طائرالفينيق
العدد الثالث عرش/صيف2021 / سجون العقل ومفاتيح الكلمة د .حسن فرحات
Phoenix Bird Summer Issue 13
روما وسحر النافورات املنترشة يف الشوارع أ.سليمة مليزي
العالج بالبلورات أ .مريم باجي كُف ِدفء السالم أ .وفاء يونس
املواطنة واللّبناين د .رئيفه ال ّرزّوق املالك الذبيح أ .حامد الشمري
دراسة الشخصية عند رضا أمري خاين «أناه» أمنوذجاً د .هويدا رشيف
الهيئة الثقاف ّية يف هذا العدد د.حسن فرحات
أ.سلامن زين الدين
أ .عمر شبيل
أ .حامد خضري الشمري
د .هويدا رشيف
أ.نهى املوسوي
د .هالة أبو حمدان
أ .وفاء يونس
د .طالل الورداين
أ .سليمة مليزي
د.رامز يزبك
أ .مريم باجي
د.عامد هاشم
أ.سناء الحاموش
د.هدى ال ّرزّوق
أ.لبنى رشارة بزي
د.رئيفه ال ّرزّوق
أ .زينة الجوهري
أ.حنان بو حسن
أ.رانية مرعي
طائر الفينيق مجلة أدب ّية ،شعريّة ، ،فكريّة ،متنوعة وفصلية تصدر يف مدينة نيويورك بالواليات األمريك ّية املتحدة Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat, MD Senior Arts Director: Assad Kamran
الهيئة اإلدارية رئيس التحرير د .حسن فرحات مريم باجي :مراسلة وسفرية املجلة يف املغرب العريب
جميع الحقوق محفوظة All rights reserved 2021 .No reproduction, copying or passing without expressed consent from the founder of magazine. For permission or writing opportunities please contact:Submissions@7eloarabiamagazine.com
تخصهم وحدهم ال غري. اآلراء واألفكار املطروحة يف صفحات املجلة من قبل الك ّتاب ُّ
طائر الفينيق افتتاحية
سجون العقل ومفاتيح الكلمة
الدكتور حسن فرحات
ال بد من اإلقرار ُم ْسبَقاً بأن الله خلق الكلمة ليك تُخر َِج مكنونات العقل لتصبح ملكاً لتطور البرشية عرب عمرها الطويل ،وألجل هذا جاء يف املقدس " يف البدء كانت الكلمة " ،وحني قررت السامء َ االتصال باألرض كانت الكلمة آية االتصال " :إقرأ باسم ربك الذي خلق " .وبالكلمة فضل الله اإلنسان عىل كل مخلوقاته ،وبالكلمة غفر الله ملخلوقه األول كل خطاياه "،فتلقّى آد ُم من ربه كلامت اب الرحيم " .إن الكلمة هي صلة الوصل فتاب عليه ،إنه هو الت ّو ُ بني الفكرة والعمل ،ولوال الفكرة ل ََم أُن ِج َز العمل ،وهكذا ندرك
وبال التباس أن الكلمة هي رس الحضارة والتعبري عن اإلميان الخالّق .ومن فهمنا العميق لثورة الكلمة آمنا بأن نهضة البرشية متعلقة بنهضة الكلمة ،وقر ْرنا أن يكون طائر الفينيق رمز انبعاث إنساننا من تخلفه. هذا هو رس تعلقنا مبسرية مجلتنا الواعدة " طائر الفينيق " .إنها تحمل روح الرشق إىل الغرب وتحمل علم الغرب إىل الرشق لخلق إنسان يعي معنى وجوده املادي والروحي .فاإلنسان ومنذ فطرته األوىل يعتمد يف تكامله عىل ثنائية الروح والجسد ،والجسد حني تهذبه الروح ال يظل سجناً لها ،بل يغدو رفيق رحلتها الكونية ،ويف هذه الرحلة ال ميكن إنجاز حضارات أو فنون إالّ بالصلح القائم بني الجسد والروح .إ ّن عمران الكون ال يتم إالّ بهذه الثنائية التي أوجدها بديع الساموات واألرضز مجلة طائر الفينيق ستبقى سفرية الرشق إىل الغرب ،وبأقالمكم يا أخويت وأخوايت نستطيع أن نعمل وننجز شيئاً مفيدا ً يستمر بعد رحيل أجسادنا من هذه الدار الفانية. إن املواضيع التي ت َ ِف ُد إلينا تحمل أصالة الرشق ،والعامل اليوم بحاجة للروح التي انطلقت من الرشق ومألت الكون سنا ًء وسنا .معكم سنكمل املسرية وبكم سنقدم للعامل أشياء جميلة ،وهل هناك أجمل من الكلمة التي قال فيها رسول اإلنسلنية " :الكلمة الطيبة صدقة ".
املحتويات
افتتاحية
أدب 134__6 134
سجون العقل ومفاتيح الكلمة رئيس التحرير د.حسن فرحات
اقتصاد 178__155 178
فن
190__188 190 لوحات فن ّية أ .حنان بو حسن
العالج بالبلورات أ .مريم باجي
املواطنة واللّبناين من أنا؟ د .هويدا رشيف د .رئيفه ال ّرزّوق رشد والخوف عند يف الضوء تتضح االستعارة وصورة الوحشة الت ّ معامل األشياء مح ّمد املاغوط واملوتفي شعر الصعاليك د .هدى ال ّرزّوق د .طالل الورداين د .رامز يزبك دراسة يف شعر قراءة يف قصيدة انتظار عودة النورس عمر شبيل د .مرياي أبو حمدان احيانا " لرانية مرعي " أ .رانية مرعي أ .عمر شبيل مقابلة الشاعر شوقي بزيع دراسة الشخصية عند رضا أمري خاين» أناه «أمنوذجاً عمر شبيل والدكتورة د .هويدا رشيف د.هالة أبو حمدان جوزيف صايغ بني أصولية القوالب وحداثة الرؤى أ .سلامن زين الدين
مرشوع « أليسار» لرتتيب وتنظيم وضع الضاحية الجنوب ّية الغربية لبريوت
د .عامد هاشم
جامل 137__135 137
شعر 155__138 155 املالك الذبيح أ.حامد الشمري
كُن ِدف َء السالم أ .وفاء يونس
الحرب مل تبدأ بعد أ .نُهى املوسوي
مريد أنا أ .سناء الحاموش
ماذا يبقى م ّني أ .لبنى رشارة
نبض الوتني أ .زينية الجوهري
سياحة 187__179 187 روما وسحر النافورات املنترشة يف الشوارع أ .سليمة مليزي
زاوية اللغة املستثنى أرسة التحرير
اطائر الفينيق
أدب
د .هويدا رشيف
من أنا؟
خلعت ثوب املادة ،وانبثق من ضعفي وقنوطي ضعفاً وقنوطاً يف الروح رسى يف جسدي ،فأخفيا املوت املنعتق يف النفس من ربقة الرتاب. فرسحت كقبض الريح تحت الشمس ،منتفضة عىل الباطل والقسوة باحثة عن حقيقة واحدة ،أال وهي من أنا؟ ما معنى أقوايل ،ترصفايت ،أفعايل ،املتمثلة بالثقة والخوف والحزن والفرح واإلبتسامة ...مل أنا؟ أنا! هل أنا حكمة باهرة ،يحاول الزمن إخفاءها بأمل مزيّف وعقالنية مجنونة ،أم أنني حمقاء ،ال أرى إال جميالً، بالحكمة ونتاج الفضيلة ومثار العدل. أم أنا ،القارصة تبعرث الحرية بالوجود مستندة باليرس والفرج. أم أنا ،تلك النفس السائرة الباحثة عن النور قهرا ً يف قلوب عقب عليها العمر الذي أفىض ما يف يديه من قوة غري معروفة. رص عىل حفظ أقوايل. أم أنا ،الساعية لبثّ الحياة يف عروق من حويل وإحياء الشغف بالحياة اآلتية ولكن ما من م ّ ال أعرف ...ما أدركه يف الحقيقة الحقة ،أنني روح سليامن الساكنة يف عامل الخلود ،أوحي إىل محبي الحكمة أن يسلكوا سبل الرأفة رمبا يكون ذلك كفارة عن خطأ غري مقصود. يف لحظة تأملت وتأملت ،تأملت مبقدرة اإلنسان املحدودة كيف ميكنها زلزلت قلبها ،لتمخض وجعها ولن تلد إال الخراب والشقاء ،وتأملت بابن آدم الذي يطبق بني الرثى ودقائق األثري ليجرح من أحبه ،الذي يسعى إىل أن يقدم الدنيا تحت قدميه ملؤها الثقة والصدق واملحبة. وآآآه كم نفتقد إىل مثل هذه الصفات يف هذا الوجود! وتأملت عىل روح كانت مستأنسة مستأمنة يف منزلها ،وستصبح غدا ً واقفة عىل شفري الغربة ،أرثيها باألمل والغصة املؤملة والعربات املرة ،مع إنني أعرف أنها قد ملّت ما حولها ،مشتاقة إىل من تسعى من أجلهم يف هذه الحياة، وأنا الساعية إلعطائها كل الحياة ،فهي الغالية والنفيس وما تبقى يل يف هذا الوجود. هذه الروح ،التي تعيش حكمة رسمدية مفادها ،من هم من دمي هم مسؤوليتي وعليهم ينطبق ُحكمي ِ وحكمتي ورؤيتي الصافية ،متناسية عارفة أننا يف عامل تحكمه الغرائز وحب الذات ،ورغم ذلك تؤثر نفسها بالترصفات وتعذب روحها من أجل من هم روحها ،فتنتفض عىل نفسيها (أنا ونفسه) فتؤذينا من دون أن تشعر وبعدها تهدأ ،تقتنع وترىض. تأملت وتأملت نفيس جيّدا ً ،رشحتها وجزأتها ،ألقرأ نفيس وأوضحها أمام املأل ،وعليكم الحكم.
طائر الفينيق
أدب
طائر الفينيق أدب
المواطنة واللّ بناني ّ
د .رئيفه ال ّرزّوق
مقدّ مة
قيل" :إ ّن ق ّوة لبنان تكمن يف ضعفه" ،قد يكون األمر كذلك أو
عكسه ،لك ّن الحقيقة التي يؤكّدها التّاريخ ،أ ّن ق ّوة لبنان تكمن
يف ق ّوة تكوينه املتن ّو ع املبدع ،فلبنان ،رشيحة صغرية من األرض، لك ّنه مجلّدات يف مكتبة العرب بل والعامل.
يف هذا البحث ،سندرس تأثري الطّائف ّية عىل املواطنة يف لبنان وتأثريها عليه ،إذ إ ّن لسلطان الطّوائف دور كبري يف تشكيل
ّائفي ،مواطن يف طائفته، حياة مواطنيه ،حتّى بات اللّبنا ّين يعيش مواطنة مثلّثة األبعاد :فهو يف سياق االنتامء الط ّ
أيضا يعيش مواطنة مثقلة بال ّرموز والتّاريخ البعيد والحديث ،وهو يدين بالوالء لقياداتها املدن ّية وال ّدين ّية ،وهو ً
ومؤسساتها .من هنا ،سننطلق إىل دراسة ال ّنظام أخ ًريا مواطن لبنا ّين ينتمي قانون ًّيا إىل الجمهوريّة اللّبنان ّية ّ ّائفي يف لبنان ،والطّائف ّية يف املجتمع اللّبنا ّين. الط ّ أ ّولً :مفهوم املواطنة بني اللّغة واالصطالح
املواطنة " "citizenshipيف العرب ّية ،مأخوذة من "وطن" ،يقول ابن منظور :املنزل تقيم به ،وهو "وطن موطن
اإلنسان ومحلّه .وأوطان الغنم والبقر :مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها ...ومواطن مكّة :مواقفها ...وطن باملكان فكل مقام قام به اإلنسان ...وجمع الوطن أوطان :منزل إقامة وأوطن أقام ،وأوطنه :ات ّخذه وط ًنا ...أ ّما امل َ َواطن ّ اإلنسان ولد فيه أم مل يولد .
_______________________ .1ابن منظور (711 –630هـ1311 -1232 /م) :مح ّمد بن مك ّرم بن عيل ،أبو الفضل جامل ال ّدين ابن منظور األنصاري ال ّرويفعي اإلفريقي .ولد يف مرص (وقيل ول القضاء يف طرابلس .وعاد إىل مرص ّ وتوف فيها ،وقد ترك بخطّه خمسمئة مجلّد و ُعمي يف آخر يف طرابلس الغرب) .وخدم يف ديوان اإلنشاء بالقاهرة ث ّم ّ عمره .من كتبه “ :مختار األغاين” و “ نثار األزهار يف اللّيل وال ّنهار”( .خري ال ّدين ال ّزركيل :األعالم).329 /7 . .2ابن منظور :لسان العرب .ما ّدة ( و ط ن ).239/15 ،
ائفي يف لبنان ثان ًيا -ال ّنظام ال ّط ّ ّائفي يف لبنان إىل العهد العثام ّين ،بداية بنظام امللل حيث كان الحكم فيها للمسلمني عن يعود ال ّنظام ّ الس ّ يايس الط ّ
ظل نظام القامئقاميّتني بطلب من ال ّدول الكربى ،وذلك بدعوى أ ّن بقيّة طريق الطّائفة ال ّدرزيّة ،ث ّم انقلب الوضع يف ّ
رصفيّة وبضغط من ال ّدول الطّوائف ال تشارك يف الحكم ،فانقسم حكم لبنان بني املوارنة وال ّدروز ،ث ّم يف عهد املت ّ مسيحي بإدارة عثامنيّة ومبشاركة جميع الطّوائف" ،ولقد شكّلت الطّوائف يف رصف الكربى أصبح يحكم لبنان مت ّ ّ السيايس .واستم ّد ال ّزعامء سلطتهم من عضويتهم يف الطّائفة مرحلة املترصفية الوحدات الرئيسة األساسيّة يف ال ّنظام ّ الفرنيس ،ومع السلطة للمسيحيّني بشكل كامل يف عهد االنتداب ومن ادعائهم ال ّنطق باسمها" .وتأكّدت هذه ّ ّ
تأسيس دولة لبنان الكبري ظهر التّوازن ال ّدميغرا ّيف بني املسلمني واملسيحيّني ،وأصبحت هنالك حتميّة للعمل بنظام مم م ّهد سيايس يتوافق مع تع ّدد الطّوائف يف لبنان ،من خالل امليثاق الوطني الذي صدر سنة 1943برعاية فرنسيّةّ ، ّ ّ
السلطة أو األحزاب التي تعكس مختلف الطّوائف واملذاهب السياسيّة سواء من خالل ّ الطّريق فيام بعد للتّع ّدديّة ّ وتدعيم، ال ّدينيّة .و"لقد أرىس ميثاق 1943جذور الطّائفيّة يف لبنان كأفضل ما تكون قواعد هذه الطّائفيّة رسو ًخا ً الفرنيس نفسه مل يق ّدم مثل تلك ال ّرعاية الطّائفيّة" . فاالنتداب ّ
السياسيّة واالجتامعيّة القبليّة والطّائفيّة من دون املساس بها ففي لبنان حافظت الحكومات املتعاقبة عىل ّ التكيبة ّ
املتغي" ،فمنذ أن تشكّل لبنان كيانًا سياسيًّا اجتامعيًّا عرب والداته املتواترة: يايس أو تحديثها وفقًا ملتطلّبات الواقع ّ ّ الس ّ دولة لبنان الكبري ،1920وجمهورية االستقالل ،1943وجمهورية الطّائف 1989م ،ال يشء ينمو ويتح ّرك خارج أسوار الطّوائف" .
مم سبق إ ّن لبنان بدأ مسريته كدولة مستقلّة بنقطة ضعف هيكليّة كانت عائقًا يف مسرية التّنمية ميكن القول ّ السياسيّة واالقتصاديّة وحالت مع الوقت دون تط ّور مفهوم املواطنة ،هذه ال ّنقطة هي الطّائفيّة ،حيث تلعب دو ًرا ّ رئيسا يف ال ّنظام اللّبنا ّين ،فمجلس ال ّن ّواب اللّبنا ّين" ،قبل أن يكون عبارة عن دميقراطيّة ما ،إنّ ا هو ملتقى الجامعات ً
سمي عن "إرادة العيش املشرتك" ،عن ال ّرغبة يف تدبري ال ّدولة تدب ًريا مشرتكًا" الطّائفيّة املتشاركة ،هو التّعبري ال ّر ّ ومجلس الوزراء يأيت نتا ًجا _______________________ .1حسني ضناوي :شهادات للحرية والتغيري .ص .248 .2مسعود ضاهر :لبنان االستقالل الصيغة وامليثاق ، .ص .275 .3مسعود ضاهر :لبنان االستقالل الصيغة وامليثاق .ص .275
ومواطنة: "مصدر الفعل واطن مبعنى شارك يف املكان إقامة ومول ًدا ،أل ّن الفعل عىل وزن :فاعل" .وجاء يف القاموس املحيط: "الوطن ُمح َّركة ويُ َسكَّن منزل اإلقامة ...وأوطنه ووطّنه واستوطنه ،اتّخذه وط ًنا ومواطن مكّة مواقفُها ،ومن الحرب مشاهدها ...وواطنه عىل األمر وافقه" .
فاملواطنة لغة مشتقّة من املصدر "واطن" ،وتعني املكان الذي يقيم به اإلنسان .أ ّما يف االصطالح ،فاملواطنة بأبسط والسياس ّية واالقتصاديّة معانيها هي "التزامات متبادلة بني األشخاص وال ّدولة ،فالشّ خص يحصل عىل حقوقه املدن ّية ّ معي ،وعليه يف الوقت ذاته واجبات يتحتّم عليه أداؤها" .تع ّرف املوسوعة واالجتامع ّية ،نتيجة انتامئه ملجتمع ّ
العرب ّية العامل ّية املواطنة بأنّها" :اصطالح يشري إىل االنتامء إىل أ ّمة أو وطن" ،و"تع ّرف دائرة املعارف الربيطان ّية ( )Encyclopedia Britannicaاملواطنة بأنّها عالقة بني فرد ودولة ،كام يح ّدد قانون تلك ال ّدولة مبا تتض ّمنه تلك العالقة من حقوق وواجبات يف تلك ال ّدولة" .
سيايس ،ومن طبيعي ومجتمع وقد ع ّرفها قاموس علم االجتامع ،أنّها "مكانة أو عالقة اجتامع ّية تقوم بني فرد ّ ّ
ويتول الطّرف الثّاين الحامية ،وتتح ّدد هذه العالقة بني الفرد وال ّدولة ّ خالل هذه العالقة يق ّدم الطّرف األ ّول الوالء، نفيس ،بأنّها الشّ عور باالنتامء والوالء للوطن عن طريق القانون" .فيام ينظر إليها فتحي هالل وآخرون من منظور ّ
السياس ّية ،التي هي مصدر اإلشباع للحاجات األساس ّية ،وحامية الذّات من األخطار املصرييّة . وللقيادة ّ من خالل ما سبق ،ميكننا القول إ ّن املواطنة فكرة اجتامع ّية وقانون ّية وسياس ّية ،وتعني املكان الذي يستق ّر فيه الفرد
بشكل ثابت داخل ال ّدولة ،ويكون مشاركًا يف الحكم ،ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه ال ّدولة التي ينتمي إليها. ائفي يف لبنان ثان ًيا -ال ّنظام الطّ ّ
_______________________
.1مح ّمد العدناين :معجم األغالط اللّغويّة املعارصة .ص .725 .2الفريوز أبادي :القاموس املحيط.276/4 . .3ميشل مان :موسوعة العلوم االجتامع ّية .ص .110 .4املوسوعة العرب ّية العامل ّية .ص .311 .5سعيد عبد الحافظ« :املواطنة حقوق وواجبات». .6عاطف غيث :قاموس علم االجتامع .ص .56 .7هالل فتحي وآخرون :تنمية املواطن لدى طلبة املرحلة الثّانويّة بدولة الكويت .ص .25
يايس يف مجتمع ما يتعلّق بدرجة السياس ّية والقوى االجتامع ّية التي تشكّلها .إ ّن مستوى التّط ّور ّ املؤسسات ّ بني ّ الس ّ السياس ّية ومدى تطابقهم معها" . املؤسسات ّ السياس ّيني إىل ّ كبرية مبدى انتامء ال ّناشطني ّ حقوقي من حيث هو هويّة طائف ّية وليس هويّة مدن ّية" ،فهي "ليست دولة إذًا ،فال ّدولة يف لبنان "تقوم عىل وهم ّ أسايس يف دميقراطية برملانية ،ألنها ال تع ّد املواطنني سواسية ومتعادلني يف املجال السيايس .وهذا االعتبار هو ركن ّ كل ال ّدميقراط ّية ( )...وأل ّن رشط الدميقراطية الصحيحة ،قيام مجتمع مدين دميقراطي يدعمها بالتجربة ويعمق التزام ّ مم دفع رئيس الوزراء األسبق "رفيق الحريري" للقول" :نتطلّع إىل وطن تنصهر فيه املواطن بالعيش املشرتك" ّ ، الطّوائف وال تستب ّد فيه الطّائف ّية" ،بحيث أ ّن "الوالء لل ّدولة أرفع صور التّقوى" .
وميثّل لبنان منوذ ًجا ملواطنة تجمع بني أطياف مجتمع متع ّدد ضمن نطاق ال ّدولة الواحدة ،عىل ال ّرغم من األزمات
وال ّنزاعات املتالحقة يف تاريخه ،ألنّه بلد يتمتّع بخصوص ّية اجتامع ّية وثقاف ّية ودين ّية؛ إذ يض ّم مثاين عرشة طائفة ضمن ثالثة أديان سامويّة ،لها خصوص ّياتها التّاريخ ّية واالجتامع ّية والثّقاف ّية .فال كالم عىل املواطنة يف لبنان خارج بالصفة ،أو كعالقة املفهوم بظهوره ومجال استعامله. الصلة بينهام كصلة االسم ّ حياض الطّائفة حتّى لتكاد تبدو ّ وحني وضعنا املواطنة يف موازاة الطّائف ّية ،فليس لنجعل منهام ثنائ ّية متغايرة ،وإنّ ا لنتعامل معهام كقض ّية واحدة. فالطّائف ّية جعلت هويّة املجتمع تتج ّمع تحت مظلّة العيش واالنفتاح عىل اآلخرّ ،إل أ ّن إشكال ّيته تكمن يف تداخل والقومي والثّقا ّيف ،فاملواطنة يف لبنان ّائفي ّ يني والط ّ مرجع ّيات مختلفة يف رؤيتها ملفهوم املواطنة ،بسبب التّن ّو ع ال ّد ّ الصبغة الطّائف ّية؛ فالشّ خص يكون مواط ًنا من خالل انتامئه إىل ال ّدولة اللّبنان ّية وتطبيقه الواجبات تطغى عليها دامئًا ّ
ونيله حقوقه املدن ّية ،لك ّن هذا الشّ خص ذاته يكون مرتبطًا بطائفة أو مذهب من خالل محاكمها واملراكز ال ّدين ّية الخاصة والعقائد ال ّدين ّية ،فيطغى عىل املجتمع اللّبنا ّين ما ميكن أن نطلق عليه الفوىض التّرشيع ّية. ومؤسساتها ّ ّ
_______________________ .1سميح دغيم« :مفهوم ال ّدولة املدن ّية». .2كامل صليبي :تاريخ لبنان الحديث .ص .253 .3حسني ضناوي :شهادات للحرية والتغيري .ص .295 .4رفيق الحريري« :جلسة الثقة الحكومية». .5محمد محي شمس ال ّدين :العلامن ّية .ص .147
للعمل ّية الطّائف ّية داخل لبنان ،ورئيس الجمهوريّة يجب أن يكون من الطّائفة املارون ّية ،ورئيس الوزراء يجب أن كل الطّوائف اللّبنان ّية يف هذا املجلس ،فهي هنا املح ّرك ال ّرئيس للعمل ّية الس ّن ّية ،ويجب أن متثّل ّ يكون من الطّائفة ّ السلطة التّنفيذيّة سواء بال ّنسبة إىل رئيس الجمهوريّة أو بال ّنسبة ّائفي يف ميدان ّ ّ السياس ّية ،إذًا ،فقد "رسى ال ّنظام الط ّ إىل تشكيل الوزارة ،أو بال ّنسبة إىل تعيني املوظّفني يف مختلف الوظائف العا ّمة" .
ّائفي يف لبنان عىل دستورين مه ّمني ميثّالن املرجع القانو ّين الذي تعتمد عليه ال ّدولة ويرتكز ال ّنظام ّ الس ّ يايس الط ّ اللّبنان ّية حتّى الوقت الحا ّيل ،رغم التّعديالت التي جاء بها اتّفاق الطّائف عىل ال ّدستور وعىل ال ّنظام الربملا ّين يف لبنان، الفرنيس سنة ،1926والثّاين يتمثّل يف "فاأل ّول دستور مكتوب ويتمثّل يف ال ّدستور الذي وضع يف عهد االنتداب ّ
الوطني ،الذي وضع غداة استقالل ال ّدولة اللّبنان ّية عن الحامية الفرنس ّية سنة ، "1943 ال ّدستور العر ّيف وهو امليثاق ّ
والسياس ّية ،وهذا ما نجده يف املا ّدة وقد حرص ال ّدستور اللّبنا ّين عىل رضورة متتّع كافّة املواطنني بالحقوق املدن ّية ّ والسياس ّية بالسواء بالحقوق املدن ّية ّ السابعة من القانون اللّبنا ّين" :كل اللّبنان ّيني سواء لدى القانون وهم يتمتّعون ّ ّ ويتح ّملون الفرائض والواجبات العا ّمة دومنا فرق بينهم". السياس ّية يف لبنان ،أ ّن نظام الحكم يف هذا البلد إنّ ا وتظهر دراسة أحكام ال ّدستور اللّبنا ّين ومالحظة تط ّور الحياة ّ
هو "نظام ينضوي تحت تصنيف ال ّدميقراط ّية اللّيربال ّية ،ليربايل باالستناد إىل كونه يأخذ باحرتام الح ّريّات العا ّمة اللمباالة واإلطالق ّية" . والحقوق الفرديّة التّقليديّة ويدعو لعدم التّد ّخل فيها إىل نقطة تصل ح ّد ّ
والطّائف ّية اللّبنان ّية تتعايش مع ال ّدستور وال ّدميقراط ّية "بالقدر الذي يؤ ّمن تفاهم زعامء الطّوائف وتعايشها املشرتك تتأسس عىل سيادة الشّ عب الح ّر املؤلّف من مواطنني أفراد أحرار" . والحواجز القامئة بينها .يف حني أ ّن ال ّدميقراط ّية ّ
املصلحي بني أطراف متع ّددة متثّل الواقع اللّبنا ّين ،وهي :ال ّدولة- فال ّدولة املدن ّية يف لبنان تقوم عىل فكرة "التّعاقد ّ يايس الذي يصل إليه املجتمع، الشّ عب -الجامعات -األفراد ،يف حني أ ّن ال ّدولة املدن ّية تعكس مستوى االجتامع ّ الس ّ أي العالقة
_______________________ ستوري يف لبنان .ص .401 .1محسن خليل :الطّائف ّية وال ّنظام ال ّد ّ دي.543 /4 . .2عقل عقل :العدالة ال ّدستوريّة واملجتمع التّع ّد ّ .3أحمد رسحال :النظم السياسية والدستورية يف لبنان والدول العربية.113 . .4رشيد شقري وآخرون :الطائفية والدميقراطية يف لبنان الواقع واملمكن يف املامرسة الدميقراطية اللبنانية .ص 370
ّائفي ،فإ ّن ال ّدولة اللّبنان ّية هي دولة علامن ّية يبقى ال ّدولة! وهنا تربز املفارقة األساس ّية ،فعىل ال ّرغم من ال ّنظام الط ّ أي رشيعة دين ّية ،القانون للسلطات" .ويبقى ال ّدستور اللّبنا ّين ،غري املستم ّد من ّ الشّ عب فيها هو املصدر الوحيد ّ السلطة باسم الشّ عب وحده. السلطات سلطات مدن ّية مختارة من الشّ عب ،ومتارس ّ األسمى يف البلد ،وتبقى ّ
تسلسل طائف ًّيا ،وذلك عىل ال ّرغم ً وقسمت مقاعد القضاة بني الطّوائف وتسلسل القضاة حتّى أرفع املناصب هذاّ ، ّائفي يف لبنان حتّى أصبح خل عن ّ مم يجب أن يتّسم به القضاة من التّ ّ ّ كل نزعة طائف ّية" ،ولقد تغلغل املبدأ الط ّ ترشيعي يق ّرره" . نص من املبادئ العرف ّية املستق ّرة من دون الحاجة إىل ّ ّ
السياسات ،وتتب ّنى مصالح طائف ّية السياس ّية فإنّها تحظى بأغلب ّية يف مجلس ال ّن ّواب ،وال تشارك يف صنع ّ أ ّما األحزاب ّ أكرث من تب ّنيها قض ّية وطن ّية؛ ويستوي يف ذلك أحزاب األشخاص وأحزاب الربامج ،وعىل ال ّرغم من أ ّن األحزاب األقل -ال املؤسسة ،انطالقًا من الطّائف ّية املجتمع ّية ،هي أحزاب بغالب ّيتها طائف ّيةّ ،إل أ ّن أيًّا منها -عل ًنا عىل ّ السياس ّية ّ ّ األسايس يف مه ّمة هذه األحزاب وتو ّجهاتها يني ديني ،أو ألهداف دين ّيةّ . ميارس ّ ّ لعل الشّ ّق ال ّد ّ السلطة عىل أساس ّ يكمن يف كونها تسعى إىل حامية حقوق الطّائفة التي تنتمي إليها وتأكيدها وتأمينها وتعزيزها ومنارصتها.
رصف عمل ًّيا بتوجيهات أجنب ّية وتقول بالعلامن ّية وهي يف الواقع واألحزاب اللّبنان ّية "تدعو نظريًّا إىل الوطن ّية وتت ّ وتتأت هذه الطّائف ّية عىل العموم من تركيبة هذه األحزاب حيث إنّها يف الغالب تتأ لّف من أبناء طائفة ّ طائف ّية، واحدة" .لذلك أصبحت األحزاب "التي متارس نشاطها يف لبنان تشكّل آداة لنفور الكثري من املواطنني من العمل
الحز ّيب ،بحيث تجدها مبعظمها أحزابًا طائف ّية بعقيدتها وواقعها وطائف ّيتها متنعها من أن تصبح أحزابًا وطن ّية يايس ورضورة تنظيمه عىل أساس جامهرييّة أو ربط األحزاب بأشخاص" .فيجب إعادة ال ّنظر يف "واقع العمل ّ الس ّ أحزاب
_______________________ .1مق ّدمة ال ّدستور اللّبناين :فقرة د. السياس ّية وال ّدستور اللّبنا ّين .ص .686 .2محسن خليل :ال ّنظم ّ .3أحمد رسحال :النظم السياسية والدستورية يف لبنان والدول العربية .ص .217 .4رياض الصمد ،سمري صباغ :العملية االنتخابية يف لبنان .ص .84
رش ع لنفسها ،ما تنتظم به أحوالها الشّ خص ّية ،وأن تتّخذ إجراءات التّقايض أمام محاكمها ّ فلكل طائفة ّ الحق يف أن ت ّ الخاصة. ّ
ظل توت ّر دائم بني السياس ّيني إىل العيش يف ّ ّ ولعل التّط ّور ّ اكمي ّ للصيغة اللّبنان ّية وصل باللّبنان ّيني ومبمثّليهم ّ الت ّ الوطني والهويّة ما دون الوطن ّية" ،فاللّبنان ّيون يريدون أن ينظر إليهم م ّرة بوصفهم مواطنني متساوي االنتامء ّ الحق ،ويشكون بصورة أو أخرى من نظام املحاصصة الطّائف ّية أيًّا كانت األوصاف املطلقة عليه. الحقوق يف دولة ّ لك ّنهم يف الوقت نفسه ،رسعان ما يلوذون به ويرضون باستمراره ،م ّرة باسم الواقع ّية التي فرضتها ظروف الطّوائف املتعاقبة ،وم ّرة أخرى باسم الحاجة إىل طأمنة من صاروا أقلّ ّية يف رؤوسهم قبل أن يصبحوا أقل ّية يف أعدادهم" .
الصاع السلطة مختلفة .فال يعود ّ ّائفي ستصبح قوانني الحكم وطريقة تداول ّ وإذا أخذنا املواطنة كبديل لل ّنظام الط ّ السياس ّية تع ّرض استقرارالوطن لالهتزاز ،إذ تع ّمق طائف ًّيا عىل ّ أي من املراكز أو الوظائف العا ّمة ،فالطّائف ّية ّ االنقسامات بني أفراد الوطن الواحد .كام أنّها تتعارض مع حقوق اإلنسان ،وتش ّجع عىل التّمييز وتحول دون تحقيق الحص مستن ًدا إىل توزيع العدالة واملساواة وتكافؤ الفرص بني املواطنني ...وهذه ال ّنقطة يرشحها ال ّرئيس سليم ّ
ال ّرئاسات الثّالث" ،فعىل ال ّرغم من وجود مثاين عرشة طائفة يف لبنان ،فإ ّن ثالث ًا منها فقط تُ ُؤ ّهل للوصول إىل إحدى ظل وجود مواطنة ودولة وزاري" ؛ ففي ّ ال ّرئاسات الثّالث األوىل فيام تؤ ّهل سبع منها فقط للحصول عىل مقعد ّ مدن ّية فإ ّن اختيار األشخاص يت ّم حسب كفاءتهم ال حسب طوائفهم ويفسح يف املجال لتوفّر فرص متساوية لل ّناس حتّى تنشط أكرث فأكرث.
والسياس ّية يف ال ّدولة اللّبنان ّية الحديثة يف ال ّنصوص التّأسيس ّية لل ّدولة ،كام يف لقد تك ّرست الطّائف ّية املجتمع ّية ّ السلطة التّرشيع ّية أو املعرتف بها منها .فقد منح ال ّدستور اللّبنا ّين الطّوائف ال ّدين ّية العديد من القوانني ّ الصادرة عن ّ
الخاصة ،كام يف املشاركة يف الحكم ،من دون أن يعني ذلك أ ّن هذه ال ّناحية ال ّدين ّية "الحق يف إدارة شؤونها كافّة ّ ّ تسي املتحكّمة باملجتمع هي التي ّ _______________________
.1طارق مرتي« :الصيغة اللبنانية واالنتقال من العيش املشرتك إىل العيش الواحد». واقتصادي لبناين من مواليد بريوت .درس يف الواليات املتّحدة ونال دكتوراة يف االقتصاد .وكلّفه ال ّرئيس رسكيس بتشكيل الحص )... -1930( :رجل دولة .2سليم ّ ّ أ ّول وزارة يف عهده يف 9كانون األول ،1976عرف عنه اهتاممه باإلدارة واالقتصاد ...شارك يف مؤمترات القمة ،وأسهم يف التقريب بني وجهات النظر اللبنانية يف الداخل ،ووفق بني مواقف لبنان واملوقف العريب( .عبد الوهاب كيال وآخرون :املوسوعة السياسية.)235 /3 . .3سليم الحص :نحن ...والطائفية .ص .15
سياسيّة منهجيّة تتّبعها سلطة معيّنة يف سبيل تأمني قاعدة اجتامعيّة شعبيّة أو إثنيّة أو مذهبيّة تع ّزز مواقعها االسرتاتيجيّة وهو ما تعمد إليه األحزاب الطّائفيّة املؤدلجة يف لبنان لتكريس الطّائفيّة كحتميّة اجتامعيّة وتاريخيّة السياسيّة من حكومة وأحزاب ضعيفة ،فالحكومة املركزيّة غري قادرة عىل فرض سيادتها عىل ال تر ّد، فاملؤسسات ّ ّ يايس اللّبنا ّين حول ال ّدولة ،وإنّ ا حول املجتمع .إنّها املجتمع ،بل ال يكاد يكون لها وجود؛ إذ ال يتمحور الفكر ّ الس ّ
يايس .يف إحدى ّ الخاصيّات الثّقافيّة للكيان اللّبنا ّين ،التي جعلت ال ّدولة إطا ًرا لتعايش الطّوائف ،عىل املستوى ّ الس ّ السياسة يف لبنان هي حركة من املجتمع نحو ال ّدولة ،ال من ال ّدولة نحو املجتمع. السياق ميكن القول ،أ ّن ّ إطار هذا ّ
طائفي تع ّد من أعقد األمور ال سيّام يف ال ّدول التي تشهد تن ّو ًعا عرقيًّا ودينيًّا ومعالجة مفهوم املواطنة يف مجتمع ّ ومذهبيًّا كلبنان ،فالطّائفيّة يف لبنان "ليست انتامء دينيًّا عاديًّا كام عرفتها بعض املجتمعات ،بل سياسة مربمجة، تعتمدها الطّبقات املسيطرة لدميومة سيطرتها الطّبقيّة عىل حساب ال ّدين والثّقافة والحضارة واإلنسان كإنسان" .
السائد عن الطّائفيّة فيها يع ّد مكمن الفساد ،ألنّه يك ّرس مفهوم أ ّن الطّائفية داخل ال ّدولة هي انعكاس فالتّص ّور ّ للطّائفيّة داخل املجتمع ،وعىل األفراد القبول بالتّعايش داخل ال ّدولة مع مامرسات طائفيّة عديدة ،يقول ميشال
شيحا" :الطائفيّة يف لبنان ّ واالجتامعي املنصف ألقليات طائفيّة يايس تدل عىل يشء آخر .فهي ضامن التّمثيل ّ الس ّ ّ متشاركة ....تبدو الوضعيّة الطّائفيّة يف لبنان طبيعيّة ومرشوعة .لبنان مك ّون من أقليّات طائفيّة متشاركة .هذه مم أ ّدى مع مرور ّائفي أل ّن لبنان كان ،عىل ال ّدوام ،مالذ حريّة ّ الضمري" ّ . األقليّات تربز لل ّناظر تحت العنوان الط ّ الوقت إىل رشعنة قيام ال ّدولة الطّائفيّة نفسها ،بوصفها حتميّة اجتامعيّة أو تعب ًريا عن خصوصيّة محلّيّة ال ميكن للسلطة ّ والثوة املرتبطة بها. السري يف اتّجاه اقتسام غري عادل ّ تجاوزها ،من دون ارتكاب مخاطر ّ
وساعد اللّبنانيّني توزّعهم الجغرا ّيف عىل تعميق االنعزاليّة يف نفوسهم ،ورغبتهم يف البحث عن االندماج ،فـ"إ ّن التّكتّالت الطّائفيّة يف لبنان ،هي يف أعامقه ويف املايض مثلها يف الحارض متثّل بشكل من األشكال تكتّالت عائليّة قبليّة، والضاحية الجنوبيّة أي أنّها إحياء للقبائل البدويّة من األسالف" ،فقد تركّز معظم الشّ يعة يف الجنوب والبقاع ّ الس ّنة يف طرابلس لبريوت ،وغالبيّة ّ _______________________ .1مهدي عامل :يف الدولة الطائفية .ص .184 السياسة ال ّداخل ّية .ص .243 .2ميشال شيحا :يف ّ .3جواد بولس :لبنان والبلدان املجاورة .ص .251
ومتثيل لإلدارة الشّ عب ّية" . ً غري طائف ّية مر ّخص لها ،وبذلك إصدار قانون لالنتخابات يكون أكرث عدالة
الحق والقانون، هذه الحكومات واملعطيات أفرزت حكومات تخلّت عن مسؤول ّياتها يف بناء دولة حديثة قوامها ّ السلطة بني نخب الطّوائف ،فاملواطنة والطّائف ّية مفردتان شائعتان شيوع قاموس وأصبح دورها مقسو ًما يف تقاسم ّ األزمات يف الثّقافة التّاريخ ّية اللّبنان ّية ،إنّهام مفردتان تتع ّديان اللّفظ العارض لتغدوا حقيقة مركّبة تؤ ّرخ ملا انرصم كل حني" .فمنذ قيام تؤسس لحارض ومستقبل وطن ما فتئ أبناؤه يختربون أساسات نشوءه ّ من تاريخ لبنان ،مثلام ّ
فأي مسعى لنزع ظاهرة الطّائف ّية من هذا البلد يعني منطق ًّيا إنهاء لبنان كدولة كانت الطّائف ّية أساس هذا الكيانّ ، يشء اسمه لبنان" .
املجتمعي الذي كانت تتع ّمق يايس يف لبنان مل تلتفت إىل الواقع هذا ،وإ ّن الطّروحات التي تناولت إصالح ال ّنظام ّ الس ّ ّ
فيه الطّائف ّية املجتمع ّية يو ًما بعد يوم .فالطّائف ّية املجتمع ّية ليست ظاهرة مرحل ّية قابلة لل ّزوال .بل إ ّن واقع ألي ّائفي يف لبنان ظاهرة هيكل ّية .وليس ّ تط ّورها يف لبنان ،ال يبدو متالمئًا أب ًدا مع مقولة اضمحاللها" .فالوضع الط ّ يغيها" . يغيها أو ّأل ّ يغي فيها شيئًا .لل ّزمن وحده أن ّ نوع من أنواع العنف أن ّ
كل ما يعيشه لبنان اليوم ،ويف وقت ينعدم فيه التّوافق حول طرح بديل ،يبقى الطّرح القائل بالحفاظ عىل ظل ّ ويف ّ السياس ّية ترتبط بوجود توافق ّائفي القائم ،الطّرح األكرث واقع ّية .وتبقى بنظرنا إمكان ّية إلغاء الطّائف ّية ّ ال ّنظام الط ّ لبنا ّين حول صيغة بديلة ،كام ترتبط مبعالجة مجموعة من اإلشكال ّيات التي تفرتض إجابات واقع ّية قبل ال ّدخول السياس ّية . عمل ًّيا مبرشوع إلغاء الطّائف ّية ّ ثالثًا -الطّائف ّية يف املجتمع اللّبناين
أيضا اسرتاتيج ّية السياس ّية هي ليست مج ّرد شعور عدا ّيئ لألفراد من طائفة نحو طائفة أخرى ،بل هي ً الطّائف ّية ّ السلطة ،أو السياس ّية يف التّنافس عىل ّ موازية تستخدمها بعض فئات ال ّنخب ّ
_______________________ .1بشري اسكندر :الطائفية يف لبنان إىل متى .ص .57 .2مح ّمد زريق« :لبنان بني املواطنة والطائفية». السياسة ال ّداخليّة .ص .218 .3ميشال شيحا :يف ّ
يايس الذي منع حتّى اللّحظة بناء دولة قويّة قادرة عىل ضبط األمن وإسكات املتالعبني من ال ّداخل والخارج. ّ الس ّ الخامتة
نتبي من خالل ما سبق أ ّن اللّبنان ّيني يعاملون بوصفهم أعضاء يف طوائف تتمتّع بحقوق سياس ّية مختلفة ومتفاوتة. ّ طائفي ،كذلك فإ ّن قانون االنتخاب والسياس ّية يخضع لتوزيع ذلك أ ّن الوصول إىل الوظائف العا ّمة واإلداريّة ّ ّ املوضوع لتنظيم توزيع مقاعد املجلس ال ّنيا ّيب بني مختلف الطّوائف -يجعل هذه األخرية وسائط إلزام ّية بنييايس ،ويؤ ّدي هذا األمر إىل إعادة إنتاج العالقات التّقليديّة عىل املواطن الفرد وبني املجتمع وال ّدولة وال ّنظام ّ الس ّ حساب الفرد واملواطن ّية .هنا ال ب ّد من القول إنّه يجب عىل اللّبنان ّيني الخروج من مزارعهم الطّائف ّية وتداعياتها
الوطني ،والعمل لبناء ال ّدولة ،ال ّدولة املدن ّية الحديثة ،دولة املواطن ّية الحقوق ّية ال السلب ّية عىل الهويّة واالنتامء ّ ّ الصياح ،بأن يكون متثيلها ،يف بعض الفدرال ّية الطّائف ّية الهجينة ،و"سيكون لزا ًما عىل ّ كل طائفة القبول ،دون كثري من ّ األحيان ،أدىن من حجمها .ويكون التّعويض جعل متثيلها أكرب من حجمها يف أحيان أخرى" .
_______________________ السياسة ال ّداخل ّية .ص .69 .1ميشال شيحا :يف ّ
وبريوت وإقليم الخ ّروب ومنطقة العرقوب ،وغالبيّة ال ّروم الكاثوليك واألرمن يف مدينة زحلة ،واملوارنة يف كرسوان
السكّاينّ ،إل أ ّن التّوزّع الجغرا ّيف وبريوت ّ الشقيّة ،وال ّدروز يف الشّ وف ووادي التّيم؛ وعىل ال ّرغم من بعض التّداخل ّ ّائفي يبقى واض ًحا ،فإ ّن حياة اللّبنانيّني "ال تستقيم إلّ يف نطاق الطّائفة وبظلّها" ؛ مع العلم أ ّن عمليّة تكوين الط ّ املواطنة الحقيقيّة يف مجتمع متع ّدد ،تبدأ من إيجاد صيغة ثقافيّة وتربويّة قامئة عىل أسس فلسفيّة إنسانيّة تؤ ّدي متس بالح ّريّات إىل صهر الطّوائف يف بوتقة الوطن الواحد ،من دون أن تلغي دور األديان يف حياة األفراد ،أو أن ّ الفرديّة لألشخاص. يني والثّقا ّيف لبنان بل ًدا مفتو ًحا عىل ال ّنزاعات ال ّداخليّة والتّد ّخالت الخارجيّة والحروب التي مل لقد جعل التّع ّدد ال ّد ّ طائفي مغلّف بال ّدميقراطيّة ،وهذا األمر أسهم يف إشعال الحرب األهليّة وتقسيم لبنان إىل تنت ِه فصولها ،فـلبنان بلد ّ أرضا خصبة للفنت وال ّنزاعات". مناطق أو دول منعزلة طائفيّة ضمن ال ّدولة الواحدة .األمر الذي جعل لبنان ً
وهنا نقول إنّه ال ب ّد لل ّدولة من "ات ّخاذ إجراءات جذريّة يف املعالجة لتذليل هذه املعوقات ،ال سيّام يف سعيها إىل
وخصوصا ّائفي من ال ّنفوس، تحقيق عمليّات االنتامء واالنصهار ً الوطني للمواطنني ،والتي تلغي تلقائيًّا ال ّنظام الط ّ ّ ّائفي من الحلبة تعزيز ال ّرقابة عىل املدارس" ،فيع ّد ال ّنموذج اللّبنا ّين من ال ّنامذج القليلة ،التي انتقل فيها ّ الصاع الط ّ
عليمي ،تحت سمع الحكومة وبرصها ،إذ تختلف فلسفات التّعليم ونظمه باختالف الطّوائف، السياسيّة إىل املجال التّ ّ ّ كل املدارس اللّبنانيّة ال ّرسميّة التبية الوطنيّة) يف ّ حتّى ليكاد يصعب العثور عىل كتاب مو ّحد (باستثناء كتاب ّ والخاصة. ّ والسبعينيّات جعال الحرب األهليّة يف لبنان الستّينيّات ّ إ ّن تركيب املجتمع اللّبنا ّين والتّط ّورات التي شهدها خالل ّ السياسيّني .تبدو الذّاكرة الجامعيّة اللّبنانيّة مثقلة التي استنفدت موارد الشّ عب أم ًرا وار ًدا يف حسبان املحلّلني ّ دموي ،بد ًءا بالفتنة املذهبيّة العام 1860م مرو ًرا بالحرب األهليّة عام بالتّع ّرجات لكرثة ما يحويه تاريخها من عنف ّ
1975م ،وصولً إىل الحروب الكامنة التي ما برحت حتى اللّحظة قادرة عىل إعادة أمراء الطّوائف إىل معسكر االقتتال ،وسط الجنون
_______________________ .1إدمون رباط :القانون ال ّدستوري اللّبنا ّين .ص .275 .2بشري اسكندر :الطّائفيّة يف لبنان إىل متى .ص .56
رفيق الحريري" :جلسة الثقة الحكومية" .جريدة اللواء 10- ،ت1992 1-م. -محمد محي شمس ال ّدين :العلامنيّة .بريوت ،املؤسسة الدولية للدراسات والنرش ،ط1996 ،1م.
طارق مرتي" :الصيغة اللبنانية واالنتقال من العيش املشرتك إىل العيش الواحد" .جريدة الحياة 13 ،أغسطس.2015 املؤسسة العربيّة لل ّدراسات وال ّنرش ،ال ط ،ال تا. السياسيّة .بريوتّ ، عبد الو ّهاب الكيايل وآخرون :املوسوعة ّ سليم الحص :نحن ...والطائفية .بريوت ،رشكة املطبوعات للتوزيع والنرش ،ط2003 ،1م. مق ّدمة ال ّدستور اللّبناين :فقرة د.السياسيّة وال ّدستور اللّبنا ّين .بريوت ،ال ّدار الجامعية ،ط1973 ،1م. -محسن خليل :ال ّنظم ّ
أحمد رسحال :النظم السياسية والدستورية يف لبنان والدول العربية .بريوت ،دار الباحث ،ط1980 ،1م. رياض الصمد ،سمري صباغ :العملية االنتخابية يف لبنان .بريوت ،املؤسسة الجامعية للدراسات1978 ،م. بشري اسكندر :الطائفية يف لبنان إىل متى .بريوت ،مؤسسة مجد ،ط2006 ،1م. مح ّمد زريق" :لبنان بني املواطنة والطائفية" .جريدة ال ّنهار 5 ،حزيران .2017 مهدي عامل :يف الدولة الطائفية .بريوت ،دار الفارايب1989 ،م. جواد بولس :لبنان والبلدان املجاورة .بريوت ،مؤسسة بدران1973 ،م. -إدمون رباط :القانون ال ّدستوري اللّبنا ّين .بريوت ،دار العلم للماليني1966 ،م.
•
املصادر واملراجع ال ّزركيل ،خري ال ّدين :األعالم .بريوت ،دار العلم للماليني ،ط ،2ال تا. ابن منظور (مح ّمد بن مكرم) :لسان العرب .بريوت – لبنان ،دار صادر ،ط2000 ،1م. مح ّمد العدناين :معجم األغالط اللّغويّة املعارصة .بريوت ،مكتبة لبنان ،ط1984 ،1م. -الفريوز أبادي (مح ّمد بن يعقوب) :القاموس املحيط .بريوت-لبنان ،دار املعرفة ،الط ،التا.
ميشل مان :موسوعة العلوم االجتامع ّية .تعريب عادل الهواري -سعد مصلوح ،الكويت ،مكتبة الفالح ،ط،11404هـ-1984م. مؤسسة أعامل املوسوعة لل ّنرش والتّوزيع ،ط1996 ،1م. -املوسوعة العرب ّية العامل ّية .ال ّرياضّ ،
سعيد عبد الحافظ" :املواطنة حقوق وواجبات" .مركز ماعت لل ّدراسات الحقوق ّيةwwww.maatpeace.org . -عاطف غيث :قاموس علم االجتامع .القاهرة ،الهيئة املرصيّة للكتاب1979 ،م.
التبويّة هالل فتحي وآخرون :تنمية املواطن لدى طلبة املرحلة الثّانويّة بدولة الكويت .الكويت ،مركز البحوث ّالتبية2000 ،م. واملناهج بوزارة ّ حسني ضناوي :شهادات للحرية والتغيري .ال دار ،ط2006 ،1م.الشق ّية ،ط1984 ،2م. مسعود ضاهر :لبنان االستقالل الصيغة وامليثاق .بريوت ،دار املطبوعات ّالسياسة ال ّداخل ّية .بريوت ،دار ال ّنهار ،ط2014 ،1م. -ميشال شيحا :يف ّ
ستوري يف لبنان .بريوت ،ال ّدار الجامع ّية لل ّنرش والتّوزيع ،ط1992 ،1م. محسن خليل :الطّائف ّية وال ّنظام ال ّدّ دي .بريوت ،منشورات املجلس ال ّدستوري ،ال ط2009 ،م. -عقل عقل :العدالة ال ّدستوريّة واملجتمع التّع ّد ّ
أحمد رسحال :النظم السياسية والدستورية يف لبنان والدول العربية .بريوت ،دار الباحث ،ط1980 ،1م. رشيد شقري وآخرون :الطائفية والدميقراطية يف لبنان الواقع واملمكن يف املامرسة الدميقراطية اللبنانية .بريوت،مؤسسة فردريتش إبرت2003 ،م. السفري2010 – 7 24- ،م. -سميح دغيم" :مفهوم ال ّدولة املدن ّية" .جريدة ّ
-كامل صليبي :تاريخ لبنان الحديث .بريوت ،دار النهار للنرش ،ط1978 ،4م.
لقد انتمى هؤالء الشعراء إىل إنسانية خاصة بهم جعلتهم يف موقع الفرادة يف هذه التجربة عىل الرغم مام اعرتاها من ُع ٍ نف وما شابها من ٍ قصص وروايات لكن األساس يف سريتهم رفضهم الخضوع لسلطة القبيلة والتمرد عليها .لقد تناول أدونيس هذا األمر يف كتابه كالم البدايات حني تط ّرق إىل تجربة عروة بن الورد" :فالعامل الشعري الذي يخلقه لنا عروة يف قصائده هو عامل االحتفاء باإلنسان واملعاناة يف سبيل تحقيق هذا االحتفاء .إنه عامل املشاركة اإلنسانية.
وقد ح ّول حياته إىل كفاح من أجل تحقيق هذه املشاركة ،وكان هذا الكفاح يكتيس طابعاً متردياً( ،)1مبعنى أنه كان يستغل اإلنسان ويستهني به"(.)2 ّ كفاحاً ضد الراهن الجائر الذي
بالعودة إىل موضوع البحث «االستعارة وصور ال َو ْحشَ ة واملوت يف شعر الصعاليك» سأقف عند تجسيد املج ّرد بالحس والقدرة عىل التأثري يف نفس املتلقي ،ثم أستعرض بعض النامذج الشعرية وكيف ق ّدمت لنا انفعاالتهم ّ وتجاوزوا من خاللها اللغة املعجمية إىل اللغة اإليحائية ،وتحديدا ً يف صور املوت الذي تحدثوا عنه بكرثة يف معجمهم
اللغوي وعالقة ذلك بحياة ال َو ْحشَ ة التي قادت إىل التوحش يف التعبري عن السلوك للشاعر الصعلوك الذي عاش ويجسد لنا طريدا ً يف الرباري يبث الطبيعة نجواه ويصارع الضواري ويجعل من املت َخيل واقعاً يحاوره ويخاطبه، ّ عبت عن آالمهم االتجاه النفيس الذي حكم هؤالء الشعراء فجاءت رؤيتهم متاميزة لها نكهة خاصة بهم وحدهم ّ وآمالهم. وإذا كانت التجربة الشعورية انفعالية ،فاالنتقال ال يُرسم إال بالصورة ،التي هي جوهر الشعر وبناؤه الذي يشكله الشاعر من صور جزئية تتضافر فيام بينها لتشكل الصورة الكلية. - 1البنية االستعارية التجسيدية: ينطلق الشاعر من خاللها ليضفي عىل الجامدات أو الكائنات األخرى الصفات اإلنسانية «هي البنية القامئة عىل الصفات اإلنسانية عىل كل املحسوسات املادية واألشياء املعنوية والظواهر الطبيعية واالنفعاالت الوجدانية ،وبث الحياة فيها التي قد ترتقي فتصبح حياة إنسانية تهب لهذه األشياء عواطف آدمية وخلجات إنسانية" ( ،)3وتضحي الصورة يف روح األشياء ذاتها بعيدا ً عن العقل "وهنا تصبح الصورة الشعرية وسيلة شعورية مهمة غايتها التعبري عن األشياء واالرتقاء بها إىل مرتبة اإلنسان مستعرية صفاته ومشاعره"( ،)4وهي مبنية عىل أساس «تعليق العبارة عىل تغي طبيعته ومنطه وتنتقل به تغي املعنى بل ّ غري ما وضعت له يف أصل اللغة عىل جهة النقل لإلبانة"( )5فهي ال ّ
يعب عن تفاعل الذات الشاعرة مع موضوعها( ،)6ومحورها يكمن يف تجاوز من معنى مفهومي إىل معنى انفعايل ّ اللغة الداللية إىل اللغة اإليحائية ،من خالل "ألفاظ ال تقصد لذاتها وإمنا ملعانٍ ودالالت نستشفها من خالل وجودها يف السياق مرتبطة مبا تقتيض أحكام النظم واملعاين النحوية"(.)7
طائر الفينيق أدب
ح َ شة والموت االستعارة وصورة ال َو ْ في شعر الصعاليك
د .رامز يزبك
املقدّ مة لقد زخرت كتب الرتاث بنتاج الشعراء الصعاليك وتجربتهم الشعرية ،وتعددت األبحاث التي حلّلت ورشحت ورصدت ذلك النتاج الشعري بصفته ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل .واملتتبع لهذا املوضوع يجد مجموعة من الكتب التي تناولت شعرهم .كتاب "تاريخ األدب العريب" لشوقي ضيف ،و"تاريخ الشعر السيايس» "ألحمد الشايب" و"تاريخ اآلداب العربية» لكارلو ناليو ،و«وكالم البدايات" ألدونيس. إن شعر الصعاليك مصدر ثري للتجارب الواقعية يف العرص الجاهيل وصدر اإلسالم والعرص األموي ،فشعرهم مرآة تعكس حياتهم ،وتكشف لنا عن عمق التجربة الشعرية ،فالشاعر منهم يستعني بإمكانات اللغة وطاقاتها التعبريية، ليشكل صورا ً تفيض بالخيال الخصب ،وبالتايل فالصورة تكون مبثابة االرتكاز األسايس يف بناء القصيدة ،يستطيع قضيتي ال َو ْحشَ ة واملوت يف شعر الشاعر من خاللها إظهار ذاته وقدراته الفنيّة .سأحاول يف هذا البحث أن أركز عىل ْ الصعاليك معتمدا ً عىل الصورة االستعارية وأثرها يف إخراج التجربة الوجدانية وتجسيد الشحنات العاطفية.
ال يخفى عىل املتتبع لتجربة الصعاليك الشعرية كيف خرجوا عىل سلطة القبيلة وعاشوا الترشد يف الفيايف والقفار، بعيدا ً عن أي سلطة ،ومارسوا القتل والفتك والسلب .يعني ذلك أنهم اتخذوا القرار بالثورة والتم ّرد ولجأوا إىل الطبيعة وعاشوا ال َوحشة والتوحش.
والسيف غري أن املفارقة تكمن يف التجربة رأوا املوت بأعينهم مرارا ً وتكرارا ً وانتموا إىل القساوة معتمدين عىل القّوة ّ عبت عن رؤيتهم وقدموا من خاللها أنفسهم إىل العامل .إنهم فرسان اإلنسانية املتجسدة يف التجربة الشعرية التي ّ متمردون وشعراء فاتكون ،اعتمدوا القوة وحياة العزلة ومتيزوا بالرسعة الفائقة يف تنفيذ غاراتهم عىل القوافل واملسافرين ومن األمثلة عىل ذلك ما قاله الشنفرى: الص َّوانُ ال َقى َم َن ِ اس ِمي تَطَايَ َر منهُ َقا ِد ٌح و ُم َفل َُّل إذا األ ْمع ُر َّ
إن هذه الصورة التي ق ّدمها لنا الشاعر تظهر مدى الرسعة يف الجري حيث إنه يجري عىل الصوان ويقدح الرشر املتطاير من قدميه.
إن توظيف البنية التجسيدية يف الصورة االستعارية تقوم أحياناً بالكشف عن نفسية الشاعر املأزومة ،إذ تحتم عليه جوا ً من الالوعي ،وعدم إدراك ما يعرتيه من إحساسات مؤملة ،لذلك يعمد إىل هذه الصورة ويقدمها لنا يف إطار تجسيدي لنتفاعل معه ونتخيل مقدار التجربة القاسية التي يعانيها يف حياته. يحس تعاطفاً بني الكائنات، إ ّن إدراك الصعلوك عامله الواسع ك ّون لديه رؤيته الخاصة ،التي يستطيع من خاللها أن ّ
ويدرك الوحدة بني أجزائها ،وهو يلجأ إىل التجسيد من أجل إبراز أحاسيسه وانفعاالته ومواقفه ،ولعل تأبط رشا ً ص ّور لنا ذلك وهو يصف شجاعته وقوة سيفه بقوله: َقلِ ُيل ال َّتشَ ِّك لِلْ ُمه ِّم ُي ِصي ُبهُ
كَ ِث ُري الْ َه َوى شَ َّتى ال َّن َوى َوالْ َم َسالِ ِك
َيظَ ُّل بِ َ ْو َماة ٍ َو ُيْ ِس ِبغ ْ ِ َي َها
ِ املهالك َجحيشاً و َيع َر ْورِى ظهو َر
و َي ْسب ُِق َو ْفدَ ال ِّري ِح من ُ حيث ينت َحي إذا خ َ َاط َع ْي َن ْي ِه كَرى ال َّن ْو ِم ل َْم َي َز ْل إ َذا َه َّز ُه ِف َعظْ ِم َق ْرنٍ تَ َهلَّل َْت يس و َي ْه َت ِدي َي َرى الْ َو ْحشَ ة َ األُن َْس األَنِ َ
مبُن َخ َرقٍ من شَ دِّ ِه املتدار ِِك لَهُ كَالِ ٌئ ِم ْن َقل ِْب شَ ْي َحانَ َفاتِ ِك نواج ُذ أفوا ِه امل َنايا الضَّ وا ِح ِك وم الشَّ َواب ِِك()11 ِب َح ْي ُث أ ْهتَدَ ت أُ ُّم ال ُّن ُج ِ
يغي يف هوية األشياء ،ويخرج عن النسق إن املتأمل يف هذه األبيات يستنتج بوضوح براعة الشاعر يف التجسيد وكيف ّ
املوضوعي .لقد وضعنا الشاعر أمام ك ٍّم من االستعارات التي ق ّدمت لنا الصورة النمطية للشعراء الصعاليك ،فهم الفرسان الشجعان األقوياء الذين ال يرهبون املوت وال يخشون ال َوحشة والوحدة يندفعون باتجاه املنايا غري آبهني باملصري الذي ينتظرهم إنه عاملهم الخاص غري املنطقي ،فاإلنسان يألف املجتمعات وصحبة البرش والحياة الطبيعية
الهادئة ،أما هؤالء الشعراء فنجدهم يندفعون وراء الغزو والقتال والتح ّدي والترشد يف أرجاء الصحراء املرتامية املعبة عن الواقع الذي ذكرناه. األطراف ،وعندما يطلقون العنان الستعاراتهم تتبدى لنا الدالالت ّ
عب الجرحاين عن هذا املنحى إن شعرية الصورة ،ومدى براعة خيال الشاعر يُقاسان بنجاحه يف بناء استعاراته وقد ّ فقال" :ومن الفضيلة الجامعة فيها أنها تربز هذا البيان أبدا ً يف صورة مستجدة ،تزيد قدره نبالً وتوجب له الفضل
فضالً ،وإنك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت بها فوائد جمة ،حتّى تراها مكررة يف مواضع ،ولها يف كل واحد من تلك املواقع شأن مفرد ،ورشف منفرد ،وفضيلة مرموقة وخالّبة"(.)8 فضالً عن ذلك فإن لالستعارة قدرة عىل استيعاب التجارب الوجدانية وتجسيد الشحنات العاطفية وتحويل األشياء مجسمة فتنقلك إىل عامل الخيال والتأمل. املعنوية إىل صورة حسية ّ سوف أق ّدم بعض النامذج الشعرية لشعراء صعاليك للوقوف عىل جامليات االستعارة يف نتاجهم الشعري حيث اعتمدوا عىل ملكة التجسيد وجسموا الكائنات فخلعوا الحياة عىل ما ال حياة فيه ،وجعلوا األمور املجردة شاخصة أمام األعني ،وصار فاقد الحياة حياً متحركاً من خالل االستعارة ننفعل ونتفاعل معه ،ولعل هذا ما أدى إىل وفرة مناذج االستعارة التشخيصية عند الصعاليك ،ومنها رسم صورة للجوع وتجسيده كأنه إنسان دائن يطلب دينه عند الشنفرى وهو مياطله ،فيذهل ويكف عن السؤال ،كام يقول: يم ِمطَ َال ال ُجوعِ ح َّتى أُ ِميتُهُ أُ ِد ُ
ض ُب عنهُ ال ِّذكْ َر َصفْحاً فأذهل()9 ُ وأَ ْ ِ
انطالقاً من البيت الشعري نجد كيف ح ّول الشاعر (الجوع) إىل شخص مياطله وال يتجاوب معه ،وبالتايل فإن ميل من الشاعر ويتخىل عن السؤال. (الجوع) الذي أعطاه الهوية اإلنسانية ّ ومن صور التجسيد قوله: ـذوب لُعابُـهُ ٍ ويوم ِمن الشِّ ْعـ َرى يَ ُ
أَفا ِعـيـ ِه فــي َرمضـائِـ ِه تَتملـ َم ُل()10
يبي ش ّدة حرارة ذلك اليوم ،فش ّبه ما قد يُرى من ش ّدة الح ّر بخيوط العنكبوت ،وحذف أراد الشاعر يف هذا البيت أن ّ املشبه به وترك الزمة من لوازمه «لعابه» عىل سبيل االستعارة املكنية ،وهي استعارة أضفت عىل املعنى زيادة مهمة جعلتنا نتخيل مدى حرارة الطقس يف ذلك اليوم وكيف أن الشاعر يتح ّدى قسوة الطبيعة. وبالعودة إىل لفظة (أفاعيه) الواردة يف البيت الشعري ال بد لنا من الوقوف ملياً عند دالالت اللفظة وأبعادها النفسية التي ترسم لنا صورة للشاعر الصعلوك .ملاذا مل يستبدل لفظة (أفاعيه) بلفظة أخرى تشري إىل املعنى؟ من هنا نستحرض الواقع النفيس لهؤالء الشعراء ،وكيف ربطوا بني الصورة الشعرية وذلك الواقع فاألفاعي بالنسبة لإلنسان رم ٌز من رموز الخطر وهي تحمل يف جوفها السم الزعاف والذي يؤدي بدوره إىل املوت والفناء.
إن الشعراء الصعاليك برعوا يف الحرب النفسية وسخروا تلك االستعارات للتعبري عن ماهيتهم وقدموا من خاللها صورة لخشونة العيش وشظف الحياة التي عاشوها ،هم زرعوا يف قلوب من يفكر يف مالقاتهم الرعب والخوف .مام ال شك فيه إ ّن يف ذلك لفتة بارعة من جانب هؤالء .إنه نوع من كسب املعركة قبل وقوعها ،ومن يريد أن يواجه هؤالء ،أو يضع حدا ً لترصفاتهم يجب أن يفكر ملياً قبل اإلقدام عىل أي احتكاك أو مبارزة معهم ،وهذا األمر يحسب جسد ذلك الشنفرى وهو يصور انتصاره للشعراء الصعاليك ،وهم يف نهاية املطاف سينترصون عىل أعدائهم ،وقد ّ عىل أعدائه بقوله: تَضْ َح ُك الضَّ ْب ُع لِ َق ْت َل ه َذ ْيلٍ تاق الطَّريِ تَهفو بِطاناً َو ِع ُ
هل يس َت ُّ وتَ َرى ال ِّذئ َْب لَها ْ تَ َت َخطَّا ُه ْم َف َم تَس ْتق ُِّّل ()13
لقد شكل الشاعر من البنية التجسيدية التي أعطى فيها (الضبع) صفة الضحك فأسند بذلك لها هوية إنسانية، فاإلنسان هو الذي يضحك وليس الضبع ،غري يف ماهية األشياء وبدل يف الهويات .إن هذه املشاهد الشعرية تستطيع عبت هذه الصورة التجسيدية عن شجاعة الصعلوك أن تنقلنا بيرس وبسهولة إىل عاملهم ،عامل الفتك والبطش .لقد ّ وبأسه يف االنتصار عىل أعدائه ،وتحويل مشهد االنتصار إىل صورة تجسيدية تقرب املعنى يف ذهن املتلقي وترسخ فلسفة القوة التي آمن بها الشاعر الصعلوك ،إن جاز التعبري ،إضافة إىل وضعنا يف أجواء الحياة القاسية التي يألفها أو رمبا لنقل متاهى معها ووطن نفسه عىل القبول بها مكرهاً ألسباب أتينا عىل ذكرها يف املقدمة وأهمها مت ّرده عىل
نظام القبيلة وخروجه عىل املأثور التقليدي الذي حكم املجتمع العريب خصوصاً يف العرص الجاهيل فاستعان بالتجسيد االستعاري ليدلل عىل هويته معتمدا ً عنارص التشويق واإلثارة ونجد ذلك يف قوله تأبّط رشا ً: وأَ ْد َه َم قد ُج ُ بت جلبا َبهُ الص ْب ُح أَثْ َنا َء ُه َإل أَنْ َحدَ ا ُّ
ك ََم ا ْج َتا َب ِت الْكَا ِع ُب الْ َخ ْي َعالَ َو َم َّز َق جِ لْ َبا َبهُ األَلْ َيالَ()14
إن تراكم االستعارات يف هذه األبيات وتع ّددها يف قوله( :ظهور املهالك وفد الريح ،خاط عينيه كرى النوم ،تهللت نواجذه ،أفواه املنايا ،الضواحك ،يرى الوحشة) جعل النقّاد يضعونها يف باب االستعارات البديعية( )12وقد أسهمت هذه االستعارات مع البنية التجسيدية يف قوله (ظهور املهالك وتهللت نواجذ أفواه املنايا) يف تشكيل مشهد استعاري جعل للدهر ظهرا ً وللموت نواجذ يضحك بها مستعريا ً لها هذه الصفات من اإلنسان ليح ّولها إىل
صورة مرئية متحركة .لقد غري يف هوية األشياء وأسند للمنايا الزمة من لوازم اإلنسان وهي النواجذ فارتدت املنايا
بذلك هوية جديدة هي هوية اإلنسان واتخذت املنايا الهوية البرشية وهو بذلك خرج خروجاً كلياً من النسق املوضوعي إىل النسق الفني الفكري وجعل الصورة ترسخ يف ذهن املتلقي الذي اتخذ من الخيال وسيلة من أجل تفكيك الصورة والتمعن يف أبعادها ،كذلك قدم لنا الشاعر صورة واضحة عن البعد النفيس الذي خضع له الشاعر الصعلوك يف تلك التجربة التي عاشها. إن تكرار هذه االستعارة يف أكرث من موضع عمل عىل تعميق الداللة اإليحائية ،وبهذا فإن كل بيت له قوته األدبية والتعبريية بوصفه جزءا ً فعاالً ومتالحامً مع األجزاء األخرى يف تكوين بنية كلية تنظيم أجزاء النص كله ضمن بناء فعال قادر عىل توصيل املعنى إىل املتلقي .إنه الشجاع الصبور الذي ال يشكو كثريا ً ،موطنه املفازة التي يعيش فيها دون أن يأبه باملوت أو يخشاه لش ّدة حامسته وجرأته ويشري يف األبيات إىل رسعة عدوه فهو يسبق الريح بعد ٍو رسيع ومتالحق وإذا خاط الكرى عينيه فإن قلبه مستيقظ .وانظر كيف ح ّول الكرى إىل إنسان يخيط ويعطيه
(النوم الخفيف) وظيفة إنسانية ويستمر يف تبديل هوية األشياء ليحولها إىل إنسان يحس ويشعر ويعمل .وكل ذلك من أجل ترسيخ الصورة التي أراد إيصالها إلينا وجعلنا نشعر به ونلمس عمق املعاناة التي يحياها الشاعر
الصعلوك يف تلك الرباري املوحشة ومع ذلك فهو قليل التشيك. ونرى وظيفة أخرى أراد الشاعر إثباتها انطالقاً من هذه االستعارات التجسيدية ،وهي صورة القوة التي ق ّدمت لكل من الدهر واملوت ،لغرض زرع الخوف والرهبة يف أعدائه واملرتبصني به كنوع ظالالً موحية ومؤثرة ومجسدة ّ من إبراز القوة وعرض الشجاعة وترسيخها يف شخص الصعلوك ،وهذا مؤداه أن كل من يفكر مبنازلته ال ب ّد أن مصريه سيكون املوت املحتوم .إن هذه الصورة تجسدت يف الفعل (تهللت) وقد وفق الشاعر يف استخدام هذا الفعل حيث أ ّدى وظيفته التعبريية خصوصاً مع املسند إليه (نواجذه) لقد رسم لنا هذا التعبري صورة واضحة للشاعر الفارس املحارب الذي ال ينازل إالّ من مياثله قوة وشجاعة وإن نهاية املبارزة محسومة يف نهاية املطاف حيث ستكون الغلبة للشاعر الصعلوك واملوت ينتظر عدوه.
وإذا تناولنا منوذجاً آخر من شعر تأبط رشا ً ،نجده يرسم لنا من خالله لوحة تعرب عن القسوة والتوحش: أص َب ْح ُت َوالْغ ُ ُول ِل َجا َر ٌة َف ْ
َف َيا َجا َرتَا أَن ِْت َما أَ ْه َوالَ!
َوطَالَ ْب ُت َها ُبضْ َع َها َفالْ َت َو ْت
اس َت ْغ َوالَ ِب َو ْج ٍه تَ َه َّو َل َف ْ
ك تَ َر ْي َف ُقل ُْت لَ َها َيا انْظُرِي َ ْ
َف َول َّْت َفكُ ْن ُت لَ َها أَغْوالَ()18
إن حياة ال َو ْحشَ ة التي يعيشها الشاعر الصعلوك جعلته يخربنا بأن الغول قد أصبحت جارة له .إ ّن املتمعن يف هذه األبيات يلمس قساوة التجربة التي يعيشها الشاعر تأبط رشا ً .فهو املنقطع عن املجتمع اإلنساين إىل ح ٍّد ما ،والذي يعيش حياة الوحشة والترشد ،منعزالً عن الحياة الطبيعية التي يحياها أي إنسان سوي يحب الحياة الهانئة ويسلك السلوك القويم بعيدا ً عن مخاطر الحياة الناجمة عن الصعلكة وحياة الغزو والسلب .إن من البديهيات أن يكون هذا املصري الذي يالقيه بعد الوحدة واالنفراد وبذلك يُضحي جارا ً للغول التي وجد فيها الهول والشدة، أما الصورة فتبدو يف أقىس تجلياتها حني يطالب تلك الغول باملباضعة فانظر إىل عمق الحياة الوحشية التي يعيشها هذا اإلنسان .يطلب الزواج من الغول وهي الكائن املخيف املتجسد يف ذهنه األمر الذي دفعه إىل املبالغة لريسم لنا حياة التوحش التي يعيشها .ومن يطلب و ّد الغول بدافع الزواج يجعلنا نتخيل مدى الوحشة، والغربة ،والعزلة .إن هذه العوامل مجتمعه ستدفعه بال ّ شك إىل السلوك املتوحش ليجد يف نسب الغول حالً يعوض عنه انقطاعه عن املجتمع اإلنساين والحياة البرشية العادية التي ينعم بها أي إنسان يف هذه األرض .وال يكتفي الشاعر بهذا املوقف بل يتد ّرج يف املبالغة ليقدم لنا صورة أكرث قساوة وأعمق تأثريا ً حني أخاف الغول مبنظره الذي بلغ الذروة بتقديم نفسه للمتلقي بأنه أشد تغوالً من الغول نفسها. ك تَ َر ْي َف ُقل ُْت لَ َها َيا انْظُرِي َ ْ
َف َول َّْت َفكُ ْن ُت لَ َها أَغْوالَ
إنها مرحلة التوحش التي تفوق التص ّور ،والتي تق ّدم لنا صورة من صور حياة الصعاليك الذين اتخذوا من الصحراء والرباري ملجأً لهم ،وعاشوا ال َو ْحشة والتوحش بأقىس صورها. أضف إىل هذه الصورة التي ق ّدم لنا الشاعر من خاللها وصفاً لحياته ،صورة أخرى يستنتجها كل من يتتبع نتاج
لكل من يفكر يف مواجهة الصعلوك ،فالرشيد الذي يعيش الشعراء الصعاليك ،تتضمن يف طياتها تهديدا ً وتخويفاً ّ يف الفيايف ويجاور الغول ويطلب الزواج منها هو إنسان مرعب مخيف ومن يواجهه ال بد أن مصريه الحتمي هو الهالك .هي رسالة مبارشة لكل من يفكر يف مواجهة الصعلوك الذي خرب شظف الحياة وألِف النمط الوحيش، حساب لهذا الرعب املتنقل. وجاور الغول ،بل وعرض عليها الزواج ،سوف يحسب ألف ٍ
يف هذا البيت أراد الشنفرى أن يصور عمق العالقة التي يراها بني سهمه وقوسه فلم يجد غري االستعارة سبيالً، فش ّبه ما تحدثه القوس من صوت عند الرمي وكأنه أنني الثكىل .حذف املش ّبه ورصح باملش ّبه به .لقد أعطى
القوس هوية جديدة وغري يف ماهية األشياء وبذلك عمد إىل التجسيد فحولها من مجرد آلة صامء إىل ثكىل تبيك
وتعول عىل فقدان القوس وكأننا أمام عالقة إنسانية حميمية متثلت يف األنني عىل فقد العزيز والحبيب. - 2ال َو ْحشَ ة واملوت يف شعر الصعاليك واستعاراتهم:
رشد والعزلة التي عاشها الصعلوك ،بعيدا ً عن قبيلته طريدا ً يف الصحراء منخرطاً يف بيئة تعتمد عىل إن حياة الت ّ الغزو والقتال والسلب والكر والفر جعلت حياته يف خطر دائم .إن ذلك الخطر جعله يتوجس دامئاً من فكرة
املوت التي تالزمه ،أضف إىل ذلك االنعكاس النفيس الذي جعله يعيش منفردا ً ضمن مجموعات صغرية تحيا الوحشة والتوحش يف السلوك ،كل ذلك جعله يرسم لنا صورا ً تدلل عىل املوت وكيفية مواجهته .لقد حفل حقلهم املعجمي بالكثري من األفعال والعبارات التي تشري إىل هذا املنحى (املنية ،املوت ،غري خالد ،متوت ،امليتة ،نعيش، أُ َغ ّي ُب) ويثري هذا التنوع يف ذكر املوت إىل أن الصعلوك كان يعيش هامً قاسياً ومعاناة صعبة .يرتبص به املوت يف
كل لحظة من حياته ،ألنه مطلوب لعدالة املجتمع يومذاك ومطارد ومستهدف لذا تولدت يف داخله روح االستهانة
باملوت كنوع من التح ّدي يف مواجهة القلق الذي يعانيه .إن ذلك التح ّدي دفعه إىل العبث والشجاعة واإلقدام وتح ّدي املخاطر والرشاسة يف القتال ،ألن سقوطه م ّرة واحدة يعني نهايته وموته عىل أيدي خصومه .ونحن نجد يف أغلب أشعارهم حالة القلق واملرارة والشعور بالوحدة التي ال نصري لهم فيها إال سيوفهم.
إن هذا الشعور الدائم بالوحشة والتفكري املستمر باملوت أوجد لغة شعرية تعرب عن رؤيتهم واعتمدوا صورا ً استعارية ب ّدلت يف الهويات وح ّولت الجامد إىل صور مرئية متحركة.
استنادا ً إىل ما تق ّدم نستعرض بعض النامذج الشعرية التي رسمت حالة الوحشة والخوف ،وتناولت املوت من خالل صو ٍر عديدة ،وهذا تأبط رشا ً يصف رفيقه املترشد بقوله: يَظَ ُّل بِ َوما ٍة َو ُييس ِبغ َْيِها نيس َويَه َتدي نس األَ َ يَرى ال َوحشَ َة األُ َ
َجحيشاًَ ،ويَعروري ظُهو َر املَهالِ ِك ِب َح ُ جوم الشَ واب ِِك()17 يث اِهتَدَ ت أُ ُّم ال ُن ِ
إن هذين البيتني يرسامن لنا صورة عن حياة الترشد األساسية التي يحياها الصعلوك يف القفار املوحشة التي تنعكس َو ْحشَ ة يف الحياة وتأثريا ً قاسياً عىل نفسيته األمر الذي يدفعه إىل معانقة السيف والتحفز الدائم للقتال الذي ال مجال فيه إالّ للرشاسة والرضاوة ألنه إن مل يكن القاتل فهو املقتول ،وهذا ما ينعكس بالتايل توحشاً يف الفعل والسلوك .كيف ال؟ وهو يرى الوحشة وطناً له وأنيساً!.
ومثله فَ َعل تأبط رشا ً حني رسم صورة لغربته وبعده عن مجتمعه: يبيت بِ َغنى ال َو ِ ُ حش ح ّتى ألِ ْفتَهُ
و ُيصبح ال َيحمي لها الدَّ ْه َر مرتعا()20
ال شك بأن نزيل الرباري والقفار بات يألف الوحش ويأنف البرش وقد أعطى الوحش هوية األلفة وب ّدل يف ماهية األشياء بخروجه عن النسق املوضوعي ليشري إىل مقدار األمل الذي يعترصه تجاه مجتمعه وقومه. الوحش هو األليف وكأنه اإلنسان الذي يلجأ إليه ليبثه نجواه بعيدا ً عن القبيلة فاستعار الزمة من لوازم اإلنسان وهي األلفة واسندها إىل الوحش مختزالً الفرد يف املجتمع ومستعيضاً عنه بالوحش وهو بذلك أبقى املش ّبه
وحذف املشبه به «واالستعارة تقوم عىل االختزال ،ألن املذكور أحد الطرفني ،ورغم ذلك نراها تصل الطرفني؛ ألن
الفاعل يف املعنى يكون املش ّبه به ،وهي أبلغ من التشبيه لتجاوزها االنطباعات العامة عند الشاعر ،كقولهم عن القمر إنه «ملك الليل» فال تتوقف رؤية الشاعر له بأنه قرص أبيض المع ،ولذلك جعلها النقّاد من مقومات
الحكم عىل الشاعر؛ ألنها ال تعتمد عىل حدود التشابه الض ّيقة بقدر ما تعتمد عىل تفاعل الدالالت الذي هو –
بدوره -انعكاس وتجسيد لتفاعل الذات الشاعرة مع موضوعها»(.)21
ومن الشعراء الذين عقدوا األحالف والصحبة مع الوحوش وعاشوا ال َو ْحشة يف القفار عبيد بن أيوب العنربي الذي
رسم لنا ذلك الواقع بقوله:
َ وآجال الظِّبا ِء ب َق ْف َر ٍة كأَ ِّن
لنا ن ََس ٌب نَ ْرعاه أَ ْص َب َح َدانِيا
َرأَ ْي َن ضَ ِئ َيل الشَّ خ ِْص َيظْ َه ُر م َّر ًة
و َي ْخفَى ِم َراراً ضا َم َر الجِ ْس ِم َعارِيا
فأَ ْج َفلْ َن نَقْراً ثُ َّم ُقلْ َن اب ُن َبلْدَ ٍة
َقلِ ُيل األَ َذى أَ ْم َس ولك َّن ُمصا ِفيا
أال يا ِظبا َء ال َو ْح ِش ال تَشْ ُهرنَني
وأَ ْخ ِفي َن ِنى إِنْ كُ ْن ُت فيكُ َّن خَا ِفيا
أَكَل ُْت ُع ُر َ وق الشَّ ْي َم ْعكُ َّن والْ َت َوى األس َو ِد ال َجونِ يف الهوى ِيت أَب ُ َ ضجيع ْ
ب َحلْ ِق َي نَ ْو ُر ال َق ْف ِر َح َّتى َو َرانِيا الحشاش وساديا()22 ِ كثرياً وأثناء
نحن إذا ً أمام منوذج يعلن االنفصال التام عن املجتمع الحرضي ،وهو يستمد وجوده من خالل قوته وش ّدته إنه الفعل الذي يثبت الذات ويفرض الرهبة عىل اآلخر. وإذا كان (تابط رشا ً) قد ق ّدم نفسه بهذه الصورة ،فإن شاعرا ً آخر هو (الشنفرى) وضعنا يف ج ِّو عامله الجديد
فرح مرسور بإخوانه الجدد :الذئب، أيضاً ،ذلك العامل الذي هاجر إليه وارتىض لنفسه الحياة فيه وهو بذلك ٌ تعب عن الرقة والنمر ،والضبع ،للداللة عىل الوحشة واالنفراد يف ذلك العامل الخاوي من السلوكيات التي ّ
واألحاسيس والطباع املرهفة .عرب عن عامله بقوله:
ِيـم َع ِن األَ َذى ويف األَ ْر ِض َم ْنـأَى لِلْكَر ِ
َاف ال ِقلَـى ُم َت َعـ َّز ُل َو ِفي َها لِ َم ْن خ َ
يـق عىل ا ْمرِى ٍء لَ َع ْمـ ُر َك َما بِاألَ ْر ِض ِض ٌ
سى َرا ِغ َبـاً أَ ْو َرا ِه َبـاً َو ْه َو يَ ْع ِق ُـل ََ
َّـس َو ِل ُدونَك ُْم أَ ْهلُـون ِ :سيـدٌ َع َمل ٌ السـ ِّر َذائِ ٌـع ُه ُ ـم األَ ْه ُل ال ُم ْس َتو َد ُع ِّ
َوأَ ْر َق ُط ُز ْهل ٌ ُـول َو َع ْر َفـا ُء َج ْيـأَ ُل
لَدَ يْه ِْم َوالَ ال َج ِان بِ َا َج َّر يُخْـ َذ ُل()19
إنه التم ّرد عىل القبيلة الذي أ ّدى إىل ال َو ْحشة املفضية إىل التوحش .هو العامل الذي وجد فيه الشاعر أنسه
وصحبته .إن هذا التم ّرد ،دفعه إىل توظيف البنية التجسيدية يف تشكيل يستبدل من خالله مجتمعاً جديدا ً
مبجتمع القبيلة.
هذا املجتمع الذي شكل الصعلوك أفراده وعنارصه بنا ًء لرؤيته التي شاءها وارتضاها .رمبا لتعويض النقص الذي
واملتجسد يف بعده عن املدنية ،أو لنقل عن املجتمع الذي يسكنه الناس الطبيعيون لذلك سعى إىل إيجاد يعيشه ّ العامل البديل والصحبة البديلة. األصحاب هم( :الذئب ،والنمر ،والضبع) وكنى عنهم بقوله( :سيد ع ّملس ،وأرقط زَهلول ،وعرفاء جيأل) إنهم الرهط ،أو األهل .خلع عليهم بعض صفات البرش حني مت ّنى أن تكون موجودة يف مجتمع قبيلته .إنهم عائلة ال تربطه بهم روابط الدم؛ إمنا الح ّيز الجغرايف هو الذي فرض ذلك ،إنه الجدل بني الذات والواقع الذي يعيشه الشاعر .إنه التعبري عن الغربة الفعلية التي يعيشها ،والوحدة التي جنحت بخياله إىل رسم هذه الصورة
وتشخيص تلك الكائنات املتوحشة من خالل الصحبة .اإلنسان هو الذي يصاحب اإلنسان .أما أن يكون وحش رس فهذا يأخذك إىل البعد النفيس الذي تحكم بخطابه وسلوكياته فق ّدم الرباري هو الصاحب واألنيس وكاتم ال ّ
نفسه إىل العامل عىل هذه الشاكلة ورسم لنا بذلك صورة الرصاع بني الفرد واملجتمع .هو الفرد املنبوذ من طرف
املجتمع الظامل بنظره فكان ال بد من أن يقدم لنا نفسه عىل صورة الفارس الثائر املتمرد الذي يرتيض لنفسه الوحشة والوحدة والتوحش عىل حياة الخنوع والخضوع لقوانني القبيلة.
جسدها الصعلوك يف فكرة املوت ما قاله أبو النشناش النهشيل: ومن االستعارة التي ّ س ْح َس َوا ًما َول َْم ُير ِْح إ َذا الْ َم ْر ُء مل َي ْ َ
ف َعلَ ْي ِه أَ َقا ِر ُبهْ َس َوا ًما ول َْم تَ ْع ِط ْ
َي لِلْ َف َتى ِمن ُق ُعو ِد ِه فلَلْ َم ْو ُت خ ْ ٌ
َف ِق ًريا و ِمن َم ْو ًل تَ ِد ُّب َعقَا ِر ُبهْ
ول َْم أَ َر ِمث َْل الفق ِر ضَ ا َج َعهُ الْ َف َتى
وال ك ََس َوا ِد اللَّ ْيلِ أَ ْخف ََق طَالِ ُبهْ
ف ُم ْت ُم ْع ِد ًما أَ ْو ِع ْش كَ ِرميًا َفإِنَّ ِني
أَ َرى امل َ ْو َت ال َي ْن ُجو ِم َن الْ َم ْو ِت َها ِر ُبهْ ()25
كل مأخذ األمرن الذي دفعه إىل تشكيل نراه يفضل املوت عىل الحياة الخاملة ،مع أن سياط الفقر أخذت منه ّ بنية تجسيدية أعطى الفقر من خاللها صفات اإلنسان عندما جعل الفتى يضاجعه .لقد كرر الشاعر لفظة (املوت) ثالث مرات ليصل يف نهاية املطاف إىل أن املوت أم ٌر محتوم وقضاء مربم ولن ينجو منه اإلنسان يف نهاية املطاف مهام فكر بالهروب .إنها الفكرة املالزمة للشاعر الصعلوك كام أسلفنا ،وبات غنياً عن الرشح الحديث عن هذه
الفكرة ومربراتها. إىل ذلك نجد أن الصعلوك يف كثري من األحيان يق ٍّدم عزة النفس حتى ولو كان مهرها املوت يقول أبو خراش الهذيل: وإن ألَثوي الجوع َح ّتى ميلَّني ِّ
َفيذ َه َب مل ُيدنِس ثيايب وال ح ْرمي
بق املا َء القُراح فأنتهي وأ ْع َت ُ
إذا ال َّزا ُد أمىس لل ُمزلّج ذا طَ ْع ِم
مخاف َة أن أَ ْحيا ِب َرغ ٍْم و ِذلَّ ٍة
َي من َحيا ٍة عىل َرغ ِْم()26 ولل ْم ُ وت خ ْ ٌ
وجسده بصورة العاقل الذي يشعر بامللل خلص إىل بعد أن أعطى الجوع هوية جديدة وأسند إليه فعل (ميلني) ّ الفكرة املركزية املتمثلة يف رفض الذلة واملهانة ،وفضل املوت الكريم عىل الحياة الذليلة واعترب أن الصرب عىل الجوع والفقر خ ٌري له من موقف ذليل .إنه العنفوان الذي يدفعه إىل تقديم املوت .ذلك املوت املتوقع يف كل لكل صعلوك طريد يف الصحارى املجدبة. لحظة ِّ
إن التح ّدي الذي عاشه الصعلوك يف حياته جعله يختزن صورة املوت يف ذهنه دامئاً وكانت مشاهداته الدامئة -يف الصحراء املرتامية األطراف واملجدبة والقاسية -ترسم صورا ً موحية يستخلص منها طريقة عيشه يف بعض األحيان. راقبوا عنارص الطبيعة وهم يجوبون الصحراء وعرفوا طباعها وغزلوا من ذلك بعض صورهم الشعرية وقد برع تأبط رشا ً يف رسم تلك الصور حني راقب الضبع التي اقرتنت صورتها بصورة املوت دامئاً يف شعرهم.
نجح الشاعر من خالل توظيف ع ّدة بنى تجسيدية يف سياق شعري للداللة عىل حالته ووحشته مستندا ً إىل طاقة تخيلية تصور لنا الظباء وهم مدركون لحالته «ضامر الجسم عاريا» يحاورونه ويحادثونه ،لقد أضحى األليف وهو قليل األذى بالنسبة لهم فأضفى عىل الظباء الصفات اإلنسانية خصوصاً عندما قبلوا به جارا ً وأنيساً مستعيضاً بهم عن املجتمع البرشي ألنهم باتوا املالذ يف تلك القفار املوحشة أن هذا الشاعر الفاتك نظري الشعراء الصعاليك يف التعبري عن وحدته وغربته التي يحياها بعيدا ً عن الحكام والسالطني. إن ال َو ْحشَ ة التي عاشها الشاعر الصعلوك جعلته دامئاً أسري فكرة املوت ،فهو يف ترشده أو سعيه وراء رزقه ،أو يف
أي عملية من عمليات السلب والسطو تبقى صورة املوت راسخة يف ذهنه لذلك نراه يتحداه حيناً ويخشاه أحياناً.
ونجد شاعرا ً كعروة بن الورد حني يتحدث عن الجوع والفقر وسعيه يف سبيل رزقه يجسد الفكرة بقوله: ف يف البال ِد ،لعلّني د ِعيني أُط ّو ْ تلم ملم ٌة أليس عظيامً أن ّ ٍ فإن نحن مل منلك ِدفاعاً بحادث
الحق مح ِم ُل أُ ِفيدُ ِغ ًنى ،فيه لذي ّ وليس َعلينا يف الحقوق ُ معول أجمل()23 فاملوت ُ ُ تلم به األيا ُم ُّ
تبدو لنا من خالل البيت األخري فكرة املوت راسخة يف ذهن الشاعر الصعلوك ،فعروة بن الورد يرى أن املوت أجمل من الحياة إذا مل يصل إىل مبتغاه ويحقق املسعى الذي يعمل من أجله بعد أن فقد الطأمنينة يف مجتمعه وانقطعت الصلة بينه وبني ذلك املجتمع الذي اعتربه خارجاً عليه وتنكر له ،فدفعه إىل متابعة االغرتاب والضياع. كذلك فعل الشنفرى حني تح ّدى املوت رافضاً ّ الذل والهوان يف قوله: أديم مطال الجوع ح ِتى أميتهُ ُ
رض ُب عنهُ ال ِّذك َر صفحاً فأذهل()24 ُ وأ ِ
لقد ح ّول (الجوع) إىل شخص مياطله ويرفض أن يتجاوب معه ،أعطاه الهوية اإلنسانية ليخربنا عن امللل الذي
يجسد الجوع ويحوله إىل إنسان يعقل فإنه أراد من خالل تغيري هوية اليشء أن يضعنا يف أصابه ،والشاعر حني ّ أجواء املعاناة يحياها وهو عىل الرغم من هذه املعاناة فإنه يرفض الذل والخنوع ويصرب عىل الجوع فيموت .إنه
التح ِّدي يف مواجهة القلق الدائم والوحشة والغربة ،لكن جوهر األمر أن فكرة املوت مالزمة للصعلوك وهي ترتاوح بني املواجهة والتحدي من جهة والخوف الدائم عىل املصري من جهة ثانية.
جسده الشنفرى الذي مل يخش عىل جسده من الضبع لذلك طلب إىل قاتليه أال إن هذا النوع من التح ّدي ّ يدفنوه: عليكم ،ولكن ِ أبشي أُ َّم عا ِم ِر
فال تقربوين إنَّ قربي ُمح َر ٌم
ثم سائِري َوغوِد َر ِعند امللْتقَى َّ
الرأس أكرثي إذا اح ُت ِملت رايس ويف ِ رسين َهنالِك ال أَر ُجو حيا ًة ت ّ
سمري الليايل ُمبسالً بالجرائرِ()29
هكذا خاطب الضبع (أبرشي أ ّم عا ِمر) ،قمة يف الشجاعة والجرأة ،هو يعلم مصري من ال يُلحد يف قربٍ ،إنها نهاية بني أنياب الضبع وبراثنها ومع ذلك يطلب من قاتليه أالّ يدف ّنوه ليتحول بذلك إىل وليمة للضبع. إن الضبع بالنسبة للصعلوك الذي يعيش يف الصحراء موت ثانٍ يخشاه ويحسب له الحساب ،وإذا كان الشنفرى قد تح ّدى هذا املوت فإن شاعرا آخر مل يكن عىل الدرجة عينها من الثبات ،فانظر إىل األعلم الهذيل يصور لنا خشيته من ميته يصبح معها طعاماً للضبع وقد قال يف ذلك: قع رضيب ٍة َوخ ُ َشيت َو َ فأكونُ صيدَ ُه ُم بها
كل التجار ِْب قد َج ِّر َب ْت َّ السوا ِغ ْب()30 وأص ُري للضُّ ُب ِع َّ
طعام للوحوش بعد إنه الخوف عىل املصري بعد املوت ،أو لنقل إنه الخوف من املوت الثاين املتمثل يف تح ّوله إىل ٍ
موته .إن تلك الصور الدامية والقاسية التي رسمها الشعراء الصعاليك تق ّدم لنا منوذجاً عن شظف الحياة التي عاشوها ،تلك الحياة املحكومة بالخوف والقلق وال َو ْحشة ومشاهد التوحش جعلت فكرة املوت تح ّول حياة
الصعاليك إىل حياة متوترة مضطربة فال مالذ يأوي إليه يدفع عنه نوائب الدهر ،وال موطن يتخذه مستقرا ً له يحيا
فيه الحياة الهانئة ،فتحولت فكرة املوت إىل داللة جوهرية ق ّدمت منوذجاً عن حياة الشعراء الصعاليك وساهمت يف تقديم استعارات رائعة أضفت عىل لغة الصعاليك الشعرية أبعادا ً جاملية خرجت عن النسق املوضوعي جسدت الجامد وبثت فيه الروح وحملته بإيحاءات رائعة وضعت املتلقي يف عمق الجو النفيس الذي لألشياء حني ّ يحياه الصعلوك واستطاع من خالل لغته الشعرية أن يقدم نفسه إىل العامل عىل تلك الصورة التي ق ّدمها.
عاينوا طريقة عيشها يف تحصيل قُ ْوتِها الذي يدفعها إىل نبش القبور بهدف الحصول عىل الطعام حتى باتت بنظر الشاعر رمزا ً للموت ملا تحمله من فتك وتوحش ورشاسة وإرصار عىل القتل ويف ذلك يقول: َف َز ْح َز ْح ُت َع ْن ُه ْم أَ ْو تَجِ ْئ ِني َم ِن َّي ِتي ك َِّأن أَ َراها الْ َم ْو َت الَ َد َّر َد ُّر َها
بغربا َء أو عرفا َء تغدُ و الدَّ فائنا أمكنت أنيابها والرباثنا()27 ْ إذا
جسدها إن صور الفتك التي عاينها يف أنثى الذئب (غرباء) أو الضبع (عرفاء) رسمت يف ذهن الشاعر صورة قاسية ّ باملوت (كأين أراها املوت) .مام ال شك فيه إن هذه الصورة تجعل جذوة العزم تتوقد يف داخله بهدف التح ّدي ومواجهة الصعاب يف تلك الصحراء املوحشة موطن الريح والوحش وعامل األسطورة التي تتضمن فكرة الغول والج ّن ،أمام هذا الواقع ال ب ّد من الشجاعة ومواجهة املوت مهام كانت الظروف صعبة وقاسية .إن تلك الوحوش التي تجسد املوت تركت انطباعات قاسية يف ذهن الشاعر الصعلوك فهو يعيش يف رصاع دائم مع الدهر واملجتمع األمر الذي انعكس عىل تجربته الشعرية فكانت لها خصوصية م ّيزتها يف كثري من السياقات عن غريها من صور
الشعراء الجاهليني.
ونجد عروة بن الورد عندما يواجه خصمه ويقتله ،يوظف صورة الضبع وهي متكن براثنها من فريستها وتأكله بعد موته: َفأَت ُركُه بالقاعِ ،رهناً ب َبلْدَ ٍة
تَ َعا َو ُره فيها الضِّ با ُع الخوا ِمع()28
الضبع لن تتواىن عن متزيق األجساد إىل أشالء والتهامها. أصبحت الضبع مالزمة لفكرة املوت تلك ّ أمام هذه املشاهد القاسية وظروف الحياة الخشنة واملعقدة يف تلك القفار ال ب ّد للصعلوك أن يكون جديرا ً بالحياة وهذا ما ُييل عليه الصرب مقرتناً بالقوة والعزمية والبأس ،شكل املوت بالنسبة له هاجساً مستمرا ً ،وإن قال قائل بأن فكرة املوت متمثلة يف ذهن كل إنسان يحيا عىل هذه البسيطة نقول إن ذلك صحيح ولكنها ليست هاجساً مالزماً له كام الصعلوك ألن ظروف العيش مختلفة كثريا ً ،فالصعلوك حني ميوت قد ال يُدفن جسده يف الرثى لذلك فإن فكرة املوت بالنسبة له فكرة مركبة تنطوي عىل نوعني من الخشية :األوىل تتمثل يف املوت ،والثانية يف املصري بعد املوت .وهنا ،ال أتحدث عن املاورائيات بل العامل الواقعي امللموس واملتمثل يف مشاهدات الصعلوك لفعل الضبع بعد موت اإلنسان أو مقتله يف الصحراء املوحشة .إنه تح ٍّد من نوع آخر يواجهه الصعلوك ،وصورة مؤملة ارتسمت يف خياله.
( )15السعيد الورقي ،لغة الشعر العريب الحديث ،ص .16 ( )16إميل بديع يعقوب ،ديوان الشنفرى ،ص .78 ( )17عيل ذو الفقار شاكر ،ديوان تأبط رشا ً ،ص.153 ( )18أبو الفرج األصفهاين ،األغاين ،ج ،18ص .153 ( )19إميل بديع عقوب ،م س ،ص .55 ( )20أبو الفرح األصفهاين ،م س ،ص .127 ( )21جابر عصفور ،الصورة الفنية يف الرتاث النقدي والبالغي ،ص .244 ( )22نوري حمود القييس ،شعراء أمويون ،ج ،1ص .227 ( )23أبن السكيت ،رشح ديوان عروة بن الورد ،ص .131 ( )24يوسف شكري ،ديوان الصعاليك ،ص .41 ( )25محمد نبيل طريفي ،ديوان اللصوص ،ج ،2ص .286 ( )26دار الكتب املرصية ،ديوان الهذليني ،ج ،3ص .127 ( )27عيل ذو الفقار شاكر ،م س ،ص .217 ( )28ابن السكيت ،م س ،ص .60 ( )29يوسف شكري ،م س ،ص .29 ( )30دار الكتب املرصية ،م س ،ج ،2ص .77 املصادر واملراجع: - 1أبو هالل العسكري ،كتاب الصناعتني ،تحقيق عيل الجباوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم ،دار الفكر العريب الكويت ،ط1971 ،2م. - 2أبو الفرح األصفهاين ،األغاين ،دار التوجيه اللبناين ،بريوت -لبنان( ،د ت). - 3إبن السكيت ،رشح ديوان عروة بن الورد ،تحقيق عبد املعني امللوحي ،مطبعة مديرية إحياء الرتاث ،دمشق، (د ت). - 4أحمد عبد السيد الصاوي ،فن االستعارة ،الهيئة املرصية العامة للكتاب1979 ،م. - 5أدونيس ،كتاب البدايات ،دار اآلداب ،ط.1989 ،1 - 6الرماين ،النكت يف إعجاز القرآن ،تحقيق محمد خلف الله ،ومحمد زعلول سالم ،دار املعارف القاهرة( ،د ت).
الخامتة: كشفت الشواهد التي اعتمدتها كيف أبدع الصعلوك يف تشكيل الصورة االستعارية معتمدا ً عىل توظيف البنية عبت عن نفسية الشاعر املأزومة. التجسيدية التي ّ
لقد عمد الشاعر الصعلوك إىل الصورة االستعارية لغرض مشاطرته وجدانياً وقد نجح يف وضع املتلقي يف ج ٍّو من االنفعال والتفاعل .عرفنا معاناته وهمومه يف مجتمع تركه طريد اله ّم والخوف والجوع وال َو ْحشة واملوت ،لذلك
استبدل القبيلة مبجتمع جديد عاش قوانينه وفق رؤيته التي ارتضاها هو ورآها مناسبة إلرضاء طموحه يف العيش
الكريم بعيدا ً عن مجتمع القبيلة ومامرسته التي رأى فيها الظلم والجور .ثم إن الصعاليك نجحوا انطالقاً من عبت عن رؤية امتلكوها مجسدين فيها حياتهم بصورة تثري املتلقي .برعوا يف استعاراتهم يف تشكيل ُصو ٍر فنية ّ الجانب اإليحايئ لأللفاظ ،ومنحوا نصوصهم سمة التأثري يف النفس وشحذ الخيال.
د .رامز يزبك الهوامش//: ( )1
أميل بديع يعقوب ،ديوان الشنفرى ،ص .28
( )2
أدونيس ،كتاب البدايات ،ص .109
( )3
سيد قطب ،النقد األديب ،ص .61
( )4
فاضل عبود التميمي ،حضور ال ّنص ،ص .147
( )5
الرماين ،النكت يف إعجاز القرآن ،ص .79
( )6
بنية اللغة الشعرية ،جان كوهن ،ترجمة محمد الويل ومحمد العمري ،ص .205
( )7
أحمد عبد السيد الصاوي ،فن االستعارة ،ص .132
( )8
عبد القاهر الجرجاين ،أرسار البالغة ،ص .43
( )9
يوسف شكري ،ديوان الصعاليك ،ص .41
( )10أميل بديع يعقوب ،ديوان الشنفرى ،ص .78 ( )11ذو الفقار شاكر ،ديوان تأبط رشا ً وأخباره ،ص .152 ( )12أبو هالل العسكري ،كتاب الصناعتني ،ص .317 ( )13عيل نارص غالب ،شعر الشنفرى األزدي ،ص .120 ( )14كارلو نالينو ،تاريخ اآلداب العربية ،ص .72
38
38
- 7السعيد الورقي ،لغة الشعر العريب الحديث مقوماتها الفنية وطاقاتها اإلبداعية ،دار النهضة ،بريوت1984 ،م. - 8إميل بديع يعقوب ،ديوان الشنفرى ،دار الكتاب العريب ،بريوت ،ط1996 ،2م. - 9جابر عصفور ،الصورة الفن ّية يف الرتاث النقدي والبالغي ،دار التنوير ،بريوت ،ط1983 ،2م.
- 10جان كوهن ،بنية اللغة الشعرية ،ترجمة محمد الويل ومحمد العمري ،الدار البيضاء املغرب ،دار توبقال للنرش ،ط1986 ،1م. - 11دار الكتب املرصية ،ديوان الهزليني1948 ،م. - 12سيد قطب ،النقد األديب ،دار الرشوق ،بريوت( ،د ت). - 13عبد القاهر الجرجاين ،أرسار البالغة ،دار املطبوعات العربية( ،د ت). - 14عيل ذو الفقار شاكر ،ديوان تأبط رشا ً وأخباره ،دار العرب اإلسالمي ،ط1992 ،2م. - 15عيل نارص غالب ،شعر الشنفرى األزدي ،راجعه الدكتور عبد العزيز املانع ،ط1998 ،1م. النص قراءات يف الخطاب البالغي النقدي عند العرب ،دار مجدالوي للنرش - 16فاضل عبود التميمي ،حضور ّ والتوزيع2012 ،م. - 17كارلو نالينو ،تاريخ اآلداب العربية ،تقديم طه حسني ،دار املعارف مرص1970 ،م.
- 18محمد نبيل طريفي ،ديوان اللصوص يف العرص الجاهيل واإلسالمي ،منشورات محمد عيل بيضوي ،دار الكتب العاملية ،بريوت لبنان ،ط1425 ،1هـ-2004م. - 19نوري حمود القييس ،شعراء أمويون ،مؤسسة دار الكتب للطباعة والنرش ،جامعة املوصل1986 ،م. - 20يوسف شكري فرحات ،ديوان الصعاليك ،بريوت دار الجليل ،ط1992 ،1م.
أ ّو ًل :التّرشد عند مح ّمد املاغوط
اكتشف "مح ّمد املاغوط" يف كتابه "سأخون وطني"" ،أ ّن اإلنسان العر ّيب لن يجد يف هذا الكون الواسع مكاناً يضيع فيه أو يطري إليه ،مهام حلّق بحقائبه ورفرف بجوازات سفره ".فالحزن والفقر والقهر ...مل يدفع العرب ّإل إىل التّرشد والتّغ ّرب يف البالد ،علّهم يجدون األمان الذي يطمحون إليه ،لكن عبثاً" ،فإرهاب األنظمة مثل صاروخ سا ّم سيظل يالحقه" . ّ رشدا ً ال مأوى يحميه ،لذلك نجد أ ّن ديوان "الفرح ليس مهنتي" قد زخر ّ ربا كان مق ّدرا ً للعر ّيب أن يعيش م ّ
باأللفاظ ال ّدالّة عىل التّرشد ،وما (الشّ وارع) و(األرصفة) و(األزقّة) ،إلّ ألفاظ انترشت يف دواوين الشّ اعر كلّها وليس فقط "الفرح ليس مهنتي" ،لتنقل لنا حالة الحزن املسيطرة عىل الشّ اعر ،والتي أ ّدت إىل تحطيمه وترشيد أجزائه، لتضعنا أمام ذات مقهورة ،باإلضافة إىل ألفاظ أخرى منها" :ضائعاً ،هويّتي ،دفرت عناويني ،جواز سفري ،أتسكّع."...
رشد يف ديوان املاغوط مئة وستًّا وعرشين م ّرة ،وهذا ال ّرقم يحمل عمق الذّات وردت األلفاظ ال ّدالة عىل التّ ّ عم يحيط بها ،توزّعت هذه األلفاظ يف مختلف قصائد ال ّديوان " :خريف األقنعة"" ،أيّها املاغوط ّية املغ ّربة ّ السائح"" ،بعد تفكري طويل"" ،يف اللّيل" "رسالة إىل القرية"... ّ والضياع اللّذين يحيطان به ويدفعانه إىل اعتصار عب لنا الشّ اعر عن حال التسكّع ّ ويف قصيدة "رسالة إىل القرية" ّ
حلً. رشد الذي ال يعرف لوضعه ّ الحزن واألمل" ،فهي بوحدتها املوضوع ّية ،وجزئ ّيتها التعبرييّة ،ترسم صورة التّائه امل ّ
يحب الكتابة!" . فأمساته الكربى أنّه يكتب يف وسط ال ّ "هذا القل ُم سيور ُدين َحت ِفي
ملْ ْ يرتك ِسجناً ّإل وقا َد ِن إلي ْه
وال رصيفاً ّإل وم ّرغني علي ْه" (رسالة إىل القرية – )304-305 "يف املسا ِء يا أيب
_______________________ - 1مح ّمد املاغوط :سأخون وطني ,هذيان يف ال ّرعب والح ّريّة .سورية -دمشق،دار املدى ،ط ،2004 ،4ص .320 السبت 11يوليو .2015 - 2رمضان حينوين :صورة الذّات يف شعر محمد املاغوط .موقع املركز الجامعي لتامنغستّ ، ّ - 3رمضان حينوين :صورة الذّات يف شعر محمد املاغوط.
طائر الفينيق أدب
محمد الماغوط ال ّتش ّرد والخوف عند ّ
د .هدى ال ّرزّوق
مقدّ مة
اللّغة هي أحد مفاتيح ال ّن ّص ،ودراسة لغة ال ّن ّص وسيلة لل ّنفاذ إىل كنهه. وإنّه ال ّ شك يف أ ّن الذي عنده يشء من املعرفة باللّغة العرب ّية وأرسارها، وسع يف يعلم دقّة هذه اللّغة وقدرتها الهائلة عىل توليد املعاين ،وعىل التّ ّ املعنى حتّى تصل إىل درجة اإلعجاز ،ويدرك سعة مساحتها التّعبرييّة عن املشاعر الجيّاشة التي تفيض يف نفوس الشّ عراء مرتنّحة بني الفرح واألمل، أنيسا ليض ّمخ به كلامته رشد والخوف ً الحزن واالبتسامة ...و"مح ّمد املاغوط " شاعر الح ّريّة الثّائر ،مل يجد ّإل التّ ّ للتّعبري عن مشاعره. من هنا ،ارتأيت أن يقوم هذا البحث عىل دراسة العالقة القامئة بني الحالة الشّ عوريّة وأسلوب التّعبري عنها ،حيث أي وسيلة أخرى ،لل ّداللة عىل املعاين ال ّنفسيّة والفكريّة التي يحاول ّغوي وسيلة مه ّمة ،ال تضاهيها ّ إ ّن التّعبري الل ّ رشد يف ال ّناس التّفاهم والتّواصل حولها .لذلك ت ّم الكشف عن العالقات الخف ّية بني األلفاظ ال ّدالّة عىل الخوف والتّ ّ كل منها. السياقات الواردة فيها ،وإظهار دالالت ّ ديوان "الفرح ليس مهنتي" ،للامغوط ،وتبيان ّ
رشد عند "مح ّمد املاغوط" "يف ديوان "الفرح ليس مهنتي" ،تضعنا أمام إشكال ّية حاول ُْت ودراسة الخوف والتّ ّ
اإلجابة عنها يف هذا البحث: هل استطاع الشّ اعر أن يُ ِ وص َد الباب عىل مشاعره ،ويصف حال مجتمعه بعي ًدا من أحاسيسه ومشاعره مخاط ًبا رشد اللّذين يعيشهام أث ّرا عىل أسلوبه فكان ترجم ًة ملا يشعر به ؟ عقول الق ّراء؟ أو أ ّن الخوف والتّ ّ عادي ،فشعره شعلة الحياة، رشد عند "مح ّمد املاغوط" ألنّه ليس بشاعر ّ ّ ولعل انطلقت إىل دراسة الخوف والتّ ّ ولتبي معاين الكلم محبّب لل ّنفس؛ لذلك كان ال بُ َّد من اإلبحار يف سفينة كلامته ،لكشف ما تحمله من دالالتّ ، السياق ،فاختيار الشّ اعر لكلامته وإن كان عفويّاًّ ،إل أنّه ال يخلو من دالالت ُمع ّينة. من خالل ّ
السلم ّية واألحياء الفقرية ،غادرها بنا ًء عىل رشد يف ديوان "الفرح ليس مهنتي" فالشّ اعر ابن ّ لقد سادت لغة التّ ّ
والشاب م ّجاناً ،وذلك يف س ّن ال ّرابعة عرشة ،إلّ أنه هرب منها ،ومىش رغبة والده إىل مدرسة داخل ّية تق ّدم الطّعام ّ
رشد عىل األرصفة ليس حدثاً طارئاً خمسة عرش كيلومرتا ً عىل قدميه تائهاً يف دمشق ،دون أن يعرف فيها أحدا ً .فالتّ ّ عىل املاغوط ،بل يبدو وكأنّه طبع من طباعه منغرس فيه ،فرضه عليه الواقع املحزن واألليم.
"فأنا مل أ ُج ْع ُصدف ْه رش ِد اعتباطاً ومل أت ّ
"ما م ْن سنبل ٍة يف التّاري ِخ (الغجري املعلّب – .)233 إلّ وعليها قطر ٌة م ْن لُعايب" " . ّ يحب ،طاملا أ ّن الشّ وارع موجودة، حب من يكره ،أو كره من ّ والشّ اعر ال ميكن إجباره عىل فعل ما ال يريد ،أو ّ
يستطيع اللّجوء إليها وقتام يشاء ،فهي ملْك له ،ال أحد له سلطة عليها سواه: "املطَ ُر يل
يح والشّ وار ُع املط ُر وال ّرع ُد وال ّر ُ
هي ُملْيك"
السنونو – )319-320 (بكاء ّ
رشد والتّسكّع يف قصائده" :اإلنسان كتلة من يقول املاغوط يف أحد لقاءاته حني ُسئل عن سبب تكرار مفردتا التّ ّ
الصحراء يف قلبي ...الخراب يف قلبي" ،فذكريات املاغوط الذّكريات واألحالم ،وأنا نتاج بيئة قاسية ال تفارقنيّ ... وخاصة حني كان يف بالد الغربة، كلّها مليئة بقصص ترش ّده وتسكّعه ،هامئاً يف الطّرقات باحثاً عن مأوى يحتضنه ّ يظل اإلنسان رشيدا ً ضائعاً وهو غائب عن بعد خروجه قرسا ً عن وطنه ،فمهام تعالت البيوت والقصور يف الغربةّ ، أحضان وطنه األ ّم ،ال مكان له فيه. "ال مكا َن يل
_______________________ سوداوي لـ(الثّقافيّة) .املجلة الثّقافيّة (ملحق صحيفة الجزيرة اختصايص الحرشات البرشيّة مح ّمد املاغوط يف حديث - 1عبدالكريم العفنان: ّ ّ الثّقايف) – الرياض – العدد – 76سبتمرب 2004م.
حيثُ هذا يبحثُ عن حان ْه َ وذاك يبحثُ عن مأوى أبحثُ أنا ع ْن ' كلم ْه ' "
(رسالة إىل القرية )305 -
فالكتابة يف البلدان العربيّة ،مل تعد مرآة تعكس الواقع الذي يعيشه ال ّناس ،بل باتت من املحظورات ،تودي
السجون ،أو ترتكه تائهاً بال مأوى ،خائفاً مرتقّباً ،يخىش الجميع االقرتاب بصاحبها إىل أن يبيت ساهرا ً بني قضبان ّ منه ،فيعيش يف وطنه بروح مغرتبة نفسيّاً وفكريّا ،بينام رجاله ال تزاالن تائهتني يف األزقّة والحواري.
والسعي وراء لقمة الحزن والواقع األليم املحيط بالعر ّيب ،كانا أداة لتحطيم الذّات املترشذمة بني الحلم بالحريّةّ ، كل مواطن من العيش ،فلم تجد سبيالً إلّ أن يرسم وطناً عىل علب التّبغ الفارغة ،علّه يصل إىل ما يصبو إليه ّ
وطنه :املأوى اآلمن. علب التّبغِ الفارغ ْه "هل ترس ُم عىل ِ أشجارا ً وأنهارا ً وأطفاالً سعدا َء وتُناديها يا وطني أي وطنٍ هذا الذي ولك ْن ُّ
ِ السيّاب – .)299 يج ِرفُ ُه الك ّناسو َن م َع القاممات يف آخ ِر الل ّْيل (إىل بدر شاكر ّ
حتّى الوطن الذي يرسمه العر ّيب يف مخيّلته عىل علب التّبغ سيزول مبكانس "الك ّناسني" ولن يبقى له ّإل األرصفة
تتغي :ذات تافهة ال يشء فيها يلفت اإلنتباه، رشد بها" ،ومهام تكن رمزيّة الك ّناسني فإن ّ الصورة ال ّ ليتسكّع فيها ويت ّ أو ّ يدل عىل قيمة" .
السيّاب يذكر فيها التّسكّع ،فهو يف لقاءاته ال ّ ينفك يتذكّر كيف كانا وقد ّ خصص الشّ اعر قصيدة إىل صديقه ّ يتسكّعان يف بريوت.
_______________________ - 1رمضان حينوين :صورة الذّات يف شعر محمد املاغوط. الصحا ّيف مع عبدالكريم العفنان ،وخليل صويلح. - 2كلقائه ّ
والضعف ستّاً ومثانني م ّرة ،نذكر منها " :الخوف ،ال ّرعب ،التّأتأة ،أخشاه، وقد وردت املفردات ال ّدالّة عىل الخوف ّ
ومم ال ّ ّ شك فيه أ ّن العدد كبري وبارز ،فهو يص ّور لنا صورة مجتمع ترتعش ،تهت ّزان ،املذعور، تصطك ،تف ّرّ "..
"كل العيون نحو مهزوز ،ضعيف الثّقة بال ّنفس ،وكان ذلك يف قصائد كثرية منها" :يف اللّيل"" ،رسالة إىل القرية"ّ ، االفق"" ،الوشم" ،...كام وأنّه أفرد قصيدة كاملة بعنوان" :الخوف" ،وقد غاب هذا الحقل عن عدد من القصائد والضعف نذكر منها" :الحصار"، السامء" ،فعىل ال ّرغم من الخوف ّ ّ "بدوي يبحث عن بالد بدويّة"" ،من العتبة إىل ّ املحيطني به ومبجتمعه إال أنّه سمح لألمل بالتّسلّل إىل بعض قصائده.
السجن ،وأخرى ومن خالل قراءة ال ّديوان نالحظ أ ّن لهذا الخوف أسباباً ذات ّية ،متثّلت يف دخول الشّ اعر إىل ّ
اجتامع ّية ،متثّلت يف ضعف األ ّمة وجهلها.
•الخوف من بطش األنظمة االستبداد ّية:
وردت ستّاً وأربعني مفردة دالّة عىل الخوف ال ّناتج من ضعف األ ّمة وجهلها ،أي ما نسبته 53.5%من األلفاظ والضعف ،وظهر ذلك يف عدد من القصائد منها" :الوشم"" ،اليتيم" ،رسالة إىل القرية"" ،يف ال ّدالّة عىل الخوف ّ اللّيل" ... أتوس ُل ِ رسعي يا أ ّمي إليك أن ت ُ ِ ّ وأن تعرجي يف طري ِق ِك ومضارب البد ِو الحصادي َن ِ عىل ّ جلدي جاب وتسأليه ْم ع ْن ِح ٍ ٍّ
ع ْن ُعشب ٍة ما َ الخوف تقي ِني هذا
وأوراقي الثبوت ّي َة بيدي املرحاض أدخل ُ َ َ
ّت َ ْين ًة ويرس ْه" أخرج من املقهى وأنا أتلف ُ ُ
(الخوف – )262
َضعوين يف ُمؤ ّخر ِة العرب ْه عىل ظهرِها قروي معتا ٌد عىل ْ ذلك" (مسافر عر ّيب يف محطّات الفضاء – )295-296 فأنا ٌّ السامء ،كموفد من بالده الحزينة ،لذلك جاءت السفر إىل ّ الشّ اعريف هذه القصيدة مل يجد له مكاناً ،حتّى حني ق ّرر ّ
رصخة الشّ اعر بأ ّن الشّ وارع هي ملك له ،يفرتشها أينام حلّت قدماه ،دون إذن أحد ،غري عابئ مبا ميلك الظّاملون وأصحاب ال ّنفوذ من ممتلكات ما ّديّة رخيصة: " ُه ْم ميلكو َن األَ ْو ِس َم ْه ونحن ُ الوحل َ منلك
والشفاتْ هم ميلكو َن األسوا َر ّ َ ونح ُن ُ الحبال والخنا ِج ْر منلك واآل ْن، هيّا لننا َم عىل األرصف ِة يا حبيبتي"
(الظل والهجري – )263 ّ
كل جانب وتحيص عليه أنفاسه ،وحني فحني يصل اإلستبداد ح ّد الطّغيان" ،وحني تحيط املخابرات باإلنسان من ّ البدهي حق انتامء اإلنسان ويصادر حقّه السلطان بأنّه مالك لألرض وما عليها ،وبالتّايل َمن عليها ،...يهدر ّ يعترب ّ ّ للسيطرة ...ومحروماً كذلك من االنغراس" ،فيؤ ّول به األمر ،وال باملواطنيّة .يصبح اإلنسان غريباً يف وطنه فاقدا ً ّ يعود هناك من ملجإ يأويه حتّى األرصفة.
ثانياً :الخوف والضّ عف عند مح ّمد املاغوط
ال ّ الصورة الطّاغية وسط املشهد العر ّيب ،واملواطن العر ّيب يعيش تحت وطأته. شك أ ّن العنف مسبّب للخوف ،وهو ّ
_______________________ - 1مصطفى حجازي :اإلنسان املهدور .ال ّدار البيضاء-املغرب ،املركز الثّقايف العر ّيب ،ط2001 ،5م ،ص .32
السجن بأنّه لقد سيطر ال ّرعب والخوف عىل وجود املاغوط ،بحيث كان يشعر حتّى بعد سنوات عىل تخلّصه من ّ
مطلوب ومالحق ،هذا الخوف الذي يف ّر منه ،يف رأيه هو مصيبة ومأساة ...فريى أ ّن املقاومة وإظهار الشّ جاعة إزاء
وباألخص أمام نفسه ،وذلك بفعل كل يشء، عبثي وبال جدوى ،فاملواطن العر ّيب ُهزِم أمام ّ ّ هذا الخوف الكبري ،عمل ّ
الحكومي ،ففرضت عليه هاجس الخوف ،وحني ق ّرر املواطن أن يعيش آمناً ،بعيدا ً عن تلك املخاوف، الجلد عصا ّ ّ ما كان من تلك األنظمة إلّ أن أذاقته الذ ّّل والهوان.
السجن: •الخوف من دخول الشّ اعر إىل ّ
جاءت أربعني مفردة ّ السجن بعدما تحطّمت أجزاء من كيانه وهو يف تدل عىل خوف الشّ اعر من العودة إىل ّ والضعف ،وظهر ذلك يف قصائد ع ّدة منها :قصيدة داخله ،وهو ما نسبته 46.5%من األلفاظ ال ّدالّة عىل الخوف ّ بأي يشء ولو مسك ّ "يف اللّيل" ،حيث نجد فيها أ ّن الشّ اعر يعيش حياته وحيدا ً ،فالجميع تركه ،فأصبح بحاجة للتّ ّ كل ما حوله ،لدرجة السجون ،ويف قصيدة "الوشم" نجد الشّ اعر يعيش حياته يف الظّالم ،يُذعر من ّ حتّى بقضبان ّ أنّه مل يعد مييّز بني قلمه وأصابعه ،كذلك يف قصيدة "أمري من مطر وحاشية من الغبار" و"رسالة إىل القرية" و.... "هذا القل ُم سيور ُدين َحتفي
مل ْ يرتك ِسجناً ّإل وقا َدين إلي ْه وال رصيفاً ّإل وم ّرغني علي ْه" (رسالة إىل القرية – )304-305 السجن ،يف بلد يقمع ح ّريّة ال ّرأي والتّعبري ،وقلم فاألقالم الح ّرة واألفكار الحاملة بإطالق قيودها ال جزاء لها ّإل ّ
يعب عن كينونته ،وما تحمله أهواؤه من رغبة يف الثّورة عىل هذا القمع ،لذلك فإ ّن الشّ اعر يأىب إلّ أن يكتب ما ّ
السجن مع إخوانه املساجني الذين يتذكّر آال َمهم قل ُمه مع الذّات املاغوطيّة املحطّمة خائفة من ّ الضياع يف غياهب ّ القص وأ ّمي املقعدة ّ كل خفقة ،وهذا ما دفعه للقول يف كتابه سأخون وطني" :إنّني أرفع قلمي وأوراقي ّ
يل يف هذا العامل ،لعلّني أرتاح من هذا ال ّرعب الذي يشلّني كاألسلحة أي مستسلامً أمام ّ رشطي أو حارس لي ّ ّ
فالسجن قد أث ّر كثريا ً يف الجرثوميّة ،كلّام سمعت أغنية وطنيّة ،أو زمجر مذيع يف نرشة األخبار". ّ _______________________ - 1مح ّمد املاغوط :سأخون وطني ،هذيان يف الرعب والحريّة .ص 325
لجأ الشّ اعر إىل أ ّمه كر ّد فعل (ولو جزئ ّياً) عىل عنف وقمع هائل ،مارسته األنظمة العرب ّية ض ّد املواطن العر ّيب،
فلقد انترشت ثقافة الخوف والتّعذيب يف مجتمعنا .فالتجأ إليها علّه يشعر باألمان ،كام كان يشعر وهو صغري،
فاأل ّم وحدها تقي الطّفل الخوف ،كام أ ّن نشأته يف قرية "سلم ّية" أث ّرت عليه ،إذ بات يطلب من أ ّمه حجاباً
وعشبة تقيه الخوف ،فالقرويّون يؤمنون بأ ّن لهذه األشياء تأثريا ً ف ّعاالً ،ويبدو املاغوط كالغريق الذي يريد أن الضعف واالستكانة رغم جرأته يتعلّق ولو "بقشّ ة" لذلك لجأ لهذه األمور ،فاملاغوط "ال يعرف يف حياته ّإل ّ كل يشء ،حتّى من آذان الحيطان" . ورصاحته ،كيف ال وهو املرعوب بالوالدة ،الخائف من ّ "اإلس ُمَ :ح َش ْه
عب اللّو ُن :أصف ُر ِم َن ال ّر ْ حل" (ال ّن ّخاس – )287 الجب ُني :يف ال َو ْ فالشّ اعر ُولد يف مجتمع عر ّيب يعيش يف ظالل الفقر والجوع واملرض كالخراف الهزيلة ،يخىش بطش األنظمة ،بل
يخىش نفسه حتّى ،لذا يرىض الذ ّّل والهوان متناسياً الثّورة ،لك ّن الشّ اعر مل يستطع يوماً أن ينىس هذا الشّ عب املتهالك عىل ال ّرغم من نسيان الشّ عب له: يوم ِمن األّيّا ْم "ما نسيتُ َك يف ٍ ِ وأنا ٌ قاشات الهموم وال ّن غارق يف ِ الس ِأم واألزيا ِء ِ الفاض َح ْه عن ّ
ك ْن ُت أف ّك ُر ب ِِخرا ِف َك الهزيل ْه َ ومرضاك املك ّدس َني يف املم ّراتْ " (بكاء السنونو – )321
السلطة األبويّة ولك ّننا يف هذا ال ّديوان ،مل نلمحها بشكل وتجدر اإلشارة إىل أنّنا نجد عند املاغوط الخوف من ّ واضح ،بل وردت ٍ مرات قليلة.
_______________________ - 1رمضان حينوين :صورة الذّات يف شعر املاغوط.
طائر الفينيق
أدب
في الضوء تتضح معالم االشياء
د .طالل الورداين يف الضوء تتضح معامل االشياء،وترتسم ابجدية الزمن التي بواسطتها ميكننا ان نتلمس اوجاعنا امام هذه املعاناة التي مير بها الوطن واملواطن ،.فاللصوص رسقوا احالمنا وآمالنا ،واوقدوا النار مبا تبقى، كل يوم تتساقط النفوس وتظهر انانيتها وجشعها ،فالكبار عبثوا بكل يشء بالتعاون مع املصارف وكبار املحتكرين من التجار واملارقني، والصغار يحتالون عىل العيش بحجة ما يحصل ،فيرسق بعضهم بعضا اال من رحم ريب .ايها الفاسدون ،التافهون ،املستغلون ،ارحلوا فنحن ال نحتاجكم ،فانتم تتآمرون عىل لقمة عيشنا حتى بلغنا الحضيض. وانتم ايها العفن املرتاكم امل تسام منكم الكرايس والشاشات ،نحن لسنا غنام للذبح يك تستدرجونا اىل مسالخكم كل يوم ،لقد انهكنا جهلكم بنا وتعاميكم عن اوجاعنا ،فبالله عليكم ان كان لديكم ذرة كرامة ان تغادروا محفل السياسة الرعناء التي اوصلنا اىل املجهول ،امل تشبعوا استغالال واذالال لكرامات الناس، ادفنوا رؤوسكم كالنعامة يف الرمال ،وال تقبلوا علينا لنيل اصواتنا فنحن ال ننىس ان اليد التي امتدت اىل جيوبنا يجب ان تقطع ،وان الصوت الذي يعلو فوق صوت اهله بغري الحق يجب ان يصمت اىل االبد. حل بنا نتيجة افعالكم املشينة، دموع اطفالنا تخترص املعاناة ،واصواتنا املخنوقة تع ّرب عن مدى ما ّ
فالذين يجمعون ثرواتهم عىل حساب انهيار الوطن يجب ان يذهبوا اىل الجحيم ،ونحن نعدكم انكم مهام اقمتم من تحالفات لن ننىس ما فعلتموه بنا ،انتم سامرسة ومرابون ال تستحون من يشء ونحن هذه املرة لن نكون
اغبياء وسنقول لكم بالفم املآلن ليس لكم عندنا ما يفرحكم.
يبق السجن انهارت ّ كل األشياء الجميلة أمامي ،وسقطت جامل ّيات الحياة ،ومل َ نفس ّية املاغوط ،فقد قال " :ففي ّ أمامي سوى ال ّرعب والفزع ال غري".
الخامتة
ٍ زفرات وخوف وأحزان وآالم جسديّة وفكريّة وروح ّية ،فقدت معها إ ّن ما تحمله ال ّنفس املاغوط ّية من
رشد عىل ال ّديوان كلّه ،حتّى بدا كأنّه طبع من طباعه، صورة الذّات قيمتها ،أ ّدى إىل غلبة األلفاظ ّ الخاصة بالتّ ّ فالواقع املرير جعل املواطن يعيش يف غرب ٍة نفس ّية واجتامع ّية مل ترتك له إلّ الشّ وارع ملجأ؛ وظهر الخوف كعامل
السجن .خوف ترسبل إليه جراء ظلم تجسد يف الخوف من ظلم األنظمة االستبداديّة ،ومن دخول ّ اجتامعي آخرّ ، ّ ومتزيق ألوردته ورشايينه. األنظمة ،للتّعبري عن الغضب الذي يسيطر عليه ،فف ّجره بِـ" َع ٍّض" ٍ
رشد رشد لصيقاً باملاغوط ،إىل درجة أن التّسكّع أصبح متعة وطبعاً ،فهو يرسم صورة التّائه املت ّ كان الشّ عور بالتّ ّ كل ما حوله يُشعره بالخوف ،فنقل صورة ذات حلً ،فلجأ إىل الشّ وارع واألرصفة ،أل ّن ّ الذي ال يعرف لوضعه ّ
حطّمها هذا الهلع ؛ فبط ُْش األنظمة العرب ّية الحاكمة واستبدادها تجعل املواطن يعيش يف خوف دائم منها ،ومن
السجن. مغ ّبة الدخول إىل ّ
السياس ّية املستب ّدة بالشّ عب ،وتوريث الخوف من بطشها عرب األجيال وأخ ًريا ،ميكن القول إ ّن ظلم الطّبقة ّ
ول يُرجى ألمجاده أن تعود ،وحرسة رشد ،إلظهار حزنه عىل زمنٍ ّ لقرون ،دفعا الشّ اعر إىل الغرق يف الخوف والتّ ّ
أليمة عىل واقعٍ أسود يُ ّ ذل فيه الشّ عب بأحقر الوسائل.
_______________________ - 1صادق دهكردي وكاللة بناهي :الحزن واألمل يف شعر مح ّمد املاغوط .مجلّة اللّغة العربية وآدابها ،السنة التاسعة ،العدد الثّاين ،صيف 1434هـ، ص 73
طائر الفينيق
أدب
انتظار عودة النورس د .مرياي أبو حمدان
ارتشفَت فنجا َن قهوتِها الوقور ِة،واسرتسلَت يف محاكاة نكه ِتها اللذيذة
،فتمضمضت بألسن ِة ِ ،وساف َرت إىل عا ٍمل مسحو ٍر بالشّ وقِ والحن ِني َ الذ ِ السنني،وقالَت مستقبل ًةحارضا ً ّكريات ،وقد سالَت بني يديها رضاوة ّ رونق فيه: باردا ً ال َ
أتاح العم ُر بيننا حبيبات ال ّندى وملسات "أَترى،عشقي الكبري؟كيف َ َ األمل،وفرش ورو َد الكرم ،وضا َع َ النحيل ربو َع ُ ،فأبرق الظ ُّّل الهوى السمرِ". العم ُر بني أغلف ِة ّ ُ ثم أردفَت بصوت مرتجف":قد َ ُ الوصال ،وها أنذا أحيا بني شآبيب الرتقّب واالنتظار ،انتظار الفراق واندث َر طال عودة خلجات فؤادي ،هم أوالدي مييلون مع غياهب النسامت،ويفرتشون أجنحة النورس".
اقرتب ذاك الزوج الذي ارتس َمت عىل مح ّياه صدمات الدهروعنفوانه ،وخطت عىل جبهته خيوط التجارب،
رضجتني زمناً: وأرجوحة الزمان ،قال وهو يحتضن يدي زوجته املثقلتني وجعاً وامل ّ
"أتذكرين دامئاً كتائب األلحان،وتسألني مالكاً حسن املآب ،وتسجدين أمالً بربيعٍ جديد،فتعودين إىل سنني بعيدة،وتدغدغني أياماً جميلة ،فتذرفني دموعاً ثقيلة ،وتتأ ّوهني وجع الفراق" . وتابع متاملاً":تلك أيام طوال ذهبت مع رياح عاتية وأخذت معها كل جميل،وأصبحت الدقائق والثواين أمالً يف اللقاء الخجول". أردف وتنهداته العميقة قد ب ّحت صوته: حام،وتدب الحياة صفاء الوئام ،أتذكرين؟ ،فيعج املكان عجيج ال ّز " أتذكرين حني كان ابناؤنا يجوبون ديار ال ّرحاب ّ ّ حينها تفجعنا رصرصة األبواب ،وتتعبنا طقطقات الكواعب،وترهقنا ضوضاء املتاعب أمام هول املطالب .آه ،كم
كانت جميلة تلك األيام! كم كانت رقيقة تلك األشواق! كان ينترش يف الداريف تلك اللحظات أرجوان ال ّزهر ،وتفوح السحر،فتطيح الجلبة بأركان األسوار،وتفرح أحجاره مهلّلة بحبور األكباد. رائحة ّ كم كنت أبلّل رمقي من وهج نظراتهم ! يغىش فؤادي القهر الذي ص ّدعته مواجع األيام".
ارحلوا فالوطن ميلء باالدمغة التي عطلتم دورها وهؤالء هم الرسج املضيئة التي مل تلوثها دهاليز السياسة، هؤالء من ينالون ثقتنا بعد ان ندرك انهم انقياء ميكنهم ان يبنوا وطنا عىل قدر تطلعاتنا،هؤالء من نرتجي فيهم نهوضا لهذا الوطن وابنائه الذين هاجر قسم كبري منهم بحثا عن لقمة العيش املجبولة بعرق الجبني،اما انتم فقد خرستم الرهان حني فضلتم مصالحكم عىل مصلحة الوطن والشعب ،فمحكمة التاريخ لن ترحمكم طاملا هنالك انسانية تطمح اىل قراءة ذاتها بصدق وواقعية ،وطاملا الحياة تتجدد فغيبوا اىل حيث ال نراكم ابدا انتم من اغرقتم الوطن وسلبتم عافيته. وسيكتب التاريخ يوما ان االوطان برجالها ال بطفيلييها الذين استغلوا حتى املاء والهواء ان حصانة الوطن ال تكون اال مبتعلميه من اصحاب الفكر والخربة واالخالص لله يف كل اعاملهم فلنا ان ننظر الزمن القادم عله يحمل لنا البرشى بالخالص ويرفع الضيم واالمراض املتعددة عن كاهل هذا الوطن الذي نحب ان نراه معاىف فنتعاىف معه ونحتضنه منية القلب ،ونزهة العني ،ومهوى االفئدة التواقة اىل الخري واملحبة والسالم
ُ االنتظار،وكث أنني البقاء ،وتدحرجت دمعات البحار ،فأمسكت تلك املرأة يد نصفها اآلخر ،وترنّحت وطال وفاء وتعانق َوحديت،أنت صولجان ق ّويت ،أنت رسيت التي ترعى ُحلمي ُ مشغوفة بحل ِمها الحارض وسكونِها الدافئ:أنت م َّ
ُ املطاف الذي يداوي جرحي ،أنت التأ ّوهات التي أبثّها داخل أوجاعي ،أنت الصديق الذي سيهزِم وحديت ،أنت
الدرب الذي سأوافيه اىل آخر عمري... ُ ٍ هيب:ضا َعت بوصل ُة األيام ِ التي سترسق منا األحبة،رمبا لن يعودوا،لن يعودوا ،فقد احتال الزمن أجابت بصمت َم ٍ عىل القلب فعرف أَن العمر ٍ ماض ال محالة ،ولن أفو َز برؤية ابنايئ. املشيب يف رحل ٍة أبدي ٍة ،مع وغاب الشي ُخ مع األهل ابنا َءهم ،وع َجز الص ُربعن صربهم ، الوقت ُم ّرا ً ،وانتظ َر ُ م َّر ِ ُ َ الحب املبتورِ،وظ ِ ِ ِ َ مجروح،وطال املهزوم يف زمن أعمى درجات اليوم فعتب عىل أم العود ِة املسلوب ِة، تنهيدات ِ َ ِّ
فسحق األفئد َة وأسق َمها . األمل ،وجف ُ البعا ُد إىل ما وراء البحار َّ َ الحب ،ينتظر،والقلب يلتوي ،والروح تكتوي داخل عرين وجلس ينتظرموع َد اللقاء ،ينتظر قداس َة اللقا ِء...وما زال ُّ األيام !
ه ّوين ِ ٍ ٍ ٍ صامت،وأَود َع كلامت َه يف صندوقِ خافت ،وأ ٍمل بصوت عليك حبيبتي هم سيعودون...هم سيعودون...قالَها آمالِه ،و...ومىش..اىل مكانٍ لن يعو َد منه أبدا ً. ِ يك أملَها اىل َ أولئك الذين أود َعت عم َرها يف النوارس الصلب ِة لتشت َ وهي يف ركنِ منزلِها الحزين جلست تنتظ ُر عود َة جعب ِة محب ِتهم،وكيف ال وهي التي أغدقت أيامهم دعاء صالحأ ينريدربهم،ويض ُّخ األملِ يف ربو ِع حياتِهم. لعل الحل ُم يرنو إليها،فتض ُّم اىل صدرِها ما يهواه قل ُبها. أنا أنتظ ُر...أنا أنتظ ُر...كلم ٌة ر ّد َدتها ّ
قالها متكئاً عىل عكازه الويف وتابع ":كم كنت أستقي من أحالمهم مؤنة غدي ،وأش ّيد لهم عشّ اً يحمي
دي.أتذكّر حني عدت من عميل وكان ولدي ماهر يعاين من حرارة فجرهم،فيلوذون حامة ،وينضوون رعاة يف كنفي ال ّن ّ مرتفعة وقيء مستمر،كان يرتجف خوفاً من وجعه،وعيناه الجميلتان تربقان وجالً ،ووجنتاه الحمراوان تلوذان اىل صميم قلبي .أتذكرين يا عزيزيت كيف ارمتى يف حضني وبىك بكاء شديدا ً ،وبكيت معه بصمت حتى ال أخيفه قبل أن أطلب الطبيب ملعاينته.هذا ماهر ولدي الغايل . وهذا نسيم ولدي الجميل أذكره حني يأوي اىل فرايش ،و ينام برهة يف حضن أمه وبرهة اخرى يف حضني ،أذكره حني يحرش جسده يف حضني وتحت كسايئ الستدرار الدفء واستجالب الراحة ،وهو ٍ غاف يلتهم املنضذة التهاماً ،وأجزع أن أتحرك خوفأ من إيقاظه ،ما زلت أذكر ذاك النفس العميق الذي يدغدغ فرايش ،ويفرش غفويت حبأ وطأمنينة. حينها مل َعت دمعتان عىل وجه تلك املثقلة باملتاعب فتأ ّو َهت شوقاً وتأ ّز َرت شغفاً،حينها التوت عىل كنبتها،وص ّعرت خ ّدها،وارمتت عىل كتف ذاك الشّ يخ املجلبب حرسة":آه يا زاهية كم أشتاق اىل نور وجهك البهي، وحضور صوتك الشجي ! كم أشتاق اىل ملمس يديك الناعمتني ،وقبالتك التي أشتاق لها خداي!" بكَت طويالً ثم مس َحت دمو َعها وقالَت":أشت ُّم رائح َة قدو ِمهم ،وعنا ِقهم بقو ِة الصخ ِر ، ،وأبس ُم أمام مرآة االنتظار ،أمالً بلمس منبتهم ،وافرتاش حضنهم ،فأمللم جراح ال ّدنيا،وأطوي كنوز الجامل،وأغمس هذا الحنان يف تلك القلوب الطّاهرة .أضافت وقد مأل قلبها اليأس :نعم ،نحن وحيدان إىل األبد يا رفيقي،سأطوي أيامي بشوق جارف لن ينضب أبدا ً،سينبت يف أركان البيت شوقاً وحنيناً بدالً من ذبذبات أصواتهم وضحكاتهم". ثم قالت بحزن واستسالم لقدرها ":ويلك يا زمن ! قلّدتك لألبناء ال ّدعاء فبايعتني البعد والفراق،سلّمتك زمام همومي فشققت أوجاع قلبي ،ورميتها يف وا ٍد سحيق،أعطيتك شقائق ال ّنعامن التي تهاوت يف مروج املرجان فآويتني يف بطحا ٍء ُعجاف تشخذ الشّ وق املُناف"... عندها خبأت وجهها النبيل براحتي كفيها املرتجفتني وانهارت بالبكاء ،ثم رسحت بعيدا ً متساءلة:أت ُرى هل سيعودون ؟ ٍ عندئذ صاح الشّ يخ العجوز ":صربا ً جميلتي ،أال ترين أنك تقسني عىل الزمن الواهي،وتلومني القدر الجايف وتغفلني الحلم الدامي؟ أنت تغالني يف خوفك ،كوين مطمئنة لأليام القادمة رمبا سيعودون فجأة ،حني تخف وطأة العمل والك ّد .هم ابناؤك ورقّة قلبك ،هم نور حلمك الذي يسطع يف سحائب الكون،هم جنود ال ّدعة يف رحلة العمر ،هم منضوون يف مخازن العمل الدؤوب،هم مغمورون بكنوز من هموم ال ّدهور،هم مسلوبو ال ّراحة من أنوف األجور.
صحيح أن للزمن أيادي خف ّية ترسق القلوب البه ّية،وتخفي املباهج الذك ّية يف مغاور الوحوش األذيّة".
إن كلمة "أحياناً" يف هذه القصيدة هي أشبه بالواحة املوجودة يف صحراء قاحلة ،تدنو منها شاعرتنا بشفا ٍه ظأمى إمياض قاس ٌ ول ْوعة ودا ٍع "أخنى عليها الذي أخنى عىل لُ َب ِد" .أ ّن تعامل رانية مع الزمن هو تعامل إميايض ،ولكنه ٌ تحس وأنت يف حرضة الوميض بهجوم ظالم الوداع ،وقتها تكون كلمة التحية أقرب إىل تلويحة الوداع. ونازف ّ وإلحساسنا بلوعة اإلمياض وقساوته ونزيف ما تركته مخاوف الوداع نقرأ للشاعرة يف هذه القصيدة/ :أحياناً/
قلب الذكرى /نتج ّم ُل ليس للقاء ،بل لوداع /يك متوتَ األغاين لهب َ نتأنّ ُق لنقه َر الحزن /نرتدي حمرة النار ل ُن َ الكاذبة حرسةً ./يف هذا املقطع نتذكر قول املتنبي:
فلم التقينا فافرتقنا َح ْوالً ّ
يل وداعا كان تسلي ُمه ع ّ
إ ّن أقىس لحظات القلق عند العاشقني هي لحظة اللقاء ،يف هذه اللحظات يعلو الخوف كثريا ً حني ت ِع ُّن لحظة الفراق ،والعاشق يف كينونة اللقاء الغامر .إن هجوم الوداع يف شعر رانية مرعي معرب بقسوة عن لهفة فتاة تخاف الوداع وهي يف حرضة اللقاء .وتتأنق شعرياً فعالً بصورة رائعة حني تلبس الفرح لتقهر الحزن وتهزمه ،وهذه رؤيا
تح ّولت إىل رؤية ،أهنئك عليه يا رانية .التأنق األنثوي الجاميل أقوى أسلحة حواء منذ طردها وهبوطها مع آدمها من جنة الخلد .وأنا أعتقد أن الذي طردهام من الجنة هو إواء حواء ،و َمل َُل ِكلَ ْيهام من الروح املالئكية التي كانت وتحل فيهام ،وهام يف الجنة .لقد انترص فيهام اإلنسان عىل املالك .ألن املالك يفعل ما يُؤ َمر، تسكنهام يف الجنة ُّ
أحب وكأنه آلة ،أما هام فقد تح ّديا النعيم ليامرسا إنسان ّيتهام خارج جدران الجنة .كان عذابهام عىل هذه األرض َّ إليهام من الجنة ونعيمها املقيم. رانية مرعي يف اللقاء ترتدي حمرة النار ليك ت ُبقي يف الوداع لهفة اللقاء ،وليك يظل لهب الذكريات حارضا ً، "والذكريات صدى السنني الحايك" كام يقول أحمد شوقي.
طائر الفينيق أدب
قراءة يف قصيدة " :أحيانا" لرانية مرعي عمر شبيل ذنوب الخلو ِد يا ح َّوا ُء" "إنها ُ بول فالريي "من دون الحب كل املوسيقى ضجيج ،كل الرقص جنون، كل العبادات عبء" جالل الدين الرومي الشاعرة رانية مرعي تكتب الشعر ،وهي مت ّر مبعاناة سحيقة ،ولهذا تواجه املعاناة والحياة بقوة سحيقة ،فالشعر عندها ليس ترفاً
صياغياً ،وإمنا هو "صياغة فنية لتجربة برشية" كام يُع ِّرف الناقد
الفرنيس"سانت بيف" الشعر .هذا يعني أ ّن املسافة بني عينيها وقلبها ال مت ُّر عىل الظنون التي تتهم الشعر بأنه
ليس شعرا ً.هذا االتهام أمارسه شخصياً وأنا أقرأ نظامً يسمونه شعرا ً ،ورمبا انحدر عن مستوى النظم نفسه .أما
رانية مرعي فقد جعلتني أقلع عن هذه التهمة ،ألن قصيدتها "أحياناً" هي شعر ،وهي تتميز بفرادة ذاتية عالية، وتذكرين هذه الفرادة بقول أحد النقاد" :إذا مل أكن واحداً فكيف تفهمني" ،فالشعر إيجاد وخلق ،وليس وهامً وتقليدا ،ولذا كان الشعر عرب كل العصور اإلنسانية رضور ًة كونية ،إنه تأريخ للعامل ال ُج ّواين الذي نأوي إليه كلام
عانينا وهزمتنا خيول الدهر التي ميتطيها الزمن القاحل ،ويل ِّوح مبناديل الوداع ونحن يف حرضة اللقاء الحميم، فالشعر بهذا املعنى دواء ،وكم هو عميق قول ذلك البدوي العاشق قيس بن املل َّوح ،وهو يتداوى من معاناته
الوجدانية بالشعر: رش ِف األيفا َع إالّ صباب ًة فلم أُ ِ
ومل ِ أنش ِد األشعار إالّ تداويا
القصيدة جاءت بعنوان "أحياناً" ،وحني ولَ ْج ُت مكنون القصيدة عدت إىل العنوان متلمساً معاناناة الشاعرة،
فالعنوان رسقة للزمن الجميل حتى بعذابه ،يتصاعد وميض ثم يخبو بفعل الزمن ،وهذا يعني أنا هناك شيئاً أقوى
أرض ،وال يجمع بينهام إالّ أرض ولألموات ٌ من الزمن ميثله الحب املتَّقد يف القصيدة ،يقول أوسكار رايلد" :لألحياء ٌ الحب" ,الحب أقوى وأكرث حضورا ً من الزمن نفسه ،وهو وحده الذي جعل الشاعرة رانية مرعي تقاتل الزمن الداكن بوميض يأيت من العنوان "أحياناً".
طائرا الفينيق أدب
دراسة في شعر عمر شبلي الشاعرة رانية مرعي
تجربتي مع الشعر والحياة: أنا سأقدم لك ذايت مثقفاً عرف الحياة من خالل احتكاكه الحاد بالثقافة وترجمتها سلوكاً عرب تجربة نضالية أخذت أجمل سنوات عمري ،وكان الشعر لصيق تجربتي الصعبة مع الحياد وأحداثها ،وكان شعري انفجار آمنت به .شعري يحيك قصة شاع ٍر سجني، عم ُ تجربتي يف املعتقالت ذودا ً ّ يالمس وجدا َن أمته أعطى عمره وقلمه ألمته وشعبه ،وحاول بالشعر أن َ
وآالمها وآمالها ،وحىك تجربته اإلنسانية ،وموقفه أمام الحياة واملوت ،وعاىن مأساة انهيار ما كان يحلم به عىل مستوى
الفرد والجامعة ،وقىض أيام شبابه يف املعتقالت مؤمناً أن نضال شعبه هو جزء من نضال اإلنسانية النتصار قيم الحق والجامل والحرية .وكان حزنه غامرا ً وطاغياً عندما رأى الراية تتمزق تحت حوافر خيل الغزاة يف لبنان وفلسطني والعراق وعىل امتداد خارطة هذا الوطن العريب املزدحم بالفقراء واملناضلني ،وراح يتساءل يف أ ٍمل وح ّدة :لِ َم انهزم
الفقرا ُء واملناضلون ،وملَ سقطت الراية؟ .ويف فرحة طفل راح يهتف للمقاومني يف لبنان وفلسطني والعراق ،ويقول" :يا ليتني كنت معكم" .كان يعتربأن نضال شعبه هو جزء من نضال اإلنسانية ضد الظلم والجوع والقهر والتخلف.
لقد كانت آالمه وأحزانه كبرية آل ّن آماله وأحالمه كانت كبرية ،وحىك عن ضعفه وقوته وعن يأسه وأمله ،وظل واحدا ً الجرح مل يتناثر ،ومل يهِن أبدا ً وهو يعاين الغربة والظالم يف الزنازين واألقبية ،لقد كابر ،وتكبـَّر عىل الجرح حتى لكأن َ الضامد. تجربة األديب سبب إبداعه ،فلألديب املبدع وجود خاص ،وخصوصيته تنبع من فرادته الرؤيوية ،وتنبع من حريته يف التعبري عن أمله الفردي وأمله الجمعي يف آن ،إن األمل من أندر الصفات اإلنسانية يف إثارة التوهج وش ّن املعارك الداخلية عىل األعصاب والروح معاً ،فالغربة ،واملوت واملعتقالت والسجون ،والعشق املكسور ،والحرية املعتقلة، أجمل واألحالم املهزومة ،والقهر هي كلـُّها مصانع لألمل الذي يُ َح ِّوله الشاعر كلامت ،فقد سئل أعرايب لِ َم مراثيكم ُ
شعركم ،فقال" :ألننا نقولها وقلوبنا محرتقة" ،وهكذا يظل االنفعال الناتج عن الغربة ،غربة املوقف أوغربة املكان
أوغربة الحال مهيـِّجاً للروح لتتدفق أدباً خالدا ً. إن الشعر يف حقيقته هو التعبري عن قوة الوجود.
رانية مرعي ،وبلفتة فنية مدهشة تتج ّمل وترتدي جاملها كلّه للوداع ،وليس للقاء عىل عادة حواء املتسلحة
فلم تج ّملت للوداع؟ ،إنها تريد أن تجعل الوداع مستحيالً مبا تسكب من جاملها يف بإغراءات اللقاء الرشسَ ، أحايينه فريحل الجامل مع الحبيب الراحل ،وكأنّ اللقاء يحسد الوداع بشدة حضوره الج ّواين خارج مراسيم
التجمل مصحوباً بتدفق الجامل الداخيل إىل حيث يصبح الجامل الداخيل شيئاً مرئياً ال ُ الجسد املريئ ،وقتها يكون يستطيع العاشق خلعه مهام خلع من أمتعة .وقتها يصبح الوداع لقاء مستحيل الزوال ،وبهذا نفهم معنى العنوان "أحياناً" الذي يجعل الزمن أسري الومضة ،وقد يزول العمر إال لحظة ،وقد يضيق املكان األكرب يف مكان اللقاء /الوداع .وقتها تفوح رائحة اللقاء لتدخل يف الوداع .وقد تكون وحدك ،ولكنك لست وحدك حني يكون لديك طعا ٌم ٍ كاف من الذكريات التي تجيد املح َو واإلثبات يف آن .وقتها تلغي الذكرى السفر يف ترابية الجسد، وتصبح هي القطار واملحطة يف اللحظة ذاتها ،وإلثبات الحياة خارج املوكب الجنائزي تعلن رانية ببالغة فائقة أنها مستعدة للموت الذي يضمر الحياة/ :نداوي الجرح باليك /وأنت تخلعني جنائزية بكّاءة طمرت كثرياً من توجه الشعر الريادي ملوت املوت ،وبعث الحياة ،وقيامة العنقاء من رمادها وعودة "أوليس" إىل "إيتاكا" و"بينلوبا" .ال بد من تحويل الدموع إىل كربياء ،رغم حرشجة الدموع التي تذهب إىل الداخل ،ونحن ندري ومع رص" .نعم ال بد من تحمل القسوة ونحن نخوض معركة صدّ قول عمر أيب ريشة" :وأق َت ُل الدمعِ ما ال ُ يلمح الب ُ اآلالم التي تودي باالتزان ،أما آالم الوعي الداخيل فهي لصيقة بالوعي باستمرار.
أنت يا رانية تناضلني من أجل انتصار الحب ،والحب مجىل الله فينا ،و"كالهام للخلود الحب والل ُه" كام يقول الشاعر بدوي الجبل .نعم يا رانية ،إن انتصار الحب هو أعىل انتصار للقيم العليا التي نناضل من أجلها ،وليس للحياة معنى إذا مل نجد شيئاً نعمل النتصاره .والحب يف جوهره اإللهي مقرتن بالحرية ،يقول غارسيا لوركا مخاطباً حبيبته" :ما اإلنسان دون حرية يا ماريانا ،قويل كيف أستطيع أن أحبك إذا مل أكن حرا ً ،كيف أ َه ُب لك قلبي إذا مل يكن مليك" .إن ِ قلبك يظهر يف كلامتك يا رانية ،فال ت ُلغي املسافة بينهام. البلبل الغ ّريدَ يأكل الشوك مع الورد ،ولكن ما أروعه حني يح ّول الشوك والورود ألحاناً تزيل أىس الشوك ،ال َ إن بد من املعاناة يا رانية لينترص الحب.
والعجيب أن يكون للحزن يف النفس صلة باإلبداع املتصل بالخلود وأن يكون له أثر مغ ٍّذ لهذه النزعة التي ال تفارق اإلنسان مذ يلقى الوجود إىل أن يوارى يف ثرى لحده ،وإال َمل نكتب؟ و َمل نرس َم و َمل نتجشم َ هول املوت ،أوليس يف هذا ألبس كربيايئ بحث عن الحياة التي ال تنتهي؟ كان الحز ُن اللباس الذي مل أب ِّدل ْـه إآل نادرا ً ،وفوق لباس الحزن كنت ُ
أصبح إنساناً آخر .ومع ذلك كنت أكابر ،واملكابرة يف هكذا حني أكون أمام املحقق واملخربين ،ويف غمرة الحزن كنت ُ
حاالت هي فعل أخالقي ،ألنها هي ما يجب أن يكون يف زمن االنهيارات الكربى ،وأنا اآلن أتساءل ،وأنا خارج السجن،
كيف يستطيع اإلنسان أن يتامسك وهو ينهار .إن هذا من أرسار النفوس الكبرية "برندك" وحاممات "رينا" "ولك ْن ُ ْ أي لقد شاركت أبا فراس الحمداين حزنه وكربياءه ،وناجيت حاممات قتال الروح ُّ قتا ِل" .كان أبو فراس إذا أضواه الليل َّ أذل "دمعاً من خالئقه ال ِك ْ ُب" ،وأقنعني ابن الرومي بأن الدمع يشفي ،و"مل
الغرب عن بلد النخل" ً".،وبكيت مع صقر قريش حني رأى نخل ًة" :تناءتْ بأرض يخلق الدم ُع المرئٍ عبثا ِ ُ الشعر هو تاريخ الشعوب الحقيقي
رصا ً عىل أن مسرية التاريخ الصحيحة ال تـُد َرك من خالل ما كـُتـِب تحت راية السلطة ويف ظلها ،وإمنا كنت ،وال أزال م ّ َ أصدق من كل يـُق َرأ التاريخ الحقيقي يف األدب ،ويف الشعر تحديدا ً .إن عمر بن أيب ربيعة يعطينا صورة عن عرصه املؤرخني الذين كتبوا عن تلك الحقبة ،وعن الحياة االجتامعية يف العرص األموي .وأبو نواس يؤ ِّر ُخ حقيقة العرص
يحج سن ًة ويغزو أخرى" .األدب العبايس بشعره بكل مافيه ،ومبا ال ينسجم مع قول الطربي يف هارون الرشيد" :كان ُّ
هو التأريخ الداخيل والعلني لروح عرصه ،وهوتعبري خارج رقابة السلطة حني يكون شعرا ُ ،وحده هو التاريخ الحقيقي للروح اإلنسانية ،ولتحوالتها ،وتساؤالتها الكونية التي ال تنتهي ،إن الشعر الحقيقي هو نقيض السلطة باستمرار. والشعر الخالد هو تاريخ األمم الحقيقي ،والبد هنا من اإلشارة أن األمم خلدت مفاخرها وقيمها بالشعر وليس بالنرث. إن إلياذة هومريوس عند اليونانيني هي كتابهم املقدس ،وكذلك الـ "شاهنامه" للفردويس عند الفرس ال تزال موجودة
يف أرواحهم وأفكارهم ،وهم يعتربون شعر حافظ الشريازي مقدساً ،والشعر الجاهيل عند العرب كان مقدساً ،ويـُعلـّق عىل أستار الكعبة ،وكانت القبائل ترسل وفدا ً لتهنئة قبيلة أخرى إذا ظهر فيها شاعر مجيد ،ومل يستطع اإلسالم بكل حضوره الروحي والسلطوي واالجتامعي أن يلغي الشعر من حياة العرب وال من تعاطيهم الشعر كالغذاء ،وكان الشعر هو تاريخ العرب الحقيقي وديوانهم ،وكانت قصيدة تثري حرباً ،وقد سجن عم ُر بن الخطاب الشاع َر الحطيئة ألنه هجا الزبرقان بن بدر زعيم بني متيم ،واشرتى الخليفة عمر من الحطيئة أعراض املسلمني حني اضطر إلخراجه
من السجن بعد توسله بأطفاله الجياع .وكاد معاوية أن يقطع لسان األخطل التغلبي ،لوال تدخل يزيد ،ألنه هجا األنصار
الحزن ووالدة الشعر املتمرد: وكنت أرى أن الكتابة امللتزمة بقضايا اإلنسان العليا هي إعادة بناء العامل وتهدميه يف آن .فالشعر بهذا املعنى ثورة وحرائق مستمرة ،وكنت أرى أن الشعر واحة وارفة الظالل واملياه يف تربة الحضارة اإلنسانية .كنت إنساناً يض ُّخ يف شعره حنينه وحلمه وتوقه إىل املرأة والضياء والحرية يف جوف الزنزانة ،ولذا مل يح ِّوله جفاف الزمن من الحلم املتحرك إىل صحراء قاحلة ،ألن املرحلة األوىل من املوت هي موت الذكريات واألحالم ،كان الحلم عقارا ً
مهدئاً ،ألن الغربة تبدأ حني تتأكد وأنت قابع يف زنزانتك أن ليس مث ّ َة يش ٌء آخر سوى حلول املساء .وبهذا املعنى يُلغى الزمن يف وجودك متاماً ،ويصبح املايض وحده هو املوجود ،حيث ال زمن للعمر القاحل الخايل من الحدث
واملفاجأة .كنت متأكدا ً أن الزنزانة مأواي ،أما روحي فلم أكن أستطيع السيطرة عليها ،كانت متمردة والهثة وراء اب ماء ،وكانت تقنعني باستمرار أن القلب ما يشبه الرساب ،كان الحنني يجربها عىل املالحقة ،فرمبا يصبح الرس ُ
أكرث حضورا ً ووعياً من العقل .وبدأت كثافة الكآبة تتحول إىل فعل جسدي ،وهكذا مل أكن وحدي حزيناً ،فالجسد الذي كنت مقيامً فيه صار حزيناً أيضاً ،وصار وجهي قاحالً كصحراء ليس فيها زمان والينابي ُع وال آثار قوافل. هكذا كنت أهجس وأنا يف حرضة العذاب. كانت الكتابة الوجه اآلخر للرصاع مع املوت .لقد قال ”هاملت” أروع ما لديه يف املقربة فل َم ال أكونه؟!! .كان التوازن يف العاصفة مينحني جذعاً قوياً. البد من الكتابة .القرار مل يكن وافدا ً من الخارج ،لقد كان القرار نابعاً من امتالء نفيس بعنارص الخلق ولذا الب ّد من تفريغ الشحنات يف الكلامت .رصت كالطائر الح ِّر يف قفصه كام يقولون.
أنا اكتشفت األرض املوعودة من قاع زنزانتي ولكن أين األوراق واألقالم لكتابة الشعر واالحتفاظ به؟! الشعر هنا ٍ مجذاف وآخر ”مردي” يف يد ”جلجامش” وهو يبحر باتجاه جده ليس ت َرفاً لقد كان سالحاً ض َّد املوت كان آخر رس الحياة واملوت منذ أن جعلت اآللهة املوت من نصيب الرش واحتفظت لنفسها بالخلود. الذي يحتفظ ب ّ
ٍ كائنات حر ًة وذاتَ أعامر اآلن حني أعود لتلك القصائد أسرتجع الحالة التي كنتها أثناء كتابة كانت قصائدي تصبح أحسها ت ُـنشَ د خارج السجن ،كنت أكتب عام هو إنساين يف عا ٍمل غري إنساين .رصت هذه القصيدة أو تلك .وكنت ّ
عمل أخالقي ،وكلام ازدادت جاملي ُة ما نكتب ازدادت أؤمن أن الكتابة التي تساعدك عىل الخروج من عذابك هي ٌ
قيمته األخالقية أل َّن الكتابة الجميلة تزيد فرحتك فيضمر عذابك أكرث ،والجامل التزام بحرية القول واملعتقد. وهكذا تتالزم األخالق وعملية اإلبداع الفني ،وألن األدب يف جوهره ذاتي ُة مجتمعٍ مبقدار ما هو ذاتي ُة فر ٍد فإن األدب يصبح فعالً أخالقياً متقدماً وتسقط النظريات التي تعتربه ترفاً ال مربر له .إن اإلبداع ينتشل اإلنسان من عدميته ،فتنترص القصيدة عىل اآللة الحدباء. وألن الكتابة اإلبداعية هي نتيجة ت ّوت ٍر مستمر وحرائق لهشيم املبتذل املتكرر فهي ثورة مستمرة وتح ُّو ٌل إىل
املستقبل عرب اإلبداع والجامل .وليس هناك أجمل من جعل اإلنسان مستقبلياً باستمرار .إن الكتابة ليست تجربة
إنسان مطمور بني الكلامت ،وإمنا هي تدريب للنفس عىل تجاوز األمل والعذاب وهزمية العالَم الذي يحاول هزمية القلب أمام سيطرة العلم الخايل من خفقة الروح ،يجب عقد مصالحة عميقة بني العلم والروح. قصيدة "بكائية بثوب الحياة": بكائي ٌة بثوب الحياة عىل ج ّث ِة 2020 ما العم ُر ،ما نحن ،ما معنى العبـور به أليـس أ ّولُــــ ُه وهـمــــاً وآخــ ُر ُه؟ نـلـبــس ُه َرث ّـاً ومهتــــرِئـــــــاً نظـل ُّ ُ
وكـلّـمــــا من ُعـرا ُه َح َّـل واحــد ًة هذا الحطا ُم الذي قد ُس َّن من َح َ ٍ م ِ رواحـلُـنـا إ َّن الــذي تـتـح ّرا ُه ظل َ طوال العم ِر خمرتَنا والوه ُم َّ
حتى ولـو َ زال بالـتـرقيعِ أكثـ ُر ُه ظل من عم ٍر نُـ َز ِّر ُر ُه رحنا مبا ّ
من طني أجسادنا كانت مقاب ُر ُه الناس أَنْ ُه ُر ُه هو الرساب وتغري َ
رص ُه نَسقي ونُسقَى وتُغرينا معا ُ يا عا ُم َ أرثيك ،ك ّنا يف الطريق معاً ُ الدرب تزج ُر ُه حقوق بعض ال َعدا ِء ِ ُ والجرح يبدو عىل ِ الس ِّك ِني آث َ ُر ُه ينطق يب فإ ْن َرث َ ْيتُ َك كان الجرح ُ ُ ُ قلـــب يف جنــازتِــــ ِه شوقاً إىل خنج ٍر قد كان ينح ُر ُه فكم مت ّر َد ٌ ِ باملوت آخ ُر ُه والدرب ليس يُرى شئت يا ق َدري ُخ ِذ الطريق إذا ما َ َ ُ ّأن تشائني كوين ِ أنت يا ط ُرقي نزيف والضيا ُء به وهل يُوارى ٌ
الدرب أخط ُر ُه ومنجى ،فأغىل أذى ِ ً َ وسال َ الدرب أطه ُر ُه!! هموم فوق ِ ِ
واملقصود من هذا أن الشعر يدخل يف النسيج االجتامعي والروحي لألمم يف مراحل تطور وعيها االجتامعي، ووعيها الروحي ،ورمبا كان هذا أكرث حضورا ً من كتابة املؤرخني التي مت ّر عىل غ ُـ َرف السلطة لتثبيت ما تشاء ومحو
ما تشاء.
متى يكون الشعر أصيالً لعمل أديب مبعزل عنها، سعي األديب إىل الحصول عىل االعرتاف به خيان ًة للحرية التي ال إبداع ٌ ورمبا كان ُ
فالحصول عىل االعرتاف يصحبه أحياناً كثرية نفاق وتدجني وخيانة للنص املنت َـج ،وهذه كلها من مقاتل عملية اإلبداع ،وكلام ابتعد األديب عن االرتزاق لالعرتاف به اقرتب أكرث من خصوصيته التي تكفل له وحدها االعرتاف خارج الوهم وخارج الخيانة والنفاق .ورمبا كان الزهد القائم عىل اإلعراض عن كل ما هو مفتعل هو األسلوب الصحيح للحصول عىل االعرتاف الخايل من الوهم والتزيني الفارغ لخواء الجوهر ،ورمبا هذا سائ ٌد وبنسب عالية يف عرصنا بسبب قوة اإلعالم وحاجته لالنتشار والكسب الرسيع .وبسبب املفاهيم االجتامعية التي يتنكر بعضها لكثري من القضايا اإلنسانية املحقة ،وأيضا بسبب السلطة التي تبثّ من األفكار التي تخدم استمراريتها .ولعل العداء كل منهام ،فالسلطة ظاهرة الدائم العلني واملض َمر أحياناً كثرية بني األدب املبدع وبني السلطة يعود إىل طبيعة ٍّ خارجية وافدة عىل النفس البرشية تعتمد عىل القوة الستمرار بقائها ،بينام الشعر غريزة متوحشة تحاول باستمرار مهاجمة الخطأ ،ومنبع هذه الغريزة املتوحشة هو الداخل املتمرد عىل كل ما هو عادي ،وكل ما هو سلطة .وإذا كان األدب وتحديدا ً الشعر":هو حنني العقل إىل طفولته" فهوي ّـت ُـه األوىل هي الطفولة ،والطفولة هي
حالة نقدية بسبب براءتها ،وبسبب عدم تقبلها للتسلط. األدب امللتزم فعل أخالقي عندما يكون الواقع أغرب من الخيال ال تكون العبقرية إالّ تسجيالً مبارشا ً ملا يحدث داخلك وخارجك وتكون ٍ وجبات دسمة .أدركت عرب الجامل املولود جاملية ما تكتب مبقدار ما ت ُحيل السموم التي تسكبها الحياة فيك إىل يف الزمن القبيح أن األمل أصفى مرايا النفس الداكنة .تحت جلدي كانت تنمو عوامل بال نهايات وكانت البوابات مبهم يأيت وال يأيت يف زمن طويل كعمر األموات. تنفتح باستمرار عىل يشء ٍ
عنك عىل الف ّخا ِر ملحم ًة مل ت ُ ْب ِق َ قرأتُ َ منك سوى ط ٍني ت َُس ِّو ُر ُه لك ّن أمني ًة َرف ّْت عىل ج َد ٍث تعلو عىل القرب والحفّا ُر يحف ُر ُه رض ُه خصباً مجام ُر ُه بنت لهف ِتنا يا ُع ْم ُر ،إ َّن األماين ُ ُ والقلب أن ُ
َس َّوتْ مقاب َرنا ك ْوناً نُ َع ِّم ُر ُه وكل أمنـيـ ٍة كانـت تساورنا ُّ ُ تكس ُه جلجامش ُع ُمرا ً وقر ُن "ثور السام"، ٌ يف السور قد صاغها "أوروك" ِ ُ وهم وكانت ميا ُه ِ املوت مت ُخ ُر ُه وراح مي ُخ ُر بحرا ً للخلو ِد عىل ٍ َ واحتازها املتنبي وهو يرص ُخ يف
عمى ِْ ور ّدها عن ره ِني املحبسي ً والق ُرب يف دير "مار رسكيس" ت ُ ْخ ِص ُب ُه ِ املوت يابس ٌة وحولَ ُه شجراتُ قلــب الل ِه حانتَـ ُه "نَـ ِبـِ ُّيـ ُه" كــان ُ عت روح األلوه ِة من فَ ّخارِنا ُص ِن ْ ُ
فأس َك َر ُه َس َك ْب ُت ح ّبي عىل جرحي ْ رأيت موتاً يعاين من جنازتِـ ِه ُ سل ْكتُــ ُه أ َّمتي كانت بال قـ َد ٍم
خيلِ الزمانِ :أنا مويت سأع ُرب ُه عم ُر العباق ِر ليس املوتُ يُ ِ بص ُه
بحب ال يُغاد ُر ُه "سلمى كرامي" ٍ أخصب الق َرب ،وال ِق ّمتُ تَ ْنط ُر ُه ما َ وليس فيه سوى ضو ٍء يعاق ُر ُه اليـبـرح الل ُه شيئاً ،وهو ِ فاخ ُر ُه ُ ِ عاص ُه والك ْر ُم يسك ُب ُه يف الكأس ِ ُ يرج املوتَ يع ُرب ُه فقلت ٌ ُ جيل ُّ تهفو إىل وطنٍ أغنا ُه أفق ُر ُه
يشمت يب جسمي وأزج ُر ُه كل ما يحوي دمي وفمي واليو َم أعط ْبتُها َّ ُ َ َّت مواط ُر ُه// ُّ جفاف به وقلت :إ ّن رساباً ال يظل يغري فامً َجف ْ ُ /2021/15
بقلم عمر شبيل
تعـب أ َرقْتُ ُه ،مل أنَـ ْم يوماً بــال ٍ وكنت أصحو إذا ما زارين وطني ُ
وال عـنــا ٍد بال َهــ ٍّم يُسامــٍ ُر ُه وراح يحنو عىل جرحي ويغ ُم ُر ُه ُ أواص ُه أشتاق ،والعم ُر قد ُحل َّْت ِ ُ
نـذرتُ عمـري ألشواقٍ ،فهـا أنـذا وكنت أريث ملن مل يَ ْص ُف جوه ُر ُه أح َب ْب ُت يف غربتي حتى األُىل ظَلَموا ُ النزيف يعاين من غزارتِــــــــ ِه فـلـيس يـجـمـ ُعــ ُه إالّ تـفـ ّجــ ُر ُه د ِع َ والده ُر يُ ْس ِك ُرين حيناً وأُ ْس ِك ُر ُه و ّز ْع ُت حزين عىل الدنيا فأث َملَها خطوب ب ِه أعشق العم َر سهالً ال ال ُ َ
والروح ال تكتيس إالّ إذا َع ِريَ ْت هذا الحن ُني الذي تطغى مناب ُع ُه
ِ رس ُه والعم ُر أجد ُر ُه باملوت أي ُ تأس ُه والقلب ُ ُ يصبح ح ّرا ً حني ُ ُ
عيني أنـ ُهــ ُر ُه قد كان تنبع من َّ علم الش ُّط ،يف صدري بواخ ُر ُه شعاً ُسفُني ولْ َي ِ ورغ َم هذا سأبقى ُم ْ ِ رس ال يش َء يع ُرب يف جرحي سوى د ِم ِه ُ روح األلوه ِة فيه وهو منك ُ قيس من ليال ُه ُ ْيط ُر ُه ال ُ ْي ِر ُع الحب يف الت ْوبا ِد من مط ٍر إن مل يك ْن ُ ُّ دنا ،وناولني حزناً ألرشبَــــــ ُه تحس أحزاناً مجرب ًة وقال :ال ُ
فرحت أرشبُ ُه والدهــ ُر يعرص ُه ُ
ومل تك ْن حا ُن "سيدوري" لتُ ْق ِن َع ُه
طالت تغاد ُر ُه أ ّن الحياة وإ ْن ْ َ "أوروك" للدنيا تُ َع ِّمر ُه وسو ُر
ض الحزن يف األرواح أنْ َد ُر ُه فأنْ َ ُ فقلت له ْم خذوا ِ الضام َد ،فجرحي ال أغ ِّ َُي ُه هم خاصموين عىل جرحي ُ رس ُه والجرح ورحت أميش ،وجرحي يف الطريق معي ُ ُ ُ يصبح جرحاً حني تخ ُ ٍ "جلجامش" قد كان يف جسدي مييش إىل ج ِّد ِه واملوتُ ينط ُر ُه وألف ُ قد م َّر منك عىل الدنيا ف ٌم ود ٌم "ننسو ُن" أمك كم غ ّذت َْك من دمها لكنام املوتُ يف اإلنسانِ جوه ُر ُه
املكان الجنويب فعالً ميتلك عبقريته الخاصة ويعطيها لساكنيه ،وهي متّصلة بهذا الدمج االستثنايئ الفريد ما بني صالبة الجبال ورحابة البحر النفتاحه عىل البحر. (يُقاطعه األستاذ عمر بالسؤال :الذاتية الجنوبية نريد أن تخربنا عنها .الرتبية األساسية لك ،الذاتية التكوينية " البيت -األب" وما إىل ذلك فهؤالء طبعاً أثَّروا بك أيضاً؟
بطبيعة الحال ،ولكن ما أريد قوله أن الجغرافيا الجنوبية التي هي مزيج من صالبة الجبال ،ومن رحابة البحر باعتباره مفتوحاً عىل البحر هضاب متوسطة االرتفاع ،هضاب ذات طبيعة أنثوية من جهة باعتبارها محدودبة متاماً كالجسد األنثوي ،ومن جهة ثانية ذكورية من حيث متانتها وصالبتها ،أرض مفتوحة مملوءة بشتى أنواع الغابات والنباتات الربيّة( ،أتكلم عن قريتي زبقني يف قضاء صور) ،وكل يشء موصول باملطلق ،بالسامء ،بالبحر، بالالنهاية .ترى حدود جبل الشيخ من عندنا ألنها هي قرية تعلو 500مرت عن سطح البحر ،البحر املتوسط غرباً، والحدود الفلسطينية جنوباً ،ومشارف الرصفند شامالً .هذه الرقعة من املرئيات والروائح واألشكال واملُتع البرصية، شكَّلت فعالً ظهريا ً لتجربتي الشعرية كام لسواي .وطبعاً ال أستطيع أن أفصل هنا أيضاً ال َع َوز والفقر الذي تربّيت يف ظالله ،ألننا كنا نعيش وما زلنا من زراعة التبغ ،وهي ال تكاد تكفي لس ّد ال َرمق .هي زراعة تتطلّب عمالً يوازي أربعة عرش شهرا ً متواصالً مام يدخل السنوات بعضها ببعض .تص َّور املوسم ال يكاد املزارع يلتقط أنفاسه أو يأخذ
أيّة فرصة للراحة .وليس باملصادفة أن تكون هذه النبتة ُم ّرة .فهي ُم ّرة يف حال تذ َّوقناها ،خرضاء كام نعلم ،وكأنها تعكس مرارة العمل الشاق الذي تتطلّبه من أجل أن تتح َّول إىل متعة أو إىل سيولة نقدية.
طائر الفينيق أدب
مقابلة الشاعر شوقي بزيع عمر شبيل والدكتورة هالة أبو حمدان الشاعر شوقي بزيع شاعر مجيد ،وذو مكانة عالية بني شعراء الحداثة ،عرفته املواقع الشعرية املتقدمة يف لبنان ويف الوطن العريب ،وهو ذو حضور مميز يف الساحة الشعرية اللبنانية ،إنه ينتمي إىل جيل من شعراء الجنوب اللبناين الذين كانت قضيتهم تتصل بعمق الرصاع مع العدو الصهيوين ،بحكم الجغرافية والوعي والثقافة امللتزمة بقضية اإلنسان الذي يعاين ،ويجيد نقل معاناته إىل الكلمة ،إن الشاعر شوقي بزيع ال ميكن أن تتصوره خارج دائرة املبدعني يف الشعر العريب املعارص. ويف لقاء حميم مع الشاعر شوقي بزيع أجرت الدكتورة املثقفة هالة أبو حمدان والشاعر عمر شبيل هذا الحوار الشعري ،والذي تناول قضايا الشعر املتصلة بتجربة اإلنسان العريب املعارص. األستاذ عمر :نسأل السؤال األسايس ،عن عالقتك بالجنوب والقرية الجنوبية ،ومدى تأثريها يف تكوينك الشعري، ليس فقط كجغرافيا ،بل كرتاث وخصوص ّية جبل عامل ،الخصوصية التاريخية والخصوصية الروح ّية ،وعالقتك بالرتاب املقاوم يف الجنوب ،جغراف ّية املقاومة؟.
لدي وجهة نظر مختلفة ،وموضوع مختلف سنتح َّدث عنه الحقاً. أنا ِّ أفضل فصل السؤال املتعلِّق باملقاومة أل َّن ّ
سأبدأ مبرحلة التك ّون ألنّه بنهاية املطاف أي فعل ،أي ظاهرة،أي كائن يحتاج دامئاً إىل مرسح ُمالئم يه ّيئه ألدوار ما قد تفرضها عليه موهبته ،أو الطبيعة ،أو عبقرية املكان ،أو أسئلة ذات ّية من داخله ،ولكن ال تتبلور إالّ يف ظل لحظة مؤاتية ومكان مالئم .أنا أعترب أن الجنوب هو من األماكن التي مل تلهمني فقط القدرة عىل الكتابة
واإلنصات إىل ما يأيت من الالمريئ من عنارص الشغف باللغة ،ومن عنارص التساؤالت الوجودية وسواها ،والتي ألهمت جيالً كامالً من الشعراء ،حتى أكاد أقول أجياالً كثرية ،ألن جيلنا مل يظهر إىل العلن إال بعد أن ُسلِّط عليه الضوء ألسباب غري شعرية أي بسبب وجود الجنوب عىل خط التامس املبارش مع العدو اإلرسائييل ،وكان يهم اإلعالم يف ذلك الوقت والقوى السياسية التي ننتمي إليها بأن تُظهر الوجه الثقايف للجنوب اللبناين متاماً كام حصل قبل ذلك مع املقاومة الفلسطينية .ولكن الجنوب ينبوع ال ينضب من الشاعريات التي تتدفَّق منذ مئات السنني حتى اليوم .وهذه الشاعريات أقامت يف الظل ومل يُسلَّط الضوء عليها ألسباب أيضاً ذات طبيعة سياسية ،وتجزئة املنطقة والوجود الجغرايف الرجراج للجنوب الذي كان يتأرجح بني واليتَ ْي عكا ودمشق وغريها.
األستاذ عمر :بالنسبة للجنوب ،هو مثل فلسطني أي أن الوضع الفلسطيني أعطى الشاعر نقطة عىل الشاعر يف منطقة أخرى ,فقد أُ عطيت قيمة للشعر الفلسطيني ألنَّه مقاوم ،طبعاً هناك شعراء كبار ومه ّمني ال نناقش ْ شاعريتعم ،ولكن نتيجة املقاومة أُعطوا من العطف العريب أكرث من حقّهم .هل أثَّر ذلك عليكم كشعراء يف الجنوب الرتباطكم باملقاومة واألرض؟ بالتأكيد أث َّر يف البداية خاص ًة يف السبعينيات حيث مل يكن الهاجس لدى الناس واإلعالم هاجساً ثقافياً محضاً وإبداعياً محضاً ،كان كل يشء يف خدمة املعركة ،كل يشء يجب استثامره من أجل إثارة الناس ودفعهم إىل االنخراط يف املواجهة ،وكان هذا مرتافقاً مع الصعود الدراماتييك للواقعية االشرتاكية التي أتت من جهة التح ّزبات واملنظومة االشرتاكية والتي أيضاً متثّلها من خالل الحركات القومية واإلسالمية الحقاً .كان دامئاً الشعر يُل َحق
باأليديولوجيا والفن ،ولذلك كان املُلصق يطغى عىل اللوحة والنشيد يطغى عىل األغنية الهادئة الداخلية أو عىل املعزوفة املوسيقية .مرحلة ج ّياشة ،والغريب أن هذه املرحلة جاءت يف الوقت الذي كانت الحداثة الشعرية أيضاً تذهب إىل أقايص تجريديتها ومغامرتها ،ولذلك حدث نوع من الرشخ .وهذا انعكس يف تجربتي عىل األخص
مبعنى أين كنت من جهة ُمطالب من التنظيم املاركيس الذي انتميت إليه يف تلك الفرتة بأن أكتب قصائد مثل أحمد فؤاد نجم لتُغ ّنى ،وأنا فعالً كنت أكتب ُهتافات للمظاهرات ،ومنهاهتاف " يا ح ّرية" الذي كان يُر ِّدده
نص الشعري ،وكنت من جهة أخرى أتتلمذ عىل الطالّب يف املظاهرات الط ّيارة ،ولكن هذا اليشء مختلف متاماً عن ّ
شعراء ونُقّاد كبار من أمثال أدونيس ،خليل حاوي ،مينى العيد،ميشال عايص ،أنطوان غطّاس كرم .قامات عالية، فكانوا يأخذونني باتّجاه االنتصار للشعر كقيمة ف ّنية قامئة بذاتها ،وليس باعتباره ذا وظيفة أيديولوج ّية أو عقائدية مبارشة .هذا الرصاع دفعني إىل االستقالة من التنظيم املاركيس الذي انتميت إليه يف وقتها منحازا ً
لقصيديت .طبعاً بقيت يف مناخ العمل الوطني والحركة الوطنية واالنتصار للمقاومة الفلسطينية واملبادئ الكربى، ولكن شعرت بأن الجسد الحزيب والعقائدي يضيق أحياناً بالف ّنانني الذين يحتاجون إىل كامل الهواء وإىل كامل الحرية وإىل كامل املكان واملرسح املتاح لهم .هم يضيقون ذراعاً بالكرة األرضية فكيف بتقاليد أيديولوج ّية صارمة
أحياناً.
يف ظل هذه البيئة الزراعية نَ َوت،وكنت عىل املستوى الشخيص أيضاً أشارك العائلة يف قطاف التبغ ،هو مشهد ملحمي كام أعتقد ،تص َّور أن الساعة الرابعة فجرا ً حسب التوقيت أو الخامسة فجرا ً تهبط يف اآلن ذاته مئات
اآلالف من األيدي عىل شتلة التبغ ويُسمع صوت صفري خاص للقطاف ولعالقة الجسد بالنبات ،وهذا اليشء يشبه قصيدة يصنعها آالف الناس .وهذا املشهد هو الذي دفعني إىل كتابة قصيديت عن الشهيد حسن الحايك ،وزرع
حادي العيس وكنت مشاركاً (املقصود قصيدة قمر الجنوب) ،وهي قصيدة " يا التبغ يف الجنوب ،وأنت تذكر أيضاً، َ َ سلِّم يل عىل أ ّمي" ومنها ":وكان يُراقص شتلة تبغ /ويجذبها صوب كفّيه."...فهذه مل ِ تأت مصادف ًة ،ولكنها كانت نتيجة هذا الشعور مبعاناة الجنوبيني الذين يحصلون عىل قوتهم اليومي بكل أنواع الجهد والتعب والكدح. أيضاً كربالء كان لها دور مبعنى هذا العمق الحزين للفاجعة الكربالئية ،وليس مبعناها املذهبي الض ّيق ،ولكن
مبعناها اإلنساين العام .كيف قلّة قليلة أمام جيوش ج ّرارة ،كيف تواجه بالقليل من السالح ومن األجساد كل هذا
الجربوت املُقابل ،طبعاً بالنسبة يل مل أكن أعي الواقعة يف تلك الفرتة ،كنت أعرف ان هناك أناساً قضوا عىل مذبح الدفاع عن الحق ،وعن العدالة وعن الكرامة اإلنسانية ،ولكن طبعاً ك ّنا -كام تعرف -ال نعرف سبباً ُمقنعاً لهذا البكاء الذي يأيت من جميع الجهات .فاملعروف أن النساء عاد ًة يبكني ،ولكن أن ترى رجاالً يبكون ويلطمون صدورهم ويف ّجون رؤوسهم أحياناً من أجل ٍ دم يرفض أن َّ يتخث ،يبقى طازجاً أناس قضوا منذ ألف عام ،من أجل ٍ وسائالً بشكلٍ مستمر .من أين تأيت كل هذه القدرة وهذه الصالبة الروحية التي متنح هؤالء الناس هذه املشاعر
الج ّياشة باستمرار .طبعاً كل ذلك أث َّر يف قصيديت يف هذا الشجن الغنايئ الذي كان يطغى عىل قصيدتنا كجنوبيني. د .هالة أبو حمدان :هل تعتقد أ َّن هذا التأثري كان عىل كل شعراء الجنوب؟
ال ..كان أوضح منه عندي وعند محمد عيل شمس الدين من شعراء آخرين مثل حسن عبدالله أو جودت فخر الدين أو الياس لحود .طبعاً الياس ألنه ..حتى لو مل يكن ينتمي إىل املذهب واملجالس الكربالئية ،ولكن أحياناً البيئة تخلق مناخات مشرتكة حتى لو كان الناس ينتمون إىل طوائف متغايرة ،ولكن أعتقد بأن تكويني أنا الشخيص هو تكوين رومانيس ،وتكوين عاطفي وغنايئ ،وباملناسبة أنا كنت يف صغري أمتلك صوتاً فيه الكثري من الشجن والحنان مبا يكفي أن أقرأ بعض مجالس العزاء ،وكنت طفالً يف العارشة كنت أقرأ مجالس عزاء ،وكان الناس يبكون لبكايئ أكرث مام يبكون عىل الحسني ،كنت أقرأ وأبيك ،كان صويت يُبكيني وهذا اليشء غريب .طبعاً ع َدلت عن ذلك فيام بعد ألنني أعتقد بأن األشياء قد ت ُقارب من زوايا أخرى ،من زوايا التأ ّمل باألشياء ،ومن زوايا
تَ َثُّل الواقعة بأعامقها األبعد وليس بتحويلها إىل طقوس خاصة عندما تكون ُمفرطة يف املُبالغة والتف ُّجع.
األستاذ عمر :الشعر اليوم ..نحن ك ّنا نقرأ ونحن يف الجامعة :أن الشعر صياغة ف ّنية لتجربة برشيّة‘ .ننا نشعر اليوم يف نتاج شعراء كبار دون ذكر األسامء أن القصيدة لديهم تتح ّول إىل عمل ثقايف ،يف فرتة من الفرتات كان شعرهم فيه لهيب ،فأنا أقرأ مثالً قصيدة عن صقر قريش ألدونيس أشعر أن فيها حالة كبرية ،بينام يف مرحلة مع ّينة ميكن أن يكبو الشعر أمام الثقافة ،بسبب انعدام هذا الوقود الداخيل والقلق الذي يُالحق اإلنسان ،أنا أعتقد أن الثقافة بال وجدان تقتل الشعر رغم أنها رضورية للشعر ،أنا هكذا أشعر..
موضوع إشكايل ج ّدا ً ومركَّب من ع ّدة عنارص ،الحقيقة أعتقد أن دامئاً هناك ما نربحه وهناك ما نخرسه يف حياتنا يتغي ،دورة الدم ،األشياء ،الحواس عندما نكون تتغي ،إيقاع حياتنا ّ تغينا ،حتى أجسادنا َّ ويف تج ُّددنا املستمر ،يف ُّ
ًمم هو اآلن .تذ ّوق يف العرشين تكون متفتِّحة و ُمتيقِّظة ،بحيث أن ضوء الشمس كان يبدو لنا أكرث وهجاً وسطوعا ّ
األشياء ،تل ّمس الحياة وعنارصها ،كل يشء له وهج خاص .هذا عاد ًة يُرافق الف ّنانني يف أعامر ُمبكِّرة ،يف العرشينات لتحل محله الحكمة واملعرفة والتأ ُّمل الداخيل ،ولذلك يقول يت. وأوائل الثالثينات .لكن بعد ذلك هذا يرتاجع قليالً ّ الحي ،يتغذّى من انفجار دورة أس أليوت الشاعر اإلنكليزي الشهري :إن الشاعر حتى الثالثني هو يتغذّى من اللحم ّ
الدم ،ومن عنارص الشغف التي تتملّكه وهو شاب ،ولكن بعد الثالثني – يقول -إ ّما أن ميتلك الحكمة واملعرفة،
يكف أن يكون شاعرا ً ألنّه س ُيقلِّد نفسه وسيج ّرت ما كتبه سابقاً ،لكن طبعاً هو مل يد ُع ومل ُي ِّجد خسارة هذا وإ ّما ّ
الشغف ألنّه دون هذا الشغف ال شعر وال أدب وال فن ،وأنا أقول إنه إذا استطاع الشاعر أن يُقيم أو يُق ِّدم هذه الخلطة السحريّة ما بني شغف البدايات والتو ُّهج املُستمر وما بني التأ ُّمل املعريف وبني استبطان األشياء وكنه مم تقوله.. األشياء ميكن أن ينجو ّ
األستاذ
عمر :أنا قرأت جالل الدين الرومي ،وشعرت أن شعراء كباراً أخذوا منه وبال وجد صويف ،وهذا
األخذ أصبح عمالً ثقافياً كام أرى ..جالل الدين الرومي هو جالل الدين الرومي أنا ال أستطيع أن أكون هو ..أنا لست حافظ الشريازي،عندما أتع َّمد أن أكونه ال أستطيع أن أكون شاعراً... ترجمت حافظ الشريازي ولكن أنا ُ نقلنا هنا إىل محل آخر ،أنا ما كنت أريد أن أقوله هو أنّنا نحن نخرس قليالً من اإليقاع العايل للبدايات من
اإلنشاد ،ولكن نربح ُمقابله دخول الشعر إىل مناطق مل نكن قد وطأناها من قبل ب ُحكم النضج وب ُحكم التجربة،
وب ُحكم قناعتنا بأ َّن وظيفة الشعر ليست فقط نشوة التطريب ،وال الصوت العايل ،وظيفته الدخول أيضاً إىل مناطق األرسار ،املناطق الحميمة اللصيقة بالنفس.
األستاذ عمر :هنا يربز حالة إذا أعطينا االلتزام الحزيب معناه البولييس! ،مثالً نأخذ شاعراً مثل ناظم حكمت ،أنا من خالل قراءيت له أشعر أن األيويوجيا مل ِ تقض عليه ،بقي يف أيديولوج ّيته لكن كنت أشعر أنّه شاعر -وهو
يخاطب زوجته أو الس ّجان ،-وبالنهاية يقول " وأتيت البساً قمييص األحمر" .مل يفسده االلتزام – أنا ال أتحدَّ ث بالشخيص ،-فأحياناً االلتزام إذا كان باملعنى األعمق الذي يتناول قضية اإلنسان هنا يكون كل شعر ملتزماً ،نحن حني نكتب ال نكتب للحجر والشجر ،نكتب لإلنسان ،إذاً باإلطار العام يوجد التزام ،لكن االلتزام مبعناه الصحيح، لكن إذا كان للواحد عبقرية كبرية مثل ناظم حكمت ،نريودا مل يكن كذلك بهذا املستوى ،لكن شعرت أن ناظم حكمت مل تفسده األيديولوجيا. هنا ال يتعارض مع ما قلته ،أنا مع االلتزام الطوعي ،الخيار الحر للكاتب ،ولست مع اإللزام ومع فرض نوع من التقاليد األسلوب ّية واملضمونية التي تتق ّيد بهذا البند الحزيب أو ذاك ،كام فرض ستالني من خالل وزير ثقافته
يومذاك جادونوف ،فرض عىل األدب السوفيايت هذا النوع من القيود بحيث أن القصائد عليها ان تكون متفائلة
للعمل أو الفالحني ،بينام االلتزام هو أمر حتى لو بالقرس واإلكراه ،وأن يكون فيها مقادير مع ّينة من التمجيد ّ
طبيعي ونحن ننحاز تلقائياً إىل الرصخة التي تأيت بعد الجرح ،فكيف تطعنني وتطلب مني أن ال أرصخ ،هذه
مسألة مرعبة ،أحياناً يكون الفن رصخة ،ولكن حتى الرصخة أيضاً عندما تدخل يف الفن تصبح مختلفة متاماً ،يصبح لها جرس خاص ولها مضمون خاص ،وت ُق َّدم بصورة مختلفة .طبعاً أنا ال أوافقك عىل أن ناظم حكمت أهم من حمل أوجه ،لكن أنا أقول إن كل فن بابلو نريودا ،ألن األخري أحد أهم شعراء العامل مبعزل عن التقييم ألنّه ّ حقيقي يخرتق األسقف األيويولوج ّية التي ينتمي إليها دون أن يعي الشاعر أو الفنان ،ولذلك عندما سقطت
املنظومة االشرتاك ّية مثالً مل يسقط معها شعر نريودا وشعر لوركا وشعر أليوات وشعر أراغون وشعر ناظم حكمت، سقط الذين جعلوا من هذه األفكار مط ّية للقصائد الرديئة ،ولذلك هم أساؤوا إىل الشعر كام أساؤوا إىل األفكار
التي ينتمون إليها .وهنا أقول وأر ِّدد مقولة محمود درويش الذي قال إن الشعر الج ّيد يخدم املقاومة أما الشعر
الرديء فيخدم العدو.
األستاذ عمر :مشهور " للنفري" قوله" :كلّام اتسعت الرؤية ،ضاقت العبارة" ،نتكلّم هنا عن الصمت ،عندما عبة ،فمثالً عندما أقرأ جلجامش أشعر أنه يتحدَّ ث عن العرص اللغة مل تعد تسع فتخلق ّ قصة الرمز واألسطورة امل ُ ِّ الذي نحياه اليوم مبدلوالته النهائية يتحدَّ ث عن اليوم ،ملاذا اللجوء إىل الرمز واللجوء إىل األسطورة ،هل لضعف اللغة أو لعدم قدرتها عىل حمل الداخل إىل الخارج ،أم هي قض ّية ُمهيمنة عىل الشعر؟
أعتقد أن كل هذه العنارص مجتمعة ،أ ّوالً اللغة بحد ذاتها هي رموز ،ليس هناك من عالقة بني الكلمة وبني
مدلولها عىل األرض ،بني االسم واملُس ّمى ،سوى أن هناك بُعد اصطالحي يف املوضوع ،وبُعد إشاري إذا شئت ،إذا ً اللغةهي أصالً ترميز ما مك َّون من أحرف و ُمجاورات تعبريية وما سوى ذلك ،ولغة الشعر أيضاً يُس ّمونها لغة يف
اللغة ،أي هو االتجاه نحو املزيد من التكثيف الذي ُيكن فيه للرمز أن يحل محل الكثري من الحشو واالستفاظة يف التعبري من خالل استقدام الرمز .رمز يوسف – عىل سبيل املثال -يفتح لنا دالالت ال نهائية عن الحديث عن
عالقة الجامل باألمل وبالثمن الذي يجب أن يُدفع من أجل استحقاقه ،أو ديك الجن وعالقته بالغرية وما سوى ذلك ،أو ...عندنا عرشات الرموز التي ُيكن استحضارها اآلن وكل رمز مفتوح عىل دالالت .ولذلك قيل أن بُنية الشعر يف األساس هي بُنية رمزية أو أسطوريّة ،هناك يشء أسطوري حتى من دون أن يدري الشاعر أنه استقدم
األسطورة ،ألنه عندما الشعر يقوم عىل االنزياح هو قائم عىل املفارقة يف الواقع واملُغايرة مبعنى أن الكالم أو الدال
يتّجه نحو مدلوالت أخرى غري التي وضعت له سابقاً فهو كأنَّه يذهب أيضاً إىل مغادرة الواقع باتجاه خلق مناذج ومعانٍ ُمختلفة .واألسطورة هي أنّه يف غياب العلم كان يُلجأ إليها دامئاً لتفسري العامل تفسريا ً خيال ّياً.
الدكتورة هالة :األسطورة هي بداية العلم ،فأسئلة جلجامش عن استحضار نبتة الحياة هي أسئلة معرفية
وعلمية. صحيح ،ولذلك هي يف صلب الشعر ،ويف متنه وداخله األسطورة ،عندما ندخل يف التفاصيل نُ ّيز بني من يستخدم
األسطورة بشكلٍ ُمفتعل واستعرايض مثالً ويف غري سياقها ،وبني الذي يستخدمها بشكلٍ صحيح .هناك أساطري تَرِد
فقط كلفظة ،عىل سبيل املثال عند الس ّياب مثالً تَرِد يف سياق الجملة أو التعبري ،ولكن هناك قصائد تنبني بكليتها عىل أسطور ٍة ما ،هناك فارق يف االستخدام.
كبت تجربة الشاعر يكرب شغفه؟ د .هالة :أال تعتقد أنّه كلام ُ يجب أن ينمو هذا الشغف ،ولكن كيف ينمو هذا الشغف...
معي خاص ًة تاريخ التط ّور والتكنولوجيا والتقن ّيات الذي يبقى سائرا ً هو الشعر يسري ٍّ مبحل عكس التاريخ يف مكان ّ إىل األمام ،تاريخ العلم .يف الشعر هناك تاريخ آخر هو محاولة براءة األشياء ،أو األشياء يف براءتها األوىل اللغة
الطفولية ،ولذلك دامئاً امتزج الشعر بالطفولة. ينحل يف داخلنا كان الفيلسوف الفرنيس باشالر يقول إن الطفولة ليست مساحة زمن ّية مع ّينة ،ولكنها يشء ّ
تجف لديه عنارص ويالزمنا إىل ما ال نهاية -،يقول -كل الشعر الذي تفارقه الطفولة غالباً يتح ّول إىل نبعٍ ناضب ُّ
الكتابة ،لذلك ما يحمينا من الوقوع يف اليباس التعبريي والوقوع يف اللغة الذهن ّية هو هذه الطفولة وهذه الطاقة
الح ّية التي تتج َّدد يف داخلنا باستمرار ،طريقتنا يف رؤية العامل تظل طريقة طفول ّية برباءتها مهام كربنا ،أ ّما خارج الطفولة فال يوجد شعر.
د .هالة :وما هو دور األمل خارج طفولة الشعر؟ األمل لكن بحدود ،أي املعاناة كالفقر واألمل وفقدان األمن وسوى ذلك إذا بولِغ فيها كثريا ً تصل إىل مكان يصبح عب عنه إالّ بالصمت الكامل أو الشخص يقيم تحت اللغة ،هناك مناطق إذا بلغها األمل ال يعود مبقدورنا أن نُ ِّ
الغصة أو الشهقة وما إىل ذلك ،كأ َّن املعاناة التي يتطلّبها الشعراء أو الفن ليست عىل املستوى من قتل الحياة ّ
باش املتعلق بالفقر أو فقدان الحريّة ،فيها أمل وجودي ألنَّك أنت حتى الحس امل ُ َ بالكامل ،ولكن فيها يشء من األمل ّ نحل مشكلتنا مع املرض ،مع التق ُّدم لو حللت مشكلتك مع العدو أو مع الطبقة الثانية التي تحرمك ،لكن كيف ُّ يف السن ومع الكره ومع املوت ومع الحب .هذه أسئلة ال تشيخ عىل اإلطالق ،لذلك صحيح أن الفقراء أكرث قدرة
أو قابل ّية للكتابة أل ّن الفن دامئاً يأيت من الفقدان ،من األشياء التي نُعاين منها ،الغياب هو الذي يُح ِّرض عىل
الكتابة ،عندما نفقد األرض نستدرجها إىل اللغة ونأيت بها إىل القصيدة ويصبح املكان داخلنا من خالل اللغة،
وعندما نفقد الحريّة نستعيدها يف اللغة وهكذا دواليك ،حتى الحبيب أيضاً .حتى جميل بثينة ال ُعذري كان يقول لبثينة : ميوت الْهوى مني إذا ما ل ِقي ُتها ُ
ويحيـا ،إذا فارقتها ،فيعـو ُد.
األستاذ عمر :يف النفس العربية بشكلٍ عام نشعر أن الشعر بدأ ينحو منحى صوفياً ،هل هذه الصوف ّية مطلوبة
ومكسة؟ أحياناً ترى شاعراً يتقوقع يف الصوف ّية وكأنه هو بحالة خاصة ،ونحن نعيش وجوداً يف أ ّمة منهزمة َّ
مكساً ،كيف نفصل حالنا عن األ ّمة وعن الوجود هذا خطأ .هذا التو ّجه الصويف هل هو ُمفتعل أم هو تعبري عن َّ
هزمية نعيشها كأ ّمة ،أم هو عملية إرشاك كربى؟ أنا أراها تعبري عن هزمية ..ليس يف كل نتاجها طبعاً.
حتى يف أعتى عصور الظلامت ،يف زمن املغول ويف زمن التتار وانهيار الدولة العربية رأينا تجارب صوف ّية ومنها
تجارب فريد الدين العطّار وجالل الدين الرومي والسهروردي وغريهم ،ال ميكن ألحد اليوم أن يقول إن هؤالء كان عليهم أن يواجهوا الطغيان يف تلك الفرتة ،فال أرى أن ذلك كان انسحاباً من الواقع بقدر ما هو فَهم للعامل ال يلغي عىل اإلطالق صدق الشاعر ،فإذا كان الشاعر يكتب وبلغة فيها الكثري من عنارص التأويل التي تحتاج إىل سرب أغوار ومثقلة بالصور ،هذا ال يلغي أبدا ً دوره كمناضل .عىل املستوى اإلنسانيهو إنسان وهو ف ّنان .أنا لست مع املبارشة الصارخة التي تتحول إىل شعارات وتنتهي مثل الصحون البالستيك ّية التي نأكل فيها م ّرة ونرميها ،ألنه – وأنت
تعرف أستاذ عمر كشاعر -أن يف األدب والفن مثّة يشء أبدي وال نهايئ وال ميكن أن يستنفذ متثِّله الصورة الشعرية. التص ّوف هو حالة شعرية ،هو رؤية إىل األشياء ،هو تو ّحد مع العامل ،أنا ال أرى متثُّالت له مبارشة عند الكثري من
الشعراء .أدونيس جزئ ّياً يُالمس حدود الصوف ّية ،نراها أيضاً عند محمد عيل شمس الدين يف العديد من نصوصه.
عىل املستوى الشخيص ،أنا ال أزعم أين ذهبت إىل هذا النحو ألين أعترب أن الصوفية تجربة باطن ّية وداخلية وروح ّية
قبل أي يشء آخر ،التص ّوف طريقة حياة ،كيف أنا ممكن أن أؤمن بشعر صويف وأنا أعرف أن من يكتب هذا
الشعر ال عالقة له بالتص ّوف أو أنّه مثالً ممكن أن يبيع نفسه ألول من يدفع عىل سبيل املثال ،كيف يكون صوف ّياً،
طبعاً ال أقصد باألسامء التي س ّميتها عىل سبيل املثال ،ولكن أيضاً أعود للقول إنه يف كل شعر بُعد أسطوري ،أيضاً يوجد منحى صويف عند الشاعر ،ألنّه مج ّرد أن تدخل إىل ذاتك ،مج ّرد أن تفتح ما استُغ ِلق من هذه الذات وأن تبحث عن الوجود كمعنى وداللة وبداية ونهاية أنت تدخل يف أسئلة أنا َأس ّميها تأ ُّمل.
صعب هو املرقى إىل األستاذ عمر :حتى لو أملح إليها الس ّياب ملحاً ،لكنها تكون شعراً متقدماً ،يقول يف سبزيف مثالً" : ٌ
الجلجلة /والصخر يا سيزيف ما أثقله /سيزيف إن الصخرةاآلخرون أنا أرى أن هذه قصيدة وحدها ،حتى لو استخدمها
بشكلٍ جانبي. أنا ال أقولها معرتضاً أو بشكلٍ سلبي ،ممكن أن مت ّر حيناً كإشارة ،ولكن داللتها واسعة ج ّدا ً ،فهي أصالً الهدف منها
إضافة إىل التكثيف أيضاً هو اإلحالة إىل املناطق التي يجب أن يأيت منها الشعر ،املناطق الغيبيّة املا وراء غري املريئ
والتي تُغني الشعر والتي هي أصالً من صلبه ،وقد كُتب عنها كثريا ً " ،روالن بارت"يف كتابه "أسطوريات" كتب عنها،
إذا ً يوجد بُعد أسطوري يف الشعر حتى لو مل يستخدم الشاعر األسطورة أو الرمز بشكلٍ مبارش. د .هالة :عندما تحدَّ ثت عن الجنوب ،تحدَّ ثت عن عالقتك بالجغرافيا الجنوب ّية ،ومل تتحدَّ ث عن املقاومة ونظرتك لها؟ لست منفصالً عن جيلٍ بأكمله ولد يف مكان تح ّدثنا فيها يف فرتة وأخذت مساحة معقولة .فيام يخصني أنا كتجربة ُ أعب عن ما عشته من آالم الخطر ،شاءت الظروف أن يقع عىل خط التامس املبارش مع العدو ،ومن الطبيعي ج ّدا ً أن ِّ ومن مكابدات ،من إحساس أحياناً باملهانة ،أحياناً باالحتجاج عىل ما يجري هناك من يش ٍء غري عادل يتم بحق فعبت عنه يف قصائد مثل " العائد والصوت" و" أغنيات الجنوبيني وبحق الفلسطينيني والشعوب العربية بشكلٍ عامَّ ، حب عىل نهر الليطاين" ،عرشات القصائد وصوالً إىل "عرس قانا الجليل" فيام بعد ،حتى قصائد ما بعد التحرير عام
2000أو حرب متّوز ،لكن مع فارق أنّه رمبا يف البداية ونتيجة أن التجربة كانت مل تختمر بعد ،ونتيجة غليان العروق عب بصوت أعىل ،كنت أشعر أنني بحاجة إىل ٍ منحى أعب .نفس القضايا فيام بعد أخذت صوت عا ٍل ليك ّ كان الواحد يُ ِّ ً منحى أكرث هدو ًءا وأكرث بُعدا ً إنسانياً ،هذا يشء طبيعي مع ال ُنضج ومع اختامر التجربة ،الصوت العايل ليس آخر، ً
معيارا ً أبدا ً للشاعرية .أحياناً يجب أن يتخفَّف منه وأن نناضل ض ّده ألنه غالباً ما يكون عىل حساب الثقل الحقيقي للقصيدة املُتّصل بالصورة وبالتخ ّيل وباألبعاد املعرف ّية للكتابة ،وأيضاً املوضوع بدأ يتخفَّف من املبارشة باتجاه أخذ
مناحي تأويل ّية وأبعاد إنسان ّية عامة .مثالً رمبا يف البداية كنت أكتب عن البيوت التي ته ّدمت يف الجنوب عىل سبيل
املثال وهذا أمر طبيعي ،ولكن عندما كتبت يف " مرث ّية ال ُغبار" يف التسعينيات قصيدة " البيوت" تح َّدثت عن البيوت
كأماكن وقالع وحصون للعيش يف العامل كلّه مبا هي مالذ ومبا هي مأوى ومبا هي خروج من الشارع املفتوح الذي
متثّله الحرب األهلية ،العودة إىل الكنف ،إىل حنان األمومة متاماً .فأصبح للقصيدة بُعد إنساين ،وهي ت ُرجِمت ،وفعالً ال يشعر املرء إذا كان يف دولة أخرى أنه يقرأ شيئاً يختلف عنه ،عىل أي حال كل فن حقيقي هو عابر للجغرافيا ..أقرب مكان إىل العامل ّية هو املكان الذي نقف فوقه متاماً ،وإالّ أصبحت العامل ّية عامل ّية سياح ّية ،مثالً أحدهم يأيت بأطلس العامل ويقول سوف أكتب قصيدة عن املكسيك ،وبعد قليل عن نيوزيلندا أو عن مكانٍ آخر ،الشعر ليس هكذا.
أنا أشعر أن العامل الذي انتهى من حربني عامل ّيتني طاحنتني ،وعدد آخر من الحروب التي ارتُكبت خاللها فظاعات
مد ّوية ،هذا العامل البائس الذي غرق يف بؤسه يف القرن العرشين ،كان يحتاج إىل يشء من االسرتخاء ومن الراحة
بعد فرتة عصيبة ج ّدا ً ومتوت ّرة ،هذه الراحة تتناسب مع لغة الرواية ،أل ّن الرواية لغة التذكُّر ،لغة الحياة املنقضية، لغة فوات األوان والتحضري ملا سيأيت الحقاً ويتطلَّب جهدا ً كبريا ً ومخ ّيلة واسعة ،أنا قلت قبل قليل أن العلامء
الحقاً والشعراء يرسمون الطريق يف مخ ّيالتهم أو يحبسون العامل يف حبوسهم الخاصة ،ففعالً كأ َّن الرواية هي تعبري
البرشيّة عن التعب وحاجتها إىل الراحة ،لذلك ترى أننا عندما نقرأ الرواية فنحن نستقيل من حياتنا الشخص ّية ٍ حيوات أخرى .الفقري ينىس فقره والخائف ينىس خوفه ،والذي زواجه فاشل ينىس رداءة الرشيك ونُقيم يف والعكس صحيح ،وما سوى ذلك وكذلك الذاهب إىل الحرب وغريه.
الشعر ال يدعك ترتاح ،يضعك وجهاً لوجه مع األشياء ،لغة الشعر كثيفةومتعبة ،ك ّنا نتحدث عن صعوبة الشعر. األستاذ عمر :هناك أناس يقولون إن الشعر تعبري عن بداوة األمم والحضارات ،البداوة مبعناها االنفعايل ،بينام يف هذا العرص العقل أصبح أكرث حضوراً ،ولكن سيبقى ،ما دام اإلنسان يشعر يبقى الشعر. ال أنفي ذلك ،ولكن أتح ّدث ملاذا تق َّدمت الرواية ،وأبدا ً ال يعني ذلك أنّه يجب أن يتق َّدم فن عىل حساب آخر، حتى لو تراجع الشعر كفن ُمستقل يعني ببعض ال ِن َسب ،ولكن الشاعرية مل ترتاجع عىل اإلطالق ومنسوب الشاعرية يف األرض ألنه موجود يف لغة الرواية ،فإذا َسحبت الشعر من الرواية تح َّولت إىل جثّة هامدة ولغة
صمء ،وإذا سحبت الشعر من اللوحة أو من القطعة املوسيقية أو من املرسحية أو من القصة القصرية ال يعود ّ هناك معنى لهذه األنواع .كأ ّن الشعر مبعنى من املعاين هو الدولة العثامن ّية يف آخر أيّامها ،هو رجل الفنون
املريض الذي يُحاول الكل أن يتناهش ما تبقّى منه ثم يلعنونه ،وهو ليس كذلك ألنه الفن ،ميكنك أن تتخ ّيل أي فن آخر غري موجود إالّ الشعر ألنه لغة الحياة ،أصالً الحياة التي هي منذ الفردوس الذي خرسناه ،مل تكن سوى
طلل يتبعه طلل عىل طريقة " فَلَيت دونَ َك بِيد دونَ َها بِي ُد" ،كل لحظة هي طلل اللحظة التي تليها ،ولذلك نحن دامئاً نستعيد باللغة الحب الذي خرسناه أو الوطن الذي خرسناه أو األيام التي خرسناها ،دامئاً هناك تعويل عىل هذا التلفُّت الدائم إىل الوراء الستعادة الفراديس األخرى وليس الفردوس األول ،كل ما انقىض هو فردوس، الطفولة هي فردوس ،وإذا ما تلفَّتنا إليها بالعني نتلفَّت إليها بعني القلب ،أي مبعنى آخر نتلفَّت إليها باللغة عىل طريقة الرشيف الريض وهذا ما أقصده ( َوتَلَ ّفتَ ْت َعيني،فَ ُم ْذ َخ ِف َي ْت/ع ّني الطلول تلفت القلب).
لدي ومتص ّوف ،كيف األستاذ عمر :الصوفية ال تتوفر بدون قلق وعذاب ،كأن أكون جالساً يف فرنسا وكل يشء ّ معي وصلت إىل مرحلة ثقاف ّية وتحدَّ ثت بالسياسة وانتقدت ومن ثم انسحبت يكون ذلك؟ أنا كعريب أقيم يف بل ٍد ّ
إىل الداخل ،ما معنى هذا كله .هل أصبحت اللغة بحاجة إىل تفسريٍ آخر.
أنا مع اإلنسحاب عىل الداخل ،بأي معنى ،ليس مبعنى الهروب من الواقع وال مبعنى العزلة واالنكفاء عن القيام بأي دور ،ال ..االنسحاب إىل الداخل ألنّه يف الداخل اإلنساين نحن نلتقي باآلخرين ،الناس مثل املياه الجوف ّية يف ّ
األعامق تتواصل مياه األرض كلّها ،وتختلف الناس عىل سطوح األشياءغالباً ،ولكن يف العمق النفس اإلنسان ّية
واحدة باملعاين التي متثّلها ،بهذا املعنى أنا مع الداخل ،والشعر والفن هو لغة الداخل ،أل ّن الشعارات ال تعطي شيئاً إالّ كنوع من الخدمة املبارشة والرسيعة .وهذا الشعارات – عىل فكرة -التي تطلبها املرحلة كتبها نريودا عندما هاجم أمريكا بشكلٍ مبارش وهاجم نيكسون باإلسم ،أو أراغون ،أو أونوار عندما كتب شعارات كانت تكتب عىل الجدران يف فرنسا يف مواجة النازيني ،ولكن كانت أقل أشعارهم قيمة. أنا مع أن يوظف الشاعر جزءا ً من موهبته لغايات تخدم قضايا شعبه ،ولكن برشط أن ال تكون مفروضة- ،هنا نرجع إىل البداية ، -هي تنبع من داخله ،هو مؤمن بها ،ولكن ما بقي من نريودا وأراغون كان يشء أعمق من ذلك ،عىل كل حال هناك يشء يف الفن يجب أن ندركه عىل األقل من خالل النصوص التي نقرأها ،إن النص نص مقاوم ،وأنا طاملا قلت إنه كيف ميكن لنص ميوت بعد أسبوعني من العظيم هو نص ال يفنى ،وبالتايل هو ٌّ نصاً مقاوماً إذا كان مل يقاوم موته الداخيل فكيف يقاوم موت اآلخرين ،وكيف ير ّد املوت عن كتابته أن يكون ّ اآلخرين ،عىل األقل يجب أن تتوفر فيه رشوط الحياة ،ولذلك مهم ج ّدا ً أن نركِّز عىل القيمة التعبريية والف ّنية والجامل ّية ،إضافة إىل البعد اإلنساين والتوأمة بني الوظيفتني.
األستاذ عمر :برأيك الرواية قضت عىل الشعر ،أو هي تُحارب الشعر؟
بنهم بالغ منذ أكرث من ثالثني سنة ،روايات، دعني أقول أ ّوالً أنني من الشغوفني ج ّدا ً بالرواية ،وأقرأ الرواية ٍ وجدت أن الرواية مل تستحوذ عىل االهتامم العاملي مبج ّرد املصادفة ،أو أن هناك قرارا ً من أحدهم بأنَّه اآلن زمن
الرواية ،كام فعل جابر عصفور يف كتابه " زمن الرواية" ،املسألة عىل األرجح أن البرشية مت ّر بحاالت ومخاضات أو
دورات مع ّينة ذات بُعد حضاري وثقايف وأحياناً نفيس فريوج فن عىل حساب اآلخر تبعاً للمراحل ،مراحل الحروب
أو الالحروب ،مراحل األزمات التصادم ّية والتناحريّة بني الشعوب ،أو مراحل السالم والوئام والرخاء وما غري ذلك.
طائر الفينيق أدب
جوزف صايغ بين أُصولية القوالب وحداثة الرؤى
الشاعر .سلامن زين الدين
يف الخامس من ترشين الثاين ،2020رحل يف باريس عن تسعني عا ًما الشاعر اللبناين جوزف صايغ ،بعد إصابته بفريوس كورونا، فتتحقّق برحيله نبوءة أطلقها ،ذات حوارٍ ،أجرته معه جريدة الجريدة الكويتية ،يف ،2008 / 3 / 12بأنّه سيموت يف الغربة. وقف عليه. ويشغر يف قلوب أصدقائه وعارفيه ح ِّي ٌز هو ٌ
بني والدته يف زحلة العام ،1930ورحيله يف باريس العام ،2020
تسعون عا ًما بالتّامم والكامل .أمضاها يف حركة دامئة بني املدينتني، مسقط الرأس ومسقط األحالم .وكانت حركة فيها بَ َركة .استطاع
فيها أن يجمع يف شخصه ونتاجه بني الرشق والغرب ،وت َ َو َّز َع نشاطه
خاللها عىل الشعر والنرث وال ّدراسة واملحارضة والصحافة والتعليم والدبلوماسية وغريها ،ومت ّخضت عن غال ٍل ط ّيبة يف هذه الحقول ،املعرفية والعملية ،املختلفة.
الغالل الط ّيبة
يف مقاربة الغالل التي تراكمت عىل بيدر جوزف صايغ ،طيلة ن ِّي ٍف وسبعة عقود ،هي عمر نتاجه اإلبداعي ست عرشة مجموعة شعرية ،أُوالها "قصور يف الطفولة" الصادرة العام ،1964وآخ ُرها "شموع" والفكري ،نُحيص ّ الصادرة العام .2020ونَرصد يف النرث مثانية كتب ،تخوض يف حقول النقد األديب ،والذكريات ،واالنطباعات،
املرسلة ،والحوار الفكري ،واملقالة الصحفية ،والسرية الذاتية ،وغريها ،أ ّولها "سعيد عقل وأشياء الجامل" والخواطر َ الصادر العام ،1955وآخرها "يوم ّيات بال أيّام" الصادر العام .2020ونُورد يف الدراسة واملحارضة اثنتي عرشة دراسة ومحارضة ،باللغتني العربية والفرنسية ،أُوالها "يف صدد يارا" العام ،1965وآخرها "التمثّالت املتناقضة لتجلّيات التص ّور الديني" العام .1995
تلفُّت القلب هو الشعر ،لذلك من الصعب ،فقد يرتاجع الشعر موضع ّياً هنا وهناك ،ولكن عىل املستوى البعيد
ُحل فال يوجد جواب عىل سؤال الحب ُحل ولن ت ّ يستحيل أن نتخ ّيل عاملاً بال شعر ،ألن األسئلة الكربى يف الحياة مل ت ّ
مثالً هذه الكهرباء التي تحصل بني اثنني من النظرة األوىل ،واالشتعال الذي دفع قيس إىل الجنون وليىل إىل املوت وما إىل ذلك .متاماً كيف يُعالج اإلنسان فكرة املوت عىل سبيل املِثال أو الشيخوخة أو الفقدان والغياب ،وحتى
ُحل قضية بني بلدين أحدهام يحتل اآلخر ،سؤال الحريّة بوج ٍه عام هذا سؤال الحريّة ،أي أنّه هل ممكن أن ت ّ
الطوق .أصالً السؤال هذا موجود ما دام الجسد قيدا ً عىل الروح ،ما دام التفاوت ما بني الروح يف صهيلها الدائم، فالروح أحياناً تصبح أكرث فت ّوة يف الخمسينات والسبعينات ،فيام الجسد ال يستطيع مجاراتها حتى لو حاول.
األستاذ عمر :أحياناً نظلم الجسد ،فرتاه يتج ّعد ،فأحدهم يقول :إن الجسد لحزين ،فيكفي الجسد أنه يحمل هذه الروح التي مت ّزقه باستمرار. مأساة الجسد والروح أنه عندما يشيخان معاً تصبح األمور أسهل بكثري أو يكونان فَت ّيني معاً أ ّم أنه ...أنا قلت يف قصيديت عن عايص الرحباين:
"وكلام ازداد شوقي ازداد نقصاين" ،أتكلم باسم عايص قبل املوت وكأنَّه يُراجع حساباته يف الغيبوبة ،هذه املشكلة أنَّه كلام ازداد تطلُّبنا للحياة واشتهاؤنا للحياة ازداد نقصانها ،أساساً املفارقة القامئةهي ضآلة الجسد أمام ضخامة واتّساع الشهوات التي هي محيطات من املتعة الكون ّية .هذه الكتب – مثالً -أنا سوف أحذف الشهوة الجنس ّية واملعويّة ،فشهوة القراءة مثالً ،ما هو شعورك عندما تذهب إىل معرض الكتاب وأنت تشعر أنّك ال متتلك سوى
معي من السنوات محدود بينام القراءة ال محدودة ،هذا سؤال جارح ومرير ،هي حرسة ما لها حدود ،هناك ح ّيز ّ من يقول -عىل األرجح بورخيس -يقول :إ ّن كل كتاب غري مقروء هو كتاب م ّيت ،فالقارئ يُحيي الكتاب ويعمل
عىل قيامته مثل املسيح متاماً ،يعني الكتاب هو مسيح ال يقوم إالّ بالقراءة/////.
وعىل ال ّرغم من توافر الظروف املوضوعية واالستعدادات الذاتية لوالدة الشاعر ومن ّوه يف جوزف صايغ ،فإ ّن عمل ّية النظم ،عنده ،محفوف ٌة بالصعوبة .وهي نو ٌع من تقصيب املاس ،وهندسة الفوىض ،وضبط العواطف املضطرمة. وبهذا املعنى ،يكون ُمق َّص َب أملاسَ ،و ُم َه ْن ِد ًسا شعريًّاَ ،وضاب َط إيقا ٍع عاطفي .لذلك ،يجتنب السهولة يف شعره، ويعب عن مذهبه الشعري بالقول: ويؤثر الصعوبةّ ، األملاس ،أو يُ ْثلِ ُم أُح ُّبهُ صع ًباَ ،صدو ًفا ،كام يُق ََّص ُب ُ
ض ُم فوضاي ،أو ضاب ًطا ما ه َّي َج ْت مهندسا ٌ ً َ عواطف ُ َّ الصنعة منه إىل الطبع ،سوا ٌء عىل مستوى املفردة أو الرتكيب؛ ّ لعل هذه التقنيات هي ما يجعل شعره أقرب إىل ّ ويشتق الجديد من جذور اللغة ،غري أنّنا ال نُ ْع َدم أن فعىل املستوى األ ّول ،يختار الفصيح ،األنيق من املفردات، ُّ نرى يف قصائده كلامت معجمية ،غريبة .وإذا كانت مامرسة الحرية يف االشتقاق تعكس نزو ًعا حداثويًّا ،فإ ّن استخدام الكلامت املعجم ّية يعكس أصول ّية لغوية واضحة ،تُضاف إىل أصول ّيته الوزنية ،واألصول ّيتان كلتاهام مل تؤث ّر فيهام إقامتُه الباريسية الطويلة .وعىل املستوى الثاين ،يُ َي ِّم ُم صايغ شطر الرتاكيب الصعبة ،ويُن ّو ع يف ِص َيغِ
الكالم ،ويستخدم التقديم والتأخري ،وينزاح باملفردات داخل الرتاكيب عن مواضعها النحوية مح ّققًا بذلك شعرية
الشكل ،وينزاح بها عن معانيها املعجمية مح ّققًا شعرية املضمون. يف الشكل ،تتوزّع األعامل الشعرية عىل :قصيدة الوزن ،املرسحية الشعرية األسطورية ،الثُّالث ّيات ،النرث الشعري ،والقصيدة املحكية .عىل أ ّن هذه األشكال كم ونو ًعا؛ فتستأثر قصيدة الوزن بثالث عرشة الشعرية تتفاوت فيام بينها ًّ
مجموعة شعرية ،ت ُشكّل املرسحية الشعرية "قيلولة الصل" جز ًءا من إحداها.
و تشغل "الثُّالث ّيات" املشتملة عىل مائة واثنتي عرشة ثالث ّية إحدى هذه املجموعات .ويُفرِد الشاعر لقصائده املحكية مجموعة "شموع" ،وهي األخرية يف نتاجه الشعري .أ ّما نرثه الشعري، فَ ُيفرد له كتابني اثنني ،هام "آن كولني" و"أ ْرز" .ومع أ ّن جوزف صايغ مل يكتب قصيدة النرث ،ومل يكن من أنصارها، فقد أدرج الكتابني املذكورين ضمن أعامله الشعرية .وهو القائل يف مق ّدمة "األرض الثانية"" :ليس الشعر ن ًرثا تقل عنها يف قصائده املوزونة إن مل لعل ذلك يعود إىل أ ّن درجة الشعرية فيهام ال ّ شعريًّا وال هو بشعر منثور"ّ . تتخطّاها يف بعض األحيان.
حقول العمل ويف الحقول العملية ،عمل جوزف صايغ يف الصحافة والتعليم والدبلوماسية؛ ففي الحقل األ ّول ،تنقّل بني جريدة "النهار" وامللحق األديب لجريدة "األنوار" ،ومجلة "الجديد" ،ومجلّة "النهار العريب والدويل" ،وتراوح عمله يف هذه املطبوعات بني الكتابة والتحرير واإلدارة .ويف الحقل الثاين ،مارس التعليم الثانوي يف بعض الثانويات رضا زائ ًرا ،يف عدد من الجامعات اللبنانية ،والفرنسية، اللبنانية ّ الخاصة ،والتعليم الجامعي ،أستاذًا أو محا ً
ملحق ثقايف ،ومستشا ٍر تنموي ،وسفريٍ رديف ،وعض ٍو يف واألمريكية ،والصينية .ويف الحقل الثالث ،تقلّب صايغ بني: ٍ ٍ وفد دبلومايس .وإذا كانت األعامل تنطوي بانطواء صفحة صاحبها ،فإ ّن ما يبقى ،بعد انطواء الصفحة ،هو الصفحات التي يدبّجها شع ًرا ون ًرثا ،ما يشكّل موضوع مقاربتنا يف هذه العجالة.
جوزف صايغ شاع ًرا
عىل ال ّرغم من الحقول املعرفية التي أنتج فيها ،والحقول العملية التي عمل فيها ،فإ ّن الشاعر فيه طغى عىل ما
عداه من ألقاب .وهو املولود يف زحلة ،مدينة الشعر والشعراء .عىل أ ّن عالقته بالشعر والفن والجامل تعود إىل
مرحلة مبكّرة من العمر ،وهو يس ّمي مجموعته الشعرية األوىل "قصور يف الطفولة" ،ويربط بني الشعر والطفولة، بقوله: يف أبح ِر الشِّ ع ِر ه ّبي يا َصبا ُسفُني
طفولتي الشِّ ع ُر ،ما إالّ ُه يل ن ََس ٌب وتربطه عالقة جدلية بالجامل ،تقوم عىل التفاعل والتكامل ،فالجامل ،بنوعيه الطبيعي والبرشي ،يلهم الشاعر، فيض ّمه إىل قصيده ،والجامل يستكمله ويعيده: ال يُضاهي انتشا َءيت م ْنهُ إالّ ِمثْلام مل يُضَ َّم ُص ْن ٌع ،وأغوى
َ الجامل طَ َّي قصيدي أنْ أضُ َّم رب ُص ْنعٍ ُم ْس َتكْ ِميلَ ،و ُمعيدي َّ
والشاعر يُن ِت ُج الجامل ،بدوره ،ويطمح أن يُذيقه اآلخرين ،ويبنيه قصو ًرا يف الطفولة ،وبيوتًا يف سائر املراحل العمرية:
ُ بيتي الجامل ،طموحي أن أُذ ِّو َقهُ ولعل نشأ َة جوزف صايغ يف زحلة ،وتش ّب َعه بجامل وادي العرايشَ ،و ُرنُ َّوه إىل وجوه الزحل ّيات الجميالت ،وإقامتَه ّ من مل يَ ُذ ْقهُ ،األىل هانوا ،ومل أ ِه ِن
يف باريس ،ومتتّ َعه بأناقة املدينة وعراقتها ،واختالطَه بالباريسيات األنيقات ،ناهيك باستعداداته الفطرية ،هو ما ينظم نفسه حني ِ تاج الجامل و ُمن ِت َج ُه يف آن ،وهو ِ ينظم الشعر اللذيذ: جعله نِ َ أنظ ُمني ،فيام أنا ِ ِ أنظ ُم
صياغ ًة بلفظ ٍة تَ ْن ِغ ُم
الوطن من هنا ،يُشكّل الوطن املوضوع الثالث الذي يستأثر بشعر الشاعر .وهو يتناوله بقصيدة الوزن من خالل مجموعة "زحلة القصيدة" التي يتغ ّنى فيها باملدينة ،ويبثّها لواعج الحنني من باريس ،ومن خالل قصائد متف ّرقة يف املجموعات املختلفة .ويتناوله بالنرث الشعري من خالل كتابه "أرز" الذي ينحو فيه من ًحى إنشاديًّا يف متجيد رمز الوطن ،ويحتفي
بعراقته التاريخية ،وجامله الحارض ،وخلوده املستقبيل. إىل ذلك ،مثّة موضوعات أخرى كثرية ت ُشكّل أجزاء من ه ّم جوزف صايغ الشعري .فهو يطرح أسئلة اإلنسان، مم ال يتّسع املقام لذكرها. والوجود ،والكون ،والحياة ،واملوت ،والحق ،والحقيقة ،وغريهاّ ، جوزف صايغ ناث ًرا
وبعد ،إذا كان لقب الشاعر قد طغى عىل جوزف صايغ ،فإ ّن هذا اللقب ،عىل جامله وكرثة الراغبني فيه ،مل يكن ليستوعب الرجل .لذلك ،مل يقترص ِف ْع ُل وجوده عىل الشعر ،وهو الذي برع فيه وحاذى كبار الشعراء ،وعشق الجامل وصاغ أجمل املنحوتات الشعرية .جوزف صايغ تع ّدى الشعر إىل النرث الفني ،والنقد األديب ،والذكريات ،واالنطباعات، املرسلة ،والحوار الفكري ،واملقالة الصحفية ،والسرية الذاتية ،وسواها من الحقول املعرفية املتن ّوعة التي والخواطر َ
خاض فيها خوض قدي ٍر محرتف ،وعاد منها مبا يبقى يف األرض وينفع الناس ،وال يذهب جفا ًء كالزبد ،عىل ح ّد تعبري اآلية القرآنية الكرمية .وهو ،فيها جمي ًعا ،يتح ّرك بني مجموع ٍة من الثنائيات ،ويحافظ عىل التوازن بينها برباعة واقتدار.
ويف هذه الثُّنائ ّيات :الرشق /الغرب ،لبنان /فرنسا ،زحلة /باريس ،األوزان العربية /الرؤى الغربية ،اللغة األصيلة / الصور املبتكرة ،الشكل /املضمون ،وغريها.
املرأة يف املضمون ،تخوض األعامل يف موضوعات املرأة ،الوطن ،العالقة بني الرشق والغرب ،وغريها .وهذه املوضوعات تتفاوت حضو ًرا فيها .تستأثر املرأة ،مبا هي مخلوق جميل يعكس قدرة الخالق عىل الخلق ،بالح ّيز األكرب من
أعامل جوزف صايغ الشعرية .وينخرط معها يف عالقة جدلية تقوم عىل الخلق املتبادل .هي ت ُوقظ خياله وتُذيك
مشاعره ،وهو يُغ ّنيها بشعره: لقدْ أيقظْ ِت للدنيا خيايل وأذك ْي ِت املشاع َر يف فؤادي فغ ّنى ِ فيك باللّحن األغ ِّن
ِ بكل ُح ْس ِن سواك ِّ يلمح فلم ْ
لحم ودم .تنتمي إىل الواقع بقدر انتامئها إىل خيال واملرأة يف شعره املوزون متع ّددة ،عرصية ،جسدية من ٍ
الشاعر .بينام نراها يف نرثه الشعري ،يف كتاب "آن كولني" ،امرأة أثريية ،مثالية ،تنتمي إىل عامل املثل والغيب واملاوراء .واملفارِق أ ّن هذا الكتاب النرث -شعري الذي ال يُ ْعتَ َب شع ًرا ،من منظور الشاعر نفسه ،هو األكرث ارتباطًا بصاحبه ،دون سواه من األعامل األخرى ،فام إن يُذكَر جوزف صايغ حتى يقرتن به "آن كولني". الرشق والغرب املوضوع الثاين الذي ييل املرأة يف االستئثار بشعر صايغ هو العالقة بني الرشق والغرب .وقد أفرد له "قصائد من الشامل" التي ذيّل بها مجموعته الشعرية األوىل "قصور يف الطفولة" ،ومجمو َعتَ ِي "القصيدة باريس" و"الديوان الغريب" .فالشاعر اآليت من رشقٍ يُك ّبل أبناءه بالقيود ،ويح ّد من قدرة الشاعر عىل التعبري ،يصطدم بالجامل الغريب البارييس ،عىل أنواعه ،البرشي والعمراين والحضاري ،ويرتتّب عىل هذا االصطدام الكثري من الرت ّددات الشعرية
الجميلة التي يجمع فيها الشاعر بني القوالب العربية األصيلة والرؤى الغربية الحديثة .واملفارِق أ ّن جوزف صايغ عاش يف الرشق غربة روحية ،وعاش يف الغرب غربة جسدية ،فهو شاعر الغربتني ،بامتياز .واملفا َرقة األخرى هي أنّه رغم إقامته يف باريس منذ العام 1954مل يتق ّدم بطلب للحصول عىل الجنسية الفرنسية إالّ يف العام ،2012أي بعد حواىل ستّة عقود عىل تلك اإلقامة .لقد بقي لبنان نقطة ضعفه األوىل واألخرية ،وبقي ينازعه الحنني إىل منزله السياق ،إىل أنّه أوىص أرسته ،يف حال موته يف الغربة ،كام األ ّول ،وقرب أ ّمه ،ومدينته األوىلَ .و َح ْس ُبنا اإلشارة ،يف هذا ِّ تن ّبأ ذات مقابلة ،أن يت ّم نقل رفاته إىل لبنان.
طائر الفينيق أدب
مقدمة د .هويدا رشيف
والسالم عىل من أويت الحمد الله الذي علّم بالقلمّ ، والصالة ّ جوامع الكلم ،وعىل آله األطهار ونجوم املعرفة وأويل الحكمة وال ّنهي وبعد... يع ّد دراسة البنية الشخصية وبيان ماه ّيتها وأمناطها وتصنيفها أي عمل روايئ من املوضوعات امله ّمة التي ترتكز إليها يف ّ الباحث يف درس الف ّن ال ّروايئ ،أل ّن الشخصية هي مرتكز ال ّرواية
وأساس معامرها الذي ال ميكن اإلستغناء عنه؛ فال ميكن أن تقوم
شخصية؛ فالشّ خصية وما يصدر عنها من حركة وأحداث هي التي تك ّون ال ّرواية وتو ّحدها، رواية من دون وجود ّ
ورضا أمري خاين بصفته روائياً إيرانياً مبدعاً ات ّسمت كتاباته بنهج حدايث جديد ،وإن تح ّدث يف روايته عن حقبة
تاريخية بعيدة قبل قيام الثورة اإلسالمية ،حني كان ممنوعاً عىل املرأة أن تخرج بخامرها وحجابها الكامل وحني السفور يفرض عىل مجتمع مسلم تقليدي يف متسكه بال ّدين وتعاليمه ،ومن هنا بدا جل ّياً أنّه روايئ يحمل عىل كان ّ
همً قوم ّياً ،ووطنياً فارسياً خاصاً. كاهله ّ
وقد استدعت هذه ال ّدراسة عن الشّ خصية الروائية يف العمل ال ّروايئ « رضا أمري خاين » متهيدا ً ،نبذ ٌة مخترص ٌة عن
مفهوم الشّ خصية لغة واصطالحاً ،ومراحل تطورها وأنواعها وطرق تقدميها ونظام العالقات بني الشخصيات.
(الربنامج الرسدي/العامل الذات ،العامل املوضوع ،العامل املرسل ،العامل املرسل إليه ،العامل املساعدة ،العامل املناوئ) وكذلك هوية الشخصيات وخصوصاً الرئيسية واألساس ّية منها (الهوية النفسية ،االجتامعية ،األخالقية، الصاع وتحقق الذات). الثقافية وختاماً آلية ّ
يف نرثه الف ّني ،كام يتمظهر يف "آن كولني" و"أ ْرز" ،هو شاعر بامتياز .يرتقي بالنرث إىل مصاف الشعر ،ويتجاوزهيف أحيانٍ كثرية. النص يف نقده األديب ،كام يتمظهر يف "سعيد عقل وأشياء الجامل" ،ينحو من ًحى إنسان ًّيا جامل ًّيا ،ويعيد إنتاج ّاملنقود ،عىل طريقته ،ويف ضوء مقتضيات الفن والجامل. طارح أسئلة ،و ُم ْن ِت ُج أفكار .يف ذكرياته وانطباعاته ،يف يف خواطره املرسلة ،يف "مج ّرة الحروف" ،هو جام ٌع مانع،ُ
بارييس بامتياز. "معيار وجنون" ،هو ٌّ
نقص أو ٍ يف "حوار مع الفكر الغريب" ،هو ُمحا ِو ٌر بار ٌع من موقع ال َّن ِّد لل َّند ،دون ُعق َِد ٍخوف أو انبها ٍر باآلخر الغريب .وال ُ الضيف املحا َور دون مساجلته ،ومخالفته الرأي ،إذا د َع ِت الحاجة. يحول ُعلُ ُّو مقام َّ
يف مقاالته ،يف "الوطن املستحيل" ،هو ُمساج ٌِلُ ،مساي ٌِف ،غاضب .ويف يوم ّياته الفكرية ،يف "يوم ّيات بال أيّام" ت ُِط ُّلجوانب من سريتِ ِه الذات ّية الفكريّة ،الغن ّية واملتن ّوعة. ُ ***
وعو ٌد عىل بدء ،جوزف صايغ شاع ٌر كبري ،جمع يف شخصه بني الرشق والغرب ،وواءم يف شعره بني القوالب
األصولية والرؤى الحديثة ،وح ّول الجامل ،بنوعيه الطبيعي والبرشي ،إىل جام ٍل لُ َغوي ،اسمه الشعر .وهو ،إن رحل منه الجسد ،يحيا يف شعره ،ويقيم فيه ،مصداقًا لقوله:
يف الشِّ ْع ِر أ ْحيا أنا بيتي ه َو الشِّ ْع ُر الس ْح ُر. كَام ِبَ ْسحو ِر ِب َّل ْو ِر ال ُّرؤى ِّ
وأوضح أن هذا التعريف اقرب إىل الفهم النفيس للشخصية ،إذ يهتم علم النفس بوصفه ومظهر الشخصية وقدراتها ودوافعها وردود أفعالها العاطفية وخرباتها واتجاهاتها. ويف مقابل هذه اللفظة يف اللغة األجنبية واملنحدرة من أصول التينية ،نجد أن كلمة شخصية هي ترجمة لكلمة ()personaالالتينية إذ تعني " القناع الذي يرتديه املمثلون اليونانيون يف احتفاالتهم ومتثيالتهم إلخفاء معامل شخص ّياتهم الحقيقية( ). "وعن هذه الكلمة جاء املصطلح اإلنجليزي ( )personalityداالً عىل الشّ خصية وصارت كلمة ( )personتعني مصطلحا أدبيا ًمبعنى (القناع األديب) ،أي صار يف ال ّنقد ّ يدل عىل الذّات الفاعلة ضمن العمل األديب ،فتتّخذ هذه الذّات أوجهاً متع ّددة ،رمبا كان ال ّروايئ نفسهأحد تلك األوجه( ).
"واللفظة بكاملها يعود استعاملها إىل ال ّزمن الذي شهد فيه املمثل عىل ال ّزمن اإلغريقي ،يضع القناع عىل وجهه
الصفات الصارخة يف شخص ّية الفرد الذي يقوم بتمثيل دوره عىل املرسح ٕوإيضاحها( ). لغرض إظهار ّ
" والحقأن اشتقاق اللغة العربية من وراء اصطناع تريك :ش خ ص ،وذلك كام نفهم نحن العربية عىل األقل ،من
ضمن ما يعنيه التعبري عن قيمة حية عاقلة ناطقة ،فكأن املعنى إظهار يشء وإخراج متثيلية وعكس قيمته ...وال يعني أصل املعنى يف اللغات الغربية إال شيئا من ذلك( ). اصطالحا: الشخصية يف اللغة واألدب هي " أحد األفراد الخياليني أو الواقعيني الذين تدور حولهم أحداث القصة أو املرسحية( ).
___________________________ ( )4داوود حنـا :الشخـصية بـني الـسواء واملـرض ،مكتبـة األنجلـو املـرصية ،القـاهرة ، ٧ :١٩٩١وانظـر الحبـايب ،محمد عزيز من الكائن إىل الشخص ،دار املعارف ،مرص ٢٥ :١٩٦٢ ( )5رنارد دي فوتو :عامل القصة ،ترجمة :محمد مصطفى هدارة ،عامل الكتب ،القاهرة : ١٩٦٩ ،ص٤٠ ( )6عيل كامل :النفس ،دار واسط ،بغداد ط١٩٨٨ ، ٤م .٧٣/١ ، ( )7عبد امللك :يف نظرية الرواية ،املجلس الوطني للثقافة والفنون واألدب ،الكويت .٧٥ ،١٩٩٨ ( )8فـریال سـامح :رسـم الشخـصية فـي روايـات حنـا مينـة ،ط ، ١املؤسـسة العربيـة للدراسـات والنـرش ،بيـروت .18/١٧ ،١٩٩٩
مهاد نظري: مفهوم الشخصية: جاء يف لسان العرب أنها من ما ّدة شَ َخ َص ،والشّ خص ،جامعة شَ ْخ ِص اإلنسان ،والجمع أشخاص وشخوص ،وشخاص. والشّ خص :سواد اإلنسان وغريه وتراه من بعيد ،وتقول ثالثة أشخص ،وكل يشء رأيت جسامنه فقد رأيت شخصه. ويف الحديث « :ال شخص أغري من الله »؛ الشخص كل جسم له ارتفاع أو ظهور ،واملراد به إثبات الذات فاستعري لها لفظ الشخص ،والشخيص العظيم الش ْخ ِص ،واألنثى شخص ّية ،واالسم الشخاصة »( ). من خالل تعريف ابن منظور يظهر لنا أنه قرص الشخص عىل معنى الذات الظاهر للعيان ،وهو بذلك يؤكد
الحس املقرتن مبسمى الشّ خص .وبال ّرجوع للقاموس املحيط فقد وردت فيه مادة شخص مبعنى « ارتفع الظهور ّ
السهم ارتفع عن الهدف والنجم طلع، برصه وفتح عينيه ،و ُجعل ال يطرف ،ومن بلد إىل بلد سار يف ارتفاع ،وورم ّ والكلمة من الفم ارتفعت نحو الحنك األعىل ،ورمبا كان ذلك خلقه أن يشخص بصوته فال يقدر عىل خفضه، وشخص به كمعنى أتاه أمر أقلقه وأزعجه وأشخصه :أزعجه ،واملتشاخص :املختلف واملتفاوت.) (. وواضح هنا أن الفريوز أبادي قد أضاف معاين أخرى أكرث وأوسع مام جاء يف لسان العرب ،إذ ّبي لنا املواطن التي
تستخدم فيها الكلمة ،ألنها تحمل أكرث من معنى بحسب استخدامها. ويف املعجم الوسيط " :شخص اليشء ع ّينه وم ّيزه مام سواه".
الشخصية :الصفات التي يتميز بها الشخص من غريه ويقال ،فالن ال شخصية له ،أي ليس له ما مييزه من صفات
خاصة( ).
___________________________ ( )1ابن منظور :لسان العرب ،ط ،6دار صادر ،بريوت 45/7 ،1997 ،مادة شخص ( )2الفريوز أبادي ،القاموس املحيط ٣١٧/٢ ،مادة شخص. ( )3إبراهيم أنيس ورفاقه :املعجم الوسيط ،مطبعة مرص ،القاهرة ، ٤٧٥ ،١٩٧٢ ،مادة شخص.
السيميائيني « كائن حي واقعي له حالة وداللة يف الواقع ،أما الشّ خصية فهي ما يحمله الشّ خص والشّ خص عند ّ القصة( ). من تخيل وتص ّور عن طبيعة الشّ خصية التي يناط بها دور من األدوار يف ّ
ومن املالحظ يف التعريف السيميايئ السابق للشخص أنهم يفرقون بني الشخص الواقعي الفيزيايئ املس ّجل يف سجل
القصة األدب ّية . األحوال املدنية ،وبني الشّ خصية الورق ّية التي يسند لها دور يف ّ
ومن هنا نجد أن الشّ خصية قد نالت اهتامم كثري من العلوم كعلم النفس ،وعلم االجتامع ،وعلم الهندسة
ال ّنفسية ...وكثري من العلوم التّطبيقية ،ولسنا بصدد الحديث عن الشّ خصية يف تلك العلوم ألن ما يهمنا يف هذه الدراسة هو الشخصية يف الفنون األدبية وتحديدا يف ال ّرواية ،الشخصية تع ّد أهم العنارص التي تقوم عليها الرواية
والقصة واألقصوصة واملرسح .
فهي وال شك « مصدر إمتاع وتشويق يف القصة لعوامل كثرية.) (... أنواع الشخصية ووظائفها: الشخـــصيات إمـــا حقيقيـــة (منتجـــة) ،أو متخيلـــة (منتجـــة) وســـيتناول الباحـــث الحـــديث عنهـــا بيشء من التفصيل. أوالً :الشخصيات الحقيقية (الخالقة أو املبدعة) تتمثـــل الشّ خـــص ّيات الحقيقـــة فـــي األشـــخاص الحقيقيـــني الـــذي يـــساهمون فـــي إبـــداع العمـــل األدبـي ،إذ ال بـ ّد لكـل عمـل أدبـي مـن مبـدع يبدعـه ويقدمـه لجمهـور القـراء ،واملبـدع الحقيقـي ،وهـو املؤلـف الـذي يكتـب العمـل ويوجـه اهتاممـه إلـى قـارئ متخ ّيـل والـى قـارئ حقيقـي فـي الوقـت نفـسه، والقارئ الحقيقـي لـه دور جـوهري فـي تأويـل الـ ّن ّص
___________________________ ( )14محمد أيوب :الشخص و الشخصية يف القصة الغربية ( دراسة سيميائية ) ،ص .٣ ( )15محمد يوسف نجم :فن القصة ،دار الثقافة ،بريوت ، ١٩٩٦ ،ص.٥
القصة ،إذ تع ّد " ركيزة ال ّروايئ األساس ّية يف الكشف عن وتعد الشخصية من العوامل املهمة املساهمة يف تشكيل ّ
القوى التي تح ّرك الواقع من حولنا وعن دينامكية الحياة وتفاعالتها؛ فالشّ خصية من املقومات ال ّرئيسية لرواية
ال ّرواية بقولهم ال ّرواية شخصية( ).
القصة أو املرسحية( ). والشّ خصية " أحد األفراد الخياليني أو الواقعيني الذين تدور حولهم أحداث ّ
ويراها آخرون تتح ّرك يف مجال ال ّداللة عىل الهيئة الخارجية لإلنسان أو الحيوان ،أو املتاع ألي يشء خالف ذلك .وال املتجسد هيئة وشكالً ،يف مجال رؤية الشّ اخص بحيث ال تتح ّرك تتحقق هذه ال ّداللة إال بوقوع الهيئة ،أو الشخص ّ الكلمة لتعطي دالالت إال يف إطار عالقة ذات طرفني " :راء ومريئ ،أو ذي صلة بالتشخيص الذي ينتقل ما هو غري مريئ إىل مجال ال ّرؤية منجهة ثانية أن الكلمة تذهب إىل تجسيد بعض املفاهيم املجردة كاإلنزياح والقلق
والغربة( ).
السدي إذ جمع تعريفه تعريفات الكثري من ال ّنقاد واألدباء؛ فهي عنده " :كائن ويعرفها جريالد برنس يف املصطلح ّ موهوب بصفات برشية وملتزم بأحداث برشيّة ،والشّ خصيات ميكن أن تكون مهمة أو أقل أهم ّية ( وفقا ألهمية
النص) فعالة (حيث تخضع للتغيري) ،مستق ّرة ( حينام ال يكون هناك تناقض يف صفاتها وأفعالها ،أو مضطربة ّ
وسطح ّية ( بسيطة لها بعد واحد فحسب ،وسامت قليلة ،وميكن التنبؤ بسلوكها) ،أو عميقة ( معقدة لها أبعاد عديدة قادرة عىل القيام بسلوك مفاجئ( ).
التكيب ،تتعدد الشّ خصية ال ّروائية بتعدد األهواء واملذاهب والشّ خصية " هذا العامل املعقد الشديد ّ
واأليديولوجيات والثقافات والحضارات والهواجس والطّبائع البرشيّة"( ).
___________________________ ( )9محمد التوتجي :املعجم املفصل يف األدب ،دار الكتب العلمية ،ط ، ١بريوت .٤٥٧/٤٥٦/٢ ، ١٩٩٣ ، ( )10مجدي وهبة :معجم مصطلحات األدب ،مكتبة لبنان –بريوت٦٥ ، ١٩٧٤ - ( )11عبــد الــرحمن بسيــسو :قــصيدة القنــاع فــي الــشعر العربــي املعاصــر ،ط ،١املــرشوع القــومي للرتجمــة بيــروت١٩٩٩ ،18/17 ، ( )12جريالـــد بـــرنس :املـــصطلح الــــرسدي ،ترجمــــة عابــــد خزنــــدار ،ط ، ١املــــرشوع القــــومي للرتجمــــة ،القــــاهرة ،42 ، 43 ،2003 ( )13عبد امللك مرتاض :يف نظرية الرواية .٧٣ ،
وهـو مـا يطلـق عليـه باللعبـة الف ّنيـة تجعـل مـن "هيمنـة الـ ّراوي كعنـرص ليـست سـوى وظيفتـه ضـد هيمنـة موقعـه ككاتـب .أليـست عالقـة الـ ّراوي مبـا يـروي ومناهـضته هيمنـة الكاتـب األيديولوجي عليه ،هي ما
جعلت العمل الف ّني يخون أحيانا كاتبه( ).
فالسارد موجود ولكـن لـيس بالحـدة التـي يزعمهـا النقـاد ال ُجـ ُدد ،ولـيس إلـى حـد إلغـاء املؤلـف ،بعدوانية السدي( ). عابثة ،واإلستيالء عىل منزلته يف العمل ّ ب /املتلقّي: "ال ميكن لإلبداع أن يكتمـل إال بالقـارئ ،فـإذا كـان الكاتـب هـو املؤلـف األول للعمـل األدبـي ،فـإ ّن القـارئ الحقيقـي هـو املؤلـف الثـاين لهـذا العمـل ،ولكـي يكتمـل العمـل األدبـي يجـب أن يتحـ ّول القارئ إىل مؤلف
للنص"( ).
للـنص األ ّول .والقـارئ الحقيقـي يختلف يعيـد إبداعـه مـن جديـد ومـن هنـا جـاءت فكـرة تعـدد القـراءات ّ عن القارئ املتو ّهم الذي يتخيله املؤلف يف أثناء كتابته للعمل األديب ،فالكاتـب يعـرف كيـف يخلــق التّــسلية بكــل وســائل الخــداع ،فهــو يعــي رغبــات اآلخــرين ،والقــارئ الحقيقــي يبــرز كمعــارض للقارئ املت ّوهم
عنـد القـاص ،ومكـتمال كقـارئ حقيقـي يـضفي علـى العمـل األدبـي معنـى جديـدا ً ويتـرك عليه بصامته .بحيث يتح ّول إىل مبدع ٍ ثـان للعمـل األدبـي ويحـاول اإلسـهام فـي األتوبيوغرافيـة ،كجـزء مــن بحثــه عــن صــورة البطولــة والحــدث والــزمن ،ال كمــا يرســلها القــاص ،ولكــن كمــا يتلقاهــا وعــي القارئ( ).
___________________________ ( )20ميني العيد ،تقنيات الرسد الروايئ يف ضوء املنهج النبوي ،ط، ٢الفارايب ،بريوت، ١٩٩٩ ،ص١١٨ ( )21عبد امللك مرتاض ،يف نظرية الرواية ،ص.227 ( )22الياس خوري ،الرواية الجديدة ،كتابات معارص ،مجلد، ١عدد ، ٣، ١٩٨٩ص.٧٩ ( )23سعيد علوس ،الرواية واأليديولوجيا ،ط، ٢بريوت ،دار الكلمة للنرش، ١٩٨٢ ،ص.٩٢
وخلقـة ،فالقـارئ األدب ّـي ،ولـذا فـإ ّن الكاتـب ال يهمـل القـارئ ،ولكنـه يطالبـه أن يـساهم مـساهمة واعيـة ّ مطالـب بـأن سـاهم فـي عملي ّـة الخلـق األدبـي عـنطريق اخرتاع هذا العمل الذي يقرؤه( ). أ -املؤلف /الروايئ: هــو صــــانع الخطــــاب ال ّروائــــي ،أو الــــشّ خص الحقيقــــي الــــذي أنتجــــه وأبــــدع نــــسجه بـشكل تــصح مقولــة (مــوت املؤلــف) وتالشــيه فــي األعمــال الــرسديّة املكتوبــة موضــوعي ال لــبس فيــه ،وال ّ ّ حـــسب عبـــد امللـــك مرتـــاض " فحـــني يكتـــب أي روائـــي روايـــة فهـــو الـــذي يكتـــب؛ وهـــو
الــسدية لكن الـــذي يُنـــشئ الشخــصيات ،وهــو الــذي يتخــذ لروايتــه ســاردا ً ،فــي بعــض األطــوار ّ يظل حارضا ً يف العمل ال ّروايئ ،فهو الذي يهندسه ،وهو الذي ينسجه ويدبجه( ). املؤلف ّ ويرسـم خيـال املؤلــف شخـصيته وأدوارهــا التــي تؤديها مـستم ًدا رؤاه من واقـعه الذي يعيشه ،وخيالـه، ومـن خـالل تـصوره للواقـع املعـاش ،قـد يتبنـى شخـصية ،أو فكـرة مـا ،ميـارس خاللهـا "عملـه ووظيفته الكتابية أو اإلبداعية .قد يكون هذا القصور لألشياء ،أو هذه ال ّرؤية للعامل محـ ّددي الـسامت واملعامل ،وقد يكونان
غري واضحني بالقدر الكايف عند الكاتب أو املبدع( ).
الـــسارد /الـــروايئ أبـــرز تلـــك الشّ خـــصيات التـــي يبـــدعها خيـــال ال ّروائـــي بـــل وتعــد شخـــصية ّ الـسارد /الـ ّراوي؛ فلـيس سـارد ال ّروايـة هـو املؤل ّـفٕ ،وإنّ ا ويحرص الروايئ عىل إقامة مسافة فن ّية بينه وبـني ّ السارد شخصية خيال ّية يتج ّول املؤلف من خاللها "( ).
___________________________ ( )16آالن روب جرييه ،نحو رواية جديدة ،دار املعارف –القاهرة -ص١٣٨ ( )17عبـد امللـك مرتـاض ،فـي نظريـة الروايـة (بحـث فـي تقنيـات الـرسد) ،املجلـس الـوطني للثقافـة والفنـون واآلداب – الكويت -شعبان ١٩٩٨م ،ص.٢٠٧ ( )18سعيد يقطني ،الرواية والرتاث الرسدي ،ط ، ١رواية- ،القاهرة، ٢٠٠٦ -ص.١٦٦ ( )19عبد امللك مرتاض ،يف نظرية الرواية ،ص .225
أمـا التّـصنيف الثـاين فهـو الـذي يبنـي علـى أسـاس ارتبـاط الشّ خـص ّية بالحـدث ال ّروائـي حيـث ينظر إىل الـسد فقـسمت الشّ خـص ّيات فيـه إلـى شخـص ّياترئيسية أو محوريّة "أهم ّية ال ّدور الذي تقوم بـه الشّ خـص ّية فـي ّ
وشخص ّيات ثانوية مكتفية بوظيفة مرحلية( ). وكـان النقـد يـص ّنف الشّ خـص ّيات بحـسب أطوارهـا عبـر العمـل ال ّروائـي ،فـإذا هنـاك ضـروب مـــن الشّ خـــص ّيات بحيـــث تـــصادف الشّ خـــصية املركزيـ ّــة التـــي تـــصاديها الشخـــصية الثانويـــة ،التـــي
تـصاديها الشخـصية الخاليـة مـن االعتبـار ،كمـا يـصادف الشخـصية املـدورة واملـسطحة ،واإليجابيـة والسلبية
والثابتة وال ّنامية( ). وائــي ،حيــث قــسمت فيــه الشّ خــص ّية إلــى وسأبدأ بالحــديث عــن التّــصنيف الــذي يــرتبط بالحــدث ال ّر ّ ثانويــة ورئيــسية ،وهــذا الت ّــصنيف هــو األكثــر شــهرة فــي درس تــصنيف الشّ خــص ّيات ويجعل شخصيات أحمد عوض يف دائرة أكرث شمولية.
الشّ خص ّية ال ّرئيسة: هي التي تنهض مبه ّمة رئيسة وبال ّدور األكرب يف تط ّور الحدث ،كام وتساعد املتلقي عىل فهم طبيعة الخطاب وهي التـي "تقودنـا إلـى طبيعـة البنـاء الـ ّدرامي ،فعليهـا نعتمـد ،حـني نبنـي توقعاتنـا ورغباتنا ،التي من شأنها أن
تحول ،أو تدعم تقديراتنا وتقييمنا. مــن ثــم تــنهض قيمــة معظــم ال ّروايــات ،ومــا تحدثــه مــن التــأثري الفعــال علــى مــدى مقــدرة الشخـصيات الرئيـسة فـي تقـديم املوقـف ،والقـضايا اإلنـسان ّية التـي يطرحهـا العمـل تقـدميا حيويـا .وأننا منيل إىل تقييم العمل يف ضوء مقدرة الشّ خص ّيات عىل تجسيد تلك املواقف بصورة مقنعة( ).
___________________________ ( )30حــسن بحـــراوي ،بنيـــة الـــشكل الروائـــي (الفـــضاء – الــزمن – الشخـــصية) ،ط، ١٩٩٠، ١الــدار البيـــضاء ،املركز الثقايف العريب، ص.٢١٥ ( )31م .ن ،ص.ن ،وانظر :محمد الحسن املصطفى ،الرواية العربية املوريتانية (مقاربة للبنية والداللة) ،ص٩٩ ( )32عبد امللك مرتاض ،يف نظرية الرواية ،ص٨٧ ( )33روجرب هينكل ،قراءة الرواية ،ترجمة صالح رزق ،د.ط، ١دار غريب ،القاهرة، ٢٠٠٥ ،ص١٨٦
إن زمن قراءة ال ّن ّص يظل مفتوحاً عىل األزمنة واألمكنة من خالل عمل ّية (الرتهني ال ّزمني) ال ّدال عىل الحال (اآلن)
ومع مجيء املدرسـة النقدي ّـة أكّـدت علـى دور املتلقـي فـي صـناعة املعـاين "إضـفاء أي معنـى تلزمـه
تحتل موقع اإلمتياز من هذه معـي ،ولـيس ال ّنظـام ،بـل الفوضـى هـي التـي ّ حاجـاتهم ال ّنفـس ّية علـى ّ نـص ّ ال ّنظرة( ).
باإلضــافة إلــى أن املتلقــي يقــوم بــدور الناقــد "فقــد يختــار منهجــاً مالمئــاً لقــراءة الــنص ،وقد يختــار نــص ،وقــد تجتمــع لديــه منــاهج مختلفــة يـرى أنهــا تتظــافر إلــى جانــب منهجــه هــو لقــراءة أي ّ معارف أخرى لتقديم أفضل قراءة ممكنة لل ّن ّص( ). إن القــارئ هــو مبــدع فــي الوقــت نفــسه ،فهــو يقــوم بإبــداع روايــة داخــل الروايــة التــي كتبهــا املؤلف( ) ،وقد أجمع ال ّنقاد عىل إعادة خلق العمل األديب( ). فالقارئ ال ّناقد يقرأ بتم ّعن ودقّة ،وهو كاتب روايئ يعيد صياغة العمل األديب ،ويتح ّمـل جـزءا ً من املسؤولية ،أل ّن يخص املؤلف وحده( ). العمل الروايئ بعد إنجازه ال ّ ثانيا :شخصيات منتجه: تتعــ ّدد أنــواع الشّ خــصيات املنتجــة فــي األعمــال ال ّروائيــة ،ومــن املعلــوم أن هنــاك تــصنيفان شـــــائعان األول شـــــكيل "يركـــــز علـــــى مهمــــ ّـة الشّ خـــــص ّية فـــــي الـــــ ّن ّص وعالقتهـــــا
الـــــشّ كلية الخالـــــصة بالشّ خص ّيات األخرى( ). الـسكون ّية الباقيـة علـى منـط واحد طوال وقـد انقـسم هـذا الـصنف إلـى قـسمني :األول يتـض ّمن الشّ خـص ّية ّ الـسد، السد ،وال تنمو وال تتطّور ،والثاين يتض ّمن الشّ خـص ّية ال ّدينام ّيـة ،وهـي الباقيـة علـى منـط واحـد طـول ّ ّ وتخـضع للتغييـر أو التبـديل وهـي دامئـة الحركـة ومتتـاز بـالتّحوالت املفاجئـة التـيتقرأ عليها داخل البنية الحكائ ّية الواحدة( ). ___________________________
( )24روبــرت شـــولز ،الــسيمياء والتأويـــل ،ترجمــة ســـعيد الغــامني ،ط، ١املؤســسة العربيــة للدراســـات والنــرش ،بيـــروت.30/1994 ، ( )25فصول ،خصوصية الرواية العربية ،العدد الثالث ،شتاء .٩٣/١٦ ،١٩٩٧ ( )26برييس لوبوك ،صنعة الرواية ،العراق ،وزارة الثقافة واإلعالم ،ترجمة عبد الستار جواد، ١٩٨١ ،ص 23 ( )27آالن روب جرييه ،نحو رواية جديدة ،ص138 ( )28برييس لوبوك ،صنعة الرواية٢٨/٢٧ ، ( )29سمري روحي الفيصل ،الشخصية والراوي يف «أنت منذ اليوم» راية مؤتة ،م، ٢ع، ١٩٩٣، ٢ص١٧٧
الـصاع وإثارة الحيوي ّـة فـدورها مـساند ولـيس ثـانوي ألن املـساندة تعبيـر أقوى فهـو كام وأنّها تقوم بخلق ّ يعطـي داللـة املبـادر والحيـوي واملعاضـد فكريًـا أو شـعوريًا يقول باسم عبد الحميد":إن الشّ خص ّية الثّانويـة هـي الشّ خـص ّية املـساندة الّتـي تعطـي للعمـل الروائـي ال يت ّم إلّ من خالل تحريك الشّ خص ّيات الثّانويّة التي للصاع ذروته ومعناه ومن هنا ،فالشّ خص ّية الثّانوية ليست حالة أو مادة عابرة أو مفروضة عىل مرسح تعطي ّ
الحدث وأستطيع االدعاء تبعا لذلك وبغيـر كثيـر مـن التـشكيك أن الشّ خصية الثّانوية بطلة أيضا إنّ ا مبستواها(
). وبعـــد بقـــي أن نقـــول إن الشّ خـــصية الثانويـــة أو املـــساعدة لهـــا أهميـ ّــة كبيـــرة فـــي الخطـــاب السدي ،فال ينبغي التّقليل من شأنها ملا لها من دور بارز يف تجلية الشّ خـص ّيات ال ّرئيـسية وإبرازها ،فمن خاللها ّ يصنع الكاتب الحدث والحبكة.
وفــي روايــة رضا أمري خاين كــان للشخــصية الثانويــة دور فعــال فــي تــصعيد الحــدث أقـوى مـن وضع الحبكـة وتجليـة الشّ خـصيات ال ّرئيـسية بـل كـان لـبعض الشّ خـصيات الثانويـة ظهـورا ً أقوى من الشّ خـصيات ال ّرئيـسية كمصطفى الدرويش وهـذا مـا سـنجليه مـن خـالل الحـديث عـن الشخـصيات الرئيـسية واألساسية والثانويـة فـي رواية (أنا – ه ) للكاتب رضا أمري خاين.
وهناك شخصيات إيجابية وأخرى سلبية وأخرى نامية حيث أنها ال متتاز بالثبـات علـى طـول النص بل متغرية باستمرار وهـي بعكـس الشخـصية املـسطحة التـي تـسري ضـمن منـط ثابـت ال تتغيـر سامتها عىل طول الرواية، وهناك الشّ خص ّية األمنوذج ّية أو املثال ّية (كشخص ّية مجتبى). فالقصة ،هذه العجائب ّية ،هــذا الــعــالــم الــسـ ّـحــري الجـمــيــل( ) .املتّحد بكافة عنارصه؛ ليقدم أمنوذجاً ّ
بالضورة وجود عنارص عىل عالقة وثيقة بأهدافها البعيدة منها الحوادث والشّ خص ّيات ح ّياً لإلنسان( ) ،يقتيض ّ وال ّزمان واملكان.
___________________________ ( )37باسم عبد الحميد حمودي ،مدخل إىل الشخصية الثانوية يف الرواية العراقية ،األقالم ، ١٩٨٨، ٦٤ ،ص٤٢ ( )38عبد امللك مرتاض ،يف نظرية ال ّرواية ،ص.7 ( )39منصور عيد ،البناء النفيس يف روايات ،اييل نرص ،ص.11
وهي التي تقود الفعل وتدفعه إىل األمام ،وليس من الـرضوري أن تكـون الشخـصية الرئيـسية بطل العمل دامئا، ولك ّنها الشّ خصية املحورية ،وقد يكون هناك منافس لهذه الشّ خصية"( ) .كام حصل يف رواية (أنا – ُه) إننا لنجد شخص ّية مهتاب منافسة لشخصية (عيل) الحفيد ،وهــي بــذلك عكــس الشّ خــصية الثانويــة التــي ال تتغيــر رغــم الظــروف املحيطــة بالشخــصية الرئيسية يقول أنرييك أندرسـون" :توصـف الشخـصيات بأنهـا رئيـسية عنـدما تـؤدي وظـائف مهمـة فـي تطوير الحدث ،وبالتايل يطرأ عىل مزاجيتها تغيري وكذلك عىل شخـصيتها ،أمـا الشخـصيات الثانويـة فهي التي ال يطرأ عليها تغيري أو تتغري يف إطـار الظـروف املحيطـة. إن الشخـصيات الرئيـسية هـي شخصيات مـسيطرة ،وتظهـر بـصورة األفـراد املهـيمن رغـم أن سـلوكها قـد ال الـصادرة عنهـا فـإ ّن الباعـث ينيـر معـامل الشّ خـصية .أمـا بالـسلوك البطـويل.كانت األحداث والتّرصفات ّ يت ّـسم ّ للقصة( ). الثانويـة فهـي تابعة تسهم يف إضفاء اللون املحيل ّ فالشّ خصية األوىل صانعة للحدث والثانية مضيئة له .لقــد ظهــرت الشّ خــص ّيات ال ّرئيــسية واألساس ّية فــي رواية رضا أمري خاين ،وكــان لظهورهــا طــابع منفـــرد ،وســـلوك خـــاص ،ودالالت فنيـــة نحـــاول اإلشـــارة إليهـــا فـــي أثنـــاء التعـــرض لـــبعض منـــاذج الشخصيات الرئيسة واألساسية عنده. الشخصية الثانوية: ال تخلـو روايـة منهـا وتـأيت مـساعدة للشخـصية الرئيـسية ،وغالبـاً وفـق مـستوى واحـد فهـي "إمـا عوامـل كـشف عـن الشخـصية املركزيـة وتعـديل سـلوكها وامـا تتبـع لهـا ،تدور يف فلكها ،وتنطق باسمها فوق أنّها تلقي الضوء عليها وتكشف عن أبعادها( ).
___________________________ ( )34إبراهيم فتحي ،معجم املصطلحات األدبية ،املؤسسة العربية للنارشين ،طبع التعاضدية العاملية للطباعة والنرش تونس، ١٩٨٦ -ص٢١٢ ( )35أنرييك أندرسون ،القصة القصرية ( النظرية والتقنية ) ،ترجمة :عيل إبراهيم عيل ،املجلس األعىل للثقافة -القاهرة ،٢٠٠٠ ،ص .٢٤٠–٢٣٩ ( )36إبراهيم السعافني ،تطور الرواية العربية يف بالد الشام ،دار املناهل ،بريوت ، ١٩٨٧ص.٤٦٣
الصفات فهناك جانبان يح ّددان الشّ خصية إذا ً ":جانب وظيفي هو جانب األفعال ،وجانب وصفي هو جانب ّ النص قد بلغ نهايته( ) ،تاركاً واأللقاب واألسامء"( )،عىل أي حال إ َّن الشخصية الحكائية ال تكتمل إالّ عندما يكون ّ القصة ال ّرائعة تتجاوز الكشف عن سامت الهويّة الشّ خصية للقاريء حريّة التحليل والوصول إىل استنتاجات ،أل ّن ّ مم هي تركيب يقوم به ال ّن ّص( ).وقد اقرتح إىل انتاجها( ) ،فتصبح مبثابة تركيب جديد يقوم به القارىء أكرث ّ
فسمها العامل( ) ،إذ ع َّد أ َّن العامل يكون إ ّما شخص ّية أو مج ّرد غرمياس تصنيف الشخصية بحسب ما تفعل ّ فكرة( ). كل رسد تنظيم يف ثالث عالمات: وق ّدم فهامً جديدا ً خاصاً بها ،معتربا ً أن العوامل ستّة يف ّ
___________________________ ( )45نبيل أيوب ،الطرائق إىل نص القاريء املختلف ،ص116 (pour le lire le reut, p73 )46 ( )47بارت ،مدخل إىل التحليل البنيوي ،ص12 (9120 ,1980 ,J.I. Dumonteret, Plazanet: Pourline reut, Ed, Duelot )48 ( )49نبيل أيوب ،م.ن ،ص 115 ( )50عبد املجيد زراقط ،بناء الرواية اللبنانية ص272
وإذا سلمنا أن األحداث منجزة من غري زمان ومكان ،فإ ّن املنطق يحتّم علينا أيضاً أن نق ّر بأ ّن ال حوادث من دون
تحتل يف شخص ّيات والحديث عن الشّ خصيات كان مثارا ً للجدل بني ال ّنقاد ،ففي حني رأى بعضهم أ َّن الشخصية ُّ العمل مكاناً مميزا ً ،إذ أنها "هي التي تصطنع اللغة وهي التي تبثُّ أن تستقبل الحوا َر...
وهي التي تصف معظم املناظر ...وهي التي تعم ُر املكان ...وهي التي تتفاعل مع ال ّزمن فتمـنـحـه معنى جدي ًدا.
الـسـرديـة األخـرى يـقـتـدر عـلـى مـا تـقـتـدر عـلـيـه الشّ خصية( ). وأن ال أحـد مـن املـكـ ّونـات ّ القصة ،ذاهبني إىل أنّها ليست إال مجرد عنرص من رفض بعضهم اآلخر إعطاء الشّ خصية هذه املكانة ال ّرفيعة يف ّ
السدية األخرى ،وال ينبغي لها أن تتبوأ تلك املنزلة ال ّرفيعة الـتـي كـانـت تـتـبـوؤهـا خـطـأ، عنارص املشكالت ّ
فـي الـروايـة التقليدية البناء( ) .وأنها يجب أن تكون نسياً منسياً وأنها مجرد عنرص لسانيايت ال يساوي أكرث مام
السديّة األخرى مثل اللغة ،والح ّيز ،والزمان والحدث ...إنها ال تعدو أن تكون كائناً لغوياً مصنوعاً يساوي العنارص ّ من الخيال املحض( ).
حتى أ َّن بعضهم قد رأى أن الشخصية القصصية "نوع من طريقة إىل االختفاء( ) وأنه مج ّرد ما يؤدي يف الحيك
متثل حقيقة واقع ّية ،تحاول أن متاثل الحياة التي تتح ّرك بغض ال ّنظر ع ّمن يؤديه( ) ،.إال أنّنا إذا سلمنا أ َّن القصة ُ ّ أي عملٍ قصيص ،وخاصة بسبب دورها الفاعل يف تطوير فيها الشّ خص ّيات ،رأينا أننا ال ميكننا أن نستغني عنها يف ِّ ٍّ الحدث.
التكيز عىل ما تفعله ،وعىل كونها دليالً يتم ّيز من ال ّدليل اللغوي بكونها غري وامله ّم عند دراسة الشّ خصية هو ّ
جاهزة ،ألنها تبنى يف ال ّن ِّص ،وتكون مبثابة دال عند اتخاذها أسامء عديدة أو صفات تل ّخص هويّتها ومبثابة مدلول عرب مجموع ما يقال عنها.
___________________________ ( )40عبد امللك مرتاض ،م .ن ،ص140 ()41عبد امللك مرتاض ،يف نظرية ال ّرواية ،ص105 ( )42م.ن ،ص 103 - 102 (170 p 1972 ,Bourmefer, oullet, luniners Ronan, colfuf )43 (171 p ,1996 ,Greimas: Senotiques structurole throusse )44
د -العوامل واملمثلون: ميكن للعامل أن يتمثّل بطائفة هي املمثلني الذين يشريون إليه .وعندما بحث غرمياس يف هذه العوامل أسقط
صفة الشّ خص/اإلنسان املوضوعي عن الشّ خص ّية القصص ّية ،ليجعلها قريبة من الشّ خص ّية املج ّردة .وميكن أن يتمثل العامل يف مجموعة من الشّ خص ّيات بل قد ال يكون العامل شخصية ،كأن يكون ال ّدهر ،أو القدر مثالً ،ورمبا يكون القص ،برصف النظر ع ّمن يؤدي هذا مدينة أو جيالً من األجيال .هنا تغدو الشّ خص ّية مج ّرد دور يؤدي يف عمل ّية ّ الدور وبناء عىل هذا ،فإن التعقيدات التي تنشأ عن تع ّدد املمثلني يف العمل الواحد أو تع ّدد العوامل يف ممثل
واحد ،تؤ ّدي هذه التعقيدات كلّها إىل جعل النمط الحكايئ يف أنواعه املعارصة عىل وجه الخصوص شائك العالقات ،فيتطلّب تحليله كثريا ً من ال ّدقة والحذر( ). املرسل
______
الذات ______
املساعد
املوضو ع
_______
املعارض
___________________________ ()53حميد كمداين ،بنية النص الرسدي ،ص 37 (62 ,61 le sueil p )54
املرسل إليه( ).
أ -عالقة الرغبة: تعد عالقة ال ّرغبة من العنارص الرضورية التي ينبغي دراستها يف بناء الشّ خصيّات فهي تقوم بوظيفة الجمع بني
قطبي الذّات /املوضوع .فالذّات هي التي ترغب ،وما هو مرغوب فيه هو املوضوع" .وهذه الذّات إما أن تكون يف حال إيصال املوضوع أو انفصال عنه"( ) .وعندما تكون يف حال إتصال فإنّها ترغب باالنفصال ،والعكس صحيح، القصة ،يف هدف ما ،فإنه يربم أي أنها عندما تكون يف حال إنفصال فإنّها ترغب باإلتصال ،وإذا رغب البطل يف ّ
عقدا ً مع ال ّنفس ،أو املجتمع ،يقتيض بتحقيق هذا الهدف. ب -عالقة التواصل: إن ال ّدافع أو املح ّرك الذي يح ّرك ال ّرغبة لدى البطل /الذّات هو املرسل ،وهذا يقابله عامل آخر يحقّق ال ّرغبة من أجله ،وهذا هو املرسل إليه ( .) ( )Distinatoireإن الفرد نفسه ميكن أن يكون املرسل واملرسل إليه ،وقد يكون
بالضورة ،عرب عالقة ال ّرغبة أي عرب الوطن ،أو املجتمع ،أو الحزب أو غري ذلك ،وعالقة التواصل ال ب ّد من أن مت ّر ّ عالقة الذّات باملوضوع .إذ كان ِ املرسل هو ما يجعل الذّات ترغب يف يشء ما ،فاملرسل إليه يق ّدم الربهان للذات عىل أنها قامت بامله ّمة خري قيام ،أو أخفقت يف هذه امله ّمة ،أو غري ذلك. الصاع: ج -عالقة ّ من املؤكد أن الذّات تواجه عقبات كثرية ،يف أثناء سعيها إىل تحقيق موضوعها ،وبالتّايل فهي تبذل ما بوسعها لتخطّي هذه العقبات ومن هنا ينشأ الرصاع .ومن خالل هذا األخري ينشأ عامالن اثنان متعارضان :نس ّمي األ ّول العامل املساعد ،وهذا العامل يقف إىل جانب الذّات يف رصاعها ،ويس ّمى الثاين العامل املعارض أو املعاكس، ويؤدي هذا العامل دور عرقلة الذّات وإجهاض سعيها إىل تحقيق هدفها .ونستطيع القول إن هذه البنية ميكن أن كل خطاب عىل اإلطالق. كل حيك ،بل يف ّ تتواجد يف ّ
___________________________ ( )51حميد كمداين ،بنية النص الرسدي ،ص 34 ( )52م .ن ،،ص36 - 35
- 2نظام العالقات بني الشخصيات( :الشخصية الرئيسية)
حب عيل ملهتاب. السدي األ ّولّ : أ -الربنامج ّ
- 1العامل الذات :عيل فتاح - 2العامل املوضوع:
حب مل ي َر النور. الزواج من مهتاب بعد رحلة مع ال ّزمن بدأت منذ الطفولة وطالت خمسني عاماً عىل أهداب ٍّ
فالشّ خصية ال ّرئيس ّية (عيل) كلّام أرادت البوح يف ح ّبها مل تتجرأ عىل ذلك ،عىل ال ّرغم من أن ترصفاتها كانت تفضح
ما يختبيء يف ثنايا قلبها ،وعندما ت َق ّرر الزواج استشهدت مهتاب.
- 3العامل املرسل:
يتمثل هذا العامل بجملة من العنارص التي تنطلق من الذات ،إلشباع رغبة أو رغبات موجودة يف حنايا النفس بحب فتاة طوال خمسني عاماً ،وذلك من أجل تحقيق رغبة ذاتية طاملا البرشية – إن معاناة الشخصية متثلت ِّ
عاشت حرقتها ،فهي سعت جاهدة للزواج منها .فالشخصية تعيش عىل أمل تحقيق ذلك ذات يوم ،ألن حبها رافق
مهتاب منذ الطفولة ،فكانت تعمل عىل ارضاء صديقها (كريم) الذي يعترب شقيق مهتاب يف كافة أعامله ،عىل بكل تالبيب ال ّدين ال ّرغم من الشخصية الرئيسية وصديقها ،كليهام يحمل الوجه األول ونقيضه يف مجتمع متمسك ٍّ وبني سلطة تراوح يف اإلندماج بركب الحضارة الغريبة آنذاك ،إال أ ّن الشخصية تخطت كل ذلك من أجل مهتاب
وصديقها ،لتتسنى لها فرصة رؤيتها ،عدا مح ّبتها لكريم. تقول الشخصية الرئيس ّية« :نظرت إليه .كان شعر صدره قد ظهر من تحت قميصه .قلت له :أراك منشغ ًال بالزراعة ،فتحت ياقة قميصك ،بارك الله يف محاصيلك.
بعد أن تناولنا القسم النظري ،وتح ّدثنا عن أبرز حيثياته سننتقل إىل القسم التطبيقي الذي يصب يف دراسة الشخصيات يف رواية (أنا ُه): - 1إحصاء الشخصيات وتصنيفها: قامت هذه الرواية عىل شخصيات متعددة ،شاركت يف انجاح هذا العمل الروايئ ويف إيصال املغزى العام ،فـ(عيل فتاح) هو الشخصية الرئيسية التي يدور حولها مجرى األحداث يف ال ّرواية ،وقد شاركت ورافقت الشخصية
الرئيس ّية بكل معاناتها شخصيات أساسية (مهتاب ،ومريم) .مهتاب فهي حبيبة الشخصية الرئيسية وأما مريم فهي شقيقتها . وأما الشخصيات الثانوية التي ساعدت وأسهمت يف انجاح هذه الرواية وإيصالها إىل ب ّر األمان (كريم ،الحاج فتاح، أم عيل ،مصطقى الدرويش) والتي لها الدور الفعال الذي ال يقل عن دور الشخصيات األساسية ولن ننىس
الشخصيات الخلف ّية التي أدت دورا ً مهامً يف إيصال وتسيري أحداث الرواية التي ضجت بتواجدهم يف حناياها
(الدرياين الذي ميثل العقدة النفسية للشخصية الرئيسية وسبب املصائب التي نزلت عىل رأس عائلة حاج فتاح
القصاب املحب واملساعد لعائلة فتاح ،فقد حمل والد عيل يحب الخري لعائلة فتاح ،وأما موىس ّ والحسود الذي ال ُّ عىل ظهره ووقف بجانب عيل يف امللامت ،وفخر التجار والد هاين صديق الحاج فتاح وابنته هيلني التي سافرت
مع حفيدة الحاج فتاح إىل باريس ،وهليا ابنة مريم وزوجة هاين فخر التجارة وأما قاجار زميل الشخصية الرئيسية يف املدرسة والذي تس ّبب بقتل صديق العمر للشخصية الرئيسية (كريم) ،أبو راصف زوج مريم املناضل املكافح من أجل قضية وطنية وقد استشهد من أجل هذه القضية ،عزيت الرشطي اللئيم الذي ال يعرف معنى كرامات
الصدوق املؤمن املهذّب ،وناهيك عن الصديق ّ الناس وهو من قام بخلع الحجاب عىل رأس مريم ،ومجتبى ّ السبعة الذين رافقوا الشّ خصية الرئيسية يف كافّة ال ّرواية ،وزينب ال ّدريراين ابنة ال ّدرياين،عبدالله الفضويل العميان ّ السيد فتاح الذين يعملون معه والسيد رحامن وكذلك مسعود ومحمود ونعمت وغريهم هم عامل ّ ال ّرجل املسن ّ
يف املعمل ويساعدونه يف انجاز أعامله والبولنديات اللوايت ساعدن الحاج فتاح وصديقه عندما استدعاهام املعاون
لحضور اجتامع يف البلدية واشرتط عليهام اصطحاب زوجاتهم من دون حجاب ،وقد قامت إحدى البولنديات بتعليم مريم وشهني اللغة الفرنسية عشيقة كريم ،وأيضاً يب يب الخادمة التي ساعدت مريم يف املدرسة عندما أحست باملرض ،والقس الفرنيس الذي التقاه (عيل) يف باريس وع ّده استكامالً لشخصية الدرويش إن مل يكن هو رجل قوي البنية صاحب مبدأ وقد استشهد عىل يد السلطة نفسه وأخريا ً والد عيل الذي مل يعرف عنه إال إنّه ٌ الجائرة.
إن العامل املرسل إليه يتجه إىل الذات ،وقد عملت الشخصية الرئيسية عىل املحافظة عىل هذه الصداقة من أجل تحقيق ذاتها ،فقد صمد هذا الحب الذي يجمع بني الشخصية ومهتاب خمسني سنة وعىل الرغم من ذلك فإنه مل ي َر النور.
فقد شاركت الشخصية صديقها يف كل أعامله حتى التي مل توافق عليها وتتسامى مع تربيتها وأخالقها ،من مبدأ
الصداقة واملصاهرة. أن ذلك رمبا يكون اختبارا ً لها يف ّ أنت ذاهب؟ فأجاب" :يا جدي العزيز ،إن تقول الشّ خصية الرئيسية :قفز عيل إىل األسفل ،سأله الجد" :إىل أين َ املقص" صديقي ينتظرين عند الباب منذ وقت طويل ،لقد نسيت ،لألسف الشديد .أنا املقرص ،أنا ّ من هو صديقك؟ هل هو ابن اسكندر؟ ه ّز عىل رأسه إيجاباً ومىض متجهاً نحو الباب"( ).ويف مكان آخر تقول الشخصية الرئيسية" :يتهيأ عيل فتاح الذي مل يتجاوز الثالثة عرشة من العمر للذهاب إىل الصف السادس االبتدايئ كان يج ّر هو وصديقه كريم خروفني وراءهام ،وقد وضع عيل فصاً كبريا ً من امللح يف يده يقربه بني الحني واآلخر من فم الخروف األسود ليلحسه فيواصل الخروف جريه وراءه ،أما كريم فقد اهتم
بالخروف البني"( ). من هنا نجد أن الصداقة قد جمعت الشخصية بكريم منذ الطفولة وهذا ما وطد العالقة مبهتاب ،عىل الرغم من أن أخالقيات (عيل) تتناىف وال تتالقى مع أخالقيات كريم ،تقول الشخصية الرئيسية" :قطع كريم كالم عيل . عرش خطوات عريضة تشبه خطوات من فعلها يف رسواله. نيس عيل ما قاله كريم( ) .لقد طار صديقي ،رصت طاردا ً لألصدقاء مستحيل يا عيل أن تطرد الصدقاء وأن تصدرمنك أفعال كهذه حاشا للنبيل أن تصدر منه افعال تتناىف مع قيم املعارشة( ).
___________________________ ( )57رضا أمري خاين ،أناه ،ص.11 ( )58م .ن ،ص.9 ( )59رضا أمري خاين ،أناه ،ص. 10 ( )60م .ن ،ص.12
السامء ويتوقع الخري والربكة دامئاً من السامء ،إىل الشمس وهي حبيبتي شميس. أيها األحمق ،القالح ينظر دامئاً إىل ّ ضحكت وقلت :رصت كالقطة ،كلام رموها إىل األعىل نزلت إىل األرض عىل رجلها بينام وصلنا إىل تجريش قلت له: ما رأيك أن نذهب إىل مرقد السيد صالح بن موىس بن جعفر(ع) لكنه قال :دعنا نذهب إىل منتجع دربند ،الأستطيع الذهاب إىل مرقد السيد صالح"( ). هذا جانب من شخصية كريم ،صديق الشخصية الرئيسية وعىل الرغم من ذلك ،فإنها كانت تح ّبه وتنصحه وتقف
إىل جانبه وكل ذلك من أجل الصداقة ومهتاب.
حب الشّ خص ّية ملهتاب كان عامالً أساسياً يف عالقتها مع كريم وتح ّملت سامع كالم أمها الذي من هنا نجد أ ّن ّ
كانت تك ّرره دوماً تقول الشخصية الرئيس ّية" ،ق ّربت األم فمها من أذن عيل بنحو ال يسمح السكندر (والد كريم) السبب يف قطع رزق أن يسمع صوتها" :قلت لك مرارا ً عليك أن ّ تكف عن معارشة أبناء الحفرة ،سوف تكون ّ اسكندر وزوجته ،فإذا عاد أبوك سوف يطردهام كليهام"( ). هذا الحديث سمعته الشخصية مرارا ً وتكرارا ً ،كلام رأتها ترافق كريم ،ألن الوالدة تعترب كريم وعائلته من مستوى اقل شأناً وخصوصاً أن عائلة كريم تعمل عند الحاج فتاح جد الشخصية الرئيسية (عيل). - 4العامل املرسل إليه :الذات /الصداقة فالذات هي املستفيدة من تحقيق رغبة الشخصية الرئيسية من أجل املحافظة عىل مهتاب وال ّزواج منها وكذلك الصداقة التي كانت تجمع بني الشّ خصية ال ّرئيسية وكريم وقد ق ّدمت الربهان للذات. عىل ّ
___________________________ ( )55رضا أمري خاين ،أناه ،دار املعارف الحكمية ،تعريب محمد جواد عيل ،عثيل خورشا ص 65 - 64 ( )56رضا أمري خاين ،أناه ،ص.13
حب مهتاب وصداقة كريم صديق العمر ومن هنا قد بدا جلياً أن العامل املرسل إليه هو الذات التي تخبىء ّ
والطفولة.
تقول الشخصية الرئيسية" :عليك أ ّوالً أن ال تعري أهمية لدرويش مصطفى ،فهو يرفع اإلنسان م ّرة إىل العرش
كل ما اطلبه منك .وافق عيل بتعجب واستغراب األعىل ...إن اصل املوضوع هو أن تتبعني وأن تنفّذ برحابة صد ٍر َّ
ورافق كرمياً يف مهمة مجهولة( ). أحس كريم بالذنب وق ّرر وضع ح ّد لهذه وبعدما وضع كريم نفسه مع عيل وسط عراك مع أشقاء شميسّ ،
الصداقة ،ولكن عل ّياً مل يوافق عىل ذلك قائالً" :الصداقة هي اليشء الوحيد الذي ال ح ّوله ،فضحك وسط البكاء"( ).
- 5العامل املساعد:
لقد أ ّدت الصداقة التي جمعت بني كريم والشخصية الرئيسية ،دورا ً وعامالً مساعدا ً من أجل تحقيق رغبة الشخصية ،وكذلك لن ننىس دعم الجد وإميانه ومحبته الناس كافّة مهام اختلف مستواهم االجتامعي. فالج ّد كان يشجع الشخصية الرئيسية عىل صداقة كريم وبحثه عىل مواصلة العالقة الوديّة مع عائلة اسكندر ،ألنه كام قلنا أن الجد يتمتع بشخصية متواضحة ومح ّبة للناس.
تقول الشخصية الرئيسية" :نعم ،يا جدي هذه هي قيم الرجولة التي حدثتني عنها ،ها أنا ذاهب ألمارس
التزامات الصداقة"( ). وتقول الشخصية الرئيسية يف موضع آخر ،عن وصف أخالقيات الجد وتشجيعه للصداقة وحثه عىل املحافظة عليها ،رغم رفض والدة عيل تلك الصداقة من مبدأ املستوى الطبقي" .ق ّربت األم فمها من أذن عيل بنحو ال
يسمح السكندر أن يسمع صوتها" قلت لك مرارا ً أن تكف عن معارشة ابناء الحقرة ...خاطب جدي أمي بصوت مبحوح:
___________________________ ( )63رضا أمري خاين ،أناه ،ص.108 ( )64م .ن ،ص.113 ( )65رضا أمري خاين ،أناه ،ص.13
وحتى ترصفات كريم بعيدة كل البعد عن ترصفات عيل ،فعىل الرغم من ذلك فإن صداقتهام كانت اقوى من ذلك وما عمل عىل توطيد صداقتهام ح ّبه ملهتاب الذي يفوق الوصف فهو ال يصفها إال برائحة الياسمني تقول الشخصية
الرئيسية" :رصخ كريم بفم فاغر "هذا أمر ال يعنيك أيتها الفضولية ،ثم استدار نحو عيل وقال له :كُل بدل الكالم وإال
برد رغيفك" نظر عيل إىل كريم ثم ح ّول اتجاه نظراته ،كان كريم يأكل برشاهة ،فمه ممتيلء كمن يأكل للم ّرة األخرية يف حياته...فأدار عيل راسه يك ال يرى ذلك كله .أما مهتاب فقد وقفت إىل جوار الغرفة بشعرها البني الشبيه مبياه
شالل صاف ..شفتاها شبيهتان بزهرتني تتفتحان ..كانت رائحة الورد الجوري تفوح يف أرجاء البيت ...يف الغرفة كانت مهتاب تضع اصبعها يف فمها محاولة أن تتقيأ هي األخرى كانت يف مطلع السنة السابعة من العمر( ). يبدو أن الشخصية الرئيسية قد عشقت مهتاب وهي يف سن مبكر وهذا الحب تواصل وامتد مدة خمسني عاماً .إىل كل درجة أنه بعد التغريات التي طرأت عىل املدينة وخصوصاً بعد فتح منطقة العاهرات ..فقد كان الناس يسمون ّ كل يوم بإسم امرأة .ومهام اطلقوا من أسامء عىل األعوام واألشهر فكانت بالنسبة للشّ خصية الرئيسية ال شهر بل ّ تسمى إال بإسم مهتاب. تقول الشخصية الرئيسية" :بعد التغريات التي طرأت عىل املدينة ...وقدوم عدد كبري من الغجريات إليها ،فقد كان الناس يسمون كل شهر بل كل يوم بإسم امرأة ،ومهام أطلقوا من أسامء عىل األعوام واألشهر واألسابيع واأليام واللحظات ،فإنها مل تكن بالنسبة يل تسمى إال باسم من كان لها ذاك الشعر املرسح ،تلك التي كان يفوح عطر الياسمني يف الفضاء كلام تو ّرد خداها ،مل تكن ايامي شمس ّية قط ،بل كانت قمرية تشبه الليايل ،فحتى الشمس كانت
بلون مهتاب( ).
القصة عن لقاء بني رجل وامرأة ،تتخيل وحتى القصص التي كان يرسدها ج ّد الشّ خص ّية عىل مسامعه ،وإن تح ّدث يف ّ
الشخصية نفسها برفقة مهتاب.
___________________________ ( )61رضا أمري خاين ،أناه ،ص21 - 20 ( )62م.ن ،ص. 24
بعد مساومة مع الذات ،ح ّركت مقبض الباب ،دخلت واتجهت نحو مغسلة صغرية وغسلت وجهي عىس أن تهبط
حرارة جسدي .كنت أنظر إىل املرآة وأوجه سباً عنيفاً لنفيس ":أيها الجبان ،األحمق.) ( "..
فقد عانت الشخصية الرئيسية الكثري من العذاب الروحي الذي كان يح ّركه حب مهتاب ،عىل الرغم من أنها قد
شجعته عىل ذلك الحب ،ولكن إميانه بالله والخوف من الحرام منعاه من ذلك تقول الشخصية الرئيسية" :أردت أن أجلس عىل األرض ،حينام ابتسمت مهتاب وقالت :تعال اجلس هنا ،هل تخاف مني فتبتعد عني هكذا! أثنت
ساقيها ..وقد هيأت يل بذلك مكاناً للجلوس ،ورصنا نتأمل عيني بعضنا اآلخر ،وهي مامرسة كنا نتسىل بها حينام كنا صغارا ً ،ومل تكررها منذ سنوات ،عيناها العسليتان تثقبان قلبي ،كأنهام محتويان عىل مادة كياموية تذيب قلب املقابل ،سحبت نفسها إىل الوراء ،وقدمن رأسها ..فسحبت رأيس إىل الوراء ،قدمت رأسها فسحبت رأيس... استنشقت نفساً عميقاً وحينام عاودت استنشاق الهواء ...،شعرت أن صدري قد امتأل بهذا العبق الطيب ،اردت أن أضمها إىل صدري ...لكنني مل اضمها إىل صدري. رصت أبيك من دون انقطاع ...شعرت أنه قد حان األوان يك أرصخ فرصخت مرددا ً تلك العبارة التي تعلمتها من الدرويش مصطفى :من عشق فعف ثم مات ،مات شهيدا ً( ) .وهناك عامالً مناوئاً آخر ،وقف حجر عرثة من زواج الشخصية مبهتاب وهو عدم قناعة عيل من الزواج من مهتاب ،من مبدأ نصيجة ق ّدمها الدوريش للشخصية ،إن مل تحب مهتاب لشخصها فال تتزوجها فيجب أن تكوين مقتنعة بحبها .تقول الشخصية الرئيسية" :سوف لن تكن ّ
يكون من األخالق أن ال اذكر دور الدرويش مصطفى وجهوده من أجل ترتيب زواجي مع مهتاب .فقد أخربين
ذات يوم أن األوان قد آن للزواج إذ تيقنت إنني أحب مهتاب من أجل مهتاب( ). وماذا أيضاً عن العالقة اإلنسانية" يا للكالم الفارغ الذي تشغل بالك به ،إن كان حبك ح ّباً إنسانياً فعليك أن تفكّر أيضاً بطريقة إنسانية .لكنني أحبها وأحب عطر الياسمني الذي ....ال خالف يف ذلك ،ولكن عليك أن تح ّبها ألجلها والعتبارها هي بالذات وليس من أجل اعتبار آخر .لكن مهتاب ليست مبهتاب من دون هذه األشياء.
___________________________ ( )68رضا أمري خاين ،أناه ،ص.342 ()69رضا أمري خاين ،أناه ،ص344 - 343– 342 ( )70م.ن ،ص.344
يا كنتي العزيزة! إن للعشب مذاقاً طيباً يف فم املاعز ،ومن اين املاعز يستطيب مذاق معارشة ابن الحاج عيل نقيالكاشايت أم ابن الحفرة؟ الصداقة ال ُ تعرف الحواج َز بني أبناء الحفرة وغريهم من الناس... نعم فام من رأس مقطوع يتطلع إىل جسده ،إمنا ينظر نحو صديقه وهذه الخطوة األوىل يف مراعاة اصول املعارشةوالصداقة". وهذا ما كان يتلفظ به الجد تجاه صداقته مع كريم وهذا األمر دفع بالشخصية لتوطيد الصداقة والتقرب من مهتاب ،ولن ننىس جامل مهتاب وأنوثتها فكانت عامالً مساعدا ً أيضاً للزواج منها ،فتصفها بأجمل حلّة وأبهى مظهر ،تقول الشخصية الرئيسية ":كانت أنفاس مهتاب الحارة تلمس وجهي ،كانت رائحة الياسمني تفوح من أنفاسها"( ). ووصفها يف موضع آخر ،للداللة عىل مدى تعلقه بها وح ّبه العميق لها تقول الشخصية الرئيسية" :ال ينمو فوق تربة القمر سوى أزهار الياسمني .) ( "...هذه العوامل وغريها ،ساعدت الشخصية الرئيسية لتحقق هدفها بطلب الزواج
من مهتاب حبيبة قلبها. - 6العامل املناويء: إن الكاتب قد كشف عن جوانب كثرية من الحب والتعلق الشديدين تجاه مهتاب وعىل الرغم من أن هناك عوامل مساعدة ،ساعدت الشخصية للوصول إىل مبتغاها والزواج من مهتاب .إال أن العامل املناويء الذي ح ّد من ذلك، تتحل بها والخجل الدائم املرافق لها يف جلساتها وتواجدها مع مهتاب.تقول الشخصية الرئيسية: الشجاعة التي مل َّ يتصبب عرقاً ،فكرتُ أن أفاتحها مبوضوع الزواج فمن املؤكد أنها ال ترفض ذلك .كنت ارصخ يف أعامقي: "كان جسدي ّ يل أن أنتهزها ألطرح فكرة "أين أنت يا دوريش مصطفى ،تعال وشجعني ،تعال وقل إنها اللحظة املناسبة التي ع َّ
الزواج عىل مهتاب.
___________________________ ( )66رضا أمري خاين ،أناه ،ص.63 ( )67م .ن ،ص.69
- 1العامل الذات :مهتاب التي تتمحور حولها الرواية. - 2العامل املوضوع: إن الشخصية األساسية يف رواية (أنا ُه) ه ّمها الوحيد الزواج من عيل فتاح ،ذلك الشاب املتواضع الذي ينتمي إىل
طبقة اجتامعية أعىل منها ،وعىل الرغم من ذلك فإنها ظلت تحلم وتسعى للحصول عليه .وخصوصاً وأنها فاتنة،
ذات طلة به ّية ،الجميع يتحدث عن جامل وجهها وشعرها البني ،فـ(عيل) مفتون بها يعشقها ،يتذكرها أينام
ذهب.
بالعودة إىل الشخصية األساسية (مهتاب) ،كام قلنا إ ّن هدفها الزواج من (عيل) وبعد طول انتظار دام خمسني عاماً طلبها (عيل) الشّ خصية ال ّرئيسية لل ّزواج فكانت ر ّدة فعلها كر ّدة فعل أي فتاة يف مقتضب العمر .تقول الشّ خصية ال ّرئيسية "ما أن غادر الدرويش بيتنا ،حتى ارسعت يف ابالغ مهتاب بالخرب.
كانت امرأة هرمة حينذاك إال أن ذلك مل يجعل مدى فرحتها بالخرب أقل من فتاة يف العرشين من العمر يخربونها بعقد زواجها مع فارس أحالمها .قالت :إذن لقد استسلمت لألمر الواقع بعد عناء دام خمسني عاماً وقالت إن مل
أوافق فام ستفعل؟ نصف قرن ومستعد أن أصرب نصف قرن آخر ضحكنا وجعلنا صباح اليوم القادم موعدا ً ضحكت وقلت :لقد صربتُ ُ ُ لناً( ). كل م ّرة كانت يصفها إن علياً أحب مهتاب حباً جامً ،وهذا الحب استمر منذ الطفولة حتى سن الكهولة ويف ّ
ويتذكرها ،نذكر منها تقول الشخصية الرئيسية " :كانت عيناها مغمضتني ...ليس من عني تستطيع أن تراين اآلن،
يل شعرت أن صدري قد امتأل استنشقت نفساً عميقاً ..عاودت استنشاق الهواء ،هجمت نفخة من عبق الياسمني ع َّ بهذا العبق الطيب ،اردت أن أضمها إىل صدري ،اردت أن أضمها إىل صدري ،أردت أن ...لكنني مل اضمها إىل
قلبي"( ).
___________________________ ( )73رضا أمري خاين ،أناه ،ص.345 – 344 ( )74م.ن ،ص.343 – 342
إن مل يكن ملهتاب اعتبار ذو قيمة وتزوجتها حينها ستكون كائناً عديم القدمية واالعتبار ...يا عيل إن استطاعت مهتاب أن تكون مرآة صافية لجوهرك الفني فأنا سأكون أول من يشجعك عىل الزواج منها ،أي سأجعلك ترتبط مبرآة حقيقتك وجوهرك الثمني اقتنع عيل بكالم الدرويش مصطفى.) ( ... يحب مهتاب ح ّباً إنسانياً كام أقنعه الدرويش من هنا نرى جرأة عيل وشجاعته ألخذ هذه املبادرة ،ظناً منه أنه ال ُّ
والعامل املناويء اآلخر وهو الذي كان ح ّدا ً فاصالً من أجل الوصول إىل مبتغاه وهو الزواج من مهتاب بعدما
اتخذ القرار واقتنع بأن عليه أن يخطو هذه الخطوة ،توفيت مهتاب ليلة الزواج بعدما وافقت عىل طلب يدها من عيل بعد طول انتظار دام خمسني عاماً. تقول الشخصية الرئيسية" :حسب املوعد ،اتجهت صباح اليوم التايل إىل شقة مريم ومهتاب كنت مطمئناً أن الدرويش مصطفى سيأيت ايضاً يف املوعد املقرر ،أتذكره منذ العام 1937أي منذ حوايل الخمسني عاماً. ...لكن كيف ميكن أن يصف اإلنسان رائحة لفم الشواء ،لكائن إنساين ،مهام كان دقيقاً يف الوصف فإن فجاعة املوضوع ومأساويتها سوف تغلب الوصف ..حينام دخلت البناية التي تقع فيها شقة مريم ومهتاب"( ). ويعني كل ذلك أن آلية الرصاع التي حكمت الرواية هي ذات بعد أخالقي عاطفي. السدي الثاين: ب -الربنامج ّ
إننا لنجد أن شخصية مهتاب هي شخصية أساسية يف هذه الرواية باإلضافة إىل شخصية مريم ،إذ تداخلت هذه
الشخصيات مبساعدة الشخصيات الثانوية والخلفية لنجاح هذا العمل الروايئ. ومن هنا نرى أن (مهتاب) الشخصية األساسية األوىل قد متحور برنامجها الرسدي حول الحصول عىل عيل والزواج منه ،بعد أن انتظرته طويالً.
___________________________ ( )71رضا أمري خاين ،أناه ، ،ص.339 ( )72م.ن ،ص.345
الحب ،وقد بدا ذلك جلياً من خالل ترصفاتهام فالشخصيتان الرئيستان ناضلتا من أجل الحفاظ عىل هذا ّ
وأحاديثهام ،تقول الشخصية الرئيسية ،عندما علمت بسقوط مهتاب يف الحوض" :هناك شعر عيل وأل ّول م ّرة أن
قلبه ازداد خفقاناً اضطرب لبعض اليشء ،وقد شعرت أمه بأنه ليس عىل ما يرام ...كان مرسورا ً لوجود يشء يف
رس أو شخص يتعلق به .وكلام فكر مل يدرك سبب سقوط قلبه يبعث إىل اليتهز لذكراه .واآلن هو بدوره له يشءٌّ ،
مهتاب يف الحوض ألنه هو أيضاً كان قد وقع ذلك اليوم يف الحوض .لقد ظل ينتظر صوت مطرقة الباب ويأيت أخو رسه (مهتاب) .واآلن فكل ما يطلب كريم منه يجب أن يفعله"( ). صاحبة ّ
واملعروف أن كريم شخصية غري متزنة ،تفتقد لألخالق فإن ترصفاته غري الئقة ،كالمه وحديثه ليسا ضمن حدود اللباقة واللياقة ورغم ذلك فإن عيل قد يفعل أي يشء من أجل مهتاب (حبيبة قلبه) .وإننا نرى أن (مهتاب) ايضاً الشخصية األساسية ،أنها عشقت (عليا) منذ الطفولة ،ففي حصة الرسم طلب منها أن ترسم وجه املعلمة (مريم)
(شقيقة عيل) إال أنها رسمت وجه عيل. تقول الشخصية الرئيسية" :رسح خيالها بجدائل مهتاب البنية مل تعرف ملاذا كلام خطرت مهتاب عىل بالها، ارتسمت صورة عيل أيضاً يف ذهنها ،رمبا كل ذلك يعود للرسم الذي أنجزته مهتاب يف اليوم املايض أي حينام رسمت وجه مريم وقد بدا شبيهاً بعيل"( ). - 5العامل املساعد: لقد اجتمعت عوامل ثالث ساعدت الشخصية األساسية (مهتاب) ،وإن كانت هذه العوامل تتفاوت من حيث األهمية إال أنها أدت دورا ً ولو بسيطاً من أجل تحقيق ما ترغب به الشخصية األساسية. أوىل هذه العوامل ،محبة الجد (الحاج فتاح) لعائلة اسكندر (عائلة مهتاب /الشخصية األساسية) ،فاإلحرتام واملحبة والتقدير الذي كان يشعر به الحاج تجاه عائلة اسكندر قد تجلت بترصفاته وأحاديثه وهذا كان دافعاً قويّاً لـ (عيل) الذي شجعه عىل االستمرار يف محبة مهتاب وكذلك محبتها له.
___________________________ ( )78رضا أمري خاين ،أناه ،ص.105 ( )79رضا أمري خاين ،أناه ،ص.94
وهكذا فإن معظم أحداث الرواية متحورت حول الحب الذي جمع بني الشخصيتني (الرئيسية واألساسية/عيل ومهتاب). - 3العامل املرسل: إن الحب الذي يجمع بني الشخصية الرئيسية (عيل) والشخصية األساسية (مهتاب) هو العامل املرسل ،فرغم العوائق التي كانت تقف حاجزا ً يف طريق تحقيق أمنيتهام فوالدة عيل ترفض ذلك من مبدأ التفاوت اإلجتامعي، وقد بدا ذلك واضحاً من كالمها حينام كانت تراه مع كريم .تقول الشخصية الرئيسية" :قلت لك مرارا ً عليك أن تكف عن معارشة أبناء الحفرة ،سوف تكون السبب يف قطع رزق اسكندر وزوجته ،فغذا عاد ابوك سوف يطردهام كليهام"( ). ويف موضع آخر ،ترى نظرة األم إىل عائلة مهتاب تقول الشخصية الرئيسية" :قالت األم :لقد تعلمت أشياء خاطئة، هل تتوقع أن يرتدي أبناء الحفرة مالبس فرقة الكشافة ،هل تتوقع أن تدفع مثن هذه املالبس الثمينة يك يرتديها أحد أبناء الحفرة؟"( ). فكلام فُتح موضوع مهتاب أو أحد أفراد عائلتها ،كانت األم تنزعج قائلة " :حسناً لنرتك هذا الكالم الفارغ"( ). رغم ذلك ،فإن حب مهتاب لعيل وكذلك العكس ،صمد خمسني عاماً حتى جاء اليوم ليطلبها للزواج فإنها شعرت وهي كهلة وكأنها فتاة يف العرشين من العمر ،قد فرحت وتأثرت كثريا ً. - 4العامل املرسل إليه: إننا لنجد أن العامل املرسل إليه هو ذات الشخصية الرئيسية واألساسية الدافع الوحيد لزواجهام باإلضافة إىل الحفاظ عىل ِعرشة الطفولة والعالقة الحميمة التي جمعت العائلتني وإن كانت عائلة اسكندر تخدم عائلة حاج فتاح ،فإن ذلك مل مينع من أن يحبا بعضهام ويتمنيان الزواج.
___________________________ ( )75رضا أمري خاين ،أناه ،ص.13 ( )76م .ن ،ص.32 ( )77م .ن ،ص. 105.
ال ّرسم تقول الشخصية الرئيسية" :وحينام سافرت مريم سفرتها الثانية إليران وعادت إىل باريس اصطحبت معها مهتاب"( ).
- 6العامل املناويء: إن غري عامل وقف حجر عرثة أمام تحقيق رغبة الشخصية األساسية وهي الزواج من عيل .أوىل هذه العوامل تر ّدد عيل الدائم والجرأة التي مل يتمتع بها ليخطو هذه الخطوة وقد بدا ذلك جلياً من خالل حديثه مع الدرويش ساعة قرر طلب يد مهتاب بعد رصاع مرير من املشاعر الجياشة التي طالت خمسني عاماً .تقول الشخصية الرئيسية" :سوف لن أكون من األخالق أن ال اذكر دور الدرويش مصطفى وجهوده من أجل ترتيب زواجي مع مهتاب ،فقد اخربين ذات يوم أن األوان قد آن للزواج إذ تيقنت أنني أحب مهتاب من أجل مهتاب"( ) .ويف موضع آخر ،نشاهد الرتدد الذي ظهر عىل ترصفات الشخصية الرئيسية (عيل) ،تقول الشخصية الرئيسية وهي تخاطب نفسها "كنت أنظر إىل املرآة وأوجه سباً عنيفاً لنفيس :أيها الجبان ،األحمق.) ( "... كان جسدي يتصبب عرقاً ،فكرتُ أن أفاتحها مبوضوع الزواج فمن املؤكد أنها لن ترفض ذلك ،كنت ارصخ يف يل أن أنتهزها أعامقي" :أين َ أنت يا درويش مصطفى ،تعال وشجعني ،تعال وقل إنها اللحظة املناسبة التي ع َّ
ألطرح فكرة الزواج عىل مهتاب"( ).
ونجد أيضاً أن عامالً مناوئاً آخر ،قد خطّه القدر وكتبه القضاء ،وهو سامع خرب وفاة مهتاب وإن تحقق ما كان تطلبه وهو طلب يدها إىل أن الفرحة مل تكتمل ،ليلة موعد الزفاف توفيت مريم .وبالتايل مل تستطع أن تتمتع بهذا الخرب وأن تفرح به كل الفرح بعدما انتظرت سنني طوال تتمنى أن تحقق مبتغاها.
___________________________ ( )83م.ن ،ص.325 ( )84رضا أمري خاين ،أناه ،ص.344 ( )85م .ن ،ص. 342 ( )86م.ن ،ص.324
تقول الشخصية الرئيسية" :حسناً ،لدي فكرة .تعرفني أن أماليك هي تكون كل أماليك إرثاً لكم ،ولكن مع ذلك فكرت أن أهب اسكندر ملكاً تعويضاً للخدمات التي قدمها لنا ،ليس من الصحيح أن يحتاج لآلخرين إن أنامت ومل أرتب له حياة إنسانية كرمية ،لقد خدمنا طوال حياته والناس يسمونه اسكندر فتاح نسبة لنا .من الناحية القانونية ينتسب اسكندر الينا فقدتم تسجيل لقب عائلته يف سجل نفوسنا باسم اسكندر فتاح"( ). وثاين هذه العوامل املساعدة صداقة كريم (أخو مهتاب) هذا ما عمل عىل توطيد العالقة بينهام ،فقد أثر ذلك عىل تقريبهام من بعضهام البعض ،عىل األقل رؤية مهتاب والتمتع بجاملها األخاذ ،وكذلك فإن الشخصية الرئيسية كانت تتذرع بحجج عديدة من اجل رؤية (مهتاب) تقول الشّ خصية الرئيسية " :كنت أختلق ذريعة كل يوم بعيدا ً عن أنظار أمي ألساعد أم كريم يف نقل األواين للحوض يف الباحة الخلفية .أثناء تلك املساعدات رأيت الشالل البني يف الحوض ،حوض الباحة الخلفية ..العاشق الذي مل يحتلم بعد فهو عاشق حتامً ونفسه بركة"( ) .ويف موضع آخر، نرى أن العائلتني تضحيان من أجل بعضهام البعض من دون التفكري بالعواقب ،فمرة غاب عيل ومريم عن املدرسة وهذا ما جعل مهتاب وكريم ميتنعان عن الذهاب ايضاً وكانت النتيجة أن تم توبيخ أبناء اسكندر تقول الشخصية الرئيسية " :مل نذهب أنا ومريم مل ّدة أسبوع أو أسبوعني عن املدرسة .ومل يذهب كريم ومهتاب ايضاً ألجلنا إىل املدرسة .وبعد أن ذهبنا إىل املدرسة وبخوا مهتاب وكريم بشدة"( ). من هنا نرى أن الصداقة التي جمعت بني كريم وعيل واملحبة التي جمعت بني العائلتني عىل الرغم من أن بعض افراد عائلة فتاح كوالدة عيل مل تكن تحب هذه الصداقة إال أنها كانت عامالً مساعدا ً من أجل تحقيق ما تربو إليه الشخصية األساسية وأما العامل الثالث محبة مريم ملهتاب وقضاء مرحلة من عمرهام مع بعضهام البعض وإن مل يظهر ذلك جلياً يف حنايا هذه الرواية إال أنه قد أدى دورا ً بسيطاً أيضاً وعامالً مساعدا ً آخر. فإن مريم (شقيقة عيل) قد أحبت مهتاب ،وحينام أرادت أن تعيش يف باريس ،أخذتها معها وقد أمضيتا أوقاتاً وسنيناً مع بعضهام ،شاركتا بعضهام همومهام وأكمال مشوارهام الفني ،فقد كان يجمع بينهام الهواية ذاتها وهي
___________________________ ( )80رضا أمري خاين ،أناه ،ص.318 ( )81م .ن ،ص.202 ( )82رضا أمري خاين ،أناه ،ص.205
يستعد استعدادا ً عسكرياً أمام الحاج فتاح وكأن جدها صاحب مرتبة عسكرية رفيعة .قال عزيت :عذرا ً سيدي يف ّ الحقيقة أنا مكلف بإبالغكم أن ارتداء البنات الحجاب ممنوع ...لكنني يف املدة املاضية مل اجرؤ عىل إبالغ حفيدتكم األوامر ...لكنني اغتنمت اآلن الفرصة ألحيط حرضتكم علامً باملوضوع ...أشار الحاج فتاح لحفيدته أن تواصل مسريها نحو املدرسة ثم اشار بيده بأين سأدفع مبلغاً هديّة لعزيت"( ). وبعدما رفضت والدة عيل ،طلب أم ع ّزيت بالزواج من ابنها (عزيت) ،غضب ع ّزيت وقرر اإلنتقام ،وما من وسيلة يف يده لتحقيق مأربه سوى نزع حجاب مريم .تقول الشخصية الرئيسية" :أيتها الفتاة ما هذا الحجاب عىل رأسك؟ هل تخالفني القانون؟ هل ظننت أنه باإلمكان رشاء كل يشء باملال؟ ...سوف أذيقكم املر ...فاستغل ع ّزيت الفرصة وهجم عىل مريم لينزع الخامر من رأسها( ). وهذا الترصف جعل من مريم ،تسجن نفسها يف املنزل ومتتنع عن الذهاب إىل املدرسة مرة أخرى ،وهذا األمر استدعى أن تسافر إىل باريس لتحافظ عىل حجابها التي حرمت منه يف بلدها بسبب ظلم الشاه وجوره والقوانني التي أصدرها وأمر بتطبيقها. تقول الشخصية الرئيسية" :سجنت مريم نفسها يف الغرفة ومل تعد تخرج منها ،كام كفت عن تناول الطعام عىل املائدة مع افراد عائلتها"( ). - 3العامل املرسل: كام ذكرنا آنفاً ،إن عدم تقبل املدرسة وأوامر حكومة الشاه الجائرة هام العامالن األساسيان اللذان جعال مريم متتنع عن الذهاب إىل املدرسة من أجل املحافظة عىل حجابها وتتخذ هكذا قرار ،وخصوصاً بعد مضايقات عديدة رصف صديقات مريم تجاهها. سمعتها وتحملتها من قبل املعلمة واملديرة وكذلك األمر بالنسبة إىل ت ّ
___________________________ ( )88م .ن ،ص.88 ( )89رضا أمري خاين ،أناه ،ص233 ( )90م.ن ،ص249
- 3نظام العالقات بني الشخصيات: شخصية مريم التي شاركت الشخصية الرئيسية واألساسية األوىل يف خياطة األحداث وتصويرها عىل أوراق (أنا ُه). السدي األ ّول :عدم الذهاب إىل املدرسة من أجل املحافظة عىل الحجاب. أ -الربنامج ّ - 1العامل الذات :مريم - 2العامل املوضوع: إن الشخصية األساسية الثانية التي شاركت الشخصيتني األولتني ،قد تعرضت يف ظل حكم الشاه ،إىل خلع حجابها من قبل الرشطي ع ّزيت وهذا ما أثر فيها ويف شخصيتها ،فقد امتنعت عن الذهاب إىل املدرسة وخصوصاً وأن املديرة كانت دامئاً ما تتق ّدم منها بوابل من اإلرشادات واملالحظات حول موضوع حجابها ولوال لطف الله والحاج فتاح املعروف واملشهور يف خان آباد لكانت مريم طردت من املدرسة ،ولكن ترصف الرشطي ع ّزيت جعلها تتخذ القرار بعدم متابعة دراستها يف املدرسة من مبدأ أن اإلنسان يستطيع أن يعلم نفسه ولو مل يكن متواجدا ً داخل الحرم املدريس تقول الشخصية الرئيسية ":كانت تسري خائفة ،يف العام املايض أخربتها مديرة مدرسة غري أن عليها أن تأيت إىل املدرسة يف العام القادم من دون ربطة وأن ترتب ضفائر شعرها وأن ترتدي فستاناً أبيض .وقالت إن عليها إطاعة املقررات وإن كونها األوىل بني زميالتها وأكرثهن تفوقاً يف املدرسة .لن يشفع لها وقد نبهتها إىل وجود بعض الطالبات اللوايت ال يرتدين الحجاب مع كونهن بنات رجال دين ومن عشرية الغجر ...واضافت املديرة قائلة لها :باملناسبة ،والدك وجدك يسافران كل عام إىل روسيا وقد اطلعا عىل حضارة أهاليها ورقيهم ...كل هذه األشياء الجميلة تتمسخ تحت هذا الخامر ...املهم عندي أن تدريك إما التعليم وإما الحجاب"( ). ويف موضع آخر ،نرى احرتامهم للحاج فتاح ،فقد ظهر عزيت أمام حاج فتاح يطلب من حفيدته خلع الحجاب ولكن كالعادة قام الحاج فتاح بالواجب وق ّدم له ماالً لينىس أمر مريم تقول الشخصية الرئيسية" :رأت عزيت
___________________________ ( )87رضا أمري خاين ،أناه ،ص.33
- 5العامل املساعد: لقد شكل موقف الجد عامالً مساعدا ً ملريم (الشّ خصية األساسية) فبعدما اتخذت قرارها بعدم الذهاب إىل املدرسة ومن املؤكد بسبب املحافظة عىل حجابها ،تق ّبل الجد قرارها ووقف إىل جانبها وساعدها عىل تعلّم اللغة
الفرنسية عن طريق استدعاء البولندية التي علمتها اللّغة الفرنسية ،للسفر خارج إيران. تقول الشخصية الرئيسية " :ملاذا تشغل بالك بكالم الناس إن مل ترتكب خطأً ما ،ما املشكلة إن سافرت مريم للذهاب إىل الخارج لتكميل تحصيلها الدرايس"( ).
"بديهي أن عائلة محرتمة مثل الحاج فتاح مل تكن لرتىض أن تسافر ابنتها مريم لوال أن هناك سبباً ،فلعنة الله عىل من كان السبب ...سمعت مريم ذلك وتذكرت ما حدث معها حينام كانت عائدة مع جدها الحاج من املدرسة، نلك الحادثة التي تركت جرحاً ال يندمل يف روحها"( ). - 6العامل املناويء: إننا ال نجد أن عامالً مناوئاً وقف حجر عرثة أمام القرار الذي اتخذته مريم ،ألن موضوع الحجاب موضو ٌع ها ٌم وال يستخف به ،ولذلك فإنها امتنعت عن الدراسة لسنوات عديدة ،وسافرت فيام بعد إىل باريس وكل ذلك من أجل املحافظة عىل حجابها اإلسالمي الكامل ،وهناك قد تابعت دراستها وأصبحت فنانة تشكيلية.
___________________________ ( )93م.ن ،ص.286 ( )94رضا أمري خاين ،أناه ،ص.288
- 4العامل املرسل إليه: إن القرار الفاصل الذي اقدمت عليه (مريم) الشخصية الساسية الثانية بعدم ذهابها إىل املدرسة وفيام بعد سفرها إىل باريس كان كلّه بسبب حجابها ومن أجل الحفاظ عليه ،فهي مل تستمر يف الدراسة رغم أنها كانت متفوقة واألوىل عىل صديقاتها ألن موضوع الحجاب ،هو موضوع أسايس عند مريم وعائلة الحاج فتاح وال بد من املحافظة عليه ،من مبدأ الحفاظ عىل اإلسالم. تلق ال ّدعم املعنوي وال ّديني عىل أرض وطنها (إيران) حسمت موضوع سفرها إىل باريس ،بعدما بقيت ومبا أنها مل َ حبيسة بيتها سنوات عديدة .تقول الشخصية الرئيسية" :ونظر ع ّزيت إىل املرأة العجوز ،كانت مستمرة يف الكالم ومتسك العباءة بكلتا يديها بعد أن توقفت عن السري ،رمقها ع ّزيت بنظرة غاضبة" :أيتها العجوز ،أال تعرفينني حقاًّ... اخريس أيتها العجوز :أنا واحد من أوغاد الرشطة واآلن سوف ألقنك درساً .سحب العباءة من راس املرأة العجوز التي راحت ترصخ وتستغيث وتركض وراء ع ّزيت دون أن تستطيع اللحاق به ...استمرت العجوز يف الرصاخ واالستغاثة ،كانت يف حال يرىث لها ،ورمبا شعرت بالخجل من الثوب الذي كانت ترتديه تحت العباءة"( ). هذا الترصف مع هذه املرأة العجوز ،مثاالً واضحاً عن الوضع املأساوي الذي كان قامئاً أيام عرص الشاه وما فعله السء مع مريم أثناء خلع الحجاب عن رأسها .فإن مريم قد الرشطي ع ّزيت مع هذه العجوز ،يع ّد نفس الترصف ّ
تأملت كثريا ً إثر ترصف ع ّزيت تقول الشخصية الرئيسية " :حتى عرص ذلك اليوم جلست مريم جنب أمي وهي تبيك بحرقة دون انقطاع ،بكت كثريا ً حتى تجففت ال ّدموع عىل وجنتيها ...فجأة نهضت مريم وقالت مبالمح غاضبة :لن
اذهب أبدا ً إىل املدرسة ،فاإلنسان تعلّم يف بيته أكرث من أي مكان آخر"( ).
___________________________ ( )91رضا أمري خاين ،أناه ،ص.24 ( )92رضا أمري خاين ،أناه ،ص.252
مصطفى يصادفنا احيانا ،ذات م ّرة قال لكريم "أيها الفتى ،من ال أدب له ...دعني ...تعرفني ....لقد قتلو كرمياً... كنت أرغب أن أجهش بالبكاء ،وضعت رأيس عىل الطاولة ورصت أبيك كاألطفال( ).
من هنا نجد أن الشخصية الرئيسية قد سيطرت عليها مشاعر األىس والفرح ،من ج ّراء املواقف والقصص التي
تعرضت لها وقد عرضنا مناذج عن الحالة النفسية التي اعرتتها آنذاك. - 2الهوية االجتامعية:
إن الشخصية الرئيسية تعيش وضعاً اجتامعياً جيدا ً ،فهي من عائلة ميسورة ومعروفة ومحرتمة من قبل الجميع، ونلحظ ذلك من جملة إشارات دلّت عىل الوضع االجتامعي الذي تعيشه. من خالل وصف دارها ،ومساعدتها للعميان السبعة ،وثيابها املرتبة وكل صنوف االحرتام التي تتقدم لها من قبل الجريان والعامل الذين يعملون يف معمل الحاج فتاح جد الشخصية الرئيسية. تقول الشخصية الرئيسية" :وأثناء مرورها بجوار العميان السبعة وقف عيل وأخرج درهامً من كيسه وقدمه للش ّحاذ األ ّول ...نهض الشّ حاذ األخري من نهاية الطابور وسار نحو البداية ...وقبل أن يبدأ بالقول " :سبعة عميان بصدقة واحدة" أخرج عيل درهامً آخر وأعطاه لكريم قائالً" :من األفضل أن متنحه له بنفسك"( ).
وتصف الشخصية منزلها الكبري تقول " :بيت كبري ،مساحة كل غرفة من غرفه الثالث املعروفة بغرف الزاوية أوسع من بيوت الحفرة من األحياء الفقرية يف خاين آباد"( ). ومشاهد اإلحرتام قد بدت واضحة جلية ملقام (عيل) الشخصية الرئيسية وذلك ألنها تنتمي إىل عائلة معروفة عائلة الحاج فتاح الذي ميلك معمل اللنب ،الطابوق وناهيك عن أن الجد (الحاج فتاح) يرأس نقابة الخزافني تقول الشخصية الرئيسية" :كان السيد رحامن قد سئم أخالق الحاج فتاح وخرج من املكتب ،إذ شاهد عل ّياً يخرج من
املربط فقال:
إىل أين يا سيدي الصغري؟ -ر ّد عيل بتحية وقال:
___________________________ ( )97م .ن ،ص.63 ( )98رضا أمري خاين ،أناه ،ص.9 ( )99رضا أمري خاين ،أناه ، ،ص.10
أ -هوية الشخصية الرئيسية: بث الكاتب جملة من سامت الشخصية الرئيسية ،النفسية والجسدية واألخالقية والثقافية واالجتامعية ،يف ثنايا الرواية ومن الرضوري التمعن يف الوظيفة التي تؤديها هذه الصفات. - 1الهوية النفسية للشخصية الرئيسية: القصة فرحة متفائلة لقد سيطر عىل الشخصية الرئيسية مشاعر متناقضة ،اتسمت يف نفسيتها ،فبدت يف بداية ّ وهي يف عمر الطفولةـ تقيض أوقاتاًممتعة مع صديق الطفولة":نيس عيل ما قاله كريم ،فقد كان مفعامً بالبهجة والنشاط ،يضحك بني حني آلخر نهض من جوار العميان السبعة ،ونفض الرتاب العالق عىل رسواله ،ق ّرب فص امللح
يل. من قسم الخروف األسود ورشح بالركض ،وقد تبعته الخروف مل يستطع كريم اللحاق بع ّ
ظلت الشخصية تعيش أياماً وسنني من الفرح مع صديقها وعائلتها حتى سمعت خرب وفاة والدها الذي أث ّر ذلك عىل أحاسيسها ،فقد تفاجأت بخرب وفاة والدها بعدما كانت تنتظره عندما يزهر الخريزان ،تقول الشخصية الرئيسية" :كان عيل مبهوتاً وقد تبخر كل الغموض لديه بعد سامع أول جملة من السيد رحامن( ). ويف موضع آخر تقول الشخصية الرئيسية حول انتظار والدها بفارغ الصرب وما لبث أن عاد شهيدا ً ،ميتاً " :كلام كان الدرياين يسأل بلهجته الرتكية" :متى سيعود والدك من روسيا" أجبته عندما يزهر الخريزان" .وأىت فصل أزهار الخيزران اخريا ً ومل ِ يأت أيب"( ). وترى الشخصية الرئيسية أيضاً قد سيطر عليها مشاعر األمل واألىس عند وفاة صديق عمرها وطفولتها كريم ،فقد بكت بكا ًء شديدا ً "تذكره بالخري ،آه أين أنت يا كريم ،كنا صغا ًرا نعود اىل املدرسة معا كان الدرويش
___________________________ ( )95رضا أمري خاين ،أناه ،ص .156 ( )96م.ن ،ص.159
منه هذه الرائحة الكريهة ،إنه صديق نادر ،ليس يف الصداقة الحقيقية رائحة طيبة ورائحة كريهة ،داهمني البكاء ...ثم عانقني وبىك وقال: تعرضت إىل كثري من األذى بسبب عزيزي عيل ،للصداقة حدود ،رمبا من األفضل أن نضع حدا ً لصداقتنا .فقد ّ حركت رأيس نافياً وقلت بهدوء: وفائك وصداقتك يل. ُ ُ الصداقة هي اليشء الوحيد الذي ال حد له.) ( ...نجد أن عالمات اإلخالص والوفاء قد بدت جل ّية وواضحة كل الوضوح وتجلّت بالترصفات والحديث واملواقف، وهكذا قد كشف الكاتب عن املزايا األخالقية التي متتعت بها الشخصية الرئيسية.
- 4آلية الرصاع وتحقق الذات: تح ّدد آلية الرصاع يف رواية (أنا ُه) عند الشخصية الرئيسية (عيل فتاح) من خالل اإلخالص والتفاين يف محبتها ملهتاب التي طالت أكرث من خمسني عاماً ،فمنذ عمر الطفولة والحب متعلّق يف قلب الشخصية ،إىل أن اصبحت مهتاب كبرية يف السن ،تجرأت الشخصية وطلبت الزواج منها ،ولكن هذا الزواج مل يبرص النور ،فقد توفيت مهتاب ليلة الزفاف ،وبالتايل خرست الشخصية محبوبتها وفرحتها وكذلك رائحة ياسمينها ،ومل تحقق ذاتها وحلمها الوحيد منذ الطفولة. تقول الشخصية الرئيسية " :سوف لن يكون من األخالق أن ال اذكر دور الدرويش مصطفى وجهوده من أجل ترتيب زواجي مع مهتاب ،فقد أخربين ذات يوم أن اآلوان قد آن للزواج إذا تيقنت أنني أحب مهتاب من أجل مهتاب كان ذلك حوايل عام ،1987أي عام حرب املدن...جاء الدرويش إىل بيتنا ليالً وسألني: هل تعلم كم تحب مهتاب اآلن؟ قلت لقد أدركت حجم حبي لها،قال الدرويش مصطفى وقد رصت رجالً هرماً مق ّوس الظهر :إذن غدا ً سوف تقرأ
عقد الزواج.
___________________________ ( )103رضا أمري خاين ،أناه ،ص.113
أريد أن أرى ما هو عميل يف معامل طابوق جدي؟ أنت؟ أنت السيد الصغري ،أنت اآلمر الناهي هنا ،كل العامل يعملون وفقاً ألوامرك( ).من هنا نجد أن ما تم ذكره آنفاً ،يدلنا عىل الوضع اإلجتامعي امليسور الذي تعيشه الشخصية. - 3الهوية األخالقية: نلحظ جملة من القيم األخالقية التي تتشبث بها الشخصية الرئيسية كونها تنتمي إىل أصول عريقة (عائلة حاج القصة ،فالوفاء فتاح املحبوبة عند الجميع) ،هذه القيم تتبدى من خالل تعاطيها مع الشخصيات األخرى يف ّ واإلخالص واملحبة والتواضع والكرم من القيم األخالقية التي تتحىل بها. تقول الشخصية عندما رفضت والدتها صداقتها مع كريم ،ألنها تع ّده أدىن طبقة من مستواها اإلجتامعي" .ق ّربت األم فمها من أذن عيل بنحو ال يسمح السكندر (والد كريم) أن يسمع صوتها " :وقلت لك مرارا ً عليك أن تكف
عن معارشة أبناء الحفرة"( ). وقد بانت عالمات الوفاء واملحبة والتواضع عند الشخصية من خالل مواقف ع ّدة نذكر منها ،تقول الشخصية الرئيسية " :لقد طار صديقي ،رصت طاردا ً ألصدقايئ ،مستحيل يا عيل أن تطرد األصدقاء ،وأن تصدر مثل أفعال كهذه ،حاشا للنبيل أن تصدر منه افعال تتناىف مع قيم املعارشة ...ولكن بالله عليك يا جدي ال تقل شيئاً ألمي عام حصل يل مع كريم"( ). ويف موضع آخر ،نجد الشخصية الرئيسية ،تعمل جاهدة للحفاظ عىل صداقتها مهام كلّف الثمن ،فمحبتها لصديقها يفوق الخيال وما من سبب يلغيها .تقول الشخصية الرئيسية " :داعبت بيدي شعره املبلل الذي كان يفوح برائحة نتنة ،كنت أقشع ّر من رائحته العفنة .لكنني كنت أستمتع بالصداقة التي تجمعني وإياه ،وحتى
وإن كانت تفوح
___________________________ ( )100م .ن ،ص. 140. ( )101رضا أمري خاين ،أناه ،ص.13 ( )102م .ن ،ص.12
ب – هوية الشخصية األساسية (مهتاب) إن الشخصية األساسية (مهتاب) ق ّدمها الكاتب بصورة واقعية يف روايته (أنا ُه) وكذلك الشخصيات الرئيسية والثانوية والخلفية ،فقد جعلها ذات هوية متكاملة ،ساعدته عىل تأدية رؤيته إىل العامل من حوله إىل العرص الذي كان يتعايش فيه (عرص ظلم الشاه وبطشه عىل وجه الخصوص) .ويجب أن نتم ّعن بجملة السامت التي متيزت بها الشخصية األساسية (مهتاب). - 1الهوية النفسية للشخصية الرئيسية: لقد أجاد الكاتب يف إسباغ السامت النفسية عىل الشخصية الرئيسية (مهتاب) ،فهي فتاة جميلة تتمتع بإحساس مرهف ورقة يف تعاملها ،فنانة موهوب ٌة لطيفة ومهذبة. عاشت مع عائلتها الفقرية التي تخدم عائلة الحاج فتاح ،تعلمت وبرعت يف الرسم وسافرت مع مريم حفيدة الحاج فتاح إىل باريس وهناك رسمت أجمل لوحاتها. فعندما كانت تتذكر أخاها كريم الذي تويف ،كانت تبيك بكا ًء شديدا ً تقول الشخصية الرئيسية" :تذكره بالخرب ،آه
أين أنت يا كريم" ..كنت ارغب أن أجهش بالبكاء ...نفس اليشء فعلته مهتاب أيضاً ...ثم نظرت إىل وجهي ووجه مهتاب املبللني بالدموع وقالت مل أ َر بكا ًء قبل بكائكام ..باملالحم التي تنتظركام يف سن الشيخوخة إذن( ). ويف موضع آخر ،نرى كيف أن الكاتب قد وصف مهتاب وترصفاتها الخجولة يف عيون عيل واآلخرين ،تقول
الشخصية الرئيسية" :أما مهتاب فقد وقفت إىل جوار الغرفة بشعرها البني الشبيه مبياه شالل صاف ،بزهرتني تتفتحان كلام ارتسمت البسمة عىل محياها ،وحينام كانت تضحك ،كانت رائحة الورد الجوري تفوح يف ارجاء البيت
___________________________ ( )107رضا أمري خاين ،أناه ،ص.64 – 63
ما إن غادر الدرويش بيتنا ،حتى أرسعت يف إبالغ مهتاب بالخرب"( ). كانت امرأة هرمة حينذاك ،إال أن ذلك مل يجعل مدى فرحتها بالخرب أقل من فتاة يف العرشين من العمر يخربونها بعقد زواجها مع فارس أحالمها .قالت :إذن ،لقد استسلمت لألمر الواقع بعد عناء دام خمسني عاماً وقالت إن مل أوافق ،فامذا تفعل؟ وقلت " :لقد صربت نصف قرن ومستعد أن أصرب نصف قرن آخر ضحكنا وجعلنا صباح اليوم القادم ضحكت ُ ُ موعدا ً لنا"( ). عىل ما يبدو أن الفرحة قد غمرت قل َبي الشخصية ومهتاب ،ألن هذا ما كانا ينتظرانه منذ الطفولة وعمال عىل
تحل الشخصية بالشجاعة جعلته يتأخر إىل هذا الوقت. تحقيقه ،إال أن عدم ّ
السنني والصرب الطويل جاء ما كان يتمنيانه ،إال هذا الحلم مل يَر النور ومل يجعل الشخصية تشعر وبعد هذه ّ بالفرح ،فقد فقدت الشخصية حبيبة عمرها ،ورأتها مردية شهيدة .تقول الشخصية الرئيسية " :حسب املوعد اتجهت صباح اليوم التايل إىل شقة مريم ومهتاب ،كنت مطمئناً أن الدرويش مصطفى سيأيت أيضاً يف املوعد املقرر، أتذكره منذ العام 1937أي منذ حوايل خمسني عاماً ،تذكرت ايضاً ذلك اليوم ...لكن كيف ميكن أن يصف اإلنسان رائحة لحم الشواء ،لكائن إنساين ،مهام كان دقيقاً يف الوصف فإن فجاعة املوضوع ومأساويتها سوف تغلب الوصف ،ال أعرف ملاذا كنت أشم رائحة لحم مشوي حينام دخلت البناية التي تقع فيها شقة مريم ومهتاب. وقد فهمت تفسري شاهدة غري املوضوعة عىل صدري ،ويف قلب من واالها متربها "...طوال حيايت كانت مهتاب فعف ثم مات ،مات شهيدا ً"( ). عاشقة حقيقية وامرأة عفيفة رشيفة و ...من عشق َّ
___________________________ ( )104رضا أمري خاين ،أناه ،ص.345 – 344 ( )105رضا أمري خاين ،أناه ،ص. 345 ( )106رضا امري خاين ،أناه ،ص.346 – 345
- 2الهوية االجتامعية: تظهر (مهتاب) يف رواية (أنا ُه) فقرية ،تعيش وعائلتها مع ابناء أهل الحفرة ورغم ذلك ال تشعر بالخجل من أمر عمل والديها اللذين يعمالن يف خدمة الحاج فتاح وعائلته ،عىل الرغم من أن الجميع وخصوصاً والدة عيل ،كانت متنع عيل من مرافقة كريم (شقيق مهتاب) وكانت ترفض الزواج من مهتاب ،ألنها تنتمي إىل طبقة اجتامعية فقرية ،وقد ذكرت مهتاب عيل بهذا الحديث عندما كانا يجتمعان يف قهوة برنرين باريس ،تقول الشخصية الرئيسية" :هل ما زالت الوالدة تخالف( ). وأما عدم خجلها من أنها من هذه العائلة (عائلة اسكندر) فقد ظهر عندما طلبت مريم أن تعرف عن اسمها يف حصة الرسم تقول الشخصية الرئيسية " :قامت الطالبات بتقديم أنفسهن واحدة تلو األخرى ،ثم وصل الدور إىل الطالبة اللبقة الجذابة ذات الشعر البني الجميل ،نهضت من مكانها ...وبصوت لطيف قالت :أنا مهتاب ،بنت اسكندر ،أمي تعمل... قطعت مريم كالم مهتاب ،مل ترغب أن تعرف الطالبات شيئاً أكرث .ومعلوم أن ذلك مل يكن مهامً ملهتاب( ). - 3الهوية األخالقية: نلحظ من القيم األخالقية التي قد حملتها الشخصية الرئيسية (مهتاب) منها الوفاء ،فقد ظلت وفية لحبها الوحيد (عيل) ،ومنتظرة إياه ليطلب الزواج منها ،فقد هرمت وكربت ورغم جاملها اآلخاذ واملشهود له يف حنايا هذه الرواية ،إال أنها بقيت تحب عل ّياً ليطلب يدها ،لدرجة أنها عندما سمعت منه ذلك وهي قد أصبحت كبرية يف السن فقد فرحت وكأنها يف سن العرشين من العمر.
___________________________ ( )111رضا أمري خاين ،أناه ،ص62 ( )112م .ن ،ص44
وتطغى عىل رائحة ماء الحوض اآلسن ...كانت مهتاب تنظر هي األخرى إىل طريقة أخيها ،قدم لها عيل مقدارا ً من حصته لكنها رفضت ودخلت الغرفة ،لحس كريم يده ومسحها برسواله.) ( ".. تحب ترصف أخيها أثناء تناول طعامه .وهي الفتاة التي مل يصفها الكاتب إالَّ من هنا ،نرى أن (مهتاب) خجولة ،ال ّ حينام تبتسم وكأنها خلقت يف هذه الرواية إال للحديث عنها وعن جاملها وابتسامتها .تقول الشخصية الرئيسية" :
نهضت الطفلة الجميلة من مقعدها ،فتحت شفتيها الشبيهتني بربعمني وبابتسامة أضاءت غرفة الصف وبصوت لطيف قالت :أنا مهتاب ،بنت اسكندر ،أمي تعمل ...قطعت مريم كالم مهتاب ...ومعلوم أن ذلك مل يكن مهامً ملهتاب ...قفزت من مكانها وضمت مهتاب إىل صدرها ...ابتسمت مهتاب ،فيام كانت مريم مبهورة بجاملها"( ). نجد أن مهتاب ،تتمتع بنفسية متواضعة ال تخجل من عمل والديها وقد كانت ترصفاتها تنطبق عىل ما ترى فيه نفسها من مميزات وقد ظهرت جرأتها يف اماكن معينة وخصوصاً يف األمر الذي يتعلق بعالقتها مع عيل ،تقول الشخصية الرئيسية أثناء قراءتها الفال يف فنجان القهوة الذي ارتشف منه" :عانيت صحن الفنجان بدقة لتتأكد من نظافته ،ثم قلبت الصحن ووضعته عىل فوهة الفنجان ...قالت :من هذا الفنجان ،ارتشف شخص ما القهوة وهو شخص محبوب جدا ً ،كال ،إمنا رشب شخصان القهوة من الفنجان ...إنهام شخصان ،كال ،شخص واحد ،لكن مل هام اآلن بعيدان ...وهل سيلزم قراءة سطرين باللغة العربية كل هذا العناء ،هل صعب أن يقال قبلت ،ال أعرف يا سيد عيل الحاج فتاح مل أنت عىل هذا النحو ...ق ّربت مهتاب الفنجان مني يك آخذه منها ..سحبت يدي يك ال ال
ضحكت ونظرتُ إليها ،لكنها مل تضحك ..قالت :إن كان الحياء هو ما يعيقك ،نالحظ تالمس يدها فسقط الفنجان.. ُ هنا يعرفك فلامذا؟ ال أعلم ما زلت تختلق األعذار. ال أعلم هل ما زالت الوالدة تخالف؟ رحمها الله. مم تشعر بالخجل؟ هنا لوحدنا ،ال أحد يرانا"( ).___________________________ ( )108م.ن ،ص.21 ( )109رضا أمري خاين ،أناه ،ص44 ()110رضا أمري خاين ،أناه ،ص62 - 61
ج -هوية الشخصية األساسية الثانية (مريم) - 1الهوية النفسية: يف هذه الرواية (أنا ُه) نجد أن الشخصية الرئيسية متتلك جملة من السامت النفسية التي أجاد الكاتب إسباغها عليها فالشخصية الرئيسية فتاة محافظة متزنة ،تربت تربية اسالمية صالحة ،محجبة يف ظل حكم الشاه الجائر، رصف ع ّزيت ،الرشطي املوكل بخلع تحملت األذية من أجل الحفاظ عىل حجابها ،وهذا ما جعلها يائسة بائسة من ت ّ
حجاب كل امرأة تضع الخامر عىل رأسها.
تقول الشخصية الرئيسية " :حتى عرص ذلك اليوم جلست مريم جنب أمي وهي تبيك بحرقة ودون انقطاع"( ). ولكن وسم ٌة أخرى متلكت الشخصية الرئيسية (مريم) ،بعدما طلبت من أخيها املوافقة عىل زواجها من أيب راصف تقول الشخصية الرئيسية " :وها أنا أقول بكل جدية أنت يف حكم ويل أمري فأنت رجل ،حتى وإن كنت تصغرين يف السن ...إن رضاك رضوري يا أخي ...أختي هي التي اختارت كل يشء واآلن قد تهيأت األمور كلها وفق إرادتها جاء دور األخ وموافقته .ضحكت مريم وقالت :كم أحب هذا األخ الذي يتفهم األمور برسعة ودون تعقيد ...أردت أن اقول لها ما الذي أعجبها يف هذا الرجل بحيث تترصف وكأنها فتاة يف الرابعة عرشة من العمر كلام ذكرته تكاد تطري شوقاً إليه إن جاء ذكره تذوب ح ّباً فيه"( ).
- 2الهوية االجتامعية:
لقد أشار الكاتب إىل غري جانب ،الغنى والحياة املرهفة التي كانت تعيشها الشخصية (مريم) ،فهي حفيدة الحاج فتاح ذلك الرجل املحرتم صاحب األمالك ،فعاشت معززة مك ّرمة ،فكانت تبذر عىل صديقاتها وتأخذ املال من
صندوق وضعه الجد عند الحاجة .تقول الشخصية الرئيسة" :أنا بنت السيد درياين قال يل والدي أنك اشرتيت
لجميع زميالتك يف الصف مصاصات حلوى"( ).
___________________________ ( )115رضا أمري خاين ،أناه ،ص252 ( )116رضا أمري خاين ،أناه ،م .ن ،ص292 ( )117م.ن ،ص44
تقول الشخصية الرئيسية " :ما أن غادر الدرويش بيتنا ،حتى أرسعت يف إبالغ مهتاب بالخرب ،كانت امرأة هرمة حينذاك إال أن ذلك مل يجعل مدى فرحتها بالخرب اقل من فتاة من العرشين من العمر يخربونها بعقد زواجها مع فارس أحالمها قالت :لقد استسلمت لألمر الواقع بعد عناد دام خمسني عاماً( ). من هنا نجد أن الشخصية قد خففت عن نفسها عناء هذا اإلنتظار الطويل ،ألنها تعرف كل املعرفة مبحبة (عيل) لها ولذلك صربت عىل م ّر االنتظار من باب الوفاء ،لتصل إىل ما كانت تصبو إليه وتتم ّناه.
- 4آلية الرصاع وتحقق الذات:
لقد عاشت الشخصية الرئيسية رصاعاً حول كيفية حصول الزواج من (عيل) وطلب يدها ،وبعد رحلة طويلة سبح حب مل ي َر النور ،بقيت الشخصية منتظرة خمسني عاماً حتى تق ّرر لحظة البداية، فيها الزمن ّ متكسا ً عىل أهداب ٍّ فإذا بها نهاية مأسويه ،فقد توفيت الشخصية الرئيسية الثانية (مهتاب) ومل تستطع أن تستمتع بخرب زواجها
وبذلك مل تحقق ذاتها وحلمها الوحيد. تقول الشخصية الرئيسية " :فلريحم الله مريم ومهتاب ،ذهبتا ضحية قصف صاروخي عام .) ("1987وهكذا فإن الحرب اإليرانية – العراقية ،قد قضت عىل مهتاب وأحالمها مع عيل ،بفعل صاروخ استهدف البيت كانت قد عادت لتوها من باريس ،وكأن هذا الصاروخ استهدف قلبها وقلب عيل ،فلم تحقق ذاتها وبالتايل عيل مبوتها قد فقد قيمة كل يشء من حوله وظلت إيران (املكان) الوحيد الذي ع ّده األعىل وجودا ً بالنسبة إليه. ومن هنا نجد أن آلية الرصاع معنوية روحية والحرب واملوت وقفا يف وجه تحقيق الذات للحؤول من تحقيق ذلك.
___________________________ ( )113رضا أمري خاين ،أناه ،ص345 - 344 ( )114رضا أمري خاين ،أناه ،ص305
- 4الهوية الثقافية: امتازت الشخصية الرئيسية (مريم) بتفوقها عىل تالميذ صفها ،بذكائها وفطنتها تقول الشخصية الرئيسية " :ملريم ذكا ٌء خارق وهي قادرة أن تسرتد خالل اسبوعني ما فات منها بسبب انقطاعها عن املدرسة يف هذه الفرتة"( ). وعندما سافرت إىل باريس أكملت دراستها يف الفن التشكييل واصبحت فنانة معروفة ،تبيع لوحاتها .تقول
الشخصية الرئيسية " :لذا تعاملت مع املكان الجديد وكأنه بيتها ليس الرسم هو فقط ما تعلمته هناك( ). - 5آلية الرصاع وتحقيق الذات: لقد حققت الشخصية الرئيسية ما سعت إليه إثر ما تعرضت له من الرشطي عزيت .فقد تركت املدرسة وسافرت وحققت ذاتها وأحالمها وتزوجت من أيب راصف.
___________________________ ( )122م .ن ،ص284 ( )123م.ن ،ص291
كربت مريم وسافرت إىل باريس بدعم من ج ّدها من مبدأ بالد الغرب اصبحت أكرث أمناً من إيران يف ظل حكم الشاه ،وهناك تزوجت مريم أيب راصف بعد أن أخذت املوافقة من أخيها (عيل). تقول الشخصية الرئيسية" :اليوم بالدنا أكرث كفرا ً من بالد الغرب ،فهناك مثة عىل األقل فسحة للحرية الشخصية ويستطيع املرء أن يختار بنفسه نوع املالبس التي يرغب أن يرتديها ،وأن يختار طريقة الحياة التي يرتئيها .أما هنا فكل يشء يتم بالقوة واإلرغام ،عىل املرء أن يعيش هنا وفق ما يرسمه له اآلخرون"( ). ويف موضع آخر ،تبني لنا كيف أن مريم قد تزوجت واختارت الزوج املثايل لتكمل حياتها معه تقول الشخصية الرئيسية" :استقرت مريم هناك وتطبعت عىل املكان ،صارت جزءا ً منه ،ليس من أجل زوجها ذلك الرجل الجزائري الطويل القامة.) ( "... - 3الهوية األخالقية: نلحظ جملة من القيم األخالقية التي تتعلق بالشخصية الرئيسية ،هذه القيم تظهر وتتبدى من خاللها تعاطيها مع الشخصيات األخرى يف الرواية .ونجد اللطف والعطف والحنان من القيم األخالقية التي تتحىل بها. تقول الشخصية الرئيسية" :يا مريم ،رمبا وقعت عقدا ً مع درياين الرتيك؟ أو عشقته؟ أوالً أرجوكن الحفاظ عىل الوقار حيثام تكن يف الشارع ال بد من رعاية اآلداب"( ). فكانت تالطف تالميذها يف حديثها ،وتراعي شعورهم تقول الشخصية الرئيسية" :قامت الطالبات بتقديم أنفسهن واحدة تلو األخرى ...وبصوت لطيف قالت " :أنا مهتاب بنت اسكندر ،أمي تعمل ...قطعت مريم كالم مهتاب ،مل ترغب أن تعرف الطالبات شيئاً عنها ،ومعلوم أن ذلك مل يكن مهامً ملهتاب ...ابتسمت مهتاب فيام كانت مريم مبهورة بجاملها ضمتها م ّرة أخرى عىل صدرها"( ).
___________________________ ( )118رضا أمري خاين ،أناه ، ،ص216 ( )119م .ن ،ص291 ( )120م.ن ،ص46 ( )121رضا أمري خاين ،أناه ، ،ص44
ويف نهاية دراستي تبني لنا أن (رضا أمري خاين) انزاح عن النمط التقليدي للروايات الكالسيكية التي كانتتتضمن رواياً واحدا ً ،يقوم برسد األحداث ،وأخذ مييل لجعل ع ّدة رواة تتناوب عىل رسد األحداث ،وأن هذا النهج الذي اتبعه ال يع ّد مثلام يسجل عليه ،ألن الرسد عامل موحد خاص ،تتن ّو ع وتتع ّدد يف داخله اللغات واألساليب واألشخاص واألزمنة واألمكنة كام أن إضافة املتلقي واملؤلف إىل الرواية جعل (رضا أمري خاين) ميتاز عن باقي
الروائيني بإدخال أسلوب حدايث جديد ،وهذا ما يؤكد انغامس (خاين) يف الحداثة والتجريب. لقد توصلت الدراسة إىل توصيات. فهنا إمكانية دراسة إشكالية الزمان واملكان يف رواية (خاين) وإمكانية دراسة اإلنزياح يف روايته ،وكذلك احتاملية درس التناص فيها ،وأثر الفكر العريب والغريب يف عمله الروايئ ،واإلتجاه النفيس وغريها. وهذا ما يؤرش إىل أن عمل (خاين) عامل رحب يجعل الدارس أمام خيارات متع ّددة لدراسة أي جانب يريده. وإنني ألعدكم بأنني سأقوم بهذه الدراسة يف املستقبل القريب ،لتكون دراسة كاملة وواقعية ،يستفيد منها كل من يحب أن يغوص يف تفكري الروايئ ويريد الغرف من أعامله( .خاين) قد أفاد من تصور بعض النقاد يف بناء منهج حدايث جديد مؤكدا ً أن (رضا خاين) كان يسري عىل خطى (جيمس جويس) وبعض نقاد الغرب الذين انزاحوا عن واحد وضمري ٍ املنهج التقليدي الذي يلزم الروايئ براو ٍ يستحق مزيدا ً من املغامرة والبحث واحد يف روايته وهو را ٍو ُّ من جوانب عديدة من عمله.
خامتة الفصل: لقد تناولت هذه الدراسة موضوع بناء الشخصية يف رواية رضا أمري خاين تحت عنوان (أنا ُه) هادفة إىل الكشف عن ماهية الشخصية يف روايته ،وطرق تقديم الشخصية ،وأضاف الشخصيات عنده سواء أكانت رئيسية أم ثانوية أم نامية ،من خالل إحصاء الشخصيات وتصنيفها ونظام العالقات التي تربط بني هذه الشخصيات من ناحية برنامجها الرسدي (العامل الذات /العامل املوضوع /العامل املرسل /والعامل املرسل إليه /العامل املساعد والعامل املناويء) وكذلك هوية هذه الشخصيات الرئيسية واألساسية من الناحية (النفسية ،األخالقية ،الثقافية واإلجتامعية). عىل أن يُختم كل برنامج بآلية الرصاع وتحقيق الذات .ومن خالل هذا العرض أمكن الخروج ببعض النتائج أهمها: لقد ق ّدم الكاتب الشخصية بشكلها املبارش ،ولو كان هذا السلوب هو أسلوب (رضا أمري خاين) والرئييس يف أغلبالرواية ،وإن هذا النمط جعل القاريء مشاركاً يف الرواية ،تسنى له تحديد املاهية الحقيقية للشخصية ،واألسامء التي وردت يف هذه الرواية محملة بالدالالت ،فالشخصية عنده تح ّولت إىل صناعة قويّة جديدة ،وهذا ما جعل
اإلسم يف روايته قادرا ً عىل حمل دالالت فنية كثرية (مهتاب /القمر ،موىس القصاب /القوي ،الحاج فتاح /الكريم املحرتم)... جل أصناف الشخصيات قد عملت عىل تصوير الواقع املعاش يف دراستي لتصنيف الشخصيات ،خلصت إىل أن ّآنذاك يف ظل حكم الشاه ،وهو واقع مرير مشهود له بالقمع والبطش واالنهيار من قبل الشاه الديكتاتوري ،وقد اصبحت باريس مالذا ً لإلسالميني ،هرباً من حكمه ومن يتصور باريس اصبحت أكرث أمناً وحريّة للذين يضعون الحجاب اإلسالمي. ومن خالل دراستي للشخصيتني الرئيسيتني اللتني تصدرتا أحداث هذه الرواية ،تبني يل أن آلية الرصاع كانتواحدة (الزواج) وكذلك النتيجة كانت واحدة ،فلم يستطعا تحقيقها وبالتايل تحقيق ذاتهام ،فالشخصية الرئيسية (عيل) ظل وحيدا ً يصارع الحزن ومهتاب الشخصية الرئيسية األساسية االوىل توفيت من دون تحقيق أملها وأما الشخصية األساسية الثانية قد عملت عىل تحقيق ذاتها ونجحت.
-2العامل املوضوع31..............................................................................................................................: -3العامل املرسل32.................................................................................................................................: -4العامل املرسل إليه33..........................................................................................................................: -5العامل املساعد34...............................................................................................................................: -6العامل املناويء36...............................................................................................................................: -3نظام العالقات بني الشخصيات38..........................................................................................................: -1العامل الذات :مريم38......................................................................................................................... -2العامل املوضوع38..............................................................................................................................: -3العامل املرسل40.................................................................................................................................: -4العامل املرسل إليه40..........................................................................................................................: -5العامل املساعد41...............................................................................................................................: -6العامل املناويء42..............................................................................................................................: أ -هوية الشخصية الرئيسية43................................................................................................................: -1الهوية النفسية للشخصية الرئيسية43..................................................................................................: -2الهوية االجتامعية44..........................................................................................................................: -3الهوية األخالقية46............................................................................................................................: -4آلية الرصاع وتحقق الذات47..............................................................................................................: ب – هوية الشخصية األساسية (مهتاب)50............................................................................................... -1الهوية النفسية للشخصية الرئيسية50..................................................................................................: -2الهوية االجتامعية53..........................................................................................................................: -3الهوية األخالقية53............................................................................................................................: -4آلية الرصاع وتحقق الذات54..............................................................................................................: ج -هوية الشخصية األساسية الثانية (مريم)56..........................................................................................
الفهرس مقدمة1.............................................................................................................................................. : جهاد نظري3........................................................................................................................................: مفهوم الشخصية3.................................................................................................................................: اصطالحا5............................................................................................................................................: أنواع الشخصية ووظائفها7....................................................................................................................: أوالً :الشخصيات الحقيقية (الخالقة أو املبدعة)7....................................................................................... أ /املؤلف /الروايئ8................................................................................................................................: ب /املتلقي9........................................................................................................................................: ثانيا :شخصيات منتجه 11........................................................................................................................ الشخصية الرئيسة12..............................................................................................................................: الشخصية الثانوية13..............................................................................................................................: أ-عالقة الرغبة17...................................................................................................................................: ب-عالقة التواصل17..............................................................................................................................: الصاع17.................................................................................................................................: ج-عالقة ّ د-العوامل واملمثلون18..........................................................................................................................: - 1إحصاء الشخصيات وتصنيفها19........................................................................................................: - 2نظام العالقات بني الشخصيات( :الشخصية الرئيسية)20....................................................................... -1العامل الذات :عيل فتاح20................................................................................................................. -2العامل املوضوع20............................................................................................................................: -3العامل املرسل21...............................................................................................................................: -4العامل املرسل إليه :الذات /الصداقة22................................................................................................. -5العامل املساعد26.............................................................................................................................: -6العامل املناويء27.............................................................................................................................: -1العامل الذات :مهتاب التي تتمحور حولها الرواية31..............................................................................
طائرالفينيق جامل
-1الهوية النفسية56...............................................................................................................................: -2الهوية االجتامعية57...........................................................................................................................: -3الهوية األخالقية58.............................................................................................................................: -4الهوية الثقافية58..............................................................................................................................: -5آلية الرصاع وتحقيق الذات59.............................................................................................................: خامتة الفصل60............................................................................................ ........................................: الفهرس63....................................................................................... ......................................................
طائر الفينيق جامل
العالج بالبورات الكاتبة مريم باجي العالج بالبلورات أو الكريستاالت أو الحجارة الكرمية هي تنسب للطب البديل و تستخدم فيها البلورات و األحجار الكرمية قصد العالج و يسمى هذا النوع من العالج بالعالج الطاقوي أو الحيوي ،و يعتقد أنصار هذه التقنية أن الكريستاالت أو الحجارة الكرمية ليست مجرد حجر زينة بل هي تخزن طاقة و متتص طاقة و تطرح طاقة و تعمل كقنوات للشفاء ،هذه األخرية تسمح بتدفق الطاقة اإليجابية و الشفائية إىل الجسم و التخلص من الطاقة السلبية املسببة لألمراض و بعض املشاكل السلبية األخرى التي تجعل طاقة اإلنسان سلبية أو تحت الصفر. تاريخ العالج بالبلور أو الحجارة الكرمية قديم جدا و لقد عرف بكرثة عند الهندوس و لقد شهد زيادة يف شعبيته يف السنوات القليلة املاضية ،رغم هذا ستجد الكثري من األطباء و العلامء ال يؤمنون به و يعتربونه خرافة من أساطري قدمية. أما من الناحية العلمية ال يوجد دليل عىل أننا نستطيع استخدام البلورات يف عالج األمراض كام ال يوجد دليل علمي يبني أن األمراض تأيت بعد تغلغل الطاقة السلبية بالجسم. و يرد أنصار هذا املجال بالقول: أن العلم محيط و نحن مل نصل إال للبحر و ال يجب تكذيب نظرية ما هكذا ،كام يرى أنصار هذا املجال أن البلورات تعمل عمال ال يرى بالعني املجردة و هو الشفاء بالطاقة و الطاقة ال نستطيع رؤيتها ،عىل العلامء أن يكثفوا جهودهم الستظهار هذه الطاقة كام ال يجب الجزم بعدم وجود طاقة شافية ألن اآلالت التي نستعملها بحياتنا اليومية تتحرك بواسطة جزء من الطاقات املنترشة يف هذا الكون و التي مل نعرفها إال يف القرنني املاضيني و التي كانت عند الشعوب القدمية مجرد خرافات و أكاذيب ،ما دمنا نالحظ وجود نتائج إيجابية يف التشايف بواسطة هذه البلورات هناك حقيقة ثابتة و موجودة لهذا العلم و يجب توسيع بحوثنا حوله. مؤخرا و بشكل عاملي أفتتحت عدة منتجعات صحية خاصة بالتشايف بواسطة البلورات كام سجلت إقباال واسعا ، كام أن بعض رواد هذه التقنية قامو بدمجها مع تقنيات التشايف بالتدليك والرييك.
طائر الفينيق شعر
وبنى برتبة كربال ٍء كعب ًة ولصار زمزم من رضيحك ينب ُع ذبحوك بسملة ً فعدتَ مرتالً ً وبىك الفرات فأغرقته األدم ُع يهتز مه ُدك يف السامء وتنحني حزناً حواليه الجهات األرب ُع أىس وكأ َّن فاطمة ً تهدهده ً
وعىل أبيك وصحبه تتفج ُع لو كان للرحمن إب ٌن مل يكن إالك معجزة لها نترض ُع هي دوحة يف قاب قوسني ازدهت فوق السامء أصولها واألفر ُع قد أطلق الطلقاء نحوك سهمهم ٍ محمد ال يفز ُع لكن سبط َ هم جند إبليس ويف أرواحهم حقد الخوارج والسقيفة أجم ُع نحروك يف حضن الحسني وحجره عرش وأنت بظله ترتب ُع حل جسمك يف الرثى لكنه ما َّ وسط الفراديس املقام األرف ُع قد خط َّ نحرك " :ال إله " وأكملت جل املبد ُع كفاك " :إال الله " َّ أقالمنا نضبت وأنت مدادها وحروفنا انطفأت وأنت األرو ُع يطف يف مكة ٍ لوال دماؤك مل ْ
المالك الذبيح إىل سيدي وموالي عبد هللا الرضيع عليه السالم
الشاعر.حامد خضري الشمري لله أرسا ٌر بنحرك تود ُع ودماؤك األزىك شذا ً يتضو ُع جف ثغرك ظامئاً لكنام قد َّ حور الجنائن من رضابك ترض ُع يا ابن الحسني وللحسني مصائب وألنت مهجته التي تتقط ُع قد كنت مثل الوحي عند هبوطه وعىل جبينك كوكب يتشعش ُع ودما ُء مثلِك ال تسيل عىل الرثى بل مثل عيىس يف جال ٍل ترف ُع لو أنها هبطت عىل جبل ملا حمل األمانة وانربى يتصد ُع هذا هو ِ بح العظي ُم وأنه الذ ُ
حتى ألصحاب الكبائر يشف ُع حملت مالئكة السامء دماءه ونحيبها يف كل فجر يسم ُع يا توأم الحرمني حسبك رفعة ً أن الخالئق يف رحابك تخش ُع لو أن إبراهي َم أبرص ما جرى الطف املقدس يرك ُع ألىت إىل ِّ
طائر الفينيق شعر
قوم كأن البيت قفر بلق ُع وملا عال صوت األذان و ُرتلت آي وال الزكوات ظلت تدف ُع ٌ ولعاد دين الحق محض خرافة وجثا أمام الالت قوم خن َّـ ُع يح الجنائن أرشعت أبوابها ِف ُ وللثم ثغرك لهفة تتطل ُع واستقبل املأل املقدس آية
ق َب ٌس من الرحمن فيها يسط ُع وحي السامء وإمنا مل ينقطع ُ
كأس مرت ُع َ وافاك من جربيل ُ باب ِحط ّـة َ كلام ضاق املدى بل ُ جاءتك خاشعة فبابك أوس ُع واألنبياء استقبلوك مرفرفاً
نحو الجنان وعانقتك األذر ُع والله قبل وجنتيك كرامة لريى السامء ومن بها يتشي ُع مييض الزمان وال يعود ألهله إال عزاءك كل يوم يرجع قلت شيئاً فيك يا ابن محمد قد ُ فلبست تاجا بالتقى يرتص ُع// ُ
األرض واإلنسا ْن.. د َّمرنا َ إستخدمنا الفقرا َء حطباً للحروب... للسياسات الفاسد ِة.. الخاص ِة.. للآمرب ّ
للمشاريعِ املشبوه ِة.. التناقض الذي نعيشْ ه.. ما هذا ُ ما هذ ِه اإلزدواجي ُة التي تتح َّك ُم بحياتنا.؟! متى نَت َخل ُّص من وا ِقع َنا األلي ْم..
الخراب.. كل هذا كيف سنواج ُه َّ َ ْ إبق مع َنا//.. رب َ يا ُ
كُن ِدف َء السالم الكاتبة وفاء يونس رب ..كُ ْن مع َنا... يا ُّ
إحف ْظ عاَلَمنا العر َّيب املأزو ْم.. رش في ِه السال ْم.. وان ْ كُنّا عىل ٍ أرض كُلَّها مح َّب ْة.. د ّمرنَا بالكراهي ِة ك َُّل املح َّب ْة..
باسم ال ِّدي ْن.. ارتكَب َنا م َجاز َر ِ الشعوب وسحق َنا َها.. قسم َنا ّ َ وقتلنا ِ بداخ ِل َنا اإلنسا ْن.. ح َّول َنا قَم َح َك إىل حىص.. وما َء َك إىل ِد َما ْء.. دف َّنا يف َ ترابك ال َور َد..
وبعض ما تبقّى َ منك فينا.. َ تراب الوط ْن.. نحيي بدمائِ َنا َ
ونزغر ُد يف دائر ِة اال ٍمل للشهدا ْء..
تظاهرنا بالت َّديّن.. َاهب واألديَا ْن.. ك َّبلنا العقول بأفيونِ املذ ِ الفسا ُد والطُغيا ْن ع َّم َ ح َّولنا حيات َنا إىل ٍ ْ ونفاق.. غش إ َّدعينا صيان َة الح ّري ْه ث ُ َّم َغ َزونَا األحرا ْر.
إ َّدعينا الوطني َة قوالً.. طع َّنا الوط َن فعالً..
طائر الفينيق شعر
طائر الفينيق شعر
الحرب لم تبدأ بعد. الشاعرة .نهى املوسوي ِيب نَ َزل َُت ب َِل كَفَنٍ َو َل َوطَن، ِمث ُْل َغر ٍ َل أَ ْعر ُِف لِ َمذَا َر َم ْو ِن ِف اَلْ ُج ِّب ؟ !
ِ بأطراف العابرين. ِمث ُْل ٍيد َخ َذلَ ِني ِفيهِا العناق ،تعلّقْت مثل شاع ٍر نفخ املجا َز يف أودا ِج حيا ٍة عارية ُ "اتّه َمني الوط ُن برسقة الغناء" منت يف ٍ أرض عطشانة مثل رو ٍح ْ يفسه العقل. نع ْي ُت الحقيق َة الكامن َة يف ضو ٍء ال ّ الضليل مثل امللك ّ
أتلو سورة التّوبة يك ال أموت وحيدةً... كل نجا ٍة أقول: وبعد ّ الحرب مل تبدأ بعد. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ نهى املوسوي -بريوت يف 1-9-2021
طائر الفينيق شعر الشاعرة.سناء الحاموش
مريد أنا
اطوف ..احبك ابسط كفي صوب السامء وكفي االخرى نحو الرثى اردد مناجاة الهوى .. انت كيل ،تسكنني تصيين انا ّ امراة تسكن صفحات الكتاب كلام قلبتها تجدين انا ... اضحك هنا وابيك هنا امراة تسكن جفن عينيك غفوت او صحوت يف اجفانك تجدين انا تلفت تلفت كيفام شئت اىن التفت لقاء لنا تنمو يف اقدامنا دروب مشيناها وتزهر اكفنا بالف حدبقة زرعناها تلفت تلفت اينام شئت يف كل مكان أنت وأنا //
سوف أهج ُر أرضاً ليس فيها تينة مباركة كروحك الناصعة حينئذ.. سوف يأيت املوج و يرحل مكتئباً دون ملس ٍة من َ يدك و تصمت السواقي حزناً عىل فراقك سوف يتح ّو ُل النهر إىل مج ًرى لدموع حنيني حني أقوم بنزهتي أتأبط ذراع حقيبتي و أتكّئ عىل كتف الفراغ أحاور نفيس..أسألها..
كيف يغدو األقرب إليها بعيدا ً وكيف أنّنا ..بني ليل ٍة و ضحاها ثوب األمان نخلع َ ونع ّري الجس َد املنهك
الزمن الهوجا َء أما َم ريا ِح ِ من جديد…؟!
طائر الفينيق شعر
ماذا يبقى م ّني.. الشاعرة.لبنى رشارة
ماذا يبقى م ّني.. إذا فقدت أشيا َيئ الجميل َة التي أح ّبها… صوتك الدافئ الذي نبض الحياة، يوق ُظ يف قلبي َ ابتسامتك التي "تحيي العظام وهي رميم" نظراتك الغزيرة كمطر نيسان تنبت ال ُح ّب من جديد ماذا يبقى م ّني ؟ حقائب أحالمي و ارتحلت إن جمعت َ إىل أرض النسيان يك أبذ َر ُح ّباً جديدا ِ الصيف و أنتظر مط َر يهطل املط ُر فال ُ سنابل ُخرضا َ تنبت أريض وال ُ و ال تيناً وال عنباً ٍ حينئذ .. ُ تشتاق روحي ملُدامك سوف تثملها بنظرة..
طائر الفينيق شعر
نبض الوتين الشاعرة .زينية الجوهري شاحت بوجهها هنيهة عن قلب هام إليها… ثم تعمدت النظر بعينيها!!! وساد الصمت؟؟؟ فسالما"عىل صمت بداخله مدن من الكالم وسالما" لقلوب تحمل عشقا"ودفأ"ودالل وسالما"عىل أحرف مل تقال لكنها أبلغ مام يقال يا أرجوحة الهوى احمليني فوق موجات قلب ضعيني ألتحسس نبض ذلك الوتني ترى هل سيضخ بالشوق وتعلو الحرارة جبيني؟ فيا عطور الزهر ضميني ألشتم عطرك لعله يحيني فقلبي يحمل حب الدنيا ورشيان املحبة يضنيني//
طائر الفينيق اقتصاد
والرياضة-النوادي الرياضية -املسابح-مرافئ استجامم خاصة (مارينا) مرايس لليخوت والقوارب-الحاممات البحريه والشاليهات ،كذلك اإلنشاءات املخصصة للخدمات الرتبوية والدينية والصحية والرياضية مبا فيها قاعات اإلحتفاالت واملدارس وقاعات اإلجتامعات واملكتبات العامة واملتاحف واملعارض الفنية. منطقة "أليسار" تعترب إمتدادا ً طبيعياً وجغرافياً وصحياً ملدينة بريوت وعالقتها العضوية بالضاحية الجنوبية ،اىل جانب عدم وضوح التملك العقاري يف "الضاحية" ،يكاد يقترص عىل منطقة مساحتها 5ماليني مرت مربع ،مام يجعل املساحات الخرضاء قليلة جدا ً يف املخطط التوجيهي لحساب اإلستثامرات الخاصة .يف حني نجد أنه ليس من مكان ألهايل هذه املنطقة ضمن هذا املخطط التوجيهي،الذي سيغري يف حال تنفيذه معامل املنطقة بصورة جذرية. 1-3أهمية املوقع الجغرايف ملنطقة "أليسار" تقع منطقة مرشوع "أليسار" عىل األطراف الجنوبية ملدينة بريوت ،ومتتد عىل طول مداخلها الثالثة :طريق املطار، طريق الجناح – السفارة الكويتية – الكوال ،والطريق الساحلية حتى حدود مطار بريوت الدويل. تتألف حدودها من البحر املتوسط غرباً ،طريق املطار رشقاً ،مطار بريوت الدويل جنوباً ،وشارع "عدنان الحكيم" – جهة بريوت املدينة -شامالً .طولها ثالثة كيلومرتات تقريباً – من الجنوب إىل الشامل – وعرضها الوسطييرتاوح بني 2,40 1,30-كلم ،فتكون مساحتها اإلجاملية 560هكتارا ً ،سيضاف إليها 25هكتارا ً من املساحة املردومة عىل الشاطئ قرب املدرج الغريب املستحدث ملطار بريوت. تشمل منطقة مرشوع "أليسار" كال من مناطق األوزاعي ،الرمل العايل ،حرش القتيل ،الجناح وصربا .من هذه املساحة هناك 230هكتارا ً من األرايض املستثناة من التخطيط (هناك 34هكتارا ً من األرايض املستثناة تعترب شاغرة) ،كذلك استثنيت املناطق املرتبة ،ومرافق العبادة واملؤسسات اإلجتامعية العامة( ). وهذا ويساهم إنحدار األرض بإتجاه الغرب يف قسم كبري من املوقع بتميز املناطق الداخلية منها بأطاللة دامئة عىل البحر مام يعطيها جاذبية خاصة ومميزة. أما الطرقات الرئيسية الثالث يف منطقة مرشوع "أليسار" فتتكامل مع مدخل بريوت الجنويب الوحيد – خلدة األوزاعي -لتستوعب كل الحركة من الجنوب بإتجاه بريوت وبالعكس ،وهذا ما أعطى هذه املنطقة ديناميكية إقتصادية ،تجلت باكرا ً منذ الستينات ،وما زالت يف كل الخطط اإلسرتاتيجية واإلمنائية للعاصمة .أضف إىل ذلك أهمية طريق املطار الذي يربط العاصمة مبطارها الدويل والذي عىل إمتداده ترتسم الصورة األوىل لبريوت أمام الزائر األجنبي .كام أن املدينة الرياضية سيكون لها تأثري نوعي عىل الحركة العقارية يف محيطها. _______________________ - 3تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت،دراسة دار الهندسة.2004 ،
طائر الفينيق
اقتصاد
مشروع "أليسار" لترتيب وتنظيم وضع الضاحية
الجنوبية الغربية لبيروت د .عامد هاشم
تعود نشأة مرشوع "أليسار" إىل أوىل حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري عام ،1992حني طُرحت آنذاك فكرة إنشاء رشكة عقارية ملنطقة االوزاعي أسوة بالرشكة العقارية يف "سوليدير" .لكن بعد معارضة األهايل والقوى السياسية التي متثلهم إلنشاء رشكة عقارية شبيهة برشكة سوليدير يف وسط بريوت عىل أرض مساحتها أكرب بثالثة أضعاف مساحة "سوليدير" ،أُنشأت املؤسسة العامة لرتتيب منطقة الضاحية الجنوبية الغربية ملدينة بريوت – أليسار مبوجب املرسوم رقم 9043تاريخ ،30/8/1996وهي تتمتع بالشخصية املعنوية واإلستقالل املايل واالداري وتهدف املؤسسة اىل ترتيب منطقة الضاحية الجنوبية الغربية ملدينة بريوت ،وترتبط املؤسسة برئيس مجلس الوزراء الذي ميارس الوصاية اإلدارية عليها ،وقد ضمنت حق الساكنني بالبقاء ،سكناً وعمالً ،عرب تأمني البديل السكني والحريف. هذه املؤسسة تقوم بإستمالك مؤقت للعقارات التي تقع ضمن نطاقها (الغبريي ،األوزاعي) ،وتعمل عىل بناء مساكن بديلة ألحزمة الفقر املوجودة فعلياً يف جزء من األوزاعيوالجناح وحرش القتيل ،ضمن مخطط توجيهي كامل يتضمن إنشاء حدائق وممرات اوتوسرتادات وبنية تحتية حديثة ،وتستغل ما تبقى من أرايض يف إسرتداد التكاليف التي ستدفع (كام كان مخططاً) يف املباين السكنية البديلة لهؤالء السكان ،أي أن آلية عمل "أليسار" مبنية عىل قاعدة البديل السكني للقاطنني الذين يسكنون ضمن نطاقها( ). تتوزع التجمعات السكنية التي ترتكز يف نطاق عمل "أليسار" عىل ستة مواقع أساسية هي :املرامل ،األوزارعي ،الرمل العايل ،ويف الغبريي :حرش القتيل ،صربا وحي الزهراء .يبلغ مجمل عدد الوحدات السكنية 10120مسكناً ،معظم من يقطنها هم من ذوي الدخل املتدين واملحدود وضمن مناطق التعديات عىل أمالك الغري ،وتبلغ املساحة اإلجاملية لهذه املجمعات نحو 502000مرت مربع( ). ومن خالل مراجعة التصميم التوجيهي يتضح أن هذه املنطقة معدة لتكون مركزا ً سياحياً وتجارياً وإمتدادا ً جغرافياً قسم هذا املرسوم هذه املنطقة إىل عدة أجزاء ملناطق عني املريسة والروشة وبوابة لبنان املنفتحة عىل مطاره الدويل .وقد َّ تنظيمية وحدد يف كل منطقة وجهة إستعاملها واألبنية التي ستقام عىل أرضها ،والتي ميكن إختصارها باملباين املخصصة للسكن ،املباين املخصصة لإلستعامالت التجارية وصاالت العرض واملكاتب مبا فيها املكاتب الحكومية واملهنية ،إضاف ًة إىل الخدمات املالية والخدمات املرصفية والتأمني ،اإلستعامالت الرتفيهية مبا فيها قاعات السينام واملسارح والبولينغ والفنادق والشقق املفروشة -املوتيالت واملطاعم واملقاهي والبارات وقاعات الرقص والنوادي الليلية إضافة إىل أماكن االستجامم _______________________ - 1مصادر مؤسسة "أليسار". - 2تقرير غري منشور أعدته رشكة "أليسار" عام .2005
2-3املشاريع البديلة مل تبادر "أليسار" إىل تنفيذ ما كان مخططاً من أبنية بديلة ،وبعد سنة ،2000طرح الرئيس رفيق الحريري مرشوعاً جديدا ً يقوم عىل إستبدال فكرة "أليسار" التي تتطلب امواالً طائلة ،بفكرة أخرى ،منشأها قرض كويتي بقيمة 150مليون دوالر ،تم تخصيصه ملنطقة األوزاعي ،يرصف منه 120مليون دوالر إلنشاء بنية تحتية وإعادة ترتيب املنطقة مبخطط توجيهي يجعلها صالحة للتنمية الذاتية من خالل املشاريع الخاصة الحقاً ،ويف الوقت نفسه ،يتم توسيع الشارع الرئييس وبناء جرس للمنطقة.حيث اعرتض األهايل لخشيتهم من أن تكون هذه الفتحة سبباً إلهامل األوزاعي بالكامل ،حيث تسارعت األحداث بشكل دراماتييك أدى إىل إقفال امللف. يف ربيع عام ،2006عاد مرشوع "أليسار" إىل طاولة املفاوضات من جديد حيث اقرتح تحويل "أليسار" من مؤسسة عامة إىل رشكة عقارية ،وهي صيغة ستؤدي إىل تغيري يف جوهر املرشوع من الخرائط إىل الجهات املمولة إىل طريقة التعامل مع املقيمني. وكان قد سبق يف أيار من العام ،2004أن أرسل رئيس الحكومة حينئذ الرئيس رفيق الحريري ،بوصفه ممثالً لسلطة الوصاية عىل املرشوع ،اقرتاحات إىل مجلس إدارة "أليسار" لتعديله ،بعدما أوكل التعديل اىل دار الهندسة، وسقط التعديل يف مجلس ادارة "أليسار" ،بعد اعرتاض "حزب الله" عىل التعديالت املقرتحة. وقد تبني من خالل الدراسات التي أعدتها دار الهندسة أنه مل يعد لجرس االوزاعي من وجود ،كام تم إلغاء املجمعات السكنية يف املرامل وحرش القتيل وصربا وشاتيال وقرب نادي الغولف ،وهي تشكل بديالً للمساكن يف الجناح واألوزاعي واملرامل وحرش القتيل وصربا ،ويبلغ عددها 13912مسكناً مبوجب اإلحصاءات التي قامت بها "أليسار" إضافة إىل إلغاء أربعة مراكز تعليمية ومراكز حرفية ومجمعني استهالكيني يف تلة املرامل وحرش القتيل. وجرى إستبدال املرفأ الشعبي يف منطقة املدورة مبرفأ للصيادين ،مع تصغري املساحة التي كانت مخصصة للمسبح، ويرتتب عىل تلك التعديالت إجراء عمليات ضم وفرز جديدة لألرايض بعد إلغاء التجمعات السكنية ،باإلضافة إىل إعادة تنظيم العالقة بني املالكني املقيمني. 3-3الوضع الحايل يف منطقة "أليسار" إن أحدى مهام مخطط "أليسار" املعلنة هي إعادة إسكان املقيمني يف املنطقة املراد ترتيبها يف أماكن تناسب التوزيع الجديد للوظائف والنشاطات ،مع تأمني متاجر ومحرتفات بدل التي ستهدم لتنفيذ هذا املخطط. ودراسة الوضع الحايل تكتسب أهميتها يف إطار إستخالص خصائص النسيج العمراين الحايل بهدف إيجاد الرشوط املناسبة للتكيف مع ظروف االنتقال إىل الوضع الجديد.
خريطة رقم –1 :صورة جوية تبني حدود مرشوع "أليسار" بالنسبة لحدود بلديات الضاحية الجنوبية وبريوت
1-1-3-3خطوط املواصالت والتوزيع الجغرايف للوظائف الطريق الساحيل هو الرشيان الحيوي الذي يستوعب معظم حركة املواصالت بني بريوت وضاحيتها من جهة والجنوب من جهة ثانية ،وبالتايل ،فأنه يستقطب عىل جانبيه معظم النشاطات التجارية والحرفية. تأيت يف درجة ثانية الخطوط املتفرعة عن الخط الساحيل ،وهي :االوزاعي ،الرمل العايل وحرش القتيل -جرس املطار -السفارة الكويتية -جرس املطار .كل هذه املتفرعات تستقطب حجامً غري محدد من النشاط الحريف والتجاري ،ويف هذا اإلطار يبدو طريق األوزاعي -الرمل العايل هو األكرث حظاً يف إستقطاب املؤسسات التجارية والصناعية لوفرة األرايض القابلة لإلستيطان عىل جانبيه وقوة حركة السري عليه. وعىل صعيد املواصالت تشكل منطقة مرشوع "أليسار" حلقة وصل بني بريوت والجنوب ،وبني الضاحية الجنوبية والجنوب ،وبني الضاحية الجنوبية وبريوت ،وكذلك هي حلقة وصل مع طريق دمشق الدويل. بني بريوت والجنوب تتم الصلة عرب الطريق الساحيل باتجاه الروشة من جهة ،وبإتجاه السفارة الكويتية – الكوال من جهة ثانية. وبني الضاحية الجنوبية والجنوب يتم اإلتصال عرب طريق األوزاعي -الرمل العايل واألوزاعي -السفارة الكويتية جرس املطار.وبني الضاحية الجنوبية وبريوت املدينة ،هناك خطان رئيسيان هام :طريق املطار – مستديرة شاتيال-الرببري، وطريق الغبريي -جرس املطار – السفارة الكويتية -الكوال أو الطريق الساحيل. أما االتصال مع طريق دمشق الدويل ،فتتم عرب طريق الكوال – السفارة الكويتية -املرشفية -الحازمية. أما عىل صعيد الطرقات الداخلية ،فإننا نجدها ضيقة ملتوية وغري معبدة يف بعض األحيان ،وقد تكون مرصوفة بالباطون أحياناً أخرى ،عرض الطريق الرئييس منها يرتاوح بني ثالثة إىل أربعة أمتار عىل األكرث. 2-1-3-3التصميم التوجيهي العام للمنطقة إستنادا ً للتصميم التوجيهي العام لضواحي مدينة بريوت الصادر عام 1964واملعدل عام ،) (1970فأن منطقة مرشوع "أليسار" تقسم إىل أربعة مناطق اساسية حسب نظام البناء لضواحي بريوت ،إضافة لثالث مناطق أخرى واقعة ضمن بلدية بريوت نفسها وذلك عىل الشكل التايل : املنطقة ،1وتضم أحياء :الجناح ،املدينة الرياضية ،صربا ،شامل طريق الجناح حتى البحر يف الغبريي ،إضافةألحياء األوزاعي رشق الطريق الرئييس إمتدادا ً حتى الرمل العايل واملرامل. صورة رقم - 1 :الشارع الرئييس منطقة املرامل يف االوزاعي _______________________
" - 4قانون وأنطمة البناء يف لبنان" ،التصميم التوجيهي العام لضواحي بريوت (جمع وتنسيق جورج سامحة وارشاف النقيب الياس النامر) ،نقابة املهندسني يف لبنان ،1995 ،ص .395-413
جدول رقم - 1 :معطيات إحصائية حول السكن والسكان يف "أليسار"
املصدر :دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – .2004
*مناطق تقع ضمن حدود بلدية الغبريي.
املعطيات اإلحصائية الحالية يف منطقة مرشوع “أليسار” : متوسط السكن يف املنطقة ٪ 60,5 :من السكان سكنوا ما قبل عام .1987 متوسط عدد الغرف ٪ 63,5 :من السكان يعيشون يف غرفة وغرفتني. متوسط مساحة املسكن 90 :م 2يف كل منطقة املرشوع. 1-3-3ملحة عن النسيج العمراين الحايل يتألف النسيج اإلقتصادي-اإلجتامعي من وظائف السكن والتجارة والصناعات الخفيفة واملطاعم الصغرية واألفران ،هذه الوظائف تتداخل جغرافياً بشكل عام ،مع طغيان وظيفة السكن بعيدا ً عن الطرق الرئيسية لترتك املكان عىل طول املحاور لبقية النشاطات مثل التجارة والصناعات الخفيفة والخدمات األخرى .أما عىل جوانب الطرقات الداخلية املتعرجة والتي رسمها التمدد العمراين غري املنظم ،فيمكن أن تختلط وظيفة السكن مع النشاطات األخرى ،مع مالحظة كثافة الثانية عند األقرتاب من أماكن السري القوية. يف طبيعة الوظائف مع توزيعها الجغرايف املتعلق بخطوط املواصالت وبعالقة املنطقة مبحيطها ،كلها عوامل لها التاثري املبارش عىل تشكيل النسيج اإلجتامعي-اإلقتصادي والعمراين للمنطقة ،وعرب سرب تطوره.
عامل اإلستثامر األقىص 1,4ومعدل اإلستثامر السطحي األقىص ، ٪ 40بحيث يسمح بارتفاع قدره خمسة طوابق. املنطقة ،5تقع ضمن نطاق بلدية بريوت وتتبع احياء صربا (أرض جلول) ،معدل اإلستثامر السطحي فيها ٪ 50والعام .3,5وهي مخصصة للسكن والتجارة. املنطقة ،6وهي منطقة املقابر واملعروفة مبقربة الشهداء (الفرنسيني). املنطقة ،7وتشكل اإلمتداد الطبيعي لغرب أتوسرتاد طريق املطار ،مخصصة للسكن والتجارة ايضاً ،معدلاإلستثامر العام فيها .0,75 وأخريا ً هناك منطقة واسعة ،قد خصصت لتوسيع حرم املطار ال يسمح فيها بالبناء. إن هذا يعني ،فيام لو طبق حينها إنه كان بإمكان منطقة مرشوع "اليسار" أن تستوعب نحو 240-250ألف نسمة عىل األكرث ،موزعني عىل مناطق مفرزة ومرتبة ومنظمة .إال أن أعدادا ً مشابهة قد توزعت بطريقة عشوائية عىل املناطق التي سيعاد ترتيبها فيام توزع عدد مامثل آخر عىل املناطق التي استثنيت من عملية إعادة الرتتيب . ومع أن هذا املخطط التوجيهي مل يطبق ،فأن الحركة التجارية الرئيسية متحورت تلقائياً عىل خطوط املواصالت، أما التجارة القامئة عىل التوزيع الخفيف لألغذية فأننا نراها منترشة داخل األحياء .وتبدو حركة التجارة كثيفة عىل األوتوسرتاد الساحيل من األوزاعي حتى الجناح وكذلك عىل طريق األوزاعي الرمل العايل. أما الصناعات الخفيفة ،فهي موزعة أما عىل طول طرقات األحياء الداخلية السهلة الوصول فضالً عن جوانب الطرقات الرئيسية. بالنسبة لقطاع الخدمات ،فأنه يقترص عىل وجود عدد من الدوائر الرسمية واملستشفيات واملراكز الصحية ،إذ ال وجود لخدمات سياحية باملعنى الواسع للسياحة ،وال خدمات إجتامعية ،وقد نستطيع أن ندرج يف قطاع الخدمات املطاعم التي تقدم املعجنات ،وهي منترشة عىل طول الطريق الساحيل يف منطقة األوزاعي والجناح ،إمنا تبقى هذه الخدمات ذات مستوى متدن ،وهي موجهة للعابرين ،وليست مقصودة من خارج املنطقة. 2-3-3مواصفات السكن ترمي عملية إعادة اإلسكان إىل إنشاء 10120مسكناً ،مبا يتسع لحوايل 58ألف نسمة( ) ،مع متوسط حجم األرسة يساوي ،5,7أي ما يقارب ٪ 54,4من مجموع الناس املعنيني (اللبنانيني) املوجودين يف منطقة املرشوع (يقدر عدد السكان اإلجاميل بنحو 130ألف نسمة ،ستطال عملية إعادة الرتتيب اللبنانيني منهم فقط ( ،)82٪لكن لن تكون لكل الباقيني مساكن داخل منطقة _______________________
- 6دراسة الجدوى اإلقتصادية ملرشوع "أليسار" ،املركز اإلستشاري للدراسات والتوثيق ،تقرير غري منشور ،آب ،1997ص .33
املصدر :الباحث عام .2014
هذه املناطق مخصصة يف األساس للسكن والتجارة ،معدل اإلستثامر السطحي فيها ( 30-40٪النسبة بني مساحة املسقط األفقي للبناء ومساحة العقار) وعامل اإلستثامر العام ( 1,4–0,9النسبة بني مساحة البناء عن كامل طوابقه املحسوبة يف اإلستثامر ومساحة العقار) ،بحيث يسمح بإرتفاع أقىص وقدره 5-6طوابق( ). املنطقة ،2وتشمل احياء :صربا شامل املخيم ،إضافة لرشيط صغري جنوب طريق الجناح يف الغبريي ،معدل اإلستثامرالسطحي فيها ٪ 50وعامل اإلستثامر العام يساوي .1,65ويسمح فيها بإرتفاع قدره أربعة طوابق .وقد حدد التصميم التوجيهي أن الواجهات الخارجية يف كال املنطقتني ( 1و )2يجب أن تشاد بالحجر الطبيعي بنسبة ال تقل عن ٪ 60من مساحتها اإلجاملية. املنطقة ،3مخصصة للمطاعم ،والحاممات البحرية ،واملؤسسات السياحية والفندقية والشاليهات والسكن الخاص .وهيمتتد عىل طول الشاطئ حتى حدود توسيع املطار .معدل اإلستثامر السطحي فيها ٪ 20وعامل اإلستثامر العام .0.4 املنطقة ،4وتقسم بدورها إىل ثالثة أجزاء ،وتشمل بشكل أسايس أحياء :برئ حسن ،حرش القتيل ،الجناح-األوزاعيجنوب الجناح يف الغبريي. ويف هذه املنطقة يحرم البناء من أي نوع كان يف القسم الجنويب من حرش القتيل وجنوب مخيم صربا ،ويصنف ليبقى منطقة حرجية فقط .كام يخصص للمنفعة العامة بأعتبارها أمالكاً للدولة كل من ثكنة املضاد وملعب الغولف ،أما باقي اجزاء املنطقة فأنها مخصصة للبناء رشط أن ترتب وتستثمر من قبل رشكة عقارية .أو بواسطة الضم والفرز ،وذلك عىل ضوء مخطط حجمي تضعه املديرية العامة للتنظيم املدين. _______________________ - 5نفس املصدر.
بأن ثلثي املساكن عىل مستوى املنطقة كلها مؤلف من غرفتني أو ثالث غرف ،أما الباقي فهو موزع بالتساوي تقريباً عىل مساكن مؤلفة من غرفة واحدة أو أكرث من ثالث غرف .ما يعني أن العائالت الكبرية تسكن يف عدد محدد من الغرف ،وذلك مقارنة مع املتوسط املوجود يف لبنان ،والذي يشري إىل أن نصف املساكن مؤلفة من ثالث وأربع غرف. عىل صعيد كل حي مبفرده ،نجد أن متوسط عدد الغرف يف املسكن يظل يقرتب املتوسط العام يف األحياء ما عدا يف املرامل ،حيث نجد نسبة املساكن املؤلفة من غرفتني وثالث غرف تقارب الـ ،٪ 40بينام تلك املؤلفة من أكرث من ثالث غرف تقارب الـ .٪ 60وهذا قد يعود إىل حداثة اإلستيطان يف هذا الحي الذي ظل محمياً حتى أواخر الثامنينات. كثافة السكن داخل املسكن يبلغ متوسط عدد األفراد املقيمني يف الغرفة الواحدة حوايل الشخصني ،ويصل يف بعض األحيان إىل ثالثة ،وهي نسبة تعترب عالية باملقاييس اإلجتامعية. رسم بياين رقم - 23 :توزيع مساكن منطقة "أليسار" حسب عدد الغرف
الجداول االحصائية ملسح املعطيات االحصائية للسكان واملساكن 1994-1996-وزارة الشؤؤون اإلجتامعية بالتعاون مع صندوق األمم املتحدة للسكان (جدول رقم ،3-3ص / )73دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – .2004ص .17:
مرشوع "أليسار" إذ أن قسامً منهم سيتم إخالؤه بهدف إقامة األوتوسرتادات ،والذين يعيشون يف مساكنهم التي بنوها بأنفسهم عىل مراحل من اإلسمنت وحجر الباطون غري املكسو وغري املدهون أحياناً. 1-2-3-3االحياء والشكل املعامري للمسكن األحياء الداخلية كسائر البناء يف تلك املناطق مل تقم بفعل تخطيط أو تنظيم مدروس ،ولذلك جاءت صورتها بالغالب عبارة عن أزقة تضيق وتتسع وتتعرج وسط إزدحام املنازل وضيق املداخل واملسالك .ومنازل هذه األحياء متتاز بقربها من بعضها البعض وتكون احياناً كثرية متالصقة متاماً ،غري أن كل وحدة سكنية (املنزل الواحد) متتاز بإستقالليتها عن الوحدة األخرى ،فالبيت الواحد له حدوده ومساحته املعروفة واستقالليته لجهة املصارف الصحية والتمديدات املائية والكهربائية وغريها .عىل خالف ما هي عليه الحال يف األبنية والعامرات التي تزداد فيه القواسم والخدمات املشرتكة بني املساكن (املصعد ،الكهرباء ،املاء)... 2-2-3-3مواصفات املساكن يفيد املسح الخاص بتوزيع املساكن تبعاً لعدد الغرف (باملئة) ،وذلك حسب الجدول رقم )40( :والرسم البياين رقم )23( :التاليني : جدول رقم - 2 :عدد الغرف يف مساكن منطقة "أليسار"
الجداول االحصائية ملسح املعطيات االحصائية للسكان واملساكن 1994-1996-وزارة الشؤؤون اإلجتامعية بالتعاون مع صندوق األمم املتحدة للسكان (جدول رقم ،3-3ص / )73دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – .2004ص .17: *مناطق تقع ضمن حدود بلدية الغبريي.
3-3-3البنية اإلقتصادية إن ما مييز النشاط اإلقتصادي ملنطقة مرشوع "أليسار" الراهن ،هو توجهه إىل زبائن الطبقة الوسطى وما دون : فمتاجر املفروشات يف األوزاعي مقصودة بسبب أسعارها املتدنية نسبياً من خارج املنطقة ،إذ أن اإلنشاءات غري الرشعية وفرت عىل مؤسسات املنطقة عبء الكلفة العقارية مام سمح للتاجر بالبيع بأسعار منافسة ،إال أن عدم رشعية اإلنشاءات كان له تأثري سلبي عىل إستقطاب الرشكات الكبرية ،مام حرم املنطقة من هذه الرشكات رغم أهمية املوقع املغري يف الحاالت العادية. أما التأثري الخاص للموقع ،فقد كان يف تركيز املتاجر والصناعات الخفيفة عىل مدخل بريوت الجنويب ،البعض منها يعني املارة عرب هذا املدخل والبعض اآلخر قصده الزبائن من مناطق مختلفة. بشكل عام هناك عنرصان حيويان إستفادت منهام الحركة اإلقتصادية الحالية يف منطقة مرشوع "اليسار" :املوقع عىل املدخل الجنويب لبريوت ،واألسعار املنافسة يف مجال التجارة والصناعات الخفيفة. 1-3-3-3أنواع النشاطات اإلقتصادية ميكن تقسيم هذه النشاطات إىل ثالثة أقسام تقليدية :تجارة ،صناعة ،وخدمات. أ -التجارة إن أكرث من 70٪من النشاط التجاري يقوم عىل األنواع التالية :تجارة املواد الغذائية ،الحلويات ،األفران ،األدوات املنزلية ،املفروشات ،مفروشات األطفال ،ومواد البناء وقطع السيارات .أما باقي النشاطات التجارية فموزعة عىل الشكل التايل :تجارة عامة ،ألبسة وأحذية ،سجاد وموكيت ،برادي وديكور ،وتجهيزات مكتبية. األنواع الثالثة األوىل (تجارة املواد الغذائية ،والحلويات واألفران) تتعلق بشكل رئييس بحركة السري عىل طريق األوزاعي ،وهي تشكل ربع الحركة التجارية تقريباً .أما تجارة األدوات املنزلية ،املفروشات ،مفروشاتاألطفال ومواد البناء ،فأنها قد أكتسبت هوية خاصة بها عىل مر السنني وزبائنها يقصدونها من الضاحية الجنوبية وبريوت. تجدر األشارة إىل أن تجارة املفروشات اصبحت ذات شهرة عىل الصعيد الوطني ،وبعض الناس يقصدون معارض األوزاعي من البقاع والجنوب ،وقد شهد عددها تطورا ً مستمرا ً ،إذ إرتفع من حوايل االربعني مؤسسة سنة ،1982 إىل ما يفوق الستني عام .( ) 2005ومقارنة مع بريوت املدينة ،يعترب مستوى البضاعة املعروضة من املستوى الوسط وما دون ،وهذا األمر ينطبق عىل تجارة األدوات املنزلية أيضاً. أما بالنسبة لتجارة مواد البناء ،فأنها قد استقرت يف هذه املنطقة لتوفر املساحات الكبرية نسبياً التي يحتاجها هذا النوع من التجارة. _______________________
1-Clerc-Huybrechts, Valérie – Les quartiers irréguliers de Beyrouth, IFPO, Beyrouth, 2008.p. 124.
عدد الطوابق وعدد املساكن يف املبنى منها ال يتجاوز إرتفاعها طابقني (العدد٪ 82,87 إذ أن نسبة،يغلب عىل منطقة املرشوع اإلنتشار األفقي للمساكن ) والرسم41( : وذلك كام يظهر يف الجدول رقم،) ( وحدة سكنية19411 بنا ًء تضم7208 اإلجاميل لألبنية يصل إىل
:) التاليني24( : البياين رقم
" متوسط عدد الطوابق يف منطقة "أليسار- 3 :جدول رقم
Source : Planning and Development of Beirut South-Western Suburbs, survey report, ExecutiveSunnary, Dar AlHandassah, Beirut, Feb 1996.
."متوسط عدد الطوابق يف منطقة "أليسار1- : رسم بياين رقم
Source : Planning and Development of Beirut South-Western Suburbs, survey report, ExecutiveSunnary, Dar Al Handassah, Beirut, Feb 1996.
__________________ 1-Planning and Development of Beirut South-Western Suburbs, survey report, Executive Sunnary, Dar Al Handassah, Beirut, Feb 1996, P:8.
د -متفرقات نجد يف هذا النوع بعض التجارات أو الصناعات القليلة التي ال تتفق والتصنيف السابق ،ومنها :مكتبات، عطورات ،مجوهرات ،هدايا وأزهار. 2-3-3-3أهمية النشاطات اإلقتصادية يقدر العدد اإلجاميل للمنشآت اإلقتصادية التي ستطالها عملية إعادة الرتتيب يف "أليسار"بنحو 3610وحدات تتوزع بني تجارة وخدمات وصناعات خفيفة ومحرتفات وبنسبة )1856( ٪ 51,4لألوىل و 1754( ٪ 48,6وحدة) للثانية( ) .يذكر أن العدد الكيل للمنشآت يف منطقة "أليسار" يقدر بنحو 4749منشأة بني محالت تجارية ( )1910ومحرتفات ( )2408وخدمات (.) ()431 وفيام ييل يظهر الرسم البياين رقم 25 :توزيع النشاطات اإلقتصادية يف منطقة مرشوع "أليسار" حسب عدد املؤسسات فيها : تستوعب التجارة حوايل الـ ٪ 40من اليد العاملة من أبناء املنطقة ،وتستوعب الصناعات الخفيفة واملخازن واملعارض نحو 22٪ليبقى يف اإلدارات الحكومية ٪ 9ويف البناء ،٪ 6والنسبة املتبقية يف نشاطات أخرى غري محددة. رسم بياين رقم - 2 :توزيع النشاطات اإلقتصادية يف منطقة "أليسار"
_______________________
- 9دراسة الجدوى اإلقتصادية ملرشوع "أليسار" -مصدر سابق ،ص .100 : - 10تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت ،مصدر سابق ،ص .11 :
ب -الصناعة يف هذا النوع نجد صناعة القازانات ،أشغال حديدية ،أملنيوم ،زجاج ،ألبسة ،أحذية ،أدوات كهربائية ،تدفئة وتربيد ،تجهيز مطاعم وفنادق ،لوازم قطع كهربائية ،خدمات صناعية ،مشتقات برتولية ومحطات بنزين ،محالت تصليح السيارات ،دواليب ،ونيون آرمات. أما باقي النشاطات ،فأنها تخدم منطقة واسعة من بريوت ،وضاحيتها الجنوبية ،ال سيام صناعة األلبسة واألحذية وقطع غيار السيارات وصناعات األملنيوم وتجهيزات املطاعم والفنادق. ج -الخدمات منطقة مرشوع "أليسار" فقرية جدا ً بالخدمات ،إذ يوجد فرع بنك واحد .كذلك قليلة جدا ً هي رشكات السفر ومكاتب املحامني وغريها .أما بالنسبة ملحالت تصليح الدواليب ومحطات الوقود ،فأن وجودها ونوع الخدمات التي تقدمها عىل عالقة بحركة املرور املرتبطة باملدخل الجنويب تحديدا ً. وعىل طول الشاطئ الذي يصل إىل نحو 5,2كلم تتمركز بعض املؤسسات مثل "السمرالند" والكورال بيتش" و"الكوت دازور" عىل مساحة تقدر بنحو ٪ 10,5من مساحته االجاملية. صورة رقم - 3 :منتجع السمرالند يف الجناح املصدر :الباحث عام .2014
وهذا الواقع يشري يف الحقيقة إىل مدى الضعف الذي تعاين منه هذه املؤسسات عىل املستوى املايل والقانوين واإلداري ،وبالتايل ،اإلجتامعي ،إذ أن إزدهارها مرتبط إرتباطاً وثيقاً بصاحبها الذي رمبا سيواجه تحديات كبرية يف اإلنتقال من بيئة إجتامعية إىل أخرى ،وكذلك يف اإلنتقال من رشوط منافسة مالمئة تأقلم معها عىل مدى سنوات عديدة إىل محيط إقتصادي مختلف كلياً. 4-3الوضع املستقبيل يف إطار مخطط "أليسار" 1-4-3أهداف املرشوع ودوافعه إن إعادة ترتيب منطقة مرشوع "أليسار" يأيت يف إطار خطة شاملة من أهم أهدافها األساسية املعلنة هي التالية( ): أ -تحسني رشوط السكن من خالل اإلزالة التدريجية للسكن غري الرشعي ،وبناء منازل لذوي الدخل املحدود. ب -دمج منطقة مرشوع "أليسار" يف مخطط بريوت الكربى ،عرب تحرير الشواطئ الرملية يف الجناح وتخصيصها لنشاطات الرتفيه والسياحة ،وعرب توسيع وتحسني شبكة الطرق الرئيسية ،وذلك بعد تحديد استعامالت األرض املسموحة. ج -تحسني الرشوط البيئية من خالل تنفيذ مشاريع البنى التحتية. د-إستثامر أفضل للتنمية من خالل تغيري استخدامات األرايض. هـ -إيجاد إطار قابل للتطبيق قانونياً ومرحلياً ومالياً. وال يخفى أن هذه األهداف فرضها الواقع الجغرايف ملنطقة "أليسار" بإعتبارها جزءا ً متمامً وهاماً من بريوت الكربى ،نظرا ً ملوقعها املميز ،مام يجعلها عىل عالقة مبعظم مخططات الطرق الرئيسية ومشاريع التطوير األخرى الجاري تنفيذها أو دراستها ضمن بريوت الكربى ،األمر الذي يجعل املنطقة يف ظل املخطط التوجيهي العام الجديد عرضة لتغييريات أساسية ،سواء لناحية مستوى ونوعية النشاط اإلقتصادي فيها ،أو لجهة عدد السكان وتوزعهم الطبقي. فبريوت الكربى تشهد أو شهدت تنفيذ ودراسة عدد كبري من املشاريع واإلستثامرات الضخمة ،أبرزها ما ييل : املشاريع العقارية مثل مرشوع "سوليدير" يف الوسط التجاري ،ومرشوع "لينور" لساحل املنت الشاميل. أتوسرتاد خلدة-الكوكودي ،األوتوسرتاد الدائري ،أتوسرتاد األوزاعي-االنيسكو ،األتوسرتاد البحري ،وصلة الحازمية-املطار ،أتوسرتاد شاتيال-الكفاءات-الشويفات ،أتوسرتاد الحدث-طريق املطار ،األتوسرتاد العريب ،طريق الحدث-حي السلم-الكوكودي. مرشوع تطوير مرافق النقل البحري والجوي (مرفأ ومطار بريوت واملنطقة والسوق الحرة فيه). مشاريع املراكز التجارية قرب املدينة الرياضية ،يف شارع عدنان الحكيم ومركز بريوت التجاري._______________________
- 13دراسة الجدوى اإلقتصادية ملرشوع "أليسار" -مصدر سابق ،ص .16 :
املصدر :دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – .2004ص .28:
عىل صعيد ملكية املؤسسات ،نجد إن الطابع الفردي-العائيل يغلب عىل الجزء األكرب ،منها ( )72٪يعمل فيها األب وبقية أفراد أرسته ،وهو ما يتضح من خالل الرسم البياين التايل رقم . 26 : رسم بياين رقم - 3 :ملكية املؤسسات يف منطقة "أليسار"
املصدر :دار الهندسة – تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت – .2004ص .30:
وبحسب مسح دار الهندسة فأن 82٪من هذه املؤسسات ال متلك فروعاً خارج املنطقة .كام أن 69٪من أصحاب هذه املنشآت يقيم داخل املنطقة وأن ٪ 54,3من موظفيها وعاملها هم من أبناء املنطقة( ) .أما دخلها الشهري فأنه يتعدى األلف دوالر أمرييك يف ٪ 36من إجاميل املؤسسات ،بينام يتخطى العرشة آالف دوالر يف ٪ 13منها. ٪ 35من هذه املؤسسات قامئة عىل عمل أصحابها ،إذ ال عامل لديها ٪ 50,5 ،يرتاوح عدد عاملها بني واحد وخمسة يفيد املسح الصناعي للمؤسسات الصغرية التي قامت به وزارة الصناعة والنفط إن ٪ 68من هذه املؤسسات تستخدم أقل من 5اجراء ،وحوايل ٪ 15تستخدم ما بني 5-9عامل ،و ٪ 7,1تستوعب بني 5-10عامل، أما املؤسسات الباقية ( )5٪فتستخدم أكرث من عرشة عامل( ). _______________________ - 11تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت ،مصدر سابق ،ص .21: - 12نتائج املرحلة الثانية من املسح الصناعي ،السفري .22/12/1995
جدول رقم - 4 :الوظائف واملساحات املخصصة لها يف "أليسار"
املصدر :مؤسسة أليسار -دراسة الجدوى اإلقتصادية ،املركز اإلستشاري للدراسات والتوثيق.1996 ،
2-2-4-3خطوط املواصالت الرئيسية والتوزيع الجغرايف للوظائف بخالف وظيفة السكن التي متتد عىل منطقة مرشوع "أليسار" ،فأن بقية النشاطات توزعت عىل محاور استقطاب ثالثة تتجه من الجنوب إىل الشامل تتمثل يف أتوسرتادات :الكوكودي ،طريق املطار ،والطريق الساحيل .بحيث أن كل محور يتميز بنوع النشاطات مستقل ومختلف عن اآلخر ،هذا الفصل يف استقطاب النشاطات يؤمن سهولة املواصالت ،إضافة إىل طريق رئييس آخر سيقام فوق الردم غرب الطريق الساحيل بهدف إنشاء مناطق تجارة وترفيه جديدة ومستحدثة ،بحيث يخدم املجمعات التجارية والسكنية والسياحية ،ويؤمن التنقل الرسيع بني املناطق والوسط التجاري مرورا ً بساحل بريوت. طريق الكوكودي-الكوال سيكون املدخل الرسيع إىل وسط بريوت ويخدم يف نفس الوقت املدينة الرياضية واملجمعات التجارية لقربها منها. أما طريق املطار ،فسيكون منطقة تجمع املكاتب ،فقد ُصنف محيطه بـ "سكن ومكاتب". أما طريق األوزاعي نفسه فسيتم تعزيزه وتوسيعه لعرض 60مرتا ً ليستوعب قسامً مهام من حركة السري القادمة من الجنوب ،وبوضعه املستقبيل سيصبح واحدا ً من أهم الرشايني الرئيسية التي تشكل مدخالً اضافياً للعاصمة، خاصة أنه يتصل عند نهايته بأتوسرتاد مدخل الجناح-االونيسكو( ). _______________________
- 16املخطط التوجيهي ملنطقة "أليسار" -مجلس اإلمناء واألعامر.1994،
مرشوع قرص املؤمترات مجمع املستشفى الحكومي مجمع املعاهد التقنية يف برئ حسن.يذكر أن هذه املرشوعات اإلستثامرية تتزامن مع مرشوعات عامة تطال يف املستوى األول الضواحي الجنوبية والرشقية ،لرفع مستوى الخدمات عرب تطوير وتأهيل البنى التحتية من كهرباء وإتصاالت ومجاري ومياه وطرق فرعية ،وذلك من ضمن مرشوع إعامري وضخم( ). من هنا يتضح الدور الحاسم ملوقع منطقة "أليسار" الجغرايف يف نجاح العديد من املرشوعات املذكورة ،ومن ناحية أخرى ،فأن املضاعفات السلبية املحتملة التي قد ترتتب من جراء بقاء الضواحي املحيطة مبدينة بريوت -ومنها منطقة "أليسار" – غارقة يف مستنقعات البؤس والفوىض ،يف وقت تشهد فيه املدينة تطورا ً كمياً ونوعياً كبريا ً فرض توسيع مظلة اإلعامر لتطال البنى التحتية يف تلك الضواحي .خاصة وأن بقاء أحزمة البؤس والفوىض عىل حالها ميكن أن يشكل تهديدا ً ضمنياً ،ليس عىل اإلستثامرات فحسب وإمنا عىل مسار تطور املدينة برمته. 2-4-3التحوالت اإلقتصادية والسكنية املرتقبة يركز مرشوع "أليسار" عىل الدور الطبيعي ملنطقة الضاحية الجنوبية الغربية من حيث مميزات موقعها .إنه دور التجارة والخدمات " :فعىل مشارف بريوت وعند املدخل الجنويب للعاصمة وعىل الطريق الرئييس نحو وسط بريوت التجاري ،ال ميلك مرشوع "اليسار" إال أن يكون إنعكاساً ملرشوع "سوليدير" ،إال أن الظروف املحيطة مبرشوع "أليسار" فرضت عليه ضغوطاً مختلفة وأملت عليه رشوط تخطيط ميزته عن "سوليدير" بطريقة تعاطيه مع الواقع الحايل" ( ). 1-2-4-3الوظائف الوظائف املسموح بها هي :سكن ،تجارة ،خدمات ،صناعات خفيفة ،ومراكز رياضية.
_______________________ - 14دراسة مجلس األمناء واألعامر املقدمة إىل مؤمتر "إعادة إعامر لبنان والتحوالت اإلقليمية املرتقبة" ،نرشته صحيفة النهار ،بتاريخ .16/10/1994 : " - 15اليسار" :الواقع والتحوالت ،املركز االستشاري للدراسات والتوثيق ،ترشين الثاين ،1998ص .76 :
كبري الحجم الذي ينتمي وظيفياً إىل إقتصاد بريوت املرتكز عىل الوسط التجاري فيه ،وعىل مركزة األموال واإلستثامرات يف إتجاه واحد هو قطاع الخدمات عىل حساب بقية النشاطات اإلقتصادية( ). يف ظل هذه األجواء اإلقتصادية هل سينجح مرشوع تجميع املتاجر أم أنهه سيالقي نفس املصري الذي القته من قبل مجمعات أسواق الروشة التجارية يف برئ حسن ؟ أم هل من األفضل ألصحاب هذه املتاجر أن يتقاضوا بدالً مادياً عن مؤسساتهم الحالية ميكنهم من إيجاد مناطق أخرى مناسبة عوضاً عن املخاطرة بتكديس كل األنشطة يف مجمعات تجارية قد ال تالقي النجاح املطلوب؟ 3-5-3عىل صعيد الوضع اإلجتامعي بني املايض واملستقبل تغيري جذري قد يصيب النسيج اإلجتامعي ،إنه تغيري ال بد منه يفرض دراسة املرحلة اإلنتقالية بدقة ،ألن نجاحها رشط من رشوط نجاح املرشوع. إن اآلثار اإلجتامعية املرتقبة بعد تنفيذ املرشوع ،يتعلق بشكل أسايس عىل مستوى العالقات التي ستتأىت من حرش السكان يف مجمعات ضخمة كتلك التي متثلها املجمعات املخططة ،حيث تختلف ظروف العالقة القامئة عن تلك املنتظرة.هل كان فعالً من الرضوري حرش السكان يف مجمعات ضخمة مستقلة وهل فعالً من الرضوري تقليص املساحة الخصصة للسكان إىل أقىص حد لتحقيق الجدوى اإلقتصادية من املرشوع؟ وللتخفيف من آثار التغيري اإلجتامعي ميكن التعويض عن بعض العادات بأخرى تشبهها وظيفياً باإلمكان تأمينها يف اإلطار الجديد ملرشوع "أليسار" ،فقد يكون من الواجب درس ترتيب املساحات الخرضاء ،فأن لها أهمية توازي أهمية السكن من الناحية اإلجتامعية ،إمنا يبدو أن املساحات الخرضاء واألماكن العامة ليست كافية كام يجب. إن مرشوعاً بهذا الحجم يطال هذا العدد الكبري من السكان واملؤسسات ال بد له لتأمني عوامل نجاحه وإستقراره عىل املدى البعيد من توفري دراسات وحلول أعمق وأشمل يف مختلف املجاالت العمرانية واإلقتصادية ،وخاصة اإلجتامعية. املراجع واملصادر املسح امليداين للضاحية الجنوبية ،املركز االستشاري للدراسات والتوثيق،إعداد فرع بنك املعلومات ،دراسة غري منشورة.1991 ،_ اإلقتصاد اللبناين ،ملخص إحصايئ ،تجمع رجال األعامل اللبنانيني ،مديرية االحصاء املركزي ،بريوت ،2003ص .18 : "اليسار" :الواقع والتحوالت ،املركز االستشاري للدراسات والتوثيق ،ترشين الثاين .1998 -املخطط التوجيهي ملنطقة "أليسار" -مجلس اإلمناء واألعامر.1994،
_______________________ " - 19اليسار" :الواقع والتحوالت – مصدر سابق ،ص .94 :
3-2-4-3املواصفات السكنية املقصود بالسكن هو مساكن ذوي الدخل املحدود التي أخذت مؤسسة "أليسار" عىل عاتقها تأمينها بدالً من املساكن التي سوف تهدم .والقاعدة األساسية املعلنة هي تقديم سكن جديد بنفس مساحة السكن القديم مع احرتام مساحة دنيا للسكن الجديد تساوي 90م 2تقريباً. الكثافة الفعلية يف مناطق مجتمعات سكن ذوي الدخل املحدود ستقارب الـ 945فرد /هكتار ،وهي كثافة عالية جدا ً وأعىل بكثري مام هو موجود حالياً ( 608أفراد/هكتار) .وعليه ،ميكن تصور ما ستكون عليه املنطقة مبقارنة الكثافة عام 1991يف كل من الغبريي (/725هكتار) ،والرمل الشاميل ( 790فرد /هكتار) ،وحي الحسينية يف منطقة "حي السلم" ( 1200فرد /هكتار)( ). 5-3مالحظات عىل املرشوع إن مرشوعاً بهذا الحجم يستدعي كامً هائالً من املالحظات ويطرح أسئلة كبرية وإستفسارات برسم السياسة اإلعامرية يف لبنان ،ويثري مخاوف جدية عىل الصعد املختلفة : 1-5-3عىل الصعيد العمراين -املديني يتخذ هذا املوضوع أهميته من حيث أنه يعني إعادة إسكان أشخاص من طبقات إجتامعية متدنية ووسطى وحرشهم يف مجمعات سكنية بأعىل كثافة ممكنة حتى يتسنى إستغالل املساحات الباقية مبا ينسجم ومستوى الخدمات املطلوبة( ). فمن الناحية اإلنسانية ،يجب يف دراسة الحلول املعامرية البديلة للمساكن وإعادة اإلعتبار لهذه الفئة املهملة من السكان من حيث إعادة التخطيط لتلبية حاجاتها املتنوعة يك تتأقلم بالتدرج مع حداثة املجتمع املديني وتشكل نسيجاً إجتامعياً وإقتصادياً مستقرا ً. 2-5-3عىل الصعيد اإلقتصادي إن تنفيذ مرشوع "أليسار" سيجعل املنطقة تشهد دورة إقتصادية جديدة ونشطة يف املجال العقاري والسياحي والبناء واملواصالت ،فيام تبقى دورة النشاطات اإلقتصادية الحالية تسري بشكل متثاقل باملقارنة مع النشاطات األوىل .وبالتايل ،عيش مواطني املنطقة والجوار عىل هامش الدورة اإلقتصادية فيها ،يطرح مخاوف جدية من مخاطر هذا الواقع عىل اإلستقرار اإلجتامعي واإلقتصادي يف املنطقة .فهل فعالً سيكون هناك إقتصادان متجاوران لكنهام غري متقاطعني ،األول :إقتصاد محيل تتسم مؤسساته بصغر الحجم وهو غري قادر عىل النمو والتوسع، بفعل املساحات املحدودة ،وبفعل عدم قدرته عىل تحمل تكاليف اإلستثامرات الجديدة ،والثاين :اإلقتصاد _______________________ - 17املسح امليداين للضاحية الجنوبية ،املركز االستشاري للدراسات والتوثيق،إعداد فرع بنك املعلومات ،دراسة غري منشورة.1991 ، - 18اإلقتصاد اللبناين ،ملخص إحصايئ ،تجمع رجال األعامل اللبنانيني ،مديرية االحصاء املركزي ،بريوت ،2003ص .18 :
طائر الفينيق سفر
تنظيم أوضاع الضاحية الجنوبية الغربية لبريوت،دراسة دار الهندسة.2004 ، "قانون وأنطمة البناء يف لبنان" ،التصميم التوجيهي العام لضواحي بريوت (جمع وتنسيق جورج سامحة وارشاف النقيب الياس النامر) ،نقابة املهندسني يف لبنان.1995، دراسة مجلس األمناء واألعامر املقدمة إىل مؤمتر "إعادة إعامر لبنان والتحوالت اإلقليمية املرتقبة" ،نرشته صحيفة النهار ،بتاريخ .16/10/1994 : دراسة الجدوى اإلقتصادية ملرشوع "أليسار" ،املركز اإلستشاري للدراسات والتوثيق ،تقرير غري منشور ،آب .1997 نتائج املرحلة الثانية من املسح الصناعي ،السفري .22/12/1995 -تقرير غري منشور أعدته رشكة "أليسار" عام .2005
1-Planning and Development of Beirut South-Western Suburbs, survey report, Executive Sunnary, Dar Al Handassah, Beirut, Feb 1996, P:8 2-Clerc-Huybrechts, Valérie – Les quartiers irréguliers de Beyrouth, IFPO, Beyrouth, 2008
طائر الفينيق سفر
روما و سحر النافورات المنتشرة في الشوارع الكاتبة.سليمة ملّيزي وسحر النافورات ،أعجوبة الصنابري التي يتدفق منها املاء العذب البارد بدون إنقطاع .روما املدينة الساحرة العتيقة عاصمة امرباطورية روما العظمى ،أثناء زيايت لها يف شهر أوت من سنة ، 2019يف عز الصيف ،كان الجو حار ا ً جدا ال يطاق ،الحرارة التي الحرارة التي تشعرك أنها ستلتهمك، لوال نافوراتها وعينونها املنترشة ؟ ونحن نجوب شوارعها الجميلة ،واملتاحف التي ترتبع عىل كل الجامل ،وعرب الهواء الطلق ،وشوارعها العتيقة والنظيفة. تفاجئك من حني إىل آخر ساحات واسعة تتوسطها نافورات ، منعشة ينبعث منها خرير املاء املتناثر فوق ومن بني التامثيل املختلفة ،متثل شخصيات تاريخية صنعت مجد روما العظمى ،وهناك متاثيل تحايك القصص الخرافية التي قرأناها يف األدب اليوناين ،وأنت تتجول يف شوارع روما لن تشعر بالعطش أو الظأم رغم ارتفاع درجة الحرارة ،ألنها مدينة متنحك االنتعاش باملاء يف كل ركن أو شارع بوجود عيون أو صنابري عديدة حيث الحظنا تقريبا كل 10أمتار نجد عيون تتدفق منها مياه عذبة وباردة . يف روما ،تعترب نوافري الرشب مألوفة مثل مناطق الجذب يف املدينة .ميكن العثور عىل هياكل من الحديد الزهر مرت مع صنبور منحني طويل يف العديد من الشوارع والساحات يف املدينة .لظهورهم ،امللقب السكان املحليني نوافري( ) Nasone ،والتي ترتجم إىل "األنف" ،أو "األنف الكبري" (.تشبه رافعة النافورة أنف مدمن مخدرات).
يتدفق املاء باستمرار .يبدو لبعض العيان واملارين ،أنه ملوقف مهمل تجاه الطبيعة وإهدار غري معقول للمياه يف القرن الحادي والعرشين؟ ومع ذلك ،يف الواقع ،واحد يف املئة فقط من هذه املياه ال يذهب إىل أي مكان ،وتستخدم بقية املياه املتدفقة، لسقي أرسة املدينة ،ورشكات التنظيف وغريها من األنشطة غري الصالحة للرشب ،والجميل أن هذه املياه التي تتدفق باستمرار من النافورات الباردة واملنعشة ،وتجد السواح أمام هذه العيون ليملؤون قروراتهم وينتعشون بغسل وجوههم من اجل تخفيض الحرارة التي ال تطاق ،وهذه املياه تأيت مبارشة من بحرية "براتشيانو " ،التي تقع عىل بعد 32كم من روما .تم بناء القناة التي ميتد عىل طولها تدفق املياه من قبل الرومان القدماء .يف ذلك الوقت ،تم إحضار تسع قنوات إىل املدينة :كانت تتغذى عىل حوايل ستامئة حامم سباحة يف املدينة و 39نافورة. وهذه مبانٍ حرضية فقط :بالطبع ،كانت املياه تتدفق عرب هذه الهياكل إىل قرص اإلمرباطور وفيالت النبالء فسالنا بعض املارين عن رس هذه املياه فعالً صالحة للرشب وماؤها عذب ،مل نعد نشرتي املياه وأصبحنا منأل الص ْن ُبو ُر؟ حرام أن املاء يتدفق هكذا ، القرورات يف أي وقت نريد ،مرة قالت يل ابنتي برشى يجب أن نغلق ُّ
وبعدها استفرسنا إىل أين تذهب هذه املياه ،فقيل لنا أنهه تذهب إىل استعامالت كثرية ،إلمدادات املياه يف
املناطق الحرضية .وسقي املساحات الخرضاء ..وبفضل النافورة املستمرة ،ال ينكرس املاء يف األنابيب ،مام يعني أن البكترييا ال تتكاثر فيها. املياه املنعشة ،تأيت مبارشة من بحرية براتشيانو ،التي تقع عىل بعد 32كم من روما .تم بناء القناة التي ميتد عىل طولها تدفق املياه من قبل الرومان القدماء .يف ذلك الوقت ،تم إحضار تسع قنوات إىل املدينة ،كانت تتغذى عىل حوايل ستامئة حامم سباحة يف املدينة و 39نافورة .وهذه مبانٍ حرضية فقط :بالطبع ،كانت املياه تتدفق عرب هذه الهياكل إىل قرص اإلمرباطور وفيالت النبالء. عندما سقطت روما ،مل تعد تستخدم إمدادات املياه ،رسعان ما أصبحت ال قيمة لها .ومع ذلك ،يف القرن السابع عرش قرروا إلقاء نظرة فاحصة عىل حكمة الحكام السابقني ،واستعادة القنوات .وبعد قرن من الزمان ،ظهرت نوافري الرشب يف املناطق الحرضية .كان هدفهم الرئييس هو توفري مياه الرشب النظيفة للسكان املحليني واألسواق.
ثم يف سبعينيات القرن التاسع عرش ،تم تركيب أكرث من خمسة آالف نازلة يف جميع أنحاء املدينة ،واليوم يعمل نصفهم تقريباً .ويف حرارة الصيف ،تساعد النفورات عىل إخامد العطش متا ًما ،والذي يستخدم بنشاط من قبل السكان املحليني والسياح ،روما مدين النفورات واملياه التي تعزف سيمفونية الفرح وحكايات خرافية جميلة وأساطري الرومان ،من خالل املتحف الكبري إيل ينترش يف شوارع روما ،خاصة يف الليل لها سحر ال يقاوم ،من خالل املياه التي تتدفق من التامثيل املنحوتة بشكل جميل ومدهش ،وما أضاف لها جامال تلك األلوان الزاهية التي ترسلها األضواء امللونة.
ال بد أن تعرب ٬لكل بداية نهابة ٬ستتعرث حتام بالعتم والسواد ٬قيد يدك باألمل عمدا ٬ال تتخىل عنه ومتيض ٬بدونه ستتوه وتفقد كل وسائل العبور لألبد ٬كن غىل ثقة بأن الله ال يرتك عبدا دون أن يحيطه بالهداية إىل درب النور .... (نافذة األمل) باأللوان الزيتية
طائر الفينيق فن
لوحات فن ّية الفنانة حنان بو حسن للسعادة مداخل وأبواب كثرية ٬ال يعيقها الفقر أو البيت العتيق ٬منبعها القناعة واإلبتسامة ٬فال تدع العوائق والحواجز تعيق مسارها ٬افتح لها كل النوافذ دع النور يدغدغ قلبك وميلئ أرجائه سعادة وفرح ...لوحتي بعنوان (رس ابتسامة) باأللوان الزيتية.
طائر الفينيق زاوية اللغة
يف وطني سلبوا أطفالنا كل حقوقهم احالمهم امنياتهم سالمتهم صحتهم حتى انهم دمروا العابهم ٬ولكن اوتار اصواتهم الربيئة ٬وعيونهم الدامعة صدق ووجع ٬هي سقينتنا للنجاة من الغرق ألنهم صالتنا ومالئكتنا األقرب إىل الله عز وجل فال سبيل لنا غريه منقذا (لعبة وطفل) باأللوان املائية…
"غري ،سوى " :اسامن يضافان للمستثنى ويأخذان إعرابه يف االستثناء التام غري املنفي نقول " جاء القوم غري محمد " " غري " هنا :مستثنى منصوب ،وكذلك " رأيت القوم سوى أحمد " وهام اسامن ال تدخل عليهام " أل التعريف " مطلقاً ألنهام تضافان دامئاً إىل ما بعدهام. مثال معرب : كل يشء ما خال الله باطل أال ّ
زائل وكل نعيم ال محالة ُ ّ
أال :حرف استفتاح وتنبيه. كل :مبتدأ مرفوع بالضمة. ّ يشء :مضاف إليه مجرور بالكرسة. ما خال :ما :مصدرية ،خال :فعل ٍ ماض جامد وفاعلها مشتق من الحكم قبلها . الله :لفظ الجاللة مفعول به منصوب بالفتحة. باطل :خرب املبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة .وجملة " ما خال الله " يف محل نصب حال . وكل :الواو حرف عطف .كل :مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة. نعيم :مضاف إليه مجرور. ال :نافية للجنس. محالة :اسم " ال " النافية للجنس مبني عىل الفتح يف محل نصب . زائل :خرب املبتدأ مرفوع.
المستثنى أرسة التحرير هو اسم يذكر بعد أداة االستثناء ويخالف ما قبلها يف الحكم مثل " :جاء التالميذ إال سعيدا ً " التالميذ :مستثنى منه. إال :أداة استثناء. سعيدا ً :مستثنى. فإذا مل يكن يف الجملة مستثنى فإن " إال " تصبح أداة حرص مثل " :ما جاء إال أحمد " . وأدوات االستثناء هي " :إال ،غري ،سوى ،خال ،عدا ،حاشا ،ليس ،ال يكون " . " ما خال ،ما عدا ،ما حاشا " يجب نصب االسم الذي ييل هذه األفعال الثالثة حني تسبق بــ " ما " املصدرية ، ٍ حينئذ فعالً ماضياً جامدا ً ،واالسم مفعوالً به ،ويقدر الفاعل من الحكم قبل هذه األفعال ،وتعرب ويعرب الفعل الجملة حاالً " :جاء الطالب ما خال سعيدا ً ". جاء :فعل ٍ ماض. الطالب :فاعل جاء. ما خال :ما مصدرية ،خال :فعل ٍ ماض جامد مبني عىل الفتحة املقدرة عىل آخره للتعذر ،والفاعل مقدر من الجملة السابقة " خال املجيء سعيدا ً ". سعيدا ً :مفعول به منصوب. وجملة :ما خال سعيدا ً :يف محل نصب حال " جاء الطالب خالني من سعيد " . إال :حرف استثناء يجب نصب ما بعده إذا كانت الجملة تامة مثبتة أي غري مسبوقة بنفي مثل " أقبل القوم إال علياً ". أما إذا كانت الجملة تامة ومنفية فيجوز النصب عىل االستثناء أو اإلتباع عىل البدلية مثل : ما جاء أحد إال خليالً .ما جاء أحد إال خليل .ويف الحالة الثانية يكون "خليل " بدالً من " أحد " . ويجوز النصب والجر لالسم الذي ييل " خال ،عدا ،حاشا " حني التدخل عليها ما املصدرية ،فنقول " " :جاء ٍ وقتئذ حرف جر. الطالب خال سعيدا ً " و " خال سعيد " وتكون "خال"