا ُء رجعوا، وعلـَّمونا أ ّن من يشهر جرحاً مؤمناً يخافُه الس ّي ْ اف والعيش عىل اإلميا ْن َ وعلـّمونا املوتَ إن الذي يقدر أن يحجز ماء النهر ال يقدر أن يصادر الطوفان ***** حسني يا حسني لست الذي مات، َ ولست أنت من غـُيـِّ َب يف القبور َ أنت الذي يح ُّط فوق شجر ِ السدرة يف السامء بجانح خضيب األرض بالسامء وجانح يوصل هذي َ أنت الذي يرافق الثائ َر يف سيامئ ِه إسامعيل يف فدائ ِه َ أنت الذي شارك يحسه الفق ُري يف غذائ ِه أنت الذي ُّ أنت الذي نحتا ُجه يف الزمن املقهور مثل الخبز يف التنـّور. وسوف يبقى ناضجاً فك ُر َك َ ***** قادم متـَّ َه ٌم ُّ غامم ٍ كل ٍ
تغفر يل جفايف لن َ أخذل الث ّوا َر م ّرتني ولن أكو َن رافدا ً للميسسبي، مختلف غامم ُه ماؤنا ٌ بوش إىل مصب ِّـ ِه ولن نصري واحدا ً ،حتى ولو ح َّولني ُ فالنخل ال يحمل كستناء ُ يحمل طب َع النا ْر ُ واملا ُء أحياناً إذا رسقت َـ ُه وقد يصري املا ُء غ َري املا ْء ***** ال ب َّد من عباء ِة الحس ْني تظل راي ًة حتى َّ يحملها الث ّوا ُر يف «بدرٍ» ويف « ُح ْننْي» ***** يحج عرب جرح ِه رأيته ُّ رأيته يطوف عرب لغ ٍة، حروفـُها من جرحه املقاو ْم «هيهات منا الذل» أشعل لنا جرحك يا حسني ْ حتى نراك واضحاً ،إن غامماً أسودا ً يفصلنا عن جرحك الجميل وس َخها الطغاة عن راي ٍة ّ وداسها الغزاة أشعل لنا جر َحك يا حسني ْ نعاتب الفرات نريد أن َ
كرّسها أبحث يف خابية عن ذلك الصوت الذي ّ وأطلق الفج َر عىل النعاس َ من يومها قال لك الطريق: إصد ْع مبا تـُؤ َم ُر يا حسني َ جرحك حتى مطلع النخل واص ْرب عىل وال تن ْم فالحق ال ينام ُّ ومنذ أن هويت عن جوادك الجميل نبحث عن صوتك يف مزارع النخيل والشجر الحاين عىل القتيل ***** نبحث عن صوتك يف «الفلوجة» الحمراء و»البرصة الفيحاء» و»النجف األرشف» و»الدجيل» فلت َـ ْب ِكك الرجال يا حسني بأدمع الثوار النخيل لكن واقفاً ُ لِ َي ْب ِك َك املحراب يف «الكرخ» ويف «الرصافة» ليبكك ُ لتبكك «املَل ْـوي ّـ ْة»، لتبكك الجنائ ُن املُعـَلـَّقة ول ْـ َيبكك الفرات مرتني يوم عداك ظامئاً ومرة أخرى عىل الهوية وليبكك الجواد ،وهو يذرف الصهيل يف الربية
ما مل يك ْن ملق َّـحاً بالنار سامؤنا عاري ٌة كنرشة األخبار يف بالدنا ُ الجفاف رغ َم كرث ِة األنها ْر بال ُدنا يغمرها من ِ عام أسو ٍد ألف ٍ نسمع من فرزدق الطريق: «قلوبه ْم ْ معك سيوف ُـهم ْ عليك» ومل ْ تزل غامم ٌة مقهور ٌة أرض بال ِ تبحث عن ٍ «شمرٍ» بال «يزيد» حتى تح َّط حملـَها وينضج الغام ُم من جديد َ ***** أراك يا حس ُني يف بنادق الث ّوا ْر أراك يف مواقف األحرار يف املنزل املهدوم يف الجنوب ويف الفتى الحامل بندقية يهزأ بالجر ِح وبالشظي ّـ ْة ِ واملوت والغزاة ***** «السلامس» فينبت رسه ُ ْ أسأله عن ِّ أدخل يف املآذن الحمراء دون عن ُـ ٍق فقد رأيت جسدي معلقاً يف «الطاق» أسمع يف حرشجة األصوات ما دار بني الفجر والح ّراس
***** أبحثُ يف املآذن الحمراء والقباب عن ٍ جسدُ ، يقال :إن جرح ُه يشبهه املحراب حتى أصيل خلفه يف زمن اإلياب والسيف قد ُس َّل من ال ِقراب ُ ***** واستل يدا ً مقطوع ًة ّ تق ّدم الشهيد َ العراق بالسامء خلف راي ٍة نظيف ٍة ووصل َ يحملها ع ُّم َك من «مؤت َة» للعراق تلمع من «زاخو» إىل «الفاو» ،ومن قربك ياحس ْني إىل يد «الفلوجة» الحمراء و»النجف األرشف» و»الكرخ» و»سامراء» ***** ــ 2ــ والجرح تستفرسان عن الغيم وها أنت ُ هل م ّر فوق تراب العراق؟!! رس» ماذا عن «الكاظمية» و»األعظمية» وماذا عن «الج ِ توضأتَ يا س ّي َد الشهداء؟ أي نه ٍر ّ ومن ِّ
ِ الفرات يض ُّن عىل الشهداء بقطر ِة ماء إىل اآل َن نه ُر يوم عىل النهر ِ «ش ْم ٌر» جديد؟ أيف كل ٍ ***** رص، تزيل ُ َ التحاريق عن م َ هل َ رأسك اآلن فيها؟
جوادك الذي اختفى ليك تعود راكباً عليه يف «ساحة التحرير» ومتأل البالد من جديد بشجر الحرية. وسوف يبقى موعد اللقاء يا حسني يف «غز ٍة» و»القدس» و»الجنوب» «سيْنا َء» و»الجوالن» ويف ثرى َ حيث بالدي خلعت عن جرحها التقية وحمل املظلو ُم بندقية ***** حسني يا حسني ما زلت قرب النهر يسيل الد ُم من جناح ِه طريا ً ُ سيفاً بال يدين والغمد يا حسني تج ّم َع الحكا ُم تحت ظل ِّـه، وق ّرروا الحكم عىل السيف بألف عام ألفنْي ورمبا ي ُـ َم َّد ُد الحك ُم إىل ْ ِ الغمد إىل ألفني يُس َج ُن يف هوادج النساء من يحرسها؟ ومن يُناخينا ومن يُرجـِّ ُب النخيل الناس للصالة ، ومن يؤ ُّم َ ويجرب الظل َم عىل الرحيل
ْ ظمئك، وكم يتمنى املس ّجى عىل الرمل لو ب ُـ َّل من فأنت الغامم لكل العطاش ولو منعوك من املاء يا سي َد الشهداء، وأنت فتى األكرمني اليوم ما زال ذاك الرتاب إىل ِ يقيم املآذ َن من َح َم ِئ ْك . ألف « ُم َس ْيلم ٍة» وما زال يف األرض ُ وما زال قو ٌم يدلـّون «أبره ًة» أين مكة والكوف ُة اليو َم ت ُـولِ ُم لـ»ابن زياد» فهذا زما ٌن يُبا ُع به األنبيا ُء بربميل نفط، و»بوش» يقيم العشاء عىل صدر بغدا َد مذبوحة ُ وينفـِّذ أمر السامء ِ الطائرات ليك يقصفوا غزة والعراق أمل ميألوا العرب !! بنفط ْ أمل يدخلوا من بالد العرب!! أمل يقتلوا ألف مئذنة يف العراق!!! العرب بوش بأرض أما راح يرقص بالسيف ُ ْ وبغدا ُد مذبوح ٌة، دم لل ُرك َْب وغائص ٌة يف ٍ بالعرب و»غزةً» مقربةٌ ،ومحارصة ْ وأحذي ِة القاتلني الغزاة الهاشمي الذي اليقوم، فق ْم ،آ ِه من جرحك ِّ وكم نحن ياسيدي اليوم نحتاجه، قتلتـْنا الفتاوى التي ال تس ّمي العد َّو عد ّوا ً،
األموي؟ ويف املسجد ّ وهل أنت متـَّه ٌم بالحضور ،ومتـَّه ٌم بالغياب؟ سامري جديد وإ ْن ت َـشْ ُك َس ْينا ُء من ٍّ
ِ ٍ أي باب!!! عصف تجي ُء أي مليقات ربك ،من ِّ فمن ِّ حضورك ال ب َّد منه ُ الفرق ما بني هجرة ج ِّد َك من «مكـّ ٍة» والرحيل وما باإلياب؟ الخيل مأمور ًة مثل ناقت ِه ُ إذا مل تكن َ ْ ***** ُ وأعرف ظل َم الطريق أجي ُء إليك، ِ السيوف التي قتلتـْك وحق َد وأعرف يا سيدي كم تآم َر دم ٌع عليك دعت وأعرف أن الدموع ،وإ ْن خـَ ْ ال تؤ ّدي إليك فنحن برغم الدموع وأنهارِها أم ٌة ال تجيد البكاء ***** الجرح عنك، وكنت أريد من الفجر أن أحمل ُ َ فأدركت عجزي، ُ الجراح الكبرية تحتاج روحاً كبرية. أل ّن َ ***** وما أظل َم النه َر حني يحارصه الرمل، َ الوصول إىل شف ٍة واملاء ال يستطيع واملدينة مشغول ٌة بالبكاء ومشغول ٌة بالوالء الجديد
يف بالد السوا ْد ***** تظل جرا ُحك للثائرين دليال وسوف ُّ تقول لهم :من دمي ِ ُ ابتدئوا، عانِقوا املستحيال الوشاح وكان الضام ُد النخيال لك الفج ُر كان َ قلت :الفراتُ سيأيت وكنت إذا فاوضوك عىل الجرح َ وفيه دمي . فال تسهروا فوق حزن الفرات وال ترشبوا من دمي ، فالذين سيأتون ،أصالبُه ْم لن تكو َن وسائ َدكم. كل جر ٍح سيأيت ُّ ستظه ُر «غزةُ» فيه ،و»بح ُر البق ْر» و»نج ُع حامدي» و»قانا الجليل» وبغدا ُد دار الردى والسالم ***** ونهرب منك إليك ، ُ ألنك أك ُرب منا جميعاً، وتتعبنا يف الوصول إليك ويف األرض أكرثُ من «كوف ٍة» نحتاج أكرث من كربالء إذن سوف ُ **** دعي الحز َن يا شجرات النخيل تعكس حزين وحزنـَك، دعي صفحة النهر ُ
أكل الجراد تثق ِّـفنا ،وتحل ِّـ ُل َ أكل األمريكا ُن البالد. وقد َ ***** الهاشمي نقوم تقو ُم ،ومن جرحك ِّ وسوف نل ّم جامج َم أطفالنا، ونحاربهم ورصاص الغزاة جامج ُم أطفالنا ُ ***** األرض موصول ًة بالسامء تسري بقافلة من حمولتها ُ وحملك كان ثقيال. أي قافل ٍة بني ما ٍء وماء فيا للمدى ُّ الطريق إىل كربالء؟ الناس :أين ُ ويسألك ُ وأنت تقول لهم جسدي، هكذا يعرف الشهداء زما َن اقرتاب الكواكب من دمهم، واشتعال املياه نخل الفرات إليك بأحزانه ،ليصلـّي عليك تق َّد َم ُ وميسح رمالً عن الجبهة النبوي ّـ ْة َ وم ّرتْ عىل الرمل ذاك املساء مالئك ٌة ذاتُ أجنح ٍة يك تن ِّدي ثراك وتنقل للشهداء تعازي السامء الرمل من دم ِه لقد رشب ُ والبالد التي تل ُد الشهدا َء تظل عىل الده ِر مرفوع َة ِ الرأس ُّ رغ َم السواد الذي مل ْ يزل
يا غي ُم تعال وح ِّدثْ عن حكمة هذا الشجر املذبو ِح، وح ِّدث ْـنا عن رأس ينمو ثاني ًة يُقطـَ ُع ،يُس َح ُق ،لك ْن يبقى رأساً أقوى من مقصل ٍة أقوى من مشنق ٍة يبقى فيه التصمي ُم وتبقى فيه الحرية ***** َ صوتك مات؟ هل وأنا أتج ّم ُع تحت ردائك يف األخدود وأقيض عمري يف تدريب الصمت عىل الكلامتْ ***** وإذا مل يظه ْر ح ُّد السيف ويقتل غيبتـَه، فمتى يظهر؟ من قبلك كانت تنمو الكوفة يف إخوة يوسف أعرض عن هذا يا يوسف ْ جميل لك ْن ٌ فالصرب ال ترشبْ ُه من أي إناء ****** يا أغىل الشهداء: وشعا ُر املرحلة الكربى حزن وإباء حزن وفداء
إين أفت ِّـ ُش من ألف عام عن السيف والزند، هل يظهران معاً؟ وهل»ملجأُ العامري ِة» يثأر من قاتليه؟ ومن ب َّر َر املوتَ فيه ؟ ِ صمت جدران ِه، دعي ُص َو َر الشهداءعىل فإنـّا سرنسمها يف دفاتر أطفالنا يك يروا أي خيلٍ تجي ُء إذا الدم ثارعىل النهر حني َّ تخلـّ ْت مشاربـُه عن فتى األكرمني سيلمع تحت حوافر هذي الخيو ِل الزمان ويعلن بد َء املكان ــ 3ــ يا ِ موح َش هذا الرمل تألألْ، إن صحابك عطىش يف ِ بلد األنهار املسب ّية يتصالح هذا املا ُء ونار الحرية!!! فمتى ُ املوغل يف الصحراء ُ يا هذا اب الدرب بصربك ما ْء َس ِّو رس َ يا غي ُم تعال ،ورط ِّْب منقار الطري املذبوح بقطرة ماء، تهطل يف حلق األفعى لك ّن الغيم َة ُ والكوفة تفرك عينيها بالرمل وتزعم أن الدمع وفاء، ٌ وعجاف إث َر عجاف يرشب يجف إذا مل ُ والنخل له طب ُع اإلنسان ُّ ْ من أنها ٍر محميـّ ْة
وهل من بعد الهجرة ندخل يف الصحراء وينتبه املوىت من فرط حضورك فيهم واألحياء؟ إنك مته ٌم بصفات الجم ْر ومتهم بصفات املاء ***** تتقدم من ماء ال ترشبه اعشوشب بل يرشبك املا ُء، ْ نبت الله عىل الغرباء فدماؤك صارت َ وبصدرك متسع لعبري الوقت وتفسري الرؤيا ما بني النار وبني املاء ما بني الرمل وعاشوراء يف كل زمان يوجد شم ٌر وطريقك أبعد مام بني مدينة جدك والكوفة سنجلب ما ًء للقطعان البلهاء من أين ُ وسنابلنا يف أهراءات الحاكم باسم الله وسب ٌع يابس ٌة ،يتلوها سب ٌع يابسة ،ما شاء الله. غالب إال الله، ال َ وأجهز ُة األمن املوثوقة ،وال ُحكّا ُم وأبنا ُء الحكام وذوو القرىب ،عمالء الـ C-I-A ووجود الرمل بدربك ال يكفي حتى ترتاجع يف زمن األخطاء ال بد بدربك من توفري الزاد وقمصان خرضاء ال بد من الدنيا ،واألسئلة الحمراء
يف أقىص الحزن أعود إليك ألفرح أنك فينا موجود حتى أقىص الجرح مل يبق لنا إال دمنا ال بد فراتٌ آخر ينبع من جبل الشهداء ***** هل كنت خديج الثورة ،أم أن الصحراء هي الصحراء كل غامم يأتيها من تعارض َّ «الطف» لـ»غار حراء»، من أرض ِّ وملاذا حاربك النهر، يجف إذا سال الطغيان؟ وملاذا النه ُر ُّ هل أنت ونهر الرؤيا ض ّدان؟ هل زاغ النهر عن الرؤيا وغوى، أم أنت ونهر الدنيا ضدان؟ ***** هل تزجي عاصف ًة أم رمالً بني الكوفة والصحراء؟! والكوفة تعني: يوسف يف كل زمان. إخو ُة َ يوسف يف كل مكان إخو ُة َ يوسف هل يف ال ُج ِّب أمان؟ يا ُ يوسف هل يف السجن أمان؟ يا ُ أعرض عن هذا يا ُ يوسف ْ أعف فامً يف هذي األرض من اإلنسان فالذئب ُّ ُ هل تعرفك الصحراء، الرمل ويعل ُن موت املاء وهل يتق َّد ُم هذا ُ
شعوب مقهورة وقيو ِد ٍ سيظل حضورك فينا مكتمالً ُّ تتكلم فينا كالرؤيا غسق نو َر ْه وكبد ٍر َ أرسل يف ٍ حتى لكأنك إنسا ٌن آخ ُر فينا ستظل جرا ُحك بالشمس وبالرؤيا مغمورة ُّ يف هجرتك الجرح النازف والرؤيا والحلم املذبوح تعد الصحرا َء مبا ٍء ليس يبايع حكـَّاماً لتبتدئَ الثور ْة يف «الط َِّف» آراك املصلوب عليها ..... يف «غ ّزةَ» و»القدس» ِ يف «املوصلِ » يف «النجف األرشف» دمشق األموي ّـ ْة يف قلب َ رأسكِ ، يغسلـُ ُه يف مسجدها يلثم َ من رمل «الكوفة» ،يف بغدا َد املقهور ْة يف قرب صالح الدين أراك، وأراك مع الفاروق تسري إىل األقىص وتقيم صالة القائم فيه، وصخرت ُـه ستقوم حجارت ُـها. الطفل املنذو ُر ُ حج ٌر ترفعه أنت ،ويأخذه منك محم ُد ُد َّرت ِـها وهناك سرتفع راية ع ّمك يف «مؤت ْة» وستلغي «الربذةَ» ،إن الهجرة ت ُـلغى حني تكون إىل الصحراء
وعليك األجوبة الخرضاء ال بد بدربك أن تتكاثر أسئلة الشهداء ماذا بعد؟ لكن النخل سيثمر ،واأليام ستطهو الحزن ليصبح فاكه ًة يتناولها اآلباء عن األبناء وطعام الجنة ليس مي ُّر بغري الحزن عىل الشهداء ***** نتمدد تحت رسير املوت األعمى حني يداهمنا الزمن املكسور ويهطل فينا غيم الخوف ونكون بجوف السجن وخارجه يا هذا املنذور لتفسري الرؤيا ال ترتكنا يف الليل وأنت بتأويل األحالم عليم أبيك يف يومك يا والدمع عنيد ***** يف القرن الواحد والعرشين يف زحمة ما يرتاك ُم يف اإلنسان من األحداث، وقضايا العلم وماليني القتىل وجنون اآللة والصور ْة وذهول الصورة مام أنجزه الحل ْم وما متحوه ورغم الفقر ورغم الجوع وأمطار املرض األعمى والنوم عىل الطرقات ،ورغم األحالم املطمورة
إذا ضاع صويت تسل َّـل ُْت منه إىل زمنٍ ليس فيه احتامل سوى أن أكون وال أختفي يف الظالم مت كيف بأحشائه تتوال ُد كل السجون ألين تعلـّ ُ وكيف بأغني ٍة أتسلَّق خويف وجدرانه العاليات كيوسف ،أو ال أكون وكيف أكون َ أنا مازنيت أنا كنت تلميذ مدرس ٍة كان فيها الحسني يعلمني، كيف تغدو السيوف كأغامدها حني يستلها الظلم والقاسطون ***** مخطئ من يظ ُّن بأن الحسني بثورته ٌ كان مقصده أن ميوت كان يريد بثورته أن يعيش ليميش مع الفقراء إىل حيث ال يأكلون الحرام مع الحاكم املستب ِّد بقو ِة عدلـِ ْه مع الذاهبني إىل الحرب من أجل صنع السالم ومل يطلب املوت يف موته كان يحيص الجراح بثورته يك يكون مع الذاهبني إىل كوف ٍة ال تبايع عند الصباح وتنقض بيعتها يف املساء
***** وإجيء إليك وعندي ما يكفيني من الحلم ،وزا ِد الحزن شجر ِ ***** ــ 4ــ واشتعل ْ فرِص غيم ًة ِ ْ إننا ظامئون وحني تصري الدروب سيوفاً ُ امتشاق يزيد عاب عليها يُ ُ وهذي البالد التي ال نبات بها غري أحقادنا آ ِه من دمنا صار زيتاً لسيارة الحاكم العر ّيب هبوطاً إىل بنته ومعايل الوزير ***** وأي دم ال يقيم العالقة بني الرمال وبني النخيل ُّ د ٌم ِ كذ ٌب وأقسم أن الفرات تآمر يف صمته يا فتى األكرمني عليك إىل اآلن يبدو عىل ضفتيه القتيل ملن يا فرات تق ِّد ُم هذا املسيل؟ لبوش الذي أمرته السامء بذبح العراق!!! َ ***** وأسألهم كم تآمر سيف عليك وحني تصري الدروب سيوفاً يعاب عليها امتشاق يزيد ُ *****
كأس دماء َ كل مذاهبنا يوجد ِ «ش ْم ٌر» يف ِّ كل مواقعنا يوجد ِ «ش ْم ٌر» يف ِّ يقتل مأجورا ً ،يبيك مأجورا ً ُ يقتل حمزة ، «وحيش» آخر ُ هو ٌّ لكن ال يعرف أسباب القتل يقتله بدالً عن ضائ ْع يذهب شم ٌر يأيت «شم ٌر» ُ ال ،ال نخلو أبدا ً من «شمرٍ» بيت الشيطان بيت الله ليحرس َ يدخل َ َ لكن ّـ َك وح َدك يا اب َن أيب التقوى تقدر أن متن َعهم من ِ إلباس «الشمر» عباء َة ذي اإلميان ***** هل يأث ُم ما ُء النهر؟ نعم ،يأث ْم والنخل قتيل. ُ مادام يصف ُّق للغازي، صيّل خلف ِ و»بوش». ْ «الش ْمرِ» ما دام يُ ّ ويأث ُم حني يص ُّبه هنالك يف ِ املس ِس ّبي. هل تنىس يا نه َر الشهدا ِء د َم الشهداء؟
رُس َق املا ْء. ُ والنخل ل ُه طب ُع الشهدا ِء إذا ُ ِ *****
الظلم بنار جامج ِمنا رصاص سيذوب ِ ُ ُ لن يهزمنا جيش الظلم.
بشوق مىض مطمئناً إىل موته يك يعيش كان يشعل إميانه فتسو ُّد تلك السيوف التي قتلتـْ ُه ***** تصل رمبا ال ْ غري أنك رغم الرمال ورغم يزيد وصلت وها شج ُر النهر يسأل عنك وبض السؤال اشتياق. ***** سقطت شهيدا ً ــ وأعني علوتَ ــ ومل ُتك تحمل يوم َ الهاشمي وما فيه من ملعان سوى جرحك ّ وغريك نال الهبات عىل غدره واستقال من من الناس ،وهو يسري برأسك منحدرا ً خطو ًة ،خطو ًة للزوال وقد كان خبز ونهر عىل الدرب ـ لو شئت ـ وكل الهبات ،وأنعام أهل الجنوب وأهل الشامل ولكن دربك أبعد مام يرون ــ 5ــ اآل َن أعود إليك ألكتب شيئاً عن وطنٍ َ يتج َّو ُل فيه ِ «الش ْم ُر» بكاملِ س ْوءتِ ِه ويح ِّدثنا عن أهل البيت ويبكيهم ويقي ُم عزا ْء َ أصناف دعاء ويو ِّز ُع بني «املقتلِ » و»املقتل» رص يف يده املجذومة لك ْن حني تح ِّد ُق فيه مليـّاً تب ُ
اجتامعيات
بعض ما قيل في ِ حِّق الراحل العظيم!
الراحل الكبير األستاذ طالل سلمان مؤسس جريدة السفير اللبنانية 2023-1938:
سنمزقُه إ َرباً إ َرباً، وسرنفع أيدينا يف وجه الغيم األسود مهام زادت يف الجو كثافته وسنعلن مملكة الفقراء، ألن الشجر العاري حني يجيء الغيم يغسله بالنار ِّ وهناك يح ِّدثنا الشجر العر ُّيب بـ»برنام» أخرى مييش فيها الشجر العريب ونحن ٍ ليقتل من قتلوه وتعيش جامجمنا بني األشجار كأن املوت حياة ويحدث عن قمر ال يلبس أقنع ًة ال حاجة البن زريق بأي قناع تعرفه بغداد ،وتعرفه أحياء الكرخ قمر من فلك األزرار يجيء ومن فلك الثوار يجيء لن نتأب َط أذرع موتانا حتى نعرب هذا املوت/. _______________________ -1الحر بن يزيد الرياحي انترص للحسني وانضم إىل صحبه بعدما كان مكلفاً مبنعه من دخول الكوفة. -2السلامس :نبات صحراوي ينمو متحدياً الجفاف -3قصف األمريكان ملجأ العامرية يف بغداد ،وقتلوا فيه أكرث من ألف طفل وشيخ وامرأة ،وقد ب ّرر حسني مبارك لألمركان فعلتهم بزعمه أن إشارات لرادار كانت تخرج من امللجأ ومن الطبيعي أن األمريكان مل يكونوا بحاجة ملربر ولكن شهادة مبارك كانت تشري بوضوح إىل مقدار عاملته التي أوصلته إىل ما آىل إليه. -4إشارة إىل جعفر بن أيب طالب ،جعفر الطيـّار الذي قطعت يداه يف مؤتة وهو يرفع الراية. -5كان بوش يدعي أن السامء أمرته باحتالل العراق وإقامة دولة للفلسطينيني ،ويبدو أنه أطاع السامء يف األوىل ومل يطعها يف الثانية. -6كلمة «املقتل» عند العراقيني تعنيآخر يوم من عاشوراء حيث استشهد اإلمام الحسني. -7وحيش :كان عبدا ً ووعدته هند بنت عتبة بتحريره إذا قتل حمزة بن عبد املطلب يف أحد.
وبدأنا الحوار: عمر :نحن لنا رشف اللقاء بك كرمز من رموز هذه األمة التي خدمتها بقلمك وسلوكك ،والتي ربطت حياتك بها رغم صعوبات املهنة ،هذه املهنة التي أشب ُهها مبن مييش بني األلغام يف مطبّات السياسة العربية .طبعاً من أجل اختصار الوقت سنبدأ مبارشة بعد تقديم الشكر لك كونك استقبلتنا واستقبلت مجلتنا الوليدة «املنافذ الثقافية» حميم ،ونتمنى أن تكون السفري دارا ً للعرب باستمرار ولقضاياهم املحقة والعادلة. شمسطاري برتحاب ٍ ٍ ٍّ ( األستاذ طالل :نحاول جهدنا .ورغم ذلك يبقى العرب عرباً) :حاولت اختصار األسئلة وسأتعاون مع األخوة يف طرحها : .السؤال األول :أستاذ طالل هناك مقولة تقول :إ ّن الصحايف عليه أن يقرتب ليك يعلم وأن يبتعد ليك ال وبخاصة التلوث يف الوضع العريب القائم ،لقد كنت يتل َّوث (.األستاذ طالل :يقرتب ليك يعلم ويبتعد ليك يفهم ). ّ استقمت كام صحافياً يف هذا العمر الطويل املعطاء ،فهل اقرتبت وابتعدت كام تحكم به تلك املقولة؟ .وهل َ أمرتْ عروب ٌة قال فيها املتنبي مخاطباً سيف الدولة(كأنك مستقيم يف ُم ِ حال) أي يف عرص تصعب فيه االستقامة ، هل استطعت التوفيق بني استقامة ابن القرية ومزاولة هذه املهنة وامليش بني ألغامها ومل ت َُص ْب بآثامها ؟ األستاذ طالل :الحكم لكم وليس يل ،الحكم للقراء .الذي يتابع املسرية ـ مع تواضعي ملسرييت يف العمل الصحفي يل بشكل أفضل وأصدق .أنا أبقى يف نرجس ّيتي ،لكن الذي يقرأ يل أو يتابعني ويتابع السفري ــ يقدر أن يحكم ع ّ من أول صدورها ،والتي ستطفئ شمعتها الثانية واألربعني خالل أيام ،يكون له الحكم األسايس عىل هذه املسرية .الحمد لله ال أحد ينطلق مثل السهم من نقطة ومييش بخط مستقيم حتى النهاية ،بل يحاول ،وبخاصة ،من يتعاطى بالعمل السيايس ،فنحن مجربون عىل التعاطي مع السياسيني ،وبالتايل عندما يوجد سياسيون أصحاب مبادئ وأصحاب أفكار ،فإنك تأخذ منهم ،وأما السياسيون كام يف وقتنا الحايل فإنهم عىل العكس يأخذون منك ، رشفهم وليسوا من يرشفونك .مع التواضع ،ألنك تعرف صفاتهم كام وإذا تناولت أسامءهم بالذكر فأنت من يُ ّ يعرفها جميع الناس .فمنهم من داس عىل العباد ليك يصل ،ومنهم من يكون عىل استعداد ليكون طائفياً للح ّد األقىص مع أ ّن توجهاته شيوعية مثال .هناك أشياء تفرضها الظروف علينا .قد تفرض عليك هويتك ،خطك ،إميانك مببادئ معينة ،ويف ظل الظروف املحيطة بك والتي تعيش فيها ،اللجوء أحياناً للتهدئة يك ال تتورط ،تُه ِّدئ لغتك ،تهدئ طريقتك يف التعبري ،أن ال تقول كل يشء دفعة واحدة ،يعني تستخدم لغة سياسية أنعم وأهدأ قليالً .ولكن دون الخروج عن الخط األسايس .مرت علينا ظروف حرب أهلية ...هذا املبنى د ّمر يف األول من ترشين الثاين لعام ( )1980حيث كنا قد اشرتينا املبنى وجهزناه ورتبناه وزودناه مبطبعة جديدة .ويف الساعة الثالثة بعد منتصف الليل سمعنا انفجارا ً هائال ،حيث كان بيتي قريباً من هناك .
مقابلة مع مجلة المنافذ الثقافية سنة 2015 شخصية العدد :األستاذ طالل سلامن كان ال ب ّد من التعرف إليه ،ملا يف صدره من دراي ٍة وإملام بتاري ِخ مرحل ٍة ،هي من أقىس وأصعب املراحل التي م ّرت بها أمتنا العربية يف عمر جريدته التي أصدرت عددها األول يف 26آذار سنة ،1974وكان عىل هذه املرحلة قارب أن يكون شاهدا ً وشهيدا ً فيها ،إنه األستاذ طالل سلامن البقاعي الهوى واملنى الصعبة شاهدا ً ،مع أنه َ والفؤاد ،والعريب الوجه واليد واللسان ،صاحب جريدة السفري التي ما زاغت عن مسريتها ،ألنه هو مل يَزِغ عن مسريته ،فكانت الخامسة من أبنائه .وبانراح يروي غري َة أطفاله من أختهم الخامسة قبل أن يض ّموها إىل مائدة األرسة الحميمة بكل متاعبها ،وبكل ما جلبته لهم من تعب وخوف وهجرة .كانت السفري األخت املشاكسة واملت ِعبة لكل أفراد العائلة املتحدرة من بلدة شمسطار البقاعية .ويحيك قصة ابنته السفري مع أخواتها يف البيت حيث ش ّدتهم إليها كام ش ّدت والدهم إىل هذه املهنة الصعبة التي تشبه السري يف حقل كله ألغام عىل امتداد عمر هذه الجريدة وعمر سفريها األستاذ طالل سلامن. مل تستطع تجربة عمره املديدة مع أعالم السياسة والفكر واألدب أن تنسخ قرويته وطباعه التي تذهلك بحضو ِر قروي ومح َبب فيها ،تواضعه يجعلك تتخطى أصول اللقاء األول ،حتى لكأنك تعرفه منذ زمن طويل. كل ما هو ِّ ٌّ والغريب أن مهنة الصحافة جذبت هذا الشاب القروي الواضح ،تلك املهنة التي تتطلب أقنعة كثرية وبخاصة يف مرحلة سادت فيها الشبهات ،وصارت األقنعة هي الوجوه ،مرحلة كان فيها املوت والحياة يجلسان عىل مائدة واحدة .أنا وجميع أعضاء الهيئة الثقافية أحببنا بدون ديبلوماسية سفري السفري ،األستاذ طالل سلامن ،يف هذا اللقاء الحميم الذي طال ومىض برسعة لخصوبة وأهمية ما حىك وما أثار من مواجد يف مسريته الصعبة ،والتي مل تزده إال متسكاً بعروبته ومبواقفه وبروح الحضارة اإلسالمية ،إنه صاحب قلم نظيف ،تعجبك مواقفه وتحرتمها لصدقها حتى ولو اختلفت معه يف كثري من التفاصيل.
عرفتها عندما كربت ،لقد كنا نذهب إىل شمسطار مرتني أو ثالث مرات يف السنة عندما كنا صغارا ً .بدأت أتع ّرف عىل شمسطار بعد أن كربت ،أخذت فيها الرستفيكا وتخرجت منها .بعدها تنقل الوالد كثريا ً ونحن معه .يف يل أن أربيهم ،لقد صيف ( )1956يف مخفر املتني ،كنا نتمىش بعد الظهر ،قال يل والدي :أنا لدي ستة غريك وع ّ فعلت املستطاع معك ضمن قدرايت ،من اآلن فصاعدا ً أنت ستكمل طريقك بنفسك ،باستطاعتي أن أعطيك أربعني بحب غام ٍر استحرض روعة تلك الساعة :وما زلت لرية وعليك تدبري باقي أمورك .وأضاف األستاذ طالل سلامن ٍّ أرصف منها حتى اليوم ألنها بركة .يف الفرتة األوىل تعذبت كثريا ً مل أكن متقناً أي يشء ،كنت قد حصلت عىل شهادة وارشب م ِّيتْها) .سجلت مبعهد املتني وفتشت عن عمل ...اليشء الوحيد الذي كنت أمتلكه البكالوريا ( ايه بُلْها ْ هو القليل من اللغة العربية ،ولكن ،اللغة أين محلّها! .قلت أصحح يف جريدة .حيث كان يوجد ثالث أو أربع جرائد تصدر يف وقت الظهرية .أول جريدة عملت بها ملدة شهر تقريباً ،وكنت أنتظر آخر الشهر ألتقاىض ستني لرية ،كنت قد قابلت والدي أمام الجريدة ملدة ربع ساعة تقريباً ،وإذا باملحاسب يخربين يف اليوم التايل أن ال أجر( نصب .عدت وعملت يف جريدة ثانية ملدة ثالثة معاش) يل متذرعاً بأنني عطلت العمل بوقويف مع والدي .وهذا ْ فامي حتى بيت الرشطي الكائن يف ساحة أشهر ،وأيضاً من دون مقابل (بالش) ّ ، كل يوم كنت أسري من السانت ّ الربج( واطلع )عىل الباشورة ..واالطفائية واإلسعاف وبعدها كلفوين بتغطية أخبار الرسايا حيث ال يوجد وكاالت، وأعود للجريدة عند الساعة التاسعة ألنها كانت تصدر ظهرا ً .كانت فرتة عذاب ،بعدها صار يعطيني عرش لريات يف األسبوع . وصادف آنذاك مهرجان أرض جلول ( )1957وهو مهرجان ملعاريض كميل شمعون حيث اصطدم بعض الحضور بالدرك وسقط ضحايا وقتىل وجرحى ومن جملة القتىل صانعة يف منزل سليم اللوزي صاحب مجلة الحوادث. وكان بيته يف شارع الحمرا حيث أمسكوه ووضعوه يف الحبس ...وبعثوا به إىل املخفرالذي كان موجودا ً يف سجن مشفى الكرنتينا ،كان الوالد قد نُقل وصار هناك حيث تعرفت إىل سليم اللوزي ،فطلب مني بعد أن جلسنا معاً حوايل خمس مرات أن أزوره بعد أن يخرج من السجن ،طبعاً أنا كبعلبيك قلت هل سأذهب إليه ُّ وأدق بابه، وأقول له أنا ابن الدريكّ الذي ساعدك وكأنني أطالبه بصنيع والدي معه .بعدها عاد هو وطلبني .بدايتي وكرْث هربوا أيضاً وبقينا اثنني :شفيق الحوت وأنا .لقد الحقيقية كانت يف الحوادث ،فيام بعد هرب إىل الشام ْ ٌ يبق أحد يف املجلّة ،فكنت مضطرا ً للبقاء بني الق ّراء وكنت أكتب يف السياسة أفادتني هذه الفرتة كثريا ً ألنه مل َ املحليّة .فيام بعد ذهبت للعمل يف « األحد» مع رياض طه.
قالت زوجتي :لقد دمرت املطبعة ،حرضنا إىل املكان بثياب النوم ،كان املنظر فظيعاً حيث النار تلتهم املبنى كله وتأكل املطابع .استقبلنا الجريان برتحاب عظيم (،مازحاً)(كان جارنا زغرت وأبضاي) سلّم علينا عندما كنا نركِّب املطبعة وقال :كيف حال الجريان ؟ يف تلك الليلة حرضت فوجدته يلصق نوافذه بالالصق( الرشتتيون) قلت :يا جار ال تؤاخذنا ،فر ّد :أنت اذهب الله يسامحك «بس هال ...ويقصد زوجته ..بتقول يل ،أنت بدك تظل جار السفري). مررنا بظروف قاسية وصعبة كثرية وكانت هذه الظروف مبثابة امتحان ألفكار الشخص ومواقفه يف الحياة ،ومواقفه من الواقع السيايس املرت ّدي .ورأينا تهاوي دول وتهاوي زعامات وتهاوي قيادات سياسية ك ّنا نعترب أن الباطل ال يأتيها ال من أمامها وال من خلفها ،رأينا هزائم ورأينا خيبات أمل مريرة .أحيانا رأينا بريق انتصارات، ولعل التيار الوحيد الذي بقي هو تيار املقاومة ،هذه املقاومة فيها يشء من اإلشعاع ،فيها ولكنه مل يكتمل ّ ، تقرّص ،لقد حققت شيئاً باهرا ً . يشء يرضيك نفسيّاً حيث تشعر أنك كجيل وكشعب مل ّ ماذا تبقّى لنا!! يعني ،كان الواحد منا يعترب الكيان أو النظام السيايس يف لبنان يجب أن يتغري ويتطور .طبعاً كان واحدنا يريد التغيري،عندما كان يفكر بينه وبني نفسه ويقول :أريد هذا الكيان مثل الكيان العراقي مثالً ؟ ويجيب بال ،مثل النظام السوري :ال ،مثل النظام الليبي :ال .يف النهاية رصنا نقول الحمد لله عىل هذه النعمة األقل .جيلنا، لست بقاد ٍر عىل القيام باألفضل ،حاف ْظ عىل املوجود عىل ّ (...حتى ال يفرط مثل ما فرطوا) .طبعاً َ وأنا أكربكم سناً ،تح ّمل خيبات أمل كبرية ،كان لدينا آمال عظيمة ،كان الواحد م ّنا ينفخ صدره وكأنه سيغري الكون ،وم ّرت لحظات ك ّنا نشعر فيها أنّنا فعالً ميكن أن نغري الكون . سؤال :أنت ابن قرية وتنشئتك قروية ،تنشئة اإلنسان الحامل مبادئ القرية وصفاتها فكيف تختار مهنة الصحافة وأنت تكلمت عن التباسات وصعوبات طريق الصحافة ومطبّاتها حيث تعرضت حرضتك لالغتيال ،وهذه املهنة كالسائر بني األلغام كيف اخرتتها وأنت من بيئة يف تنشئتها ال تقبل غري االستقامة ؟ األستاذ طالل :لقد كتبت بعض األشياء عن أهيل ،لقد كانت نشأيت كسائر ..الناس .كان والدي دركياً وترقى بعد أعش يف املنطقة ،ال أعرف منطقتنا . ذلك وصار (رقيب أول) ،ولذلك أنا مل ْ
وبقيت حتى عام ( )1973حيث بُعثت من الص ّياد إىل ليبيا و قابلت القذّايف أل ّول م ّرة وجلسنا ملدة ست ساعات الساعة التّاسعة عادوا وطلبوين م ّرة ثانية ملقابلته .لقد اعتربين القذّايف دائرة معارف اللّبنانيني فأنا ويف الليل عند ّ صحا ّيف يعرف عن تجربة عبد ال ّنارص ..حكيت ما أعرفه ألنني كنت ج ّواالً وأعرف مرص جيدا ً ورصنا أصحاباً .ويف السنة ق ّدموا يل قرضاً من البنك العريب الليبي التونيس ودخلت العام 1973صارالقذايف ( يطلع طلوع ).ويف هذه ّ السفري واآلن بعد أيّ ٍام قليلة سنحتفل بالعيد الثاين واألربعني للسفري (عقبال امل ّية ) . يف مناورة اسمها ّ أمضيت سنتني هل تعترب قلت :تنقّل الوالد يف مناطق لبنانيّة متعددة ،يف املختارة َ اليزال لدينا بعض األسئلة َ : التّعرف إىل املناطق اللبنانية األخرى املختلفة عن جو شمسطار مهامً ،وماذا ترك فيك هذا التجوال من بصامت ؟ األستاذ طالل :أقل منطقة أعرفها هي منطقتنا ،شمسطار وبعلبك ،وبخاصة أن الطفل هو الذي يعلق بذاكرته كل يشء ،وعندما يكرب اإلنسان فكأنه يذهب سائحاً إىل منطقته .ال ّ شك أن هذه التجربة أفادتني وجعلتني أتع ّرف عىل مناطق كثرية ومناخات كثرية وطوائف كثرية .نعم ،فعندما يرى الواحد م ّنا أناساً كثريين ومناطق مختلفة ويتع ّرف عىل طرق تفكري وأديانٍ مختلفة ،هذا ما يعطيه أفقاً أوسع .أنا أخذت الربيفيه بدير القمر وسنة ..وسنة . ..يف هذه السنوات رأيت ثالث مناطق ،بيئة درزية مسيحية مختلطة وبيئة مسيحية صافية وبيئة درزية خالصة .فلو أردت دراسة خمسني كتاباً آلخذ وأستفيد دروساً عن هؤالء ال ّناس فلن أستفيد بقدر كل هذا تنس العذاب الذي تعذبته يف البداية ،كان مفيدا ً ألنني مل أيأس وأكملت وتحملت كثريا ً ّ املعايشة .وال َ صار من التًاريخ .فلنتكلم عن اليوم والغد. سؤال :حرضتك كاتب صحايف ممتاز ،والصحايف مضطر للكتابة يومياً ،ومع ذلك يقول كثريون :إنك شاعر بعباءة صحايف ،أال تشعر بثقل اإلبداع ،واإلنسان مثل الطبيعة بحاجة للراحة ليبدع؟ األستاذ طالل :فلنتفق من قال إ ّن هذا إبداع ؟ يوجد قدر من املوهبة بحيث ميكن أن تعطي صورة أفضل ويكون لديك أسلوب أجمل ،يعني عندي لوثة أدبية ولست أديباً ،أحب األدب قرأت كثريا ً يف حيايت منذ أن كان عمري حوايل تسع سنوات ،ألن الوالد تعويضاً عن أميِّته اهت ّم بهذه الناحية ،والفضل بذلك كان إىل جانب الوالد الثنني كانا قد أنشأا مدرسة رسمية يف شمسطار وهام كامل البيضاوي من صيدا وآخر من بريوت .كان الوالد كبريا ً ومل يكن لديه مجال للذهاب إىل املدرسة ،ولكن كان صوته جميالً ويغني العتابا .فكانوا يسهرون سوياً وصاروا أصحاباً وراحوا يُحرضون الكتب .كنت صغريا ً
ويف يوم من األيام كان لدينا صديق جزائري من جبهة التحرير ،كانت يف وقتها حكومة مؤقتة (أو كانت بعدها الثورة وبعدين إجا مندوب) ،كان شخصاً يف غاية الذكاء وغاية الحيوية ،كان شخصاً المعاً ..رصنا أصحاباً ويف يوم من األيام بتطلع الحكومة املؤقتة الجزائرية وبيعينوا واحد نازل من» الجبل»يعني ال يفهم شيئاً ،أىت إىل املدينة الساحرة هذه املدينة اليل « بتنزع الله» ... ..يف يوم من األيام أمسكوا أحمد الصغري وركبوا له تهمة طويلة عريضة . الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وإذا بالباب يُقرع ..عىل املصيطبة ،كانت أختي عندي ،فتحنا الباب حيث يوجد أربعة أشخاص يتمتعون بصحة جيدة (ما شاء الله ) كان أحمد الصغري قد أودع عندي آلة كاتبة وحقيبة فيها أغراضه أيام يف نظارة الصغري؟ أخذوين معهم حيث أمضيت الّليلة األوىل عىل البالط .وأمضيت تسعة ٍ ... ،وسألوين أين أحمد ّ واثني عرش يوماً يف نظارة املحكمة العسكرية وخمسة عرش يوماً يف زنزانة انفراديّة ،وسبعة أيام يف األمن العام ْ القاووش مع أنني لست بسارقٍ وال ..بعد أن خرجت ذهبت إىل الكويت حيث عبد العزيز ..سعيد كان يفتّش عن محررين ليصدر مجلة يف الكويت ،أخذت مجموع ًة وذهبت إىل الكويت ،أصدرنا أ ّول مجلة سياس ّية بغالف مل ّون ، كانت األوىل وكان اسمها مجلة العروبة ،كانت شيئاً باهرا ً بالنسبة للكويت يف ذلك الوقت .يف أ ّول أيّارأصدرنا عددا ً خاصاً عن أول أيّار ونسينا أننا يف الكويت فم ّر عبد العزيز وقال :ولدي يا سلامن هؤالء يف املباحث يقولون إنّك شيوعي .فهمنا عندها أن عملنا قد انتهى ( القصة خلصت ) جواز سفري كان معه لقد حجز الجوازات كان هناك ّ شاب من الخيام -أسعد الله وقته – رشحنا له وضعنا وقلنا إذا سمحت و تعطينا جواز سف ٍر ٌ بدالً عن ضائع وعدت من الكويت ولوال ذلك ألتيت مشياً .بعد عوديت صار األصدقاء ميزحون ويقولون :ماذا ذهبت لتفعل يف الكويت ؟ فقلت :رحت دفنت كلمة لو .لو مل أذهب لقلت طوال الوقت لو ذهبت إىل الكويت لدي ،جلست ملدة شهرين أكتب ل»املحرر» التي كانت كنت جمعت ماالً واغتنيت .عدت من الكويت ال عمل ّ تصدر أسبوعياً .. الصياد .اتّصلوا يب بالصياد وبعدها وجدت نفيس وحدها تعمل يف ّ وبعدها اتصل يب سعيد فريحة واشتغلت ّ وعدت «لألحد» وبعدها عدت للص ّياد وبعدها «للحريّة « مع محسن ابراهيم و ..وبعدها عدت م ّرة أخرية للصيّاد ،هذه امل ّرة هي التي شقّت يل طريقي حيث رصت أعمل كــ «ريبورتر» ،يعني تغطية األحداث وهذا ما والسياسيني العرب والقادة ،وباعتباري حرشياً فقد تعرفت عىل الشّ يخ أعطاين الفرصة للتع ّرف عىل البالد العرب ّية ّ والفني. إمام كام تعرفت عىل نجيب محفوظ ،ووزير الخارجيّة يعني باعتبار أنّني كنت أمتلك الجنوح الثقا ّيف ّ
د.عيل زيتون :ولكن «أوالد حارتنا» فيها هجمة عىل اإلسالم وكانت السبب يف نيله جائزة نوبل ،هذا االسم الكبري الذي أسس للرواية العربية يبيع ( ...أ.طالل مقاطعاً :أنت تظلمه فهو إنسان بسيط مبعنى أنه ليس شخصية معقّدة ،كنت أراه مناضالً ،كان يجلس كل يوم خميس بالقهوة عىل النيل مقابل «السمرياميس» ويستقبل طالب ٍ ساعات .ويوم الثالثاء كان يخصصه لطالب الليسانس .نجيب محفوظ املاجستري ويجلس معهم من ثالث إىل أربع وتقليدي .مل يستلم جائزة نوبل ألنّه كان يخاف من الطائرة لقد استلمها بالنيابة عنه أحد أقاربه . وطني مرصي ّ ٌ ٌ
ليس لديه هذا األفق هو بسي ٌط جدا ً .سهرت مع نجيب محفوظ يف الحرافيش من ثالثني إىل أربعني مرة ويف هذه السهرات يكون اإلنسان مرتاحاً ويتكلم فيها عن عفو خاطر لذلك أ ّدعي أنني أعرفه جيّدا ً ،مل تكن أحالمه كبرية . د.عيل زيتون :رأينا أدونيس يف الكتاب وكأنه يستنسخ تجربة «أوالد حارتنا» ليصل لجائزة نوبل ( .أ.طالل :أوالد حارتنا فيها مناقشة ملوضوع اإلميان وهذا ما رآه نجيب محفوظ فعلياً أما أدونيس .) .. د .عيل زيتون :هذه لغة أدبية .يعقوب رصوف كنا ندرسه مذ كنا صغارا ً يف املقالة العلمية .املقالة السياسية هي مقالة أدبية بالعمق ،وإن كانت ليست علمية وليست اجتامعية إال أن فيها بعدا ً أدبياً .والذي ميتلك هذا
النتاج عرب السفري ( )42سنة ،مقالة يومية أو يوماً بعد يوم ،كيف ال نصنفه أديباً. األستاذ طالل :من املمكن أنني لو عدت إىل مقااليت سأتلف نصفها أو ثالثة أرباعها .مررنا بظروف كنا نعمل فيها بشكل يومي تحت القصف ويف ظل الحرب
كل واحد كان يحمل دمه عىل كفّه وال يعلم إن كان سينهي وحيث ّ
مقاله أم ال .كان االنشطار حادا ً .لذلك يوجد كالم كُتب يف لحظة انفعال شديد ،وهذا الكالم عندما تقرأه فيام بعد تجد أنه رمبا يتض ّمن كالماً طائفياً أنت ال تريده ألن اللحظة التي كُتب فيها كانت غري مناسبة .لذلك كنت أهرب إىل الهوامش غسان تويني :هذه املراجعة قام بها الشاعر محمود درويش .مراجعة بعض النتاج وحرق بعضه وهي مراجعة صادقة. أ .طالل :عندما تكون يف لحظة غضب تكتب بعدها تهدأ فتجد أن ما كتبته غري مناسب وتكون بلحظة رىض أكرث من تنس أن الحالة النفسية تلعب دورا ً أيضاً .إذا أحرضت اآلن مئة مقال فمن املمكن أن يبقى بني يدي من الالزم وال َ
عرشة إىل خمسة عرش مقاالً .هذه املقاالت قلت فيها ما أو ّد قوله فعالً وهناك من عرشة إىل عرشين لست بر ٍ اض
نص) وهناك من عرشين إىل ثالثني كتبتها ألنني كنت أريد أن أكتب ،ألننا أحياناً كنا نكتب تحت عنها كثريا ً ( نص ّ القصف وأحياناً كنا نكتب عىل ( الرولو) يف املطبعة .الهوامش هي القراءات ،املطالعات قراءة الشعر ،الرواية ...( . فيها نفحة أدبية ) د .عيل :هل من أديب يرىض عن كامل نتاجه؟ ( أ .طالل :ال ) .املسألة ليست باملضمون بل باألسلوب األديب ،أنت أديب مهام تواضعت ونتاجاتك وكتاباتك أدبية .
وال أبالغ إن قلت إنني وجدت حائطاً من الكتب يف بيتنا وكانت تض ّم من « مجمع البحرين « إىل «جرجي زيدان» .كنت شغوفاً بالقراءة وهذا الشغف استم ّر معي وال يزال ،أقرأ الشعر والرواية طبعاً عندما يكون عندي وقت لذلك .املطالعة أكسبتني الكثري من جزالة اللغة فرصت أم ّيز بني لغة ولغة ،بني كاتب وآخر وعندما يقرأ اإلنسان لكبار األدباء والسياسيني والكتاب سيكتسب منهم ويأخذ عنهم .عندي عشق للغة وأعترب اللغة متعصب لها ألن بحرها واسع وفيها غنى وجزالة حيث تجد الكثري من العربية من أجمل لغات األرض ،أنا ّ الكلامت التي تصف جامل املرأة ورقتها أو جامل عينيها ،وعندك بحر لتصف الخشونة ووو .وأيضاً لدينا تراث عظيم يف الشعر والحكمة والوصف .اللغة العربية رحبة وواسعة جدا ً . ****** (د .عيل زيتون :رفضت وصف كتاباتك بأنها أدبية ) .األستاذ طالل :أنا لست أديباً ،أمتنى أن أكون أديباً ،لدي لوثة أدبية ،بقدر ما قرأت صار عندي محاولة تقليد .األديب قصة كبرية ،أنا أعتز كوين صحافياً ،قد تكون لغتي تعصب أقول إ ّن الذي يفهم لغة القرآن الكريم ،هذا أرشق من لغة زماليئ ألنني قرأت أكرث منهم .بدون تديّن أو ّ وحده نبع ال ينضب خصوصاً إن وجدت من يساعدك عىل فهمه ،ليس فهامً للمعنى فقط وإمنا فهم املبنى أيضاً . سورة مريم ،يوسف فيها شعر .وأسلوب القرآن متني كالبنيان املرصوص ،فيه رحابة هائلة ويوجد فيه أيضاً كالم خشن يف الحروب وكالم رقيق ،وهذا ما يعطيك فكرة عن اللغة كم هي واسعة ورحبة وكم هي مطواعة .إن متكنت منها تصبح لديك قدرة هائلة يف التعبري عن أفكارك ،بالغمز وباللمز وبالتورية . د .عيل زيتون :بالنسبة لنجيب محفوظ وجائزة نوبل .هل جائزة نوبل تسقط كبار األدباء مثل نجيب محفوظ؟ أ .طالل :كلنا لدينا شبهة بجائزة نوبل ،عندما يكون فيها يهود (بيصري يف شبهة ) .نجيب محفوظ أديب كبري ،مبعنى أنّه ابن مجتمعه وابن بيئته ،عندما تقرأ نجيب محفوظ فإنّك تفهم القاهرة ،خاصة القاهرة الطبيعية وليس قاهرة األمريكان واإلنكليز مبا يف ذلك اليونان وأيضاً القليل من األجانب ..ذهبت مرة مع أديب مرصي (سأتذكر اسمه فيام بعد) لزيارة األماكن األساسية التي كتب عنها نجيب محفوظ (قرص الشوق ٍ ..و ، )..نجيب محفوظ عاش هناك كان يصف قلب القاهرة الفاطم ّية ،القاهرة اململوكية .وعندما عمل كم ّدع عام ذهب ليعمل يف الريف ووصفه ،كان يفهم محيطه ومل يكن عنده أي ا ّدعاء .فيام بعد صار عنده محاوالت بالسياسة. بالسياسة ألنّه ال دخل له ّ فكريّة مثل املحاولة األخرية ولكن ظل ٌم له أن تحاسبه ّ
(د.هالة ) :هل من أمل ؟ وكام قلت :لقد ذبحوا العروبة وماتت ،بهذه الشدة كانت املحن من قبل ؟ أ .طالل : نعم لقد احتلت فلسطني (د .هالة ولكن أىت عبد النارص ) .أىت عبد النارص ألنه كان واحدا ً .اعتقد اآلن أن أكرث العرب عندهم مرارة ،ضياع .صار الواحد منا ينكر نفسه ،ولو استطاع تغيري اسمه لفعل حتى لون برشته. تعرّبعام نعيشه من أزمات .ولكن هذه ليست نهاية الدنيا .يبقى أن هذه هذه الحال الصعبة التي من ّر بها ّ التحديات هي التي ستسهم يف عودة الناس لذاتهم .فمثالً يف العراق يقتتلون سنة وشيعة ،الشيعي يتهم السني بأنه حليف للقاعدة والسني يتهم الشيعي بأنه متحالف مع إيران .اآلن وجدوا أنفسهم (عىل السكة) وهذا يعني أنهم سيعودون ليجدوا ذاتهم املفقودة ،السني والشيعي كالهام عراقي و كالهام ميتلك نفس الهوية .والذي جاء حامالً سيف اإلسالم قتل من هذه الفئة ومن تلك وذبح األزيديني والصابئة واآلشوريني باسم اإلسالم .وهذا ليس بإسالم .وأيضاً القاعدة ليست هي اإلسالم ،والتعصب واملذابح ليست من اإلسالم .لذلك يجب أن يتصفّى هذا اإلسالم ( امل ّدعى) ونعود لإلسالم الرصف .كذلك بالنسبة للعروبة ،مرص عىل سبيل املثال لديها أزمة هوية ،وأيضاً يف السعودية امللك السعودي كان مضطرا ً للكالم بأمور مل تكن معهودة سابقاً وعندهم أزمة هوية أيضاً .من نحن ؟ وأين نحن؟ يريدون مقاتلة اليمن ،والجهة الثانية؟ إيران عدو؟ ،وإرسائيل ماذا عنها؟ .أعتقد أن إيران ستهدأ قليالً ،ومن املفرتض أن تهدأ ،ويجب علينا تهدئتها مبعنى أنها حليف ،صديق ،أخ كريم ،ولكن هم هم ونحن نحن. العامل العريب يبقى العامل العريب ،يختلف الناس ولكن يبقون عرباً .املشكلة ليست مشكلتنا ،الفرنيس أو االنكليزي أو األمرييك ،هناك مهامت كربى تخلص منها مثال مهمة الدولة انتهى منها وصارت موجودة الحياة السياسية بشكل عام تقوى وتضعف من وقت آلخر ولكنها موجودة وكذلك قل بالنسبة للنقابات واألحزاب .نحن ماذا لدينا؟ كل يشء مد ّمر ،وكل يشء بحاجة للبدء به من جديد وما من فرصة لدينا لذلك .األجنبي ال لغته موضع نقاش ،مع أن اإلنكليزية تطغى عليه ،اللغة واحدة يف البيت ويف الكتاب هي نفسها وهي من الثوابت األساسية .عندنا كل يشء موضع نقاش ،الهوية ،الدين ،اللغة ،من الزي والبناطلني املمزقة إىل الفيس بوك وتويرت ،كل ذلك بحاجة لتعديل ما ،الحياة كلها بحاجة إلعادة صياغة .نحس بعض األحيان أننا وجدنا يف الزمن الخطأ أو غرينا هو الخاطئ ( جينا بوقت غلط أو غرينا هو غلط) .دامئاً عندك نقاش هل أنت الصح من ثيابك لشكلك ملسلكك للمجلة للجريدة للجلوس بالقهوة ،كل ذلك بحاجة إلعادة النظر فيه .العامل يتغري ( .د .عيل زيتون :هذا بالنسبة لجيلنا أما الجيل الذي تحدثت عنه ) .يكمل أ .طالل :هذا الجيل تغري وانتهى .صار يُنظر إلينا كأغراب .بيننا وبني أوالدنا يوجد مشاكل ومع أحفادنا املشاكل أكرب.
****** سؤال :تع ّرفت إىل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وأدباء كرث ..حرضتك كيف تنظر لتوفيق الحكيم وانحيازه ملا عمله السادات ؟ أ.طالل :هناك يشء يخص املناخ املرصي العام ،هناك أناس ذهبوا إىل الغرب وعادوا مبهورين ،وتوفيق الحكيم أيضاً عاد مبهورا ً بفرنسا ،القاهرة عنده فرنسا والقاهرة باريس ،طبعاً ال يعرف الداخل املرصي وال أي بلد عريب ،ومل يسافر إىل أي بلد عريب ،واإلنسان املرصي تقليدي مبعنى أنّه مكتف بذاته وهذه مشكلة كبرية ملرص .مرص كبرية لدرجة أنها نطل من النافذة فرنى سوريا ومن أخرى نرى قربص وفلسطني ،أما املرصي فسيناء تستطيع أن تكتفي بنفسها .نحن ّ عزلته عن املرشق العريب والصحراء عن املغرب وأيضاً البحر ،فاملرصي التقليدي إن مل يذهب ويسافر يعش يف قوقعة اسمها مرص ( .أ.عمر :توفيق الحكيم ال يعرف..؟) طالل:يف إحدى املرات شحنوه يف الطائرة وأخذوه مع نجيب محفوظ إىل اليمن ،ولكنهم ذهبوا وعادوا ومل يحققوا شيئاً ،حالهم أشبه مبن يأيت من الضيعة إىل بريوت وإذا سألته عن املدينة سيقول إنه شاهد بنايات عالية ولكنها مل ته ّزه .بنفس الجيل كان لويس عوض قبطياً وكان شيوعياً وماركسياً وفرعونياً حتى شكالً ولكن بالنقاش معه كان غري توفيق الحكيم .كان يقول إسمع يا توفيق واسمع يا نجيب ،حتى تحومتس كان يعترب األمن القومي املرصي يبدأ من جبال طوروس فبمج ّرد أن يفكر املرصي بهذه الطريقة ظل عبد النارص ،يف سيعترب أن البالد العربية ستعنيه وتؤثر عىل األمن القومي املرصي وهذا مهم .هناك أجيال تربت يف ّ كل هذا التوجه. ظل املناخ القومي ،هذا الجيل كانت عروبته غري مفتعلة ومل تكن خطابية .وبعدها أىت السادات ود ّمر ّ ّ ****** د .هالة أبو حمدان :برأيك أين صارت العروبة يف ظل املوجة اإلسالمية الهائلة ؟ تلب آمالهم .عىل األقل العروبة ي ّدعيها أ .طالل :هذه املوجة تنفع العروبة باملعنى السلبي ،إذا كانت العروبة مل ِ من هم مثيل .أما الذين ي ّدعون أنّهم قادوا موكب العروبة فإنني أستطيع تحميلهم املسؤولية ،الحكّام عموماً ،قادة السلطة األحزاب .الفكرة بحد ذاتها فكرة عظيمة ،فالذي حاول أن يبلورها عظيم ،أما الذي استخدمها للوصول إىل ّ السلطة .فالعروبة هي أول ضح ّية يف ظل هذا الوضع .فاألوضاع التي عشناها يف السنني فقد ذبحها عىل باب ّ األربعني املاضية ،أ ّول ضحاياها كانت العروبة .قبل خمسني سنة كانت النظرة للعروبة والتعاون معها كان مختلفاً،
كان فيها نفحة صوفية وكانت فكرة خالص ومرشوع وهوية .مل يكتب عنها كام يجب كمرشوع سيايس كمرشوع بنا ٍء
للغد ،كإنزال الحلم ليصبح برنامج عمل ( .د.هالة :ولكن هل ميكن أن تعود حلامً وباباً للخالص ؟) .كحلم عند جيلٍ معني مازالت موجودة وتحتاج إىل معركة ضارية الستنقاذ الجذور.
(د.هالة :برأيك مرشوع التقسيم الذي يبدو واضحاً وصار بجز ٍء منه محققاً هل سيتحقق ؟) .أين؟ (د.هالة:بالعراق الدولة الكردية ) .هذه تخيف قليالً ألن لها حاضنات دولية .د.هالة :نقل يل أن هناك قرى كاملة ُهدمت و ُمنع أهلها من العودة إليها من قبل البشمركة وأغلقت .أ.طالل :نعم عندهم هذا الحلم ولكن أعتقد أنهم بعد قليل سيرضبون رأسهم بالحائط ألن املحيط كله معارض .اآلن الكل يعاونونهم ألنهم محتاجون لهم ولكن إذا فكروا بالدولة فهناك كال ٌم آخر ال إيران سرتىض وال الرتيك أيضاً (د.هالة :ألن تكون إرسائيل أخرى ؟) . هذا الخطر يظل قامئاً خاص ًة إذا بقي العراقيون يف حالة اقتتال ،ولكن ُر ّب ضار ٍة نافعة ،فمن املمكن أن توحد داعش العراقيني ويعودون للكيان وليس للعشائر ،وذلك إذا وحدتهم املعركة ضد عد ٍو واحد ،عد ٍو مسلم . فثبات الوضع مرهون بتوحدهم ( .د.هالة :هل سيتوحدون؟) .هم مرغمون عىل التوحد . (د.هالة :الذين يذهبون إىل العراق يعودون بأخبار سيئة جدا ً فالسني إذا سمح له بالدخول إىل املناطق الشيعية ّ الشيعي والدولة الكردية صارت تقريباً وضعاً قامئاً والذي يخيف يف املوضوع الكردي يحس نفسه غريباً وكذلك ّ أنهم يضعون أيديهم بيد إرسائيل ( ليس الكل) وأن تكون إرسائيل أخرى تُزرع يف املنطقة هذا يش ٌء خط ٌري للغاية ******* شخيص ،طبعاً العمل الصحفي كان يأخذ كل وقتك ،فام انعكاسه عىل بيتك وأطفالك د .دريّة فرحات :سؤال ّ وأرستك ؟ أعطها حقها ومل ِ أ.طالل :ظلمت عائلتي كثريا ً مل ِ أعط زوجتي حقها .يف العام 1981كان أوالدي قد كربوا قليالً . أحمد من مواليد ( ، ) 1971هنادي ( ، )1968ربيعة ( )1969وعيل األخري ( ، )1973وبني عيل والسفري ست سنوات باعتبارها أختهم ،ولكنهم كانوا أحياناً يحبونها وأحياناً يكرهونها كونها أخذتني منهم ،هم ال يكرهونها باملعنى الحريف ولكنهم يغارون منها. أعرتف بأنني مل أعطهم حقّهم لقد عاشوا بعيدا ً عني ،ففي العام 1981وضعوا الستهدايف سيارة مفخخة ويف املرة الثانية وضعوا صاروخاً وكان من املمكن أن أفقدهم كلهم يف هذه اللحظة ،أنا كنت مسافرا ً ،فأركبهم محمد املشنوق بالطائرة وقال يل القهم إىل باريس .وهكذا ذهبنا ،يف أول حزيران قرروا العودة وحزموا الحقائب غري أ ّن شارون دخل لبنان فظلوا يف فرنسا ست سنوات وأنا هنا .طبعاً كنت أزورهم كل شهر أو أكرث وأبقى من أربعة إىل خمسة أيام ولكنهم كانوا يعيشون حالة من الغربة والرعب .بعدها عادوا وقام ..بحركته املباركة (مازحاً ) فبعثتهم إىل القاهرة حيث بقوا سنة يف هذا البلد العريب.
هناك صلة عاطفية جميلة وعظيمة معهم ولكن ليس أكرث .أجلس مع حفيدي بعمر الثانية عرشة وأسأله عن أحس بصعوبة يف االستمرار بالحديث معه فامذا سأتكلم ،ما هي اللغة املشرتكة بيننا ؟ أتكلم أحواله وبعدها ّ معه عن هواياته كأن يحب كرة القدم مثالً ولكن بعدها ثالث أو أربع جمل وينتهي الكالم بيني وبينه .أما نحن كجيل فإن الكتاب قد نسج عالقة مع من سبقنا ،أنت تقرأ وهو يقرأ ،يوجد يشء مشرتك معه حتى لو اختلف نوع الكتاب فهو عىل األقل يقرأ .أنت تقرأ ملحمود درويش للمتنبي هو مثالً ألدونيس لشوقي بزيع ولكن يقرأ الشعر .أما هذا الجيل فإنه ال يقرأ .هناك معضلة كبرية وستكرب وتزيد مع الجيل القادم .نحن ما زلنا مسنودين إىل ٍ ماض قريب .الجيل القادم سريىب يف ظل هزائم ،يف ظل تشوه للدين .نحن كانت عندنا القومية محرتمة والدين محرتماً أما عند هذا الجيل ال القوميون محرتمون وال الدين. د.هالة :هل العروبة ما زالت حالً ؟ ألن الجيل الصاعد ال يعترب نفسه عربياً حتى ولو قال إنه عريب فإنه يتكلم االنكليزية أو الفرنسية والحرف الذي يستعمله ليس عربياّ حتى االطالعات واألخبارال يقرؤنها بالعربية بل يذهبون إىل املواقع األجنبية ،حتى اللباس والترصفات واألغاين التي يسمعونها .هذا الجيل مل يعد لديه هوية .فام الحل ؟ ٍ انحطاط أسوأ مام من ّر به نحن ،لقد عاشوا يف ظل العثامنيني حوايل أربعامئة أ .طالل :لقد عاش أجدادنا يف عرص سنة خارج اللغة ،أكيد جدك مل يكن يعرف العربية ،ألن ذلك كان ممنوعاً عليه وكل املعامالت كانت تنجز باللغة الرتكية حتى يف يومنا هذا تجدين يف اللغة العامية التي نتعاطاها عبارات تركية ( .د .درية :حتى القيم مل تعد موجودة ) .ال ،القيم موجودة وهي تبدأ بالبيت وباملجتمع والبيئة ،نعم هناك اهتزاز ،ولكن عندما تصبح األمور جدية فإن القيم ال تزال موجودة ،يوجد بعض ( امليوعة و ال ّرخاوة) أل ّن خيباتنا تجعلنا ضعافاً مع أوالدنا وأحفادنا .كنا نعترب أننا منتلك الحقيقة كاملة ولكن نحن اآلن متواضعون ألننا ندرك أن الحقيقة ليست كاملة وعلينا بذل الجهد لنعرف الحقيقة .كنا نعترب عبد النارص ال يهزم لكنه ُهزم .كانت هناك أشياء كثرية نعتربها من املسلامت املطلقة .كذلك وجود إرسائيل .بالنهاية أنت تقاتل إرسائيل من أربعني خمسني ستني سنة .وكذلك اإلرسائييل عند أوالده وأحفاده نفس األسئلة ،إىل أين تذهب إىل حرب جديدة ؟ وبعد الحرب الثانية والثالثة والرابعة ؟ نحاول تخيل ردة فعل عىل داعش ،وحتى هذه ،يف سنة وسنتني تنتهي داعش ،وبعدها ماذا يفعل ال ّناس .الصحراء ستبقى هكذا ( ..د .هالة :تستبدل بقوميات محلية) .ولكن هل ستعيش ؟ مثالً نحن مع السوريني هل نضع مرتاساً ونتقاتل ،علينا أن نسلم بأنه بيننا وبينهم تحكمنا عالقات الصداقة والجرية واملصالح املشرتكة.
كل الدول العربية حاكمها عسكر ،مهام كان من شأن هذه األحزاب كانت رهان األجيال من أجل التغيري وتصبح ّ العسكر فهو عسكر مع احرتامنا ألشخاصهم .مهمة العسكر التنفيذ ،ممنوع عليه التفكري ،وممنوع عليه االجتهاد .بالنسبة لجييل خيبات أملنا كانت عظيمة ،فمن جهة يقاوم خيبة األمل بالتمسك باملبادئ والقيم ويعترب أن غريه وقع ألنه مل يكن متمرساً بالقدر الكايف وبعضهم وقع ألن إغراء السلطة قد أخذه .أحمد الله أنه يف املرات القليلة يل فيها السلطة مل أطلب شيئاً من أحد .فمنذ أن وعيت كانت املشاركة بالسلطة خارج توجهايت التي ُعرضت ع ّ نهائياً وهذا ما أعطاين قدرا ً من الحرية .أنا أكتب رأيي ومن اليرىض فهذا شأنه ،طبعاً أراعي األصول ،أراعي األدب ولكن ليس عىل حساب موقفي السيايس .فالذي يعمل صحفياً يف هذه األيام يكون شهيدا ً مع وقف التنفيذ. (غسان تويني) نستمع ألخبار الصحف من صوت لبنان عند السادسة والنصف ،يبدأون بالنهار ،وعىل إذاعة النور عند السابعة والنصف يبدأون بالسفري (د.درية) :لقد مررتم بخيبات ولكن أحسد جيلكم مع أنني لست من جيل نحس اآلن بخيبة أكرب. الشباب كثريا ً ،فعىل الرغم من مروركم بالخيبات إال أنكم استطعتم أن تبنوا مصريا ً .نحن ّ األستاذ طالل :حفيديت الكبرية عمرها مثاين عرشة سنة ،أنا أخجل منها عندما أجلس معها فامذا أقول لها ؟ لذلك أتحايل عليها إذا اقرتبت من بعض املواضيع ألته ّرب من اإلجابة .أنا أتكلم برصاحة ،أنظمة وجيل مل يكن عىل قدر املسؤولية ،الواحد منا يخجل أمام أوالده وأحفاده .كانت أمالنا عظيمة وعالية وهائلة (أ .عمر :تأملنا كثريا ً فتأملنا كثريا ً ) (.د.درية ) :أحسد جيلكم ألن الجيل الحايل ال يفكر يف البناء والتغيري. أ .طالل :أفهم هذه الحالة ألنه أيضاً يف السياسة ال يوجد يشء مجرد .تعلقني آمالك عىل حزب وعىل تنظيم ومبادئ مجسدة وعىل قوى سياسية معينة تجسدها .أما باملطلق فإنهاتصري ديناً . أ .عمر :سنسألك عن بعض الشخصيات ولوبجملة عن كل شخص .قلت إنك التقيت بعبد النارص . أ.طالل :ال ميكن أن أحكم عىل عبد النارص كان اللقاء رسيعاً وبالكاد سلمنا عليه ولكن ميكن أن أعطي رأيي مبعنى السياسة العامة ،هو قائد عظيم باملعنى الحامل .عبد النارص مل يكن يعرف البالد العربية كفاية ،يعني املرشق العريب ....عندما أىت إىل فلسطني واجه اليهودي واالرسائييل وفهم ملاذا (ننكت) عىل الجندي املرصي يف القرى « يا رب تجي فعينو» كنا نأخذها دليالً عىل جنب العسكري املرصي غري أن الحقيقة مختلفة ،العسكري املرصي عندما كان يه ّم بإطالق ال ّنار كانت الطلقة تخرج لتصيبه يف عينه فصار يبعد البندقية ويطلق النار علّها تصيب العدو ويقول رب تجي فعينو أي يف عني العدو.
عملياً لقد عاشوا من ست إىل سبع سنوات بعيدين عني حيث كنت أزورهم من ٍ وقت آلخر .لقد تفهموا أوضاعي ،وصار عندهم حالة عشق للسفري واعتربوها الولد الخامس للعائلة .طبعاً كان هناك غرية كام الغرية بني األخوة كانوا يقولون :إنك تحب السفري أكرث وتعطيها من وقتك أكرث ،ولكن فيام بعد صاروا يشعرون بأنهم متكاملون معها لقد تصالحوا معها .نعم ،عندما كربوا انخرطوا فيها بكفاءتهم وليس ألنّهم أوالدي أحمد أنهى» كمبيوتر ساينس « يف بوسطن ،هنادي درست العلوم السياسية يف جورج تاون ،كنت أخرب والدي أن هنادي ستدخل إىل الجامعة فقال لها :ماذا ستتعلمني يا جدي؟ فقالت :علوم سياسية فأجابها هذه ألحمد أنت ماذا ستفعلني ؟ .كان يعترب أن دراسة العلوم السياسية هي للرجال فقط .ربيعة أنهت بزنس ذهبت إىل مرص وبعدها عادت وقالت يل :ليس لدي عمل .ملاذا ؟ أذهب وآخذ معايش وما من عملٍ كفاية ..بقيت تحوم وعادت إىل هنا . .د .درية :حرضتك قلت أنك من املمكن أن تنتقد مقاالتك بتوجهاتها األدبية ،هل تنتقد مرحلة من مراحل حياتك الفكرية والسياسية ؟أ .طالل :لقد مزقت مقاالت سياسية منذ زمن كنت كتبتها يف لحظة انفعال ،مثالً اإلرسائييل يدخل عندها لن أراعي اللغة ( .د.درية :هل تنتقد نفسك لتوجه فكري أو سيايس معني ؟ مل أتكلم عن اللغة ). أ .طالل :الظروف التي عشناها يف ظل الحرب ،يعني نحن ما عشنا حرباً واحدة وال اثنتني وال ثالث حروب بل يحس وكانه يعيش آخر يوم يف حياته حيث من املمكن أن يتع ّرض ألي يشء وهذا الكثري .والحرب تجعل اإلنسان ّ ما خربناه وعشناه ومل يكن خياالً بل حقيقة .لقد حاولوا اغتيايل أكرث من م ّرة ونسفوا املطبعة واملكاتب ،وحاولوا نسف البيت مرتني وحتى تتخلص من حالة أنك تحت املوت وأنه يطاردك عليك أن تعشق الحياة أكرث ،فعندما يشعر اإلنسان بأنه نجا من املوت عندها سينسج عالقة مع الحياة وكأنه ربح عمرا ً آخر .وهذه نعمة عظيمة ال يجب تضييعها ِ ، الحيّس املبارش. أعطها مداها باملعنى الوجداين عىل ّ األقل إن مل تكن قادرا ً عىل إعطائها باملعنى ّ كل الظروف التي مررنا بها عىل الرغم من قسوتها ووحشيتها كانت أفضل من الوضع الحايل .هذا الوضع ال غري أ ّن ّ طعم وال رائحة له حيث الفضائح متأل الكون ،املليارات تطري أمام ناظرينا ،الوزراء فاسدون ،الرؤساء ( ما لص وهذا حرامي وماذا بعد ؟ إىل بيسووا) ،إياك أن يقع فالن فيصيبنا ما أصاب سوريا أو العراق .يا أخي هذا ّ أين سنصل؟ هذه الحالة تقتل ،تجعل اإلنسان يبلع رأيه ،يبلع األشياء التي يؤمن بها .وليك تحافظ عىل الوضع هادئاً ( بتم ّرق مثالً اهجم عليه دون أن تسميه هو يعرف نفسه جيدا ً ) .وأيضاً انهياراملبادئ ،األفكار ،األحزاب العقائدية خاصة ،إذ ليس طبيعياً أن ينتهي الحزب الشيوعي جثّة وحركة القومية العربية جثة وحزب البعث جثة.
طالل سلمان الفيء وال ّثمر د .هاين سليامن 2023-8-27
يف عام واحد تودع مدينة شمسطار البقاعية ثالثة من أعالمها الكبار يف ميادين الفكر والسياسة واإلعالم واألدب والترشيع عىل مستوى األمة والوطن. واملتحرّس عىل ضياعها أو رسقتها عنوة من بني يديه وأمام ناظريه. الرئيس حسني الحسيني «خازن كنوز» الطائف، ّ والدكتور شبيب دياب رئيس رابطة قدامى أساتذة الجامعة اللبنانية .املناضل منذ الطفولة والباحث املتميز واألكادميي الرصني والنقايب الدؤوب ،الذي تويف عىل كرسيه وهو يرأس مؤمترا ً عربياً يف لبنان لصيانة حقوق املتقاعدين يف الوطن العريب. أما راحلنا الكبري األستاذ طالل سلامن والذي بغزارة إنتاجه وسخاء عطائه الدائم ،فهو زيتونة االنتامء القومي التي أصلها ثابت وفرعها يف السامء ،يستظلها طالب الحوار و الهاربون من هجري بلدانهم إىل واحة الفكر واإلبداع، ويتلذذون بثمرها كزيتون املائدة ال يستغنى عنه ال صبحاً وال ظهرا ً وال مساء. يقال إن طالالً صنع نفسه يف مخترب الفقر يوم كان طفال ،ويتوقف القائلون عن الكالم عنه عند هذا الحد أحيانا. أال ليتهم يضيفون أن طالالً يف مخترب الفقر واإلرادة والوعي كان يصنع يف أروقة السفري أجياالً وأفواجاً من حملة األقالم .ربّاهم ورعاهم ودربهم وحفزهم وتابعهم حتى يبزغ فجرهم ،وحتى إذا اطأمن إىل إنجازه اللييل واطأمن إىل طلوع الفجر وبزوغ الضوء ووضوح الصورة ،ذهب لينام مرتاح البال .ويف نومه القلق عىل مستقبل األمة كان طالل رفيق الصباحات لكل قارئ ل»السفري» ،حيث تتعازم القهوة والسيجارة -وهام رمبا ،إضاف ًة للكتابة متعته الوحيدة -ليقدم كل منهام أمتع ما عنده لآلخر ،يف تكامل الرشفة واملجة ،يف عهد دائم عىل الال انفصال .قاتل الله التدخني وأرضاره. طالل سلامن الخارج من عمق املجتمع العريب ،املتواجد يف آن واحد يف كل حدوده وأطرافه والحوايف ،كان يريد أن يقبض ريح العروبة «ليستدرجها» إىل لبنان لتقيم فيه مدى الدهر ،وليبثّ بهذا الوطن العزيز روحها النبيلة ،ومن هنا يأخذ ُها بيد ِه الحانية إىل الحدود مع فلسطني ،قائال لها هنا الهوية الحقيقية.
تجربة فلسطني كانت مهمة وأساسية ،نعم لقد هزته حرب ( )1956وغريته ،غريت نظرته إىل العامل ( العدوان الثاليث) ،رأى أن العرب ـ وهنا أقصد الشعوب العربية ـ قد هبوا ،رأى املظاهرات من املغرب حتى اليمن ،رأى الشعب العريب يستع ّد وينتظر قائدا ً فصار شخصاً آخر ،ولكن مامن إنسان كامل: .كامل جنبالط ماذا يعني لك وخصوصاً أنك أمضيت يف املختارة سنتني؟ أ .طالل :عرفته فيام بعد ،السيايس فيه كان أسوأ يشء .هو مفكر وكاتب عنده نفحة صوفية ،عاش نصف حياته وأكرث مع أفالطون وأرسطو والفالسفة الهنود جامعة الرؤيا: .غسان كنفاين عشت معه فرتة. أ.طالل :غسان إنسان عظيم ،ساحر ،كصديق كأديب ومبدع وغزير كنت (أنكت) عليه وأقول أنه يكتب عىل الصفحتني يف الوقت نفسه (الوجه والقفا) .كانت تتوزع علينا الصفحات يف اجتامعات مجلة الحرية ، ،فالن يكتب كذا وفالن كذا ،رسالة من العراق ورسالة من ليبيا وأنا كنت أتوىل املوضوع املحيل(،مازحاً) كوين أرمنياً وكلهم عرب ،وتبقى صفحة فيطلب ...ويقول :دبرها يا غسان فيدبرها .كان مبدعاً أ .عمر :ما هي نصيحتك للمنافذ الثقافية ،وهي مجلة تصدر كل ثالثة أشهر ،بعيدة عن السياسة إال مبعنى املقاومة ،مقاومة إرسائيل؟ . (أ.طالل :دخلت يف قلب السياسة ) .قمت بتصفح بعضها ،ال أستطيع إعطاء حكم ). ماذا تنصحنا من خالل تجربتك الغنية ..؟ أ .طالل :مع رضورة تفاؤلنا وتقديري ملجهودكم يف هذا اإلنجاز الثقايف ،فلنعرتف أننا رصنا جيالُ آخر ،أنا أفجع ، فالجريدة من املمكن أنها صارت ثقيلة الدم بالنسبة ألحفادي ولكن أشتهي رؤيتهم ينظرون إليها ..يف املدارس صاروا يعتربون اللغة العربية لغة بائدة .أنا أتح ّدى أن ترى شاباً يف عمر العرشين يقوم بتصفح جريدة ،وهذه كارثة ،وهذا ليس ألن اسمها املنافذ الثقافية ،نحن نعاين معاناة رهيبة مع هذا الجيل لذلك أعترب أن قارئ الجريدة سيكون من عمر األربعني فام فوق .أل ّن ابن العرشين والثالثني ال يقرأ الجريدة وال ميسكها بيده .تك تك تك صار يرى األخبار مييض وقته عىل الفيس بوك وتبادل الرسائل والتنكيت .هذا الجيل ال تهمه اللغة وال املعنى كل ذلك ال يعنيه.
وداعا ً طالل سلمان الشاعر عمر شبيل 2023-8-27
عرفته سنة ١٩٦٧يف شارع أسعد األسعد يف الشياح التقينا وع ّرفني إليه املرحوم األستاذ نجيب صالح وكنا ند ّرس يومها يف ثانوية الفاروق ،الطريق الجديدة ،بريوت .من يومها كان طالل سلامن يعمل يف الصحافة ويحمل وجع األمة ويتحمل أذاها الذي نال منه الكثري. طالل سلامن كان يدرك أن قلمه والرصاصة كانا عىل موعد مع االشتباك كل صباح ،وكان يدرك أية غابة مييش بها، وأية أنياب تنتظر حروفه املألى بأحالم أمته وحقوقها حتى الجامم كان إميانه أعىل من كل حرب يف قلم مجبور عىل الصمت خوفاً من الرصاصة .كان قلمه يحمل رشاسة شمسطار ودفق الليطاين وتصميمه عىل السري جنوباً ،كان طالل سلامن يحمل صالبة أعمدة الدهر يف بعلبك واستقامتها،كان طالل سلامن يدرك األمثان الباهظة التي يجب أن يدفعها أصحاب املواقف الكبرية ،وكان يعي أنه يجلس عىل مائدة صحون فارغة إال من سموم الواقع العريب الذي يسيل من أفاعي السياسة، لقد ولدت جريدة السفري وترعرعت يف الزمن الصعب ،وكانت املواقف يف منتهى الصعوبة باتخاذ موقف يالئم وميكن أن يكون مفهوماً بني منع متزق وطن ورضب مقاومة ضد العدو الصهيوين. كانت األلوان تتداخل كثريا يف هذا الوضع الصعب واملحرج .يومها كان قلم طالل سلامن يحاول ان يكتب بالخط العريض إلقامة صلح بني والجر ِح والسكني ،وكنا ندري كم كانت صعبة مصالحة الجرح والسكني ،ومع ذلك كانت عروبة طالل سلامن ووطنيته تتنقالن بني صربا والسفري وكم كانت النقلة صعبة والجراح عىل الطريق تنزف .يومها كان طالل سلامن يحاول ان يضمد الجرح بالجرح ،وظلت لبنانية طالل سلامن وعروبته فوق الشبهات رغم عمق الجرح وقسوة السكني. رأيته يف بغداد سنة ١٩٨٠اثناء انعقاد املؤمتر القومي وكان واقفاً بصمت عىل دجلة ،وسلمت عليه وسألته ماذا توحي اليك دجلة يا أستاذ طالل؟ فأجاب وهو مازال بحدج النهر امتنى أن يصب يف بردى .
مع غياب (أبو احمد) وهذه الخسارة البائنة ،ال يخامرنا شك أن مدينة شمسطار والّدة املبدعني ومرضعة للناشئني عىل الدوام .طالل سلامن الذي أعلنت وفاته باألمس مات قبل ذلك بوقت طويل .مات طالل سلامن يوم ج ّوع الناس وعجزوا عن رشاء «السفري» ففقدوا حنان ملسة صفحاتها .مات يوم اصف ّر لون الجرائد واختفى الورق لصالح ّت االنرتنيت ،ومات يوم أصبحت الكلمة مدفوعة االجر ويوم صنعت وعلبت يف معامل السلطات .مات يوم جف ْ رشايني الليطاين وطغى طعم املبيدات املرشوشة عىل طعم الخضار والفاكهة ،ويوم فقد املجتمع روح ُه األصيلة حني غزانا الفن الهابط وانحرست العتابا وامليجانا والدلعونا والدبكة واملنجرية. مبناسبة تكرمينا له مؤخرا كعضو مجلس أمناء املنتدى القومي العريب ،كان صوته خافتا حتى كدنا نشعر أنه ال يتكلم .كنا مخطئني .كان يتكلم ونحن ال نسمع .كان يحذر من سموم اإلعالم املوجه إىل عقول الناشئة ،ويحذر من الكف عن الهتاف والدعوة االرتهان للف ََسقَة وتجار الهيكل ،قائال ألتباعهم الغالىب والجوعى :يكم ُن خالصكم يف ّ لهم بطول العمر ودوام الصحة والتعهد باالنقياد لهم إىل أبد اآلبدين. طرقت باب أحد البيوت يف البقاع ،فلن يُجٍيبك أحد ،ألنهم زحفوا إىل مدينة شمسطار يف يوم وداع (أبو احمد) إذا َ لوداع من كان حارضا بينهم بالفعل جسدا وروحا وفكرا وتطلعا إىل ٍ غد أفضل .قلت إن طالال مات يوم ماتت الكلمة ،لكن يف وداعه املميز والحاشد واملعرب ،هربت الكلمة النازفة من أرسها ،متحاملة عىل جروحها تعلن قيامتها من جديد. يف يوم وداع طالل سلامن ،الكلمة قامت حقا قامت .مات طالل سلامن عاش طالل سلامن.
«اليوم أتاني نبأ الوفاة» الشاعر والكاتب اللبناين :عباس بيضون يف منشور عىل «فايسبوك»»:اليوم أتاين نبأ وفاة #طالل سلامن .هذه املرة مل أعده يف مستشفاه ،حسبت أن يل بعد مهلة وأنه سيخرج ساملاً منها ،مل يخطر يل أنها النهاية». «بقيت يف (السفري) يف جرية طالل وتحت برصه أعواما واستذكر بيضون رحلته مع الراحل طالل سلامن قائالً: ُ طويلة ،عقودا ً من شبايب وكهولتي .وخرجت منها حني خرجت من نفسها .أظن أن (السفري) الجريدة التي صحبت وخاضت مرحلة كاملة من التاريخ اللبناين توقفت يف وقتها ،وكان توقفها عالمة النتهاء عهد .لست يف وارد أن أجادل يف ذلك لكنها الجريدة التي حملت منذ مطلعها بوادر دخول يسار ودخول طائفة تحت هذا العنوان إىل الثقافة اللبنانية». وأضاف« :كان لـ(السفري) ما كان لكل الصحافة اللبنانية داعم خارجي .مسألة كهذه تدمغ كل الصحافة اللبنانية لكنها ال تخترص دورها وال تكفي لتقدميها .كان هناك مع ذلك اليشء اللبناين الذي يفعل يف البلد ويتفاعل مع محيطه وأحداثه ويتطلع إىل مساره .مل يكن اليشء اللبناين غريباً عن الداعم أو منفصالً عنه لكنها ،أكاد أقول، خاصية لبنانية ،أن يزدوج الداخل والخارج إىل حد التطابق ،وحيث ميكن للخارج ،ليس فقط ان تكون له كلمته يف الشأن اللبناين ،لكن بدون أن ينفصل عن ذلك ،ميكن للناطق باسمه أن يجد ما ميكن اعتباره أيضاُ كلمة لبنانية». وتابع بيضون« :هذه الكلمة تشرتك يف صياغة ما ميكن اعتباره لبنانياً .بدأت (السفري) بداعم ليبي مل يكن له رؤية لبنانية .مل يكن أقطاب (السفري) املنتمني أو الخارجني من منظمة العمل الشيوعي ملتحقني به .مل يكن األمر نفسه ىف مدى الزمن الذي تال ذلك ،إذ أن الداعمني كان لهم كلمتهم يف هذا الشأن ،ولهم مطالبهم فيه .هكذا تحول ذلك إىل شأن ثقايف بحت بل إىل شأن أديب». وقال بيضون« :كان ميكن أن نجد تنظريات ماركسية ونقدا ً أدبياً وشعرا ً حديثاً .أما الكالم يف السياسة فقد كان يتم قذف املختلف منه إىل الصفحات الداخلية .كان السامح به مع ذلك ظاهرة بح ّد ذاتها ،فالصحف املدعومة مل تكن يف الغالب تسمح بهذا االختالف أو تطيقه .كان يل شخصياً نصيب من ذلك .إذ مل يخف عن سلامن أنني كنت كل يشء .سمح يل أن أجهر بذلك وأن اكتب فيه مقاالت يف صفحتي الثقافيه تم هذا مخالفاً لسياسة الجريدة .يف ّ عىل مدى سنوات طوال».
نحن مصابون بظأم األنهار يا عمر ،قلت انهارنا غزيرة يا أستاذ طالل فأجاب نعم ولكننا ظامء يا عمر .كتب بعدها مقاالً عنوانه حوار مع دجلة ،وفيه كانت دمشق وبغداد تتحاوران بدفء يف فندق الرشيد ،وكنا نصفق للنهرين ونطلب منهام مع عرب أحرار أن ال يكون صقر قريش عىل الضفة هارباً ،وعىل الضفة الثانية أخوه قتيالً. كنا نحزن معاً ونفرح بخوف غامض .التقينا بعدها ،وبعد سنني عجاف يف دار جريدة السفري يف الحمرا ،وكنا عىل موعد معه إلجراء مقابلة معه ،وكنا اتفقنا أن يكون هو شخصية العدد يف مجلتنا املحكمة «املنافذ الثقافية». وبعد يومني من وفاته أنزلت الدكتورة درية فرحات نائبة رئيس التحرير مقتطفات من املقابلة عىل موقع املنافذ الثقافية .يومها حدثنا طالل سلامن عن الصعوبات واألهوال التي عربتها جريدة السفري. لقد كانت جريدة السفري لصاحبها طالل سلامن مؤسسة إعالمية وثقافية من الدرجة األوىل كانت لكل املثقفني الحاملني قيامً عليا ،ومن الذين كتبوا فيها لسنوات األستاذ محمد حسنني هيكل رئيس تحرير جريدة األهرام املرصية. سكتت السفري قبل سكوت مؤسسها وصاحبها األستاذ طالل سلامن ،وبسكوتهام سكتت أنهار غزيرة العطاء عن كل العرب املصب يف عقول أجيال عربية واعدة .كانت جريدة السفري جريدة َّ وما أقىس أن يسكت القلم والجسد معاً بعد عطاء غزير ستنزل معك جريدة السفري اىل لحدك يا طالل وما أقىس هذا النزول يف زمن يحلم فيه أبناء أمتنا بالصعود. وداعا طالل سلامن ولك من عيني دموع كانت تقرؤك يوماً ما.
وكالة األنباء يشء عن حياة طالل سلامن تويف طالل سلامن عن خمسة ومثانني عاما يف أحد مستشفيات بريوت بعد تدهور حالته الصحية 27أغسطس /آب 2023 قبل ستة أعوام ،أنهى طالل سلامن حلمه بتوقف صحيفة «السفري» عن الصدور .بدا بعدها وكأن واقع املهنة قد غلبه ،يف ظل تأزم سيايس يعيشه العامل العريب« .انتهى» زمن جريدته ،كام عرّبر وقتذاك. قبل أيام ،رحل طالل سلامن عن عمر ناهز خمسة ومثانني عاما ،تاركا ذاكرة متنوعة تزخر بها مقاالته وكتبه ومقابالته ،عن العامل العريب الذي واكبه صحفيا منذ خمسينيات القرن املايض. قابل سلامن قادة ورؤساء ،كجامل عبد النارص وصدام حسني وروح الله الخميني وحافظ األسد وحسن نرص الله، كام صادق وزامل أدباء وشعراء وأكادمييني وصحافيني ،كمحمد حسنني هيكل ومحمود درويش وناجي العيل وسعد الله ونوس. شّق سلامن ،املولود عام 1938يف بلدة شمسطار رشقي لبنان ألب رشطي فقري ،طريقا وعرة يف عامل الصحافة بدأت ّ عام ،1957بينام كان العامل العريب يضج باألحداث املفصلية ،ليس أقلها الوحدة بني مرص وسوريا التي استهل «األستاذ» رحلته مع بدايته
وختم« :مقااليت يف هذه الصفحة لقيت قراء و ال بد أن اختالفها كان ظاهرًا ً .ال أذكر أنه فاتحني بذلك أو أنكره عيل .كان يف ذلك فريدًا ً وال أظن أنه كان من السهل أن تحوي جريدة لبنانيه معارضًاً لها يف داخلها .مل يكن طالل هكذا مع الجميع .اسمع اآلن أشخاصًاً يشكون من أنه مل يتسامح معهم يف ذلك ورصف بعضهم ألجله .هكذا ميكنني القول إن صمته عني وتسامحه معي كان هدية خاصة يل يستحق من أجلها شكري اآلن و تعزيتي ألرسته وأبنائه وأصدقائه الكثريين .بل ميكنني أنا الذي صحبته كل هذا الوقت أن أكون بني أهل العزاء».
لقد الفنا السفري والفتنا وكانت صوت الناس وكان قلم طالل سلامن بقعة الضوء التي تشع كربياء وعروبة وحرية فلك ايها الكبري تحية االجيال ملا تركت فيها من اثر طيب مهام تباعد الزمن ونعدك ايها الراحل الكبري ان نبقى املدافعني عن العروبة واالسالم وان نحمل قضية فلسطني اىل العامل حتى اسرتجاع الحق املسلوب واملقدسات ،نم قرير العني فامثالك كرث وال خوف عىل قضية وراءها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قىض نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديال صدق الله العظيم واىل جنان الخلد حيث االبرار والشهداء وحسن اولئك رفيقا.
وداعا ايها الكبير طالل سلمان د .طالل الورداين 2023-8-25
قف عند حقك يف الحياة مجاهدا ان الحياة عقيدة وجهاد اول حبونا نحو اللغة والقراءة تفتحت اعيننا عىل جريدة السفري اللبنانية التي كان رئيس تحريرها االستاذ طالل سلامن هذا الرجل العرويب الذي ادمن حب العروبة وكل بقعة ضوء عربية تتنفس كربياء وعروبة تؤمن ببالد العرب اوطاين. وتحايك قضيتنا الكربى مع انبالج كل فجر فقلمه السيال كان ينبض مقاومة عىل طريقته فالقلم اىل جانب السيف ضامنة االوطان وسبيل صونها من االخطار وتقدمها عىل االمصار، لقد آمن طالل سلامن ككل عريب مخلص بقضية فلسطني كل قضايا العرب املحقة من العراق اىل اليمن اىل الشام اىل جنوبنا املقاوم فكان حرب قلمه اليجف نبضه يف مواكبة كل حدث يرفع جبني االمة وكانت جريدة السفري منرب االقالم الواعدة حيث كنت احد من كتب فيها اكرث من عمل ابداعي ومنها قصيدة الشام التي مطلعها يا شام بوح الهوى قد حل يب ادبا فجئت اهوى بك االسالم والعربا وكم كان رسوري يفوق الوصف وانا شاب عرشيني حني نرشتها تالث صحف لبنانية وصحيفة سورية يف آن واحد . نعم لقد كنا نعرب بصدق واخالص عن عروبتنا وقضيتنا ويف ذلك فضل ملدرسة الكبار امثال الراحل الكبري االستاذ طالل سلامن الذي كنا نقرا افتتاحيته للسفري كل صباح فيكرب يف اعامقنا حب العروبة ونشعر بنشوة تدفعنا للكتابة عن فلسطني وبطوالت رجالها ونتغذي من قراءاتنا الواسعة عن هذه االمة وماتركه فينا الكبار من مناخات الرشف والكربياء. نحن اليوم نحتاج المثالك ايها الراحل الكبري يك يضخوا دم العروبة يف جديد يف االجيال الصاعدة حيث ان الرياضة اخذت منهم كل يشء اضافة اىل وساىل التواصل االجتامعي ،فصالح الدين االيويب وجامل عبد النارص وعمر املختار ويوسف العظمة وابراهيم هنانو وسلطان باشا االطرش واسامء املجاهدين واملقاومني ففلسطني وجنوب لبنان وسيناء والجوالن كل هؤالء يجب ان تبقى اسامءهم تذكر يف مدرسة االجيال ليكونوا قدوة مباركة لالجيال الالحقة.
تكريم كلمة تكريم الشاعر عمر شبيل الدكتورمح ّمد توفيق أبوعيل عميد كلية ااآلداب يف الجامعة اللبنانية 2023/9/16 املكان نادي كامد اللوز الثقايف واالجتامعي املناسبة أمسية الشاعر عمر شبيل
طفاًل أيّها الحفل الكريم ولدته أ ّمه شاع ًرا ،فمىض يحميه الشّ عر وطفولة مل تغادره ،حتّى غدا_ كام هو اليوم_ ً املستهل ،وعند سنابك الفجر ،غرق يف ّ كب ًريا ،تأوي إىل حرفه عص ّيات ال ّرؤى ،وتلوذ بحربه جميالت املعاين .منذ غيبوبة الشّ عر ،وجوديًّا صاح ًيا ،مسترشفًا من رشفة الجرح ،آفاق فج ٍر يض ّمد للخيل الكئيبة صهيلها؛ وصوف ًّيا قلقًا يطرح األسئلة الكربى ،فتدلف إليه أجوبتها و ْج ًدا يُ َح ّيّل مرارة ال ّدمع. هذا « ال ُع َمر» ِسج ٌِّل لصدق الشِّ عر وعذوبته؛ ومعه نقول :أعذب الشِّ عر أصدقه .حياته كانت القصيدة األجمل لكل ذي ذائقة أن يطوف يف محرابها .بينه وبني شعره وشائج قرىب وصالت رحم ،وسالم وطأمنينة التي ينبغي ّ وحسن جوار. يشهد جبينه أن العرق تص ّبب منه يف الح ّر والقّر؛ لك ّننا نشهد أنّه مل يجعلنا نش ّم رائحة عرقه ،بل أسبغ علينا كل ضوع. ضوع شعر يعنو لجامله ّ هذا « ال ُع َمر» ما أجمله!...هل سمعتم قبله عن سجني سجن س ّجانه؟... هل سمعتم قبله عن زنزانة ضاق بها املدى؟ هل؟ وهل؟ وهل ...عمر شبيل ّفاّلح من ريفي الجميل ،حرث بروحه حقول الحلم ،وعر ّيب من وطني العر ّيب ،مل يقنط من وظل يراهن_ بثقة ويقني_ عىل أ ّمة ال متوت. ِخذالن األنظمة ،ومن تقاعس الهممّ ،
لعل شعرعمر شبيل يف تف ّرد تكوينه ،يحايك املاء يف هذا التّف ّرد؛ فكام أ ّن املاء يتك ّون من عنرصي أيّها الحفل الكريم ّ األوكسيجني والهيدروجني ،وصفاته مغايرة متا ًما لصفات مك ّونيْه؛ كذلك شعر عمر ،فهو املثقّف الطُّلّعة الذي كل التّخوم التي مزياًل ّ الساطعةً ، استطاع بإبداعه أن يتمثّل يف شعره ثقافته الشّ اسعة ،وأوجاعه امل ّربحة ،وآماله ّ تحول دون ذوبان هذه العنارص ،عىل تن ّوعها ،يف مياه القصيدة ،مبقيًا عىل شعريّة ال ّن ّص زاهية ،بعي ًدا من الخطاب ّية الجوفاء ،أو اإلبهام املغلق ،محتفظًا بغنائ ّية يفتقد إليها الكثريون من أهل الحداثة الذين بتنا معهم ،ال مرتجاًم .هذا»ال ُع َمر»... نف ّرق بني شعر كتب بالعربيّة يف األصل ،وآخر نقل ً وأنت وح َدك ما أجمله ،وهو يتص ّدر املظاهرات ،يهتف خلفه املتظاهرون بقولهّ : رساقون يا وطني َ كل ال ّنواطري ّ تدري كيف تنتق ُم هذا» ال ُع َمر» ما أجمله ،وهو ينادي رمز العروبة ،جامل عبد ال ّنارص ،بقوله :لو تفتدى برشاييني عاّلته ،الجس َد هذا»ال ُع َمر» ما أجمله ،وهويرى إىل املعلّم الشّ هيد كامل جنبالط ،ثائ ًرا، وأورديت ولو يعار ،عىل ّ وشاع ًرا رائيًا ،ومتص ّوفًا يف شعره وسلوكه .هذا « ال ُع َمر» ما أجمله ،وهو يق ّدم لنا اآلن أطايب شعره! املنرب لك ،يا فارس املنرب!
الصورة الثانية .... Perspectiveبقلم الفحم .....
فن الصورة األوىل الفنانة التشكيل ّية حنان بو حسن
علمني أستاذي بأن لكل مشهد وطريق هناك نقطة بداية ،وأن لو تاه مني خيط ضللت الطريق وتهت يف املشهد كأحجية ومتاهة ،ال عودة منها.
علمني بأن التوازن مبدأ وأن أبايل بأدق وأصغر التفاصيل .علمني بأن فوىض الحواس يرهقني وبإرصار يعيد ترتيب الخطوط ،يذهلني ،أرى املشهد كامل التأليف بكل أبعاده بعمقه ببعده بتوازن تام حتى أيقنت بأن ترتيب كل خطوة من نقطة بداية ترى نهايتها متسك كل الخطوط بيدك وتحرك املشاهد بإبداع كقائد فرقة ،كعازف عىل أوتار الحياة فألف شكر وتحية ملرشدي بإرصاره عىل أن ال أتوه بأحجية املتاهات املبهمة .رسمي ثاليث األبعاد بقلم الفحم ....إهداء إىل دكتوري الجامعي ومثايل األعىل الدكتور عيل ديراين
الصورة الثالثة .... Perspectiveأقالم التلوين الخشب ...
قلِ :مساحة وال تقلَ :مساحة ووزن ِفعالة يدل عىل اسم املهنة ِصناعة زِراعة نِجارة ِعطارة ِحدادة ال ِبزازة أ ّما وزن فُعالة بضم الفاء فيدل عىل بقية اليشء نقول :نُخالة ملا يبقى من الطحني ُمُثالة ملا يبقى يف قعر الكأس ُجذاذة مايبقى بعد القطع ومثلها بُرادة وقُاممة ****** قل :تكلّم عىل مختلِف الشؤون وال تقل :مختلَف الشؤون بفتح الالم//.
الصواب اللغوي صوابية اللغة قل وال تقل قسم التحرير قل :تق ُّدم ُمطَّرِد ،وتعليم ُمختلِط ،وجندي مرتزِق ،ويشء مزد ِوج ْ وال يقالُ :مطَّ َرد وال ُمختلَط وال مرت َزق وال مزد َوج وذلك أل ّن هذه األسامء مشتقة من أفعال مبنية للمعلوم ،الزمة غري متعدية .نقول :اطَّر َد التقد ُم يطَّرد فهو ُمطَّرِد واختلط التعليم يختلط فهو ُمختلِط وارتزاق الجندي يرتزق فهو ُمرتزِق ونقول :تق ُّد ٌم ُمطَّرِد بتشديد الطاء وال نقولُ :مضطرِد بالضاد. ****** قل :استأجرت دارا ً ألسكنها فأنا ُمستأجِر وال يقال :أنا ُمؤ َّجر وال ّمؤ َّجرها فصاحب الدار ُمؤ ِّجر وأنا ُمستأجِر ****** قل :هذا األمر بديهي وال تقل :بدهي العرب مل تحذف الياء من امثاله إال إذا كانت من األعالم كقبيلة ثقيف ثقفي وقريش قريش وبجيل بجيل ******
زاوية اللغة األدوات ومعانيها أيّ /أيْ أرسة التحرير بتشديد الياء :تأيت: أفعل تفعل ْ أي يش ٍء ْ 1ــ اسم رشط جازمَّ : أي الرشطية حسب الجملة التي تليها. أي :اسم رشط جازم مفعول به للفعل تفعل ،ويختلف إعراب ّ َّ تفعل :فعل مضارع مجزوم ألنه فعل الرشط. ْ أفعل :فعل مضارع مجزوم ألنه جواب الرشط. ْ ويف اآلية الكرمية« :أيّاً ما تدعوا فله األسامء الحسنى» فله األسامء الحسنى :الفاء رابطة لجواب الرشط ،والجملة يف محل جزم جواب الرشط الرتباطها بالفاء. الحزبنْي أحىص ملا لبثوا أمدا». «أي أي االستفهامية :كام يف اآلية الكرميةُّ : 2ــ ُّ ْ أي :اسم استفهام ،مبتدأ مرفوع ُّ أي ٍ فارس .وإعرابها هنا صفة للنكرة «فارس». فارس ُّ 3ــ أن تكون دالّة عىل معنى الكامل ،كقولنا :إنه ٌ ****** أي ْ فتح األلف وسكون الياء تأيت: رب ارحمني .وتضاف إليها األلف أحياناً ،كقول أيب فراس الحمداين: أ ــ حرف نداء ،مثلْ : أي ِّ ناحت بقريب حامم ٌة أقول وقد ْ
أيا جارتا لو تعلمني بحايل
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا
تعا ْيل أقاس ْم ِك الهمو َم تعايل
ومنها قول الحطيئة: ضيف وال ِقرى وقال أيا ربّا ُه ٌ
بحقِّك ال تحر ْمه تا الليل َة اللحام
أي َذ َهب ب ــ حرف تفسري ،مثل :عندي عسجد ْ ******