Phoenix Bird

Page 1

‫طائرالفينيق‬

‫العدد الثالث عرش‪/‬صيف‪2021 /‬‬ ‫سجون العقل ومفاتيح الكلمة‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‬

‫‪Phoenix Bird‬‬ ‫‪Summer Issue 13‬‬

‫روما وسحر النافورات املنترشة يف‬ ‫الشوارع‬ ‫أ‪.‬سليمة مليزي‬

‫العالج بالبلورات‬ ‫أ‪ .‬مريم باجي‬ ‫كُف ِدفء السالم‬ ‫أ‪ .‬وفاء يونس‬

‫املواطنة واللّبناين‬ ‫د‪ .‬رئيفه ال ّرزّوق‬ ‫املالك الذبيح‬ ‫أ‪ .‬حامد الشمري‬

‫دراسة الشخصية عند رضا أمري خاين «أناه» أمنوذجاً‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬


‫الهيئة الثقاف ّية يف هذا العدد‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‬

‫أ‪.‬سلامن زين الدين‬

‫أ ‪.‬عمر شبيل‬

‫أ‪ .‬حامد خضري الشمري‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫أ‪.‬نهى املوسوي‬

‫د‪ .‬هالة أبو حمدان‬

‫أ‪ .‬وفاء يونس‬

‫د‪ .‬طالل الورداين‬

‫أ‪ .‬سليمة مليزي‬

‫د‪.‬رامز يزبك‬

‫أ‪ .‬مريم باجي‬

‫د‪.‬عامد هاشم‬

‫أ‪.‬سناء الحاموش‬

‫د‪.‬هدى ال ّرزّوق‬

‫أ‪.‬لبنى رشارة بزي‬

‫د‪.‬رئيفه ال ّرزّوق‬

‫أ‪ .‬زينة الجوهري‬

‫أ‪.‬حنان بو حسن‬

‫أ‪.‬رانية مرعي‬


‫طائر الفينيق‬ ‫مجلة أدب ّية‪ ،‬شعريّة‪ ، ،‬فكريّة‪ ،‬متنوعة‬ ‫وفصلية تصدر يف مدينة نيويورك بالواليات األمريك ّية املتحدة‬ ‫‪Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat, MD‬‬ ‫‪Senior Arts Director: Assad Kamran‬‬

‫الهيئة اإلدارية‬ ‫رئيس التحرير د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫مريم باجي‪ :‬مراسلة وسفرية املجلة يف املغرب العريب‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬ ‫‪All rights reserved 2021 .No reproduction, copying or‬‬ ‫‪passing without expressed consent from the founder‬‬ ‫‪of magazine. For permission or writing opportunities‬‬ ‫‪please contact:Submissions@7eloarabiamagazine.com‬‬

‫تخصهم وحدهم ال غري‪.‬‬ ‫اآلراء واألفكار املطروحة يف صفحات املجلة من قبل الك ّتاب ُّ‬


‫طائر الفينيق‬ ‫افتتاحية‬

‫سجون العقل ومفاتيح الكلمة‬

‫الدكتور حسن فرحات‬

‫ال بد من اإلقرار ُم ْسبَقاً بأن الله خلق الكلمة ليك تُخر َِج مكنونات‬ ‫العقل لتصبح ملكاً لتطور البرشية عرب عمرها الطويل‪ ،‬وألجل هذا‬ ‫جاء يف املقدس " يف البدء كانت الكلمة "‪ ،‬وحني قررت السامء‬ ‫َ‬ ‫االتصال باألرض كانت الكلمة آية االتصال‪ " :‬إقرأ باسم ربك الذي‬ ‫خلق "‪ .‬وبالكلمة فضل الله اإلنسان عىل كل مخلوقاته‪ ،‬وبالكلمة‬ ‫غفر الله ملخلوقه األول كل خطاياه‪ "،‬فتلقّى آد ُم من ربه كلامت‬ ‫اب الرحيم "‪ .‬إن الكلمة هي صلة الوصل‬ ‫فتاب عليه‪ ،‬إنه هو الت ّو ُ‬ ‫بني الفكرة والعمل‪ ،‬ولوال الفكرة ل َ​َم أُن ِج َز العمل‪ ،‬وهكذا ندرك‬

‫وبال التباس أن الكلمة هي رس الحضارة والتعبري عن اإلميان الخالّق‪ .‬ومن فهمنا العميق لثورة الكلمة آمنا بأن‬ ‫نهضة البرشية متعلقة بنهضة الكلمة‪ ،‬وقر ْرنا أن يكون طائر الفينيق رمز انبعاث إنساننا من تخلفه‪.‬‬ ‫هذا هو رس تعلقنا مبسرية مجلتنا الواعدة " طائر الفينيق "‪ .‬إنها تحمل روح الرشق إىل الغرب وتحمل علم الغرب‬ ‫إىل الرشق لخلق إنسان يعي معنى وجوده املادي والروحي‪ .‬فاإلنسان ومنذ فطرته األوىل يعتمد يف تكامله عىل‬ ‫ثنائية الروح والجسد‪ ،‬والجسد حني تهذبه الروح ال يظل سجناً لها‪ ،‬بل يغدو رفيق رحلتها الكونية‪ ،‬ويف هذه‬ ‫الرحلة ال ميكن إنجاز حضارات أو فنون إالّ بالصلح القائم بني الجسد والروح‪ .‬إ ّن عمران الكون ال يتم إالّ بهذه‬ ‫الثنائية التي أوجدها بديع الساموات واألرضز‬ ‫مجلة طائر الفينيق ستبقى سفرية الرشق إىل الغرب‪ ،‬وبأقالمكم يا أخويت وأخوايت نستطيع أن نعمل وننجز شيئاً‬ ‫مفيدا ً يستمر بعد رحيل أجسادنا من هذه الدار الفانية‪.‬‬ ‫إن املواضيع التي ت َ ِف ُد إلينا تحمل أصالة الرشق‪ ،‬والعامل اليوم بحاجة للروح التي انطلقت من الرشق ومألت الكون‬ ‫سنا ًء وسنا‪ .‬معكم سنكمل املسرية وبكم سنقدم للعامل أشياء جميلة‪ ،‬وهل هناك أجمل من الكلمة التي قال فيها‬ ‫رسول اإلنسلنية‪ " :‬الكلمة الطيبة صدقة "‪.‬‬


‫املحتويات‬

‫افتتاحية‬

‫أدب ‪134__6‬‬ ‫‪134‬‬

‫سجون العقل ومفاتيح‬ ‫الكلمة رئيس التحرير‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‬

‫اقتصاد‬ ‫‪178__155‬‬ ‫‪178‬‬

‫فن‬

‫‪190__188‬‬ ‫‪190‬‬ ‫لوحات فن ّية‬ ‫أ‪ .‬حنان بو حسن‬

‫العالج بالبلورات‬ ‫أ‪ .‬مريم باجي‬

‫املواطنة واللّبناين‬ ‫من أنا؟‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف د‪ .‬رئيفه ال ّرزّوق‬ ‫رشد والخوف عند يف الضوء تتضح‬ ‫االستعارة وصورة الوحشة الت ّ‬ ‫معامل األشياء‬ ‫مح ّمد املاغوط‬ ‫واملوتفي شعر الصعاليك‬ ‫د‪ .‬هدى ال ّرزّوق د‪ .‬طالل الورداين‬ ‫د‪ .‬رامز يزبك‬ ‫دراسة يف شعر‬ ‫قراءة يف قصيدة‬ ‫انتظار عودة النورس‬ ‫عمر شبيل‬ ‫د‪ .‬مرياي أبو حمدان احيانا " لرانية مرعي "‬ ‫أ‪ .‬رانية مرعي‬ ‫أ‪ .‬عمر شبيل‬ ‫مقابلة الشاعر شوقي بزيع دراسة الشخصية عند رضا‬ ‫أمري خاين» أناه «أمنوذجاً‬ ‫عمر شبيل والدكتورة‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫د‪.‬هالة أبو حمدان‬ ‫جوزيف صايغ بني أصولية‬ ‫القوالب وحداثة الرؤى‬ ‫أ‪ .‬سلامن زين الدين‬

‫مرشوع « أليسار» لرتتيب‬ ‫وتنظيم وضع الضاحية‬ ‫الجنوب ّية الغربية لبريوت‬

‫د‪ .‬عامد هاشم‬

‫جامل ‪137__135‬‬ ‫‪137‬‬

‫شعر ‪155__138‬‬ ‫‪155‬‬ ‫املالك الذبيح‬ ‫أ‪.‬حامد الشمري‬

‫كُن ِدف َء السالم‬ ‫أ‪ .‬وفاء يونس‬

‫الحرب مل تبدأ بعد‬ ‫أ‪ .‬نُهى املوسوي‬

‫مريد أنا‬ ‫أ‪ .‬سناء الحاموش‬

‫ماذا يبقى م ّني‬ ‫أ‪ .‬لبنى رشارة‬

‫نبض الوتني‬ ‫أ‪ .‬زينية الجوهري‬

‫سياحة‬ ‫‪187__179‬‬ ‫‪187‬‬ ‫روما وسحر النافورات‬ ‫املنترشة يف الشوارع‬ ‫أ‪ .‬سليمة مليزي‬

‫زاوية اللغة‬ ‫املستثنى‬ ‫أرسة التحرير‬


‫اطائر الفينيق‬

‫أدب‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫من أنا؟‬

‫خلعت ثوب املادة‪ ،‬وانبثق من ضعفي وقنوطي ضعفاً وقنوطاً يف الروح رسى يف جسدي‪ ،‬فأخفيا املوت املنعتق يف‬ ‫النفس من ربقة الرتاب‪.‬‬ ‫فرسحت كقبض الريح تحت الشمس‪ ،‬منتفضة عىل الباطل والقسوة باحثة عن حقيقة واحدة‪ ،‬أال وهي من أنا؟ ما‬ ‫معنى أقوايل‪ ،‬ترصفايت‪ ،‬أفعايل‪ ،‬املتمثلة بالثقة والخوف والحزن والفرح واإلبتسامة‪ ...‬مل أنا؟ أنا!‬ ‫هل أنا حكمة باهرة‪ ،‬يحاول الزمن إخفاءها بأمل مزيّف وعقالنية مجنونة‪ ،‬أم أنني حمقاء‪ ،‬ال أرى إال جميالً‪،‬‬ ‫بالحكمة ونتاج الفضيلة ومثار العدل‪.‬‬ ‫أم أنا‪ ،‬القارصة تبعرث الحرية بالوجود مستندة باليرس والفرج‪.‬‬ ‫أم أنا‪ ،‬تلك النفس السائرة الباحثة عن النور قهرا ً يف قلوب عقب عليها العمر الذي أفىض ما يف يديه من قوة غري‬ ‫معروفة‪.‬‬ ‫رص عىل حفظ أقوايل‪.‬‬ ‫أم أنا‪ ،‬الساعية لبثّ الحياة يف عروق من حويل وإحياء الشغف بالحياة اآلتية ولكن ما من م ّ‬ ‫ال أعرف ‪ ...‬ما أدركه يف الحقيقة الحقة‪ ،‬أنني روح سليامن الساكنة يف عامل الخلود‪ ،‬أوحي إىل محبي الحكمة أن‬ ‫يسلكوا سبل الرأفة رمبا يكون ذلك كفارة عن خطأ غري مقصود‪.‬‬ ‫يف لحظة تأملت وتأملت‪ ،‬تأملت مبقدرة اإلنسان املحدودة كيف ميكنها زلزلت قلبها‪ ،‬لتمخض وجعها ولن تلد إال‬ ‫الخراب والشقاء‪ ،‬وتأملت بابن آدم الذي يطبق بني الرثى ودقائق األثري ليجرح من أحبه‪ ،‬الذي يسعى إىل أن يقدم‬ ‫الدنيا تحت قدميه ملؤها الثقة والصدق واملحبة‪.‬‬ ‫وآآآه كم نفتقد إىل مثل هذه الصفات يف هذا الوجود!‬ ‫وتأملت عىل روح كانت مستأنسة مستأمنة يف منزلها‪ ،‬وستصبح غدا ً واقفة عىل شفري الغربة‪ ،‬أرثيها باألمل والغصة‬ ‫املؤملة والعربات املرة‪ ،‬مع إنني أعرف أنها قد ملّت ما حولها‪ ،‬مشتاقة إىل من تسعى من أجلهم يف هذه الحياة‪،‬‬ ‫وأنا الساعية إلعطائها كل الحياة‪ ،‬فهي الغالية والنفيس وما تبقى يل يف هذا الوجود‪.‬‬ ‫هذه الروح‪ ،‬التي تعيش حكمة رسمدية مفادها‪ ،‬من هم من دمي هم مسؤوليتي وعليهم ينطبق ُحكمي ِ‬ ‫وحكمتي‬ ‫ورؤيتي الصافية‪ ،‬متناسية عارفة أننا يف عامل تحكمه الغرائز وحب الذات‪ ،‬ورغم ذلك تؤثر نفسها بالترصفات‬ ‫وتعذب روحها من أجل من هم روحها‪ ،‬فتنتفض عىل نفسيها (أنا ونفسه) فتؤذينا من دون أن تشعر وبعدها‬ ‫تهدأ‪ ،‬تقتنع وترىض‪.‬‬ ‫تأملت وتأملت نفيس جيّدا ً‪ ،‬رشحتها وجزأتها‪ ،‬ألقرأ نفيس وأوضحها أمام املأل‪ ،‬وعليكم الحكم‪.‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫أدب‬



‫طائر الفينيق‬ ‫أدب‬

‫المواطنة واللّ‬ ‫بناني‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬رئيفه ال ّرزّوق‬

‫مقدّ مة‬

‫قيل‪" :‬إ ّن ق ّوة لبنان تكمن يف ضعفه"‪ ،‬قد يكون األمر كذلك أو‬

‫عكسه‪ ،‬لك ّن الحقيقة التي يؤكّدها التّاريخ‪ ،‬أ ّن ق ّوة لبنان تكمن‬

‫يف ق ّوة تكوينه املتن ّو ع املبدع‪ ،‬فلبنان‪ ،‬رشيحة صغرية من األرض‪،‬‬ ‫لك ّنه مجلّدات يف مكتبة العرب بل والعامل‪.‬‬

‫يف هذا البحث‪ ،‬سندرس تأثري الطّائف ّية عىل املواطنة يف لبنان‬ ‫وتأثريها عليه‪ ،‬إذ إ ّن لسلطان الطّوائف دور كبري يف تشكيل‬

‫ّائفي‪ ،‬مواطن يف طائفته‪،‬‬ ‫حياة مواطنيه‪ ،‬حتّى بات اللّبنا ّين يعيش مواطنة مثلّثة األبعاد‪ :‬فهو يف سياق االنتامء الط ّ‬

‫أيضا يعيش مواطنة مثقلة بال ّرموز والتّاريخ البعيد والحديث‪ ،‬وهو‬ ‫يدين بالوالء لقياداتها املدن ّية وال ّدين ّية‪ ،‬وهو ً‬

‫ومؤسساتها‪ .‬من هنا‪ ،‬سننطلق إىل دراسة ال ّنظام‬ ‫أخ ًريا مواطن لبنا ّين ينتمي قانون ًّيا إىل الجمهوريّة اللّبنان ّية‬ ‫ّ‬ ‫ّائفي يف لبنان‪ ،‬والطّائف ّية يف املجتمع اللّبنا ّين‪.‬‬ ‫الط ّ‬ ‫أ ّولً ‪ :‬مفهوم املواطنة بني اللّغة واالصطالح‬

‫املواطنة "‪ "citizenship‬يف العرب ّية‪ ،‬مأخوذة من "وطن"‪ ،‬يقول ابن منظور ‪ :‬املنزل تقيم به‪ ،‬وهو "وطن موطن‬

‫اإلنسان ومحلّه‪ .‬وأوطان الغنم والبقر‪ :‬مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها‪ ...‬ومواطن مكّة‪ :‬مواقفها‪ ...‬وطن باملكان‬ ‫فكل مقام قام به اإلنسان‪ ...‬وجمع الوطن أوطان‪ :‬منزل إقامة‬ ‫وأوطن أقام‪ ،‬وأوطنه‪ :‬ات ّخذه وط ًنا‪ ...‬أ ّما امل َ َواطن ّ‬ ‫اإلنسان ولد فيه أم مل يولد ‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .1‬ابن منظور (‪711 –630‬هـ‪1311 -1232 /‬م) ‪ :‬مح ّمد بن مك ّرم بن عيل‪ ،‬أبو الفضل جامل ال ّدين ابن منظور األنصاري ال ّرويفعي اإلفريقي‪ .‬ولد يف مرص (وقيل‬ ‫ول القضاء يف طرابلس‪ .‬وعاد إىل مرص ّ‬ ‫وتوف فيها‪ ،‬وقد ترك بخطّه خمسمئة مجلّد و ُعمي يف آخر‬ ‫يف طرابلس الغرب)‪ .‬وخدم يف ديوان اإلنشاء بالقاهرة ث ّم ّ‬ ‫عمره‪ .‬من كتبه‪ “ :‬مختار األغاين” و “ نثار األزهار يف اللّيل وال ّنهار”‪( .‬خري ال ّدين ال ّزركيل‪ :‬األعالم‪).329 /7 .‬‬ ‫‪ .2‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ .‬ما ّدة ( و ط ن )‪.239/15 ،‬‬


‫ائفي يف لبنان‬ ‫ثان ًيا‪ -‬ال ّنظام ال ّط ّ‬ ‫ّائفي يف لبنان إىل العهد العثام ّين‪ ،‬بداية بنظام امللل حيث كان الحكم فيها للمسلمني عن‬ ‫يعود ال ّنظام ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫يايس الط ّ‬

‫ظل نظام القامئقاميّتني بطلب من ال ّدول الكربى‪ ،‬وذلك بدعوى أ ّن بقيّة‬ ‫طريق الطّائفة ال ّدرزيّة‪ ،‬ث ّم انقلب الوضع يف ّ‬

‫رصفيّة وبضغط من ال ّدول‬ ‫الطّوائف ال تشارك يف الحكم‪ ،‬فانقسم حكم لبنان بني املوارنة وال ّدروز‪ ،‬ث ّم يف عهد املت ّ‬ ‫مسيحي بإدارة عثامنيّة ومبشاركة جميع الطّوائف‪" ،‬ولقد شكّلت الطّوائف يف‬ ‫رصف‬ ‫الكربى أصبح يحكم لبنان مت ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيايس‪ .‬واستم ّد ال ّزعامء سلطتهم من عضويتهم يف الطّائفة‬ ‫مرحلة املترصفية الوحدات الرئيسة األساسيّة يف ال ّنظام‬ ‫ّ‬ ‫الفرنيس‪ ،‬ومع‬ ‫السلطة للمسيحيّني بشكل كامل يف عهد االنتداب‬ ‫ومن ادعائهم ال ّنطق باسمها" ‪ .‬وتأكّدت هذه ّ‬ ‫ّ‬

‫تأسيس دولة لبنان الكبري ظهر التّوازن ال ّدميغرا ّيف بني املسلمني واملسيحيّني‪ ،‬وأصبحت هنالك حتميّة للعمل بنظام‬ ‫مم م ّهد‬ ‫سيايس يتوافق مع تع ّدد الطّوائف يف لبنان‪ ،‬من خالل امليثاق‬ ‫الوطني الذي صدر سنة ‪ 1943‬برعاية فرنسيّة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫السلطة أو األحزاب التي تعكس مختلف الطّوائف واملذاهب‬ ‫السياسيّة سواء من خالل ّ‬ ‫الطّريق فيام بعد للتّع ّدديّة ّ‬ ‫وتدعيم‪،‬‬ ‫ال ّدينيّة‪ .‬و"لقد أرىس ميثاق ‪ 1943‬جذور الطّائفيّة يف لبنان كأفضل ما تكون قواعد هذه الطّائفيّة رسو ًخا‬ ‫ً‬ ‫الفرنيس نفسه مل يق ّدم مثل تلك ال ّرعاية الطّائفيّة" ‪.‬‬ ‫فاالنتداب‬ ‫ّ‬

‫السياسيّة واالجتامعيّة القبليّة والطّائفيّة من دون املساس بها‬ ‫ففي لبنان حافظت الحكومات املتعاقبة عىل ّ‬ ‫التكيبة ّ‬

‫املتغي‪" ،‬فمنذ أن تشكّل لبنان كيانًا سياسيًّا اجتامعيًّا عرب والداته املتواترة‪:‬‬ ‫يايس‬ ‫أو تحديثها وفقًا ملتطلّبات الواقع ّ‬ ‫ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫دولة لبنان الكبري ‪ ،1920‬وجمهورية االستقالل ‪ ،1943‬وجمهورية الطّائف ‪1989‬م‪ ،‬ال يشء ينمو ويتح ّرك خارج أسوار‬ ‫الطّوائف" ‪.‬‬

‫مم سبق إ ّن لبنان بدأ مسريته كدولة مستقلّة بنقطة ضعف هيكليّة كانت عائقًا يف مسرية التّنمية‬ ‫ميكن القول ّ‬ ‫السياسيّة واالقتصاديّة وحالت مع الوقت دون تط ّور مفهوم املواطنة‪ ،‬هذه ال ّنقطة هي الطّائفيّة‪ ،‬حيث تلعب دو ًرا‬ ‫ّ‬ ‫رئيسا يف ال ّنظام اللّبنا ّين‪ ،‬فمجلس ال ّن ّواب اللّبنا ّين‪" ،‬قبل أن يكون عبارة عن دميقراطيّة ما‪ ،‬إنّ ا هو ملتقى الجامعات‬ ‫ً‬

‫سمي عن "إرادة العيش املشرتك"‪ ،‬عن ال ّرغبة يف تدبري ال ّدولة تدب ًريا مشرتكًا"‬ ‫الطّائفيّة املتشاركة‪ ،‬هو التّعبري ال ّر ّ‬ ‫ومجلس الوزراء يأيت نتا ًجا‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .1‬حسني ضناوي‪ :‬شهادات للحرية والتغيري‪ .‬ص ‪.248‬‬ ‫‪ .2‬مسعود ضاهر‪ :‬لبنان االستقالل الصيغة وامليثاق‪ ، .‬ص ‪.275‬‬ ‫‪ .3‬مسعود ضاهر‪ :‬لبنان االستقالل الصيغة وامليثاق‪ .‬ص ‪.275‬‬


‫ومواطنة‪:‬‬ ‫"مصدر الفعل واطن مبعنى شارك يف املكان إقامة ومول ًدا‪ ،‬أل ّن الفعل عىل وزن‪ :‬فاعل" ‪ .‬وجاء يف القاموس املحيط‪:‬‬ ‫"الوطن ُمح َّركة ويُ َسكَّن منزل اإلقامة‪ ...‬وأوطنه ووطّنه واستوطنه‪ ،‬اتّخذه وط ًنا ومواطن مكّة مواقفُها‪ ،‬ومن الحرب‬ ‫مشاهدها‪ ...‬وواطنه عىل األمر وافقه" ‪.‬‬

‫فاملواطنة لغة مشتقّة من املصدر "واطن"‪ ،‬وتعني املكان الذي يقيم به اإلنسان‪ .‬أ ّما يف االصطالح‪ ،‬فاملواطنة بأبسط‬ ‫والسياس ّية واالقتصاديّة‬ ‫معانيها هي "التزامات متبادلة بني األشخاص وال ّدولة‪ ،‬فالشّ خص يحصل عىل حقوقه املدن ّية ّ‬ ‫معي‪ ،‬وعليه يف الوقت ذاته واجبات يتحتّم عليه أداؤها" ‪ .‬تع ّرف املوسوعة‬ ‫واالجتامع ّية‪ ،‬نتيجة انتامئه ملجتمع ّ‬

‫العرب ّية العامل ّية املواطنة بأنّها‪" :‬اصطالح يشري إىل االنتامء إىل أ ّمة أو وطن" ‪ ،‬و"تع ّرف دائرة املعارف الربيطان ّية‬ ‫(‪ )Encyclopedia Britannica‬املواطنة بأنّها عالقة بني فرد ودولة‪ ،‬كام يح ّدد قانون تلك ال ّدولة مبا تتض ّمنه تلك‬ ‫العالقة من حقوق وواجبات يف تلك ال ّدولة" ‪.‬‬ ‫ ‬

‫سيايس‪ ،‬ومن‬ ‫طبيعي ومجتمع‬ ‫وقد ع ّرفها قاموس علم االجتامع‪ ،‬أنّها "مكانة أو عالقة اجتامع ّية تقوم بني فرد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ويتول الطّرف الثّاين الحامية‪ ،‬وتتح ّدد هذه العالقة بني الفرد وال ّدولة‬ ‫ّ‬ ‫خالل هذه العالقة يق ّدم الطّرف األ ّول الوالء‪،‬‬ ‫نفيس‪ ،‬بأنّها الشّ عور باالنتامء والوالء للوطن‬ ‫عن طريق القانون" ‪ .‬فيام ينظر إليها فتحي هالل وآخرون من منظور‬ ‫ّ‬

‫السياس ّية‪ ،‬التي هي مصدر اإلشباع للحاجات األساس ّية‪ ،‬وحامية الذّات من األخطار املصرييّة ‪.‬‬ ‫وللقيادة ّ‬ ‫من خالل ما سبق‪ ،‬ميكننا القول إ ّن املواطنة فكرة اجتامع ّية وقانون ّية وسياس ّية‪ ،‬وتعني املكان الذي يستق ّر فيه الفرد‬

‫بشكل ثابت داخل ال ّدولة‪ ،‬ويكون مشاركًا يف الحكم‪ ،‬ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه ال ّدولة التي ينتمي‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫ائفي يف لبنان‬ ‫ثان ًيا‪ -‬ال ّنظام الطّ ّ‬

‫_______________________‬

‫‪ .1‬مح ّمد العدناين‪ :‬معجم األغالط اللّغويّة املعارصة‪ .‬ص ‪.725‬‬ ‫‪ .2‬الفريوز أبادي‪ :‬القاموس املحيط‪.276/4 .‬‬ ‫‪ .3‬ميشل مان‪ :‬موسوعة العلوم االجتامع ّية‪ .‬ص ‪.110‬‬ ‫‪ .4‬املوسوعة العرب ّية العامل ّية‪ .‬ص ‪.311‬‬ ‫‪ .5‬سعيد عبد الحافظ‪« :‬املواطنة حقوق وواجبات»‪.‬‬ ‫‪ .6‬عاطف غيث‪ :‬قاموس علم االجتامع‪ .‬ص ‪.56‬‬ ‫‪ .7‬هالل فتحي وآخرون‪ :‬تنمية املواطن لدى طلبة املرحلة الثّانويّة بدولة الكويت‪ .‬ص ‪.25‬‬


‫يايس يف مجتمع ما يتعلّق بدرجة‬ ‫السياس ّية والقوى االجتامع ّية التي تشكّلها‪ .‬إ ّن مستوى التّط ّور ّ‬ ‫املؤسسات ّ‬ ‫بني ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫السياس ّية ومدى تطابقهم معها" ‪.‬‬ ‫املؤسسات ّ‬ ‫السياس ّيني إىل ّ‬ ‫كبرية مبدى انتامء ال ّناشطني ّ‬ ‫حقوقي من حيث هو هويّة طائف ّية وليس هويّة مدن ّية" ‪ ،‬فهي "ليست دولة‬ ‫إذًا‪ ،‬فال ّدولة يف لبنان "تقوم عىل وهم‬ ‫ّ‬ ‫أسايس يف‬ ‫دميقراطية برملانية‪ ،‬ألنها ال تع ّد املواطنني سواسية ومتعادلني يف املجال السيايس‪ .‬وهذا االعتبار هو ركن‬ ‫ّ‬ ‫كل ال ّدميقراط ّية (‪ )...‬وأل ّن رشط الدميقراطية الصحيحة‪ ،‬قيام مجتمع مدين دميقراطي يدعمها بالتجربة ويعمق التزام‬ ‫ّ‬ ‫مم دفع رئيس الوزراء األسبق "رفيق الحريري" للقول‪" :‬نتطلّع إىل وطن تنصهر فيه‬ ‫املواطن بالعيش املشرتك" ‪ّ ،‬‬ ‫الطّوائف وال تستب ّد فيه الطّائف ّية" ‪ ،‬بحيث أ ّن "الوالء لل ّدولة أرفع صور التّقوى" ‪.‬‬

‫وميثّل لبنان منوذ ًجا ملواطنة تجمع بني أطياف مجتمع متع ّدد ضمن نطاق ال ّدولة الواحدة‪ ،‬عىل ال ّرغم من األزمات‬

‫وال ّنزاعات املتالحقة يف تاريخه‪ ،‬ألنّه بلد يتمتّع بخصوص ّية اجتامع ّية وثقاف ّية ودين ّية؛ إذ يض ّم مثاين عرشة طائفة‬ ‫ضمن ثالثة أديان سامويّة‪ ،‬لها خصوص ّياتها التّاريخ ّية واالجتامع ّية والثّقاف ّية‪ .‬فال كالم عىل املواطنة يف لبنان خارج‬ ‫بالصفة‪ ،‬أو كعالقة املفهوم بظهوره ومجال استعامله‪.‬‬ ‫الصلة بينهام كصلة االسم ّ‬ ‫حياض الطّائفة حتّى لتكاد تبدو ّ‬ ‫وحني وضعنا املواطنة يف موازاة الطّائف ّية‪ ،‬فليس لنجعل منهام ثنائ ّية متغايرة‪ ،‬وإنّ ا لنتعامل معهام كقض ّية واحدة‪.‬‬ ‫فالطّائف ّية جعلت هويّة املجتمع تتج ّمع تحت مظلّة العيش واالنفتاح عىل اآلخر‪ّ ،‬إل أ ّن إشكال ّيته تكمن يف تداخل‬ ‫والقومي والثّقا ّيف‪ ،‬فاملواطنة يف لبنان‬ ‫ّائفي‬ ‫ّ‬ ‫يني والط ّ‬ ‫مرجع ّيات مختلفة يف رؤيتها ملفهوم املواطنة‪ ،‬بسبب التّن ّو ع ال ّد ّ‬ ‫الصبغة الطّائف ّية؛ فالشّ خص يكون مواط ًنا من خالل انتامئه إىل ال ّدولة اللّبنان ّية وتطبيقه الواجبات‬ ‫تطغى عليها دامئًا ّ‬

‫ونيله حقوقه املدن ّية‪ ،‬لك ّن هذا الشّ خص ذاته يكون مرتبطًا بطائفة أو مذهب من خالل محاكمها واملراكز ال ّدين ّية‬ ‫الخاصة والعقائد ال ّدين ّية‪ ،‬فيطغى عىل املجتمع اللّبنا ّين ما ميكن أن نطلق عليه الفوىض التّرشيع ّية‪.‬‬ ‫ومؤسساتها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫_______________________‬ ‫‪ .1‬سميح دغيم‪« :‬مفهوم ال ّدولة املدن ّية»‪.‬‬ ‫‪ .2‬كامل صليبي‪ :‬تاريخ لبنان الحديث‪ .‬ص ‪.253‬‬ ‫‪.3‬حسني ضناوي‪ :‬شهادات للحرية والتغيري‪ .‬ص ‪.295‬‬ ‫‪ .4‬رفيق الحريري‪« :‬جلسة الثقة الحكومية»‪.‬‬ ‫‪ .5‬محمد محي شمس ال ّدين‪ :‬العلامن ّية‪ .‬ص ‪.147‬‬


‫للعمل ّية الطّائف ّية داخل لبنان‪ ،‬ورئيس الجمهوريّة يجب أن يكون من الطّائفة املارون ّية‪ ،‬ورئيس الوزراء يجب أن‬ ‫كل الطّوائف اللّبنان ّية يف هذا املجلس‪ ،‬فهي هنا املح ّرك ال ّرئيس للعمل ّية‬ ‫الس ّن ّية‪ ،‬ويجب أن متثّل ّ‬ ‫يكون من الطّائفة ّ‬ ‫السلطة التّنفيذيّة سواء بال ّنسبة إىل رئيس الجمهوريّة أو بال ّنسبة‬ ‫ّائفي يف ميدان ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياس ّية‪ ،‬إذًا‪ ،‬فقد "رسى ال ّنظام الط ّ‬ ‫إىل تشكيل الوزارة‪ ،‬أو بال ّنسبة إىل تعيني املوظّفني يف مختلف الوظائف العا ّمة" ‪.‬‬

‫ّائفي يف لبنان عىل دستورين مه ّمني ميثّالن املرجع القانو ّين الذي تعتمد عليه ال ّدولة‬ ‫ويرتكز ال ّنظام ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫يايس الط ّ‬ ‫اللّبنان ّية حتّى الوقت الحا ّيل‪ ،‬رغم التّعديالت التي جاء بها اتّفاق الطّائف عىل ال ّدستور وعىل ال ّنظام الربملا ّين يف لبنان‪،‬‬ ‫الفرنيس سنة ‪ ،1926‬والثّاين يتمثّل يف‬ ‫"فاأل ّول دستور مكتوب ويتمثّل يف ال ّدستور الذي وضع يف عهد االنتداب‬ ‫ّ‬

‫الوطني‪ ،‬الذي وضع غداة استقالل ال ّدولة اللّبنان ّية عن الحامية الفرنس ّية سنة ‪، "1943‬‬ ‫ال ّدستور العر ّيف وهو امليثاق‬ ‫ّ‬

‫والسياس ّية‪ ،‬وهذا ما نجده يف املا ّدة‬ ‫وقد حرص ال ّدستور اللّبنا ّين عىل رضورة متتّع كافّة املواطنني بالحقوق املدن ّية ّ‬ ‫والسياس ّية‬ ‫بالسواء بالحقوق املدن ّية ّ‬ ‫السابعة من القانون اللّبنا ّين‪" :‬كل اللّبنان ّيني سواء لدى القانون وهم يتمتّعون ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويتح ّملون الفرائض والواجبات العا ّمة دومنا فرق بينهم"‪.‬‬ ‫السياس ّية يف لبنان‪ ،‬أ ّن نظام الحكم يف هذا البلد إنّ ا‬ ‫وتظهر دراسة أحكام ال ّدستور اللّبنا ّين ومالحظة تط ّور الحياة ّ‬

‫هو "نظام ينضوي تحت تصنيف ال ّدميقراط ّية اللّيربال ّية‪ ،‬ليربايل باالستناد إىل كونه يأخذ باحرتام الح ّريّات العا ّمة‬ ‫اللمباالة واإلطالق ّية" ‪.‬‬ ‫والحقوق الفرديّة التّقليديّة ويدعو لعدم التّد ّخل فيها إىل نقطة تصل ح ّد ّ‬

‫والطّائف ّية اللّبنان ّية تتعايش مع ال ّدستور وال ّدميقراط ّية "بالقدر الذي يؤ ّمن تفاهم زعامء الطّوائف وتعايشها املشرتك‬ ‫تتأسس عىل سيادة الشّ عب الح ّر املؤلّف من مواطنني أفراد أحرار" ‪.‬‬ ‫والحواجز القامئة بينها‪ .‬يف حني أ ّن ال ّدميقراط ّية ّ‬

‫املصلحي بني أطراف متع ّددة متثّل الواقع اللّبنا ّين‪ ،‬وهي‪ :‬ال ّدولة‪-‬‬ ‫فال ّدولة املدن ّية يف لبنان تقوم عىل فكرة "التّعاقد‬ ‫ّ‬ ‫يايس الذي يصل إليه املجتمع‪،‬‬ ‫الشّ عب‪ -‬الجامعات‪ -‬األفراد‪ ،‬يف حني أ ّن ال ّدولة املدن ّية تعكس مستوى االجتامع ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫أي العالقة‬

‫_______________________‬ ‫ستوري يف لبنان‪ .‬ص ‪.401‬‬ ‫‪ .1‬محسن خليل‪ :‬الطّائف ّية وال ّنظام ال ّد‬ ‫ّ‬ ‫دي‪.543 /4 .‬‬ ‫‪ .2‬عقل عقل‪ :‬العدالة ال ّدستوريّة واملجتمع التّع ّد ّ‬ ‫‪ .3‬أحمد رسحال‪ :‬النظم السياسية والدستورية يف لبنان والدول العربية‪.113 .‬‬ ‫‪ .4‬رشيد شقري وآخرون‪ :‬الطائفية والدميقراطية يف لبنان الواقع واملمكن يف املامرسة الدميقراطية اللبنانية‪ .‬ص ‪370‬‬


‫ّائفي‪ ،‬فإ ّن ال ّدولة اللّبنان ّية هي دولة علامن ّية يبقى‬ ‫ال ّدولة! وهنا تربز املفارقة األساس ّية‪ ،‬فعىل ال ّرغم من ال ّنظام الط ّ‬ ‫أي رشيعة دين ّية‪ ،‬القانون‬ ‫للسلطات" ‪ .‬ويبقى ال ّدستور اللّبنا ّين‪ ،‬غري املستم ّد من ّ‬ ‫الشّ عب فيها هو املصدر الوحيد ّ‬ ‫السلطة باسم الشّ عب وحده‪.‬‬ ‫السلطات سلطات مدن ّية مختارة من الشّ عب‪ ،‬ومتارس ّ‬ ‫األسمى يف البلد‪ ،‬وتبقى ّ‬

‫تسلسل طائف ًّيا‪ ،‬وذلك عىل ال ّرغم‬ ‫ً‬ ‫وقسمت مقاعد القضاة بني الطّوائف وتسلسل القضاة حتّى أرفع املناصب‬ ‫هذا‪ّ ،‬‬ ‫ّائفي يف لبنان حتّى أصبح‬ ‫خل عن ّ‬ ‫مم يجب أن يتّسم به القضاة من التّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل نزعة طائف ّية‪" ،‬ولقد تغلغل املبدأ الط ّ‬ ‫ترشيعي يق ّرره" ‪.‬‬ ‫نص‬ ‫من املبادئ العرف ّية املستق ّرة من دون الحاجة إىل ّ‬ ‫ّ‬

‫السياسات‪ ،‬وتتب ّنى مصالح طائف ّية‬ ‫السياس ّية فإنّها تحظى بأغلب ّية يف مجلس ال ّن ّواب‪ ،‬وال تشارك يف صنع ّ‬ ‫أ ّما األحزاب ّ‬ ‫أكرث من تب ّنيها قض ّية وطن ّية؛ ويستوي يف ذلك أحزاب األشخاص وأحزاب الربامج‪ ،‬وعىل ال ّرغم من أ ّن األحزاب‬ ‫األقل‪ -‬ال‬ ‫املؤسسة‪ ،‬انطالقًا من الطّائف ّية املجتمع ّية‪ ،‬هي أحزاب بغالب ّيتها طائف ّية‪ّ ،‬إل أ ّن أيًّا منها ‪-‬عل ًنا عىل ّ‬ ‫السياس ّية ّ‬ ‫ّ‬ ‫األسايس يف مه ّمة هذه األحزاب وتو ّجهاتها‬ ‫يني‬ ‫ديني‪ ،‬أو ألهداف دين ّية‪ّ .‬‬ ‫ميارس ّ‬ ‫ّ‬ ‫لعل الشّ ّق ال ّد ّ‬ ‫السلطة عىل أساس ّ‬ ‫يكمن يف كونها تسعى إىل حامية حقوق الطّائفة التي تنتمي إليها وتأكيدها وتأمينها وتعزيزها ومنارصتها‪.‬‬

‫رصف عمل ًّيا بتوجيهات أجنب ّية وتقول بالعلامن ّية وهي يف الواقع‬ ‫واألحزاب اللّبنان ّية "تدعو نظريًّا إىل الوطن ّية وتت ّ‬ ‫وتتأت هذه الطّائف ّية عىل العموم من تركيبة هذه األحزاب حيث إنّها يف الغالب تتأ لّف من أبناء طائفة‬ ‫ّ‬ ‫طائف ّية‪،‬‬ ‫واحدة" ‪ .‬لذلك أصبحت األحزاب "التي متارس نشاطها يف لبنان تشكّل آداة لنفور الكثري من املواطنني من العمل‬

‫الحز ّيب‪ ،‬بحيث تجدها مبعظمها أحزابًا طائف ّية بعقيدتها وواقعها وطائف ّيتها متنعها من أن تصبح أحزابًا وطن ّية‬ ‫يايس ورضورة تنظيمه عىل أساس‬ ‫جامهرييّة أو ربط األحزاب بأشخاص" ‪ .‬فيجب إعادة ال ّنظر يف "واقع العمل ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫أحزاب‬

‫_______________________‬ ‫‪ .1‬مق ّدمة ال ّدستور اللّبناين‪ :‬فقرة د‪.‬‬ ‫السياس ّية وال ّدستور اللّبنا ّين‪ .‬ص ‪.686‬‬ ‫‪ .2‬محسن خليل‪ :‬ال ّنظم ّ‬ ‫‪ .3‬أحمد رسحال‪ :‬النظم السياسية والدستورية يف لبنان والدول العربية‪ .‬ص ‪.217‬‬ ‫‪ .4‬رياض الصمد‪ ،‬سمري صباغ‪ :‬العملية االنتخابية يف لبنان‪ .‬ص ‪.84‬‬


‫رش ع لنفسها‪ ،‬ما تنتظم به أحوالها الشّ خص ّية‪ ،‬وأن تتّخذ إجراءات التّقايض أمام محاكمها‬ ‫ّ‬ ‫فلكل طائفة ّ‬ ‫الحق يف أن ت ّ‬ ‫الخاصة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ظل توت ّر دائم بني‬ ‫السياس ّيني إىل العيش يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولعل التّط ّور ّ‬ ‫اكمي ّ‬ ‫للصيغة اللّبنان ّية وصل باللّبنان ّيني ومبمثّليهم ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫الوطني والهويّة ما دون الوطن ّية‪" ،‬فاللّبنان ّيون يريدون أن ينظر إليهم م ّرة بوصفهم مواطنني متساوي‬ ‫االنتامء‬ ‫ّ‬ ‫الحق‪ ،‬ويشكون بصورة أو أخرى من نظام املحاصصة الطّائف ّية أيًّا كانت األوصاف املطلقة عليه‪.‬‬ ‫الحقوق يف دولة ّ‬ ‫لك ّنهم يف الوقت نفسه‪ ،‬رسعان ما يلوذون به ويرضون باستمراره‪ ،‬م ّرة باسم الواقع ّية التي فرضتها ظروف الطّوائف‬ ‫املتعاقبة‪ ،‬وم ّرة أخرى باسم الحاجة إىل طأمنة من صاروا أقلّ ّية يف رؤوسهم قبل أن يصبحوا أقل ّية يف أعدادهم" ‪.‬‬

‫الصاع‬ ‫السلطة مختلفة‪ .‬فال يعود ّ‬ ‫ّائفي ستصبح قوانني الحكم وطريقة تداول ّ‬ ‫وإذا أخذنا املواطنة كبديل لل ّنظام الط ّ‬ ‫السياس ّية تع ّرض استقرارالوطن لالهتزاز‪ ،‬إذ تع ّمق‬ ‫طائف ًّيا عىل ّ‬ ‫أي من املراكز أو الوظائف العا ّمة‪ ،‬فالطّائف ّية ّ‬ ‫االنقسامات بني أفراد الوطن الواحد‪ .‬كام أنّها تتعارض مع حقوق اإلنسان‪ ،‬وتش ّجع عىل التّمييز وتحول دون تحقيق‬ ‫الحص مستن ًدا إىل توزيع‬ ‫العدالة واملساواة وتكافؤ الفرص بني املواطنني‪ ...‬وهذه ال ّنقطة يرشحها ال ّرئيس سليم‬ ‫ّ‬

‫ال ّرئاسات الثّالث‪" ،‬فعىل ال ّرغم من وجود مثاين عرشة طائفة يف لبنان‪ ،‬فإ ّن ثالث ًا منها فقط تُ ُؤ ّهل للوصول إىل إحدى‬ ‫ظل وجود مواطنة ودولة‬ ‫وزاري" ؛ ففي ّ‬ ‫ال ّرئاسات الثّالث األوىل فيام تؤ ّهل سبع منها فقط للحصول عىل مقعد‬ ‫ّ‬ ‫مدن ّية فإ ّن اختيار األشخاص يت ّم حسب كفاءتهم ال حسب طوائفهم ويفسح يف املجال لتوفّر فرص متساوية لل ّناس‬ ‫حتّى تنشط أكرث فأكرث‪.‬‬

‫والسياس ّية يف ال ّدولة اللّبنان ّية الحديثة يف ال ّنصوص التّأسيس ّية لل ّدولة‪ ،‬كام يف‬ ‫لقد تك ّرست الطّائف ّية املجتمع ّية ّ‬ ‫السلطة التّرشيع ّية أو املعرتف بها منها‪ .‬فقد منح ال ّدستور اللّبنا ّين الطّوائف ال ّدين ّية‬ ‫العديد من القوانني ّ‬ ‫الصادرة عن ّ‬

‫الخاصة‪ ،‬كام يف املشاركة يف الحكم‪ ،‬من دون أن يعني ذلك أ ّن هذه ال ّناحية ال ّدين ّية‬ ‫"الحق يف إدارة شؤونها‬ ‫كافّة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تسي‬ ‫املتحكّمة باملجتمع هي التي ّ‬ ‫_______________________‬

‫‪ .1‬طارق مرتي‪« :‬الصيغة اللبنانية واالنتقال من العيش املشرتك إىل العيش الواحد»‪.‬‬ ‫واقتصادي لبناين من مواليد بريوت‪ .‬درس يف الواليات املتّحدة ونال دكتوراة يف االقتصاد‪ .‬وكلّفه ال ّرئيس رسكيس بتشكيل‬ ‫الحص‪ )... -1930( :‬رجل دولة‬ ‫‪ .2‬سليم ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ ّول وزارة يف عهده يف ‪ 9‬كانون األول ‪ ،1976‬عرف عنه اهتاممه باإلدارة واالقتصاد‪ ...‬شارك يف مؤمترات القمة‪ ،‬وأسهم يف التقريب بني وجهات النظر اللبنانية يف‬ ‫الداخل‪ ،‬ووفق بني مواقف لبنان واملوقف العريب‪( .‬عبد الوهاب كيال وآخرون‪ :‬املوسوعة السياسية‪.)235 /3 .‬‬ ‫‪ .3‬سليم الحص‪ :‬نحن‪ ...‬والطائفية‪ .‬ص ‪.15‬‬


‫سياسيّة منهجيّة تتّبعها سلطة معيّنة يف سبيل تأمني قاعدة اجتامعيّة شعبيّة أو إثنيّة أو مذهبيّة تع ّزز مواقعها‬ ‫االسرتاتيجيّة وهو ما تعمد إليه األحزاب الطّائفيّة املؤدلجة يف لبنان لتكريس الطّائفيّة كحتميّة اجتامعيّة وتاريخيّة‬ ‫السياسيّة من حكومة وأحزاب ضعيفة‪ ،‬فالحكومة املركزيّة غري قادرة عىل فرض سيادتها عىل‬ ‫ال تر ّد‪،‬‬ ‫فاملؤسسات ّ‬ ‫ّ‬ ‫يايس اللّبنا ّين حول ال ّدولة‪ ،‬وإنّ ا حول املجتمع‪ .‬إنّها‬ ‫املجتمع‪ ،‬بل ال يكاد يكون لها وجود؛ إذ ال يتمحور الفكر ّ‬ ‫الس ّ‬

‫يايس‪ .‬يف‬ ‫إحدى‬ ‫ّ‬ ‫الخاصيّات الثّقافيّة للكيان اللّبنا ّين‪ ،‬التي جعلت ال ّدولة إطا ًرا لتعايش الطّوائف‪ ،‬عىل املستوى ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫السياسة يف لبنان هي حركة من املجتمع نحو ال ّدولة‪ ،‬ال من ال ّدولة نحو املجتمع‪.‬‬ ‫السياق ميكن القول‪ ،‬أ ّن ّ‬ ‫إطار هذا ّ‬

‫طائفي تع ّد من أعقد األمور ال سيّام يف ال ّدول التي تشهد تن ّو ًعا عرقيًّا ودينيًّا‬ ‫ومعالجة مفهوم املواطنة يف مجتمع‬ ‫ّ‬ ‫ومذهبيًّا كلبنان‪ ،‬فالطّائفيّة يف لبنان "ليست انتامء دينيًّا عاديًّا كام عرفتها بعض املجتمعات‪ ،‬بل سياسة مربمجة‪،‬‬ ‫تعتمدها الطّبقات املسيطرة لدميومة سيطرتها الطّبقيّة عىل حساب ال ّدين والثّقافة والحضارة واإلنسان كإنسان" ‪.‬‬

‫السائد عن الطّائفيّة فيها يع ّد مكمن الفساد‪ ،‬ألنّه يك ّرس مفهوم أ ّن الطّائفية داخل ال ّدولة هي انعكاس‬ ‫فالتّص ّور ّ‬ ‫للطّائفيّة داخل املجتمع‪ ،‬وعىل األفراد القبول بالتّعايش داخل ال ّدولة مع مامرسات طائفيّة عديدة‪ ،‬يقول ميشال‬

‫شيحا‪" :‬الطائفيّة يف لبنان ّ‬ ‫واالجتامعي املنصف ألقليات طائفيّة‬ ‫يايس‬ ‫تدل عىل يشء آخر‪ .‬فهي ضامن التّمثيل ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫ّ‬ ‫متشاركة ‪ ....‬تبدو الوضعيّة الطّائفيّة يف لبنان طبيعيّة ومرشوعة‪ .‬لبنان مك ّون من أقليّات طائفيّة متشاركة‪ .‬هذه‬ ‫مم أ ّدى مع مرور‬ ‫ّائفي أل ّن لبنان كان‪ ،‬عىل ال ّدوام‪ ،‬مالذ حريّة ّ‬ ‫الضمري" ‪ّ .‬‬ ‫األقليّات تربز لل ّناظر تحت العنوان الط ّ‬ ‫الوقت إىل رشعنة قيام ال ّدولة الطّائفيّة نفسها‪ ،‬بوصفها حتميّة اجتامعيّة أو تعب ًريا عن خصوصيّة محلّيّة ال ميكن‬ ‫للسلطة ّ‬ ‫والثوة املرتبطة بها‪.‬‬ ‫السري يف اتّجاه اقتسام غري عادل ّ‬ ‫تجاوزها‪ ،‬من دون ارتكاب مخاطر ّ‬

‫وساعد اللّبنانيّني توزّعهم الجغرا ّيف عىل تعميق االنعزاليّة يف نفوسهم‪ ،‬ورغبتهم يف البحث عن االندماج‪ ،‬فـ"إ ّن‬ ‫التّكتّالت الطّائفيّة يف لبنان‪ ،‬هي يف أعامقه ويف املايض مثلها يف الحارض متثّل بشكل من األشكال تكتّالت عائليّة قبليّة‪،‬‬ ‫والضاحية الجنوبيّة‬ ‫أي أنّها إحياء للقبائل البدويّة من األسالف" ‪ ،‬فقد تركّز معظم الشّ يعة يف الجنوب والبقاع ّ‬ ‫الس ّنة يف طرابلس‬ ‫لبريوت‪ ،‬وغالبيّة ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .1‬مهدي عامل‪ :‬يف الدولة الطائفية‪ .‬ص ‪.184‬‬ ‫السياسة ال ّداخل ّية‪ .‬ص ‪.243‬‬ ‫‪ .2‬ميشال شيحا‪ :‬يف ّ‬ ‫‪ .3‬جواد بولس‪ :‬لبنان والبلدان املجاورة‪ .‬ص ‪.251‬‬


‫ومتثيل لإلدارة الشّ عب ّية" ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غري طائف ّية مر ّخص لها‪ ،‬وبذلك إصدار قانون لالنتخابات يكون أكرث عدالة‬

‫الحق والقانون‪،‬‬ ‫هذه الحكومات واملعطيات أفرزت حكومات تخلّت عن مسؤول ّياتها يف بناء دولة حديثة قوامها ّ‬ ‫السلطة بني نخب الطّوائف‪ ،‬فاملواطنة والطّائف ّية مفردتان شائعتان شيوع قاموس‬ ‫وأصبح دورها مقسو ًما يف تقاسم ّ‬ ‫األزمات يف الثّقافة التّاريخ ّية اللّبنان ّية‪ ،‬إنّهام مفردتان تتع ّديان اللّفظ العارض لتغدوا حقيقة مركّبة تؤ ّرخ ملا انرصم‬ ‫كل حني‪" .‬فمنذ قيام‬ ‫تؤسس لحارض ومستقبل وطن ما فتئ أبناؤه يختربون أساسات نشوءه ّ‬ ‫من تاريخ لبنان‪ ،‬مثلام ّ‬

‫فأي مسعى لنزع ظاهرة الطّائف ّية من هذا البلد يعني منطق ًّيا إنهاء‬ ‫لبنان كدولة كانت الطّائف ّية أساس هذا الكيان‪ّ ،‬‬ ‫يشء اسمه لبنان" ‪.‬‬

‫املجتمعي الذي كانت تتع ّمق‬ ‫يايس يف لبنان مل تلتفت إىل الواقع‬ ‫هذا‪ ،‬وإ ّن الطّروحات التي تناولت إصالح ال ّنظام ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫ّ‬

‫فيه الطّائف ّية املجتمع ّية يو ًما بعد يوم‪ .‬فالطّائف ّية املجتمع ّية ليست ظاهرة مرحل ّية قابلة لل ّزوال‪ .‬بل إ ّن واقع‬ ‫ألي‬ ‫ّائفي يف لبنان ظاهرة هيكل ّية‪ .‬وليس ّ‬ ‫تط ّورها يف لبنان‪ ،‬ال يبدو متالمئًا أب ًدا مع مقولة اضمحاللها‪" .‬فالوضع الط ّ‬ ‫يغيها" ‪.‬‬ ‫يغيها أو ّأل ّ‬ ‫يغي فيها شيئًا‪ .‬لل ّزمن وحده أن ّ‬ ‫نوع من أنواع العنف أن ّ‬

‫كل ما يعيشه لبنان اليوم‪ ،‬ويف وقت ينعدم فيه التّوافق حول طرح بديل‪ ،‬يبقى الطّرح القائل بالحفاظ عىل‬ ‫ظل ّ‬ ‫ويف ّ‬ ‫السياس ّية ترتبط بوجود توافق‬ ‫ّائفي القائم‪ ،‬الطّرح األكرث واقع ّية‪ .‬وتبقى بنظرنا إمكان ّية إلغاء الطّائف ّية ّ‬ ‫ال ّنظام الط ّ‬ ‫لبنا ّين حول صيغة بديلة‪ ،‬كام ترتبط مبعالجة مجموعة من اإلشكال ّيات التي تفرتض إجابات واقع ّية قبل ال ّدخول‬ ‫السياس ّية ‪.‬‬ ‫عمل ًّيا مبرشوع إلغاء الطّائف ّية ّ‬ ‫ثالثًا‪ -‬الطّائف ّية يف املجتمع اللّبناين‬

‫أيضا اسرتاتيج ّية‬ ‫السياس ّية هي ليست مج ّرد شعور عدا ّيئ لألفراد من طائفة نحو طائفة أخرى‪ ،‬بل هي ً‬ ‫الطّائف ّية ّ‬ ‫السلطة‪ ،‬أو‬ ‫السياس ّية يف التّنافس عىل ّ‬ ‫موازية تستخدمها بعض فئات ال ّنخب ّ‬

‫_______________________‬ ‫‪ .1‬بشري اسكندر‪ :‬الطائفية يف لبنان إىل متى‪ .‬ص ‪.57‬‬ ‫‪ .2‬مح ّمد زريق‪« :‬لبنان بني املواطنة والطائفية»‪.‬‬ ‫السياسة ال ّداخليّة‪ .‬ص ‪.218‬‬ ‫‪ .3‬ميشال شيحا‪ :‬يف ّ‬


‫يايس الذي منع حتّى اللّحظة بناء دولة قويّة قادرة عىل ضبط األمن وإسكات املتالعبني من ال ّداخل والخارج‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫الخامتة‬

‫نتبي من خالل ما سبق أ ّن اللّبنان ّيني يعاملون بوصفهم أعضاء يف طوائف تتمتّع بحقوق سياس ّية مختلفة ومتفاوتة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫طائفي‪ ،‬كذلك فإ ّن قانون االنتخاب‬ ‫والسياس ّية يخضع لتوزيع‬ ‫ذلك أ ّن الوصول إىل الوظائف العا ّمة واإلداريّة ّ‬ ‫ّ‬ ‫املوضوع لتنظيم توزيع مقاعد املجلس ال ّنيا ّيب بني مختلف الطّوائف‪ -‬يجعل هذه األخرية وسائط إلزام ّية بني‬‫يايس‪ ،‬ويؤ ّدي هذا األمر إىل إعادة إنتاج العالقات التّقليديّة عىل‬ ‫املواطن الفرد وبني املجتمع وال ّدولة وال ّنظام ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫حساب الفرد واملواطن ّية‪ .‬هنا ال ب ّد من القول إنّه يجب عىل اللّبنان ّيني الخروج من مزارعهم الطّائف ّية وتداعياتها‬

‫الوطني‪ ،‬والعمل لبناء ال ّدولة‪ ،‬ال ّدولة املدن ّية الحديثة‪ ،‬دولة املواطن ّية الحقوق ّية ال‬ ‫السلب ّية عىل الهويّة واالنتامء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصياح‪ ،‬بأن يكون متثيلها‪ ،‬يف بعض‬ ‫الفدرال ّية الطّائف ّية الهجينة‪ ،‬و"سيكون لزا ًما عىل ّ‬ ‫كل طائفة القبول‪ ،‬دون كثري من ّ‬ ‫األحيان‪ ،‬أدىن من حجمها‪ .‬ويكون التّعويض جعل متثيلها أكرب من حجمها يف أحيان أخرى" ‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫السياسة ال ّداخل ّية‪ .‬ص ‪.69‬‬ ‫‪ .1‬ميشال شيحا‪ :‬يف ّ‬


‫وبريوت وإقليم الخ ّروب ومنطقة العرقوب‪ ،‬وغالبيّة ال ّروم الكاثوليك واألرمن يف مدينة زحلة‪ ،‬واملوارنة يف كرسوان‬

‫السكّاين‪ّ ،‬إل أ ّن التّوزّع الجغرا ّيف‬ ‫وبريوت ّ‬ ‫الشقيّة‪ ،‬وال ّدروز يف الشّ وف ووادي التّيم؛ وعىل ال ّرغم من بعض التّداخل ّ‬ ‫ّائفي يبقى واض ًحا‪ ،‬فإ ّن حياة اللّبنانيّني "ال تستقيم إلّ يف نطاق الطّائفة وبظلّها" ؛ مع العلم أ ّن عمليّة تكوين‬ ‫الط ّ‬ ‫املواطنة الحقيقيّة يف مجتمع متع ّدد‪ ،‬تبدأ من إيجاد صيغة ثقافيّة وتربويّة قامئة عىل أسس فلسفيّة إنسانيّة تؤ ّدي‬ ‫متس بالح ّريّات‬ ‫إىل صهر الطّوائف يف بوتقة الوطن الواحد‪ ،‬من دون أن تلغي دور األديان يف حياة األفراد‪ ،‬أو أن ّ‬ ‫الفرديّة لألشخاص‪.‬‬ ‫يني والثّقا ّيف لبنان بل ًدا مفتو ًحا عىل ال ّنزاعات ال ّداخليّة والتّد ّخالت الخارجيّة والحروب التي مل‬ ‫لقد جعل التّع ّدد ال ّد ّ‬ ‫طائفي مغلّف بال ّدميقراطيّة‪ ،‬وهذا األمر أسهم يف إشعال الحرب األهليّة وتقسيم لبنان إىل‬ ‫تنت ِه فصولها‪ ،‬فـلبنان بلد‬ ‫ّ‬ ‫أرضا خصبة للفنت وال ّنزاعات"‪.‬‬ ‫مناطق أو دول منعزلة طائفيّة ضمن ال ّدولة الواحدة‪ .‬األمر الذي جعل لبنان ً‬

‫وهنا نقول إنّه ال ب ّد لل ّدولة من "ات ّخاذ إجراءات جذريّة يف املعالجة لتذليل هذه املعوقات‪ ،‬ال سيّام يف سعيها إىل‬

‫وخصوصا‬ ‫ّائفي من ال ّنفوس‪،‬‬ ‫تحقيق عمليّات االنتامء واالنصهار‬ ‫ً‬ ‫الوطني للمواطنني‪ ،‬والتي تلغي تلقائيًّا ال ّنظام الط ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّائفي من الحلبة‬ ‫تعزيز ال ّرقابة عىل املدارس" ‪ ،‬فيع ّد ال ّنموذج اللّبنا ّين من ال ّنامذج القليلة‪ ،‬التي انتقل فيها ّ‬ ‫الصاع الط ّ‬

‫عليمي‪ ،‬تحت سمع الحكومة وبرصها‪ ،‬إذ تختلف فلسفات التّعليم ونظمه باختالف الطّوائف‪،‬‬ ‫السياسيّة إىل املجال التّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل املدارس اللّبنانيّة ال ّرسميّة‬ ‫التبية الوطنيّة) يف ّ‬ ‫حتّى ليكاد يصعب العثور عىل كتاب مو ّحد (باستثناء كتاب ّ‬ ‫والخاصة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والسبعينيّات جعال الحرب األهليّة يف لبنان‬ ‫الستّينيّات ّ‬ ‫إ ّن تركيب املجتمع اللّبنا ّين والتّط ّورات التي شهدها خالل ّ‬ ‫السياسيّني‪ .‬تبدو الذّاكرة الجامعيّة اللّبنانيّة مثقلة‬ ‫التي استنفدت موارد الشّ عب أم ًرا وار ًدا يف حسبان املحلّلني ّ‬ ‫دموي‪ ،‬بد ًءا بالفتنة املذهبيّة العام ‪1860‬م مرو ًرا بالحرب األهليّة عام‬ ‫بالتّع ّرجات لكرثة ما يحويه تاريخها من عنف‬ ‫ّ‬

‫‪1975‬م‪ ،‬وصولً إىل الحروب الكامنة التي ما برحت حتى اللّحظة قادرة عىل إعادة أمراء الطّوائف إىل معسكر‬ ‫االقتتال‪ ،‬وسط الجنون‬

‫_______________________‬ ‫‪ .1‬إدمون رباط‪ :‬القانون ال ّدستوري اللّبنا ّين‪ .‬ص ‪.275‬‬ ‫‪ .2‬بشري اسكندر‪ :‬الطّائفيّة يف لبنان إىل متى‪ .‬ص ‪.56‬‬


‫ رفيق الحريري‪" :‬جلسة الثقة الحكومية"‪ .‬جريدة اللواء‪ 10- ،‬ت‪1992 1-‬م‪.‬‬‫‪ -‬محمد محي شمس ال ّدين‪ :‬العلامنيّة‪ .‬بريوت‪ ،‬املؤسسة الدولية للدراسات والنرش‪ ،‬ط‪1996 ،1‬م‪.‬‬

‫ طارق مرتي‪" :‬الصيغة اللبنانية واالنتقال من العيش املشرتك إىل العيش الواحد"‪ .‬جريدة الحياة‪ 13 ،‬أغسطس‬‫‪.2015‬‬ ‫املؤسسة العربيّة لل ّدراسات وال ّنرش‪ ،‬ال ط‪ ،‬ال تا‪.‬‬ ‫السياسيّة‪ .‬بريوت‪ّ ،‬‬ ‫ عبد الو ّهاب الكيايل وآخرون‪ :‬املوسوعة ّ‬‫ سليم الحص‪ :‬نحن‪ ...‬والطائفية‪ .‬بريوت‪ ،‬رشكة املطبوعات للتوزيع والنرش‪ ،‬ط‪2003 ،1‬م‪.‬‬‫ مق ّدمة ال ّدستور اللّبناين‪ :‬فقرة د‪.‬‬‫السياسيّة وال ّدستور اللّبنا ّين‪ .‬بريوت‪ ،‬ال ّدار الجامعية‪ ،‬ط‪1973 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬محسن خليل‪ :‬ال ّنظم ّ‬

‫ أحمد رسحال‪ :‬النظم السياسية والدستورية يف لبنان والدول العربية‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الباحث‪ ،‬ط‪1980 ،1‬م‪.‬‬‫ رياض الصمد‪ ،‬سمري صباغ‪ :‬العملية االنتخابية يف لبنان‪ .‬بريوت‪ ،‬املؤسسة الجامعية للدراسات‪1978 ،‬م‪.‬‬‫ بشري اسكندر‪ :‬الطائفية يف لبنان إىل متى‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة مجد‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬‫ مح ّمد زريق‪" :‬لبنان بني املواطنة والطائفية"‪ .‬جريدة ال ّنهار‪ 5 ،‬حزيران ‪.2017‬‬‫ مهدي عامل‪ :‬يف الدولة الطائفية‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الفارايب‪1989 ،‬م‪.‬‬‫ جواد بولس‪ :‬لبنان والبلدان املجاورة‪ .‬بريوت‪ ،‬مؤسسة بدران‪1973 ،‬م‪.‬‬‫‪ -‬إدمون رباط‪ :‬القانون ال ّدستوري اللّبنا ّين‪ .‬بريوت‪ ،‬دار العلم للماليني‪1966 ،‬م‪.‬‬


‫• ‬

‫املصادر واملراجع‬ ‫ ال ّزركيل‪ ،‬خري ال ّدين‪ :‬األعالم‪ .‬بريوت‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪ ،2‬ال تا‪.‬‬‫ ابن منظور (مح ّمد بن مكرم)‪ :‬لسان العرب ‪ .‬بريوت – لبنان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪.‬‬‫ مح ّمد العدناين‪ :‬معجم األغالط اللّغويّة املعارصة‪ .‬بريوت‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬ط‪1984 ،1‬م‪.‬‬‫‪ -‬الفريوز أبادي (مح ّمد بن يعقوب)‪ :‬القاموس املحيط‪ .‬بريوت‪-‬لبنان‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬الط‪ ،‬التا‪.‬‬

‫ ميشل مان‪ :‬موسوعة العلوم االجتامع ّية‪ .‬تعريب عادل الهواري‪ -‬سعد مصلوح‪ ،‬الكويت‪ ،‬مكتبة الفالح‪ ،‬ط‪،1‬‬‫‪1404‬هـ‪-1984‬م‪.‬‬ ‫مؤسسة أعامل املوسوعة لل ّنرش والتّوزيع‪ ،‬ط‪1996 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬املوسوعة العرب ّية العامل ّية‪ .‬ال ّرياض‪ّ ،‬‬

‫ سعيد عبد الحافظ‪" :‬املواطنة حقوق وواجبات"‪ .‬مركز ماعت لل ّدراسات الحقوق ّية‪wwww.maatpeace.org .‬‬‫‪ -‬عاطف غيث‪ :‬قاموس علم االجتامع‪ .‬القاهرة‪ ،‬الهيئة املرصيّة للكتاب‪1979 ،‬م‪.‬‬

‫التبويّة‬ ‫ هالل فتحي وآخرون‪ :‬تنمية املواطن لدى طلبة املرحلة الثّانويّة بدولة الكويت‪ .‬الكويت‪ ،‬مركز البحوث ّ‬‫التبية‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫واملناهج بوزارة ّ‬ ‫ حسني ضناوي‪ :‬شهادات للحرية والتغيري‪ .‬ال دار‪ ،‬ط‪2006 ،1‬م‪.‬‬‫الشق ّية‪ ،‬ط‪1984 ،2‬م‪.‬‬ ‫ مسعود ضاهر‪ :‬لبنان االستقالل الصيغة وامليثاق‪ .‬بريوت‪ ،‬دار املطبوعات ّ‬‫السياسة ال ّداخل ّية‪ .‬بريوت‪ ،‬دار ال ّنهار‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬ميشال شيحا‪ :‬يف ّ‬

‫ستوري يف لبنان‪ .‬بريوت‪ ،‬ال ّدار الجامع ّية لل ّنرش والتّوزيع‪ ،‬ط‪1992 ،1‬م‪.‬‬ ‫ محسن خليل‪ :‬الطّائف ّية وال ّنظام ال ّد‬‫ّ‬ ‫دي‪ .‬بريوت‪ ،‬منشورات املجلس ال ّدستوري‪ ،‬ال ط‪2009 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬عقل عقل‪ :‬العدالة ال ّدستوريّة واملجتمع التّع ّد ّ‬

‫ أحمد رسحال‪ :‬النظم السياسية والدستورية يف لبنان والدول العربية‪ .‬بريوت‪ ،‬دار الباحث‪ ،‬ط‪1980 ،1‬م‪.‬‬‫ رشيد شقري وآخرون‪ :‬الطائفية والدميقراطية يف لبنان الواقع واملمكن يف املامرسة الدميقراطية اللبنانية‪ .‬بريوت‪،‬‬‫مؤسسة فردريتش إبرت‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫السفري‪2010 – 7 24- ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬سميح دغيم‪" :‬مفهوم ال ّدولة املدن ّية"‪ .‬جريدة ّ‬

‫‪ -‬كامل صليبي‪ :‬تاريخ لبنان الحديث‪ .‬بريوت‪ ،‬دار النهار للنرش‪ ،‬ط‪1978 ،4‬م‪.‬‬


‫لقد انتمى هؤالء الشعراء إىل إنسانية خاصة بهم جعلتهم يف موقع الفرادة يف هذه التجربة عىل الرغم مام اعرتاها‬ ‫من ُع ٍ‬ ‫نف وما شابها من ٍ‬ ‫قصص وروايات لكن األساس يف سريتهم رفضهم الخضوع لسلطة القبيلة والتمرد عليها‪ .‬لقد‬ ‫تناول أدونيس هذا األمر يف كتابه كالم البدايات حني تط ّرق إىل تجربة عروة بن الورد‪" :‬فالعامل الشعري الذي يخلقه‬ ‫لنا عروة يف قصائده هو عامل االحتفاء باإلنسان واملعاناة يف سبيل تحقيق هذا االحتفاء‪ .‬إنه عامل املشاركة اإلنسانية‪.‬‬

‫وقد ح ّول حياته إىل كفاح من أجل تحقيق هذه املشاركة‪ ،‬وكان هذا الكفاح يكتيس طابعاً متردياً(‪ ،)1‬مبعنى أنه كان‬ ‫يستغل اإلنسان ويستهني به"(‪.)2‬‬ ‫ّ‬ ‫كفاحاً ضد الراهن الجائر الذي‬

‫بالعودة إىل موضوع البحث «االستعارة وصور ال َو ْحشَ ة واملوت يف شعر الصعاليك» سأقف عند تجسيد املج ّرد‬ ‫بالحس والقدرة عىل التأثري يف نفس املتلقي‪ ،‬ثم أستعرض بعض النامذج الشعرية وكيف ق ّدمت لنا انفعاالتهم‬ ‫ّ‬ ‫وتجاوزوا من خاللها اللغة املعجمية إىل اللغة اإليحائية‪ ،‬وتحديدا ً يف صور املوت الذي تحدثوا عنه بكرثة يف معجمهم‬

‫اللغوي وعالقة ذلك بحياة ال َو ْحشَ ة التي قادت إىل التوحش يف التعبري عن السلوك للشاعر الصعلوك الذي عاش‬ ‫ويجسد لنا‬ ‫طريدا ً يف الرباري يبث الطبيعة نجواه ويصارع الضواري ويجعل من املت َخيل واقعاً يحاوره ويخاطبه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عبت عن آالمهم‬ ‫االتجاه النفيس الذي حكم هؤالء الشعراء فجاءت رؤيتهم متاميزة لها نكهة خاصة بهم وحدهم ّ‬ ‫وآمالهم‪.‬‬ ‫وإذا كانت التجربة الشعورية انفعالية‪ ،‬فاالنتقال ال يُرسم إال بالصورة‪ ،‬التي هي جوهر الشعر وبناؤه الذي يشكله‬ ‫الشاعر من صور جزئية تتضافر فيام بينها لتشكل الصورة الكلية‪.‬‬ ‫‪ - 1‬البنية االستعارية التجسيدية‪:‬‬ ‫ينطلق الشاعر من خاللها ليضفي عىل الجامدات أو الكائنات األخرى الصفات اإلنسانية «هي البنية القامئة عىل‬ ‫الصفات اإلنسانية عىل كل املحسوسات املادية واألشياء املعنوية والظواهر الطبيعية واالنفعاالت الوجدانية‪ ،‬وبث‬ ‫الحياة فيها التي قد ترتقي فتصبح حياة إنسانية تهب لهذه األشياء عواطف آدمية وخلجات إنسانية" (‪ ،)3‬وتضحي‬ ‫الصورة يف روح األشياء ذاتها بعيدا ً عن العقل "وهنا تصبح الصورة الشعرية وسيلة شعورية مهمة غايتها التعبري عن‬ ‫األشياء واالرتقاء بها إىل مرتبة اإلنسان مستعرية صفاته ومشاعره"(‪ ،)4‬وهي مبنية عىل أساس «تعليق العبارة عىل‬ ‫تغي طبيعته ومنطه وتنتقل به‬ ‫تغي املعنى بل ّ‬ ‫غري ما وضعت له يف أصل اللغة عىل جهة النقل لإلبانة"(‪ )5‬فهي ال ّ‬

‫يعب عن تفاعل الذات الشاعرة مع موضوعها(‪ ،)6‬ومحورها يكمن يف تجاوز‬ ‫من معنى مفهومي إىل معنى انفعايل ّ‬ ‫اللغة الداللية إىل اللغة اإليحائية‪ ،‬من خالل "ألفاظ ال تقصد لذاتها وإمنا ملعانٍ ودالالت نستشفها من خالل وجودها‬ ‫يف السياق مرتبطة مبا تقتيض أحكام النظم واملعاين النحوية"(‪.)7‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫أدب‬

‫ح َ‬ ‫شة والموت‬ ‫االستعارة وصورة ال َو ْ‬ ‫في شعر الصعاليك‬

‫د‪ .‬رامز يزبك‬

‫املقدّ مة‬ ‫لقد زخرت كتب الرتاث بنتاج الشعراء الصعاليك وتجربتهم الشعرية‪ ،‬وتعددت األبحاث التي حلّلت ورشحت‬ ‫ورصدت ذلك النتاج الشعري بصفته ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل‪ .‬واملتتبع لهذا املوضوع يجد مجموعة من‬ ‫الكتب التي تناولت شعرهم‪ .‬كتاب "تاريخ األدب العريب" لشوقي ضيف‪ ،‬و"تاريخ الشعر السيايس» "ألحمد الشايب"‬ ‫و"تاريخ اآلداب العربية» لكارلو ناليو‪ ،‬و«وكالم البدايات" ألدونيس‪.‬‬ ‫إن شعر الصعاليك مصدر ثري للتجارب الواقعية يف العرص الجاهيل وصدر اإلسالم والعرص األموي‪ ،‬فشعرهم مرآة‬ ‫تعكس حياتهم‪ ،‬وتكشف لنا عن عمق التجربة الشعرية‪ ،‬فالشاعر منهم يستعني بإمكانات اللغة وطاقاتها التعبريية‪،‬‬ ‫ليشكل صورا ً تفيض بالخيال الخصب‪ ،‬وبالتايل فالصورة تكون مبثابة االرتكاز األسايس يف بناء القصيدة‪ ،‬يستطيع‬ ‫قضيتي ال َو ْحشَ ة واملوت يف شعر‬ ‫الشاعر من خاللها إظهار ذاته وقدراته الفنيّة‪ .‬سأحاول يف هذا البحث أن أركز عىل‬ ‫ْ‬ ‫الصعاليك معتمدا ً عىل الصورة االستعارية وأثرها يف إخراج التجربة الوجدانية وتجسيد الشحنات العاطفية‪.‬‬

‫ال يخفى عىل املتتبع لتجربة الصعاليك الشعرية كيف خرجوا عىل سلطة القبيلة وعاشوا الترشد يف الفيايف والقفار‪،‬‬ ‫بعيدا ً عن أي سلطة‪ ،‬ومارسوا القتل والفتك والسلب‪ .‬يعني ذلك أنهم اتخذوا القرار بالثورة والتم ّرد ولجأوا إىل‬ ‫الطبيعة وعاشوا ال َوحشة والتوحش‪.‬‬

‫والسيف غري أن املفارقة تكمن يف التجربة‬ ‫رأوا املوت بأعينهم مرارا ً وتكرارا ً وانتموا إىل القساوة معتمدين عىل القّوة ّ‬ ‫عبت عن رؤيتهم وقدموا من خاللها أنفسهم إىل العامل‪ .‬إنهم فرسان‬ ‫اإلنسانية املتجسدة يف التجربة الشعرية التي ّ‬ ‫متمردون وشعراء فاتكون‪ ،‬اعتمدوا القوة وحياة العزلة ومتيزوا بالرسعة الفائقة يف تنفيذ غاراتهم عىل القوافل‬ ‫واملسافرين ومن األمثلة عىل ذلك ما قاله الشنفرى‪:‬‬ ‫الص َّوانُ ال َقى َم َن ِ‬ ‫اس ِمي تَطَايَ َر منهُ َقا ِد ٌح و ُم َفل َُّل‬ ‫إذا األ ْمع ُر َّ‬

‫إن هذه الصورة التي ق ّدمها لنا الشاعر تظهر مدى الرسعة يف الجري حيث إنه يجري عىل الصوان ويقدح الرشر‬ ‫املتطاير من قدميه‪.‬‬


‫إن توظيف البنية التجسيدية يف الصورة االستعارية تقوم أحياناً بالكشف عن نفسية الشاعر املأزومة‪ ،‬إذ تحتم عليه‬ ‫جوا ً من الالوعي‪ ،‬وعدم إدراك ما يعرتيه من إحساسات مؤملة‪ ،‬لذلك يعمد إىل هذه الصورة ويقدمها لنا يف إطار‬ ‫تجسيدي لنتفاعل معه ونتخيل مقدار التجربة القاسية التي يعانيها يف حياته‪.‬‬ ‫يحس تعاطفاً بني الكائنات‪،‬‬ ‫إ ّن إدراك الصعلوك عامله الواسع ك ّون لديه رؤيته الخاصة‪ ،‬التي يستطيع من خاللها أن ّ‬

‫ويدرك الوحدة بني أجزائها‪ ،‬وهو يلجأ إىل التجسيد من أجل إبراز أحاسيسه وانفعاالته ومواقفه‪ ،‬ولعل تأبط رشا ً‬ ‫ص ّور لنا ذلك وهو يصف شجاعته وقوة سيفه بقوله‪:‬‬ ‫َقلِ ُيل ال َّتشَ ِّك لِلْ ُمه ِّم ُي ِصي ُبهُ‬

‫كَ ِث ُري الْ َه َوى شَ َّتى ال َّن َوى َوالْ َم َسالِ ِك‬

‫َيظَ ُّل بِ َ ْو َماة ٍ َو ُيْ ِس ِبغ ْ ِ‬ ‫َي َها‬

‫ِ‬ ‫املهالك‬ ‫َجحيشاً و َيع َر ْورِى ظهو َر‬

‫و َي ْسب ُِق َو ْفدَ ال ِّري ِح من ُ‬ ‫حيث ينت َحي‬ ‫إذا خ َ‬ ‫َاط َع ْي َن ْي ِه كَرى ال َّن ْو ِم ل َْم َي َز ْل‬ ‫إ َذا َه َّز ُه ِف َعظْ ِم َق ْرنٍ تَ َهلَّل َْت‬ ‫يس و َي ْه َت ِدي‬ ‫َي َرى الْ َو ْحشَ ة َ األُن َْس األَنِ َ‬

‫مبُن َخ َرقٍ من شَ دِّ ِه املتدار ِ​ِك‬ ‫لَهُ كَالِ ٌئ ِم ْن َقل ِْب شَ ْي َحانَ َفاتِ ِك‬ ‫نواج ُذ أفوا ِه امل َنايا الضَّ وا ِح ِك‬ ‫وم الشَّ َواب ِ​ِك(‪)11‬‬ ‫ِب َح ْي ُث أ ْهتَدَ ت أُ ُّم ال ُّن ُج ِ‬

‫يغي يف هوية األشياء‪ ،‬ويخرج عن النسق‬ ‫إن املتأمل يف هذه األبيات يستنتج بوضوح براعة الشاعر يف التجسيد وكيف ّ‬

‫املوضوعي‪ .‬لقد وضعنا الشاعر أمام ك ٍّم من االستعارات التي ق ّدمت لنا الصورة النمطية للشعراء الصعاليك‪ ،‬فهم‬ ‫الفرسان الشجعان األقوياء الذين ال يرهبون املوت وال يخشون ال َوحشة والوحدة يندفعون باتجاه املنايا غري آبهني‬ ‫باملصري الذي ينتظرهم إنه عاملهم الخاص غري املنطقي‪ ،‬فاإلنسان يألف املجتمعات وصحبة البرش والحياة الطبيعية‬

‫الهادئة‪ ،‬أما هؤالء الشعراء فنجدهم يندفعون وراء الغزو والقتال والتح ّدي والترشد يف أرجاء الصحراء املرتامية‬ ‫املعبة عن الواقع الذي ذكرناه‪.‬‬ ‫األطراف‪ ،‬وعندما يطلقون العنان الستعاراتهم تتبدى لنا الدالالت ّ‬


‫عب الجرحاين عن هذا املنحى‬ ‫إن شعرية الصورة‪ ،‬ومدى براعة خيال الشاعر يُقاسان بنجاحه يف بناء استعاراته وقد ّ‬ ‫فقال‪" :‬ومن الفضيلة الجامعة فيها أنها تربز هذا البيان أبدا ً يف صورة مستجدة‪ ،‬تزيد قدره نبالً وتوجب له الفضل‬

‫فضالً‪ ،‬وإنك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت بها فوائد جمة‪ ،‬حتّى تراها مكررة يف مواضع‪ ،‬ولها يف كل واحد من‬ ‫تلك املواقع شأن مفرد‪ ،‬ورشف منفرد‪ ،‬وفضيلة مرموقة وخالّبة"(‪.)8‬‬ ‫فضالً عن ذلك فإن لالستعارة قدرة عىل استيعاب التجارب الوجدانية وتجسيد الشحنات العاطفية وتحويل األشياء‬ ‫مجسمة فتنقلك إىل عامل الخيال والتأمل‪.‬‬ ‫املعنوية إىل صورة حسية ّ‬ ‫سوف أق ّدم بعض النامذج الشعرية لشعراء صعاليك للوقوف عىل جامليات االستعارة يف نتاجهم الشعري حيث‬ ‫اعتمدوا عىل ملكة التجسيد وجسموا الكائنات فخلعوا الحياة عىل ما ال حياة فيه‪ ،‬وجعلوا األمور املجردة شاخصة‬ ‫أمام األعني‪ ،‬وصار فاقد الحياة حياً متحركاً من خالل االستعارة ننفعل ونتفاعل معه‪ ،‬ولعل هذا ما أدى إىل وفرة‬ ‫مناذج االستعارة التشخيصية عند الصعاليك‪ ،‬ومنها رسم صورة للجوع وتجسيده كأنه إنسان دائن يطلب دينه عند‬ ‫الشنفرى وهو مياطله‪ ،‬فيذهل ويكف عن السؤال‪ ،‬كام يقول‪:‬‬ ‫يم ِمطَ َال ال ُجوعِ ح َّتى أُ ِميتُهُ‬ ‫أُ ِد ُ‬

‫ض ُب عنهُ ال ِّذكْ َر َصفْحاً‬ ‫فأذهل(‪)9‬‬ ‫ُ‬ ‫وأَ ْ ِ‬

‫انطالقاً من البيت الشعري نجد كيف ح ّول الشاعر (الجوع) إىل شخص مياطله وال يتجاوب معه‪ ،‬وبالتايل فإن‬ ‫ميل من الشاعر ويتخىل عن السؤال‪.‬‬ ‫(الجوع) الذي أعطاه الهوية اإلنسانية ّ‬ ‫ومن صور التجسيد قوله‪:‬‬ ‫ـذوب لُعابُـهُ‬ ‫ٍ‬ ‫ويوم ِمن الشِّ ْعـ َرى يَ ُ‬

‫أَفا ِعـيـ ِه فــي َرمضـائِـ ِه تَتملـ َم ُل(‪)10‬‬

‫يبي ش ّدة حرارة ذلك اليوم‪ ،‬فش ّبه ما قد يُرى من ش ّدة الح ّر بخيوط العنكبوت‪ ،‬وحذف‬ ‫أراد الشاعر يف هذا البيت أن ّ‬ ‫املشبه به وترك الزمة من لوازمه «لعابه» عىل سبيل االستعارة املكنية‪ ،‬وهي استعارة أضفت عىل املعنى زيادة مهمة‬ ‫جعلتنا نتخيل مدى حرارة الطقس يف ذلك اليوم وكيف أن الشاعر يتح ّدى قسوة الطبيعة‪.‬‬ ‫وبالعودة إىل لفظة (أفاعيه) الواردة يف البيت الشعري ال بد لنا من الوقوف ملياً عند دالالت اللفظة وأبعادها‬ ‫النفسية التي ترسم لنا صورة للشاعر الصعلوك‪ .‬ملاذا مل يستبدل لفظة (أفاعيه) بلفظة أخرى تشري إىل املعنى؟ من‬ ‫هنا نستحرض الواقع النفيس لهؤالء الشعراء‪ ،‬وكيف ربطوا بني الصورة الشعرية وذلك الواقع فاألفاعي بالنسبة‬ ‫لإلنسان رم ٌز من رموز الخطر وهي تحمل يف جوفها السم الزعاف والذي يؤدي بدوره إىل املوت والفناء‪.‬‬


‫إن الشعراء الصعاليك برعوا يف الحرب النفسية وسخروا تلك االستعارات للتعبري عن ماهيتهم وقدموا من خاللها‬ ‫صورة لخشونة العيش وشظف الحياة التي عاشوها‪ ،‬هم زرعوا يف قلوب من يفكر يف مالقاتهم الرعب والخوف‪ .‬مام‬ ‫ال شك فيه إ ّن يف ذلك لفتة بارعة من جانب هؤالء‪ .‬إنه نوع من كسب املعركة قبل وقوعها‪ ،‬ومن يريد أن يواجه‬ ‫هؤالء‪ ،‬أو يضع حدا ً لترصفاتهم يجب أن يفكر ملياً قبل اإلقدام عىل أي احتكاك أو مبارزة معهم‪ ،‬وهذا األمر يحسب‬ ‫جسد ذلك الشنفرى وهو يصور انتصاره‬ ‫للشعراء الصعاليك‪ ،‬وهم يف نهاية املطاف سينترصون عىل أعدائهم‪ ،‬وقد ّ‬ ‫عىل أعدائه بقوله‪:‬‬ ‫تَضْ َح ُك الضَّ ْب ُع لِ َق ْت َل ه َذ ْيلٍ‬ ‫تاق الطَّريِ تَهفو بِطاناً‬ ‫َو ِع ُ‬

‫هل‬ ‫يس َت ُّ‬ ‫وتَ َرى ال ِّذئ َْب لَها ْ‬ ‫تَ َت َخطَّا ُه ْم َف َم تَس ْتق ُِّّل (‪)13‬‬

‫لقد شكل الشاعر من البنية التجسيدية التي أعطى فيها (الضبع) صفة الضحك فأسند بذلك لها هوية إنسانية‪،‬‬ ‫فاإلنسان هو الذي يضحك وليس الضبع‪ ،‬غري يف ماهية األشياء وبدل يف الهويات‪ .‬إن هذه املشاهد الشعرية تستطيع‬ ‫عبت هذه الصورة التجسيدية عن شجاعة الصعلوك‬ ‫أن تنقلنا بيرس وبسهولة إىل عاملهم‪ ،‬عامل الفتك والبطش‪ .‬لقد ّ‬ ‫وبأسه يف االنتصار عىل أعدائه‪ ،‬وتحويل مشهد االنتصار إىل صورة تجسيدية تقرب املعنى يف ذهن املتلقي وترسخ‬ ‫فلسفة القوة التي آمن بها الشاعر الصعلوك‪ ،‬إن جاز التعبري‪ ،‬إضافة إىل وضعنا يف أجواء الحياة القاسية التي يألفها‬ ‫أو رمبا لنقل متاهى معها ووطن نفسه عىل القبول بها مكرهاً ألسباب أتينا عىل ذكرها يف املقدمة وأهمها مت ّرده عىل‬

‫نظام القبيلة وخروجه عىل املأثور التقليدي الذي حكم املجتمع العريب خصوصاً يف العرص الجاهيل فاستعان بالتجسيد‬ ‫االستعاري ليدلل عىل هويته معتمدا ً عنارص التشويق واإلثارة ونجد ذلك يف قوله تأبّط رشا ً‪:‬‬ ‫وأَ ْد َه َم قد ُج ُ‬ ‫بت جلبا َبهُ‬ ‫الص ْب ُح أَثْ َنا َء ُه‬ ‫َإل أَنْ َحدَ ا ُّ‬

‫ك َ​َم ا ْج َتا َب ِت الْكَا ِع ُب الْ َخ ْي َعالَ‬ ‫َو َم َّز َق جِ لْ َبا َبهُ األَلْ َيالَ(‪)14‬‬


‫إن تراكم االستعارات يف هذه األبيات وتع ّددها يف قوله‪( :‬ظهور املهالك وفد الريح‪ ،‬خاط عينيه كرى النوم‪ ،‬تهللت‬ ‫نواجذه‪ ،‬أفواه املنايا‪ ،‬الضواحك‪ ،‬يرى الوحشة) جعل النقّاد يضعونها يف باب االستعارات البديعية(‪ )12‬وقد‬ ‫أسهمت هذه االستعارات مع البنية التجسيدية يف قوله (ظهور املهالك وتهللت نواجذ أفواه املنايا) يف تشكيل‬ ‫مشهد استعاري جعل للدهر ظهرا ً وللموت نواجذ يضحك بها مستعريا ً لها هذه الصفات من اإلنسان ليح ّولها إىل‬

‫صورة مرئية متحركة‪ .‬لقد غري يف هوية األشياء وأسند للمنايا الزمة من لوازم اإلنسان وهي النواجذ فارتدت املنايا‬

‫بذلك هوية جديدة هي هوية اإلنسان واتخذت املنايا الهوية البرشية وهو بذلك خرج خروجاً كلياً من النسق‬ ‫املوضوعي إىل النسق الفني الفكري وجعل الصورة ترسخ يف ذهن املتلقي الذي اتخذ من الخيال وسيلة من أجل‬ ‫تفكيك الصورة والتمعن يف أبعادها‪ ،‬كذلك قدم لنا الشاعر صورة واضحة عن البعد النفيس الذي خضع له الشاعر‬ ‫الصعلوك يف تلك التجربة التي عاشها‪.‬‬ ‫إن تكرار هذه االستعارة يف أكرث من موضع عمل عىل تعميق الداللة اإليحائية‪ ،‬وبهذا فإن كل بيت له قوته األدبية‬ ‫والتعبريية بوصفه جزءا ً فعاالً ومتالحامً مع األجزاء األخرى يف تكوين بنية كلية تنظيم أجزاء النص كله ضمن بناء‬ ‫فعال قادر عىل توصيل املعنى إىل املتلقي‪ .‬إنه الشجاع الصبور الذي ال يشكو كثريا ً‪ ،‬موطنه املفازة التي يعيش فيها‬ ‫دون أن يأبه باملوت أو يخشاه لش ّدة حامسته وجرأته ويشري يف األبيات إىل رسعة عدوه فهو يسبق الريح بعد ٍو‬ ‫رسيع ومتالحق وإذا خاط الكرى عينيه فإن قلبه مستيقظ‪ .‬وانظر كيف ح ّول الكرى إىل إنسان يخيط ويعطيه‬

‫(النوم الخفيف) وظيفة إنسانية ويستمر يف تبديل هوية األشياء ليحولها إىل إنسان يحس ويشعر ويعمل‪ .‬وكل‬ ‫ذلك من أجل ترسيخ الصورة التي أراد إيصالها إلينا وجعلنا نشعر به ونلمس عمق املعاناة التي يحياها الشاعر‬

‫الصعلوك يف تلك الرباري املوحشة ومع ذلك فهو قليل التشيك‪.‬‬ ‫ونرى وظيفة أخرى أراد الشاعر إثباتها انطالقاً من هذه االستعارات التجسيدية‪ ،‬وهي صورة القوة التي ق ّدمت‬ ‫لكل من الدهر واملوت‪ ،‬لغرض زرع الخوف والرهبة يف أعدائه واملرتبصني به كنوع‬ ‫ظالالً موحية ومؤثرة ومجسدة ّ‬ ‫من إبراز القوة وعرض الشجاعة وترسيخها يف شخص الصعلوك‪ ،‬وهذا مؤداه أن كل من يفكر مبنازلته ال ب ّد أن‬ ‫مصريه سيكون املوت املحتوم‪ .‬إن هذه الصورة تجسدت يف الفعل (تهللت) وقد وفق الشاعر يف استخدام هذا‬ ‫الفعل حيث أ ّدى وظيفته التعبريية خصوصاً مع املسند إليه (نواجذه) لقد رسم لنا هذا التعبري صورة واضحة‬ ‫للشاعر الفارس املحارب الذي ال ينازل إالّ من مياثله قوة وشجاعة وإن نهاية املبارزة محسومة يف نهاية املطاف‬ ‫حيث ستكون الغلبة للشاعر الصعلوك واملوت ينتظر عدوه‪.‬‬


‫وإذا تناولنا منوذجاً آخر من شعر تأبط رشا ً‪ ،‬نجده يرسم لنا من خالله لوحة تعرب عن القسوة والتوحش‪:‬‬ ‫أص َب ْح ُت َوالْغ ُ‬ ‫ُول ِل َجا َر ٌة‬ ‫َف ْ‬

‫َف َيا َجا َرتَا أَن ِْت َما أَ ْه َوالَ!‬

‫َوطَالَ ْب ُت َها ُبضْ َع َها َفالْ َت َو ْت‬

‫اس َت ْغ َوالَ‬ ‫ِب َو ْج ٍه تَ َه َّو َل َف ْ‬

‫ك تَ َر ْي‬ ‫َف ُقل ُْت لَ َها َيا انْظُرِي َ ْ‬

‫َف َول َّْت َفكُ ْن ُت لَ َها أَغْوالَ(‪)18‬‬

‫إن حياة ال َو ْحشَ ة التي يعيشها الشاعر الصعلوك جعلته يخربنا بأن الغول قد أصبحت جارة له‪ .‬إ ّن املتمعن يف هذه‬ ‫األبيات يلمس قساوة التجربة التي يعيشها الشاعر تأبط رشا ً‪ .‬فهو املنقطع عن املجتمع اإلنساين إىل ح ٍّد ما‪ ،‬والذي‬ ‫يعيش حياة الوحشة والترشد‪ ،‬منعزالً عن الحياة الطبيعية التي يحياها أي إنسان سوي يحب الحياة الهانئة‬ ‫ويسلك السلوك القويم بعيدا ً عن مخاطر الحياة الناجمة عن الصعلكة وحياة الغزو والسلب‪ .‬إن من البديهيات‬ ‫أن يكون هذا املصري الذي يالقيه بعد الوحدة واالنفراد وبذلك يُضحي جارا ً للغول التي وجد فيها الهول والشدة‪،‬‬ ‫أما الصورة فتبدو يف أقىس تجلياتها حني يطالب تلك الغول باملباضعة فانظر إىل عمق الحياة الوحشية التي‬ ‫يعيشها هذا اإلنسان‪ .‬يطلب الزواج من الغول وهي الكائن املخيف املتجسد يف ذهنه األمر الذي دفعه إىل‬ ‫املبالغة لريسم لنا حياة التوحش التي يعيشها‪ .‬ومن يطلب و ّد الغول بدافع الزواج يجعلنا نتخيل مدى الوحشة‪،‬‬ ‫والغربة‪ ،‬والعزلة‪ .‬إن هذه العوامل مجتمعه ستدفعه بال ّ‬ ‫شك إىل السلوك املتوحش ليجد يف نسب الغول حالً‬ ‫يعوض عنه انقطاعه عن املجتمع اإلنساين والحياة البرشية العادية التي ينعم بها أي إنسان يف هذه األرض‪ .‬وال‬ ‫يكتفي الشاعر بهذا املوقف بل يتد ّرج يف املبالغة ليقدم لنا صورة أكرث قساوة وأعمق تأثريا ً حني أخاف الغول‬ ‫مبنظره الذي بلغ الذروة بتقديم نفسه للمتلقي بأنه أشد تغوالً من الغول نفسها‪.‬‬ ‫ك تَ َر ْي‬ ‫َف ُقل ُْت لَ َها َيا انْظُرِي َ ْ‬

‫َف َول َّْت َفكُ ْن ُت لَ َها أَغْوالَ‬

‫إنها مرحلة التوحش التي تفوق التص ّور‪ ،‬والتي تق ّدم لنا صورة من صور حياة الصعاليك الذين اتخذوا من الصحراء‬ ‫والرباري ملجأً لهم‪ ،‬وعاشوا ال َو ْحشة والتوحش بأقىس صورها‪.‬‬ ‫أضف إىل هذه الصورة التي ق ّدم لنا الشاعر من خاللها وصفاً لحياته‪ ،‬صورة أخرى يستنتجها كل من يتتبع نتاج‬

‫لكل من يفكر يف مواجهة الصعلوك‪ ،‬فالرشيد الذي يعيش‬ ‫الشعراء الصعاليك‪ ،‬تتضمن يف طياتها تهديدا ً وتخويفاً ّ‬ ‫يف الفيايف ويجاور الغول ويطلب الزواج منها هو إنسان مرعب مخيف ومن يواجهه ال بد أن مصريه الحتمي هو‬ ‫الهالك‪ .‬هي رسالة مبارشة لكل من يفكر يف مواجهة الصعلوك الذي خرب شظف الحياة وألِف النمط الوحيش‪،‬‬ ‫حساب لهذا الرعب املتنقل‪.‬‬ ‫وجاور الغول‪ ،‬بل وعرض عليها الزواج‪ ،‬سوف يحسب ألف‬ ‫ٍ‬


‫يف هذا البيت أراد الشنفرى أن يصور عمق العالقة التي يراها بني سهمه وقوسه فلم يجد غري االستعارة سبيالً‪،‬‬ ‫فش ّبه ما تحدثه القوس من صوت عند الرمي وكأنه أنني الثكىل‪ .‬حذف املش ّبه ورصح باملش ّبه به‪ .‬لقد أعطى‬

‫القوس هوية جديدة وغري يف ماهية األشياء وبذلك عمد إىل التجسيد فحولها من مجرد آلة صامء إىل ثكىل تبيك‬

‫وتعول عىل فقدان القوس وكأننا أمام عالقة إنسانية حميمية متثلت يف األنني عىل فقد العزيز والحبيب‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ال َو ْحشَ ة واملوت يف شعر الصعاليك واستعاراتهم‪:‬‬

‫رشد والعزلة التي عاشها الصعلوك‪ ،‬بعيدا ً عن قبيلته طريدا ً يف الصحراء منخرطاً يف بيئة تعتمد عىل‬ ‫إن حياة الت ّ‬ ‫الغزو والقتال والسلب والكر والفر جعلت حياته يف خطر دائم‪ .‬إن ذلك الخطر جعله يتوجس دامئاً من فكرة‬

‫املوت التي تالزمه‪ ،‬أضف إىل ذلك االنعكاس النفيس الذي جعله يعيش منفردا ً ضمن مجموعات صغرية تحيا‬ ‫الوحشة والتوحش يف السلوك‪ ،‬كل ذلك جعله يرسم لنا صورا ً تدلل عىل املوت وكيفية مواجهته‪ .‬لقد حفل حقلهم‬ ‫املعجمي بالكثري من األفعال والعبارات التي تشري إىل هذا املنحى (املنية‪ ،‬املوت‪ ،‬غري خالد‪ ،‬متوت‪ ،‬امليتة‪ ،‬نعيش‪،‬‬ ‫أُ َغ ّي ُب) ويثري هذا التنوع يف ذكر املوت إىل أن الصعلوك كان يعيش هامً قاسياً ومعاناة صعبة‪ .‬يرتبص به املوت يف‬

‫كل لحظة من حياته‪ ،‬ألنه مطلوب لعدالة املجتمع يومذاك ومطارد ومستهدف لذا تولدت يف داخله روح االستهانة‬

‫باملوت كنوع من التح ّدي يف مواجهة القلق الذي يعانيه‪ .‬إن ذلك التح ّدي دفعه إىل العبث والشجاعة واإلقدام‬ ‫وتح ّدي املخاطر والرشاسة يف القتال‪ ،‬ألن سقوطه م ّرة واحدة يعني نهايته وموته عىل أيدي خصومه‪ .‬ونحن نجد‬ ‫يف أغلب أشعارهم حالة القلق واملرارة والشعور بالوحدة التي ال نصري لهم فيها إال سيوفهم‪.‬‬

‫إن هذا الشعور الدائم بالوحشة والتفكري املستمر باملوت أوجد لغة شعرية تعرب عن رؤيتهم واعتمدوا صورا ً‬ ‫استعارية ب ّدلت يف الهويات وح ّولت الجامد إىل صور مرئية متحركة‪.‬‬

‫استنادا ً إىل ما تق ّدم نستعرض بعض النامذج الشعرية التي رسمت حالة الوحشة والخوف‪ ،‬وتناولت املوت من خالل‬ ‫صو ٍر عديدة‪ ،‬وهذا تأبط رشا ً يصف رفيقه املترشد بقوله‪:‬‬ ‫يَظَ ُّل بِ َوما ٍة َو ُييس ِبغ َْيِها‬ ‫نيس َويَه َتدي‬ ‫نس األَ َ‬ ‫يَرى ال َوحشَ َة األُ َ‬

‫َجحيشاً‪َ ،‬ويَعروري ظُهو َر املَهالِ ِك‬ ‫ِب َح ُ‬ ‫جوم الشَ واب ِ​ِك(‪)17‬‬ ‫يث اِهتَدَ ت أُ ُّم ال ُن ِ‬

‫إن هذين البيتني يرسامن لنا صورة عن حياة الترشد األساسية التي يحياها الصعلوك يف القفار املوحشة التي تنعكس‬ ‫َو ْحشَ ة يف الحياة وتأثريا ً قاسياً عىل نفسيته األمر الذي يدفعه إىل معانقة السيف والتحفز الدائم للقتال الذي ال‬ ‫مجال فيه إالّ للرشاسة والرضاوة ألنه إن مل يكن القاتل فهو املقتول‪ ،‬وهذا ما ينعكس بالتايل توحشاً يف الفعل‬ ‫والسلوك‪ .‬كيف ال؟ وهو يرى الوحشة وطناً له وأنيساً!‪.‬‬


‫ومثله فَ َعل تأبط رشا ً حني رسم صورة لغربته وبعده عن مجتمعه‪:‬‬ ‫يبيت بِ َغنى ال َو ِ‬ ‫ُ‬ ‫حش ح ّتى ألِ ْفتَهُ‬

‫و ُيصبح ال َيحمي لها الدَّ ْه َر مرتعا(‪)20‬‬

‫ال شك بأن نزيل الرباري والقفار بات يألف الوحش ويأنف البرش وقد أعطى الوحش هوية األلفة وب ّدل يف ماهية‬ ‫األشياء بخروجه عن النسق املوضوعي ليشري إىل مقدار األمل الذي يعترصه تجاه مجتمعه وقومه‪.‬‬ ‫الوحش هو األليف وكأنه اإلنسان الذي يلجأ إليه ليبثه نجواه بعيدا ً عن القبيلة فاستعار الزمة من لوازم اإلنسان‬ ‫وهي األلفة واسندها إىل الوحش مختزالً الفرد يف املجتمع ومستعيضاً عنه بالوحش وهو بذلك أبقى املش ّبه‬

‫وحذف املشبه به «واالستعارة تقوم عىل االختزال‪ ،‬ألن املذكور أحد الطرفني‪ ،‬ورغم ذلك نراها تصل الطرفني؛ ألن‬

‫الفاعل يف املعنى يكون املش ّبه به‪ ،‬وهي أبلغ من التشبيه لتجاوزها االنطباعات العامة عند الشاعر‪ ،‬كقولهم عن‬ ‫القمر إنه «ملك الليل» فال تتوقف رؤية الشاعر له بأنه قرص أبيض المع‪ ،‬ولذلك جعلها النقّاد من مقومات‬

‫الحكم عىل الشاعر؛ ألنها ال تعتمد عىل حدود التشابه الض ّيقة بقدر ما تعتمد عىل تفاعل الدالالت الذي هو –‬

‫بدوره‪ -‬انعكاس وتجسيد لتفاعل الذات الشاعرة مع موضوعها»(‪.)21‬‬

‫ومن الشعراء الذين عقدوا األحالف والصحبة مع الوحوش وعاشوا ال َو ْحشة يف القفار عبيد بن أيوب العنربي الذي‬

‫رسم لنا ذلك الواقع بقوله‪:‬‬

‫َ‬ ‫وآجال الظِّبا ِء ب َق ْف َر ٍة‬ ‫كأَ ِّن‬

‫لنا ن َ​َس ٌب نَ ْرعاه أَ ْص َب َح َدانِيا‬

‫َرأَ ْي َن ضَ ِئ َيل الشَّ خ ِْص َيظْ َه ُر م َّر ًة‬

‫و َي ْخفَى ِم َراراً ضا َم َر الجِ ْس ِم َعارِيا‬

‫فأَ ْج َفلْ َن نَقْراً ثُ َّم ُقلْ َن اب ُن َبلْدَ ٍة‬

‫َقلِ ُيل األَ َذى أَ ْم َس ولك َّن ُمصا ِفيا‬

‫أال يا ِظبا َء ال َو ْح ِش ال تَشْ ُهرنَني‬

‫وأَ ْخ ِفي َن ِنى إِنْ كُ ْن ُت فيكُ َّن خَا ِفيا‬

‫أَكَل ُْت ُع ُر َ‬ ‫وق الشَّ ْي َم ْعكُ َّن والْ َت َوى‬ ‫األس َو ِد ال َجونِ يف الهوى‬ ‫ِيت‬ ‫أَب ُ‬ ‫َ‬ ‫ضجيع ْ‬

‫ب َحلْ ِق َي نَ ْو ُر ال َق ْف ِر َح َّتى َو َرانِيا‬ ‫الحشاش وساديا(‪)22‬‬ ‫ِ‬ ‫كثرياً وأثناء‬


‫نحن إذا ً أمام منوذج يعلن االنفصال التام عن املجتمع الحرضي‪ ،‬وهو يستمد وجوده من خالل قوته وش ّدته إنه‬ ‫الفعل الذي يثبت الذات ويفرض الرهبة عىل اآلخر‪.‬‬ ‫وإذا كان (تابط رشا ً) قد ق ّدم نفسه بهذه الصورة‪ ،‬فإن شاعرا ً آخر هو (الشنفرى) وضعنا يف ج ِّو عامله الجديد‬

‫فرح مرسور بإخوانه الجدد‪ :‬الذئب‪،‬‬ ‫أيضاً‪ ،‬ذلك العامل الذي هاجر إليه وارتىض لنفسه الحياة فيه وهو بذلك ٌ‬ ‫تعب عن الرقة‬ ‫والنمر‪ ،‬والضبع‪ ،‬للداللة عىل الوحشة واالنفراد يف ذلك العامل الخاوي من السلوكيات التي ّ‬

‫واألحاسيس والطباع املرهفة‪ .‬عرب عن عامله بقوله‪:‬‬

‫ِيـم َع ِن األَ َذى‬ ‫ويف األَ ْر ِض َم ْنـأَى لِلْكَر ِ‬

‫َاف ال ِقلَـى ُم َت َعـ َّز ُل‬ ‫َو ِفي َها لِ َم ْن خ َ‬

‫يـق عىل ا ْمرِى ٍء‬ ‫لَ َع ْمـ ُر َك َما بِاألَ ْر ِض ِض ٌ‬

‫سى َرا ِغ َبـاً أَ ْو َرا ِه َبـاً َو ْه َو يَ ْع ِق ُـل‬ ‫َ​َ‬

‫َّـس‬ ‫َو ِل ُدونَك ُْم أَ ْهلُـون ‪ِ :‬سيـدٌ َع َمل ٌ‬ ‫السـ ِّر َذائِ ٌـع‬ ‫ُه ُ‬ ‫ـم األَ ْه ُل ال ُم ْس َتو َد ُع ِّ‬

‫َوأَ ْر َق ُط ُز ْهل ٌ‬ ‫ُـول َو َع ْر َفـا ُء َج ْيـأَ ُل‬

‫لَدَ يْه ِْم َوالَ ال َج ِان بِ َا َج َّر يُخْـ َذ ُل(‪)19‬‬

‫إنه التم ّرد عىل القبيلة الذي أ ّدى إىل ال َو ْحشة املفضية إىل التوحش‪ .‬هو العامل الذي وجد فيه الشاعر أنسه‬

‫وصحبته‪ .‬إن هذا التم ّرد‪ ،‬دفعه إىل توظيف البنية التجسيدية يف تشكيل يستبدل من خالله مجتمعاً جديدا ً‬

‫مبجتمع القبيلة‪.‬‬

‫هذا املجتمع الذي شكل الصعلوك أفراده وعنارصه بنا ًء لرؤيته التي شاءها وارتضاها‪ .‬رمبا لتعويض النقص الذي‬

‫واملتجسد يف بعده عن املدنية‪ ،‬أو لنقل عن املجتمع الذي يسكنه الناس الطبيعيون لذلك سعى إىل إيجاد‬ ‫يعيشه‬ ‫ّ‬ ‫العامل البديل والصحبة البديلة‪.‬‬ ‫األصحاب هم‪( :‬الذئب‪ ،‬والنمر‪ ،‬والضبع) وكنى عنهم بقوله‪( :‬سيد ع ّملس‪ ،‬وأرقط زَهلول‪ ،‬وعرفاء جيأل) إنهم‬ ‫الرهط‪ ،‬أو األهل‪ .‬خلع عليهم بعض صفات البرش حني مت ّنى أن تكون موجودة يف مجتمع قبيلته‪ .‬إنهم عائلة ال‬ ‫تربطه بهم روابط الدم؛ إمنا الح ّيز الجغرايف هو الذي فرض ذلك‪ ،‬إنه الجدل بني الذات والواقع الذي يعيشه‬ ‫الشاعر‪ .‬إنه التعبري عن الغربة الفعلية التي يعيشها‪ ،‬والوحدة التي جنحت بخياله إىل رسم هذه الصورة‬

‫وتشخيص تلك الكائنات املتوحشة من خالل الصحبة‪ .‬اإلنسان هو الذي يصاحب اإلنسان‪ .‬أما أن يكون وحش‬ ‫رس فهذا يأخذك إىل البعد النفيس الذي تحكم بخطابه وسلوكياته فق ّدم‬ ‫الرباري هو الصاحب واألنيس وكاتم ال ّ‬

‫نفسه إىل العامل عىل هذه الشاكلة ورسم لنا بذلك صورة الرصاع بني الفرد واملجتمع‪ .‬هو الفرد املنبوذ من طرف‬

‫املجتمع الظامل بنظره فكان ال بد من أن يقدم لنا نفسه عىل صورة الفارس الثائر املتمرد الذي يرتيض لنفسه‬ ‫الوحشة والوحدة والتوحش عىل حياة الخنوع والخضوع لقوانني القبيلة‪.‬‬


‫جسدها الصعلوك يف فكرة املوت ما قاله أبو النشناش النهشيل‪:‬‬ ‫ومن االستعارة التي ّ‬ ‫س ْح َس َوا ًما َول َْم ُير ِْح‬ ‫إ َذا الْ َم ْر ُء مل َي ْ َ‬

‫ف َعلَ ْي ِه أَ َقا ِر ُبهْ‬ ‫َس َوا ًما ول َْم تَ ْع ِط ْ‬

‫َي لِلْ َف َتى ِمن ُق ُعو ِد ِه‬ ‫فلَلْ َم ْو ُت خ ْ ٌ‬

‫َف ِق ًريا و ِمن َم ْو ًل تَ ِد ُّب َعقَا ِر ُبهْ‬

‫ول َْم أَ َر ِمث َْل الفق ِر ضَ ا َج َعهُ الْ َف َتى‬

‫وال ك َ​َس َوا ِد اللَّ ْيلِ أَ ْخف َ​َق طَالِ ُبهْ‬

‫ف ُم ْت ُم ْع ِد ًما أَ ْو ِع ْش كَ ِرميًا َفإِنَّ ِني‬

‫أَ َرى امل َ ْو َت ال َي ْن ُجو ِم َن الْ َم ْو ِت َها ِر ُبهْ (‪)25‬‬

‫كل مأخذ األمرن الذي دفعه إىل تشكيل‬ ‫نراه يفضل املوت عىل الحياة الخاملة‪ ،‬مع أن سياط الفقر أخذت منه ّ‬ ‫بنية تجسيدية أعطى الفقر من خاللها صفات اإلنسان عندما جعل الفتى يضاجعه‪ .‬لقد كرر الشاعر لفظة (املوت)‬ ‫ثالث مرات ليصل يف نهاية املطاف إىل أن املوت أم ٌر محتوم وقضاء مربم ولن ينجو منه اإلنسان يف نهاية املطاف‬ ‫مهام فكر بالهروب‪ .‬إنها الفكرة املالزمة للشاعر الصعلوك كام أسلفنا‪ ،‬وبات غنياً عن الرشح الحديث عن هذه‬

‫الفكرة ومربراتها‪.‬‬ ‫إىل ذلك نجد أن الصعلوك يف كثري من األحيان يق ٍّدم عزة النفس حتى ولو كان مهرها املوت يقول أبو خراش‬ ‫الهذيل‪:‬‬ ‫وإن ألَثوي الجوع َح ّتى ميلَّني‬ ‫ِّ‬

‫َفيذ َه َب مل ُيدنِس ثيايب وال ح ْرمي‬

‫بق املا َء القُراح فأنتهي‬ ‫وأ ْع َت ُ‬

‫إذا ال َّزا ُد أمىس لل ُمزلّج ذا طَ ْع ِم‬

‫مخاف َة أن أَ ْحيا ِب َرغ ٍْم و ِذلَّ ٍة‬

‫َي من َحيا ٍة عىل َرغ ِْم(‪)26‬‬ ‫ولل ْم ُ‬ ‫وت خ ْ ٌ‬

‫وجسده بصورة العاقل الذي يشعر بامللل خلص إىل‬ ‫بعد أن أعطى الجوع هوية جديدة وأسند إليه فعل (ميلني) ّ‬ ‫الفكرة املركزية املتمثلة يف رفض الذلة واملهانة‪ ،‬وفضل املوت الكريم عىل الحياة الذليلة واعترب أن الصرب عىل‬ ‫الجوع والفقر خ ٌري له من موقف ذليل‪ .‬إنه العنفوان الذي يدفعه إىل تقديم املوت‪ .‬ذلك املوت املتوقع يف كل‬ ‫لكل صعلوك طريد يف الصحارى املجدبة‪.‬‬ ‫لحظة ِّ‬

‫إن التح ّدي الذي عاشه الصعلوك يف حياته جعله يختزن صورة املوت يف ذهنه دامئاً وكانت مشاهداته الدامئة ‪-‬يف‬ ‫الصحراء املرتامية األطراف واملجدبة والقاسية‪ -‬ترسم صورا ً موحية يستخلص منها طريقة عيشه يف بعض األحيان‪.‬‬ ‫راقبوا عنارص الطبيعة وهم يجوبون الصحراء وعرفوا طباعها وغزلوا من ذلك بعض صورهم الشعرية وقد برع‬ ‫تأبط رشا ً يف رسم تلك الصور حني راقب الضبع التي اقرتنت صورتها بصورة املوت دامئاً يف شعرهم‪.‬‬


‫نجح الشاعر من خالل توظيف ع ّدة بنى تجسيدية يف سياق شعري للداللة عىل حالته ووحشته مستندا ً إىل طاقة‬ ‫تخيلية تصور لنا الظباء وهم مدركون لحالته «ضامر الجسم عاريا» يحاورونه ويحادثونه‪ ،‬لقد أضحى األليف وهو‬ ‫قليل األذى بالنسبة لهم فأضفى عىل الظباء الصفات اإلنسانية خصوصاً عندما قبلوا به جارا ً وأنيساً مستعيضاً بهم‬ ‫عن املجتمع البرشي ألنهم باتوا املالذ يف تلك القفار املوحشة أن هذا الشاعر الفاتك نظري الشعراء الصعاليك يف‬ ‫التعبري عن وحدته وغربته التي يحياها بعيدا ً عن الحكام والسالطني‪.‬‬ ‫إن ال َو ْحشَ ة التي عاشها الشاعر الصعلوك جعلته دامئاً أسري فكرة املوت‪ ،‬فهو يف ترشده أو سعيه وراء رزقه‪ ،‬أو يف‬

‫أي عملية من عمليات السلب والسطو تبقى صورة املوت راسخة يف ذهنه لذلك نراه يتحداه حيناً ويخشاه أحياناً‪.‬‬

‫ونجد شاعرا ً كعروة بن الورد حني يتحدث عن الجوع والفقر وسعيه يف سبيل رزقه يجسد الفكرة بقوله‪:‬‬ ‫ف يف البال ِد‪ ،‬لعلّني‬ ‫د ِعيني أُط ّو ْ‬ ‫تلم ملم ٌة‬ ‫أليس عظيامً أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫فإن نحن مل منلك ِدفاعاً‬ ‫بحادث‬

‫الحق مح ِم ُل‬ ‫أُ ِفيدُ ِغ ًنى‪ ،‬فيه لذي ّ‬ ‫وليس َعلينا يف الحقوق ُ‬ ‫معول‬ ‫أجمل(‪)23‬‬ ‫فاملوت ُ‬ ‫ُ‬ ‫تلم به األيا ُم‬ ‫ُّ‬

‫تبدو لنا من خالل البيت األخري فكرة املوت راسخة يف ذهن الشاعر الصعلوك‪ ،‬فعروة بن الورد يرى أن املوت‬ ‫أجمل من الحياة إذا مل يصل إىل مبتغاه ويحقق املسعى الذي يعمل من أجله بعد أن فقد الطأمنينة يف مجتمعه‬ ‫وانقطعت الصلة بينه وبني ذلك املجتمع الذي اعتربه خارجاً عليه وتنكر له‪ ،‬فدفعه إىل متابعة االغرتاب والضياع‪.‬‬ ‫كذلك فعل الشنفرى حني تح ّدى املوت رافضاً ّ‬ ‫الذل والهوان يف قوله‪:‬‬ ‫أديم مطال الجوع ح ِتى أميتهُ‬ ‫ُ‬

‫رض ُب عنهُ ال ِّذك َر صفحاً‬ ‫فأذهل(‪)24‬‬ ‫ُ‬ ‫وأ ِ‬

‫لقد ح ّول (الجوع) إىل شخص مياطله ويرفض أن يتجاوب معه‪ ،‬أعطاه الهوية اإلنسانية ليخربنا عن امللل الذي‬

‫يجسد الجوع ويحوله إىل إنسان يعقل فإنه أراد من خالل تغيري هوية اليشء أن يضعنا يف‬ ‫أصابه‪ ،‬والشاعر حني ّ‬ ‫أجواء املعاناة يحياها وهو عىل الرغم من هذه املعاناة فإنه يرفض الذل والخنوع ويصرب عىل الجوع فيموت‪ .‬إنه‬

‫التح ِّدي يف مواجهة القلق الدائم والوحشة والغربة‪ ،‬لكن جوهر األمر أن فكرة املوت مالزمة للصعلوك وهي‬ ‫ترتاوح بني املواجهة والتحدي من جهة والخوف الدائم عىل املصري من جهة ثانية‪.‬‬


‫جسده الشنفرى الذي مل يخش عىل جسده من الضبع لذلك طلب إىل قاتليه أال‬ ‫إن هذا النوع من التح ّدي ّ‬ ‫يدفنوه‪:‬‬ ‫عليكم‪ ،‬ولكن ِ‬ ‫أبشي أُ َّم عا ِم ِر‬

‫فال تقربوين إنَّ قربي ُمح َر ٌم‬

‫ثم سائِري‬ ‫َوغوِد َر ِعند امللْتقَى َّ‬

‫الرأس أكرثي‬ ‫إذا اح ُت ِملت رايس ويف ِ‬ ‫رسين‬ ‫َهنالِك ال أَر ُجو حيا ًة ت ّ‬

‫سمري الليايل ُمبسالً بالجرائرِ(‪)29‬‬

‫هكذا خاطب الضبع (أبرشي أ ّم عا ِمر)‪ ،‬قمة يف الشجاعة والجرأة‪ ،‬هو يعلم مصري من ال يُلحد يف قربٍ‪ ،‬إنها نهاية‬ ‫بني أنياب الضبع وبراثنها ومع ذلك يطلب من قاتليه أالّ يدف ّنوه ليتحول بذلك إىل وليمة للضبع‪.‬‬ ‫إن الضبع بالنسبة للصعلوك الذي يعيش يف الصحراء موت ثانٍ يخشاه ويحسب له الحساب‪ ،‬وإذا كان الشنفرى‬ ‫قد تح ّدى هذا املوت فإن شاعرا آخر مل يكن عىل الدرجة عينها من الثبات‪ ،‬فانظر إىل األعلم الهذيل يصور لنا‬ ‫خشيته من ميته يصبح معها طعاماً للضبع وقد قال يف ذلك‪:‬‬ ‫قع رضيب ٍة‬ ‫َوخ ُ‬ ‫َشيت َو َ‬ ‫فأكونُ صيدَ ُه ُم بها‬

‫كل التجار ِْب‬ ‫قد َج ِّر َب ْت َّ‬ ‫السوا ِغ ْب(‪)30‬‬ ‫وأص ُري للضُّ ُب ِع َّ‬

‫طعام للوحوش بعد‬ ‫إنه الخوف عىل املصري بعد املوت‪ ،‬أو لنقل إنه الخوف من املوت الثاين املتمثل يف تح ّوله إىل ٍ‬

‫موته‪ .‬إن تلك الصور الدامية والقاسية التي رسمها الشعراء الصعاليك تق ّدم لنا منوذجاً عن شظف الحياة التي‬ ‫عاشوها‪ ،‬تلك الحياة املحكومة بالخوف والقلق وال َو ْحشة ومشاهد التوحش جعلت فكرة املوت تح ّول حياة‬

‫الصعاليك إىل حياة متوترة مضطربة فال مالذ يأوي إليه يدفع عنه نوائب الدهر‪ ،‬وال موطن يتخذه مستقرا ً له يحيا‬

‫فيه الحياة الهانئة‪ ،‬فتحولت فكرة املوت إىل داللة جوهرية ق ّدمت منوذجاً عن حياة الشعراء الصعاليك وساهمت‬ ‫يف تقديم استعارات رائعة أضفت عىل لغة الصعاليك الشعرية أبعادا ً جاملية خرجت عن النسق املوضوعي‬ ‫جسدت الجامد وبثت فيه الروح وحملته بإيحاءات رائعة وضعت املتلقي يف عمق الجو النفيس الذي‬ ‫لألشياء حني ّ‬ ‫يحياه الصعلوك واستطاع من خالل لغته الشعرية أن يقدم نفسه إىل العامل عىل تلك الصورة التي ق ّدمها‪.‬‬


‫عاينوا طريقة عيشها يف تحصيل قُ ْوتِها الذي يدفعها إىل نبش القبور بهدف الحصول عىل الطعام حتى باتت بنظر‬ ‫الشاعر رمزا ً للموت ملا تحمله من فتك وتوحش ورشاسة وإرصار عىل القتل ويف ذلك يقول‪:‬‬ ‫َف َز ْح َز ْح ُت َع ْن ُه ْم أَ ْو تَجِ ْئ ِني َم ِن َّي ِتي‬ ‫ك َِّأن أَ َراها الْ َم ْو َت الَ َد َّر َد ُّر َها‬

‫بغربا َء أو عرفا َء تغدُ و الدَّ فائنا‬ ‫أمكنت أنيابها والرباثنا(‪)27‬‬ ‫ْ‬ ‫إذا‬

‫جسدها‬ ‫إن صور الفتك التي عاينها يف أنثى الذئب (غرباء) أو الضبع (عرفاء) رسمت يف ذهن الشاعر صورة قاسية ّ‬ ‫باملوت (كأين أراها املوت)‪ .‬مام ال شك فيه إن هذه الصورة تجعل جذوة العزم تتوقد يف داخله بهدف التح ّدي‬ ‫ومواجهة الصعاب يف تلك الصحراء املوحشة موطن الريح والوحش وعامل األسطورة التي تتضمن فكرة الغول‬ ‫والج ّن‪ ،‬أمام هذا الواقع ال ب ّد من الشجاعة ومواجهة املوت مهام كانت الظروف صعبة وقاسية‪ .‬إن تلك الوحوش‬ ‫التي تجسد املوت تركت انطباعات قاسية يف ذهن الشاعر الصعلوك فهو يعيش يف رصاع دائم مع الدهر واملجتمع‬ ‫األمر الذي انعكس عىل تجربته الشعرية فكانت لها خصوصية م ّيزتها يف كثري من السياقات عن غريها من صور‬

‫الشعراء الجاهليني‪.‬‬

‫ونجد عروة بن الورد عندما يواجه خصمه ويقتله‪ ،‬يوظف صورة الضبع وهي متكن براثنها من فريستها وتأكله‬ ‫بعد موته‪:‬‬ ‫َفأَت ُركُه بالقاعِ‪ ،‬رهناً ب َبلْدَ ٍة‬

‫تَ َعا َو ُره فيها الضِّ با ُع الخوا ِمع(‪)28‬‬

‫الضبع لن تتواىن عن متزيق األجساد إىل أشالء والتهامها‪.‬‬ ‫أصبحت الضبع مالزمة لفكرة املوت تلك ّ‬ ‫أمام هذه املشاهد القاسية وظروف الحياة الخشنة واملعقدة يف تلك القفار ال ب ّد للصعلوك أن يكون جديرا ً‬ ‫بالحياة وهذا ما ُييل عليه الصرب مقرتناً بالقوة والعزمية والبأس‪ ،‬شكل املوت بالنسبة له هاجساً مستمرا ً‪ ،‬وإن قال‬ ‫قائل بأن فكرة املوت متمثلة يف ذهن كل إنسان يحيا عىل هذه البسيطة نقول إن ذلك صحيح ولكنها ليست‬ ‫هاجساً مالزماً له كام الصعلوك ألن ظروف العيش مختلفة كثريا ً‪ ،‬فالصعلوك حني ميوت قد ال يُدفن جسده يف الرثى‬ ‫لذلك فإن فكرة املوت بالنسبة له فكرة مركبة تنطوي عىل نوعني من الخشية‪ :‬األوىل تتمثل يف املوت‪ ،‬والثانية يف‬ ‫املصري بعد املوت‪ .‬وهنا‪ ،‬ال أتحدث عن املاورائيات بل العامل الواقعي امللموس واملتمثل يف مشاهدات الصعلوك‬ ‫لفعل الضبع بعد موت اإلنسان أو مقتله يف الصحراء املوحشة‪ .‬إنه تح ٍّد من نوع آخر يواجهه الصعلوك‪ ،‬وصورة‬ ‫مؤملة ارتسمت يف خياله‪.‬‬


‫(‪ )15‬السعيد الورقي‪ ،‬لغة الشعر العريب الحديث‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫(‪ )16‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬ديوان الشنفرى‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫(‪ )17‬عيل ذو الفقار شاكر‪ ،‬ديوان تأبط رشا ً‪ ،‬ص‪.153‬‬ ‫(‪ )18‬أبو الفرج األصفهاين‪ ،‬األغاين‪ ،‬ج‪ ،18‬ص ‪.153‬‬ ‫(‪ )19‬إميل بديع عقوب‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.55‬‬ ‫(‪ )20‬أبو الفرح األصفهاين‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫(‪ )21‬جابر عصفور‪ ،‬الصورة الفنية يف الرتاث النقدي والبالغي‪ ،‬ص ‪.244‬‬ ‫(‪ )22‬نوري حمود القييس‪ ،‬شعراء أمويون‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.227‬‬ ‫(‪ )23‬أبن السكيت‪ ،‬رشح ديوان عروة بن الورد‪ ،‬ص ‪.131‬‬ ‫(‪ )24‬يوسف شكري‪ ،‬ديوان الصعاليك‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫(‪ )25‬محمد نبيل طريفي‪ ،‬ديوان اللصوص‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.286‬‬ ‫(‪ )26‬دار الكتب املرصية‪ ،‬ديوان الهذليني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.127‬‬ ‫(‪ )27‬عيل ذو الفقار شاكر‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.217‬‬ ‫(‪ )28‬ابن السكيت‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫(‪ )29‬يوسف شكري‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫(‪ )30‬دار الكتب املرصية‪ ،‬م س‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.77‬‬ ‫املصادر واملراجع‪:‬‬ ‫‪ - 1‬أبو هالل العسكري‪ ،‬كتاب الصناعتني‪ ،‬تحقيق عيل الجباوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار الفكر العريب‬ ‫الكويت‪ ،‬ط‪1971 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أبو الفرح األصفهاين‪ ،‬األغاين‪ ،‬دار التوجيه اللبناين‪ ،‬بريوت‪ -‬لبنان‪( ،‬د ت)‪.‬‬ ‫‪ - 3‬إبن السكيت‪ ،‬رشح ديوان عروة بن الورد‪ ،‬تحقيق عبد املعني امللوحي‪ ،‬مطبعة مديرية إحياء الرتاث‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫(د ت)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬أحمد عبد السيد الصاوي‪ ،‬فن االستعارة‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب‪1979 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 5‬أدونيس‪ ،‬كتاب البدايات‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬ط‪.1989 ،1‬‬ ‫‪ - 6‬الرماين‪ ،‬النكت يف إعجاز القرآن‪ ،‬تحقيق محمد خلف الله‪ ،‬ومحمد زعلول سالم‪ ،‬دار املعارف القاهرة‪( ،‬د ت)‪.‬‬


‫الخامتة‪:‬‬ ‫كشفت الشواهد التي اعتمدتها كيف أبدع الصعلوك يف تشكيل الصورة االستعارية معتمدا ً عىل توظيف البنية‬ ‫عبت عن نفسية الشاعر املأزومة‪.‬‬ ‫التجسيدية التي ّ‬

‫لقد عمد الشاعر الصعلوك إىل الصورة االستعارية لغرض مشاطرته وجدانياً وقد نجح يف وضع املتلقي يف ج ٍّو من‬ ‫االنفعال والتفاعل‪ .‬عرفنا معاناته وهمومه يف مجتمع تركه طريد اله ّم والخوف والجوع وال َو ْحشة واملوت‪ ،‬لذلك‬

‫استبدل القبيلة مبجتمع جديد عاش قوانينه وفق رؤيته التي ارتضاها هو ورآها مناسبة إلرضاء طموحه يف العيش‬

‫الكريم بعيدا ً عن مجتمع القبيلة ومامرسته التي رأى فيها الظلم والجور‪ .‬ثم إن الصعاليك نجحوا انطالقاً من‬ ‫عبت عن رؤية امتلكوها مجسدين فيها حياتهم بصورة تثري املتلقي‪ .‬برعوا يف‬ ‫استعاراتهم يف تشكيل ُصو ٍر فنية ّ‬ ‫الجانب اإليحايئ لأللفاظ‪ ،‬ومنحوا نصوصهم سمة التأثري يف النفس وشحذ الخيال‪.‬‬

‫د‪ .‬رامز يزبك‬ ‫الهوامش‪//:‬‬ ‫(‪ )1‬‬

‫أميل بديع يعقوب‪ ،‬ديوان الشنفرى‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫(‪ )2‬‬

‫أدونيس‪ ،‬كتاب البدايات‪ ،‬ص ‪.109‬‬

‫(‪ )3‬‬

‫سيد قطب‪ ،‬النقد األديب‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫(‪ )4‬‬

‫فاضل عبود التميمي‪ ،‬حضور ال ّنص‪ ،‬ص ‪.147‬‬

‫(‪ )5‬‬

‫الرماين‪ ،‬النكت يف إعجاز القرآن‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫(‪ )6‬‬

‫بنية اللغة الشعرية‪ ،‬جان كوهن‪ ،‬ترجمة محمد الويل ومحمد العمري‪ ،‬ص ‪.205‬‬

‫(‪ )7‬‬

‫أحمد عبد السيد الصاوي‪ ،‬فن االستعارة‪ ،‬ص ‪.132‬‬

‫(‪ )8‬‬

‫عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬أرسار البالغة‪ ،‬ص ‪.43‬‬

‫(‪ )9‬‬

‫يوسف شكري‪ ،‬ديوان الصعاليك‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫(‪ )10‬أميل بديع يعقوب‪ ،‬ديوان الشنفرى‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫(‪ )11‬ذو الفقار شاكر‪ ،‬ديوان تأبط رشا ً وأخباره‪ ،‬ص ‪.152‬‬ ‫(‪ )12‬أبو هالل العسكري‪ ،‬كتاب الصناعتني‪ ،‬ص ‪.317‬‬ ‫(‪ )13‬عيل نارص غالب‪ ،‬شعر الشنفرى األزدي‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫(‪ )14‬كارلو نالينو‪ ،‬تاريخ اآلداب العربية‪ ،‬ص ‪.72‬‬


38

38


‫‪ - 7‬السعيد الورقي‪ ،‬لغة الشعر العريب الحديث مقوماتها الفنية وطاقاتها اإلبداعية‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬بريوت‪1984 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 8‬إميل بديع يعقوب‪ ،‬ديوان الشنفرى‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1996 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪ - 9‬جابر عصفور‪ ،‬الصورة الفن ّية يف الرتاث النقدي والبالغي‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1983 ،2‬م‪.‬‬

‫‪ - 10‬جان كوهن‪ ،‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ترجمة محمد الويل ومحمد العمري‪ ،‬الدار البيضاء املغرب‪ ،‬دار توبقال‬ ‫للنرش‪ ،‬ط‪1986 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪ - 11‬دار الكتب املرصية‪ ،‬ديوان الهزليني‪1948 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 12‬سيد قطب‪ ،‬النقد األديب‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬بريوت‪( ،‬د ت)‪.‬‬ ‫‪ - 13‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬أرسار البالغة‪ ،‬دار املطبوعات العربية‪( ،‬د ت)‪.‬‬ ‫‪ - 14‬عيل ذو الفقار شاكر‪ ،‬ديوان تأبط رشا ً وأخباره‪ ،‬دار العرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1992 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪ - 15‬عيل نارص غالب‪ ،‬شعر الشنفرى األزدي‪ ،‬راجعه الدكتور عبد العزيز املانع‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬ ‫النص قراءات يف الخطاب البالغي النقدي عند العرب‪ ،‬دار مجدالوي للنرش‬ ‫‪ - 16‬فاضل عبود التميمي‪ ،‬حضور ّ‬ ‫والتوزيع‪2012 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 17‬كارلو نالينو‪ ،‬تاريخ اآلداب العربية‪ ،‬تقديم طه حسني‪ ،‬دار املعارف مرص‪1970 ،‬م‪.‬‬

‫‪ - 18‬محمد نبيل طريفي‪ ،‬ديوان اللصوص يف العرص الجاهيل واإلسالمي‪ ،‬منشورات محمد عيل بيضوي‪ ،‬دار الكتب‬ ‫العاملية‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪-2004‬م‪.‬‬ ‫‪ - 19‬نوري حمود القييس‪ ،‬شعراء أمويون‪ ،‬مؤسسة دار الكتب للطباعة والنرش‪ ،‬جامعة املوصل‪1986 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 20‬يوسف شكري فرحات‪ ،‬ديوان الصعاليك‪ ،‬بريوت دار الجليل‪ ،‬ط‪1992 ،1‬م‪.‬‬


‫أ ّو ًل‪ :‬التّرشد عند مح ّمد املاغوط‬

‫اكتشف "مح ّمد املاغوط" يف كتابه "سأخون وطني"‪" ،‬أ ّن اإلنسان العر ّيب لن يجد يف هذا الكون الواسع مكاناً يضيع‬ ‫فيه أو يطري إليه‪ ،‬مهام حلّق بحقائبه ورفرف بجوازات سفره‪ ".‬فالحزن والفقر والقهر‪ ...‬مل يدفع العرب ّإل إىل‬ ‫التّرشد والتّغ ّرب يف البالد‪ ،‬علّهم يجدون األمان الذي يطمحون إليه‪ ،‬لكن عبثاً‪" ،‬فإرهاب األنظمة مثل صاروخ سا ّم‬ ‫سيظل يالحقه" ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫رشدا ً ال مأوى يحميه‪ ،‬لذلك نجد أ ّن ديوان "الفرح ليس مهنتي" قد زخر‬ ‫ّ‬ ‫ربا كان مق ّدرا ً للعر ّيب أن يعيش م ّ‬

‫باأللفاظ ال ّدالّة عىل التّرشد‪ ،‬وما (الشّ وارع) و(األرصفة) و(األزقّة)‪ ،‬إلّ ألفاظ انترشت يف دواوين الشّ اعر كلّها وليس‬ ‫فقط "الفرح ليس مهنتي"‪ ،‬لتنقل لنا حالة الحزن املسيطرة عىل الشّ اعر‪ ،‬والتي أ ّدت إىل تحطيمه وترشيد أجزائه‪،‬‬ ‫لتضعنا أمام ذات مقهورة‪ ،‬باإلضافة إىل ألفاظ أخرى منها‪" :‬ضائعاً‪ ،‬هويّتي‪ ،‬دفرت عناويني‪ ،‬جواز سفري‪ ،‬أتسكّع‪."...‬‬

‫رشد يف ديوان املاغوط مئة وستًّا وعرشين م ّرة‪ ،‬وهذا ال ّرقم يحمل عمق الذّات‬ ‫وردت األلفاظ ال ّدالة عىل التّ ّ‬ ‫عم يحيط بها‪ ،‬توزّعت هذه األلفاظ يف مختلف قصائد ال ّديوان ‪" :‬خريف األقنعة"‪" ،‬أيّها‬ ‫املاغوط ّية املغ ّربة ّ‬ ‫السائح"‪" ،‬بعد تفكري طويل"‪" ،‬يف اللّيل" "رسالة إىل القرية"‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫والضياع اللّذين يحيطان به ويدفعانه إىل اعتصار‬ ‫عب لنا الشّ اعر عن حال التسكّع ّ‬ ‫ويف قصيدة "رسالة إىل القرية" ّ‬

‫حلً‪.‬‬ ‫رشد الذي ال يعرف لوضعه ّ‬ ‫الحزن واألمل‪" ،‬فهي بوحدتها املوضوع ّية‪ ،‬وجزئ ّيتها التعبرييّة‪ ،‬ترسم صورة التّائه امل ّ‬

‫يحب الكتابة!" ‪.‬‬ ‫فأمساته الكربى أنّه يكتب يف وسط ال ّ‬ ‫"هذا القل ُم سيور ُدين َحت ِفي‬

‫ملْ ْ‬ ‫يرتك ِسجناً ّإل وقا َد ِن إلي ْه‬

‫وال رصيفاً ّإل وم ّرغني علي ْه" (رسالة إىل القرية – ‪)304-305‬‬ ‫"يف املسا ِء يا أيب‬

‫_______________________‬ ‫‪ - 1‬مح ّمد املاغوط‪ :‬سأخون وطني‪ ,‬هذيان يف ال ّرعب والح ّريّة‪ .‬سورية‪ -‬دمشق‪،‬دار املدى‪ ،‬ط‪ ،2004 ،4‬ص ‪.320‬‬ ‫السبت ‪ 11‬يوليو ‪.2015‬‬ ‫‪ - 2‬رمضان حينوين‪ :‬صورة الذّات يف شعر محمد املاغوط‪ .‬موقع املركز‬ ‫الجامعي لتامنغست‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 3‬رمضان حينوين‪ :‬صورة الذّات يف شعر محمد املاغوط‪.‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫أدب‬

‫محمد الماغوط‬ ‫ال ّتش ّرد والخوف عند‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬هدى ال ّرزّوق‬

‫مقدّ مة‬

‫اللّغة هي أحد مفاتيح ال ّن ّص‪ ،‬ودراسة لغة ال ّن ّص وسيلة لل ّنفاذ إىل كنهه‪.‬‬ ‫وإنّه ال ّ‬ ‫شك يف أ ّن الذي عنده يشء من املعرفة باللّغة العرب ّية وأرسارها‪،‬‬ ‫وسع يف‬ ‫يعلم دقّة هذه اللّغة وقدرتها الهائلة عىل توليد املعاين‪ ،‬وعىل التّ ّ‬ ‫املعنى حتّى تصل إىل درجة اإلعجاز‪ ،‬ويدرك سعة مساحتها التّعبرييّة عن‬ ‫املشاعر الجيّاشة التي تفيض يف نفوس الشّ عراء مرتنّحة بني الفرح واألمل‪،‬‬ ‫أنيسا ليض ّمخ به كلامته‬ ‫رشد والخوف ً‬ ‫الحزن واالبتسامة ‪ ...‬و"مح ّمد املاغوط " شاعر الح ّريّة الثّائر‪ ،‬مل يجد ّإل التّ ّ‬ ‫للتّعبري عن مشاعره‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬ارتأيت أن يقوم هذا البحث عىل دراسة العالقة القامئة بني الحالة الشّ عوريّة وأسلوب التّعبري عنها‪ ،‬حيث‬ ‫أي وسيلة أخرى‪ ،‬لل ّداللة عىل املعاين ال ّنفسيّة والفكريّة التي يحاول‬ ‫ّغوي وسيلة مه ّمة‪ ،‬ال تضاهيها ّ‬ ‫إ ّن التّعبري الل ّ‬ ‫رشد يف‬ ‫ال ّناس التّفاهم والتّواصل حولها‪ .‬لذلك ت ّم الكشف عن العالقات الخف ّية بني األلفاظ ال ّدالّة عىل الخوف والتّ ّ‬ ‫كل منها‪.‬‬ ‫السياقات الواردة فيها‪ ،‬وإظهار دالالت ّ‬ ‫ديوان "الفرح ليس مهنتي"‪ ،‬للامغوط‪ ،‬وتبيان ّ‬ ‫ ‬

‫رشد عند "مح ّمد املاغوط" "يف ديوان "الفرح ليس مهنتي"‪ ،‬تضعنا أمام إشكال ّية حاول ُْت‬ ‫ودراسة الخوف والتّ ّ‬

‫اإلجابة عنها يف هذا البحث‪:‬‬ ‫هل استطاع الشّ اعر أن يُ ِ‬ ‫وص َد الباب عىل مشاعره‪ ،‬ويصف حال مجتمعه بعي ًدا من أحاسيسه ومشاعره مخاط ًبا‬ ‫رشد اللّذين يعيشهام أث ّرا عىل أسلوبه فكان ترجم ًة ملا يشعر به ؟‬ ‫عقول الق ّراء؟ أو أ ّن الخوف والتّ ّ‬ ‫عادي‪ ،‬فشعره شعلة الحياة‪،‬‬ ‫رشد عند "مح ّمد املاغوط" ألنّه ليس بشاعر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولعل انطلقت إىل دراسة الخوف والتّ ّ‬ ‫ولتبي معاين الكلم‬ ‫محبّب لل ّنفس؛ لذلك كان ال بُ َّد من اإلبحار يف سفينة كلامته‪ ،‬لكشف ما تحمله من دالالت‪ّ ،‬‬ ‫السياق‪ ،‬فاختيار الشّ اعر لكلامته وإن كان عفويّاً‪ّ ،‬إل أنّه ال يخلو من دالالت ُمع ّينة‪.‬‬ ‫من خالل ّ‬


‫السلم ّية واألحياء الفقرية‪ ،‬غادرها بنا ًء عىل‬ ‫رشد يف ديوان "الفرح ليس مهنتي" فالشّ اعر ابن ّ‬ ‫لقد سادت لغة التّ ّ‬

‫والشاب م ّجاناً‪ ،‬وذلك يف س ّن ال ّرابعة عرشة‪ ،‬إلّ أنه هرب منها‪ ،‬ومىش‬ ‫رغبة والده إىل مدرسة داخل ّية تق ّدم الطّعام ّ‬

‫رشد عىل األرصفة ليس حدثاً طارئاً‬ ‫خمسة عرش كيلومرتا ً عىل قدميه تائهاً يف دمشق‪ ،‬دون أن يعرف فيها أحدا ً‪ .‬فالتّ ّ‬ ‫عىل املاغوط‪ ،‬بل يبدو وكأنّه طبع من طباعه منغرس فيه‪ ،‬فرضه عليه الواقع املحزن واألليم‪.‬‬

‫"فأنا مل أ ُج ْع ُصدف ْه‬ ‫رش ِد اعتباطاً‬ ‫ومل أت ّ‬

‫"ما م ْن سنبل ٍة يف التّاري ِخ‬ ‫(الغجري املعلّب – ‪.)233‬‬ ‫إلّ وعليها قطر ٌة م ْن لُعايب"‪ " .‬‬ ‫ّ‬ ‫يحب‪ ،‬طاملا أ ّن الشّ وارع موجودة‪،‬‬ ‫حب من يكره‪ ،‬أو كره من ّ‬ ‫والشّ اعر ال ميكن إجباره عىل فعل ما ال يريد‪ ،‬أو ّ‬

‫يستطيع اللّجوء إليها وقتام يشاء‪ ،‬فهي ملْك له‪ ،‬ال أحد له سلطة عليها سواه‪:‬‬ ‫"املطَ ُر يل‬

‫يح والشّ وار ُع‬ ‫املط ُر وال ّرع ُد وال ّر ُ‬

‫هي ُملْيك" ‬

‫السنونو – ‪)319-320‬‬ ‫(بكاء ّ‬

‫رشد والتّسكّع يف قصائده‪" :‬اإلنسان كتلة من‬ ‫يقول املاغوط يف أحد لقاءاته حني ُسئل عن سبب تكرار مفردتا التّ ّ‬

‫الصحراء يف قلبي‪ ...‬الخراب يف قلبي" ‪ ،‬فذكريات املاغوط‬ ‫الذّكريات واألحالم‪ ،‬وأنا نتاج بيئة قاسية ال تفارقني‪ّ ...‬‬ ‫وخاصة حني كان يف بالد الغربة‪،‬‬ ‫كلّها مليئة بقصص ترش ّده وتسكّعه‪ ،‬هامئاً يف الطّرقات باحثاً عن مأوى يحتضنه‬ ‫ّ‬ ‫يظل اإلنسان رشيدا ً ضائعاً وهو غائب عن‬ ‫بعد خروجه قرسا ً عن وطنه‪ ،‬فمهام تعالت البيوت والقصور يف الغربة‪ّ ،‬‬ ‫أحضان وطنه األ ّم‪ ،‬ال مكان له فيه‪.‬‬ ‫"ال مكا َن يل‬

‫_______________________‬ ‫سوداوي لـ(الثّقافيّة)‪ .‬املجلة الثّقافيّة (ملحق صحيفة الجزيرة‬ ‫اختصايص الحرشات البرشيّة مح ّمد املاغوط يف حديث‬ ‫‪ - 1‬عبدالكريم العفنان‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثّقايف) – الرياض – العدد ‪ – 76‬سبتمرب ‪2004‬م‪.‬‬


‫حيثُ هذا يبحثُ عن حان ْه‬ ‫َ‬ ‫وذاك يبحثُ عن مأوى‬ ‫أبحثُ أنا ع ْن ' كلم ْه ' " ‬

‫(رسالة إىل القرية ‪)305 -‬‬

‫فالكتابة يف البلدان العربيّة‪ ،‬مل تعد مرآة تعكس الواقع الذي يعيشه ال ّناس‪ ،‬بل باتت من املحظورات‪ ،‬تودي‬

‫السجون‪ ،‬أو ترتكه تائهاً بال مأوى‪ ،‬خائفاً مرتقّباً‪ ،‬يخىش الجميع االقرتاب‬ ‫بصاحبها إىل أن يبيت ساهرا ً بني قضبان ّ‬ ‫منه‪ ،‬فيعيش يف وطنه بروح مغرتبة نفسيّاً وفكريّا‪ ،‬بينام رجاله ال تزاالن تائهتني يف األزقّة والحواري‪.‬‬

‫والسعي وراء لقمة‬ ‫الحزن والواقع األليم املحيط بالعر ّيب‪ ،‬كانا أداة لتحطيم الذّات املترشذمة بني الحلم بالحريّة‪ّ ،‬‬ ‫كل مواطن من‬ ‫العيش‪ ،‬فلم تجد سبيالً إلّ أن يرسم وطناً عىل علب التّبغ الفارغة‪ ،‬علّه يصل إىل ما يصبو إليه ّ‬

‫وطنه‪ :‬املأوى اآلمن‪.‬‬ ‫علب التّبغِ الفارغ ْه‬ ‫"هل ترس ُم عىل ِ‬ ‫أشجارا ً وأنهارا ً وأطفاالً سعدا َء‬ ‫وتُناديها يا وطني‬ ‫أي وطنٍ هذا الذي‬ ‫ولك ْن ُّ‬

‫ِ‬ ‫السيّاب – ‪.)299‬‬ ‫يج ِرفُ ُه الك ّناسو َن م َع‬ ‫القاممات يف آخ ِر الل ّْيل (إىل بدر شاكر ّ‬

‫حتّى الوطن الذي يرسمه العر ّيب يف مخيّلته عىل علب التّبغ سيزول مبكانس "الك ّناسني" ولن يبقى له ّإل األرصفة‬

‫تتغي‪ :‬ذات تافهة ال يشء فيها يلفت اإلنتباه‪،‬‬ ‫رشد بها‪" ،‬ومهام تكن رمزيّة الك ّناسني فإن ّ‬ ‫الصورة ال ّ‬ ‫ليتسكّع فيها ويت ّ‬ ‫أو ّ‬ ‫يدل عىل قيمة" ‪.‬‬

‫السيّاب يذكر فيها التّسكّع‪ ،‬فهو يف لقاءاته ال ّ‬ ‫ينفك يتذكّر كيف كانا‬ ‫وقد ّ‬ ‫خصص الشّ اعر قصيدة إىل صديقه ّ‬ ‫يتسكّعان يف بريوت‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ - 1‬رمضان حينوين‪ :‬صورة الذّات يف شعر محمد املاغوط‪.‬‬ ‫الصحا ّيف مع عبدالكريم العفنان‪ ،‬وخليل صويلح‪.‬‬ ‫‪ - 2‬كلقائه ّ‬


‫والضعف ستّاً ومثانني م ّرة‪ ،‬نذكر منها‪ " :‬الخوف‪ ،‬ال ّرعب‪ ،‬التّأتأة‪ ،‬أخشاه‪،‬‬ ‫وقد وردت املفردات ال ّدالّة عىل الخوف ّ‬

‫ومم ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫شك فيه أ ّن العدد كبري وبارز‪ ،‬فهو يص ّور لنا صورة مجتمع‬ ‫ترتعش‪ ،‬تهت ّزان‪ ،‬املذعور‪،‬‬ ‫تصطك‪ ،‬تف ّر‪ّ "..‬‬

‫"كل العيون نحو‬ ‫مهزوز‪ ،‬ضعيف الثّقة بال ّنفس‪ ،‬وكان ذلك يف قصائد كثرية منها‪" :‬يف اللّيل"‪" ،‬رسالة إىل القرية"‪ّ ،‬‬ ‫االفق"‪" ،‬الوشم"‪ ،...‬كام وأنّه أفرد قصيدة كاملة بعنوان‪" :‬الخوف"‪ ،‬وقد غاب هذا الحقل عن عدد من القصائد‬ ‫والضعف‬ ‫نذكر منها‪" :‬الحصار"‪،‬‬ ‫السامء"‪ ،‬فعىل ال ّرغم من الخوف ّ‬ ‫ّ‬ ‫"بدوي يبحث عن بالد بدويّة"‪" ،‬من العتبة إىل ّ‬ ‫املحيطني به ومبجتمعه إال أنّه سمح لألمل بالتّسلّل إىل بعض قصائده‪.‬‬

‫السجن‪ ،‬وأخرى‬ ‫ومن خالل قراءة ال ّديوان نالحظ أ ّن لهذا الخوف أسباباً ذات ّية‪ ،‬متثّلت يف دخول الشّ اعر إىل ّ‬

‫اجتامع ّية‪ ،‬متثّلت يف ضعف األ ّمة وجهلها‪.‬‬

‫ •الخوف من بطش األنظمة االستبداد ّية‪:‬‬

‫وردت ستّاً وأربعني مفردة دالّة عىل الخوف ال ّناتج من ضعف األ ّمة وجهلها‪ ،‬أي ما نسبته ‪ 53.5%‬من األلفاظ‬ ‫والضعف‪ ،‬وظهر ذلك يف عدد من القصائد منها‪" :‬الوشم"‪" ،‬اليتيم"‪ ،‬رسالة إىل القرية"‪" ،‬يف‬ ‫ال ّدالّة عىل الخوف ّ‬ ‫اللّيل" ‪...‬‬ ‫أتوس ُل ِ‬ ‫رسعي يا أ ّمي‬ ‫إليك أن ت ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫وأن تعرجي يف طري ِق ِك‬ ‫ومضارب البد ِو‬ ‫الحصادي َن‬ ‫ِ‬ ‫عىل ّ‬ ‫جلدي‬ ‫جاب‬ ‫وتسأليه ْم ع ْن ِح ٍ‬ ‫ٍّ‬

‫ع ْن ُعشب ٍة ما‬ ‫َ‬ ‫الخوف‬ ‫تقي ِني هذا‬

‫وأوراقي الثبوت ّي َة بيدي‬ ‫املرحاض‬ ‫أدخل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ّت َ ْين ًة ويرس ْه" ‬ ‫أخرج من املقهى وأنا أتلف ُ‬ ‫ُ‬

‫(الخوف – ‪)262‬‬


‫َضعوين يف ُمؤ ّخر ِة العرب ْه‬ ‫عىل ظهرِها‬ ‫قروي معتا ٌد عىل ْ‬ ‫ذلك" (مسافر عر ّيب يف محطّات الفضاء – ‪)295-296‬‬ ‫فأنا‬ ‫ٌّ‬ ‫السامء‪ ،‬كموفد من بالده الحزينة‪ ،‬لذلك جاءت‬ ‫السفر إىل ّ‬ ‫الشّ اعريف هذه القصيدة مل يجد له مكاناً‪ ،‬حتّى حني ق ّرر ّ‬

‫رصخة الشّ اعر بأ ّن الشّ وارع هي ملك له‪ ،‬يفرتشها أينام حلّت قدماه‪ ،‬دون إذن أحد‪ ،‬غري عابئ مبا ميلك الظّاملون‬ ‫وأصحاب ال ّنفوذ من ممتلكات ما ّديّة رخيصة‪:‬‬ ‫" ُه ْم ميلكو َن األَ ْو ِس َم ْه‬ ‫ونحن ُ‬ ‫الوحل‬ ‫َ‬ ‫منلك‬

‫والشفاتْ‬ ‫هم ميلكو َن األسوا َر ّ‬ ‫َ‬ ‫ونح ُن ُ‬ ‫الحبال والخنا ِج ْر‬ ‫منلك‬ ‫واآل ْن‪،‬‬ ‫هيّا لننا َم عىل األرصف ِة يا حبيبتي" ‬

‫(الظل والهجري – ‪)263‬‬ ‫ّ‬

‫كل جانب وتحيص عليه أنفاسه‪ ،‬وحني‬ ‫فحني يصل اإلستبداد ح ّد الطّغيان‪" ،‬وحني تحيط املخابرات باإلنسان من ّ‬ ‫البدهي‬ ‫حق انتامء اإلنسان ويصادر حقّه‬ ‫السلطان بأنّه مالك لألرض وما عليها‪ ،‬وبالتّايل َمن عليها‪ ،...‬يهدر ّ‬ ‫يعترب ّ‬ ‫ّ‬ ‫للسيطرة‪ ...‬ومحروماً كذلك من االنغراس" ‪ ،‬فيؤ ّول به األمر‪ ،‬وال‬ ‫باملواطنيّة‪ .‬يصبح اإلنسان غريباً يف وطنه فاقدا ً ّ‬ ‫يعود هناك من ملجإ يأويه حتّى األرصفة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الخوف والضّ عف عند مح ّمد املاغوط‬

‫ال ّ‬ ‫الصورة الطّاغية وسط املشهد العر ّيب‪ ،‬واملواطن العر ّيب يعيش تحت وطأته‪.‬‬ ‫شك أ ّن العنف مسبّب للخوف‪ ،‬وهو ّ‬

‫_______________________‬ ‫‪ - 1‬مصطفى حجازي‪ :‬اإلنسان املهدور‪ .‬ال ّدار البيضاء‪-‬املغرب‪ ،‬املركز الثّقايف العر ّيب‪ ،‬ط‪2001 ،5‬م‪ ،‬ص ‪.32‬‬


‫السجن بأنّه‬ ‫لقد سيطر ال ّرعب والخوف عىل وجود املاغوط‪ ،‬بحيث كان يشعر حتّى بعد سنوات عىل تخلّصه من ّ‬

‫مطلوب ومالحق‪ ،‬هذا الخوف الذي يف ّر منه‪ ،‬يف رأيه هو مصيبة ومأساة‪ ...‬فريى أ ّن املقاومة وإظهار الشّ جاعة إزاء‬

‫وباألخص أمام نفسه‪ ،‬وذلك بفعل‬ ‫كل يشء‪،‬‬ ‫عبثي وبال جدوى‪ ،‬فاملواطن العر ّيب ُهزِم أمام ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا الخوف الكبري‪ ،‬عمل ّ‬

‫الحكومي‪ ،‬ففرضت عليه هاجس الخوف‪ ،‬وحني ق ّرر املواطن أن يعيش آمناً‪ ،‬بعيدا ً عن تلك املخاوف‪،‬‬ ‫الجلد‬ ‫عصا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما كان من تلك األنظمة إلّ أن أذاقته الذ ّ​ّل والهوان‪.‬‬

‫السجن‪:‬‬ ‫ •الخوف من دخول الشّ اعر إىل ّ‬

‫جاءت أربعني مفردة ّ‬ ‫السجن بعدما تحطّمت أجزاء من كيانه وهو يف‬ ‫تدل عىل خوف الشّ اعر من العودة إىل ّ‬ ‫والضعف‪ ،‬وظهر ذلك يف قصائد ع ّدة منها‪ :‬قصيدة‬ ‫داخله‪ ،‬وهو ما نسبته ‪ 46.5%‬من األلفاظ ال ّدالّة عىل الخوف ّ‬ ‫بأي يشء ولو‬ ‫مسك ّ‬ ‫"يف اللّيل"‪ ،‬حيث نجد فيها أ ّن الشّ اعر يعيش حياته وحيدا ً‪ ،‬فالجميع تركه‪ ،‬فأصبح بحاجة للتّ ّ‬ ‫كل ما حوله‪ ،‬لدرجة‬ ‫السجون‪ ،‬ويف قصيدة "الوشم" نجد الشّ اعر يعيش حياته يف الظّالم‪ ،‬يُذعر من ّ‬ ‫حتّى بقضبان ّ‬ ‫أنّه مل يعد مييّز بني قلمه وأصابعه‪ ،‬كذلك يف قصيدة "أمري من مطر وحاشية من الغبار" و"رسالة إىل القرية" و‪....‬‬ ‫"هذا القل ُم سيور ُدين َحتفي‬

‫مل ْ‬ ‫يرتك ِسجناً ّإل وقا َدين إلي ْه‬ ‫وال رصيفاً ّإل وم ّرغني علي ْه" (رسالة إىل القرية – ‪)304-305‬‬ ‫السجن‪ ،‬يف بلد يقمع ح ّريّة ال ّرأي والتّعبري‪ ،‬وقلم‬ ‫فاألقالم الح ّرة واألفكار الحاملة بإطالق قيودها ال جزاء لها ّإل ّ‬

‫يعب عن كينونته‪ ،‬وما تحمله أهواؤه من رغبة يف الثّورة عىل هذا القمع‪ ،‬لذلك فإ ّن‬ ‫الشّ اعر يأىب إلّ أن يكتب ما ّ‬

‫السجن مع إخوانه املساجني الذين يتذكّر آال َمهم قل ُمه مع‬ ‫الذّات املاغوطيّة املحطّمة خائفة من ّ‬ ‫الضياع يف غياهب ّ‬ ‫القص وأ ّمي املقعدة‬ ‫ّ‬ ‫كل خفقة‪ ،‬وهذا ما دفعه للقول يف كتابه سأخون وطني‪" :‬إنّني أرفع قلمي وأوراقي ّ‬

‫يل يف هذا العامل‪ ،‬لعلّني أرتاح من هذا ال ّرعب الذي يشلّني كاألسلحة‬ ‫أي‬ ‫مستسلامً أمام ّ‬ ‫رشطي أو حارس لي ّ‬ ‫ّ‬

‫فالسجن قد أث ّر كثريا ً يف‬ ‫الجرثوميّة‪ ،‬كلّام سمعت أغنية وطنيّة‪ ،‬أو زمجر مذيع يف نرشة األخبار"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ - 1‬مح ّمد املاغوط‪ :‬سأخون وطني‪ ،‬هذيان يف الرعب والحريّة‪ .‬ص ‪325‬‬


‫لجأ الشّ اعر إىل أ ّمه كر ّد فعل (ولو جزئ ّياً) عىل عنف وقمع هائل‪ ،‬مارسته األنظمة العرب ّية ض ّد املواطن العر ّيب‪،‬‬

‫فلقد انترشت ثقافة الخوف والتّعذيب يف مجتمعنا‪ .‬فالتجأ إليها علّه يشعر باألمان‪ ،‬كام كان يشعر وهو صغري‪،‬‬

‫فاأل ّم وحدها تقي الطّفل الخوف‪ ،‬كام أ ّن نشأته يف قرية "سلم ّية" أث ّرت عليه‪ ،‬إذ بات يطلب من أ ّمه حجاباً‬

‫وعشبة تقيه الخوف‪ ،‬فالقرويّون يؤمنون بأ ّن لهذه األشياء تأثريا ً ف ّعاالً‪ ،‬ويبدو املاغوط كالغريق الذي يريد أن‬ ‫الضعف واالستكانة رغم جرأته‬ ‫يتعلّق ولو "بقشّ ة" لذلك لجأ لهذه األمور‪ ،‬فاملاغوط "ال يعرف يف حياته ّإل ّ‬ ‫كل يشء‪ ،‬حتّى من آذان الحيطان" ‪.‬‬ ‫ورصاحته‪ ،‬كيف ال وهو املرعوب بالوالدة‪ ،‬الخائف من ّ‬ ‫"اإلس ُم‪َ :‬ح َش ْه‬

‫عب‬ ‫اللّو ُن‪ :‬أصف ُر ِم َن ال ّر ْ‬ ‫حل" (ال ّن ّخاس – ‪)287‬‬ ‫الجب ُني‪ :‬يف ال َو ْ‬ ‫فالشّ اعر ُولد يف مجتمع عر ّيب يعيش يف ظالل الفقر والجوع واملرض كالخراف الهزيلة‪ ،‬يخىش بطش األنظمة‪ ،‬بل‬

‫يخىش نفسه حتّى‪ ،‬لذا يرىض الذ ّ​ّل والهوان متناسياً الثّورة‪ ،‬لك ّن الشّ اعر مل يستطع يوماً أن ينىس هذا الشّ عب‬ ‫املتهالك عىل ال ّرغم من نسيان الشّ عب له‪:‬‬ ‫يوم ِمن األّيّا ْم‬ ‫"ما نسيتُ َك يف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وأنا ٌ‬ ‫قاشات‬ ‫الهموم وال ّن‬ ‫غارق يف‬ ‫ِ‬ ‫الس ِأم واألزيا ِء ِ‬ ‫الفاض َح ْه‬ ‫عن ّ‬

‫ك ْن ُت أف ّك ُر ب ِ​ِخرا ِف َك الهزيل ْه‬ ‫َ‬ ‫ومرضاك املك ّدس َني يف املم ّراتْ " (بكاء السنونو – ‪)321‬‬

‫السلطة األبويّة ولك ّننا يف هذا ال ّديوان‪ ،‬مل نلمحها بشكل‬ ‫وتجدر اإلشارة إىل أنّنا نجد عند املاغوط الخوف من ّ‬ ‫واضح‪ ،‬بل وردت ٍ‬ ‫مرات قليلة‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ - 1‬رمضان حينوين‪ :‬صورة الذّات يف شعر املاغوط‪.‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫أدب‬

‫في الضوء تتضح معالم االشياء‬

‫د‪ .‬طالل الورداين‬ ‫يف الضوء تتضح معامل االشياء‪،‬وترتسم ابجدية الزمن التي بواسطتها‬ ‫ميكننا ان نتلمس اوجاعنا امام هذه املعاناة التي مير بها الوطن‬ ‫واملواطن‪ ،.‬فاللصوص رسقوا احالمنا وآمالنا‪ ،‬واوقدوا النار مبا تبقى‪،‬‬ ‫كل يوم تتساقط النفوس وتظهر انانيتها وجشعها ‪ ،‬فالكبار عبثوا بكل‬ ‫يشء بالتعاون مع املصارف وكبار املحتكرين من التجار واملارقني‪،‬‬ ‫والصغار يحتالون عىل العيش بحجة ما يحصل‪ ،‬فيرسق بعضهم بعضا‬ ‫اال من رحم ريب‪ .‬ايها الفاسدون‪ ،‬التافهون ‪،‬املستغلون‪ ،‬ارحلوا فنحن‬ ‫ال نحتاجكم ‪ ،‬فانتم تتآمرون عىل لقمة عيشنا حتى بلغنا الحضيض‪.‬‬ ‫وانتم ايها العفن املرتاكم امل تسام منكم الكرايس والشاشات‪ ،‬نحن لسنا غنام للذبح يك تستدرجونا اىل مسالخكم‬ ‫كل يوم‪ ،‬لقد انهكنا جهلكم بنا وتعاميكم عن اوجاعنا ‪،‬فبالله عليكم ان كان لديكم ذرة كرامة ان تغادروا محفل‬ ‫السياسة الرعناء التي اوصلنا اىل املجهول‪ ،‬امل تشبعوا استغالال واذالال لكرامات الناس‪،‬‬ ‫ادفنوا رؤوسكم كالنعامة يف الرمال‪ ،‬وال تقبلوا علينا لنيل اصواتنا فنحن ال ننىس ان اليد التي امتدت اىل جيوبنا‬ ‫يجب ان تقطع‪ ،‬وان الصوت الذي يعلو فوق صوت اهله بغري الحق يجب ان يصمت اىل االبد‪.‬‬ ‫حل بنا نتيجة افعالكم املشينة‪،‬‬ ‫دموع اطفالنا تخترص املعاناة‪ ،‬واصواتنا املخنوقة تع ّرب عن مدى ما ّ‬

‫فالذين يجمعون ثرواتهم عىل حساب انهيار الوطن يجب ان يذهبوا اىل الجحيم‪ ،‬ونحن نعدكم انكم مهام اقمتم‬ ‫من تحالفات لن ننىس ما فعلتموه بنا ‪ ،‬انتم سامرسة ومرابون ال تستحون من يشء ونحن هذه املرة لن نكون‬

‫اغبياء وسنقول لكم بالفم املآلن ليس لكم عندنا ما يفرحكم‪.‬‬


‫يبق‬ ‫السجن انهارت ّ‬ ‫كل األشياء الجميلة أمامي‪ ،‬وسقطت جامل ّيات الحياة‪ ،‬ومل َ‬ ‫نفس ّية املاغوط‪ ،‬فقد قال‪ " :‬ففي ّ‬ ‫أمامي سوى ال ّرعب والفزع ال غري‪".‬‬ ‫ ‬

‫الخامتة‬

‫ٍ‬ ‫زفرات وخوف وأحزان وآالم جسديّة وفكريّة وروح ّية‪ ،‬فقدت معها‬ ‫إ ّن ما تحمله ال ّنفس املاغوط ّية من‬

‫رشد عىل ال ّديوان كلّه‪ ،‬حتّى بدا كأنّه طبع من طباعه‪،‬‬ ‫صورة الذّات قيمتها‪ ،‬أ ّدى إىل غلبة األلفاظ‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة بالتّ ّ‬ ‫فالواقع املرير جعل املواطن يعيش يف غرب ٍة نفس ّية واجتامع ّية مل ترتك له إلّ الشّ وارع ملجأ؛ وظهر الخوف كعامل‬

‫السجن‪ .‬خوف ترسبل إليه جراء ظلم‬ ‫تجسد يف الخوف من ظلم األنظمة االستبداديّة‪ ،‬ومن دخول ّ‬ ‫اجتامعي آخر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومتزيق ألوردته ورشايينه‪.‬‬ ‫األنظمة‪ ،‬للتّعبري عن الغضب الذي يسيطر عليه‪ ،‬فف ّجره بِـ" َع ٍّض"‬ ‫ٍ‬

‫رشد‬ ‫رشد لصيقاً باملاغوط‪ ،‬إىل درجة أن التّسكّع أصبح متعة وطبعاً‪ ،‬فهو يرسم صورة التّائه املت ّ‬ ‫كان الشّ عور بالتّ ّ‬ ‫كل ما حوله يُشعره بالخوف‪ ،‬فنقل صورة ذات‬ ‫حلً‪ ،‬فلجأ إىل الشّ وارع واألرصفة‪ ،‬أل ّن ّ‬ ‫الذي ال يعرف لوضعه ّ‬

‫حطّمها هذا الهلع ؛ فبط ُْش األنظمة العرب ّية الحاكمة واستبدادها تجعل املواطن يعيش يف خوف دائم منها‪ ،‬ومن‬ ‫ ‬

‫السجن‪.‬‬ ‫مغ ّبة الدخول إىل ّ‬

‫السياس ّية املستب ّدة بالشّ عب‪ ،‬وتوريث الخوف من بطشها عرب األجيال‬ ‫وأخ ًريا‪ ،‬ميكن القول إ ّن ظلم الطّبقة ّ‬

‫ول يُرجى ألمجاده أن تعود‪ ،‬وحرسة‬ ‫رشد‪ ،‬إلظهار حزنه عىل زمنٍ ّ‬ ‫لقرون‪ ،‬دفعا الشّ اعر إىل الغرق يف الخوف والتّ ّ‬

‫أليمة عىل واقعٍ أسود يُ ّ‬ ‫ذل فيه الشّ عب بأحقر الوسائل‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ - 1‬صادق دهكردي وكاللة بناهي‪ :‬الحزن واألمل يف شعر مح ّمد املاغوط‪ .‬مجلّة اللّغة العربية وآدابها‪ ،‬السنة التاسعة‪ ،‬العدد الثّاين‪ ،‬صيف ‪1434‬هـ‪،‬‬ ‫ص ‪73‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫أدب‬

‫انتظار عودة النورس‬ ‫د‪ .‬مرياي أبو حمدان‬

‫ارتشفَت فنجا َن قهوتِها الوقور ِة‪،‬واسرتسلَت يف محاكاة نكه ِتها اللذيذة‬

‫‪،‬فتمضمضت بألسن ِة‬ ‫ِ ‪،‬وساف َرت إىل عا ٍمل مسحو ٍر بالشّ وقِ والحن ِني‬ ‫َ‬ ‫الذ ِ‬ ‫السنني‪،‬وقالَت مستقبل ًةحارضا ً‬ ‫ّكريات ‪،‬وقد سالَت بني يديها رضاوة ّ‬ ‫رونق فيه‪:‬‬ ‫باردا ً ال َ‬

‫أتاح العم ُر بيننا حبيبات ال ّندى وملسات‬ ‫"أَترى‪،‬عشقي الكبري؟كيف َ‬ ‫َ‬ ‫األمل‪،‬وفرش ورو َد الكرم ‪،‬وضا َع‬ ‫َ‬ ‫النحيل ربو َع‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬فأبرق الظ ُّ​ّل‬ ‫الهوى‬ ‫السمرِ"‪.‬‬ ‫العم ُر بني أغلف ِة ّ‬ ‫ُ‬ ‫ثم أردفَت بصوت مرتجف‪":‬قد َ‬ ‫ُ‬ ‫الوصال ‪ ،‬وها أنذا أحيا بني شآبيب الرتقّب واالنتظار‪ ،‬انتظار‬ ‫الفراق واندث َر‬ ‫طال‬ ‫عودة خلجات فؤادي ‪،‬هم أوالدي مييلون مع غياهب النسامت‪،‬ويفرتشون أجنحة النورس"‪.‬‬

‫اقرتب ذاك الزوج الذي ارتس َمت عىل مح ّياه صدمات الدهروعنفوانه ‪،‬وخطت عىل جبهته خيوط التجارب‪،‬‬

‫رضجتني زمناً‪:‬‬ ‫وأرجوحة الزمان ‪،‬قال وهو يحتضن يدي زوجته املثقلتني وجعاً وامل ّ‬

‫"أتذكرين دامئاً كتائب األلحان‪،‬وتسألني مالكاً حسن املآب ‪،‬وتسجدين أمالً بربيعٍ جديد‪،‬فتعودين إىل سنني‬ ‫بعيدة‪،‬وتدغدغني أياماً جميلة ‪،‬فتذرفني دموعاً ثقيلة ‪،‬وتتأ ّوهني وجع الفراق" ‪.‬‬ ‫وتابع متاملاً‪":‬تلك أيام طوال ذهبت مع رياح عاتية وأخذت معها كل جميل‪،‬وأصبحت الدقائق والثواين أمالً يف‬ ‫اللقاء الخجول"‪.‬‬ ‫أردف وتنهداته العميقة قد ب ّحت صوته‪:‬‬ ‫حام‪،‬وتدب الحياة صفاء الوئام‪ ،‬أتذكرين؟‬ ‫‪،‬فيعج املكان عجيج ال ّز‬ ‫" أتذكرين حني كان ابناؤنا يجوبون ديار ال ّرحاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حينها تفجعنا رصرصة األبواب ‪،‬وتتعبنا طقطقات الكواعب‪،‬وترهقنا ضوضاء املتاعب أمام هول املطالب‪ .‬آه ‪،‬كم‬

‫كانت جميلة تلك األيام! كم كانت رقيقة تلك األشواق! كان ينترش يف الداريف تلك اللحظات أرجوان ال ّزهر ‪،‬وتفوح‬ ‫السحر‪،‬فتطيح الجلبة بأركان األسوار‪،‬وتفرح أحجاره مهلّلة بحبور األكباد‪.‬‬ ‫رائحة ّ‬ ‫كم كنت أبلّل رمقي من وهج نظراتهم ! يغىش فؤادي القهر الذي ص ّدعته مواجع األيام"‪.‬‬


‫ارحلوا فالوطن ميلء باالدمغة التي عطلتم دورها وهؤالء هم الرسج املضيئة التي مل تلوثها دهاليز السياسة‪،‬‬ ‫هؤالء من ينالون ثقتنا بعد ان ندرك انهم انقياء ميكنهم ان يبنوا وطنا عىل قدر تطلعاتنا‪،‬هؤالء من نرتجي فيهم‬ ‫نهوضا لهذا الوطن وابنائه الذين هاجر قسم كبري منهم بحثا عن لقمة العيش املجبولة بعرق الجبني‪،‬اما انتم فقد‬ ‫خرستم الرهان حني فضلتم مصالحكم عىل مصلحة الوطن والشعب ‪ ،‬فمحكمة التاريخ لن ترحمكم طاملا هنالك‬ ‫انسانية تطمح اىل قراءة ذاتها بصدق وواقعية ‪ ،‬وطاملا الحياة تتجدد فغيبوا اىل حيث ال نراكم ابدا انتم من‬ ‫اغرقتم الوطن وسلبتم عافيته‪.‬‬ ‫وسيكتب التاريخ يوما ان االوطان برجالها ال بطفيلييها الذين استغلوا حتى املاء والهواء ان حصانة الوطن ال‬ ‫تكون اال مبتعلميه من اصحاب الفكر والخربة واالخالص لله يف كل اعاملهم فلنا ان ننظر الزمن القادم عله يحمل‬ ‫لنا البرشى بالخالص ويرفع الضيم واالمراض املتعددة عن كاهل هذا الوطن الذي نحب ان نراه معاىف فنتعاىف معه‬ ‫ونحتضنه منية القلب ‪ ،‬ونزهة العني ‪ ،‬ومهوى االفئدة التواقة اىل الخري واملحبة والسالم‬


‫ُ‬ ‫االنتظار‪،‬وكث أنني البقاء ‪،‬وتدحرجت دمعات البحار‪ ،‬فأمسكت تلك املرأة يد نصفها اآلخر‪ ،‬وترنّحت‬ ‫وطال وفاء‬ ‫وتعانق َوحديت‪،‬أنت صولجان ق ّويت ‪،‬أنت‬ ‫رسيت التي ترعى ُحلمي‬ ‫ُ‬ ‫مشغوفة بحل ِمها الحارض وسكونِها الدافئ‪:‬أنت م َّ‬

‫ُ‬ ‫املطاف الذي يداوي جرحي ‪،‬أنت التأ ّوهات التي أبثّها داخل أوجاعي ‪،‬أنت الصديق الذي سيهزِم وحديت ‪،‬أنت‬

‫الدرب الذي سأوافيه اىل آخر عمري‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫هيب‪:‬ضا َعت بوصل ُة األيام ِ التي سترسق منا األحبة‪،‬رمبا لن يعودوا‪،‬لن يعودوا‪ ،‬فقد احتال الزمن‬ ‫أجابت‬ ‫بصمت َم ٍ‬ ‫عىل القلب فعرف أَن العمر ٍ‬ ‫ماض ال محالة ‪،‬ولن أفو َز برؤية ابنايئ‪.‬‬ ‫املشيب يف رحل ٍة أبدي ٍة‪ ،‬مع‬ ‫وغاب الشي ُخ مع‬ ‫األهل ابنا َءهم‪ ،‬وع َجز الص ُربعن صربهم ‪،‬‬ ‫الوقت ُم ّرا ً ‪،‬وانتظ َر ُ‬ ‫م َّر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الحب املبتورِ‪،‬وظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫مجروح‪،‬وطال‬ ‫املهزوم يف زمن أعمى‬ ‫درجات اليوم‬ ‫فعتب عىل‬ ‫أم العود ِة املسلوب ِة‪،‬‬ ‫تنهيدات‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬

‫فسحق األفئد َة وأسق َمها ‪.‬‬ ‫األمل‬ ‫‪،‬وجف ُ‬ ‫البعا ُد إىل ما وراء البحار‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الحب‪ ،‬ينتظر‪،‬والقلب يلتوي‪ ،‬والروح تكتوي داخل عرين‬ ‫وجلس ينتظرموع َد اللقاء ‪،‬ينتظر قداس َة اللقا ِء‪...‬وما زال‬ ‫ُّ‬ ‫األيام !‬

‫ه ّوين ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صامت‪،‬وأَود َع كلامت َه يف صندوقِ‬ ‫خافت‪ ،‬وأ ٍمل‬ ‫بصوت‬ ‫عليك حبيبتي هم سيعودون‪...‬هم سيعودون‪...‬قالَها‬ ‫آمالِه ‪ ،‬و‪...‬ومىش‪..‬اىل مكانٍ لن يعو َد منه أبدا ً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يك أملَها اىل َ‬ ‫أولئك الذين أود َعت عم َرها يف‬ ‫النوارس الصلب ِة لتشت َ‬ ‫وهي يف ركنِ منزلِها الحزين جلست تنتظ ُر عود َة‬ ‫جعب ِة محب ِتهم‪،‬وكيف ال وهي التي أغدقت أيامهم دعاء صالحأ ينريدربهم‪،‬ويض ُّخ األملِ يف ربو ِع حياتِهم‪.‬‬ ‫لعل الحل ُم يرنو إليها‪،‬فتض ُّم اىل صدرِها ما يهواه قل ُبها‪.‬‬ ‫أنا أنتظ ُر‪...‬أنا أنتظ ُر‪...‬كلم ٌة ر ّد َدتها ّ‬


‫قالها متكئاً عىل عكازه الويف وتابع ‪":‬كم كنت أستقي من أحالمهم مؤنة غدي‪ ،‬وأش ّيد لهم عشّ اً يحمي‬

‫دي‪.‬أتذكّر حني عدت من عميل وكان ولدي ماهر يعاين من حرارة‬ ‫فجرهم‪،‬فيلوذون حامة‪ ،‬وينضوون رعاة يف كنفي ال ّن ّ‬ ‫مرتفعة وقيء مستمر‪،‬كان يرتجف خوفاً من وجعه‪،‬وعيناه الجميلتان تربقان وجالً‪ ،‬ووجنتاه الحمراوان تلوذان اىل‬ ‫صميم قلبي ‪.‬أتذكرين يا عزيزيت كيف ارمتى يف حضني وبىك بكاء شديدا ً ‪،‬وبكيت معه بصمت حتى ال أخيفه قبل أن‬ ‫أطلب الطبيب ملعاينته‪.‬هذا ماهر ولدي الغايل ‪.‬‬ ‫وهذا نسيم ولدي الجميل أذكره حني يأوي اىل فرايش ‪،‬و ينام برهة يف حضن أمه وبرهة اخرى يف حضني‪ ،‬أذكره‬ ‫حني يحرش جسده يف حضني وتحت كسايئ الستدرار الدفء واستجالب الراحة‪ ،‬وهو ٍ‬ ‫غاف يلتهم املنضذة التهاماً‬ ‫‪،‬وأجزع أن أتحرك خوفأ من إيقاظه‪ ،‬ما زلت أذكر ذاك النفس العميق الذي يدغدغ فرايش ‪،‬ويفرش غفويت حبأ‬ ‫وطأمنينة‪.‬‬ ‫حينها مل َعت دمعتان عىل وجه تلك املثقلة باملتاعب فتأ ّو َهت شوقاً وتأ ّز َرت شغفاً‪،‬حينها التوت عىل‬ ‫كنبتها‪،‬وص ّعرت خ ّدها‪،‬وارمتت عىل كتف ذاك الشّ يخ املجلبب حرسة‪":‬آه يا زاهية كم أشتاق اىل نور وجهك البهي‪،‬‬ ‫وحضور صوتك الشجي ! كم أشتاق اىل ملمس يديك الناعمتني ‪،‬وقبالتك التي أشتاق لها خداي!"‬ ‫بكَت طويالً ثم مس َحت دمو َعها وقالَت‪":‬أشت ُّم رائح َة قدو ِمهم ‪ ،‬وعنا ِقهم بقو ِة الصخ ِر ‪، ،‬وأبس ُم أمام مرآة االنتظار‬ ‫‪،‬أمالً بلمس منبتهم ‪،‬وافرتاش حضنهم ‪،‬فأمللم جراح ال ّدنيا‪،‬وأطوي كنوز الجامل‪،‬وأغمس هذا الحنان يف تلك القلوب‬ ‫الطّاهرة‪ .‬أضافت وقد مأل قلبها اليأس ‪:‬نعم ‪،‬نحن وحيدان إىل األبد يا رفيقي‪،‬سأطوي أيامي بشوق جارف لن ينضب‬ ‫أبدا ً‪،‬سينبت يف أركان البيت شوقاً وحنيناً بدالً من ذبذبات أصواتهم وضحكاتهم"‪.‬‬ ‫ثم قالت بحزن واستسالم لقدرها ‪":‬ويلك يا زمن ! قلّدتك لألبناء ال ّدعاء فبايعتني البعد والفراق‪،‬سلّمتك زمام همومي‬ ‫فشققت أوجاع قلبي‪ ،‬ورميتها يف وا ٍد سحيق‪،‬أعطيتك شقائق ال ّنعامن التي تهاوت يف مروج املرجان فآويتني يف بطحا ٍء‬ ‫ُعجاف تشخذ الشّ وق املُناف"‪...‬‬ ‫عندها خبأت وجهها النبيل براحتي كفيها املرتجفتني وانهارت بالبكاء ‪،‬ثم رسحت بعيدا ً متساءلة‪:‬أت ُرى هل سيعودون ؟‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ صاح الشّ يخ العجوز ‪":‬صربا ً جميلتي ‪،‬أال ترين أنك تقسني عىل الزمن الواهي‪،‬وتلومني القدر الجايف وتغفلني‬ ‫الحلم الدامي؟ أنت تغالني يف خوفك ‪،‬كوين مطمئنة لأليام القادمة رمبا سيعودون فجأة ‪،‬حني تخف وطأة العمل‬ ‫والك ّد ‪.‬هم ابناؤك ورقّة قلبك ‪،‬هم نور حلمك الذي يسطع يف سحائب الكون‪،‬هم جنود ال ّدعة يف رحلة العمر ‪،‬هم‬ ‫منضوون يف مخازن العمل الدؤوب‪،‬هم مغمورون بكنوز من هموم ال ّدهور‪،‬هم مسلوبو ال ّراحة من أنوف األجور‪.‬‬

‫صحيح أن للزمن أيادي خف ّية ترسق القلوب البه ّية‪،‬وتخفي املباهج الذك ّية يف مغاور الوحوش األذيّة"‪.‬‬




‫إن كلمة "أحياناً" يف هذه القصيدة هي أشبه بالواحة املوجودة يف صحراء قاحلة‪ ،‬تدنو منها شاعرتنا بشفا ٍه ظأمى‬ ‫إمياض قاس‬ ‫ٌ‬ ‫ول ْوعة ودا ٍع "أخنى عليها الذي أخنى عىل لُ َب ِد"‪ .‬أ ّن تعامل رانية مع الزمن هو‬ ‫تعامل إميايض‪ ،‬ولكنه ٌ‬ ‫تحس وأنت يف حرضة الوميض بهجوم ظالم الوداع‪ ،‬وقتها تكون كلمة التحية أقرب إىل تلويحة الوداع‪.‬‬ ‫ونازف ّ‬ ‫وإلحساسنا بلوعة اإلمياض وقساوته ونزيف ما تركته مخاوف الوداع نقرأ للشاعرة يف هذه القصيدة‪/ :‬أحياناً‪/‬‬

‫قلب الذكرى‪ /‬نتج ّم ُل ليس للقاء‪ ،‬بل لوداع‪ /‬يك متوتَ األغاين‬ ‫لهب َ‬ ‫نتأنّ ُق لنقه َر الحزن‪ /‬نرتدي حمرة النار ل ُن َ‬ ‫الكاذبة حرسةً‪ ./‬يف هذا املقطع نتذكر قول املتنبي‪:‬‬

‫فلم التقينا‬ ‫فافرتقنا َح ْوالً ّ‬

‫يل وداعا‬ ‫كان تسلي ُمه ع ّ‬

‫إ ّن أقىس لحظات القلق عند العاشقني هي لحظة اللقاء‪ ،‬يف هذه اللحظات يعلو الخوف كثريا ً حني ت ِع ُّن لحظة‬ ‫الفراق‪ ،‬والعاشق يف كينونة اللقاء الغامر‪ .‬إن هجوم الوداع يف شعر رانية مرعي معرب بقسوة عن لهفة فتاة تخاف‬ ‫الوداع وهي يف حرضة اللقاء‪ .‬وتتأنق شعرياً فعالً بصورة رائعة حني تلبس الفرح لتقهر الحزن وتهزمه‪ ،‬وهذه رؤيا‬

‫تح ّولت إىل رؤية‪ ،‬أهنئك عليه يا رانية‪ .‬التأنق األنثوي الجاميل أقوى أسلحة حواء منذ طردها وهبوطها مع آدمها‬ ‫من جنة الخلد‪ .‬وأنا أعتقد أن الذي طردهام من الجنة هو إواء حواء‪ ،‬و َمل َُل ِكلَ ْيهام من الروح املالئكية التي كانت‬ ‫وتحل فيهام‪ ،‬وهام يف الجنة‪ .‬لقد انترص فيهام اإلنسان عىل املالك‪ .‬ألن املالك يفعل ما يُؤ َمر‪،‬‬ ‫تسكنهام يف الجنة ُّ‬

‫أحب‬ ‫وكأنه آلة‪ ،‬أما هام فقد تح ّديا النعيم ليامرسا إنسان ّيتهام خارج جدران الجنة‪ .‬كان عذابهام عىل هذه األرض َّ‬ ‫إليهام من الجنة ونعيمها املقيم‪.‬‬ ‫رانية مرعي يف اللقاء ترتدي حمرة النار ليك ت ُبقي يف الوداع لهفة اللقاء‪ ،‬وليك يظل لهب الذكريات حارضا ً‪،‬‬ ‫"والذكريات صدى السنني الحايك" كام يقول أحمد شوقي‪.‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫أدب‬

‫قراءة يف قصيدة ‪ " :‬أحيانا" لرانية مرعي‬ ‫عمر شبيل‬ ‫ذنوب الخلو ِد يا ح َّوا ُء"‬ ‫"إنها‬ ‫ُ‬ ‫بول فالريي‬ ‫"من دون الحب كل املوسيقى ضجيج‪ ،‬كل الرقص جنون‪،‬‬ ‫كل العبادات عبء" جالل الدين الرومي‬ ‫الشاعرة رانية مرعي تكتب الشعر‪ ،‬وهي مت ّر مبعاناة سحيقة‪ ،‬ولهذا‬ ‫تواجه املعاناة والحياة بقوة سحيقة‪ ،‬فالشعر عندها ليس ترفاً‬

‫صياغياً‪ ،‬وإمنا هو "صياغة فنية لتجربة برشية" كام يُع ِّرف الناقد‬

‫الفرنيس"سانت بيف" الشعر‪ .‬هذا يعني أ ّن املسافة بني عينيها وقلبها ال مت ُّر عىل الظنون التي تتهم الشعر بأنه‬

‫ليس شعرا ً‪.‬هذا االتهام أمارسه شخصياً وأنا أقرأ نظامً يسمونه شعرا ً‪ ،‬ورمبا انحدر عن مستوى النظم نفسه‪ .‬أما‬

‫رانية مرعي فقد جعلتني أقلع عن هذه التهمة‪ ،‬ألن قصيدتها "أحياناً" هي شعر‪ ،‬وهي تتميز بفرادة ذاتية عالية‪،‬‬ ‫وتذكرين هذه الفرادة بقول أحد النقاد‪" :‬إذا مل أكن واحداً فكيف تفهمني"‪ ،‬فالشعر إيجاد وخلق‪ ،‬وليس وهامً‬ ‫وتقليدا‪ ،‬ولذا كان الشعر عرب كل العصور اإلنسانية رضور ًة كونية‪ ،‬إنه تأريخ للعامل ال ُج ّواين الذي نأوي إليه كلام‬

‫عانينا وهزمتنا خيول الدهر التي ميتطيها الزمن القاحل‪ ،‬ويل ِّوح مبناديل الوداع ونحن يف حرضة اللقاء الحميم‪،‬‬ ‫فالشعر بهذا املعنى دواء‪ ،‬وكم هو عميق قول ذلك البدوي العاشق قيس بن املل َّوح‪ ،‬وهو يتداوى من معاناته‬

‫الوجدانية بالشعر‪:‬‬ ‫رش ِف األيفا َع إالّ صباب ًة‬ ‫فلم أُ ِ‬

‫ومل ِ‬ ‫أنش ِد األشعار إالّ تداويا‬

‫القصيدة جاءت بعنوان "أحياناً"‪ ،‬وحني ولَ ْج ُت مكنون القصيدة عدت إىل العنوان متلمساً معاناناة الشاعرة‪،‬‬

‫فالعنوان رسقة للزمن الجميل حتى بعذابه‪ ،‬يتصاعد وميض ثم يخبو بفعل الزمن‪ ،‬وهذا يعني أنا هناك شيئاً أقوى‬

‫أرض‪ ،‬وال يجمع بينهام إالّ‬ ‫أرض ولألموات ٌ‬ ‫من الزمن ميثله الحب املتَّقد يف القصيدة‪ ،‬يقول أوسكار رايلد‪" :‬لألحياء ٌ‬ ‫الحب"‪ ,‬الحب أقوى وأكرث حضورا ً من الزمن نفسه‪ ،‬وهو وحده الذي جعل الشاعرة رانية مرعي تقاتل الزمن‬ ‫الداكن بوميض يأيت من العنوان "أحياناً"‪.‬‬


‫طائرا الفينيق‬ ‫أدب‬

‫دراسة في شعر عمر شبلي‬ ‫الشاعرة رانية مرعي‬

‫تجربتي مع الشعر والحياة‪:‬‬ ‫أنا سأقدم لك ذايت مثقفاً عرف الحياة من خالل احتكاكه الحاد بالثقافة‬ ‫وترجمتها سلوكاً عرب تجربة نضالية أخذت أجمل سنوات عمري‪ ،‬وكان‬ ‫الشعر لصيق تجربتي الصعبة مع الحياد وأحداثها‪ ،‬وكان شعري انفجار‬ ‫آمنت به‪ .‬شعري يحيك قصة شاع ٍر سجني‪،‬‬ ‫عم ُ‬ ‫تجربتي يف املعتقالت ذودا ً ّ‬ ‫يالمس وجدا َن أمته‬ ‫أعطى عمره وقلمه ألمته وشعبه‪ ،‬وحاول بالشعر أن‬ ‫َ‬

‫وآالمها وآمالها‪ ،‬وحىك تجربته اإلنسانية‪ ،‬وموقفه أمام الحياة واملوت‪ ،‬وعاىن مأساة انهيار ما كان يحلم به عىل مستوى‬

‫الفرد والجامعة‪ ،‬وقىض أيام شبابه يف املعتقالت مؤمناً أن نضال شعبه هو جزء من نضال اإلنسانية النتصار قيم الحق‬ ‫والجامل والحرية‪ .‬وكان حزنه غامرا ً وطاغياً عندما رأى الراية تتمزق تحت حوافر خيل الغزاة يف لبنان وفلسطني‬ ‫والعراق وعىل امتداد خارطة هذا الوطن العريب املزدحم بالفقراء واملناضلني‪ ،‬وراح يتساءل يف أ ٍمل وح ّدة‪ :‬لِ َم انهزم‬

‫الفقرا ُء واملناضلون‪ ،‬وملَ سقطت الراية؟‪ .‬ويف فرحة طفل راح يهتف للمقاومني يف لبنان وفلسطني والعراق‪ ،‬ويقول‪" :‬يا‬ ‫ليتني كنت معكم"‪ .‬كان يعتربأن نضال شعبه هو جزء من نضال اإلنسانية ضد الظلم والجوع والقهر والتخلف‪.‬‬

‫لقد كانت آالمه وأحزانه كبرية آل ّن آماله وأحالمه كانت كبرية‪ ،‬وحىك عن ضعفه وقوته وعن يأسه وأمله ‪ ،‬وظل واحدا ً‬ ‫الجرح‬ ‫مل يتناثر‪ ،‬ومل يهِن أبدا ً وهو يعاين الغربة والظالم يف الزنازين واألقبية‪ ،‬لقد كابر‪ ،‬وتكبـَّر عىل الجرح حتى لكأن‬ ‫َ‬ ‫الضامد‪.‬‬ ‫تجربة األديب سبب إبداعه‪ ،‬فلألديب املبدع وجود خاص‪ ،‬وخصوصيته تنبع من فرادته الرؤيوية‪ ،‬وتنبع من حريته يف‬ ‫التعبري عن أمله الفردي وأمله الجمعي يف آن‪ ،‬إن األمل من أندر الصفات اإلنسانية يف إثارة التوهج وش ّن املعارك‬ ‫الداخلية عىل األعصاب والروح معاً‪ ،‬فالغربة‪ ،‬واملوت واملعتقالت والسجون‪ ،‬والعشق املكسور‪ ،‬والحرية املعتقلة‪،‬‬ ‫أجمل‬ ‫واألحالم املهزومة‪ ،‬والقهر هي كلـُّها مصانع لألمل الذي يُ َح ِّوله الشاعر كلامت‪ ،‬فقد سئل أعرايب لِ َم مراثيكم ُ‬

‫شعركم‪ ،‬فقال‪" :‬ألننا نقولها وقلوبنا محرتقة"‪ ،‬وهكذا يظل االنفعال الناتج عن الغربة‪ ،‬غربة املوقف أوغربة املكان‬

‫أوغربة الحال مهيـِّجاً للروح لتتدفق أدباً خالدا ً‪.‬‬ ‫إن الشعر يف حقيقته هو التعبري عن قوة الوجود‪.‬‬


‫رانية مرعي‪ ،‬وبلفتة فنية مدهشة تتج ّمل وترتدي جاملها كلّه للوداع‪ ،‬وليس للقاء عىل عادة حواء املتسلحة‬

‫فلم تج ّملت للوداع؟‪ ،‬إنها تريد أن تجعل الوداع مستحيالً مبا تسكب من جاملها يف‬ ‫بإغراءات اللقاء الرشس‪َ ،‬‬ ‫أحايينه فريحل الجامل مع الحبيب الراحل‪ ،‬وكأنّ اللقاء يحسد الوداع بشدة حضوره الج ّواين خارج مراسيم‬

‫التجمل مصحوباً بتدفق الجامل الداخيل إىل حيث يصبح الجامل الداخيل شيئاً مرئياً ال‬ ‫ُ‬ ‫الجسد املريئ‪ ،‬وقتها يكون‬ ‫يستطيع العاشق خلعه مهام خلع من أمتعة‪ .‬وقتها يصبح الوداع لقاء مستحيل الزوال‪ ،‬وبهذا نفهم معنى‬ ‫العنوان "أحياناً" الذي يجعل الزمن أسري الومضة‪ ،‬وقد يزول العمر إال لحظة‪ ،‬وقد يضيق املكان األكرب يف مكان‬ ‫اللقاء‪ /‬الوداع‪ .‬وقتها تفوح رائحة اللقاء لتدخل يف الوداع‪ .‬وقد تكون وحدك‪ ،‬ولكنك لست وحدك حني يكون‬ ‫لديك طعا ٌم ٍ‬ ‫كاف من الذكريات التي تجيد املح َو واإلثبات يف آن‪ .‬وقتها تلغي الذكرى السفر يف ترابية الجسد‪،‬‬ ‫وتصبح هي القطار واملحطة يف اللحظة ذاتها‪ ،‬وإلثبات الحياة خارج املوكب الجنائزي تعلن رانية ببالغة فائقة‬ ‫أنها مستعدة للموت الذي يضمر الحياة‪/ :‬نداوي الجرح باليك‪ /‬وأنت تخلعني جنائزية بكّاءة طمرت كثرياً من‬ ‫توجه الشعر الريادي ملوت املوت‪ ،‬وبعث الحياة‪ ،‬وقيامة العنقاء من رمادها وعودة "أوليس" إىل "إيتاكا"‬ ‫و"بينلوبا"‪ .‬ال بد من تحويل الدموع إىل كربياء‪ ،‬رغم حرشجة الدموع التي تذهب إىل الداخل‪ ،‬ونحن ندري ومع‬ ‫رص"‪ .‬نعم ال بد من تحمل القسوة ونحن نخوض معركة صدّ‬ ‫قول عمر أيب ريشة‪" :‬وأق َت ُل الدمعِ ما ال ُ‬ ‫يلمح الب ُ‬ ‫اآلالم التي تودي باالتزان‪ ،‬أما آالم الوعي الداخيل فهي لصيقة بالوعي باستمرار‪.‬‬

‫أنت يا رانية تناضلني من أجل انتصار الحب‪ ،‬والحب مجىل الله فينا‪ ،‬و"كالهام للخلود الحب والل ُه" كام يقول‬ ‫الشاعر بدوي الجبل‪ .‬نعم يا رانية‪ ،‬إن انتصار الحب هو أعىل انتصار للقيم العليا التي نناضل من أجلها‪ ،‬وليس‬ ‫للحياة معنى إذا مل نجد شيئاً نعمل النتصاره‪ .‬والحب يف جوهره اإللهي مقرتن بالحرية‪ ،‬يقول غارسيا لوركا مخاطباً‬ ‫حبيبته‪" :‬ما اإلنسان دون حرية يا ماريانا‪ ،‬قويل كيف أستطيع أن أحبك إذا مل أكن حرا ً‪ ،‬كيف أ َه ُب لك قلبي إذا مل‬ ‫يكن مليك"‪ .‬إن ِ‬ ‫قلبك يظهر يف كلامتك يا رانية‪ ،‬فال ت ُلغي املسافة بينهام‪.‬‬ ‫البلبل الغ ّريدَ يأكل الشوك مع الورد‪ ،‬ولكن ما أروعه حني يح ّول الشوك والورود ألحاناً تزيل أىس الشوك‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫بد من املعاناة يا رانية لينترص الحب‪.‬‬


‫والعجيب أن يكون للحزن يف النفس صلة باإلبداع املتصل بالخلود وأن يكون له أثر مغ ٍّذ لهذه النزعة التي ال تفارق‬ ‫اإلنسان مذ يلقى الوجود إىل أن يوارى يف ثرى لحده‪ ،‬وإال َمل نكتب؟ و َمل نرس َم و َمل نتجشم َ‬ ‫هول املوت‪ ،‬أوليس يف هذا‬ ‫ألبس كربيايئ‬ ‫بحث عن الحياة التي ال تنتهي؟ كان الحز ُن اللباس الذي مل أب ِّدل ْـه إآل نادرا ً‪ ،‬وفوق لباس الحزن كنت ُ‬

‫أصبح إنساناً آخر‪ .‬ومع ذلك كنت أكابر‪ ،‬واملكابرة يف هكذا‬ ‫حني أكون أمام املحقق واملخربين‪ ،‬ويف غمرة الحزن كنت ُ‬

‫حاالت هي فعل أخالقي‪ ،‬ألنها هي ما يجب أن يكون يف زمن االنهيارات الكربى‪ ،‬وأنا اآلن أتساءل‪ ،‬وأنا خارج السجن‪،‬‬

‫كيف يستطيع اإلنسان أن يتامسك وهو ينهار‪ .‬إن هذا من أرسار النفوس الكبرية‬ ‫"برندك" وحاممات "رينا" "ولك ْن ُ‬ ‫ْ‬ ‫أي‬ ‫لقد شاركت أبا فراس الحمداين حزنه وكربياءه‪ ،‬وناجيت حاممات‬ ‫قتال الروح ُّ‬ ‫قتا ِل" ‪ .‬كان أبو فراس إذا أضواه الليل َّ‬ ‫أذل "دمعاً من خالئقه ال ِك ْ ُب"‪ ،‬وأقنعني ابن الرومي بأن الدمع يشفي‪ ،‬و"مل‬

‫الغرب عن بلد النخل"‬ ‫ً"‪.،‬وبكيت مع صقر قريش حني رأى نخل ًة‪" :‬تناءتْ بأرض‬ ‫يخلق الدم ُع المرئٍ عبثا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الشعر هو تاريخ الشعوب الحقيقي‬

‫رصا ً عىل أن مسرية التاريخ الصحيحة ال تـُد َرك من خالل ما كـُتـِب تحت راية السلطة ويف ظلها‪ ،‬وإمنا‬ ‫كنت‪ ،‬وال أزال م ّ‬ ‫َ‬ ‫أصدق من كل‬ ‫يـُق َرأ التاريخ الحقيقي يف األدب ‪ ،‬ويف الشعر تحديدا ً‪ .‬إن عمر بن أيب ربيعة يعطينا صورة عن عرصه‬ ‫املؤرخني الذين كتبوا عن تلك الحقبة‪ ،‬وعن الحياة االجتامعية يف العرص األموي‪ .‬وأبو نواس يؤ ِّر ُخ حقيقة العرص‬

‫يحج سن ًة ويغزو أخرى"‪ .‬األدب‬ ‫العبايس بشعره بكل مافيه‪ ،‬ومبا ال ينسجم مع قول الطربي يف هارون الرشيد‪" :‬كان ُّ‬

‫هو التأريخ الداخيل والعلني لروح عرصه‪ ،‬وهوتعبري خارج رقابة السلطة حني يكون شعرا ُ‪ ،‬وحده هو التاريخ الحقيقي‬ ‫للروح اإلنسانية‪ ،‬ولتحوالتها‪ ،‬وتساؤالتها الكونية التي ال تنتهي‪ ،‬إن الشعر الحقيقي هو نقيض السلطة باستمرار‪.‬‬ ‫والشعر الخالد هو تاريخ األمم الحقيقي‪ ،‬والبد هنا من اإلشارة أن األمم خلدت مفاخرها وقيمها بالشعر وليس بالنرث‪.‬‬ ‫إن إلياذة هومريوس عند اليونانيني هي كتابهم املقدس‪ ،‬وكذلك الـ "شاهنامه" للفردويس عند الفرس ال تزال موجودة‬

‫يف أرواحهم وأفكارهم‪ ،‬وهم يعتربون شعر حافظ الشريازي مقدساً‪ ،‬والشعر الجاهيل عند العرب كان مقدساً‪ ،‬ويـُعلـّق‬ ‫عىل أستار الكعبة‪ ،‬وكانت القبائل ترسل وفدا ً لتهنئة قبيلة أخرى إذا ظهر فيها شاعر مجيد‪ ،‬ومل يستطع اإلسالم بكل‬ ‫حضوره الروحي والسلطوي واالجتامعي أن يلغي الشعر من حياة العرب وال من تعاطيهم الشعر كالغذاء‪ ،‬وكان‬ ‫الشعر هو تاريخ العرب الحقيقي وديوانهم‪ ،‬وكانت قصيدة تثري حرباً‪ ،‬وقد سجن عم ُر بن الخطاب الشاع َر الحطيئة‬ ‫ألنه هجا الزبرقان بن بدر زعيم بني متيم‪ ،‬واشرتى الخليفة عمر من الحطيئة أعراض املسلمني حني اضطر إلخراجه‬

‫من السجن بعد توسله بأطفاله الجياع‪ .‬وكاد معاوية أن يقطع لسان األخطل التغلبي‪ ،‬لوال تدخل يزيد‪ ،‬ألنه هجا‬ ‫األنصار‬


‫الحزن ووالدة الشعر املتمرد‪:‬‬ ‫وكنت أرى أن الكتابة امللتزمة بقضايا اإلنسان العليا هي إعادة بناء العامل وتهدميه يف آن‪ .‬فالشعر بهذا املعنى‬ ‫ثورة وحرائق مستمرة‪ ،‬وكنت أرى أن الشعر واحة وارفة الظالل واملياه يف تربة الحضارة اإلنسانية‪ .‬كنت إنساناً‬ ‫يض ُّخ يف شعره حنينه وحلمه وتوقه إىل املرأة والضياء والحرية يف جوف الزنزانة‪ ،‬ولذا مل يح ِّوله جفاف الزمن من‬ ‫الحلم املتحرك إىل صحراء قاحلة‪ ،‬ألن املرحلة األوىل من املوت هي موت الذكريات واألحالم‪ ،‬كان الحلم عقارا ً‬

‫مهدئاً‪ ،‬ألن الغربة تبدأ حني تتأكد وأنت قابع يف زنزانتك أن ليس مث ّ َة يش ٌء آخر سوى حلول املساء‪ .‬وبهذا املعنى‬ ‫يُلغى الزمن يف وجودك متاماً‪ ،‬ويصبح املايض وحده هو املوجود‪ ،‬حيث ال زمن للعمر القاحل الخايل من الحدث‬

‫واملفاجأة‪ .‬كنت متأكدا ً أن الزنزانة مأواي‪ ،‬أما روحي فلم أكن أستطيع السيطرة عليها‪ ،‬كانت متمردة والهثة وراء‬ ‫اب ماء‪ ،‬وكانت تقنعني باستمرار أن القلب‬ ‫ما يشبه الرساب‪ ،‬كان الحنني يجربها عىل املالحقة‪ ،‬فرمبا يصبح الرس ُ‬

‫أكرث حضورا ً ووعياً من العقل‪ .‬وبدأت كثافة الكآبة تتحول إىل فعل جسدي‪ ،‬وهكذا مل أكن وحدي حزيناً‪ ،‬فالجسد‬ ‫الذي كنت مقيامً فيه صار حزيناً أيضاً‪ ،‬وصار وجهي قاحالً كصحراء ليس فيها زمان والينابي ُع وال آثار قوافل‪.‬‬ ‫هكذا كنت أهجس وأنا يف حرضة العذاب‪.‬‬ ‫كانت الكتابة الوجه اآلخر للرصاع مع املوت‪ .‬لقد قال ”هاملت” أروع ما لديه يف املقربة فل َم ال أكونه؟!!‪ .‬كان‬ ‫التوازن يف العاصفة مينحني جذعاً قوياً‪.‬‬ ‫البد من الكتابة‪ .‬القرار مل يكن وافدا ً من الخارج‪ ،‬لقد كان القرار نابعاً من امتالء نفيس بعنارص الخلق ولذا الب ّد‬ ‫من تفريغ الشحنات يف الكلامت‪ .‬رصت كالطائر الح ِّر يف قفصه كام يقولون‪.‬‬

‫أنا اكتشفت األرض املوعودة من قاع زنزانتي ولكن أين األوراق واألقالم لكتابة الشعر واالحتفاظ به؟! الشعر هنا‬ ‫ٍ‬ ‫مجذاف وآخر ”مردي” يف يد ”جلجامش” وهو يبحر باتجاه جده‬ ‫ليس ت َرفاً لقد كان سالحاً ض َّد املوت كان آخر‬ ‫رس الحياة واملوت منذ أن جعلت اآللهة املوت من نصيب الرش واحتفظت لنفسها بالخلود‪.‬‬ ‫الذي يحتفظ ب ّ‬


‫ٍ‬ ‫كائنات حر ًة وذاتَ أعامر اآلن حني أعود لتلك القصائد أسرتجع الحالة التي كنتها أثناء كتابة‬ ‫كانت قصائدي تصبح‬ ‫أحسها ت ُـنشَ د خارج السجن‪ ،‬كنت أكتب عام هو إنساين يف عا ٍمل غري إنساين‪ .‬رصت‬ ‫هذه القصيدة أو تلك‪ .‬وكنت ّ‬

‫عمل أخالقي‪ ،‬وكلام ازدادت جاملي ُة ما نكتب ازدادت‬ ‫أؤمن أن الكتابة التي تساعدك عىل الخروج من عذابك هي ٌ‬

‫قيمته األخالقية أل َّن الكتابة الجميلة تزيد فرحتك فيضمر عذابك أكرث‪ ،‬والجامل التزام بحرية القول واملعتقد‪.‬‬ ‫وهكذا تتالزم األخالق وعملية اإلبداع الفني‪ ،‬وألن األدب يف جوهره ذاتي ُة مجتمعٍ مبقدار ما هو ذاتي ُة فر ٍد فإن‬ ‫األدب يصبح فعالً أخالقياً متقدماً وتسقط النظريات التي تعتربه ترفاً ال مربر له‪ .‬إن اإلبداع ينتشل اإلنسان من‬ ‫عدميته‪ ،‬فتنترص القصيدة عىل اآللة الحدباء‪.‬‬ ‫وألن الكتابة اإلبداعية هي نتيجة ت ّوت ٍر مستمر وحرائق لهشيم املبتذل املتكرر فهي ثورة مستمرة وتح ُّو ٌل إىل‬

‫املستقبل عرب اإلبداع والجامل‪ .‬وليس هناك أجمل من جعل اإلنسان مستقبلياً باستمرار‪ .‬إن الكتابة ليست تجربة‬

‫إنسان مطمور بني الكلامت‪ ،‬وإمنا هي تدريب للنفس عىل تجاوز األمل والعذاب وهزمية العالَم الذي يحاول هزمية‬ ‫القلب أمام سيطرة العلم الخايل من خفقة الروح‪ ،‬يجب عقد مصالحة عميقة بني العلم والروح‪.‬‬ ‫قصيدة "بكائية بثوب الحياة"‪:‬‬ ‫بكائي ٌة بثوب الحياة‬ ‫عىل ج ّث ِة ‪2020‬‬ ‫ما العم ُر‪ ،‬ما نحن‪ ،‬ما معنى العبـور به أليـس أ ّولُــــ ُه وهـمــــاً وآخــ ُر ُه؟‬ ‫نـلـبــس ُه َرث ّـاً ومهتــــرِئـــــــاً‬ ‫نظـل‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬

‫وكـلّـمــــا من ُعـرا ُه َح َّـل واحــد ًة‬ ‫هذا الحطا ُم الذي قد ُس َّن من َح َ ٍ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫رواحـلُـنـا‬ ‫إ َّن الــذي تـتـح ّرا ُه‬ ‫ظل َ‬ ‫طوال العم ِر خمرتَنا‬ ‫والوه ُم َّ‬

‫حتى ولـو َ‬ ‫زال بالـتـرقيعِ أكثـ ُر ُه‬ ‫ظل من عم ٍر نُـ َز ِّر ُر ُه‬ ‫رحنا مبا ّ‬

‫من طني أجسادنا كانت مقاب ُر ُه‬ ‫الناس أَنْ ُه ُر ُه‬ ‫هو الرساب وتغري َ‬

‫رص ُه‬ ‫نَسقي ونُسقَى وتُغرينا معا ُ‬ ‫يا عا ُم َ‬ ‫أرثيك‪ ،‬ك ّنا يف الطريق معاً‬ ‫ُ‬ ‫الدرب تزج ُر ُه‬ ‫حقوق‬ ‫بعض ال َعدا ِء‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫والجرح يبدو عىل ِ‬ ‫الس ِّك ِني آث َ ُر ُه‬ ‫ينطق يب‬ ‫فإ ْن َرث َ ْيتُ َك كان‬ ‫الجرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قلـــب يف جنــازتِــــ ِه شوقاً إىل خنج ٍر قد كان ينح ُر ُه‬ ‫فكم مت ّر َد‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫باملوت آخ ُر ُه‬ ‫والدرب ليس يُرى‬ ‫شئت يا ق َدري‬ ‫ُخ ِذ‬ ‫الطريق إذا ما َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّأن تشائني كوين ِ‬ ‫أنت يا ط ُرقي‬ ‫نزيف والضيا ُء به‬ ‫وهل يُوارى ٌ‬

‫الدرب أخط ُر ُه‬ ‫ومنجى‪ ،‬فأغىل‬ ‫أذى‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫وسال َ‬ ‫الدرب أطه ُر ُه!!‬ ‫هموم‬ ‫فوق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫واملقصود من هذا أن الشعر يدخل يف النسيج االجتامعي والروحي لألمم يف مراحل تطور وعيها االجتامعي‪،‬‬ ‫ووعيها الروحي‪ ،‬ورمبا كان هذا أكرث حضورا ً من كتابة املؤرخني التي مت ّر عىل غ ُـ َرف السلطة لتثبيت ما تشاء ومحو‬

‫ما تشاء‪.‬‬

‫متى يكون الشعر أصيالً‬ ‫لعمل أديب مبعزل عنها‪،‬‬ ‫سعي األديب إىل الحصول عىل االعرتاف به خيان ًة للحرية التي ال إبداع ٌ‬ ‫ورمبا كان ُ‬

‫فالحصول عىل االعرتاف يصحبه أحياناً كثرية نفاق وتدجني وخيانة للنص املنت َـج‪ ،‬وهذه كلها من مقاتل عملية‬ ‫اإلبداع‪ ،‬وكلام ابتعد األديب عن االرتزاق لالعرتاف به اقرتب أكرث من خصوصيته التي تكفل له وحدها االعرتاف‬ ‫خارج الوهم وخارج الخيانة والنفاق‪ .‬ورمبا كان الزهد القائم عىل اإلعراض عن كل ما هو مفتعل هو األسلوب‬ ‫الصحيح للحصول عىل االعرتاف الخايل من الوهم والتزيني الفارغ لخواء الجوهر‪ ،‬ورمبا هذا سائ ٌد وبنسب عالية يف‬ ‫عرصنا بسبب قوة اإلعالم وحاجته لالنتشار والكسب الرسيع‪ .‬وبسبب املفاهيم االجتامعية التي يتنكر بعضها لكثري‬ ‫من القضايا اإلنسانية املحقة‪ ،‬وأيضا بسبب السلطة التي تبثّ من األفكار التي تخدم استمراريتها‪ .‬ولعل العداء‬ ‫كل منهام‪ ،‬فالسلطة ظاهرة‬ ‫الدائم العلني واملض َمر أحياناً كثرية بني األدب املبدع وبني السلطة يعود إىل طبيعة ٍّ‬ ‫خارجية وافدة عىل النفس البرشية تعتمد عىل القوة الستمرار بقائها‪ ،‬بينام الشعر غريزة متوحشة تحاول‬ ‫باستمرار مهاجمة الخطأ‪ ،‬ومنبع هذه الغريزة املتوحشة هو الداخل املتمرد عىل كل ما هو عادي‪ ،‬وكل ما هو‬ ‫سلطة‪ .‬وإذا كان األدب وتحديدا ً الشعر‪":‬هو حنني العقل إىل طفولته" فهوي ّـت ُـه األوىل هي الطفولة‪ ،‬والطفولة هي‬

‫حالة نقدية بسبب براءتها‪ ،‬وبسبب عدم تقبلها للتسلط‪.‬‬ ‫األدب امللتزم فعل أخالقي‬ ‫عندما يكون الواقع أغرب من الخيال ال تكون العبقرية إالّ تسجيالً مبارشا ً ملا يحدث داخلك وخارجك وتكون‬ ‫ٍ‬ ‫وجبات دسمة‪ .‬أدركت عرب الجامل املولود‬ ‫جاملية ما تكتب مبقدار ما ت ُحيل السموم التي تسكبها الحياة فيك إىل‬ ‫يف الزمن القبيح أن األمل أصفى مرايا النفس الداكنة‪ .‬تحت جلدي كانت تنمو عوامل بال نهايات وكانت البوابات‬ ‫مبهم يأيت وال يأيت يف زمن طويل كعمر األموات‪.‬‬ ‫تنفتح باستمرار عىل يشء ٍ‬


‫عنك عىل الف ّخا ِر ملحم ًة مل ت ُ ْب ِق َ‬ ‫قرأتُ َ‬ ‫منك سوى ط ٍني ت َُس ِّو ُر ُه‬ ‫لك ّن أمني ًة َرف ّْت عىل ج َد ٍث تعلو عىل القرب والحفّا ُر يحف ُر ُه‬ ‫رض ُه خصباً مجام ُر ُه‬ ‫بنت لهف ِتنا‬ ‫يا ُع ْم ُر‪ ،‬إ َّن األماين ُ‬ ‫ُ‬ ‫والقلب أن ُ‬

‫َس َّوتْ مقاب َرنا ك ْوناً نُ َع ِّم ُر ُه‬ ‫وكل أمنـيـ ٍة كانـت تساورنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫تكس ُه‬ ‫جلجامش ُع ُمرا ً وقر ُن "ثور السام"‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يف السور قد صاغها‬ ‫"أوروك" ِ ُ‬ ‫وهم وكانت ميا ُه ِ‬ ‫املوت مت ُخ ُر ُه‬ ‫وراح مي ُخ ُر بحرا ً للخلو ِد عىل‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫واحتازها املتنبي وهو يرص ُخ يف‬

‫عمى‬ ‫ِْ‬ ‫ور ّدها عن ره ِني‬ ‫املحبسي ً‬ ‫والق ُرب يف دير "مار رسكيس" ت ُ ْخ ِص ُب ُه‬ ‫ِ‬ ‫املوت يابس ٌة‬ ‫وحولَ ُه شجراتُ‬ ‫قلــب الل ِه حانتَـ ُه‬ ‫"نَـ ِبـِ ُّيـ ُه" كــان‬ ‫ُ‬ ‫عت‬ ‫روح األلوه ِة من فَ ّخارِنا ُص ِن ْ‬ ‫ُ‬

‫فأس َك َر ُه‬ ‫َس َك ْب ُت ح ّبي عىل جرحي ْ‬ ‫رأيت موتاً يعاين من جنازتِـ ِه‬ ‫ُ‬ ‫سل ْكتُــ ُه أ َّمتي كانت بال قـ َد ٍم‬

‫خيلِ الزمانِ ‪ :‬أنا مويت سأع ُرب ُه‬ ‫عم ُر العباق ِر ليس املوتُ يُ ِ‬ ‫بص ُه‬

‫بحب ال يُغاد ُر ُه‬ ‫"سلمى كرامي" ٍ‬ ‫أخصب الق َرب‪ ،‬وال ِق ّمتُ تَ ْنط ُر ُه‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫وليس فيه سوى ضو ٍء يعاق ُر ُه‬ ‫اليـبـرح الل ُه شيئاً‪ ،‬وهو ِ‬ ‫فاخ ُر ُه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫عاص ُه‬ ‫والك ْر ُم يسك ُب ُه يف‬ ‫الكأس ِ ُ‬ ‫يرج املوتَ يع ُرب ُه‬ ‫فقلت ٌ‬ ‫ُ‬ ‫جيل ُّ‬ ‫تهفو إىل وطنٍ أغنا ُه أفق ُر ُه‬

‫يشمت يب جسمي وأزج ُر ُه‬ ‫كل ما يحوي دمي وفمي واليو َم‬ ‫أعط ْبتُها َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّت مواط ُر ُه‪//‬‬ ‫ُّ‬ ‫جفاف به‬ ‫وقلت‪ :‬إ ّن رساباً ال‬ ‫يظل يغري فامً َجف ْ‬ ‫ُ‬ ‫‪/2021/15‬‬

‫بقلم عمر شبيل‬


‫تعـب‬ ‫أ َرقْتُ ُه‪ ،‬مل أنَـ ْم يوماً بــال ٍ‬ ‫وكنت أصحو إذا ما زارين وطني‬ ‫ُ‬

‫وال عـنــا ٍد بال َهــ ٍّم يُسامــٍ ُر ُه‬ ‫وراح يحنو عىل جرحي ويغ ُم ُر ُه‬ ‫ُ‬ ‫أواص ُه‬ ‫أشتاق‪ ،‬والعم ُر قد ُحل َّْت ِ ُ‬

‫نـذرتُ عمـري ألشواقٍ ‪ ،‬فهـا أنـذا‬ ‫وكنت أريث ملن مل يَ ْص ُف جوه ُر ُه‬ ‫أح َب ْب ُت يف غربتي حتى األُىل ظَلَموا‬ ‫ُ‬ ‫النزيف يعاين من غزارتِــــــــ ِه فـلـيس يـجـمـ ُعــ ُه إالّ تـفـ ّجــ ُر ُه‬ ‫د ِع‬ ‫َ‬ ‫والده ُر يُ ْس ِك ُرين حيناً وأُ ْس ِك ُر ُه‬ ‫و ّز ْع ُت حزين عىل الدنيا فأث َملَها‬ ‫خطوب ب ِه‬ ‫أعشق العم َر سهالً ال‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫والروح ال تكتيس إالّ إذا َع ِريَ ْت‬ ‫هذا الحن ُني الذي تطغى مناب ُع ُه‬

‫ِ‬ ‫رس ُه‬ ‫والعم ُر أجد ُر ُه‬ ‫باملوت أي ُ‬ ‫تأس ُه‬ ‫والقلب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يصبح ح ّرا ً حني ُ ُ‬

‫عيني أنـ ُهــ ُر ُه‬ ‫قد كان تنبع من َّ‬ ‫علم الش ُّط‪ ،‬يف صدري بواخ ُر ُه‬ ‫شعاً ُسفُني ولْ َي ِ‬ ‫ورغ َم هذا سأبقى ُم ْ ِ‬ ‫رس‬ ‫ال يش َء يع ُرب يف جرحي سوى د ِم ِه‬ ‫ُ‬ ‫روح األلوه ِة فيه وهو منك ُ‬ ‫قيس من ليال ُه ُ ْيط ُر ُه‬ ‫ال ُ ْي ِر ُع‬ ‫الحب يف الت ْوبا ِد من مط ٍر إن مل يك ْن ُ‬ ‫ُّ‬ ‫دنا‪ ،‬وناولني حزناً ألرشبَــــــ ُه‬ ‫تحس أحزاناً مجرب ًة‬ ‫وقال‪ :‬ال ُ‬

‫فرحت أرشبُ ُه والدهــ ُر يعرص ُه‬ ‫ُ‬

‫ومل تك ْن حا ُن "سيدوري" لتُ ْق ِن َع ُه‬

‫طالت تغاد ُر ُه‬ ‫أ ّن الحياة وإ ْن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫"أوروك" للدنيا تُ َع ِّمر ُه‬ ‫وسو ُر‬

‫ض الحزن يف األرواح أنْ َد ُر ُه‬ ‫فأنْ َ ُ‬ ‫فقلت له ْم خذوا ِ‬ ‫الضام َد‪ ،‬فجرحي ال أغ ِّ َُي ُه‬ ‫هم خاصموين عىل جرحي‬ ‫ُ‬ ‫رس ُه‬ ‫والجرح‬ ‫ورحت أميش‪ ،‬وجرحي يف الطريق معي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يصبح جرحاً حني تخ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫"جلجامش" قد كان يف جسدي مييش إىل ج ِّد ِه واملوتُ ينط ُر ُه‬ ‫وألف‬ ‫ُ‬ ‫قد م َّر منك عىل الدنيا ف ٌم ود ٌم‬ ‫"ننسو ُن" أمك كم غ ّذت َْك من دمها لكنام املوتُ يف اإلنسانِ جوه ُر ُه‬


‫املكان الجنويب فعالً ميتلك عبقريته الخاصة ويعطيها لساكنيه‪ ،‬وهي متّصلة بهذا الدمج االستثنايئ الفريد ما بني‬ ‫صالبة الجبال ورحابة البحر النفتاحه عىل البحر‪.‬‬ ‫(يُقاطعه األستاذ عمر بالسؤال‪ :‬الذاتية الجنوبية نريد أن تخربنا عنها‪ .‬الرتبية األساسية لك‪ ،‬الذاتية التكوينية "‬ ‫البيت‪ -‬األب" وما إىل ذلك فهؤالء طبعاً أثَّروا بك أيضاً؟‬

‫بطبيعة الحال‪ ،‬ولكن ما أريد قوله أن الجغرافيا الجنوبية التي هي مزيج من صالبة الجبال‪ ،‬ومن رحابة البحر‬ ‫باعتباره مفتوحاً عىل البحر هضاب متوسطة االرتفاع‪ ،‬هضاب ذات طبيعة أنثوية من جهة باعتبارها محدودبة‬ ‫متاماً كالجسد األنثوي‪ ،‬ومن جهة ثانية ذكورية من حيث متانتها وصالبتها‪ ،‬أرض مفتوحة مملوءة بشتى أنواع‬ ‫الغابات والنباتات الربيّة‪( ،‬أتكلم عن قريتي زبقني يف قضاء صور)‪ ،‬وكل يشء موصول باملطلق‪ ،‬بالسامء‪ ،‬بالبحر‪،‬‬ ‫بالالنهاية‪ .‬ترى حدود جبل الشيخ من عندنا ألنها هي قرية تعلو ‪ 500‬مرت عن سطح البحر‪ ،‬البحر املتوسط غرباً‪،‬‬ ‫والحدود الفلسطينية جنوباً‪ ،‬ومشارف الرصفند شامالً‪ .‬هذه الرقعة من املرئيات والروائح واألشكال واملُتع البرصية‪،‬‬ ‫شكَّلت فعالً ظهريا ً لتجربتي الشعرية كام لسواي‪ .‬وطبعاً ال أستطيع أن أفصل هنا أيضاً ال َع َوز والفقر الذي تربّيت‬ ‫يف ظالله‪ ،‬ألننا كنا نعيش وما زلنا من زراعة التبغ‪ ،‬وهي ال تكاد تكفي لس ّد ال َرمق‪ .‬هي زراعة تتطلّب عمالً يوازي‬ ‫أربعة عرش شهرا ً متواصالً مام يدخل السنوات بعضها ببعض‪ .‬تص َّور املوسم ال يكاد املزارع يلتقط أنفاسه أو يأخذ‬

‫أيّة فرصة للراحة‪ .‬وليس باملصادفة أن تكون هذه النبتة ُم ّرة‪ .‬فهي ُم ّرة يف حال تذ َّوقناها‪ ،‬خرضاء كام نعلم‪ ،‬وكأنها‬ ‫تعكس مرارة العمل الشاق الذي تتطلّبه من أجل أن تتح َّول إىل متعة أو إىل سيولة نقدية‪.‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫أدب‬

‫مقابلة الشاعر شوقي بزيع‬ ‫عمر شبيل والدكتورة هالة أبو حمدان‬ ‫الشاعر شوقي بزيع شاعر مجيد‪ ،‬وذو مكانة عالية بني شعراء الحداثة‪ ،‬عرفته املواقع الشعرية املتقدمة يف لبنان‬ ‫ويف الوطن العريب‪ ،‬وهو ذو حضور مميز يف الساحة الشعرية اللبنانية‪ ،‬إنه ينتمي إىل جيل من شعراء الجنوب‬ ‫اللبناين الذين كانت قضيتهم تتصل بعمق الرصاع مع العدو الصهيوين‪ ،‬بحكم الجغرافية والوعي والثقافة امللتزمة‬ ‫بقضية اإلنسان الذي يعاين‪ ،‬ويجيد نقل معاناته إىل الكلمة‪ ،‬إن الشاعر شوقي بزيع ال ميكن أن تتصوره خارج‬ ‫دائرة املبدعني يف الشعر العريب املعارص‪.‬‬ ‫ويف لقاء حميم مع الشاعر شوقي بزيع أجرت الدكتورة املثقفة هالة أبو حمدان والشاعر عمر شبيل هذا الحوار‬ ‫الشعري‪ ،‬والذي تناول قضايا الشعر املتصلة بتجربة اإلنسان العريب املعارص‪.‬‬ ‫األستاذ عمر‪ :‬نسأل السؤال األسايس‪ ،‬عن عالقتك بالجنوب والقرية الجنوبية‪ ،‬ومدى تأثريها يف تكوينك الشعري‪،‬‬ ‫ليس فقط كجغرافيا‪ ،‬بل كرتاث وخصوص ّية جبل عامل‪ ،‬الخصوصية التاريخية والخصوصية الروح ّية‪ ،‬وعالقتك‬ ‫بالرتاب املقاوم يف الجنوب‪ ،‬جغراف ّية املقاومة؟‪.‬‬

‫لدي وجهة نظر مختلفة‪ ،‬وموضوع مختلف سنتح َّدث عنه الحقاً‪.‬‬ ‫أنا ِّ‬ ‫أفضل فصل السؤال املتعلِّق باملقاومة أل َّن ّ‬

‫سأبدأ مبرحلة التك ّون ألنّه بنهاية املطاف أي فعل‪ ،‬أي ظاهرة‪،‬أي كائن يحتاج دامئاً إىل مرسح ُمالئم يه ّيئه ألدوار ما‬ ‫قد تفرضها عليه موهبته‪ ،‬أو الطبيعة‪ ،‬أو عبقرية املكان‪ ،‬أو أسئلة ذات ّية من داخله‪ ،‬ولكن ال تتبلور إالّ يف ظل‬ ‫لحظة مؤاتية ومكان مالئم‪ .‬أنا أعترب أن الجنوب هو من األماكن التي مل تلهمني فقط القدرة عىل الكتابة‬

‫واإلنصات إىل ما يأيت من الالمريئ من عنارص الشغف باللغة‪ ،‬ومن عنارص التساؤالت الوجودية وسواها‪ ،‬والتي‬ ‫ألهمت جيالً كامالً من الشعراء‪ ،‬حتى أكاد أقول أجياالً كثرية‪ ،‬ألن جيلنا مل يظهر إىل العلن إال بعد أن ُسلِّط عليه‬ ‫الضوء ألسباب غري شعرية أي بسبب وجود الجنوب عىل خط التامس املبارش مع العدو اإلرسائييل‪ ،‬وكان يهم‬ ‫اإلعالم يف ذلك الوقت والقوى السياسية التي ننتمي إليها بأن تُظهر الوجه الثقايف للجنوب اللبناين متاماً كام حصل‬ ‫قبل ذلك مع املقاومة الفلسطينية‪ .‬ولكن الجنوب ينبوع ال ينضب من الشاعريات التي تتدفَّق منذ مئات السنني‬ ‫حتى اليوم‪ .‬وهذه الشاعريات أقامت يف الظل ومل يُسلَّط الضوء عليها ألسباب أيضاً ذات طبيعة سياسية‪ ،‬وتجزئة‬ ‫املنطقة والوجود الجغرايف الرجراج للجنوب الذي كان يتأرجح بني واليتَ ْي عكا ودمشق وغريها‪.‬‬


‫األستاذ عمر‪ :‬بالنسبة للجنوب‪ ،‬هو مثل فلسطني أي أن الوضع الفلسطيني أعطى الشاعر نقطة عىل الشاعر يف‬ ‫منطقة أخرى‪ ,‬فقد أُ‬ ‫عطيت قيمة للشعر الفلسطيني ألنَّه مقاوم‪ ،‬طبعاً هناك شعراء كبار ومه ّمني ال نناقش‬ ‫ْ‬ ‫شاعريتعم‪ ،‬ولكن نتيجة املقاومة أُعطوا من العطف العريب أكرث من حقّهم‪ .‬هل أثَّر ذلك عليكم كشعراء يف‬ ‫الجنوب الرتباطكم باملقاومة واألرض؟‬ ‫بالتأكيد أث َّر يف البداية خاص ًة يف السبعينيات حيث مل يكن الهاجس لدى الناس واإلعالم هاجساً ثقافياً محضاً‬ ‫وإبداعياً محضاً‪ ،‬كان كل يشء يف خدمة املعركة‪ ،‬كل يشء يجب استثامره من أجل إثارة الناس ودفعهم إىل‬ ‫االنخراط يف املواجهة‪ ،‬وكان هذا مرتافقاً مع الصعود الدراماتييك للواقعية االشرتاكية التي أتت من جهة التح ّزبات‬ ‫واملنظومة االشرتاكية والتي أيضاً متثّلها من خالل الحركات القومية واإلسالمية الحقاً‪ .‬كان دامئاً الشعر يُل َحق‬

‫باأليديولوجيا والفن‪ ،‬ولذلك كان املُلصق يطغى عىل اللوحة والنشيد يطغى عىل األغنية الهادئة الداخلية أو عىل‬ ‫املعزوفة املوسيقية‪ .‬مرحلة ج ّياشة‪ ،‬والغريب أن هذه املرحلة جاءت يف الوقت الذي كانت الحداثة الشعرية أيضاً‬ ‫تذهب إىل أقايص تجريديتها ومغامرتها‪ ،‬ولذلك حدث نوع من الرشخ‪ .‬وهذا انعكس يف تجربتي عىل األخص‬

‫مبعنى أين كنت من جهة ُمطالب من التنظيم املاركيس الذي انتميت إليه يف تلك الفرتة بأن أكتب قصائد مثل‬ ‫أحمد فؤاد نجم لتُغ ّنى‪ ،‬وأنا فعالً كنت أكتب ُهتافات للمظاهرات‪ ،‬ومنهاهتاف " يا ح ّرية" الذي كان يُر ِّدده‬

‫نص الشعري‪ ،‬وكنت من جهة أخرى أتتلمذ عىل‬ ‫الطالّب يف املظاهرات الط ّيارة‪ ،‬ولكن هذا اليشء مختلف متاماً عن ّ‬

‫شعراء ونُقّاد كبار من أمثال أدونيس‪ ،‬خليل حاوي‪ ،‬مينى العيد‪،‬ميشال عايص‪ ،‬أنطوان غطّاس كرم‪ .‬قامات عالية‪،‬‬ ‫فكانوا يأخذونني باتّجاه االنتصار للشعر كقيمة ف ّنية قامئة بذاتها‪ ،‬وليس باعتباره ذا وظيفة أيديولوج ّية أو‬ ‫عقائدية مبارشة‪ .‬هذا الرصاع دفعني إىل االستقالة من التنظيم املاركيس الذي انتميت إليه يف وقتها منحازا ً‬

‫لقصيديت‪ .‬طبعاً بقيت يف مناخ العمل الوطني والحركة الوطنية واالنتصار للمقاومة الفلسطينية واملبادئ الكربى‪،‬‬ ‫ولكن شعرت بأن الجسد الحزيب والعقائدي يضيق أحياناً بالف ّنانني الذين يحتاجون إىل كامل الهواء وإىل كامل‬ ‫الحرية وإىل كامل املكان واملرسح املتاح لهم‪ .‬هم يضيقون ذراعاً بالكرة األرضية فكيف بتقاليد أيديولوج ّية صارمة‬

‫أحياناً‪.‬‬


‫يف ظل هذه البيئة الزراعية نَ َوت‪،‬وكنت عىل املستوى الشخيص أيضاً أشارك العائلة يف قطاف التبغ‪ ،‬هو مشهد‬ ‫ملحمي كام أعتقد‪ ،‬تص َّور أن الساعة الرابعة فجرا ً حسب التوقيت أو الخامسة فجرا ً تهبط يف اآلن ذاته مئات‬

‫اآلالف من األيدي عىل شتلة التبغ ويُسمع صوت صفري خاص للقطاف ولعالقة الجسد بالنبات‪ ،‬وهذا اليشء يشبه‬ ‫قصيدة يصنعها آالف الناس‪ .‬وهذا املشهد هو الذي دفعني إىل كتابة قصيديت عن الشهيد حسن الحايك‪ ،‬وزرع‬

‫حادي العيس‬ ‫وكنت مشاركاً (املقصود قصيدة قمر الجنوب)‪ ،‬وهي قصيدة " يا‬ ‫التبغ يف الجنوب‪ ،‬وأنت تذكر أيضاً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سلِّم يل عىل أ ّمي" ومنها‪ ":‬وكان يُراقص شتلة تبغ‪ /‬ويجذبها صوب كفّيه‪."...‬فهذه مل ِ‬ ‫تأت مصادف ًة‪ ،‬ولكنها كانت‬ ‫نتيجة هذا الشعور مبعاناة الجنوبيني الذين يحصلون عىل قوتهم اليومي بكل أنواع الجهد والتعب والكدح‪.‬‬ ‫أيضاً كربالء كان لها دور مبعنى هذا العمق الحزين للفاجعة الكربالئية‪ ،‬وليس مبعناها املذهبي الض ّيق‪ ،‬ولكن‬

‫مبعناها اإلنساين العام‪ .‬كيف قلّة قليلة أمام جيوش ج ّرارة‪ ،‬كيف تواجه بالقليل من السالح ومن األجساد كل هذا‬

‫الجربوت املُقابل‪ ،‬طبعاً بالنسبة يل مل أكن أعي الواقعة يف تلك الفرتة‪ ،‬كنت أعرف ان هناك أناساً قضوا عىل مذبح‬ ‫الدفاع عن الحق‪ ،‬وعن العدالة وعن الكرامة اإلنسانية‪ ،‬ولكن طبعاً ك ّنا‪ -‬كام تعرف‪ -‬ال نعرف سبباً ُمقنعاً لهذا‬ ‫البكاء الذي يأيت من جميع الجهات‪ .‬فاملعروف أن النساء عاد ًة يبكني‪ ،‬ولكن أن ترى رجاالً يبكون ويلطمون‬ ‫صدورهم ويف ّجون رؤوسهم أحياناً من أجل ٍ‬ ‫دم يرفض أن َّ‬ ‫يتخث‪ ،‬يبقى طازجاً‬ ‫أناس قضوا منذ ألف عام‪ ،‬من أجل ٍ‬ ‫وسائالً بشكلٍ مستمر‪ .‬من أين تأيت كل هذه القدرة وهذه الصالبة الروحية التي متنح هؤالء الناس هذه املشاعر‬

‫الج ّياشة باستمرار‪ .‬طبعاً كل ذلك أث َّر يف قصيديت يف هذا الشجن الغنايئ الذي كان يطغى عىل قصيدتنا كجنوبيني‪.‬‬ ‫د‪ .‬هالة أبو حمدان‪ :‬هل تعتقد أ َّن هذا التأثري كان عىل كل شعراء الجنوب؟‬

‫ال‪ ..‬كان أوضح منه عندي وعند محمد عيل شمس الدين من شعراء آخرين مثل حسن عبدالله أو جودت فخر‬ ‫الدين أو الياس لحود‪ .‬طبعاً الياس ألنه‪ ..‬حتى لو مل يكن ينتمي إىل املذهب واملجالس الكربالئية‪ ،‬ولكن أحياناً‬ ‫البيئة تخلق مناخات مشرتكة حتى لو كان الناس ينتمون إىل طوائف متغايرة‪ ،‬ولكن أعتقد بأن تكويني أنا‬ ‫الشخيص هو تكوين رومانيس‪ ،‬وتكوين عاطفي وغنايئ‪ ،‬وباملناسبة أنا كنت يف صغري أمتلك صوتاً فيه الكثري من‬ ‫الشجن والحنان مبا يكفي أن أقرأ بعض مجالس العزاء‪ ،‬وكنت طفالً يف العارشة كنت أقرأ مجالس عزاء‪ ،‬وكان‬ ‫الناس يبكون لبكايئ أكرث مام يبكون عىل الحسني‪ ،‬كنت أقرأ وأبيك‪ ،‬كان صويت يُبكيني وهذا اليشء غريب‪ .‬طبعاً‬ ‫ع َدلت عن ذلك فيام بعد ألنني أعتقد بأن األشياء قد ت ُقارب من زوايا أخرى‪ ،‬من زوايا التأ ّمل باألشياء‪ ،‬ومن زوايا‬

‫تَ َثُّل الواقعة بأعامقها األبعد وليس بتحويلها إىل طقوس خاصة عندما تكون ُمفرطة يف املُبالغة والتف ُّجع‪.‬‬


‫األستاذ عمر‪ :‬الشعر اليوم‪ ..‬نحن ك ّنا نقرأ ونحن يف الجامعة‪ :‬أن الشعر صياغة ف ّنية لتجربة برشيّة‪‘ .‬ننا نشعر‬ ‫اليوم يف نتاج شعراء كبار دون ذكر األسامء أن القصيدة لديهم تتح ّول إىل عمل ثقايف‪ ،‬يف فرتة من الفرتات كان‬ ‫شعرهم فيه لهيب‪ ،‬فأنا أقرأ مثالً قصيدة عن صقر قريش ألدونيس أشعر أن فيها حالة كبرية‪ ،‬بينام يف مرحلة‬ ‫مع ّينة ميكن أن يكبو الشعر أمام الثقافة‪ ،‬بسبب انعدام هذا الوقود الداخيل والقلق الذي يُالحق اإلنسان‪ ،‬أنا‬ ‫أعتقد أن الثقافة بال وجدان تقتل الشعر رغم أنها رضورية للشعر‪ ،‬أنا هكذا أشعر‪..‬‬

‫موضوع إشكايل ج ّدا ً ومركَّب من ع ّدة عنارص‪ ،‬الحقيقة أعتقد أن دامئاً هناك ما نربحه وهناك ما نخرسه يف حياتنا‬ ‫يتغي‪ ،‬دورة الدم‪ ،‬األشياء‪ ،‬الحواس عندما نكون‬ ‫تتغي‪ ،‬إيقاع حياتنا ّ‬ ‫تغينا‪ ،‬حتى أجسادنا َّ‬ ‫ويف تج ُّددنا املستمر‪ ،‬يف ُّ‬

‫ًمم هو اآلن‪ .‬تذ ّوق‬ ‫يف العرشين تكون متفتِّحة و ُمتيقِّظة‪ ،‬بحيث أن ضوء الشمس كان يبدو لنا أكرث وهجاً وسطوعا ّ‬

‫األشياء‪ ،‬تل ّمس الحياة وعنارصها‪ ،‬كل يشء له وهج خاص‪ .‬هذا عاد ًة يُرافق الف ّنانني يف أعامر ُمبكِّرة‪ ،‬يف العرشينات‬ ‫لتحل محله الحكمة واملعرفة والتأ ُّمل الداخيل‪ ،‬ولذلك يقول يت‪.‬‬ ‫وأوائل الثالثينات‪ .‬لكن بعد ذلك هذا يرتاجع قليالً ّ‬ ‫الحي‪ ،‬يتغذّى من انفجار دورة‬ ‫أس أليوت الشاعر اإلنكليزي الشهري‪ :‬إن الشاعر حتى الثالثني هو يتغذّى من اللحم ّ‬

‫الدم‪ ،‬ومن عنارص الشغف التي تتملّكه وهو شاب‪ ،‬ولكن بعد الثالثني – يقول‪ -‬إ ّما أن ميتلك الحكمة واملعرفة‪،‬‬

‫يكف أن يكون شاعرا ً ألنّه س ُيقلِّد نفسه وسيج ّرت ما كتبه سابقاً‪ ،‬لكن طبعاً هو مل يد ُع ومل ُي ِّجد خسارة هذا‬ ‫وإ ّما ّ‬

‫الشغف ألنّه دون هذا الشغف ال شعر وال أدب وال فن‪ ،‬وأنا أقول إنه إذا استطاع الشاعر أن يُقيم أو يُق ِّدم هذه‬ ‫الخلطة السحريّة ما بني شغف البدايات والتو ُّهج املُستمر وما بني التأ ُّمل املعريف وبني استبطان األشياء وكنه‬ ‫مم تقوله‪..‬‬ ‫األشياء ميكن أن ينجو ّ‬

‫األستاذ‬

‫عمر ‪ :‬أنا قرأت جالل الدين الرومي‪ ،‬وشعرت أن شعراء كباراً أخذوا منه وبال وجد صويف‪ ،‬وهذا‬

‫األخذ أصبح عمالً ثقافياً كام أرى‪ ..‬جالل الدين الرومي هو جالل الدين الرومي أنا ال أستطيع أن أكون هو‪ ..‬أنا‬ ‫لست حافظ الشريازي‪،‬عندما أتع َّمد أن أكونه ال أستطيع أن أكون شاعراً‪...‬‬ ‫ترجمت حافظ الشريازي ولكن أنا ُ‬ ‫نقلنا هنا إىل محل آخر‪ ،‬أنا ما كنت أريد أن أقوله هو أنّنا نحن نخرس قليالً من اإليقاع العايل للبدايات من‬

‫اإلنشاد‪ ،‬ولكن نربح ُمقابله دخول الشعر إىل مناطق مل نكن قد وطأناها من قبل ب ُحكم النضج وب ُحكم التجربة‪،‬‬

‫وب ُحكم قناعتنا بأ َّن وظيفة الشعر ليست فقط نشوة التطريب‪ ،‬وال الصوت العايل‪ ،‬وظيفته الدخول أيضاً إىل‬ ‫مناطق األرسار‪ ،‬املناطق الحميمة اللصيقة بالنفس‪.‬‬


‫األستاذ عمر‪ :‬هنا يربز حالة إذا أعطينا االلتزام الحزيب معناه البولييس!‪ ،‬مثالً نأخذ شاعراً مثل ناظم حكمت‪ ،‬أنا‬ ‫من خالل قراءيت له أشعر أن األيويوجيا مل ِ‬ ‫تقض عليه‪ ،‬بقي يف أيديولوج ّيته لكن كنت أشعر أنّه شاعر‪ -‬وهو‬

‫يخاطب زوجته أو الس ّجان‪ ،-‬وبالنهاية يقول " وأتيت البساً قمييص األحمر"‪ .‬مل يفسده االلتزام – أنا ال أتحدَّ ث‬ ‫بالشخيص‪ ،-‬فأحياناً االلتزام إذا كان باملعنى األعمق الذي يتناول قضية اإلنسان هنا يكون كل شعر ملتزماً‪ ،‬نحن‬ ‫حني نكتب ال نكتب للحجر والشجر‪ ،‬نكتب لإلنسان‪ ،‬إذاً باإلطار العام يوجد التزام‪ ،‬لكن االلتزام مبعناه الصحيح‪،‬‬ ‫لكن إذا كان للواحد عبقرية كبرية مثل ناظم حكمت‪ ،‬نريودا مل يكن كذلك بهذا املستوى‪ ،‬لكن شعرت أن ناظم‬ ‫حكمت مل تفسده األيديولوجيا‪.‬‬ ‫هنا ال يتعارض مع ما قلته‪ ،‬أنا مع االلتزام الطوعي‪ ،‬الخيار الحر للكاتب‪ ،‬ولست مع اإللزام ومع فرض نوع من‬ ‫التقاليد األسلوب ّية واملضمونية التي تتق ّيد بهذا البند الحزيب أو ذاك‪ ،‬كام فرض ستالني من خالل وزير ثقافته‬

‫يومذاك جادونوف‪ ،‬فرض عىل األدب السوفيايت هذا النوع من القيود بحيث أن القصائد عليها ان تكون متفائلة‬

‫للعمل أو الفالحني‪ ،‬بينام االلتزام هو أمر‬ ‫حتى لو بالقرس واإلكراه‪ ،‬وأن يكون فيها مقادير مع ّينة من التمجيد ّ‬

‫طبيعي ونحن ننحاز تلقائياً إىل الرصخة التي تأيت بعد الجرح‪ ،‬فكيف تطعنني وتطلب مني أن ال أرصخ‪ ،‬هذه‬

‫مسألة مرعبة‪ ،‬أحياناً يكون الفن رصخة‪ ،‬ولكن حتى الرصخة أيضاً عندما تدخل يف الفن تصبح مختلفة متاماً‪ ،‬يصبح‬ ‫لها جرس خاص ولها مضمون خاص‪ ،‬وت ُق َّدم بصورة مختلفة‪ .‬طبعاً أنا ال أوافقك عىل أن ناظم حكمت أهم من‬ ‫حمل أوجه‪ ،‬لكن أنا أقول إن كل فن‬ ‫بابلو نريودا‪ ،‬ألن األخري أحد أهم شعراء العامل مبعزل عن التقييم ألنّه ّ‬ ‫حقيقي يخرتق األسقف األيويولوج ّية التي ينتمي إليها دون أن يعي الشاعر أو الفنان‪ ،‬ولذلك عندما سقطت‬

‫املنظومة االشرتاك ّية مثالً مل يسقط معها شعر نريودا وشعر لوركا وشعر أليوات وشعر أراغون وشعر ناظم حكمت‪،‬‬ ‫سقط الذين جعلوا من هذه األفكار مط ّية للقصائد الرديئة‪ ،‬ولذلك هم أساؤوا إىل الشعر كام أساؤوا إىل األفكار‬

‫التي ينتمون إليها‪ .‬وهنا أقول وأر ِّدد مقولة محمود درويش الذي قال إن الشعر الج ّيد يخدم املقاومة أما الشعر‬

‫الرديء فيخدم العدو‪.‬‬


‫األستاذ عمر‪ :‬مشهور " للنفري" قوله‪" :‬كلّام اتسعت الرؤية‪ ،‬ضاقت العبارة"‪ ،‬نتكلّم هنا عن الصمت‪ ،‬عندما‬ ‫عبة‪ ،‬فمثالً عندما أقرأ جلجامش أشعر أنه يتحدَّ ث عن العرص‬ ‫اللغة مل تعد تسع فتخلق ّ‬ ‫قصة الرمز واألسطورة امل ُ ِّ‬ ‫الذي نحياه اليوم مبدلوالته النهائية يتحدَّ ث عن اليوم‪ ،‬ملاذا اللجوء إىل الرمز واللجوء إىل األسطورة‪ ،‬هل لضعف‬ ‫اللغة أو لعدم قدرتها عىل حمل الداخل إىل الخارج‪ ،‬أم هي قض ّية ُمهيمنة عىل الشعر؟‬

‫أعتقد أن كل هذه العنارص مجتمعة‪ ،‬أ ّوالً اللغة بحد ذاتها هي رموز‪ ،‬ليس هناك من عالقة بني الكلمة وبني‬

‫مدلولها عىل األرض‪ ،‬بني االسم واملُس ّمى‪ ،‬سوى أن هناك بُعد اصطالحي يف املوضوع‪ ،‬وبُعد إشاري إذا شئت‪ ،‬إذا ً‬ ‫اللغةهي أصالً ترميز ما مك َّون من أحرف و ُمجاورات تعبريية وما سوى ذلك‪ ،‬ولغة الشعر أيضاً يُس ّمونها لغة يف‬

‫اللغة‪ ،‬أي هو االتجاه نحو املزيد من التكثيف الذي ُيكن فيه للرمز أن يحل محل الكثري من الحشو واالستفاظة‬ ‫يف التعبري من خالل استقدام الرمز‪ .‬رمز يوسف – عىل سبيل املثال‪ -‬يفتح لنا دالالت ال نهائية عن الحديث عن‬

‫عالقة الجامل باألمل وبالثمن الذي يجب أن يُدفع من أجل استحقاقه‪ ،‬أو ديك الجن وعالقته بالغرية وما سوى‬ ‫ذلك‪ ،‬أو ‪ ...‬عندنا عرشات الرموز التي ُيكن استحضارها اآلن وكل رمز مفتوح عىل دالالت‪ .‬ولذلك قيل أن بُنية‬ ‫الشعر يف األساس هي بُنية رمزية أو أسطوريّة‪ ،‬هناك يشء أسطوري حتى من دون أن يدري الشاعر أنه استقدم‬

‫األسطورة‪ ،‬ألنه عندما الشعر يقوم عىل االنزياح هو قائم عىل املفارقة يف الواقع واملُغايرة مبعنى أن الكالم أو الدال‬

‫يتّجه نحو مدلوالت أخرى غري التي وضعت له سابقاً فهو كأنَّه يذهب أيضاً إىل مغادرة الواقع باتجاه خلق مناذج‬ ‫ومعانٍ ُمختلفة‪ .‬واألسطورة هي أنّه يف غياب العلم كان يُلجأ إليها دامئاً لتفسري العامل تفسريا ً خيال ّياً‪.‬‬

‫الدكتورة هالة‪ :‬األسطورة هي بداية العلم‪ ،‬فأسئلة جلجامش عن استحضار نبتة الحياة هي أسئلة معرفية‬

‫وعلمية‪.‬‬ ‫صحيح‪ ،‬ولذلك هي يف صلب الشعر‪ ،‬ويف متنه وداخله األسطورة‪ ،‬عندما ندخل يف التفاصيل نُ ّيز بني من يستخدم‬

‫األسطورة بشكلٍ ُمفتعل واستعرايض مثالً ويف غري سياقها‪ ،‬وبني الذي يستخدمها بشكلٍ صحيح‪ .‬هناك أساطري تَرِد‬

‫فقط كلفظة‪ ،‬عىل سبيل املثال عند الس ّياب مثالً تَرِد يف سياق الجملة أو التعبري‪ ،‬ولكن هناك قصائد تنبني بكليتها‬ ‫عىل أسطور ٍة ما‪ ،‬هناك فارق يف االستخدام‪.‬‬


‫كبت تجربة الشاعر يكرب شغفه؟‬ ‫د‪ .‬هالة‪ :‬أال تعتقد أنّه كلام ُ‬ ‫يجب أن ينمو هذا الشغف‪ ،‬ولكن كيف ينمو هذا الشغف‪...‬‬

‫معي خاص ًة تاريخ التط ّور والتكنولوجيا والتقن ّيات الذي يبقى سائرا ً‬ ‫هو الشعر يسري ٍّ‬ ‫مبحل عكس التاريخ يف مكان ّ‬ ‫إىل األمام‪ ،‬تاريخ العلم‪ .‬يف الشعر هناك تاريخ آخر هو محاولة براءة األشياء‪ ،‬أو األشياء يف براءتها األوىل اللغة‬

‫الطفولية‪ ،‬ولذلك دامئاً امتزج الشعر بالطفولة‪.‬‬ ‫ينحل يف داخلنا‬ ‫كان الفيلسوف الفرنيس باشالر يقول إن الطفولة ليست مساحة زمن ّية مع ّينة‪ ،‬ولكنها يشء ّ‬

‫تجف لديه عنارص‬ ‫ويالزمنا إىل ما ال نهاية‪ -،‬يقول‪ -‬كل الشعر الذي تفارقه الطفولة غالباً يتح ّول إىل نبعٍ ناضب ُّ‬

‫الكتابة‪ ،‬لذلك ما يحمينا من الوقوع يف اليباس التعبريي والوقوع يف اللغة الذهن ّية هو هذه الطفولة وهذه الطاقة‬

‫الح ّية التي تتج َّدد يف داخلنا باستمرار‪ ،‬طريقتنا يف رؤية العامل تظل طريقة طفول ّية برباءتها مهام كربنا‪ ،‬أ ّما خارج‬ ‫الطفولة فال يوجد شعر‪.‬‬

‫د‪ .‬هالة‪ :‬وما هو دور األمل خارج طفولة الشعر؟ ‬ ‫األمل لكن بحدود‪ ،‬أي املعاناة كالفقر واألمل وفقدان األمن وسوى ذلك إذا بولِغ فيها كثريا ً تصل إىل مكان يصبح‬ ‫عب عنه إالّ بالصمت الكامل أو‬ ‫الشخص يقيم تحت اللغة‪ ،‬هناك مناطق إذا بلغها األمل ال يعود مبقدورنا أن نُ ِّ‬

‫الغصة أو الشهقة وما إىل ذلك‪ ،‬كأ َّن املعاناة التي يتطلّبها الشعراء أو الفن ليست عىل املستوى من قتل الحياة‬ ‫ّ‬

‫باش املتعلق بالفقر أو فقدان الحريّة‪ ،‬فيها أمل وجودي ألنَّك أنت حتى‬ ‫الحس امل ُ َ‬ ‫بالكامل‪ ،‬ولكن فيها يشء من األمل ّ‬ ‫نحل مشكلتنا مع املرض‪ ،‬مع التق ُّدم‬ ‫لو حللت مشكلتك مع العدو أو مع الطبقة الثانية التي تحرمك‪ ،‬لكن كيف ُّ‬ ‫يف السن ومع الكره ومع املوت ومع الحب‪ .‬هذه أسئلة ال تشيخ عىل اإلطالق‪ ،‬لذلك صحيح أن الفقراء أكرث قدرة‬

‫أو قابل ّية للكتابة أل ّن الفن دامئاً يأيت من الفقدان‪ ،‬من األشياء التي نُعاين منها‪ ،‬الغياب هو الذي يُح ِّرض عىل‬

‫الكتابة‪ ،‬عندما نفقد األرض نستدرجها إىل اللغة ونأيت بها إىل القصيدة ويصبح املكان داخلنا من خالل اللغة‪،‬‬

‫وعندما نفقد الحريّة نستعيدها يف اللغة وهكذا دواليك‪ ،‬حتى الحبيب أيضاً‪ .‬حتى جميل بثينة ال ُعذري كان يقول‬ ‫لبثينة ‪:‬‬ ‫ميوت الْهوى مني إذا ما ل ِقي ُتها‬ ‫ُ‬

‫ويحيـا‪ ،‬إذا فارقتها‪ ،‬فيعـو ُد‪.‬‬


‫األستاذ عمر‪ :‬يف النفس العربية بشكلٍ عام نشعر أن الشعر بدأ ينحو منحى صوفياً‪ ،‬هل هذه الصوف ّية مطلوبة‬

‫ومكسة؟ أحياناً ترى شاعراً يتقوقع يف الصوف ّية وكأنه هو بحالة خاصة‪ ،‬ونحن نعيش وجوداً‬ ‫يف أ ّمة منهزمة‬ ‫َّ‬

‫مكساً‪ ،‬كيف نفصل حالنا عن األ ّمة وعن الوجود هذا خطأ‪ .‬هذا التو ّجه الصويف هل هو ُمفتعل أم هو تعبري عن‬ ‫َّ‬

‫هزمية نعيشها كأ ّمة‪ ،‬أم هو عملية إرشاك كربى؟ أنا أراها تعبري عن هزمية‪ ..‬ليس يف كل نتاجها طبعاً‪.‬‬

‫حتى يف أعتى عصور الظلامت‪ ،‬يف زمن املغول ويف زمن التتار وانهيار الدولة العربية رأينا تجارب صوف ّية ومنها‬

‫تجارب فريد الدين العطّار وجالل الدين الرومي والسهروردي وغريهم‪ ،‬ال ميكن ألحد اليوم أن يقول إن هؤالء كان‬ ‫عليهم أن يواجهوا الطغيان يف تلك الفرتة‪ ،‬فال أرى أن ذلك كان انسحاباً من الواقع بقدر ما هو فَهم للعامل ال يلغي‬ ‫عىل اإلطالق صدق الشاعر‪ ،‬فإذا كان الشاعر يكتب وبلغة فيها الكثري من عنارص التأويل التي تحتاج إىل سرب أغوار‬ ‫ومثقلة بالصور‪ ،‬هذا ال يلغي أبدا ً دوره كمناضل‪ .‬عىل املستوى اإلنسانيهو إنسان وهو ف ّنان‪ .‬أنا لست مع املبارشة‬ ‫الصارخة التي تتحول إىل شعارات وتنتهي مثل الصحون البالستيك ّية التي نأكل فيها م ّرة ونرميها‪ ،‬ألنه – وأنت‬

‫تعرف أستاذ عمر كشاعر‪ -‬أن يف األدب والفن مثّة يشء أبدي وال نهايئ وال ميكن أن يستنفذ متثِّله الصورة الشعرية‪.‬‬ ‫التص ّوف هو حالة شعرية‪ ،‬هو رؤية إىل األشياء‪ ،‬هو تو ّحد مع العامل‪ ،‬أنا ال أرى متثُّالت له مبارشة عند الكثري من‬

‫الشعراء‪ .‬أدونيس جزئ ّياً يُالمس حدود الصوف ّية‪ ،‬نراها أيضاً عند محمد عيل شمس الدين يف العديد من نصوصه‪.‬‬

‫عىل املستوى الشخيص‪ ،‬أنا ال أزعم أين ذهبت إىل هذا النحو ألين أعترب أن الصوفية تجربة باطن ّية وداخلية وروح ّية‬

‫قبل أي يشء آخر‪ ،‬التص ّوف طريقة حياة‪ ،‬كيف أنا ممكن أن أؤمن بشعر صويف وأنا أعرف أن من يكتب هذا‬

‫الشعر ال عالقة له بالتص ّوف أو أنّه مثالً ممكن أن يبيع نفسه ألول من يدفع عىل سبيل املثال‪ ،‬كيف يكون صوف ّياً‪،‬‬

‫طبعاً ال أقصد باألسامء التي س ّميتها عىل سبيل املثال‪ ،‬ولكن أيضاً أعود للقول إنه يف كل شعر بُعد أسطوري‪ ،‬أيضاً‬ ‫يوجد منحى صويف عند الشاعر‪ ،‬ألنّه مج ّرد أن تدخل إىل ذاتك‪ ،‬مج ّرد أن تفتح ما استُغ ِلق من هذه الذات وأن‬ ‫تبحث عن الوجود كمعنى وداللة وبداية ونهاية أنت تدخل يف أسئلة أنا َأس ّميها تأ ُّمل‪.‬‬


‫صعب هو املرقى إىل‬ ‫األستاذ عمر‪ :‬حتى لو أملح إليها الس ّياب ملحاً‪ ،‬لكنها تكون شعراً متقدماً‪ ،‬يقول يف سبزيف مثالً‪" :‬‬ ‫ٌ‬

‫الجلجلة‪ /‬والصخر يا سيزيف ما أثقله ‪/‬سيزيف إن الصخرةاآلخرون أنا أرى أن هذه قصيدة وحدها‪ ،‬حتى لو استخدمها‬

‫بشكلٍ جانبي‪.‬‬ ‫أنا ال أقولها معرتضاً أو بشكلٍ سلبي‪ ،‬ممكن أن مت ّر حيناً كإشارة‪ ،‬ولكن داللتها واسعة ج ّدا ً‪ ،‬فهي أصالً الهدف منها‬

‫إضافة إىل التكثيف أيضاً هو اإلحالة إىل املناطق التي يجب أن يأيت منها الشعر‪ ،‬املناطق الغيبيّة املا وراء غري املريئ‬

‫والتي تُغني الشعر والتي هي أصالً من صلبه‪ ،‬وقد كُتب عنها كثريا ً‪ " ،‬روالن بارت"يف كتابه "أسطوريات" كتب عنها‪،‬‬

‫إذا ً يوجد بُعد أسطوري يف الشعر حتى لو مل يستخدم الشاعر األسطورة أو الرمز بشكلٍ مبارش‪.‬‬ ‫د‪ .‬هالة‪ :‬عندما تحدَّ ثت عن الجنوب‪ ،‬تحدَّ ثت عن عالقتك بالجغرافيا الجنوب ّية‪ ،‬ومل تتحدَّ ث عن املقاومة ونظرتك لها؟‬ ‫لست منفصالً عن جيلٍ بأكمله ولد يف مكان‬ ‫تح ّدثنا فيها يف فرتة وأخذت مساحة معقولة‪ .‬فيام يخصني أنا كتجربة ُ‬ ‫أعب عن ما عشته من آالم‬ ‫الخطر‪ ،‬شاءت الظروف أن يقع عىل خط التامس املبارش مع العدو‪ ،‬ومن الطبيعي ج ّدا ً أن ِّ‬ ‫ومن مكابدات‪ ،‬من إحساس أحياناً باملهانة‪ ،‬أحياناً باالحتجاج عىل ما يجري هناك من يش ٍء غري عادل يتم بحق‬ ‫فعبت عنه يف قصائد مثل " العائد والصوت" و" أغنيات‬ ‫الجنوبيني وبحق الفلسطينيني والشعوب العربية بشكلٍ عام‪َّ ،‬‬ ‫حب عىل نهر الليطاين"‪ ،‬عرشات القصائد وصوالً إىل "عرس قانا الجليل" فيام بعد‪ ،‬حتى قصائد ما بعد التحرير عام‬

‫‪ 2000‬أو حرب متّوز‪ ،‬لكن مع فارق أنّه رمبا يف البداية ونتيجة أن التجربة كانت مل تختمر بعد‪ ،‬ونتيجة غليان العروق‬ ‫عب بصوت أعىل‪ ،‬كنت أشعر أنني بحاجة إىل ٍ‬ ‫منحى‬ ‫أعب‪ .‬نفس القضايا فيام بعد أخذت‬ ‫صوت عا ٍل ليك ّ‬ ‫كان الواحد يُ ِّ‬ ‫ً‬ ‫منحى أكرث هدو ًءا وأكرث بُعدا ً إنسانياً‪ ،‬هذا يشء طبيعي مع ال ُنضج ومع اختامر التجربة‪ ،‬الصوت العايل ليس‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫ً‬

‫معيارا ً أبدا ً للشاعرية‪ .‬أحياناً يجب أن يتخفَّف منه وأن نناضل ض ّده ألنه غالباً ما يكون عىل حساب الثقل الحقيقي‬ ‫للقصيدة املُتّصل بالصورة وبالتخ ّيل وباألبعاد املعرف ّية للكتابة‪ ،‬وأيضاً املوضوع بدأ يتخفَّف من املبارشة باتجاه أخذ‬

‫مناحي تأويل ّية وأبعاد إنسان ّية عامة‪ .‬مثالً رمبا يف البداية كنت أكتب عن البيوت التي ته ّدمت يف الجنوب عىل سبيل‬

‫املثال وهذا أمر طبيعي‪ ،‬ولكن عندما كتبت يف " مرث ّية ال ُغبار" يف التسعينيات قصيدة " البيوت" تح َّدثت عن البيوت‬

‫كأماكن وقالع وحصون للعيش يف العامل كلّه مبا هي مالذ ومبا هي مأوى ومبا هي خروج من الشارع املفتوح الذي‬

‫متثّله الحرب األهلية‪ ،‬العودة إىل الكنف‪ ،‬إىل حنان األمومة متاماً‪ .‬فأصبح للقصيدة بُعد إنساين‪ ،‬وهي ت ُرجِمت‪ ،‬وفعالً ال‬ ‫يشعر املرء إذا كان يف دولة أخرى أنه يقرأ شيئاً يختلف عنه‪ ،‬عىل أي حال كل فن حقيقي هو عابر للجغرافيا‪ ..‬أقرب‬ ‫مكان إىل العامل ّية هو املكان الذي نقف فوقه متاماً‪ ،‬وإالّ أصبحت العامل ّية عامل ّية سياح ّية‪ ،‬مثالً أحدهم يأيت بأطلس‬ ‫العامل ويقول سوف أكتب قصيدة عن املكسيك‪ ،‬وبعد قليل عن نيوزيلندا أو عن مكانٍ آخر‪ ،‬الشعر ليس هكذا‪.‬‬


‫أنا أشعر أن العامل الذي انتهى من حربني عامل ّيتني طاحنتني‪ ،‬وعدد آخر من الحروب التي ارتُكبت خاللها فظاعات‬

‫مد ّوية‪ ،‬هذا العامل البائس الذي غرق يف بؤسه يف القرن العرشين‪ ،‬كان يحتاج إىل يشء من االسرتخاء ومن الراحة‬

‫بعد فرتة عصيبة ج ّدا ً ومتوت ّرة‪ ،‬هذه الراحة تتناسب مع لغة الرواية‪ ،‬أل ّن الرواية لغة التذكُّر‪ ،‬لغة الحياة املنقضية‪،‬‬ ‫لغة فوات األوان والتحضري ملا سيأيت الحقاً ويتطلَّب جهدا ً كبريا ً ومخ ّيلة واسعة‪ ،‬أنا قلت قبل قليل أن العلامء‬

‫الحقاً والشعراء يرسمون الطريق يف مخ ّيالتهم أو يحبسون العامل يف حبوسهم الخاصة‪ ،‬ففعالً كأ َّن الرواية هي تعبري‬

‫البرشيّة عن التعب وحاجتها إىل الراحة‪ ،‬لذلك ترى أننا عندما نقرأ الرواية فنحن نستقيل من حياتنا الشخص ّية‬ ‫ٍ‬ ‫حيوات أخرى‪ .‬الفقري ينىس فقره والخائف ينىس خوفه‪ ،‬والذي زواجه فاشل ينىس رداءة الرشيك‬ ‫ونُقيم يف‬ ‫والعكس صحيح‪ ،‬وما سوى ذلك وكذلك الذاهب إىل الحرب وغريه‪.‬‬

‫الشعر ال يدعك ترتاح‪ ،‬يضعك وجهاً لوجه مع األشياء‪ ،‬لغة الشعر كثيفةومتعبة ‪ ،‬ك ّنا نتحدث عن صعوبة الشعر‪.‬‬ ‫األستاذ عمر‪ :‬هناك أناس يقولون إن الشعر تعبري عن بداوة األمم والحضارات‪ ،‬البداوة مبعناها االنفعايل‪ ،‬بينام‬ ‫يف هذا العرص العقل أصبح أكرث حضوراً‪ ،‬ولكن سيبقى‪ ،‬ما دام اإلنسان يشعر يبقى الشعر‪.‬‬ ‫ال أنفي ذلك‪ ،‬ولكن أتح ّدث ملاذا تق َّدمت الرواية‪ ،‬وأبدا ً ال يعني ذلك أنّه يجب أن يتق َّدم فن عىل حساب آخر‪،‬‬ ‫حتى لو تراجع الشعر كفن ُمستقل يعني ببعض ال ِن َسب‪ ،‬ولكن الشاعرية مل ترتاجع عىل اإلطالق ومنسوب‬ ‫الشاعرية يف األرض ألنه موجود يف لغة الرواية‪ ،‬فإذا َسحبت الشعر من الرواية تح َّولت إىل جثّة هامدة ولغة‬

‫صمء‪ ،‬وإذا سحبت الشعر من اللوحة أو من القطعة املوسيقية أو من املرسحية أو من القصة القصرية ال يعود‬ ‫ّ‬ ‫هناك معنى لهذه األنواع‪ .‬كأ ّن الشعر مبعنى من املعاين هو الدولة العثامن ّية يف آخر أيّامها‪ ،‬هو رجل الفنون‬

‫املريض الذي يُحاول الكل أن يتناهش ما تبقّى منه ثم يلعنونه‪ ،‬وهو ليس كذلك ألنه الفن‪ ،‬ميكنك أن تتخ ّيل أي‬ ‫فن آخر غري موجود إالّ الشعر ألنه لغة الحياة‪ ،‬أصالً الحياة التي هي منذ الفردوس الذي خرسناه‪ ،‬مل تكن سوى‬

‫طلل يتبعه طلل عىل طريقة " فَلَيت دونَ َك بِيد دونَ َها بِي ُد"‪ ،‬كل لحظة هي طلل اللحظة التي تليها‪ ،‬ولذلك نحن‬ ‫دامئاً نستعيد باللغة الحب الذي خرسناه أو الوطن الذي خرسناه أو األيام التي خرسناها‪ ،‬دامئاً هناك تعويل عىل‬ ‫هذا التلفُّت الدائم إىل الوراء الستعادة الفراديس األخرى وليس الفردوس األول‪ ،‬كل ما انقىض هو فردوس‪،‬‬ ‫الطفولة هي فردوس‪ ،‬وإذا ما تلفَّتنا إليها بالعني نتلفَّت إليها بعني القلب‪ ،‬أي مبعنى آخر نتلفَّت إليها باللغة عىل‬ ‫طريقة الرشيف الريض وهذا ما أقصده ( َوتَلَ ّفتَ ْت َعيني‪،‬فَ ُم ْذ َخ ِف َي ْت‪/‬ع ّني الطلول تلفت القلب)‪.‬‬


‫لدي ومتص ّوف‪ ،‬كيف‬ ‫األستاذ عمر‪ :‬الصوفية ال تتوفر بدون قلق وعذاب‪ ،‬كأن أكون جالساً يف فرنسا وكل يشء ّ‬ ‫معي وصلت إىل مرحلة ثقاف ّية وتحدَّ ثت بالسياسة وانتقدت ومن ثم انسحبت‬ ‫يكون ذلك؟ أنا كعريب أقيم يف بل ٍد ّ‬

‫إىل الداخل‪ ،‬ما معنى هذا كله‪ .‬هل أصبحت اللغة بحاجة إىل تفسريٍ آخر‪.‬‬

‫أنا مع اإلنسحاب عىل الداخل‪ ،‬بأي معنى‪ ،‬ليس مبعنى الهروب من الواقع وال مبعنى العزلة واالنكفاء عن القيام‬ ‫بأي دور‪ ،‬ال‪ ..‬االنسحاب إىل الداخل ألنّه يف الداخل اإلنساين نحن نلتقي باآلخرين‪ ،‬الناس مثل املياه الجوف ّية يف‬ ‫ّ‬

‫األعامق تتواصل مياه األرض كلّها‪ ،‬وتختلف الناس عىل سطوح األشياءغالباً‪ ،‬ولكن يف العمق النفس اإلنسان ّية‬

‫واحدة باملعاين التي متثّلها‪ ،‬بهذا املعنى أنا مع الداخل‪ ،‬والشعر والفن هو لغة الداخل‪ ،‬أل ّن الشعارات ال تعطي‬ ‫شيئاً إالّ كنوع من الخدمة املبارشة والرسيعة‪ .‬وهذا الشعارات – عىل فكرة‪ -‬التي تطلبها املرحلة كتبها نريودا‬ ‫عندما هاجم أمريكا بشكلٍ مبارش وهاجم نيكسون باإلسم‪ ،‬أو أراغون‪ ،‬أو أونوار عندما كتب شعارات كانت تكتب‬ ‫عىل الجدران يف فرنسا يف مواجة النازيني‪ ،‬ولكن كانت أقل أشعارهم قيمة‪.‬‬ ‫أنا مع أن يوظف الشاعر جزءا ً من موهبته لغايات تخدم قضايا شعبه‪ ،‬ولكن برشط أن ال تكون مفروضة‪- ،‬هنا‬ ‫نرجع إىل البداية‪ ، -‬هي تنبع من داخله‪ ،‬هو مؤمن بها‪ ،‬ولكن ما بقي من نريودا وأراغون كان يشء أعمق من‬ ‫ذلك‪ ،‬عىل كل حال هناك يشء يف الفن يجب أن ندركه عىل األقل من خالل النصوص التي نقرأها‪ ،‬إن النص‬ ‫نص مقاوم‪ ،‬وأنا طاملا قلت إنه كيف ميكن لنص ميوت بعد أسبوعني من‬ ‫العظيم هو نص ال يفنى‪ ،‬وبالتايل هو ٌّ‬ ‫نصاً مقاوماً إذا كان مل يقاوم موته الداخيل فكيف يقاوم موت اآلخرين‪ ،‬وكيف ير ّد املوت عن‬ ‫كتابته أن يكون ّ‬ ‫اآلخرين‪ ،‬عىل األقل يجب أن تتوفر فيه رشوط الحياة‪ ،‬ولذلك مهم ج ّدا ً أن نركِّز عىل القيمة التعبريية والف ّنية‬ ‫والجامل ّية‪ ،‬إضافة إىل البعد اإلنساين والتوأمة بني الوظيفتني‪.‬‬

‫األستاذ عمر‪ :‬برأيك الرواية قضت عىل الشعر‪ ،‬أو هي تُحارب الشعر؟‬

‫بنهم بالغ منذ أكرث من ثالثني سنة‪ ،‬روايات‪،‬‬ ‫دعني أقول أ ّوالً أنني من الشغوفني ج ّدا ً بالرواية‪ ،‬وأقرأ الرواية ٍ‬ ‫وجدت أن الرواية مل تستحوذ عىل االهتامم العاملي مبج ّرد املصادفة‪ ،‬أو أن هناك قرارا ً من أحدهم بأنَّه اآلن زمن‬

‫الرواية‪ ،‬كام فعل جابر عصفور يف كتابه " زمن الرواية"‪ ،‬املسألة عىل األرجح أن البرشية مت ّر بحاالت ومخاضات أو‬

‫دورات مع ّينة ذات بُعد حضاري وثقايف وأحياناً نفيس فريوج فن عىل حساب اآلخر تبعاً للمراحل‪ ،‬مراحل الحروب‬

‫أو الالحروب‪ ،‬مراحل األزمات التصادم ّية والتناحريّة بني الشعوب‪ ،‬أو مراحل السالم والوئام والرخاء وما غري ذلك‪.‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫أدب‬

‫جوزف صايغ بين أُصولية القوالب وحداثة الرؤى‬

‫الشاعر ‪ .‬سلامن زين الدين‬

‫يف الخامس من ترشين الثاين ‪ ،2020‬رحل يف باريس عن تسعني‬ ‫عا ًما الشاعر اللبناين جوزف صايغ‪ ،‬بعد إصابته بفريوس كورونا‪،‬‬ ‫فتتحقّق برحيله نبوءة أطلقها‪ ،‬ذات حوارٍ‪ ،‬أجرته معه جريدة‬ ‫الجريدة الكويتية‪ ،‬يف ‪ ،2008 / 3 / 12‬بأنّه سيموت يف الغربة‪.‬‬ ‫وقف عليه‪.‬‬ ‫ويشغر يف قلوب أصدقائه وعارفيه ح ِّي ٌز هو ٌ‬

‫بني والدته يف زحلة العام ‪ ،1930‬ورحيله يف باريس العام ‪،2020‬‬

‫تسعون عا ًما بالتّامم والكامل‪ .‬أمضاها يف حركة دامئة بني املدينتني‪،‬‬ ‫مسقط الرأس ومسقط األحالم‪ .‬وكانت حركة فيها بَ َركة‪ .‬استطاع‬

‫فيها أن يجمع يف شخصه ونتاجه بني الرشق والغرب‪ ،‬وت َ َو َّز َع نشاطه‬

‫خاللها عىل الشعر والنرث وال ّدراسة واملحارضة والصحافة والتعليم والدبلوماسية وغريها‪ ،‬ومت ّخضت عن غال ٍل ط ّيبة‬ ‫يف هذه الحقول‪ ،‬املعرفية والعملية‪ ،‬املختلفة‪.‬‬

‫الغالل الط ّيبة‬

‫يف مقاربة الغالل التي تراكمت عىل بيدر جوزف صايغ‪ ،‬طيلة ن ِّي ٍف وسبعة عقود‪ ،‬هي عمر نتاجه اإلبداعي‬ ‫ست عرشة مجموعة شعرية‪ ،‬أُوالها "قصور يف الطفولة" الصادرة العام ‪ ،1964‬وآخ ُرها "شموع"‬ ‫والفكري‪ ،‬نُحيص ّ‬ ‫الصادرة العام ‪ .2020‬ونَرصد يف النرث مثانية كتب‪ ،‬تخوض يف حقول النقد األديب‪ ،‬والذكريات‪ ،‬واالنطباعات‪،‬‬

‫املرسلة‪ ،‬والحوار الفكري‪ ،‬واملقالة الصحفية‪ ،‬والسرية الذاتية‪ ،‬وغريها‪ ،‬أ ّولها "سعيد عقل وأشياء الجامل"‬ ‫والخواطر َ‬ ‫الصادر العام ‪ ،1955‬وآخرها "يوم ّيات بال أيّام" الصادر العام ‪ .2020‬ونُورد يف الدراسة واملحارضة اثنتي عرشة‬ ‫دراسة ومحارضة‪ ،‬باللغتني العربية والفرنسية‪ ،‬أُوالها "يف صدد يارا" العام ‪ ،1965‬وآخرها "التمثّالت املتناقضة‬ ‫لتجلّيات التص ّور الديني" العام ‪.1995‬‬


‫تلفُّت القلب هو الشعر‪ ،‬لذلك من الصعب‪ ،‬فقد يرتاجع الشعر موضع ّياً هنا وهناك‪ ،‬ولكن عىل املستوى البعيد‬

‫ُحل فال يوجد جواب عىل سؤال الحب‬ ‫ُحل ولن ت ّ‬ ‫يستحيل أن نتخ ّيل عاملاً بال شعر‪ ،‬ألن األسئلة الكربى يف الحياة مل ت ّ‬

‫مثالً هذه الكهرباء التي تحصل بني اثنني من النظرة األوىل‪ ،‬واالشتعال الذي دفع قيس إىل الجنون وليىل إىل املوت‬ ‫وما إىل ذلك‪ .‬متاماً كيف يُعالج اإلنسان فكرة املوت عىل سبيل املِثال أو الشيخوخة أو الفقدان والغياب‪ ،‬وحتى‬

‫ُحل قضية بني بلدين أحدهام يحتل اآلخر‪ ،‬سؤال الحريّة بوج ٍه عام هذا‬ ‫سؤال الحريّة‪ ،‬أي أنّه هل ممكن أن ت ّ‬

‫الطوق‪ .‬أصالً السؤال هذا موجود ما دام الجسد قيدا ً عىل الروح‪ ،‬ما دام التفاوت ما بني الروح يف صهيلها الدائم‪،‬‬ ‫فالروح أحياناً تصبح أكرث فت ّوة يف الخمسينات والسبعينات‪ ،‬فيام الجسد ال يستطيع مجاراتها حتى لو حاول‪.‬‬

‫األستاذ عمر‪ :‬أحياناً نظلم الجسد‪ ،‬فرتاه يتج ّعد‪ ،‬فأحدهم يقول‪ :‬إن الجسد لحزين‪ ،‬فيكفي الجسد أنه يحمل‬ ‫هذه الروح التي مت ّزقه باستمرار‪.‬‬ ‫مأساة الجسد والروح أنه عندما يشيخان معاً تصبح األمور أسهل بكثري أو يكونان فَت ّيني معاً أ ّم أنه‪ ...‬أنا قلت يف‬ ‫قصيديت عن عايص الرحباين‪:‬‬

‫"وكلام ازداد شوقي ازداد نقصاين"‪ ،‬أتكلم باسم عايص قبل املوت وكأنَّه يُراجع حساباته يف الغيبوبة‪ ،‬هذه املشكلة‬ ‫أنَّه كلام ازداد تطلُّبنا للحياة واشتهاؤنا للحياة ازداد نقصانها‪ ،‬أساساً املفارقة القامئةهي ضآلة الجسد أمام ضخامة‬ ‫واتّساع الشهوات التي هي محيطات من املتعة الكون ّية‪ .‬هذه الكتب – مثالً‪ -‬أنا سوف أحذف الشهوة الجنس ّية‬ ‫واملعويّة‪ ،‬فشهوة القراءة مثالً‪ ،‬ما هو شعورك عندما تذهب إىل معرض الكتاب وأنت تشعر أنّك ال متتلك سوى‬

‫معي من السنوات محدود بينام القراءة ال محدودة‪ ،‬هذا سؤال جارح ومرير‪ ،‬هي حرسة ما لها حدود‪ ،‬هناك‬ ‫ح ّيز ّ‬ ‫من يقول ‪ -‬عىل األرجح بورخيس‪ -‬يقول‪ :‬إ ّن كل كتاب غري مقروء هو كتاب م ّيت‪ ،‬فالقارئ يُحيي الكتاب ويعمل‬

‫عىل قيامته مثل املسيح متاماً‪ ،‬يعني الكتاب هو مسيح ال يقوم إالّ بالقراءة‪/////.‬‬


‫وعىل ال ّرغم من توافر الظروف املوضوعية واالستعدادات الذاتية لوالدة الشاعر ومن ّوه يف جوزف صايغ‪ ،‬فإ ّن عمل ّية‬ ‫النظم‪ ،‬عنده‪ ،‬محفوف ٌة بالصعوبة‪ .‬وهي نو ٌع من تقصيب املاس‪ ،‬وهندسة الفوىض‪ ،‬وضبط العواطف املضطرمة‪.‬‬ ‫وبهذا املعنى‪ ،‬يكون ُمق َّص َب أملاس‪َ ،‬و ُم َه ْن ِد ًسا شعريًّا‪َ ،‬وضاب َط إيقا ٍع عاطفي‪ .‬لذلك‪ ،‬يجتنب السهولة يف شعره‪،‬‬ ‫ويعب عن مذهبه الشعري بالقول‪:‬‬ ‫ويؤثر الصعوبة‪ّ ،‬‬ ‫األملاس‪ ،‬أو يُ ْثلِ ُم‬ ‫أُح ُّبهُ صع ًبا‪َ ،‬صدو ًفا‪ ،‬كام يُق ََّص ُب‬ ‫ُ‬

‫ض ُم‬ ‫فوضاي‪ ،‬أو ضاب ًطا ما ه َّي َج ْت‬ ‫مهندسا‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫عواطف ُ َّ‬ ‫الصنعة منه إىل الطبع‪ ،‬سوا ٌء عىل مستوى املفردة أو الرتكيب؛‬ ‫ّ‬ ‫لعل هذه التقنيات هي ما يجعل شعره أقرب إىل ّ‬ ‫ويشتق الجديد من جذور اللغة‪ ،‬غري أنّنا ال نُ ْع َدم أن‬ ‫فعىل املستوى األ ّول‪ ،‬يختار الفصيح‪ ،‬األنيق من املفردات‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫نرى يف قصائده كلامت معجمية‪ ،‬غريبة‪ .‬وإذا كانت مامرسة الحرية يف االشتقاق تعكس نزو ًعا حداثويًّا‪ ،‬فإ ّن‬ ‫استخدام الكلامت املعجم ّية يعكس أصول ّية لغوية واضحة‪ ،‬تُضاف إىل أصول ّيته الوزنية‪ ،‬واألصول ّيتان كلتاهام مل‬ ‫تؤث ّر فيهام إقامتُه الباريسية الطويلة‪ .‬وعىل املستوى الثاين‪ ،‬يُ َي ِّم ُم صايغ شطر الرتاكيب الصعبة‪ ،‬ويُن ّو ع يف ِص َيغِ‬

‫الكالم‪ ،‬ويستخدم التقديم والتأخري‪ ،‬وينزاح باملفردات داخل الرتاكيب عن مواضعها النحوية مح ّققًا بذلك شعرية‬

‫الشكل‪ ،‬وينزاح بها عن معانيها املعجمية مح ّققًا شعرية املضمون‪.‬‬ ‫يف الشكل‪ ،‬تتوزّع األعامل الشعرية عىل‪ :‬قصيدة الوزن‪ ،‬املرسحية الشعرية‬ ‫األسطورية‪ ،‬الثُّالث ّيات‪ ،‬النرث الشعري‪ ،‬والقصيدة املحكية‪ .‬عىل أ ّن هذه األشكال‬ ‫كم ونو ًعا؛ فتستأثر قصيدة الوزن بثالث عرشة‬ ‫الشعرية تتفاوت فيام بينها ًّ‬

‫مجموعة شعرية‪ ،‬ت ُشكّل املرسحية الشعرية "قيلولة الصل" جز ًءا من إحداها‪.‬‬

‫و تشغل "الثُّالث ّيات" املشتملة عىل مائة واثنتي عرشة ثالث ّية إحدى هذه‬ ‫املجموعات‪ .‬ويُفرِد الشاعر لقصائده املحكية مجموعة "شموع"‪ ،‬وهي األخرية يف نتاجه الشعري‪ .‬أ ّما نرثه الشعري‪،‬‬ ‫فَ ُيفرد له كتابني اثنني‪ ،‬هام "آن كولني" و"أ ْرز"‪ .‬ومع أ ّن جوزف صايغ مل يكتب قصيدة النرث‪ ،‬ومل يكن من أنصارها‪،‬‬ ‫فقد أدرج الكتابني املذكورين ضمن أعامله الشعرية‪ .‬وهو القائل يف مق ّدمة "األرض الثانية"‪" :‬ليس الشعر ن ًرثا‬ ‫تقل عنها يف قصائده املوزونة إن مل‬ ‫لعل ذلك يعود إىل أ ّن درجة الشعرية فيهام ال ّ‬ ‫شعريًّا وال هو بشعر منثور"‪ّ .‬‬ ‫تتخطّاها يف بعض األحيان‪.‬‬


‫حقول العمل‬ ‫ويف الحقول العملية‪ ،‬عمل جوزف صايغ يف الصحافة والتعليم والدبلوماسية؛ ففي الحقل األ ّول‪ ،‬تنقّل بني‬ ‫جريدة "النهار" وامللحق األديب لجريدة "األنوار"‪ ،‬ومجلة "الجديد"‪ ،‬ومجلّة "النهار العريب والدويل"‪ ،‬وتراوح عمله‬ ‫يف هذه املطبوعات بني الكتابة والتحرير واإلدارة‪ .‬ويف الحقل الثاين‪ ،‬مارس التعليم الثانوي يف بعض الثانويات‬ ‫رضا زائ ًرا‪ ،‬يف عدد من الجامعات اللبنانية‪ ،‬والفرنسية‪،‬‬ ‫اللبنانية‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة‪ ،‬والتعليم الجامعي‪ ،‬أستاذًا أو محا ً‬

‫ملحق ثقايف‪ ،‬ومستشا ٍر تنموي‪ ،‬وسفريٍ رديف‪ ،‬وعض ٍو يف‬ ‫واألمريكية‪ ،‬والصينية‪ .‬ويف الحقل الثالث‪ ،‬تقلّب صايغ بني‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وفد دبلومايس‪ .‬وإذا كانت األعامل تنطوي بانطواء صفحة صاحبها‪ ،‬فإ ّن ما يبقى‪ ،‬بعد انطواء الصفحة‪ ،‬هو‬ ‫الصفحات التي يدبّجها شع ًرا ون ًرثا‪ ،‬ما يشكّل موضوع مقاربتنا يف هذه العجالة‪.‬‬

‫جوزف صايغ شاع ًرا‬

‫عىل ال ّرغم من الحقول املعرفية التي أنتج فيها‪ ،‬والحقول العملية التي عمل فيها‪ ،‬فإ ّن الشاعر فيه طغى عىل ما‬

‫عداه من ألقاب‪ .‬وهو املولود يف زحلة‪ ،‬مدينة الشعر والشعراء‪ .‬عىل أ ّن عالقته بالشعر والفن والجامل تعود إىل‬

‫مرحلة مبكّرة من العمر‪ ،‬وهو يس ّمي مجموعته الشعرية األوىل "قصور يف الطفولة"‪ ،‬ويربط بني الشعر والطفولة‪،‬‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫يف أبح ِر الشِّ ع ِر ه ّبي يا َصبا ُسفُني‬

‫طفولتي الشِّ ع ُر‪ ،‬ما إالّ ُه يل ن َ​َس ٌب‬ ‫وتربطه عالقة جدلية بالجامل‪ ،‬تقوم عىل التفاعل والتكامل‪ ،‬فالجامل‪ ،‬بنوعيه الطبيعي والبرشي‪ ،‬يلهم الشاعر‪،‬‬ ‫فيض ّمه إىل قصيده‪ ،‬والجامل يستكمله ويعيده‪:‬‬ ‫ال يُضاهي انتشا َءيت م ْنهُ إالّ‬ ‫ِمثْلام مل يُضَ َّم ُص ْن ٌع‪ ،‬وأغوى‬

‫َ‬ ‫الجامل طَ َّي قصيدي‬ ‫أنْ أضُ َّم‬ ‫رب ُص ْنعٍ ُم ْس َتكْ ِميل‪َ ،‬و ُمعيدي‬ ‫َّ‬

‫والشاعر يُن ِت ُج الجامل‪ ،‬بدوره‪ ،‬ويطمح أن يُذيقه اآلخرين‪ ،‬ويبنيه قصو ًرا يف الطفولة‪ ،‬وبيوتًا يف سائر املراحل‬ ‫العمرية‪:‬‬

‫ُ‬ ‫بيتي‬ ‫الجامل‪ ،‬طموحي أن أُذ ِّو َقهُ‬ ‫ولعل نشأ َة جوزف صايغ يف زحلة‪ ،‬وتش ّب َعه بجامل وادي العرايش‪َ ،‬و ُرنُ َّوه إىل وجوه الزحل ّيات الجميالت‪ ،‬وإقامتَه‬ ‫ّ‬ ‫من مل يَ ُذ ْقهُ ‪ ،‬األىل هانوا‪ ،‬ومل أ ِه ِن‬

‫يف باريس‪ ،‬ومتتّ َعه بأناقة املدينة وعراقتها‪ ،‬واختالطَه بالباريسيات األنيقات‪ ،‬ناهيك باستعداداته الفطرية‪ ،‬هو ما‬ ‫ينظم نفسه حني ِ‬ ‫تاج الجامل و ُمن ِت َج ُه يف آن‪ ،‬وهو ِ‬ ‫ينظم الشعر اللذيذ‪:‬‬ ‫جعله نِ َ‬ ‫أنظ ُمني‪ ،‬فيام أنا ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنظ ُم‬

‫صياغ ًة بلفظ ٍة تَ ْن ِغ ُم‬


‫الوطن‬ ‫من هنا‪ ،‬يُشكّل الوطن املوضوع الثالث الذي يستأثر بشعر الشاعر‪ .‬وهو يتناوله بقصيدة الوزن من خالل مجموعة‬ ‫"زحلة القصيدة" التي يتغ ّنى فيها باملدينة‪ ،‬ويبثّها لواعج الحنني من باريس‪ ،‬ومن خالل قصائد متف ّرقة يف املجموعات‬ ‫املختلفة‪ .‬ويتناوله بالنرث الشعري من خالل كتابه "أرز" الذي ينحو فيه من ًحى إنشاديًّا يف متجيد رمز الوطن‪ ،‬ويحتفي‬

‫بعراقته التاريخية‪ ،‬وجامله الحارض‪ ،‬وخلوده املستقبيل‪.‬‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬مثّة موضوعات أخرى كثرية ت ُشكّل أجزاء من ه ّم جوزف صايغ الشعري‪ .‬فهو يطرح أسئلة اإلنسان‪،‬‬ ‫مم ال يتّسع املقام لذكرها‪.‬‬ ‫والوجود‪ ،‬والكون‪ ،‬والحياة‪ ،‬واملوت‪ ،‬والحق‪ ،‬والحقيقة‪ ،‬وغريها‪ّ ،‬‬ ‫جوزف صايغ ناث ًرا‬

‫وبعد‪ ،‬إذا كان لقب الشاعر قد طغى عىل جوزف صايغ‪ ،‬فإ ّن هذا اللقب‪ ،‬عىل جامله وكرثة الراغبني فيه‪ ،‬مل يكن‬ ‫ليستوعب الرجل‪ .‬لذلك‪ ،‬مل يقترص ِف ْع ُل وجوده عىل الشعر‪ ،‬وهو الذي برع فيه وحاذى كبار الشعراء‪ ،‬وعشق الجامل‬ ‫وصاغ أجمل املنحوتات الشعرية‪ .‬جوزف صايغ تع ّدى الشعر إىل النرث الفني‪ ،‬والنقد األديب‪ ،‬والذكريات‪ ،‬واالنطباعات‪،‬‬ ‫املرسلة‪ ،‬والحوار الفكري‪ ،‬واملقالة الصحفية‪ ،‬والسرية الذاتية‪ ،‬وسواها من الحقول املعرفية املتن ّوعة التي‬ ‫والخواطر َ‬

‫خاض فيها خوض قدي ٍر محرتف‪ ،‬وعاد منها مبا يبقى يف األرض وينفع الناس‪ ،‬وال يذهب جفا ًء كالزبد‪ ،‬عىل ح ّد تعبري‬ ‫اآلية القرآنية الكرمية‪ .‬وهو‪ ،‬فيها جمي ًعا‪ ،‬يتح ّرك بني مجموع ٍة من الثنائيات‪ ،‬ويحافظ عىل التوازن بينها برباعة واقتدار‪.‬‬

‫ويف هذه الثُّنائ ّيات‪ :‬الرشق ‪ /‬الغرب‪ ،‬لبنان ‪ /‬فرنسا‪ ،‬زحلة ‪ /‬باريس‪ ،‬األوزان العربية ‪ /‬الرؤى الغربية‪ ،‬اللغة األصيلة ‪/‬‬ ‫الصور املبتكرة‪ ،‬الشكل ‪ /‬املضمون‪ ،‬وغريها‪.‬‬


‫املرأة‬ ‫يف املضمون‪ ،‬تخوض األعامل يف موضوعات املرأة‪ ،‬الوطن‪ ،‬العالقة بني الرشق والغرب‪ ،‬وغريها‪ .‬وهذه املوضوعات‬ ‫تتفاوت حضو ًرا فيها‪ .‬تستأثر املرأة‪ ،‬مبا هي مخلوق جميل يعكس قدرة الخالق عىل الخلق‪ ،‬بالح ّيز األكرب من‬

‫أعامل جوزف صايغ الشعرية‪ .‬وينخرط معها يف عالقة جدلية تقوم عىل الخلق املتبادل‪ .‬هي ت ُوقظ خياله وتُذيك‬

‫مشاعره‪ ،‬وهو يُغ ّنيها بشعره‪:‬‬ ‫لقدْ أيقظْ ِت للدنيا خيايل‬ ‫وأذك ْي ِت املشاع َر يف فؤادي فغ ّنى ِ‬ ‫فيك باللّحن األغ ِّن‬

‫ِ‬ ‫بكل ُح ْس ِن‬ ‫سواك ِّ‬ ‫يلمح‬ ‫فلم ْ‬

‫لحم ودم‪ .‬تنتمي إىل الواقع بقدر انتامئها إىل خيال‬ ‫واملرأة يف شعره املوزون متع ّددة‪ ،‬عرصية‪ ،‬جسدية من ٍ‬

‫الشاعر‪ .‬بينام نراها يف نرثه الشعري‪ ،‬يف كتاب "آن كولني"‪ ،‬امرأة أثريية‪ ،‬مثالية‪ ،‬تنتمي إىل عامل املثل والغيب‬ ‫واملاوراء‪ .‬واملفارِق أ ّن هذا الكتاب النرث‪ -‬شعري الذي ال يُ ْعتَ َب شع ًرا‪ ،‬من منظور الشاعر نفسه‪ ،‬هو األكرث ارتباطًا‬ ‫بصاحبه‪ ،‬دون سواه من األعامل األخرى‪ ،‬فام إن يُذكَر جوزف صايغ حتى يقرتن به "آن كولني"‪.‬‬ ‫الرشق والغرب‬ ‫املوضوع الثاين الذي ييل املرأة يف االستئثار بشعر صايغ هو العالقة بني الرشق والغرب‪ .‬وقد أفرد له "قصائد من‬ ‫الشامل" التي ذيّل بها مجموعته الشعرية األوىل "قصور يف الطفولة"‪ ،‬ومجمو َعتَ ِي "القصيدة باريس" و"الديوان‬ ‫الغريب"‪ .‬فالشاعر اآليت من رشقٍ يُك ّبل أبناءه بالقيود‪ ،‬ويح ّد من قدرة الشاعر عىل التعبري‪ ،‬يصطدم بالجامل الغريب‬ ‫البارييس‪ ،‬عىل أنواعه‪ ،‬البرشي والعمراين والحضاري‪ ،‬ويرتتّب عىل هذا االصطدام الكثري من الرت ّددات الشعرية‬

‫الجميلة التي يجمع فيها الشاعر بني القوالب العربية األصيلة والرؤى الغربية الحديثة‪ .‬واملفارِق أ ّن جوزف صايغ‬ ‫عاش يف الرشق غربة روحية‪ ،‬وعاش يف الغرب غربة جسدية‪ ،‬فهو شاعر الغربتني‪ ،‬بامتياز‪ .‬واملفا َرقة األخرى هي أنّه‬ ‫رغم إقامته يف باريس منذ العام ‪ 1954‬مل يتق ّدم بطلب للحصول عىل الجنسية الفرنسية إالّ يف العام ‪ ،2012‬أي‬ ‫بعد حواىل ستّة عقود عىل تلك اإلقامة‪ .‬لقد بقي لبنان نقطة ضعفه األوىل واألخرية‪ ،‬وبقي ينازعه الحنني إىل منزله‬ ‫السياق‪ ،‬إىل أنّه أوىص أرسته‪ ،‬يف حال موته يف الغربة‪ ،‬كام‬ ‫األ ّول‪ ،‬وقرب أ ّمه‪ ،‬ومدينته األوىل‪َ .‬و َح ْس ُبنا اإلشارة‪ ،‬يف هذا ِّ‬ ‫تن ّبأ ذات مقابلة‪ ،‬أن يت ّم نقل رفاته إىل لبنان‪.‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫أدب‬

‫مقدمة‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫والسالم عىل من أويت‬ ‫الحمد الله الذي علّم بالقلم‪ّ ،‬‬ ‫والصالة ّ‬ ‫جوامع الكلم‪ ،‬وعىل آله األطهار ونجوم املعرفة وأويل الحكمة‬ ‫وال ّنهي وبعد‪...‬‬ ‫يع ّد دراسة البنية الشخصية وبيان ماه ّيتها وأمناطها وتصنيفها‬ ‫أي عمل روايئ من املوضوعات امله ّمة التي ترتكز إليها‬ ‫يف ّ‬ ‫الباحث يف درس الف ّن ال ّروايئ‪ ،‬أل ّن الشخصية هي مرتكز ال ّرواية‬

‫وأساس معامرها الذي ال ميكن اإلستغناء عنه؛ فال ميكن أن تقوم‬

‫شخصية؛ فالشّ خصية وما يصدر عنها من حركة وأحداث هي التي تك ّون ال ّرواية وتو ّحدها‪،‬‬ ‫رواية من دون وجود‬ ‫ّ‬

‫ورضا أمري خاين بصفته روائياً إيرانياً مبدعاً ات ّسمت كتاباته بنهج حدايث جديد‪ ،‬وإن تح ّدث يف روايته عن حقبة‬

‫تاريخية بعيدة قبل قيام الثورة اإلسالمية‪ ،‬حني كان ممنوعاً عىل املرأة أن تخرج بخامرها وحجابها الكامل وحني‬ ‫السفور يفرض عىل مجتمع مسلم تقليدي يف متسكه بال ّدين وتعاليمه‪ ،‬ومن هنا بدا جل ّياً أنّه روايئ يحمل عىل‬ ‫كان ّ‬

‫همً قوم ّياً‪ ،‬ووطنياً فارسياً خاصاً‪.‬‬ ‫كاهله ّ‬

‫وقد استدعت هذه ال ّدراسة عن الشّ خصية الروائية يف العمل ال ّروايئ « رضا أمري خاين » متهيدا ً‪ ،‬نبذ ٌة مخترص ٌة عن‬

‫مفهوم الشّ خصية لغة واصطالحاً‪ ،‬ومراحل تطورها وأنواعها وطرق تقدميها ونظام العالقات بني الشخصيات‪.‬‬

‫(الربنامج الرسدي‪/‬العامل الذات‪ ،‬العامل املوضوع‪ ،‬العامل املرسل‪ ،‬العامل املرسل إليه‪ ،‬العامل املساعدة‪ ،‬العامل‬ ‫املناوئ) وكذلك هوية الشخصيات وخصوصاً الرئيسية واألساس ّية منها (الهوية النفسية‪ ،‬االجتامعية‪ ،‬األخالقية‪،‬‬ ‫الصاع وتحقق الذات)‪.‬‬ ‫الثقافية وختاماً آلية ّ‬


‫ يف نرثه الف ّني‪ ،‬كام يتمظهر يف "آن كولني" و"أ ْرز"‪ ،‬هو شاعر بامتياز‪ .‬يرتقي بالنرث إىل مصاف الشعر‪ ،‬ويتجاوزه‬‫يف أحيانٍ كثرية‪.‬‬ ‫النص‬ ‫ يف نقده األديب‪ ،‬كام يتمظهر يف "سعيد عقل وأشياء الجامل"‪ ،‬ينحو من ًحى إنسان ًّيا جامل ًّيا‪ ،‬ويعيد إنتاج ّ‬‫املنقود‪ ،‬عىل طريقته‪ ،‬ويف ضوء مقتضيات الفن والجامل‪.‬‬ ‫طارح أسئلة‪ ،‬و ُم ْن ِت ُج أفكار‪ .‬يف ذكرياته وانطباعاته‪ ،‬يف‬ ‫ يف خواطره املرسلة‪ ،‬يف "مج ّرة الحروف"‪ ،‬هو جام ٌع مانع‪،‬‬‫ُ‬

‫بارييس بامتياز‪.‬‬ ‫"معيار وجنون"‪ ،‬هو‬ ‫ٌّ‬

‫نقص أو ٍ‬ ‫ يف "حوار مع الفكر الغريب"‪ ،‬هو ُمحا ِو ٌر بار ٌع من موقع ال َّن ِّد لل َّند‪ ،‬دون ُعق َِد ٍ‬‫خوف أو انبها ٍر باآلخر‬ ‫الغريب‪ .‬وال ُ‬ ‫الضيف املحا َور دون مساجلته‪ ،‬ومخالفته الرأي‪ ،‬إذا د َع ِت الحاجة‪.‬‬ ‫يحول ُعلُ ُّو مقام َّ‬

‫ يف مقاالته‪ ،‬يف "الوطن املستحيل"‪ ،‬هو ُمساج ٌِل‪ُ ،‬مساي ٌِف‪ ،‬غاضب‪ .‬ويف يوم ّياته الفكرية‪ ،‬يف "يوم ّيات بال أيّام" ت ُِط ُّل‬‫جوانب من سريتِ ِه الذات ّية الفكريّة‪ ،‬الغن ّية واملتن ّوعة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫***‬

‫وعو ٌد عىل بدء‪ ،‬جوزف صايغ شاع ٌر كبري‪ ،‬جمع يف شخصه بني الرشق والغرب‪ ،‬وواءم يف شعره بني القوالب‬

‫األصولية والرؤى الحديثة‪ ،‬وح ّول الجامل‪ ،‬بنوعيه الطبيعي والبرشي‪ ،‬إىل جام ٍل لُ َغوي‪ ،‬اسمه الشعر‪ .‬وهو‪ ،‬إن رحل‬ ‫منه الجسد‪ ،‬يحيا يف شعره‪ ،‬ويقيم فيه‪ ،‬مصداقًا لقوله‪:‬‬

‫يف الشِّ ْع ِر أ ْحيا‬ ‫أنا بيتي ه َو الشِّ ْع ُر‬ ‫الس ْح ُر‪.‬‬ ‫كَام ِبَ ْسحو ِر ِب َّل ْو ِر ال ُّرؤى ِّ‬


‫وأوضح أن هذا التعريف اقرب إىل الفهم النفيس للشخصية‪ ،‬إذ يهتم علم النفس بوصفه ومظهر الشخصية‬ ‫وقدراتها ودوافعها وردود أفعالها العاطفية وخرباتها واتجاهاتها‪.‬‬ ‫ويف مقابل هذه اللفظة يف اللغة األجنبية واملنحدرة من أصول التينية‪ ،‬نجد أن كلمة شخصية هي ترجمة لكلمة‬ ‫(‪)persona‬الالتينية إذ تعني " القناع الذي يرتديه املمثلون اليونانيون يف احتفاالتهم ومتثيالتهم إلخفاء معامل‬ ‫شخص ّياتهم الحقيقية( )‪.‬‬ ‫"وعن هذه الكلمة جاء املصطلح اإلنجليزي (‪ )personality‬داالً عىل الشّ خصية وصارت كلمة (‪ )person‬تعني‬ ‫مصطلحا أدبيا ًمبعنى (القناع األديب)‪ ،‬أي صار يف ال ّنقد ّ‬ ‫يدل عىل الذّات الفاعلة ضمن العمل األديب‪ ،‬فتتّخذ هذه‬ ‫الذّات أوجهاً متع ّددة‪ ،‬رمبا كان ال ّروايئ نفسهأحد تلك األوجه( )‪.‬‬

‫"واللفظة بكاملها يعود استعاملها إىل ال ّزمن الذي شهد فيه املمثل عىل ال ّزمن اإلغريقي‪ ،‬يضع القناع عىل وجهه‬

‫الصفات الصارخة يف شخص ّية الفرد الذي يقوم بتمثيل دوره عىل املرسح ٕوإيضاحها( )‪.‬‬ ‫لغرض إظهار ّ‬

‫" والحقأن اشتقاق اللغة العربية من وراء اصطناع تريك‪ :‬ش خ ص‪ ،‬وذلك كام نفهم نحن العربية عىل األقل‪ ،‬من‬

‫ضمن ما يعنيه التعبري عن قيمة حية عاقلة ناطقة‪ ،‬فكأن املعنى إظهار يشء وإخراج متثيلية وعكس قيمته‪ ...‬وال‬ ‫يعني أصل املعنى يف اللغات الغربية إال شيئا من ذلك( )‪.‬‬ ‫اصطالحا‪:‬‬ ‫الشخصية يف اللغة واألدب هي " أحد األفراد الخياليني أو الواقعيني الذين تدور حولهم أحداث القصة أو‬ ‫املرسحية( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )4‬داوود حنـا ‪ :‬الشخـصية بـني الـسواء واملـرض ‪ ،‬مكتبـة األنجلـو املـرصية ‪ ،‬القـاهرة ‪ ، ٧ :١٩٩١‬وانظـر الحبـايب‪ ،‬محمد عزيز من الكائن إىل‬ ‫الشخص ‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬مرص ‪٢٥ :١٩٦٢‬‬ ‫(‪ )5‬رنارد دي فوتو ‪ :‬عامل القصة ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬محمد مصطفى هدارة ‪ ،‬عامل الكتب ‪ ،‬القاهرة ‪ : ١٩٦٩ ،‬ص‪٤٠‬‬ ‫(‪ )6‬عيل كامل ‪ :‬النفس ‪ ،‬دار واسط ‪ ،‬بغداد ط‪١٩٨٨ ، ٤‬م ‪.٧٣/١ ،‬‬ ‫(‪ )7‬عبد امللك ‪ :‬يف نظرية الرواية ‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واألدب ‪ ،‬الكويت ‪.٧٥ ،١٩٩٨‬‬ ‫(‪ )8‬فـریال سـامح ‪ :‬رسـم الشخـصية فـي روايـات حنـا مينـة ‪ ،‬ط‪ ، ١‬املؤسـسة العربيـة للدراسـات والنـرش ‪ ،‬بيـروت ‪.18/١٧ ،١٩٩٩‬‬


‫مهاد نظري‪:‬‬ ‫مفهوم الشخصية‪:‬‬ ‫جاء يف لسان العرب أنها من ما ّدة شَ َخ َص‪ ،‬والشّ خص‪ ،‬جامعة شَ ْخ ِص اإلنسان‪ ،‬والجمع أشخاص وشخوص‪ ،‬وشخاص‪.‬‬ ‫والشّ خص‪ :‬سواد اإلنسان وغريه وتراه من بعيد‪ ،‬وتقول ثالثة أشخص‪ ،‬وكل يشء رأيت جسامنه فقد رأيت شخصه‪.‬‬ ‫ويف الحديث‪ « :‬ال شخص أغري من الله »؛ الشخص كل جسم له ارتفاع أو ظهور‪ ،‬واملراد به إثبات الذات فاستعري‬ ‫لها لفظ الشخص‪ ،‬والشخيص العظيم الش ْخ ِص‪ ،‬واألنثى شخص ّية‪ ،‬واالسم الشخاصة »( )‪.‬‬ ‫من خالل تعريف ابن منظور يظهر لنا أنه قرص الشخص عىل معنى الذات الظاهر للعيان‪ ،‬وهو بذلك يؤكد‬

‫الحس املقرتن مبسمى الشّ خص ‪.‬وبال ّرجوع للقاموس املحيط فقد وردت فيه مادة شخص مبعنى « ارتفع‬ ‫الظهور ّ‬

‫السهم ارتفع عن الهدف والنجم طلع‪،‬‬ ‫برصه وفتح عينيه‪ ،‬و ُجعل ال يطرف‪ ،‬ومن بلد إىل بلد سار يف ارتفاع‪ ،‬وورم ّ‬ ‫والكلمة من الفم ارتفعت نحو الحنك األعىل‪ ،‬ورمبا كان ذلك خلقه أن يشخص بصوته فال يقدر عىل خفضه‪،‬‬ ‫وشخص به كمعنى أتاه أمر أقلقه وأزعجه وأشخصه‪ :‬أزعجه‪ ،‬واملتشاخص‪ :‬املختلف واملتفاوت‪.) (.‬‬ ‫وواضح هنا أن الفريوز أبادي قد أضاف معاين أخرى أكرث وأوسع مام جاء يف لسان العرب‪ ،‬إذ ّبي لنا املواطن التي‬

‫تستخدم فيها الكلمة‪ ،‬ألنها تحمل أكرث من معنى بحسب استخدامها‪.‬‬ ‫ويف املعجم الوسيط‪ " :‬شخص اليشء ع ّينه وم ّيزه مام سواه"‪.‬‬

‫الشخصية‪ :‬الصفات التي يتميز بها الشخص من غريه ويقال‪ ،‬فالن ال شخصية له‪ ،‬أي ليس له ما مييزه من صفات‬

‫خاصة( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،6‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ 45/7 ،1997 ،‬مادة شخص‬ ‫(‪ )2‬الفريوز أبادي ‪ ،‬القاموس املحيط ‪ ٣١٧/٢ ،‬مادة شخص‪.‬‬ ‫(‪ )3‬إبراهيم أنيس ورفاقه ‪ :‬املعجم الوسيط ‪ ،‬مطبعة مرص ‪ ،‬القاهرة ‪ ، ٤٧٥ ،١٩٧٢ ،‬مادة شخص‪.‬‬


‫السيميائيني « كائن حي واقعي له حالة وداللة يف الواقع ‪ ،‬أما الشّ خصية فهي ما يحمله الشّ خص‬ ‫والشّ خص عند ّ‬ ‫القصة( )‪.‬‬ ‫من تخيل وتص ّور عن طبيعة الشّ خصية التي يناط بها دور من األدوار يف ّ‬

‫ومن املالحظ يف التعريف السيميايئ السابق للشخص أنهم يفرقون بني الشخص الواقعي الفيزيايئ املس ّجل يف سجل‬

‫القصة األدب ّية ‪.‬‬ ‫األحوال املدنية‪ ،‬وبني الشّ خصية الورق ّية التي يسند لها دور يف ّ‬

‫ومن هنا نجد أن الشّ خصية قد نالت اهتامم كثري من العلوم كعلم النفس‪ ،‬وعلم االجتامع‪ ،‬وعلم الهندسة‬

‫ال ّنفسية‪ ...‬وكثري من العلوم التّطبيقية‪ ،‬ولسنا بصدد الحديث عن الشّ خصية يف تلك العلوم ألن ما يهمنا يف هذه‬ ‫الدراسة هو الشخصية يف الفنون األدبية وتحديدا يف ال ّرواية‪ ،‬الشخصية تع ّد أهم العنارص التي تقوم عليها الرواية‬

‫والقصة واألقصوصة واملرسح ‪.‬‬

‫فهي وال شك « مصدر إمتاع وتشويق يف القصة لعوامل كثرية‪.) (...‬‬ ‫أنواع الشخصية ووظائفها‪:‬‬ ‫الشخـــصيات إمـــا حقيقيـــة (منتجـــة)‪ ،‬أو متخيلـــة (منتجـــة) وســـيتناول الباحـــث الحـــديث عنهـــا‬ ‫بيشء من التفصيل‪.‬‬ ‫أوالً‪ :‬الشخصيات الحقيقية (الخالقة أو املبدعة)‬ ‫تتمثـــل الشّ خـــص ّيات الحقيقـــة فـــي األشـــخاص الحقيقيـــني الـــذي يـــساهمون فـــي إبـــداع العمـــل‬ ‫األدبـي‪ ،‬إذ ال بـ ّد لكـل عمـل أدبـي مـن مبـدع يبدعـه ويقدمـه لجمهـور القـراء‪ ،‬واملبـدع الحقيقـي‪ ،‬وهـو‬ ‫املؤلـف الـذي يكتـب العمـل ويوجـه اهتاممـه إلـى قـارئ متخ ّيـل والـى قـارئ حقيقـي فـي الوقـت نفـسه‪،‬‬ ‫والقارئ الحقيقـي لـه دور جـوهري فـي تأويـل الـ ّن ّص‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )14‬محمد أيوب ‪ :‬الشخص و الشخصية يف القصة الغربية ( دراسة سيميائية ) ‪،‬ص ‪.٣‬‬ ‫(‪ )15‬محمد يوسف نجم ‪ :‬فن القصة ‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬بريوت ‪ ، ١٩٩٦ ،‬ص‪.٥‬‬


‫القصة‪ ،‬إذ تع ّد " ركيزة ال ّروايئ األساس ّية يف الكشف عن‬ ‫وتعد الشخصية من العوامل املهمة املساهمة يف تشكيل ّ‬

‫القوى التي تح ّرك الواقع من حولنا وعن دينامكية الحياة وتفاعالتها؛ فالشّ خصية من املقومات ال ّرئيسية لرواية‬

‫ال ّرواية بقولهم ال ّرواية شخصية( )‪.‬‬

‫القصة أو املرسحية( )‪.‬‬ ‫والشّ خصية " أحد األفراد الخياليني أو الواقعيني الذين تدور حولهم أحداث ّ‬

‫ويراها آخرون تتح ّرك يف مجال ال ّداللة عىل الهيئة الخارجية لإلنسان أو الحيوان‪ ،‬أو املتاع ألي يشء خالف ذلك‪ .‬وال‬ ‫املتجسد هيئة وشكالً‪ ،‬يف مجال رؤية الشّ اخص بحيث ال تتح ّرك‬ ‫تتحقق هذه ال ّداللة إال بوقوع الهيئة‪ ،‬أو الشخص‬ ‫ّ‬ ‫الكلمة لتعطي دالالت إال يف إطار عالقة ذات طرفني‪ " :‬راء ومريئ‪ ،‬أو ذي صلة بالتشخيص الذي ينتقل ما هو غري‬ ‫مريئ إىل مجال ال ّرؤية منجهة ثانية أن الكلمة تذهب إىل تجسيد بعض املفاهيم املجردة كاإلنزياح والقلق‬

‫والغربة( )‪.‬‬

‫السدي إذ جمع تعريفه تعريفات الكثري من ال ّنقاد واألدباء؛ فهي عنده‪ " :‬كائن‬ ‫ويعرفها جريالد برنس يف املصطلح ّ‬ ‫موهوب بصفات برشية وملتزم بأحداث برشيّة‪ ،‬والشّ خصيات ميكن أن تكون مهمة أو أقل أهم ّية ( وفقا ألهمية‬

‫النص) فعالة (حيث تخضع للتغيري)‪ ،‬مستق ّرة ( حينام ال يكون هناك تناقض يف صفاتها وأفعالها‪ ،‬أو مضطربة‬ ‫ّ‬

‫وسطح ّية ( بسيطة لها بعد واحد فحسب‪ ،‬وسامت قليلة‪ ،‬وميكن التنبؤ بسلوكها)‪ ،‬أو عميقة ( معقدة لها أبعاد‬ ‫عديدة قادرة عىل القيام بسلوك مفاجئ( )‪.‬‬

‫التكيب ‪ ،‬تتعدد الشّ خصية ال ّروائية بتعدد األهواء واملذاهب‬ ‫والشّ خصية " هذا العامل املعقد الشديد ّ‬

‫واأليديولوجيات والثقافات والحضارات والهواجس والطّبائع البرشيّة"( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )9‬محمد التوتجي ‪ :‬املعجم املفصل يف األدب ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬ط‪ ، ١‬بريوت ‪.٤٥٧/٤٥٦/٢ ، ١٩٩٣ ،‬‬ ‫(‪ )10‬مجدي وهبة ‪ :‬معجم مصطلحات األدب ‪ ،‬مكتبة لبنان –بريوت‪٦٥ ، ١٩٧٤ -‬‬ ‫(‪ )11‬عبــد الــرحمن بسيــسو‪ :‬قــصيدة القنــاع فــي الــشعر العربــي املعاصــر‪ ،‬ط‪ ،١‬املــرشوع القــومي للرتجمــة بيــروت‪١٩٩٩ ،18/17 ،‬‬ ‫(‪ )12‬جريالـــد بـــرنس ‪ :‬املـــصطلح الــــرسدي ‪ ،‬ترجمــــة عابــــد خزنــــدار ‪ ،‬ط‪ ، ١‬املــــرشوع القــــومي للرتجمــــة ‪ ،‬القــــاهرة ‪،42 ،‬‬ ‫‪43 ،2003‬‬ ‫(‪ )13‬عبد امللك مرتاض‪ :‬يف نظرية الرواية ‪.٧٣ ،‬‬


‫وهـو مـا يطلـق عليـه باللعبـة الف ّنيـة تجعـل مـن "هيمنـة الـ ّراوي كعنـرص ليـست سـوى وظيفتـه ضـد هيمنـة‬ ‫موقعـه ككاتـب‪ .‬أليـست عالقـة الـ ّراوي مبـا يـروي ومناهـضته هيمنـة الكاتـب األيديولوجي عليه‪ ،‬هي ما‬

‫جعلت العمل الف ّني يخون أحيانا كاتبه( )‪.‬‬

‫فالسارد موجود ولكـن لـيس بالحـدة التـي يزعمهـا النقـاد ال ُجـ ُدد‪ ،‬ولـيس إلـى حـد إلغـاء املؤلـف‪ ،‬بعدوانية‬ ‫السدي( )‪.‬‬ ‫عابثة‪ ،‬واإلستيالء عىل منزلته يف العمل ّ‬ ‫ب‪ /‬املتلقّي‪:‬‬ ‫"ال ميكن لإلبداع أن يكتمـل إال بالقـارئ‪ ،‬فـإذا كـان الكاتـب هـو املؤلـف األول للعمـل األدبـي‪ ،‬فـإ ّن القـارئ‬ ‫الحقيقـي هـو املؤلـف الثـاين لهـذا العمـل‪ ،‬ولكـي يكتمـل العمـل األدبـي يجـب أن يتحـ ّول القارئ إىل مؤلف‬

‫للنص"( )‪.‬‬

‫للـنص األ ّول‪ .‬والقـارئ الحقيقـي يختلف‬ ‫يعيـد إبداعـه مـن جديـد ومـن هنـا جـاءت فكـرة تعـدد القـراءات ّ‬ ‫عن القارئ املتو ّهم الذي يتخيله املؤلف يف أثناء كتابته للعمل األديب‪ ،‬فالكاتـب يعـرف كيـف يخلــق التّــسلية‬ ‫بكــل وســائل الخــداع‪ ،‬فهــو يعــي رغبــات اآلخــرين‪ ،‬والقــارئ الحقيقــي يبــرز كمعــارض للقارئ املت ّوهم‬

‫عنـد القـاص‪ ،‬ومكـتمال كقـارئ حقيقـي يـضفي علـى العمـل األدبـي معنـى جديـدا ً ويتـرك عليه بصامته‪ .‬بحيث‬ ‫يتح ّول إىل مبدع ٍ ثـان للعمـل األدبـي ويحـاول اإلسـهام فـي األتوبيوغرافيـة‪ ،‬كجـزء مــن بحثــه عــن صــورة‬ ‫البطولــة والحــدث والــزمن‪ ،‬ال كمــا يرســلها القــاص‪ ،‬ولكــن كمــا يتلقاهــا وعــي القارئ( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )20‬ميني العيد‪ ،‬تقنيات الرسد الروايئ يف ضوء املنهج النبوي‪ ،‬ط‪، ٢‬الفارايب‪ ،‬بريوت‪، ١٩٩٩ ،‬ص‪١١٨‬‬ ‫(‪ )21‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬يف نظرية الرواية‪ ،‬ص‪.227‬‬ ‫(‪ )22‬الياس خوري‪ ،‬الرواية الجديدة‪ ،‬كتابات معارص‪ ،‬مجلد‪، ١‬عدد ‪ ، ٣، ١٩٨٩‬ص‪.٧٩‬‬ ‫(‪ )23‬سعيد علوس‪ ،‬الرواية واأليديولوجيا‪ ،‬ط‪، ٢‬بريوت‪ ،‬دار الكلمة للنرش‪، ١٩٨٢ ،‬ص‪.٩٢‬‬


‫وخلقـة‪ ،‬فالقـارئ‬ ‫األدب ّـي‪ ،‬ولـذا فـإ ّن الكاتـب ال يهمـل القـارئ‪ ،‬ولكنـه يطالبـه أن يـساهم مـساهمة واعيـة ّ‬ ‫مطالـب بـأن سـاهم فـي عملي ّـة الخلـق األدبـي عـنطريق اخرتاع هذا العمل الذي يقرؤه( )‪.‬‬ ‫أ‪ -‬املؤلف‪ /‬الروايئ‪:‬‬ ‫هــو صــــانع الخطــــاب ال ّروائــــي‪ ،‬أو الــــشّ خص الحقيقــــي الــــذي أنتجــــه وأبــــدع نــــسجه بـشكل‬ ‫تــصح مقولــة (مــوت املؤلــف) وتالشــيه فــي األعمــال الــرسديّة املكتوبــة‬ ‫موضــوعي ال لــبس فيــه‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حـــسب عبـــد امللـــك مرتـــاض " فحـــني يكتـــب أي روائـــي روايـــة فهـــو الـــذي يكتـــب؛ وهـــو‬

‫الــسدية لكن‬ ‫الـــذي يُنـــشئ الشخــصيات‪ ،‬وهــو الــذي يتخــذ لروايتــه ســاردا ً‪ ،‬فــي بعــض األطــوار ّ‬ ‫يظل حارضا ً يف العمل ال ّروايئ‪ ،‬فهو الذي يهندسه‪ ،‬وهو الذي ينسجه ويدبجه( )‪.‬‬ ‫املؤلف ّ‬ ‫ويرسـم خيـال املؤلــف شخـصيته وأدوارهــا التــي تؤديها مـستم ًدا رؤاه من واقـعه الذي يعيشه‪ ،‬وخيالـه‪،‬‬ ‫ومـن خـالل تـصوره للواقـع املعـاش‪ ،‬قـد يتبنـى شخـصية‪ ،‬أو فكـرة مـا‪ ،‬ميـارس خاللهـا "عملـه ووظيفته‬ ‫الكتابية أو اإلبداعية‪ .‬قد يكون هذا القصور لألشياء‪ ،‬أو هذه ال ّرؤية للعامل محـ ّددي الـسامت واملعامل‪ ،‬وقد يكونان‬

‫غري واضحني بالقدر الكايف عند الكاتب أو املبدع( )‪.‬‬

‫الـــسارد ‪ /‬الـــروايئ أبـــرز تلـــك الشّ خـــصيات التـــي يبـــدعها خيـــال ال ّروائـــي بـــل‬ ‫وتعــد شخـــصية‬ ‫ّ‬ ‫الـسارد‪ /‬الـ ّراوي؛ فلـيس سـارد ال ّروايـة هـو املؤل ّـف‪ٕ ،‬وإنّ ا‬ ‫ويحرص الروايئ عىل إقامة مسافة فن ّية بينه وبـني ّ‬ ‫السارد شخصية خيال ّية يتج ّول املؤلف من خاللها "( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )16‬آالن روب جرييه‪ ،‬نحو رواية جديدة‪ ،‬دار املعارف –القاهرة‪ -‬ص‪١٣٨‬‬ ‫(‪ )17‬عبـد امللـك مرتـاض‪ ،‬فـي نظريـة الروايـة (بحـث فـي تقنيـات الـرسد)‪ ،‬املجلـس الـوطني للثقافـة والفنـون واآلداب – الكويت‪ -‬شعبان‬ ‫‪١٩٩٨‬م‪ ،‬ص‪.٢٠٧‬‬ ‫(‪ )18‬سعيد يقطني‪ ،‬الرواية والرتاث الرسدي‪ ،‬ط‪ ، ١‬رواية‪- ،‬القاهرة‪، ٢٠٠٦ -‬ص‪.١٦٦‬‬ ‫(‪ )19‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬يف نظرية الرواية‪ ،‬ص ‪.225‬‬


‫أمـا التّـصنيف الثـاين فهـو الـذي يبنـي علـى أسـاس ارتبـاط الشّ خـص ّية بالحـدث ال ّروائـي حيـث ينظر إىل‬ ‫الـسد فقـسمت الشّ خـص ّيات فيـه إلـى شخـص ّياترئيسية أو محوريّة‬ ‫"أهم ّية ال ّدور الذي تقوم بـه الشّ خـص ّية فـي ّ‬

‫وشخص ّيات ثانوية مكتفية بوظيفة مرحلية( )‪.‬‬ ‫وكـان النقـد يـص ّنف الشّ خـص ّيات بحـسب أطوارهـا عبـر العمـل ال ّروائـي‪ ،‬فـإذا هنـاك ضـروب مـــن‬ ‫الشّ خـــص ّيات بحيـــث تـــصادف الشّ خـــصية املركزيـ ّــة التـــي تـــصاديها الشخـــصية الثانويـــة‪ ،‬التـــي‬

‫تـصاديها الشخـصية الخاليـة مـن االعتبـار‪ ،‬كمـا يـصادف الشخـصية املـدورة واملـسطحة‪ ،‬واإليجابيـة والسلبية‬

‫والثابتة وال ّنامية( )‪.‬‬ ‫وائــي‪ ،‬حيــث قــسمت فيــه الشّ خــص ّية إلــى‬ ‫وسأبدأ بالحــديث عــن التّــصنيف الــذي يــرتبط بالحــدث ال ّر ّ‬ ‫ثانويــة ورئيــسية‪ ،‬وهــذا الت ّــصنيف هــو األكثــر شــهرة فــي درس تــصنيف الشّ خــص ّيات ويجعل شخصيات‬ ‫أحمد عوض يف دائرة أكرث شمولية‪.‬‬

‫الشّ خص ّية ال ّرئيسة‪:‬‬ ‫هي التي تنهض مبه ّمة رئيسة وبال ّدور األكرب يف تط ّور الحدث‪ ،‬كام وتساعد املتلقي عىل فهم طبيعة الخطاب وهي‬ ‫التـي "تقودنـا إلـى طبيعـة البنـاء الـ ّدرامي‪ ،‬فعليهـا نعتمـد‪ ،‬حـني نبنـي توقعاتنـا ورغباتنا‪ ،‬التي من شأنها أن‬

‫تحول‪ ،‬أو تدعم تقديراتنا وتقييمنا‪.‬‬ ‫مــن ثــم تــنهض قيمــة معظــم ال ّروايــات‪ ،‬ومــا تحدثــه مــن التــأثري الفعــال علــى مــدى مقــدرة‬ ‫الشخـصيات الرئيـسة فـي تقـديم املوقـف‪ ،‬والقـضايا اإلنـسان ّية التـي يطرحهـا العمـل تقـدميا حيويـا ‪.‬وأننا منيل‬ ‫إىل تقييم العمل يف ضوء مقدرة الشّ خص ّيات عىل تجسيد تلك املواقف بصورة مقنعة( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )30‬حــسن بحـــراوي‪ ،‬بنيـــة الـــشكل الروائـــي (الفـــضاء – الــزمن – الشخـــصية)‪ ،‬ط‪، ١٩٩٠، ١‬الــدار البيـــضاء‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪،‬‬ ‫ص‪.٢١٥‬‬ ‫(‪ )31‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.‬ن‪ ،‬وانظر‪ :‬محمد الحسن املصطفى‪ ،‬الرواية العربية املوريتانية (مقاربة للبنية والداللة)‪ ،‬ص‪٩٩‬‬ ‫(‪ )32‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬يف نظرية الرواية‪ ،‬ص‪٨٧‬‬ ‫(‪ )33‬روجرب هينكل‪ ،‬قراءة الرواية‪ ،‬ترجمة صالح رزق‪ ،‬د‪.‬ط‪، ١‬دار غريب‪ ،‬القاهرة‪، ٢٠٠٥ ،‬ص‪١٨٦‬‬


‫إن زمن قراءة ال ّن ّص يظل مفتوحاً عىل األزمنة واألمكنة من خالل عمل ّية (الرتهني ال ّزمني) ال ّدال عىل الحال (اآلن)‬

‫ومع مجيء املدرسـة النقدي ّـة أكّـدت علـى دور املتلقـي فـي صـناعة املعـاين "إضـفاء أي معنـى تلزمـه‬

‫تحتل موقع اإلمتياز من هذه‬ ‫معـي‪ ،‬ولـيس ال ّنظـام‪ ،‬بـل الفوضـى هـي التـي ّ‬ ‫حاجـاتهم ال ّنفـس ّية علـى ّ‬ ‫نـص ّ‬ ‫ال ّنظرة( )‪.‬‬

‫باإلضــافة إلــى أن املتلقــي يقــوم بــدور الناقــد "فقــد يختــار منهجــاً مالمئــاً لقــراءة الــنص‪ ،‬وقد يختــار‬ ‫نــص‪ ،‬وقــد تجتمــع لديــه منــاهج مختلفــة يـرى أنهــا تتظــافر إلــى جانــب‬ ‫منهجــه هــو لقــراءة أي ّ‬ ‫معارف أخرى لتقديم أفضل قراءة ممكنة لل ّن ّص( )‪.‬‬ ‫إن القــارئ هــو مبــدع فــي الوقــت نفــسه‪ ،‬فهــو يقــوم بإبــداع روايــة داخــل الروايــة التــي كتبهــا‬ ‫املؤلف( )‪ ،‬وقد أجمع ال ّنقاد عىل إعادة خلق العمل األديب( )‪.‬‬ ‫فالقارئ ال ّناقد يقرأ بتم ّعن ودقّة‪ ،‬وهو كاتب روايئ يعيد صياغة العمل األديب‪ ،‬ويتح ّمـل جـزءا ً من املسؤولية‪ ،‬أل ّن‬ ‫يخص املؤلف وحده( )‪.‬‬ ‫العمل الروايئ بعد إنجازه ال ّ‬ ‫ثانيا‪ :‬شخصيات منتجه‪:‬‬ ‫تتعــ ّدد أنــواع الشّ خــصيات املنتجــة فــي األعمــال ال ّروائيــة‪ ،‬ومــن املعلــوم أن هنــاك تــصنيفان‬ ‫شـــــائعان األول شـــــكيل "يركـــــز علـــــى مهمــــ ّـة الشّ خـــــص ّية فـــــي الـــــ ّن ّص وعالقتهـــــا‬

‫الـــــشّ كلية الخالـــــصة بالشّ خص ّيات األخرى( )‪.‬‬ ‫الـسكون ّية الباقيـة علـى منـط واحد طوال‬ ‫وقـد انقـسم هـذا الـصنف إلـى قـسمني‪ :‬األول يتـض ّمن الشّ خـص ّية ّ‬ ‫الـسد‪،‬‬ ‫السد‪ ،‬وال تنمو وال تتطّور‪ ،‬والثاين يتض ّمن الشّ خـص ّية ال ّدينام ّيـة‪ ،‬وهـي الباقيـة علـى منـط واحـد طـول ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتخـضع للتغييـر أو التبـديل وهـي دامئـة الحركـة ومتتـاز بـالتّحوالت املفاجئـة التـيتقرأ عليها داخل البنية‬ ‫الحكائ ّية الواحدة( )‪.‬‬ ‫___________________________‬

‫(‪ )24‬روبــرت شـــولز‪ ،‬الــسيمياء والتأويـــل‪ ،‬ترجمــة ســـعيد الغــامني‪ ،‬ط‪، ١‬املؤســسة العربيــة للدراســـات والنــرش‪ ،‬بيـــروت‪.30/1994 ،‬‬ ‫(‪ )25‬فصول‪ ،‬خصوصية الرواية العربية‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬شتاء ‪.٩٣/١٦ ،١٩٩٧‬‬ ‫(‪ )26‬برييس لوبوك‪ ،‬صنعة الرواية‪ ،‬العراق‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم‪ ،‬ترجمة عبد الستار جواد‪، ١٩٨١ ،‬ص ‪23‬‬ ‫(‪ )27‬آالن روب جرييه‪ ،‬نحو رواية جديدة‪ ،‬ص‪138‬‬ ‫(‪ )28‬برييس لوبوك‪ ،‬صنعة الرواية‪٢٨/٢٧ ،‬‬ ‫(‪ )29‬سمري روحي الفيصل‪ ،‬الشخصية والراوي يف «أنت منذ اليوم» راية مؤتة‪ ،‬م‪، ٢‬ع‪، ١٩٩٣، ٢‬ص‪١٧٧‬‬


‫الـصاع وإثارة الحيوي ّـة فـدورها مـساند ولـيس ثـانوي ألن املـساندة تعبيـر أقوى فهـو‬ ‫كام وأنّها تقوم بخلق ّ‬ ‫يعطـي داللـة املبـادر والحيـوي واملعاضـد فكريًـا أو شـعوريًا يقول باسم عبد الحميد‪":‬إن الشّ خص ّية الثّانويـة‬ ‫هـي الشّ خـص ّية املـساندة الّتـي تعطـي للعمـل الروائـي ال يت ّم إلّ من خالل تحريك الشّ خص ّيات الثّانويّة التي‬ ‫للصاع ذروته ومعناه ومن هنا‪ ،‬فالشّ خص ّية الثّانوية ليست حالة أو مادة عابرة أو مفروضة عىل مرسح‬ ‫تعطي ّ‬

‫الحدث وأستطيع االدعاء تبعا لذلك وبغيـر كثيـر مـن التـشكيك أن الشّ خصية الثّانوية بطلة أيضا إنّ ا مبستواها(‬

‫)‪.‬‬ ‫وبعـــد بقـــي أن نقـــول إن الشّ خـــصية الثانويـــة أو املـــساعدة لهـــا أهميـ ّــة كبيـــرة فـــي الخطـــاب‬ ‫السدي‪ ،‬فال ينبغي التّقليل من شأنها ملا لها من دور بارز يف تجلية الشّ خـص ّيات ال ّرئيـسية وإبرازها‪ ،‬فمن خاللها‬ ‫ّ‬ ‫يصنع الكاتب الحدث والحبكة‪.‬‬

‫وفــي روايــة رضا أمري خاين كــان للشخــصية الثانويــة دور فعــال فــي تــصعيد الحــدث أقـوى مـن وضع‬ ‫الحبكـة وتجليـة الشّ خـصيات ال ّرئيـسية بـل كـان لـبعض الشّ خـصيات الثانويـة ظهـورا ً أقوى من الشّ خـصيات‬ ‫ال ّرئيـسية كمصطفى الدرويش وهـذا مـا سـنجليه مـن خـالل الحـديث عـن الشخـصيات الرئيـسية واألساسية‬ ‫والثانويـة فـي رواية (أنا – ه ) للكاتب رضا أمري خاين‪.‬‬

‫وهناك شخصيات إيجابية وأخرى سلبية وأخرى نامية حيث أنها ال متتاز بالثبـات علـى طـول النص بل متغرية‬ ‫باستمرار وهـي بعكـس الشخـصية املـسطحة التـي تـسري ضـمن منـط ثابـت ال تتغيـر سامتها عىل طول الرواية‪،‬‬ ‫وهناك الشّ خص ّية األمنوذج ّية أو املثال ّية (كشخص ّية مجتبى)‪.‬‬ ‫فالقصة‪ ،‬هذه العجائب ّية‪ ،‬هــذا الــعــالــم الــسـ ّـحــري الجـمــيــل( )‪ .‬املتّحد بكافة عنارصه؛ ليقدم أمنوذجاً‬ ‫ّ‬

‫بالضورة وجود عنارص عىل عالقة وثيقة بأهدافها البعيدة منها الحوادث والشّ خص ّيات‬ ‫ح ّياً لإلنسان( )‪ ،‬يقتيض ّ‬ ‫وال ّزمان واملكان‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )37‬باسم عبد الحميد حمودي‪ ،‬مدخل إىل الشخصية الثانوية يف الرواية العراقية‪ ،‬األقالم‪ ، ١٩٨٨، ٦٤ ،‬ص‪٤٢‬‬ ‫(‪ )38‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬يف نظرية ال ّرواية‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫(‪ )39‬منصور عيد‪ ،‬البناء النفيس يف روايات‪ ،‬اييل نرص‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫وهي التي تقود الفعل وتدفعه إىل األمام‪ ،‬وليس من الـرضوري أن تكـون الشخـصية الرئيـسية بطل العمل دامئا‪،‬‬ ‫ولك ّنها الشّ خصية املحورية‪ ،‬وقد يكون هناك منافس لهذه الشّ خصية"( )‪ .‬كام حصل يف رواية (أنا – ُه) إننا لنجد‬ ‫شخص ّية مهتاب منافسة لشخصية (عيل) الحفيد‪ ،‬وهــي بــذلك عكــس الشّ خــصية الثانويــة التــي ال تتغيــر‬ ‫رغــم الظــروف املحيطــة بالشخــصية الرئيسية يقول أنرييك أندرسـون‪" :‬توصـف الشخـصيات بأنهـا رئيـسية‬ ‫عنـدما تـؤدي وظـائف مهمـة فـي تطوير الحدث‪ ،‬وبالتايل يطرأ عىل مزاجيتها تغيري وكذلك عىل شخـصيتها‪ ،‬أمـا‬ ‫الشخـصيات الثانويـة فهي التي ال يطرأ عليها تغيري أو تتغري يف إطـار الظـروف املحيطـة‪.‬‬ ‫إن الشخـصيات الرئيـسية هـي شخصيات مـسيطرة‪ ،‬وتظهـر بـصورة األفـراد املهـيمن رغـم أن سـلوكها قـد ال‬ ‫الـصادرة عنهـا فـإ ّن الباعـث ينيـر معـامل الشّ خـصية‪ .‬أمـا‬ ‫بالـسلوك البطـويل‪.‬كانت األحداث والتّرصفات ّ‬ ‫يت ّـسم ّ‬ ‫للقصة( )‪.‬‬ ‫الثانويـة فهـي تابعة تسهم يف إضفاء اللون املحيل ّ‬ ‫فالشّ خصية األوىل صانعة للحدث والثانية مضيئة له‪ .‬لقــد ظهــرت الشّ خــص ّيات ال ّرئيــسية واألساس ّية فــي رواية‬ ‫رضا أمري خاين‪ ،‬وكــان لظهورهــا طــابع منفـــرد‪ ،‬وســـلوك خـــاص‪ ،‬ودالالت فنيـــة نحـــاول اإلشـــارة إليهـــا‬ ‫فـــي أثنـــاء التعـــرض لـــبعض منـــاذج الشخصيات الرئيسة واألساسية عنده‪.‬‬ ‫الشخصية الثانوية‪:‬‬ ‫ال تخلـو روايـة منهـا وتـأيت مـساعدة للشخـصية الرئيـسية‪ ،‬وغالبـاً وفـق مـستوى واحـد فهـي "إمـا عوامـل‬ ‫كـشف عـن الشخـصية املركزيـة وتعـديل سـلوكها وامـا تتبـع لهـا‪ ،‬تدور يف فلكها‪ ،‬وتنطق باسمها فوق أنّها تلقي‬ ‫الضوء عليها وتكشف عن أبعادها( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )34‬إبراهيم فتحي‪ ،‬معجم املصطلحات األدبية‪ ،‬املؤسسة العربية للنارشين‪ ،‬طبع التعاضدية العاملية للطباعة والنرش تونس‪، ١٩٨٦ -‬ص‪٢١٢‬‬ ‫(‪ )35‬أنرييك أندرسون‪ ،‬القصة القصرية ( النظرية والتقنية )‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عيل إبراهيم عيل‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة ‪ -‬القاهرة ‪ ،٢٠٠٠ ،‬ص ‪.٢٤٠–٢٣٩‬‬ ‫(‪ )36‬إبراهيم السعافني‪ ،‬تطور الرواية العربية يف بالد الشام‪ ،‬دار املناهل‪ ،‬بريوت ‪ ، ١٩٨٧‬ص‪.٤٦٣‬‬


‫الصفات‬ ‫فهناك جانبان يح ّددان الشّ خصية إذا ً‪ ":‬جانب وظيفي هو جانب األفعال‪ ،‬وجانب وصفي هو جانب ّ‬ ‫النص قد بلغ نهايته( )‪ ،‬تاركاً‬ ‫واأللقاب واألسامء"( )‪،‬عىل أي حال إ َّن الشخصية الحكائية ال تكتمل إالّ عندما يكون ّ‬ ‫القصة ال ّرائعة تتجاوز الكشف عن سامت الهويّة الشّ خصية‬ ‫للقاريء حريّة التحليل والوصول إىل استنتاجات‪ ،‬أل ّن ّ‬ ‫مم هي تركيب يقوم به ال ّن ّص( )‪.‬وقد اقرتح‬ ‫إىل انتاجها( )‪ ،‬فتصبح مبثابة تركيب جديد يقوم به القارىء أكرث ّ‬

‫فسمها العامل( )‪ ،‬إذ ع َّد أ َّن العامل يكون إ ّما شخص ّية أو مج ّرد‬ ‫غرمياس تصنيف الشخصية بحسب ما تفعل ّ‬ ‫فكرة( )‪.‬‬ ‫كل رسد تنظيم يف ثالث عالمات‪:‬‬ ‫وق ّدم فهامً جديدا ً خاصاً بها ‪،‬معتربا ً أن العوامل ستّة يف ّ‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )45‬نبيل أيوب‪ ،‬الطرائق إىل نص القاريء املختلف‪ ،‬ص‪116‬‬ ‫(‪pour le lire le reut, p73 )46‬‬ ‫(‪ )47‬بارت‪ ،‬مدخل إىل التحليل البنيوي‪ ،‬ص‪12‬‬ ‫(‪9120 ,1980 ,J.I. Dumonteret, Plazanet: Pourline reut, Ed, Duelot )48‬‬ ‫(‪ )49‬نبيل أيوب‪ ،‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪115‬‬ ‫(‪ )50‬عبد املجيد زراقط‪ ،‬بناء الرواية اللبنانية ص‪272‬‬


‫وإذا سلمنا أن األحداث منجزة من غري زمان ومكان‪ ،‬فإ ّن املنطق يحتّم علينا أيضاً أن نق ّر بأ ّن ال حوادث من دون‬

‫تحتل يف‬ ‫شخص ّيات والحديث عن الشّ خصيات كان مثارا ً للجدل بني ال ّنقاد‪ ،‬ففي حني رأى بعضهم أ َّن الشخصية ُّ‬ ‫العمل مكاناً مميزا ً‪ ،‬إذ أنها "هي التي تصطنع اللغة وهي التي تبثُّ أن تستقبل الحوا َر‪...‬‬

‫وهي التي تصف معظم املناظر‪ ...‬وهي التي تعم ُر املكان‪ ...‬وهي التي تتفاعل مع ال ّزمن فتمـنـحـه معنى جدي ًدا‪.‬‬

‫الـسـرديـة األخـرى يـقـتـدر عـلـى مـا تـقـتـدر عـلـيـه الشّ خصية( )‪.‬‬ ‫وأن ال أحـد مـن املـكـ ّونـات ّ‬ ‫القصة‪ ،‬ذاهبني إىل أنّها ليست إال مجرد عنرص من‬ ‫رفض بعضهم اآلخر إعطاء الشّ خصية هذه املكانة ال ّرفيعة يف ّ‬

‫السدية األخرى‪ ،‬وال ينبغي لها أن تتبوأ تلك املنزلة ال ّرفيعة الـتـي كـانـت تـتـبـوؤهـا خـطـأ‪،‬‬ ‫عنارص املشكالت ّ‬

‫فـي الـروايـة التقليدية البناء( )‪ .‬وأنها يجب أن تكون نسياً منسياً وأنها مجرد عنرص لسانيايت ال يساوي أكرث مام‬

‫السديّة األخرى مثل اللغة‪ ،‬والح ّيز‪ ،‬والزمان والحدث‪ ...‬إنها ال تعدو أن تكون كائناً لغوياً مصنوعاً‬ ‫يساوي العنارص ّ‬ ‫من الخيال املحض( )‪.‬‬

‫حتى أ َّن بعضهم قد رأى أن الشخصية القصصية "نوع من طريقة إىل االختفاء( ) وأنه مج ّرد ما يؤدي يف الحيك‬

‫متثل حقيقة واقع ّية‪ ،‬تحاول أن متاثل الحياة التي تتح ّرك‬ ‫بغض ال ّنظر ع ّمن يؤديه( )‪ ،.‬إال أنّنا إذا سلمنا أ َّن القصة ُ‬ ‫ّ‬ ‫أي عملٍ‬ ‫قصيص‪ ،‬وخاصة بسبب دورها الفاعل يف تطوير‬ ‫فيها الشّ خص ّيات‪ ،‬رأينا أننا ال ميكننا أن نستغني عنها يف ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫الحدث‪.‬‬

‫التكيز عىل ما تفعله‪ ،‬وعىل كونها دليالً يتم ّيز من ال ّدليل اللغوي بكونها غري‬ ‫وامله ّم عند دراسة الشّ خصية هو ّ‬

‫جاهزة‪ ،‬ألنها تبنى يف ال ّن ِّص‪ ،‬وتكون مبثابة دال عند اتخاذها أسامء عديدة أو صفات تل ّخص هويّتها ومبثابة مدلول‬ ‫عرب مجموع ما يقال عنها‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )40‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪140‬‬ ‫(‪)41‬عبد امللك مرتاض‪ ،‬يف نظرية ال ّرواية ‪ ،‬ص‪105‬‬ ‫(‪ )42‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪103 - 102‬‬ ‫(‪170 p 1972 ,Bourmefer, oullet, luniners Ronan, colfuf )43‬‬ ‫(‪171 p ,1996 ,Greimas: Senotiques structurole throusse )44‬‬


‫‌‬

‫د‪ -‬العوامل واملمثلون‪:‬‬ ‫ميكن للعامل أن يتمثّل بطائفة هي املمثلني الذين يشريون إليه‪ .‬وعندما بحث غرمياس يف هذه العوامل أسقط‬

‫صفة الشّ خص‪/‬اإلنسان املوضوعي عن الشّ خص ّية القصص ّية‪ ،‬ليجعلها قريبة من الشّ خص ّية املج ّردة‪ .‬وميكن أن يتمثل‬ ‫العامل يف مجموعة من الشّ خص ّيات بل قد ال يكون العامل شخصية‪ ،‬كأن يكون ال ّدهر‪ ،‬أو القدر مثالً‪ ،‬ورمبا يكون‬ ‫القص‪ ،‬برصف النظر ع ّمن يؤدي هذا‬ ‫مدينة أو جيالً من األجيال‪ .‬هنا تغدو الشّ خص ّية مج ّرد دور يؤدي يف عمل ّية ّ‬ ‫الدور وبناء عىل هذا‪ ،‬فإن التعقيدات التي تنشأ عن تع ّدد املمثلني يف العمل الواحد أو تع ّدد العوامل يف ممثل‬

‫واحد‪ ،‬تؤ ّدي هذه التعقيدات كلّها إىل جعل النمط الحكايئ يف أنواعه املعارصة عىل وجه الخصوص شائك‬ ‫العالقات‪ ،‬فيتطلّب تحليله كثريا ً من ال ّدقة والحذر( )‪.‬‬ ‫ ‬ ‫املرسل‬

‫______ ‬

‫الذات ______ ‬

‫ ‬ ‫املساعد‬

‫املوضو ع ‬

‫_______ ‬

‫املعارض‬

‫___________________________‬ ‫(‪)53‬حميد كمداين‪ ،‬بنية النص الرسدي‪ ،‬ص ‪37‬‬ ‫(‪62 ,61 le sueil p )54‬‬

‫املرسل إليه( )‪.‬‬


‫أ‪ -‬عالقة الرغبة‪:‬‬ ‫تعد عالقة ال ّرغبة من العنارص الرضورية التي ينبغي دراستها يف بناء الشّ خصيّات فهي تقوم بوظيفة الجمع بني‬

‫قطبي الذّات‪ /‬املوضوع‪ .‬فالذّات هي التي ترغب‪ ،‬وما هو مرغوب فيه هو املوضوع‪" .‬وهذه الذّات إما أن تكون‬ ‫يف حال إيصال املوضوع أو انفصال عنه"( )‪ .‬وعندما تكون يف حال إتصال فإنّها ترغب باالنفصال‪ ،‬والعكس صحيح‪،‬‬ ‫القصة‪ ،‬يف هدف ما‪ ،‬فإنه يربم‬ ‫أي أنها عندما تكون يف حال إنفصال فإنّها ترغب باإلتصال‪ ،‬وإذا رغب البطل يف ّ‬

‫عقدا ً مع ال ّنفس‪ ،‬أو املجتمع‪ ،‬يقتيض بتحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫ب‪ -‬عالقة التواصل‪:‬‬ ‫إن ال ّدافع أو املح ّرك الذي يح ّرك ال ّرغبة لدى البطل‪ /‬الذّات هو املرسل‪ ،‬وهذا يقابله عامل آخر يحقّق ال ّرغبة من‬ ‫أجله‪ ،‬وهذا هو املرسل إليه (‪ .) ( )Distinatoire‬إن الفرد نفسه ميكن أن يكون املرسل واملرسل إليه‪ ،‬وقد يكون‬

‫بالضورة‪ ،‬عرب عالقة ال ّرغبة أي عرب‬ ‫الوطن‪ ،‬أو املجتمع‪ ،‬أو الحزب أو غري ذلك‪ ،‬وعالقة التواصل ال ب ّد من أن مت ّر ّ‬ ‫عالقة الذّات باملوضوع‪ .‬إذ كان ِ‬ ‫املرسل هو ما يجعل الذّات ترغب يف يشء ما‪ ،‬فاملرسل إليه يق ّدم الربهان للذات‬ ‫عىل أنها قامت بامله ّمة خري قيام‪ ،‬أو أخفقت يف هذه امله ّمة‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬ ‫الصاع‪:‬‬ ‫ج‪ -‬عالقة ّ‬ ‫من املؤكد أن الذّات تواجه عقبات كثرية‪ ،‬يف أثناء سعيها إىل تحقيق موضوعها‪ ،‬وبالتّايل فهي تبذل ما بوسعها‬ ‫لتخطّي هذه العقبات ومن هنا ينشأ الرصاع‪ .‬ومن خالل هذا األخري ينشأ عامالن اثنان متعارضان‪ :‬نس ّمي األ ّول‬ ‫العامل املساعد‪ ،‬وهذا العامل يقف إىل جانب الذّات يف رصاعها‪ ،‬ويس ّمى الثاين العامل املعارض أو املعاكس‪،‬‬ ‫ويؤدي هذا العامل دور عرقلة الذّات وإجهاض سعيها إىل تحقيق هدفها‪ .‬ونستطيع القول إن هذه البنية ميكن أن‬ ‫كل خطاب عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫كل حيك‪ ،‬بل يف ّ‬ ‫تتواجد يف ّ‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )51‬حميد كمداين‪ ،‬بنية النص الرسدي‪ ،‬ص ‪34‬‬ ‫(‪ )52‬م‪ .‬ن‪ ،،‬ص‪36 - 35‬‬


‫‪ - 2‬نظام العالقات بني الشخصيات‪( :‬الشخصية الرئيسية)‬

‫‌‬

‫حب عيل ملهتاب‪.‬‬ ‫السدي األ ّول‪ّ :‬‬ ‫أ‪ -‬الربنامج ّ‬

‫‪ - 1‬العامل الذات‪ :‬عيل فتاح‬ ‫‪ - 2‬العامل املوضوع‪:‬‬

‫حب مل ي َر النور‪.‬‬ ‫الزواج من مهتاب بعد رحلة مع ال ّزمن بدأت منذ الطفولة وطالت خمسني عاماً عىل أهداب ٍّ‬

‫فالشّ خصية ال ّرئيس ّية (عيل) كلّام أرادت البوح يف ح ّبها مل تتجرأ عىل ذلك‪ ،‬عىل ال ّرغم من أن ترصفاتها كانت تفضح‬

‫ما يختبيء يف ثنايا قلبها‪ ،‬وعندما ت َق ّرر الزواج استشهدت مهتاب‪.‬‬

‫‪ - 3‬العامل املرسل‪:‬‬

‫يتمثل هذا العامل بجملة من العنارص التي تنطلق من الذات‪ ،‬إلشباع رغبة أو رغبات موجودة يف حنايا النفس‬ ‫بحب فتاة طوال خمسني عاماً‪ ،‬وذلك من أجل تحقيق رغبة ذاتية طاملا‬ ‫البرشية – إن معاناة الشخصية متثلت ِّ‬

‫عاشت حرقتها‪ ،‬فهي سعت جاهدة للزواج منها‪ .‬فالشخصية تعيش عىل أمل تحقيق ذلك ذات يوم‪ ،‬ألن حبها رافق‬

‫مهتاب منذ الطفولة‪ ،‬فكانت تعمل عىل ارضاء صديقها (كريم) الذي يعترب شقيق مهتاب يف كافة أعامله‪ ،‬عىل‬ ‫بكل تالبيب ال ّدين‬ ‫ال ّرغم من الشخصية الرئيسية وصديقها‪ ،‬كليهام يحمل الوجه األول ونقيضه يف مجتمع متمسك ٍّ‬ ‫وبني سلطة تراوح يف اإلندماج بركب الحضارة الغريبة آنذاك‪ ،‬إال أ ّن الشخصية تخطت كل ذلك من أجل مهتاب‬

‫وصديقها‪ ،‬لتتسنى لها فرصة رؤيتها‪ ،‬عدا مح ّبتها لكريم‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيس ّية‪« :‬نظرت إليه‪ .‬كان شعر صدره قد ظهر من تحت قميصه‪ .‬قلت له‪ :‬أراك منشغ ًال‬ ‫بالزراعة‪ ،‬فتحت ياقة قميصك‪ ،‬بارك الله يف محاصيلك‪.‬‬


‫بعد أن تناولنا القسم النظري‪ ،‬وتح ّدثنا عن أبرز حيثياته سننتقل إىل القسم التطبيقي الذي يصب يف دراسة‬ ‫الشخصيات يف رواية (أنا ُه)‪:‬‬ ‫‪ - 1‬إحصاء الشخصيات وتصنيفها‪:‬‬ ‫قامت هذه الرواية عىل شخصيات متعددة‪ ،‬شاركت يف انجاح هذا العمل الروايئ ويف إيصال املغزى العام‪ ،‬فـ(عيل‬ ‫فتاح) هو الشخصية الرئيسية التي يدور حولها مجرى األحداث يف ال ّرواية‪ ،‬وقد شاركت ورافقت الشخصية‬

‫الرئيس ّية بكل معاناتها شخصيات أساسية (مهتاب‪ ،‬ومريم)‪ .‬مهتاب فهي حبيبة الشخصية الرئيسية وأما مريم فهي‬ ‫شقيقتها ‪.‬‬ ‫وأما الشخصيات الثانوية التي ساعدت وأسهمت يف انجاح هذه الرواية وإيصالها إىل ب ّر األمان (كريم‪ ،‬الحاج فتاح‪،‬‬ ‫أم عيل‪ ،‬مصطقى الدرويش) والتي لها الدور الفعال الذي ال يقل عن دور الشخصيات األساسية ولن ننىس‬

‫الشخصيات الخلف ّية التي أدت دورا ً مهامً يف إيصال وتسيري أحداث الرواية التي ضجت بتواجدهم يف حناياها‬

‫(الدرياين الذي ميثل العقدة النفسية للشخصية الرئيسية وسبب املصائب التي نزلت عىل رأس عائلة حاج فتاح‬

‫القصاب املحب واملساعد لعائلة فتاح‪ ،‬فقد حمل والد عيل‬ ‫يحب الخري لعائلة فتاح‪ ،‬وأما موىس ّ‬ ‫والحسود الذي ال ُّ‬ ‫عىل ظهره ووقف بجانب عيل يف امللامت‪ ،‬وفخر التجار والد هاين صديق الحاج فتاح وابنته هيلني التي سافرت‬

‫مع حفيدة الحاج فتاح إىل باريس‪ ،‬وهليا ابنة مريم وزوجة هاين فخر التجارة وأما قاجار زميل الشخصية الرئيسية‬ ‫يف املدرسة والذي تس ّبب بقتل صديق العمر للشخصية الرئيسية (كريم)‪ ،‬أبو راصف زوج مريم املناضل املكافح‬ ‫من أجل قضية وطنية وقد استشهد من أجل هذه القضية‪ ،‬عزيت الرشطي اللئيم الذي ال يعرف معنى كرامات‬

‫الصدوق املؤمن املهذّب‪ ،‬وناهيك عن‬ ‫الصديق ّ‬ ‫الناس وهو من قام بخلع الحجاب عىل رأس مريم‪ ،‬ومجتبى ّ‬ ‫السبعة الذين رافقوا الشّ خصية الرئيسية يف كافّة ال ّرواية‪ ،‬وزينب ال ّدريراين ابنة ال ّدرياين‪،‬عبدالله الفضويل‬ ‫العميان ّ‬ ‫السيد فتاح الذين يعملون معه‬ ‫والسيد رحامن وكذلك مسعود ومحمود ونعمت وغريهم هم عامل ّ‬ ‫ال ّرجل املسن ّ‬

‫يف املعمل ويساعدونه يف انجاز أعامله والبولنديات اللوايت ساعدن الحاج فتاح وصديقه عندما استدعاهام املعاون‬

‫لحضور اجتامع يف البلدية واشرتط عليهام اصطحاب زوجاتهم من دون حجاب‪ ،‬وقد قامت إحدى البولنديات‬ ‫بتعليم مريم وشهني اللغة الفرنسية عشيقة كريم‪ ،‬وأيضاً يب يب الخادمة التي ساعدت مريم يف املدرسة عندما‬ ‫أحست باملرض‪ ،‬والقس الفرنيس الذي التقاه (عيل) يف باريس وع ّده استكامالً لشخصية الدرويش إن مل يكن هو‬ ‫رجل قوي البنية صاحب مبدأ وقد استشهد عىل يد السلطة‬ ‫نفسه وأخريا ً والد عيل الذي مل يعرف عنه إال إنّه ٌ‬ ‫الجائرة‪.‬‬


‫إن العامل املرسل إليه يتجه إىل الذات‪ ،‬وقد عملت الشخصية الرئيسية عىل املحافظة عىل هذه الصداقة من أجل‬ ‫تحقيق ذاتها‪ ،‬فقد صمد هذا الحب الذي يجمع بني الشخصية ومهتاب خمسني سنة وعىل الرغم من ذلك فإنه مل‬ ‫ي َر النور‪.‬‬

‫فقد شاركت الشخصية صديقها يف كل أعامله حتى التي مل توافق عليها وتتسامى مع تربيتها وأخالقها‪ ،‬من مبدأ‬

‫الصداقة واملصاهرة‪.‬‬ ‫أن ذلك رمبا يكون اختبارا ً لها يف ّ‬ ‫أنت ذاهب؟ فأجاب‪" :‬يا جدي العزيز‪ ،‬إن‬ ‫تقول الشّ خصية الرئيسية‪ :‬قفز عيل إىل األسفل‪ ،‬سأله الجد‪" :‬إىل أين َ‬ ‫املقص"‬ ‫صديقي ينتظرين عند الباب منذ وقت طويل‪ ،‬لقد نسيت‪ ،‬لألسف الشديد‪ .‬أنا املقرص‪ ،‬أنا ّ‬ ‫ من هو صديقك؟ هل هو ابن اسكندر؟‬‫ ه ّز عىل رأسه إيجاباً ومىض متجهاً نحو الباب"( )‪.‬‬‫ويف مكان آخر تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬يتهيأ عيل فتاح الذي مل يتجاوز الثالثة عرشة من العمر للذهاب إىل‬ ‫الصف السادس االبتدايئ كان يج ّر هو وصديقه كريم خروفني وراءهام‪ ،‬وقد وضع عيل فصاً كبريا ً من امللح يف يده‬ ‫يقربه بني الحني واآلخر من فم الخروف األسود ليلحسه فيواصل الخروف جريه وراءه‪ ،‬أما كريم فقد اهتم‬

‫بالخروف البني"( )‪.‬‬ ‫من هنا نجد أن الصداقة قد جمعت الشخصية بكريم منذ الطفولة وهذا ما وطد العالقة مبهتاب‪ ،‬عىل الرغم من‬ ‫أن أخالقيات (عيل) تتناىف وال تتالقى مع أخالقيات كريم‪ ،‬تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬قطع كريم كالم عيل ‪.‬‬ ‫ عرش خطوات عريضة تشبه خطوات من فعلها يف رسواله‪.‬‬‫ نيس عيل ما قاله كريم( )‪ .‬لقد طار صديقي‪ ،‬رصت طاردا ً لألصدقاء مستحيل يا عيل أن تطرد الصدقاء وأن تصدر‬‫منك أفعال كهذه حاشا للنبيل أن تصدر منه افعال تتناىف مع قيم املعارشة( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )57‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪ )58‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ )59‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪. 10‬‬ ‫(‪ )60‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫السامء ويتوقع الخري والربكة دامئاً من السامء‪ ،‬إىل الشمس وهي حبيبتي شميس‪.‬‬ ‫ أيها األحمق‪ ،‬القالح ينظر دامئاً إىل ّ‬‫ ضحكت وقلت‪ :‬رصت كالقطة‪ ،‬كلام رموها إىل األعىل نزلت إىل األرض عىل رجلها بينام وصلنا إىل تجريش قلت له‪:‬‬‫ ما رأيك أن نذهب إىل مرقد السيد صالح بن موىس بن جعفر(ع) لكنه قال‪ :‬دعنا نذهب إىل منتجع دربند‪ ،‬ال‬‫أستطيع الذهاب إىل مرقد السيد صالح"( )‪.‬‬ ‫هذا جانب من شخصية كريم‪ ،‬صديق الشخصية الرئيسية وعىل الرغم من ذلك‪ ،‬فإنها كانت تح ّبه وتنصحه وتقف‬

‫إىل جانبه وكل ذلك من أجل الصداقة ومهتاب‪.‬‬

‫حب الشّ خص ّية ملهتاب كان عامالً أساسياً يف عالقتها مع كريم وتح ّملت سامع كالم أمها الذي‬ ‫من هنا نجد أ ّن ّ‬

‫كانت تك ّرره دوماً تقول الشخصية الرئيس ّية‪" ،‬ق ّربت األم فمها من أذن عيل بنحو ال يسمح السكندر (والد كريم)‬ ‫السبب يف قطع رزق‬ ‫أن يسمع صوتها‪" :‬قلت لك مرارا ً عليك أن ّ‬ ‫تكف عن معارشة أبناء الحفرة‪ ،‬سوف تكون ّ‬ ‫اسكندر وزوجته‪ ،‬فإذا عاد أبوك سوف يطردهام كليهام"( )‪.‬‬ ‫هذا الحديث سمعته الشخصية مرارا ً وتكرارا ً‪ ،‬كلام رأتها ترافق كريم‪ ،‬ألن الوالدة تعترب كريم وعائلته من مستوى‬ ‫اقل شأناً وخصوصاً أن عائلة كريم تعمل عند الحاج فتاح جد الشخصية الرئيسية (عيل)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬العامل املرسل إليه‪ :‬الذات‪ /‬الصداقة‬ ‫فالذات هي املستفيدة من تحقيق رغبة الشخصية الرئيسية من أجل املحافظة عىل مهتاب وال ّزواج منها وكذلك‬ ‫الصداقة التي كانت تجمع بني الشّ خصية ال ّرئيسية وكريم وقد ق ّدمت الربهان للذات‪.‬‬ ‫عىل ّ‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )55‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬دار املعارف الحكمية‪ ،‬تعريب محمد جواد عيل‪ ،‬عثيل خورشا ص ‪65 - 64‬‬ ‫(‪ )56‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.13‬‬


‫حب مهتاب وصداقة كريم صديق العمر‬ ‫ومن هنا قد بدا جلياً أن العامل املرسل إليه هو الذات التي تخبىء ّ‬

‫والطفولة‪.‬‬

‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬عليك أ ّوالً أن ال تعري أهمية لدرويش مصطفى‪ ،‬فهو يرفع اإلنسان م ّرة إىل العرش‬

‫كل ما اطلبه منك‪ .‬وافق عيل بتعجب واستغراب‬ ‫األعىل‪ ...‬إن اصل املوضوع هو أن تتبعني وأن تنفّذ برحابة صد ٍر َّ‬

‫ورافق كرمياً يف مهمة مجهولة( )‪.‬‬ ‫أحس كريم بالذنب وق ّرر وضع ح ّد لهذه‬ ‫وبعدما وضع كريم نفسه مع عيل وسط عراك مع أشقاء شميس‪ّ ،‬‬

‫الصداقة‪ ،‬ولكن عل ّياً مل يوافق عىل ذلك قائالً‪" :‬الصداقة هي اليشء الوحيد الذي ال ح ّوله‪ ،‬فضحك وسط البكاء"( )‪.‬‬

‫‪ - 5‬العامل املساعد‪:‬‬

‫لقد أ ّدت الصداقة التي جمعت بني كريم والشخصية الرئيسية‪ ،‬دورا ً وعامالً مساعدا ً من أجل تحقيق رغبة‬ ‫الشخصية ‪ ،‬وكذلك لن ننىس دعم الجد وإميانه ومحبته الناس كافّة مهام اختلف مستواهم االجتامعي‪.‬‬ ‫فالج ّد كان يشجع الشخصية الرئيسية عىل صداقة كريم وبحثه عىل مواصلة العالقة الوديّة مع عائلة اسكندر‪ ،‬ألنه‬ ‫كام قلنا أن الجد يتمتع بشخصية متواضحة ومح ّبة للناس‪.‬‬

‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬نعم‪ ،‬يا جدي هذه هي قيم الرجولة التي حدثتني عنها‪ ،‬ها أنا ذاهب ألمارس‬

‫التزامات الصداقة"( )‪.‬‬ ‫وتقول الشخصية الرئيسية يف موضع آخر‪ ،‬عن وصف أخالقيات الجد وتشجيعه للصداقة وحثه عىل املحافظة‬ ‫عليها‪ ،‬رغم رفض والدة عيل تلك الصداقة من مبدأ املستوى الطبقي‪" .‬ق ّربت األم فمها من أذن عيل بنحو ال‬

‫يسمح السكندر أن يسمع صوتها" قلت لك مرارا ً أن تكف عن معارشة ابناء الحقرة‪ ...‬خاطب جدي أمي بصوت‬ ‫مبحوح‪:‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )63‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.108‬‬ ‫(‪ )64‬م‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.113‬‬ ‫(‪ )65‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.13‬‬


‫وحتى ترصفات كريم بعيدة كل البعد عن ترصفات عيل‪ ،‬فعىل الرغم من ذلك فإن صداقتهام كانت اقوى من ذلك وما‬ ‫عمل عىل توطيد صداقتهام ح ّبه ملهتاب الذي يفوق الوصف فهو ال يصفها إال برائحة الياسمني تقول الشخصية‬

‫الرئيسية‪" :‬رصخ كريم بفم فاغر "هذا أمر ال يعنيك أيتها الفضولية‪ ،‬ثم استدار نحو عيل وقال له‪ :‬كُل بدل الكالم وإال‬

‫برد رغيفك" نظر عيل إىل كريم ثم ح ّول اتجاه نظراته‪ ،‬كان كريم يأكل برشاهة‪ ،‬فمه ممتيلء كمن يأكل للم ّرة األخرية‬ ‫يف حياته‪...‬فأدار عيل راسه يك ال يرى ذلك كله‪ .‬أما مهتاب فقد وقفت إىل جوار الغرفة بشعرها البني الشبيه مبياه‬

‫شالل صاف‪ ..‬شفتاها شبيهتان بزهرتني تتفتحان‪ ..‬كانت رائحة الورد الجوري تفوح يف أرجاء البيت‪ ...‬يف الغرفة كانت‬ ‫مهتاب تضع اصبعها يف فمها محاولة أن تتقيأ هي األخرى كانت يف مطلع السنة السابعة من العمر( )‪.‬‬ ‫يبدو أن الشخصية الرئيسية قد عشقت مهتاب وهي يف سن مبكر وهذا الحب تواصل وامتد مدة خمسني عاماً‪ .‬إىل‬ ‫كل‬ ‫درجة أنه بعد التغريات التي طرأت عىل املدينة وخصوصاً بعد فتح منطقة العاهرات‪ ..‬فقد كان الناس يسمون ّ‬ ‫كل يوم بإسم امرأة‪ .‬ومهام اطلقوا من أسامء عىل األعوام واألشهر فكانت بالنسبة للشّ خصية الرئيسية ال‬ ‫شهر بل ّ‬ ‫تسمى إال بإسم مهتاب‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬بعد التغريات التي طرأت عىل املدينة‪ ...‬وقدوم عدد كبري من الغجريات إليها‪ ،‬فقد كان‬ ‫الناس يسمون كل شهر بل كل يوم بإسم امرأة‪ ،‬ومهام أطلقوا من أسامء عىل األعوام واألشهر واألسابيع واأليام‬ ‫واللحظات‪ ،‬فإنها مل تكن بالنسبة يل تسمى إال باسم من كان لها ذاك الشعر املرسح‪ ،‬تلك التي كان يفوح عطر‬ ‫الياسمني يف الفضاء كلام تو ّرد خداها‪ ،‬مل تكن ايامي شمس ّية قط‪ ،‬بل كانت قمرية تشبه الليايل‪ ،‬فحتى الشمس كانت‬

‫بلون مهتاب( )‪.‬‬

‫القصة عن لقاء بني رجل وامرأة‪ ،‬تتخيل‬ ‫وحتى القصص التي كان يرسدها ج ّد الشّ خص ّية عىل مسامعه‪ ،‬وإن تح ّدث يف ّ‬

‫الشخصية نفسها برفقة مهتاب‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )61‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪21 - 20‬‬ ‫(‪ )62‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪. 24‬‬


‫بعد مساومة مع الذات‪ ،‬ح ّركت مقبض الباب‪ ،‬دخلت واتجهت نحو مغسلة صغرية وغسلت وجهي عىس أن تهبط‬

‫حرارة جسدي‪ .‬كنت أنظر إىل املرآة وأوجه سباً عنيفاً لنفيس‪ ":‬أيها الجبان‪ ،‬األحمق‪.) ( "..‬‬

‫فقد عانت الشخصية الرئيسية الكثري من العذاب الروحي الذي كان يح ّركه حب مهتاب‪ ،‬عىل الرغم من أنها قد‬

‫شجعته عىل ذلك الحب‪ ،‬ولكن إميانه بالله والخوف من الحرام منعاه من ذلك تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬أردت‬ ‫أن أجلس عىل األرض‪ ،‬حينام ابتسمت مهتاب وقالت‪ :‬تعال اجلس هنا‪ ،‬هل تخاف مني فتبتعد عني هكذا! أثنت‬

‫ساقيها‪ ..‬وقد هيأت يل بذلك مكاناً للجلوس‪ ،‬ورصنا نتأمل عيني بعضنا اآلخر‪ ،‬وهي مامرسة كنا نتسىل بها حينام‬ ‫كنا صغارا ً‪ ،‬ومل تكررها منذ سنوات‪ ،‬عيناها العسليتان تثقبان قلبي‪ ،‬كأنهام محتويان عىل مادة كياموية تذيب‬ ‫قلب املقابل‪ ،‬سحبت نفسها إىل الوراء‪ ،‬وقدمن رأسها‪ ..‬فسحبت رأيس إىل الوراء‪ ،‬قدمت رأسها فسحبت رأيس‪...‬‬ ‫استنشقت نفساً عميقاً وحينام عاودت استنشاق الهواء‪ ...،‬شعرت أن صدري قد امتأل بهذا العبق الطيب‪ ،‬اردت‬ ‫أن أضمها إىل صدري‪ ...‬لكنني مل اضمها إىل صدري‪.‬‬ ‫رصت أبيك من دون انقطاع‪ ...‬شعرت أنه قد حان األوان يك أرصخ فرصخت مرددا ً تلك العبارة التي تعلمتها من‬ ‫الدرويش مصطفى‪ :‬من عشق فعف ثم مات‪ ،‬مات شهيدا ً( )‪ .‬وهناك عامالً مناوئاً آخر‪ ،‬وقف حجر عرثة من زواج‬ ‫الشخصية مبهتاب وهو عدم قناعة عيل من الزواج من مهتاب‪ ،‬من مبدأ نصيجة ق ّدمها الدوريش للشخصية‪ ،‬إن مل‬ ‫تحب مهتاب لشخصها فال تتزوجها فيجب أن تكوين مقتنعة بحبها‪ .‬تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬سوف لن‬ ‫تكن ّ‬

‫يكون من األخالق أن ال اذكر دور الدرويش مصطفى وجهوده من أجل ترتيب زواجي مع مهتاب‪ .‬فقد أخربين‬

‫ذات يوم أن األوان قد آن للزواج إذ تيقنت إنني أحب مهتاب من أجل مهتاب( )‪.‬‬ ‫وماذا أيضاً عن العالقة اإلنسانية" يا للكالم الفارغ الذي تشغل بالك به‪ ،‬إن كان حبك ح ّباً إنسانياً فعليك أن تفكّر‬ ‫أيضاً بطريقة إنسانية‪ .‬لكنني أحبها وأحب عطر الياسمني الذي‪ ....‬ال خالف يف ذلك‪ ،‬ولكن عليك أن تح ّبها ألجلها‬ ‫والعتبارها هي بالذات وليس من أجل اعتبار آخر‪ .‬لكن مهتاب ليست مبهتاب من دون هذه األشياء‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )68‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.342‬‬ ‫(‪)69‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪344 - 343– 342‬‬ ‫(‪ )70‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.344‬‬


‫ يا كنتي العزيزة! إن للعشب مذاقاً طيباً يف فم املاعز‪ ،‬ومن اين املاعز يستطيب مذاق معارشة ابن الحاج عيل نقي‬‫الكاشايت أم ابن الحفرة؟ الصداقة ال ُ‬ ‫تعرف الحواج َز بني أبناء الحفرة وغريهم من الناس‪...‬‬ ‫ نعم فام من رأس مقطوع يتطلع إىل جسده‪ ،‬إمنا ينظر نحو صديقه وهذه الخطوة األوىل يف مراعاة اصول املعارشة‬‫والصداقة"‪.‬‬ ‫وهذا ما كان يتلفظ به الجد تجاه صداقته مع كريم وهذا األمر دفع بالشخصية لتوطيد الصداقة والتقرب من‬ ‫مهتاب‪ ،‬ولن ننىس جامل مهتاب وأنوثتها فكانت عامالً مساعدا ً أيضاً للزواج منها‪ ،‬فتصفها بأجمل حلّة وأبهى مظهر‬ ‫‪،‬تقول الشخصية الرئيسية ‪":‬كانت أنفاس مهتاب الحارة تلمس وجهي‪ ،‬كانت رائحة الياسمني تفوح من أنفاسها"( )‪.‬‬ ‫ووصفها يف موضع آخر‪ ،‬للداللة عىل مدى تعلقه بها وح ّبه العميق لها تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬ال ينمو فوق تربة‬ ‫القمر سوى أزهار الياسمني‪ .) ( "...‬هذه العوامل وغريها‪ ،‬ساعدت الشخصية الرئيسية لتحقق هدفها بطلب الزواج‬

‫من مهتاب حبيبة قلبها‪.‬‬ ‫‪ - 6‬العامل املناويء‪:‬‬ ‫إن الكاتب قد كشف عن جوانب كثرية من الحب والتعلق الشديدين تجاه مهتاب وعىل الرغم من أن هناك عوامل‬ ‫مساعدة‪ ،‬ساعدت الشخصية للوصول إىل مبتغاها والزواج من مهتاب‪ .‬إال أن العامل املناويء الذي ح ّد من ذلك‪،‬‬ ‫تتحل بها والخجل الدائم املرافق لها يف جلساتها وتواجدها مع مهتاب‪.‬تقول الشخصية الرئيسية‪:‬‬ ‫الشجاعة التي مل َّ‬ ‫يتصبب عرقاً‪ ،‬فكرتُ أن أفاتحها مبوضوع الزواج فمن املؤكد أنها ال ترفض ذلك‪ .‬كنت ارصخ يف أعامقي‪:‬‬ ‫"كان جسدي‬ ‫ّ‬ ‫يل أن أنتهزها ألطرح فكرة‬ ‫"أين أنت يا دوريش مصطفى‪ ،‬تعال وشجعني‪ ،‬تعال وقل إنها اللحظة املناسبة التي ع َّ‬

‫الزواج عىل مهتاب‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )66‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪.63‬‬ ‫(‪ )67‬م ‪ .‬ن ‪ ،‬ص‪.69‬‬


‫‪ - 1‬العامل الذات‪ :‬مهتاب التي تتمحور حولها الرواية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬العامل املوضوع‪:‬‬ ‫إن الشخصية األساسية يف رواية (أنا ُه) ه ّمها الوحيد الزواج من عيل فتاح‪ ،‬ذلك الشاب املتواضع الذي ينتمي إىل‬

‫طبقة اجتامعية أعىل منها‪ ،‬وعىل الرغم من ذلك فإنها ظلت تحلم وتسعى للحصول عليه‪ .‬وخصوصاً وأنها فاتنة‪،‬‬

‫ذات طلة به ّية‪ ،‬الجميع يتحدث عن جامل وجهها وشعرها البني‪ ،‬فـ(عيل) مفتون بها يعشقها‪ ،‬يتذكرها أينام‬

‫ذهب‪.‬‬

‫بالعودة إىل الشخصية األساسية (مهتاب)‪ ،‬كام قلنا إ ّن هدفها الزواج من (عيل) وبعد طول انتظار دام خمسني‬ ‫عاماً طلبها (عيل) الشّ خصية ال ّرئيسية لل ّزواج فكانت ر ّدة فعلها كر ّدة فعل أي فتاة يف مقتضب العمر‪ .‬تقول‬ ‫الشّ خصية ال ّرئيسية "ما أن غادر الدرويش بيتنا‪ ،‬حتى ارسعت يف ابالغ مهتاب بالخرب‪.‬‬

‫كانت امرأة هرمة حينذاك إال أن ذلك مل يجعل مدى فرحتها بالخرب أقل من فتاة يف العرشين من العمر يخربونها‬ ‫بعقد زواجها مع فارس أحالمها‪ .‬قالت‪ :‬إذن لقد استسلمت لألمر الواقع بعد عناء دام خمسني عاماً وقالت إن مل‬

‫أوافق فام ستفعل؟‬ ‫نصف قرن ومستعد أن أصرب نصف قرن آخر ضحكنا وجعلنا صباح اليوم القادم موعدا ً‬ ‫ضحكت‬ ‫وقلت‪ :‬لقد صربتُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫لناً( )‪.‬‬ ‫كل م ّرة كانت يصفها‬ ‫إن علياً أحب مهتاب حباً جامً‪ ،‬وهذا الحب استمر منذ الطفولة حتى سن الكهولة ويف ّ‬

‫ويتذكرها‪ ،‬نذكر منها تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬كانت عيناها مغمضتني‪ ...‬ليس من عني تستطيع أن تراين اآلن‪،‬‬

‫يل شعرت أن صدري قد امتأل‬ ‫استنشقت نفساً عميقاً‪ ..‬عاودت استنشاق الهواء‪ ،‬هجمت نفخة من عبق الياسمني ع َّ‬ ‫بهذا العبق الطيب‪ ،‬اردت أن أضمها إىل صدري‪ ،‬اردت أن أضمها إىل صدري‪ ،‬أردت أن‪ ...‬لكنني مل اضمها إىل‬

‫قلبي"( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )73‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.345 – 344‬‬ ‫(‪ )74‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.343 – 342‬‬


‫إن مل يكن ملهتاب اعتبار ذو قيمة وتزوجتها حينها ستكون كائناً عديم القدمية واالعتبار‪ ...‬يا عيل إن استطاعت‬ ‫مهتاب أن تكون مرآة صافية لجوهرك الفني فأنا سأكون أول من يشجعك عىل الزواج منها‪ ،‬أي سأجعلك ترتبط‬ ‫مبرآة حقيقتك وجوهرك الثمني اقتنع عيل بكالم الدرويش مصطفى‪.) ( ...‬‬ ‫يحب مهتاب ح ّباً إنسانياً كام أقنعه الدرويش‬ ‫من هنا نرى جرأة عيل وشجاعته ألخذ هذه املبادرة‪ ،‬ظناً منه أنه ال ُّ‬

‫والعامل املناويء اآلخر وهو الذي كان ح ّدا ً فاصالً من أجل الوصول إىل مبتغاه وهو الزواج من مهتاب بعدما‬

‫اتخذ القرار واقتنع بأن عليه أن يخطو هذه الخطوة‪ ،‬توفيت مهتاب ليلة الزواج بعدما وافقت عىل طلب يدها‬ ‫من عيل بعد طول انتظار دام خمسني عاماً‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬حسب املوعد‪ ،‬اتجهت صباح اليوم التايل إىل شقة مريم ومهتاب كنت مطمئناً أن‬ ‫الدرويش مصطفى سيأيت ايضاً يف املوعد املقرر‪ ،‬أتذكره منذ العام ‪ 1937‬أي منذ حوايل الخمسني عاماً‪.‬‬ ‫‪ ...‬لكن كيف ميكن أن يصف اإلنسان رائحة لفم الشواء‪ ،‬لكائن إنساين‪ ،‬مهام كان دقيقاً يف الوصف فإن فجاعة‬ ‫املوضوع ومأساويتها سوف تغلب الوصف‪ ..‬حينام دخلت البناية التي تقع فيها شقة مريم ومهتاب"( )‪.‬‬ ‫ويعني كل ذلك أن آلية الرصاع التي حكمت الرواية هي ذات بعد أخالقي عاطفي‪.‬‬ ‫السدي الثاين‪:‬‬ ‫ب‪ -‬الربنامج ّ‬

‫إننا لنجد أن شخصية مهتاب هي شخصية أساسية يف هذه الرواية باإلضافة إىل شخصية مريم‪ ،‬إذ تداخلت هذه‬

‫الشخصيات مبساعدة الشخصيات الثانوية والخلفية لنجاح هذا العمل الروايئ‪.‬‬ ‫ومن هنا نرى أن (مهتاب) الشخصية األساسية األوىل قد متحور برنامجها الرسدي حول الحصول عىل عيل والزواج‬ ‫منه‪ ،‬بعد أن انتظرته طويالً‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )71‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ، ،‬ص‪.339‬‬ ‫(‪ )72‬م‪.‬ن ‪ ،‬ص‪.345‬‬


‫الحب‪ ،‬وقد بدا ذلك جلياً من خالل ترصفاتهام‬ ‫فالشخصيتان الرئيستان ناضلتا من أجل الحفاظ عىل هذا‬ ‫ّ‬

‫وأحاديثهام‪ ،‬تقول الشخصية الرئيسية‪ ،‬عندما علمت بسقوط مهتاب يف الحوض‪" :‬هناك شعر عيل وأل ّول م ّرة أن‬

‫قلبه ازداد خفقاناً اضطرب لبعض اليشء‪ ،‬وقد شعرت أمه بأنه ليس عىل ما يرام‪ ...‬كان مرسورا ً لوجود يشء يف‬

‫رس أو شخص يتعلق به‪ .‬وكلام فكر مل يدرك سبب سقوط‬ ‫قلبه يبعث إىل اليتهز لذكراه‪ .‬واآلن هو بدوره له يشء‪ٌّ ،‬‬

‫مهتاب يف الحوض ألنه هو أيضاً كان قد وقع ذلك اليوم يف الحوض‪ .‬لقد ظل ينتظر صوت مطرقة الباب ويأيت أخو‬ ‫رسه (مهتاب)‪ .‬واآلن فكل ما يطلب كريم منه يجب أن يفعله"( )‪.‬‬ ‫صاحبة ّ‬

‫واملعروف أن كريم شخصية غري متزنة‪ ،‬تفتقد لألخالق فإن ترصفاته غري الئقة‪ ،‬كالمه وحديثه ليسا ضمن حدود‬ ‫اللباقة واللياقة ورغم ذلك فإن عيل قد يفعل أي يشء من أجل مهتاب (حبيبة قلبه)‪ .‬وإننا نرى أن (مهتاب) ايضاً‬ ‫الشخصية األساسية‪ ،‬أنها عشقت (عليا) منذ الطفولة‪ ،‬ففي حصة الرسم طلب منها أن ترسم وجه املعلمة (مريم)‬

‫(شقيقة عيل) إال أنها رسمت وجه عيل‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬رسح خيالها بجدائل مهتاب البنية مل تعرف ملاذا كلام خطرت مهتاب عىل بالها‪،‬‬ ‫ارتسمت صورة عيل أيضاً يف ذهنها‪ ،‬رمبا كل ذلك يعود للرسم الذي أنجزته مهتاب يف اليوم املايض أي حينام‬ ‫رسمت وجه مريم وقد بدا شبيهاً بعيل"( )‪.‬‬ ‫‪ - 5‬العامل املساعد‪:‬‬ ‫لقد اجتمعت عوامل ثالث ساعدت الشخصية األساسية (مهتاب) ‪،‬وإن كانت هذه العوامل تتفاوت من حيث‬ ‫األهمية إال أنها أدت دورا ً ولو بسيطاً من أجل تحقيق ما ترغب به الشخصية األساسية‪.‬‬ ‫أوىل هذه العوامل‪ ،‬محبة الجد (الحاج فتاح) لعائلة اسكندر (عائلة مهتاب‪ /‬الشخصية األساسية)‪ ،‬فاإلحرتام‬ ‫واملحبة والتقدير الذي كان يشعر به الحاج تجاه عائلة اسكندر قد تجلت بترصفاته وأحاديثه وهذا كان دافعاً‬ ‫قويّاً لـ (عيل) الذي شجعه عىل االستمرار يف محبة مهتاب وكذلك محبتها له‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )78‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.105‬‬ ‫(‪ )79‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪.94‬‬


‫وهكذا فإن معظم أحداث الرواية متحورت حول الحب الذي جمع بني الشخصيتني (الرئيسية واألساسية‪/‬عيل‬ ‫ومهتاب)‪.‬‬ ‫‪ - 3‬العامل املرسل‪:‬‬ ‫إن الحب الذي يجمع بني الشخصية الرئيسية (عيل) والشخصية األساسية (مهتاب) هو العامل املرسل‪ ،‬فرغم‬ ‫العوائق التي كانت تقف حاجزا ً يف طريق تحقيق أمنيتهام فوالدة عيل ترفض ذلك من مبدأ التفاوت اإلجتامعي‪،‬‬ ‫وقد بدا ذلك واضحاً من كالمها حينام كانت تراه مع كريم‪ .‬تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬قلت لك مرارا ً عليك أن‬ ‫تكف عن معارشة أبناء الحفرة‪ ،‬سوف تكون السبب يف قطع رزق اسكندر وزوجته‪ ،‬فغذا عاد ابوك سوف يطردهام‬ ‫كليهام"( )‪.‬‬ ‫ويف موضع آخر‪ ،‬ترى نظرة األم إىل عائلة مهتاب تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬قالت األم‪ :‬لقد تعلمت أشياء خاطئة‪،‬‬ ‫هل تتوقع أن يرتدي أبناء الحفرة مالبس فرقة الكشافة‪ ،‬هل تتوقع أن تدفع مثن هذه املالبس الثمينة يك يرتديها‬ ‫أحد أبناء الحفرة؟"( )‪.‬‬ ‫فكلام فُتح موضوع مهتاب أو أحد أفراد عائلتها‪ ،‬كانت األم تنزعج قائلة‪ " :‬حسناً لنرتك هذا الكالم الفارغ"( )‪.‬‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬فإن حب مهتاب لعيل وكذلك العكس‪ ،‬صمد خمسني عاماً حتى جاء اليوم ليطلبها للزواج فإنها شعرت‬ ‫وهي كهلة وكأنها فتاة يف العرشين من العمر‪ ،‬قد فرحت وتأثرت كثريا ً‪.‬‬ ‫‪ - 4‬العامل املرسل إليه‪:‬‬ ‫إننا لنجد أن العامل املرسل إليه هو ذات الشخصية الرئيسية واألساسية الدافع الوحيد لزواجهام باإلضافة إىل‬ ‫الحفاظ عىل ِعرشة الطفولة والعالقة الحميمة التي جمعت العائلتني وإن كانت عائلة اسكندر تخدم عائلة حاج‬ ‫فتاح‪ ،‬فإن ذلك مل مينع من أن يحبا بعضهام ويتمنيان الزواج‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )75‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫(‪ )76‬م ‪ .‬ن ‪ ،‬ص‪.32‬‬ ‫(‪ )77‬م ‪ .‬ن ‪ ،‬ص‪. 105.‬‬


‫ال ّرسم تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬وحينام سافرت مريم سفرتها الثانية إليران وعادت إىل باريس اصطحبت معها‬ ‫مهتاب"( )‪.‬‬

‫‪ - 6‬العامل املناويء‪:‬‬ ‫إن غري عامل وقف حجر عرثة أمام تحقيق رغبة الشخصية األساسية وهي الزواج من عيل‪ .‬أوىل هذه العوامل تر ّدد‬ ‫عيل الدائم والجرأة التي مل يتمتع بها ليخطو هذه الخطوة وقد بدا ذلك جلياً من خالل حديثه مع الدرويش‬ ‫ساعة قرر طلب يد مهتاب بعد رصاع مرير من املشاعر الجياشة التي طالت خمسني عاماً‪ .‬تقول الشخصية‬ ‫الرئيسية‪" :‬سوف لن أكون من األخالق أن ال اذكر دور الدرويش مصطفى وجهوده من أجل ترتيب زواجي مع‬ ‫مهتاب‪ ،‬فقد اخربين ذات يوم أن األوان قد آن للزواج إذ تيقنت أنني أحب مهتاب من أجل مهتاب"( )‪ .‬ويف موضع‬ ‫آخر‪ ،‬نشاهد الرتدد الذي ظهر عىل ترصفات الشخصية الرئيسية (عيل)‪ ،‬تقول الشخصية الرئيسية وهي تخاطب‬ ‫نفسها "كنت أنظر إىل املرآة وأوجه سباً عنيفاً لنفيس‪ :‬أيها الجبان‪ ،‬األحمق‪.) ( "...‬‬ ‫كان جسدي يتصبب عرقاً‪ ،‬فكرتُ أن أفاتحها مبوضوع الزواج فمن املؤكد أنها لن ترفض ذلك‪ ،‬كنت ارصخ يف‬ ‫يل أن أنتهزها‬ ‫أعامقي‪" :‬أين َ‬ ‫أنت يا درويش مصطفى‪ ،‬تعال وشجعني‪ ،‬تعال وقل إنها اللحظة املناسبة التي ع َّ‬

‫ألطرح فكرة الزواج عىل مهتاب"( )‪.‬‬

‫ونجد أيضاً أن عامالً مناوئاً آخر‪ ،‬قد خطّه القدر وكتبه القضاء‪ ،‬وهو سامع خرب وفاة مهتاب وإن تحقق ما كان‬ ‫تطلبه وهو طلب يدها إىل أن الفرحة مل تكتمل‪ ،‬ليلة موعد الزفاف توفيت مريم‪ .‬وبالتايل مل تستطع أن تتمتع‬ ‫بهذا الخرب وأن تفرح به كل الفرح بعدما انتظرت سنني طوال تتمنى أن تحقق مبتغاها‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )83‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.325‬‬ ‫(‪ )84‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.344‬‬ ‫(‪ )85‬م ‪ .‬ن ‪ ،‬ص‪. 342‬‬ ‫(‪ )86‬م‪.‬ن ‪ ،‬ص‪.324‬‬


‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬حسناً‪ ،‬لدي فكرة‪ .‬تعرفني أن أماليك هي تكون كل أماليك إرثاً لكم‪ ،‬ولكن مع ذلك‬ ‫فكرت أن أهب اسكندر ملكاً تعويضاً للخدمات التي قدمها لنا‪ ،‬ليس من الصحيح أن يحتاج لآلخرين إن أنامت‬ ‫ومل أرتب له حياة إنسانية كرمية‪ ،‬لقد خدمنا طوال حياته والناس يسمونه اسكندر فتاح نسبة لنا‪ .‬من الناحية‬ ‫القانونية ينتسب اسكندر الينا فقدتم تسجيل لقب عائلته يف سجل نفوسنا باسم اسكندر فتاح"( )‪.‬‬ ‫وثاين هذه العوامل املساعدة صداقة كريم (أخو مهتاب) هذا ما عمل عىل توطيد العالقة بينهام‪ ،‬فقد أثر ذلك‬ ‫عىل تقريبهام من بعضهام البعض‪ ،‬عىل األقل رؤية مهتاب والتمتع بجاملها األخاذ‪ ،‬وكذلك فإن الشخصية الرئيسية‬ ‫كانت تتذرع بحجج عديدة من اجل رؤية (مهتاب) تقول الشّ خصية الرئيسية‪ " :‬كنت أختلق ذريعة كل يوم بعيدا ً‬ ‫عن أنظار أمي ألساعد أم كريم يف نقل األواين للحوض يف الباحة الخلفية‪ .‬أثناء تلك املساعدات رأيت الشالل البني‬ ‫يف الحوض‪ ،‬حوض الباحة الخلفية‪ ..‬العاشق الذي مل يحتلم بعد فهو عاشق حتامً ونفسه بركة"( )‪ .‬ويف موضع آخر‪،‬‬ ‫نرى أن العائلتني تضحيان من أجل بعضهام البعض من دون التفكري بالعواقب‪ ،‬فمرة غاب عيل ومريم عن املدرسة‬ ‫وهذا ما جعل مهتاب وكريم ميتنعان عن الذهاب ايضاً وكانت النتيجة أن تم توبيخ أبناء اسكندر تقول الشخصية‬ ‫الرئيسية‪ " :‬مل نذهب أنا ومريم مل ّدة أسبوع أو أسبوعني عن املدرسة‪ .‬ومل يذهب كريم ومهتاب ايضاً ألجلنا إىل‬ ‫املدرسة‪ .‬وبعد أن ذهبنا إىل املدرسة وبخوا مهتاب وكريم بشدة"( )‪.‬‬ ‫من هنا نرى أن الصداقة التي جمعت بني كريم وعيل واملحبة التي جمعت بني العائلتني عىل الرغم من أن بعض‬ ‫افراد عائلة فتاح كوالدة عيل مل تكن تحب هذه الصداقة إال أنها كانت عامالً مساعدا ً من أجل تحقيق ما تربو‬ ‫إليه الشخصية األساسية وأما العامل الثالث محبة مريم ملهتاب وقضاء مرحلة من عمرهام مع بعضهام البعض‬ ‫وإن مل يظهر ذلك جلياً يف حنايا هذه الرواية إال أنه قد أدى دورا ً بسيطاً أيضاً وعامالً مساعدا ً آخر‪.‬‬ ‫فإن مريم (شقيقة عيل) قد أحبت مهتاب‪ ،‬وحينام أرادت أن تعيش يف باريس‪ ،‬أخذتها معها وقد أمضيتا أوقاتاً‬ ‫وسنيناً مع بعضهام‪ ،‬شاركتا بعضهام همومهام وأكمال مشوارهام الفني‪ ،‬فقد كان يجمع بينهام الهواية ذاتها وهي‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )80‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.318‬‬ ‫(‪ )81‬م‪ .‬ن ‪ ،‬ص‪.202‬‬ ‫(‪ )82‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.205‬‬


‫يستعد استعدادا ً عسكرياً أمام الحاج فتاح وكأن جدها صاحب مرتبة عسكرية رفيعة‪ .‬قال عزيت‪ :‬عذرا ً‬ ‫سيدي يف‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقة أنا مكلف بإبالغكم أن ارتداء البنات الحجاب ممنوع‪ ...‬لكنني يف املدة املاضية مل اجرؤ عىل إبالغ‬ ‫حفيدتكم األوامر‪ ...‬لكنني اغتنمت اآلن الفرصة ألحيط حرضتكم علامً باملوضوع‪ ...‬أشار الحاج فتاح لحفيدته أن‬ ‫تواصل مسريها نحو املدرسة ثم اشار بيده بأين سأدفع مبلغاً هديّة لعزيت"( )‪.‬‬ ‫وبعدما رفضت والدة عيل‪ ،‬طلب أم ع ّزيت بالزواج من ابنها (عزيت)‪ ،‬غضب ع ّزيت وقرر اإلنتقام‪ ،‬وما من وسيلة يف‬ ‫يده لتحقيق مأربه سوى نزع حجاب مريم‪ .‬تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬أيتها الفتاة ما هذا الحجاب عىل رأسك؟‬ ‫هل تخالفني القانون؟ هل ظننت أنه باإلمكان رشاء كل يشء باملال؟ ‪ ...‬سوف أذيقكم املر‪ ...‬فاستغل ع ّزيت الفرصة‬ ‫وهجم عىل مريم لينزع الخامر من رأسها( )‪.‬‬ ‫وهذا الترصف جعل من مريم‪ ،‬تسجن نفسها يف املنزل ومتتنع عن الذهاب إىل املدرسة مرة أخرى‪ ،‬وهذا األمر‬ ‫استدعى أن تسافر إىل باريس لتحافظ عىل حجابها التي حرمت منه يف بلدها بسبب ظلم الشاه وجوره والقوانني‬ ‫التي أصدرها وأمر بتطبيقها‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬سجنت مريم نفسها يف الغرفة ومل تعد تخرج منها‪ ،‬كام كفت عن تناول الطعام عىل‬ ‫املائدة مع افراد عائلتها"( )‪.‬‬ ‫‪ - 3‬العامل املرسل‪:‬‬ ‫كام ذكرنا آنفاً‪ ،‬إن عدم تقبل املدرسة وأوامر حكومة الشاه الجائرة هام العامالن األساسيان اللذان جعال مريم‬ ‫متتنع عن الذهاب إىل املدرسة من أجل املحافظة عىل حجابها وتتخذ هكذا قرار‪ ،‬وخصوصاً بعد مضايقات عديدة‬ ‫رصف صديقات مريم تجاهها‪.‬‬ ‫سمعتها وتحملتها من قبل املعلمة واملديرة وكذلك األمر بالنسبة إىل ت ّ‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )88‬م ‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.88‬‬ ‫(‪ )89‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪233‬‬ ‫(‪ )90‬م‪.‬ن ‪ ،‬ص‪249‬‬


‫‪ - 3‬نظام العالقات بني الشخصيات‪:‬‬ ‫شخصية مريم التي شاركت الشخصية الرئيسية واألساسية األوىل يف خياطة األحداث وتصويرها عىل أوراق (أنا ُه)‪.‬‬ ‫السدي األ ّول‪ :‬عدم الذهاب إىل املدرسة من أجل املحافظة عىل الحجاب‪.‬‬ ‫أ‪ -‬الربنامج ّ‬ ‫‪ - 1‬العامل الذات‪ :‬مريم‬ ‫‪ - 2‬العامل املوضوع‪:‬‬ ‫إن الشخصية األساسية الثانية التي شاركت الشخصيتني األولتني ‪،‬قد تعرضت يف ظل حكم الشاه‪ ،‬إىل خلع حجابها‬ ‫من قبل الرشطي ع ّزيت وهذا ما أثر فيها ويف شخصيتها‪ ،‬فقد امتنعت عن الذهاب إىل املدرسة وخصوصاً وأن‬ ‫املديرة كانت دامئاً ما تتق ّدم منها بوابل من اإلرشادات واملالحظات حول موضوع حجابها ولوال لطف الله والحاج‬ ‫فتاح املعروف واملشهور يف خان آباد لكانت مريم طردت من املدرسة‪ ،‬ولكن ترصف الرشطي ع ّزيت جعلها تتخذ‬ ‫القرار بعدم متابعة دراستها يف املدرسة من مبدأ أن اإلنسان يستطيع أن يعلم نفسه ولو مل يكن متواجدا ً داخل‬ ‫الحرم املدريس تقول الشخصية الرئيسية ‪":‬كانت تسري خائفة‪ ،‬يف العام املايض أخربتها مديرة مدرسة غري أن عليها‬ ‫أن تأيت إىل املدرسة يف العام القادم من دون ربطة وأن ترتب ضفائر شعرها وأن ترتدي فستاناً أبيض‪ .‬وقالت إن‬ ‫عليها إطاعة املقررات وإن كونها األوىل بني زميالتها وأكرثهن تفوقاً يف املدرسة‪ .‬لن يشفع لها وقد نبهتها إىل وجود‬ ‫بعض الطالبات اللوايت ال يرتدين الحجاب مع كونهن بنات رجال دين ومن عشرية الغجر‪ ...‬واضافت املديرة قائلة‬ ‫لها‪ :‬باملناسبة‪ ،‬والدك وجدك يسافران كل عام إىل روسيا وقد اطلعا عىل حضارة أهاليها ورقيهم‪ ...‬كل هذه األشياء‬ ‫الجميلة تتمسخ تحت هذا الخامر‪ ...‬املهم عندي أن تدريك إما التعليم وإما الحجاب"( )‪.‬‬ ‫ويف موضع آخر‪ ،‬نرى احرتامهم للحاج فتاح‪ ،‬فقد ظهر عزيت أمام حاج فتاح يطلب من حفيدته خلع الحجاب ولكن‬ ‫كالعادة قام الحاج فتاح بالواجب وق ّدم له ماالً لينىس أمر مريم تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬رأت عزيت‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )87‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫‪ - 5‬العامل املساعد‪:‬‬ ‫لقد شكل موقف الجد عامالً مساعدا ً ملريم (الشّ خصية األساسية) فبعدما اتخذت قرارها بعدم الذهاب إىل‬ ‫املدرسة ومن املؤكد بسبب املحافظة عىل حجابها‪ ،‬تق ّبل الجد قرارها ووقف إىل جانبها وساعدها عىل تعلّم اللغة‬

‫الفرنسية عن طريق استدعاء البولندية التي علمتها اللّغة الفرنسية‪ ،‬للسفر خارج إيران‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬ملاذا تشغل بالك بكالم الناس إن مل ترتكب خطأً ما‪ ،‬ما املشكلة إن سافرت مريم‬ ‫للذهاب إىل الخارج لتكميل تحصيلها الدرايس"( )‪.‬‬

‫"بديهي أن عائلة محرتمة مثل الحاج فتاح مل تكن لرتىض أن تسافر ابنتها مريم لوال أن هناك سبباً‪ ،‬فلعنة الله عىل‬ ‫من كان السبب‪ ...‬سمعت مريم ذلك وتذكرت ما حدث معها حينام كانت عائدة مع جدها الحاج من املدرسة‪،‬‬ ‫نلك الحادثة التي تركت جرحاً ال يندمل يف روحها"( )‪.‬‬ ‫‪ - 6‬العامل املناويء‪:‬‬ ‫إننا ال نجد أن عامالً مناوئاً وقف حجر عرثة أمام القرار الذي اتخذته مريم‪ ،‬ألن موضوع الحجاب موضو ٌع ها ٌم وال‬ ‫يستخف به‪ ،‬ولذلك فإنها امتنعت عن الدراسة لسنوات عديدة‪ ،‬وسافرت فيام بعد إىل باريس وكل ذلك من أجل‬ ‫املحافظة عىل حجابها اإلسالمي الكامل‪ ،‬وهناك قد تابعت دراستها وأصبحت فنانة تشكيلية‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )93‬م‪.‬ن ‪ ،‬ص‪.286‬‬ ‫(‪ )94‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.288‬‬


‫‪ - 4‬العامل املرسل إليه‪:‬‬ ‫إن القرار الفاصل الذي اقدمت عليه (مريم) الشخصية الساسية الثانية بعدم ذهابها إىل املدرسة وفيام بعد‬ ‫سفرها إىل باريس كان كلّه بسبب حجابها ومن أجل الحفاظ عليه‪ ،‬فهي مل تستمر يف الدراسة رغم أنها كانت‬ ‫متفوقة واألوىل عىل صديقاتها ألن موضوع الحجاب‪ ،‬هو موضوع أسايس عند مريم وعائلة الحاج فتاح وال بد من‬ ‫املحافظة عليه‪ ،‬من مبدأ الحفاظ عىل اإلسالم‪.‬‬ ‫تلق ال ّدعم املعنوي وال ّديني عىل أرض وطنها (إيران) حسمت موضوع سفرها إىل باريس‪ ،‬بعدما بقيت‬ ‫ومبا أنها مل َ‬ ‫حبيسة بيتها سنوات عديدة‪ .‬تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬ونظر ع ّزيت إىل املرأة العجوز‪ ،‬كانت مستمرة يف الكالم‬ ‫ومتسك العباءة بكلتا يديها بعد أن توقفت عن السري‪ ،‬رمقها ع ّزيت بنظرة غاضبة‪" :‬أيتها العجوز‪ ،‬أال تعرفينني‬ ‫حقاًّ‪...‬‬ ‫اخريس أيتها العجوز‪ :‬أنا واحد من أوغاد الرشطة واآلن سوف ألقنك درساً‪ .‬سحب العباءة من راس املرأة العجوز‬ ‫التي راحت ترصخ وتستغيث وتركض وراء ع ّزيت دون أن تستطيع اللحاق به‪ ...‬استمرت العجوز يف الرصاخ‬ ‫واالستغاثة‪ ،‬كانت يف حال يرىث لها‪ ،‬ورمبا شعرت بالخجل من الثوب الذي كانت ترتديه تحت العباءة"( )‪.‬‬ ‫هذا الترصف مع هذه املرأة العجوز‪ ،‬مثاالً واضحاً عن الوضع املأساوي الذي كان قامئاً أيام عرص الشاه وما فعله‬ ‫السء مع مريم أثناء خلع الحجاب عن رأسها‪ .‬فإن مريم قد‬ ‫الرشطي ع ّزيت مع هذه العجوز‪ ،‬يع ّد نفس الترصف ّ‬

‫تأملت كثريا ً إثر ترصف ع ّزيت تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬حتى عرص ذلك اليوم جلست مريم جنب أمي وهي تبيك‬ ‫بحرقة دون انقطاع‪ ،‬بكت كثريا ً حتى تجففت ال ّدموع عىل وجنتيها‪ ...‬فجأة نهضت مريم وقالت مبالمح غاضبة‪ :‬لن‬

‫اذهب أبدا ً إىل املدرسة‪ ،‬فاإلنسان تعلّم يف بيته أكرث من أي مكان آخر"( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )91‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫(‪ )92‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.252‬‬


‫مصطفى يصادفنا احيانا ‪،‬ذات م ّرة قال لكريم "أيها الفتى‪ ،‬من ال أدب له‪ ...‬دعني ‪ ...‬تعرفني‪ ....‬لقد قتلو كرمياً‪...‬‬ ‫كنت أرغب أن أجهش بالبكاء‪ ،‬وضعت رأيس عىل الطاولة ورصت أبيك كاألطفال( )‪.‬‬

‫من هنا نجد أن الشخصية الرئيسية قد سيطرت عليها مشاعر األىس والفرح‪ ،‬من ج ّراء املواقف والقصص التي‬

‫تعرضت لها وقد عرضنا مناذج عن الحالة النفسية التي اعرتتها آنذاك‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الهوية االجتامعية‪:‬‬

‫إن الشخصية الرئيسية تعيش وضعاً اجتامعياً جيدا ً‪ ،‬فهي من عائلة ميسورة ومعروفة ومحرتمة من قبل الجميع‪،‬‬ ‫ونلحظ ذلك من جملة إشارات دلّت عىل الوضع االجتامعي الذي تعيشه‪.‬‬ ‫من خالل وصف دارها‪ ،‬ومساعدتها للعميان السبعة‪ ،‬وثيابها املرتبة وكل صنوف االحرتام التي تتقدم لها من قبل‬ ‫الجريان والعامل الذين يعملون يف معمل الحاج فتاح جد الشخصية الرئيسية‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬وأثناء مرورها بجوار العميان السبعة وقف عيل وأخرج درهامً من كيسه وقدمه‬ ‫للش ّحاذ األ ّول‪ ...‬نهض الشّ حاذ األخري من نهاية الطابور وسار نحو البداية‪ ...‬وقبل أن يبدأ بالقول‪ " :‬سبعة عميان‬ ‫بصدقة واحدة" أخرج عيل درهامً آخر وأعطاه لكريم قائالً‪" :‬من األفضل أن متنحه له بنفسك"( )‪.‬‬

‫وتصف الشخصية منزلها الكبري تقول‪ " :‬بيت كبري‪ ،‬مساحة كل غرفة من غرفه الثالث املعروفة بغرف الزاوية أوسع‬ ‫من بيوت الحفرة من األحياء الفقرية يف خاين آباد"( )‪.‬‬ ‫ومشاهد اإلحرتام قد بدت واضحة جلية ملقام (عيل) الشخصية الرئيسية وذلك ألنها تنتمي إىل عائلة معروفة‬ ‫عائلة الحاج فتاح الذي ميلك معمل اللنب‪ ،‬الطابوق وناهيك عن أن الجد (الحاج فتاح) يرأس نقابة الخزافني تقول‬ ‫الشخصية الرئيسية‪" :‬كان السيد رحامن قد سئم أخالق الحاج فتاح وخرج من املكتب‪ ،‬إذ شاهد عل ّياً يخرج من‬

‫املربط فقال‪:‬‬

‫ إىل أين يا سيدي الصغري؟‬‫‪ -‬ر ّد عيل بتحية وقال‪:‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )97‬م ‪ .‬ن ‪ ،‬ص‪.63‬‬ ‫(‪ )98‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ )99‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ، ،‬ص‪.10‬‬


‫أ‪ -‬هوية الشخصية الرئيسية‪:‬‬ ‫بث الكاتب جملة من سامت الشخصية الرئيسية‪ ،‬النفسية والجسدية واألخالقية والثقافية واالجتامعية‪ ،‬يف ثنايا‬ ‫الرواية ومن الرضوري التمعن يف الوظيفة التي تؤديها هذه الصفات‪.‬‬ ‫‪ - 1‬الهوية النفسية للشخصية الرئيسية‪:‬‬ ‫القصة فرحة متفائلة‬ ‫لقد سيطر عىل الشخصية الرئيسية مشاعر متناقضة‪ ،‬اتسمت يف نفسيتها‪ ،‬فبدت يف بداية ّ‬ ‫وهي يف عمر الطفولةـ تقيض أوقاتاًممتعة مع صديق الطفولة‪":‬نيس عيل ما قاله كريم‪ ،‬فقد كان مفعامً بالبهجة‬ ‫والنشاط‪ ،‬يضحك بني حني آلخر نهض من جوار العميان السبعة‪ ،‬ونفض الرتاب العالق عىل رسواله‪ ،‬ق ّرب فص امللح‬

‫يل‪.‬‬ ‫من قسم الخروف األسود ورشح بالركض‪ ،‬وقد تبعته الخروف مل يستطع كريم اللحاق بع ّ‬

‫ظلت الشخصية تعيش أياماً وسنني من الفرح مع صديقها وعائلتها حتى سمعت خرب وفاة والدها الذي أث ّر ذلك‬ ‫عىل أحاسيسها‪ ،‬فقد تفاجأت بخرب وفاة والدها بعدما كانت تنتظره عندما يزهر الخريزان‪ ،‬تقول الشخصية‬ ‫الرئيسية‪" :‬كان عيل مبهوتاً وقد تبخر كل الغموض لديه بعد سامع أول جملة من السيد رحامن( )‪.‬‬ ‫ويف موضع آخر تقول الشخصية الرئيسية حول انتظار والدها بفارغ الصرب وما لبث أن عاد شهيدا ً‪ ،‬ميتاً‪ " :‬كلام‬ ‫كان الدرياين يسأل بلهجته الرتكية‪" :‬متى سيعود والدك من روسيا" أجبته عندما يزهر الخريزان"‪ .‬وأىت فصل أزهار‬ ‫الخيزران اخريا ً ومل ِ‬ ‫يأت أيب"( )‪.‬‬ ‫وترى الشخصية الرئيسية أيضاً قد سيطر عليها مشاعر األمل واألىس عند وفاة صديق عمرها وطفولتها كريم‪ ،‬فقد‬ ‫بكت بكا ًء شديدا ً "تذكره بالخري‪ ،‬آه أين أنت يا كريم‪ ،‬كنا صغا ًرا نعود اىل املدرسة معا كان الدرويش‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )95‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص ‪.156‬‬ ‫(‪ )96‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪.159‬‬


‫منه هذه الرائحة الكريهة‪ ،‬إنه صديق نادر‪ ،‬ليس يف الصداقة الحقيقية رائحة طيبة ورائحة كريهة‪ ،‬داهمني‬ ‫البكاء‪ ...‬ثم عانقني وبىك وقال‪:‬‬ ‫تعرضت إىل كثري من األذى بسبب‬ ‫عزيزي عيل‪ ،‬للصداقة حدود‪ ،‬رمبا من األفضل أن نضع حدا ً لصداقتنا‪ .‬فقد ّ‬ ‫حركت رأيس نافياً‬ ‫وقلت بهدوء‪:‬‬ ‫وفائك وصداقتك يل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ الصداقة هي اليشء الوحيد الذي ال حد له‪.) ( ...‬‬‫نجد أن عالمات اإلخالص والوفاء قد بدت جل ّية وواضحة كل الوضوح وتجلّت بالترصفات والحديث واملواقف‪،‬‬ ‫وهكذا قد كشف الكاتب عن املزايا األخالقية التي متتعت بها الشخصية الرئيسية‪.‬‬

‫‪ - 4‬آلية الرصاع وتحقق الذات‪:‬‬ ‫تح ّدد آلية الرصاع يف رواية (أنا ُه) عند الشخصية الرئيسية (عيل فتاح) من خالل اإلخالص والتفاين يف محبتها‬ ‫ملهتاب التي طالت أكرث من خمسني عاماً‪ ،‬فمنذ عمر الطفولة والحب متعلّق يف قلب الشخصية‪ ،‬إىل أن اصبحت‬ ‫مهتاب كبرية يف السن‪ ،‬تجرأت الشخصية وطلبت الزواج منها‪ ،‬ولكن هذا الزواج مل يبرص النور‪ ،‬فقد توفيت مهتاب‬ ‫ليلة الزفاف‪ ،‬وبالتايل خرست الشخصية محبوبتها وفرحتها وكذلك رائحة ياسمينها‪ ،‬ومل تحقق ذاتها وحلمها الوحيد‬ ‫منذ الطفولة‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬سوف لن يكون من األخالق أن ال اذكر دور الدرويش مصطفى وجهوده من أجل‬ ‫ترتيب زواجي مع مهتاب‪ ،‬فقد أخربين ذات يوم أن اآلوان قد آن للزواج إذا تيقنت أنني أحب مهتاب من أجل‬ ‫مهتاب كان ذلك حوايل عام ‪ ،1987‬أي عام حرب املدن‪...‬جاء الدرويش إىل بيتنا ليالً وسألني‪:‬‬ ‫هل تعلم كم تحب مهتاب اآلن؟‬ ‫قلت لقد أدركت حجم حبي لها‪،‬قال الدرويش مصطفى وقد رصت رجالً هرماً مق ّوس الظهر‪ :‬إذن غدا ً سوف تقرأ‬

‫عقد الزواج‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )103‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪.113‬‬


‫ أريد أن أرى ما هو عميل يف معامل طابوق جدي؟‬‫ أنت؟ أنت السيد الصغري‪ ،‬أنت اآلمر الناهي هنا‪ ،‬كل العامل يعملون وفقاً ألوامرك( )‪.‬‬‫من هنا نجد أن ما تم ذكره آنفاً‪ ،‬يدلنا عىل الوضع اإلجتامعي امليسور الذي تعيشه الشخصية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الهوية األخالقية‪:‬‬ ‫نلحظ جملة من القيم األخالقية التي تتشبث بها الشخصية الرئيسية كونها تنتمي إىل أصول عريقة (عائلة حاج‬ ‫القصة‪ ،‬فالوفاء‬ ‫فتاح املحبوبة عند الجميع)‪ ،‬هذه القيم تتبدى من خالل تعاطيها مع الشخصيات األخرى يف ّ‬ ‫واإلخالص واملحبة والتواضع والكرم من القيم األخالقية التي تتحىل بها‪.‬‬ ‫تقول الشخصية عندما رفضت والدتها صداقتها مع كريم‪ ،‬ألنها تع ّده أدىن طبقة من مستواها اإلجتامعي‪" .‬ق ّربت‬ ‫األم فمها من أذن عيل بنحو ال يسمح السكندر (والد كريم) أن يسمع صوتها‪ " :‬وقلت لك مرارا ً عليك أن تكف‬

‫عن معارشة أبناء الحفرة"( )‪.‬‬ ‫وقد بانت عالمات الوفاء واملحبة والتواضع عند الشخصية من خالل مواقف ع ّدة نذكر منها‪ ،‬تقول الشخصية‬ ‫الرئيسية‪ " :‬لقد طار صديقي‪ ،‬رصت طاردا ً ألصدقايئ‪ ،‬مستحيل يا عيل أن تطرد األصدقاء‪ ،‬وأن تصدر مثل أفعال‬ ‫كهذه‪ ،‬حاشا للنبيل أن تصدر منه افعال تتناىف مع قيم املعارشة ‪ ...‬ولكن بالله عليك يا جدي ال تقل شيئاً ألمي‬ ‫عام حصل يل مع كريم"( )‪.‬‬ ‫ويف موضع آخر‪ ،‬نجد الشخصية الرئيسية‪ ،‬تعمل جاهدة للحفاظ عىل صداقتها مهام كلّف الثمن‪ ،‬فمحبتها‬ ‫لصديقها يفوق الخيال وما من سبب يلغيها‪ .‬تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬داعبت بيدي شعره املبلل الذي كان‬ ‫يفوح برائحة نتنة‪ ،‬كنت أقشع ّر من رائحته العفنة‪ .‬لكنني كنت أستمتع بالصداقة التي تجمعني وإياه‪ ،‬وحتى‬

‫وإن كانت تفوح‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )100‬م ‪ .‬ن‪ ،‬ص‪. 140.‬‬ ‫(‪ )101‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫(‪ )102‬م ‪ .‬ن‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫ب – هوية الشخصية األساسية (مهتاب)‬ ‫إن الشخصية األساسية (مهتاب) ق ّدمها الكاتب بصورة واقعية يف روايته (أنا ُه) وكذلك الشخصيات الرئيسية‬ ‫والثانوية والخلفية‪ ،‬فقد جعلها ذات هوية متكاملة‪ ،‬ساعدته عىل تأدية رؤيته إىل العامل من حوله إىل العرص الذي‬ ‫كان يتعايش فيه (عرص ظلم الشاه وبطشه عىل وجه الخصوص)‪ .‬ويجب أن نتم ّعن بجملة السامت التي متيزت‬ ‫بها الشخصية األساسية (مهتاب)‪.‬‬ ‫‪ - 1‬الهوية النفسية للشخصية الرئيسية‪:‬‬ ‫لقد أجاد الكاتب يف إسباغ السامت النفسية عىل الشخصية الرئيسية (مهتاب)‪ ،‬فهي فتاة جميلة تتمتع بإحساس‬ ‫مرهف ورقة يف تعاملها‪ ،‬فنانة موهوب ٌة لطيفة ومهذبة‪.‬‬ ‫عاشت مع عائلتها الفقرية التي تخدم عائلة الحاج فتاح‪ ،‬تعلمت وبرعت يف الرسم وسافرت مع مريم حفيدة‬ ‫الحاج فتاح إىل باريس وهناك رسمت أجمل لوحاتها‪.‬‬ ‫فعندما كانت تتذكر أخاها كريم الذي تويف‪ ،‬كانت تبيك بكا ًء شديدا ً تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬تذكره بالخرب‪ ،‬آه‬

‫أين أنت يا كريم"‪ ..‬كنت ارغب أن أجهش بالبكاء‪ ...‬نفس اليشء فعلته مهتاب أيضاً‪ ...‬ثم نظرت إىل وجهي ووجه‬ ‫مهتاب املبللني بالدموع وقالت مل أ َر بكا ًء قبل بكائكام‪ ..‬باملالحم التي تنتظركام يف سن الشيخوخة إذن( )‪.‬‬ ‫ويف موضع آخر‪ ،‬نرى كيف أن الكاتب قد وصف مهتاب وترصفاتها الخجولة يف عيون عيل واآلخرين‪ ،‬تقول‬

‫الشخصية الرئيسية‪" :‬أما مهتاب فقد وقفت إىل جوار الغرفة بشعرها البني الشبيه مبياه شالل صاف‪ ،‬بزهرتني‬ ‫تتفتحان كلام ارتسمت البسمة عىل محياها‪ ،‬وحينام كانت تضحك‪ ،‬كانت رائحة الورد الجوري تفوح يف ارجاء‬ ‫البيت‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )107‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.64 – 63‬‬


‫ما إن غادر الدرويش بيتنا‪ ،‬حتى أرسعت يف إبالغ مهتاب بالخرب"( )‪.‬‬ ‫كانت امرأة هرمة حينذاك ‪،‬إال أن ذلك مل يجعل مدى فرحتها بالخرب أقل من فتاة يف العرشين من العمر يخربونها‬ ‫بعقد زواجها مع فارس أحالمها‪ .‬قالت‪ :‬إذن‪ ،‬لقد استسلمت لألمر الواقع بعد عناء دام خمسني عاماً وقالت إن مل‬ ‫أوافق‪ ،‬فامذا تفعل؟‬ ‫وقلت ‪" :‬لقد صربت نصف قرن ومستعد أن أصرب نصف قرن آخر ضحكنا وجعلنا صباح اليوم القادم‬ ‫ضحكت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫موعدا ً لنا"( )‪.‬‬ ‫عىل ما يبدو أن الفرحة قد غمرت قل َبي الشخصية ومهتاب‪ ،‬ألن هذا ما كانا ينتظرانه منذ الطفولة وعمال عىل‬

‫تحل الشخصية بالشجاعة جعلته يتأخر إىل هذا الوقت‪.‬‬ ‫تحقيقه‪ ،‬إال أن عدم ّ‬

‫السنني والصرب الطويل جاء ما كان يتمنيانه‪ ،‬إال هذا الحلم مل يَر النور ومل يجعل الشخصية تشعر‬ ‫وبعد هذه ّ‬ ‫بالفرح‪ ،‬فقد فقدت الشخصية حبيبة عمرها‪ ،‬ورأتها مردية شهيدة‪ .‬تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬حسب املوعد‬ ‫اتجهت صباح اليوم التايل إىل شقة مريم ومهتاب‪ ،‬كنت مطمئناً أن الدرويش مصطفى سيأيت أيضاً يف املوعد املقرر‪،‬‬ ‫أتذكره منذ العام ‪ 1937‬أي منذ حوايل خمسني عاماً‪ ،‬تذكرت ايضاً ذلك اليوم‪ ...‬لكن كيف ميكن أن يصف اإلنسان‬ ‫رائحة لحم الشواء‪ ،‬لكائن إنساين‪ ،‬مهام كان دقيقاً يف الوصف فإن فجاعة املوضوع ومأساويتها سوف تغلب‬ ‫الوصف‪ ،‬ال أعرف ملاذا كنت أشم رائحة لحم مشوي حينام دخلت البناية التي تقع فيها شقة مريم ومهتاب‪.‬‬ ‫وقد فهمت تفسري شاهدة غري املوضوعة عىل صدري‪ ،‬ويف قلب من واالها متربها‪ "...‬طوال حيايت كانت مهتاب‬ ‫فعف ثم مات‪ ،‬مات شهيدا ً"( )‪.‬‬ ‫عاشقة حقيقية وامرأة عفيفة رشيفة و‪ ...‬من عشق َّ‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )104‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.345 – 344‬‬ ‫(‪ )105‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪. 345‬‬ ‫(‪ )106‬رضا امري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪.346 – 345‬‬


‫‪ - 2‬الهوية االجتامعية‪:‬‬ ‫تظهر (مهتاب) يف رواية (أنا ُه) فقرية‪ ،‬تعيش وعائلتها مع ابناء أهل الحفرة ورغم ذلك ال تشعر بالخجل من أمر‬ ‫عمل والديها اللذين يعمالن يف خدمة الحاج فتاح وعائلته‪ ،‬عىل الرغم من أن الجميع وخصوصاً والدة عيل‪ ،‬كانت‬ ‫متنع عيل من مرافقة كريم (شقيق مهتاب) وكانت ترفض الزواج من مهتاب‪ ،‬ألنها تنتمي إىل طبقة اجتامعية‬ ‫فقرية‪ ،‬وقد ذكرت مهتاب عيل بهذا الحديث عندما كانا يجتمعان يف قهوة برنرين باريس‪ ،‬تقول الشخصية‬ ‫الرئيسية‪" :‬هل ما زالت الوالدة تخالف( )‪.‬‬ ‫وأما عدم خجلها من أنها من هذه العائلة (عائلة اسكندر) فقد ظهر عندما طلبت مريم أن تعرف عن اسمها يف‬ ‫حصة الرسم تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬قامت الطالبات بتقديم أنفسهن واحدة تلو األخرى‪ ،‬ثم وصل الدور إىل‬ ‫الطالبة اللبقة الجذابة ذات الشعر البني الجميل‪ ،‬نهضت من مكانها‪ ...‬وبصوت لطيف قالت‪ :‬أنا مهتاب‪ ،‬بنت‬ ‫اسكندر‪ ،‬أمي تعمل‪...‬‬ ‫قطعت مريم كالم مهتاب‪ ،‬مل ترغب أن تعرف الطالبات شيئاً أكرث‪ .‬ومعلوم أن ذلك مل يكن مهامً ملهتاب( )‪.‬‬ ‫‪ - 3‬الهوية األخالقية‪:‬‬ ‫نلحظ من القيم األخالقية التي قد حملتها الشخصية الرئيسية (مهتاب) منها الوفاء‪ ،‬فقد ظلت وفية لحبها الوحيد‬ ‫(عيل)‪ ،‬ومنتظرة إياه ليطلب الزواج منها‪ ،‬فقد هرمت وكربت ورغم جاملها اآلخاذ واملشهود له يف حنايا هذه‬ ‫الرواية‪ ،‬إال أنها بقيت تحب عل ّياً ليطلب يدها‪ ،‬لدرجة أنها عندما سمعت منه ذلك وهي قد أصبحت كبرية يف‬ ‫السن فقد فرحت وكأنها يف سن العرشين من العمر‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )111‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪62‬‬ ‫(‪ )112‬م ‪ .‬ن‪ ،‬ص‪44‬‬


‫وتطغى عىل رائحة ماء الحوض اآلسن‪ ...‬كانت مهتاب تنظر هي األخرى إىل طريقة أخيها‪ ،‬قدم لها عيل مقدارا ً من‬ ‫حصته لكنها رفضت ودخلت الغرفة‪ ،‬لحس كريم يده ومسحها برسواله‪.) ( "..‬‬ ‫تحب ترصف أخيها أثناء تناول طعامه‪ .‬وهي الفتاة التي مل يصفها الكاتب إالَّ‬ ‫من هنا‪ ،‬نرى أن (مهتاب) خجولة‪ ،‬ال ّ‬ ‫حينام تبتسم وكأنها خلقت يف هذه الرواية إال للحديث عنها وعن جاملها وابتسامتها‪ .‬تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬‬

‫نهضت الطفلة الجميلة من مقعدها‪ ،‬فتحت شفتيها الشبيهتني بربعمني وبابتسامة أضاءت غرفة الصف وبصوت‬ ‫لطيف قالت‪ :‬أنا مهتاب‪ ،‬بنت اسكندر‪ ،‬أمي تعمل‪ ...‬قطعت مريم كالم مهتاب‪ ...‬ومعلوم أن ذلك مل يكن مهامً‬ ‫ملهتاب‪ ...‬قفزت من مكانها وضمت مهتاب إىل صدرها‪ ...‬ابتسمت مهتاب‪ ،‬فيام كانت مريم مبهورة بجاملها"( )‪.‬‬ ‫نجد أن مهتاب‪ ،‬تتمتع بنفسية متواضعة ال تخجل من عمل والديها وقد كانت ترصفاتها تنطبق عىل ما ترى فيه‬ ‫نفسها من مميزات وقد ظهرت جرأتها يف اماكن معينة وخصوصاً يف األمر الذي يتعلق بعالقتها مع عيل‪ ،‬تقول‬ ‫الشخصية الرئيسية أثناء قراءتها الفال يف فنجان القهوة الذي ارتشف منه‪" :‬عانيت صحن الفنجان بدقة لتتأكد‬ ‫من نظافته‪ ،‬ثم قلبت الصحن ووضعته عىل فوهة الفنجان‪ ...‬قالت‪ :‬من هذا الفنجان‪ ،‬ارتشف شخص ما القهوة‬ ‫وهو شخص محبوب جدا ً‪ ،‬كال‪ ،‬إمنا رشب شخصان القهوة من الفنجان‪ ...‬إنهام شخصان‪ ،‬كال‪ ،‬شخص واحد‪ ،‬لكن مل‬ ‫هام اآلن بعيدان ‪ ...‬وهل سيلزم قراءة سطرين باللغة العربية كل هذا العناء‪ ،‬هل صعب أن يقال قبلت‪ ،‬ال أعرف‬ ‫يا سيد عيل الحاج فتاح مل أنت عىل هذا النحو‪ ...‬ق ّربت مهتاب الفنجان مني يك آخذه منها‪ ..‬سحبت يدي يك ال ال‬

‫ضحكت ونظرتُ إليها‪ ،‬لكنها مل تضحك‪ ..‬قالت‪ :‬إن كان الحياء هو ما يعيقك‪ ،‬نالحظ‬ ‫تالمس يدها فسقط الفنجان‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫هنا يعرفك فلامذا؟‬ ‫ ال أعلم‬‫ ما زلت تختلق األعذار‪.‬‬‫ ال أعلم‬‫ هل ما زالت الوالدة تخالف؟‬‫ رحمها الله‪.‬‬‫ مم تشعر بالخجل؟ هنا لوحدنا‪ ،‬ال أحد يرانا"( )‪.‬‬‫___________________________‬ ‫(‪ )108‬م‪.‬ن ‪ ،‬ص‪.21‬‬ ‫(‪ )109‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪44‬‬ ‫(‪)110‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪62 - 61‬‬


‫ج ‪ -‬هوية الشخصية األساسية الثانية (مريم)‬ ‫‪ - 1‬الهوية النفسية‪:‬‬ ‫يف هذه الرواية (أنا ُه) نجد أن الشخصية الرئيسية متتلك جملة من السامت النفسية التي أجاد الكاتب إسباغها‬ ‫عليها فالشخصية الرئيسية فتاة محافظة متزنة‪ ،‬تربت تربية اسالمية صالحة‪ ،‬محجبة يف ظل حكم الشاه الجائر‪،‬‬ ‫رصف ع ّزيت‪ ،‬الرشطي املوكل بخلع‬ ‫تحملت األذية من أجل الحفاظ عىل حجابها‪ ،‬وهذا ما جعلها يائسة بائسة من ت ّ‬

‫حجاب كل امرأة تضع الخامر عىل رأسها‪.‬‬

‫تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬حتى عرص ذلك اليوم جلست مريم جنب أمي وهي تبيك بحرقة ودون انقطاع"( )‪.‬‬ ‫ولكن وسم ٌة أخرى متلكت الشخصية الرئيسية (مريم)‪ ،‬بعدما طلبت من أخيها املوافقة عىل زواجها من أيب راصف‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬وها أنا أقول بكل جدية أنت يف حكم ويل أمري فأنت رجل‪ ،‬حتى وإن كنت تصغرين‬ ‫يف السن‪ ...‬إن رضاك رضوري يا أخي‪ ...‬أختي هي التي اختارت كل يشء واآلن قد تهيأت األمور كلها وفق إرادتها‬ ‫جاء دور األخ وموافقته‪ .‬ضحكت مريم وقالت‪ :‬كم أحب هذا األخ الذي يتفهم األمور برسعة ودون تعقيد‪ ...‬أردت‬ ‫أن اقول لها ما الذي أعجبها يف هذا الرجل بحيث تترصف وكأنها فتاة يف الرابعة عرشة من العمر كلام ذكرته تكاد‬ ‫تطري شوقاً إليه إن جاء ذكره تذوب ح ّباً فيه"( )‪.‬‬

‫‪ - 2‬الهوية االجتامعية‪:‬‬

‫لقد أشار الكاتب إىل غري جانب‪ ،‬الغنى والحياة املرهفة التي كانت تعيشها الشخصية (مريم)‪ ،‬فهي حفيدة الحاج‬ ‫فتاح ذلك الرجل املحرتم صاحب األمالك‪ ،‬فعاشت معززة مك ّرمة‪ ،‬فكانت تبذر عىل صديقاتها وتأخذ املال من‬

‫صندوق وضعه الجد عند الحاجة‪ .‬تقول الشخصية الرئيسة‪" :‬أنا بنت السيد درياين قال يل والدي أنك اشرتيت‬

‫لجميع زميالتك يف الصف مصاصات حلوى"( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )115‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪252‬‬ ‫(‪ )116‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬م ‪ .‬ن‪ ،‬ص‪292‬‬ ‫(‪ )117‬م‪.‬ن‪ ،‬ص‪44‬‬


‫تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬ما أن غادر الدرويش بيتنا‪ ،‬حتى أرسعت يف إبالغ مهتاب بالخرب‪ ،‬كانت امرأة هرمة‬ ‫حينذاك إال أن ذلك مل يجعل مدى فرحتها بالخرب اقل من فتاة من العرشين من العمر يخربونها بعقد زواجها مع‬ ‫فارس أحالمها قالت‪ :‬لقد استسلمت لألمر الواقع بعد عناد دام خمسني عاماً( )‪.‬‬ ‫من هنا نجد أن الشخصية قد خففت عن نفسها عناء هذا اإلنتظار الطويل‪ ،‬ألنها تعرف كل املعرفة مبحبة (عيل)‬ ‫لها ولذلك صربت عىل م ّر االنتظار من باب الوفاء‪ ،‬لتصل إىل ما كانت تصبو إليه وتتم ّناه‪.‬‬

‫‪ - 4‬آلية الرصاع وتحقق الذات‪:‬‬

‫لقد عاشت الشخصية الرئيسية رصاعاً حول كيفية حصول الزواج من (عيل) وطلب يدها‪ ،‬وبعد رحلة طويلة سبح‬ ‫حب مل ي َر النور‪ ،‬بقيت الشخصية منتظرة خمسني عاماً حتى تق ّرر لحظة البداية‪،‬‬ ‫فيها الزمن‬ ‫ّ‬ ‫متكسا ً عىل أهداب ٍّ‬ ‫فإذا بها نهاية مأسويه‪ ،‬فقد توفيت الشخصية الرئيسية الثانية (مهتاب) ومل تستطع أن تستمتع بخرب زواجها‬

‫وبذلك مل تحقق ذاتها وحلمها الوحيد‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬فلريحم الله مريم ومهتاب‪ ،‬ذهبتا ضحية قصف صاروخي عام ‪ .) ("1987‬وهكذا فإن‬ ‫الحرب اإليرانية – العراقية‪ ،‬قد قضت عىل مهتاب وأحالمها مع عيل‪ ،‬بفعل صاروخ استهدف البيت كانت قد‬ ‫عادت لتوها من باريس‪ ،‬وكأن هذا الصاروخ استهدف قلبها وقلب عيل‪ ،‬فلم تحقق ذاتها وبالتايل عيل مبوتها قد‬ ‫فقد قيمة كل يشء من حوله وظلت إيران (املكان) الوحيد الذي ع ّده األعىل وجودا ً بالنسبة إليه‪.‬‬ ‫ومن هنا نجد أن آلية الرصاع معنوية روحية والحرب واملوت وقفا يف وجه تحقيق الذات للحؤول من تحقيق‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )113‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه ‪ ،‬ص‪345 - 344‬‬ ‫(‪ )114‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ،‬ص‪305‬‬


‫‪ - 4‬الهوية الثقافية‪:‬‬ ‫امتازت الشخصية الرئيسية (مريم) بتفوقها عىل تالميذ صفها‪ ،‬بذكائها وفطنتها تقول الشخصية الرئيسية‪ " :‬ملريم‬ ‫ذكا ٌء خارق وهي قادرة أن تسرتد خالل اسبوعني ما فات منها بسبب انقطاعها عن املدرسة يف هذه الفرتة"( )‪.‬‬ ‫وعندما سافرت إىل باريس أكملت دراستها يف الفن التشكييل واصبحت فنانة معروفة‪ ،‬تبيع لوحاتها‪ .‬تقول‬

‫الشخصية الرئيسية‪ " :‬لذا تعاملت مع املكان الجديد وكأنه بيتها ليس الرسم هو فقط ما تعلمته هناك( )‪.‬‬ ‫‪ - 5‬آلية الرصاع وتحقيق الذات‪:‬‬ ‫لقد حققت الشخصية الرئيسية ما سعت إليه إثر ما تعرضت له من الرشطي عزيت‪ .‬فقد تركت املدرسة وسافرت‬ ‫وحققت ذاتها وأحالمها وتزوجت من أيب راصف‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )122‬م ‪ .‬ن‪ ،‬ص‪284‬‬ ‫(‪ )123‬م‪.‬ن ‪ ،‬ص‪291‬‬


‫كربت مريم وسافرت إىل باريس بدعم من ج ّدها من مبدأ بالد الغرب اصبحت أكرث أمناً من إيران يف ظل حكم‬ ‫الشاه‪ ،‬وهناك تزوجت مريم أيب راصف بعد أن أخذت املوافقة من أخيها (عيل)‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬اليوم بالدنا أكرث كفرا ً من بالد الغرب‪ ،‬فهناك مثة عىل األقل فسحة للحرية الشخصية‬ ‫ويستطيع املرء أن يختار بنفسه نوع املالبس التي يرغب أن يرتديها‪ ،‬وأن يختار طريقة الحياة التي يرتئيها‪ .‬أما‬ ‫هنا فكل يشء يتم بالقوة واإلرغام‪ ،‬عىل املرء أن يعيش هنا وفق ما يرسمه له اآلخرون"( )‪.‬‬ ‫ويف موضع آخر‪ ،‬تبني لنا كيف أن مريم قد تزوجت واختارت الزوج املثايل لتكمل حياتها معه تقول الشخصية‬ ‫الرئيسية‪" :‬استقرت مريم هناك وتطبعت عىل املكان‪ ،‬صارت جزءا ً منه‪ ،‬ليس من أجل زوجها ذلك الرجل الجزائري‬ ‫الطويل القامة‪.) ( "...‬‬ ‫‪ - 3‬الهوية األخالقية‪:‬‬ ‫نلحظ جملة من القيم األخالقية التي تتعلق بالشخصية الرئيسية‪ ،‬هذه القيم تظهر وتتبدى من خاللها تعاطيها‬ ‫مع الشخصيات األخرى يف الرواية‪ .‬ونجد اللطف والعطف والحنان من القيم األخالقية التي تتحىل بها‪.‬‬ ‫تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬يا مريم‪ ،‬رمبا وقعت عقدا ً مع درياين الرتيك؟ أو عشقته؟ أوالً أرجوكن الحفاظ عىل‬ ‫الوقار حيثام تكن يف الشارع ال بد من رعاية اآلداب"( )‪.‬‬ ‫فكانت تالطف تالميذها يف حديثها‪ ،‬وتراعي شعورهم تقول الشخصية الرئيسية‪" :‬قامت الطالبات بتقديم أنفسهن‬ ‫واحدة تلو األخرى‪ ...‬وبصوت لطيف قالت‪ " :‬أنا مهتاب بنت اسكندر‪ ،‬أمي تعمل‪ ...‬قطعت مريم كالم مهتاب‪ ،‬مل‬ ‫ترغب أن تعرف الطالبات شيئاً عنها‪ ،‬ومعلوم أن ذلك مل يكن مهامً ملهتاب‪ ...‬ابتسمت مهتاب فيام كانت مريم‬ ‫مبهورة بجاملها ضمتها م ّرة أخرى عىل صدرها"( )‪.‬‬

‫___________________________‬ ‫(‪ )118‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ، ،‬ص‪216‬‬ ‫(‪ )119‬م ‪ .‬ن‪ ،‬ص‪291‬‬ ‫(‪ )120‬م‪.‬ن ‪ ،‬ص‪46‬‬ ‫(‪ )121‬رضا أمري خاين‪ ،‬أناه‪ ، ،‬ص‪44‬‬


‫ ويف نهاية دراستي تبني لنا أن (رضا أمري خاين) انزاح عن النمط التقليدي للروايات الكالسيكية التي كانت‬‫تتضمن رواياً واحدا ً‪ ،‬يقوم برسد األحداث‪ ،‬وأخذ مييل لجعل ع ّدة رواة تتناوب عىل رسد األحداث‪ ،‬وأن هذا النهج‬ ‫الذي اتبعه ال يع ّد مثلام يسجل عليه‪ ،‬ألن الرسد عامل موحد خاص‪ ،‬تتن ّو ع وتتع ّدد يف داخله اللغات واألساليب‬ ‫واألشخاص واألزمنة واألمكنة كام أن إضافة املتلقي واملؤلف إىل الرواية جعل (رضا أمري خاين) ميتاز عن باقي‬

‫الروائيني بإدخال أسلوب حدايث جديد‪ ،‬وهذا ما يؤكد انغامس (خاين) يف الحداثة والتجريب‪.‬‬ ‫لقد توصلت الدراسة إىل توصيات‪.‬‬ ‫فهنا إمكانية دراسة إشكالية الزمان واملكان يف رواية (خاين) وإمكانية دراسة اإلنزياح يف روايته‪ ،‬وكذلك احتاملية‬ ‫درس التناص فيها‪ ،‬وأثر الفكر العريب والغريب يف عمله الروايئ‪ ،‬واإلتجاه النفيس وغريها‪.‬‬ ‫وهذا ما يؤرش إىل أن عمل (خاين) عامل رحب يجعل الدارس أمام خيارات متع ّددة لدراسة أي جانب يريده‪.‬‬ ‫وإنني ألعدكم بأنني سأقوم بهذه الدراسة يف املستقبل القريب‪ ،‬لتكون دراسة كاملة وواقعية‪ ،‬يستفيد منها كل‬ ‫من يحب أن يغوص يف تفكري الروايئ ويريد الغرف من أعامله‪( .‬خاين) قد أفاد من تصور بعض النقاد يف بناء منهج‬ ‫حدايث جديد مؤكدا ً أن (رضا خاين) كان يسري عىل خطى (جيمس جويس) وبعض نقاد الغرب الذين انزاحوا عن‬ ‫واحد وضمري ٍ‬ ‫املنهج التقليدي الذي يلزم الروايئ براو ٍ‬ ‫يستحق مزيدا ً من املغامرة والبحث‬ ‫واحد يف روايته وهو را ٍو‬ ‫ُّ‬ ‫من جوانب عديدة من عمله‪.‬‬


‫خامتة الفصل‪:‬‬ ‫لقد تناولت هذه الدراسة موضوع بناء الشخصية يف رواية رضا أمري خاين تحت عنوان (أنا ُه) هادفة إىل الكشف‬ ‫عن ماهية الشخصية يف روايته‪ ،‬وطرق تقديم الشخصية‪ ،‬وأضاف الشخصيات عنده سواء أكانت رئيسية أم ثانوية‬ ‫أم نامية‪ ،‬من خالل إحصاء الشخصيات وتصنيفها ونظام العالقات التي تربط بني هذه الشخصيات من ناحية‬ ‫برنامجها الرسدي (العامل الذات‪ /‬العامل املوضوع‪ /‬العامل املرسل‪ /‬والعامل املرسل إليه‪ /‬العامل املساعد والعامل‬ ‫املناويء) وكذلك هوية هذه الشخصيات الرئيسية واألساسية من الناحية (النفسية‪ ،‬األخالقية‪ ،‬الثقافية‬ ‫واإلجتامعية)‪.‬‬ ‫عىل أن يُختم كل برنامج بآلية الرصاع وتحقيق الذات‪ .‬ومن خالل هذا العرض أمكن الخروج ببعض النتائج أهمها‪:‬‬ ‫ لقد ق ّدم الكاتب الشخصية بشكلها املبارش‪ ،‬ولو كان هذا السلوب هو أسلوب (رضا أمري خاين) والرئييس يف أغلب‬‫الرواية‪ ،‬وإن هذا النمط جعل القاريء مشاركاً يف الرواية‪ ،‬تسنى له تحديد املاهية الحقيقية للشخصية‪ ،‬واألسامء‬ ‫التي وردت يف هذه الرواية محملة بالدالالت‪ ،‬فالشخصية عنده تح ّولت إىل صناعة قويّة جديدة‪ ،‬وهذا ما جعل‬

‫اإلسم يف روايته قادرا ً عىل حمل دالالت فنية كثرية (مهتاب‪ /‬القمر‪ ،‬موىس القصاب‪ /‬القوي‪ ،‬الحاج فتاح‪ /‬الكريم‬ ‫املحرتم‪)...‬‬ ‫جل أصناف الشخصيات قد عملت عىل تصوير الواقع املعاش‬ ‫ يف دراستي لتصنيف الشخصيات‪ ،‬خلصت إىل أن ّ‬‫آنذاك يف ظل حكم الشاه‪ ،‬وهو واقع مرير مشهود له بالقمع والبطش واالنهيار من قبل الشاه الديكتاتوري‪ ،‬وقد‬ ‫اصبحت باريس مالذا ً لإلسالميني‪ ،‬هرباً من حكمه ومن يتصور باريس اصبحت أكرث أمناً وحريّة للذين يضعون‬ ‫الحجاب اإلسالمي‪.‬‬ ‫ ومن خالل دراستي للشخصيتني الرئيسيتني اللتني تصدرتا أحداث هذه الرواية‪ ،‬تبني يل أن آلية الرصاع كانت‬‫واحدة (الزواج) وكذلك النتيجة كانت واحدة‪ ،‬فلم يستطعا تحقيقها وبالتايل تحقيق ذاتهام‪ ،‬فالشخصية الرئيسية‬ ‫(عيل) ظل وحيدا ً يصارع الحزن ومهتاب الشخصية الرئيسية األساسية االوىل توفيت من دون تحقيق أملها وأما‬ ‫الشخصية األساسية الثانية قد عملت عىل تحقيق ذاتها ونجحت‪.‬‬


‫‪ -2‬العامل املوضوع‪31..............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -3‬العامل املرسل‪32.................................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -4‬العامل املرسل إليه‪33..........................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -5‬العامل املساعد‪34...............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -6‬العامل املناويء‪36...............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -3‬نظام العالقات بني الشخصيات‪38..........................................................................................................:‬‬ ‫‪ -1‬العامل الذات‪ :‬مريم‪38.........................................................................................................................‬‬ ‫‪ -2‬العامل املوضوع‪38..............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -3‬العامل املرسل‪40.................................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -4‬العامل املرسل إليه‪40..........................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -5‬العامل املساعد‪41...............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -6‬العامل املناويء‪42..............................................................................................................................:‬‬ ‫أ‪ -‬هوية الشخصية الرئيسية‪43................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -1‬الهوية النفسية للشخصية الرئيسية‪43..................................................................................................:‬‬ ‫‪ -2‬الهوية االجتامعية‪44..........................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -3‬الهوية األخالقية‪46............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -4‬آلية الرصاع وتحقق الذات‪47..............................................................................................................:‬‬ ‫ب – هوية الشخصية األساسية (مهتاب)‪50...............................................................................................‬‬ ‫‪ -1‬الهوية النفسية للشخصية الرئيسية‪50..................................................................................................:‬‬ ‫‪ -2‬الهوية االجتامعية‪53..........................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -3‬الهوية األخالقية‪53............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -4‬آلية الرصاع وتحقق الذات‪54..............................................................................................................:‬‬ ‫ج‪ -‬هوية الشخصية األساسية الثانية (مريم)‪56..........................................................................................‬‬


‫الفهرس‬ ‫مقدمة‪1.............................................................................................................................................. :‬‬ ‫جهاد نظري‪3........................................................................................................................................:‬‬ ‫مفهوم الشخصية‪3.................................................................................................................................:‬‬ ‫اصطالحا‪5............................................................................................................................................:‬‬ ‫أنواع الشخصية ووظائفها‪7....................................................................................................................:‬‬ ‫أوالً‪ :‬الشخصيات الحقيقية (الخالقة أو املبدعة)‪7.......................................................................................‬‬ ‫أ‪ /‬املؤلف‪ /‬الروايئ‪8................................................................................................................................:‬‬ ‫ب‪ /‬املتلقي‪9........................................................................................................................................:‬‬ ‫ثانيا‪ :‬شخصيات منتجه ‪11........................................................................................................................‬‬ ‫الشخصية الرئيسة‪12..............................................................................................................................:‬‬ ‫الشخصية الثانوية‪13..............................................................................................................................:‬‬ ‫‌أ‪-‬عالقة الرغبة‪17...................................................................................................................................:‬‬ ‫‌ب‪-‬عالقة التواصل‪17..............................................................................................................................:‬‬ ‫الصاع‪17.................................................................................................................................:‬‬ ‫‌ج‪-‬عالقة ّ‬ ‫‌د‪-‬العوامل واملمثلون‪18..........................................................................................................................:‬‬ ‫‪ - 1‬إحصاء الشخصيات وتصنيفها‪19........................................................................................................:‬‬ ‫‪ - 2‬نظام العالقات بني الشخصيات‪( :‬الشخصية الرئيسية)‪20.......................................................................‬‬ ‫‪ -1‬العامل الذات‪ :‬عيل فتاح‪20.................................................................................................................‬‬ ‫‪ -2‬العامل املوضوع‪20............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -3‬العامل املرسل‪21...............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -4‬العامل املرسل إليه‪ :‬الذات‪ /‬الصداقة‪22.................................................................................................‬‬ ‫‪ -5‬العامل املساعد‪26.............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -6‬العامل املناويء‪27.............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -1‬العامل الذات‪ :‬مهتاب التي تتمحور حولها الرواية‪31..............................................................................‬‬


‫طائرالفينيق‬ ‫جامل‬


‫‪ -1‬الهوية النفسية‪56...............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -2‬الهوية االجتامعية‪57...........................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -3‬الهوية األخالقية‪58.............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -4‬الهوية الثقافية‪58..............................................................................................................................:‬‬ ‫‪ -5‬آلية الرصاع وتحقيق الذات‪59.............................................................................................................:‬‬ ‫خامتة الفصل‪60............................................................................................ ........................................:‬‬ ‫الفهرس‪63....................................................................................... ......................................................‬‬



‫طائر الفينيق‬ ‫جامل‬

‫العالج بالبورات‬ ‫الكاتبة مريم باجي‬ ‫العالج بالبلورات أو الكريستاالت أو الحجارة الكرمية هي تنسب للطب البديل و تستخدم فيها البلورات و‬ ‫األحجار الكرمية قصد العالج و يسمى هذا النوع من العالج بالعالج الطاقوي أو الحيوي ‪ ،‬و يعتقد أنصار هذه‬ ‫التقنية أن الكريستاالت أو الحجارة الكرمية ليست مجرد حجر زينة بل هي تخزن طاقة و متتص طاقة و تطرح‬ ‫طاقة و تعمل كقنوات للشفاء ‪ ،‬هذه األخرية تسمح بتدفق الطاقة اإليجابية و الشفائية إىل الجسم و التخلص من‬ ‫الطاقة السلبية املسببة لألمراض و بعض املشاكل السلبية األخرى التي تجعل طاقة اإلنسان سلبية أو تحت الصفر‪.‬‬ ‫تاريخ العالج بالبلور أو الحجارة الكرمية قديم جدا و لقد عرف بكرثة عند الهندوس و لقد شهد زيادة يف شعبيته‬ ‫يف السنوات القليلة املاضية ‪،‬رغم هذا ستجد الكثري من األطباء و العلامء ال يؤمنون به و يعتربونه خرافة من‬ ‫أساطري قدمية‪.‬‬ ‫أما من الناحية العلمية ال يوجد دليل عىل أننا نستطيع استخدام البلورات يف عالج األمراض كام ال يوجد دليل‬ ‫علمي يبني أن األمراض تأيت بعد تغلغل الطاقة السلبية بالجسم‪.‬‬ ‫و يرد أنصار هذا املجال بالقول‪:‬‬ ‫أن العلم محيط و نحن مل نصل إال للبحر و ال يجب تكذيب نظرية ما هكذا ‪ ،‬كام يرى أنصار هذا املجال أن‬ ‫البلورات تعمل عمال ال يرى بالعني املجردة و هو الشفاء بالطاقة و الطاقة ال نستطيع رؤيتها ‪ ،‬عىل العلامء أن‬ ‫يكثفوا جهودهم الستظهار هذه الطاقة كام ال يجب الجزم بعدم وجود طاقة شافية ألن اآلالت التي نستعملها‬ ‫بحياتنا اليومية تتحرك بواسطة جزء من الطاقات املنترشة يف هذا الكون و التي مل نعرفها إال يف القرنني املاضيني و‬ ‫التي كانت عند الشعوب القدمية مجرد خرافات و أكاذيب ‪ ،‬ما دمنا نالحظ وجود نتائج إيجابية يف التشايف‬ ‫بواسطة هذه البلورات هناك حقيقة ثابتة و موجودة لهذا العلم و يجب توسيع بحوثنا حوله‪.‬‬ ‫مؤخرا و بشكل عاملي أفتتحت عدة منتجعات صحية خاصة بالتشايف بواسطة البلورات كام سجلت إقباال واسعا ‪،‬‬ ‫كام أن بعض رواد هذه التقنية قامو بدمجها مع تقنيات التشايف بالتدليك والرييك‪.‬‬



‫طائر الفينيق‬ ‫شعر‬


‫وبنى برتبة كربال ٍء كعب ًة‬ ‫ولصار زمزم من رضيحك ينب ُع‬ ‫ذبحوك بسملة ً فعدتَ مرتالً ً‬ ‫وبىك الفرات فأغرقته األدم ُع‬ ‫يهتز مه ُدك يف السامء وتنحني‬ ‫حزناً حواليه الجهات األرب ُع‬ ‫أىس‬ ‫وكأ َّن فاطمة ً تهدهده ً‬

‫وعىل أبيك وصحبه تتفج ُع‬ ‫لو كان للرحمن إب ٌن مل يكن‬ ‫إالك معجزة لها نترض ُع‬ ‫هي دوحة يف قاب قوسني ازدهت‬ ‫فوق السامء أصولها واألفر ُع‬ ‫قد أطلق الطلقاء نحوك سهمهم‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ال يفز ُع‬ ‫لكن سبط َ‬ ‫هم جند إبليس ويف أرواحهم‬ ‫حقد الخوارج والسقيفة أجم ُع‬ ‫نحروك يف حضن الحسني وحجره‬ ‫عرش وأنت بظله ترتب ُع‬ ‫حل جسمك يف الرثى لكنه‬ ‫ما َّ‬ ‫وسط الفراديس املقام األرف ُع‬ ‫قد خط َّ نحرك ‪ " :‬ال إله " وأكملت‬ ‫جل املبد ُع‬ ‫كفاك ‪ " :‬إال الله " َّ‬ ‫أقالمنا نضبت وأنت مدادها‬ ‫وحروفنا انطفأت وأنت األرو ُع‬ ‫يطف يف مكة ٍ‬ ‫لوال دماؤك مل ْ‬


‫المالك الذبيح إىل سيدي وموالي عبد هللا الرضيع عليه السالم‬

‫الشاعر‪.‬حامد خضري الشمري‬ ‫لله أرسا ٌر بنحرك تود ُع‬ ‫ودماؤك األزىك شذا ً يتضو ُع‬ ‫جف ثغرك ظامئاً لكنام‬ ‫قد َّ‬ ‫حور الجنائن من رضابك ترض ُع‬ ‫يا ابن الحسني وللحسني مصائب‬ ‫وألنت مهجته التي تتقط ُع‬ ‫قد كنت مثل الوحي عند هبوطه‬ ‫وعىل جبينك كوكب يتشعش ُع‬ ‫ودما ُء مثلِك ال تسيل عىل الرثى‬ ‫بل مثل عيىس يف جال ٍل ترف ُع‬ ‫لو أنها هبطت عىل جبل ملا‬ ‫حمل األمانة وانربى يتصد ُع‬ ‫هذا هو ِ‬ ‫بح العظي ُم وأنه‬ ‫الذ ُ‬

‫حتى ألصحاب الكبائر يشف ُع‬ ‫حملت مالئكة السامء دماءه‬ ‫ونحيبها يف كل فجر يسم ُع‬ ‫يا توأم الحرمني حسبك رفعة ً‬ ‫أن الخالئق يف رحابك تخش ُع‬ ‫لو أن إبراهي َم أبرص ما جرى‬ ‫الطف املقدس يرك ُع‬ ‫ألىت إىل ِّ‬


‫طائر الفينيق‬ ‫شعر‬


‫قوم كأن البيت قفر بلق ُع‬ ‫وملا عال صوت األذان و ُرتلت‬ ‫آي وال الزكوات ظلت تدف ُع‬ ‫ٌ‬ ‫ولعاد دين الحق محض خرافة‬ ‫وجثا أمام الالت قوم خن َّـ ُع‬ ‫يح الجنائن أرشعت أبوابها‬ ‫ِف ُ‬ ‫وللثم ثغرك لهفة تتطل ُع‬ ‫واستقبل املأل املقدس آية‬

‫ق َب ٌس من الرحمن فيها يسط ُع‬ ‫وحي السامء وإمنا‬ ‫مل ينقطع ُ‬

‫كأس مرت ُع‬ ‫َ‬ ‫وافاك من‬ ‫جربيل ُ‬ ‫باب ِحط ّـة َ كلام ضاق املدى‬ ‫بل ُ‬ ‫جاءتك خاشعة فبابك أوس ُع‬ ‫واألنبياء استقبلوك مرفرفاً‬

‫نحو الجنان وعانقتك األذر ُع‬ ‫والله قبل وجنتيك كرامة‬ ‫لريى السامء ومن بها يتشي ُع‬ ‫مييض الزمان وال يعود ألهله‬ ‫إال عزاءك كل يوم يرجع‬ ‫قلت شيئاً فيك يا ابن محمد‬ ‫قد ُ‬ ‫فلبست تاجا بالتقى يرتص ُع‪//‬‬ ‫ُ‬


‫األرض واإلنسا ْن‪..‬‬ ‫د َّمرنا َ‬ ‫إستخدمنا الفقرا َء حطباً للحروب‪...‬‬ ‫للسياسات الفاسد ِة‪..‬‬ ‫الخاص ِة‪..‬‬ ‫للآمرب‬ ‫ّ‬

‫للمشاريعِ املشبوه ِة‪..‬‬ ‫التناقض الذي نعيشْ ه‪..‬‬ ‫ما هذا‬ ‫ُ‬ ‫ما هذ ِه اإلزدواجي ُة التي تتح َّك ُم بحياتنا‪.‬؟!‬ ‫متى نَت َخل ُّص من وا ِقع َنا األلي ْم‪..‬‬

‫الخراب‪..‬‬ ‫كل هذا‬ ‫كيف سنواج ُه َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫إبق مع َنا‪//..‬‬ ‫رب َ‬ ‫يا ُ‬


‫كُن ِدف َء السالم‬ ‫الكاتبة وفاء يونس‬ ‫رب‪ ..‬كُ ْن مع َنا‪...‬‬ ‫يا ُّ‬

‫إحف ْظ عاَلَمنا العر َّيب املأزو ْم‪..‬‬ ‫رش في ِه السال ْم‪..‬‬ ‫وان ْ‬ ‫كُنّا عىل ٍ‬ ‫أرض كُلَّها مح َّب ْة‪..‬‬ ‫د ّمرنَا بالكراهي ِة ك َُّل املح َّب ْة‪..‬‬

‫باسم ال ِّدي ْن‪..‬‬ ‫ارتكَب َنا م َجاز َر ِ‬ ‫الشعوب وسحق َنا َها‪..‬‬ ‫قسم َنا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وقتلنا ِ‬ ‫بداخ ِل َنا اإلنسا ْن‪..‬‬ ‫ح َّول َنا قَم َح َك إىل حىص‪..‬‬ ‫وما َء َك إىل ِد َما ْء‪..‬‬ ‫دف َّنا يف َ‬ ‫ترابك ال َور َد‪..‬‬

‫وبعض ما تبقّى َ‬ ‫منك فينا‪..‬‬ ‫َ‬ ‫تراب الوط ْن‪..‬‬ ‫نحيي بدمائِ َنا َ‬

‫ونزغر ُد يف دائر ِة اال ٍمل للشهدا ْء‪..‬‬

‫تظاهرنا بالت َّديّن‪..‬‬ ‫َاهب واألديَا ْن‪..‬‬ ‫ك َّبلنا العقول بأفيونِ املذ ِ‬ ‫الفسا ُد والطُغيا ْن‬ ‫ع َّم َ‬ ‫ح َّولنا حيات َنا إىل ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ونفاق‪..‬‬ ‫غش‬ ‫إ َّدعينا صيان َة الح ّري ْه‬ ‫ث ُ َّم َغ َزونَا األحرا ْر‪.‬‬

‫إ َّدعينا الوطني َة قوالً‪..‬‬ ‫طع َّنا الوط َن فعالً‪..‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫شعر‬


‫طائر الفينيق‬ ‫شعر‬

‫الحرب لم تبدأ بعد‪.‬‬ ‫الشاعرة‪ .‬نهى املوسوي‬ ‫ِيب نَ َزل َُت ب َِل كَفَنٍ َو َل َوطَن‪،‬‬ ‫ِمث ُْل َغر ٍ‬ ‫َل أَ ْعر ُِف لِ َمذَا َر َم ْو ِن ِف اَلْ ُج ِّب ؟ !‬

‫ِ‬ ‫بأطراف العابرين‪.‬‬ ‫ِمث ُْل ٍيد َخ َذلَ ِني ِفيهِا العناق‪ ،‬تعلّقْت‬ ‫مثل شاع ٍر نفخ املجا َز يف أودا ِج حيا ٍة عارية‬ ‫ُ‬ ‫"اتّه َمني الوط ُن برسقة الغناء"‬ ‫منت يف ٍ‬ ‫أرض عطشانة‬ ‫مثل رو ٍح ْ‬ ‫يفسه العقل‪.‬‬ ‫نع ْي ُت الحقيق َة الكامن َة يف ضو ٍء ال ّ‬ ‫الضليل‬ ‫مثل امللك ّ‬

‫أتلو سورة التّوبة يك ال أموت وحيدةً‪...‬‬ ‫كل نجا ٍة أقول‪:‬‬ ‫وبعد ّ‬ ‫الحرب مل تبدأ بعد‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫نهى املوسوي‪ -‬بريوت يف ‪1-9-2021‬‬



‫طائر الفينيق‬ ‫شعر‬ ‫الشاعرة‪.‬سناء الحاموش‬

‫مريد أنا‬

‫اطوف‪ ..‬احبك‬ ‫ابسط كفي صوب السامء‬ ‫وكفي االخرى نحو الرثى‬ ‫اردد مناجاة الهوى ‪..‬‬ ‫انت كيل‪ ،‬تسكنني‬ ‫تصيين انا‬ ‫ّ‬ ‫امراة تسكن صفحات‬ ‫الكتاب‬ ‫كلام قلبتها تجدين انا ‪...‬‬ ‫اضحك هنا وابيك هنا‬ ‫امراة تسكن جفن عينيك‬ ‫غفوت او صحوت‬ ‫يف اجفانك‬ ‫تجدين انا‬ ‫تلفت تلفت كيفام شئت‬ ‫اىن التفت‬ ‫لقاء لنا‬ ‫تنمو يف اقدامنا دروب‬ ‫مشيناها‬ ‫وتزهر اكفنا بالف حدبقة‬ ‫زرعناها‬ ‫تلفت تلفت اينام شئت‬ ‫يف كل مكان‬ ‫أنت وأنا ‪//‬‬


‫سوف أهج ُر أرضاً ليس فيها‬ ‫تينة مباركة كروحك الناصعة‬ ‫حينئذ‪..‬‬ ‫سوف يأيت املوج و يرحل‬ ‫مكتئباً دون ملس ٍة من َ‬ ‫يدك‬ ‫و تصمت السواقي حزناً عىل فراقك‬ ‫سوف يتح ّو ُل النهر إىل مج ًرى لدموع حنيني‬ ‫حني أقوم بنزهتي‬ ‫أتأبط ذراع حقيبتي‬ ‫و أتكّئ عىل كتف الفراغ‬ ‫أحاور نفيس‪..‬أسألها‪..‬‬

‫كيف يغدو األقرب إليها بعيدا ً‬ ‫وكيف أنّنا‪ ..‬بني ليل ٍة و ضحاها‬ ‫ثوب األمان‬ ‫نخلع َ‬ ‫ونع ّري الجس َد املنهك‬

‫الزمن الهوجا َء‬ ‫أما َم ريا ِح‬ ‫ِ‬ ‫من جديد…؟!‬


‫طائر الفينيق‬ ‫شعر‬

‫ماذا يبقى م ّني‪..‬‬ ‫الشاعرة‪.‬لبنى رشارة‬

‫ماذا يبقى م ّني‪..‬‬ ‫إذا فقدت أشيا َيئ الجميل َة‬ ‫التي أح ّبها…‬ ‫صوتك الدافئ الذي‬ ‫نبض الحياة‪،‬‬ ‫يوق ُظ يف قلبي َ‬ ‫ابتسامتك التي‬ ‫"تحيي العظام وهي رميم"‬ ‫نظراتك الغزيرة كمطر نيسان‬ ‫تنبت ال ُح ّب من جديد‬ ‫ماذا يبقى م ّني ؟‬ ‫حقائب أحالمي و ارتحلت‬ ‫إن جمعت‬ ‫َ‬ ‫إىل أرض النسيان‬ ‫يك أبذ َر ُح ّباً جديدا‬ ‫ِ‬ ‫الصيف‬ ‫و أنتظر مط َر‬ ‫يهطل املط ُر‬ ‫فال ُ‬ ‫سنابل ُخرضا‬ ‫َ‬ ‫تنبت أريض‬ ‫وال ُ‬ ‫و ال تيناً وال عنباً‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫تشتاق روحي ملُدامك‬ ‫سوف‬ ‫تثملها بنظرة‪..‬‬





‫طائر الفينيق‬ ‫شعر‬

‫نبض الوتين‬ ‫الشاعرة‪ .‬زينية الجوهري‬ ‫شاحت بوجهها هنيهة‬ ‫عن قلب هام إليها…‬ ‫ثم تعمدت النظر بعينيها!!!‬ ‫وساد الصمت؟؟؟‬ ‫فسالما"عىل صمت‬ ‫بداخله مدن من الكالم‬ ‫وسالما" لقلوب‬ ‫تحمل عشقا"ودفأ"ودالل‬ ‫وسالما"عىل أحرف مل تقال‬ ‫لكنها أبلغ مام يقال‬ ‫يا أرجوحة الهوى احمليني‬ ‫فوق موجات قلب ضعيني‬ ‫ألتحسس نبض ذلك الوتني‬ ‫ترى هل سيضخ بالشوق‬ ‫وتعلو الحرارة جبيني؟‬ ‫فيا عطور الزهر ضميني‬ ‫ألشتم عطرك لعله يحيني‬ ‫فقلبي يحمل حب الدنيا‬ ‫ورشيان املحبة يضنيني‪//‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫اقتصاد‬



‫والرياضة‪-‬النوادي الرياضية ‪ -‬املسابح‪-‬مرافئ استجامم خاصة (مارينا) مرايس لليخوت والقوارب‪-‬الحاممات‬ ‫البحريه والشاليهات‪ ،‬كذلك اإلنشاءات املخصصة للخدمات الرتبوية والدينية والصحية والرياضية مبا فيها قاعات‬ ‫اإلحتفاالت واملدارس وقاعات اإلجتامعات واملكتبات العامة واملتاحف واملعارض الفنية‪.‬‬ ‫منطقة "أليسار" تعترب إمتدادا ً طبيعياً وجغرافياً وصحياً ملدينة بريوت وعالقتها العضوية بالضاحية الجنوبية‪ ،‬اىل‬ ‫جانب عدم وضوح التملك العقاري يف "الضاحية"‪ ،‬يكاد يقترص عىل منطقة مساحتها ‪ 5‬ماليني مرت مربع‪ ،‬مام‬ ‫يجعل املساحات الخرضاء قليلة جدا ً يف املخطط التوجيهي لحساب اإلستثامرات الخاصة‪ .‬يف حني نجد أنه ليس من‬ ‫مكان ألهايل هذه املنطقة ضمن هذا املخطط التوجيهي‪،‬الذي سيغري يف حال تنفيذه معامل املنطقة بصورة جذرية‪.‬‬ ‫‪ 1-3‬أهمية املوقع الجغرايف ملنطقة "أليسار"‬ ‫تقع منطقة مرشوع "أليسار" عىل األطراف الجنوبية ملدينة بريوت‪ ،‬ومتتد عىل طول مداخلها الثالثة ‪ :‬طريق املطار‪،‬‬ ‫طريق الجناح – السفارة الكويتية – الكوال‪ ،‬والطريق الساحلية حتى حدود مطار بريوت الدويل‪.‬‬ ‫تتألف حدودها من البحر املتوسط غرباً‪ ،‬طريق املطار رشقاً‪ ،‬مطار بريوت الدويل جنوباً‪ ،‬وشارع "عدنان الحكيم"‬ ‫– جهة بريوت املدينة‪ -‬شامالً‪ .‬طولها ثالثة كيلومرتات تقريباً – من الجنوب إىل الشامل – وعرضها الوسطييرتاوح‬ ‫بني ‪ 2,40 1,30-‬كلم‪ ،‬فتكون مساحتها اإلجاملية ‪ 560‬هكتارا ً‪ ،‬سيضاف إليها ‪ 25‬هكتارا ً من املساحة املردومة عىل‬ ‫الشاطئ قرب املدرج الغريب املستحدث ملطار بريوت‪.‬‬ ‫تشمل منطقة مرشوع "أليسار" كال من مناطق األوزاعي‪ ،‬الرمل العايل‪ ،‬حرش القتيل‪ ،‬الجناح وصربا‪ .‬من هذه‬ ‫املساحة هناك ‪ 230‬هكتارا ً من األرايض املستثناة من التخطيط (هناك ‪ 34‬هكتارا ً من األرايض املستثناة تعترب‬ ‫شاغرة)‪ ،‬كذلك استثنيت املناطق املرتبة‪ ،‬ومرافق العبادة واملؤسسات اإلجتامعية العامة( )‪.‬‬ ‫وهذا ويساهم إنحدار األرض بإتجاه الغرب يف قسم كبري من املوقع بتميز املناطق الداخلية منها بأطاللة دامئة‬ ‫عىل البحر مام يعطيها جاذبية خاصة ومميزة‪.‬‬ ‫أما الطرقات الرئيسية الثالث يف منطقة مرشوع "أليسار" فتتكامل مع مدخل بريوت الجنويب الوحيد – خلدة‬ ‫األوزاعي‪ -‬لتستوعب كل الحركة من الجنوب بإتجاه بريوت وبالعكس‪ ،‬وهذا ما أعطى هذه املنطقة ديناميكية‬ ‫إقتصادية‪ ،‬تجلت باكرا ً منذ الستينات‪ ،‬وما زالت يف كل الخطط اإلسرتاتيجية واإلمنائية للعاصمة‪ .‬أضف إىل ذلك‬ ‫أهمية طريق املطار الذي يربط العاصمة مبطارها الدويل والذي عىل إمتداده ترتسم الصورة األوىل لبريوت أمام‬ ‫الزائر األجنبي‪ .‬كام أن املدينة الرياضية سيكون لها تأثري نوعي عىل الحركة العقارية يف محيطها‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ - 3‬تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت‪،‬دراسة دار الهندسة‪.2004 ،‬‬


‫طائر الفينيق‬

‫اقتصاد‬

‫مشروع "أليسار" لترتيب وتنظيم وضع الضاحية‬

‫الجنوبية الغربية لبيروت‬ ‫د‪ .‬عامد هاشم‬

‫تعود نشأة مرشوع "أليسار" إىل أوىل حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري عام ‪ ،1992‬حني طُرحت آنذاك فكرة إنشاء‬ ‫رشكة عقارية ملنطقة االوزاعي أسوة بالرشكة العقارية يف "سوليدير"‪ .‬لكن بعد معارضة األهايل والقوى السياسية التي‬ ‫متثلهم إلنشاء رشكة عقارية شبيهة برشكة سوليدير يف وسط بريوت عىل أرض مساحتها أكرب بثالثة أضعاف مساحة‬ ‫"سوليدير"‪ ،‬أُنشأت املؤسسة العامة لرتتيب منطقة الضاحية الجنوبية الغربية ملدينة بريوت – أليسار مبوجب املرسوم رقم‬ ‫‪ 9043‬تاريخ ‪ ،30/8/1996‬وهي تتمتع بالشخصية املعنوية واإلستقالل املايل واالداري وتهدف املؤسسة اىل ترتيب منطقة‬ ‫الضاحية الجنوبية الغربية ملدينة بريوت‪ ،‬وترتبط املؤسسة برئيس مجلس الوزراء الذي ميارس الوصاية اإلدارية عليها‪ ،‬وقد‬ ‫ضمنت حق الساكنني بالبقاء‪ ،‬سكناً وعمالً‪ ،‬عرب تأمني البديل السكني والحريف‪.‬‬ ‫هذه املؤسسة تقوم بإستمالك مؤقت للعقارات التي تقع ضمن نطاقها (الغبريي‪ ،‬األوزاعي)‪ ،‬وتعمل عىل بناء مساكن‬ ‫بديلة ألحزمة الفقر املوجودة فعلياً يف جزء من األوزاعيوالجناح وحرش القتيل‪ ،‬ضمن مخطط توجيهي كامل يتضمن‬ ‫إنشاء حدائق وممرات اوتوسرتادات وبنية تحتية حديثة‪ ،‬وتستغل ما تبقى من أرايض يف إسرتداد التكاليف التي ستدفع‬ ‫(كام كان مخططاً) يف املباين السكنية البديلة لهؤالء السكان‪ ،‬أي أن آلية عمل "أليسار" مبنية عىل قاعدة البديل السكني‬ ‫للقاطنني الذين يسكنون ضمن نطاقها( )‪.‬‬ ‫تتوزع التجمعات السكنية التي ترتكز يف نطاق عمل "أليسار" عىل ستة مواقع أساسية هي‪ :‬املرامل‪ ،‬األوزارعي‪ ،‬الرمل‬ ‫العايل‪ ،‬ويف الغبريي ‪ :‬حرش القتيل‪ ،‬صربا وحي الزهراء‪ .‬يبلغ مجمل عدد الوحدات السكنية ‪ 10120‬مسكناً‪ ،‬معظم من‬ ‫يقطنها هم من ذوي الدخل املتدين واملحدود وضمن مناطق التعديات عىل أمالك الغري‪ ،‬وتبلغ املساحة اإلجاملية لهذه‬ ‫املجمعات نحو ‪ 502000‬مرت مربع( )‪.‬‬ ‫ومن خالل مراجعة التصميم التوجيهي يتضح أن هذه املنطقة معدة لتكون مركزا ً سياحياً وتجارياً وإمتدادا ً جغرافياً‬ ‫قسم هذا املرسوم هذه املنطقة إىل عدة أجزاء‬ ‫ملناطق عني املريسة والروشة وبوابة لبنان املنفتحة عىل مطاره الدويل‪ .‬وقد َّ‬ ‫تنظيمية وحدد يف كل منطقة وجهة إستعاملها واألبنية التي ستقام عىل أرضها‪ ،‬والتي ميكن إختصارها باملباين املخصصة‬ ‫للسكن‪ ،‬املباين املخصصة لإلستعامالت التجارية وصاالت العرض واملكاتب مبا فيها املكاتب الحكومية واملهنية‪ ،‬إضاف ًة إىل‬ ‫الخدمات املالية والخدمات املرصفية والتأمني‪ ،‬اإلستعامالت الرتفيهية مبا فيها قاعات السينام واملسارح والبولينغ والفنادق‬ ‫والشقق املفروشة‪ -‬املوتيالت واملطاعم واملقاهي والبارات وقاعات الرقص والنوادي الليلية إضافة إىل أماكن االستجامم‬ ‫_______________________‬ ‫‪ - 1‬مصادر مؤسسة "أليسار"‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تقرير غري منشور أعدته رشكة "أليسار" عام ‪.2005‬‬


‫‪ 2-3‬املشاريع البديلة ‬ ‫مل تبادر "أليسار" إىل تنفيذ ما كان مخططاً من أبنية بديلة‪ ،‬وبعد سنة ‪ ،2000‬طرح الرئيس رفيق الحريري مرشوعاً‬ ‫جديدا ً يقوم عىل إستبدال فكرة "أليسار" التي تتطلب امواالً طائلة‪ ،‬بفكرة أخرى‪ ،‬منشأها قرض كويتي بقيمة‬ ‫‪ 150‬مليون دوالر‪ ،‬تم تخصيصه ملنطقة األوزاعي‪ ،‬يرصف منه ‪ 120‬مليون دوالر إلنشاء بنية تحتية وإعادة ترتيب‬ ‫املنطقة مبخطط توجيهي يجعلها صالحة للتنمية الذاتية من خالل املشاريع الخاصة الحقاً‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬يتم‬ ‫توسيع الشارع الرئييس وبناء جرس للمنطقة‪.‬حيث اعرتض األهايل لخشيتهم من أن تكون هذه الفتحة سبباً إلهامل‬ ‫األوزاعي بالكامل‪ ،‬حيث تسارعت األحداث بشكل دراماتييك أدى إىل إقفال امللف‪.‬‬ ‫يف ربيع عام ‪ ،2006‬عاد مرشوع "أليسار" إىل طاولة املفاوضات من جديد حيث اقرتح تحويل "أليسار" من‬ ‫مؤسسة عامة إىل رشكة عقارية‪ ،‬وهي صيغة ستؤدي إىل تغيري يف جوهر املرشوع من الخرائط إىل الجهات املمولة‬ ‫إىل طريقة التعامل مع املقيمني‪.‬‬ ‫وكان قد سبق يف أيار من العام ‪ ،2004‬أن أرسل رئيس الحكومة حينئذ الرئيس رفيق الحريري‪ ،‬بوصفه ممثالً‬ ‫لسلطة الوصاية عىل املرشوع‪ ،‬اقرتاحات إىل مجلس إدارة "أليسار" لتعديله‪ ،‬بعدما أوكل التعديل اىل دار الهندسة‪،‬‬ ‫وسقط التعديل يف مجلس ادارة "أليسار"‪ ،‬بعد اعرتاض "حزب الله" عىل التعديالت املقرتحة‪.‬‬ ‫وقد تبني من خالل الدراسات التي أعدتها دار الهندسة أنه مل يعد لجرس االوزاعي من وجود‪ ،‬كام تم إلغاء‬ ‫املجمعات السكنية يف املرامل وحرش القتيل وصربا وشاتيال وقرب نادي الغولف‪ ،‬وهي تشكل بديالً للمساكن يف‬ ‫الجناح واألوزاعي واملرامل وحرش القتيل وصربا‪ ،‬ويبلغ عددها ‪ 13912‬مسكناً مبوجب اإلحصاءات التي قامت بها‬ ‫"أليسار" إضافة إىل إلغاء أربعة مراكز تعليمية ومراكز حرفية ومجمعني استهالكيني يف تلة املرامل وحرش القتيل‪.‬‬ ‫وجرى إستبدال املرفأ الشعبي يف منطقة املدورة مبرفأ للصيادين‪ ،‬مع تصغري املساحة التي كانت مخصصة للمسبح‪،‬‬ ‫ويرتتب عىل تلك التعديالت إجراء عمليات ضم وفرز جديدة لألرايض بعد إلغاء التجمعات السكنية‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫إعادة تنظيم العالقة بني املالكني املقيمني‪.‬‬ ‫‪ 3-3‬الوضع الحايل يف منطقة "أليسار"‬ ‫إن أحدى مهام مخطط "أليسار" املعلنة هي إعادة إسكان املقيمني يف املنطقة املراد ترتيبها يف أماكن تناسب‬ ‫التوزيع الجديد للوظائف والنشاطات‪ ،‬مع تأمني متاجر ومحرتفات بدل التي ستهدم لتنفيذ هذا املخطط‪.‬‬ ‫ودراسة الوضع الحايل تكتسب أهميتها يف إطار إستخالص خصائص النسيج العمراين الحايل بهدف إيجاد الرشوط‬ ‫املناسبة للتكيف مع ظروف االنتقال إىل الوضع الجديد‪.‬‬


‫خريطة رقم ‪–1 :‬صورة جوية تبني حدود مرشوع "أليسار" بالنسبة لحدود بلديات الضاحية الجنوبية وبريوت‬


‫‪ 1-1-3-3‬خطوط املواصالت والتوزيع الجغرايف للوظائف‬ ‫الطريق الساحيل هو الرشيان الحيوي الذي يستوعب معظم حركة املواصالت بني بريوت وضاحيتها من جهة‬ ‫والجنوب من جهة ثانية‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬فأنه يستقطب عىل جانبيه معظم النشاطات التجارية والحرفية‪.‬‬ ‫تأيت يف درجة ثانية الخطوط املتفرعة عن الخط الساحيل‪ ،‬وهي ‪ :‬االوزاعي‪ ،‬الرمل العايل وحرش القتيل ‪ -‬جرس‬ ‫املطار ‪-‬السفارة الكويتية ‪ -‬جرس املطار‪ .‬كل هذه املتفرعات تستقطب حجامً غري محدد من النشاط الحريف‬ ‫والتجاري‪ ،‬ويف هذا اإلطار يبدو طريق األوزاعي ‪ -‬الرمل العايل هو األكرث حظاً يف إستقطاب املؤسسات التجارية‬ ‫والصناعية لوفرة األرايض القابلة لإلستيطان عىل جانبيه وقوة حركة السري عليه‪.‬‬ ‫وعىل صعيد املواصالت تشكل منطقة مرشوع "أليسار" حلقة وصل بني بريوت والجنوب‪ ،‬وبني الضاحية الجنوبية‬ ‫والجنوب‪ ،‬وبني الضاحية الجنوبية وبريوت‪ ،‬وكذلك هي حلقة وصل مع طريق دمشق الدويل‪.‬‬ ‫بني بريوت والجنوب تتم الصلة عرب الطريق الساحيل باتجاه الروشة من جهة‪ ،‬وبإتجاه السفارة الكويتية – الكوال‬ ‫من جهة ثانية‪.‬‬ ‫وبني الضاحية الجنوبية والجنوب يتم اإلتصال عرب طريق األوزاعي‪ -‬الرمل العايل واألوزاعي ‪ -‬السفارة الكويتية‬ ‫ جرس املطار‪.‬‬‫وبني الضاحية الجنوبية وبريوت املدينة‪ ،‬هناك خطان رئيسيان هام ‪ :‬طريق املطار – مستديرة شاتيال‪-‬الرببري‪،‬‬ ‫وطريق الغبريي ‪ -‬جرس املطار – السفارة الكويتية‪ -‬الكوال أو الطريق الساحيل‪.‬‬ ‫أما االتصال مع طريق دمشق الدويل‪ ،‬فتتم عرب طريق الكوال – السفارة الكويتية‪ -‬املرشفية‪ -‬الحازمية‪.‬‬ ‫أما عىل صعيد الطرقات الداخلية‪ ،‬فإننا نجدها ضيقة ملتوية وغري معبدة يف بعض األحيان‪ ،‬وقد تكون مرصوفة‬ ‫بالباطون أحياناً أخرى‪ ،‬عرض الطريق الرئييس منها يرتاوح بني ثالثة إىل أربعة أمتار عىل األكرث‪.‬‬ ‫‪ 2-1-3-3‬التصميم التوجيهي العام للمنطقة‬ ‫إستنادا ً للتصميم التوجيهي العام لضواحي مدينة بريوت الصادر عام ‪1964‬واملعدل عام ‪ ،) (1970‬فأن منطقة‬ ‫مرشوع "أليسار" تقسم إىل أربعة مناطق اساسية حسب نظام البناء لضواحي بريوت‪ ،‬إضافة لثالث مناطق أخرى‬ ‫واقعة ضمن بلدية بريوت نفسها وذلك عىل الشكل التايل ‪:‬‬ ‫ املنطقة ‪ ،1‬وتضم أحياء ‪ :‬الجناح‪ ،‬املدينة الرياضية ‪ ،‬صربا‪ ،‬شامل طريق الجناح حتى البحر يف الغبريي‪ ،‬إضافة‬‫ألحياء األوزاعي رشق الطريق الرئييس إمتدادا ً حتى الرمل العايل واملرامل‪.‬‬ ‫صورة رقم ‪ - 1 :‬الشارع الرئييس منطقة املرامل يف االوزاعي‬ ‫_______________________‬

‫‪" - 4‬قانون وأنطمة البناء يف لبنان"‪ ،‬التصميم التوجيهي العام لضواحي بريوت (جمع وتنسيق جورج سامحة وارشاف النقيب الياس النامر)‪ ،‬نقابة‬ ‫املهندسني يف لبنان‪ ،1995 ،‬ص ‪.395-413‬‬


‫جدول رقم ‪ - 1 :‬معطيات إحصائية حول السكن والسكان يف "أليسار"‬

‫املصدر ‪ :‬دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – ‪.2004‬‬

‫*مناطق تقع ضمن حدود بلدية الغبريي‪.‬‬

‫ املعطيات اإلحصائية الحالية يف منطقة مرشوع “أليسار” ‪:‬‬‫ متوسط السكن يف املنطقة ‪ ٪ 60,5 :‬من السكان سكنوا ما قبل عام ‪.1987‬‬‫ متوسط عدد الغرف ‪ ٪ 63,5 :‬من السكان يعيشون يف غرفة وغرفتني‪.‬‬‫ متوسط مساحة املسكن ‪ 90 :‬م‪ 2‬يف كل منطقة املرشوع‪.‬‬‫‪ 1-3-3‬ملحة عن النسيج العمراين الحايل‬ ‫يتألف النسيج اإلقتصادي‪-‬اإلجتامعي من وظائف السكن والتجارة والصناعات الخفيفة واملطاعم الصغرية واألفران‪ ،‬هذه‬ ‫الوظائف تتداخل جغرافياً بشكل عام‪ ،‬مع طغيان وظيفة السكن بعيدا ً عن الطرق الرئيسية لترتك املكان عىل طول‬ ‫املحاور لبقية النشاطات مثل التجارة والصناعات الخفيفة والخدمات األخرى‪ .‬أما عىل جوانب الطرقات الداخلية املتعرجة‬ ‫والتي رسمها التمدد العمراين غري املنظم‪ ،‬فيمكن أن تختلط وظيفة السكن مع النشاطات األخرى‪ ،‬مع مالحظة كثافة‬ ‫الثانية عند األقرتاب من أماكن السري القوية‪.‬‬ ‫يف طبيعة الوظائف مع توزيعها الجغرايف املتعلق بخطوط املواصالت وبعالقة املنطقة مبحيطها‪ ،‬كلها عوامل لها التاثري‬ ‫املبارش عىل تشكيل النسيج اإلجتامعي‪-‬اإلقتصادي والعمراين للمنطقة‪ ،‬وعرب سرب تطوره‪.‬‬


‫عامل اإلستثامر األقىص ‪ 1,4‬ومعدل اإلستثامر السطحي األقىص ‪ ، ٪ 40‬بحيث يسمح بارتفاع قدره خمسة طوابق‪.‬‬ ‫ املنطقة‪ ،5‬تقع ضمن نطاق بلدية بريوت وتتبع احياء صربا (أرض جلول)‪ ،‬معدل اإلستثامر السطحي فيها ‪٪ 50‬‬‫والعام ‪ .3,5‬وهي مخصصة للسكن والتجارة‪.‬‬ ‫املنطقة ‪ ،6‬وهي منطقة املقابر واملعروفة مبقربة الشهداء (الفرنسيني)‪.‬‬‫ املنطقة ‪ ،7‬وتشكل اإلمتداد الطبيعي لغرب أتوسرتاد طريق املطار‪ ،‬مخصصة للسكن والتجارة ايضاً‪ ،‬معدل‬‫اإلستثامر العام فيها ‪.0,75‬‬ ‫وأخريا ً هناك منطقة واسعة‪ ،‬قد خصصت لتوسيع حرم املطار ال يسمح فيها بالبناء‪.‬‬ ‫إن هذا يعني‪ ،‬فيام لو طبق حينها إنه كان بإمكان منطقة مرشوع "اليسار" أن تستوعب نحو ‪ 240-250‬ألف‬ ‫نسمة عىل األكرث‪ ،‬موزعني عىل مناطق مفرزة ومرتبة ومنظمة‪ .‬إال أن أعدادا ً مشابهة قد توزعت بطريقة عشوائية‬ ‫عىل املناطق التي سيعاد ترتيبها فيام توزع عدد مامثل آخر عىل املناطق التي استثنيت من عملية إعادة الرتتيب ‪.‬‬ ‫ومع أن هذا املخطط التوجيهي مل يطبق‪ ،‬فأن الحركة التجارية الرئيسية متحورت تلقائياً عىل خطوط املواصالت‪،‬‬ ‫أما التجارة القامئة عىل التوزيع الخفيف لألغذية فأننا نراها منترشة داخل األحياء‪ .‬وتبدو حركة التجارة كثيفة عىل‬ ‫األوتوسرتاد الساحيل من األوزاعي حتى الجناح وكذلك عىل طريق األوزاعي الرمل العايل‪.‬‬ ‫أما الصناعات الخفيفة‪ ،‬فهي موزعة أما عىل طول طرقات األحياء الداخلية السهلة الوصول فضالً عن جوانب‬ ‫الطرقات الرئيسية‪.‬‬ ‫بالنسبة لقطاع الخدمات‪ ،‬فأنه يقترص عىل وجود عدد من الدوائر الرسمية واملستشفيات واملراكز الصحية‪ ،‬إذ ال‬ ‫وجود لخدمات سياحية باملعنى الواسع للسياحة‪ ،‬وال خدمات إجتامعية‪ ،‬وقد نستطيع أن ندرج يف قطاع الخدمات‬ ‫املطاعم التي تقدم املعجنات‪ ،‬وهي منترشة عىل طول الطريق الساحيل يف منطقة األوزاعي والجناح‪ ،‬إمنا تبقى‬ ‫هذه الخدمات ذات مستوى متدن‪ ،‬وهي موجهة للعابرين‪ ،‬وليست مقصودة من خارج املنطقة‪.‬‬ ‫‪ 2-3-3‬مواصفات السكن‬ ‫ترمي عملية إعادة اإلسكان إىل إنشاء ‪ 10120‬مسكناً‪ ،‬مبا يتسع لحوايل ‪ 58‬ألف نسمة( )‪ ،‬مع متوسط حجم األرسة‬ ‫يساوي ‪ ،5,7‬أي ما يقارب ‪ ٪ 54,4‬من مجموع الناس املعنيني (اللبنانيني) املوجودين يف منطقة املرشوع (يقدر‬ ‫عدد السكان اإلجاميل بنحو ‪ 130‬ألف نسمة‪ ،‬ستطال عملية إعادة الرتتيب اللبنانيني منهم فقط (‪ ،)82٪‬لكن لن‬ ‫تكون لكل الباقيني مساكن داخل منطقة‬ ‫_______________________‬

‫‪ - 6‬دراسة الجدوى اإلقتصادية ملرشوع "أليسار"‪ ،‬املركز اإلستشاري للدراسات والتوثيق‪ ،‬تقرير غري منشور‪ ،‬آب ‪ ،1997‬ص ‪.33‬‬


‫املصدر ‪ :‬الباحث عام ‪.2014‬‬

‫هذه املناطق مخصصة يف األساس للسكن والتجارة‪ ،‬معدل اإلستثامر السطحي فيها ‪( 30-40٪‬النسبة بني مساحة املسقط‬ ‫األفقي للبناء ومساحة العقار) وعامل اإلستثامر العام ‪( 1,4–0,9‬النسبة بني مساحة البناء عن كامل طوابقه املحسوبة يف‬ ‫اإلستثامر ومساحة العقار)‪ ،‬بحيث يسمح بإرتفاع أقىص وقدره ‪ 5-6‬طوابق( )‪.‬‬ ‫ املنطقة ‪ ،2‬وتشمل احياء ‪ :‬صربا شامل املخيم‪ ،‬إضافة لرشيط صغري جنوب طريق الجناح يف الغبريي‪ ،‬معدل اإلستثامر‬‫السطحي فيها ‪ ٪ 50‬وعامل اإلستثامر العام يساوي ‪ .1,65‬ويسمح فيها بإرتفاع قدره أربعة طوابق‪ .‬وقد حدد التصميم‬ ‫التوجيهي أن الواجهات الخارجية يف كال املنطقتني (‪ 1‬و‪ )2‬يجب أن تشاد بالحجر الطبيعي بنسبة ال تقل عن ‪ ٪ 60‬من‬ ‫مساحتها اإلجاملية‪.‬‬ ‫ املنطقة ‪ ،3‬مخصصة للمطاعم‪ ،‬والحاممات البحرية‪ ،‬واملؤسسات السياحية والفندقية والشاليهات والسكن الخاص‪ .‬وهي‬‫متتد عىل طول الشاطئ حتى حدود توسيع املطار‪ .‬معدل اإلستثامر السطحي فيها ‪ ٪ 20‬وعامل اإلستثامر العام ‪.0.4‬‬ ‫ املنطقة ‪ ،4‬وتقسم بدورها إىل ثالثة أجزاء‪ ،‬وتشمل بشكل أسايس أحياء ‪ :‬برئ حسن‪ ،‬حرش القتيل‪ ،‬الجناح‪-‬األوزاعي‬‫جنوب الجناح يف الغبريي‪.‬‬ ‫ويف هذه املنطقة يحرم البناء من أي نوع كان يف القسم الجنويب من حرش القتيل وجنوب مخيم صربا‪ ،‬ويصنف ليبقى‬ ‫منطقة حرجية فقط‪ .‬كام يخصص للمنفعة العامة بأعتبارها أمالكاً للدولة كل من ثكنة املضاد وملعب الغولف‪ ،‬أما باقي‬ ‫اجزاء املنطقة فأنها مخصصة للبناء رشط أن ترتب وتستثمر من قبل رشكة عقارية‪ .‬أو بواسطة الضم والفرز‪ ،‬وذلك عىل‬ ‫ضوء مخطط حجمي تضعه املديرية العامة للتنظيم املدين‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ - 5‬نفس املصدر‪.‬‬


‫بأن ثلثي املساكن عىل مستوى املنطقة كلها مؤلف من غرفتني أو ثالث غرف‪ ،‬أما الباقي فهو موزع بالتساوي‬ ‫تقريباً عىل مساكن مؤلفة من غرفة واحدة أو أكرث من ثالث غرف‪ .‬ما يعني أن العائالت الكبرية تسكن يف عدد‬ ‫محدد من الغرف‪ ،‬وذلك مقارنة مع املتوسط املوجود يف لبنان‪ ،‬والذي يشري إىل أن نصف املساكن مؤلفة من ثالث‬ ‫وأربع غرف‪.‬‬ ‫عىل صعيد كل حي مبفرده‪ ،‬نجد أن متوسط عدد الغرف يف املسكن يظل يقرتب املتوسط العام يف األحياء ما عدا‬ ‫يف املرامل‪ ،‬حيث نجد نسبة املساكن املؤلفة من غرفتني وثالث غرف تقارب الـ ‪ ،٪ 40‬بينام تلك املؤلفة من أكرث‬ ‫من ثالث غرف تقارب الـ ‪ .٪ 60‬وهذا قد يعود إىل حداثة اإلستيطان يف هذا الحي الذي ظل محمياً حتى أواخر‬ ‫الثامنينات‪.‬‬ ‫كثافة السكن داخل املسكن‬ ‫يبلغ متوسط عدد األفراد املقيمني يف الغرفة الواحدة حوايل الشخصني‪ ،‬ويصل يف بعض األحيان إىل ثالثة‪ ،‬وهي‬ ‫نسبة تعترب عالية باملقاييس اإلجتامعية‪.‬‬ ‫رسم بياين رقم ‪ - 23 :‬توزيع مساكن منطقة "أليسار" حسب عدد الغرف‬

‫الجداول االحصائية ملسح املعطيات االحصائية للسكان واملساكن ‪ 1994-1996-‬وزارة الشؤؤون اإلجتامعية بالتعاون مع صندوق األمم املتحدة للسكان‬ ‫(جدول رقم ‪ ،3-3‬ص‪ / )73‬دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – ‪ .2004‬ص ‪.17:‬‬


‫مرشوع "أليسار" إذ أن قسامً منهم سيتم إخالؤه بهدف إقامة األوتوسرتادات‪ ،‬والذين يعيشون يف مساكنهم التي‬ ‫بنوها بأنفسهم عىل مراحل من اإلسمنت وحجر الباطون غري املكسو وغري املدهون أحياناً‪.‬‬ ‫‪ 1-2-3-3‬االحياء والشكل املعامري للمسكن‬ ‫األحياء الداخلية كسائر البناء يف تلك املناطق مل تقم بفعل تخطيط أو تنظيم مدروس‪ ،‬ولذلك جاءت صورتها‬ ‫بالغالب عبارة عن أزقة تضيق وتتسع وتتعرج وسط إزدحام املنازل وضيق املداخل واملسالك‪ .‬ومنازل هذه األحياء‬ ‫متتاز بقربها من بعضها البعض وتكون احياناً كثرية متالصقة متاماً‪ ،‬غري أن كل وحدة سكنية (املنزل الواحد) متتاز‬ ‫بإستقالليتها عن الوحدة األخرى‪ ،‬فالبيت الواحد له حدوده ومساحته املعروفة واستقالليته لجهة املصارف‬ ‫الصحية والتمديدات املائية والكهربائية وغريها‪ .‬عىل خالف ما هي عليه الحال يف األبنية والعامرات التي تزداد‬ ‫فيه القواسم والخدمات املشرتكة بني املساكن (املصعد‪ ،‬الكهرباء‪ ،‬املاء‪)...‬‬ ‫‪ 2-2-3-3‬مواصفات املساكن‬ ‫يفيد املسح الخاص بتوزيع املساكن تبعاً لعدد الغرف (باملئة)‪ ،‬وذلك حسب الجدول رقم ‪ )40( :‬والرسم البياين‬ ‫رقم ‪ )23( :‬التاليني ‪:‬‬ ‫جدول رقم ‪ - 2 :‬عدد الغرف يف مساكن منطقة "أليسار"‬

‫الجداول االحصائية ملسح املعطيات االحصائية للسكان واملساكن ‪ 1994-1996-‬وزارة الشؤؤون اإلجتامعية بالتعاون مع صندوق األمم املتحدة للسكان‬ ‫(جدول رقم ‪ ،3-3‬ص‪ / )73‬دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – ‪ .2004‬ص ‪.17:‬‬ ‫*مناطق تقع ضمن حدود بلدية الغبريي‪.‬‬


‫‪ 3-3-3‬البنية اإلقتصادية‬ ‫إن ما مييز النشاط اإلقتصادي ملنطقة مرشوع "أليسار" الراهن‪ ،‬هو توجهه إىل زبائن الطبقة الوسطى وما دون ‪:‬‬ ‫فمتاجر املفروشات يف األوزاعي مقصودة بسبب أسعارها املتدنية نسبياً من خارج املنطقة‪ ،‬إذ أن اإلنشاءات غري‬ ‫الرشعية وفرت عىل مؤسسات املنطقة عبء الكلفة العقارية مام سمح للتاجر بالبيع بأسعار منافسة‪ ،‬إال أن عدم‬ ‫رشعية اإلنشاءات كان له تأثري سلبي عىل إستقطاب الرشكات الكبرية‪ ،‬مام حرم املنطقة من هذه الرشكات رغم‬ ‫أهمية املوقع املغري يف الحاالت العادية‪.‬‬ ‫أما التأثري الخاص للموقع‪ ،‬فقد كان يف تركيز املتاجر والصناعات الخفيفة عىل مدخل بريوت الجنويب‪ ،‬البعض منها‬ ‫يعني املارة عرب هذا املدخل والبعض اآلخر قصده الزبائن من مناطق مختلفة‪.‬‬ ‫بشكل عام هناك عنرصان حيويان إستفادت منهام الحركة اإلقتصادية الحالية يف منطقة مرشوع "اليسار" ‪ :‬املوقع‬ ‫عىل املدخل الجنويب لبريوت‪ ،‬واألسعار املنافسة يف مجال التجارة والصناعات الخفيفة‪.‬‬ ‫‪ 1-3-3-3‬أنواع النشاطات اإلقتصادية‬ ‫ميكن تقسيم هذه النشاطات إىل ثالثة أقسام تقليدية ‪ :‬تجارة‪ ،‬صناعة‪ ،‬وخدمات‪.‬‬ ‫أ ‪ -‬التجارة‬ ‫إن أكرث من ‪ 70٪‬من النشاط التجاري يقوم عىل األنواع التالية ‪ :‬تجارة املواد الغذائية‪ ،‬الحلويات‪ ،‬األفران‪ ،‬األدوات‬ ‫املنزلية‪ ،‬املفروشات‪ ،‬مفروشات األطفال‪ ،‬ومواد البناء وقطع السيارات‪ .‬أما باقي النشاطات التجارية فموزعة عىل‬ ‫الشكل التايل‪ :‬تجارة عامة‪ ،‬ألبسة وأحذية‪ ،‬سجاد وموكيت‪ ،‬برادي وديكور‪ ،‬وتجهيزات مكتبية‪.‬‬ ‫األنواع الثالثة األوىل (تجارة املواد الغذائية‪ ،‬والحلويات واألفران) تتعلق بشكل رئييس بحركة السري عىل طريق‬ ‫األوزاعي‪ ،‬وهي تشكل ربع الحركة التجارية تقريباً‪ .‬أما تجارة األدوات املنزلية‪ ،‬املفروشات‪ ،‬مفروشاتاألطفال ومواد‬ ‫البناء‪ ،‬فأنها قد أكتسبت هوية خاصة بها عىل مر السنني وزبائنها يقصدونها من الضاحية الجنوبية وبريوت‪.‬‬ ‫تجدر األشارة إىل أن تجارة املفروشات اصبحت ذات شهرة عىل الصعيد الوطني‪ ،‬وبعض الناس يقصدون معارض‬ ‫األوزاعي من البقاع والجنوب‪ ،‬وقد شهد عددها تطورا ً مستمرا ً‪ ،‬إذ إرتفع من حوايل االربعني مؤسسة سنة ‪،1982‬‬ ‫إىل ما يفوق الستني عام ‪.( ) 2005‬ومقارنة مع بريوت املدينة‪ ،‬يعترب مستوى البضاعة املعروضة من املستوى‬ ‫الوسط وما دون‪ ،‬وهذا األمر ينطبق عىل تجارة األدوات املنزلية أيضاً‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لتجارة مواد البناء‪ ،‬فأنها قد استقرت يف هذه املنطقة لتوفر املساحات الكبرية نسبياً التي يحتاجها‬ ‫هذا النوع من التجارة‪.‬‬ ‫_______________________‬

‫‪1-Clerc-Huybrechts, Valérie – Les quartiers irréguliers de Beyrouth, IFPO, Beyrouth, 2008.p. 124.‬‬


‫عدد الطوابق وعدد املساكن يف املبنى‬ ‫ منها ال يتجاوز إرتفاعها طابقني (العدد‬٪ 82,87 ‫ إذ أن نسبة‬،‫يغلب عىل منطقة املرشوع اإلنتشار األفقي للمساكن‬ ‫) والرسم‬41( : ‫ وذلك كام يظهر يف الجدول رقم‬،) (‫ وحدة سكنية‬19411 ‫ بنا ًء تضم‬7208 ‫اإلجاميل لألبنية يصل إىل‬

:‫) التاليني‬24( : ‫البياين رقم‬

"‫ متوسط عدد الطوابق يف منطقة "أليسار‬- 3 :‫جدول رقم‬

Source : Planning and Development of Beirut South-Western Suburbs, survey report, ExecutiveSunnary, Dar AlHandassah, Beirut, Feb 1996.

."‫متوسط عدد الطوابق يف منطقة "أليسار‬1- : ‫رسم بياين رقم‬

Source : Planning and Development of Beirut South-Western Suburbs, survey report, ExecutiveSunnary, Dar Al Handassah, Beirut, Feb 1996.

__________________ 1-Planning and Development of Beirut South-Western Suburbs, survey report, Executive Sunnary, Dar Al Handassah, Beirut, Feb 1996, P:8.


‫د ‪ -‬متفرقات‬ ‫نجد يف هذا النوع بعض التجارات أو الصناعات القليلة التي ال تتفق والتصنيف السابق‪ ،‬ومنها ‪ :‬مكتبات‪،‬‬ ‫عطورات‪ ،‬مجوهرات‪ ،‬هدايا وأزهار‪.‬‬ ‫‪ 2-3-3-3‬أهمية النشاطات اإلقتصادية‬ ‫يقدر العدد اإلجاميل للمنشآت اإلقتصادية التي ستطالها عملية إعادة الرتتيب يف "أليسار"بنحو ‪ 3610‬وحدات‬ ‫تتوزع بني تجارة وخدمات وصناعات خفيفة ومحرتفات وبنسبة ‪ )1856( ٪ 51,4‬لألوىل و‪ 1754( ٪ 48,6‬وحدة)‬ ‫للثانية( )‪ .‬يذكر أن العدد الكيل للمنشآت يف منطقة "أليسار" يقدر بنحو ‪ 4749‬منشأة بني محالت تجارية‬ ‫(‪ )1910‬ومحرتفات (‪ )2408‬وخدمات (‪.) ()431‬‬ ‫وفيام ييل يظهر الرسم البياين رقم ‪ 25 :‬توزيع النشاطات اإلقتصادية يف منطقة مرشوع "أليسار" حسب عدد‬ ‫املؤسسات فيها ‪:‬‬ ‫تستوعب التجارة حوايل الـ‪ ٪ 40‬من اليد العاملة من أبناء املنطقة‪ ،‬وتستوعب الصناعات الخفيفة واملخازن‬ ‫واملعارض نحو ‪ 22٪‬ليبقى يف اإلدارات الحكومية ‪ ٪ 9‬ويف البناء ‪ ،٪ 6‬والنسبة املتبقية يف نشاطات أخرى غري‬ ‫محددة‪.‬‬ ‫رسم بياين رقم ‪- 2 :‬توزيع النشاطات اإلقتصادية يف منطقة "أليسار"‬

‫_______________________‬

‫‪ - 9‬دراسة الجدوى اإلقتصادية ملرشوع "أليسار" ‪ -‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.100 :‬‬ ‫‪ - 10‬تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.11 :‬‬


‫ب ‪ -‬الصناعة‬ ‫يف هذا النوع نجد صناعة القازانات‪ ،‬أشغال حديدية‪ ،‬أملنيوم‪ ،‬زجاج‪ ،‬ألبسة‪ ،‬أحذية‪ ،‬أدوات كهربائية‪ ،‬تدفئة‬ ‫وتربيد‪ ،‬تجهيز مطاعم وفنادق‪ ،‬لوازم قطع كهربائية‪ ،‬خدمات صناعية‪ ،‬مشتقات برتولية ومحطات بنزين‪ ،‬محالت‬ ‫تصليح السيارات‪ ،‬دواليب‪ ،‬ونيون آرمات‪.‬‬ ‫أما باقي النشاطات‪ ،‬فأنها تخدم منطقة واسعة من بريوت‪ ،‬وضاحيتها الجنوبية‪ ،‬ال سيام صناعة األلبسة واألحذية‬ ‫وقطع غيار السيارات وصناعات األملنيوم وتجهيزات املطاعم والفنادق‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الخدمات‬ ‫منطقة مرشوع "أليسار" فقرية جدا ً بالخدمات‪ ،‬إذ يوجد فرع بنك واحد‪ .‬كذلك قليلة جدا ً هي رشكات السفر‬ ‫ومكاتب املحامني وغريها‪ .‬أما بالنسبة ملحالت تصليح الدواليب ومحطات الوقود‪ ،‬فأن وجودها ونوع الخدمات‬ ‫التي تقدمها عىل عالقة بحركة املرور املرتبطة باملدخل الجنويب تحديدا ً‪.‬‬ ‫وعىل طول الشاطئ الذي يصل إىل نحو ‪ 5,2‬كلم تتمركز بعض املؤسسات مثل "السمرالند" والكورال بيتش"‬ ‫و"الكوت دازور" عىل مساحة تقدر بنحو ‪ ٪ 10,5‬من مساحته االجاملية‪.‬‬ ‫صورة رقم ‪ - 3 :‬منتجع السمرالند يف الجناح‬ ‫املصدر ‪ :‬الباحث عام ‪.2014‬‬


‫وهذا الواقع يشري يف الحقيقة إىل مدى الضعف الذي تعاين منه هذه املؤسسات عىل املستوى املايل والقانوين‬ ‫واإلداري‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬اإلجتامعي‪ ،‬إذ أن إزدهارها مرتبط إرتباطاً وثيقاً بصاحبها الذي رمبا سيواجه تحديات كبرية يف‬ ‫اإلنتقال من بيئة إجتامعية إىل أخرى‪ ،‬وكذلك يف اإلنتقال من رشوط منافسة مالمئة تأقلم معها عىل مدى سنوات‬ ‫عديدة إىل محيط إقتصادي مختلف كلياً‪.‬‬ ‫‪ 4-3‬الوضع املستقبيل يف إطار مخطط "أليسار"‬ ‫‪ 1-4-3‬أهداف املرشوع ودوافعه‬ ‫إن إعادة ترتيب منطقة مرشوع "أليسار" يأيت يف إطار خطة شاملة من أهم أهدافها األساسية املعلنة هي التالية( )‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬تحسني رشوط السكن من خالل اإلزالة التدريجية للسكن غري الرشعي‪ ،‬وبناء منازل لذوي الدخل املحدود‪.‬‬ ‫ب‪ -‬دمج منطقة مرشوع "أليسار" يف مخطط بريوت الكربى‪ ،‬عرب تحرير الشواطئ الرملية يف الجناح وتخصيصها‬ ‫لنشاطات الرتفيه والسياحة‪ ،‬وعرب توسيع وتحسني شبكة الطرق الرئيسية‪ ،‬وذلك بعد تحديد استعامالت األرض‬ ‫املسموحة‪.‬‬ ‫ج‪ -‬تحسني الرشوط البيئية من خالل تنفيذ مشاريع البنى التحتية‪.‬‬ ‫د‪-‬إستثامر أفضل للتنمية من خالل تغيري استخدامات األرايض‪.‬‬ ‫هـ‪ -‬إيجاد إطار قابل للتطبيق قانونياً ومرحلياً ومالياً‪.‬‬ ‫وال يخفى أن هذه األهداف فرضها الواقع الجغرايف ملنطقة "أليسار" بإعتبارها جزءا ً متمامً وهاماً من بريوت‬ ‫الكربى‪ ،‬نظرا ً ملوقعها املميز‪ ،‬مام يجعلها عىل عالقة مبعظم مخططات الطرق الرئيسية ومشاريع التطوير األخرى‬ ‫الجاري تنفيذها أو دراستها ضمن بريوت الكربى‪ ،‬األمر الذي يجعل املنطقة يف ظل املخطط التوجيهي العام‬ ‫الجديد عرضة لتغييريات أساسية‪ ،‬سواء لناحية مستوى ونوعية النشاط اإلقتصادي فيها‪ ،‬أو لجهة عدد السكان‬ ‫وتوزعهم الطبقي‪.‬‬ ‫فبريوت الكربى تشهد أو شهدت تنفيذ ودراسة عدد كبري من املشاريع واإلستثامرات الضخمة ‪ ،‬أبرزها ما ييل ‪:‬‬ ‫ املشاريع العقارية مثل مرشوع "سوليدير" يف الوسط التجاري‪ ،‬ومرشوع "لينور" لساحل املنت الشاميل‪.‬‬‫ أتوسرتاد خلدة‪-‬الكوكودي‪ ،‬األوتوسرتاد الدائري‪ ،‬أتوسرتاد األوزاعي‪-‬االنيسكو‪ ،‬األتوسرتاد البحري‪ ،‬وصلة الحازمية‪-‬‬‫املطار‪ ،‬أتوسرتاد شاتيال‪-‬الكفاءات‪-‬الشويفات‪ ،‬أتوسرتاد الحدث‪-‬طريق املطار‪ ،‬األتوسرتاد العريب‪ ،‬طريق الحدث‪-‬حي‬ ‫السلم‪-‬الكوكودي‪.‬‬ ‫ مرشوع تطوير مرافق النقل البحري والجوي (مرفأ ومطار بريوت واملنطقة والسوق الحرة فيه)‪.‬‬‫ مشاريع املراكز التجارية قرب املدينة الرياضية‪ ،‬يف شارع عدنان الحكيم ومركز بريوت التجاري‪.‬‬‫_______________________‬

‫‪ - 13‬دراسة الجدوى اإلقتصادية ملرشوع "أليسار" ‪ -‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.16 :‬‬


‫املصدر ‪ :‬دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – ‪ .2004‬ص ‪.28:‬‬

‫عىل صعيد ملكية املؤسسات‪ ،‬نجد إن الطابع الفردي‪-‬العائيل يغلب عىل الجزء األكرب‪ ،‬منها (‪ )72٪‬يعمل فيها األب‬ ‫وبقية أفراد أرسته‪ ،‬وهو ما يتضح من خالل الرسم البياين التايل رقم ‪. 26 :‬‬ ‫رسم بياين رقم ‪ - 3 :‬ملكية املؤسسات يف منطقة "أليسار"‬

‫املصدر ‪ :‬دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – ‪ .2004‬ص ‪.30:‬‬

‫وبحسب مسح دار الهندسة فأن ‪ 82٪‬من هذه املؤسسات ال متلك فروعاً خارج املنطقة‪ .‬كام أن ‪ 69٪‬من أصحاب‬ ‫هذه املنشآت يقيم داخل املنطقة وأن ‪ ٪ 54,3‬من موظفيها وعاملها هم من أبناء املنطقة( )‪ .‬أما دخلها الشهري‬ ‫فأنه يتعدى األلف دوالر أمرييك يف ‪ ٪ 36‬من إجاميل املؤسسات‪ ،‬بينام يتخطى العرشة آالف دوالر يف ‪ ٪ 13‬منها‪.‬‬ ‫‪ ٪ 35‬من هذه املؤسسات قامئة عىل عمل أصحابها‪ ،‬إذ ال عامل لديها‪ ٪ 50,5 ،‬يرتاوح عدد عاملها بني واحد‬ ‫وخمسة يفيد املسح الصناعي للمؤسسات الصغرية التي قامت به وزارة الصناعة والنفط إن ‪ ٪ 68‬من هذه‬ ‫املؤسسات تستخدم أقل من ‪ 5‬اجراء‪ ،‬وحوايل ‪ ٪ 15‬تستخدم ما بني ‪ 5-9‬عامل‪ ،‬و‪ ٪ 7,1‬تستوعب بني ‪ 5-10‬عامل‪،‬‬ ‫أما املؤسسات الباقية (‪ )5٪‬فتستخدم أكرث من عرشة عامل( )‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ - 11‬تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.21:‬‬ ‫‪ - 12‬نتائج املرحلة الثانية من املسح الصناعي‪ ،‬السفري ‪.22/12/1995‬‬


‫جدول رقم ‪ - 4 :‬الوظائف واملساحات املخصصة لها يف "أليسار"‬

‫املصدر ‪ :‬مؤسسة أليسار ‪ -‬دراسة الجدوى اإلقتصادية‪ ،‬املركز اإلستشاري للدراسات والتوثيق‪.1996 ،‬‬

‫‪ 2-2-4-3‬خطوط املواصالت الرئيسية والتوزيع الجغرايف للوظائف‬ ‫بخالف وظيفة السكن التي متتد عىل منطقة مرشوع "أليسار"‪ ،‬فأن بقية النشاطات توزعت عىل محاور استقطاب‬ ‫ثالثة تتجه من الجنوب إىل الشامل تتمثل يف أتوسرتادات ‪ :‬الكوكودي‪ ،‬طريق املطار‪ ،‬والطريق الساحيل‪ .‬بحيث أن‬ ‫كل محور يتميز بنوع النشاطات مستقل ومختلف عن اآلخر‪ ،‬هذا الفصل يف استقطاب النشاطات يؤمن سهولة‬ ‫املواصالت‪ ،‬إضافة إىل طريق رئييس آخر سيقام فوق الردم غرب الطريق الساحيل بهدف إنشاء مناطق تجارة‬ ‫وترفيه جديدة ومستحدثة‪ ،‬بحيث يخدم املجمعات التجارية والسكنية والسياحية‪ ،‬ويؤمن التنقل الرسيع بني‬ ‫املناطق والوسط التجاري مرورا ً بساحل بريوت‪.‬‬ ‫طريق الكوكودي‪-‬الكوال سيكون املدخل الرسيع إىل وسط بريوت ويخدم يف نفس الوقت املدينة الرياضية‬ ‫واملجمعات التجارية لقربها منها‪.‬‬ ‫أما طريق املطار‪ ،‬فسيكون منطقة تجمع املكاتب‪ ،‬فقد ُصنف محيطه بـ "سكن ومكاتب"‪.‬‬ ‫أما طريق األوزاعي نفسه فسيتم تعزيزه وتوسيعه لعرض ‪ 60‬مرتا ً ليستوعب قسامً مهام من حركة السري القادمة‬ ‫من الجنوب‪ ،‬وبوضعه املستقبيل سيصبح واحدا ً من أهم الرشايني الرئيسية التي تشكل مدخالً اضافياً للعاصمة‪،‬‬ ‫خاصة أنه يتصل عند نهايته بأتوسرتاد مدخل الجناح‪-‬االونيسكو( )‪.‬‬ ‫_______________________‬

‫‪ - 16‬املخطط التوجيهي ملنطقة "أليسار" ‪ -‬مجلس اإلمناء واألعامر‪.1994،‬‬


‫ مرشوع قرص املؤمترات‬‫ مجمع املستشفى الحكومي‬‫ مجمع املعاهد التقنية يف برئ حسن‪.‬‬‫يذكر أن هذه املرشوعات اإلستثامرية تتزامن مع مرشوعات عامة تطال يف املستوى األول الضواحي الجنوبية‬ ‫والرشقية‪ ،‬لرفع مستوى الخدمات عرب تطوير وتأهيل البنى التحتية من كهرباء وإتصاالت ومجاري ومياه وطرق‬ ‫فرعية‪ ،‬وذلك من ضمن مرشوع إعامري وضخم( )‪.‬‬ ‫من هنا يتضح الدور الحاسم ملوقع منطقة "أليسار" الجغرايف يف نجاح العديد من املرشوعات املذكورة‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫أخرى‪ ،‬فأن املضاعفات السلبية املحتملة التي قد ترتتب من جراء بقاء الضواحي املحيطة مبدينة بريوت ‪ -‬ومنها‬ ‫منطقة "أليسار" – غارقة يف مستنقعات البؤس والفوىض‪ ،‬يف وقت تشهد فيه املدينة تطورا ً كمياً ونوعياً كبريا ً‬ ‫فرض توسيع مظلة اإلعامر لتطال البنى التحتية يف تلك الضواحي‪ .‬خاصة وأن بقاء أحزمة البؤس والفوىض عىل‬ ‫حالها ميكن أن يشكل تهديدا ً ضمنياً‪ ،‬ليس عىل اإلستثامرات فحسب وإمنا عىل مسار تطور املدينة برمته‪.‬‬ ‫‪ 2-4-3‬التحوالت اإلقتصادية والسكنية املرتقبة‬ ‫يركز مرشوع "أليسار" عىل الدور الطبيعي ملنطقة الضاحية الجنوبية الغربية من حيث مميزات موقعها‪ .‬إنه دور‬ ‫التجارة والخدمات ‪" :‬فعىل مشارف بريوت وعند املدخل الجنويب للعاصمة وعىل الطريق الرئييس نحو وسط‬ ‫بريوت التجاري‪ ،‬ال ميلك مرشوع "اليسار" إال أن يكون إنعكاساً ملرشوع "سوليدير"‪ ،‬إال أن الظروف املحيطة مبرشوع‬ ‫"أليسار" فرضت عليه ضغوطاً مختلفة وأملت عليه رشوط تخطيط ميزته عن "سوليدير" بطريقة تعاطيه مع‬ ‫الواقع الحايل" ( )‪.‬‬ ‫‪ 1-2-4-3‬الوظائف‬ ‫الوظائف املسموح بها هي ‪ :‬سكن‪ ،‬تجارة‪ ،‬خدمات‪ ،‬صناعات خفيفة‪ ،‬ومراكز رياضية‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ - 14‬دراسة مجلس األمناء واألعامر املقدمة إىل مؤمتر "إعادة إعامر لبنان والتحوالت اإلقليمية املرتقبة"‪ ،‬نرشته صحيفة النهار‪ ،‬بتاريخ ‪.16/10/1994 :‬‬ ‫‪" - 15‬اليسار" ‪ :‬الواقع والتحوالت‪ ،‬املركز االستشاري للدراسات والتوثيق‪ ،‬ترشين الثاين ‪ ،1998‬ص ‪.76 :‬‬


‫كبري الحجم الذي ينتمي وظيفياً إىل إقتصاد بريوت املرتكز عىل الوسط التجاري فيه‪ ،‬وعىل مركزة األموال‬ ‫واإلستثامرات يف إتجاه واحد هو قطاع الخدمات عىل حساب بقية النشاطات اإلقتصادية( )‪.‬‬ ‫يف ظل هذه األجواء اإلقتصادية هل سينجح مرشوع تجميع املتاجر أم أنهه سيالقي نفس املصري الذي القته من‬ ‫قبل مجمعات أسواق الروشة التجارية يف برئ حسن ؟ أم هل من األفضل ألصحاب هذه املتاجر أن يتقاضوا بدالً‬ ‫مادياً عن مؤسساتهم الحالية ميكنهم من إيجاد مناطق أخرى مناسبة عوضاً عن املخاطرة بتكديس كل األنشطة يف‬ ‫مجمعات تجارية قد ال تالقي النجاح املطلوب؟‬ ‫‪ 3-5-3‬عىل صعيد الوضع اإلجتامعي‬ ‫بني املايض واملستقبل تغيري جذري قد يصيب النسيج اإلجتامعي‪ ،‬إنه تغيري ال بد منه يفرض دراسة املرحلة‬ ‫اإلنتقالية بدقة‪ ،‬ألن نجاحها رشط من رشوط نجاح املرشوع‪.‬‬ ‫إن اآلثار اإلجتامعية املرتقبة بعد تنفيذ املرشوع ‪ ،‬يتعلق بشكل أسايس عىل مستوى العالقات التي ستتأىت من‬ ‫حرش السكان يف مجمعات ضخمة كتلك التي متثلها املجمعات املخططة‪ ،‬حيث تختلف ظروف العالقة القامئة عن‬ ‫تلك املنتظرة‪.‬هل كان فعالً من الرضوري حرش السكان يف مجمعات ضخمة مستقلة وهل فعالً من الرضوري‬ ‫تقليص املساحة الخصصة للسكان إىل أقىص حد لتحقيق الجدوى اإلقتصادية من املرشوع؟‬ ‫وللتخفيف من آثار التغيري اإلجتامعي ميكن التعويض عن بعض العادات بأخرى تشبهها وظيفياً باإلمكان تأمينها‬ ‫يف اإلطار الجديد ملرشوع "أليسار"‪ ،‬فقد يكون من الواجب درس ترتيب املساحات الخرضاء‪ ،‬فأن لها أهمية توازي‬ ‫أهمية السكن من الناحية اإلجتامعية‪ ،‬إمنا يبدو أن املساحات الخرضاء واألماكن العامة ليست كافية كام يجب‪.‬‬ ‫إن مرشوعاً بهذا الحجم يطال هذا العدد الكبري من السكان واملؤسسات ال بد له لتأمني عوامل نجاحه وإستقراره‬ ‫عىل املدى البعيد من توفري دراسات وحلول أعمق وأشمل يف مختلف املجاالت العمرانية واإلقتصادية‪ ،‬وخاصة‬ ‫اإلجتامعية‪.‬‬ ‫املراجع واملصادر‬ ‫ املسح امليداين للضاحية الجنوبية‪ ،‬املركز االستشاري للدراسات والتوثيق‪،‬إعداد فرع بنك املعلومات‪ ،‬دراسة غري منشورة‪.1991 ،‬‬‫_ اإلقتصاد اللبناين‪ ،‬ملخص إحصايئ‪ ،‬تجمع رجال األعامل اللبنانيني‪ ،‬مديرية االحصاء املركزي‪ ،‬بريوت ‪ ،2003‬ص ‪.18 :‬‬ ‫ "اليسار" ‪ :‬الواقع والتحوالت‪ ،‬املركز االستشاري للدراسات والتوثيق‪ ،‬ترشين الثاين ‪.1998‬‬‫‪ -‬املخطط التوجيهي ملنطقة "أليسار" ‪ -‬مجلس اإلمناء واألعامر‪.1994،‬‬

‫_______________________‬ ‫‪" - 19‬اليسار" ‪ :‬الواقع والتحوالت – مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.94 :‬‬


‫‪ 3-2-4-3‬املواصفات السكنية‬ ‫املقصود بالسكن هو مساكن ذوي الدخل املحدود التي أخذت مؤسسة "أليسار" عىل عاتقها تأمينها بدالً من‬ ‫املساكن التي سوف تهدم‪ .‬والقاعدة األساسية املعلنة هي تقديم سكن جديد بنفس مساحة السكن القديم مع‬ ‫احرتام مساحة دنيا للسكن الجديد تساوي ‪ 90‬م‪ 2‬تقريباً‪.‬‬ ‫الكثافة الفعلية يف مناطق مجتمعات سكن ذوي الدخل املحدود ستقارب الـ ‪ 945‬فرد ‪ /‬هكتار‪ ،‬وهي كثافة عالية‬ ‫جدا ً وأعىل بكثري مام هو موجود حالياً (‪ 608‬أفراد‪/‬هكتار)‪ .‬وعليه‪ ،‬ميكن تصور ما ستكون عليه املنطقة مبقارنة‬ ‫الكثافة عام ‪ 1991‬يف كل من الغبريي (‪/725‬هكتار)‪ ،‬والرمل الشاميل (‪ 790‬فرد ‪ /‬هكتار)‪ ،‬وحي الحسينية يف‬ ‫منطقة "حي السلم" (‪ 1200‬فرد ‪ /‬هكتار)( )‪.‬‬ ‫‪ 5-3‬مالحظات عىل املرشوع‬ ‫إن مرشوعاً بهذا الحجم يستدعي كامً هائالً من املالحظات ويطرح أسئلة كبرية وإستفسارات برسم السياسة‬ ‫اإلعامرية يف لبنان‪ ،‬ويثري مخاوف جدية عىل الصعد املختلفة ‪:‬‬ ‫‪ 1-5-3‬عىل الصعيد العمراين ‪ -‬املديني‬ ‫يتخذ هذا املوضوع أهميته من حيث أنه يعني إعادة إسكان أشخاص من طبقات إجتامعية متدنية ووسطى‬ ‫وحرشهم يف مجمعات سكنية بأعىل كثافة ممكنة حتى يتسنى إستغالل املساحات الباقية مبا ينسجم ومستوى‬ ‫الخدمات املطلوبة( )‪.‬‬ ‫فمن الناحية اإلنسانية‪ ،‬يجب يف دراسة الحلول املعامرية البديلة للمساكن وإعادة اإلعتبار لهذه الفئة املهملة من‬ ‫السكان من حيث إعادة التخطيط لتلبية حاجاتها املتنوعة يك تتأقلم بالتدرج مع حداثة املجتمع املديني وتشكل‬ ‫نسيجاً إجتامعياً وإقتصادياً مستقرا ً‪.‬‬ ‫‪ 2-5-3‬عىل الصعيد اإلقتصادي‬ ‫إن تنفيذ مرشوع "أليسار" سيجعل املنطقة تشهد دورة إقتصادية جديدة ونشطة يف املجال العقاري والسياحي‬ ‫والبناء واملواصالت‪ ،‬فيام تبقى دورة النشاطات اإلقتصادية الحالية تسري بشكل متثاقل باملقارنة مع النشاطات‬ ‫األوىل‪ .‬وبالتايل‪ ،‬عيش مواطني املنطقة والجوار عىل هامش الدورة اإلقتصادية فيها‪ ،‬يطرح مخاوف جدية من‬ ‫مخاطر هذا الواقع عىل اإلستقرار اإلجتامعي واإلقتصادي يف املنطقة‪ .‬فهل فعالً سيكون هناك إقتصادان متجاوران‬ ‫لكنهام غري متقاطعني‪ ،‬األول ‪ :‬إقتصاد محيل تتسم مؤسساته بصغر الحجم وهو غري قادر عىل النمو والتوسع‪،‬‬ ‫بفعل املساحات املحدودة‪ ،‬وبفعل عدم قدرته عىل تحمل تكاليف اإلستثامرات الجديدة‪ ،‬والثاين ‪ :‬اإلقتصاد‬ ‫_______________________‬ ‫‪ - 17‬املسح امليداين للضاحية الجنوبية‪ ،‬املركز االستشاري للدراسات والتوثيق‪،‬إعداد فرع بنك املعلومات‪ ،‬دراسة غري منشورة‪.1991 ،‬‬ ‫‪ - 18‬اإلقتصاد اللبناين‪ ،‬ملخص إحصايئ‪ ،‬تجمع رجال األعامل اللبنانيني‪ ،‬مديرية االحصاء املركزي‪ ،‬بريوت ‪ ،2003‬ص ‪.18 :‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫سفر‬


‫ تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت‪،‬دراسة دار الهندسة‪.2004 ،‬‬‫ "قانون وأنطمة البناء يف لبنان"‪ ،‬التصميم التوجيهي العام لضواحي بريوت (جمع وتنسيق جورج سامحة وارشاف النقيب الياس النامر)‪ ،‬نقابة املهندسني يف لبنان‪.1995،‬‬‫ دراسة مجلس األمناء واألعامر املقدمة إىل مؤمتر "إعادة إعامر لبنان والتحوالت اإلقليمية املرتقبة"‪ ،‬نرشته صحيفة النهار‪ ،‬بتاريخ ‪.16/10/1994 :‬‬‫ دراسة الجدوى اإلقتصادية ملرشوع "أليسار"‪ ،‬املركز اإلستشاري للدراسات والتوثيق‪ ،‬تقرير غري منشور‪ ،‬آب ‪.1997‬‬‫ نتائج املرحلة الثانية من املسح الصناعي‪ ،‬السفري ‪.22/12/1995‬‬‫‪ -‬تقرير غري منشور أعدته رشكة "أليسار" عام ‪.2005‬‬

‫‪1-Planning and Development of Beirut South-Western Suburbs, survey report, Executive Sunnary, Dar Al‬‬ ‫‪Handassah, Beirut, Feb 1996, P:8‬‬ ‫‪2-Clerc-Huybrechts, Valérie – Les quartiers irréguliers de Beyrouth, IFPO, Beyrouth, 2008‬‬



‫طائر الفينيق‬ ‫سفر‬

‫روما و سحر النافورات المنتشرة في الشوارع‬ ‫الكاتبة‪.‬سليمة ملّيزي‬ ‫وسحر النافورات ‪ ،‬أعجوبة الصنابري التي يتدفق منها املاء‬ ‫العذب البارد بدون إنقطاع ‪.‬روما املدينة الساحرة العتيقة‬ ‫عاصمة امرباطورية روما العظمى ‪ ،‬أثناء زيايت لها يف شهر‬ ‫أوت من سنة ‪ ، 2019‬يف عز الصيف ‪ ،‬كان الجو حار ا ً جدا‬ ‫ال يطاق ‪ ،‬الحرارة التي الحرارة التي تشعرك أنها ستلتهمك‪،‬‬ ‫لوال نافوراتها وعينونها املنترشة ؟‬ ‫ونحن نجوب شوارعها الجميلة ‪ ،‬واملتاحف التي ترتبع عىل‬ ‫كل الجامل ‪ ،‬وعرب الهواء الطلق ‪ ،‬وشوارعها العتيقة والنظيفة‪.‬‬ ‫تفاجئك من حني إىل آخر ساحات واسعة تتوسطها نافورات ‪،‬‬ ‫منعشة ينبعث منها خرير املاء املتناثر فوق ومن بني التامثيل املختلفة‪ ،‬متثل شخصيات تاريخية صنعت مجد روما‬ ‫العظمى ‪ ،‬وهناك متاثيل تحايك القصص الخرافية التي قرأناها يف األدب اليوناين ‪،‬وأنت تتجول يف شوارع روما لن‬ ‫تشعر بالعطش أو الظأم رغم ارتفاع درجة الحرارة ‪ ،‬ألنها مدينة متنحك االنتعاش باملاء يف كل ركن أو شارع بوجود‬ ‫عيون أو صنابري عديدة حيث الحظنا تقريبا كل ‪ 10‬أمتار نجد عيون تتدفق منها مياه عذبة وباردة ‪.‬‬ ‫يف روما ‪ ،‬تعترب نوافري الرشب مألوفة مثل مناطق الجذب يف املدينة‪ .‬ميكن العثور عىل هياكل من الحديد الزهر‬ ‫مرت مع صنبور منحني طويل يف العديد من الشوارع والساحات يف املدينة‪ .‬لظهورهم ‪ ،‬امللقب‬ ‫السكان املحليني نوافري( ‪) Nasone‬‬ ‫‪ ،‬والتي ترتجم إىل "األنف" ‪ ،‬أو "األنف الكبري"‪ (.‬تشبه رافعة النافورة أنف مدمن مخدرات‪).‬‬


‫يتدفق املاء باستمرار ‪ .‬يبدو لبعض العيان واملارين ‪ ،‬أنه ملوقف مهمل تجاه الطبيعة وإهدار غري معقول للمياه يف‬ ‫القرن الحادي والعرشين؟‬ ‫ومع ذلك ‪ ،‬يف الواقع ‪ ،‬واحد يف املئة فقط من هذه املياه ال يذهب إىل أي مكان ‪ ،‬وتستخدم بقية املياه املتدفقة‪،‬‬ ‫لسقي أرسة املدينة ‪ ،‬ورشكات التنظيف وغريها من األنشطة غري الصالحة للرشب‪ ،‬والجميل أن هذه املياه التي‬ ‫تتدفق باستمرار من النافورات الباردة واملنعشة ‪ ،‬وتجد السواح أمام هذه العيون ليملؤون قروراتهم وينتعشون‬ ‫بغسل وجوههم من اجل تخفيض الحرارة التي ال تطاق ‪ ،‬وهذه املياه تأيت مبارشة من بحرية "براتشيانو "‪ ،‬التي‬ ‫تقع عىل بعد ‪ 32‬كم من روما‪ .‬تم بناء القناة التي ميتد عىل طولها تدفق املياه من قبل الرومان القدماء‪ .‬يف ذلك‬ ‫الوقت ‪ ،‬تم إحضار تسع قنوات إىل املدينة‪ :‬كانت تتغذى عىل حوايل ستامئة حامم سباحة يف املدينة و ‪ 39‬نافورة‪.‬‬ ‫وهذه مبانٍ حرضية فقط‪ :‬بالطبع ‪ ،‬كانت املياه تتدفق عرب هذه الهياكل إىل قرص اإلمرباطور وفيالت النبالء‬ ‫فسالنا بعض املارين عن رس هذه املياه فعالً صالحة للرشب وماؤها عذب‪ ،‬مل نعد نشرتي املياه وأصبحنا منأل‬ ‫الص ْن ُبو ُر؟ حرام أن املاء يتدفق هكذا ‪،‬‬ ‫القرورات يف أي وقت نريد ‪ ،‬مرة قالت يل ابنتي برشى يجب أن نغلق ُّ‬

‫وبعدها استفرسنا إىل أين تذهب هذه املياه ‪ ،‬فقيل لنا أنهه تذهب إىل استعامالت كثرية ‪ ،‬إلمدادات املياه يف‬

‫املناطق الحرضية‪ .‬وسقي املساحات الخرضاء‪ ..‬وبفضل النافورة املستمرة ‪ ،‬ال ينكرس املاء يف األنابيب ‪ ،‬مام يعني‬ ‫أن البكترييا ال تتكاثر فيها‪.‬‬ ‫املياه املنعشة ‪ ،‬تأيت مبارشة من بحرية براتشيانو ‪ ،‬التي تقع عىل بعد ‪ 32‬كم من روما‪ .‬تم بناء القناة التي ميتد‬ ‫عىل طولها تدفق املياه من قبل الرومان القدماء‪ .‬يف ذلك الوقت ‪ ،‬تم إحضار تسع قنوات إىل املدينة‪ ،‬كانت‬ ‫تتغذى عىل حوايل ستامئة حامم سباحة يف املدينة و ‪ 39‬نافورة‪ .‬وهذه مبانٍ حرضية فقط‪ :‬بالطبع ‪ ،‬كانت املياه‬ ‫تتدفق عرب هذه الهياكل إىل قرص اإلمرباطور وفيالت النبالء‪.‬‬ ‫عندما سقطت روما ‪ ،‬مل تعد تستخدم إمدادات املياه ‪ ،‬رسعان ما أصبحت ال قيمة لها‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬يف القرن السابع‬ ‫عرش قرروا إلقاء نظرة فاحصة عىل حكمة الحكام السابقني ‪ ،‬واستعادة القنوات‪ .‬وبعد قرن من الزمان ‪ ،‬ظهرت‬ ‫نوافري الرشب يف املناطق الحرضية‪ .‬كان هدفهم الرئييس هو توفري مياه الرشب النظيفة للسكان املحليني واألسواق‪.‬‬




‫ثم يف سبعينيات القرن التاسع عرش ‪ ،‬تم تركيب أكرث من خمسة آالف نازلة يف جميع أنحاء املدينة ‪ ،‬واليوم يعمل‬ ‫نصفهم تقريباً‪ .‬ويف حرارة الصيف ‪ ،‬تساعد النفورات عىل إخامد العطش متا ًما ‪ ،‬والذي يستخدم بنشاط من قبل‬ ‫السكان املحليني والسياح‪ ،‬روما مدين النفورات واملياه التي تعزف سيمفونية الفرح وحكايات خرافية جميلة‬ ‫وأساطري الرومان ‪ ،‬من خالل املتحف الكبري إيل ينترش يف شوارع روما ‪ ،‬خاصة يف الليل لها سحر ال يقاوم ‪ ،‬من‬ ‫خالل املياه التي تتدفق من التامثيل املنحوتة بشكل جميل ومدهش ‪ ،‬وما أضاف لها جامال تلك األلوان الزاهية‬ ‫التي ترسلها األضواء امللونة‪.‬‬




‫ال بد أن تعرب‪ ٬‬لكل بداية نهابة‪ ٬‬ستتعرث حتام بالعتم والسواد‪ ٬‬قيد يدك باألمل عمدا‪ ٬‬ال تتخىل عنه ومتيض‪ ٬‬بدونه‬ ‫ستتوه وتفقد كل وسائل العبور لألبد‪ ٬‬كن غىل ثقة بأن الله ال يرتك عبدا دون أن يحيطه بالهداية إىل درب النور ‪....‬‬ ‫(نافذة األمل) باأللوان الزيتية‬


‫طائر الفينيق‬ ‫فن‬

‫لوحات فن ّية‬ ‫الفنانة حنان بو حسن‬ ‫للسعادة مداخل وأبواب كثرية‪ ٬‬ال يعيقها الفقر أو البيت العتيق‪ ٬‬منبعها القناعة‬ ‫واإلبتسامة‪ ٬‬فال تدع العوائق والحواجز تعيق مسارها‪ ٬‬افتح لها كل النوافذ دع‬ ‫النور يدغدغ قلبك وميلئ أرجائه سعادة وفرح ‪ ...‬لوحتي بعنوان‬ ‫(رس ابتسامة) باأللوان الزيتية‪.‬‬


‫طائر الفينيق‬ ‫زاوية اللغة‬


‫يف وطني سلبوا أطفالنا كل حقوقهم احالمهم امنياتهم سالمتهم صحتهم حتى انهم دمروا العابهم‪ ٬‬ولكن اوتار‬ ‫اصواتهم الربيئة‪ ٬‬وعيونهم الدامعة صدق ووجع‪ ٬‬هي سقينتنا للنجاة من الغرق ألنهم صالتنا ومالئكتنا األقرب إىل الله‬ ‫عز وجل فال سبيل لنا غريه منقذا (لعبة وطفل) باأللوان املائية…‬


‫"غري ‪ ،‬سوى " ‪ :‬اسامن يضافان للمستثنى ويأخذان إعرابه يف االستثناء التام غري املنفي نقول " جاء القوم غري محمد "‬ ‫" غري " هنا ‪ :‬مستثنى منصوب ‪ ،‬وكذلك " رأيت القوم سوى أحمد " وهام اسامن ال تدخل عليهام " أل التعريف "‬ ‫مطلقاً ألنهام تضافان دامئاً إىل ما بعدهام‪.‬‬ ‫مثال معرب ‪:‬‬ ‫كل يشء ما خال الله باطل‬ ‫أال ّ‬

‫زائل‬ ‫وكل نعيم ال محالة ُ‬ ‫ّ‬

‫أال‪ :‬حرف استفتاح وتنبيه‪.‬‬ ‫كل ‪ :‬مبتدأ مرفوع بالضمة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يشء‪ :‬مضاف إليه مجرور بالكرسة‪.‬‬ ‫ما خال ‪ :‬ما ‪ :‬مصدرية ‪ ،‬خال ‪ :‬فعل ٍ‬ ‫ماض جامد وفاعلها مشتق من الحكم قبلها ‪.‬‬ ‫الله ‪ :‬لفظ الجاللة مفعول به منصوب بالفتحة‪.‬‬ ‫باطل ‪ :‬خرب املبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة‪ .‬وجملة " ما خال الله " يف محل نصب حال ‪.‬‬ ‫وكل ‪ :‬الواو حرف عطف ‪ .‬كل ‪ :‬مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة‪.‬‬ ‫نعيم ‪ :‬مضاف إليه مجرور‪.‬‬ ‫ال ‪ :‬نافية للجنس‪.‬‬ ‫محالة ‪ :‬اسم " ال " النافية للجنس مبني عىل الفتح يف محل نصب ‪.‬‬ ‫زائل ‪ :‬خرب املبتدأ مرفوع‪.‬‬


‫المستثنى‬ ‫أرسة التحرير‬ ‫هو اسم يذكر بعد أداة االستثناء ويخالف ما قبلها يف الحكم مثل ‪ " :‬جاء التالميذ إال سعيدا ً "‬ ‫التالميذ ‪ :‬مستثنى منه‪.‬‬ ‫إال ‪ :‬أداة استثناء‪.‬‬ ‫سعيدا ً ‪ :‬مستثنى‪.‬‬ ‫فإذا مل يكن يف الجملة مستثنى فإن " إال " تصبح أداة حرص مثل ‪ " :‬ما جاء إال أحمد " ‪.‬‬ ‫وأدوات االستثناء هي ‪ " :‬إال ‪ ،‬غري ‪ ،‬سوى ‪ ،‬خال ‪ ،‬عدا ‪ ،‬حاشا ‪ ،‬ليس ‪ ،‬ال يكون " ‪.‬‬ ‫" ما خال ‪ ،‬ما عدا ‪ ،‬ما حاشا " يجب نصب االسم الذي ييل هذه األفعال الثالثة حني تسبق بــ " ما " املصدرية ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حينئذ فعالً ماضياً جامدا ً ‪ ،‬واالسم مفعوالً به ‪ ،‬ويقدر الفاعل من الحكم قبل هذه األفعال ‪ ،‬وتعرب‬ ‫ويعرب الفعل‬ ‫الجملة حاالً ‪ " :‬جاء الطالب ما خال سعيدا ً "‪.‬‬ ‫جاء ‪ :‬فعل ٍ‬ ‫ماض‪.‬‬ ‫الطالب ‪ :‬فاعل جاء‪.‬‬ ‫ما خال ‪ :‬ما مصدرية ‪ ،‬خال ‪ :‬فعل ٍ‬ ‫ماض جامد مبني عىل الفتحة املقدرة عىل آخره للتعذر ‪ ،‬والفاعل مقدر من‬ ‫الجملة السابقة " خال املجيء سعيدا ً "‪.‬‬ ‫سعيدا ً ‪ :‬مفعول به منصوب‪.‬‬ ‫وجملة ‪ :‬ما خال سعيدا ً ‪ :‬يف محل نصب حال " جاء الطالب خالني من سعيد " ‪.‬‬ ‫إال ‪ :‬حرف استثناء يجب نصب ما بعده إذا كانت الجملة تامة مثبتة أي غري مسبوقة بنفي مثل " أقبل القوم إال‬ ‫علياً "‪.‬‬ ‫أما إذا كانت الجملة تامة ومنفية فيجوز النصب عىل االستثناء أو اإلتباع عىل البدلية مثل ‪:‬‬ ‫ما جاء أحد إال خليالً ‪ .‬ما جاء أحد إال خليل ‪ .‬ويف الحالة الثانية يكون "خليل " بدالً من " أحد " ‪.‬‬ ‫ويجوز النصب والجر لالسم الذي ييل " خال ‪ ،‬عدا ‪ ،‬حاشا " حني التدخل عليها ما املصدرية ‪ ،‬فنقول " ‪ " :‬جاء‬ ‫ٍ‬ ‫وقتئذ حرف جر‪.‬‬ ‫الطالب خال سعيدا ً " و " خال سعيد " وتكون "خال"‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.