Special Edition
طائرالفينيق
خريف2022/ 2022 العدد السابع عرش /خريف/
Phoenix Bird Fall Issue 17
رئيفة مح ّمد ال ّرزّوق :أدب األطفال
والدة االنتامء الشاعر الكبري الراحل الدكتور :محمد عيل شمس الدين نظرة جديدة للعامل 2022/11/9-1942 د.حسن فرحات د .مرياي أبو حمدان مفاتيح قلبي هجرة املوت د.هويدا رشيف هدى غازي ربيع األماين لوحات فن ّية: عيل مويسات الجزائري حنان بو حبيب مالك اإلنس ُ القصب ناي ْ الجنوب حامد خضري الشمري إنّ الجهات كلّها د.جامل زعيتري همسة للوطن وها هو الجنوب يا محمد يفتح ناجية فتح الله الستقبالك القلوب الصدفة دروز بلغراد لربيع جابر بني ّ جرح ٌ يف الشعر:إىل روح الشاعر والقصد :أ.د.دريّة كامل فرحات الكبري :محمد عيل شمس الدين الصويت بني صويت الواو والياء التناوب ّ عمر شبيل الدال ّيل يف القران الكريم والتاميز ّ عيل إسامعيل عبد الله مدينة صور ...سيدة البحار:مقوماتها السياح ّية سبيل لتطورها ونهوضها االقتصادي :د .منى محمد يونس
جميع الحقوق محفوظة
All rights reserved.2022. No reproduction, copying or passing without expressed consent from the founder of magazine. For permission or writing opportunities please contact: beautyarabiamagazine@gmail.com
تخصهم وحدهم ال غري. اآلراء واألفكار املطروحة يف صفحات املجلة من قبل الك ّتاب ُّ
مجلة الفينيق
مجلة الفينيق هي مجلة جامعة ت ُع َنى باإلنسان وبالقضايا الفكرية العليا التي تنهض باإلنسان وتحاول أن تسهم يف رفع مستوى املجتمع اإلنساين لنعمل معاً ومع الوسائل الثقافية األخرى لنرش الحب والسالم والتعاون بني كل الطبقات اإلنسانية لتعيش بحب وتصالح ووئام وتعمل مجلة الفينيق بواسطة كتَابها املتنورين ان تحارب الجهل ألن الجهل هو صانع الرشور وجميع املآيس اإلنسانية وتدرك مجلة الفينيق عرب املواد الفكرية التي تطرحها أن إصالح املجتمع اإلنساين لن يت َّم ويُن َجز ّإاّل بالثقافة امللتزمة بتوعية اإلنسان وتبيان املنزلقات التي يوصلنا الجهل إليها وحده العقل املتن ِّور بالوعي والثقافة واملعرفة اإلنسانية هو الرساج الذي ينري لنا املسالك الصحيحة ويقودنا لسلوك الطريق الصحيح للوصول إىل ما فيه خري البرشية كلها .ال ب ّد من اتخاذ العقل سالحاً ملواجهة الصعاب التي تعيق منو القدرة اإلنسانية الفاعلة واملتجهة إىل الرقي وانتصار الخري وردع الرشور ومبقدار ما تهت ُّم مجلة الفينيق بالعقل ودوره الف ّعال يف تنمية إنسانية اإلنسان فإنها تهتم بدور الروح يف السم ّو باإلنسان وتجربته العقلية وتنقيته من كل ما يعكّر مجرى مسريته .إن الروح هي بقية الله فينا وهي الضوء الذي يرافق العقل يف مسريت ُه والروح هي التي تقول لنا جميعاً وبالتساوي" :كلّكم آلدم وآدم من تراب" ومجلة الفينيق تسري يف توجهاتها دامئاً بهذا املنحى الذي يوحد بني الفكر والسلوك ،إذ ال قيمة للفكر الذي ال يتح َّول سلوكاً ويف اعتقادنا دامئاً أ ّن "خري الناس من نفع الناس" ،و"الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إىل الله أنفعهم لعياله" ،وال تفاضل بني الناس ّإاّل بالعمل الذي يساعد تشق طريقها بتصميم وعدم تراجع ألنها تؤمن بأنها اإلنسان عىل التقدم .بالروح والعقل معاً استطاعت مجلة الفينيق أن َّ ُو ِجدتْ لهذه الرسالة اإلنسانية املثىل بهذا التوجه استطاعت مجلة الفينيق أن تجمع فيها عقوالً ِّنرِّية أدباء ومفكرين وشعراء .وجميعهم ملتزمون بنجاح رسالة هذه املجلة الغراء .ومن آفاق مجلة الفينيق أنها استطاعت أن تقيم ِص ٍ الت بني الرشق والغرب النها تعتقد أن العقل والروح ال يتقيّدان مبكان دون آخر يف هذا الوجود.إنها تصدر يف مكان بعيد خلف البحار ولكن فكرها يجتاز املحيطات ليصل إىل كل ذي عقل منفتح يؤمن بأن جنسية الفكر إنسانية وليست حرصية يف مكان دون آخر تظل رائدة يف خدمة اإلنسان الذي ك ّرمه الله بالعقل والروح وجعله سيد املخلوقات جميعاً نأمل أن ّ
طائر الفينيق
مجلة أدب ّية ،فكريّة ،متنوعة ،فصلية تصدر يف مدينة نيويورك بالواليات األمريك ّية املتحدة Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat, MD Senior Arts Director: Assad Kamran
الهيئة اإلدارية
رئيس التحرير د .حسن فرحات مريم حوتية :مراسلة وسفرية املجلة يف املغرب العريب التدقيق اللغوي :د.سامي ال ّرتاس -د.فاطمة الب ّزال -أ.عمر شبيل النقد األديب :د.هويدا رشيف -د .مرياي حمدان -أ .سليمة مليزيأ .مروان درويش -أ .منال رشف الدين الشعر :أ .رانية مرعي -أ.حامد الشمري -ـأ.عيل املويسات الجزائري التغذية :األخصائية مرينا شمس الدين الفن :الفنانةالتشكيل ّية حنان بو حسن الجامل :الكاتبة مريم حوتية
افتتاح ّية 9-7 والدة االنتامء
املحتويات أدب 80--9 80
د .حسن فرحات
قراءات
87--82 87
دفاتر عيل نارص ..عدن من القبل ّية إىل اإلشرتاك ّية أ .أغنار عواضة
الكتابة وصورتها البالغ ّية يف نهج البالغة د .هويدا رشيف الصدفة والقصد دروز بلغراد لربيع جابر بني ّ أ.د .دريّة كامل فرحات
املثقف والسلطان عمر شبيل
اقرتاحات أنيس فريحة يف تحديث اللّغة العرب ّية وتعليمها د .سلمى عطا اللّه
الكائن القلق فاطمة عيل سليامن
الصويت بني صويت الواو والباء والتاميز الدّال ّيل يف القرآن الكريم التناوب ّ عيل إسامعيل عبد الله السيايس املراوغ واملوظف املسحوق د .طالل الورداين
هجرة املوت هدى غازي
نظرة جديدة للعامل د .مرياي احمد ابو حمدان
الحب قوام النزعة اإلنسان ّية يف شعر األرس عند عمر شبيل ّ د .سامي الرتّاس
قصص اطفال 99--89 99 أدب األطفال أ .رئيفة مح ّمد الّرزّوق
مناجا ُة أنثى د .هويدا رشيف
سياحة 161--138 161 مدينة صور اللبنان ّية … سيدة البحار :مقوماتها السياحية سبيل لتطورها ونهوضها االقتصادي د .منى محمد يونس
الهيئة الثقاف ّية يف هذا العدد
د.حسن فرحات أ .عمر شبيل أ.د .دريّة فرحات د .هويدا رشيف د .مرياي أبو حمدان د .طالل الورداين د .سلمى عطاالله د.جامل زعيرت د.منى محمد يونس د.سامي ال ّرتاس أ.حامد خضري الشمري أ.أغنارعواضة أ.رانية مرعي أ.حنان بو حسن
أ .نهى املوسوي أ.سناء الحاموش أ.زينة الجوهري أ .هدى غازي أ.مصطفى بورتاتة أ .نهاد طاطاريان حبيب أ.فاطمة عيل سليامن أ.فواز الحمفيش أ.حامد معيوف حميد أ.ناجية فتح الله أ .عيل إسامعيل عبد الله أ.رئيفة محمد ال ّرزّوق
افتتاحية
والدة االنتماء رئيس التحرير/د .حسن فرحات متأماًل بنظراته الثاقبةملا ً هناك يف دار الحبايب ،يقف هذا الشبل الياروين ، يخبئ له القدر وخلفه شجر الزيتون الذي غُرس يوما ليك يحفظ تاريخ االنتامء .وأمامه بيت جده الذي بُني بعرق جبني الشباب ،علّه يوما ما يعرف كيف يحافظ عىل ثقافة االنتامء وعىل أحجار هذا البيت الّتي تنطق باسم غائبيها.
ياولدي
مهام كانت الظروف قاسية ال تنحنِ للقدر ...وال تخش الصعاب وال تأكل من مثار ٍ أرض ال تنتمي لها .فاالنتامء يا
ولدي مكلف جدا ً .ألنّه يجعل ذاكرتك ال متوت وعىل متاس مع النسيان .إياك أن تفقد توازنك إن رأيت أهل الحق الحق يا ولدي ال ت ُدرك بهذه السهولة. سلكوا طريقاً مجتزا ً غري طريقك أل ّن بصرية ِّ
يا ولدي املرء ميوت حني يعيش رغدا ً ويحيا عندما يعيش يف عرسفهذه هي املعادلة الصعبة الّتي ال يقبلها املرء بهذه السهولة ،ألنّه بطبيعته يناقض نفسه عندما يجدها محارصة مبرارة العيش ،فيق ِّرر االنتفاض عىل واقعه ،فيقع يف حبال اإلفراط باألحالم ،فيأتيه املوت دون إنذار ،باعثاً برسالة لكل مرت ِّدد بخياراته املتقلبة .الّتي تتجاذبها األقدار البرشيّة السبّاقة لقطف مثار االستثامر املزمن عىل مدى أزمنة من الجهل املطبق عىل العباد.
أقالم واعدة 169--167 169
فن 166--165 166
حامل الرسالة أ.مالك حسن عكاش
شعر 135--101 135
لوحات فن ّية أ.حنان بو حسن
هبة السامء أ.فاطمة حمزة مرتىض
مفاتيح قلبي د .هويدا رشيف
جرح يف الشعر ُ
أبحث عن يدي ألضمني أ.نهى املوسوي
أ.عمر شبيل
ناي القصب د .جامل زعيرت
مالك اإلنس ُ أ.حامد الشمري
عودت قلبي أ.حامد معيوف حميد
همسة وطن أ.ناجية فتح الله اليوم أعلن أ .سناء الحاموش
الجسد وعاء الروح أ.نهاد طاطاريان حبيب
اشتياق أ .زينة الجوهري
الصواب اللغوي 172 قل وال تقل أرسة التحرير
عندما أ.رانية مرعي همس التائبني ُ أ.مصطفى بورتاتة املسافات ُ غدا تُطوى أ .فواز الحمفيش
ربيع األماين أ.عيل املويسات الجزائري
بطلة من بالدي أس ُمها أنس د .حسن فرحات
زاوية اللغة 172 األدوات معانيها وإعرابها: حرف الباء أرسة التحرير
يا ولدي كل هذه السنني الّتي مضت مل يكن والدك يوماً منشغالً بنفسه فقط بل كان يحمل جباال من الهموم الّتي لوالها ُّ ملا وجدته اليوم واقفاً عىل ٍ أرض صلبة ال تهتز قدميه أبدا ً. النّه ٌ مدرك لعاقبة االموروأنّه يسري بحذ ٍر يك ال يقع يف حبال هذه الحياة التي تبدو جميلة مبظاهرها الخالّبة ، وهي يف الحقيقة خادعة لذوي العقول الّتي تنجرف بسهولة نحومنحدرات ال تشبهنا أبدا ً وتجعلنا نعيش الهامش الحق تلك البقعة الجغرافيّة الغاليّة علينا منها وتفقدنا صوابيّة خياراتنا التي طاملا التزمنا بها مذ أن وطأت أقدام ِّ أرض التي احتضنت أع َّز الناس عىل قلبي جدتك التي مل يكن الدعاء لوالدك يفارق شفتيها ..فهي جميعاً.تلك ٌ كانت تحيا عندما كانت تسمعل خربا مفرحا عنه قادماً من خلف بحار الجفاف والجفاء ،وكانت تحزن عند انقطاع أخباره ،حتى أتاها املوت فجأة ،فرحلت عىل عجلٍ تاركة خلفها وجع السنني والهجر.
يا ولدي هذه هي أحوالنا وهذا هو القاسم املشرتك مع عموم أبناء ضيعتنا وبيئتنا .فاملوت يا ولدي يالحقنا كل يوم ويقضم يوما بعد يوم ذكرياتنا الجميلة فال تعجب من ترصفاته ألنّه ال يختلف كثريا عن الذين يتقمصون أدوار غريهم ..أنا يا ولدي حاولت أن أحفظها قدر املستطاع ولك ّن الظروف حالت دونها.
يا ولدي هناك فرق شاسع بني األمنيات وبني واقع ّية الحياة.أنا ال أطلب املستحيل منك ،ولكن أطلب منك شيئا واحدا أال وهو العيش يف كنف الحقيقة والعقل ،وأن تكون متصالحاً مع نفسك ،متمسكاً بثوابت الروح املالزمة للوالدة.
للحق فال تخذلْه!. يا ولدي كال ُم الروحِ دامئاً مالز ٌم ِّ
يا ولدي ال تقل يوماً إنّك كنت مقيدا ً ليك تنجزمهمة مق ّدسة ،فليس باألعذار تُبنى ثقافة الصمود والكرامة فكل والرفاهيّة والخلود.عليك أن متلك الجرأة عندما تج ُد نفسك محاطاً بالشكوك والغموض والفوىض الذهنيّةُّ ، أقل رضرا ً عىل بيئتك وعىل سمعتك وعىل والوطني .فكلفة املصارحة ُّ هذه العوامل تبعدك عن محيطك االجتامعي ِّ رسالتك االنسانيّة. فيكفي أن التاريخ سينصفك يوما ما عىل جرأة رمبا تفقدك مكانتك بني الجموع،ولكن لن تفقدك مكانتك يف كل نفس تسعى للبناء والحياة والتمسك باألرض النابضة بحب ناسها لها قلوب تعشق الرصاحة التي تحتاجها ُّ وبالرتاب املق ّدس الذي يحتوي عىل أغىل كنوز الكرامة والخلود
يا ولدي كل الطرق تكون مكتظة بهم ،وأنت ال تعرف أحدا ً منهم ، طريق تسلكه يكون خاليا من البرش ،بل ُّ ليس هناك ُ كل ٍ كل ٍ واحد تتجاهله أو مل تصادفه سيئ الطباع ،عليك أن واحد تصادفه طيّب الطباع وال ُّ حتى تعارشهم ،فليس ُّ تنصهر باملجتمع ومع مرور الوقت تستطيع التمييز بني الطيّب والخبيث ولكن كن حذرا ً من النوابا الخفيّة الّتي هي قد ُر علينا .فذلك شأن الله الذي دامئا يرافق الطيبني وال يخذلهم أبدا ً .فكن دامئاً عىل استعدا ٍد ليك تتق ّدم ع ّمن سواك ليك تنال رضاه.
أدب
الكناية وصورتها البالغ ّية في نهج البالغة
د .هويدا رشيف -1مفهوم الكناية: •لغ ًة :
جاء يف قاموس املحيط :كنى به عن كذا يكني ويكنو كناية :تكلم مبا يستدل به عليه ،أو أن تتكلم بيشء وأنت تريد غريه ،أو بلفظ يجاذبه جانبا حقيقة أو مجازا ً ،وزيدا أبا عمرو وبه كنية بالكرس والضم ،سامه به ،كأكناه وكناه .وأبو فالن كنيته وكنوته ويكرسان :هو كنيه أي كنيته ،كنيته ويكنى بالضم امرأة . وجاء يف معجم العني:كنى فالن ،يكنى عن كذا ،وعن اسم كذا إذا تكلم بغريه مام يستدل به عليه ،نحو يكنى بأيب عبدالله وغريهم يقول :يكنى بعبد الله ،وهذا غلط ،أال ترى أنك تقول :يسمى زيدا ً ويسمى بزيد ويكنى أبا عمرو ،ويكنى بأيب عمرو . •اصطالحاً: قد ورد مصطلح الكناية يف العديد من املؤلفات النقدية والبالغية واختلف مفهومها حسب رؤية النقاد والبالغني إذ عرفها كل واحد منهم حسب وجهة نظره نذكر من بينهم: عرف أبو هالل العسكري (ت395هـ) الكناية يف كتابه الصناعتني بقوله« :وهو أن يكنى عن اليشء ويعرض به وال يصح عىل حسب ما عملوا باللحن والتورية عن اليشء ،كام فعل العنربي إذا بعث إىل قومه نرصة شوك ورصة رمل وحنظلة يريد جاءتكم بنو حنظلة يف عدد كبري ككرثة الرمل والشوك ،ويف كتاب الله .أو جاء أحد منكم من الغائط أو المستم النساء .فالغائط كناية عن الحاجة ومالمسة _______________________ .1مادة ،كنى ،الفريوز أبادي ،القاموس املحيط ،دار الكتب العلمية بريوت ،لبنان ،ج ،4ط ،ص.349 .2الخليل بن أحمد الفراهيدي ،كتاب العني ،تر عبد الحميد هنداوي ،منشورات محمد عيل بيضون ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان ،ج ،4ط ،1،2003ص.54 .3أبو الهالل العسكري ،كتاب الصناعتني ،ص.369 .4سورة املائدة ،األية .6
والكناية عنده ليست مجاز إذ يقول« :واعلم أن الكناية ليست من املجاز ألنك تعترب يف ألفاظ الكناية ومعانيها األصلية وتفيد مبعناها معنى ثانياً هو املقصود ،فتزيد بقولك :كثري الرماد حقيقته وتجعل دليالً عىل كونه جوادا ً، فالكناية ذكرا ً الرديف وإرادة املردوف . وفرق النويري بني الكناية والتعريض إذ يقول :أما التعريض فهو تضمني الكالم داللة ليس لها ذكر ،لقولك ما أصبح البخل ملن تعرض لبخله وكقول محمد بن عبد الله بن الحسن ثم يعرف يف أمهات األوالد يعرض باملنصور بأنه من أمه وأمثال ذلك . كذلك القزويني (739هـ) عرف الكناية يف كتابه وجوه التخليص يف علوم البالغة بقوله :الكناية لفظ أريد به الزم معناه مع جواز إرادته معه ،فظهر أنها تخالف املجاز من جهة إرادة املعنى مع إرادته الزمه ،وفرق بأن اإلنتقال فيها من الالزم ،وفيه امللزوم ورد بأن الالزم ما مل يكن ملزوماً مل ينتقل منه وحينئذ يكون اإلنتقال من امللزوم» . من خالل هذه التعاريف للكناية نستنتج أن هناك من يعرف بني الكناية واملجاز كالنويري وهناك من يعترب أن الكناية واملجاز لهام نفس املعنى كعبد القادر الجرجاين». -2
أقسام الكناية:
الكناية ثالثة أقسام هي: )1
كناية عن صفة:
وهي التي تطلب بها ذات الصفة املعنوية كاإلقدام والجامل والرتحال والحكم ...هذا النوع يذكر املوصوف ويقصد الصفة التي تنترش وراءه معيار كناية الصفة أن يذكر املوصوف وليس هو املقصود وال يذكر الصفة أن يذكر ألفاظ صفات أخرى انتقل منها املراد . مثال :يقول «ذو الرمة».
_______________________ .12م .ن ،ص .53 .13م.ن ،ص .ن. .14القزويني،التلخيص يف علوم البالغة ،عبد الرحمن الربقوين ،دار الفكر العريب ،بريوت ،لبنان ،ط ،1،1904ص.338 -337 .15فواز فتح الله الراميني ،الباسم الشايف يف علوم البالغة ،دار الكتاب الجامعي ،العني ،االمارات العربية املتحدة ،ط /2009 ،1ص.107 – 106
النساء كناية عن النساء .كذلك عبد القاهر الجرجاين (ت 471هـ) عرف الكناية يف كتابه دالئل اإلعجاز بقوله: «أعلم أن الرضب اتساعاً وتفننا ال إىل غاية ،إال أنه عىل اتساعه يدور يف األمر األعم عىل شيئني( :الكناية واملجاز) ، واملراد بالكناية ها هنا «أن يريد املتكلم إثبات معنى من املعاين ،فال يذكره باللفظ املوضوع له يف اللغة ،ولكن يجيء إىل معنى هو تاليه ردفه يف الوجود ،فيوميء به إليه ويجعله دليالً عليه ،مثال ذلك قولهم« :هو طويل النجارة ،يريدون طويل القامة «وكثري رماد القدر يعنون كثري القرى ويف املرأة نؤوم الضحى» ،واملراد أنها قرفة مخدومة لها من يكنيها أمرها فقد أرادوا يف هذا كله ،كام ترى ،معنى ،ثم مل يذكروه بلفظة الخاص به ،ولكنهم توصلوا إليه بذكر معنى آخر من شأنه أن يردفه يف الوجود ،وأن يكون إذا كان أفال ترى إن القامة إذا طالب النجاد؟ وإذا كرث القرى كثريا ً رماد القدر؟ وإذا كانت ملرأة مرتفة لها من يكفيها أمرها ،ردف ذلك أن تنام إىل الضحى؟ . كذلك ابن األثري ( 737هـ) كذلك عرف الكناية يف كتابه (املثل السائرة يف الجزء الثالث بقوله« :واعلم أن الكناية مشتقة من السرت ،يقال كنيت اليشء إذا سرتته ،وأجري هذا الحكم يف األلفاظ التي تسرت فيها املجاز الحقيقة فتكون دالة عىل الساتر وعىل املستور معا لقوله تعاىل ﴿أوالمستم النساء﴾ .فإنه إذا حمل عىل الجامع فإن كتابه ألنه سرت الجامع بلفظ اللمس ،وإن حمل عىل املالمسة ومل يكن كناية ،وكالهام يتم به املعنى . يحل كتابه نهاية اإلرب يف فنون األدب» من تعريف الكناية إذا عرفها بقوله أن يريد وأيضاً النويري ( 733هـ) مل ّ املتكلم إثبات معنى من املعاين ال يذكره باللفظ املوضوع له يف اللغة ،ولكن يجيءإىل معنى هو تاليه وردفه يف الوجود فيوميء به إليه ويجعله دليالً عليه مثال قولهم طويل النجاد وكثري رماد القدر ،يعنون به أنه طويل القامة كثري القدر . _______________________ .5م.ن .ص368 .6عبد القادر الجرجاين ،دالئل اإلعجاز ،محمود محمد شاكر ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،مرص ،د ط ،دت ،ص66 .7م.ن .ص.ن. .8ابن األثري ،املثل السائر يف أدب الكاتب والشاعر ،أحمد الخوقي ،بدوي طبانه ،دار نهضة مرص للطبع والنرشة ،الفجالةا لقاهرة ،د.ط ،.د.ت .ص 53 .9سورة املائدة ،األية 6 .10ابن األثري املصدر نفسه ،ص .53 .11التنويري ،نهاية اإلرب يف فنون األدب ،عيل بو ملحم ،منشورات محمد عيل بيضون ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،لبنان ،ج ،7د.ط ،.د .ت ،ص.52
-3دور الكناية ال ّداليل يف نهج البالغة: •متهيد: يقوم هذا البحث عىل نقطتني أساسيتني :األوىل محاولة نظرية لتقديم فهم مح ّدد للكناية ولوظيفتها يف إنتاج أدبية األدب ،والثانية محاولة إجرائ ّية لقراءة الكناية يف «نهج البالغة» وإبراز جاملياتها .وذلك يف ضوء ما سنحصله من فهم نظري. ّ •مفهوم الكناية ووظيفتها نظرياً: يتدرج هذا املبحث من مفهوم األدبية وصوالً إىل مفهوم الكناية ووظيفتها: )1األدب ما ّد ًة مخ َرتقة: كانت قراءة العامل أو (اكتشافة) ،وما زالت املثري املح ّرك الذي يدفع االنسان إىل التفكري .ولقد توزّعت عمل ّية التفكري هذه عىل مجموعة من الحقول ُو ِصفت بأنها حقول معرف ّية ،ملا تشكله املعرفة من ه ّم محوري فيها.
فعلم االجتامع آل ّية معرف ّية ما ّدتها املجتمع ،وعلم النفس مادته النفس البرشية ،وقل األمر نفسه بالنسبة إىل كل علم من العلوم االنسانية يرى أن له السلطة املعرف ّية ،واليد العليا مختلف العلوم التي انتجها اإلنسان .وكان ّ ولعل املستض َعف األ ّول الذي أي حقل آخر يستضعفهّ . يف التعامل مع الحقول املعرف ّية املختلفة ،يحاول اخرتاق ّ امت ّدت معظم أيادي العلوم إليه ،ورأت فيه حقالً معرفياً ملحقاً بها هو (األدب) .استتبعه التاريخ إىل دائرته ،ورأى فيه نتاج حياة الكاتب من جهة ،ونتاج املرحلة التاريخ ّية التي تف ّيأ تحت ظاللها من جهة ثانية ،فهام بالنسبة إليه الفاعالن القويان يف إنتاج الخطاب األديب .ورأى علم النفس أن األدب بعض من أحالم اليقظة التي ال يستطيع فك رموزها سواه .وآمن علم االجتامع إمياناً شديدا ً بأ ّن املجتمع هو السلطة املك ّونة لألدب. وهذا ما يس ّو غ له استتباع النشاط األديب إىل دائرة اهتامماته املعرفية ،وما كان يخطر ببال أية فلسفة من الفلسفات التي عرفها اإلنسان أن األدب مستقل عن سلطتها .وما كان لألدب ،بالنسبة إليها ،أن يُقرأ قراءة مجدية من خارج املالمح التي تراها فيه هذه الفلسفة أو تلك.
والقرط يف حرة الذمري معلقة تباعد الحبل منها فهو يضطرب كناية عن طول الجيد (العنق /الرقبة) حيث تباعد حبل العنق من القرط ألنها طويلة العنق. )2كناية عن موصوف: وهي الكناية التي يطلب املوصوف بها نفسه ،ورشطها أن تكون الكناية مختصبة باملكنى عنه ال تتعداه ،وذلك ليك يحصل اإلنتقاملنها إليه. مثال :قتلت ملك الغابة ،كناية عن األسد . )3كناية عن نسبة: وهي كناية ترصح بالصفة واملوصوف ،وال يرصح بالنسبة التي بينها ولكن يذكر نسبه أخرى تدل عليها كقوله تعاىل ﴿وملن خاب مقام ربه جنتان﴾ فأثبت الخوف للمقام وهو املوقف الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة وأراد بذلك الخوف من الله سبحانه وتعاىل ،ترك املعايص ،ويراد هيمنة ربه عليه .ومراقبته له ،وعلمه مبا يرسه وما يخفيه ،فيتجنب املعصية ويبتعد عن اقرتاف اإلثم .
عنوان عام من جهة أخرى ،من التعبري عن الخصوص ّيات التي ال حرص لها .فال تستطيع هذه املفردات يف حدود االسناد الوضعي العادي أن تنقل إلينا األبعاد غري املتناهية التي تقع داخل القرشة التي التقطتها اللغة من العامل. نعرّب وال بد للغة ،أية لغة ،من أن تبتكر الوسائل التي تع ّوض مثل هذا القصور الذي تتصف به ،فال ميكننا أن ّ بكلمة (فرح) عن جميع أنواع الفرح التي ندركها ،وال عن مختلف درجاتها .وقل األمر نفسه بالنسبة إىل (البغضاء)( ،املح ّبة)( ،الحقد) و (األنفة) وغريهم . ويأيت (التّشبيه) و (اإلستعارة) ليشكال تقنيتني فاعلتني يف عملية تعويض قصور اللغة يف حالها الوضعية ،وإن مل يكونا التقن ّيتني الوحيدتني .وهذا ما يثري يف وجهنا سؤاالً مبدئ ّياً هو :أين تقع (الكناية) عىل الساحة التعويض ّية التي ابتُكرت يف مواجهة قصور اللغة وفق مستواها املعجمي الوضعي؟ )4
وظيفة الكناية الداللية وسلطتها عىل سائر التقنيات:
إن الكناية املشهورة يف البالغة العربيّة واملرتبطة بالفروسيّة (طويل نجاد السيف) ،ال تنفي ،كام نعرف ،الداللة
املبارشة يف أن هذا الفارس ذو نجاد ٍ سيف طويل قياساً عىل نجاد سيف فارس آخر ،ولكنها ال تقترص عىل هذه الداللة .وهذا ما يذكّرنا بــ (أسطوريّة) بارت ،ويضع أمامنا فكرة (اللغة املرسوقة) التي ارتكزت إليها تلك االسطوريّة .وإذا كانت (أسطوريّة) بارت وظيف ّية إغوائ ّية تلجأ إليها طبقة اجتامع ّية مست ِغلّة؛ لتضليل طبقة
اجتامعيّة أخرى (مستَ َغلّة)( ،فتغسل دماغها) من أجل استمرار سيطرتها واستغاللها ،فان (الكناية) العربية ،كانت عمق يف جانب من جوانب العامل املرجعي. وظيف ّية كشف ّية تخدم رؤية األديب يف تقديم ما نفذت إليه من ٍ وندخل هنا باباً ّ أدق ،وذلك عرب السؤال اآليت :إذا كان (املجاز) تشبيهاً أو استعارة ميثّل قراءة خصوصيّة مح ّددة، عمقا نفذت إليه الرؤية ،فام الذي متثله الكناية يف قراءتها؟ تتطلب اإلجابة وقفة عند منوذجني أحدهام تشبيه واآلخر استعارة.
_______________________ .18عيل زيتون ،أدبية الخطابة اإلسالمية ،ص 74ــ .76 .19م.ن ،ص 73ــ .137
)2حركة األبوياز واألدبية: ظل مرحلة الحداثة الغرب ّية لتواجه هذا التد ّخل وذلك االخرتاق الذي تقوم به تلك العلوم، جاءت هذه الحركة يف ّ معلنة وجود (علم أدب) يقف إىل جانب تلك العلوم ،من دون أية مركبات نقص ،ويحول دون تدخلها يف حقله علمي جديد املعر ّيف (األدب) .وكان أ ّول ما قامت به عىل طريق تخليص األدب من ذلك التد ّخل هو تقديم فهم ّ الخاص للامدة (املضمون) التي ميكن أن لثنائ ّية (الشكل/املضمون) قوامه أ ّن األجراء (الشكل) ليس سوى التشكيل ّ تخضع للعديد من االجراءات املختلفة ،وال ميكن فصل أحد طريف هذه الثنائية عن االخر ،فهام وجهان لحقيقة واحدة غري قابلة للتجزيء .أ ّما الثورة الثانية التي اجرتحتها هذه الحركة يف دفاعها عن األدب ،فهي مقولة (أدب ّية ألي خطاب أديب هو (األدب ّية) عينها التي تشكل حقل األدب) املرتكزة إىل أن األدب ف ّن لغوي .والنسيج اللغوي ّ اشتغال (علم األدب). ويدفعنا موقف حركة االبوياز إىل أن نرى أ ّن األدب حقل ذو خصوص ّية تشكّل ما ّدة الكتشافات (علم األدب) ،متاماً كام أن لكل حقل معر ّيف آخر علمه الخاص .وعلم األدب ،بناء عىل ذلك ،رشيك تلك العلوم يف عملية اكتشاف حق حضانته. العامل املرجعي ،وليس قارصا ً لي ّدعي هذا العلم أو ذاك ّ )3الكناية وموقعها من تقنيات األدب ّية األخرى: الحق أن يدخل (علم األدب) ،وان يفكّر من داخله ،ومن خالل آل ّيات وما دام األمر ،كام رأينا ،فان للباحث ّ اشتغاله .وتأيت ثنائ ّية (النرث/الشعر) لتطرح علينا أسئلتها. البدهي ولعل السؤال األ ّول الذي يفرض نفسه هو :هل من حدود صلبة قامئة بني طريف هذه الثنائ ّية؟ والجواب ّ ّ هو ان الحدود مفتوحة باالتجاهني ويف معظم املواقع .ذلك أن مصطلح األدب ّية يض ّم بني جناحيه فن ّية النرث مثلام لكل يشء من أشياء العامل يض ّم فن ّية الشعر .ويدخلنا هذا األمر مدخل اللغة .أوجدت اللغ ُة (كلم ًة) عالم ًة ّ املرجعي املعروفة ،محسوساً كان ذلك اليشء أم مج ّردا ً. ويعني ذلك أن مفردات أية لغة محدودة العدد ،تبعاً ملحدوديّة أشياء العامل املعروفة ،ولن متكّنها محدوديتها من جهة ،واتصاف كل مفردة من مفرداتها بصفة العموم ّية التي تتخذ شكل
بشكل عام ،وإن كانت غري قادرة عىل أن تأخذ مداها التّعبريي لوال وجود استعارتني إىل ّ هو كناية واضحة مستقلة، والرّتكيب «بناها فأعىل» ال يهدف إىل تقديم جانبها هام« :القنا يقرع القنا» ،و«موج املنايا حوله متالطم»ّ . (فائدة الخرب) ،وإن كانت هذه الفائدة موضوعة يف الحسبان.اقرتض الشاعر هذا الرتكيب ّ الدال عىل عظمة الباين وعظمة البناء .ليصل إىل ما هو أبعد من ذلك .أدخلت االستعارتان سيف الدولة دائرة االسطورة .وإذا نحن أمام طبقات من معنى املعنى اجرتحتها الكنايات املرتاكمة .ومام يجدر ذكره ،يف هذا املقام ،أ ّن وصف بارت اللغة املؤسطرة بأنها (مرسوقة) هو وصف صحيح يف الثقافة السياسيّة الغربيّة؛ ألنها لغة مرسوقة فعالً .وذلك لغاية سياسية سلبيّة بعيدا ً من الرباءة التي يحاول املست ِغل إيهام املست َغل بها. أ ّما يف الخطاب األديب العريب ،فال يجوز استخدام مصطلح بارت؛ أل ّن الغاية من (الكناية) هي متكني الشاعر أو املرجعي. األديب من االمساك ،بوساطة اللغة ،بالعمق الذي نفذت إليه رؤية املتكلم يف جانب من جوانب العامل ّ ولعل املصطلح املناسب ،يف مثل هذه الحال ،هو (اللغة املقرتضة)؛ ألن االقرتاض قائم عىل عالقة واضحة بني طرفني حق املقرِض ويسمح للمقرتِض باإلفادة من املقرتَض .غايتها الوصول إىل ليس فيها افرتاء وال تدليس .وهو يحفظ ّ معنى املعنى الذي تح ّدث عنه الشيخ الجرجا ّين.
تح ّدث امرؤ القيس عن دموعه نتيجة رحيل اح ّبته ،فقال: كأيّن غدا ُة الب ِني ملّا تح ّملوا ّ
ِ الحي ناقف حنظل لدى سمرات ِّ
وإذا كان مستوى غزارة دموع الشاعر مسألة معرف ّية ال بد ـمن أن يلتقطها املتلقّي ،إالّ انها ليست الداللة الفعل ّية التي يقصدها امرؤ القيس .ما قصده هو اإلشارة إىل الحزن الكبري الذي تنطق به تلك الغزارة .ويعني ذلك أننا، بناء عىل لغة بارت ،أمام (لغة مرسوقة «مقرتضة») وظيف ّية محكومة ،هنا ،برباءة التوظيف بعيدا ً عن سوء النية مستقل عن الكناية التي هي لباب الشعريّة التي ّ التي أومأ اليها بارت .ويصل بنا هذا األمر إىل أن التشبيه غري يحملها التشبيه .فالغزارة لغة مقرتضة ت ُدخلها باب الكناية. ونجد األمر نفسه بالنسبة إىل االستعارة .فعجز بيت البحرتي: أتعس ُه الج ُّد بصاح ِب ِه والج ِّد َ
نفس ُه ذئب يح ِّدثُ َ كالنا بها ٌ والذي أُس ِند فيه الفعل(أتعس) إىل (الج ّد) فأدخل العبارة يف باب االستعارة التي اكسبت (الج ّد) هويّة فنيّة إنسان ّية اسبغت عليه طاقة تعبرييّة ال تق ّدمه (ج ّدا ً) يسء الطالع فقط ،ولكنها تضعنا أمام احتامل ّية مفتوحة ،فال كل من الشّ اعر والذّئب .أننا أمام نتائج مجهولة. الرّصاع القائم بني حظّي ّ أي ٍّ متلق أن يتنبّأ بنتيجة ّ ميكن ّ ويعني هذا أن اإلستعارة ما كان لها أن تبلغ مداها التّعبريي عن عمق الخوف الذي انتاب الشّ اعر لوال الكناية التي استدرجت اإلستعارة إىل مداها .ق ّدمت اإلستعارة النتائج مجهولة ،والنتائج املجهولة هي املا ّدة التي لتعرّب عن أمر آخر تحتمله ويقع عىل مسافة أبعد .نعني به حجم الخوف الذي متلّك البحرتي. اقرتضتها الكناية ّ وال يعني ذلك أنه ال توجد كناية مستقلة عن التقنيّات التّعبرييّة األخرى .فقول املتنبّي «بناها فأعىل» يف بيته: بناها فأعىل والقنا يق َر ُع القنا
ِ متالط ُم وموج املنايا حولَ ُه ُ
النبي(ص) «إزاحة للشبهات ،واحتجاجاً بالب ّينات ،وتحذيرا ً باآليات ،وتخويفاً ويقول يف مكان آخر :إ ّن الله قد أرسل َّ عاّم هو يقيني من إزاحة الشبهات، تعرّبان ّ باملتالث» .وإذا كانت وظيفتا النبي(ص) األوىل والثانية اللتان ّ واستخدام العقل احتجاجاً بالب ّينات ،فان الوظيفتني الثالثة والرابعة متثّالن وعياً إضاف ّياً بالعالم ّية ،كيف ال وهام تنطلقان إىل ما هو احتاميل .فالحذر والخوف غري قابلني للقياس مبقياس دقيق .هام حاالن نفسيّتان مفتوحتان كل احتامل .ويوصلنا هذا إىل أ ّن العالم ّية السيامئ ّية حارضة بق ّوة يف تفكري عيل(ع) وثقافته اإلسالم ّية ،وهذا عىل ّ يل (ع) قد فكيف اقرتض اللغة لقراءة ما أراد قراءته؟ ما يثري ،يف وجهنا ،سؤاالً منهجياً .إذا كان ع ّ )2الكناية املستقلّة: يل(ع) الل َه قائالً« :متو ّحد إذ ال سكن يستأنس به وال يستوحش لفقده» .ولقد أراد التعبري عن رؤيته إىل ذكر ع ّ غنى الله عن اإلنسان ،فلم يجد وسيلة ،أنجح من أن ينطلق من فقر اإلنسان إىل خالقه .ويعني ذلك أ ّن اإلمام(ع) ال يريد أن يق ّدم إىل القارئ معلومات ال يعرفها ،فائدة الخرب .أراد أن يق ّدم إليه الزمه؛ فدخل مدخل يسربه إىل منتهاه. الكناية التي اقرتضت الكالم لتذهب بنا إىل عمق متعلّق بصفات الله ال ميكن لتفكرينا أن ْ الخاصتان باإلنسان تق ّدمان الذات اإللهيّة ذاتاً فثنائيّة (االستئناس/االستيحاش) وثنائيّة ( السكن /فقد السكن) ّ املؤسس عىل السبب ّية التي أودعها الله يف خلقه (العامل)، من ّزهة يعجز العقل ّ البرشي عن استيعابها .ذلك العقل ّ ظل هذا العقل عند تخوم صفات الله .أهي مستقلة عنه ،أم فكيف لعقل كهذا أن يفقه صفات خالق السببيّةّ . هي عني ذاته؟ وأورد اإلمام(ع) التشبيه إىل جانب الكناية وأرشكه معها ألداء الداللة املقصودة ،يوم جاءه الناس مبايعني« :فام كل جانب [حتى لقد وطئ الحسنان ،وشُ ّق عطفاي] مجتمعني يل من ّ راعني إالّ والناس كعرف الضبع إ ّيل ينثالون ع ّ وشق حويل كربيضة الغنم» .فلو عزلنا التشبيهني وأبقينا عىل الكناية مخلّصة «حتى لقد وطئ الحسنانّ ، عطفاي» لوقعنا عىل كناية تقرتض (فائدة الخرب) لتعرب بها إىل الزمه .ويكون هذا الالزم عادياً إذا وقفنا عند حدود اإلشارة إىل العدد الكبري الخاص _______________________ .21نهج البالغة ،ص .46 .22نهج البالغة ،ص .40 .23نهج البالغة ،ص .49
•الكناية ووظيفتها الدالل ّية يف «نهج البالغة»: سنعالج مجموعة من العناوين التي تتد ّرج يف تقديم املسائل: )1الكناية والبعد السياميئ العالمي: ويبقى أ ّن الكناية سواء وظّفت التشبيه ،أم اإلستعارة ،أم اإلستفهام ،أم كانت مستقلة عن أية تقنيّة تعبرييّة أخرى ،هي عالمة سيامئ ّية تحمل داللة ما .وهذه العالمة ليست كغريها من العالمات السيامئ ّية .إ ّن تح ّيزها داخل اللغة يجعل منها عالمة مقرتِضة للغة بحثاً عن معنى املعنى .وهي ،يف اقرتاضها هذا ،ال تهدف إىل أن تق ّدم داللة تقريريّة واضحة ،ولكنها تهدف إىل تقديم داللة احتامل ّية تستطيع التقاط خصوص ّية رؤيويّة ال ميكن التقاطها إالّ بلغة احتامليّة مفتوحة. والسيامئيّة منهج معر ّيف تعامل معه القرآن الكريم بشكل دقيق وواسع؛ ألن القرآن الكريم كان يتو ّخى من العالمات التي أشار إليها تقديم حقائق يقين ّية للناس .ولقد أفاد اإلمام(ع) من هذا املنهج يف مواضع عديدة من «نهجه» .تح ّدث عن البيت الحرام وعالقة الناس به ،فقال« :وجعله سبحانه عالمة لتواضعهم لعظمته ،وإذعانهم لع ّزته» .وبقطع النظر عن ورود كلمة (عالمة) وأهم ّية تح ّيزها يف مرحلة البدايات االسالم ّية ،فا ّن قراءة اإلمام(ع) هذه العالمة املتشكلة باالستناد إىل عبارتني ،هام« :لتواضعهم لعظمته» و«إذعانهم لع ّزته» تشكّالن كنايتني( ،لغة مقرتضة) ،إمنا ميثل وعياً مبكرا ً من اإلمام بالعالمية ،وبكيفية التعامل معها .فالكنايتان ليستا للتعبري عن موقع االنسان قياساً عىل تع ّزز الله وتن ّزهه كام تحتمله فائدة الخرب يف العبارتني ،ولكنهام إشارة إىل قدسيّة البيت الحرام ،وإىل وظيفته الرتبوية والثقافية واالجتامعية واإلنسان ّية.
_______________________
وتقدمها فئة منحرفة عن اإلسالم ومبادئه .ويصل بنا هذا املعنى إىل معناه يف أن معركة عيل(ع) هي معركة اإلسالم يف مواجهة العاملني عىل إجهاض حركته ،كيف ال ،وقد نظر إىل هذه الذرائعيّة بعني اليقينيّة التي رأى
اإلسالم من خاللها؟ فهو قد آمن إىل درج ٍة بات معها رفع الغطاء ال يزيد يف ذلك اإلميان وال ينقصه.
تتجل األزمة التي واجهها اإلمام(ع) يف تجربته االجرائيّة لإلسالم مع الفئّة التي ناصبته العداء فحسب ،فلو ومل َّ كانت املشكلة عند هؤالء وحدهم لهان األمر. أحب ما أنا القٍ إ ّيل املوتُ » ،ال يشري إىل عمق الوجع تجلّت تلك األزمة يف من ُعرفوا بأصحابه أيضاً .وقوله« :إن ّ الذي يشكو منه اإلمام(ع) متاما؛أل ّن املتلقّي لن يدرك خصوص ّية ذلك الوجع إالّ إذا سمعه يقولٍ : «أف لكم ،لقد سئمت عتابكم» .وهذا الكالم ال يصلنا بالشعور الذايت الذي انتاب علياً(ع) حيال أصحابه فقط ؛ أل ّن هذا الشعور لغة مقرتضة تخرج به من فائدة الخرب إىل الزمه .وإذا كان العتاب ال يو ّجه إالّ إىل صديق ،فهل يعني ذلك أ ّن اإلمام(ع) كان يأمل خريا ً من هؤالء األصحاب ،فينهضوا معه ملواجهة الفتنة التي أثارها معاوية يف بالد الشام ؟ السأم إشارة إىل أن العتاب قد ُو ّجه امل ّرة بعد امل ّرة حتى بلغ ح ّدا ً أشعر املعاتِب بعدم جدواه .فالتجريب الخائب يؤرّش إىل وجود خلل يف البنية النفسيّة واالخالقيّة الخاصة بهوالء يقود صاحبه حتامً إىل السأم .ووضع كهذا ال ّ األصحاب فحسب ،ولك ّنه يتع ّدى ذلك ليشري إىل وضع ّية م ّرة يعيشها اإلمام(ع) يف وقوفه إىل جانب الدين يف مواجهة الدنيا أيضاً .إنها إمياءة إىل أن هؤالء األصحاب يصبّون يف مصب معاويّة ،رجل الدنيا بامتياز ،وعوا ذلك أم مل يعوه .واستفهامه عقب اإلشارة إىل ذلك السأم قائالً« :أرضيتم بالحياة الدنيا من اآلخرة عوضكم» .هو استفهام يعرّب عن يأس مكني من استنهاض هؤالء الرجال .فكيف يواجه الدنيا برجال هم رجالها؟ كنايئ ّ يل(ع) الثاقبة إىل العامل املبن ّية عىل ثقاف ٍة ،إذا أردنا أن نق ّدمها قلنا :إنّها الثقافة التي أتاحها العرص، إ ّن رؤية ع ّ واجه بها اإلمام الواقع بيقينيّة ركينة .وثقافته هذه كفيلة بأن تقرأ الواقع قراءة
_______________________ .26نهج البالغة ،ص .259 .27نهج البالغة ،ص .259 .28نهج البالغة ،ص .78
كل جانب .فالفعالن املاضيان املبن ّيان للمجهول ال يشريان إىل أ ّن ما حدث للحسنني بأولئك الذين انثالوا إليه من ّ ولعطفي االمام قد ضاعت مسؤوليته فحسب ،ولك ّنهام يشريان إىل ضخامة الحشد الذي سلك سلوكاً غريزياً أيضا، فتح ّول من جديد ،إىل لغة مقرتضة. تشري هذه الغريزيّة إىل خوف صاعق شكّل ما ّدة اقرتاض جديدة تشري إىل أميان عميق كانت تخفيه تحت طبقات عديدة من الغرق يف الضاللة ،إميانٍ بأ ّن عل ّياً(ع) هو املنجاة .ويؤكّد هذا املعنى التشبيهان اللذان رافقا تلك الكناية .وإذا إشار (عرف الضبع) إىل كثافة تهافت الناس عليه ،فإن (ربيضة الغنم) أدخلت املتهافتني يف عداد األنعام ،وذلك من خالل تقلّص دور العقل إىل ح ّد االختفاء لتطغى عليه غريزة النجاة من املأزق الجمعي .وهذه متلق أن يتمثلها من دون اإلرتكاز إىل الثقافة التي ميتلكها أي ّ الداللة االحتامليّة التي ق ّدمتها الكناية ال يستطيع ّ اإلمام(ع) من جهة ،وإىل مرشوعه االجرايئ ملبادئ اإلسالم من جهة ثانية .ذلك املرشوع املرتبط بـ«حضور الحارض، وقيام الحجة بوجود النارص وما أخذ الل ُه عىل العلامء أالّ يقا ّروا عىل كظّه ظامل وال سغب مظلوم» ،مبا يعني أن الكناية مل تكن كناية تس ّو غ قبول اإلمام(ع) باألمر ،فثقافته قامئة عىل الزهد بالدنيا ،كيف ال وهي أزهد عنده «من عفطة عنز» الحكم مسؤولية ال مكسب .وهذا ما يجعل من انثيال الناس إليه ،إشارة إىل فجيعتني :األوىل أنتجها التعامل مع جموع محكومة بغريزتها الجمعية ،والثانية تجلّت يف قبول خالفة قد زهد بها. العلوي امل ّر بواقع الناس يف عرصه ،فتدفع املرء ليتساءل :ملاذا جاء اإلسالم ؟ وهل وتأيت كناية أخرى لتق ّدم الوجع ّ تحتاج البرشيّة إىل هذه التجربة املديدة امل ّرة ليك يت ّم اجراؤه مع املنتظر (عج)؟ قال عن الذين طالبوه بدم عثامن« :إنّهم ليطلبون حقاً تركوه ،ودماً هم سفكوه» ،يف إشارة إىل الكيفيّة التي جرى بها مقتل الخليفة الثالث. وهذه الكيف ّية هي فائدة الخرب التي مل تكن مقصودة لذاتها ولكن لالزمها. فاملعلومات التي تفيد بأن هؤالء الناس قد ح ّرضوا عىل قتل عثامن متخلني عنه ،مع أنه إمام املسلمني بالنسبة إليهم ،تعني أنّهم ليسوا حياديني منصفني ،هم رشكاء يف سفك دمه .وهذا الكالم هو لغة مقرتضة تومئ إىل ذرائعيّة هذه الجامعة :الذرائعيّة التي تخرجها من دائرة املبدئيّة، _______________________ .24نهج البالغة ،ص .50 .25نهج البالغة ،ص .63
وضعيته غري السويّة .وذلك عكس كلمة (عزيز)؛ التي ال تحتاج إىل التعريف .وقد أ ّدت (حتى) الدور نفسه يف الجانب الثاين من املقايسة ،فكلمة (ضعيف) تضع من يتصف بها يف مقام يتعاىل عليه مقام الناس العاديني ،وذلك بسبب الظلم الذي مارسه ج ّراء ق ّوته .وعندما يُنتصف منه يخرج ،بالنسبة إىل عيل(ع) من دائرة الضعف ليدخل تعرّب عن صحة الحياة االجتامعية ،كام أسلفنا. دائرة العادية التي ّ عادي أرتنا مطلقيّة العدالة ويبقى أن هذه الكناية القامئة عىل املقايسة والضديّة ،قد أ ّدت دورا كشفيّا غري ّ
االسالم ّية كام رآها اإلمام(ع) .ومام يجدر ذكره أ ّن مناخ هذه الكناية قائم عىل ٍ بعد تفاؤ ّيل واضح .إ ّن كلمة (القوي) ،إمّنّ ا تشكّل إشارة إىل اإلمكانية ال إىل التحقّق، (عندي) التي تك ّررت يف الحالني :حال (الذليل) ،وحال ّ التحقّق الفعيل شأن آخر يتطلّب نارصا ً .فهل ُوجِد النارص ؟ قال اإلمام متحدثاً عن أصحابه« :إنكم ،والله ،لكثري يف الباحات ،قليل تحت الرايات» .وقسم اإلمام (والله) ناجم عن تجربة دالّة تق ّدم حقيقة قامئة عىل ثنائيّة ضديّة (كثري /قليل) .وهي ال تحمل معنى (التوبيخ) وحده ؛ ألن توبيخ هذه الجامعة حصيلة حاصل .التوبيخ، عرّبت عن خيبة أمل عيل(ع) من جهة ،وعن األزمة التي يواجهها يف محاولته إجراء مقولته هنا ،لغة مقرتضة ّ والقوي إىل ضعيف عىل قاعدة العدالة ا ٍإلسالمية .إن هذه األزمة ميكن السابقة يف تحويل الذليل إىل عزيز ّ معالجتها إذا بقيت يف حدود األزمة .رسعان ما تح ّولت إىل مأزق« :إين ،والله ،ألظ ّن أ ّن هؤالء القوم سيدالون منكم ،باجتامعهم عىل باطلهم ،وتف ّرقكم عن حقّكم» . ولقد جاء القسم (والله) م ّرة ثانية معضودا ً بحرف التوكيد (أ ّن) املرتبط بضمري املتكلم ليشري إىل اعتقاد ركني عند اإلمام عيل(ع) أ ّن األمور متجهة لغري صالح الدين .تضمر الثنائيّة الضديّة (اجتامعهم/تف ّرقكم) ثنائيّة ضديّة ثانية داخلها (هم/أنتم) .وإضافة املصدرين إىل هذين الضمريين ينقل الضديّة بالعدوى إليهام .وكذلك األمر بالنسبة إىل الثنائيّة الثانية (باطلهم/حقكم).
_______________________
يل(ع) ليست شخصية املؤمن املوقن فحسب ،ولكنها االنسان األديب من موقع ّية القائد .كيف ال ،وشخص ّية ع ّ شخصيّة األديب الكبري ،والقائد الكبري؟ )3
الكناية القامئة عىل املقايسة الضديّة:
خاص ،فبعد وقعة النهروان التي خرج منها تأيت الكناية القامئة عىل املقايسة ،يف خطابته ،لتمثّل كناية ذات مذاق ّ منترصا ً مته ّيئاً إلنهاء الوضع الشاذ الذي أثاره معاوية يف بالد الشام ،قال يف خطبة له« :الذليل عندي عزيز حتّى الحق منه» .وكالم كهذا عابق ،كام يُالحظ ،برصاعيّة واضحة جدا ً. الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ ّ آخذ ّ ّ فالثنائيتات الضديّة متع ّددة: •(الذليل/عزيز) القامئة عىل ثنائية أخرى ضمنيّة (التعريف/التنكري). •(آخذ له/آخذ منه)ـ (القوي/ضعيف) القامئة أيضاً عىل ثنائيّة (التعريف/التنكري). • ّ •ونجد إىل جانب هذه الثنائ ّيات ثنائيتني قامئتني بني ماديت املوازنة( :املستضعفواملستقوي) ،نعني بهام( :ذليل/ قوي)و(عزيز/ضعيف). أضف إىل كل ذلك ثنائ ّية متشكلة من مآيل طريف الرصاع( :املآل اإليجايب >--عزيز «نكرة» /واملآل السلبي >-- يل(ع) النافذة إىل عمق من أعامق العدالة اإلسالمية مل تصل إليه أية رؤية أخرى. ضعيف «نكرة») انها رؤية ع ّ لغوي كبري «سأموت ويف نفيس يشء من (حتى)»؛ لوعورة مسالكها .سلكت بنا يف هذه و(حتى) التي قال عنها ّ الخطبة مسلكاً طيّعاً .كلمة (عزيز) تضع من يتصف بها يف مقام متعال عىل مقام الناس العاديني. وسيظل عزيزا ً متم ّيزا ً عن العادي حتى ّ يل(ع) بسبب الظلم الذي لحق به، ولقد ّ احتل هذا املوق َع املتعايل ،عند ع ّ
يُنصف من مظلوميّته .فإذا ما أُ ِ تعرّب عن ص ّحة نصف خرج من دائرة التعايل ليدخل من جديد دائرة العاديّة التي ّ الحياة االجتامعية ،حيث ال عزيز وال ذليل .ومام يجدر ذكره ،هنا ،أن (أل) التعريف التي دخلت عىل كلمة (ذليل) يف الخطبة ،إمنا دخلت لتسليط الضوء عىل
_______________________ .29نهج البالغة ،ص .99
وإذا كان تشبيه الجامعة (أهل العراق) بالفرد (املرأة الحامل) إشارة إىل أن تلك الجامعة جامعة متجانسة ،بشكل عام ،ال تفاوت بني أفرادها يف املوقف ،فإنّه يعني يف ما يعنيه أننا أمام طبقة أعمق من املعنى تشري إىل أن هذه الجامعة قد تح ّملت مه ّمة القتال إىل جانب عيل(ع) وهناً عىل وهن .وقائد مثل عيل(ع) يحمل عىل عاتقه ه ّم تنفيذ الدعوة اإلسالمية بصورتها املثىل يحتاج إىل جامعة ،غري هذه الجامعة املتوافرة. ويبقى أن الكناية التي حملت ذلك التشبيه بني عطفيها ق ّدمت اله ّوة واسعة بني ثقافة اإلمام وقياديّته من جهة، وبني االمكانات البرشية املتوافرة من جهة أخرى .إنها إشارة إىل أزمة احتاملية قد تصري مأزقاً .دعا عليّاً(ع) ُ تخاذل رجاله وتواكلهم ليستذكر صورة املجاهدين األول الخلّص ،فقال« :الذين دعوا إىل اإلسالم فقبلوه ،وقرأوا القرآن فاحكموه ،وهيجوا إىل الجهاد فولهوا وله اللقاح إىل أوالدها ،وسلبوا السيوف أغامدها ،وأخذوا بأطراف األرض زحفاً زحفا وصفاً صفا» ،مق ّدما بهذا الكالم ارتباط املجاهدين األوائل بالجهاد ارتباطاً يصعب تحديده ؛ ألنه تح ّول بفعل التشبيه إىل داللة احتامليّة يستحيل تل ّمس جميع أبعادها .وما أراده اإلمام من هذا الكالم ،هو أن يكون كالماً قابالً لالقرتاض والتوظيف األدق واألعمق ،من أجل التعبري عن املسكوت عنه الذي يق ّدم من التشبيه عمقه الكنايئ .فاميان أولئك املجاهدين الذي بدا عشقاً آرسا ً ،تح ّول إىل مرآة ترينا إميان رجال عيل(ع) إمياناً بلغ من الهشاشة درجة يصعب معها تل ّمس أطرافها وأبعادها وهشاشة إميان رجاله كالم صالح لالقرتاض يف مستوى آخر ،إذ يكشف لجوء عيل(ع) إىل املجاهدين األوائل وإىل حنني النيب عن ه ّم كبري من همومه لطاملا نذر نفسه له .وهو الجهاد من أجل احقاق الحق وإقامة دولة العدل اإللهي .يعني ذلك أن الجانب الذي قرأه اإلمام من جوانب الوجود قد ارتبط بهمومه الكربى ،اإلسالم ،والعدل اإللهي ،واملسلم الحقيقي ،والجهاد الخالص لوجه الله. )5االستعارة والبعد الكنايئ: ارتكزت فعالية التشبيه ،كام رآينا ،عىل البعد الكنايئ العالمي الذي يفيد من الكالم نفسه ،عرب مستويات متع ّددة، إذ تتوالد الدالالت مستوى بعد آخر ،عىل قاعدة (معنى املعنى) الذي تب ّينه الجرجاين يف القرن الخامس الهجري، الحادي عرش امليالدي .واالستعارة ،هي األخرى ،قد ارتكزت عىل البعد الكنايئ العالمي الذي تحتمله كالتشبيه، وان كان بطاقة أش ّد ؛ أل ّن االستعارة _______________________ .33عيل زيتون ،أدبية الخطابة ،ص .99
كل منهام خروجاً ب ّيناً عىل املنطق ،وعىل وال تثري مثل هذه الضديّة سخرية ُم ّرة من موقفني متضادين مثّل ّ مقتضيات اإلسالم ،ولك ّنها إشارة إىل إمكانيّة نجاح رجال معاوية يف إقامة دولتهم .وهذا يعني أن اإلمام(ع) يف موقفه مع الدين امنا يواجه أزمة غري قابلة للمعالجة. كان يشاهد بأ ّم عينه تهاوي مرشوعه أمام مرشوع معاوية ،وسقوط مرشوع الدين يف مواجهة مرشوع الدنيا ،إنّها املأزق ّية بعينها؟ )4التشبيه والبعد الكنايئ: مستقل عن الكناية ،وهو بها يشكّل قراءة نافذة إىل العمق الذي أمسكت به الرؤية .والهوية الفنية ّ التشبيه غري ُقرَتض لإليحاء باملسكوت عنه .واملسكوت عنه ال (املشبه به) التي تشكّل القراءة املبدئيّة لذلك العمق رسعان ما ت َ
يعني أن األديب يتو ّخى حجبه عن املتلقيُ ،س ِكت عنه ؛ ألنه ال ميكن تقدميه ،والوصول إىل الغاية منه ؛ إالّ مبثل هذا السكوت الناطق.
فلاّم أمتت أملصت ومات خاطب اإلمام(ع) أهل العراق قائالً « :يا أهل العراق ،فامّنّ ا أنتم كاملرأة الحامل .حملت ّ قيّمها وطال تأميّها وورثها أبعدها» .مستحرضا ً هويّة املرأة الحامل التي تشكل إشارة إىل أ ّن عمل هذه الجامعة
«فلاّم أمتت أملصت» ليجيب عن مث ٌر ما زال يف طور التك ّون والنامء .فهل سيعطي هذا الثمر أُكُله ؟ يأيت قوله: ّ
هذا السؤال بأ ّن ذلك الحمل (عمل العراقيني) كان مج ّرد تعب غري مجد .سقوط الحمل أضاع الفائدة .مل يقيّض لهذا الكدح أن يعطي أُكُلَه .وتأيت اإلشارة الثالثة «ومات قيمها وطال تأ ّميها» لتفيد باستحالة الحمل م ّرة ثانية ، استحال ِة االنتصار وتحقيق الهدف. وهنا يكمن بيت القصيد من التشبيه فحال أهل العراق الذين بذلوا جهدا ً ثم أضاعوه هي التي تضمر املسكوت عنه الذي أراد اإلمام إيصاله إىل املتلقّي .واملسكوت عنه يفرتض إقرتاضاً للغة ،وتوظيفاً أدق وأعمق لها ،من أجل الوصول إليه.
_______________________ .32عيل زيتون ،أدبية الخطابة ،ص 89ــ .90
ولقد تعامل عيل(ع) مع الدنيا مبثل ما تعامل مع الفتنة .وإذا قُ ِّدمت الفتنة بشاع ًة تدفع للتخلّص منها ،فان جهدا ً أكرث يجب أن يُبذل لتخليص الناس من رشور الدنيا ،ملا متتلكه من مغريات .قال اإلمام(ع)« :إ ّن الدنيا قد رصمت .. .مل يبق فيها إالّ سملة كسملة األداوة ،أو جرعة كجرعة املقلة ،لو مت ّززها الصديان مل ينقع» .وإذا كانت ت ّ السملة بقيّة املاء يف إناء وهي هويّة فنيّة ِ أعطيتها الدنيا لتَع ُّرف مدى ضآلتها ،فا ّن اإلمام(ع) قد عضدها بأداتني شح تلك الضآلة .األوىل هي األداوة (إناء ماء التط ّهر) التي متثّل السملة فيها ،ما علق يف قعرها تسهامن يف إظهار ّ من رطوبة ،عالم ًة عىل ما ال ميكن اإلفادة منه ،والثانية هي املقلة ،تلك الحصاة التي تُقاس بها الجرعة املح ّددة شح املاء ،هي الدنيا ،فا ّن قوله « :لو مت ّززها الصديان مل للفرد حني ّ تقل املياه .وإذا كانت الجرعة ،يف ظروف ّ ينقع» عالمة شديدة اإليحاء بخروج الدنيا من دائرة املفيد . وإذا كانت االستعارة العلويّة الخاصة بالدنيا قد ُوظّفت لتهوين أمر الدنيا ،فان هذا التهوين سيتح ّول إىل كالم مقرتض ،يومئ بغري التفاتة إىل تسفيه الفتنة ،من خالل تسفيه األساس الذي استندت إليه .ونصل مع تسفيه اقرتاض املق َرتض .فالفتنة إشارة قويّة إىل أزمة تطال الفتنة إىل مستوى جديد من مستويات االقرتاض .نعني بذلك َ األمة التي يتصارع فوق حلبتها عد ّوان لدودان :الدنيا وأداتها الفتنة يف مواجهة الثقافة اإلسالميّة التي ترى الدين أساساً لصالح الدنيا .فال عدالة يف الدنيا من غري إميان باآلخرة .اآلخرة هي الضابط املكني للعدالة عىل األرض ؛ وإذا كانت اآلخرة مهزومة يف ثقافة الدنيويني الذين ميثلون الكرثة الكاثرة ،فا ّن الثقافة العلويّة تواجه وضعاً صعباً ال يسمح لها بالتحقّق. )6الوصف والبعد الكنايئ: ال تأخذ الكناية مداها يف ما سبق من تقنيات فحسب ،ولكننا نجدها تتعامل مع تقنيات أخرى أيضاً ،كالوصف عاّم استطاعت الرؤية أن تنفذ إليه من العامل املرجعي .فهي ،بناء عىل مثالً .والوصف تقنيّة ُوجدت للكشف ّ ذلك ،طاقة تعويض ّية ،مثلها مثل غريها .وظيفتها القبض عىل خصوص ّية رؤيويّة عجزت اللغة العادية عن التقاطها.
_______________________ .36م.ن .ص.ن.
توفّر من االحتاملية ما ال يستطيع التشبيه أن يوفّره .فرؤية األديب مع االستعارة رؤية مهيمنة تهدف إىل إلحاق الخاصة .من دون أن يعني ذلك سيطرة بقدر ما يعني رشاكة مفروضة مع رؤية األديب. رؤية املتلقي بسببيّتها ّ يجد املتلقي نفسه وقد انتقل مع االستعارة إىل عامل مختلف عن العامل املنطقي السببي له فيه ما للمؤلف ،وان كانت رؤيته فيه رؤية من الدرجة الثانية تشتغل داخل آليات اشتغال رؤية األديب .ويصل بنا هذا إىل السؤال املطلوب .كيف تعامل عيل(ع) مع االستعارة ؟ هاّمً محوريّاً عند اإلمام(ع) ،خصوصاً يف زمن خالفته .تح ّدث ع ّمن أطاعوا الشيطان وسلكوا كان دفع الفتنة ّ مسالكه قائالً« :يف فنت داستهم بأخفافها ،ووطئتهم بأظالفها ،وقامت عىل سنابكها» .غيّبت االستعارة ،كام يالحظ، الهويّة املوضوع ّية املج ّردة لتلك الفنت ،واكسبتها هويّتني فن ّيتني محسوستني هام :هويّة الجمل التي تب ّدت من خالل االخفاف ،وهويّة الثور التي ظهرت من خالل األظالف .وهاتان الهويتان تق ّدمان الفتنة قوة بهيميّة هائلة متمكنة من السحق .وال يعني ذلك أن االستعارة هنا قد قامت بالوظيفة التعويضية وحدها ،من خالل محاولتها تقديم الفتنة كام رآها اإلمام(ع) .فوظيفة الكشف عن خصوصية رؤيته إىل الفتنة مل تقف عند حدود تقديم الفتنة بصورة بشعة .أفادت من تلك الصورة لتصل بنا إىل وظيفة ضمنية هي الوظيفة االقناعية ،إذ يصبح املتلقي ،داخل العامل الفني محكوماً بآليات اشتغال هذا العامل الذي يدخل الخوف من الفتنة قلبه فيبتعد عنها . ويبقى أ ّن املسكوت عنه الذي اقرتض اللغة السابقة هو أ ّن علياً(ع) ،ومع وصوله إىل قناعه مفادها أ ّن الذين غرقوا يف أوحال الفتنة بات ميؤوساً من إمكانية إصالحهم ،قد أراد ان يلقي الحجة عىل الضائعني يف اللحظات األخرية التي سبقت االنهيار. ويعني ذلك أ ّن ثقافة اإلمام (ع) قد باتت تعيش يأساً م ّرا ً مام يجري ،حتى لكأنها ثقافة قد ُوجدت يف غري زمانها، ويف غري مكانها ،أو لعلّها متثل خالص البرشية التي يستنري بها املخلّص يف آخر الزمان.
_______________________ .34عيل زيتون ،أدبية الخطابة ،ص 142 .ــ .143
عيل(ع) ،ترينا كم تب ّدلت حال اإلسالم واملسلمني ،مبا يشري إىل أزمة تواجهها الثقافة اإلسالم ّية الحقّة يف أثناء محاولتها التحقّق عىل أرض الواقع ،حتّى لكأن اإلمام(ع) يرى بعني ثقافته تلك كيف تتهاوى القيم اإلسالم ّية أمام ناظريه من دون أن يستطيع رأب الصدع .وذلك بسبب غياب النارص الحقيقي .إ ّن دخول رجال معاوية عىل املرأة املسلمة وعىل املرأة الذم ّية التي أخذ اإلسالم عىل عاتقه مهمة الدفاع عنها ،ثم قيامهم بانتزاع زينة هؤالء النسوة إمنا ميثّل إشارة إىل أننا أمام جامعة إسالم ّية يف الظاهر ،معادية له يف الحقيقة .كيف ال ،وأن ال متتنع بكل استنساب ّيتها هاتان املرأتان إال باالسرتجاع واالسرتحام ،مبا يعني أننا أمام إشارة تعيدنا إىل النخوة الجاهل ّية ّ البعيدة عن السنن اإلسالم ّية وقواعدها الرشيدة؟ كل ذلك يف مواجهة األذيّة التي أوجعت مشاعر اإلمام(ع) وأدمت قلبه ،بسبب غياب املدافع الحقيقي. ويضعنا ّ وهذا ما يؤذن باالنهيار الكبري وفق الرؤية العلويّة. )7
الرسد والبعد الكنايئ:
وكام كان الوصف تقن ّية كشف ّية عىل قاعدة الكنائ ّية ،فان الرسد هو اآلخر تقنية كشفية أخرى .ذلك أ ّن األفعال املاضية التي تشكّل قوام الرسد ،ال تتاىل لتق ّدم إلينا معرفة حياديّة ،ولك ّنها متثّل ما ّدة لالقرتاض الكنايئ يف قراءة ما نفذت إليه الرؤية من أعامق العامل والوجود. رسد اإلمام(ع) األحداث التي رافقت مبايعة الناس إياه بالخالفة فقال« :وبسطتم يدي فكففتها ،ومددمتوها َ يل تداك االبل الهيم عىل حياضها يوم وردها ،حتى انقطعت النعل ،وسقط الرداء» . فقبضتها ،ثم تداككتم ع ّ ومشهد كهذا إمّنّ ا يقوم عىل مجموعة من األحداث الرسيعة التي ال تتطلّب وقتاً طويالً لتتح ّيز يف الزمان من مثل يل(ع) .الناس ،ظاهرا ً،يبادرون :الفعل (بسطتم يدي) و(كففتها) .. .الخ .وفاعل هذه األحداث طرفان :الناس وع ّ (بستطم) املتعدي إىل يد عيل(ع) ،والفعل (مددتم) املتعدي إىل املفعول به نفسه ،والفعل (تداككتم) فعل الناس بقطع النظر عن موقف عيل(ع) منه.
_______________________
وصف اإلمام(ع) أصحاب الرسول(ص) قائالً« :ولقد ك ّنا مع رسول الله(ص) نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ،وأعاممنا. ما يزيدنا ذلك إالّ إمياناً وتسليام» . مؤرّشين واضحني :األ ّول هو الفعل الناسخ (ك ّنا) الذي يق ّدم وضعية املسلمني يرتكز الوصف يف هذا الكالم عىل ّ امللتفّني حول الرسول(ص) ،والثاين حضور فعيل املضارع (نقتل) و(يزيدنا) اللذين يصفان حدثني .ووصف حدث قتل املسلمني األوائل آباءهم وأبناءهم وأخوانهم وأعاممهم ليس وصفاً حياديّاً بريئاً يق ّدم للقارئ معلومات مح ّددة عن حدث مح ّدد .وهو ال يقصد اإلثارة يف مشهد قتلِ من كان يجب الوقوف إىل جانبهم ،وهم أقرب الناس رحامً إىل قاتلهم .اقرتضت الكناية الكالم الذي ق ّدم هذا الحدث لتوحي إلينا بثقافة جديدة تقع خارج الثقافة الجاهل ّية القامئة عىل القبل ّية وقرىب الدم التي يتح ّدد ،عىل أساسها ،السلوك واملوقف. وتثري هذه الثقافة الجديدة يف وجهنا ،سؤاالً مبدئ ّياً :هل كان الحدثُ الذي أشري إليه حدثاً مؤملاً ملعتنقيها ؟ يأيت الجزء الثاين «ما يزيدنا ذلك إالّ إمياناً وتسليام» ليحاور ما ميكن أن يكون قد داخل تفكرينا من أسئلة صامتة غري معلنة .إذا كانت كلمة (تسليم) مغ ّمسة بيشء من الحزن ،ال الشعور بالخطأ ،وبيشء من األسف عىل عدم انحياز ألي حرج من قتل األقربني ،فا ّن كلمة (إميان) إشارة قويّة إىل ثقة من قُ ِتلوا إىل اإلسالم ،أل ّن انحيازهم هذا ال ٍغ ّ هؤالء القاتلني بص ّحة موقفهم .يعني أ ّن الوصف ،مبجمله ،مل يكن وصفاً حيادياً ،كان وظيف ّياً يقرأ خصوص ّية مؤسسة عىل املوقف الجديد. املوقف الجديد من الحياة املبني عىل خصوص ّية ثقاف ّية ّ وقبالة هذا الوصف الذي أبرز متطلبات الثقافة االسالم ّية الجديدة وما تفرضه عىل معتنقيها من مواقف حاسمة، نجد وصفاً لجيش معاوية ،يحمل غري إمياءة إىل جيش عيل(ع)« .ولقد بلغني أ ّن الرجل منهم كان يدخل عىل املرأة املسلمة واألخرى املعاهدة ،فينتزع حجلها وقلبها وقالئدها و ُر ُعثها ،ما متتنع منه إالّ باالسرتجاع واالسرتحام،
ث ّم انرصفوا وافرين ،ما نال رجالً منهم كل ٌم ،وال أُريق لهم دم» .مل يصف اإلمام(ع) ما قام به جيش معاوية
حيادي ،إىل مؤسسته اإلعالم ّية .وهو مل يتو ّخ أن يق ّدم بشاعة ما قام به جيش وصف صحا ّيف ينقل أحداثاً ،بشكل ّ معاوية فحسب ،أراد ان يق ّدم تخاذل جيشه أيضاً .وموازنة بسيطة بني رجال الرسول(ص) األوائل وبني رجال _______________________ .37نهج البالغة ،ص .91 .38نهج البالغة ،ص 69ــ .70
ومهام يكن من أمر ،فقد بايع املسلمون عل ّياً(ع) مع رغبته يف أن يكون وزيرا ً ال أمريا ً يس ّدد وال يدير .فام الذي جرى بعد ذلك ؟ «فلام نهضت باألمر نكثت طائفة [أصحاب الجمل] ،ومرقت أخرى [فسق الخوارج] ،وقسط آخرون [جور أصحاب معاوية] .. .حليت الدنيا يف أعينهم ،وراقهم زبرجها [زينتها]» .ال ترتبط (ملّا) بالفعل (نهضت) الذي جاء بعدها ِ والكف ،وامل ّد والقبض،والتداك الذي بالبسط فحسب ،ولكنها ترتبط مبا سبق النهوض بالخالفة أيضاً .ارتبط ّ كل هذا يف مواجهة ثالثة أحداث متوازية فيام بينها تهدف استطال حتى انقطعت النعل وسقط الرداء .تضع (ملّا) ّ إىل إسقاط خالفة عيل(ع) .ولقد متثّلت هذه األحداث باألفعال الثالثة(:نكث) ،و(مرق) ،و (قسط) .وال يكشف األسباب التي دفعت عليّاً(ع) ليك ي ِك ّف يده ثم يقبضها يل (ع) بالخالفة َ التزامن بني هذه األفعال وفعل نهوض ع ّ عاّم وصلت إليه رافضاً املبايعة فقط ،تجاوزت قصديّ ُة اإلمام(ع) ذلك من خالل اقرتاضها تلك األحداث للتّعبري ّ لكأيّن بهذا األ ّمة من أزمة مؤذية ،قوامها إجهاض املسرية اإلسالميّة وتحويل ال ّزعامة ال ّدينية إىل ملك عضود ،حتّى ّ اريخي ال ّنادر يرصخ بلسان ثقافته وقناعاته وتقواه وشخص ّيته اإلستثنائ ّية رصخته األخرية يف وادي األ ّمة القائد التّ ّ السحيق. ّ ويطرح هذا أسئلة م ّرة وصعبة .إذا مل تكن األ ّمة مؤ ّهلة لحمل ال ّرسالة اإلسالم ّية فلامذا ُح ِّملتها؟ وهل يحتاج كالم
العزيز« :كنتم خري أ ّمة أُخرجت للناس تأمرون باملعروف وتنهون عن املنكر» تأويالً يأخذ الذّهن بعيدا ً عام يتبادر إليه من فهم ؟ ثم ماذا يعني أن توعد البرشيّة مبخلّص يف آخر ال ّزمان؟ هل أدرك ال ّرسول األكرم أ ّن الخالفة لن يل(ع) ،فتحدث عن ظهور ذلك املخلّص(عج) ،بوصفه نتيجة حتميّة ّ لتعرّث ال ّنهضة تستق ّر للثقافة التي يحملها ع ّ اإلسالم ّية؟ •كلمة أخرية: يبقى أننا مل نف الكناية العلويّة حقَّها ،كام أنّنا مل ِ نف الكناية ،من ال ّناحية ال ّنظريّة حقّها هي األخرى .فخروج عاّم ُو ِضعت له يف أصل اللغة ّ كل من اإلستفهام ،واألمر ،وال ّنهي ،وال ّنداء ،والتّم ّنيّ ، والرّتجي وغريها من التقنيات ّ من وظيفة يدخل يف باب الكناية .ويدفعنا هذا لنطرح عىل أنفسنا سؤاالً مبديئّاً كبريا ً :هل تستأثر الكناية باألدبيّة ؟ وهل األدبيّة هي الكناية ؟ تحتاج اإلجابة إىل رويّة ومراجعة تعطي التقنيّات التي رأينا أنها محتواة بالكناية حقّها يف ال ّدفاع عن استقالليتها .وال يستطيع أحد أن _______________________
.40نهج البالغة ،ص .35
وقبالة هذه املبادرة تقع األفعال املسندة إىل اإلمام(ع) يف موقع ر ّدة الفعل :الفعل (كففتها) املتعدي إىل اليد التي (الكف) تالياً زمنياً من جهة ،ومتعلّقاً بسابقه(بسطتم) من بُسطت واملرتبط بإلفاء ،حرف العطف الذي يق ّدم فعل ّ جهة أخرى ،والفعل (قبضتها) الذي يقع موقع الفعل (كففتها) من جهة ويتجاوزه من حيث التخلص من املبايعة كل ذلك أ ّن املبادرة متعالية، (الكف) .وال يعني ّ من جهة ثانية .ففعل (القبض) هو ر ّدة فعل أقوى من فعل ّ هنا ،عىل ر ّدة الفعل. يل(ع) بالخالفة ،ور ّدة الفعل رفض لتلك املبايعة .ومن يرفض جائزة بحجم الخالفة هدفت املبادرة إىل مبايعة ع ّ يعني أنه يبني موقف الرفض عىل تفكري عميق وموقف ثقايف إنساين شديد الخصوص ّية والخصوبة .ومن يسعى إىل تقديم مثل تلك الجائزة يعني أنه يبني موقفه عىل خوف كبري وهلع .ويؤ ّدي ذلك إىل القول بأ ّن املبادرة هي مؤسسة عىل تفكري ر ّدة فعل حقيق ّية عىل ذلك الهلع ،وا ّن ما بدا ر ّدة فعل من خالل الرفض هو يف الحقيقة مبادرة ّ رُسدت لتؤدي إىل ما أ ّدت إليه بشكل حاسم لوال التشبيه من جهة وموقف .وما كان لهذه األحداث التي ُ ِ يل ّ تداك اإلبل الهيم» ولوال الكنايتان املستقلتان اللتان قامتا عىل فعلني يف آخر الكالم( :إنقطعت «تداككتم ع ّ أي حساب لغري الرشب النعل) و(سقط الرداء) .فالتشبيه ق ّدم الجامعة جامعة بهيمية ،فاقدة الرشد ،ال تحسب ّ حتى ولو كان يف ذلك خطر عىل الحياة .وهذا التشبيه مل يق ّدم الجامعة فاقدة الرشد فحسب ،ولك ّنه ق ّدمها متح ّركة بغريزيّة قاتلة .يؤكّد هذا الكنايتان األخريتان( :انقطعت النعل) و(اسقط الرداء) .وان تنقطع نعل املرء ويسقط رداؤه من دون أن يتن ّبه إىل ذلك ،يعني أنه يف حال من الرعب ال توصف .وإذا ما سبقت هاتني الكنايتني َ التداك ،يف إشارة إىل انعدام إمكان ّية الرتاجع .يعني أنّنا لن نخلص من الكناية املرتتبة (حتى) التي أفادت استمرار عىل أفعال املايض القامئة عىل أحداث رسيعة ،كام قلنا ،إىل وجود أزمة مرعبة تحيق باأل ّمة فحسب ،ولكن إىل يل(ع) أيضاً ،حتى لكأ ّن عل ّياً هو املاء الذي احتاجه اإلحساس العميق لدى األ ّمة بأ ّن خالصها لن يكون إالّ عىل يد ع ّ العطاىش املمنوعون منه مل ّدة طويلة (االبل الهيم). امله ّم أ ّن الرسد قد طرح قض ّية الخالفة االسالم ّية مبا هي موقع سيايس لتدبري شؤون األ ّمة .وقد ق ّدمها من خالل رؤية عيل(ع) وثقافته وبنية شخصيته النموذج ّية يف متثيل املسلم النموذجي متثيالً دقيقاً وعميقاً .يعني ذلك أن الرسد ال يهدف إىل تقديم معرفة بأحداث وقعت ،هذه األحداث معروفة .شكّل الرسد بنية كنائ ّية مركّبة .تقرتض األحداث لتصل من خاللها إىل إثارة ّ أدق القضايا وأكربها .نعني وظيفة املبايعة ورشوطها.
الصدفة والقصد دروز بلغراد لربيع جابر بين ّ
أ.د دريّة كامل فرحات
أستاذة يف الجامعة اللبنان ّية
الصدفة والقدر والخطأ ،حاالت يستند إليها الكتّاب يف بناء العمل ّ خصوصا .ويحرضين اآلن ما كتبه دي منها ً والرّس ّ األد ّيب عمو ًما ّ شكسبري يف مرسحيته الهزل ّية ،كوميديا األخطاء التي تعتمد عىل القدر الذي ف ّرق بني زوجني من التّوائم :شقيقني سيدين ،وشقيقني الصدفة أن يلتقيا يف مدينة ايقيزوس يف آسيا خادمني ،وتشاء ّ الوسطى ،حيث ينشغل الناس يف ذلك اليوم بتجوال التوائم االربعة زوجني زوجني زارعني سوء التفاهم والفوىض يف حياة الناس ،وتعتمد األحداث عىل أخطاء يف التّع ّرف عىل بعض األشخاص ،فيوضع الشّ خص يف موقف نصا هزل ًّيا عند شكسبري للوصول إىل لغريه ،وهكذا تتواىل األحداث .وإذا كان وضع الشّ خص يف غري مكانه بنى ًّ غايته ،فإ ّن ربيع جابر يف روايته «دروز بلغراد» يبني روايته عىل عبثية التّواجد يف املكان الخطأ وال ّزمان الخطأ ،ما رأسا عىل عقب ،ونعيش مع أحداث مؤملة تص ّور مرحلة مهمة من مراحل يؤ ّدي إىل قلب مسار حياة بطل ال ّرواية ً التّاريخ يف لبنان. فينهل الكاتب من ذاكرته التّاريخ ّية األحداث التي رافقت جبل لبنان يف القرن التّاسع عرش ،وينقلنا إىل معركة عني دارة وما تالها من أحداث ،1860ويح ّدثنا عن نفي 550درزيًّا إىل طرابلس الغرب وبلغراد ،ذلك بأمر من السلطان العثامين ،عقابًا لهم عىل قتل املوارنة املسيحيني ،ومع تحديد هذه التواريخ واألمكنة الحقيق ّية فإ ّن ّ الكاتب يفتتح روايته ،بأنّها من نسج الخيال ،فكيف نجمع بني الخيال والتوثيق التّاريخي ،فهل ما كتبه ربيع جابر فني من نسج خياله؟ إ ّن «دروز بلغراد» رواية تجمع بني أمرين ،ميتزج فيها التّاريخ وثيقة تاريخ ّية ،أم أنّه عمل ّ بالخيال ،تهدف إىل تصوير عهد من العهود أو حدث من األحداث الضخام بأسلوب روايئ سائغ مبني عىل االجتامعي فنـجـده يـصـطخب يف معطيات التاريخ ،هي تاريخ يف قالب روايئ هدفه تصوير املجتمع ،أ ّما العنرص ّ ال ّنامذج التي تـحركهـا شخوصـاً ،وتـرسم صورة الحياة االجتامع ّية ،والطّبقات القامئة يف املجتمع.
وموسعة تحت ق ّبة البنية الثالث ّية الرّسيعة العجىل .يحتاج األمر إىل حواريّات مكثّفة ّ ي ّدعي القدرة عىل اإلجابة ّ للخطاب األد ّيب:ال ّرؤية ال ّنافذة املتملّكة لثقافة العرص ،العمق الذي نفذت إليه الرؤية من العامل املرجعي ،اللغة كل ذلك داخل دائرة نظريّة الكشف التي جاءت بديلة لنظريتي اإلنعكاس واإلنكسار، التي متثّلت ذلك العمقّ . ويف ضوء املنهج الثقايف. ويضعنا هذا األمر يف مواجهة سؤال مبد ّيئ ثانٍ .هل كانت كناي ُة «النهج» التقني َة التي استطاعت أن تواكب الرؤية العلويّة يف أثناء نفاذها إىل أعامق مختلفة ومتع ّددة من العامل؟ يستطيع الباحث أن يقول بيرس وسهولة :إن الكناية العلويّة بوصفها تقن ّية كشف ّية جاءت منتمية إىل الرؤية ٍ وقناعات ،وهموماً ،واهتاممات .فقد أومأت ،بوضوح ،إىل مثقّف غري عادي ،نستطيع أن نصفه العلويّة :ثقاف ًة، بأنه بال مثيل .فهو مل ميتلك ثقافة عرصه املؤسسة عىل اإلميان العميق باإلسالم فقط .اعطى تلك الثقافة نسغ القائد التاريخي االستثنايئ الذي خذلته املرحلة التاريخ ّية التي تف ّيأ تحت ظاللها أيضاً. وتثري مقولة «أن األ ّمة ال تجتمع إالّ عىل حق» ،جملة من األسئلة .أولها :متى اجتمعت هذه األ ّمة؟ وثانيها ما معنى أن تُخذل الثقاف ُة العلويّة وعينا األ ّمة تنظران إليها؟ إنّنا ،والحمد لله ،من املنتظرين.ننتظر انتصارا ً عىل جميع أعداء األ ّمة بلبوسهم املختلفة الغرب ّية ،والبدويّة يجرتحه القائد املنتظر .هذا القائد الذي مي ِّهد لظهوره ِ املنتظرون :دوالً ،منظّامت إله ّية املنحى وأفرادا ً.
أ ّما من ال ّناحية الفن ّية فقد بنى الكاتب ربيع جابر روايته مستن ًدا إىل رسد ينقسم بني حكايتني ،األوىل حكاية ح ّنا مع املساجني يف البلقان ،وحكاية ال ّزوجة هيالنة ،لك ّن ال ّراوي يف ال ّرواية واحد معتم ًدا ضمري الغائب ،فهو ليس من لكل بكل األحداث ،مدركًا ّ أبطال ال ّرواية ،أي كام يُقال يف تقنيات الرسد هو ال ّراوي العليم الذي يكون عىل معرفة ّ عاّم يف داخلها من خالل الحوار ال ّدائر بني الشّ خصيات. تعرّب ّ ما يجول يف خاطر الشّ خصيات ،وقد يجعل الشّ خصية ّ الرّسد والحوار مع الوصف الذي اعتمد عليه الكاتب بشكل الفت ،والوصف كام يذكر قدامة بن ويكتمل ّ اليّشء كام فيه من األحوال والهيئات» ،والوصف هو تصوير األشياء املراد التّعبري عنها بأسلوب جعفر هو «ذكر ّ فني ،والهدف من ذلك تقريب املوصوف للقارئ ،وميكن تقديم صورة دقيقة للمتلقي من دون االعتامد عىل ّ إعطاء معلومات عاديّة. الرّسديّة ألنّه يع ّوض الديكور يف املرسح ،ويستفيض الكاتب يف والوصف مك ّون مهم من مك ّونات ال ّرواية والكتابة ّ وصفه ،فرناه يف مقاطع عديدة يسهب يف وصف عجينة الربغل ،أو طبخة السبانخ التي أع ّدتها هيالنة لزوجها، لكل وليس ذلك حش ًوا أو استطرا ًدا ،إمّنّ ا فيه إظهار ملشاعر هيالنة وشوقها يف عودة زوجها ،من خالل نقل دقيق ّ والرّصاع بني أمل عودته ،وما حركة منها ،فتكون خامتة ذلك خيبة أمل ،أل ّن ح ّنا ال يعود ،فتبدأ مأساة االنتظارّ ، يخربها به القسيس من وفاة زوجها استنا ًدا إىل ما نُقل عن بعضهم أنّه سمع أحد املساجني يقول إنّه قتل حنا عل القنصل يعقوب املسيحي الذي يسكل خلف الكنيسة ،مع أ ّن العبارة هي ذاتها التي قالها ح ّنا راف ًعا صوته ّ رزي سلامن. الفرنيس يسمعه وينقذه من الخطأ الذي جعله يكون مكان ال ّد ّ الصدفة وتبادل األدوار ،التي أراد منها ربيع جابر أن يضعنا يف مواجهة حقيقة ما نواجهه من إرث إنّها رواية ّ طائفي ال ب ّد أن نخرج منه ،يف عمل أد ّيب متكامل يف مضمونه وبنائه. ّ
والّالفت أ ّن ال ّرواية حملت عنوانني األ ّول منها هو «دروز بلغراد» ،وثانيها عنوان فرعي وهو «حكاية حنا يعقوب» ،وندرك جمي ًعا ما للعنوان من تأثري يف العمل األد ّيب ،فجريار جينت يرى بأ ّن العنوان مجموعة من العالمات اللسان ّية ميكن أن توضع عىل رأس ال ّنص لتح ّددهّ ، وتدل عىل محتواه ،لهذا فهو يع ّد من أهم ال ّنصوص املوازية لل ّنص إذ أنه أ ّول ما يصافح برص وسمع املتلقي ،وهو املفتاح الذي ستُفتح به مغاليق ال ّنص ،العنوان مفتاح أسايس يتسلّح به املحلّل للولوج إىل أغوار ال ّنص العميقة قصد استنطاقها وتأويلها. والوقوف عىل هذين العنوانني يقودنا إىل حقيقة حبكة األحداث يف ال ّرواية ،فأحداثها تنفتح عىل حنا يعقوب ،بائع البيض املسيحي الذي ينتظر بيع ما معه من بيض مسلوق يف سلّته ليعود إىل زوجه هيالنة وابنته الرضيعة ابنة الصدفة أو الخطأ أو ح ّظ حنا يقوده إىل أن يكون مع 550درزيًّا شاركوا يف مذابح جبل األحد عرش شه ًرا ،لك ّن ّ بدياًل من لبنان ،اقتيدوا إىل سجون اإلمرباطوريّة العثامن ّية يف بلغراد ،واملصادفة أو الخطأ الذي وقع ،ألنّه كان ً للضابط العثام ّين ّ ليفك أرس أبنائه الخمسة ،فسمح له فقط شاب آخر ،دفع والده الشيخ غفّار ع ّز ال ّدين رشوة ّ بواحد وهو سلامن. السجناء الذين وتستمر لعبة تبادل األدوار، رأسا عىل عقب ويتحمل رحلة عذاب ومعاناة مع ّ فتتغرّي حياة ح ّنا ً ّ السجناء أقىس ما ميكن أن قضوا يف تخوم بالد البلغار ّ والرّصب والجبل األسود ألكرث من 12سنة ،واجه فيها هؤالء ّ السجني. يتع ّرض له ّ وتكتمل مصادفة تبادل األدوار ،أن يُحرم حنا من زوجه وابنته الرضيعة ،ويعود سلامن غفّار عز الدين إىل زوجه وابنته الرضيعة ذات األحد عرش شهرا كابنة حنا .يضعنا الكاتب بني هذا التّبادل يف األدوار مصادفة ،لك ّنه يف يتقصد من خاللها عرض الجوانب اإلنسانيّة ،فيص ّور املقابل يق ّدم لنا الكثري من الحقائق التّاريخيّة وينقل أحداث ًا ّ حجري. بالسخرة م ّرة لجني محصول عشيقة البيك ،وم ّرة لبناء سور كيفية استغالل املساجني فيتح ّولون إىل ّ ّ عاّمل ّ كام يعرض لنا ما له عالقة بنتائج التّحالفات السياسيّة والرصاع بني اإلمرباطوريات ،وما تهدف إليه .فلم تكن الفرنيس الرّتيكّ الذي كانت دولته العثامن ّية يف آخر عهدها ،ووجو ّد القنصل مأساة حنا ّإاّل أنّها نتيجة التّخاذل ّ ّ تدخل القنصليات لحامية األقليّات. ّ السلطة استنا ًدا إىل اتفاقات صاحب ّ
تظل خائفة من الثقافة ،ويظل الخوف الجدار الذي تبنيه السلطة ملنع الثقافة من ومنذ البدء التكويني للسلطة ُّ فتح أبواب الحياة املتطورة بإنسانها إىل األعىل .ولذا لجأت السلطة منذ كينونتها إليجاد ثقافة تدافع عنها وتس ِّوغ وجودها ،وأوجدت ثقافة سكونية جامدة منافقة .ومثقفها يقول ما تقول له السلطة «كام تقول الببغا» ،وجعلت ملثقفيها مراكز سلطوية ،وصار لصوص الثقافة يرشفون عىل النصوص التي يجب أن تنتقل من السلف إىل الخلف، ٍ وقتئذ قرش ًة ال تالمس جواهر الفكر املتمردة باستمرار عىل التحنيط واإلقامة يف كهوف املايض وتغدو الثقافة املتشبثة بظالميتها ،يجب أن نقر ومنيز بدقة أن عيون الثعبان التي تلمع يف الكنز ليست هي جواهر هذا الكنز، و»ليس التك ُّح ُل يف العينني كال َك َحلِ ». وهذا ال يعني أبدا ً التنكر لحقائق الفكر الكربى الوافدة من املايض .هناك ثقافة وافدة من رحم املايض فيها حقائق كونية ،ولكن سكونيتها تقتلها ،فام كان صحيحاً باألمس ميكن أن يكون بحاجة إىل تصحيح ،هذه هي الثقافة التي يجب أن تكون فيها األسئلة أكرث دامئاً من األجوبة .نعم هناك ثقافة موروثة ،ولكن يجب ّأاّل تتناقض مع الفكر الذي يناقض كثريا ً من مقوالت املايض ،وينفيها .وهكذا تكون مهمة مثقفي السلطة التثبيت وليس منعت جريان النهر تح َّول مستنقعاً .مثقفو التحريك والنقد الب ّناء .إ ّن الحركة هي نهر الحياة املتجدد ،فإذا َ السلطة هم دامئاً مستنقعات تنمو فيها باكترييا إلغاء الحياة وقتلها ،إنهم يخدعون الناس العاديني بتسويغ ترصفات السلطة وأحقيتها. وهنا يصبح مثقف السلطة أكرث فتكاً من أسلحة الدمار الشامل ،إنه يخ ّرب العقل ويلغيه بينام يستطيع اإلنسان إعادة بناء ما دمرته األسلحة مهام كان فتكها صعباً .إ ّن مثقف السلطة مأجور لتضليل الفكر ،إنه يقول دامئا للمتسلّط أنت «خري من تسعى به قدم» .وتضليل الفكر يطيل عمر السلطات املتخلفة التي تبقى مسيطرة ما دام الجهل هو السائد الكامن يف العقول .وهي تدرك أ ّن رجعيتها وتخلفها ضامن استمراريتها.
المثقف والسلطان
الكاتب عمر شبيل ليستقيم أم ُر املجتمع يجب أن يكون املثقف نقيض السلطان، ألن السلطان يريد ثبات سلطته ،وثبات السلطة يناقض حركة ُحارَص حركة الحياة تصبح موتاً يلبس جثة الحياة، الحياة ،وحني ت َ ويصاب املجتمع بالعمى املستقبيل ،ويصبح املايض وقتئذ هو كل فكر يؤكد أن األرض تدور ،وأ َّن الحياة املستقبل ،ويُحارب ُّ نهر يتجدد بتدفقه واستمرار جريانه إىل األمام .وهذا ما يؤكد حتمية التناقض بني الثقافة والسلطة ،الثقافة تقوم عىل التطور وفهم معطياته املتحركة ،والسلطة تريد سكوناً ليكون عمرها هو املايض والحارض واملستقبل يف استمرارية جامدة .هذا التناقض هو الذي جعل الثقافة ضحية ،وجعلها يف الوقت نفسه السيف الذي يجب أالّ يُغ َمد ،فالسلطة تدوم بركود الثقافة ،والثقافة تغيري يجب أن يستمر ولو أصبح ضحية .والسلطة تنتج قطيعاً جاهزا ً للحلب والذبح ،بينام الثقافة تبقى اإلدراك الكامل للعامل ،ولذا تتسم بالعظمة والبناء والنقد وحذف كل ما يناقض مجرى نهر الحياة املتجدد باستمرار .واإلنسان نفسه ال يكون عظيامً إالّ حني يكون مثقفاً تغيريياً .فالعظمة ليست ردا ًء وال منصباً، وليست إرثاً يورثه الجهل إىل الجهل .إ ّن العظمة هي خدمة الناس مبا يعيل شأنهم ويدفع عنهم كل ما ييسء إىل إنسانيتهم التي فُطروا عىل كونها حركة من األدىن إىل األعىل باستمرا ْر
اقتراحات أنيس فريحة في تحديث اللّغة العرب ّية وتعليمها
قراءة يف كتابيه« :يف اللّغة العرب ّية وبعض مشكالتها» و «تبسيط قواعد اللّغة العرب ّية عىل أسس جديدة»
د .سلمى عطا الله إن اللّغة العرب ّية هي من أقدم لغات العامل الح ّية وأكرثها غنى وأصالة ،وهي عامل ًّيا خامس لغة وفق عدد الس ّت املعتمدة واملعمول بها يف منظّامت الهيئة. ال ّناطقني بها ،واألمم امل ّتحدة اعتربتها واحدة من ّ أهم اللّغات ّ وهي ،من أكرث من ألف عام ،انترشت وازدهرت وحملت تط ّور العرب وطموحاتهم وعلومهم .ترجمها اآلخرون واستفادوا منها كثريًا ،حتى أنّهم تعلموها رغبة يف ال ّتع ّرف إىل حضارتها وأخذ علومها .وهي ،كام يرى أنيس فريحة ،استطاعت ،يف عصور ماضية ،أن تكون لغة شعر ودين وعلم وفلسفة ،تب ًعا مليزات عديدة مت ّيزت بها: .1ال ّذخرية اللّغويّة الّتي جعلت اللّغة العرب ّية تفوق بغناها ومعاجمها أيّة لغة سام ّية أخرى. املعنوي .وهذه صفة الحيّس إىل أي قدرة هذه اللّغة عىل ال ّتجريد أو ّ ّ .2ال ّتصعيدّ ، الصعود باللّفظة من معناها ّ ّ كل لغة ح ّية راقية. ت ّتصف بها ّ .3االشتقاق وهو صفة تغني اللّغة كث ًريا ،إذ تُر ّد الكلامت إىل جذورها ،وعىل هذا الجذر الّذي يشبه جذع شجرة تقوم أغصان تتف ّر ع إىل فروع ،والفروع إىل فروع. .4ال ّتوليد الّذي يكون عىل نوعني :صوغ كلامت جديدة ال عهد للعرب ّية بها من قبل ّ كالاّلمركز ّية واملاه ّية والحيث ّية ...أو إسباغ معنى جديد عىل كلمة مل توضع لهذا املعنى مثل القاطرة واملح ّرك والجريدة والهاتف... .5ال ّتعريب أي نطق كلمة أجنب ّية عىل نهج العرب ّية وأوزانها ،أي دخول هذه الكلامت يف عداد مفرداتها. .6القياس وهو يقوم عىل فلسفة لغويّة اجتامع ّية :ما قيس عىل كالم العرب فهو من كالم العرب .وهو ثورة عىل علمي له... معنّي ،وال م ّربر القائلني بصفاء اللّغة وص ّحتها وبالغتها يف عرص ّ ّ لكن إىل جانب هذه امليزات يلحظ « أنيس فريحة « وجود ما يُعيق اللّغة عن مامشاة ال ّزمن ،ويجعلها «تتسكّع يف املؤخّرة» ...فام الّذي يؤ ّدي بها ،وفق رأيه ،إىل هذا الواقع أو املشكلة؟ يرى « أنيس فريحة « أنّ مشاكل اللّغة العرب ّية تنحرص يف خمس نقاط ،هي: _______________________ .1يف اللّغة العربيّة وبعض مشكالتها ،ص .9
ال ب ّد من التأكيد عىل أ ّن املثقف الحقيقي يجب أن يكون ح ّرا ً ،وحريته املنطلقة من قناعاته هي التي تجربه عىل التصحيح إذا أخطأ .واملثقف الحقيقي هو الذي ال يقف عىل أبواب مسؤويل السلطة ،وال ميكن أن نسري باتجاه الحياة الواعية والبناءة إالّ إذا رأينا مسؤويل السلطة يقفون عىل أبواب املثقفني ،ويطلبون منهم تصحيح املسرية. تنويري صادقّ :إيّن أخاف من قلمك. قرأت أ ّن مسؤوالً يف السلطة كان يقول ملثقف ّ كانت السلطات منذ القديم تدرك قوة فعل الكلمة وتأثريها يف توجيه الرأي العام ،وقد صدق األخطل التغلبي حني قال« :والقول ينفذ ما ال تنف ُذ اإلبَ ُر» .الكلمة امللتزمة ترعب السلطات ألن السلطات والثقافة هام دامئاً يف رصاع وجودي مزمن .وهذا الخوف املعكوس هو الذي يصحح مسرية الحياة لقد ثبت الفكر عرب التاريخ أ ّما أصنام السطات فقد دفنوا يف مزابل التاريخ ،فالدهر ملك العبقرية وح َدها .إ ّن الحرية التي يحملها املثقف يف رأسه وقلمه هي ضامن استمرار مسرية الحياة من األدىن إىل األعىل ،وهي ضامن حضور اإلنجازات املعنوية واملادية التي نراها اليوم فينا ومعنا. تنويري ومستقبيل فإن ثقافته تع ِّرضه ألعتى الصعوبات ،ونجيب محفوظ أوضح األدلة وأل ّن املثقف الحقيقي هو ٌّ عىل ما نذهب إليه ،أل ّن بلوغ الحقيقة دونه صعوبات التخلف والتقليد والجهل املرتاكم عرب تاريخ طويل طويل. واملثقف التغيريي الهادف يعاين من غربة يف مجتمعه ،وتزداد غربته بازدياد تخلف مجتمعه وجهله .وهذه الغربة ال بد من مواجهتها مهام غال مثنها ،وال بد للمثقف من مواجهة هذه الغربة بعقله وسلوكه يف آن .إن الثقافة هي قل املطلوب َّ هجرة من التخلف إىل الوعي ،واملثقف يدرك أن أهدافه عظيمة ولذا سيكرث معارضوه ،و «إذا عظم ُ املساع ُد» .نعم للمكرمات الغاليات هموم« ،وال ب ّد دون الشهد من إبر النحلِ » وصعب العال يف الصعب والسهل يف السهل.
.1
العدول نهائ ًّيا عن تعليم قواعد العرب ّية يف املدارس االبتدائ ّية ،واالنرصاف إىل تعليمها باملثل قراءة
وترصيفًا وإنشا ًء واستظها ًرا وتعب ًريا .وهذا ال يعني التّوقّف عن تعليم القواعد إمّنّ ا ليس مبصطلحها القديم وبشكلها القديم .وذلك لثالثة اعتبارات:
الفلسفي ،والفلسفة فوق مدارك املتعلّمني األطفال .اللّغة وفلسفتها أ) إ ّن رصف اللّغة ونحوها نوع من التّجريد ّ السنتني األخريتني من مرحلة ال ّدراسة من مباحث الجامعات أو عىل ّ األقل من املباحث الّتي ميكن معالجتها يف ّ
الثّانويّة .فأن نقول لألطفال هذا مرفوع وهذا منصوب وهذا فاعله مق ّدر وهذا مستثقل وهذا متعذّر ...فأمور سيحفظونها غي ًبا وير ّددونها من دون فهم.
الصحيحة واإلنشاء .يف مثل هذه ب) إ ّن حفظ القاعدة يف س ّن مبكرة والتّوكيد عليها ال يعني املتعلّم عىل القراءة ّ فعوضا من الس ّن يجب أن نحرص عىل أن نعلّم الطّالب مناذج رصف ّية ومناذج نحويّة وعىل إغناء ذخريته اللّغويّة . ً ّ أن نقول له أوزان الفعل هي أفعل وف ّعل وتف ّعل ،نعطيه أكرب عدد من األفعال من هذه األوزان ليتعلّمها
وليحفظها ،وبعدئذ نقول له «تق ّدم» عىل وزن تف ّعل ،و»أكرم» عىل وزن أفعل ،أي إ ّن األفعال يف العرب ّية فئات متع ّددة األشكال ،وإ ّن فعل»تق ّدم» من فئة تف ّعل.
ج) إ ّن اللّغة أسبق يف ال ّزمن من القاعدة التي استُنبطت بناء عىل لغة قامئة .فهذه القاعدة هي وصف دقيق الرّتكيب وما يطرأ عىل الكلامت يتناول أ ّو ًاًل مفردات اللّغة وما يطرأ عليها من تغيري (وهو علم التّرصيف) ،وثان ًيا ّ
يحق لنا أن نعكس من تغيري إعرا ّيب يف هذا ّ الرّتكيب (وهو علم ال ّنحو) ،وثالثًا األساليب الجميلة يف التّعبري .فكيف ّ األمر فنعلّم أطفالنا الوصف ملا ّدة أو ليشء ال يعرفونه؟ األفضل أن نعلّمهم املا ّدة املراد وصفها .قبل أن نعلّم فصيلة الورد وتركيبها وعمل ّية تلقيحها ...نع ّرفهم إىل الوردة ونحفّزهم عىل االستمتاع بجاملها وطيبها ...فلامذا
الرّتكيب؟ س ّمي ال ّنحو نح ًوا ،أليس ليكون مناذج تحتذى ويُقتدى بها عند ّ
الرّصف وال ّنحو ،بل تعلَّامن كوحدة .2تعليم اللّغة عىل مراتب وبشكل وحدة تسعى لعدم التّجزيء بني ما ّديت ّ أي لغة هي وحدة تا ّمة ال تتج ّزأ ،ويجب أن تد ّرس كوحدة .وهذا ما يفرضه علينا مرتابطة متّسقة منطق ًّيا .فقواعد ّ منطق اللّغة ذاتها .إ ّن اللّغة كالبناء التّا ّم الجميل يتأ لّف من ثالثة أمور: _______________________ .5يف اللّغة العربيّة وبعض مشكالتها ،ص .50 .6تبسيط قواعد اللّغة العربيّة عىل أسس جديدة ،ص .25 .7املصدر نفسه ،ص .26 .8املصدر نفسه ،ص .27
نحب ّغوي ووجود لغتني مختلفتني اختالفًا كلّ ًّيا :عام ّية وفصيحة .نفكّر نتكلّم ّ أ ّواًلً :االزدواج الل ّ نصيّل نغ ّني نلعب ّ بلغة محكيّة ،وعندما نقف موقفًا رسميًّا نتلبّس شخصيّة لغويّة ثانية .وبهذا تصبح اللّغة «مخدومة ال خادمة». ثان ًيا :تقييد الفصيحة الّتي كانت لهجة مع ّينة يف ال ّزمان واملكان بأحكام وضوابط مرهقة مبن ّية عىل قواعد الشّ عر السببيّة .فهناك العلّة العر ّيب بال ّدرجة األوىل ،وعىل منطق « أرسطو « يف اللّغة والّذي مل يعد يؤخذ به واملبني عىل ّ ّ واملعلول والعامل واملعمول والتّقدير واإلضامر ...ث ّم عمدوا إىل وضع قاعدة شاملة .وأل ّن اللّغة ال ينطبق عليها طبيعي عا ّم ،كانت القواعد الفرعيّة وما نتج منها من استثناءات وشواذ... قانون ّ الصامتة فقط من دون اإلشارة إىل الحروف السام ّية األخرى« ،أي بالحروف ّ ثالثًا :كتابة الفصيحة عىل منط اللّغات ّ املص ّوتة الّتي تسبغ عىل الكلمة حياة ، ».ما يجعل القراءة عمليّة شاقّة ويلغي الغاية منها ،إذ ينبغي علينا أن نفهم لنقرأ ال أن نقرأ لنفهم. راب ًعا :عجز العربيّة يف حالتها الحارضة عن اللّحاق بالعلوم والفنون والفلسفة .وقد رأى « فريحة « أ ّن مسؤوليّة هذا العجز تتوزّع عىل ال ّناطقني بها الّذين مل يعملوا عىل تطويرها ،كام عىل اللّغة بح ّد ذاتها. خامسا :مشكلة تدريس اللّغة العربيّة وأدبها .وهذه املشكلة هي متع ّددة الوجوه ،تكمن يف املا ّدة والربنامج ً وإعداد املعلّم ووضع الكتب وأساليب التّدريس... انطالقًا من هذ الواقع ،سعى «أنيس فريحة» إىل وضع اقرتاحات رآها نافعة لتبسيط قواعد العربيّة وتعليمها عىل أسس جديدة .واقرتاحاته هذه تتامىش مع مبدأين أساس ّيني :سهولة عرض القواعد وتقريبها من مدارك املتعلّمني، ومجاراة منطق هذه اللّغة. فأي يرى «أنيس فريحة» أ ّن القاعدة اللّغويّة هي وصف لواقع لغوي ،وهي ُوضعت باالستقراء واالستنباطّ . ّ أسلوب هو أيرس األساليب إليصال هذه القاعدة إىل املتعلّمني؟ ترتكز اقرتاحات «فريحة» ،باإلضافة إىل اعتامد كتب متدرجة يف الصعوبة والتّفصيل ،عىل مبادئ أربعة ،هي: _______________________ .2يف اللّغة العرب ّية وبعض مشكالتها ،ص .10 .3املصدر نفسه ،ص .10 .4تبسيط قواعد اللّغة العرب ّية عىل أسس جديدة ،ص .23
ويف هذا املجال يقرتح «أنيس فريحة» إعادة استنباط القواعد عىل أساسني: تحلياًل علميًّا يعني يف إعادة تبويب القواعد عىل أساس جديد .ففي مراحل ً .1تحليل اللّغة إىل عنارصها ال ّرئيسة متق ّدمة تعلّم قواعد اللّغة األساس ّية من خالل ثالث مراتب: • مرتبة املفردات الّتي تعنى بأحكام الكلمة املفردة من حيث االشتقاق والتّرصيف (ما يعرف عند العرب بعلم يفضل «أنيس فريحة» تسميته بـ «علم االشتقاق». الرّصف ،وما ّ ّ الرّتكيب». الرّتكيب وهي علم ال ّنحو ،و»أنيس فريحة» ّ يفضل تسميتها بـ»علم ّ • مرتبة ّ يفضل تسميتها «درس األساليب». • مرتبة األساليب وهي تعنى بعلم املعاين أو البيان والبديع ،و»أنيس فريحة» ّ الصفة فالصفة ً الصفةّ ، الرّصف وال ّنحو تحت املواضيع اآلتيةّ : ّ مثاًل غري موجودة يف باب واحد بل موزّعة بني بايب ّ املش ّبهة ،اسم الفاعل ،اسم املفعول ،صيغ املبالغة ،أفعل التّفضيل ،ال ّنسبة ،ال ّنعت .و»أنيس فريحة» ،يف هذا وكل ما وكل ما يتعلّق بها :وزنها ،اشتقاقها ،تثنيتها ،جمعهاّ ، الصفة ّ السؤال التّايل :ملاذا ال نعلّم ّ املجال ،يطرح ّ يتعلّق بها من أحكام يف باب واحد؟ كل ما له عالقة والسبب .وذلك بإلغاء ّ .2استنباط القواعد واألحكام بطريقة وصفيّة تقريريّة من دون ذكر العلّة ّ الطاّلب وينفّرهم من درس العرب ّية واإلقبال عليها ،كمثل الفاعل ونائب الفاعل، بفلسفة العلّة ،والّذي يرهق ّ محل له من اإلعراب» ...فإذا املق ّدر واملضمر ،واملستثقل واملتعذّر ،واملتعلّق ،واالشتغال ،و»س ّد مس ّد الخرب» ،و» ال ّ قبلنا اللّغة كام هي عىل أساس أنّها تح ّدرت إلينا هكذا ،بهذا الشّ كل وليس بغريه ،عندئذ تنتفي صعوبات ج ّمة يشكو منها املعلّم والطّالب . ويقرتح «أنيس فريحة» يف هذا املجال إعادة تبويب هذه القواعد عىل الشّ كل التّايل ،أو وفق املراتب الثّالث الّتي سبق ذكرها: التغرّيات الّتي تطرأ عليها يف عمل ّيتي االشتقاق والتّرصيف ،أي علم 1-2باب قواعد الكلمة املفردة من جهة ّ الرّصف خاليًا من فلسفة العلّة .وبهذا ال نقسم الكلمة إىل ثالثة أقسام بل إىل ستّة :اسم ،فعل ،صفة ،ظرف ،ضمري، ّ كل ما له عالقة به :أوزانه ،ال ّزمن ،التّرصيف ،ما أداة .ويدرس كل قسم كوحدة تا ّمة ،فعندما ندرس الفعل ندرس ّ يشتق منه... ّ _______________________ .12املصدر نفسه ،ص .40-39 .13املصدر نفسه ،ص .40
أ) موا ّد خام يقابلها يف اللّغة املفردات ،وموضوعها الكلمة. الرّتكيب أو علم ال ّنحو ،وموضوعه الجملة املفيدة ب) تركيب هنديس وهو جوهر البناء يقابله يف اللّغة علم ّ ّ والعنارص الّتي ترتكّب منها. ج) ف ّن وزخرف وهو ما يضفي عىل املوا ّد الخام وعىل الشّ كل رونقًا وجاماًلً وسح ًرا ،ويقابله يف علم اللّغة علم األساليب التّعبرييّة وعلم البيان والبديع والفصاحة والبالغة ،ويقابله التّعبري البليغ والجميل. بالرّتكيب ،باإلنشاء بغية إكساب املتعلّم الذّخرية اللّغويّة الكبرية والكافية ،وإفهامه أ ّن ّبيعي أن يت ّم البدء ّ ومن الط ّ العرب ّية لغة اشتقاق ّية. وهذا األمر يكون يف إعادة ال ّنظر يف أمر استنباط القاعدة وتبويب القواعد عىل أساس معقول ال يس ّبب عند املتعلّم ارتباكًا . وقد كان لـ «أنيس فريحة» مأخذان عىل طريقة القدماء يف استنباط القواعد: تغرّيات يف الحركة (ال ّنصب ،ال ّرفع، أ) التّوكيد يف تعليم اللّغة هو توكيد عىل آخر الكلمة وما يحدث فيها من ّ ال ّج ّر ،الجزم). األقل من وجهة نظر الطّالب( ،حرش ال ّنواصب والجوازم يف درس املضارع ذلك ب) وجود خطأ يف التّبويب ،عىل ّ مبني عىل أساس حركة الحرف األخري من الكلمة ال عىل أساس ألنّها تحدث تغي ًريا يف آخره) .بكالم آخر التّبويب ّ املعنى أو عىل أساس مناذج الكالم .ويرى «أنيس فريحة» أنّها يجب أن تد ّرس يف ثالثة أبواب مختلفة :باب األمر، بالسليقة نستطيع أن نعلّمهم أنّنا يف الفصحى نقول، باب ال ّنفي ،باب ّ الرّشط .وأل ّن الط ّّاّلب يعرفون صيغة األمر ّ مثاًل :قم ،ال تقم ،ليقم .ونس ّمي األ ّول األمر املثبت ،والثّاين األمر املنفي ،والثّالث األمر املو ّجه للغائب .وهكذا ً خصوصا أ ّن قولنا إ ّن املضارع مجزوم نكون قد تخلّصنا من إدراج الم األمر وال ال ّناهية يف جملة جوازم املضارع، ً الصغار ،وعلّمناهم وظيفة «ال ال ّناهية» و «الم األمر» ،أي نكون قد وضعنا التّوكيد هو أمر فوق مدارك الط ّّاّلب ّ عىل املعنى واالستعامل ال عىل حركة آخر املضارع . _______________________ .9تبسيط قواعد اللّغة العربيّة عىل أسس جديدة ،ص .30 .10املصدر نفسه ،ص .33-32 .11تبسيط قواعد اللّغة العربيّة عىل أسس جديدة ،ص .33
أخ ًريا ،أنا شخص ًّيا ،وبعد مرور أكرث من ثالثني سنة من التّعليم الّذي طال مختلف املستويات واألعامر ،أجد نفيس ّغوي وما تحدثه من صعوبات أوافق «أنيس فريحة» يف الكثري من األمور الّتي أثارها ،ومنها مشكلة االزدواج الل ّ تعلّم ّية ،كام مشكلة ضبط اللّغة الّتي تجعل املتعلّم أمام واقع أن يفهم ليقرأ ال أن يقرأ ليفهم .باإلضافة إىل هاتني السنتني األخريتني من املرحلة الثّانويّة ،إذ ميكن املشكلتني ،أتوقّف عند رضورة تأخري تعليم القواعد ،إمّنّ ا ليس إىل ّ الصعوبة والكم ّية .كام عند مبدأ البدء بتعليمها يف الحلقة الثّالثة من مرحلة التّعليم األسايس ،وبشكل متد ّرج يف ّ ّ وفهاًم وإنتا ًجا حفظ القاعدة الّذي ال يعني الطّالب عىل اكتساب واضح ومتني للّغة ميكّنه من مقاربة اللّغة قراءة ً لكل معلّم أن يعاينه من خالل اله ّوة الكبرية القامئة بني مهارات اللّغة املختلفة، شفه ًّيا وخط ًّيا .وهذا أمر ميكن ّ اإلنتاجي ...وقد يكون اقرتاح «فريحة» الّذي يقيض بتعليم اللّغة فصاًل بني القاعدة والتّطبيق حيث يقيم املتعلّم ً ّ قبل القاعدة وإعادة التّبويب عىل أساس املعنى واالستعامل ال عىل أساس حركة آخر الكلمة أو اإلعراب ،والعمل وحقيقي يساعد عىل اكتساب أفضل للغة . واقعي عىل التّطبيق باملثل واملحاكاة هو ،بال ّنسبة إ ّيل األه ّم ،فهو أمر ّ ّ الاّلمبارشة لل ّنامذج وقد تكون املطالعة من أكرث الوسائل الّتي تساعد املتعلّم يف هذا املجال ،وذلك مبحاكاته ّ السبب ،ومتعلّم كهذا أفضل من متعلّم املقروءة ،فرنى ،عندها ،متعل ًّاًم يكتب بشكل صحيح من دون أن يعرف ّ الرّتكيز عىل اإلعراب ،والعمل، يعرف األسباب كلّها لك ّنه ال يستطيع توظيفها يف التّعبري واإلنتاج ...إذًا علينا تحايش ّ يف املقابل ،عىل القواعد الوظيفيّة الّتي تسهم يف ردم اله ّوة بني املهارات ،وتس ّهل عمليّة مقاربة اللّغة كوحدة أي تجزيء. متكاملة من دون ّ لك ّنني ،وبكل تواضع ،ض ّد «أنيس فريحة» يف اعتباره اللّغة مسؤولة عن العجز الحاصل .إذ إ ّن اللّغة بريئة من هذه التّهمة ،أل ّن اللّغة من الحياة اإلنسان ّية ولها ،والتّعاطي معها شكل من أشكال األداء الحيا ّيت ،فإن عاش عاّم وصلت اإلنسان عاشت وإن مات ماتت ...فنحن اليوم ،عاجزون لذا صارت لغتنا عاجزة ...إذًا ،نحن املسؤولون ّ إليه لغتنا ،ألنّنا تخلّينا جمي ًعا وبإرادتنا عن إنجازاتنا العلم ّية وعن حضارتنا الفكريّة وشخص ّيتنا القوم ّية الّتي ّهبي .رفضنا تط ّو ًرا ث ّم لجأنا إىل لغة أخرى وتط ّور استوعبتها اللّغة العربيّة ّ وعرّبت عنها بسهولة يف ذاك العرص الذ ّ نتوسل ليس لنا ليك نسرت بهام ما لدينا من ضعف .نسينا ماض ًيا مزده ًرا ووقفنا فارغي األيدي أمام حارض ضعيف ّ فيه اآلخر ونأخذ منه لغاته وعلومه وفكره وحضارته وتقاليده...
الرّتكيب عىل أنّه درس يف الجملة املفيدة والعنارص الّتي ترتكّب منها ،ويف الرّتكيب حيث يُعلّم ّ 2-2باب أحكام ّ كل لغة قليلة العدد :الجملة البسيطة ،املركّبة، الرّتكيب األساسيّة يف ّ أنواع الجملة العربيّة وعددها .ومناذج ّ أي جملة عىل أنّها ترتكّب من :يشء االستفهام ّية ،املنف ّية ،املرشوطة ،الّتي فيها أداة استثناء ...وحيث نقارب الجملة ّ مثاًل ،نلغي تقسيم نتكلّم عليه (موضوع الكالم) ،يشء نقوله عن املتكلّم عليه (الخرب) وتكملة وروابط ...وبهذاً ، الخاصة بهام ،باإلضافة إىل بعض املصطلحات املركّبة الجملة إىل نوعني :اسم ّية وفعل ّية ،ونلغي قواعد اإلعراب ّ والغامضة... 3-2باب األساليب التّعبرييّة وموضوعه التّعبري البليغ والجميل ،من دون الغرق يف قوانني هذا العلم (التّشبيه، االستعارة ،الكناية ،التّورية ،الجناس )...أل ّن هذه القوانني ال تعني عىل امتالك هذه األساليب واإلنشاء وفقها أو تذ ّوقها ،وتج ّزئ اللّغة العرب ّية وتجعلها مج ّرد زخرف .ويقرتح «أنيس فريحة» يف هذا املجالّ ،أاّل يد ّرس هذا األمر مستقل يف املرحلة املدرسيّة ،بل كدرس ممتع موزّع بني درسني :اإلنشاء واألدب ،شع ًرا ونرثًا... ّ كدرس .3تعليم قواعد اللّغة عىل أساس الفهم واإلفهام ،وعىل رضورة عدم قرص ال ّنحو عىل أواخر الكلامت ،وبالتّايل، التّأكيد يف تعليم قواعد اللّغة عىل قضيّة الفهم واإلفهام ،أل ّن اللّغة فهم وإفهام .هذا األمر يقيض بال ّنتيجة إىل رضوري قليدي بسبب ما يشوبه من غموض واختالف اللّغويّني يف تخريجه ،وألنّه غري إلغاء تعليم اإلعراب التّ ّ ّ للفهم ...واالستعاضة عنه بتحليل الجملة إىل عنارصها ال ّرئيسة الّتي سبق وذكرناها (املتكلّم عليه ،ما نقوله عن املتكلّم عليه ،وتكملة وقيود وروابط) وبهذا يت ّم االستغناء عن عدد من األبواب ...بعد أن ت ّم التّوكيد يف تدريس اللّغة عىل لفظة «أنشئ» و «قس عليه» ال عىل لفظة «أعرب».فمج ّرد إعطاء القاعدة ال يعني الطّالب عىل اإلنشاء، بل اللّجوء إىل متارين اإلنشاء والقياس كأداة لرتسيخ القواعد وإلغناء الذّخرية اللّغويّة عندها يت ّم االنتقال إىل القواعد .وبالتّايل ،يفرتض االبتعاد عن اإلعراب الّذي فيه مآخذ عديدة نبّه إليها القدامى واملحدثون.
_______________________ .14تبسيط قواعد اللّغة العرب ّية عىل أسس جديدة ،ص .44 .15املصدر نفسه ،ص .49-48 .16املصدر نفسه ،ص .70
ُ ُ القلق الكائن
الكاتبة فاطمة عيل سليامن اإلنسانُ ب َني املاه ّية الجزئ ّية والكلّ ّية: ٍ دقيق لهذا املصطلح ،فقد يكو ُن هذا وصف تغص املعاجم بإدرا ِج ٍ داخل الجذور ّ الرّتبيع ّية ملصطلح «اإلنسان»ّ ،
الوصف عقل ًّيا أي ناتج من تص ّو ٍ قيق لجذر الكلمة بغية ُ رات تقو ُم عىل جمل ٍة من التّجزئ ِة والتّفصيل والتّرشي ِح ال ّد ِ
وليس ك ُُّل ما حق َ يل اإلنسا ّين .وقد يكو ُن نقل ًّيا ُمستن ًدا إىل تنزيلٍ ٍّ الوصو ِل إىل معناها َ قيل ما في ِهَ ، وفق التّص ّور العق ّ
قيل في ِه .حيثُ نلقف يف القرآن خلقًا قوميًا ﴿ لَ َق ْد َخلَ ْق َنا ْ ِ السري َ اإْلنْ َسا َن ِيِف أَ ْح َسنِ تَ ْقو ٍ ِيم﴾ .كذلك فقد قال ّ «كل ٍ خلق الله» . جون أليكس ّ : نفس هي من ِ
ِ ِ الستنباط أصلِ ِه ،فقري ًة من اليق ِني ومتحيص ِه وقد تبقى عمل ّية البحث عن هذا املصطلح ،أو باألحرى عمل ّية تأصيلِ ِه
ِ يني لعجزهم عن ال ّنها ّيئ والخالصات ،حتّى يوشك البعض عىل التّسليم بشكلٍ كاملٍ والخضو ِع الكاملِ إىل ال ّن ّص ال ّد ّ
بسبب «أعام ِر اإلنسانِ القصرية ،وأعامل ِه الكثرية» ،وجهل ِه بالكثريِ من ال ُبنى العثو ِر عىل الحقيق ِة املطلقة وذلك ِ أحق من سوا ُه بامتالكها. املعرف ّي ِة الّتي تخ ّب ُئ نفسها لزمنٍ آخرٍ ،أو لرحل ٍة زمن ّي ٍة كون ّي ٍة أخرى ،أو لرقو ٍد يف عقلٍ ُّ
ونحن هنا ال ُ كابح لسلط ِة العقلِ وإراد ٌة ساكن ٌة للام ّد ِة ،بل عىل العكس يني ٌ نقول بأ ّن الخضو َع والتّسليم لل ّن ّص ال ّد ّ
حسم ِ ِ البحث واإلعام ِل ،مبا ُز ِّو ّدت ال ّنفس البرشيّة من معارف بعد سن َني شاقّ ٍة من أل ّن الخضو َع قد يأيت كنتيج ِة ٍ للعلوم. طيل َة فرتة استكشافاتها للعوامل املتوافر ِة واملتوالدة تبا ًعا لخيالها وارتشافاتها ِ
وبتزاحم الفرض ّي ِ يصعب تحديد الحقيق ِة املطلقة يف إطا ٍر ات املُكتشفة والّتي تتواف ُر يف قبض ِة عقلِ اإلنسانِ ، هذا ِ ُ
الس ِ احات الفلسف ّية واألدب ّية إنسا ّين ديالكتييكّ، زئبقي .لك ّن العمل ّية الّتي تتصارع عليها القوى اإلنسان ّية يف ّ ّ والعلم ّية ...ت ُفيض إىل جدل ّي ٍ عذب هو الله. ات هابط ٍة فصاعد ٍة ث ّم إىل يق ٍني ٍ _______________________ .1طالبة يف قسم اللغة العرب ّية وآدابها ،الجامعة اللبنان ّية ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسان ّية ،الفرع الخامس. .2القرآن الكريم :سورة التّني ،اآلية .4 .3دافيز ،بول ،الله والفيزياء الحديثة ،ترجمة هالة العوري ،دمشق ،صفحات لل ّنرش والتّوزيع ،طبعة أوىل ،2013 ،ص .109
الصفاء اإلجتامع ّية واألخالق ّية ،مطبعة املعارف ،بغداد ،1985 ،ص.70 .4البعيل ،فؤاد ،فلسفة إخوان ّ
فهل ندرك يو ًما مخاطر ابتعادنا عن لغتنا وإهاملنا لها وعدم سعينا لتطويرها ووضعها يف سياق الحضارة الحديثة وما فيها من تط ّورات متسارعة ،أو أنّنا سنبقى يف سباتنا ملقني التّهم جزافًا عىل هذه اللّغة املنتظرة من سنني من ينهض م ّنا وينهضها معه؟ املصدران .1فريحة ،أنيس .يف اللغة العربية وبعض مشكالتها .بريوت :دار النهار للنرش.1980 ، .2فريحة ،أنيس .تبسيط قواعد اللغة العربية عىل أسس جديدة :اقرتاح ومنوذج .بريوت :منشورات الجامعة األمريكية.1959 ،
طفق يج ّزئُ محل ًّاًل ،من الخصوص إىل العموم، ومبا أ ّن معرفة األشياء تكون عرب أوصافها ،كذا ِ بحكم جزئ ّية اإلنسان َ الكل املتكامل. تراتبيّة عموديّ ٌة تفيض يف نهاية املطاف إىل ّ
يل نسأل :متى يستق ّر اإلنسان؟ وهل محكو ٌم علي ِه بالكلّ ّي ِة؟ أ ّما اآلن ويف خض ّم ذاك ّ الضجيج العق ّ
ٍ الكوكب مبجيئ ِه صاحب األث ِر شخص غزا لكل يل والواقعة الفرديّة ّ ذكرنا أ ّن اإلنسا َن كائ ٌن َ انشقاقي باملصطل ِح العم ّ ٌّ
تحاماًل ،يحصل هذا عند افتقا ِد التّفاصيل ،املبادئ ،األفكار ال ّرئيس ّية ً البعض الساح ِة املعرف ّية ،والّذي قد يظ ّن ُه ُ عىل ّ
من تركيبت ِه اإلنسانيّة ،وقاعد ِة وجوديّت ِه ،أو عن َد الغرقِ يف أمرين ،تربّص ِه باملا ّدة ،أو انغامس ِه يف حالت ِه القلقة من
باإلقدام عىل الخطو ِة ال ّرئيس ّية من عمل ّية صناعت ِه لذاتِ ِه وقولبتها يكْ يحصل غري أن مي َحق أسبابها ويزعز َع مخاوف ُه ِ
التّغيري الّذي يخشا ُه .امله ّم اآلن اإلنتقال إىل القطب اآلخر. تناقضات الفكر ِة وال ّتكوين يقول سارتر ،وقد يكو ُن حالة ٍ ِ ناقضات كام ُ ثبات ال تُحدث رش ًخا يف عقو ِل األجيا ِل .لكن وقد يكون اإلنسا ُن ولي َد التّ جارب أال يسعنا القول :إنّه يجب متحيص تلك التّناقضات ،أل ّن اإلنسان هو الّذي يصنع ذاته بذاته ،مي ّر بالتّ ِ املتناقضة؛ واملشاعر املتناقضة ،واالستنتاجات املتناقضة ،والفرضيّات املتناقضة ،لريكن نفسه يف ّ تلك الكلّيّة :الجزء
ِ بالبحث عن حقيق ٍة أضمرتها بحوث ُه وعقله ،وال جل حيات ِه املم ّحص يف األجزا ِء هو جز ٌء من كامل ّي ِة الله .قد مييض ّ
يستطيع التّعبري عنها مبصطل ٍح ٍ كاف يعطي املفهوم ح ّق ُه وصورت ُه الكاملة ،ث ّم قد مييض حقب ًة أخرى من البحث عن ِ اليّشء املضمو ِر يف أصقا ِع رأسه .قد لرسم صور ِة ّ لميحات اللّغويّة ألّنّها تكون سبيله الوحيد ِ املفهوم ،ويكتفي بالتّ والرّت ِ ِ ِ ابطات اللّغويّة ،فتحاف ُظ عىل رسمتها الوقت نفس ِه مته ّرب ًة من تكو ُن الفكرة جليّ ًة يف رأس ُه ،لك ّنها يف الكلامت ّ ِ بسبب قصورها عن الفكرة؟ كم البحث رمّبا أو الفيزيائ ّية ،أال تظلم الكلامتُ أفكا ًرا بقيت قيد ِ بصورتها ال ّرياض ّية ّ
لغوي أو نقصانٍ يف برئِ الكلامت؟ بسبب قصو ٍر حلق صاحبها ِ من فكر ٍة ظلّت حبيسة ِ ٍّ
ِ البحث يف موضو ِع الفكر واللّغة ،وقد َ شارف مقالنا عىل اإلنتهاء ،عىل ال ّرغم من أنّه ال ينت ِه ولسنا اآلن بصد ِد
ِ وتحديد ُمستق ّر ِه ،وإن كان مصطل ِح التّحديد يعني التّقيي َد بتش ّعباتِ ِه املمت ّدة .ما يه ّمنا هو سرب غور ذاك اإلنسان،
يجب علي ِه بتات ًا تقيي ُد ِ ٍ نفس ِه بدائر ٍة ما ،أو حرص نفس ِه بزمانٍ ومكانٍ ورؤوس دائريّ ٍة تغزوها أحيانًا ،غري أ ّن اإلنسان ال ُ
عدم فقدانِ جز ٍء هو حمل األمو ِر بأبعادها الشّ موليّة ،بأجزائها الشّ موليّة يك يكو َن الطّحالب .علي ِه دامئًا ُ حريصا عىل ِ ً اتب العقو ِل ،وتحصيلِ ِه ال ّدرجات املؤنّقة يف سدر ِة التّناهيات ال ُعىل. أساس يف عمل ّي ِة ارتقائِ ِه مبر ِ ٌ
تنطبق عليه العمل ّيات الحيويّة والّتي هي واحدة باملقارن ِة مع جميعِ ال ّن ِ اس واإلنسان ال يعدو كونه كائ ًنا روتين ًّيا ُ بالرّضور ِة لصيق ًة باإليجاب ّية .بل قد تكو ُن عىل هذا ِ الكوكب ،بل هو الكائ ُن املمتاز مبا ندر ،وصف ُة االمتيا ِز ليست ّ قط ًبا سلب ًّيا من القوى املغناطيس ّية الفكريّة ،وقد تكو ُن قبل هذا كلّ ِه حالة تف ّر ٍد -وهي كذلك ،-تف ّر ُد اإلنسانِ مبا الفكري الخصب ،تف ّرده مببادئ ِهِ ، بفيض علوم ِه .والتّف ّرد سم ٌة إنسان ّي ٌة بحتة ،وامتيا ٌز من ال ّناحية يحوي ِه يف رحم ِه ّ الفكريّة والفلسف ّية .أسئل ٌة تشك ُّل مواد ذ ّريّة من أجلِ انفجا ِر شكوك ِه العنيف ،لوالد ِة كونٍ مرتاتب، متناسق ٍ ٍ متش ّع ٍب النها ّيئ ،لوالد ِة حقيق ٍة إله ّية. ثم ال ّتجميع: ال ّترشيح أ ّو ًاًل ّ السادس من كتاب ِه «الله والفيزياءالحديثة» بقو ٍل لكارل جوستاف هونغ مفاد ُه: َّ استهل بول دافيز الفصل ّ
«أعتقد أ ّن بعض أجزاء اإلنسان أو روحه ،ليست خاضع ًة لقوان ِني ال ّزمانِ واملكانِ » . يل ،كلّام ك َرب العامل الّذي يف رأس ِه، حي إنسانٍ .-هو ٌ وليس ُّفالكائ ُن اإلنسا ّين مفطو ٌر عىل التّأنسنِ َ عقل أرخبي ّ كل ٍّ الصغرية الّتي ترش ُع يف الوجو ِد .حال ٌة من زادت املسافات بني األرخبيالت ،وزاد معها زخم التّفاصيلِ والجزيئ ّيات ّ ِ صنيفات الفصل .حال ُة سيول ٍة حرك ّي ٍة يف مباهج األزمن ِة املتع ّدد ِة عدم االستقرار لِعدم اعتامدها عىل األماكنِ والتّ ات التّ ِ ات املتخابط ِة ،وتكرار عمل ّي ِ والفرض ّي ِ عيش الفكر ِة إىل أقصاها يف ّأمّيا أخدو ٍد من نشيط والغز ِو املعلوما ّيتُ .
ِ ُ ّساعات العظمى وذوبانِ املجهول منها وحده املتخم مبعانٍ خف ّي ٍة .ومع االت أخاديد ال ّدماغِ ،يف أزمن ٍة محموم ٍة، داخل علب ٍة مجهريّة ،بحيث يبدأ الحدو ِد ب َني أرخبيالت ِه ،يرشع يف وضعِ ما اكتسب ُه ونرث ُه يف أقايص معمورات عقل ِه َ كل تفصيلٍ خ ّزن ُه ،من عوامل ثقب صغريٍ كام يف الفوتوبالستيكون ،مندهشً ا من ّ عاّم بداخلها عرب ٍ يف اختالس ال ّنظر ّ ِ مييل إىل التّجزئ ِة والتّفتيت ،تجزئة انشقاقيُ ، للكل املتكامل .كائ ٌن اإلنتامءات الكامل ِة ّ امليثولوجيا داخل رأس ِه ،من ّ
تحصيالت ِه املعرف ّية ،ترشيحها إىل أصغ ِر تناهياتِها ومتاهياتها .متد ّر ٌج يف حاالت التّعريفات واملسل ِ ّامت ُ انحالل املا ّد ِة ومعم ّيات املجهو ِل وأرسار ِه .حال ُة قل ِق ِه هذ ِه قلق من أمرينِ ،املا ّدة واملجهول، واالستنتاجات ...كائ ٌن ٌ ِ تستم ُّر مع ُه يف عمل ّي ِ ات تأنس ِن ِه ِّ تفتيتي من حيثُ التّصنيف شيفرات هذا العامل ،وكام أرشنا سابقًا ،فهو وفك ٌّ ينطلق بصف ِة الجزئ ّية؛ ُمُي ّح ُص ،يشذّبُ ، ولج إىل وعمل ّيات القولب ِة الذّهن ّية، ُ يسأل ...فإن انتق َد كتابًا كان قد َ قباًل؛ شظّا ُه إىل كريستال ّي ٍ ات رمل ّي ٍة يف رحل ٍة معرف ّي ٍة حصل أن درس ُه ً قباًل ،و إن بنى هر ًما زجاج ّيا َ تفاصيلِ األفكار ً
ِ املعادالت واملبادئ ال ّرياضيّة. تراصات ألعضائ ِه ،قواعد ِه الفيزيائيّة ،مواده العضويّة ،تركيبات عنارصه الكيميائيّةّ ، _______________________ .5دافيز ،بول ،الله والفيزياء الحديثة ،ص .91 املجسمة يف وارسو ،بحيث تستطيع اختالس ال ّنظر إىل ما بداخله عرب ثقب صغريٍ. الصور .6الفوتوبالستيكون :مرسح ّ ّ
الصوتي بين صوتي الواو والياء والتمايز ال ّ اللي في د التناوب ّ ّ
القرآن الكريم
الكاتب عيل إسامعيل عبد الله الصويتّ ،وظاهرة الصويتّ ،وظاهرة التناسق ّ الصوت ّية يف القرآن الكريم ،ومنها ظاهرة التقابل ّ تتع ّدد الظواهر ّ
ولكل ظاهر ٍة من هذه الظواهر خصائص مع ّينة ،مت ّيزها عن الصو ّيت التي سيت ّم تناولها يف هذا البحثِّ ، التناوب ّ مثاًل ،تكون يف التقابل بني املرفوع واملجرور أو العكس ،أو بني املجرور واملنصوب الصويتّ ً األخرى ،فظاهرة التقابل ّ أو العكس ،أو بني املرفوع واملنصوب أو العكس ،يف آخر اآليات القرآن ّية ،وهذا ما أشار إليه الدكتور «محمد
عبدالله» بعد تخصيص كالمه عن هذه الظاهرة يف ٍ آيات مح ّددة يف قوله« :هي يف ذلك التقابل بني املرفوع
رصا قوله تعاىلَ ﴿ :و إِ َّن ِم ْن ِشي َع ِت ِه َ ِإَلبْ َرا ِهي َم ( )83إِ ْذ َجا َء ً واملجرور ،وبني املجرور واملنصوب» ، ومتثياًل عىل ذلك ال ح ً حاصل بني املنصوب يف وقف الفاصلة األوىل واملجرور يف وقف الفاصلة ٌ َربَّ ُه ِب َقل ٍْب َسلِ ٍيم﴾ ،فالتقابل ّ الصويتّ الثانية .و من أمثلة التقابل بني املجرور واملرفوع يف وقف الفاصلتني األوىل والثانية قوله تعاىل﴿ :فَ َنظَ َر نَظْ َر ًة ِيِف وم ( )88فَق ََال إِ ِّيِّن َس ِقي ٌم﴾ .ومن أمثلة التقابل بني املرفوع واملنصوب قوله تعاىل﴿ :ال َّر ْح َم ُن (َ )1علَّ َم الْ ُق ْرآ َن﴾ . ال ُّن ُج ِ الصو ّيت تكون يف تشابه فواصل الكالم األخرية التي تنتهي بها اآليات القرآن ّية ،وتتحقّق يف حالة أ ّما ظاهرة التناسق ّ الوقف ،فـ»تُضفي ظالاًلً صوت ّية رائع ًة ،مُتُ َث ُِّل يف أسامعنا ُص َو ًرا تتناولها أذهاننا وكأنّها واق ٌع ننظر إليه بأحداقنا» .
وقد تحقّقت هذه الظاهرة يف آيات كثرية من القرآن الكريم ،منها عىل سبيل املثال ال الحرص قوله تعاىل﴿ :يَا أَيُّ َها الْ ُم َّدث ِّ ُر ( )1قُ ْم فَأَنْ ِذ ْر (َ )2و َربَّ َك فَك ِّ َْرِّب (َ )3وثِ َيابَ َك فَطَ ِّه ْر (َ )4وال ُّر ْج َز فَا ْه ُج ْر (َ )5واَلَ مَتَ ْ ُن ْن ت َْستَك ِ ُْرِث (َ )6ولِ َربِّ َك
َاص ِ ْرِب﴾ . ف ْ _______________________ الصوت اللغوي ودالالته يف القرآن الكريم ،دار ومكتبة الهالل ،بريوت – لبنان ،الطبعة األوىل 2008 ،م ،ص ..85 – 84 .1عبدالله ،محمد فريدّ ، ّ الصافّات ،اآليتان .84 – 83 .2القرآن الكريم ،سورة ّ الصافات ،اآليتان .89 – 88 .3القرآن الكريم ،سورة ّ .4القرآن الكريم ،سورة الرحمن ،اآليتان .2-1 الصوت اللغوي ودالالته يف القرآن الكريم ،ص .85 .5عبدالله ،محمد فريدّ ، ّ .6القرآن الكريم ،سورة امل ّدث ّر ،اآليات .7-6-5-4-3-2-1
من جه ٍة أخرىُ ،ص ِّنف العدي ُد من العلام ِء والفالسفة يف دائر ِة اإللحاد ،ما يه ّم قوله إ ّن امللحد هو ملح ٌد بذاتِه، ِ بامللح ِد -وأس ّمي ِه بال َقلِ ِق -عن فكر ٍة ما ،نظام ما ،مق ّدمات ما، متشك ٌّك بأعطا ِف ِه الذّات ّية ،حني يداف ُع الّذي تس ّمون ُه أليست الفكرة إلها ًما آمن نظريّات ما ،أليست هذه األفكار واملبادئ واألنظمة واملق ّدمات أجزاء من ّ الكل املتكامل؟ َ مناقض نفسه ،ميل ٌء باملربّ ِ عات رافض لوجو ِد نفس ِه، بهاَ ، عمل بها ،داف َع عنها ،حتّى وإن كا َن ً ٌ رافضا لوجو ِد الله ،لك ّنه ٌ يك الّذي افتقد مبدأ ات ّساق ِه وترتي ِب ِه ،يعيش مثل بطلِ باربوس ،غرفت ُه هي حدود إدراك ِه، السوداء يف مك ّع ِب ِه ال ّروبي ّ ّ ويطلق األحكا َم بفر ٍ اغات عديد ٍة .نحن هنا ال ندافع عن من تنعتونهم – الخارجي من ثقب الحائط يرى العامل ُ ّ بامللحدين -وال نس ّوغ نظريّاتهم .لك ّننا ُ الصغري ِة؟ ورب األشيا ِء ّ نقول إ ّن املؤمن باألجزاء كيف له ّأاّل يكو َن مؤم ًنا بالكلّ ّية ّ
خامتة بترسبل بالشّ ِ ِ ِ واليأس ،أنا ٌّين أحيانًا، والقلق بالخوف يتآكل ُ لحكم، كوك ،ال يطم ُّنئ ُ هذا هو اإلنسان ،يجتهد ليعرف، ِ ٍ يهرب متج ّر ًدا من ُهويّات ِه ،يتملّص ،يشتّ ُت نفس ُه ،يرى ما يريد ُه ه َو ال ما هو علي ِه حقًّا، غطرس يف أحيانٍ أخرىُ ، ُمتَ ٌ ال يكتفي ،يري ُد أكرث ،آخر ،جديد .ال يعجب ُه إله ُه ،ال يعجب ُه شخصه ،ال تعجب ُه مساحاتُ اإلحاط ِة ،فيتج ّدد .من ال لفيف األجزا ِء .حتّى تلك الكلامت أقل. أقل ،ميوتُ أرسع ،يوث ّ ُر ّ يتج ّدد يبقى ساك ًنا؛ يك ُرب أكرث ،يشعر ّ متآلف ُمتناف ٌرُ ، ٌ سبق وأجزنا الحديث عنها -هي إسقا ٌط جز ٌّيئ من فكر ٍة نح ُن نبتَدعها ،نحاول قدر املستطا ِع أن املتناهية –الّتي َ رصا عن التّ ِ قيق واإلحاطة بالشّ مول ّي ِة الكاملة. حديد ال ّد ِ نصل ألقصاها والتّعبريِ عنها بكامالتها ،لك ّن التّعبري يبقى قا ً كذا اإلنسا ُن ،الجزء املصنو ُع من كاملٍ صانعٍ ،مييض حيات ُه يف محاول ِة الوصو ِل إلي ِه قدر اإلمكان عن طريق الفحص الصنعة ال يعرف املصنوع ،ومن يف املوجودات واملصنوعات والتّأ ّمالت وشتّى الوسائل املعرف ّية «فإ ّن من ال يعرف ُّ الصانع» . ال يعرف املصنوع ال يعرف ّ
ّغوي -1ال ّتعريف ّ بالصوت الل ّ متصاًل، ً مستطياًل ً الصوت بأنه «الج ْرس» ،وعرفه «ابن جني» بأنه « َع َر ٌض يخرج من ال ّنفَس ع ّرف «ابن منظور» ّ حتى يعرض له يف الحلق والفم والشفتني مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته ،فيسمى املقطع أينام ُعر َِض له الصوت الذي ينطق به اإلنسان فالصوت اللغوي إذًا ،هو ّ حرفًا .وتختلف الحروف بحسب اختالف مقاطعها» ّ . ّ عندما يريد الكالم ،فيخرج حرفًا يتم ّيز بأ ّن له معنى وداللة ،ويخضع لنظام لغوي له أسسه ومبادئه. -2معاين الحروف العرب ّية ودالالتها السياق من جهة أخرى، تح ّدث علامء اللّغة عن دالالت الحروف العرب ّية وارتباطها بداللة اللّفظ من جهة ،وداللة ّ ّعالبي« :تبدو الحروف والصيغ مرتابطة مع ال ّداللة ،وكأ ّن هنالك نتيجة رضوريّة لإليحاء من تتابع الحروف ،أو فقال الث ّ بناء الكلامت» .واستخلص «عبدالله العالييل» معاين الحروف العرب ّية ودالالتها ،فجاءت عىل الشكل التايل: _______________________ .11أديب ومؤ ّرخ وعامل يف الفقه اإلسالمي واللغة العربية .من أشهر مؤلّفاته معجم لسان العرب .هو محمد بن مكرم بن عيل أبو الفضل جامل الدين ابن منظور األنصاري الرويفعى األفريقى ،ولد يف شهر محرم عام 630هـ1232 -م ،و قد أختلفت األقاويل حول مكان والدته ،قيل بقفصة بتونس ،وقيل بطرابلس بليبيا ،وقيل مبرص .ويع ّد من نسل رويفع بن ثابت األنصاري ،تتلمذ عىل يد عبد الرحمن بن الطفيل ،ومرتىض بن حاتم ،ويوسف املخييل، وأيب الحسن عيل بن املقري البغدادي ،والعامل الصابوين .خدم يف ديوان اإلنشاء بالقاهرة ،ثم ويل القضاء يف طرابلس ،أصيب بالعمي يف آواخر سنوات حياته وتويف يف مرص يف شهر شعبان عام 711هـ1311 -م. الصادق العبيدي ،دار إحياء الرتاث العريب، .12إبن منظور ،لسان العرب ،طبعة جديدة مص ّححة اعتنى بتصحيحها أمني محمد عبد الوهاب ومحمد ّ مؤسسة التاريخ العريب ،بريوت – لبنان ،الطبعة األوىل 1416 ،هـ 1996 -م ،ج ،7مادة صوت ،ص .435 .13أبو الفتح عثامن بن جني املشهور بـابن جني عامل نحوي كبري ،ولد باملوصل عام 322هـ ،ونشأ وتعلم النحو فيها عىل يد أحمد بن محمد املوصيل األخفش .عىل الرغم أن ابن جني كان يتبع املذهب البرصي يف اللغة إال أنه كان كثري النقل عن أناس ليسوا برصيني يف النحو واللغة وقد يرى يف النحو ما هو بغدادي أو كويف ،فيثبته .ويعد ابن جني أول من قام برشح أشعار ديوان املتنبي وقد رشحه رشحني الرشح الكبري والرشح الصغري ،ومل يصل إلينا يف العرص الحديث سوى الرشح الصغري .له ما يفوق الخمسني كتابا ،أشهرها كتاب الخصائص الذي يتحدث فيه عن بنية اللغة وفقهها.وكتاب رس صناعة االعراب .عاش ابن جني يف عرص ضعف الدولة العباسية ومع ذلك فقد وصل ابن جني إىل مرتبة علمية مل يصل إليها إال القليل ،وكانت وفاته سنة 392هـ. .14ابن جني ،أبو الفتح عثامن ،رس صناعة اإلعراب ،دراسة وتحقيق :د حسن هنداوي ،دار القلم ،دمشق ،الطبعة األوىل ،1985 ،ج ،1ص .6 .15الثعالبي ،اإلمام أيب منصور عبد امللك بن محمد بن إسامعيل املتويف سنة ،429فقه اللّغة ،تحقيق :د .جامل طلبة ،دار الكتب العلميّة ،بريوت لبنان ،ج ،2الطبعة األوىل 1414 ،هـ 1994م ،ص .60السؤال ،دمشق ،ص .64-63 .16عيل ،أسعد ،تهذيب املق ّدمة اللّغوية ،تأليف عبد الله العالييل ،دار ّ
تناوب صويتٍّ بني الصويتّ التي تظهر يف أواخر اآليات القرآنيّة املتتابعة من خالل ٍ يتناول البحث ظاهرة التناوب ّ صوتني من أصوات الكالم يُحدثان متاي ًزا صوتيًّا يظه ُر جليًّا يف أثناء القراءة وال ّنطق .والتناوب وفق قول «جورج الصويت يف «تغرّي يتع ّرض له فونيم ما أو مجموعة من الفونيامت داخل نظام مورفولوجي» .وللتناوب ّ مونان» هو ّ ٍ لغوي داللة مختلفة عن داللة األصوات األخرى ،وأل ّن الكلمة، صوت لكل اآليات القرآنيّة أث ٌر يف ال ّداللة ،ذلك أل ّن ّ ّ وفق ما ذكر «األرسوزي» ،هي «وحدة تتفاعل فيها األجزاء (حروفها ،حركاتها ،عالماتها) تعب ًريا عن املعنى الذي اختارها بدنًا له» .فللكلمة داللتها ،وتتشكّل هذه ال ّداللة من مجموع دالالت األصوات املتآلفة يف الكلمة وتفاعلها ٌ يف ما بينها .يقول «عاصم املرصي» إ ّن املفردة هي ٌّ ومدلول يف عني الوقت .فاملفردة حرك ٌة واحد ٌة متثّل يف «دال الص ِ وت واملفردة من جوهرها العالقة الرتابطيّة بني األصوات املتأ لّفة منها» .وملعرفة هذه العالقات ال ّدالليّة بني ّ ّغوي أ ّواًلً ،وذكر معاين الحروف والسياق من جهة أخرى ،ال ب ّد من التعريف ّ جهة ،وبني ّ بالصوت الل ّ الصوت ّ الصويت وما ينتج عنها من متايز داليل ثالثًا. ودالالتها ثانيًا ،ودراسة ظاهرة التناوب ّ _______________________ ّغوي هو وحدة صوت ّية تستعمل يف بناء الكالم ،وثؤث ّر فيه ،بحيث ال ميكن اسبدالها بفونيم آخر من دون الصوت ّية أو ّ .7الفونيم أو الوحدة ّ الصوت الل ّ تغرّي يف املعنى. إحداث ّ .8مونان ،جورج ،معجم اللسان ّيات ،ترجمة د .جامل الحرضي ،مجد املؤسسة الجامع ّية لل ّدراسات وال ّنرش والتوزيع ،بريوت ،الطّبعة االوىل 1433 ،هـ 2012م ،ص .143 .9األرسوزي ،زيك ،املؤلفات الكاملة ،املجلد األول ،مطبعة اإلدارة السياسية والقوات املسلحة ،دمشق ،الطبعة األوىل 1392 ،هـ 1972 -م ،ص .90 .10املرصي ،عاصم ،األبجديّة ودالالتها النظريّة والتطبيق ،الفرات للنرش والتوزيع ،بريوت – لبنان ،الطبعة األوىل ،2013 ،ص .132
النون ّ :يدل عىل البطون يف اليشء ،أو عىل متكّن املعنى مت ّك ًنا تظهر أعراضه. الهاء ّ :يدل عىل التاليش. الواو ّ :يدل عىل اإلنفعال املؤثر يف الظّواهر. الياء ّ :يدل عىل اإلنفعال املؤث ّر يف البواطن. والسياق ّية. إ ّن للحروف العرب ّية معا َين ودالالت ،تتآلف وتتفاعل يف ما بينها إلنتاج ال ّدالالت اللّفظ ّية ّ الصويت ومتايز الدّ الالت -3التناوب ّ الصو ّيت يف القرآن الكريم ،وتظه ُر من خالل متايز األصوات أو الحروف املنطوقة يف آخر اآليات تربز ظاهرة التناوب ّ والسياق .ولتبيان ذلك سيت ّم القرآنيّة املتتابعة التي تتميّز بهذه الظاهرةّ ، ماّم يُ َولّ ُد متاي ًزا دالليًّا يؤث ّ ُر يف املفهوم ّ العمل عىل منوذجني من اآليات القرآن ّية. ال ّنموذج األ ّول قوله سبحانه وتعاىل:ْت َو ِحي ًدا (َ )11و َج َعل ُْت لَ ُه َم ًااًل َم ْم ُدو ًدا (َ )12وبَ ِن َني شُ ُهو ًدا (َ )13و َم َّه ْدتُ لَ ُه مَتَ ْهِي ًدا﴾ . ﴿ َذ ْر ِيِن َو َم ْن َخلَق ُ صويَت الياء والواو يف الكلامت األخرية ( َوحيدا ،ممدودا ،شهودا ،متهيدا) .والياء ّ يدل الصويت يف هذه اآليات بني َ يربز التّناوب ّ عىل اإلنفعال املؤثر يف البواطن ،والواو ّ يداّلن عىل انفعا ٍل مؤث ّر لكن فالصوتان ّ يدل عىل اإلنفعال املؤثر يف الظواهرّ ، السلوك أو املشاهد الظاهريّة ،واآلخر يف البواطن أي داخليًّا وباطنيًّا .وهذا ما ّ يدل أحدهام يف الظواهر فيظهر من خالل ّ الظاهري الذي يعكس هذا الباطن والسلوك عىل ٍ ّ تناوب يف التأثري بني الباطن والظاهر ،بني ما يحويه اإلنسان يف باطنهّ ، السياق .فاآليات الكرمية املذكورة «نزلت يف الوليد بن املغرية املخزومي ،وذلك أ ّن قريشً ا جسده ،ولهذا ارتباط بداللة ّ ويُ ّ اجتمعت يف دار ال ّندوة ،فقال لهم الوليد :إنّكم ذوو أحساب ،وذوو أحالم ،وإ ّن العرب يأتونكم فينطلقون من عندكم عىل أمر مختلف ،فأجمعوا أمركم عىل يش ٍء واحد ،ما تقولون يف هذا ال ّرجل (أي محمد ص)؟ ...قالوا :نقول إنّه ساحر ،قال :وما الساحر؟ فقالوا :برش يحببون بني املتباغضني ،ويبغضون بني املتحابني ،قال :فهو ساحر ،فخرجوا فكان ال يلقى أحد منهم ّ النبي (ص) إال قال :يا ساحر يا ساحر ،واشت ّد عليه ذلك» . ّ _______________________ .17القرآن الكريم ،سورة امل ّدث ّر ،اآليات .14-13-12-11 السعيد أبو عيل الفضل بن الحسن ،املتوىف سنة 548هجريّة ،مجمع البيان لعلوم القرآن ،نقّحه وص ّححه أبو عبدالله آل زهوي، .18الطربيس ،اإلمام ّ املجلّد الثاين عرش ،املركز الثقايف اللبناين ،بريوت – لبنان ،الطبعة األوىل 1424 ،هـ 2004 -م ،ص .44
يدل عىل الجوفيّة و عىل ما هو وعا ٌء للمعنىّ ، الهمزة ّ :الصفة تصري طب ًعا. ويدل عىل ّ يدل عىل بلوغ املعنى يف اليشء بلوغًا تا ًما ،و ّ الباء ّ :يدل القوام الصلب بالتف ّعل. التاء ّ :يدل عىل اإلرضاب يف الطبيعة أو املالبس للطبيعة يف غري ما يكون شدي ًدا. الثاء ّ :الحس أو املعنى. يدل عىل التعلّق باليشء تعلقًا له عالمته الظاهرة سواء يف ّ الجيم :يدل عىل ال ِعظم مطلقًا.التمسك البالغ وباألخص يف الخف ّياتّ ، الحاء ّ :ويدل عىل املائ ّية. يدل عىل ّ الخاء ّ :يدل عىل املطاوعة واإلنتشار ،وعىل التاليش مطلقًا . ال ّدال ّ :التغرّي املتوزّع. يدل عىل التّصلب وعىل ّ الذال ّ :يدل عىل التف ّرد. يدل عىل امللكة ،و ّ ال ّراء ّ :يدل عىل شيوع الوصف. ال ّزاي ّ :يدل عىل التقلّع القوي. السني ّ : يدل عىل السعة والبسطة من غري تخصيص. ّفيّش بغري نظام. الشني :يدل عىل التّ ّ الصاد ّ :يدل عىل املعالجة الشديدة. الضاد ّ : يدل عىل ال َغلَبة تحت الثّقل. ّالصفة ،وعىل اإللتواء واإلنكار. الطاء :يدل عىل امللك ّية يف ِّ الظّاء :يدل عىل التمكّن. العني ّ :يدل عىل ال ُخل ِّو الباطن ،أو عىل الخل ّو مطلقًا. الغني ّ :يدل عىل كامل املعنى يف الغؤور أو اإلخفاء. يدل عىل الزم املعنى ،أي ّ الفاء ّ :يدل عىل املعنى الكنايئ. القاف ّ :يدل عىل املفاجأة التّي تحدث صوتًا. الكاف ّ :يدل عىل اليشء ينتج عن اليشء يف احتكاك. الالم ّ :يدل عىل اإلنطباع باليشء بعد تكلّفه. -امليم :يدل عىل اإلنجامع.
أعطى االنفعال ،الذي متثّل باألمر ،تأث ًريا مستم ًّرا عرب ال ّزمن ،أي أ ّن الله سيعاقب من يفعل مثل الوليد ،فالله يقول يف محكم آياتهَ ﴿ :و إِ ْذ تَأَ َّذ َن َربُّ ُك ْم ل ِ َْنِئ شَ َك ْرتُ ْم أَلَ َزِي َدنَّ ُك ْم َول ِ َْنِئ كَ َف ْرت ُ ْم إِ َّن َعذ َِايِب لَشَ ِدي ٌد﴾ .
الصوت ال ّدال عىل حتم ّية إ ّن هذا التناوب بني َ صويَت الياء والواو يف اآليات التي ُذكِرت قد جاء «يف سياق نصاعة ّ السياق ّية التي أُن ِت َجت. املآل ،ودميومة االستحقاق» ،وهذا ما أظهرته ال ّدالالت ّ
ال ّنموذج الثاين قوله سبحانه وتعاىل:رِسوا قَ ْولَ ُك ْم أَ ِو ا ْج َه ُروا ِب ِه إِنَّ ُه َعلِي ٌم ِبذ ِ الص ُدو ِر َات ُّ ﴿إِ َّن ال َِّذي َن يَ ْخشَ ْو َن َربَّ ُه ْم بِالْ َغ ْي ِب لَ ُه ْم َم ْغ ِف َر ٌة َوأَ ْج ٌر كَ ِب ٌري (َ )12وأَ ِ ُّ
يف الْ َخ ِب ُري (ُ )14ه َو ال َِّذي َج َع َل لَ ُك ُم اأْلْ َ ْر َض َذل ًُواًل فَا ْمشُ وا ِيِف َم َناكِ ِب َها َوكُلُوا ِم ْن ( )13أَ َاَل يَ ْعلَ ُم َم ْن َخل ََق َو ُه َو الل َِّط ُ ِر ْز ِق ِه َو إِلَ ْي ِه ال ُّنشُ و ُر﴾ .
ٍ صوت منهام ولكل الصدور ،الخبري ،ال ّنشور)ِّ ، تناوب بني َ يرب ُز صويَت الياء والواو يف أواخر اآليات الكرمية (كبريّ ، ٌ يدل عىل االنفعال املؤث ّر يف الظواهر ،والياء ّ داللة مع ّينة كام سبق و ُذكِر ،فالواو ّ يدل عىل االنفعال املؤث ّريف أيضا. البواطن ،ومبا أنّهام يتناوبان صوت ًّيا يف اآليات ،فهام يتناوبان دالل ًّيا من خالل التأثري بني الظاهر والباطنً ،
ٍ مختلف عن اآلخر ،األ ّول يف البواطن والثاين كل صوت منهام يؤث ّر يف أم ٍر يداّلن عىل انفعا ٍل مؤثر ،لكن ّ فالصوتان ّ ّ يف الظواهر ،واألمران ض ّدان ويف الوقت نفسه مرتابطان. يرشح الطّربيس هذه اآليات الكرمية ،فيقول يف رشح اآلية الثانية عرشة :ملّا تق ّدم الوعيد عقبه سبحانه بالوعد، فقال﴿ :إِ َّن ال َِّذي َن يَ ْخشَ ْو َن َربَّ ُه ْم بِالْ َغ ْي ِب﴾ أي يخافون عذاب ربّهم باتقاء معاصيه ،وفعل طاعاته ،عىل وجه االسترسار بذلك ،أل ّن الخشية متى كانت بالغيب عىل ما ذكرنا ،كانت بعيدة من الرياء ،خالصة لوجه الله﴿ .لَ ُه ْم َم ْغ ِف َرةٌ﴾ لذنوبهم ﴿ َوأَ ْج ٌر كَ ِب ٌري﴾ أي عظيم يف اآلخرة ال فناء له» .
_______________________ .24القرآن الكريم ،سورة إبراهيم ،اآلية .7 الصوت اللغوي ودالالته يف القرآن الكريم ،ص .86 .25عبدالله ،محمد فريدّ ، ّ .26القرآن الكريم ،سورة امل ُلك ،اآليات .15-14-13-12 السعيد أبو عيل الفضل بن الحسن ،املتوىف سنة 548هجريّة ،مجمع البيان لعلوم القرآن ،ص .298 .27الطربيس ،اإلمام ّ
ّربيس» اآليات يف «مجمع البيان» فيقول« :ث ّم قال سبحانه لنب ّيه (ص) عىل وجه التهديد للكافر الذي ويرشح «الط ّ فإيّن ٍ كاف له يف عقابه .دعني ومن خلقته يف بطن أ ّمه ْت َو ِحي ًدا ( ،﴾)11أي دعني وإ يّاهّ ، وصفهَ ﴿ :ذ ْر ِيِن َو َم ْن َخلَق ُ وحده ،ال مال له وال ولد ،يعني الوليد بن املغرية .ث ّم ذكر سبحانه رزقه املال والولد ،فقالَ ﴿ :و َج َعل ُْت لَ ُه َم ًااًل السفر للتّجارةَ ﴿ .و َم َّه ْدتُ َم ْم ُدو ًدا (َ )12وبَ ِن َني شُ ُهو ًدا ( ﴾)13حضو ًرا معه مبكّة ،ال يغيبون عنه ،لغناهم عن ركوب ّ بسطت له يف العيش بسطًا» .فاآليات ّ تدل عىل األمر الحاصل يف الباطن واالنفعال املؤثر فيه، لَ ُه مَتَ ْهِي ًدا ( ﴾)14أي ُ واملتمثّل بأسلوب األمر ،حيث كان الخلق يف البداي ِة باطنيًّا ،وهذا متالئ ٌم مع داللة الياء .ث ّم تح ّدثت اآليات عن السلوك ،وهذا متالئ ٌم مع داللة الرزق واملال والحضور وبسط العيشّ ، وكل ذلك يظه ُر جل ًّيا يف الظاهر ويؤث ّر يف ّ الواو .وقد جاء صوتا الياء والواو مقرتنني بحرف ال ّدال املفتوح املمدود بألف امل ّد عند الوقف ،وصوت امل ّد الطّويل يف القرآن ّ يدل عىل «استغراق ال ّزمان واملكان وال ّدميومة» ،أي استمراريّة ال ّزمان والمحدوديّة املكان وال ّدميومة يف الصفة ،أ ّما صوت امل ّد القصري كألف امل ّد الذي اقرتن بال ّدال يف اآليات ،فقد ّ دل عىل دميومة الحدث أو األمر أو ّ ال ّرزق الكثري الذي أعطاه الله للوليدّ ،إاّل أ ّن هذه ال ّدميومة لن تستم ّر دامئًا بل ستتوقّف يف زمنٍ مح ّدد ،بسبب (كاّل) أي ال يكون كام ظن ،وال أزيده مع عدم شكره لله عىل نعمه بل طمع يف الزيادة ،فجاء «ال ّرد ُع وال ّزجرّ :
كفره» .وهذا ما ب ّينته اآليتان﴿ :ث ُ َّم يَطْ َم ُع أَ ْن أَزِي َد ( )15ك ََّاَّل إِنَّ ُه كَا َن ِآِليَاتِ َنا َع ِني ًدا﴾ ّ . ويدل حرف ال ّدال ،كام ُذكِر للتغرّي التغرّي املتوزّع ،فكان تصل ُّب الوليد وعناده عىل الطّمع والكفر وعدم الشّ كر سببًا ّ سابقًا ،عىل التّصلب وعىل ّ صويَت الياء والواو بصوت ال ّدال اقرتانًا بني داللة اإلنفعال املؤثر يف ال ّرزق والحال الذي كان عليه ،فانعكس اقرتان َ السياق ومتأث ّ ًرا منه من حيث ال ّداللة. وداللة صوت ال ّدال ،فكان ذلك مؤث ّ ًرا يف ّ _______________________ السادس الهجري .ولد يف مدينة مشهد سنة .19أبو عيل الفضل بن الحسن الطربيس املعروف بأمني اإلسالم ،من أبرز علامء الشيعة اإلمامية يف القرن ّ األجاّلء حتى صار عامل ًا شامخًا من أعالم اإلمامية .وقد اشتغل يف 468أو 469هـ ونشأ يف بيت عرف أهله بالفضل والعلم .أخذ العلم من مشايخ عرصه ّ علم اللغة ،واالشتقاق ،واملعاين والبيان ،والتاريخ ،والحساب ،والجرب واملقابلة ،له مصنفات كثرية منها تفسري مجمع البيان الذي يعد من التفاسري املهمة عند الشيعة. السعيد أبو عيل الفضل بن الحسن ،املتوىف سنة 548هجريّة ،مجمع البيان لعلوم القرآن ،ص.45 .20الطربيس ،اإلمام ّ الصوت اللغوي ودالالته يف القرآن الكريم ،ص .181 .21عبدالله ،محمد فريدّ ، ّ السعيد أبو عيل الفضل بن الحسن ،املتوىف سنة 548هجريّة ،مجمع البيان لعلوم القرآن ،ص.45 .22الطربيس ،اإلمام ّ .23القرآن الكريم ،سورة امل ّدث ِّر ،اآليتان .16-15
لكل ٍ حرف معنى وداللة ،وتختلف معاين الحروف العربيّة ودالالتها بعضها عن بعض باختالف أظهر البحث أ ّن ِّ كل حرف أو صوت وخصائصه ،وتتآلف هذه ال ّدالالت وتتفاعل يف ما بينها لتشكّل دالالت األلفاظ من جهة طبيعة ّ السياقات من جهة أخرى. ودالالت ّ تناوب دال ٍّيل بني داللة صوت الواو وداللة إ ّن تناوب صويت الواو والياء يف أواخر اآليات القرآن ّية املتتابعة ،يؤ ّدي إىل ٍ السياق ويتأث ّر فيه. صوت الياءّ ، ماّم ينتج متاي ًزا دالليًّا يؤث ّر يف ّ الصوت ّية القرآن ّية نو ًعا من أنواع اإلعجاز القرآين ،يكمن يف مقاطعه الصوت ّية التي تنتهي بها تبنّي هذه الظاهرة ّ ّ بكل ما فيه. كتاب ُمعج ٌز ِّ اآليات وما تشكّله من إيقاعات صوت ّية ودالل ّية ،فالقرآن الكريم ٌ قامئة املصادر واملراجع -1القرآن الكريم. -2ابن جني ،أبو الفتح عثامن ،رس صناعة اإلعراب ،دراسة وتحقيق :د حسن هنداوي ،دار القلم ،دمشق ،الطبعة األوىل ،1985 ،ج.1 الصادق -3ابن منظور ،لسان العرب ،طبعة جديدة مص ّححة اعتنى بتصحيحها أمني محمد عبد الوهاب ومحمد ّ العبيدي ،دار إحياء الرتاث العريب ،مؤسسة التاريخ العريب ،بريوت – لبنان ،الطبعة األوىل 1416 ،هـ 1996 -م ،ج.7 -4األرسوزي ،زيك ،املؤلفات الكاملة ،املجلد األول ،مطبعة اإلدارة السياسية والقوات املسلحة ،دمشق ،الطبعة األوىل 1392 ،هـ 1972 -م ،ص .90 -5الثعالبي ،اإلمام أيب منصور عبد امللك بن محمد بن إسامعيل املتويف سنة ،429فقه اللّغة ،تحقيق :د .جامل طلبة ،دار الكتب العلميّة ،بريوت -لبنان ،ج ،2الطبعة األوىل 1414 ،هـ 1994م. السعيد أبو عيل الفضل بن الحسن ،املتوىف سنة 548هجريّة ،مجمع البيان لعلوم القرآن ،نقّحه وص ّححه -6الطربيس ،اإلمام ّ أبو عبدالله آل زهوي ،املجلّد الثاين عرش ،املركز الثقايف اللبناين ،بريوت – لبنان ،الطبعة األوىل 1424 ،هـ 2004 -م. اللغوي ودالالته يف القرآن الكريم ،دار ومكتبة الهالل ،بريوت – لبنان ،الطبعة الصوت -7عبدالله ،محمد فريدّ ، ّ األوىل 2008 ،م. السؤال ،دمشق. -8عيل ،أسعد ،تهذيب املق ّدمة اللّغوية ،تأليف عبد الله العالييل ،دار ّ -9املرصي ،عاصم ،األبجديّة ودالالتها النظريّة والتطبيق ،الفرات للنرش والتوزيع ،بريوت – لبنان ،الطبعة األوىل.2013 ، -10مونان ،جورج ،معجم اللسان ّيات ،ترجمة د .جامل الحرضي ،مجد املؤسسة الجامع ّية لل ّدراسات وال ّنرش والتوزيع ،بريوت ،الطّبعة االوىل 1433 ،هـ 2012 -م
السياق يف اآلية تالؤ ًما مع داللة صوت الياء يف كلمة (كبري) ،أل ّن الخشية يف الغيب هي خشي ٌة تكشف داللة ّ ماّم ينعكس تأث ًريا خارج ًّيا يف سلوكه وحياته ،وذلك من خالل الجهر بالقول وإظهار باطن ّية تؤث ّر يف اإلنسان باطن ًّياّ ، (الصدور). ما يف الباطن عالنية ،كام ب ّينت اآلية الثالثة عرشة ،وهذا ما يتالءم مع داللة الواو التي جاءت يف كلمة ّ ث ّم جاءت اآلية ال ّرابعة عرشة منتهية بكلمة (خبري) ،وهنا ظهور لصوت الياء بداًلً من الواو ،أل ّن هناك تناوبًا بني
رس العبد من الصوتني ،وقوله تعاىل يف هذه اآلية﴿ :أَ َاَل يَ ْعلَ ُم َم ْن َخل ََق َو ُه َو الل َِّط ُ ّ يف الْ َخ ِب ُري ( ﴾)14يعني «أال يعلم ّ فالرّس باطن ،والله عليم به خلقه؟ أال يعلم الله مخلوقه؟ وهو العامل مبا لطف ودق ،والعامل بالعباد وأعاملهم» ّ ّ . السياق ودااًّلًّ عىل ذلك .ث ّم جاءت اآلية الخامسة عرشة منتهية وبكل يشء ،فجاء صوت الياء ّ ً منسجاًم مع داللة ّ
بكلمة (ال ّنشور) التي احتوت صوت الواو ،وجاء يف رشحهاُ ﴿« :ه َو ال َِّذي َج َع َل لَ ُك ُم اأْلْ َ ْر َض َذلُواًلً ﴾ أي سهلة ساكن ًة ماّم مس ّخرة ،تعملون فيها ما تشتهون ﴿فَا ْمشُ وا ِيِف َم َناكِ ِب َها﴾ أي يف طرقها وفجاجها ﴿ َوكُلُوا ِم ْن ِر ْز ِق ِه﴾ أي كلوا ّ حالاًل ﴿ َو إِلَ ْي ِه ال ُّنشُ و ُر﴾ أي وإىل حكمه املرجع يف القيامة» ، أنبت الله يف األرض والجبال ،من الزروع واألشجار ً علني من الله الواحد يف فمن خالل الرشح داللة عىل سلوك يقوم به اإلنسان من عمل وميش وأكل ،ث ّم حك ٌم ٌّ نهاية املطاف أي يف القيامة ،وهذا متالئ ٌم مع داللة صوت الواو. يدل عىل امللكة ،و ّ أنتج توافقًا صوت ًّيا ل ُه داللته ،فال ّراء ّ يدل عىل شيوع إ ّن تقاطر صوت ال ّراء يف أواخر هذه اآليات َ الوصفّ ، أيضا ،عىل الحركة وال ّديناميك ّية لكونه صوتًا متك ّر ًرا يف أثناء ال ّنطق ،حيث تتك ّرر حركة اللسان يف ويدلً ، أثناء نطقه ،فانتهاء اآليات بصوت ال ّراء املقرتن بصوت الياء تار ًة وصوت الواو تار ًة أخرى أحدث إيقا ًعا دالل ًّيا يتجىّل من خالل االنفعال املتمثّل بالخشية من الله حيث صار ملك ًة فأث ّ َر يف الباطن فانعكس ذلك عىل الظّاهر ّ
ٍ وكل عملٍ وسلوك سيحكم عليه يوم وكل يش ٍء راج ٌع إليهّ ، فصار شائ ًعا والله يعلم إن كا َن صادقًا أو مل يكن كذلكّ ،
القيامة بإذنه وأمره. الخامتة كشف علامء اللّغة منذ القدم عن األصوات اللغويّة العرب ّية وتت ّبعوا معانيها ودالالتها ،وبحثوا يف ظواهرها. َ الصوت ّية التي تظهر جل ّية يف آيات القرآن الكريم ،فتحدثُ متاي ًزا الصويت واحد ٌة من هذه الظواهر ّ وظاهرة التناوب ّ صوت ًّيا ودالل ًّيا. _______________________ السعيد أبو عيل الفضل بن الحسن ،املتوىف سنة 548هجريّة ،مجمع البيان لعلوم القرآن ،ص .298 .28الطربيس ،اإلمام ّ .29م .ن ،ص .298
يف وطني تزهق األرواح وتطمر الحقائق وتنكّس األعالم يك تطفىء الحرائق ،اعتنقوا الضاللة وافرتوا عىل الناس وحجبوا الرزق عن العباد بطغيانهم وتجربهم والله مبا فعلوا خبري بصري،خطاياهم دنست العيش وأضعفت القوى فأصبح العرس دا ًء وسقامً يترسب من جدران البيوت حتى وجد أصحابها يف املوت مالذا أرحم من العوز ونقمة البالء ،االزدراء والرضر عطايا الحكام للبرش ومن رحل مرغام وتسلق قوارب املوت للنجاة من جحيم البطالة واالستبداد استهل وصيته األخرية بلعنتهم وستبقى تلك االجساد الطاهرة التي اذاب امللح معاملها تجوب الكون وتناجي االنسانية دون حاجتها إىل تأشرية سفر للعبور ،أقول ملن أغناهم الله والناس من حولهم جياع اعتذروا من الله النه سريى عملكم وسيكشف فسقكم ويوم الحرش لن تدركوا دائرة الرحمة ولن تنفعكم اموالكم املكدسة فوق جثث األبرياء. ولعل ما تبقى لنا يف طيات هذه الحياة يجعل أوطاننا تتسع ألحالمنا فنختم صحائفنا بصالح الحال وراحة البال.
هجرة الموت
الشاعرة هدى غازي بعد أن ترصد الفقر احتضار الوطن وأرخى أثقاله عىل كواهل الصابرين الذين اشرتوا الرحيل بأفواه أنهكتها الشكوى وسواعد عجزت عن صد صفعات القهر وطعنات الظلم. استسلم من متلكهم الخزي ومل يفقهوا وعود اإلنتظار ومل يؤمنوا بالنهايات السعيدة يف أرض هضم حكامها حقوق األنام وجاهدوا رغم غيظ قلوبهم عتمة املصري لكن عندما حبطت مساعيهم شقوا عباب البحر وهاجروا يف سبيل الكرامة ولقمة العيش ،مل يعلموا بأن املوت يرتبص عىل بعد أميال ومل يشعروا بأن لعنة البؤس سرتافقهم إن ولّوا مدبرين وأن السكينة التي طاردوها لن يعانقوها اال يف دار البقاء ، برّشنا بنسائم الفرج اقتنصوا روافدها واكتنزوا بالباطل والحرمان وبلهيب النريان تكوى األرواح يف لبنان وكلام ّ سبائكها واعادوا رصفنا عىل أبواب جهنم ،أحلّوا الطيبات لبطونهم وحرموا عىل الشعب حتى الفتات وأمروهم بالثبات أهلكوا عزيزي النفوس وأخرجوهم عن إميانهم بقيامة الوطن حتى باتت الهجرة حلم التمني وشعلة الخالص النبعاث جديد ، مكرهون سقطوا يف شباك الحرية فتوكلوا عىل وجهة الشقاء وزوارق الفناء. أما بحر الخالص فلم يعد أليفًا كام عهدوه فقد اتاهم بضالني مغضوب عليهم ظلموهم وظلموا أنفسهم فلم يدركوا الفوز العظيم رجعوا إىل شواطىء الضيم فاقدين ومعذبني ،يف وطني جنات عدن ليست للطيبني بل أعدت للمنافقني الذين عاثوا يف االرض فسادا واستفردوا بأموال املكافحني.
مع احرتامنا لعملهم هم اليوم افضل منا ونحن الذين خرجنا عيوننا واعامرنا يف سبيل العلم نتسكع عىل ابوابهم وهم ينظرون الينا نظرة ازدراء ،اما انتم اهل السياسة فقد ذهب ماء الحياء من وجوهكم ورسقتم وطنا وحولتمونا متسكعني عىل ابواب املصارف التي تشبهكم ،نحن نخاطبكم لنقول لكم ما هكذا تورد االبل ،امل يشبع االحمق واالخرق واملرايب من اكل لحمنا ،لكن نقول لكم ان لحمنا مر لقد عدنا اىل االرض وطالبناها تستقبلنا باعاملنا حني يتصب عرقنا لناكل من خبز ايدينا ونتوقد كرامة وعنفوانا ،تبا لكم ان تعملوا عىل اذاللنا واهانتنا ،لقد علمتنا الحياة ان نتحد مع االرض وان نلعن الظالم الذي اوجدمتونا فيه فال هوان بعد اليوم وال سكوت عىل مامرساتكم الساقظة ،وليفهم القايص والداين ان مل نشعر نحن واوالدنا بالراحة واالطمىنان لن ندخل يف بازاراتكم الكاذبة .التي استنزفتنا وافرغت جيوبنا. اننا اليوم نخاطبكم ان ترفعوا الضيم وتزيلوا الخلل ،فنحن حراس الرتبية والوطن عىل اكتافنا تبنى الرصوح العالية ،ومن دوننا ال قيامة لوطن احببناه،فضيقتم الخناق علينا وجعلتمونا نرفع الصوت يف وجهكم الن اوضاعنا نحن القطاع العام مل تعد تحتمل ،وال يهددنا احد او ينبهنا فلم يعد لدينا من يشء نخرسه الننا خرسنا كل يشء والسالم.
السياسي المراوغ والموظف المسحوق
د .طالل الورداين من اي كوكب انتم يا اهل السياسة يف هذا البلد ؟نحن نعلم ان بلدنا فيه من املقدرات ما يستحيل افالسه لوال انكم سلبتموه حتى النهاية ،ماميكن الحديث عنه انكم ابحتم النفسكم مال الشعب بصفقات ذهبت اموالها,اىل خزانكم يف اوروبا معتقدين انكم تجمعون الرثوات عىل حساب الوطن،فمن هو هذا الوطن؟ اليس هو ال موظف الذي سحقتموه حتى استحال عليه تامني قوت اطفاله وقدرته عىل االنتقال اىل وظيفته،تبا لكم لقد تآمرتم عىل لقمة عيشنا ومستقبل اوالدنا،وال تزالون تتقاسمون ثروات البالد امل تشبعوا ايها القساة من هذه اللعبة الوسخة. امل تشبعوا من استنزافنا وقهرنا؟ ساء ما تفعلون؟ لقد هجرتم الشباب وقتلتم طموحة ،تحالفتم مع التجار واملصارف يف عمل دينء اقل ما يقال فيه انكم مافيات الفساد ،انا نسالكم اال يحق لنا العيش بكرامة ،لقد اخطا هذا الشعب املسكني حني اختاركم من جديد ،لقد جوعتم الناس وصدق سيدنا االمام عيل كرم الله وجهه حني قال عجبت من جائع ال يشهر سيفه ،ونحن معك يا سيدنا االمام علينا ان نشهر السيوف يف وجه من جوعونا وانهكونا وهم ال ميلكون من سالح العلم شيئا ،ماذا ابقيتم لنا يك نذكركم بالخري؟ رسقتم احالمنا واحالم اوالدنا وجعلتمونا يف الدرك االسفل من السلم االجتامعي حتى ان صبيا غادر املدرسه منذ زمن وعمل عتاال نجارا خبازا مساح احذية ......
هنا أطرح السؤال :ملَ يك ّد اإلنسان ويتعب ويشقى يف سبيل قوت عياله وبعد سنني التعب والعذاب سوف ينتهي اىل العدم والفناءواملوت؟ فرغبة الفرد يف البقاء والنضال يف سبيل الحياة تحت لواء النظرة الكونية هو الهدف األسمى ،وتفرض عىل الفرد العطاء والتضحية والوفاء من أجل إعالء شأنه داخل املنظومة االجتامعية.. وهذا الفرد يعيش يف عامل متشعب ،يدور يف فلكه الخري والرش ،الصدق والكذب ،االلتزام والتفلت .فالتمكن من القيم واملبادىء واألسس األخالقية توضح الرؤية وتبلور املعرفة لتشخيص الوظائف. وعىل هذا األساس إن طريقة التفكري وأسس املعرفة والنظرة الفردية للعامل لها أثرها عىل جميع ترصفاته واختياراته العملية والفكرية والثقافية واألخالقية واالجتامعية. فيحصنها باالستدالل العقيل ويقع االنسان أمام الواقع املادي ومغرياته الدنيوية ،وخياراته وقناعاته ومبادئه، ّ منسجام ً مع فطرة الفرد وأسس تنشئته. وقيمة هذه النظرة للعامل تتحدد عىل أساس انها تدفع اإلنسان نحو الفعالية واإلنتاج مكللة باألمل واملسؤولية. ألنها تجعل الفرد مرتبطا ً مع ذاته ومجتمعه مبحبة ووفاء من خالل عبادة خالق الكون. لكن يتخيل البعض احيانا ً أن الدعوة اىل االلتزام باألديان الساموية تتناقض مع حرية االنسان ،ولكن ال ب ّد من التأكيد أن االنسان مل يبدع ومل ينتج دون الحب العبادة واألمل. وكام ان اإلحساس بالعالقة مع الخالق أنزلت يف ذاته السكينة والهدوء ،ولوال طريق الهداية مل ينج االنسان من الوقوع يف رشك الوثنية وعبادة األصنام أو اتخاذ بعض البرش آلهة ،والوقوع يف متاهات الدنيا وغرائزها. عىل هذا األساس فعبادة الله عبارة عن اشباع صادق كفوء ،ينقذ مسرية الحب والعبادة والصفاء الذهني والروحي واالنكفاء نحو التقية والسامح. كام أن اإلميان بالله والنظرة اإللهية للعامل لها جذور فطرية ،ألن االحساس باالرتباط يف هذا العامل مزروعة يف نفوس البرش ألنها حقيقة موجودة ،كذلك عامل الوجود مرتبط بقدرة مطلقة ذات شعور هو النظرة اإللهية للعامل تنسجم مع فطرة اإلنسان الذي يشعر هو نفسه باالرتباط.... وكل فرد مع ّرض للخطأ ،كلنا خطاؤون قد تجرف ملذات الحياة االنسان نحو املساوىء واألخطار ،وتجعله فريسة اللهو والفساد ،فيفقد إميانه بالله ،وتتبدل اشكال اإلميان والعقائد عنده ،فتصبح موسمية ومؤقتة كام نقرأ يف القرآن» فإذا ركبوا يف الفلك دعوا الله مخلصني له الدين فام نجاهم اىل الرب اذا هم يرشكون» (القرآن الكريم، سورة العنكبوت ،آية .)٦٥
نظرة جديدة للعالم
د.مرياي احمد ابو حمدان إن التفسري الشامل للوجود والحاجة اىل إثبات الذات وتعزيز الكرامة اإلنسانية ،تجعل من اإلنسان ينظر اىل العامل بشكل واقعي وعميق وفضفاض ورصيح. إذ يرى البعض أن هذا العامل يتوق اىل هدف ،يقف خلفه قوة ذات عقل وشعور ،وقد جاء هذا العامل عىل أساس طرح نظام وبرنامج دقيق ،ينظر هؤالءاىل الحياة نظرة مستقيمة وسليمة للعامل. ويع ّد البعض اآلخر أن عامل الوجود مل يسبق بتخطيط ،وليس هناك هدف ،وال حساب ،وال أحالم ،وليس للشعور فيه مكان. فينظر اإلنسان اىل ا لعامل نظرة مادية تعتمد عىل قشور الحياة املعنوية للعامل ،والتص ّور والتحليل والتنقيب عام ميلكه اإلنسان من عامل الوجود والكائن البرشي. وبينام يكون عامل الوجود هو الهدف األسمى ،فال بد ان يكون اإلنسان كأحد أجزاء هذا الوجود متآلفا ً مع إرادة املجتمع ومتطابقا ً مع مبادئه وقيمه التي بعثها لإلنسان عن طريق الوحي واألنبياء. أما إذا كان هذا الوجود بال هدف ،وال تخطيط ،وال حساب ،فسوف لن يكون لهذا اإلنسان دليل مقنع لالنتظام ضمن مجموعة أحكام وقيود والتزامات. فاإلنسان املسؤول سوف يقف أمام التساؤل ،ويلتزم بالهدف والحساب يف هذا الوجود يف ضوء الرؤية االجتامعية واإلنسانية . أما إذا اهتم باملاديات وجاء متام الوجود بال تخطيط وهدف ،فاإلنسانية متيض نحو الفناء مبجرد موتها،وأن هدف االنسان يف هذه الحياة ينحرص يف اللذة والرفاه ،واملصري اىل العدم.
الحب قوام النزعة اإلنسانية في شعر األسر عند عمر شبلي ّ
د .سامي ال ّرتاس
املقدمة
تع ّد النزعة اإلنسانية يف األدب عموما ويف الشعر عىل وجه الخصوص قض ّية جوهريّة ،وعىل أساسها يكتب للشعر ومبدعه الخلو ُد يف الحياة ،ويدخله يف الثقافة األدبية العاملية؛ فروائع الخالدين يف جميع الفنون ،ومنها األدب ،تجلّت روعة اإلبداع كل فيها مبا عكسته من أبعا ٍد إنسانية تثري اهتامم اإلنسان يف ّ زمان .من هذا املنطلق غدا األدب تعبريا ً « للكشف عن البرشي ،لتحقيق وصول الناس أو معرفتهم باإلنسان» . اإلنسا ّين يف ّ والشاعر ال يكتب لنفسه وإلحساسه باملتعة والراحة النفسية أثناء وبعد والدة قصيدته فحسب ،وإمّنّ ا يبدع ليسمع اآلخرين تغريده وشدوه ،فيتشاركون معه هذه املتعة ،وبها يصبح لشعره قيمة عندهم. يرى عز الدين إسامعيل أ ّن «الجانب الف ّني ال ينفصل عن األخالق يف التجربة الشعرية؛ فالشعر ال يقاس بصفاته الف ّنية أو بعمق تجربته فحسب ،بل أيضاً بقيمة هذه التجربة بالنسبة للعامل .فالشاعر ال يكتب ملج ّرد املتعة وتحريك أصابعه ،ولك ّنه يكتب ليتّصل باآلخرين». عاملي كف ّنه ،يتجاوز به الحدود وترى روز غريّب أ ّن األديب« ،رغم فرديّته وانطوائه عىل نفسه، ٌ شخص إنسا ّين ّ والحواجز ويتّصل بالبرشيّة جمعاء ،ويستقي من املعني اإلنسا ّين العا ّم...ويرتفع أدبه بنسبة هذا االتصال اإلنساين وهذا االستلهام الذي يتجاوز حدود الذات والوطن». _______________________ .1وجيه فانوس.محاوالت يف الشعري والجاميل ،ص.11 .2عز الدين إسامعيل .األسس الجاملية يف النقد األديب ،ص.298 - .3روز غريّب .النقد الجاميل واثره يف النقد العريب ،ص.76
وقد يحمل عقيدة تقليدا ً آلبائه وأجداده دون اي دليل أو برهان منطقي .اذن إن اإلميان الحقيقي هو اإلحساس بالحب والشوق للجنة والرضوان. وهذا التزاوج املعنوي بني الله والفرد تنتج مجتمعا ً كرميا ً تحفزه للوصول اىل العدالة االجتامعية وبناء حضارة سليمة من كل سوء. واالسالم دين العدل واالعتدال والسبيل املقيم ،وتتضح هذه املفاهيم يف احكام اإلسالم وتعاليمه ،لذا دعا االسالم للعطف واملحبة ،والستخدام القوة يف وجه الطغيان والظلم ،و اىل تربية الجسم البدين والنفيس ،و التفت اىل الرشد املعنوي الروحي ،و اىل العلم مكلالً بالعمل ،و دعا للصفح والتسامح والحرتام القوانني اإللهية بحزم وعدل. إذن ال بد من ات ّحاد العقل والفكر واإلميان يف شخصية اإلنسان املسلم. ولكن يف الوسط االجتامعي مجموعة من الشعارات التي تتبجح بها ،ولكن ال تلمس أثرا ً لهذه الشعارات عىل املستوى العلمي .والسبب يف ذلك أن هذا الشعار ال ينبثق من أساس وخلفية. فتنبثق العدالة واملساواة يف الدين من عامل الوجود بكامل تفاصيله تحت هداية الله تعاىل ،وليس هناك مجال للفوىض والعبث يف هذا الوجود تدفع اإلنسان بوصفه جزء من أجزاء العامل ،ليعمل وفق أهوائه ورغباته ،وال بد ان نقف جميعا ً أمام محكمة العدل اإللهية. هذا التصور لعامل الوجود ميثل أفضل ارضية مساعدة لتطبيق العدالة االجتامعية وقبولها وإلغاء املحسوبية واملنسوبية واألهواء .فاقتحام الفكر للعاطفة االنسانية والشعور االنساين تك ِّون انسانا ً متزن الكيان ،متميز االحساس فاتصال العقل بالعاطفة تؤسس لبناء الكيان البرشي واالنفتاح الفكري. فالعربة إذا انطلقت بجفافها العقيل دون أن تتصل بأوارص االحساس تكون جامدة مبتذلة تعادل أي مسألة حسابية جامدة .واذا اطلق الفكرة بالشكل العاطفي ،ال يجعل االنسان يفكر بشكل عميق ،فتصبح الهوة شاسعة بني الفكر والعاطفة. إذ ان اندماج العقل االنساين بالعاطفة تؤسس لبناء الكيان البرشي والفكري والشعوري واالخالقي ،ويؤدي اىل التزاوج املعنوي بني االنسان وبيئته ،و إلثراء مجتمع كريم رشيف يحفزه الوصول اىل العدالة االجتامعية والبيئة األرسية وبناء حضارة منفتحة عىل اآلخر ،واالبتعاد عن التقوقع الفردي وإغراقه يف التخلف واالنحطاط.
وها هو يتو ّجه إىل آرسيه بالقول: « ممك ٌن أ ْن تحجبوا ال ّنور بهذا الكهف ع ّني.. ممكن أن متنعوا يف الكهف إحسايس بذ ّرات ال ّزم ْن ممكن أن تقطعوا ع ّني «األزاد» (الح ّرية)... السجن حتّى غري ّأيّن سأُغ ّني..وأُغ ّني يف ظالم ّ الشمس عىل قضبان سجني». تسطع ُ
كل صنوف العذاب والقهر ليصري يف مرمى قصدهم حجرا ً مرمياً يف صحراء ،أرادوا بذلك لقد ثار ومت ّرد عىل ّ
خاّلق ،ال يح ّده مدى وال يبلغ رؤاه س ّجان ،يأىب السجن /القرب أن ينالوا من روحه ومبادئه ،وفاتهم أنّه شاعر مبدع ّ
ّإاّل أن يخرج إىل النور والح ّريّة ،ويصنع من املستحيل اآل ّين ممكناً ،وقد وصل إىل مبتغاه برغم وعورة الطريق ،
وبفعل عناده وإ ْن يف زمن مكسور.
يقول يف مق ّدمة ديوانه الثاين »:وأل ّن الثورة خل ٌْق ومت ّرد فهي إذن إبداع ،لهذا فالشاعر املبدع ثائر أصالً ،مهام كان
الثوب الذي يلبسه»
وألنّه « ال معنى للشعر خارج مراميه اإلنسانية» عىل ح ّد قوله ،لذا كانت وجهة بحثنا استخالص هذه املرامي واألبعاد والدالالت والقيم اإلنسانية يف شعره ،مستفيدين من تجربته الفريدة املدهشة ،مضيئني عىل أبرز ما فيها من قيم وعرب ودروس ورساالت تنري دروب أجيال الحارض واملستقبل القريب والبعيد عىل ح ّد توقعنا. »:سأظل ذلك اإلنسان الذي ي ْؤمن باإلنسان مبنأى عن اللّون والعرق واملعتقد». ُّ وهو الذي ما فتئ ير ّدد وها هو ما َّ فبالحب يسمو املرء وتبنى األوطان. الحب ونبذ الحقد والكراهية بني بني اإلنسان، انفك يدعو إىل ّ ّ وحب واح ٌد ٍ كاف ليك نبتدأ الوطن .الكراهية تصنع القبور ،وقد ج ّربنا ذلك كثريا». « ٌّ
الحب ملواصلة عيش الحياة واالهتداء إىل الحقيقة؛ يقول عن تجربة سجنه الطويلة امل ّرة»: رصح عمر بأهم ّية ّ وي ّ يل ب َو ْجد مبهم،وأنا مسكون بن َهم رشس»... كنت أكتب ألعيش متو ّجهاً إىل مصباحي الداخ ّ _______________________
.6الحجر الصبور ،ص 61.-60
.7إ ّن الخلود متاع سعره الجسد ،ص .22 .8م.ن ،ص.37 .9م.ن ،ص.47 - .10م.س ،ص .48 .11الحجر الصبور ،ص.28
الحب يف التعبري عن إنسانية اإلنسان؟ أم هل أقدر من الشعر يف التعبري عن املواقف الوجدانية يف وهل أقدر من ّ الحب معجونا باملعاناة واألىس وظلموت السجن كام يف شعر عمر شبيل!؟ أيف هذا الذات البرشية؟ فكيف إذا كان ّ خالص وانعتاق من األمل ،أم هروب من الحارض إىل رحاب اآليت األحىل!؟ الحب عندي عملية انتحاريّة ،أذهب إليها ووصيتي يف جيبي ،وكان الحب والشعر « كان يقول نزار قباين يف ّ ّ الحب ودوره يف التأثري الشعر عندي معركة بالسالح األبيض ال أخرج منها ّإاّل قاتال أو مقتوال ».مؤكّدا ً بقوله أهمية ّ الحب يف شعر عمر شبيل صدى لذاته اململوءة باإلنسان وهو يف عىل الشاعر وتثوير القصيدة .من هنا ،هل كان ّ الحب يف شعره يف هذا الح ّيز املظلم من أمس الحاجة لآلخر يف زنزانته االنفرادية تحت األرض ،وما مدى أثر ّ ّ الدنيا؟ هذا ما ستكشف عنه الصفحات القادمة من بحثنا املتواضع بإيجاز. الحب وأه ّميته: النزعة اإلنسانية يف شعره وشمولية ّ ونعود إىل عمر عودة الدمية إىل األرض العطىش ،نؤوب إليه عسانا نجد يف خفايا شعره وثنايا نرثه ما حجزته القضبان ع ّنا ،وض ّيقته الزنازين ذاتُ األرقام؛ ويأىب الشاعر املأسور ّإاّل أن يخرج إىل الح ّريّة ،وهل غري الشعر بالحق واإلرصار والعقيدة ،والثورة عىل الظلم والعسف والعنرصية ،قادر وقادرة معه عىل والكلمة الصادحة ّ ركوب املركب الخشن لبلوغ مدارج األصفياء!؟ املأساوي املظلم ،بيد أنَّه اهتدى إىل لطاملا حاول الشاعر األسري إلغاء الحارض يف سجنه ،واالنعتاق من الواقع ّ الخالص منه بالصرب والشعر ،وقد فاز بهام معاً وخرج من أرسه ،وقد كان واثقا من ذلك وهو القائل: ِ الحديد بأنّني س ّج ْل عىل الباب ِراح َمجا ِمرا ً ال ب َّد أ ْن تَ ْغدو الج ُ و ُه َ ناك ت ْع َرَتِ ُف القُيـو ُد بِأنَّهـــا
سأَق ُُّص أغْاليل ِبلَ ْحم ِأنا ِميل
وأَظا ِف ُر الثُّ ّوا ِر ح َـــ َّد َم ِ قاصلِ
َوق َزنْ ِد ُمقاتِلِ َوشْ ُم ال َحدي َد ِة ف َ
مل تتمكّن منه القيود وال السالسل وال الزنازين ،وال أن تقتل فيه اإلبا َء والثبات والرجاء!...
_______________________ .4نزار قباين.الكتابة عمل انقاليب ،ص.65 .5الحجر الصبور ،ص.137
فهو الذي يحيا ألجل أهله وبهم ،ويشتاق ملرأى وجوههم ولو كان العذاب مالزما له. أهفو إىل أهيل ،ولو متم ّددا ً
فوق الصليب وآلـــــ ٍة حدبـــا ِء
يتسلّلون إىل دمي رغم ال ُّدجى
واللـــيل والحــ ّراس والعمـال ِء
أليّن ال ُ أزال أح ُّبــهم أحيـــا ّ
والحب يغري املر َء باألشيا ِء ّ
الحب ،يقول مخاطباً أخاه السجني: حب عمر الكبري لوطنه وعاصمته بريوت يف تح ّمله تبعات هذا ّ ّ ويتجىّل ّ حب أوطاننا أخي ،كلّام جلدونا عىل ّ يصبح الجرح أجمل من قبل ،ث ّم تزيد نجوم السامء. ويقول يف قصيدة بالدي: التجيّل ّ عرفت بح ّبها معنى
تشب نا ٌر فـــي الجلـــيد وكيف ُّ
أنا من أجل عينيها جراحي
أضاءت فانترصتُ عىل قيودي
فإفصاح عمر بح ّبه وأهميته وتأثريه يف التغلّب عىل جراحه انعكاس لروحه املفعمة بالوطنية واإلخالص. أحب شاعرنا بريوت ،وحلم بالرجوع إليها رغم تطاول الغياب .ها هو يخاطبها مرتمّنّ ا: ولطاملا ّ املحب إىل الحب أن مييش رضيبة ّ ّ
كب أرض الحبيب ،ولو ح ْبوا ً عىل ال ّر ِ
جزائـــ ُر الحلم يا بيـــروت نائيــــ ٌة
ويف املجاذيف ٌ الخشب شوق ليس يف ِ
بيـــروت :يا أ ّول الدنيــا وآخرهــا
عتب يا نجمة الصبح كم يف القلب من ِ
وهل عتب عمر عىل مدينة السحر والجامل والحياة إال عىل قدر مح ّبته لها!؟ مس َغبات الزمان، وال يحفل عمر األسري املجاهد من أجل قضية نبيلة مبا يعانيه يف مبتاله ،وهو األ ّيب العيص عىل ْ ّ يعترب أ ّن صحوة أ ّمته الستعادة مجدها التليد هو ما يسعده وينصفه ويجعله مسامحاً. حل به يف أرسه املديد: يقول معلناً ميقات غفرانه ملا ّ أنا حني تصحو أ ّمتي أشدو وأغفر للقيود _______________________ .16الحجر الصبور ،ص.142 .17م.ن،ص219 .18إن الخلود متاع سعره الجسد ،ص91و92و.94 .19الحجر الصبور ،ص .303
الحب أمىض وسيلة للثبات والصمود ومواصلة املسري إىل الهدف املنشود ،كام أنَّه مصدر ق ّوة يف زمن ويرى أ ّن ّ االنكسار واالنهزام والتبع ّية .نسمعه يخرب عن نفسه فيقول: كنت أل ّن ح ّبي قوي العصف ُ « ّ ٍ ريـــــد كل ج ّبــار َم ويســقط ُّ
قويّـاً كان فــي زمن الفتـــو ِر صاحب ال ُح ّب الكبريِ» ويص ُمد ُ
الحب فيه، فع َمر اإلنسان يعلّل مصدر ق ّوته واشتداد عواصفه الداخلية يف الزمن املكسور ،ويرجع ذلك إىل ق ّوة ّ كل ما يعرتضها ويحول دون تحقيق غاياتها. فمن كان ح ُّبه كبريا كانت ثورته صامدة ت ُج ُّب َّ حب األنثى أ ّماً وزوجة وابنة وبديهي ٌ أن يكون الحب عند عمر متع ّد َد الوجهات والغايات ّ كأي إنسان؛ فمن ّ ُّ ّ الص َغر وله حب األمكنة التي حفرت ذاكرتُه صو َرها منذ ّ حب األب واالبن واألصدقاء ،إىل ّ وصديقة ومعشوقة ،إىل ّ حب الطري واألشجار حب القائد والوطن واأل ّمة العربية من النهر إىل النهر،إىل ّ فيها وقائع وأحداث ومرئيات ،إىل ّ الحب الشامل لإلنسان حتّى الس ّجان !... والحيوان ،إىل ّ هاهو يستدعي زوجته الحبيبة لتمنحه جرعات ح ّبها دواء له يف غربته ومنفاه وظلموت سجنه ،ويتّخذ منها الحب يقاوم: وسيلة للتخلّص من العذابات .يقول من قصيدة ّ الحب يف املنفى يساعدين وينقذين من الحجر ..أح ّبيني .فأنت ال ّدف ُء يف الحب ليس ميوت...أح ّبيني فإ ّن « أل ّن ّ ّ لييل وأنت ال ُّنور». حملت ح َّبك يف صدري ل ُي ْن ِقذَين ويقول يف قصيدة أخرى« : ُ النقي الو ّيف سبيله إىل النجاة والسكينة والسالم. العمري ّ ّ يخربنا عن أ ّمه التي كان مييش بنور قلبها قائالً: كل املواويل من صدرها. « وأحفظ ّ وطني قلبها ،ويداها كتاب».. _______________________ - .12م.ن ،ص .206 .13العناد يف زمن مكسور ،ص،313 .14م.ن ،ص.262 .15العناد يف زمن مكسور،ص.321
الحب السجن كال ُّنور» ..إنّه فال ُح ُّب أَ ْحتا ُج ُه يف ّ ّ
ويصري ضالل القلب هدى الحب غني « املستجدي يف ّ الحب ويغنيه دامئا.نسمعه ير ّدد: وال يفوت الشاعر أن يعلن رسالته يف الحياة ،فهو يرفع شعار ّ دهرا ً ألعزفها يف أجمل املدن «
للحب يف شفتي « خبّأت أغنية ّ
وال معنى للكلامت ،وال قيمة لرتاب األوطان إ ْن مل يح ّبها ساكنها .وهوالقائل: واألرض لوال هوى اإلنسان أترب ٌة « ُ
والجسم لوال أماين الروح ف ّخا ُر «
أحب الشاعر السجني أمكنة عزيزة عليه ،فاستذكر صورها وسبب عالقته بها يف ثنايا شعره ،وما ذلك ّإاّل ولكم ّ الضيّق الذي فرض عليه وحوكم به ،إىل املدى األرحب حيث كان قبله ،ث ّم إىل وسيلة مارسها لالنعتاق من الحيّز ّ يفرّس إكثاره من أسامء العلم لألمكنة األمل بالعودة املرج ّوة لتلك الربوع املشتهاة وإن بعد طول غياب .وهذا ما ّ يف شعره وتن ّوعها .فقد أغراه مثالً «جبل الشيخ» بارتياد القمم ولو تجشّ م وعورة الوصول إليها؛ فال ضري يف أ ّن النفوس الكبرية بعيدة الطموح ال يردعها جدار أو نأي أو غربة...وقد تنهك األجساد يف مرادها ألنها أنفس ت ّواقة إىل الفرادة وال ّريادة ،و» املكان حني يغدو ذاتا تصبح تفاصيله أعضاء ،وتنأى عن ترابيتها وصخرها .فكيف إذا كان مسقط الرأس ومهوى الفؤاد ،ومرمى اللمح األ ّول؟! إنّه «الصويري» ،هذه القرية البقاعية التي أنبتت عمر شبيل وحضنت طفولته .يقول لها: نضجت بأعامقي مثـا ٌر وكان الطّل ُع من شجر الصويري وكم ْ ويرصفني هواها عن مكاين فلست أرى بــه غري الصويري الرّسة املدفو ُن فيـــها فحبل ّ ّ
يظل إلـــيه مشــدودا ً مصيــري. ّ
ونراه يويل قريته وأرضها أهمية قصوى فيقول يف ختام قصيدة «الصويري»: _______________________ .23إن الخلود متاع سعره الجسد ،ص 217و .218 .24م.ن ،ص .317 .25م.ن ،ص .320 .26جذوة من ثلوج جبل الشيخ ،دار نلسن ،بريوت ،ط 2004 ،1م ،ص.21 .27الحجر الصبور ،الصفحات 205و206و .207 .28م.ن،ص .212
توسم فيها الخري الستعادة أمجادها وع ّزها املنرصم، أحب عمر مح ّمد م ّرة شبيل أ ّمته وآمن بها ّأمّيا إميان ،ولكم ّ ّ متمنياً وحدتها واجتامعها ومامرسة دورها األساس يف بناء الحضارة اإلنسانية.يقول: وكان بيني وبني بالدي سالسل مطليّة بالعروبة وأخرى مزركشة بفلسطني وتراه يح ّن إىل الزمن العر ّيب الجميل ،حيث بلغت الخالفة أرض الفرس والروم وبالد األندلس...وكانت متلك الع ّزة والق ّوة والسؤدد .يقول مذكّرا ً سجن «رينا « يف سفح جبل دماوند بها: أنا ذلك العر ُّيب تعرفه
َ الغضـــاب شـــواهقـك ْ
كانت حوافر خيلــــه
يباب خرضا َء ،والدنيــا ْ
كانت سيوف بني أيب
واب.. أخطاؤه َّن هي ّ الص ْ
مل يبق مـن ذاك العىل
والقبـــاب. ّإاّل املنائــر ْ
تغيريي ثائر يقلب العروش ،ويعيد إىل األ ّمة النامء والحياة والعدالة والرخاء .يقول من قصيدة ويأمل عمر بجيل ّ «املكاشفة « التي يتو ّجه بها إىل أبيه املتنبي : كل البنوك ومن ّني دمنا املخزون يف ّ اللهب بغامم ميأل األرض بأفراس ْ رمّبا يف ساعة يا ابن الساموة ّ يرقص السيف بأعناق امللوك... الحب يصنع املعجزات ،ويلغي ض ّدية الثنائيات ،بل له -برأيه – مفعول السحر يصنع الخوارق، آمن عمر بأ ّن ّ الحب يح ّرره.. من هنا فهو « ح ٌّر رغم األرس ،فمن يأرسه ُّ الحب تصري الجمرة فاكه ًة يف ّ _______________________ .20العناد يف زمن مكسور ،ص.42 .21إ ّن الخلود متاع سعره الجسد ،ص.331 .22العناد يف زمن مكسور ،ص.87
ندهش من ح ّبه لس ّجانه ،ونعجب حني نعلم أنّه أهداه كتابه « حافظ الشريازي بالعربية شعرا « .وكان يأنس أحب .يقول يف كتابه «مقربة مه ّددة بالحياة» متح ّدثا عن أحد بغنائه أمام زنزانته ،ويشعر بعذابه وهو بعيد ع َّمن ّ س ّجانيه يف معسكر»ب َرنْدك»« :نشأتْ بيني وبني الحارس شهريار رضايئ عالقة حميمة.. كان العداء قد تالىش بني سجني مقهور وس ّجان يفيض إنسان ّية وتقديسا لألحزان النبيلة الكبرية».. ويتح ّدث عن غنائه وما يبعثه يف نفسه كمصغ ٍ من نشوة ومتعة»:كان غناء هذا الحارس ينتمي ألشياء الحياة الكربى :الحزن/الحلم /األم /الحبيبة /الفقر ،وأنا كنت أرشب غناءه رشبا..كان غناؤه كيمياء لتح ّواليت الداخلية»... قصته مع شجرة البيد باختصار :م ّرة حب عمر ووفائه لألشجار ،فنسمعه يروي لنا ّ وال يفوتنا الحديث عن ّ أخرجونا لنزرع بعض فسائل األشجاريف حديقة يف دزبان مركز[يف طهران] ،أخذت فسيلة من شجر البيد( الصفصاف) ،وأخرتت مكانا قص ّيا يف الحديقة وزرعتها ،وظللت أتع ّهدها حتّى نقلنا إىل معسكرات أخرى...م ّرت حوادث كثرية ،وبعد سبعة عرش عاما جيء يب من رينا إىل طهران للمعالجة.تذكّرت فسيلة شجرة البيد ،وأنا أعرف مكانها متاما ،ولك ّنني ذهلت حني رأيتها عالية باسقة ..وقفت أتذكّر عمرها وعمري ..وهي لضخامتها ال ميكن أن يقلعها أحد ،وستبقى شاهدا ً عىل أسريعانق يوما شجرة هناك بعيدة بعيدة ،ولك ّنها ال تزال مزروعة يف قلبه؛ ألنّه سقاها يوما من دموعه». خامتة يقل عن اهتاممه بالف ّن ،فهو يف لحظة واحدة يستقبل التجربة ونخلص إىل أ ّن «اهتامم الشاعر بالحياة ال ّ بالحب والوجدان أن ويبدع « .لقد كان عمر حقا ذلك الشاعر املؤمن بالحياة واإلنسان ،واستطاع بشعره املوىش ّ ينترص عىل السجن والس ّجان ،وأن يرثي عاملنا بتجربته الشعرية والحياتية الفريدة ،فنتعلّم منه الكثري من القيم واملروءات ،ونتذوق جاملية شعره وعبق كلامته فنتأثر ونؤث ّر معاً...
_______________________ .33م.ن،ص.196 .34مقربة مه ّددة بالحياة،دار العودة ،بريوت،ط ،2018، 1الصفحات.60-59-58 .35عز الدين اسامعيل .األسس الجاملية يف الشعر العريب،ص.206 .36جذوة من ثلوج جبل الشيخ ،دار نلسن ،بريوت ،ط 2004 ،1م ،ص.21
فال معنى لنبع دون ظأمى وال أرض ٍ وليس بها الصويري وال معنى لكونك يف مكان
وقلــبك ال يكــون مـن الحضور
أحس أ ّن املسيل يف قريتنا يسيل من ونصغي إليه يح ّدثنا عن إحساسه وتأثري صور القرية عليه يف منفاهُ »، كنت ُّ عروقي ،وأ ّن أشجار السنديان التي تحرس ما تبقّى من املايض تحرسني يف املنفى ،ألنّها كانت شديدة التفاؤل»... ويقول يف موضع آخر: كل ما يف صدرها يعرفني « أنا ابن أرض ّ تعرفني الجبال والسهول والقرى يعرفني املوىت ونبع سهلنا املسحور.. يعرفني الحجر!» لقد كان املكان بالفعل دواءه الشايف للخالص من أدواء السجن والزنزانة ودياجريهام ،وتوقه وحنينه املستطري إىل أحب. الربوع التي ّ ذاك هو عمر اإلنسان الذي بالغ يف التّغ ّني بجغرافيّة بيئته ووطنه ،من سهل البقاع ،إىل جباله املطلّة عليه ،إىل نهر كل ذرة الليطاين وديرزنون ،إىل بريوت وبحرها ،إىل صيداء املقاومة ،إىل العرقوب حيث تضحيات املناضلني ،إىل ّ يعرّب عن إنسانية فذّة ،ووفاء نادر ،ووطنية نبيلة .وال عجب من تراب هذا الوطن العزيز .وهو يف التصاقه باملكان ّ يف أن تحبل قصائده بتوأم من روح وجسد ،شاعر وأرض ،وهذا ما يؤكّد-دون أدىن ّ شك -تكامل العالقة بني املكان واإلنسان يف شعر األرس عنده!... التجيّل ّ يقول من قصيدة بالدي « :عرفت بح ّبها معنى
تشب نا ٌر يف الحديد « وكيف ُّ
الحب ّإاّل الكلمة» عىل ح ّد قول عمر ،فهذا فوحه باق ما بقي الزمان واإلنسان ،لذا، وألنّه «ال يبقى من رحيق ّ رس الكامن من أرسار خلود شعره هو ما يحفل به من نزعة إنسانية شاملة. فال ّ _______________________ .29الصويري ،العال للطباعة والنرش التوزيع،بريوت ،ط،2004 ، 1ص .5 .30العناد يف زمن مكسور ،ص.307 .31الحجر الصبور ،ص .219 .32إن الخلود متاع ،ص .349
ُ مناجاة أنثى
د .هويدا رشيف هب ال ّنسيم معطرا ً بأنفاس الفجر يف غلس اللّيل العميق ،وقد ّ األوىل ،نهضت من مقصورتها وصعدت إىل سطح بيتها ووقفت طويالً تنظر إىل البيوتات الهاجعة يف سكينة اللّيل ،وإىل قبور من الرّتاب .رفعت رأسها وكأمّنّ ا قد تج ّمعت حواليها أرواح هم تحت ّ أولئك ال ّنامئني القابعني املستيقظة بني يدي الخالق وقالت: «يا من تركتموين وحدي أصارع الحياة وأهازيجها ،وأنتم بني يدي خالقكم ،كم أشتاق لكم ،للّمة من حولكم ،لربيع قلوبكم الذي كان نابضاً بالحياة ،لقد كنت أترنّم يف جنانكم ويف صيف قلبي الصغري كنت أحرس بيادركم وأتلقفها منكم نصائح لدنياي ،متأل ّ رؤياي بالحنني والطّأمنينة. يا من نسيتموين أو تتذكّرونني ،إ ّن املح ّبة يف فؤادي تخاطبكم مسوقة بسياط ذاتها ،وكربيايئ قد رقص أمامكم السطح ،إنّني أسألكم متعفّرا ً بغبار خيبته مذبوح بآالمه ،وتعطّيش ملحبتكم ونصائحكم وإلفتكم قد ثار ثائره عىل ّ رب رحيم ج ّبار. صفحاً وشوقي يركع صامتاً ألنّكم بجوار ّ صاّمء ،وأفواهكم خاشعة أمام حرضة البارئ ،أعذركم ألنّكم ال تواسونني فكيف ذلك، واأسفاه!! إ ّن أذانكم كليلة ّ وأنتم رصعى األمان والطّأمنينة ،وترتشفون رشاب املحبة من القدح الربّاين ،إنّه نهر ف ّياض ال تظأم حتّى ترتوي، أتوسل إليكم شفاعتكم عند خالقي لرمبا يسمع دعاءكم دعايئ. فارتواؤكم يجعلني ّ
ونختم هذا املبحث بقول ألحد دارسيه« :إ ّن شعر عمر شبيل هو صدى ذاته اململوءة باإلنسان ..ولن تجد يف صوته سوى أصداء إنسانية المست حتّى الذين خاصمهم وخاصموه .إ ّن العمق اإلنساين يف شعر عمر شبيل هو الذي يدفع بالسياسة إىل الخلف. ». قامئة املصادر واملراجع: إسامعيل ،عز الدين :األسس الجاملية يف النقد األديب ،دار الفكر العريب ،القاهرة1992،م.أيوب ،عيل :بني الدفة واملرساة يصبح الحلم حقيقة ،دار العودة ،بريوت ،ط2019، 1م. شبيل ،عمر :إ ّن الخلود متاع سعره الجسد .دار الكنوز األدبية ،بريوت ،ط 2001، 1م. شبيل ،عمر :جذوة من ثلوج جبل الشيخ .دار نلسن ،بريوت ،ط 2019، 1م. شبيل ،عمر :الحجر الصبور .دار الطليعة ،بريوت ،ط 2006، 1م. شبيل عمر :الصويري .العال للطباعة والنرش والتوزيع ،بريوت-لبنان ،ط 2004 ، 1م. شبيل ،عمر :العناد يف زمن مكسور .دار الكنوز األدبية ،بريوت ،ط2001، 2م. شبيل عمر :مقربة مه ّددة بالحياة .دار العودة ،بريوت ،ط2018، 1م. غريّب ،روز :النقد الجاميل وأثره يف النقد العريب ،دار الفكر اللبناين ،بريوت ،ط1983 ،2م. -قباين ،نزار :الكتابة عمل انقاليب ،منشورات نزار قباين ،بريوت ،ط2000، 5م.
ماسة ملساعدتكم وال ّنظر اىل طفلتكم التي أريد أن أعصف كالعاصفة يف اللّيل ،وأرعد يف آذانكم ألنّني يف حاجة ّ تركتموها بأمر من ربنا ،ولكن اشتياقي لكم ولهفتي إىل ض ّمكم هي لهفة ومحبّة متس ّول جائع قد تع ّود التقاط فتات دعائكم ،بل هي لهفة ضعيف حقري ،يسأل رىض الله تعاىل عربكم. محبتي محبة مفرطة ،محبة أعمى ،ال يرى إال جميالً ،ينقاد قلبي وحده إليكم ويسلك الفطنة تجاهكم ،ال تجعلوا يل ،فهناك طفل قد غرز نزف دمايئ من عروقي والخطوط التي ترسمها يف سيلها عىل جلدي ال ّناصع أن يقيض ع ّ أنامله ّيف وما تزال ظاهرة يف لحمي خوفاً من الفراق .فأنا من أجفّف قرائحه ،وأسحب العلقم يف فمه ولك ّنه ال يعرف عاري وفراغ ذات يدي .وأنا شاعرة مقلّدة ،أستعري قيثارة الشّ عراء ألرضب عليها بأصابعي العمياء كرماً ولطفاً. يل دنياي ودنيا أطفايل وال تجعلني أناجيك يا موجودا ً يف ّ كل مكان ،أن تتل ّمس منهم سبييل يف الظّالم وأنر ع ّ أتساءل عن مصري غدي أكان مفعامً بالحبور أو الفتور. عاّم يف صمتكم. يعرّب ّ رسها ،فيا حبذا لو تسمع نطقاً ّ أشفق عىل هذه األنثى املتعطشة وكأسها مملوءة أبدا ً ألنك ّ
قراءات يف التاريخ دفاتر علي ناصرمحمد ..عدن من القبلية إىل اإلشتراك ّية!
الكاتبة أغنار عواضة
«إن التاريخ يف ظاهره ال يزيد عن اإلخبار ولكن يف باطنه نظر وتحقيق» ،هذا ما يُردده املؤرخ وعامل اإلجتامع العريب ابن خلدون .إختتم الرئيس اليمني األسبق عيل نارص محمد مجموعته “ذاكرة وطن” بتخصيص الجزء األخري لعالقة عدن ،عاصمة اليمن الجنويب سابقاً ،بالعامل ،بعدما كان قد أضاء يف كتبه السابقة عىل الوحدة اليمنية والحقبة املمتدة من اإلحتالل إىل اإلستقالل وتجربة جمهورية اليمن الدميقراطية الشعبية .قبل الغوص يف هذا الكتاب ،ال بد من إضاءة رسيعة عىل اليمن الذي تح ّرر يف العام 1967من اإلحتالل الربيطاين ،ليجد ثوار “الجبهة القومية للتحرير” أنفسهم ينتقلون من امليدان إىل الديوان. من الثورة والسالح إىل السلطة .من قيادة تجربة حزبية إىل قيادة جمهورية .من القبائل إىل حضن اإلشرتاكية التي مل تجد أرضاً عربية تحتضنها إال يف اليمن السعيد بأن يُج ّرب حظه معها ..ولكن! تجربة قيل إنها إشرتاكية ال تشبه بيشء تجربة جامل عبد النارص وال أنظمة البعث .تجربة أقرب ما تكون إىل محاولة إستنساخ تجارب دول إشرتاكية من عامل آخر غري عاملنا العريب واإلسالمي وصوالً إىل جعلها مظلة لليسار العريب (السوفيايت) ،ولعل هذا ما يُفرس كيف أن كل ثوار املنطقة كانت عدن ،عاصمة اليمن الجنويب ،قُبلَتهم ،وبرغم الفقر والعوز واألمراض كان ال بد من عدن مهام طال السفر إليها .دامت رحلة “التجربة اإلشرتاكية” يف اليمن الجنويب 23عاماً ( 1967ـ ،)1990 وتخللتها إنقالبات وحروب بني أبناء الحزب الواحد والقبيلة الواحدة ،وما أن ذوت تجربة اإلتحاد السوفيايت حتى تحققت الوحدة اليمنية تحت رئاسة عيل عبدالله صالح ،غري أنها مل تدم طويالً بسبب الرصاع الجهوي والقبائيل بني الشامل والجنوب ،فاندلعت حرب أهلية جديد سبقتها اغتياالت بني أبناء الحزب الواحد حتى خالل إجتامعات املكتب السيايس وأفضت حسامً يف العام 1994عىل يد عيل عبدالله صالح ملصلحة اليمن الواحد ،برغم األكالف الباهظة لذلك الحسم
سؤال يتبادر إىل ذهن القارىء برغم غزارة املادة التي يُوفرها لنا الكتاب ،لكن ال بد ان هناك أمورا مل تكتب حتامً .فقد شكلت تجربة بناء دولة اشرتاكية عربية يف اليمن الجنويب ،قبلة للثوار العرب ولألحزاب الشيوعية العربية .لذلك ،يتناول الكتاب اهم ما ارتكزت عليه السياسة الخارجية لجمهورية اليمن الدميوقراطية الشعبية بعد انتصارها عام ،١٩٦٧وال سيام لجهة دعم حركات التحرر الوطني بدءا ً من الجوار وصوال إىل القرن اإلفريقي .مل يكن الدعم محض بيانات بل تجسد مادياً ولوجستياً ،من جوازات السفر وايواء قيادات فارة من األنظمة وصوالً إىل توفري منح دراسية ،كام تقديم السالح واألموال والتدريب وتوفري الحامية واللجوء للضيوف من الثوار واملناضلني .نعم ،كانت عدن حينذاك متثل قبلة الثوريني والتقدميني العرب بلغة تلك الحقبة ،ما حملها أعباء فوق طاقتها وقدرتها عىل اإلحتامل. .ال تخلو رسديات عيل نارص محمد من نقد ذايت .دولة وليدة تطمح للعب دور اسرتاتيجي متقدم يفوق إمكاناتها ومواردها املتواضعة .دولة تتكل عىل دعم اسرتاتيجي من اإلتحاد السوفيايت أو جمهورية الصني الشعبية .يتناول الكتاب وقائع العالقات الدبلوماسية بتشعباتها وتعقيداتها أثناء الحرب الباردة (من الحرب العاملية الثانية إىل لحظة إنهيار اإلتحاد السوفيايت عام ،)1991لكن بطريقة تخالف الرسدية التقليدية بهدف مالمسة توق القارىء إىل تحليل سيايس للوقائع من دون الخوض يف التنظري اإليديولوجي .عيل نارص محمد مناور بإمتياز .ينتقد ويربر ويتنصل خصوصاً عندما تُوجه إىل بلده تهمة دعم اإلرهاب التي ألصقها الغرب باليمن الجنويب .يتحدث الرئيس األسبق عن النجاحات بفخر وعن اإلخفاقات بحرسة وذلك إبان الشيوع الواسع لألفكار اليسارية الراديكالية إثر نكسة العام 1967وتأثرياتها عىل توجه الشعوب نحو تحميل الربجوازية العربية مسؤولية تلك املحطة السوداء .يتجىل توجه الكاتب يف نقد التجربة وكيفية تحول الدولة الفتية إىل حقل تجارب لقيادات خارجية ال عالقة لها باليمن الجنويب وال بثورته ولكنها كانت متلك تأثريا عىل بعض قياداته ذات النزوع إىل التطرف الثوري يف عدن وحرضموت دون مراعاة الواقع وتاريخ الشعب اليمني وخصوصيته
يف كتابه “ذاكرة وطن ،عدن والعامل” ،يُشهر عيل نارص محمد شيئاً من ذاكرته الغنية واملُدعمة باملحارض والوثائق واملعلومات املمزوجة بالتحليل والرؤية ليكتشف القارىء العريب انه أمام “ثالثة بواحد” :شاهد يُوث ّق ،قائد (ولو أنه ُمتهم أحياناً) ميارس النقد الذايت ملرحلة حساسة من تاريخ اليمن ،واألهم من ذلك أن الرجل نفسه يحاول إستخالص الدروس والعرب .يف الكتاب الذي يتألف من ستامئة وسبع وتسعني صفحة موزعة عىل سبعة وعرشين فصال ومقدمة وخامتة ،نستمتع برسدية متناسقة .لغة سلسة تشبه الحوارات الصحفية البسيطة يُق ّدم لنا عيل نارص محمد من خاللها مادة توثيقية ملرحلة شديدة األهمية والخطورة من تاريخ اليمن الحديث .مادة تخاطب العقل وتجد مكانتها يف وجدان كل قارىء عريب ُمحب لليمن .ثم نحن أمام كاتب غري عادي .شاهد رئييس وصانع حقبة تاريخية بأحداثها الجميلة والقبيحة ،عىل حد سواء .وملن ال يعرف عيل نارص محمد أيضاً؛ فإن هذا الرجل ( 83سنة) إنتمى إىل حركة القوميني العرب (فرع اليمن) يف العام ،1964وانخرط يف أنشطتها الفكرية والسياسية، حتى بعد أن تحولت الحقا إىل “الجبهة القومية للتحرير” ،ثم أصبح اسمها الحزب اإلشرتايك اليمني .بدأ حياته وظل يعمل فيها حتى العام .1964تنقل العملية ُمدرساً يف مدرسة رسمية ابتدائية يف مدينة مودية مبحافظة أبنيّ ، عيل نارص محمد بني عدد من الوظائف اإلدارية والوزارية (وزير الحكم املحيل ثم وزيرا ً للدفاع) حتى أصبح رئيسا للوزراء عام ،1971ثم رئيسا للجمهورية عام 1980وزعيام للحزب االشرتايك الحاكم يف اليمن الجنويب .نحن نتكلم عن اليمن من جهة ،وعن شاهد عىل عرصه من جهة ثانية ،ولكن ال يجب أن نغفل موقع هذا البلد العريب .موقع إسرتاتيجي كان ميكن أن يُشكل نعمة لهذا البلد لكنه أضحى نقمة منذ مطلع القرن الحايل حتى يومنا هذا .موقع جعله محور رصاع محيل وإقليمي ودويل خصوصاً أنه يقع بني السعودية وسلطنة عامن ويطل عىل مضيق باب املندب أحد أهم املعابر املائية يف العامل ..وأيضاً عىل بحر العرب واملحيط الهندي .هذا األمر يتطرق إليه الخبري يف الشؤون السياسية والعسكرية روبرت كابالن ،يف كتابه “انتقام الجغرافيا” عند وصفه لليمن بـ”القلب البالغ األهمية” ،عازياً عدم استقراره إىل أهمية موقعه وطبيعة تضاريسه ،وهو واقع يؤكده الرصاع املحتدم عىل أرضه منذ العام 2015حتى يومنا هذا .هل كتب الرئيس اليمني األسبق كل يشء؟ هل كتب الرئيس اليمني األسبق كل يشء؟
الن يكون األمر أكرث فائدة ؟ هذا الكتاب الشيّق يستفزنا إىل حد طرح األسئلة :هل تحققت يف اليمن الجنويب الجمهورية املُدعاة أنها شعبية ودميقراطية؟ هل باإلمكان القول إن دولنا العربية غري مؤهلة بعد لهضم فكر إشرتايك شيوعي بكل ما يتضمنه من مفاهيم تتعارض مع مرتكزها األسايس ،وهو اإلسالم؟ إذا كانت كذلك بالفعل، ملاذا مل يعرب الشعب اليمني وقتها عن خيبته من نظام الحكم املفروض عليه؟ أمل يكن حرياً بكل اليسار العريب أن يختار التجارب التي تالمس قضايا شعوبه بدل التنطح لشعارات فضفاضة جدا ً؟ يف لعبة املصالح الكربى غالبا ما تتم التضحية بالدول الصغرى عىل حساب ما تظنه الشعوب مبادىء وأيديولوجيات. نعم ،تُعلمنا التجربة ان التاريخ يرويه املنترصون ،ولكننا كأمة عربية مل نعرف إال الهزائم واولها هزمية إرساء التنمية واللحاق بركب الحضارة والقضاء عىل الجهل والتخلف واالمية والبطالة. يبقى كتاب عيل نارص محمد حامال وفياً لوجدان عدن مستعيدا تفاصيل قاموس عفا عليه الزمن وطواه إىل غري رجعة بأمل فوز اليمن واليمنيني ..بالسعادة الحقيقية ال املصطنعة“ ،اآلن اآلن ..وليس غدا؟! أغنار عواضة كاتبة وشاعرة لبنان ّية للتنويه لقد نرش هذا املقال سابقاًعىل موقع 180بتاريخ الثالث من أيلول لسنة الفني وإثنني وعرشين 2022/09/3 //
يف مقدمة الكتاب ما يشبه تالوة فعل الندامة واعرتاف بدخول الثورة يف متاهة العالقات واملصالح الدولية وزج اليمن بدور أكرب من طاقاته وإمكانياته ،منتقدا شعاري بناء اإلشرتاكية وتدمري اإلمربيالية .يحمل الكاتب من أسامهم “منظرو املرحلة” الذين جاؤوا من بريوت بوثائقهم الجاهزة لتطبيقها عىل الدولة الوليدة .شعارات فضفاضة جدا ً تم تحميلها لشعب يعاين ويالت الفقر واملرض والجهل والتخلف فكان ُمحتامً أال يهضمها ،فكيف إذا تناقضت ،بحسب الكتاب ،مع معتقدات الشعب اليمني الدينية الراسخة .أخطأت الدولة الوليدة بعدم اإللتفات للتنمية وشؤون مواطنيها ،متنطحة لدور “البعبع” وإسقاط أنظمة الخليج ومحاربة القواعد الفرنسية واألمريكية يف جيبويت وديجو جارسيا وإسقاط نظام الشاه يف إيران وهيالسياليس يف إثيوبيا وغريها ..نعم كان بعض القادة يف عدن مثل مجنون يحمل قنبلة بال صامم أمان! فعالً يحتوي هذا الكتاب عىل مخزن من الذكريات لشاهد عىل قيام جمهورية اليمن الشعبية الدميوقراطية التي كانت لفرتة طويلة موقعا متقدما لإلتحاد السوفيايت يف قلب الخليج العريب .جمهورية تنطحت لدور أكرب منها ،إىل درجة أنها دعمت حركات ودوالً أكرث غنى منها! ميزة عيل نارص محمد أنه ال يتمرتس وراء وقائع معينة .ينتقد هذا الزعيم العريب ويشيد بذاك .ال يُخفي إعجابه بشخصية مثل حافظ األسد الذي يكن له احرتاما ملا قدمه له وللقيادات اليمنية التي لجأت إىل دمشق يف الثامنينيات الغابرة .ما أشبه اليوم باألمس واليمن يشهد حربا رضوسا عىل أرضه ،املوقع الجيوسيايس والرثوات النفطية مع فارق ان وتغرّي الالعبون اإلقليميون بصورة جزئية .يبقى ان الكتاب يحمل رواية عيل نارص محمد الحرب مل تعد باردة ّ وحنينه وحبه لعدن ،ولكن ماذا عن روايات اآلخرين؟ ماذا كان ليحصل لو أن مراجعة األخطاء وتقييم التجربة تتم خالل فرتة تويل السلطة..
أدب األطفال
أدب األطفال الباحثة رئيفه مح ّمد ال ّرزّوق
مقدّ مة
للقصة تأثري عىل األطفال ال متتلكه األجناس األدب ّية األخرى .هي تعمل عىل تغذية الطّفل القارئ فكريًّا وقيم ًّيا ّ ولغويًّا وتسهم يف تكوين شخص ّيته ليكون أكرث قدرة عىل صناعة الغد ،بخالف الطّفل غري القارئ. مهاًّم يف عمل ّية التّنشئة االجتامع ّية ،ويعود مصدر هذه األه ّم ّية مجاّلت األطفال ً وتع ّد القصص املنشورة يف ّ عاماًل ًّ القصة تل ّبي حاجة األطفال ورغبتهم يف معرفة ما يحيط حولهم ،واكتشاف العامل ،وتعكس أسلوب الجامعة إىل أ ّن ّ السائد يف املجتمع ،ليصبح الطّفل مه ّيأً لل ّدخول إىل عامل الكبار. ّ
خاصة ،فهي ملحق لبناين شهري يوزّع مع مجلة األمن الشّ هريّة الصادرة عن قوى األمن وملجلّة «فتى األمن» ميزة ّ الصور أكرث منها عىل الرسوم ،وتهت ّم الداخيل يف لبنان .ت ُعنى املجلة ّ بالرّتبية الوطن ّية للجيل الجديد وتعتمد عىل ّ باملعلومات ّية والتّسايل ،وهناك مسابقات مدفوعة الجوائز وتنرش حلول العدد األسبق ،وسنقوم يف هذا املقال الصادر يف شهر ترشين األ ّول من عام .2019 بدراسة القصص املنشورة يف العدد ّ والسؤال املطروح هنا ،هل تؤ ّدي القصص املنشورة يف مجلّة «فتى األمن» دورها يف التّنشئة االجتامع ّية والوطن ّية ّ والثّقاف ّية للطّفل؟ وال ب ّد من التّط ّرق إىل بعض التّعريفات املساعدة عىل فهم مفاتيح هذا البحث ،قبل الولوج إىل مضامني القصص يف مجلّة فتى األمن: -1أدب األطفال: إ ّن مصطلح أدب األطفال« ،يشري إىل املوا ّد التي تُكتب ليك يقرأها األطفال والشّ باب ،وينرشها نارشو كتب الخاصة بكتب األطفال و/أو اليافعني باملكتبات العا ّمة ومتاجر بيع الكتب». األطفال ،وتعرض وتخ ّزن يف األقسام ّ _______________________ .1كيمربيل رينولدز :أدب األطفال .ترجمة يارس حسن ،مرص ،هنداوي لل ّنرش ،ط2014 ،1م ،ص .11
طائر الفينيق
89
•تحليل مضمون القصص يف مجلّة فتى األمن. الوطني ،وتوعية الطّفل اللّبنا ّين ،متع ّددة الحس من املال َحظ أ ّن مجلّة فتى األمن املو ّجهة لألطفال واليافعني لنرش ّ ّ قصتني الصادر يف ترشين األ ّول 2019عىل 51صفحة ،تض ّمنت ّ األبواب ومن ّوعة اإلفادة ،وقد حوت يف عددها ّ 310 السعادة» لل ّدكتور بيار شالال. رس ّ هام« :إرث األخوة» للكاتبة ديانا جورج حنون و» ّ أ -البيئة املكان ّية وال ّزمان ّية: • املكان: الرّسد ،وهو يساهم يف معرفة رصا حكائيًّا ،له داللته الواقعيّة وال ّرمزيّة التي ينهض بها داخل ّ يع ّد املكان عن ً القصة ووقائعها ودالالتها ،ويالحظ أ ّن ع ِّينة القصص املنشورة يف مجلّة «فتى األمن» قد جرت حوادثها تار ًة أحداث ّ يف ال ّريف ،وتار ّة يف املدينة ،وعكست الحياة االقتصاديّة والطّبيعيّة التي تحيط بالطّفل اللّبنا ّين ،إذ إ ّن معظم قصة إرث األخوة كان يف متوسطة أو فقرية .من هنا فإ ّن مكان حدوث الوقائع يف ّ األطفال يف لبنان يعيش يف أحياء ّ دارة تاجر وزّع ما ميلكه من مال عىل ابنيه بالتّساوي تاركًا ال ّدار واألرض املحيطة به لالبن الثّالث ،وقد ارتكزت األحداث عىل هذه ال ّدارة واألرض ،بحيث عادتا بالكثري من األرباح عىل االبن جراء املحافظة عليهام ،وكانتا نقطة عودة اللتقاء جميع األبناء وتو ّحدهم مع بعض من جديد ،وقد عكست أجواء الفالحة والعناية باألرض الطّابع ماّم دفعهام للعودة إليهام ،وكأ ّن يفي ،والالفت أ ّن األخوين يارس وسعيد مل يُ َوفّقا بعي ًدا عن أرضهام ودارهامّ ، ال ّر ّ رسه يف االلتحام باألرض وعدم مفارقتها ،فالوطن مركز سعادة جميع أبنائه. التّوفيق يكمن ّ الرّشكات ،فمن رشكة التّأمني السعادة فقد جرت أحداثها يف طابعٍ مد ّين ،غلبت عليه أمكنة العمل وعامل ّ أ ّما يف ّ رس ّ قصة ّ الساخط عىل إىل رشكة كمبيوتر فاملرصف ...يف البداية كانت االنطالقة من منزل األرسة املتواضع ّ اج بطموحات االبن ّ الض ّ القصة إىل مظاهر الطّبيعة يساعدها عىل إيجاد وضعه املعييش ،ث ّم انتقل إىل البحر ليشكو له ه ّمه -لجوء الشّ خص ّية يف ّ ّ القصة ،إذ نقل السكينة والطّأمنينة -وبالفعل كان البحر ً مهاًّم يف هذه ّ عاماًل ًّ مأمن وملجأ يقلّل من حزنها ،للوصول إىل ّ الض ّيق الذي افتتحت فيه األحداث إىل أمكنة عديدة جال فيها يف خياله مبساعدة الشّ خص ّية ال ّرئيسة (سامر) من املكان ّ رس الحوريّة (رشكة كمبيوتر ،مرصف ،قرص) ليجول أخ ًريا يف مكان مفتوح (الشّ ارع) عرب سيّارته الفخمة ،ليصل أخ ًريا إىل أ ّن ّ والرّشكات. السعادة يكمن يف املكان األ ّول الذي انطلق منه ،فحضن األرسة املحرتمة ال ّدافئ خري من القصور ّ ّ إ ّن هذه ال ّنتائج ّ السواء ،واالهتامم بأطفال تدل عىل االهتامم بتنشئة الطّفل يف لبنان يف ال ّريف واملدينة عىل ّ املتوسطة والفقرية ،والعمل عىل تعليمهم وتنشئتهم وتزويدهم بال ّزاد الثّقا ّيف املناسب لبيئتهم املحلّ ّية. الطّبقات ّ
الصغرية واليافعة ،فهو «يؤث ّر بطريقة مبارشة وغري مبارشة يف عقل الطّفل وألدب األطفال أثر بالغ عىل الفئات العمريّة ّ ووجدانه ،ومثل هذا التّأثري الذي يستجيب له الطّفل بسهولة يحقّق أهدافه املبتغاة منه ،وال س ّيام أ ّن عقل الطّفل يف كالصفحة البيضاء ميكن أن بالصورة التي نريد ،وأل ّن نفس ّية الطّفل – ً أيضا – ّ هذه املرحلة خامة ل ّينة ميكن تشكيلها ّ خاصة، نخ ّط عليها ما نشاء» .من هنا ،ميكن القول إ ّن أدب األطفال أداة تثقيف ّية وعمل إبداعي يتطلّب تقن ّية ّ ّ السليم. والخوض يف غامره ليس بسهل إذ يحتاج تف ّه ًاًم ً كاماًل لنفس ّية الطّفل وعقل ّيته ،وتوافقًا مع حاجات ال ّنم ّو ّ -2املجلّة: كل إبداع وابتكار ،وهي وسيلة جا ّدة للثّقافة ونرش الوعي واملعرفة». والصحيفة تس ّجل ّ «املجلّة هي وسط بني الكتّاب ّ تتم ّيز مجلّة الطّفل بأنّها تتناول موضوعات متع ّددة متن ّوعة بهدف توسيع مدارك األطفال وتنمية معارفهم واالرتفاع مبستوى تذ ّوقهم للفنون ،فهي «من املؤثّرات الثّقاف ّية الكربى ألنّها تسهم يف توجيههم وإعالمهم وتعليمهم ،وتعمل عىل إشباع خيالهم وتنمية ميولهم نحو القراءة وإثراء لغتهم» . القصة عند الطّفل: -3أه ّم ّية ّ قيمي ...تتل ّخص عنارصها يف وجود بيئة ّ القصة حكاية قصرية ،وهي لون من ألوان أدب األطفال ،لها هدف معر ّيف أو ّ بالقصة «منذ أن يتمكّن من فهم ما زمان ّية ومكان ّية وموضوع وشخص ّيات وحبكة وأسلوب ،ويبدأ استمتاع الطّفل ّ السنة الثّالثة من عمره ،فهو عىل صغر س ّنه ينصت يحيط به من حوادث وما يذكر أمامه من أخبار ،وذلك يف أواخر ّ للقصة التي تناسبه ويشغف بها ويطلب املزيد منها» . ّ القصة أسلوب ف ّعال يف تثقيف الطّفل وتنشئته ،فـ»عندما يصبح الطّفل قاد ًرا عىل القراءة يتع ّرض للكثري ال ريب يف أ ّن ّ من القصص التي تز ّوده باألفكار ،وتساعده عىل زيادة حصيلته اللّغويّة ،وتن ّمي خياله ،وقدرته عىل االبتكار» .كام تأيت أه ّم ّية قصص األطفال يف أنّها «تعطيهم شعو ًرا واض ًحا بالعالقة بني هذه الخربات وخربات اإلنسان ّية كلّها» . _______________________ مؤسسة ال ّرسالة ،ط1418 ،3هـ1997 /م ،ص .43 .2مح ّمد حسن بريفش :أدب األطفال أهدافه وسامته .بريوتّ ، .3بهاء ال ّدين ال ّزهوري :ثقافة الطّفل يف الوطن العر ّيب .بريوت ،مجلّة الباحث ،العدد 1994 ،62م ،ص .104 .4عبد ال ّرزّاق جعفر :صحافة األطفال ،أنواعها ،طبيعتها ،توجيهها .منشورات طالئع البعث ،ال ط1980 ،م ،ص .61 -60 .5عبد ال ّرزّاق جعفر :أدب األطفال .دمشق ،منشورات ات ّحاد الكتّاب العرب1979 ،م ،ص .43 السوريّة للكتاب2012 ،م ،ص .39 القصة يف ّ .6أمل حمدي دكّاكّ : مجاّلت األطفال ودورها يف تنشئة األطفال اجتامعيًّا .دمشق ،وزارة الثّقافة -الهيئة العا ّمة ّ .7عيل الحديدي :األدب وبناء اإلنسان .طرابلس الغرب -ليبيا ،منشورات الجامعة اللّيبيّة ،ال ط1973 ،م ،ص .133
ب -الشّ خص ّيات: الصفات الخلقيّة والجسميّة واملعايري واملبادئ األخالقيّة ،ولها ورد يف معجم املصطلحات األدبيّة« :تشري الشّ خصيّة إىل ّ قصة» ،وسواء أكانت الشّ خص ّية إيجاب ّية يف األدب معاين نوع ّية أخرى ،وعىل األخص ما يتعلّق بشخص متثّله رواية أو ّ ّ أم سلبيّة «فهي تقوم بتحريك وتطوير األحداث يف ال ّرواية». كل منها وفاّلح وموظّف تأمني وأبوين ...وحملت ّ قصتي مجلّة فتى األمن بني تاجر ّ لقد تن ّوعت الشّ خص ّيات يف ّ وحب األرض يف نفوس األطفال اللّبنانيّني .انقسمت دالالت معيّنة ،لتنقل إرهاصات فكريّة تزرع األخالق الحسنة ّ القصة األخرى. الشّ خص ّيات بني رئيسة وثانويّة ،تعالقت بها كافّة مك ّونات ّ • الشّ خص ّيات ال ّرئيسة: «هي التي تقود الفعل وتدفعه إىل األمام» ،كام تحظى بقدر من التّم ّيز حيث مينحها حضو ًرا طاغ ًيا» . شخص ّية طاهر :أول َْت ديانا ح ّنون شخصيّة طاهر عناية كربى ،فكان محافظًا عىل إرث والده ،اعتنى بأرضه وفلحها فأعطته من خرياتها الكثري ،إنسان راشد ذو وعي ومسؤول ّية ،متكّن من بناء أرسة ناجحة مؤلّفة من زوج وولدين ،كام فتوسع يف دارة كانت له يد يف تأمني مستقبل ابنيه .األه ّم من هذا كلّه أنّه حفظ عهد أبيه «كونوا عونًا لبعضكم»ّ ، أبيه ليضيف فوقها طابقني اثنني ألخويه ،ساع ًيا إىل توحيد الجميع وربطهام بأرض والدهم ،وهذا كلّه دليل عىل إميانه لعل اسم هذه الشّ خصيّة جاء ليتناسب مع طهارة صفاته ونقاء تفكريه. باألرض واألرسة وتشبّثه بهام وطيبة قلبهّ .
شاب ينتمي إىل أرسة صالحة ُع ِن َيت برتبيته عىل األخالق الحميدة ،يعمل موظّفًا يف رشكة تأمني ،ذو شخص ّية سامرٌّ :
دخل محدود ،لك ّن طموحاته كانت أكرب من إمكانيّاته ،وهذا ما أ ّرق عليه عيشه ،ودفعه للهرب إىل عامل الخيال بعي ًدا عن الواقع .وهو عىل ال ّرغم من رغبته الكبرية يف تر ّؤس املناصب العاليةّ ،إاّل أنّه يُدرِك أنّها تحتاج لقدرات ومهارات ال ماّم جعله يشعر ب ِعظَم وتثاقل املسؤوليّة التي تقع فضل االنسحاب منها ً ميتلكها ،فيُ ِّ عوضا عن االستمرار يف إدارتهاّ ، عىل عاتق املديرين .يرفض الحصول عىل املال بطرق مشبوهة ،وتلويث سمعته ،ويحرص عىل رضا والديه ،لذلك قنع السعادة ال ّروحيّة هي األه ّم. يف ال ّنهاية مبا لديه ،وعلم أ ّن ّ _______________________ .8إبراهيم فتحي :معجم املصطلحات األدبيّة .صفاقس -تونس ،دار مح ّمد عيل الحامي لل ّنرش1988 ،م ،ال ط ،ص .195 .9مجدي وهبة وكامل املهندس :معجم املصطلحات العربيّة يف اللّغة واألدب .بريوت ،مكتبة لبنان ،ط1984 ،2م ،ص .208
• ال ّزمان: فالقصة األوىل «إرث األخوة» حدثت يف ال ّزمن قصة إىل أخرى، ّ القصتني اختلف من ّ املالحظ أ ّن زمن حدوث ّ ولعل لجوءها إىل هذه الفرتة ال ّزمنيّة فرصة لتجسيد الغابر ،حيث افتتحتها الكاتبة قائلة« :يف قديم ال ّزمان»ّ ، السالفني ،وإىل قاعدة متينة قيمها ومق ّوماتها يف قصص األطفال يف فرتة نحتاج فيها إلطالع الطّفل عىل تجارب ّ القصة يف فرتة زمنيّة محدودة ،إذ تتفاعل فيها القيم واملعايري األصيلة مع الجديدة يف عامل متط ّور .مل تدر أحداث ّ القصة امت ّدت زمن ًّيا من وفاة الوالد إىل نجاح االبن «طاهر» يف عمله وزواجه ،وإنجابه ولدين ،لذا كرثت إ ّن ّ ال ّروابط ال ّدالّة عىل ال ّزمن ،لتسهيل تسارع األحداث ،نذكر منها« :بعد أسبوع عىل وفاة أبيهم»« ،بعد سنوات ويف القصة روابط زمن ّية ،مثل« :اآلن»« ،بد ًءا من هذه اللّحظة» ،فبدا هذان ال ّرابطان ليلة ماطرة» ...لريد يف نهاية ّ وكأنّهام بداية جديدة سطّرها األبناء إللغاء مايض التّفكّك واالنعزال لتبدأ حياة األلفة والتّعاون واملحبّة. السابقة ،إذ إ ّن زمن وقوع األحداث جرى يف ال ّزمن املعارص، السعادة ،فرناها مغايرة متا ًما ّ أ ّما ّ للقصة ّ رس ّ قصة ّ ولعل هذا ّ يدل عىل اهتامم الكاتب بالحرص عىل الوصول إىل الطّفل ضمن واقعه املعارص وزمنه ،وكتابة قصص ّ القصة أن يربط بني ما يجري يف حياته تتالءم مع ال ّزمن الذي يعيش فيه ،ليتمكّن الطّفل من خالل مضامني هذه ّ الواقعيّة ليستفيد منها. القصة مل تكرث ال ّروابط ال ّدالّة عىل ال ّزمن ،إذ نجد يف بدايتها عبارة «ليل نهار» ،وجاءت لل ّداللة عىل يف هذه ّ والسخط عىل واقعه ،وهنا تكمن أه ّميّة هذا ال ّرابط ،فهذا الشّ عور املستم ّر هو الذي شعور سامر ال ّدائم باالنزعاج ّ يتغرّي ن ّغص عىل سامر عيشه وجعله يثور عىل ما تعلّمه من أهله من رضورة ال ّرىض بقدر الله والقناعة به .ث ّم ّ لبي إىل حدث أراد معه مجرى األحداث مع استخدام كلمة «يو ًما» ،حيث انتقل الكاتب من وضعيّة االستقرار ّ الس ّ تتغرّي مفاهيم سامر كلّها ،ليقوده إىل االقتناع بحاله ووضعه. أن ّ إذًا ،فهذا التّنقّل يف القصص بني ما هو قديم وما هو معارص ،يفتح األبواب أمام الطّفل ملحاكاة الواقع القصة وشخص ّياتها واالستفادة من تجارب األقدمني يف آنٍ م ًعا ،وذلك لغرس أفكار ستتح ّول من خالل تأث ّره بأحداث ّ إىل سلوك يسلكه يف مستقبله القادم.
االجتامعي اإلنسا ّين هو الطّاغي ،إذ تع ّمد الكاتب أن ينقل صورة أيضا ،نجد أ ّن املنحى السعادة» ً ويف ّ رس ّ قصة « ّ ّ والسامية ،وأ ّن هذه القيم هي التي أيقظته من أوهامه الخرّية ّ األرسة التي نشأ فيها «سامر» بقيمها اإلنسانيّة ّ فالصغري والكبري يُعاين أحيانًا من عدم ودفعته إىل تق ّبل واقعه ،فـ»شالال» تط ّرق إىل موضوع يشغل بال ّ كل إنسانّ ، ماّم ين ّغص عليه حياته كلّها ،لك ّنه استطاع عرب رحلة خياليّة صغرية رىض وتقبّل للحالة االجتامعيّة التي نشأ فيهاّ ، السعادة املجتباة السعادة ال ّروح ّية ،والعيش بكرامة واحرتام ،أمثن من ّ أن يُعيد «سامر» إىل رشده ليكتشف أ ّن ّ والسيّارات والخدم. بالقصور ّ وتجدر اإلشارة إىل أ ّن الكاتبني استطاعا بشكل غري مبارش أن ينرشا القيم الوطن ّية ويغرسا يف نفس الطّفل القارئ مسك بهام« :كونوا عونًا لبعضكم»« ،سنعود رضورة متاسك أوارص العائلة الواحدة، وحب األرض والوطن ،والتّ ّ ّ وحب الوطن»، الصدق واألمانة رصان عىل إرشاده نحو الفضائل اإلنسان ّيةّ : ّ عائلة واحدة كام أرادنا والدنا»« ،كانا ي ّ «ابن عائلة محرتمة تسودها املحبّة»... القصتني: • خامتة ّ القصتان املنشورتان يف مجلّة فتى األمن نهاية سعيدة ،كمعظم ال ّنهايات التي تُختتم بها القصص يف مجلّة انتهت ّ السعيدة مح ّببة فتى األمن ،وهذا يعكس الطّابع اإليجا ّيب عند الطّفل ،ويع ّزز طموحاته املستقبل ّية .وهذه ال ّنهايات ّ القصة ،باجتامع أفراد العائلة من جديد ،والتّعاهد عىل لألطفال ،كام يف «إرث األخوة» ،حيث نهت الكاتبة ّ مسك بأرضهم. التّعاون والتّ ّ قصته يف خامتتها ،حيث وضعها بشكل غري مبارش لييضء للطّفل وقد عمد الكاتب «شالال» إىل إيضاح املغزى من ّ عادي ابن حلاًم! وعاد إىل واقعه! موظّف السعادة« :كان ً ّ أ ّن القيم اإلنسان ّية وال ّروح ّية هي التي ستقوده نحو ّ السعادة ال ّنفسيّة وال ّروحيّة ...ال املا ّديّة. السعادةّ ، عائلة محرتمة تسودها املحبّة ،وتظلّلها ّ
• الشّ خص ّيات الثّانويّة: ماّم دفعهام لل ّرجوع خائبني إىل دارة والدهام حيث يارس وسعيد :شابّان طموحان ،لك ّنهام مل يُحسنا إدارة أموالهامّ ، كل منهام طريقه بعي ًدا عن وشق ّ يقطن أخوهام «طاهر» .ف ّرطا بوص ّية والدهام يف أن يبقى األخوة عصبة متعاونةّ ، استغل بُعده عن ذويه وسلبه نقوده ،فيام كان الح ّظ العاثر حليف «يارس»، ّ أخوته ،فاعرتض درب «سعيد» محتال السفينة التي تحمل بضاعته ،بعد ما حصل معهام عادا إىل رشدهام للبدء يف حياة جديدة مركزها منزل فغرقت ّ الوالد. حب الوطن وال ّرىض مبا قسمه الله لهام ،لذا ربّيا ابنهام والدا سامر :زوجان قنوعان ،يحرصان عىل بناء أرسة قوامها ّ الضئيلة منعتهام من تحقيق حلم ابنهام يف أن يكون ثريًّا وقد وصفهام الكاتب تربية صالحةّ ،إاّل أ ّن قدراتهام املا ّديّة ّ رصان عىل إرشاده نحو بيار شالال بقوله« :والد «سامر» عطوف حكيم ،ووالدته حنونة ورقيقة القلب .كالهام كانا ي ّ كل إنسان» .من هنا ميكن القول إ ّن وخصوصا القناعة ب َق َدر ّ وحب الوطن، ً الفضائل اإلنسان ّيةّ : الصدق واألمانة ّ تتغرّي طوال ال ّرواية» . شخص ّية الوالدين مسطّحة «فهي تبنى حول فكرة واحدة ال ّ ج -موضوعات القصص وخامتتها: القصتني: • موضوع ّ قصة «إرث اإلخوة» ،نجد عند القصتني يعالجان موضو ًعا اجتامع ًّيا وإنسان ًّيا ،ففي ّ الكاتبان «حنون» و»شالال» يف هاتني ّ
يظل اإلخوة عونًا بعضهم لبعض، متسك األبناء بإرث أجدادهم ،وأن ّ تأ ّمل ال ِفكَر الفرع ّية أ ّن ّ القصة تؤكّد عىل رضورة ّ فيش ّد األخ عضد أخيه ويؤازره عند الشّ دائد.
الصعوبات فحني ق ّرر «يارس» و»سعيد» أن يتخلّيا عن أخيهام ،ليذهب ّ كل منهام يف طريقه ،بعي ًدا عن اآلخر ،نجد أ ّن ّ أنيسا أو مرش ًدا ينصحهام ويرشدهام إىل عواقب ما كانا يخوضان فيه؛ فسعيد وقع يف شباك أحد اعرتضتهام ،ومل يجدا ً أي معني ينقذه من ضياع تجارته املحتالني فنصب عليه ّ كل ماله وتركه عاج ًزا عن متابعة مسريته ،فيام مل يجد يارس ّ السفينة التي كانت ُمح ّملة باألقمشة ال ّنادرة التي اشرتاها بثمن باهظ. بسبب غرق ّ كل امرئ مر ّده إىل دياره مهام طالت أ ّما «طاهر» ،فحفظ عهد أبيه ،وكان خري را ٍع ألرضه وبيته ،وعرف بفطنته أ ّن ّ ماّم كانا فيه ،ويُعيد جمع شمل العائلة. غربته ،فبنى ّ لكل أ ٍخ طابقًا فوق بيته ،وبذاك استطاع أن ينتشلهام ّ _______________________ .10إبراهيم فتحي :معجم املصطلحات األدبيّة ،مرجع سابق ،ص .212
• اللّغة: اللّغة ما ّدة األدب ،وال ب ّد يف أدب األطفال من مراعاة اللّغة القصص ّية املق ّدمة للطّفل ،وهذا يفرض مسؤول ّية أكرب عىل األديب ،يف معرفة الخلف ّيات الثّقاف ّية والتّجارب الحيات ّية للطّفل ،وما يش ّد انتباهه ويؤث ّر فيه ،كام عليه «أن ّغوي حتّى ال يكتب لهم يحاول دراسة اهتامماتهم وميولهم ورغباتهم واحتياجاتهمً ، فضاًل عن معرفة قاموسهم الل ّ أقل من مستواهم فينرصفون عنه لعدم ما هو فوق مستواهم ،فيصعب عليهم فهمه واستيعابه ،أو ما هو ّ مالءمته ألعامرهم» . القصتني املوجودتني يف املجلّة أ ّن اللّغة املستخدمة يف الكتابة هي اللّغة الفصحى ،وهذا ّ يدل عىل نتبنّي من خالل ّ ّ ماّم يساعد األطفال حرص كتّاب مجلّة فتى األمن عىل اللّغة العرب ّية والتّأكيد عىل أصالتها فهي الهويّة القوم ّيةّ ، يل ،املرض ه ّدين ،مك ّدسة ،تظلّلها.»... عىل تقوية لغتهم واكتساب ألفاظ جديدة ،مثل« :إرث ،الحضيض ،أنكرها ع ّ السعادة» استخدم الكاتب بعض املفردات التّقن ّية املتعلّقة مبجاالت العمل الحديثة« :الربامج يف ّ رس ّ قصة « ّ وتوسع آفاق املعلومات ّية ،مرتت ّباته القانون ّية ،معامالت مال ّية ،...وهذه األلفاظ تغذّي املعجم الل ّ ّغوي عند الطّفلّ ، مداركه ،وتُطلِعه عىل املهن امله ّمة يف سوق العمل.
كام عمد إىل استخدام األمثلة الشّ عب ّية« :القناعة كن ٌز ال يفنى» ،أثناء إقناع األ ّم ابنها سامر بأن يقنع بواقعه، الرّتبية والوعظ أه ّم ّية بالغة ملا فيها من مخاطبة لل ّنفس ،وإثارة ويرىض مبا قسمه الله له ،والستخدام األمثال يف ّ لكوامن الوجدان ،وإقامة الح ّجة إلقناع الطّفل بالهدف الذي يرمي إليه الكاتب. خامتة: وصل يف ال ّنهاية إىل أ ّن تنشئة الطّفل يجب أن تُوىل أه ّم ّية كبرية من خالل الجهات املعن ّية بالتّنشئة، ميكن التّ ّ كل ما تق ّدم ،يتّضح لنا أ ّن القصص املنشورة يف مجلّة «فتى األمن» فاألطفال هم عامد املستقبل ودعامئه؛ وإزاء ّ السليم والقويم للطّفل اللّبنا ّين. يل يف تعزيز ال ّنم ّو ّ الفكري ّ تأخذ هذا املوضوع بعني االعتبار ،وتسهم بشكل ج ّ
_______________________ السعوديّة -ال ّرياض ،العدد التّاسع عرش، .14يوسف عبد التّ ّواب :حول أدب األطفال يف الخليج العر ّيب .رسالة الخليج العر ّيب ،اململكة العرب ّية ّ 1406هـ1986 /م.
د -اللّغة واألسلوب: • األسلوب: ميكن القول إ ّن األسلوب املستَخ َدم كان بسيطًا واض ًحا ،اعتمد الواقع ّية يف عرض األحداث ،إذ أراد الكاتبان من خالل
فهاًم لعامل الواقع ،فالطّفل «يبحث عن القيم وينفتح عىل ّ قصتيهام أن يعالجا املشكالت بصورة واضحة ،ليزداد القارئ ً العامل فيهت ّم مبشكالته ،لذلك فهو يف حاجة إىل أدب يساعده عىل عقد صلة بني القراءة واألحداث الجارية ،وتز ّوده بفرص ملناقشة أه ّم ّية الكتب للفرد والجامعة» .كام الحظنا استخدام ال ّدكتور شالال لألسلوب الخيا ّيل من خالل تخ ّيل القصة سامر لحوريّة تستجيب لرغباته ،فقادت هذه التّخ ّيالت الشّ خص ّية للوصول إىل ّ الحل املناسب ،دون أن يُفقد ّ
واقع ّيتها ،وبذلك يكون قد حاىك أكرب عدد ممكن من الفئات العمريّة ،فمن املعلوم أ ّن أصحاب الفئات العمريّة والساحرات واملالئكة الحور ّ الصغرية «يجنحون إىل بيئة الخيال الح ّر ،والتي تظهر فيها الج ّن ّيات العجيبة واألقزام ّ وغريها من الشّ خص ّيات التي تحتويها قصص الشّ عوب وقصص ألف ليلة وليلة» .
وعريض ،وكانت مغامرة سلب ّية مل ت ِ ُؤت مثارها: من الالفت أ ّن املجلّة تط ّرقت إىل أسلوب املغامرة بشكل غري مبارش ّ
ألي مغامرة جديدة»؛ مع أ ّن هذا األسلوب يجذب مختلف األعامر ،ويغذّي «أقبل أل ّن املرض ه ّدين ومل يعد يب رغبة ّ
عقولهم ،وروح املنافسة لديهم. الصغار بأسلوب غري مبارش إليصال ما يريدانه ،وهذا يتامىش مع كام تجدر اإلشارة إىل أ ّن الكات َب ْنْي تو ّجها لق ّرائهام ّ
القصة ،ال أسلوب ّ السلوك القويم من خالل االقتداء بشخص ّيات ّ الرّتبية الحديثة التي تسعى إىل جعل الطّفل يكتسب ّ
توصل إليه األخوة من رضورة التّعاون قصة إرث األخوة نجد أ ّن الطّفل سيكتسب ما ّ عرب تلقني املعلومات ،ففي نهاية ّ مسك باألرض التي تعطي بسخاء من يهت ّم بها« :مل يخطئ أيب ملّا أوىص لك بالبيت واملحافظة عىل إرث اآلباء والتّ ّ لكل ٍ السعادة فسيكتشف ووسعته ،وبنيت ّ واحد م ّنا طابقًا» .أما يف ّ رس ّ وجعله من نصيبك .لقد حافظت عليه ّ قصة ّ
حلاًم! وعاد السعادة ال ّروح ّية ال املا ّديّة ،دون اللّجوء لألسلوب املبارش« :كان ً السعادة الحقيق ّية هي ّ الطّفل تلقائ ًّيا أ ّن ّ السعادة ال ّنفس ّية وال ّروح ّية ...ال إىل واقعه! موظّف ّ السعادةّ ، عادي ابن عائلة محرتمة تسودها املح ّبة ،وتظلّلها ّ
املا ّديّة» .واألسلوب غري املبارش يف إيصال الهدف إىل الطّفل أيرس يف االكتساب بشكل سليم ،فـ «ال ّنصيحة املبارشة عائدها قليل ،إذ سريبط الطّفل بينها وبني األوامر وال ّنواهي التي يضيق بها أثناء خضوعه لعمل ّية التّنشئة االجتامع ّية». _______________________ والصحفيّني ،ط1991 ،1م ،ص .25 .11نجالء شهوان :أدب األطفال القصيص .القدس ،منشورات ات ّحاد الكتّاب ّ ّ الرّتبية أصولها ال ّنفسيّة ،تط ّورها ،ما ّدتها وطريقة رسدها .القاهرة ،دار املعارف ،ط1976 ،5م ،ص .17 القصة يف ّ .12عبد العزيز عبد املجيدّ : القومي لشخصيّة الطّفل1992 ،م ،املجلّد الثّامن ،ص .197 قصة من خيال األطفال) .القاهرة ،املركز .13عفاف عويس :خيال الطّفل املرصي (تحليل مضمون ّ 365 ّ
السعوديّة - حول أدب األطفال يف الخليج العر ّيب :يوسف عبد التّ ّواب .رسالة الخليج العر ّيب ،اململكة العرب ّية ّال ّرياض ،العدد التّاسع عرش1406 ،هـ1986 /م. القومي قصة من خيال األطفال) :عفاف عويس :القاهرة ،املركز خيال الطّفل املرصي (تحليل مضمون ّ 365ّ لشخص ّية الطّفل ،املجلّد الثّامن1992 ،م.، صحافة األطفال ،أنواعها ،طبيعتها ،توجيهها :عبد ال ّرزّاق جعفر .منشورات طالئع البعث ،ال ط1980 ،م.الرّتبية أصولها ال ّنفس ّية ،تط ّورها ،ما ّدتها وطريقة رسدها :عبد العزيز عبد املجيد .القاهرة ،دار القصة يف ّ ّ املعارف ،ط 1976 ،5م. مجاّلت األطفال ودورها يف تنشئة األطفال اجتامع ًّيا :أمل حمدي دكّاك .دمشق ،وزارة الثّقافة -الهيئة القصة يف ّ ّ السوريّة للكتاب2012 ،م. العا ّمة ّ مجلة فتى األمن -العدد - 310ترشين األ ّول .2019 معجم املصطلحات األدب ّية :إبراهيم فتحي .صفاقس -تونس ،دار مح ّمد عيل الحامي لل ّنرش ،ال.ط1988 .م. -معجم املصطلحات العرب ّية يف اللّغة واألدب :مجدي وهبة وكامل املهندس .بريوت ،مكتبة لبنان ،ط1984 ،2م.
السعادة» املنشورتني يف العدد 310يف تبنّي لنا ذلك من خالل دراسة مضمون ّ رس ّ وقد ّ قصتي «إرث األخوة» و» ّ شهر ترشين األ ّول ،2019أ ّن الشّ خص ّيات األساس ّية هي شخص ّيات إنسان ّية ،أبطالها من البرش ،وقد دارت األحداث قروي ومد ّين ،وذلك لتنويع ال ّزاد الثّقا ّيف لدى الطّفل، تارة يف ال ّزمن القديم ،وتارة يف عرصنا الحارض ،يف طابع ّ ومحاكاة أكرب رشيحة ممكنة من األطفال ،ولتلبية احتياجاتهم ورغباتهم التي تتالءم مع بيئتهم املحلّ ّية ،وتناسب ذوقهم العا ّم. فهاًم لعامل الواقع ،وقد ت ّم اعتامد صيغة التّوجيه غري لقد طغى األسلوب الواقعي عىل ّ القصتني ،ليزداد القارئ ً ّ والاّلفت اعتامد اللّغة الفصحى البسيطة السلوك القويم وتقليده أكرث من تلقينهّ . املبارش ملا له من أثر يف اكتساب ّ ماّم يجعل هذا حاف ًزا للتّشجيع عىل قراءة القصص يف مجلّة «فتى األمن»، الصياغة ّ والواضحة ،سليمة ّ والرّتكيبّ ، حب لغته األ ّم ،والتّشديد عىل هويّته العربيّة ،إىل فهي تدعم الطّفل لغويًّا وتُغذّي قاموس مفرداته ،وتعينه عىل ّ وحب الوطن وال ّديار ،من خالل املوضوعات مسك باألرض جانب تحفيزه عىل الحفاظ عىل القيم اإلنسان ّية ،والتّ ّ ّ التي تعالجها. ال ّتوصيات: فضل لو تزيد املجلّة من عدد القصص يف زواياها. القصة ،وما لها من أثر بالغ عىل األطفال ،يُ ّ • نظ ًرا أله ّميّة ّ • إ ّن مجلّة فتى األمن عىل ال ّرغم من تن ّوعها الثّقا ّيف الغزير يف أبوابهاّ ،إاّل أنّها تفتقر للقصص املص ّورة التي تحمل فوائد ج ّمة للطّفل. بكل األذواق ،وتشمل أكرب عدد من األطفال. • التّنويع أكرث يف مواضيع القصص ،داخل العدد ،لتحيط ّ املصادر واملراجع: أدب األطفال :كيمربيل رينولدز .ترجمة يارس حسن ،مرص ،هنداوي لل ّنرش ،ط 2014 ،1م. أدب األطفال :عبد ال ّرزّاق جعفر .دمشق ،منشورات ات ّحاد الكتّاب العرب1979 ،م.والصحف ّيني ،ط1991 ،1م. أدب األطفالالقصيص :نجالء شهوان .القدس ،منشورات اتّحاد الكتّاب ّ ّ مؤسسة ال ّرسالة ،ط1418 ،3هـ1997 /م. أدب األطفال أهدافه وسامته :مح ّمد حسن بريفش .بريوتّ ، األدب وبناء اإلنسان :عيل الحديدي .طرابلس الغرب -ليبيا ،منشورات الجامعة اللّيب ّية ،ال ط1973 ،م. -ثقافة الطّفل يف الوطن العر ّيب :بهاء ال ّدين ال ّزهوري .بريوت ،مجلّة الباحث ،العدد 1994 ،62م.
شعر
مفاتيح قليب د.هويدا رشيف 1آب 2022 قلبي من فرط الهوى مثل وعيني من ح ّر البعاد لهيب وشوقي لك داء ما من يداويه ولهفتي تقتلني دوماً وما من طبيب فكل ساعة مت ّر دهرا ً ّ وكل ساعة تصبح مغيب ّ أراين أزرعك يف عباب ال ّزمن نسيامً عليالً يرطب قلبي الكئيب ببعادك سطّرت تاريخ والديت وبثقتك س ّجلت وعدك القريب ح ّبي لك ال يعطيك إال ذاته فحسبك نفيس وأنت الحبيب كل عيد،كل عيد وأنت مفاتيح قلبي املزروعة يف حقيل إىل يوم املشيب يا شيزوفرينيا حرويف
اليباب، يف زمنِ ْ كنت ُ تقول دامئاً لنا: َ غامم ٌة واحدةٌ ،ويَ ْهط ُُل الوط ْن. وكانت البال ْد عا ِريَ ًة ّإاّل من ال َك َف ْن. يوسف ُرُض ،وهذا ٌ و َم َّسنا ال ُ ُّ ُ الذئب الذي يسأل عن إخوتِ ِه َ ليس عىل ِ قميص ِه د ٌم ك َِذ ْب. لن َ العرب، يسأل ْ كان عىل ق ْمصانِه ْم د ٌم ك َِذ ْب ال ب َّد يا ُم َح َّم ْد ، ْ نلبس ُه، من وطنٍ نشع ُر بالدفء متى ُ ُنس ُج يف الوط ْن. مين ُحنا ألبس ًة ت َ كم َ القتيل، ْ سال من ش ْعر َِك ُج ْر ُح الوطن وجرح من ماتَ عىل الفراتْ ُ غليل. عطشا َنَ ،ج ْوعا َن ،ومل يُ ْر َو ل ُه ْ ***** للجنوب، رجعت َ ْ وب. و»الغي ُم يف الضواحي» يَ ُ رفض أن يَ ُص ْ ِ النعش ليس آل ًة حدبا َء، َ النعش كأ َّن تغفو عىل بل نجيب. ***** أ ُّم َك قد نَ َهتْ َك أ ْن متوتْ رصتَ في ِه ّإاّل عىل الصد ِر الذي أب ْ الجنوب. النو َر يف ْ القلوب. إ َّن الوصايا ِذ َم ٌم عن َد ذَوي ْ وكنت يف بريوتْ َ القلب إىل الجنوب. تنظ ُر من نافذ ِة ِ ***** الجرح حني ت ُولَ ُد القصيد ْة كنت تعاين َ َ
د .محمد عيل شمس الدين
جرحٌ في الشعر عمر شبيل
:إىل روح الشاعر الكبير الدكتور محمد علي شمس الدين
ِ ِ قد كان ُم ْذ ِ الجسد املوت أو يُلغى من ألغت الدنيا جنازتَ ُه يُلغى من والجرح يف شعر ِه باقٍ إىل ِ األبد تبدو الحيا ُة ب ِه واملوتُ منه ِم ٌك ُ اآل َن ،يا ُمح َّم ْد، تعو ُد للجنوب، ِ الجهات كلَّها الجنوب. إ َّن الجنوب ،يا ُمح ّم ْد، و هاهو ُ القلوب، يفتح الستقبالِ َك ُ ْ حتّى تعو َد يف «فتى ال ّرما ْن» املدارس، يقط ُف ُه الصبي ُة يف ْ وكل من داف َع عن قض ّي ِة اإلنسا ْن. ُّ للجنوب، الصبي سوف تعو ُد ذلك ْ َّ فال ُح ُّب ال يَشي ْخ. الحب الذي يو َج ُد يف أ ْو ِر َد ِة الجنوب، ُم َح ّم ُد، ُّ ضوب، ليس له نُ ْ ***** كنت ت ُِح ُّب يف «عربْصاليم» َ ت ََسل َُّق األشجا ْر، وكنت دامئاً ُ تقول يل: َ ملّا تَ َز ْل أشجا ُرها صغري ًة ت َ ُغريك بالتَ َسل ُّْق. ومل ْ يزل يعرفُها واحدةً ،واحدةً. يعرفها ألنها تعرفُ ُه. والنا ُر يف الجنوب، زالت عىل الشج ْر والط ُري ما ْ هل يُ ْدر ُِك الص ّيا ُد ما العالق ْة!! دم الطيو ِر والش َج ْر. ب َني ِ الجنوب فالطرْي ال تٌقتَ ُل يف ْ ُْ إالّ إذا كانت عىل الشج ْر وكانت األشجا ُر عا ِملِ ّي ْة. ما َ حاول اقتال َعها ِم ْع َو ُل ُم ْحتَ ٍّل وما انكرس
ألضمني... أبحث عن يدي ّ
الشاعرة نهى املوسو ي بريوت ٢٠٢٢-٩-٥ من حنجرة االصطبار تلك التي سجنت فيها الجميالت لهفة ا ألمكن ة والقصائد، كنت أعرب كظالل ل ّذ ا ت تائهة فوق جبني هزائم ترسق هشاشتي، حيث ال زّمن ال ش ىء ،واملكان ال مر ّيئ كنت أتالش ى وأنا أفرتق ع ّني بني الواقع ّ وال الواقع؛ وأتسل ح ضد ال ّذ بو ل ّ وال ّن دم فيشغلني عدم الت ّ ذك ر ألنجو مني .... ّ اآلن ،أبحث عن صويت ألرصخني أنا املتأ ّرقة املجنونة تتشظّى العوامل يف صدر ي عىل وقع صخب رياح
والجرح معاً والشع ُر ُ قد ُولِدا يف ساع ٍة عنيدةْ. كنت إذا أنج ْزت َها َ ت ُ َو ِّز ُع الحلوى عىل صين ّي ِة األملْ فالجرح ال ُ يرتك يف القصيد ْة ُ ح ْرفاً بال شَ ِظ ّي ْة، قلباً بال عقيدةْ. مل يَذُقِ الحلوى التي يصن ُعها الشاع ُر يف والد ِة القصيد ْة «السيكلوب» يف ّإاّل الذي م َّر عىل مغارة ْ الحب إىل «إيتاكا» سفين ِة ِّ وأبرَص الص ّح َة يف السق ْم َ َ أو سم َع األ َّم التي ت ُز ْغ ِر َد الدمع ُة يف ُم ْقلَ ِتها، النعش يف قيام ِة الوط ْن َ َبوس وهي ت ُ أي ،يف جناز ِة اب ِنها الشهي ْد. ْ ***** ألعبقريّ ُة التي تلم ُع يف شعر َِك ،يا صديقي، حكاي ُة الجر ِح الذي تحملُ ُه أ ّمتُ َك األب ّي ْة. أ ّمتُك الواضح ُة الجرا ِح يف لبنا ْن، شباب الضفّة الغرب ّي ْة، ويف ِ وغ َّز َة ال َع ِصيّ ْة. ويف العراقِ ِ بلد النخو ِة وال َح ِم ّي ْة حكاي ُة األم ِة ،يا ُم َح ّم ْد، حكاي ُة الجر ِح الذي كان هو القضيّ ْة. «هانئ» يف «ذي قارِها» مح َّم ُد« ،الحرقا ُء» ،ال َ تصيح «هاشم ّي ْة» وليس من يسم ُع إ ْذ ُ َ ***** نَ ْم يف «عربْصاليم»، وحضنها الحمي ْم. يؤوب قد آ َن للمساف ِر امل ُشتاقِ أ ْن ْ سوف َأس ِّم َيك فتى الزما ْن، وسوف تبقى حارضا ً كل ما متن ُح ُه الجذو ُر للغصو ْن// يف ِّ
تقهقه صادحة يف بو ق: نكبات ،وحروب،وأالعيب مرئ ّية وغري مر ّيئ ة ،تديرها رصاعات غريبة... حزينة، قلياًل لست أدر ي- منذ زمن طويل ـ كث ًريا أو ً رمّبا -اآلن ، نها ًرا ً ولياًل ّ - أبحث عن ذاكرة... ال ش يء أفظع من لهاث يزفّه الحنني إىل وطن جميل فيموت قبل الوصو ل... اآلن ، أبحث عن يدي ألض ّمني... ال أفظع من وله متع ب ش ّد وثاق قلبه فتم ّز ق يف خيوطه.
طائر الفينيق
107
وأشكو بني خالين اغرتابا وما عرف الورى قلبا كقلبي إذا ما م ّر طيفك فيه ذابا ومل ِ قلب يكف األحبة َ ُ ألف ٍ فهل يكفي الذي أضحى خرابا عذابك يف فمي ع َـذ ٌْب وإين أود السم َّ عنك يل رشابا وإن تطئي الرثى يوما برفق فإن ال ُد َّر قد حسد الرتابا وإين إن بذلت إليك روحي وقلبي والحياة فلن أعابا يروم رحيلنا قوم وكانوا كمن يبغي من الصخر احتالبا ولو علم الفراق وكان م ّرا ً حبيب ما أحب وال استجابا ولو أوفت لعاشقها بصدق حبيبته ملا هرمت وشابا سينساك الصحاب إذا تناءوا
ُ مالك اإلنس
الشاعر حامد خضري الشمري عبدتك يا َ مالك اإلنس طوعا ألدرأ عن جاللتك الذئابا ولن يهواك طول الدهر مثيل غض وال شي ٌخ تصاىب فتى ّ ً أطوف بروضك الزاهي وأبغي به أفني من العمر الشبابا لذكرك قد طربت وهاج قلبي ومل أه َو القيان أو الربابا كفرت مبا عداك وسوف أبقى الغي تابا وإن إبليس بعد ِّ وإين مذ عرفتك بعد شوق ٍ فال دينا ً تبعت وال كتابا ومن حاز الجنان وكان حيـّا ً فبعد املوت ال يخىش الحسابا ِ فهات الكأس قد فاضت وقويل هم العشاق ينسون العتابا ومهام باعدت منا الليايل فإن القلب يزداد اقرتابا وكم أهوى العمى إن ِ غبت عني
وقلبي سوف يضطرم التهابا ويف ذكراك صومعتي ستبقى ولن أغىش الكنائس والقبابا فكم من نافحات الطيب فيها تعيد لقلبي الذاوي الرضابا نصبوها فال تخيش حدودا ّ فضوء البدر يخرتق السحابا ستخمد إن ِ نأيت الروح وجدا وعيني سوف تنطفئ انتحابا يذوب القلب مل يهجرك يوما ومل أفتح لغريك فيه بابا يداعبني غرامك كل حني
فأحسب كل حسناء رسابا//
طائر الفينيق
111
أكوام الحط َْب تحت ِ رس ُه يا ّ يا س ْح َر ُه ج ّزوا ضفائ َر ُه استكا َن ل ُي ْستَل َْب شَ حذوا سكاك َني الجرمية َهشّ موا عينيه غاب الحز ُن َ الغضب ْب يف ثَق ِ ْ والجس ُم أُث ِْخ َن بالجرا ِح وما ت َ ِع ْب يصدح ما زال ُ بالرنيم ِ وما ت َ ِع ْب ُر ْغ َم املعانا ِة التي نزلت ب ِه ْ رأس ُه ما زال يرفع َ ويُح ّول النجوى طَ َر ْب القصب يا سحر ُه ناي ْ رسقو ُه
القصب ناي ْ
د .جامل زعيرت
يا س ْح َر ُه القصب ناي ْ يا م ْج َد ُه القصب ناي ْ هو آل ٌة جوفا ُء الظل تُروي َّ ت ُروي الساه َر املَكْلو َم الرتاب رتعش يَ ُ ُ وت ُظلم البيدا ُء تبحثُ لهب عن ْ القصب ناي يا سحره ُ ْ رسقوه من َج ٍّل تراخى فوق كِتْ ِف النه ِر غابت ذؤاباتُ النوى ْ َخل َْف السنابلِ
من رأس الخميل ِة الجميل ُ أ ْن يُقط َع الق ُّد ستلب و يُ ْ ويُج َّز شع ُر ِ الرأس يُرمى ال ُعنفوا ُن و يُ ْغتَ َص ْب القصب يا مجد ُه ناي ْ البوادي َمل ََك َ والسواقي الهوج والرياح َ َ والليل املرا ِو َغ َ والذهب ْ القناديل املُضيئ َة َ َمل ََك واللهب ْ َمل ََك الهوى ملك ال َهنا التعب ملك ْ رس ُه يا ّ القصب// ناي ْ
عندما
الشاعرة رانية مرعي كنت مالكًا عندما ُ أحمل باك ًرا ندى القبالت ُ كنت ألكون أول الواصلني إىل قلب النور .. كنت ُ أفرك عيون الليل وأطبع عىل جبني األمل قبل َة الحياة َ ليطول عم ُر الفرح .. والحب كنت أصلّيه ُّ أرويه عىل مسامع الوقت أطرب به لهفة العائدين ُ من مجاهل ال ّزمن .. كنت مالكًا عندما ُ مرآيت كانت وردة عشق الربي َع كل تهديني ّ ٍ وتخض ُب نبيض بالعطر .. ّ ووساديت كانت مح ّمل ًة باألرسار أتأنّق ألحالمي أهديها عبق أنوثتي فتهديني طيفك .. وكلّام أ ّرقني الحنني كنت أو ّد ُع الحقيقة ُ أتك ّو ُر يف رحم القيامة ألول َد امرأ ًة عاشقة
ربي ُع تسا َمى أراها ك ِمـثـلِ الجِـنانِ َعـ َد ْن بـصدري تقي ُم َ فـ ُيـز ِهـ ُر ِشـ ْعـري وتَـغـفو بـ َجـفـني آوا َن ال َو َسـ ْن سـنـ ْبـقَى نصو ُن ومهام يكو ُن بأ ْعامرنا يف املعايل ال َوط ْن//
همسة للوطن
الشاعرة التونس ّية ناجية فتح الله
نـحب ال َوطـ ْن ُ ونخىش علي ِه لهـيب ال ِفـتَـ ْن فتونـس قـلبي وتونـس حبي تقـلب فـيها الز َمـ ْن ومهام َ فخرضا ُء تـ ْبـقى ِ بسـفْـ ِر الخلود
فتونس ِ السـفـ ْن بحـ ٌر وش ْعـبي ُ موج ـرُب َ س َيـ ْع ُ ُ عاب امل َ ِ ِ ديـد الص ِ
ـزم كل املِـ َحـ ْن يواج ُه بال َع ِ نسا ٌء ر ٌ ِجال
ِصغا ٌر كبا ٌر الشباب وعـقـلِ امل ُ ِ ـسـ ْن ب َع ِزم ِ معا َ سوف ن ْحمي ربو َع البال ِد ِدمايئ ِفـداها وروحي ث َـ َمـ ْن فقو ُة شعبي َ الجبال ت ُهـ ُز ِ الحديد وتـنـفي ال َو َهــ ْن تـف ُُـل جامل بالدي
عودت قلبي
الشاعر حامد معيوف حميد
العراق االنبار
عوذت قلبي بالتجلد مل يق ومن الهوى كاس املضاضة قد سقي خباته بني الضلوع لعله يناى وعاتية الهوى ال يلتقي عصفت به االشواق حتى ايقظت يل وسنة علقت بجفني املطبق ترقى الصيايص والحصون تدكها ياويحها اجتاحت فؤادي ذا الشقي وفقدت ما فقد املطوق الفه وهدلت حزنا والهوى مل يشفق افنيت ما افنى امللوح عمره وبقى اسري ودادها مل يعتق ما عشت من عمر الهوى بربيعه او ان طارقة النوى مل تطرق او ان مضغة خافقي يوما رست يف بر نعامء الهوى مل تخفق الزلت اطرد بالرساب من الهوى امال وصل من حنني مغدق//
اليوم أعلن
الشاعرة سناء الحاموش ان العمر هذيان تغيب فيه وال نصحو حتى الرمق األخري نعرب نلهو ... تغرق يف هلوسات نتشظى وننترش ( بني األنا وال نحن) من شتات إىل شتات نشخذ الحتان.... يف بوم ...نسري نحلّق ...نطري يف آخر نكبو ومتر االيام .... كأننا اطفال ولدنا وكربنا وال زلنا نحبو.... نتلمس الدرب نتلمس القلب يد ًا متتد الينا.. نتالصق .....نتباعد نصري السطور .....نصري الكلامت نتحسد حكاية ،قصيدة ،لحنا
هـمـس الـتـائِـبـيـن ُ
الشاعر الجزائري مـصـطـفى بـورتـاتـة
َربّــــا ُه جــئــتُ َ ــك ســائِـــال ُمــتــضـرِعـا
َ الــضعـف ِقــلـ َة حـيـلـتـي إلـيـك تـشكـو َ فـعــت كــفـي يــا إلـهـي تــــ َو ُســــال و َر ُ ــت أنــا فــي غــفــلـتـي كَـــ ْم ذا تـمـا َديْ ُ َجـ ْد يـا إلـهـي عـىل الـفـقـيـ ِر بـ َرحـ َمــ ٍة َّـف لــوعــتـي إغــ ِفـ ْر ذنـويب َيَكْ ت ُـ َخــف َ ُـنت ُمـغــفَّــال فـأنـا الـذي فـي الـتـ ْيـ ِه ك ُ ُحـزنـي أنـا يَـ ْجــتـا ُحـني فـي ِو ْحــ َدتـي َ إلــيــك فـــ ُر َدنـي قــ ْد ُعــ ْدتُ يــا ربـي َردا َجــمــيـال يـــا عــلــيــمـا بـحــالـتـي قـــل زادي يـــا إلـــهـي فــــإنـــنـي َ إ ْن أ ْر َ ــل َد ْعـوتـي جـوك أ ْن تـ ْعـفـو وتــقــ َب َ مايل ِس َ ـواك ِمــ َن الــ َوسـا ِو ِس حـا ِفــظا نـفـيس الـشـقــ َيـ ُة كَـ ْم تــزيــ ُد كــآبــتـي يـــا َر ُّب إنـــي قـــ ْد أتــ ْيــتُ َ ــك تــائِــبـا
وأنـــا الـــ ُمــ ِقــ ُر يـــا إلــهـي بــزلـــتـي ــجـب قـ ْد َ قــلـت أ ْدعــونـي وإنـي ْأســتَ ْ ــل ُدعـائـي يــا إلـهـي وتـــوبَــتــي إقــ َب ْ
الجسد وعاء الروح
الشاعرة نهاد طاطاريان حبيب والدة األلف والياء يف لقاء السحب افهم احتياجنا للصداقات واألخوة حتى لو كانت تشعل نارا ً يف الخفاء وفجأة تأيت الصدف محملة باألمل دون محاولة تعقيد األمور انت ال تضيف شيئا للقدر سالم واهتامم ...كله مجرد كالم لك ان تشتهي ان تعانق القمر تتفرع الطرقات والسبيل واحد لوحة مرسومة يحملها رجل مجنون دون تفكري وكالعادة لن يعرتض أحد الفتة من ورق املقوى تقول بداية النهاية أصبحت قريبة السائرون يرتدون األقنعة املزركشة صارت الغاية تربر الوسيلة أين أنتم يا عرب؟ يقيمون صالتهم الحثيثة وآلله ال يخفى عليه احد بريوت منكوبة مثل عروس عقد قرانها تخدرها رائحة البخور التي متأل األجواء تستويل علينا وتوقف رغبتنا يف الهرب دخل فرنكشتاين يتلو علينا قوانني اللعب وكأنه يقرأ شيئاً من كتاب شمس املعارف الكل أمامه يف ذهول وهو يف عقولهم عابث//
ونغامت.. نسيل دماء وماء ودمعا ....ù ويبقى العمر رشيدا يف الهذيان.... ويبقى العمر بعي ّدا.... ومنيض.... اىل مكان بال عنوان//.
ُ المسافات َغدا ً تُطوى
الشاعر فواز الحمفيش
العراق
غدا ً ت ُطوى املسافات و ت ُطوى بيــننا ال ُح ُجب ُ َ نشتاق ثانِ َي ًة و لن لِمن غابوا و مــن ذهبوا صبح ره َن أُم ِن َي ٍة َستُ ُ وجــو ٌه شــــوقُـها لَـ َهـب ُ غدا ً تُلغى املحاالتُ سبب ُ و ال يُرجـى لهـــا ُ ت ُ َز ُف كـأنــ ُه ُحـل ٍُـم الشهب ُ و ترق ُُص حولك ُ ستنضو طي َنها األريض ال حــــز ٌن و ال تَــ َعـــب ُ و ُ تدرك أن هذا الكون َ يصطخب// جنبيـــك يف ُ
طائر الفينيق
127
اشتاق
الشاعرة زينة الجوهري اشتاقك يا أغامر الحب األبدي
فيعاقبني البعد عنك بشوقي الدائم إليك أصداؤك يف قلبي والحلم مرسال ليس يكفيني أحبك يا طائري املهاجر ونريان البعد... تثور بركانا « أحمق تشعلني ..تقتلني ألصري مغادرة وأنا عىل قيد الحياة أنتظرك عىل أفق الحلم أحبك ورديت الحمراء ترقص عىل حفيف النسيم أحبك لحن قيثاريت املرتبكة ترسق تغاريد العصافري لرتاقصني ...وتنسيني وجع الغياب!! قلبي معك بلِّغه.. آنك رميته بسهامك فآثر أن يدمى بك وال يرحل عنك//
طائر الفينيق
129
ربيع األماني
الشاعر عيل مويسات الجزائري
ربي ُع ِ الشـــ ْع ِر يُ ْز ِهـــــ ُر باألماين فأطْــلِ ُـق يف خـامئِــلـِ ِه ِعــــــناين ... وأ ْميض وال ُح ُ صهـيـل ٌ روف لها
يُـــ َر ِّد ُد ل ْحـــــــنها أبــــدا لـساين ... تَـشُ ـ ُّد رِحالـها ِمــــنها إلـ ْيــــــــها َو َ ْمَييض َركْـــــ ُبها وبــال تواين ... وكـــل يف ق َِـص ِ ـيد ِه نَـ ْب ُض رو ٍح ٌ َــــبوح مبا يُعاين هـواجِـســــها ت ُ ... رَصحا رُشو ِد ال ِفـــ ْك ِر َ ْ وأبْني م ْن ُ ُ رَص ُح ال ِف ْك ِر م ْن خريِ املَـــ َباين َو َ ْ ... ويُــ ْب ِحـ ُر قاريب واملَــ ْو ُج يَـ ْعـلو َويَـ ْعلـو فَـ ْو َق ها َمــ ِت ِه كَـــياين ... ِ البـيـد َو ْحــدي ــل َدا ِربًا يف فأ ْر َح ُ ِ حـب َحـواين ولَـ ْي ُـل الـبـيد مــــ ْن ٍ ...
طائر الفينيق
131
َوأبْـقى بــــــــــــ ْيـ َن أشْ ـجاين وآهي كأين قَــ ْد َعـــــــــقَـ ْدتُ لها ِقـــراين ... وأبْ ِ ــصـ ُر يف الــ ُدنا أ ْح َ وال قــ ْومي ـب ل ْو تــراين فَـ َي ْ ــسـكُـ ُنـني التَـ َعـ ُج ُ ... تـراين جا ِهــشا ِمـ ْن ف ْر ِط َو ْجــدي الـســـها ُد وما َجـفَـاين يُــسا ِمـ ُرين ُ ... فـكـ ْم ِمـــ ْن ُمـ ْب ِـد ٍع يف ال َهــ ِّم يَـ ْحـيا وك ْم ِمـ ْن جا ِهــلٍ يف ال َعـيْ ِ ـش هاين ... تُــ َعـ ِّزيـني الـ ُح ُ ـروف ُهـنا َو ِش ْعري ـــض الــ َد ْمعِ نَـ ْب ٌع م ْن حـناين وفَـ ْي ُ ... وأرجــو ُ ..ربَّـام يـــــوما َسـ َيـ ْنـمو َربِـــيـ ُع ِ الــشـ ْعـ ِر يُـ ْز ِهـــ ُر باألماين//
َوأَ ْعــبُـ ُر سابِـالً أ ْرنــو لِـــبَــــ ْد ٍر ـت جِـناين َو ِحـــيدا يف الـــ ُدنا ث َـبْ ٌ ... َوا ْز َر ُع يف فيايف األ ْر ِض ِش ْعري فَـيَــ ْنمو زا ِهـــــ َر األلـــــوانِ داين ... ـض خا ِفـــــقي نَبْضا تَواىل َويَـ ْنـبُ ُ كَـ ِمـثْـلِ الـبَـ ْرقِ يَـلْ َمــ ُع يف ثــواين ... َونَــفْــيس َهــ َّزها شَ ــ ْوقِ الـبِــعا ِد َـروح يف ال َهــوى وأنا مــكاين ت ُ ... َويَــ ْحـ ِملُها الـ َنــــسي ُم عىل َجـــنا ٍح ْـــق يف الــ َمجا ِهـلِ َمـ َّر َحاين بِـ ِرف ٍ ... راح ِمـــ ِّني َو َعــــقْـيل يف الـتَأ ُمـلِ َ َـــرْي واين بَــعـيدا يف شُ ــ ُرو ِد ِه غ ْ َ ...
ِ ال بُ َّد يوماً من بلو ِغ ِم َن َّص ِة التَّتْوي ِج إنصافاً عب وال ُحل ْم للجهد والتَّ ِ ْ ُ ُ األبطال األجيال القادم ُة أ ّن أُ ّمتَنا ال تل ُد إال تتدرك وحتى ِ املالعب ساحات القادم يف حتى َم ْو ِع ِدنا ِ ْ ِ كل التحايَا من املرشقِ للمغرب لك م ّنا َّ ْ فالفو ُز أيّتُها البطل ُة يجم ُع والخسار ُة تُف ِّر ُق األرض إال َع ْن يق ٍني بأ ّن الفو ًز ِم ْن ِ كوكب ِ نصيب ِْك/... تقريِب نجوم اللَّيلِ غارق ًة ِ فسريي بني ِ باألحالم وال ِ َ
أسمها أنس بطلة من بالدي ُ
د.حسن فرحات
ِ املالعب رضبات التِّ ِن ِس يف يأنس الفؤا ُد بحضورِها عىل هدي ِر ُ ْ ومعصم ِيدها املالعب ببطول ِتها وبأنوث ِتها هي شمع ُة أضاءتْ ِ َ استطا َع ْت أن تكون قم ًة بأنوث ِتها َر ْغامً ع ّنا ألنّنا مل نعت ْد رؤي َة نسائِنا يف القم ْم الرشيق سنظل نتباهى بها ومبعص ِمها ُ لقد صن َع ْت لنا قم ًة شامخ ًة ْ األمل أفرحت وطناً ال فرح به كان يهوي لوال فسح َة ْ متنح صح ًة لالوطانِ املريض ِة وتر ُّد لها العافي ْة نعم البطوالتُ ُ
تسبح يف دما ِء أبنائِها كان حضو ُرها رائعاً يف زمنٍ كانت فيه األم ُة وال زالت ُ ُحب الحيا َة َر ْغ َم ال ُجو ِع والقه ْر الجامه ُري يف ِّ كل االقطا ِر كانت ُ تهتف لها ألنّها ت ُّ ِ ِ ْ والخوف الهواجس املسافات وك َْرْث ِة كان الجمي ُع يصفقُون لها َرغ َم بُ ْع ِد اللقب العاملِي قوسنْي أو أدىن من ِْ قاب ِ لقد أبدعت وكانت َ مهاراتُ العب ٍة أبه َرتْ أع َني املُشا ِه ْد حتى غدتْ سفري َة ال ُح ِلم والف َر ْح ال ُ تعرف إال التح ِّدي كيف ال وهي من وطنِ الشايب الذي أعلن التح ِّدي ورحل باكرا ًمع عل ِمه مبا تخفيه األقدا ْر وكان يعرِّبِّ ُ عن إراد ِة الحياة: « إذا الشَّ ْع ُب يوماً أرا َد الحيا َة يستجيب القد ْر فال بُ َّد أ ْن َ وال بُ َّد للَّ ْيلِ أن ين َج ِيِل َرِس» وال بُ َّد للق ْي ِد أن ي ْنك ِ ْ
خلف كر ٍة صفرا ْء يا لها ِم ْن نَجم ٍة وح َّدت القلوب َ َ تجري مبشيئ ِة الرحم ْن
The Summary: Research title : Tyre , the Lebanese city , the queen of the seas :its touristic resources are the main reason for its advancement and economical growth Tyre is considered the fourth coastal city that is situated on the Mediterranean coast . It’s well known for its ancient history , its cultural richness which goes back three thousand years B.C.(Before Christ) and its diversity of its ruins of the consecutive historical periods : the . Greek, the Phoenician,the Byzantine,the Arabic and the Ottoman Tyre is Located 85 km from Beirut , the capital, but this distance does not stand against its advancement and economic prosperity if it benefits from its many natural and human charac. teristics to improve , develop and promote its touristic sector From this problematic , we thouth about several means and methods , such as personal interviews and studying the difficulties and the problems, analysing and proposing realistic solu.tions . We also depend on the descriptive, the quantitative,and the analystic program This can be done by transforming old neighborhoods of Tyre into touristic resorts , restoring monuments and historical city centers , and rehabilitating of parts of the infrastructure, especially the roads and the highways .This is in addition to establishing public parks , gardens (green spaces) and expanding Tyre›s coastal port to be able to receive tourists from all over the world , and finally to allow local and foreign companies to invest in the southern shore .starting with Tyre nature reserve and ending of Nakoura The investment of these touristic characteristics in many projects will be reflected in the prosperity of all sectors and economic activities in Tyre and its region Keywords :Tyre- the ruins- Tyre ‘s coast- Tyre ‘s port- old neighborhoods- tyre nature reserve- touristic domain
سياحة
مدينةصور اللبنانية ...سيدة البحار :مقوماتها السياحية سبيل لتطورها ونهوضها االقتصادي د.منى محمد يونس * -دكتوراه يف الجغرافيا من الجامعة اللبنانية ،مرشد تربوي ملادة الجغرافيا يف قضاء صور ،واستاذ مدرب يف كلية الرتبية يف الجامعة اللبنانية – قسم تعليم االجتامعيات.
امللخص : عنوان البحث :مدينةصور اللبنانية ...سيدة البحار :مقوماتها السياحية سبيل لتطورها ونهوضها االقتصادي . تعترب مدينة صور رابع مدينة لبنانية ساحلية واقعة عىل شاطىء البحر املتوسط ،وتتميز هذه املدينة بتاريخها العريق وغناها الثقايف ،الذي يعودالىامقبالمليالدبنحو ثالثةاالفسنة ،حيث تتنوع فيها االثار منكاللحقباتالتاریخیةامل تعاقبةكاإلغریقیة،الفينيقية،البیزنطیة،العربیةوالعثامنیة.تبعدصورحوايل85كيلومرتاعنالعاصمةبريوت،ولكنهذه املسافةهل ميكن ان متنعهامن االزدهار والتألق اقتصادياً اذا تم االستفادة من مقوماتها الطبيعية والبرشية العديدة لتطوير قطاعها السياحي والنهوض به؟ انطالقاً من هذه االشكالية تم اللجوء الىعدة وسائل وطرق منهااملقابالت الشخصية ودراسة املشاكل والصعوباتو تحليلها واقرتاح حلول واقعية ملعالجتها ،كام تم االعتامد عىل املنهج الوصفي ،املنهج الكمي واملنهج التحلييل . وبعد اعتامد هذه املناهج تم التوصل اىل النتائج التالية:تحويل احياء صور القدمية اىل منتجعات سياحية ،ترميم االثارات ومراكزاملدينةالتاريخيةو تأهيل جزءمن البنيةالتحتية ال سيام الطرقات واالوتسرتادات ،اضاف ًة اىل انشاء ساحاتعامةومساحاتخرضاء ،توسيع وتأهيل مرفأ صور البحري الستقبال السواح من كافة اقطار العامل ،واخريا ً السامح للرشكات االستثامرية املحلية واالجنبية بإستثامر الشاطىء الجنويب ابتدا ًء من محمية صور الطبيعية وانتها ًء بالناقورة .ان استثامر هذه املقومات السياحية يف مشاريع كثرية سينعكس ازدهارا ً عىل كافة القطاعات والنشاطات االقتصادية يف صور ومنطقتها . املصطلحات :مدينة صور –االثارات -شاطىء صور -احياء صور القدمية -مرفأ صور -محمية صور الطبيعية- القطاع السياحي
تشكل مدينة صور منطقة ذات مقومات طبيعية وبرشية واقتصادية مهمة ،وقد متت دراستها بشكل كبري من قبل عدد من الجغرافيني والباحثني والتاريخيني كون املنطقة غنية بأثارها الجاذبة للدراسة ،انطالقا ً من ذلك كان من املهم االطالع عىل ما تيرس من هذه الدراسات ملعرفة مايض وحارض هذا االقليم من جديد واختيار موضوع للدراسة مل يسبق ان تناولته دراسة سابقة . من ضمن الدراسات السابقة التي تناولت مدينة صور اطروحة دكتوراه اعدها حسن دياب « تاريخ مدينة صور الحضاري يف العرصالحديث « ،سنة ، 2010حيث يؤرخ بالوثائق التاريخية الرسمية ملرحلة هامة جدا ً من تاريخ مدينة صور تبدأ مع بدايات القرن العرشين ،حيث يتحدث الكتاب عن حياة مدينة صور وابنائها يف هذه الفرتة الزمنية من مختلف النواحي االجتامعية واالقتصادية والحياتية واالدارية وغريها. كذلك كتاب جنوب لبنان الطبيعة واالنسان للدكتور عيل فاعور ،الجزء االول ،1985 ،تناول فيه التكوين الطبيعي واملناخ واملياه والرتبة يف جنوب لبنان اضافة اىل الغابات واالحراج ودليل جغرايف يحتوي العديد من الخرائط ملحافظة الجنوب بكافة اقضيتها . يعترب ﻤﻥ ﺍﻟﻀﺭﻭﺭﻱ ﺍﺴﺘﻌﺭﺍﺽ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﻭﺍﻻﺴـﺘﻔﺎﺩﺓ ﻤـﻥ ﻨﺘﺎﺌﺠﻬﺎ ﻹﻀفاءﺀ ﻗﺩﺭ ﻤﻥ ﺍﻟﺭﺼﺎﻨﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺩﺭﺓ ﺍﻟﺘﺨﻁﻴﻁﻴﺔ يف تناولنا السياحة يف مدينة صور اللبنانية واهميتها يف تطوير اقتصاد هذه املدينة . -1مقومات اقليم صور الطبيعية والبرشية االقتصادية : اعتربت مدينة صور غنية باملقومات الطبيعية والبرشية التي متتلكها ، ،و يتم تناول هذه املقومات لإلنطالق منها نحو دراسة مقرتحةللقطاع السياحي يف مدينة صور ،التي عرفت سنوات طويلة من االهامل بسبب االحتالل االرسائييل من جهة ،واهامل الدولة وتناسيها لهذه املنطقة الواقعة اقىص جنوب لبنان من جهة ثانية .اما اهم املقومات التي تتميز بها فهي : أ -شاطىء صور الذهبي : يتميز شاطىء صور بإمتداده الطويل ونظافته واتساعه ،اضاف ًة اىل رماله الذهبية املتوهجة ،ويستمر هذا الشاطىء حتى الناقورة عند رأس البياضة .
مدينةصور اللبنانية ...سيدة البحار :مقوماتها السياحية سبيل لتطورها ونهوضها االقتصادي . بعروسمزهوةعلىشاطىءالبحراألبيضاملتوسط ،ال تعترب مدينة صور رابع مدينة لبنانية ساحلية ،وميكن تشبيهها ّ تضاهيها مدينة اخرى من حيث كونها غنية مبقوماتها وشاهدةعلىحقباتتاريخيةتعودالىامقبالمليالدبنحو ثالثةاالفسن ة،وترتبّعاليومعلىعرشالسياحةالداخليةفيلبنان مع بعض املدن االخرى مثل جبيل وبعلبك . أمافيتفاصیلتضاريسهاالجغرافیةفتقع مدينة صور يف اقىص جنوب لبنان ،ويعترب قضاء صور احدأقضیةمحافظةالجن وباللبناين،تبلغ مساحتهمعمدينةصورالحالیة 418كلم. 2 يحد قضاء صورمنالشاملقضاءصیدا-الزھراين،ومنالرشققضاءبنتجبیل،ومنالجنوبالحدودالدولیةمعفلسطین املحتلة. يضمقضاءمدينةصور 65قريةوبلدة ،متيزت فيه مدينة الحرف صور مبوقعها الجغرايف الذي ال يضاهيها فيه احد من املدن عىل البحر املتوسط ،بحيث يحيطها البحر من جهاتها الثالث ،فتشكلت شبه جزيرة عامئة عىل شاطىء لبنان ،وترشف عليها قرى وبلدات قضاء صور القريبة منها كالبازورية وقانا وجويا ،واملندمجة فيها كالعباسية وبرج الشاميل وعني بعال ،واملتأثرة فيها عن بعد مثل دير قانون رأس العني والناقورة وكفرا وياطر وصوالً اىل مدينة بنت جبيل . تبعدصورحوايل 85كيلومرتاعنالعاصمة بريوت،ولكنهذه املسافةال ميكن ان متنعهذه املدينة من االزدهار والتألقاقتصادياً اذا تم تنفيذ خطة لتطوير قطاعها السياحي والنهوض به .اضاف ًة اىل البحر والشاطىء متيزت صور بإعتبارها احدىاملدنالقدیمةذاتالتاریخالعریق،حيث تتنوع فيها االثارمنكاللحقباتالتاریخیةاملتعاقبة،اإلغریقیة ،الفينيقية ،البیزنطیة،العربیةوالعثامنیة ،فامھي مقوماتهذه املدينة سياحياً؟ ما الذيينتظر هذا االقليم لو تم استثامر هذه املقومات بشكل صحيح؟ انطالقاً من هذه االشكالية سيتم اعتامد املنهج الوصفي يف دراسة مقومات صور السياحية الطبيعية والبرشية االقتصادية ،املنهج الكمي إلظهار اعداد السواح الذين يقصدون صور ،واملنهج التحلييل يف تحليل املشكالت واقرتاح حلول علمية دقيقة ملعالجتها .
ب -اثار صور التاريخية : متيزت صور بعراقتها وغناها الثقايف حيث تتنوعاآلثار فيها منكاللحقباتالتاریخیةاملتعاقبةكاإلغریقیة(()3عبد الرؤوف فضل الله )1989 ،والفينيقية،البیزنطیة ،العربیةوالعثامنیة.اذ تنترشاملدرجاتفيمیدانسباقالخیاللرومانيفيامل دینةالفینیقیةالقدیمة ،كذلك يظهر فيها شارعمنالعرصالروماين حیثجرىرتمیمه فيالعرصالبیزنطي،فيوسطالربزخالذيأن شأهاإلسكندرالكبیر.وتحیطبجانبيھذاالشارع األروقة الضيقة،ویقطعهقوسنرصعظیمذوثالثةمداخل ،تجريعلىجانبهال جنوبيقناةمعلقةعلىقناطركانتمعدةلجر میاهنبعرأس العینإلىاملدینة.علىجانبيالشارعتمتد جبانةمن العهد الروماين واسعةتتداخلفيهاالعامئرالجنائزیةوالتوابیتالرخامیةوالكلسیةوالبازالتیةذات األشكالوالزخار فواملنحوتاتاملختلفة.كل هذه االثار وغريها جعلت صور مقصدا ً للسياح كونهامتثل تاريخاً حضارياًعظیامً .ویقول رئيس بلديتها املهندس حسندبوق يف املقابلة التي اجريت معه يف تاريخ « 2017/6/3أن مامييز صورهو غناها بالرت اثاألثري،ويضيفلدینامایزیدعن 500ألفم 2من مواقعأثریة،مناهمهاموقعین كبار،موقعوسطاملدینةوموقعآثارالضاحی ةالذيیحتويعلىثانيأكربهيبودرومفيالعامل ،اال ان صور ال تأخذ حصتها من االهتامم من قبل مديرية االثار والدولة اللبنانية ». ومتتاز هذه الحارضة بالدور التاريخيالذيلعبته فيالحقبةالفینیقیة،لناحیةسيطرتهاعلىالتجارة البحریة،والنشائهااملست وطناتالتجاریةحوالملتوسطفيالعاملالقدیم(()4اسامعيل حقي ،)1993 ،وانشائهامستوطنة قرطاجةالتيقارعتالدولةالرومانیة ،اال انها يف هذه الفرتة الحديثة ،مل تعرف الرقي واالزدهار الذي عاشته سابقاً عىل الرغم ان منظمةاألونیسكوضمتهاإلىالئحةالرتاثالعامليسنة 1979كونهامدینةعريقة .منذنحوخمسینعاماً،ومدیری ةاآلثارفيمدینةصور وجوارهاتقومبحمالتتنقیبواسعةبحثاًعنآثاراملدینةوتاريخها ،تكتشف دامئاً اثارا ً جديدة ،لكنها تهملها وال تقوم باالضاءة عليها واعطاءاملنطقة حقها عىل الرغم من غناها بهذه الرثوة .لذلك ميكننا استنتاج انالع وملةاألولىبوجههااالنفتاحيالجمیل ،بدأت من صور القدمية قبل العوملة الحديثة الحالية القامئة عىل ازالة الحدود بني الدول وتحويل العامل اىل قرية كونية واحدة ،حینأ ّمنت العوملة القدميةالتواصاللحضاريوالتجاريبینالشعوب،هذ اماتقوله ارض صور واثارها.
يحيطالشاطىءمبدينةصورمنثالثجهات،ويبلغ طولشاطئها الجنويب منفردا ًحوايل ثالثةكيلومرتات مايجعلهمنالشطوطاالجمل فيالعامل(()1يوسف الحوراين ،)1972 ،كام تنترش عليه 49خيمة حيث تقدماملأكوالتواملرشوبات لقاصديها من السياح اللبنانيني واالجانب،معالعلأمنهذه الخيم ت ُزالفي شهرترشيناالولكيال تؤثرعلىالشاطىءشتا ًء» ،ويصل عدد روادها اىل حوايل 10000سائح يف نهاية االسبوع وفق االحصاء الذي نفذناه اثناء املقابالت . اما بحر صورفیضممدينةغارقةفيقاعهموجودةمنمئاتالسنین وال زالت كنيسة سيدة البحار للموارنة تحتوي عىل جزء من هذه املدينة يف اسفلها .يكتظالشاطىءيف صوريوميا خالل موسم الصيف وتصل ذروته يف نهاية االسبوع حيث يقصده الناس لإلستجامم وملامرسة السباحة ،كذلك هروباً من الحر الشديد ،اذانهالبقعة البحريةشبهالوحيدةالتي بقيت «للناسالألصحاب املنتجعاتالسياحية كام هو الحال عىل طول الشاطىء اللبناين . واذا اكملنا املسري نحو الجنوب بإتجاه الناقورة فإننا نشاهد استكامل لهذا الشاطىء حيث يظهر لونالزوردي()2 (حسن سيد أحمدأبو العينني،)1980 ،تتألألفيهمياهاملتوسطالصافية ،كام تخولنا هذه املياه مشاهدةقعر البحر الرملياثناء السباحة ،وهذا يعترب دليالً آخر عىل نظافته .ميتد قرب البحر لجهة الناقورة شاطئ فيض مط ّعم بالبحص البحري امللون .ويف آخره عند رأس البياضة تتعامد صخور الكارست بإتجاه البحر فتشكل مشهدا ً غريباً يشد السائح اذا أُحسن استثامره ملا له من خصوصية ال تعرفها بقية الشواطىء عىل املتوسط . ميكن استثامر هذه الشواطىء الجميلة عرب اقامة املنتجعات السياحية التي تضاهي منتجعات اوروبا وانطاليا ، كام ميكن االستفادة منها يف القيام بالرياضاتاملرتبطةمبياهالبحر ،مثل القفز يف املاء،الغطس ، جيتسيك،وقيادةدراجات املاء(، )surfingركوبالزوارق ،ركوباألمواجوالعاب املاء املختلفة ،وكلها العاب تشد السائح ويقصدها اذا ما توفرت بشكل صحيح وبسعر مناسب ،لكن لألسف اهامل الدولة لهذا الشاطىء لفرتات طويلة وقلة االستثامر فيه من قبل الرأسامل الفردي من جهة ثانية حال دون االستفادة منه كام يجب . قدأنعمللهتعالىعىل اقليم صور بظاھرتینخاصتین يحتويهام بحرها :ظاهرةاملیاهالحلوةفيقاعهعىل طريق الناقورة قرب محمية صور الطبيعية التي سيتم ذكرها فيام بعد ،وظاھرةاملیاهالكربيتية ايضاً قبالة شاطىء صور( ،وفق رأي البحارة يف هذه املدينة بعد املقابالت التي اجريت معهم) .
صورة رقم :1اثارات صور البحرية دليل عىل حضارتها (اعمدة صليبية )
املصدر :هبة بدوي -موقع يا صور االلكرتوين (. )2017-9-14
هذا الغنى باالثار التاريخية ميكن استثامره يف خطة النهوض السياحية املقرتحة بشكل فعال ،نظرا ً ألهميته وملا ميثله من عامل جذب للسياحة يف هذه املنطقة ،لذا وجب ترميم االثار بشكل دوري حفاظاً عليها ،حل مشكلة تداخل االثار مع العمران بشكل رسيع ،وعدم اهامل هذه املشكلة من قبل مديرية االثار .كذلك من الرضوري مالحقة هذا االمر من قبل بلدية صور وكل الفعاليات املدنية املوجودة يف املنطقة وهذا ما سوف نتناوله يف هذه الدراسة . ج -مدينة صور القدمية حالياً : اىل جانب االثار والشواطىء ،عرفتمدينةصور االسواقالقدمية،حیثريتفع اكرث منخامننالعهد العثامين،ومنزلقدميوجمیل منالعرصعینهتملكهإحدىأرسصورمنآل
اململوك،باإلضافةإلىمسجدالطائفةالشیعیةذيالقبتینوالعامرةالرائعة
واملسجدالكبیرللطائفةالسنیة. ويقودالطريقاملالزمللرصیفإلىحي املوارنة(خريطة رقم :1مناطق سكنية قدمية)،الذياليزاليحتفظبأزقتهوأبنیتهذات النمطالتقلیدي .وقديفاجئكوجودبرجمراقبةمن العرصالصلیبي()5 (طه ﺒﺎﻗﺭ ،)1955فيأحدالبساتین،فیاميقومربج آخرمنالعرصعینهعلىمقربةمناملنارة ،يشهدانعلىأھمیةصورفيتلكااليام، كاميوجدفيصورعددمنالكنائس تعود ايضاً للعهد الصليبي،وھيمنأروعامشهدفنالبناءوالهندسة املعامرية،مثلكنیسةس یدةالبحاراملارونیةوكنسیةمارتوماالكاثولیكیة،كامتضاملحارةاملسیحیةكاميحلولالهايل
تسميتها،كنیسةللطائفةاألرثوذك
سیةوكنیسةانجیلیة تاريخية ايضاً . ان مدينة صور القدمية نشكل ثروة وطنية لو عرفنا كيف نحافظ عليها ونستثمرها ،اذ اعتربت بيوتاتها املطلة بنوافذها الزرقاء عىل البحر ،محط انظار الكثري من السواح العرب واالجانب وحتى اللبنانيني الذين التقينا بعدد منهم اثناء املسح امليداين لالطروحة ،كانوا حقيق ًة مبهورين بهذه الحارات الجميلة املجاورة للبحر .انطالقاً من ذلك سيتم اقرتاح افكار واقعية الستثامر هذه الحارات ضمن هذه الدراسة.
د -مرفأ صور التجاري والسياحي : يقع مرفأ صور علىمقربةمنالسوق القديم ،وقدحلمحالملرفأ الفینیقيالشاميل،الذيكانيعرفبسببموقعهباملرفأالصیدو ين( 1989,Briquel ,Ch, F&Gubel, E (()6وميتد شامله مرفأ تجاري صغري يعج بعدد من السفن التجارية املحملة بالسيارات من مختلف االنواع .ان امكانيات هذا املرفأ محدودة ،ووفق رأي عدد من موظفيه ،هناك امكانية لتطويره وزيادة احواضه اذا اهتمت وزارة النقل بذلك ،مام يؤدي اىل تخفيف العبء عن مرفأ بريوت وصيدا من جهة ،ويعيد احياء هذه املنطقة من جهة ثانية ،وهذا يساعد عىل ربط املناطق الريفية يف اقىص جنوب لبنان بباقي املناطق اللبنانية ،وبالخارج ايضاً . ميكن االستفادة من هذا املرفأ سياحياً من خالل تنفيذ جوالت يف البحر للسياح تتم عرب مراكب مؤهلة للقيام بذلك ،ولزيارة جزيرة صغرية مقابل املدينة يطلق عليها اسم «الزيرة « ،كذلك ميكن ملحبي الغطس أن يكتشفوا آثار صور الفينيقية القدمية املوجودة تحت مياه منطقة الجمل ،الذي يشتهر بوجود السالحف البحرية التي تسبح غالباً حول هذا الشاطئ وتتغذى من الحياة البحرية هناك. ه -محمية شاطئ صور الطبيعية : تقع محمية شاطئ صور الطبيعية يف الجزء الجنويب من مدينة صور .انها تتألف من اكرث شواطئ لبنان الرملية جامالً ،وهو الشاطئ االكرب املتبقي يف لبنان ،ما يجعل املحافظة عليها جهدا ً مربرا ً .تـم اعـالن محميـة شاطـئ صـور الطبيعية كمحمية طبيعية مبوجب القانون 708عـام 1998الذي نص عىل انشاء « محمية شاطئ صور الطبيعية « تعود ملكيتها للدولة اللبنانية وتحت وصاية وزارة البيئة (()7طوين فرج الله، )2001 ،عىل املستوى املحيل ،تتضمن املحمية موارد هامة من املياه العذبة . يستمد املوقع فرادته من وجود عيون املياه والينابيع واملستنقعات التاريخية التي ال تبعد اال بضعة امتار عن البحر .وتلعب هذه املوارد املائية دورا ً هاماً يف حياة املجتمع املحيل كمصادر للمياه املستخدمة من املزارعني املحليني لري مساحات زراعية شاسعة .وعىل نطاق اوسع ،ميلك املوقع قيمة جاملية وترفيهية ضخمة نظرا ً ملساحته الريفية املفتوحة واألفق املمتد من شاطئ طويل غري منقطع . تشكل هذه العنارص فسيفساء جاذبة ،تشمل التالل الساحلية الوحيدة يف لبنان املرتبطة بنباتات واجسام مائية خاصة بها ،باالضافة اىل شاطئ رميل عريض جاذب لتعشيش نوعني من السالحف البحرية املعرضة لالنقراض عاملياً السلحفاة ضخمة الرأس()8() CARETTA
خريطة رقم :1تصنيفات االرايض يف مدينة صور اللبنانية . املصدر :املخطط التوجيهي ملدينة صور سنة ( 2002من تنفيذ الباحثة )
صورة رقم : 2االزقة التي توصل السياح اىل دار املا واوتيل الفنار يف مدينة صور
املصدر)2015-3-6(www.aljanoub.com: ب -املطاعم :هي املدماك اآلخر من مداميك بناء السياحة فالسائح الذي يزور آثارا ً ومدناً ويبهر ببحر دافئ وطبيعة جميلة بحاجة اىل مطعم يرتاح فيه ويتغذى من مطبخ آخر له مذاقه الخاص ونكهته الخاصة .وقد بلغت هذه املطاعم أوج ازدهارها يف فرتة الستينيات حتى العام 1975وكانت ملتقى السياسيني يف لبنان خاصة عرب بوابته الجنوبية . ج -املسابح :اهمها مسبح صور الشعبي الذي يستثمر من بداية حزيران حتى نهاية ايلول برتخيص من البلدية ضمن منوذج ت ُراعى فيه الرشوط الصحية والبيئية والجاملية ويعود ريعه للبلدية ولجنة محمية صور والخيام املرتاصة عىل الشاطئ يقصدها اهايل صور والجوار للسباحة ويرتادها ليالً اناس من خارج املنطقة للسهر والعشاء وتناول املرطبات واالراجيل .
( ،)1995,Gras, Cf. & Teixidor,J& Rouillard,Pوالسلحفاة الخرضاء ( .)Cheloniamydas إن التنوع الطبيعي يف املحمية ينبع من اجتامع عدة انظمة ايكولوجية رئيسية تقوم عىل نظام الكثبان الرملية ، نظام املياه العذبة ،واالرايض الزراعية ،ضمن مساحة صغرية من 3.8كلم.2 كام متلك هذه املحمية الطبيعية قيمة أثرية كربى ،اذ تعترب جزءا ً من مدينة صور القدمية التي متّت تسميتها يف العام 1984من قبل منظمة « األونسكو « كموقع تراث عاملي . كذلك يعود تاريخ أقدم اآلثار الفينيقية يف رأس العني وتل الرشيدية كام صور القدمية اىل 5000سنة قبل املسيح( .)1995,Gras,Cf. & Teixidor,J& Rouillard,P ()9وميكن ان تشكل هذه االثار مع املقومات التي متتلكها صور كتلة سياحية متكاملة تنهض بصور ومنطقتها عىل ٍ حد سواء . و .املؤسسات السياحية : اىل جانب انتشار االثار يف صور ،ظهرت املؤسسات السياحية االخرى التي تعترب ابنيتها جز ًءا مهامً من العمران ومنها : أ -الفنادق :اما مدينة صور ففيها ثالثة فنادق اولها ،االسرتاحة املشيدة عىل شاطئ رميل جنوب املدينة وهي عبارة عن مطعم شتوي يتسع ملئتني وخمسني شخصاً وتراس ومسبح وسلسول ،اضافة اىل فندق يتألف من ثالثني غرفة وستني رسيرا ً وقد افادنا السيد مسعد جندي مدير االسرتاحة ان رواد االسرتاحة او نزالء الفندق يقدر بحوايل عرشة آالف بني وفود سياحية وجنوبيـيــن يقصدون قراهم ويبقون يف صور ومسؤولني يف قوات الطوارئ الدولية ،ويضيف السيد جندي ان الوفود السياحية تبيت عادة ليلة واحدة يف فندق االسرتاحة . وهناك فندق آخر يف املدينة اسمه « املوركس» ارتبط اسمه بصدفة املوركس ذات الصباغ االرجوانيالذي اول ما اكتشف عىل شاطىء صور .ويعتمد هذا االوتيل حسب ما يقول مديره السيد هادي قرعوين عىل عنارص قوات الطوارئ بالدرجة االوىل كرواد لهذا االوتيل ،وعىل السواح الذين يزورون آثار املدينة ويعودون اىل بريوت .ومن الفنادق القدمية يف صور فندق آخر اسمه « اليسا « بدأ العمل عام 1975وعمل بشكل جيد حتى العام 1996 حيث بدأ يرتاجع نشاطه وهو يعاين شلالً يف الوقت الحارض واالتجاه اىل االقفال كان النتيجة املحزنة له ،كذلك حول العديد من ابناء صور منازلهم القدمية يف الحارة اىل موتيالت صغرية تستقبل السياح خالل فصل الصيف منها عىل سبيل املثال ال الحرص «الفنار» الذي توسع واصبح اوتيل يقصده االجانب والعرب واللبنانيني و «دار املا « والياسمني .....وغريها .
صورة رقم : 4ميناء صور وحاراتها القدمية املطلة عىل البحر املتوسط
املصدر :من تصوير الباحثة يف 2016/4/3 -2أعداد الس ّواح يف املدينة ودور السياحة فيها ال بد بعد الحديث عن املواقع واالمكانيات السياحية املتوفرة يف مدينة صور ان نشري اىل اعداد السواح يف املدينة والدور الهام للقطاع السياحي يف التطور االقتصادي ويف التنمية فيها .تعد هذه املواقع احد اهم مصادر الدخل يف خزينة الدولة ،حيث كانت منذ القدم وحتى الوقت الحايل تُشكل دعامة لالقتصاد الوطني اللبناين ،وتؤمن فرص عمل للعديد من اليد العاملة. وينطبق هذا االمر عىل مدينة صور اذ ان غناها باملقومات السياحية منحها ثروة تفتقدها الكثري من املدن اللبنانية ،لكن لالسف اهامل الدولة لها حال دون استثامرها بشكل جيد. حتى ان مديرية االثار وضعت اليد عىل الكثري من االثار القيمة يف مدينة صور لكنها مل تعط صور حقها يف الدعاية واالعالم. كام ال يجب ان ننىس بُعد صور عن العاصمة بريوت واالوضاع االمنية السيئة لعبت ايضاً دورا ً سلبياً يف تهميش هذه الحارضة التاريخية.
د -توفر الرساميل يف اقليم صور الكربى :ارشنا سابقاً اىل غنى منطقة صور بالرساميل بفعل اموال املهاجرين منها اىل دول االغرتاب ،ال سيام القارة االفريقية .هذه الرساميل ميكن االستفادة منها بشكل صحيح اذا استثمرت يف هذه املنطقة وعملت عىل نهضتها االقتصادية وتم توظيفها باالستثامرات الصناعية والسياحية والتجارية . كذلك يجب االشارة اىل ارتفاع املستوى املعييش عند عدد كبري من السكان يف هذا االقليم بفعل اموال املغرتبني وهذا ما مييز سوق اقليم صور بالقدرة الرشائية العالية وما يسمح للسكان بالرتفيه والسياحة .كل ذلك دفعنا اىل اقرتاح مخطط الستثامر جزء من اموال املغرتبني ضمن الخطة املطروحة يف الدراسة ،عىل امل ان تلقى هذه االفكار استحسان الفعاليات والبلديات واملستثمرين لتنفيذها . قبل البدء بتصنيفات االرايض يف منطقة الدراسة ال بد من االطالع عىل بعض الصور الثارات هذه املنطقة، وخريطتها. صورة رقم : 3من اثارات صور الشاملية عند البص (قوس النرص )
املصدر :من تصوير الباحثة يف 2016/4/3
ويف العام نفسه جرىتنفيذالخطّةاالسرتاتيجيّةللتنميةاملستدامةفيمنطقةصور بشكل كامل،بتمويلمنالوكالةالفرنسيّةل لتنميةوبالتنسيقالوثيقمعات ّحادبلديّاتقضاءصوروهيئاتاملجتمعاملدين .وحددت هذه الخطة االماكن التاريخية والسياحية ،كام يظهر جدول التصنيف التايل والخريطة رقم 2الواردة سابقاً.
جدول رقم ( : )2تصنيف استعامالت االرايض يف مدينة صور التاريخية
وفيام ييل سيتم عرض العداد السياح يف مدينة صور سنة ، 2015مع االشارة اىل ان قدرة املؤسسات السياحية يف صور مؤهلة الستيعاب اعداد كثرية من السواح اللبنانيني والعرب واالجانب . واملقصود بالسياح اللبنانيني الذين يقصدون صور للرتفيه واالستجامم وزيارة االثارات والسباحة ورواد املقاهي واملطاعم وليس زبائن املحال التجارية يف صور الذين يرتادونها يومياً لتأمني حاجياتهم او لتسويق منتجاتهم . وفيام ييل جدوالً بأعداد السواح بحسب األشهر وتوزعهم بحسب فئاتهم ( أجانب او لبنانيني). جدول احصايئ رقم : 1اعداد السياح اللبنانيني واالجانب يف مدينة صور يف سنة 2015 الشهر
عدد السواح االجانب
عدد السواح اللبنانيني
كانون الثاين
1200
480
شباط
750
400
آذار
1500
750
نيسان
2150
1250
أيار
1400
1050
حزيران
850
1250
متوز
750
2350
آب
900
3450
ايلول
950
1450
ترشين االول
1000
900
ترشين الثاين
1000
1150
كانون االول
700
700
13150
15180
املجموع
املصدر :احصاءات مديرية االثار سنة (2015مقابلة مع مسؤول اثارات صور عيل بدوي بتاريخ .)2016/12/13 نالحظ من خالل الجدول ان اعداد السياح يف املدينة يختلف بني االشهر والفصول حيث يستقطب فصل الربيع نسبة كبرية من االجانب وفصل الصيف نسبة كبرية من اللبنانيني وبحسب دراسة فئات السواح يتبني ارتفاع اعداد السواح األجانب مقارنة مع السواح اللبنانيني وباألخص خالل الفرتة األوىل من السنة .
خريطة رقم : 2استعامالت االرايض يف مدينة صور التاريخية.
املصدر :املخطط التوجيهي 2002يف بلدية صور تُظهر التصنيفات الواردة يف املخطط التوجيهي ملدينة صور سنة 2002الكثري من االماكن السياحية يف املدينة ومنطقتها .ميكن استثامر هذه املناطق السياحية يف مشاريع كثرية يكون لها مردود اقتصادي عىل جميع القطاعات .اذ ان تطور القطاع السياحي سيتبعه تطور يف القطاع العمراين من خالل زيادة الطلب عىل االوتيالت والشقق السكنية واملطاعم ،كذلك سينعكس ايجاباً عىل القطاع الزراعي نتيجة استهالك السواح للمنتجات الزراعية املحلية فينتعش هذا القطاع االنتاجي.كام ميكن ان تنمي السياحة القطاع الصناعي ،اذ ان املؤسسات السياحية تحتاج اىل اثاث لفرشها وتحضريها الستقبال السواح ،و يحتاج هؤوالء السواح اىل بعض التذكارات من الصناعات الحرفية ،اضاف ًة اىل انعاش قطاع النقل الذي يتم من خالله نقل السواح لزيارة االماكن االثرية داخل املدينة وخارجها ،والتأمني عىل حياتهم عرب رشكات التأمني واملصارف ....وغريها من الخدمات التي سيؤثر عليها ايجاباً تطور القطاع السياحي. صورة رقم : 5حارات صور القدمية تنتظر من يرممها ويعيد الحياة اليها .
من تصوير الباحثة يف سنة 2017
أ .تداخل العمران مع االثار يهدد ثروة صور السياحية : ان غالبية املناطق التاريخية يف مدينة صور اللبنانية ،تعرضت لتعديات مختلفة أدت إىل تدهور نسيجها الحضاري ،األمر الذي جعل مديرية االثار تضع يدها عليها بهدف الحفاظ عىل هذه املناطق واعادة ترميمها الستقطاب السواح اليها .لكن هناك الكثري من املالكني لالرايض يعمل عىل تاليش مواقع اثرية منذ عصور قدمية أمام زحف املخططات السكنية التي طالت الكثري من املواقع التاريخية يف صور خاص ًة ،وذلك بسبب رغبة تجار املخططات يف الرثاء املادي من جهة ،واهامل مديرية االثار من جهة ثانية . كام ان ما يجعل االنسان يضع يديه عىل قلبه هو ان التوسع العمراين طال الكثري من االثارات النادرة القدمية ومعامل اثرية وتراثية غاية يف االهمية ،كام لجأ عدد كبري من ابناء مدينة صور اىل التحايلعىل مديرية االثار بسبب عدم دفعها مستحقات االرايض التي تم وضع اليد عليها ،فإعتمدوا تركيب ابنية جاهزة كام فعل مرشوع الساحيل ،اذ تم البناء بشكل افقي عىل كل مساحة االرض وكان عبارة عن تركيب االبنية املصنوعة من الحديد وااللواح الخرسانية (نظام إيطايل يسمى بنظام: نيديون*) ،وعىل هذا االساس البد ان يكون هناك تحركاً من بلدية صور لوقف هذا الزحف الجائر بالتنسيق مع مديرية اآلثار لرشاء هذه االرايض ودفع املستحقات كام ذكرنا سابقاً ،ألن املباين السكنية يف يوم ما سوف تلتهم التاريخ ويصبح يف خرب كان . ب .شبكة الطرقات: ال يتطرق املخطط التوجيهي لصور اىل الجسور وتوسيع الطرقات بشكل كاف ٍ ،ومل يعالج مشكلة مراسيم التخطيطات التي صدر البعض منها منذ أكرث من 50سنة .بعض هذه املراسيم مل يتم تنفيذها ومل يتم إستمالك العقارات املصابة واملعنية بتلك التخطيطات ال سيام عند مدخل العباسية ،مام أدى إىل تعطيل العديد من العقارات يف مختلف أرجاء صور الكربى وتجميدها طيلة هذه املدة ...كذلك ال بد من االشارة اىل توسيع االرصفة ال سيام عند الكورنيش البحري الشاميل ما ادى اىل تضييق الطرقات املؤدية اىل املرفأ وسوق الخضار ،والحال عينه عند مدخل برج الشاميل حيث االكتظاظ العمراين والتعديات عىل الطرقات ادت اىل تضييقها ،واملشكلة ايضاً تربز جلية عند مدخل العباسية وعىل مفرق طريق قانا قرب املستشفى االيطايل .تحتاج صور السياحية اىل شبكة مواصالت جيدة ومؤهلة ،ألن ذلك يؤدي اىل سهولة ورسعة نقل السياح وتأمني راحتهم .
املصدر :املخطط التوجيهي ملدينة صور سنة ،2002من تنفيذ الباحثة . تُظهر هذه الخريطة بوضوح استعامالت االرض من ناحية املناطق الطبيعية والنشاطات البرشية واالقتصادية الضاغطة ،وميكن مالحظة التايل : انتشار االثارات بكرثة يف مدينة صور بدأً من البحر يف جنوبها وصوالً اىل اطرافها الرشقية عند الطريق الرئيسيةاملتجهة اىل القرى املجاورة لها الشاملية الرشقية والجنوبية الرشقية .اعتربت هذه االثارات عامل غنى لالقليم ُوجب اعطائها حيزا ً كبريا ً يف الخطة املقرتحة لكونها عامل جذب سياحي. ت ُعترب املنطقة العمرانية يف مدينة صور ذات مساحة صغرية نسبياً بسبب تداخلها مع االثار من جهة ،وبسبباالمتداد الطويل للشاطىء واالرض العشبية (املحمية ) من جهة اخرى ،ما جعل املساكن مندمجة مع الخدمات االساسية يف هذه البقعة الصغرية ما يشكل عائقاً امام تنمية القطاع السياحي يف املدينة . بعد كل ما اوردناه من مقومات طبيعية وبرشية ،وتحليالت لخريطة تصنيف االرايض يف اقليم الدراسة ال بد من الدخول يف الحيز العميل والبدء باملشاكل التي يعاين منها القطاع السياحي يف مدينة صور والتي توصلنا اليها من خالل البحث امليداين الذي نفذناه يف مدينة صور ،كام سيصار اىل اقرتاح حلول علمية ومنطقية ملعالجتها . .3املشاكل التي يعاين منها القطاع السياحي يف سيدة البحار « مدينة صور التاريخية « تعترب املناطق التاريخية واألثرية أحد مقومات الرتاث نظرا ً لقيمتها التاريخية والثقافية والحضارية التي ال يستهان بها وتربط العرص الحديث بجذوره التاريخية ومتثل مراكز جذب سياحية وثقافية ذات قيمة كبرية .ومتتاز صوربأنها واحدة من أهم مراكز الرتاث املعامري والعمراين يف لبنان .كام أن وجود املناطق التاريخية واألثرية فيهااعطاها قيمة خاصة حيث أنه ال يخلو حي من احيائها من اثار تاريخية وأثرية هامة ،لكن هذا االمر انعكس سلباً عىل متددها العمراين ،ألن املدن عنارص ديناميكية تنمو غالباً عمرانياً وسكانياً عىل مر العصور .انطالقاً من ذلكتأثرت املناطق التاريخية يف مدينة صور واطرافها بفعل هذا النمو بتهديد ثروتها السياحية وظهر فيها عدة مشاكل هي التالية:
.Vالسامح للرشكات االستثامرية بإستثامر الشاطىء الجنويب ابتدا ًء من محمية صور الطبيعية وانتها ًء بالناقورة ، ويتم ذلك من خالل انشاء منتجعات سياحية متطورة لالستفادة من جامل ومميزات هذا الشاطىء ،وذلك عرب عقد اتفاقيات مع هذه الرشكات للمحافظة عىل بيئة املنطقة و لتوظيف ابنائها ولتحقيق عائدات مالية تعود للبلديات من جراء تأجريها لهذه الشواطىء . .VIبنا ًء عىل النقطة السابقة ميكن توظيف العائدات املالية يف تأهيل البنى التحتية القليم صور الكربى وإلنشاء الشوارع والجسور التي تم اقرتاحها يف قسم النقل . .VIIاقرتاح انشاء فروع لكليات الجامعة اللبنانية ال سيام كلية السياحة يف هذه املنطقة ،وذلك تناسباً مع املقومات السياحية املتوفرة فيها ولتخريج اليد العاملة املتخصصة يف هذا القطاع ،خاص ًة ان هذا االخري ميكن ان ينهض بصور الكربى ومنطقتها عام ًة اذا احسن استثامره . *) من حيث التخطيط املدين : .Iتأهيل الطريق الساحيل القديم بني بريوت وصور لتسهيل انتقال السياح اللبنانيني واالجانب . .IIاعادة تصميم ما امكن من املناطق واملحالت السكنية بحيث تفصل بينها وبني الشوارع الرئيسية مناطق خرضاء وحدائق خاص ًة يف الحارات القدمية عند الخراب ،واالطراف العمرانية الحديثة مثل حي الرمل ،كذلك ترك حدائق بني العامرات املختلطة االستعامل ( سكني – تجاري – الخ ) وبني الوحدات السكنية االفقية ال سيام يف محلة البص عند مرشوع الساحيل عىل مدخل صور الشاميل . .IIIتشكيل لجان هندسية – تخطيطية مختصة لدراسة الخرائط املوجودة وتثبيت مساحة االرايض املستغلة يف كل مرحلة من مراحل تطور ومنو املدينة ،حيث ان هذه العملية ستلقي الضوء عىل الكثري من نقاط الضعف والخلل التي رافقت تلك املراحل من توسع مدينة صور السياحية. .IVالحد من التلوث البرصي عرب مد شبكات الكهرباء والهاتف تحت االرض ،ال سيام يف املناطق الطرفية املستحدثة لصور ،اما يف مدينة صور فإنه يجب العمل عىل اعادة تأهيل هذه الشبكات قبل وضعها تحت االرض حيث ميكن .
* نيديون :وهو نظام يعتمد عىل أساس إستعامل ألواح مصنعة من مادة البوليسرتين (الفلني) والتي كثافتها من 15إىل 25كغم يف م( )3محصورة بني طبقتني من الحديد بقوة شد 60كلغ يف الـ ملمرت املربع وتشكل منها األجزاء اإلنشائية للمبنى . .4الخطة املقرتحة ملعالجة هذه املشاكل التي تعيق السياحة : .Iاستثامر نواة املدينة اي إحياء املرفأ القديم يف القطاع السياحي ،حيث تتحول أحياء صور القدمية اىل منتجعات سياحية (اوتيالت وموتيالت ومطاعم ذات طابع قديم ومطلة عىل البحر )...عىل نسق مدينة انطاليا الرتكية املتوسطية ،ويتم استمالكها من قبل بلدية صور او املستثمرين ،وينظم موقف سيارات خاص بها عند حي الخراب يف صور ،يسلك قاصدها الخط املمتد من مدخل صور عند البص اىل شارع نبيه بري جنوباً ثم دوار جنبالط ،ثم يتجه غرباً اىل الخراب ليتم توقيف السيارات والدخول سريا ً عىل االقدام اىل االحياء القدمية واالثارات . .IIإعادةتأهيلمراكزاملدينةالتاريخيةوجزءمن البنيةالتحتية عرب خلق وتأهيل ساحاتعامةومساحاتخرضاء ،اضافة ًاىل تأهيلبعضاألسواق القدمية (الخان يف صور ،وسوق العباسية القديم ...وممراتاملشاة فيها ) ،اضاف ًة اىل تأهيلوحم ايةبعضاملبانيالتاريخيةوتحديد وجهةاستخدامها. .IIIحاميةاملواقعاألثريةوتحسينإدارتها وذلك عربتطويراملواقع األثريةفيصور ورأس العني من خالل اجراءأبحاثوتوثيقحوالملواقع األثرية،ترميموتدعيمبعضاملعاملمثل امللعب الروماين،املساهمة يف كشف االثار الغارقة تحت املياه ،إدارةاملعامل بشكل صحيح بالتعاون مع مديرية االثار،حامية املساحاتوتجهيزاملواقعالستقبااللزائرين كإ نشاءمراكزللزائرينومراكزلالستعالم فعالة وليست للتنفيعات فقط . .IVتوسيع وتأهيل مرفأ صور البحري كام تم ذكره يف املقدمة ،لكونه نافذة ميكن لصور الكربى ان تطل من خالله عىل كافة املناطق اللبنانية الساحلية خاص ًة ،وعىل العامل الخارجي ايضاً ،وذلك يتم عرب تحويله اىل محطة نقل بحري بني مناطق الجنوب اللبناين وكافة املناطق الساحلية اللبنانية مبا فيها العاصمة بريوت وطرابلس سواء لنقل السكان او السواح او البضائع ،مع االشارة اىل ان النقل البحري اعترب ارخص انواع النقل وفق الدراسات العاملية ،وعىل بلدية صور اخذ هذا االقرتاح بعني االعتبار ملا له من فائدة مالية واقتصادية تعود عىل مدينة صور التاريخية .
•فهرس املصادر واملراجع : •املراجع واملنشورات املكتوبة باللغة العربية: الجمهورية اللبنانية ،وزارة السياحة ( ،)1998دليل الجنوب ،بريوت ،لبنان . الدستور اللبناين ،تاريخه ،تعديالته ،نصه الحايل ( ،)1991-1926إعداد شفيق جحا ،دار العلم للماليني ،الطبعةاألوىل. املخطط التوجيهي ملدينة صور ، )2002( ،بلدية صور. اسامعيل ،حقي ،)1993( ،لبنان مباحث علمية واجتامعية،منشورات دار خاطر ،بريوت ،لبنان. حسن سيد أحمد ،ابو العينني ،)1980( ،لبنان ،دراسة يف الجغرافيا الطبيعية ،دار النهضة العربية للطباعةوالنرش ،بريوت ،لبنان . طه ،ﺒﺎﻗﺭ ،)1955(،ﻤﻘﺩﻤﺔ ﻲﻓ ﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻘﺩﻴﻤﺔ ،ﺍﻟﻘﺴﻡ ﺍﻻﻭﻝ ،ﺍﻟﻁﺒﻌﺔ ﺍﻟﺜﺎﻨﻴﺔ ،ﺸﺭﻜﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻁﺒﺎﻋﺔﺍﻤﻟﺤﺩﻭﺩﺓ ،ﺒﻴﺭﻭﺕ ،لبنان. طوين ،فرج الله ،)2001(،املوسوعة اللبنانية ،قرى ومدن لبنان ،الجزء السابع . عبد الرؤوف ،فضل الله ، )1989(،لبنان دراسة جغرافية ،دار النهضة العربية ،بريوت ،لبنان. معن ،عرب ،)1970( ،صور حارضة فينيقيا،دار املرشق،بريوت ،لبنان. يوسف ،الحوراين ،)1972(،لبنان يف قيم تاريخه ،العهد الفينيقي ،دار املرشق ،بريوت ،لبنان.املصادر واملراجع باللغة االجنبية : -
.Briquel ChF.& Gubel E.,(1998) Les Phéniciens aux origines du Liban, Gallimard
-
.Gras, Cf. & Teixidor,J&Rouillard,P(1995) L›univers phénicien, Editions Hachette
-
)www.aljanoub.com(6-3-2015
-
)www.yasour.com(14-9-2017
الخامتة : يف الختام نرجو أن يساهم هذا البحث يف تنمية القطاع السياحي يف مدينة الحضارة واالبجدية صور .آملني بتحقيق تنمية مستدامة يف هذه البقعة الغالية من جنوب لبنان ،بشكل يح ّد من املشاكل التي عرفتها ،ويساعد عىل تذليل معظم املعوقات التي تعانيها هذهاملدينةعىل مختلف االصعدة ،حيث توفّر لسكانها العيش الكريم واإلستقرار. •فهرس الخرائط : خريطة رقم : 1تصنيفات االرايض يف مدينة صور السياحية . خريطة رقم :2استعامالت االرايض يف مدينة صور التاريخية . •فهرس الجداول : الجدول رقم : 1اعداد السواح يف مدينة صور التاريخية . الجدول رقم : 2تصنيفات االرايض يف مدينة صور وفق املخطط التوجيهي لسنة . 2002 •فهرس الصور : صورة رقم :1اثار صور البحرية دليل عىل حضارتها . صورة رقم : 2االزقة التي توصل السواح اىل دار املا واوتيل الفنار يف مدينة صور . صورة رقم : 3من اثار صور الشاملية يف البص . صورة رقم : 4ميناء صور وحاراتها القدمية املطلة عىل البحر . صورة رقم : 5حارات صور القدمية تنتظر من يرممها ويعيد الحياة اليها .
ال تجتاز الحياة باستسالم وضعف ! بعنوان :أيام ومتيض ٬سأعيد النظر ! هي داللة ووثيقة تثبت ٬بأن ليس كل من يرى يبرص وأن خطواته واثقة وسيعرب ٬تعيد النظر عندما تغمض عينيك بجواز سفر لرحلة وقف الزمن ليتسنى لك ترتيب أعامقك بنور البصرية ٬لتلملم كل الشوائب والزجاج املكسور برفق دون أن تحدث جروحاً بليغة ٬تضمد كل الشقوق والفراغات ببلسم روحك النق ّية ٬لتقيم وجبة غداء ملك ّية غن ّية بالحب وبنكهة الصدق ٬تقدمها باحرتام ليتلذذ مبذاقها القلب ٬وال تُخل لربهة عليك العودة دون امتام امله ّمة وتشغيل آلة الزمن والضجيج وفتح عينيك لتعرب الحياة ٬لو مل تفرض عىل نفسك حكم الوقفة بعد كل اجتياز مرحلة ٬ال تتوهم بانك عىل قيد الحياة ٬بل األصح بان الحياة ترتاقص بسخرية من قيدك( ....حنان) لوحتي باأللوان الزيتية بعنوان (ترميم)
فن
لوحات فنيّة الفنانة التشكيل ّية حنان بو حسن
تم الحصار عىل أفكارنا وأحالمنا وآفاقنا ،حتى أنهم بنوا قالعاً وأسوارا ً ، وسجنوا كل فرد مبربع مغلق وأربع زوايا مساحة ضيقة للفكر بهدف
إخامده وتالشيه باألختناق ،لكن ال ميكن أن تحارص طاقة وفكرا ً .مؤمن بأن الحياة نعمة وتستحق التحدي ،فجروا قالعهم بالعزف عىل نغم العزمية والقوة ،دمروا مربعاتهم الضيقة ،بالعلم واملعرفة وفتحوا الزوايا األربعة ولغوا كل العوائق منهم من اجتاز البحار وأبعد وأكمل غذاء فكره ومنهم من مكث مكانه وانتزع من يدهم سالح املعلوماتية واستخدمه وتواصل وأكمل ونجا ،عبثاً يحاولون من ميلك طاقة العقل بحامية اإلميان ال ميكن الحد من حريتها وتحليقها وتوقع ما هو حدود تفوقها أبدا ً(.....حنان) لوحتي بعنوان ( لبناين )
أقالم واعدة
حامل الرسالة الطالبة مالك حسن عكاش الجامعة اللبنانية – الدكوانة ماسرت فاريس «نضال» طائر من بالد العرب ،يسافر بينها ويحمل الحب والسالم لقلوب األطفال يف كل مكان .مع بزوغ فجر جديد ،ح ّط رحاله يف باحة واسعة جميلة ،مرشقة ميألها األطفال ضحكاً وحياة .وهناك اقرتب طفل صغري ،وأطعمه الحب الوفري ،من يده الرقيقة ،كأن بينهام صداقة وثيقة ،فراح يلتقطها نضال بحركاته الرشيقة. وسط حفيف وريقات األشجار ،ورفيف جناحات األطيار ،فجأة ،علت أنّة ذاك الطفل السعيد ،وارمتى عل الحضيض .صاح نضال عالياً « :يا الله ،ماذا حصل؟ « .تلفّت مييناً ،فرأى األطفال يهرعون وبالصياح يسترصخون. وتلفّت يسارا ً ،فأبرص جندياً مدججاً بالسالح يصوب بندقته باتجاه األطفال .استغرب نضال ،فاألطفال ليسوا للقتل، األطفال للعب ،األطفال للدرس ،األطفال للحياة .ث ّم هرب كام هربوا جميعاً ،لكنه احتار إىل أين يتّجه .ملح قب ًة مهيب ًة ،فلجأ إليها واختبأ بداخلها وهو يرتجف خوفاً .وبني ز ّخات الرصاص وحجارة املقاومني ،سمع نضال صوتاً حنوناً من القبة يناديه ،ويدعوه يناجيه. الصوت؟» فقال متعجباً « :ملن هذا ّالصخرة» « أنا ق ّبة ّ « ومل أنت غاضبة؟رس انفعالها .فهي تستفيق كل يوم عىل وقع الرصاص ،والقتل واالعتقال .وهي التي حرمت منذ فأخربته بحالها و ّ سنوات طوال من اجتامع ضحكات األطفال وجلسات الكبار تحت ظلّها .وهي املشتاقة إىل صالة جميع املؤمنني املح ّبني. «هيا طر يا نضال ،واحمل رسالتي إىل كل األطفال يف بالد الجوار .قل لهم أن القدس حزينة ،فهي مثخنة بجراحات جل املقاومة لالحتالل ،الذي يغتاظ من تكبرية اإلحرام كلام األطفال والرجال والنساء .قل لهم إن الصالة فيها هي ّ كل صباح ،يرتبصون بالعدو سمعها عند األذان .أخربهم أ ّن يف القدس أطفال أبطال يحملون زوادتهم من الحجارة ّ خلف جدران املسجد األقىص لريموا جنود االحتالل .قل لهم أن يجمعوا حجارتهم ويع ّدوا عدتهم ،ويرسوا إ ّيل
طائر الفينيق
167
هبة السماء الطالبة فاطمة حمزة مرتىض
سنة أوىل ماسرت مشرتك بني الجامعة اللبنانية وجامعة أصفهان كانت سمية امرأة شديدة السمرة ،طويلة القامة ،هزيلة ،يف عقدها الرابع ،ذنبها الوحيد أنها أحبت رجال فقريا مدقعا ،فتزوجته .رضيت من حياتها معه بالقليل ،غري أ ّن القليل هذا كان مجبوال بعزة نفس .كانت جالسة مرة تسرتجع ذكرياتها الدافئة مع زوجها الذي تويف قبل سنة تاركا لها أوالدا ثالثة حيث ترسب اىل حبل أفكارها صوتٌ فقطعه .إنه صوت رصاخ رضيعها الذي ي ّنئ جوعا يف بيت خاو .وكيف لبيت أرملة مسكينة أن تع ّمه الخريات. انهمرت دموعها عىل خديها سيال ،فهي وصلت اىل تعس الحال هذا منذ وفاة زوجها .مدت يدها اىل الله متوسلة أن يرزقها ما تس ّد به جوع أطفالها من غري أن تتجشم عناء الطلب .نظرت اىل أوالدها جوعى وقالت يف نفسها»: ما أشد قسوة الزمان ،حني ال يرتك عزيزا اال أذله» .لكنها تن ّبهت لنفسها »:إ ّن رحمة ريب وسعت كل يشء». هاًّم قد نهضت من حيث كانت متس ّمرة ،تركت ولديها بعهدة أخيهام األكرب ،أغلقت الباب خلفها ،كأمّنّ ا تغلق ًّ أي اتجاه تسري. تأجج نارا بداخلها .سارت سمية هامئة يف شوارع العاصمة ،ال تدري أي األماكن تقصد ،وال يف ّ وبينام هي كذلك ،استوقفتها شابة سلمتها ظرفا أبيض ،وقالت هذا لك .ثم انرصفت سارة قبل أن تنطق سمية ببنت شفة .فتحت الظرف ويداها ترتجفان فوجدت فيه مبلغا من املال موضوعا .مل تصدق ما رأت عيناها. أغلقته وشكرت ربها أن كان حارضا معها دامئا يسمعها .ودعت لسارة التي أرادت التصدق بهذا املبلغ عن روح والدتها . أرسعت اىل البقال ،أحرضت طعاما ألوالدها .أطعمتهم وأنامتهم .ثم مشت متثاقلة الخطى اىل مخدعها .وبينام هي كذلك ،إذ لفت انتباهها مرآة معلقة عىل الحائط مل تكن قد ملحتها منذ وفاة زوجها .تقدمت نحوها ،وقفت أمامها تناظر نفسها ،كم يبدو وجهها شاحبا وكم جعلها الحزن تبدو أكرب .وقفت هناك تستعيد رشيط حياتها ،لقد كانت مدللة والديها ،تربّت يف أرسة ميسورة عىل الع ّز والرفاهية ،أما اليوم فهي تنتظر من يشفق عليها وذلك بعد أن هجرها أبويها عقابا لها .فهي أحبت رجال ما أرسهم يوما بسبب فقره .إنه جابر زوجها ،الذي تويف يف حادث سري مر ّوع وهو متوجه اىل عمله .أشاحت بوجهها عن املرآة ودفنت رأسها تحت الغطاء .أغمضت عينيها ،وغطت يف سبات عميق تنتظر إرشاقة شمس جديدة.
مجاهدين .نادهم إىل تأدية الواجب يا نضال .هيّا احمل رسالتي وطر إليهم مرسعاً .فالكيان مؤقت حتامً إىل زوال».
طار نضال بعيدا ً خلف التالل ،فرأى أطفاالً يلعبون يف سوريا ،ثم التقى بإخوتهم يف لبنان ،واألردن والعراق .بعدها زار الجزيرة العربية ومين األبية ،إىل أن وصل بجناحيه املتعبني إىل شامل إفريقيا .وأخرب األطفال يف مرص ما هو الحال يف القدس .وم ّر بالجزاير واملغرب العريب ،حتى وصلت رسالته إىل كل األطفال .قرروا جميعاً أن يزحفوا نحو القدس سوياً ،فوصلوا إليها ودافعوا عنها .فرح املسجد األقىص لقدومهم ،واستبرشت قبة الصخرة لتلبيتهم النداء. نضال شاركهم مقاومة االحتالل .حامل الرسالة كان باملرصاد .يشري إىل مكان اختباء املحتلني خلف الجدار ،ليحملوا عليهم األطفال بشجاعة واقتدار ،ما جمعوه من حجار ،وهم يهتفون عالياً »:أحسنت يا نضال ،أحسنت يا حامل الرسالة والبسالة. »...
طائر الفينيق
170
طائر الفينيق
171
الصواب اللغوي
قل وال تقل أرسة التحرير
قل :تق ُّدم ُمطَّرِد ،وتعليم ُمختلِط ،وجندي مرتزِق ،ويشء مزد ِوج ْ وال يقالُ :مطَّ َرد وال ُمختلَط وال مرت َزق وال مزد َوج وذلك أل ّن هذه األسامء مشتقة من أفعال مبنية للمعلوم ،الزمة غري متعدية .نقول :اطَّر َد التقد ُم يطَّرد فهو ُمطَّرِد واختلط التعليم يختلط فهو ُمختلِط وارتزق الجندي يرتزق فهو ُمرتزِق ونقول :تق ُّد ٌم ُمطَّرِد بتشديد الطاء وال نقولُ :مضطرِد بالضاد. قل :استأجرت دارا ً ألسكنها فأنا ُمستأجِر وال يقال :أنا ُمؤ َّجر وال ّمؤ َّجرها فصاحب الدار ُمؤ ِّجر وأنا ُمستأجِر قل :هذا األمر بديهي وال تقل :بدهي العرب مل تحذف الياء من امثاله إال إذا كانت من األعالم كقبيلة ثقيف ثقفي وقريش قريش وبجيل بجيل قلِ :مساحة وال تقلَ :مساحة ووزن ِفعالة يدل عىل اسم املهنة ِصناعة زِراعة نِجارة ِعطارة ِحدادة ال ِبزازة أ ّما وزن فُعالة بضم الفاء فيدل عىل بقية اليشء نقول :نُخالة ملا يبقى من الطحني ُمُثالة ملا يبقى يف قعر الكأس ُجذاذة مايبقى بعد القطع ومثلها بُرادة وقُاممة قل :تكلّم عىل مختلِف الشؤون وال تقل :مختلَف الشؤون بفتح الالم
زاوية اللغة
حرف الباء ،واستعماالته حني يكون حرف جر أرسة التحرير
قبضت عىل يش ٍء من جسمه أو ثيابه ،وكام يف اآلية الكرمية« :وامسحوا ثت بخالد ،إذا ُ 1ــ اإللصاق ،نقول :تش ّب ُ برؤوسكم» 2ــ التعدية ،كام يف اآلية الكرمية« :ذهب اللهُ بنورِهم» 3ــ االستعانة ،كام يف اآلية الكرمية« :الذي عل ََّم بالقلم». 4ــ السببية ،كام يف اآلية الكرمية« :فكالً أخذنا بذن ِب ِه» وكقول عنرتة: أموت ومل تدُ ْر َ خشيت بأن ُ ولقد
ضمضم ابني ِ ِ للحرب دائر ٌة عىل ْ
5ــ املصاحبة ،كام يف اآلية الكرمية« :وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به». بس َحر» 6ــ الظرفية ،كام يف اآلية الكرمية« :ولقد نرصكم الله ببدر» ويف قوله تعاىل« :ن ّج ْيناهم َ 7ــ البدل ،كام يف قول الشاعر: بهم قوماً إذا ركبوا َ فليت يل ُ
ش ُّنوا اإلغارة فرساناً و ُركبانا
8ــ املقابلة ،كقولنا :كافأته بضعف وكقولنا :هذا بهذا
طائر الفينيق
175
القُبلة
بقلم الشاعر الكبري الراحل الدكتور :محمد عيل شمس الدين
2022/9/11_1942 كان أيب يعبث أحياناً بالكلامت ْ فيسألني مثالً عن معنى القُبلة
ُ الشفتنْي رس معقو ٌد بني كيف تكون؟ ْ فأقول لهُ :القُبل ُة ٌّ رس ال يع ُرب ُه ّإاّل الغاوون وج ٌ
يتعجب من نزقي ويعدّ ل من جلست ِه ُ وأضعت العرب ْة َ نسيت الفكر َة يا ولدي َ ويقول :أنت فال ِقبل ُة حيث تو ِّجهُ وجهك نحو الله الحب شغف كانت ما بني اثنني يض ّمهام ُ ّ ٍ جهات أخرى ذهبت نحو ْ وما زالت حتى لو املابنْي ُ قلت :إذن أنت تصيل بني ْ ب َني ال ِقبل ِة والقُبل ْة واعلم وتعل ّْم قال نعم ْ أجمل ما يف املعبود ُ أنّ القُبل َة أكنت القاصد أم كنت املقصود َ س ّيانِ