جمعية الإم�����ام ال�����ص��ادق لإح����ي����اء ال����ت����راث ال��ع��ل��م��ائ��ي Q
المؤتمر الفكري في ذكرى مؤتمر وادي الحجير في 24نيسان 1920م
ال � � � � � � � � �ك � � � � � � � � �ت � � � � � � � ��اب:
الم�ؤتمر الفكري في ذكرى م�ؤتمر وادي الحجير
�إ� � � � � � � � � � � � � �ص� � � � � � � � � � � � ��دار:
جمعية الإمام ال�صادق Qلإحياء التراث العلمائي
ت� ��اري� ��خ الإ� � � �ص� � ��دار:
-24ني�سان 2012 -م 1432 -هـ
المقدمة
منذ �إنطالقة م�شروع �إحياء تراث علماء ال�شيعة في لبنان ,وفي ذاكرتنا تلك المحطة اال�ستثنائية التي م َّر بها جبل عامل على �أثر نهاية الحكم العثماني وقيام الإحتالل الفرن�سي ,حيث عمد اال�ستعمار �إلى التحايل على �شعوب المنطقة ,من خالل وعده بالإ�ستقالل والحكم الذاتي ,و�إذا به يم ّهد لمناخ �إحتاللي ي�ستطيع من خالله �أن يم ّرر م�شروعه في تفتيت المنطقة و�سلب ثرواتها ومواجهة �إ�سالمها ,من خالل دعم الحركات التب�شيرية المت�صهينة ,ا ّلتي ن�ش�أت �إلى جنب الإحتالل ,م�ستفيدة من تداعيات الحكم العثماني ,وجاء الإحتالل وكل ظ ّنه �أنه لن يلتفت �إليه �أحد ,و�أ ّنه ال ُمخ ِّل�ص والمنقذ ,وغي َر ملتفت �إلى �أنّ تاريخ جبل عامل ِّ بكل مكوناته لن ينام على �ضيم ,ولن يم ّر هذا الخداع, وبالتالي لن يكون هذا الإحتالل مرحب ًا به .وبالفعل ,جاء م�ؤتمر وادي الحجير ال ّذي انعقد في /24ني�سان ,1920/وبدعوة كريمة من العالمة الم�صلح ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ,تتويج ًا لمناخ الرف�ض الذي �ساد في جبل عامل ,من قبول الإحتالل الفرن�سي, قدم وما حدث في مدينة النبطية ,هو نموذج عن كل مدن وقرى جبل عامل ,فعندما ِ الحاكم الع�سكري الفرن�سي الى مدينة النبطية لم يلقَ حفاوة من ال�شيعة� ,سوى من بع�ض العمالء من الن�صارى و�شكروه على قدومه ,ينما وقف ال�شيخ �أحمد ر�ضا قائ ًال: «نحن ن�شكر فرن�سا كمح ّرر لل�شعوب وال ن�شكرها كم�ستعمر لبلدنا ,وخ�صو�صاً � ّأن 3
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
الفرن�سيين جا�ؤوا كم�شروع ال�ستمرار النهج ال�صليبي الذي كان في المنطقة» .وهذا ما ع ّبر عنه ب�صراحة (الجنرال غورو) عندما �ألقى خطاب ًا في دير البلمند ,وم ّما قاله: «دعوني �أ�ستعيد و�إياكم تلك الذكريات العظيمة ا ّلتي ّ ترف فوق هذا الدير القديم� ,أال وهي عمل �أبائي ال�صليبيين ال ّذي قاوم الدهر واخترق الأجيال». من هنا نحن في جمعية الإمام ال�صادق لإحياء التراث العلماني وفي كل عام نحيي هذه الذكرى ,من خالل التعاون مع �أحد الوجوه الثقافية والإجتماعية� .أردنا في هذا العام �أن نتعاون في عقد هذا الم�ؤتمر مع اتحاد بلديات جبل عامل ,لت�سليط ال�ضوء على أ�س�ست لما بعدها ,على �أمل �أن نتمكن هذه المحطة التاريخية ,التي لها ما قبلها و� ّ �إن�شاء اهلل تعالى في كل عام وفي ذات المنا�سبة ,من �إحياء هذه الذكرى ,وت�سليط ال�ضوء بما يتالئم والمرحلة التي تعي�شها منطقتنا ,وهنا ال بد من توجيه التحية الى �أبطال المقاومة الإ�سالمية الذين �أعادوا الحياة والمجد لهذا الوادي المع ّبر عن جبل عامل ,وعن تلك المرحلة الع�صيبة التي م ّر بها في زمن االحتالل الفرن�سي ,ليعود هذا الوادي مجدد ًا الى الواجهة من بوابة الإنت�صار الإلهي المدوي في تموز 2006م ,على �أعتى الإحتالالت وهو الإحتالل الإ�سرائيلي ,والتحية الخا�صة ل�سيد المقاومة الإ�سالمية �سماحة ال�سيد ح�سن ن�صر اهلل الذي برز في هذه المرحلة كالإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين مر�شد المقاومة في وادي الحجير ,وال�شكر �أي�ض ًا لك ّل الجهود التي بذلت أخ�ص بال�شكر رئي�س المجل�س التنفيذي في حزب اهلل في �سبيل نجاح هذا الم�ؤتمر ،و� ّ �سماحة ال�سيد ها�شم �صفي الدين لرعايته ومواكبته لأعمالنا في �إحياء هذا التراث. واهلل ولي التوفيق ح�سن بغدادي م�س�ؤول �إحياء تراث علماء ال�شيعة في حزب اهلل في لبنان /24ني�سان 2012/م
4
اإلفتتاحية ((( كلمة ترحيبية :الحاج علي الزين
ال�سادة العلماء الأفا�ضل، الأخوة (والأخوات) المحترمون الم�شاركون في الم�ؤتمر، �سعادة �سفير الجمهورية الإ�سالمية الإيرانية الدكتور غ�ضنفر ركن �أبادي، ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته، أرحب با�سمي وبا�سم اتحاد بلديات جبل عامل �أ�شد الترحيب كم ي�ش ِّرفني �أن � ِّ الفكري «وادي الحجير عمي ُد الإنت�صا َرين» و�أنا بح�ضوركم الكريم لفعاليات اللقاء ِّ أحب �أن �أ�سميه لقاء -م�ؤتمر وادي الحجير تي ُّمن ًا بالأ�صل الذي منه بد�أت م�سيرة وادي � ُّ الحجير في تاريخ جبل عامل ،في مثل هذا اليوم..وقـ ـ َـف �أه ُلنا�..أهل جبل عامل الأ�شم.. مرتفع ،وعلى تم ُّوجات �أ�صوات �صهيل الخيول، وب�صوت وقف ًة �أبي ًة �شامخ ًة ،ل ُيع ِلنوا ٍ ٍ التزامهم بخيار المقاومة في مواجهة الو�صاية والإحتالل الأجنبي... وقرقعة البنادق، َ الطبيعي للهو َّية القومية ورف�ض ًا لم�شاريعه ال�سيا�سية الإ�ستعمارية ..ول ُيث ِبتوا انت�سابهم َّ إ�سالمي العام ،رغم الظلم الح�ضاري ال العربية وللنزْعة العروبية ...وانتماءهم للعنوان ِّ ِّ الكبير الذي لحق بهم على �أيدي حكام ال�سلطنة العثمانية ،من دون التخلي عن ح ِّبهم ((( -رئي�س اتحاد بلديات جبل عامل-
5
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
وقت لم تكن فيه الهو َّية الوطنية اللبنانية قد تبلورت ب�صور ٍة ووالئهم الوطني �أبد ًا ،في ٍ ِّ أجنبي م�ستقل ٍة بع ُد ،بل كانت النزعة الوطنية �آنذاك ا�ستراتيجي ًة اعتمدها الإ�ستعمار ال ُّ تابع لمنظوم ٍة �سيا�سي ٍة واقت�صادي ٍة ا�ستعماري ٍة� ،أرا َد كيان (الفرن�سي) لت�أ�سي�س ٍ ٍّ ُّ لبناني ٍ فاف المتو�سط ،وبالمنا�سبة؛ ال يزال حلم ال�سيا�سة الخارجية الفرن�سية إقامتَها على ِ�ض ِ � َ اتحاد ورابط ٍة �سيا�سي ٍة واقت�صادي ٍة بين الدول على حاله �إلى الآن ،في ال�سعي لإقامة ٍ والكيانات الواقعة على �شواطئ البحر الأبي�ض المتو�سط،وقد قر�أ ُنجباء جبل عامل بو�ضوح �ضد قيام هذه الكيانية اللبنانية ،لي�س لعدم وثواره هذا الموقف باكر ًا،ووقفوا ٍ الوطني -وهم �أكث ُر من عانى من ت�سلط ال�سلطنة العثمانية رغبتهم بفكرة الإ�ستقالل ِّ م�شروع يقوم على تفتيت حلم الدولة بل منع ًا من توظيف مظلوم َّيتهم ومعاناتهم فيٍ العربية الوليدة ،وتجز�أة و�إ�ضعاف الفكرة العروبية. في مثل هذا اليوم من عام 1920وفي هذه الواحة من �ساحات جبل عامل المعطاء، وقف �أهلنا ّ جبل المقاومة والثورة والجهاد ،جبل العزة وال�شموخَ ....، ليخطوا لم�ستقبلنا م�سارات في ال�سيا�سة والثقافة والإجتماع ،ال نزال نعي�ش في ظاللها �إلى زماننا الحا�ضر، ٍ لنقف نحن اليوم �أمام م�شاهدهم و�أرواحهم ،ونر َّد التحية ب�أح�سن منها ،ولنعلن �إكمال معركة الدفاع عن قيم هذا الجبل ،ولمتابعة الم�سيرة الظافرة على هدي بو�صل ٍة تتجه دائم ًا نحو تحقيق الإنت�صارات. و�ستبقى كلمات وتوجيهات الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين وع�شرات العلماء، و�صيحات �صادق حمزة و�أدهم خنجر والثوار الذين ان�س ّلوا من ِّ حدب و�صوب.... كل ٍ �ستبقى �شاهد ًة على هذه المحطة الفا�صلة ،وتلك المداوالت الحا�سمة ،التي عقدت في خيام ن�صبت �أوتادها على تراب هذه الأر�ض العاملية الطاهرة التي نقف عليها الآن، ٍ لمعادالت �سيا�سي ٍة وع�سكري ٍة و ُبحثت في �أكنافها خياراتٌ كبرى وق�ضايا م�صيري ٌة�َ ،أر�ست ٍ وتاريخي ٍة جديدة ،تركت ب�صماتها على م�سيرة جبل عامل وم�ستقبل البالد والعباد في لبنان و�سوريا وفل�سطين �إلى الآن. ورغم مرور اثنين وت�سعين عام ًا على انعقاد هذا الم�ؤتمر ال�شهير ،ال يزال هذا 6
ةيبيحرتلا ةملكلا
الثبات متوا�ص ًال في موقف �أهل هذا الجبل �إلى الآن،حتى �أ�صبح الثبات �سم ًة خا�ص ًة بارز ًة في �أخالقياتهم ومناقبهم ال�سيا�سية ،وهل من باب ال�صدفة �أم �أنه ق�ضاء اهلل وقدره�،أن يكون وادي الحجير؛ تلك الواحة التي ُ�ض ِّمخت جنباتها بدماء المجاهدين ورائحة عزائمهم وعبروها ليكمنوا ،ولير�صدوا ،وليتم َّكنوا بعد 86عام ًا من تحطيم �أ�سطورة ال�صهيونية -ربيبة الإ�ستكبار الأمريكي -حتى تَت َّوج ذلك ن�صر ًا م�ؤ َّزر ًا في عدوان المعركة الكبرى ،عندما ا�صطاد المجاهدون ع�شرات الدبابات ال�صهيونية في ِ تموز .2006 �إن م�ؤتمر وادي الحجير لي�س حدث ًا عادي ًا عابر ًا في تاريخ جبل عامل والمنطقة؛ هو من نوع الأحداث التي يكون لها ما بعدها ،من التداعيات والنتائج ،بل يكاد المرء ي�صاب بالده�شة ل�شدة ت�شابه الأحداث ووحدة الم�سارات ،لك�أنَّ المرء �إذا ما ا�ستعاد مذهل في نوعية العنا�صر والمراحل والعناوين �شريط الأحداث يكاد �أن ي�شعر بتطابق ٍ ٍ وال�شعارات ،في لحظتين تاريخيتين فا�صلتين ،ما �أ�شبه الأم�س باليوم ! بل ما �أ�شبه اليوم بالأم�س. ألف واليوم ،لو �أجرينا مقارن ًة �سريع ًة على الم�شهدين -م�شهد الحجير عام ٍ � 1920 وت�سع مئ ٍة وع�شرين ،وم�شهد لبنان عام �ألفين واثني ع�شر -2012ود َّققنا في ركائز الهجوم الأميركي وال�صهيوني على المقاومة ونهجها و�سالحها ،ونوعية الم�شاريع والقرارات الدولية التي ِحي َكت وتحاك �ضدها ،وطبيعة الأ�ساليب الإعالمية التي ُيعمل تقارب يكاد يالم�س عليها في �سبيل �ضرب و�إخماد ُ�شعلة المقاومة ،لوجدنا �أنف�سنا �أمام ٍ اختالف في الأ�سماء والأ�شخا�ص والوجوه والكيفيات لي�س �أكثر. التطابق ،مع ٍ �إنَّ هذا ال�شعور بوجود خيوط وخطوط الإت�صال والتوا�صل بين تلك المرحلة وتلك اللحظة ،وبين هذه المرحلة وهذه اللحظة التي نعاي�شها الآن ،هو ما ح َّرك ودفع �إلى عقد هذا الم�ؤتمر في هذه اللحظة التاريخية ،وفي هذا المكان نف�سه ،وهو ما �أ�ضفى على لقائنا الفكري هذا «م�ؤتمر وادي الحجير» �أهمي ًة كبرى وقيم ًة خا�صة ولهذاِّ ، ولكل ما �سبق ،و�شعور ًا ب ِث َقل هذه الم�س�ؤولية� ،أُعلن با�سم اتحاد بلديات جبل عامل عن التفكير 7
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
و�سياحي ،يحكي ق�صة هذه البقعة وتراثي جهادي الجدِّ ي بم�شروع �إقامة وت�شييد َمع َل ٍم ٍّ ٍّ ٍّ المباركة وحياتها الن�ضالية والجهادية من وادي الحجير حتى الملحمة الكبرى في مجزرة الدبابات عام �ألفين و�ستة ،ويرويها للأجيال القادمة ،ويليق بقد�سية هذا المكان ويج�سد جمال المكان كمنطق ِة وتاريخه ال ُم�شرق ،ومناقبية وت�ضحيات �أبنائه الأعزاءِّ ، وقيم �أبناء جبل عامل في الغني بالمواقفَ ، �سياح ٍة خ�صبة ،وتاريخ المنطقة وتراثها َّ الثبات وال�شموخ والمقاومة. و�أخير ًا� ،أترك لأ�ساتذتنا وعلمائنا و�ضيوفنا الأجال ِء منبر الكالم ،و�أجدِّ د ال�شكر أخ�ص بال�شكر الجهة المنظمة لهذا الم�ؤتمر جمعية والترحيب ب�ضيوفنا الكرام ،و� ّ الإمام ال�صادقQلإحياء التراث العلمائي ،ب�شخ�ص الم�شرف عليها ع�ضو المجل�س المركزي في حزب اهلل �سماحة ال�شيخ ح�سن بغدادي ،و�آخر دعوانا �أن الحمد هلل رب العالمين ،وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
8
كلمة سماحة الشيخ حسن بغدادي
(((
راعـي م�ؤتمرنا �سـعـادة �سـفيـر الجمهـوريـة الإ�سـالميـة فـي بـيـروت الأخ الـعـزيـز الدكـتـور غـ�ضنفـر ركـن �أبـادي... أيها الحفل الكريم:
فـي الذكـرى الثانيـة والت�سعيـن على م�ؤتمر وادي الحجـيـر الـذي انعقـد نـهـار ال�سبـت فـي - 24ني�سـان 1920 -م ،وبرعايـ ٍة م�س�ؤولـ ٍة مـن ذلـك القـائـد الفـذ ،الذي كـان يتطلـع بنـور الب�صـر والب�صيـرة �إلـى مـا فيـه م�صلحـة هـذه الأمـة. كيـف ال يكـون كـذلك ،و�سلوكـه ونمـط تفكيـره ،وال�شهـادات التـي �صدرت بحقـه من كبار الفقهـاء فـي النجـف الأ�شرف كـال�شيـخ الأخونـد وال�شيـخ طـه نجـف ،بمجموعـها تد ّلل علـى مكانتـه العلميـة والإجتماعيـة وال�سيا�سيـة ،و�أن الرا ّد عليـه را ٌّد علـى اهلل تعالـى، وهـو علـى حـدِّ ال�شـرك باهلل عـز وجـل. قـرر الإمام �شرف الدين تـرك بلدتـه الجميلـة (�شحور) التي �سكـن فيهـا بعـد عودتـه مـن النجــف الأ�شرف ،وتوجه نحـو مدينـة �صور ،لأجـل بنـاء مدينـ ٍة ُت�ش ّكـل عنوانـ ًا جامعـ ًا، ((( ع�ضو المجل�س المركزي في حزب اهلل والم�شرف على م�ؤتمر وادي الحجير.
9
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
يجتمـع حولـه النـا�س مـن كافـة القـرى ،لرف�ض فكـر ٍة �أو للمطالبـة بح ٍـق. وهـذا مـا ظهـر في مواجهـة تداعيـات الحكـم العثمانـي ،فبعـد الـحـرب العـالميـةالأولـى ـ 1914م ،ا�ست�شعـر قائـد منطقـة �سوريـا ولبنـان وفل�سطيـن ال�سفـاح (جمال با�شا)َ ،مـي ًال مـن ِقبـَل النـا�س نحـو الحـريـة ،فعمـد �إلـى �أخـذ الرجـال �إلـى الحـرب ،ون�صـب المـ�شانـق، حتـى جـاع النـا�س ومـات البعـ�ض فـي الطرقـات. هنـا �أ�صدر ال�سيـد �شرف الـدين فتـوى تلـزم المـي�سـوريـن �شـرع ًا ،بـوجـوب المبـادرة إذن من �أحد� ،أو التمييز في �أ�صناف هذه �إلـى �إخراج �أخما�سهم وزكواتهم ،من دون � ٍ الم�ستحقة ،و�صرفها على الم�ستحقين فور ًا ،و�ش َّكل �سماحته لجن ًة من القرى كي ت�ساعد ه�ؤالء في �صرف الم�ستحقات على المحتاجين ،بما ي�ضمن �إي�صال الحق �إلى �أهله. كما وقف الإمام �شرف الدين مع �أخيه الفقيه الكبير ال�شيخ ح�سين مغنية في مواجهة اللجنة التح�ضيرية الأمريكية التي جاءت �إلى جنوب لبنان ،للإطالع على مزاج النا�س في جبل عامل ،هل هم مع �إقامة دول ٍة م�ستقل ٍة �أم ...الخ قاطع وهنا نجد �أن ال�سيد �شرف الدين ومعه �سماحة ال�شيخ مغنية قد رف�ضا ٍ ب�شكل ٍ نوع من �أنواع الو�صاية الأجنبية ،و� َّأي تجزئ ٍة للبالد العربية ،و�أ َّية م�ساعد ٍة مالية ٍكونها � َّأي ٍ تو�صل للو�صاية. بغ�ضب كذلك واجه الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ،مع �أهالي جبل عامل ٍ حد بات المحت ُّل عام ،قيام الإحتالل الفرن�سي ،وتفاقمت الأو�ضاع في جبل عامل �إلى ٍ ٍّ الفرن�سي يعمل على توتير الأجواء من خالل عمالئه من الم�سيحيين ،للو�صول �إلى فتن ٍة ُّ كبرى ت�شمل كل الوجود الم�سيحي والإ�سالمي في لبنان ،يكون الرابح الوحيد في هذه الفتنة هو الإحتالل الفرن�سي ،وتنزلق المقاومة في وحول الفتن الداخلية والمهاترات، وبهذا تت�شتَّت المقاومة وتنتهي. في هذا المناخ العا�صف كان الزعيم ال�سيا�سي كامل الأ�سعد يعي�ش م�أزق ًا ،نتيجة الأو�ضاع المتردية ،وكانت الع�شائر في المنطقة ال�شرقية على حد تعبير ال�سيد �شرف الدين ،تطالبه بتحديد موقفه مما يجري ،هل هو مع مطالبة �أهالي جبل عامل ب�ضم هذا 10
ةمظنملا ةهجلا ةملك
الجبل �إلى �سوريا الكبرى� ،أم مع بقاء جبل عامل تحت الإحتالل الفرن�سي ،وهنا �إذا جاء جواب الأ�سعد �أنه مع �سوريا الكبرى ،فهذا يلزم �أن يعادي الإحتالل والعمالء ،و�إن رف�ض فعليه �أن َّ لعقاب من المقاومة ،فكان المخرج له من هذا الم�أزق هو التفاهم مع يتح�ضر ٍ ؤتمر ُيخرج البالد من هذا الم�أزق ،كما يخرج الإمام �شرف الدين ،بالذهاب �إلى عقد م� ٍ معه الزعيم الأ�سعد من م�أزقه. عام ي�ضم ك َّل الفعاليات الدينية وبالفعل تم الإتفاق على الذهاب لعقد م� ٍ ؤتمر ٍّ بمقررات تنقذ البالد من م�أزقها وذلك في وال�سيا�سية والإجتماعية للت�شاور ،والخروج ٍ 24ـ ني�سان ـ 1920م ،ولكن خلفية ال�س ّيد �شرف الدين للدعوة للم�ؤتمر تختلف عن خلفية كامل الأ�سعد ،وبعد حوا ٍر حول المكانّ ،تم التفاهم على �أن يكون الم�ؤتمر في وادي الحجير ،للإعتبارات التالية: �أ-كونه يقع و�سط البالد ويربط الجنوب بال�شمال. قريب من ف�صل ال�صيف والنا�س يحتاجون �إلى الماء ،ومنطقة ب�-شهر ني�سان ٌ الحجير فيها ينابي ُع ونه ٌر وكثاف ُة �أ�شجار ،ومطاحن وهو المكان المنا�سب لهذا الجمع. ج -الإعتبار الثالث وهو الأهم الإعتبار الأمني ـ وخ�صو�ص ًا �أن قادة المقاومة ك�أدهم مكان خنجر و�صادق حمزة� ،سيح�ضرون هذا الإجتماع ،وبالتالي يحتاجون �إلى ٍ ي� ِّؤمن حمايتهم من الإحتالل وعمالئه. عام من خالل لقد ا�ستطاع الإمام �شرف الدين �أن يح ّول هذا الم�ؤتمر �إلى ا�ستفتاءٍ ٍّ خطاب �ش َّكل منعطف ًا مهم ًا في تاريخ جبل عامل ،وع ّبر عن الإن�سجام التام بين القاعدة ٍ واجتماعي للمقاومة و�سيا�سي �شرعي والقيادة ،كما تمكن هذا الم�ؤتمر من تقديم غطاءٍ ٍّ ٍّ ٍّ الم�سلحة� ،ض ّد الإحتالل الفرن�سي ،ولع َّل هذه النقطة هي نقطة الخالف والإفتراق مع الزعيم ال�سيا�سي ،الذي �أزعجه ح�ضور قادة المقاومة ،معتبر ًا ح�ضورهم ي�أخذ الم�ؤتمر مختلف عما �أراده. مكان �إلى ٍ ٍ خطاب �ألقاه الإمام �شرف الدين في ذلك الح�شد الكبير الذي يع ّبر عنه ال�سيد وبعد ٍ 11
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
�شرف الدين (لقد َج َلج َل الوادي) ،وخ�صو�ص ًا عندما �أط َّل هذا المارد عليهم ،بد�أت الهتافات وال�شعارات ،و�إطالق النار الكثيف ،وهنا كان ال ب َّد من �أن ي�ستثمر �سماح ُة ال�سيد هذا الح�ضو َر الهائل ،والحما�س ليتحدث �إليهم بما فيه م�صلح ٌة لهم ولبالدهم، وبتقديري كان الم�ؤتمر عبار ًة عن نف�س هذا الح�ضور وخطاب �سماحة ال�سيد �شرف الدين بهم ،ال�ستنها�ض الهمم ،وتحميلهم م�س�ؤولية مواجهة الإحتالل ،وحرمة الإنزالق باتجاه الفتنة الداخلية. وبعد الإنتهاء من الخطاب ،وكما يع ّبر �سماحة ال�سيد �شرف الدين في كتابه (بغية الراغبين) �أ َّنه ان�ضم �إلى خيمة العلماء ،والزعماء ،والأعيان ،للت�شاور والوقوف على ما يلزم الذهاب باتجاهه. وبعد الت�شاور مع العلماء والأعيان خرج الم�ؤتمر بالمقررات التالية: �أ -عدم الإنزالق نحو الفتنة الداخلية ب -رف�ض الإحتالل والهيمنة ج -المطالبة ب�ضم جبل عامل �إلى �سوريا الكبرى د -ت�شكيل لجنة من الحا�ضرين تذهب �إلى �سوريا للقاء الملك في�صل. لمر�ض كال�شيخ مغنية� ،أو وقد اعتذر �أكثر الحا�ضرين عن الم�شاركة بهذه اللجنة� ،إما ٍ لهرم ٍكال�شيخ مو�سى قبالن ،و�إن كان بتقديري ال�شخ�صي ،الأكثرية خافت من الإن�ضمام �إلى هذه اللجنة ،فالإحتالل كان ال يزال جاثم ًا ،وهو قاد ٌر على العقاب ،وبالفعل هذا ما حدث مع ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين عندما حرق داره ونهب مكتبه في �صور، ومع ال�سيد عبد الح�سين نور الدين كذلك ،وقد هربا �إلى خارج البالد ـ �إلى فل�سطين، عقاب لوال هذه اللجنة التي ت�شكلت من وكان من الممكن �أن يم ّر هذا الم�ؤتمر من دون ٍ ال�سيدين عبد الح�سين �شرف الدين ،وعبد الح�سين نور الدين ،وان�ضم �إليهما في �سوريا ال�سيد مح�سن الأمين. في الختام
�أيـها الـ�سـادة مـا �أ�شـبـه الـيوم بالبـارحـة ،فـهنـاك فـي لـبنـان مـن يـتـ�آمـر عـلـى المقاومـة وعلـى �سـالحـها ،ويتـهمـهـا بمـا فعلتـه وبمـا لـم تفعلـه ،وبمـا فعلـه الآخـرون ،و�أنـا �أ�ستعيـر 12
ةمظنملا ةهجلا ةملك
هـذه الجملـة مـن �سمـاحـة الإمام ال�سيـد مو�سـى ال�صدر عندمـا قـال« :ا ُّتـهمنا بمـا عملنـا، ـادم يحمـل وبمـا لـم نعمـل ،وبمـا فعلـه الآخـرون» ،مم ِّنيـ ًا هذا الفـريقُ النف َـ�س بحل ٍـم ق ٍ ـالم التـغيير فـي المنطقـة لم�صلحـة العـدوين الأمريكـي والإ�سرائيلـي ،ونقـول لـه معـه �أح َ هيهـاتَ �أن يتح َّقـق مـا تحلمـون بـه ،فلبنـان كـان عـ�صي ًا عندما كـان عودنا طر َّي ًا ،فكيف اليـوم وقـد غدا �أطفالنا عمالقة ،ومقاومتنا باتت تطال ُ بيارق بنادقها عنانَ ال�سماء، �أقلعوا عن حلمكم وعودوا �إلـى ر�شدكـم. و�إذا كـان وادي الحجير ممر ًا للحرية والمقاومة في ني�سان ـ 1920م ،فهو اليوم �أكثر حري ًة ومقاومة ،وخ�صو�ص ًا بعد الإنت�صار المد ّوي في تموز ـ 2006م ،عندما د َّمر �أبنا�ؤكم في المقاومة جبروتَ هذا العدو ،و�إذا كانت الم�ؤامرة قد ف�شلت من بوابة الحجير 2006م ،ف�سوف تف�شل حتم ًا من بوابة دم�شق ،وعلى جماعة �أمريكا �أن يقبلوا هذه الحقيقة .بتحقيق �شرق �أو�سط جديد ،يقوم على حماية الأمن الإ�سرائيلي ،وم�سك منابع النفط ،وتفتيت المنطقة ،ومواجهة الم ّد الأ�صولي. �أ�شكر ح�ضو َر راعي الم�ؤتمر الدكتور غ�ضنفر ركن �أبادي ،كما �أ�شكر ال�ساد َة العلماء، و� َآل �شرف الدين الم�شاركين ،وفي مقدمتهم �سماحة العالمة ال�سيد عبد اهلل نجل الإمام �شرف الدين ،كما �أ�شكر رئي�س كتلة الوفاء للمقاومة النائب الحاج محمد رعد ،وال�سادة النواب ،كما �أ�شكر رئي�س المكتب ال�سيا�سي في حركة �أمل الحاج جميل حايك ،وع�ضو هيئة الرئا�سة في حركة �أمل الحاج د .خليل حمدان ،والمنطقة الأولى في حزب اهلل، التي �ساهمت في نجاح هذا الم�ؤتمر ،و�أخ�ص م .المنطقة الأخ ال�سيد �أحمد �صفي الدين، خا�ص التحاد بلديات جبل عامل ب�شخ�ص رئي�سها الأخ الحاج علي الزين، �شكر ٍ وال ب َّد من ٍ وبلدية القنطرة ب�شخ�ص رئي�سها الأخ الحاج عبد الحميد الغازي ،على تعاونهم معنا ب�شكل يليق في �إقامة هذا الم�ؤتمر ،وبذلهم لكل الجهود في �سبيل �إحياء هذه المنا�سبةٍ ، ب�صاحب الذكرى ،كما �أ�شكر كل الفعاليات وال�سادة الح�ضور والإعالميين. وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
13
14
راعي المؤتمر ((( الدكتور غضنفر ركن آبادي
وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف الخلق و�سيد المر�سلين النبي الم�صطفى محمد وعلى �آله الطيبين الطاهرين المع�صومين و�أ�صحابه المنتجبين السادة الكرام:
ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته... بداي ًة �أحييكم و�أحيي البادر َة الطيب َة لجمعية الإمام ال�صادق Qلإحياء التراث العلمائي ب�شخ�ص الم�شرف على �أعمالها �سماحة المجاهد ال�شيخ ح�سن بغدادي ع�ضو المجل�س المركزي في حزب اهلل واتحاد بلديات جبل عامل في �إيقاد ال�شعلة العاملية ً تاريخا وتراث ًا وتكريم ًا للجهود والت�ضحيات التي ُبذلت في �سبيل تحرير الأر�ض واالن�سان. فلكل زمن ٍ رجاالته ...حيث ترت�سم على كل �أفق ٍ من �آفاق العالم اال�سالمي �أ�سما ٌء وعبقريات رفعتهم �إلى الأوج الأعلى من بمواهب لرجال معدودين امتازوا معدود ٌة ٍ ٍ َ �آفاقهم؛ ف�إذا �أ�سما�ؤهم كالنجوم الالمعة التي تتلألأ في ال�سماء ،فكان لهم من نبوغهم النادر ما يجعلهم � ً أفذاذا في دنيا الإ�سالم وقدو ًة ت�ش ِّكل مثا ًال خال ًقا حر ّي ًا ب�أن يحتذى ((( �سعادة �سفير الجمهورية الإ�سالمية
15
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
من قبل الجميع ...وفي الذكرى الثانية والت�سعين النعقاد م�ؤتمر وادي الحجير ،ال ي�سعنا � اّإل �أن نذكر علم ًا من �أعالم الدين ،هو العالمة المجاهد ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين...الذي كان الحار�س الأمين لحقائق الإ�سالم وم�صالح الم�سلمين؛ وهو العالم الرباني الذي ات�سم بالوعي والحكمة ،ولم يترك منا�سب ًة � اّإل وتق َّدم لإلقاء التعاليم الإ�سالمية والإن�سانية ،والمناقب الخلقية على قومه و�أتباعه حيث قرن من خاللها َ َ وهمومهم وتطلعاتهم حتى حقق م�شكالت النا�س ولم�س المثال بالواقع، ِ َ والقول بالعمل َ الح�ضور الإجتماعي والجماهيري ،وباتت حياته ال�شريفة تزخر بهذا النوع من الح�ضور الملتزم الجاد ،ومن الم�شاركة الفعلية في م�سيرة مجتمعه ،و�أ�صبحت حياته عبار ًة عن �صفحات متنوع ٍة من التفاعل مع النا�س ،وال�سهر على �ش�ؤونهم الإجتماعية والدينية ٍ ظروف وال�سيا�سية حتى ا�ستوطن بذلك قلوبهم و�أ�صبح قائدً ا لهم ،وحمل الراية في ٍ �سيا�سي ٍة وم�صيري ٍة �صعب ٍة جدً ا. أثيرات حاد ٍة ،نتجت عن لعبة التجاذب فطوال ٍ قرون ما�ضي ٍة ،تع َّر�ض لبنان لت� ٍ م�ست ما بين القوى ال�سيا�سية الكبرى في العالم ،و�أ َّدت �إلى ٍ تغييرات متوالي ٍة َّ حدوده وكيانه ،وو�ضعته تحت �سيطرة الحكم الع�سكري الفرن�سي .وهنا لم يقت�صر دور �سماحته على التبليغ وال�ش�ؤون الإجتماعية فح�سب ،بل امتد �إلى الن�ضال �ضد الإ�ستعمار في العهد التركي �أوال ً ،ثم العهد الفرن�سي ،وبعدها في �أيام الإ�ستقالل... وكان ن�ضاله امتداد ًا لحركات التحرير ،وارتقا ًء بها نحو كل ما يحقق العدل والحرية ِّ وتع�سفه وظلمه ،و�شرع يعقد ويوطد الأمن ،وقد �أخذ �سماحته ين ِّبه �إلى الإحتالل ّ الإجتماعات مع من كان يثق بهم ويتو�سم فيهم النجدة وال�شهامة والوطنية ،مح ِّفز ًا َ مواقف وطني ٍة م�ش ِّرف ٍة .وال �شك �أن الطبقة الروحية هممهم �إلى ما يرجوه للوطن من هي �أول من تط َّوع لأداء هذا الواجب وقد ر�أى �سماحته �أن يبد�أ بهم ،فت�شاور مع عام ُع ِقد في وادي موحد ٍة ي�سير عليها الجميع ،ودعاهم �إلى م� ٍ ؤتمر ٍّ العلماء على خط ٍة َّ الحجير ،وكان هذا الإجتماع الحافل والأهم ،حيث ح�ضره وجهاء وثوار جبل عامل في ني�سان .1920انعقد الم�ؤتمر وكان الهدف منه �إطالق المقاومة �ضد الإ�ستعمار 16
كلمة راعي الم�ؤتمر
وتق�سيم الوطن العربي ،ودعم ًا للحكم العربي الوطني ،وقد �ألقى �سماحته خطب ًة كانت مقاوم حيث و�ضع برنامج المقاومة و�ضوابطه داعي ًا �إلى تاريخي �سيا�سي بيان بمثابة ٍ ٍّ ٍّ ٍ الوحدة الوطنية واحترام الطوائف .كل هذه الن�ضاالت ال�سيا�سية والإجتماعية التي خا�ضها ال�سيد �شرف الدين قد َّ �سطرت المالحم الجهادية �ضد الأعمال العدائية التي ا�ضطلع الغرب بها ،و�ضد المطامع الم�ش�ؤومة التي حكمت حركته وامتداده، بالإ�ضافة �إلى قطع دابر العمالء والخونة .وقد كانت البالد الإ�سالمية الم�سرح الذي �شهد ُج َّل هذه الإنجازات والن�ضاالت... أيها األخوة األعزاء،
في المئة والخم�سين �سن ًة الأخيرة ،برزت �صفو ٌة من علمائنا الم�صلحين الملتزمين الكبار �أمثال ال�سيد �شرف الدين ،حيث ت�صدت بكل ما �أوتيت من عزيم ٍة و�صالب ٍة للهجوم العنيف الذي �ش َّنه الغرب على مختلف الأ�صعدة ال�سيا�سية والثقافية والإقت�صادية والع�سكرية .ورغم الفارق الزمني بينهم� ،إال �أنهم يف ِّكرون بالطريقة محمدPحيث محمد و�آل بيت ٍ نف�سها ويحملون المبادىء ذاتها ...كيف ال وهي مبادىء ٍ التزم العلماء الأجالء دوم ًا جانب الجماهير وال�شعوب المحرومة والم�ست�ضعفة .وهذا ما ر�أيناه �أي�ض ًا في الثورة الإ�سالمية المباركة ،حيث ح َّقق الإمام الخمينيMحلم وفجر �أعظم ثور ٍة في التاريخ المعا�صر و�أطاح ب�أكبر القواعد الإ�ستراتيجية الأنبياءَّ ، الغربية في منطقة ال�شرق الأو�سط ،رغم قوة �أمريكا في �إيران �آنذاك ونفوذها الذي ال ينكر ،ورغم ت�أييد ودعم الدول القوية في العالم للنظام ال�شاهن�شاهي الحاكم، فبث في روح النا�س العزة والكرامة ،ودعاهم �إلى ال�صمود والت�صدي للأعداء ،و�أخذ بيدهم �إلى �ساحات الجهاد المقد�سة دفاع ًا عن النهج الإلهي المق َّد�س .ونحن اليوم، في ِّ ظل القيادة الحكيمة للإمام الخامنئي} وحكومة الرئي�س محمود �أحمدي تم�سكنا بهذا النهج الإلهي المق َّد�س ،وبذل الغالي والنفي�س في �سبيل نجاد ،ن�ؤ ِّكد على ُّ �إحقاق الحق ون�صرة المظلومين والم�ست�ضعفين ودعم ق�ضاياهم الم�شروعة. 17
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر أخيراً،
في الذكرى الثانية والت�سعين النعقاد م�ؤتمر الحجير ،ن�ؤ ِّكد �أي�ض ًا على دعم المقاومة في لبنان ال�شقيق وفي فل�سطين ،حتى تحرير القد�س ال�شريف وتحرير كل بالد الم�سلمين من َد َن�س ال�صهاينة و�أعوانهم ،حتى ال تذهب دماء �شهدائنا الأبرار هدر ًا بل نكمل ما بد�أوا به ،هذا ما عاهدنا اهلل عليه وال نبدِّ ل تبدي ًال. وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
18
الجلسة األولى برئاسة الشيخ علي ياسين
(((
السيد حسين شرف الدين (أبو رائد)
(((
الموقف القومي في مؤتمر وادي الحجير
رجاالتنا ،قادتنا� ،إ�صالحيونا ،وقفوا حياتهم على حمل �أمورنا ،على توعيتنا، ومر�ض ،لإيقافنا على �ش�ؤوننا وهمومنا، وفقر �إنها�ضنا� ،إخراجنا من ظلمات ٍ ٍ جهل ٍ لدفعنا �أن نقوم �إلى ق�ضايانا ون�سير بها لرفعها ،لنفتح الطريق �إلى غد �أجيالنا ،يعني �أنهم ير�سمون لنا خطوط ًا نملأ ما بينها تجربة الفعل والتفاعل ،وم ّد ا�ستيعابنا لها، بحروف من نو ٍر ت�شع عبر الأجيال. وقدرتنا على تعميقها ٍ هؤالء هم ...أما نحن؟
معتمد على نتف �أخبا ٍر م�ستوعب دون ت�أمل ما يلقى ،ولذا نكون بين م� ٍؤيد نحن ..بين ٍ ٍ لمختلقات يرميها في دربنا المت�ضررون �أو متلق ٍ في ٍ ظالل �ضبابي ٍة عليها تاريخ ،وبين ٍ �أعداء النجاح .وبين هذا وذاك ،يخرج علينا من يندب ّ تاريخ ُ�سرق و�أُحرق و�أُ�ضيع. حظ ٍ ((( رئي�س اللقاء العلمائي في �صور. ((( حفيد الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين.
19
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
أحد ما ،وبالذهنية (الم�ستوعبية) عينها ،عدا �أننا ال تعب ،نلقي الم�س�ؤولية على � ٍ ودون ٍ نكون على م�ستوى الأبعاد القيادية �أو الإ�صالحية في �سير كبارنا ،مما يوقعنا على م�ساف ٍة بعيد ٍة عن الإقتداء� ،أو �أن يكون في الإقتداء الكثير من ال�سطحية. أ�سي�سي لنه�ضة �أم ٍة ُو�ضعت ركائزه الأولية في 24ني�سان نلتقي اليوم بمنا�سبة ٍ حدث ت� ٍّ �ضم علماء وزعماء ومقاوم ًة �شعبي ًة وجماهيرُ ،وعرف اليوم ،1920في لقا ٍء جماهيريٍّ �ضخم ّ ٍ با�سم مكان الإجتماع :م�ؤتمر وادي الحجير ،ك ّر�س لنف�سه قائد ًا هو ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ،بحيث اتحد الإ�سمان (المكان والقائد) عند كل من يعنيه وادي الحجير. كيف در�سنا ،نحن الجيل الثاني �أو الثالث ومن بعدنا� ،شخ�صية و�سيرة هذا القائد الذي و�ضعته الأحداث في مواقع ال�صدارة؟. الجانب الذي �أخذ اهتمام ًا حقيقي ًا هو الجانب العلمي ،ومنه ق�ضية ما ُ�سمي بفقه الإئتالف وفقه الإختالف ،ثم م� َّؤخر ًا� ،أخذ (المكان) ـ وادي الحجير ـ ينير �شيئ ًا من ال�سيرة ،فهل هذه هي �سيرته؟ يقول �إمامنا المحتفى بذكراه اليوم في ال�شهر الأول من ورده �صور (كانون الثاني ..( :)1908و�شكوت بثي وحزني وم�صيبتي :بما �أ ّنا ال جامع لنا ،وال مجمع ،وال جماعة، وال جمعية ،وال جمعة ،وال عيد ،وال �أذان ،وال عنوان ،وال مدر�سة ،وال ..وال ..يدخل أحد ،وال ي�سمع يح�س منهم ب� ٍ الأجنبي �صور ،وهي عنوان الإمامية في البالد العاملية ،فال ّ لهم ركز ًا[ )..البغية.]115/ عمل لواقع ،وفي الوقت عينه برنامج ٍ هذه الكلمات الموجزة تخت�صر فهم ًا وت�شخي�ص ًا ٍ كبير ،ق�ضى �سيدنا بعده خم�سين عام ًا ،فما موقع هذه الالءات من �سيرتهM؟ وكيف ٍ تتبعناها؟ وما هو �أثرها في حياة �صور وجبل عامل الثقافية والإجتماعية وال�سيا�سية، وبالتالي لبنان؟ �أعتقد �أنَّ من حقّ قادتنا الم�صلحين �أن ندر�س �سيرهم في ميادين وا�سع ٍة ،فهذا �أولى لتاريخنا �أن يحفظ و�أن يد َّون. يجدر بنا �أو ًال� ،أن نحدد الداللة في عبارة الإ�صالح وم�ؤداها العملي ،وكيف تنطبق على �سيدنا؟. 20
����������������������������������
(�ص َلح) لها ا�ستعماالتٌ متعدد ٌة في القر�آن ،وكذلك في مداوالتنا ،فهي في م�شتقات َ تقريب وجهات النظر ،وهي في الإر�شاد ،وفي الإيمان ،وفي الدعوة �إلى الخط ال�سليم، وترتقي حتى } َو َما َكا َن َر ُّب َك ِليُ ْهل َِك ا ْل ُق َرى ِب ُظ ْل ٍم َو�أَ ْه ُل َها ُم ْ�صل ُِحو َن{ [هود ]117ويمكننا من مختلف الإ�ستعماالت �أن نح ّددها في وجهين: 1ـ الإلتزام بالإ�صالح �سلوك ًا ذاتي ًا والدعوة �إليه. بعمل يدفع بالنا�س بنهج وحرك ٍة تطويري ٍة عملي ٍةٍ ، 2ـ حمل الإ�صالح فكر ًا نظري ًا م�صحوب ًا ٍ �إلى ق�ضاياهم وال�سير معهم ،متدارك ًا ما هو قائ ٌم ،وم� ّؤ�س�س ًا لما ي�أتي .وهنا يتجلى �إمامنا قائد ًا �إ�صالحي ًا. من الخم�سين �سنة �إ�صالح ًا� ،أقب�س جذوة الت�أ�سي�س لقواعد البناء القومي لجماع ٍة إن�سان في ذلك الزمان ،مو ّزعين في ال�صحراء وا�سع ٍة من النا�س ،تزيد عن 200مليون � ٍ جماعات تت�سلط أمارات و�إمام ٍة تحكمها عوائل منها� ،أو من م�شيخات بين ٍ و�سلطنات و� ٍ ٍ ٍ �سلطات خارجي ٍة بريطاني ٍة ،لها م�صالحها على منطق ٍة بالغزو ،وجميعها تقع تحت ٍ الإ�ستعمارية ال�ستغالل ثروات البالد الطبيعية� ،أما ال�سلطة العثمانية فهي �أحيان ًا كثير ًة مت�أرجح ٌة وقلق ٌة. في المنطقة الح�ضرية من الم�شرق العربي ،من بالد الرافدين �شرق ًا حتى عري�ش وعائالت إقطاعات لع�شائ َر م�صر غرب ًا ،فحكوم ٌة لل�سلطنة العثمانية ظاهر ًا ،وموزع ٌة � ٍ ٍ لها وجودها في مناطقها ،كما تتناو�شها ال�صراعات التي تحدث من الداخل العثماني (مملوكي ـ �سلجوقي ـ فاطمي ـ �أيوبي و�سواها) ومن الخارج ال�شرقي المغول ،والغربي ال�صليبيون. ٌ �أما ال�شمال الأفريقي ،فله و�ض ٌع مختلف عن هذا وذاك ،وتتنازعه داخلي ًا عائالتٌ �أغلب �أق�سامها محكوم ٌة ب ُ�أ َ�س ٍر علوي ٍة من ذرية الإمام الح�سن بن علي .Qوم�صر تديرها عائل ٌة بولونية الأ�صل ..والجميع خا�ض ٌع �إما ل�سلطة بريطانيا �أو فرن�سا �أو �أ�سبانيا �أو �إيطاليا �أو البرتغال. العربي في حياة �سيدنا ،و�إن لم يكن وا�ضح ًا القومي من هنا كان اختيار الجانب ِّ ِّ 21
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
أ�س�س قومي ٌة ،يق�صد بها كامل الوطن العربي من محيطه حتى عندي �إن كان في طرحه � ٌ خليجه ،وما كان يعنيه الن�شيد: ب�����ل�����اد ال���������ع���������رب �أوط���������ان���������ي م�����������ن ال�������������������ش���������ام ل������ب������غ������دان وم�����������ن ن������ج������د �إل��������������ى ع������دن
�إل������������������ى م�������������ص������ر ف������ت������ط������وان
�أم �أنه يح�صر الوحدة في م�شرق الوطن العربي ،وهو ما قد طمع به ال�شريف ح�سين في خروجه عن ال�سلطنة العثمانية ،واتّباع الخدعة البريطانية ،بمملك ٍة عربي ٍة ير�أ�سها هو، ويوزعها �أربع ممالك يديرها ٌ ملوك �أبنا�ؤه :في�صل في �سوريا ،وعبد اهلل في العراق ،وزيد في اليمن ،والعا�صمة الأ�سا�سية الحجاز ب�إدارة علي ،ومركزه هو فيها (ملك الملوك) حامي ًا للحرمين ال�شريفين و�أمة الحرمين ال�شريفين. مهما كان الأمر ،ف�إنني �أحدد حديثي الآن ،في هذه الجل�سة ،ب�أن �أختار هذه النقطة جانب لها عالق ٌة بت�شتت الأمة ،بعد تجزئة �أر�ضها ،على من حياة �سيدنا ،لأنها من ٍ ثقافات لي�ست من �أ�صالتها ،وهذا ما �ش َّكل يتم الت�شتت على �إثر تحميل الأجزاء ٍ �أن ّ الجانب القومي من فكره ،و�أبرز ال�شكل الإداري للدولة المرغوبة �آني ًا ،وللدولة المرتجاة م�ستقب ًال ،مع مالحظة ما يمكن �أن يقوم بوجهها من �أمو ٍر مق ّدر ٍة وغير مق ّدر ٍة ،مما قد وحدوي ُ�أ ّ�س�س بين أمر ٍّ ي�سمح بحرك ٍة وحدوي ٍة جزئي ٍة ،وعليه نم�شي مع ًا فيما كان من � ٍ 1919و.1920 و�إن اتخذنا العامل القومي عنوان ًا في ذكرى الحجير ،لما في الحركة المحيطة يتوحد حولها العمل العام �شعب ًا في تلك الظروف من دواف َع ذاتي ٍة ،ودواف َع مو�ضوعي ٍةّ ، وقيادات ،لمقارعة الدواهي المقبلة �إلينا بكل عنا�صر القوة الدولية ،من ع�سكري ٍة ٍ وا�ستيطان هو الأخطر في الإ�ستهدافات أغرا�ض وم�صالح ،و�أطماع ا�ستثما ٍر ٍ و�سيا�سي ٍة و� ٍ جانب في: المنظورة في الأيام المحيطة ب�أيام الحجير ،والظروف مواتي ٌة للطامعين من ٍ إ�شكاالت 1ـ القرب من بلوغ الأهداف التي �أ�س�ست لها عملية الت�شكيالت المجتمعية من � ٍ طائفي ٍة في جبل لبنان ،درزي ٍة -ماروني ٍة ،بين �سنتي 1861 - 1840حتى انتهى �إلى 22
����������������������������������
م�ستقل با�سم المت�صرفية. كيان تجزئة الجبل �إلى هيئتين �إداريتين ،ثم جمعهما في ٍ ٍ 2ـ تب ّني ٍّ كل من الأطراف الأوروبية الرئي�سة (فرن�سا ـ �إنكلتر ـ رو�سيا) مجموع ًا طائفي ًا بوجود �إيطالي طيب ٍ (كثالكة ـ دروز ـ �أرثوذك�س) حماي ًة ودعم ًا .دون �إهمال نكهة ٍ ونم�سوي متفرجين من الداخل. 3ـ في الوقت الذي كانت تجري الإعدادات التجزيئية في الأر�ض ال�سورية ـ �أر�ض ال�صراع على الم�شرق منذ القدم ـ من خالل الخا�صرة الرخوة (جبل لبنان) ،في الوقت عينه كيانات قومي ٍة �إنف�صالي ٍة عن ال�سلطنة العثمانية من خا�صر ٍة رخو ٍة كانت عمليات خلق ٍ �أوروبي ٍة ،كانت تعرف ببالد البلقان( ،)1التي ا�ستقلت عن ال�سلطنة العثمانية بين زمني مع القرنين التا�سع ع�شر والع�شرين ،و�آخرها كانت بلغاريا �سنة ،1909 ٍ بتقارب ٍّ عربي ،وقد �س َّرع ب�إن�ضاجها وتوقيت �إعالنها �إعداد الأر�ض العربية لحركة ٍ ا�ستقالل ٍّ الإعدامات التي �أجراها جمال با�شا في دم�شق وبيروت �سنة .1916 ٌ قائمة �أي�ض ًا وتف ِّعلها: من جانب المحيط العربي ،فالدوافع الذاتية والمو�ضوعية
الموجهة لبنية ال�سلطنة العثمانية� ،أو لم�س َّمى الخالفة الذي تتلب�سه 1ـ الإ�ستهدافات َّ ال�سلطنة� ،إن كان من الدول الأوروبية المتحالفة التي ذكرنا� ،أو من مح ِّركها الأفعل، ال�صهيونية العالمية ،التي وجدت مبررات عملها المك�شوف برف�ض ال�سلطان عبد الحميد هجرة اليهود �إلى فل�سطين ،مع الإغراءات المادية والمعنوية الكبرى التي كانت تق َّدم له ،ومنها تغطية كامل الديون التي على الدولة ،م�ستح َّق ًة وم� َّؤجلة الدفع. و�سيا�سي ،وال �أ�ستبعد انتقاء إعالمي ا�ستهداف � هذا الرف�ض الذي �أوقعه نقطة ٍ ٍّ ٍّ مجزرة الأرمن في تركيا من نف�س ن�سيج حكاية محرقة الألمان لليهود ،وبالأ�سا�س ف�إني �أتق َّبل القول بيهودية �أتاتورك وهو من (�سالونيك) ،البلدة التي ت� َّأ�س�س فيها �سري متعاو ٌن مت�ضامنٌ متكاف ٌل لليهود الذين �أطلق عليهم ا�سم (جديدي ت�شكي ٌل ٌّ الإ�سالم)� ،إذ يتظاهرون بالإختالط والعقيدة في الأو�ساط والمنا�سبات الإ�سالمية، وفي ما بينهم ممار�ساتٌ ووقائ ُع �أخرى .وال �أ�ستبعد �أي�ض ًا �أن يكون هذا الت�شكيل قد 23
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
�أغناهم عما درجوا عليه من ظهور (متنبئين) درج عليها اليهود من ال�سنة الثالثة والثالثين من غياب الم�سيح Qحتى القرن ال�ساد�س ع�شر ،ن�ضوج �أ�س�س التنظيم ومهامه وخططه ،في �سالونيك فتوقفت حركة التنب�ؤ والتهييج للعودة �إلى �أور�شليم منذ ذلك الحين. ب�شعارات تق ُّدمي ٍة ،رغب فيها العرب فان�ض ُّموا �إليها ،و�إذا 2ـ قيام حزب الإتحاد والترقي ٍ هي عن�صر َّي ٌة ،ب�أ�شد ما تكون تع�صب ًا للعن�صر التركي ،فا�ضطهدت بق�ساو ٍة ،ب�أ�شد مما كان يتهم به عبد الحميد ،فتو َّزع العرب بين جمعيات المنتدى الأدبي ،والعربية الفتاة و�سواهما .ون�شطت على كامل م�ساحة الوعي العربي� ،إعالم ًا وتفريع ًا. 3ـ بداية ظهور �أن�شط ٍة حزبي ٍة لها توجهاتٌ مختلف ٌة �إبتدا ًء من �سنة 1870ميالدية ،وتلك هي فترة والدة ما ُعرف بع�صر النه�ضة ،وكانت التوجهات تتباين انعزا ًال وانفتاح ًا. 4ـ ن�شوء هذه الأحزاب في �أعقاب مجيء البعثات التب�شيرية الأميركية في ع�شرينات القرن التا�سع ع�شر ،ولحاق التب�شير الكاثوليكي الفرن�سي في ثالثيناته ،والإنعكا�سات جمعيات تعليمي ٍة أح�س بها �إ�سالميو بيروت في �سبعيناته وت�أ�سي�سهم ٍ ال�سلبية التي � َّ مواجه ٍة لتلك ،مع تولي مدحت با�شا الم�شهور عنه �أنه �أبو الد�ستور� ،إدارة لبنان و�سوريا في نف�س الفترة ،وهو وا�ضع برامج وزارة المعارف العثمانية ،فوجد في جمعية المقا�صد ما يتنا�سب مع نظرته فدعم ن�شاطها. 5ـ قيام جمعيات الكلية ال�سورية الأميركية (الجامعة الأميركية حالي ًا) ،من �أ�ساتذة اللغة العربية الكبار (ب�ستاني ـ يازجي) مع �شيءٍ من الطرح العروبي ،والتي �أ ّلفت الجماعة المتنورة حولها. هذا كله و�سواه ،وربط الثقافة والح�ضارة والتقدم به�ؤالء القادمين (لتحرير البالد) من الرعب والخوف والتخلف ،من جه ٍة ،والإرتباط الديني الذي ال ير�ضى عن الخالفة تهم بالظلم الواقعي �أو بدي ًال ،مع رغب ٍة �شديد ٍة ب�أن ترفع عن نف�سها ما ينالها من ٍ تباينات في الر�أي الم َّدعى ،كل هذا �أوجد وبالخ�صو�ص في الجزء اللبناني من �سوريا، ٍ �شديد ًة جد ًا. 24
���������������������������������� عند المفرق الصعب
يعنينا مبا�شر ًة في حديثنا ،ما يحيط بنا ،بر ال�شام؛ �ساح ًال وجب ًال ،وهو ما �صار جمهورية لبنان بعد �أن ثبت الإ�ستعمار ،وبعد �أن ا�ستق َّر التفاهم على حدوده بين الدولتين الم�ستعمرتين (بريطانيا وفرن�سا) ورفع ا�سم لبنان الكبير. طائفي هو أ�سا�س المجموعات الب�شرية التي كانت ت�سكن هذه المنطقة ت�ش َّكلت على � ٍ ٍّ تجاذبات في الإعداد للقائمقاميتين ،ثم المت�صرفية ،ولكن الجماعة �أقرب لما كان من ٍ الم�سيحية �أو ما يطلق عليها د.ع�صام خليفة(« )2ال ُّنخب» كانت تقدم م�شاريعها �أو طروحاتها لإقامة لبنان الم�ستقل �ضمن ر�ؤي ٍة وا�ضح ٍة عند فئاتها للحدود الجنوبية ،و�إن اختلفت فيما بينها� ،إذ منهم من ح�صر لبنان بحدود المت�صرفية ،ومنهم من تعداها فجعلها حتى الأولي ،و�آخر �إلى الزاهراني ،وثالث �إلى الليطاني ،ورابع حتى ر�أ�س الناقورة. ولم حدود لبنان الجنوبية وحدها التائهة بين (النخب) ،وللحدود مراجع ووثائق َ خطوط وهمي ٍة �أقام مبررات للحدود ،لي�ست �أكثر من تاريخي ٌة معروف ٌة� ،أما ما وقفنا على ٍ ٍ عليها �أفرا ٌد حدود ًا وهي: ()3 جغرافي ،و�إعادة لبنان �إلى حدود الأمارة حيوي 1ـ توفير مدىً ٍّ ٍّ 2ـ التمثل ببالد البلقان التي �أمنت حدود ًا �أر�ضي ًة مالئم ًة لحدودها(.)4 3ـ حل م�س�ألة النمو الديموغرافي والهجرة باتجاه مناطق �أكثر خ�صب ًا(.)5 وهكذا الأقلية من النخب الم�سيحية ،فكانت ترى وحدة �سوريا لبنان بخ�صو�صي ٍة مميز ٍة� ،أو ب�سوريا مع و�صاي ٍة فرن�سي ٍة ،حتى يطلع علينا بتوحيد �سوريا مع م�صر وت�شكيل خالف ٍة عربي ٍة ،ي�ؤ ِّيد هذا جماع ٌة من النخب الإ�سالمية ،وكلهم ممن يعي�ش في م�صر، ويدعو للفكرة �إعالمي ًا بجريدة المقطم. �أما النخب الإ�سالمية (�سنة ـ دروز) فتطلب الإمبراطورية العثمانية في �إطا ٍر إ�صالحي ،وبين الإ�صالح والإ�ستقالل التام للبالد العربية� .أما ال�شيعة فلي�س لهم ذك ٌر � ٍّ �إال الإ�شارة في �ص 53/من كتاب خليفة (و�أمام لجنة كينغ ـ كرين) تك َّلم با�سم جبل عامل ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ،فطلب وحدة �سوريا بحدودها الطبيعية التي 25
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ت�ضم ق�سميها الجنوبي (فل�سطين) والغربي (لبنان) ،وكل ما يعرف ببر ال�شام ...كما �أن م�ؤتمر وادي الحجير الذي ح�ضره عين ٌة كبير ٌة من وجهاء ال�شيعة في الجنوب ،من أدب وقادة مقاوم ٍة ،قد قرر الإن�ضمام �إلى الوحدة ال�سورية والمناداة دين و�سيا�س ٍة و� ٍ �أهل ٍ بفي�صل ملك ًا ،وهذا الخبر مرجعه �أطروح ٌة جامعي ٌة ولم يكن مطروق ًا. ن�صو�ص �أخرى �سنقف في الن�ص �أعاله لي�س هنالك تعيين حدود ،ولكنا نجده في ٍ عليها .ولكن الكتاب نف�سه ينقل في �ص 27/تحديد ال�شيخ علي ال�سبيتي لجبل عامل ،وهو ما يتم�سك به العامليون« :حد جبل عامل القبلي :النهر الم�سمى بنهر القرن الجاري �شمالي طير �شيحا �إلى البحر جنوب قرية الزيب ..و�شما ًال الم�سمى بالأ َّولي ..ومن الغرب البحر المتو�سط ،ومن ال�شرق� ،أر�ض الخيط �إلى الوادي الم�سمى يعوبا �إلى نهر الغجر فالحولة»... الحركة التي دارت في �أجواء عاملة ،خالل �سنتين ،طويلة الليل ،داكنة الف�ضاء، غنية الحملِّ ، مت�سارع ،ف�صافرة النهاية لم تحن، مت�سرع وال أمر ،ولكنه غير تب�شر ب� ٍ ٍ ٍ وال تزال بقي ٌة ملحوظ ٌة للدقائق الت�سعين من نهاية ال�شوط الثاني .فالمهم �أن يكون قد �أُحكم الإعداد .وهذا الإعداد هو مو�ضوعنا «عاملة والت�أ�سي�س القومي» ا�ستيحا ًء للمدار الإتحادي والتوحيدي للتحرك ،والمقررات والتوجهات التي كانت وا�ضحة المعالم بم�شروعها المنبثق من ذات الأمة ،والمنطلق من مو�ضوعيتها ووعيها لحاجاتها التي تعاهد بريطاني مع ال�شريف ح�سين� ،إذ فر�ضت �أن ت�أخذ م�سار ًا لي�س هو مما كان من ٍ كان مقرر ًا للمملكة �أن تمتد من �سوريا حتى اليمن ،مرور ًا بالعراق ونجد والحجاز ،و�إذا اتحاد �أو وحد ٍة. نحن �أمام مملك ٍة �سوري ٍة م�ستقل ٍة ومنفتح ٍة على ٍ لي�س بين �أيدينا ،كما �أننا لم ن�سبق ب�أن الأمر كان من ُل َعب الأمم التي تغ ِّير بالم�سارات تحليالت تاريخي ٍة. أبحاث وال وتبدِّ ل بالإتجاهات .ال في ٍ درا�سات وال � ٍ ٍ يمت �إليه ب�إجاب ٍة �أقف كبير في هذا ،ولكنني مع فقدان كل ما ُّ �صحي ٌح �أنني �أمام ت�سا� ٍؤل ٍ جانب فيه ت�شكيل دول ٍة قومي ٍة تتوفر فيها كامل المقومات، منه مو�ضوعي ًا ،ف�أعتبره من ٍ ولو نظري ًا ،لأن تكون الدولة النموذج القطب ،وبالخ�صو�ص �إذا �شكلت مع العراق وحد ًة ولو جزئي ًة. 26
����������������������������������
إبعاد عن م�ضمون التعاهد مع ال�شريف ح�سين تحقيق ًا هذا �إن لم يكن في الأمر عملية � ٍ لمبد�أ الإنتداب الذي ينتهي �إلى �سايك�س ـ بيكو ،و�صو ًال لما نحن فيه اليوم ولما ال نعهد بعده. مرجعية الحدود
مهما جاءت التبريرات التي ذكرت للحدود الجنوبية ،ف�إننا ال ن�ستطيع �أن نخرج العترا�ضات بريطانية، تعديل ٍ خطوطها الأ�سا�سية من خرائط فرن�سية ،وما كان عليها من ٍ كانت تراعي رغبة ال�صهيونية العالمية التي نقلت تطلعاتها من حدود التمنيات والإقناع ال�سيا�سي� ،إلى طور التنفيذ العملي ،الذي كان له الأثر الف َّعال فيما بلغته الإتفاقات النهائية بين الدولتين المحتلتين (بريطانية وفرن�سا) ،وهي المر�سومة على الورق، والذي �أُعلن بوعد بلفور في ت�شرين الثاني ،1917و ُن ِّفذ جزئي ًا �سنة ،1948وال يزال منه ال�شيء الكثير ليعمله. وما هو ثابتٌ قو ًال ،و ُعمل له فع ً بني على ثالثةٍ: ال َم ٌّ 1ـ ير ِّكز هرتزل في مذكراته على جنوب لبنان وجبل ال�شيخ ،نظر ًا لأهميتهما الإقت�صادية والع�سكرية ،وعلى احتوائهما على م�صادر المياه ال�ضرورية لتطوير الحياة الإقت�صادية والإجتماعية في فل�سطين. 2ـ اعتبر جاكوب�س في كتابه (�أر�ض فل�سطين) المطبوع باللغة الألمانية � 1909أنَّ جبل لبنان هو الحدود ال�شمالية. 3ـ في عام � 1917أ�صدر (بن غوريون) و(بن زفي) كتابهما «�أر�ض �إ�سرائيل» ،فاعتبرا مت�صرفية جبل لبنان هي الحدود ال�شمالية للدولة اليهودية ،وهي نف�س حدود جاكوب�س. مذكرات ومقررات
حال فنحن ن�أخذ بما هو بين �أيدينا ونعتمدها منطلقات بحث ،وال نختلق في �أي ٍ افترا�ض ال �أ�صل له .وما يعنينا لمنا�سبة اليوم ،ذكرى م�ؤتمر ما لي�س كائن ًا لنبحث في ٍ 27
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ببنود من المذكرة الم�س َّلمة �إلى لجنة الإ�ستفتاء الأميركية وادي الحجير ،1920ابتدا ًء ٍ المعروفة بلجنة كينغ ـ كرين في � 5شوال 1337هـ -4تموز 1919م. �أـ ال نر�ضى بغير ا�ستقالل �سوريا التام الناجز بحدودها الطبيعية التي ت�ضم ق�سميها الجنوبي (فل�سطين) ،والغربي (لبنان) ،وكل ما يعرف ببر ال�شام دون حماي ٍة �أو و�صاي ٍة (البند الأول). ب ـ ال حق �إطالق ًا لما ت َّدعيه فرن�سا في �أي بقع ٍة من �سوريا ،وال نقبل � َّأي م�ساعد ٍة منها (البند الرابع)[.بغية الراغبين]453/ من مقررات مؤتمر الحجير 5شعبان 1338هـ 24نيسان 1920م
1ـ ت�أييد مقررات الم�ؤتمر ال�سوري في رف�ض تق�سيم �سوريا والإنتداب الفرن�سي ،و�إعالن الدولة العربية في �سوريا ،وتتويج في�صل ملك ًا عليها. 2ـ ان�ضمام جبل عامل للدولة العربية (الوحدة ال�سورية) ومبايعة الملك في�صل على تطهير البالد من الإحتالل الفرن�سي[ .بغية الراغبين]441/ المؤتمر السوري
وحدة الكلمة كانت الأ�سا�س في وحدة الموقف والهدف ،وهذا يبدو من البند الأول ني على مقررات الم�ؤتمر ال�سوري ،مع العلم �أن من مقررات م�ؤتمر وادي الحجير� ،إذ ُب َ هذا الم�ؤتمر الذي انعقد في دم�شق قد الحظ �ضرورة التوا�صل مع الجميع مبا�شر ًة (وفي 2تموز 1919كانت جل�سته الثانية (الم�ؤتمر ال�سوري) مخ�ص�ص ًة للبحث في توحيد المطالب العربية �أمام لجنة الإ�ستفتاء ،وقد ُعممت على المناطق ال�سورية ،بما فيه جبل عامل ،فكانت في �أ�سا�س لوائحه �أمام اللجنة الأميركية في �صيدا و�صور ،في 10تموز .)6()1919 �أما �أهم المقررات ،كما وردت في نف�س المرجع وال�صفحة ،فننقلها حرفي ًا لأنها مكان ،وهي: تت�صل بمو�ضوعنا في �أكثر من ٍ 1ـ الإ�ستقالل التام الناجز للبالد ال�سورية بدون حماي ٍة �أو و�صاي ٍة. 28
����������������������������������
2ـ حكوم ٌة ملكي ٌة نيابي ٌة ال مركزية ،برئا�سة الملك في�صل ،تحفظ حقوق الأقليات. 3ـ الإحتجاج على كل معاهد ٍة تق�ضي بتجزئة البالد ال�سورية. 4ـ رف�ض المادة 22من عهد جمعية الأمم التي ُتدخل العرب تحت الإنتداب. 5ـ قبول الم�ساعدات الفنية والإقت�صادية من �أميركا �أو ًال� ،أو من بريطانيا ثاني ًا ،وعدم الإعتراف ب�أي حقٍّ ت َّدعيه فرن�سا في البالد ال�سورية. 6ـ رف�ض مطالب ال�صهيونيين بجعل فل�سطين وطن ًا لليهود ،ورف�ض الهجرة اليهودية �إليها. 7ـ الإ�ستقالل التام للقطر العراقي. مالحظة:
نالحظ وحدة الروح للنقاط الرئي�سة بين المذكرة ومقررات وادي الحجير من جهة، وا�ضح عند النقاط الح�سا�سة التي ت�ستدعي تعديل وبين مقررات الم�ؤتمر ال�سوري مع ٍ ٍ تحديد ًا يخرجها من العمومية ،مث ًال: 1ـ البند ال�ساد�س في الم�ؤتمر ال�سوري الراف�ض لمطالب ال�صهيونية ،ف�صيغتها في مذكرة بحث ،والمو�ضوع هو اللجنة تهمل وجود مطالب لل�صهيونية ،وك�أنها لي�ست مو�ضوع ٍ الإ�صرار على رف�ض ما يدور �سر ًا �أو علن ًا حول فل�سطين ولبنان ،و�أنهما جزءان �سوريان ،وال �شيء �آخر. وواجبات. 2ـ �إلزام الدولة الملكية النيابية بالعدالة والم�ساواة للجميع كاف ًة حقوق ًا ٍ حقوق ،فحفظ الحقوق للجميع مفرو ٌغ منه، 3ـ مو�ضوع الأقليات لي�ست مجرد حفظ ٍ وباعتبار �أن الأقليات في جبل عامل ،والذين ت َّدعي فرن�سا �أنها �آتي ٌة لحمايتهم، فتحمل �إلينا خطبة الم�ؤتمر ن�ص ًا هو من �صميم التربية القر�آنية�( :أال و�إن الن�صارى �إخوانكم في اهلل)[البغية ]440/وك�أني به (طاب ثراه) اعتبر الثالوث (الأب والإبن وروح القد�س) من �ش�ؤون الكالم و�أبحاث الالهوت ،و�أخذ بالن�ص على (�إله واحد)، ولذلك اعتبرهم �إخوان ًا في اهلل ،ولي�سوا �أ�شباه ًا في الخلق ،وعليه ا�ست�شهد بالآية 29
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
الكريمة } َولَت َِجد ََّن �أَ ْق َربَ ُه ْم َم َو َّد ًة�({..س .المائدة �آية )82وعليه ر َّكز على م�ساواتهم بالروح والمال. كلي لبريطانيا ،وكيف ال 4ـ البند الخام�س في المذكرة للجنة الإ�ستفتاء ،فيه �إهما ٌل ٌّ يكون ،وهي �إحدى الدولتين المنتدبتين ،وال تختلف م�صالحها ومطامعها عن ثالث ،ثم هي اقتطعت لنف�سها طرف ٍ فرن�سا ،كما �أنهما ال يمكن �أن تختلفا ل�صالح �أي ٍ فل�سطين من �سوريا ،يعني �أنها �ستحقق وعد بلفور ،وزير خارجيتها ،بالوطن اليهودي حرب في فل�سطين ،كما �أن ال�شيعة في العراق ،وبقيادة مراجع ال�شيعة الكبار ،في ٍ مع بريطانيا وبنف�س الفترة الزمنية التي احتلت فيها لبنان �أو قبل ،وال ي�ستطيع �أن يهمل هذا في ح�سابه .فلذا جاء البند الخام�س مهم ًال ذكر بريطانيا ،وفيه �شي ٌء من الإلتفاف على �صيغة الم�ؤتمر ال�سوري بالن�سبة لأميركا� ،أو �شي ٌء من التمييع�( :إذا كان ال ب َّد ل�سوريا من م�ساعد ٍة ،ف�إن الرئي�س (ول�سون) قد فتح باب ًا لطلب الم�ساعدة من �أميركا ،وذلك ب�إعالنه �أن دخول الحرب �إنما كان للق�ضاء على فكرة الفتح والإ�ستعمار) [بغية.]454/ التفويض
ولنا �أن نقف على ِّ حق الإمام �شرف الدين بتقديم المذ َّكرة ،ثم ب�إدارة الم�ؤتمر والتكلم با�سم الحا�ضرين علماء وزعماء ومقاومين وجماهير ،ففي هذا يقول (طاب ثراه) (�أوكل �إلينا �أن نم ِّثل الأمة العاملية في جماع ٍة ممن يالب�سون ال�سيا�سة ،ويعملون في حقولها ،واجتمعت �إلينا �أختام العلماء والوجوه والمختارين من مختلف البالد العاملية، ثق ًة منهم بكل ما نقوله با�سمهم ،واعتراف ًا ب�صحة ما نعمله في �سبيل م�صلحتهم) ويتابع برقيات ،و�أر�سلنا عرائ�ض ع َّبرت عن �آمال البالد و�أمان ّيها في جالء يومئذ (وط َّيرنا ٍ ٍ فرن�سا عنا ،واعتزالها الحكم فينا)[ ...بغية.]147/
30
���������������������������������� الحضور العاملي الدائم
نعود �إلى الفترة التي كان فيها هذا التفوي�ض والقيام بمقت�ضياته ،والظروف الحرجة والع�صيبة كان فيها التكليف ،وكانت القيادة الملبية للنداء ،وفي هذا فوجيء في�صل بعقبات فرن�سي ٍة تحول دون ح�ضوره م�ؤتمر ال�صلح با�سم كل العرب ،و�إنما با�سم مجدد ًا ٍ ملك الحجاز� ،أو الوفد الحجازي فح�سب ،لذلك ا�ضطر الأمير �إلى تعزيز تمثيله العربي َ وعرائ�ض �شعبي ًة �سوري ًة عاجل ًة تنتدبه لتمثيل ال�سوريين في برقيات ال�سوري ،فطلب ٍ م�ؤتمر ال�صلح. (وكان العامليون من �أوائل المل ِّبين بع�شرات العرائ�ض ال�شعبية ،على الرغم من المالحقات الع�سكرية الفرن�سية ،هذا فيما َّ ٌ تفوي�ض مماث ٌل من �شعب جبل لبنان تعذر وفل�سطين لممانعة ال�سلطات الفرن�سية والإنكليزية) [جبل عامل .]143/ وما كانت هذه الممانعة لتنال من المنعة العاملية (وكان من ذلك �أن عزم الفرن�سيون، وعزمت ذيولهم �أن يتخل�صوا مني عن طريق الإغتيال لتنهار هذه الجبهة �إذا خلوت من الميدان)([ )7بغية.]149/ أمن من �صور منزل يروي �سيدنا كيف اقتحم �ضابطان فرن�سيان يتقدمهم م�س�ؤول � ٍ اللبناني ركل ًة �ألقته �أر�ض ًا الإمام (والدار خالي ٌة من الرجال) ،وهجم عليهم فركل َ ف َّر على �إثرها ال�ضابطان ،والقى اللبناني الواجب الالزم الذي �أخرجه من فعلته �إلى اال�ستقالة ف�إفريقيا ،حيث امتهن في �أدغالها تربية الخنازير. وما كان من حاكم �صور الفرن�سي «دلب�ستر» �إال �أن جاء متن�ص ًال مما حدث ،ويعلق �سيدنا (والم�ؤ�سف �أِ�شد الأ�سف �أن داءنا القديم ،داء الإنق�سام والح�سد والنفاق ،بدت المتزعمين الذين �أ�شهدناهم �أعرا�ضه من تلك الفترة ،وظهر في الميدان نف ٌر من ه�ؤالء ِّ مجال�سنا ،و�أطلعناهم على َّ خطتنا ال�صريحة ،و�أ�شركناهم في عملنا ،ظهر هذا النفر في الميدان َ مذ َبذب ًا ينقلب �إلينا علن ًا وينقلب عنا �سر ًا) [نف�سه]. هنا نقف على التفوي�ض والقيام به وتح ُّمل مفاعيله ،وقد ت�أ َّكد في �أكثر من منا�سب ٍة، 31
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ومن �أهمها �أن يكون �س ِّيدنا هو المك َّلف بحمل كلمة جبل عامل (المقررات) �إلى الأمير في�صل بن الح�سين ،والمتك ِّلم والمفاو�ض والمبايع با�سم م�ؤتمر وادي الحجير. وهكذا نجد الإمام �شرف الدين مت�صدِّ ر ًا ك َّل مهم ٍة ،مما ي�شير �إلى �أنه كان قائد المرحلة ،ولم تكن هذه القيادة ع�شوائي ًا� ،إذ �إنه الوحيد الذي ت�ص َّدى ،منذ بدء عمله� ،إلى ال�ش�أن العام� ،إذ كان العلماء وظروف الإ�ضطهاد التاريخي لل�شيعة على مختلف العهود، يتف َّرغون للحفاظ على ثقافتهم الأ�صيلة ،فانكف�أوا �إلى داخلهم ي�ستنبتون �أ�صولهم �إذ ي�ستنبطون ،مكتفين بال�صالة والفتيا والتدري�س ،ولكن �س ِّيدنا قام بالمهام العامة، يخ�ص�ص وجهات ال�صرف يح ِّر�ض على ظلم العثمانيين ،يح ِّرك النا�س لق�ضاياهمِّ ، للحقوق ال�شرعية في الإطعام �أثناء المجاعة التي ع َّمت في الحرب العالمية الأولى. ر�سخ عند الأ َّمة ال�شخ�صية القائدة في �س ِّيدنا� ،أ�صبح في الذهن العام هذا الت�صدِّ ي َّ �أنه المحرك الأ�سا�س في ِّ كل �شيءٍ ،ولهذا كان التركيز عليه متَّهم ًا ،و�أكثر ا�ستهداف ًا، في التقارير التي ُترفع للمحتل ،مح ِّر�ض ًا ومح ِّرك ًا للأعمال ال�س ِّرية ،ولتوزيع المن�شورات وغير هذا ،وبالخ�صو�ص �أن منزله في «�شحور» هو الجامع للمعار�ضين المتخا�صمين، أ�س�س للعمل الم�شترك. والمق ِّرب لوجهات النظر ،والوا�ضع ال َ وما كان لي�ضنيه هذا ،فهو فيها يبلغ غاية ال�سعادة مطم ِّئن ًا لح�سن المنقلب .وما �أ�ضناه �سوى �أن يكون ما �أ�سماه الداء القديم؛ داء الح�سد والإنق�سام والنفاق هو الم�ضني، كريم. وقد ا�ستهداف بق�سوة ح َّي ًا ،ومازال َ م�ستهدف ًا لها ،وهو في ح�ضرة رب ٍ ٍ في نظام الدولة والمرشح:
ان�سجام ًا مع الم�ؤتمر ال�سوري ،وللمحافظة على وحدة الكلمة والهدف ،كانت بنود وما ُقدِّ م للجنة الإ�ستفتاء الأميركية ومنها: ✽ ✽تكون الدولة َم َلك َّي ًة ذات عدال ٍة وم�ساوا ٍة ي�ستوي بها جميع النا�س كاف ًة في الحقوق والواجبات. (بند 2/ـ اللجنة الأميركية)
32
���������������������������������� ✽
✽الأمير في�صل بن الح�سين؛ وهو مر�شح العرب الطبيعي لملك �سورية ،لما له من جهاد في �سبيل الق�ضية العربية ،ومن عبقرية �سيا�سية وخلقية ت�ؤهالنه لت�س ِّنم ٍ هذا العر�ش. (بند3/ـ اللجنة)
الم�ؤتمر ال�سوري ،قام لمواجهة الأحداث والطوارئ� ،إن كان في عملية ت�شكيله ،وقد �سبقه الإحتالل البريطاني ـ الفرن�سي ل�سوريا المج َّز�أة �إحتاللي ًا ،والذي فر�ض �سيطرته بال�سماح �أو المنع لمندوبين محتملين �أو مقترحين من فل�سطين ولبنان كممثلين منهما، �أو لمن يختار ع�ضو م�ؤتمر ال�صلح �إلى جانب الأمير في�صل� ،أو بالن�سبة �إلى و�ضع �أنظم ٍة وقوانينَ لهيكلية دول ٍة في طور الإيجاد .ولم يكن هنالك ما ُيعتمد عليه �إال ما يمكن تنظيمات �إداري ٍة وقوانين َ عام ٍة في الأنظمة والقوانين الإ�ستفادة منه فيما هو قائ ٌم من ٍ العثمانية. �شريفي لدول ٍة محت َمل ٍة ُت َّ نظم فيما بعد ،اعتماد ًا نظام ٍّ وقد �ساعد التحول المفاجيء من ٍ على اتفاق مكماهون ـ ح�سين� ،إلى دول ٍة �سوري ٍة َ مقتطع ٍة ا�ستولدتها ريا ٌح غير وا�ضحة الم�صدر ،هذا بالإ�ضافة �إلى �أن م�ؤتمر ال�صلح ،وتمثيل العرب ،والترتيبات المفتر�ضة، وك�أنها جاءت ارتجالية الإعداد ،بينما كانت هنالك جمعياتٌ في م�صر وفي فرن�سا، وكذلك في �أروقة الأديرة ،تع ُّد نف�سها وك�أنها تدرك ما �سيكون عليه يو ٌم � ٍآت .وبالمقابل، كانت هنالك جمعياتٌ �أي�ض ًا ،ولكنها تعمل على مواجهة الم�ستجدات من الليالي ،بين جمعية الإتحاد والتر ِّقي العثماني ،وبين الخروج منها �أو الدعوة �إلى �سلطن ٍة ُيدخل عليها �إ�صالحاتٌ . مقررات الم�ؤتمر ال�سوري كانت مرجعي ًة لمذكرة لجنة الإ�ستفتاء ومقررات م�ؤتمر و�سريع ،وبغر�ض دعم الأمير في�صل محدود إعداد ٍ وادي الحجير ،والذي جاء �أي�ض ًا ب� ٍ ٍ ليكون ممث ًال لكل العرب ،ولي�س لأبيه �أو للحجاز فح�سب. ملكي لهذا كله كانت المقررات لتح�ضر ب�إقامة في�صل ملك ًا ومر�شح ًا وحيد ًا، وبنظام ٍّ ٍ 33
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
بحث في م�ؤ�س�سات عادل ٍ بحث في �شيءٍ �آخر ،كما لم يكن من ٍ ومتوازن ،ولي�س من ٍ نيابي ٍ ٍّ هذه المملكة �أكثر من �أن تكون برلماني ًة ،ثم �إ�ضفاء هال ٍة �أخالقي ٍة وقدر ٍة �سيا�سي ٍة لدى ال�شخ�ص المر�شح الوحيد عند العرب (في�صل). مجموع هذه التفوي�ضات والمرجعية الموحدة (مقررات الم�ؤتمر ال�سوري) ،حملها تكليف. الإمام �شرف الدين والوفد �إلى ال�شام ،فيرفع عن كاهله ما يرهقه من ٍ المبايعة
عند كل لقاءٍ مع الأمير في�صل ،نجد �س ِّيدنا يقدِّ م الوالء لآل البيت� ،سالم ًا وابتها ًال ورجا ًء� ،إقرار ًا منه و�شهاد ًة على �شيعة جبل عامل ،ثم يلتفت �إلى في�صل يذكره �أو لي�ستنه�ض منه ما فيه ( ُثمالة ال�سلف ،وبقية الخلفُ ، وذ�ؤابة ال�شرف من عمرو العلى وعلي والزهراء فاطم) رافع ًا تحية �شيعة عاملة (العاقدين نية القربة ها�شم� ،إلى ٍ محمد ٍّ ٍ على مبايعتك بيع ًة قائم ًة حتى بلوغ الهدف ،فذ َّمتي بما �أقول رهين ٌة ،و�أنا به زعي ٌم). والهدف يقوم على دعامتين اثنتين: ✽ ✽تطهير �أر�ضنا الط ِّيبة من رج�س الإحتالل. ✽ ✽وجمع �شتاتها تحت لواء الوحدة والحرية والإ�ستقالل. ولن تقوم �سورية دول ًة ،ولن تكون �أر�ضها واحد ًة ما دام الفرنجة يك ِّبلون جناحي ال�شام ب�ساحله وفل�سطينه. وقد �أجمع الر�أي العام عندنا على المناداة بذلك في �سبيل تحقيقه ،وواجه لجنة الإ�ستفتاء الأميركية. �17شعبان 1338ـ � 18أيار .1920
وهكذا كانت المبايعة محدد ًة �أغرا�ضها الثابتة ،وبدونها وك�أنها ال تعتبر المبايعة الملحقة تم�سك المف ِّو�ضين له بعقد البيعةَ ، قائم ًة ،كما �أني �أفهم من ت�أكيدات �س ِّيدنا على ِّ بالدعوة �إلى الجهاد ،المبن َّية على القواعد التاريخية لمعنى الجهاد الذي يتمظهر فوز ًا 34
����������������������������������
بواحد من اثنين وال ثالث :ال�شهادة �أو الن�صر. ٍ المبايعة ُحدِّ دَت بنقطتين توجبان الطاعة ،و�سيترتب على تنفيذهما ا�ستمرار في�صل ملك ًا، �شروط جديد ٍة؟. �أما �إذا ارتفع ال�شرطان ،فماذا �سيكون عليه الأمر ،فهل تجدَّد البيعة على ٍ منذ تنازل الإمام الح�سن Qعن �إمامته الزمنية حتى تاريخه ،وال�شيعة م�ستكينون للحكم الجائر ،ولو بم�س َّمى الحاكم م�سلم ًا ـ وخليف ًة ،فما هو الموقف الآن ،والحكم على �أ�س�س الأنظمة الغربية �أو ما ن�سميه :دول ًة مدني ًة؟. أمير هل يكون التعامل على قولة �أمير الم�ؤمنين الإمام علي :Qال ُب َّد للنا�س من � ٍ فاجر يعمل في �إمرته الم�ؤمن ،وي�ستمتع بها الفاجر ،ويبلغ اهلل فيها الأجل ،ويجمع ٍبر �أو ٍ الفيء (مالية) ،ويقاتل العدو (حماية الحدود والإ�ستقالل) ،وت�أمن به ال�سبل (الأمن الداخلي) ،و ُي� َؤخذ به لل�ضعيف من القوي (عدالة)؟. لفي�صل ملك ًا (عدال ًة وم�ساوا ًة) ،والمبادئ الثالثة ربما ،على هذا كان مبد�أ التن�صيب ٍ لمباني الكيان بجمع ال�شتات (الوحدة ـ الحرية ـ الإ�ستقالل) ،تكون هذه �صيغ ًة جديد ًة لقواعد الإمام علي ،Qو�إال فمبد�أ مقارعة الظلم والظالم هو الم�سار. وعلي �أن �أرجع هنا �إلى كتابه�« Mأجوبة م�سائل جار اهلل» 53/بالن�سبة للجهاد َّ وقد ذكر �أربع ًة موجبة: ✽ ✽(ويجب الجهاد في هذه الأق�سام الأربعة ـ ب�إجماع ال�شيعة ـ وجوب ًا كفائي ًا ،على معنى �أنه يجب على الجميع� ،إلى �أن يقوم به منهم من فيه الكفاية ،في�سقط عن مراعى با�ستمرار القائم به� ،إلى �أن يح�صل الغر�ض المطلوب الباقين �سقوط ًا ً �شرع ًا). ✽ ✽وال فرق في وجوب الجهاد في كل هذه الأق�سام الأربعة ،بين ح�ضور الإمام وغيبته ،ووجود المجتهد وعدم وجوده ...ويجب في هذا المقام طاعة الرئي�س الناه�ض بهذه المهمة ،العارف بت�سريب الع�ساكر وتدريب الحرب ،و�إن لم يكن �إمام ًا ،وال نائب ًا للإمام وال مجتهد ًا ِّ لتعذر رئا�ستهم في هذه الأيام. ن�ص الق�سم الرابع من �أق�سام الجهاد المذكورة :الجهاد لدفعهم هذا ,مع العلم �أن في ِّ 35
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
عن ثغور الم�سلمين وقراهم و�أر�ضهم� ،أو لإخراجهم منها بعد ت�سلُّطهم عليها بالجور� ،أو لجبر بي�ضة الم�سلمين بعد ك�سرها ،و�إ�صالحها بعد ف�سادها وهذا المعنى ما نعبر عنه الآن ب�إزالة �آثار العدوان .ويعني �أن التحرر ال يت ُّم �إال بهذه الإزالة مادي ًا ومعنوي ًا ،ومنها الن�صو�ص والنفو�س. مدني، حال ،ف�إنَّ في تاريخنا العلمائي الديني� ،أنَّ �أول مبايع ٍة تكون وفي �أي ٍ لحاكم ٍّ ٍ وعلى الم�ستوى الدقيق لمبايعة ولي الأمر ،كانت مبايعة الأمير في�صل ملك ًا ،ولم يكن ليح�صل في العراق يوم ُن ِّ�صب ملك ًا ،حتى �أنه لم يح�صل على الإعتراف الر�سمي ـ �إن �صح التعبير ـ من الم�ؤ�س�سة الدينية الكبرى في النجف ،بل بلغ الأمر �أن ُح ِّرم الإلتحاق بالمدار�س الر�سمية ،هذا مع عدم الخروج على القوانين العامة للمملكة. ولذا جاز لي �أن �أقول �إن المبايعة من الإمام �شرف الدين للإمير في�صل ملك ًا ،مع برلمان في دولة العدالة والم�ساواة� ،أول حرك ٍة �شيعي ٍة باتجاه النظام الع�صري للملكية الد�ستورية. إحتمال
�أفهم الدوافع لم�آخذ على ح�صر م�ؤتمر وادي الحجير بالفئات ال�شيعية ،من علماء وزعماء ومقاوم ٍة وجماهير ،دون �سواهم من �أق ِّلي ٍة في الأق ِّلية الم�سيحية التي ت�ؤ ِّيد وحدة الأر�ض ال�سورية و�شعبها .و�أرى في هذه الم�آخذ �إ�سقاط ًا لما نعي�شه خالل العقود تحرك في �إقامة عالقاتنا الب�شرية ،وانعكا�سها على حياتنا الأخيرة ،من غزائزية ٍ الإجتماعية وال�سيا�سية ،وتعامالتنا الإقت�صادية ،ا�ستدعى دعاوى ـ ال تخلو من غرائزي ٍة �أي�ض ًا ـ للحوار ،دون �أن نعتمد �إلى مباني التراكم الثقافي الذي �أوجد انق�سام ًا مجتمعي ًا بنى �إداري ٌة �أُقيمت على م�آ�سي وفجائع ما حاد ًا يحمل تاريخ ًا لعمق ٍ قرون ،وم ّكنت ركائزه ً كان بين 1840و.1861 ولذلك ،ربما �أجد نف�سي مت�سائ ًال ،على �سبيل الإحتمال �أوالإفترا�ض� ،أال ن�ستطيع �أن نرى وجود ر�ؤي ٍة لدول ٍة جديد ٍة ،يكون الوجود ال�شيعي عن�صر ًا �أ�سا�سي ًا في قيامه، 36
����������������������������������
�شيعي في العراق ،وبقيادة المراجع بالخ�صو�ص �أن التحرك العاملي يت�ساوق مع ٍ تحرك ٍّ العلماء الكبار؟. بول� ،أال ُيحت َمل �أن في ر�ؤي ٍة للدولة الجديدة يكمن نظر و َق ٍ �إذا كان هذا الرابط مو�ضع ٍ ال�شعور بالنهو�ض من تراكم القرون ،والتمرد على الإفناء لكل ما يمت �إلى دم كربالء، ودم محراب الكوفة؟ والتي ا�ستمرت تنتهج قولة« :وهذا (�إبن �أبي كب�شة) ُينادَى به خم�س مراتٍ في اليوم� ...إال دفناً ،دفنا؟». وإن لم يكن
عقود من م�ؤتمر وادي الحجير، جيل بعد ثالثة �أو �أربعة ٍ ماذا نفهم من قولة � ٍ أفراد من ٍ من �أن قيام الإمام �شرف الدين �سنة الع�شرين ،ا�ستلمها الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر وم�شى بها ،وال تزال؟. كيف نرى المعركة الطاحنة في وادي الحجير في حرب ،2006هل هي ن�ص ٌر على �آل ٍة أهداف ع�سكري ٍة �إحتاللي ٍة� ،أو على الأقلٌ � ، تفاو�ض إم�ساك ب�أوراق حربي ٍة� ،أم ن�ص ٌر على � ٍ ٍ لها قو ٌة لفر�ض القرار؟. أهداف ع�سكري ٍة ،ولنتب َّين �إن كانت هذه �أو تلك، بنظري ،كان يوم الحجير ن�صر ًا على � ٍ حرب طاحن ٍة م�ستمر ٍة الآن في �سوريا ،و�ستنجلي يوم ًا .وفي الدقيقة فنحن ال نزال في ٍ الت�سعين ي�ص ِّفر الحكم النتهاء ال�شوط ،والدقيقة الت�سعون لم ِتحن بعد. الشوط المكتمل
�شوط الأمة طوي ٌل طوي ٌل ،فماذا عن �شوط الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين؟. إجابات ِق�س ٌم من �شوطه اكتمل عندما علت �صافرة الق�ضاء المحتَّم ،وقد و�ضع � ٍ على الالءات التي كانت عند وروده �صور( ،ولم يكن فيها جام ٌع وال مجم ٌع وال جمعي ٌة وال جماع ٌة وال جمع ٌة وال عي ٌد وال �أذا ٌن ،وال مدر�س ٌة وال ..وال )...وكانت �صور حينها (عنوان الإمامية في البالد العاملية ،فال يح�س بهم �أح ٌد ،وال ي�سمع لهم ركز ًا). بايجاب� ،إن كان في �صور �أو المنطقة وحين �أتى �أجله Mا�ستبدلت كل ال�سلبيات ٍ 37
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
العاملية ،ف ُيعفى العلماء من التجنيد ،وينه�ض الغفاة لحقوقهم ،و ُي�ستخ َرج من �أعماق النا�س معانيهم الإن�سانية (وبرزت الأخما�س تقفوها الزكوات وتتلوها �أثالث الموتى بن�سب متكافئ ٍة) [البغية .]144/وما كان ليتخلى �إلى ٍ معلوم يوزع على الجوعى ٍ ر�صيد ٍ عن النا�س طوال حياته في ع�سرة �أو ي�سرة ،كما �أنه لم َّ يتخل عن �أمنيته العربية والإ�سالمية� ،إن كان الجميع قد اتخذ موقعه من الأو�ضاع التي �آلت �إليها الأمور من مطمع ،وح�سبه �أن يحفظ نف�سه خ�ضوع للإحتالل ،ولكن �سيدنا لي�س له مما كان من ٍ ٍ دليل ما نعر�ضه فيما بعد. بحفظ ما يعتقده ،وخير ٍ الوحدة العربية إلى الدول المتحالفة 1941/ ✽
✽
✽
✽
✽�إن الدولة العربية ال�سورية ،ترى نف�سها بحكم العوامل الجغرافية والتاريخية اتحاد والإقت�صادية واللغوية والقومية ،م�ضطر ًة -م�صيري ًا � -إلى الم�ساهمة في ٍ مع الدول العربية ال�شقيقة المجاورة ،يكون مبني ًا على �إلغاء الحواجز الجمركية، وتوحيد برامج التعليم وال�سيا�سية الخارجية والدفاع. ✽�أمنيتنا الكبرى توحيد العراق و�سوريا بحدودهما الطبيعية المعروفة في حقب التاريخ المختلفة ،لأن هذين القطرين ال�شقيقين تجمعهما وحد ٌة طبيعي ٌة وعوامل تاريخي ٌة وجغرافي ٌة و�إقت�صادي ٌة ولغوي ٌة وقومي ٌة. لتناق�ضات عربي ٍة �أو عاطفي ٍة ،ف�إن ✽�إذا ُمني العرب با�ستحالة وحدة القطرين ٍ �سوريا و�إنَّ �أ�شالءها التي اقتطعت منها ،كانت تعرف ببر ال�شام ،نجمع مع العرب قابل للم�ساومة. مطلب ٌّ م�صيري غير ٍ على �إعادتها� ،إنه ٌ ✽�إن الدولة ال�سورية العربية المرتجاة ،بحكم عوامل الزمان والمكان واللغة عربي ووحدة الهدف والم�صير ،ترى نف�سها �صاحبة الحق في الدعوة �إلى ٍ اتحاد ٍّ مع ال�شقيقات المجاورات ،يقوم على �إلغاء الحواجز الجمركية وتوحيد برامج التعليم وال�سيا�سة الخارجية والدفاع. 38
���������������������������������� ماذا تعني فلسطين
ذهاب لريح العرب وعز الإ�سالم وكرامة ولي�س ذهاب فل�سطين فاجع ًا ،لوال �أنه ٌ الإن�سان الم�ست َر ِّق في غد هذا ال�شرق القريب. ني�سان 1948 إقتداء
�أال و�إنَّ َقتلة الح�سين ِ Qبك ٌر في القتالت ،فلتكن قدوتنا به ِبكر ًا في القدوات، ولنكن نحن من فل�سطين مكان الح�سين Qمن ق�ضيته ،ليكون لنا ولفل�سطين ما كان وخلود. له ولق�ضيته من حيا ٍة ٍ ومجد ٍ 1947/12/15 مقاومة األحالف الغربية برقية لشاه إيران 25/4/1954
✽ ✽حفظ اهلل الإيمان بحفظ �إيران ،دخولكم الحلف التركي العراقي ينذر بالقارعة. موقعكم بين فكي التنين يلزمكم بالحياد .الدين الن�صيحة ،وقد ن�صحت. ✽ ✽ندا ٌء �إلى علماء الدين في العالم ع�شية الإعتداء الثالثي كان في 1956/10/30 �أي قبل �سنة و�شهرين تمام ًا من وفاته عن 86عام ًا� ،أنهاها بـ: �أال و�إنَّ الإ�ستعمار الغربي يغزونا في عقر دارنا معتدي ًا غا�شم ًا. �أال ومن مات دون حفنة تراب وطنه مات �شهيد ًا. إحتجاج
ثانياً :الإ�ستقالل الذي �أُعلن في لبنان في هذا اليوم ،41/11/26مهزلة المهازل التي طويل مقداره ع�شرون �سن ٍة ،ومثل هذا ليل ٍ كانت تمثلها حكومة فرن�سا الغابرة ،في ٍ الإ�ستقالل يتناق�ض مع مفهوم العهد الجديد ،الذي �أعلنت فيه بريطانيا بزوغه، بلد في تقرير م�صيره ،على �ضوء الحق والعدالة والحرية، و�أبرز قواعده حرية كل ٍ وربط اال�ستقالل بدول ٍة �أجنبي ٍة ،هو ت�سلُّ ٌط �صار ٌخ يجتاح الإ�ستقالل ن�ص ًا وجوهر ًا. 39
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ثالثاً� :أمنيتنا الكبرى توحيد العراق و�سوريا بحدودهما الطبيعية المعروفة في حقب التاريخ المختلفة ،لأن هذين القطرين ال�شقيقين تجمعهما وحد ٌة طبيعي ٌة وعوامل تاريخي ٌة وجغرافي ٌة و�إقت�صادي ٌة ولغوي ٌة وقومي ٌة. رابعاً� :إذا ُمني العرب با�ستحالة وحدة القطرين لتناق�ضات عربي ٍة �أو عاطفي ٍة ،ف�إنَّ ٍ �سوريا و�إنَّ �أ�شالءها التي اقتطعت منها ،كانت تعرف ببر ال�شام ،نجمع مع العرب قابل للم�ساومة. مطلب ٌّ م�صيري غير ٍ على �إعادتها� ،إنه ٌ خام�ساً� :إن فل�سطين لي�ست جزء �سورية الجنوبي ،بقدر ما هي قلبها الناب�ض المت�صل بقلوب العرب جميع ًا ،والعرب ي�ستميتون دون وعد بلفور. �ساد�ساً� :إن الدولة ال�سورية المرتجاة بحكم عوامل الزمان والمكان واللغة ووحدة الهدف والم�صير ترى نف�سها �صاحبة الحق في الدعوة �إلى اتحاد عربي مع ال�شقيقات المتجاورات ,يقوم على �إلغاء الحواجز الجمركية وتوحيد برامج التعليم وال�سيا�سة الخارجية والدفاع. �أما وقد قرب �أجله� ،أواخر �سنة ،1957وكان ال�شاه محمد ر�ضا بهلوي وزوجته الثانية دعم للرئي�س �شمعون في ت�أييده لحلف بغداد (التركي ـ العراقي). ثريا ،في لبنان بزيارة ٍ نزف في المعدة، واتفق �أن دخل الإمام �شرف الدين م�ست�شفى �أوتيل ديو للمعالجة من ٍ وعلم �شفا�ؤه وموعد تركه الم�ست�شفى ،فجاءه وزير بالط ال�شاه �أ�سد اهلل علم يه ِّنئ با�سم ُ ا�ستقبال فرح ًا بهذا ،فاعتذر �سيدنا بعجزه عن ال�شاه بال�سالمة ،و�أ َّنه �أمر ب�إقامة حفل ٍ �صعود الدرج. عاد الوزير ثاني ًة ليب ِّلغ ب�أمر �إجراء الإ�ستقبال في حديقة ق�صر ال�ضيافة ،فكان لهذا اعتذا ٌر ينا�سب ،ولما عاد ثالث ًة يقترح مرور ال�سيارة �أمام باب الق�صر فيخرج ال�شاه �إليها للتهنئة �شخ�صي ًا ،كان الح�سم؛ (من م�أثورنا �أنه �إذا ر�أيت العلماء على �أبواب الملوك فبئ�س العلماء وبئ�س الملوك ،و�إذا ر�أيت الملوك على �أبواب العلماء فنعم الملوك ونعم العلماء ،وال �أر�ضى لمليكنا الوحيد في العالم �إال �أن يكون نعم الملك). 40
����������������������������������
ُ�س ِئل �إمامنا يومها عن هذا الت�شدد ،مقابل ما �سين�شر في العالم من �أهمية علماء �شيعة لبنان ف�أجاب :و�سيعمم �إعالم ال�شاه الخبر م�ص َّور ًا في �إيران والخارج، أيام و�أموت ،فماذا �س�أقول لربي و�إن خرجت اليوم من الم�ست�شفى ف�س�أعود بعد � ٍ َّ المعذبين في حينما يعر�ض لي ال�صور والخبر مع �أ�صوات العلماء والمجاهدين �سجون ال�شاه؟. أيام عاد �إمامنا للم�ست�شفى وفي � 1957/12/30أ�سلم الروح �إلى وفع ًال ،بعد ب�ضعة � ٍ بارئها ،ليحتفي به جده �أمير الم�ؤمنين Qفي ثرى النجف الأ�شرف في ،1958/1/1 في حجر ٍة على يمين الداخل من باب الطو�سي ،وكان هو ال�شهر الذي حل فيه ب�صور قبل خم�سين عام ًا. و�شهر ،يعلن َّ المعذبون في �سجون ال�شاه عن م�آذن �إيران هزيمة وبعد �أربعة ٍ عقود ٍ بهدف �أوحد (اهلل �أكبر) وم�ساره (حي على خير العمل). بفجر ٍ � ٍ أهداف �إيذان ًا ٍ يوم آخر. وإلى ٍ
نحن اليوم نلتقي بعد اثنتين وت�سعين �سن ٍة ،ن�ستعيد ِع َبر م�ؤتمر وادي الحجير ودرو�سه ،ونحن ال نزال �إلى الآن ،نعي�ش مفاعيل ما بعده ،ت�ستثير العزائم فيما كان فيه حالم ،فنحن �شعب الإنتظار ،والمواعيد رجاال ُته ،وال �أقول �أنا �أنتظر يومه الآتي انتظار ٍ والري غر�س وا�ستنباتٌ وح�صا ٌد، ُّ في (الإنتظار) ،ح ٌق وعد ٌل .ولي�س فيها ف�ش ٌل ،و�إنما ٌ عر ٌق ودم ٌع ود ٌم ،والم�سار طوي ٌل ،وال بد من و�صول و�إن طال ال�سفر .وادي الحجير 1920 حرب طاحن ٍة بعد �ست وثمانين �سن ٍة ،و�إن لم ي�ستطع وادي الحجير ا�ستعادته الأمة في ٍ الثاني �أن يكون رادع ًا ومحقق ًا �أغرا�ضه ،في ما �أُعلن يوم ًا من �إكمال م�ساحة لبنان ،لبلوغ الع�شرة �آالف و�أربع مائة واثنين وخم�سين كيلو متر ًا مربع ًا ،فكم �سنحتاج �إلى معارك فمواقع وادي الحجير ال تغيب .وكم �سيبقى الحجير ثنائي المكان و�شيئ ًا �آخر ،فهو �سنة تاريخ 1920ارتبط ا�سم المكان با�سم القائد ،وفي 2006ارتبط المكان بالن�صر ،ولكل ٍ ا�س ٌم ،وكذا الأم الولود. 41
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
وال �أعني الن�صر المادي فيما كان من الحجير الثاني� ،أي بمعنى انهزام جي�ش العدو مخ ِّلف ًا عد ًة وعتاد ًا ،و�إنما الن�صر بهزيمة الهدف ،فهو بعد ثالث ٍة وثالثين يوم ًا ف�شل في �سيا�سي يجعله مت�سلط ًا على ربح هدف ٍّ تحقيق ٍ ٍّ ع�سكري يحول انك�ساره الع�سكري �إلى ٍ أر�ض منزوعة ال�سالح جنوبي الليطاني ،و�إال فهو مقي ٌم �إدارة ال�ش�أن التفاو�ضي ،بفر�ض � ٍ على كامل الأر�ض بقوة ال�شرعية الدولية ،ولهذا �أجرى �إنزا ًال �أول َّي ًا في الوادي �أ�سفل الطيبة ،فف�شل بالمحافظة على وجوده ،فح�شد كل قوته عند هذا الوادي ،فلفظه جيف ًا ب�شري ًة وان�صهار ًا �آل َّي ًا ،و�سقوط ًا هدفي ًا ،فتحققت �أهداف م�ؤتمر الحجير 1920بنهو�ض جماعته الب�شرية التي لم يهزمها تداول العقود ،وما كان مما اعتبر ف�ش ًال وهزيم ًة في حركة النهو�ض �سنة � ،1920سوى بذر ٍة كمنت زمن ًا� ،آمنة الإحت�ضان ،دافئة الجهاد، ف�سو َيت نه�ضة بهية الإ�صباح ،ثابتة العزم ،والطريق ي�سار. ّ نبع وادي الحجير ـ 2012/4/24
42
المصادر
.1كانت تتكون بالد البلقان حينذاك من 6مقاطعات :البانيا ـ رومانيا ـ يوغو�سالفيا ـ اليونان والق�سم الأوروبي من تركيا .2د .ع�صام خليفة ـ الحدود الجنوبية للبنان ,بين مواقف نخب الطوائف وال�صراع الدولي ,تالحظ ال�صفحات 17ـ .27 � .3أية �أمارة؟ و�أين كانت ؟ وكيف كانت حدود ًا ثابتة؟ فكل �أمير وما �أوتي من قدرة تقديم هدايا ,وما يوفر من �أكيا�س الذهب ,فتتو�سع �إقطاعيته؟ .4بالد البلقان �أ�سا�س ًا بلدان يجمع �شعبها تاريخ ولغة ,و�آمال م�شتركة ويقيم على �أر�ض تن�سب �إليه فجاءتها �سلطة خارجية وحكمتها� ,أما لبنان ,فوجوده التاريخي والجغرافي واللغوي والأحا�سي�س كلها لكونه من �سوريا ,فما الرابط مع البلقان ؟ .5الطوارئ الإجتماعية تحلها العدالة واالنماء المتوازن في نطاق جغرافي يوفر مقومات دولة ,وهو هنا �سوريا بحدودها الطبيعية ,والتي يعمل على ف�صل لبنان عنها. 43
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
.6د .محمد ب�سام ,جبل عامل بين �سوريا الكبرى ولبنان الكبير 1918ـ 1920ـ دار الكوكب ـ بيروت2011/ـ �ص.207/ .7وذلك �ضحى يوم الثالثاء 12ربيع الثاني 1337هـ الموافق 14كانون الثاني 1919م.
44
الدكتور علي فياض وادي الحجير اإلجتماع والسياسة ...دالالت التأريخ والحاضر (((
عاملي لم تتغير ثوابته ،وان تغ َّيرت من 24ني�سان � 1920إلى 24ني�سان ،2012م�سا ٌر ٌّ وقائعه و�سياقاته ،على الرغم من انطوائها على عنا�صر م�شترك ٍة ال تزال ماثل ًة رغم م�ضي هذه العقود الطويلة التي تكاد تقارب قرن ًا من الزمن. والحال ،ف�إنَّ الدالالت ال�سيا�سية التي �ش َّكلها م�ؤتمر وادي الحجير ،في مرحل ٍة كبير �أعقب انهيار الدولة العثمانية ،ودخول تاريخي ٍة كانت المنطقة فيها في ِّ خ�ضم تح ُّو ٍل ٍ الإ�ستعمارين الفرن�سي واالنكليزي �إليها ،هي ذاتها الدالالت ال�سيا�سية التي تم ِّثل الهوية العاملية في ثوابتها وخياراتها الإ�ستراتيجية ،وبالتالي التي يمكن عبرها فهم الوجهة التي �أخذتها المراحل الالحقة ،وعلى الأخ�ص مرحلة العقود الثالثة الما�ضية ،التي م َّر وتحوالت كبرى و�صو ًال �إلى اللحظة الراهنة. بتحديات خطير ٍة فيها لبنان ٍ ٍ وفي الواقع ،يمكن من خالل خطبة العالمة ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين في الم�ؤتمر ،وهو رمزه ونجمه وقيادته ال�شرعية� ،أن نلتقط نمط الفكر ال�سيا�سي ال�شيعي ((( نائب في البرلمان اللبناني.
45
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
في تلك المرحلة ،و�أن نتب َّين مدى الثبات والتحول في ذلك النمط بالمقارنة مع ما هو ا�ستراتيجيات �شيعي ٍة راهن ٍة. �سائ ٌد من خيارات ٍ �أو ًال :رف�ض الإ�ستعمار الأجنبي رف�ض ًا مطلق ًا ب�أ�شكاله كاف ًة� ،سوا ٌء �أكان و�صاي ًة �أو حماي ًة، التام الناجز ،وهو قد ع َّبر عن ذلك في م�ستهل خطابه «�إما والت�أكيد على الإ�ستقالل ِّ ٌ حيا ٌة حر ٌة� ،أو ٌ ا�ستقالل دون و�صايةٍ، هوان ُتهدَر في حمايته �إن�سانية الإن�سان� ..إما �أو ا�ستعما ٌر نكون معه كالأيتام على م�أدبة اللئام». وعلى الرغم من �أن موازين القوى ال�سيا�سية والع�سكرية كانت ل�صالح الفرن�سيين، و�أن الفر�صة كانت م�ؤاتي ًة للإ�ستفادة من التحالف مع الفرن�سيين� ،إنطالق ًا من ا�ستعداد الفرن�سيين لحماية الأقليات� ،إال �أن الموقف كان حا�سم ًا اتجاه الإ�ستعمار ،وبالتالي ا�ستنفار ال�سبل كاف ًة لمواجهته بما فيها خيار المقاومة ،والإ�ستعداد لتقديم �أغلى ما تردد في �سبيل ذلك. يمكن ودون ٍ ثانياً :كان خيار جبل عامل في تلك المرحلة ،وفق مقررات الم�ؤتمر وبالإ�ستناد �إلى خطبة ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ،هو رف�ض التق�سيم والتم�سك با�ستقالل �سوريا التام الناجز ،التي ت�ضم ق�سميها الجنوبي فل�سطين والغربي لبنان ،وكل ما ُيعرف ببالد ال�شام دون حماي ٍة �أو و�صاي ٍة ،على �أن تكون الدولة ملكي ًة ذات عدال ٍة وم�ساوا ٍة ،ي�ستوي فيها جميع النا�س كاف ًة في الحقوق والواجبات ،على �أن الأمير جهاد في �سبيل الق�ضية، في�صل هو حاكم العرب الطبيعي لملك �سوريا ،بما له من ٍ �شرط ُم�ض َم ٍر وهو جهاده �ضد على �أنَّ تلك المبايعة اقترنت بالزم ٍة انطوت على ٍ الفرن�سيين ،مما يعني �شرع ًا زوال تلك البيعة في حال زوال �شروطها. �إنَّ ما يجب �أن ي�ؤخذ بعين االعتبار ،هو �أن هذه المواقف �إنما كانت تع ِّبر عن الخيار العروبي في تلك المرحلة التاريخية ،في قبال الخيار الإ�ستعماري من ناحي ٍة وخيار التجزئة والتق�سيم من ناحي ٍة �أخرى ،وبالتالي �إنَّ ن�ضوج ال�صيغة اللبنانية لم يكن قد ات�ضح في تلك المرحلة ،علم ًا �أنَّ الدور الفرن�سي كان يرعى عملية التمييز بين الطوائف ،كما �أن الإ�سهام ال�شيعي في �إن�ضاج ال�صيغة اللبنانية 46
���������������������������������������������������������
لم يكن �أ�سا�سي ًا بالمقارنة مع الدورين الماروني وال�سني. �إال �أنَّ التطور ال�سيا�سي والإجتماعي الذي �شهده لبنان الحق ًا خا�ص ًة مع ح�ضور الإمام ال�سيد مو�س ال�صدر� ،أ�سهم في بلورة ر�ؤي ٍة �شيعي ٍة حا�سم ٍة جعلت من ال�صيغة اللبنانية خيار ًا ثابت ًا وتم�سكت بمرتكزها التعددي والتعاي�شي� ،إال �أنها �أ�ص َّرت على �ضرورة تطوير مفهوم للوطنية النظام ال�سيا�سي عبر �إلغاء الطائفية ال�سيا�سية ،وعلى �ضرورة �صياغة ٍ عالقات مم َّيز ٍة ومتكامل ٍة مع �سوريا. اللبنانية عربي الهوية والإنتماء ،وعلى ٍ ويمكن القول �إنَّ ر�ؤية الإمام ال�صدر هذه ،تحولت �إلى ركيز ٍة ثابت ٍة للر�ؤية ال�شيعية بمكوناتها كاف ًة ،ع َّبرت عن نف�سها بالتم�سك بال�صيغة اللبنانية بما فيها من خ�صو�صي ٍة وتمايز ،وبالعالقات مع �سوريا ودعم ال�شعب الفل�سطيني تعبير ًا عن الإنتماء العربي .كما ٍ �أنَّ والدة المقاومة الحق ًا �ضد «�إ�سرائيل» ،التي �أدى ال�شيعة فيها دور ًا طليعي ًا� ،إنما �ش َّكل وجه من وجوهه الإ�سهام ال�شيعي المت� ِّأخر في بلورة الهوية الوطنية وتطوير م�ضمونها في ٍ ال�سيا�سي وتزويدها ب�إ�ضاف ٍة ت�أ�سي�سي ٍة الحق ٍة. ثالثاً� :إن �إحدى �أكثر الدالالت ن�ضج ًا وتعبير ًا ،هو ما يت�صل بالموقف من الم�سيحيين (الن�صارى) بح�سب ما ورد في خطاب العالمة �شرف الدين� ،إذ �إنه على الرغم من كثرة الإلتبا�سات التي تحيط بالعالقة مع الم�سيحيين من ج َّراء تحالفهم مع الفرن�سيين ،فقد ورد في خطبته التالي: «ف ِّوتوا على الدخيل الغا�صب برباط ٍة من الج�أ�ش فر�صته ،و�أخمِ دوا بال�صبر هلل ما ا�ستعدى فريقاً على فريقٍ �إال ليثير الفتنة الطائفية، الجميل فتنته ،ف�إ َّنه وا ِ وي�شعل الحرب الأهلية ،وحتى �إذا �صدق زعمه وتحقق حلمه ،ا�ستقر في البالد بع َّلة حماية الأقليات� ،أال و�إ َّن الن�صارى �إخوانكم في اهلل والوطن ،وفي الم�صير ف�أح ُّبوا لهم ما تحبون لأنف�سكم ،وحافظوا على �أموالهم و�أرواحهم ،كما تحافظون على �أموالكم و�أرواحكم ،وبذلك تحبطون الم�ؤامرة ،وتخمدون الفتنة ،وتط ِّبقون تعاليم دينكم و�سنة نبيكم } َولَت َِجد ََّن �أَ ْق َربَ ُه ْم َم َو َّد ًة ِل َّلذِ َين �آَ َمنُوا الَّذِ َين َقالُوا ِ�إنَّا نَ َ�صا َرى َذل َِك ِب�أَ َّن مِ ْن ُه ْم قِ� ِّسي�سِ َين َو ُر ْهبَانًا َو َ�أنَّ ُه ْم اَل يَ ْ�ست َْك ِب ُرو َن{(المائدة الآية ،)82بهذا ال�سلوك يا �أبنائي الأعزاء 47
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
دون غيره تردُّون كيد الفرن�سيين �إلى نحورهم ،وتعيدون جحافلهم �إلى جحورهم ٌ متطاول». وتنعمون بالحرية ال يتطاول بعدها �إليكم راق ،يرف�ض رف�ض ًا بات ًا ال�صراع الطائفي، وعي �سيا�سي ٍ ٍّ وينطوي هذا الموقف على ٍ عقائدي من ناحي ٍة ،و�أهمية ديني ٍّ مهما تكن ذريعته ،وهو ي�ستند في ذلك �إلى ٍ موقف ٍّ الوحدة الوطنية ك�ضرور ٍة ثابت ٍة ال يمكن تجاوزها من ناحي ٍة �أخرى ،ف�ض ًال عن �أنها ٌ �شرط من �شروط الإنت�صار على المحتل ،كما �أ َّنه يت�ضمن �إدراك ًا لأهمية وقيمة الوجود الم�سيحي في لبنان والمنطقة. وال ُيخفى �أن هذا الموقف ظل �أحد ثوابت الموقف ال�شيعي ،على مدى التاريخ ال�سيا�سي تم�س ٍك �أكثر من اللبناني ،رغم التعقيدات التي م َّر بها �أثناء الحرب الأهلية ،واليوم ،ثمة ُّ وقت م�ضى بالوجود والدور الم�سيح َيين في لبنان والمنطقة �سما في �ضوء التحديات �أي ٍ والتهديدات المتفاقمة. ونحن نرى في ر�ؤية العماد عون ومقارباته لفهم الدور الم�سيحي الم�شرقي� ،إعادة وت�صحيح لل�سياق التاريخي من ال�شوائب التي تعتريه...وي�شكل أ�صيل لهذا الوجود ت� ٍ ٍ �ضمان ًا ذاتي ًا لحماية الم�سيحيين من خالل �إعادة تمو�ضعهم في موقعهم الطبيعي الريادي في الدفاع عن الق�ضايا الوطنية والقومية. رابعاً� :إن خطاب العالمة المقد�س ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ينحكم برمته لرف�ض فكرة الأقليات بموجباتها ال�سيا�سية ،ويتعاطى على قاعدة الإنتماء �إلى �أ َّم ٍة ح�سا�سيات �سني ٍة � -شيعي ٍة ،هذا ما يظهره أخ�ص �أية ٍ واحد ٍة ،متجاوز ًا على نح ٍو � َّ موقفه من مبايعة الأمير في�صل ،وفي رواي ٍة ذات دالل ٍة يورد ال�شيخ �أحمد قبي�سي في كتابه «حياة الإمام �شرف الدين» حادث ًة فيقول «وفي دم�شق بعث الملك في�صل مع مبعوثه الخا�ص �إح�سان الجابري �إلى �سماحة ال�سيد بدر ًة فيها خم�سة �آالف دينا ٍر من الذهب ،ف�أبى ال�سيد �أخذها قائ ً ال :لم تكن ثورتنا من �أجل المال ،ولكنها عقيد ٌة ديني ٌة ن�ستجيب لها كلما خ�شينا على تراث محمدٍ ب�أن ُي�صاب». كما �أن الق�ضية الفل�سطينية ،ح�ضرت في الإهتمامات الالحقة للإمام �شرف الدين بو�صفها ق�ضية العرب والم�سلمين الأ�سا�سية ،حيث �أبرزت ر�سائله ومواقفه وخطبه خطورة ما تتعر�ض له. 48
الدكتور حسن يعقوب الوحدة اإلسالمية والوطنية أساس اإلنتصار (((
'الوحدة اإلسالمية والوطنية ودورها في اإلنتصار
�إحترت في هذا اللقاء الفكري حول البعد القيمي لهذه البقعة الجغرافية «وادي الحجير» الذي �ساهم في �صناعة تاريخ انت�صارنا على الحركة ال�صهيونية. المو�ضوع في حد ذاته مه ٌم وعمي ٌق جد ًا ،ثم �إن اعتبار هذا المو�ضوع حلق ًة من م�صادر الثقافة وتر�سيخ الموقف الوطني في لبنان ،وي�ضيف جانب ًا جديد ًا ثقافي ًا وتاريخي ًا ي�شمل حق ًال مترامي الأطراف ومتنوع الجوانب. �إنَّ البحث في الوحدة الإ�سالمية والوطنية ودورها الأ�سا�س في الإنت�صار التاريخي والإ�ستراتيجي ،والذي �أ�س�س لزمن الإنت�صارات و�صو ًال �إلى تحرير �أر�ضنا المغت�صبة وقد�سنا ال�شريف ،يمتد هذا البحث �إلى عمق تاريخنا ،وما جوالت روح اهلل ال�سيد الم�سيح Q المباركة ،والأثر الطيب لل�صحابي الجليل «�أبي ذ ٍر الغفاري»� ،إلى م�ساهمة علماء جبل عامل في تو�سيع الثقافة والح�ضارة والعلوم ونقلها �إلى �سائر �أقطار العالم. ك ُّل هذا وغيره يتجاوز �إمكانية البحث عنه في محا�ضر ٍة واحد ٍة ،ف�إنَّ م�ستوى نائب �ساب ٌق في البرلمان اللبناني. ((( ٌ
49
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
المحا�ضرين والحا�ضرين ،وم�ستوى الجهة الداعية الجليلة يجعل حقل المحا�ضرة حق ًال جامعي ًا عالمي ًا. ورغم هذه الظروف ال�سيا�سية ال�صعبة ،والإ�سفاف والت�ضليل وت�أثيره ال�سلبي على مفهوم الوحدة الوطنية،وهو ما جعلني �أحتار في اختيار الجانب الذي ينا�سب التحدث به ،وارت�أيت �أن �أ�ضيء على بع�ض المحطات الأ�سا�سية في الموقع والموقف ،و�أف�سر العنوان العام للمحا�ضرة و�أو�سع مدلوله... أو ً ال:الوحدة في العقيدة
ثابت ووا�ض ٌح في القر�آن الكريم وفي الحديث ال�شريف، �إنَّ ر�أي الإ�سالم في الأديان ٌ محمد Pهي العقد الأخير من �سل�سلة الأديان حيث �إنَّ القر�آن يعلن �أنَّ ر�سالة ٍ الإلهية ،و�إنَّ محمد ًا Pهو خاتم الأنبياء م�ؤمنٌ بهم وم�صد ٌق ب�أنهم ر�سل ر ِّبه } ُق ْل َما ُكن ُْت بِدْ ًعا مِ َن ال ُّر ُ�س ِل {(الأحقاف الآية .)9 }�آَ َم َن ال َّر ُ�س ُ ول ِب َما �أُ ْن ِز َل ِ�إلَ ْيهِ مِ ْن َربِّهِ َوا ْل ُم�ؤْمِ نُو َن ُك ٌّل َ �آ َم َن بِا ِهلل َو َم اَل ِئ َكتِهِ َو ُكتُبِهِ َو ُر ُ�سلِهِ اَل نُ َف ِّر ُق بَ ْي َن �أَ َحدٍ مِ ْن ُر ُ�سلِهِ {(البقرة الآية .)285 والقر�آن ي�ؤكد �أي�ض ًا �أنَّ دين اهلل واح ٌد وي�سميه (الإ�سالم) ،ويعتبر �أنَّ جميع الأنبياء يب�شرون به ،وقد جعل اهلل ٍّ كانوا ِّ لكل منهم ِ�شرع ًة ِومنهاج ًا }� َش َر َع لَ ُك ْم مِ َن الد ِِّين َما َو َّ�صى
و�سى َوعِ َي�سى �أَ ْن �أَقِي ُموا الد َِّين َو اَل تَتَ َف َّر ُقوا بِهِ نُ ً وحا َوالَّذِ ي �أَ ْو َح ْينَا ِ�إلَ ْي َك َو َما َو َّ�ص ْينَا بِهِ ِ�إ ْب َراهِ ي َم َو ُم َ فِيه{(ال�شورى الآية .)١٣
كثير من الآيات القر�آنية نجد القر�آن ينقل عقائد و�أحكام ًا وق�ص�ص ًا عن وفي ٍ الر�ساالت ال�سماوية ويعتمد عليها. والمجتمع كالج�سد الواحد في ر�أي الإ�سالم «�إذا ا�شتكى منه ع�ض ٌو تداعى له �سائر ٌ الأع�ضاء بال�سهر والحمى» حديثٌ �شريف ،والإن�سان �أي�ض ًا في ر�أي الإ�سالم موجو ٌد واح ٌد بج�سمه وروحه وحد ًة متكامل ًة متفاعل ًة. �إنَّ الم�ؤمن ال ي�شعر بالوحدة والوح�شة ،بل ي�شعر بمواكبة الكون فيطمئنُّ ب�أ َّنه منت�ص ٌر 50
�������������������������������������������
ِين َوا ْل َم اَل ِئ َك ُة بَ ْع َد َذل َِك َظهِ ي ٌر {(التحريم الآية } َف�إِ َّن اهللَ ُه َو َم ْو اَل ُه َوجِ ْب ِر ُيل َو َ�صال ُِح ا ْل ُم�ؤْمِ ن َ �ضروري بالن�سبة لحملة الر�ساالت و�أ�صحاب المبادئ والمجاهدين )٤وهذا ال�شعور ٌّ الذين يحاولون �إعادة بناء الإن�سان ومجتمعه. مانع من بع�ض الت�شابه في العقائد �إذا الحظنا هذا المنطق فال نجد �أ َّية غراب ٍة �أو � َّأي ٍ والأحكام والأخالق الإ�سالمية مع الأديان ال�سماوية الأخرى. َّا�س لذلك �إ َّننا ن�ؤمن �أن التفاعل الديني والح�ضاري يحقق الغاية من الخلق }يَا �أَ ُّي َها الن ُ �إِنَّا خَ َل ْقنَا ُك ْم مِ ْن َذ َك ٍر َو�أُ ْنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُ�ش ُعوبًا َو َقبَائ َِل ِلتَ َعا َر ُفوا{ (الحجرات الآية .)١٣ ولبنان ب�صور ٍة خا�ص ٍة حيث يلتقي �أبناء الديانات ويعي�شون �أخو ًة مواطنين ،وتجتمع �ألوا ٌن من الثقافة والح�ضارة والتيارات الفكرية ،من الما�ضي والحا�ضر ومن ال�شرق والغرب ،هذا البلد الذي ُي َع ُّد �ضرور ًة ديني ًة يرفع عن الأديان تهمة التع�صب وتق�سيم الب�شرية وتجزئتها ،و�ضرور ًة ثقافي ًة ي�سهل عليه �أن يكون ل�سان ًا و�سمع ًا للإ�ستماع والمخاطبة بين ال�شرق والغرب وبين القارات. هذا البلد لبنان له تجارب �إن�ساني ٌة غني ٌة يمكن الإ�ستفادة منها ،وال يعرف في تاريخه �إ�ضطهاد ًا ال ليهود وال لغيرهم. �إنَّ التفاعل بين اللبنانيين يعالج كثير ًا من م�شاكلنا ،ويدفع �أخطار ًا تعر�ضنا لها مرات ،ويخدم الإن�سان وال�سالم مع ًا. ثانيا:الوحدة في السياسة وعلم االجتماع
�إنَّ الوحدة الوطنية وتما�سك الن�سيج الوطني اللبناني هو الرد المبا�شر على الفتن والنزاعات التي د�أبت «�إ�سرائيل» على �صناعتها منذ �أن ُزرعت في قلب الأمة والمنطقة، موقف وتعبير ٍ كان للإمام مو�سى ال�صدر قائ ًال «�إ َّن ال�سلم الأهلي في لبنان هو و�أف�ضل ٍ �أف�ضل وجوه الحرب مع �إ�سرائيل». �إنَّ الفئة القائدة لل�صراع مع «�إ�سرائيل» ت�ضع هذا الهدف في �أعلى ُ�س َّلم �أولوياتها، وتقدِّ م في �سبيله كل التنازالت ،حتى ولو كانت حقوق ًا مكت�سب ًة وتتعامل مع � ِّأي �إ�شكالي ٍة 51
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
بمنطق � ِّأم ال�صبي ،لدرجة �أنَّ العدو يعتمد �إ�ستراتيجية الإ�ستغالل والإبتزاز ،وي�ضغط دائم ًا على هذا الجرح. �إنَّ م�شروع ال�شرق �أو�سط الجديد الذي ب�شر به محافظو الواليات المتحدة االمريكية، عرقي �أو طائفي �أو واحد يرتكز على تق�سيم المنطقة �إلى لون ٍ دويالت ذات ٍ ٍ مذهبي �أو ٍّ ٍّ ٍّ إثني ،الهدف من كل ذلك المخطط هو تق�سيم المق�سم وتفتيت المفتت ،وت�شريع اللون � ٍّ الواحد اليهودي على الأرا�ضي العربية المغت�صبة ،وتفكيك َمن حولها و�إ�ضعافها ،وخلق النزاعات فيما بينها وت�شتيتها. وعلى هذا الأ�سا�س ف�إنَّ التنوع والتعدد الطائفي في لبنان ٌ نقي�ض وا�ض ٌح لأحادية اللون اليهودي «الإ�سرائيلي» .و�إنَّ �إنجاح النموذج اللبناني والدفاع عنه هو �إف�شا ٌل للم�شروع الآخر ،العتبار �أ َّنه في منطق علم الإجتماع وال�سيا�سة ال يمكن لكيانين متجاورين متناق�ضين بالتكوين �أن ينجحا وي�ستمرا في الوقت عينه ،فال بد لأحدهما �أن ينجح و�أن يف�شل الآخر. أهمية الموقع:
�أمام التح ُّول التاريخي والإ�ستراتيجي النت�صار تموز ،٢٠٠٦و�صدمة العالم الداعم لل�صهيونية وخيبته من �سقوط الأ�سطورة التي ال تقهر ،المدججة بال�سالح من ر�أ�سها حتى �أخم�ص قدميها ،وانتقال «�إ�سرائيل» من واقع الذراع الع�سكري المتقدم لأميركا كيان يحتاج �إلى الحماية والدفاع عنه ،ف�إنَّ وادي والغرب �إلى عبءٍ وم�شكل ٍة ،و�إلى ٍ الحجير كان �أحد المفا�صل المهمة ،والب�صمة الوا�ضحة في ذاكرة الإنت�صار وفي هواج�س العدو اال�سرائيلي ،حيث �أُريد لهذه البقعة الجغرافية �أن تكون م�سرح ًا لغد ٍر محدود خبيث ولمحاول ٍة يائ�س ٍة ربما تقلب �صورة الهزيمة «الإ�سرائيلية» �إلى انت�صا ٍر ٍ ٍ يرمم ب�شاعة ال�سقوط الع�سكري المدوي ،ولكن اهلل �سبحانه وتعالى والم�ؤمنون به مكروا وكانوا خير الماكرين ،وع َّمقوا الهزيمة و�أناروا الإنت�صار بالمحطة الأبرز في الحرب، والتي عرفت بمجزرة الميركافا فخر ال�صناعة «الإ�سرائيلية». 52
�������������������������������������������
و�إليكم الخديعة والغدر ،ففي يوم الجمعة في � ١١آب في مجل�س الأمن ،تم الت�صويت على القرار ،١٧٠١ول�سنا هنا في معر�ض الحديث عن المفاو�ضات و ُق َطب ١٧٠١المخف َّية التي ال تتنا�سب مع حجم انت�صارنا ،ولكن ما يعنينا في هذا ال�سياق هو �أ َّنه في متن القرار �أنَّ يوم الإثنين موعد �سريان وقف الأعمال الع�سكرية بين الطرفين ،ولكن القرار خرق في م�شهد الهزيمة التي يمكن �إف�شاله والإنقالب عليه فيما لو حققت «�إ�سرائيل» � َّأي ٍ ُمنيت بهاَّ ، ولعل ما ُي�س َّمى بالمجتمع الدولي كان متواطئ ًا مع «�إ�سرائيل» حيث �إ َّنه في يومي ال�سبت والأحد ح�شدت «�إ�سرائيل» �آالتها الع�سكرية وهاجمت ،ول�سوء حظها وخيبة مكرها ،تح َّول الغدر والخديعة �إلى م�صيد ٍة �أو مجزر ٍة ا�شتهرت بمجزرة الميركافا في ني الجي�ش «الإ�سرائيلي» ب�أكبر قد ٍر من الخ�سائر الب�شرية والمادية وادي الحجير حيث ُم َ مقارن ًة مع وتيرة الثالثين يوم ًا للحرب الظالمة. وبذلك �صنع وادي الحجير �أكبر انتكا�س ٍة معنوي ٍة وع�سكري ٍة ،وحفر عميق ًا في تكري�س الهزيمة والإحباط والي�أ�س الذي يحطم معنويات العدو ،وي�شطب خديعة �أر�ض الميعاد دائم والعالم و�شعب اهلل المختار ،و�أنهم قو ٌم ال ُيق َهرون ومحميون ويعي�شون با�ستقرا ٍر ٍ ٌ وخائف. م�ضطرب من حولهم ٌ أ�سباب كثير ٍة لم ُيتَح الوقت للتحدث فيها ،ف�إنَّ الإنت�صار والوحدة لكل ما �سبق ول ٍ يقين ب�أنَّ َّ كل بقع ٍة من �أر�ضنا الطاهرة ووادي الحجير �أمو ٌر متالزم ٌة ال تفترق ،و�إ َّننا على ٍ تدمر الغزاةِّ ، وتر�سخ منطق �ستكون وادي الحجير� ،أر�ض ًا ملتهب ًة ِّ وتوطئ للقادمينِّ ، أياد ال تتعب، الوحدة الإ�سالمية والوطنية ،التي ت�سهر عليها عيو ٌن ال تنام وت�ؤازرها � ٍ وترعاها عقو ٌل ح�سيني ٌة ال تتخاذل ،و�إنَّ وعد اهلل ح ٌق و�إنَّ �أهل الثغور من�صورون ب�إذن اهلل تعالى وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته
53
محمد كوراني الدكتور ّ دور علماء جبل عامل في مواجهة اإلحتالل الفرنسي (((
لقد تع ّود العامليون منذ زمن بعيد�،إطاعة علمائهم واحترامهم وتبجيلهم،الن �سلطتهم كانت تفوق كل �سلطة وتتط�أط�أ لها الر�ؤو�س وتحنى لها الرقاب ،ال ل�شيء �إال لأنهم مجتهدون� .إليهم يرجع الق�ضاء وف�صل الخالف بين النا�س .وكانت فتاويهم حكما مبرما اليقبل النق�ض .يوجب على الحاكم الزمني العمل بن�صه ولو كان �ضد الحاكم نف�سه .وكانت �سيرة �أولئك العلماء الأبرارفي ذاك العهد خير �سيرة اتّ�صف بها عالم �أحاط نف�سه ب�أ�سرار ال�شريعة الإ�سالمية المط ّهرة وان�صرف �إلى التدري�س والإر�شاد وعا�ش عي�ش الزهد والقناعة ال ي�ستهويه مال وال تغريه زخارف الدنيا( )1و�إذا ما قلبنا بطن التاريخ �إلى ظهره ف�إ ّنه يتراءى لنا بو�ضوح تام ،دور ال�شهيد الأول في زمن المماليك، حفظه لل�ش ــريعة الإ�سالمية و�إر�ساء خط الوالية من خالل محاربته لخارج مارق ،هو اليالو�شي .ولم يتوانى المحقق الكركي عن �ش ّد الرحال �إلى �إيران ليث ّبت في هذا البلد خط الوالية الم�ستقيم ،وتبعه ال�شيخ البهائي ،ومن قبله ال�ش ــهيد الثاني الجبعي الذي دفع حياته ثمنا في �سبيل العقيدة� ،أمام �سلطة جائرة ،هي الدولة العثمانية.وكذلك فعل ((( باحث وم�ؤرخ.
55
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ال�شيخ علي الزين في مقارعة الطاغية الج ـ ــزارو�أدار الثورة والثوار �إلى جانب عدد من نخبة العلماء دفعوا حياتهم ثمنا في �سبيل تثبيت خط الوالية والت�شيع لآل البيت عليهم ال�سالم...والدولة العثمانية هذه،كانت قد و�صلت �إلى حالة مزرية في نهايات القرن التا�سع ع�ش ــر ،وكانت تلقب بالرجل المري�ض..ولما دخلت هذه الدولة الحرب �إلى جانب �ألمانيا والنم�سا ،كانت بمثابة ال�شريك الخا�سر ..ولم تنجل الحرب ا ّال بـهزيمــة تركيا وحلفائها على يد الحلفاء الفرن�سيين والإنكليز وان�سحب الوالة والحكام من المدن الرئي�س ــية..و�أخلى الجنود الأتراك مدينة دم�شق وكل بالد ال�شام وفي �أول ت�شرين الأول عام �1918أِعلن ت�شكيل الحكومة العربية فيها( )2و�أر�س ــلت البرقيات �إلى زعماء جبل عامل وبيروت �أن يرفعوا الراية العربية في كل من بيروت وبعبدا و�صيدا والنبطية و�صور ومرجعيون .وو�صلت الحملة الع�سكرية التابعة للحلفاء بقياد ة المار�شال هنري اللنبي �إلى �صور و�صيدا في طريقها �إلى بيروت فحلب. ثم راحت قوات الحلفاء تن�شـ ــر الإعـالن تلوى الإعـالن يمنع النا�س من التجمع والتظاهرات والتعبير عن الفرح بزوال كابو�س الأتراك .ت�سارعت الأحداث وبد�أال�سـّباق بين جناحي الإ�ســتعمار :الإنكليز والفرن�سيين ،ف�آلت فل�س ــطين للإنكليز وال�ساحل اللبناني ال�سوري للفرن�سيين وتق ّدمت قوات الثورة العربية بقيادة الأمير في�صل بن ال�شريف ح�سين نحو دم�ش ــق .وهكذا..كا نت هذه القوات تطبق واقع معاهدة �سايك�س بيكو ..وبد�أالعـرب ي�شعرون �أن وعود الحلفاء لم تكن �س ــوى �سـراب يح�سبه الظم�آن ماء. وقد �أ�شار ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين �إلى ذلك« :وفي �أعقاب تلك الحرب... انتهت فل�ســــطين �إلى الإحتالل الإنكليزي ،وانتهت دم�شق �إلى الإمارة الها�شمية. وكان ن�صيبنا من التق�سيم يومئذ ن�صيبا لم تجر فيه الرياح كماكنا ن�شتهي وكما كنا نقدّر ،ولكن ابتد�أ ن�شاطنا على كل حال وفق �آمالنا...ف�أن�ش�أنا في �صور يومئذ حكومة تحفظ الأمن با�سم ال�شريف ح�سين»(.!!)3 ..لكن الإنكلز �أبطلت هذا التدبيرالذي رجوناه لم�ستقبل عربي م�ستقل ،و�إذاجتاحت في مرورها مابنيناه ...ولم تعترف ب�شيء من هذا الجهدالم�ؤمل وبذلك ُ�شطب على 56
يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود
الخطوة الأولى و ُم ّهد لفرن�سا �أن تحتل وت�سـيطر باتفاق مع ع�صبة الأمم...ولكن ماكان لنا ول�سائر المخل�صين �أن ن�ستكين للقوة م�ست�سلمين(.)4 ا�ستقبل العامليون الإحتالل الفرن�سي ا�ستقباال �صاخبا محتجا يواجهها بالرف�ض والم�صارحة والميل عنها ميال الهوادة فيه واللين(.)5 وقد �أورد ال�سيد �شرف الدين في مذ ّكراته المخطوطة مجابهته مع قادة فرن�ســا في لبنان.. :ثم كانت لنا مواجـ ـ ـ ــهات مع الم�سيطرين من الفرن�سيين كبيكو وغورو و�شربنتييه ودلب�ستر ونيجر (.)6 ت�ضم الأق�ضـية الأربعة ،فكان رف�ض مو�سعة ّ بد�أ�سعي الفرن�سيين لإقامة دولة مارونية ّ العامليين �شـديد ًا..فاندلعت الحروب والمعارك بين المحتلين والعامليين الم�ســلمين. تق�صي الحقائق (لجنة كينغ-كراين). وحين و�صول لجنة ّ �إلى �صــيدا قابلها العالمان الكبيران :ال�شيخ ح�سن مغنية وال�سيد عبد الح�ســين �شـرف الدين وق ّدما لها وثيقة با�س ــم جبل عامل كله يطلبان الإ�ستقالل ورف�ض الإحتالل رف�ضا قاطع ًا .وكان جبل عامل من �أكثر المناطق العربية في بالد ال�شام حما�سـة للتحــررمن نير الإحتالل الفرن�ســي ،وكثيرا ماكان ابنا�ؤه ي�ســارعون �إلى المبادرة بالرف�ض والع�صيان والثورة ،م�ســتر�شـ ــدين بتوجيهات علمائهم،مطالبين با�ستقالل منطقتهم، �ضمن ا�ستقالل البالد ال�شامية كافة(..)7وعندما تك�شفت نوايا الحلفاء ،راحت فرن�سا تكيد لل�سوريين واللبنانيين بمن فيهم العامليين.اندلعت الحروب والمعارك في جبل عامل ,وبد�أت الفرق الفرن�سية بالتقهقر في بع�ض مواقعها ،وح�صرت ع�ساكرها في المدن الهامة .وكان من �أبرز الوجوه العلمائية التي ت�ص ّدت لهذه الغزوة الإ�ستعمارية الجديدة العالم الكبير ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين..الذي كان را�سخ اليقين، دائب الحركة ،يدور مع المحتلين مدافع ًا �أو مطا ِرد ًا ،حيثما داروا ،وعندما �أفتى بالجهاد �ضـ ـ ّدهم حكموا عليه بالإعدام وطاردوه ،ولم يتزحزح عن مواقفه المبدئ ّية قيد �شعرة حي يرد دائم ًا� :إن لم �أقف حيث جي�ش الموت يزدحم فال م�شت بي في ًط ْرق العلى قدم وقبل �أن يتحفز ال�سوريون للثورة �ضد الفرن�سيين كان ال�سيد �شرف الدين قطب رحى 57
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
هذه الثورة في جبل عامل فعزم الفرن�سيون وعزمت ذيولهم على التخ ّل�ص من ال�سيد �شرف الدين عن طريق الإغتيال لتنهارهذه الجبهة �إذا �أزيح من الميدان فدفعت فرن�سا �أحد عمالئها(جورج الحالج)�أن يقتحم دار ال�سيد �شرف الدين في �صور لينتزع منه التّفوي�ض الذي �أخذه ال�سيد من وجوه جبل عامل وعلمائه،والذي يخ ّول الملك في�صل �أن يتكلم با�سم جبل عامل في ع�صبة الأمم.يقول ال�سيد �شرف الدين في مذكراته :ف�ألح في �إنفاذ ما�أراد بق ّلة حياء ف�أغلظت له القول ف�ص ّوب م�س ّد�سه اتجاه وجهي ففاج�أته بدفعة منكرة� ...ألقته على قفاه و�سقط الم�سد�س من يده فبادرته بحذائي �ضربا على وجهه وف ّر �أ�صحابه( )8زحفت الجموع العاملية بااللوف من علماء و�أ دباء ورجال �سيا�سة وعامة النا�س ،ي�ستنكرون هذه الحادثة و�أر�سل رجاالت الثورة العربية برقيات الإ�ستنكار ومنهم في�صل ،ف�أجاب ال�سيد �شرف الدين الجميع بكلماته� :إن ابن الحالج�..أداة غدر وو�سيلة فتنة..وال غرو �إن كان لنا معه ومع من وراءه ماكان ،وما يكون فالها�شمي ال ُتع�صب �سلماته وال ُتقرع جنباته...فكيف يلين الها�شمي لحادث �أو يلب�س مالب�س الخوف، ()9 «حا�شى حفاظ بني الح�سين» لج�أ الإحتالل �إلى ت�أليف فرق ع�سكرية موالية له لقمع الإنتفا�ضات والثورات ونظم فرقا ع�سكرية م�س ّلحة لمحاربة الثوار( )10فد ّبت الفو�ضى في طول البالد وعر�ضها، فما كان من ال�سيد �شرف الدين �إال�أن اتفق مع زعيم البالد العاملية كامل الأ�سعد على عقد م�ؤتمرعام ،ي�ضم علماء البالد وزعماءها و�أهل الر�أي بها والثوار( )11خ�صو�صا �أن �سوريا طلبت من قادة جبل عامل ال�سيا�سيين موقفا وا�ضحا من الإن�ضمام �إليها، و�أر�سلت اثنين من رجالها للت�أكيد على ذلك....وكان م�ؤتمر وادي الحجير ،الذي يتو�سط البالد العاملية ويوجد فيه الماء والكلوقد ن ّبه ال�سيد �شرف الدين �إلى حراجة الموقف فقال..... :وكان هذا الطلب من الأمور المه ّمة ذوات البال التي دعت �إلى عقد الم�ؤتمر التاريخي في الحجير ،ف�إن المفكرين في عاملة �أخذوا هذا الطلب على �أنه �شاق طرفيه فهم �إن �أجابوه ففرن�سا دولة قوية غنية ومجهزة القبل لهم بها ،و�إن امتنعوا عنه فهذه ()12 جبهة وطنية تدعوهم �إلى الجهاد الوطني وذلك ماال قبل لهم بالإمتناع عنه �أي�ضا 58
يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود
كان الوجه العلمائي في الم�ؤتمر هو االبرزوالأهم حيث حفظت لنا بع�ض الوثائق العاملية �أ�سماء لفيف من العلماءالكبارممن ح�ضروا الم�ؤتمر وكانوا يمثلون وجه الأمة العاملية و�آمالها و�أمانيها وتطلعاتها .ف�إ�ضافة �إلى الداعي الأول للم�ؤتمرال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ح�ضر الثالوث العاملي (ال�شيخ �أحمد ر�ضا ـ ال�شيخ �سليمان ظاهرـ محمد جابر �آل �صفا) وال�سيد عبد الح�سين نور الدين وال�شيخ ح�سين مغنية وال�سيد عبد الح�سين محمود الأمين وال�سيد جواد مرت�ضى وال�شيخ مو�سى قبالن وال�شيخ يو�سف الفقيه وال�شيخ عزالدين علي عزالدين وال�شيخ ح�سين �سليمان وال�شيخ حبيب مغن ّية وال�شيخ عبد اهلل عزالدين وغيرهـم�،إ�ضافة �إلى الوجهاء والزعماء ور�ؤ�ساء الع�صابات (الثورة) ..وكان �شيعة جبل عامل قد توافد وا�صبيحة 24ني�سان �إلى الوادي المذكور من كل حدب و�صوب ،وق ّدر ال�شيخ �سليمان ظاهر الح�ضور ب�ستماية رجل فيهم ُجل علماء البالد و�أعيانها ومفكريها(.)13 وبعد جل�سات متع ّددة قرروا الأمور التالية: -1تنظيم الئحة بالم�صادقة على مقرات الم�ؤتمر ال�سوري. -2انتداب وفد من العلماء يحمل �أماني العامليين �إلى العا�صمة ال�سورية. -3عواطف الإخال�ص والتبريك لفي�صل ملك �سوريا. -4اعتبار جبل عامل مقاطعة م�ستقلة ا�ستقالال �إداريا مرتبطا بالإتحاد ال�سوري. -5تفوي�ض العامليين للعلماء تفوي�ضا مطلقا بتقرير كل مايعود على جبلهم بالنفع(.)14 وحينما و�صل ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين «�ضاق الوادي بالرايات و�ضج بالهتافات ود ّوى بالمفرقعات وال�صهيل وك�أن عاملة ث�شرت فيه ببعث جديد(»)15 مل ّمحا � -أي ال�سيد �شرف الدين � -إلى الما�ضي البعيد و�إلى �أمجادعاملة..وا�ستقبل ال�سيد بالت�صفيق والطلقات النارية مما يوجب الإ�ستنتاج ب�أن العامليين كانوا يثقون كل الثقة بعلمائهم في حل الأزمة والحكم في الخالف القائم �آنذاك( .)16وبعد لقاء ال�سيد �شرف الدين مع الجماهير المحت�شدة في الوادي انتقل �إلى �صفوف العلماء والزعماء للت�شاورحيث تم توقيع الوثيقة ال�صادرة عن الم�ؤتمر من قبل الوجهاء وممثلي القرى 59
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
والزعماء وتمخ�ض الإجتماع عن تفوي�ض العالمتين ال�سيدعبد الح�سين �شرف الدين وال�سيد عبد الح�سين نور الدين ومالقاة ال�سيد مح�سن االمين نزيل د�شق لرفع وثيقة الم�ؤتمر �إلى الملك في�صل .وقد �ألقى ال�سيد �شرف الدين خطابا تاريخيا في الم�ؤتمر ذ ّكر فيه ون ّبه �إلى خطورة ماتحيكه فرن�سا من م�ؤامرات للإنق�ضا�ض على جبل عامل، وكان يخاطب الجمع ،بالفر�سان المناجيد ،وفتيان الحمية المغاوير ،و�إخواني �أعالم الأمة و�أبنائي ،ليزيدهم ثقة و�شجاعة وق ّوة ومنعة ،وما قوله�«:إن لهذا الم�ؤتمر ما بعده. و�س ُيط ِبق نب�ؤه الآفاق ال�ســـورية ويتجاوب �صـداه في الأقطارالعربية ويتجاوزها �إلى ع�صبة الأمم» �إن هذا �إال خير دليل على �إلفاته للم�ؤتمرين �إلى �أهمية وم�صيرية الم�ؤتمر الذي قرران�ضمام جبل عامل �إلى �سوريا ولي�س �إلى لبنان. تهيء لإقامته .ومن قر�أخطبة ال�سيد �شرف الدين في الكبير الذي كانت فرن�سا ّ الم�ؤتمر لخرج بنتيجة مفادها �أن ال�سيد كان لديه من الوعي ال�سيا�سي وفهم مخططات المحتلين ماي�سبق مرحلته ب�أربعين �سنة على الأقل .وما ت�أكيده على حماية �أرواح الن�صارى وعدم الم�س بهم وبقراهم �إالخير دليل على وعي ال�سيدولفيف العلماء الذين �شاركوه في الم�ؤتمر وهذا مادفعهم لأخذ الأ ْيمان المغ ّلظة والحلف على القر�آن الكريم من قبل الثوار�أن اليم�سوا الن�صارى ب�سوء �أثناء غياب الوفد في دم�شق. لقد ذكرنا في بداية البحث �أنّ �سلطة العلماء في جبل عامل لم تكن تعلو فوقها �سلطة.وكانت كلماتهم قول ف�صل .وقدخاطب الأديب محمد علي الحوماني ال�سيد �شرف الدين عند قدومه �إلى وادي الحجير بقوله :لقد �شهدته بنف�سي ،ور�أيت كل عالم وزعيم ورده دون �أن يح�س الح�ضور بوروده...حتى �إذا�أو�شكت ركابك �أن تحل به ،ح�سبنا ان الأر�ض قد تزلزلت وال�سماء �أُطبقت علينا ،ولما تك�شف هذا الرهج المعقود فوق الوادي برزت من تحته كالبدر ين�شق عنه الغمام ليلة ت ّمه...ولم يبق في الوادي فرد لم يهرع �إلى ا�ستقبالك ويت�ش ّوق �إلى ركبك.ولما جل�ست في خيمة العلماء ح ّفوا بك وتهافت الحفل المح�سود عليك،كلهم يح ّدق بك وي�ستمع �إليك و�أنت مندفع تخطب كال�سيل تبعث في نفو�سهم الحمية وتحر�ضهم على الجهاد في �سبيل الحق(� .)17إن هذه 60
يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود
الحرارة في الإنفعال والحما�س والتقدير للزعامة الدينية المتم ّثلة ب�شخ�ص ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين تعطينا �صورة وا�ضحة عن دور العلماء الفعال في �إدارة �ش�ؤون الثورة والمقاومة �ضد المحتل الفرن�سي .وال نن�سى دور الثوار العامليين في الم�ؤتمر حيث كان لهم ت�أثير كبير ،فهم المعنيون بحرا�سة هذا الم�ؤتمر .وهم قطب ال ًّرحى في العمل الع�سكري �ضد الفرن�سيين ،وكانت م�شاركة الثوار في الم�ؤتمر تلبية لدعوة ال�سيد �شرف الدين،وهذا ما�أحدث ر ّدة فعل عنيفة لدى كامل الأ�سعد ،حيث �شعر �أن م�شاركة الثوار و�أعمالهم هي بداية ل�سحب الب�ساط من تحت �أقدام الإقطاع ال�سيا�سي الوحيد في البالد ،وقد تدخل العلماء بينهما ف�أهدى كامل بك الأ�سعد �سيفا ثمينا ل�صادق الحمزة الفاعور في نهاية الت�سوية .لقد ثارت ثائرة الفرن�سيين لنجاح الم�ؤتمر وراحوا ينفخون بوق الفتنة .و�أ�شاعوا في طول البالد وعر�ضها �أن ال�سيد �شرف الدين �أفتى بمحاربة الن�صارى ،وهذا ماردده (الأديب) اللبناني المعروف �أمين الريحاني م ّدعي َا �أن ال�سيد «�ضرب» خيرة بال�سبحة على ذبح ال ّن�صارى ،ويبدو �أن المخطط الخبيث هذا كان هدفه الق�ضاء على ال�سيد �شرف الدين ،لكنهم لم يفلحوا .وتطورت الأحداث �أثناء غياب الوفد داري ال�سيد في �شحور في دم�ش ـ ــق .وبعد عودة ال�س ــيد �ســارع الفرن�سيون �إلى �إحراق ْ و�صور و�أ�صدروا حكما ب�إعدامه �أو القب�ض عليه حيا �أو ميتا للحيلولة دون ذهابه �إلى دم�شق. وفي الخام�س من �شهر �أيار �سنة �1920أق ّر مجل�س الحلفاء الأعلى في �سان ريمو في �إيطاليا الإنتداب الفرن�سي على لبنان و�سوريا والإنتداب الإنكليزي على فل�سطين ف�صعق ا لم�سلمون لهذا ال ّنب�أ وكانت قرارات هذا الم�ؤتمر قد �أعطت والعراق والأردنُ ، ال�ضوء الأخ�ضر للجنرال غورو �أن يتابع ت�صفيته للثورة على الإحتالل تحت �ستار دولي ومباركة �إنكليزية .وفي ذات الوقت �أر�سلت الحكومة الفرن�سية �إلى غورو فرقا ع�سكرية �سنغالية ال�ستعجال ح�سم م�س�ألة الثورة( )18كانت الوقفة العلمائية الم�ش ّرفة ،دليال �ساطعا على ح�ضور الجهاد العاملي بطابعه الإ�سالمي العميق الجذور ،وكان لل�سيد �شرف الدين دور بارز في الت�صدي مع ث ّلة من العلماء وال�شبان الم�ؤمنين ،حيث وقفوا في 61
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
وجه المد الإ�ستعماري المتمث بفرن�سا و�أعوانها..ا�ستجابت الطالئع الم�ؤمنة في جبل عامل ،وحملت ال�سالح بماتي�سر لل ّدفاع عن حيا�ض الجبل الأ�شم حماية لل ّدين ،و�صونا للكرامات والأعرا�ض والحرمات،م�ستلهمين ما�ضي الأجداد الم�ش ّرف في مواقع البحرة وكفر رمان و�سهـل الغازية ويارون و�أن�صار والكفور وعيناثا وغيرها من �ساحات ال�شرف والعز�،سائرين على خطاهم. تزامن انفجار الثورة في جبل عامل �سنة�1920ضد الفرن�سيين مع انفجار الثورة في العراق في نف�س العام �ضد الإنكليز .وما �أن اندلعت المعارك في جبل عامل بين الثوار والفرن�سيين حتى �أ�صدر المراجع الكبار في النجف الأ�شرف ب�ضرورة الت�صدي للإ�ستعمار الإنكليزي في العراق ا�ستعرت الثورة في جبل عامل �ضد الفرن�سيين وذلك بعد �أن �أجمع ر�أي المراجع بوجوب ال ّدفاع والجهاد �ضد الكافرين..فراح المجاهدون يقاتلون بما تي�سر لهم ،ولم يثنهم عن واجب الجهادتفوق الخ�صم تكنولوج ّياوتنظيما وتدريبا.هاجموا المعتدي و�أ ّدبوا �أن�صاره و�أعوانه.لم يطلبوا جزاء وال �شكورا ،فما على الواجب �أجر �إال من �صاحب الأجر( )19لقد وقعت الحوادث المروعة في ظل الإحتالل الفرن�سي وكان �أهمها حادثة عين �إبل ،و�أ�سباب الحادثة كانت مقتل ن�صر اهلل �أحمد ن�صراهلل من بلدة ياطر على يد م�سلحين من عين ابل تبعها الإعتداء على فتاة من قرية حانين في خراج بلدة عين ابل �أي�ضا .وما ان انت�شر خبر الحادثتين حتى احت�شد عدد من المتحم�سين من �شباب ال�شيعة في المنطقة على بركة كونين وقررواالهجوم على عين ابل والإنتقام من المجرمين ،وكانت تلك ر ّدة الفعل الطبيع ّية �ضد �أن�صار الإ�ستقالل و�أن�صار المحتل.. وكانت فرن�سا تنتظر وقوع هذه الحادثة �أوما ي�شابهها لتثبت وجودها في طول البالد وعر�ضها ،فتحركت فورا وبد�أت عملية الإنتقام المنظمة من �أبناء بالد ب�شارة و ُك ّلف القائد الفرن�سي نيجر بقمع جبل عامل و�ضربه بعنف ،فنزلت القوات الفرن�سية على �شاطى �صور بدباباتهاومدافعها ت�ساندهم جماعات المتطوعين مع الفرن�سيين .وكانت الحملة كلما مرت بقرية ا�ستدعىى �ضابطها �أهالي القرية لي�س�أل عن بع�ض الأ�شخا�ص 62
يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود
بالأ�سماء ح�سب دفتر كان يحمله معه..ف�أ�صبحت القرى تحت رحمة المتطوعين..وكانت المعركة �شر�سة ،والمجاهدون يت�صد ون لها بب�سالة خ�صو�صا �صاد ق الحمزة ورجاله في منطقة �صور ،و�أدهم خنجر ورجاله في منطقة النبطية(.)20 ق�صدت الحملة معاقبة القرى التي اعتبرتها م�س�ؤولة عن حادثة عين ابل ،فبلغت بنت جبيل وعيناثا ومارون وما حولهم من قرى وقد هجرها �أهلها وكانت الحملة تغتال في الطريق من تعثر عليه( )21وتمركزت الحملة في تبنين ..وراح نيجر يجمع وجوه و�أعيان وبع�ض العلماء العامليين وطلب منهم ت�سليم ال�سالح والتعهد بحفظ الأمن ودفع الغرامة للع�سكر والتعوي�ض على الذين نهبت بيوتهم في حادثة عين ابل و�إعادة جميع ما�سلب فقالوا ل�سنا ممثلين للطائفة كلها ف�أمرهم �أن يكتبوا له �أ�سماء �أعيانها ليجمعهم في �صيدا(� )22أمام ق�سوة الحملة وعنفها كان طبيعيا �أن الي�سلم ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين وداره وعياله فهو ر�أ�س الثورة وقطب رحاها فال بد �أن يكون الهدف الأول للحملة.. فقد هوجم داره في �صور و�أًعمل فيه �سلبا ونهبا وما فيه من الأثاث .ولم ت�سلم مكتبته النفي�سة بنفائ�سها وم�ؤلفات �صاحبها الق ّيمة من الحرق والتدمير( .)23يقول ال�سيد �شرف الدين في مذكراته... :ومهما يكن فقد كان ن�صيبنا من هذه الجيو�ش حملة ج ّرارة ّقدرت ب�ألف فار�س مجهزين بالمدافع الثقيلة وال ّدبابات والمدرعات زحفت بقيادة الكولونيل نيجر �إلى �شحور ...وان�س ّللت �أتخطى الوادي وطفق الجند ي�س�أل عني .ولما ا�ستي�أ �سوا علي في القرية...ولم يغادروها قبل ان يحرقوا ال ّدار.. من العثور ّ وعاملة ويحي لها ،تنوء تحت �ضربة بكر ،وتلفظ �أبناءها .وهناك من الخ�شية وال ّذعر. علي بال ّنفي الم�ؤ ّبد مع م�صادرة ما �أملك وبهذا حكم و�أعلنت الأحكام العرفية فحكم ّ على ال�سيد عبد الح�سين نور الدين وعلى الأحرار وزعماء البالد� .أما فتيان الثورة فقد ()24 ُحكموا بالإعدام و�أنفذ هذا الحكم الغا�شم في كل من ظفرت به منهم انتقل ال�سيد �شرف الدين �إلى الجوالن ثم �إلى دم�شق ثم �إلى م�صر حيث ا�ستُقبل بكل حفاوة وترحيب وعقدت له مجال�س الأدب والعلم والتكريم فوقف خطيبا في الجامع خ�صنا بالبالء و�أقامنا مثاال الأزهر في القاهرة حيث قال :ب�سم اهلل وله الحمد ،الذي ّ 63
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
لل�صبر والعزاء و�سالمه على خاتم �أنبيائه ورحمته وبركاته على �آله و�أو�صيائه ،ماكان �أ�صبرهم على الخطوب و�أقواهم على المحن ،لم ترعهم النوائب القارعة .ولم تنل منهم الملمات الفاقرة .فكيف �أراع و�أنا منهم،جبلت ُمن فا�ضل طينتهم �صخرة في واد وطود من الأطواد ...ر�ضا اهلل ر�ضانا �أهل البيت ن�صبر على بالئه ،ويوفينا �أجور ال�صابرين. نعم هذا �شان من ير�سم لأمته خطط الحرية ،ويتوغل في قومه في معارج ال�شرف �س ّنة اهلل في الذين يقدمون �أنف�سهم قربانا لعقائدهم وفداء لأوطانهم� ...أمل الغزاة الطغاة من كل محتل �أثيم وغا�صب زنيم ف�سيعلمون ّاي منقلب �سينقلبون( )25تابع الفرن�سيون �ضغطهم على جبل عامل بق�صد الإلتفاف على الم�سلمين ال�شيعة من �أدنى الجبل �إلى �أق�صاه فراح نيجر يوجه دعوات �شديدة اللهجة �إلى علماء ال�شيعة ووجوهم للقائه في �صيدا .يقول ال�شيخ �أحمد ر�ضا :ذهبنا في تلبية هذا الأمرب�صحبة العالمة الكبير ال�شيخ عبد الح�سين �صادق والعالمة ال�شيخ �سليمان ظاهر وال�شيخ �أحمد ر�ضا وال�سيد محمد جابروغيرهم من الف�ضالء والأعيان .وكان الكولونيل نيجر قدعقد الإجتماع في مطرانية الكاثوليك وحوى هذا الإجتماع من كان في �صيدا من وجوه ال�شيعة و�أعيانها... وخطب فينا الكولونيل خطابا �شديد اللهجة على ال�شيعة وتلك لهجة الغالب على المغلوب والمنت�صرعلى المخذول .ثم قال :ف�إذا لم يوقع وجوه ال�شيعة و�أعيانها الحا�ضرون على ال�شروط التي فر�ضها الجنرال غورو ،ف�إن الحملة �ستظل �سائرة في عملهاً ،تح ّمل الأهالي كل ماتحتاجه من ميرة وعلف وم�أكل وم�شرب.ثم ترك لنا مهلة للتفكير في الأمر �إلى مابعد الظهروحظرعلينا الخروج حتى تنفيذ الأمر.. ثم تال عليهم نف�س ال�شروط التي م ّرذكرها �سابقا عندما تالها على بع�ض الأعيان في الطيبة،ف�أبى الحا�ضرون توقيعها وطلبوا تحويرها ب�أخف منهاو�أق ّله المناق�شة في ()26 �إمكانية تحقيق الو�صول �إليها رف�ض �شربنتييه التحوير والمناق�شة وقال�:أنتم مكلفون حتما بتوقيعها دون �أدنى اعترا�ض و�أن الحملة التزال تعمل في قطركم على التخريب والتعذيب حتى ُتوقع ال�شروط بعينها و�أنتم محجور عليكم حتى توقع منكم جميعا .اليرخ�ص لكم بالخروج 64
يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود
من مدينة �صيدا مالم توزع الغرامة المفرو�ضة على القرى ال�شيع ّية في كل الجبل �شماليه وجنوبيه(.)27 كان الجنود الفرن�سيون يحتلون القرية تلوى القرية لجباية ما ُفر�ض عليها من الغرامة ،فال ي�ستطيع �أهل القرية ذلك في�ستاقون موا�شيها �إلى لجنة من هاتيك اللجان فتُحدد �أثمانها على ن�سبة المئة بع�شرة �أوع�شرين ثم ت�سلمها اللجنة بهذه الأثمان البخ�سة وتبيعها في �أ�سواق فل�سطين ب�أثمانها ال�صحيحة وهكذا بلغ ماجبوه �أ�ضعاف مافر�ض(.)28 ومن الأعمال التع�سف ّية التي قام بها الم�ستعمر ،فر�ض ال�ضراب الجائرة على القرى المجاهدة ،فقد فر�ض على قرية دبعال ال�صغيرة م�سقط ر�أ�س �صادق حمزة الفاعور �ضريبة ُ�س ّميت �ضريبة �صادق مقدارها عدد من البنادق الحربية التي الطاقة للقرية على تح ّمل �أثمانها .وفر�ض على �شحور �ضريبة قدرها ت�سعماية ليرة عثمانية ذهبا عدا �سلب الغنم والبقر والمتاع� .أما النبطية فقد فر�ضوا عليها ما يناهز الثالثة �آالف ليرة عثمانية ذهبا وقر�ض على ياطر مايتي ليرة ذهبية وثالثة ع�شر بندقية. ُ�ص ّبت الم�صائب على جبل عامل وغمر الأ�سى �أهاليه ونهبت ديارهم وقتلت �شبانهم و ُف ّرق �شملهم وبيعت �أرزاقهم ،وبعد �أن ُ�ضربت عليهم ال�ضرائب الباه�ضة ،فالماية �ألف ليرة �سورية �أ�صبحت خم�سماية �ألف ليرة ذهبية( .)29و�سيقت الموا�شي بالق ّوة من مرابطها وبيعت في �أ�سواق فل�سطين كانت هزيمة الثائرين في جبل عامل وخ�سارتهم هي التجربة التي ج ّر�أت الم�ستعمرين ،فكانت معركة مي�سلون وما ّ تمخ�ضت عنه ،و�أباحت هجرة اليهود �إلى فل�سطين ..وهكذا �أن�شب الم�ستعمرون �أظفارهم لتمزيق الأمة. وفغروا �أ�شداقهم البتالع �أ�شالئها وذهبت وعودهم �أدراج الرياح .لقد �أحكم الفرن�سيون قب�ضتهم على جبل عامل و�أدخلوه في متاهات الن�سيان والإهمال والإفقار، لكن علماء جبل عامل لم ي�ستكينوا ولم ي�ست�سلموا للمحتل ،فهذا ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين يقف عام 1943في وجه الحاكم الفرن�سي لمدينة �صور الم�سيو دافيد، عندما ت�ضرع بزيارته في دارته في �صور حيث رف�ض ال�سيد ا�ستقباله وواجهه ب�أنه غير مرغوب فيه وال في دولته �إذ �صفعه بالآية الكريمة(ولتجدنّ �أ�شد النا�س عداوة للذين 65
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
�آمنوا اليهود والذين �أ�شركوا) .لي�شعره �أنه يخاطب يهوديا ممقوتا كريها.ثم قال له: �أخرج يادافيد�،إن القلب الذي حاربكم عام 1920مازال بين جنباتي. وهاهو ال�شاعر الكبير بول�س �سالمة يمدح ال�سيد على مواقفه الجهادية قائ ًال: �أي��ه��ـ��ـ��ا ال�����س��ـ��ـ��ـ��ي��د ُه���ـ�ّل�ااّ ذك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـَ�� َر ْت �أم�س ـ ــك ال��م��ئ��ن��اف �أق�����زا ٌم تـباهى �����ض��ي��م وق��د راح � ٌ ي����وم ل���م ت���رك��� ْع ع��ل��ى ال ّ ��س��وط ال���� ّذل ي�ستاق ال�ش ـّياها ���ش��ـ��ـ��رف�� ًا ع��ب��د ال��ح�����س��ـ��ـ��ي��ن ال��م��رت��ق��ي ت���م�ل��أٌ ال��م��ن��ب��ر ع�� ّز ًاو���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ن َ��ى
وك����ذاك ال�شم�س ت��ه��دي م��ن ي��راه��ا
ك������ادت الأع���������واد م����ن ن�����ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وت��ه��ا
ت��ل��ب�����س ال��خ�����ض��رة ذك����را ب�صـبــاها
�أو ت��ع��ي��د ال���غ ّ �������ض م����ن �أوراق���ـ���ه���ـ���ـ���ا
ك�� ّل��م��ا (ال��ع�لام��ة) ال�س ـ ــبط �أت��اه��ا
م���ن ����ص���روح ال��ع��ل��م وال��� ّدي���ن ذراه���ا
هذا هو ال�سيد �شرف الدين علم من �أعالم العلم والجهاد ،وهذه م�سيرة العلماء العامليين الذين ر�سموا المعالم الجهادية ،لأن هذه المعالم الير�سمها وال يثبتها �إال المراجع العظام والعلماء المخل�صون في كل من جبل عامل والنجف وكربالء والكاظمية وقم و�أ�صفهان وخر�سان والأزهر والزيتونة .بل �إنّ كل ثورة قامت في عالم الإ�سالم� ،إنما قادها العلماءالذين عناهم ر�سول اهلل Pبالحديث ال�شريف :العلماء ورثة الأنبيـ ــاء. د :محمـد كــورانــي
66
المصادر
1 .1تاريخ جبل عامل-محمد جابر �آل �صفا � -ص -95/94/93دار النهار /بيروت/ ط1981-2 2 .2جبل عامل تاريخ و�أحداث -رامز رزق � -ص - 369دار الهادي/بيروت.2005- 3 .3بغية الراغبين -ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين � -ص(62مخطوط) 4 .4م.ن� -ص62 5 .5م .ن�-ص62 6 .6م.ن�-ص62 7 .7الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين -م�ؤتمر ال�سيد �شرف الدين -من�شورات الم�ست�شارية الثقافية الإيرانية -بيروت -1993من مقالة ل�صاحب هذا البحث. 8 .8بغية الراغبين .م� .س�.ص(25مخطوط) 9 .9من مخطوطات ال�سيد �شرف الدين (�ص .)5نقلها ون�سخها ولده ال�سيدجعفر 1010الم�شروع الماروني في لبنان -محمد زعيتر�-ص-393الوكالة العالمية للتوزيع- بيروت1986- 1111الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين -ال�شيخ عبد الحميد الحر�-ص-46دار 67
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ال�صادق -بيروت1972 1212بغية الراغبين -م�.س�.ص 64 1313جبل عامل في الحرب الكونية الأولى � -سليمان طاهر� -ص- 72دار المطبوعات ال�شرقية -بيروت1986 1414لبنان في الحرب الكونية -م�.س � -ص- 2 7- 72بغية الراغبين -م�.س �-ص55 1515بغية الراغبين -م�.س�.ص55 1616حركة الإ�صالح ال�شيعي �-صابرينا ميرفان� -ص-425دار النهار-بيروت2003 / 1717مجلة العروبة -العدد22-20كانون الأول 1934 1818 1919جريدة ال�سفير 1990/7/31 2020جريدة ال�سفير 1990/7/31 2121العرفان -م- 3ج�- 2ص - 200يوميات للتاريخ -ال�شيخ �أحمد ر�ضا 2222ن.م� .ص201 2323ن.م�.ص20 2424بغية الراغبين -م�.س�.ص67 2525من خطب ال�سيد �شرف الين بخط ولده المرحوم ال�سيد جعفر �ص8-7 2626العرفان -م�.س -م- 34ج �- 4ص203 2727العرفان -م�.س�.ص240 2828م .ن�.ص204 2929م.ن�.ص204
68
الجلسة الثانية برئاسة الشيخ أحمد الزين
()1
الدكتور الحاج خليل حمدان اإلمام السيد موسى الصدر الوارث واستكمال الدور ()2
وال�صالة وال�سالم على �أ�شـرف الخلـق و�أعـز المر�سلين �سيدنـا ونبينـا محم ٍـد وعلى �آلـه الطيبين الطاهرين. بين الذكرى والأثر م�ساحـ ٌة لإنعا�ش الذاكرة على وقع التحديات التي تواجـه �أمتنا والتي بلغت ذروتها في هذا الزمن ال�صعب ،حيث تبرز تقا�سيمه وتظهر مالمحه جدد بغية �إلهائنا عن ب�إق�صاء العدو ال�صهيوني عن المواجهة بمحاولة خلق �أعداء ٍ مالي، دولي المعركة الحقيقية اتجاه المقد�سات ،تحت وط�أة ٍ ٍ وتعزيز ٍّ خطط ُتن َّفذ بدعم ٍ ٍّ ٌ و ُت ّ و�صحف �صفراء ك�أنَّ الم�شكلة لم تعد في احتالل فل�سطين بل الممانعة �سخر ف�ضائياتٌ والمقاومة من �إيران �إلى �سوريـا ولبنان وغزة وكل المواقع التي تلتزم ال�صراع ،على �أن فل�سطين هي المكـ ِّون الجمعي للعرب والم�سلمين والم�سيحيين وكل الأحرار في العالم. وعلى �سبيل �إنعا�ش الذاكرة ،و�إ�سهام ًا بتحرير الوعي في مواجهة محو الذاكرة، ( )1رئي�س مجل�س الأمناء في تجمع العلماء الم�سلمين. ( )2ع�ضو هيئة الرئا�سة في حركة �أمل
69
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
يكت�سب لقا�ؤنـا هذا �أهمي ًة خا�ص ًة و�إ�ستثنائي ًة ،وبدعو ٍة كريمـ ٍة من جمعية الإمام ال�صادق بحث من الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين �إلى الحياء التراث العلمائي لتقديم ٍ الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر ،وحدة المنطلقات والأهداف ،والمكان وادي الحجير ،وهنا العتبارات عديد ٍة: انتابني �شعو ٌر ب�أن تن َّكبت مهمـة البحث ٍ �أو ًال :داللة المكان والزمان وح�سبك م�ؤتمر وادي الحجير. ثانياً :الحديث عن علمين كبيرين ذاع �صيتهمـا وعال �صوتهما ،ملء ال�سمع حكايتهما،جابا البالد طو ًال وعر�ض ًا ،و�شدت �إليهما رحال الباحثين والإعالميين والمحققين ول�سان في المدائن والعوا�صم ،في و�صوب ،حتى باتا على كل �شف ٍة حدب ٍ ٍ من كل ٍ الم�ؤتمرات والمنتديات ،وفي مح�ضر الر�ؤ�ساء والعلماء. ثالثاً� :إ�ستح�ضار اللحظات التاريخيـة لحركـة الجهاد والعطاء ،وهذا مـا قـد ي�ستف ُّزافترا�ضي لهذا الوطن العزيز لبنان. لتاريخ ٍّ بع�ض الم� ِّؤ�س�سين ٍ ع�صي على الإختزال رابعاً :الحديث عن المنطلقات بوحدتها ،والأهداف ب�سموها،ٌّ �صائب؟. ب�سهم ٍ والإخت�صار ،فهل �أ�صيب لعله مع الخواطىء ٍ ول����ك����ن �أل����ي���������س ت�����ع�����داد م�����زاي�����ا ال�����م�����رء م���ن���ق�������ص���ة ل��ه ()1 �إن ف�������اق�������ت م�������زاي�������ـ�������اه ع�����ل�����ى ال�������ت�������ع�������ـ�������داد؟ �أو كما قال ال�شاعر: ولأن��������������������ت �أروع �أن ت������ك������ـ������ون م������ج������ـ������رد ًا ()2 ف�����ل�����ق�����ـ�����د ي�������������ض������ـ������ ُّر ب��������رائ��������ـ��������ع ت������ث������م������ي������ـ������نُ �س�أدعهما في �سنبلهما و�أحاول كالم ًا ،وما ال يدرك كله ال يترك ُجلُّه .بع�ض اللحظات �أكبر من زمانها ،وبع�ض الكلمات �أو�سع من قامو�سها ،وبع�ض الرجال يتع ُّدون العدد، رجل� ،أال تظنون �أني تن َّكبت البحث في هذين الكبيرين ،اللذين �ش َّرعا فيقال �أمـ ٌة في ٍ �أقالمهما وجهادهمـا على درب النبيين و�شهرا مواقفهما �أ�سو ًة بالح�سين .Q ووادي الحجير عالم ٌة فارق ٌة في تاريخ الوطن والأمة ،جغرافي ًا يتو�سط البالد العاملية( ،)3وهو ح�صينٌ بجباله وه�ضابه( ،)4وكل ما فيه يدل على �أنـه ممان ٌع ومني ٌع 70
������������������������������������������������
ي�ستع�صي على الأعداء ،وهو المكان الذي ُعقد فيه الم�ؤتمر ،الزمان �صباح يوم ال�سبت الخام�س من �شعبان ،1338الموافق الرابع والع�شرين من �شهر ني�سان ،1920بعد �أن عام اتفق ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين مع الزعيم كامل الأ�سعد ،على عقد م� ٍ ؤتمر ٍّ ي�ضم علماء البالد وزعماءها و�أدباءها و�أهل الر�أي فيها وثوارها( ،)5وجاء ذلك في �إطار عملية التوا�صل بين قادة جبل عامل والقيادة في �سوريا في تلك الفترة الحرجة من تاريخ البالد ،حيث �أ َّمنت فرن�سا توليفـة الفتنة ،وا�ستجمعت عنا�صرها بت�سليح فئ ٍة ومعار�ض وتحري�ض فئـ ٍة على �أخرى( ،)6وانق�سم �سكان جبل عامل والأق�ضيـة ،بين م�ؤِّ ٍيد ٍ ل�سيا�سات فرن�سا الرامية ل�سلخ لبنان عن �سوريا ،وكان ال بـ َّد من الموقف التاريخي، اجتمع العامليون علماء� ،سيا�سيون ،مفكرون ،ثـوار ومهتمـون ،وعلى ر�أ�سهم الإمام �شرف الدين ،وقد ح َّدد في خطابه الظروف المحيطة والمهمات المقبلة «�أخوتي �أعالم الأمة، �إننا اليوم في هذا المفترق الخطير �أ�شد حاج ًة من �أي وقتٍ �إلى الإعت�صام بحبلهم «�أهل البيت ،»Rوال�سير على نهجهم ،ف�إما ثمر ٌة ال ُت َ ق�ضم� ،أو ِذل ٌة ال ترحم� ،أو ا�ستعباد نكون معه هوا ٌن ُتهدر في حم�أته �إن�سانية الإن�سان� ...إمـا ا�ستقال ٌل دون و�صاي ٍة �أو ٍ كالأيتام على م�أدبة اللئام.... �أيها الفر�سان �إنَّ لهذا الم�ؤتمر مـا بعـده ،و�سيطبق نبوءة الآفاق ال�سورية ويتجاوب �صداه في الأقطار العربية ويتجاوزها �إلى ع�صبة الأمم ،وقـد امتدت به �إليكم الأعناق، و�شخ�صت الأب�صار فانظروا اليوم مـا �أنتم فاعلـون� ،أال و�إنَّ جبل عامل بعد هذا الم�ؤتمر بين �أمرين :عـ ٌز ال تنف�صم عروته وال ُتقرع مرته� ،أو ذ ٌل تهاوت معه كواكب ال�سعد وتق َّو�ض به �سرادق المجد(.)7 وكان من أبرز مقررات المؤتمر: ✽ ✽ ✽
✽طلب الإن�ضمام للوحدة ال�سورية. ✽المناداة بفي�صل ملك ًا على �سوريا. أطماع في المنطقة. ✽الرف�ض المطلق لكل ما ت َّدعيه فرن�سا من � ٍ 71
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
✽ ✽لزوم الطاعـة والإبتعاد عن ال�شرور ،والمحافظـة على �أموال و�أمالك المواطنين الم�سيحيين و�أرواحهم ،ودفع الأذى عنهم(.)8 وانتخب الم�ؤتمر ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين وال�سيد عبد الح�سين نور الدين ين�ضم �إليهما في دم�شق العالمة لنقل مطالب الم�ؤتمر �إلى الملك في�صل ،على �أن َّ توجه ال�سيدان �إلى دم�شق ،ولكن الفرن�سيين الكبير ال�سيد مح�سن الأمين( ،)9وبالفعل َّ ا�ستكملوا فتنتهم ب�إ�شاعة �أنَّ ال�سيد �أفتى بمحاربة الن�صارى ،ورد َّد هذا الأمـر الأديب �أمين الريحانيُ ،م َّدعي ًا �أن ال�سيد ا�ستخار بال�سبحة على ذبح الن�صارى( ،)10مما �أ َّدى �إلى تطور الأمر ب�سرع ٍة ،و�أحرق الفرن�سيون منزل ال�سيد في �صور ،ودارته في �شحور، و�أ�صدروا �أمر ًا ب�إعدامـه و�إلقاء القب�ض عليه حي ًا �أو ميت ًا ،لمنعه من الو�صول �إلى دم�شق ولكنهم ف�شلوا ،ونجحوا في �إذكاء الفتن الطائفية(.)11 في ذلك الزمن �أعلن العامليون تم�سكهم بالوحدة ،والت�أكيد على العي�ش الم�شترك، و�أظهر الم�ستعمر الفرن�سي �إ�صراره على �سيا�سة التفرقة والتبديد على ح�ساب �أعدائـه و�أ�صدقائه في � ٍآن ،ولكـن حفـر الم�ؤتمـرون على ذاكـرة الزمـن تغليب العام على الخا�ص، و�أنهم وحدو ُّيون يعترفون بالآخر ،ويقدرون حرية المعتقد والفكر ،نقول هذا هو التاريخ واعد ،لأن التاريخ الذي ُكتب غد ٍ الحقيقي الذي ينبغي �أن ي�شق دربه عبر الزمن ل�صياغة ٍ افترا�ضي للدولة اللبنانية النا�شئة، تاريخ ٍّ منـذ مطلع القرن الع�شرينُ ،كتب على �أ�سا�س بناء ٍ ح�ضر تاريخ جز ٍء �إذ تم فيه تغييب تاريخ جبل عامل المك َّلل بالجهاد والعطاء والفداء ،وا�س ُت ِ من لبنان ،وهو تاري ٌخ لمنطق ٍة ولطائف ٍة وقد ُ�س ِّمي (تاريخ ًا وطني ًا) ،واخترق هذا التاريخ جبل ب�شكل مز َّو ٍر ٍّ وق�سري ،هذا التاريخ هو تاريخ ٍ وعي الأجيال واحتل جزء ًا من الذاكرة ولو ٍ لمقوالت �أو تاريخ طائف ٍة �س ُّموه بتاريخ الوطن ،ون�ش�أ جي ٌل من ال ُكتَّاب المق ِّلدين والمكررين ٍ حفظوها �أو ت�أثروا بها ر�ضوخ ًا لحالة الإ�ستقواء الفكري والإقت�صادي وال�سيا�سي. �إذ ًا ينتقل هذا التاريخ عندهم ليتو�سع من حيث الحدث وال�شخ�صية والدور في الفترة العثمانية ،وذلك من خالل �إبراز ما ُ�س ِّمي في هذا التاريخ بالإمارة اللبنانيـة، التي تقت�صر على الإمارتين المعنية وال�شهابية� ،إذ ُتلغى الإمارات الأخرى في المناطق، 72
������������������������������������������������
وت�شطب تواريخها وتختزل لم�صلحة هاتين الأ�سرتين ،وحال المت�صرفية لم يكن �أف�ضل على الإطالق ،هذه النواة تحمل �أي�ض ًا م�ضمون ًا �سو�سيولوجي ًا �سيا�سي ًا ،الأمر الذي �أعطى التركيب الجغرافي ال�سيا�سي للبنان الكبير طابع العالقة بين المركز والأطراف ،بين النواة والملحقات ،ومن المهم تو�ضيح �أنَّ �إدراج جبل عامل في نطاق التخ�صي�ص هنا ال ي�ستطيع �إدراجه بال�ضرورة في منطق التواريخ الطائفية اللبنانية ،بل على العك�س� ،إنَّ مخ�ص�ص ٍة ينبع من عدة اعتبارات ،تاريخي ٍة وثقافي ٍة و�سيا�سي ٍة وحدوي ٍة(،)12 ٍ �إدراجه كحال ٍة َّ بعيد ًا عن ال�صياغة التي تعود في بلورتها و�إخراجها لنظري ٍة تاريخي ٍة �إلى الأب «المن�س» اقتب�سها منه العديد من الم�ؤَّ ِرخين الموارنة الالحقين وعلى ر�أ�سهم جواد بول�س. يقـول جواد بول�س �سنة 1600كان فخر الدين قـد حقق الق�سم الأول من مخططه الطموح القا�ضي ب�إعادة بناء الوحدة الجغرافية وال�سيا�سية لفينيقيا القديمة ،والمج َّز�أة أجيال عديد ٍة ،وكانت �إمارته تم ِّثل العالم الأول للبنان الكبير عام 1920ولبنان منذ � ٍ الحا�ضر(.)13 �أمام هذا الم�شهد يكت�سب البحث في تاريخ الأطراف �أهمي ًة بالغ ًة ،فكيف �إذا كان تاريخ جبل عامل �أحد مرتكزات الموقف الوحدوي الذي تج َّلى بم�ؤتمر وادي الحجير، الذي كان فيه الإمام �شرف الدين قطب الرحى(.)14 ويمكن �أن نتبين ذلك من خالل وقفاته الثوريـة داخل الم�ؤتمر نف�سه ،حيث قال في كتابه �صفحات من حياتي« :في اليوم الموعود كان وادي الحجير ي�ستقبل �ضيوفـه من �صفوة علماء جبل عامل و�أ�سوده ووجهائه و�أعيانه ،وكان ي�ضيق بالرايات ويدوي بالهتافات ،وك�أنما عاملة بعثت من جديدٍ »(.)15 وقد �أعطى هذا الم�ؤتمر التغطية الأهليـة وال�سيا�سية والدينيـة للثورة الم�سلحة في وجه الم�ستعمر الفرن�سي بقيادة �أدهم خنجر و�صادق حمزة ومحمود الأحمد و�سواهم، وك�أنَّ التاريخ �ضنينٌ بالخلف الذين �أدوا الأمانة و�أعطوا حتى الدم ،من �شهداء �أفواج المقاومة اللبنانية �أمل �إلى �شهداء المقاومة الإ�سالمية الذين جعلوا من هذا الوادي؛ وادي الحجير ،مقبر ًة للغزاة المحتلين ال�صهاينة ،مما �أربك العدو وو�ضع حد ًا لغروره 73
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
الذي دفعه للإعالن في لحظة التخلي العربي والر�سمي عن الجنوب وعن فل�سطين، ليعلن �أحد القادة ال�صهاينة �أنه بفرق ٍة مو�سيقي ٍة ب�إمكانه احتالل لبنان ،ولكن �آلياته جوي� ،أخفق هذا دعم ٍّ التي �أده�شت العالم ب�إمكاناتها الحربية و�سرعة اندفاعها ومع ٍ العدو بالتقدم لأمتا ٍر قليل ٍة ،بل اندحر يجرجر �أذيال الهزيمـة من قبل ومن بعد ،2006 وبطوالت المقاومـة الإ�سالمية و�أفواج المقاومة اللبنانية �أمل على درب الإمام مو�سى �سام و�شهداء� ،أعرف منهم ال�شهيد الحي فادي ال�صدر في هذا الوادي ت�ضحياتٌ ِج ُ عل َّيان ،وال�شهداء عبا�س حمود ومحمد زعرور ومحمد عبد النبي و�أحمد وهبي وعلي نعمة ومحمد قبي�سي وو�سام مو�سى ومحمـد زويتـا ،طارق المقداد و�أحمـد قي�س ،محمد حطيط و�أحمـد قا�سم ،وعلى طريق وادي الحجير عبرت قوافل �شهداء ومجاهدين ،لتكون طريق م�صطفى �شمران �إلى الطيبة ورب ثالثين والقنطرة ،وال�شهيد يو�سف حجازي عام ،1977وهي منا�سب ٌة لتقديم �آيات ال�شكر والعرفان لكل المجاهدين ،ومن جميع الأحزاب والمنظمات والهيئات والقوافـل التي غ َّيرت ور�سمت مالمح تاريخ وادي الحجير الم�شرق العاملي بامتيازٍ ،وهي مرحل ٌة بالغة الدقـة وال�صعوبة وزاخر ٌة بالعلم وال�شهادة ،من الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين�Mإلى الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر. اإلمام شرف الدين واإلمام الصدر عالقة النسب والسبب:
تعود جذور العائلتين الكريمتين �إلى �شرف الدين وال�صدر� ،إلى ال�شجرة المباركة نف�سها ،ويقدم الإمام ال�صدر نف�سه كما جاء على ل�سانه في مجلـة العرفان�« :أنا �أنتمي �إلى عائل ٍة جذورها موجود ٌة في لبنان� ،أنا متح ِّد ٌر من �ساللة الإمام مو�سى بن جعفر الإمام ال�سابع من �أئمة �أهل البيت الإثني ع�شر � ،Rأجدادي تركوا لبنان عندما و�صل الإ�ضطهاد التركي �إلى ذروته ،وت َّم �إحراق كتبنا وقتل علمائنا ،لقد غادر �أجدادي �إلى العراق و�إيران حيث �أ�س�سوا عائل ًة كبير ًة)(.)16 فالإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر هو ابن ال�سيد �صدر الدين ابن ال�سيد �إ�سماعيـل ابن ال�سيد �صدر الدين ابن ال�سيد �صالح �شرف الدين. 74
������������������������������������������������
ولد الإمام ال�صدر في 4حزيران عام 1928في مدينة ُقم المقد�سة ،حيث ترعرع في ظل بيئ ٍة علمي ٍة مم َّيز ٍة ،ويقول الإمام ال�صدر� :أنا ولدت في �إيران ،حيث والدي �صدر الدين ال�صدر عا�ش و� َّأ�س�س جامع ًة ديني ًة( )17في ُقم ،در�ست في البداية في تلك الجامعة( ،)18بعدها نلت �شهاد ًة جامعي ًة( )19في الإقت�صاد من جامعة طهران. وي�ضيف الإمام� :أكملت درا�ستي الدينية في النجف الأ�شرف في العراق ،حيث �سافر الإمام �إلى النجف الأ�شرف لمتابعة تح�صيل العلوم الفقهية العليا على كبار المراجع في الحوزة العلمية ،و�شارك في جمعية منتدى الب�شر ،التي كان من اهتماماتها عقد الندوات الثقافية ون�شرهـا ،كما كان الإمام ع�ضو ًا في هيئتها الإدارية( )20وذلك ابتدا ًء من عام .1954 عام 1958عاد �إلى حوزة ُقم العلمية و�شارك مع �آخرين منهم �آيات اهلل :به�شتي و�آذري ُق ِّمـي ومكارم �شيرازي في تدويـن م�شروع �إ�صالح المناهج( )21العلميـة في الحـوزة .1959 -1958 بعد وفاة الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين قدم الإمام ال�صدر �إلى لبنان بعد ()22 بت�شجيع ومبارك ٍة من المرجع الأكبر ال�سيد البروجردي زيارتين ،1957 -1955وذلك ٍ وعدد من المراجع العظام. ٍ اإلمام السيد عبد الحسين شرف الدين:
هو ال�سيد عبد الح�سين بن يو�سف بن جواد بن �إ�سماعيل بن محمد بن �إبراهيم �شرف الدينُ ،ولد في الكاظمية في العراق �سنة 1873ميالدية 1290هجرية ،تتلمذ على يد والده ال�سيد يو�سف وجده ال�سيد هادي ال�صدر في المقدمات. قال الإمام �شرف الدين« :Mلم �أزل في النجف الأ�شرف �ضارباً بتوفيق اهلل تعالى على الإ�شتغال ،ملقياً �أجراني على �أخذ العلم من �أفواه العلماء الرجال ،طاويـاً الف�ؤاد على الإفادة والإ�ستفادة ،قائماً فيها على �ساقٍ ،محا�ضراً ومناظراً ومد ِّر�ساً وم�ؤ ِّلفـاً ال �ألوي على �شيءٍ ،حتى قفلت راجعاً بنجح حاجاتي �إلى عاملة ،منقلباً 75
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
�إليها �أجمل منقلبٍ � ،أغنيت مدة �إقامتي في العراق بما هاجرت �إليه ،حتى �أني لم �أت�صل بغير �أهل العلم ،ولم �أتع َّرف ب�أحدٍ �سواهم من �سائر �أهل العراق ،بل لم �أ َر من حوا�ضرها وبواديها غير الم�شاهد الأربعة والكوفة وبغداد»(.)23 من النجف األشرف إلى جبل عامل:
عام 1905عـاد الإمام �شرف الدين متجلببـ ًا ببردة الإجتهـاد المطلق ،يقتحم عباب الأزمات ال�سيا�سية المتالحقة التي ع�صفت بالأمة والمنطقة ،والتي تتردد �سلبياتها حتى اليوم ،خا�ص ًة ن�ش�أة الكيان ال�صهيوني� ،أو الغدة ال�سرطانية بتعبير الإمام الخميني� ،أو ال�شر المطلق بتعبير الإمام المغ َّيب ال�سيد مو�سى ال�صدر. محطة العودة الأولى كانت في دم�شق ،حيث ا�ستقبله المق َّد�س ال�سيد مح�سن الأمين وثل ٌة من العلماء� ،أما في جبل عامل وعند و�صوله �إلى بلدة عدي�سة ،وجد في ا�ستقباله �أعالم البالد( ،)24ويقول الإمام :تابعنا ال�سير فكنا نلتقي بالنا�س �أفواج ًا �أفواج ًا ،م�شا ًة وركبان ًا حتى �أتينا قريتنا �شحور(.)25 وما ينتظر الإمام لي�س بالأمر الي�سير ،ولكنه َّ وطد نف�سه على دخول المعترك وحمل هموم النا�س ،حيث ال يكتفي علاَّ متنا بر�سم تلك اللوحة ،بل �أو�ضح الأمر على الم�ستوى ولي النعمة �أن �أت�صدَّى للأمور الح�سبية و�أنا في خدمته، الخا�ص قائ ًال�« :أرادني ُّ م�شيراً �إلى والده ،و�سائر ال�ش�ؤون العامة … وعلى هذا جرى الأمر بيننا والحمد هلل»(.)26 كانت تجربة الإمام �شرف الدين قا�سي ًة و�صعب ًة وم�ضني ًة ،لأنه عبرها في �أ�صعب مراحل الت�آمر على الأمة ،حيا ًة حافل ًة بالمواقف عا�شها �سماحته ،وتحديات كبيرة �ضاق بها �صدره ل�شدة ما تح َّمل من عدوان الأعداء وتجني َمن عمل لأجلهم وت�آمر المرتزقة، ()27 حتى �أ َّنه ف َّكر في العام 1944في الهجرة �إلى العراق والإقامـة في النجف الأ�شرف … اجتمع علماء جبل عامل ليثنوه عن ذلك ،وكانت مداوالتٌ ونقا�شاتٌ �أ َّدت �إلى العزوف عن الهجرة ،و�آثر البقاء في عاملة التي �أحبها طيلة عمره ال�شريف �إلى �أن وافته المنية. 76
������������������������������������������������
َ مواقف م�شرف ٍة و�سير ٍة حافلـ ٍة بالعطاء ،يلفها القلق على الم�صير توفي الإمام عن واهتزازات مرعب ٍة ومميت ٍة �آخرها نكبة فل�سطين ،خاطب الملوك نكبات متتالي ٍة ٍ و�سط ٍ ذهاب لريح العرب والأمراء والر�ؤ�ساء وهو يقول« :ولي�س ذهاب فل�سطين فاجعاً لوال �أنه ٌ وعز الم�سلمين وكرامة الإن�سان الم�ست�شرق في غد هذا ال�شرق القريب». ويوجه ندا ًء للم�سلمين والعرب في �أ َّول محرم ،1367ي�ؤكـد فيه على �أهميـة وقد�سية الن�ضال دفاع ًا عن فل�سطين ليقول« :هذا �شهر محر ٍم الدامي الذي انت�صرت فيـه عقيد ٌة و ُبعث منه مبد�أٌ … �أال و�إن َقتلَة الح�سين ِبك ٌر في القتالت ،فلتكن قدوتنـا به ِبكراً في القدوات ،ليكون لنا ولفل�سطين ما كان له ولق�ضيته من حيا ٍة ومجدٍ وخلودٍ»(.)28 وكان الإمام �شرف الدين يعتقد �أن تح�صين المجتمع بت�أمين مقومات النهو�ض جز ٌء من عملية مواجهة التخلف والعدوان� ،إ�ضافـ ًة �إلى مواقفه الحا�سمـة تجاه الأعداء ،قام ب�إن�شاء ورعاية العديد من الم�ؤ�س�سات وح�سبنا �أن نعر�ض ما قام به(:)29 •الح�سينية في الحي المعروف الآن با�سمها. م�سجد �أقام �أ�س�سه ووقفت الحكومة الفرن�سية دون �إتمامـه ،ركائز •م�شروع ٍ هذا الم�سجد تحت الرمول للجهة ال�شرقية من عقار الثانوية الجعفرية ،بين الجعفريـة والمبنى الذي ت�شغله التكميلية الر�سمية. •الم�سجد القائم الآن في البلدة في المنطقة المعروفة بال�ساحة. •�ستة مخازن ،ومنز ٌل فوقها حيث الإعداديـة الجعفريـة المجانية الآن ونادي الإمام ال�صادق .Q •المدر�سة الجعفرية ومن َثم الثانوية الجعفرية. •نادي الإمام ال�صادق .Q •م�سجد الجعفرية تحت الإعدادية الجعفرية. •مدر�سة الزهراء للبنات. •الإعدادية الجعفرية لل�صبيان. •الإعدادية الجعفرية للبنات. 77
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
•جمعية ن�شر العلم. •الجمعية الخيرية الجعفرية. •جمعية ال ِبر والإح�سان. •م�شروع مدر�س ٍة دينيـ ٍة ومدر�س ٍة مهني ٍة� ،أقام �أ�سا�سهما في الزاوية الجنوبية الغربية من عقار الجعفرية ،حيث تقوم الآن محالت ال�سيد علي بح�سون للتجارة، لظروف �سيا�سي ٍة ومادي ٍة. ولم ي�ستمر العمل ٍ •�ساهم في �إقامة جميع الم�ساجد والح�سينيات التي �أقيمت على عهده في منطقتي �صور وبنت جبيل. خرج الحقوق �أو من ينوب •ت�شكيل ٍ لجان ل�صرف الحقوق ال�شرعية ب�إ�شراف ُم ِ عنه. •تدريب بع�ض الفتيان على القيام بمهمات المنبر الح�سيني على طريق ٍة ا�ستحدثها. بحث ُم َع ٍد لندو ٍة ،ف�إن �أما الأمور المطلبية و�إزالة الحرمان فتفوق على ح�شدها في ٍ ت�سليط ال�ضوء على بع�ضها يعطي المتابع �إ�صرار الدولة على الإهمال وممار�سة �سيا�سة القهر المتع َّمد على المواطنين الم�ص َّنفين من درج ٍة ثاني ٍة وثالث ٍة. الر�سالة الأولى� :إلى رئي�س الجمهورية حبيب با�شا ال�سعد عام 1347هـ. الر�سالة الثانيـة :من ر�سالـ ٍة �إلى الرئي�س ب�شارة الخوري �إثر اعتداء ال�صهاينـة على الجنوب عام .1948 والثالثة :من كتاب �إلى الرئي�س ب�شارة الخوري �إثر تجريد حمل ٍة ع�سكريـ ٍة على ع�شائر الهرمل(.)30 وهذا هو النص ألهميته:
كتاب �إلى رئي�س الجمهورية حبيب با�شا ال�سعد بتاريخ 3جمادى الأولى 1347هـ: .1من ٍ ...ولبنان تربـ ٌة خ�صبـ ٌة يزدهر فيها الزرع ،ويد ُّر في ربوعها ال�ضرع ،فتعهد هذه 78
������������������������������������������������
الأر�ض الطيبة ت� ِؤت ُ�أ ُك َلها ب�إذن ربها. �سراب ،لم يباب ،وماءه مح�ض ٍ �أما الجنوب ،و(عاملة) ق�سمه الأوفى ،ف�إنَّ مرابعه ٌ بط�أ تمتد �إليه ي ٌد ببناءٍ ،ولم َت ُلح له َق ُّط بارقـة رجاءٍ ،ولع َّل يدك الكريمة ت�سرع �إليه بما �أُ ِ عنه ،وتعود عليه بما ُح ِرم منه. كتاب �إلى الرئي�س ب�شارة الخوري �إثر اعتداء ال�صهاينة على الجنوب عام 1948م: .2من ٍ ...وح�سبنا الآن نكبة جبل عامل في حدوده المتاحة ،ودمائـه المباحة ،وقراه وقد �صيح فيها نهب ًا ،و�أطفاله وقد ت�أ َّودت رعب ًا ،وقد ا�ستح َّر به الفتك� ،إلى مـا هنالك من هالك الحرث والزرع. هذا الجبل المرابط ،يدفع جزية الدم ُ ل�ش َّذاذ الآفاقِ ،من كل َمن لفظتـه الأرجاء ونبذته الأر�ض وال�سماء. هذا الجبل العريقُ ،ت�ضرب عليه الذلة والم�سكنة ،ممن ُ�ضربت عليهم الذلة والم�سكنة في التاريخ. حقوق ،ك�أ َّنه ال�شريك هذا الجبل الذي يقوم بما عليه من واجبات ،وال ُيعطى ما له من ٍ ٍ الخا�سر ،يدفع ال ُغرم ،ومن ال ُغنم ُيح َرم. ف�إذا لم يكن من قدر ٍة على الحمايـة� ،أفلي�س من طاق ٍة على الرعايـة؟ و�إذا لم ت�ؤ َّد الحقوق ،فلماذا ي�ستمر العقوق؟. و�إذا قر�أتم ال�سالم على جبل عامل ،فقل ال�سالم عليك وعلى لبنان. كتاب �إلى الرئي�س ب�شارة الخوري �أي�ض ًا �إثر تجريـد حملـ ٍة ع�سكري ٍة على ع�شائر .3من ٍ الهرمل في �أيلول :1949 ...ف�إنَّ ع�شائر الهرمل ،لم يخرجوا على طاع ٍة وال فارقوا الجماعة ،فلمن ُت�س َرج الخيل العراب ،و ُت�ش َرع الأ�سنة الحراب. ع�صر هوان ،في خ�سف وال يقيمون على ٍ �ضيم ال يبيتون على ٍ ٍ �أَله�ؤالء ..وهم �أبـاة ٍ تفتَّحت على نوره العقول والأب�صار ،واغترف منه لبنان حتى غدا قبلة الأنظار ،دون �أن ي�صيبهم �ص ِّي ٌب من ديمتـه� ،أو فا�ض ٌل من نعمته ،بـل ُت ِركوا للتخ ِّلف يحب�س عليهم في 79
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
مكانهم ،يت�آكلهم الث�أر ،ويغتالهم الجهل والمر�ض والفقر ،حتى �أ�صبحوا بين نارين ،نار المو�صدة. الحكومة المو َقدة ،ونار �أو�ضاعهم َ بيت في لبنان� ،إذا التقى الجمعان و�إنَّ �أخ�شى ما �أخ�شاه� ،أن تدخل النائحة �إلى كل ٍ والتحم ال�ص َّفان ،فالحملة الع�سكرية ال ُي�ستهان بها عد ًة وعدد ًا ،والمعت�صمون في الجرود لهم من المواقع ما ي�س ِّلطهم على الوقائع ،والدم ينادي الدم. �إال �أعدتم النظر يا �صاحب الفخامة ،في �أ�سلوب ت�أديب الجامحين وغزو المتمردين، بجي�ش من الت�سامح ،تري�شون بـه جناح الوطن المهي�ض وت�شفون �أال ت َرون �أن تغزوهم ٍ جنبه المري�ض؟. �أال تر َون �أنَّ �إعمار المدار�س والم�ست�شفيات يغني عن �إعمار ال�سجون والقبور؟ و�شقَّ ال�شوارع والطرقات يغني عن ِّ �شق الجيوب وال�صدور؟. اإلمام السيد موسى الصدر يخ ُلف اإلمام شرف الدين:
يوم �أ َّنه عندما كنا في بهـو منزل ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين حدث ذات ٍ �شاب �سي ٌد طويل القامـة ،بط َّلته البهية �س َّلم على الحا�ضرين ،وق َّبل عام ،1957دخل ٌّ الإمام �شرف الدين و�س َّلمه �أوراق ًا كان يحملها ،وع َّرف به الإمام �شرف الدين ب�أ َّنه ال�سيد مو�سى ال�صدر قريبنا من ُقم ،ثم دعـاه للدخول �إلى الداخل وبعد حوالي ن�صف �ساع ٍة خرجا ،ونادى الإمام� :أين ابني جعفر؟ ف�أر�سلوا �أحدهم ليح�ضره �إلى الإمام، وعندما و�صل قال� :إن ِم ُّت فهذا ال�سيد هـو من �سيح ُّل مكاني .هذا ما قاله ال�شيخ ح�سن بي�ضون في �أحد اللقاءات ،وهو مقرىء القر�آن المعروف في نادي الإمام ال�صادق، ومن الزم ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين� .شاع الخبر في �صور ورفيق درب الإمام َ احتج ،حتى و�صل �أ�صداء ذلك �إلى واعتر�ض َمن اعتر�ض ،واجتمع على ال�سيد َمن َّ الإمام �شرف الدين ب�أنَّ المعتر�ضين يقولون� :إنَّ المنطقة فيها الكثير من �أهل العلم والف�ضل ،وماذا يعرف ال�سيد مو�سى ال�صدر الآتي من قم عن �صور ،عن جبل عامل، عن لبنان ،عن م�شاكلنا وعن �أزماتنا؟ .ف�أجاب الإمام �شرف الدين� :أر�أيتم الأوراق التي �س َّلمني �إيـاها؟ فيها درا�ساتٌ عن �أو�ضاعنا ،واقتراحاتٌ لحلول الم�شاكل عندنا، 80
������������������������������������������������
بكثير مما يعرفه البع�ض (.)31 وهو يعرف �أكثر ٍ ترجل الفار�س بعد �سبعة وثمانين عام ًا حملته وترجل الفار�سَّ ، وتوفي الرجل الإمام َّ على �صهوة العلم والعمل والتقـوى ،منبر ًا يوقظ النائمين ويهتف بالم�ست�ضعفين ،ويتردد ترجل وكانت �أذني قد وعت الجملة الأخيرة، �صدى �صوته في موطن العرب والم�سلمينَّ ، ح�سب ابنه ال�سيد جعفر �شرف الدين( ،)32الكلمة الأخيرة التي رددها« :لقد بلغت هم الدنيا وغمها. الغاية ،وال يبلغ الغاية �إال الحي» .قالها ثالث ًا و�صمت وا�ستراح من ِّ هناك الكثير من العلماء والعامة وال�سيا�سيين والتجار لم يعرفوا ِ�س َّر الو�صية ،وبات ويج�سد هذا ما كتبه �سماحـة النا�س في َحيرة َمن الذي �سيخلف الإمام �شرف الدينِّ ، ال�شيخ محمد جواد مغنية في مجلـة العرفـان منت�صف عام 1958تحت عنـوان َمـن هو خليفة �شرف الدين؟(.)33 َمن هو خليفة شرف الدين؟.
�أتى على المق َّد�س �شرف الدين حين ًا من الدهر وهو من ر�ؤ�ساء العلماء في جبل عامل ،ثم �أ�صبح بعد وفاة زمالئه الكبار ،عليه وعليهم الرحمة والر�ضوان ،الرئي�س الأول وحده ال �شريك له� ،أما اليوم وبعد �أن ل َّبى هذا الجليل نداء ربه ،فيرى البع�ض �أ َّنه «الخليفة» دون غيره ،و�آخر �أ َّنه �أحد �أطراف ال�شبهة المح�صورة ،وثالث �أ َّنه الفرد المر َّدد بين تعيينه بالذات والتخيير بينه وبين غيره. وطريقة الإمامية في اختيار ال�شخ�ص لهذا المن�صب الخطير تخالف ما عليه �سائر ر�سمي ،وال بالإنتخـاب من فئ ٍة مع َّين ٍة� ،أما بمر�سوم من م�صد ٍر الطوائف ،فهو ال ُيع َّين ٍّ ٍ المرا�سيم فهي عندهم من اخت�صا�ص المع�صوم الذي ال يجترح ال�سيئات ،وال يت�أ َّثـر بال�شفاعات ،لذا يتركـون الإنتخاب �إلى الطبيعـة� ،إلى م�ؤهالت ال�شخ�ص و�صفاتـه، وحي من ال�سماء، و�إح�سا�س النا�س و�شعورهم ،ودائم ًا ي�أتي هذا الإح�سا�س العام ،وك�أنه ٌ عهد من العهود كما �أعلم� ،أن كلمة الطائفة بجميع �أفرادها وهيئاتها �إذ لم ُيع َرف في ٍ م�شروع. �سبب اتفقت على �ضالل ٍة ،وبدون ٍ ٍ 81
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
�إنَّ الفرد مهما ملك من الأ�ساليب ،فال ي�ستطيع �أن يخدع �شعب ًا ب�أكمله �أو طائف ًة ب�أ�سرها با�سم الدين �أو الوطنية. ومر ًة ثاني ًة �أقول� :إنَّ ال�شيعة يتركون الت�صفية والغربلة للأيام ،فهي وحدها الكفيلة باختيار الأ�صلح والأ�صدق والأنفع. �أجل �إننا نفكر ونقدر ونر�شح هذا دون ذاك ،ولكن على �سبيل التنب�ؤ ،ال الإختيار والتخمين وال التعيين ،لقد قـاوم �شرف الدين َمن قاومـه ،و�أبى �أن يعترف بمكانته ومنزلته ،بادىء ذي بدءٍ ،ولكنه ا�ست�سلم في النهاية لقوة الحق ،وخ�ضع لمنطق الواقع الَ ْر ِ�ض». ا�س َف َي ْم ُك ُث فِي ْ أ الذي ال َمعدى عنه « َف�أَ َّما ال َّز َب ُد َف َي ْذه َُب ُج َفا ًء َو�أَ َّما َما َي ْن َف ُع ال َّن َ هذا ما كتبه �سماحة العالمة ال�شيخ محمد جواد مغنية رحمة اهلل عليه. وبالفعل �إنَّ ال�شيعة يتركون الت�صفيـة والغربلة للأيام ،فهي الكفيلة وحدها باختيار الأ�صلح والأ�صدق والأنفع ،وكان الخيار الأ�صلح والأ�صدق الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر، ح�ضر �إلى لبنان �أواخر عام 1959تنفيد ًا لو�صية الإمام �شرف الدين وت�أييد ًا من كبار مراجع الطائفة وعلمائها. صورة اإلمام السيد عبد الحسين شرف الدين في ذهن اإلمام موسى الصدر وبقلمه(:)34
�سيدي ،عرفك بيتك �أب ًا عطوف ًا وارف الظاللِ ،م�ضياف ًا يخدم ال�ضيف الذي يح ُّج عميق. �إليه رجا ًال وركبان ًا وعلى كل فج ٍ ٍ �ضامر ي�أتيه من كل ٍ وعرفك �صحبك :مر�شد ًا مر ِّبي ًا ال ينقطع عن الن�صيحة والتوجيه لحظ ًة واحد ًة. وعرفك بلدك :م�صلح ًا ي�أمر بالمعروف وينهى عن المنكر ،يقيم ال�شعائر وين�صر المظلوم ويحكم بين النا�س بالق�سط. وعرفك وطنك :قائد ًا ثائر ًا يبذل �أق�صى مـا يمكن بذله ،وال يثنيه جبروت الم�ستعمر، وال حيلة العدو الماكر ،وال �إيالم الحرب الباردة التي ي�شنها الخ�صم الداخلي. المدلهم الوا�سع ،فتبعث من خالل ر�سائلك وكتبك وعرفك العالم� :شم�س ًا تنير الأفق َّ 82
������������������������������������������������
�إلى مختلف الأقطار ،حديث الحق وق�صة الحياة المثالية. ف�صل ي�أبى المغالطة، وعرفك التاريخ� :صفحـ ًة بي�ضا َء ال زيغ فيها وال خريف ،بـل مطلع ٍ كتاب فيه تبيا ٌن وفرقانٌ ،بين الحقيقة والوهم. ومدخل ٍ �سيدي ،ح َّولت فكرك �إلى كتبك الخالدة ف�أهديتها �إلينا. وح َّولت طاقتك �إلى م�ؤ�س�ساتك العظيمة ،فوهبتنا �إياها. وح َّولت عواطفك الرقيقـة ،ف�أ�صلحت ما ف�سد من �أمرنا ،وجبرت مـا انك�سر في مجتمعنا. وح َّولت ُخلقك الكريم �إلى تن�شيط الحق وتعميم الجمال ،وتهدئـة القلوب وت�سلية المحزون ،وراحة الالجىء والإ�صالح بين النا�س. ح َّولت وجودك كلـه �إلى كمال مجتمعنـا ،و�أهديت كل ما تملك �إلينا ،ثم حملت ج�سدك المرهق المتهدِّ م ،حملته �إلى منبت علمك� ،إلى باب مدينة العلم� ،إلى بلد النور والوالء، وتم�سكنا ب�سفينـة النجاة �إلى النجف ،لكي تجذب قلوبنا وتحافظ على رباط �إيماننـا ُّ و�أحد الثقلين. ذهبت بعدما �أعطيتنا كل �شيءٍ �سمو ًا في الحياة وفي الممات ،لكي ت�ضرب مث ًال �آخر بموتك بعدما �ضربت الأمثال للنا�س بحياتك. �أجل ،وفي ت�شرين الأول �سنة 1959ل َّبى الإمام مو�سى ال�صدر الدعوة وقدم الى لبنان، و�أقام في مدينة �صور ،وبد�أ مهامه �إمام ًا في الم�سجد الذي بناه ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ،وهو الم�سجـد المعروف بم�سجـد الإمام ال�صادق ،Qولكنَّ الإمام لم ()35 يبقَ �أ�سير جدرانه بل تخطى الحدود ،بل كان كما توقع ال�شيخ مرت�ضى �آل يا�سين الذي قال في ال�صدر في ر�سال ٍة بعث بها �إلى نجل الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ال�سيد جعفر ،يتحدث فيها عن مزايا الإمام ال�صدر وتوقعاتـه لم�ستقبل العمل على يديه في العالم �أجمع ،وهذا ن�صها: «فقد علمت منذ �أمدٍ قريبٍ ب�أن ف�ضيلة ال�سيد ال�سند ،والثقة المعتمد ،العالمة الجليل حجة الإ�سالم ال�سيد مو�سى ال�صدر �آية اهلل قد ا�ستجاب �أخيراً لدعوتكم 83
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ال ووطـ�أ منها �سه ً ال وحل ،بها �أه ً الملحـة بالهجرة �إلى �صور ،فهاجـر �إليها فع ً ال ،ذلك ليملأ فيها هذا الفراغ ال�شاغر الذي ظ َّل طوال هذه الفترة الكئيبة يتطلع �إلى ذلك الرجل المثالي الجدير بتمثيل رجل الدين في علمه وعمله ،وفي هديه ووعيـه �إلى �أن َّ من اهلل عليه بهذه ال�شخ�صية المثالية المزدانة بكل عنا�صر الخير ،والمجهَّزة بكل طاقات العمل في �سبيل النفع العام. فبورك ل�صور ومن فيها بهذه التحفة الثمينة التي َّ تف�ضل اهلل بها عليها ،و�إني ٌ لواثق ب�أ َّن هذا النور الذي �سطع في �سماء �صور �سوف ال يقف عند حدودها ،كما يقف نور الم�صباح عند ح ٍّد من الحدود ،بل �إ َّنـه وال �شك �سيتجاوزهـا ويتعداها حتى يع َّم العالم الإ�سالمي ب�أ�سره ،وما ذلك عن لطفه تعالى ببعيدٍ ». رؤيـة اإلمام للوضع الداخلي:
قرب على وبو�صول الإمام ال�صدر �إلى لبنان اكت�شف و�ضعية الإن�سان بعد تعرفه عن ٍ م�شاكل الأفراد والجماعات ،والتفت �إلى عمق الهوة وات�ساع الفجوة بين �أبناء الوطن �س�س متعدد ٍة ورعاي ٍة متنوع ٍة ،وكانت الأ�صالة الواحد ،الذين تتعاطى معهم الدولة على �أُ ٍ في المواطنية تظهر في منطقة ،وتغيب في منطق ٍة �أخرى ،ح�سب ر�ؤية الحكام في تلك �س�س طائفي ٍة ومناطقي ٍة �ضيقـ ٍة منطلقـ ٍة من ع�صبي ٍة عميا َء ،تعود الحقبة القائمة على �أُ ٍ �إلى نظرية المناطق الأ�صيلة والأطراف التابعة ،فيما كان يرى الإمام ال�صدر ب�أنَّ �أكثر النا�س �أ�صال ًة و�أ�ش َّدهم حر�ص ًا على لبنان هم الذين يدفعون ال ُغرم ولغيرهم الغنم، فاكت�شف و�ضعيـة الإن�سان في البقاع والهرمل وعكار �إمتداد ًا �إلى �أحزمة الب�ؤ�س في �ضواحي بيروت ،التي �ضاقت بالفقراء الذين هاجروا من الأطراف ك�سب ًا للعي�ش ،وفي ظروف قا�سي ٍة و�ضيق ٍة� ،إذ �إن الإن�سان الم�سلوب حقه من العي�ش الكريم ُت�صا َدر حريته ٍ يباب ،وهلك في البقاع وعكار حتى بالإحتجاج على هذا الواقع المتردي ،فالجنوب �أر�ضه ٌ ظروف غير الحرث والن�سل ،فيما رافق المر�ض �سكان �أزقة الب�ؤ�س الذين يعي�شون في ٍ �صحيـ ٍة ،فيما غابت الدولة عن حماية المواطن من تع�سف العدو ال�صهيوني وعدوانه 84
������������������������������������������������
الم�ستمر على مناطق الحدود. ولم�س الإمام �أنَّ المواطن �أمام مطرقة العدوان ال�صهيوني و�سندان الإهمال والإجحاف في الحقوق وعقوق الدولة في � ٍآن .وبد�أ تح ُّرك الإمام معالج ًا ومطالب ًا ومحتج ًا جبهات عد ٍة ،من مواجهة حال التردي الإجتماعي� ،إلى مواجهـة العدوان ال�صهيوني، على ٍ و�سبق ذلك ح�ضور ًا مكثف ًا للإمام في �صور على �صعيد ن�شاطه الديني والخدمـة العامة، معتبر ًا عمله في نطاق الدعوة �أو الخدمة الإجتماعية �أو العمل ال�سيا�سي جزء ًا من واجبه الديني ،مو�سع ًا نطاق الوعي والعمل الديني. يتفح�ص كل حال ٍة وقد نجح في معالجة ٍ عدد من الم�شكالت الإجتماعية ،و�أخذ َّ وت�صور العالج لها ،فالعاجز �إلى م�ؤ�س�س ٍة خا�ص ٍة ُتع َنى بالعجزة ،وكثير العيال تي�سير �سبل الرزق له ،والعاطل عن العمل بت�أمين بع�ض المقومات التي تخ ِّوله العمل على قاعد ٍة أعط ال�صياد �صنار ًة وال تعطه �سمك ًة� .أما الك�سالى ف�أ�صبح كان يقولها الإمام ال�صدرِ � : تو�صل ال�سيد �إلى قناعـ ٍة ب�ضرورة �إيجـاد م�ؤ�س�س ٍة كي ت�ستوعب ي�شار �إليهم بالبنان ،لذلك َّ بيت الأيتام و�أبناء المحرومين ،لتكون لهم مهن ٌة ع�صري ٌة في مدر�س ٍة مهني ٍة ،وللفتاة ٌ للفتاة تتدرب فيه وتتعلم ،وكذلك م�ؤ�س�ساتٌ رعائي ٌة �أخرى ،وهكذا انطلق العمل وبد�أ الدور وظهرت التوجهات. البدء بالتحرك:
وكان التحرك الوا�سع ابتـدا ًء من الندوات والمحا�ضرات في نادي الإمام ال�صادقQفي �صور� ،إلى تن�شيط عمل جمعيـة البر والإح�سان التي �أ�س�سها الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين في �صور �سنة ،1948حيث ق َّيم عملها بعد مرور �سن ٍة على �إعادة انطالقتها بقو ٍة ،فقال عن ن�شاطات الجمعية في كلم ٍة له بتاريخ « :1961/12/31نجد �أم ً ال كبيراً هو الأمل بالم�ستقبل ،ونجد انعكا�س ذلك على نفو�س كافة المواطنين ،واقتنعنا جميعاً ب�أ َّن تركـُّز الطاقات وجمع الدراهم القليلة التي كنا نرميها في التراب ب�شكل ال�صدقات الفردية لل�سائلين بالكف... 85
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
اقتنعنا �أ َّن تركيز هذا يعمل المعجزات ويرفـع ال�صروح في وقتٍ قليلٍ ». و�أ�ضاف� :إ َّن الجمعية ال يقت�صر انعكا�سها على طائف ٍة معينةٍ ،بل هي جمعي ٌة خيري ٌة لكافة الطوائف ،وهذا �صندوقها يدخل فيه الخير من الجميع ،وهذه يـد الجمعية تمتد لم�ساعدة الجميع». ِّ يشكل إسهام ًا في عملية أداء اإلمام الصدر واندفاعه للقاء الطوائف النهوض الوطني:
قدا�س عن روح البابا يوحنا الثالث والع�شرين(:)36 الم�شاركة في ٍلم يت�سنَّ للإمام ال�صدر �سريع ًا التعبير عن كل ما يختلج في داخله من م�شاري َع و�آراءٍ َ ومواقف ،لذلك كان يغتنم الفر�ص المنا�سبة للتعبير عن م�شروعـه ال�سيا�سي الإجتماعي، وي�أتي في مقدمة الر�ؤية الوطنية والدينية للإمام ال�صدر م�شاركته لإخوته الم�سيحيين في منا�سباتهم المتنوعة ،ف�ض ًال عن تو�سيع عالقاته باتجاه ممثلي الطوائف اللبنانية عموم ًا ،والم�سيحية خ�صو�ص ًا ،مع التطلع �إلى بناء عالق ٍة وطيد ٍة مع المراكز الدينية العالمية لهذه الطوائف. وفي �،1963/ 6 / 6شارك الإمام ال�صدر في ُق َّدا�س �أُقيم في �صور عن روح قدا�سة البابا يوحنا الثالث والع�شرين ،ر�أ�سه المطران يو�سف الخوري ،و�ألقى الإمام ال�صدر كلم ًة بالمنا�سبة قال فيها« :فقدنا وفقد العالم قدا�سة البابا يوحنا ،فبكت عليه عيون العدل والمحبـة والحرية والتوا�ضع» ،ورفع الإمام بيده (وثيقة ال�سالم على الأر�ض) التي �صدرت عن قدا�سة البابا قبل وفاته بفتر ٍة ق�صير ٍة� ،شارح ًا �أهمية ما ورد فيها، خا�ص ًة عن عالقـة الإن�سان بالدين ،وعالقة الدين بالإ�ستقرار وال�سالم العالمي ،وختم الإمام ال�صدر قائ ًال« :نحن في لبنان ما �أجدر بنـا �أن ن�ستفيد من المحبة والت�سامح، وتكريم لروح قدا�سة البابا». ونرفعها بمثابة �صال ٍة ٍ -اإلمام الصدر يزور الفاتيكان(:)37
أيام ب�ضيافة الفاتيكان ،حيث لقي زار الإمام ال�صدر روما ،و�أم�ضى فيها خم�سة � ٍ 86
������������������������������������������������
حفاو ًة بالغ ًة ،وتل َّقى دعو ًة ر�سمي ًة لح�ضور حفل تتويج البابا بول�س ال�ساد�س ،وبذلك م�سلم يدخل الفاتيكان ،وهي �سابق ٌة تاريخي ٌة ق َّدرها ُيعت َبر الإمام ال�صدر �أول عالم ٍ دين ٍ الم�سيحيون والم�سلمون على ال�سواء ،ون�شرت معالم الإنفتاح عنـد الإمام ال�صدر ،مع َ ومواقف منتقد ٍة لبع�ض المنزعجين من هذه الزيارة. الإ�شارة �إلى �آراءٍ وفي محا�ضرة الوحدة الوطنية والتعاي�ش الم�سيحي الإ�سالمي في نادي جرجوع(،)38 ح َمل �سماحة الإمام على المتاجرين بالوطنية با�سم الدين ،وقال� :إنهم م�ساكين �أولئك الذين يعتقدون �أنَّ هناك تعار�ض ًا بين الدين والوطنية ،بل على العك�س �إنَّ ك ًال منها يكمل الآخر ،و�إنَّ تجار ال�سيا�سة هم الذين ُيغ ُّذون النعرات الطائفية والمذهبية للمحافظة على وجودهم. �إنَّ العي�ش الم�شترك كفي ٌل ب�إنتاج الوحدة الوطنيـة ،هذه الوحدة ال تعني كما يعتقد البع�ض ذوبان الجناح الم�سلم في الجناح الم�سيحي� ،أو ذوبان الجناح الم�سيحي في الجناح الم�سلم ،بل يعني �أن يظل الم�سيحـي على م�سيح َّيته مئ ًة بالمئة ،ويمد يد ًا مخل�ص ًة �إلى �أخيه الم�سلم ،و�أن يظ َّل الم�سلم م�سلم ًا مئ ًة بالمئة ويمد يد ًا مخل�ص ًة �إلى �أخيه الم�سيحي ،ف�إنَّ بذلك نعي�ش الوحدة الوطنية فع ًال وقو ًال. وقـد �شارك الإمام ال�صدر في العديد من المحا�ضرات في العديد من المناطق اللبنانية ،من بيروت وكنائ�سها وم�ساجدها �إلى جبيل وطرابل�س وعكار والبقاع والجنوب وكل لبنان. محا�ضرات عن الم�سيحية والإ�سالم من محا�ضرات الندوة اللبنانية في �إطار �سل�سلة ٍ في لبنان ،حيث ق َّدم الإمام ال�صدر الإ�سالم وثقافة القرن الع�شرين( ،)39وكان م� ِّؤ�س�س محا�ضرات عن الم�سيحية وثالث ًا الندوة مي�شال �أ�سمر �ض َّمن مو�سم محا�ضراتها ثالث ٍ عن الإ�سالم ،وحا�ضر فيها ك ٌّل من المطران جورج خ�ضر ،الأ�ستاذ ن�صري �سلهب ،الأب فرن�سوا دوبرة التور �أبـو حلقـة ،ال�سيد مو�سى ال�صدر ،الدكتور ح�سن �صعب ،الأ�ستاذ يو�سف �أبو حلقة ،وقد �أ َّدت هذه المحا�ضرات �إلى خلق �أجواء الإنفتاح ،ولقاء معاني 87
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
لمعالجات القيم الفكرية ،وب َّددت المزيد من هواج�س الخوف والهلع من الآخر ،ت�أ�سي�س ًا ٍ وطني ٍة ته ُّم الوطن والمواطن. �إنَّ الجميع م�س�ؤو ٌل و�إنَّ التحديات ت�ستهدف الجميع ،وهذه الندوات واللقاءات ن�شاط انفتاح ٍّـي ،كانت والد ًة لع�شرات المحا�ضرات والعالقات ما كانت �إال باكورة ٍ والندوات التي �أُلقيت في الكنائ�س والأديرة ومنها محا�ضراتٌ في :كني�سة الآباء الكبو�شيين -كني�سة مار جرج�س المارونية -كني�سة راهبات القلبين الأقد�سين في معهد ال�سيوفي/الأ�شرفيـة -معهد الآباء الأنطونيين حيث �شاركه ندوته الرئي�س العام للرهبنة المارونية الأب روفايل لطيف -معهد هايكازيان الأرمني -معهد جبل لبنان بح�ضور المطران جورج خ�ضر ،عدا عن جميع الندوات واللقاءات الوطنية في كنائ�س �صور � -صيدا -النبطية -مغدو�شة -الفاكهة -الجديدة -زحلة ومناطق لبنانية �أخرى( ،)40ونظر ًا لحجم ن�شاط الإمام وح�ضوره في دور العبادة الم�سيحية ف�إننا ن�سلط ال�ضوء على محا�ضرة كني�سة الآباء الكبو�شيين التي ُو�صفت على ال�شكل التالي: «هذا ٌ حدث يح�صل للمرة الأولى في تاريخ الكثلكة ،يجتمع في الكني�سة م�ؤمنون ديني غير كاثوليكي...و ُيقا َبل ذلك ال بالإعجاب فح�سب، ل�سماع كلمة اهلل من مرجع ٍّ ٍ بل بالت�أمل الطويل ،ومن الطبيعي �أن يكون موطن الحدث هو لبنان بلد اللقاء والأخوة والتوحيد». هذا ما قاله الرئي�س �شارل حلو بعـد �سماعـه محا�ضرة الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر بعنوان« :القوى التي ت�سحق والقوى التي تفرق «م�ساء �أم�س في كاتدرائيـة مار لوي�س الالتينية للآباء الكبو�شيين ،وهي �أولى �سل�سل ٍة من المحا�ضرات ُتل َقى لمنا�سبة ال�صوم الكبير... وجاء ل�سماع الآتي من هناك... من الجنـوب ،من الأر�ض التي م�شى عليها ال�سيد الم�سيح ...يحكـي عن الحريـة والظلم والطغيان والعن�صريـة ،وعن الجنوب و�إن�سانـه الذي يظل �شاهد ًا على لبنان يتحدى «�إ�سرائيل» وكيانها العن�صري ،جاء ل�سماع ال�صدر عـد ٌد كبي ٌر من الراهبات 88
������������������������������������������������
والرهبان والمواطنين ،وكان في ُمق َّدم الح�ضور :المون�سنيور بول�س با�سيم مطـران الالتين ،ورئي�س المحكمة الروحية الالتينية الأب �إبراهيم عيـَّاد ،والأمير عبد العزيـز �شهاب ،والنقيب ريا�ض طـه ،والبروف�سور فيليب الخازن ،وال�صحافي جبران الحايك. وعدد من ال�شخ�صيات في وبعـد لقـاءٍ بين ال�صدر والرئي�س حلو والمطران با�سيم ٍ �صالـة الإ�ستقبال في الكني�سة ،انتقلوا �إلى قاعة ال�صالة ،وعند دخول الإمام ال�صدر و�إلى جانبه الرئي�س حلو ،كانت عالمات الفرح ممزوج ًة بعالمات الده�شة ترت�سم على �صمت خا�ش ٌع عندما �إلتفت ال�صدر �إلى الذين وقفوا عند وجوه الحا�ضرين ...و�ساد ٌ دخولهم وحياهم وجل�س فجل�سوا. المشاركة الوطنية مع الطوائف في خدمة لبنان والدفاع عن جنوبه في وجه اعتداءات العدو الصهيوني: إنشاء هيئة نصرة الجنوب(:)41
�أمام التلك�ؤ الر�سمي والبرودة الحكوميـة في مواجهة الأحداث ،وبعد النـزيف الحاد والهجرة الق�سرية لأبناء الجنوب ،دعـا الإمام ال�صدر الر�ؤ�ساء الروحيين في الجنوب لتدار�س الأخطار ومعالجـة الو�ضع ،وت�ش َّكلت «هيئـة ن�صرة الجنوب «برئا�سته وع�ضويـة �أ�صحاب ال�سيادة :المطران �أنطونيو�س خري�ش ،المطران با�سيليو�س خوري، المطران يو�سف الخوري ،المطران جرجيو�س حداد ،المطران �إثنا�سيو�س ال�شاعـر، المطران بول�س الخوري ،القِ�س �إبراهيم داغر ،و�أ�صحاب ال�سماحة :ال�شيخ محمـد �سليم حمود مفتي �صيدا للطائفة الإ�سالمية ال�سنية ،ال�شيخ �أحمد الزين قا�ضي �شرع �صيدا ،ال�شيخ ر�ؤوف القادري مفتي را�شيا للطائفة ال�سنية ،ال�شيخ نجيب قي�س قا�ضي المذهب الدرزي في حا�صبيا ،ال�شيخ �سليم جالل الدين ،ال�شيخ علي الفقيه ،المفتي الجعفري الممتاز ال�شيخ عبد الأمير قبالن ،وتهدف الهيئـة �إلى تدار�س الأخطار المحدقة بالجنوب ومعالجة �أو�ضاعه. وبتاريخ � 1970/5/20أق َّرت هذه الهيئة بيان ًا �أعده الإمام ال�صدر و�أذاعه بنف�سه 89
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
يخالن ٌ َّ خائل� ،إذا �سقط الجنوب� ،أ َّن �سياجاً من قائ ًال�« :إ َّن الجنوب لفي خطرٍ ...ال ال�سحر ي�س ِّور لبنان� ،أو خيم ًة من الغيب تغطي عليه ،و�شواهد التاريخ �شواه ُد على أمم بادت ،و�أوطانٍ زالت ،وقومياتٍ غدت ك�أ�ساطير الأولين! �إنه�ضوا لن�صرة الجنوب � ٍ ون�صرة لبنان ،وال تنتظروا وقوع الكارثة ،ف�إما �أن نكون �شعباً م�ؤ َّه ً ال للبقاء ،جديراً بالإ�ستمرار� ،أو �شعباً �سقط في م�ستنقعات الوجود ،ثم ان�سحق بين دواليب الزمن». و�أ�ضاف البيان�« :إ َّن ع�ضواً من وطنكـم اليوم يم�شي �إليه البتر� ،إ َّن جزءاً من تاريخكم وهو الأعظم يرك�ض �إلى القبر� ،إ َّن �ساعة النفير ُّ تدق لتجميع وتجنيد �سائر الطاقات والإمكانات المالية والمادية والمعنوية والخدمات لمجابهة هذا الخطر يهب من الجنوب ويهدد كل لبنان». الذي ُّ إرهاصات تأسيس حركة المحرومين:
�أنكر العهد الجمهوري في لبنان الذي بد�أ في �أيلول ،1970على المجل�س الإ�سالمي ال�شيعي الأعلى ورئي�سه حقهما القانوني في تعاطي ال�ش�ؤون العامة( ،)42فتجاهلت الدولة هذه الحملـة ،ولكنَّ الإمام ال�صدر �ص َّعد من تحركه متم�سك ًا بمطالب المحرومين، حيث �أعلن معار�ضته للحكام والم�س�ؤولين في لبنان لأنهم يتجاهلون حقوق المحرومين وواجب تعمير المناطق المحرومـة ،م�ؤكد ًا �أنَّ الحكام ب�سلوكهم هذا يهددون الوطن وكيانه ،وكان خطاب الإمام ال�شهير بمنا�سبة ذكرى عا�شوراء في بلدة ياطر الحدودية بتاريخ � 24شباط ،1974ومما جاء في كلمة الإمام(:)43 طقو�س ومرا�س َم «المطلوب عدم الإكتفاء بهذه الإحتفاالت ،لئال تتحول �إلى ٍ متحجر ٍة يختفي وراءها المذنبون ،ويطهِّر الطغاة ذمتهم �أمام ال�شعب بحجة �شكليـ ٍة ِّ ح�ضورهم الم�أتـم ،ولئال ي�صبح البكاء والم�شاركة في الم�أتم بدي ً ال عن العمل، وتنفي�ساً للغ�ضب الثائر والإحتجاج الب َّناء .ولكي ال ت�صبح الحركة الح�سينية م�ؤ�س�س ًة وطقو�ساً علينا �أن نحاول �إدراك �أبعادها والتحرك على �ضوء تعاليمها� ،إ َّن الح�سين يحدد �سبب حركته بكلمتين� :إ َّن الحق ال ُيع َمل به ،والباطل ال ُيت َناهى عنه وها �أنا 90
������������������������������������������������
�أ�س�أل :لو كان الح�سين بيننا وكان يرى �إ َّن الحق ال ُيع َمل به ،بل �إ َّنهم يتمادون في عدم العمل بالحق والإ�ستهتار به ،فماذا كان يعمل»؟. ثم قال�« :أيها االخوة� ،إ َّن الأ�سا�س لبقـاء الأوطان العدالة وكرامة المواطن� ،أما في لبنان فمفهوم كرامة الإن�سان وحريته باقٍ كواحةٍ ،فالإ�ستئثار والطغيان وتجاهـل حقوق الآخرين تزعزع كيان البلد ،وتع ِّر�ض م�ستقبله للخطر� ،أما نحن عندما نطالب بالحقوق والعدالـة ف�إننا ن�صون وطننا البلد ،ونحمي م�ستقبله وحريـة مواطنيه وكرامتهم ،فلتعلموا �إ َّن الم�س�ؤولين هم الذين يهددون ب�سلوكهم �أمن هذا الوطن وكيانـه وا�ستقراره وتعاي�ش �أبنائه وليعلموا �أننا ال ن�سمح لهم بذلك لكي يبقى لبنان. نحن َح َف َظة لبنان كما نحن م�ستعدون للدفاع وحمل ال�سالح� ،أنا ال�شيخ المري�ض م�ستعـ ٌد �أن �أحمل البندقية و�أقف معكم على الحدود� ،أنا على ا�ستعدا ٍد لكل ما ُيطلَب منا ،لماذا ال يعطون ال�سالح للجنوبي للدفاع عن بلده ،ويعطون لغيره ليقيم الع�صابات والإعتداء على النا�س؟ لماذا ُت�ص َرف الماليين على غير الجنوب؟ لقد �صرف في � 4سنوات 984مليون ليرة لبنانية ولم ُي�ص َرف �شي ٌء للجنوب وبعلبك كذب بكذبٍ والهرمل� ،أكذوبة الليطاني تدغدغ �سمعنا ،ال فل�س واحداً لليطاني ،كله ٌ على رغم �إعطائهم جدو ًال زمنياً للتنفيذ. فلن�صرخ في وجه حكامنا �إذا �سمعوا :فليعطوا ال�سالح للجنوبي ،وليعلموا �أ َّن في هذا البلد �إبناً مدل ً ال وابن جاري ٍة ومنطق ًة مدلل ًة ومنطق ًة محروم ًة .نريد العدل للجميع والدفاع عن الجميع ،لأننا على ما يبدو من منطق ٍة ُ�ص ِّنفت من الفئة الثالثة كما ُ�ص ِّنف مواطنوها». وفي ظل ال�سكوت عن الإعتداءات «الإ�سرائيلية» على الجنوب ،الذي هو ر�ضا بالذل وخيان ٌة للبنان ،ا�ستمرت اعتداءات العدو ال�صهيوني ،وفي ِّ ظل ات�ساعها في الجنوب اللبناني �ضد ال�سكان الآمنين ال ُعزَّل المحرومين من و�سائل الحماية والدفاع عن النف�س ،تنامى عمل الإمام �إلى م�ستوىً �أعمق في اتجاه �إيجاد م�ستوىً �آخر من التنظيم ،يحفظ جهد وجهاد حالة الإعترا�ض على �سيا�سة الدولة وي�ؤطـِّر عنا�صر المواجهة للم�شروع ال�صهيوني. 91
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر المهرجانات ووالدة حركة المحرومين:
.1احتفال الق�سم:
�أمام الجماهير التي احت�شدت على مرجة ر�أ�س العين ،تال الإمام ال�صدر َق َ�سم ًا لربط بعهد في م�سير ٍة َّ تنظم فيها الأمور ،لذلك اع ُت ِبر احتفـال الق�سم في � / 17آذار النا�س ٍ 1974 / «يوم انطالقة حركة المحرومين « ،ففي هذا المهرجان الذي �ضم �أكثر من خم�س ٍة �شخ�ص ،انتقد فيه الإمام ال�صدر موقف الدولة الالمبالي من الجنوب، و�سبعين �ألف ٍ مطالباً ب�إن�صاف المحرومين في البقاع والجنوب وال�شمال وكل لبنان ،مهاجماً المخ�ص�صة للتنمية ،ومندِّداً بالجي�ش لعدم دفاعه الحكومـة لعـدم �صرف الإعتمادات َّ عن الجنوب ،قا�سماً اليمين على ال�سعي للمطالبـة بحقوق المحرومين وتحقيقها �أو اال�ست�شهاد دون ذلك ،ثم طالب الجماهير ب�إن�شاء مخيمـاتٍ للتدريب الع�سكري في البقاع والجنوب بقوله« :نحن م�ضطرون �إلى تدريب �أوالدنا وت�سليحهم ،كي نحفظ كرامة بيتنا ونحفظ �أعرا�ضنا ون�ؤدي دورنا ل�صيانة الوطن»(.)44 .2مهرجان �صيدا(:)45
كبير �أُقيم في بتاريخ /4ني�سان � 1974 /أعلن الإمام ال�صدر عبر مهرج ٍ �شعبي ٍ ـان ٍّ �صيدا «نريد الجنوب متم�سكاً بلبنان ،الجنوب يدفع �ضريبـة الدم والدمار والخوف، ارف�ضوا عبادة �آلهة الأر�ض والحكم والطغاة والم�ستبدين ...خذوا زينتكـم عند كل م�سجدٍ ...زينة الرجال ال�سالح ...الجنوب ر�أ�س حربـ ٍة �ضد «�إ�سرائيل» وقاعد ٌة لتحرير الأر�ض المقد�سة» ،في هذا المهرجان تقاطرت الوفود منذ ال�صباح لتلبيـة دعوة نائب �صيدا ال�سابق ال�سيد معروف �سعـد ،حيث ا�ستقبل ال�صيداو ُّيون الإمام ال�صدر على مدخـل �صيدا ال�شمالي رغـم هطول الأمطار ،واقت�صر الوجود الر�سمي على دراجتين من ف�صيلة �صيدا �سارتا �أمام الموكب ،وتولى �شباب التنظيم النا�صري ت�أمين ال�سير على الطرق والمحافظة على النظام. 92
������������������������������������������������
.3مهرجان �صور(:)46
وبتاريخ � /5أيار 1974 /فتحت مدينة �صور �أبوابها للزحف الب�شري الذي ق َّلما �شهـد لبنان مثله ،حيث و�صلت الوفود من مختلف مناطق الجنوب والبقـاع وبيروت و�ضواحيهـا ،وفي هذا المهرجان ح َّـذر الإمام ال�صدر من الأخطـار التي تهـدد المنطقـة والجنوب بقوله« :العدو يترب�ص بنا والمنطقـة على �أبواب الإنفجار ،ونحن ال ندري ماذا يجري وراء الكوالي�س الدولية في �ش�أن الجنوب ،وهناك �أخطا ٌر على الجنوب في الم�ستويات الدولية� ،أنا ال �أقبل �أن �أكون عزيزاً ويكون وطني ذلي ً ال ،و�أنا ال �أقبل �أن تهتك الطائرات «الإ�سرائيلية» �أجواء بيروت وكل المناطق اللبنانية»... إعالن اإلمام الصدر والدة أفواج المقاومة اللبنانية -أمل:
تدريب بتاريخ 1975 / 7 / 5انفجر لغ ٌم م�ضا ٌد بمجموعـ ٍة من ال�شباب في حقل ٍ في منطقة عين البن ِّية -بعلبك ،حيث كانوا يتدربـون على الألغام الم�ضادة للدبابـات مدرب من المقاومة الفل�سطينية ،وفي اليوم التالي عقد الإمام ال�سيد مو�سى ب�إ�شراف ٍ ال�صدر م�ؤتمر ًا �صحافي ًا ليعلن عن والدة �أفواج المقاومة اللبنانية � -أمـل ،و�أبرز ما جاء في م�ؤتمره(:)47 «في غمرة الآالم المب ِّرحة ،وبكل اعتزا ٍز �أنعي �إلى المواطنين عموماً ،و�إلى �أبنـاء الجنوب ال�صامد خ�صو�صاً ،نخب ًة من ال�شبان اللبنانيين ا�ست�شهدوا ...هذه الباقة الحمراء من �أزهار الفتوة والفداء هم الطالئع من �أفواج المقاومة اللبنانية «�أمل »، جانب الذين ل ُّبوا نـداء الوطن الجريح ،الذي ت�ستمر «�إ�سرائيل» في الإعتداء عليه من كل ٍ وبكل و�سيل ٍة. �إ َّنهم ا�ستجابوا هلل وللر�سول عندما دعاهم لما يحييهم ولما يحمي الوطن وي�صون كرامة الأمة ،تلك الدعوة التي وجهتها �إلى اللبنانيين جميع ًا في احتفاالت ذكرى �سيـد ال�شهداء في عا�شوراء ال�سنة الما�ضية وفي الكلية العاملية ،في الأيام التي بلغت الإعتداءات «الإ�سرائيليـة» على الجنوب ذروتها ومنتهى ق�سوتها ،ولم تقم ال�سلطات الم�س�ؤولة �آنذاك بواجبهـا الدفاعي عن الوطن وعن المواطنين. 93
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ومكا�سب وال �شعارات وال �أرباحـ ًا �إنَّ ه�ؤالء ال�شباب �أرادوا �أن يثبتوا �أنَّ الوطنيـة لي�ست ٍ َ متاع ًا للم�ساومة وللعر�ض والطلب ،بل �إنَّ الوطن هو �أبعاد وجود الإن�سان و�أ�سا�س كرامته ومجال ر�سالته ،تجب حمايته بالأرواح والدماء حتى مع عدم التكافـ�ؤ في القوى ،ويجب التهي�ؤ لذلك ب�سرع ٍة� .إ َّنهم اتخذوا من موقف الح�سين �سلوك ًا ،والتحقوا بقافلته وو�ضعوا �أنف�سهم قربان ًا للحق والعدل� ،إ َّنهم �أرادوا �أن يثبتوا �أنَّ مكان ال�سالح في الجنوب ولي�س إعالم طريق الت�ضحيات في بيروت و�ضواحيها .ف�ش ُّقوا بجهادهم ال�صامت من دون � ٍ الوطنيـة وو�ضعوا الأمور في ن�صابها ال�صحيح. �إ َّنهم �أكدوا �ضرورة توجيه الأ�سلحة ،كل الأ�سلحة� ،إلى �صدور العدو ،و�أن ال خال�ص من الفتنة الداخلية والحرب الأهلية �إال �إذا توجـه الم�سلحـون �إلى الجنوب ،و�إال �إذا ُنق َلت المتاري�س والحواجز والأ�سلحة الخفيفة والثقيلة �إلى الحدود. لذلك فقد انتقمت منهم «�إ�سرائيل» ولهم ال�شرف بذلك ،ف�أ�صبحت �إذاعتها بعد وت�شجع عمالءها في كل �ساع ٍة فقط من الحادثـة تقهقه وت�شمت ،وتح ِّر�ض وتبالغ ِّ مكان ...وخرقت طائراتها جدار ال�صوت فوق مكان الحادثة. ٍ لكن هذه المحاوالت لم تكن ولن تكون يومـ ًا �سبب ًا لتراجع المجاهدين ال�شرفاء ،وال لترددهم في الإ�ستمرار على الطريق ،وقد كتبوا بدمهم �ساعة الإ�ست�شهاد على ورقة «كونوا م�ؤمنين ح�سينيين» ،و�أ�ص َّر الجرحى في الم�ست�شفيات على العودة فور ًا �إلى المخيم لمتابعة التدريب ،و�أعلن ذوو ال�شهداء ر�ضاهم عما كتب اهلل لهم� ،صابرين مزيد من الت�ضحيات. محت�سبين لتقديم ٍ دوافع إنشاء المقاومة اللبنانية -أمل:
�إنَّ حادثـة عين البن ِّية في ،1975 / 7 / 5وخروج م�شروع الإمام ال�صدر ب�إن�شاء حرك ٍة ع�سكري ٍة �إلى العلن� ،أماط اللثام عن عدة �أمو ٍر كان الإمام ال�صدر ي�شعر بوجودها داخل لبنان ،وي�شعر بالخطر الذي قـد تتعر�ض له وحدة الوطن ،والطائفة ال�شيعية، فالإمام ال�صدر الذي لم يكن م�ؤمن ًا �أ�ص ًال ببناء قوىً ع�سكري ٍة جديد ٍة ،كان يعتقد �أنَّ � َّأي قو ٍة ع�سكريـ ٍة قد �ساهمت في هـدم لبنان ،ولن ي�سمح للمحرومين ب�أن يكـون لهم دو ٌر 94
������������������������������������������������
متغيرات عديد ًة �ساهمت في �إيمان الإمام ،ب�ضرورة قيام هذه الحركة في ذلك� ،إال �أنَّ ٍ الع�سكرية لأخذ المبادرة في الجنوب ،حيث الخطر «الإ�سرائيلي» اليومي ،وابتعاد ال�سلطة اللبنانيـة عن القيام بواجباتها في الدفاع عن المواطنين اللبنانيين الجنوبيين. �أما الم�س�ألـة الثانيـة التي كانت ظاهـر ًة �إلى العلن في ذلك العام� ،أي ال�سنة 1975 فهي «انت�شار ال�سالح والتعبئة النف�سية «في مختلف المناطق اللبنانيـة ،وبالمقابل داخلي ،وبالتالي عاجز ًة أمني ٍّ ف�إ َّن الدولة اللبنانية ،ظهرت عاجز ًة تماماً �أمام �أي فلتانٍ � ٍّ عن الدفاع عن المواطن اللبناني ،وم�ؤ�س�ساتها بد�أت تتحول �إلى م�شا ٍع �سيتقا�سمه الجميع». �صحفي ُن ِ�شر في بو�ضوح ،من خالل م�ؤتم ٍـر وقـد �أظهر الإمام ال�صدر هذا الأمر ٍّ ٍ علم بحركة �أمل، ال�صحف اللبنانية ،بتاريخ ،1975 / 9 /11مب ِّين ًا �أن الجميع كان على ٍ «و�أ َّن المقاومة اللبنانية ناديت بها منذ ع�شر �سنواتٍ ،و�أعلنت عنها منذ �سن ٍة و�سبعة �أ�شهرٍ ،في يوم عا�شوراء يوم العزاء العظيم ،وطلبت من �سكان الجنوب �أن يت�سلحوا ويتدربوا ،وبعدها ب�أربعين يوماً نا�شدت �أهالي بعلبك �أن يفعلوا ذلك �أي�ضاً ،و�أن يقفوا �إلى جانب �أهل الجنوب ،ي�ساعدونهم في هذا وذاك ،ولما امتنع الم�س�ؤولون عن �سماع ال�شكوى ،رغم كل النداءات والتوجيهات وال�ضغوط ،وتركوا الجنوب �سائباً وابن الجنوب مرتع�شاً �أمام االعتداءات «الإ�سرائيلية» المتكررة والمتزايـدة ،ور�أيت فع ًال �أنَّ �شجعت المواطن الجنوبي مهد ٌد بالموت �أو النزوح �أو المهانة ،التي ال تق ُّل ذ ًال عن الحياةَّ ، �شبان ًا م�ؤمنين باهلل وبالوطن على التدريب ،وقـد علم بذلك رجال ال�سلطة الكبار ،وكبار رجال القوى الم�سلحة في لبنان بو�سائلهم الخا�صة ،ولم يكن غر�ض الإعالن عن هذه المقاومة اللبنانية �سوى المواقف العملية ،وعلى غرار ما ح�صل في الطيبة وكفركال� .إال ()48 علي الإعالن. �أنَّ الفاجعة قد ك�شفت نف�سها وفر�ضت َّ حركة أمل وأفواج المقاومة اللبنانية (أمل):
هل نبلغ �شاطىء الأمان الإجتماعي مع التخلي عن الدفـاع عن الأر�ض في وجه 95
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
الأعداء ،والأمثلة �ساطعـ ٌة عندما كان الأمن الإجتماعي ُيقا َي�ض بالتخلي عن الدفاع عن الأر�ض (قوة لبنان في �ضعفه). ومتكامل مو�ضوعي ب�شكل ٍ �إنَّ الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر واجـه الم�شكالت في لبنان ٍ ٍّ في مواجهـة العدوان والت�صدي للحرمان ،ثنائيـ ٌة كانت تحكم خطاب الإمام ال�صدر كنموذج في عملية التغيير الإجتماعي ومحاربة العدوان و�إزالة الحرمان. ٍ وكانت اللقاءات والخطب والمهرجانـات ،وت�أ�سي�س �أفواج المقاومة اللبنانية- ـان للذين �أمل لمواجهة الإعتداءات «الإ�سرائيلية» ك�ضمانـ ٍة لت�شكيل �شبكـة �أم ٍ �أ�ستبيحت �أر�ضهم وممتلكاتهم و�أهرقت دماء �أبنائهم ،وكانت حركة المحرومين كحرك ٍة �إيماني ٍة غير طائفي ٍة �أو مذهبي ٍة ،بل مطلبية من �أجـل المحرومين في لبنان لأي طائفـة انتموا ،لذلك و�ضع الدرا�سات وجنـد الطاقات ،و�أ�ضف �أنَّ هذا ال�سياق في �صلب مو�ضوع التغيير الإجتماعي للإنتقال من «قوة لبنان في �ضعفـه» �إلى «قوة لبنان في مقاومته» ،وهذا ال�سياق في �صلب مو�ضوع التغيير الإجتماعي �إذا الحظنا الن�شاط الذي ا�ضطلع بـه الإمام ال�صدر ومن معـه في م�سيرة حركة �أمـل، من الدرا�سات �إلى �أوراق العمل �إلى المطالب ب�إزالـة الحرمان ،ومطالبـة الدولة ودرا�سات من الغائبـة لتكون حا�ضر ًة في �إطار عملية التنمية م�ست ِند ًا �إلى تقاريـر ٍ بعثة �أرفد(� )49إلى �سواهـا من الدرا�سات� ،ألي�ست مطالبـة الدولـة بالقيام بواجبهـا منا�سب لعمليـة التغيير الإجتماعي؟ �ألي�ست المهرجانات الحا�شدة هي �إطـا ٌر ٌ في بعلبك و�صيدا و�صور و�سواهـا بمثابـة �صفعـ ٍة للذين تجاهلوا مطالب الفقراء والمحرومين من جميع الطوائف وفي جميع المناطق لي�ستفيقـوا من غفلتهم، ليكونوا �أمناء على م�صالح كافة �شرائح المجتمع «�أيها الحكام اعدلوا قبل �أن تبحثوا عن وطنكـم في مجاهل التاريخ». بحكام �إنَّ الحراك الذي ن�شهده في العالم عبر تحرك �شرائح المجتمع والذي �أودى ٍ �ألي�س هو في �صلب مو�ضوع التغيير الإجتماعي ،حيث حاول الحكـام �سـد الباب �أمـام التطور الإجتماعي معتمدين على قاعـد ٍة مار�سها الطغاة في التاريخ� ،أنَّ تجهيل المجتمع 96
������������������������������������������������
وا�ستدامـة الفقـر �ضمان ٌة لإ�ستمرار حكمهم ،فكان تكدي�س الثروات بدل التنميـة، والإهتمـام بخوا�ص الدائرة ال�صغرى من الحكام بدل الو�صول �إلى معاناة المعذبين والفقراء والمقهورين. و�أي�ض ًا و�أي�ض ًا الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر �أنموذجـ ًا في عمليـة ا�ستنها�ض المجتمع ؤ�س�سات �إجتماعيـ ٍة هادفـ ٍة تنفيـذ ًا لقناعاتـه والتغيير الإجتماعي عبر ال�شروع بت�أمين م� ٍ الرا�سخة �أنَّ خدمـة الإن�سان هي المع ِّبر الحقيقي عن الإيمـان باهلل ،وهي التي ت�صلنـا باهلل ،فكان الإهتمام بالم�ؤ�س�سات الإجتماعية التي ُتع َنى بالمر�أة والرجل والطفـل ـات مختلفـ ٍة ،من بيت الفتاة �إلى معهـد وال�شاب والكهـل وال�شيخ الكبير وعلى م�ستوي ٍ الدرا�سات الإ�سالميـة في �صور� ،إلى م�ؤ�س�سة جبل عامل المهنيـة في البرج ال�شمالي، �إلى م�ؤ�س�سة الزهراء في بيروت� ،إلى مبرة الإمام الخوئي من قبلها في �صفير� ،إلى م�شاريع �أ َّمن لها الأرا�ضي ال�شا�سعة من البقاع �إلى بيروت وال�ساحل �إلى الجنوب ،هذه الم�ؤ�س�سات كان لها الدور والأثـر الكبير في عمليـة التحول المجتمعـي عبر بل�سمة العديد وا�ضح على م�ستوى معالجة بع�ض من الجراح ،و�إن كان للم�ؤ�س�سات التي ذكرنا من دو ٍر ٍ الحاالت الإجتماعية والتربويـة والثقافيـة ،فال نن�سى م�ست�شفى الزهـراء والعديد من الم�ستو�صفات ،هذه الم�ؤ�س�سات الإجتماعية كانت بمثابـة الأ�سا�س والمثال الذي دفع بالعديـد من المهتمين �أن يقتفوا الأثـر بـل منهم من تابـع ،وهذه الم�ؤ�س�سات �أدت دور ًا كبير ًا على الم�ستويات ال�صحيـة والتربويـة والإجتماعية،كم�ؤ�س�سات �أمـل التربويـة التي ا�ستمرت على درب الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر قدو ًة واقتـدا ًء ،وكان لي �شرف الإ�شراف على بنائهـا و�إدارتهـا بتوجي ٍـه من دولـة الرئي�س الأخ الأ�ستـاذ نبيــه بـري ،وهـي الآن ع�شر ؤ�س�سات طالب على م�ساحة وطننـا لبنان� ،إ�ضافـ ًة �إلى م� ٍ م�ؤ�س�س ٍ ـات ت�ضم ثالثة ع�شر �ألف ٍ �صحيـ ٍة و�إجتماعيـ ٍة �أخرى في �إطار حركة �أمـل وك�شافة الر�سالة الإ�سالمية ،كل ذلك تيمن ًا بر�ؤية الإمام ال�صدر ،وم�ؤ�س�سة جبل عامل المهنية التابعة لجمعية البر والإح�سان التي ر�أ�سها الإمام ال�صدر المثال في �إطالق هذه الم�شاريع ،وكذلك هناك جمعياتٌ باع في العمل الإجتماعي ،و�ساهمت في عمليـة التغيير الإجتماعي.كل �أخرى لها طول ٍ 97
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
هذه الإنجازات ،و�أمـام عطاء الإمام ال�صدر ور�ؤيتـه ال�صائبـة ،ي�شجع المهتمين على مراجعـة هذا الر�صيد الرافـد لق�ضايـا الإن�سان في عملية التبادل الإجتماعي والتغيير فاعل للم�ؤ�س�سات في هذا االطار. كدو ٍر ٍ ولي�س غريبـ ًا �إن كان الإن�سان هو الهدف ،وذلك لأنَّ الإن�سان في نظـر الإمام ال�صدر ي�ش ِّكل مو�ضوع ًا �أ�سا�سي ًا للدين والعلم والت�شريع والطب والأدب والفن. موقف اإلمام السيد موسى الصدر من األحداث والفتنة التي عصفت بلبنان(:)50
حر�ص الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر على توحيد ال�صف الوطني الداخلـي لمواجهـة الع�صر «الإ�سرائيلي» ،كما حر�ص على �أن يكون الدور الفاعل لجميع الطوائف في حد لبنان لمواجهـة الخطر «الإ�سرائيلي» الذي ي�ستهدف الإ�سالم والم�سيحية على ٍ �سواءٍ ،فلقد نبـَّه �إلى مـدى ال�ضرر الفادح الذي �ستلحقه الحرب اللبنانية الداخلية تداعيات �أقلها �سقوط �شعار لبنان للتعاي�ش بطوائفه، بم�ستقبل لبنان� ،إ�ضاف ًة �إلى ٍ ولذلك �أعلن �أنَّ �إطفـاء الفتنة الداخلية في لبنان هو �أف�ضل وجـوه الحرب مع العدو «الإ�سرائيلي» ،لذلك دعـى �إلى الحوار و�إيقـاف الحمالت الم�سعورة لت�أجيج الفتنـة، راف�ض ًا عزل الكتائب ومت�صدي ًا لكل محاوالت التهجير الهادفـة لخلق مناطق نقي ٍة ح�سب رغبـة البع�ض ،وكان يعتبر �أن ت�سعير نار الفتنة الداخلية في لبنان هو وج ٌه «�إ�سرائيلي» ب�ش ٌع ،مقدمـ ًة ل�سيادة الع�صر «الإ�سرائيلي» ،لذلك رف�ض الحرب الداخليـة واعت�صم في م�سجد ال�صفا في الكلية العاملية بتاريخ ،1975/6/27 وعلى مقربـ ٍة من خطوط �إطالق النار ك�سابق ٍة �سيا�سي ٍة جديد ٍة في الحياة ال�سيا�سية اللبنانية ،وال�سبب كمـا قال« :طوال يـوم �أم�س وليله كنت �أتلقى �شكاوى الرجال و�أ�سمع بكاء الأرامـل واليتامـى ،وعلى الرغم من �أني �سعيت جهدي ولم �أذق طعم النوم ،وبما �أ َّن الق�صف لم يهد�أ ،والأو�ضاع تزداد �سوءاً قررت �أن �أعت�صم )51(..وجئت �أُ�ص ِّلي �إلى اهلل �أن ينقذ هذا الوطن» ،ولكنَّ الإمام وكي يتمكن من التفرغ لمعالجـة 98
������������������������������������������������
الآالم والمحن المتزايـدة وبخا�ص ٍة مـا يح�صل في البقاع ،قـال الإمام�«:س�أنتقل �إليها عندمـا �أخرج من الم�سجد� ،أترك الإعت�صام و�أودع الم�سجد كـي �أنتقـل مع رفاقي �إلى م�سجد الوطن ،حيث ُي�ؤدَّى واجبنا في حفظ الوطن و�أبنائه». دور اإلمام في إطفاء نار الفتنة:
وفي اليوم الثاني ِّ توجـه الإمام ال�صدر �إلى البقاع، لفك اعت�صامه في َّ 1975/7/3 على �إثر الحوادث التي وقعت في بلدات القاع ودير الأحمر و�شليفا الم�سيحية( ،)52والتي �أدت �إلى مقتل �سبع ٍة من �أهاليها و�أربعـ ٍة من المهاجمين ،ولحثِّ مطران بعلبك ونواحيهـا للروم الكاثوليك �إليا�س الزغبي على عدم الإ�ستقالة ومغادرة المدينة نتيج ًة للأحداث. وتر�أَّ�س الإمام لقا ًء بهذا الخ�صو�ص في بعلبك ،ثم انتقل �إلى ديـر الأحمر ،حيث كان الفت من �أهاليها ،بعد �أن وعدهم بزيارتهم عندما كان معت�صم ًا في �شعبي ٌ له �إ�ستقبا ٌل ٌّ م�سجد ال�صفا ،حيث �أطلق نداءه ال�شهير�« :إنني �أقول لكم �إ َّن كل طلق ٍة تطلق على دير الأحمر �أو القاع �أو �شليفا� ..إنمـا تطلق على بيتي وعلى قلبي وعلى �أوالدي» ،ثـم خاطب �أهالي تلك البلـدات قائ ًال« :و�س�أتوجه �إليكم في وقتٍ قريبٍ ». وانتقل بعدهـا الإمام ال�صدر �إلى الكرك �أحـد �أحيـاء زحلة ،حيث �أ َّكد على معاني المحبة والتعاي�ش بين الجميع ،ثم �إلى مقر الطائفة الكاثوليكية في زحلة .ثم �أكمل الإمام ال�صدر جولته في البقاع فزار «�سعدنايل» وبعلبك ،وعر�سال والعين والهرمل، والقاع واللبوة والنبي �شيت وبريتال. وحول الحوادث التي وقعت ،قال الإمام ال�صدر�« :إ َّن معلوماتي وا�سع ٌة عن هذه المنطقة ،وتجاربي المتكررة قبل الأحداث ،وما �شاهدته خالل اليومين الأخيرين، ت�ؤكد �أ َّن ما حدث فيها كان موج ًة عابـر ًة ُف َ ر�ضت عليها نتيج ًة لبع�ض الممار�سات ال�سيا�سية في بيروت ،وهو بعي ٌد كل البعد عن قناعات �أبنائها وتقاليدهم ،وحتى عن م�شاعرهم وعواطفهم ...لقد ا�ستدرجوا بع�ض �شباب هذه المنطقة الذين يتمتعون ب�شجاعـ ٍة وقوةٍ ،ولكنهم بعيدون كل البعـد عن النزاعات الحاقدة ،لقد ا�ستدرجوهم 99
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
وا�ستثمروا �شكيمتهم وب�أ�سهم لغايات �سيا�س ٍة خبيثةٍ ،فانعك�س ذلك على المنطقة �سلباً� ..إ َّن البقاع كان قلعة الوحدة الوطنية والبطوالت ،و�سيبقى قلع ًة بطل ًة لخدمة لبنان والق�ضايا العربية الم�صيرية». وفي ،1975/7/6وبعد جول ٍة طويل ٍة للإمام ال�صدر في البقاع اللبناني ،نقلت جريدة النهار �أنَّ الو�ضع في مناطق بعلبك والهرمل قد عاد �إلى طبيعته بف�ضل الجهود التي بذلها الإمام ال�صدر. �إنَّ �أمهات الكتب تزخـر بمواقف الإمام ال�صدر الوطنية وم�ساعيـه الجبارة لتر�سيخ العي�ش الإ�سالمي الم�سيحـي ،وال�شهـادات من ر�ؤ�ساء مدنيين وروحيين وم�س�ؤولين حزبيين و�إجتماعيين كثير ٌة ال يمكن ا�ستيعابها في هذه العجالة ،ولكنَّ ال�س�ؤال الذي يبقى ،ماذا لو لم يقم الإمام ال�صدر بهذا الدور الريادي؟ ماذا لو لم يطفىء نار الفتنة الداخلية؟ ماذا لـو لم يطفىء نار �شليفا ودير الأحمر والقاع ي�شجع الإمام على العودة �إلى النبعـة في ظروف الحرب والروي�سات؟ ماذا لو لم ِّ الفتنة عام 1976؟. اإلمام الصدر في مواجهة الصهيونية ودعمه للقضية الفلسطينية:
عربي ،بل كل ح ٍّر في �إنَّ احتالل فل�سطين من وجهة نظر الإمام هو اعتدا ٌء على كل ٍّ العالم ،وهو اعتدا ٌء على الم�سيحية والإ�سالم باحتالل المقد�سات وتدني�سها ،بل َّ حذر من المخاطر التي تجاوز احتالل الأر�ض �إلى احتالل العقول ُمط َلق ًا بذلك التهويد الفكري والثقافي ،و�صو ًال �إلى �سيطرة الع�صر «الإ�سرائيلي» الذي ت�سود فيه الم�صالح الذاتيـة والخا�صة على الم�صلحـة العامة ،والذي تُهزَ م فيه المجتمعات مقدم ًة لهزيمة الأوطان ،وكان الإمام يردد �أنَّ «�إ�سرائيل» لم تنت�صر لأنها تمتلك مق ِّومات الن�صر ،بل لأنَّ الأنظمة والمجتمعات انتكبت بمق ِّومات الهزيمة� ،إذ يقول الإمام� :إنَّ تف ُّرق العرب قادهم للهزيمة في الخام�س من حزيران عام ،67ذلك ب�أنهم كانوا يحاربون متفرقين بينما «�إ�سرائيل» تحارب ك�أم ٍة )53(،لذلك اعتبر الإمام �أن ال خال�ص للأمة مما تعانيه من حال الترنح �إال باعتماد قاعـدة �أنَّ فل�سطين هي المك ِّون الجمعي للعرب والم�سلمين 100
������������������������������������������������
والأحرار فيها ،فيقول �أعاده اهلل�« :إ َّن معركتنا مع العدو ذات وجو ٍه كثيرةٍ ،فهي معركـ ٌة ح�ضاريـ ٌة طويلـة الأمد متعددة الجهات ،وطني ٌة قومي ٌة ديني ٌة� ،إ َّنها معركة الما�ضي والم�ستقبل». ويخل�ص الإمام� ،إلى �أنَّ مهمة خدمة القد�س البعيدة المحتلة واجبـ ٌة علينا كمهمة خدمة الجنوب الذي ما زال �أمامنا وعلى �أر�ضه نعي�ش. �إنَّ الإمام يعتقد �أنَّ تخلي الم�سلم عن القد�س هو بمثابة التخلي عن الدين ،و�أنَّ اقتناء ال�سالح لقتال «�إ�سرائيل» بمثابة حمل الإنجيل والقر�آن في بيوتنا وقلوبنا. و�أخير ًا في هذا الإطار ف�إنَّ اهتمام الإمام بهذه الق�ضية دفعه لتح ُّملهـا �إلى الأجيـال خا�ص في ميثاق حركة �أمـل لي�ش ِّكل �إطار ًا حاكم ًا المعا�صرة والواعدة ،ب�إدراج ٍ بند ٍ على الم�ستوى الثقافي وال�سيا�سي والع�سكري بانطالق ٍة �إيمانيـ ٍة ر�سالي ٍة وقـد جاء في الميثاق« :وفل�سطين ،الأر�ض المقد�سة ،التي تعر�ضت ولم تـزل لجميع �أنواع الظلم، هي في قلب حركتنا وعقلها و�إ َّن ال�سعي لتحريرها �أولى واجباتها ،و�إ َّن الوقوف �إلى جانب �شعبها و�صيانة مقاومته والتالحم معها �شرف الحركة و�إيمانها� .سيما و�أ َّن ال�صهيونية ت�شكل الخطر الفعلي والم�ستقبلي على لبنان وعلى القيم التي ن�ؤمن بها وعلى الإن�سانية جمعاء ،و�إ َّنها ترى في لبنان بتعاي�ش الطوائف فيه تحدياً دائماً لها ومناف�ساً قوياً لكيانها»(.)54 علمي بد�أ في �ساحات �إنَّ تحرك الإمام لم يكن نظريـ ًا بل جاء على �شكل اداءٍ ٍّ المواجهة كما ذكرنا ،من بنت جبيل �إلى الطيبة �إلى مواقع المقاومة في الجنوب والبقاع وبيروت ،وعام 1982لم تكن معركة خلدة التي خا�ضها �أبطال �أفواج المقاومة تعبير عن الإلتزام بالفكر الذي ب َّثه م�ؤ�س�س المقاومة ومفجر اللبنانية � -أمل �إال خير ٍ ثورتها الإمام المغيب ال�سيد مو�سى ال�صدر ،والقافلة تطول ...وي�ستم ُّر الإمام في المطالبة بتح�صين الجنوب والدفاع عن المقاومة وعن فل�سطين ،وهذا ما يكمله رئي�س حركة �أمـل دولة الرئي�س الأخ الأ�ستاذ نبيـه بـري في �إطار التنمية والتحرير على ر�أ�س حركة �أمل. 101
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر إخفاء اإلمام الصدر وأخويه الش��يخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدر الدين:
-الإجتياح «الإ�سرائيلي»:
وتبلغ ذروة تحرك الإمام ال�صدر ،مع بدء العدوان «الإ�سرائيلي» في �آذار 1978على فيوجه النداء تلو النداء �إلى مختلف القوى يح ُّثهم على التحرك ،للوقوف جنوب لبنانِّ ، في وجه الم�ؤامرة التي ُتحـاك على ال�شعب اللبناني ،وبد�أت الزيارات ال�شخ�صية التي قـام بها �إلى بع�ض عوا�صم القرار العربي وبالأخ�ص دم�شق والريا�ض(.)55 وقد �أثمرت هذه التحركات� ،إذ دفعت بالعالم العربي �إلى ال�ضغط على مجل�س الأمـن لإ�صدار القرار الدولي رقم ،425والذي فتح الطريق �أمام و�صول قوات الطوارىء الدولية �إلى جنوب لبنان ،لمراقبة تطبيق الإتفاق الدولي ،الذي يلزم العـدو «الإ�سرائيلي» بالخروج من المناطق التي �سيطر عليها. لقد ح َّمل الإمام ال�صدر العالم العربي م�س�ؤولية الرد على هذا العدوان ،ودعاهم �إلى �أن يقوموا بدورهم ال «�أن يتركوا �أبناء الجنوب بعد كل الت�ضحيـات وحدهم يحملون م�س�ؤوليات �أكبر ق�ضي ٍة في ع�صرنا �أمام �أخطر عد ٍّو في التاريخ». :1978 -
عدد من الر�ؤ�ساء العرب �إثر الإجتياح «الإ�سرائيلي» للبنان، قام بجول ٍة عربيـ ٍة على ٍ حيث و�صل و�أخواه ف�ضيلة ال�شيخ محمد يعقوب والأ�ستاذ ال�سيد عبا�س بدر الدين �إلى طرابل�س -ليبيا في � 25آب تلبي ًة لدعو ٍة ر�سميـ ٍة من �سلطاتها العليا ،وانقطـع الإت�صال بهم هناك اعتبـار ًا من ظهر � 31آب وحتى اليوم. �إ َّدعت ليبيا �أنَّ �ضيوفها تركوا الأرا�ضي الليبية متجهين �إلى �إيطالياَّ ، كذب كال تحقيقات مط َّول ٍة ،ونفيا دخول � ٍّأي من الق�ضاءين الإيطالي واللبناني هذا الإ ِّدعـاء بعد ٍ الثالثة موانىء �إيطاليا البحرية والبرية والجوية(.)56 102
������������������������������������������������ خالصة:
�إنَّ الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين والإمام المغ َّيب ال�سيد مو�سى ال�صدر لإن جمعهما وحدة المعتقد والر�ؤيا والإلتزام بالق�ضايا المقد�سة ،ف�إنهما واجها ظروف ًا قا�سي ًة و�صعب ًة ،عانيا من ظلم العدو وتواني ال�صديق عن ن�صرتهما ،بل كانا عر�ض ًة حرقت داره لإعتداءٍ نال من �شخ�صهما وعائالتهما ،فال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين �أُ ِ حمالت مادي ٍة الم�ستعمر الفرن�سي ما القى من في �صور ومنزلـه في �شحور ،والقى من ِ ٍ ومعنوي ٍة م�ستعينين بعمالء الداخل. � َّأ�س�س الم�سجـد فعار�ضوه ،ا�ستقطع �أر�ض ًا من �أرا�ضي الدولة بموافقـة ال�سلطان محمد ر�شاد فعار�ضوهَّ � ،أ�س�س نادي الإمام ال�صادق فعار�ضوهَّ � ،أ�س�س المدر�سة الجعفريـة فعار�ضوهَّ � ،أ�س�س مدر�سة الزهراء فعار�ضوه ،و� َّأ�س�س جمعية البر والإح�سان فعار�ضوه. والإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر ،القى �صنوف المواجهـة والحمالت الم�ض ِّللة من قبل متحم ًال عمـق الجراح القا�صي والدانيِ ،كي َلت له الإتهامات بهتان ًا وزور ًا ،ت�ص َّدى ب�صدره ِّ التي تحفر في القلب ،حتى �صور ُح ِّرمت عليه ،وقال قائ ٌل� :س�أخلق في كل بلـ ٌد �إمـام ًا وهو على منبر الإمام �شرف الدين� ،أُوذيُ ،ن ِّكل ب�أ�صحابه و�إخوانه لأنـَّه ت�ص َّدى للحرب الفتنـة ،داعي ًا للتف ِّرغ للأعداء و�إطفاء النار الداخليـة في لبنان �أف�ضل وجوه الحرب مع ُدي على �أوالده� ،أُط ِلقت النار على طائر ٍة منزل في فردان� ،إعت َ «�إ�سرائيل» ،حو�صر في ٍ ٌ �صحف لبثَّ ال�شائعات حوله ،وبالتالي كان كان ي�ستقلُّها لر�أب ال�صدع الداخلي�ُ ،س ِّخرت ي�صفعهم بكلمة الحق�« :س�أبقى القلم الذي ال يغرف �إال من حبر الحقيقة مهما كانت مرة» ،و«ال �أحد يحدِّد لي دوري ،دوري مح َّد ٌد من اهلل والوطن». «�إ َّن �شرف القد�س ي�أبى �أن يتح َّرر �إال على �أيدي الم�ؤمنين ال�شرفاء». وبالتالي ،لم ن�شهد ق�ضي ًة في التاريخ َّتم الت�ستر عليها كق�ضية �إخفاء الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر و�أخويه ،الذين �أخفاهم المجرم المقبـور ُمع َّمر القذافي ،وهم �أحيا ٌء 103
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ينتظرون الأخذ بيدهم لتحريرهم من �سجنهم في ليبيا ليعودوا �إلى �ساحة جهادهم. يح�ضرني الحديث ال�شريف: «ال َعالمو َن كلهم هالكون �إال العالِمون ،والعالِمون كلهم هالكون �إال العاملِون، والعامِ لون كلهم هالكون �إال المخل�صون ،والمخل�صون لهم في خط ٍر �شديدٍ » �سيدي الإمام:
�شوقنـا لم�ضارعة فعلك و�إ َّنا لفاعلون.
104
المصادر
1 .1من ق�صيدة للدكتور ال�شيخ �أحمد الوائلي �ألقاها في م�ؤ�س�سة ال�شهدي بالل فح�ص عام .1999 2 .2وجيه كوثراني ،جبل عامل والتاريخ الطائفي اللبناني ،العرفان� ،أيلول وت�شرين �أول .1986 3 .3ال�شيخ �أحمد ر�ضا ،يوميات للتاريخ ،العرفان مجلد � 13ص .989 4 .4جبل عامل تحيط به قرى قبريخا ،مجل �سلم ،فرون ،الغندورية ،القنطرة ،فيه نبع وادي الحجير الذي ي�صب قرب ج�سر القاقعية. 5 .5محمد كوراني ،مجموعة مقاالت الم�ؤتمر الدولي لتكريم االمام �شرف الدين� ،ص .96 6 .6جهاد بنوت ،حركات الن�ضال في جبل عامل ،دار الميزان � ،1993ص .213 7 .7العرفان ،مجلد � ،،33ص ،988كلمة االمام �شرف الدين في م�ؤتمر وادي الحجير. 8 .8جهاد بنوت ،المرجع ال�سابق� ،ص .219 9 .9ال�شيخ �أحمد ر�ضا ،العرفان مجلد � ،33ص .988 1010بغية الراغبين في تاريخ �آل �شرف الدين� ،ص .660 1111وجيه كوثراني ،محا�ضرة �ألقيت في الجامعة الأميركية ،العرفان مجلد 74عدد 7 �ص .65 105
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
1212المرجـع نف�سه. 1313محمد علي حوماني ،مجلة العروبة مجلد 1عدد � 20سنة .1934 �1414أحمد ا�سماعيل ،من �أحداث 1920في جبل عامل ،العرفان مجلد � 75سنة 1987 العددان 1و .2 1515ال�سيرة والم�سيرة ،بيروت « دار بالل»63 : 1 ، 1616نف�س المرجع. 1717العدالة لن تغيب ،مركز االمام مو�سى ال�صدر للأبحاث والدرا�سات .2011 1818االمام ال�صدر هو �أول عالم دين يدر�س في الحوزة العلمية ويلتحق بجامعة ع�صرية. كتب االمام ال�صدر في علم االقت�صاد �سل�سلة محا�ضرات ن�شرها في مجلة مكتب ا�سالم وذلك قبل كتابة ال�شهيد محمد باقر ال�صدر كتاب اقت�صادنا. 1919العدالة لن تغيب ،مرجع �سابق� ،ص .12 2020نف�س المرجع . 2121م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر� ،صادر عن هيئة الرئا�سة في حركة �أمل، بيروت :دار بالل. 2222االمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين م�صلح ًا ومفكر ًا و�أديب ًا ،م�ؤتمر تكريمه، بيروت �18شباط 1992 2323يو�سف طباجة ،االمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين دوره ال�سيا�سي واالجتماعي في لبنان وال�شرق الأو�سط ،مجموعة مقاالت الم�ؤتمر الدولي لتكريم االمام �شرف الدين� ،ص .37 2424بغية الراغبين ،مرجع �سابق ،ج� 2ص .106 - 105 2525المرجع نف�سه ،ج � 2ص .112 2626المرجع نف�سه� ،ص .458 2727يو�سف طباجة ،المرجع ال�سابق� ،ص .65 106
�������
2828مجلة الهدى ،العدد � 22ص � ،1990/6/1 ،52صادرة عن المكتب الثقافي لحركة �أمل. 2929ح�سين �شرف الدين ،بحث في حياة االمام �شرف الدين ،محفوظات حركة �أمل. 3030يو�سف طباجة ،ن�ش�أة الأحزاب ال�سيا�سية في جبل عامل. 3131مقابلة مع ال�شيخ ح�سن بي�ضون بح�ضور محمد ن�صراهلل �أبو جعفر ،رئي�س الهيئة التنفيذية لحركة �أمل ونجل االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر ،ال�سيد �صدر الدين ال�صدر و�آخرين. 3232جعفر �شرف الدين ،كتاب االمام �شرف الدين م�صلح ًا ومفكر ًا و�أديب ًا� ،ص .82 - 81 3333مجلة العرفان ،م 45ج � 3ص .738 3434ر�سالة الجعفرية ،ك ،1965 2المكتب ال�صحفي في الثانوية الجعفرية في �صور. 3535م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر -توثيق الرائد المتقاعد يعقوب ظاهر -الجـزء الأول �صفحة 45وثيقة 1960/3/7 3636منبر ومحراب االمام ال�صدر (�ص . )15 3737ال�سيرة والم�سيرة -دار بالل � ،2006صادر عن هيئة الرئا�سة لحركة �أمل. 3838جريدة الحياة 6تموز .1963 3939ظاهر يعقوب -م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر ج� 1ص .342 4040ظاهر يعقوب ،م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر اال�سالم وثقافة القرن الع�شرين ج� 1ص .133 4141جريدة الديار ،يا�سر حريري ،ما وراء حدود الخطر 4242ال�سيرة والم�سيرة ،هيئة الرئا�سة في حركة �أمل ،بيروت دار بالل ،2006ج� 1ص . 217 4343الرئي�س نبيه بري ،محا�ضرة مكتوبة في ثانوية ال�شهيد م�صطفى �شمران - البي�سارية ،لكوادر حركة �أمل عام .1991 4444محفوظـات المجل�س اال�سالمي ال�شيعي الأعلى ،خطبـة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر، 107
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ت�سجيل �صوتي� / 2شباط .1974 / 4545م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر ،مجلد 4وثيقة رقم . 1974 / 3 / 18 4646جريدة النهار ،تاريخ / 5ني�سان .1974 / 4747م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر ،مجلد 4وثيقة رقم 1974/5/6 4848جريدة النهار ،1975 / 7 / 7نحفزظات المجل�س اال�سالمي ال�شيعي الأعلى. 4949من بيان ل�سماحة االمام ال�صدر في م�ؤتمر �صحفي ن�شر بتاريخ � /11أيلول1975 /في ال�صحف اللبنانية محفوظات المجل�س اال�سالمي ال�شيعي الأعلى ،ت�سجيل �صوتي. 5050ارفد IRFEDاخت�صار لبداية الكلمات الفرن�سية Institut de Recherches et de Formation En vue du Développement
5151ال�سيرة والم�سيرة ،هيئة الرئا�سة لحركة �أمل ،بيروت دار بالل 2006ج� 2ص .28 5252جريدة النهار اللبنانية 1975 / 6 / 28 5353م�صدر �سابق ،ال�سيرة والم�سيرة �ص .34 5454ال�سيرة والم�سيرة ج� 2ص .286 5555ميثاق حركة �أمل. 5656م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر ،وثيقة رقم 78 / 3/ 25 5757العدالة لن تغيب مركز االمام مو�سى ال�صدر للأبحاث والدرا�سات 2011
108
الدكتور السيد إبراهيم الموسوي الدور اإلعالمي من خالل المؤرِّخ (الشيخان سليمان ضاهر وأحمد رضا) نموذج ًا (((
على الرغم من �أنَّ علم ال�صحافة ،بما هو �أحد الفروع المعرفية البالغة الأهمية في علم الإعالم ،لم يكن في ع�شرينات القرن الما�ضي قد تط َّور وتبلور على النحو الذي نعرفه اليوم ،ف�إنَّ ما عهده الذين عا�شوا في ذلك الزمن وخبروه �إلى درجة المهنية والتمر�س الهائل والمعرفة العميقة ب�ش�ؤون اللغة وتطويعها ،جعلهم في موقع القدرة بل الريادة على �إي�صال �صورة الحدث راقي ًة وافي ًة لكل من �أراد �إلى المعرفة �سبي ًال ،و�إلى الإحاطة بحقائق الأمور ووقائعها نهج ًا.. هذا ما يتب َّدى في غاية الو�ضوح من خالل متابعة ما كتبه ال�شيخان �سليمان �ضاهر و�أحمد ر�ضا حول م�ؤتمر وادي الحجير قبل 92عام ًا� .إنَّ من يتوفر على قراء ٍة مت�أ ِّني ٍة لن�ص ال�شيخين يجد فيها كل المرتكزات والعنا�صر لتغطي ٍة �إعالمي ٍة دقيق ٍة ومو�ضوعي ٍة لمجريات الحدث الكبير. �صحي ٌح �أنَّ كتابة ٍّ كل منهما حول الحدث قد حفلت بالو�صف التف�صيلي والعبارات الإن�شائية ،غير �أنَّ ذلك ال يمكن اعتباره نق�ص ًا �أو مبالغ ًة ،لأنه كان يتفق مع ما درج عليه ((( م�س�ؤول العالقات الإعالمية في حزب اهلل.
109
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
�أهل التعبير والكتابة في ذلك الزمان. �إنَّ مراجع ًة �سريع ًة لمجموع ٍة من الأخبار التي و َّثقها ال�شيخ �أحمد ر�ضا تك�شف عن مهار ٍة عالي ٍة في ال�صياغة ،وا�ستح�ضا ٍر لأركان الخبر لناحية الإجابة عن الأ�سئلة الأ�سا�سية التي ت�ش ِّكل �أركان الخبر ،وهي :ماذا ،لماذا� ،أين ،كيف ،متى .)..بالإ�ضافة وتوجهه .و�إذا كان �إلى ا�ستخدام العبارات والم�صطلحات التي تتفق مع طبيعة الخبر ُّ ال�صحافي هو م�ؤرخ اللحظة بح�سب «�ألبير كامو» ،ف�إنَّ �شيخينا يعتبران ِمنَ الطليعيين في �إن�شاء الخبر وكتابته ،والفي�ض على نا�صيته ،والإم�ساك بلحظته والإحتفاظ بها في ِ�ص َي ٍغ ق�شيب ٍة َّ �سنوات جذاب ٍة ،فيها من الجدة والإبداع ما يجعلك تعي�ش الأحداث بعد م�ضي ٍ َ ومواقف. وم�شاهد� ،أحداث ًا طويل ٍة على حدوثها ،وك�أنها تترى �أمام ناظريك ف�صو ًال َ على �أنَّ الأهم في ما تقدم لي�س في ا�شتمال كتابة ال�شيخين على العنا�صر الفنية والتقنية التي ت�ؤدي غر�ض �إي�صال الخبر كام ًال لمن لم يكن حا�ضر ًا ،بل �إنَّ الأكثر �أهمي ًة هو في القدرة على َم َ و�ضعة الحدث في قال َبيه الزمني والمكاني وتَبي�أَته جيوبوليتيكي ًا، من خالل ا�ستنطاق الأحداث المحيطة وقراءة �سياقها ،والتطورات المحيطة في الإقليم ٍّ ككل ،بل وفي محاولة قراءة وا�ست�شراف تداعياته على الق�ضية العربية الإ�سالمية برمتها. سؤال الهوية
كامل �إلى �أنَّ �س�ؤال الهوية كان من �أكثر الأ�سئلة ومن المهم �أي�ض ًا الإ�شارة بو�ضوح ٍ ٍ طبيعي في زمن الإ�ستعمار والإنتداب، �إلحاح ًا وتمث ًال في ذه َني ال�شيخين ،وهذا �أكثر من ٍّ وا�ستعار ح َّمى الإحتالل والإ�ستعمار والإ�ضطهاد .ذلك �أن الإنتداب البريطاني في فل�سطين ،والإنتداب الفرن�سي في لبنان عمال جاهدين من �أجل طم�س الهوية العربية الإ�سالمية ،وحاوال اجتثاث جذور هذه الهوية من خالل محاوالت الفرنجة والتغريب. ففل�سفة الإحتالل الغربي للمنطقة العربية الإ�سالمية ،لم تقم على الركن المادي الفعلي فقط ،بل تعدته �إلى محاولة اختراق ن�سيج مجتمعاتنا وبنيتها الفكرية وموروثها 110
��������������������������������������������������������������������������
حمالت الح�ضاري في محاول ٍة يائ�س ٍة من �أجل الت�أثير على المنطقة وم�صيرها من خالل ٍ فكري ٍة وثقافي ٍة مبرمج ٍة. لذلك ف�إن حا�ضرة جبل عامل وبالد ال�شام زخرت في تلك المرحلة بالعديد من الن�شاطات الفكرية والثقافية التي قادها علماء الدين ،وكان من روادها ال�شيخان �سليمان �ضاهر و�أحمد ر�ضا .وكان الفت ًا جد ًا الجهد البارز لهما في التركيز على الت�أليف المتن ِّوع بما ِّ يغذي الثقافة العربية الإ�سالمية في منابعها ،وعلى ر�أ�سها مو�ضوع اللغة الذي نال ق�سطه الوافر من الإهتمام في اللغة ،نحو ًا وبالغ ًة و�أدب ًا� ،شعر ًا ونثر ًا ومعاجم. التعددية ،والحفاظ على الوحدة الوطنية:
على �أنَّ الأهم في كل ما تقدم ،وهو ما يمكن مالحظته حتى وقتنا الحا�ضر� ،أنَّ الم�ؤامرات الغربية وا�ستهدافاتها تكاد تكون هي هي منذ ذلك الزمن ،و�سبل مكافحتها والتحذير منها كانت حا�ضر ًة بقو ٍة في خطاب العلماء وقادة تلك المرحلة� ،إذ �إن الغرب حاول �أن يزرع بذور ال�شقاق والفتنة بين الم�سلمين والم�سيحيين ،ونجح في ا�ستغالل البع�ض من �ضعاف النفو�س ،فعمل ه�ؤالء على ممار�سة التعديات والتحري�ض على الفتنة الطائفية ،فكان �أن ت�صدى لهم علماء الدين ،وعلى ر�أ�سهم ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ،و�صدرت المواقف ال�شرعية وال�سيا�سية التي �أ َّكدت على التعاي�ش الإ�سالمي الم�سيحي و�ضمانة ذلك وحمايته ،وعدم تحميل الم�سيحيين تبعة ما يقوم به البع�ض ممن يتعاونون مع �سلطات الإنتداب .ومن يالحظ ال�شعارات والمواقف التي �أُط ِلقت خالل الخطب علم مدى الوعي الذي تج َّلى به علماء تلك المرحلة .ففي جزءٍ من خطبة ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين في وادي الحجير جاء«:يا فتيان المغاوير :الدين الن�صيحة� ،أال �أد ُّلكم على �أمرٍ �إن فعلتموه انت�صرتم؟ .ف ِّوتوا على الدخيل الغا�صب هلل ما �سـ َّلح فريقاً على �آخر �إال ليثير برباطة الج�أ�ش فر�صته ،و�أخمدوا فتنته ،ف�إنه وا ِ الفتنة الطائفية وي�شعل الحرب الأهلية ،حتى �إذا �صدق زعمه ،وتحقق حلمه ،ا�ستق َّر في البالد بحجة حماية الأق ِّليات. 111
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
مكان �آخر من الخطبة�« :أال و�إن الن�صارى �إخوانكم في اهلل وفي الدين وفي وفي ٍ الم�صير ،ف�أحبوا لهم ما تحبونه لأنف�سكم ،حافظوا على �أرواحهم و�أموالهم كما تحافظون على �أرواحكم و�أموالكم ،وبذلك تحبطون الم�ؤامرة ،وتخمدون الفتنة، وتط ِّبقون تعاليم دينكم ،و�سـ ّنة نبيكم». وهكذا نرى �أن الوعي ال�سيا�سي العميق بحجم الت�آمر الفرن�سي الغربي ،جعل القادة الم�سلمين ال�شيعة في تلك المرحلة متن ِّبهين �إلى خطورة ما ُيحاك �ضدهم ،فقاموا بالإجراءات الكفيلة بف�ضح تلك الم�ؤامرات و�إحباطها. ومناقب كبير ٍة .فال�شيخ لقد كان ال�شيخان الكبيران من الأوائل الذين تمتعوا بمزايا َ �أحمد ر�ضا لم يكن م�ؤ ِّرخ ًا فح�سب ،بل كان �أي�ض ًا �أديب ًا ولغوي ًا و�شاعر ًا ومفكر ًا ونا�شط ًا، وهذه جرد ٌة �سريع ٌة ب�أبرز محطات حياته ون�شاطاته و�إنجازاته: الشيخ أحمد رضا:
ولد في النبطية 1872/6/4م. 1878در�س القر�آن وفي �سنة 1880رحل �إلى �أن�صار وتع َّلم على يد العالمة ال�شيخ ح�سن �إبراهيم. •انقطع عن تلقي العلم بعد وفاة والده �سـنة ،1884لكنه تابع قراءاته ومطالعاته. فريق من �أترابه حجر الأ�سا�س لجمعية •عندما بلغ �سـن الـ 17من عمره و�ضع مع ٍ المقا�صد الخيرية الإ�سالمية في النبطية .وقد ا�ستولى الأتراك على ممتلكات الجمعية و�ألغوا رخ�صتها خالل الحرب العالمية الأولى ،ولكنه �أعاد ت�أ�سي�سها بعد الحرب. أهداف �سيا�سي ٍة، •عمل في ت�أ�سي�س محافل �أدبي ٍة وعلمي ٍة وجمعيات �سري ٍة ذات � ٍ ٍ وكان ع�ضو ًا في الجمعيات العربية ال�سرية التي كانت ت�سعى لتحرير البالد العربية من الحكم العثماني. •قدمته ال�سلطات العثمانية للمحاكمة مع ر�ضا ال�صلح وريا�ض ال�صلح وعبد الكريم الخليل)1915( .... 112
��������������������������������������������������������������������������
•�ساهم م�ساهم ًة مبا�شر ًة في الحركات بجبل عامل �سـنة .1920 ؤتمرات �سيا�سي ٍة و�أدبي ٍة منها :م�ؤتمر الوحدة ال�سورية ،م�ؤتمر م ّثل بالده في عدة م� ٍ ال�ساحل ،م�ؤتمر بلودان ،الم�ؤتمر الإ�سالمي العام في القد�س ،انتخب ع�ضو ًا فخري ًا بلجنة دار الكتب في الم�سجد الأق�صى ،و�شارك في �أعمال م�ؤتمر بيت مري الثقافي الذي عقدته جامعة الدول العربية. •في ،1920/10/18قرر المجمع العلمي بدم�شق انتخابه ع�ضو ًا فيه. •في �سنة 1930انتدبه المجمع العلمي العربي بدم�شق لت�أليف «معجم متن اللغة» مفيد. باخت�صا ٍر ٍ مؤلفاته:
•ر�سالة الخط مطبوع •هداية المتعلمين مطبوع •الدرو�س الفقهية مطبوع •رد العامي �إلى الف�صيح مطبوع •معجم متن اللغة مطبوع •معجم الو�سيط مخطوط •المعجم الموجز مخطوط •التذكرة في الأ�سماء المنتخبة المتحدثة مخطوط •كتاب الوافي بالكفاية والعمدة مخطوط •مقاالتٌ لغوي ٌة وعلمي ٌة و�أدبي ٌة و�سيا�سي ٌة وتاريخي ٌة وق�صائد �شعري ٌة في المجالت والجرائد مثل :المقتطف ـ مجلة المجمع العلمي بدم�شق ـ مجلة الكلية ـ مجلة المقتب�س ـ مجلة العرفان ـ جريدة جبل عامل (بالنبطية) وغيرها. توفي ليلة ال�سابع من تموز 1953م. 113
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر أما المؤ ِّرخ الشيخ سليمان ضاهر
•ولد في النبطية. •در�س في مدر�سة ال�سيد ح�سين يو�سف في النبطية. •من الم�ؤ�س�سين لجمعية المقا�صد الخيرية في النبطية. •ق َّدمته ال�سلطات العثمانية للمحاكمة �سـنة .1915 •ع�ض ٌو في الجمعيات ال�سـرية العربية التي كانت ت�سعى لتحرير البالد من الحكم العثماني. من منا�ضلي الإنتداب الفرن�سي بعد الحرب العامة ،وخالل قيام الحكم العربي الفي�صلي في دم�شق وال�صراع مع الفرن�سيين ارتبط وهو في النبطية بدار الإعتماد العربي في بيروت ،وله تقارير �سيا�سي ٌة مهم ٌة ،منها تقري ٌر واق ٌع في � 60صفح ًة يتعلق بجبل عاملّ ، نظمه باقتراح �صديقه ال�شاب يو�سف العظمة ،ويعتبر مجدِّ د طريقة ال�شعر في جبل عامل. مؤلفاته:
•الذخيرة مطبوع •معجم قرى جبل عامل (طبعته جمعية الإم��ام ال�صادقQلإحياء التراث العلمائي) •ديوان الأدب العاملي المن�سي مخطوط •ديوان ال�شعر مخطوط •عند جهينة الخبر اليقين مخطوط •ر�سالة في �أحوال �أبي الأ�سود الد�ؤلي •�أطروح ٌة قدمها �إلى المجمع العلمي عند انتخابه ع�ضو ًا فيه (�صلة العلم بين دم�شق وجبل عامل) •تاريخ قلعة ال�شقيف (ن�شر في مجلة العرفان). •توفي �سـنة 1398هـ. 114
الدكتور مصطفى بزي الظروف التي ساهمت في انعقاد مؤتمر الحجير (((
�إنَّ الأحداث المتالحقة التي �شهدتها منطقة جبل عامل ،خالل الأ�شهر الأولى من العام ،1920وخا�ص ًة الأحداث التي ح�صلت خالل �شهري �آذار وني�سان� ،ش َّكلت الأر�ضية الأ�سا�سية ،والقاعدة العملية للأحداث الخطيرة التي ح�صلت في فتر ٍة الحق ٍة ،بعد منت�صف ني�سان و�أوائل �أيار ،و�إنَّ المتت ِّبع لمجريات الأمور التي كانت تجري على ال�ساحة العاملية وقتها ،يالحظ �أمر ًا مهم ًا ،كان يجري وراء الكوالي�س بين الحكومتين الفرن�سية وجوهري بين القوتين الإ�ستعماريتين الدوليتين خفي ٌّ والبريطانية ،حيث كان هناك �صرا ٌع ٌّ على تقا�سم النفوذ في المنطقة ،ولأن نطاق عمل المجموعات الم�سلحة الوطنية (التي كانت ت�سمى في تلك الفترة ع�صابات ،وهي جماعاتٌ وطني ٌة م�سلح ٌة كانت تقف في وجه الفرن�سيين ،وال خير في �إطالق هذه الت�سمية عليها �أبد ًا) ،كان في المنطقة التي ت�سيطر عليها فرن�سا ،والتي �ستدخل الحق ًا �ضمن مناطق نفوذها ،ف�إنَّ بريطانيا كانت ت�س ِّهل �ضمن ًا عمل الفرق الم�سلحة العربية وتدعمها ،هذه الفرق التي كانت ت�ستهدف الم�صالح الفرن�سية ،و�أعوان الفرن�سيين والموالين لهم ،وقد بلغت م�ساعدات بريطانيا لهذه الفرق حد ال�سماح ب�إي�صال الأ�سلحة والذخائر والمد ِّربين �إليها ،كما �أنها �س َّهلت لهم عمليات َ وقت ،كما �أ َّمنت لهم الفرار من وجه الحمالت الفرن�سية ،ودخول �أر�ض الحولة ،وفي كل ٍ ومعنوي ،والمتت ِّبع لأخبار زعماء هذه المجموعات و�أفرادها، مادي في مناطقها ك َّل ٍ ٍّ عون ٍّ ((( �أ�ستاذ في الجامعة اللبنانية وباحث.
115
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
يتوجه با�ستمرا ٍر �إلى فل�سطين ،وتحديد ًا �إلى الحولة ،حين يجد �أن �صادق الحمزة كان َّ كانت تطارده ال�سلطات الفرن�سية ،وهكذا �أي�ض ًا بالن�سبة لمحمود �أحمد َب ِّزي و�أفراد مجموعته ،الذين كانوا يتخذون من بع�ض القرى الفل�سطينية ال�شمالية �أماكن تج ُّم ٍع لهم وانطالق ،وكانت �أر�ض الحولة با�ستمرا ٍر مكان ًا للجوء الفرق الم�س َّلحة ،ولم يحدث مر ًة ٍ ا�صطدام م�س َّل ٍح بين رجال هذه الفرق من جه ٍة ،والدوريات الإنكليزية على �أن ح�صل � ُّأي ٍ الحدود� ،أو داخل فل�سطين من جه ٍة �أخرى. «طبعاً �إ َّن كل هذه الممار�سات التي كان يقوم بها الإنكليز ،لم تكن تعبيراً عن قبول الإنكليز لهذه الفرق وقناعتها بها ،و�أنما كانت الغاية �ضد فرن�سا وم�صالحها في المنطقة لي�س �إال ،وال �شك �أ َّن بريطانيا �أرادت بعد الحرب تو�سيع رقعة ح�صتها الح�صة الفرن�سية ،يحدوها �إلى ذلك طم ٌع وج�ش ٌع، المق َّررة في الإتفاقيات على ح�ساب َّ ()1 تم َّثل ك ُّله في قولها لفرن�سا�«:أطلقي يدي في المو�صل �أطلق يدك في �سوريا» �إذن الم�س�ألة كانت في غاية الو�ضوح ،الم�صالح الخا�صة للدول هي التي تحدِّ د عداوات دائم ٌة ،و�إنما م�صالح دائم ٌة ،هذه �صداقات دائم ٌة ،وال بالنتيجة �سيا�ستها ،فال ٍ ٍ هي القاعدة الأ�سا�سية التي تحكم العالقات بين الدول منذ القديم وحتى اليوم ،والدالئل على ذلك ماثل ٌة �أمام الأعين� ،أما في منطقة جبل عامل ،حيث نجد الحدود اللبنانية متداخل ًة مع فل�سطين تداخ ًال وا�ضح ًا ،وخا�ص ًة بين منطقتي الجليل الأعلى والحولة، ومع �سوريا �أي�ض ًا في منطقتي الجوالن وجبل ال�شيخ ،فقد �شاءت بريطانيا �أن يكون لها جز ٌء من �أرا�ضي جبل عامل ،فت�ض ُّمه �إلى فل�سطين ،منطقة نفوذها ،وذلك قبل �صدور قرار الإنتداب ،من �أجل ذلك عملت بريطانيا على تن�شيط الحركات الع�سكرية العربية المعادية لفرن�سا في هذه المنطقة ،ف�س َّهلت بذلك العمل الع�سكري �ضد الفرن�سين ومن ي�ؤيدهم. بالمقابل ف�إنَّ فرن�سا ،كانت تخ�شى هي الأخرى على م�صالحها ،وكانت تقف لبريطانيا بالمر�صاد ،خا�ص ًة فيما يتع َّلق بمحاولتها تعديل الإتفاقيات الحا�صلة بينهما ،ولذلك ف�إنها كانت تعمل وبعجل ٍة من �أمرها ،لإ�صدار قرا ٍر في ع�صبة الأمم لتكري�س الإنتداب، مبا�شر في انت�شار الفو�ضى مبا�شر �أوغير ب�شكل ولذلك فمن الوا�ضح �أنَّ فرن�سا �ساعدت ٍ ٍ ٍ 116
�����������������������������������������
والرعب في المنطقة وداخل القرى ،وهي التي زرعت بذور الفتنة بين العامليين من ُظهر للعالم �أجمع� ،أنَّ هذه مختلف الطوائف ،وح َّر�ضتهم على �أعمال القتل والإعتداء ،لت ِ المنطقة تع ُّمها الفو�ضى والحرب الطائفية ،و�أنَّ دما ًء ُت�س َفك ،و�أبرياء ُيقتَلون ،ليكون ذلك مب ِّرر ًا لها لدخول المنطقة ،بحجة حماية المواطنين ،وح�سم الأمر قبل �أن ُيف ِلت الو�ضع من يدها ،وال َّ �شك �أنَّ ا�ستمرار هجمات المجموعات الوطنية الم�سلحة على حدود المنطقة الغربية قد «�أثارت نقمة ال�سلطة الفرن�سية على الحكومة ال�سورية وعلى مليكها ،رغم توقيعه مع كليمن�صو رئي�س الوزارة الفرن�سية الإتفاق على م�صير �سورية»(.)2 أحد ،وفي هذا ال�سياق يذكر بع�ض �إنَّ هذه الممار�سات الفرن�سية لم تكن خافي ًة على � ٍ �شاب، �أبناء منطقة مرجعيون �أنَّ فرن�سا �أح�ضرت �إلى تلك المنطقة �أكثر من مئتي ٍ و�س َّلحتهم بالقوة وقالت لهم«:عليكم الدفاع عن �أنف�سكم في وجه ال�شيعة ،الذين يريدون مقاتلتكم» ،كما �أنها لم ت�ستجب للوفود التي ذهبت من المنطقة الغربية (جبل عامل)� ،إلى �صور لمقابلة الم�س�ؤولين الع�سكريين الفرن�سيين ،طلب ًا للحماية ،وكان الجواب �أن ال قدرة للفرن�سين في ت�أمين هذه الحماية ،لأنَّ الفرن�سيين يذهبون �إلى عر�ض البحر ،تفادي ًا لهجمات الثوار ،في محاول ٍة لإقناع الم�سيحيين ب�ضرورة حماية وطائفي في مذهبي �صراع �أنف�سهم ،والدفاع عن مناطقهم ،ليكون ذلك مدخ ًال �إلى ٍّ ٍّ ٍ المنطقة ت�ستفيد منه فرن�سا ،وعلى هذا الأ�سا�س ،ف�إنَّ فرن�سا كانت م�س�ؤول ًة م�س�ؤولي ًة كامل ًة عما جرى في المنطقة من حوادث طائفي ٍة ،لأنَّ ما ح�صل ،لم يكن ليحدث لو لم حم�س فرن�سا بع�ض م�ؤيديها ،و ُت�س ِّلحهم بحجة الدفاع عن �أنف�سهم ،فقط لتوجد المب ِّرر ُت ِّ العملي لها ،لتنفيذ مخططها الذي تريده في المنطقة. هذا الواقع كان ي�ؤ ِّكده بع�ض الم�س�ؤولين الفرن�سيين �أنف�سهم ،الذين كانوا ي�ؤ ِّكدون �أنَّ الغر�ض الأهم من كل ما حدث كان الم�صلحة الفرن�سية ،قبل ِّ كل �شيءٍ . بالمقابل ف�إنَّ الحكومة الفرن�سية الر�سمية ،كانت ُتح ِّمل الحكومة العربية الم�س�ؤولية الأولى عن �أعمال المجموعات الم�سلحة ،ويظهر ذلك من كالم الجنرال غورو ،الذي يقول �إنَّ » حكومة دم�شق هي التي و�ضعت مبد�أ تنظيم الع�صابات ،وا�ستخدامها �ضد 117
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
الجنود الفرن�سيين» .ثم �أورد الجنرال ما كان يعلنه قائد الفرقة الثالثة في حلب ،يوم 13ني�سان 1920فقال« :لما كنا ال ن�ستطيع �أن نعلن الحرب ر�سمياً على الفرن�سيين، يجب �أن نملأ البالد بالع�صابات ،التي ُتجهِز عليهم تدريجياً ،و�سيقود �ضباطنا هذه الع�صابات ...و�إذا ا�ست�شهد �أحدهم ف�ستعيل الحكومة عائلته»(.)3 وحاول الجنرال غورو الت�أثير على زعماء جبل عامل ،بهدف ال�ضغط عليهم للعمل «لدفع �ش ِّر هذه الع�صابات حتى ال ي�ستغ َّلها الثائرون»( ،)4فكان جواب كامل الأ�سعد له: «�أ َّن حفظ الأمن ودفع الغارات من �أهم واجبات �أبناء هذا الجبل ،وهذا الخلق متم ِّك ٌن أ�شخا�ص من الع�صابات لي�س معناه �أ َّن البالد م�شترك ٌة معهم». منهم ،و�إ َّن وجود ب�ضعة � ٍ أسباب إنعقاد مؤتمر الحجير:
وا�ضح ،و�أنَّ قوىً م�ؤ ِّثر ًة كثير ًة مما تقدم نالحظ �أنَّ المنطقة كانت تعي�ش فترة ٍ غليان ٍ كان لها ت�أثيرها على ما يجري ،ولأنَّ الو�ضع كان حرج ًا للغاية ،فال ب َّد �أن يكون هناك ٌ موقف �صري ٌح ووا�ض ٌح تجاه جمل ٍة من الق�ضايا الأ�سا�سية ،مثل الموقف من الحركة العربية في دم�شق ،ومن مقررات الم�ؤتمر ال�سوري ،وتجاه الو�ضع الأمني في المنطقة ،وتردي خا�ص الزراعية ،لأنها الم�صدر المعي�شي الحالة العامة وخا�ص ًة الإقت�صادية، ٍ وب�شكل ٍّ الأ�سا�سي للمواطنين ،وكذلك الموقف من الإحتالل الفرن�سي الذي تم بقالب الإنتداب. تحرك لهم في المنطقة، هذه الأمور جميعها� ،ش َّكلت الأر�ضية الالزمة لحدوث ٍ يتناغم ويتما�شى مع ما كان ُي َّ خطط له في �سوريا �أي�ض ًا ،بفعل تالزم الو�ضع ال�سيا�سي بين المنطقتين وهذه م�س�أل ٌة تاريخي ٌة ،ال يمكن القفز فوقها �أو تغييبها. من هذه األمور المهمة والجوهرية:
نوايا الحكومة العربية في دم�شق
�إنَّ الحكومة العربية في دم�شق كان يه ُّمها �أن « ُتبقي لها منفذاً على البحر ،لذلك كان يهمها �أن يكون جبل عامل �ضمنها ،ومن هنا كان اهتمام حكومة دم�شق بهذه المنطقة ُّ ()5 والتركيز عليها ،ومن هنا احتمال قيام غز ٍو �سوريٍّ بقيادة علي خلقي للمنطقة»، 118
�����������������������������������������
ويذكر ال�شيخ �أحمد ر�ضا في مذكراته �أنه «وفد على كامل الأ�سعد ٌّ كل من �أحمد مريود و�أ�سعد العا�صي ،لمعرفة ر�أي جبل عامل في الثورة»)5(،وكانت الحكومة العربية ت�أمل في تر�سيخ موقف جبل عامل الم�ؤ ِّيد لها ،و�أن يكون هذا الت�أييد عملي ًا وفعلي ًا ،ومتوافق ًا مع المواقف ال�سابقة لجبل عامل� ،أثناء م�شاركته بالم�ؤتمر ال�سوري ،وموقفه المع َلن �أمام لجنة كنغ -كراين الأمريكية ،و�أثناء ذهاب الوفد العاملي �إلى �سوريا لإعالن البيعة للأمير في�صل با ُلملك ،ولذلك كان التركيز على معرفة موقف جبل عامل النهائي من م�س�ألة العالقة مع الحكومة العربية في دم�شق. والظاهر كما هو وا�ض ٌح� ،أنَّ الحكومة العربية �شعرت ب�أنه هناك بع�ض التذبذب في مواقف بع�ض الزعماء العامليين ،و�أنَّ بع�ضهم لم يكن قد ح�سم موقفه نهائي ًا من م�س�ألة العالقة مع الحكومة العربية ،خا�ص ًة و�أنَّ الفرن�سيين ،كانوا قد بنوا ج�سور ًا عديد ًة مع عدد من ه�ؤالء �إلى جانبهم، بع�ض الزعماء� ،آملين عن طريق الإغراءات ،ا�ستمالة �أكبر ٍ وكانت العالقات بين زعماء المنطقة وقادة الع�صابات الوطنية ،قد و�صلت �إلى درج ٍة ح�سا�س ٍة ،خا�ص ًة بعد �أن قويت عزيمة الع�صابات ،وا�شتد �ساعدها �ضد ال�سلطة الفرن�سية وم�ؤيديها في المنطقة ،مما جعل الزعامات العاملية تخاف على م�صيرها وم�ستقبلها، حرج ،ف�إن هي �أ َّيدت الع�صابات -رغم ًا عنها بالطبع -ف�إنَّ ذلك وت�صبح في ٍ موقف ٍ يفقدها �سيطرتها على الو�ضع في المنطقة ويغ�ضب الفرن�سيين ،خا�ص ًة و�أنَّ بع�ض الزعماء العامليين كان يدرك نتيجة ما �ست�ؤول �إليه الأمور ،و�أنَّ الفرن�سيين �سيدخلون المنطقة حتم ًا ،وهكذا بقيت العالقات بين زعماء المنطقة من جه ٍة ،وقادة الع�صابات من جه ٍة �أخرى ،غير مح�سوم ٍة تمام ًا ،وهي عر�ض ٌة للتغيير والتبدل با�ستمرارٍ ،بل و�أنَّ تناق�ض ًا وا�ضح ًا برز �أحيان ًا في هذه العالقات ،مما كان له �أث ٌر كبي ٌر في مجريات أحداث م�أ�ساوي ٍة الأحداث ،خا�ص ًة بعد م�ؤتمر الحجير ،وفي ما و�صلت �إليه الأمور من � ٍ في المنطقة(.)6 موقف السلطة الفرنسية:
ب�شكل مقابل تركيز الحكومة العربية في دم�شق على معرفة موقف جبل عامل منهاٍ ، 119
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
ب�س فيه ،كانت ال�سلطة الفرن�سية المنتدبة هي الأخرى ،تحاول انتزاع �صريح ووا�ضح ،ال ُل َ ٍ ٍ عاملي يتناق�ض مع المواقف المعروفة لجبل عامل -بت�أييده العالقة مع �سوريا موقف ٍ ٍّ موقف �آخر ي�ؤ ِّيد وجهة نظر فرن�سا ب�ضم جبل عامل �إلى لبنان وحكومتها العربية ٍ - الكبير ،لي�ش ِّكل هذا الموقف ورق ًة �ضاغط ًة على الم�ؤتمرين في �سان ريمو ،حيث �سيعقد الم�ؤتمر هناك في العا�شر من ني�سان ،1920وت�شير جريدة الب�شير �إلى �أنه» قدم الثغر وف ٌد م�ؤَّ ٌ ذات ،من وجوه وعلماء جبل عامل ،تحت رئا�سة كامل ثالث وخم�سين ٍ لف من ٍ بك الأ�سعد ،وا�ست�أذنوا لمقابلة القائد العام الجنرال غورو ،ف� ِأذن لهم وا�ستقبلهم ،وقد تك َّلم عبد الح�سين �شرف الدين ،فذكر للقائد العام ميله �إلى الدولة الفرن�سية ،و�أطرى على ما امتازت به هذه الدولة من العدالة والحرية ،وما لها من الف�ضل على الإن�سانية �إلى غير ذلك( ،)7ويقول ال�شيخ �أحمد ر�ضا ،في هذا العدد مع ِّلق ًا على زيارة هذا الوفد« :الغريب �أ َّن الذين و َّقعوا العري�ضتين (معرو�ضاً لم�ؤتمر ال�صلح في باري�س، ومعرو�ضاً للجنرال غورو ،يت�ضمن �إلحاق جبل عامل بلبنان) ،كان بع�ضهم بالأم�س القريب ،يو ِّقع على عك�سها وير�سلها بوا�سطة الأمير في�صل �إلى م�ؤتمر ال�سالم»(.)8 محاولة دخول المنطقة بالقوة
في الفترة التي ازدادت فيها �أعمال الفرق الم�س َّلحة والمناه�ضة للفرن�سيين في المنطقة ،وكثرت فيها محاوالت الفرن�سيين ال�ستمالة بع�ض الزعماء لجانبهم ،وزيادة ممار�ساتهم �ضد المناوئين وت�صاعد هجمات الثوار على الحاميات الفرن�سية ،وعلى ب�شكل القرى الم�سيحية خا�ص ًة ،ف�إنَّ ٍ ا�ستعدادات كانت تجري خارج المنطقة لدخولها ٍ وجوهري النعقاد الم�ؤتمر ،حيث تذكر جريدة الب�شير �أنه «ح�ضر مه ٌّم �سبب ِ ٌّ فعلي ،وهذا ٌ ٍّ �إلى كامل بك الأ�سعد وف ٌد من عرب البادية وحكومة ال�شام ،يطلبون منه �أن ال يتعار�ضهم �أح ٌد في احتالل منطقة ال�ساحل ،فجمع كامل بك الأ�سعد وجوه البالد والعلماء ور�ؤ�ساء الع�شائر في وادي الحجير»(.)9 وي�ؤ ِّكد ال�شيخ �أحمد ر�ضا في هذا المجال �أنَّ «حكومة دم�شق �أر�سلت موفدَين �إلى جبل عامل هما �أحمد مريود و�أ�سعد العا�صي ،بهدف مقابلة كامل بك الأ�سعد ،و�أنذراه 120
�����������������������������������������
�صريح من المو�ضوع ،ف�إما �أن يكون معنا ،فلي�ستعد للثورة ،و�إما �أن ال موقف ب�إتخاذ ٍ ٍ ب�شكل ال غبار يفعل ذلك ،فيكون علينا ،ويكون لنا وله �ش� ٌأن»( ،)10وهذا الكالم يو�ضح ٍ عليه� ،أن �شكوك ًا كانت تراود الحكومة العربية في موقف الزعماء العامليين� ،أو بع�ضهم تذبذب في على الأقل ،ومن المحتمل �أن يكون قد وردتها �أخبا ٌر �أو معلوماتٌ ،ت�شير �إلى ٍ مواقف بع�ض الزعامات ،التي تنتظر وجهة الرياح فت�سير معها ،وهذا ما ح�صل بالفعل، ف�صحي ٌح �أنَّ «جبل عامل لم يندمج في الكيان اللبناني الجديد وهذا من الناحية تم�ض فتر ٌة ق�صير ٌة� ،إال وكان الوجهاء ال�شعبية الإقت�صادية -الإجتماعية ،لكن لم ِ �أ َّول الداخلين في الدولة الجديدة ،حتى �أنهم �أظهروا في ذلك بع�ض الحما�سة مدفوعين بالطبع بدافع المناف�سة ال بدافع العقائد ال�سيا�سية ،وهكذا تقدَّم ف�ضل الف�ضل ويو�سف الزين �إلى من�صب مدير النبطية ،منذ �شهر �آب ،1920وبعد ذلك ب�شهرٍ �سعى يو�سف الزين لنيل من�صب المت�ص ِّرف في �صيدا ،وحاول ر�شيد ع�سيران �أن ُيع َّين ع�ضواً في المجل�س الإداري»(.)11 وقد �شرع معظم الوجهاء والعامليين ،ب�إظهار الم�شاعر الم�ؤ ِّيدة للفرن�سيين والإنتداب. وت�أكيد ًا على الإنذار الذي يتحدث عنه البع�ض ،يقول ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين �إنَّ » الدعوة �أتت لكامل بك الأ�سعد من قبل ر�ؤ�ساء ع�شائر الف�ضل ،عبر ر�سلهم �إليه، وكانت هذه الع�شائر ت�سكن في المنطقة ال�شرقية ،وقد حمل ه�ؤالء له ر�سائل الثورة، ويدعونه �إلى خو�ض المعركة ،ويخيرونه بين اثنتين�« :إما �أن ين�ضم �إليهم جبل عامل فيكون حرباً على فرن�سا ،و�إما �أن يعتزل ،فيكون َغ َر َ�ضاً لحربهم قبل فرن�سا ،ولم يجد هذا البلوغ ا�ستعداداً من كامل بك الأ�سعد ،لأنه لم يكن مهي�أً له ،فا�ستمهل الر�سل ،وح َّملهم �إلى �أ�صحابهم ر�سالته ،ب�أنه لي�س المنفرد بالر�أي في «عاملة» ،دون العلماء من �أولي ال�ش�أن ،ودون الزعماء الذين لهم كلمتهم ولهم �أتباعهم ،فال ُب َّد من �أَ َجلٍ ي�ضربه لميعا ٍد يجتمع فيه العلماء والوجهاء ويبحثون هذه الق�ضية ،على �ضوء التفكير والت�أمل ،وهكذا كان»(.)12 هناك من ُي ِّلطف في لهجة الطلب من جبل عامل ،وال ي�سوق الأمر ب�سياق الإنذارات، ر�سلت �إلى ٍّ وا�ضح من كل من المناطق لتعلن موقفها ،و ُتطا َلب ٍ و�إنما عبر ر�سائل �أُ ِ بتحديد ٍ 121
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
الق�ضية ،حيث ذكر �أنه و�صلت ر�سال ٌة من قائمقام حا�صبيا «محمد عز الدين الحلبي» المعظم في�صل ملكاً َّ �إلى كامل بك الأ�سعد جاء فيها «�أنه قد تق َّرر الإحتفال بملكنا على �سورية ،يوم الإثنين � 8آذار ،ف�أعلِنوا ذلك في جبل عامل ليقيموا المهرجانات وي�شتركوا في هذا الإحتفال ،برفع الأعالم العربية ذات الألوان الأربعة ،في و�سط اللون الأحمر نجم ٌة ذات �سبعة �أ�شعة»(.)13 وحول نف�س المو�ضوع ،ي�شير ال�شيخ �سليمان �ضاهر� ،إلى �أنَّ «المناداة بملكية في�صل لم َت ُرق للفرن�سيين ،فكان من ذلك رواج �سوق الدعايات من هنا وهناك ،وكانت المفاو�ضات من قبل بع�ض �أعيان وادي التيم والعرقوب ،والجوالن في �سوريا، وغيرهم ،مع كامل بك في تقرير م�صير جبل عامل ،وفي ما يجب عمله بالإتفاق مع ال�سوريين ،فتق َّرر بالإتفاق مع كامل بك الأ�سعد والوفود التي كانت تراجعه المرة بعد المرة� ،أن يعقد كامل بك الأ�سعد م�ؤتمراً عاملياً ،ي�ضم علماء جبل عامل و�أعيانه ووجهاءه وذوي الر�أي فيه»(.)14 األمن وحماية المسيحيين
أهداف �أخرى ،جعلت كامل الأ�سعد يدعو �إلى هنا ي�شير ال�شيخ �سليمان �ضاهر �إلى � ٍ عقد الم�ؤتمر ،فلأنه ال يريد �أن يتخذ موقف ًا منفرد ًا ،وهو يحر�ص على م�شاركة �أعيان البالد ،من علماء ووجهاء في ذلك ،ف�إنه دعا �إلى عقد الم�ؤتمر� ،إنما «لتقريرالم�صير �أو ًال ،ولو�ضع ح ٍّد لتعدي الع�صابات ال�شامل ،الذي ت�أ َّلم منه الم�سلم ال�شيعي قبل الم�سيحي ثانياً ،ولوقاية �إخوانهم الم�سيحيين من �شر الإعتداء ثالثاً»( .)15وهكذا يو�سع الئحة الأهداف التي من �أجلها عقد الم�ؤتمر ،وهي ف�إنَّ ال�شيخ �سليمان �ضاهرِّ ، بالتالي-وبر�أيه-الأ�سباب الأ�سا�سية لعقده ،وهذا ما برز من خالل م�ساره ونتائجه. بدوره ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ،ال ُيغ ِفل الناحية الأمنية ،التي يعتبرها �أحد الأ�سباب النعقاد الم�ؤتمر ،ويقول�«:أ�ضف �إلى هذه الحيرة �أ َّن �سيا�سة البالد الم�ضطربة كانت تدعوهم للإجتماع وللنظر في تقرير م�صيرهم ،على نح ٍو تطم ِّئن �إليه الجماعة القلقة»(.)16 122
�����������������������������������������
�إنَّ ما يلفت النظر ،وقريب ًا من ال�سياق الذي ق َّدمه ال�شيخ �سليمان �ضاهر ،في ا�ستهداف المناطق ال�شيعية مثل المناطق الم�سيحية ،ما �أورده محمد جابر �آل �صفا من اعتباره �أنَّ �أ�سباب �إنعقاد الم�ؤتمر هي «ا�ستفحال الثوار ،وا�ستياء العقالء في البالد من هذه الأحوال ،فعمل كامل بك الأ�سعد على دعوة العلماء والأعيان لعقد م�ؤتم ٍر جوهري �آخر لعقده خا�ص ًة فيما �سبب ٍّ عاملي من �أبناء ال�شيعة»( .)17دون �أن يذكر � َّأي ٍ ٍّ يتع َّلق بالإت�صاالت التي �أجرتها القيادات الوطنية في �سوريا ،وقيادات المنطقة ال�شرقية بزعماء جبل عامل ،لمعرفة الموقف النهائي في تلك الفترة. في المجال الأمني �أي�ض ًا �أ�شاع الفرن�سيون بوا�سطة م�ؤيديهم في المنطقة� ،أنَّ المق�صود من عقد هذا الم�ؤتمر التنكيل بالم�سيحيين ،ومن الوا�ضح �أنَّ هذا الأمر ي�ش ِّكل تحري�ض ًا للم�سيحيين للمجابهة والمواجهة ،وحمل ال�سالح للدفاع عن النف�س ،ويذكر ال�شيخ �أحمد ر�ضا في هذا الخ�صو�ص �أنَّ «الجنرال غورو قدَّم ال�سالح عن طريق الكولونيل «نيجر» �إلى الأهالي المتعاونين معه في عين �إبل ورمي�ش والقليعة، و�شجعهم على ا�ستفزاز جيرانهم ،و�أغراهم بالتح ِّر�ش بمواطنيهم ،ف�أخذوا بالإعتداء َّ على �أبناء ال�سبيل والفقراء من ال�شيعة ،وهم �أكثرية ال�سكان»( ،)18مما �أ َّدى �إلى ردة فعل قوي ٍة في المنطقة وح�صول الحوادث الطائفية الم�ؤ�سفة. ٍ �إنَّ ما �أُ�شيع في تلك الفترة ،وقبل انعقاد الم�ؤتمر من �أنَّ �أحد ال�سادة ا�ستخار خير ًة بال�س َّبحة لذبح الم�سيحيين وقتلهم ،كما ورد في كتاب «ملوك العرب» لأمين الريحاني(،)19 ُ مناف للحقيقة تمام ًا ،لأنه ال يوجد هناك عاق ٌل يقبل ِمثل هذه الرواية ،خا�ص ًة �أنها هو ٍ تتع َّلق ب�أحد ال�سادة المعروفين ،وهو الحري�ص كل الحر�ص على دماء الم�سيحيين في المنطقة قبل ال�شيعة ،حتى بع�ض زعماء المنطقة ،ف�إنهم كانوا حري�صين على الإبقاء على �أح�سن العالقات مع الم�سيحيين ،وحمايتهم من �أي �أذىً ،وهذا باعتراف مرا�سلة جريدة الب�شير في المنطقة ،والتي تحدثت عن الغاية من عقد الم�ؤتمر قائل ًة« :في برهة 15يوماً ،عقد �أكابر المتاولة اجتماعاً ح�ضره ر�ؤ�ساء دينهم ،وزعيمهم كامل بك الأ�سعد ،فت�شاءمنا من هذا الإجتماع ،وح�سبنا له �ألف ح�سابٍ ،و�س�ألنا عن المق�صود منه ،فكان الجواب �أ َّن غايته راحة البالد وا�ستتباب الأمن ،و�أ َّكد ذلك الحاج محمد 123
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
�سعيد بك َب ِّزي و�إخوانه ،وقالوا �إنه �إذا حدث �شي ٌء افتديناكم بالأرواح»(.)20 يظهر من خالل هذا الكالم ،ومن المعلومات التي ي�سوقها كبار ال�سن من الأ�شخا�ص عالقات ودِّي ٍة كانت تربط زعامات بنت الذين عا�شوا في تلك الفترة ،والتي ت�شير �إلى ٍ جبيل خا�ص ًة بم�سيحيي المنطقة وبزعاماتها ،وخا�ص ًة في عين �إبل ورمي�ش �ص َّدق عدواني �ضدهم. عمل التطمينات التي كانت ُتق َّدم ،وعدم وجود �أية ني ٍة مب َّيت ٍة للقيام ب�أي ٍ ٍّ هذا ويقول ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين بهذا ال�ش�أن ،وفي رده على التحري�ض المق�صود ،والذي من �ش�أنه ت�شويه �أهداف عقد الم�ؤتمر ،وحرفها عن الواقع الحقيقي، والكالم «بفتوى الجهاد «وغير ذلك�«:شاء ذيول الفرن�سيين من منافقي الأفندية والمتزعِّمين� ،أن ي�ستغلوا هذا الحدث �أ�سو�أ ا�ستغاللٍ ،فن�سبوا �إلينا فتوىً بجهاد الن�صارى ،قالوا �إنها كانت في م�ؤتمر الحجير ،وكانت دعواهم هذه تحريفاً �سيئاً يزجونه في �آذان لموقفنا الم�شهود في الحجير ،وذهبوا بهذا التحريف المز َّور ُّ دين» وفي موقفه من الأحداث التي �أعقبت الحاكمين الم�ستولين في غير ذم ٍة وال ٍ الم�ؤتمر ،واعتبر �أنها �أ�ساءت �إلى �أهدافه ،قال«:وقد كان ا�ستيا�ؤنا لهذه الكارثة (كارثة عين �إبل) عظيماً� ،أزعجنا مظهرها الفو�ضوي البربري بق�سوته التي ال تبيحها �شريعتنا المقدَّ�سة ،و�أزعجنا �أنها �أ�ساءت �إلى خطتنا التي �أعلناها في الحجير ،من المحافظة على الأمن ،والمبالغة في ت�أمين الن�صارى و�سائر الأق ِّليات ،وقد كانت هذه الكارثة من العراقيل التي �أعاقتنا من الو�صول �إلى غايتنا من الإ�ستقالل والتحرر ،وهكذا كان للم�ستعمر ما �أراده»(.)21 النتيجة األولية لعقد المؤتمر:
من خالل ما تق َّدم ،نرى �أنه كان في جبل عامل ،ع�شية انعقاد م�ؤتمر وادي الحجير، ومتذبذب ٌة في مواقفها ،وهذا ما �أ�شار زعاماتٌ �سيا�سي ٌة متناق�ض ُة الأهداف والم�صالح، ِ بو�ضوح ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ،حيث و�صف بع�ض الزعماء بالمنافقين �إليه ٍ الذين يعملون ال�ستغالل الأو�ضاع لم�صالحهم الخا�صة ال�ض ِّيقة ،وكان هناك �أي�ض ًا تيا ٌر عروبي ،تن�ضوي تحت لوائه بع�ض ال�شخ�صيات الوطنية ،وبع�ض رجال الدين ،وخا�ص ًة ٌّ 124
�����������������������������������������
ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين وم�شايخ النبطية ،وتحديد ًا ال�شيخ �أحمد ر�ضا وال�شيخ �سليمان �ضاهر وغيرهما ،ولأنَّ معظم ال�سيا�سين كانوا يحاولون �أن تبقى الكلمة الف�صل لهم ،وال�سلطة ب�أيديهم ،ف�إنهم كانوا يعملون جاهدين على جعل مواقفهم هي الحا�سمة بالأمر ،ويعتبر البع�ض «�أ َّن �صراعاً عنيفاً ن�ش�أ بين الزعماء والمف ِّكرين ،ب�سبب خوفهم على زعامتهم من الإنتقال �إلى �أولئك»(.)22 توج ٌه �أن يقت�صر دور رجال الدين على لقد كان لدى بع�ض الزعماء وال�سيا�سين ُّ الحقل الديني والتوجيه الإجتماعي فقط ،وعلى تغطية رجال ال�سيا�سة ،الذين لهم وحدهم الحق في التعاطي بالعمل ال�سيا�سي وقيادة المجتمع .المهم �أنَّ الم�ؤتمر كان بمثابة تظاهر ٍة �سيا�س ٍة كبير ٍة� ،إذ ح�ضره بالإ�ضافة �إلى كامل الأ�سعد ،الذي دعا �إلى الم�ؤتمر وتر�أَّ�سه ،عد ٌد كبي ٌر من الزعماء والعلماء والأدباء والوجهاء في جبل عامل، وكذلك زعماء الع�صابات الوطنية ،وقد ُع ِقد الم�ؤتمر في ذلك المكان بالذات لعدة أ�سباب منها: � ٍ �سيا�سي في جبل عامل ،يعني تقوية الر�صيد ال�شعبي زعيم ٍّ �أنَّ عقده في مركز ثقل �أي ٍ لهذا الزعيم ،في الوقت الذي كان فيه ال�صراع على الزعامة العاملية على �أ�شدِّ ه. زعيم� ،إذا ُع ِقد الم�ؤتمر في الإبتعاد عن الت�أثير ال�سيا�سي الذي يمكن �أن يمار�سه �أي ٍ منطقته. «�إ َّن زعماء الع�صابات هم الذين فر�ضوا عقد الم�ؤتمر في ذلك المكان ،الذي يخرج عن نطاق تواجد القوات الفرن�سية ،وقد ح�ضر من زعماء الع�صابات �صادق الحمزة فقط»( )23دون غيره من قادة الع�صابات ،وهذا يتناق�ض مع ما ي�سوقه الآخرون. من الوا�ضح �أنَّ دم�شق كانت تنتظر نتائج الم�ؤتمر وقراراته ،ومن �أجل ذلك ،تم وفد من ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ،وال�سيد عبد الح�سين نور الدين، اختيار ٍ ليذهب �إلى ال�شام ،ويلتقي هناك بع َّالمة ال�شيعة الأكبر ال�سيد مح�سن الأمين ،بهدف لقاء الملك في�صل ،والتباحث معه با�سم العامليين ،وهكذا كان ،مع العلم �أنَّ م�س�ألة اختيار الوفد وذهابه ومحادثاته �أخذت الكثير من النقا�شات. 125
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
المصادر
.1م�سعود �ضاهر«:تاريخ لبنان الإجتماعي »1926 - 1914دار الفارابي ،بيروت 1974 �ص .30 .2يو�سف الحكيم�« :سورية والعهد الفي�صلي» ط 2دار النهار للن�شر ،بيروت � 1980ص .170 .3زين نور الدين :ال�صراع الدولي في ال�شرق الأو�سط ،ووالدة دولتي �سوريا ولبنان ،دار النهار للن�شر بيروت � 1971ص .170 � .4أحمد ر�ضا« :العرفان» م 33ج� 3صفحات . 472 - 473 � .5أحمد ر�ضا «مذكرات للتاريخ » العرفان م 33ج� 8ص.858 .6منذر جابر«:م�ؤتمر الحجير و�آثاره» ر�سالة كفاءة غير من�شورة ،كلية التربية، الجامعة اللبناية بيروت .1973 )1( .7جريدة الب�شير � 7شباط � 1920ص.2 � .8أحمد ر�ضا «العرفان» م 33ج� 3ص .257 .9الب�شير 29ني�سان � 1920ص.2 � .10أحمد ر�ضا «العرفان» م 33ج� 9ص.989 .11راجع و�ضاح �شرارة«:الأمة القلقة ،العامليون والع�صبية العاملية على عتبة الدولة اللبنانية» دار النهار للن�شر بيروت 1996 126
�������
.12عبد الح�سين �شرف الدين�« :صفحات من حياتي» مجلة العهد العدد الثالث ،ني�سان ،1948ال�سنة الرابعة �ص. 7 � .13أحمد ر�ضا «العرفان» م 33ج� 3ص .733 �.14سليمان �ضاهر«:جبل عامل في الحرب الكونية» ط ،1دار المطبوعات ال�شرقية، بيروت � 1968ص.71 .15نف�س المرجع . .16عبد الح�سين �شرف الدين« :المرجع ال�سابق» �ص. 7 .17محمد جابر �آل �صفا« :تاريخ جبل عامل» دار متن اللغة ،بيروت ،ال تاريخ للن�شر �ص.227 .18نف�س المرجع� :ص 227نق ًال عن ال�شيخ �أحمد �صفا. � .19أمين الريحاني« :ملوك العرب» الجزء الثاني ط ،3مطابع دار �صادر ريحاني، بيروت � 1951ص .185 .20مرا�سل جريدة الب�شير في عين �إبل«:حوادث عين �إبل» � 18أيار � 1920ص2 وكلمنتين خياط«:حوادث عين �إبل» مجلة ال�شرق م 18ت�شرين �أول � 1920ص 722 .21عبد الح�سين �شرف الدين�« :صفحات من حياتي» مجلة المعهد ،العدد الرابع� ،آيار � 1948ص.7 .22منذر جابر« :المرجع ال�سابق» �ص.84 �.23أحمد ر�ضا« :مذكرات للتاريخ» العالفان م 33ج� 9ص ،988راجع الب�شير �أي�ض ًا 29 ني�سان � 1920ص 3لمحمد علي الحوماني في مجلة «العروبة» ر�سالة وجهها ل�سماحة ال�سيد ،عار�ض ًا فيها لموقفه في الحجير ،مراجع :المعهد ،العدد الثالث ،ني�سان .1948
127
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
الفهرس
مقدمة3..................................................................................: االفتتاحية الكلمة الترحيبية :الحاج علي الزين5...................................... كلمة الم�شرف على �أعمال الم�ؤتمر� :سماحة ال�شيخ ح�سن بغدادي9................... راعي الم�ؤتمر الدكتور غ�ضنفر ركن �آبادي 15.......................................... الجل�سة الأولى :برئا�سة ال�شيخ علي يا�سين 19...................... الموقف القومي في م�ؤتمر وادي الحجير /ال�سيد ح�سين �شرف الدين 19.................. وادي الحجير الإجتماع وال�سيا�سة ...دالالت الت�أريخ والحا�ضر /الدكتور علي فيا�ض 45.... الوحدة الإ�سالمية والوطنية �أ�سا�س الإنت�صار /الدكتور ح�سن يعقوب 49.................. دور علماء جبل عامل في مواجهة الإحتالل الفرن�سي /الدكتور مح ّمد كوراني55......... الجل�سة الثانية :برئا�سة ال�شيخ �أحمد الزين 69.................... الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر الوارث وا�ستكمال الدور /الدكتور الحاج خليل حمدان 69...... الدور الإعالمي من خالل الم�ؤ ِّرخ /الدكتور ال�سيد �إبراهيم المو�سوي 109........................ الظروف التي �ساهمت في انعقاد م�ؤتمر الحجير /الدكتور م�صطفى بزي 115............. �صور الم�ؤتمر129. ............................................... مقتطفات من ال�صحف 143..............................................................
128
صور المؤتمر
افتتاحية
129
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
130
�������������
131
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
132
�������������
الجلسة األولى
133
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
الجلسة الثانية
134
��������������
135
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
136
�����������������
على هامش المؤتمر
137
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
138
�����������������
139
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
140
�����������������
141
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر
142
����������������
مقتطفات من الصحف
143
م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر مقتطفات من الصحف
144