مجلة طائر الفينيق العدد الخامس عشر /شتاء/2022

Page 1

‫طائرالفينيق‬

‫عرش‪/‬شتاء‪2022/‬‬ ‫‪2022‬‬ ‫العدد الخامس عرش‪/‬شتاء‪/‬‬ ‫االغتسال بالكلمة‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫شوارع املدينة‬ ‫أ‪.‬عيل مويسات الجزائري‬ ‫صمتي‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬ ‫العقل املنشود ومسارات التغييب‬ ‫أ‪.‬جواد فهمي‬ ‫القهوة الخرضاء‬ ‫أخصائية التغذية ‪ :‬مرينا‬ ‫شمس الدين‬ ‫بلاميض‬ ‫باقٍ !‬

‫‪Phoenix Bird‬‬ ‫‪Winter Issue 15‬‬ ‫أي تاثري؟‬ ‫املقاربة األدب ّية لتدريس املرسح‪ُّ ،‬‬ ‫د‪.‬نجاة الصليبي الطويل‬ ‫ريان‬ ‫أ‪.‬عمر شبيل‬ ‫دموع البنفسج‬ ‫أ‪.‬حامد خضري الشمري‬ ‫رؤيا‬ ‫د‪.‬فاطمة مهدي الب ّزال‬ ‫كيف تختارين الرموش‬ ‫املناسبة لعينيك؟!‬ ‫أ‪.‬مريم باجي‬

‫العبدي و ِحصان َعنرتة‬ ‫اإلنسان العريب بني ناقة املُثقَّب‬ ‫ِّ‬ ‫د‪ .‬محمود سليم عبد الغني‬

‫الكبار يسقطون سهواً‪...‬‬


‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫‪All rights reserved.2022 . No reproduction, copying or‬‬ ‫‪passing without expressed consent from the founder‬‬ ‫‪of magazine. For permission or writing opportunities‬‬ ‫‪please contact: beautyarabiamagazine@gmail.com‬‬

‫تخصهم وحدهم ال غري‪.‬‬ ‫اآلراء واألفكار املطروحة يف صفحات املجلة من قبل الك ّتاب ُّ‬

‫مجلة الفينيق‬

‫مجلة الفينيق هي مجلة جامعة تُع َنى باإلنسان وبالقضايا الفكرية العليا التي تنهض باإلنسان وتحاول أن تسهم يف رفع‬ ‫مستوى املجتمع اإلنساين لنعمل معاً ومع الوسائل الثقافية األخرى لنرش الحب والسالم والتعاون بني كل الطبقات‬ ‫اإلنسانية لتعيش بحب وتصالح ووئام وتعمل مجلة الفينيق بواسطة ك َتابها املتنورين ان تحارب الجهل ألن الجهل هو‬ ‫صانع الرشور وجميع املآيس اإلنسانية وتدرك مجلة الفينيق عرب املواد الفكرية التي تطرحها أن إصالح املجتمع اإلنساين‬ ‫يتم و ُين َجز ّإل بالثقافة امللتزمة بتوعية اإلنسان وتبيان املنزلقات التي يوصلنا الجهل إليها وحده العقل املتن ِّور‬ ‫لن َّ‬ ‫بالوعي والثقافة واملعرفة اإلنسانية هو الرساج الذي ينري لنا املسالك الصحيحة ويقودنا لسلوك الطريق الصحيح للوصول‬ ‫إىل ما فيه خري البرشية كلها‪ .‬ال بدّ من اتخاذ العقل سالحاً ملواجهة الصعاب التي تعيق منو القدرة اإلنسانية الفاعلة‬ ‫واملتجهة إىل الرقي وانتصار الخري وردع الرشور‬ ‫تهتم مجلة الفينيق بالعقل ودوره الف ّعال يف تنمية إنسانية اإلنسان فإنها تهتم بدور الروح يف السم ّو‬ ‫ومبقدار ما ُّ‬ ‫باإلنسان وتجربته العقلية وتنقيته من كل ما يعكّر مجرى مسريته‪ .‬إن الروح هي بقية الله فينا وهي الضوء الذي يرافق‬ ‫العقل يف مسريتهُ والروح هي التي تقول لنا جميعاً وبالتساوي‪" :‬كلّكم آلدم وآدم من تراب" ومجلة الفينيق تسري يف‬ ‫توجهاتها دامئاً بهذا املنحى الذي يوحد بني الفكر والسلوك‪ ،‬إذ ال قيمة للفكر الذي ال يتح َّول سلوكاً ويف اعتقادنا دامئاً أنّ‬ ‫"خري الناس من نفع الناس"‪ ،‬و"الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إىل الله أنفعهم لعياله"‪ ،‬وال تفاضل بني الناس ّإل بالعمل‬ ‫تشق طريقها بتصميم وعدم تراجع‬ ‫الذي يساعد اإلنسان عىل التقدم‪ .‬بالروح والعقل معاً استطاعت مجلة الفينيق أن َّ‬ ‫دت لهذه الرسالة اإلنسانية املثىل‬ ‫ألنها تؤمن بأنها ُوجِ ْ‬ ‫بهذا التوجه استطاعت مجلة الفينيق أن تجمع فيها عقوالً نيِّ ة أدباء ومفكرين وشعراء‪ .‬وجميعهم ملتزمون بنجاح‬ ‫رسالة هذه املجلة الغراء‪ .‬ومن آفاق مجلة الفينيق أنها استطاعت أن تقيم ِص ٍ‬ ‫الت بني الرشق والغرب النها تعتقد أن‬ ‫العقل والروح ال يتق ّيدان مبكان دون آخر يف هذا الوجود‪.‬إنها تصدر يف مكان بعيد خلف البحار ولكن فكرها يجتاز‬ ‫املحيطات ليصل إىل كل ذي عقل منفتح يؤمن بأن جنسية الفكر إنسانية وليست حرصية يف مكان دون آخر‬ ‫تظل مجلتنا رائدة يف خدمة اإلنسان الذي ك ّرمه الله بالعقل والروح وجعله سيد املخلوقات جميعاً‪.‬‬ ‫نأمل أن ّ‬


‫طائر الفينيق‬ ‫مجلة أدب ّية ‪ ،‬فكريّة‪ ،‬متنوعة‪ ،‬فصلية تصدر يف مدينة نيويورك‬ ‫بالواليات املُتَّحدة األمريك َّية‬ ‫‪Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat, MD‬‬ ‫‪Senior Arts Director: Assad Kamran‬‬

‫الهيئة اإلدارية‬ ‫رئيس التحرير د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫مريم باجي‪ :‬مراسلة وسفرية املجلة يف املغرب العريب‬ ‫التدقيق اللغوي‪ :‬د‪.‬سامي ال ّرتاس‪ -‬د‪.‬فاطمة الب ّزال‪ -‬أ‪.‬عمر شبيل‬ ‫نقد أديب‪ :‬د‪.‬هويدا رشيف‪ -‬د‪ .‬مرياي حمدان ‪-‬أ‪ .‬سليمة مليزي‬‫د‪ .‬طالل الورداين د‪ .‬دالل مهنا الحلبي‪ -‬د‪ .‬منال رشف الدين‬ ‫شعر‪ :‬أ‪ .‬رانية مرعي ‪-‬أ‪.‬حامد الشمري‪ -‬ـأ‪.‬عيل املويسات الجزائري‬‫مديرة قسم التغذية‪ :‬األخصائية مرينا شمس الدين‬ ‫الفن‪ :‬الفنانة التشكيل ّية حنان بو حسن‬ ‫الجامل‪ :‬أ‪.‬مريم باجي‬


‫الهيئة الثقاف ّية يف هذا العدد‬

‫د‪.‬حسن فرحات‬

‫أ‪ .‬عيل مويسات الجزائري‬

‫أ ‪.‬عمر شبيل‬

‫أ‪ .‬مرينا شمس الدين‬

‫أ‪.‬د‪ .‬دريّة فرحات‬

‫أ‪ .‬حنان بو حسن‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫أ‪.‬رانية مرعي‬

‫د‪ .‬فاطمة الب ّزال‬

‫أ‪.‬نهى املوسوي‬

‫د‪ .‬سامي ال ّرتاس‬ ‫د‪ .‬طالل الورداين‬

‫أ‪ .‬سناء الحاموش‬ ‫أ‪.‬زينة الجوهري‬

‫د‪.‬محمود سليم عبد الغني‬

‫أ‪ .‬نهاد طاطاريان حبيب‬

‫د‪.‬نجاة الصليبي الطويل‬

‫أ‪ .‬جواد فهمي‬

‫د‪ .‬هادي جامل شبيل‬

‫أ‪ .‬محمد حسني‬

‫د‪.‬ساميا السلوم‬

‫أ‪.‬عال بدر الدين الهزيم‬

‫أ‪.‬حامد خضري الشمري‬

‫أ‪.‬مصطفى بورتاتة‬

‫أ‪ .‬سليمة مليزي‬

‫أ‪ .‬جوزيف سمعان رزق‬

‫أ‪.‬مريم باجي‬

‫أ‪.‬عباس طالب عثامن‬



‫جامل ‪171‬‬

‫قراءات ‪159-144‬‬ ‫»قطع اللحم تنمو«‬ ‫»قطع‬

‫شعر ‪140--109‬‬ ‫‪140‬‬

‫كيف تختارين الرموش‬ ‫املناسبة لعينيك؟‬

‫د‪ .‬سامي الرتاس‬ ‫»القطب الكبري سيدي‬ ‫»القطب‬

‫أ‪.‬مريم باجي‬

‫ابراهيم القريش السوقي»‬ ‫عصمة الجامل‬ ‫أ‪.‬عمر شبيل‬

‫أ‪.‬عمر شبيل‬

‫شوارع املدينة‬ ‫أ‪.‬عيل مويسات الجزائري‬

‫دموع البنفسج‬ ‫أ‪.‬حامد خضري الشمري‬

‫رؤيا‬ ‫د‪ .‬فاطمة مهدي الب ّزال‬

‫عندما‬ ‫أ‪.‬رانية مرعي‬

‫لحظات ٍ‬ ‫ومض‬ ‫أ‪.‬نهى املوسوي‬

‫أم أيوب‬ ‫أ‪.‬مصطفى بورتاتة‬

‫بيت العنكبوت‬ ‫د‪ .‬هادي جامل شبيل‬

‫عم غياباً أ ّيها األمل الجريح‬ ‫د‪ .‬ساميا السلوم‬

‫حبة رمل‬ ‫أ‪.‬سناء الحاموش‬

‫ِ‬ ‫هواك‬ ‫أ‪.‬زينة الجوهري‬

‫أقالم واعدة‬ ‫‪163--162‬‬ ‫‪163‬‬ ‫الثقافة االستهالك ّية‬ ‫أ‪.‬عباس طالب عثامن‬

‫أكرس أقالمي فوق كومة الورق‬ ‫أ‪.‬نهاد طاطاريان حبيب‬

‫ريّان يف غيابة القلب‬ ‫أ‪.‬عمر شبيل‬

‫فن ‪169--166‬‬ ‫‪169‬‬ ‫لوحات فن ّية‬

‫الفنانة ‪.‬حنان بو حسن‬


‫افتتاحية ‪9‬‬

‫املحتويات‬

‫تغذية ‪176--174‬‬ ‫‪176‬‬

‫أدب ‪106--13‬‬ ‫‪106‬‬

‫االغتسال بالكلمة‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‬

‫القهوة الخرضاء‬ ‫أخصائية التغذية مرينا‬ ‫شمس الدين‬

‫مرايا األنا والهو ‪ /‬األنوثة والذكورة‬ ‫صمتي‬ ‫يف رواية مرايا الرحيل‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬دريَة فرحات‬ ‫العقل املنشود ومسارات التغييب‬ ‫أ‪.‬جواد فهمي‬

‫التكنولوجيا املزيفة والسقوط املريع‬ ‫د‪ .‬طالل الورداين‬

‫استعادة الذات الضائعة‬ ‫أ‪.‬عال بدر الدين الهزيم‬

‫املكان يف رواية طائر الحوم للروايئ حليم بركات‬ ‫أ‪.‬محمد حسني‬

‫ملاذا أنجبتك يا بني االنسان العريب بني ناقة املُثق َِّب املقاربة األدبية لتدريس‬ ‫ّ‬ ‫أي تأثري ؟‬ ‫العبدي و ِحصان َعنرتة‬ ‫املرسح ‪ُّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫أ‪.‬جوزيف سمعان رزق‬ ‫د‪ .‬محمود سليم عبد الغني د‪ .‬نجاة الصليبي الطويل‬ ‫جسد املرأة يف األدب والفن بناء الزم ُن ومكوناته عند امييل نرص الله ‪،‬‬ ‫زكريا تامر ويوسف حطيني‬ ‫التشكييل والديانات عرب العصور‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫أ‪.‬سليمة مليزي‬

‫الصواب اللغوي‬ ‫‪181--180‬‬ ‫‪181‬‬ ‫اخطاء شائعة‬ ‫أرسة التحرير‬

‫زاوية اللغة‬ ‫‪183‬‬

‫أي‬ ‫ّ‬ ‫أرسة التحرير‬


‫االغتسالُ بالكلمة‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫أعىل أنواع الطهارة الروحية يتجىل يف االغتسال بالكلمة‪ ،‬الكلمة‬ ‫التي تخرج من القلب لتصافح قلباً آخر هو بحاجة إىل ضوئها‬ ‫ٌ‬ ‫مجبول‬ ‫لتسعفه يف رحلة العمر‪ ،‬إننا من نسيج الرتاب‪ ،‬والرتاب‬ ‫بالظالم حيث يصبح جسدا ً‪ ،‬وقد خرج هذا الجسد من الجنة ألنه‬ ‫اآلدمي من‬ ‫"عىص وغوى"‪ ،‬وقتها جاءت الكلمة لتغسل الجسد‬ ‫ّ‬ ‫ترابيته بالكلمة‪ ،‬ولوال الكلمة لظل الظالم مسيطرا ً عىل الرتاب‬ ‫آي الذكر الحكيم‪:‬‬ ‫اآلدمي الذي عىص وغوى‪ ،‬وهذا ما أكّدت ْه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم"‪.‬‬ ‫"فتلقّى آد ُم من ربّه‬ ‫هنا الكلمة كانت مطهرا ً‪ ،‬إذ ط ّهرت الجسد الرتايب من غوايته وعصيانه‪ ،‬وألنها كانت يف البدء كام جاء يف املقدس‬ ‫فقد كانت الحوض الكوثر الذي يغسل اإلثم والدنَس عن الروح التي هي "من أمر ريب"‪ .‬والكلمة هي ضوء الله يف‬ ‫النفس اإلنسانية‪ ،‬ولذا كانت هي البدء‪ .‬ولذلك أكرمها الله فينا عندما ص ّدقها العمل‪ ،‬وهذا ما يعنيه الحديث‬ ‫الرشيف‪" :‬ما َوق َر يف الصدر وص ّدقَ ُه العمل"‪ ،‬فالكلمة املتح ِّولة إىل سلوك هي أعىل أنواع الطُ ْهر اإلنساين‪ ،‬إنها‬ ‫الكلمة التي تدعو إىل السالم بني اإلنسان وأخيه اإلنسان‪ ،‬وتدعو إىل االمتناع عن اإلثم والعدوان‪ ،‬وتكون فعالً‬ ‫حقيقياً مرتجامً للكلمة‪ .‬ولهذا بعث الله الرسل واألولياء ل ُي َق ّوموا سلوك اإلنسان‪ ،‬ويُ َص ِّوبوا مسريته يف عمره الرتايب‬ ‫بني املهد واللحد‪.‬‬ ‫وهذا معنى الحديث الرشيف‪« :‬الكلمة الطيبة ص َدقة»‪ ،‬نعم صدقة ألنها تص ِّح ُح املسرية وت ُ َق ِّوم االعوجاج‪ ،‬ومبقدار‬ ‫ما تكون الكلمة الطيبة يتولَّ ُد منها امل ْي ُل للعبادة‪ .‬الكلمة سالح يشهره الحق يف وجه الباطل‪ ،‬ويشهره السالم يف‬ ‫وجه التناحر والحروب والرصاعات البرشية عىل كل ما هو موجود عىل هذا الكوكب الرتايب‪ .‬الكلمة الطيبة تعقد‬


‫افتتاحية‬


‫أدب‬


‫ُ‬ ‫«والقول ينف ُذ ما ال تنف ُذ اإلبَ ُر»‪.‬‬ ‫صلحاً والكلمة السيئة تثري حرباً كام قال الشاعر األخطل التغلبي‪:‬‬ ‫والكلمة الطيبة يجب أن تكون يف القرطاس لتبقى‪ ،‬ولتُ ْنجِز فعلها املؤثر يف النفس اإلنسانية ويف تغيري سلوكها إذا‬ ‫رص إىل‬ ‫انحرفت عن سواء السبيل‪ .‬وكتابة الكلمة وحفظها يف القرطاس يكفل لها االنتقال من جيلٍ إىل جيل‪ ،‬ومن ع ٍ‬ ‫عرص‪ .‬وهذا ما توارثته اإلنسانية منذ تعلَّم آدم األسامء‪ ،‬وكان العلم بالكلمة حجة الله عىل مخلوقاته كلها‪.‬‬ ‫فلتكن الكلمة الطيبة رشفاً لإلنسان يف تعامله مع الناس جميعاً‪ .‬ولتكن ميثاقاً ت ُح َف ُظ به العهود وت ُصان به‬ ‫الحقوق‪ .‬ولتكن الحجة النتصار القيم العليا التي جعلها الله لإلنسان درباً للخالص من كل ما يعيق تقدم اإلنسان‪.‬‬ ‫فلنطه ْر أنفسنا بصدق الكلمة وتحويلها إىل فعل إنساين نبيل منتج ومؤثر يف صنع الحضارة اإلنسانية السليمة‪.‬‬


‫صمتي‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫صمتي‬ ‫صديقي ستارة قلبي‪،‬هو حقيقة روحي املخبأة داخل طيات األنسجة‪،‬قويت الجبارة التي تفقدين خويف وأملي يف‬ ‫هذه الحياة‪،‬وهذا العامل ‪،‬هو سيفي البتار تجاه ما يحرضه يل القدر فأتسلح به ألنه أميل وثقتي بعد الله‪.‬‬ ‫صمتي‬ ‫يل كام تحرص األم عىل‬ ‫مل يبلني باملصائب واألحزان وأعطاين ما أستحق‪،‬أبعدين عن دفة اآلالم ‪،‬حرص ع ّ‬ ‫رش لساين‪،‬رش األنام ‪،‬أخفى صوت بكايئ فضمه إىل صدري مضمضاً جراحه خامتاً نزفه‪.‬‬ ‫مولودها‪،‬حامين من ّ‬ ‫صمتي‬ ‫الصبا والحياة يف أنفايس ‪،‬قدّ مني عمالً يشبه امللحمة األدب ّية‪،‬جمع يف شخصيتي‬ ‫تلقفني طفلة بائسة ‪،‬ناعشاً ّ‬ ‫الخيال والفلسفة واملتعة والتشويق‪.‬‬ ‫صمتي‬ ‫لغتي الشعريّة البليغة‪،‬وجودي اإلنساين وهديف من الحياة ‪،‬خلودي ومبعثي وأبديتي من خالل رسم خيوط‬ ‫حكاية مغرورقة بالخيال والوجود‪،‬نهايتها مرسومة عىل يد قدر عرفت عنوانها‪.‬‬ ‫صمتي‬ ‫عبري حيايت امللتهب ‪،‬املثمر بالتضحية ‪،‬املسكّن للقلوب ‪،‬يشدد عزامئي بالتأوهات التي تص ّعدها روحي القانطة يف‬ ‫أحشايئ‪.‬‬ ‫صمتي‬ ‫محبتي النامية باألمل ‪،‬املتسامية بالشوق املتزايدة بالحنني واملضمحلة بالعناق ‪،‬ممنطقاً لياليها بأحالم األيام‬ ‫العلوية ‪،‬ساكباً يف أيامي رؤى الليايل املقدّ سة‪.‬‬



‫صمتي‬ ‫روى عطش حيايت‪،‬مبعدا ً املوت الحامل أقداحه كل يوم إىل زمنٍ ٍ‬ ‫بعيد بسالم وطأمنينة ساقياً دمي بكأس ملطّخ‬ ‫محضا ً الربيع واضعاً الجامل بني يدي ليكون غواية له ‪،‬قابضة عىل‬ ‫باألمل منريا ً أعامقي املظلمة لبداءة الحياة ّ‬ ‫الشباب ومرغمة إياه عىل األنتاج والتّكاثر‪,‬‬ ‫صمتي‬ ‫السن ومل أقتنع بكالمه‪،‬ويكون أملاً عندما يتجاهلني عزيز ليلتفت إىل أولويات‬ ‫يكون احرتاماً أمام شخص كبري يف ّ‬ ‫أخرى‪،‬أختاره عندما يكون الكالم أشد أملاً وقهرا ً ‪،‬عندما يجرحني شخص وأذهب ألبيك مبفردي‪،‬وخنقاً عندما يصبح‬ ‫قلبي ضعيفاً ال يحتمل األمل‪،‬ويكون ق ّوة عندما يتلفظ الذي أمامي بكلامت جارحة‪،‬ويبقى املحاولة األخرية إلخبار‬ ‫ملن حويل بكل يشء مل يفهموه حني كنا نتكلّم‪.‬‬ ‫صمتي‬ ‫ال يشء أحىل منه عندما تخيب الظنون فهو أبلغ من متاهات الكالم‪،‬خلق عاملي ‪،‬مادا ً يديه ألمحو عاملاً كان يف‬ ‫الوجود‪،‬ساعدين عىل حمل ثقل األعرص عىل كتفي‪،‬ممتصاً هدير البحر الذي مل ينقطع سنني طوال ‪،‬مستفذا ً كنوز‬ ‫نومي‪،‬مبعدا ً نفخ أنفاس ميتوتتي يف الفضاء‪.‬‬ ‫صمتي‬ ‫مت‬ ‫كرامتي الالئقة العميقة‪،‬ألنه رصاخي األنيق من النوع نفسه‪،‬مع انني عندما أحبه ال أعلم إن ماتت كلاميت أم ّ‬ ‫أنا؟‬



‫االجتامعي‬ ‫والسعي إىل إصالح وضعها‬ ‫هذه الخصوصية التي عرفتها املرأة تدفعها إىل التّم ّرد والدعوة إىل التّغيري‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫خصوصا أنّنا كام يقول جورج طرابييش نعيش يف "مجتمع أبوي‬ ‫سهل‬ ‫واإلبداعي‪ .‬ومل يكن هذا التغيري ً‬ ‫والثّقا ّيف‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫رشقي‪ ،‬متخلّف ومتأ ّخر‪ ،‬مشحون حتى ال ّنخاع بأيدولوجيا طهران ّية‪ ،‬متز ّمتة وحنبل ّية‪ ،‬يغدو مفهوم ال ّرجولة واألنوثة‬ ‫أيضا للعالقات بني اإلنسان والعامل"(رشق وغرب رجولة وأنوثة‬ ‫مفهو ًما مو ّج ًها لل للعالقات بني ال ّرجل واملرأة‪ ،‬بل ً‬ ‫الصاع بني املرأة وال ّرجل بني تحقيق الذّات وفرض الذّكوريّة‪ ،‬بني اضطرابات املرأة والمباالة‬ ‫ص‪ ،)5‬ومن هنا جاء ّ‬ ‫الرجل وإهامله‪ .‬قضية أثارت الكاتبة والفنانة التشكيليّة فاطمة اسامعيل‪ ،‬فكان يراعها سيّالً مبد ًعا يخط عىل‬ ‫الورق ما جاء يف القلب والعقل بعفوية وسالسة فكانت مرايا ال ّرحيل‪.‬‬ ‫ومبا أ ّن املرأة تسعى إىل التّغيري فإنّنا نرى املرأة حارض ًة يف رواية مرايا الرحيل تأليفًا لكاتبتها فاطمة اسامعيل‪،‬‬ ‫وتاليا بحضورها املكثّف والعميق يف طياتها‪ ،‬فبطلة الرواية شابني امرأة موهوبة تهوى ف ّن ال ّرسم وتحلم بأن تكون‬ ‫مميّزة يف هذا العامل‪ ،‬لك ّنها يف سبيل تحقيق هذا الحلم الكبري‪ ،‬تخوض الحياة بكل ما فيها من أمل وشقاء ٍ‬ ‫ومآس‪.‬‬ ‫تنفتح ال ّرواية ببوح وجداين ذا ّيت من البطلة تنقل فيه معاناتها " أضعت الطريق ومل أعد أعرف ما الذي أريده‪ ،‬ما‬ ‫هي األشياء التي أمتناها حقا‪ ،‬ما الذي أرغب بتحقيقه‪ ،‬الكائنات التي تقف أمامي كأنّها تص ّدين عن مواجهة‬ ‫يل رؤية انعكايس الخاص؟ أم أنّه سيتح ّول إىل رصاع حقيقي بيني وبني روحي بني األشياء التي أريد‪،‬‬ ‫نفيس‪ ..‬هل ع ّ‬ ‫واألشياء التي أملك"‪ ،‬لتنطلق بعدها إىل عرض كل ما انعكس يف حياتها فهي تبحث عن األمان وتبحث عن نفسها‬ ‫فـ "الكائنة التي تسكن داخيل مل تعد تعرفني"‪ ،‬لنكتشف عرب الرجعات (‪ ،)flash back‬ما حدث مع سابني إىل أن‬ ‫كمتلق‬ ‫رصف واألنوثة‬ ‫ٍ‬ ‫وصلت إىل ما وصلت إليه‪ .‬ونتلّمس يف وعيها هذا الرصاع الكائن بني الذّكورة كمفهوم وت ّ‬ ‫لدي‪ ،‬لهذا كنت أبقى بعيدة عن أي التباس‪ ،‬وكنت دامئًا أقمع‬ ‫ومواجهة‪" ،‬عالقة الذكور باإلناث كانت ملتبسة ّ‬ ‫كل هذه‬ ‫دماغي حتى ال يفكّر كث ًريا‪ ،‬ويحلّل كث ًريا"‪ .‬وإ ّن نراها يف موقع آخر تجلس مع نفسها وتفكّر"ما سبب ّ‬ ‫العدائ ّية م ّني ات ّجاه الذكور؟ ملاذا أحاول دامئًا أن أحمي نفيس منهم قبل أن يحاولوا حتّى التّفكري يف أذيّتي"‪.‬‬ ‫والالفت أن هذه الرجعات مل تكن تسري وفق زمن متسلسل‪ ،‬فال ّزمن يف الرسد ينقسم إىل زمن القصة ‪ :‬يعني يف‬ ‫الزمني‪ ،‬فالحدث األقدم هو الذي وقع أ ّولً ‪ ،‬هو الذي يؤ ّدي‬ ‫بعض ما يعنيه‪ ،‬األحداث حسب وقوعها وفق تسلسلها‬ ‫ّ‬ ‫إىل نتائج تنجم عنه‪ .‬إ ّن زمن القصة محكوم باملنطق‪ ،‬أي باألسباب والنتائج‪ ،‬وهو مقيد بالرتتيب املتتايل‪ ،‬فال تأخري‬ ‫لحدث الحق وال تقديم لحدث سابق‪ ،‬إ ّن األحداث يف زمن القصة مرهونة بأوقاتها‪.‬‬


‫مرايا األنا والهو األنوثة والذكورة‬

‫يف رواية مرايا الرحيل‬

‫األستاذة الدكتورة‪ .‬دريّة فرحات‬

‫عالقة املرأة باألدب عالقة حميمة وعريقة‪ ،‬فهي تؤ ّدي دورا ً‬ ‫مؤث ّرا ً فيه بوصفها قارئة أوملهمة أوناقدة لل ّن ّص‪ ،‬وقد تكون‬ ‫يف داخل ال ّن ّص‪ ،‬أو قد تكون املرأة منتجة هذا ال ّن ّص كاتبة له‪.‬‬ ‫وتجاذبت املرأة املبدعة نظريات وآراء متباينة‪ ،‬ما بني وصفه‬ ‫باألدب امللتزم‪ ،‬وأدب خارج عن اإلجامع‪ ،‬أو قد يُتهم أنّه أدب‬ ‫خارج عن القيم االجتامع ّية‪ .‬وقد يتهمها بعضهم بأنّها لن تصل‬ ‫قمة اإلبداع‪ ،‬بل يرون أ ّن عدد ال ّنساء العامالت يف حقل األدب‬ ‫قليل جدا ً باملقارنة بعدد ال ّرجال‪ ،‬فاملرأة دخلت مجال العلم والتّعلّم متأخرة عن ال ّرجل‪ ،‬وانسجاماً مع موقع‬ ‫أقل‬ ‫الشقي املتأخر نسب ّياً عن موقع ال ّرجل فإ ّن إبداعها مل ينل حظّه من االهتامم‪ ،‬فكان ومازال ّ‬ ‫املرأة يف املجتمع ّ‬ ‫شأناً يف تاريخ األدب العريب‪ ،‬ولكن مع مرحلة بعث النهضة أدرك املتنورون أهمية دور املرأة يف نهوض املجتمع‪،‬‬ ‫وهو ما استدعى تعليمها وأفسح لها‪ ،‬من ث ّم‪ ،‬إمكان املشاركة يف ال ّنشاطات االجتامعية والثّقافية واإلنتاج األديب‬ ‫فال ّنهضة ال ّنسائية مل تبزغ إالّ يف أواخر القرن التّاسع عرش‪ ،‬يف ذلك الحني أدركت املرأة املتعلّمة كام أدرك الرجل‬ ‫أ ّن لها حقوقاً ضائعة وأنّه من الواجب أن نفتح لها أبواب التق ّدم‪ .‬وقد سعت املرأة إىل رفع شأنها‪ ،‬وإىل التّحرير‬ ‫من القيود املفروضة عليها‪.‬‬


‫وتتوزّع يف ثنايا ال ّرواية عودات ترسم لنا عالقة سابني باآلخر‪ ،‬أي ال ّرجل الذي أح ّبته وق ّررت االرتباط به حتى لو‬ ‫خصوصا أ ّن وظيفة حبيبها مروان الدبلوماس ّية تحتّم عليه العيش خارج‬ ‫رفض أهلها‪ ،‬فاستع ّدت نفس ًّيا لذلك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لبنان‪ .‬هذه العالقة التي بنيت عىل التضاد يف الطّباع‪ ،‬حتّى أ ّن صديقاتها اعتربن عالقتهام لن تنجح "من جهة‬ ‫أخرى كنت أسمع من صديقايت األخريات كالما معاكسا عن مروان ‪ ،‬عىل أنه شخص ال يالمئني‪ ،‬وأنني أكرث جنونا‬ ‫وعفوية منه‪ ،‬ولكنني كنت أشعر بأنني عىل سجيتي أمامه‪ ،‬كنت أشعر بأنني أنا‪ ،‬أشبه نفيس معه‪ ،‬و أنه وحده‬ ‫يشبهني‪ .‬أحيانا أشعر بأنهن يغرن مني لهذا يرسمن صورة بشعة‬ ‫عنه‪ ،‬وأحيانا أخرى أشعر بأنهن يحبني جدا ليخربنني بشكل حقيقي عام يشعرن به اتجاهنا" ‪ ،‬ومن األمور التي‬ ‫اختلفا عليها أنّه روتيني دائم بينام هي تبحث دامئا عن التجديد بعد الروتني‪ ،‬واختلفا يف صباحاتهام وطريقة‬ ‫فضل أن يرشبها مع ذاته‪ .‬واختلفا يف طبيعة الهدية التي يقدمها لها فهي تقبل أن يهديها‬ ‫رشب القهوة التي كان يُ ّ‬ ‫رص عىل اختيار مجوهرات ألنّها أسهل يف االنتقال نظ ًرا لطبيعة عمله وعدم استقرارهام يف مكان‬ ‫لوحة فن ّية وهو ي ّ‬ ‫مح ّد د‪.‬‬ ‫قبل به ألجلها‪ ،‬مع قناعته بأ ّن عالقتهام ما زالت غري مهيئة الستقباله‪ ،‬وكان‬ ‫حتّى يف إنجاب الطّفل الذي َ‬ ‫مهم أب ًدا‪ ،‬وأنّني امرأة تافهة ال متلك‬ ‫يغفو يف أثناء حديثها ما يوحي بعدم اهتاممه ومباالته‪" ،‬كأ ّن كالمي ليس ًّ‬ ‫سوى الكالم‪ ،‬فيرتكني أتح ّدث مع نفيس‪ ،‬وكأنّني ال أحتاج سوى أن أتح ّدث"‪ .‬فسابني تبحث عن عالقة أقوى تربط‬ ‫تشك يف محبته‪ ،‬حتّى أنّها ال ّ‬ ‫الحب وحدها ال تكفي‪ ،‬هي تعرف أنّها ما زالت تح ّبه‪ ،‬وال ّ‬ ‫تشك يف‬ ‫بينهام فمشاعر‬ ‫ّ‬ ‫أشك َ‬ ‫أشك يف نفيس ألين أكا ُد ُّ‬ ‫جميل هذا التّناص مع أغنية أم كلثوم "ثورة الشّ ك" " أكاد ُّ‬ ‫فيك‬ ‫ً‬ ‫خيانته‪ ،‬وكم كان‬ ‫وأنت م ّني"‪ ،‬فسابني تر ّدد مقولة " إذا أنا شككت بزوجي فذلك ألين أنا أشك بنفيس"‪.‬‬ ‫َ‬


‫املنطقي‪ ،‬واألحداث فيه ُيكن أن‬ ‫أصل ملبدأ التّعاقب والتّسلسل‬ ‫أ ّما زمن الرسد‪ :‬فقابل لإلخالل به‪ ،‬إنّه ال يخضع ً‬ ‫ّ‬ ‫تذكر غري متتابعة حسب وقوعهان فقد يتكلّم املؤلّف عىل حدث قديم ث ّم ينتقل بعد ذلك إىل حدث قريب‪ ،‬إ ّن‬ ‫زمن القصة مق ّيد بينام زمن الرسد ح ّر‪.‬‬ ‫السد الذي ال يخضع ملبدأ التعاقب‪ ،‬وتوالت األحداث وإن كانت‬ ‫وقد اتّبعت الكاتبة فاطمة اسامعيل زمن ّ‬ ‫متف ّرقة لك ّنها مرتبطة بتيار الوعي للبطلة سابني‪ ،‬وقد نراها تكمل مالمح شخصيتها من خالل هذا التوايل يف‬ ‫الرجعات‪ ،‬وإذا نظّمنا هذه ال ّرجعات وفق التسلسل التعاقبي لعمر اإلنسان‪ ،‬فسنعود مع سابني إىل طفولتها‬ ‫وحكايتها مع نظارتها التي انكرست‪ ،‬ورغبتها يف تغيري شكل النظارة‪ ،‬لك ّن ما أرادته مل يتحقّق‪ ،‬فتخضع إلرادة‬ ‫سكت‬ ‫والدها يف اختيارها‪ ،‬وقد ساهم هذا املوقف يف تكوين نفسية البطلة الساعية دامئا اىل االكتشاف فتقول "‬ ‫ّ‬ ‫وكل‬ ‫كل من حويل ّ‬ ‫أحب نظاريت‪ .‬كربت وكربت معي تساؤاليت‪ ،‬وتعلّمت أن أستوعب ّ‬ ‫وبدأت منذ ذلك الحني ّ‬ ‫بكل اللحظات"‪ ،‬وتعود أيضا إىل طريقة اختيارها ملالبسها‪ ،‬فتثري االختالف بني ما تريد وما‬ ‫الظّروف‪ .‬وأن أستمتع ّ‬ ‫يريد والدها فرتى أ ّن أ ّمها هي املساعد الحقيقي لها‪ ،‬فهي تفهم عليها وتساعدها يف تنفيذ مرادها يف مواجهة‬ ‫كل مراحل نشأيت‪ ،‬كانت مستمعة جيدة" وكانت مشارك ُة أ ّمها‬ ‫أبيها‪ ،‬فهي أقرب اىل األم‪" ،‬أمي كانت صديقتي يف ّ‬ ‫فن الطبخ من اللحظات الجميلة التي تستطيع فيها أن تبوح أل ّمها مبا تفكّر به‪ ،‬لهذا تعلّمت الطبخ مبهارة‪ ،‬ومل‬ ‫خصوصا يف الوقت‬ ‫يتوقف هذا الود والتقارب بني البنت وأ ّمها يف مرحلة الطفولة‪ ،‬إنّ ا امت ّد إىل مرحلة البلوغ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الحرج الذي تحتاج فيه الفتاة إىل اكتشاف التغيريات الحاصلة يف جسدها‪ ،‬فكانت األ ّم هي املعني واملنقذ‪ ،‬وكانت‬ ‫مستمعة جيدة لحكايات الفتاة املراهقة‪ ،‬عندما أخربتها عن دعوة ابن الجريان لها لزيارته يف منزله عىل انفراد‪.‬‬ ‫ويف رجعات أخرى تعود بنا سابني إىل املدرسة واملواقف التي م ّرت بها ومنها ح ّبها للكلمة ومهارتها يف‬ ‫الكتابة‪ ،‬فلم تنزعج من تأنيب أستاذها لها للخطأ اللغوي الذي ارتكبته يف موضوع اإلنشاء‪ ،‬ويتبني لنا انّها تختلف‬ ‫دامئا عن زميالتها اللوايت ك ّن يهتمني بأنفسهن وبتربجهن‪ ،‬ومل تكتشف السبب ّإل الحقًا‪ .‬ومن خالل هذه العودات‬ ‫تنقل سابني حكايات الفتيات املختلفة التي عرفتهن يف مراهقتها ويف حياتها الجامع ّية‪ .‬إ ّن هذه املواقف هي التي‬ ‫ك ّونت شخصية سابني فصنعت منها فتاة ترفض ان تسري وفق ما يراه اآلخرون‪ ،‬فهي ال تقنع مبا ترسمه لها تقاليد‬ ‫ولعل هذا ما يجعلها ال تهنأ بالعيش يف السعودية وال تتقبل القيود املفروض عليها فلم تتأقلم‬ ‫املجتمع وأحكامه‪ّ .‬‬ ‫مع العباءة ومع اللباس املفروض هناك‪.‬‬


‫أ ّما سارة فقد تز ّوجت واضطرت أن تعيش مع أهل زوجها يف بداية حياتها الزوجيّة‪ ،‬لتعلق بعد ذلك برتبية‬ ‫ابنتها‪ ،‬وان تجعل حياتها ألجلها عىل ال ّرغم من متاعب حامتها‪ ،‬وأن تتح ّمل املسؤولية بنفسها وتتحمل عبء‬ ‫تربية ابنتها‪ ،‬وأزمتها تكمن يف حاجتها إىل أن يعرف زوجها أنّها بحاجة إىل رجل يشاركها معنى دمج األمومة‬ ‫واألبوة‪ ،‬فهي تريده ان يشاركها األحساس بابنتهم‪" ،‬يف البدء كان حنونًا ج ًّدا معنا‪ ،‬اآلن تع ّودت أن أتحمل‬ ‫كل همها وحدي"‪.‬‬ ‫املسؤولية بنفيس‪ ،‬أن أرضع وأنيّم وأغري الحفضات‪ ،‬أن أحمل ّ‬ ‫رجل وتز ّوجته‪ ،‬وكان زوا ًجا قلب حياتها ونقلها إىل واقع‬ ‫وتتواىل حكايات الصديقات كأليسار وأ ّمها التي أح ّبت ً‬ ‫اجتامعي آخر‪ .‬أو حكاية فتاة سكنت بقربهم‪ ،‬فأحبت ابن الجريان الذي سبق أن تح ّرش بسابني‪ ،‬وتظهر هذه‬ ‫ّ‬ ‫الحكاية االختالف بطبيعة الرتب ّية التي ك ّونت شخصية سابني‪ .‬وحكاية صديقتها التي رغبت يف الهجرة من البلد‬ ‫وضياع الحلم بسبب عدم الحصول عىل الفيزا من دول ع ّدة يف مقابل سهولة حصول سابني عىل الفيزا ألي بلد‬ ‫نظ ًرا لطبيعة عمل زوجها‪ .‬هذه الحكايات كلّها جاءت يف تيار الوعي عند سابني‪ ،‬فجاءت حبكة األحداث متصلّة‬ ‫بطبيعة الرصاع الذي قامت عليه ال ّرواية‪ ،‬وكانت رصخة داعية إىل فهم املرأة والتعامل مع أحاسيسها ومشاعرها‬ ‫وعدم إهاملها‪ ،‬ومن هنا نالحظ تركيز ال ّرواية عىل قضية نسائ ّية مهمة تتعلق بطبيعة الهرمونات وموعد اإلباضة‬ ‫رصفات املرأة‪.‬‬ ‫وتأثريها عىل ت ّ‬ ‫مع اإلشارة بشكل رسيع إىل معاناة تتع ّرض لها النساء يف هذا املجتمع الذّكروري وهو مقايضة نجاحها باستغالل‬ ‫جاملها وانوثتها‪ ،‬فاملجتمع الذّكوري يخاطب جسد املرأة ال عقلها وإبداعها "يف نقاش يل مع صديق قريب يشبه‬ ‫كل هذا ال ّدعم‬ ‫الخيال أحيانًا‪ ،‬حني سألته أتظ ّن بأنّني سأكون ف ّنانة لو أنّني مل أتزوج ومل أستطع الحصول عىل ّ‬ ‫املادي؟ أجابني ببسمة‪ ،‬كنت ستجدين أح ًدا آخر يدعمك‪ ،‬فأنت أنثى جميلة" ‪ .‬والالفت هو إحساس سابني‬ ‫بالصدمة واالسرتخا لهذا املوقف‪ ،‬فلديها أمل بالنجاح‪ ،‬فهل يف ذلك موافقة من سابني‪ /‬الكاتبة عىل إستغالل‬ ‫ّ‬ ‫الجامل؟؟؟!!! ( سؤال برسم القارئ)‬


‫إنّها تبحث عن عالقة زوجية ال تقترص عىل املشاركة يف الفراش مائدة الطعام‪ ،‬فـ "الحياة الزوجية تعني أكرث من‬ ‫هذا"‪،‬إنّها تتوق إىل عودته من العمل لتكون لحظات يتشاركان فيها حياتهام م ًعا ‪ ،‬لك ّنها باتت اليوم تتح ّدث إىل‬ ‫رسوماتها أكرث مام يتح ّدث معها‪ .‬إذا سابني مل تكن تنشد حياة زوجيّة روتينية‪ ،‬هي تريد من هذه العالقة أن‬ ‫شخصا واح ًدا‪ ،‬ومن اإلشارات التي ّ‬ ‫تدل عىل‬ ‫تكون عالقة متينة قوية فيها من املشاركة التي تجعل من الطرفني‬ ‫ً‬ ‫عدم اهتاممه أنّه مل يعد يخربها عن وقت رجوعه‪ ،‬واملفارقة التي تصل إليها سابني‪ ،‬أنّها تحصل عىل مرادها‬ ‫بالطفل فيحدث الحمل بعد أن تكون قد بدأت التفكري باالنفصال‪ ،‬إلحساسها بتغري جذري عند زوجها‪ .‬وإن‬ ‫وصلت سابني يف نهاية رحلتها معه إىل تأك ّدها من حبّه وعدم خيانته‪ ،‬لكنها مل تكن مخطئة مبا يتعلّق بال مباالته‪،‬‬ ‫فهو اختار أن يبعدها عن حقيقة مرضه خوفًا عليها‪ ،‬وحامية لها‪ ،‬لك ّن سابني ليست مرآة قابلة للكرس‪ ،‬إنّها قادرة‬ ‫والحب عندها أعمق مام رآه مروان‪.‬‬ ‫عىل مواجهة األمل‪ ،‬فالحياة الزوجيّة‬ ‫ّ‬ ‫محب يحفظ مشاعر حبيبته وزوجته‪ ،‬لك ّنه أقصاها عن أمله‪،‬‬ ‫نعم‪ ،‬قد يقول القارئ إ ّن مروان إنسان ّ‬ ‫رس مرضه وحي ًدا‪ ،‬وسمح ألنثى أخرى وإن كانت ممرضة تؤ ّدي وظيفتها‪ ،‬أن تتشارك‬ ‫أبعدها عن مشاعره‪ ،‬تح ّمل ّ‬ ‫رسا مصرييًّا‪ ،‬ومنع ذلك عن سابني‪ ،‬وقد يكون هذا بنظر سابني األنثى العاشقة أقىس من هجران الحبيب‪،‬‬ ‫معه ًّ‬ ‫الحقيقي‪ .‬والالفت أن تنتهي القصة مبالحظة مروان يف رسالته إىل سابني عن ما‬ ‫الهجران املعنوي أقىس من الهجران‬ ‫ّ‬ ‫بالحب والسالم‪.‬‬ ‫تركه لها من ماديّات وأموال‪ ،‬وهي قد خرست يف حياته اإلحساس‬ ‫ّ‬ ‫ ‬

‫تناجي سابني نفسها " أحيانا تفاصيل كثرية تعود إىل ذاكرتنا يف لحظة منسية‪ ،‬تعيدنا إىل لحظات‬

‫قد تقتل فينا الشعور فإما تحيي طقوس األمس بفرح‪ ،‬أو تدمرنا كام دمرتنا لحظة حدوثها أول مرة"‪ .‬ومن خالل‬ ‫ما جعلته سابني رشيطًا لذكرياتها تذكر حكايات صديقاتها‪ ،‬اللوايت مثّلن مناذج مختلفة للرصاع بني األنوثة‬ ‫والذكورة‪ .‬فصديقتها "ليزي" تفضل أن تعيش مع رجل تخدمه وال تعود اىل خدمة خمسة رجال يف بيت أهلها‪ ،‬وأن‬ ‫تتحكّم بها أ ّمها فهي اآلن تحت رحمة رجل واحد بينام يف بيت أهلها ستكون تحت رحمة خمسة رجال‪ ،‬فهي قد‬ ‫بكل شغف‪ ،‬لنا مغامرات كثرية‬ ‫صارت مق ّيدة بعد أن كانت ح ّرة يف طفولتها "ليزي كانت ح ّرة‪ ،‬كنا منارس الحياة ّ‬ ‫‪ ...‬كلام كربنا ازداد الخوف فينا"‪ ،‬رضيت بال ّزواج ممن يحبّها ويريدها وإن مل تكن تحبّه‪.‬‬


‫العقل المنشود ومسارات التغييب‬

‫الكاتب ‪.‬جواد فهمي‬

‫ليس أمثن من "العقل" نعمة أودعها البارىء ع ّز وجل يف اإلنسان‪ ،‬فبه يتاميز عن بقية املخلوقات‪ ،‬وبه يسمو‬ ‫ويرتقي يف مدارك الحياة والوجود‪ ،‬وفيه ت ُناط التكاليف الرشعية والقانونية واألخالقية‪ ،‬ومنه وبواسطته تنطلق‬ ‫أحكام التمييز والتفريق بني الخري والرش‪ ،‬بني الحق والباطل‪ ،‬بني الحسن والقبيح‪ .‬إنه "العقل" تلك ال َملَكة الذهنية‬ ‫ذات التكوين املجرد الخالص من شوائب الجسد واضافات التجربة االنسانية‪ .‬والذي ميكن اإلقرار بأنه يف صورته‬ ‫الخام ليس سوى انعكاس مص ّغر لل ُبعد الساموي املتعايل يف الذات البرشية عىل األرض‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن سيل املدائح واإلشادة التي ميكن أن نُغدقها بحق العقل وامتيازاته التي يتمتع بها‪ ،‬يربز اإلشكال‬ ‫األهم؛ يف موقع العقل ومشتقاته من حياتنا نحن املجتمع عريب‪ ،‬ويف نسبة حضوره يف شبكة تصوراتنا وعالقاتنا‪.‬‬ ‫الشاهد من واقعنا املعارص أن العقل وما يتصل به من منظومات وأدوات فكرية‪ ،‬هي يف الحضيض إن مل نقل أنها‬ ‫وصلت إىل حدود االضمحالل والزوال‪ ،‬فالتقدير الجمعي أن العرب اليوم أبعد الشعوب عن العقالنية‪ ،‬وعن‬ ‫توظيف العقل سلوكاً وخياالً واستثامر طاقته الالهبة يف تثوير النفوس القانعة‪ ،‬فضالً عن استكانتهم إ ّما إىل‬ ‫وجدانيات الذات املؤثرة‪ ،‬وإ ّما إىل انفعاالت العاطفة الهوجاء‪.‬‬ ‫ففي كِال الحالتني يبقى العقل هو الغائب األكرب‪ ،‬إذ تحتل مسألة غياب الرؤية العقلية املساحة األعظم من حياتنا‬ ‫اليومية؛ ابتدا ًء من روابطنا األرسية وسلوكياتنا االجتامعية حيث تغلُب انطباعات الحس والشعور والغضب عىل‬ ‫تقديرات العقل الوازن للظروف والسياقات التي تنشأ وتعمل فيها تلك الروابط والسلوكيات‪ .‬وكذلك األمر يف‬ ‫فضاءات العلم واملعرفة والثقافة‪ ،‬والتي تتحكم فيها وبآليات اشتغالها الداخلية عوامل نفسية أكرث منها عقلية‪،‬‬ ‫هي عوامل انطولوجية جوانية تستبعد املنهج والربهان وتستمسك مبوروثات القراءة املدرسية األورثوذكسية‬ ‫استجابة لسلطات األمر الواقع ولتطمني النفس التي تهوى الركون والوداعة‪.‬‬


‫وإذا كان الخط الساري يف ال ّرواية يقوم عىل هذا الرصاع األنثوي مع الحياة بتشعبات مشاكلها‪ ،‬فإن الكاتبة‬ ‫عرجت إىل اإلعالن عن رأيها بقضايا أخرى‪ ،‬منها ما كان له عالقة مبارشة بأحداث القصة‪ ،‬ومنها ما كان أقرب إىل‬ ‫إقحامه وميكن االستغناء عنه‪ .‬فكان الحديث عن اإلقامة بالسعودية وأبدت الكاتبة عرب بطلتها سابني‪ ،‬موقفها من‬ ‫وخصوصا ما يتعلّق بلبس العباءة‪ ،‬كمظهر خارجي ال ّ‬ ‫يدل عىل الحقيقة ال ّداخليّة‬ ‫العادات والتقاليد يف ذلك البلد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا طبيعة الرتب ّية يف هذا البلد‪ ،‬وميل النساء هناك إىل التس ّوق وقضاء الوقت بني املجمعات(املول)‪ ،‬وقد يكون‬ ‫ً‬ ‫وأيضا ذكرت الكاتبة بعض العادات اليابانيّة وفتيات‬ ‫السعودية‪ً .‬‬ ‫هذا العرض مس ّوغًا كون البطلة قضت سنوات يف ّ‬ ‫الغيشا يف خالل إشارتها إىل تأثري اإلباضة عىل النساء وطريقة اللباس الكاشفة عن مفاتنها فتكون إشارة من املرأة‬ ‫لل ّرجل بأنها صالحة للتلقيح يف هذه الفرتة‪ ،‬ومبا أ ّن املرأة يف املجتمع العريب تخبئ هذا الجسد بأكرث كمية من‬ ‫توصلت إليها الكاتبة قد‬ ‫األقمشة وتكون مغطّاة فإنّها يف ّ‬ ‫كل األوقات تكون بنظر املجتمع صالحة للتلقيح‪ ،‬مقاربة ّ‬ ‫وأيضا أشارت الكاتبة إىل الطفل إيالن الذي قىض غرقًا يف البحر وهو يبحث عن النجاة من‬ ‫يخالفها الكثري فيها‪ً .‬‬ ‫املوت يف بالده‪ ،‬ومل أجد رضورة يف إقحام هذا الحدث يف سياق رشيط التّذكّر عند البطلة‪ ،‬وقد م ّهدت له الكاتبة‬ ‫يتضح كيف ترك هذا املوقف أث ًرا يف حياة سابني‪ ،‬إلّ إذا ربطناه‬ ‫عن حكايات مت ّر ّ‬ ‫تغينا‪ ،‬لكن مل ّ‬ ‫كل صباح ورمبا ّ‬ ‫برغبتها يف اإلنجاب‪.‬‬ ‫الرواية بوح ذايت تقوم عىل املناجاة(املنولوج الداخيل)‪ ،‬ومن املالحظ لجوء الرسد يف ال ّرواية إىل طريقة ال ّرسائل‪،‬‬ ‫راسم مالمحها‬ ‫ومنها عرفنا بعض مجريات األحداث‪ ،‬أ ّما الحوار عىل قلّته فقد جاء أحيانًا كاشفًا للشّ خصيات ً‬ ‫مص ّو ًرا واقعها ال ّنفيس‪ ،‬ويف أحيان أخرى كان أقرب إىل املبارشة‪ ،‬مع اعتامد العامية بأغلبه‪.‬‬ ‫رواية مرايا الرحيل‪ ...‬هي أكرث من مرآة تعكس الصورة الحقيق ّية للمجتمع وللمرأة وللرجل‪ ،‬فاستخدام كلمة مرآة‬ ‫بالجمع له عالمة سيميائيّة تُشري إىل االرضاب النفيس الذي تعانيه البطلة‪ .‬وأهم ما يعكسه العنوان أنّنا أمام كاتبة‬ ‫متتلك الحس املرهف والرياع املبدع والريشة املبتكرة التي ترسم ألوان الحياة‪.‬‬



‫أ ّما التدمري الحقيقي للمنظومة العقلية عربياً‪ ،‬فيتجىل يف ما يُسمى اصطالحاً بـ"التالعب بالعقول" وتسخيفها‬ ‫وتسطيحها اعالمياً وسياسياً وحتى دينياً‪ ،‬فالثورة التي أحدثتها الصورة قد أصابت التفكري العقيل يف الصميم‬ ‫وشوهته وأوقعته يف شباك الحرية والتشويش‪ ،‬وجعلته فريسة لالرتباك والفوىض يف متييز االشياء وتقدير األحكام‪،‬‬ ‫ينج منها سوى القليل جدا ً ممن أراد االستمرار يف تشغيل آلته العقلية‪ ،‬واحتامل قسوة الحقيقة‪ .‬وأيضاً‬ ‫ومل ُ‬ ‫بالنسبة لقطاع السياسة فكرا ً ومامرس ًة‪ ،‬ال زال تحييد العقل وتجميده هو الطاغي عىل املشهد السيايس العريب؛‬ ‫سوا ٌء عىل مستوى التفاعل الحريك بني السلطة واملعارضة والجامهري والرفض املتبادل لتحكيم العقل وسيطاً‬ ‫ومرشدا ً‪ ،‬والتب ّني الرسيع ألدوات العنف ومحركات التحريض والفتنة‪ ،‬وسوا ٌء عىل مستوى النخب والرجال‬ ‫وخطاباتهم الواهمة لعقول الدهامء وتزييفها بادعاءات وشعارات الجنة املوعودة عىل أرض الوطن‪ ،‬وخداعها‬ ‫بطروحات نظرية وأيديولوجية طنانة وبراقة‪ ،‬وخاصة من قبل املستنكرين ألولوية العقل واملتزينني بأيقونات‬ ‫الوعظ الديني‪.‬‬ ‫لن يبقى للعرب من كيان وجودي يف العرص الحديث طاملا أوغلوا يف تحجيم العقل وتقليص نطاقه العميل‪ ،‬وطاملا‬ ‫استمروا يف كبت الوعي العقيل والتكتم عن هواجس وتساؤالت الشك النقدي‪ ،‬خاص ًة فيام يتعلق بالتنظيم الحيايت‬ ‫للمصلحة العامة وتحديدا ً السياسية منها‪ ،‬والتي تعترب من أكرث مناطق اشتغال العقل خصوب ًة وانتاجاً وعبقري ًة‪،‬‬ ‫نظرا ً لبعدها الدنيوي النسبي‪ ،‬اللهم إذا ما أُتيح ملنظومة العقل العلمي الناقد أن تقوم وتنشَ ط وتستثمر يف هذه‬ ‫املنطقة الحيوية!!!‪.‬‬


‫استعادة الذات الضائعة‬ ‫الكانب‪ .‬عال بدر الدين الهزيم‬ ‫قبل كل يشء يجب إثبات انصهار العروبة واإلسالم يف فكر إنساين انقاليب هادف إىل بناء حضارة فكرية وروحية تجعل‬ ‫اإلنسان بن ّـا ًء إلنسانية اإلنسان‪ ،‬ومن هذا املنطلق بالذات اختري الرسول العريب محمد بن عبد الله الشخصية األوىل يف‬ ‫التاريخ اإلنساين‪ ،‬ومن املهم اإلشارة إىل أن الذين اختاروا محمدا ً الشخصية األوىل يف التاريخ هم علامء غربيون وليسوا‬ ‫مسلمني‪ ،‬وقد وضعوا أسساً لرتتيب الشخصيات التاريخية التي أسهمت يف نقل البرشية من وضع متخلف إىل مرحلة‬ ‫متقدمة رفعت اإلنسان عالياً برفع قيمة وجوده اإلنساين‪ ،‬لقد اعتمد العلامء الغربيون عىل عظمة املبادئ التي‬ ‫استندوا إليها يف تقويم كل شخصية‪ ،‬وإىل سعة االنتشار الفكري والحضاري ألتباع هذه الشخصية‪ ،‬وقد رأى هؤالء‬ ‫العلامء الغربيون أن محمدا ً مل يهرب من الحياة‪ ،‬بل هجم عليها هجوماً إنقاذياً من ربقة الجاهلية وجمود الروح لقد‬ ‫عمل للدين والدنيا معاً‪ ،‬وبهذا استحق األسبقية والريادة‪ ،‬ومن أحاديثه الرشيفة يف هذا املنحى قوله‪":‬إعمل لدنياك‬ ‫كأنك تعيش أبدا ً واعمل آلخرتك كأنك متوت غدا ً"‪ ،‬بهذا الربط بني الكونني استطاع محمد بناء حضارة عظيمة ال تزال‬ ‫مشعة رغم كل محاوالت بقع الظالم لإلحاطة بها‪.‬‬ ‫تظل متامسكة‬ ‫يجب الرتكيزعىل الثوابت يف مكونات مجتمع استطاع أن يك ِّو َن أمة أستطاعت عرب أحداث التاريخ أن ّ‬ ‫ومحافظة عىل شخصيتها الحضارية‪ ،‬وهذه الثوابت هي أن ثقافة كل أمة هي شخصيتها وق َي ُمها الروحية وتجلياتها‬ ‫الحضارية‪ ،‬واألمة دامئاً تختزن ثقافتها يف داخلها ‪ ،‬حتى ولو بدت أحياناً وكأنها متخلي ٌة عن هذه الثقافة‪ .‬وإذا اقتنعنا‬ ‫جدالً أن أمة أضاعت ثقافتها فهذا يعني أنها فقدت هويتها التاريخية والروحية‪ ،‬وصارت غري قادر ٍة عىل التامسك أمام‬ ‫حوادث األيام وتحدياتها‪،‬وهذا يعني أنها تسري إىل الزوال دون أن تدري‪ ،‬فالثقافة مبعناها الداليل هي ذات األمة‬ ‫وهويتها وذاكرتها التاريخية ومخزونها الروحي املوحد بني أجزائها املختلفة‪.‬واستمرار األمم رهن باستمرار ثقافتها‬ ‫وتطور هذه الثقافة ولقاحها بثقافات األمم األخرى‪.‬‬ ‫وألننا أمة ذات تراث حضاري إنساين‪ ،‬واستطاعت من خالل هذا الرتاث أن تسهم يف تقدم البرشية التي تعيش عىل‬ ‫هذا الكوكب املنطفئ‪،‬الب َّد من تبيان شخصيتنا الحضارية عرب ثقافتنا لنسهم مع األمم األخرى يف تخفيف العناء ‪،‬‬ ‫وإعادة النضارة لحضارة تسري نحو الجفاف بسيطرة املادة عليها وتكالبها عىل نهش القيم التي ورثتها األمم عرب‬ ‫صريورتها وتكوينها وامتدادها يف الوعي اإلنساين‪.‬‬



‫لقد تأثر أعالم الفكر العريب اإلسالمي بالفلسفة اليونانية‪،‬وأفكار األمم األخرى‪ ،‬حتى أن فكر املذهب املعتزيل الذي‬ ‫ساد يف عرص املأمون واملعتصم هو نتاج تأثر الفكر اإلسالمي بالفلسفة اليونانية وعلامنية منهجها الجديل‪.‬ولو‬ ‫عدت اليوم إىل شوامخ الفكر اإلسالمي يف العرص العبايس الكتشفت مدى التأثر بأفكار األمم األخرى‪ .‬لقد كان‬ ‫العرص العبايس عرص ترجمة وعلم‪ ،‬وانتقلت األمة اإلسالمية من مرحلة النقل الشفهي للعلم إىل مرحلة التدوين‬ ‫وتأسيس املكتبات‪،‬والتي هي يف الحقيقة بداية الفكر التنويري يف املجتمعات اإلنسانية كلها‪.‬كان الو ّراقون ميلؤون‬ ‫الشوارع الرئيسية يف عواصم املجتمع اإلسالمي الجديد‪،‬وكانت الثورة الفكرية آخذة بالنشوء واالرتقاء بفضل الفكر‬ ‫حض عل تحصيل العلم من املهد إىل اللحد‪ ،‬والذي جعل العلم فريضة عىل كل مسلم ومسلمة‪.‬‬ ‫اإلسالمي الذي ّ‬ ‫يرى "فوكوياما" يف كتابه "نهاية التاريخ"أن التاري َخ انتهى بانتشارالدميوقراطية الغربية‪ ،‬وهذ أهم ما توصل إليه‬ ‫الفكر اإلنساين‪ ،‬يف رأي صاحب كتاب "نهاية التاريخ"‪،‬ويف الوقت نفسه يرى أن الحضارات األخرى متوحشة‪ ،‬ويجب‬ ‫أن تخضع ملسرية الدميوقراطية الغربية‪ ،‬ويرى فوكوياما أن اإلسالم يجب أن يُحا َرب‪،‬وأنه اليريد حرباً عىل اإلسالم‪،‬‬ ‫وإمنا يريد حرباً يف اإلسالم‪،‬ولو تأمل قليالً ما فعلته الدميوقراطية األمريكية يف بالدنا ألدرك أن ما قاله خطأ جسيم‬ ‫يجب العودة عنه‪ ،‬لوقرأ تجربة عمر بن الخطاب ودميوقراطيته ملا قال هذا الكالم العدواين‪ ،‬ولوقف خاشعاً أمام‬ ‫قول عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص" متى استعبدتم الناس ‪ ،‬وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ً" ملا شكا القبطي‬ ‫املرصي ابن عمرو بن العاص عندما رضبه بسوطه قائالً له"خذها ‪ ،‬وأنا ابن األكرمني"وكان القبطي قد فاز بالبق‬ ‫يف مهرجان اشرتك فيه ابن عمرو بن العاص‪ ،‬وعندما وصل املوضوع غىل الخليفة عمر استدعى عمر َو بن العاص‪،‬‬ ‫وابنه‪ ،‬والقبطي‪ ،‬وطلب من القبطي أن يجلد "ابن األكرمني أمام الناس ‪ ،‬ثم أمره أن يجلد وا َيل مرص عمرو بن‬ ‫القبطي عمر َو ب َن العاص ‪،‬‬ ‫العاص‪ ،‬فقال القبطي يا أمري املؤمنني قد جلدتُ الذي جلدين‪ ،‬فأرص عمر عىل أن يجلد‬ ‫ُّ‬ ‫وقال للقبطي ‪ :‬إنه مل يكن ليجلدك لوال أبوه‪ ،‬وبعدها التفت إىل عمر َو بن العاص ‪ ،‬وقال له ‪ " :‬يا عمرو متى‬ ‫استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"‬

‫_______________________‬ ‫‪ .1‬سورة آل عمران‬


‫نحن أمة ذات مخزون روحي كبري ‪،‬وهذا املخزون فاض عىل األمم األخرى‪ ،‬وقبلت اإلنسانية تجربتنا الحضارية عرب‬ ‫قيمها الروحية املضيئة‪ ،‬حيث أن أمامً كثرية دخلت يف ثقافتنا وآمنت برسالتها عرب التجار الذين سلكوا سلوكاً أخالقياً‬ ‫عالياً مع األمم التي تعاملوا معها‪ ،‬وليس عرب الفتوحات‪ ،‬كام حدث يف أمم جنوب رشق آسية‪ ،‬وأحياناً تبنى املنترصون‬ ‫ثقافتنا ورسالتنا الروحية ونحن مهزومون كام حدث مع الغزو املغويل الذي انتهى باعتناق أهله رسالة اإلسالم‬ ‫الكونية ‪،‬وهذا يعني أن الذي ميتلك ثقافة ذات جذور كونية متامسكة وقابلة للسمو باإلنسان دامئاً إىل األعىل هو‬ ‫املنترص باستمرار حتى ولوكان منهزماً من الناحية العسكرية‪ .‬وأحياناً أصبح الداخلون يف رسالتنا أكرث حامسة من‬ ‫الذين علَّموهم اإلسالم‪.‬‬ ‫إن طارق بن زياد ذا األصول الرببرية مثال ساطع عىل ذلك‪ .‬هذا املخزون الروحي املشع يف ثقافتنا اإلسالمية هو الذي‬ ‫أنقذنا وما زال من الجفاف‪ ،‬وبهذه الروحية تعامل أهلنا مع األمم األخرى‪،‬إ َّن معاملة صالح الدين األيويب للصليبيني‬ ‫بعد انتصاره عليهم التزال إىل اآلن شهادة عىل شفافية الشخصية املسلمة يف تعاملها مع األمم األخرى‪ ،‬ولذلك قال‬ ‫املسترشقون "ما عرف التاريخ فاتحاً أرح َم من العرب"‪ .‬لوال الدفق الروحي اإلمياين يف الشخصية املسلمة ملا استطاع‬ ‫املسلمون تقديم أنفسهم للعامل باعتبارهم أمة ساهمت يف صنع إنسانية اإلنسان‪ ،‬ومنو القيم التي كفلت استمرار‬ ‫العنرص البرشي مبفهومه األسمى الهادف باستمرار الستجالء الكون وأرساره‪ ،‬وتسخريه كل مايف الكون لهذا اإلنسان‬ ‫الذي ك ّرمه الله وفضله عىل املخلوقات كلها وس ّخرله ما يف الرب والبحر وما يف املحيط الخارجي‪.‬‬

‫ثقافتنا اإلسالمية إنسانية الفكر والسلوك‪ ،‬وليست متعصبة كام يراها صاحب كتاب ِ‬ ‫"صدام الحضارات" "صموئيل‬ ‫هنتنغتون"‪ ،‬وليست منغلقة عىل ذاتها‪ .‬لقد انفتحت الثقافة العربية اإلسالمية عىل نتاج األمم األخرى ‪،‬وشكلت‬

‫معها نه َر معرفة عريض‪ .‬لقد كان العرص العبايس أكرب دليل عىل إنسانية الثقافة املسلمة التي قبلت جدل أرسطو‬ ‫وفلسفة الهند وروحانياتها‪،‬وتأثرت بالثقافة الفارسية تأثرا ً عميقاً‪ ،‬وعرص املأمون دليل واضح عىل ذلك حيث كان‬ ‫يجادل العلامء والفالسفة واملعتزلة‪ ،‬وكانت بغداد عاصمة الثقافة‪،‬و"بيت الحكمة" من أوائل الجامعات التي‬ ‫عرفتها البرشية يف بحثها عن املعرفة‪ .‬اإلسالم يف العمق يؤمن بالحوار ويدعو إليه " قل يا أهل الكتاب تعالوا إىل‬ ‫كلمة سواء بيننا وبينكم" هناك الكثري الذي يوحد بني بني البرش‪،‬واإلسالم يدعو إىل تعميق الجوامع بني مدارس‬ ‫الفكر اإلنسانية التي تزيل الحواجز بني البرش‪،‬العلة ليست يف اإلسالم ‪ ،‬العلة يف املسلمني‪ ،‬إن املسلمني املتزمتني‬ ‫يسيئون لإلسالم أكرث من أي فكر آخر‪.‬‬


‫وقصص صالح الدين األيويب مع خصومه الصليبيني يذكرها "آرنولد توينبي" أكرث من املسلمني أنفسهم‪ .‬إن سبب‬ ‫هذا كله هو سطوع العقيدة وإرشاقها يف نفوس هؤالء الناس‪ ،‬وهذا ليس وقفا عىل من ذكرنا أسامءهم ‪ ،‬وإمنا‬ ‫هو ترجمة سلوكية للنص الرشعي الخالص من الشوائب" يا أيها الذين آمنوا كونوا ق ّوامني لله ‪ ،‬شهدا َء بالقسط‪،‬‬

‫قوم عىل أالّ تعدلوا ‪ِ ،‬‬ ‫أقرب للتقوى‪،‬واتقوا الله ‪ ،‬إن الله خب ٌري مبا تعملون" ‪.‬‬ ‫وال ي ْجرِمن َّـكم شَ َنآ ُن ٍ‬ ‫إعدلو‪ ،‬هو ُ‬

‫النص هنا يأمر بالعدل حتى مع الذين بيننا وبينهم عداوة‪ .‬والنص واضح ال ل َـ ْبس فيه وال غموض‪ .‬ومل يؤمن‬ ‫اإلسالم باإلرهاب أبدا ً ألنه يتناىف مع العدالة التي اليستقيم إميان إنسان إالّ بها‪ .‬إن قتل النفس الربيئة يف اإلسالم‬ ‫أكرب الكبائر‪ ،‬ومن يقتل نفسا واحدة ظلامً فكأمنا قتل الناس جميعاً ‪ ،‬هذا هو جوهر اإلسالم يف رسالته‬ ‫ائيل أنه من قتل نفساً بغري نفس أو فسا ٍد يف األرض فكأمنا قتل الناس‬ ‫الكونية‪":‬من أجل ذلك كتبنا عىل بني إرس َ‬ ‫جميعاً‪ ،‬ومن أحياها فكأمنا أحيى الناس جميعاً" الله نفى الظلم عن نفسه ومل يقبله لعباده‪ ،‬وحني يكون‬ ‫العدل هو مقياس العالقة بني بني البرش تكون البرشية سائرة باال تجاه الصحيح‪ ،‬والحق بي ِّـ ٌن والظلم بي ِّـ ٌن ولو‬ ‫ارتدى أقنعة األرض جميعاً‪.‬‬ ‫‪ . 4‬الرسول محمد بن عبد الله ل ّخص رسالته الكونية بقوله‪ " :‬إمنا بعثت ألمت َم مكار َم األخالق" وداللة الحديث‬ ‫واضحة عىل أن رسالته استمرار لرساالت النبيني قبله‪ ،‬يف قوله "ألمت َم" داللة واضحة عىل أنه يكمل رساالت من‬ ‫سبقوه من األنبياء‪ ،‬ويف حديث آخر يشبه رساالت األنبياء قبله ببناء عظيم وجميل كامل إالّ موضع لبن ٍة منه‪،‬‬ ‫وكان الناس يطوفون بهذا البناء معجبني ومشريين إىل اللبِنة الناقصة‪ ،‬ويتم الرسول أنا تلك اللبنة وأنا خاتم‬ ‫النبيني‪ .‬محمد رسول قد خلت من قبله الرسل‪ ،‬وهو استمرار لهؤالء الرسل وليس نقيضاً لهم‪ ،‬هذا ما يجب أن‬ ‫تعصب ‪ ،‬وبال هوى مسبق ‪،‬‬ ‫يرتسخ يف وعي املسلم ‪ ،‬وكذلك يف وعي الذين يريدون أن يفهموا رسالة اإلسالم بال‬ ‫ٍ‬ ‫ألن "آفة العلم الهوى"‪،‬يجب إزالة تلك الصورة البشعة التي يرون اإلسالم عربها‪ ،‬بناء اإلنسان أخالقياً هو الهدف‬ ‫األول يف اإلسالم‪ ،‬ألن اإلميان نفسه عمل أخالقي قبل كل يشء ‪ ،‬فإذا كانت األخالق تردع اإلنسان عن‬ ‫السيئات‪،‬وتدعوه إىل فعل الخري فهذا يعني إنها اإلميان‪ ،‬ألن اإلميان سلوك‪ ،‬يعرف من خالله مدى ارتباط‬ ‫اإلنسان بقضايا اإلنسان األوىل‪.‬‬ ‫‪ .6‬سورة املائدة آية رقم ‪8‬‬ ‫‪ .7‬سورة املائدة ــ آية ‪32‬‬ ‫‪ .8‬حديث رشيف‬

‫_______________________‬


‫ومن البداهة أن نؤكد أن العلم نقيض التعصب كام هو نقيض الجهل‪ ،‬ألن العلم هو املعرفة ‪ ،‬والتعصب شعبة‬ ‫من شعب الجهل‪ ،‬أما ذلك التعصب األعمى الذي نراه عند بعض الناس فهو نقيض للرسالة اإلسالمية التي اعرتفت‬ ‫باآلخر‪ ،‬وحضت عىل التفاهم والتعامل السامي معه‪ .‬املعرفة الروحية يف اإلسالم فتحت آفاق الروح املؤمنة عىل‬ ‫قبول اآلخر‪ ،‬والتعامل معه إسهاماً يف خدمة اإلنسانية‪ ،‬وكيف تكون ثقافة مغلقة ومتعصبة ‪ ،‬ونبيها يقول ‪" :‬الخلق‬ ‫َ‬ ‫أرسلناك إالّ‬ ‫كلهم عيال الله‪ ،‬وأحبهم إىل الله أنفعهم لعياله"؟ وكيف تنغلق رسالة عىل نفسها‪ ،‬وكتابها يقول‪":‬وما‬ ‫رحمة للعاملني"‬ ‫‪ . 3‬يف الدين اإلسالمي هناك النص‪ ،‬وهناك السلوك‪ ،‬والسلوك هو النص ُمعاشاً بني اآلخرين‪،‬ولعل السلوك الراشد‬ ‫رافض لقبول‬ ‫مغلق ٌ‬ ‫ل َح َملة الرسالة هو الرتجمة الحقيقية لروح النص اإلسالمي الذي يبدو لآلخرين ‪ ،‬وكأن بعضه ٌ‬ ‫اآلخر‪ .‬الدين اإلسالمي أعطى لكلمة اإلسالم معنى كونياً‪ ،‬وليس معنى فقهياً "أدخلوا يف السلم كاف ًة" ‪،‬ورفض إميان‬ ‫األعراب آم ّنا ‪ ،‬قل مل تؤمنوا ولك ْن قولوا أسلمنا"‬ ‫الناس إن مل يقرتن بالسالم" قالت‬ ‫ُ‬ ‫إذن السالم‪،‬هو روح اإلسالم ‪ ،‬وهو اسم من أسامء الله الحسنى‪ ،‬والسالم اليتحقق عىل األرض إالّ بنفي‬ ‫بظلم ‪،‬أولئك‬ ‫الظلم‪،‬وجعل الله اإلميان لصيقاً بالعدل‪ ،‬وال إميان ملن ال عدل عنده"الذين آمنوا ومل يلبسوا إميانهم ٍ‬ ‫لهم األم ُن ‪،‬وهم مهتدون" ‪،‬ولذلك الميكن فهم الجهاد يف اإلسالم إالّ مقرتناً مبحاربة الظلم ونفيه‪،‬فقتال الظلم ونفيه‬ ‫هام األساس يف صلب كل التعاليم الساموية واألرضية‪.‬ويجب عدم الوقوع يف منطقة االشتباه وتحريف الحقائق‬ ‫الكونية‪ ،‬فالظلم عدوان ‪ ،‬ونفيه إميان سلويكٌّ مطلوب‪.‬هذا يف النص ‪ ،‬وأما يف السلوك ‪ ،‬فالنامذج أكرب من أن تُحىص‪،‬‬ ‫لقد رفض الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الصالة يف الكنيسة عندما طلب منه الرهبان أن يصيل فيها مخافة أن‬ ‫يح ِّولَها املسلمون مسجدا ً بعد مغادرته القدس‪ ،‬وفيام بعد أقام املسلمون مسجد عمر يف املكان الذي صىل فيه‬ ‫الخليفة الثاين‪.‬ورفض اإلمام عيل الرجل العادل أن مييزه القايض عن خصمه اليهودي يف املحكمة عندما خاطبه‬ ‫القايض بكلمة "أمري املؤمنني" ‪ ،‬لقد اعتربها هذا الرجل العادل أنها بداية جنف يف الحكم‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .2‬حديث رشيف‬ ‫‪ .3‬سورة البقرة‬ ‫‪ .4‬سورة الحجرات اآلية‪14‬‬ ‫‪ .5‬سورة األنعام اآلية ‪82‬‬


‫إن عقالنية العلم الجبار يجب أن ترافقها قيم الروح الخالدة‪.‬إن تخيل الغرب عن الكثري من القيم الروحية التي تشكل‬ ‫الرشنقة الصالحة للنمو املتكامل للروح والعلم‪ ،‬هي ما يفتقر إليه عاملنا املعارص‪.‬وال مناء للكيان اإلنساين تصاعدياً إال عرب‬ ‫عقد الصلح الكبري بني روحانية الرشق وعقالنية الغرب‪ .‬هذه املصالحة هي ما يفتقر إليه عاملنا املعارص‪ .‬إن هذه املصالحة‬ ‫ستزيل كل مناطق الشبهات املتبادلة بيننا وبني الغرب‪.‬‬ ‫إن العامل الغريب الذي تقبل يف مراحل تكوينه األوىل الالهوت املسيحي اآليت من سامء الرشق وروحانياته يستطيع اآلن‬ ‫عقد صلح داخيل بني تراثنا وتراثه‪ ،‬فالكلمة السواء تجمعنا‪ ،‬وتجعلنا متقاربني أكرث‪.‬‬ ‫ويجب أن يقتنع الغرب يقيناً أن اإلرهاب ليس من الفكر اإلسالمي يف يشء‪ ،‬وما يرونه كذلك يف بعض النصوص واملامرسات‬ ‫قد انتهى منذ زمن بعيد‪ ،‬وهذا اليشء عانت منه كل الديانات التي عرفها اإلنسان عرب عمره الحضاري عرب بعض‬ ‫املامرسات التي ليست هي الجوهر يف األسس الفكرية للديانات الساموية‪ .‬وما يرونه إرهاباً اليوم يف رشقنا علينا أن نفكر‬ ‫معاً وبانفتاح يف جذور تكوينه‪ .‬ملاذا كان؟ وهل هو ثابت يف النفس املسلمة؟ طبعاً ال‪ .‬يجب دراسة هذا املوضوع فكرياً ‪،‬‬ ‫يش إال وأفسدته‪.‬‬ ‫وليس سياسياً ‪ ،‬ألن السياسة ما دخلت يف ْ‬ ‫نحن عانينا من اإلرهاب‪ ،‬واإلرهاب ليس له دين عىل اإلطالق ‪ ،‬إنه تعبري عن حاالت منحرفة يجب دراستها بهدوء‬ ‫ورصدها ومعرفة دوافعها لوضع عالج مالئم لها لنعرف كيف نعالجها‪ .‬إن اإلرهاب بعيد ومتناقض مع روح رسالة اإلسالم‬ ‫التي اشتقت من السالم‪ ،‬ويف القرآن الكريم ‪..." :‬أدخلوا يف السلم كافة" إنه أمر إلهي يدعو للسالم بني الناس مبنأى عن‬ ‫العرق واللون واالنتامء‪.‬‬ ‫يجب أن منسح من األذهان املقولة التي تدعي "سيبقى الغرب غرباً والرشق رشقاً"ألن هذا غري صحيح فالطبيعة اإلنسانية‬ ‫يف تكوينها األول مشرتكة بني بني البرش‪،‬وألن الرشق والغرب اليوم متازجا إىل حد االنصهار بفعل املعرفة واالختالط وانتشار‬ ‫وسائل املعلوماتية الحديثة التي جعلت األرض والبالد كلها قرية كونية صغرية والقناعة الناتجة من أن الناس جميعاً آلدم ‪،‬‬ ‫وآدم من تراب‪ .‬باملعرفة والتعاون نستطيع رفع الدمار عن عامل يسري برسعة فائقة نحو نهاية تكاد تكون حتمية لوال بعض‬ ‫األصوات املؤمنة باإلنسان هنا وهناك‪ ،‬والتي تؤمن بالحوار‪ ،‬وتؤمن بالدعوة القائلة‪ " :‬تعالوا إىل كلمة سواء بيننا وبينكم"‪،‬‬ ‫والناس فيام بينهم‪ ،‬إما إخوة يف الدين‪ ،‬وإما إخوة يف اإلنسانية‪.‬‬ ‫إن الجفاف الذي تعاين منه الحضارة الغربية التي تحولت إىل فعل مادي ال أثر لخفق الروح فيه يهدد الحارة باالنهيار‪،‬‬ ‫ولذا ال بد من يقظة الروح التي تقيم صلحاً كونياً بني مادية الجسد وروحانية الرسالة‪ ،‬وهذا ما جاءت به حضارتنا العربية‬ ‫بواسطة رسالة اإلسالم التي نقلت البرشية من الظلامت إىل النور‪//.‬‬


‫اليوم تعيش مجتمعاتنا اإلسالمية حالة ‪،‬هي أبعد ما يكون عن الفهم العميق لروح اإلسالم‪.‬وسبب ذلك هو الجهل‬ ‫والتخلف ‪ ،‬وعدم محاولة االنتامء لروح العرص التي تبحث يف تطوير إمكانيات اإلنسان للتغلب عىل األمراض‬ ‫كل املوجودات‬ ‫املستعصية‪،‬وسرب أغوار الكون وتسخري الطبيعة لخدمة هذا الكائن الذي ك ّرمه الله‪ ،‬وسخر له َّ‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫اليوم ال ينقذنا من تخلفنا الراهن أ ّن ماضينا كان رائعاً‪ ،‬ونافعاً للبرشية جمعاء‪.‬اليجدينا أبدا ً االفتخار بآبائنا‬ ‫وأجدادنا إذا كنا نحن دون مستوى اإلحساس مبا تنجزه البرشية ‪ ،‬وعىل كافة املستويات العلمية‪ .‬لقد استطاع‬ ‫العلم أن يجعل العامل قرية صغرية بفضل التكنولوجيا واملعلوماتية‪ ،‬واستطاع أن يضع خارطة للجينات املك ِّونة‬

‫للجسد اإلنساين‪،‬واستطاع أن يفجر الذرة‪ ،‬وما نتج عن ذلك التفجري من انجازات علمية سواء أَس َّخ َرها اإلنسان‬ ‫للخري أم للرش‪.‬واخرتع الكومبيوتر‪ ،‬وما أنجزيف كافة املجاالت‪.‬‬

‫كل هذا اإلنجاز العلمي يصبح وباالً علينا إذا مل ندخل فيه مع حفاظنا عىل تراثنا الروحي الذي يكبح جامح املادة‬ ‫ومينعها من الهيمنة عىل الروح اإلنسانية التي تجعل لإلنسان امتدادات كونية ال يستطيع العيش مبنأى عنها أبدا ً‪.‬‬ ‫اليكفي أن نتباهى بكون ماضينا مجيدا ً‪ ،‬ماضينا لن يكون لنا إال إذا كان حارضنا مجيدا ً ومساهامً يف تنمية الروح‬ ‫اإلنسانيي‪ ،‬املايض اليعني شيئاً إذا كنا أمة خاملة تفتخر بقبور موتاها أكرث من افتخارها بإنجازات العقل‬ ‫والوعي‬ ‫ْ‬ ‫اإلنساين الجبار‪ ،‬يجب االنتامء للعصور الحدينة والتصالح مع الثورة العلمية الهائلة التي عرفها القرن‬ ‫العرشون‪،‬يجب أن نصبح من سكان القرن العرشين والقرن الواحد والعرشين عقلياً ‪ ،‬وليس جسدياً فقط‪ ،‬إن أمتنا‬ ‫العربية املسلمة مطلوب منها االنتامء لعرصها ألنها متلك العقل والرثوة والعدة والعديد‪ ،‬إن تراثنا الروحي خصب‬ ‫وكذلك تراثنا العلمي والفكري والحضاري‪ ،‬ومنا كان ابن رشد والفارايب وابن سينا واملعري وإخوان الصفا‪ ،‬وجابر‬ ‫بن حيان ومحي الدين بن عريب واملعتزلة‪ ،‬وعلامء الكالم‪ .‬مل ننتج هذه الحضارة إال ألننا واءمنا بني املادة والروح‬ ‫ورفعنا الغشاء عن النزعة اإلنسانية التواقة إىل الحرية والتكامل‪" ،‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬ ‫أحرارا ً" ‪.‬‬ ‫واالنتامء للعلم الهائل الذي قدمه لنا الغرب اليتناقض مع قيمنا‪ ،‬بل العكس هو الصحيح ألن الله "علّم اإلنسا َن ما‬ ‫مل يعلم"وال ميكن أن تنمو قيم اإلنسان يف مستنقعات الجهل والتخلف‪ .‬النمو دامئاً يكون يف مناطق الضوء التي‬ ‫تنري السبل للوصول إىل املعرفة‪.‬‬




‫عىل الذات املنقوصة وانانيتها الخاطئة‪،‬ورسمنا معا طريق الخالص لالجيال التواقة اىل التغيري املنشود ‪،‬وصغنا من‬ ‫تجليات الحارض انطالقة واعية اىل املستقبل القابل للحياة والتطور‪ ،‬وتخلصنا من الوهم والسقوط املريع‬ ‫‪،‬واوجدنا اسسا صالحة لبناء الحضارة التي نريد‪ ،‬بعيدا عن الفوىض واالنفالت اللذين ال يقدمان لنا اال الجهل‬ ‫والتخلف‪ ،‬بينام نحن نسعى الدراك اهدافنا املسكونه باملوضوعية والعقالنية واالبداع السامي‪ ،‬الذي نحتاجه يف‬ ‫مسرية العطاء الحقيقية والنبض املستدام ‪،‬عىل ان تذكرنا االجيال بالخري‪ ،‬ملا نقدم لها من ابداعاتنا الخصبة بكل‬ ‫انواع الثقافة الشاملة والعلم الوفري‪.‬‬ ‫ان الحياة تتطلب منا ان نقدم النصيحة ‪،‬وننتج املعرفة‪ ،‬ونستلهم من الحارض افقا ملستقبل نريده ان يحمل الخري‬ ‫البنائنا يف تكثيف املعارف وتنشيط دور القيمني عىل املناخات االدبية والعلمية املتنوعة للوصول اىل املنعة‬ ‫والسؤدد يف وجود يدعونا دامئا ملواكبته‪.‬‬


‫التكنولوجيا المزيفة والسقوط المريع‬ ‫د‪ .‬طالل الورداين‬ ‫يف ‪٢٠٢٢/ ٢/١٧‬‬ ‫يعتقد البعض انه امتلك العامل بني يديه حني استطاع ان يستعمل‬ ‫التكنولوجيا ويفك رموزه ومصطلحاتها‪ ،‬فيتوهم انه اصبح‬ ‫متخصصا يف مجاالت املعرفةمتقنا لها‪ ،‬لكنه يف الحقيقة واهم ‪،‬‬ ‫يراهن عىل عامل الزمن عله ينصفه فيام يرمي اليه‪.‬والحقيقة‬ ‫ان املعرفة ال تعطي ارسارها اال ملن يتعمق يف سرب اغوارها‪،‬فمن‬ ‫املهم ان نتعرف عىل التقنيات الحديثة ونوظفها يف خدمة املعرفة‬ ‫التي نريد‪،‬ولكن ال يعني ذلك االنسالخ عن الثقافة والرهان عىل‬ ‫التكنولوجيا فقط ‪،‬امنا االمر يستدعي املواءمة بني الثقافة والتقنية‬ ‫فتكون هذه يف خدمة تلك‪ ،‬وتكون النتيجة هي الهدف االسمى الذي نسعى اليه اما ان نربط تطورنا بالتقنية وحدها‬ ‫فهذا وهم من ّني انفسنا به ال يسمن وال يغني وال يصل بنا اىل الرىض التام عن اعاملنا‪.‬‬ ‫فنحن ىف هذا العامل لسنا وحدنا وافق التطور امر مرشوع علينا ان نسري يف ركابه ‪،‬لكن ال ميكننا ان ننىس دورنا يف‬ ‫ترسيخ قدراتنا الثقافية واملعرفية يف املجال املطلوب‪،‬حتى تتحقق املنفعة واملنعة العلمية والثقافية‪،‬ال ان نبقى يف‬ ‫مهب الريح نعتقد اننا فزنا من خالل التقنيات بكل يشء‪ ،‬بينام نحن نهمل ترسيخ العلوم االنسانية يف مجاالتها‬ ‫الحقة‪ ،‬ويك نتصالح مع انفسنا علينا ان نتعمق يف قراءة الذات الفردية والجمعية وان نستفيد من كل ما توفر لنا‬ ‫لنقدمه لالجيال بطريقة سلسة وعلمية ومنكننهم من ادراك انفسهم بوعي ومسؤولية‪،‬فنكون بذلك قد حققنا فوزا‬



‫المكان في رواية طائر الحوم للروائي حليم بركات‬ ‫تمهيد‬

‫الكاتب‪ .‬محمد حسني‬ ‫إ ّن الروائيني اهتموا دامئاً باألمكنة التي تقع فيها حوادث رواياتهم وحيث تعيش شخصياتهم‪ ،‬حتى إن بعض النقاد‬ ‫أخذ عليهم اإلرساف يف وصف األمكنة مام يعوق تطور الرواية‪ ،‬يف حني اعترب آخرون املكان مجرد إطار أو زينة ال‬ ‫أهمية لها‪.‬‬ ‫أما اليوم فنجد اهتامماً بالغاً باملكان الروايئ‪ ،‬ويعنون بذلك مجموعة العالقات املتعارضة بني األمكنة املختلفة داخل‬ ‫الرواية وال يهملون التفاعل بني الفضاء والشخصيات والرؤية والظروف االجتامعية‪ ،‬ومثال ذلك بروز املكان يف جميع‬ ‫روايات إمييل نرصالله‪ ،‬فالتعلق بالقرية‪ ،‬والهروب‪ ،‬والخوف من املدن الكربى‪ ،‬واالقتالع‪ ،‬هي مواضيع ثابتة يف طيور‬ ‫إيلول والرهينة واإلقالع عكس الزمن والجمر الغايف‪.‬‬ ‫ففي طائر الحوم لحليم بركات‪ ،‬نلحظ تحطيم مفهوم املكان‪ ،‬فالبطل يعيش يف عاملني‪ :‬قريته أي مسقط رأسه‪ ،‬ومكان‬ ‫هجرته‪ .‬واالنتقال من املكان يتم فجأة عن انشطار نفس البطل‪.‬‬ ‫ويف بحثنا هذا نعالج املكان يف رواية "طائر الحوم" للروايئ حليم بركات‪.‬‬ ‫دوائر املكان ومكوناتها شديدة الربوز يف النص‪ .‬فالدائرة األوىل بالنسبة للرواية متثل املكان األول (الكفرون) الذي ولد‬ ‫ونشأ وترعرع فيه وقىض فيه معظم أيام طفولته ثم ينتقل إىل بريوت املكان الثاين من حياته األوىل وهي تشكل‬ ‫الدائرة الثانية أما الدائرة الثالثة فهي أمريكا مكان إقامته وعمله‪.‬‬ ‫التقاطبات واجتياز الحدود (بني املتقاطبني)‬ ‫إن التقاطبات كثرية يف الرواية‪ ،‬فهي تبدأ من العنوان "طائر الحوم" حيث إنه إشارة إىل الهجرة واجتياز األمكنة من‬ ‫أقصاها إىل أقصاها‪ ،‬إنه انفالت من القوقعة (القرية‪ /‬الكفرون) ليدخل بطن الحوت (املدينة‪ /‬بريوت)‪.‬‬


‫كام أنه لدينا تقاطب آخر حيث ان الراوي يتحدث عن الحياة الربية أو الحياة الحيوانية ويقارنها مع الحياة‬ ‫اإلنسانية فالحيوانات ال تندفع إىل مساعدة بعضها ‪ ،‬ولكن ملاذا اإلنسان العاقل يفعل ما يفعله الحيوان يقول‪:‬‬ ‫"وتهاجم قطيعاً‪ ،‬فجأة‪ ،‬مجموعة من الذئاب تطارد عجالً صغريا ً قتندفع أمه وحدها للدفاع عنه وانسحبت بقية‬ ‫الثريان واألبقار إىل مكان أمني وراحت تراقب املطاردة‪ ...‬ومتتد املعركة وتطول والثريان الكبرية تراقب دون‬ ‫تدخل‪ ...‬ويقع العجل فريسة فتعلن األم يأسها وتلتحق ببقية القطيع دون ان تلتفت إىل الوراء"(‪.)4‬‬ ‫أما العرب فيترصفون كام تترصف هذه الحيوانات "فلسطني تسقط فريسة‪ .‬بريوت تتساقط‪ .‬البرصة مهددة‬ ‫بالسقوط‪ .‬الجنوب اللبناين محتل‪ .‬ملاذا األم وحدها تقاوم؟ أيتها العواصم العربية الثريان‪ .‬تشمخني بقرونك‬ ‫مذهولة تراقبني وجلة‪ ،‬تتناطحني‪ ،‬تتناكحني رسا ً يف الدهاليز‪ ،‬تأكلني األخرض واليابس‪ ،‬تتمددين خارج التاريخ‬ ‫بكسل بليد‪.‬‬ ‫ما نفع املواجهة؟ آه من املأساة املهزلة"(‪.)1‬‬ ‫ومن أهم التقاطبات تقاطب واشنطن‪ /‬الكفرون وهو تقاطب مكاين حيث أن الراوي مجرد أن يكون يف مكان ما‬ ‫يف واشنطن حتى تعود به الذكريات إىل الزمن األول من حياته يف الكفرون "كان يوماً خريفياً رائعاً تحولت فيه‬ ‫مدينة واشنطن إىل غابة كثيفة من األلوان الزاهية املتموجة املتداخلة بعد صيف حار متاماً كذلك اليوم الذي شهد‬ ‫فيه مرصع طائر الحوم يف الكفرون"(‪.)2‬‬ ‫كام أن الراوي حاول أن يؤكد لنا عىل فكرة أن سوريا هي الوطن الذي ال بديل عنه حيث يتحدث عن الفتاة‬ ‫األمريكية من أصل سوري‪ ،‬فالحياة يف أمريكا تهدم اإلنسان بينام السعادة هي الحياة يف بلده "أمتنى لو أن أمي مل‬ ‫ِ‬ ‫تأت إىل أمريكا‪ .‬لو بقيت يف سوريا‪ .‬ولدت ونشأت وعشت يف قرية سورية قريبة من اإلنسان واألرض‪ .‬أفضل لو‬ ‫كنت حرمة يف عائلة عىل الوحدة القاتلة هنا‪ .‬الحياة تهدم اإلنسان"(‪.)3‬‬ ‫ويعود الراوي مرة أخرى للحديث عن طائر الحوم‪ ،‬فطائر الحوم رمز الجتياز الحدود والهجرة بني قطبني أو بني‬ ‫منطقتني (وهنا يظهر التقاطب املكاين) منطقة الفقر يف العامل (الجنوب) ومنطقة الغنى (الشامل) فهو "مهاجر‬ ‫باستمرار بني الجنوب والشامل (بني مخاطر الجنوب والشامل) مدفوعاً بالعطش والجوع والشبق والدفء‪ .‬كلام‬ ‫عرب عاملاً تكشّ ف له عامل آخر"(‪.)4‬‬


‫الكفرون‪ /‬بريوت‬ ‫سوريا‪ /‬لبنان‬ ‫ريف‪ /‬مدينة‬ ‫أما الهدف من هذا االجتياز هو السعي وراء لقمة العيش‪.‬‬ ‫وهناك أيضاً تقاطب آخر يف الرواية هو‪:‬‬ ‫بريوت‪ /‬أمريكا‬ ‫رشق‪ /‬غرب‬ ‫حضارة روحية‪ /‬حضارة مادية‬ ‫والهدف من االجتياز هو السعي وراء لقمة العيش والتعلم‪.‬‬ ‫إن لكل مكان مفاهيمه الخاصة ففي الكفرون نجد أن الناس تقتل العصافري يقول الرواي‪" :‬بعد هذا الزمن‬ ‫الطويل كخيوط الهم تتجاوب يف ذهني طلقات النار دفعة واحدة‪ ،‬ثم متتابعة مثل خفقات قلب مضطرب"(‪... )1‬‬ ‫ويقول يف مكان آخر‪" :‬تجفل طيور الحوم فتتوزع؛ كل عىل ِحدة‪ ،‬وجلة يف مختلف االتجاهات‪ .‬تطلق رصاخاً حادا ً‬ ‫ويتهاوى بعضها إىل موته الحتمي يف أودية عميقة كهموم القلب‪)2("...‬‬ ‫أما يف أمريكا فإن اإلنسان يرىب عىل املحافظة عىل الطيور وعىل حبها "‪ ...‬رمبا ما كنت تضحك لو فهمت‪ ،‬فهي تحب‬ ‫العصافري"(‪.)1‬‬ ‫والراوي كطائر الحوم دائم الرتحال ال يستقر يف مكان فهو مهاجر من إىل مكان آخر "أحلم أن نتحرر من كل‬ ‫املسؤوليات مبا فيها العمل‪ ،‬ونسافر إىل مختلف أنحاء العامل"(‪.)2‬‬ ‫كام أن األمكنة تشكل الزمان بالنسبة إىل الراوي‪:‬‬ ‫الكفرون‪ /‬أمريكا‬ ‫الرشق‪ /‬الغرب‬ ‫املايض‪ /‬الحارض‬ ‫فنسمع حبيبته تقول له‪" :‬إنك تعود إىل أصولك‪ .‬أصبحت تلعب الطاولة وتحمل مسبحة وتريد منقلة‪ .‬مستقبلك‬ ‫أمامك‪ .‬غدا ً تدخن نرجيلة وتلبس رسواالً"(‪.)3‬‬


‫ونرى الراوي دامئاً يريد الصعود من تحت إىل فوق‪ ،‬يف هذا التقاطب املكاين كأنه يريد أن يطري ويتحرر وينعتق‬ ‫من قوقعته كطائر الحوم فيقول‪" :‬ما دمنا ال نستطيع التحرر من املكان‪ ،‬فلنحاول التحرر من األسفل والتفاصيل‬ ‫والجزئيات لنصعد إىل فوق‪ .‬لنصعد بقدر ما ميكن ونطل عىل األسفل فنشعر أننا نحلق"(‪.)3‬‬ ‫أيضاً ال بد من اإلشارة إىل أن العرب يف بلدانهم يتحدثون لغات أجنبية مختلفة دون أي مشكلة بينام يف بالد‬ ‫الغرب عىل املرء أن يتكلم بلغة الدولة‪ .‬الغرب أكرث وطنية من العرب؟ نجد املرأة األمريكية تريد املحافظة عىل‬ ‫لغتها حني تطلب من الراوي التحدث باإلنكليزية "فتتوقف قربنا سيدة أمريكية وتقول بغضب‪ :‬تكلموا باإلنكليزية‪،‬‬ ‫أنتم يف أمريكا"(‪.)4‬‬ ‫وتتكاثر التقاطبات املكانية عند الراوي بطريقة رائعة إذ أن هذا املهاجر الدائم حقيق ًة وخياالً يحلق يف السامء‬ ‫ويلتحف األرض يغط عىل الجبال ويشهق عندما يرى الوادي‪ .‬إنه كطائر الحوم‪ ،‬يقول "يرضب جناحيه يف وجه‬ ‫السامء الواسع‪ ...‬وأحياناً كغطاء قطني تلتحفه األرض‪ ...‬يغط عىل قمم جبال األلب متتبعاً خطوات هنيبعل‪...‬‬ ‫يشهق عندما يطل من "باب النقب" عىل وادي الكفرون فيغط مطمئناً مبهورا ً"(‪.)5‬‬ ‫ولعل املكان عند الراوي ال يغري الذكريات‪ ،‬فالتقاطبات املكانية ال تعمل عىل محو الذاكرة فالراوي وأصدقاؤه‬ ‫كل إىل مكان مختلف ولكن الذكريات (يف الكفرون) بقيت كام هي‪ ،‬يقول "تذكرناك كثريا ً يا فؤاد عندما‬ ‫هاجروا ٌ‬ ‫زارنا أبو صفا مؤخرا ً يف واشنطن عجبت كم تتشابه ذكرياتنا رغم فارق العمر بيننا‪ .‬أبو صفا ال يجد يف األمر غرابة‪.‬‬ ‫قال إن ذكرياتنا واحدة ألن األجواء التي عشناها واحدة‪ .‬املياه الرقراقة نفسها‪ ،‬املحيط نفسه‪ ،‬الهواء نفسه‪،‬‬ ‫العصافري نفسها‪.)1("...‬‬ ‫ولعل تقاطبات االتجاه املكانية لها دورها يف الرواية "املياه ترنش عن مييني وشاميل‪ ،‬ويتطاير بعضها إىل وجهي‬ ‫وصدري وكتفي"(‪ .)2‬فاليمني والشامل يدالن عىل اتجاهني مختلفني ملكانني مختلفني‪.‬‬ ‫ومن التقاطبات املكانية‪ ،‬الحديث عن املايض والحارض واملستقبل‪ ،‬املايض الذي ميثل الكفرون والحارض واملستقبل‬ ‫اللذين ميثالن أمريكا "دون تساؤل ظللت أرحل يف عينيها باتجاه املايض واملستقبل ويف أعامق الحارض"(‪.)3‬‬ ‫ ومثال آخر عىل ذلك "وجدت نفيس أرحل إىل زمن الطفولة يف الكفرون‪.‬‬‫ وأنا كنت أستعيد املايض‪ ،‬مع األسف بضوء الحارض‪.‬‬‫‪ -‬ملاذا ال نتحرر من املايض والحارض؟"(‪.)4‬‬


‫تسيطر الحضارة املادية يف الغرب فكل يشء تتحكم به اآللة "فأدركت أن اآللة مل تلفظني خارجاً وأنني أسعى‬ ‫جاهدا ً ضمن آلة أكرب"(‪.)5‬‬ ‫ولعلنا نجد عند الراوي تقاطباً من نو ٍع آخر‪ ،‬تقاطباً شعورياً بسبب املكان يقول‪" :‬وفيام نخرتق كثافات الغيوم‬ ‫البيضاء فوق أمريكا‪ ،‬تذكرت أنني يف طفولتي دخلت فجأة كثافات غيوم سوداء تضيئها بروق وصواعق‬ ‫متكررة"(‪.)1‬‬ ‫تتكرر التقاطبات املكانية يف الرواية" فاضطرت أمي إىل أن تنزح بنا أنا وأخي وأختي إىل مدينة بريوت بعد أن‬ ‫جاهدت عبثاً يف القرية مدة سنة أو أكرث"(‪ .)2‬ويقول‪" :‬ناضلت يف بريوت كام ناضلت يف القرية"(‪ .)3‬ويتحدث‬ ‫الراوي أيضاً عن األمكنة التي انتقلت إليها حبيبته مع عائلتها‪" :‬منذ الطفولة رحلت مع أهلها من قرية عيثا‬ ‫الفخار يف البقاع إىل بريوت"(‪.)4‬‬ ‫فالتقاطب واضح هنا فبريوت مدينة وعيثا قرية ثم هاجرت العائلة من بريوت إىل أمريكا "فشجعته عىل أن يهاجر‬ ‫إىل أمريكا‪ .‬التحق بأهله وأخوته يف توليدو أوهايو"(‪.)5‬فبريوت يف الرشق وأمريكا يف الغرب‪ ،‬بريوت متثل الحضارة‬ ‫الروحية بينام أمريكا متثل الحضارة املادية‪.‬‬ ‫والرصاع يظهر نفسية الراوي عند املقارنة بني وطنه األم وبني مكان إقامته يف أمريكا‪ .‬فاملهاجر يف بلده "كان يشعر‬ ‫انه سلطان نفسه‪ ،‬وأصبح يف أمريكا يشعر أنه منلة تجرجر حبة قمح كبرية (ورمبا فارغة) وتخاف من وطء‬ ‫األقدام"(‪.)6‬‬ ‫وهناك أيضاً تقاطب مكاين آخر بني الكفرون وعيثا يقول الراوي "ودخلنا وادياً تحيط به التالل العارية من جهات‬ ‫ثالث‪ ،‬عيثا الفخار ليست الكفرون ولكن لها جاملها الخاص"(‪.)7‬‬ ‫ويعود الراوي للمقارنة مرة أخرى بني بريوت وأمريكا (هذا التقاطب يتكرر باستمرار يف الرواية) فأمريكا متثل‬ ‫االضطراب وعدم الشعور باالستقرار "اشرتكنا يف نشاطات حركة الحقوق املدنية للسود وحركة االحتجاج ضد حرب‬ ‫أمريكا يف فيتنام‪ ...‬مهام كان الكفاح سيستمر"(‪ .)1‬وبريوت متثل االستقرار لكنه انتهى‪" ،‬انتهى زمن االستقرار يف‬ ‫بريوت يا خالد وشفيقة‪ .‬أصبحت حياتنا معلقة يف سديم بني الضباب والوهج والثلج"(‪.)2‬‬


‫القوقعات‬ ‫لقد دخل يونان بطن الحوت ولكنه خرج منه‪ ،‬أما الراوي فإنه دخل بطن حوت أكرث وحشة من حوت يونان‬ ‫وحاول كثريا ً للخروج "طاملا سمعت حكايات كنت أعتقد جازماً أنها ال ميكن أن تحدث حتى حدثت يل فعالً‪ ،‬مثل‬ ‫قصة دخول يونان بطن الحوت وخروجه منه‪ ،‬اعتربت القصة مجرد خرافة حتى دخلت بطن وحش أكرثرهبة من‬ ‫حوت هو مدينة نيويورك"(‪.)1‬‬ ‫فمدينة نيويورك تساوي الحوت يف نظر الراوي‪ .‬لقد حاول الخروج من هذه القوقعة من بطن الحوت (نيويورك)‬ ‫للمشاركة يف مؤمتر ولكن بدل الخروج من قلب الحوت الكبري (نيويورك) انتقلت إىل حوت أصغر يف قلب الحوت‬ ‫الكبري (الطائرة)‪ ،‬حتى خرجت ولكن إىل أين؟ إىل لقاء صديقة استضافتني وأثارت ّيف الذكريات حتى كأين دخلت بطن‬ ‫حوت جديد‪ .‬قالت‪" :‬املهم أنك خرجت من بطن الحوت يا يونان الكفروين‪ .‬نخرج من حوت لندخل آخر"(‪.)2‬‬ ‫والقوقعة ترافق الراوي يف أحداث الرواية من بدايتها حتى نهايتها‪ ،‬فالراوي وخالل وصوله إىل بريوت عندما كان‬ ‫صغريا ً نراه يشبه الرتام بالحوت‪ ،‬فيقول‪" :‬دخلنا كام دخل يونان بطن الحوت"(‪.)3‬‬ ‫ثم يكرر الحديث عن الحوت مرة أخرى‪ .‬ولعل هذه القوقعة ال تريد أن تفارقه أبدا ً‪" :‬نتأمل العامل من أسفل ومن‬ ‫علو ويف وسط االزدحام‪ ،‬وداخل بطن الحوت أو يف البحار واألجواء الشاسعة"(‪.)4‬‬ ‫محاولة الخروج من القوقعة‬ ‫ما أجمل الرحيل األبدي دون بداية ودون نهاية‪ .‬أظن أنك تشاطرين هذا اإلحساس يا طائر الحوم! هل نحن أرسى‬ ‫عادتنا الرسمدية؟(‪.)1‬‬ ‫لعل الراوي يريد أن يبقى دامئاً يف رحيل أبدي ال يستقر به املقام يف مكان بل يستمر يف ترحال دائم كطائر الحوم‬ ‫املهاجر عىل مدى الزمن يف شتى أصقاع األرض‪.‬‬ ‫ولكن الراوي ومع محاولته الخروج من قوقعته ال يلبث أن يعود إليها فرناه يقول‪" :‬فيام يتعلق يب‪ ،‬فقد تظن أنني‬ ‫ال أذكر شيئاً عن هذه األمور صدقني أذكرها بوضوح كيل‪ .‬كيف وملاذا ال أدري‪ .‬الضيعة وأناسها وينابيعها وتاللها‬ ‫رششت يف نفيس‪ .‬ال أحد ال يشء يقتلعها من نفيس‬ ‫وأوديتها وطيورها وطرقها وأزهارها وأشواكها وأحزانها وأفراحها ّ‬ ‫وكلام ذبلت شجرة حيايت‪ ،‬كلام نبتت شجرة أخرى من جذورها العميقة العميقة"(‪.)2‬‬


‫إن الكفرون ال تفارق الراوي أبدا ً ففي كل فصل من فصول الرواية بل يف كل فقرة نراه يأيت عىل ذكر هذا املكان الذي‬ ‫ولد فيه‪ ،‬يقول‪" :‬ونهرب معاً إىل الكفرون باتجاه جبال شنندوه الشامخة الخرضاء"(‪.)5‬‬ ‫وهذا التقاطب املكاين هو األبرز يف الرواية من بدايتها إىل نهايتها‪ .‬ولعل لكل مكان ثقافة معينة‪ ،‬فثقافة أهل القرى‬ ‫واهتامماتهم تختلف عن ثقافة واهتاممات أهل املدن‪ .‬فالتقاطب املكاين (قرية‪ /‬مدينة) بارز ففي حني أن أهل‬ ‫القرية يهتمون بالغناء الشعبي من العتابا وامليجانا نرى أن أهل املدن يهتمون بالغناء الكالسييك األصيل لعبد الوهاب‬ ‫وفريد األطرش‪ ،‬فيقول الراوي‪" :‬عىل الضفة الجنوبية تجمهر عدد كبري من من أهل الضيعة حول مائدة حافلة‬ ‫باملازوات والعرق‪ .‬نسيم املسوح يسرتسل يف غنائه العتابا وامليجانا واملعنى والدلعونا‪ ...‬وعىل الضفة األخرى التف‬ ‫جمهور من الشبان ممن عاشوا يف املدن‪ ،‬وأصحابهم‪ ،‬حول جورج الحميص يعزف عىل العود ويغني أغنيات لعبد‬ ‫الوهاب وفريد األطرش‪.)1("...‬‬ ‫كام أن املفردات التي تدل عىل املكان وتشكل تقاطباً مكانياً ظاهرة يف النص مثالً نراه يقول‪" :‬ودبكنا فكانت أقدامنا‬ ‫الحافية ترضب األرض ٍ‬ ‫بتحد‪ .‬ومناديلنا تدور يف وجه السامء بانتشاء وكربياء‪ ...‬نحلّق فوق القمم واألودية‪ ...‬جسدك‬ ‫منفي يف أمريكا الجنوبية وأنا يف أمريكا الشاملية"(‪ ،)2‬السامء‪ /‬واألرض – القمم‪ /‬األدوية – الجنوب‪ /‬الشامل ‪ ...‬كلها‬ ‫مفردات عىل اتجاهات ألماكن مختلفة فتشكل تقاطبات مكانية آخرى يف النص‪.‬‬ ‫ولعل التقاطبات املكانية تظهر بوضوح يف الفقرة التالية‪" :‬وكام أنتقل أنا يف هذه األيام بني واشنطن ونيويورك‬ ‫وبوسطن وديرتويت وشيكاغو وسان فرانسيسكو وبروتلند واوسنت وبني أمريكا وأوروبا واملغرب واملرشق العربيني‬ ‫والجنوب والشامل‪ ،‬كان والدي ينتقل بني الكفرون واملشتى وصافيتا والدريكيش ومرمريتا واملشتاية وبرشني ومحردة‬ ‫والسقيلبية"(‪.)5‬‬ ‫كذلك فإن للتقاطبات املكانية تأثريا ً يف عالقة اإلنسان بالحيوان فيصور الراوي العالقة يف أمريكا كأنها عالقة فيها رحمة‬ ‫أما العالقة يف بالدنا فيشوبها الحذر والقسوة‪ ،‬يقول‪" :‬أول ما لفت نظري حني حرضت إىل أمريكا هذه العالقة اإليجابية‬ ‫بني الناس والسنجاب‪ ،‬حتى أن طبيعته تختلف عن طبيعته عندنا‪ .‬أذكرأن السنجاب عندنا شديد الحذر‪ ،‬ال يقرتب من‬ ‫الناس ويسكن أعايل أشجار السنديان والجوز الباسقة‪.)1("...‬‬ ‫ويورد الراوي تقاطبات مكانية للخري والرش فيقول‪" :‬ال مهرب من التاريخ الذي يسجل من يسلك طريق الخري ومن‬ ‫يسلك طريق الرش"(‪.)2‬‬


‫بني‬ ‫لماذا أنجبتك يا‬ ‫ّ‬

‫الكاتب‪ .‬جوزيف سمعان رزق‬

‫رش ع ذايت‬ ‫بني أل ّ‬ ‫ألجل انسدايل يف هذا األبد املنحط‪ ،‬ومت ّددي يف هذا العراء املرتاخي وهذا األفق املقفل‪ ،‬أنجبتك يا ّ‬ ‫وألنصب نفيس هيكال متالزما‬ ‫رش ع ذايت عىل وجهي املعتقل يف خيمة القدر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بني أل ّ‬ ‫عىل وجهي املقفل‪ ،‬أنجبتك يا ّ‬ ‫متجسدة يف أي هالك وشيك طارئ محتمل‪.‬‬ ‫بكينونة ال متناهية وصريورة‬ ‫ّ‬ ‫أنجبتك ألتناسل بك دون تنا ٍه‪ ،‬ألبرع باصطياد ذايت النافقة يف أنبوب والدة وشيكة‪ ،‬ألستلمح من ثقويب الجرداء يف‬ ‫اندثار محتّم واحة نفيس النابتة بك‪ ،‬واملتألقة يف أنانية زهو نفس تأىب اإلنقراض‪ ،‬ومتقت التاليش‪ ،‬دون إخفاق‬ ‫روحها مبا يع ّوض وال يع ّوض‪ ،‬بانتحال صفة وجود كاذب ال خمود فيه وال همود‪ ،‬واستمرار منافق مراوغ يهادن وال‬ ‫ينهزم‪ ،‬ويراوح يف مناورته حتى الرمق‪.‬‬ ‫أنجبتك ألحيا بك‪ ،‬ألنعش قساميت وبشائري وساميت‪ ،‬ألحيي عائلتي واسمي وعشرييت ومذهبي‪ ،‬ألع ّمم هامتي‬ ‫وهالتي وأؤ ّمم تحنطّي‪ ،‬واحتكر صفتي‪ ،‬وأب ّدد مساري وهواجيس من عدم انقرايض وزوال وجودي‪ ،‬وماهية‬ ‫جوهري‪ ،‬وآنية حوائجي‪ ،‬وخويف الدائب من املبهم والغامض واملسترت واملجهول‪.‬‬ ‫أللتف عىل املشيئة‪ ،‬وأقايض سببية الوجود‪ ،‬ألساوم عىل رحييل قبل انقضايئ مبجيئي اآليت‪ ،‬ليقولوا إنك ابن‬ ‫أنجبتك ّ‬ ‫وجسد مثواي‪.‬‬ ‫فالن‪ ،‬يك يذكر اسمي ولو بعد حني‪ ،‬يك تتنفس حفريت‪ ،‬وتتألق نربيت‪ ،‬وتسمو مبن حمل رفايت ّ‬ ‫املتجسد ونطفتي املتنامية‪ ،‬ألسعى بعنرصي املتجدد إىل إدماين عىل حياة تعودتها‬ ‫مني‬ ‫ّ‬ ‫أنجبتك ألرتحل نحو ِّ‬ ‫وألفتها رغم استقايئ بها ومنها وفيها‪ ،‬وأرفض مغادرتها رغم أوجاعها من أورام الحقيقة وتد ّرن البقاء‪.‬‬ ‫أنجبتك ألبرهن فحولتي وخصوبتي ورجولتي وطفوحي بشغف هذا الوقف املفعم بعنارص الحاجة‪ ،‬واملكتنز بشتى‬ ‫وأوضب النزوة وأعلّب الشهوة‬ ‫رشوط بقاء حيوي منجب‪ ،‬واملنتحل صفة وجود رسمدي متج ّدد‪ .‬كنت أمللم الهفوة ّ‬ ‫كأن‬ ‫حتى تصريغريزة‪ ،‬ثم أطلق عنان احتقاين حتى يصري نطفة‪ ،‬وبالتايل أنت‪ ،‬ثم أباهي مبا قد أتحفته وأنجبته‪ّ ،‬‬ ‫ونسقت البناء مبا يالئم عجزي‪ ،‬ويؤايت اضمحاليل‪ ،‬ويؤازر هاليك‪ ،‬أنا الذي ال سلطة‬ ‫خالق قد رت ّبت شؤون الوضع‪ّ ،‬‬ ‫يل عىل قراري إال مبا قد رسم ألجيل من بنية مفرتضة ومصري محتوم‪...‬‬


‫ويحاول مرة أخرى أن يخرج من قوقعته فيقول‪" :‬مثلك أرحل دون استقرار عابرا ً القارات‪ .‬أعرب العامل معرضاً للقنص‪.‬‬ ‫نعم خرست الكثري من رييش ولكن ها هو ينمو يل ريش جديد فأح ّوم دون وجل فوق األنهر يف مختلف القارات"(‪.)3‬‬ ‫ثم يحاول الخروج من جديد "ولكنني أؤمن بتغاريد العصافري يف القفص‪ .‬نحن جميعاً نغرد يف القفص‪ .‬تريد أن نتحرر‬ ‫من األقفاص‪ ،‬أن ننطلق يف األجواء الفسيحة"(‪.)4‬‬ ‫ويقول يف مكان آخر‪" :‬لو أتحول إىل نهر متدفق فاتخذ شكل الهواء‪ ،‬أحتضن الصخور‪ ،‬لو أنطلق نحو البحر فاتحاً‬ ‫ذراعي مثل جناحي طائر الحوم"(‪.)5‬‬ ‫عدم الخروج من القوقعة‬ ‫لعل الراوي ال يريد أن يخرج من قوقعته فهو شديد التعلق بضيعته "الكفرون" فيقول‪" :‬الذاتية الميكن‪ .‬أما ما تسميه‬ ‫رواسب فأسميه جذورا ً‪ ،‬لذلك أحببت شجرة الصفصاف ليست ألنها تبيك وتهبط دموعها إىل النهر‪ ...‬أحب شجرة‬ ‫الصفصاف ألنها تنكفئ عىل ذاتها وجذورها‪ .‬كلام كربت يف العمر‪ ،‬انحنت أغصاين نحو جذوري"(‪ .)1‬وهكذا نجد‬ ‫الراوي يتشبه بشجرة الصفصاف التي تنحني عىل جذورها فهو يريد العودة إىل أصله وجذوره التي رششت يف ضيعته‬ ‫الكفرون‪.‬‬ ‫وهكذا يظهر لنا أن املكان شديد الحضور إذ أنه قوي ومستمر من البداية إىل النهاية‪ ،‬وكان العمل كله مك ّرس من‬ ‫أجل متجيد الكفرون‪ ،‬تلك البلدة التي مل يخلق لها مثيل‪ ،‬كام يراها الراوي‪ .‬وهكذا يصبح املكان‪ ،‬الكفرون‪ ،‬مرسحاً‬ ‫حافالً موارا ً بالحياة والحركة والتغري‪ ،‬فالينابيع التي تتدفق‪ :‬كرك والشيخ حسن والشري‪ ،‬ليست مجرد ينابيع‪ ،‬إمنا رشايني‬ ‫تك ّون الحياة‪ ،‬تسكب فيها القوة والفرح‪ ،‬ثم تقود املخلوقات‪ ،‬والبرش أيضاً الكتشاف الجامل واللذة واآلخر‪ ،‬والكتشاف‬ ‫الخطر يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫فمنذ الهجرة األوىل للراوي‪ ،‬منذ ان فقد املكان األول (الكفرون) األليف‪ ،‬أصبح الرتحال واالنتقال قدرا ً‪ ،‬أو رمبا عقوبة‪،‬‬ ‫خالل التيه املستمر‪ ،‬يصبح التكيف‪ ،‬وبالتايل االقتناع‪ ،‬أن هناك مكاناً يشبه الكفرون مستحيالً‪ ،‬وهكذا تصبح الكفرون‬ ‫ظالً يرافق املهاجر يف كل خطوة‪/ .‬‬


‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫العَ َربِي بَ ْي َ َ ْ‬ ‫سان ْ‬ ‫ُ‬ ‫صان عَ ْن َت َر َة‬ ‫ال ِْن‬ ‫ِي َوحِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ناقةِ ال ُم َث ِّق ِ‬ ‫ب العَ ْبد ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫د‪َ .‬م ْح ُمود َسلِيم َع ْبد الْ َغ ِن ّي‬

‫ياس ِة)‬ ‫الس َ‬ ‫( َقلِ ٌيل ِم َن ْالَ َد ِب‪ ،‬كَ ِث ٌري ِم َن ِّ‬

‫الْ َعالقَ ُة بَ ْ َي الْحاكِ ِم الْ َع َر ِ ِّب َوشَ ْع ِب ِه لَ ْم تَتَ َغ َّ ْي كَ ِث ًريا ِم ْن َز َمنِ الْجا ِهلِ َّي ِة إِىل ْال َن‪َ .‬و ِب َغ ِّض ال َّنظَ ِر َعنِ الشَّ كْلِ‬

‫ال َِّذي ٱت َّ َخ َذ ُه ٰهذا الْحاكِ ُم ِف ِخال ِل الْ ُع ُصو ِر الَّ ِتي ت َ َقل َ​َّب َعلَ ْيها الشَّ ْع ُب أَ ْو تَ َقلَّ َب ْت َعلَ ْي ِه؛ فَالشَّ ْع ُب ُه َو ُه َو‪ ،‬لَ ْم يَتَ َغ َّي‬ ‫كَ ِث ًريا‪ِ ،‬إنَّ ُه حا ِم ُل الْحاكِ ِم الْ ُم ِج ُّد َوصانِ ُع انْ ِتصاراتِ ِه‪َ ،‬و َركُوبَتُ ُه ْالَ ِمي َن ُة الَّ ِتي يَ ِص ُل بِها ِإىل ِح ْيثُ يُرِي ُد‪َ ،‬ويَ ُص ُ‬ ‫ول بِها‬ ‫َويَ ُج ُ‬ ‫َل‪،‬‬ ‫ول أَ َّن شا َء َوكَ ْي َف شا َء ِج ًّدا َو َه ْز ًل َو ِسل ًْم َو َح ْربًا؛ َوالْحاكِ ُم ُه َو ُه َو‪ ،‬لَ ْم يَتَ َغ َّ ْي كَ ِث ًريا أَيْ ًضا‪ ،‬إِنَّ ُه ال َّراكِ ُب الْ َز ِ ُّ‬

‫َوفار ُِس ٰه ِذ ِه ال َّركُوبَ ِة َوقائِ ُدها الْ ُم َف َّدى‪ ،‬فَه َِي إِنَّ ا ُس ِّخ َرتْ لَ ُه‪َ ،‬وال يَ َس ُعها إِلَّ أَ ْن تُ َؤ ِّد َي َو ِظي َفتَها طَ ِّي َب ًة ِب ٰذلِ َك نَف ُْسها‪.‬‬ ‫َو َث َّ َة ِف الْ َ َد ِب الْ َع َر ِ ِّب شُ َعرا ُء فُ ْرسا ٌن كا َن لَ ُه ْم أَ ْح ٌ‬ ‫وال إِنْسانِ َّي ٌة َم َع َركائِ ِب ِه ْم‪َ ،‬و ِم ْن ه ُؤال ِء الْ ُمثَق ُِّب الْ َع ْب ِد ُّي‬

‫َو َع ْن َ َت ُة بْ ُن شَ َّدا ٍد‪َ ،‬وقَ ْد َع َّ َب كِال ُهام َع ْن ٰذلِ َك ِش ْع ًرا؛ فَكا َن كَال ًما ِفي ِه ِم َن الْوا ِق ِع َّي ِة ال ِ‬ ‫ْقاس َي ِة ِب َق ْد ِر ما ِفي ِه ِم َن الْ ِنْسانِ َّي ِة‬

‫يح ال َّر ُجل ْ َِي ُع ْذ ًرا إِ ْن قُل ُْت ِف ِش ْع ِر ِهام ما لَ ْي َس ِفي ِه ظا ِه ًرا‪ ،‬إِ َّل أَ َّن الْقارِى َء ُه َو ال َِّذي‬ ‫الْعا ِب َر ِة‪ ،‬أَ ِو الْام ِرقَ ِة ُر َّبا‪َ .‬وأَ ْستَ ِم ُ‬ ‫يَ ْج َع ُل الْ َحيا َة ت َ ُد ُّب ِف أَ ِّي نَ ٍّص‪َ ،‬و ٰه ِذ ِه ُسلْطَ ٌة ت ُ ْغرِي ِ‬ ‫صاحبها بِالتَّ َف ُّننِ َوأَ ْحيانًا بِالتَّ َفتُّ ِ‪.‬‬

‫ل‪ ،‬الْ ُمثَق ُِّب الْ َع ْب ِد ُّي‪ِ ،‬ف َمشُ وبَ ِت ِه الَّ ِتي أَ َّولُها "أَ ِ‬ ‫يَق ُ‬ ‫فاط ُم قَ ْب َل بَ ْي ِن ِك َمتِّ ِعي ِني" ُمتَ َح ِّدث ًا َع ْن‬ ‫ُول الشَّ ا ِع ُر الْجا ِه ِ ُّ‬

‫ِّب الْ َع ْب ِد ِّي ط دار صا ِدر)‪:‬‬ ‫(ش ُح ِديوانِ الْ ُمثَق ِ‬ ‫ناقَ ِت ِه َ ْ‬ ‫إِذا ما قُ ْم ُت أَ ْر َحلُها ِبلَ ْيلٍ‬ ‫تَق ُ‬ ‫ُول إِذا َد َرأْتُ لَها َو ِضي ِني‬

‫تَأَ َّو ُه آ َه َة ال َّر ُجلِ الْ َحزِينِ‬ ‫أَ ٰهذا ِدي ُن ُه أَبَ ًدا َو ِدي ِني‬

‫أَك ُُّل ال َّد ْه ِر َح ٌّل َوٱ ْرتِ ٌ‬ ‫حال‬

‫ل َوما يَ ِقي ِني‬ ‫أَما يُ ْب ِقي َع ّ َّ‬

‫فَأَبقى ِ‬ ‫باط ِل َوالْ ِج ُّد ِم ْنها‬

‫كُ ُدكَّانِ ال َّدرا ِب َن ِة الْ َم ِط ِني‬

‫_______________________‬

‫‪ .1‬أَ ْر َحلُها‪ :‬أَضَ ُع َعلَ ْيها ال َّر ْح َل‪.‬‬ ‫‪َ .2‬د َرأْتُ ‪ :‬بَ َسط ُْت‪.‬‬

‫‪ .3‬الْ َو ِض ُني‪ :‬ما بَ َسطَّ ُه َعىل الْ َ ْر ِض‪ ،‬ث ُ َّم أَبْ َرك َْت َعلَ ْي ِه الْ َب ِع َري لِتَشُ َّد ُه ِب ِه‪.‬‬


‫شح أروقة‬ ‫بني ألهادن االستمرار يف الرتيّث‪ ،‬علّني أملص من ميتتي بالكامل‪ ،‬ألضارع مفاصيل الغائرة يف ّ‬ ‫أنجبتك يا ّ‬ ‫العدم‪ ،‬ودهاليز املحال املرعب‪ ،‬وثقوب اآلمال الجرداء من كل أمل شاخص وهدف غيبي شاحب‪ ،‬أللتقي بذايت‬ ‫عىل مفرق غياب غائر يف النضوب والتاليش‪.‬‬ ‫أنجبتك ألستنسخ ذايت فروعا كثرية‪ ،‬وأب ّجل وأك ّرم جيئتي بالكامل بظالل قد ال تحيي نربة السبب وال صدى النتيجة‬ ‫وال تنعش القسامت الذابلة‪ ،‬ألنها قد تع ّزي ما قد فقد مبا قد اتقّد‪ ،‬ألستفتي مقداري يف الجيشة عىل إنبات ما قد‬ ‫جف يف قوام الرقاد وتناهي الجثة‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫أنجبتك ألسأل أبدي عن رس هذا املطلق يف وجوديتي‪ ،‬وعن سبب حضوري‪ ،‬أنا الضيف املغتصب أصول اللياقة‪،‬‬ ‫وانتهكت التقاليد واألعراف يف قرار ما توخيته وال أردته‪ ،‬وانتحلت صفة حضور قرسي‪ ،‬ألر ّمم شكيمة أيب ورحم‬ ‫أمي واستمرار هذا الوجود البارع يف اقتناص أسباب وجوده‪.‬‬ ‫بأن قد أنجبتك من أجلك أنت‪ ،‬ومن أجل كل هذا يا بني‪ ،‬سوف تنجب‬ ‫من أجل كل هذا أنجبتك يا بني‪ ،‬وا ّدعي ّ‬ ‫ذاتك‪ ،‬متاما كام فعل أيب وفعلت‪ ،‬لتنجب ذاتك من جديد‪ ،‬لينتعش االستمرار يب وبك‪ ،‬ويستغلّني ويستغلّك‪ ،‬ومن‬ ‫أجل هذا الرس الغامض أحببتك كثريا يا بني‪ ،‬متاما مثلام أحبني أيب‪ ،‬ورصت أخىش عليك يك ال تذوي مفاتن البقاء‬ ‫يف هامة متوعكة‪...‬‬ ‫أعذرين يا حبيبي إن بحت بشجاعتي‪ ،‬فكم من برش ليس عندهم مقدرة البوح‪ ،‬والخوف من قول الحقيقة‪ ،‬لكنني‬ ‫سعيد مبا قد أتيت وأتيت‪ ،‬ألين عرثت عىل ما قد فقدت وحصلت وجئت ألب ّجل أوصاف الجيئة‪ ،‬فال تخذل أزيل‬ ‫بأبد مح ّنط‪ ،‬يك ال تفرت حميمية املصادفة‪ ،‬وال تنقرض النطفة يف الهفوة‪ ،‬وتصبح الحفرة مطمر نفاية أللياف وعظام‬ ‫وأنسجة‪ ،‬بل شعلة حنان‪ ،‬ال تستكني قبل أن تحيي نربة الغائب‪...‬‬



‫واحات الْ َ َد ِب الْ َع َر ِ ِّب َح ِديثًا بِـ ِ‬ ‫"حوا ُر الْكائِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ُعر َِف ٰهذا ال ِْحوا ُر ِف‬ ‫نات" ال َِّذي كَشَ َف َع ْن َعالقَ ِة الشَّ ا ِع ِر الْجا ِه ِ ِّ‬ ‫بِالْ َك ْونِ َوالْكائِ ِ‬ ‫ل‪ ...‬الَّ ِتي َج َعل َْت ِم ْن َعوالِ ِم‬ ‫نات الَّ ِتي ِفي ِه ِم ْن ِخال ِل " ٰه ِذ ِه الْ َع ْ ِي الطِّ ْفلِيَّ ِة الَّ ِتي تَ َيَّ َز بِها الشَّ ا ِع ُر الْجا ِه ِ ُّ‬

‫الطَّبِي َع ِة َوالْ َح َيوانِ َمرايا لِ ْ ِلنْسانِ َو ُر ُموزًا لَ ُه‪َ ...‬و ٰهذا ال ِْحوا ُر يَ ْب َدأُ ِم ْن ِم ْنطَ َق ِة التَّعاط ُِف الَّ ِتي ت ُْس ِق ُط ِفيها ْالَنا‬ ‫َمشا ِع َرها َعىل الْ َشْ يا ِء َوالْكائِ ِ‬ ‫نات‪(ِ ...‬ف) حا ٍل يَ ْغ ُدو ِفي ِه َم ْف ُع ُ‬ ‫ول التَّعاط ُِف ِم ْرآ ًة لِفا ِعلِ ِه‪َ ( ".‬م َجلَّ ُة "الْ َع َر ِ ُّب" الْ َع َد ُد ‪430‬‬ ‫د‪ .‬جابر ُع ْصفور)‬

‫الس ِ‬ ‫ُوب ط َ‬ ‫التفُّ ُه ِف أَ ْرجا ِء‬ ‫َوال َحياتِ ِه‪َ ،‬و ِّ‬ ‫َوبِالْ ُمقا َربَ ِة ِّ‬ ‫ياسيَّ ِة ِالف ِْت ِاضيَّ ِة فَ ِإ َّن ِدي َن الْحاكِ ِم َو َديْ َدنَ ُه ال ُّرك ُ‬ ‫السيا َح ُة َو َّ َ‬

‫ِ‬ ‫حاجات َركُوبَ ِت ِه ب ِْل‬ ‫ُملْ ِك ِه‪ ،‬أَ ْو ِع ْن َد ُحلَفائِ ِه أَ ْولِيا ِء نِ ْع َم ِت ِه‪ ،‬ال يَ ْنز ُِل إِ َّل إِذا أُنْز َِل ِب َق َد ٍر أَ ْو َع ْس َكرٍ‪َ ،‬وال يَلْتَ ِف ُت لِقَضا ِء‬

‫دائًا َعىل أَ ْن ال يَشْ ُغ َر َمكانُ ُه َولَ ْو لِسا َع ٍة ِ‬ ‫يَق ِْض َعلَيْها حا َجتَ ُه‪َ .‬و ُه َو يَ ْحر ُِص ِ‬ ‫واح َد ٍة‪َ ،‬حتَّى ال تَ ْعر َِف ال َّركُوبَ ُة شُ ُعو َر‬ ‫صها‬ ‫التَّ َخ ُّف ِف ِم ْن هذا الثِّقْلِ ف َ َْتكَ َن إِلَ ْيه (إِىل الشُّ ُعورِ)! َوت َرا ُه ال يُلْ ِقي ً‬ ‫بال لِ َركُوبَ ٍة تَكا ُد ت َْس ُق ُط ِم َن الْ ِ ْعيا ِء‪ ،‬فَ ُه َو يَ ْع ِ ُ‬ ‫َحتَّى ِ‬ ‫يش أَك َ َْث ِم ْن راكِبِها‪ ،‬فَ ِإ َّن َو َرثَتَ ُه ُحبًّا أَ ْو كُ ْر ًها ُه ْم‬ ‫آخ ِر قَطْ َر ِة َد ٍم َو َع َرقٍ َوأَ َملٍ َو ُحل ٍُم‪َ .‬و إِ ْن قُ ِّد َر لِل َّركُوبَ ِة أَ ْن ت َ ِع َ‬ ‫َم ْن يُ ِت ُّم ٰذلِ َك‪َ ،‬وقَ ْد يَ ِص ُل ْالَ ْم ُر ِب َب ْع ِض ِه ْم أَ ْن يَ ْركَ َبها َم ْيتَ ًة‪َ ...‬وال بَأْ َس ِب ٰذلِ َك ما دا َم ِت الْ ِق َّص ُة ِف الْ ُحك ِْم الْ َع َر ِ ِّب ِه َي‬ ‫ُوب َولَيْ َس ِت ال َّركُوبَ َة!‬ ‫ال َّراكِ ُب أَ ِو ال ُّرك ُ‬

‫لس َف ِر لَ ْي ًل‪َ ،‬وت ِ‬ ‫ُناش ُد ُه أَ ْن يُ ْب ِق َي َعلَ ْيها َك‬ ‫فَناقَ ُة الشَّ ا ِع ِر تَتَ َ َّب ُم ِم ْن ُه ِم ْن ك ْ َ​َث ِة ْالَ ْسفارِ‪ ،‬إِذا ما قا َم لِ ُي َج ِّه َزها لِ َّ‬

‫ت َْستَ ِطي َع الْ ِقيا َم بِوا ِجبِها نَ ْح َو ُه ِب َح ْملِ ِه‪َ ،‬ولٰ ِك َّن ُه َعىل عا َدتِ ِه َوب َِصا َح ِت ِه الْ َم ْع ُهو َد ِة يُ ِق ُّر ِبأَ َّن "الْ َج َم َل ِب ِنيَّ ٍة َوالْ َج َّم َل ِب ِنيَّ ٍة"‬

‫ُول ُم ِ‬ ‫فاخ ًرا‪" :‬فَأَبْقى ِ‬ ‫ِح َني يَق ُ‬ ‫باط ِل َوالْ ِج ُّد ِم ْنها‪...‬الْ َب ْي ُت" فَها ُه َو ذا يَ ْه ُزلُها ِبك ْ َ​َث ِة َس َف ِر ِه ِف لَ ْه ِو ِه َو َه ْزلِ ِه‪َ ،‬وها ِه َي ِذي‬

‫الس ْيِ ِ ِليصالِ ِه إِىل غايَ ِت ِه‪ .‬إِ َّن َعالقَ ِة التَّضا ِّد ِف ٰهذا الشَّ طْ ِر ِم َن الْبَيْ ِت‬ ‫تُسا ِع ُد ُه ِف ٰذلِ َك َعىل نَف ِْسها ِم ْن ِخال ِل ِج ِّدها ِف َّ‬

‫(باط ِل ‪َ /‬والْ ِج ُّد ِم ْنها)؛ ِ‬ ‫ِه َي الَّ ِتي ت ُ َج ِّس ُد الْ ُحلْ َم الْ َع َر ِ َّب‪َ ...‬ع ْف ًوا الْ ُح ْك َم الْ َع َر ِ َّب‪ِ :‬‬ ‫ُوم‬ ‫باط ُل الْحاكِ ِم ِف َه ْزلِ ِه‪َ ،‬و ِج ُّد الْ َم ْحك ِ‬

‫ِف ِخ ْد َم ِت ِه‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ِ .4‬‬ ‫باطيل‪َ :‬ه ْز ِل‬ ‫‪ .5‬ال َّدرا ِب َنةُ‪ :‬الْبَ َّوابُو َن‪.‬‬

‫الس َف َر لَ ْم يُبْقِ ِم َن ال َّناقَ ِة إِ َّل َهيْك ًَل كَحان ِ‬ ‫ُوت الْبَ َّوا ِب َني ِف ِعظَ ِم ِه َوٱ ْرتِفا ِع ِه‪َ ،‬و ِف هذا َداللَ ٌة َعىل ِعظَمِ ج ِْس ِمها أَ ْص ًل‬ ‫ْل بِالطِّ ِني‪ ،‬أَ ْي أَ َّن َّ‬ ‫‪ .6‬الْ َم ِط ُني‪ :‬الْ َمط ِ ُّ‬ ‫قَبْ َل أَ ْن يَ ْه ُزلَها‪.‬‬


‫أي تأثير؟‬ ‫المقاربة األدبية لتدريس المسرح‪ُّ ،‬‬

‫د‪ :‬نجاة الصليبي الطويل‬

‫‪ .2‬الجامعة اللبنانية ‪ -‬قسم اللغة الفرنسية‬ ‫ينطلق املرسحي االيطايل بريانديللو ‪ ،Pirandello‬يف كتابه كتابات عن املرسح واألدب‪ ،‬للتعبري عن االختالف بني االقتباس‬ ‫والتقليد واالبداع‪ ،‬وللمقارنة بني املرسح "القديم" و"الجديد"‪ ،‬من طرفة مفادها‪ :‬ان احد الريفيني سمع الكاهن يتذ ّمر من‬ ‫عدم امكانية القراءة‪ ،‬لعدم حيازته نظارات‪ .‬فذهب يبحث عن نظارات وبعد مجهود كبري سأله البائع‪ :‬قل يل‪ ،‬هل تجيد‬ ‫القراءة ؟ فأجاب ُه الريفي‪ :‬لو كنت تعلمت القراءة واجدتها‪ ،‬ملا كنت اتيت اليك أبحث عن نظارات‪.‬‬ ‫رسها‪ :‬تريد ان‬ ‫لطاملا‬ ‫ُ‬ ‫تساءلت ملَ تعأو ُدين هذه الصورة كلام فكرتُ بطريقة تدريس املرسح نظرياً كنص اديب‪ ،‬وتوصلت إىل ّ‬ ‫تجعل البعض يرى سوياً وبوضوح‪ ،‬برأيك‪ ،‬فتعطيه نظارات أو وسائل متدأولة ومفيدة للبعض ويف بعض املواد ولكنها‬ ‫تبهره وتُعميه ومتنعه من الرؤية البسيطة الفطرية الصحيحة التي لديه‪ .‬فام سبب هذه املفارقة؟ وهذا الشعور؟‬ ‫نتيجة لتخصيص يف التمثيل إىل جانب حيازيت إجازة يف األدب الفرنيس ومن ثم دكتوراه يف جامعة السوربون يف اآلداب‬ ‫الحديثة‪ ،‬وشغفي باللغة اللعربية‪ ،‬أوكلت ا ّيل مهام تدريس بعض املواد يف معهد الفنون من جهة ويف كلية اآلداب من‬ ‫جهة أخرى وبصورة خاصة وحدة املرسح يف القرن العرشين‪ .‬وقد شغلتني مطوالً تساؤالت كثرية حول عملية التدريس‬ ‫هذه وخيانتها لجوهر املرسح وغايته‪ ،‬وعدم مساهمتها يف تحفيز الطالب لالنفتاح عىل عامل املرسح ومؤالفته‪ ،‬أو جعله‬ ‫من اهتامماتهم الثقافية (وال من اهتامم اساتذتهم عىل حد كبري)‪ .‬كام لفتني تقوقع معاهد الفنون‪ ،‬عىل نشاطاتها‬ ‫وهمومها‪ ،‬من جهة‪ ،‬وتف ّرد كليات اآلداب‪ ،‬خاصة‪ ،‬وغريها من الكليات التي تد ّرس املرسح كثقافة عامة‪ ،‬مقارباتها األدبية‬ ‫وبرامجها املغلقة عىل ذاتها‪ .‬يعنيني شق من هذا املوضوع يف مداخلتي وهو املقارنة األدبية لتدريس املرسح‪ .‬يه ّمني أن‬ ‫أل ّخص بصورة رسيعة ومبسطة عملية تدريس هذه املادة‪ :‬يُطلب من الطالب قراءة املرسحية‪ .‬ما يقومون به غالباً بصورة‬ ‫متقطعة ورسيعة بخلفية ذهنية لقراءة أي نص آخر‪ .‬يعمد االستاذ إىل التعريف بالكاتب (أو يطلب من الطالب عرضه)‬ ‫وبالتيار األديب أو الفني الذي ينتمي اليه‪ .‬وهي غالباً مأخوذة من مجموعة كتب ونظريات‪ ،‬منشورة يف معظم األحيان‬ ‫بالتزامن مع عرض املرسحيات‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .1‬دراسة قُ ِّد َمت يف «مؤمتر بريوت للمرسح (‪)1‬‬


‫ُول َع ْن َ َت َة ِف ُم َعلَّ َق ِت ِه ُمتَ َح ِّدث ًا َع ْن ِحصانِ ِه ( َج ْم َه َر ُة أَشْ عا ِر الْ َع َر ِب ِف الْجا ِهلِ َّي ِة َو ْ ِ‬ ‫َويَق ُ‬ ‫ص)‪:‬‬ ‫ال ْس ِ‬ ‫الم ط نَ ْه َض ُة ِم ْ َ‬ ‫َسبَ َل بِال َّد ِم‬ ‫ما ِزل ُْت أَ ْر ِمي ِه ْم ِب ُغ َّر ِة َو ْج ِه ِه َولَبانِ ِه َحتَّى ت َ ْ‬

‫وشَ كا إِ َ َّل ِب َع ْ َب ٍة َوت َ َح ْم ُح ِم‬ ‫فٱ ْز َو َّر ِم ْن َوقْعِ الْقَنا فَ َز َج ْرتُ ُه‬ ‫َولَكا َن لَ ْو َع ِل َم الْكَال َم ُم َكلِّ ِمي‬ ‫لَ ْو كا َن يَ ْدرِي ما الْ ُمحا َو َر ُة ٱشْ تَىك‬ ‫قيل الفوارس ويك عن َرت ِ‬ ‫أقد ِم‬ ‫ُ‬ ‫ولقد شفى نفيس وأبرأ سقمها‬ ‫يُ ْج ِه ُد َع ْن َ َت ُة ِحصانَ ُه َحتَّى ال ِّنهايَ ِة‪َ ،‬ويْ ْن ُقلُ ُه ِم َن ٱ ْخ ِتبا ٍر َص ْع ٍب ِإىل ٱخ ِتبا ٍر أَ ْص َع َب‪َ ،‬ويَ ْز ُج ُر ُه ِع ْن َدما يُحا ِو ُل أَ ْن يَتَ َ َّب َم أَ ْو يَتَ َج َّن َب‬ ‫َم ْوتَ ُه الْ ُم َحتَّ َم بَ ْ َي ْالَ ِس َّن ِة َوالْق ُ​ُض ِب‪ ،‬ولٰ ِك َّن ُه يُ ِح ُّس ِبأَل َِم هذا ال ِْحصانِ َو ِب ِإنْسانِ َّي ِت ِه ِع ْن َدما يَ ْستَ ْع ِ ُب هذا ْالَ ِخ ُري َويَ ْص َه ُل ب َِص ْو ٍت‬ ‫خا ِف ٍت يُشْ ِب ُه الْ َح ِنني‪ ،‬غ ْ َ​َي أَ َّن ٰذلِ َك ال يَ ْك ِفي‪ ،‬فَال ِْحصا ُن بِحا َج ٍة ِإىل لُ َغ ِة ِ‬ ‫واص َل َم َع ُه‪َ ،‬وهذا ما لَ ْي َس ِف الْ ُمتَنا َو ِل‪.‬‬ ‫صاح ِب ِه لِ َيتَ َ‬

‫َوتَ ْبلُ ُغ الْ ُح ْب َك ُة أَ ْو َجها ِح َني يُ ِ‬ ‫شكُ ُه َم َع ُه ِف قَ ْولِ ِه "نابَنا" ِف َجام َع ِة الْ ُمتَ َكلِّ ِم َني "نا"‪ُ ،‬م َؤ ِّديًا بِذلِ َك ما َعلَ ْي ِه‬ ‫واس َع ْن َ َت ُة ِحصانَ ُه َويُ ْ ِ‬ ‫ِب تُ ْ ِلي ِه أَ ْخ ُ‬ ‫ش َء يَتَ َغ َّ ُي َعىل الْ َ ْر ِض َع َم ِل ًّيا‪َ ،‬ويَ ُعو ُد ال ِْحصا ُن‬ ‫تُجا َه ِحصانِ ِه ِم ْن واج ٍ‬ ‫الق الْ ُف ْرسانِ ‪ ،‬ل ِك َّن الْ َم ْع َركَ َة ت َْستَ ِم ُّر‪َ ،‬وال َ ْ‬

‫َركُوبَ ًة يُ َكلِّفُها ِ‬ ‫صاح ُبها أَك َ َْث ِم ْن ُو ْس ِعها‪ ،‬فَ ِه َّم ُة الْفار ِ​ِس بَ ِعي َدةٌ‪َ ،‬وت َ ْف ِك ُري ُه ِب ِإرا َح ِة ِحصانِ ِه ِم ْن ثِقْلِ ٰه ِذ ِه الْ َم ْع َركَ ِة أَبْ َع ُد!‬ ‫الس ِ‬ ‫ياس َّي ِة ِالف ِْت ِاض َّي ِة ُهنا أَيْ ًضا‪َ ،‬وبَ ِعي ًدا َعنِ ِ‬ ‫"التِّحا ِد‪َ ،‬والْ َنا‪َ ،‬وبَ ْع ِضها‪َ ،‬والْ َع ْ ِي الطِّ ْف ِل َّي ِة"‪ ،‬فَ ِإ َّن ال ِْحصا َن ُ َيث ُِّل الشَّ ْع َب‬ ‫َوبِالْ ُمقا َربَ ِة َّ‬ ‫ُوالت ِج ًّدا َو َه ْزال‪ ،‬فَال يَ ْخ ُر ُج ِفي ِه ِم ْن َم ْع َركَ ٍة إِلَّ لِ ُي ْد ِخلَ ُه ِف أُ ْخرى‪ُ ،‬دو َن ٱلْ ِت ٍ‬ ‫وب َوالْ ُبط ِ‬ ‫فات إِىل َمدى‬ ‫ال َِّذي يُ ْر ِه ُق ُه حاكِ ُم ُه بِالْ ُح ُر ِ‬

‫قُ ْد َر ِة هذا الشَّ ْع ِب َعىل ِال ْس ِت ْمرا ِر أَ ِو التَّ َح ُّملِ ‪ ،‬فَ َيظ َُّل بِذلِ َك ُمثْ َخ ًنا بِالْ ِجرا ِح‪َ ،‬ويَ ْبقى الْ ُج ْر ُح َم ْفتُو ًحا فا ِغ ًرا فا ُه‪ ،‬كَام حاكِ ُم ُه‪ِ ،‬إ َّل‬ ‫َالم ِم ْن ُه‪،‬‬ ‫أَ َّن الْ َف ْر َق أَ َّن الْحا ِك َم يَ ْف َغ ُر ُه لِشَ ْه َو ِة الْ َح ْر ِب َوالْ ُبطُولَ ِة‪َ ،‬وال ِْحصا ُن لِ َيتَ َكلَّ َم ِم ْن ُه‪ ،‬بَ ْع َد لَ ْج ِم فَ ِم ِه الطَّبِي ِع ِّي‪َ ،‬و َع ِّي ِه َعنِ الْك ِ‬

‫فَالْحاكِ ُم لَ ْم يَ ْف َه ْم يَ ْو ًما لُ َغ َة الشَّ ْع ِب "لَ ْو كا َن يَ ْدرِي‪ ...‬الْ َب ْي ُت" ‪َ ،‬و ِحصا ُن َع ْن َ َت َة َع َبثًا يُحا ِو ُل َم َع ِ‬ ‫وب َم َع‬ ‫صاح ِب ِه‪ ،‬كَام الشُّ ُع ُ‬ ‫ُحكَّا ِمها‪.‬‬ ‫ش ٌء ِم ْن ٰذلِ َك ِف َخل َِد أَ ٍّي ِم َن الشَّ ا ِع َريْنِ ‪َ ،‬و ُر َّبا كا َن ِش ْع ُر ُهام ِف ْع ًل ِحوا ًرا ِم َع الْكائِ ِ‬ ‫نات‪ ،‬أَ ْو ِحوا َر الْ َنا َم َع بَ ْع ِضها‪،‬‬ ‫ُر َّبا لَ ْم يَ ُد ْر َ ْ‬ ‫سعا َن ما تَتَكَشَّ ُف‬ ‫أَ ِو اتِّحا ًدا لِلْحا ِملِ بِالْ َم ْح ُمو ِل َوال َّراكِ ِب بِال َّركُوبَ ِة‪ ،‬و ٰه ِذ ِه ِق َّم ُة الْ ُمساوا ِة َوغايَ ُة الْ ِنْسانِ َّي ِة‪ ،‬إِلَّ أَنَّها إِنْسانِ َّي ٌة ُ ْ‬ ‫السذا َج ِة (الْ ُمثَق ُِّب َوناقَتُ ُه)‪ ،‬أَ ْو ْٱس ِت ْغال ٍل َو َض ِح ٍك َعىل ال ُّذقُونِ ( َع ْن َ َت ُة َو ِحصانُ ُه)‪،‬‬ ‫َع ْن أَ ْم َريْنِ ‪َ :‬ع ْن ق َْس َو ٍة َو ْٱس ِت ْغال ٍل لِلطِّي َب ِة َو َّ‬ ‫َو َع ْن نَ ْو َع ْ ِي ِم َن الْ ُحك َِّام؛ حا ِك ٍم ُم ْ َت ٍف يَ ْستَ ْنز ُِف شَ ْع َب ُه ِ ِل ْرضا ِء نَ َزواتِ ِه‪َ ،‬وحا ِك ٍم ُمولَعٍ بِال ُبط ِ‬ ‫ُوالت‪ .‬فَال َّرا ِك ُب (الْحاك ُم) ُه َو‬

‫ساس‪َ ،‬و ُه َو الْ ِق َّص ُة‪َ ،‬وال َّركُوبَ ُة (الشَّ ْع ُب) ِه َي الْ ُم َس َّخ َر ُة لَ ُه‪ ،‬ما دا َم ْت ال تَرى ِف نَف ِْسها إِلَّ ٰذلِ َك!‬ ‫ْالَ ُ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .7‬لبا ُن الْ َف َر ِس‪َ :‬ص ْد ُر ُه‪.‬‬ ‫يف ِفي ِه َح ِن ٌني يَ ْستَ ْع ِط ُف ِب ِه ال ِْحصا ُن ِ‬ ‫صاح َب ُه‪.‬‬ ‫‪ .8‬التَّ َح ْم ُح ُم‪َ :‬ص ْوتٌ َخ ِف ٌ‬




‫تتوافر دالئل مشهدية أخرى لتصب يف االتجاه نفسه‪ :‬األلوان‪ ،‬اإلضاءة واألصوات‪ ...‬وتقنيات متطورة تختلف من‬ ‫مخرج إىل آخر‪ ،‬وتس ّخر لوظيفة معيّنة كاستعامل صوت الساعة كإنذار‪ ،‬للرجوع إىل الوراء ‪ Flash back‬أو‬ ‫‪ Projection‬عىل شاشة للتعبري عن احالم الشخصية‪...‬‬ ‫أما العامل الزمني وما يتطلبه من ضبط للوقت االفرتايض مع زمن املمثل واملشاهد وزمن عرض املرسحية إجامالً‪،‬‬ ‫فإنه كان يستدعي مجهودا ً كبريا ً لتطابقهام من قبل الكالسيكيني مثالً وهذا ما خلق لبساً حقيقياً‪ ،‬حاول أحد‬ ‫األلسنيني حلّه بتحديد "حارض الفرد املتكلم ‪."le présent du sujet parlant‬‬ ‫فهذه الصعوبة ال يدركها الطالب القارئ‪.‬‬ ‫أما املكان‪ ،‬الذي يرد بني هاللني يف النص‪ ،‬فهو مبنى وموحى ومدروس عىل الخشبة ومرتبط باملرسحية والصالة‬ ‫وتسلسل ظهور املمثلني وتقطيع الرتكيبة‪.‬‬ ‫ال تُقرأ هذه البنية من خالل القيود الخاصة باملرسح‪ ،‬وارتباطها باملمثلني‪ ،‬والتنفيذ العميل للمرسحية‪ ،‬كصعوبة‬ ‫تغيري ثياب ممثل وإدخاله يف املشهد التايل؛ أو املجهود الكبري الذي كان يبذله الكالسيكيون مثالً‪ ،‬وباألخص‬ ‫‪ Molière‬لجعل جميع املمثلني عىل الخشبة يف املشهد األخري‪ .‬دون إغفال أهمية التقطيع ووحدة املشاهد‬ ‫انسجاماً مع جاملية ومغزى الشخصية ورضورة بلورتها‪.‬‬ ‫نظام دالئيل متكامل‪ ،‬ال ميكن تفسريه نظرياً ألنه يفرتض التواصل بني نص كاتب منذور ليخضع لعمل مخرج‪،‬‬ ‫يفرتض أنه يتوجه ملرسل إليه افرتايض‪ ،‬ويشاهده ُمستقبِل يتفاعل معه حسب انتامئه الشخيص والعائيل‬ ‫واالجتامعي‪ .‬ويحصل هذا الرتاشح والتفاعل الذي ال يؤمنه التدريس النظري للمرسح يف الجامعة‪.‬‬ ‫أما نوعية النصوص املح ّددة وعددها القليل وعملية اختيارها لتد ّرس يف وحدات قليلة‪ ،‬تطرح مشكلة سلخها عن‬ ‫األجواء االجتامعية والثقافية والفنية التي كانت رائجة بالتزامن معها‪ .‬فإن كان للمرسح يشء يقوله‪ ،‬فغالباً ما‬ ‫معي وموجات وظروف مع ّينة (تخرس مرسحية يونيسكو املغنية الصلعاء ‪La cantatrice‬‬ ‫يكون مرتبطاً بتطور ّ‬ ‫‪ chauve‬قسامً أساسياً من قيمتها إن مل يرتبط بالطرق النقدية التي كانت رائجة يف ستّينيّات القرن العرشين‪ .‬كام‬ ‫ال تق ّدر قيمة مرسحية السائر يف الهواء ‪ Le Piéton de l’air‬إن مل نكن شاهدنا املرسحيات السابقة التي يجعلها‬ ‫الكاتب متداخلة ومت ّممة لبعضها يف مرسحية واحدة)‪.‬‬


‫فتكون املقاربة للنص انطالقاً من املدلول اللغوي الذي يُقسم إىل قسمني رشوح االخراج (‪ )les didascalies‬التي تشري‬ ‫إىل بعض الرشوط الزمكانية املرتبطة بالنص‪ ،‬وإىل دالئل صوتية وضوئية وتحركية‪ ...‬إىل ما هنالك من تفاصيل تح ّدد‬ ‫إطار املرسحية وتستحوذ انتباهاً أقل من الحوار‪ .‬ويُقارب هذا األخري كنص أديب عادي من حيث األسلوب والصور‪...‬‬ ‫تُدرس الشخصيات وارتباطها بالبنية املرسحية واإليقاع مع الرتكيز األسايس عىل املغزى والرسالة واملعنى (وإن لُحظت‬ ‫الجاملية يف بعض األحيان)‪ .‬ويساهم يف هذا االتجاه‪ ،‬تلقي املرسح مبدلول املعنى فقط التصنيف للكتّاب املرسحيني‬ ‫واملرسحيات بحسب املوضوع فلدينا تيار املرسح الديني الكاثولييك‪ ،‬والريفي‪ ،‬والعبثي‪( ...‬بالرغم من رفض يونسكو‬ ‫والكثري من النقّاد لصفة عبثي الذي ثبته ‪ Esslin‬يف كتابه ‪ Le Théâtre de l’absurde‬يف السبعينيات والذي تدأوله‬ ‫الكثري من بعده)‪.‬‬ ‫وهكذا تكون املقاربة من الناحية اللغوية املقروءة بالعني‪ ،‬مع الرتكيز عىل املعنى‪ ،‬ويصبح املرسح الذي هو مكان‬ ‫نصاً جامدا ً ذا‬ ‫يستوعب الدالالت املختلفة واملتنوعة بامتياز (املستقاة من مصادر وينابيع فنية أو حياتية أو ادبية‪ّ ،)...‬‬ ‫مدلول لغوي مح ّدد ويفقد املرسح عنارصه األساسية يف التواصل والحياة‪.‬‬ ‫ُوجد املرسح ل ُيشا َهد ومعنى الكلمة األسايس مشتق من فعل ‪ voir‬املشاهدة‪ .‬فيتحول نصاً عادياً موازياً ألي نص آخر‬ ‫فاقدا ً محركه األسايس الذي يجعله مختلفاً ومستقالً بذاته خاضعاً لرشوط وقوانني خاصة به‪ .‬سأرد بعضاً منها‪:‬‬ ‫ اللغة يف املرسح تبني الشخصية وتح ّددها وليس العكس‬‫تتجسد من خالل ممثل حقيقي يختاره املخرج (الذي لديه شخصيته الوهمية ايضاً)‬ ‫ هذه الشخصية الوهمية ّ‬‫ألسباب مح ّددة ملناسبته للدور يف نواح معينة‪ ،‬تطابقياً أو تصادمياً‪ .‬فيكون املرسح رمبا املكان الوحيد الذي يجتمع‬ ‫فيه الوهمي (الشخصية) مع الحقيقي (املمثل) مع التشبيهي (الذي يقلد من الحياة لبناء الشخصية ويحاول إيجاد‬ ‫التوازن يف ما بينها فإن طغى املمثل الحقيقي مثالً بحركاته املعهودة وعنارص شخصه ينفي الشخصية األساسية‬ ‫ويعكرها ويكرس اإليهام املرسحي)‪.‬‬ ‫تحيى هذه اللغة من خالل تجسيد ممثل بوقفة معينة وتحرك مدروس خاصة‪ ،‬من خالل صوت ولفظ وتنفس‪،‬‬ ‫وتقطيع للجمل وتناغم أو تنافر بني الجمل الحوارية املرتبطة بغريها من الشخصيات‪ .‬مثل بسيط‪ :‬إن زدنا‪ ،‬مثالً‪ ،‬كلمة‬ ‫أو كلمتني وصف ّيتني‪ ،‬ت ُعترب غنية من الناحية األدبية أو يف املقاربة األدبية‪ ،‬تكرس اإليقاع يف الحوار املرتبط يف املدة‬ ‫الزمنية للتلفظ بالكلامت ورسعتها وسياقها؛ ومن هنا يشبه النص املرسحي كتابة الشعر يف عملية ضبط اإليقاع‪.‬‬


‫خصص حيزا ً لها‪ ،‬من حيث الوقت واحتساب العالمة؛‬ ‫ إعادة النظر يف املناهج وتوصيفها لتدريس مادة املرسح ف ُي ّ‬‫مع تشجيعهم عىل متابعة تحضري مرسحية ونقل تقارير عن هذه العملية‪.‬‬ ‫ املساهمة يف تحضري عمل مرسحي يُعرض يف الكليات‪.‬‬‫ اقتطاع نسبة من ميزانية الجامعة الستضافة فرق مرسحية (تح ّدد آليتها الحقاً)‪.‬‬‫ تنظيم نوا ٍد ثقافية يف الجامعات ت ُعنى باملرسح وتنظّم له‪.‬‬‫ تأسيس فرق مرسحية جامعية والعمل عىل تغطية نشاطاتها وبلورة أهدافها‪.‬‬‫ انتداب أساتذة من معاهد التمثيل (ضمن بروتوكول محدد) ملتابعة تنفيذ املرسحيات واإلرشاف عليها‪.‬‬‫ العمل عىل متويل مهرجان مرسحي جامعي من قبل مؤسسات خاصة أو عامة‪.‬‬‫ تشجيع األبحاث والنصوص املرسحية وجمعها يف مكتبة ومركز موحد (يف وزارة الثقافة مثالً)‪.‬‬‫ البحث نهائياً برضورة لحظ أسعار للطالب ولو يف أوقات وأيام محددة وفرض حفالت مجانية للفرق األجنبية‬‫التي تعرض يف لبنان‪.‬‬ ‫يعيق النص الحركة املرسحية كثريا ً ويكبلها ويبعدها عن هموم املشاهد من هنا‪:‬‬ ‫ الطلب من األساتذة والطالب يف معاهد التمثيل تسجيل التامرين االرتجالية كتابياً وتطويرها وجمعها يف دفاتر‬‫خاصة تكون مرجعاً ملعاهد الفنون وكليات اآلداب‪.‬‬ ‫ الرتكيز يف محرتفات الكتابة يف كليات اآلداب عىل الكتابة املرسحية وهذا ما يتحاشاه الكثريون‬‫ تشكيل نواة كتّاب يف معاهد الفنون عىل غرار ‪ Novarina Valère‬نوفارينا وغريها من الفرق املرسحية‬‫ جعل الطالب يعون صعوبة تقنية نقل نص أديب وجعله صالحاً للمرسح كام يحصل يف كتابة السيناريو يف السينام‬‫ من الناحية التنظيمية اإلدارية الجامعية إيجاد تنسيق يجيز االنتقال من بعض مراحل التخصص من قسم إىل‬‫آخر‪ :‬من التمثيل إىل األدب الفرنيس أو العريب‪ ...‬من الكتابة املرسحية لدراسات عليا يف املرسح‬ ‫أو رمبا فتح قسم للمرسح يف الكليات النظرية فتحدد مقاربات ووسائل ومناهج جديدة تردم هذه الهوة وتؤسس‬ ‫لحياة مرسحية نشيطة وثقافة حقيقة مبعنى حياة‪.‬‬ ‫بهدم الجدران اإلدارية والنفسية والرتبوية التي تغرقنا يف التفتت ومتنعنا من االنطالق‪/////////.‬‬


‫ال تكفي هذه املقاربة النظرية يف التدريب الجامعي لتوفري أسس مشرتكة متعارف عليها يبحث املشاهد عاد ًة‬ ‫عنها‪ ،‬وعن مدى تطابقها مع نظام الكاتب أو املخرج املرسحي‪ .‬فتكون من نتائجها العملية اإلبداعية التي تبحث‬ ‫عن أهم ّية هذه املعايري ‪ codes‬ومحاولة كرسها وفرض نظام جديد‪ .‬وهذا ما حاول توضيحه بيكيت ‪ Becket‬من‬ ‫ألي معنى‪.‬‬ ‫خالل مرسحيّاته‪ ،‬يف إمكانية استيعاب اللغة الواسع للمعاين ويف الوقت ذاته قدرتها عىل نفيها وحذفها ّ‬ ‫من هنا جدلية اختيار اللغة املرسحية وصنعها رغم خضوعها لرشوط كثرية‪ .‬إذ تتوافر دالئل وتقنيات مشهدية‬ ‫كثرية ومن مواد مختلفة تق ّرب النص من العامل الحقيقي للمشاهد عىل حساب عامله األسايس االفرتايض‪ .‬إنها‬ ‫جدلية املرسح األساسية التي ال يعيشها القارئ وال ميكن تدريسها بالطرق التقليدية ألنها حس ّية ومعيوشة بطريقة‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫فام تكون النتيجة‬ ‫طالب يجهلون حقيقة املرسح‪ ،‬فال يرتادونه وال يهتمون به وال يساهمون يف تنشيطه ال يف املساهمة يف حضوره‬ ‫كجمهور وال من الناحية الكتابية‪ .‬هؤالء الطالب رشيحة مثقفة مه ّمة تؤثر مبحيطها وبالتايل بالتالميذ الذين‬ ‫سيرشفون عىل تدريسهم الحقاً‪.‬‬ ‫تشل هذه املامرسة الحياة املرسحية فيحصل ركود وافتقار يؤثر عىل االنفتاح الثقايف عامة؛ فيعجز الطالب عن‬ ‫ّ‬ ‫تكوين حكم ورأي خاص بهم‪ ،‬غالباً ما يعودون إىل املراجع لحفظها‪.‬‬ ‫فتكون من نتيجتها‪ :‬مدينة صامتة دون صوت جديد بحاجة العادة تأهيل‪ .‬يتقوقع املرسح بعيدا ً عن حياة ثقافية‬ ‫محتملة وممكنة‪ .‬وتبعد الجامعة عن الحياة الثقافية عامة وهي التي تتقاطع معها وتغذّيها‪ .‬تتفتت الفئات‬ ‫الثقافية حسب اختصاصاتها‪ ،‬وينقسم الطالب نتيجة لتفاعلهم وتفهمهم ملا يدور حولهم بحسب انتامءاتهم‬ ‫التخصصية‪.‬‬ ‫لذا أقرتح‬ ‫ التنسيق بني معاهد الفنون وكليات اآلداب أو غريها من الكليات(الحقاً)‪ ،‬للعمل عىل اختيار مجموعة من‬‫املرسحيات تُشكّل األساس يف اكتشاف ماهية املرسح وتطوره‪.‬‬ ‫ إدراج تواريخ محددة يف معاهد الفنون لعرض متارين ومرسحيات يعمل عليها الطالب ويقدمونها لغريهم من‬‫األقسام والكلّيات‪.‬‬


BARRET, G. et Maréchal, A. (1985), « Place et présence de formation des maîtres en expression dramatique au Quebec », in Expression n°23 BLANCHART, P. (1984), Histoire de la mise en scène, Librairie théâtrale – Paris – BORDAT, D. et BOUCROT, F. (1956), Les théâtres d’ombres, Histoires et techniques L’arche – Paris DURAN, R. (1975), « Problèmes de l'analyse structurale et sémiotique de la forme bande ,théâtrale », In Helbo André, Sémiologie de la représentation. Théâtre, télévision .dessinée, Editions Complexe ESSLIN, M. (1977), Le Théâtre de l’absurde, Buchet, Chastel, Paris GRAIG, E.G. (1930), De l'art du théâtre, Editions Lieutier HELBO, A. (1975), Sémiologie de la représentation, Ed. Emplexe, Bruxelles, Distribution PUF ,JOURDE, P. (dir), (2004), La voix de Valère Novarina, actes du colloque de Valencel’Ecarlate/ L’Harmattan KOWRAN, T. (1992), Sémiologie du théâtre, Paris, Nathan (Université), Paris ,RYNGAERT, J.P. (1991), Jeu dramatique en milieu scolaire, nouvelle édition de Boeck Bruxelles UBERSFELD, A. (1978), Lire le théâtre, Editions sociales, Paris NOVARINA, V. http://www.novarina.com/spip.php?rubrique22 -


‫مراجع مفيدة‬ ‫ باشا (عبيدو)‪ :‬بيت النار‪ ،‬الزمن الضائع يف املرسح اللبناين – منشورات رياض الريّس‪-‬‬‫بريوت– الطبعة األوىل ‪.1995‬‬ ‫ داغر (يوسف اسعد)‪:‬‬‫‪ -1‬مصادر الدراسة االدبية – ‪ 4‬اجزاء – منشورات الجامعة اللبنانية‬ ‫‪ -2‬معجم املرسحيات العربية واملع ّربة – وزارة الثقافة والفنون العراقية – ‪1978‬‬ ‫ زيدان (جرجي)‪ :‬تاريخ آداب اللغة العربية – مكتبة الحياة – ‪1976‬‬‫ سعاده (نقوال)‪ :‬قضاياي ادبية – دار مارون عبود – ‪1984‬‬‫ شأوول (بول)‪ :‬املرسح العريب الحديث (‪ -)1976-1989‬منشورات رياض الريّس‪ -‬بريوت–‬‫‪1989‬‬ ‫ طليامت (زيك)‪ :‬فن املمثل العريب – الهيئة العامة للكتاب – القاهرة – ‪1973‬‬‫ عرسان (عيل عقله)‪ :‬الظواهر املرسحية عند العرب – املنشأة العامة للنرش والتوزيع واالعالن –‬‫طرابلس ليبيا – الطبعة الثانية ‪1983‬‬ ‫ عساف (روجيه)‪ :‬املرسحة‪ ،‬أقنعة املدينة – دار املثلث للنرش – بريوت – ‪1984‬‬‫ فرج (الخوري انطون)‪ :‬املسارح والسينامتوغرافات – مطبعة القديس بولس – حريصا‪1914 -‬‬‫ نجم (محمد يوسف)‪ :‬املرسحية يف األدب العريب الحديث (‪ - )1847-1914‬دار الثـقافـة –‬‫بريوت‪1976 -‬‬ ‫ بيكوك (رونالد)‪ :‬الشاعر يف املرسح – وزارة الثقافة يف دمشق – ‪ – 1994‬ترجمة ممدود عدوان‬‫ موسوعة املصطلح النقدي‪ :‬املؤسسة العربية للدراسات والنرش – ثالثة اجزاء – الطبعة األوىل–‬‫‪ 1983‬ترجمة د‪ .‬عبد الواحد لؤلؤة‬‫ ميليت (فرد ب‪ ).‬وبنتيل (جريالدين)‪ :‬فن املرسحية – ترجمة صدقي حطاب – دار الثـقافـة –‬‫بريوت – الطبعة األوىل – ‪1935‬‬ ‫‪ -‬نيكول (االدريس)‪ :‬علم املرسحية – ترجمة دريني خشبة – مكتبة اآلداب بالقاهرة‪.‬‬



‫جسد المرأة في االدب والفن التشكيلي والديانات عبر العصور‬ ‫الصحفية واالديبة سليمة ملّيزي الجزائر‬ ‫‪ 10‬ديسمرب ‪2021‬‬ ‫حي جسد املرأة العلامء و الحكامء ورجال‬ ‫ منذ العصور القدمية ّ‬‫الدين ‪ ،‬وكيف كان ينظر اليه كل ٍ‬ ‫واحد نظرة جسدية أونظرة‬ ‫روحانية ‪ ،‬أو نظرة أمومة ‪ ،‬هذه الصفة التي تتميز بها املرآة التي‬ ‫تعترب املعجزة التي تساهم يف توريث البرشية بيولوجيا وإنسانياً ‪،‬‬ ‫وما تتميز به املرآة من رموز وخبايا يف مجال الحمل والوالدة وأهم‬ ‫صلة غريزية وإنسانية بني االبناء واألم هي األمومة ‪ ،‬لو تحدثنا عن‬ ‫جسد املرآة مع أول الخلق و مسألة عري الجسد والغواية من‬ ‫منظوري الدين والتحليل النفيس؛ ملخصاً بدء الخليقة بِـ"أنا عارية‬ ‫إذن أنا موجودة" حيثُ تجمع النصوص الدينية الساموية عىل أن سبب الهبوط من الجنة ال العري يف حد ذاته ‪،‬‬ ‫بل الوعي به‪ ،‬الذي يُجسد رمزياً الوعي يف تحقيق الرغبة‪ .‬ومغزى ذلك يعزز مسؤولية آدم تجاه الجنس وتجاه‬ ‫القدرة عىل الغواية التي ال مراء يف صفتها البرشية‪ ،‬مقارنة بعجز الحيوان عن االستيهام‪ ،‬اكتشاف العري كان‬ ‫االنتهاك الثاين للمنظومة الساموية وقد سبقه االنتهاك األول املاثل يف مترد "ابليس" عىل الخالق وتهديده بإخراج‬ ‫الجنس املدلل عن الرساط املستقيم‪.‬‬ ‫يشكل جسد املرأة عىل الدوام مادة رئيسية يف أعامل الفنانني التشكيليني‪ ،‬طاملا عكست طرق وأشكال تناوله‬ ‫وتصويره املختلفة اختالف نظرة وأسلوب كل فنان عن اآلخر‪ ،‬وأبرزت تنوع املدارس التشكيلية املختلفة‪ ،‬ورسخت‬ ‫يف الذهن مفهوم الفن التشكييل‪ ،‬كفن يتجاوز نسخ ما تراه العني إىل منطقة أكرث اتسا ًعا‪ ،‬تتعلق أكرث بإعامل‬ ‫الخيال يف إعادة تشكيل ما تراه العني‪ ،‬ووضعه يف سياقات مختلفة كل ًيا عن سياقاته املنطقية‪ ،‬حيث نجد لوحات‬ ‫فنية كثرية لكبار الفنانني خاصة يف عرص النهضة يف اوروبا لنساء عاريات ‪ ،‬ويرسمن اجسادهن العارية بدقة‬ ‫عالية وفنيات راقية جدا ‪.‬‬


‫الزعيم مهاتم غاندي الذي كان يحارب العنصورية ‪ ،‬كان يحتقر جسد املرأة عىل انها يف فرتة الحيض تلعن وال‬ ‫احد يقرتب منها وتعترب نجسة ‪،‬‬ ‫اعتقد أن جسد املرأة كرم عند بزوغ االسالم ‪ ،‬لقد رفع اإلسالم مكانة املرأة‪ ،‬وأكرمها مبا مل يكرمها به دين سواه؛‬ ‫فالنساء يف اإلسالم شقائق الرجال‪ ،‬وخري الناس خريهم ألهله؛ فاملسلمة يف طفولتها لها حق الرضاع‪ ،‬والرعاية‪،‬‬ ‫وإحسان الرتبية‪ ،‬وهي يف ذلك الوقت قرة العني‪ ،‬ومثرة الفؤاد لوالديها وإخوانها ‪.‬‬ ‫ويبقى جسد املرأة موضوع فتنة وموضوع عدوانية يف العالقة الثنائية كام يف اإلرث االجتامعي‪ .‬هذا اإلرث الذي‬ ‫يحتل يف العالقة الثنائية حيزا طاغيا يقتحم متخيل الجنس والتناسل وجسد املعنية به ‪ ،‬وأيا يف املوروث الشعبي‬ ‫العريب ان جسد املرأة فتنة والفتنة جرمية ترتكب يف حق العشرية وجلب العار للعائلة ‪ ،‬حيث نجد يف بعض‬ ‫القبائل االفريقية ‪ ،‬تقوم النساء بدحر اثداء الفتاة التي تصل مرحلة البلوغ حتى ال تربز للرجال وتسبب لهم‬ ‫الشهوة واالعتداء الجنيس عليهن ‪ ،‬هذه تعترب جرمية يف حق جسد املرأة الطبيعي الذي من حقها ان تتمتع به‬ ‫هي فرديا ‪ ،‬بينام يراه املتجمع املتخلف عيبا وعارا عىل القبيلة ‪،‬كام يحدث عند بعض القبائل يف جنوب مرص‬ ‫والسودان وهوخيتان املرأة وبرت جزء حساس ومهم من جسدها ‪ ،‬وكانت الكاتبة الكبرية الدكتورة نوال‬ ‫السعداوى‪ ،‬واحدة من املثقفات املرصيات اللواىت دافعن عن حق املرأة ىف تلك القضية‪ ،‬ودفعت مثنها فصلها من‬ ‫عملها ىف وزارة الصحة‪ ،‬ففى عام ‪ 1972‬نرشت كتاب بعنوان املرأة والجنس‪ ،‬مواجهة بذلك جميع أنواع العنف‬ ‫التى تتعرض لها املرأة كالختان والطقوس الوحشية التى تقام ىف املجتمع الريفى للتأكد من عذرية الفتاة‪ ،‬أصبح‬ ‫ذلك الكتاب النص التأسيىس للموجة النسوية الثانية‪ /‬وكنتيجة لتأثري الكتاب الكبري عىل األنشطة السياسية أقيلت‬ ‫نوال من مركزها ىف وزارة الصحة‪ ،‬مل يقترص األمر عىل ذلك فقط فكلفها أيضا منصبها كرئيس تحرير مجلة الصحة‪،‬‬ ‫وكأمني مساعد ىف نقابة األطباء‪.‬‬ ‫وتبقى هناك ثغرات يف غياب العلم والتطور وحقوق املرأة ‪ ،‬حتى يف املجتمعات العربية واالسالمية وليس‬ ‫ببعيد كان جسد املرأة يجلب العار والعيب للعائلة ‪ .‬اال أن هذه الظاهرة اصبحت شبه منعدمة يف املجتمعات‬ ‫العربية بعدما تحررت املرأة من عقدة االنوثة ‪ ،‬واستطاعت ان تفرض حضورها يف املجتمع بالتعليم والتقدم‬ ‫والتطور يف كل املجاالت ‪.‬‬


‫أما فيام يخص وصف جسد املرأة عند الشعراء واالدباء فكانت محل اهتامم كبري يف الشعر العريب ‪ ،‬خاصة عند‬ ‫الشاعر الراحل نزار قباين يف قصيدته الشهرية " مايا " حيث يوصف جسد املرأة بكل اشكاله ‪ ،‬ونجد وصف‬ ‫جسد املرأة ايضا يف القصيدة الشهرية يف الشعر امللحون يف اشهر قصيدة عرب التاريخ وهي " حيزية " للشاعر‬ ‫وسع ِّي ْد قصة حب جزائرية بدوية صحراوية‪ ،‬حدثت يف النصف الثاين من القرن التاسع عرش‬ ‫ابن قيطون ‪ ،‬حيزيَّة ْ‬ ‫يف بلدة‪ ،‬التابعة لوالية ب ِْس ْك َرة‪ ،‬بوابة الصحراء الكربى‪ ،‬يف منطقة الزيبان يف جنوب رشق الجزائر‪ .‬وهي تشبه قصص‬ ‫العذريني يف الرتاث العريب القديم‪ ،‬أو قصة روميو وجوليت‪ ،‬وغريها‪ ،‬يقول الشاعر ابن قيطون يف وصف جامل‬ ‫جسد حيزية ‪:‬‬ ‫" طلقت ممشوط طاح بروايح يك فاح = حاجب فوق اللامح نونني بريا‬ ‫عينك قرد الرصاص حريب يف قرطاس = سوري قياس يف يدين الحربيا‬ ‫خدك ورد الصباح و قرنفل وضــــــاح = الدم عليــه ساح وقت الصحويا‬ ‫الفم مثل عــــاج املضحـــــك لعــــــاج = ريقك سـي النعاج عسله الشهايا‬ ‫شوف الرقبة خيار من طلعت جمـــــار = جعبـــــة بالر و العواقيد ذهبيا‬ ‫صدرك مثل الرخـــــــام فيه اثنني تـوام = من تفاح السقام مسوه يديـا ‪" .‬‬ ‫ويف رأيي أن املرأة كرمها الله عز وجل بهذه املهمة الصعبة والجميلة‪،‬‬ ‫واملعقدة يف انجاب االطفال حتى تساهم يف توريث البرشية عىل وجه االرض ‪ ،‬عكس النظرية الغري انسانية‬ ‫للمرأة يف تقاليد وثقافة بقية الشعوب ‪ ،‬لو متعن يف رأي الشعوب عرب التاريخ يف العهد اليونا ّين‪ ،‬وحني النظر‬ ‫السيايس أرسطو‪ ،‬فإنك قد تُفاجأ إن َعلِمت أنه يقرر أن املرأة ال تصلح‬ ‫الصوري‪ ،‬والفيلسوف‬ ‫ملؤسس علم املنطق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إال لإلنجاب‪ ،‬وأنه ال ميكنها أن متارس الفضائل األخالقية مثل الرجل‪ ،‬فهي مجرد مخلوق مشوه أنتجته الطبيعة‪ .‬أما‬ ‫أفالطون‪ ،‬صاحب كتاب "الجمهورية"‪ ،‬واملعروف مبدينته الفاضلة؛ فريى أن املرأة أدىن من الرجل يف العقل‬ ‫والفضيلة‪ ،‬وكان يأسف أنه ابن امرأة‪ ،‬ويزدري أُ ّمه ألنها أنثى!‬ ‫أما ماكتبته ريتا بانريجي يف كتابها الجنس والسلطة‪ ،‬فكان يركز عىل احتقار غاندي للجسد األنثوي‪ ،‬معت ًربا الحيض‬ ‫مظه ًرا من مظاهر تشويه روح املرأة من خالل حياتها الجنسية ‪،‬‬


‫‪ .1‬ال ّزمن القصيص ّ‪:‬‬ ‫القص‪ ،‬ألنّه يشكّل عامالً محورياً تتولّد من خالله عنارص التّشويق‬ ‫إن أكرث األنواع األدب ّية التصاقاً بال ّزمن هو ّ‬ ‫واالستمرار واإليقاع فيه‪ ،‬وألنّه " حقيقة مج ّردة ثابته‪ ،‬قويّة غامضة مبهمة‪ ،‬ال تح ّدها حدود‪ ،‬وال تعرتض سبيلها‬ ‫عقبات‪ ،‬وال تتأث ّر بأعامل ال ّناس وعواطفهم(‪ .)3‬وإذا كانت هذه الحقيقة الثّابتة تحظى مبثل تلك الق ّوة والتّأثري يف‬ ‫القصيص‪ ،‬ألنّها تخضع للتّعديل الذي يراه الكاتب مناسباً لرؤيته‬ ‫حياة ال ّناس فإنها ليست كذلك دامئاً يف العمل‬ ‫ّ‬ ‫العا ّمة‪.‬‬ ‫ولعل ما ميكن ال ّركون إليه هو التّحليل القائل إن هناك زمنني متغايرين ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أ ّولهام هو ال ّزمن الفزيا ّيئ الذي يعيشه كل فرد وفاق أحواله‪ .‬وهو ال ّزمن الحد ّيث‪ " ،‬وهو زمن األحداث الذي يغطّي‬ ‫حياتنا بوصفه متتالية من األحداث(‪ .)4‬وهذا األخري هو ما نعرفه نحن بال ّزمن‪ .‬والثّاين هو ال ّزمن اللّسا ّين الذي يقع‬ ‫عىل الطّرف املقابل ملا سبق‪ ،‬وهو الذي " ال ميكن اختزاله يف ال ّزمن الحد ّيث أو الفزيا ّيئ "(‪.)5‬‬ ‫النفيس لل ّزمن بحياة اإلنسان الداخليّة‪ ،‬عند الفالسفة وعلامء ال ّنفس‪ ،‬الذين يعتقدون " أ ّن ال ّزمن‬ ‫لقد اقرتن املفهوم‬ ‫ّ‬ ‫املوضوعي املطلق يدرك من تتابع حركة املا ّدة‪ ،‬وهو مقولة من مقوالت الذهن(‪ ،)6‬وهذا تأكيد القرتان ال ّزمن بحياة‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان الداخليّة كام سبق القول‪ ،‬وعىل هذا يتح ّدد ال ّزمن مبوجب معطيات الذّات(‪.)7‬‬ ‫النفيس عنده من املفهوم األد ّيب (‪ .)8‬إن هذا يثبت أن مقولة‬ ‫يقرتب "برغسون" من هذه املقولة إذ اقرتب مفهوم ال ّزمن‬ ‫ّ‬ ‫ال ّزمن قد المست ال ّنتاج اإلنسا ّين‪ ،‬بعد أن تجاوزت جانب التّنظري‪ ،‬انطالقاً من ال ّنفس اإلنسانيّة‪ ،‬وعودة إليها‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .3‬محمد يوسف نجم‪ ،‬فن القصة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الثقافة‪ ،1963 ،‬ص ‪.153‬‬ ‫‪ .4‬سعيد يقطني‪ ،‬تحليل الخطاب الروايئ‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪Tom2 .1974 .Billimand .E, Benvenite, Problemes Des Linguistiques, Edi, Tel P73 .5‬‬ ‫‪ .6‬مجموعة من املؤلفني‪ ،‬فكرة الزمان عرب التاريخ‪ ،‬ترقؤاد كامل‪ ،‬الكويت‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،1992 ،159‬ص ‪.46‬‬ ‫‪ .7‬مراد جروك‪ ،‬بناء الزمن يف الرواية املعارصة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب‪ ،1998 ،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪ .8‬مراد مربوك‪ ،‬بناء الزمن يف الرواية املعارصة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب‪ ،1998 ،‬ص ‪.7‬‬


‫بناء الزمن ومكوناته عند اميلي نصر هللا‪ ،‬زكريا تامر‬

‫ويوسف حطيني‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫يعالج هذا البحث الفضاء ال ّزماين عند "إميل نرصالله "من خالل‬ ‫مجموعتها املوسومة بعنوان " جزيرة الوهم "‪.‬وعند زكريا تامر‬ ‫من خالل مجموعته " ال ّرعد "‪.‬وعند يوسف حطّيني من خالل‬ ‫قصته "أنياب زرقاء‪.‬‬ ‫أ ‪ .‬بناء ال ّزمان ‪:‬‬ ‫القصيص يستدعي منذ‬ ‫إ ّن الحديث عن بناء ال ّزمان يف العمل‬ ‫ّ‬ ‫البداية‪ ،‬البحث يف مفهوم ال ّزمن‪ .‬لقد انشغل الفكر اإلنسا ّين‬ ‫بهذه املقولة منذ اقدم العصور وحتّى يومنا هذا‪ ،‬وكانت وجهات‬ ‫نظر املفكرين إليها متع ّددة‪.‬‬ ‫وإذا عدنا إىل تعريف ال ّزمان معجمياًّ فإنّنا نجد تعريفه بوصفه " اسامً لقليل الوقت وكثريه‪ ،‬وال ّزمن وال ّزمان‬ ‫العرص‪ ،‬والجمع إزمن وازمان وأزمنة "(‪.)1‬‬ ‫معنى شافياً ميكن أن يحسم دالالت هذه املقولة‪.‬‬ ‫إن هذا الت ّعريف ال يق ّدم‬ ‫ً‬ ‫الحقيقي ملفهوم ال ّزمن‪ ،‬وباألخص " يف أقسام العقل الزمنيّة التي نظر إليها يف‬ ‫وإن يف تحليل اللّغة جالء للتص ّور‬ ‫ّ‬ ‫تطابقها مع تقسيم ال ّزمن الفيزيا ّيئ إىل ثالثة أبعاد‪ :‬املايض‪ ،‬الحارض‪ ،‬املستقبل"(‪ .)2‬ويف الحقيقة‪ ،‬ال تزال مقولة‬ ‫فلسفي‪ ،‬بحسب اتجاه الباحث أو املفكّر‪.‬‬ ‫ال ّزمن تتّخذ أشكاالً متع ّددة‪ ،‬وعىل وجه الخصوص إذا نظر إليها من بعد‬ ‫ّ‬ ‫القصيص‪.‬‬ ‫ويج ّرنا الحديث عن مفهوم ال ّزمن عا ّمة إىل الحديث عن ال ّزمن‬ ‫ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.86/6 ،‬‬ ‫‪ .2‬سعيد يقطني‪ ،‬تحليل الخطاب الروايئ‪ ،‬ص ‪.61‬‬


‫اللحقة‪ ،‬أفاد منها من جاء‬ ‫إ ّن ما ق ّدمته املدرسة الشكالنيّة من أفكار قد شكّل ما ّدة غنيّة ملجموعة من ال ّدراسات ّ‬ ‫بعدهم من الباحثني‪ ،‬فخطت خطوات واسعة عىل طريقة التّطوير‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬تزيفتان تودوروف (‪ )T. Todovor‬ومفهوم ال ّزمن ‪:‬‬ ‫القصة والخطاب‪ ،‬عندما سعى إىل بلورة جملة من املفاهيم يف أثناء تحليله الخطاب األد ّيب(‪.)11‬‬ ‫م ّيز هذا الباحث بني ّ‬ ‫القصة متع ّدد األبعاد‪ .‬ووجد أن هناك أشكاالً متع ّددة‪،‬‬ ‫رأى تودوروف أن زمن الحكاية خطي‪ ،‬مبعنى ما‪ ،‬وإ ّن زمن ّ‬ ‫قصة هي‬ ‫من خالل التّضمني أو التّسلسل‪ ،‬أو التّناوب من خالل العالقة بني هذين ال ّزمنني‪ .‬فالتّضمني يشري إىل ّ‬ ‫األصل‪ ،‬تستوعب قصصاً فرعيّة تحيك ضمنها‪ ،‬كام يف قصص ألف ليلة وليلة‪ .‬أ ّما التّسلسل فيعني تتابعاً لقصص أو‬ ‫القصة األخرى‬ ‫أحداث متع ّددة‪ .‬ويكون التّناوب عندما تحىك قصتّان يف آنٍ معاً‪ ،‬وترتك ّ‬ ‫كل واحدة‪ ،‬لتستأنف ّ‬ ‫وهكذا‪...‬‬ ‫لقد وضع تودوروف أكرث انسجاماً مع غريه من العنارص التي تؤث ّر يف الخطاب الروا ّيئ‪ ،‬وخطا مبفهوم ال ّزمن الروا ّيئ‬ ‫خطوات إىل األمام‪ ،‬إذ ميّز بشكل ف ّعال بني زمن الكتابة وزمن القراءة(‪ .)12‬فاأل ّول أد ّيب عندما يت ّم إدخاله يف‬ ‫النص‪.‬‬ ‫القصة‪ ،‬والثّاين يدرك ضمن مجموع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ج ‪ -‬جريار جينيت (‪ )G. Genette‬ومفهوم ال ّزمن ‪:‬‬ ‫أوىل هذا البحث عناية كبرية لل ّزمن يف العمل الروا ّيئ‪ ،‬يف كتابه ''كتاب الحيك ''(‪ ،)13‬ورأى أ ّن ال ّزمن ال ميكن أن‬ ‫الشء املحيكّ‪ ،‬وزمن الحيك‪ ،‬وبنى عليهام زمن ال ّدال وزمن‬ ‫يرهن إال أثناء القراءة وطرح فكرة وجود زمنني ‪ :‬زمن ّ‬ ‫املدلول‪ .‬ث ّم رأى أنه ميكن دراسة العالقة بيه هذين ال ّزمنني‪:‬‬

‫_______________________‬ ‫‪P154 ,1966 ,T.Todorov, les categores du recit literare, inlommunication, N8 .11‬‬ ‫‪ .12‬ا ‪Lbib. P40‬‬ ‫‪1972 ,ed, seuil/coll ,111 G. Genette Discourses du Recit In figure .13‬‬


‫‪.2‬ال ّزمن والخطاب ‪:‬‬ ‫إن الكالم هو خطاب وحيك‪ ،‬والخطاب هو الكالم امللفوظ الذي يشرتط باثاً ومستقبالً‪ ،‬يؤث ّر فيه األ ّول عىل الثّاين‪.‬‬ ‫قصاً ألحداث وقعت يف املايض‪ ،‬تق ّدم يف زمن ما‪ ،‬بدون تد ّخلٍ من املتكلّم‪.‬‬ ‫والحيك يتم ّيز بكونه ّ‬ ‫وربا يكون هناك حيك‬ ‫وهناك تن ّو ع كبري يف الخطاب‪ ،‬وقد يستخدم يف الحيك مع الكتابة‪ ،‬ويف الكالم‬ ‫ّ‬ ‫الشفوي أيضاً‪ّ ،‬‬ ‫يف الخطاب‪ ،‬عندما تسرتجع أقوال الشّ خص ّيات‪ ،‬أو عندما يتد ّخل أح ٌد ما لتقويم الحدث املحيكّ‪.‬‬ ‫القصة‪،‬‬ ‫السد وظبطهام معاً‪ ،‬من خالل محورين متوازيني‪ ،‬يف األول منهام زمن ّ‬ ‫هناك من ميّز بني زمن ّ‬ ‫القصة وزمن ّ‬ ‫السد‪.‬‬ ‫ويف الثاين زمن ّ‬ ‫السد‪ ،‬يف محاولة لدراسة عالقات الدميومة‪ ،‬بحسب طبيعة الحيك‪،‬‬ ‫ويف سبيل توضيح ذلك ت ّم ّ‬ ‫التكيز عىل رسعة ّ‬ ‫السد‪.‬‬ ‫وكذلك اإلشارة إىل الحوار واألسلوب غري املبارش‪ ،‬والتّحليل‬ ‫السيكولوجي‪ ،‬وتأثري ذلك كله يف رسعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‪ -‬ال ّزمن من منظور الشّ كالنيني ال ّروس(‪.)9‬‬ ‫ملا كانت نظرية البنائ ّية يف طور تبلورها‪ ،‬فقد و ّجه أصحاب هذه املدرسة عنايتهم إىل الجوانب البنيويّة يف‬ ‫الخطاب األد ّيب‪ .‬ثم وجد منظّروهذه ال ّدراسة أن هناك رضورة للتّمييز بني املنت الحكا ّيئ واملبنى الحكا ّيئ‪ ،‬وهذا‬ ‫األخري " يتك ّون من األحداث نفسها‪ ،‬لك ّنه يراعي نظام ظهورها يف العمل‪ ،‬كام يراعي ما يتبعها من معلومات‬ ‫تعينها"(‪.)10‬‬ ‫التكيز عىل طريقة ظهور الحدث يف العمل‬ ‫إ ّن ما ق ّدمته هذه املدرسة ميكن تلخيصه بالقول إنّه ينبغي أن يت ّم ّ‬ ‫القصيص‪ ،‬وعىل الخطة لكيفيّة هذا الظهور بحسب تتابعه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫القصيص‪ ،‬فإ ّن ظهور‬ ‫املتجل يف العمل‬ ‫ّ‬ ‫الزمني هي املبنى الحكا ّيئ‬ ‫إذا كانت الحوافز التي ترتت ّب بحسب تتابعها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السبب وال ّنتيجة‪ .‬وارتكازا ً عىل العالقة الج ّدليّة بني هذين العاملني‪ ،‬فإ ّن نوعيّة‬ ‫املنت الحكا ّيئ ّ‬ ‫يتجل متتابعاً وفاق ّ‬ ‫القصيص‪.‬‬ ‫الزمني يف العمل‬ ‫للتجل‬ ‫ّ‬ ‫هذه العالقة تساعد الكاتب عىل تقديم أشكال متع ّددة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .9‬نشأت املدرسة الشكالنية وازدهرت يف العقدين الثاين والثالث من القرن العرشين‪ ،‬وهي الرافد الثاين من روافد البنائية الكربى‪ ،‬وتهدف إىل القضاء عىل‬ ‫املناهج القدمية يف الدراسات اللغوية والنقدية‪ .‬صالح فضل‪ ،‬نظرية البنائية‪ ،‬ص ‪45‬‬ ‫‪ .10‬الشكالنيّون الروس‪ ،‬نظرية املنهج الشكيل‪ ،‬ترأ‪ .‬الخطيب‪ ،‬الرشكة املغربية للنارشين ‪ /‬بريوت مؤسسة األبحاث العربية‪ ،1982 ،‬ص ‪180‬‬


‫والقصة‪ .‬أما جينيت‬ ‫ولقد أشار اللّسانيون إىل ما يعرف ب ( الجهة) عندما كتبوا يف التّواتر‪ ،‬أو التّكرار بني الحيك‬ ‫ّ‬ ‫النص الواحد‪ ،‬ثم يح ّدد أنواع التواتر‪،‬‬ ‫(‪ )Genette‬فقد ح ّدد هذا التواتر بإمكانيّة حدوثه‪ ،‬وإعادة إنتاجه غري م ّرة يف ّ‬ ‫اري يكون عندما تحيك خطابات متع ّددة حدثاً‬ ‫ادي هو الذي يحيك الحدث م ّرة واحدة‪ ،‬والتكر ّ‬ ‫فريى أ ّن التواتر اإلنفر ّ‬ ‫ولعل ما ق ّدمه هذا الباحث حول موضوع ال ّزمن يف العمل الروا ّيئ قد حظي باهتامم‬ ‫واحدا ً‪ ،‬لشخصيّة واحدة أو أكرث‪ّ .‬‬ ‫السديدة يف هذا‬ ‫الباحثني الذين عارصوه‪ ،‬أو أتوا بعده وأفاد بعض الباحثني من تنظريه‪ ،‬وأخذوا عنه جملة من اآلراء ّ‬ ‫التنظريي ملفهوم ال ّزمن‪ ،‬من املفيد أن تت ّم دراسة ال ّزمن ودالالته يف هذه املجموعات‬ ‫املوضوع‪ .‬بعد هذا التمهيد‬ ‫ّ‬ ‫القصص ّية استنادا ً إىل دراسات جينيت (‪ )Genette‬يف كتابه "صور(‪ ،)3‬وذلك وفاق ثالث قضايا أساس ّية‪ ،‬متكن دراستها‬ ‫من اإلحاطة بالتقنيّات الزمنيّة التي تتواشج داخل البنية القصصيّة‪ ،‬وهذه القضايا هي ‪:‬‬ ‫التتيب‪.‬‬ ‫أوالً ‪ :‬عالقات ّ‬ ‫ثانياً ‪ :‬عالقات الدميومة‪.‬‬ ‫ثالثاً ‪ :‬عالقات التّواتر‪.‬‬ ‫أوال ‪ :‬عالقات الرتتيب‪:‬‬ ‫التتيب يف القصص الثّالث ليوسف حطّيني‪ ،‬وإمييل نرصالله‪ ،‬وزكريّا تامر‪.‬‬ ‫عالقات ّ‬ ‫القصيص الذي يغاير زمن األحداث‪ ،‬بانزياحه‬ ‫تعني هذه العالقات التقنيّات الرسديّة التي عىل أساسها يتشكّل ال ّزمن‬ ‫ّ‬ ‫السد‪ ،‬وهذه التقن ّيات هي ‪:‬‬ ‫ضمن ّ‬ ‫‪ .1‬تقن ّية االسرتجاع ‪:‬‬ ‫القصة‪ ،‬وإ ّما‬ ‫هي استعادة ما سبق أن حدث يف املايض‪ .‬وهو ''إ ّما‬ ‫خارجي عندما يفيد إستعادة ما حدث قبل بدء زمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫القصة وقبل بدء الحدث الذي يؤ ّدى''(‪.)16‬‬ ‫يل يفيد إستعادة ما حدث بعد بدء زمن ّ‬ ‫داخ ّ‬ ‫السد وراءه‪ ،‬ويساعد عىل فهم مسار األحداث‪.‬‬ ‫ولإلسرتجاع غري وظيفة‪ ،‬منها أنّه يقوم مبلء الفجوات التي يخلّفها ّ‬ ‫معنى‬ ‫السابقة لتفسريها تفسريا ً جديدا ً يف ضوء املواقف‬ ‫ومنها أنّه يكون " إلعادة بعض األحداث ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتغية‪ ،‬أو إلضفاء ً‬ ‫جدي ًدا عليها مثل الذكريات‪ ،‬أل ّن الحارض يضفي عليها ألواناً جديد ًة وأبعادا ً متغايرة ''(‪.)17‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .16‬عبد املجيد زراقط‪ ،‬يف بناء الرواية اللبنانية‪ ،‬ص ‪.705‬‬ ‫‪ .17‬تسيزا قاسم‪ ،‬بناء الرواية‪ ،‬ص ‪.40‬‬


‫القصة‪ ،‬مبوجب محددات ثالثة اقرتحها‪ ،‬وهي ‪:‬‬ ‫األ ّول هو زمن الحيك ال ّزائف‪ ،‬والثّاين هو زمن ّ‬ ‫الزمني‪ ،‬فقد وقف أمام تتابع األحداث يف املا ّدة الحكائيّة وبني ترتيب ال ّزمن ال ّزائف‪ ،‬واستخرج‬ ‫التتيب‬ ‫•عالقات ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمني‪ .‬وأضاف إىل إمكان ّية اإلنتقال من وحدة زمنية إىل أخرى يعزى إىل إظهار أكرث من‬ ‫التتيب‬ ‫منهام عالقات ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمني اال ّول للتع ّرف إىل ما تفعله الشخصيّة الثّانية يف أثناء معايشة‬ ‫شخصيّة واحدة رئيسة‪ .‬و''ترك الخ ّط‬ ‫ّ‬ ‫األوىل حياتها''(‪.)14‬‬ ‫التتيب ليس ممكناً دامئاً‪ ،‬بسبب من‬ ‫ويقصد هنا بهذه العالقة ترتيب األحداث‪ .‬وما يؤخذ عىل هذه العالقة أ ّن ّ‬ ‫السدية‪ .‬وبنا ًء عىل هذه العالقات ميكن استنتاج طائفة من العالقات الزمن ّية كاالستباق‪،‬‬ ‫وجود املفارقات ّ‬ ‫واالسرتجاع‪ ،‬وسوف يرد تفصيل هذه العالقات الزمنيّة يف فقرات قادمة‪ ،‬وتحدث جينيت (‪ )Genette‬عن نوع‬ ‫آخر من املفارقات املركّبة أو املزدوجة‪ ،‬وهو ما ميكن تسميته باإلرجاعات اإلستباق ّية واإلستباقات اإلرجاع ّية‪.‬‬ ‫تتغي عرب األحداث أو املقاطع الحكائيّة وكذلك امل ّدة ال ّزائفة التي يرى إليها أنّها‬ ‫•عالقات الدميومة‪ ،‬ورأى إليها ّ‬ ‫السعة التي تتض ّمن موضوع م ّدة الحيك‪.‬‬ ‫طول ّ‬ ‫النص‪ ،‬وعالقة هذا الطول بالحيك‪ ،‬أي عالقة ّ‬ ‫هناك غري إشكاليّة تواجه التحكّم بنوعية العالقات عىل مستوى امل ّدة‪ ،‬وصعوبة قياسها ففي الحوار مثالً‪ ،‬يلتقي‬ ‫تتجل‬ ‫متغيات متع ّددة‪ّ ،‬‬ ‫الرسدي باملقطع‬ ‫املقطع‬ ‫ّ‬ ‫القصيص عند نقطة الصفر‪ .‬أمام هذه الحال‪ ،‬يجد الباحث أمامه ّ‬ ‫ّ‬ ‫القصة‬ ‫تبي القدرة عىل التّكرار يف ّ‬ ‫من خالل التّلخيص‪ ،‬والوقت‪ ،‬والحذف‪ ،‬واملشهد عالقات التوتر أو الرت ّدد‪ ،‬هذه ّ‬ ‫والحيك معاً(‪.)15‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .14‬سيزا قاسم‪ ،‬بناء الرواية‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫‪ .15‬تفاصيل هذه العالقة سعيد يقطيني‪ ،‬تحليل الخطاب الروايئ‪ ،‬ص ‪76‬‬


‫قصة جزيرة الوهم إلميل نرصالله‪.‬‬ ‫أ‪ -‬الفضاء ال ّزما ّين يف ّ‬ ‫التتب‪.‬‬ ‫أ‪ - 1 -‬عالقات ّ‬ ‫قصة " إستحقّت عيشها "‪ ،‬من مجموعة قصص جزيرة الوهم إلميل نرصلله‪.‬‬ ‫أ – ‪ – 1‬أ ‪ :‬كيفيّة اإلسرتجاع وداللتها يف ّ‬ ‫طبيعي عند اإلنسان فهو يخفّف من أعباء املرحلة الحارضة بهذه‬ ‫إ ّن العودة إىل املايض من خالل الذّاكرة أمر‬ ‫ّ‬ ‫العودة‪ .‬وكذلك تنبعث الذكريات إذا ما اصطدم بواقعه الحارض‪ ،‬بشكل يخالف صورة املايض التي ترتسم أمام‬ ‫عينيه‪ .‬إ ّن هذا اإلنبعاث قد يجعل الشخص ّية يف مواجهة مع وضعها الحا ّيل‪ ،‬ألنّها رمبا تجد نفسها من خالل تلك‬ ‫الذكريّات‪" :‬هذا الهروب إىل املايض ميثل إستمراريّة الذّات عن طريق استدعاء الذكريات ''(‪.)20‬‬ ‫استعادت ''إمييل نرصالله'' بعض مواقف املايض وصورته عىل صفحات "إستحقّت عيشها"‪ .‬هذه اإلستدعاءات قد‬ ‫القصة أحياناً‪ ،‬لتغطّي معظم صفحاتها‪ .‬تقول الشخصيّة "كانت'' حياة" رفيقتها‪ ،‬تشاركنا اللّعب بني‬ ‫متت ّد يف هذه ّ‬ ‫الصبيان ّية ''(‪.)21‬‬ ‫والصاخ والشّ يطنات ّ‬ ‫األزقّة‪ ،‬وتتف ّوق علينا يف ال ّركض ّ‬ ‫ومل تكن بني فتيات القرية من تضاهيها جامل شكلٍ وحيويّة‪ .‬وكأنّها بوجودها املعاىف كانت تتح ّدى إرادة والدها‪،‬‬ ‫رس الحياة العظيم ''(‪.)22‬‬ ‫وتنترص ل ّ‬ ‫ظل يرفض الواقع واإلعرتاف‬ ‫وكذلك ذكرت الشخصيّة'' ويف يقيني أنّها كانت تلقى تشجيعاً كبريا ً من والدها الذي ّ‬ ‫هب‬ ‫بوجود إناث من نسله "خالل اللّحظات التالية‪ ،‬التقاط بقية الحكاية‪ ،‬حني تع ّرضت قريتنا لهجوم العدو‪ّ ،‬‬ ‫السالح‪ ،‬فابنه‬ ‫ال ّرجال‪ ،‬مبا لديهم من سالح‪ ،‬يدافعون عن رشفهم وأرضهم ومل يكن يف دار "أيب ناصيف" رجل يحمل ّ‬ ‫الوحيد نصف إنسان‪ ،‬وهو مقعد بسبب العجز واملرض‪ ،‬أ ّما "حياة" فقد رفضت ال ّزواج‪ ،‬وبقيت تعمل يف التّدريس‬ ‫لتعيل أرستها‪ .‬وملّا وقعت الغارة كانت مستع ّدة‪ ،‬فحملت السالح لتدافع عن األرض‪ ،‬وأبدت شجاعة أثارت إعجاب‬ ‫مواطنيها ''(‪.)23‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .20‬محسبة حاج معتوق‪ ،‬أثر الرواية الواقعية يف الرواية العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر اللبناين‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ص ‪103‬‬ ‫‪ .21‬إمييل نرصالله ‪ ،‬إستحقت عيشها‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪ .22‬إمييل نرصالله ‪ ،‬إستحقت عيشها‪،‬ص ‪.80 -76 – 78‬‬ ‫‪ .23‬م‪.‬ن‪،‬ص ‪.80‬‬


‫ومن وظائفه أيضاً‪ ،‬أنّه ''يطلعنا عىل حارض شخص ّية اختفت عن مرسح األحداث ثم عادت للظّهور من جديد‬ ‫القصة‪.‬‬ ‫''(‪ .)18‬وقد يلجأ الكاتب إىل إستثامر غري وظيفة من هذه الوظائف يف ّ‬ ‫‪ .2‬تقن ّية اإلستباق ‪:‬‬ ‫ميكن أن تتناىف هذه التقنيّة مع عنرص التّشويق التي كانت رائجة عند الكتّاب التقليديّن‪ ،‬وقد تكون تخطيطاً من‬ ‫السد‪ ،‬تقوم عىل تجاوز‬ ‫قبل الشخص ّية‪ ،‬ملا سوف يفعله يف املستقبل وتع ّد هذه التقن ّية‪ ،‬يف األصل‪ ''،‬مخالفة لزمن ّ‬ ‫حارض الكتابة‪ ،‬وذكر حدث مل يحن وقته بعد''(‪ ،)19‬وميكن الوقوف عىل أنواع متع ّددة من تقنية اإلسرتجاع منها‬ ‫يل‪ ،‬وكذلك املختلط‪ ،‬وهذه كلّها تستخدمها بشكل يخدم غرض الكاتب‪.‬‬ ‫التّام‪ ،‬والجزيئ‬ ‫والخارجي والداخ ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ .3‬تقنية ال ّتضمني ‪:‬‬ ‫القصة آلداء وظيفة ما"‪،‬‬ ‫إ ّن ما يقصد بهذه التقن ّية هو'' إيراد حدث ما‪ ،‬أو أحداث تكون خارجة عن أحداث ّ‬ ‫النص‬ ‫قصة أو وثيقة‪ ،‬أو رسالة‪ ،‬أو نحوها‪ .‬وهذه التقنيّة املقمحة يف جسد ّ‬ ‫وتتع ّدد أنواع هذا املضمن‪ ،‬إذ قد يكون ّ‬ ‫تؤ ّدي دورا ً مع ّيناً يف اسرتاتيج ّية الكاتب‪ ،‬وتخدم الغرض الذي يرمي إليه‪.‬‬ ‫السد‪ ،‬من‬ ‫أجرى الكتاب كل من يوسف حطيني وزكريّا تامر وكذلك الكاتبة إمييل نرصالله مقصودا ً يف عمليّة ّ‬ ‫خالل جملة من التقن ّيات الّتي لجأوا إليها لغري هدف كام أسلف القول‪ .‬ومن بني هذه التقن ّيات املستخدمة ‪:‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬الفضاء الزما ّين‪ ،‬تدرس يف الفضاء الزما ّين مجموعة من القصص هي ‪ :‬جزيرة الوهم إلميل نرصالله‪،‬‬ ‫وأنياب زرقاء ليوسف حطّيني‪ ،‬وصهيل الجواد األبيض لزكريّا تامر‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .18‬حسن بحرواي‪ ،‬بنية الشكل الروايئ‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪ .19‬لطيف زيتوين‪ ،‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫بناء عىل ما تق ّدم‪ ،‬ميكن القول أ ّن اإلسرتجاع قد أ ّدى دورا ً يف ال ّداللة عىل طبيعة ونوعيّة التّفكري التي كانت سائدة‬ ‫وستظل قامئة حتى قمعها ولو امت ّدت لسنني طويلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ورمبا ال تزال يف بعض القرى ولك ّن سبل املواجهة كثرية‬ ‫ب ‪ -‬وكذلك تقن ّية اإلستباق ‪:‬‬ ‫القصة الحديثة‪ ،‬إال أنّها تتناىف مع فكرة التّشويق التي تشغل فكر كاتب‬ ‫''إ ّن هذه التقن ّية شائعة االستخدام يف ّ‬ ‫القصة باستمرار وهي تتّسم أحداثاً مل تقع بعد‪ ،‬أي هي أحداث يقينيّة وتنضوي يف سياق اإليقاعيّة التي تفرضها‬ ‫ّ‬ ‫القصة''(‪.)25‬‬ ‫إسرتاتيج ّية ّ‬ ‫السبب نجد أ ّن اإلستباق أو‬ ‫ومن املعروف أ ّن الروا ّيئ قد يفاجأ مع القارئ‪ ،‬بالتط ّورات غري املنتظرة ولهذا ّ‬ ‫الرسدي‪.‬‬ ‫اإلسترشاف كام يس ّمى قليل الوجود يف العمل‬ ‫ّ‬ ‫تستخدم الكاتبة تقنيّة اإلستباق فتقول ‪ " :‬وهذا يؤكد أن املرأة مل تعد وصمة عار مل تعد عالة عىل ال ّرجل‪ ،‬بل‬ ‫صارت تساويه‪ ،‬وتتف ّوق عليه يف بعض األحيان " وحياة " أكرب دليل عىل ذلك ''(‪.)26‬‬ ‫القصة‪ .‬فقد‬ ‫تستبق الكاتبة ال ّزمن‬ ‫وترسخ فيها يف نهاية ّ‬ ‫الواقعي‪ ،‬لتصل إىل الحكم الكبري الذي وجد أرضيّة صلبة ّ‬ ‫ّ‬ ‫القصة بأ ّن املرأة تساوي ال ّرجل بل تتف ّوق عليه يف بعض األحيان وإ ّن املرأة‬ ‫توصلت إليه يف نهاية ّ‬ ‫استبقت ما ّ‬ ‫الضعيفة قد انطوت وسحقتها إرادة "حياة"‪ .‬وهذا اإلستباق يكشف عن الوجع‬ ‫تستحق الحياة وأن أسطورة املرأة ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل امرأة تضع نفسها مكان " حياة " تلك الشخص ّية التي‬ ‫الذي كانت تحمله الشخص ّية ال ّرئيسة وكذلك عن وجع ّ‬ ‫القصة أل ّن "حياة" ذاقت مرارة وقساوة األب الظّامل‪ ،‬كام ذاقته البنات الربيئات من رفقائها‪ .‬ويف‬ ‫ذكرتها الكاتبة يف ّ‬ ‫الصعاب للوصول إىل الهدف الكبري وهو تثبيت املرأة دورها يف‬ ‫الوقت نفسه يوحي بالعزم واملثابرة عىل تخطّي ّ‬ ‫املجتمع ومعرفة قدرتها التي تضاهي ال ّرجل يف كثري من األحيان من ناحية ال ّنضال والعمل والشّ جاعة وال ّدفاع عن‬ ‫الوطن‪ .‬فكانت "حياة" مثاالً ح ّركت يف صفوف ال ّنساء ال ّروح الثوريّة ووضعت أمالً يف قلوب اآلباء الذين مل يرزقوا‬ ‫فرب امرأة خري من ألف رجل‪.‬‬ ‫بذكور بل فقط بإناث‪ّ .‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ -25‬عيل مهدي زيتون ‪ /‬النص من سلطة املجتمع اىل سلطة املتلقّي ‪ /‬ص ‪.127‬‬ ‫‪ -26‬إمييل نرصالله ‪ ،‬إستحقت عيشها‪،‬ص ‪.80‬‬


‫عادت الذاكرة بالشخص ّية ال ّرئيسة إىل الوراء‪ ،‬تسرتجع جوانب من حياة الطّفولة وخصوصاً عندما قالت "كانت عيناه‬ ‫عيني ٍ‬ ‫يدي القابلة‪ .‬سلخها‬ ‫وحش هائ ٍج يبحث عن فريسة ووقعت يداه عىل ضالّته‪ ،‬عىل املولودة الجديدة‪ ،‬بني ّ‬ ‫مثل ّ‬ ‫منها وأرسع إىل نافذة ترتفع بضعة أمتار عن مستوى الطّريق ثم قذفها إىل الخارج‪ ،‬بكل قوته"(‪.)24‬‬ ‫وكذلك طريقة التّفكري التي كانت سائدة ل ّونت حياة املجتمع آنذاك باملعاناة والقساوة‪ .‬إ ّن رفض األب "أبو ناصيف"‬ ‫البنته ولنسل ح ّواء هذا ال ّرفض أ ّدى به إىل رمي ابنته من ال ّنافذة يكشف عن مدى سلب ّية التّقاليد البالية‪ ،‬التي ال‬ ‫بالصبي الذي يحمل اسم العائلة‪ ،‬وعائلة "أبو ناصيف" هي واحدة من آالف األرس والعائالت التي تحمل‬ ‫تتيقّن إلّ ّ‬ ‫الذكوري‪ ،‬ولكن ما لبثت أن ذكرت الكاتبة منوذجاً يعارض هذا التّفكري ويدحضه‬ ‫األنثوي‬ ‫نفس التفكري والتّمييز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشفاء واألقوياء وبالتّايل "أبو‬ ‫لقصة "حياة" التي واجهت العدو وناضلت نضال الشّ جعان ّ‬ ‫بالكامل من خالل ذكرها ّ‬ ‫ناصيف" الذي رزق بطفل مل يستطع املواجهة وال ّدفاع بسبب املرض والعجز بينام "حياة" رفضت ال ّزواج لتعيل أرستها‪،‬‬ ‫السالح يف وجه العدو‪.‬‬ ‫ناهيك عن حملها ّ‬ ‫السائد واعتبار هذه القشور جوهر األشياء وكان‬ ‫ومن خالل ما سبق نجد أن اإلسرتجاع إشارة واضحة للخ ّط التقليدي ّ‬ ‫ال بد من حدث هام لتتح ّرك املرأة‪ ،‬وتقاوم لتتح ّدى وتناضل مثلها مثل الشّ عوب املغلوبة عىل أمرها‪ ،‬تنتظر يف‬ ‫اللوعي رضبة الغيب لتنتفض وتثور إلرادة الحياة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويتضمن هذا اإلسرتجاع داللة نفسيّة فهو إشارة واضحة ملا آل إليه التفكري من رفض األنثى إىل تقبّلها‪ .‬فالشخصيّة‬ ‫ولعل اإلشارة إىل امله ّمة‬ ‫التقليدي ّ‬ ‫ال ّرئيسة تحاول أن تستم ّد ق ّوتها وتحفيزها للميض قدماً يف رحلة مواجهة التّفكري‬ ‫ّ‬ ‫ال ّنضاليّة الّتي ذكرتها مع "حياة" هي املحفّز لإلستمرار بتلك ال ّرحلة‪.‬‬ ‫ّحركت ''حياة'' ت ّيارا ً يف صفوف ال ّنساء‪ ،‬ونرشت دعوتها بني سائر القرى تدعو فيه ال ّنساء إىل املشاركة يف مصري األ ّمة ‪...‬‬ ‫قصتها لتكون مثاالً وعربة لباقي العائالت الّتي مل تسمع بها‪،‬‬ ‫من هنا نجد أن الكاتبة تكمل بل تساعد حياة يف نرش ّ‬ ‫بقصة صغرية‬ ‫فكانت ''إمييل نرصالله'' من بني ال ّدعاة الّذين يرفضون عقل ّية "أبو ناصيف" فنسجت عباراتها وعقليتها ّ‬ ‫تتض ّمن أجمل معاين ال ّنضال والتّغيري‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ -24‬م‪.‬ن ‪،‬ص ‪.74‬‬


‫القصة‪ ،‬عىل صعيد األحداث الخارجيّة‪ ،‬إال أنّها تؤ ّدي‬ ‫من بني الوظائف التي تقوم بها الوقفة إجراء تبطىء يف تق ّدم ّ‬ ‫القصة‪.‬‬ ‫إىل دفع األمور إىل التّأزيم عىل صعيد داخيل وقد يكون هذا هدفاً من أهداف ّ‬ ‫أ‪ --2‬ج ‪ :‬تقن ّية املشهد ‪:‬‬ ‫هناك تطبيقات لهذه التقن ّية يف القصص التقليديّة‪ ،‬فهي ليست إذن حديثة العهد‪ ،‬ويبدو أنها مستهلّة من الف ّن‬ ‫نيص طويل‬ ‫الدرامي‪ ،‬وبأسلوبه‬ ‫املرسحي الذي يتميّز بالعرض‬ ‫ّ‬ ‫الحواري‪ .‬واملشهد " آونة زمنيّة قصرية تتمثّل يف مقطع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يق ّدم لحظات مشحونة ويدفع باألمور إىل الذروة "(‪.)32‬‬ ‫النص‪ ،‬أو تكون أكرب منها‪ ،‬وهذا يعني ال ّدخول يف التّفاصيل‪ ،‬وأ ّن ال ّزمن‬ ‫إن رسعة الحدث يف املشهد تساوي مساحة ّ‬ ‫مي ّر ببطء يف أثناء هذا املشهد‪ .‬ولدى املقارنة بني املشهد والتّلخيص‪ ،‬نجد أ ّن األ ّول ''يقع يف مراحل زمن ّية مح ّددة‪،‬‬ ‫القاص يف تقنيّة التّلخيص‪،‬‬ ‫خاصة‪ ،‬والثّاين يق ّدم مواقف عا ّمة عريضة''(‪ .)33‬ويتّجه القارئ إىل‬ ‫ّ‬ ‫كثيفة‪ ،‬مشحونة‪ّ ،‬‬ ‫القصة يف املشهد‪ ،‬وكأنّه أمام املرسح الذي تتح ّرك الشخص ّيات عىل خشبته‪.‬‬ ‫ويستمع إىل صوته‪ ،‬بينام شاهد ّ‬ ‫وللمشهد غري وظيفة‪ ،‬منها أنّه يعطي القارئ إحساساً باملشاركة الحادة يف الفعل‪ ،‬إذ ليس هناك فاصل يسبق الفعل‬ ‫وسامعه سوى الربهة التي يستغرقها صوت القاص يف أثناء قوله‪ .‬من أجل هذا‪ ،‬يستخدم املشهد للحظات املشحونة‪.‬‬ ‫الصاع‪ ،‬وتفكّر ‪ ،‬وتحلم‪.‬‬ ‫وهو انتقال من العام إىل الخاص‪ ،‬وما ذلك إال أ ّن الشخصيّة تتح ّرك ‪،‬وتتكلّم‪،‬وتخوض ّ‬

‫القص‪ ،‬وهذه الرسعة تتح ّدد ''بال ّنظر يف العالقة‬ ‫القصة هو ال ّزمن املستغرق يف رسعة ّ‬ ‫املقصود بعالقات الدميومة يف ّ‬ ‫القاص‬ ‫النص قياساً لعدد أسطره وصفحاته''(‪ .)34‬وبهذا يستطيع‬ ‫ّ‬ ‫بني م ّدة الوقائع أو الوقت الذي تستغرقه‪ ،‬وطول ّ‬ ‫يقص بصفحات‬ ‫يقص بفقرة قصرية أحداثاً استغرق حدوثها أشهرا ً طويلة‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬إذ يستطيع‬ ‫القاص أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫متع ّددة‪ ،‬ما حدث مب ّدة ال تتع ّدى ال ّدقيقة الواحدة‪ .‬ويع ّد الوصف من الوسائط التي يستخدمها الكاتب إليقاف‬ ‫ال ّزمن‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ -32‬عبد املجيد زراقط‪ ،‬يف بناء الرواية اللبنانية‪ ،‬ص ‪.708‬‬ ‫‪ -33‬سيزا قاسم‪ ،‬بناء الرواية‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫‪ -34‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.‬ن‪.‬‬


‫أ – ‪ : 2‬عالقات الدّ ميومة ‪:‬‬ ‫القصيص وهي بال ّنظر يف العالقة بني م ّدة الواقع‪ ،‬أو الوقت الذي‬ ‫القص يف العمل‬ ‫يقصد بهذه العالقات رسعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫النص قياساً لعدد أسطره وصفحاته ''(‪.)27‬‬ ‫تستغرقه‪ ،‬وطول ّ‬ ‫خاصة من األحداث من غري أن يغرق يف التّفاصيل التي‬ ‫القص‪ ،‬يختار الكاتب ما هو ذو داللة ّ‬ ‫السعة يف ّ‬ ‫أمام هذه ّ‬ ‫تنقل العمل‪ .‬وميكن أن يرسد الكاتب بصفحات متع ّددة م ّدة ال تتع ّدى ال ّدقيقة الواحدة‪ .‬هذه التقن ّيات لها‬ ‫وظيفة أساس ّية فن ّية‪ ،‬تهدف إىل إبراز دالالت مع ّينة يقصد إليها الكاتب ويلجأ إىل أربع تقن ّيات هي ‪:‬‬ ‫أ‪- 2 -‬أ ‪ :‬تقن ّية ال ّتلخيص ‪:‬‬ ‫نيص قصري ''(‪.)28‬‬ ‫تعرف تقنية التّلخيص بأنّها ''ضغط مرحلة زمن ّية يف مقطع ّ‬ ‫وتستخدم عندما يجد الكاتب أ ّن هناك مرحلة أو زمن ليس جدي ًرا باهتامم القارئ‪ ،‬أو تجري فيه أحداث ال يؤث ّر‬ ‫التقريري‪ ،‬يق ّدم فيها الكاتب املشاهد والشخص ّيات‬ ‫السد من الخرب‬ ‫يف سري ّ‬ ‫ّ‬ ‫القصة‪ ،‬يف هذه الحال‪ ،‬يقرتب ّ‬ ‫النص‪ .‬ومن املمكن القول " إ ّن للرواية قواعد يف استخدام‬ ‫واإلسرتجاع‪ .‬وهنا تكون رسعة الحدث الخرب من مساحة ّ‬ ‫الخاصة بها ''(‪.)29‬‬ ‫ولكل رسعة وظيفتها‬ ‫للقص‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫السعات املتع ّددة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‪ --2‬ب ‪ :‬تقن ّية الوقفة ‪:‬‬ ‫أي جزء من‬ ‫السد‪ ،‬وموقعها خارج زمن ّ‬ ‫القص‪ ،‬وتتمثّل ''بوجود خطاب ال يشغل ّ‬ ‫تشكّل هذه التقن ّية أبطأ رسعات ّ‬ ‫زمن الحكاية‪ ،‬والوقف ال يشكّل حدثاً أل ّن الحدث يرتبط بال ّزمن‪ ،‬بل يرافق التّعليقات التي يقحمها املؤلّف يف‬ ‫السد ''(‪ .)30‬ونجد نوعني من الوقفة أو اإلسرتاحة يف العمل الروا ّيئ ‪ :‬األ ّول هو ما يقوم به ال ّراوي وهو يوقف‬ ‫ّ‬ ‫السد‪ ،‬والثّاين تقوم به الشخص ّيات‪ ،‬عندما تتأ ّمل يف املحيط الذي تتواجد ضمنه‪ ،‬إذ يتح ّول البطل إىل سارد(‪.)31‬‬ ‫ّ‬

‫_______________________‬ ‫‪ -27‬مينى العيد ‪ ،‬تقنيات الرسد الروايئ ‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫‪ -28‬سيزا قاسم‪ ،‬بناء الرواية ‪،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪ -29‬م‪.‬ن‪،‬ص‪.‬ن‪.‬‬ ‫‪ -30‬لطيف زيتوين‪ ،‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ص ‪.175‬‬ ‫‪ -31‬حميد لحمداين‪ ،‬بنية الرسدي‪ ،‬ص ‪.68 – 67‬‬


‫وتلجأ األديبة إىل التّلخيص أيضاً ‪ " :‬ولك ّن األ يّام تب ّدلت‪ ،‬ومعها الحكايات ومل تكن الج ّدة حارضة بيننا يف تلك‬ ‫الجلسة "(‪.)37‬‬ ‫عادت الكاتبة لتؤكّد التّغيري الذي حصل بالقرية وبأفكار أصحابها‪ ،‬ومل تذكر ما حصل يف تلك األ يّام التي م ّرت‬ ‫ولعل وظيفة هذا التّلخيص‬ ‫معها أل ّن هدفها هو إلقاء ال ّنظر عىل أهم ّية تغيري طريقة التّفكري وتط ّوره نحو األفضل‪ّ ،‬‬ ‫هنا تتض ّمن أمرا ً واحدا ً هو أهم ّية التب ّدل الذي حصل ما بعد الحرب عىل صعيد طبيعة حياة اإلنسان‬ ‫واهتامماتهم‪.‬‬ ‫وما ذكر ما حدث مع "حياة" تلك الطّفلة التي أنقذتها ج ّدتها من املوت ولعبت معها الكاتبة أيّام الطفولة‪.‬‬ ‫فني‪ ،‬لخدمة هموم الرواية‪ ،‬تلك‬ ‫وبنا ًء عىل هذا‪ ،‬ميكن القول أ ّن األديبة قد استخدمت تقن ّية التلخيص بشكل ّ‬ ‫تعب عنها بنجاح‪.‬‬ ‫الهموم التي عرفت الكاتبة كيف ّ‬ ‫قصة استحقّت عيشها ‪:‬‬ ‫‪ 2‬تقن ّية املشهد ودالالتها عىل ّ‬‫قد تكون تقن ّية املشهد مناقضة لتقن ّية التلخيص‪ ،‬لجهة ال ّدخول يف التفاصيل أو الوقوف عند جزئ ّياتها ومتتلك هذه‬ ‫التقن ّية الفن ّية قدرة عىل كرس رتابة الحيك‪ ،‬من خالل الوظيفة الدرام ّية التي تؤ ّديها ويف املشهد نجد أ ّن مساحة‬ ‫الخاص‪ ،‬وذلك‬ ‫النص هنا تساوي رسعة الحدث أو أكرب منها بتعبريٍ آخر‪ ،‬ميكن أن ميثّل املشهد انتقاالً من العا ّم إىل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الضورة مبكان‬ ‫القاص‪ّ .‬‬ ‫برتكيزه عىل املواقف النفس ّية املشحونة والتوقّف أمام التّفاصيل التي تخدم غرض‬ ‫ولعل من ّ‬ ‫ّ‬ ‫قصة " استحقّت عيشها"‪ ،‬للوقوف عىل سبب حصولها واالنتقال بعد‬ ‫أن يت ّم البحث يف الوقفات التي تزخر بها ّ‬ ‫ذلك إىل تبيان وظيفتها‪.‬‬ ‫شكّل الحوار جانباً أساس ًّيا يف تقديم املشهد‪ ،‬وإغنائه بالتّفاصيل أيضاً وقد ق ّدمت ''إمييل نرصالله'' حوارا ً خالل‬

‫السد ولكن ليس طويالً ولك ّن وظيفته يف ال ّداللة عىل معاناتها الذات ّية حيناً وعىل وجع املجتمع النسا ّيئ حيناً آخر‪.‬‬ ‫ّ‬

‫_______________________‬ ‫‪ -37‬م‪.‬ن‪،‬ص ‪.79‬‬


‫التكيز عىل دالالت مع ّينة‪ ،‬يقصد‬ ‫تتض ّمن عالقات الدميومة مجموعة من التقنيات الفن ّية‪ ،‬تكون وظيفتها األساس ّية ّ‬ ‫الكاتب إليها‪ ،‬وإىل إبرازها‪ .‬وقد جرت العادة أن يلجأ ال ّروائيّون إىل أربع تقنيّات اقرتحها جينيت‪،))Genette‬‬ ‫وهذه التقن ّيات هي ‪ :‬تقن ّية التّلخيص‪ ،‬والوقف‪ ،‬وأخريا ً املشهد‪.‬‬ ‫قصة "استحقّت عيشها" ‪،‬من مجموعة جزيزة الوهم لزكريّا تامر‪.‬‬ ‫‪ 1‬تقن ّية ال ّتلخيص وداللتها يف ّ‬‫إن القيمة املطلقة أهم ّية املرأة ودورها يف املجتمع‪.‬‬ ‫ومن هنا يكون التّعويل عىل التّلخيص وليس للحدث بح ّد ذاته‪ ،‬ولهذا يسعى القاص‪ ،‬إىل التقاط اللّحظة‪ ،‬أو‬ ‫تعب عن هذه األهم ّية‪ ،‬ومن هنا يكون التّعديل عىل التّلخيص قليالً بهدف أبعد هو توصيل رؤيته‬ ‫اللّحظات التي ّ‬ ‫فالقصة التي امت ّدت عىل مساحة أربع عرشة‬ ‫إىل القارئ‪ ,‬ونلحظ أ ّن إميل نرصالله قد استخدمت هذه التقنيّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫القصة إىل سطر أو سطرين‪ ،‬فتخترص الكاتبة ال ّزمن‪ ،‬فتقول " لن أحاول‬ ‫صفحة قد تقلّص زمنها يف بعض صفحات ّ‬ ‫ال ّدخول يف تحليل شخصيّة ال ّرجل‪ ،‬بل أكتفي برسد الحكاية التي شغلت سكّان القرية‪ ،‬وظلّت حديث ال ّناس ردحا"‬ ‫من ال ّزمن"(‪.)35‬‬ ‫السنوات‪ ،‬فحملتني بعيدا ً عن قريتنا الوادعة‪ ،‬والحكايات املزروعة مع آثار أقدامنا‬ ‫" ‪ ...‬وم ّرت األ يّام‪ ،‬وانزلقت ّ‬ ‫الساحات وحني عدت قبل أيّام لزيارة األهل‪ ،‬الحظت أ ّن تح ّوالً جذريًّا قد طرأ عىل حياة ال ّناس‬ ‫فوق ال ّدروب ويف ّ‬ ‫ّبيعي الذي يفرضه مرور ال ّزمن ‪ :‬كان تب ّدالً فرضته الحرب التي ح ّولت قريتنا‬ ‫واهتامماتهم‪ ،‬وهو ليس التغيري الط ّ‬ ‫وسائر القرى الحدوديّة الجنوب ّية إىل خطر دائم التأ ّجج "(‪.)36‬‬ ‫السطور القليلة‪ .‬ونجد أن‬ ‫ق ّدمت الكاتبة أيّاماً متع ّددة بل سنوات عديدة مل تذكر عددها ّ‬ ‫بالضبط يف هذه ّ‬ ‫التّلخيص قد اقترص عىل املفاصل الرئيس ّية إذ ما يهم الكاتبة هنا‪ ،‬هو تغري أفكار ال ّناس وحياتهم بعد وقوع‬ ‫الحرب‪ ،‬ألنّها إذا ذكرت ما حصل خالل الحرب بتلك القرى يحتاج إىل مجلّدات للّتعبري عن ذلك الحدث‪.‬‬ ‫القصة هو إلقاء الضوء عىل نوعيّة التّفكري التي‬ ‫ولكن لجأت الكاتبة لهذا التّلخيص أل ّن هدفها‬ ‫الرئييس لكتابة هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫كانت سائدة آنذاك وكذلك ما حصل "لحياة" تلك البنت البطلة التي أثبتت للجميع أهميّتها وقدرتها‪.‬‬

‫عم فعلته الحرب‬ ‫ولذلك لجأت الكاتبة لتلخيص األحداث واأل يّام التي م ّرت معها قبل أن تأيت إىل القرية لتخربنا ّ‬

‫بعقليّة هؤالء ال ّناس‪.‬‬ ‫_______________________‬

‫‪ -35‬إستحقت عيشها‪ ،‬إمييل نرصالله ‪،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪ -36‬إمييل نرصالله ‪ ،‬إستحقت عيشها‪،‬ص ‪.78‬‬


‫''وقذف الطّفلة من ال ّنافذة جعلها تحيا يف ٍ‬ ‫تستحق العيش‪،‬‬ ‫تحد نراه اليوم يعطي مثاره‪ .‬لقد برهنت لل ّرجال أنّها‬ ‫ّ‬ ‫الضعيفة قد انطوت‪ ،‬سحقتها إرادة الحياة''(‪.)38‬‬ ‫واليوم تجاوزت هذا املنطق لتعلن لنا جميعاً أ ّن أسطورة املرأة ّ‬ ‫تغي تفكري أهل القرية وكيف أ ّن "حياة" قد أث ّرت عىل عقول‬ ‫وظّفت الكاتبة هذا الحوار للكشف عن مدى ّ‬ ‫الكثريين من أهل القرية وأصبحت عند الشّ باب مثالً يقتدى به من ناحية جرأتها وق ّوتها ونضالها‪.‬‬ ‫وأ ّما املقاطع الرسديّة التي تخلّلت هذا الحوار كانت عبارة عن اسرتجاع بعض ذكريات الحرب وما تع ّرضت له‬ ‫القرية من هجوم من قبل العد ّو الغاصب وما فعله ال ّرجال وكذلك "حياة" ملواجهة هذا العدو‪ .‬فلقد وضعت‬ ‫معي‪ ،‬ال يستطيع التّلخيص أن يجعله بتأثرياته املتع ّددة واملتن ّوعة‪ ،‬وهو كذلك يضعه وجهاً‬ ‫الكاتبة القارئ يف منا ٍخ ّ‬ ‫قصة "إستحقت الحياة"‪.‬‬ ‫لوجه‪ ،‬أمام الهموم الذّاتيّة التي تنضح بها ّ‬ ‫السد‪،‬‬ ‫واعتامد هذه التقن ّية الفن ّية قد يكون رضورة من رضورات الكتابة الفن ّية الناجحة وقد أوقفت الكاتبة ّ‬ ‫لتبثّ حقيقة مشاعرها‪ ،‬وهي الفتاة الفرحة بتحرير املرأة من قريتها وباقي بعض القرى من سلطة األب الظّامل‬ ‫والتّفكري بها عىل أنّها عائق وبالء‪ .‬لقد عرفت الكاتبة متى توقف الرسد‪ ،‬ومتى تق ّدم املشهد‪ ،‬حواريّا" وإغناء‬ ‫القصة ووحدتها‪.‬‬ ‫القصة بالتّفاصيل التي تجدها رضورة لتامسك ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 3‬داللة الوقفة ‪ :‬إستحقّت عيشها" ‪:‬‬‫القاص يستخدم هذه التقنيّة منها أنّه يشعر بتوقّف ال ّزمن نتيجة‬ ‫هناك غري غرض من األغراض الفنيّة يجعل‬ ‫ّ‬ ‫"وقوع حدث مفاجئ له تأثريه املبارش يف الشخصية فتشعر الذّات أو الشخص ّية أ ّن ال ّزمن قد توقّف تتابعه عند‬ ‫هذا الحدث"(‪.)39‬‬ ‫السد‪،‬‬ ‫يحس برضورته يف أثناء عمل ّية ّ‬ ‫ومنها اللّجوء إىل وصف املناظر الطبيع ّية‪ ،‬أو األشياء أو املناخ العام الذي ّ‬ ‫السد‪ .‬والوقفة مرتبطة بالوظيفة الفنيّة‪ ،‬وإبراز‬ ‫وم ّرر ذلك إىل وضع القارئ ضمن اإلطار العام الذي يت ّم من خالل ّ‬ ‫ال ّدالالت التي تخدم رؤية الكاتبة‪ ،‬كونها متتلك القدرة عىل تكسري رتابة الحيك من خالل وظيفتها الدرام ّية‪ .‬ميكن‬ ‫القول أ ّن "الوقفة تعني انتفاء ال ّزمن وانقطاع الحدث لصالح الوصف ''(‪.)40‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ -38‬إستحقت عيشها‪ ،‬إمييل نرصالله ‪،‬ص ‪.83 – 82 – 80 – 79‬‬ ‫‪ -39‬مراد مبارك ‪ /‬بناء الزمن يف الرواية املعارصة‪ .‬ص‪92 .‬‬ ‫‪130 Page ,111 Garard Genettes Figures -40‬‬


‫تتح ّدث الكاتبة عن عالقة الشخص ّية ال ّرئيسة بشباب أهل القرية‪ ،‬ثم تق ّدم مشهدا ً‪ ،‬فتجري حوارا ً تخلّلته مقاطع‬ ‫رسديّة‪ ،‬الستكامل اللّوحة التي تريد تقدميها فتقول الكاتبة ‪:‬‬ ‫•هل أخربوك عن "حياة" ؟ "حياة" بنت "أبو ناصيف" ؟‬ ‫السؤال صمت حاولت إحدى الرثثرات أن تخرقه بتعليقها‪.‬‬ ‫وعقب ّ‬ ‫•لو كان "أبو ناصيف" عارف شو بدو يطلع من هالبنت‪ ،‬ما كان رماها من الّشباك؟‬ ‫•أسكتها تعليق صبيّة مثقفة‪.‬‬ ‫•وهذا يؤكّد أ ّن املرأة مل تعد وصمة عار‪ .‬مل تعد عالة عىل ال ّرجل‪ ،‬بل صارت تساويه‪ ،‬وتتف ّوق عليه يف بعض‬ ‫األحيان‪ ،‬و "حياة" أكرب دليل عىل ذلك‪.‬‬ ‫هب ال ّرجال‪ ،‬مبا‬ ‫تابعت‪ ،‬من خالل اللّحظات التّالية‪ ،‬التقاط بق ّية الحكاية حيث تع ّرضت قريتنا لهجوم العدو‪ّ ،‬‬ ‫السالح ‪:‬فابنه الوحيد‬ ‫لديهم من سالح‪،‬يدافعون عن رشفهم وأرضهم ‪.‬ومل يكن يف دار "أبو ناصيف "رجل يحمل ّ‬

‫نصف إنسان‪ ،‬وهو مقعد بسبب العجز واملرض‪ ،‬واالبنة الكربى تز ّوجت وهاجرت منذ سنوات‪ .‬أّ ّما "حياة" فقد‬ ‫رفضت ال ّزواج‪ ،‬وبقيت تعمل يف التّدريس‪ ،‬لتعيل أرستها‪.‬‬ ‫السالح لتدافع عن األرض‪ ،‬وأبدت شجاع ًة أثارت إعجاب مواطنيها‪،‬‬ ‫وملّا وقعت الغارة كانت مستع ّدة‪ ،‬فحملت ّ‬

‫وح ّركت تيارا ً جديدا ً يف صفوف ال ّنساء‪ ،‬إذ أصبحت رائدة لرو ٍح ثوري ٍة كان ال بد من انبثاقها وأقدام األعداء تدنس‬ ‫رشف أرضنا‪ .‬ومل تكتف بنرش دعوتها يف قرية واحدة‪ ،‬بل راحت تتنقّل بني القرى‪ ،‬وتدعو ال ّنساء إىل نفض الخمول‪،‬‬ ‫والخروج عىل التّقاليد البالية التي أبقتهن عنرصا ً سلبيًّا ال يشارك يف مصري األ ّمة‪.‬‬ ‫•وأبوها‪ ،‬ماذا يقول ؟‬ ‫طرحت سؤايل يف الهواء‪ ،‬وأنا أدغدغ فرحه رست يف أوصايل وأفكّر أخريا ً تح ّركت املرأة يف قرانا''‪.‬‬ ‫وتط ّو ع شيخ جليل للر ّد عىل سؤايل ‪:‬‬ ‫التقليدي‪ ،‬ويعترب القشور‬ ‫•ال تلومي "أبا ناصيف" يا ابنتي مل يكن يعرف أكرث من ذلك‪ .‬كان مثلنا‪ ،‬يسري يف الخ ّط‬ ‫ّ‬ ‫جوهر األشياء ويده التي امت ّدت لتقذف فلذة كبده من ال ّنافذة كانت مدفوعة بإرادة أجيال مضت أجيال من‬ ‫إستعباد املرأة‪ ،‬واستضعافها‪ ،‬واالستخفاف بإمكاناتها‪ .‬وكان ال ب ّد من حدث هام لتتح ّرك املرأة وتقاوم‪ ،‬لتتح ّدى‬ ‫اللوعي رضبة الغيب لتنتفض وتثور إلرادة الحياة‪.‬‬ ‫وتناضل‪ .‬مثلها مثل الشّ عوب املغلوبة عىل أمرها‪ ،‬تنتظر يف ّ‬


‫التقليدي‪ ،‬ويعترب القشور‬ ‫" ال تلومي "أبا ناصيف" يا ابنتي‪ ،‬مل يكن يعرف أكرث من ذلك كان مثلنا يسري يف الخط‬ ‫ّ‬ ‫جوهر األشياء‪ ،‬ويده التي امت ّدت لتقذف فلذة كبده من النافذة كانت مدفوعة بإرادة أجيال مضت‪ ،‬أجيال من‬ ‫إستعباد املرأة‪ ،‬واستضعافها‪ ،‬واالستخفاف بإمكاناتها‪ .‬وكان ال ب ّد من حدث هام لتتح ّرك املرأة وتقاوم‪ ،‬لتتح ّدى‬ ‫وتناضل‪.‬‬ ‫اللوعي رضبة الغيب لتنتفض وتثور إلرادة الحياة‪ " .‬وقذف‬ ‫مثلها مثل الشّ عوب املغلوبة عىل أمرها تنتظر يف ّ‬ ‫تستحق العيش‪ ،‬واليوم‬ ‫الطّفلة من الناّفذة جعلها تحيا يف تح ٍّد نراه اليوم يعطي مثاره"‪ .‬لقد برهنت لل ّرجل أنّها‬ ‫ّ‬ ‫الضعيفة قد انطوت‪ ،‬سحقتها إرادة الحياة ''(‪.)43‬‬ ‫تجاوزت هذا املنطلق لتعلن لنا جميعاً أ ّن أسطورة املرأة ّ‬ ‫كل من نظر إىل املرأة نظرة إستعباد‬ ‫رصف ّ‬ ‫إ ّن الكاتبة قد وضعت هذه الشخصيّة (الشّ يخ الجليل) لتربر ت ّ‬ ‫التقليدي الذي اتّبعوه‪ ،‬فالكاتبة مل تذكر ذلك عىل لسانها بل وظّفت‬ ‫وإستخفاف وكأنّهم يضعون اللّوم عىل الخط‬ ‫ّ‬ ‫هذه الشخصيّة ليدافع عن هؤالء ال ّناس الذي شبّههم الشيخ بالشّ عوب املغلوبة عىل أمرها‪ ،‬ولك ّن الكاتبة مل تعر‬ ‫الضوء عىل إرادة املرأة وشجاعتها ونضالها وخصوصاً املرأة يف القرى‪ ،‬وقد‬ ‫أي شأنٍ بقدر ما سلّطت ّ‬ ‫هذا التّربير ّ‬ ‫أوحت الكاتبة بأ ّن املرأة تنتظر "حياة" وأمثالها لتشجيعها عىل التح ّرك وتح ّدي ال ّرجال لتثبت دورها وأهميّتها يف‬ ‫اإلنفرادي قد أ ّدى دوره يف إيصال ال ّداللة املقصودة عرب اإليحاء‪.‬‬ ‫ولعل هذا التّواتر‬ ‫املجتمع‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫التكراري وداللته ‪:‬‬ ‫أ‪ 3- -‬ب ‪ :‬الرت ّدد‬ ‫ّ‬

‫القاص أ ّن من الرضورة أحياناً أن يأيت عىل ذكر حدث ٍ‬ ‫القصيص وذلك‬ ‫نصه‬ ‫يجد‬ ‫القصة غري م ّرة يف ّ‬ ‫واحد من أحداث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للتّعبري عن الهواجس واملخاوف‪ ،‬أو التطلّعات التي يشري إليها هذا الحدث‪ .‬وهذا التّكرار املقصود يوحي بدالالت‬ ‫التكراري‪.‬‬ ‫القاص ومن أمثلة التواتر‬ ‫مع ّينة يهدف إليها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عيني وحش هائج يبحث عن‬ ‫ذكر الكاتبة ملا حصل للشخصيّة ال ّرئيسية "حياة" أثناء والدتها "كانت عيناه مثل ّ‬ ‫يدي القابلة سلخها منها وأرسع إىل نافذة ترتفع‬ ‫فريسة‪ .‬ووقعت يداه عىل ضالته‪ ،‬عىل املولودة الجديدة‪ ،‬بني ّ‬ ‫بضعة أمتار عن مستوى الطريق‪ ،‬ثم قذفها إىل الخارج بكل قوته"(‪.)44‬‬ ‫لو كان "أبو ناصيف" عارف شو بدو يطلع من هالبنت‪ ،‬ما كان رماها من الشّ باك"(‪.)45‬‬ ‫_______________________‬

‫‪ -43‬إمييل نرصالله ‪ ،‬جزيرة الوهم‪،‬ص ‪.83 – 82‬‬

‫‪ -44‬إمييل نرصالله‪ ،‬جزيرة الوهم‪.83 – 79 – 74 ،‬‬ ‫‪ -45‬م‪.‬ن‪،‬ص‪.‬ن‪.‬‬


‫القاص‪ ،‬الحالة التي تتملّك الشخصيّة ووصفت الوضع بشكل العام‪ ،‬ليتص ّور فيام بعد ر ّدة فعل‬ ‫لقد وصف‬ ‫ّ‬ ‫الشخص ّية تجاه نسل حواء‪.‬‬ ‫واحتقاره لهم‪ ،‬فتوقّف الكاتب ليصف نفسيّته ور ّدات فعله تجاه هذا ال ّنسل‪ ،‬فيقول ‪'' :‬أن يرزق املرء بنتاً وهو‬ ‫يتوقّع والدة بكر ذكر‪ ،‬يرث اسم العائلة‪ ،‬ويحمله إىل أبعاد املستقبل‪ ،‬يشكّل يف نظر الجار "أيب ناصيف" كارثة‬ ‫كربى واحتقار ال ّرجل لنسل ح ّواء عا ّمة‪ ،‬نتيجة فلسف ٍة خاص ٍة به‪ ،‬يوزّعه بالتّساوي عىل إناث العائلة‪ ،‬ابتدا ًء من‬ ‫أ ّمه‪ ،‬إىل زوجه‪ ،‬وانتها ًء بآخر ح ّبات العنقود‪ .‬وال أعلم ما هي األسباب ال ّدافعة إىل نقمته تلك ''(‪ ،)41‬فقد ص ّورت‬ ‫للقصة ‪,‬ووقفت عند‬ ‫القصة ‪,‬فقد م ّهدت ّ‬ ‫الكاتبة ووصفت شخصيّة "أبو ناصيف" ال ّرئيسة قبل ال ّدخول يف حنايا ّ‬ ‫نفس ّية "أبو ناصيف" ومل تعط سبباً واحدا ً ي ّربر كره الشخص ّية لنسل ح ّواء سوى بأنّها عقل ّية التقت مع غريها من‬ ‫أمثاله يف القرية‪.‬‬ ‫أ‪ : 3 -‬ثالثا‪ :‬عالقات الرت ّدد ‪:‬‬ ‫النص الروا ّيئ ‪:‬‬ ‫إ ّن تواتر الحدث‪ ،‬ومع ّدل هذا التواتر هو ما تبحث فيه هذه العالقات‪ .‬وهي تنقسم ثالثة أقسام يف ّ‬ ‫اإلنفرادي ‪ :‬يكون الخطاب وحيدا ً يف عالقات الرت ّدد هذه‪ ،‬وهذا يعني أنّه يحيك م ّرة واحدة حدثاً قد‬ ‫‪ - 1‬الرت ّدد‬ ‫ّ‬ ‫جرى م ّرة واحدة‪.‬‬ ‫التكراري ‪ :‬يتشكّل هذا ال ّنوع من الرت ّدد عندما تحيك خطابات متع ّددة حدثاً واحدا ً‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الرت ّدد‬ ‫ّ‬ ‫النمطي ‪ :‬وهذا الرت ّدد يحيك م ّرة واحدة‪ ،‬جملة من األحداث التي قد تكون متشابهة أو متامثلة''(‪.)42‬‬ ‫‪ - 3‬الرت ّدد‬ ‫ّ‬ ‫اإلنفرادي وداللته ‪ :‬إستحقّت عيشها‪:‬‬ ‫أ‪- 3 -‬أ ‪ :‬الرت ّدد‬ ‫ّ‬ ‫التكيز عىل‬ ‫مهمً يف توضيح رؤيتها إىل ما حولها‪ .‬والشخصيّات التي ت ّم ّ‬ ‫أناطت ّ‬ ‫القصة بالشخصيّات ال ّرئيسة دورا ً ّ‬ ‫التغي املطلوبة‪ ،‬مبا يتوافر‬ ‫أدوارها هي شخص ّيات ذات مكانة متم ّيزة يف املجتمع‪ ،‬وهي األقدر عىل أحداث عمل ّية ّ‬ ‫اإلنفرادي سيكون ضئيالً يف (إستحقت الحياة)‪.‬‬ ‫ربا يساعد هذا التّوضيح عىل القول إ ّن التواتر‬ ‫ّ‬ ‫لها من مق ّومات ّ‬ ‫نقع عىل مثال من الخطاب الذي يكون وحيدا" ويحىك مرة واحدة‪ .‬منها قول شيخ جليل ر ّدا ً عىل سؤال طرحته‬ ‫الكاتبة‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ -41‬ص ‪70 - 69‬‬ ‫‪ -42‬سعيد يقطني‪ ،‬تحليل الخطاب الروايئ‪ ،‬ص ‪.78‬‬


‫الضوء عىل الوضع الذي كان قامئاً أيّام الحرب وما فعلته باألرض من خراب‬ ‫فداللة ما ذكرته الكاتبة لتسليط ّ‬ ‫ومجازر وناهيك عن تغيري طباع ال ّناس ونفسيّاتهم وتفكريهم واهتامماتهم‪ ,‬فإ ّن هذه الحرب عىل الرغم من‬ ‫سلب ّياتها التي ال تع ّد وال تحىص‪ ,‬فلقد كان لها إيجابية كامنة يف جمع شمل الجميع وزرعت املح ّبة يف قلوبهم‬ ‫وغيت تفكريهم وعقليّاتهم ‪,‬وكذلك ما صنعته "حياة" يف الحرب ‪,‬كان مثاالً يقتدى به باقي ال ّنساء‪ ,‬فلقد حركت‬ ‫ّ‬ ‫ال ّروح الثوريّة وخصوصاً يف قلوب ال ّنساء لتواجه العد ّو وتحاربه مثلها مثل ال ّرجل ‪,‬وكذلك فإ ّن هذه الحرب كانت‬ ‫األنثوي‪ .‬فليستع ّدوا‬ ‫الذكوري فقط بل ما يواجههم أيضاً العنرص‬ ‫عرب ًة للعدو ليعرفوا أ ّن من يقاومهم ليس العنرص‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحل بها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لذلك يف امل ّرة الثانية فهناك قلوب قويّة وجرأة ال مثيل لها عند ال ّنساء يعجز الكثري من ال ّرجال‬ ‫فكانت وظيفة هذا التّواتر رسالة مو ّجهة للعد ّو قبل العقول املتأخرة يف ال ّداخل‪ ,‬فهي رسالة وطنيّة بكل ما‬ ‫معنى‪.‬‬ ‫للكلمة من‬ ‫ً‬ ‫مطي ‪:‬‬ ‫أ‪ - 3 -‬ج‪ .‬الرت ّدد ال ّن ّ‬ ‫الرسدي لل ّزمن الطّويل املمت ّد الذي شعرت به الذّات"(‪.)48‬‬ ‫إن هذه التقن ّية الفن ّية تتض ّمن "حاالً من التّكثيف‬ ‫ّ‬ ‫تعب‬ ‫كل مساء‪ ،‬أو ّ‬ ‫وهذا التّكثيف يتطلّب إيجاز األحداث النمطيّة التي تتك ّرر يوميًّا‪ ،‬أو ّ‬ ‫كل شهر‪ ،‬يف جملة واحدة‪ّ ،‬‬ ‫عن هذا ال ّزمن املتك ّرر الذي مت ّر به الشخص ّية‪.‬‬ ‫مطي ‪ :‬تقول الكاتبة'' كانت ذاكرة ج ّديت حاملة بالحكايات‪ ،‬ترسدها لنا‬ ‫ميكننا الوقوف أمام هذا املثل من الرت ّدد ال ّن ّ‬ ‫الصغار وليايل الشّ تاء وك ّنا ال ّ‬ ‫نشك بكلمة من أقوالها‪ ،‬وتص ّدق حتّى األساطري التي تروي مغامرات''‬ ‫يف أويقات ّ‬ ‫الشّ اطر حسن'' و''الطّائر األخرض'' وقد ظلّت حكاية الجار أغربها جميعاً‪ ،‬وذلك ألنّه كان يسهل علينا أن نربط‬ ‫األحداث بالشخص ّيات الح ّية املتح ّركة حولنا''(‪.)49‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ -48‬مراد مبارك‪ ،‬بناء الزمن يف الرواية املعارصة‪.146 ،‬‬ ‫‪ -49‬إمييل نرصالله‪ ،‬جزيرة الوهم ‪.78 – 77‬‬


‫تستحق العيش‪،‬‬ ‫"وقذف الطّفلة من ال ّنافذة جعلها تحيا يف تح ًّد نراه اليوم يعطي مثاره"‪ .‬لقد برهنت لل ّرجل أنّها‬ ‫ّ‬ ‫الضعيفة قد انطوت‪ ،‬سحقتها إرادة العيش"‪.‬‬ ‫واليوم تجاوزت هذا املنطلق لتعلن لنا جميعاً أ ّن أسطورة املرأة ّ‬ ‫النص‪ ،‬فهي طفلة صغرية‪ ،‬جميلة رماها والدها من ال ّنافذة ألنّها‬ ‫ك ّررت الكاتبة رمي "حياة" من الناّفذة غري م ّرة يف ّ‬ ‫فقط انثى وليست ذكرا ً يحمل إسمه‪ ،‬هذا ذنبها‪ ،‬فتح ّملت نظرات أبيها املؤملة البعيدة عن العطف والحنان وذلك‬ ‫ألنّه صدم بوالدتها فهو يتنظر "ناصيف" ليحمل اسم العائلة‪.‬‬ ‫لقد وظّفت الكاتبة هذا التّواتر لتقديم غري داللة ترمي إليها‪ ،‬لعلّها تقصد إىل الكشف عن العقل ّية القامئة عىل كره‬ ‫نسل ح ّواء يف حني أ ّن "حياة" قد صنعت مجدا ً عجز عنه ابنه"ناصيف" الذي رزق به فيام بعد فلقد ناضلت‬ ‫بشجاعة وأعالت عائلتها ومل تتز ّوج من أجل ذلك‪ .‬وقد قصدت الكاتبة بتكرارها أوالً كام ذكر سابقاً ملعرفة الخط‬ ‫التقليدي ّالذي كان يتمثّل به هؤالء ال ّناس وكذلك عربة ورسالة لباقي ال ّناس وخصوصاً ألصحاب عقول ذلك الخط‬ ‫فرب أنثى خري من ألف ذكر‪ .‬أل ّن عائلة "أبو‬ ‫أن ميحوا تلك القشور البالية من رؤوسهم ويشكروا الله عىل عطاياه‪ّ ،‬‬ ‫الصعاب وكذلك ملا‬ ‫ناصيف" ما كانت لتست ّمر بالحياة لوال وجود "حياة" ومساعدتهم عىل العيش وعىل تخطّي ّ‬ ‫ح ّركت ال ّروح الثوريّة يف صدور باقي ال ّنساء يف أنحاء القرى‪ .‬وكذلك فقد ذكرت الكاتبة فتقول ‪:‬‬ ‫"حني عدت قبل أيّام لزيارة األهل‪ ،‬الحظت أ ّن تح ّوالً جذريّاً قد طرأ عىل حياة ال ّناس واهتامماتهم‪ ،‬وهو ليس‬ ‫الطبيعي الذي يفرضه مرور ال ّزمن‪ .‬كان تب ّدالً فرضته الحرب التي ح ّولت قريتنا‪ ،‬وسائر قرى الحدود‬ ‫التغي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجنوبيّة‪ ،‬إىل خ ّط نار دائم التا ّجج"(‪.)46‬‬ ‫هب ال ّرجال‪ ،‬مبا لديهم‬ ‫"وتابعت‪ ،‬خالل اللّحظات التّالية‪ ،‬التقاط بق ّية الحكاية ‪ :‬حني تعرض قريتنا لهجوم العد ّو‪ّ ،‬‬ ‫السالح ‪ :‬فابنه الوحيد نصف‬ ‫من سالح‪ ،‬يدافعون عن رشفهم وأرضهم ومل يكن يف دار "أيب ناصيف" رجل يحمل ّ‬ ‫إنسان‪ ،‬وهو مقع ٌد بسبب العجز واملرض‪ ،‬واالبنة الكربى تز ّوجت وهاجرت منذ سنوات‪ .‬أ ّما "حياة" فرفضت ال ّزواج‬ ‫السالح لتدافع عن األرض‪ ،‬وحركت تيارا ً جديدا ً يف صفوف ال ّنساء‪ ،‬إذ أصبحت رائدة لروح ثوريّة كان ال‬ ‫وحملت ّ‬ ‫بد من انبثاقها وأقدام األعداء تدنّس رشف أرضنا‪ .‬ومل تكتف بنرش دعوتها يف قرية واحدة‪ ،‬بل راحت تنتقل بني‬ ‫القرى وتدعو ال ّنساء إىل نفض الخمول‪ ،‬والخروج عىل التّقاليد البالية التي أبقتهن عنرصا ً سلبيًّا ال يشارك يف مصري‬ ‫األ ّمة''(‪.)47‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ -46‬إمييل نرصالله‪ ،‬جزيرة الوهم‪82 – 78 ،‬‬ ‫‪ -47‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.‬ن‪.‬‬


‫‪ - 2‬املبحث الثّاين ‪ :‬أنياب زرقاء ليوسف حطيني ‪:‬‬ ‫‪ -2‬أ ‪ : 1 -‬اإلطار ال ّزما ّين لألحداث ‪:‬‬ ‫الوجودي ‪:‬‬ ‫مستوى ال ّزمان‬ ‫ّ‬ ‫عاشت الشّ خصيّة ال ّرئيسة طالل أبو رحمة‪ ،‬ذلك املص ّور الّذي يحمل آلة التّصوير عىل كتفه متّجهاً نحو عمله‬ ‫وضعاً نفسياً س ّيئاً‪ ،‬تجاه ما يشعر به وما يسمعه خالل تصويره للمشاهد واملجازر الّتي يرتكبها العدو‪ ,‬ولكن ما‬ ‫أحسه طالل أبو رحمة ذلك اليوم املشؤوم‪ ،‬تعجز الكلامت عن وصفه وخصوصاً عندما رأى ذلك الطفل الربيء‬ ‫ّ‬ ‫الّذي قتل عىل أيدي العدو الغاصب وهو يحتمي خلف يداي والده فعجزت األيدي ‪,‬وعجز الوالد عن حامية طفله‬ ‫من ذلك الرصاص الّذي ال يعرف ال ّرحمة‪.‬‬ ‫الصعب‪ .‬فقد رسد‬ ‫القصة جاء طويالً ‪,‬نظرا ً لوضع الشّ خص ّية ال ّرئيسة‬ ‫النفيس ّ‬ ‫ومن هنا نرى أ ّن ال ّزمن يف هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكاتب األحداث بدقّة وحتّى ما شعر به املص ّور طالل أبو رحمة الّذي قام بتصوير ذاك املشهد املفجع‪ ،‬الّذي‬ ‫كل يشء ولكن ما ال ميكن تفسريه شعور ذلك األب العاجز عن‬ ‫فالصورة الّتي التقطها قالت ّ‬ ‫حصل يف مخ ّيم الربيج‪ّ ،‬‬ ‫واللجئ إىل حضنه وهو ميوت أمام عينيه‪.‬‬ ‫حامية ولده القابع يف حجره ّ‬ ‫يدب‬ ‫فيقول الكاتب ‪":‬يختبئان خلف الرباميل‪ ،‬فيام ينهمر ال ّرصاص عليهام كاملطر واألب العاجز عن حامية ابنه ّ‬ ‫الصغري وآلة التّصوير ترتجف بني يدي طالل كديك مذبوح"(‪.)52‬‬ ‫املوت وال ّرصاص عن ذلك الجسد ّ‬ ‫هذا ما ّ‬ ‫أحس بالكامريا ترتجف من ش ّدة رعب املشهد‪ ،‬فهذا‬ ‫يدل عىل مدى تأثر الشّ خص ّية باملشهد الفظيع ‪,‬فقد ّ‬ ‫دليل عىل مدى فظاعة ما رأته الشّ خصيّة ال ّرئيسة من عجز وخوف ورعب يف آنٍ معاً‪.‬‬

‫اإلطار ال ّتاريخي ّ‪:‬‬

‫الضعيف‪.‬‬ ‫القصة يف زمن مل تعد الكلمة وال حتى الرصخة تسمع‪ ،‬يف زمنٍ‬ ‫القوي سيطر عىل ّ‬ ‫تدور أحداث هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليوم الّذي نطقت شفتا الشّ خصيّة ال ّرئيسة هذه الكلام ت"الكالم مش مثل الشوف والصورة مش مثل الحقيقة"‪.‬‬ ‫اليوم الّذي بدأت فيه الكوابيس تتواىل عىل نومها املتعب‪ ،‬اليوم الّذي نشد فيه طالل أبو رحمة أنشودته الّتي‬

‫يحبّها للشّ اعر محمود درويش وتبدأ بـ آه يا خمسون لحناً دمويّاً وتنتهي مبغنيك انترص ‪ 7/10/2000‬هذا هو‬ ‫القصة‪.‬‬ ‫السنة الّتي دارت فيه أحداث هذه ّ‬ ‫اليوم‪ ،‬وهذه هي ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ -52‬أنياب زرقاء ‪ ،‬مدينة البامياء‪ ،‬يوسف حطّيني‪ ،‬ص ‪.3‬‬


‫تقصها الج ّدة عىل الكاتبة غري م ّرة‪ ،‬يجعل الكاتبة تشعر‬ ‫السطور توحي بتكرار رسد الحكايات التي كانت ّ‬ ‫هذه ّ‬ ‫بوجود ج ّدتها دامئاً وكأنّها أمامها وهي ذات داللة أيضاً عىل مدى اشتياقها للج ّدة وحتّى األساطري التي كانت‬ ‫مم ّ‬ ‫يدل عىل أ ّن الكاتبة تتم ّنى عودة تلك األ يّام لرؤية الج ّدة‪ ،‬ويومىء يف الوقت ذاته‪ ،‬عىل أ ّن‬ ‫ترويها تصدقها ّ‬ ‫قصة "حياة" التي روتها الج ّدة للكاتبة صحيحة مئة باملئة أل ّن الج ّدة مصدر ثقة لدرجة صدقت الكاتبة األساطري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتق ّدم الكاتبة "نرصالله" منوذجاً آخر من التّواتر النمطي‪ ،‬فتقول "وكان ال ّناس يالحظون الفارق الشّ اسع بني‬ ‫"كل طلعة‬ ‫الطفلني‪ ،‬ويه ّزون رؤوسهم وهم ير ّددون" هكذا تنتقم الحياة م ّمن يحاول أن يعىص ناموسها"‪ ،‬أو ّ‬ ‫تقابلها نزلة"‪ ،‬وأقوال أخرى كثرية"(‪.)50‬‬ ‫يحسون بقدرة الله والخوف‬ ‫إ ّن ال ّندم والخوف هام أ ّول ما يلفت ال ّنظر هنا‪ ،‬فرؤية ال ّناس لناصيف ولحياة جعلهم ّ‬ ‫مم ّ‬ ‫يدل عىل تق ّبلهم بعطايا الله‪ ,‬وحتّى لو عىل‬ ‫مم جعلهم ير ّددون كلّام رأوا الطفلني تلك األقاويل وهذا ّ‬ ‫منه ّ‬ ‫مضض فقط خوفاً من أن يصيبهم كام أصاب "أبو ناصيف" بسبب فعلته وكرهه لإلبنة ولنسل ح ّواء‪ ،‬فكان درساً مل‬ ‫قصة "حياة"‬ ‫يتعلّمه "أبو ناصيف" فقط‪,‬بل ّ‬ ‫كل من سمع بسريته وخصوصاً أهل القرية والقرى املجاورة‪ ,‬فكانت ّ‬ ‫مثالً اقتدى بها الجميع‪ ،‬ومهام يكن من أمر‪ ،‬فإ ّن التّواتر بأنواعه التي ق ّدمت قد أسهمت يف الكشف عن العقليّة‬ ‫التي كان يحملها أهل القرى تجاه نسل ح ّواء عا ّمة‪ ،‬وكذلك عن ال ّدرس الذي تعلمه "أبو ناصيف" وكذلك أبناء‬ ‫عبت‬ ‫القرية ليعرفوا قيمة املرأة وقدرتها ومواجهتها للعدو التي يعجز عنها ال ّرجال يف بعض األحيان ‪,‬وقد ّ‬ ‫الشخص ّية ال ّرئيسة عن هذه القدرة وهذه املواجهات إن كان بوجه العدو وكذلك مواجهة أحاديث ال ّناس‬ ‫وخصوصاً أباها خري تغري وخري مواجهة‪.‬‬ ‫والقاص ال ّناجح هو الذي "يحمل هذه الشخص ّية هواجس شعب وتجعلها شاهدا ً عىل ما يف عامله من تناقضات‬ ‫ّ‬ ‫وصدوع وما يبطن هذا كلّه من حنني وأشواق وحرسات وما يخرتق اللّحظات من رؤى"(‪.)51‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ -50‬م‪.‬ن‪،‬ص ‪. 77‬‬ ‫‪ -51‬خالدة سعيد‪ ،‬حركية األبداع‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار العودة‪ ،‬ط‪ ،1979 ،1‬ص ‪.16‬‬


‫قالت الذّاكرة ‪ :‬خرجت الفيتناميّة كيم فوك من منزلها عارية‪ ،‬بعد أن أصيبت بحروق يف جلدها نتيجة إللقاء‬ ‫املقاتالت األمريكية قنابل النابامل عىل قريتها‪.‬‬ ‫قال الشّ اعر الّذي مل يعش عرس ال ّدم ‪:‬‬ ‫سأكرس قلمي‪.‬‬ ‫قال الشّ هيد ‪:‬‬ ‫آه يا خمسون لحناً دمويّاً‬ ‫كيف صارت بركة ال ّدم نجوماً وشجر‪.‬‬ ‫الذي مات هو القاتل يا قيثاري‪.‬‬ ‫مغنيك انترص''(‪.)53‬‬ ‫لقد عادت الشّ خص ّية بهذه الذكريات إىل الوراء لتسرتجع ما قاله الشّ هيد وما قالته الذاكرة وكذلك ميثاق حقوق‬ ‫اإلثني عرش ربيعاً‬ ‫كل هؤالء وصفوا ما حدث يف مخيّم الربيج‬ ‫والجندي وأيضاً األب والشّ اعر ّ‬ ‫اإلنسان والطّالب ذو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة وإحساسه الخاص إ ّن ما حصل مع األب وابنه تقش ّعر له األبدان وتعجز الكلامت‬ ‫كل عىل طريقته‬ ‫ولكن ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن وصفه وهذا أهم ما ّ‬ ‫دل عىل هذا اإلسرتجاع‪.‬‬ ‫وقد أسرتجعت إسرتجا ًعا خارج ًيا فتقول ‪" :‬وفجأة خطرت إىل رأيس امليلء بضجيج الرصاص أغنية هادئة ‪":‬سرنجع‬ ‫خبين العندليب غداة التقينا عىل منحنى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الساحة‪ ،‬وهو يحتمي بأبيه‪ ،‬أثر يف تذكّر تلك األغن ّية بالذّات‪ ،‬يركض األب‬ ‫رمبا كان لذلك الطفل القادم من طرف ّ‬ ‫والطفل‪ ،‬يصالن إىل جدا ٍر كتب عليه قرار حاسم رسيع ‪ :‬ما أخذ بالق ّوة ال يسرت ّد بغري الق ّوة ''(‪.)54‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ -53‬يوسف حطيني‪ ،‬أنياب زرقاء ‪،‬ص ‪.2-1‬‬ ‫‪ -54‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.3‬‬


‫حيث قتل ذلك الطفل الّذي يحتمي خلف أيدي والده العاجز عن حامية نفسه وفلذة كبده وهذه األحداث التي‬ ‫ذكرت قد حصلت مع أشخاص عديدين‪.‬‬ ‫التتيب يف أنياب زرقاء ‪:‬‬ ‫ب‪ -‬عالقات ّ‬ ‫القصة حتّى نهايتها وكام أ ّن هذه العالقات والتّقنيّات الّتي‬ ‫لقد رسد الكاتب األحداث بدقّة وتسلسل من بداية ّ‬ ‫القصيص الّذي يغاير زمن األحداث فنجد أ ّن هذه التّقن ّيات عديدة منها ‪:‬‬ ‫يتشكل عىل أساسها ال ّزمن‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1‬تقن ّية اإلسرتجاع ‪:‬‬‫عندما يريد اإلنسان أن يخفّف من أعباء الحارض فإنّه يعود إىل املايض من خالل بعض الذكريات‪ ,‬وعندما تصطدم‬ ‫عيني هذا اإلنسان‪.‬‬ ‫هذه الذكريات بواقعه الحارض بشكلٍ يخالف صورة املايض الّتي ترتسم أمام ّ‬ ‫فالشّ خص ّية ترى نفسها من خالل تلك الذكريات وخصوصاً إذا كانت تلك الذكريات أوجاع نفس ّية‪ ,‬تعجز الشّ خص ّية‬ ‫عن إقتالعها من ال ّرأس ومن الذكريات لحضورها املتك ّرر يف الذاكرة‪.‬‬ ‫إستعاد يوسف حطّيني‪ ،‬بعض مواقف املايض وأقواله وصوره عىل صفحات أنياب زرقاء‪ .‬وهذه اإلستدعاءات‬ ‫القصة الّتي تتأ لّف من أروع صفحات‪ ,‬فقد اسرتجعت الشّ خصيّة اسرتجاعات داخليّة‬ ‫امتدت لتصل إىل نصف ّ‬ ‫فتقول ‪" :‬توارت جدران مخيم خلف القضبان‪ ،‬وتوارى برميل خلف أحد هذه الجدران بينام توارى أب خلف‬ ‫الربميل‪ ،‬وخلف األب متاماً توارى طفل بعمر ال ّزهور‪ .‬طلقات حاقدة اخرتقت القضبان واملخيّم والجدران والربميل‬ ‫وكف األب الحانية‪ ،‬والطفل والزهور‪ ،‬وكتبت بدم قان ‪ :‬هنا مخيم الربيج‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قال ميثاق حقوق اإلنسان ‪:‬‬ ‫من حق الطّفل أن يعيش‪.‬‬ ‫اإلثني عرش ربيعاً‪ ،‬وهو يقرأ موضوعاً يف التّعبري الح ّر ‪:‬‬ ‫قال الطّالب ذو‬ ‫ّ‬ ‫كنت أحلم عندما كنت صغريا ً (!)أن أكون يف املستقبل مهندساً أو طبيباً‪ ،‬وعندما رأيت ذلك املنظر الّذي حفر يف‬ ‫ذاكريت أخدودا ً عميقاً‪ ،‬إكتشفت أ ّن أحالمي كانت سخيفة‪.‬‬ ‫يجب أن أكون ط ّيارا ً‪.‬‬ ‫الجندي ‪ :‬لن تستطيع يداك الواهنتان أيّها األعزل عن أن تكونا مرتاساً يحمي طفلك من ال ّرصاص الّذي ال‬ ‫قال‬ ‫ّ‬ ‫يقهر‪.‬‬ ‫قال األب ‪ :‬مات الولد‪.‬‬


‫الفلسطيني‪ ،‬ألنّها ذاقت مرارة‬ ‫هذا اإلستباق يكشف عن الوجع الّذي مأل قلب الشّ خصيّة وكذلك عن وجع الشّ عب‬ ‫ّ‬ ‫الظّلم كام ذاقها وما يزال يتذ ّوقها هذا الشّ عب املظلوم‪.‬‬ ‫ج‪ -‬عالقات الدميومة ‪:‬‬ ‫قصة أنياب زرقاء ‪:‬‬ ‫‪ 1‬تقن ّية ال ّتلخيص وداللتها يف ّ‬‫القاص هذه التقنيّة ‪,‬عندما يجد أن هناك مرحلة زمنيّة ليست ذات أهميّة بال ّنسبة للقارئ‬ ‫يستخدم الكاتب أو‬ ‫ّ‬ ‫الضوء عىل األحداث األكرث أهم ّية الّتي تخدم‬ ‫القصة‪ ،‬فنعمد إىل هذه التقن ّية حيث يسلّط ّ‬ ‫وأحداثها ال تؤث ّر يف سري ّ‬ ‫القصة‪.‬‬ ‫السد أو ّ‬ ‫سري ّ‬ ‫القاص ال ّزمن فيقول عىل لسان الشّ خص ّية ال ّرئيسة ‪" :‬كانت أ ّمه تبيك بكا ًء حا ًّرا ً عندما حىك لها عن‬ ‫فيخترص‬ ‫ّ‬ ‫شلل‬ ‫الصورة ذاتها‪ ،‬ولكن أحدا ً مل يشأ أن يقاطع ّ‬ ‫التّفاصيل‪ ،‬دون أن تسأله‪ ،‬حني حىك للجميع الّذين كانوا قد رأوا ّ‬ ‫الصورة مش مثل الحقيقة"(‪.)57‬‬ ‫الكالم وال ّدم الّذي يتدفّق كلّام ‪ ...‬شفتيه ‪" :‬الكالم مش مثل الشّ وف‪ّ ،‬‬ ‫السطور القليلة‪ .‬فلقد اقترص التّلخيص‬ ‫تلجأ الشّ خصيّة إىل تلخيص ٍ‬ ‫أيام متع ّدد ٍة‪ ،‬مل تذكر عددها بالضبط‪ ،‬يف هذه ّ‬ ‫الصور‬ ‫عىل املفاصل ال ّرئيسة إذا ما يهم‬ ‫القاص هنا هو مهام تكلّم طالل أبو رحمة ومهام وصف وص ّور ونقل هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن الكلامت تعجز عن ذكر ما حصل بالتّفصيل ورشح ذاك املشهد يحتاج إىل مجلدات ولكن اقترص بكالمه ‪,‬أل ّن ما‬ ‫واف ٍ‬ ‫قاله دليل ٍ‬ ‫والصورة مش مثل الحقيقة"(‪.)58‬‬ ‫وكاف عىل هذا التّلخيص "الكالم مش مثل الشوف ّ‬ ‫وهذا يعني ّ‬ ‫ويفس‬ ‫ويدل عىل أنّه مهام تكلّمت الشّ خصيّة ومهام رشحت ما رأت وص ّورت ال يوجد كالم يرشح‬ ‫ّ‬ ‫املشهد وفظاعته‪.‬‬ ‫فيس الّذي طال طالل أبو رحمة الشّ خصيّة ال ّرئيسة‬ ‫ّ‬ ‫ولعل وظيفة هذا التّلخيص هنا يتضمن أم ًرا واح ًدا الوضع ال ّن ّ‬ ‫عند رؤيته فظاعة ذلك املشهد‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ -57‬يوسف حطيني‪ ،‬انياب زرقاء‪ ،‬ص ‪.3-2‬‬ ‫‪ -58‬يوسف حطيني‪ ،‬انياب زرقاء‪ ،‬ص ‪2‬‬


‫اسرتجعت الشّ خص ّية ال ّرئيسة "خرج طالل أبو رحمة صباح ذلك اليوم‪ ،‬وهو يعلّق آلة التّصوير عىل كتفه‪ ،‬وات ّجه‬ ‫نحو مخيّم الربيج وال يزال الحديث الّذي دار بينه وبني أ ّمه الّليلة املاضية ينخر رأسه‪.‬‬ ‫ أخجل من هذه الكامريا‪ .‬ماذا لو أنّني استبدلت بها أحجارا ً وزجاجات حارقة‪.‬‬‫ حامك الله يا بني أنت تقوم بعمل عظيم‪.‬‬‫الصغار يا أ ّماه‪.‬‬ ‫ أخجل من ّ‬‫الصبح الزم تفيق بكّري عندك مشوار إىل مخيّم الربيج‪.)55(''.‬‬ ‫بني الله يرىض عليك‪ .‬بكرا ّ‬ ‫ نعم يا ّ‬‫فقد اسرتجع الحوار الّذي دار بينه وبني والدته كمدى تأث ّره به ومدى إحساسه بالخجل أمام رؤيته األطفال‬ ‫يحس بعدم قدرته عىل املواجهة وهو يص ّور‪ ,‬وهذا دليل عىل مدى تأث ّره باملشاهد‬ ‫يقاتلون بالحجارة بينام هو ّ‬ ‫وصعوبته يف املواجهة وال ّدفاع عن هؤالء األطفال‪.‬‬ ‫قصة أنياب زرقاء ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬تقن ّية اإلستباق يف داللتها يف ّ‬ ‫القصة ورسد أهم أحداثها‬ ‫القصة ‪,‬فاستبق‬ ‫القاص أحداث ّ‬ ‫ّ‬ ‫إ ّن هذه التقن ّية استخدمها الكاتب بشكل قليل يف هذه ّ‬ ‫وبشكل مخترصفتقول الشّ خصيّة ال ّرئيسة ‪" :‬كنت أحلم عندما كنت صغريا ً !!) أن أكون يف املستقبل مهندساً أو‬ ‫طبيباً‪ ،‬وعندما رأيت ذلك املنظر الّذي حفر يف ذاكريت أخدودا ً عميقاً‪ ،‬إكتشفت أ ّن أحالمي كانت سخيفة‪ ،‬يجب أن‬ ‫أكون طيّارا ً حربياً"(‪.)56‬‬ ‫الواقعي‪ ،‬وبالتاّيل ت ّم إستباق األحداث وهذا ّ‬ ‫يدل عىل مدى تأث ّر الشّ خص ّية باملشهد‪،‬‬ ‫لقد استبقت الشّ خص ّية ال ّزمن‬ ‫ّ‬ ‫مم‬ ‫فأحالم الشّ خصيّة كأحالم أي طفل يريد أن يصبح طبيباً أو مهندساً ولكن ما رأته بدل ّ‬ ‫كل أحالمها وأث ّر فيها ّ‬ ‫جعلها تفكّر أ ّن لغريها بل توصلت بقرارها للقول بأ ّن هذه األحالم سخيفة ‪,‬وأكّدت عىل أنّه يجب أن تكون ط ّيارا ً‬ ‫حربيّاً تقاتل ذلك العدو الغاصب‪ ,‬وهذا اإلستباق ّ‬ ‫الفلسطيني ال يفكّر بنفسه بقدر ما يفكّر‬ ‫يدل عى أ ّن الطفل‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطيني‬ ‫مبصري وطنه والظّلم الّذي يتع ّرض له أبناء وطنه‪ .‬فحتّى األحالم أصبحت مستحيلة عند هذا الشعب‬ ‫ّ‬ ‫وهؤالء األطفال ومصريهم وأحالمهم متعلّقة مبصري الوطن وأبنائه‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ -55‬يوسف حطيني‪ ،‬أنياب زرقاء‪ ،‬ص ‪.2‬‬ ‫‪ -56‬م‪.‬ن ‪،‬ص ‪.1‬‬


‫ٍ‬ ‫صفحات ‪,‬وهذا ّ‬ ‫يدل عىل مدى قساوة املشهد‪،‬‬ ‫القصة بكاملها الّتي تأ لّفت من أربع‬ ‫فهذه األقوال قد بلغت تقريباً ّ‬ ‫(الجندي‪،‬‬ ‫فدعمت الشّ خصيّة ما رأته لتدافع عن نفسها لعدم قدرتها ال ّدفاع عن الطفل فهي مثلها مثل هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫والضعف واألىس لعدم قدرتها عىل حامية الطّفل‪ ,‬فلقد‬ ‫الطفل ذي أربع عرش ربيعاً‪ ،‬الشّ هيد)‪ ،‬فهي تشعر بالحرسة ّ‬ ‫حاولت أن تقتلع هذا الشّ عور بتح ّمل املسؤوليّة بذكر تلك األقوال‪.‬‬ ‫القصة (ملحمود درويش) للكشف عن أهم ّية اإلنتصار عرب‬ ‫لقد وظّف الكاتب األنشودة أيضاً الّتي ذكرها يف آخر ّ‬ ‫بالسالم إلّ بعد سامعها هذه األنشودة‪ .‬فلقد مسحت شعور الشّ خصيّة بالذنب‬ ‫الشّ هادة‪ ،‬أل ّن الشّ خصيّة مل تشعر ّ‬ ‫والقهر الّذي الزمها منذ تصويرها للمشهد املشؤوم‪.‬‬ ‫من هنا نرى أ ّن تقنيّة املشهد جاءت فنيّة‪ ،‬وهي رضورة من رضورات الكتابة الفنيّة ال ّناجحة ‪,‬ولقد عرف الكاتب‬ ‫القصة ووحدتها‪.‬‬ ‫كيف يوظّف هذه التقن ّية ويغ ّنيها بالتّفاصيل الّتي تكون رضوريّة لتامسك ّ‬ ‫‪ 3‬تقن ّية الوقفة ‪:‬‬‫يبدو أ ّن الكاتب قد استخدم هذه التقن ّية منذ بداية رسد‪ ،‬املق ّدمة لقد شعر بتوقّف ال ّزمن نتيجة وقوع الحدث‬ ‫رش يف الشّ خصيّة‪ ،‬وهذه الوقفة‬ ‫املفاجئ موت طفل بعمر ال ّزهور يف مخيّم الربيج‪ ،‬ولقد أث ّر هذا الحدث بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫مرتبطة بالوطن ّية الفن ّية‪ ،‬وإبراز ال ّدالالت الّتي تخدم رؤية الكاتب‪ ،‬فقطع ال ّزمن أحياناً ليصف ما حدث يوم قتل‬ ‫الطّفل ووالده يف مخيّم الربيج مشاهد تقش ّعر لها األبدان‪.‬فقال‪":‬خرج طالل أبو رحمة يف صباح ذلك اليوم‪ ،‬وهو‬ ‫يعلّق آلة التّصوير عىل كتفه وات ّجه نحو مخ ّيم الربيج‪ ،‬وال يزال الحديث الّذي دار بينه وبني أ ّمه اللّيلة املاضية‬ ‫ينخر رأسه ‪:‬‬ ‫ أخجل من هذه الكامريا‪ .‬ماذا لو أنّني استبدلت بها أحجارا ً وزجاجات حارقة‪.‬‬‫بني أنت تقوم بعمل عظيم‪.‬‬ ‫ حامك الله يا ّ‬‫الصغار يا أماه‪.‬‬ ‫ أخجل من ّ‬‫بني ‪...‬الله يرىض عليك ‪ ...‬بكرة الصبح الزم تفيق بكّري‪ ،‬عندك مشوار إىل مخيم الربيج‪.‬‬ ‫‪ -‬نعم يا ّ‬

‫وعىل الرغم من أنّه مل ينم تقريباً‪ .‬فها هوذا يف طريقه إىل املخيّم‪ ،‬متأل رئيته رائحة قدسيّة لعطر الهواء‪ ،‬يقرأ‬

‫توصل إليها ال ّناس هناك دون حاجة إىل اجتامعات مط ّولة‪ .‬قرارات رسيعة حاسمة واضحة‪ ،‬ال تحتاج إلّ إىل‬ ‫قرارات ّ‬ ‫رجل وعلبة بخ وجدار‪.‬‬


‫‪ - 2‬تقن ّية املشهد وداللتها ‪ :‬أنياب زرقاء‬ ‫إ ّن تقنيّة املشهد قد تكون مناقضة لتقنيّة التّلخيص‪ ،‬وذلك من خالل التوقّف أمام التّفاصيل الّتي تخدم غرض‬ ‫النص تساوي رسعة الحدث‪.‬‬ ‫القاص فنجد أ ّن مساحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫لقد شكّلت األقوال واآلراء جانباً أساسيًّاً يف تقديم املشهد‪ ،‬وإغنائه فلقد ق ّدم يوسف حطيني ثالثة عرشة قوالً‬ ‫عم ذكرته الشّ خص ّية‬ ‫ويعب عن املعاناة الشّ خص ّية والذات ّية للشّ خص ّية‪ .‬يتح ّدث‬ ‫ّ‬ ‫يخدم ّ‬ ‫القاص ّ‬ ‫القصة ويدعمها‪ّ ،‬‬ ‫والجندي وصوالً إىل‬ ‫كل من ميثاق حقوق اإلنسان‪ ،‬والطّالب ذو اإلثني عرش ربيعاً‪،‬‬ ‫ال ّرئيسة من أقوا ٍل عىل لسان ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫حق الطفل‬ ‫قول الشّ خص ّية ال ّرئيسة منتهياً بأنشودة الطّفل فيقول طالل أبو رحمة‪" :‬قال ميثاق حقوق اإلنسان من ّ‬ ‫أن يعيش‪.‬‬ ‫قال الطّالب ذو اإلثني عرش ربيعاً‪ ،‬وهو يقرأ موضوعاً يف ال ّتعبري الح ّر ‪:‬‬ ‫كنت أحلم عندما كنت صغريا ً (!!) أن أكون يف املستقبل مهندساً أو طبيباً‪ ،‬وعندما رأيت ذلك املنظر الّذي حفر يف‬ ‫ذاكريت أخدودا ً عميقاً‪ ،‬إكتشفت أ ّن أحالمي كانت سخيفة‪ .‬يجب أن أكون ط ّيارا ً حرب ّياً‪.‬‬ ‫الجندي ‪ :‬لن تستطيع يداك الواهنتان أيّها األعزل عن أن تكون مرتاساً يحمي طفلك من رصاصنا الّذي ال يقهر‪.‬‬ ‫قال‬ ‫ّ‬ ‫قال األب ‪ :‬مات الولد‪.‬‬ ‫قالت الذاكرة ‪ :‬خرجت الفيتنامية كيم فوك من منزلها عارية‪ .‬بعد أن أصيبت بحروق يف جلدها نتيجة إللقاء‬ ‫املقاتالت اإلمريكية قنابل النابامل عىل قريتها‪.‬‬ ‫قال الشاعر الذي مل يعش عرس الدم ‪:‬‬ ‫سأكرس قلمي‪.‬‬ ‫قال الشّ هيد ‪:‬‬ ‫آه يا خمسون لحناً دموياً‪.‬‬ ‫كيف صارت بركة ال ّدم نجوماً وشجر‪.‬‬ ‫الّذي مات هو القاتل يا قيثاري‪.‬‬ ‫ومغنيك انترص''(‪.)59‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ -59‬يوسف حطيني‪ ،‬أنياب زرقاء‪ ,‬ص ‪.2-1‬‬


‫القصة بكاملها تقريباً وظفّته الشّ خص ّية من‬ ‫لقد ذكرت ما قاله كل إنسان وشعر‬ ‫وأحس‪ ،‬فإ ّن هذا املشهد الّذي بلغ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدرامي القائم عىل ال ّرغبة من أجل ال ّدفاع واملقاومة‪ ،‬وعىل إظهار العنف والقساوة واآلالم‬ ‫أجل توضيح املوقف‬ ‫ّ‬ ‫تحس به مهام وظفّته ال تستطيع تصويره ‪,‬أل ّن الشّ خص ّية عانت‬ ‫الفظيعة الّتي تح ّملتها بصرب وعناد‪ ،‬فاألمل الّتي ّ‬ ‫والصورة مش مثل الحقيقة‪.)62(.‬‬ ‫وتألّمت وإ ّن هذا األمل ال يقوى إنسان عىل تح ّمله فقالت ‪" :‬الكالم مش مثل الشّ وف ّ‬ ‫فإن الشّ خص ّية تجد نفسها تتفتّت وتتج ّزأ‪ ،‬والكالم يعرص قلبها وروحها وال أحد ي ّربد قلبه سوى أنشودة محمود‬ ‫درويش ألنّها تحمل معاين الطّأمنينة واإلنتصار وأهميّة الشّ هادة فهي الّتي كانت تريح الشّ خصيّة وتنزل بردا ً‬ ‫وسالماً عىل قلبها فتقول ‪" :‬الكوابيس تتواىل عىل نومه املتعب‪ ،‬يرى رجاالً بأنياب زرقاء‪ ،‬وحوشاً‪ ،‬وديناصورات‬ ‫مرعبة تلتهم البرش والشّ جر‪ ،‬وفجأة يخرتق الطّفل بعمر ال ّزهور جميع الصفوف‪ ،‬وينشد أنشودته الّتي تنزل بردا ً‬ ‫وسال ًما عىل قلب طالل ‪ :‬آه يا خمسون لحناً دمويّاً‬ ‫كيف صارت بركة ال ّدم نجوماً وشجر‪.‬‬ ‫الّذي مات هو القاتل يا قيثاريت‪.‬‬ ‫ومغ ّنيك انترص(‪.)63‬‬ ‫ومن هنا نرى أن هذه الوقفة قد وظّفت بشكل يخدم مشاعر الشّ خص ّية وقد ص ّور منها الكاتب اله ّم والوجع‬ ‫الذاتيّني‪.‬‬ ‫النفيس‬ ‫هنا يسقط ال ّزمان من الحسبان‪ ،‬ليفسح املجال أمام اإلنفعال الوجدا ّين ليأخذ مجراه وأمام العذاب‬ ‫ّ‬ ‫واملعاناة اليومية التي يعيشها أثناء نومه وكذلك ال ّرعب ال ّدائم الّذي يلف بحياته ونومه فريى أنيابًا زرقاء‬ ‫ولعل الكاتب قد أفاد من هذه التقن ّية يف التّعبري ملا يجري داخل نفسه وخلجاتها من قهر وعذاب‪،‬‬ ‫ووحوشً ا‪ّ .‬‬ ‫وقلق ولك ّن شيئًا واح ًدا ي ّربد قلبه‪ ،‬رؤيته للطّفل وهو ينشد أنشودة محمود درويش ‪,‬وهذا دليل عىل أن ما يريح‬ ‫نفس ّية وضمري الشّ خص ّية رؤية الطّفل الشّ هيد فرحاً يف تلك الدنيا األبديّة‪ ،‬وإن من يقتل يف سبيل وطنه هو ع ّز‬ ‫والصدور‪.‬‬ ‫وافتخار ووسام يعلّق عىل األكتاف ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .62‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.4 – 3‬‬ ‫‪ .63‬يوسف حطيني‪ ،‬أنياب زرقاء‪ ،‬ص ‪.3‬‬


‫الصباح بدأت املواجهات مبكّرة‪ ،‬واشتعل القطاع مثلام اشتعلت القدس وطولكرم‪ ،‬ومثلام اشتعل الجليل‪ .‬راح‬ ‫هذا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقرارات حاسم ٍة ‪:‬‬ ‫شعارات‬ ‫يتأ ّمل جدارا ً مألته‬ ‫ دم الشّ هداء لن يذهب هدرا ً‪.‬‬‫ القدس عاصمة ال ّدولة الفلسطينيّة املستقلّة‪.‬‬‫ املجد لإلنتفاضة''(‪.)60‬‬‫أول ما يلفت ال ّنظر يف هذه السطور‪ ،‬أ ّن الشّ خصيّة الّرئيسة عانت الكثري ذلك اليوم ‪,‬فهي تعيش حال ًة من اليأس‬ ‫أل ّن مه ّمتها فقط تصوير ما تراه يف املعارك ‪,‬وال تستطيع أن تشارك يف القتال فتم ّنت لو أنّها تحمل حجارة أو‬ ‫زجاجات حارقة لتقتل ذلك العد ّو الغاصب‪ ،‬فإ ّن الشّ خصيّة تتح ّمل آالم املشاهد دون باستطاعتها أن تفعل شيئاً‬ ‫وخصوصاً ما حصل معها ذلك اليوم املشؤوم حيث قتل طفل ووالده أمام عينيها فاملشهد أث ّر عىل نفسيتها كثريا ً‬ ‫سيظل‬ ‫ّ‬ ‫‪,‬وإ ّن ما ذكر هي هذه الوقفة فيه وداللة نفسيّة وإجتامعيّة عىل أ ّن ما رأته مكتوباً عىل الجدار هو ما‬ ‫راسخاً يف عقول البرشيّة‪ ،‬بأ ّن فلسطني ستكون ح ّرة والقدس هي عاصمة فلسطني وهذه الشّ عارات جميعها ذات‬ ‫داللة عىل مدى تأث ّر الشّ خصيّة وإرصارها عىل تذكري القارئ بأن هذه الشّ عارات لن تتب ّدل مهام كان الثّمن‪.‬‬ ‫وكذلك قالت أيضاً ‪" :‬يختبئان خلف الربميل‪ ،‬فيام ينهمر ال ّرصاص عليهام كاملطر‪ ،‬واألب العاجز عن حامية ابنه‪،‬‬ ‫يدي طالل أبو رحمة كديك مذبوح‪.‬‬ ‫يذب املوت وال ّرصاص عن ذلك الجسد ّ‬ ‫الصغري‪ ،‬وآلة التّصوير ترتجف بني ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل ال ّرصاصات كانت عاجزة‬ ‫حيث انتقل املوت إىل شارع آخر‪ ،‬كانت عيناه ‪ .....‬من الخوخ األحمر‪ ،......‬اكتشف أ ّن ّ‬ ‫شاب عجول‪ ،‬يف ليلة ما ‪" :‬ما أخذ بالقوة ال يسرتد إال‬ ‫عن أن متحو حرفاً واحدا ً من ذلك القرار الحاسم الّذي ات ّخذه ٌ‬ ‫بالقوة"‪ .‬كانت أمه تبيك بكاء حارا ً ‪,‬عندما حىك لها عن التفاصيل‪ ،‬دون أن تسأله‪ ،‬حني حىك للجميع الّذين كانوا‬ ‫شلل الكالم وال ّدم الّذي يتدفّق كلامت عىل شفتيه ‪" :‬الكالم‬ ‫الصورة ذاتها‪ ،‬ولكن أحدا ً مل يشأ أن يقاطع ّ‬ ‫قد رأوا ّ‬ ‫والصورة مش مثل الحقيقة"(‪.)61‬‬ ‫مش مثل الشّ وف‪ّ ،‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .60‬يوسف حطّيني‪ ،‬أنياب زرقاء‪ ،‬ص‪.2‬‬ ‫‪ .61‬يوسف حطيني‪ ،‬أنياب زرقاء‪ .‬ص ‪.2‬‬


‫وقد وظّفت الشّ خص ّية حضور األ ّم للتّعبري عن مدى ذهول االم بكالم الشّ خص ّية ومن وحش ّية العدو‪ .‬فكالم‬ ‫الشّ خصيّة أث ّر بأ ّمها لهذه ال ّدرجة وهي مل تر املشهد فهي مل تستطع حتّى أن تسألها عن الّذين رأوا الصورة كيف‬ ‫كانت ر ّدة فعلهم‪.‬‬ ‫فالكالم ووصف املشهد وحده فعل باأل ّم ما فعل وربط لسانها فكيف إذا رأته بأ ّم العني ؟ ولقد أ ّدى هذا التواتر‬ ‫اإلنفرادي دوره يف إبطال ال ّداللة عرب اإليحاء عن فظاعة املشهد عرب األ ّم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كراري ‪:‬‬ ‫‪ 2‬الرت ّدد التّ ّ‬‫القصيص ‪,‬واملقصود من ذلك اإليحاء‬ ‫نصه‬ ‫القصة غري م ّرة يف ّ‬ ‫لقد لجأ الكاتب إىل ذكر حدث واحد من أحداث ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطيني‬ ‫بدالالت معيّنة منها التّعبري عن الهواجس والقضيّة التي يطرحها منها الظّلم الّذي يتع ّرض له الشّ عب‬ ‫ّ‬ ‫وعىل وجه الخصوص أطفال فلسطني‪.‬‬ ‫برميل خلف أحد هذه الجدران‪ ،‬بينام توارى‬ ‫ٌ‬ ‫منها تقول الشّ خصيّة ‪" :‬توارت جدران مخيّم خلف القضبان‪ ،‬وتوارى‬ ‫أب خلف الربميل‪ ،‬وخلف األب متاماً توارى طفل بعمر ال ّزهور‪ .‬طلقات حادقة اخرتقت القضبان واملخ ّيم والجدران‬ ‫ٌ‬ ‫وكف األب الحانية والطفل وال ّزهور‪ ،‬وكتبت بدم قان ‪ :‬هنا مخيّم الربيج''(‪.)68‬‬ ‫والربميل‪ّ ،‬‬ ‫وكذلك من " ريثام كان لذلك الطّفل القادم من طرف الساحة‪ ،‬وهي يحتمي بأبيه‪ ،‬أثر يف تذكّر تلك األغنية‬ ‫بالذّات‪ ،‬يركض األب والطّفل‪ ،‬يصالن إىل جدا ٍر كتب عليه قرا ٌر حاس ٌم رسي ٌع;'' ما أخذ بالق ّوة ال يسرت ّد ّإل بالق ّوة‪''،‬‬ ‫يذب املوت وال ّرصاص‬ ‫يختبئان خلف الربميل‪ ،‬فيام ينهمر ال ّرصاص عليهام كاملطر‪ ،‬واألب العاجز عن حامية ابنه‪ّ ،‬‬ ‫يدي طالل كديك مذبوح "(‪.)69‬‬ ‫عن ذلك الجسد ّ‬ ‫الصغري‪ ,‬وآلة التّصوير ترتجف بني ّ‬

‫_______________________‬ ‫‪ .68‬يوسف حطيني‪ ،‬أنياب زرقاء‪ ،‬ص ‪.1‬‬ ‫‪ .69‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.2‬‬


‫عب عن معاناته وما يختلج صدره من قهر‬ ‫ومن خالل ما سبق نجد أ ّن الكاتب يوسف حطيني‬ ‫الفلسطيني قد ّ‬ ‫ّ‬

‫ٍ‬ ‫الشوط التقنيّة وأجاد التّعاطي مع عالقات الدميومة بشكلٍ‬ ‫ملفت وواض ٍح‬ ‫وعذاب وبشكل واضح قد استوعب ّ‬

‫رصف بال ّزمن مبا يتالءم مع مشاعره ورؤيته إىل قضيته‪.‬‬ ‫وقد ت ّ‬ ‫ويبدو أ ّن الكاتب قد جذب انتباه القارئ منذ البداية ملعرفة ما حدث وراء الربميل ومن الّذي قتل وما دور‬ ‫الصغرية هو الكتابة القادرة عىل‬ ‫الشّ خص ّية ال ّرئيسة بهذا الحدث‬ ‫ّ‬ ‫القصة ّ‬ ‫القص يف ّ‬ ‫"والشط األ ّول يف تجربة إنتاج ّ‬ ‫الفني ال ّناهض بأداء ال ّداللة ''(‪ .)64‬وكذلك كان ه ّم‬ ‫ش ّد انتباه القارئ‪ ،‬وتشويقه إىل تتبّع تشكل العنارص يف البناء‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطيني‪ ,‬كام قال نجيب‬ ‫الكاتب التّعبري عن شعوره املضطرب تجاه القض ّية والظّلم الّذي يتع ّرض له املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫"لعل ه ّمي الوحيد هو التّعبري عن شعوري املضطرب "(‪ .)65‬وكذلك‬ ‫القصة القصرية ‪ّ :‬‬ ‫محفوظ عن تجربة يف كتابة ّ‬ ‫‪":‬القصة القصرية ‪ ...‬تعبري عن لحظة اكتشاف ألشياء وعنارص موجودة فعالً يف الواقع"(‪.)66‬‬ ‫يوسف إدريس‬ ‫ّ‬ ‫الت ّدد ‪:‬‬ ‫ج – عالقات ّ‬ ‫القصيص ‪:‬‬ ‫ويقسم إىل ثالثة أقسام يف ال ّن ّص‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنفرادي وداللته ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الرت ّدد‬ ‫ّ‬ ‫القصة الّذي يكون وحيدا ً ويحىك مرة واحدة ‪:‬‬ ‫تقع عىل مثال من ّ‬ ‫قول الكاتب عىل لسان الشّ خصيّة "كانت أمه تبيك بكا ًء حارا ً عندما حىك لها عن التّفاصيل دون أن تسأله‪ ،‬حني‬ ‫شلل الكالم وال ّدم الّذي يتدفّق‬ ‫الصورة ذاتها‪ ،‬ولك ّن أحدا ً مل يشأ أن يقاطع ّ‬ ‫حىك للجميع الّذين كانوا وقد رأوا ّ‬ ‫والصورة مش مثل الحقيقة(‪.)67‬‬ ‫كلامت عىل شفتيه ‪ :‬الحيك مش مثل الشّ وف ّ‬ ‫أي عبارة أو‬ ‫وهنا نرى وصف الشّ ّ‬ ‫خصية أل ّمها عندما حكت لها تفاصيل الخرب الّتي مل تقاطعها وذلك لعدم وجود ّ‬ ‫تعب عن مشاعرها فهي تعجز عن الكالم أمام هذا الحدث املر ّوع الّذي يربط أأللسن والعقول‪.‬‬ ‫كلمة عند األ ّم ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .64‬عبد املجيد زراقط‪ ،‬يف القصة وفنيتها‪ ،‬دار الطبعة األوىل‪ ،‬توزيع مركز الغدير‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪ .65‬م‪.‬ن‪،‬ص‪.‬ن‪.‬‬ ‫‪ .66‬م‪.‬ن‪،‬ص‪،‬ن‪.‬‬ ‫‪ .67‬يوسف حطيني‪ ،‬أنياب زرقاء‪ ،‬ص ‪3‬‬


‫وقد أعاد ذكر األنشودة بقصد ال ّداللة عىل أهم ّية الشّ هادة وعظمتها ‪,‬وهكذا انترص الطّفل ونال الجائزة الّتي‬ ‫كل مظلوم مؤمن وخصوصاً أبناء األرايض املحتلّة‪.‬‬ ‫يسعى لها ّ‬ ‫وهكذا قد أسكن الكاتب وكذلك الشّ خص ّية بذور األمل وإ ّن الثّمن الّذي يدفعه أبناؤنا‪ ،‬هو ال يشء أمام حصولنا‬ ‫اإللهي‪.‬‬ ‫عىل الشهادة ونيلنا اإلنتصار‬ ‫ّ‬ ‫القصة‪.‬‬ ‫ولذلك ختم الكاتب بهذا التّكرار لرتك بصمة أمل عند القارئ عىل ال ّرغم من قساوة ما كتب يف هذه ّ‬ ‫مطي ‪:‬‬ ‫‪ - 3‬الرت ّدد ال ّن ّ‬ ‫إ ّن خروج الشّ خص ّية ال ّدائم واملتك ّرر يوم ّياً إىل عملها وهو التّصوير‪ ،‬قد تطلّب إيجاز األحداث ال ّنمط ّية بجملة‬ ‫واحدة‪ .‬تعرب عن هذا ال ّزمن املتك ّرر الّذي مت ّر به الشخص ّية‪.‬‬ ‫مطي يقول الكاتب عىل لسان الشّ خصي ّة ‪" :‬خروج طالل أبو رحمة يف صباح ذلك اليوم‪ ،‬وهو‬ ‫ومثاالً عىل التّكرار ال ّن ّ‬ ‫يعلّق آلة التّصوير عىل كتفه‪ ،‬وات ّجه نحو مخ ّيم الربيج‪ ،‬ال يزال الحديث الذي دار بينه وبني أ ّمه اللّيلة املاضية‬ ‫ينخر رأسه ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وزجاجات حارق ًة‪.‬‬ ‫ أخجل من هذه الكامريا‪ ،‬ماذا لو أنّني استبدلت بها أحجا ًرا‬‫بني أنت تقوم بعمل عظيم‪.‬‬ ‫ حامك الله يا ّ‬‫الصغار يا أ ّماه‪.‬‬ ‫ أخجل من ّ‬‫الصبح الزم تفيق بكّري عندك مشوار إىل مخ ّيم الربيج‪.)72('' .‬‬ ‫بني الله يرىض عليك ‪ :‬بكرا ّ‬ ‫ يا ّ‬‫كل يوم‪ ،‬حامالً آلة التّصوير عىل كتفه إىل عمله‬ ‫هذه السطور توحي بتكرار خروج طالل تلك الشّ خص ّية ال ّرئيسة ّ‬ ‫كل يوم يتطلّب حمل آلة التّصوير عىل كتفه‪ ،‬يوحي أيضاً هذا التّكرار عىل التّأقلم مع‬ ‫وتكرار ذهابه إىل العمل ّ‬ ‫الضوء عىل أهم ّية عمله ‪,‬هذا ما‬ ‫معطيات الواقع املفروض قرسا ً‪ ،‬والّذي يفرضه دامئاً ولك ّن نصائح أ ّمه وتسليطها ّ‬ ‫وأحست به عندما تحمل الكامريا وتصور عاجزة عن تركها واستبدالها بأحجار تدافع‬ ‫خفّف من معاناة الشّ خص ّية‬ ‫ّ‬ ‫فيها عن الظّلم واملظلومني‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .72‬يوسف حطيني‪ ،‬أنياب زرقاء‪ ،‬ص‪.2‬‬


‫لقد ذكر الكاتب غري م ّرة ما حصل يف املخ ّيم وباألخص وراء الربميل‪ ،‬األب الّذي عجز عن احتضان ولده وال ّدفاع عنه‬ ‫الصغري‪ .‬والكامريا ترتجف بيد طالل هذه الشّ خصيّة ال ّرئيسة الّتي‬ ‫يذب عىل جسد طفله ّ‬ ‫من املوت وال ّرصاص الّذي ّ‬ ‫عانت من رؤية هذا املشهد ‪,‬ولقد عربت ودلّت الشّ خص ّية عن املخاوف والهواجس الّتي يشري إليها الحدث وقد ك ّررت‬ ‫ولعل األب أكرث بقليل فهو عايش عذابني ;عذاب عدم‬ ‫الشّ خصيّة غري م ّرة عن املعاناة الّتي عاشها األب والطّفل معاً ّ‬ ‫استطاعته ال ّدفاع عن ولده ‪,‬وكذلك عذاب اقرتاب املوت وفقدانه لطفله وهذه املعاناة يعيشها أبناء مخ ّيم الربيج‬ ‫الضوء عىل معاناة مخيّم الربيج ‪,‬ولقد وصفت الشّ خصيّة معاناة األب بتكرارها‬ ‫باستمرار‪ .‬وهذه داللة وطنيّة إللقاء ّ‬ ‫أحسهام األب تجاه طفله‪.‬‬ ‫غري م ّرة ما قاله األب ‪" :‬مات الولد" وهذه داللة عىل إظهار مشاعر الظّلم والعجز الّذين ّ‬ ‫وتقول الشخصية أيضاً ما قاله الشّ هيد ‪:‬‬ ‫ "آه يا خمسون لحناً دمويّاً‪.‬‬‫ كيف صارت بركة ال ّدم نجوماً وشجر‪.‬‬‫ الّذي مات هو القاتل يا قيثاري‬‫ ومغ ّنيك انترص‪.)70( .‬‬‫وكذلك الكوابيس تتواىل عىل نومه املتعب‪ ،‬يرى رجاالً بأنياب زرقاء‪ ،‬وحوشاً وديناصورات مرعبة تلتهم البرش‬ ‫الصفوف وينشد أنشودته الّتي تنزل بردا وسالماً عىل قلب طالل‪:‬‬ ‫والشّ جر‪ ،‬وفجأة يخرتق طفل بعمر ال ّزهور جميع ّ‬ ‫ آه يا خمسون لحناً دمويّاً‪.‬‬‫ كيف صارت بركة ال ّدم نجوماً وشجر‪.‬‬‫ الّذي مات هو القاتل يا قيثاري‬‫ ومغ ّنيك انترص‪.)71( .‬‬‫فلقد أعادت الشخصية الكالم بحرف ّيته‪ ،‬بلغة شعريّة‪ ،‬غري م ّرة‪ ،‬لتظهر أ ّن الشّ هيد وحده يستطيع أن ينشد هذه‬ ‫األنشودة ومن هنا نلفت ال ّنظر عىل أن رغم املعاناة ايل عايشها الطفل فإنه نال الشّ هادة وأنشد نفس األنشودة‬ ‫يدي خالقه وبعيدا ً عن ظلم العدو وقهره‪.‬‬ ‫الّتي ت ّربد القلب وال ّروح فهو يف أمان بني ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .70‬يوسف حطيني‪ ،‬أنياب زرقاء‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫‪ .71‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.‬ن‪.‬‬


‫ومن هنا نجد أ ّن هذا اإلسرتجاع قد تض ّمن إشارة واضحة للحزن والقهر بسبب الفقر والوحدة‪.‬‬ ‫وتقول الشّ خصيّة ال ّرئيسة عن نفسها‪ ،‬مواسية متذكّرة ما كان لديها ‪" :‬كان لك فتاة‪ ،‬مدينة أفراح ولذّة‪ .‬لك شفتاها‬ ‫األرجوان ّيتان تفتحان لصحرائك الجائعة أبواب كنوز توقظ ال ّنار ال ّنامئة يف د ّمك‪ .‬لك نهداها‪ ،‬الثّلج الّذي له حرارة‬ ‫بأىس فاتن عىل الكتفني‪.‬‬ ‫شمس صيف‪ .‬لك عيناها بأرسارهام الغامضة‪ .‬لك شعرها األسود‪ ،‬الغيمة املكتئبة املته ّدلة ً‬ ‫كان لك فتاة مدينة أفراح ولذّة‪ .‬سلبت منك"(‪.)75‬‬ ‫يتض ّمن هذا اإلسرتجاع جملة من ال ّدالالت املقصودة‪ .‬ففيه داللة نفسيّة‪ ،‬أوحت بيأسها‪ ،‬فاملرأة بال ّنسبة إىل‬ ‫كل يشء جميل وعندما سلبت منها مل تر إلّ الحزن والكآبة فهي‬ ‫الشّ خص ّية هي الفرح واللّذة‪ ،‬بواسطتها يرى ّ‬ ‫وكل ما فيها‪ .‬ومن دونها ال طعم لهذه الحياة وال لذّة لهذه الدنيا‪.‬‬ ‫الحياة ّ‬ ‫وفيه داللة اجتامع ّية‪ ،‬أوحت بالشّ عور بالوحدة والتّعب والفقر فهذه الشّ خص ّية قد إستسلمت للواقع دون البحث‬ ‫الضجر وامللل والحزن منذ أن سلبت هذه‬ ‫السعادة أل ّن الحياة من وجهة نظرها هي املرأة فهي وحيدة تعاين ّ‬ ‫عن ّ‬ ‫املرأة منها‪.‬‬ ‫بنا ًء عىل ما تق ّدم‪ ،‬ميكن القول أ ّن اإلسرتجاع قد أ ّدى دورا ً يف الداللة عىل الكآبة واله ّم والوجع الّذي امت ّد منذ فقد‬ ‫الحبيبة والفتاة الحياة‪.‬‬ ‫قصة "صهيل الجواد األبيض" ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬تقن ّية اإلستباق وداللتها يف ّ‬ ‫قصة "صهيل الجواد األبيض" قد‬ ‫تتنسم أحداثاً مل تقع بعد‪ ،‬ومن هنا نجد أ ّن الشّ خص ّية ال ّرئيسة يف ّ‬ ‫إ ّن هذه التقن ّية ّ‬ ‫تنسمت أحداثاً واستبقت بعض التط ّورات قائلة ‪" :‬سأموت خطوة واحدة إىل األمام‪ ،‬وأهرب من تعب املعمل‬ ‫ّ‬ ‫عيني‪".‬‬ ‫والصياح والوجوه القاسية الّتي ترسق حتّى الغبطة الوديعة املختبئة يف ّ‬ ‫سأموت خطوايت ترتاكض عىل ال ّرصيف‪ ،‬ترتاكض ترتاكض ويحتويني فراغ غرفتي‪ .‬سأموت‪ .‬وابتدأت أبتلع الحبوب‬ ‫الصغرية وأنا أبتسم ابتسامة متشف ّية‪ .‬هي وحدها باستطاعتها أن تنقذين من تعاستي ‪ ...‬ستميتني''(‪.)76‬‬ ‫امللساء ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .75‬زكريا تامر‪ ،‬صهيل الجواد األبيض‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،2001‬ص ‪.48‬‬ ‫‪ .76‬زكريا تامر‪ ،‬صهيل الجواد األبيض‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪2001،‬ص ‪.49‬‬


‫وهذا التّأقلم يستدعي تح ّمل األوجاع واملعاناة النفس ّية غري م ّرة‪ ،‬ويومئ يف الوقت ذاته إىل األوجاع الّتي يتح ّملها‬ ‫مم يعانيه‬ ‫الصغار واألطفال‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطينيي كون هذه الشخصيّة متثّل عنواناً للمشاعر ونقالً للمشاهد صوتاً وصورة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطي ّنيون ومواجهتهم للعد ّو والظلم‪ .‬من خالل ما سبق ‪,‬نجد أ ّن التوتر بأنواعه الّتي ق ّدمت قد ساعدت‬ ‫الفلسطيني وعىل املعاناة التي متر بها أطفال مخيم الربيج خري تعبري‪.‬‬ ‫وعبت عن الوجع‬ ‫وأسهمت ّ‬ ‫ّ‬ ‫رصف بها من وظيفتها العمل ّية إىل وظيفة فن ّية متتّع املتلقّي‪ .‬كذلك قد‬ ‫والقاص الناجح هو الّذي يستخدم لغ ًة يت ّ‬ ‫أجاد يوسف حطيني يف مجال حيث "كان الفنان القادر عىل التقاط تفاصيل اللحظة املهمة لينشئ منها بنية‬ ‫رسديّة قصرية توضح عن داللة مرحلة من مراحل العيش"(‪.)73‬‬ ‫قصة صهيل الجواد األبيض "لزكريّا تامر"‪.‬‬ ‫عالقات ّ‬ ‫التتيب ‪ :‬يف ّ‬ ‫القصيص الّذي يغاير األحداث ‪:‬‬ ‫إن أوىل التّقن ّيات الرسديّة الّتي عىل أساسها يتشكّل ال ّزمن‬ ‫ّ‬ ‫أ‪ -‬تقن ّية اإلسرتجاع ‪:‬‬ ‫القصة إسرتجاعات وإستعادة ما سبق أن حدث يف املايض ساعد عىل فهم مسار األحداث وملء‬ ‫إ ّن يف هذه ّ‬ ‫السد‪.‬‬ ‫الفجوات الّتي يخلّفها ّ‬ ‫فقد إستعاد "زكريّا تامر" بعض مواقف املايض وطبعها عىل صفحات "صهيل الجواد األبيض" وهذه اإلستدعاءات‬ ‫تغطّي بعض صفحاتها‪.‬‬ ‫تقول الشّ خص ّية ‪":‬كان اللّيل آنذاك أغنية خشنة حا ّرة طويلة‪ ،‬يتعانق بحنان يف عتمة كهوفها عذوبة ربيع وتوحش‬ ‫منر جائع‪ .‬وكنت وطواطاً هرماً أعمى‪ ،‬جناحاه محطّامن‪ .‬ال أجد خبزي وفرحي"(‪.)74‬‬ ‫عادت الذّاكرة بالشّ خص ّية ال ّرئيسة إىل الوراء‪ ،‬تسرتجع جوانب من حياة الحزن والكآبة والفقر الّتي ل ّونت حياتها‬ ‫تحب سكون‬ ‫فكانت تشعر بطول اللّيل بسبب يأسها وحتّى اللّيل تسمعه كأغنية خشنة فهي من كرثة حزنها ال ّ‬ ‫الليل وهدوءه ومع عذوبة فصل ال ّربيع فإنّها كالوحش وكال ّنمر من الغضب وش ّدة االنزعاج و ّ‬ ‫كل ذلك عىل‬ ‫يدل ّ‬ ‫كل ما حولها مع حالوته تجده م ّرا ً بشعاً‪.‬‬ ‫مدى إستياء الشّ خصيّة وكرهها للحياة فهي ال ترى شيئاً جميالً‪ّ ،‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .73‬عبد املجيد زراقط‪ ،‬يف القصة وفنيتها‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫‪ .74‬زكريا تامر‪ ،‬صهيل الجواد األبيض‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،2001‬ص ‪.45‬‬


‫‪ - 2‬تقنية املشهد واللتها عىل "صهيل الجواد األبيض" ‪:‬‬ ‫وهذه التقنيّة مناقضة لتقنيّة التّلخيص‪ ،‬تذكر التفاصيل والجزئيّات‪.‬‬ ‫شكّل الحوار جانباً أساس ّياً يف تقديم املشهد‪ ،‬وإغنائه بالتّفاصيل‪ .‬فلقد ق ّدم الكاتب حوارا ً جاء معظمه مط ّوالً وقد‬ ‫وظّفه الكاتب لل ّداللة عىل معاناته الذاتيّة ويأسه املسيطر عليه‪.‬‬ ‫فيقول ‪" :‬كان يرتشف من كأسه بني الفينة والفينة رشف ًة ضئيلة ثم يحملق لحظ ًة‪ ،‬وبغت ًة ينفجر ضاحكاً ضحك ًة‬ ‫كئيب ًة أكرث من البكاء‪ ،‬وأحسست بخوف غامض عندما التقت عيناي يعينيه الذليلتني‪ ،‬إنّه يبتسم يل‪ .‬سأنهض‬ ‫وأحادثه‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬أنا عامل مسكني ال أبتسم‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬أنا يف ال ّنهار بائع أقمشة ويف الّليل ب ّحار مغامر‪.‬‬ ‫أحب البحر‪ .‬إنّه كبري غامض‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬أنا ّ‬ ‫والسفر‬ ‫قال ‪ :‬بعد منتصف اللّيل عندما أسلم رأيس للوسادة تبحر سفينتي‪ .‬آه ال يشء يف العامل أجمل من البحر ّ‬ ‫الشاع يرفرف‪ ،‬وأنت تقف مشدود القامة‪ ،‬مرفوع ال ّرأس‪ ،‬تداعب ال ّريح ال ّرطبة خصالت شعرك‪،‬‬ ‫والتنقّل ال ّدائم‪ّ .‬‬ ‫وعم قريب‬ ‫وحيش ّ‬ ‫وتنفذ إىل أعامقك رائحة امللح وهدير املوج‪ .‬ستضحك برسو ٍر‬ ‫فكل األحزان خلفتها وراءك‪ّ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫اللذعة‬ ‫ستصل إىل مرفأ مل تطأه قدماك من قبل‪ .‬وهناك ستقابل أناساً غرباء‪ ،‬وستجلس يف حان ٍة تحتيس خمرتها ّ‬ ‫عىل مهل‪ .‬وتصغي إىل موسيقى مدهشة‪ ،‬ستخلقك من جديد‪ ،‬وستعيد إليك طفولتك املسلوبة ورمبا رقصت مع‬ ‫فتاة عيناها كبريتان تصهل يف أغوارهام شهوة مجنونة‪ .‬آه ما أروع األشياء الجديدة املجهولة‪.‬‬ ‫السفر يخيفني‪ّ .‬إن أعشق مدينتي بجنون‪ ،‬وقد كدت م ّرة أبيك عندما إستنشقت رائحة عطر غريبة كانت‬ ‫قلت ‪ّ :‬‬ ‫تفوح من شارع تهطل األمطار بسخاء عىل مبانيه وأسفلته واشجاره‪.‬‬ ‫يفضلون الهدوء‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬البلهاء وحدهم ّ‬ ‫قلت ‪ :‬أحياناً أحلم بزوجة وأطفال ومنزل‪ ،‬وأمت ّنى لو يتحقّق هذا الحلم‪.‬‬ ‫الفوالذي‪ .‬البحر وحده يسعدين‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬أنت مجنون‪ .‬ستتح ّول ببطء إىل دودة ضجرة ال تقدر عىل الهرب من قفصها‬ ‫ّ‬ ‫أترحل معي اللّيلة؟‬


‫الواقعي‪ ،‬ليصل إىل الحلم الكبري الّذي يراود مخ ّيلته باستمرار‪ّ .‬إل أ ّن هذا الحلم مل يجد‬ ‫إستبق زكريّا تامر ال ّزمن‬ ‫ّ‬ ‫فكل ما تريده الشّ خصيّة املوت وتتم ّناه دامئاً لتسرتيح من اله ّم واملعاناة الّتي‬ ‫يرتسخ فيها‪ّ .‬‬ ‫األرضيّة ّ‬ ‫الصلبة الّتي ّ‬ ‫وكل زاوية من زوايا حياتها ومل تشعر بالفرح ومل تزرع االبتسامة عىل شفتيها‬ ‫تعيشها يف املعمل والبيت والطّريق ّ‬ ‫والسبيل الوحيد لل ّراحة والطّأمنينية‬ ‫إلّ عندما واست نفسها باملوت ‪,‬أل ّن املوت بال ّنسبة إىل الشّ خصيّة هو الخالص ّ‬ ‫‪.‬وهذا اإلستباق يكشف عن الوجع الّذي مأل قلب الشّ خص ّية ال ّرئيسة ألنّها ذاقت مرارة العمل والوجوه القاسية‬ ‫السبيل الوحيد إليها والهدف الكبري الّتي تسعى لتحقيقه‪.‬‬ ‫فكان املوت ّ‬ ‫ج‪ .‬عالقات الدّ ميومة يف "صهيل الجواد األبيض" ‪:‬‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫القص يف هذا العمل الّذي له داللة ّ‬ ‫فمن خالل دراسة هذه العالقات نتع ّرف رسعة ّ‬ ‫ومن تقن ّيات هذه العالقات ‪:‬‬ ‫تقن ّية ال ّتلخيص ‪:‬‬ ‫يلجأ الكاتب إىل التقاط ما حصل معه قبل سنوات عديدة فيخترص الكاتب ال ّزمن ويقول ‪" :‬أنصت يا سكران لذلك‬ ‫بخطى ثابتة مفعمة بحيويّة‬ ‫الصغري املرح الطّويل املرتجرج برقّة املنساب من فم الشّ اب الّذي يسري أمامك‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مدهشة‪ .‬رمبا كان إنساناً سعيدا ً أنت أيضاً كنت مثله قبل سنوات"(‪.)77‬‬ ‫السطور وقد اقترص التّلخيص عىل املفاصل ال ّرئيسة‪ ،‬إذ ما‬ ‫ق ّدم الكاتب سنوات متع ّددة‪ ،‬مل يذكر عددها‪ ،‬يف هذه ّ‬ ‫يه ّم الكاتب هنا هو حاله قبل سنوات‪ ،‬عندما كان فرحاً‪ ،‬سعيدا ً‪ ،‬مييش بثقة وحيويّة مدهشة‪ ،‬بينام اآلن‪ ،‬أصبح‬ ‫فكل ما حوله يشعره بالكآبة وامللل والحزن‪.‬‬ ‫سكّريا ً‪ ،‬ال يرى أي يشء جميل‪ّ ،‬‬ ‫الصعبة الّتي يعاين منها بسبب قساوة‬ ‫ّ‬ ‫وكل ذلك بسبب فقده املرأة والحبيبة‪ ،‬والوحدة الّتي يعيشها والحياة ّ‬ ‫العمل الفقراء وعندما يذهب إىل منزله ال يجد من يواسيه‬ ‫ال ّدهر عليه‪ ،‬فهو يعمل مبعمل حديد ال يرى ّإل ّ‬ ‫ويخفّف أمله وتعبه فهو وحيد حزين وكل ما يفرحه يف هذه ال ّدنيا فقده ومل يبق إلّ السكّر والقهر والحزن‪.‬‬ ‫الضوء عىل الحياة الّتي كان يعيشها قبل سنوات عندما كان لديه املرأة‬ ‫وقد استخدم الكاتب هذه التقنيّة لتسليط ّ‬ ‫فني‪ ،‬لخدمه همومه‪ ،‬تلك الهموم الّتي عرف‬ ‫والحبيبة وكيف أصبحت حياته بعدها‪ .‬وقد استخدمها بشكلٍ ٍّ‬ ‫يعب عنها بنجاح‪.‬‬ ‫الكاتب كيف ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .77‬زكريا تامر‪ ،‬صهيل الجواد األبيض‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪2001‬ص ‪.48‬‬


‫ج‪ .‬عالقات ال ّتواتر يف صهيل الجواد األبيض ‪:‬‬ ‫اإلنفرادي ‪:‬‬ ‫‪ .1‬التّواتر‬ ‫ّ‬ ‫اإلنفرادي جاء ضئيالً يف "صهيل الجواد األبيض" نقع عىل مثال وحيد ويحىك م ّرة واحدة‪.‬‬ ‫إ ّن التّواتر‬ ‫ّ‬ ‫عندما قالت الشّ خصيّة ال ّرئيسة ‪'':‬‬ ‫أنا لست سوى مخلوق ما ضائع يف زحام مدينة كبرية قدمية‪ .‬لست دونجوان‪ .‬ال أملك س ّيارة وال بناية شامخة يف‬ ‫شارع ال يسكنه الفقراء‪ .‬جبهتي مل تلمس م ّرة س ّجادة مسجد‪ .‬لست بطل مالكمة أو مصارعة صوريت ال يعرفها قراء‬ ‫الصحف واملجالت ''(‪.)80‬‬ ‫أقل‪ ،‬ال أهميّة له‪ ،‬فقري‪ ،‬ضائع‪،‬‬ ‫عادي‪ ،‬بل ّ‬ ‫الضعف والعجز واليأس الّذي تشعر به فهي إنسا ٌن‬ ‫تعب الشّ خصيّة عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولعل هذا‬ ‫يائس‪ ،‬ال يعرف إلّ اليأس والحزن‪ .‬وقد وصف نفسه ليعرف القارئ عنه وعن صفاته الّتي يحملها‪ّ .‬‬ ‫اإلنفرادي قد أ ّدى دوره إليصال ال ّداللة املقصودة عرب اإليحاء‪.‬‬ ‫التّواتر‬ ‫ّ‬ ‫كراري ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬ال ّتواتر ال ّت‬ ‫ّ‬ ‫قصة "صهيل الجواد األبيض" التح ّدث عن املوت غري م ّرة يف ال ّن ّص‪ ،‬بقولها ‪ '':‬ملاذا ال أموت ؟ ‪...‬‬ ‫ك ّررت الشّ خصيّة يف ّ‬ ‫والصياح والوجوه القاسية الّتي ترسق حتّى الغبطة‪...‬‬ ‫سأموت‪ ،‬خطوة واحدة إىل األمام وأهرب من تعب املعمل ّ‬ ‫سأموت‪ .‬خطوايت ترتاكض عىل ال ّرصيف‪ ،‬ترتاكض‪ ،‬ترتاكض ويحتويني فراغ غرفتي‪ .‬سأموت‪ .‬وابتدأت أبتلع الحبوب‬ ‫الصغرية وأنا أبتسم ابتسامة متشف ّية‪ .‬هي وحدها باستطاعتها أن تنقذين من تعاستي ‪ ...‬ستميتني''‬ ‫امللساء ّ‬ ‫وكل ما يه ّمها هو املوت‪ ،‬فقد مت ّنته كثريا ً ولذلك أماتت نفسها‬ ‫نفيس‪ ،‬فال تشعر بالفرح ّ‬ ‫فالشّ خصيّة تعاين من أ ٍمل ووجعٍ ّ‬ ‫وفضلت املوت الّذي سرييحها من عناء ال ّدنيا وظلمها‪ .‬وقد وظّف‬ ‫لتتخلّص من هذه ال ّدنيا الّتي تراها مؤملة‪ ،‬موجعة‪ّ ،‬‬ ‫الكاتب هذا التّواتر لتقديم غري داللة يرمي إليها‪ ,‬لعلّه يقصد عىل الكشف عن الظّلم والفقر والحزن الّذي يعيشه‪ ،‬يف‬ ‫الصحيح الّذي كان يعيشه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ظل مدينة ووجوه قاسية ترسق منه الغبطة واالبتسامة وهو تعبري عن وجوده الوحيد ّ‬

‫_______________________‬ ‫‪ .80‬محمد مندور‪ .‬النقد املنهجي عند العرب‪ .‬ص‪.335-334‬‬


‫اللذع‪ ،‬وضحكت هازئاً بتخيّاليت‪ ،‬فال ّرجل ذو املظهر‬ ‫السائل ّ‬ ‫ورفعت كأيس م ّرة أخرى إىل فمي‪ ،‬واستقبل حلقي ّ‬ ‫البائس ما زال جالساً وراء طاولته يرشب ويحملق ويضحك ضحكته الكئيبة أكرث من البكاء وما زلت ملتصقاً‬ ‫مبقعدي مل أبتعد عنه لحظة ''(‪.)78‬‬ ‫وظف الكاتب هذا الحوار للكشف عن ما يخالجه من مشاعر وما يتمناه‪ ،‬فهو رجل وحيد وجل ما يتمناه زوجة‬ ‫وأطفال وما يعانيه من اليأس والحزن‪ ،‬فهو ال يحب العيش يف مدينة متلؤها الضجة ويتمنى أن يعيش مبدينة‬ ‫تفوح منها الرائحة الجميلة ويحلم بزوجة وأطفال‪.‬‬ ‫ومن هنا نجد أن الكاتب قد وضع القارئ يف مناخ معني ال يستطيع التلخيص أن يجعله يحس بتأثرياته املتنوعة‪،‬‬ ‫فهو يضعه وجهاً لوجه أمام معاناته ومتنياته وأحالمه التي تنضح بها هذه القصة "صهيل الجواد األبيض"‪ .‬وقد‬ ‫عرف الكاتب متى يوقف الرسد ويقدم املشهد‪ ،‬حوارياً‪ .‬وذلك لتامسك القصة ووحدتها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تقن ّية الوقفة وداللتها يف "صهيل الجواد األبيض" ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫حدث مفاجئ له تأثريه املبارش يف الشّ خصيّة‪.‬‬ ‫إ ّن هذه التقنيّة تشعر الكاتب بتوقّف ال ّزمن‪ ،‬نتيجة وقوع‬ ‫السد أحياناً‪ ،‬ليصف ما شعر به يف أثناء مت ّدده عىل الفراش منتظرا ً جواده األبيض‪.‬‬ ‫فقد قطع الكاتب ّ‬ ‫السوداء املختبئة يف‬ ‫فقال ‪ :‬مت ّددت عىل الفراش دون أن أخلع مالبيس‪ ،‬والعامل ينأى ع ّني برصاخه القبيح‪ ،‬وال ّنقطة ّ‬ ‫وتظل تنمو حتّى تتح ّول إىل عنكبوت ال أقاومه بل أسقط بسهولة بني أذرعه اللّزجة الّتي‬ ‫ّ‬ ‫صميمي مت ّزق أقنعتها‪،‬‬ ‫تلتف حويل ومتنعني من الحركة ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أحس بتل ّبد عجيب‬ ‫وأرتجف وأنا أسمع صهيله الّذي يدعوين إليه وال أقدر عىل تلبيته ففي تلك اللّحظة كنت ّ‬ ‫وكأنّني جثّة طافية عىل وجه مياه نه ٍر بطيء‪.‬أواه لكم اشتهيت أن يرجع جوادي األبيض الهارب ليك أمتطيه وأترك‬ ‫له العنان ليعدو يب طويالً عرب براري ال أفق لها ''(‪.)79‬‬ ‫السبيل الوحيد للتخلّص من هذه املأساة الّتي يعيشها فوصف حاله‬ ‫فالشّ خص ّية تنتظر املوت‪ ،‬الّذي يفرحها فهو ّ‬

‫عندما مت ّدد عىل الفراش منتظرا ً الجواد املخلص الّذي يأخذه إىل العامل اآلخر فهناك سيشعر بال ّراحة والفرح‪ .‬وهذه‬

‫الوقفة قد وظّفت بشكلٍ ناج ٍح‪ ،‬ص ّور فيه الكاتب اله ّم والوجع الّذي يكمن يف قلبه ومدى شوقه لرؤية جواده‬ ‫الّذي سيأخذه إىل البعيد‪ ،‬إىل عامل آخر ٍ‬ ‫بعيد عن الحزن والكآبة‪.‬‬ ‫_______________________‬

‫‪ .78‬زكريا تامر‪ ،‬صهيل الجواد األبيض‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪2001‬ص ‪.47 – 46‬‬ ‫‪ .79‬زكريا تامر‪ ،‬صهيل الجواد األبيض‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪2001‬ص ‪.49‬‬


‫شعر‬


‫مطي وداللته عىل "صهيل الجواد األبيض"‬ ‫‪ّ -3‬‬ ‫الت ّدد ال ّن ّ‬ ‫يعب عن‬ ‫كل مساء‪ ،‬أو ّ‬ ‫الت ّدد الّذي يتك ّرر يوم ّياً‪ ،‬أو ّ‬ ‫إ ّن هذه التّواتر أو ّ‬ ‫كل شهر ‪ ...‬يوجزه الكاتب يف جملة واحدة ّ‬ ‫هذا ال ّزمن املتك ّرر الّذي مت ّر به الشّ خص ّية‪.‬‬ ‫مطي‪ .‬تقول الشّ خص ّية ال ّرئيسة ‪'' :‬أشتغل يف اليوم مثاين ساعات‪.‬‬ ‫ميكننا الوقوف أمام هذا املثال من هذا التّواتر ال ّن ّ‬ ‫أتعب‪ ،‬أبتلع الطّعام برسعة عجيبة‪ ،‬أشرتك بحامسة يف مناقشات عظيمة‪ .‬أقامر مببالغ ضئيلة‪ .‬أضحك ببالهة‪ .‬أغازل‬ ‫فتيات‪ .‬أشتم الله‪ .‬أصادق مومسات ''(‪.)81‬‬ ‫السطور توحي بتكرار كيف ّية قضاء الشّ خص ّية حياته اليوم ّية‪ ،‬إذ يعيش بهذه الطّريقة الحزينة‪ ،‬يعمل يوم ّياً‬ ‫هذه ّ‬ ‫مثاين ساعات‪ ،‬من هنا يومئ الكاتب إىل األوجاع الّتي يحملها وتثقله يوم ّياً‪ .‬وقد أسهم هذا التّواتر يف الكشف عن‬ ‫عب الكاتب عنها خري تعبري‪.‬‬ ‫هذا الوجع وهذا الحزن وقد ّ‬

‫_______________________‬ ‫‪ .81‬زكريا تامر‪ ،‬صهيل الجواد األبيض‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪2001‬ص ‪.46 – 45‬‬


‫شعر‬


‫عصمة الجمال‬ ‫الشاعر‪.‬عمر شبيل‬ ‫‪2022/2/18‬‬ ‫الجامل عن الدّ نِ َّي ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫عاص ٌم‬ ‫مجدُ‬

‫أُ ِح ُّب ِك دافئ ًة كالشتاء‪ ،‬وعاشق ًة كاملط ْر‬ ‫ح َني يهمي عىل ِ‬ ‫األرض عطىش‪،‬‬

‫ويُ ْخ ِص ُبها بالشج ْر‬ ‫ِ‬ ‫ش ْر‪،‬‬ ‫أح ُّب ِك دافئ ًة كالشتا ِء‪ ،‬و َم ْوقَ َد ٍة كان فيها َ َ‬ ‫ش ْر‪.‬‬ ‫وفينا َ َ‬

‫اب‪،‬‬ ‫أُ ِح ُّب ِك يا امرأ ًة من تر ْ‬ ‫ثوب ال َجام ِل ائْتَ َز ْر‪.‬‬ ‫ولك ْن بها ُّ‬ ‫كل ِ‬ ‫قلب‪،‬‬ ‫و َم َّر عىل بابِها ُ‬ ‫ألف ٍ‬ ‫غريب‪،‬‬ ‫قلب‬ ‫َّ‬ ‫وظل ي ُحوم عىل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫الباب ٌ‬ ‫الحب من ُذ ِ‬ ‫وكنت َز َع ْم ِت بأنّ ِك ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص َغ ْر‪.‬‬ ‫أنت التي َعلَّ َمتْ ُه عىل ِّ‬ ‫َ‬ ‫فقال‪ :‬ول ِك َّننا أبدا ً ما التقينا‪،‬‬ ‫وكيف منا بني “وادي الحريرِ” َ‬ ‫وتلك الغزال ِة “‬ ‫َ‬

‫ٍ‬ ‫و”قيس وليىل” و” َع ْ ِي الصوير ِة”‪،‬‬ ‫وبني “جميلٍ ”‪،‬‬ ‫هذا الشج ْر؟‬

‫فوق ٍ‬ ‫واستَ َوتْ َ‬ ‫عرش‪ ،‬وكان عىل قل ِب ِه يستوي‪،‬‬ ‫َض ِحك َْت‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫و”الحاصباين” يُ َه ِّد ُد ُه بالخط ْر‪.‬‬ ‫وليس عىل املاء‪،‬‬ ‫هناك اقتس ْمنا الغام َم معاً‪،‬‬ ‫واقتس ْمنا الخطر‪.‬‬


‫باب‪.‬‬ ‫إنها حكم ُة الصبحِ يا امرأ ًة دونَها ُ‬ ‫ألف ْ‬ ‫فال تقلقي‪ ،‬إنّها من ذنوب الخلود‪.‬‬ ‫اغتسلت بالضياء‬ ‫ْ‬ ‫القلوب إذا‬ ‫غ َري أنَّ‬ ‫َ‬ ‫تعانق آثا َمها فتصريُ صال ْة‬ ‫ُ‬ ‫الليل فوق الوساد ْة‪.‬‬ ‫الرتاب إذا َع ّر َش ُ‬ ‫َفضُ ّمي‬ ‫ً‬ ‫تبارك ثغ ُر ِك يا امرأ ًة من تراب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الرتاب إذا كان ِ‬ ‫منك فسوف يص ُري من الطُ ْه ِر‬ ‫فإنّ‬ ‫َ‬ ‫س ّجاد ًة للصال ْة‬ ‫املوانئ تبيك‬ ‫أتدري َن كيف‬ ‫ُ‬ ‫أجهشت بالبكا ْء‬ ‫ْ‬ ‫املناديل من حزنِها‬ ‫ُ‬ ‫إذا ما‬ ‫*****‬ ‫يهرب ِ‬ ‫منك‬ ‫سال ٌم عىل قلب ِ​ِك‬ ‫الغجري الذي كان ُ‬ ‫ّ‬ ‫إذا من ِْت دون بكا ْء‪،‬‬

‫وكان ُ‬ ‫يناول ثغ َر ِك أمني ًة‬ ‫لينا َم عىل موع ٍد ولقا ْء‬ ‫يعشق الزيزفون‪.‬‬ ‫املستحيل‪ :‬لِ َم النه ُر ال‬ ‫َ‬ ‫َسيل ث ْغ َر ِك‬ ‫ُ‬ ‫ناويل النه َر ثغ َرك‪ ،‬ال تُصبحي ِ‬ ‫أنت كالزيزفون‬ ‫َ‬ ‫رض من ثغ ِر أنثى‪.‬‬ ‫رسق النه ُر ألحانَهُ الخ َ‬ ‫نسيت ثغ َرها‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫عىل النه ِر قد‬ ‫الناس عنها‪،‬‬ ‫وظل عىل شو ِق ِه يسأل‬ ‫فصار يغ ّني‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ومن يو ِمها مل ْ‬ ‫تزل ضفّتا ُه حكايا‬


‫حب بغريِ خط ْر!!‬ ‫وهل كان يو َجدُ ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫للحاصباين سوى ثغرها‬ ‫وما كان‬ ‫لترشب من مائِ ِه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يرفع ع ّني وعنها الخط ْر‬ ‫وق َتها سوف ُ‬ ‫قص َتها‪،‬‬ ‫تقص عىل املا ِء ّ‬ ‫وراحت ُّ‬ ‫القروي الذي‬ ‫وقص َة ذاك الفتى‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ثم قالت له‪:‬‬ ‫خطفتْهُ إىل جبلِ الشيخ جن َّي ٌة‪َّ ،‬‬ ‫تفك طالس َم َك امرأ ٌة من تراب‪،‬‬ ‫ترجع حني ُّ‬ ‫سوف ُ‬ ‫ش‪.‬‬ ‫الك‬ ‫هي‬ ‫نصف َم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ونصف بَ َ ْ‬ ‫فقال لها‪ :‬ما عالم ُتها؟‬ ‫فقالت‪ :‬هي اآلن يف ال ِع ْق ِد يف عنقي‪.‬‬ ‫تَاَ َّملْهُ يف ُع ُنقي‪ ،‬إنّني قد سه ْر ُت طَ َ‬ ‫وال الشتاء‪،‬‬ ‫أُنَضِّ دُ ه بالدُ َر ْر‪.‬‬ ‫قوس ُق َز ْح‬ ‫وكل الطيو ِر التي َع َب ْت بي َننا ص َن ْ‬ ‫ُّ‬ ‫عت منه َ‬ ‫ثم ألقتْهُ َ‬ ‫كل أحزانِها من َف َر ْح‪.‬‬ ‫رى‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫فوق ُق ً‬ ‫رس الف َر ْح‪.‬‬ ‫ويف الحزنِ يا ُ‬ ‫أخت ُّ‬

‫قوس ُق َز ْح‬ ‫ثوب ِ‬ ‫ومن ُي ِسك ال ِع ْقدَ أو يرتدي َ‬ ‫ُقيم له شه َرزا ُد الجميل ُة يف أل ِ‬ ‫ْف ليل ِتها‬ ‫فسوف ت ُ‬ ‫ألف عي ٍد وعيدْ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رض ُه شهريا ُر "السعيد"‬ ‫ويح ُ‬

‫الصباح‪،‬‬ ‫ويُدْ ر ُِك من بع ِدها شهرزا َد‬ ‫ْ‬ ‫باح‪.‬‬ ‫ويغدو لنا بعدَ ُه ُّ‬ ‫كل ثغ ٍر ُم ْ‬ ‫*****‬


‫شوارع المدينة‬ ‫الشاعر ‪ :‬عيل مويسات الجزائري‬ ‫شوارع املدينة‪ :‬هذه قصيدة اجتامعية ‪ ،‬ثنائ ّية يف الصدر والعجز‬ ‫الضجيج هنا األ بْ ِنية‬ ‫أجوب الشوارع بني املَباين * يع ُم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪...‬‬ ‫وأملح يف كل ركنٍ َعواين * وبؤس حيا ٍة بدتْ جانية‬ ‫ُ‬ ‫‪...‬‬ ‫وأطلِ ُق بني ال ُجمو ِع ِعناين * وكل الوجو ِه ب َدتْ عانية‬ ‫‪...‬‬ ‫فذاك ُم ٌ‬ ‫عاق وشي ٌخ يعاين * دمو ٌع لثَكىل ج َرتْ قانية‬ ‫‪...‬‬ ‫وطفل يتي ٌم أضا َع األماين * وحيد يح ُّن لها الحانية‬ ‫ٌ‬ ‫‪...‬‬ ‫كافل ماعاد داين * وكل يهي ُم مع الفانية‬ ‫وضا َع التَ ُ‬ ‫‪...‬‬ ‫في ْب ِح ُر باآل ِه لحن األغاين * يُر ِّد ُد ذاك الصدى أغنية‬ ‫‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫جي ُ‬ ‫يفوق املعاين * فتنرشها الريح يف ثانية‬ ‫بصوت شَ ٍ‬ ‫‪...‬‬ ‫تط ُري بعيدا بغريِ تَواين * لتَ ْنعي لنا العيشَ َة الهانية‬ ‫‪...‬‬ ‫مظا ِه ُر ُحزنٍ ت َـ ُه ُز كياين * فتبيك عيو ُن األنا الرانية‬


‫وكل الذين مت ُّر الرزايا بأعامرهم‪.‬‬ ‫ت ُ َر ِّد ُدها الط ُري والغربا ُء ّ‬ ‫ِ‬ ‫جبل الشي ِخ ِ‬ ‫وهات املط ْر‬ ‫الرياح‬ ‫هات‬ ‫فيا َ‬ ‫َ‬ ‫أقرب من ثغرها‪.‬‬ ‫ُعل ّو َك ُ‬ ‫جبل الشي ِخ من قسو ِة الثغر‬ ‫آ ِه يا َ‬ ‫يس َك ْر‪.‬‬ ‫حني تعلِّ ُمه امرأ ٌة ّ‬ ‫كيف ْ‬ ‫ذاق ثغ َر ِك حتى َ‬ ‫ومن َ‬ ‫يقول لنا في ِه ُس َّك ْر‬ ‫َس‬ ‫ملاذا ُّ‬ ‫تظل بثغر ِ​ِك أُحجِي ٌة ال تُف َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫وأص ّل‪،‬‬ ‫لقد علَّ َمتْني حروف ُِك كيف‬ ‫أطوف بها َ‬ ‫القلب ي ْع ُم ُر ُه ‪//‬‬ ‫وأ ّن هواك الذي َخ َّر َب‬ ‫َ‬


‫طائر الفينيق‬

‫‪114‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫‪115‬‬


‫دموع البنفسج‬ ‫الشاعر‪.‬حامد خضري الشمري‬ ‫بكت يو َم النوى َحس َب ْت بأن ّـي‬ ‫ْ‬ ‫سأهج ُر روضتي بعد الوداع ِ‬ ‫تز ّو ِ‬ ‫القوافل وهي تنأى‬ ‫ُ‬ ‫دت‬ ‫وحبك كان ْيل أبدا ً متاعي‬ ‫ولو ُخلِّ ْدتُ يف َع ْدن ٍ لوحدي‬ ‫ألثكل ُحو َرها ال ِع َني التياعي‬ ‫َ‬ ‫القديس وشامً‬ ‫سأحمل ح َّبك‬ ‫َّ‬ ‫عيني خيطاً من شعاع‬ ‫ويف ّ‬

‫ِ‬ ‫وبعدك ال أرى يف الحب و ْهجاً‬ ‫وال غد ُر األحب ِة من طباعي‬ ‫بريق بـِ ْش ٍ‬ ‫ويطفح يف العيون ُ‬ ‫ُ‬ ‫رصك باندفاع‬ ‫إذا ط ّو ُ‬ ‫قت خ َ‬ ‫اهتياج‬ ‫دب‬ ‫ٌ‬ ‫إن التصقت وقد ّ‬ ‫أخاف عىل الشفا ِه من انفالع‬ ‫وال أصبو آلخر ٍة ودنيا‬ ‫إذا كانت ميينك يف ذراعي‬ ‫وخفق روحي‬ ‫نبض الفؤا ِد‬ ‫فيا َ‬ ‫َ‬ ‫إذا ما ِ‬ ‫غبت أشعر بالضياع‬ ‫ويا نجامً أس ُري عىل هدا ُه‬



‫د‪ .‬فاطمة مهدي الب ّزال‬

‫رؤيا‬ ‫ويف جوف هذا السواد اراك‬ ‫وأدري بأنك كنت تراين‬ ‫كل ذك ٍر‬ ‫دمعي يف ّ‬ ‫رص ُف‬ ‫أُ ّ‬ ‫َ‬ ‫وأرشف منه إذا ما دعاين‬ ‫ُ‬ ‫يستطيب املنام‬ ‫وأغب ُط من‬ ‫ُ‬ ‫ويخل ُع من خافق ْي ِه ارتهاين‬ ‫كل ٍ‬ ‫نبض‬ ‫أأنساك ِور ًدا ويف ّ‬ ‫يفيض بروحي ويجري لساين؟‬ ‫ُ‬ ‫***‬ ‫أتقطع حبل الوداد وتوقن‬ ‫أنّا عد ّوان رغم اليقني ؟‬ ‫وانّا إذا اشت ّد عصف الليايل‬ ‫بروحي َ‬ ‫أقيك وكنت تقيني‬ ‫ويف سكر ٍة من رؤانا ظللنا‬ ‫نرت ُّب يف العمر بعض األماين‬ ‫صبح‬ ‫سالم عليك إذا الح ٌ‬ ‫مقلتي حنيني‬ ‫وأشعل يف‬ ‫ّ‬ ‫***‬


‫ويا ريحاً‬ ‫تعانق ْيل رشاعي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫قت طهرا ً‬ ‫لحضنك حانيا ً قد ت ُـ ُ‬ ‫وحسبي أن أطي َع وأن ت ُـطاعي‬ ‫رأيس املُضنى عليه‬ ‫وأسن ُد َ‬ ‫رجعت إىل الرضاع‬ ‫كأين قد‬ ‫ُ‬ ‫رماين حب ّـ ِك املجنو ُن طوعاً‬ ‫ببح ٍر دون شطآنٍ وقاع‬ ‫ِ‬ ‫خديك تشتبك ال ُخزامى‬ ‫عىل‬ ‫وأزهار البنفسج يف رصاع‬ ‫ذبيح‬ ‫ثالثو َن‬ ‫ْ‬ ‫انقضت وأنا ٌ‬ ‫عىل محراب ِ‬ ‫حبك دون ناع ِ‬ ‫كل حني ٍ‬ ‫تداهمني الرزايا ّ‬ ‫وتنفثُ س ّمها َّيف األفاعي‬ ‫ِ‬ ‫لغريك َّيف ِع ْر ٌق‬ ‫يخفق‬ ‫ومل‬ ‫ْ‬ ‫وجهي بالقناع‬ ‫استبدلت‬ ‫وال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫بهمسك أقتني عـِق ْـد الرثي ّـا‬ ‫وأركب فوق أعناق السباع‬ ‫ثأرت من الزمان وقد جفاين‬ ‫وأصبحت األم َري بال نزاع‪//‬‬ ‫ُ‬



‫يصهل حزين‬ ‫ُ‬ ‫عىل صهوة الريح‬ ‫ويجمح إن ساورت ُه ظنوين‬ ‫ُ‬ ‫سفيني يُعان ُد موجا عت ّيا‬ ‫بكل جنوين‬ ‫فأثبت فيه ّ‬ ‫فال تبتئس إن تل ّون عمري‬ ‫بطحن رحا ُه منوين‬ ‫ودارت‬ ‫ٍ‬ ‫سأتق ُن لثم الجرا ِح وظ ّني‬ ‫بتلك ال ُخطى أستعيد شؤوين‪//‬‬


‫كنت مالكًا‬ ‫عندما ُ‬ ‫مرآيت كانت وردة‬ ‫عشق الربي َع‬ ‫كل‬ ‫تهديني ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وتخض ُب نبيض بالعطر‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ووساديت كانت مح ّمل ًة باألرسار‬ ‫أتأنّق ألحالمي‬ ‫أهديها عبق أنوثتي‬ ‫فتهديني طيفك‪..‬‬ ‫وكلّام أ ّرقني الحنني‬ ‫كنت أو ّد ُع الحقيقة‬ ‫ُ‬ ‫أتك ّو ُر يف رحم القيامة‬ ‫ألول َد امرأ ًة عاشقة ‪//‬‬


‫عندما‪...‬‬ ‫الشاعرة‪.‬رانية مرعي‬

‫كنت مالكًا‬ ‫عندما ُ‬ ‫أحمل باك ًرا ندى القبالت‬ ‫كنت ُ‬ ‫ألكون أول الواصلني‬ ‫إىل قلب النور‪..‬‬ ‫كنت ُ‬ ‫أفرك عيون الليل‬ ‫وأطبع عىل جبني األمل‬ ‫قبل َة الحياة‬ ‫َ‬ ‫ليطول عم ُر الفرح‪..‬‬ ‫والحب كنت أصلّيه‬ ‫ُّ‬ ‫أرويه عىل مسامع الوقت‬ ‫أطرب به لهفة العائدين‬ ‫ُ‬ ‫من مجاهل ال ّزمن‪..‬‬


‫حطب املناقل‪...‬‬ ‫ال تكن‬ ‫َ‬ ‫كن جلجامش‪،‬‬ ‫واخرج من حانة "سيدوري"‬ ‫واصنع مجذافًا كلّام انكرس مجذاف بني يديك‪.‬‬ ‫******‬ ‫حلّق أبعد من فضاء ال ّرغبة‬ ‫وفوق حدود املعرفة‪.‬‬ ‫تنفّس الهواء بعمق ‪،‬‬ ‫فللهواء شهقة وزفرة توقظان‬ ‫املعنى واملعنى ‪،‬‬ ‫لحظات ٍ‬ ‫ومض تظل ُّل الجوهر‪.‬‬ ‫هو‬ ‫ُ‬ ‫كُن ثواين النشوة إِليك‪،‬‬ ‫وال تكن أَنت األبعد !‬


‫ُ‬ ‫ومض‬ ‫لحظات‬ ‫ٍ‬ ‫الشاعرة‪ .‬نهى املوسوي‬

‫‪.‬‬

‫أيّها النجم‪،‬‬ ‫هل انزلقت يقظ ُتك يف ف ّوه ِة رحل ِتك العموديّة‪،‬‬ ‫ورشقت بلّورك حجارة رشهة‪...‬؟!‬ ‫ومضات الضّ وء من ميزانِ عينيك‬ ‫ُ‬ ‫كيف هربت‬ ‫وتساقطت بال وزن‪ ...‬؟!‬ ‫وها انت‬ ‫صمء‪ ،‬تتطاير كغبا ٍر ‪..‬‬ ‫بني كتل ّ‬ ‫كاذب)‬ ‫مل‬ ‫(أُ ُّم َك ال ّريح ‪ ..‬وال َح ُ‬ ‫ٌ‬ ‫عيناك تُـهاتفان الصدى‬ ‫َ‬ ‫وخطواتك ركام العامل؟!‬ ‫*****‬


‫يفوح‬ ‫ُ‬ ‫لهيب‬ ‫ُ‬

‫ِم ْسكُها ِعطرا‬ ‫ال َو ِ‬ ‫جد يَكويني‬

‫نس ْج ُت طي َف ُه ِشعرا‬ ‫َ‬ ‫فؤادي اليو َم ق ْد ها َم‬ ‫و َدمعي ق ْد غ َدى ِحربا‬ ‫الصد ِر أسقا ٌم‬ ‫وك ْم يف َ‬ ‫يُغني لحنها َجهرا‬ ‫و َعقيل شا ِر ٌد مني‬ ‫وييض نحوها ِفكرا‬ ‫َ‬ ‫باقات‬ ‫ويف كَـفَّـ ْي ِه‬ ‫ٌ‬ ‫إليها حا ِمال زهرا‬

‫القلب ال يَرىض‬ ‫حبيب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫بأن أعيص ل ُه أمرا ‪//‬‬


‫الشاعر‪ .‬مصطفى بورتاتة‬

‫إىل ريحانة قلبي تلك التي تشارِكني‬ ‫حلو الحياة و ُمرِها‬ ‫_ أم أيوب_‬

‫القلب ال َيرىض‬ ‫حبيب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫بأن أعيص ُله أمرا‬ ‫أراين ِ‬ ‫دائا أس َعى‬ ‫ألسمو يف اله َوى فخرا‬ ‫نبضه يرسي‬ ‫وقلبي‬ ‫ُ‬ ‫قد صا َب ُه ِسحرا‬ ‫كأنْ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫أشواق‬ ‫ويف ال َعين ِني‬ ‫مسها ِسا‬ ‫ُ‬ ‫يبوح َه ُ‬ ‫هو ال ُح ُب فال ب ْي ٌع‬ ‫رشى‬ ‫لهذا ال ُح ِب أ ْو ُي َ‬

‫ٌ‬ ‫أشكال‬ ‫سن‬ ‫لها يف ال ُح ِ‬


‫لك ّنها تعو ُد وتصحو‬ ‫ينصب الخيا َم‬ ‫أل ّن امتدا َد التّي ِه ال يزال‬ ‫ُ‬ ‫بني مساف ِة األهداب‬ ‫اب‬ ‫أل ّن نُ َ‬ ‫تف ِ‬ ‫الغيم ال تزال مت ُّد عىل الظّلِ الرس ْ‬ ‫وهم من عتم ِة الق ِرب يَ ْن َسلون‬ ‫عرا ًة ‪ ..‬حفاة‬ ‫ُ‬ ‫األشوك فتنمو حولهم‬ ‫تعبدهم‬ ‫تعبدهم ال ّدما ُء فتتف ّجر حولهم‬ ‫وسيبقون عراةً‪ ..‬حفاة‬ ‫خذوا هذا ال ّنه َر‬ ‫خذوا معه الحجار َة‬ ‫وأشجار ال ّدفىل‬ ‫خذوا هذا البح َر‬

‫الجبل‬ ‫وهذا َ‬ ‫وهذه العقود واألساور الهامسة‬ ‫ٍ‬ ‫فام الحيا ُة سوى ِ‬ ‫عنكبوت‬ ‫بيت‬ ‫يته ّد ُم لحظة متت ّد إليه األصاب ُع‬ ‫لحظة تفْلت من يد األقدار ريح‪//.‬‬ ‫طائر الفينيق‬

‫‪128‬‬


‫بيت العنكبوت‬ ‫د‪ .‬هادي جامل شبيل‬

‫بيت العنكبوت‬ ‫آ َن للفاين أن يهج َر َ‬ ‫والضج ِر‬ ‫َ‬ ‫الس ِأم ّ‬ ‫ويرحل عن صحارى ّ‬ ‫ّس‬ ‫أل ّن ذ ّرات ال ّرملِ ال تزال تتنف ُ‬ ‫وال يزال يل ّونها ذ ّر ًة ‪ ..‬ذ ّر ًة‬ ‫رض‬ ‫رض ‪ ..‬باألخ ِ‬ ‫باألخ ِ‬ ‫وهي تأىب التّم ّر َد عىل تقاليدها‬ ‫فتبقى غرباء ‪ ..‬غرباء‬ ‫انطفأت‬ ‫انتحرت‪ ،‬والنجوم‬ ‫الشمس‬ ‫أل ّن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫والقم َر صار شكلُه مستطيال‬ ‫خرج من ال ّنورِ‪ ،‬فامت النو ْر‬ ‫وال ّنو ُر َ‬ ‫وحملت نعشَ ه أيادي الظّالم‬ ‫ْ‬ ‫و ُد ِف َن يف مقرب ِة الظّالم‬ ‫ورضيحه ال يزال يبيك‬ ‫ترتشف ال ّنشو َة‬ ‫ودموع اإلنسانِ ال تزال‬ ‫ُ‬ ‫لتغفو‪ ،‬لتنىس‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬

‫‪129‬‬


‫ً‬ ‫غيابا أيّها األمل الجريح‬ ‫عم‬ ‫الدكتورة‪.‬ساميا السلوم‬

‫املتمدد عىل متاهة الطريق‪،‬‬ ‫كان عري الرصاص يرعب عذر ّية النوم يف خواطر الليل‬ ‫ّ‬ ‫يدي أسابق عقارب اآلن‪ ،‬أتخطّى ألغام الغياب‪...‬‬ ‫حني هرعت إليك عىل ّ‬ ‫أماين علة يدي‪...‬‬ ‫كف عفريت‬ ‫وأمان الطرق عىل ّ‬ ‫واليشء النابض بني أضلعي يصفّق كلّام ع ّمد التني طفولة صباحك‪...‬‬ ‫يهدهد للوقت يك تنام أجنحتك‪ ،‬ريثام تض ّمد هدوء الجسد‬ ‫يف أواخر الليل الغايف يف جرح األمل‬ ‫يراقب أحالم جبلٍ مبتسم الصباح‬ ‫مل ينتقل رغم إميان الرصاص مبوت السامء‬ ‫ورغم إميان الخردل بانتحار أمانك‬ ‫مل يعرقل بقرات الغيم ح ّتى رعت عزلة ظلّه‬ ‫يف ذاكرة أشجا ٍر‬ ‫يف أكيد حدائقك‬ ‫واليشء مبتسم البكاء يأيت إليك‬ ‫للم ّرة املليون بعد املرتني يلدغني جحر املسافة‬ ‫ورصاص الصوت األخرس يرتدي رشودي‬ ‫يطمنئ جسد النوم عىل طريق النهار‬



‫حبة رمل‬ ‫الشاعرة ‪.‬سناء الحاموش‬

‫تاهت عن شاطئها حبة الرمل‬ ‫أعيدوني الى حضني ‪..‬‬ ‫الغربة تعريني من ملحي ومن شمسي‪..‬‬ ‫ارجوحة الموج‬ ‫يا لعبتي ويا مهدي‬ ‫سرقني كف بحار ‪..‬‬ ‫في خطوط راحته خبّأني ‪.‬‬ ‫لو يعتقني ‪...‬‬ ‫وانهمر على صخرة في بحري ‪..‬‬ ‫أعيد وجهي الذهب ‪...‬‬ ‫الغربة تضنيني‬

‫طائر الفينيق‬

‫‪132‬‬


‫طريق يخطو إليك‬ ‫يف أواخر‬ ‫ٍ‬ ‫وأمان أحالمي يف نبض الطريق‬ ‫حيث تف ّتق نظرتك األفق‬ ‫ّ‬ ‫الحظ بروح عانقت روحي‬ ‫تذيّل هوامش‬ ‫وقلب سكبت أرساري يف قلبه‬ ‫فرجمت الخطيئة مجدل ّيات اليقني‬ ‫واسرتاحت ترشب انهامرك‬ ‫بكأس رمال املايض املتصخّر اللغة‬ ‫هناك انحفرت صورة العذراء تخبط حظّها‬ ‫أمام صليب الدين يف قيامة صوتك‪...‬‬ ‫وقيام طفولتك بواجب العزاء‬ ‫من فكر العراء ح ّتى أزل الدروب‬ ‫يف نبع اإلله ضاحكاً يف وجه الوجود‬ ‫يف صدر حنينك‪//...‬‬ ‫طائر الفينيق‬

‫‪133‬‬


‫أشتاق صوت الصيادين‬ ‫ميأل اليم أنغاماً ‪...‬‬ ‫و رقص املراكب فوق املاء‬ ‫أشتاق العودة ‪..‬‬ ‫أعيدوين إىل حضني‪...‬‬ ‫تهت أنا يف كف ‪..‬‬ ‫ما عدت حبة رمل ‪..‬‬ ‫أعيدوين ‪ ..‬إىل بحري‪//..‬‬

‫طائر الفينيق‬

‫‪134‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫‪135‬‬


‫هواك‬ ‫ِ‬ ‫الشاعرة‪ .‬زينة الجوهري‬ ‫يل بنظر ٍة تك ْن يل‬ ‫جودي ع َّ‬ ‫يل بقبل ٍة تر ِو ظمئي‬ ‫جودي ع َّ‬ ‫يل بضم ٍة تحي قلبي‬ ‫جودي ع َّ‬ ‫جودي وجودي‪...‬‬ ‫صب مستهان‬ ‫فأنا بهواك ٌ‬ ‫وتراتيل نبيض‪..‬‬ ‫تثري شجن عاطفتي!‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأبحث‬ ‫أبحث‬ ‫إين‬ ‫عن ذلك الحب العميق‬ ‫ُ‬ ‫أبحث عنه!!‬ ‫يف ابتسامات الحبيب‬ ‫يف شوقه!!‬ ‫الذي يرتاءى يل من البعيد‬



‫أكرس أقالمي فوق كومة الورق‬ ‫الشاعرة‪.‬نهاد طاطاريان حبيب‬ ‫أكرس أقالمي فوق كومة الورق‬ ‫احاول ان افهم ما الذي قد جرى‬ ‫أجريت كامً من التحقيق والتدقيق‬ ‫نضع الذات مقابل كل ما يأيت‬ ‫ُجبل الطني بالدم اإللهي‪...‬فكان األنسان‬ ‫متحررا ً من كل َعلق الوجود الرسمدي‬ ‫ضمن شبكة كونية رمزية جديدة‬ ‫تُنفَّذ بدقة تتحقق وتتداول داخلها‬

‫البعيد أصبح واقعاً‪ ...‬معرفتنا تزداد غنى‬ ‫أفيش له ارسار الكون وهو يسمع وال يرتدع‬ ‫أتلو املزامري عىل أصم الورى‬ ‫أمتحن من حويل بلوعة النوى‬ ‫سناك يبهت قليال وان تبتعد‬ ‫نال مني الكرى بعد الذي جرى‬ ‫ومن آتون أفكاري ارصخ وجعي‬ ‫وأمايل قد توشحت الرسى‪//‬‬


‫ٍ‬ ‫كلامت !!‬ ‫بجمر‬ ‫أدفأت مملكة حبي العتيد‬ ‫ْ‬ ‫بقصيد ٍة ‪ ،‬بنبض ‪ ،‬برشفة قهو ٍة ‪..‬‬ ‫ُرسم يف فنجانها وج ٌه فريد‬ ‫بعناقيد ليلكة تدل ّْت‬ ‫وعطَّرت املكان بعط ٍر جديد‬ ‫تطاير يف أرجاء قلبي‬ ‫وأودع يف عمقه حباً عنيدا ً‪..‬‬ ‫ال األزمنة‪ ،‬وال األمكنة‪،‬‬ ‫استطاعت ان تبدله‬ ‫أو تأخذه للبعيد‬ ‫فبقي بصمة ‪..‬‬ ‫دمغت بلمى حبها‬ ‫قلبي السعيد ‪//‬‬


‫ر يّان في َغيابة القلب‬ ‫الشاعر‪.‬عمر شبيل‬ ‫‪٢٠٢٢/٢/٦‬‬ ‫يوسف يا َريّا ُن أ ْو َح َش من‬ ‫ما ُج ُّب‬ ‫َ‬ ‫ُج ٍّب غ َف ْوتَ به طفالً بال لُ َع ِب‬ ‫كم انتظ ْرنا لوِا ْجت ْزتَ الردى ونرى‬ ‫عىل ِ‬ ‫دم ك َِذ ِب‬ ‫قميص َك َمشْ حاً من ٍ‬ ‫يعقوب ما َ‬ ‫زال يا ريّا ُن يسأ لُنا‬ ‫ُ‬ ‫تؤوب؟ ولك ْن أنت ام تَ ُؤ ِب‬ ‫متى‬ ‫ُ‬ ‫تلبس ُه‬ ‫ريّا ُن ُر َّد قميصاً َ‬ ‫كنت ُ‬ ‫أب‬ ‫ت ُر ِج ْع َمبلْ َم ِس ِه نورا ً لع ِني ِ‬ ‫تلبسها‬ ‫لكن حجار ُة ُج ٍّب َ‬ ‫كنت ُ‬ ‫ثوب عن ضلو ِع صبي‬ ‫قت َّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫قد م َّز ْ‬ ‫قميص َك املوتُ مل ْ‬ ‫بصا ً‬ ‫ُ‬ ‫يرتك له َ‬ ‫ما َ‬ ‫الليل إ ْذ يأيت بال َح َد ِب‬ ‫أطول َ‬ ‫ريّا ُن ّأس ْس َت ديناً ال حدو َد ل ُه‬ ‫والحب دي ٌن‪ ،‬ومن يؤم ْن ب ِه يُ ِص ِب‬ ‫ُّ‬ ‫ني الع ْم ِر قارص ًة‬ ‫فأنت رغ َم ِس ِّ‬ ‫أنت نبي‪//‬‬ ‫نبي بع ُد َ‬ ‫ورغ َم أ ْن ال ٌّ‬



‫‪15-12‬‬

‫قراءات‬

‫طائر الفينيق‬

‫‪142‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫‪143‬‬


‫وكأن به يسائل نفسه يف تلك الظروف املدلجة من الحياة اآلدم ّية‪ :‬هل سأربح الرهان أم سأخرسه؟ وما أقىس أن يصبح‬ ‫ّ‬ ‫العمر لعبة ح ّظ!‪...‬‬ ‫نلج القصيدة العمريّة فيستقبلنا فعل األمر‪/‬ش ّمي‪ ،‬املقرون بياء املخاطبة األنثى‪ ،‬فمن يستدعي عمر لطلبه؟‬ ‫وتنكشف مطلوبته يف السطر الخامس يناديها رصاحة‪" :‬يا ليىل" التي غدت رمزا ً للحبيبة العربية املفطورة بالجامل‪،‬‬ ‫فيحدث الدهشة واالنزياح!‪...‬‬ ‫إ َّن الحبيب امللتاع املأسور بالوجد والعزلة والغربة يستحرض الحبيبة األصيلة الوفيّة‪ ،‬لتبقى لصيق ًة به طيفاً‪،‬‬ ‫ويطلب منها أ ْن تش ّم جسده‪.‬‬

‫جرح‬ ‫فاملشموم جسد فارس ٍ ن َكأَته الجراح‪ ،‬والشا ُّم طيف حبيب نبيل‪ ،‬غ َري أ ّن الشَّ ميم من نوع فريد عجيب‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫غائر‪ ،‬وطعنة عميقة كأنّهام نجيع ال ّروح‪..‬‬ ‫ويأخذنا هذا اإلحساس املرهف‪ ،‬وهذا التجاوب الوجدا ُّين بني اإلنسان والحيوان‪ ،‬وهذا البوح الشفيف‪ ،‬إىل استذكار‬ ‫ِ‬ ‫همهامت حصانه بعدما تناوشت صدره ال ّرماح قائالً‪ " :‬فازو ّر من وقع القنا بلبانه‬ ‫العبيس الفارس يف سربه‬ ‫عنرتة‬ ‫ّ‬ ‫وشكا إ ّيل ب َعربة وتحمحم "‬ ‫وإىل أبيه أيب الط ّيب املتن ّبي‪ ،‬كام يحب أن ينتسب إليه هو‪ ،‬نستذكر قصيدته يف ح ّمى أصابته وهو نزيل مرص عند‬ ‫اإلخشيدي‪ ،‬وقد فرض عليه إقامة جربيّة‪ ،‬ومن بيتها الثاين الذي فيه يقول‪ " :‬عيون رواحيل إ ْن حرتُ عيني‬ ‫كافور‬ ‫ّ‬ ‫وكل بُغام رازحة ٍ بغامي "‬ ‫ُّ‬ ‫التناص املوائم للحالة‪ ،‬وما هذا البوح الوجداين اللطيف لشاعر جلد كابد ضنك جسده‪ ،‬وكربياءه الجريح؟!‬ ‫ما هذا‬ ‫ّ‬ ‫وهذا ما عكسه حقل املعاناة (زمن القتل‪ ،‬دموع‪ ،‬جرحي‪ ،‬الطعنة أوسع‪ ،‬تأويل الجرح‪ )...‬إال أنه يرفض أن يخضع أو‬ ‫أن يتنازل عىل حساب مبادئه ورسالته‪ :‬ال أحتمل التأويل‪ ،‬ال أتنازل" يبدو أ ّن طيف الحبيبة هو ما منح شاعرنا األسري‬ ‫الحق‪ ،‬الت ّواقة إىل استعادة املايض الجميل " هلهولة‬ ‫شحنات ٍ من الق ّوة والجلد أعاد بهام ترميم ذاته الثابتة عىل ّ‬ ‫جارتنا‪..‬شقائقها الحمراء‪ ".‬اآلملة مبستقبل زاهر لألمة‪...‬‬ ‫وإذ يخرق عمر شبيل املألوف فيمأل الوادي بدموع الخيل‪ ،‬وتسيل الشمس عىل جرحه يف زمن الحرب‪ ،‬ينزاح‬ ‫والسنا استعار من‬ ‫لبي الظاهر إىل اإليجا ّيب املبتغى؛ ّ‬ ‫فالصهيل امتالء بالوفاء واألصالة‪ ،‬وإن كان مؤملاً‪ّ ،‬‬ ‫املدلول من ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫ليعب عن اإلشعاع املتشظّي من عذابات الشاعر يف أبهى نضال !‪..‬‬ ‫السائل حركته فسال عىل الجرح‪ّ ،‬‬


‫شعرية االنزياح‪ :‬قراءة في المقطع األخير من قصيدة « قطع‬

‫من لحم ينمو » للشاعر عمر محمد شبلي‬

‫د‪ .‬سامي الرتاس‬ ‫قل‪ ،‬بعد اإلذن من الشاعر‪ ،‬قطع من شعر ينمو‪ ،‬ليصل بنا إىل قطعة منه ُوسمت‬ ‫قطع من لحم ينمو‪ ..‬أو ْ‬ ‫تحت عنوان « العمر رهان»‪...‬‬ ‫ويف هذه العالقة املشرتكة التي أوجبها العنوان يطرح شبيل إشكاليته بجملته الخربية‪ ،‬فيأخذنا عن قصد إىل‬ ‫السؤال‪ :‬متى يكون العمر رهاناً؟!‬ ‫لتؤش كلّها إىل شجرة‬ ‫إ َّن سيميائ ّية العنوان‪ ،‬بالتعاضد مع سيميائ ّية املجموعة‪ ،‬ومس َّمى الديوان‪ ،‬وزمكان ّيته‪ّ ،‬‬ ‫عمر الشعرية وارفة الظالل‪ ،‬وتكثيف مدلوالت مثارها‪ .‬فمشتهى الثمر ما برق له النظر‪ ،‬وما طال انتظاره فخطر !‪..‬‬ ‫يبدأ االنزياح ال ّنفيس من الديوان» إ ّن الخلود متاع سعره الجسد»‪ ،‬فاملجد واملعايل تستدعي التضحيات‬ ‫الجسام‪ ،‬وهذا مصداق حكمة «أبيه» املتن ّبي‪:‬‬

‫«إذا كانت النفوس كبارا‬

‫تعبت يف مرادها األجسام «‪...‬‬

‫خاص‪ ،‬مع ما ستكلّف تلك املغامرة ربّانها املبحر عكس التيار‪ ،‬واملشاكس‬ ‫وإ ّن الحكمة السائدة أ ّدت إىل انزياح ّ‬ ‫الصدمة األوىل‪ ،‬لتتبعها « قطع من لحم ينمو» فالبرت يعني‪ -‬يف ما يعنيه‪ -‬االنفصال‬ ‫ملناخاتها املسيطرة‪ ،‬فكانت ّ‬ ‫واملوت واإلقصاء بالرضورة‪ ،‬والنم ّو يستدعي التج ّدد والحياة‪ ،‬وبهذا تحدث الصدمة الثانية األقوى‪ ،‬حيث تنفتح‬ ‫الدالالت عىل احتامالت شتّى‪...‬أهو الجسد املت ّجزئ الذي فتك به امتداد األرس‪ ،‬أم هي القصائد املتقاطعة يف ذاكرة‬ ‫الشاعر ول ّبه تتكاثر يوماً إثر يوم؟! أ َوكلام طالت املعاناة منت معها القصائد‪ ،‬وتجوهرت التجربة لتصنع النموذج‬ ‫وتحدث الفرق؟!‪...‬‬ ‫ث ّم نصل إىل العنوان الحادي عرش يف القصيدة « العمر رهان» ليكون العنوان األخري فيها‪ ،‬ويواكب إحدى‬ ‫عرشة سن ًة من األرس قضاها الشاعر (‪ )1992 -1981‬لتمثّل ال ّنصف األ ّول منها‪ ،‬فيعقد عمر ال ّرهان عىل العمر‪..‬‬ ‫لكل امرئ من اسمه نصيب!؟‬ ‫أوليس ّ‬


‫إ َّن عمرا ً العارف الحكيم يؤمن بأ َّن رياح التغيري تبدأ من وطنه‪ ،‬فشعبه رائد التحرير يف محيطه العر ّيب املمت ّد بني املاء‬ ‫كل سحاب مي ّر عىل وطني هو وجه للصحراء"‪ ،‬ويف رمزيّة السحاب ‪/‬‬ ‫واملاء‪ ،‬وما عداه جمود واستكانة وصنميّة‪ .‬أل ّن " ّ‬ ‫رس االنزياح وال ّدهشة وال ّروعة الشّ عريّة!‬ ‫ال ّنامء والحياة والتج ّدد‪ ،‬والصحراء‪ /‬البلقع والقحل والضياع وامتداد ّ‬ ‫الساب‪ُّ ،‬‬ ‫السحر واألساطري‪ ،‬فنتبعه مأسورين بعامله (جبل الص ّوان‪ ،‬ملوك الج ّن‪ ،‬مرجانة‬ ‫ث ّم يدير شاعرنا دفّة خياله إىل عامل ّ‬ ‫بنت البحر‪ ،‬أمري أريكته من ذهب‪ ،)...‬ومن هذا العامل املتخ َّيل تربز رغبة املتخ ٍّيل يف رسم صورة عجيبة فريدة لوطن‬ ‫يستغل األمري ذهب األ ّمة ليبني عرشه ويصنع مجده عىل " نبيذ موائد " شعبه‪ ،‬نجده يرفض هذا‬ ‫ّ‬ ‫يرتجيه‪ ،‬ولكن‪ ،‬حني‬ ‫التح ّول عىل صعيد وطنه أ ّوالً‪ ،‬ث ّم عىل مستوى بني قومه تالياً‪ ".‬وطني لن يصبح جرحك آنية لنبيذ موائدهم"‪..‬‬ ‫ما العمل إذا ً؟ "سنض ّمده برموش العني‪ ،‬ستؤوب الطري‪ ..‬ويصري ونجعل‪ "..‬وكلّها أفعال مضارعة للمستقبل القريب‬ ‫الذي يأمل به الشاعر‪.‬‬ ‫املجتمعي مبفهوم عمر‪ ،‬درع حصني لتحقيق األماين‪ ،‬والعمل املنتج يف قطاعات الوطن هو الذي يحدو‬ ‫وإ ّن اإلصالح‬ ‫ّ‬ ‫الشفاء‬ ‫باملهاجرين من أبنائه إىل العودة لالستثامر فيه واملساهمة يف ازدهاره؛ فاألرض الط ّيبة لن تبخل عىل العاملني ّ‬ ‫مبكنوزاتها وخرياتها العميمة " يصري ثرانا س ّجادا‪ ،"...‬ذلك أنّها ارتوت بدماء تضحياتهم‪ ،‬وعرق ك ّدهم وبذلهم‪ ،‬فال ب ّد‬ ‫أن تزخر بالغالل!‪...‬‬ ‫ما أروع عمر وهو يرسم قواعد بناء األوطان عن بعد‪ ،‬بعد أن ضاق به املكان يف زنزانة انفراديّة ضيّقت عليه دائرة‬ ‫البرص إىل أقرص ح ّد‪ ،‬بيد أنّها مل تستطع أن تض ّيق بصريته وبعد رؤاه‪ ،‬بل فتحت مداركه وآفاق تص ُّوراته وهندساته إىل‬ ‫أبعد الحدود!‬ ‫وما أجمل انزياح الحالة عنده! كيف ال‪ ،‬وهو يتابع رحلة األمل بالعودة املرج ّوة مستعيناً بسفينة الخالص وال ّنجاة‪،‬‬ ‫" ذات األلواح" فال ّريح مؤاتية ولّت شطر الوطن الحبيب‪ ،‬وعاصمته سطعت من بعيد‪ ،‬وها إنّه رشع يشتَ ّم عبري‬ ‫بحب الوطن‬ ‫بساتني التّفاح يف الجبل األش ّم‪ ،‬لذا يستعني (بأخته) ويدعوها إىل أن ّ‬ ‫تخل سبيله‪ ،‬وتطلق روحه املتش ّبعة ّ‬ ‫يؤش إىل لبنان‪/ :‬البحر‪ ،‬الريح‪ ،‬القلب‪ ،‬وحتى القرب‪...‬وال يشء سواه يف روح الشاعر‪ .‬ويف تكرار‬ ‫وأهله‪ّ ،‬‬ ‫فكل يشء بدأ ّ‬ ‫عبارة" هنا لبنان" تأكيد عىل إرصار "شبيل" ورغبته وأمله بالعودة القريبة إىل ربوعه‪...‬ليختتم املشهد عىل الش ّمة‬ ‫األخرية‪ ،‬والتي تنزاح معها ال ّروح إىل بنفسجة عطرة ف ّواحة بالحريّة‪ ،‬والعمر إىل رهان رابح متيقّن بفرج قريب وإياب‬ ‫ميمون!‪...‬‬


‫الحواس‪ ،‬يستدعي الش ّم ‪ /‬ش ّمي‪ ،‬والسمع‪/‬صهيل‪ ،‬هلهولة‪.‬‬ ‫وعمر الخبري بلغة الحروف‪ ،‬وبالغة الصور‪ ،‬وإغناء‬ ‫ّ‬ ‫والنظر‪ /‬دموع الخيل‪ ،‬الشمس عىل الجرح‪ ،‬منديل ليىل وشقائقها الحمراء‪ .‬واللمس‪ /‬الطعنة‪ ،‬الجرح‪ ..‬ويف ذلك‬ ‫للحواس بالوجدان‪ ،‬ومواكبة التجربة بالكينونة اإلنسانية املعذّبة التي ال فكاك لها من الشعور املشرتك‪.‬‬ ‫إرشاك‬ ‫ّ‬ ‫وتقودنا الش ّمة الثانية يف نهاية املقطع األ ّول إىل تعليل طلب الشاعر‪" :‬الحزن محاولة للنيل من الشهداء"‪،‬‬ ‫فلوال الخرب الذي أسند إليه الحزن لكان املعنى رتيبا ً ميثل اإلحباط واالنهزام واالنكسار‪ ،‬بيد أنه ينزاح إذ يبدو‬ ‫محاول ًة لل َّنيل من عظيم أثر الشهادة‪ ،‬إىل املعنى الذي يطلبه عمر‪ :‬لن ينال الحزن من جهاد األحرار وعزامئهم‬ ‫ألنّهم من ذوي العزم و"عىل قدر أهل العزم تأيت العزائم ‪ "...‬مصداقاً لحكمة أبينا املتنبي‪.‬‬ ‫والقومي يف ارتهان الكادحني املقهورين ملشيئة الزعيم‪،‬‬ ‫الوطني‬ ‫وها هو عمر يضع إصبعه عىل جرحنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتضحية مبا ميلكون ومبا يكدحون‪ ،‬يف سبيل كسب رضاه وحامية مصالحه عىل حساب سعادتهم وكرامة عيشهم "‬ ‫بستان أحرقه الفقراء ألجل قيامة صاحبهم"‪ ،‬لك ّنه رسعان ما يستبرش بالتغيري نحو األفضل ‪ ،‬وكرس قيود الوالء‬ ‫األعمى‪ ،‬وذلك حني تتح ّول السالسل إىل غصون تبسط أجنحتها للشمس معانقة الحريّة‪ ،‬وحني تستعيد " عصفورة‬ ‫جيوش املقاومني املجاهدين عىل‬ ‫ُ‬ ‫قرسي وصمت ‪ ،‬وحني تبدو للعيان‬ ‫وادي التّيم" تغريدها بعد طول وجوم‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ يرتاح الشاعر الفارس و"يتصالح دمه والغيم" يف‬ ‫خيولهم يف سفح حرمون‪ ،‬التائقني إىل النرص وبلوغ األرب؛‬ ‫إشارة منه إىل تحقيق مثار الجهاد‪ ،‬وتتواءم األرض والسامء فتبارك فعل ال ّنرص وتق ّدسه‪ ..‬ويف هذا دعوة إىل تح ّرر‬ ‫الذات قبل تحرير األرض ألنّه األوىل واألجدى واألسبق!‬ ‫ونصل إىل الش ّمة الثالثة التي يستذكر بها املرسل نوعني من الورد‪ " :‬النيلوفر" بساقه العليّة‪ ،‬والذي ينبت يف‬ ‫املياه الراكدة‪ ،‬و" نرجس جب ج ّنني" الذي يعبق ببقايا صور لصيقة بذاكرته‪ .‬وهو يف استذكار هذه الرائحة يخرب‬ ‫الحبيبة بأنّه ما زال عىل وفائه للمكان وال ّرياحني امللتصقة يف جسده التصاق الندى بالبتالت‪ّ ،‬‬ ‫بالطل‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫والثى‬

‫وي ّربر سبب استحضار الحبيبة‪ ،‬والحديث عنها يف هذا الوقت من الليل‪ ،‬بأّنّها تنزاح فتتح ّول ضوءا ً رضوريّاً ينري‬

‫الحب والوجد يف تبديد األىس والعذاب‪،‬‬ ‫ظلموت سجنه‪" .‬الضوء رضوري ج ّدا ً يف هذا الليل"؛ وهنا تكمن أهمية‬ ‫ّ‬ ‫وتحويل ال ّزمن القاتل إىل مناء واستمرار وحياة‪...‬‬


‫ما أش ّد وفاء عمر شبيل حني يعرتف البن كندة األصيل يف نسبه العر ّيب أ ّن صريورة شعره غدت وجهة ومقصدا ً‬ ‫حج منزاح من طقوس وأركان وفريضة يف مواقيت‬ ‫وعتبة مق ّدسة‪ ،‬وإن شئت فقل مح ّجة واعتامرا !‪..‬نعم إنّه ٌّ‬ ‫مح ّددة‪ ،‬إىل بدء الطّواف من ركن أيب الط ّيب الشعري اليام ّين‪ ،‬وانتهائه باستجالء معانيه ومراميه‪ ،‬فام أحوجنا إىل‬ ‫مضامينها وحكمها وأرسارها!‪...‬‬ ‫الرؤيوي‪ ،‬وال ّروعة الشعرية يتجليان يف بيان املتنبي‬ ‫ومتى " يطول طوافنا حول املعاين" فذلك يعني أ ّن العمق‬ ‫ّ‬ ‫الذي " مأل الدنيا وشغل الناس" بشعره‪ ،‬عىل ح ّد قول ابن رشيق يف عمدته‪.‬‬ ‫* عمر شبيل‪ :‬ديوان " إن الخلود متاع سعره الجسد"‪ ،‬دار الكنوز األدبية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ص‪. 238‬‬

‫معجمي للمكان نجده يف األبيات الثالثة األوىل‪ ،‬ركن مياين‪ -‬كعبة‪ -‬كوفة‪-‬كندة؛‬ ‫ومثة حقل‬ ‫ّ‬ ‫وللموافقة العجيبة أ ّن عنارص هذا الحقل تحوي كلّها هذه الكاف الكافية لتجعل من شعر عمر وشعر أيب الطّيب‬ ‫موضوعها قبلة األنظار!‬ ‫وكأين بعمر يعتب عىل صاحبه كيف مل يكتف ِمبا وصل إليه من سؤدد شعري حفر اسمه يف سجل الخلود‪ ،‬وشغل‬ ‫حياته يستعطي والية يكني بها شبيل بـ "عنقاء الليايل"‪..‬‬ ‫رشفة إال إشارة منه إىل نقطة االنطالق التي الب ّد منها للسري يف طريق‬ ‫وما تشبيهه البيان بالركن اليامين للكعبة امل ّ‬ ‫املجد والريادة والنرص والتمكني من جديد‪...‬ويف اللّثم والطّواف انزياح دال ّيل من املعاين القريبة ذات الداللة‬ ‫املحببة‪ ،‬إىل املعاين البعيدة ذات املرامي العميقة‪ .‬وكل ذلك أحدثه ربط الشاعر بني املشهدين بجودة وإتقان‪.‬‬ ‫ويأيت البيت الثالث ليل ّوح إىل والدة شاعر يف ذات فجر كو ّيف مؤنس مصحوب بفاتحة لكتاب " السبع املثاين"‬ ‫وليغدو معها املكان مشعل فك ٍر ال ينطفئ مدى األزمان!‬ ‫" وكوفتك التي آنست فجرا ً‬

‫السبع املثاين"(‪)1‬‬ ‫عىل جمراتها‪ّ ،‬‬

‫وتطل الباقة ال ّرباعية الثانية‪ ،‬وفيها اعرتاف شاعر يرى يف فعال أيب الطّيب العظيمة‪ ،‬ويف أملعيته الشعريّة‪ ،‬خلودا ً‬ ‫ُّ‬ ‫ودميومة والتامعاً وإشعاعاً يضيئ دجى األيام الحالكة‪ .‬لقد قىض حياته عاقدا ً ال ّرهان عىل طموح وهدف كأنّه‬ ‫الوهم وأحالم الليايل الطّوال‪ ،‬وإن يكن مناله مستحيل البلوغ‪ ،‬بيد أنّه يشكّل انزياحاً من االستكانة ومحدوديّة‬ ‫الغاية‪ ،‬إىل السم ّو وبعد الهدف‪ ،‬وقدسية السعي والتضحية يف سبيله‪ .‬أوليس هو القائل‪:‬‬ ‫"وإذا كانت النفوس كبارا ً‬

‫تعبت يف مرادها األجسا ُم "(‪)2‬‬ ‫ْ‬


‫هل هالله؟! لك ّن قدره أن يسحب من طائرة العودة‪ ،‬ويعاد‬ ‫تُرى‪ ،‬هل كان يف حدس عمر أ ّن اإلفراج األ ّول عنه قد ّ‬ ‫إىل الفصل األصعب من األرس مل يكن يف الحسبان؛ فهل خرس شاعرنا ال ّرهان؟!!‪...‬‬ ‫سامي محمد الرتاس ‪6/4/2020‬‬ ‫أبعاد القصيدة العمرية " العنقاء"* يف ضوء شعرية االنزياح‬ ‫شاء عمر شبيل أن يوزّع قصيدته عىل اثنني وثالثني بيتاً ت ّوجها بعنوان "العنقاء"‪ ،‬وقد وردت يف ديوانه الشعري‬ ‫"إ ّن الخلود متاع سعره الجسد" أهداها الشاعر إىل املتنبي بعد ألف عام عىل غيابه‪ ،‬وقد ص ّدرها بقوله‪" :‬إىل‬ ‫املتن ّبي مالئ ال ّدنيا وشاغل ال ّناس"‬ ‫القصيدة من الشعر امللتزم‪ ،‬زرعها الشاعر يف أرسه يف "قرص فريوزه" عام ‪1994‬م‪.‬وإذا كان العنوان يرمز إىل ذاك‬ ‫الطائر املتو ّهم الذي نستدعيه يف ظروفنا القاسية غري املواتية تعويضاً به عن النقص الحاصل‪ ،‬وتغذية لعامل الحلم‬ ‫يصح ويوائم حال شاعر سجني يف بالد غريبة بعيدة‪.‬‬ ‫والطموح صعب املنال‪ ،‬فهذا ّ‬ ‫عب عنه "عمر" يف البيت الخامس من عنقائه متو ّجها به إىل نعت املتنبي باستهالكه عمره‬ ‫إال أ ّن مثّة رابطاً آخر ّ‬ ‫متو ّهامً‪ ،‬مي ّني نفسه األما ّين‪ ،‬ويعقد ال ّرهان تلو ال ّرهان‪ ،‬ث ّم يعود خائباً كلّام اهتبل الوالية‪...‬‬ ‫ولنئ التزم الشاعر وزن الوافر التاّم من األوزان الخليلية‪ ،‬والقافية املطلقة الواحدة‪ ،‬ورويها النون املكسورة‪،‬‬ ‫النفيس‪ ،‬فهذا مغفور له ألنّه يتح ّدث مع شاعر العروبة األكرب أيب الطّيب املتنبي‪،‬‬ ‫التي الءمت انكسار الشاعر‬ ‫ّ‬ ‫الشعري‪ ،‬فامذا يريد "شبيل" من أحمد بن الحسني؟!‬ ‫الشعري ما شاكل لبوسه‬ ‫نصه‬ ‫فيعجن من معجنه‪ ،‬ويلبس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سجل خلوده وعظيم مآثره وأفعاله‪ ،‬بعد ألف عام عىل رحيله؛ فام الذي ذكّره به؟‬ ‫‪...‬شاعر يسائل شاعرا ً‪ ،‬يستذكر ّ‬ ‫ّهبي أيام بني الع ّباس؟ أم‬ ‫وملَ؟ األ ّن روحيهام تجاورتا يف املكان فقلّصتا ال ّزمان!؟ أم أنّه الحنني إىل املجد العريب الذ ّ‬ ‫هو أمر غري هذا وذاك مل يهمس به الشاعر؟‬ ‫إ ّن انزياح عمر من الحارض املعيوش إىل املايض التليد مل يكن صدفة أو رشدة فكر وخاطرة‪ ،‬بل غدا وجهة‬ ‫مفروضة‪ ،‬ومح ّجة يطوف بها لري ّوح عن نفسه وير ّوض جسده املجهد‪ ،‬وجرس عبور قرسي الستعادة األمجاد‬ ‫البائدة‪...‬‬


‫ثم تطالعنا اللوحة املرسومة للمتنبي يف البيت السادس من "العنقاء" يف ألوان غري متجانسة‪ ،‬فكيف ّ‬ ‫"يزف النزيف‬ ‫املعجمي إشارة إىل السلطان واململكة واإلمارة؛ إنها إمارة‬ ‫العرش املس ّجى بتاج وصولجان؟" ويف هذا الثالوث‬ ‫ّ‬ ‫الشعر التي بلغتها عبقرية املتنبي‪ ،‬وهي أغىل وأعظم بكثري من إمارة ومملكة وتاج ملك وصولجان‪ ،‬فمملكة‬ ‫شعره تنزاح لتغطّي العروش والتيجان‪...‬‬ ‫يخاطبه شاعرنا مش ّبهاً فحيح روحه الشاعريّة بـ"صدى األيام يف جسد املعاين" ليكون متثيلياً وصورة منتزعة من‬ ‫متع ّدد‪ ،‬وتكثيف صورمن استعارة الفحيح إىل الروح وتجسيدها بالصوت‪ ،‬إىل استعارة أخرى يف " جسد املعاين"‬ ‫لتنزاح من التجريد املعنوي إىل املا ّدي املحسوس‪ ،‬فإىل كناية لطيفة يف "صدى األيام" تل ّمح إىل ارتداداتها وآثارها‬ ‫الخالدة يف الذاكرة يف‬ ‫(‪ )1‬عمر شبيل‪ :‬إ ّن الخلود متاع سعره الجسد‪ ،‬دار الكنوز األدبية ‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪2001 1‬م‪،‬ص‪. 238‬‬ ‫(‪ )2‬رشح ديوان املتنبي‪ ،‬عبد الرحمن الربقوقي ‪ ،‬دار لكتاب العريب‪2013 ،‬م‪ ،‬ص‪.277‬‬ ‫كل زمان ومكان‪ ،‬ويف هذا التكثيف واختالط الصور وتشابكها انزياح رفيع تشكّل من براعة ال ّرسم والحبك‪ ،‬ما‬ ‫ارتقى باللغة ومدلوالتها إىل جاملية التعبري والروعة الشعرية!‪..‬‬ ‫وتستوقفنا مقصديّة الشاعر يف البيت الثامن‪ ،‬فتص ّعب علينا االهتداء إىل املعنى‪ ،‬ويطول بنا الطّواف حوله‪،‬‬ ‫فتقوى عقدة املشهد‪ ،‬ويعلو معها االنزياح الغامض‪ ،‬ليتكشّ ف شيئاً فشيئاً عن األبيات التامات الكامالت‪،‬‬ ‫والعبقرية الشعرية الف ّياضة باملعاين وال ّرؤى‪ ،‬يصطادها من األغوار والوهدات‪ ،‬كام الجامن الفريد ال ّرباق !‪..‬‬ ‫سمهري"‪ ،‬ويف تبديل قناته‬ ‫وها هي سامت الشاعر الفارس ترتاءى يف مضيّه وصموده بادية‪ ،‬عىل محيّاه‪" ،‬كأ ّن أنفك‬ ‫ٌّ‬ ‫تخضب بدم األعداء‪.‬‬ ‫للونها من األسمر‬ ‫الطبيعي‪ ،‬إىل األحمر القاين وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأي حلم؟! إنّه الحلم‬ ‫ومل ّ‬ ‫يكف املتنبي عن املراهنة من أجل تحقيق غايته األريبة" نهدت متارس لعبة الحلم"‪ّ ،‬‬ ‫املخضبة باألرجوان بعد نزال ضار‪...‬وإنها أدوات الفروسية‪:‬‬ ‫املوسوم بال ّدماء والذي يشبه حديدة لجام الخيل‬ ‫ّ‬ ‫سمهري‪ ،‬الصعدة السمراء‪ ،‬الشكيمة؛ وهو الفارس املقدام‪ ،‬مىض ليامرس لعبة الحلم الجريح عىل حلبة الوالة‬ ‫واألمراء‪ ،‬غري آبه بالنتيجة‪ .‬إنه اإلقدام واإلرصار‪ ،‬بل هي املروءة يف النفس والفكر‪ ،‬ويا لروعة الشعر املنبثق من‬ ‫مسارات جذب متالحقة‬


‫والروحي لتحقيق الذّات والهدف!؟‪.‬‬ ‫الفكري‬ ‫متكاملة!‪ ..‬أهو عل ّو اله ّمة لبلوغ الق ّمة؟! أم أنه البعد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل ذلك وأكرث‪ ،‬وهو مصداق قوله‪:‬‬ ‫إنَّه ُّ‬ ‫السهلِ " (‪)1‬‬ ‫" ذريني أنل ما ال يُنال من العال فصعب العال يف ّ‬ ‫والسهل يف ّ‬ ‫الصعب ّ‬ ‫ويحدونا عمق شعر عمر شبيل ‪ ،‬والذي يتخذ من املتنبي قدوة ومعلّامً‪ ،‬إىل الولوج يف عباب قصيدته منيط‬ ‫شق العىل عروقه واحدا واحدا‪ ،‬وهذا أمر‬ ‫اللثام عن بيتها الحادي عرش‪ ،‬فنعي الحال الذي بلغها أبو الطّ ّيب‪ ،‬لقد ّ‬ ‫واقعي ممكن‪ ،‬فبلوغ األعايل يكلّف التضحيات الجسام؛ غري أ َن عجز البيت ينزاح بنا إىل صورة غري اعتيادية‪ ،‬فمن‬ ‫غري املعقول واملقبول أن يفتّق املرء ما التأم من جراحه بنفسه واختياره ‪ ،‬ولكن حني ندرك قصد عمر وهو توجيهه‬ ‫النقد واللوم للشاعر الذي بلغ مراقي الشعر‪ ،‬كيف يفسد ما وصل إليه بوسواس الوالية والحكم ‪ ،‬إنّه بهذا‬ ‫أقل منه شأنا ومنزلة‪...‬فيا لعجب عمر واستغرابه من‬ ‫الصنيع يخدش فروسيته‪ ،‬ويجرح عبقريته‪ ،‬ويتنازل ملن هم ّ‬ ‫عنقاء "ابن كندة" وانزياح الحالة عنده !‪ ..‬وأين منها قوله‪ ":‬وتصغر يف عني العظيم العظائم؟!‪..‬‬ ‫ويستعني الشاعر بهذه املتتالية الربهانية يف البيتني التاليني لدهشته‪ ،‬مستخدماً أسلوب الرشط‪ ،‬ومنتقالً من‬ ‫السبب إىل النتيجة اآليلة إليه‪ ،‬مل ّوحاً إىل لومه املتنبي عىل إقامته يف جوار مل يتفيّأ‬ ‫(‪ )1‬رشح ديوان املتنبي ‪ ،‬وضعه عبد الرحمن الربقوقي‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،2013،‬ص ‪.239‬‬ ‫ظالله‪ ،‬ألنّه اليشبهه‪ ،‬وال يتناسب مع عبقريّته الشعريّة‪ ،‬فالظّالل ترمز إىل العطاء وال ّنامء والجامل والحياة‪ ،‬ما ينتج‬ ‫يؤش إىل االندثار والعبثية واملوت‪ ،‬حينها يغدو ال ّرحيل‬ ‫حب االنتامء إىل الطّبيعة واملكان املناسبني؛ والعكس ّ‬ ‫عنه ّ‬ ‫للخالص واجباً‪.‬‬ ‫حق رعاية‪ ،‬فال فرق ساعتئذ ٍ بني البعد‬ ‫وإذا مل تحمل البالد أهلها وترأف بهم يف‬ ‫املدلهمت‪ ،‬وتأويهم وترعاهم َّ‬ ‫ّ‬ ‫عنها والقرب منها حني تتساوى األضداد وتختلط األمور‪...‬‬ ‫القومي الخالص الذي يح ّمله‬ ‫وهنا‪ ،‬الب ّد من ولوج قلب عمر‪ ،‬وهو يتلو هذا الحكم من زنزانته‪ ،‬فينبئنا بالبعد‬ ‫ّ‬ ‫شعره‪ ،‬ويغمز من قناة بني جلدته‪ ،‬حكّاماً وشعوباً‪ ،‬كيف تركوه لقدره‪ ،‬ومل يبادروا لفكاكه وخالص روحه‪ ،‬رغم‬ ‫انتهاء الحرب مبا لها وما عليها؛ ويف هذا االنتقال من حال املتنبي إىل حاله انزياح شفيف يالمس ال ّروح والفؤاد !‪..‬‬ ‫ويكون فعل الصهيل‪ ،‬ويس َند إىل الشاعر الفارس الذي ركب املركب الخشن‪ ،‬فيحيد معه املعنى إىل األصالة‬ ‫املعل املتحفّز" وما يرمز إليه من ص ّد ورفض‬ ‫القومي ال العشائري‪ ،‬ويضيف إليه" حافرك ّ‬ ‫الشعرية‪ ،‬والبعد العرو ّيب‬ ‫ّ‬ ‫وتح ّد للفرس " النوبنذجان" !‪*.‬‬


‫الصمود يف ما وراء الحدود!‪...‬‬ ‫فام أحالك يا عمر وأنت جذع ّ‬ ‫فيحق يل أن أتساءل‪ :‬ملَ‬ ‫ويسرتعي فضويل هذا البوح الوجدا ّين من شاعر لشاعر‪ ،‬وعلّة استحضاره يف هذا املقام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫محسد أحمد بعمق أحاسيسه وانفعاالته وخلجات روحه‪ ،‬وإن شئت فقل‪ ،‬بانكسار‬ ‫أفىش أبو مح ّمد عمر أليب ّ‬ ‫كربيائه وآماله وذكرياته العزيزة؟‪...‬‬ ‫يعود عمر الستحضار ما حدث للمتنبي يف موقعة " درب القلّة" هذا ال ّدرب املدخل إىل بالد الروم ‪ ،‬وهو مكان‬ ‫خلف الفرات‪ ،‬والذي شهده فصوله مع األمري الحمداين سيف الدولة‪ ،‬وتراءى له فجر النرص فيه عىل أعداء األ ّمة‪،‬‬ ‫وبدا له ليل الظلم واالستبداد منهزما بسهامه‪ ،‬فاشتفت كبده وارتاحت نفسه وهو القائل يف هذا املقام‪:‬‬ ‫" لقيت بدرب القلّة الفجر لقية‬

‫شفت كمدي والليل فيه قتيل" (‪)1‬‬

‫التناص الشعري الذي انزاح به من ألف سنة إىل اليوم!‬ ‫فام أشد براعة عمر يف بناء هذا‬ ‫ّ‬

‫إنها الرؤيا املستلبة‬

‫عقل الشاعر‪ ،‬وقلبه املؤ ّرق به ّم الذود عن البالد ض ّد اعدائها الطّامعني؛ ما يحدو بعمر إىل مساءلة املتنبي‪ :‬ملاذا‬ ‫غي الهدف وحاد عنه يوم بعد عن هذه الرؤيا الشافية‪ ،‬وهو األعلم بأ ّن كل مجد عىل هذه‬ ‫زغت عنها؟ ويكأنّه ّ‬ ‫األرض ال محالة زائل‪ ،‬ولن يبقى إال الفعل الحسن واإلبداع اإلنساين‪...‬‬ ‫كل ما سبق البعد املعريف والثقايف لعمر شبيل بشعر املتنبي‪ ،‬وإملامه بتفاصيل حياته‪ ،‬وال غرو يف ذلك‪،‬‬ ‫يتجل يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقد اتخذه هو قدوة وقائدا ً وكان مثاله األعىل يف الشاعرية العربية الرفيعة‪ ،‬لقد حفظ ديوانه يف ذاكرته من‬ ‫صغره‪ ،‬وأملَّ برشوحات ديوانه كلّها يف شبابه‪ ،‬فأنعم بالقدوة واملقتدي! ث ّم ننتقل مع الشاعر إىل مكاملة مكاشفة‬ ‫يتواصل بها مع أيب الطّيب بعد عرشة قرون عىل غيابه‪ ،‬فيضعه يف أجواء بالد العرب‪ ،‬وما وصلت إليه من ضعف‬ ‫ووهن وضياع وتخلّف وانقسام‪...‬‬ ‫(‪ )1‬رشح ديوان املتنبي‪ ،‬ص‪.120‬‬ ‫ويؤكد له أ ّن حامة ال ّديار نيام عن الذّود عنها‪ ،‬وأ ّن دوالً ضاعت وض ّيعت بالفسق واللهو والعبث‪ ،‬أل ّن خرياتها‬ ‫ومق ّدراتها استنزفت عىل امللذات والشهوات واالستئثار باملناصب‪ ،‬ومل توظّف يف نهضة األمة ورفعتها وازدهارها‪،‬‬ ‫وكان أن سار ساستها بالخيار األخرق الذي أضاع البوصلة املوصلة إىل السيادة واملجد‪...‬من أجل هذا وأكرث يشكو‬ ‫عمر للشاعر األكرب حال األ ّمة وهو" معقود اللسان" ال يدري ماذا يقول له‪.‬‬


‫إ َّن هذا البيت يتض ّمن بعدا ً تاريخياً يف حياة شاعرنا املتنبي ‪ ،‬فهو قصد الدولة البويهية يف بالد فارس‪ ،‬طامعاّ يف‬ ‫عطايا عضد الدولة بن بويه‪ ،‬غري أنه مل يأنس به‪ ،‬ومل تطل إقامته عنده ألكرث من ثالثة أشهر؛ ثم يأيت البيت التايل‬ ‫داعام لبعد تاريخي آخر يف حياته‪ ،‬قد سبق البعد السالف‪ ،‬وكان ذلك يوم قصد مرص ميمامً شطر الدولة‬ ‫كل‬ ‫اإلخشيدية وزعيمها كافور الذي استأثر بالسلطة‪ ،‬وهو غري عر ّيب؛ ويف عبارة" كوافري الزمان" إشارة من عمر إىل ّ‬ ‫الزعامء الذين تربّعوا عىل عرش البالد بالوراثة أو املصادرة أو الوالء للغريب‪ ،‬و"مرص" رمز لكل قطر عر ّيب مقموع‪،‬‬ ‫والعراق بالد الرافدين‪ ،‬التي كانت توزّع خرياتها عىل األمة يوم كانت مركز األمة‪ ،‬صارت اليوم ترجو من يساعدها‪.‬‬ ‫إنها حرسة شبيل عىل ما آلت إليه بالدنا من ضعف وتقهقر وارتهان!‪..‬‬ ‫وهذا ما يعكس البعد القومي عند واحد من القلة التي ما زالت ترفع لواءه‪ ،‬وأعني به شاعرنا أبا محمد عمر‬ ‫شبيل‪ ،‬لقد أ ّرق فكره مآل أمته‪ ،‬فنسمعه يرفع الصوت من بعيد مح ّوالً املشهديّة من االنقياد لألعاجم إىل رشارة‬ ‫الح ّرية واملقاومة واستعادة املجد العريب املنرصم‪...‬‬ ‫إ َّن هذه الصورة الغامئة ألحوال األمة‪ ،‬تب ّددها آمال مرج ّوة معقودة عىل األجيال الحارضة والقادمة‪ ،‬وها هو عمر‬ ‫يدعو املتنبي إىل رؤية أطفال فلسطني بانتفاضة حجارتهم يقارعون عد ّو الله وعد ّو األمة ‪ ..‬كذا يف جنوب لبنان‬ ‫وسفوح جبل الشيخ تستهوي املقاومني املجاهدين من شباب عاشق لألرض وتحريرها حتى الشهادة! هي صورة‬ ‫األرض الوفية تواري شهداءها‪ ،‬وتحتضنهم يف قلبها واحدا ً بعد آخر‪ ،‬لتزهر بالنرص والح ّرية‪ ،‬فام أبهاها من صورة‪،‬‬ ‫وما أروع عمر من مص ّور بارع !‪..‬‬ ‫* النوبنذجان‪ :‬كلمة فارسية ‪ ،‬وهي مكان يف بالد فارس زاره املتنبي ‪.‬‬

‫وها هو يبوح ألبيه املتنبي مبا يعرتيه من أحاسيس حا ّدة ج ّدا ً يف مواقع متق ّدمة من مقاومة االحتالل‪ ،‬حيث"‬ ‫هناك" اسم اإلشارة للمكان متوسط البعد‪ ،‬بني " حيفا " يف فلسطني السليبة‪،‬‬

‫و" العرقوب" يف جنوب لبنان‪،‬‬

‫تفيض حياض املشاعر‪ ،‬ويتع ّمق اإلحساس يف النفس إىل ح ّد الجرح الغائر يف ثنايا ال ّروح‪ ،‬يوم ترك شاعرنا جبهة‬ ‫أحب وعشق‪!.‬‬ ‫الكفاح يف ريعان شبابه ليؤول بعدها إىل األرس والنفي بعيدا ً عن أرضه العربية التي ّ‬ ‫القيص إىل ح ّدة العذاب القاتلة يف منفاه‪ ،‬ولريتفع معهام صوت‬ ‫وينزاح اإلحساس من ح ّدة الشوق للمكان‬ ‫ّ‬ ‫املنفي‬ ‫شاب لينال من عزميته وعنفوانه وه ّمته‪ ،‬ولكن أيان له ما أراد‪ ،‬وال ّر ُجل‬ ‫حسيس الزنازين يتغلغل يف أعامق ّ‬ ‫ّ‬ ‫شبيه سنديانة ضاربة جذورها يف أعامق أرضها‪ ،‬صامدة ثخن جذعها وازدادت شموخاً‬ ‫ترشئب إىل األعىل‪ ،‬فلن‬ ‫ّ‬ ‫تقوى عليها أعتى العواصف واألعاصري!‪..‬‬


‫قراءة في كتاب « القطب الكبيرسيدي ابراهيم القرشي‬

‫الدسوقي»‪ :‬لألستاذ صالح الدسوقي‬

‫أ‪.‬عمر شبيل‬ ‫«ال تعبدوا حتى تر ْوا» ‪/‬‬ ‫موالنا جالل الدين الرومي‪/‬‬

‫ازددت يقيناً»‬ ‫ُ‬ ‫ف الغطا ُء ما‬ ‫‪« /‬لوك ُِش َ‬ ‫‪ /‬السهروردي‬

‫باخرتاق الرؤيا محدودي َة الرؤية وصل الصوفيون الكبار إىل أن الحقائق لشدة سطوعها التقبل أي تأويل النتقالها‬ ‫إىل حال املشاهدة اليقينية‪ .‬وبهذا املعنى االخرتاقي يصل الصويف الرايئ إىل مرحلة الكشف وهتك الحجب‪ ،‬وتكون‬ ‫مرحلة املكاشفة هي حال االتحاد والجذب وذوبان الساعي ودخوله يف مشاهدات متجددة للروح املبدع‪ .‬وهذا‬ ‫يستدعي اجتياز البرص إىل البصرية‪ ،‬وعىل اعتبار أن األبصار ال تدرِك‪ ،‬بينام البصرية تدرك يف حال اإلخالص املتوجة‬ ‫بالعرفان الكيل حيث يغدو ُّ‬ ‫الدال واملدلول عليه شيئاً واحدا ً كام يرى ابن عريب‪ ،‬ووحدة الوجود بهذا املعنى‬ ‫التجعل اإلنسان إلهاً بل تغمره بفيض يشرتط العشق‪ ،‬وقد عرب جربان خليل جربان عن هذا املعنى بداللة عميقة‬ ‫يقل إن الله يف قلبي‪ ،‬ولكن فليقل أنا يف قلب الله»‪ ،‬هنا املشمول هو‬ ‫أحب أحدكم فال ْ‬ ‫حني قال يف نب ّيه‪« :‬إذا َّ‬ ‫الرايئ‪ ،‬والشامل هو املريئ‪ ،‬ووحدة الوجود بهذا املعنى تعني الصريورة املتحولة للرايئ يف املريئ‪ ،‬مشرتطة إجهاد‬ ‫الروح يف طلب الحق‪ .‬وهذا بالضبط ما عناه ابن عريب بقوله‪« :‬ال يصح الرتادف يف العامل‪ ،‬ألن الرتادف تكرار‪،‬‬ ‫وليس يف الوجود تكرار»‪.‬‬


‫ويتمثّل البعد القومي العرويب للشاعر يف األبيات األخرية من قصيده‪ ،‬إذ يؤكّد للمتنبي" أنّا عروبيون" وما زلنا أبا‬ ‫عن ج ّد‪ " ،‬من أيام هاين" إشارة إىل الحسن بن هانئ املعروف بأيب ن ّواس‪ ،‬عىل سبيل املثال ال الحرص‪ ،‬وهو ما‬ ‫استدعته القافية بالرضورة‪ ،‬ويطلب منه أ لّل تعرتيه دهشة‪ ،‬وال يستغرب إذا ما رأى يف هذا الزمان " شبالً بقاعياً"‬ ‫ويعني نفسه‪ ،‬يقيض شهيدا ً يف "عسقالن" وهي من أقدم املدن الفلسطينية وأكربها؛ وأن ال يعجب منه لكونه يف‬ ‫مكان‪ -‬وأحسب أنّه يعني أرسه يف بالد فارس‪ -‬بينام "شعره والعروبة " يف مكان آخر غريب عنه‪ .‬ويف ذلك حرسة‬ ‫فيس لهذه األبيات الوجدانية الهامسة‪ !.‬فعمر املعذّب السجني يف تلك األصقاع‪ ،‬وهو يف‬ ‫وأىس نستشفّها من البعد ال ّن ّ‬ ‫أحوج ما يكون إىل التفكري بحاله ومآله‪ ،‬نجده وهو يعرتيه اله ّم عىل أ ّمته‪ ،‬وينشغل يف التفكري بخالصها وهو‬ ‫املحتاج يف الحقيقة قبلها للنجاة والخالص!‬ ‫الصفوة الخلّص من بني اإلنسان‪ ،‬وهذا ما أحدث صدمة‬ ‫إن ذاك إيثار من نوع فريد‪ ،‬ال يصل إىل مرتبته سوى ّ‬ ‫ودهشة ومفاجأة فولّد انزياحاً الفتا‪...‬‬ ‫الساموة" فالرمز األول يشري‬ ‫ويختتم شاعرنا قصيدته بباقة من أبيات ثالثة تدور حول ال ّرمزين‪:‬‬ ‫"قرمطي" و "بادية ّ‬ ‫ّ‬ ‫إىل املتنبي الثائر عىل السلطة الجائرة‪ ،‬والثاين" ميثّل املكان والزمان الثوريني يف شعر املتنبي‪ ،‬والذي جعل منه رمزا ً‬ ‫قرمطي ثائر‪ ،‬والقرمط ّية رمز للثورة املولودة من صلب بال ّزمن املهزوم‪ ،‬يوم كان‬ ‫أدبيا هادفأً إىل الثورة‪ ،‬واملتنبي‬ ‫ّ‬ ‫يعترب وهو بعد طفل أ ّن رشف ال ّرجال يكمن يف فروس ّيتهم"(‪)1‬‬ ‫الحق والحقيقة من جهة‪ ،‬وبني الباطل والوهم من جهة أخرى‪ ،‬وحني أدرك‬ ‫وملّا كانت ثورة املتنبي مقايضة بني ّ‬ ‫أ ّن أحالمه بالسلطة كانت رساباً‪ ،‬انقلبت فيها األدوار‪ ،‬واختلّت املوازين‪ ،‬فـ"فاوضه الطريق عىل الحصان" ويف هذا‬ ‫التح ّول انزياح رصاح‪ ..‬فالحصان رمز الفروسية واألصالة‬

‫العربية بقيمها النبيلة‪ ،‬رفض املساومة وقبول العرض‬

‫وفضل أن ميوت بسيفه‪،‬‬ ‫اآليت من الغريب الطامع األريب‪ ،‬وتش ّبث بالخلود قيامً ومبادئ وفضائل واعرافاً نبيلة‪ّ ،‬‬ ‫ويعلن‬

‫"موته قبل أوانه‪ ،‬لئال يرى هوان أمته وارتهانها املخزي الشنيع إىل أسيادها املزعومني‪ .‬ووصل إىل قناعة‬

‫بأن ّاملوت أفضل ألف م ّرة من املذلة‪ ،‬فاملنية وال ال ّدن ّية‪ ،‬وهنيئا ملن قىض نحبه يف سبيل قضية إنسانية نبيلة‪ ،‬فام‬ ‫بالك إذا كانت قضية أ ّمة‪ ،‬وقضية تراث وفكر وحضارة!‪...‬‬ ‫(‪ )1‬عيل أيوب‪ :‬ال ّرمز يف شعر عمر شبيل‪ ،‬دارالعودة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2019 1‬ص‪236‬و‪. 237‬‬


‫كنت مولعاً بقراءة النتاج الصويف شعرا ً ونرثا ً‪ ،‬وحني ق ّدم يل الصديق الشاعر صالح الدسوقي كتابه"القطب الكبري‬ ‫سيدي إبراهيم القريش الدسوقي" فرحت بالعودة إىل التأمل اآلرس املوجود يف الكتاب‪ ،‬وألن صاحبه شاعر‪ ،‬وبني‬ ‫الشعرية والصوفية رحم متصلة بالعامل الج ّواين الذي هو مصدر اإللهام الكامن فينا واملنتظر ومضة اإلرشاق‬ ‫بالتحريض والسعي واإلخالص وفرحت ألين تعرفت إىل أحد أقطاب الصوفية الكبار‪ ،‬والذي مل تتح يل الظروف‬ ‫معرفته ومعرفة أسلوبه العرفاين يف التعامل مع الذات املجذوبة إىل سنا بارئها‪ .‬وكان الجاذب منبثقاً من االنحياز‬ ‫إىل الحال اإلرشاقية التي يتناولها الباحث بالرصد واإلحاطة والتفسري‪ ،‬وكان منبثقاً أيضاً من انزياحي الج ّواين عن‬ ‫كثري من النتاج امليكانييك الذي بدأ يهيمن عىل مداركنا ُمطفئاً فينا جذوة الوجد املستعرة وأصبحت أرواحنا‬ ‫مقفرة من تلك الورود التي تتكلم‪ .‬منحازة إىل مناطق موغلة يف تحجبها وضمور ضوئها الرضوري الستمرار معنى‬ ‫لهذه الحياة التي فقدت غائيتها مباديتها املغلفة حتى أرواحنا‪ .‬وألن الصوفية نهوض القلب يف طلب الحق‪،‬‬ ‫فالعمل لها هو محاولة ممتعة للخالص والعودة إىل تلك الينابيع التي جففتها صحارى أعامرنا القاحلة‪.‬‬ ‫الكتاب يف مجمله يتبع منهجاً واضح املعامل‪ ،‬مع بعض اإلضافات املرتبطة مبوضوعه بشكل ما‪ ،‬ولكن كاتبنا كان‬ ‫يستطيع أن يستغني عنها حفاظاً عىل جاملية املوضوع الذي يعالجه‪.‬يف املقدمة يشري إىل صعوبة الغوص يف‬ ‫موضوع التصوف بسبب تنوع املفاهيم واآلراء واالختالف حول الصوفية نفسها ‪ .‬ويحاول الكاتب بعلمية أن يذكر‬ ‫مراجع الرأي الذي يذكره وهذا جيد يف البحث العلمي‪.‬ومن الطبيعي أن األستاذ صالح الدسوقي يظهر الفرق‬ ‫بجالء بني الصوفية الحقة وأدعياء التصوف الذين أساؤوا للتصوف أكرث من أعدائه‪.‬‬ ‫ثم يتناول األستاذ صالح نشأة الصوفية‪ ،‬ويحاول إثبات فرادتها إسالمياً‪ ،‬أي أنها إسالمية املنشأ والغاية التي هي‬ ‫عم عداه‪ .‬إنه ينفي تأثرها والتقاءها مع‬ ‫غسل النفس من هوى الدنيا والعشق اإللهي الغامر الذي يرصف القلب ّ‬ ‫الثقافة الروحية الهندية أو اليونانية‪ ،‬ويف هذا املنحى أكرث من رأي حول تح ُّدر الصوفية وبعض تجلياتها من‬ ‫ديانات أخرى‪ ،‬والتي ال تنفي الفيض الغامر الذي أسبغه اإلسالم عىل التجربة الصوفية مبجملها‪ ،‬ويكفي أن نذكر‬ ‫تجربة الشيخ محي الدين بن عريب يف "فصوص الحكم" و"الفتوحات املكية" لرنى العمق التأوييل الذي أباح‬ ‫للصوفيني اإليغال يف النص القرآين إىل أمداء فسيحة واسعة‪ .‬ثم يناقش املؤلف بإسهاب سبب تسميتها بالصوفية‪.‬‬ ‫ويرى األستاذ صالح أن الصوفية مل تكن معروفة يف فجر اإلسالم‪ ،‬وإمنا منت وترعرعت يف القرنني الثاين والثالث‬ ‫الهجريني باعتبارها ردة فعل مخلصة للدفاع غن الدين ونفي ما علق به من شوائب‪ ،‬وبخاصة بعد امتزاج العرب‬ ‫املسلمني باألمم األخرى‪.‬‬



‫ثم ينتقل املؤلف للحديث عن كرامة األولياء والتفريق بني املعجزة والكرامة‪ ،‬ويحاول الكاتب الربهان عىل صحة‬ ‫نسبة الكرامات لألولياء باالعتامدعىل النص القرآين والحديث الرشيف واملعاينة التي ال يستطيع أحد دحضها‪.‬‬ ‫ويروي جانباً من هذه الكرامات حدثت مع الخلفاء أيب بكر وعمر وعثامن وعيل‪ ،‬كامئدة ضيوف أيب بكر‪ ،‬ورؤية‬ ‫عمر ل"سارية" من الحجاز للعراق‪،‬ودعاء عثامن عىل ظامل‪ ،‬وحديث اإلمام عيل أهل القبور وجوابهم عىل كالمه‪.‬‬ ‫ثم يتحدث عن كرامات حصلت مع أولياء أتقياء‪ ،‬ثم يعدد الكاتب كثريا ً من أقوال القطب إيراهيم الدسوقي‬ ‫كاألوراد واألدعية يف الصالة‪ .‬ويورد مناذج من شعر القطب الدسوقي التي ال تختلف كثريا ً عن شعر الفقهاء يف‬ ‫استخدام الشعر لتمجيد الخالق وتثبيت مكارم األخالق‪ ،‬إنه شعر تربوي يهدف إىل تغذية النفس باإلميان شأن‬ ‫الشعراء الفقهاء‪.‬‬ ‫وكم كنت أود لو ذهب صديقنا األستاذ صالح الدسوقي إىل روح الحال الصوفية وآثارها الفلسفية يف آداب الرشق‬ ‫والغرب‪ ،‬ألنها‪ ،‬أي حكمة الروح الصويف ‪ ،‬ذات تأثري ج ّواين يف النفس البرشية ألنها تنقلنا باستمرار إىل منطقة‬ ‫الضوء اإللهي فينا‪ .‬إنها محاولة الخالص من تجربة الطني املعتم‪ ،‬والذي نسميه جسدا ً‪ ،‬لرنقى إىل إنسانية التهيمن‬ ‫عليها قساوة املادة وجشعها يف زمن عوملة تنظر لإلنسان عىل أنه سلعة معروضة لتنمية رأس املال عىل حساب‬ ‫فقر الروح‪ ،‬كان طاغور يقول‪" :‬أنا أفقر إنسان بينكم‪ ،‬وهذا رس قويت"‪ .‬إن الخالص من أرس املادة يهب الروح قوة‬ ‫ذات أشعة تؤرش باستمرار باتجاه األعىل‪ .‬مل يستطع العلم رغم سم ِّوه أن يلغي جشع املادة‪ ،‬ومل يطفئ جوع‬ ‫النفس للحروب املدمرة‪ ،‬أما الصوفية فتختلف باختالف منابعها عن منابع العلم‪ ،‬إنها تستلزم لوعة القلب‪ ،‬بينام‬ ‫العلم يستعيض عنها بإدراك العقل‪ .‬وكم هو رائع قول موالنا جالل الدين الرومي‪ ":‬اللقمة الحالل يتولد منها‬ ‫امليل للعبادة"‪ .‬اللقمة هنا انرصاف عن الجشع‪ ،‬إنها الخبز الذي تشارك الروح اليد بحصاد قمحه‪.‬‬ ‫ومع ذلك تبقى لكتاب صديقنا الشاعر صالح الدسوقي قيمة روحية نحن أحوج ما نكون إليها يف زمن طغيان‬ ‫املادة عىل كل يشء‪ ،‬إن هذا الكتاب أشبه بواحة ظليلة تفد إليها األرواح الظأمى إىل النور األعىل‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .1‬القطب الكبري ص ‪21‬‬ ‫‪ .2‬القطب الكبري ص ‪23‬‬


‫ويرى املؤلف أن لإلمام الغزايل فضالً كبريا ً يف" تأسيس العلوم الرشعية بصياغة تربوية‪ ،‬وتبعه كثري من العلامء‬ ‫ومنهم عبد القادر الجيالين وابن تيمية" ‪ .‬ومن النقاط الهامة التي يشري إليها األستاذ صالح الدسوقي يف مؤلفه‬ ‫دور املتصوفني الجهادي ضد الصليبيني ودعمهم لصالح الدين األيويب وضد االستعامر الفرنيس"عبد القادر‬ ‫الجزائري"‪ ،‬وضد االستعامر اإليطايل يف ليبية ‪ ،‬ورمزهم كان عمر املختار‪ .‬وهذا يعني أن التصوف يف جوهره ليس‬ ‫هروباً من الدنيا‪ ،‬وإمنا هو نهوض القلب يف طلب الحق ونرصته خالصاً لوجه الله‪ .‬والصوفية الحقيقية هي حقاً‬ ‫نهوض القلب يف طلب الحق‪ .‬ولذا ميتاز الوعي الصويف بخاصتني متكاملتني ال تستطيع إحداهام النمو مبعزل عن‬ ‫األخرى‪ ،‬وهام اعتبار القلب مركز الكشف املتحول‪ ،‬والخاصية الثانية هي نهوض هذا القلب يف طلب الحق‪،‬‬ ‫والحق الصويف يف النهاية هو املطلق‪ ،‬ووعاؤه الوحي املتمثل باإلسالم‪ ،‬وصفاته متجمعة يف الرسول الذي رشح الله‬ ‫صدره حيث نظافة القلب وسيلة لالندماج الكامل باملطلق‪.‬‬ ‫وويرى املؤلف أن مدارس الصوفية متمثلة يف "القطب العارف السيد عبد القادر الجيالين‪ ،‬القطب العارف السيد‬ ‫إبراهيم الدسوقي‪ ،‬القطب العارف السيد أحمد البدوي‪ ،‬القطب العارف السيد أحمد الرفاعي الكبري‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫اإلمام أيب الحسن الشاذيل" ‪.‬‬ ‫ويف الكتاب تلخيص موجز لحياة شيوخ الصوفية‪/‬الرفاعي‪/‬البدوي‪ /‬الجيالين‪ /‬الشاذيل‪/‬ويرتك املجال األوسع‬ ‫للدسوقي ألنه مجال بحث الكتاب‪ .‬ويفرد الكاتب مجاالً للطريقة املولوية التي أسسها موالنا جالل الدين الرومي‪،‬‬ ‫والتي تقوم عىل اإلنشاد والرقص الدائري‪.‬‬ ‫ثم ينتقل املؤلف للكالم عن القطب إبراهيم الدسوقي الذي ينمى إىل النسب الحسيني‪ ،‬ويشري القطب السيد‬ ‫إبراهيم الدسوقي إىل نسبه يف شعره‪:‬‬

‫رشف سادت عىل كل نسب ِة‬ ‫دسوقي‬ ‫وإين‬ ‫رشيف ونسبتي لها ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫وجدي أبو السبطني ك ُـ ِّر َم وج ُهه عليه من الرحمن أزىك تحيتي‬

‫ويتحدث الكاتب عن سمو قدر القطب إبراهيم الدسوقي ومولده يف مرص‪ ،‬ويف دسوق تحديدا ً‪ ،‬ويحدد أن مولده‬ ‫كان عىل األرجح سنة ‪ 653‬هـ ‪ ،‬ويسهب يف الحديث عن ثقافته املوسوعية ونباهته وخلوص توجهه الصويف‪،‬‬ ‫وكانت وفاته يف دسوق‪.‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫‪160‬‬


‫أقالم واعدة‬

‫طائر الفينيق‬

‫‪161‬‬


‫«بالتدفق» اىل مخزونه املعلومايت ‪-‬ان صح القول‪ -‬حيث تبدأ هذه الثقافة بعملية غسل الدماغ له‪ .‬ان سبب‬ ‫ضخامة انتشار و تأثري هذا النوع من الثقافة يربز من اسمها‪ ،‬اضافة اىل وجود آليات لتسويقها بسهولة بني يدي‬ ‫االنسان‪ ،‬اي «الهاتف وما يحويه من برامج للتواصل االجتامعي و التلفاز‪، ».....‬االمر الذي يعزز دورها يف قيادة‬ ‫وتوجيه ناصية املجتمع نحو اي اتجاه تريد‪ ،‬وما يدفع للخوف انه ال يوجد لها اتجاه و مسار واضح‪.‬‬ ‫اضافة ملا سبق ‪ ،‬فان ذكر املجتمعات «عربية « بالتحديد يعود اىل عامل مييز هذا املجتمع عن غريه من‬ ‫املجتمعات ‪ .‬فاملجتمع العريب مجتمع شهد فرتة انتقالية رسيعة اندثرت خاللها الكثري من املبادئ والعالمات التي‬ ‫اعطته هويته الخاصة ‪.‬اضف عىل ذلك حجم التأثر العريب بالغرب من الناحية االستهالكية ومن ناحية العادات‬ ‫اليومية ‪،‬ومن الجدير ذكره ان هذه املوجة التأثريية ناتجة عن مفهوم عنوانه «التجربة الغربية هي التجربة‬ ‫الناجحة «‪ .‬هذا العنوان الذي يدفع نحو اعتبار التجربة الغربية التجربة الجديرة بأخذها مثال يقتدى به ‪ .‬ان كل‬ ‫ما ورد ‪ ،‬يعطي بعض املؤرشات التي تسببت بإنتاج انواع عديدة مام يسمى بالفن الذي يحتضن تحت شعاره‬ ‫املوسيقى والكتابة والرقص والتمثيل‬ ‫التي تقدم الكثري من املعلومات و مصادر املعرفة التي يجب ان تكون ثقافية‪.‬‬


‫الثقافة االستهالك ّية‬ ‫الكاتب‪.‬عباس طالب عثامن‬ ‫نشهد يف وقتنا هذا نشوء فجوة يف املبادئ الثقافية للمجتمعات‬ ‫العربية‪ ،‬وذلك بعد انتشار ما يسمى بالفن املشبع بالكلامت التي‬ ‫تحفز من يسمعها عىل الالمباالة بتخطي العلم واالخالق ‪ ،‬ومبعنى‬ ‫اخر تخطي اهم مقومات الثقافة التي يحتاجها مستقبل اي مجتمع‬ ‫انساين ‪ .‬اذا اردنا تشبيه املجتمع الذي ينشأ فيه الشباب العريب ب‬ ‫«الحقنة» ‪ ،‬ميكن ان نطلق اسم «املادة املحقونة» عىل كل ما يسمعه‬ ‫و يراه الشباب العريب من تعابري والفاظ شعبية تفتقر للمبادئ البناءة ذات االبعاد التثقيفية اثناء تجوله يف‬ ‫السوق او يف املقهى او يف اي مكان يحتك به مع فرد من افراد املجتمع‪ ،‬وعىل كل ما يشاهده من ملصقات بثت‬ ‫من خالل مختلف ادوات التواصل االجتامعي‪ .‬ان هذه املواد املحقونة تبدأ بالترسب اىل عقل االنسان والتأثري به‬ ‫منذ نعومة اظفاره ‪ ،‬علام ان نسبة تأثره بها يف مرحلة الطفولة تختلف من طفل اىل اخر نتيجة عوامل عدة منها‬ ‫طريقة تربية الوالدين له والظروف املحيطة به‪ .‬يرافق هذا الترسب‪ ،‬االنسان طوال فرتة حياته ‪.‬‬ ‫لكن تبدأ مرحلة الخطر عندما يسمح لنوع محدد من الثقافة وهي « ثقافة االستهالك » املشبعة بالفجوات‪،‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫‪164‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫‪165‬‬


‫لوحتي بعنوان (حكم الجوهر) ‪ ....‬أكريليك‬


‫فن‬ ‫لوحات فن ّية‬ ‫الفنانة التشكيل ّية ‪.‬حنان بو حسن‬ ‫أكرمنا الله عز وجل نعامً ال تحىص وال تعد‪ ٬‬وهبنا الطبيعة بكل‬ ‫محتوياتها والكائنات التي تشغرها مدرسة نتعلم منها‪ ٬‬نأخذ األلوان‬ ‫من الزهر من الشجر من املاء والبحر‪ ٬‬نصقل الروح بصفات‬ ‫الكائنات بالكفاح والصرب والوفاء والحب والكد والتعب يف سبيل‬ ‫العيش بسالم‪ ٬‬سخر لنا الكون لنحيا‪ ٬‬لنتعلم من كل ما يحيط بنا‪٬‬‬ ‫فقط فلنفتح بصريتنا لألعامق دون الحكم عىل أحد دون التمييز العنرصي عىل اللون واملظهر‪ ٬‬كل ما هو ظاهر‬ ‫ليس إال قشورا زائفة‪ ٬‬الحكم عىل الجوهر عىل األخالق عىل املبادئ هو ما مييز األشخاص ويعطيهم حق املناصب‬ ‫املرموقة داخلك‪ ٬‬ضم عقلك وقلبك معاً لتحقق العدل يف التعامل والعيش كام ينبغي‪ ٬‬أطلق العنان لجوهرك لينري‬ ‫شعاعه وبريقه ويفتح كل الطرق املبهمة يف حياتك ‪....‬‬


‫األخرض من األلوان الرائعة‪ ٬‬كلام شعرت باإلرهاق والتعب‪ ٬‬علق حملك الثقيل وأفرغ متاعبك عىل أغصان‬ ‫األشجار‪ ٬‬تأمل األوراق الخرضاء ودعها متدك باألمل وتشحنك بالطاقة اإليجابية‪ ٬‬أو املئ سلة علقها عىل جدار‬ ‫منزلك لتمدك بالحياة ‪.....‬‬

‫لوحتتي بعنوان (فسحة أمل) ‪ ....‬أكريليك‬


‫الرتاث واألواين الذهبية والجرات الفخارية املزخرفة لها رونق خاص بعبق زمن جميل مىض‪ ٬‬صلة وصل بني‬ ‫الحارض واملايض‪ ٬‬تجدها مبعرثة باألماكن القدمية‪ ٬‬والغبار يخبئ قصة لكل قطعة منها‪ ٬‬يثري شعورك وحثك‬ ‫إلكتشاف ما ما يخبئه من ذكريات وقصص‪....‬‬

‫لوحتي بعنوان (أواين مزخرفة) ‪ ....‬باأللوان املائية‬


‫كيف تختارين الرموش المناسبة لعينيك ؟‬ ‫الكاتبة‪ .‬مريم باجي‬ ‫رشاء الرموش ال يتم هكذا عليك إختيار الرموش وفقا ملعايري معينة حتى تتحصيل عىل ماكياج خالب و وجه متناسق‬ ‫عليك أوال و قبل كل يشء معرفة الرموش املناسبة لعينيك حسب شكلهام ‪ ،‬إليك القواعد املعمول بها يف قانون املايكاب الخاص بالرموش‬

‫العيون‬

‫الذابلة ‪ :‬هذه العيون يجب حل عيبها برموش تصحح هذا الخلل و للحصول عىل العني املسحوبة ‪ ،‬إختاري رموش طويلة من‬

‫النصف و قصرية عند الزاوية‬

‫العيون اللوزية‬

‫‪ :‬هذا النوع من العيون رائع جدا فهو يتقبل كل أنواع الرموش و أفضل الرموش املناسبة لهذه العيون هي الرموش املشابهة‬

‫الرموش الحقيقية‬ ‫الصغرية ‪ :‬هذا النوع من العيون تناسبها الرموش الطبيعية الناعمة و متوسطة الطول‬

‫العيون‬ ‫العيون الكبرية ‪ :‬تستطيع صاحبة هذه العيون تكثيف الرموش املستعارة و إستخدام النوع الطويل منها‬ ‫العيون الدائرية ‪ :‬هذا النوع من العيون تناسبها رموش سميكة عند القاعدة و تخف تدريجيًا عند األطراف ‪ ،‬عليك أن تختاري رموشا تجعل‬ ‫مظهرها مسحوبا قليال يف الطرفني‬

‫العيون املتدلية‬

‫مديرة قسم الجامل‪:‬‬ ‫الكاتبة‪ .‬مريم باجي‬

‫‪ :‬تناسبها الرموش التي تحتوي عىل طبقات مسحوبة لألعىل‬

‫يف الحقيقة لن تجدي يف األسواق أنواع الرموش حسب شكلها فقط بل هناك أنواع أخرى تختلف عن بعضها البعض حسب طريقة تثبيتها و يف‬ ‫ماييل سنعرفك بأنواع الرموش املستعارة املتاحة يف األسواق و هي‪ :‬الرموش املستعارة التي تلتصق بواسطة الصق ‪ :‬هذا النوع من الرموش تثبت‬ ‫بواسطة الصق خاص يباع مثلام تباع منتجات املايكاب ‪ ،‬تستطيعني تثبيتها بأصابعك أو بواسطة أداة خاصة تسهل عليك ذلك هذا النوع من‬ ‫الرموش جيد جدا كام أنه غري مرض بالرموش الحقيقية للعني‪.‬‬

‫الرموش املستعارة الفردية ‪ :‬غالبا ما تستعمل لتكثيف الرموش الحقيقية أو عندما تريد إحداهن الظهور‬ ‫بشكل طبيعي دون أن يشك أحدهم بأنها تضع رموشا اصطناعية تبتعد كثري من النساء عن هذا النوع من‬ ‫الرموش خوفا عىل سالمة الرموش الحقيقية‬ ‫ً‬

‫الرموش املستعارة املغناطيسية ‪ :‬تباع بأربع قطع ‪ ،‬تستعملني زوجا من الرموش للعني الواحدة و تلتصق مع‬ ‫بعضها البعض بعدما تجعلني الرمش الحقيقي بني الزوجني من الرموش املغناطيسية‪ .‬من محاسن هذه‬ ‫الرحوش أنّها تساعد يف ظهور العني برموش كثيفة‬


‫جامل‬


‫تغذية‬

‫مديرة قسم‬ ‫التغذية‪ :‬األخصائية‬ ‫مرينا شمس الدين‬

‫طائر الفينيق‬

‫‪172‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫‪173‬‬


‫فوائد القهوة الخرضاء‬ ‫للقهوة الخرضاء الكثري من الفوائد لجسم االنسان‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫‪ -1‬القهوة الخرضاء وخسارة الوزن‬ ‫يساهم حمض الكلوروجينيك يف فقدان الوزن عرب ضبط‬ ‫مستوى السكر يف الدم عرب تقليل امتصاص الكربوهيدرات‪.‬‬ ‫كام انه يساهم عىل انخفاض مستوى الدهون الثالثية‬ ‫والكوليسرتول يف الدم‪ ,‬زيادة مستوى معدل األيض ‪،‬‬ ‫األمر الذي يساهم يف حرق الدهون يف الجسم‪.‬‬ ‫‪ -2‬القهوة الخرضاء مفيدة ملرىض السكري‬ ‫تساعد أحامض الكلوروجينيك يف الوقاية من مرض السكري من النوع الثاين أو السيطرة عليه‪ ،‬ملا لها من دور يف تقليل‬ ‫امتصاص السكر بالدم‪ ،‬واملحافظة عليه ضمن املعدل الطبيعي‪ ،‬ومنع االرتفاع املفاجيء له‪ ،‬كام وتعمل عىل تنظيم‬ ‫دور األنسولني يف الجسم‪.‬‬ ‫‪ -3‬القهوة الخرضاء مفيدة ملرىض ضغط الدم‬ ‫تساهم حبوب القهوة الخرضاء يف تنظيم معدل ضغط الدم ومنع ارتفاعه؛ بفضل احتوائها عىل حمض الكلوروجينيك‬ ‫ومضادات األكسدة التي تحافظ عىل صحة الرشايني واألوعية الدموية‪ ،‬وبالتايل خفض الضغط املرتفع بشكل فعال‪.‬‬ ‫‪ -4‬القهوة الخرضاء تساعد بالحفاظ عىل صحة البرشة والوقاية من شيخوختها املبكرة‬ ‫تحتوي القهوة الخرضاء عىل نسبة عالية من مضادات األكسدة واألحامض األمينية والدهنية التي تعمل عىل تغذية‬ ‫البرشة ‪،‬وترطيبها‪ ،‬ومنحها النضارة والحيوية‪.‬‬ ‫‪ -5‬القهوة الخرضاء و رسطان القولون املستقيم‬ ‫إن فوائد القهوة الخرضاء يف الوقاية من رسطان القولون واملستقيم أقل وضو ًحا‪ .‬فقد أظهرت الدراسات التي أجريت‬ ‫عىل الحيوانات منذ فرتة طويلة كيف ميكن أن تساعد مادة البوليفينول املوجودة يف القهوة يف الحامية من تكوين‬ ‫أورام القولون‪ ،‬وقد ‪.‬تم اقرتاح أن القهوة الخرضاء التي تتكون من ‪ ٪41‬من حمض الكلوروجينيك‪ ،‬قد تعزز هذا‬ ‫التأثريلكن عىل الجانب اآلخر‪ ،‬تحتوي القهوة عىل مركبات قد تزيد من خطر اإلصابة برسطان القولون واملستقيم‪ ،‬إما‬ ‫عن طريق تعزيز طفرة الخاليا أو التسبب يف انهيار الحمض النووي الخلوي‪.‬‬


‫القهوة الخضراء‬ ‫أخصائية التغذية مرينا شمس الدين‬ ‫تتميز القهوة الخرضاء بأنها حبوب قهوة مل تخضع لعملية التحميص‪،‬‬ ‫لذلك فهي تحتفظ بلونها‪ ،‬وخصائصها الصحية‪ ،‬والعديد من العنارص‬ ‫الغذائية‪ ،‬مثل مضادات األكسدة‪.‬‬ ‫تستخدم القهوة الخرضاء عىل شكل مرشوب صحي ملا لها من فوائد‬ ‫عديدة للصحة والجسم‪ ،‬ولكن هناك بعض الفئات التي ال ينصح لها‬ ‫بتناول القهوة الخرضاء بالرغم من فوائدها‪.‬‬ ‫تعرفوا يف هذا املقال عىل مكونات القهوة الخرضاء‪ ,‬بعض فوائدها‬ ‫والجرعات املسموح بها‪.‬‬ ‫مكونات القهوة الخرضاء‬ ‫تحتوي القهوة الخرضاء عىل العديد من مركبات البوليفينول) ‪ ،(Polyphenols‬مثل حمض الكلوروجينيك)‬ ‫‪ ,(Chlorogenic Acid‬الكافيني وحمض الكافيك) ‪(Caffeic Acid‬و مركبات الفالفونويد) ‪ .(Flavonoids‬كام‬ ‫تحتوي عىل السكريات األحادية) ‪ (Monosaccharides‬والسكريات املتعددة) ‪(Polysaccharides‬و الستريوالت)‬ ‫‪(Sterols‬و القلويدات )‪(Alkaloids‬و الفيتامينات واملعادن‪ ،‬مثل الكالسيوم‪ ،‬واملغنيسيوم‪ ،‬والفوسفور‪،‬‬ ‫والبوتاسيوم‪ ،‬والزنك‪ ،‬وفيتامينات ب ‪،‬والفوالت )حمض الفوليك‪(.‬‬ ‫الفرق بني القهوة الخرضاء والقهوة العادية‬ ‫تحتوي القهوة الخرضاء عىل مستوى أعىل من حمض الكلوروجينيك مقارنة بحبوب القهوة املحمصة‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫عملية التحميص تقلل من نسب حمض الكلوروجينيك‪.‬وال بد لالشارة أن حمض الكلوروجينيك هو املسؤول عن‬ ‫تعزيز صحة القلب والرشايني‪ ،‬وترسيع حرق الدهون يف الجسم‪ ،‬وتنظيم نسبة السكر يف الدم‪.‬‬ ‫كام تحتوي حبوب القهوة الخرضاء عىل نسبة أقل من الكافيني مقارنة بحبوب القهوة العادية‪.‬‬


‫الجرعات املسموح بها من القهوة الخرضاء‬ ‫يعمل تناول القهوة الخرضاء عىل الريق أو قبل اإلفطار بساعة عىل تخفيف الوزن ‪،‬ألن مادة الكافيني وحمض‬ ‫الكلوروجينيك املوجودتان يف القهوة الخرضاء يعمالن عىل تقليل الشهية‪ ،‬وخفض مستويات السكر يف الدم‪،‬‬ ‫وتحسني عملية الهضم ‪ ،‬مام يتسبب يف زيادة معدل حرق الدهون‪ ،‬وإنقاص الوزن‪.‬‬ ‫ينصح بتوخي الحذر عند رشب القهوة الخرضاء عىل الريق‪ ،‬وذلك الحتاملية حدوث بعض اآلثار الجانبية للجسم‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫حدوث التهابات وحرقة يف املعدة‪ ،‬وزيادة اضطرابات األمعاء‪ ،‬كام قد تزداد إحتاملية الشعور بالغثيان وعرس‬ ‫الهضم‪.‬اضافة «اىل القلق‪ ،‬واألرق‪ ،‬وآالم الرأس‪.‬‬ ‫يجدر الذكر أنه ينصح بتجنب رشب القهوة الخرضاء عىل الريق إذا حصلت أي من املشاكل أعاله‪ ،‬وحينها ميكن‬ ‫تناولها مع الطعام أو بعده‪.‬‬ ‫تختلف الجرعة املناسب تناولها من القهوة الخرضاء باختالف العمر والحالة الصحية‪ .‬ويجدر الذكر أنه ال توجد‬ ‫معلومات علمية كافية حتى يومنا هذا لتحديد الجرعات املسموح بها لدى األطفال واملراهقني‪.‬‬ ‫لذا ينصح دامئاً بالتأكد من اتباع اإلرشادات املوجودة عىل ملصقات املنتج‪ ،‬واستشارة الصيدالين أو الطبيب قبل‬ ‫تناول القهوة الخرضاء‪.‬‬




‫الصواب اللغوي‬


‫ض إذا حرضه املوت‬ ‫ونقول‪ :‬اح ُت ِ َ‬ ‫……‬ ‫نقول‪ :‬خرج فالنٌ عن القانون أو حاد عنه‬ ‫وذلك ألن الخروج يستلزم استعامل حرف املجاوزة واملجانبة وهو «عن»‬ ‫وال نقول‪ :‬خرج فالن عىل القانون‬ ‫مثل خرج فالن عىل الدولة أي ثار عليها ومن ذلك جاء اسم «الخوارج»‬ ‫أ ّما « عىل»فتستعمل يف َ‬ ‫……‪.‬‬ ‫قل‪ :‬ثُكْنة الجند والجيش‬ ‫وال تقل ثَكَنة الجند والجيش‬ ‫……‪.‬‬ ‫قل‪ :‬القانون الدُ َويل‬ ‫وال تقل‪ :‬القانون الدَ ْويل‬ ‫ألنه منسوب إىل دول ويدل بنسبته عىل اشرتاك الدول فيه‪.‬فالنسبة إىل الجمع واجبة إذا أريدت الداللة عىل‬ ‫االشرتاك الجمعي‪ .‬ودليله كثري ومنه قول الجاحظ يف كتاب الحيوان‪»:‬إنّ سهره بالليل ونومه بالنهار خصلة‬ ‫ملوكية‪».‬‬ ‫……‪.‬‬ ‫قل‪ :‬السكك الحديد‬ ‫وال تقل‪ :‬السكك الحديدية‬ ‫وذلك ألن السكك املذكورة كلها من الحديد‪.‬‬


‫أخطاء شائعة‬

‫أرسة التحرير‬ ‫تقل‬ ‫قل وال ْ‬ ‫قل‪ :‬دعسته السيارة دعساً وداس ْته د ْوساً‬ ‫وال تقل‪ :‬دهس ْته دهساً‬ ‫……‬ ‫وكتاب شائق املوضوع وموضو ٌع شائق‬ ‫قل‪ :‬إنسانٌ شَ ِّيق أو ش ِّيق القلب‬ ‫ٌ‬ ‫كتاب شَ ِّيق املوضوع وال موضو ٌع ش ّيق‬ ‫وال تقل‪ٌ :‬‬ ‫ذلك ألن الشَ ِّيق معناه املشتاق وألن الكتاب ال يكون مشتاقاً‬ ‫……‪.‬‬ ‫يرأس القوم‬ ‫قل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وال تقل‪ :‬يرئسهم‬ ‫……‪.‬‬ ‫النجاح يأ ُملُه‬ ‫قل‪ :‬أ َم َل‬ ‫َ‬ ‫وال تقل‪ :‬أ ِم َل النجاح يأ َمله‬ ‫ألن فعل أ َمل يأ ُمل من باب نرص ينرص‬ ‫……‪.‬‬ ‫قل‪ :‬اس ُتشْ هِدَ فالن يف الحرب‬ ‫وال تقل‪ :‬استش َهد فالن يف الحرب‬ ‫……‬


‫أي "‬ ‫" ّ‬ ‫أرسة التحرير‬ ‫فتح األلف وسكون الياء تأيت‪:‬‬ ‫رب ارحمني‪ .‬وتضاف إليها األلف أحياناً‪ ،‬كقول أيب فراس الحمداين‪:‬‬ ‫أ ــ حرف نداء‪ ،‬مثل‪ْ :‬‬ ‫أي ِّ‬ ‫ناحت بقريب حامم ٌة‬ ‫ْ‬ ‫أقول وقد‬

‫أيا جارتا لو تعلمني بحايل‬

‫أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا‬

‫تعا ْيل أقاس ْم ِك الهمو َم تعايل‬

‫ومنها قول الحطيئة‪:‬‬ ‫ضيف وال ِقرى‬ ‫وقال أيا ر ّبا ُه‬ ‫ٌ‬

‫بحقِّك ال تحر ْمه تا الليل َة اللحام‬

‫أي َذ َهب‬ ‫ب ــ حرف تفسري‪ ،‬مثل‪ :‬عندي عسجد ْ‬ ‫*****‬ ‫بتشديد الياء‪ :‬تأيت‪:‬‬ ‫أفعل‬ ‫تفعل ْ‬ ‫أي يش ٍء ْ‬ ‫‪ 1‬ــ اسم رشط جازم‪َّ :‬‬ ‫أي الرشطية حسب الجملة التي تليها‪.‬‬ ‫أي‪ :‬اسم رشط جازم مفعول به للفعل تفعل‪ ،‬ويختلف إعراب ّ‬ ‫َّ‬ ‫تفعل‪ :‬فعل مضارع مجزوم ألنه فعل الرشط‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أفعل‪ :‬فعل مضارع مجزوم ألنه جواب الرشط‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ويف اآلية الكرمية‪« :‬أ ّياً ما تدعوا فله األسامء الحسنى»‬ ‫فله األسامء الحسنى‪ :‬الفاء رابطة لجواب الرشط‪ ،‬والجملة يف محل جزم جواب الرشط الرتباطها بالفاء‪.‬‬ ‫الحزبي أحىص ملا لبثوا أمدا»‪.‬‬ ‫«أي‬ ‫‪ 2‬ــ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫أي االستفهامية‪ :‬كام يف اآلية الكرمية‪ُّ :‬‬ ‫أي‪ :‬اسم استفهام‪ ،‬مبتدأ مرفوع‬ ‫ُّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫فارس‪ .‬وإعرابها هنا صفة للنكرة «فارس»‪.‬‬ ‫فارس ُّ‬ ‫‪ 3‬ــ أن تكون دالّة عىل معنى الكامل‪ ،‬كقولنا‪ :‬إنه ٌ‬


‫زاوية اللغة‬


‫«إنَّ موت األفراد ال يحبط والدة وطن‪ ،‬ولك َّن موت أفكارهم وهم أحياء‬ ‫ُيع ِّجل مبوته قبل أن يولد‪» ،‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.