مؤتمر وادي الحجير

Page 1

‫جمعية الإم�����ام ال�����ص��ادق‬ ‫لإح����ي����اء ال����ت����راث ال��ع��ل��م��ائ��ي‬ ‫‪Q‬‬

‫المؤتمر الفكري‬ ‫في ذكرى مؤتمر وادي الحجير‬ ‫في ‪ 24‬نيسان ‪1920‬م‬


‫ال � � � � � � � � �ك � � � � � � � � �ت � � � � � � � ��اب‪:‬‬

‫الم�ؤتمر الفكري في ذكرى م�ؤتمر وادي الحجير‬

‫�إ� � � � � � � � � � � � � �ص� � � � � � � � � � � � ��دار‪:‬‬

‫جمعية الإمام ال�صادق ‪ Q‬لإحياء التراث العلمائي‬

‫ت� ��اري� ��خ الإ� � � �ص� � ��دار‪:‬‬

‫‪ -24‬ني�سان ‪2012 -‬م ‪ 1432 -‬هـ‬


‫المقدمة‬

‫منذ �إنطالقة م�شروع �إحياء تراث علماء ال�شيعة في لبنان‪ ,‬وفي ذاكرتنا تلك المحطة‬ ‫اال�ستثنائية التي م َّر بها جبل عامل على �أثر نهاية الحكم العثماني وقيام الإحتالل‬ ‫الفرن�سي‪ ,‬حيث عمد اال�ستعمار �إلى التحايل على �شعوب المنطقة‪ ,‬من خالل وعده‬ ‫بالإ�ستقالل والحكم الذاتي‪ ,‬و�إذا به يم ّهد لمناخ �إحتاللي ي�ستطيع من خالله �أن يم ّرر‬ ‫م�شروعه في تفتيت المنطقة و�سلب ثرواتها ومواجهة �إ�سالمها‪ ,‬من خالل دعم الحركات‬ ‫التب�شيرية المت�صهينة‪ ,‬ا ّلتي ن�ش�أت �إلى جنب الإحتالل‪ ,‬م�ستفيدة من تداعيات الحكم‬ ‫العثماني‪ ,‬وجاء الإحتالل وكل ظ ّنه �أنه لن يلتفت �إليه �أحد‪ ,‬و�أ ّنه ال ُمخ ِّل�ص والمنقذ‪ ,‬وغي َر‬ ‫ملتفت �إلى �أنّ تاريخ جبل عامل ِّ‬ ‫بكل مكوناته لن ينام على �ضيم‪ ,‬ولن يم ّر هذا الخداع‪,‬‬ ‫وبالتالي لن يكون هذا الإحتالل مرحب ًا به‪ .‬وبالفعل‪ ,‬جاء م�ؤتمر وادي الحجير ال ّذي انعقد‬ ‫في ‪/24‬ني�سان‪ ,1920/‬وبدعوة كريمة من العالمة الم�صلح ال�سيد عبد الح�سين �شرف‬ ‫الدين‪ ,‬تتويج ًا لمناخ الرف�ض الذي �ساد في جبل عامل‪ ,‬من قبول الإحتالل الفرن�سي‪,‬‬ ‫قدم‬ ‫وما حدث في مدينة النبطية‪ ,‬هو نموذج عن كل مدن وقرى جبل عامل‪ ,‬فعندما ِ‬ ‫الحاكم الع�سكري الفرن�سي الى مدينة النبطية لم يلقَ حفاوة من ال�شيعة‪� ,‬سوى من‬ ‫بع�ض العمالء من الن�صارى و�شكروه على قدومه‪ ,‬ينما وقف ال�شيخ �أحمد ر�ضا قائ ًال‪:‬‬ ‫«نحن ن�شكر فرن�سا كمح ّرر لل�شعوب وال ن�شكرها كم�ستعمر لبلدنا‪ ,‬وخ�صو�صاً � ّأن‬ ‫‪3‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫الفرن�سيين جا�ؤوا كم�شروع ال�ستمرار النهج ال�صليبي الذي كان في المنطقة»‪ .‬وهذا‬ ‫ما ع ّبر عنه ب�صراحة (الجنرال غورو) عندما �ألقى خطاب ًا في دير البلمند‪ ,‬وم ّما قاله‪:‬‬ ‫«دعوني �أ�ستعيد و�إياكم تلك الذكريات العظيمة ا ّلتي ّ‬ ‫ترف فوق هذا الدير القديم‪� ,‬أال‬ ‫وهي عمل �أبائي ال�صليبيين ال ّذي قاوم الدهر واخترق الأجيال»‪.‬‬ ‫من هنا نحن في جمعية الإمام ال�صادق لإحياء التراث العلماني وفي كل عام نحيي‬ ‫هذه الذكرى‪ ,‬من خالل التعاون مع �أحد الوجوه الثقافية والإجتماعية‪� .‬أردنا في هذا‬ ‫العام �أن نتعاون في عقد هذا الم�ؤتمر مع اتحاد بلديات جبل عامل‪ ,‬لت�سليط ال�ضوء على‬ ‫أ�س�ست لما بعدها‪ ,‬على �أمل �أن نتمكن‬ ‫هذه المحطة التاريخية‪ ,‬التي لها ما قبلها و� ّ‬ ‫�إن�شاء اهلل تعالى في كل عام وفي ذات المنا�سبة‪ ,‬من �إحياء هذه الذكرى‪ ,‬وت�سليط‬ ‫ال�ضوء بما يتالئم والمرحلة التي تعي�شها منطقتنا‪ ,‬وهنا ال بد من توجيه التحية الى‬ ‫�أبطال المقاومة الإ�سالمية الذين �أعادوا الحياة والمجد لهذا الوادي المع ّبر عن جبل‬ ‫عامل‪ ,‬وعن تلك المرحلة الع�صيبة التي م ّر بها في زمن االحتالل الفرن�سي‪ ,‬ليعود هذا‬ ‫الوادي مجدد ًا الى الواجهة من بوابة الإنت�صار الإلهي المدوي في تموز ‪2006‬م‪ ,‬على‬ ‫�أعتى الإحتالالت وهو الإحتالل الإ�سرائيلي‪ ,‬والتحية الخا�صة ل�سيد المقاومة الإ�سالمية‬ ‫�سماحة ال�سيد ح�سن ن�صر اهلل الذي برز في هذه المرحلة كالإمام ال�سيد عبد الح�سين‬ ‫�شرف الدين مر�شد المقاومة في وادي الحجير‪ ,‬وال�شكر �أي�ض ًا لك ّل الجهود التي بذلت‬ ‫أخ�ص بال�شكر رئي�س المجل�س التنفيذي في حزب اهلل‬ ‫في �سبيل نجاح هذا الم�ؤتمر‪ ،‬و� ّ‬ ‫�سماحة ال�سيد ها�شم �صفي الدين لرعايته ومواكبته لأعمالنا في �إحياء هذا التراث‪.‬‬ ‫واهلل ولي التوفيق‬ ‫ح�سن بغدادي‬ ‫م�س�ؤول �إحياء تراث علماء ال�شيعة في حزب اهلل في لبنان‬ ‫‪/24‬ني�سان‪ 2012/‬م‬

‫‪4‬‬


‫اإلفتتاحية‬ ‫(((‬ ‫كلمة ترحيبية‪ :‬الحاج علي الزين‬

‫ال�سادة العلماء الأفا�ضل‪،‬‬ ‫الأخوة (والأخوات) المحترمون الم�شاركون في الم�ؤتمر‪،‬‬ ‫�سعادة �سفير الجمهورية الإ�سالمية الإيرانية الدكتور غ�ضنفر ركن �أبادي‪،‬‬ ‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪،‬‬ ‫أرحب با�سمي وبا�سم اتحاد بلديات جبل عامل �أ�شد الترحيب‬ ‫كم ي�ش ِّرفني �أن � ِّ‬ ‫الفكري «وادي الحجير عمي ُد الإنت�صا َرين» و�أنا‬ ‫بح�ضوركم الكريم لفعاليات اللقاء‬ ‫ِّ‬ ‫أحب �أن �أ�سميه لقاء ‪ -‬م�ؤتمر وادي الحجير تي ُّمن ًا بالأ�صل الذي منه بد�أت م�سيرة وادي‬ ‫� ُّ‬ ‫الحجير في تاريخ جبل عامل‪ ،‬في مثل هذا اليوم‪..‬وقـ ـ َـف �أه ُلنا‪�..‬أهل جبل عامل الأ�شم‪..‬‬ ‫مرتفع‪ ،‬وعلى تم ُّوجات �أ�صوات �صهيل الخيول‪،‬‬ ‫وب�صوت‬ ‫وقف ًة �أبي ًة �شامخ ًة‪ ،‬ل ُيع ِلنوا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫التزامهم بخيار المقاومة في مواجهة الو�صاية والإحتالل الأجنبي‪...‬‬ ‫وقرقعة البنادق‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الطبيعي للهو َّية القومية‬ ‫ورف�ض ًا لم�شاريعه ال�سيا�سية الإ�ستعمارية‪ ..‬ول ُيث ِبتوا انت�سابهم‬ ‫َّ‬ ‫إ�سالمي العام‪ ،‬رغم الظلم‬ ‫الح�ضاري ال‬ ‫العربية وللنزْعة العروبية‪ ...‬وانتماءهم للعنوان‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الكبير الذي لحق بهم على �أيدي حكام ال�سلطنة العثمانية‪ ،‬من دون التخلي عن ح ِّبهم‬ ‫((( ‪-‬رئي�س اتحاد بلديات جبل عامل‪-‬‬

‫‪5‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫وقت لم تكن فيه الهو َّية الوطنية اللبنانية قد تبلورت ب�صور ٍة‬ ‫ووالئهم‬ ‫الوطني �أبد ًا‪ ،‬في ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫أجنبي‬ ‫م�ستقل ٍة بع ُد‪ ،‬بل كانت النزعة الوطنية �آنذاك ا�ستراتيجي ًة اعتمدها الإ�ستعمار ال ُّ‬ ‫تابع لمنظوم ٍة �سيا�سي ٍة واقت�صادي ٍة ا�ستعماري ٍة‪� ،‬أرا َد‬ ‫كيان‬ ‫(الفرن�سي) لت�أ�سي�س ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ُّ‬ ‫لبناني ٍ‬ ‫فاف المتو�سط‪ ،‬وبالمنا�سبة؛ ال يزال حلم ال�سيا�سة الخارجية الفرن�سية‬ ‫إقامتَها على ِ�ض ِ‬ ‫� َ‬ ‫اتحاد ورابط ٍة �سيا�سي ٍة واقت�صادي ٍة بين الدول‬ ‫على حاله �إلى الآن‪ ،‬في ال�سعي لإقامة ٍ‬ ‫والكيانات الواقعة على �شواطئ البحر الأبي�ض المتو�سط‪،‬وقد قر�أ ُنجباء جبل عامل‬ ‫بو�ضوح �ضد قيام هذه الكيانية اللبنانية‪ ،‬لي�س لعدم‬ ‫وثواره هذا الموقف باكر ًا‪،‬ووقفوا‬ ‫ٍ‬ ‫الوطني ‪ -‬وهم �أكث ُر من عانى من ت�سلط ال�سلطنة العثمانية‬ ‫رغبتهم بفكرة الإ�ستقالل‬ ‫ِّ‬ ‫م�شروع يقوم على تفتيت حلم الدولة‬ ‫ بل منع ًا من توظيف مظلوم َّيتهم ومعاناتهم في‬‫ٍ‬ ‫العربية الوليدة‪ ،‬وتجز�أة و�إ�ضعاف الفكرة العروبية‪.‬‬ ‫في مثل هذا اليوم من عام ‪ 1920‬وفي هذه الواحة من �ساحات جبل عامل المعطاء‪،‬‬ ‫وقف �أهلنا ّ‬ ‫جبل المقاومة والثورة والجهاد‪ ،‬جبل العزة وال�شموخ‪َ ....،‬‬ ‫ليخطوا لم�ستقبلنا‬ ‫م�سارات في ال�سيا�سة والثقافة والإجتماع‪ ،‬ال نزال نعي�ش في ظاللها �إلى زماننا الحا�ضر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لنقف نحن اليوم �أمام م�شاهدهم و�أرواحهم‪ ،‬ونر َّد التحية ب�أح�سن منها‪ ،‬ولنعلن �إكمال‬ ‫معركة الدفاع عن قيم هذا الجبل‪ ،‬ولمتابعة الم�سيرة الظافرة على هدي بو�صل ٍة تتجه‬ ‫دائم ًا نحو تحقيق الإنت�صارات‪.‬‬ ‫و�ستبقى كلمات وتوجيهات الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين وع�شرات العلماء‪،‬‬ ‫و�صيحات �صادق حمزة و�أدهم خنجر والثوار الذين ان�س ّلوا من ِّ‬ ‫حدب و�صوب‪....‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫�ستبقى �شاهد ًة على هذه المحطة الفا�صلة‪ ،‬وتلك المداوالت الحا�سمة‪ ،‬التي عقدت في‬ ‫خيام ن�صبت �أوتادها على تراب هذه الأر�ض العاملية الطاهرة التي نقف عليها الآن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لمعادالت �سيا�سي ٍة وع�سكري ٍة‬ ‫و ُبحثت في �أكنافها خياراتٌ كبرى وق�ضايا م�صيري ٌة‪�َ ،‬أر�ست‬ ‫ٍ‬ ‫وتاريخي ٍة جديدة‪ ،‬تركت ب�صماتها على م�سيرة جبل عامل وم�ستقبل البالد والعباد في‬ ‫لبنان و�سوريا وفل�سطين �إلى الآن‪.‬‬ ‫ورغم مرور اثنين وت�سعين عام ًا على انعقاد هذا الم�ؤتمر ال�شهير‪ ،‬ال يزال هذا‬ ‫‪6‬‬


‫ةيبيحرتلا ةملكلا‬

‫الثبات متوا�ص ًال في موقف �أهل هذا الجبل �إلى الآن‪،‬حتى �أ�صبح الثبات �سم ًة خا�ص ًة‬ ‫بارز ًة في �أخالقياتهم ومناقبهم ال�سيا�سية‪ ،‬وهل من باب ال�صدفة �أم �أنه ق�ضاء اهلل‬ ‫وقدره‪�،‬أن يكون وادي الحجير؛ تلك الواحة التي ُ�ض ِّمخت جنباتها بدماء المجاهدين‬ ‫ورائحة عزائمهم وعبروها ليكمنوا‪ ،‬ولير�صدوا‪ ،‬وليتم َّكنوا بعد ‪ 86‬عام ًا من تحطيم‬ ‫�أ�سطورة ال�صهيونية ‪ -‬ربيبة الإ�ستكبار الأمريكي ‪ -‬حتى تَت َّوج ذلك ن�صر ًا م�ؤ َّزر ًا في‬ ‫عدوان‬ ‫المعركة الكبرى‪ ،‬عندما ا�صطاد المجاهدون ع�شرات الدبابات ال�صهيونية في‬ ‫ِ‬ ‫تموز ‪.2006‬‬ ‫�إن م�ؤتمر وادي الحجير لي�س حدث ًا عادي ًا عابر ًا في تاريخ جبل عامل والمنطقة؛‬ ‫هو من نوع الأحداث التي يكون لها ما بعدها‪ ،‬من التداعيات والنتائج‪ ،‬بل يكاد المرء‬ ‫ي�صاب بالده�شة ل�شدة ت�شابه الأحداث ووحدة الم�سارات‪ ،‬لك�أنَّ المرء �إذا ما ا�ستعاد‬ ‫مذهل في نوعية العنا�صر والمراحل والعناوين‬ ‫�شريط الأحداث يكاد �أن ي�شعر‬ ‫بتطابق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وال�شعارات‪ ،‬في لحظتين تاريخيتين فا�صلتين‪ ،‬ما �أ�شبه الأم�س باليوم ! بل ما �أ�شبه اليوم‬ ‫بالأم�س‪.‬‬ ‫ألف‬ ‫واليوم‪ ،‬لو �أجرينا مقارن ًة �سريع ًة على الم�شهدين ‪ -‬م�شهد الحجير عام ‪ٍ � 1920‬‬ ‫وت�سع مئ ٍة وع�شرين‪ ،‬وم�شهد لبنان عام �ألفين واثني ع�شر ‪ -2012‬ود َّققنا في ركائز‬ ‫الهجوم الأميركي وال�صهيوني على المقاومة ونهجها و�سالحها‪ ،‬ونوعية الم�شاريع‬ ‫والقرارات الدولية التي ِحي َكت وتحاك �ضدها‪ ،‬وطبيعة الأ�ساليب الإعالمية التي ُيعمل‬ ‫تقارب يكاد يالم�س‬ ‫عليها في �سبيل �ضرب و�إخماد ُ�شعلة المقاومة‪ ،‬لوجدنا �أنف�سنا �أمام ٍ‬ ‫اختالف في الأ�سماء والأ�شخا�ص والوجوه والكيفيات لي�س �أكثر‪.‬‬ ‫التطابق‪ ،‬مع‬ ‫ٍ‬ ‫�إنَّ هذا ال�شعور بوجود خيوط وخطوط الإت�صال والتوا�صل بين تلك المرحلة وتلك‬ ‫اللحظة‪ ،‬وبين هذه المرحلة وهذه اللحظة التي نعاي�شها الآن‪ ،‬هو ما ح َّرك ودفع �إلى عقد‬ ‫هذا الم�ؤتمر في هذه اللحظة التاريخية‪ ،‬وفي هذا المكان نف�سه‪ ،‬وهو ما �أ�ضفى على‬ ‫لقائنا الفكري هذا «م�ؤتمر وادي الحجير» �أهمي ًة كبرى وقيم ًة خا�صة ولهذا‪ِّ ،‬‬ ‫ولكل ما‬ ‫�سبق‪ ،‬و�شعور ًا ب ِث َقل هذه الم�س�ؤولية‪� ،‬أُعلن با�سم اتحاد بلديات جبل عامل عن التفكير‬ ‫‪7‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫و�سياحي‪ ،‬يحكي ق�صة هذه البقعة‬ ‫وتراثي‬ ‫جهادي‬ ‫الجدِّ ي بم�شروع �إقامة وت�شييد َمع َل ٍم‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫المباركة وحياتها الن�ضالية والجهادية من وادي الحجير حتى الملحمة الكبرى في‬ ‫مجزرة الدبابات عام �ألفين و�ستة‪ ،‬ويرويها للأجيال القادمة‪ ،‬ويليق بقد�سية هذا المكان‬ ‫ويج�سد جمال المكان كمنطق ِة‬ ‫وتاريخه ال ُم�شرق‪ ،‬ومناقبية وت�ضحيات �أبنائه الأعزاء‪ِّ ،‬‬ ‫وقيم �أبناء جبل عامل في‬ ‫الغني بالمواقف‪َ ،‬‬ ‫�سياح ٍة خ�صبة‪ ،‬وتاريخ المنطقة وتراثها َّ‬ ‫الثبات وال�شموخ والمقاومة‪.‬‬ ‫و�أخير ًا‪� ،‬أترك لأ�ساتذتنا وعلمائنا و�ضيوفنا الأجال ِء منبر الكالم‪ ،‬و�أجدِّ د ال�شكر‬ ‫أخ�ص بال�شكر الجهة المنظمة لهذا الم�ؤتمر جمعية‬ ‫والترحيب ب�ضيوفنا الكرام‪ ،‬و� ّ‬ ‫الإمام ال�صادق‪Q‬لإحياء التراث العلمائي‪ ،‬ب�شخ�ص الم�شرف عليها ع�ضو‬ ‫المجل�س المركزي في حزب اهلل �سماحة ال�شيخ ح�سن بغدادي‪ ،‬و�آخر دعوانا �أن الحمد‬ ‫هلل رب العالمين‪ ،‬وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫كلمة سماحة الشيخ حسن بغدادي‬

‫(((‬

‫راعـي م�ؤتمرنا �سـعـادة �سـفيـر الجمهـوريـة الإ�سـالميـة فـي بـيـروت الأخ الـعـزيـز‬ ‫الدكـتـور غـ�ضنفـر ركـن �أبـادي‪...‬‬ ‫أيها الحفل الكريم‪:‬‬

‫فـي الذكـرى الثانيـة والت�سعيـن على م�ؤتمر وادي الحجـيـر الـذي انعقـد نـهـار ال�سبـت‬ ‫فـي‪ - 24‬ني�سـان ‪1920 -‬م‪ ،‬وبرعايـ ٍة م�س�ؤولـ ٍة مـن ذلـك القـائـد الفـذ‪ ،‬الذي كـان يتطلـع‬ ‫بنـور الب�صـر والب�صيـرة �إلـى مـا فيـه م�صلحـة هـذه الأمـة‪.‬‬ ‫كيـف ال يكـون كـذلك‪ ،‬و�سلوكـه ونمـط تفكيـره‪ ،‬وال�شهـادات التـي �صدرت بحقـه من‬ ‫كبار الفقهـاء فـي النجـف الأ�شرف كـال�شيـخ الأخونـد وال�شيـخ طـه نجـف‪ ،‬بمجموعـها‬ ‫تد ّلل علـى مكانتـه العلميـة والإجتماعيـة وال�سيا�سيـة‪ ،‬و�أن الرا ّد عليـه را ٌّد علـى اهلل تعالـى‪،‬‬ ‫وهـو علـى حـدِّ ال�شـرك باهلل عـز وجـل‪.‬‬ ‫قـرر الإمام �شرف الدين تـرك بلدتـه الجميلـة (�شحور) التي �سكـن فيهـا بعـد عودتـه‬ ‫مـن النجــف الأ�شرف‪ ،‬وتوجه نحـو مدينـة �صور‪ ،‬لأجـل بنـاء مدينـ ٍة ُت�ش ّكـل عنوانـ ًا جامعـ ًا‪،‬‬ ‫((( ع�ضو المجل�س المركزي في حزب اهلل والم�شرف على م�ؤتمر وادي الحجير‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫يجتمـع حولـه النـا�س مـن كافـة القـرى‪ ،‬لرف�ض فكـر ٍة �أو للمطالبـة بح ٍـق‪.‬‬ ‫وهـذا مـا ظهـر في مواجهـة تداعيـات الحكـم العثمانـي‪ ،‬فبعـد الـحـرب العـالميـةالأولـى‬ ‫ـ ‪1914‬م‪ ،‬ا�ست�شعـر قائـد منطقـة �سوريـا ولبنـان وفل�سطيـن ال�سفـاح (جمال با�شا)‪َ ،‬مـي ًال‬ ‫مـن ِقبـَل النـا�س نحـو الحـريـة‪ ،‬فعمـد �إلـى �أخـذ الرجـال �إلـى الحـرب‪ ،‬ون�صـب المـ�شانـق‪،‬‬ ‫حتـى جـاع النـا�س ومـات البعـ�ض فـي الطرقـات‪.‬‬ ‫هنـا �أ�صدر ال�سيـد �شرف الـدين فتـوى تلـزم المـي�سـوريـن �شـرع ًا‪ ،‬بـوجـوب المبـادرة‬ ‫إذن من �أحد‪� ،‬أو التمييز في �أ�صناف هذه‬ ‫�إلـى �إخراج �أخما�سهم وزكواتهم‪ ،‬من دون � ٍ‬ ‫الم�ستحقة‪ ،‬و�صرفها على الم�ستحقين فور ًا‪ ،‬و�ش َّكل �سماحته لجن ًة من القرى كي ت�ساعد‬ ‫ه�ؤالء في �صرف الم�ستحقات على المحتاجين‪ ،‬بما ي�ضمن �إي�صال الحق �إلى �أهله‪.‬‬ ‫كما وقف الإمام �شرف الدين مع �أخيه الفقيه الكبير ال�شيخ ح�سين مغنية في مواجهة‬ ‫اللجنة التح�ضيرية الأمريكية التي جاءت �إلى جنوب لبنان‪ ،‬للإطالع على مزاج النا�س‬ ‫في جبل عامل‪ ،‬هل هم مع �إقامة دول ٍة م�ستقل ٍة �أم‪ ...‬الخ‬ ‫قاطع‬ ‫وهنا نجد �أن ال�سيد �شرف الدين ومعه �سماحة ال�شيخ مغنية قد رف�ضا ٍ‬ ‫ب�شكل ٍ‬ ‫نوع من �أنواع الو�صاية الأجنبية‪ ،‬و� َّأي تجزئ ٍة للبالد العربية‪ ،‬و�أ َّية م�ساعد ٍة مالية ٍكونها‬ ‫� َّأي ٍ‬ ‫تو�صل للو�صاية‪.‬‬ ‫بغ�ضب‬ ‫كذلك واجه الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪ ،‬مع �أهالي جبل عامل‬ ‫ٍ‬ ‫حد بات المحت ُّل‬ ‫عام‪ ،‬قيام الإحتالل الفرن�سي‪ ،‬وتفاقمت الأو�ضاع في جبل عامل �إلى ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫الفرن�سي يعمل على توتير الأجواء من خالل عمالئه من الم�سيحيين‪ ،‬للو�صول �إلى فتن ٍة‬ ‫ُّ‬ ‫كبرى ت�شمل كل الوجود الم�سيحي والإ�سالمي في لبنان‪ ،‬يكون الرابح الوحيد في هذه‬ ‫الفتنة هو الإحتالل الفرن�سي‪ ،‬وتنزلق المقاومة في وحول الفتن الداخلية والمهاترات‪،‬‬ ‫وبهذا تت�شتَّت المقاومة وتنتهي‪.‬‬ ‫في هذا المناخ العا�صف كان الزعيم ال�سيا�سي كامل الأ�سعد يعي�ش م�أزق ًا‪ ،‬نتيجة‬ ‫الأو�ضاع المتردية‪ ،‬وكانت الع�شائر في المنطقة ال�شرقية على حد تعبير ال�سيد �شرف‬ ‫الدين‪ ،‬تطالبه بتحديد موقفه مما يجري‪ ،‬هل هو مع مطالبة �أهالي جبل عامل ب�ضم هذا‬ ‫‪10‬‬


‫ةمظنملا ةهجلا ةملك‬

‫الجبل �إلى �سوريا الكبرى‪� ،‬أم مع بقاء جبل عامل تحت الإحتالل الفرن�سي‪ ،‬وهنا �إذا جاء‬ ‫جواب الأ�سعد �أنه مع �سوريا الكبرى‪ ،‬فهذا يلزم �أن يعادي الإحتالل والعمالء‪ ،‬و�إن رف�ض‬ ‫فعليه �أن َّ‬ ‫لعقاب من المقاومة‪ ،‬فكان المخرج له من هذا الم�أزق هو التفاهم مع‬ ‫يتح�ضر ٍ‬ ‫ؤتمر ُيخرج البالد من هذا الم�أزق‪ ،‬كما يخرج‬ ‫الإمام �شرف الدين‪ ،‬بالذهاب �إلى عقد م� ٍ‬ ‫معه الزعيم الأ�سعد من م�أزقه‪.‬‬ ‫عام ي�ضم ك َّل الفعاليات الدينية‬ ‫وبالفعل تم الإتفاق على الذهاب لعقد م� ٍ‬ ‫ؤتمر ٍّ‬ ‫بمقررات تنقذ البالد من م�أزقها وذلك في‬ ‫وال�سيا�سية والإجتماعية للت�شاور‪ ،‬والخروج‬ ‫ٍ‬ ‫‪ 24‬ـ ني�سان ـ ‪1920‬م‪ ،‬ولكن خلفية ال�س ّيد �شرف الدين للدعوة للم�ؤتمر تختلف عن‬ ‫خلفية كامل الأ�سعد‪ ،‬وبعد حوا ٍر حول المكان‪ّ ،‬تم التفاهم على �أن يكون الم�ؤتمر في وادي‬ ‫الحجير‪ ،‬للإعتبارات التالية‪:‬‬ ‫�أ‪-‬كونه يقع و�سط البالد ويربط الجنوب بال�شمال‪.‬‬ ‫قريب من ف�صل ال�صيف والنا�س يحتاجون �إلى الماء‪ ،‬ومنطقة‬ ‫ب‪�-‬شهر ني�سان ٌ‬ ‫الحجير فيها ينابي ُع ونه ٌر وكثاف ُة �أ�شجار‪ ،‬ومطاحن وهو المكان المنا�سب لهذا‬ ‫الجمع‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الإعتبار الثالث وهو الأهم الإعتبار الأمني ـ وخ�صو�ص ًا �أن قادة المقاومة ك�أدهم‬ ‫مكان‬ ‫خنجر و�صادق حمزة‪� ،‬سيح�ضرون هذا الإجتماع‪ ،‬وبالتالي يحتاجون �إلى ٍ‬ ‫ي� ِّؤمن حمايتهم من الإحتالل وعمالئه‪.‬‬ ‫عام من خالل‬ ‫لقد ا�ستطاع الإمام �شرف الدين �أن يح ّول هذا الم�ؤتمر �إلى ا�ستفتاءٍ ٍّ‬ ‫خطاب �ش َّكل منعطف ًا مهم ًا في تاريخ جبل عامل‪ ،‬وع ّبر عن الإن�سجام التام بين القاعدة‬ ‫ٍ‬ ‫واجتماعي للمقاومة‬ ‫و�سيا�سي‬ ‫�شرعي‬ ‫والقيادة‪ ،‬كما تمكن هذا الم�ؤتمر من تقديم غطاءٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫الم�سلحة‪� ،‬ض ّد الإحتالل الفرن�سي‪ ،‬ولع َّل هذه النقطة هي نقطة الخالف والإفتراق مع‬ ‫الزعيم ال�سيا�سي‪ ،‬الذي �أزعجه ح�ضور قادة المقاومة‪ ،‬معتبر ًا ح�ضورهم ي�أخذ الم�ؤتمر‬ ‫مختلف عما �أراده‪.‬‬ ‫مكان‬ ‫�إلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خطاب �ألقاه الإمام �شرف الدين في ذلك الح�شد الكبير الذي يع ّبر عنه ال�سيد‬ ‫وبعد‬ ‫ٍ‬ ‫‪11‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫�شرف الدين (لقد َج َلج َل الوادي)‪ ،‬وخ�صو�ص ًا عندما �أط َّل هذا المارد عليهم‪ ،‬بد�أت‬ ‫الهتافات وال�شعارات‪ ،‬و�إطالق النار الكثيف‪ ،‬وهنا كان ال ب َّد من �أن ي�ستثمر �سماح ُة‬ ‫ال�سيد هذا الح�ضو َر الهائل‪ ،‬والحما�س ليتحدث �إليهم بما فيه م�صلح ٌة لهم ولبالدهم‪،‬‬ ‫وبتقديري كان الم�ؤتمر عبار ًة عن نف�س هذا الح�ضور وخطاب �سماحة ال�سيد �شرف‬ ‫الدين بهم‪ ،‬ال�ستنها�ض الهمم‪ ،‬وتحميلهم م�س�ؤولية مواجهة الإحتالل‪ ،‬وحرمة الإنزالق‬ ‫باتجاه الفتنة الداخلية‪.‬‬ ‫وبعد الإنتهاء من الخطاب‪ ،‬وكما يع ّبر �سماحة ال�سيد �شرف الدين في كتابه (بغية‬ ‫الراغبين) �أ َّنه ان�ضم �إلى خيمة العلماء‪ ،‬والزعماء‪ ،‬والأعيان‪ ،‬للت�شاور والوقوف على ما‬ ‫يلزم الذهاب باتجاهه‪.‬‬ ‫وبعد الت�شاور مع العلماء والأعيان خرج الم�ؤتمر بالمقررات التالية‪:‬‬ ‫�أ ‪ -‬عدم الإنزالق نحو الفتنة الداخلية‬ ‫ب ‪ -‬رف�ض الإحتالل والهيمنة‬ ‫ج ‪ -‬المطالبة ب�ضم جبل عامل �إلى �سوريا الكبرى‬ ‫د ‪ -‬ت�شكيل لجنة من الحا�ضرين تذهب �إلى �سوريا للقاء الملك في�صل‪.‬‬ ‫لمر�ض كال�شيخ مغنية‪� ،‬أو‬ ‫وقد اعتذر �أكثر الحا�ضرين عن الم�شاركة بهذه اللجنة‪� ،‬إما ٍ‬ ‫لهرم ٍكال�شيخ مو�سى قبالن‪ ،‬و�إن كان بتقديري ال�شخ�صي‪ ،‬الأكثرية خافت من الإن�ضمام‬ ‫�إلى هذه اللجنة‪ ،‬فالإحتالل كان ال يزال جاثم ًا‪ ،‬وهو قاد ٌر على العقاب‪ ،‬وبالفعل هذا‬ ‫ما حدث مع ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين عندما حرق داره ونهب مكتبه في �صور‪،‬‬ ‫ومع ال�سيد عبد الح�سين نور الدين كذلك‪ ،‬وقد هربا �إلى خارج البالد ـ �إلى فل�سطين‪،‬‬ ‫عقاب لوال هذه اللجنة التي ت�شكلت من‬ ‫وكان من الممكن �أن يم ّر هذا الم�ؤتمر من دون ٍ‬ ‫ال�سيدين عبد الح�سين �شرف الدين‪ ،‬وعبد الح�سين نور الدين‪ ،‬وان�ضم �إليهما في �سوريا‬ ‫ال�سيد مح�سن الأمين‪.‬‬ ‫في الختام‬

‫�أيـها الـ�سـادة مـا �أ�شـبـه الـيوم بالبـارحـة‪ ،‬فـهنـاك فـي لـبنـان مـن يـتـ�آمـر عـلـى المقاومـة‬ ‫وعلـى �سـالحـها‪ ،‬ويتـهمـهـا بمـا فعلتـه وبمـا لـم تفعلـه‪ ،‬وبمـا فعلـه الآخـرون‪ ،‬و�أنـا �أ�ستعيـر‬ ‫‪12‬‬


‫ةمظنملا ةهجلا ةملك‬

‫هـذه الجملـة مـن �سمـاحـة الإمام ال�سيـد مو�سـى ال�صدر عندمـا قـال‪« :‬ا ُّتـهمنا بمـا عملنـا‪،‬‬ ‫ـادم يحمـل‬ ‫وبمـا لـم نعمـل‪ ،‬وبمـا فعلـه الآخـرون»‪ ،‬مم ِّنيـ ًا هذا الفـريقُ النف َـ�س بحل ٍـم ق ٍ‬ ‫ـالم التـغيير فـي المنطقـة لم�صلحـة العـدوين الأمريكـي والإ�سرائيلـي‪ ،‬ونقـول لـه‬ ‫معـه �أح َ‬ ‫هيهـاتَ �أن يتح َّقـق مـا تحلمـون بـه‪ ،‬فلبنـان كـان عـ�صي ًا عندما كـان عودنا طر َّي ًا‪ ،‬فكيف‬ ‫اليـوم وقـد غدا �أطفالنا عمالقة‪ ،‬ومقاومتنا باتت تطال ُ‬ ‫بيارق بنادقها عنانَ ال�سماء‪،‬‬ ‫�أقلعوا عن حلمكم وعودوا �إلـى ر�شدكـم‪.‬‬ ‫و�إذا كـان وادي الحجير ممر ًا للحرية والمقاومة في ني�سان ـ ‪1920‬م‪ ،‬فهو اليوم‬ ‫�أكثر حري ًة ومقاومة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا بعد الإنت�صار المد ّوي في تموز ـ ‪2006‬م‪ ،‬عندما د َّمر‬ ‫�أبنا�ؤكم في المقاومة جبروتَ هذا العدو‪ ،‬و�إذا كانت الم�ؤامرة قد ف�شلت من بوابة‬ ‫الحجير ‪2006‬م‪ ،‬ف�سوف تف�شل حتم ًا من بوابة دم�شق‪ ،‬وعلى جماعة �أمريكا �أن يقبلوا‬ ‫هذه الحقيقة‪ .‬بتحقيق �شرق �أو�سط جديد‪ ،‬يقوم على حماية الأمن الإ�سرائيلي‪ ،‬وم�سك‬ ‫منابع النفط‪ ،‬وتفتيت المنطقة‪ ،‬ومواجهة الم ّد الأ�صولي‪.‬‬ ‫�أ�شكر ح�ضو َر راعي الم�ؤتمر الدكتور غ�ضنفر ركن �أبادي‪ ،‬كما �أ�شكر ال�ساد َة العلماء‪،‬‬ ‫و� َآل �شرف الدين الم�شاركين‪ ،‬وفي مقدمتهم �سماحة العالمة ال�سيد عبد اهلل نجل الإمام‬ ‫�شرف الدين‪ ،‬كما �أ�شكر رئي�س كتلة الوفاء للمقاومة النائب الحاج محمد رعد‪ ،‬وال�سادة‬ ‫النواب‪ ،‬كما �أ�شكر رئي�س المكتب ال�سيا�سي في حركة �أمل الحاج جميل حايك‪ ،‬وع�ضو‬ ‫هيئة الرئا�سة في حركة �أمل الحاج د‪ .‬خليل حمدان‪ ،‬والمنطقة الأولى في حزب اهلل‪،‬‬ ‫التي �ساهمت في نجاح هذا الم�ؤتمر‪ ،‬و�أخ�ص م‪ .‬المنطقة الأخ ال�سيد �أحمد �صفي الدين‪،‬‬ ‫خا�ص التحاد بلديات جبل عامل ب�شخ�ص رئي�سها الأخ الحاج علي الزين‪،‬‬ ‫�شكر ٍ‬ ‫وال ب َّد من ٍ‬ ‫وبلدية القنطرة ب�شخ�ص رئي�سها الأخ الحاج عبد الحميد الغازي‪ ،‬على تعاونهم معنا‬ ‫ب�شكل يليق‬ ‫في �إقامة هذا الم�ؤتمر‪ ،‬وبذلهم لكل الجهود في �سبيل �إحياء هذه المنا�سبة‪ٍ ،‬‬ ‫ب�صاحب الذكرى‪ ،‬كما �أ�شكر كل الفعاليات وال�سادة الح�ضور والإعالميين‪.‬‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪13‬‬


14


‫راعي المؤتمر‬ ‫(((‬ ‫الدكتور غضنفر ركن آبادي‬

‫وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف الخلق و�سيد المر�سلين النبي الم�صطفى محمد وعلى‬ ‫�آله الطيبين الطاهرين المع�صومين و�أ�صحابه المنتجبين‬ ‫السادة الكرام‪:‬‬

‫ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪...‬‬ ‫بداي ًة �أحييكم و�أحيي البادر َة الطيب َة لجمعية الإمام ال�صادق ‪ Q‬لإحياء التراث‬ ‫العلمائي ب�شخ�ص الم�شرف على �أعمالها �سماحة المجاهد ال�شيخ ح�سن بغدادي ع�ضو‬ ‫المجل�س المركزي في حزب اهلل واتحاد بلديات جبل عامل في �إيقاد ال�شعلة العاملية‬ ‫ً‬ ‫تاريخا وتراث ًا وتكريم ًا للجهود والت�ضحيات التي ُبذلت في �سبيل تحرير الأر�ض واالن�سان‪.‬‬ ‫فلكل زمن ٍ رجاالته‪ ...‬حيث ترت�سم على كل �أفق ٍ من �آفاق العالم اال�سالمي �أ�سما ٌء‬ ‫وعبقريات رفعتهم �إلى الأوج الأعلى من‬ ‫بمواهب‬ ‫لرجال معدودين امتازوا‬ ‫معدود ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫�آفاقهم؛ ف�إذا �أ�سما�ؤهم كالنجوم الالمعة التي تتلألأ في ال�سماء‪ ،‬فكان لهم من نبوغهم‬ ‫النادر ما يجعلهم � ً‬ ‫أفذاذا في دنيا الإ�سالم وقدو ًة ت�ش ِّكل مثا ًال خال ًقا حر ّي ًا ب�أن يحتذى‬ ‫((( �سعادة �سفير الجمهورية الإ�سالمية‬

‫‪15‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫من قبل الجميع‪ ...‬وفي الذكرى الثانية والت�سعين النعقاد م�ؤتمر وادي الحجير‪ ،‬ال ي�سعنا‬ ‫� اّإل �أن نذكر علم ًا من �أعالم الدين‪ ،‬هو العالمة المجاهد ال�سيد عبد الح�سين �شرف‬ ‫الدين‪...‬الذي كان الحار�س الأمين لحقائق الإ�سالم وم�صالح الم�سلمين؛ وهو العالم‬ ‫الرباني الذي ات�سم بالوعي والحكمة‪ ،‬ولم يترك منا�سب ًة � اّإل وتق َّدم لإلقاء التعاليم‬ ‫الإ�سالمية والإن�سانية‪ ،‬والمناقب الخلقية على قومه و�أتباعه حيث قرن من خاللها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وهمومهم وتطلعاتهم حتى حقق‬ ‫م�شكالت النا�س‬ ‫ولم�س‬ ‫المثال بالواقع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫والقول بالعمل َ‬ ‫الح�ضور الإجتماعي والجماهيري‪ ،‬وباتت حياته ال�شريفة تزخر بهذا النوع من الح�ضور‬ ‫الملتزم الجاد‪ ،‬ومن الم�شاركة الفعلية في م�سيرة مجتمعه‪ ،‬و�أ�صبحت حياته عبار ًة عن‬ ‫�صفحات متنوع ٍة من التفاعل مع النا�س‪ ،‬وال�سهر على �ش�ؤونهم الإجتماعية والدينية‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف‬ ‫وال�سيا�سية حتى ا�ستوطن بذلك قلوبهم و�أ�صبح قائدً ا لهم‪ ،‬وحمل الراية في‬ ‫ٍ‬ ‫�سيا�سي ٍة وم�صيري ٍة �صعب ٍة جدً ا‪.‬‬ ‫أثيرات حاد ٍة‪ ،‬نتجت عن لعبة التجاذب‬ ‫فطوال ٍ‬ ‫قرون ما�ضي ٍة‪ ،‬تع َّر�ض لبنان لت� ٍ‬ ‫م�ست‬ ‫ما بين القوى ال�سيا�سية الكبرى في العالم‪ ،‬و�أ َّدت �إلى‬ ‫ٍ‬ ‫تغييرات متوالي ٍة َّ‬ ‫حدوده وكيانه‪ ،‬وو�ضعته تحت �سيطرة الحكم الع�سكري الفرن�سي‪ .‬وهنا لم يقت�صر‬ ‫دور �سماحته على التبليغ وال�ش�ؤون الإجتماعية فح�سب‪ ،‬بل امتد �إلى الن�ضال �ضد‬ ‫الإ�ستعمار في العهد التركي �أوال‪ ً ،‬ثم العهد الفرن�سي‪ ،‬وبعدها في �أيام الإ�ستقالل‪...‬‬ ‫وكان ن�ضاله امتداد ًا لحركات التحرير‪ ،‬وارتقا ًء بها نحو كل ما يحقق العدل والحرية‬ ‫ِّ‬ ‫وتع�سفه وظلمه‪ ،‬و�شرع يعقد‬ ‫ويوطد الأمن‪ ،‬وقد �أخذ �سماحته ين ِّبه �إلى الإحتالل ّ‬ ‫الإجتماعات مع من كان يثق بهم ويتو�سم فيهم النجدة وال�شهامة والوطنية‪ ،‬مح ِّفز ًا‬ ‫َ‬ ‫مواقف وطني ٍة م�ش ِّرف ٍة‪ .‬وال �شك �أن الطبقة الروحية‬ ‫هممهم �إلى ما يرجوه للوطن من‬ ‫هي �أول من تط َّوع لأداء هذا الواجب وقد ر�أى �سماحته �أن يبد�أ بهم‪ ،‬فت�شاور مع‬ ‫عام ُع ِقد في وادي‬ ‫موحد ٍة ي�سير عليها الجميع‪ ،‬ودعاهم �إلى م� ٍ‬ ‫ؤتمر ٍّ‬ ‫العلماء على خط ٍة َّ‬ ‫الحجير‪ ،‬وكان هذا الإجتماع الحافل والأهم‪ ،‬حيث ح�ضره وجهاء وثوار جبل عامل‬ ‫في ني�سان ‪ .1920‬انعقد الم�ؤتمر وكان الهدف منه �إطالق المقاومة �ضد الإ�ستعمار‬ ‫‪16‬‬


‫كلمة راعي الم�ؤتمر‬

‫وتق�سيم الوطن العربي‪ ،‬ودعم ًا للحكم العربي الوطني‪ ،‬وقد �ألقى �سماحته خطب ًة كانت‬ ‫مقاوم حيث و�ضع برنامج المقاومة و�ضوابطه داعي ًا �إلى‬ ‫تاريخي‬ ‫�سيا�سي‬ ‫بيان‬ ‫بمثابة ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫الوحدة الوطنية واحترام الطوائف‪ .‬كل هذه الن�ضاالت ال�سيا�سية والإجتماعية التي‬ ‫خا�ضها ال�سيد �شرف الدين قد َّ‬ ‫�سطرت المالحم الجهادية �ضد الأعمال العدائية‬ ‫التي ا�ضطلع الغرب بها‪ ،‬و�ضد المطامع الم�ش�ؤومة التي حكمت حركته وامتداده‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إلى قطع دابر العمالء والخونة‪ .‬وقد كانت البالد الإ�سالمية الم�سرح الذي‬ ‫�شهد ُج َّل هذه الإنجازات والن�ضاالت‪...‬‬ ‫أيها األخوة األعزاء‪،‬‬

‫في المئة والخم�سين �سن ًة الأخيرة‪ ،‬برزت �صفو ٌة من علمائنا الم�صلحين‬ ‫الملتزمين الكبار �أمثال ال�سيد �شرف الدين‪ ،‬حيث ت�صدت بكل ما �أوتيت من عزيم ٍة‬ ‫و�صالب ٍة للهجوم العنيف الذي �ش َّنه الغرب على مختلف الأ�صعدة ال�سيا�سية والثقافية‬ ‫والإقت�صادية والع�سكرية‪ .‬ورغم الفارق الزمني بينهم‪� ،‬إال �أنهم يف ِّكرون بالطريقة‬ ‫محمد‪P‬حيث‬ ‫محمد و�آل بيت ٍ‬ ‫نف�سها ويحملون المبادىء ذاتها‪ ...‬كيف ال وهي مبادىء ٍ‬ ‫التزم العلماء الأجالء دوم ًا جانب الجماهير وال�شعوب المحرومة والم�ست�ضعفة‪ .‬وهذا‬ ‫ما ر�أيناه �أي�ض ًا في الثورة الإ�سالمية المباركة‪ ،‬حيث ح َّقق الإمام الخميني‪M‬حلم‬ ‫وفجر �أعظم ثور ٍة في التاريخ المعا�صر و�أطاح ب�أكبر القواعد الإ�ستراتيجية‬ ‫الأنبياء‪َّ ،‬‬ ‫الغربية في منطقة ال�شرق الأو�سط‪ ،‬رغم قوة �أمريكا في �إيران �آنذاك ونفوذها الذي‬ ‫ال ينكر‪ ،‬ورغم ت�أييد ودعم الدول القوية في العالم للنظام ال�شاهن�شاهي الحاكم‪،‬‬ ‫فبث في روح النا�س العزة والكرامة‪ ،‬ودعاهم �إلى ال�صمود والت�صدي للأعداء‪ ،‬و�أخذ‬ ‫بيدهم �إلى �ساحات الجهاد المقد�سة دفاع ًا عن النهج الإلهي المق َّد�س‪ .‬ونحن اليوم‪،‬‬ ‫في ِّ‬ ‫ظل القيادة الحكيمة للإمام الخامنئي} وحكومة الرئي�س محمود �أحمدي‬ ‫تم�سكنا بهذا النهج الإلهي المق َّد�س‪ ،‬وبذل الغالي والنفي�س في �سبيل‬ ‫نجاد‪ ،‬ن�ؤ ِّكد على ُّ‬ ‫�إحقاق الحق ون�صرة المظلومين والم�ست�ضعفين ودعم ق�ضاياهم الم�شروعة‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬ ‫أخيراً‪،‬‬

‫في الذكرى الثانية والت�سعين النعقاد م�ؤتمر الحجير‪ ،‬ن�ؤ ِّكد �أي�ض ًا على دعم المقاومة‬ ‫في لبنان ال�شقيق وفي فل�سطين‪ ،‬حتى تحرير القد�س ال�شريف وتحرير كل بالد الم�سلمين‬ ‫من َد َن�س ال�صهاينة و�أعوانهم‪ ،‬حتى ال تذهب دماء �شهدائنا الأبرار هدر ًا بل نكمل ما‬ ‫بد�أوا به‪ ،‬هذا ما عاهدنا اهلل عليه وال نبدِّ ل تبدي ًال‪.‬‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫الجلسة األولى‬ ‫برئاسة الشيخ علي ياسين‬

‫(((‬

‫السيد حسين شرف الدين (أبو رائد)‬

‫(((‬

‫الموقف القومي في مؤتمر وادي الحجير‬

‫رجاالتنا‪ ،‬قادتنا‪� ،‬إ�صالحيونا‪ ،‬وقفوا حياتهم على حمل �أمورنا‪ ،‬على توعيتنا‪،‬‬ ‫ومر�ض‪ ،‬لإيقافنا على �ش�ؤوننا وهمومنا‪،‬‬ ‫وفقر‬ ‫�إنها�ضنا‪� ،‬إخراجنا من ظلمات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جهل ٍ‬ ‫لدفعنا �أن نقوم �إلى ق�ضايانا ون�سير بها لرفعها‪ ،‬لنفتح الطريق �إلى غد �أجيالنا‪ ،‬يعني‬ ‫�أنهم ير�سمون لنا خطوط ًا نملأ ما بينها تجربة الفعل والتفاعل‪ ،‬وم ّد ا�ستيعابنا لها‪،‬‬ ‫بحروف من نو ٍر ت�شع عبر الأجيال‪.‬‬ ‫وقدرتنا على تعميقها‬ ‫ٍ‬ ‫هؤالء هم‪ ...‬أما نحن؟‬

‫معتمد على نتف �أخبا ٍر‬ ‫م�ستوعب دون ت�أمل ما يلقى‪ ،‬ولذا نكون بين م� ٍؤيد‬ ‫نحن‪ ..‬بين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لمختلقات يرميها في دربنا المت�ضررون �أو‬ ‫متلق‬ ‫ٍ‬ ‫في ٍ‬ ‫ظالل �ضبابي ٍة عليها تاريخ‪ ،‬وبين ٍ‬ ‫�أعداء النجاح‪ .‬وبين هذا وذاك‪ ،‬يخرج علينا من يندب ّ‬ ‫تاريخ ُ�سرق و�أُحرق و�أُ�ضيع‪.‬‬ ‫حظ ٍ‬ ‫((( رئي�س اللقاء العلمائي في �صور‪.‬‬ ‫((( حفيد الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫أحد ما‪ ،‬وبالذهنية (الم�ستوعبية) عينها‪ ،‬عدا �أننا ال‬ ‫تعب‪ ،‬نلقي الم�س�ؤولية على � ٍ‬ ‫ودون ٍ‬ ‫نكون على م�ستوى الأبعاد القيادية �أو الإ�صالحية في �سير كبارنا‪ ،‬مما يوقعنا على م�ساف ٍة‬ ‫بعيد ٍة عن الإقتداء‪� ،‬أو �أن يكون في الإقتداء الكثير من ال�سطحية‪.‬‬ ‫أ�سي�سي لنه�ضة �أم ٍة ُو�ضعت ركائزه الأولية في ‪ 24‬ني�سان‬ ‫نلتقي اليوم بمنا�سبة ٍ‬ ‫حدث ت� ٍّ‬ ‫�ضم علماء وزعماء ومقاوم ًة �شعبي ًة وجماهير‪ُ ،‬وعرف اليوم‬ ‫‪ ،1920‬في لقا ٍء جماهيريٍّ‬ ‫�ضخم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫با�سم مكان الإجتماع‪ :‬م�ؤتمر وادي الحجير‪ ،‬ك ّر�س لنف�سه قائد ًا هو ال�سيد عبد الح�سين‬ ‫�شرف الدين‪ ،‬بحيث اتحد الإ�سمان (المكان والقائد) عند كل من يعنيه وادي الحجير‪.‬‬ ‫كيف در�سنا‪ ،‬نحن الجيل الثاني �أو الثالث ومن بعدنا‪� ،‬شخ�صية و�سيرة هذا القائد‬ ‫الذي و�ضعته الأحداث في مواقع ال�صدارة؟‪.‬‬ ‫الجانب الذي �أخذ اهتمام ًا حقيقي ًا هو الجانب العلمي‪ ،‬ومنه ق�ضية ما ُ�سمي بفقه‬ ‫الإئتالف وفقه الإختالف‪ ،‬ثم م� َّؤخر ًا‪� ،‬أخذ (المكان) ـ وادي الحجير ـ ينير �شيئ ًا من‬ ‫ال�سيرة‪ ،‬فهل هذه هي �سيرته؟‬ ‫يقول �إمامنا المحتفى بذكراه اليوم في ال�شهر الأول من ورده �صور (كانون الثاني‬ ‫‪..( :)1908‬و�شكوت بثي وحزني وم�صيبتي‪ :‬بما �أ ّنا ال جامع لنا‪ ،‬وال مجمع‪ ،‬وال جماعة‪،‬‬ ‫وال جمعية‪ ،‬وال جمعة‪ ،‬وال عيد‪ ،‬وال �أذان‪ ،‬وال عنوان‪ ،‬وال مدر�سة‪ ،‬وال‪ ..‬وال‪ ..‬يدخل‬ ‫أحد‪ ،‬وال ي�سمع‬ ‫يح�س منهم ب� ٍ‬ ‫الأجنبي �صور‪ ،‬وهي عنوان الإمامية في البالد العاملية‪ ،‬فال ّ‬ ‫لهم ركز ًا‪[ )..‬البغية‪.]115/‬‬ ‫عمل‬ ‫لواقع‪ ،‬وفي الوقت عينه برنامج ٍ‬ ‫هذه الكلمات الموجزة تخت�صر فهم ًا وت�شخي�ص ًا ٍ‬ ‫كبير‪ ،‬ق�ضى �سيدنا بعده خم�سين عام ًا‪ ،‬فما موقع هذه الالءات من �سيرته‪M‬؟ وكيف‬ ‫ٍ‬ ‫تتبعناها؟ وما هو �أثرها في حياة �صور وجبل عامل الثقافية والإجتماعية وال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وبالتالي لبنان؟ �أعتقد �أنَّ من حقّ قادتنا الم�صلحين �أن ندر�س �سيرهم في ميادين‬ ‫وا�سع ٍة‪ ،‬فهذا �أولى لتاريخنا �أن يحفظ و�أن يد َّون‪.‬‬ ‫يجدر بنا �أو ًال‪� ،‬أن نحدد الداللة في عبارة الإ�صالح وم�ؤداها العملي‪ ،‬وكيف تنطبق‬ ‫على �سيدنا؟‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫���������������������������������� ‬

‫(�ص َلح) لها ا�ستعماالتٌ متعدد ٌة في القر�آن‪ ،‬وكذلك في مداوالتنا‪ ،‬فهي في‬ ‫م�شتقات َ‬ ‫تقريب وجهات النظر‪ ،‬وهي في الإر�شاد‪ ،‬وفي الإيمان‪ ،‬وفي الدعوة �إلى الخط ال�سليم‪،‬‬ ‫وترتقي حتى } َو َما َكا َن َر ُّب َك ِليُ ْهل َِك ا ْل ُق َرى ِب ُظ ْل ٍم َو�أَ ْه ُل َها ُم ْ�صل ُِحو َن{ [هود‪ ]117‬ويمكننا من‬ ‫مختلف الإ�ستعماالت �أن نح ّددها في وجهين‪:‬‬ ‫‪1‬ـ الإلتزام بالإ�صالح �سلوك ًا ذاتي ًا والدعوة �إليه‪.‬‬ ‫بعمل يدفع بالنا�س‬ ‫بنهج وحرك ٍة تطويري ٍة عملي ٍة‪ٍ ،‬‬ ‫‪2‬ـ حمل الإ�صالح فكر ًا نظري ًا م�صحوب ًا ٍ‬ ‫�إلى ق�ضاياهم وال�سير معهم‪ ،‬متدارك ًا ما هو قائ ٌم‪ ،‬وم� ّؤ�س�س ًا لما ي�أتي‪ .‬وهنا يتجلى‬ ‫�إمامنا قائد ًا �إ�صالحي ًا‪.‬‬ ‫من الخم�سين �سنة �إ�صالح ًا‪� ،‬أقب�س جذوة الت�أ�سي�س لقواعد البناء القومي لجماع ٍة‬ ‫إن�سان في ذلك الزمان‪ ،‬مو ّزعين في ال�صحراء‬ ‫وا�سع ٍة من النا�س‪ ،‬تزيد عن‪ 200‬مليون � ٍ‬ ‫جماعات تت�سلط‬ ‫أمارات و�إمام ٍة تحكمها عوائل منها‪� ،‬أو من‬ ‫م�شيخات‬ ‫بين‬ ‫ٍ‬ ‫و�سلطنات و� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�سلطات خارجي ٍة بريطاني ٍة‪ ،‬لها م�صالحها‬ ‫على منطق ٍة بالغزو‪ ،‬وجميعها تقع تحت‬ ‫ٍ‬ ‫الإ�ستعمارية ال�ستغالل ثروات البالد الطبيعية‪� ،‬أما ال�سلطة العثمانية فهي �أحيان ًا كثير ًة‬ ‫مت�أرجح ٌة وقلق ٌة‪.‬‬ ‫في المنطقة الح�ضرية من الم�شرق العربي‪ ،‬من بالد الرافدين �شرق ًا حتى عري�ش‬ ‫وعائالت‬ ‫إقطاعات لع�شائ َر‬ ‫م�صر غرب ًا‪ ،‬فحكوم ٌة لل�سلطنة العثمانية ظاهر ًا‪ ،‬وموزع ٌة �‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لها وجودها في مناطقها‪ ،‬كما تتناو�شها ال�صراعات التي تحدث من الداخل العثماني‬ ‫(مملوكي ـ �سلجوقي ـ فاطمي ـ �أيوبي و�سواها) ومن الخارج ال�شرقي المغول‪ ،‬والغربي‬ ‫ال�صليبيون‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫�أما ال�شمال الأفريقي‪ ،‬فله و�ض ٌع‬ ‫مختلف عن هذا وذاك‪ ،‬وتتنازعه داخلي ًا عائالتٌ‬ ‫�أغلب �أق�سامها محكوم ٌة ب ُ�أ َ�س ٍر علوي ٍة من ذرية الإمام الح�سن بن علي‪ .Q‬وم�صر‬ ‫تديرها عائل ٌة بولونية الأ�صل‪ ..‬والجميع خا�ض ٌع �إما ل�سلطة بريطانيا �أو فرن�سا �أو �أ�سبانيا‬ ‫�أو �إيطاليا �أو البرتغال‪.‬‬ ‫العربي في حياة �سيدنا‪ ،‬و�إن لم يكن وا�ضح ًا‬ ‫القومي‬ ‫من هنا كان اختيار الجانب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫‪21‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫أ�س�س قومي ٌة‪ ،‬يق�صد بها كامل الوطن العربي من محيطه حتى‬ ‫عندي �إن كان في طرحه � ٌ‬ ‫خليجه‪ ،‬وما كان يعنيه الن�شيد‪:‬‬ ‫ب�����ل�����اد ال���������ع���������رب �أوط���������ان���������ي م�����������ن ال�������������������ش���������ام ل������ب������غ������دان‬ ‫وم�����������ن ن������ج������د �إل��������������ى ع������دن‬

‫�إل������������������ى م�������������ص������ر ف������ت������ط������وان‬

‫�أم �أنه يح�صر الوحدة في م�شرق الوطن العربي‪ ،‬وهو ما قد طمع به ال�شريف ح�سين في‬ ‫خروجه عن ال�سلطنة العثمانية‪ ،‬واتّباع الخدعة البريطانية‪ ،‬بمملك ٍة عربي ٍة ير�أ�سها هو‪،‬‬ ‫ويوزعها �أربع ممالك يديرها ٌ‬ ‫ملوك �أبنا�ؤه‪ :‬في�صل في �سوريا‪ ،‬وعبد اهلل في العراق‪ ،‬وزيد‬ ‫في اليمن‪ ،‬والعا�صمة الأ�سا�سية الحجاز ب�إدارة علي‪ ،‬ومركزه هو فيها (ملك الملوك)‬ ‫حامي ًا للحرمين ال�شريفين و�أمة الحرمين ال�شريفين‪.‬‬ ‫مهما كان الأمر‪ ،‬ف�إنني �أحدد حديثي الآن‪ ،‬في هذه الجل�سة‪ ،‬ب�أن �أختار هذه النقطة‬ ‫جانب لها عالق ٌة بت�شتت الأمة‪ ،‬بعد تجزئة �أر�ضها‪ ،‬على‬ ‫من حياة �سيدنا‪ ،‬لأنها من ٍ‬ ‫ثقافات لي�ست من �أ�صالتها‪ ،‬وهذا ما �ش َّكل‬ ‫يتم الت�شتت على �إثر تحميل الأجزاء‬ ‫ٍ‬ ‫�أن ّ‬ ‫الجانب القومي من فكره‪ ،‬و�أبرز ال�شكل الإداري للدولة المرغوبة �آني ًا‪ ،‬وللدولة المرتجاة‬ ‫م�ستقب ًال‪ ،‬مع مالحظة ما يمكن �أن يقوم بوجهها من �أمو ٍر مق ّدر ٍة وغير مق ّدر ٍة‪ ،‬مما قد‬ ‫وحدوي ُ�أ ّ�س�س بين‬ ‫أمر‬ ‫ٍّ‬ ‫ي�سمح بحرك ٍة وحدوي ٍة جزئي ٍة‪ ،‬وعليه نم�شي مع ًا فيما كان من � ٍ‬ ‫‪ 1919‬و‪.1920‬‬ ‫و�إن اتخذنا العامل القومي عنوان ًا في ذكرى الحجير‪ ،‬لما في الحركة المحيطة‬ ‫يتوحد حولها العمل العام �شعب ًا‬ ‫في تلك الظروف من دواف َع ذاتي ٍة‪ ،‬ودواف َع مو�ضوعي ٍة‪ّ ،‬‬ ‫وقيادات‪ ،‬لمقارعة الدواهي المقبلة �إلينا بكل عنا�صر القوة الدولية‪ ،‬من ع�سكري ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫وا�ستيطان هو الأخطر في الإ�ستهدافات‬ ‫أغرا�ض وم�صالح‪ ،‬و�أطماع ا�ستثما ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫و�سيا�سي ٍة و� ٍ‬ ‫جانب في‪:‬‬ ‫المنظورة في الأيام المحيطة ب�أيام الحجير‪ ،‬والظروف مواتي ٌة للطامعين من ٍ‬ ‫إ�شكاالت‬ ‫‪1‬ـ القرب من بلوغ الأهداف التي �أ�س�ست لها عملية الت�شكيالت المجتمعية من �‬ ‫ٍ‬ ‫طائفي ٍة في جبل لبنان‪ ،‬درزي ٍة‪ -‬ماروني ٍة‪ ،‬بين �سنتي ‪ 1861 - 1840‬حتى انتهى �إلى‬ ‫‪22‬‬


‫���������������������������������� ‬

‫م�ستقل با�سم المت�صرفية‪.‬‬ ‫كيان‬ ‫تجزئة الجبل �إلى هيئتين �إداريتين‪ ،‬ثم جمعهما في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪2‬ـ تب ّني ٍّ‬ ‫كل من الأطراف الأوروبية الرئي�سة (فرن�سا ـ �إنكلتر ـ رو�سيا) مجموع ًا طائفي ًا‬ ‫بوجود �إيطالي‬ ‫طيب‬ ‫ٍ‬ ‫(كثالكة ـ دروز ـ �أرثوذك�س) حماي ًة ودعم ًا‪ .‬دون �إهمال نكهة ٍ‬ ‫ونم�سوي متفرجين من الداخل‪.‬‬ ‫‪3‬ـ في الوقت الذي كانت تجري الإعدادات التجزيئية في الأر�ض ال�سورية ـ �أر�ض ال�صراع‬ ‫على الم�شرق منذ القدم ـ من خالل الخا�صرة الرخوة (جبل لبنان)‪ ،‬في الوقت عينه‬ ‫كيانات قومي ٍة �إنف�صالي ٍة عن ال�سلطنة العثمانية من خا�صر ٍة رخو ٍة‬ ‫كانت عمليات خلق‬ ‫ٍ‬ ‫�أوروبي ٍة‪ ،‬كانت تعرف ببالد البلقان(‪ ،)1‬التي ا�ستقلت عن ال�سلطنة العثمانية بين‬ ‫زمني مع‬ ‫القرنين التا�سع ع�شر والع�شرين‪ ،‬و�آخرها كانت بلغاريا �سنة ‪،1909‬‬ ‫ٍ‬ ‫بتقارب ٍّ‬ ‫عربي‪ ،‬وقد �س َّرع ب�إن�ضاجها وتوقيت �إعالنها‬ ‫�إعداد الأر�ض العربية لحركة‬ ‫ٍ‬ ‫ا�ستقالل ٍّ‬ ‫الإعدامات التي �أجراها جمال با�شا في دم�شق وبيروت �سنة ‪.1916‬‬ ‫ٌ‬ ‫قائمة �أي�ض ًا وتف ِّعلها‪:‬‬ ‫من جانب المحيط العربي‪ ،‬فالدوافع الذاتية والمو�ضوعية‬

‫الموجهة لبنية ال�سلطنة العثمانية‪� ،‬أو لم�س َّمى الخالفة الذي تتلب�سه‬ ‫‪1‬ـ الإ�ستهدافات‬ ‫َّ‬ ‫ال�سلطنة‪� ،‬إن كان من الدول الأوروبية المتحالفة التي ذكرنا‪� ،‬أو من مح ِّركها الأفعل‪،‬‬ ‫ال�صهيونية العالمية‪ ،‬التي وجدت مبررات عملها المك�شوف برف�ض ال�سلطان عبد‬ ‫الحميد هجرة اليهود �إلى فل�سطين‪ ،‬مع الإغراءات المادية والمعنوية الكبرى التي‬ ‫كانت تق َّدم له‪ ،‬ومنها تغطية كامل الديون التي على الدولة‪ ،‬م�ستح َّق ًة وم� َّؤجلة الدفع‪.‬‬ ‫و�سيا�سي‪ ،‬وال �أ�ستبعد انتقاء‬ ‫إعالمي‬ ‫ا�ستهداف �‬ ‫هذا الرف�ض الذي �أوقعه نقطة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫مجزرة الأرمن في تركيا من نف�س ن�سيج حكاية محرقة الألمان لليهود‪ ،‬وبالأ�سا�س‬ ‫ف�إني �أتق َّبل القول بيهودية �أتاتورك وهو من (�سالونيك)‪ ،‬البلدة التي ت� َّأ�س�س فيها‬ ‫�سري متعاو ٌن مت�ضامنٌ متكاف ٌل لليهود الذين �أطلق عليهم ا�سم (جديدي‬ ‫ت�شكي ٌل ٌّ‬ ‫الإ�سالم)‪� ،‬إذ يتظاهرون بالإختالط والعقيدة في الأو�ساط والمنا�سبات الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وفي ما بينهم ممار�ساتٌ ووقائ ُع �أخرى‪ .‬وال �أ�ستبعد �أي�ض ًا �أن يكون هذا الت�شكيل قد‬ ‫‪23‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫�أغناهم عما درجوا عليه من ظهور (متنبئين) درج عليها اليهود من ال�سنة الثالثة‬ ‫والثالثين من غياب الم�سيح ‪Q‬حتى القرن ال�ساد�س ع�شر‪ ،‬ن�ضوج �أ�س�س التنظيم‬ ‫ومهامه وخططه‪ ،‬في �سالونيك فتوقفت حركة التنب�ؤ والتهييج للعودة �إلى �أور�شليم‬ ‫منذ ذلك الحين‪.‬‬ ‫ب�شعارات تق ُّدمي ٍة‪ ،‬رغب فيها العرب فان�ض ُّموا �إليها‪ ،‬و�إذا‬ ‫‪2‬ـ قيام حزب الإتحاد والترقي‬ ‫ٍ‬ ‫هي عن�صر َّي ٌة‪ ،‬ب�أ�شد ما تكون تع�صب ًا للعن�صر التركي‪ ،‬فا�ضطهدت بق�ساو ٍة‪ ،‬ب�أ�شد‬ ‫مما كان يتهم به عبد الحميد‪ ،‬فتو َّزع العرب بين جمعيات المنتدى الأدبي‪ ،‬والعربية‬ ‫الفتاة و�سواهما‪ .‬ون�شطت على كامل م�ساحة الوعي العربي‪� ،‬إعالم ًا وتفريع ًا‪.‬‬ ‫‪3‬ـ بداية ظهور �أن�شط ٍة حزبي ٍة لها توجهاتٌ مختلف ٌة �إبتدا ًء من �سنة ‪ 1870‬ميالدية‪ ،‬وتلك‬ ‫هي فترة والدة ما ُعرف بع�صر النه�ضة‪ ،‬وكانت التوجهات تتباين انعزا ًال وانفتاح ًا‪.‬‬ ‫‪4‬ـ ن�شوء هذه الأحزاب في �أعقاب مجيء البعثات التب�شيرية الأميركية في ع�شرينات‬ ‫القرن التا�سع ع�شر‪ ،‬ولحاق التب�شير الكاثوليكي الفرن�سي في ثالثيناته‪ ،‬والإنعكا�سات‬ ‫جمعيات تعليمي ٍة‬ ‫أح�س بها �إ�سالميو بيروت في �سبعيناته وت�أ�سي�سهم‬ ‫ٍ‬ ‫ال�سلبية التي � َّ‬ ‫مواجه ٍة لتلك‪ ،‬مع تولي مدحت با�شا الم�شهور عنه �أنه �أبو الد�ستور‪� ،‬إدارة لبنان‬ ‫و�سوريا في نف�س الفترة‪ ،‬وهو وا�ضع برامج وزارة المعارف العثمانية‪ ،‬فوجد في‬ ‫جمعية المقا�صد ما يتنا�سب مع نظرته فدعم ن�شاطها‪.‬‬ ‫‪5‬ـ قيام جمعيات الكلية ال�سورية الأميركية (الجامعة الأميركية حالي ًا)‪ ،‬من �أ�ساتذة‬ ‫اللغة العربية الكبار (ب�ستاني ـ يازجي) مع �شيءٍ من الطرح العروبي‪ ،‬والتي �أ ّلفت‬ ‫الجماعة المتنورة حولها‪.‬‬ ‫هذا كله و�سواه‪ ،‬وربط الثقافة والح�ضارة والتقدم به�ؤالء القادمين (لتحرير البالد)‬ ‫من الرعب والخوف والتخلف‪ ،‬من جه ٍة‪ ،‬والإرتباط الديني الذي ال ير�ضى عن الخالفة‬ ‫تهم بالظلم الواقعي �أو‬ ‫بدي ًال‪ ،‬مع رغب ٍة �شديد ٍة ب�أن ترفع عن نف�سها ما ينالها من ٍ‬ ‫تباينات في الر�أي‬ ‫الم َّدعى‪ ،‬كل هذا �أوجد وبالخ�صو�ص في الجزء اللبناني من �سوريا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫�شديد ًة جد ًا‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫���������������������������������� ‬ ‫عند المفرق الصعب‬

‫يعنينا مبا�شر ًة في حديثنا‪ ،‬ما يحيط بنا‪ ،‬بر ال�شام؛ �ساح ًال وجب ًال‪ ،‬وهو ما �صار‬ ‫جمهورية لبنان بعد �أن ثبت الإ�ستعمار‪ ،‬وبعد �أن ا�ستق َّر التفاهم على حدوده بين الدولتين‬ ‫الم�ستعمرتين (بريطانيا وفرن�سا) ورفع ا�سم لبنان الكبير‪.‬‬ ‫طائفي هو‬ ‫أ�سا�س‬ ‫المجموعات الب�شرية التي كانت ت�سكن هذه المنطقة ت�ش َّكلت على � ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫تجاذبات في الإعداد للقائمقاميتين‪ ،‬ثم المت�صرفية‪ ،‬ولكن الجماعة‬ ‫�أقرب لما كان من‬ ‫ٍ‬ ‫الم�سيحية �أو ما يطلق عليها د‪.‬ع�صام خليفة(‪« )2‬ال ُّنخب» كانت تقدم م�شاريعها �أو‬ ‫طروحاتها لإقامة لبنان الم�ستقل �ضمن ر�ؤي ٍة وا�ضح ٍة عند فئاتها للحدود الجنوبية‪ ،‬و�إن‬ ‫اختلفت فيما بينها‪� ،‬إذ منهم من ح�صر لبنان بحدود المت�صرفية‪ ،‬ومنهم من تعداها‬ ‫فجعلها حتى الأولي‪ ،‬و�آخر �إلى الزاهراني‪ ،‬وثالث �إلى الليطاني‪ ،‬ورابع حتى ر�أ�س الناقورة‪.‬‬ ‫ولم حدود لبنان الجنوبية وحدها التائهة بين (النخب)‪ ،‬وللحدود مراجع ووثائق‬ ‫َ‬ ‫خطوط وهمي ٍة �أقام‬ ‫مبررات للحدود‪ ،‬لي�ست �أكثر من‬ ‫تاريخي ٌة معروف ٌة‪� ،‬أما ما وقفنا على‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عليها �أفرا ٌد حدود ًا وهي‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫جغرافي‪ ،‬و�إعادة لبنان �إلى حدود الأمارة‬ ‫حيوي‬ ‫‪1‬ـ توفير مدىً‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫‪2‬ـ التمثل ببالد البلقان التي �أمنت حدود ًا �أر�ضي ًة مالئم ًة لحدودها(‪.)4‬‬ ‫‪3‬ـ حل م�س�ألة النمو الديموغرافي والهجرة باتجاه مناطق �أكثر خ�صب ًا(‪.)5‬‬ ‫وهكذا الأقلية من النخب الم�سيحية‪ ،‬فكانت ترى وحدة �سوريا لبنان بخ�صو�صي ٍة‬ ‫مميز ٍة‪� ،‬أو ب�سوريا مع و�صاي ٍة فرن�سي ٍة‪ ،‬حتى يطلع علينا بتوحيد �سوريا مع م�صر وت�شكيل‬ ‫خالف ٍة عربي ٍة‪ ،‬ي�ؤ ِّيد هذا جماع ٌة من النخب الإ�سالمية‪ ،‬وكلهم ممن يعي�ش في م�صر‪،‬‬ ‫ويدعو للفكرة �إعالمي ًا بجريدة المقطم‪.‬‬ ‫�أما النخب الإ�سالمية (�سنة ـ دروز) فتطلب الإمبراطورية العثمانية في �إطا ٍر‬ ‫إ�صالحي‪ ،‬وبين الإ�صالح والإ�ستقالل التام للبالد العربية‪� .‬أما ال�شيعة فلي�س لهم ذك ٌر‬ ‫�‬ ‫ٍّ‬ ‫�إال الإ�شارة في �ص‪ 53/‬من كتاب خليفة (و�أمام لجنة كينغ ـ كرين) تك َّلم با�سم جبل‬ ‫عامل ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪ ،‬فطلب وحدة �سوريا بحدودها الطبيعية التي‬ ‫‪25‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ت�ضم ق�سميها الجنوبي (فل�سطين) والغربي (لبنان)‪ ،‬وكل ما يعرف ببر ال�شام‪ ...‬كما‬ ‫�أن م�ؤتمر وادي الحجير الذي ح�ضره عين ٌة كبير ٌة من وجهاء ال�شيعة في الجنوب‪ ،‬من‬ ‫أدب وقادة مقاوم ٍة‪ ،‬قد قرر الإن�ضمام �إلى الوحدة ال�سورية والمناداة‬ ‫دين و�سيا�س ٍة و� ٍ‬ ‫�أهل ٍ‬ ‫بفي�صل ملك ًا‪ ،‬وهذا الخبر مرجعه �أطروح ٌة جامعي ٌة ولم يكن مطروق ًا‪.‬‬ ‫ن�صو�ص �أخرى �سنقف‬ ‫في الن�ص �أعاله لي�س هنالك تعيين حدود‪ ،‬ولكنا نجده في‬ ‫ٍ‬ ‫عليها‪ .‬ولكن الكتاب نف�سه ينقل في �ص‪ 27/‬تحديد ال�شيخ علي ال�سبيتي لجبل عامل‪ ،‬وهو‬ ‫ما يتم�سك به العامليون‪« :‬حد جبل عامل القبلي‪ :‬النهر الم�سمى بنهر القرن الجاري‬ ‫�شمالي طير �شيحا �إلى البحر جنوب قرية الزيب‪ ..‬و�شما ًال الم�سمى بالأ َّولي‪ ..‬ومن‬ ‫الغرب البحر المتو�سط‪ ،‬ومن ال�شرق‪� ،‬أر�ض الخيط �إلى الوادي الم�سمى يعوبا �إلى‬ ‫نهر الغجر فالحولة‪»...‬‬ ‫الحركة التي دارت في �أجواء عاملة‪ ،‬خالل �سنتين‪ ،‬طويلة الليل‪ ،‬داكنة الف�ضاء‪،‬‬ ‫غنية الحمل‪ِّ ،‬‬ ‫مت�سارع‪ ،‬ف�صافرة النهاية لم تحن‪،‬‬ ‫مت�سرع وال‬ ‫أمر‪ ،‬ولكنه غير‬ ‫تب�شر ب� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وال تزال بقي ٌة ملحوظ ٌة للدقائق الت�سعين من نهاية ال�شوط الثاني‪ .‬فالمهم �أن يكون قد‬ ‫�أُحكم الإعداد‪ .‬وهذا الإعداد هو مو�ضوعنا «عاملة والت�أ�سي�س القومي» ا�ستيحا ًء للمدار‬ ‫الإتحادي والتوحيدي للتحرك‪ ،‬والمقررات والتوجهات التي كانت وا�ضحة المعالم‬ ‫بم�شروعها المنبثق من ذات الأمة‪ ،‬والمنطلق من مو�ضوعيتها ووعيها لحاجاتها التي‬ ‫تعاهد بريطاني مع ال�شريف ح�سين‪� ،‬إذ‬ ‫فر�ضت �أن ت�أخذ م�سار ًا لي�س هو مما كان من‬ ‫ٍ‬ ‫كان مقرر ًا للمملكة �أن تمتد من �سوريا حتى اليمن‪ ،‬مرور ًا بالعراق ونجد والحجاز‪ ،‬و�إذا‬ ‫اتحاد �أو وحد ٍة‪.‬‬ ‫نحن �أمام مملك ٍة �سوري ٍة م�ستقل ٍة ومنفتح ٍة على ٍ‬ ‫لي�س بين �أيدينا‪ ،‬كما �أننا لم ن�سبق ب�أن الأمر كان من ُل َعب الأمم التي تغ ِّير بالم�سارات‬ ‫تحليالت تاريخي ٍة‪.‬‬ ‫أبحاث وال‬ ‫وتبدِّ ل بالإتجاهات‪ .‬ال في‬ ‫ٍ‬ ‫درا�سات وال � ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يمت �إليه ب�إجاب ٍة �أقف‬ ‫كبير في هذا‪ ،‬ولكنني مع فقدان كل ما ُّ‬ ‫�صحي ٌح �أنني �أمام ت�سا� ٍؤل ٍ‬ ‫جانب فيه ت�شكيل دول ٍة قومي ٍة تتوفر فيها كامل المقومات‪،‬‬ ‫منه مو�ضوعي ًا‪ ،‬ف�أعتبره من ٍ‬ ‫ولو نظري ًا‪ ،‬لأن تكون الدولة النموذج القطب‪ ،‬وبالخ�صو�ص �إذا �شكلت مع العراق وحد ًة‬ ‫ولو جزئي ًة‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫���������������������������������� ‬

‫إبعاد عن م�ضمون التعاهد مع ال�شريف ح�سين تحقيق ًا‬ ‫هذا �إن لم يكن في الأمر عملية � ٍ‬ ‫لمبد�أ الإنتداب الذي ينتهي �إلى �سايك�س ـ بيكو‪ ،‬و�صو ًال لما نحن فيه اليوم ولما ال نعهد بعده‪.‬‬ ‫مرجعية الحدود‬

‫مهما جاءت التبريرات التي ذكرت للحدود الجنوبية‪ ،‬ف�إننا ال ن�ستطيع �أن نخرج‬ ‫العترا�ضات بريطانية‪،‬‬ ‫تعديل‬ ‫ٍ‬ ‫خطوطها الأ�سا�سية من خرائط فرن�سية‪ ،‬وما كان عليها من ٍ‬ ‫كانت تراعي رغبة ال�صهيونية العالمية التي نقلت تطلعاتها من حدود التمنيات والإقناع‬ ‫ال�سيا�سي‪� ،‬إلى طور التنفيذ العملي‪ ،‬الذي كان له الأثر الف َّعال فيما بلغته الإتفاقات‬ ‫النهائية بين الدولتين المحتلتين (بريطانية وفرن�سا)‪ ،‬وهي المر�سومة على الورق‪،‬‬ ‫والذي �أُعلن بوعد بلفور في ت�شرين الثاني ‪ ،1917‬و ُن ِّفذ جزئي ًا �سنة ‪ ،1948‬وال يزال منه‬ ‫ال�شيء الكثير ليعمله‪.‬‬ ‫وما هو ثابتٌ قو ًال‪ ،‬و ُعمل له فع ً‬ ‫بني على ثالثةٍ‪:‬‬ ‫ال َم ٌّ‬ ‫‪1‬ـ ير ِّكز هرتزل في مذكراته على جنوب لبنان وجبل ال�شيخ‪ ،‬نظر ًا لأهميتهما الإقت�صادية‬ ‫والع�سكرية‪ ،‬وعلى احتوائهما على م�صادر المياه ال�ضرورية لتطوير الحياة الإقت�صادية‬ ‫والإجتماعية في فل�سطين‪.‬‬ ‫‪2‬ـ اعتبر جاكوب�س في كتابه (�أر�ض فل�سطين) المطبوع باللغة الألمانية ‪� 1909‬أنَّ جبل‬ ‫لبنان هو الحدود ال�شمالية‪.‬‬ ‫‪3‬ـ في عام ‪� 1917‬أ�صدر (بن غوريون) و(بن زفي) كتابهما «�أر�ض �إ�سرائيل»‪ ،‬فاعتبرا‬ ‫مت�صرفية جبل لبنان هي الحدود ال�شمالية للدولة اليهودية‪ ،‬وهي نف�س حدود‬ ‫جاكوب�س‪.‬‬ ‫مذكرات ومقررات‬

‫حال فنحن ن�أخذ بما هو بين �أيدينا ونعتمدها منطلقات بحث‪ ،‬وال نختلق‬ ‫في �أي ٍ‬ ‫افترا�ض ال �أ�صل له‪ .‬وما يعنينا لمنا�سبة اليوم‪ ،‬ذكرى م�ؤتمر‬ ‫ما لي�س كائن ًا لنبحث في‬ ‫ٍ‬ ‫‪27‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ببنود من المذكرة الم�س َّلمة �إلى لجنة الإ�ستفتاء الأميركية‬ ‫وادي الحجير ‪ ،1920‬ابتدا ًء ٍ‬ ‫المعروفة بلجنة كينغ ـ كرين في ‪� 5‬شوال ‪1337‬هـ ‪-4‬تموز ‪1919‬م‪.‬‬ ‫�أـ ال نر�ضى بغير ا�ستقالل �سوريا التام الناجز بحدودها الطبيعية التي ت�ضم ق�سميها‬ ‫الجنوبي (فل�سطين)‪ ،‬والغربي (لبنان)‪ ،‬وكل ما يعرف ببر ال�شام دون حماي ٍة �أو‬ ‫و�صاي ٍة (البند الأول)‪.‬‬ ‫ب ـ ال حق �إطالق ًا لما ت َّدعيه فرن�سا في �أي بقع ٍة من �سوريا‪ ،‬وال نقبل � َّأي م�ساعد ٍة منها‬ ‫(البند الرابع)‪[.‬بغية الراغبين‪]453/‬‬ ‫من مقررات مؤتمر الحجير ‪ 5‬شعبان ‪ 1338‬هـ ‪ 24‬نيسان ‪1920‬م‬

‫‪1‬ـ ت�أييد مقررات الم�ؤتمر ال�سوري في رف�ض تق�سيم �سوريا والإنتداب الفرن�سي‪ ،‬و�إعالن‬ ‫الدولة العربية في �سوريا‪ ،‬وتتويج في�صل ملك ًا عليها‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ان�ضمام جبل عامل للدولة العربية (الوحدة ال�سورية) ومبايعة الملك في�صل على‬ ‫تطهير البالد من الإحتالل الفرن�سي‪[ .‬بغية الراغبين‪]441/‬‬ ‫المؤتمر السوري‬

‫وحدة الكلمة كانت الأ�سا�س في وحدة الموقف والهدف‪ ،‬وهذا يبدو من البند الأول‬ ‫ني على مقررات الم�ؤتمر ال�سوري‪ ،‬مع العلم �أن‬ ‫من مقررات م�ؤتمر وادي الحجير‪� ،‬إذ ُب َ‬ ‫هذا الم�ؤتمر الذي انعقد في دم�شق قد الحظ �ضرورة التوا�صل مع الجميع مبا�شر ًة (وفي‬ ‫‪ 2‬تموز ‪ 1919‬كانت جل�سته الثانية (الم�ؤتمر ال�سوري) مخ�ص�ص ًة للبحث في توحيد‬ ‫المطالب العربية �أمام لجنة الإ�ستفتاء‪ ،‬وقد ُعممت على المناطق ال�سورية‪ ،‬بما فيه جبل‬ ‫عامل‪ ،‬فكانت في �أ�سا�س لوائحه �أمام اللجنة الأميركية في �صيدا و�صور‪ ،‬في ‪ 10‬تموز‬ ‫‪.)6()1919‬‬ ‫�أما �أهم المقررات‪ ،‬كما وردت في نف�س المرجع وال�صفحة‪ ،‬فننقلها حرفي ًا لأنها‬ ‫مكان‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫تت�صل بمو�ضوعنا في �أكثر من ٍ‬ ‫‪1‬ـ الإ�ستقالل التام الناجز للبالد ال�سورية بدون حماي ٍة �أو و�صاي ٍة‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫���������������������������������� ‬

‫‪2‬ـ حكوم ٌة ملكي ٌة نيابي ٌة ال مركزية‪ ،‬برئا�سة الملك في�صل‪ ،‬تحفظ حقوق الأقليات‪.‬‬ ‫‪3‬ـ الإحتجاج على كل معاهد ٍة تق�ضي بتجزئة البالد ال�سورية‪.‬‬ ‫‪4‬ـ رف�ض المادة ‪ 22‬من عهد جمعية الأمم التي ُتدخل العرب تحت الإنتداب‪.‬‬ ‫‪5‬ـ قبول الم�ساعدات الفنية والإقت�صادية من �أميركا �أو ًال‪� ،‬أو من بريطانيا ثاني ًا‪ ،‬وعدم‬ ‫الإعتراف ب�أي حقٍّ ت َّدعيه فرن�سا في البالد ال�سورية‪.‬‬ ‫‪6‬ـ رف�ض مطالب ال�صهيونيين بجعل فل�سطين وطن ًا لليهود‪ ،‬ورف�ض الهجرة اليهودية‬ ‫�إليها‪.‬‬ ‫‪7‬ـ الإ�ستقالل التام للقطر العراقي‪.‬‬ ‫مالحظة‪:‬‬

‫نالحظ وحدة الروح للنقاط الرئي�سة بين المذكرة ومقررات وادي الحجير من جهة‪،‬‬ ‫وا�ضح عند النقاط الح�سا�سة التي ت�ستدعي‬ ‫تعديل‬ ‫وبين مقررات الم�ؤتمر ال�سوري مع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تحديد ًا يخرجها من العمومية‪ ،‬مث ًال‪:‬‬ ‫‪1‬ـ البند ال�ساد�س في الم�ؤتمر ال�سوري الراف�ض لمطالب ال�صهيونية‪ ،‬ف�صيغتها في مذكرة‬ ‫بحث‪ ،‬والمو�ضوع هو‬ ‫اللجنة تهمل وجود مطالب لل�صهيونية‪ ،‬وك�أنها لي�ست مو�ضوع ٍ‬ ‫الإ�صرار على رف�ض ما يدور �سر ًا �أو علن ًا حول فل�سطين ولبنان‪ ،‬و�أنهما جزءان‬ ‫�سوريان‪ ،‬وال �شيء �آخر‪.‬‬ ‫وواجبات‪.‬‬ ‫‪2‬ـ �إلزام الدولة الملكية النيابية بالعدالة والم�ساواة للجميع كاف ًة حقوق ًا‬ ‫ٍ‬ ‫حقوق‪ ،‬فحفظ الحقوق للجميع مفرو ٌغ منه‪،‬‬ ‫‪3‬ـ مو�ضوع الأقليات لي�ست مجرد حفظ‬ ‫ٍ‬ ‫وباعتبار �أن الأقليات في جبل عامل‪ ،‬والذين ت َّدعي فرن�سا �أنها �آتي ٌة لحمايتهم‪،‬‬ ‫فتحمل �إلينا خطبة الم�ؤتمر ن�ص ًا هو من �صميم التربية القر�آنية‪�( :‬أال و�إن الن�صارى‬ ‫�إخوانكم في اهلل)[البغية‪ ]440/‬وك�أني به (طاب ثراه) اعتبر الثالوث (الأب والإبن‬ ‫وروح القد�س) من �ش�ؤون الكالم و�أبحاث الالهوت‪ ،‬و�أخذ بالن�ص على (�إله واحد)‪،‬‬ ‫ولذلك اعتبرهم �إخوان ًا في اهلل‪ ،‬ولي�سوا �أ�شباه ًا في الخلق‪ ،‬وعليه ا�ست�شهد بالآية‬ ‫‪29‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫الكريمة } َولَت َِجد ََّن �أَ ْق َربَ ُه ْم َم َو َّد ًة‪�({..‬س‪ .‬المائدة �آية ‪ )82‬وعليه ر َّكز على م�ساواتهم‬ ‫بالروح والمال‪.‬‬ ‫كلي لبريطانيا‪ ،‬وكيف ال‬ ‫‪4‬ـ البند الخام�س في المذكرة للجنة الإ�ستفتاء‪ ،‬فيه �إهما ٌل ٌّ‬ ‫يكون‪ ،‬وهي �إحدى الدولتين المنتدبتين‪ ،‬وال تختلف م�صالحها ومطامعها عن‬ ‫ثالث‪ ،‬ثم هي اقتطعت لنف�سها‬ ‫طرف ٍ‬ ‫فرن�سا‪ ،‬كما �أنهما ال يمكن �أن تختلفا ل�صالح �أي ٍ‬ ‫فل�سطين من �سوريا‪ ،‬يعني �أنها �ستحقق وعد بلفور‪ ،‬وزير خارجيتها‪ ،‬بالوطن اليهودي‬ ‫حرب‬ ‫في فل�سطين‪ ،‬كما �أن ال�شيعة في العراق‪ ،‬وبقيادة مراجع ال�شيعة الكبار‪ ،‬في ٍ‬ ‫مع بريطانيا وبنف�س الفترة الزمنية التي احتلت فيها لبنان �أو قبل‪ ،‬وال ي�ستطيع �أن‬ ‫يهمل هذا في ح�سابه‪ .‬فلذا جاء البند الخام�س مهم ًال ذكر بريطانيا‪ ،‬وفيه �شي ٌء من‬ ‫الإلتفاف على �صيغة الم�ؤتمر ال�سوري بالن�سبة لأميركا‪� ،‬أو �شي ٌء من التمييع‪�( :‬إذا‬ ‫كان ال ب َّد ل�سوريا من م�ساعد ٍة‪ ،‬ف�إن الرئي�س (ول�سون) قد فتح باب ًا لطلب الم�ساعدة‬ ‫من �أميركا‪ ،‬وذلك ب�إعالنه �أن دخول الحرب �إنما كان للق�ضاء على فكرة الفتح‬ ‫والإ�ستعمار) [بغية‪.]454/‬‬ ‫التفويض‬

‫ولنا �أن نقف على ِّ‬ ‫حق الإمام �شرف الدين بتقديم المذ َّكرة‪ ،‬ثم ب�إدارة الم�ؤتمر والتكلم‬ ‫با�سم الحا�ضرين علماء وزعماء ومقاومين وجماهير‪ ،‬ففي هذا يقول (طاب ثراه)‬ ‫(�أوكل �إلينا �أن نم ِّثل الأمة العاملية في جماع ٍة ممن يالب�سون ال�سيا�سة‪ ،‬ويعملون في‬ ‫حقولها‪ ،‬واجتمعت �إلينا �أختام العلماء والوجوه والمختارين من مختلف البالد العاملية‪،‬‬ ‫ثق ًة منهم بكل ما نقوله با�سمهم‪ ،‬واعتراف ًا ب�صحة ما نعمله في �سبيل م�صلحتهم) ويتابع‬ ‫برقيات‪ ،‬و�أر�سلنا عرائ�ض ع َّبرت عن �آمال البالد و�أمان ّيها في جالء‬ ‫يومئذ‬ ‫(وط َّيرنا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فرن�سا عنا‪ ،‬واعتزالها الحكم فينا)‪[ ...‬بغية‪.]147/‬‬

‫‪30‬‬


‫���������������������������������� ‬ ‫الحضور العاملي الدائم‬

‫نعود �إلى الفترة التي كان فيها هذا التفوي�ض والقيام بمقت�ضياته‪ ،‬والظروف الحرجة‬ ‫والع�صيبة كان فيها التكليف‪ ،‬وكانت القيادة الملبية للنداء‪ ،‬وفي هذا فوجيء في�صل‬ ‫بعقبات فرن�سي ٍة تحول دون ح�ضوره م�ؤتمر ال�صلح با�سم كل العرب‪ ،‬و�إنما با�سم‬ ‫مجدد ًا‬ ‫ٍ‬ ‫ملك الحجاز‪� ،‬أو الوفد الحجازي فح�سب‪ ،‬لذلك ا�ضطر الأمير �إلى تعزيز تمثيله العربي‬ ‫َ‬ ‫وعرائ�ض �شعبي ًة �سوري ًة عاجل ًة تنتدبه لتمثيل ال�سوريين في‬ ‫برقيات‬ ‫ال�سوري‪ ،‬فطلب‬ ‫ٍ‬ ‫م�ؤتمر ال�صلح‪.‬‬ ‫(وكان العامليون من �أوائل المل ِّبين بع�شرات العرائ�ض ال�شعبية‪ ،‬على الرغم من‬ ‫المالحقات الع�سكرية الفرن�سية‪ ،‬هذا فيما َّ‬ ‫ٌ‬ ‫تفوي�ض مماث ٌل من �شعب جبل لبنان‬ ‫تعذر‬ ‫وفل�سطين لممانعة ال�سلطات الفرن�سية والإنكليزية) [جبل عامل ‪.]143/‬‬ ‫وما كانت هذه الممانعة لتنال من المنعة العاملية (وكان من ذلك �أن عزم الفرن�سيون‪،‬‬ ‫وعزمت ذيولهم �أن يتخل�صوا مني عن طريق الإغتيال لتنهار هذه الجبهة �إذا خلوت من‬ ‫الميدان)(‪[ )7‬بغية‪.]149/‬‬ ‫أمن من �صور منزل‬ ‫يروي �سيدنا كيف اقتحم �ضابطان فرن�سيان يتقدمهم م�س�ؤول � ٍ‬ ‫اللبناني ركل ًة �ألقته �أر�ض ًا‬ ‫الإمام (والدار خالي ٌة من الرجال)‪ ،‬وهجم عليهم فركل‬ ‫َ‬ ‫ف َّر على �إثرها ال�ضابطان‪ ،‬والقى اللبناني الواجب الالزم الذي �أخرجه من فعلته �إلى‬ ‫اال�ستقالة ف�إفريقيا‪ ،‬حيث امتهن في �أدغالها تربية الخنازير‪.‬‬ ‫وما كان من حاكم �صور الفرن�سي «دلب�ستر» �إال �أن جاء متن�ص ًال مما حدث‪ ،‬ويعلق‬ ‫�سيدنا (والم�ؤ�سف �أِ�شد الأ�سف �أن داءنا القديم‪ ،‬داء الإنق�سام والح�سد والنفاق‪ ،‬بدت‬ ‫المتزعمين الذين �أ�شهدناهم‬ ‫�أعرا�ضه من تلك الفترة‪ ،‬وظهر في الميدان نف ٌر من ه�ؤالء‬ ‫ِّ‬ ‫مجال�سنا‪ ،‬و�أطلعناهم على َّ‬ ‫خطتنا ال�صريحة‪ ،‬و�أ�شركناهم في عملنا‪ ،‬ظهر هذا النفر‬ ‫في الميدان َ‬ ‫مذ َبذب ًا ينقلب �إلينا علن ًا وينقلب عنا �سر ًا) [نف�سه]‪.‬‬ ‫هنا نقف على التفوي�ض والقيام به وتح ُّمل مفاعيله‪ ،‬وقد ت�أ َّكد في �أكثر من منا�سب ٍة‪،‬‬ ‫‪31‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ومن �أهمها �أن يكون �س ِّيدنا هو المك َّلف بحمل كلمة جبل عامل (المقررات) �إلى الأمير‬ ‫في�صل بن الح�سين‪ ،‬والمتك ِّلم والمفاو�ض والمبايع با�سم م�ؤتمر وادي الحجير‪.‬‬ ‫وهكذا نجد الإمام �شرف الدين مت�صدِّ ر ًا ك َّل مهم ٍة‪ ،‬مما ي�شير �إلى �أنه كان قائد‬ ‫المرحلة‪ ،‬ولم تكن هذه القيادة ع�شوائي ًا‪� ،‬إذ �إنه الوحيد الذي ت�ص َّدى‪ ،‬منذ بدء عمله‪� ،‬إلى‬ ‫ال�ش�أن العام‪� ،‬إذ كان العلماء وظروف الإ�ضطهاد التاريخي لل�شيعة على مختلف العهود‪،‬‬ ‫يتف َّرغون للحفاظ على ثقافتهم الأ�صيلة‪ ،‬فانكف�أوا �إلى داخلهم ي�ستنبتون �أ�صولهم �إذ‬ ‫ي�ستنبطون‪ ،‬مكتفين بال�صالة والفتيا والتدري�س‪ ،‬ولكن �س ِّيدنا قام بالمهام العامة‪،‬‬ ‫يخ�ص�ص وجهات ال�صرف‬ ‫يح ِّر�ض على ظلم العثمانيين‪ ،‬يح ِّرك النا�س لق�ضاياهم‪ِّ ،‬‬ ‫للحقوق ال�شرعية في الإطعام �أثناء المجاعة التي ع َّمت في الحرب العالمية الأولى‪.‬‬ ‫ر�سخ عند الأ َّمة ال�شخ�صية القائدة في �س ِّيدنا‪� ،‬أ�صبح في الذهن العام‬ ‫هذا الت�صدِّ ي َّ‬ ‫�أنه المحرك الأ�سا�س في ِّ‬ ‫كل �شيءٍ ‪ ،‬ولهذا كان التركيز عليه متَّهم ًا‪ ،‬و�أكثر ا�ستهداف ًا‪،‬‬ ‫في التقارير التي ُترفع للمحتل‪ ،‬مح ِّر�ض ًا ومح ِّرك ًا للأعمال ال�س ِّرية‪ ،‬ولتوزيع المن�شورات‬ ‫وغير هذا‪ ،‬وبالخ�صو�ص �أن منزله في «�شحور» هو الجامع للمعار�ضين المتخا�صمين‪،‬‬ ‫أ�س�س للعمل الم�شترك‪.‬‬ ‫والمق ِّرب لوجهات النظر‪ ،‬والوا�ضع ال َ‬ ‫وما كان لي�ضنيه هذا‪ ،‬فهو فيها يبلغ غاية ال�سعادة مطم ِّئن ًا لح�سن المنقلب‪ .‬وما‬ ‫�أ�ضناه �سوى �أن يكون ما �أ�سماه الداء القديم؛ داء الح�سد والإنق�سام والنفاق هو الم�ضني‪،‬‬ ‫كريم‪.‬‬ ‫وقد ا�ستهداف بق�سوة ح َّي ًا‪ ،‬ومازال‬ ‫َ‬ ‫م�ستهدف ًا لها‪ ،‬وهو في ح�ضرة رب ٍ ٍ‬ ‫في نظام الدولة والمرشح‪:‬‬

‫ان�سجام ًا مع الم�ؤتمر ال�سوري‪ ،‬وللمحافظة على وحدة الكلمة والهدف‪ ،‬كانت بنود وما‬ ‫ُقدِّ م للجنة الإ�ستفتاء الأميركية ومنها‪:‬‬ ‫✽ ✽تكون الدولة َم َلك َّي ًة ذات عدال ٍة وم�ساوا ٍة ي�ستوي بها جميع النا�س كاف ًة في الحقوق‬ ‫والواجبات‪.‬‬ ‫(بند‪ 2/‬ـ اللجنة الأميركية)‬

‫‪32‬‬


‫���������������������������������� ‬ ‫✽‬

‫✽الأمير في�صل بن الح�سين؛ وهو مر�شح العرب الطبيعي لملك �سورية‪ ،‬لما له من‬ ‫جهاد في �سبيل الق�ضية العربية‪ ،‬ومن عبقرية �سيا�سية وخلقية ت�ؤهالنه لت�س ِّنم‬ ‫ٍ‬ ‫هذا العر�ش‪.‬‬ ‫(بند‪3/‬ـ اللجنة)‬

‫الم�ؤتمر ال�سوري‪ ،‬قام لمواجهة الأحداث والطوارئ‪� ،‬إن كان في عملية ت�شكيله‪ ،‬وقد‬ ‫�سبقه الإحتالل البريطاني ـ الفرن�سي ل�سوريا المج َّز�أة �إحتاللي ًا‪ ،‬والذي فر�ض �سيطرته‬ ‫بال�سماح �أو المنع لمندوبين محتملين �أو مقترحين من فل�سطين ولبنان كممثلين منهما‪،‬‬ ‫�أو لمن يختار ع�ضو م�ؤتمر ال�صلح �إلى جانب الأمير في�صل‪� ،‬أو بالن�سبة �إلى و�ضع �أنظم ٍة‬ ‫وقوانينَ لهيكلية دول ٍة في طور الإيجاد‪ .‬ولم يكن هنالك ما ُيعتمد عليه �إال ما يمكن‬ ‫تنظيمات �إداري ٍة وقوانين َ عام ٍة في الأنظمة والقوانين‬ ‫الإ�ستفادة منه فيما هو قائ ٌم من‬ ‫ٍ‬ ‫العثمانية‪.‬‬ ‫�شريفي لدول ٍة محت َمل ٍة ُت َّ‬ ‫نظم فيما بعد‪ ،‬اعتماد ًا‬ ‫نظام‬ ‫ٍّ‬ ‫وقد �ساعد التحول المفاجيء من ٍ‬ ‫على اتفاق مكماهون ـ ح�سين‪� ،‬إلى دول ٍة �سوري ٍة َ‬ ‫مقتطع ٍة ا�ستولدتها ريا ٌح غير وا�ضحة‬ ‫الم�صدر‪ ،‬هذا بالإ�ضافة �إلى �أن م�ؤتمر ال�صلح‪ ،‬وتمثيل العرب‪ ،‬والترتيبات المفتر�ضة‪،‬‬ ‫وك�أنها جاءت ارتجالية الإعداد‪ ،‬بينما كانت هنالك جمعياتٌ في م�صر وفي فرن�سا‪،‬‬ ‫وكذلك في �أروقة الأديرة‪ ،‬تع ُّد نف�سها وك�أنها تدرك ما �سيكون عليه يو ٌم � ٍآت‪ .‬وبالمقابل‪،‬‬ ‫كانت هنالك جمعياتٌ �أي�ض ًا‪ ،‬ولكنها تعمل على مواجهة الم�ستجدات من الليالي‪ ،‬بين‬ ‫جمعية الإتحاد والتر ِّقي العثماني‪ ،‬وبين الخروج منها �أو الدعوة �إلى �سلطن ٍة ُيدخل عليها‬ ‫�إ�صالحاتٌ ‪.‬‬ ‫مقررات الم�ؤتمر ال�سوري كانت مرجعي ًة لمذكرة لجنة الإ�ستفتاء ومقررات م�ؤتمر‬ ‫و�سريع‪ ،‬وبغر�ض دعم الأمير في�صل‬ ‫محدود‬ ‫إعداد‬ ‫ٍ‬ ‫وادي الحجير‪ ،‬والذي جاء �أي�ض ًا ب� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ليكون ممث ًال لكل العرب‪ ،‬ولي�س لأبيه �أو للحجاز فح�سب‪.‬‬ ‫ملكي‬ ‫لهذا كله كانت المقررات لتح�ضر ب�إقامة في�صل ملك ًا ومر�شح ًا وحيد ًا‪،‬‬ ‫وبنظام ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫‪33‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫بحث في م�ؤ�س�سات‬ ‫عادل‬ ‫ٍ‬ ‫بحث في �شيءٍ �آخر‪ ،‬كما لم يكن من ٍ‬ ‫ومتوازن‪ ،‬ولي�س من ٍ‬ ‫نيابي ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫هذه المملكة �أكثر من �أن تكون برلماني ًة‪ ،‬ثم �إ�ضفاء هال ٍة �أخالقي ٍة وقدر ٍة �سيا�سي ٍة لدى‬ ‫ال�شخ�ص المر�شح الوحيد عند العرب (في�صل)‪.‬‬ ‫مجموع هذه التفوي�ضات والمرجعية الموحدة (مقررات الم�ؤتمر ال�سوري)‪ ،‬حملها‬ ‫تكليف‪.‬‬ ‫الإمام �شرف الدين والوفد �إلى ال�شام‪ ،‬فيرفع عن كاهله ما يرهقه من ٍ‬ ‫المبايعة‬

‫عند كل لقاءٍ مع الأمير في�صل‪ ،‬نجد �س ِّيدنا يقدِّ م الوالء لآل البيت‪� ،‬سالم ًا وابتها ًال‬ ‫ورجا ًء‪� ،‬إقرار ًا منه و�شهاد ًة على �شيعة جبل عامل‪ ،‬ثم يلتفت �إلى في�صل يذكره �أو‬ ‫لي�ستنه�ض منه ما فيه ( ُثمالة ال�سلف‪ ،‬وبقية الخلف‪ُ ،‬‬ ‫وذ�ؤابة ال�شرف من عمرو العلى‬ ‫وعلي والزهراء فاطم) رافع ًا تحية �شيعة عاملة (العاقدين نية القربة‬ ‫ها�شم‪� ،‬إلى ٍ‬ ‫محمد ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫على مبايعتك بيع ًة قائم ًة حتى بلوغ الهدف‪ ،‬فذ َّمتي بما �أقول رهين ٌة‪ ،‬و�أنا به زعي ٌم)‪.‬‬ ‫والهدف يقوم على دعامتين اثنتين‪:‬‬ ‫✽ ✽تطهير �أر�ضنا الط ِّيبة من رج�س الإحتالل‪.‬‬ ‫✽ ✽وجمع �شتاتها تحت لواء الوحدة والحرية والإ�ستقالل‪.‬‬ ‫ولن تقوم �سورية دول ًة‪ ،‬ولن تكون �أر�ضها واحد ًة ما دام الفرنجة يك ِّبلون جناحي‬ ‫ال�شام ب�ساحله وفل�سطينه‪.‬‬ ‫وقد �أجمع الر�أي العام عندنا على المناداة بذلك في �سبيل تحقيقه‪ ،‬وواجه لجنة‬ ‫الإ�ستفتاء الأميركية‪.‬‬ ‫‪�17‬شعبان ‪ 1338‬ـ ‪� 18‬أيار ‪.1920‬‬

‫وهكذا كانت المبايعة محدد ًة �أغرا�ضها الثابتة‪ ،‬وبدونها وك�أنها ال تعتبر المبايعة‬ ‫الملحقة‬ ‫تم�سك المف ِّو�ضين له بعقد البيعة‪َ ،‬‬ ‫قائم ًة‪ ،‬كما �أني �أفهم من ت�أكيدات �س ِّيدنا على ِّ‬ ‫بالدعوة �إلى الجهاد‪ ،‬المبن َّية على القواعد التاريخية لمعنى الجهاد الذي يتمظهر فوز ًا‬ ‫‪34‬‬


‫���������������������������������� ‬

‫بواحد من اثنين وال ثالث‪ :‬ال�شهادة �أو الن�صر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫المبايعة ُحدِّ دَت بنقطتين توجبان الطاعة‪ ،‬و�سيترتب على تنفيذهما ا�ستمرار في�صل ملك ًا‪،‬‬ ‫�شروط جديد ٍة؟‪.‬‬ ‫�أما �إذا ارتفع ال�شرطان‪ ،‬فماذا �سيكون عليه الأمر‪ ،‬فهل تجدَّد البيعة على ٍ‬ ‫منذ تنازل الإمام الح�سن‪ Q‬عن �إمامته الزمنية حتى تاريخه‪ ،‬وال�شيعة م�ستكينون‬ ‫للحكم الجائر‪ ،‬ولو بم�س َّمى الحاكم م�سلم ًا ـ وخليف ًة‪ ،‬فما هو الموقف الآن‪ ،‬والحكم على‬ ‫�أ�س�س الأنظمة الغربية �أو ما ن�سميه‪ :‬دول ًة مدني ًة؟‪.‬‬ ‫أمير‬ ‫هل يكون التعامل على قولة �أمير الم�ؤمنين الإمام علي‪ :Q‬ال ُب َّد للنا�س من � ٍ‬ ‫فاجر يعمل في �إمرته الم�ؤمن‪ ،‬وي�ستمتع بها الفاجر‪ ،‬ويبلغ اهلل فيها الأجل‪ ،‬ويجمع‬ ‫ٍبر �أو ٍ‬ ‫الفيء (مالية)‪ ،‬ويقاتل العدو (حماية الحدود والإ�ستقالل)‪ ،‬وت�أمن به ال�سبل (الأمن‬ ‫الداخلي)‪ ،‬و ُي� َؤخذ به لل�ضعيف من القوي (عدالة)؟‪.‬‬ ‫لفي�صل ملك ًا (عدال ًة وم�ساوا ًة)‪ ،‬والمبادئ الثالثة‬ ‫ربما‪ ،‬على هذا كان مبد�أ التن�صيب‬ ‫ٍ‬ ‫لمباني الكيان بجمع ال�شتات (الوحدة ـ الحرية ـ الإ�ستقالل)‪ ،‬تكون هذه �صيغ ًة جديد ًة‬ ‫لقواعد الإمام علي‪ ،Q‬و�إال فمبد�أ مقارعة الظلم والظالم هو الم�سار‪.‬‬ ‫وعلي �أن �أرجع هنا �إلى كتابه‪�« M‬أجوبة م�سائل جار اهلل» ‪ 53/‬بالن�سبة للجهاد‬ ‫َّ‬ ‫وقد ذكر �أربع ًة موجبة‪:‬‬ ‫✽ ✽(ويجب الجهاد في هذه الأق�سام الأربعة ـ ب�إجماع ال�شيعة ـ وجوب ًا كفائي ًا‪ ،‬على‬ ‫معنى �أنه يجب على الجميع‪� ،‬إلى �أن يقوم به منهم من فيه الكفاية‪ ،‬في�سقط عن‬ ‫مراعى با�ستمرار القائم به‪� ،‬إلى �أن يح�صل الغر�ض المطلوب‬ ‫الباقين �سقوط ًا‬ ‫ً‬ ‫�شرع ًا)‪.‬‬ ‫✽ ✽وال فرق في وجوب الجهاد في كل هذه الأق�سام الأربعة‪ ،‬بين ح�ضور الإمام‬ ‫وغيبته‪ ،‬ووجود المجتهد وعدم وجوده‪ ...‬ويجب في هذا المقام طاعة الرئي�س‬ ‫الناه�ض بهذه المهمة‪ ،‬العارف بت�سريب الع�ساكر وتدريب الحرب‪ ،‬و�إن لم يكن‬ ‫�إمام ًا‪ ،‬وال نائب ًا للإمام وال مجتهد ًا ِّ‬ ‫لتعذر رئا�ستهم في هذه الأيام‪.‬‬ ‫ن�ص الق�سم الرابع من �أق�سام الجهاد المذكورة‪ :‬الجهاد لدفعهم‬ ‫هذا‪ ,‬مع العلم �أن في ِّ‬ ‫‪35‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫عن ثغور الم�سلمين وقراهم و�أر�ضهم‪� ،‬أو لإخراجهم منها بعد ت�سلُّطهم عليها بالجور‪� ،‬أو‬ ‫لجبر بي�ضة الم�سلمين بعد ك�سرها‪ ،‬و�إ�صالحها بعد ف�سادها وهذا المعنى ما نعبر عنه‬ ‫الآن ب�إزالة �آثار العدوان‪ .‬ويعني �أن التحرر ال يت ُّم �إال بهذه الإزالة مادي ًا ومعنوي ًا‪ ،‬ومنها‬ ‫الن�صو�ص والنفو�س‪.‬‬ ‫مدني‪،‬‬ ‫حال‪ ،‬ف�إنَّ في تاريخنا العلمائي الديني‪� ،‬أنَّ �أول مبايع ٍة تكون‬ ‫وفي �أي ٍ‬ ‫لحاكم ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫وعلى الم�ستوى الدقيق لمبايعة ولي الأمر‪ ،‬كانت مبايعة الأمير في�صل ملك ًا‪ ،‬ولم يكن‬ ‫ليح�صل في العراق يوم ُن ِّ�صب ملك ًا‪ ،‬حتى �أنه لم يح�صل على الإعتراف الر�سمي ـ �إن‬ ‫�صح التعبير ـ من الم�ؤ�س�سة الدينية الكبرى في النجف‪ ،‬بل بلغ الأمر �أن ُح ِّرم الإلتحاق‬ ‫بالمدار�س الر�سمية‪ ،‬هذا مع عدم الخروج على القوانين العامة للمملكة‪.‬‬ ‫ولذا جاز لي �أن �أقول �إن المبايعة من الإمام �شرف الدين للإمير في�صل ملك ًا‪ ،‬مع‬ ‫برلمان في دولة العدالة والم�ساواة‪� ،‬أول حرك ٍة �شيعي ٍة باتجاه النظام الع�صري للملكية‬ ‫الد�ستورية‪.‬‬ ‫إحتمال‬

‫�أفهم الدوافع لم�آخذ على ح�صر م�ؤتمر وادي الحجير بالفئات ال�شيعية‪ ،‬من علماء‬ ‫وزعماء ومقاوم ٍة وجماهير‪ ،‬دون �سواهم من �أق ِّلي ٍة في الأق ِّلية الم�سيحية التي ت�ؤ ِّيد‬ ‫وحدة الأر�ض ال�سورية و�شعبها‪ .‬و�أرى في هذه الم�آخذ �إ�سقاط ًا لما نعي�شه خالل العقود‬ ‫تحرك في �إقامة عالقاتنا الب�شرية‪ ،‬وانعكا�سها على حياتنا‬ ‫الأخيرة‪ ،‬من غزائزية‬ ‫ٍ‬ ‫الإجتماعية وال�سيا�سية‪ ،‬وتعامالتنا الإقت�صادية‪ ،‬ا�ستدعى دعاوى ـ ال تخلو من غرائزي ٍة‬ ‫�أي�ض ًا ـ للحوار‪ ،‬دون �أن نعتمد �إلى مباني التراكم الثقافي الذي �أوجد انق�سام ًا مجتمعي ًا‬ ‫بنى �إداري ٌة �أُقيمت على م�آ�سي وفجائع ما‬ ‫حاد ًا يحمل تاريخ ًا لعمق ٍ‬ ‫قرون‪ ،‬وم ّكنت ركائزه ً‬ ‫كان بين ‪1840‬و‪.1861‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬ربما �أجد نف�سي مت�سائ ًال‪ ،‬على �سبيل الإحتمال �أوالإفترا�ض‪� ،‬أال ن�ستطيع‬ ‫�أن نرى وجود ر�ؤي ٍة لدول ٍة جديد ٍة‪ ،‬يكون الوجود ال�شيعي عن�صر ًا �أ�سا�سي ًا في قيامه‪،‬‬ ‫‪36‬‬


‫���������������������������������� ‬

‫�شيعي في العراق‪ ،‬وبقيادة المراجع‬ ‫بالخ�صو�ص �أن التحرك العاملي يت�ساوق مع ٍ‬ ‫تحرك ٍّ‬ ‫العلماء الكبار؟‪.‬‬ ‫بول‪� ،‬أال ُيحت َمل �أن في ر�ؤي ٍة للدولة الجديدة يكمن‬ ‫نظر و َق ٍ‬ ‫�إذا كان هذا الرابط مو�ضع ٍ‬ ‫ال�شعور بالنهو�ض من تراكم القرون‪ ،‬والتمرد على الإفناء لكل ما يمت �إلى دم كربالء‪،‬‬ ‫ودم محراب الكوفة؟ والتي ا�ستمرت تنتهج قولة‪« :‬وهذا (�إبن �أبي كب�شة) ُينادَى به‬ ‫خم�س مراتٍ في اليوم‪� ...‬إال دفناً‪ ،‬دفنا؟»‪.‬‬ ‫وإن لم يكن‬

‫عقود من م�ؤتمر وادي الحجير‪،‬‬ ‫جيل بعد ثالثة �أو �أربعة ٍ‬ ‫ماذا نفهم من قولة � ٍ‬ ‫أفراد من ٍ‬ ‫من �أن قيام الإمام �شرف الدين �سنة الع�شرين‪ ،‬ا�ستلمها الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‬ ‫وم�شى بها‪ ،‬وال تزال؟‪.‬‬ ‫كيف نرى المعركة الطاحنة في وادي الحجير في حرب ‪ ،2006‬هل هي ن�ص ٌر على �آل ٍة‬ ‫أهداف ع�سكري ٍة �إحتاللي ٍة‪� ،‬أو على الأقل‪ٌ � ،‬‬ ‫تفاو�ض‬ ‫إم�ساك ب�أوراق‬ ‫حربي ٍة‪� ،‬أم ن�ص ٌر على � ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لها قو ٌة لفر�ض القرار؟‪.‬‬ ‫أهداف ع�سكري ٍة‪ ،‬ولنتب َّين �إن كانت هذه �أو تلك‪،‬‬ ‫بنظري‪ ،‬كان يوم الحجير ن�صر ًا على � ٍ‬ ‫حرب طاحن ٍة م�ستمر ٍة الآن في �سوريا‪ ،‬و�ستنجلي يوم ًا‪ .‬وفي الدقيقة‬ ‫فنحن ال نزال في ٍ‬ ‫الت�سعين ي�ص ِّفر الحكم النتهاء ال�شوط‪ ،‬والدقيقة الت�سعون لم ِتحن بعد‪.‬‬ ‫الشوط المكتمل‬

‫�شوط الأمة طوي ٌل طوي ٌل‪ ،‬فماذا عن �شوط الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين؟‪.‬‬ ‫إجابات‬ ‫ِق�س ٌم من �شوطه اكتمل عندما علت �صافرة الق�ضاء المحتَّم‪ ،‬وقد و�ضع � ٍ‬ ‫على الالءات التي كانت عند وروده �صور‪( ،‬ولم يكن فيها جام ٌع وال مجم ٌع وال جمعي ٌة‬ ‫وال جماع ٌة وال جمع ٌة وال عي ٌد وال �أذا ٌن‪ ،‬وال مدر�س ٌة وال‪ ..‬وال‪ )...‬وكانت �صور حينها‬ ‫(عنوان الإمامية في البالد العاملية‪ ،‬فال يح�س بهم �أح ٌد‪ ،‬وال ي�سمع لهم ركز ًا)‪.‬‬ ‫بايجاب‪� ،‬إن كان في �صور �أو المنطقة‬ ‫وحين �أتى �أجله‪ M‬ا�ستبدلت كل ال�سلبيات‬ ‫ٍ‬ ‫‪37‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫العاملية‪ ،‬ف ُيعفى العلماء من التجنيد‪ ،‬وينه�ض الغفاة لحقوقهم‪ ،‬و ُي�ستخ َرج من �أعماق‬ ‫النا�س معانيهم الإن�سانية (وبرزت الأخما�س تقفوها الزكوات وتتلوها �أثالث الموتى‬ ‫بن�سب متكافئ ٍة) [البغية‪ .]144/‬وما كان ليتخلى‬ ‫�إلى‬ ‫ٍ‬ ‫معلوم يوزع على الجوعى ٍ‬ ‫ر�صيد ٍ‬ ‫عن النا�س طوال حياته في ع�سرة �أو ي�سرة‪ ،‬كما �أنه لم َّ‬ ‫يتخل عن �أمنيته العربية‬ ‫والإ�سالمية‪� ،‬إن كان الجميع قد اتخذ موقعه من الأو�ضاع التي �آلت �إليها الأمور من‬ ‫مطمع‪ ،‬وح�سبه �أن يحفظ نف�سه‬ ‫خ�ضوع للإحتالل‪ ،‬ولكن �سيدنا لي�س له مما كان من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫دليل ما نعر�ضه فيما بعد‪.‬‬ ‫بحفظ ما يعتقده‪ ،‬وخير ٍ‬ ‫الوحدة العربية إلى الدول المتحالفة ‪1941/‬‬ ‫✽‬

‫✽‬

‫✽‬

‫✽‬

‫✽�إن الدولة العربية ال�سورية‪ ،‬ترى نف�سها بحكم العوامل الجغرافية والتاريخية‬ ‫اتحاد‬ ‫والإقت�صادية واللغوية والقومية‪ ،‬م�ضطر ًة‪ -‬م�صيري ًا ‪� -‬إلى الم�ساهمة في ٍ‬ ‫مع الدول العربية ال�شقيقة المجاورة‪ ،‬يكون مبني ًا على �إلغاء الحواجز الجمركية‪،‬‬ ‫وتوحيد برامج التعليم وال�سيا�سية الخارجية والدفاع‪.‬‬ ‫✽�أمنيتنا الكبرى توحيد العراق و�سوريا بحدودهما الطبيعية المعروفة في حقب‬ ‫التاريخ المختلفة‪ ،‬لأن هذين القطرين ال�شقيقين تجمعهما وحد ٌة طبيعي ٌة وعوامل‬ ‫تاريخي ٌة وجغرافي ٌة و�إقت�صادي ٌة ولغوي ٌة وقومي ٌة‪.‬‬ ‫لتناق�ضات عربي ٍة �أو عاطفي ٍة‪ ،‬ف�إن‬ ‫✽�إذا ُمني العرب با�ستحالة وحدة القطرين‬ ‫ٍ‬ ‫�سوريا و�إنَّ �أ�شالءها التي اقتطعت منها‪ ،‬كانت تعرف ببر ال�شام‪ ،‬نجمع مع العرب‬ ‫قابل للم�ساومة‪.‬‬ ‫مطلب‬ ‫ٌّ‬ ‫م�صيري غير ٍ‬ ‫على �إعادتها‪� ،‬إنه ٌ‬ ‫✽�إن الدولة ال�سورية العربية المرتجاة‪ ،‬بحكم عوامل الزمان والمكان واللغة‬ ‫عربي‬ ‫ووحدة الهدف والم�صير‪ ،‬ترى نف�سها �صاحبة الحق في الدعوة �إلى ٍ‬ ‫اتحاد ٍّ‬ ‫مع ال�شقيقات المجاورات‪ ،‬يقوم على �إلغاء الحواجز الجمركية وتوحيد برامج‬ ‫التعليم وال�سيا�سة الخارجية والدفاع‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫���������������������������������� ‬ ‫ماذا تعني فلسطين‬

‫ذهاب لريح العرب وعز الإ�سالم وكرامة‬ ‫ولي�س ذهاب فل�سطين فاجع ًا‪ ،‬لوال �أنه‬ ‫ٌ‬ ‫الإن�سان الم�ست َر ِّق في غد هذا ال�شرق القريب‪.‬‬ ‫ني�سان ‪1948‬‬ ‫إقتداء‬

‫�أال و�إنَّ َقتلة الح�سين ‪ِ Q‬بك ٌر في القتالت‪ ،‬فلتكن قدوتنا به ِبكر ًا في القدوات‪،‬‬ ‫ولنكن نحن من فل�سطين مكان الح�سين‪ Q‬من ق�ضيته‪ ،‬ليكون لنا ولفل�سطين ما كان‬ ‫وخلود‪.‬‬ ‫له ولق�ضيته من حيا ٍة ٍ‬ ‫ومجد ٍ‬ ‫‪1947/12/15‬‬ ‫مقاومة األحالف الغربية برقية لشاه إيران ‪25/4/1954‬‬

‫✽ ✽حفظ اهلل الإيمان بحفظ �إيران‪ ،‬دخولكم الحلف التركي العراقي ينذر بالقارعة‪.‬‬ ‫موقعكم بين فكي التنين يلزمكم بالحياد‪ .‬الدين الن�صيحة‪ ،‬وقد ن�صحت‪.‬‬ ‫✽ ✽ندا ٌء �إلى علماء الدين في العالم ع�شية الإعتداء الثالثي كان في ‪1956/10/30‬‬ ‫�أي قبل �سنة و�شهرين تمام ًا من وفاته عن ‪86‬عام ًا‪� ،‬أنهاها بـ‪:‬‬ ‫�أال و�إنَّ الإ�ستعمار الغربي يغزونا في عقر دارنا معتدي ًا غا�شم ًا‪.‬‬ ‫�أال ومن مات دون حفنة تراب وطنه مات �شهيد ًا‪.‬‬ ‫إحتجاج‬

‫ثانياً‪ :‬الإ�ستقالل الذي �أُعلن في لبنان في هذا اليوم ‪ ،41/11/26‬مهزلة المهازل التي‬ ‫طويل مقداره ع�شرون �سن ٍة‪ ،‬ومثل هذا‬ ‫ليل ٍ‬ ‫كانت تمثلها حكومة فرن�سا الغابرة‪ ،‬في ٍ‬ ‫الإ�ستقالل يتناق�ض مع مفهوم العهد الجديد‪ ،‬الذي �أعلنت فيه بريطانيا بزوغه‪،‬‬ ‫بلد في تقرير م�صيره‪ ،‬على �ضوء الحق والعدالة والحرية‪،‬‬ ‫و�أبرز قواعده حرية كل ٍ‬ ‫وربط اال�ستقالل بدول ٍة �أجنبي ٍة‪ ،‬هو ت�سلُّ ٌط �صار ٌخ يجتاح الإ�ستقالل ن�ص ًا وجوهر ًا‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ثالثاً‪� :‬أمنيتنا الكبرى توحيد العراق و�سوريا بحدودهما الطبيعية المعروفة في حقب‬ ‫التاريخ المختلفة‪ ،‬لأن هذين القطرين ال�شقيقين تجمعهما وحد ٌة طبيعي ٌة وعوامل‬ ‫تاريخي ٌة وجغرافي ٌة و�إقت�صادي ٌة ولغوي ٌة وقومي ٌة‪.‬‬ ‫رابعاً‪� :‬إذا ُمني العرب با�ستحالة وحدة القطرين‬ ‫لتناق�ضات عربي ٍة �أو عاطفي ٍة‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫ٍ‬ ‫�سوريا و�إنَّ �أ�شالءها التي اقتطعت منها‪ ،‬كانت تعرف ببر ال�شام‪ ،‬نجمع مع العرب‬ ‫قابل للم�ساومة‪.‬‬ ‫مطلب‬ ‫ٌّ‬ ‫م�صيري غير ٍ‬ ‫على �إعادتها‪� ،‬إنه ٌ‬ ‫خام�ساً‪� :‬إن فل�سطين لي�ست جزء �سورية الجنوبي‪ ،‬بقدر ما هي قلبها الناب�ض المت�صل‬ ‫بقلوب العرب جميع ًا‪ ،‬والعرب ي�ستميتون دون وعد بلفور‪.‬‬ ‫�ساد�ساً‪� :‬إن الدولة ال�سورية المرتجاة بحكم عوامل الزمان والمكان واللغة ووحدة الهدف‬ ‫والم�صير ترى نف�سها �صاحبة الحق في الدعوة �إلى اتحاد عربي مع ال�شقيقات‬ ‫المتجاورات‪ ,‬يقوم على �إلغاء الحواجز الجمركية وتوحيد برامج التعليم وال�سيا�سة‬ ‫الخارجية والدفاع‪.‬‬ ‫�أما وقد قرب �أجله‪� ،‬أواخر �سنة ‪ ،1957‬وكان ال�شاه محمد ر�ضا بهلوي وزوجته الثانية‬ ‫دعم للرئي�س �شمعون في ت�أييده لحلف بغداد (التركي ـ العراقي)‪.‬‬ ‫ثريا‪ ،‬في لبنان بزيارة ٍ‬ ‫نزف في المعدة‪،‬‬ ‫واتفق �أن دخل الإمام �شرف الدين م�ست�شفى �أوتيل ديو للمعالجة من ٍ‬ ‫وعلم �شفا�ؤه وموعد تركه الم�ست�شفى‪ ،‬فجاءه وزير بالط ال�شاه �أ�سد اهلل علم يه ِّنئ با�سم‬ ‫ُ‬ ‫ا�ستقبال فرح ًا بهذا‪ ،‬فاعتذر �سيدنا بعجزه عن‬ ‫ال�شاه بال�سالمة‪ ،‬و�أ َّنه �أمر ب�إقامة حفل‬ ‫ٍ‬ ‫�صعود الدرج‪.‬‬ ‫عاد الوزير ثاني ًة ليب ِّلغ ب�أمر �إجراء الإ�ستقبال في حديقة ق�صر ال�ضيافة‪ ،‬فكان‬ ‫لهذا اعتذا ٌر ينا�سب‪ ،‬ولما عاد ثالث ًة يقترح مرور ال�سيارة �أمام باب الق�صر فيخرج‬ ‫ال�شاه �إليها للتهنئة �شخ�صي ًا‪ ،‬كان الح�سم؛ (من م�أثورنا �أنه �إذا ر�أيت العلماء على‬ ‫�أبواب الملوك فبئ�س العلماء وبئ�س الملوك‪ ،‬و�إذا ر�أيت الملوك على �أبواب العلماء‬ ‫فنعم الملوك ونعم العلماء‪ ،‬وال �أر�ضى لمليكنا الوحيد في العالم �إال �أن يكون نعم‬ ‫الملك)‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫���������������������������������� ‬

‫ُ�س ِئل �إمامنا يومها عن هذا الت�شدد‪ ،‬مقابل ما �سين�شر في العالم من �أهمية‬ ‫علماء �شيعة لبنان ف�أجاب‪ :‬و�سيعمم �إعالم ال�شاه الخبر م�ص َّور ًا في �إيران والخارج‪،‬‬ ‫أيام و�أموت‪ ،‬فماذا �س�أقول لربي‬ ‫و�إن خرجت اليوم من الم�ست�شفى ف�س�أعود بعد � ٍ‬ ‫َّ‬ ‫المعذبين في‬ ‫حينما يعر�ض لي ال�صور والخبر مع �أ�صوات العلماء والمجاهدين‬ ‫�سجون ال�شاه؟‪.‬‬ ‫أيام عاد �إمامنا للم�ست�شفى وفي ‪� 1957/12/30‬أ�سلم الروح �إلى‬ ‫وفع ًال‪ ،‬بعد ب�ضعة � ٍ‬ ‫بارئها‪ ،‬ليحتفي به جده �أمير الم�ؤمنين ‪Q‬في ثرى النجف الأ�شرف في ‪،1958/1/1‬‬ ‫في حجر ٍة على يمين الداخل من باب الطو�سي‪ ،‬وكان هو ال�شهر الذي حل فيه ب�صور قبل‬ ‫خم�سين عام ًا‪.‬‬ ‫و�شهر‪ ،‬يعلن َّ‬ ‫المعذبون في �سجون ال�شاه عن م�آذن �إيران هزيمة‬ ‫وبعد �أربعة ٍ‬ ‫عقود ٍ‬ ‫بهدف �أوحد (اهلل �أكبر) وم�ساره (حي على خير العمل)‪.‬‬ ‫بفجر ٍ‬ ‫� ٍ‬ ‫أهداف �إيذان ًا ٍ‬ ‫يوم آخر‪.‬‬ ‫وإلى ٍ‬

‫نحن اليوم نلتقي بعد اثنتين وت�سعين �سن ٍة‪ ،‬ن�ستعيد ِع َبر م�ؤتمر وادي الحجير‬ ‫ودرو�سه‪ ،‬ونحن ال نزال �إلى الآن‪ ،‬نعي�ش مفاعيل ما بعده‪ ،‬ت�ستثير العزائم فيما كان فيه‬ ‫حالم‪ ،‬فنحن �شعب الإنتظار‪ ،‬والمواعيد‬ ‫رجاال ُته‪ ،‬وال �أقول �أنا �أنتظر يومه الآتي انتظار ٍ‬ ‫والري‬ ‫غر�س وا�ستنباتٌ وح�صا ٌد‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫في (الإنتظار)‪ ،‬ح ٌق وعد ٌل‪ .‬ولي�س فيها ف�ش ٌل‪ ،‬و�إنما ٌ‬ ‫عر ٌق ودم ٌع ود ٌم‪ ،‬والم�سار طوي ٌل‪ ،‬وال بد من و�صول و�إن طال ال�سفر‪ .‬وادي الحجير ‪1920‬‬ ‫حرب طاحن ٍة بعد �ست وثمانين �سن ٍة‪ ،‬و�إن لم ي�ستطع وادي الحجير‬ ‫ا�ستعادته الأمة في ٍ‬ ‫الثاني �أن يكون رادع ًا ومحقق ًا �أغرا�ضه‪ ،‬في ما �أُعلن يوم ًا من �إكمال م�ساحة لبنان‪ ،‬لبلوغ‬ ‫الع�شرة �آالف و�أربع مائة واثنين وخم�سين كيلو متر ًا مربع ًا‪ ،‬فكم �سنحتاج �إلى معارك‬ ‫فمواقع وادي الحجير ال تغيب‪ .‬وكم �سيبقى الحجير ثنائي المكان و�شيئ ًا �آخر‪ ،‬فهو �سنة‬ ‫تاريخ‬ ‫‪ 1920‬ارتبط ا�سم المكان با�سم القائد‪ ،‬وفي ‪ 2006‬ارتبط المكان بالن�صر‪ ،‬ولكل ٍ‬ ‫ا�س ٌم‪ ،‬وكذا الأم الولود‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫وال �أعني الن�صر المادي فيما كان من الحجير الثاني‪� ،‬أي بمعنى انهزام جي�ش العدو‬ ‫مخ ِّلف ًا عد ًة وعتاد ًا‪ ،‬و�إنما الن�صر بهزيمة الهدف‪ ،‬فهو بعد ثالث ٍة وثالثين يوم ًا ف�شل في‬ ‫�سيا�سي يجعله مت�سلط ًا على‬ ‫ربح‬ ‫هدف‬ ‫ٍّ‬ ‫تحقيق ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ع�سكري يحول انك�ساره الع�سكري �إلى ٍ‬ ‫أر�ض منزوعة ال�سالح جنوبي الليطاني‪ ،‬و�إال فهو مقي ٌم‬ ‫�إدارة ال�ش�أن التفاو�ضي‪ ،‬بفر�ض � ٍ‬ ‫على كامل الأر�ض بقوة ال�شرعية الدولية‪ ،‬ولهذا �أجرى �إنزا ًال �أول َّي ًا في الوادي �أ�سفل‬ ‫الطيبة‪ ،‬فف�شل بالمحافظة على وجوده‪ ،‬فح�شد كل قوته عند هذا الوادي‪ ،‬فلفظه جيف ًا‬ ‫ب�شري ًة وان�صهار ًا �آل َّي ًا‪ ،‬و�سقوط ًا هدفي ًا‪ ،‬فتحققت �أهداف م�ؤتمر الحجير ‪ 1920‬بنهو�ض‬ ‫جماعته الب�شرية التي لم يهزمها تداول العقود‪ ،‬وما كان مما اعتبر ف�ش ًال وهزيم ًة في‬ ‫حركة النهو�ض �سنة ‪� ،1920‬سوى بذر ٍة كمنت زمن ًا‪� ،‬آمنة الإحت�ضان‪ ،‬دافئة الجهاد‪،‬‬ ‫ف�سو َيت نه�ضة بهية الإ�صباح‪ ،‬ثابتة العزم‪ ،‬والطريق ي�سار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نبع وادي الحجير ـ ‪2012/4/24‬‬

‫‪42‬‬


‫المصادر‬

‫‪ .1‬كانت تتكون بالد البلقان حينذاك من ‪ 6‬مقاطعات‪ :‬البانيا ـ رومانيا ـ يوغو�سالفيا ـ‬ ‫اليونان والق�سم الأوروبي من تركيا‬ ‫‪ .2‬د‪ .‬ع�صام خليفة ـ الحدود الجنوبية للبنان‪ ,‬بين مواقف نخب الطوائف وال�صراع‬ ‫الدولي‪ ,‬تالحظ ال�صفحات ‪ 17‬ـ ‪.27‬‬ ‫‪� .3‬أية �أمارة؟ و�أين كانت ؟ وكيف كانت حدود ًا ثابتة؟ فكل �أمير وما �أوتي من قدرة‬ ‫تقديم هدايا‪ ,‬وما يوفر من �أكيا�س الذهب‪ ,‬فتتو�سع �إقطاعيته؟‬ ‫‪ .4‬بالد البلقان �أ�سا�س ًا بلدان يجمع �شعبها تاريخ ولغة‪ ,‬و�آمال م�شتركة ويقيم على‬ ‫�أر�ض تن�سب �إليه فجاءتها �سلطة خارجية وحكمتها‪� ,‬أما لبنان‪ ,‬فوجوده التاريخي‬ ‫والجغرافي واللغوي والأحا�سي�س كلها لكونه من �سوريا‪ ,‬فما الرابط مع البلقان ؟‬ ‫‪ .5‬الطوارئ الإجتماعية تحلها العدالة واالنماء المتوازن في نطاق جغرافي يوفر‬ ‫مقومات دولة‪ ,‬وهو هنا �سوريا بحدودها الطبيعية‪ ,‬والتي يعمل على ف�صل لبنان‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫‪ .6‬د‪ .‬محمد ب�سام‪ ,‬جبل عامل بين �سوريا الكبرى ولبنان الكبير ‪ 1918‬ـ ‪1920‬ـ دار‬ ‫الكوكب ـ بيروت‪2011/‬ـ �ص‪.207/‬‬ ‫‪ .7‬وذلك �ضحى يوم الثالثاء ‪ 12‬ربيع الثاني ‪ 1337‬هـ الموافق ‪ 14‬كانون الثاني ‪1919‬م‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫الدكتور علي فياض‬ ‫وادي الحجير‬ ‫اإلجتماع والسياسة‪ ...‬دالالت التأريخ والحاضر‬ ‫(((‬

‫عاملي لم تتغير ثوابته‪ ،‬وان تغ َّيرت‬ ‫من ‪ 24‬ني�سان ‪� 1920‬إلى ‪ 24‬ني�سان ‪ ،2012‬م�سا ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫وقائعه و�سياقاته‪ ،‬على الرغم من انطوائها على عنا�صر م�شترك ٍة ال تزال ماثل ًة رغم‬ ‫م�ضي هذه العقود الطويلة التي تكاد تقارب قرن ًا من الزمن‪.‬‬ ‫والحال‪ ،‬ف�إنَّ الدالالت ال�سيا�سية التي �ش َّكلها م�ؤتمر وادي الحجير‪ ،‬في مرحل ٍة‬ ‫كبير �أعقب انهيار الدولة العثمانية‪ ،‬ودخول‬ ‫تاريخي ٍة كانت المنطقة فيها في ِّ‬ ‫خ�ضم تح ُّو ٍل ٍ‬ ‫الإ�ستعمارين الفرن�سي واالنكليزي �إليها‪ ،‬هي ذاتها الدالالت ال�سيا�سية التي تم ِّثل الهوية‬ ‫العاملية في ثوابتها وخياراتها الإ�ستراتيجية‪ ،‬وبالتالي التي يمكن عبرها فهم الوجهة‬ ‫التي �أخذتها المراحل الالحقة‪ ،‬وعلى الأخ�ص مرحلة العقود الثالثة الما�ضية‪ ،‬التي م َّر‬ ‫وتحوالت كبرى و�صو ًال �إلى اللحظة الراهنة‪.‬‬ ‫بتحديات خطير ٍة‬ ‫فيها لبنان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وفي الواقع‪ ،‬يمكن من خالل خطبة العالمة ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين في‬ ‫الم�ؤتمر‪ ،‬وهو رمزه ونجمه وقيادته ال�شرعية‪� ،‬أن نلتقط نمط الفكر ال�سيا�سي ال�شيعي‬ ‫((( نائب في البرلمان اللبناني‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫في تلك المرحلة‪ ،‬و�أن نتب َّين مدى الثبات والتحول في ذلك النمط بالمقارنة مع ما هو‬ ‫ا�ستراتيجيات �شيعي ٍة راهن ٍة‪.‬‬ ‫�سائ ٌد من خيارات‬ ‫ٍ‬ ‫�أو ًال‪ :‬رف�ض الإ�ستعمار الأجنبي رف�ض ًا مطلق ًا ب�أ�شكاله كاف ًة‪� ،‬سوا ٌء �أكان و�صاي ًة �أو حماي ًة‪،‬‬ ‫التام الناجز‪ ،‬وهو قد ع َّبر عن ذلك في م�ستهل خطابه «�إما‬ ‫والت�أكيد على الإ�ستقالل ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫حيا ٌة حر ٌة‪� ،‬أو ٌ‬ ‫ا�ستقالل دون و�صايةٍ‪،‬‬ ‫هوان ُتهدَر في حمايته �إن�سانية الإن�سان‪� ..‬إما‬ ‫�أو ا�ستعما ٌر نكون معه كالأيتام على م�أدبة اللئام»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن موازين القوى ال�سيا�سية والع�سكرية كانت ل�صالح الفرن�سيين‪،‬‬ ‫و�أن الفر�صة كانت م�ؤاتي ًة للإ�ستفادة من التحالف مع الفرن�سيين‪� ،‬إنطالق ًا من ا�ستعداد‬ ‫الفرن�سيين لحماية الأقليات‪� ،‬إال �أن الموقف كان حا�سم ًا اتجاه الإ�ستعمار‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ا�ستنفار ال�سبل كاف ًة لمواجهته بما فيها خيار المقاومة‪ ،‬والإ�ستعداد لتقديم �أغلى ما‬ ‫تردد في �سبيل ذلك‪.‬‬ ‫يمكن ودون ٍ‬ ‫ثانياً‪ :‬كان خيار جبل عامل في تلك المرحلة‪ ،‬وفق مقررات الم�ؤتمر وبالإ�ستناد �إلى‬ ‫خطبة ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪ ،‬هو رف�ض التق�سيم والتم�سك با�ستقالل‬ ‫�سوريا التام الناجز‪ ،‬التي ت�ضم ق�سميها الجنوبي فل�سطين والغربي لبنان‪ ،‬وكل ما‬ ‫ُيعرف ببالد ال�شام دون حماي ٍة �أو و�صاي ٍة‪ ،‬على �أن تكون الدولة ملكي ًة ذات عدال ٍة‬ ‫وم�ساوا ٍة‪ ،‬ي�ستوي فيها جميع النا�س كاف ًة في الحقوق والواجبات‪ ،‬على �أن الأمير‬ ‫جهاد في �سبيل الق�ضية‪،‬‬ ‫في�صل هو حاكم العرب الطبيعي لملك �سوريا‪ ،‬بما له من ٍ‬ ‫�شرط ُم�ض َم ٍر وهو جهاده �ضد‬ ‫على �أنَّ تلك المبايعة اقترنت بالزم ٍة انطوت على ٍ‬ ‫الفرن�سيين‪ ،‬مما يعني �شرع ًا زوال تلك البيعة في حال زوال �شروطها‪.‬‬ ‫�إنَّ ما يجب �أن ي�ؤخذ بعين االعتبار‪ ،‬هو �أن هذه المواقف �إنما كانت تع ِّبر‬ ‫عن الخيار العروبي في تلك المرحلة التاريخية‪ ،‬في قبال الخيار الإ�ستعماري من‬ ‫ناحي ٍة وخيار التجزئة والتق�سيم من ناحي ٍة �أخرى‪ ،‬وبالتالي �إنَّ ن�ضوج ال�صيغة‬ ‫اللبنانية لم يكن قد ات�ضح في تلك المرحلة‪ ،‬علم ًا �أنَّ الدور الفرن�سي كان يرعى‬ ‫عملية التمييز بين الطوائف‪ ،‬كما �أن الإ�سهام ال�شيعي في �إن�ضاج ال�صيغة اللبنانية‬ ‫‪46‬‬


‫��������������������������������������������������������� ‬

‫لم يكن �أ�سا�سي ًا بالمقارنة مع الدورين الماروني وال�سني‪.‬‬ ‫�إال �أنَّ التطور ال�سيا�سي والإجتماعي الذي �شهده لبنان الحق ًا خا�ص ًة مع ح�ضور الإمام‬ ‫ال�سيد مو�س ال�صدر‪� ،‬أ�سهم في بلورة ر�ؤي ٍة �شيعي ٍة حا�سم ٍة جعلت من ال�صيغة اللبنانية‬ ‫خيار ًا ثابت ًا وتم�سكت بمرتكزها التعددي والتعاي�شي‪� ،‬إال �أنها �أ�ص َّرت على �ضرورة تطوير‬ ‫مفهوم للوطنية‬ ‫النظام ال�سيا�سي عبر �إلغاء الطائفية ال�سيا�سية‪ ،‬وعلى �ضرورة �صياغة‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات مم َّيز ٍة ومتكامل ٍة مع �سوريا‪.‬‬ ‫اللبنانية عربي الهوية والإنتماء‪ ،‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫ويمكن القول �إنَّ ر�ؤية الإمام ال�صدر هذه‪ ،‬تحولت �إلى ركيز ٍة ثابت ٍة للر�ؤية ال�شيعية‬ ‫بمكوناتها كاف ًة‪ ،‬ع َّبرت عن نف�سها بالتم�سك بال�صيغة اللبنانية بما فيها من خ�صو�صي ٍة‬ ‫وتمايز‪ ،‬وبالعالقات مع �سوريا ودعم ال�شعب الفل�سطيني تعبير ًا عن الإنتماء العربي‪ .‬كما‬ ‫ٍ‬ ‫�أنَّ والدة المقاومة الحق ًا �ضد «�إ�سرائيل»‪ ،‬التي �أدى ال�شيعة فيها دور ًا طليعي ًا‪� ،‬إنما �ش َّكل‬ ‫وجه من وجوهه الإ�سهام ال�شيعي المت� ِّأخر في بلورة الهوية الوطنية وتطوير م�ضمونها‬ ‫في ٍ‬ ‫ال�سيا�سي وتزويدها ب�إ�ضاف ٍة ت�أ�سي�سي ٍة الحق ٍة‪.‬‬ ‫ثالثاً‪� :‬إن �إحدى �أكثر الدالالت ن�ضج ًا وتعبير ًا‪ ،‬هو ما يت�صل بالموقف من الم�سيحيين‬ ‫(الن�صارى) بح�سب ما ورد في خطاب العالمة �شرف الدين‪� ،‬إذ �إنه على الرغم‬ ‫من كثرة الإلتبا�سات التي تحيط بالعالقة مع الم�سيحيين من ج َّراء تحالفهم مع‬ ‫الفرن�سيين‪ ،‬فقد ورد في خطبته التالي‪:‬‬ ‫«ف ِّوتوا على الدخيل الغا�صب برباط ٍة من الج�أ�ش فر�صته‪ ،‬و�أخمِ دوا بال�صبر‬ ‫هلل ما ا�ستعدى فريقاً على فريقٍ �إال ليثير الفتنة الطائفية‪،‬‬ ‫الجميل فتنته‪ ،‬ف�إ َّنه وا ِ‬ ‫وي�شعل الحرب الأهلية‪ ،‬وحتى �إذا �صدق زعمه وتحقق حلمه‪ ،‬ا�ستقر في البالد بع َّلة‬ ‫حماية الأقليات‪� ،‬أال و�إ َّن الن�صارى �إخوانكم في اهلل والوطن‪ ،‬وفي الم�صير ف�أح ُّبوا‬ ‫لهم ما تحبون لأنف�سكم‪ ،‬وحافظوا على �أموالهم و�أرواحهم‪ ،‬كما تحافظون على‬ ‫�أموالكم و�أرواحكم‪ ،‬وبذلك تحبطون الم�ؤامرة‪ ،‬وتخمدون الفتنة‪ ،‬وتط ِّبقون تعاليم‬ ‫دينكم و�سنة نبيكم } َولَت َِجد ََّن �أَ ْق َربَ ُه ْم َم َو َّد ًة ِل َّلذِ َين �آَ َمنُوا الَّذِ َين َقالُوا ِ�إنَّا نَ َ�صا َرى َذل َِك ِب�أَ َّن مِ ْن ُه ْم‬ ‫قِ� ِّسي�سِ َين َو ُر ْهبَانًا َو َ�أنَّ ُه ْم اَل يَ ْ�ست َْك ِب ُرو َن{(المائدة الآية ‪ ،)82‬بهذا ال�سلوك يا �أبنائي الأعزاء‬ ‫‪47‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫دون غيره تردُّون كيد الفرن�سيين �إلى نحورهم‪ ،‬وتعيدون جحافلهم �إلى جحورهم‬ ‫ٌ‬ ‫متطاول»‪.‬‬ ‫وتنعمون بالحرية ال يتطاول بعدها �إليكم‬ ‫راق‪ ،‬يرف�ض رف�ض ًا بات ًا ال�صراع الطائفي‪،‬‬ ‫وعي‬ ‫�سيا�سي ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫وينطوي هذا الموقف على ٍ‬ ‫عقائدي من ناحي ٍة‪ ،‬و�أهمية‬ ‫ديني‬ ‫ٍّ‬ ‫مهما تكن ذريعته‪ ،‬وهو ي�ستند في ذلك �إلى ٍ‬ ‫موقف ٍّ‬ ‫الوحدة الوطنية ك�ضرور ٍة ثابت ٍة ال يمكن تجاوزها من ناحي ٍة �أخرى‪ ،‬ف�ض ًال عن �أنها‬ ‫ٌ‬ ‫�شرط من �شروط الإنت�صار على المحتل‪ ،‬كما �أ َّنه يت�ضمن �إدراك ًا لأهمية وقيمة الوجود‬ ‫الم�سيحي في لبنان والمنطقة‪.‬‬ ‫وال ُيخفى �أن هذا الموقف ظل �أحد ثوابت الموقف ال�شيعي‪ ،‬على مدى التاريخ ال�سيا�سي‬ ‫تم�س ٍك �أكثر من‬ ‫اللبناني‪ ،‬رغم التعقيدات التي م َّر بها �أثناء الحرب الأهلية‪ ،‬واليوم‪ ،‬ثمة ُّ‬ ‫وقت م�ضى بالوجود والدور الم�سيح َيين في لبنان والمنطقة �سما في �ضوء التحديات‬ ‫�أي ٍ‬ ‫والتهديدات المتفاقمة‪.‬‬ ‫ونحن نرى في ر�ؤية العماد عون ومقارباته لفهم الدور الم�سيحي الم�شرقي‪� ،‬إعادة‬ ‫وت�صحيح لل�سياق التاريخي من ال�شوائب التي تعتريه‪...‬وي�شكل‬ ‫أ�صيل لهذا الوجود‬ ‫ت� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�ضمان ًا ذاتي ًا لحماية الم�سيحيين من خالل �إعادة تمو�ضعهم في موقعهم الطبيعي‬ ‫الريادي في الدفاع عن الق�ضايا الوطنية والقومية‪.‬‬ ‫رابعاً‪� :‬إن خطاب العالمة المقد�س ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ينحكم برمته‬ ‫لرف�ض فكرة الأقليات بموجباتها ال�سيا�سية‪ ،‬ويتعاطى على قاعدة الإنتماء �إلى �أ َّم ٍة‬ ‫ح�سا�سيات �سني ٍة ‪� -‬شيعي ٍة‪ ،‬هذا ما يظهره‬ ‫أخ�ص �أية‬ ‫ٍ‬ ‫واحد ٍة‪ ،‬متجاوز ًا على نح ٍو � َّ‬ ‫موقفه من مبايعة الأمير في�صل‪ ،‬وفي رواي ٍة ذات دالل ٍة يورد ال�شيخ �أحمد قبي�سي في‬ ‫كتابه «حياة الإمام �شرف الدين» حادث ًة فيقول «وفي دم�شق بعث الملك في�صل مع‬ ‫مبعوثه الخا�ص �إح�سان الجابري �إلى �سماحة ال�سيد بدر ًة فيها خم�سة �آالف دينا ٍر‬ ‫من الذهب‪ ،‬ف�أبى ال�سيد �أخذها قائ ً‬ ‫ال‪ :‬لم تكن ثورتنا من �أجل المال‪ ،‬ولكنها‬ ‫عقيد ٌة ديني ٌة ن�ستجيب لها كلما خ�شينا على تراث محمدٍ ب�أن ُي�صاب»‪.‬‬ ‫كما �أن الق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬ح�ضرت في الإهتمامات الالحقة للإمام �شرف الدين‬ ‫بو�صفها ق�ضية العرب والم�سلمين الأ�سا�سية‪ ،‬حيث �أبرزت ر�سائله ومواقفه وخطبه‬ ‫خطورة ما تتعر�ض له‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫الدكتور حسن يعقوب‬ ‫الوحدة اإلسالمية والوطنية أساس اإلنتصار‬ ‫(((‬

‫'الوحدة اإلسالمية والوطنية ودورها في اإلنتصار‬

‫�إحترت في هذا اللقاء الفكري حول البعد القيمي لهذه البقعة الجغرافية «وادي‬ ‫الحجير» الذي �ساهم في �صناعة تاريخ انت�صارنا على الحركة ال�صهيونية‪.‬‬ ‫المو�ضوع في حد ذاته مه ٌم وعمي ٌق جد ًا‪ ،‬ثم �إن اعتبار هذا المو�ضوع حلق ًة من م�صادر‬ ‫الثقافة وتر�سيخ الموقف الوطني في لبنان‪ ،‬وي�ضيف جانب ًا جديد ًا ثقافي ًا وتاريخي ًا ي�شمل‬ ‫حق ًال مترامي الأطراف ومتنوع الجوانب‪.‬‬ ‫�إنَّ البحث في الوحدة الإ�سالمية والوطنية ودورها الأ�سا�س في الإنت�صار التاريخي‬ ‫والإ�ستراتيجي‪ ،‬والذي �أ�س�س لزمن الإنت�صارات و�صو ًال �إلى تحرير �أر�ضنا المغت�صبة وقد�سنا‬ ‫ال�شريف‪ ،‬يمتد هذا البحث �إلى عمق تاريخنا‪ ،‬وما جوالت روح اهلل ال�سيد الم�سيح ‪Q‬‬ ‫المباركة‪ ،‬والأثر الطيب لل�صحابي الجليل «�أبي ذ ٍر الغفاري»‪� ،‬إلى م�ساهمة علماء جبل عامل‬ ‫في تو�سيع الثقافة والح�ضارة والعلوم ونقلها �إلى �سائر �أقطار العالم‪.‬‬ ‫ك ُّل هذا وغيره يتجاوز �إمكانية البحث عنه في محا�ضر ٍة واحد ٍة‪ ،‬ف�إنَّ م�ستوى‬ ‫نائب �ساب ٌق في البرلمان اللبناني‪.‬‬ ‫((( ٌ‬

‫‪49‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫المحا�ضرين والحا�ضرين‪ ،‬وم�ستوى الجهة الداعية الجليلة يجعل حقل المحا�ضرة حق ًال‬ ‫جامعي ًا عالمي ًا‪.‬‬ ‫ورغم هذه الظروف ال�سيا�سية ال�صعبة‪ ،‬والإ�سفاف والت�ضليل وت�أثيره ال�سلبي على‬ ‫مفهوم الوحدة الوطنية‪،‬وهو ما جعلني �أحتار في اختيار الجانب الذي ينا�سب التحدث‬ ‫به‪ ،‬وارت�أيت �أن �أ�ضيء على بع�ض المحطات الأ�سا�سية في الموقع والموقف‪ ،‬و�أف�سر‬ ‫العنوان العام للمحا�ضرة و�أو�سع مدلوله‪...‬‬ ‫أو ً‬ ‫ال‪:‬الوحدة في العقيدة‬

‫ثابت ووا�ض ٌح في القر�آن الكريم وفي الحديث ال�شريف‪،‬‬ ‫�إنَّ ر�أي الإ�سالم في الأديان ٌ‬ ‫محمد‪ P‬هي العقد الأخير من �سل�سلة الأديان‬ ‫حيث �إنَّ القر�آن يعلن �أنَّ ر�سالة‬ ‫ٍ‬ ‫الإلهية‪ ،‬و�إنَّ محمد ًا‪ P‬هو خاتم الأنبياء م�ؤمنٌ بهم وم�صد ٌق ب�أنهم ر�سل ر ِّبه } ُق ْل َما‬ ‫ُكن ُْت بِدْ ًعا مِ َن ال ُّر ُ�س ِل {(الأحقاف الآية ‪.)9‬‬ ‫}�آَ َم َن ال َّر ُ�س ُ‬ ‫ول ِب َما �أُ ْن ِز َل ِ�إلَ ْيهِ مِ ْن َربِّهِ َوا ْل ُم�ؤْمِ نُو َن ُك ٌّل َ �آ َم َن بِا ِهلل َو َم اَل ِئ َكتِهِ َو ُكتُبِهِ َو ُر ُ�سلِهِ اَل نُ َف ِّر ُق‬ ‫بَ ْي َن �أَ َحدٍ مِ ْن ُر ُ�سلِهِ {(البقرة الآية ‪.)285‬‬ ‫والقر�آن ي�ؤكد �أي�ض ًا �أنَّ دين اهلل واح ٌد وي�سميه (الإ�سالم)‪ ،‬ويعتبر �أنَّ جميع الأنبياء‬ ‫يب�شرون به‪ ،‬وقد جعل اهلل ٍّ‬ ‫كانوا ِّ‬ ‫لكل منهم ِ�شرع ًة ِومنهاج ًا }� َش َر َع لَ ُك ْم مِ َن الد ِ​ِّين َما َو َّ�صى‬

‫و�سى َوعِ َي�سى �أَ ْن �أَقِي ُموا الد َِّين َو اَل تَتَ َف َّر ُقوا‬ ‫بِهِ نُ ً‬ ‫وحا َوالَّذِ ي �أَ ْو َح ْينَا ِ�إلَ ْي َك َو َما َو َّ�ص ْينَا بِهِ ِ�إ ْب َراهِ ي َم َو ُم َ‬ ‫فِيه{(ال�شورى الآية ‪.)١٣‬‬

‫كثير من الآيات القر�آنية نجد القر�آن ينقل عقائد و�أحكام ًا وق�ص�ص ًا عن‬ ‫وفي ٍ‬ ‫الر�ساالت ال�سماوية ويعتمد عليها‪.‬‬ ‫والمجتمع كالج�سد الواحد في ر�أي الإ�سالم «�إذا ا�شتكى منه ع�ض ٌو تداعى له �سائر‬ ‫ٌ‬ ‫الأع�ضاء بال�سهر والحمى» حديثٌ‬ ‫�شريف‪ ،‬والإن�سان �أي�ض ًا في ر�أي الإ�سالم موجو ٌد‬ ‫واح ٌد بج�سمه وروحه وحد ًة متكامل ًة متفاعل ًة‪.‬‬ ‫�إنَّ الم�ؤمن ال ي�شعر بالوحدة والوح�شة‪ ،‬بل ي�شعر بمواكبة الكون فيطمئنُّ ب�أ َّنه منت�ص ٌر‬ ‫‪50‬‬


‫������������������������������������������� ‬

‫ِين َوا ْل َم اَل ِئ َك ُة بَ ْع َد َذل َِك َظهِ ي ٌر {(التحريم الآية‬ ‫} َف�إِ َّن اهللَ ُه َو َم ْو اَل ُه َوجِ ْب ِر ُيل َو َ�صال ُِح ا ْل ُم�ؤْمِ ن َ‬ ‫�ضروري بالن�سبة لحملة الر�ساالت و�أ�صحاب المبادئ والمجاهدين‬ ‫‪)٤‬وهذا ال�شعور‬ ‫ٌّ‬ ‫الذين يحاولون �إعادة بناء الإن�سان ومجتمعه‪.‬‬ ‫مانع من بع�ض الت�شابه في العقائد‬ ‫�إذا الحظنا هذا المنطق فال نجد �أ َّية غراب ٍة �أو � َّأي ٍ‬ ‫والأحكام والأخالق الإ�سالمية مع الأديان ال�سماوية الأخرى‪.‬‬ ‫َّا�س‬ ‫لذلك �إ َّننا ن�ؤمن �أن التفاعل الديني والح�ضاري يحقق الغاية من الخلق }يَا �أَ ُّي َها الن ُ‬ ‫�إِنَّا خَ َل ْقنَا ُك ْم مِ ْن َذ َك ٍر َو�أُ ْنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُ�ش ُعوبًا َو َقبَائ َِل ِلتَ َعا َر ُفوا{ (الحجرات الآية ‪.)١٣‬‬ ‫ولبنان ب�صور ٍة خا�ص ٍة حيث يلتقي �أبناء الديانات ويعي�شون �أخو ًة مواطنين‪ ،‬وتجتمع‬ ‫�ألوا ٌن من الثقافة والح�ضارة والتيارات الفكرية‪ ،‬من الما�ضي والحا�ضر ومن ال�شرق‬ ‫والغرب‪ ،‬هذا البلد الذي ُي َع ُّد �ضرور ًة ديني ًة يرفع عن الأديان تهمة التع�صب وتق�سيم‬ ‫الب�شرية وتجزئتها‪ ،‬و�ضرور ًة ثقافي ًة ي�سهل عليه �أن يكون ل�سان ًا و�سمع ًا للإ�ستماع‬ ‫والمخاطبة بين ال�شرق والغرب وبين القارات‪.‬‬ ‫هذا البلد لبنان له تجارب �إن�ساني ٌة غني ٌة يمكن الإ�ستفادة منها‪ ،‬وال يعرف في تاريخه‬ ‫�إ�ضطهاد ًا ال ليهود وال لغيرهم‪.‬‬ ‫�إنَّ التفاعل بين اللبنانيين يعالج كثير ًا من م�شاكلنا‪ ،‬ويدفع �أخطار ًا تعر�ضنا لها‬ ‫مرات‪ ،‬ويخدم الإن�سان وال�سالم مع ًا‪.‬‬ ‫ثانيا‪:‬الوحدة في السياسة وعلم االجتماع‬

‫�إنَّ الوحدة الوطنية وتما�سك الن�سيج الوطني اللبناني هو الرد المبا�شر على الفتن‬ ‫والنزاعات التي د�أبت «�إ�سرائيل» على �صناعتها منذ �أن ُزرعت في قلب الأمة والمنطقة‪،‬‬ ‫موقف وتعبير ٍ كان للإمام مو�سى ال�صدر قائ ًال «�إ َّن ال�سلم الأهلي في لبنان هو‬ ‫و�أف�ضل ٍ‬ ‫�أف�ضل وجوه الحرب مع �إ�سرائيل»‪.‬‬ ‫�إنَّ الفئة القائدة لل�صراع مع «�إ�سرائيل» ت�ضع هذا الهدف في �أعلى ُ�س َّلم �أولوياتها‪،‬‬ ‫وتقدِّ م في �سبيله كل التنازالت‪ ،‬حتى ولو كانت حقوق ًا مكت�سب ًة وتتعامل مع � ِّأي �إ�شكالي ٍة‬ ‫‪51‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫بمنطق � ِّأم ال�صبي‪ ،‬لدرجة �أنَّ العدو يعتمد �إ�ستراتيجية الإ�ستغالل والإبتزاز‪ ،‬وي�ضغط‬ ‫دائم ًا على هذا الجرح‪.‬‬ ‫�إنَّ م�شروع ال�شرق �أو�سط الجديد الذي ب�شر به محافظو الواليات المتحدة االمريكية‪،‬‬ ‫عرقي �أو‬ ‫طائفي �أو‬ ‫واحد‬ ‫يرتكز على تق�سيم المنطقة �إلى‬ ‫لون ٍ‬ ‫دويالت ذات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مذهبي �أو ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫إثني‪ ،‬الهدف من كل ذلك المخطط هو تق�سيم المق�سم وتفتيت المفتت‪ ،‬وت�شريع اللون‬ ‫� ٍّ‬ ‫الواحد اليهودي على الأرا�ضي العربية المغت�صبة‪ ،‬وتفكيك َمن حولها و�إ�ضعافها‪ ،‬وخلق‬ ‫النزاعات فيما بينها وت�شتيتها‪.‬‬ ‫وعلى هذا الأ�سا�س ف�إنَّ التنوع والتعدد الطائفي في لبنان ٌ‬ ‫نقي�ض وا�ض ٌح لأحادية اللون‬ ‫اليهودي «الإ�سرائيلي»‪ .‬و�إنَّ �إنجاح النموذج اللبناني والدفاع عنه هو �إف�شا ٌل للم�شروع‬ ‫الآخر‪ ،‬العتبار �أ َّنه في منطق علم الإجتماع وال�سيا�سة ال يمكن لكيانين متجاورين‬ ‫متناق�ضين بالتكوين �أن ينجحا وي�ستمرا في الوقت عينه‪ ،‬فال بد لأحدهما �أن ينجح و�أن‬ ‫يف�شل الآخر‪.‬‬ ‫أهمية الموقع‪:‬‬

‫�أمام التح ُّول التاريخي والإ�ستراتيجي النت�صار تموز‪ ،٢٠٠٦‬و�صدمة العالم الداعم‬ ‫لل�صهيونية وخيبته من �سقوط الأ�سطورة التي ال تقهر‪ ،‬المدججة بال�سالح من ر�أ�سها‬ ‫حتى �أخم�ص قدميها‪ ،‬وانتقال «�إ�سرائيل» من واقع الذراع الع�سكري المتقدم لأميركا‬ ‫كيان يحتاج �إلى الحماية والدفاع عنه‪ ،‬ف�إنَّ وادي‬ ‫والغرب �إلى عبءٍ وم�شكل ٍة‪ ،‬و�إلى ٍ‬ ‫الحجير كان �أحد المفا�صل المهمة‪ ،‬والب�صمة الوا�ضحة في ذاكرة الإنت�صار وفي‬ ‫هواج�س العدو اال�سرائيلي‪ ،‬حيث �أُريد لهذه البقعة الجغرافية �أن تكون م�سرح ًا لغد ٍر‬ ‫محدود‬ ‫خبيث ولمحاول ٍة يائ�س ٍة ربما تقلب �صورة الهزيمة «الإ�سرائيلية» �إلى انت�صا ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يرمم ب�شاعة ال�سقوط الع�سكري المدوي‪ ،‬ولكن اهلل �سبحانه وتعالى والم�ؤمنون به مكروا‬ ‫وكانوا خير الماكرين‪ ،‬وع َّمقوا الهزيمة و�أناروا الإنت�صار بالمحطة الأبرز في الحرب‪،‬‬ ‫والتي عرفت بمجزرة الميركافا فخر ال�صناعة «الإ�سرائيلية»‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫������������������������������������������� ‬

‫و�إليكم الخديعة والغدر‪ ،‬ففي يوم الجمعة في ‪� ١١‬آب في مجل�س الأمن‪ ،‬تم الت�صويت‬ ‫على القرار ‪ ،١٧٠١‬ول�سنا هنا في معر�ض الحديث عن المفاو�ضات و ُق َطب ‪ ١٧٠١‬المخف َّية‬ ‫التي ال تتنا�سب مع حجم انت�صارنا‪ ،‬ولكن ما يعنينا في هذا ال�سياق هو �أ َّنه في متن‬ ‫القرار �أنَّ يوم الإثنين موعد �سريان وقف الأعمال الع�سكرية بين الطرفين‪ ،‬ولكن القرار‬ ‫خرق في م�شهد الهزيمة التي‬ ‫يمكن �إف�شاله والإنقالب عليه فيما لو حققت «�إ�سرائيل» � َّأي ٍ‬ ‫ُمنيت بها‪َّ ،‬‬ ‫ولعل ‪ ‬ما ُي�س َّمى بالمجتمع الدولي كان متواطئ ًا مع «�إ�سرائيل» حيث �إ َّنه في‬ ‫يومي ال�سبت والأحد ح�شدت «�إ�سرائيل» �آالتها الع�سكرية وهاجمت‪ ،‬ول�سوء حظها وخيبة‬ ‫مكرها‪ ،‬تح َّول الغدر والخديعة �إلى م�صيد ٍة �أو مجزر ٍة ا�شتهرت بمجزرة الميركافا في‬ ‫ني الجي�ش «الإ�سرائيلي» ب�أكبر قد ٍر من الخ�سائر الب�شرية والمادية‬ ‫وادي الحجير حيث ُم َ‬ ‫مقارن ًة مع وتيرة الثالثين يوم ًا للحرب الظالمة‪.‬‬ ‫وبذلك �صنع وادي الحجير �أكبر انتكا�س ٍة معنوي ٍة وع�سكري ٍة‪ ،‬وحفر عميق ًا في تكري�س‬ ‫الهزيمة والإحباط والي�أ�س الذي يحطم معنويات العدو‪ ،‬وي�شطب خديعة �أر�ض الميعاد‬ ‫دائم والعالم‬ ‫و�شعب اهلل المختار‪ ،‬و�أنهم قو ٌم ال ُيق َهرون ومحميون ويعي�شون با�ستقرا ٍر ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وخائف‪.‬‬ ‫م�ضطرب‬ ‫من حولهم‬ ‫ٌ‬ ‫أ�سباب كثير ٍة لم ُيتَح الوقت للتحدث فيها‪ ،‬ف�إنَّ الإنت�صار والوحدة‬ ‫لكل ما �سبق ول ٍ‬ ‫يقين ب�أنَّ َّ‬ ‫كل بقع ٍة من �أر�ضنا الطاهرة‬ ‫ووادي الحجير �أمو ٌر متالزم ٌة ال تفترق‪ ،‬و�إ َّننا على ٍ‬ ‫تدمر الغزاة‪ِّ ،‬‬ ‫وتر�سخ منطق‬ ‫�ستكون وادي الحجير‪� ،‬أر�ض ًا ملتهب ًة ِّ‬ ‫وتوطئ للقادمين‪ِّ ،‬‬ ‫أياد ال تتعب‪،‬‬ ‫الوحدة الإ�سالمية والوطنية‪ ،‬التي ت�سهر عليها عيو ٌن ال تنام وت�ؤازرها � ٍ‬ ‫وترعاها عقو ٌل ح�سيني ٌة ال تتخاذل‪ ،‬و�إنَّ وعد اهلل ح ٌق و�إنَّ �أهل الثغور من�صورون ب�إذن‬ ‫اهلل تعالى‪ ‬‬ ‫وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬

‫‪53‬‬



‫محمد كوراني‬ ‫الدكتور‬ ‫ّ‬ ‫دور علماء جبل عامل في مواجهة اإلحتالل الفرنسي‬ ‫(((‬

‫لقد تع ّود العامليون منذ زمن بعيد‪�،‬إطاعة علمائهم واحترامهم وتبجيلهم‪،‬الن‬ ‫�سلطتهم كانت تفوق كل �سلطة وتتط�أط�أ لها الر�ؤو�س وتحنى لها الرقاب‪ ،‬ال ل�شيء �إال‬ ‫لأنهم مجتهدون‪� .‬إليهم يرجع الق�ضاء وف�صل الخالف بين النا�س‪ .‬وكانت فتاويهم حكما‬ ‫مبرما اليقبل النق�ض‪ .‬يوجب على الحاكم الزمني العمل بن�صه ولو كان �ضد الحاكم‬ ‫نف�سه‪ .‬وكانت �سيرة �أولئك العلماء الأبرارفي ذاك العهد خير �سيرة اتّ�صف بها عالم‬ ‫�أحاط نف�سه ب�أ�سرار ال�شريعة الإ�سالمية المط ّهرة وان�صرف �إلى التدري�س والإر�شاد‬ ‫وعا�ش عي�ش الزهد والقناعة ال ي�ستهويه مال وال تغريه زخارف الدنيا(‪ )1‬و�إذا ما قلبنا‬ ‫بطن التاريخ �إلى ظهره ف�إ ّنه يتراءى لنا بو�ضوح تام‪ ،‬دور ال�شهيد الأول في زمن المماليك‪،‬‬ ‫حفظه لل�ش ــريعة الإ�سالمية و�إر�ساء خط الوالية من خالل محاربته لخارج مارق‪ ،‬هو‬ ‫اليالو�شي‪ .‬ولم يتوانى المحقق الكركي عن �ش ّد الرحال �إلى �إيران ليث ّبت في هذا البلد‬ ‫خط الوالية الم�ستقيم‪ ،‬وتبعه ال�شيخ البهائي‪ ،‬ومن قبله ال�ش ــهيد الثاني الجبعي الذي‬ ‫دفع حياته ثمنا في �سبيل العقيدة‪� ،‬أمام �سلطة جائرة‪ ،‬هي الدولة العثمانية‪.‬وكذلك فعل‬ ‫((( باحث وم�ؤرخ‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ال�شيخ علي الزين في مقارعة الطاغية الج ـ ــزارو�أدار الثورة والثوار �إلى جانب عدد من‬ ‫نخبة العلماء دفعوا حياتهم ثمنا في �سبيل تثبيت خط الوالية والت�شيع لآل البيت عليهم‬ ‫ال�سالم‪...‬والدولة العثمانية هذه‪،‬كانت قد و�صلت �إلى حالة مزرية في نهايات القرن‬ ‫التا�سع ع�ش ــر‪ ،‬وكانت تلقب بالرجل المري�ض‪..‬ولما دخلت هذه الدولة الحرب �إلى جانب‬ ‫�ألمانيا والنم�سا‪ ،‬كانت بمثابة ال�شريك الخا�سر‪ ..‬ولم تنجل الحرب ا ّال بـهزيمــة تركيا‬ ‫وحلفائها على يد الحلفاء الفرن�سيين والإنكليز وان�سحب الوالة والحكام من المدن‬ ‫الرئي�س ــية‪..‬و�أخلى الجنود الأتراك مدينة دم�شق وكل بالد ال�شام وفي �أول ت�شرين الأول‬ ‫عام ‪�1918‬أِعلن ت�شكيل الحكومة العربية فيها(‪ )2‬و�أر�س ــلت البرقيات �إلى زعماء جبل‬ ‫عامل وبيروت �أن يرفعوا الراية العربية في كل من بيروت وبعبدا و�صيدا والنبطية و�صور‬ ‫ومرجعيون‪ .‬وو�صلت الحملة الع�سكرية التابعة للحلفاء بقياد ة المار�شال هنري اللنبي‬ ‫�إلى �صور و�صيدا في طريقها �إلى بيروت فحلب‪.‬‬ ‫ثم راحت قوات الحلفاء تن�شـ ــر الإعـالن تلوى الإعـالن يمنع النا�س من التجمع‬ ‫والتظاهرات والتعبير عن الفرح بزوال كابو�س الأتراك‪ .‬ت�سارعت الأحداث وبد�أال�سـّباق‬ ‫بين جناحي الإ�ســتعمار‪ :‬الإنكليز والفرن�سيين‪ ،‬ف�آلت فل�س ــطين للإنكليز وال�ساحل‬ ‫اللبناني ال�سوري للفرن�سيين وتق ّدمت قوات الثورة العربية بقيادة الأمير في�صل بن‬ ‫ال�شريف ح�سين نحو دم�ش ــق‪ .‬وهكذا‪..‬كا نت هذه القوات تطبق واقع معاهدة �سايك�س‬ ‫بيكو‪ ..‬وبد�أالعـرب ي�شعرون �أن وعود الحلفاء لم تكن �س ــوى �سـراب يح�سبه الظم�آن ماء‪.‬‬ ‫وقد �أ�شار ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين �إلى ذلك‪« :‬وفي �أعقاب تلك الحرب‪...‬‬ ‫انتهت فل�ســــطين �إلى الإحتالل الإنكليزي‪ ،‬وانتهت دم�شق �إلى الإمارة الها�شمية‪.‬‬ ‫وكان ن�صيبنا من التق�سيم يومئذ ن�صيبا لم تجر فيه الرياح كماكنا ن�شتهي وكما كنا‬ ‫نقدّر‪ ،‬ولكن ابتد�أ ن�شاطنا على كل حال وفق �آمالنا‪...‬ف�أن�ش�أنا في �صور يومئذ حكومة‬ ‫تحفظ الأمن با�سم ال�شريف ح�سين»(‪.!!)3‬‬ ‫‪..‬لكن الإنكلز �أبطلت هذا التدبيرالذي رجوناه لم�ستقبل عربي م�ستقل‪ ،‬و�إذاجتاحت‬ ‫في مرورها مابنيناه‪ ...‬ولم تعترف ب�شيء من هذا الجهدالم�ؤمل وبذلك ُ�شطب على‬ ‫‪56‬‬


‫يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود‬

‫الخطوة الأولى و ُم ّهد لفرن�سا �أن تحتل وت�سـيطر باتفاق مع ع�صبة الأمم‪...‬ولكن ماكان‬ ‫لنا ول�سائر المخل�صين �أن ن�ستكين للقوة م�ست�سلمين(‪.)4‬‬ ‫ا�ستقبل العامليون الإحتالل الفرن�سي ا�ستقباال �صاخبا محتجا يواجهها بالرف�ض‬ ‫والم�صارحة والميل عنها ميال الهوادة فيه واللين(‪.)5‬‬ ‫وقد �أورد ال�سيد �شرف الدين في مذ ّكراته المخطوطة مجابهته مع قادة فرن�ســا‬ ‫في لبنان‪.. :‬ثم كانت لنا مواجـ ـ ـ ــهات مع الم�سيطرين من الفرن�سيين كبيكو وغورو‬ ‫و�شربنتييه ودلب�ستر ونيجر (‪.)6‬‬ ‫ت�ضم الأق�ضـية الأربعة‪ ،‬فكان رف�ض‬ ‫مو�سعة ّ‬ ‫بد�أ�سعي الفرن�سيين لإقامة دولة مارونية ّ‬ ‫العامليين �شـديد ًا‪..‬فاندلعت الحروب والمعارك بين المحتلين والعامليين الم�ســلمين‪.‬‬ ‫تق�صي الحقائق (لجنة كينغ‪-‬كراين)‪.‬‬ ‫وحين و�صول لجنة ّ‬ ‫�إلى �صــيدا قابلها العالمان الكبيران‪ :‬ال�شيخ ح�سن مغنية وال�سيد عبد الح�ســين �شـرف‬ ‫الدين وق ّدما لها وثيقة با�س ــم جبل عامل كله يطلبان الإ�ستقالل ورف�ض الإحتالل رف�ضا‬ ‫قاطع ًا‪ .‬وكان جبل عامل من �أكثر المناطق العربية في بالد ال�شام حما�سـة للتحــررمن‬ ‫نير الإحتالل الفرن�ســي‪ ،‬وكثيرا ماكان ابنا�ؤه ي�ســارعون �إلى المبادرة بالرف�ض‬ ‫والع�صيان والثورة‪ ،‬م�ســتر�شـ ــدين بتوجيهات علمائهم‪،‬مطالبين با�ستقالل منطقتهم‪،‬‬ ‫�ضمن ا�ستقالل البالد ال�شامية كافة(‪..)7‬وعندما تك�شفت نوايا الحلفاء‪ ،‬راحت فرن�سا‬ ‫تكيد لل�سوريين واللبنانيين بمن فيهم العامليين‪.‬اندلعت الحروب والمعارك في جبل‬ ‫عامل‪ ,‬وبد�أت الفرق الفرن�سية بالتقهقر في بع�ض مواقعها‪ ،‬وح�صرت ع�ساكرها في‬ ‫المدن الهامة‪ .‬وكان من �أبرز الوجوه العلمائية التي ت�ص ّدت لهذه الغزوة الإ�ستعمارية‬ ‫الجديدة العالم الكبير ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪..‬الذي كان را�سخ اليقين‪،‬‬ ‫دائب الحركة‪ ،‬يدور مع المحتلين مدافع ًا �أو مطا ِرد ًا‪ ،‬حيثما داروا‪ ،‬وعندما �أفتى بالجهاد‬ ‫�ضـ ـ ّدهم حكموا عليه بالإعدام وطاردوه‪ ،‬ولم يتزحزح عن مواقفه المبدئ ّية قيد �شعرة‬ ‫حي يرد دائم ًا‪� :‬إن لم �أقف حيث جي�ش الموت يزدحم فال م�شت بي في ًط ْرق العلى قدم‬ ‫وقبل �أن يتحفز ال�سوريون للثورة �ضد الفرن�سيين كان ال�سيد �شرف الدين قطب رحى‬ ‫‪57‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫هذه الثورة في جبل عامل فعزم الفرن�سيون وعزمت ذيولهم على التخ ّل�ص من ال�سيد‬ ‫�شرف الدين عن طريق الإغتيال لتنهارهذه الجبهة �إذا �أزيح من الميدان فدفعت فرن�سا‬ ‫�أحد عمالئها(جورج الحالج)�أن يقتحم دار ال�سيد �شرف الدين في �صور لينتزع منه‬ ‫التّفوي�ض الذي �أخذه ال�سيد من وجوه جبل عامل وعلمائه‪،‬والذي يخ ّول الملك في�صل �أن‬ ‫يتكلم با�سم جبل عامل في ع�صبة الأمم‪.‬يقول ال�سيد �شرف الدين في مذكراته‪ :‬ف�ألح‬ ‫في �إنفاذ ما�أراد بق ّلة حياء ف�أغلظت له القول ف�ص ّوب م�س ّد�سه اتجاه وجهي ففاج�أته‬ ‫بدفعة منكرة‪� ...‬ألقته على قفاه و�سقط الم�سد�س من يده فبادرته بحذائي �ضربا على‬ ‫وجهه وف ّر �أ�صحابه(‪ )8‬زحفت الجموع العاملية بااللوف من علماء و�أ دباء ورجال �سيا�سة‬ ‫وعامة النا�س‪ ،‬ي�ستنكرون هذه الحادثة و�أر�سل رجاالت الثورة العربية برقيات الإ�ستنكار‬ ‫ومنهم في�صل‪ ،‬ف�أجاب ال�سيد �شرف الدين الجميع بكلماته‪� :‬إن ابن الحالج‪�..‬أداة غدر‬ ‫وو�سيلة فتنة‪..‬وال غرو �إن كان لنا معه ومع من وراءه ماكان‪ ،‬وما يكون فالها�شمي ال‬ ‫ُتع�صب �سلماته وال ُتقرع جنباته‪...‬فكيف يلين الها�شمي لحادث �أو يلب�س مالب�س الخوف‪،‬‬ ‫(‪)9‬‬ ‫«حا�شى حفاظ بني الح�سين»‬ ‫لج�أ الإحتالل �إلى ت�أليف فرق ع�سكرية موالية له لقمع الإنتفا�ضات والثورات ونظم‬ ‫فرقا ع�سكرية م�س ّلحة لمحاربة الثوار(‪ )10‬فد ّبت الفو�ضى في طول البالد وعر�ضها‪،‬‬ ‫فما كان من ال�سيد �شرف الدين �إال�أن اتفق مع زعيم البالد العاملية كامل الأ�سعد على‬ ‫عقد م�ؤتمرعام‪ ،‬ي�ضم علماء البالد وزعماءها و�أهل الر�أي بها والثوار(‪ )11‬خ�صو�صا‬ ‫�أن �سوريا طلبت من قادة جبل عامل ال�سيا�سيين موقفا وا�ضحا من الإن�ضمام �إليها‪،‬‬ ‫و�أر�سلت اثنين من رجالها للت�أكيد على ذلك‪....‬وكان م�ؤتمر وادي الحجير‪ ،‬الذي يتو�سط‬ ‫البالد العاملية ويوجد فيه الماء والكلوقد ن ّبه ال�سيد �شرف الدين �إلى حراجة الموقف‬ ‫فقال‪..... :‬وكان هذا الطلب من الأمور المه ّمة ذوات البال التي دعت �إلى عقد الم�ؤتمر‬ ‫التاريخي في الحجير‪ ،‬ف�إن المفكرين في عاملة �أخذوا هذا الطلب على �أنه �شاق طرفيه‬ ‫فهم �إن �أجابوه ففرن�سا دولة قوية غنية ومجهزة القبل لهم بها‪ ،‬و�إن امتنعوا عنه فهذه‬ ‫(‪)12‬‬ ‫جبهة وطنية تدعوهم �إلى الجهاد الوطني وذلك ماال قبل لهم بالإمتناع عنه �أي�ضا‬ ‫‪58‬‬


‫يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود‬

‫كان الوجه العلمائي في الم�ؤتمر هو االبرزوالأهم حيث حفظت لنا بع�ض الوثائق العاملية‬ ‫�أ�سماء لفيف من العلماءالكبارممن ح�ضروا الم�ؤتمر وكانوا يمثلون وجه الأمة العاملية‬ ‫و�آمالها و�أمانيها وتطلعاتها‪ .‬ف�إ�ضافة �إلى الداعي الأول للم�ؤتمرال�سيد عبد الح�سين‬ ‫�شرف الدين ح�ضر الثالوث العاملي (ال�شيخ �أحمد ر�ضا ـ ال�شيخ �سليمان ظاهرـ محمد‬ ‫جابر �آل �صفا) وال�سيد عبد الح�سين نور الدين وال�شيخ ح�سين مغنية وال�سيد عبد‬ ‫الح�سين محمود الأمين وال�سيد جواد مرت�ضى وال�شيخ مو�سى قبالن وال�شيخ يو�سف‬ ‫الفقيه وال�شيخ عزالدين علي عزالدين وال�شيخ ح�سين �سليمان وال�شيخ حبيب مغن ّية‬ ‫وال�شيخ عبد اهلل عزالدين وغيرهـم‪�،‬إ�ضافة �إلى الوجهاء والزعماء ور�ؤ�ساء الع�صابات‬ ‫(الثورة)‪ ..‬وكان �شيعة جبل عامل قد توافد وا�صبيحة ‪24‬ني�سان �إلى الوادي المذكور من‬ ‫كل حدب و�صوب‪ ،‬وق ّدر ال�شيخ �سليمان ظاهر الح�ضور ب�ستماية رجل فيهم ُجل علماء‬ ‫البالد و�أعيانها ومفكريها(‪.)13‬‬ ‫وبعد جل�سات متع ّددة قرروا الأمور التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬تنظيم الئحة بالم�صادقة على مقرات الم�ؤتمر ال�سوري‪.‬‬ ‫‪ -2‬انتداب وفد من العلماء يحمل �أماني العامليين �إلى العا�صمة ال�سورية‪.‬‬ ‫‪ -3‬عواطف الإخال�ص والتبريك لفي�صل ملك �سوريا‪.‬‬ ‫‪ -4‬اعتبار جبل عامل مقاطعة م�ستقلة ا�ستقالال �إداريا مرتبطا بالإتحاد ال�سوري‪.‬‬ ‫‪ -5‬تفوي�ض العامليين للعلماء تفوي�ضا مطلقا بتقرير كل مايعود على جبلهم بالنفع(‪.)14‬‬ ‫وحينما و�صل ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين «�ضاق الوادي بالرايات و�ضج‬ ‫بالهتافات ود ّوى بالمفرقعات وال�صهيل وك�أن عاملة ث�شرت فيه ببعث جديد(‪»)15‬‬ ‫مل ّمحا ‪� -‬أي ال�سيد �شرف الدين ‪� -‬إلى الما�ضي البعيد و�إلى �أمجادعاملة‪..‬وا�ستقبل‬ ‫ال�سيد بالت�صفيق والطلقات النارية مما يوجب الإ�ستنتاج ب�أن العامليين كانوا يثقون كل‬ ‫الثقة بعلمائهم في حل الأزمة والحكم في الخالف القائم �آنذاك(‪ .)16‬وبعد لقاء ال�سيد‬ ‫�شرف الدين مع الجماهير المحت�شدة في الوادي انتقل �إلى �صفوف العلماء والزعماء‬ ‫للت�شاورحيث تم توقيع الوثيقة ال�صادرة عن الم�ؤتمر من قبل الوجهاء وممثلي القرى‬ ‫‪59‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫والزعماء وتمخ�ض الإجتماع عن تفوي�ض العالمتين ال�سيدعبد الح�سين �شرف الدين‬ ‫وال�سيد عبد الح�سين نور الدين ومالقاة ال�سيد مح�سن االمين نزيل د�شق لرفع وثيقة‬ ‫الم�ؤتمر �إلى الملك في�صل‪ .‬وقد �ألقى ال�سيد �شرف الدين خطابا تاريخيا في الم�ؤتمر‬ ‫ذ ّكر فيه ون ّبه �إلى خطورة ماتحيكه فرن�سا من م�ؤامرات للإنق�ضا�ض على جبل عامل‪،‬‬ ‫وكان يخاطب الجمع‪ ،‬بالفر�سان المناجيد‪ ،‬وفتيان الحمية المغاوير‪ ،‬و�إخواني �أعالم‬ ‫الأمة و�أبنائي‪ ،‬ليزيدهم ثقة و�شجاعة وق ّوة ومنعة‪ ،‬وما قوله‪�«:‬إن لهذا الم�ؤتمر ما بعده‪.‬‬ ‫و�س ُيط ِبق نب�ؤه الآفاق ال�ســـورية ويتجاوب �صـداه في الأقطارالعربية ويتجاوزها �إلى‬ ‫ع�صبة الأمم» �إن هذا �إال خير دليل على �إلفاته للم�ؤتمرين �إلى �أهمية وم�صيرية الم�ؤتمر‬ ‫الذي قرران�ضمام جبل عامل �إلى �سوريا ولي�س �إلى لبنان‪.‬‬ ‫تهيء لإقامته‪ .‬ومن قر�أخطبة ال�سيد �شرف الدين في‬ ‫الكبير الذي كانت فرن�سا ّ‬ ‫الم�ؤتمر لخرج بنتيجة مفادها �أن ال�سيد كان لديه من الوعي ال�سيا�سي وفهم مخططات‬ ‫المحتلين ماي�سبق مرحلته ب�أربعين �سنة على الأقل‪ .‬وما ت�أكيده على حماية �أرواح‬ ‫الن�صارى وعدم الم�س بهم وبقراهم �إالخير دليل على وعي ال�سيدولفيف العلماء الذين‬ ‫�شاركوه في الم�ؤتمر وهذا مادفعهم لأخذ الأ ْيمان المغ ّلظة والحلف على القر�آن الكريم‬ ‫من قبل الثوار�أن اليم�سوا الن�صارى ب�سوء �أثناء غياب الوفد في دم�شق‪.‬‬ ‫لقد ذكرنا في بداية البحث �أنّ �سلطة العلماء في جبل عامل لم تكن تعلو فوقها‬ ‫�سلطة‪.‬وكانت كلماتهم قول ف�صل‪ .‬وقدخاطب الأديب محمد علي الحوماني ال�سيد‬ ‫�شرف الدين عند قدومه �إلى وادي الحجير بقوله‪ :‬لقد �شهدته بنف�سي‪ ،‬ور�أيت كل عالم‬ ‫وزعيم ورده دون �أن يح�س الح�ضور بوروده‪...‬حتى �إذا�أو�شكت ركابك �أن تحل به‪ ،‬ح�سبنا‬ ‫ان الأر�ض قد تزلزلت وال�سماء �أُطبقت علينا‪ ،‬ولما تك�شف هذا الرهج المعقود فوق‬ ‫الوادي برزت من تحته كالبدر ين�شق عنه الغمام ليلة ت ّمه‪...‬ولم يبق في الوادي فرد‬ ‫لم يهرع �إلى ا�ستقبالك ويت�ش ّوق �إلى ركبك‪.‬ولما جل�ست في خيمة العلماء ح ّفوا بك‬ ‫وتهافت الحفل المح�سود عليك‪،‬كلهم يح ّدق بك وي�ستمع �إليك و�أنت مندفع تخطب‬ ‫كال�سيل تبعث في نفو�سهم الحمية وتحر�ضهم على الجهاد في �سبيل الحق(‪� .)17‬إن هذه‬ ‫‪60‬‬


‫يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود‬

‫الحرارة في الإنفعال والحما�س والتقدير للزعامة الدينية المتم ّثلة ب�شخ�ص ال�سيد عبد‬ ‫الح�سين �شرف الدين تعطينا �صورة وا�ضحة عن دور العلماء الفعال في �إدارة �ش�ؤون‬ ‫الثورة والمقاومة �ضد المحتل الفرن�سي‪ .‬وال نن�سى دور الثوار العامليين في الم�ؤتمر‬ ‫حيث كان لهم ت�أثير كبير‪ ،‬فهم المعنيون بحرا�سة هذا الم�ؤتمر‪ .‬وهم قطب ال ًّرحى في‬ ‫العمل الع�سكري �ضد الفرن�سيين‪ ،‬وكانت م�شاركة الثوار في الم�ؤتمر تلبية لدعوة ال�سيد‬ ‫�شرف الدين‪،‬وهذا ما�أحدث ر ّدة فعل عنيفة لدى كامل الأ�سعد‪ ،‬حيث �شعر �أن م�شاركة‬ ‫الثوار و�أعمالهم هي بداية ل�سحب الب�ساط من تحت �أقدام الإقطاع ال�سيا�سي الوحيد في‬ ‫البالد‪ ،‬وقد تدخل العلماء بينهما ف�أهدى كامل بك الأ�سعد �سيفا ثمينا ل�صادق الحمزة‬ ‫الفاعور في نهاية الت�سوية‪ .‬لقد ثارت ثائرة الفرن�سيين لنجاح الم�ؤتمر وراحوا ينفخون‬ ‫بوق الفتنة‪ .‬و�أ�شاعوا في طول البالد وعر�ضها �أن ال�سيد �شرف الدين �أفتى بمحاربة‬ ‫الن�صارى‪ ،‬وهذا ماردده (الأديب) اللبناني المعروف �أمين الريحاني م ّدعي َا �أن ال�سيد‬ ‫«�ضرب» خيرة بال�سبحة على ذبح ال ّن�صارى‪ ،‬ويبدو �أن المخطط الخبيث هذا كان هدفه‬ ‫الق�ضاء على ال�سيد �شرف الدين‪ ،‬لكنهم لم يفلحوا‪ .‬وتطورت الأحداث �أثناء غياب الوفد‬ ‫داري ال�سيد في �شحور‬ ‫في دم�ش ـ ــق‪ .‬وبعد عودة ال�س ــيد �ســارع الفرن�سيون �إلى �إحراق ْ‬ ‫و�صور و�أ�صدروا حكما ب�إعدامه �أو القب�ض عليه حيا �أو ميتا للحيلولة دون ذهابه �إلى‬ ‫دم�شق‪.‬‬ ‫وفي الخام�س من �شهر �أيار �سنة ‪�1920‬أق ّر مجل�س الحلفاء الأعلى في �سان ريمو‬ ‫في �إيطاليا الإنتداب الفرن�سي على لبنان و�سوريا والإنتداب الإنكليزي على فل�سطين‬ ‫ف�صعق ا لم�سلمون لهذا ال ّنب�أ وكانت قرارات هذا الم�ؤتمر قد �أعطت‬ ‫والعراق والأردن‪ُ ،‬‬ ‫ال�ضوء الأخ�ضر للجنرال غورو �أن يتابع ت�صفيته للثورة على الإحتالل تحت �ستار دولي‬ ‫ومباركة �إنكليزية‪ .‬وفي ذات الوقت �أر�سلت الحكومة الفرن�سية �إلى غورو فرقا ع�سكرية‬ ‫�سنغالية ال�ستعجال ح�سم م�س�ألة الثورة(‪ )18‬كانت الوقفة العلمائية الم�ش ّرفة‪ ،‬دليال‬ ‫�ساطعا على ح�ضور الجهاد العاملي بطابعه الإ�سالمي العميق الجذور‪ ،‬وكان لل�سيد‬ ‫�شرف الدين دور بارز في الت�صدي مع ث ّلة من العلماء وال�شبان الم�ؤمنين‪ ،‬حيث وقفوا في‬ ‫‪61‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫وجه المد الإ�ستعماري المتمث بفرن�سا و�أعوانها‪..‬ا�ستجابت الطالئع الم�ؤمنة في جبل‬ ‫عامل‪ ،‬وحملت ال�سالح بماتي�سر لل ّدفاع عن حيا�ض الجبل الأ�شم حماية لل ّدين‪ ،‬و�صونا‬ ‫للكرامات والأعرا�ض والحرمات‪،‬م�ستلهمين ما�ضي الأجداد الم�ش ّرف في مواقع البحرة‬ ‫وكفر رمان و�سهـل الغازية ويارون و�أن�صار والكفور وعيناثا وغيرها من �ساحات ال�شرف‬ ‫والعز‪�،‬سائرين على خطاهم‪.‬‬ ‫تزامن انفجار الثورة في جبل عامل �سنة‪�1920‬ضد الفرن�سيين مع انفجار الثورة‬ ‫في العراق في نف�س العام �ضد الإنكليز‪ .‬وما �أن اندلعت المعارك في جبل عامل بين‬ ‫الثوار والفرن�سيين حتى �أ�صدر المراجع الكبار في النجف الأ�شرف ب�ضرورة الت�صدي‬ ‫للإ�ستعمار الإنكليزي في العراق‬ ‫ا�ستعرت الثورة في جبل عامل �ضد الفرن�سيين وذلك بعد �أن �أجمع ر�أي المراجع‬ ‫بوجوب ال ّدفاع والجهاد �ضد الكافرين‪..‬فراح المجاهدون يقاتلون بما تي�سر لهم‪ ،‬ولم‬ ‫يثنهم عن واجب الجهادتفوق الخ�صم تكنولوج ّياوتنظيما وتدريبا‪.‬هاجموا المعتدي‬ ‫و�أ ّدبوا �أن�صاره و�أعوانه‪.‬لم يطلبوا جزاء وال �شكورا‪ ،‬فما على الواجب �أجر �إال من‬ ‫�صاحب الأجر(‪ )19‬لقد وقعت الحوادث المروعة في ظل الإحتالل الفرن�سي وكان �أهمها‬ ‫حادثة عين �إبل‪ ،‬و�أ�سباب الحادثة كانت مقتل ن�صر اهلل �أحمد ن�صراهلل من بلدة ياطر‬ ‫على يد م�سلحين من عين ابل تبعها الإعتداء على فتاة من قرية حانين في خراج بلدة‬ ‫عين ابل �أي�ضا‪ .‬وما ان انت�شر خبر الحادثتين حتى احت�شد عدد من المتحم�سين من‬ ‫�شباب ال�شيعة في المنطقة على بركة كونين وقررواالهجوم على عين ابل والإنتقام من‬ ‫المجرمين‪ ،‬وكانت تلك ر ّدة الفعل الطبيع ّية �ضد �أن�صار الإ�ستقالل و�أن�صار المحتل‪..‬‬ ‫وكانت فرن�سا تنتظر وقوع هذه الحادثة �أوما ي�شابهها لتثبت وجودها في طول البالد‬ ‫وعر�ضها‪ ،‬فتحركت فورا وبد�أت عملية الإنتقام المنظمة من �أبناء بالد ب�شارة و ُك ّلف‬ ‫القائد الفرن�سي نيجر بقمع جبل عامل و�ضربه بعنف‪ ،‬فنزلت القوات الفرن�سية على‬ ‫�شاطى �صور بدباباتهاومدافعها ت�ساندهم جماعات المتطوعين مع الفرن�سيين‪ .‬وكانت‬ ‫الحملة كلما مرت بقرية ا�ستدعىى �ضابطها �أهالي القرية لي�س�أل عن بع�ض الأ�شخا�ص‬ ‫‪62‬‬


‫يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود‬

‫بالأ�سماء ح�سب دفتر كان يحمله معه‪..‬ف�أ�صبحت القرى تحت رحمة المتطوعين‪..‬وكانت‬ ‫المعركة �شر�سة‪ ،‬والمجاهدون يت�صد ون لها بب�سالة خ�صو�صا �صاد ق الحمزة ورجاله‬ ‫في منطقة �صور‪ ،‬و�أدهم خنجر ورجاله في منطقة النبطية(‪.)20‬‬ ‫ق�صدت الحملة معاقبة القرى التي اعتبرتها م�س�ؤولة عن حادثة عين ابل‪ ،‬فبلغت بنت‬ ‫جبيل وعيناثا ومارون وما حولهم من قرى وقد هجرها �أهلها وكانت الحملة تغتال في‬ ‫الطريق من تعثر عليه(‪ )21‬وتمركزت الحملة في تبنين‪ ..‬وراح نيجر يجمع وجوه و�أعيان‬ ‫وبع�ض العلماء العامليين وطلب منهم ت�سليم ال�سالح والتعهد بحفظ الأمن ودفع الغرامة‬ ‫للع�سكر والتعوي�ض على الذين نهبت بيوتهم في حادثة عين ابل و�إعادة جميع ما�سلب‬ ‫فقالوا ل�سنا ممثلين للطائفة كلها ف�أمرهم �أن يكتبوا له �أ�سماء �أعيانها ليجمعهم في‬ ‫�صيدا(‪� )22‬أمام ق�سوة الحملة وعنفها كان طبيعيا �أن الي�سلم ال�سيد عبد الح�سين �شرف‬ ‫الدين وداره وعياله فهو ر�أ�س الثورة وقطب رحاها فال بد �أن يكون الهدف الأول للحملة‪..‬‬ ‫فقد هوجم داره في �صور و�أًعمل فيه �سلبا ونهبا وما فيه من الأثاث‪ .‬ولم ت�سلم مكتبته‬ ‫النفي�سة بنفائ�سها وم�ؤلفات �صاحبها الق ّيمة من الحرق والتدمير(‪ .)23‬يقول ال�سيد �شرف‬ ‫الدين في مذكراته‪... :‬ومهما يكن فقد كان ن�صيبنا من هذه الجيو�ش حملة ج ّرارة ّقدرت‬ ‫ب�ألف فار�س مجهزين بالمدافع الثقيلة وال ّدبابات والمدرعات زحفت بقيادة الكولونيل‬ ‫نيجر �إلى �شحور‪ ...‬وان�س ّللت �أتخطى الوادي وطفق الجند ي�س�أل عني‪ .‬ولما ا�ستي�أ �سوا‬ ‫علي في القرية‪...‬ولم يغادروها قبل ان يحرقوا ال ّدار‪..‬‬ ‫من العثور ّ‬ ‫وعاملة ويحي لها‪ ،‬تنوء تحت �ضربة بكر‪ ،‬وتلفظ �أبناءها‪ .‬وهناك من الخ�شية وال ّذعر‪.‬‬ ‫علي بال ّنفي الم�ؤ ّبد مع م�صادرة ما �أملك وبهذا حكم‬ ‫و�أعلنت الأحكام العرفية فحكم ّ‬ ‫على ال�سيد عبد الح�سين نور الدين وعلى الأحرار وزعماء البالد‪� .‬أما فتيان الثورة فقد‬ ‫(‪)24‬‬ ‫ُحكموا بالإعدام و�أنفذ هذا الحكم الغا�شم في كل من ظفرت به منهم‬ ‫انتقل ال�سيد �شرف الدين �إلى الجوالن ثم �إلى دم�شق ثم �إلى م�صر حيث ا�ستُقبل بكل‬ ‫حفاوة وترحيب وعقدت له مجال�س الأدب والعلم والتكريم فوقف خطيبا في الجامع‬ ‫خ�صنا بالبالء و�أقامنا مثاال‬ ‫الأزهر في القاهرة حيث قال‪ :‬ب�سم اهلل وله الحمد‪ ،‬الذي ّ‬ ‫‪63‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫لل�صبر والعزاء و�سالمه على خاتم �أنبيائه ورحمته وبركاته على �آله و�أو�صيائه‪ ،‬ماكان‬ ‫�أ�صبرهم على الخطوب و�أقواهم على المحن‪ ،‬لم ترعهم النوائب القارعة‪ .‬ولم تنل منهم‬ ‫الملمات الفاقرة‪ .‬فكيف �أراع و�أنا منهم‪،‬جبلت ُمن فا�ضل طينتهم �صخرة في واد وطود‬ ‫من الأطواد‪ ...‬ر�ضا اهلل ر�ضانا �أهل البيت ن�صبر على بالئه‪ ،‬ويوفينا �أجور ال�صابرين‪.‬‬ ‫نعم هذا �شان من ير�سم لأمته خطط الحرية‪ ،‬ويتوغل في قومه في معارج ال�شرف �س ّنة‬ ‫اهلل في الذين يقدمون �أنف�سهم قربانا لعقائدهم وفداء لأوطانهم‪� ...‬أمل الغزاة الطغاة‬ ‫من كل محتل �أثيم وغا�صب زنيم ف�سيعلمون ّاي منقلب �سينقلبون(‪ )25‬تابع الفرن�سيون‬ ‫�ضغطهم على جبل عامل بق�صد الإلتفاف على الم�سلمين ال�شيعة من �أدنى الجبل �إلى‬ ‫�أق�صاه فراح نيجر يوجه دعوات �شديدة اللهجة �إلى علماء ال�شيعة ووجوهم للقائه في‬ ‫�صيدا‪ .‬يقول ال�شيخ �أحمد ر�ضا‪ :‬ذهبنا في تلبية هذا الأمرب�صحبة العالمة الكبير‬ ‫ال�شيخ عبد الح�سين �صادق والعالمة ال�شيخ �سليمان ظاهر وال�شيخ �أحمد ر�ضا وال�سيد‬ ‫محمد جابروغيرهم من الف�ضالء والأعيان‪ .‬وكان الكولونيل نيجر قدعقد الإجتماع في‬ ‫مطرانية الكاثوليك وحوى هذا الإجتماع من كان في �صيدا من وجوه ال�شيعة و�أعيانها‪...‬‬ ‫وخطب فينا الكولونيل خطابا �شديد اللهجة على ال�شيعة وتلك لهجة الغالب على المغلوب‬ ‫والمنت�صرعلى المخذول‪ .‬ثم قال‪ :‬ف�إذا لم يوقع وجوه ال�شيعة و�أعيانها الحا�ضرون على‬ ‫ال�شروط التي فر�ضها الجنرال غورو‪ ،‬ف�إن الحملة �ستظل �سائرة في عملها‪ً ،‬تح ّمل الأهالي‬ ‫كل ماتحتاجه من ميرة وعلف وم�أكل وم�شرب‪.‬ثم ترك لنا مهلة للتفكير في الأمر �إلى‬ ‫مابعد الظهروحظرعلينا الخروج حتى تنفيذ الأمر‪..‬‬ ‫ثم تال عليهم نف�س ال�شروط التي م ّرذكرها �سابقا عندما تالها على بع�ض الأعيان‬ ‫في الطيبة‪،‬ف�أبى الحا�ضرون توقيعها وطلبوا تحويرها ب�أخف منهاو�أق ّله المناق�شة في‬ ‫(‪)26‬‬ ‫�إمكانية تحقيق الو�صول �إليها‬ ‫رف�ض �شربنتييه التحوير والمناق�شة وقال‪�:‬أنتم مكلفون حتما بتوقيعها دون �أدنى‬ ‫اعترا�ض و�أن الحملة التزال تعمل في قطركم على التخريب والتعذيب حتى ُتوقع‬ ‫ال�شروط بعينها و�أنتم محجور عليكم حتى توقع منكم جميعا‪ .‬اليرخ�ص لكم بالخروج‬ ‫‪64‬‬


‫يسنرفلا لالتحإلا ةهجاوم يف لماع لبج ءاملع رود‬

‫من مدينة �صيدا مالم توزع الغرامة المفرو�ضة على القرى ال�شيع ّية في كل الجبل �شماليه‬ ‫وجنوبيه(‪.)27‬‬ ‫كان الجنود الفرن�سيون يحتلون القرية تلوى القرية لجباية ما ُفر�ض عليها من‬ ‫الغرامة‪ ،‬فال ي�ستطيع �أهل القرية ذلك في�ستاقون موا�شيها �إلى لجنة من هاتيك اللجان‬ ‫فتُحدد �أثمانها على ن�سبة المئة بع�شرة �أوع�شرين ثم ت�سلمها اللجنة بهذه الأثمان البخ�سة‬ ‫وتبيعها في �أ�سواق فل�سطين ب�أثمانها ال�صحيحة وهكذا بلغ ماجبوه �أ�ضعاف مافر�ض(‪.)28‬‬ ‫ومن الأعمال التع�سف ّية التي قام بها الم�ستعمر‪ ،‬فر�ض ال�ضراب الجائرة على القرى‬ ‫المجاهدة‪ ،‬فقد فر�ض على قرية دبعال ال�صغيرة م�سقط ر�أ�س �صادق حمزة الفاعور‬ ‫�ضريبة ُ�س ّميت �ضريبة �صادق مقدارها عدد من البنادق الحربية التي الطاقة للقرية‬ ‫على تح ّمل �أثمانها‪ .‬وفر�ض على �شحور �ضريبة قدرها ت�سعماية ليرة عثمانية ذهبا عدا‬ ‫�سلب الغنم والبقر والمتاع‪� .‬أما النبطية فقد فر�ضوا عليها ما يناهز الثالثة �آالف ليرة‬ ‫عثمانية ذهبا وقر�ض على ياطر مايتي ليرة ذهبية وثالثة ع�شر بندقية‪.‬‬ ‫ُ�ص ّبت الم�صائب على جبل عامل وغمر الأ�سى �أهاليه ونهبت ديارهم وقتلت �شبانهم‬ ‫و ُف ّرق �شملهم وبيعت �أرزاقهم‪ ،‬وبعد �أن ُ�ضربت عليهم ال�ضرائب الباه�ضة‪ ،‬فالماية‬ ‫�ألف ليرة �سورية �أ�صبحت خم�سماية �ألف ليرة ذهبية(‪ .)29‬و�سيقت الموا�شي بالق ّوة من‬ ‫مرابطها وبيعت في �أ�سواق فل�سطين كانت هزيمة الثائرين في جبل عامل وخ�سارتهم هي‬ ‫التجربة التي ج ّر�أت الم�ستعمرين‪ ،‬فكانت معركة مي�سلون وما ّ‬ ‫تمخ�ضت عنه‪ ،‬و�أباحت‬ ‫هجرة اليهود �إلى فل�سطين‪ ..‬وهكذا �أن�شب الم�ستعمرون �أظفارهم لتمزيق الأمة‪.‬‬ ‫وفغروا �أ�شداقهم البتالع �أ�شالئها وذهبت وعودهم �أدراج الرياح‪ .‬لقد �أحكم‬ ‫الفرن�سيون قب�ضتهم على جبل عامل و�أدخلوه في متاهات الن�سيان والإهمال والإفقار‪،‬‬ ‫لكن علماء جبل عامل لم ي�ستكينوا ولم ي�ست�سلموا للمحتل‪ ،‬فهذا ال�سيد عبد الح�سين‬ ‫�شرف الدين يقف عام ‪1943‬في وجه الحاكم الفرن�سي لمدينة �صور الم�سيو دافيد‪،‬‬ ‫عندما ت�ضرع بزيارته في دارته في �صور حيث رف�ض ال�سيد ا�ستقباله وواجهه ب�أنه غير‬ ‫مرغوب فيه وال في دولته �إذ �صفعه بالآية الكريمة(ولتجدنّ �أ�شد النا�س عداوة للذين‬ ‫‪65‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫�آمنوا اليهود والذين �أ�شركوا)‪ .‬لي�شعره �أنه يخاطب يهوديا ممقوتا كريها‪.‬ثم قال له‪:‬‬ ‫�أخرج يادافيد‪�،‬إن القلب الذي حاربكم عام ‪1920‬مازال بين جنباتي‪.‬‬ ‫وهاهو ال�شاعر الكبير بول�س �سالمة يمدح ال�سيد على مواقفه الجهادية قائ ًال‪:‬‬ ‫�أي��ه��ـ��ـ��ا ال�����س��ـ��ـ��ـ��ي��د ُه���ـ�ّل�ااّ ذك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـَ�� َر ْت �أم�س ـ ــك ال��م��ئ��ن��اف �أق�����زا ٌم تـباهى‬ ‫�����ض��ي��م وق��د راح � ٌ‬ ‫ي����وم ل���م ت���رك��� ْع ع��ل��ى ال ّ‬ ‫��س��وط ال���� ّذل ي�ستاق ال�ش ـّياها‬ ‫���ش��ـ��ـ��رف�� ًا ع��ب��د ال��ح�����س��ـ��ـ��ي��ن ال��م��رت��ق��ي‬ ‫ت���م�ل��أٌ ال��م��ن��ب��ر ع�� ّز ًاو���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ن َ��ى‬

‫وك����ذاك ال�شم�س ت��ه��دي م��ن ي��راه��ا‬

‫ك������ادت الأع���������واد م����ن ن�����ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وت��ه��ا‬

‫ت��ل��ب�����س ال��خ�����ض��رة ذك����را ب�صـبــاها‬

‫�أو ت��ع��ي��د ال���غ ّ‬ ‫�������ض م����ن �أوراق���ـ���ه���ـ���ـ���ا‬

‫ك�� ّل��م��ا (ال��ع�لام��ة) ال�س ـ ــبط �أت��اه��ا‬

‫م���ن ����ص���روح ال��ع��ل��م وال��� ّدي���ن ذراه���ا‬

‫هذا هو ال�سيد �شرف الدين علم من �أعالم العلم والجهاد‪ ،‬وهذه م�سيرة العلماء‬ ‫العامليين الذين ر�سموا المعالم الجهادية‪ ،‬لأن هذه المعالم الير�سمها وال يثبتها �إال‬ ‫المراجع العظام والعلماء المخل�صون في كل من جبل عامل والنجف وكربالء والكاظمية‬ ‫وقم و�أ�صفهان وخر�سان والأزهر والزيتونة‪ .‬بل �إنّ كل ثورة قامت في عالم الإ�سالم‪� ،‬إنما‬ ‫قادها العلماءالذين عناهم ر�سول اهلل ‪ P‬بالحديث ال�شريف‪ :‬العلماء ورثة الأنبيـ ــاء‪.‬‬ ‫د‪ :‬محمـد كــورانــي‬

‫‪66‬‬


‫المصادر‬

‫‪1 .1‬تاريخ جبل عامل‪-‬محمد جابر �آل �صفا ‪� -‬ص‪ -95/94/93‬دار النهار‪ /‬بيروت‪/‬‬ ‫ط‪1981-2‬‬ ‫‪ 2 .2‬جبل عامل تاريخ و�أحداث ‪ -‬رامز رزق ‪� -‬ص‪ - 369‬دار الهادي‪/‬بيروت‪.2005-‬‬ ‫‪3 .3‬بغية الراغبين‪ -‬ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ‪� -‬ص‪(62‬مخطوط)‬ ‫‪4 .4‬م‪.‬ن‪� -‬ص‪62‬‬ ‫‪ 5 .5‬م‪ .‬ن‪�-‬ص‪62‬‬ ‫‪ 6 .6‬م‪.‬ن‪�-‬ص‪62‬‬ ‫‪7 .7‬الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ‪ -‬م�ؤتمر ال�سيد �شرف الدين ‪ -‬من�شورات‬ ‫الم�ست�شارية الثقافية الإيرانية ‪-‬بيروت ‪ -1993‬من مقالة ل�صاحب هذا البحث‪.‬‬ ‫‪8 .8‬بغية الراغبين‪ .‬م‪� .‬س‪�.‬ص‪(25‬مخطوط)‬ ‫‪9 .9‬من مخطوطات ال�سيد �شرف الدين (�ص‪ .)5‬نقلها ون�سخها ولده ال�سيدجعفر‬ ‫‪1010‬الم�شروع الماروني في لبنان ‪ -‬محمد زعيتر‪�-‬ص‪-393‬الوكالة العالمية للتوزيع‪-‬‬ ‫بيروت‪1986-‬‬ ‫‪1111‬الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين ‪-‬ال�شيخ عبد الحميد الحر‪�-‬ص‪-46‬دار‬ ‫‪67‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ال�صادق ‪-‬بيروت‪1972‬‬ ‫‪1212‬بغية الراغبين ‪-‬م‪�.‬س‪�.‬ص ‪64‬‬ ‫‪1313‬جبل عامل في الحرب الكونية الأولى ‪� -‬سليمان طاهر‪� -‬ص‪- 72‬دار المطبوعات‬ ‫ال�شرقية ‪-‬بيروت‪1986‬‬ ‫‪1414‬لبنان في الحرب الكونية ‪ -‬م‪�.‬س ‪� -‬ص‪- 2 7- 72‬بغية الراغبين ‪ -‬م‪�.‬س ‪�-‬ص‪55‬‬ ‫‪1515‬بغية الراغبين ‪-‬م‪�.‬س‪�.‬ص‪55‬‬ ‫‪1616‬حركة الإ�صالح ال�شيعي ‪�-‬صابرينا ميرفان‪� -‬ص‪-425‬دار النهار‪-‬بيروت‪2003 /‬‬ ‫‪1717‬مجلة العروبة ‪ -‬العدد‪22-20‬كانون الأول ‪1934‬‬ ‫‪1818‬‬ ‫‪1919‬جريدة ال�سفير ‪1990/7/31‬‬ ‫‪2020‬جريدة ال�سفير ‪1990/7/31‬‬ ‫‪2121‬العرفان ‪ -‬م‪- 3‬ج‪�- 2‬ص‪ - 200‬يوميات للتاريخ ‪ -‬ال�شيخ �أحمد ر�ضا‬ ‫‪2222‬ن‪.‬م‪� .‬ص‪201‬‬ ‫‪2323‬ن‪.‬م‪�.‬ص‪20‬‬ ‫‪2424‬بغية الراغبين ‪ -‬م‪�.‬س‪�.‬ص‪67‬‬ ‫‪2525‬من خطب ال�سيد �شرف الين بخط ولده المرحوم ال�سيد جعفر �ص‪8-7‬‬ ‫‪2626‬العرفان ‪ -‬م‪�.‬س‪ -‬م‪- 34‬ج ‪�- 4‬ص‪203‬‬ ‫‪2727‬العرفان ‪-‬م‪�.‬س‪�.‬ص‪240‬‬ ‫‪2828‬م‪ .‬ن‪�.‬ص‪204‬‬ ‫‪2929‬م‪.‬ن‪�.‬ص‪204‬‬

‫‪68‬‬


‫الجلسة الثانية‬ ‫برئاسة الشيخ أحمد الزين‬

‫(‪)1‬‬

‫الدكتور الحاج خليل حمدان‬ ‫اإلمام السيد موسى الصدر الوارث واستكمال الدور‬ ‫(‪)2‬‬

‫وال�صالة وال�سالم على �أ�شـرف الخلـق و�أعـز المر�سلين �سيدنـا ونبينـا محم ٍـد وعلى‬ ‫�آلـه الطيبين الطاهرين‪.‬‬ ‫بين الذكرى والأثر م�ساحـ ٌة لإنعا�ش الذاكرة على وقع التحديات التي تواجـه �أمتنا‬ ‫والتي بلغت ذروتها في هذا الزمن ال�صعب‪ ،‬حيث تبرز تقا�سيمه وتظهر مالمحه‬ ‫جدد بغية �إلهائنا عن‬ ‫ب�إق�صاء العدو ال�صهيوني عن المواجهة بمحاولة خلق �أعداء ٍ‬ ‫مالي‪،‬‬ ‫دولي‬ ‫المعركة الحقيقية اتجاه المقد�سات‪ ،‬تحت وط�أة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتعزيز ٍّ‬ ‫خطط ُتن َّفذ بدعم ٍ ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫و ُت ّ‬ ‫و�صحف �صفراء ك�أنَّ الم�شكلة لم تعد في احتالل فل�سطين بل الممانعة‬ ‫�سخر ف�ضائياتٌ‬ ‫والمقاومة من �إيران �إلى �سوريـا ولبنان وغزة وكل المواقع التي تلتزم ال�صراع‪ ،‬على �أن‬ ‫فل�سطين هي المكـ ِّون الجمعي للعرب والم�سلمين والم�سيحيين وكل الأحرار في العالم‪.‬‬ ‫وعلى �سبيل �إنعا�ش الذاكرة‪ ،‬و�إ�سهام ًا بتحرير الوعي في مواجهة محو الذاكرة‪،‬‬ ‫(‪ )1‬رئي�س مجل�س الأمناء في تجمع العلماء الم�سلمين‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ع�ضو هيئة الرئا�سة في حركة �أمل‬

‫‪69‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫يكت�سب لقا�ؤنـا هذا �أهمي ًة خا�ص ًة و�إ�ستثنائي ًة‪ ،‬وبدعو ٍة كريمـ ٍة من جمعية الإمام ال�صادق‬ ‫بحث من الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين �إلى‬ ‫الحياء التراث العلمائي لتقديم ٍ‬ ‫الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪ ،‬وحدة المنطلقات والأهداف‪ ،‬والمكان وادي الحجير‪ ،‬وهنا‬ ‫العتبارات عديد ٍة‪:‬‬ ‫انتابني �شعو ٌر ب�أن تن َّكبت مهمـة البحث‬ ‫ٍ‬ ‫ �أو ًال‪ :‬داللة المكان والزمان وح�سبك م�ؤتمر وادي الحجير‪.‬‬‫ ثانياً‪ :‬الحديث عن علمين كبيرين ذاع �صيتهمـا وعال �صوتهما‪ ،‬ملء ال�سمع حكايتهما‪،‬‬‫جابا البالد طو ًال وعر�ض ًا‪ ،‬و�شدت �إليهما رحال الباحثين والإعالميين والمحققين‬ ‫ول�سان في المدائن والعوا�صم‪ ،‬في‬ ‫و�صوب‪ ،‬حتى باتا على كل �شف ٍة‬ ‫حدب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫من كل ٍ‬ ‫الم�ؤتمرات والمنتديات‪ ،‬وفي مح�ضر الر�ؤ�ساء والعلماء‪.‬‬ ‫ ثالثاً‪� :‬إ�ستح�ضار اللحظات التاريخيـة لحركـة الجهاد والعطاء‪ ،‬وهذا مـا قـد ي�ستف ُّز‬‫افترا�ضي لهذا الوطن العزيز لبنان‪.‬‬ ‫لتاريخ‬ ‫ٍّ‬ ‫بع�ض الم� ِّؤ�س�سين ٍ‬ ‫ع�صي على الإختزال‬ ‫ رابعاً‪ :‬الحديث عن المنطلقات بوحدتها‪ ،‬والأهداف ب�سموها‪،‬‬‫ٌّ‬ ‫�صائب؟‪.‬‬ ‫ب�سهم ٍ‬ ‫والإخت�صار‪ ،‬فهل �أ�صيب لعله مع الخواطىء ٍ‬ ‫ول����ك����ن �أل����ي���������س ت�����ع�����داد م�����زاي�����ا ال�����م�����رء م���ن���ق�������ص���ة ل��ه‬ ‫(‪)1‬‬ ‫�إن ف�������اق�������ت م�������زاي�������ـ�������اه ع�����ل�����ى ال�������ت�������ع�������ـ�������داد؟‬ ‫�أو كما قال ال�شاعر‪:‬‬ ‫ولأن��������������������ت �أروع �أن ت������ك������ـ������ون م������ج������ـ������رد ًا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ف�����ل�����ق�����ـ�����د ي�������������ض������ـ������ ُّر ب��������رائ��������ـ��������ع ت������ث������م������ي������ـ������نُ‬ ‫�س�أدعهما في �سنبلهما و�أحاول كالم ًا‪ ،‬وما ال يدرك كله ال يترك ُجلُّه‪ .‬بع�ض اللحظات‬ ‫�أكبر من زمانها‪ ،‬وبع�ض الكلمات �أو�سع من قامو�سها‪ ،‬وبع�ض الرجال يتع ُّدون العدد‪،‬‬ ‫رجل‪� ،‬أال تظنون �أني تن َّكبت البحث في هذين الكبيرين‪ ،‬اللذين �ش َّرعا‬ ‫فيقال �أمـ ٌة في ٍ‬ ‫�أقالمهما وجهادهمـا على درب النبيين و�شهرا مواقفهما �أ�سو ًة بالح�سين ‪.Q‬‬ ‫ووادي الحجير عالم ٌة فارق ٌة في تاريخ الوطن والأمة‪ ،‬جغرافي ًا يتو�سط البالد‬ ‫العاملية(‪ ،)3‬وهو ح�صينٌ بجباله وه�ضابه(‪ ،)4‬وكل ما فيه يدل على �أنـه ممان ٌع ومني ٌع‬ ‫‪70‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫ي�ستع�صي على الأعداء‪ ،‬وهو المكان الذي ُعقد فيه الم�ؤتمر‪ ،‬الزمان �صباح يوم ال�سبت‬ ‫الخام�س من �شعبان ‪ ،1338‬الموافق الرابع والع�شرين من �شهر ني�سان ‪ ،1920‬بعد �أن‬ ‫عام‬ ‫اتفق ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين مع الزعيم كامل الأ�سعد‪ ،‬على عقد م� ٍ‬ ‫ؤتمر ٍّ‬ ‫ي�ضم علماء البالد وزعماءها و�أدباءها و�أهل الر�أي فيها وثوارها(‪ ،)5‬وجاء ذلك في‬ ‫�إطار عملية التوا�صل بين قادة جبل عامل والقيادة في �سوريا في تلك الفترة الحرجة‬ ‫من تاريخ البالد‪ ،‬حيث �أ َّمنت فرن�سا توليفـة الفتنة‪ ،‬وا�ستجمعت عنا�صرها بت�سليح فئ ٍة‬ ‫ومعار�ض‬ ‫وتحري�ض فئـ ٍة على �أخرى(‪ ،)6‬وانق�سم �سكان جبل عامل والأق�ضيـة‪ ،‬بين م�ؤِّ ٍيد‬ ‫ٍ‬ ‫ل�سيا�سات فرن�سا الرامية ل�سلخ لبنان عن �سوريا‪ ،‬وكان ال بـ َّد من الموقف التاريخي‪،‬‬ ‫اجتمع العامليون علماء‪� ،‬سيا�سيون‪ ،‬مفكرون‪ ،‬ثـوار ومهتمـون‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم الإمام �شرف‬ ‫الدين‪ ،‬وقد ح َّدد في خطابه الظروف المحيطة والمهمات المقبلة «�أخوتي �أعالم الأمة‪،‬‬ ‫�إننا اليوم في هذا المفترق الخطير �أ�شد حاج ًة من �أي وقتٍ �إلى الإعت�صام بحبلهم‬ ‫«�أهل البيت ‪ ،»R‬وال�سير على نهجهم‪ ،‬ف�إما ثمر ٌة ال ُت َ‬ ‫ق�ضم‪� ،‬أو ِذل ٌة ال ترحم‪� ،‬أو‬ ‫ا�ستعباد نكون معه‬ ‫هوا ٌن ُتهدر في حم�أته �إن�سانية الإن�سان‪� ...‬إمـا ا�ستقال ٌل دون و�صاي ٍة �أو‬ ‫ٍ‬ ‫كالأيتام على م�أدبة اللئام‪....‬‬ ‫�أيها الفر�سان �إنَّ لهذا الم�ؤتمر مـا بعـده‪ ،‬و�سيطبق نبوءة الآفاق ال�سورية ويتجاوب‬ ‫�صداه في الأقطار العربية ويتجاوزها �إلى ع�صبة الأمم‪ ،‬وقـد امتدت به �إليكم الأعناق‪،‬‬ ‫و�شخ�صت الأب�صار فانظروا اليوم مـا �أنتم فاعلـون‪� ،‬أال و�إنَّ جبل عامل بعد هذا الم�ؤتمر‬ ‫بين �أمرين‪ :‬عـ ٌز ال تنف�صم عروته وال ُتقرع مرته‪� ،‬أو ذ ٌل تهاوت معه كواكب ال�سعد وتق َّو�ض‬ ‫به �سرادق المجد(‪.)7‬‬ ‫وكان من أبرز مقررات المؤتمر‪:‬‬ ‫✽‬ ‫✽‬ ‫✽‬

‫✽طلب الإن�ضمام للوحدة ال�سورية‪.‬‬ ‫✽المناداة بفي�صل ملك ًا على �سوريا‪.‬‬ ‫أطماع في المنطقة‪.‬‬ ‫✽الرف�ض المطلق لكل ما ت َّدعيه فرن�سا من � ٍ‬ ‫‪71‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫✽ ✽لزوم الطاعـة والإبتعاد عن ال�شرور‪ ،‬والمحافظـة على �أموال و�أمالك المواطنين‬ ‫الم�سيحيين و�أرواحهم‪ ،‬ودفع الأذى عنهم(‪.)8‬‬ ‫وانتخب الم�ؤتمر ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين وال�سيد عبد الح�سين نور الدين‬ ‫ين�ضم �إليهما في دم�شق العالمة‬ ‫لنقل مطالب الم�ؤتمر �إلى الملك في�صل‪ ،‬على �أن‬ ‫َّ‬ ‫توجه ال�سيدان �إلى دم�شق‪ ،‬ولكن الفرن�سيين‬ ‫الكبير ال�سيد مح�سن الأمين(‪ ،)9‬وبالفعل َّ‬ ‫ا�ستكملوا فتنتهم ب�إ�شاعة �أنَّ ال�سيد �أفتى بمحاربة الن�صارى‪ ،‬ورد َّد هذا الأمـر الأديب‬ ‫�أمين الريحاني‪ُ ،‬م َّدعي ًا �أن ال�سيد ا�ستخار بال�سبحة على ذبح الن�صارى(‪ ،)10‬مما �أ َّدى‬ ‫�إلى تطور الأمر ب�سرع ٍة‪ ،‬و�أحرق الفرن�سيون منزل ال�سيد في �صور‪ ،‬ودارته في �شحور‪،‬‬ ‫و�أ�صدروا �أمر ًا ب�إعدامـه و�إلقاء القب�ض عليه حي ًا �أو ميت ًا‪ ،‬لمنعه من الو�صول �إلى دم�شق‬ ‫ولكنهم ف�شلوا‪ ،‬ونجحوا في �إذكاء الفتن الطائفية(‪.)11‬‬ ‫في ذلك الزمن �أعلن العامليون تم�سكهم بالوحدة‪ ،‬والت�أكيد على العي�ش الم�شترك‪،‬‬ ‫و�أظهر الم�ستعمر الفرن�سي �إ�صراره على �سيا�سة التفرقة والتبديد على ح�ساب �أعدائـه‬ ‫و�أ�صدقائه في � ٍآن‪ ،‬ولكـن حفـر الم�ؤتمـرون على ذاكـرة الزمـن تغليب العام على الخا�ص‪،‬‬ ‫و�أنهم وحدو ُّيون يعترفون بالآخر‪ ،‬ويقدرون حرية المعتقد والفكر‪ ،‬نقول هذا هو التاريخ‬ ‫واعد‪ ،‬لأن التاريخ الذي ُكتب‬ ‫غد ٍ‬ ‫الحقيقي الذي ينبغي �أن ي�شق دربه عبر الزمن ل�صياغة ٍ‬ ‫افترا�ضي للدولة اللبنانية النا�شئة‪،‬‬ ‫تاريخ‬ ‫ٍّ‬ ‫منـذ مطلع القرن الع�شرين‪ُ ،‬كتب على �أ�سا�س بناء ٍ‬ ‫ح�ضر تاريخ جز ٍء‬ ‫�إذ تم فيه تغييب تاريخ جبل عامل المك َّلل بالجهاد والعطاء والفداء‪ ،‬وا�س ُت ِ‬ ‫من لبنان‪ ،‬وهو تاري ٌخ لمنطق ٍة ولطائف ٍة وقد ُ�س ِّمي (تاريخ ًا وطني ًا)‪ ،‬واخترق هذا التاريخ‬ ‫جبل‬ ‫ب�شكل مز َّو ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫وق�سري‪ ،‬هذا التاريخ هو تاريخ ٍ‬ ‫وعي الأجيال واحتل جزء ًا من الذاكرة ولو ٍ‬ ‫لمقوالت‬ ‫�أو تاريخ طائف ٍة �س ُّموه بتاريخ الوطن‪ ،‬ون�ش�أ جي ٌل من ال ُكتَّاب المق ِّلدين والمكررين‬ ‫ٍ‬ ‫حفظوها �أو ت�أثروا بها ر�ضوخ ًا لحالة الإ�ستقواء الفكري والإقت�صادي وال�سيا�سي‪.‬‬ ‫�إذ ًا ينتقل هذا التاريخ عندهم ليتو�سع من حيث الحدث وال�شخ�صية والدور في‬ ‫الفترة العثمانية‪ ،‬وذلك من خالل �إبراز ما ُ�س ِّمي في هذا التاريخ بالإمارة اللبنانيـة‪،‬‬ ‫التي تقت�صر على الإمارتين المعنية وال�شهابية‪� ،‬إذ ُتلغى الإمارات الأخرى في المناطق‪،‬‬ ‫‪72‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫وت�شطب تواريخها وتختزل لم�صلحة هاتين الأ�سرتين‪ ،‬وحال المت�صرفية لم يكن �أف�ضل‬ ‫على الإطالق‪ ،‬هذه النواة تحمل �أي�ض ًا م�ضمون ًا �سو�سيولوجي ًا �سيا�سي ًا‪ ،‬الأمر الذي �أعطى‬ ‫التركيب الجغرافي ال�سيا�سي للبنان الكبير طابع العالقة بين المركز والأطراف‪ ،‬بين‬ ‫النواة والملحقات‪ ،‬ومن المهم تو�ضيح �أنَّ �إدراج جبل عامل في نطاق التخ�صي�ص هنا‬ ‫ال ي�ستطيع �إدراجه بال�ضرورة في منطق التواريخ الطائفية اللبنانية‪ ،‬بل على العك�س‪� ،‬إنَّ‬ ‫مخ�ص�ص ٍة ينبع من عدة‬ ‫اعتبارات‪ ،‬تاريخي ٍة وثقافي ٍة و�سيا�سي ٍة وحدوي ٍة(‪،)12‬‬ ‫ٍ‬ ‫�إدراجه كحال ٍة َّ‬ ‫بعيد ًا عن ال�صياغة التي تعود في بلورتها و�إخراجها لنظري ٍة تاريخي ٍة �إلى الأب «المن�س»‬ ‫اقتب�سها منه العديد من الم�ؤَّ ِرخين الموارنة الالحقين وعلى ر�أ�سهم جواد بول�س‪.‬‬ ‫يقـول جواد بول�س �سنة ‪ 1600‬كان فخر الدين قـد حقق الق�سم الأول من مخططه‬ ‫الطموح القا�ضي ب�إعادة بناء الوحدة الجغرافية وال�سيا�سية لفينيقيا القديمة‪ ،‬والمج َّز�أة‬ ‫أجيال عديد ٍة‪ ،‬وكانت �إمارته تم ِّثل العالم الأول للبنان الكبير عام ‪ 1920‬ولبنان‬ ‫منذ � ٍ‬ ‫الحا�ضر(‪.)13‬‬ ‫�أمام هذا الم�شهد يكت�سب البحث في تاريخ الأطراف �أهمي ًة بالغ ًة‪ ،‬فكيف �إذا كان‬ ‫تاريخ جبل عامل �أحد مرتكزات الموقف الوحدوي الذي تج َّلى بم�ؤتمر وادي الحجير‪،‬‬ ‫الذي كان فيه الإمام �شرف الدين قطب الرحى(‪.)14‬‬ ‫ويمكن �أن نتبين ذلك من خالل وقفاته الثوريـة داخل الم�ؤتمر نف�سه‪ ،‬حيث قال في‬ ‫كتابه �صفحات من حياتي‪« :‬في اليوم الموعود كان وادي الحجير ي�ستقبل �ضيوفـه‬ ‫من �صفوة علماء جبل عامل و�أ�سوده ووجهائه و�أعيانه‪ ،‬وكان ي�ضيق بالرايات ويدوي‬ ‫بالهتافات‪ ،‬وك�أنما عاملة بعثت من جديدٍ »(‪.)15‬‬ ‫وقد �أعطى هذا الم�ؤتمر التغطية الأهليـة وال�سيا�سية والدينيـة للثورة الم�سلحة في‬ ‫وجه الم�ستعمر الفرن�سي بقيادة �أدهم خنجر و�صادق حمزة ومحمود الأحمد و�سواهم‪،‬‬ ‫وك�أنَّ التاريخ �ضنينٌ بالخلف الذين �أدوا الأمانة و�أعطوا حتى الدم‪ ،‬من �شهداء �أفواج‬ ‫المقاومة اللبنانية �أمل �إلى �شهداء المقاومة الإ�سالمية الذين جعلوا من هذا الوادي؛‬ ‫وادي الحجير‪ ،‬مقبر ًة للغزاة المحتلين ال�صهاينة‪ ،‬مما �أربك العدو وو�ضع حد ًا لغروره‬ ‫‪73‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫الذي دفعه للإعالن في لحظة التخلي العربي والر�سمي عن الجنوب وعن فل�سطين‪،‬‬ ‫ليعلن �أحد القادة ال�صهاينة �أنه بفرق ٍة مو�سيقي ٍة ب�إمكانه احتالل لبنان‪ ،‬ولكن �آلياته‬ ‫جوي‪� ،‬أخفق هذا‬ ‫دعم ٍّ‬ ‫التي �أده�شت العالم ب�إمكاناتها الحربية و�سرعة اندفاعها ومع ٍ‬ ‫العدو بالتقدم لأمتا ٍر قليل ٍة‪ ،‬بل اندحر يجرجر �أذيال الهزيمـة من قبل ومن بعد ‪،2006‬‬ ‫وبطوالت المقاومـة الإ�سالمية و�أفواج المقاومة اللبنانية �أمل على درب الإمام مو�سى‬ ‫�سام و�شهداء‪� ،‬أعرف منهم ال�شهيد الحي فادي‬ ‫ال�صدر في هذا الوادي ت�ضحياتٌ ِج ُ‬ ‫عل َّيان‪ ،‬وال�شهداء عبا�س حمود ومحمد زعرور ومحمد عبد النبي و�أحمد وهبي وعلي نعمة‬ ‫ومحمد قبي�سي وو�سام مو�سى ومحمـد زويتـا‪ ،‬طارق المقداد و�أحمـد قي�س‪ ،‬محمد حطيط‬ ‫و�أحمـد قا�سم‪ ،‬وعلى طريق وادي الحجير عبرت قوافل �شهداء ومجاهدين‪ ،‬لتكون طريق‬ ‫م�صطفى �شمران �إلى الطيبة ورب ثالثين والقنطرة‪ ،‬وال�شهيد يو�سف حجازي عام‬ ‫‪ ،1977‬وهي منا�سب ٌة لتقديم �آيات ال�شكر والعرفان لكل المجاهدين‪ ،‬ومن جميع الأحزاب‬ ‫والمنظمات والهيئات والقوافـل التي غ َّيرت ور�سمت مالمح تاريخ وادي الحجير الم�شرق‬ ‫العاملي بامتيازٍ ‪ ،‬وهي مرحل ٌة بالغة الدقـة وال�صعوبة وزاخر ٌة بالعلم وال�شهادة‪ ،‬من الإمام‬ ‫ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪�M‬إلى الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪.‬‬ ‫اإلمام شرف الدين واإلمام الصدر عالقة النسب والسبب‪:‬‬

‫تعود جذور العائلتين الكريمتين �إلى �شرف الدين وال�صدر‪� ،‬إلى ال�شجرة المباركة‬ ‫نف�سها‪ ،‬ويقدم الإمام ال�صدر نف�سه كما جاء على ل�سانه في مجلـة العرفان‪�« :‬أنا �أنتمي‬ ‫�إلى عائل ٍة جذورها موجود ٌة في لبنان‪� ،‬أنا متح ِّد ٌر من �ساللة الإمام مو�سى بن جعفر‬ ‫الإمام ال�سابع من �أئمة �أهل البيت الإثني ع�شر ‪� ،R‬أجدادي تركوا لبنان عندما‬ ‫و�صل الإ�ضطهاد التركي �إلى ذروته‪ ،‬وت َّم �إحراق كتبنا وقتل علمائنا‪ ،‬لقد غادر �أجدادي‬ ‫�إلى العراق و�إيران حيث �أ�س�سوا عائل ًة كبير ًة)(‪.)16‬‬ ‫فالإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر هو ابن ال�سيد �صدر الدين ابن ال�سيد �إ�سماعيـل ابن‬ ‫ال�سيد �صدر الدين ابن ال�سيد �صالح �شرف الدين‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫ولد الإمام ال�صدر في ‪ 4‬حزيران عام ‪ 1928‬في مدينة ُقم المقد�سة‪ ،‬حيث ترعرع‬ ‫في ظل بيئ ٍة علمي ٍة مم َّيز ٍة‪ ،‬ويقول الإمام ال�صدر‪� :‬أنا ولدت في �إيران‪ ،‬حيث والدي‬ ‫�صدر الدين ال�صدر عا�ش و� َّأ�س�س جامع ًة ديني ًة(‪ )17‬في ُقم‪ ،‬در�ست في البداية في تلك‬ ‫الجامعة(‪ ،)18‬بعدها نلت �شهاد ًة جامعي ًة(‪ )19‬في الإقت�صاد من جامعة طهران‪.‬‬ ‫وي�ضيف الإمام‪� :‬أكملت درا�ستي الدينية في النجف الأ�شرف في العراق‪ ،‬حيث �سافر‬ ‫الإمام �إلى النجف الأ�شرف لمتابعة تح�صيل العلوم الفقهية العليا على كبار المراجع‬ ‫في الحوزة العلمية‪ ،‬و�شارك في جمعية منتدى الب�شر‪ ،‬التي كان من اهتماماتها عقد‬ ‫الندوات الثقافية ون�شرهـا‪ ،‬كما كان الإمام ع�ضو ًا في هيئتها الإدارية(‪ )20‬وذلك ابتدا ًء‬ ‫من عام ‪.1954‬‬ ‫عام ‪ 1958‬عاد �إلى حوزة ُقم العلمية و�شارك مع �آخرين منهم �آيات اهلل‪ :‬به�شتي‬ ‫و�آذري ُق ِّمـي ومكارم �شيرازي في تدويـن م�شروع �إ�صالح المناهج(‪ )21‬العلميـة في الحـوزة‬ ‫‪.1959 -1958‬‬ ‫بعد وفاة الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين قدم الإمام ال�صدر �إلى لبنان بعد‬ ‫(‪)22‬‬ ‫بت�شجيع ومبارك ٍة من المرجع الأكبر ال�سيد البروجردي‬ ‫زيارتين ‪ ،1957 -1955‬وذلك‬ ‫ٍ‬ ‫وعدد من المراجع العظام‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اإلمام السيد عبد الحسين شرف الدين‪:‬‬

‫هو ال�سيد عبد الح�سين بن يو�سف بن جواد بن �إ�سماعيل بن محمد بن �إبراهيم‬ ‫�شرف الدين‪ُ ،‬ولد في الكاظمية في العراق �سنة ‪ 1873‬ميالدية ‪ 1290‬هجرية‪ ،‬تتلمذ على‬ ‫يد والده ال�سيد يو�سف وجده ال�سيد هادي ال�صدر في المقدمات‪.‬‬ ‫قال الإمام �شرف الدين‪« :M‬لم �أزل في النجف الأ�شرف �ضارباً بتوفيق اهلل‬ ‫تعالى على الإ�شتغال‪ ،‬ملقياً �أجراني على �أخذ العلم من �أفواه العلماء الرجال‪ ،‬طاويـاً‬ ‫الف�ؤاد على الإفادة والإ�ستفادة‪ ،‬قائماً فيها على �ساقٍ ‪ ،‬محا�ضراً ومناظراً ومد ِّر�ساً‬ ‫وم�ؤ ِّلفـاً ال �ألوي على �شيءٍ‪ ،‬حتى قفلت راجعاً بنجح حاجاتي �إلى عاملة‪ ،‬منقلباً‬ ‫‪75‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫�إليها �أجمل منقلبٍ ‪� ،‬أغنيت مدة �إقامتي في العراق بما هاجرت �إليه‪ ،‬حتى �أني لم‬ ‫�أت�صل بغير �أهل العلم‪ ،‬ولم �أتع َّرف ب�أحدٍ �سواهم من �سائر �أهل العراق‪ ،‬بل لم �أ َر من‬ ‫حوا�ضرها وبواديها غير الم�شاهد الأربعة والكوفة وبغداد»(‪.)23‬‬ ‫من النجف األشرف إلى جبل عامل‪:‬‬

‫عام ‪ 1905‬عـاد الإمام �شرف الدين متجلببـ ًا ببردة الإجتهـاد المطلق‪ ،‬يقتحم عباب‬ ‫الأزمات ال�سيا�سية المتالحقة التي ع�صفت بالأمة والمنطقة‪ ،‬والتي تتردد �سلبياتها حتى‬ ‫اليوم‪ ،‬خا�ص ًة ن�ش�أة الكيان ال�صهيوني‪� ،‬أو الغدة ال�سرطانية بتعبير الإمام الخميني‪� ،‬أو‬ ‫ال�شر المطلق بتعبير الإمام المغ َّيب ال�سيد مو�سى ال�صدر‪.‬‬ ‫محطة العودة الأولى كانت في دم�شق‪ ،‬حيث ا�ستقبله المق َّد�س ال�سيد مح�سن الأمين‬ ‫وثل ٌة من العلماء‪� ،‬أما في جبل عامل وعند و�صوله �إلى بلدة عدي�سة‪ ،‬وجد في ا�ستقباله‬ ‫�أعالم البالد(‪ ،)24‬ويقول الإمام‪ :‬تابعنا ال�سير فكنا نلتقي بالنا�س �أفواج ًا �أفواج ًا‪ ،‬م�شا ًة‬ ‫وركبان ًا حتى �أتينا قريتنا �شحور(‪.)25‬‬ ‫وما ينتظر الإمام لي�س بالأمر الي�سير‪ ،‬ولكنه َّ‬ ‫وطد نف�سه على دخول المعترك وحمل‬ ‫هموم النا�س‪ ،‬حيث ال يكتفي علاَّ متنا بر�سم تلك اللوحة‪ ،‬بل �أو�ضح الأمر على الم�ستوى‬ ‫ولي النعمة �أن �أت�صدَّى للأمور الح�سبية و�أنا في خدمته‪،‬‬ ‫الخا�ص قائ ًال‪�« :‬أرادني ُّ‬ ‫م�شيراً �إلى والده‪ ،‬و�سائر ال�ش�ؤون العامة … وعلى هذا جرى الأمر بيننا والحمد‬ ‫هلل»(‪.)26‬‬ ‫كانت تجربة الإمام �شرف الدين قا�سي ًة و�صعب ًة وم�ضني ًة‪ ،‬لأنه عبرها في �أ�صعب‬ ‫مراحل الت�آمر على الأمة‪ ،‬حيا ًة حافل ًة بالمواقف عا�شها �سماحته‪ ،‬وتحديات كبيرة �ضاق‬ ‫بها �صدره ل�شدة ما تح َّمل من عدوان الأعداء وتجني َمن عمل لأجلهم وت�آمر المرتزقة‪،‬‬ ‫(‪)27‬‬ ‫حتى �أ َّنه ف َّكر في العام ‪ 1944‬في الهجرة �إلى العراق والإقامـة في النجف الأ�شرف‬ ‫… اجتمع علماء جبل عامل ليثنوه عن ذلك‪ ،‬وكانت مداوالتٌ ونقا�شاتٌ �أ َّدت �إلى العزوف‬ ‫عن الهجرة‪ ،‬و�آثر البقاء في عاملة التي �أحبها طيلة عمره ال�شريف �إلى �أن وافته المنية‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫َ‬ ‫مواقف م�شرف ٍة و�سير ٍة حافلـ ٍة بالعطاء‪ ،‬يلفها القلق على الم�صير‬ ‫توفي الإمام عن‬ ‫واهتزازات مرعب ٍة ومميت ٍة �آخرها نكبة فل�سطين‪ ،‬خاطب الملوك‬ ‫نكبات متتالي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫و�سط ٍ‬ ‫ذهاب لريح العرب‬ ‫والأمراء والر�ؤ�ساء وهو يقول‪« :‬ولي�س ذهاب فل�سطين فاجعاً لوال �أنه ٌ‬ ‫وعز الم�سلمين وكرامة الإن�سان الم�ست�شرق في غد هذا ال�شرق القريب»‪.‬‬ ‫ويوجه ندا ًء للم�سلمين والعرب في �أ َّول محرم ‪ ،1367‬ي�ؤكـد فيه على �أهميـة وقد�سية‬ ‫الن�ضال دفاع ًا عن فل�سطين ليقول‪« :‬هذا �شهر محر ٍم الدامي الذي انت�صرت فيـه عقيد ٌة‬ ‫و ُبعث منه مبد�أٌ … �أال و�إن َقتلَة الح�سين ِبك ٌر في القتالت‪ ،‬فلتكن قدوتنـا به ِبكراً‬ ‫في القدوات‪ ،‬ليكون لنا ولفل�سطين ما كان له ولق�ضيته من حيا ٍة ومجدٍ وخلودٍ»(‪.)28‬‬ ‫وكان الإمام �شرف الدين يعتقد �أن تح�صين المجتمع بت�أمين مقومات النهو�ض جز ٌء‬ ‫من عملية مواجهة التخلف والعدوان‪� ،‬إ�ضافـ ًة �إلى مواقفه الحا�سمـة تجاه الأعداء‪ ،‬قام‬ ‫ب�إن�شاء ورعاية العديد من الم�ؤ�س�سات وح�سبنا �أن نعر�ض ما قام به(‪:)29‬‬ ‫ •الح�سينية في الحي المعروف الآن با�سمها‪.‬‬ ‫م�سجد �أقام �أ�س�سه ووقفت الحكومة الفرن�سية دون �إتمامـه‪ ،‬ركائز‬ ‫ •م�شروع‬ ‫ٍ‬ ‫هذا الم�سجد تحت الرمول للجهة ال�شرقية من عقار الثانوية الجعفرية‪ ،‬بين‬ ‫الجعفريـة والمبنى الذي ت�شغله التكميلية الر�سمية‪.‬‬ ‫ •الم�سجد القائم الآن في البلدة في المنطقة المعروفة بال�ساحة‪.‬‬ ‫ •�ستة مخازن‪ ،‬ومنز ٌل فوقها حيث الإعداديـة الجعفريـة المجانية الآن ونادي‬ ‫الإمام ال�صادق ‪.Q‬‬ ‫ •المدر�سة الجعفرية ومن َثم الثانوية الجعفرية‪.‬‬ ‫ •نادي الإمام ال�صادق ‪.Q‬‬ ‫ •م�سجد الجعفرية تحت الإعدادية الجعفرية‪.‬‬ ‫ •مدر�سة الزهراء للبنات‪.‬‬ ‫ •الإعدادية الجعفرية لل�صبيان‪.‬‬ ‫ •الإعدادية الجعفرية للبنات‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ •جمعية ن�شر العلم‪.‬‬ ‫ •الجمعية الخيرية الجعفرية‪.‬‬ ‫ •جمعية ال ِبر والإح�سان‪.‬‬ ‫ •م�شروع مدر�س ٍة دينيـ ٍة ومدر�س ٍة مهني ٍة‪� ،‬أقام �أ�سا�سهما في الزاوية الجنوبية‬ ‫الغربية من عقار الجعفرية‪ ،‬حيث تقوم الآن محالت ال�سيد علي بح�سون للتجارة‪،‬‬ ‫لظروف �سيا�سي ٍة ومادي ٍة‪.‬‬ ‫ولم ي�ستمر العمل‬ ‫ٍ‬ ‫ •�ساهم في �إقامة جميع الم�ساجد والح�سينيات التي �أقيمت على عهده في منطقتي‬ ‫�صور وبنت جبيل‪.‬‬ ‫خرج الحقوق �أو من ينوب‬ ‫ •ت�شكيل ٍ‬ ‫لجان ل�صرف الحقوق ال�شرعية ب�إ�شراف ُم ِ‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫ •تدريب بع�ض الفتيان على القيام بمهمات المنبر الح�سيني على طريق ٍة‬ ‫ا�ستحدثها‪.‬‬ ‫بحث ُم َع ٍد لندو ٍة‪ ،‬ف�إن‬ ‫�أما الأمور المطلبية و�إزالة الحرمان فتفوق على ح�شدها في ٍ‬ ‫ت�سليط ال�ضوء على بع�ضها يعطي المتابع �إ�صرار الدولة على الإهمال وممار�سة �سيا�سة‬ ‫القهر المتع َّمد على المواطنين الم�ص َّنفين من درج ٍة ثاني ٍة وثالث ٍة‪.‬‬ ‫الر�سالة الأولى‪� :‬إلى رئي�س الجمهورية حبيب با�شا ال�سعد عام ‪ 1347‬هـ‪.‬‬ ‫الر�سالة الثانيـة‪ :‬من ر�سالـ ٍة �إلى الرئي�س ب�شارة الخوري �إثر اعتداء ال�صهاينـة على‬ ‫الجنوب عام ‪.1948‬‬ ‫والثالثة‪ :‬من كتاب �إلى الرئي�س ب�شارة الخوري �إثر تجريد حمل ٍة ع�سكريـ ٍة على ع�شائر‬ ‫الهرمل(‪.)30‬‬ ‫وهذا هو النص ألهميته‪:‬‬

‫كتاب �إلى رئي�س الجمهورية حبيب با�شا ال�سعد بتاريخ ‪ 3‬جمادى الأولى ‪1347‬هـ‪:‬‬ ‫‪ .1‬من ٍ‬ ‫‪ ...‬ولبنان تربـ ٌة خ�صبـ ٌة يزدهر فيها الزرع‪ ،‬ويد ُّر في ربوعها ال�ضرع‪ ،‬فتعهد هذه‬ ‫‪78‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫الأر�ض الطيبة ت� ِؤت ُ�أ ُك َلها ب�إذن ربها‪.‬‬ ‫�سراب‪ ،‬لم‬ ‫يباب‪ ،‬وماءه مح�ض‬ ‫ٍ‬ ‫�أما الجنوب‪ ،‬و(عاملة) ق�سمه الأوفى‪ ،‬ف�إنَّ مرابعه ٌ‬ ‫بط�أ‬ ‫تمتد �إليه ي ٌد ببناءٍ ‪ ،‬ولم َت ُلح له َق ُّط بارقـة رجاءٍ ‪ ،‬ولع َّل يدك الكريمة ت�سرع �إليه بما �أُ ِ‬ ‫عنه‪ ،‬وتعود عليه بما ُح ِرم منه‪.‬‬ ‫كتاب �إلى الرئي�س ب�شارة الخوري �إثر اعتداء ال�صهاينة على الجنوب عام ‪1948‬م‪:‬‬ ‫‪ .2‬من ٍ‬ ‫‪ ...‬وح�سبنا الآن نكبة جبل عامل في حدوده المتاحة‪ ،‬ودمائـه المباحة‪ ،‬وقراه وقد‬ ‫�صيح فيها نهب ًا‪ ،‬و�أطفاله وقد ت�أ َّودت رعب ًا‪ ،‬وقد ا�ستح َّر به الفتك‪� ،‬إلى مـا هنالك من‬ ‫هالك الحرث والزرع‪.‬‬ ‫هذا الجبل المرابط‪ ،‬يدفع جزية الدم ُ‬ ‫ل�ش َّذاذ الآفاق‪ِ ،‬من كل َمن لفظتـه الأرجاء‬ ‫ونبذته الأر�ض وال�سماء‪.‬‬ ‫هذا الجبل العريق‪ُ ،‬ت�ضرب عليه الذلة والم�سكنة‪ ،‬ممن ُ�ضربت عليهم الذلة والم�سكنة‬ ‫في التاريخ‪.‬‬ ‫حقوق‪ ،‬ك�أ َّنه ال�شريك‬ ‫هذا الجبل الذي يقوم بما عليه من‬ ‫واجبات‪ ،‬وال ُيعطى ما له من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الخا�سر‪ ،‬يدفع ال ُغرم‪ ،‬ومن ال ُغنم ُيح َرم‪.‬‬ ‫ف�إذا لم يكن من قدر ٍة على الحمايـة‪� ،‬أفلي�س من طاق ٍة على الرعايـة؟ و�إذا لم ت�ؤ َّد‬ ‫الحقوق‪ ،‬فلماذا ي�ستمر العقوق؟‪.‬‬ ‫و�إذا قر�أتم ال�سالم على جبل عامل‪ ،‬فقل ال�سالم عليك وعلى لبنان‪.‬‬ ‫كتاب �إلى الرئي�س ب�شارة الخوري �أي�ض ًا �إثر تجريـد حملـ ٍة ع�سكري ٍة على ع�شائر‬ ‫‪ .3‬من ٍ‬ ‫الهرمل في �أيلول ‪:1949‬‬ ‫‪ ...‬ف�إنَّ ع�شائر الهرمل‪ ،‬لم يخرجوا على طاع ٍة وال فارقوا الجماعة‪ ،‬فلمن ُت�س َرج‬ ‫الخيل العراب‪ ،‬و ُت�ش َرع الأ�سنة الحراب‪.‬‬ ‫ع�صر‬ ‫هوان‪ ،‬في‬ ‫خ�سف وال يقيمون على ٍ‬ ‫�ضيم ال يبيتون على ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�أَله�ؤالء‪ ..‬وهم �أبـاة ٍ‬ ‫تفتَّحت على نوره العقول والأب�صار‪ ،‬واغترف منه لبنان حتى غدا قبلة الأنظار‪ ،‬دون‬ ‫�أن ي�صيبهم �ص ِّي ٌب من ديمتـه‪� ،‬أو فا�ض ٌل من نعمته‪ ،‬بـل ُت ِركوا للتخ ِّلف يحب�س عليهم في‬ ‫‪79‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫مكانهم‪ ،‬يت�آكلهم الث�أر‪ ،‬ويغتالهم الجهل والمر�ض والفقر‪ ،‬حتى �أ�صبحوا بين نارين‪ ،‬نار‬ ‫المو�صدة‪.‬‬ ‫الحكومة المو َقدة‪ ،‬ونار �أو�ضاعهم‬ ‫َ‬ ‫بيت في لبنان‪� ،‬إذا التقى الجمعان‬ ‫و�إنَّ �أخ�شى ما �أخ�شاه‪� ،‬أن تدخل النائحة �إلى كل ٍ‬ ‫والتحم ال�ص َّفان‪ ،‬فالحملة الع�سكرية ال ُي�ستهان بها عد ًة وعدد ًا‪ ،‬والمعت�صمون في‬ ‫الجرود لهم من المواقع ما ي�س ِّلطهم على الوقائع‪ ،‬والدم ينادي الدم‪.‬‬ ‫�إال �أعدتم النظر يا �صاحب الفخامة‪ ،‬في �أ�سلوب ت�أديب الجامحين وغزو المتمردين‪،‬‬ ‫بجي�ش من الت�سامح‪ ،‬تري�شون بـه جناح الوطن المهي�ض وت�شفون‬ ‫�أال ت َرون �أن تغزوهم ٍ‬ ‫جنبه المري�ض؟‪.‬‬ ‫�أال تر َون �أنَّ �إعمار المدار�س والم�ست�شفيات يغني عن �إعمار ال�سجون والقبور؟ و�شقَّ‬ ‫ال�شوارع والطرقات يغني عن ِّ‬ ‫�شق الجيوب وال�صدور؟‪.‬‬ ‫اإلمام السيد موسى الصدر يخ ُلف اإلمام شرف الدين‪:‬‬

‫يوم �أ َّنه عندما كنا في بهـو منزل ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‬ ‫حدث ذات ٍ‬ ‫�شاب �سي ٌد طويل القامـة‪ ،‬بط َّلته البهية �س َّلم على الحا�ضرين‪ ،‬وق َّبل‬ ‫عام ‪ ،1957‬دخل ٌّ‬ ‫الإمام �شرف الدين و�س َّلمه �أوراق ًا كان يحملها‪ ،‬وع َّرف به الإمام �شرف الدين ب�أ َّنه‬ ‫ال�سيد مو�سى ال�صدر قريبنا من ُقم‪ ،‬ثم دعـاه للدخول �إلى الداخل وبعد حوالي ن�صف‬ ‫�ساع ٍة خرجا‪ ،‬ونادى الإمام‪� :‬أين ابني جعفر؟ ف�أر�سلوا �أحدهم ليح�ضره �إلى الإمام‪،‬‬ ‫وعندما و�صل قال‪� :‬إن ِم ُّت فهذا ال�سيد هـو من �سيح ُّل مكاني‪ .‬هذا ما قاله ال�شيخ ح�سن‬ ‫بي�ضون في �أحد اللقاءات‪ ،‬وهو مقرىء القر�آن المعروف في نادي الإمام ال�صادق‪،‬‬ ‫ومن الزم ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪� .‬شاع الخبر في �صور‬ ‫ورفيق درب الإمام َ‬ ‫احتج‪ ،‬حتى و�صل �أ�صداء ذلك �إلى‬ ‫واعتر�ض َمن اعتر�ض‪ ،‬واجتمع على ال�سيد َمن َّ‬ ‫الإمام �شرف الدين ب�أنَّ المعتر�ضين يقولون‪� :‬إنَّ المنطقة فيها الكثير من �أهل العلم‬ ‫والف�ضل‪ ،‬وماذا يعرف ال�سيد مو�سى ال�صدر الآتي من قم عن �صور‪ ،‬عن جبل عامل‪،‬‬ ‫عن لبنان‪ ،‬عن م�شاكلنا وعن �أزماتنا؟‪ .‬ف�أجاب الإمام �شرف الدين‪� :‬أر�أيتم الأوراق‬ ‫التي �س َّلمني �إيـاها؟ فيها درا�ساتٌ عن �أو�ضاعنا‪ ،‬واقتراحاتٌ لحلول الم�شاكل عندنا‪،‬‬ ‫‪80‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫بكثير مما يعرفه البع�ض (‪.)31‬‬ ‫وهو يعرف �أكثر ٍ‬ ‫ترجل الفار�س بعد �سبعة وثمانين عام ًا حملته‬ ‫وترجل الفار�س‪َّ ،‬‬ ‫وتوفي الرجل الإمام َّ‬ ‫على �صهوة العلم والعمل والتقـوى‪ ،‬منبر ًا يوقظ النائمين ويهتف بالم�ست�ضعفين‪ ،‬ويتردد‬ ‫ترجل وكانت �أذني قد وعت الجملة الأخيرة‪،‬‬ ‫�صدى �صوته في موطن العرب والم�سلمين‪َّ ،‬‬ ‫ح�سب ابنه ال�سيد جعفر �شرف الدين(‪ ،)32‬الكلمة الأخيرة التي رددها‪« :‬لقد بلغت‬ ‫هم الدنيا وغمها‪.‬‬ ‫الغاية‪ ،‬وال يبلغ الغاية �إال الحي»‪ .‬قالها ثالث ًا و�صمت وا�ستراح من ِّ‬ ‫هناك الكثير من العلماء والعامة وال�سيا�سيين والتجار لم يعرفوا ِ�س َّر الو�صية‪ ،‬وبات‬ ‫ويج�سد هذا ما كتبه �سماحـة‬ ‫النا�س في َحيرة َمن الذي �سيخلف الإمام �شرف الدين‪ِّ ،‬‬ ‫ال�شيخ محمد جواد مغنية في مجلـة العرفـان منت�صف عام ‪ 1958‬تحت عنـوان َمـن هو‬ ‫خليفة �شرف الدين؟(‪.)33‬‬ ‫َمن هو خليفة شرف الدين؟‪.‬‬

‫�أتى على المق َّد�س �شرف الدين حين ًا من الدهر وهو من ر�ؤ�ساء العلماء في جبل‬ ‫عامل‪ ،‬ثم �أ�صبح بعد وفاة زمالئه الكبار‪ ،‬عليه وعليهم الرحمة والر�ضوان‪ ،‬الرئي�س‬ ‫الأول وحده ال �شريك له‪� ،‬أما اليوم وبعد �أن ل َّبى هذا الجليل نداء ربه‪ ،‬فيرى البع�ض‬ ‫�أ َّنه «الخليفة» دون غيره‪ ،‬و�آخر �أ َّنه �أحد �أطراف ال�شبهة المح�صورة‪ ،‬وثالث �أ َّنه الفرد‬ ‫المر َّدد بين تعيينه بالذات والتخيير بينه وبين غيره‪.‬‬ ‫وطريقة الإمامية في اختيار ال�شخ�ص لهذا المن�صب الخطير تخالف ما عليه �سائر‬ ‫ر�سمي‪ ،‬وال بالإنتخـاب من فئ ٍة مع َّين ٍة‪� ،‬أما‬ ‫بمر�سوم من م�صد ٍر‬ ‫الطوائف‪ ،‬فهو ال ُيع َّين‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫المرا�سيم فهي عندهم من اخت�صا�ص المع�صوم الذي ال يجترح ال�سيئات‪ ،‬وال يت�أ َّثـر‬ ‫بال�شفاعات‪ ،‬لذا يتركـون الإنتخاب �إلى الطبيعـة‪� ،‬إلى م�ؤهالت ال�شخ�ص و�صفاتـه‪،‬‬ ‫وحي من ال�سماء‪،‬‬ ‫و�إح�سا�س النا�س و�شعورهم‪ ،‬ودائم ًا ي�أتي هذا الإح�سا�س العام‪ ،‬وك�أنه ٌ‬ ‫عهد من العهود كما �أعلم‪� ،‬أن كلمة الطائفة بجميع �أفرادها وهيئاتها‬ ‫�إذ لم ُيع َرف في ٍ‬ ‫م�شروع‪.‬‬ ‫�سبب‬ ‫اتفقت على �ضالل ٍة‪ ،‬وبدون ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪81‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫�إنَّ الفرد مهما ملك من الأ�ساليب‪ ،‬فال ي�ستطيع �أن يخدع �شعب ًا ب�أكمله �أو طائف ًة‬ ‫ب�أ�سرها با�سم الدين �أو الوطنية‪.‬‬ ‫ومر ًة ثاني ًة �أقول‪� :‬إنَّ ال�شيعة يتركون الت�صفية والغربلة للأيام‪ ،‬فهي وحدها الكفيلة‬ ‫باختيار الأ�صلح والأ�صدق والأنفع‪.‬‬ ‫�أجل �إننا نفكر ونقدر ونر�شح هذا دون ذاك‪ ،‬ولكن على �سبيل التنب�ؤ‪ ،‬ال الإختيار‬ ‫والتخمين وال التعيين‪ ،‬لقد قـاوم �شرف الدين َمن قاومـه‪ ،‬و�أبى �أن يعترف بمكانته‬ ‫ومنزلته‪ ،‬بادىء ذي بدءٍ ‪ ،‬ولكنه ا�ست�سلم في النهاية لقوة الحق‪ ،‬وخ�ضع لمنطق الواقع‬ ‫الَ ْر ِ�ض»‪.‬‬ ‫ا�س َف َي ْم ُك ُث فِي ْ أ‬ ‫الذي ال َمعدى عنه « َف�أَ َّما ال َّز َب ُد َف َي ْذه َُب ُج َفا ًء َو�أَ َّما َما َي ْن َف ُع ال َّن َ‬ ‫هذا ما كتبه �سماحة العالمة ال�شيخ محمد جواد مغنية رحمة اهلل عليه‪.‬‬ ‫وبالفعل �إنَّ ال�شيعة يتركون الت�صفيـة والغربلة للأيام‪ ،‬فهي الكفيلة وحدها باختيار‬ ‫الأ�صلح والأ�صدق والأنفع‪ ،‬وكان الخيار الأ�صلح والأ�صدق الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪،‬‬ ‫ح�ضر �إلى لبنان �أواخر عام ‪ 1959‬تنفيد ًا لو�صية الإمام �شرف الدين وت�أييد ًا من كبار‬ ‫مراجع الطائفة وعلمائها‪.‬‬ ‫صورة اإلمام السيد عبد الحسين شرف الدين في ذهن اإلمام موسى‬ ‫الصدر وبقلمه(‪:)34‬‬

‫�سيدي‪ ،‬عرفك بيتك �أب ًا عطوف ًا وارف الظالل‪ِ ،‬م�ضياف ًا يخدم ال�ضيف الذي يح ُّج‬ ‫عميق‪.‬‬ ‫�إليه رجا ًال وركبان ًا وعلى كل‬ ‫فج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�ضامر ي�أتيه من كل ٍ‬ ‫وعرفك �صحبك‪ :‬مر�شد ًا مر ِّبي ًا ال ينقطع عن الن�صيحة والتوجيه لحظ ًة واحد ًة‪.‬‬ ‫وعرفك بلدك‪ :‬م�صلح ًا ي�أمر بالمعروف وينهى عن المنكر‪ ،‬يقيم ال�شعائر وين�صر‬ ‫المظلوم ويحكم بين النا�س بالق�سط‪.‬‬ ‫وعرفك وطنك‪ :‬قائد ًا ثائر ًا يبذل �أق�صى مـا يمكن بذله‪ ،‬وال يثنيه جبروت الم�ستعمر‪،‬‬ ‫وال حيلة العدو الماكر‪ ،‬وال �إيالم الحرب الباردة التي ي�شنها الخ�صم الداخلي‪.‬‬ ‫المدلهم الوا�سع‪ ،‬فتبعث من خالل ر�سائلك وكتبك‬ ‫وعرفك العالم‪� :‬شم�س ًا تنير الأفق‬ ‫َّ‬ ‫‪82‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫�إلى مختلف الأقطار‪ ،‬حديث الحق وق�صة الحياة المثالية‪.‬‬ ‫ف�صل ي�أبى المغالطة‪،‬‬ ‫وعرفك التاريخ‪� :‬صفحـ ًة بي�ضا َء ال زيغ فيها وال خريف‪ ،‬بـل مطلع ٍ‬ ‫كتاب فيه تبيا ٌن وفرقانٌ‪ ،‬بين الحقيقة والوهم‪.‬‬ ‫ومدخل ٍ‬ ‫�سيدي‪ ،‬ح َّولت فكرك �إلى كتبك الخالدة ف�أهديتها �إلينا‪.‬‬ ‫وح َّولت طاقتك �إلى م�ؤ�س�ساتك العظيمة‪ ،‬فوهبتنا �إياها‪.‬‬ ‫وح َّولت عواطفك الرقيقـة‪ ،‬ف�أ�صلحت ما ف�سد من �أمرنا‪ ،‬وجبرت مـا انك�سر في‬ ‫مجتمعنا‪.‬‬ ‫وح َّولت ُخلقك الكريم �إلى تن�شيط الحق وتعميم الجمال‪ ،‬وتهدئـة القلوب وت�سلية‬ ‫المحزون‪ ،‬وراحة الالجىء والإ�صالح بين النا�س‪.‬‬ ‫ح َّولت وجودك كلـه �إلى كمال مجتمعنـا‪ ،‬و�أهديت كل ما تملك �إلينا‪ ،‬ثم حملت ج�سدك‬ ‫المرهق المتهدِّ م‪ ،‬حملته �إلى منبت علمك‪� ،‬إلى باب مدينة العلم‪� ،‬إلى بلد النور والوالء‪،‬‬ ‫وتم�سكنا ب�سفينـة النجاة‬ ‫�إلى النجف‪ ،‬لكي تجذب قلوبنا وتحافظ على رباط �إيماننـا ُّ‬ ‫و�أحد الثقلين‪.‬‬ ‫ذهبت بعدما �أعطيتنا كل �شيءٍ �سمو ًا في الحياة وفي الممات‪ ،‬لكي ت�ضرب مث ًال �آخر‬ ‫بموتك بعدما �ضربت الأمثال للنا�س بحياتك‪.‬‬ ‫�أجل‪ ،‬وفي ت�شرين الأول �سنة ‪ 1959‬ل َّبى الإمام مو�سى ال�صدر الدعوة وقدم الى لبنان‪،‬‬ ‫و�أقام في مدينة �صور‪ ،‬وبد�أ مهامه �إمام ًا في الم�سجد الذي بناه ال�سيد عبد الح�سين‬ ‫�شرف الدين‪ ،‬وهو الم�سجـد المعروف بم�سجـد الإمام ال�صادق ‪ ،Q‬ولكنَّ الإمام لم‬ ‫(‪)35‬‬ ‫يبقَ �أ�سير جدرانه بل تخطى الحدود‪ ،‬بل كان كما توقع ال�شيخ مرت�ضى �آل يا�سين‬ ‫الذي قال في ال�صدر في ر�سال ٍة بعث بها �إلى نجل الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف‬ ‫الدين ال�سيد جعفر‪ ،‬يتحدث فيها عن مزايا الإمام ال�صدر وتوقعاتـه لم�ستقبل العمل‬ ‫على يديه في العالم �أجمع‪ ،‬وهذا ن�صها‪:‬‬ ‫«فقد علمت منذ �أمدٍ قريبٍ ب�أن ف�ضيلة ال�سيد ال�سند‪ ،‬والثقة المعتمد‪ ،‬العالمة‬ ‫الجليل حجة الإ�سالم ال�سيد مو�سى ال�صدر �آية اهلل قد ا�ستجاب �أخيراً لدعوتكم‬ ‫‪83‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ال ووطـ�أ منها �سه ً‬ ‫ال وحل‪ ،‬بها �أه ً‬ ‫الملحـة بالهجرة �إلى �صور‪ ،‬فهاجـر �إليها فع ً‬ ‫ال‪ ،‬ذلك‬ ‫ليملأ فيها هذا الفراغ ال�شاغر الذي ظ َّل طوال هذه الفترة الكئيبة يتطلع �إلى ذلك‬ ‫الرجل المثالي الجدير بتمثيل رجل الدين في علمه وعمله‪ ،‬وفي هديه ووعيـه �إلى‬ ‫�أن َّ‬ ‫من اهلل عليه بهذه ال�شخ�صية المثالية المزدانة بكل عنا�صر الخير‪ ،‬والمجهَّزة‬ ‫بكل طاقات العمل في �سبيل النفع العام‪.‬‬ ‫فبورك ل�صور ومن فيها بهذه التحفة الثمينة التي َّ‬ ‫تف�ضل اهلل بها عليها‪ ،‬و�إني‬ ‫ٌ‬ ‫لواثق ب�أ َّن هذا النور الذي �سطع في �سماء �صور �سوف ال يقف عند حدودها‪ ،‬كما يقف‬ ‫نور الم�صباح عند ح ٍّد من الحدود‪ ،‬بل �إ َّنـه وال �شك �سيتجاوزهـا ويتعداها حتى يع َّم‬ ‫العالم الإ�سالمي ب�أ�سره‪ ،‬وما ذلك عن لطفه تعالى ببعيدٍ »‪.‬‬ ‫رؤيـة اإلمام للوضع الداخلي‪:‬‬

‫قرب على‬ ‫وبو�صول الإمام ال�صدر �إلى لبنان اكت�شف و�ضعية الإن�سان بعد تعرفه عن ٍ‬ ‫م�شاكل الأفراد والجماعات‪ ،‬والتفت �إلى عمق الهوة وات�ساع الفجوة بين �أبناء الوطن‬ ‫�س�س متعدد ٍة ورعاي ٍة متنوع ٍة‪ ،‬وكانت الأ�صالة‬ ‫الواحد‪ ،‬الذين تتعاطى معهم الدولة على �أُ ٍ‬ ‫في المواطنية تظهر في منطقة‪ ،‬وتغيب في منطق ٍة �أخرى‪ ،‬ح�سب ر�ؤية الحكام في تلك‬ ‫�س�س طائفي ٍة ومناطقي ٍة �ضيقـ ٍة منطلقـ ٍة من ع�صبي ٍة عميا َء‪ ،‬تعود‬ ‫الحقبة القائمة على �أُ ٍ‬ ‫�إلى نظرية المناطق الأ�صيلة والأطراف التابعة‪ ،‬فيما كان يرى الإمام ال�صدر ب�أنَّ �أكثر‬ ‫النا�س �أ�صال ًة و�أ�ش َّدهم حر�ص ًا على لبنان هم الذين يدفعون ال ُغرم ولغيرهم الغنم‪،‬‬ ‫فاكت�شف و�ضعيـة الإن�سان في البقاع والهرمل وعكار �إمتداد ًا �إلى �أحزمة الب�ؤ�س في‬ ‫�ضواحي بيروت‪ ،‬التي �ضاقت بالفقراء الذين هاجروا من الأطراف ك�سب ًا للعي�ش‪ ،‬وفي‬ ‫ظروف قا�سي ٍة و�ضيق ٍة‪� ،‬إذ �إن الإن�سان الم�سلوب حقه من العي�ش الكريم ُت�صا َدر حريته‬ ‫ٍ‬ ‫يباب‪ ،‬وهلك في البقاع وعكار‬ ‫حتى بالإحتجاج على هذا الواقع المتردي‪ ،‬فالجنوب �أر�ضه ٌ‬ ‫ظروف غير‬ ‫الحرث والن�سل‪ ،‬فيما رافق المر�ض �سكان �أزقة الب�ؤ�س الذين يعي�شون في‬ ‫ٍ‬ ‫�صحيـ ٍة‪ ،‬فيما غابت الدولة عن حماية المواطن من تع�سف العدو ال�صهيوني وعدوانه‬ ‫‪84‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫الم�ستمر على مناطق الحدود‪.‬‬ ‫ولم�س الإمام �أنَّ المواطن �أمام مطرقة العدوان ال�صهيوني و�سندان الإهمال‬ ‫والإجحاف في الحقوق وعقوق الدولة في � ٍآن‪ .‬وبد�أ تح ُّرك الإمام معالج ًا ومطالب ًا ومحتج ًا‬ ‫جبهات عد ٍة‪ ،‬من مواجهة حال التردي الإجتماعي‪� ،‬إلى مواجهـة العدوان ال�صهيوني‪،‬‬ ‫على‬ ‫ٍ‬ ‫و�سبق ذلك ح�ضور ًا مكثف ًا للإمام في �صور على �صعيد ن�شاطه الديني والخدمـة العامة‪،‬‬ ‫معتبر ًا عمله في نطاق الدعوة �أو الخدمة الإجتماعية �أو العمل ال�سيا�سي جزء ًا من واجبه‬ ‫الديني‪ ،‬مو�سع ًا نطاق الوعي والعمل الديني‪.‬‬ ‫يتفح�ص كل حال ٍة‬ ‫وقد نجح في معالجة ٍ‬ ‫عدد من الم�شكالت الإجتماعية‪ ،‬و�أخذ َّ‬ ‫وت�صور العالج لها‪ ،‬فالعاجز �إلى م�ؤ�س�س ٍة خا�ص ٍة ُتع َنى بالعجزة‪ ،‬وكثير العيال تي�سير‬ ‫�سبل الرزق له‪ ،‬والعاطل عن العمل بت�أمين بع�ض المقومات التي تخ ِّوله العمل على قاعد ٍة‬ ‫أعط ال�صياد �صنار ًة وال تعطه �سمك ًة‪� .‬أما الك�سالى ف�أ�صبح‬ ‫كان يقولها الإمام ال�صدر‪ِ � :‬‬ ‫تو�صل ال�سيد �إلى قناعـ ٍة ب�ضرورة �إيجـاد م�ؤ�س�س ٍة كي ت�ستوعب‬ ‫ي�شار �إليهم بالبنان‪ ،‬لذلك َّ‬ ‫بيت‬ ‫الأيتام و�أبناء المحرومين‪ ،‬لتكون لهم مهن ٌة ع�صري ٌة في مدر�س ٍة مهني ٍة‪ ،‬وللفتاة ٌ‬ ‫للفتاة تتدرب فيه وتتعلم‪ ،‬وكذلك م�ؤ�س�ساتٌ رعائي ٌة �أخرى‪ ،‬وهكذا انطلق العمل وبد�أ‬ ‫الدور وظهرت التوجهات‪.‬‬ ‫البدء بالتحرك‪:‬‬

‫وكان التحرك الوا�سع ابتـدا ًء من الندوات والمحا�ضرات في نادي الإمام‬ ‫ال�صادق‪Q‬في �صور‪� ،‬إلى تن�شيط عمل جمعيـة البر والإح�سان التي �أ�س�سها الإمام‬ ‫ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين في �صور �سنة ‪ ،1948‬حيث ق َّيم عملها بعد مرور‬ ‫�سن ٍة على �إعادة انطالقتها بقو ٍة‪ ،‬فقال عن ن�شاطات الجمعية في كلم ٍة له بتاريخ‬ ‫‪« :1961/12/31‬نجد �أم ً‬ ‫ال كبيراً هو الأمل بالم�ستقبل‪ ،‬ونجد انعكا�س ذلك على‬ ‫نفو�س كافة المواطنين‪ ،‬واقتنعنا جميعاً ب�أ َّن تركـُّز الطاقات وجمع الدراهم‬ ‫القليلة التي كنا نرميها في التراب ب�شكل ال�صدقات الفردية لل�سائلين بالكف‪...‬‬ ‫‪85‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫اقتنعنا �أ َّن تركيز هذا يعمل المعجزات ويرفـع ال�صروح في وقتٍ قليلٍ »‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف‪� :‬إ َّن الجمعية ال يقت�صر انعكا�سها على طائف ٍة معينةٍ‪ ،‬بل هي جمعي ٌة خيري ٌة‬ ‫لكافة الطوائف‪ ،‬وهذا �صندوقها يدخل فيه الخير من الجميع‪ ،‬وهذه يـد الجمعية‬ ‫تمتد لم�ساعدة الجميع»‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫يشكل إسهام ًا في عملية‬ ‫أداء اإلمام الصدر واندفاعه للقاء الطوائف‬ ‫النهوض الوطني‪:‬‬

‫قدا�س عن روح البابا يوحنا الثالث والع�شرين(‪:)36‬‬ ‫ الم�شاركة في ٍ‬‫لم يت�سنَّ للإمام ال�صدر �سريع ًا التعبير عن كل ما يختلج في داخله من م�شاري َع و�آراءٍ‬ ‫َ‬ ‫ومواقف‪ ،‬لذلك كان يغتنم الفر�ص المنا�سبة للتعبير عن م�شروعـه ال�سيا�سي الإجتماعي‪،‬‬ ‫وي�أتي في مقدمة الر�ؤية الوطنية والدينية للإمام ال�صدر م�شاركته لإخوته الم�سيحيين‬ ‫في منا�سباتهم المتنوعة‪ ،‬ف�ض ًال عن تو�سيع عالقاته باتجاه ممثلي الطوائف اللبنانية‬ ‫عموم ًا‪ ،‬والم�سيحية خ�صو�ص ًا‪ ،‬مع التطلع �إلى بناء عالق ٍة وطيد ٍة مع المراكز الدينية‬ ‫العالمية لهذه الطوائف‪.‬‬ ‫وفي ‪�،1963/ 6 / 6‬شارك الإمام ال�صدر في ُق َّدا�س �أُقيم في �صور عن روح قدا�سة‬ ‫البابا يوحنا الثالث والع�شرين‪ ،‬ر�أ�سه المطران يو�سف الخوري‪ ،‬و�ألقى الإمام ال�صدر‬ ‫كلم ًة بالمنا�سبة قال فيها‪« :‬فقدنا وفقد العالم قدا�سة البابا يوحنا‪ ،‬فبكت عليه عيون‬ ‫العدل والمحبـة والحرية والتوا�ضع»‪ ،‬ورفع الإمام بيده (وثيقة ال�سالم على الأر�ض)‬ ‫التي �صدرت عن قدا�سة البابا قبل وفاته بفتر ٍة ق�صير ٍة‪� ،‬شارح ًا �أهمية ما ورد فيها‪،‬‬ ‫خا�ص ًة عن عالقـة الإن�سان بالدين‪ ،‬وعالقة الدين بالإ�ستقرار وال�سالم العالمي‪ ،‬وختم‬ ‫الإمام ال�صدر قائ ًال‪« :‬نحن في لبنان ما �أجدر بنـا �أن ن�ستفيد من المحبة والت�سامح‪،‬‬ ‫وتكريم لروح قدا�سة البابا»‪.‬‬ ‫ونرفعها بمثابة �صال ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬اإلمام الصدر يزور الفاتيكان(‪:)37‬‬

‫أيام ب�ضيافة الفاتيكان‪ ،‬حيث لقي‬ ‫زار الإمام ال�صدر روما‪ ،‬و�أم�ضى فيها خم�سة � ٍ‬ ‫‪86‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫حفاو ًة بالغ ًة‪ ،‬وتل َّقى دعو ًة ر�سمي ًة لح�ضور حفل تتويج البابا بول�س ال�ساد�س‪ ،‬وبذلك‬ ‫م�سلم يدخل الفاتيكان‪ ،‬وهي �سابق ٌة تاريخي ٌة ق َّدرها‬ ‫ُيعت َبر الإمام ال�صدر �أول عالم ٍ‬ ‫دين ٍ‬ ‫الم�سيحيون والم�سلمون على ال�سواء‪ ،‬ون�شرت معالم الإنفتاح عنـد الإمام ال�صدر‪ ،‬مع‬ ‫َ‬ ‫ومواقف منتقد ٍة لبع�ض المنزعجين من هذه الزيارة‪.‬‬ ‫الإ�شارة �إلى �آراءٍ‬ ‫وفي محا�ضرة الوحدة الوطنية والتعاي�ش الم�سيحي الإ�سالمي في نادي جرجوع(‪،)38‬‬ ‫ح َمل �سماحة الإمام على المتاجرين بالوطنية با�سم الدين‪ ،‬وقال‪� :‬إنهم م�ساكين �أولئك‬ ‫الذين يعتقدون �أنَّ هناك تعار�ض ًا بين الدين والوطنية‪ ،‬بل على العك�س �إنَّ ك ًال منها يكمل‬ ‫الآخر‪ ،‬و�إنَّ تجار ال�سيا�سة هم الذين ُيغ ُّذون النعرات الطائفية والمذهبية للمحافظة‬ ‫على وجودهم‪.‬‬ ‫�إنَّ العي�ش الم�شترك كفي ٌل ب�إنتاج الوحدة الوطنيـة‪ ،‬هذه الوحدة ال تعني كما يعتقد‬ ‫البع�ض ذوبان الجناح الم�سلم في الجناح الم�سيحي‪� ،‬أو ذوبان الجناح الم�سيحي في‬ ‫الجناح الم�سلم‪ ،‬بل يعني �أن يظل الم�سيحـي على م�سيح َّيته مئ ًة بالمئة‪ ،‬ويمد يد ًا‬ ‫مخل�ص ًة �إلى �أخيه الم�سلم‪ ،‬و�أن يظ َّل الم�سلم م�سلم ًا مئ ًة بالمئة ويمد يد ًا مخل�ص ًة �إلى‬ ‫�أخيه الم�سيحي‪ ،‬ف�إنَّ بذلك نعي�ش الوحدة الوطنية فع ًال وقو ًال‪.‬‬ ‫وقـد �شارك الإمام ال�صدر في العديد من المحا�ضرات في العديد من المناطق‬ ‫اللبنانية‪ ،‬من بيروت وكنائ�سها وم�ساجدها �إلى جبيل وطرابل�س وعكار والبقاع والجنوب‬ ‫وكل لبنان‪.‬‬ ‫محا�ضرات عن الم�سيحية والإ�سالم‬ ‫من محا�ضرات الندوة اللبنانية في �إطار �سل�سلة‬ ‫ٍ‬ ‫في لبنان‪ ،‬حيث ق َّدم الإمام ال�صدر الإ�سالم وثقافة القرن الع�شرين(‪ ،)39‬وكان م� ِّؤ�س�س‬ ‫محا�ضرات عن الم�سيحية وثالث ًا‬ ‫الندوة مي�شال �أ�سمر �ض َّمن مو�سم محا�ضراتها ثالث‬ ‫ٍ‬ ‫عن الإ�سالم‪ ،‬وحا�ضر فيها ك ٌّل من المطران جورج خ�ضر‪ ،‬الأ�ستاذ ن�صري �سلهب‪ ،‬الأب‬ ‫فرن�سوا دوبرة التور �أبـو حلقـة‪ ،‬ال�سيد مو�سى ال�صدر‪ ،‬الدكتور ح�سن �صعب‪ ،‬الأ�ستاذ‬ ‫يو�سف �أبو حلقة‪ ،‬وقد �أ َّدت هذه المحا�ضرات �إلى خلق �أجواء الإنفتاح‪ ،‬ولقاء معاني‬ ‫‪87‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫لمعالجات‬ ‫القيم الفكرية‪ ،‬وب َّددت المزيد من هواج�س الخوف والهلع من الآخر‪ ،‬ت�أ�سي�س ًا‬ ‫ٍ‬ ‫وطني ٍة ته ُّم الوطن والمواطن‪.‬‬ ‫�إنَّ الجميع م�س�ؤو ٌل و�إنَّ التحديات ت�ستهدف الجميع‪ ،‬وهذه الندوات واللقاءات‬ ‫ن�شاط انفتاح ٍّـي‪ ،‬كانت والد ًة لع�شرات المحا�ضرات‬ ‫والعالقات ما كانت �إال باكورة‬ ‫ٍ‬ ‫والندوات التي �أُلقيت في الكنائ�س والأديرة ومنها محا�ضراتٌ في‪ :‬كني�سة الآباء‬ ‫الكبو�شيين ‪ -‬كني�سة مار جرج�س المارونية ‪ -‬كني�سة راهبات القلبين الأقد�سين في‬ ‫معهد ال�سيوفي‪/‬الأ�شرفيـة ‪ -‬معهد الآباء الأنطونيين حيث �شاركه ندوته الرئي�س العام‬ ‫للرهبنة المارونية الأب روفايل لطيف ‪ -‬معهد هايكازيان الأرمني ‪-‬معهد جبل لبنان‬ ‫بح�ضور المطران جورج خ�ضر‪ ،‬عدا عن جميع الندوات واللقاءات الوطنية في كنائ�س‬ ‫�صور ‪� -‬صيدا ‪ -‬النبطية ‪ -‬مغدو�شة ‪ -‬الفاكهة ‪ -‬الجديدة ‪ -‬زحلة ومناطق لبنانية‬ ‫�أخرى(‪ ،)40‬ونظر ًا لحجم ن�شاط الإمام وح�ضوره في دور العبادة الم�سيحية ف�إننا ن�سلط‬ ‫ال�ضوء على محا�ضرة كني�سة الآباء الكبو�شيين التي ُو�صفت على ال�شكل التالي‪:‬‬ ‫«هذا ٌ‬ ‫حدث يح�صل للمرة الأولى في تاريخ الكثلكة‪ ،‬يجتمع في الكني�سة م�ؤمنون‬ ‫ديني غير كاثوليكي‪...‬و ُيقا َبل ذلك ال بالإعجاب فح�سب‪،‬‬ ‫ل�سماع كلمة اهلل من‬ ‫مرجع ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫بل بالت�أمل الطويل‪ ،‬ومن الطبيعي �أن يكون موطن الحدث هو لبنان بلد اللقاء‬ ‫والأخوة والتوحيد»‪.‬‬ ‫هذا ما قاله الرئي�س �شارل حلو بعـد �سماعـه محا�ضرة الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‬ ‫بعنوان‪« :‬القوى التي ت�سحق والقوى التي تفرق «م�ساء �أم�س في كاتدرائيـة مار لوي�س‬ ‫الالتينية للآباء الكبو�شيين‪ ،‬وهي �أولى �سل�سل ٍة من المحا�ضرات ُتل َقى لمنا�سبة‬ ‫ال�صوم الكبير‪...‬‬ ‫وجاء ل�سماع الآتي من هناك‪...‬‬ ‫من الجنـوب‪ ،‬من الأر�ض التي م�شى عليها ال�سيد الم�سيح‪ ...‬يحكـي عن الحريـة‬ ‫والظلم والطغيان والعن�صريـة‪ ،‬وعن الجنوب و�إن�سانـه الذي يظل �شاهد ًا على لبنان‬ ‫يتحدى «�إ�سرائيل» وكيانها العن�صري‪ ،‬جاء ل�سماع ال�صدر عـد ٌد كبي ٌر من الراهبات‬ ‫‪88‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫والرهبان والمواطنين‪ ،‬وكان في ُمق َّدم الح�ضور‪ :‬المون�سنيور بول�س با�سيم مطـران‬ ‫الالتين‪ ،‬ورئي�س المحكمة الروحية الالتينية الأب �إبراهيم عيـَّاد‪ ،‬والأمير عبد العزيـز‬ ‫�شهاب‪ ،‬والنقيب ريا�ض طـه‪ ،‬والبروف�سور فيليب الخازن‪ ،‬وال�صحافي جبران الحايك‪.‬‬ ‫وعدد من ال�شخ�صيات في‬ ‫وبعـد لقـاءٍ بين ال�صدر والرئي�س حلو والمطران با�سيم ٍ‬ ‫�صالـة الإ�ستقبال في الكني�سة‪ ،‬انتقلوا �إلى قاعة ال�صالة‪ ،‬وعند دخول الإمام ال�صدر‬ ‫و�إلى جانبه الرئي�س حلو‪ ،‬كانت عالمات الفرح ممزوج ًة بعالمات الده�شة ترت�سم على‬ ‫�صمت خا�ش ٌع عندما �إلتفت ال�صدر �إلى الذين وقفوا عند‬ ‫وجوه الحا�ضرين‪ ...‬و�ساد‬ ‫ٌ‬ ‫دخولهم وحياهم وجل�س فجل�سوا‪.‬‬ ‫المشاركة الوطنية مع الطوائف في خدمة لبنان والدفاع عن جنوبه‬ ‫في وجه اعتداءات العدو الصهيوني‪:‬‬ ‫إنشاء هيئة نصرة الجنوب(‪:)41‬‬

‫�أمام التلك�ؤ الر�سمي والبرودة الحكوميـة في مواجهة الأحداث‪ ،‬وبعد النـزيف الحاد‬ ‫والهجرة الق�سرية لأبناء الجنوب‪ ،‬دعـا الإمام ال�صدر الر�ؤ�ساء الروحيين في الجنوب‬ ‫لتدار�س الأخطار ومعالجـة الو�ضع‪ ،‬وت�ش َّكلت «هيئـة ن�صرة الجنوب «برئا�سته وع�ضويـة‬ ‫�أ�صحاب ال�سيادة‪ :‬المطران �أنطونيو�س خري�ش‪ ،‬المطران با�سيليو�س خوري‪،‬‬ ‫المطران يو�سف الخوري‪ ،‬المطران جرجيو�س حداد‪ ،‬المطران �إثنا�سيو�س ال�شاعـر‪،‬‬ ‫المطران بول�س الخوري‪ ،‬القِ�س �إبراهيم داغر‪ ،‬و�أ�صحاب ال�سماحة‪ :‬ال�شيخ محمـد‬ ‫�سليم حمود مفتي �صيدا للطائفة الإ�سالمية ال�سنية‪ ،‬ال�شيخ �أحمد الزين قا�ضي �شرع‬ ‫�صيدا‪ ،‬ال�شيخ ر�ؤوف القادري مفتي را�شيا للطائفة ال�سنية‪ ،‬ال�شيخ نجيب قي�س قا�ضي‬ ‫المذهب الدرزي في حا�صبيا‪ ،‬ال�شيخ �سليم جالل الدين‪ ،‬ال�شيخ علي الفقيه‪ ،‬المفتي‬ ‫الجعفري الممتاز ال�شيخ عبد الأمير قبالن‪ ،‬وتهدف الهيئـة �إلى تدار�س الأخطار‬ ‫المحدقة بالجنوب ومعالجة �أو�ضاعه‪.‬‬ ‫وبتاريخ ‪� 1970/5/20‬أق َّرت هذه الهيئة بيان ًا �أعده الإمام ال�صدر و�أذاعه بنف�سه‬ ‫‪89‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫يخالن ٌ‬ ‫َّ‬ ‫خائل‪� ،‬إذا �سقط الجنوب‪� ،‬أ َّن �سياجاً من‬ ‫قائ ًال‪�« :‬إ َّن الجنوب لفي خطرٍ ‪ ...‬ال‬ ‫ال�سحر ي�س ِّور لبنان‪� ،‬أو خيم ًة من الغيب تغطي عليه‪ ،‬و�شواهد التاريخ �شواه ُد على‬ ‫أمم بادت‪ ،‬و�أوطانٍ زالت‪ ،‬وقومياتٍ غدت ك�أ�ساطير الأولين! �إنه�ضوا لن�صرة الجنوب‬ ‫� ٍ‬ ‫ون�صرة لبنان‪ ،‬وال تنتظروا وقوع الكارثة‪ ،‬ف�إما �أن نكون �شعباً م�ؤ َّه ً‬ ‫ال للبقاء‪ ،‬جديراً‬ ‫بالإ�ستمرار‪� ،‬أو �شعباً �سقط في م�ستنقعات الوجود‪ ،‬ثم ان�سحق بين دواليب الزمن»‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف البيان‪�« :‬إ َّن ع�ضواً من وطنكـم اليوم يم�شي �إليه البتر‪� ،‬إ َّن جزءاً من‬ ‫تاريخكم وهو الأعظم يرك�ض �إلى القبر‪� ،‬إ َّن �ساعة النفير ُّ‬ ‫تدق لتجميع وتجنيد �سائر‬ ‫الطاقات والإمكانات المالية والمادية والمعنوية والخدمات لمجابهة هذا الخطر‬ ‫يهب من الجنوب ويهدد كل لبنان»‪.‬‬ ‫الذي ُّ‬ ‫إرهاصات تأسيس حركة المحرومين‪:‬‬

‫�أنكر العهد الجمهوري في لبنان الذي بد�أ في �أيلول ‪ ،1970‬على المجل�س الإ�سالمي‬ ‫ال�شيعي الأعلى ورئي�سه حقهما القانوني في تعاطي ال�ش�ؤون العامة(‪ ،)42‬فتجاهلت الدولة‬ ‫هذه الحملـة‪ ،‬ولكنَّ الإمام ال�صدر �ص َّعد من تحركه متم�سك ًا بمطالب المحرومين‪،‬‬ ‫حيث �أعلن معار�ضته للحكام والم�س�ؤولين في لبنان لأنهم يتجاهلون حقوق المحرومين‬ ‫وواجب تعمير المناطق المحرومـة‪ ،‬م�ؤكد ًا �أنَّ الحكام ب�سلوكهم هذا يهددون الوطن‬ ‫وكيانه‪ ،‬وكان خطاب الإمام ال�شهير بمنا�سبة ذكرى عا�شوراء في بلدة ياطر الحدودية‬ ‫بتاريخ ‪� 24‬شباط ‪ ،1974‬ومما جاء في كلمة الإمام(‪:)43‬‬ ‫طقو�س ومرا�س َم‬ ‫«المطلوب عدم الإكتفاء بهذه الإحتفاالت‪ ،‬لئال تتحول �إلى‬ ‫ٍ‬ ‫متحجر ٍة يختفي وراءها المذنبون‪ ،‬ويطهِّر الطغاة ذمتهم �أمام ال�شعب بحجة‬ ‫�شكليـ ٍة‬ ‫ِّ‬ ‫ح�ضورهم الم�أتـم‪ ،‬ولئال ي�صبح البكاء والم�شاركة في الم�أتم بدي ً‬ ‫ال عن العمل‪،‬‬ ‫وتنفي�ساً للغ�ضب الثائر والإحتجاج الب َّناء‪ .‬ولكي ال ت�صبح الحركة الح�سينية م�ؤ�س�س ًة‬ ‫وطقو�ساً علينا �أن نحاول �إدراك �أبعادها والتحرك على �ضوء تعاليمها‪� ،‬إ َّن الح�سين‬ ‫يحدد �سبب حركته بكلمتين‪� :‬إ َّن الحق ال ُيع َمل به‪ ،‬والباطل ال ُيت َناهى عنه وها �أنا‬ ‫‪90‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫�أ�س�أل‪ :‬لو كان الح�سين بيننا وكان يرى �إ َّن الحق ال ُيع َمل به‪ ،‬بل �إ َّنهم يتمادون في عدم‬ ‫العمل بالحق والإ�ستهتار به‪ ،‬فماذا كان يعمل»؟‪.‬‬ ‫ثم قال‪�« :‬أيها االخوة‪� ،‬إ َّن الأ�سا�س لبقـاء الأوطان العدالة وكرامة المواطن‪� ،‬أما‬ ‫في لبنان فمفهوم كرامة الإن�سان وحريته باقٍ كواحةٍ‪ ،‬فالإ�ستئثار والطغيان وتجاهـل‬ ‫حقوق الآخرين تزعزع كيان البلد‪ ،‬وتع ِّر�ض م�ستقبله للخطر‪� ،‬أما نحن عندما نطالب‬ ‫بالحقوق والعدالـة ف�إننا ن�صون وطننا البلد‪ ،‬ونحمي م�ستقبله وحريـة مواطنيه‬ ‫وكرامتهم‪ ،‬فلتعلموا �إ َّن الم�س�ؤولين هم الذين يهددون ب�سلوكهم �أمن هذا الوطن‬ ‫وكيانـه وا�ستقراره وتعاي�ش �أبنائه وليعلموا �أننا ال ن�سمح لهم بذلك لكي يبقى لبنان‪.‬‬ ‫نحن َح َف َظة لبنان كما نحن م�ستعدون للدفاع وحمل ال�سالح‪� ،‬أنا ال�شيخ المري�ض‬ ‫م�ستعـ ٌد �أن �أحمل البندقية و�أقف معكم على الحدود‪� ،‬أنا على ا�ستعدا ٍد لكل ما ُيطلَب‬ ‫منا‪ ،‬لماذا ال يعطون ال�سالح للجنوبي للدفاع عن بلده‪ ،‬ويعطون لغيره ليقيم‬ ‫الع�صابات والإعتداء على النا�س؟ لماذا ُت�ص َرف الماليين على غير الجنوب؟ لقد‬ ‫�صرف في ‪� 4‬سنوات ‪ 984‬مليون ليرة لبنانية ولم ُي�ص َرف �شي ٌء للجنوب وبعلبك‬ ‫كذب بكذبٍ‬ ‫والهرمل‪� ،‬أكذوبة الليطاني تدغدغ �سمعنا‪ ،‬ال فل�س واحداً لليطاني‪ ،‬كله ٌ‬ ‫على رغم �إعطائهم جدو ًال زمنياً للتنفيذ‪.‬‬ ‫فلن�صرخ في وجه حكامنا �إذا �سمعوا‪ :‬فليعطوا ال�سالح للجنوبي‪ ،‬وليعلموا �أ َّن في‬ ‫هذا البلد �إبناً مدل ً‬ ‫ال وابن جاري ٍة ومنطق ًة مدلل ًة ومنطق ًة محروم ًة‪ .‬نريد العدل‬ ‫للجميع والدفاع عن الجميع‪ ،‬لأننا على ما يبدو من منطق ٍة ُ�ص ِّنفت من الفئة الثالثة‬ ‫كما ُ�ص ِّنف مواطنوها»‪.‬‬ ‫وفي ظل ال�سكوت عن الإعتداءات «الإ�سرائيلية» على الجنوب‪ ،‬الذي هو ر�ضا بالذل‬ ‫وخيان ٌة للبنان‪ ،‬ا�ستمرت اعتداءات العدو ال�صهيوني‪ ،‬وفي ِّ‬ ‫ظل ات�ساعها في الجنوب اللبناني‬ ‫�ضد ال�سكان الآمنين ال ُعزَّل المحرومين من و�سائل الحماية والدفاع عن النف�س‪ ،‬تنامى‬ ‫عمل الإمام �إلى م�ستوىً �أعمق في اتجاه �إيجاد م�ستوىً �آخر من التنظيم‪ ،‬يحفظ جهد‬ ‫وجهاد حالة الإعترا�ض على �سيا�سة الدولة وي�ؤطـِّر عنا�صر المواجهة للم�شروع ال�صهيوني‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬ ‫المهرجانات ووالدة حركة المحرومين‪:‬‬

‫‪ .1‬احتفال الق�سم‪:‬‬

‫�أمام الجماهير التي احت�شدت على مرجة ر�أ�س العين‪ ،‬تال الإمام ال�صدر َق َ�سم ًا لربط‬ ‫بعهد في م�سير ٍة َّ‬ ‫تنظم فيها الأمور‪ ،‬لذلك اع ُت ِبر احتفـال الق�سم في ‪� / 17‬آذار‬ ‫النا�س ٍ‬ ‫‪1974 /‬‬ ‫«يوم انطالقة حركة المحرومين «‪ ،‬ففي هذا المهرجان الذي �ضم �أكثر من خم�س ٍة‬ ‫�شخ�ص‪ ،‬انتقد فيه الإمام ال�صدر موقف الدولة الالمبالي من الجنوب‪،‬‬ ‫و�سبعين �ألف‬ ‫ٍ‬ ‫مطالباً ب�إن�صاف المحرومين في البقاع والجنوب وال�شمال وكل لبنان‪ ،‬مهاجماً‬ ‫المخ�ص�صة للتنمية‪ ،‬ومندِّداً بالجي�ش لعدم دفاعه‬ ‫الحكومـة لعـدم �صرف الإعتمادات‬ ‫َّ‬ ‫عن الجنوب‪ ،‬قا�سماً اليمين على ال�سعي للمطالبـة بحقوق المحرومين وتحقيقها �أو‬ ‫اال�ست�شهاد دون ذلك‪ ،‬ثم طالب الجماهير ب�إن�شاء مخيمـاتٍ للتدريب الع�سكري في‬ ‫البقاع والجنوب بقوله‪« :‬نحن م�ضطرون �إلى تدريب �أوالدنا وت�سليحهم‪ ،‬كي نحفظ‬ ‫كرامة بيتنا ونحفظ �أعرا�ضنا ون�ؤدي دورنا ل�صيانة الوطن»(‪.)44‬‬ ‫‪ .2‬مهرجان �صيدا(‪:)45‬‬

‫كبير �أُقيم في‬ ‫بتاريخ ‪ /4‬ني�سان ‪� 1974 /‬أعلن الإمام ال�صدر عبر مهرج ٍ‬ ‫�شعبي ٍ‬ ‫ـان ٍّ‬ ‫�صيدا «نريد الجنوب متم�سكاً بلبنان‪ ،‬الجنوب يدفع �ضريبـة الدم والدمار والخوف‪،‬‬ ‫ارف�ضوا عبادة �آلهة الأر�ض والحكم والطغاة والم�ستبدين‪ ...‬خذوا زينتكـم عند‬ ‫كل م�سجدٍ ‪ ...‬زينة الرجال ال�سالح‪ ...‬الجنوب ر�أ�س حربـ ٍة �ضد «�إ�سرائيل» وقاعد ٌة‬ ‫لتحرير الأر�ض المقد�سة»‪ ،‬في هذا المهرجان تقاطرت الوفود منذ ال�صباح لتلبيـة‬ ‫دعوة نائب �صيدا ال�سابق ال�سيد معروف �سعـد‪ ،‬حيث ا�ستقبل ال�صيداو ُّيون الإمام‬ ‫ال�صدر على مدخـل �صيدا ال�شمالي رغـم هطول الأمطار‪ ،‬واقت�صر الوجود الر�سمي على‬ ‫دراجتين من ف�صيلة �صيدا �سارتا �أمام الموكب‪ ،‬وتولى �شباب التنظيم النا�صري ت�أمين‬ ‫ال�سير على الطرق والمحافظة على النظام‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫‪ .3‬مهرجان �صور(‪:)46‬‬

‫وبتاريخ ‪� /5‬أيار ‪ 1974 /‬فتحت مدينة �صور �أبوابها للزحف الب�شري الذي ق َّلما‬ ‫�شهـد لبنان مثله‪ ،‬حيث و�صلت الوفود من مختلف مناطق الجنوب والبقـاع وبيروت‬ ‫و�ضواحيهـا‪ ،‬وفي هذا المهرجان ح َّـذر الإمام ال�صدر من الأخطـار التي تهـدد المنطقـة‬ ‫والجنوب بقوله‪« :‬العدو يترب�ص بنا والمنطقـة على �أبواب الإنفجار‪ ،‬ونحن ال ندري‬ ‫ماذا يجري وراء الكوالي�س الدولية في �ش�أن الجنوب‪ ،‬وهناك �أخطا ٌر على الجنوب في‬ ‫الم�ستويات الدولية‪� ،‬أنا ال �أقبل �أن �أكون عزيزاً ويكون وطني ذلي ً‬ ‫ال‪ ،‬و�أنا ال �أقبل �أن‬ ‫تهتك الطائرات «الإ�سرائيلية» �أجواء بيروت وكل المناطق اللبنانية‪»...‬‬ ‫إعالن اإلمام الصدر والدة أفواج المقاومة اللبنانية ‪ -‬أمل‪:‬‬

‫تدريب‬ ‫بتاريخ ‪ 1975 / 7 / 5‬انفجر لغ ٌم م�ضا ٌد بمجموعـ ٍة من ال�شباب في حقل‬ ‫ٍ‬ ‫في منطقة عين البن ِّية ‪ -‬بعلبك‪ ،‬حيث كانوا يتدربـون على الألغام الم�ضادة للدبابـات‬ ‫مدرب من المقاومة الفل�سطينية‪ ،‬وفي اليوم التالي عقد الإمام ال�سيد مو�سى‬ ‫ب�إ�شراف ٍ‬ ‫ال�صدر م�ؤتمر ًا �صحافي ًا ليعلن عن والدة �أفواج المقاومة اللبنانية ‪� -‬أمـل‪ ،‬و�أبرز ما جاء‬ ‫في م�ؤتمره(‪:)47‬‬ ‫«في غمرة الآالم المب ِّرحة‪ ،‬وبكل اعتزا ٍز �أنعي �إلى المواطنين عموماً‪ ،‬و�إلى �أبنـاء‬ ‫الجنوب ال�صامد خ�صو�صاً‪ ،‬نخب ًة من ال�شبان اللبنانيين ا�ست�شهدوا‪ ...‬هذه الباقة‬ ‫الحمراء من �أزهار الفتوة والفداء هم الطالئع من �أفواج المقاومة اللبنانية «�أمل »‪،‬‬ ‫جانب‬ ‫الذين ل ُّبوا نـداء الوطن الجريح‪ ،‬الذي ت�ستمر «�إ�سرائيل» في الإعتداء عليه من كل ٍ‬ ‫وبكل و�سيل ٍة‪.‬‬ ‫�إ َّنهم ا�ستجابوا هلل وللر�سول عندما دعاهم لما يحييهم ولما يحمي الوطن وي�صون‬ ‫كرامة الأمة‪ ،‬تلك الدعوة التي وجهتها �إلى اللبنانيين جميع ًا في احتفاالت ذكرى‬ ‫�سيـد ال�شهداء في عا�شوراء ال�سنة الما�ضية وفي الكلية العاملية‪ ،‬في الأيام التي بلغت‬ ‫الإعتداءات «الإ�سرائيليـة» على الجنوب ذروتها ومنتهى ق�سوتها‪ ،‬ولم تقم ال�سلطات‬ ‫الم�س�ؤولة �آنذاك بواجبهـا الدفاعي عن الوطن وعن المواطنين‪.‬‬ ‫‪93‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ومكا�سب وال‬ ‫�شعارات وال �أرباحـ ًا‬ ‫�إنَّ ه�ؤالء ال�شباب �أرادوا �أن يثبتوا �أنَّ الوطنيـة لي�ست‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫متاع ًا للم�ساومة وللعر�ض والطلب‪ ،‬بل �إنَّ الوطن هو �أبعاد وجود الإن�سان و�أ�سا�س كرامته‬ ‫ومجال ر�سالته‪ ،‬تجب حمايته بالأرواح والدماء حتى مع عدم التكافـ�ؤ في القوى‪ ،‬ويجب‬ ‫التهي�ؤ لذلك ب�سرع ٍة‪� .‬إ َّنهم اتخذوا من موقف الح�سين �سلوك ًا‪ ،‬والتحقوا بقافلته وو�ضعوا‬ ‫�أنف�سهم قربان ًا للحق والعدل‪� ،‬إ َّنهم �أرادوا �أن يثبتوا �أنَّ مكان ال�سالح في الجنوب ولي�س‬ ‫إعالم طريق الت�ضحيات‬ ‫في بيروت و�ضواحيها‪ .‬ف�ش ُّقوا بجهادهم ال�صامت من دون � ٍ‬ ‫الوطنيـة وو�ضعوا الأمور في ن�صابها ال�صحيح‪.‬‬ ‫�إ َّنهم �أكدوا �ضرورة توجيه الأ�سلحة‪ ،‬كل الأ�سلحة‪� ،‬إلى �صدور العدو‪ ،‬و�أن ال خال�ص‬ ‫من الفتنة الداخلية والحرب الأهلية �إال �إذا توجـه الم�سلحـون �إلى الجنوب‪ ،‬و�إال �إذا ُنق َلت‬ ‫المتاري�س والحواجز والأ�سلحة الخفيفة والثقيلة �إلى الحدود‪.‬‬ ‫لذلك فقد انتقمت منهم «�إ�سرائيل» ولهم ال�شرف بذلك‪ ،‬ف�أ�صبحت �إذاعتها بعد‬ ‫وت�شجع عمالءها في كل‬ ‫�ساع ٍة فقط من الحادثـة تقهقه وت�شمت‪ ،‬وتح ِّر�ض وتبالغ‬ ‫ِّ‬ ‫مكان‪ ...‬وخرقت طائراتها جدار ال�صوت فوق مكان الحادثة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لكن هذه المحاوالت لم تكن ولن تكون يومـ ًا �سبب ًا لتراجع المجاهدين ال�شرفاء‪ ،‬وال‬ ‫لترددهم في الإ�ستمرار على الطريق‪ ،‬وقد كتبوا بدمهم �ساعة الإ�ست�شهاد على ورقة‬ ‫«كونوا م�ؤمنين ح�سينيين»‪ ،‬و�أ�ص َّر الجرحى في الم�ست�شفيات على العودة فور ًا �إلى‬ ‫المخيم لمتابعة التدريب‪ ،‬و�أعلن ذوو ال�شهداء ر�ضاهم عما كتب اهلل لهم‪� ،‬صابرين‬ ‫مزيد من الت�ضحيات‪.‬‬ ‫محت�سبين لتقديم ٍ‬ ‫دوافع إنشاء المقاومة اللبنانية ‪ -‬أمل‪:‬‬

‫�إنَّ حادثـة عين البن ِّية في ‪ ،1975 / 7 / 5‬وخروج م�شروع الإمام ال�صدر ب�إن�شاء‬ ‫حرك ٍة ع�سكري ٍة �إلى العلن‪� ،‬أماط اللثام عن عدة �أمو ٍر كان الإمام ال�صدر ي�شعر بوجودها‬ ‫داخل لبنان‪ ،‬وي�شعر بالخطر الذي قـد تتعر�ض له وحدة الوطن‪ ،‬والطائفة ال�شيعية‪،‬‬ ‫فالإمام ال�صدر الذي لم يكن م�ؤمن ًا �أ�ص ًال ببناء قوىً ع�سكري ٍة جديد ٍة‪ ،‬كان يعتقد �أنَّ‬ ‫� َّأي قو ٍة ع�سكريـ ٍة قد �ساهمت في هـدم لبنان‪ ،‬ولن ي�سمح للمحرومين ب�أن يكـون لهم دو ٌر‬ ‫‪94‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫متغيرات عديد ًة �ساهمت في �إيمان الإمام‪ ،‬ب�ضرورة قيام هذه الحركة‬ ‫في ذلك‪� ،‬إال �أنَّ‬ ‫ٍ‬ ‫الع�سكرية لأخذ المبادرة في الجنوب‪ ،‬حيث الخطر «الإ�سرائيلي» اليومي‪ ،‬وابتعاد‬ ‫ال�سلطة اللبنانيـة عن القيام بواجباتها في الدفاع عن المواطنين اللبنانيين الجنوبيين‪.‬‬ ‫�أما الم�س�ألـة الثانيـة التي كانت ظاهـر ًة �إلى العلن في ذلك العام‪� ،‬أي ال�سنة ‪1975‬‬ ‫فهي «انت�شار ال�سالح والتعبئة النف�سية «في مختلف المناطق اللبنانيـة‪ ،‬وبالمقابل‬ ‫داخلي‪ ،‬وبالتالي عاجز ًة‬ ‫أمني‬ ‫ٍّ‬ ‫ف�إ َّن الدولة اللبنانية‪ ،‬ظهرت عاجز ًة تماماً �أمام �أي فلتانٍ � ٍّ‬ ‫عن الدفاع عن المواطن اللبناني‪ ،‬وم�ؤ�س�ساتها بد�أت تتحول �إلى م�شا ٍع �سيتقا�سمه‬ ‫الجميع»‪.‬‬ ‫�صحفي ُن ِ�شر في‬ ‫بو�ضوح‪ ،‬من خالل م�ؤتم ٍـر‬ ‫وقـد �أظهر الإمام ال�صدر هذا الأمر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫علم بحركة �أمل‪،‬‬ ‫ال�صحف اللبنانية‪ ،‬بتاريخ ‪ ،1975 / 9 /11‬مب ِّين ًا �أن الجميع كان على ٍ‬ ‫«و�أ َّن المقاومة اللبنانية ناديت بها منذ ع�شر �سنواتٍ ‪ ،‬و�أعلنت عنها منذ �سن ٍة و�سبعة‬ ‫�أ�شهرٍ‪ ،‬في يوم عا�شوراء يوم العزاء العظيم‪ ،‬وطلبت من �سكان الجنوب �أن يت�سلحوا‬ ‫ويتدربوا‪ ،‬وبعدها ب�أربعين يوماً نا�شدت �أهالي بعلبك �أن يفعلوا ذلك �أي�ضاً‪ ،‬و�أن يقفوا‬ ‫�إلى جانب �أهل الجنوب‪ ،‬ي�ساعدونهم في هذا وذاك‪ ،‬ولما امتنع الم�س�ؤولون عن �سماع‬ ‫ال�شكوى‪ ،‬رغم كل النداءات والتوجيهات وال�ضغوط‪ ،‬وتركوا الجنوب �سائباً وابن‬ ‫الجنوب مرتع�شاً �أمام االعتداءات «الإ�سرائيلية» المتكررة والمتزايـدة‪ ،‬ور�أيت فع ًال �أنَّ‬ ‫�شجعت‬ ‫المواطن الجنوبي مهد ٌد بالموت �أو النزوح �أو المهانة‪ ،‬التي ال تق ُّل ذ ًال عن الحياة‪َّ ،‬‬ ‫�شبان ًا م�ؤمنين باهلل وبالوطن على التدريب‪ ،‬وقـد علم بذلك رجال ال�سلطة الكبار‪ ،‬وكبار‬ ‫رجال القوى الم�سلحة في لبنان بو�سائلهم الخا�صة‪ ،‬ولم يكن غر�ض الإعالن عن هذه‬ ‫المقاومة اللبنانية �سوى المواقف العملية‪ ،‬وعلى غرار ما ح�صل في الطيبة وكفركال‪� .‬إال‬ ‫(‪)48‬‬ ‫علي الإعالن‪.‬‬ ‫�أنَّ الفاجعة قد ك�شفت نف�سها وفر�ضت َّ‬ ‫حركة أمل وأفواج المقاومة اللبنانية (أمل)‪:‬‬

‫هل نبلغ �شاطىء الأمان الإجتماعي مع التخلي عن الدفـاع عن الأر�ض في وجه‬ ‫‪95‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫الأعداء‪ ،‬والأمثلة �ساطعـ ٌة عندما كان الأمن الإجتماعي ُيقا َي�ض بالتخلي عن الدفاع عن‬ ‫الأر�ض (قوة لبنان في �ضعفه)‪.‬‬ ‫ومتكامل‬ ‫مو�ضوعي‬ ‫ب�شكل‬ ‫ٍ‬ ‫�إنَّ الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر واجـه الم�شكالت في لبنان ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫في مواجهـة العدوان والت�صدي للحرمان‪ ،‬ثنائيـ ٌة كانت تحكم خطاب الإمام ال�صدر‬ ‫كنموذج في عملية التغيير الإجتماعي ومحاربة العدوان و�إزالة الحرمان‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكانت اللقاءات والخطب والمهرجانـات‪ ،‬وت�أ�سي�س �أفواج المقاومة اللبنانية‪-‬‬ ‫ـان للذين‬ ‫�أمل لمواجهة الإعتداءات «الإ�سرائيلية» ك�ضمانـ ٍة لت�شكيل �شبكـة �أم ٍ‬ ‫�أ�ستبيحت �أر�ضهم وممتلكاتهم و�أهرقت دماء �أبنائهم‪ ،‬وكانت حركة المحرومين‬ ‫كحرك ٍة �إيماني ٍة غير طائفي ٍة �أو مذهبي ٍة‪ ،‬بل مطلبية من �أجـل المحرومين في لبنان‬ ‫لأي طائفـة انتموا‪ ،‬لذلك و�ضع الدرا�سات وجنـد الطاقات‪ ،‬و�أ�ضف �أنَّ هذا ال�سياق‬ ‫في �صلب مو�ضوع التغيير الإجتماعي للإنتقال من «قوة لبنان في �ضعفـه» �إلى‬ ‫«قوة لبنان في مقاومته»‪ ،‬وهذا ال�سياق في �صلب مو�ضوع التغيير الإجتماعي �إذا‬ ‫الحظنا الن�شاط الذي ا�ضطلع بـه الإمام ال�صدر ومن معـه في م�سيرة حركة �أمـل‪،‬‬ ‫من الدرا�سات �إلى �أوراق العمل �إلى المطالب ب�إزالـة الحرمان‪ ،‬ومطالبـة الدولة‬ ‫ودرا�سات من‬ ‫الغائبـة لتكون حا�ضر ًة في �إطار عملية التنمية م�ست ِند ًا �إلى تقاريـر‬ ‫ٍ‬ ‫بعثة �أرفد(‪� )49‬إلى �سواهـا من الدرا�سات‪� ،‬ألي�ست مطالبـة الدولـة بالقيام بواجبهـا‬ ‫منا�سب لعمليـة التغيير الإجتماعي؟ �ألي�ست المهرجانات الحا�شدة‬ ‫هي �إطـا ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫في بعلبك و�صيدا و�صور و�سواهـا بمثابـة �صفعـ ٍة للذين تجاهلوا مطالب الفقراء‬ ‫والمحرومين من جميع الطوائف وفي جميع المناطق لي�ستفيقـوا من غفلتهم‪،‬‬ ‫ليكونوا �أمناء على م�صالح كافة �شرائح المجتمع «�أيها الحكام اعدلوا قبل �أن‬ ‫تبحثوا عن وطنكـم في مجاهل التاريخ»‪.‬‬ ‫بحكام‬ ‫�إنَّ الحراك الذي ن�شهده في العالم عبر تحرك �شرائح المجتمع والذي �أودى‬ ‫ٍ‬ ‫�ألي�س هو في �صلب مو�ضوع التغيير الإجتماعي‪ ،‬حيث حاول الحكـام �سـد الباب �أمـام‬ ‫التطور الإجتماعي معتمدين على قاعـد ٍة مار�سها الطغاة في التاريخ‪� ،‬أنَّ تجهيل المجتمع‬ ‫‪96‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫وا�ستدامـة الفقـر �ضمان ٌة لإ�ستمرار حكمهم‪ ،‬فكان تكدي�س الثروات بدل التنميـة‪،‬‬ ‫والإهتمـام بخوا�ص الدائرة ال�صغرى من الحكام بدل الو�صول �إلى معاناة المعذبين‬ ‫والفقراء والمقهورين‪.‬‬ ‫و�أي�ض ًا و�أي�ض ًا الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر �أنموذجـ ًا في عمليـة ا�ستنها�ض المجتمع‬ ‫ؤ�س�سات �إجتماعيـ ٍة هادفـ ٍة تنفيـذ ًا لقناعاتـه‬ ‫والتغيير الإجتماعي عبر ال�شروع بت�أمين م� ٍ‬ ‫الرا�سخة �أنَّ خدمـة الإن�سان هي المع ِّبر الحقيقي عن الإيمـان باهلل‪ ،‬وهي التي ت�صلنـا‬ ‫باهلل‪ ،‬فكان الإهتمام بالم�ؤ�س�سات الإجتماعية التي ُتع َنى بالمر�أة والرجل والطفـل‬ ‫ـات مختلفـ ٍة‪ ،‬من بيت الفتاة �إلى معهـد‬ ‫وال�شاب والكهـل وال�شيخ الكبير وعلى م�ستوي ٍ‬ ‫الدرا�سات الإ�سالميـة في �صور‪� ،‬إلى م�ؤ�س�سة جبل عامل المهنيـة في البرج ال�شمالي‪،‬‬ ‫�إلى م�ؤ�س�سة الزهراء في بيروت‪� ،‬إلى مبرة الإمام الخوئي من قبلها في �صفير‪� ،‬إلى‬ ‫م�شاريع �أ َّمن لها الأرا�ضي ال�شا�سعة من البقاع �إلى بيروت وال�ساحل �إلى الجنوب‪ ،‬هذه‬ ‫الم�ؤ�س�سات كان لها الدور والأثـر الكبير في عمليـة التحول المجتمعـي عبر بل�سمة العديد‬ ‫وا�ضح على م�ستوى معالجة بع�ض‬ ‫من الجراح‪ ،‬و�إن كان للم�ؤ�س�سات التي ذكرنا من دو ٍر ٍ‬ ‫الحاالت الإجتماعية والتربويـة والثقافيـة‪ ،‬فال نن�سى م�ست�شفى الزهـراء والعديد من‬ ‫الم�ستو�صفات‪ ،‬هذه الم�ؤ�س�سات الإجتماعية كانت بمثابـة الأ�سا�س والمثال الذي دفع‬ ‫بالعديـد من المهتمين �أن يقتفوا الأثـر بـل منهم من تابـع‪ ،‬وهذه الم�ؤ�س�سات �أدت دور ًا‬ ‫كبير ًا على الم�ستويات ال�صحيـة والتربويـة والإجتماعية‪،‬كم�ؤ�س�سات �أمـل التربويـة التي‬ ‫ا�ستمرت على درب الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر قدو ًة واقتـدا ًء‪ ،‬وكان لي �شرف الإ�شراف‬ ‫على بنائهـا و�إدارتهـا بتوجي ٍـه من دولـة الرئي�س الأخ الأ�ستـاذ نبيــه بـري‪ ،‬وهـي الآن ع�شر‬ ‫ؤ�س�سات‬ ‫طالب على م�ساحة وطننـا لبنان‪� ،‬إ�ضافـ ًة �إلى م� ٍ‬ ‫م�ؤ�س�س ٍ‬ ‫ـات ت�ضم ثالثة ع�شر �ألف ٍ‬ ‫�صحيـ ٍة و�إجتماعيـ ٍة �أخرى في �إطار حركة �أمـل وك�شافة الر�سالة الإ�سالمية‪ ،‬كل ذلك‬ ‫تيمن ًا بر�ؤية الإمام ال�صدر‪ ،‬وم�ؤ�س�سة جبل عامل المهنية التابعة لجمعية البر والإح�سان‬ ‫التي ر�أ�سها الإمام ال�صدر المثال في �إطالق هذه الم�شاريع‪ ،‬وكذلك هناك جمعياتٌ‬ ‫باع في العمل الإجتماعي‪ ،‬و�ساهمت في عمليـة التغيير الإجتماعي‪.‬كل‬ ‫�أخرى لها طول ٍ‬ ‫‪97‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫هذه الإنجازات‪ ،‬و�أمـام عطاء الإمام ال�صدر ور�ؤيتـه ال�صائبـة‪ ،‬ي�شجع المهتمين على‬ ‫مراجعـة هذا الر�صيد الرافـد لق�ضايـا الإن�سان في عملية التبادل الإجتماعي والتغيير‬ ‫فاعل للم�ؤ�س�سات في هذا االطار‪.‬‬ ‫كدو ٍر ٍ‬ ‫ولي�س غريبـ ًا �إن كان الإن�سان هو الهدف‪ ،‬وذلك لأنَّ الإن�سان في نظـر الإمام ال�صدر‬ ‫ي�ش ِّكل مو�ضوع ًا �أ�سا�سي ًا للدين والعلم والت�شريع والطب والأدب والفن‪.‬‬ ‫موقف اإلمام السيد موسى الصدر من األحداث والفتنة التي عصفت‬ ‫بلبنان(‪:)50‬‬

‫حر�ص الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر على توحيد ال�صف الوطني الداخلـي لمواجهـة‬ ‫الع�صر «الإ�سرائيلي»‪ ،‬كما حر�ص على �أن يكون الدور الفاعل لجميع الطوائف في‬ ‫حد‬ ‫لبنان لمواجهـة الخطر «الإ�سرائيلي» الذي ي�ستهدف الإ�سالم والم�سيحية على ٍ‬ ‫�سواءٍ ‪ ،‬فلقد نبـَّه �إلى مـدى ال�ضرر الفادح الذي �ستلحقه الحرب اللبنانية الداخلية‬ ‫تداعيات �أقلها �سقوط �شعار لبنان للتعاي�ش بطوائفه‪،‬‬ ‫بم�ستقبل لبنان‪� ،‬إ�ضاف ًة �إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ولذلك �أعلن �أنَّ �إطفـاء الفتنة الداخلية في لبنان هو �أف�ضل وجـوه الحرب مع العدو‬ ‫«الإ�سرائيلي»‪ ،‬لذلك دعـى �إلى الحوار و�إيقـاف الحمالت الم�سعورة لت�أجيج الفتنـة‪،‬‬ ‫راف�ض ًا عزل الكتائب ومت�صدي ًا لكل محاوالت التهجير الهادفـة لخلق مناطق نقي ٍة‬ ‫ح�سب رغبـة البع�ض‪ ،‬وكان يعتبر �أن ت�سعير نار الفتنة الداخلية في لبنان هو وج ٌه‬ ‫«�إ�سرائيلي» ب�ش ٌع‪ ،‬مقدمـ ًة ل�سيادة الع�صر «الإ�سرائيلي»‪ ،‬لذلك رف�ض الحرب‬ ‫الداخليـة واعت�صم في م�سجد ال�صفا في الكلية العاملية بتاريخ ‪،1975/6/27‬‬ ‫وعلى مقربـ ٍة من خطوط �إطالق النار ك�سابق ٍة �سيا�سي ٍة جديد ٍة في الحياة ال�سيا�سية‬ ‫اللبنانية‪ ،‬وال�سبب كمـا قال‪« :‬طوال يـوم �أم�س وليله كنت �أتلقى �شكاوى الرجال‬ ‫و�أ�سمع بكاء الأرامـل واليتامـى‪ ،‬وعلى الرغم من �أني �سعيت جهدي ولم �أذق طعم‬ ‫النوم‪ ،‬وبما �أ َّن الق�صف لم يهد�أ‪ ،‬والأو�ضاع تزداد �سوءاً قررت �أن �أعت�صم‪ )51(..‬وجئت‬ ‫�أُ�ص ِّلي �إلى اهلل �أن ينقذ هذا الوطن»‪ ،‬ولكنَّ الإمام وكي يتمكن من التفرغ لمعالجـة‬ ‫‪98‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫الآالم والمحن المتزايـدة وبخا�ص ٍة مـا يح�صل في البقاع‪ ،‬قـال الإمام‪�«:‬س�أنتقل �إليها‬ ‫عندمـا �أخرج من الم�سجد‪� ،‬أترك الإعت�صام و�أودع الم�سجد كـي �أنتقـل مع رفاقي‬ ‫�إلى م�سجد الوطن‪ ،‬حيث ُي�ؤدَّى واجبنا في حفظ الوطن و�أبنائه»‪.‬‬ ‫دور اإلمام في إطفاء نار الفتنة‪:‬‬

‫وفي اليوم الثاني ِّ‬ ‫توجـه الإمام ال�صدر �إلى البقاع‪،‬‬ ‫لفك اعت�صامه في ‪َّ 1975/7/3‬‬ ‫على �إثر الحوادث التي وقعت في بلدات القاع ودير الأحمر و�شليفا الم�سيحية(‪ ،)52‬والتي‬ ‫�أدت �إلى مقتل �سبع ٍة من �أهاليها و�أربعـ ٍة من المهاجمين‪ ،‬ولحثِّ مطران بعلبك ونواحيهـا‬ ‫للروم الكاثوليك �إليا�س الزغبي على عدم الإ�ستقالة ومغادرة المدينة نتيج ًة للأحداث‪.‬‬ ‫وتر�أَّ�س الإمام لقا ًء بهذا الخ�صو�ص في بعلبك‪ ،‬ثم انتقل �إلى ديـر الأحمر‪ ،‬حيث كان‬ ‫الفت من �أهاليها‪ ،‬بعد �أن وعدهم بزيارتهم عندما كان معت�صم ًا في‬ ‫�شعبي ٌ‬ ‫له �إ�ستقبا ٌل ٌّ‬ ‫م�سجد ال�صفا‪ ،‬حيث �أطلق نداءه ال�شهير‪�« :‬إنني �أقول لكم �إ َّن كل طلق ٍة تطلق على دير‬ ‫الأحمر �أو القاع �أو �شليفا‪� ..‬إنمـا تطلق على بيتي وعلى قلبي وعلى �أوالدي»‪ ،‬ثـم خاطب‬ ‫�أهالي تلك البلـدات قائ ًال‪« :‬و�س�أتوجه �إليكم في وقتٍ قريبٍ »‪.‬‬ ‫وانتقل بعدهـا الإمام ال�صدر �إلى الكرك �أحـد �أحيـاء زحلة‪ ،‬حيث �أ َّكد على معاني‬ ‫المحبة والتعاي�ش بين الجميع‪ ،‬ثم �إلى مقر الطائفة الكاثوليكية في زحلة‪ .‬ثم �أكمل‬ ‫الإمام ال�صدر جولته في البقاع فزار «�سعدنايل» وبعلبك‪ ،‬وعر�سال والعين والهرمل‪،‬‬ ‫والقاع واللبوة والنبي �شيت وبريتال‪.‬‬ ‫وحول الحوادث التي وقعت‪ ،‬قال الإمام ال�صدر‪�« :‬إ َّن معلوماتي وا�سع ٌة عن هذه‬ ‫المنطقة‪ ،‬وتجاربي المتكررة قبل الأحداث‪ ،‬وما �شاهدته خالل اليومين الأخيرين‪،‬‬ ‫ت�ؤكد �أ َّن ما حدث فيها كان موج ًة عابـر ًة ُف َ‬ ‫ر�ضت عليها نتيج ًة لبع�ض الممار�سات‬ ‫ال�سيا�سية في بيروت‪ ،‬وهو بعي ٌد كل البعد عن قناعات �أبنائها وتقاليدهم‪ ،‬وحتى عن‬ ‫م�شاعرهم وعواطفهم‪ ...‬لقد ا�ستدرجوا بع�ض �شباب هذه المنطقة الذين يتمتعون‬ ‫ب�شجاعـ ٍة وقوةٍ‪ ،‬ولكنهم بعيدون كل البعـد عن النزاعات الحاقدة‪ ،‬لقد ا�ستدرجوهم‬ ‫‪99‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫وا�ستثمروا �شكيمتهم وب�أ�سهم لغايات �سيا�س ٍة خبيثةٍ‪ ،‬فانعك�س ذلك على المنطقة‬ ‫�سلباً‪� ..‬إ َّن البقاع كان قلعة الوحدة الوطنية والبطوالت‪ ،‬و�سيبقى قلع ًة بطل ًة لخدمة‬ ‫لبنان والق�ضايا العربية الم�صيرية»‪.‬‬ ‫وفي ‪ ،1975/7/6‬وبعد جول ٍة طويل ٍة للإمام ال�صدر في البقاع اللبناني‪ ،‬نقلت جريدة‬ ‫النهار �أنَّ الو�ضع في مناطق بعلبك والهرمل قد عاد �إلى طبيعته بف�ضل الجهود التي‬ ‫بذلها الإمام ال�صدر‪.‬‬ ‫�إنَّ �أمهات الكتب تزخـر بمواقف الإمام ال�صدر الوطنية وم�ساعيـه الجبارة‬ ‫لتر�سيخ العي�ش الإ�سالمي الم�سيحـي‪ ،‬وال�شهـادات من ر�ؤ�ساء مدنيين وروحيين‬ ‫وم�س�ؤولين حزبيين و�إجتماعيين كثير ٌة ال يمكن ا�ستيعابها في هذه العجالة‪ ،‬ولكنَّ‬ ‫ال�س�ؤال الذي يبقى‪ ،‬ماذا لو لم يقم الإمام ال�صدر بهذا الدور الريادي؟ ماذا لو‬ ‫لم يطفىء نار الفتنة الداخلية؟ ماذا لـو لم يطفىء نار �شليفا ودير الأحمر والقاع‬ ‫ي�شجع الإمام على العودة �إلى النبعـة في ظروف الحرب‬ ‫والروي�سات؟ ماذا لو لم ِّ‬ ‫الفتنة عام ‪1976‬؟‪.‬‬ ‫اإلمام الصدر في مواجهة الصهيونية ودعمه للقضية الفلسطينية‪:‬‬

‫عربي‪ ،‬بل كل ح ٍّر في‬ ‫�إنَّ احتالل فل�سطين من وجهة نظر الإمام هو اعتدا ٌء على كل ٍّ‬ ‫العالم‪ ،‬وهو اعتدا ٌء على الم�سيحية والإ�سالم باحتالل المقد�سات وتدني�سها‪ ،‬بل َّ‬ ‫حذر‬ ‫من المخاطر التي تجاوز احتالل الأر�ض �إلى احتالل العقول ُمط َلق ًا بذلك التهويد‬ ‫الفكري والثقافي‪ ،‬و�صو ًال �إلى �سيطرة الع�صر «الإ�سرائيلي» الذي ت�سود فيه الم�صالح‬ ‫الذاتيـة والخا�صة على الم�صلحـة العامة‪ ،‬والذي تُهزَ م فيه المجتمعات مقدم ًة لهزيمة‬ ‫الأوطان‪ ،‬وكان الإمام يردد �أنَّ «�إ�سرائيل» لم تنت�صر لأنها تمتلك مق ِّومات الن�صر‪ ،‬بل‬ ‫لأنَّ الأنظمة والمجتمعات انتكبت بمق ِّومات الهزيمة‪� ،‬إذ يقول الإمام‪� :‬إنَّ تف ُّرق العرب‬ ‫قادهم للهزيمة في الخام�س من حزيران عام ‪ ،67‬ذلك ب�أنهم كانوا يحاربون متفرقين‬ ‫بينما «�إ�سرائيل» تحارب ك�أم ٍة‪ )53(،‬لذلك اعتبر الإمام �أن ال خال�ص للأمة مما تعانيه‬ ‫من حال الترنح �إال باعتماد قاعـدة �أنَّ فل�سطين هي المك ِّون الجمعي للعرب والم�سلمين‬ ‫‪100‬‬


‫������������������������������������������������ ‬

‫والأحرار فيها‪ ،‬فيقول �أعاده اهلل‪�« :‬إ َّن معركتنا مع العدو ذات وجو ٍه كثيرةٍ‪ ،‬فهي‬ ‫معركـ ٌة ح�ضاريـ ٌة طويلـة الأمد متعددة الجهات‪ ،‬وطني ٌة قومي ٌة ديني ٌة‪� ،‬إ َّنها معركة‬ ‫الما�ضي والم�ستقبل»‪.‬‬ ‫ويخل�ص الإمام‪� ،‬إلى �أنَّ مهمة خدمة القد�س البعيدة المحتلة واجبـ ٌة علينا كمهمة‬ ‫خدمة الجنوب الذي ما زال �أمامنا وعلى �أر�ضه نعي�ش‪.‬‬ ‫�إنَّ الإمام يعتقد �أنَّ تخلي الم�سلم عن القد�س هو بمثابة التخلي عن الدين‪ ،‬و�أنَّ اقتناء‬ ‫ال�سالح لقتال «�إ�سرائيل» بمثابة حمل الإنجيل والقر�آن في بيوتنا وقلوبنا‪.‬‬ ‫و�أخير ًا في هذا الإطار ف�إنَّ اهتمام الإمام بهذه الق�ضية دفعه لتح ُّملهـا �إلى الأجيـال‬ ‫خا�ص في ميثاق حركة �أمـل لي�ش ِّكل �إطار ًا حاكم ًا‬ ‫المعا�صرة والواعدة‪ ،‬ب�إدراج ٍ‬ ‫بند ٍ‬ ‫على الم�ستوى الثقافي وال�سيا�سي والع�سكري بانطالق ٍة �إيمانيـ ٍة ر�سالي ٍة وقـد جاء في‬ ‫الميثاق‪« :‬وفل�سطين‪ ،‬الأر�ض المقد�سة‪ ،‬التي تعر�ضت ولم تـزل لجميع �أنواع الظلم‪،‬‬ ‫هي في قلب حركتنا وعقلها و�إ َّن ال�سعي لتحريرها �أولى واجباتها‪ ،‬و�إ َّن الوقوف �إلى‬ ‫جانب �شعبها و�صيانة مقاومته والتالحم معها �شرف الحركة و�إيمانها‪� .‬سيما و�أ َّن‬ ‫ال�صهيونية ت�شكل الخطر الفعلي والم�ستقبلي على لبنان وعلى القيم التي ن�ؤمن بها‬ ‫وعلى الإن�سانية جمعاء‪ ،‬و�إ َّنها ترى في لبنان بتعاي�ش الطوائف فيه تحدياً دائماً لها‬ ‫ومناف�ساً قوياً لكيانها»(‪.)54‬‬ ‫علمي بد�أ في �ساحات‬ ‫�إنَّ تحرك الإمام لم يكن نظريـ ًا بل جاء على �شكل اداءٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫المواجهة كما ذكرنا‪ ،‬من بنت جبيل �إلى الطيبة �إلى مواقع المقاومة في الجنوب‬ ‫والبقاع وبيروت‪ ،‬وعام ‪ 1982‬لم تكن معركة خلدة التي خا�ضها �أبطال �أفواج المقاومة‬ ‫تعبير عن الإلتزام بالفكر الذي ب َّثه م�ؤ�س�س المقاومة ومفجر‬ ‫اللبنانية ‪� -‬أمل �إال خير ٍ‬ ‫ثورتها الإمام المغيب ال�سيد مو�سى ال�صدر‪ ،‬والقافلة تطول‪ ...‬وي�ستم ُّر الإمام في‬ ‫المطالبة بتح�صين الجنوب والدفاع عن المقاومة وعن فل�سطين‪ ،‬وهذا ما يكمله‬ ‫رئي�س حركة �أمـل دولة الرئي�س الأخ الأ�ستاذ نبيـه بـري في �إطار التنمية والتحرير‬ ‫على ر�أ�س حركة �أمل‪.‬‬ ‫‪101‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬ ‫إخفاء اإلمام الصدر وأخويه الش��يخ محمد يعقوب والصحافي السيد‬ ‫عباس بدر الدين‪:‬‬

‫‪ -‬الإجتياح «الإ�سرائيلي»‪:‬‬

‫وتبلغ ذروة تحرك الإمام ال�صدر‪ ،‬مع بدء العدوان «الإ�سرائيلي» في �آذار ‪ 1978‬على‬ ‫فيوجه النداء تلو النداء �إلى مختلف القوى يح ُّثهم على التحرك‪ ،‬للوقوف‬ ‫جنوب لبنان‪ِّ ،‬‬ ‫في وجه الم�ؤامرة التي ُتحـاك على ال�شعب اللبناني‪ ،‬وبد�أت الزيارات ال�شخ�صية التي‬ ‫قـام بها �إلى بع�ض عوا�صم القرار العربي وبالأخ�ص دم�شق والريا�ض(‪.)55‬‬ ‫وقد �أثمرت هذه التحركات‪� ،‬إذ دفعت بالعالم العربي �إلى ال�ضغط على مجل�س الأمـن‬ ‫لإ�صدار القرار الدولي رقم ‪ ،425‬والذي فتح الطريق �أمام و�صول قوات الطوارىء الدولية‬ ‫�إلى جنوب لبنان‪ ،‬لمراقبة تطبيق الإتفاق الدولي‪ ،‬الذي يلزم العـدو «الإ�سرائيلي»‬ ‫بالخروج من المناطق التي �سيطر عليها‪.‬‬ ‫لقد ح َّمل الإمام ال�صدر العالم العربي م�س�ؤولية الرد على هذا العدوان‪ ،‬ودعاهم �إلى‬ ‫�أن يقوموا بدورهم ال «�أن يتركوا �أبناء الجنوب بعد كل الت�ضحيـات وحدهم يحملون‬ ‫م�س�ؤوليات �أكبر ق�ضي ٍة في ع�صرنا �أمام �أخطر عد ٍّو في التاريخ»‪.‬‬ ‫‪:1978 -‬‬

‫عدد من الر�ؤ�ساء العرب �إثر الإجتياح «الإ�سرائيلي» للبنان‪،‬‬ ‫قام بجول ٍة عربيـ ٍة على ٍ‬ ‫حيث و�صل و�أخواه ف�ضيلة ال�شيخ محمد يعقوب والأ�ستاذ ال�سيد عبا�س بدر الدين �إلى‬ ‫طرابل�س ‪ -‬ليبيا في ‪� 25‬آب تلبي ًة لدعو ٍة ر�سميـ ٍة من �سلطاتها العليا‪ ،‬وانقطـع الإت�صال‬ ‫بهم هناك اعتبـار ًا من ظهر ‪� 31‬آب وحتى اليوم‪.‬‬ ‫�إ َّدعت ليبيا �أنَّ �ضيوفها تركوا الأرا�ضي الليبية متجهين �إلى �إيطاليا‪َّ ،‬‬ ‫كذب كال‬ ‫تحقيقات مط َّول ٍة‪ ،‬ونفيا دخول � ٍّأي من‬ ‫الق�ضاءين الإيطالي واللبناني هذا الإ ِّدعـاء بعد‬ ‫ٍ‬ ‫الثالثة موانىء �إيطاليا البحرية والبرية والجوية(‪.)56‬‬ ‫‪102‬‬


‫������������������������������������������������ ‬ ‫خالصة‪:‬‬

‫�إنَّ الإمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين والإمام المغ َّيب ال�سيد مو�سى ال�صدر‬ ‫لإن جمعهما وحدة المعتقد والر�ؤيا والإلتزام بالق�ضايا المقد�سة‪ ،‬ف�إنهما واجها ظروف ًا‬ ‫قا�سي ًة و�صعب ًة‪ ،‬عانيا من ظلم العدو وتواني ال�صديق عن ن�صرتهما‪ ،‬بل كانا عر�ض ًة‬ ‫حرقت داره‬ ‫لإعتداءٍ نال من �شخ�صهما وعائالتهما‪ ،‬فال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين �أُ ِ‬ ‫حمالت مادي ٍة‬ ‫الم�ستعمر الفرن�سي ما القى من‬ ‫في �صور ومنزلـه في �شحور‪ ،‬والقى من‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ومعنوي ٍة م�ستعينين بعمالء الداخل‪.‬‬ ‫� َّأ�س�س الم�سجـد فعار�ضوه‪ ،‬ا�ستقطع �أر�ض ًا من �أرا�ضي الدولة بموافقـة ال�سلطان‬ ‫محمد ر�شاد فعار�ضوه‪َّ � ،‬أ�س�س نادي الإمام ال�صادق فعار�ضوه‪َّ � ،‬أ�س�س المدر�سة‬ ‫الجعفريـة فعار�ضوه‪َّ � ،‬أ�س�س مدر�سة الزهراء فعار�ضوه‪ ،‬و� َّأ�س�س جمعية البر والإح�سان‬ ‫فعار�ضوه‪.‬‬ ‫والإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪ ،‬القى �صنوف المواجهـة والحمالت الم�ض ِّللة من قبل‬ ‫متحم ًال عمـق الجراح‬ ‫القا�صي والداني‪ِ ،‬كي َلت له الإتهامات بهتان ًا وزور ًا‪ ،‬ت�ص َّدى ب�صدره ِّ‬ ‫التي تحفر في القلب‪ ،‬حتى �صور ُح ِّرمت عليه‪ ،‬وقال قائ ٌل‪� :‬س�أخلق في كل بلـ ٌد �إمـام ًا‬ ‫وهو على منبر الإمام �شرف الدين‪� ،‬أُوذي‪ُ ،‬ن ِّكل ب�أ�صحابه و�إخوانه لأنـَّه ت�ص َّدى للحرب‬ ‫الفتنـة‪ ،‬داعي ًا للتف ِّرغ للأعداء و�إطفاء النار الداخليـة في لبنان �أف�ضل وجوه الحرب مع‬ ‫ُدي على �أوالده‪� ،‬أُط ِلقت النار على طائر ٍة‬ ‫منزل في فردان‪� ،‬إعت َ‬ ‫«�إ�سرائيل»‪ ،‬حو�صر في ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫�صحف لبثَّ ال�شائعات حوله‪ ،‬وبالتالي كان‬ ‫كان ي�ستقلُّها لر�أب ال�صدع الداخلي‪�ُ ،‬س ِّخرت‬ ‫ي�صفعهم بكلمة الحق‪�« :‬س�أبقى القلم الذي ال يغرف �إال من حبر الحقيقة مهما كانت‬ ‫مرة»‪ ،‬و«ال �أحد يحدِّد لي دوري‪ ،‬دوري مح َّد ٌد من اهلل والوطن»‪.‬‬ ‫«�إ َّن �شرف القد�س ي�أبى �أن يتح َّرر �إال على �أيدي الم�ؤمنين ال�شرفاء»‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬لم ن�شهد ق�ضي ًة في التاريخ َّتم الت�ستر عليها كق�ضية �إخفاء الإمام ال�سيد‬ ‫مو�سى ال�صدر و�أخويه‪ ،‬الذين �أخفاهم المجرم المقبـور ُمع َّمر القذافي‪ ،‬وهم �أحيا ٌء‬ ‫‪103‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ينتظرون الأخذ بيدهم لتحريرهم من �سجنهم في ليبيا ليعودوا �إلى �ساحة جهادهم‪.‬‬ ‫يح�ضرني الحديث ال�شريف‪:‬‬ ‫«ال َعالمو َن كلهم هالكون �إال العالِمون‪ ،‬والعالِمون كلهم هالكون �إال العاملِون‪،‬‬ ‫والعامِ لون كلهم هالكون �إال المخل�صون‪ ،‬والمخل�صون لهم في خط ٍر �شديدٍ »‬ ‫�سيدي الإمام‪:‬‬

‫�شوقنـا لم�ضارعة فعلك و�إ َّنا لفاعلون‪.‬‬

‫‪104‬‬


‫المصادر‬

‫‪1 .1‬من ق�صيدة للدكتور ال�شيخ �أحمد الوائلي �ألقاها في م�ؤ�س�سة ال�شهدي بالل فح�ص‬ ‫عام ‪.1999‬‬ ‫‪2 .2‬وجيه كوثراني‪ ،‬جبل عامل والتاريخ الطائفي اللبناني‪ ،‬العرفان‪� ،‬أيلول وت�شرين �أول‬ ‫‪.1986‬‬ ‫‪3 .3‬ال�شيخ �أحمد ر�ضا‪ ،‬يوميات للتاريخ‪ ،‬العرفان مجلد ‪� 13‬ص ‪.989‬‬ ‫‪4 .4‬جبل عامل تحيط به قرى قبريخا‪ ،‬مجل �سلم‪ ،‬فرون‪ ،‬الغندورية‪ ،‬القنطرة‪ ،‬فيه نبع‬ ‫وادي الحجير الذي ي�صب قرب ج�سر القاقعية‪.‬‬ ‫‪5 .5‬محمد كوراني‪ ،‬مجموعة مقاالت الم�ؤتمر الدولي لتكريم االمام �شرف الدين‪� ،‬ص ‪.96‬‬ ‫‪ 6 .6‬جهاد بنوت‪ ،‬حركات الن�ضال في جبل عامل‪ ،‬دار الميزان ‪� ،1993‬ص ‪.213‬‬ ‫‪7 .7‬العرفان‪ ،‬مجلد ‪� ،،33‬ص ‪ ،988‬كلمة االمام �شرف الدين في م�ؤتمر وادي الحجير‪.‬‬ ‫‪8 .8‬جهاد بنوت‪ ،‬المرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪.219‬‬ ‫‪9 .9‬ال�شيخ �أحمد ر�ضا‪ ،‬العرفان مجلد ‪� ،33‬ص ‪.988‬‬ ‫‪ 1010‬بغية الراغبين في تاريخ �آل �شرف الدين‪� ،‬ص ‪.660‬‬ ‫‪1111‬وجيه كوثراني‪ ،‬محا�ضرة �ألقيت في الجامعة الأميركية‪ ،‬العرفان مجلد ‪ 74‬عدد ‪7‬‬ ‫�ص ‪.65‬‬ ‫‪105‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫‪1212‬المرجـع نف�سه‪.‬‬ ‫‪ 1313‬محمد علي حوماني‪ ،‬مجلة العروبة مجلد ‪ 1‬عدد ‪� 20‬سنة ‪.1934‬‬ ‫‪�1414‬أحمد ا�سماعيل‪ ،‬من �أحداث ‪ 1920‬في جبل عامل‪ ،‬العرفان مجلد ‪� 75‬سنة ‪1987‬‬ ‫العددان ‪ 1‬و ‪.2‬‬ ‫‪ 1515‬ال�سيرة والم�سيرة‪ ،‬بيروت « دار بالل»‪63 : 1 ،‬‬ ‫‪1616‬نف�س المرجع‪.‬‬ ‫‪ 1717‬العدالة لن تغيب‪ ،‬مركز االمام مو�سى ال�صدر للأبحاث والدرا�سات ‪.2011‬‬ ‫‪ 1818‬االمام ال�صدر هو �أول عالم دين يدر�س في الحوزة العلمية ويلتحق بجامعة ع�صرية‪.‬‬ ‫كتب االمام ال�صدر في علم االقت�صاد �سل�سلة محا�ضرات ن�شرها في مجلة مكتب‬ ‫ا�سالم وذلك قبل كتابة ال�شهيد محمد باقر ال�صدر كتاب اقت�صادنا‪.‬‬ ‫‪ 1919‬العدالة لن تغيب‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص ‪.12‬‬ ‫‪2020‬نف�س المرجع ‪.‬‬ ‫‪2121‬م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪� ،‬صادر عن هيئة الرئا�سة في حركة �أمل‪،‬‬ ‫بيروت‪ :‬دار بالل‪.‬‬ ‫‪2222‬االمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين م�صلح ًا ومفكر ًا و�أديب ًا‪ ،‬م�ؤتمر تكريمه‪،‬‬ ‫بيروت ‪�18‬شباط ‪1992‬‬ ‫‪2323‬يو�سف طباجة‪ ،‬االمام ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين دوره ال�سيا�سي واالجتماعي‬ ‫في لبنان وال�شرق الأو�سط‪ ،‬مجموعة مقاالت الم�ؤتمر الدولي لتكريم االمام �شرف‬ ‫الدين‪� ،‬ص ‪.37‬‬ ‫‪2424‬بغية الراغبين‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬ج‪� 2‬ص ‪.106 - 105‬‬ ‫‪2525‬المرجع نف�سه‪ ،‬ج ‪� 2‬ص ‪.112‬‬ ‫‪2626‬المرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪.458‬‬ ‫‪2727‬يو�سف طباجة‪ ،‬المرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪.65‬‬ ‫‪106‬‬


‫������� ‬

‫‪2828‬مجلة الهدى‪ ،‬العدد ‪� 22‬ص ‪� ،1990/6/1 ،52‬صادرة عن المكتب الثقافي لحركة‬ ‫�أمل‪.‬‬ ‫‪2929‬ح�سين �شرف الدين‪ ،‬بحث في حياة االمام �شرف الدين‪ ،‬محفوظات حركة �أمل‪.‬‬ ‫‪3030‬يو�سف طباجة‪ ،‬ن�ش�أة الأحزاب ال�سيا�سية في جبل عامل‪.‬‬ ‫‪3131‬مقابلة مع ال�شيخ ح�سن بي�ضون بح�ضور محمد ن�صراهلل �أبو جعفر‪ ،‬رئي�س الهيئة‬ ‫التنفيذية لحركة �أمل ونجل االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪ ،‬ال�سيد �صدر الدين ال�صدر‬ ‫و�آخرين‪.‬‬ ‫‪3232‬جعفر �شرف الدين‪ ،‬كتاب االمام �شرف الدين م�صلح ًا ومفكر ًا و�أديب ًا‪� ،‬ص ‪.82 - 81‬‬ ‫‪3333‬مجلة العرفان‪ ،‬م ‪ 45‬ج ‪� 3‬ص ‪.738‬‬ ‫‪3434‬ر�سالة الجعفرية‪ ،‬ك‪ ،1965 2‬المكتب ال�صحفي في الثانوية الجعفرية في �صور‪.‬‬ ‫‪3535‬م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر ‪ -‬توثيق الرائد المتقاعد يعقوب ظاهر ‪ -‬الجـزء‬ ‫الأول �صفحة ‪ 45‬وثيقة ‪1960/3/7‬‬ ‫‪3636‬منبر ومحراب االمام ال�صدر (�ص ‪. )15‬‬ ‫‪3737‬ال�سيرة والم�سيرة ‪ -‬دار بالل ‪� ،2006‬صادر عن هيئة الرئا�سة لحركة �أمل‪.‬‬ ‫‪ 3838‬جريدة الحياة ‪ 6‬تموز ‪.1963‬‬ ‫‪3939‬ظاهر يعقوب ‪ -‬م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر ج‪� 1‬ص ‪.342‬‬ ‫‪4040‬ظاهر يعقوب‪ ،‬م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر اال�سالم وثقافة القرن الع�شرين‬ ‫ج‪� 1‬ص ‪.133‬‬ ‫‪4141‬جريدة الديار‪ ،‬يا�سر حريري‪ ،‬ما وراء حدود الخطر‬ ‫‪4242‬ال�سيرة والم�سيرة‪ ،‬هيئة الرئا�سة في حركة �أمل‪ ،‬بيروت دار بالل ‪ ،2006‬ج‪� 1‬ص‬ ‫‪. 217‬‬ ‫‪4343‬الرئي�س نبيه بري‪ ،‬محا�ضرة مكتوبة في ثانوية ال�شهيد م�صطفى �شمران ‪-‬‬ ‫البي�سارية‪ ،‬لكوادر حركة �أمل عام ‪.1991‬‬ ‫‪ 4444‬محفوظـات المجل�س اال�سالمي ال�شيعي الأعلى‪ ،‬خطبـة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪،‬‬ ‫‪107‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ت�سجيل �صوتي‪� / 2‬شباط ‪.1974 /‬‬ ‫‪4545‬م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪ ،‬مجلد ‪ 4‬وثيقة رقم ‪. 1974 / 3 / 18‬‬ ‫‪4646‬جريدة النهار‪ ،‬تاريخ ‪ / 5‬ني�سان ‪.1974 /‬‬ ‫‪4747‬م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪ ،‬مجلد ‪ 4‬وثيقة رقم ‪1974/5/6‬‬ ‫‪4848‬جريدة النهار ‪ ،1975 / 7 / 7‬نحفزظات المجل�س اال�سالمي ال�شيعي الأعلى‪.‬‬ ‫‪4949‬من بيان ل�سماحة االمام ال�صدر في م�ؤتمر �صحفي ن�شر بتاريخ ‪� /11‬أيلول‪1975 /‬في‬ ‫ال�صحف اللبنانية محفوظات المجل�س اال�سالمي ال�شيعي الأعلى‪ ،‬ت�سجيل �صوتي‪.‬‬ ‫‪5050‬ارفد ‪ IRFED‬اخت�صار لبداية الكلمات الفرن�سية‬ ‫‪Institut de Recherches et de Formation En vue du Développement‬‬

‫‪ 5151‬ال�سيرة والم�سيرة‪ ،‬هيئة الرئا�سة لحركة �أمل‪ ،‬بيروت دار بالل ‪ 2006‬ج‪� 2‬ص ‪.28‬‬ ‫‪5252‬جريدة النهار اللبنانية ‪1975 / 6 / 28‬‬ ‫‪5353‬م�صدر �سابق‪ ،‬ال�سيرة والم�سيرة �ص ‪.34‬‬ ‫‪5454‬ال�سيرة والم�سيرة ج‪� 2‬ص ‪.286‬‬ ‫‪5555‬ميثاق حركة �أمل‪.‬‬ ‫‪5656‬م�سيرة االمام ال�سيد مو�سى ال�صدر‪ ،‬وثيقة رقم ‪78 / 3/ 25‬‬ ‫‪5757‬العدالة لن تغيب مركز االمام مو�سى ال�صدر للأبحاث والدرا�سات ‪2011‬‬

‫‪108‬‬


‫الدكتور السيد إبراهيم الموسوي‬ ‫الدور اإلعالمي من خالل المؤرِّخ‬ ‫(الشيخان سليمان ضاهر وأحمد رضا) نموذج ًا‬ ‫(((‬

‫على الرغم من �أنَّ علم ال�صحافة‪ ،‬بما هو �أحد الفروع المعرفية البالغة الأهمية في‬ ‫علم الإعالم‪ ،‬لم يكن في ع�شرينات القرن الما�ضي قد تط َّور وتبلور على النحو الذي‬ ‫نعرفه اليوم‪ ،‬ف�إنَّ ما عهده الذين عا�شوا في ذلك الزمن وخبروه �إلى درجة المهنية‬ ‫والتمر�س الهائل والمعرفة العميقة ب�ش�ؤون اللغة وتطويعها‪ ،‬جعلهم في موقع القدرة بل‬ ‫الريادة على �إي�صال �صورة الحدث راقي ًة وافي ًة لكل من �أراد �إلى المعرفة �سبي ًال‪ ،‬و�إلى‬ ‫الإحاطة بحقائق الأمور ووقائعها نهج ًا‪..‬‬ ‫هذا ما يتب َّدى في غاية الو�ضوح من خالل متابعة ما كتبه ال�شيخان �سليمان �ضاهر‬ ‫و�أحمد ر�ضا حول م�ؤتمر وادي الحجير قبل ‪ 92‬عام ًا‪� .‬إنَّ من يتوفر على قراء ٍة مت�أ ِّني ٍة‬ ‫لن�ص ال�شيخين يجد فيها كل المرتكزات والعنا�صر لتغطي ٍة �إعالمي ٍة دقيق ٍة ومو�ضوعي ٍة‬ ‫لمجريات الحدث الكبير‪.‬‬ ‫�صحي ٌح �أنَّ كتابة ٍّ‬ ‫كل منهما حول الحدث قد حفلت بالو�صف التف�صيلي والعبارات‬ ‫الإن�شائية‪ ،‬غير �أنَّ ذلك ال يمكن اعتباره نق�ص ًا �أو مبالغ ًة‪ ،‬لأنه كان يتفق مع ما درج عليه‬ ‫((( م�س�ؤول العالقات الإعالمية في حزب اهلل‪.‬‬

‫‪109‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫�أهل التعبير والكتابة في ذلك الزمان‪.‬‬ ‫�إنَّ مراجع ًة �سريع ًة لمجموع ٍة من الأخبار التي و َّثقها ال�شيخ �أحمد ر�ضا تك�شف‬ ‫عن مهار ٍة عالي ٍة في ال�صياغة‪ ،‬وا�ستح�ضا ٍر لأركان الخبر لناحية الإجابة عن الأ�سئلة‬ ‫الأ�سا�سية التي ت�ش ِّكل �أركان الخبر‪ ،‬وهي‪ :‬ماذا‪ ،‬لماذا‪� ،‬أين‪ ،‬كيف‪ ،‬متى‪ .)..‬بالإ�ضافة‬ ‫وتوجهه‪ .‬و�إذا كان‬ ‫�إلى ا�ستخدام العبارات والم�صطلحات التي تتفق مع طبيعة الخبر ُّ‬ ‫ال�صحافي هو م�ؤرخ اللحظة بح�سب «�ألبير كامو»‪ ،‬ف�إنَّ �شيخينا يعتبران ِمنَ الطليعيين‬ ‫في �إن�شاء الخبر وكتابته‪ ،‬والفي�ض على نا�صيته‪ ،‬والإم�ساك بلحظته والإحتفاظ بها في‬ ‫ِ�ص َي ٍغ ق�شيب ٍة َّ‬ ‫�سنوات‬ ‫جذاب ٍة‪ ،‬فيها من الجدة والإبداع ما يجعلك تعي�ش الأحداث بعد م�ضي‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ومواقف‪.‬‬ ‫وم�شاهد‪� ،‬أحداث ًا‬ ‫طويل ٍة على حدوثها‪ ،‬وك�أنها تترى �أمام ناظريك ف�صو ًال‬ ‫َ‬ ‫على �أنَّ الأهم في ما تقدم لي�س في ا�شتمال كتابة ال�شيخين على العنا�صر الفنية‬ ‫والتقنية التي ت�ؤدي غر�ض �إي�صال الخبر كام ًال لمن لم يكن حا�ضر ًا‪ ،‬بل �إنَّ الأكثر �أهمي ًة‬ ‫هو في القدرة على َم َ‬ ‫و�ضعة الحدث في قال َبيه الزمني والمكاني وتَبي�أَته جيوبوليتيكي ًا‪،‬‬ ‫من خالل ا�ستنطاق الأحداث المحيطة وقراءة �سياقها‪ ،‬والتطورات المحيطة في الإقليم‬ ‫ٍّ‬ ‫ككل‪ ،‬بل وفي محاولة قراءة وا�ست�شراف تداعياته على الق�ضية العربية الإ�سالمية‬ ‫برمتها‪.‬‬ ‫سؤال الهوية‬

‫كامل �إلى �أنَّ �س�ؤال الهوية كان من �أكثر الأ�سئلة‬ ‫ومن المهم �أي�ض ًا الإ�شارة‬ ‫بو�ضوح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعي في زمن الإ�ستعمار والإنتداب‪،‬‬ ‫�إلحاح ًا وتمث ًال في ذه َني ال�شيخين‪ ،‬وهذا �أكثر من‬ ‫ٍّ‬ ‫وا�ستعار ح َّمى الإحتالل والإ�ستعمار والإ�ضطهاد‪ .‬ذلك �أن الإنتداب البريطاني في‬ ‫فل�سطين‪ ،‬والإنتداب الفرن�سي في لبنان عمال جاهدين من �أجل طم�س الهوية العربية‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬وحاوال اجتثاث جذور هذه الهوية من خالل محاوالت الفرنجة والتغريب‪.‬‬ ‫ففل�سفة الإحتالل الغربي للمنطقة العربية الإ�سالمية‪ ،‬لم تقم على الركن المادي‬ ‫الفعلي فقط‪ ،‬بل تعدته �إلى محاولة اختراق ن�سيج مجتمعاتنا وبنيتها الفكرية وموروثها‬ ‫‪110‬‬


‫�������������������������������������������������������������������������� ‬

‫حمالت‬ ‫الح�ضاري في محاول ٍة يائ�س ٍة من �أجل الت�أثير على المنطقة وم�صيرها من خالل‬ ‫ٍ‬ ‫فكري ٍة وثقافي ٍة مبرمج ٍة‪.‬‬ ‫لذلك ف�إن حا�ضرة جبل عامل وبالد ال�شام زخرت في تلك المرحلة بالعديد من‬ ‫الن�شاطات الفكرية والثقافية التي قادها علماء الدين‪ ،‬وكان من روادها ال�شيخان‬ ‫�سليمان �ضاهر و�أحمد ر�ضا‪ .‬وكان الفت ًا جد ًا الجهد البارز لهما في التركيز على الت�أليف‬ ‫المتن ِّوع بما ِّ‬ ‫يغذي الثقافة العربية الإ�سالمية في منابعها‪ ،‬وعلى ر�أ�سها مو�ضوع اللغة‬ ‫الذي نال ق�سطه الوافر من الإهتمام في اللغة‪ ،‬نحو ًا وبالغ ًة و�أدب ًا‪� ،‬شعر ًا ونثر ًا ومعاجم‪.‬‬ ‫التعددية‪ ،‬والحفاظ على الوحدة الوطنية‪:‬‬

‫على �أنَّ الأهم في كل ما تقدم‪ ،‬وهو ما يمكن مالحظته حتى وقتنا الحا�ضر‪� ،‬أنَّ‬ ‫الم�ؤامرات الغربية وا�ستهدافاتها تكاد تكون هي هي منذ ذلك الزمن‪ ،‬و�سبل مكافحتها‬ ‫والتحذير منها كانت حا�ضر ًة بقو ٍة في خطاب العلماء وقادة تلك المرحلة‪� ،‬إذ �إن الغرب‬ ‫حاول �أن يزرع بذور ال�شقاق والفتنة بين الم�سلمين والم�سيحيين‪ ،‬ونجح في ا�ستغالل‬ ‫البع�ض من �ضعاف النفو�س‪ ،‬فعمل ه�ؤالء على ممار�سة التعديات والتحري�ض على الفتنة‬ ‫الطائفية‪ ،‬فكان �أن ت�صدى لهم علماء الدين‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم ال�سيد عبد الح�سين �شرف‬ ‫الدين‪ ،‬و�صدرت المواقف ال�شرعية وال�سيا�سية التي �أ َّكدت على التعاي�ش الإ�سالمي‬ ‫الم�سيحي و�ضمانة ذلك وحمايته‪ ،‬وعدم تحميل الم�سيحيين تبعة ما يقوم به البع�ض‬ ‫ممن يتعاونون مع �سلطات الإنتداب‪ .‬ومن يالحظ ال�شعارات والمواقف التي �أُط ِلقت‬ ‫خالل الخطب علم مدى الوعي الذي تج َّلى به علماء تلك المرحلة‪ .‬ففي جزءٍ من خطبة‬ ‫ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين في وادي الحجير جاء‪«:‬يا فتيان المغاوير‪ :‬الدين‬ ‫الن�صيحة‪� ،‬أال �أد ُّلكم على �أمرٍ �إن فعلتموه انت�صرتم؟‪ .‬ف ِّوتوا على الدخيل الغا�صب‬ ‫هلل ما �سـ َّلح فريقاً على �آخر �إال ليثير‬ ‫برباطة الج�أ�ش فر�صته‪ ،‬و�أخمدوا فتنته‪ ،‬ف�إنه وا ِ‬ ‫الفتنة الطائفية وي�شعل الحرب الأهلية‪ ،‬حتى �إذا �صدق زعمه‪ ،‬وتحقق حلمه‪ ،‬ا�ستق َّر‬ ‫في البالد بحجة حماية الأق ِّليات‪.‬‬ ‫‪111‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫مكان �آخر من الخطبة‪�« :‬أال و�إن الن�صارى �إخوانكم في اهلل وفي الدين وفي‬ ‫وفي ٍ‬ ‫الم�صير‪ ،‬ف�أحبوا لهم ما تحبونه لأنف�سكم‪ ،‬حافظوا على �أرواحهم و�أموالهم كما‬ ‫تحافظون على �أرواحكم و�أموالكم‪ ،‬وبذلك تحبطون الم�ؤامرة‪ ،‬وتخمدون الفتنة‪،‬‬ ‫وتط ِّبقون تعاليم دينكم‪ ،‬و�سـ ّنة نبيكم»‪.‬‬ ‫وهكذا نرى �أن الوعي ال�سيا�سي العميق بحجم الت�آمر الفرن�سي الغربي‪ ،‬جعل القادة‬ ‫الم�سلمين ال�شيعة في تلك المرحلة متن ِّبهين �إلى خطورة ما ُيحاك �ضدهم‪ ،‬فقاموا‬ ‫بالإجراءات الكفيلة بف�ضح تلك الم�ؤامرات و�إحباطها‪.‬‬ ‫ومناقب كبير ٍة‪ .‬فال�شيخ‬ ‫لقد كان ال�شيخان الكبيران من الأوائل الذين تمتعوا بمزايا‬ ‫َ‬ ‫�أحمد ر�ضا لم يكن م�ؤ ِّرخ ًا فح�سب‪ ،‬بل كان �أي�ض ًا �أديب ًا ولغوي ًا و�شاعر ًا ومفكر ًا ونا�شط ًا‪،‬‬ ‫وهذه جرد ٌة �سريع ٌة ب�أبرز محطات حياته ون�شاطاته و�إنجازاته‪:‬‬ ‫الشيخ أحمد رضا‪:‬‬

‫ولد في النبطية ‪ 1872/6/4‬م‪.‬‬ ‫‪ 1878‬در�س القر�آن وفي �سنة ‪ 1880‬رحل �إلى �أن�صار وتع َّلم على يد العالمة ال�شيخ‬ ‫ح�سن �إبراهيم‪.‬‬ ‫ •انقطع عن تلقي العلم بعد وفاة والده �سـنة ‪ ،1884‬لكنه تابع قراءاته ومطالعاته‪.‬‬ ‫فريق من �أترابه حجر الأ�سا�س لجمعية‬ ‫ •عندما بلغ �سـن الـ ‪ 17‬من عمره و�ضع مع ٍ‬ ‫المقا�صد الخيرية الإ�سالمية في النبطية‪ .‬وقد ا�ستولى الأتراك على ممتلكات‬ ‫الجمعية و�ألغوا رخ�صتها خالل الحرب العالمية الأولى‪ ،‬ولكنه �أعاد ت�أ�سي�سها‬ ‫بعد الحرب‪.‬‬ ‫أهداف �سيا�سي ٍة‪،‬‬ ‫ •عمل في ت�أ�سي�س محافل �أدبي ٍة وعلمي ٍة‬ ‫وجمعيات �سري ٍة ذات � ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وكان ع�ضو ًا في الجمعيات العربية ال�سرية التي كانت ت�سعى لتحرير البالد‬ ‫العربية من الحكم العثماني‪.‬‬ ‫ •قدمته ال�سلطات العثمانية للمحاكمة مع ر�ضا ال�صلح وريا�ض ال�صلح وعبد‬ ‫الكريم الخليل‪)1915( ....‬‬ ‫‪112‬‬


‫�������������������������������������������������������������������������� ‬

‫ •�ساهم م�ساهم ًة مبا�شر ًة في الحركات بجبل عامل �سـنة ‪.1920‬‬ ‫ؤتمرات �سيا�سي ٍة و�أدبي ٍة منها‪ :‬م�ؤتمر الوحدة ال�سورية‪ ،‬م�ؤتمر‬ ‫م ّثل بالده في عدة م� ٍ‬ ‫ال�ساحل‪ ،‬م�ؤتمر بلودان‪ ،‬الم�ؤتمر الإ�سالمي العام في القد�س‪ ،‬انتخب ع�ضو ًا فخري ًا‬ ‫بلجنة دار الكتب في الم�سجد الأق�صى‪ ،‬و�شارك في �أعمال م�ؤتمر بيت مري الثقافي‬ ‫الذي عقدته جامعة الدول العربية‪.‬‬ ‫ •في ‪ ،1920/10/18‬قرر المجمع العلمي بدم�شق انتخابه ع�ضو ًا فيه‪.‬‬ ‫ •في �سنة ‪ 1930‬انتدبه المجمع العلمي العربي بدم�شق لت�أليف «معجم متن اللغة»‬ ‫مفيد‪.‬‬ ‫باخت�صا ٍر ٍ‬ ‫مؤلفاته‪:‬‬

‫ •ر�سالة الخط مطبوع‬ ‫ •هداية المتعلمين مطبوع‬ ‫ •الدرو�س الفقهية مطبوع‬ ‫ •رد العامي �إلى الف�صيح مطبوع‬ ‫ •معجم متن اللغة مطبوع‬ ‫ •معجم الو�سيط مخطوط‬ ‫ •المعجم الموجز مخطوط‬ ‫ •التذكرة في الأ�سماء المنتخبة المتحدثة مخطوط‬ ‫ •كتاب الوافي بالكفاية والعمدة مخطوط‬ ‫ •مقاالتٌ لغوي ٌة وعلمي ٌة و�أدبي ٌة و�سيا�سي ٌة وتاريخي ٌة وق�صائد �شعري ٌة في المجالت‬ ‫والجرائد مثل‪ :‬المقتطف ـ مجلة المجمع العلمي بدم�شق ـ مجلة الكلية ـ مجلة‬ ‫المقتب�س ـ مجلة العرفان ـ جريدة جبل عامل (بالنبطية) وغيرها‪.‬‬ ‫توفي ليلة ال�سابع من تموز ‪ 1953‬م‪.‬‬ ‫‪113‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬ ‫أما المؤ ِّرخ الشيخ سليمان ضاهر‬

‫ •ولد في النبطية‪.‬‬ ‫ •در�س في مدر�سة ال�سيد ح�سين يو�سف في النبطية‪.‬‬ ‫ •من الم�ؤ�س�سين لجمعية المقا�صد الخيرية في النبطية‪.‬‬ ‫ •ق َّدمته ال�سلطات العثمانية للمحاكمة �سـنة ‪.1915‬‬ ‫ •ع�ض ٌو في الجمعيات ال�سـرية العربية التي كانت ت�سعى لتحرير البالد من الحكم‬ ‫العثماني‪.‬‬ ‫من منا�ضلي الإنتداب الفرن�سي بعد الحرب العامة‪ ،‬وخالل قيام الحكم العربي‬ ‫الفي�صلي في دم�شق وال�صراع مع الفرن�سيين ارتبط وهو في النبطية بدار الإعتماد‬ ‫العربي في بيروت‪ ،‬وله تقارير �سيا�سي ٌة مهم ٌة‪ ،‬منها تقري ٌر واق ٌع في ‪� 60‬صفح ًة يتعلق‬ ‫بجبل عامل‪ّ ،‬‬ ‫نظمه باقتراح �صديقه ال�شاب يو�سف العظمة‪ ،‬ويعتبر مجدِّ د طريقة ال�شعر‬ ‫في جبل عامل‪.‬‬ ‫مؤلفاته‪:‬‬

‫ •الذخيرة مطبوع‬ ‫ •معجم قرى جبل عامل (طبعته جمعية الإم��ام ال�صادق‪Q‬لإحياء التراث‬ ‫العلمائي)‬ ‫ •ديوان الأدب العاملي المن�سي مخطوط‬ ‫ •ديوان ال�شعر مخطوط‬ ‫ •عند جهينة الخبر اليقين مخطوط‬ ‫ •ر�سالة في �أحوال �أبي الأ�سود الد�ؤلي‬ ‫ •�أطروح ٌة قدمها �إلى المجمع العلمي عند انتخابه ع�ضو ًا فيه (�صلة العلم بين‬ ‫دم�شق وجبل عامل)‬ ‫ •تاريخ قلعة ال�شقيف (ن�شر في مجلة العرفان)‪.‬‬ ‫ •توفي �سـنة ‪ 1398‬هـ‪.‬‬ ‫‪114‬‬


‫الدكتور مصطفى بزي‬ ‫الظروف التي ساهمت في انعقاد مؤتمر الحجير‬ ‫(((‬

‫�إنَّ الأحداث المتالحقة التي �شهدتها منطقة جبل عامل‪ ،‬خالل الأ�شهر الأولى من‬ ‫العام ‪ ،1920‬وخا�ص ًة الأحداث التي ح�صلت خالل �شهري �آذار وني�سان‪� ،‬ش َّكلت الأر�ضية‬ ‫الأ�سا�سية‪ ،‬والقاعدة العملية للأحداث الخطيرة التي ح�صلت في فتر ٍة الحق ٍة‪ ،‬بعد‬ ‫منت�صف ني�سان و�أوائل �أيار‪ ،‬و�إنَّ المتت ِّبع لمجريات الأمور التي كانت تجري على ال�ساحة‬ ‫العاملية وقتها‪ ،‬يالحظ �أمر ًا مهم ًا‪ ،‬كان يجري وراء الكوالي�س بين الحكومتين الفرن�سية‬ ‫وجوهري بين القوتين الإ�ستعماريتين الدوليتين‬ ‫خفي‬ ‫ٌّ‬ ‫والبريطانية‪ ،‬حيث كان هناك �صرا ٌع ٌّ‬ ‫على تقا�سم النفوذ في المنطقة‪ ،‬ولأن نطاق عمل المجموعات الم�سلحة الوطنية (التي‬ ‫كانت ت�سمى في تلك الفترة ع�صابات‪ ،‬وهي جماعاتٌ وطني ٌة م�سلح ٌة كانت تقف في وجه‬ ‫الفرن�سيين‪ ،‬وال خير في �إطالق هذه الت�سمية عليها �أبد ًا)‪ ،‬كان في المنطقة التي ت�سيطر‬ ‫عليها فرن�سا‪ ،‬والتي �ستدخل الحق ًا �ضمن مناطق نفوذها‪ ،‬ف�إنَّ بريطانيا كانت ت�س ِّهل‬ ‫�ضمن ًا عمل الفرق الم�سلحة العربية وتدعمها‪ ،‬هذه الفرق التي كانت ت�ستهدف الم�صالح‬ ‫الفرن�سية‪ ،‬و�أعوان الفرن�سيين والموالين لهم‪ ،‬وقد بلغت م�ساعدات بريطانيا لهذه الفرق‬ ‫حد ال�سماح ب�إي�صال الأ�سلحة والذخائر والمد ِّربين �إليها‪ ،‬كما �أنها �س َّهلت لهم عمليات‬ ‫َ‬ ‫وقت‪ ،‬كما �أ َّمنت لهم‬ ‫الفرار من وجه الحمالت الفرن�سية‪ ،‬ودخول �أر�ض الحولة‪ ،‬وفي كل ٍ‬ ‫ومعنوي‪ ،‬والمتت ِّبع لأخبار زعماء هذه المجموعات و�أفرادها‪،‬‬ ‫مادي‬ ‫في مناطقها ك َّل ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫عون ٍّ‬ ‫((( �أ�ستاذ في الجامعة اللبنانية وباحث‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫يتوجه با�ستمرا ٍر �إلى فل�سطين‪ ،‬وتحديد ًا �إلى الحولة‪ ،‬حين‬ ‫يجد �أن �صادق الحمزة كان َّ‬ ‫كانت تطارده ال�سلطات الفرن�سية‪ ،‬وهكذا �أي�ض ًا بالن�سبة لمحمود �أحمد َب ِّزي و�أفراد‬ ‫مجموعته‪ ،‬الذين كانوا يتخذون من بع�ض القرى الفل�سطينية ال�شمالية �أماكن تج ُّم ٍع لهم‬ ‫وانطالق‪ ،‬وكانت �أر�ض الحولة با�ستمرا ٍر مكان ًا للجوء الفرق الم�س َّلحة‪ ،‬ولم يحدث مر ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ا�صطدام م�س َّل ٍح بين رجال هذه الفرق من جه ٍة‪ ،‬والدوريات الإنكليزية على‬ ‫�أن ح�صل � ُّأي‬ ‫ٍ‬ ‫الحدود‪� ،‬أو داخل فل�سطين من جه ٍة �أخرى‪.‬‬ ‫«طبعاً �إ َّن كل هذه الممار�سات التي كان يقوم بها الإنكليز‪ ،‬لم تكن تعبيراً عن‬ ‫قبول الإنكليز لهذه الفرق وقناعتها بها‪ ،‬و�أنما كانت الغاية �ضد فرن�سا وم�صالحها‬ ‫في المنطقة لي�س �إال‪ ،‬وال �شك �أ َّن بريطانيا �أرادت بعد الحرب تو�سيع رقعة ح�صتها‬ ‫الح�صة الفرن�سية‪ ،‬يحدوها �إلى ذلك طم ٌع وج�ش ٌع‪،‬‬ ‫المق َّررة في الإتفاقيات على ح�ساب َّ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫تم َّثل ك ُّله في قولها لفرن�سا‪�«:‬أطلقي يدي في المو�صل �أطلق يدك في �سوريا»‬ ‫�إذن الم�س�ألة كانت في غاية الو�ضوح‪ ،‬الم�صالح الخا�صة للدول هي التي تحدِّ د‬ ‫عداوات دائم ٌة‪ ،‬و�إنما م�صالح دائم ٌة‪ ،‬هذه‬ ‫�صداقات دائم ٌة‪ ،‬وال‬ ‫بالنتيجة �سيا�ستها‪ ،‬فال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هي القاعدة الأ�سا�سية التي تحكم العالقات بين الدول منذ القديم وحتى اليوم‪ ،‬والدالئل‬ ‫على ذلك ماثل ٌة �أمام الأعين‪� ،‬أما في منطقة جبل عامل‪ ،‬حيث نجد الحدود اللبنانية‬ ‫متداخل ًة مع فل�سطين تداخ ًال وا�ضح ًا‪ ،‬وخا�ص ًة بين منطقتي الجليل الأعلى والحولة‪،‬‬ ‫ومع �سوريا �أي�ض ًا في منطقتي الجوالن وجبل ال�شيخ‪ ،‬فقد �شاءت بريطانيا �أن يكون لها‬ ‫جز ٌء من �أرا�ضي جبل عامل‪ ،‬فت�ض ُّمه �إلى فل�سطين‪ ،‬منطقة نفوذها‪ ،‬وذلك قبل �صدور‬ ‫قرار الإنتداب‪ ،‬من �أجل ذلك عملت بريطانيا على تن�شيط الحركات الع�سكرية العربية‬ ‫المعادية لفرن�سا في هذه المنطقة‪ ،‬ف�س َّهلت بذلك العمل الع�سكري �ضد الفرن�سين ومن‬ ‫ي�ؤيدهم‪.‬‬ ‫بالمقابل ف�إنَّ فرن�سا‪ ،‬كانت تخ�شى هي الأخرى على م�صالحها‪ ،‬وكانت تقف لبريطانيا‬ ‫بالمر�صاد‪ ،‬خا�ص ًة فيما يتع َّلق بمحاولتها تعديل الإتفاقيات الحا�صلة بينهما‪ ،‬ولذلك‬ ‫ف�إنها كانت تعمل وبعجل ٍة من �أمرها‪ ،‬لإ�صدار قرا ٍر في ع�صبة الأمم لتكري�س الإنتداب‪،‬‬ ‫مبا�شر في انت�شار الفو�ضى‬ ‫مبا�شر �أوغير‬ ‫ب�شكل‬ ‫ولذلك فمن الوا�ضح �أنَّ فرن�سا �ساعدت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪116‬‬


‫����������������������������������������� ‬

‫والرعب في المنطقة وداخل القرى‪ ،‬وهي التي زرعت بذور الفتنة بين العامليين من‬ ‫ُظهر للعالم �أجمع‪� ،‬أنَّ هذه‬ ‫مختلف الطوائف‪ ،‬وح َّر�ضتهم على �أعمال القتل والإعتداء‪ ،‬لت ِ‬ ‫المنطقة تع ُّمها الفو�ضى والحرب الطائفية‪ ،‬و�أنَّ دما ًء ُت�س َفك‪ ،‬و�أبرياء ُيقتَلون‪ ،‬ليكون‬ ‫ذلك مب ِّرر ًا لها لدخول المنطقة‪ ،‬بحجة حماية المواطنين‪ ،‬وح�سم الأمر قبل �أن ُيف ِلت‬ ‫الو�ضع من يدها‪ ،‬وال َّ‬ ‫�شك �أنَّ ا�ستمرار هجمات المجموعات الوطنية الم�سلحة على‬ ‫حدود المنطقة الغربية قد «�أثارت نقمة ال�سلطة الفرن�سية على الحكومة ال�سورية‬ ‫وعلى مليكها‪ ،‬رغم توقيعه مع كليمن�صو رئي�س الوزارة الفرن�سية الإتفاق على م�صير‬ ‫�سورية»(‪.)2‬‬ ‫أحد‪ ،‬وفي هذا ال�سياق يذكر بع�ض‬ ‫�إنَّ هذه الممار�سات الفرن�سية لم تكن خافي ًة على � ٍ‬ ‫�شاب‪،‬‬ ‫�أبناء منطقة مرجعيون �أنَّ فرن�سا �أح�ضرت �إلى تلك المنطقة �أكثر من مئتي ٍ‬ ‫و�س َّلحتهم بالقوة وقالت لهم‪«:‬عليكم الدفاع عن �أنف�سكم في وجه ال�شيعة‪ ،‬الذين‬ ‫يريدون مقاتلتكم»‪ ،‬كما �أنها لم ت�ستجب للوفود التي ذهبت من المنطقة الغربية (جبل‬ ‫عامل)‪� ،‬إلى �صور لمقابلة الم�س�ؤولين الع�سكريين الفرن�سيين‪ ،‬طلب ًا للحماية‪ ،‬وكان‬ ‫الجواب �أن ال قدرة للفرن�سين في ت�أمين هذه الحماية‪ ،‬لأنَّ الفرن�سيين يذهبون �إلى‬ ‫عر�ض البحر‪ ،‬تفادي ًا لهجمات الثوار‪ ،‬في محاول ٍة لإقناع الم�سيحيين ب�ضرورة حماية‬ ‫وطائفي في‬ ‫مذهبي‬ ‫�صراع‬ ‫�أنف�سهم‪ ،‬والدفاع عن مناطقهم‪ ،‬ليكون ذلك مدخ ًال �إلى‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫المنطقة ت�ستفيد منه فرن�سا‪ ،‬وعلى هذا الأ�سا�س‪ ،‬ف�إنَّ فرن�سا كانت م�س�ؤول ًة م�س�ؤولي ًة‬ ‫كامل ًة عما جرى في المنطقة من حوادث طائفي ٍة‪ ،‬لأنَّ ما ح�صل‪ ،‬لم يكن ليحدث لو لم‬ ‫حم�س فرن�سا بع�ض م�ؤيديها‪ ،‬و ُت�س ِّلحهم بحجة الدفاع عن �أنف�سهم‪ ،‬فقط لتوجد المب ِّرر‬ ‫ُت ِّ‬ ‫العملي لها‪ ،‬لتنفيذ مخططها الذي تريده في المنطقة‪.‬‬ ‫هذا الواقع كان ي�ؤ ِّكده بع�ض الم�س�ؤولين الفرن�سيين �أنف�سهم‪ ،‬الذين كانوا ي�ؤ ِّكدون �أنَّ‬ ‫الغر�ض الأهم من كل ما حدث كان الم�صلحة الفرن�سية‪ ،‬قبل ِّ‬ ‫كل �شيءٍ ‪.‬‬ ‫بالمقابل ف�إنَّ الحكومة الفرن�سية الر�سمية‪ ،‬كانت ُتح ِّمل الحكومة العربية الم�س�ؤولية‬ ‫الأولى عن �أعمال المجموعات الم�سلحة‪ ،‬ويظهر ذلك من كالم الجنرال غورو‪ ،‬الذي‬ ‫يقول �إنَّ » حكومة دم�شق هي التي و�ضعت مبد�أ تنظيم الع�صابات‪ ،‬وا�ستخدامها �ضد‬ ‫‪117‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫الجنود الفرن�سيين»‪ .‬ثم �أورد الجنرال ما كان يعلنه قائد الفرقة الثالثة في حلب‪ ،‬يوم‬ ‫‪ 13‬ني�سان ‪ 1920‬فقال‪« :‬لما كنا ال ن�ستطيع �أن نعلن الحرب ر�سمياً على الفرن�سيين‪،‬‬ ‫يجب �أن نملأ البالد بالع�صابات‪ ،‬التي ُتجهِز عليهم تدريجياً‪ ،‬و�سيقود �ضباطنا هذه‬ ‫الع�صابات‪ ...‬و�إذا ا�ست�شهد �أحدهم ف�ستعيل الحكومة عائلته»(‪.)3‬‬ ‫وحاول الجنرال غورو الت�أثير على زعماء جبل عامل‪ ،‬بهدف ال�ضغط عليهم للعمل‬ ‫«لدفع �ش ِّر هذه الع�صابات حتى ال ي�ستغ َّلها الثائرون»(‪ ،)4‬فكان جواب كامل الأ�سعد له‪:‬‬ ‫«�أ َّن حفظ الأمن ودفع الغارات من �أهم واجبات �أبناء هذا الجبل‪ ،‬وهذا الخلق متم ِّك ٌن‬ ‫أ�شخا�ص من الع�صابات لي�س معناه �أ َّن البالد م�شترك ٌة معهم»‪.‬‬ ‫منهم‪ ،‬و�إ َّن وجود ب�ضعة �‬ ‫ٍ‬ ‫أسباب إنعقاد مؤتمر الحجير‪:‬‬

‫وا�ضح‪ ،‬و�أنَّ قوىً م�ؤ ِّثر ًة كثير ًة‬ ‫مما تقدم نالحظ �أنَّ المنطقة كانت تعي�ش فترة ٍ‬ ‫غليان ٍ‬ ‫كان لها ت�أثيرها على ما يجري‪ ،‬ولأنَّ الو�ضع كان حرج ًا للغاية‪ ،‬فال ب َّد �أن يكون هناك‬ ‫ٌ‬ ‫موقف �صري ٌح ووا�ض ٌح تجاه جمل ٍة من الق�ضايا الأ�سا�سية‪ ،‬مثل الموقف من الحركة العربية‬ ‫في دم�شق‪ ،‬ومن مقررات الم�ؤتمر ال�سوري‪ ،‬وتجاه الو�ضع الأمني في المنطقة‪ ،‬وتردي‬ ‫خا�ص الزراعية‪ ،‬لأنها الم�صدر المعي�شي‬ ‫الحالة العامة وخا�ص ًة الإقت�صادية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وب�شكل ٍّ‬ ‫الأ�سا�سي للمواطنين‪ ،‬وكذلك الموقف من الإحتالل الفرن�سي الذي تم بقالب الإنتداب‪.‬‬ ‫تحرك لهم في المنطقة‪،‬‬ ‫هذه الأمور جميعها‪� ،‬ش َّكلت الأر�ضية الالزمة لحدوث‬ ‫ٍ‬ ‫يتناغم ويتما�شى مع ما كان ُي َّ‬ ‫خطط له في �سوريا �أي�ض ًا‪ ،‬بفعل تالزم الو�ضع ال�سيا�سي‬ ‫بين المنطقتين وهذه م�س�أل ٌة تاريخي ٌة‪ ،‬ال يمكن القفز فوقها �أو تغييبها‪.‬‬ ‫من هذه األمور المهمة والجوهرية‪:‬‬

‫نوايا الحكومة العربية في دم�شق‬

‫�إنَّ الحكومة العربية في دم�شق كان يه ُّمها �أن « ُتبقي لها منفذاً على البحر‪ ،‬لذلك كان‬ ‫يهمها �أن يكون جبل عامل �ضمنها‪ ،‬ومن هنا كان اهتمام حكومة دم�شق بهذه المنطقة‬ ‫ُّ‬ ‫(‪)5‬‬ ‫والتركيز عليها‪ ،‬ومن هنا احتمال قيام غز ٍو �سوريٍّ بقيادة علي خلقي للمنطقة»‪،‬‬ ‫‪118‬‬


‫����������������������������������������� ‬

‫ويذكر ال�شيخ �أحمد ر�ضا في مذكراته �أنه «وفد على كامل الأ�سعد ٌّ‬ ‫كل من �أحمد مريود‬ ‫و�أ�سعد العا�صي‪ ،‬لمعرفة ر�أي جبل عامل في الثورة»‪)5(،‬وكانت الحكومة العربية ت�أمل‬ ‫في تر�سيخ موقف جبل عامل الم�ؤ ِّيد لها‪ ،‬و�أن يكون هذا الت�أييد عملي ًا وفعلي ًا‪ ،‬ومتوافق ًا‬ ‫مع المواقف ال�سابقة لجبل عامل‪� ،‬أثناء م�شاركته بالم�ؤتمر ال�سوري‪ ،‬وموقفه المع َلن‬ ‫�أمام لجنة كنغ‪ -‬كراين الأمريكية‪ ،‬و�أثناء ذهاب الوفد العاملي �إلى �سوريا لإعالن البيعة‬ ‫للأمير في�صل با ُلملك‪ ،‬ولذلك كان التركيز على معرفة موقف جبل عامل النهائي من‬ ‫م�س�ألة العالقة مع الحكومة العربية في دم�شق‪.‬‬ ‫والظاهر كما هو وا�ض ٌح‪� ،‬أنَّ الحكومة العربية �شعرت ب�أنه هناك بع�ض التذبذب في‬ ‫مواقف بع�ض الزعماء العامليين‪ ،‬و�أنَّ بع�ضهم لم يكن قد ح�سم موقفه نهائي ًا من م�س�ألة‬ ‫العالقة مع الحكومة العربية‪ ،‬خا�ص ًة و�أنَّ الفرن�سيين‪ ،‬كانوا قد بنوا ج�سور ًا عديد ًة مع‬ ‫عدد من ه�ؤالء �إلى جانبهم‪،‬‬ ‫بع�ض الزعماء‪� ،‬آملين عن طريق الإغراءات‪ ،‬ا�ستمالة �أكبر ٍ‬ ‫وكانت العالقات بين زعماء المنطقة وقادة الع�صابات الوطنية‪ ،‬قد و�صلت �إلى درج ٍة‬ ‫ح�سا�س ٍة‪ ،‬خا�ص ًة بعد �أن قويت عزيمة الع�صابات‪ ،‬وا�شتد �ساعدها �ضد ال�سلطة الفرن�سية‬ ‫وم�ؤيديها في المنطقة‪ ،‬مما جعل الزعامات العاملية تخاف على م�صيرها وم�ستقبلها‪،‬‬ ‫حرج‪ ،‬ف�إن هي �أ َّيدت الع�صابات ‪ -‬رغم ًا عنها بالطبع ‪ -‬ف�إنَّ ذلك‬ ‫وت�صبح في ٍ‬ ‫موقف ٍ‬ ‫يفقدها �سيطرتها على الو�ضع في المنطقة ويغ�ضب الفرن�سيين‪ ،‬خا�ص ًة و�أنَّ بع�ض‬ ‫الزعماء العامليين كان يدرك نتيجة ما �ست�ؤول �إليه الأمور‪ ،‬و�أنَّ الفرن�سيين �سيدخلون‬ ‫المنطقة حتم ًا‪ ،‬وهكذا بقيت العالقات بين زعماء المنطقة من جه ٍة‪ ،‬وقادة الع�صابات‬ ‫من جه ٍة �أخرى‪ ،‬غير مح�سوم ٍة تمام ًا‪ ،‬وهي عر�ض ٌة للتغيير والتبدل با�ستمرارٍ‪ ،‬بل‬ ‫و�أنَّ تناق�ض ًا وا�ضح ًا برز �أحيان ًا في هذه العالقات‪ ،‬مما كان له �أث ٌر كبي ٌر في مجريات‬ ‫أحداث م�أ�ساوي ٍة‬ ‫الأحداث‪ ،‬خا�ص ًة بعد م�ؤتمر الحجير‪ ،‬وفي ما و�صلت �إليه الأمور من � ٍ‬ ‫في المنطقة(‪.)6‬‬ ‫موقف السلطة الفرنسية‪:‬‬

‫ب�شكل‬ ‫مقابل تركيز الحكومة العربية في دم�شق على معرفة موقف جبل عامل منها‪ٍ ،‬‬ ‫‪119‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫ب�س فيه‪ ،‬كانت ال�سلطة الفرن�سية المنتدبة هي الأخرى‪ ،‬تحاول انتزاع‬ ‫�صريح‬ ‫ووا�ضح‪ ،‬ال ُل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عاملي يتناق�ض مع المواقف المعروفة لجبل عامل ‪ -‬بت�أييده العالقة مع �سوريا‬ ‫موقف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫موقف �آخر ي�ؤ ِّيد وجهة نظر فرن�سا ب�ضم جبل عامل �إلى لبنان‬ ‫وحكومتها العربية ‪ٍ -‬‬ ‫الكبير‪ ،‬لي�ش ِّكل هذا الموقف ورق ًة �ضاغط ًة على الم�ؤتمرين في �سان ريمو‪ ،‬حيث �سيعقد‬ ‫الم�ؤتمر هناك في العا�شر من ني�سان ‪ ،1920‬وت�شير جريدة الب�شير �إلى �أنه» قدم الثغر‬ ‫وف ٌد م�ؤَّ ٌ‬ ‫ذات‪ ،‬من وجوه وعلماء جبل عامل‪ ،‬تحت رئا�سة كامل‬ ‫ثالث وخم�سين ٍ‬ ‫لف من ٍ‬ ‫بك الأ�سعد‪ ،‬وا�ست�أذنوا لمقابلة القائد العام الجنرال غورو‪ ،‬ف� ِأذن لهم وا�ستقبلهم‪ ،‬وقد‬ ‫تك َّلم عبد الح�سين �شرف الدين‪ ،‬فذكر للقائد العام ميله �إلى الدولة الفرن�سية‪ ،‬و�أطرى‬ ‫على ما امتازت به هذه الدولة من العدالة والحرية‪ ،‬وما لها من الف�ضل على الإن�سانية‬ ‫�إلى غير ذلك(‪ ،)7‬ويقول ال�شيخ �أحمد ر�ضا‪ ،‬في هذا العدد مع ِّلق ًا على زيارة هذا‬ ‫الوفد‪« :‬الغريب �أ َّن الذين و َّقعوا العري�ضتين (معرو�ضاً لم�ؤتمر ال�صلح في باري�س‪،‬‬ ‫ومعرو�ضاً للجنرال غورو‪ ،‬يت�ضمن �إلحاق جبل عامل بلبنان)‪ ،‬كان بع�ضهم بالأم�س‬ ‫القريب‪ ،‬يو ِّقع على عك�سها وير�سلها بوا�سطة الأمير في�صل �إلى م�ؤتمر ال�سالم»(‪.)8‬‬ ‫محاولة دخول المنطقة بالقوة‬

‫في الفترة التي ازدادت فيها �أعمال الفرق الم�س َّلحة والمناه�ضة للفرن�سيين في‬ ‫المنطقة‪ ،‬وكثرت فيها محاوالت الفرن�سيين ال�ستمالة بع�ض الزعماء لجانبهم‪ ،‬وزيادة‬ ‫ممار�ساتهم �ضد المناوئين وت�صاعد هجمات الثوار على الحاميات الفرن�سية‪ ،‬وعلى‬ ‫ب�شكل‬ ‫القرى الم�سيحية خا�ص ًة‪ ،‬ف�إنَّ‬ ‫ٍ‬ ‫ا�ستعدادات كانت تجري خارج المنطقة لدخولها ٍ‬ ‫وجوهري النعقاد الم�ؤتمر‪ ،‬حيث تذكر جريدة الب�شير �أنه «ح�ضر‬ ‫مه ٌّم‬ ‫�سبب ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫فعلي‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫�إلى كامل بك الأ�سعد وف ٌد من عرب البادية وحكومة ال�شام‪ ،‬يطلبون منه �أن ال‬ ‫يتعار�ضهم �أح ٌد في احتالل منطقة ال�ساحل‪ ،‬فجمع كامل بك الأ�سعد وجوه البالد‬ ‫والعلماء ور�ؤ�ساء الع�شائر في وادي الحجير»(‪.)9‬‬ ‫وي�ؤ ِّكد ال�شيخ �أحمد ر�ضا في هذا المجال �أنَّ «حكومة دم�شق �أر�سلت موفدَين �إلى‬ ‫جبل عامل هما �أحمد مريود و�أ�سعد العا�صي‪ ،‬بهدف مقابلة كامل بك الأ�سعد‪ ،‬و�أنذراه‬ ‫‪120‬‬


‫����������������������������������������� ‬

‫�صريح من المو�ضوع‪ ،‬ف�إما �أن يكون معنا‪ ،‬فلي�ستعد للثورة‪ ،‬و�إما �أن ال‬ ‫موقف‬ ‫ب�إتخاذ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ب�شكل ال غبار‬ ‫يفعل ذلك‪ ،‬فيكون علينا‪ ،‬ويكون لنا وله �ش� ٌأن»(‪ ،)10‬وهذا الكالم يو�ضح ٍ‬ ‫عليه‪� ،‬أن �شكوك ًا كانت تراود الحكومة العربية في موقف الزعماء العامليين‪� ،‬أو بع�ضهم‬ ‫تذبذب في‬ ‫على الأقل‪ ،‬ومن المحتمل �أن يكون قد وردتها �أخبا ٌر �أو معلوماتٌ ‪ ،‬ت�شير �إلى‬ ‫ٍ‬ ‫مواقف بع�ض الزعامات‪ ،‬التي تنتظر وجهة الرياح فت�سير معها‪ ،‬وهذا ما ح�صل بالفعل‪،‬‬ ‫ف�صحي ٌح �أنَّ «جبل عامل لم يندمج في الكيان اللبناني الجديد وهذا من الناحية‬ ‫تم�ض فتر ٌة ق�صير ٌة‪� ،‬إال وكان الوجهاء‬ ‫ال�شعبية الإقت�صادية ‪ -‬الإجتماعية‪ ،‬لكن لم ِ‬ ‫�أ َّول الداخلين في الدولة الجديدة‪ ،‬حتى �أنهم �أظهروا في ذلك بع�ض الحما�سة‬ ‫مدفوعين بالطبع بدافع المناف�سة ال بدافع العقائد ال�سيا�سية‪ ،‬وهكذا تقدَّم ف�ضل‬ ‫الف�ضل ويو�سف الزين �إلى من�صب مدير النبطية‪ ،‬منذ �شهر �آب ‪ ،1920‬وبعد ذلك‬ ‫ب�شهرٍ �سعى يو�سف الزين لنيل من�صب المت�ص ِّرف في �صيدا‪ ،‬وحاول ر�شيد ع�سيران‬ ‫�أن ُيع َّين ع�ضواً في المجل�س الإداري»(‪.)11‬‬ ‫وقد �شرع معظم الوجهاء والعامليين‪ ،‬ب�إظهار الم�شاعر الم�ؤ ِّيدة للفرن�سيين والإنتداب‪.‬‬ ‫وت�أكيد ًا على الإنذار الذي يتحدث عنه البع�ض‪ ،‬يقول ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‬ ‫�إنَّ » الدعوة �أتت لكامل بك الأ�سعد من قبل ر�ؤ�ساء ع�شائر الف�ضل‪ ،‬عبر ر�سلهم �إليه‪،‬‬ ‫وكانت هذه الع�شائر ت�سكن في المنطقة ال�شرقية‪ ،‬وقد حمل ه�ؤالء له ر�سائل الثورة‪،‬‬ ‫ويدعونه �إلى خو�ض المعركة‪ ،‬ويخيرونه بين اثنتين‪�« :‬إما �أن ين�ضم �إليهم جبل عامل‬ ‫فيكون حرباً على فرن�سا‪ ،‬و�إما �أن يعتزل‪ ،‬فيكون َغ َر َ�ضاً لحربهم قبل فرن�سا‪ ،‬ولم‬ ‫يجد هذا البلوغ ا�ستعداداً من كامل بك الأ�سعد‪ ،‬لأنه لم يكن مهي�أً له‪ ،‬فا�ستمهل‬ ‫الر�سل‪ ،‬وح َّملهم �إلى �أ�صحابهم ر�سالته‪ ،‬ب�أنه لي�س المنفرد بالر�أي في «عاملة»‪ ،‬دون‬ ‫العلماء من �أولي ال�ش�أن‪ ،‬ودون الزعماء الذين لهم كلمتهم ولهم �أتباعهم‪ ،‬فال ُب َّد من‬ ‫�أَ َجلٍ ي�ضربه لميعا ٍد يجتمع فيه العلماء والوجهاء ويبحثون هذه الق�ضية‪ ،‬على �ضوء‬ ‫التفكير والت�أمل‪ ،‬وهكذا كان»(‪.)12‬‬ ‫هناك من ُي ِّلطف في لهجة الطلب من جبل عامل‪ ،‬وال ي�سوق الأمر ب�سياق الإنذارات‪،‬‬ ‫ر�سلت �إلى ٍّ‬ ‫وا�ضح من‬ ‫كل من المناطق لتعلن موقفها‪ ،‬و ُتطا َلب‬ ‫ٍ‬ ‫و�إنما عبر ر�سائل �أُ ِ‬ ‫بتحديد ٍ‬ ‫‪121‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫الق�ضية‪ ،‬حيث ذكر �أنه و�صلت ر�سال ٌة من قائمقام حا�صبيا «محمد عز الدين الحلبي»‬ ‫المعظم في�صل ملكاً‬ ‫َّ‬ ‫�إلى كامل بك الأ�سعد جاء فيها «�أنه قد تق َّرر الإحتفال بملكنا‬ ‫على �سورية‪ ،‬يوم الإثنين ‪� 8‬آذار‪ ،‬ف�أعلِنوا ذلك في جبل عامل ليقيموا المهرجانات‬ ‫وي�شتركوا في هذا الإحتفال‪ ،‬برفع الأعالم العربية ذات الألوان الأربعة‪ ،‬في و�سط‬ ‫اللون الأحمر نجم ٌة ذات �سبعة �أ�شعة»(‪.)13‬‬ ‫وحول نف�س المو�ضوع‪ ،‬ي�شير ال�شيخ �سليمان �ضاهر‪� ،‬إلى �أنَّ «المناداة بملكية في�صل‬ ‫لم َت ُرق للفرن�سيين‪ ،‬فكان من ذلك رواج �سوق الدعايات من هنا وهناك‪ ،‬وكانت‬ ‫المفاو�ضات من قبل بع�ض �أعيان وادي التيم والعرقوب‪ ،‬والجوالن في �سوريا‪،‬‬ ‫وغيرهم‪ ،‬مع كامل بك في تقرير م�صير جبل عامل‪ ،‬وفي ما يجب عمله بالإتفاق مع‬ ‫ال�سوريين‪ ،‬فتق َّرر بالإتفاق مع كامل بك الأ�سعد والوفود التي كانت تراجعه المرة‬ ‫بعد المرة‪� ،‬أن يعقد كامل بك الأ�سعد م�ؤتمراً عاملياً‪ ،‬ي�ضم علماء جبل عامل و�أعيانه‬ ‫ووجهاءه وذوي الر�أي فيه»(‪.)14‬‬ ‫األمن وحماية المسيحيين‬

‫أهداف �أخرى‪ ،‬جعلت كامل الأ�سعد يدعو �إلى‬ ‫هنا ي�شير ال�شيخ �سليمان �ضاهر �إلى � ٍ‬ ‫عقد الم�ؤتمر‪ ،‬فلأنه ال يريد �أن يتخذ موقف ًا منفرد ًا‪ ،‬وهو يحر�ص على م�شاركة �أعيان‬ ‫البالد‪ ،‬من علماء ووجهاء في ذلك‪ ،‬ف�إنه دعا �إلى عقد الم�ؤتمر‪� ،‬إنما «لتقريرالم�صير‬ ‫�أو ًال‪ ،‬ولو�ضع ح ٍّد لتعدي الع�صابات ال�شامل‪ ،‬الذي ت�أ َّلم منه الم�سلم ال�شيعي قبل‬ ‫الم�سيحي ثانياً‪ ،‬ولوقاية �إخوانهم الم�سيحيين من �شر الإعتداء ثالثاً»(‪ .)15‬وهكذا‬ ‫يو�سع الئحة الأهداف التي من �أجلها عقد الم�ؤتمر‪ ،‬وهي‬ ‫ف�إنَّ ال�شيخ �سليمان �ضاهر‪ِّ ،‬‬ ‫بالتالي‪-‬وبر�أيه‪-‬الأ�سباب الأ�سا�سية لعقده‪ ،‬وهذا ما برز من خالل م�ساره ونتائجه‪.‬‬ ‫بدوره ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪ ،‬ال ُيغ ِفل الناحية الأمنية‪ ،‬التي يعتبرها �أحد‬ ‫الأ�سباب النعقاد الم�ؤتمر‪ ،‬ويقول‪�«:‬أ�ضف �إلى هذه الحيرة �أ َّن �سيا�سة البالد الم�ضطربة‬ ‫كانت تدعوهم للإجتماع وللنظر في تقرير م�صيرهم‪ ،‬على نح ٍو تطم ِّئن �إليه‬ ‫الجماعة القلقة»(‪.)16‬‬ ‫‪122‬‬


‫����������������������������������������� ‬

‫�إنَّ ما يلفت النظر‪ ،‬وقريب ًا من ال�سياق الذي ق َّدمه ال�شيخ �سليمان �ضاهر‪ ،‬في‬ ‫ا�ستهداف المناطق ال�شيعية مثل المناطق الم�سيحية‪ ،‬ما �أورده محمد جابر �آل �صفا من‬ ‫اعتباره �أنَّ �أ�سباب �إنعقاد الم�ؤتمر هي «ا�ستفحال الثوار‪ ،‬وا�ستياء العقالء في البالد‬ ‫من هذه الأحوال‪ ،‬فعمل كامل بك الأ�سعد على دعوة العلماء والأعيان لعقد م�ؤتم ٍر‬ ‫جوهري �آخر لعقده خا�ص ًة فيما‬ ‫�سبب‬ ‫ٍّ‬ ‫عاملي من �أبناء ال�شيعة»(‪ .)17‬دون �أن يذكر � َّأي ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫يتع َّلق بالإت�صاالت التي �أجرتها القيادات الوطنية في �سوريا‪ ،‬وقيادات المنطقة ال�شرقية‬ ‫بزعماء جبل عامل‪ ،‬لمعرفة الموقف النهائي في تلك الفترة‪.‬‬ ‫في المجال الأمني �أي�ض ًا �أ�شاع الفرن�سيون بوا�سطة م�ؤيديهم في المنطقة‪� ،‬أنَّ‬ ‫المق�صود من عقد هذا الم�ؤتمر التنكيل بالم�سيحيين‪ ،‬ومن الوا�ضح �أنَّ هذا الأمر ي�ش ِّكل‬ ‫تحري�ض ًا للم�سيحيين للمجابهة والمواجهة‪ ،‬وحمل ال�سالح للدفاع عن النف�س‪ ،‬ويذكر‬ ‫ال�شيخ �أحمد ر�ضا في هذا الخ�صو�ص �أنَّ «الجنرال غورو قدَّم ال�سالح عن طريق‬ ‫الكولونيل «نيجر» �إلى الأهالي المتعاونين معه في عين �إبل ورمي�ش والقليعة‪،‬‬ ‫و�شجعهم على ا�ستفزاز جيرانهم‪ ،‬و�أغراهم بالتح ِّر�ش بمواطنيهم‪ ،‬ف�أخذوا بالإعتداء‬ ‫َّ‬ ‫على �أبناء ال�سبيل والفقراء من ال�شيعة‪ ،‬وهم �أكثرية ال�سكان»(‪ ،)18‬مما �أ َّدى �إلى ردة‬ ‫فعل قوي ٍة في المنطقة وح�صول الحوادث الطائفية الم�ؤ�سفة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫�إنَّ ما �أُ�شيع في تلك الفترة‪ ،‬وقبل انعقاد الم�ؤتمر من �أنَّ �أحد ال�سادة ا�ستخار خير ًة‬ ‫بال�س َّبحة لذبح الم�سيحيين وقتلهم‪ ،‬كما ورد في كتاب «ملوك العرب» لأمين الريحاني(‪،)19‬‬ ‫ُ‬ ‫مناف للحقيقة تمام ًا‪ ،‬لأنه ال يوجد هناك عاق ٌل يقبل ِمثل هذه الرواية‪ ،‬خا�ص ًة �أنها‬ ‫هو ٍ‬ ‫تتع َّلق ب�أحد ال�سادة المعروفين‪ ،‬وهو الحري�ص كل الحر�ص على دماء الم�سيحيين في‬ ‫المنطقة قبل ال�شيعة‪ ،‬حتى بع�ض زعماء المنطقة‪ ،‬ف�إنهم كانوا حري�صين على الإبقاء‬ ‫على �أح�سن العالقات مع الم�سيحيين‪ ،‬وحمايتهم من �أي �أذىً ‪ ،‬وهذا باعتراف مرا�سلة‬ ‫جريدة الب�شير في المنطقة‪ ،‬والتي تحدثت عن الغاية من عقد الم�ؤتمر قائل ًة‪« :‬في‬ ‫برهة ‪ 15‬يوماً‪ ،‬عقد �أكابر المتاولة اجتماعاً ح�ضره ر�ؤ�ساء دينهم‪ ،‬وزعيمهم كامل بك‬ ‫الأ�سعد‪ ،‬فت�شاءمنا من هذا الإجتماع‪ ،‬وح�سبنا له �ألف ح�سابٍ ‪ ،‬و�س�ألنا عن المق�صود‬ ‫منه‪ ،‬فكان الجواب �أ َّن غايته راحة البالد وا�ستتباب الأمن‪ ،‬و�أ َّكد ذلك الحاج محمد‬ ‫‪123‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫�سعيد بك َب ِّزي و�إخوانه‪ ،‬وقالوا �إنه �إذا حدث �شي ٌء افتديناكم بالأرواح»(‪.)20‬‬ ‫يظهر من خالل هذا الكالم‪ ،‬ومن المعلومات التي ي�سوقها كبار ال�سن من الأ�شخا�ص‬ ‫عالقات ودِّي ٍة كانت تربط زعامات بنت‬ ‫الذين عا�شوا في تلك الفترة‪ ،‬والتي ت�شير �إلى‬ ‫ٍ‬ ‫جبيل خا�ص ًة بم�سيحيي المنطقة وبزعاماتها‪ ،‬وخا�ص ًة في عين �إبل ورمي�ش �ص َّدق‬ ‫عدواني �ضدهم‪.‬‬ ‫عمل‬ ‫التطمينات التي كانت ُتق َّدم‪ ،‬وعدم وجود �أية ني ٍة مب َّيت ٍة للقيام ب�أي ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫هذا ويقول ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين بهذا ال�ش�أن‪ ،‬وفي رده على التحري�ض‬ ‫المق�صود‪ ،‬والذي من �ش�أنه ت�شويه �أهداف عقد الم�ؤتمر‪ ،‬وحرفها عن الواقع الحقيقي‪،‬‬ ‫والكالم «بفتوى الجهاد «وغير ذلك‪�«:‬شاء ذيول الفرن�سيين من منافقي الأفندية‬ ‫والمتزعِّمين‪� ،‬أن ي�ستغلوا هذا الحدث �أ�سو�أ ا�ستغاللٍ ‪ ،‬فن�سبوا �إلينا فتوىً بجهاد‬ ‫الن�صارى‪ ،‬قالوا �إنها كانت في م�ؤتمر الحجير‪ ،‬وكانت دعواهم هذه تحريفاً �سيئاً‬ ‫يزجونه في �آذان‬ ‫لموقفنا الم�شهود في الحجير‪ ،‬وذهبوا بهذا التحريف المز َّور ُّ‬ ‫دين» وفي موقفه من الأحداث التي �أعقبت‬ ‫الحاكمين الم�ستولين في غير ذم ٍة وال ٍ‬ ‫الم�ؤتمر‪ ،‬واعتبر �أنها �أ�ساءت �إلى �أهدافه‪ ،‬قال‪«:‬وقد كان ا�ستيا�ؤنا لهذه الكارثة (كارثة‬ ‫عين �إبل) عظيماً‪� ،‬أزعجنا مظهرها الفو�ضوي البربري بق�سوته التي ال تبيحها‬ ‫�شريعتنا المقدَّ�سة‪ ،‬و�أزعجنا �أنها �أ�ساءت �إلى خطتنا التي �أعلناها في الحجير‪ ،‬من‬ ‫المحافظة على الأمن‪ ،‬والمبالغة في ت�أمين الن�صارى و�سائر الأق ِّليات‪ ،‬وقد كانت‬ ‫هذه الكارثة من العراقيل التي �أعاقتنا من الو�صول �إلى غايتنا من الإ�ستقالل‬ ‫والتحرر‪ ،‬وهكذا كان للم�ستعمر ما �أراده»(‪.)21‬‬ ‫النتيجة األولية لعقد المؤتمر‪:‬‬

‫من خالل ما تق َّدم‪ ،‬نرى �أنه كان في جبل عامل‪ ،‬ع�شية انعقاد م�ؤتمر وادي الحجير‪،‬‬ ‫ومتذبذب ٌة في مواقفها‪ ،‬وهذا ما �أ�شار‬ ‫زعاماتٌ �سيا�سي ٌة متناق�ض ُة الأهداف والم�صالح‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بو�ضوح ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪ ،‬حيث و�صف بع�ض الزعماء بالمنافقين‬ ‫�إليه‬ ‫ٍ‬ ‫الذين يعملون ال�ستغالل الأو�ضاع لم�صالحهم الخا�صة ال�ض ِّيقة‪ ،‬وكان هناك �أي�ض ًا تيا ٌر‬ ‫عروبي‪ ،‬تن�ضوي تحت لوائه بع�ض ال�شخ�صيات الوطنية‪ ،‬وبع�ض رجال الدين‪ ،‬وخا�ص ًة‬ ‫ٌّ‬ ‫‪124‬‬


‫����������������������������������������� ‬

‫ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين وم�شايخ النبطية‪ ،‬وتحديد ًا ال�شيخ �أحمد ر�ضا وال�شيخ‬ ‫�سليمان �ضاهر وغيرهما‪ ،‬ولأنَّ معظم ال�سيا�سين كانوا يحاولون �أن تبقى الكلمة الف�صل‬ ‫لهم‪ ،‬وال�سلطة ب�أيديهم‪ ،‬ف�إنهم كانوا يعملون جاهدين على جعل مواقفهم هي الحا�سمة‬ ‫بالأمر‪ ،‬ويعتبر البع�ض «�أ َّن �صراعاً عنيفاً ن�ش�أ بين الزعماء والمف ِّكرين‪ ،‬ب�سبب خوفهم‬ ‫على زعامتهم من الإنتقال �إلى �أولئك»(‪.)22‬‬ ‫توج ٌه �أن يقت�صر دور رجال الدين على‬ ‫لقد كان لدى بع�ض الزعماء وال�سيا�سين ُّ‬ ‫الحقل الديني والتوجيه الإجتماعي فقط‪ ،‬وعلى تغطية رجال ال�سيا�سة‪ ،‬الذين لهم‬ ‫وحدهم الحق في التعاطي بالعمل ال�سيا�سي وقيادة المجتمع‪ .‬المهم �أنَّ الم�ؤتمر كان‬ ‫بمثابة تظاهر ٍة �سيا�س ٍة كبير ٍة‪� ،‬إذ ح�ضره بالإ�ضافة �إلى كامل الأ�سعد‪ ،‬الذي دعا �إلى‬ ‫الم�ؤتمر وتر�أَّ�سه‪ ،‬عد ٌد كبي ٌر من الزعماء والعلماء والأدباء والوجهاء في جبل عامل‪،‬‬ ‫وكذلك زعماء الع�صابات الوطنية‪ ،‬وقد ُع ِقد الم�ؤتمر في ذلك المكان بالذات لعدة‬ ‫أ�سباب منها‪:‬‬ ‫� ٍ‬ ‫�سيا�سي في جبل عامل‪ ،‬يعني تقوية الر�صيد ال�شعبي‬ ‫زعيم‬ ‫ٍّ‬ ‫�أنَّ عقده في مركز ثقل �أي ٍ‬ ‫لهذا الزعيم‪ ،‬في الوقت الذي كان فيه ال�صراع على الزعامة العاملية على �أ�شدِّ ه‪.‬‬ ‫زعيم‪� ،‬إذا ُع ِقد الم�ؤتمر في‬ ‫الإبتعاد عن الت�أثير ال�سيا�سي الذي يمكن �أن يمار�سه �أي ٍ‬ ‫منطقته‪.‬‬ ‫«�إ َّن زعماء الع�صابات هم الذين فر�ضوا عقد الم�ؤتمر في ذلك المكان‪ ،‬الذي يخرج‬ ‫عن نطاق تواجد القوات الفرن�سية‪ ،‬وقد ح�ضر من زعماء الع�صابات �صادق الحمزة‬ ‫فقط»(‪ )23‬دون غيره من قادة الع�صابات‪ ،‬وهذا يتناق�ض مع ما ي�سوقه الآخرون‪.‬‬ ‫من الوا�ضح �أنَّ دم�شق كانت تنتظر نتائج الم�ؤتمر وقراراته‪ ،‬ومن �أجل ذلك‪ ،‬تم‬ ‫وفد من ال�سيد عبد الح�سين �شرف الدين‪ ،‬وال�سيد عبد الح�سين نور الدين‪،‬‬ ‫اختيار ٍ‬ ‫ليذهب �إلى ال�شام‪ ،‬ويلتقي هناك بع َّالمة ال�شيعة الأكبر ال�سيد مح�سن الأمين‪ ،‬بهدف‬ ‫لقاء الملك في�صل‪ ،‬والتباحث معه با�سم العامليين‪ ،‬وهكذا كان‪ ،‬مع العلم �أنَّ م�س�ألة‬ ‫اختيار الوفد وذهابه ومحادثاته �أخذت الكثير من النقا�شات‪.‬‬ ‫‪125‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫المصادر‬

‫‪ .1‬م�سعود �ضاهر‪«:‬تاريخ لبنان الإجتماعي ‪ »1926 - 1914‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت ‪1974‬‬ ‫�ص ‪.30‬‬ ‫‪ .2‬يو�سف الحكيم‪�« :‬سورية والعهد الفي�صلي» ط‪ 2‬دار النهار للن�شر‪ ،‬بيروت ‪� 1980‬ص‬ ‫‪.170‬‬ ‫‪ .3‬زين نور الدين‪ :‬ال�صراع الدولي في ال�شرق الأو�سط‪ ،‬ووالدة دولتي �سوريا ولبنان‪ ،‬دار‬ ‫النهار للن�شر بيروت ‪� 1971‬ص ‪.170‬‬ ‫‪� .4‬أحمد ر�ضا‪« :‬العرفان» م‪ 33‬ج‪� 3‬صفحات ‪. 472 - 473‬‬ ‫‪� .5‬أحمد ر�ضا «مذكرات للتاريخ » العرفان م‪ 33‬ج‪� 8‬ص‪.858‬‬ ‫‪ .6‬منذر جابر‪«:‬م�ؤتمر الحجير و�آثاره» ر�سالة كفاءة غير من�شورة‪ ،‬كلية التربية‪،‬‬ ‫الجامعة اللبناية بيروت ‪.1973‬‬ ‫‪)1( .7‬جريدة الب�شير ‪� 7‬شباط ‪� 1920‬ص‪.2‬‬ ‫‪� .8‬أحمد ر�ضا «العرفان» م‪ 33‬ج‪� 3‬ص ‪.257‬‬ ‫‪ .9‬الب�شير ‪ 29‬ني�سان ‪� 1920‬ص‪.2‬‬ ‫‪� .10‬أحمد ر�ضا «العرفان» م‪ 33‬ج‪� 9‬ص‪.989‬‬ ‫‪ .11‬راجع و�ضاح �شرارة‪«:‬الأمة القلقة‪ ،‬العامليون والع�صبية العاملية على عتبة‬ ‫الدولة اللبنانية» دار النهار للن�شر بيروت ‪1996‬‬ ‫‪126‬‬


‫������� ‬

‫‪.12‬عبد الح�سين �شرف الدين‪�« :‬صفحات من حياتي» مجلة العهد العدد الثالث‪ ،‬ني�سان‬ ‫‪ ،1948‬ال�سنة الرابعة �ص‪. 7‬‬ ‫‪� .13‬أحمد ر�ضا «العرفان» م‪ 33‬ج‪� 3‬ص ‪.733‬‬ ‫‪�.14‬سليمان �ضاهر‪«:‬جبل عامل في الحرب الكونية» ط‪ ،1‬دار المطبوعات ال�شرقية‪،‬‬ ‫بيروت ‪� 1968‬ص‪.71‬‬ ‫‪ .15‬نف�س المرجع ‪.‬‬ ‫‪.16‬عبد الح�سين �شرف الدين‪« :‬المرجع ال�سابق» �ص‪. 7‬‬ ‫‪ .17‬محمد جابر �آل �صفا‪« :‬تاريخ جبل عامل» دار متن اللغة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ال تاريخ للن�شر‬ ‫�ص‪.227‬‬ ‫‪ .18‬نف�س المرجع‪� :‬ص‪ 227‬نق ًال عن ال�شيخ �أحمد �صفا‪.‬‬ ‫‪� .19‬أمين الريحاني‪« :‬ملوك العرب» الجزء الثاني ط‪ ،3‬مطابع دار �صادر ريحاني‪،‬‬ ‫بيروت ‪� 1951‬ص ‪.185‬‬ ‫‪ .20‬مرا�سل جريدة الب�شير في عين �إبل‪«:‬حوادث عين �إبل» ‪� 18‬أيار ‪� 1920‬ص‪2‬‬ ‫وكلمنتين خياط‪«:‬حوادث عين �إبل» مجلة ال�شرق م ‪ 18‬ت�شرين �أول ‪� 1920‬ص ‪722‬‬ ‫‪.21‬عبد الح�سين �شرف الدين‪�« :‬صفحات من حياتي» مجلة المعهد‪ ،‬العدد الرابع‪� ،‬آيار‬ ‫‪� 1948‬ص‪.7‬‬ ‫‪.22‬منذر جابر‪« :‬المرجع ال�سابق» �ص‪.84‬‬ ‫‪�.23‬أحمد ر�ضا‪« :‬مذكرات للتاريخ» العالفان م‪ 33‬ج‪� 9‬ص ‪ ،988‬راجع الب�شير �أي�ض ًا ‪29‬‬ ‫ني�سان ‪� 1920‬ص‪ 3‬لمحمد علي الحوماني في مجلة «العروبة» ر�سالة وجهها ل�سماحة‬ ‫ال�سيد‪ ،‬عار�ض ًا فيها لموقفه في الحجير‪ ،‬مراجع‪ :‬المعهد‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬ني�سان‬ ‫‪.1948‬‬

‫‪127‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫الفهرس‬

‫مقدمة‪3..................................................................................:‬‬ ‫االفتتاحية الكلمة الترحيبية‪ :‬الحاج علي الزين‪5......................................‬‬ ‫كلمة الم�شرف على �أعمال الم�ؤتمر‪� :‬سماحة ال�شيخ ح�سن بغدادي‪9...................‬‬ ‫راعي الم�ؤتمر الدكتور غ�ضنفر ركن �آبادي ‪15..........................................‬‬ ‫الجل�سة الأولى‪ :‬برئا�سة ال�شيخ علي يا�سين ‪19......................‬‬ ‫الموقف القومي في م�ؤتمر وادي الحجير‪ /‬ال�سيد ح�سين �شرف الدين ‪19..................‬‬ ‫وادي الحجير الإجتماع وال�سيا�سة‪ ...‬دالالت الت�أريخ والحا�ضر‪ /‬الدكتور علي فيا�ض ‪45....‬‬ ‫الوحدة الإ�سالمية والوطنية �أ�سا�س الإنت�صار‪ /‬الدكتور ح�سن يعقوب ‪49..................‬‬ ‫دور علماء جبل عامل في مواجهة الإحتالل الفرن�سي‪ /‬الدكتور مح ّمد كوراني‪55.........‬‬ ‫الجل�سة الثانية‪ :‬برئا�سة ال�شيخ �أحمد الزين ‪69....................‬‬ ‫الإمام ال�سيد مو�سى ال�صدر الوارث وا�ستكمال الدور‪ /‬الدكتور الحاج خليل حمدان ‪69......‬‬ ‫الدور الإعالمي من خالل الم�ؤ ِّرخ‪ /‬الدكتور ال�سيد �إبراهيم المو�سوي ‪109........................‬‬ ‫الظروف التي �ساهمت في انعقاد م�ؤتمر الحجير‪ /‬الدكتور م�صطفى بزي ‪115.............‬‬ ‫�صور الم�ؤتمر‪129. ...............................................‬‬ ‫مقتطفات من ال�صحف ‪143..............................................................‬‬

‫‪128‬‬


‫صور المؤتمر‬

‫افتتاحية‬

‫‪129‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫‪130‬‬


�������������

131


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫‪132‬‬


‫������������� ‬

‫الجلسة األولى‬

‫‪133‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫الجلسة الثانية‬

‫‪134‬‬


��������������

135


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫‪136‬‬


‫����������������� ‬

‫على هامش المؤتمر‬

‫‪137‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫‪138‬‬


�����������������

139


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫‪140‬‬


�����������������

141


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬

‫‪142‬‬


‫���������������� ‬

‫مقتطفات من الصحف‬

‫‪143‬‬


‫م� � ��ؤت� � �م � ��ر وادي ال� �ح� �ج� �ي ��ر‬ ‫مقتطفات من الصحف‬

‫‪144‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.