1
يخية أسـرٌار تار ّ خبيئةٌ في أسماء
جعفر المهاجر
2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ املؤلف :الشيخ د .جعفر املهاجر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أرسار تارخي ّي ٌة خبيئ ٌة يف أسامء الكتاب : ٌ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعــداد مركز هباء الدين العاميل لألبحاث والدراسات www. mobdie.org هاتف 110903810900 : هاتف وفاكس 110903811109 : dr.jaafarmohajer@gmail.com ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نشر :دار بهاء الدين العاملي للنشر ,
3
الـفـهــرســـــــــــت
4
بسم اهلل الرمحن الرحيم
عيل ) ( ِّ رب انفعني بام ع ّلمتني ،واجعله يل ،وال جتعله ّ
5
الـــــمــــقــــــــــــــدمــــــــة ()1 مامن ٍ أمر أرضى لقلب الباحث من أن يكشف منبع
ٍ ٍ بنحو ّما .فيرى عبرها الطريقة التي تعم ُل بها حقيقة الحظها المالحظة ،التي تكون أحيانًا الم ِبدع . ً ُ ابتداء من ُ األشياء عملها ُ
المالحظة ه ّـين ًة .و ً انتهاء بكشف ّ سرها المكتوم ،األكبر دائمًا من ُ ُّ يكف عن طرح حيًا ،ال لكن كالهما يقتضي فُضو ً ال ّ نفسها ّ . المحيطة بالسؤال ، المعطيات ُ األسئلة .باإلضافة إلى استيعاب ُ حركه باتجاه الجواب . مر عليه غيره ،دون أن ُيقلقه ُ وي ّ الذي ّ
اليصح على ٍ ُّ صحته على سعي التاريخ. هذاالكالم بحث ّ غي ُر مقادير البشر ،ثم وي ّ المراوغ ،الذي يعم ُل ُ وهو ذلك العامل ُ
ذكي أن عمله ٌّ ُ اليلبث أن يختفي ،تاركاً حينًا أث ًار ضئيالً .مع ّ ٍ الرّباني الخفـ ّي (التّ ـداول) انسجام ليس يخلو من وتكامل .عنوانه ّ ُ
(وتلك األيام ُنداولها بين الناس) (آل عمران . )141 /با ّلنظر اني بمعنى . إلى ّ أن ( التداول ) عم ٌل رّب ّ ً ()2
ت قـ ــد انتخبتُه مـ ـن م ـا بيـن دفّ ـتـي الكتـاب هــو ما كــن ـ ُ ٍ ٍ دور على لدي . تسـجيـ ـالت عـ ـديدة ّ األمر الجامع بينها ّ ،أنها تـ ـ ـ ُ ُ
6
ٍ ٍ جماعات أو أفراد ،ولمواقع على األرض . أسماء ُمتداول ٍة لبشر، ابتغاء كشف ما و ارءها من خفايا .
أهميتها أما االعـتبار في انتخابها دون غيرها ،فليس هو ّ ّ وصلت مما حوته تسجيالتي .بل ألنني قد ُ بالقياس إلى غيرها ّ
ٍ تفسير تاريخاني إلى وجه العالقة بين االسم عبرها بالبحث إلى
مما هو سمى ،حيث اختبأ سـٌّر من أسرار التاريخ ّ . الم ّ وبين ُ لكنه يتنافى مع الحقيقة . مما هو معروفّ ، ٌ منكور اليؤبهُ به .أو ّ كل حال ،دائمًا كانت دراستُنا على االس ـم الباب الذي وعلى ّ ـر كشفناه أو خطأً صوبناه .وذلك ُّ يدل ولجنا منه إلى ما رأيناه س ّاً ّ لكنه ُّ يدل على الطاقة العجيبة التي تختزنها االسماء داخلها ّ . ُ أيضًا على أن توظيف هذه الطاقة في البحث التاريخي ليس
انيًا . سه ً مج ّ ال أو ّ
ئ أرجو أن يجـد القار ُ يخية المسبوقة في الكتابة التأر ّ في تركيبها .
الحصيف في هذه التجربة غير عادل ما بذله الكاتب من ج ٍ هد ماي ُ ُ ُ ُ الحمد هلل و ُ
بعلبك 12رجب 1441هـ .ذكرى دخول اإلمام أمير المؤمنين الكوفة واتخاذها عاصمةً له .
7آذار /فبراير 2121م
7
تـــــوطــــئـــــة ()1 المؤرخ كتابته أو المادة األ ّو ّلية ،التي يبني منها إن ّ ّ ّ اإلشكاليات التي عـليه أن يصوغ منظوره التاريخاني ،هي أُولى ّ أن عليه أيضاً أن ُي ّبينه للقارئ .ألنها يقطع عـليها برأي .ثم ّ المستندات التي يعتمدها المؤرخ ،وسيكون لها أبعد تُ ّبين له قيمة ُ األثر على البناء الذي سيشيده منها .كما سيكون عليه أن يأخذ
اد التي بين يديه ، ورتبتها في سلسلة المو ّ بعين االعـتبار وجاهـتها ُ لكل منها موقعه ووظيفته بين ٍ ٍّ وثانوية ٍّ . مستقل دليل بين أُولى ّ
مؤي ٍد له ،أو قد يكون أحيانًا دليل نفي وتـفـنيد . وبين ّ األو ّلية األُولى ،من حيث الرتبة ،روايات فمن المو ّ اد ّ الشهود ،عن م ٍ ماع مباشر .ومن وثائق من الدرجة عاينة أو س ٍ ُ الت ،نقـوش ،رقائم ُ ،مذ ّكرات ،سيرة دونات ،سج ّ نفسها ( ُم ّ ذاتية . . .الخ. ). ّ المتأخرة ومن ّ دونات ُ الثانوية األدنى رتب ًة الروايات و ُ الم ّ هي ًة كانت أم كت ّبية ، عن زمن الحدث أو عن صاحب السيرة ،شفا ّ
المتداولة غير المنسوبة ،وان ت ُكن هـذه قـ ـد والمرويات الشفـ ّ وية ُ تكـون أحياناً ذات قـ ـيمة عظيمة التُبارى ،ال س ـّيما في التأريخـات
8
البعيدة في الزمان ،التي ترتفع إلى ما قـبل زمن التدوين . األولية اد وعلى ّ فإن من المعلوم أن قيمة المو ّ ّ كل حال ّ ، لكن هذه من الرتبة األُولى تفوق من حيث المبدأ الثانوية منها ّ . ّ مؤيدات أو ُم ّفندات لِما قد تكون عظيمة النفع أحياناً ،بوصفها ّ األولية .خصوصاً حيث تختلف هذه قـد أتت به بعض المصادر ّ في معطياتها أو في بعـضها .
()2
األولية التي يأخذ عنها المؤرخ مهما تكن قيمة المصادر ّ فإن عليه أن يأخذ بعين االعتبار دائماً موقع من حيث المبدأ ّ ،
موضوعيته وحياده وكفايته في فهم االحداث الراوي أو الكاتب و ّ ّ جدًا وروايتها .ومن أن علينا أن نكون حذرين ّ الغني عن البيان ّ ّ نعرف ّأنه يولي التزامه السياسي أو فيما يأتينا به رٍاو أو كاتب ، ُ النسبي أو الشخصي اعتبا ًار غالبًا على مادة وأُسلوب المذهبي أو ّ عمله .وما أكثر هذا األُنموذج في تاريخنا الرسمي . ()3 التقدم الكبير ،وارتفاع درجة االهتمام ، ث ـم أنه بفـضل ّ المادية القديمة ،حصل عندنا تق ّد ٌم واتساع العمل على اآلثار ّ
سيما في المندثرة ،ال ّ ُمو ٍاز في درجة معرفتنا بالحضارات القـديمة ُ
9
محل اهتمام "الشام" و "مصر" و"العراق" وغيرها ،التي لم ت ُكن ّ
مؤرخينا من قبل .مع اإلشارة إلى أن هذا النمط من االهـتمام لم
ٍ دينية) مزعـومة . يحصل في "شبه الجزيرة العربية" ألسباب ( ّ ()4
ٍ األو ّلية للكتابة التاريخّي ة آخر إضافة إلى تلك المو ّ اد ّ التقدم الكبير الذي بدأت في العقود األخيرة باستفادة المؤرخين من ّ حصل في تقنيات تحليل الحمض النووي للبشر في معرفة ٍ وية األُصول البشرّية .حيث قـ ّدمت جمة وقـ ّ للمؤرخين معلومات ّ ّ على وجوه اندماج الجماعات البشرية وتشعباتها وهجراتها منذ أقدم العصور. فهذه على نحو اإلجمال ماعليه العمل بين المؤرخين
المؤرُخ رؤيته ب منها سميناه ّ األو ّلية التي ُيرّك ُ ّ اليوم على ما ّ المادة ّ أو منظوره التاريخاني .أوردناها على سبيل التمهيد للتعـريف بما
كل ماذكرناه ،نرى ّأنها لم تحظ مادةً أولّية إضافيةً على ّ نرى فيه ّ ّ ماد ًة ّأو ّلي ًة موثوق ًة أو مقبولة على باالهتمام الذي تستح ّقه بوصفها ّ األقل لكتابة التاريخ . ّ
()5
عملياً االسماء ،أسماء نعني بهذه ّ األو ّلية المنكورة ّ المادة ّ
11
افية ، افية والطوبوغر ّ األشخاص والجماعات ،وأسماء المواقع الجغر ّ يخية . بالنظر لِما قد يكون فيها من دالالت تار ّ
مبدئيًا ابتغاء ال إنما توضع أن هذه االسماء إجما ً ّ ذلك ّ أن اختيارها يخضع تمييز موضوعاتها بعضها عن بعض .بيـد ّ ٍ ٍ العتبار ٍ السائدة ،أو من الحالة ات ّ ثقافية كامنة ،آتية من الثقافة ّ التاريخية التي كانت عليه موضوعاتها آن وضع تلك االسماء . الناس األولية منها .لتغدو أوعي ًة يودع فيها وبذلك تتجاوز الغاية ّ ُ هويتهم أو جانبًا أوعنص ًار أو أكثر من جوانب أو عناصر ّ تاريخهم .ستظهر قيمتُها بعد أن تضيع هذه أو تُنسى ،وال يبقى منها إال ما هو مودعٌ في بعض هاتيك االسماء . لمؤرخ هو ذا ما قد يمنحها فيما بعد قيمةً خاصةً لدى ا ّ
اإلنساني .
()6
أن هذا البحث ما هو إال نتيجةٌ لِما تراكم لدينا والحقيقة ّ جم ٍة في هذا النطاق .ولطالما وصلنا عبر أسماء من تجاريب ّ ٍ افية بعض البشر أفراداً وجماعات ،أو أسماء بعض المواقع الجغر ّ والطوبوغرافية إلى نتائج تأريخية طريفة ،ماكان يمكن أن ن ِ صل ّ ّ
إليها ع ـن أي طري ٍق آخـر ،لالفتقـار إلى النصـوص التي تتج ـه
11
وسنقف عليها أدناه . مباشرةً إلى إشكالية البحث الذي نعالجه ، ُ ٍ ٍ سجلوا عناية أو غالبًا ألنها لم ت ُكن موضع مالحظة من الذين ّ لطوية .وبذلك يبتعد مساف ًة الس ّ تاريخنا ،الذي تغلُ ُ ب عليه الصفة ُ
اإلنسانية ،التي منها تلك االس ـماء وما ق ـد مناسبةً ع ـن الصفة ّ يكون فيها من دالالت . ()7
اء كانت للبشر أفرادًا وجماعات ،أم إن االسماء ،سو ٌ خصوصية خصوصي ٌة بشرّي ٌة قادمةٌ من لألماكن والمواقع ،هي ّ ّ
ياضيات) بهذا االنسان( ،أوالد آدم) بحسب اللغة (ومن ضمنها الر ّ المسماة ()homosapiens االنثروبولوجيا ّ اإليمانية ،واألُخرى ُ كل مانعرفه من لمية ،دون ّ بحسب االنثروبولوجيا الموصوفة بـ العـ ّ سميات مخلوقات .وجه ّ الم ّ المطلقة ّأنها تستحضر ُ أهميتها ُ ٍ حاجة إلى حضورها أو استحضارها استحضا ًار رمزّيًا ،أي دونما أهميتها موضوعياً ّ . لكنها ،باإلضافة إلى ذلك ،وذلك هو وجه ّ ّ عندنا اآلن ،أوعيةٌ يودع فيها الناس عفوًا ودون قصد جانبًا من
يخية . خصوصيتهم الثقافية ،أو ملمحاً من مالمح حالتهم التار ّ ّ ّ فنحن حين نسمع اسم أي إنسان ،فإننا ق ــد نعـرف عفوًا
خصوصياته :منبتـه ،أي البيئـة الثق ـافي ـة أو الجغ ـرافـّي ـة أو بعـض ّ
12
االجتماعية التي ينتمي إليها ،من حيث النسب أو اللغة أو الدين والمذهب . .الخ .وكلما كانت معلوماتنا بأحد هذه الشؤون
أغنى ،كانت استفادتنا من االسماء أوسع وأوفى د ّقـ ًة وكفاي ًة . ٍ ال ،عبد فإن نحن عـرفنا من أن اسمه ،مث ً شخص ّ فإننا فسنعرف عـفـوًا ،على نحو الترجيح القـوي ،أنه الحسين ّ ، مسلم شيعي .واذا كان اسمه عبد القادر فهو على األرجح مسلم ٌ ٌ ّ فإن األرجح أنه مسيحي كاثوليكي، ُسّن ّي .واذا كان اسـمه ّ حنـاّ ، وأنطوان مسيحي أرثوذكسي ،وهكذا .واألمثال على ذلك التتناهى،
داع إليراد اء في أسماء البشر أم في أسماء المواقع .وما من ٍ سو ٌ يخص المواقع واألماكن ،اعتمادًا على ما ُّ المزيد من األمثال فيما سنأتي عليه منها في عـمود البحث اآلتي . ()8
القوية بين أسماء ّ ولعل من أطرف الشواهد على العالقة ّ ٍ العملية ،ماقــد الحظناه من جانب من مواصفاتهم البشر وبين ّ اختالف ِّ الملحقـ ـة بأسماء االشخاص فـي منطقـتـين النسـب ُ
الفارسية (إيران ،بلدان ثـقـافـّيـتـيـن عـريقـتـيــن .هما المنطقة الثقافية ّ القارة آسية الوسطى ،آذربايجان ،المناطق اإلسالمية من شبه ّ الشامية . الهندية ) والمنطقة ّ ّ
13
تغلب عليها نسب ُة أن األُولى منهما ذلك أننا الحظنا ّ ُ سمون أو نشأوا أو الم َّ االشخاص واألُسرات إلى البلدان التي ُولد ُ
عاشوا فيها :قُ ّمي ،طهراني ،قزويني ،تبريزي ،خويي ، أن من النادر أن لكهنوي ،هروي ،الهوري . . .الخ .بحيث ّ
تجد هناك من ُينسب إلى غيرها . امية فالغالب عليها النسبة إلى ِ المهن : أما المنطقة ال ّش ّ ّ لحام ،صابونجي ،قهوجي ، فحام ّ ، نجار ،حداد ،صائغ ّ ، ميقاتي ،طرابيشي ....الخ.
النسبة إلى البلدان قـد توج ـد في هذه ناد ًار جـدًا .هنا الحظنا أنها في هذه المنطقة خصوصاً ّإنما تـ ـ ُّ أن دل على ّ المنتقـلين إلى البلـد الذي يعيش فيه من بل ـ ٍد غيره. المنسوب من ُ فعنـدما ِ ال ،أُس ـرًة منسوب ًة إلى بعلبك نج ُـد في دمشق ،مث ً قويةٌ على األقـ ّل ُّ ، تدل على (البعلبكي) .فهذه إمارةٌ قاطعةٌ ،أو ّ تحولت في الماضي إلى ُسكنى ّأنها ّ بعلبكية األصل .كانت قد ّ موطنها الحالي . أهمي ٍة كبيرٍة للمـؤرخ هـ ـذه المالحظة ق ـد تكون أحياناً ذات ّ كانية الس ّ االنساني ،الذي من جملة اهتماماته رصد الحركات ُ
الحالية ،وعلى مادتها بين البلدان ،وتأثيرها على صورة المجتمع ّ
14
أن هـ ـذا القبيل التي كانت قد تش ّكلت في الماضي .ومن البيِّن ّ ٍ من ِّ ضمني ٍة لحركة سجيالت النسب وماشابهها قـد تنطوي على ت ّ ٍ انية .شرط أن تكون من ٍ حركة عبر عن حجم يصلح ألن ُي ّ ُس ّك ّ فردية صغيرة ،قد تكون خاضع ًة حقيقية ،أي ّأنها ليست حالةً ّ ّ ٍ ٍ شخصية شخصي ٍة بحتة .إن هي نفعت فبكتابة سيرٍة ألسباب ّ
لصاحبها عند اللزوم وليس أكثر .
()9
مهما ي ُكن ،فإن عـلينا ،مادمنا نبحـث عـن األس ـ ـرار
الخفي الخبيئة في بعض االسماء ،أن نتساءل :ما هـو السـ ّر ّ الكامن وراء تلك الظاهرة بوجهيها ؟
الفارسي ة الثقافية ما هو السبب الذي جعل أهل المنطقة ّ ّ يؤثرون أو باألحرى يدرجون على االنتساب إلى بلدانهم .في الشاميون أو درجوا على االنتساب إلى مهنهم ؟ حين آثر ّ في الجواب نقـول :
أن األمر الجامع بين مما هو بغنى عن البيان ّ ، ّ ً الشامية ،والحاف ـز ال ـ ّداعـي المهنية البلدية الطريقـتـين ، ّ الفارسية و ّ ّ ّ ٍ عام ٍة ما ،بعد األوصاف لتذييل أسماء الناس إجما ً ال بصفة ّ ال ) ّ ،إنما ه ـو الحاجة الشخصية الخاصة ( االسم واسم األب مث ً ّ
15
كل وجوه شبكة عالقاته، إلى التعريف تعـريفاً وافيًا بالشخص ،في ّ ٍ ٍ أدق بكثير تؤديه اليوم بنحو ّ أمني ٍة غالبًا .األمر الذي ّ ألسباب ّ
البطاقات قات المصارف ، ُ ات السفر ،بطا ُ وية ،جواز ُ ُ بطاقات الهُ ّ أحدنا اليوم عن حملها في المهنية . . .الخ .التي اليستغني ُ ّ حلّه وترحاله .
ومن ذلك في تاريخنا القديم ّ ،أنه كان من دأب أسالفنا األعراب ،حين يلتقي أحدهم بآخر اليعرفه ،أن ال يكتفي منه ،
يهتم بالدرجة األُولى بمعرفة اسمه الشخصي ، أو باألحرى قـد ال ّ بل يطلب منه ّأو ُل ،وقبل أي حديث ،أن ينتسب له بذكر اسم قبيلته .وعلى ضوء ما ق ـد يعـرفه كال االثنين من نسب صاحبه حيادية ،أو ِ حذرة . ودّية ،أو تنبني العالقة بين االثنين ّ ، ّ ()11
أن الفارق الثقافي في هذا الشأن بين والذي يلوح لنا عفوًا ّ ٍ سياسي في عامل فار ٍق االثنين الفارسي والشامي ّإنما يرجع إلى ّ
األساس .
الشامية منهما كانت ،بعد انهيار الدولة ذلك أن المنطقة ّ ٍ صفة مركزّية حاضرتها مدينة "دمشق". اإلسالمية الجامعة ،ذات ّ فلم ي ُكـن ثمة من فائ ـ ٍ دة أو فار ٍ ق مفيـ ٍد بتعـريف الشخص ببلـ ـده ، ّ
16
كل أهلها سواء باالعتبار السياسي ـ ـ ـ ـ ـ االجتماعي .في حين ألن ّ
صن ـفـ ٌة مهنيًا : ويـ ـ ًة .األس ـواق ُم ّ كانت تنظيمات الس ـوق فيها ق ـ ـ ّ المناخلية ،سوق الهال ، الحدادين ،سوق س ـ ـوق الصاغة ،سوق ّ ّ
السروج) . . .الخ .كما التزال بعض السروجية (صانعي ُّ سوق ّ أسمائها في "دمشق" اليوم ،حتى بعد أن زالت مقتضياتها (مثاله
روجية) .بل وكان لكل سوق منها مرجعٌ مهني يحمل سوق ال ّس ّ افيةٌ مطلقةٌ على لقب (شيخ السوق) .له ُسلطةٌ مرجعيةٌ احتر ّ ّ أقرانه المهنيين . فمن هنا كان تذييل اسم الشخص بذكر مهنته ينطوي ٍ ٍ سمى ،بل بالم ّ على تعريف ،أو على األقـ ـ ّل مقدمة تعريف كاف ُ محل وبمرجعيته حين اللزوم ،وبل قد يساعـد أيضاً على معرفة ّ ّ األمنية . وكل هذه من اللوازم عمله ّ . ّ الفارسية ،فكانت في الفترة أما في إيران ،قلب الثقافة ّ ّ
الساسانية الجامعة ،تـفـتـق ـر إلى نفسها ،أي بعد انهيار الدولة ّ استمرت سياسيًا .بل مضت عليها فترةٌ طويلةٌ ، الصفة المركزّية ّ ّ الهوية الجامعة انحدا ًار عنيفاً ، قروناً من الزمان ،انحدرت فيها ّ لتمنح محّلها إلى ال ُدول ـ ـ ـ ـ الم ُـدن .حيث ُّ كل مدينة كبيرة كانـت ُ ٍ ٍ السائـد فيها، حاضرة دول ـة قائمة بنفسها ،مـن حـيـث نظـام الحكم ّ
17
المتغـّلبة عليها وعلى نطاقها .فكان االنتساب أو من حيث الدولة ُ
األقل تساعد على إلى المدينة وسيل ًة ممتازًة كافية ،أو على ّ سمى .بل وسرى هـ ـذا التقلي ـد حيثما وصلت الثقافة بالم ّ التعريف ُ الفارسية من ثالث جهاتها( :آذربايجان ،آسية الوسطى /ما ّ اإلسالمية من الهند ) ربما على سبيل تقليد وراء النهر ،المناطق ّ بمعنى أو بغيره من معاني الغلبة .ثم استمر ذلك في الغالب ، ً
ثقافيًا ،حتى بعد أن زالت المتأثّرة بها ّ "إيران" وفي المناطق ُ وية، مقتضياته الموضوعية في بلد المنشأ ،منذ قيام النهضة الصفـ ّ ّ التي أعادت توحيد"إيران" ،وألغت ُدول الطوائف ،ومنحتها حكمًا سيد التاريخ .وكم مركزياً قويًا حتى اليوم .ألن االستمرار هو ّ لذلك من أمثال . ***
فذلك مثال ُسقناه أمام متن البحث ،برسم القارئ ،على العمالنية سبيل بيان قـ ّوة العالقة بين االسماء وبين المواصفات ّ لذواتها .تحضي ًار لذهن القارئ اللبيب للدخول في عمود ٍ بحث
ُّ نظن أنه غير مسبوق .وقديما قيل :الناس أصحاب ما عـرفوه
وألفوه وأعداء ماجهلوه .
ـر ما .قد يكون هـّينًا والحقيقة أن ما من اسـٍم إال ُيخفي س ـ ًّا
18
ولكنه دائماً يحكي جانباً من الشأن له ،كما قد يكون جليالً ّ .
ثقافة من اختاروه دون غيره ،أو جزءًا من تاريخهم ،أودعوه الدائرة بينهم . عفوًا وبكامل التلقائية في األسماء ّ ّ ـــــــــــــــــــــــــــ
19
الفصل األول " أبي" ال ُكنية الفـريدة ()1 مما يتبادله الناس اليوم في مخاطباتهم ال ُكنية ( أبوّ ). . . عادة من كلمة "أبو " التودد .وهي تترّكب على سبيل التحبُّب و ّ ً
ُمضاف ًة إلى اسم ابن المخاطب البكر .هكذا فعندما ُنخاطب شخصًا بكنيته فهذا ي ِ لم ُح ضمناً إلى أننا نعـرفه ونعرف عنه ما ُ خصوصياته األُسرّية التي يكفي .كما ونعرف خصوصاً من ّ
التُحتشم أسم أكبر أبنائه .بخالف اللقب الذي يأتي للتعظيم أو ٍ ٍ مناسب موقف لعكسه .واستعماله في المخاطبات ينطوي على للقب من الشخص المخاطب . وال ُكنية بـ ( أبو ) الشائعة في أسماء األُسرات هي من الشامية " /الشام" ،شائعةٌ جداً فيها .يبدو خصوصيات المنطقة ّ ّ
ٍ لشخص ،ثم ّأنها قد تسري وتبقى من بعده في أن أصلها كنيةٌ ّ ال بعد جيل .وهي تُعام ُل عندهم ُمعاملة المبني على نسله جي ً الضم دائمًا ( :أبو ) . ّ
()2
موضع المالحظة هنا ،أن منطقة "جبل لبنان الشمالي"
21
امية إجماالً ، ُّ حص ًار تختص ،من بين ّ كل أنحاء المنطقة ال ّش ّ بأن الجزء األول من الكنية (أبـ ). . .تُعامل أيضًا فيها معاملة ّ نجد المبني ،ولكن غالبًا جدًا على الكسـر( أبي ) .بحيث أننا ُ فيها مئات األُسرات التي تحمل في اسمها كلمة (أبي) ُ ،مضاف ًة
إلى اسم شخص.
لكننا ماإن نعبر الطريق القديم ،الفاصل بين "جبل
لبنان الشمالي" وبين "جبل لبنان الجنوبي" ،المعروف قديمًا
وحديثًا باسم "طريق الشام" ،فإننا لن نجد هذه الـ (أبي) إال ناد ًار. ()3
فالمالحظة هنا من شقـّين : إذن ُ ـ ـ ـ ـ ـ األول :كثرة الكنى كثرةً فاحشةً في أسماء األُسرات
الشامي ة لكل مانعرفه من المنطقة في "جبل لبنان الشمالي" .خالفًا ّ ّ ال ،التي تشيع فيها النسبة إلى ِ المهن . إجما ً
ـ ـ ـ ـ الثاني :أن هذه ال ُكنى في أسماء األُسرات فيها تأتي
غالباً جداً بصيغة ( أبي .) . . .
لكننا قد نجد كلمة ( أبي ) ناد اًر جداً أيضاً في غير ّ "جبل لبنان الشمالي" .مثال ذلك أُسرة ( أبي رعد ) ،التي نجـ ُدها في بل ـدة " بـزيـ از "مـن قضاء "الكورة" في الشـمال ،وأيضًا فـي بل ـدة
21
نجدها في بلدة الساحلية الجنوبية الدامور" " ّ مسيحيتـين ،لكننا ُ ّ ّ شيعية . "شمسطار" في "سه ـل البقاع" ّ
ومنها أيضًا أُسرة (أبي راشد) التي نجدها في بلدة "بجدرِفل" بقضاء "البترون" الشمالي ،وأيضًا في بلدة " ِبسري"
جزين" في "جبل عامل" . بقضاء " ّ ٍ حاالت ُمشابهة .ومع ذلك ، وبمز ٍيد من البحث قـد نجـ ُد جدا بالقياس إلى المئات المنسوبين فإن هذه الحالة تبقى نادرةً ّ
إلى ( أبي ) . . .في "جبل لبنان الشمالي" .لذلك فإنه ما من فائدة من البحث عـن ٍ إضافية . أمثلة ّ ()4
وتفسير تينك الحالتين الشاذتين سه ٌل جدًا .وذلك
ال من "الكورة" و"البترون" ،نزحتا أن األُسرتين هما أص ً بافتراض ّ كانية بين أنحاء ما إلى منطقتي " ّ الس ّ جزين" و"البقاع" .والحركة ُ نفية غالبًا. الع ّ أمر معروف ،له أسبابه ُ هو اليوم لبنان السياسي ٌ تحول النازحون إلى ما يتناسب مع الوعاء حيث سرعان ما قد ي ّ
مثال على الديني لوطنهم الجديد . ولعل أنموذج أُسرة أبي رعد ٌ ّ ذلك . بهذا البيان ِ إشكالية البحث بالسؤال التالي : نص ُل إلى تحديد ّ
22
الخصوصية العجيبة ؟ الس ـ ّر الكامن في هذه ّ ما هو ّ نجد كلمة ( أبي ) غالب ًة في أسماء األُسرات إال لماذا لسـنا ُ
في "جبل لبنان الشمالي" ؟
()5 خبيء ،وال ريب في ذلك عندنا ،في التاريخ الجواب ٌ كانية الجذرّية التي الخاص للمنطقة ،وبالتحديد في ّ الس ّ التبدالت ُ
خضعت لها المنطقة غير ّ ٍ مرة في ماضيها البعيد واألقرب .فنقـلتها حال إلى ٍ مرةً بعد مرة من ٍ حال غيره . ّ ّ سكاني ُمماثلة ، تبدل فمن المعلوم ،أوالً ،وكما في ّ كل حالة ّ ّ التبدل) ال تضيع نها ّئياً من صفحة الجماعة ،بل أن بصماته ( :أي ّ ّ ٍ بهيئة أو بغيرها .حيث سيكون على المؤرخ االنساني تبقى ،وان ُمتن ّكرة الداللي المناسب . الحاذق أن يقرأها ،ثـم أن يضعها في موضعها ّ كانية المتوالية ، فإن علينا أن ُنلِـ ـ ـ ّم بتل ـك ّ الس ّ من هنا ّ التبدالت ُ لثقتنا بأننا س ِ إشكالية البحث . حل نج ـد بينها ما سوف يهدينا إلى ّ ّ التبدالت : وعليه نق ـول على سبيل تحقيب تلك ّ ()6
إن هذه المنطقة " جبل لبنان الشمالي " كان ـت ، 1ـــــ ّ قـبـل إدخالهـا في "دار اإلسـالم" بالـفـتح ،عـلى حالـ ٍة ممت ـا ٍزة م ـن
23
الساحلي ـة منهـ ـا ،ح ـيث ظهـ ـرت االزده ـار .خصوصاً المنطق ـ ـة ّ ٍ حرف المثّلثة ، Tripolisالتي تُعرف اليوم باسم ُم ّ المدينة ُ "طرابلس" ،ومدينة ُ " Biblosجبيل" اليوم ،التي تُع ّد من أقدم
ات حضارّية ، نسب إليها إنجاز ٌ الم ُدن المسكونة في العالم ،وتُ ُ ُ ٍ ى وبلدان صفة بعضها ذا بات ّ ُ عالمية فيما ُيقال .إلى جانب قُ ـر ً
المسامتة . كثيرٍة منتشرٍة على الساحل والهضاب ُ أدى ،تدريجًا أحيانًا ،إلى أن الفتح اإلسالمي ّ 2ـ ـ ـ ـ ـ ـ ثم ّ ٍ ومية الر ّ حالة هروب جماعي لسكانها األصيلين باتجاه المنطقة ّ لكن البر الشامي إجماالًّ . عامة أنحاء ّ المجاورة .شهدنا مثلها في ّ ُ السـفُـن، سكان منطقة "لبنان"الجبل وساحله لجأوا في ُهـروبهم إلى ُ الرومية القريبة .مستفيدين من خبرتهم في قاصدين السواحل ّ
اإلبحار ،التي كان الفاتحون يفـتقـرون إليها.
هكـذا خلـت المنطقة من السكان أو كادت ،بينما بقيت
المـ ُدن والقُـرى ) سالم ًة تماماً .األمـر ال ـذي معالمها ّ المادية ( ُ ُ كل ماضيها ،قطعًا انتهى إلى حالة قط ٍع تاريخي كاملة باتّـة مع ّ
ٍ مسار ومسرٍح تاريخي ، باب على أُنموذجيًا شامالً .بحيث انغلق ٌ ٍ ٍ مختلف ع ـن سابقه كـ ّل مسار ومسرٍح باب آخر على لينفتح ٌ غائب لدى اللبنانويين ( ) libanistالذين االخت ـالف .وذلك أم ـٌر ٌ
24
لم ينف ّكوا ع ـن العمل على االرتفـاع بت ـاريخ مشـ ـروعهم الس ـياس ـ ي
حضارّيًا إلى بعض الشعوب التي سبقت الفـتح اإلسالمي.
قلب "جبل لبنان الشمالي" ،أي في هذا السياق خال ُ ماهو اليوم قضائي "كسروان" و"جبيل" ،من السكان تماماً .
اليعمره إال ُّ الزهاد وأهل العرفان .بحيث اتخذ منه شعراء الن ّساك و ّ ٍ ٍ خالصة لحياة البعد عن الخلق ،وطلبًا نسك و ُ التصوف رم ًاز للتّ ُ ّ نجد آثاره في مما ال نزال ُ للعبادة ،مقطوعة العالئق بالخالئق ّ .
صوفة ،من ابن الفارض إلى بهاء الدين العاملي . ّ أدبيات ُ المت ّ كاني ًة كبرى ،كانت قد خرجت من لكن هجرًة ُس ّ 3ــــ ّ "الكوفة" حوالي السنة 51هـ 671/م ،لتنـزل ،فيما نزلته " ،جبل
الظنيين" في أقصى ش ـمال الجبل ،هي نفسها المعروفـة اليوم باسم " ِ الضّنّية" ،على الهضاب المواجهة لمدينة "طرابلس" من كاني ًة معاكس ًة باتجاه شرقيها ،ـ ـ ـ ـ هذه الهجرة بدأت حرك ًة ُس ّ ّ الهمدانية الكبرى (نسب ًة إلى شعب االمتالء .تلك هي الهجرة ّ
همدان اليماني الحضرمي) ،التي نزلت نواحي عـ ّدة من بالد الدمشقية ونواحي"بعلبك" .وكان "الشام":مدينة "حمص"و"الغوطة" ّ منها من نزل منطقة البحث،أي "جبل لبنان الشمالي" .لتبدأ منها
سكانية متدحرجة .استول ـدت وما ت ـزال تاريخ ـًا،استم ـ ّر ُينتج حال ـةٌ ّ
25
فصلنا عليه الكالم تفصيالً في كتابنا مما ّ ويتفاع ـل حتى اليوم ّ .
التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسوريّا .
أن أُولئك الهمدانيين الحضارمة ما لبثوا أن 4ـ ـ ـ ـ ـ ذلك ّ السالمة هبطوا من األعالي إلى مدينة "طرابلس" الخالية ،لكن ّ
ماديًا ،كغيرها من بلدان الساحل ،بعد أن ارتفع عنها التهديد قوية ،عطّلت تأثير الرومي البحري ،بنهوض بحرّي ٍة إسالمي ٍة ّ ّ
ومية .ومع الوقت نهضت المدينة بإمارة أُسرٍة من البحرّية ُّ الر ّ الطائيين (434ـ ـ ـ494هـ1142/ عمار ّ األُمراء العلماء من بني ّ ـ ـ ـ1111م) .حيث باتت موطناً لجملة إنجاز ٍ ثقافية ات حضارّية ـ ـ ـ ـ ّ درة تنموية، سياسية، متكاملة ( ّ ّ ّ ثقافية) .بحيث يمكن ُحسبانها ّ الزمان في ذلك األوان .
5ـ ـ ـ ـ في آخرالقرن السادس هـ/أوائل القرن الثاني عشر م
جماعيًا ،فلجأوا بجموعهم الصليبيون أهل "طرابلس" الغزاةُ هجـر ُ ّ ّ ّ إلى أقرب الجبال إليهم .وهكذا امتأل "جبل لبنان الشمالي"
بالسكان كما لم يمتلئ من قبل .حيث حاولوا إحياء ما قـصمته الس ّكاني الجديد الم ّ تغير ُ صروف الزمان .وفي هذا السياق من ُ دد من العلماء برز في نواحي"كسروان"و"جبيل" وماواالهما عـ ٌ
القلم،ممن يمكن اعتبارهم استم ار ًار لنهضة "طرابلس". واألدباءوأهل ّ
26
6ـ ـ ـ ـ ف ـي أوائ ـل القـ ـرن الثام ـن هـ /الرابع عش ـر م ش ـ ـ ّن العسكر المملوكي ،والذين تحالفوا معه ،حمل ًة عسكرّي ًة هائل ًة على
أهل "كسروان" و"جبيل" ونطاقهما ،انتهت إلى تهجيـ ـر أكثــر الناجين من أه ـلهما إلى المناطق المجـاورة ش ـرقًا وجنوبـاً .ولم يب ـق منه ـم غـير باقـ ٍ نسبيًا ،منحتهم الدولة األمان بعد ية كبيرٍة ّ أن حال أمرهم وانكسرت شوكتهم .
من بعد تقـّلبت االحوال بـ"جبل لبنان الشمالي".فـسيطر
عليه التركمان فترًة قصيرة ُ .ليغادروه سريعًا باتجاه المناطق الساحلّية الدافئة .وعلى األثر بدأت هجرةٌ واسعةٌ إليه من أعاليه ٍ مسيحية ،كانت قد لجأت في جماعات الشمالّية ،حاملةً ّ ستفيدة من الماضي إلى ماهو اليوم قضائي "زغـرتا" و "إهدن" ُ .م ً السكاني التي نشأت بتأثير التهجير القسري ألهليه حالة الفراغ ُ
الشيعة الحضارمة األصل .
()7 اني ة نفي المتحرك بدأت حالةٌ ُس ّك ّ في ختام هذا السياق ُ ّ الع ّ المسيحية تتكاثر بمز ٍيد من الهجرة إلى منطقتي جديدة :الجماعات ّ
"كسروان" و "جبيل" ،وطبعًا بالتكاثر الطبيعي أيضًا .في حين أن
الس ـكان األصليين تتناقص ،بالتأثير العمالني البقيـة الباقـية مـن ُّ ّ
27
داد كبيرة من المتمادي لنكبتهم ،حيث سـقـطـت فيها أعـ ـ ٌ والمعنوي ُ الرجال ،باإلضافة إلى الذين ُه ّجروا على أثر المعركة ،أو
بعد ،بتأثي ـر انهيار الذين اضطروا اضط ار اُر إلى الهجرة منهم ُ يتنصرون شيئًا فشيئًا .وهم وضعهم السياسي ـ ـ ـ ـ االجتماعي .أو ّ األكثر فيما ُّ تدل عليه الدالئل .ومع ذلك بقي الشيعة األكثر عدداً في الجبل حتى القـرن الثامن عشر الميالدي . ()8
طات بعد هذا البيان الضافي ،الذي وقفـنا فيه على المح ّ
السكانية الجذرّية في منطقة البحث ، التبدالت األساسية من ّ ّ ّ ٍ وحيث خضنا في تحو ٍ عميقة علقـت فيها بالتوالي أثناء ثماني الت ّ قرون من الزمان ،ـ ـ ـ بعد ذلك أظن أن القارئ اللبيب قد بات
إشكالية البحث .فتبين له عّل ُة ال ألن يلمس مالمح ح ِّـل آه ً ّ انتشار"أبي" حص ًار بين أسماء األُسرات في "جبل لبنان الشمالي" دون غيرها .
أن في قلب تلك ذلك ّأنه بات في وسعه أن يرى ّ ، أساسياً لها ،أم حيث حركاً ّ المتوالية ،سو ٌ اء حيث كانوا ُم ّ التحوالت ُ كانوا موضوعًا ألعمال ومساعي غيرهم ،ـ ـ ـ ـ في قلبها تلك
الحضرمية ،الـتي نزلت ُمب ّكـ ًار األعالي الشمالية لـ "جبل الجماعة ّ
28
المسامت للجبل قروناً ،ثم لبنان الشمالي" ،ثم عمرت ساحله ُ ِ متفرق ًة في أنحاء أُلجئت ً إلجاء إلى قلب الجبل نفسه ،لتنتهي مزقًا ّ بقي ٍة غير ٍ قليلة منهم بقيت في ما هـ ـو اليوم "لبنان" السياسي .مع ّ الجبل .
كما ّأن ه ،بعد أن عرف أن في قلب التحوالت كافة تلك أن (أبي) الشائعة الجماعة الحضرمية ،بات في وسعه أن يرى ّ ّ في أسماء أُسرات الجبل نفسه ،التي ُمنحت األمان وبقيت في الحضرمية ، الجبل ،ليست إال ( أبا ) ،أو اختصا ًار ( با ) ّ
الذائعة حتى اليوم في أسماء أُسرات "حضرموت" ،لكن بعـد أن
تكيفـ ـت مع مواصفات اللهجة المحّلّية ،التي تنحو إلى إمال ـة ّ ح ــرف األلف في النطق .وهي حركةٌ ال وجود لها في الفصيح . فح ّـل ُ اليوم
المتفاصحة على ما هي عليه اإلشكال بكتبها في اللغة ُ ،أي (أبي) . ()9
ٍ هكذا ِ قوية من ش ّق ـين : نص ُل إلى نتيجة واضحة ّ إن االتساق التام بين جغرافيا انتشار ـ ـ ـ ـ ـ ال ّشـق األول ّ :
يتمزق الحضرميين األخير في "جبل لبنان الشمالي" ،قبل أن ّ السكاني في مختلف أنحاء " لبنان" السياسي ،مع بق ـّيـ ٍة ُ نسيجهم ُ
29
ٍ كانية ،ـ ـ ـ ـ ـ كبيرٍة منهم ثبتت فيه ،مثلما يحصل في ّ كل حركة ُس ـ ّ وبين جغرافيا االنتشار الحصري لــكلمة (أبي) في أسماء األُسرات
جدًا على أن الظاهرتين كلتاهما قوي ّ في الجبل نفسه ،لدلي ٌل ّ يخي ٍة واحدة .ومؤ ّش ٌـر في غاية الجالء وجه ـان لجغرافيا ـ ـ ـ ـ تار ّ على أن من بقي منهم في الجبل لم ي ُكن بالقليل .بعد أن طمأنت إلى ّأنها قد كسرت شوكتهم ، منحتهم الدولة األمان ،وا ّ ٍ ولكنها ،طبعًا ،لم تنتزع خشية ثمة من سياسيًا منهم ّ . ّ ولم يبق ّ
خصوصيتهم باتخاذ (أبي) في أسماء اُسراتهم . منهم ّ إن الكلمة (أبي) ،حيث تكون في اسم ـ ـ ـ ـ ـ ال ّش ّ ق الثانيّ :
لدليل ال يقـ ُّل قـ ّـوةً على أصلها الهمداني الحضرمي . األُسرة ، ٌ ()11 ٍ ٍ مغلوبة على أمرها ،بدأ جماعة وكما يكون حال كل أولئك الشيعة ،الحضرميوا األصل ،يتحولون شيئًا فشيئًا إلى
أن األسماء دين الغالب سكانيًا .ومن اإلمارات الباقية من ذلك ّ ، المسيحية الطّابع نادرةٌ جداً في األسرات التي تحمل في اسمها ّ طنوس) (أبي غنطوس) كلمة (أبي) .أحصينا منها ُعجال ًة ( :أبي ّ
حنا) (أبي ضومط) )أبي أنطون( فقط .األمر الذي من (أبي ّ نجد الممكن تفسيره بسهولة ،فاألس ـماء ليست دائما ثابتة .بينما ُ
31
ال ،أُسرة ( أبي حيدر ) .وهو اسـ ٌم ذو مغزى غير بالمقابل ،مث ً ُ خفي ُّ ، تحول إلى يدل على ُه ـويتها الدينية التار ّ ّ يخية .فرعٌ منها ّ ّ
ُسكنى قرية "طليا" في "سهل البقاع" .يحمل اس ـم (أبو حيدر) . فكأن (أبي) تأبى أن تستوطن غير "جبل لبنان الشمالي" . الحيادية على األقل ،منها: وفي المقابل عشرات األسماء ّ أبي نعمة ،أبي رزق ،أبي سمرا ،أبي ياغي ،أبي موسى ،أبي تامر ،أبي شاهين ،أبي سعد ،أبي عبداهلل ،أبي خليل ،أبي عيسى ،أبي سعد ،أبي خليل ،أبي راشد ،أبي منصور ،أبي نعمة ،أبي نادر ،أبي فاضل ...الخ الخ .وهي إجماالً عـر ّبيةٌ أصيلة ،أو شائعةٌ بين العـرب ُّ . تدل على أصلها البعيد . ()11
يستبعدن القارئُ ثبات (أبي) حيث هي على م ّـر وال ّ الدارجة اليوم في األقطار الع ـر ّبية من األزمان .فكم في اللغات ّ كلمات ٍ ونية آتية من تاريخها البائ ـد البعيد . ٌ قبطية /فرعـ ّ كلمات ّ
الشرقية أو الغـر ّبية في "الشام " يانية ّ في "مصر" ،وأُخرى من السر ّ امية واألشورّية الباقيتين و "العراق" .فض ً ال عن اللغتين اآلر ّ
محكيتين حتى اليوم في بعض ال ُق ـرى السورّية .واألمثلة على ذلك ّ أهل االختصاص . جيـدًا ويعمل عليها ُ كثيرة .يعرفها ّ
31
الفصل الثاني أسماء غـير مألوفة ألُسرا في سهل البقاع ( توطئة ) ثمة ظاهرةٌ نادرةٌ في أسماء أُسر ٍ ات كثيرة تنتشر اليوم في أواسط "سهل البقاع" دون سواه ،حيث بلدان كثيرة أبرزها : "شمسطار" "بيت شاما" "بدنايل" "تمنين الفوقا" "تمنين التحتا" ٍ ٍ وحيد ب ّأنه خارج السهل، استثناء "رياق" "علي النهري" .مع سنقف عليه في مطاوي البحث اآلتي .
تلك الظاهرة هي ندرة النسبة إلى المهنة فيها ،مع ّأنها
مما األكثر في أسماء األُسرات بأنحاء بالد "الشام" ،كما عرفنا ّ
فات آنفاً .وفي المقابل كثرةٌ غير مألوفة وحصرّيةٌ في أسماء أُسراتها لِما هي في األصل من أسماء األفراد ( :حيدر) (حاج السيد قاسم) (الحاج دياب) (الحاج سليمان) (حيدر أحمد) ( ّ أحمد) (الحاج حسن) (ملحم) (منذر) (سلمان) (زين) (شحاده) (حسن قاسم) (علي حسن) (علي قاسم) (علي حسن) (علي جر. ابراهيم) وهلم ّا
السر الكامن وراء هذه ُبغيتنا في هذا البحث أن نكشف ّ ٍ ٍ لسبب خاص . يحصل بهذا النحو إال شيء الظاهرة .أل ّن ما من ُ
32
()1 عادية باعـتبارين : هذه ظاهرةٌ غير ّ بخلوها تمامـ ـًا من النسبة إلى المهنة ،مع ّأنه ـا األولّ : ــــ ّ الشامية إجماالً . هي الغالبة عـلى أس ـماء األُسـ ـرات في المنطقـة ّ أسماء ال من بأن األسرات تحمل ما هو أص ً ـ ـ ـ ـ ـ الثانيّ : ٌ ٍ لكننا هنا ألفراد .األمر الذي قد يحصل حيناً لسبب أو غيره ّ .
عامة ،لسنا نعرف لها مثيال في عامة أو شبه ّ أمام ظاهرة ّ حددة بد ّقة ( :علي مناطق أخرى ،خصوصًا أنها تحمل أسماء ُم ّ
السيد قاسم) (حسن قاسم) . .الخ ، حسن) (علي إبراهيم) ( ّ األمر الذي ُّ يدل على ّأنها بأصلها كانت أسماء أفراد .مامن ريب في أن الظاهرة ترجع إلى ٍ سبب ما .ثم ما من ريب أيضاً في أن
الخاص ألهل المنطقة.األمرالذي كامن في التاريخ السبب المكتوم ٌ ّ يدعو المؤرخ اإلنساني إلى أن يبحث عن خبيئها حيث كامنة . ()2 الوقوف عنده من عناصر تاريخها ،بل و ّأول ما يجب ُ أن المنطقة التي باتت من بع ـد هو باألحرى عندنا مفتاحه ّ ، منازل تلك األُسرات ( ع ـدا بلـدة "شمسطار" في السفح الشرقي ٍ السـهـل من جنوبه لجبل "لبنان" ،باإلضافة إلى بلدة أُخرى خارج ّ
33
اسمها"جديدة يابوس" ،باتت اليوم من بلدان"الجمهورّية السورّية" ، لكن أهـلها هم من أُس ـرة (حيدر أحمد) الشـيعة اللبنانيي الجنسية ) ّ
قبل ،منذ قديم األزمان ُ ،بحيرةً واسع ًة ـ ـ ـ ـ تلك المنطق ـة كانت من ُ ،تمتـ ـ ُّد غـرباً من ُبعيد مدينة "بعلبك" شرق السهل ،إلى منطقة الجر" في جنوبه ، عميق" في غـربه ،وبل ـدة "عنجر" " /عين ُ " ّ أن صحن "سهل البقاع" كلّ ه وسفوح جبل "لبنان" في شماله .أي ّ
كثر فيها األقصاب كان منطق ًة واسع ًة غامرًة خالي ًة من السكان ،ت ُ صر وبعض /منابت القصب ،التي ُيستفاد منها في نسج ُ الح ُ األواني المنز ّلية وما إليها .وحتى ٍ وقت قريب كانت المهارات ذات العالقة بهذا االنتاج شائعةً بين رّبات البيوت في المنطقة . ()3
التغيير في صورة المنطقة بدأت بـأن أقدم الوالي في
"دمشق" /نائب السلطان المملوكي على ال ّشطر األسيوي من الحسامي (ولي: الـدولة ّ المملوكيـة ،األمير سيف الدين تنكـز ُ 712ـ ـ ـ 741هـ 1312/ـ ـ ـ ـ )1341على استصالح البحيرة .بأن اشترى أراضيها من بيت المال ،ثم حف ـر فيها أنه ًار كثيرةً ترمي عمر قرايا إلى نهـر"الليطاني"،حتى ص ّفى الماء من أراضيها .و" ُ
ماينيف عـلى عشرين قـرية .وحصل للناس بذلـك نفع عـظيم" .
34
بلداني المعاصر أبو الفدا في افي /ال ٌّ حد ما قال الجغر ٌّ على ّ عمر ومذ ذاك بدأ وسط السهل ي ُ كتابه الشهير (تقويم البلدان) ُ . بسرعة بالقُرى والبلدان .ومنها طبعًا تلك البلدان التي باتت من منازل تلك األُسرات ،ذات األسماء التي رأينا فيها تلك الظاهرة
التي استحثّت الباحث ابتغاء تفسيرها .
()4
هذه القطعة ـ ـ ـ ـ المفتاح من تاريخ المنطقة البعيد تطرح سؤالين : الدفق السكاني الكبير الذي ـ ـ ـ ـ األول :من أين أتى ذلك ّ مصر وعمر بسرعة بالناس تلك المجموعة الجديدة من القُرى ّ ذات العدد ؟ ترض في صيغة هذا السؤال أنه ّإنما "أتى" ونحن نفـ ُ ٍ أن لسبب إتيانًا إلى المنطقة ،يعني من خارجها، موضوعي هو ّ ّ
التكاثر السكاني الطبيعي ،الذي هو حصيلة زيادة نسبة المواليد
المادة على الوفيات ،لم ي ُكن آنذاك بالحجم الذي يكفي لظهور ّ
البشرّية ،التي أنشأت وعمرت تلك المجموعة العديدة من القرى في الزمن القصير . ـ ـ ـ ـ الثاني :وبالتّبع ،ماهي عـّلة تلك الظاهـ ـرة ال ّشـ ـا ّذة غ ـي ـر المألوفة في أسماء أُسراتها .
35
()5 في الجواب نقول :
ما من ر ٍ ظاهرتين يب عندنا في أن السبب في كلتا ال ّ ٍ كانية كبيرة ،حصلت في الزمان والمكان إنما يرجعُ إلى حركة ُس ّ المناسبين .بحيث قادت إلى نتيجتين ُمتالزمتين : ٍ مجموعة كبيرٍة من البشر ـ ـ ـ ـ األُولى :هجرٍة جماعـّي ٍة ل من وطنهم األصلي ،ومن ثـ ّـم نزولهم منطقة البحث دون سواها. ٍ نمط ٍّ البات حاد من القطع التاريخي ـ ـ ـ ـ الثانية : ّ
االجتماعية التي كانت قائم ًة في أوطانهم البنى ّ للمهاجرين مع ُ نى ّ األصلية ،نال ُ البنية األُسرّية الجامعة .واستلزم ظهور ُب ً اجتماعية بديلة .نقرأها اليوم في تلك المجموعة من االسماء
ٍ سبيل الحاد ،ما من غير المألوفة .بدون فرض ذلك القطع ّ إلى ُحدوث تلك الظاهرة الغـريبة . ()6
أن قطع البشر مع الوطن/ أن من المعلوم للعارف ّ ذلك ّ االجتماعية وبناهم ّ بالقوة نفسها مع تاريخهم ُ األرض ،هو قطعٌ ّ
ٍ ضمون اجتماعي وسياسي ،بل حتى الخاصة ،بما فيها من م ّ الثقافي أحيانًا أو جـز ّئيًا .فاألرض ـ ـ ـ ـ الوطن هي الوعاء التاريخي
36
ٍ جماعة بشرّية .ما أن ينكفئ الوعاء ،بالقطع مع ألي الخاص ّ ّ الوطن ـ ـ ـ ـ األرض ،حتى يندلق ما فيه ،ويخسر صفته وطاقته
الجامعة .
()7 أن القارئ العارف اللبيب ،الذي رافقنا في الفصل أظن ّ ّ سيتحرك ذهنه فـو اًر باتجاه اجتياح منطقتي "كسروان" السابق ، ّ
ٍ تقتيل و"جبيل" المجاورتين وما واالهما ،وما أودى إليه من ٍ وتهجير واسعين ،نال القسم األكبر من سكانهما .ذلك الحدث الذي بدأت فصوله تتوالى منذ السنة
715ه ـ1315/م ،
ال في السنة 712هـ 1312/م بالهزيمة الكاملة استتمت فصو ً و ّ ٍ اهية التي نالت مقاومة ألهليه بعد بطولية ،ومن ثـ ّـم بالهجرة اإلكر ّ ّ الناجين منهم .أي في السنة نفسها التي ولي فيها األمير تنكز منصب نائب السلطان/الكافل على القسم األسيوي من الدولة في
"دمشق" .ومن ث ّـم تدفُّق المهاجرين من المنطقة التي أصابها االجتياح .حيث نال "سهل البقاع" النصيب األكبر منهم كما األمير تنكز مشروعه التنموي ال ّذكي ـ ـ ـــ قُلنا آنفاً .وعلى األثر بدأ ُ السياسي (بالمعنى النبيل للكلمة) باستصالح وسط "سهل البقاع" كما عرفنا .ومن ث ّـم عمرانه السريع بعشـرين قـريـة دفع ًة واحدة أو
37
ب ٍ دفعات متقاربة .مامن ر ٍ أن ُع ّمارها كانوا حص اًر ، يب عندنا في ّ ُ األقل غالبًا ،من الذين هبطوا "سهل البقاع" هاربين من وعلى ّ أهوال االجتياح الذي نزل بهم وبأوطانهم . ()8 جدًا على ماأُثر يب ّ فلنالحظ أن ماأقدم عليه األمير غـر ٌ ُ المملوكية ،التي لم يؤثـر عن أُمرائها سوى البطش السلوكيات من ّ ّ
اعية. واالستيالءال ّشره على الثروة ومصادرها،خصوصًااألرض الزر ّ البحيرة فلماذا أنفق تلك النفقات الكبيرة على شراء بقعة ُ الواسعة واستصالحها ،ليضعها في خدمة الناس دون مقابل ؟
السؤال الذي يطرُح نفسه هنا : ٍ مختلف ٍ نادر من أنماط أُمراء ُنموذج هل نحن أمام أ ٍ
الحكم المملوكي ،ميزتُها العقل السياسي بما ينفع الناس ؟ هم ُة يخية ،التقت فيها ّ صدفة تار ّ أم هل نحن أمام ُ زمنيًا ّ األمير النبيل باستصالح المنطقة ،مع الهجرة الكبرى ألهل "كسروان" و "جبيل" ؟ همته كانت يقظة ضمير عـلى الفظائع المهولة أم أن ّ بحق أُولئك الضحايا دون ٍ ذنب ارتكبوه ؟ فعمل التي ارتكبها قـومه ّ
هو على جبر كسرهم ،والتعويض عليهم ،باستصالح تلـك البقعة
38
المناسب عن الشاسعة ،ومن ث ّـم إباحتها لهم ،لتكون البديل ُ وطنهم المفـقود؟ نقول في الجواب :اهلل تعالى أعلم ! ألن السؤال عن
النوايا .وما عالم النوايا من شأن المؤرخ .
لكننا ما ُّ نشك في أن األمير تنكز كان أُنموذجًا مختلفًا ّ المملوكية في "مصر " كل الذين نعرفهم من رجاالت الدولة عن ّ ّ و"الشام" في ذلك األوان .ومن هنا وصفه المؤرخ الصف ـدي ،
حيث ترجم له في كتابه ( أعالم العصر وأعوان النّصر) ،ب ـــ
المهيب العادل الفـريد " ( الحظ " :الفريد" = الذي ال "األمير ُ انية الكثيرة في أنحاء مثيل له ) .كمـ ـا وعـ ّرف بإنجازاته العمر ّ منطقة حكمه ال ّشاسعة .فأنشأ فيها المدارس والجوامع والمآذن والخانات والحمامات واألسواق .
()9
ٍ أن المؤرخ الصفدي ّ لكننا نالحظ بشيء من االستغراب ّ ، ِ الرائد الباقي في منطقة بحثنا ، لم يأت على ذكر عمل األمير ّ
بإضافته مسجداً إلى المقام التاريخي للنبي نوح
عليه السالم
في بلدة
المستصلحة ،ما يزال على ما المطّلة على المنطقة ُ "كرك نوح" ُ ي عـلى أح ـد ج ـدران أنه ـاه حتى الي ـوم .كما ما يـ ـزال رقـيـ ٌم حجـر ٌّ
39
مما أُنزل المسجد شاهداً على مبادرته الحسنة ،على الرغم ّ تعمدًا ،ارتكبه من ارتكبه بعد وفاة بالرقيم من تشويه ،يبدو لنا ُم ّ صاحبه ،فيما يبدو ،ابتغاء التّعمية على عمله . ()11
أن فكرة استصالح ُبحيرة "سهل بقوٍة ّ لذلك فإننا نرجح ّ هجرين ،ليبنوا للم ّ المستصلحة ُ البقاع" ،ومن ثـ ّـم إباحة أرضه ُ فيها القـرى ويسكنوها،ولتغدو وطنهم الجديدّ ،إنما خطرت له وع ـمل ع ـليها معون ًة ألولئك المنكوبين عـلى االس ـتق ـرار فيها آمنين،بعـ ـ د
األقل،لقطع الطريق على التفاعالت كل شيء.أو،على ّ أن خسروا ّ السياسية التي يمكن أن تنشأ جراء التنكيل الوحشي بالسكان ، أن إقدامه ، ولن تكون في صالح الدولة .بل ونحن نرجح أيضاً ّ مع ّأنه ُيمثّل بمنصبه الرفيع رأس الدولة التي أقدمت على قتل
وتهجير أهل "كسروان" الشيعة ال لسبب إال ألنهم شيعة ،ـ ـ ـ ـ إقدامه على بناء مسـج ٍـد لهم في قر ٍ شيعية السكان ،هو ّأول ية ّ ٍ كمل ويندرُج فيما مسجد ٍ جامع للشيعة في ّ كل السهل ّ ،إنما ُي ُ
ويؤيده .ولعلّه لذلك رجحناه من مقصده الحسن من االستصالح ّ ّ ولِما ُيشبهه من أعمال وصفه المؤرخ الصفدي بـ"العادل الـفـريد" . حق ـًا لقـ ـد كان األمي ـر تنكز رحمه اهلل حالـ ًة نبيلـ ًة فـري ـدةً
41
بيـن أقرانه من األُمراء المماليك في ذلك األوان . ()11
إشكالية البحث نقول : بالعودة إلى ّ ما من ر ٍ يب في ّأنه حين وقعت الهزيمة الماحقة بأهل
البطولية الطويلة الجتياح "كسروان" وما واالها ،بعد المقاومة ّ ات كثيرةٌ منهم هائمةً على وجوههـا ، وطنهم ،قـ ـد خرجت جماع ـ ٌ ٍ الساحلية، تسعهُم .فكان منهم من سلك الطريق أي تطلب َّ ّ ُ أرض ُ ُمتجنبين نزول أو عبور أنحاء "جبل لبنان الجنوبي" ،أي ما هو
معروف اليوم باسم " ُّ ألن من أهله من كانوا ضمن ٌ الشوف" ّ ، شن عليهم الحمالت في"كسروان" و"جبيل" ،وضلع العسكر الذي ّ
ٍ تقتيل وتهجير .إلى أن استقر بهم المقام فيما ارتُكـب فيهما من في أنحاء "جبل عامل" ،واألكثر في نطاق مدينتي"صيدا" و
افيتهما ،بإنشائهم قُرى " ّ جزين" .حيث تركوا آثارهم على طوبوغـر ّ
ف عليها عن قريب وبلدان ،س ـ ّموها بأسماء بلدانهـم الفقيدة .سنقـ ُ إن شاء اهلل .ومنهم ،وهم األكثر عديداً فيما يبدو ،انطلقوا المجاور. هابطين باتجاه "سهل البقاع" ُ
ثم ما من ر ٍ أن هؤالء الهاربين باتجاه يب أيضًا في ّ ٍ مجموعات صغيرة ،بقيادة ورعاية كبير األُسرة ، السهل كانوا من
41
جيـدًا. الممرات تسهيالً لحـركتهم في الجبلية الكثيرة التي يعرفونها ّ ّ ّ وبهذه الصفة نزلوا منازلهم الجديدة في وسط "سهل البقاع" .
وبها ُعـرفوا بين أهله .
()12
فذلك،باإلضافة إلى انفراط ِعقدهم االجتماعي ،بال ُمباينة
عية ألوطانهم ،وما قد ترتّــب على ذلك من خسـ ـارة الجامع الجم ّ العشائري أو األُسري األصيل الكبير ،هو الذي ق ـاد وأودى إلى
تغليب اسم كبير المجموعة ،أو ٍ كبير من المجموعة القادمة ،
بين السكان األصليين .وبات مالزماً لهم بعد أن تكاثروا فيما
بعد بالنمو الطبيعي ،وغـدوا أُسرات كبيرة كما هي عليه اليوم ،
عمرت حص ًار وسط "سهل البقاع" في الظرف الذي عـرفناه .وما
تزال حتى اليوم تحمل اسماء كبار تلك األُسرات ،الذين كانوا على
رأسهم يوم نزلوا منازلهم الجديدة ،حتى بعد ُزهاء سبعة قرون . ()13
أن الظاهـرة موضوع من هنا نعـرف ،بما ُ الريـب ّ ، اليقبل ّ ٍ قطعة الدالّة على إشكالية البحث ،ماهي إال من اآلثار الباقية ّ ّ ٍ األهمية من تاريخنا .الذي يكتم الكثـير مـ ن ضائعة وفي منتهى ّ المتن ّكـ ـرة تحـت مختل ـف العناوين واألشـكال . الخفـايـا ُ ،
42
لكن هذه الظاهرة ومثلها ل ـن تُـفـصح عن خبيئها إال ّ السلطوي للمؤرخ المسكون ّ بالحس االنساني .بينما ال تبـدو للمؤرخ ُ
تستحق أن يوليها ش ـرف عنايته .اللسبب إال أُمو ًار تافه ًة ،ليست ّ األهلية الحس التاريخي الحقيقي .فاقد بشدة إلى إال ألنه يفتقـر ّ ّ ّ أن الصانع الحقيقي للتاريخ .و ّ ألن ُي ـدرك أن االنسان العادي هو ّ المنفصلة ماهي إال كائن طفيلي على حركته . ُ السلطة ُ ()14
واذن فما السبب في ظاهرة تلك المجموعة من االسماء غير المألوفة ،التي ألفـتت نظرنا بغرابتها ،حيث مجموعةٌ كبيرة ٍ منطقة بعينها حص اًر ،تمتاز جميعها بأنها من األُسرات ،في
تحمل ماهو بأصله من أسماء األفراد ،األمر الذي ال نعرف ٍ أن أُصولها مثيله في أي منطقة سواها ،ـ ـ ـ ـ ـ ما السبب إال ّ
يخي تعرضت في ماضيها إلى حالة ٍ البشرّية كانت قد ّ قطع تار ّ الخاصة ، عية نموذجية باتّـة ،فصلتها نهائياً عـن ذاكرتها الجم ّ ّ ّ االجتماعية التي كانـت قائمة . البنى ّ وبالتالي أنهت إلى األبــد ُ
النموذجيـة التي تلجأ فـيه ـا جماعةٌ إلى ترميم وهـذه هي الحالة ّ ذاتيتها باعـتماد آلي ٍ ات جديدة ،تتناولها من وضعها الجديد .الذي ّ ّ ٍ تشكيالت صغيرة برآسة كبيرها .وهكذا عرفنا أنه كان عبارة عن درجت
43
أو درج الناس من حولها على تمييزها عن غيرها باسم كبيرها ، أو كبير منها ،حين قـ ِدمت وطنها الجديد .ومع الزمن تنامت وباتـت أُسر ٍ الناس من لكنها احتفـظـت ،أو احتفظ لها ات كبيرة ّ ، ُ حولها ،باسمها الجديد كما التزال .وكم لذلك من أمثال . ()15
يبقى الوقوف عند حال ٍة نراها شا ّذةً أيضاً ،بالنظر إلى عادي ًة ، يخية سنرى أنها حال ٌة ّ نتيجة البحث .بيد أننا بالقراءة التار ّ ٍ وتأمـل ،عسى تندرج في ّ اإلشكالية نفسها .وتستدعي مزيد بحث ّ أن تكشف لنا المزيد من الخبايا . نعني بهذه اإلشارة أُسرة (حيدر أحمد) التي ينزل أكثر
ُّ تحتل بقع ًة أبنائها اليوم في "جديدة يابوس" .وهي قـرية صغيرة
امية :يابس . فقيرة بمواردها الطبيعية األساسية ( "يابوس" ،آر ّ ّ إشارًة إلى أنها ماحلة .وللمقارنة" :كفير يابوس" :الق ـرية اليابسة) ،
هي اليوم ضمن أرض "الجمهورية السورّية" ،عند المعبر الحدودي بين "لبنان" و"سوريا" لمن يسلك الطريق إلى "دمشق"، يبلغ عدد سكانها األلف نسمة تقـريبًا ،كلهم من أُسـرة (حيدر
اللبناني ـة .مع ضرورة مالحظـة الجنسية أحمد) ،وكلهم يحملون ّ ّ وج ـود عائـ ٍ الت متف ـ ّرقـ ٍة من األُس ـرة نفسها في الضاحيـة الجنوبيـة
44
اللبنانية وسط "سهل البقاع" . لـ "بيروت" ،وفي بعض القــرى ّ عمري أبناء حري الشخصي من ُم ّ والحقيقة ّأننا بعد التّ ّ األُسرة ،لم نظفر بمعلومات عن تاريخ وسبب نزولها هذه البقعة دون غيرها ،مع مواصفاتها التي التُغري ب ٍ طيب .لكن عيش ّ المقطع األول السم منزلهم الحالي "جـديدة" ،باإلضافة إلى
أن القـ ـرية حديثة التمصير جنسية سكانها اللبنانية ّ ، يدالن على ّ ّ ّ نسبيًا . ّ أن األُسرة التأمل ّ ، والذي يخطر بالبال بعد البحث و ّ أول منطقة وسط "سهل البقاع" ،شأن غيرها من ممن نزل ُ كانت ّ بقي ٍة األُسرات الكثيرة النازحة من "كسروان" وجواره .بشهادة وجود ّ
منهم حتى اليوم في قرى سهل" البقاع " االوسط .ثم كان أن نزح يخ اليـ ـرقى إلى القسم األكبر منها إلى منطقة "جديدة يابوس" بتار ٍ
أعلى من تأسيس دولة " لبنان الكبير" سنة 1918م .حيث ُمنح
اللبنانية التي ما تزال األُسرة تحملها . الجنسية سكان السهل نفسه ّ ّ عنفي أن سبب نزوحها ٌّ شأن غيرهم من سكان الدولة الجديدة .و ّ
على األرجح ،بحيث ألجأها إلى التخلّي عن ُسكنى السهل الخصيب الغني بالمياه ،لتنزل تلك المنطق ًة الفقـيرةً بكل المعاني،
مصر فـيها ق ـرية "جديدة يابوس" حيث ما تزال . ولتُ ّ
45
()16 المعطى التاريخي ،أُسرة نذكر أيضًا ،بمناسبة وحدة ُ ٍ منطقة تابعة (الحاج حسين) في قـرية " زغرين " في أعالي جرود لقضاء مدينة "الهرمل" شمال "لبنان" .كان ع ـدد سكانها ،حتى ٍ وقت قريب ،يـزي ـد قـليالً على األلف نسمة .أغلبهم من أُسرة
(الحاج حسين) ،والباقون من أُسرة ( ُس ُجـد) . الطبيعية ،تُـذ ّكـرنـا بمواصفات والقرية ،بمواصفاتها ّ لكن "زغرين" تمتاز عن "جديدة يابوس " "جديدة يابوس" إجما ً الّ . بمساحة نطاقها العقاري الشاسعة ،بما فيها من وديان عديدة ٍ شيء من الخصوبة ُ .يستفاد من غـ ّني ٍة بمصادر المياه ،وعلى الجبلية الشاسعة التي زراعتها بالحبوب .باإلضافة إلى المراعي ّ تسرح فيها قطعان المواشي .
ولقد شهدت القـرية في العقود األخيرة حركة هجرة واسعة
الجنوبية لـ آخر إلى الضاحية ّ ،اتجه ٌ قسم منها إلى "بعلبك" و ُ "بيروت" . كبير من أُسرة (الحاج حسين)، تجمعٌ ٌ وفي "بعلبك" اليوم ّ تحتل ثكن ًة عسكرّي ًة مهجورة ،كان الفرنسيون قد أنشأوها أثناء حياة بائس ًة . االنتداب .حيث يعيشون ً
46
()17 نسبيًا ،ألننا ال رجح أن "زغرين" قري ٌة حديثة التمصير ّ ُن ّ نج ُـد لها ذك ًار في المصادر القديمة كافة .وأن سكانها هم أيضًا من النازحين من "جبل لبنان" في الظرف نفسه الذي يدور حوله هذا البحث .وبالتحديد من قرية "زغرين" في قضاء "المتن" .
ٍ لسبب ما النعرفه ،اختاروا في هجرتهم الصعود باتجاه وأنهم ، ال عن الهبوط إلى "سهل البقاع" ،أو األعالي في الشمال ،بد ً
باتجاه الجنوب سالكين الطريق الساحلي .وفي منازلهم الجدي ـ ـدة
سلوك مصروا ق ـ ـري ًة س ـ ّموها عـلى اسـ ـم قريتهم الفقيدة .وذلك ٌ ّ ممن ينزحون من أوطانهم ،تعبي ًار عـن تعّلقهم بها ، ٌ مألوف ّ
ٍ بنحو أجلى عاطفيًا عن فق ـدانهم إياها .سنرى نظيره وتعويضًا ّ وأشمل في مطاوي الفصل التالي . وفي إقليم "الريحان" ،من "جبل عامل" قريةٌ تحمل اسم
مصروها هم أيضًا من النازحين من "زغرين" أيضًا ّ ، لعل الذين ّ رصيفتها التي في "المتن" . ـــــــــــــــــــــــــــــ
47
الفصل الثالث باريش ،Paris/طلّوسهToulouse/ طيردباTyr de bay/ ّ ()1
إن موقع "جبل عامل" في جنوب "لبنان" بين "الجليل ُردن" و"جبل لبنان األعلى" شمال "فلسطين" ،وبين وادي "األ ّ جمة ،كان سياسية مصبًا لمؤثرات الجنوبي" ،جعل منه ّ ّ ّ وسكانية ّ لها أكبر األثر على تاريخه .
ما يهمنا منها اآلن ما نقـرأه في أسماء بلدانه المنسوبة إلى الـلغات المسماة (سامية) ،بين عبرية وآر ٍ امية وعـر ّبية ، ّ ّ ُ ّ ٌّ أثر با ٍ ق من باإلضافة إلى أسماء ّ أوروبية األصل منها .كل منها ٌ حقبة من ِ ٍ الحقب التي توالت على الجبل أثناء القرون الخالية . ذلك ما أغـرى الباحثين ومايزال بوضع مختلف التسجيالت والمصنفات على أسماء بلدانه ومواقعه ،مشفوع ًة ٍ شيء من تاريخها وأعالمها . أحيانًا بوصفها وبذكر ()2
سماة عنـد الغـربيـيـن لسنا نملك تحقـيباً دقيق ـاً للشـعوب ال ُم ّ
48
امية) (وهي باألح ـرى من شع ـ ٍ وب أصلُها ومن تأثّر بهم بـ الـ (س ّ من " شبه الجزيرة العـربية " ،تف ـ ـ ّرقـ ـت فيما حولهـ ـا ،قـبل هـ ـ ـذه
اللغة العـر ّبية الحجازّية) ،توالت على "جبل عامل" وساحله . فرعٌ من الكنعانيين ُ ،عرفوا بالفينيقيين ،بسطوا سلطانهم على الساحل الغـربي لـ"البحر األبيض المتوسط " ،حيث ازدهــرت
ُم ـ ُد ٌن عــديدةٌ ،تعاطت التجارة البحـ ـرّية .ومن هـ ـذا الط ـريق بنـت ٍ صالت واسع ًة مع الساحل االف ـريقي المقابل .
قسم منه مؤقتًا تحت ٍ تأثير سكاني أ ّما الجبل فقد وقع ٌ يهودية ضئيلة قادم من "الجليل األعلى" ،من ضمنه عناصر ّ
نسبيًا . ّ
حقيقي له حصل في ٍ أن ّأول عمر ٍ وقت من ان ٍّ على ّ اليمانية الكثيرة إلى "الشام" ،هي األوقات بفضل إحدى الهجرات ّ
هجرة شعب (عاملة) اليماني .كان من بديع حضورها وأثره أن منحته اسمه الباقي حتى اليوم . ()3 يخية أن شعب (عاملة) اليماني، من المفارقات التار ّ الذي كان له الفضل ،بهج ـرته الكثيفة إلى "جبل عامل" ،في ٍ معاكسة السـبب سكانية امتالئـه سكانيًا ،لم يلبث أن غ ـدا بحـرك ـ ٍة ّ
49
في فراغه . ال ،حيث ذلك ما حصل بالفتح اإلسالمي لـ "الشام" إجما ً
تنصرة ،ومنها (عاملة) ،تبعت ُخطى سادتها الم ّ القبائل العـر ّبية ُ كل المعارك الروم المهزومين باتجاه "األناضول" ،بعد أن خسروا ّ
األساسية التي خاضوها مع الفاتحين المسلمين ،وسقطت ُد ّرة ّ ال من سكانها. اضر "الشام" إجما ً دولتهم "دمشق" .هكذا فرغت حو ُ ولم يبق فيه إال بعض
الشعوب التي كانت قد
سكان القُـ ـرى المعمورة بمزارعين من عمرته في الماضي ،من آراميين آثار بعضهم في أسماءغير قر ٍ ية من
نجد وأشوريين .ما نزال ُ قُرى "سورية"الجمهورّية ،بل مازال أهلها يتكلمون إحدى اللغتين . ()4
في هذا السياق التاريخي الجديد ،وبسبب الهجرة شبه
الشاملة لشعب (عاملة) ،عانى "جبل عامل" من حالة شبه فراغ مدة خمسة قرون تقـريباً .إلى درجة سكاني ، بعد ّ استمرت من ُ ّ ّ المعنية بالبلدان ،حتى القرن 6هـ12/م ، نجد في كل ال ُكتُب ّأننا ال ُ ّ ٍ ذك اًر لقر ٍ بلداني ، منسوبة إليه .إال قريتين أتى على ذكرهما ية ٌّ عاش في القرن 4هـ11/م قـريبًا من المنطقة وعرفها جيدًا ،
يدل على عراقتهما ،هما "كفركيال" و"مجدل اميًا ّ تحمالن اسما آر ّ
51
ٍ مجموعة كبيرٍة ُغفل االسماء من المزارع ِسلِم" .باالضافة إلى
الصغيرة (.المقدسي:أحسن التقاسيم. )188/ ()5
تغير السـكاني الثاني باتجاه االمتالء ،حصل في الم ّ ُ "جبل عامل" بـ (فضل) الصليبيين .الذين كان الجتياحهم "القدس" ،وما ارتكبوا فيه من فظائع مهولة ،تأثي اًر هائالً على
األردن" فهجت الناس مرعوبين من أنحاء " ّ برمتها ّ . المنطقة ّ و"فلسطين" ،باتجاه أقرب الجبال إليهم .هكذا امتأل "جبل عامل " امتالء يفوق بكثير سابقه قبالً بهجرة (عاملة) إليه .ومع بالسكان ً أن الصليبيين لحقوهم إلى موطنهم الجديد ،وبسطوا سلطانهم ّ عليه وعليهم .لكنهم إذ ذاك كانوا قد تخلّوا عن السياسة ٍ بحاجة لمن يعمل التطهيرّية التي أعملوها في "القـدس" ،وباتوا
ويس ـ ّدد الضرائب لحسابهم ،إلى ماهنالك لهم ،فيستثمر األرض ُ السلطة بالناس . من وجوه عالقة ُ ()5
المحت ـلّي ـن وبيـن في هـ ـذا السياق حصل شـ ُ به سـباق بين ُ التجمع الظرفي من الناس ،الذين حملتهم الحـرب وأهوالهـا ذلك ّ
سباق على إنشاء وتمصير يخية،ـ ـ ـ ـ ـ ٌ على الهجرة من أوطانهم التار ّ
51
أن الرحالة ابن البلدان والقُرى في أوطانهم الجديدة .بحيث ّ ُجبير ،الذي اجتاز "جبل عامل" من جنوبه إلى غـربه ،من "تبنين" إلى "ع ّكا" ،سنة 579هـ1183/م ،أي بعد ُزهاء نصف قرن من احتالل الصليبيين إياه ،ـ ـ ـ وصف طريقه بأنه " كلّ ه
أن على ضياع متصلة وعمائر ُمنتظمة " (الرحلة . )273/أي ّ كل تلك الـ" ضياع المتصلة" قد أُنشئت في ٍ نسبياً ، ّ مدة قصيرٍة ّ ُ ال على نصف قرن . التزيد إال قلي ً وطبعًا
نسية لغتهم الفـر ّ
ٍ بأسماء من سمون مايشيدونه كان المحتّلون ُي ّ األصلية. الغالبة بينهم ،ومن ذاكرتهم على بلدانهم ّ
امية القديمة على الج ُدد األسماء اآلر ّ بينما ُي ّثبت السكان المسلمون ُ ٍ بأسماء يسمونها تجمعات ّ سكنية ،أو ّ نمونه من ّ ما ُينش ـؤنه أو ُي ّ عـر ّبية . ()6
من هنا يجب أن يتوّقع القارئ اللبيب ماهو واقعٌ بالفعل، العاملية ،التي كانت اللغة نسية في القرى ّ من كثرة األسماء الفر ّ
الغالبة بين الصليبيين ،مع أنهم كان بينهم إنكليز واسكوتالنديون ٍ غالبة من وألمان وهنغاريون وغيرهم ،باإلضافة إلى أكثرّي ٍة سم ى الفرنسيين .لقد كان أُولئك ُ الغزاة يعملون على ما ُي ّ
االستعمار
52
التجمعات االستيطاني ،الذي يقتضي أن ُي ّثبتوا وجودهم بإنش ـاء ّ الخاصة بهم .بحيث تكون لهم بلدانهم وحصونهم التي السكانية ّ ّ
لكنها تضمن لهم السيطرة تحول دون االختالط بالمسلمين .و ّ عليهم . أما المسلمون فكانوا بين الذين ّثبتوا األسماء القديمة ، ّ ٍ مناسبة أو غيرها . أسماء عر ّبية .ل وبين من وضعوا لِما أنشأوه ً وسنرى ذلك في اآلتي من البحث. ()7 روف إجماالً ، ومع ّ ت ومعـ ٌ مما ه ـو أم ـٌر ثابـ ٌ كل ذلك ّ ، صنف كتابًا على أسماء البلدان والقرى اللبنانية (ومنها فإن باحثًا ّ طبعاً قرى وبلدان "جبل عامل") ،أصاب ُشهرةً بين الناس وما
يزال ،ربما لفرادته من حيث موضوعه ،بنى كتابه كّله على ٍ أن أسماء القرى والبلدان التي سردها في فرضية خالصتها ّ ، ّ ٍ أن عمله في كتابه يقتصر كتابه هي كلّها من أصل سرياني .و ّ على تفسير االسم ،بإرجاعه دائمًا إلى أصله السرياني المزعوم . تشابه لفظي بين اسم القـرية اليوم وبين ٍ ٍ صر ِ استناداً إلى ِ كلمة ف
أو ٍ يانية مهما ت ُكن أو يكون .أي دون جذر ما من اللغة السر ّ أدنى اكتراث أواعتبار لمعنى الكلمتين في تلك العالقة المزعـومة .
53
حتى حيث يكون على غير نمط أسماء القرى والبلدان . الدائر (معجم أسماء ذلك هو أنيس فريحه وكتابه ّ اللبنانية). الم ُدن والقرى ّ ُ عجمية للكتاب واضحةٌ ال لبـس فـيها ،وهي الم ّ الصفة ُ في عـنوانه أمينـةٌ على المنهج الذي التزمه في كتابه .كما أنها
التام للعامل التاريخي في خطّة الكتاب . ّ تفسر الغياب ّ لكن ذلك اليعني أبدًا أن المنهج الذي التزمه فـريحة ّ ٍ بأمانة في كتابه صحيح .وذلك لسببين : األلسني،هي حالةٌ تاريخية، ـ ـ ـ ـ األول:إ ّن اللغة،باالعتبار ُ ٍ سبيل إلى شرحها وبيان أو حالةٌ حصلت في التاريخ .ما من
ٍ ألسني ،يأخذ باالعـتبار نسب كلماتها إال من منظور وب ٍ منهج ُ حاالت الكلمة في أطوارها ،كما يأخذ باالعتبار ظروف نشأتها. هكذا فإن اقتصار فـريحه على البحث عن األصل السرياني في
فرضية خاطئة ، كل االسماء التي عالجها بكتابه ،ينطوي على ّ كل الذين جعلوا تلك االسماء هم حص ًار من المتكلمين أن ّ هي ّ فرضيةٌ غـلط ،كما بات واضحاً للقارئ . يانية .وهي ّ باللغة السر ّ
ٍ بمسرد تاريخي لـ "جبل عامل" ،ابتغاء التوطئة قدمنـا للبحث ونحن ّ بتنوعها البالغ . لبيان العالقة بين تاريخه وبين أسماء بلدانه وقُراه ّ
54
سامية) استناداً إلى سماة ( ّ الم ّ ـ ـ ـ ـ الثاني :إن اللغات ُ ٍ تصنيف توراتي ،وهي في الحقيقة ترجع إلى اللغة أو اللغات
سائدة قديمًا في "شبه الجزيرة العر ّبية" ،قبل أن ينتشر التي كانت ً أهلها في االقطار من حولها ،ـ ـ ـ ـ هذه اللغات تتشابه كلماتها في جذورها لوحدة أصلها ما قبل اللغة العـر ّبية الحجازّية .إلى درجة ٍ ّأنه يصعب ،وقد يستحيل ،إرجاع ٍ هجينة ،من نوع أسماء كلمة البلدان التي عالجها فريحة ،إلى ٍ لغة منها بعينها استنادًا إلى
أن العامل التاريخي تشابه لفظي .والحقيقة التي غابت عـليه ّ ، في وطن الكلمة ،في حال استيعابه ،ه ـو أقـرب طري ٍ ق وأج ـدى ٍ فيلولوجية ُمقـنِعة . وسيلة إلى دراسة الكلمة دراسةً ّ والحقيقة أن فريحه ُيثير استغرابنا إحياناً في إص ارره العاملية إلى كل كلمة في أسماء القرى العنيد على محاولة نسبة ّ ّ ٍ أصل أصل سرياني ،حتى في حاالت تكون فيها الكلمة من
عـربي أو فـرنسي صريح الريب فيه . يخص األسماء من ُّ ومن األمثلة النافرة لذلك ،فيما
ٍ السياد" أصل عـربي صريح ،تعليقه على اسم قـرية "كوثرية ّ
يانية Sayyadaمعناها : السّياد قد تكون سر ّ ّ العاملية بالق ـول ّ " : أن الكلمة ع ـر ّبية صريحة طين من : sadaطين " (!) .مع ّ الم ّ ُ
55
سيد) ،أُضيفت دون ريب ،هي جم ٌع على غير قياس لكلمة ( ّ السادة إلى اسم البلدة بمناسبة ّ أن من سكانها بضع أُسرات من ّ االشراف .كما أنه يعّلق على كلمة (مارون) في ٍ عدد من أسماء
يانية . "Marunaمع أن القرى العاملية ،بالقول إنها "من السر ّ ّ نسية دون أدنى ريب . الكلمة فر ّ واالمثلة على مثل ذلك كثيرةٌ جداً في الكتاب .
شديدة أن يكون الرجل قد ارتكب وانني ألخشى خشي ًة ً هذا المركب الغلط متأثّ ًار بمؤثر ديني ـ ـ ـ ـ ـ سياسي ،يميل إلى
بأية وسيلة ،وبيان حضور كلماتها الدائ ـم يانية ّ تمجيد اللغة السر ّ التام من الخطاب الباقي على ُ األلس ـن ،على الرغــم من انحسارها ّ المسيحية الدينية اليومي ،وانحصارها بالفعل في بعض الطقوس ّ ّ الشامية. العامية حيح في ألوان المحلية .وذلك مطلب مشروعٌ وص ٌ ٌ ّ ّ ّ لكن الطريق الذي سلكه فـريحه إلى بيانه هو الغلط . ّ َّ صم . إن حقاً ّ الحب ُيعمي ُ وي ّ ()8
كل ماسبق نق ـول : بناء على ّ ً الدائرة اليوم لبلدان وقرى من الممكن تحقيب األسماء ّ عدة مجموعات : في "جبل عامل" وساحله في ّ
56
ـ ـ ـ ـ المجموعة األُولى ترجع إلى ماقبل التاريخ المكتوب. السحيق ومنها مدينة "صور" ّ الفينيقية ذات التاريخ ّ المجيد .كانت أيامهم جزيرة تحمل اسم "صر" التي تعني بالفينيقية الصخرة ،لمكان الطبيعة الصخرّية التي ُبنيت عليها ّ المدينة .ومنها بلدتان تحمالن اسم "برعشيت" ،وبلدةٌ ثالثةٌ اسمها "جبشيت" ،والبلدات الثالث منسوبة إلى شيث بن نوح عليه السالم ،
مثلها في ذلك مثل خمسة بلدان أُخريات ،تنتشر على الهضاب الممتدة على طول الساحل الغـربي للبحر المتوسط ،كّلها ملحوقةٌ
أسماؤها بـ "شيت"ُّ . نظن أنها جميعها من أعمال النبي شيث بن
بحث نوح عليه السالم الحضارّية بعـ د الطوفان .ولنا على ذلـك ٌ ٍ ضاف ،في كتابنا الماثل للطبع ( كرك نوح والقصة الحقيقيّة للطوفان ) .
()9
ـ ـ ـ ـ المجموعة الثانية ترجع إلى الفترة التي س ـادت فـيها إمارتها أن يبدأ اسمها امية .وهي قُرى ومزارع كثيرة .من ا اآلر ّ بـكلمة "كـف ـر" وهي كلمةٌ من ٍ جذر سامي تعني مزرعة ،موجودة سامية) .أو بـ ـ "مجدل" وتركيباتها : سماة ( ّ الم ّ في أكثر اللغات ُ "مجدليون" "مجيدل" .وهي كلم ٌة من جذر سامي أيضًا ،توجد في
57
مكان ٍ عال ُمشرف. يانية والع ـر ّبية ،بمعنى قصر ،برج ، ٌ السر ّ ٍ امي ٍة واضحة " :عيناتا" ، باالضافة إلى ما كان منها بصيغة آر ّ
امية : "تفاحتا" ّ " ، حرفة عن "بابيال" باآلر ّ جناتا" ّ " ، الم ّ البابلية" ُ سمى "بابيال" . باب اهلل .وفي غـوطة "دمشق" ٌ ُ بلد ُي ّ ()11 زمنيًا ،ثمة بضع قرى امية ّ وبموازاة المجموعة اآلر ّ انيًا . تحمل اسمًاعبر ّ منها كل ما تكون البادئة في االسم ـ كلمة "آبل" " :آبل السقي" " آبل القمح" . . .الخ .وهي أيضًا كلمة من جذر ّ ٍ يانية سامي .نجدها بمعان متقاربة في العر ّبية والعبرّية والسر ّ
معنى من ج ـذر ( زرع ) في العـر ّبية . واألمهرّية ،تعني مايقـرب ً وثمة اليوم في إقـليـم باإلضافـة إلى " ُجبع" بمعنى التّ ـ ّل ّ .
بلد اسمه " ُجبع الشوف" ،تميي ًاز "الشوف"بـ "جبل لبنان" الجنوبي ٌ له عن "جبع" العاملية .كما جاء في التوراة ذكر ٍ بلد بـ " فلسطين ّ ُ ُ " اس ـمه " ُجبع بنيامين" . ومنها "قـدس" في أطراف "جبل عامل" ،وكانت قبل الصليبيين حاضرته .وعرفت قديمًا بـ ٍ اسم آرامي أو عبراني : ُ "قادس" أو "قادش" باختالف اللغات .وباالس ـ ـم نفسه ع ـ ـ ّدة بلدان
58
أن اسمها ي ِـرُد كثي ًار في "فلسطين" و "الجمهورّية السورّية" .كما ّ في تاريخ الكنعانيين واالسرائيليين .وكانت " قدس" قديمًا من
أعمال "صور" ،ثم أُلحقـت بـ "فلسطين" .وسنة 1948م غـدت تحت االحتالل االسرائيلي وما تزال . ()11
ـ ـ ـ ـ المجموعة الثالثة ترجع إلى فترة االحتالل الصليبي
(514ـ ـ ـ ـ 688هـ1111/ـ ـ ـ ـ ـ 1289م) التي قلنا أنها الفترةُ التي انتفض فيها "جبل عامل" ُس ّكانيًا .وحيث حصل ما قد ُيشبه السباق على إنشاء وتمصير القُرى والبلدان ،بين الذين التجأوا المحتلّين الصليبييين .أثناءها جرى إلى الجبل من حوله وبين ُ كانية القائمة اليوم في الجبل .وطبعًا الس ّ تمصير أكثر التجمعات ُ كان المسلمون يسمون مايس ـتحدثونه بأسـ ٍ ماء ع ـر ّبية غالبًا،األمـر ُ ّ سميها ال ـذي استمر حتى بعـد انجالء االحتالل .بينما ُي ّ ّ ٍ نسية ،اللغةُ الغالبةُ بين الصليبيين . الصليبيون بأسماء فـر ّ ّ ()12 األسماء العر ّبية التخفى . فمنها المجموعة المنسوبة إلى أسماء أشخاص من مثل: انية" "المنصوري" "المحار ّبية" المالكية"" اسية"" المحمودية" "المرو ّ ّ ّ العب ّ " ّ
59
الداودية" . . . .الخ. ادية" " ّ حم ّ "النجارّية" "الحارثية" "ح ّس ّ انية" " ّ وهي كثيرة .
كل مايبدأ اسمها بـ "مراح" (حظيرة المواشي) ومنها ّ
"مراح أبو شديد" " ،مراح الجاموس" " ،مراحةالحباس" .أو ب ـــ "مزرعة" أو ب ـ ـ "مقسم" (جزء من مزرعة بعد تقسيمه بين الورثة) أو بـ ـ "مرج" أو " ِخربة" " /الخرايب" " /الخريبة" أو "عين" أو "برج " أو "بستان" .وهي كثيرة أيضًا .
افية أوغيرها لمكان ومنها ماتعكس المواصفات الطوبوغر ّ البياضة " البياضة" "ضهر ّ الق ـرية الناشئة منها" :المطلّة" "المنارة" " ّ "أبو األسود" "المطمورة" .....الخ .
فإن االسماء العر ّبية التخفى كما قلنا. وعلى ّ كل حال ّ ، على الرغم م ـن صاحبنا أنيس فريحة ،الذي لم يعترف بعـر ّبي ة
ٍ ياني أي منها ، ٍّ ّ وظل ُي ّ صر دائمًا على البحث عن جذر سر ّ م ٍ يح ال لبس فيه (!) . شابه السم البلد ،حتى لِما هو عـربي صر ٌ ُ ()13
السياق من البحث ،ألفـت نظـرنا مجموعـةٌ من في ه ـذا ّ العاملية ،تنتشر ع ـلـى التالل المجـ ـاورة لمدين ـة أس ـ ـماء البلدان ّ
جزين " .موضع المالحظة هـنا أنها تُزاوج "صيدا" صعودًا حتى " ّ
61
أسماء قرى ماتزال في "كسروان" و"جبيل" وما واالهما .هي الص ّوانة" "قـتالة" "القرية" "القصيبة" "القطين" "دارّيا" "صربا" " ّ الهاللية" "يانوح" .ومنها ربما "بنت جبيل" ،التي يبدو "كفرحتّى" " ّ ٍ بي ّأنها ُسميت بهذا االسم اسم عر ٌّ لمناسبة غير ّ خفية .وهو ٌ مصروها من المهاجرين من "جبيل" . صريح .يبدو ّ أن الذين ّ صدف ًة .بل من المؤ ّكد أن هذا التشابه الواسع لم يحدث ُ أن تلك القُرى هي يخية .نرى ّأنها كامنة في ّ ّإنه ُيخبئ حقيق ًة تار ّ هجرون من "كسروان" و "جبيل" وما واالهما . الم ّ ّ مما أنشأه ُ
سموها بأسماء أوطانهم الفقيدة تعبي ًار عن الحنين إليها .ونحن ّ هجرين قد سلك الطريق الم ّ مما فات ّ عرفنا ّ أن قسماً من أولئك ُ
جزين" وما واالها .حيث الساحلية ،وانتهى بهم المسير إلى " ّ ّ أنشأوا تلك القرى . ()14
نسية منها ،فليس من العسير عـلى أمـا االسماء الـفـر ّ ّ نسية . إما بشبهها بأسماء بلدان فر ّ المدقّق أن يميزهاّ . العارف ُ
تك قد جرى تحريفها نسية في االسم ،وان ُ وا ّما بوجود كلمة فـر ّ لتُناسب النطق بالعر ّبية .واما ِ بجرسها الفرنسي ،الذي ال ّ يخفي على العارف بهذه اللغة .
61
فمن األول ،أي التشابه بين اسم ٍ عاملي وآخر بلد ّ عبر عن الحنين إلى فرنسي ،وهو من باب ميل ّ النازح إلى أن ُي ّ
وطنه بهذه الوسيلة .
من أصرحه" :باريش" Parisو"طلّوسة" ، Toulouse
الرغم من أنيس نسية المشهورة .على ُّ الم ُدن الفر ّ وكلتاهما من ُ فريحة ،حيث قال أن اسم "طلّوسه" تحريف ،Talyuseمعناها: صغار ،أحداث .وقد يكون تحريف :Tallushaلزج ،طيني،
مبني صبي صغير .كما قال على "باريش" كالمًا مشابهًا .وكّله ّ وبينا خطلها فيما فات .وفي على تشابهات لفظية ،نقدناها ّ ّ "فلسطين" بلدةٌ اسمها "طلّوزة" . ٍ أسماء كثيرٍة جداً من هذا شك لدينا بوجود ونحن ما من ّ
نسية األصل ،في "جبل عامل" . القبيل ،أي الفر ّ تامـا ، ّ لكن متابعة البحث باتجاه استقرائها استقر ً اء ّ مفصل ًة بأسماء عشرات آالف البلدان والقـرى في يقتضي معرف ًة ّ عاملية عامرة "فرنسا" .ومن ثـ ّـم مقارنتها اسماً اسمًا بأسماء بلدان ّ يستحق بذل مثل هذا مطلب ال أن ذلك ّ ٌ أو دارسة .ومن الواضح ّ أساسي ًة إلى نتائج الجهد الكبير ،ما دام لن ُيضيف إضاف ًة ّ ُ
البحث .
62
نسية في اسم البلد ومن الثاني ،أي وجود كلمة فر ّ العاملي ،حتى وان ي ُكن قد حـال أو ج ـرى تح ـريفه ليناسب الدارجة . النطق بالعر ّبية ّ ٍ بلدان عاملية " :طير فمنه كلمة "طير" في اسماء ثماني فلساي" " طيرحرفا" "طير ِدّبا" "طير زبنا" ( بات اسمها اليوم
الشهابية" ) " طير سمحات" "طيرعديس " "تربيخا" (اصل اسمها " ّ "طير بيخا") طرشيحا (اصل اسمها "طير شيحا") .وكّلها ال نشـ ّك في أن أصل كلمة "طير" فيها جميعها هو " ،" tyrوهـو االس ـم
الدائ ـر بين األوروبيين لمدينة "صور" .وربما منها أيضًا "طو ار".
وليالح ـظ القارئ العارف هنا أن كل هاتيك الق ـُـرى كانت أيام ُ الصليبية . الصليبيين في نطاق إمارة "صور" ّ الالذقية" أن في نطاق مدينة " ّ ولتنظير المثال نقول ّ ، صليبيًا صريحا .إحداهما "سنجوان" ،أصل قريتان تحمالن اسمًا ّ
المقاتلين المعروفة اسمها Saint jeanوهو اسم ُمنظّمة الرهبان ُ الشبطلية" ،أصل الصليبية .والثانية " لمون بالحركة ّ ّ لدى من ُي ّ
المنظّمة نفسها ُ ،يعنى اسمها Hospitallierوهو ٌ اسم لفرٍع من ُ المقاتلين ومرضى الحجاج . بتمريض جرحى ُ ومن غـرائب أنيس فريحة التي ال نهاية له ـا ّ ،أنـه قـ ـال
63
على البادئة " طر" ،في أسماء هاتيك البلدان السبعة ،أنها من ال ذريعًا في تقديم أي يانية ،بمعنى حظيرة .مع أنه فشل فش ً السر ّ ٍ تفسير لالحقة بأسمائها على قاعدته العجيبة .ألنه لم يلتفت إلى ٍ أصل فرنسي . ّأنها من ومن أمثلة األنموذج الثالث ،أي الكلمات ذات ِ الجـرس
الفرنسي في أسماء ٍ بلدان عاملية ،وهي األكثر واالسهل مالحظةً ّ نسية . للعارف باللغة الفـر ّ خصوصيات فمنه الصوت األنفي ( ، )onوهو من ّ
نسية . اللغة الفـر ّ ومن أمثلته" :أرزون" " ، Arzonأرنون" ، "Arnon عنقون" " ، Ankonعيترون" " ، Ytaronمارون" ، Maron "فرون" " ، Phronيارون" .Yaron
ومنه الصوت الممت ّـد آخر االسم .من أمثلته " :دوبيه" " ، Dubayحيتوله" " ، Ytulayباتوليه" " ، Batulayرقلية"
" ، Riklayسينيه" . Synay هنا من الضروري تنبيه القارئ الحصيف ،إلى أن
نسية ،التي زاوجنا بها أعاله االسماء االسماء المكتوبة بالفـر ّ منا ،استنادًا فقط إلى الحالية للبلدان بالعربية ،ليست إال تقـديرّي ًة ّ ّ
64
ِ نسية . المشابه للكلمة كما تُنطق باللغة الف ـر ّ الجرس ّ ()15 ال للبحث نقــول : تسهي ً
امية أو العر ّبية أو العبرّية إن كل األسماء غير اآلر ّ ّ األصل ،في بلدان "جبل عامل" ،هي على األرجح ج ّـداً ، نسية األصل . وباألحرى على نحـو الحصر ،فر ّ منها "رشكنانيه" " "شدغيت" "شلفيت" "إرمت" " إقرط "
دردغيا" جويا" " ّ "باصين " "برتي" "بسري" "بطيشيه" "جنسنايا" " ّ وباب اخية" "جميجيم" "شبريحا" . . .الخ .وهي كثيرةٌ ج ّـدًا . "ن ّف ّ ُ البحث عليها مفتو ٌح لمن يرغب .
أن هاتيك االسماء ذات ِجـر ٍ س فـرنسي غير ولنالحظ ّ خفي .من السهـل جــدًا على العارف أن يكتب أسماءها باللغة ّ ال النطق بهذه اللغة .فض ً نسية ،لـتأتي مناسب ًة تمامًا لقواعد ُ الفـر ّ ظل أهلها على المسيحية حتى ٍ وقت قريب . أن بعضها ّ ّ عن ّ
نفاخية" . ومنها " دردغيا" و " ّ ّ
()16
المساعدة أيضًا في هذا البحث ّ ولعل من اإلمارات ُ ِ الدارسة في "جبل عامل"، العسـر ،أن ظاهرة ُ القـرى الكثيرة الخراب ّ
65
التي قد ِ نج ُـد ذكرها في ال ُكتُب ،ونفتق ـد أعيانها على األرض ، إال
عادية في أنحائه من بعض اآلثار أحيانًا ،وهي كثيرةٌ كثرًة غير ّ مما نزحـ ـت ،ـ ـ ـ ـ ـ ـ تل ـك القـُـرى إنما ترجع ،فيما ُن ـ ّ رجـح ،إلى أنها ّ عنه أخالف وبقاي ـا الصليبيين إث ـر التحرير ،وهج ـرة مـ ن استطاع
الهجرة منهم عائدين إلى وطن آبائهم .ولم ي ُكن في وسع نسبة
التكاثر السكاني الضئيلة ،بين أهل "جبل عامل" الفقراء،أن تفي بعمرانها ،وأن تغطي الف ـراغ السكاني الكبير ،الحاصـل بهجرة المفاجئة .فكان أن خـربت قُ ـراهم وبلدانهم جموع الصليبيين ُ واندرست ،ولم يبق منها إال أسماؤها الضائعة وآثارها ،التي ُّ تدل على تاريخها العمراني . منها :
"ادمت" قري ٌة خـربة من قرى ِّ الشعب .
"راج" قريةٌ خـ ـربة قـُـرب "يارون" . " رندا " خـ ـراب في أرض" عـيثا ِّ الشعب " .
وعمران .
ٍ اب غرب قلعة "دوبيه" .فيها آثار ٍ عميقة آبار "زّنار" خر ٌ سموخه" قريةٌ خراب قُـرب "بنت جبيل" . " ّ النبطيـة " . " طهـ ّرة " خراب قُـرب " ّ
66
"أطـ ار" قـري ٌة لسنا نعرف أين كانـت ّ .إنما ُيذك ـر اسمها لمدة قصيرة في بعـض المصادر ،بمـا ُيـفه ـم منه أنها كانت عامرةً ُ
بعد الصليبيين .
" دابل " قـريةٌ خراب قُـرب "طير ِدّبا" . "شلعبون" قريةٌ خراب بين "بنت جبيل" و "عين ابل" . جزين" . "رمشاي" قريةٌ خراب تتبع قضاء " ّ "رويس" خرائب جنوب بلدة "حوال" .
"ريشا" قريةٌ من قرى "ال ّشعب" ،هي اليوم خراب .
أسماء كثيرةً غيرها . وبمزيد بحث يمكن أن ُنضيف ً طيردبا" ، Tyr de bayعلى الساحل والظاهر أن بلدة " ّ
المجاور لمدينة "صور" ،ومنها اشتُ ّق اسمها ،من القرى التي ُ بقيت خرابًا بعد النزوح الصليبي ،إلى أن نزلتها أُسـ ٌـر ُمسلمةٌ ، غنية) التي قدمت من "الجزائر" ،ف ار ًار من ُمعاناتهم منها آل ( ُم ّ باالستعمار الفرنسي ،فعمرتها .ثم مالبثـت أن أنجبـت فـقهاء ٍ ومجاهدين معارف .من كبار العلماء منهم أجـالّء وأهل قـل ـم ُ المنيف في الفقيه الجليل الشيخ حسين مغنية ،صاحب ّ ّ الدور ُ طى تحت اسم المغ ّ ُمقارعة االحتالل الفرنسي لـ "جبل عامل" ُ ، االنتداب المعسول .وصاحب التصانيف الشيخ محمد جواد
غنية. ُم ّ
67
تغمدهم اهلل تعالى جميعًا ومن المجاه ـدين الشهيد عماد ُم ّ غنية ّ ، برحمته . ()17
يحس ُن بنا أن ُنضي ف إلى أسماء تلك في ختام الفصل ُ الدارسة ،ما قـد تُشير إليه أسماء أُسر ٍ عاملي ٍة اليوم. ات القُرى ّ ّ ُ ُ ٍ جوزّ ،أنها (دارسة) ه ـي يمكن وصفها (االسماء) ،بشيء من التّ ّ
صليبية األصل .لك ـ ّن أبناءها كان ـوا قـ ـد األُخرى .بمعنى ّأنها ّ العمالني ـة بأوطا ن أجدادهم الثقافي ـة و المعنوية / انقطع ـت صلتهم ّ ّ ّ
األصلية منذ أجيال .واألرجح أنهم طفقوا يتكلمون العـر ّبية بلهجتها ّ المحلّّية .بحيث أنهم بالنتيجة لم يعودوا يعرفون غير "جبل عامل" لهم موطناً .
تحرر "جبل عامل" من االحتالل الصليبي ، هؤالء عندما ّ ٍ احتالل دام قرنين من الزمان إال قليال ،لم يجـدوا سببًا أو بعد وسيل ًة للعودة إلى أوطان أجـداده ـم البعيـدين .بل ربما لم يعودوا
بالضبط . يعرفون ما هي وأين هي أُصولهم ّ لذلك فإنهم بقوا حيث هم ،واندمجوا بأهله .ونسوا كل
يتحولون ما يتعلق بتاريخهم الشخصي .ثم أنهم طفقوا بعد التحرير ّ ٍ أسماء سالمية .وحـدها بأسماء إ يتسمون ّ ُ شيئًا فشيئًا إلى اإلسالم ،و ّ
68
حرف ُليناسب الم ّ أُسراتهم ،التي احتفظت ،وماتزال ،بلفظها ُ نطقها بالعر ّبية ولكن ب ِجرسها الفرنسي ،هي الدليل الوحيد الباقي حتى اليوم على أصلهم البعيد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
69
الفصل الرابع
تــتــار /مغــول ()1 من هم أولئك الذين لم يكونوا شيئًا مذكو ار ،ليسوا في
ُحسبان أحد .ثم إذا بهم ينهالون وعلى كل من حولهم وعلينا فجأةً من أقصى الشرق ،أواسط القرن السابع للهجرة /الثالث
عشر للميالد ،قوةً عسكرّي ًة مهولة .اجتاحت دار اإلسالم من الشامية وأبواب "مصر" . ال إلى آخر المنطقة مشرقها ،وصو ً ّ
ُمنزلين حيثما حّلوا من التقتيل والتدمير ماال تزال آثاره وتداعياته ماثلةً حتى اليوم بمختلف األشكال ،لمن ُيحسن قراءتها ؟ ()2
أخص الغربيين منهم ، ُّ أن من المؤرخين، مسوغ السؤال ّ ّ أما من يسمونهم (المغول) ّ . Mongols Mongolians
المسلمون منهم فيسمونهم (التتر) أو (التتار) .وذلك بنفسه
إشكاليةٌ تستدعي البحث عن سببه ،ثم عن وجه إشكال أو ٌ ّ الصواب فيه ،ومن ثـ ّـم مفاد ذلك على مستوى العملية التأريخية .
خصوصًا وأننا قد ابتُلينا بهم ،وباتوا بالرغم عـّنا جزءًا من تاريخنا ودم ـروا ،أم بوصفهم أرباب المكتوب .سو ٌ اء بوصفهم ُغـ ـزاة قـتّـلوا ّ
71
ُدول في غير ٍ اإلسالمية ،تحت مختلف قطر من أقطارنا ّ االسماء والعناوين ( :إيلخانات) في "فارس" (654ـ ـ ـ ـ741ه / 1256ـ ـ ـ ـ ـ ( ، 1339خاقانات) في "الهند" (932ـ ـ ـ ـ ـ ـ 1174ه/
1525ـ ـ ـ ـ1761م) ( ،خانات) في شبه جزيرة "القُـرم" (823 ـ ـ ـ ـ ـ 1191هـ ـ 1421/ـ ـ ـ ـ ـ1777م) . كل حال ،فلنبدأ بالتعـريف ٍّ بكل من الفريقين : وعلى ّ ()3
المنغـول) فهم القوم الذين تجمع بينهم ّ أما (المغول) أو ( ُ ٍ ٍ طويل بين أهل المغولية .على كالم أنهم الذين يتكلمون اللغة ّ اإلثنية . الر ّسـّية / وتنوع أُصولهم ِّ ّ االختصاص في اختالف ّ كان (المغول) قبائل صغيرة متناثرة ُمتنازعة ،قبل أن
يوحدها تيموجين /جنكيز خان( 1216ـ ـ ـ ـ1227م) تحت إمرته ، ّ ويمنحها وضعًا امبراطوريًا عاصمته "قراقورم" في"منغوليا" ،ثم لكن "خان بالق"(هي نفسها "بكين" عاصمة "الصين" اليوم)ّ . ال(1216ـ ـ ـ ـ 1261م) .بل انقسمت بعده ثالثة عمر طوي ً دولته لم تُ ّ
أقسام .القسم الذي ابتُلينا به منهاهو القسم الجنوب غربي الذي وجـه جيوشه إلى دار اإلسالم ،واحتـ ّل بإمرة ابنه ( هوالكو ) .إذ ّ اسية ،ث ـم أنه "بغداد" حيث قضى العب ّ قضاء ُمبرمًا على الخالفة ّ ً
71
اجتاح بالد"الشام" واحتـ ّل"دمشـق".وفـيها بلغته وفـاة أخـيه الخاقان االعظم للمغول (مونكوخان) .فرجع بمعظم جيشه المؤلف من المغول إلى عاصمتهم "قراقورم" في "منغوليا" ،ل ُيشارك في انتخاب الخاقان الجديد .تاركاً مابقي من جيشه بقيادة أحد ضباطه
المدعو (كيتوبوقا) ،المعروف بين مؤرخينا بـاسم (كتبغا) .هو الذي هزمه المماليك في مع ـركة "عين جالوت" الفاصلة .
ال ، سياسي جديد في المنطقة إجما ً ٌّ بالنتيجة نش ـ ـأ وضعٌ حدوده نهر"الفرات" .حيث بات منه وشرقًا تحت الحكم المغولي.
ومنه وغربًا دولة المماليك ،بعد أن صعدوا على قاعدة انتصارهم العظيم في "عين جالوت" .
واليوم يعيش المغول في جهورية"منغوليا"،حيث يش ّكلون
الداخلية) ،حيث أغلب سكانها ،وفي "روسيا"و"الصين" (منغوليا ّ ٍ الية ،وفي بعض يتمتّعون بنمط من الحكم ال ّذاتي ضمن الفيدر ّ
أنحاء المنطقة المعروفة تاريخياً بـ "خراسان الكبرى" أو "ماوراء النهـر" ( ُيسميها الغربيون ومن تبعهم "آسية الوسطى") .ومنهم مي ـز في أقلّّية ( اله ازرة ) الشيعية الشهيرة في "أفغانستان" ،ذات التّ ّ ّ أقلية في شرق "أُوروبة" حضورها الثقافي والعملي .كما أن منهم ّ
تُعرف باسم (الكماليك) .
72
()4 أما (التّتر) أو (التتار) فهم من جملة الشعوب الـتـركـّيـة ّ التركية المتعددة . الطورخانية) .تتكّلم لهج ًة من اللهجات ( ّ ّ
وبذلك تمتاز عن المغول الذين يجمع بينهم أنهم يتكلمون اللغة المغولية كما عرفنا .لغتهم الخاصة تنتمي للمجموعة اللغوية تضم اللهجات الم ّ سماة بـ (الكيبجاك) (عندالعـرب :القفجاق) ،التي ّ ُ بايجانية والقرغـيزّية والتركمانية . اخية واألذر ّ بكية والكاز ّ األوز ّ
أن ابن خلدون ُيسمي التتار بـ ُنشير بالمناسبة إلى ّ نظن أنه ليس إال اسم غر ٌ يب غير معروفّ . (التّغزعز) .وهو ٌ تصحيفًا ،منه أو من ُّ الن ّساخ ،لـكلمة (القرغيز) ،وهؤالء من
التركية كما سنعرف . القوميات التترّية / جملة ّ ّ كانت قبائل (التتر) التُّرك ،التي كانت قد دخلت في ٍ حروب طويلة مع الفاتحين المسلمين ، اإلسالم قبل قرون ،بعد
ـ ـ ـ ـ ـ كانت تنتشر في سهوب "خراسان الكبرى" الواسعة .بين الهضبة اإليرانية و"روسيا" و"الصين" ،كما التزال أخالفُها .لكن امية بعد أن باتت اليوم ُدوالً تحمل بأمانة أسماءها القب ّلية /األقـ ـو ّ
" :أوزبكستان" " ،كازاخستان " " ،قيرغيزستان" " ،طاجيكستان" ، جر . وهلم ّا "تركمانستان" ّ
73
()5 وعندما ظهر (تيموجين) /جنكيز خان ،ونجح في توحيد
المغول ،لم تجد األقوام التترّية أدنى صعوب ًة في االنضمام لمشروعه السياس ـ ـ ـ ـ عسكري .بل لعلّها تل ّقته بكامل الغبطة
جيدا الثروات الهائلة التي والرضى ،وهي التي كانت تعرف ّ تنتظرها إلى الغرب منها في بالد "فارس" و"العراق" .ولم يكونوا يستفيدون منها إال ببيع أبنائهم وبناتهم ألهـلها ،ليكونوا غلمانًا
لكنهم وجواري في خدمتهم ،أو عسك ًار في خدمة النظام الحاكم ّ .
كانوا،إذ يبيعونهم،يحصلون على األقـ ّل على أثمانهم من ُّ الن ّخاس، ال عن أنهم ببيعهم كما ويتخلّصون من عبء إعالتهم .فض ً
ٍ لعيش رغيد ،وان بصفتهم مملوكين ، جيدة يمنحونهم فرص ًة ّ بالقياس إلى الفقر الذي ُيعانونه في ربوعهم .
والحقيقة أن جنكيز خان ،بالنظر إلـى طموحاته ذات
ي ،وبالقياس إلى عديد قومه الضئيل نسبيًا ، الطابع االمبراطور ّ ٍ ماس ٍة إلى العديد الهائل لجيرانه ( التتر) .وما ن ـدري كان بحاجة ّ
السياسية ،ذات الطابع العسكريتاري ،التي ما هي التسويات ّ ج ـرت وراء السـّت ـار بين جنكيز خان ،وبين القيادات القـبـلـّي ـة / امية التترّية .ولكن من المؤ ّكد ،أنها انتهـت بانضمام جموع األقو ّ
74
أن العـليا المغولية .كما ّ ّ (التتر) الهائلة إلى الجيـش ذي القـيادة ُ ضّباط الجيش اّللجب أعدا ٌد من المؤ ّكد أيضًا ّأنه كان بين كبار ُ
اإلسالمية أحيان ـًا ممن ق ـد تلمع أسماؤهم ّ غير قليلة من (التتر) ّ . يخية للفترة . في نصوصنا التار ّ ()6
ُّ ئ معنا أظن أننا بهذا البيان الواضح قد بتنا ،وبات القار ُ تصوٍر يسمح لنا بأن نقول ماخالصته : ،مالكين لعناصر ّ
الغالبية األعظ ـم في ـ ـ ـ ـ ـ إ ّن (التتر) المسـلمين كانوا ّ الجرار الذي اجـتـاح (دار اإلسالم) من مشرقها ُ ،م ِ نزالً به الجي ـش ّ مانعـرفه من تقـت ٍ ـيل وتدمير.
الممسكين بناصية الق ـرار السياسي، ـ ـ ـ ـ إن(المغول) كانوا ُ الكامن خلف الخطط واألعمال العسكرّية ،بوصفهم أصحاب
السياسية المتقـ ّدمة في رؤيتها ّ المبادرة ،وبصفتهم الكتلة البشرّية ُ ُ الصارم .بالقياس إلى جموع (التتر) ونظامها الملكي االنتخابي ّ البداة ،الذين التحقوا ،أو باألحرى أُلحقوا إلحاقاً ،بقرٍار من شبه ُ القيادة المغولية ،العتبار ٍ ات لوجستـّي ٍة بحتة . ّ هكـذا ،فنحن عـنـدما نرى المؤرخين المسلمين بالعـ ـر ّبية سمون الذين اجتاحوا عاصمة الخالفة "بغداد" وغيرها بـ(التتر) ، ُي ّ فألنهم هم الذين رأوهم رأي العين يفعلون األفاعيل فيها .
75
أما الغـر ّبيون منهم ،فإنهم نظروا إلى أن الذين اجتاحوا ّ ٍ مغولية . بقيادة الشرقية " وغيرها كانوا مااجتاحوه من " أُوروبا ّ ّ
دون أن يكون في وسعهم التمييز بين (المغول) و(التتر) ،لِما بين ٍ الجثمانية . تشابه في الصفات االثنين من ّ
ثم أنهم لم يروهم يرتكبون مثل ذلك الذي ارتكبه (التتر)
ٍ الوحشية . أعمال في الغاية من القسوة في"بغداد" وغيرها ،من ّ ٍ بكلمات نادبة . سجلها مؤرخون مسلمون ّ ()7
صور لدينا عن تركيبة القُوى الغازية ومما ُيكم ُل هذا التّ ُّ ّ المغولية ،أن هوالكو ،إذ كان ُيحاصر "بغداد" ، تحت القيادة ّ ٍ المحاصر المستعصم باهلل ،عارضًا اتصل بوسيلة ما بالخليفة ُ عليه الخروج للتفاوض ،آمنًا على نفسه . ولدى خـروج الخليفة ِقـيـد إلى خ ـركاه (خيمةٌ تترّية من التقليدية جلود) ،حيث وجد بانتظاره عدداً من فقهاء التتر باألزياء ّ للفقهاء ،طفقوا ُيجادلونه بالكتاب والسُّّنة ،بما هو أشبه بجلسة علنية للخليفة .تحاسبه على سلوكه ونمط حيات ـه الالهية، ُمحاكمة ّ المحدقة بالمسلمين ،ولم ُي ِع ّـد دون أن يكت ـرث بالُّنـ ُذر بالمخاطر ُ للدفاع عنهم ُع ـ ّدته .بل مضى في حياته الالهية ُ ،منصرفًا إلى
76
ملـ ّذاته ،مع الحرص الشديد على أمواله ،فال ُينفقها على شؤون المالية الكبيرة . الدفاع ،كما يقتضي منصبه الرفيع وموارده ّ األمر الذي يوجب عزله ،حتى لو اقتضى األمر اللجوء إلى
كأن أُولئك الفقهاء التتر بهذه األُطروحة كانوا القوة القاهرة .ف ّ ّ يعملون على منح ٍ عية النضمامهم إلى المغول في نمط من ال ّشر ّ
حربهم عـلى المسلمين .بل ،ربما ،حـتى يمنح ش ـرع ـّي ًة ّما للمغول الوثنيين .باعتبارهم عـقوب ًة من اهلل تعالى ،سّلطها على الخليفة المنحرف ،وعلى ِّ يتمسكون بشرعيته . كل الذين ّ ُ وطبعاً كان ذلك المشهد إنما تـ ّـم بالرضى والرعاية امين من هوالكو نفسه.بشهادة أنه هو الذي منح الخليفة التّ ّ أن المسكين األمان ،ثـم وفى له بما وعـد .ومن الغني عن البيانّ ، ّ
السياسية العليا للجيش ،كان هوالكو ،بوصفه القيادة العسكرّية و ّ الحية في الجبهة لهذا اإلجراء الص ّ السلطة و ّ الذي يملك حص ًار ُ ومثـله .
ملي ـًا في عناصـ ـر يتأمل ّ بل ّ إن القارئ اللبيب ،إذ هـ ـو ّ ال، ذلك السيناريو ،ق ـد يكتشف بسهولة ّ ،أنه كان ،جمل ًة وتفصي ً
من ُبنات أفكار هوالكو .ال ـذي الب ـ ّد ّأنه كان يضع في ُحس ـبانه اجتياح دار الخالفة مع ضمير القسم األكبر احتمال أن يتعارض ُ
77
من عسكره المسلم .األمر الذي ،إن حصل ،سيكون له أســوأ األثر على الحافز القتالي المعنوي لألكثرّية المسلمة من عسكره . يوجه أذهانهم وضمائرهم باالتجاه فلجأ إلى ذلك التدبير البارع ل ّ يدل على ٍ الذي ُيناسبه .وذلك ُّ دهاء ما بعده دهاء . ()8 ٍ إضافيـة ، حصيلة الس ـرد أراه قـ ـد أوصلناعـف ـواً إلى ّ هذا ّ يح وهمًا شائعًا ،موضوعها االنتصار التاريخي للمسلمين في تُز ُ معركة "عين جالوت" .
قدم الحدث بوصفه معرك ًة الصورة الشائعة في األذهان تُ ّ ٍ نتيجة غير مسبوقة ،حيث بين المسلمين والمغـول .انتهت إلى مرة . ألول ّ ذاق المغـول طعم الهزيمة ّ يخية للمعـركة ،فإننا نرى التام بالقيمة التار ّ مع تسليمنا ّ
أن من التبسيط وفق ـرالمعلومات أن ُيقال ّأنها كانت بين مسلمين خل بالحقيقة .بل الحقيقة ّأنها كانت بين فريقين، ومغول .ذلك ُم ّ
كالهما لألسف من( التت ـر) المسلمين .المماليك الذين ترجع
عامته ـم من أُصولُهم إلى "خراسان الكبرى" " /ماوراء النهر"كان ّ (التتر) ،وان هم ُس ّموا على لسان المسلمين بـ(التُّرك) .وال ُم َّ شاحة مابيّنا أن (التتر) هم من(التُّرك) ،على ّ في األمر ،فمن المعلوم ّ قبل قليل .
78
ُّ يدل على ذلك ما هو معروف أن الجمهوريين األتراك ، العثمانية ،طفقوا يتداولون عناصر بعد أن قضوا على الخالفة ّ دستور دولتهم الجمهورّية الجديدة ،ومنها طبعًا اسم الدولة ،ـ ـ ـــ
فكان من الطروحات اسمًا لها ُيرجعها إلى األصل العـريق لشعبهم ال ( ،الجمهورية التترّية) .لكنهم ،بنهاية التتري .كأن ُيقال ،مث ً
تجم ٍع التداول ،آثروا اسم "الجمهورّية ّ التركية " ،ربما بسبب وجود ّ سكاني تتاري كبير في "القفقاز" .هو الذي بات اليوم من الية الروسية ،تحمل اسم "جمهورّية الجمهورّيات المكونة للفيدر ّ ّ تتارستان" ،عاصمتها "قازان" . ()9
نقول َّ كل ذلك ،مع األخذ بعين االعتبار أن قيادة الغزاة يوم "عين جالوت" كانت بالفعل من (المغول) ُ ،ممثّـلين ُ بالضابط المغولي (كيتا بوقا) ( /كتبغا) .الذي أوكل إليه
(هوالكو) قي ـادة م ـن بق ـي من جيشه في " دمشق " ،ق ـبل أن يشـ ـ َّد
ولية " قراقورم " .ليشارك في الـ ِّرحال ُمسـرعاً إلى العاصمة المغ ـ ّ انتخ ـاب الخاقان األعظم الجديد ،بوصفه أحـد المر ّشحين للمنصب الكبير ال ّشاغر.
لذلك فإنه اصطحب معه أكثر عـسكره المغـولي ،ربمـا
79
ألنه لم يكـن يعـرف على أي مستـوى سيجـري حـ ّل قضية خالفة
الخاقـان المتوفى .مع األخذ بعين االعتبار احتمال الحاجة إلى حل عسكري ،أو إلى ٍّ ٍّ حل سياسي ُمسـتـنـ ٍد إلى ميزان القُ ـوى ي بين المتنافسين ،كما سيحصل بالفعل بع ـد قليل.وذلك العسكر ّ إثر وصول آخر الخاقانات المغول العظام المسمى(قوبالي خان) إلى السلطة العليا .لكنه لم يستمر في منصبه سوى أربع سنوات
(1261ـ ـ ـ 1264م).من بعده انقسمت االمبراطورّيةُ إلى أربعة أقسام.
ما من ر ٍ أن(هوالكو) لم يترك خليفته في "دمشق" يب في ّ
وحيداً بين جموع (التتر) الغفيرة .بل استبقى عدداً مناسبًا من الضباط والعسكرالمغولي،حفاظاً على الحضور المغولي المعنوي
لكن الممسكين بالقرار السياسي ـ ـ ـ ـ العسكريّ . ،بوصفهم المالكين و ُ القوة الغازية ،التي قاتلت فيما بعـد العسكر المملوكي في عماد ّ "عين جالوت" ،كانت ،وال ريب أيضًا ،من (التتر) المسلمين . ()11
ُّ تستحق ورد معلومة طريفة جداً ،نراها في ختام الفصل ُن ُ التسجيل لطرافتها .وان لم ت ُكن ذات عالقة بعمود البحث
لكنها تُضيف معلوم ًة نادرةً لبعض ذيول الغزو واشكاليته ّ . المغولي لبالدنا .وهي من أوائل تسجيالتي الكثيرة .يرجع تاريـ ُخ
81
كنت قد تل ّقيتُها من تسجيلها إلى زهاءنصف قرن من الزمان ُ . كنت أُع ُّـد فيها أحد أساتذتي في "جامعة بيروت العر ّبية" ،يوم ُ
إلجا ٍزة في علمي االجتماع والس ّكان .رواها لي يوم ّلبى دعوتي عت ف ــو ًرا إياه لزيارة "بعلبك" ،والتّمتّع برؤية قـلعتها العظيمة .فسار ُ إلى تسجيلها لطرافتها ،كي التضيع من الذاكرة . ()11
أن األستاذ رحمه اهلل كان قد أُعير من خالصة القصة ّ ّ ٍ جامعة في المنطقة المعروفة اليوم بـ جامعة "اإلسكندرّية" إلى يخية .لكنها "منغوليا الداخلية" .وهي جزٌء من "منغوليا" التار ّ ّ اليوم مقاطعةٌ ذات ٍ الية . حكم ذاتي في "الجمهورية الصينية" الفيدر ّ ّ سكانها من المغول .وفيها قبر (جنكيز خان) .وفي غـر ّبي ها
ـليةٌ كبيرةٌ من المسلمين ،تبلغ نسبتهم فيها إلى مجموع السكان أق ّ األقل من الشيعة .تنتشر فيها المساجد . %17تقريبًا ،بعضهم ّ ودّيـةٌ بين األس ـتاذ وكما هو متوّقع ،قامت صالت ّ ٌ المسلم وبين بعض المسلمين هناك ،من تالميذه وغيرهم .حيث
عـرف منهم ّأنهم ،وان يكونوا معدوديـن اليوم م ـن جملـة(المغول)، ٍ تضرب وليـ ٍة كاملـة األوصـاف ،لـكـ ّن أُصولهم البعيدة بس ـحنة مغـ ّ ُ إلى أجدادهم العـرب المسلمين ،الذين قدموا من البالد العـر ّبية .
81
وطبعاً كان هذا الكالم موضع ُّ تعجب وريبة األستاذ .
في سبيل تأكيد دعـواهم ،قالوا لألستاذ إّنهم يحتفظـون ٍ بكنز تاريخي ثمين يتصل بأصلهم العـربي البعيد ،هو عبارةٌ عن
شواهد قبور أجدادهم األولين العـرب ،الذين قدموا من بالدهم .
اضطروا أخي اًر إلى مهمة حفظها مدة قرون .لكنهم ّ توالى أسالفهم ّ الثقافية في "الصين"، نزع الشواهد عن قبور األجداد ،أثناء الثورة ّ الصينيـة إلى إتالفها ،فـيمـا أتلفـته م ـن خشـية أن تعم ـد السلطات ّ ٍ مكان التراث الصيني العـريق .ومن ثـ ّـم عمدوا إلى إخفائها في حـر ٍ اليمانعون في يز مكتوم .لكنهم ،ثق ًة منهم بشخصه ُ ، إطالعه عليها إن رغب . قال األستاذ ،إّنه ُذهل عندما رأى أمامه عشرات شواه ـد ٍ أشخاص ،مشفوع ًة القبورالحجرّية،المرقـومة باللغة العـر ّبية بأسماء
بتواريخ وفياتهم ،ترجعُ جميعه ـا إلى القـ ـرن السابع الهج ـري / أن تلك القبـور هي من الثالث عشر الميالدي .فعرف من ف ـوره ّ
أن فترة الغزو المغولي ّ . وقدر ،بما لـديه من خب ـ ٍرة ومعرفة ّ ، ممن اصطحبهم (هوالكو) إذ أولئك ّ الدفينين ما ُه ــم إال أُسارى ّ ، ال رجع إلى"منغوليا" .ليتوفوا هناك بعد أن أنجبوا وتنامى نسلهم جي ً القصية ، بعـ ـد جيل .وهم أصل انتشار اإلسالم في تلك البقعة ّ
82
لكنهم ل ـم ينسوا أصلهم البعيد ، إسالميةً ّ . التي لم تعرف دع ـوةً ّ بل وثبتوا على دينهم ،وأنشأوا المساجد وعمروها .كما أنهم
احتفظوا بقبور أجدادهم طوال سبعة قرون ،إمارًة على ُه ـويتهم الفقيدة .ولعلّها ما تزال هناك حتى اليوم . ـــــــــــــــــــــــــ
83
الـفـصــل الخامس أيــال /إيـلـيّـا /إلـيــاس () 0 الكلمات الثالث ّ هن أسما ٌء ل ُمس ّمى واحد .ل ّكنها أثناء ت ثقافيّة ،لغـويّة / حراكها في الزمان الطويل ،خضعت لمؤثّرا ٍ فيلولوجيّة بالتحديد ،نالت بعض االسم فب ّدلته .وبذلك آل أم ُرها عندنا إلى أن باتـت إشكاليّة بحث . وسنُفصّ ل وجه األمر ،الذي جعـل منها إشكاليّة تحت العنوان العا ّم لبحثنا بعد قـليل . االسمان الثاني والثالث من مقطعين ،أولهما ثابت هو (إيل) بمعنى (ربّ ) أو (إله)( .ليس دقيقا ما قـيل أن معناها(هللا) ، ألن هذا اسم عل ٍم هلل الواحد ّ عزوجلّ وحده) .أ ّما ال ُمتغيّر فهو ،في (إيليّا)( ،يا) .وفي (إلياس) ،التي أصلها (إيل ياس) ( ،ياس) . األول من األسماء الثالثة فله ٌ شأن مختلف .سنقفُ عليه أ ّما االسم ّ عن قريب .بعد اإلشارة إلى ّ أن التركيب نجده مقلوبا في اسم ج ّدنا (إسماعـيل) /اسماع إيل :ربٌّ سميع . على أن الالحقتين كلتاهما بمعنى .تعنى المنسوب إليه . أي أن المعنى فيهما ،ال ُمر ّكب من الكلمتين ،يُشبه كلمة ( ربي )
84
بالعـربيّة .غاية األمر أن األُولى منهما باللغة العبريّة ،أ ّما الثانية فهي باليونانيّة . فمن هنا نعرفُ أن كلمة (الياس) القرآنيّة ،إسما للنبي أو الرسول المعروف ،الذي يتكرّر ذكره في التنزيل الحكيم ،هي ت كثير ٍة غيرها .أكثرها دورانا على أصل من يوناني .شأن كلما ٍ ّ ٍ األلسُن (درهم) (باليونانيّة :دراخما) ،و(دينار) (باليونانيّة : ت ثقافيّ ٍة عـريق ٍة ج ّدا بين العـربيّة ديناريوس) .ما يدلُّ على صال ٍ واليونانيّة ،ترقى إلى عهو ٍد سحيقةٍ غير مؤرّ خة .ذلك ّ ألن لوال شيوع النّقدين بين السكان العرب في شبه الجزيرة ،لما دخلت الكلمتان بسهول ٍة إلى لغتهم ،كما التزاالن . () 2 ّ ولكن هذا ال ّدرس اللغوي/الفيلولوجي سيطرح حسنا ، السؤال الذي بات تقليديّا في بحثنا : كيف ولماذا دخل االسمان تحت عنوان بحثنا ؟ التاريخي الخبيء فيهما ؟ ما هو السّـرُّ ّ في الجواب نقول :إ ّن في "سهل البقاع" قـريةٌ تحم ُل اسم مقام لهذا النبي فيها ،أيّا ي ُكن "النبي أيال" .اسمها قاد ٌم من وجود ٍ اسمه من الثالثة االسماء ،شأن غير قـري ٍة من قُرى المنطقة .
85
ب في ّ أن المقطع الثاني من اسم القرية ــ المقام: ما من ري ٍ "أيال" هو ُمحرّ ٌ ف من (إيليّا) ،طلبا لسهولة اللفظ ،كما هو شأنُ العا ّميّة غالبا .أي ّ أن اسمها األصلي ،واسم دفين المقام ،هو "النبي إيليّا" .ولذلك ضربنا صفحا عن ض ّم كلمة (أيال) إلى ال ّدرس اللغوي الذي بسطناه أعاله ،مع أنها جز ٌء من عنوان ّ الفصل .وذلك بالنظر إلى ّ مستقال ، أن كلمة "أيال" ليست اسما يستدعي بحثا خاصّا .وأن ما قلناه وسنقوله على أصلِها (إيليّا) سيفي بالمطلوب . ق الذكر بل التنويه .هي ّ ثمة ظاهرةٌ تستح ُّ أن المقام مقصو ٌد بكثاف ٍة من س ّكان الوسط ال ُمحيط بالقرية ب ُمسلميه ومسيحييه على حـ ٍّد سواء .ولهم جميعا فيه عـقيدةٌ قويّة .بحيث يحتكمون إليه في نزاعاتهم وخصوماتهم .العتقادهم الرّ اسخ بأن ما من أحـ ٍد يجروء على حلّف اليمين الفاصلة عند القبر ،ما لم ي ُكن صادقا في قوله . من هنا ّ فإن من يدخل المقام ،خصوصا في أيام نهاية يجـ ُد فيه مجموعة األُسبوع ،ما بين يومي الجمعة واألحد ،قد ِ من المسلمين ،إلى جنب أُخرى من المسيحيين ،يزورون نبيهم جو من االنسجام ال ُمشترك أو يُصلّون ،كلٌّ على طريقته .في ٍّ
86
والتّلقائيّة ُّ . أظن أنّها حالةٌ فريدةٌ ال ثاني لها ،في كلِّ ما نعرفه من المقامات الدينيّة في الدنيا . ليس هذا فقط .بل ّ إن من العجائب ذات العالقة بالمقام ، ّ أن المسيحيين يُس ّمون صاحبه باسمه القرآني ( :إلياس) .في حين ّ أن المسلمين يُسمونه باسمه اليوناني ،والمسيحي ضمنا ( :إيليّا) ، ْ وإن بصيغته ال ُمحرّ فة (أيال) . م ّما الريب فيه عندناّ ، أن هذه الحالة بكامل مواصفاتها ، وبالخصوص تقديره ال ُمشترك من مسلمي ومسيحيي المنطقة ،لم تتج ّمع وتتكامل على هذا النحوباألمس القـريب .بل إنّها ،دون ريب ُ ،منغرسةٌ في أعماق التاريخ البعيد للمنطقة وأهلها ،الذي ُّ نظن أنّه يرقى إلى آالف السنين .األمر الذي يستدعي المؤرّ خ االنساني أن يُعمل فيه آليّاته البحثيّة ،ابتغاء ك ْشف ما يكتمه من أسرار خبيئة . ٍ وعليه فسنبدأ بالوقوف على صورة صاحب المقام في النّصّ ين اإلسالمي والمسيحي .ألننا نرى فيهما المفتاح الوحيد للبحث ،مهما يبعُـ ُد في الزمان .فيه ومنه تأسّست السلوكيّات ال ُمشتركة التي وصفناها .وكم لهذا في تاريخ البشر من أمثال . ّ ولكن أكثر الناس ال يعـلمون .
87
وسنُبيّن أو ُل الصورة اإلسالميّة ــ القرآنيّة ،ألنّها األقـربُ زمانا والمؤ ّكدة نصّ ا .ونُغنيها بالمرويّات التاريخيّة وال ّشفويّة .ثم نُثنّي بالصورة المسيحيّة ــ اإلنجيليّة ُ ،معتمدين أوثقها عندنا .مع االستفادة من النصوص التوراتيّة . () 8 ورد ذك ُر صاحب المقام في القرآن العزيزمرتين باسم (إلياس) . األُولى في سياق إحصاء الذين توالوا بناء حـركة اإليمان . فذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب ،ومن قبلهم نوح .ثم داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون .إلى ":وزكريا ويحي وعيسى وإلياس كلٌّ من الصالحين " (األنعام . )30/ويختم بذكر إسماعـيل واليسع ويونس ولوط . ق ُمشابه ،حيث أتى ذكره بنح ٍو أكثر الثانية في سيا ٍ تفصيال ّ ": وإن إلياس لمن المرسلين .إذ قال لقومه أفال تتقون . اتدعون بعال وتذرون أحسن الخالقين .هللا ربكم ورب آبائكم األولين" ( الصافات 028 /ـــ . )029 والذي نستفيده من ُمجمل هذه النصوص ّ ، أن (إلياس) كان النبوة. نبيّا .ألن ذكره في اآليات األُولى أتى في جملة ثالث ٍة ثابتي ّ
88
وإن اقتصر وصفهم في ختام اآلية بـ "الصالحين". لكنّه هو من بينهم ُخصّ في اآلية األُولى من المجموعة الثانية بأنّه "من المرسلين". نستفيد من مجموع هاتيك النصوص أمرين : ـــ األولّ : أن (إلياس) كان نبيّا صاحب رسالة .أي أنّه في الدرجة ال ُوسطى بين األنبياء المبعوثين برسال ٍة جديد ٍة .أي بين مرتبة (أُولى العزم) ،الذين بدأوا بـ (نوح) عليه السالم .ويختصّ ون بأنهم ُح ّملوا رسالة وشريعة أصيلتين جديدتين .ومرتبة من يُس ّمون (أنبياء الفترة) ،الذين تقتص ُر بعثتهم على التذكيروالتأكيد واإلحياء لِما كان قد بلّغه الرسول السابق صاحب الشريعة. ــ الثاني :أنّه عمل ،فيما عمل عليه ،على هداية الوثنيين الذي يؤلّهون الوثن ال ُمس ّمى (بعل) .ومن هنا المهم القرآن العزيز على أنّهم يدعون بعال ويذرون أحسن الخالقين . () 4 والـ (بعل) هذا من اآللهة الوثنيّة ،التي كانت معبودة في منطق ٍة شاسعة ،حيث امت ّدت الحضارة الكنعانيّة آنذاك .ومنها ، طبعا ،بالدنا.التي كانت من (أرض كنعان) .ومن المعلوم أن أول الرُّ سُل من أُولي العزم نوح عليه السالم ،قد عملت الرساالت ،منذ ّ
89
على هداية هؤالء الكنعانيين الوثنيين . في أوان النبي (إلياس)
عليه السالم
،الذي عاش ،على قول
المسعودي في مروج الذهب ،بين سليمان بن داود (ت 088:قبل الميالد ) وبين المسيح عليهما السالم ،ــ في ذلك األوان ،يبدو ّ أن مدينة أول ُمدُن الدنيا ،كانت من "بعلبك" العريقة ،التي يُقا ُل أنّها ّ المراكز الكبرى لعبادة الـ (بعل) .ومن ذلك أتى اسمها " :بعل بك" أي مقرّ أو محل أو موقع وثن الـ (بعل) . ٌ أدبيات تاريخيّةٌ ،أن (إلياس) عاش في "بعلبك" ، وتقول و ّ أن دعوته كانت بين أهـلها .ومن تلك األدبيّات ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية ،حيث قال " :رسالته [يعني إلياس] كانت ألهل بعلبك غـربي دمشق .وأنهم كان لهم صن ٌم يعبدونه يُس ّمى بعالا" . ويقول الطبري ما خالصته ّ ، أن دولة بني إسرائيل تشتّت بعد سليمان .وشاعت بينهم عبادة األوثان .وعبدوا الصنم الذي ذكره القرآن ،واسمه بعل .فأرسل هللاُ إليهم إلياس عليه السالم . وم ّما يجدر بنا ذكره في هذا السياق ،أنّه كان في أطراف "بعلبك" من غربيّها بنا ٌء مشي ٌد تعلوه قبّة ،منسوبٌ فيما يتداوله أهلُها إلى النبي إلياس ،ظلّ قائما حتى السنة 0021ميالديّة على األقلّ .إلى أن اجتاحته المقبرة المسيحيّة ال ُمجاورة في توسّعها ال ُم ّ طرد .فجرى هـدمه واإلعفاء على أثره .
91
وهذه هي صورة البناء ،يبدو فيها مقام النبي إلياس أعلى الصورة ،كما كان بتاريخ تصوير المقام على يد سائح فرنسي سنة . 0021
زمان سحيق ،على ما كان فذلك دلي ٌل ما ّديٌّ ،قاد ٌم من ٍ ب في من حضور للنبي إلياس في ُوجدان أهل "بعلبك" .ما من ري ٍ ٍ أنّه يرجع إلى فترة غلبة المسيحيّة على المنطقة ،أي ماقـبل انتشاراإلسالم .خصوصا ّ وأن موقع المقام أو المشهـد هو في المنطقة الغربيّة ـــ الشمالـيّـة من المدينة ،التي كانـت منذ ال ِقــدم ،
91
ت قريب ،معمورة بالمسيحيين .وما تزال تحمل االسم وحتى وق ٍ المناسب .وفيها معالمهم ومدارسهم وكنائسهم .وفي غربيّها مقبرة موتاهم ،حيث هي اليوم من قديم الزمان .ولكن الخلف نسوا أو لم يُق ّدروا القيمة التاريخيّة ،بالنسبة إليهم قبل غـيرهم ،لهذا المعلم التاريخي الفريد .فأقـ دموا في زماننا على هدمه واإلعفاء على أثره ،لحساب امتداد مقبرتهم . يُذك ُر أيضا ّ أن شيخ االسالم العثماني أبو السعود أفندي كان م ّما أخذه على علويي "األناضول" ذكرهم اسم النبي إلياس في بعض شعائرهم الدينية . فذلك ما لدينا في شأن (إلياس) ،بعـثته ومحلّ دعوته وحضوره المعنوي بين الناس .م ّما مصدره نصُّ القرآن العزيز ، ت باإلضافة إلى ما استفدناه من وقائع عمالنيّة /ما ّديّة ومرويّا ٍ أصل شـفويّ ،شأن أكثر الما ّدة التاريخيّة تاريخيّة .وإن ت ُكن من ٍ القديمة.وهي ما ّدةٌ نُق ّدرها لبُعدها عن االختالق المقصود . وسيكون علينا في الفقرة التالية أن نُ ِلـ َّم بما ورد في شأنه في العهدين القديم والجديد ،تحت اسم (إليياهو /إيليّا ) . ()0 صورة (إيليّاهو) :إلهي يهوه في التوراة ُمبتسرةٌ ،حافلةٌ
92
بالغرائب وصنوف الكرامات والمعجزات . فيما يخصُّ سيرته تقول في سفر الملوك ماخالصته ،أنّه عاش في "جلعاد" " ،عجلون" اليوم .وأنّه على أثر انحراف بعض بني إسرائيل إلى عبادة البعل وعشتاروت ،تركهم إلى أن انتهى به التطواف إلى "صرفه" .لعلها مدينة "الصرفند" ،من ُمدُن السّاحل اللبناني اليوم .وال تُشير إطالقا إلى أنّه ألـ ّم بمدينة ب أو بعيد .كما تقول أنّه في نهاية أيامه على "بعلبك" من قري ٍ األرض ،جاءت مركبةٌ ناريّةٌ وفُرسان ،حملته إلى السماء ّ . لكن الرّ بّ سيُرسله قبل يوم القيامة .ولذلك ّ فإن بعض اليهود يتركون له مقعدا خاليا على مائدة عيد الفصح ،توقُّعا لعودته . الحي وينتظرون عودته قبل المسيحيون يسمونه إلياس ّ المجئ الثاني للمسيح .وما تزال الكنيسة الشرقيّة تحتفل بعيد مارالياس في 21تموز /جوالي .كما شيدت أديرةٌ وكنائس كثيرةٌ تحمل اسمه في مختلف البلدان .أشهرها "ديرمار الياس" في "معرّ ة صيدنايا"في "سوريا" .وله ذك ٌر جمي ٌل في إنجيل برنابا ، اإلنجيل األقرب إلى الصحّ ة عندنا .حيث السيّد المسيح
عليه السالم
طول ٍة جرت على لسان إيليّا ،خاطب فيها يُح ّدث تالميذه بموعظ ٍة ُم ّ رجال ضريرا .هي من أجمل المواعظ وأعمقها معاني .
93
ٌ لمحات على ألوان وأنماط صورة "النبي أيال" / فتلك إيليّا /إلياس في األديان الثالثة .نراها كافية لبيان وتفسير حضوره الباهر لديهم جميعا .وبالخصوص الظاهرة الفريدة التي جعلت مقامه في قرية "النبي أيال" مقصودا من مسلمي ومسيحيي ونوهنا به آنفا . المنطقة ،على ماوصفنا ّ () 9 يبقى أن نعالج سؤاال،البُ ّد أنّه قد خطر للقارئ الحصيف . ما الذي يدلُّ ،أو يؤيّـ ُد على األقل ،صحّة نسبة المقام / المدفن المزور في قـرية "النبي أيال" إلى النبي إيليّا /إلياس ؟ في الجواب نقـول :الجواب القطعي على ذلك ومثله غير وارد .بل هو في مرتبة االستحالة عمليّا .ومن المعلوم أن شأن العملـيّة التأريخيّة إجماال ،هو شأن كافة العلوم اإلنسانيّة ،من حيث درجة اليقين التي تمنحها لمن يُصغي إليها .غاية ما تمنحه درجة كافية من اطمئنان النفس إليها .وبالدرجة األُولى من حيث انسجامها مع مواصفات المرحلة أو المراحل التاريخيّة التي حصلت فيها أو التي عبرتها . بذلك االعتبار نقول : واسع بيـن ق أوال :ثمة نقوالت شفـويّة ُمتداولةٌ على نطا ٍ ٍ
94
أهل المنطقة ،تقول ّ أن إلياس خرج من "بعلبك" ليأسه من أهلها، فلوحق من وثنييها ،إلى أن أدركوه في البقعة التي هي اليوم مقامه، حيث قتلوه .هذه النقوالت قويّة ،بعيدةٌ عـن الكذب واالختالق . الثانية :إن وجود المقام حيث هـو ،وإقبال أبناء المنطقة كافة عليه ،ينسجم تماما مع المراحل التي عبروها بج ْمعهم ،أثناء القرون ال ُمتعاقبة ،من الوثنيّة إلى المسيحيّة إلى اإلسالم . هنا نُالحظ ،استنادا إلى المقولتين أعاله ّ ، أن مايقوله ويعمل به التراث الشعبي لم ينشأ باألمس القريب .بل هما ثمرة قرون بعيدة .األمرالذي ي ّ ُعزز النقوالت الشفـويّة. حال ِة ُمستمرّة منذ ٍ أن مايدلُّ على أصالة التراث والسلوك الشعبييّن ّ ، ثم ّ أن زائري المقام المسيحيين لم يكترثوا عمليّا باألسطورة التوراتيّة ، القائلة أن إيليّا رُفع إلى السماء ،وباعتقادهم أنّه سيأتي قبل المجيء الثاني للمسيح .وعملوا بمقتضى ذاكرتهم التاريخيّة الجماعيّة، القائلة أنه مات ودُفن حيث مقامه .ألن تراثهم يستن ُد إلى وقائع ثابتة سجّ لتها ذاكرتهم الج ْمعيّة .أ ّما ُاألسطورة فلها مستواها الخاصّ ت كهنوتيّة .هذا الفارق في المستوى يحلّ الخاضع العتبارا ٍ التناقض بين من يُسميه (إلياس الحي) خضوعا للتأثير الكهنوتي ، ومع ذلك فإنّه يزور مدفنه لخبرته التاريخيّة الموروثة .