قانا الجليل في لبنان

Page 1

‫منشورات «ٳيل» ‪2-‬‬

‫«ٳهدن»‪ -‬لبنان‬


‫هذه رسالة «ٳٌل»‬ ‫اٳلله الكنعانً‪ -‬اللبنانً الكونً‬ ‫الى ابنته «عناة» البتول العذراء‬ ‫اوصلها البعل‬ ‫بعد انتصاره وجلوسه على عرشه‪:‬‬

‫« ابذري فً التراب محبّة‬ ‫اسكبً سالما" فً كبد االرض‬ ‫اكثري من الحب فً قلب الحقول » ‪...‬‬

‫ملحمة «البعل وعناة»‬ ‫‪3 : 7‬و‪4‬‬ ‫(منذ حوالً اربعة آالؾ سنة)‬


‫اٳلهداء‬

‫الى «قانا الجلٌل»‬ ‫الجنوبٌة اللبنانٌة التً بعثت من سباتها العمٌق‬ ‫طوال ألفً سنة وقامت مع طائر الفٌنٌق‬ ‫ومع أدونٌس‬ ‫ومع السٌّد المسٌح‬ ‫أهدي هذا الكتاب ‪.‬‬


‫المقدّمة‬ ‫على عتبات االلؾ الثالث ٌبدأ االنسان «سفر الخروج » الكونً‪ :‬من االرض الى الفضاء ‪ .‬االرض كانت المهد ‪.‬‬ ‫والفضاء سوؾ ٌصبح البٌت الكبٌر ‪ .‬ولم ٌعرؾ االنسان االرض على حقٌقتها االّ عندما أصبح فوق ‪ ...‬والصعود لم ٌكن‬ ‫ممكنا" لو لم ٌسبقه سفر الى االعماق ‪ .‬اال تقاس الشجرة فوق االرض بقدر ما تمتد جذورها فً اعماق التربة؟ من‬ ‫اعماق تربة الماضً الى اعالً فضاء المستقبل ‪ .‬المعادلة الزمنٌة ثالثٌة ‪ :‬من نضج الماضً الى وعً الحاضر الى‬ ‫استشراؾ المستقبل ‪....‬‬ ‫ولبنان وطن االنسان «وبوتقة وحددة البشر » ‪ٌ ،‬نمو كاالنسان نفسه ‪ ،‬تبعا" لهذه المعادلة الكونٌة الثالثٌة ‪ :‬من نضج‬ ‫ماضٌه‪ ،‬الى وعً حاضره الى استشراؾ مستقبله ‪ .‬وتبقى حكمة سقراط الحكمة الدهرٌة ‪ :‬اٌها االنسان اعرؾ نفسك ‪...‬‬ ‫و‪ٌ ...‬ا لبنان اعرؾ نفسك ! أنت مهد الدٌانة التوحٌدٌة االولى فً التارٌخ ‪ :‬دٌانة «اٌل» االله العالمً الكونً االول ‪.‬‬ ‫وانت مهد اول انسان واول حرؾ واول حضارة واول ذرّة واول هندسة واول فكرة فلسفٌة والهوتٌة ‪...‬‬ ‫وعالقة لبنان بالناسوت كعالقته بالالهوت ‪:‬‬ ‫عالقة «سرانٌة» ‪ ...‬لم ٌدرك صفاء جوهرها االّ بعض االصفٌاء ‪ .‬عالقته بالالهوت تجسدت فً دٌانة « االله اٌل»‬ ‫‪ .‬وعالقته بالناسوت تجسدت فً دٌانة «اٌل المتجسد » ‪« -‬عمانوئٌل »‪ -‬اي «اٌل معنا » ‪ ،‬او ّ‬ ‫ّللا معنا ‪ٌ :‬سوع المسٌح ‪.‬‬ ‫وفً اطار التجسد «االٌلً» امتدت عالقة لبنان‪ ،‬من خالل «اٌل المتجسد » ‪ ،‬الى امه مرٌم ‪ .‬وهل من بقعة ‪ ،‬فً النظام‬ ‫الشمسً‪ ،‬تكرّ م مرٌم اكثر من لبنان؟‬ ‫وتجلّت عالقة مرٌم بلبنان‪ ،‬اكثر ما تجلّت‪ ،‬فً «عرس قانا الجلٌل » ‪ ،‬كما جاء فً االنجٌل المقدّس‪ ،‬انجٌل ٌوحنا‪...‬‬ ‫«كان عرس فً قانا الجلٌل‪ ،‬وكانت ام ٌسوع هناك ‪ .‬فدعً ٌسوع أٌضا" وتالمٌذه الى العرس ‪ .‬ونفدت الخمر‪ ،‬فقالت‬ ‫لٌسوع امه ‪ :‬لٌس لدٌهم خمر ‪ .‬فقال لها ٌسوع ‪ :‬ما لً ولك ٌا امرأة؟ لم تؤت ساعتً بعد ‪ ...‬فقالت مرٌم للخدم ‪ :‬مهما قال‬ ‫لكم فافعلوه ‪ »...‬وفورا" فاضت االجاجٌن خمرا" لذٌذة جدا"‪ ،‬واستمر فرح المدعوٌن واكتمل العرس ‪...‬لقد سرّ عت مرٌم‬ ‫«ساعة» ٌسوع ‪ ،‬هذه «الساعة» التً ٌحدّدها اآلب السماوي وحده !‬ ‫والٌوم تتجدد العالقة بٌن مرٌم ولبنان‪ ،‬بشكل «سرّ انً »‪ .‬هناك «عرس روحً» فً لبنان‪ٌ ،‬تمثل فً ظاهرة‬ ‫«السٌنودوس من اجل لبنان » ‪ .‬وطبعا" مرٌم فً لبنان‪ ،‬فهً «سٌّدة لبنان» ‪ ،‬سٌّدة البٌت‪ ،‬وسٌّدة العرس‪ ،‬وسٌّدة‬ ‫التالمٌذ‪ ،‬وسٌّدة المدعوٌن جمٌعا"‪ .‬ودعً «روح ٌسوع » الى العرس‪ ...‬ودعً نائب المسٌح على االرض الى العرس ‪.‬‬

‫ونحن فً هذا الكتاب‪ ،‬نحاول ان نحٌط اللثام عن وجه قانا الجلٌل‪ -‬قانا االنجٌل الحقٌقٌّة‪ -‬ونرفع عنها االردٌة والؽطاءات‬ ‫المتراكمة بفضل الطمس المتعمّد والتناسً والنسٌان والجهل‪ ،‬عارضٌن االدلة والبراهٌن والحجج الجؽرافٌة والتارٌخٌة‬ ‫ّ‬ ‫مركزٌن على احداث تارٌخٌة وروحٌة خطٌرة‪ ،‬حصلت فً ذلك العرس الشهٌر ‪ :‬عرس قانا الجلٌل ‪...‬‬ ‫واالثرٌة‪،‬‬ ‫فً بداٌة الكالم‪ ،‬نتناول عبارة «قانا الجلٌل »‪ ،‬اللفظة واالسم‪ ،‬من الناحٌة اللؽوٌة‪ ،‬تكوٌنا" وتركٌبا" ومضمونا"‪ .‬ثم‬ ‫نتحدث عن منطقة الجلٌل منذ ان سمٌّت بهذا االسم‪ -‬جلٌل‪ -‬حتى الٌوم مركزٌن على «الجلٌل فً اٌام المسٌح »‪ ...‬بعد‬


‫ذلك‪ ،‬نستعرض كافة االبحاث التً حاولت تحدٌد الموقع الجؽرافً لبلدة قانا الجلٌل‪ ،‬مما ٌوصلنا الى لبّ موضوع‬ ‫دراستنا‪ :‬اثبات كون «قانا الجلٌل » ‪ -‬قانا االنجٌل‪ -‬التً حصل فٌها العرس الشهٌر‪ ،‬هً فً الحقٌقة «قانا اللبنانٌة »‪،‬‬ ‫القرٌة من مدٌنة صور الى الجنوب الشرقً ‪ .‬وهذا ٌقودنا الى الحدٌث عن المدّات الطوٌلة التً قضاها المسٌح فً لبنان‬ ‫مقٌما"‪ ،‬ومتجوال"ومعلما" ومبشرا"‪ ...‬وبعد ان نتحدث بالتفصٌل عن عرس قانا الجلٌل‪ ،‬عن ظروفه واشخاصه وأحداثه‬ ‫ورموزه ونتائجه‪ ،‬نخلص الى عرض االحداث والحقائق التارٌخٌة والروحٌة الخطٌرة التً حصلت فً عرس قانا‬ ‫الجلٌل‪...‬‬ ‫هذه الحداث والحقائق هً لبنانٌة‪ ،‬حصلت فً ارض لبنان‪ ،‬ولها مدلوالت وابعاد عالمٌّة وكونٌّة‪ ...‬ونحن نعلنها جهارا"‬ ‫ونقولها بافم المآلن على مسمع العالم كلّه‪ .‬وذلك ألن لبنان هو «سرّ ّ​ّللا» على األرض‪ ،‬ونحن نعلن هذا السرّ ونب ّشر به‪،‬‬ ‫ونكرّ س له حٌاتنا ومماتنا و‪ ...‬قٌامتنا ‪.‬‬ ‫ومن له «أذنان سامعتان» فلٌسمع ‪...‬‬ ‫ومن له «عٌنان مبصرتان » فلٌبصر‪ :‬لبنان‬

‫األب الدكتور يوسف ي ّمين‬ ‫«ٳهدن» ‪ ...‬في ‪ 19‬آذار ‪1994‬‬


‫االول‬ ‫الفصل ّ‬ ‫اللفظة واالسم‬


‫قانا ‪ :‬اللفظة واالسم‬ ‫‪« -1‬قانا»‬ ‫األصل من الجذر السامً القدٌم‪« :‬قنا»‪« ،‬قن» أو «قنى» وتعنً‪ :‬االقتناء والملك ثم المسكن والمقام ‪ .‬وهكذا فً‬ ‫الكنعانٌة والعبرٌة واآلرامٌة – السرٌانٌة واالوؼارٌتٌة ( التً ّاثرت كثٌرا" على اللهجة اللبنانٌة القدٌمة)‪ ،‬باالضافة‬ ‫الى العربٌة القدٌمة والحدٌثة ‪ .‬وقنا تعنً ‪« :‬قنٌو» و «قنٌا» ‪.‬‬ ‫فتكون لفظة «قانا» انطالقا" من السلمً المشترك واآلرامً‪ -‬السرٌانً المباشر ‪ ،‬تعنً ‪ :‬المقتنً والملك‪ ،‬او المسكن‬ ‫والمقام ‪ .‬وهناك احتمال آخر ٌقول ان «قانا» تعنً بالفٌنٌقٌة‪ :‬اللون االحمر او االحمر‪ ،‬وتقرب منها اللفظة العربٌة «قنا‬ ‫الشئ» اي اشتد احمراره «واالحمر القانً » الشدٌد الحمرة ‪ .‬واالحمر مٌزة لون اللباس الفٌنٌقً‪....‬‬ ‫وقد حول بعض المفسّرٌن المعاصرٌن ان ٌشرحوا‪ ،‬لؽوٌا"‪ ،‬لفظة «قانا» ‪ .‬فمنهم من قال انها تعنً‪ :‬القصب؟ وقد‬ ‫انطلقوا من عبارة «قنا» «قنٌو» (وهً حالة اضافة !) وهذا خطؤ ‪ .‬ومنهم من قال ال بل تعنً‪ :‬أعشاش؟ منطلقٌن من‬ ‫عبارة «قٌنً» ( وهً صٌؽة جمع حدٌثة) وهذا خطؤ اٌضا" ‪ .‬وقد ابتعد كالهما عن الجذر السامً القدٌم وعن الجذر‬ ‫اآلرامً المباشر ‪...‬‬ ‫وفً العربٌة الٌوم هناك بعض الكلمات والعبارات تحمل دالالت وافٌة على ما سبق وقلنا ز والبك اهمّها ‪:‬‬ ‫أوال" – قنا (من قنو) قنوا" وقنوانا" وقنوّ ا المال‪ :‬امتلكه‪ ،‬اتخذه لنفسه وجمعه ‪ .‬اقناه ّ‬ ‫ّللا‪ :‬اعطاه ما ٌقتنً ‪ ،‬أؼناه ‪ .‬اقتنى‬ ‫المال ‪:‬جمعه واتخذه لنفسه ‪ .‬القنوة ‪ :‬ما اكتسب ‪.‬‬ ‫ثانيا"‪ -‬قنى (من قنً) ٌقنً قنٌا" وقنٌا" المال امتلكه اكتسبه ‪ .‬أقنى اقناء" ّ‬ ‫ّللا فالنا"‪ :‬أؼناه ‪ .‬القنٌة ‪ :‬ما امتلك واكتسب ‪.‬‬ ‫ثالثا" – قنا (من قنو اٌضا") قنوّ ا لون الشئ ‪ :‬كان احمر قانٌا" ‪ .‬أاحمر قان‪ :‬شدٌد الحمرة ‪.‬‬ ‫رابعا" – ق ّنى (من قنو أٌضا") القناة‪ :‬حفرها ‪ .‬القناة‪ :‬ما ٌحفر فً االرض لٌجري فٌه الماء ‪.‬‬ ‫خامسا" – قنؤ (من قنؤ) الشئ ‪ :‬اشتدت حمرته ‪ .‬قانًء‪ :‬شدٌد الحمرة ‪.‬‬ ‫سادسا" – القنّ (من قنّ ) ‪ :‬مسكن ‪ ،‬مؤواى‪ ،‬بٌت ‪...‬‬ ‫سابعا – الق ّنٌنة ‪ :‬اناء من زجاج ٌجعل فٌه الشراب ‪...‬‬

‫‪« -2‬جل»‬ ‫االصل من الجذر السامب القدٌم «ج ل ل» وهكذا فً الكنعانٌة واآلرامٌة‪ ،‬ومن العبري القدٌم (جذر جوال") وهً‬ ‫تعنً ‪ :‬وعاء اناء طاسة‪ ،‬قدح ‪ .‬من هنا كلمة «قلّة»‪ ،‬بالعامٌة اللبنانٌة الشمالٌة القدٌمة ‪ ،‬وهً تعنً «جرّة»‪ ،‬فنقول‪ ،‬الى‬ ‫الٌوم‪« ،‬قلّة زٌت مثال" ‪ ،‬اي جرّة زٌت ‪ .‬وهناك لفظة اخرى لكلمة «جل» من جذر «ج ي ل » السامً القدٌم‪ ،‬وهً‬ ‫تعنً ‪ :‬ابتهج‪ ،‬فرح‪ ،‬طرب ‪ .‬ومن جهة ثانٌة فكلمة «ج ّل » بالعامٌّة اللبنانٌة القدٌمة والتً تعنً قطعة صؽٌرة من االرض‬ ‫المزروعة والمسوّ رة‪ ،‬تدل على نوع من الوعاء الطبٌعً الذي ٌحفظ الزرع بداخله ‪...‬‬


‫‪« -3‬ٳيل»‬ ‫وهو اللّقب االول واالشهر لالله «اٌل » ‪ .‬اله الكنعانٌ​ٌن‪ -‬اللبنانٌ​ٌن االقدم ‪ .‬االله العالمً الكونً االوحد ‪ .‬واللفظة كنعانٌة‬ ‫قدٌمة تعنً ‪ :‬االول‪ ،‬االقدم‪ ،‬زمنا" ومقاما" واهمٌة‪ ،‬واالعلى‪...‬وقد تعنً اٌضا"‪ :‬االقوى واالعظم ‪ .‬وهً باقٌة الى الٌوم‬ ‫فً «أل التعرٌؾ » العربٌة التً تضاؾ الى اول الكلمات واالسماء فتعرّ ؾ عنها وتحدّدها‪ ،‬امثال ‪ :‬الحرؾ االسم‪ ،‬الفعل‪،‬‬ ‫االرض‪ ،‬الكتاب الخ‪ ...‬وهً باقٌة اٌضا" الى الٌوم فً كثٌر من االسماء واالمكنة وااللقاب‪ ،‬امثال‪ :‬مٌخائٌل‪ ،‬جبرائٌل‪،‬‬ ‫روفائٌل‪ ،‬قابٌل‪ ،‬هابٌل‪ ،‬سعدناٌل‪ ،‬جداٌل‪ ،‬تعناٌل‪ ،‬حصراٌل‪ ،‬شربل‪ ،‬جلٌل ‪...‬‬

‫‪« -4‬جليل»‬ ‫وبناء على ما تقد<م تكون كلمة «جلٌل» تعنً‪ ،‬فً األصل‪ :‬امّا «وعاء اٌل» أو «فرح اٌل » ‪( .‬او لٌس من الؽرٌب ان‬ ‫ٌكون هذان المعنٌان ٌنسجمان تماما" مع جو «عرس قانا الجلٌل »‪ :‬االجران واالجاجٌن من جهة‪ ،‬وافراح العرس من‬ ‫جهة ثانٌة؟ !‪ ، )...‬مع الوقت اصبحت كلمة «جلٌل» تدل على لقب من القاب االله اٌل‪ ،‬ثم على لقب من القاب «رجل‬ ‫اٌل» او «كاهن اٌل » وممثله على االرض ‪ .‬ونحن الى الٌوم نلقب الكاهن او رجل الدٌن ب «الجلٌل »‪ .‬وبما ان الملك‬ ‫كان قدٌما" ٌعتبر – من حٌث السلطة والساللة ‪ -...‬ممثال" «الٌل» او ّللا‪ٌ ،‬طلق علٌه ‪ ،‬حتى الٌوم لقب ‪ :‬صاحب‬ ‫الجاللة (من جلٌل) او جاللة الملك ‪ ...‬حتى كلمة «عاهل» اي الملك الكبٌر‪ ،‬لها عالقة قدٌمة «باٌل» االله او الملك‬ ‫االكبر ‪ .‬وقد تكون تصحٌفا" شعبٌا" لكلمة «وعاء اٌل » اي الذي ٌحوي «اٌل» وٌجسّده وٌمثله ‪...‬‬

‫‪ -5‬قانا الجليل (االسم الكامل)‬ ‫وهكذا‪ ،‬وبناء على كل سبق‪ٌ ،‬كون اسم «قانا الجلٌل » اي مكان اٌل واقامته ومركزه‪ ،‬او مكان معبده ومقامه ومزاره ‪.‬‬ ‫ومعّ مرّ االٌام والسنٌن وتوالً االحوال والظروؾ انتقل معنى اسم «قانا الجلٌل »‪ .‬من مقام «اٌل» أصال" الى مقام‬ ‫«الجلٌل» احد القاب اٌل‪ ،‬واخٌرا" الى مقام احد االنبٌاء او االولٌاء‪ ...‬والٌوم ٌوجد فً بلدة «قانا الجلٌل » معبد قدٌم او‬ ‫مقام ومزار ٌسمّى «مقام الجلٌل »‪ ،‬وٌنسب فعال" الى احد االنبٌاء او األولٌاء القدماء !‪...‬‬


‫الفصل الثاني‬ ‫الجليل في أيام المسيح‬


‫الجليل في أيام المسيح‬ ‫أ – حدوده‬ ‫ظهر اسم بالد الجلٌل الول مرّة فً «البٌبلٌا » (الكتاب المقدس) فً سفر ٌشوع اذ عٌّنت «قادش» احدى مدن الجلٌل‬ ‫كملجؤ ذي حصانة ٌؤوي الٌها القاتل بدون قصد‪:‬‬ ‫«وكلّم الرب ٌشوع قائال" خاطب بنً اسرائٌل وقل لهم افرزوا لكم مدن الملجا‪ ...‬حتى ٌهرب الٌها كل قاتل قتل نفسا"‬ ‫سهوا" بؽٌر قصد فتكون لكم ملجؤ من ولًّ الدم‪ ...‬فقدسوا «قادش» فً الجلٌل فً جبل نفتالً ‪)1( » ...‬‬ ‫وقادش فً الجلٌل ال تزال تعرؾ بهذا االسم حتى اٌامنا هذه‪ ،‬وتقع شمالً ؼربً بحٌرة الحولة ؼٌر بعٌدة عن بنت جبٌل‬ ‫وعٌترون ‪ .‬وٌشوع بن نون الذي فً عهده منحت قادش الجلٌل الحصانة وهو ورٌثً موسى فً قٌادة العبرانٌ​ٌن ومات‬ ‫فً السنة ‪ 1427‬قبل المٌالد (‪ )2‬ثم ورد اسم أرض الجلٌل فً سفر الملوك الثالث بمناسبة المعاهدة بٌن حٌرام ملك‬ ‫صور والملك سلٌمان (‪ )3‬وفً ؼٌر ذلك من الماضع فً الكتاب المقدّس ‪...‬‬ ‫وفً زمن السٌّد المسٌح كان الجلٌل بمتد حسب المرخ ٌوسٌفوس( ‪ 37‬م‪ 100 -‬م)من حدود ع ّكا والكرمل جنوبا" حتى‬ ‫صور ومنطقتها شماال"‪ ،‬ومن االردن شرقا" حتى السهل الساحلً ؼربا" ( ‪ )4‬وبعبارة اوضح كان ٌحّ د الجلٌل شماال"‬ ‫نهر القاسمٌة (اللٌطانً) ( ‪ )5‬وشرقا" نهر االردن وبحٌرة طبرٌّة وبحٌرة الحولة ثم نهر االردن حتى بانٌاس ( ‪( )6‬فً‬ ‫السفح الؽربً لجبل حرمون) ‪ ،‬وؼربا" السهل الساحلً الذي كان تابعا" لمدٌنة صور من القاسمٌة حتى الكرمل‪ ،‬وجنوبا"‬ ‫بٌسان وبالد السامرة (‪ . )7‬وكان الجلٌل ٌقسم الى الجلٌل االعلى او جلٌل االمم ( منطقة جنوب لبنان الٌوم) والجلٌل‬ ‫االسفل (فً ارض فلسطٌن) ‪ .‬والح ّد الفاصل بٌنهما خط ٌمتد من عكا ّ ؼربا" حتى الطرؾ الشمالً لبحٌرة طبرٌّة ‪.‬‬

‫ب – تركيبه الطبيعي وموارده وس ّكانه‬ ‫الجلٌا منطقة جبلٌة هً امتداد طبٌعً لجبال لبنان ( ‪ )8‬هكذا اعتبره جمٌع الإرخٌن والجؽرافٌن قدٌما" ‪ .‬فٌاقوت الحموي‬ ‫ّ‬ ‫المطلة على حمص‬ ‫كبٌر جؽرافًٌ المنطقة ومرجعهم جمٌعا" ٌقول بالحرؾ الواحد ‪ ... « :‬وصفد مدٌنة فً جبال عاملة‬ ‫بالشام وهً من جبال لبنان ( ‪ .)9‬وهو كذلك بنظر العلم الحدٌث فالجلٌل م ّتصل بلبنان ا ّتصال الشجرة بجذورها ( ‪.)10‬‬ ‫الجلٌل الشمالً او جلٌل االمم اعلى بجباله من الجلٌل الجنوبً‪ ،‬لذلك سمًّ االول االعلى والثانً االسفل ( ‪ .)11‬ومن قمم‬ ‫الجلٌل األعلى او الشمالً جبل أداثر وارتفاعه فوق سطح البحر ‪ 1025‬م‪ ،‬وجبل الجرمق وارتفاعه ‪ 1200‬م‪ ،‬وجبل‬ ‫زبود الذي ٌعلو ‪ 1115‬م عن سطح البحر‪ ،‬وتل بالط (جنوبً صور) ٌعلو ‪ 750‬م وترشٌحا" ‪ 633‬م ‪.‬‬ ‫اما الجلٌل االسفل الجنوبً‪ ،‬فً ارض فلسطٌن‪ ،‬فاعى قممه جبل القمّانة ( ‪ 570‬م) وٌلٌه جبل طابور او الطور (شرقً‬ ‫الناصرة) وٌعلو ‪ 560‬م‪ ،‬فجبل ترعان ‪ 540‬م‪ .‬وٌتخل هذه الجبال والتالل بعض السهول والودٌان الخصبة واالنهر‬ ‫الصؽٌرة ‪.‬‬ ‫والجلٌل ٌستمد خصبه من ارتباطه الطبٌعً بلبنان ( ‪ .)12‬وبسبب هذا االتصال بلبنان – مصدر الخصب االعظم فً‬ ‫المشرق‪ٌ -‬تفوّ ق الجلٌل عن الٌهودٌة والسامرة من حٌث الخصب ووفرة المحلصٌل الزراعٌة وكثرة الٌنابٌع والجنائن‬


‫والبساتٌن ‪ .‬هكذا كان فً اٌام السٌّد المسٌح وفً القرن المسٌحً االول حسبما ٌ ّتضح من وصؾ المإرخ ٌوسٌفوس نفسه‬ ‫(‪: )13‬‬ ‫«أرضهم (الجلٌلٌّون) ثرٌة فً كل أجزائها‪ ،‬ووافرة الثمار وخصبة باالشجار والمزروعات من كل نوع ‪ .‬هذا ٌحمل‬ ‫س ّكانها على ٳتقان حراثتها لوفرة محاصٌلها ‪ .‬ومن ثم كل أجزائها مستوفٌة كل شروط العناٌة والحراثة واالتقان من قبل‬ ‫االهالً‪ ،‬ولٌس فٌها اي جزء مهمل ‪ .‬ومدن الجلٌل كثٌفة السكان ‪....‬‬ ‫وقراه فً كا بقعة ت ّؽص بالسكان بسبب خصب االرض‪ .‬وٌزٌد سكان أصؽر القرى على خمسة عشر الفا" من السكان‬ ‫‪ . ...»...‬والكتاب المقدّس نفسه اشار الى هذا الخصب فً الجلٌل فً عدة مواضع‪ .‬فٌعقوب ٌقول‪ ،‬فً سفر التكوٌن‪:‬‬ ‫أشٌر (وهو القسم الشمالً الؽربً من الجلٌل) طعامه دسم وهو ٌعطً بسخاء مآكل الملوك الفاخرة ( ‪ .)14‬وموسى من‬ ‫بعده ٌقول فً سفر تثنٌة االشتراع ‪ٌ« :‬ا نفتالً (القسم الشرقً الشمالً من الجلٌل) ٳنك تشبع من الخٌر والرضوان‬ ‫وتمتلئ من بركة الرب وترث الؽرب والجنوب ‪ » ...‬وعن اشٌر ٌقول‪« :‬لٌكن أشٌر مباركا" بٌن البنٌن ومفضال" بٌن‬ ‫ٳخوته‪ ،‬وفً الزٌت ٌؽمس رجلٌه‪)14(» ...‬‬ ‫وخصب االرض ونشلط االهالً‪ ،‬فً الجلٌل‪ ،‬استتبع كثافة السكان فً زمن المسٌح ‪ .‬فٌوسٌفوس المإرخ الذي ولد فً‬ ‫السنة ‪ 37‬م ٌقول‪ :‬كان فً الجلٌل وحده مائتان واربعون مدٌنة وقرٌة ( ‪ .)16‬من هذه المدن طبرٌّة على شاطئ البحٌرة‬ ‫المعروفة بهذا االسم والتً كانت تؽصّ فً اٌام المسٌح بسفن الصٌد‪ ،‬ومجدال وكفرناحوم وكورزٌن وبٌت صٌدا‬ ‫والناصرة ونائٌن فً الجلٌل االسفل‪ ،‬والجشّ (جسكاال فً اٌام ٌوسٌفوس) ومٌرون (مارون الراس فً الجنوب اللبنانً‬ ‫الٌوم) وقادش وقانا الجلٌل االعلى ( قانا اللبنانٌة اي قانا االنجٌل موضوع هذه الدراسة) وؼٌرها ‪. )17 (...‬‬

‫ج‪ -‬التركيب االتني‬ ‫كان الجلٌل عامرا" جدا" فً العهد الكنعانً‪ -‬الفٌنٌقً اذ ٌذكر الكتاب المقدّس تسعة وستٌن من مجنه الهامة ( ‪ )18‬وهذا‬ ‫ٌقودنا الى البحث فً تركٌب الجلٌل من الناحٌة االتنٌة فً زمن المسٌح ‪ .‬كان الجلٌل مكتظا" بالسكان ‪ .‬وٌشٌر الكتاب‬ ‫المقدّس صراحة الى كثافة الس ّكان الكنعانٌ​ٌن فً الجلٌل فً ذلك العهد ‪ٌ .‬ذكر سفر ٌشوع ست عشرة مدٌنة بقراها فً‬ ‫القسم من الجلٌل االسفل الذي أقام فٌه بنو زبولٌن‪ ،‬واثنٌن وعشرٌن مدٌنة بقراها فً الشطر من الجلٌل االعلى الذي اقام‬ ‫فٌه بنو أشٌر وتسع عشرة مدٌنة بقراها فً القسم من الجلٌل االعلى حٌث أقام بنو نفتالً ( ‪ . )19‬وعندما اؼتصب‬ ‫العبرانٌون جنوب ارض كنعان‪ ،‬والجلٌل فً هذه االرض‪ ،‬نزح قسم من السكان االصلٌ​ٌن بنً كنعان وبقً معظمهم فً‬ ‫الجلٌل وسائر االراضً التً احتلها الٌهود‪ ،‬وهذا ٌنطبق على فلسطٌن الجنوبٌة حٌث اورشلٌم‪ ،‬وعلى الجلٌل ‪ .‬وٌقول‬ ‫سفر القضاة فً هذا الصدد ‪:‬‬ ‫«‪ ...‬وكان الرب مع ٌهوذا (؟ !) فامتلكوا الجبل (جبل فلسطٌن الجنوبٌة أي الٌهودٌة )‪ .‬اما س ّكان الوادي فلم ٌطردوهم‬ ‫النهم كانت لهم مراكب من حدٌد ‪ ...‬فاما الٌّبوسٌّون (الكنعانٌون) المقٌمون بؤورشلٌم فلم ٌطردوهم بنو بنٌامٌن فؤقام‬ ‫الٌّبوسٌّون مع بنً بنٌامٌن باورشلٌم الى هذا الٌوم‪ ...‬ومنسّى لم ٌطردوا اهل بٌت شان وتوابعها ودور وتوابعها وتعناك‬ ‫وتوابعها وٌبلعام وتوابعها ومجدّو وتوابعها‪ .‬فعوّ ل الكنعانٌون ان ٌستقرّ وا فً تلك االراضً‪ ...‬وأفرائٌم لم ٌطردوا‬ ‫الكنعانٌ​ٌن المقٌمٌن بجازر‪ ،‬فبقً الكنعانٌّون فٌما بٌنهم فً جازر ‪ .‬وزبولون لم ٌطردوا سكان قطرون ونهلول‪ ،‬فبقً‬ ‫الكنعانٌون فٌما بٌنهم ي}دون الجزٌة ‪ .‬وأشٌر لم ٌطردوا اهل عكا وصٌدون وحلب والزٌت وحلته وافٌق ورحوب‪ ،‬فؤقام‬ ‫اآلشٌرٌون فٌما بٌن الكنعانٌ​ٌن اهل االرض الصلٌ​ٌن النهم لم ٌطردوهم ‪ .‬ونفتالً لم ٌطردوا أهل بٌت شمس وبٌت عناة‪،‬‬ ‫ولكن أقاموا بٌن الكنعانٌ​ٌن اهل االرض االصلٌ​ٌن‪.)20 (...‬‬


‫اختلط العبرانٌون بالكنعانٌ​ٌن وحصل بٌن الفرٌقٌن تزاوج‪ ،‬كما ٌوضح سفر القضاة‪:‬‬ ‫فؤقام بنوا اسرائٌل بٌن الكنعانٌ​ٌن والحثٌ​ٌن واالمورٌ​ٌن والفرزٌ​ٌن والحورٌ​ٌن والٌبّوسٌ​ٌّن (كل هإالء عشائر كنعانٌة‬ ‫لبنانٌة)‪ ،‬واتخذوا بناتهم زوجات لهم واعطوا بناتهم لبنٌهم وعبدوا آلهتهم ‪ .‬وفعل بنوا اسرائٌل الشرّ فً عٌنًّ الربّ‬ ‫ونسوا الرب ٳلههم وعبدوا البعلٌم والعشتاروت (أي آلهة اللبنانٌ​ٌن القدماء ‪.)21 ( )...‬‬ ‫لم ٌقتصر اذا" اختالط العبرانٌ​ٌن بالكنعانٌ​ٌنفً الجلٌل وكل فلسطٌن (واالثنتان من جنوب ارض كنعان‪ )...‬على‬ ‫االختالط المادي الدٌموؼرافً ولكن تجاوزه الى التزاوج‪ ،‬وخضع الٌهود للتؤثٌر الكنعانً فً المجاالت الثقافٌة والدٌنٌة‬ ‫والحضارٌة ‪ .‬وكانت ارض كنعان عهد ذاك اكثر االراضً تقدّما" وثقافة وحضارة بشهادة جمبع المإرخٌن والٌهود‬ ‫انفسهم ‪ .‬فلتراجع فقط اقوال انبٌاء الٌهود فً عظمة صور وصٌدا مثال" ( ‪.)22‬‬ ‫وهكذا اذا" كانت التجمعات الٌهودٌة فً الجلٌل جزرا" صؽٌرة فً محٌط كنعانً كبٌر ( ‪ .)23‬واستمر الوضع كذلك‬ ‫حتى االحتالل االشوري للجلٌل فً القرن الثامن قبل المٌالد ‪ .‬وبسبب هذا االحتالل زاد العنصر الكنعانً بالنسبة الى‬ ‫الٌهودي الن ملكً االشورٌ​ٌن تؽلت فآلسر ( ‪ 733‬ق‪.‬م) وابنه شلمنآصر ( ‪ 716-730‬ق‪.‬م) اجتاحا مملكة اسرائٌل اي‬ ‫الجلٌل والسامرة‪ ،‬ونفٌا الٌهود الى ارض بابل‪ ،‬كما هو معروؾ ‪ ،‬ولم ٌتعرّ ضا للكنعانٌ​ٌن ‪:‬‬ ‫« وفً اٌام فاقح ملك اسرائٌل جاء تؽلت فآلسر ملك اشور وأخذ عٌّون وآبل بٌت معكة وٌانوح وقادش وحاصور‬ ‫وجلعاد والجلٌل وجمٌع ارض نفتالً وجالهم الى أشور ‪« .)24( » ...‬وصعد ملك اشور (شلمناصر) على االرض كلها‬ ‫وصعد الى السامرة وحاصرها ثالث سنٌن ‪ .‬وفً السنة التاسعة لهوشع (ملك اسرائٌل اي الجلٌل والسامرة) أخذ اشور‬ ‫السامرة وجال اسرائٌل الى اشور واسكنهم فً حالج وعلى خابور نهر جوزان وفً مدائن ما داي ‪ ...‬وكان بنو اسرائٌل‬ ‫قد خطئوا الى الرب ٳلههم‪ ...‬ورذلوا فرائضه وعهده الذي ب ّته مع آبائهم‪ ،‬واقتفوا الباطل وساروا وراء االمم الذٌن‬ ‫حوالٌهم (اي الكنعانٌ​ٌن)‪ ...‬وتركوا جمٌع وصاٌا الرب ٳلههم وصنعوا لهم عجلٌن من المسبوكات وعبدوا البعل‪...‬‬ ‫فؽضب الربّ جدا" على اسرائٌل ونفاهم من وجهه ولم ٌبق االّ سبط ٌهوذا فقط ‪.)25 ( ...‬‬ ‫عاد الٌهود من المنفى فً عهد قورش الكبٌر ملك الفرس ( ‪ 528-558‬ق‪.‬م)‪ .‬ولكن عددهم كان ضئٌال" بالنسبة الى‬ ‫الكنعانٌ​ٌن فً الجلٌل ‪ ،‬وظلوا كذلك قرونا" عدٌدة ‪...‬‬ ‫وفً هذا المجال ٌقول المإرخ الٌهودي ٌوسٌفوس‪ « :‬عندما استوطن االسرائٌلٌون شمالً فلسطٌن بقً فٌما بٌنهم عدد‬ ‫كبٌر من الكنعانٌ​ٌن سكان االرض االصلٌ​ٌن‪ ،‬مما سبّب لهم صعوبات جمّة ‪ .‬وعلى الصعٌد الدٌنً بقٌت الدٌانة الكنعانٌة‬ ‫قوٌة جدا" فً هذه المناطق‪ ،‬واصبحت مسٌطرة تماما" بعد ان اجال تؽلت فآلسر ملك اشور الى ارض بابل الٌهود سكان‬ ‫الجلٌل‪ ...‬وبعد العودة من سبً بابل ‪ ،‬وفً عهد االشمونٌ​ٌن ( ‪ 134-166‬ق‪.‬م)‪ ،‬اصبح عدد الٌهود ضئٌال" بالنسبة الى‬ ‫السكان الكنعانٌ​ٌن الذٌن كانوا ٌضاٌقونهم ‪ .‬وبسبب ذلك ارسل الٌود ٌطلبون الحماٌة من ٌهوذا المكاًٌ‪160 -220 ( ،‬‬ ‫ق‪.‬م) متذرّ عٌن بؤن سكان صور وصٌدا وعكا وجلٌل االمم تجمّعوا ضدهم لٌهلكوهم ‪.)26( » ...‬‬


‫تجاوب ٌهوذا المكاًٌ وارسل اخاه سمعان على رأس ثالثة اآلؾ مقاتل‪ ،‬وبعد معارك عنٌفة بٌن الكنعانٌ​ٌن والٌهود‬ ‫فً الجلٌل انسحب سمعان من الجلٌل الى الٌهودٌة مصطحبا" معه كل ٌهود الجلٌل مع نسائهم واطفالهم وما امكنهم حمله‪:‬‬ ‫«فبٌنما هم ٌقرأون الكتاب اذا برسل آخرٌن قد وفدوا من الجلٌل وثٌابهم ّ‬ ‫ممزقة وأخبروا بمثل ذلك قائلٌن ‪ :‬قد اجتمع‬ ‫علٌنا من بطولٌماٌس (عكا) وصور وصٌدا وكل جلٌل االمم لٌبٌدونا ‪ ...‬فقال ٌهوذا لسمعان أخٌه اختر لك رجاال"‬ ‫وانطلق وساعد اخوتك الذٌن فً الجلٌل ‪ ...‬فانقسمت الرجال ثالثة اآلؾ مع سمعان ٌنطلقون الى الجلٌل‪ ...‬وثمانٌة اآلؾ‬ ‫مع ٌهوذا الى ارض جلعاد ‪ .‬وانطلق سمعان الى الجلٌل وناصب االمم حروبا" كثٌرة ‪ ...‬واخذ الذٌن فً الجلٌل (الٌهود)‬ ‫وعربات مع النساء واالوالد‪ ،‬كل ما كان لهم وجاء بهم الى الٌهودٌة بسرور عظٌم ‪. )27 ( ...‬‬ ‫فً اواسط القرن الثانً قبل المٌالد فرؼت بالد الجلٌل اذا" تماما" من الٌهود ولم ٌبق فٌها االّ الكنعانٌون ‪ .‬ولكن عاد‬ ‫الٌهود تدرٌجا" الى الجلٌل فٌما بعد واختلطوا بالكنعانٌ​ٌن من جدٌد خاصة فً الجلٌل االعلى‪ ،‬الشمالً ‪ .‬وبسبب هذا‬ ‫االختالط وكثافة العنصر الكنعانً فً الجلٌل دعٌت البالد « جلٌل االمم» منذ عهد اشعٌا النبً ( ‪ 690-759‬ق‪ .‬م)‬ ‫‪ )28(.‬ح ّتى السٌّد المسٌح ‪...‬‬

‫د‪ -‬البنية الحضارية‬ ‫ان االمر البالػ الخطورة‪ ،‬والذي طمسته االٌام عن قصد او جهل ‪ ،‬والذي نحاول نحن‪ -‬هنا بالذات‪ -‬ان نعلنه ونوضحه‬ ‫ونبرزه ونر ّكز علٌه هو ان الطابع الكنعانً‪ -‬الفنٌقً – اللبنانً كان الؽالب والمسٌطر فً الجلٌل من النواحً االنسانٌة‬ ‫كافة ‪ :‬االتنٌة والثقافٌة والعمرانٌة والدٌنٌة والحضارٌة ! لقد تعاٌش الٌهود والكنعانٌون فً فلسطٌن الجنوبٌة (ارض ٌهوذا)‬ ‫والشمالٌة (الجلٌل) ‪ .‬وكان الٌهود دون الكنعانٌ​ٌن ثقافة وعمرانا" وحضارة ‪ ،‬فتؽلّبت هذه على الٌهود ونفذت الى صمٌم‬ ‫مجتمعهم وطبعته بطابعها ‪ .‬والطابع الكنعانً اللبنانً هو اصال" طابع انسانً منفتح حضاري عالمً كونً ‪ ...‬والدلٌل‬ ‫الصارخ على ذلك ان الملك سلٌمان – فً اوج مجده – لم ٌجد بدا" من االستعانة باللبنانٌ​ٌن لبناء هٌكله وقصوره‬ ‫وزخرفتها وتزٌ​ٌنها‪ ،‬وتدرٌب الٌهود على مختلؾ انواع العلوم والفنون والمهن والصناعات وعلى التجارة والرحالت‬ ‫البحرٌة وؼٌرها ‪ ...‬وكان التؤثٌر اللبنانً الحضاري على الٌهود قوٌا" وعمٌقا" خاصة فً المجال الدٌنً والفكري‬ ‫والثقافً واالدبً وحتى الشعري ‪( ...‬وهل كان « نشٌد االناشٌد» مثال" الذي نسبه الٌهود ومن بعدهم المسٌحٌون الى‬ ‫الملك سلٌمان‪ ،‬ؼٌر مجموعة مختارة من االؼانً واالناشٌد اللبنانٌة التً كانت تؽ ّنٌها جوقات خاصة فً مناسبات االفراح‬ ‫و االعراس ؟ !!‪ ( . )...‬والمزامٌر التً نسبوها كلّها الى الملك داوود‪ ،‬الم ٌثبت بشكل علمً قاطع‪ ،‬ان اكثرها قد وضع‬ ‫فً اوؼارٌت‪ -‬راس شمرا‪ -‬الحاضرة الكنعانٌة –اللبنانٌة الشهٌرة ؟ !!) الخ ‪ ...‬الخ‪...‬‬ ‫ولما استقرّ الٌهود فً جنوب ارض كنعان أخذوا عن الكنعانٌ​ٌن لؽتهم ‪ .‬فاللؽة العبرانٌة لهجة من لهجات اللؽة الكنعانٌة‬ ‫التً كانت شائعة فً فلسطٌن والجلٌل عند دخول الٌهود الى تلك البالد ‪ .‬وفً هذه اللؽة كتبت اسفار «البٌبلٌا » اي الكتاب‬ ‫المقدس ‪ .‬فالكتاب المقدّس اذا" كنعانً فً لؽته‪ .‬ومتى قلنا اللؽة نقول ال المفردات وااللفاظ فقط بل االنشاء واسلوب‬ ‫التفكٌر والتعبٌر والصورة ‪ .‬وٌإكد العلماء وخاصة فً عصرنا هذا بعد اكتشاؾ نصوص اوؼارٌت‪ -‬رأس شمرا‪-‬‬ ‫الكنعانٌة واآلثار الفٌنٌقٌة ان كثٌرا" من أقسام الكتاب المقدّس وخصوصا" سفر التكوٌن والمزامٌر ونشٌد االناشٌد‬ ‫واالمثال والجامعة والحكمة متؤثرة الى حد بعٌد من حٌث عنصرها البشري والحضاري باالداب واالمثال واالناشٌد‬ ‫والفلسفة اللبنانٌة القدٌمة ‪ ...‬فالعبرانٌون وملوكهم كداود وسلٌمان وك ّتابهم وانبٌاإهم وشعرائهم وجدوا فً زمن كانت‬ ‫الحضارة البنانٌة القدٌمة بالهوتها وعلومها وآدابها وفنونها مت ّؽلبة ومسٌطرة على البٌئة التً عاش فٌها بنو اسرائٌل‬ ‫وخاصة فً الجلٌل واقسم الشمالً من فلسطٌن ‪ .‬فتؤثر الٌهود بهذه الحضارة اللبنانٌة فً كل مناحً حٌاتهم وخاصة فً‬


‫كتابة االسفار المقدسة‪ .‬وٌذهب الٌوم قسم ال ٌستهان به من العلماء المدقّقٌن‪ -‬المتجردٌن وؼٌر المتهودٌن ‪ ...‬الى ابعد من‬ ‫ذلك بكثٌر فٌقولون ان بعض االسفار المقدسة وبعض اقسام منها كتبها مإلفون مقٌمون فً حاضرات ومدن واوساط‬ ‫كنعانٌة‪ -‬لبنانٌة فً الجلٌل وفٌنٌقٌة‪ ،‬وان بعض اقسام الكتاب المقدّس ماهً االّ تكٌ​ٌؾ لتآلٌؾ كنعانٌة‪ -‬لبنانٌة ‪. )29 ( !!...‬‬ ‫ومن دالئل التؤثٌر الكنعانً لدى الٌهود فً المجال الالهوتً والدٌنً ان هإالء اطلقوا اوال" على االله الواحد اسم‬ ‫«اٌل» االله الكنعانً‪ -‬اللبنانً ‪ ،‬االله الكونً الحقٌقً الواحد األحد ‪( ،‬او لٌس المسٌح هو «عمانوئٌل » اي «اٌل معنا » ‪-‬‬ ‫او ّ‬ ‫ّللا معنا – اي االله الذي تجسد وح ّل فٌنا واصبح واحدا" منا؟ !) ‪ ...‬حتى فً التوراة نفسها كان «اٌل» اله ابراهٌم‬ ‫واسحاق وٌعقوب ‪ ...‬وبعد ذلك‪ ،‬اخذ اسم «ٌهوه» ٌظهر وٌبرز؟ ! ودخلت لفظة «اٌل» فً تراكٌب كثٌر من االسماء‬ ‫الٌهودٌة مثل اسرائٌل ومٌخائٌل ورافائٌل وؼٌرها وؼٌرها ‪...‬‬ ‫واخذ الٌهود من اكنعانٌ​ٌن الكثٌر من العادات والتقالٌد ‪ .‬وقد اختصر ذلك المإرخ اللبنانً الكبٌر الدكتور فٌلٌب ح ّتً‬ ‫بقوله‪:‬‬ ‫«‪ ...‬وبعد ان أقام الٌهود فً أرض كنعان كان ال ب ّد لهم من التحوّ ل الى شعب زراعً فاقتبسوا لؽة كنعان‪ ،‬والكتابة‪،‬‬ ‫ومعهما القواعد والمراسٌم الزراعٌة ومنها الرقص كما فعل داوود امام تابوت العهد ‪ .‬وعى ذلك فمع اعتبارهم الههم‬ ‫ٌهوة كمدبّر لحكومتهم بقٌت عقائدهم المتعلّقة بالحٌاة العادٌة من زراعٌة وتجارٌة مطابقة لعقائد الكنعانٌ​ٌن‪ .‬وهكذا اصبح‬ ‫لٌهوة اختصاصات البعل خاصة فً شمالً البالد ( الجلٌل)‪ .‬وكان اآلباء ٌدعون ابنائهم االبكار بؤسماء تشمل اسم ٌهوة‬ ‫بٌنما ٌختصّون التالً باسم ٌحمل اسم بعل‪ .‬فابن شاوول هو اشبعل وابن ٌوناتام مرّ بعل وابن داوود بعل ٌا داع ( ‪.)30‬‬ ‫وٌكفً ان نذكر أن فً مملكة آحاب (الجلٌل والسامرة) لم ٌجد النبً اٌلٌّا سوى سبعة اآلؾ ٌهودي م ٌعبدوا البعل الفٌنٌقً‬ ‫(‪. )31‬‬ ‫لقد أخذ الٌهود عن الكنعانٌ​ٌن فضال" عن الهندسة والفنون المعمارٌة فنّ الموسٌقى واآلتها كالقٌثارة والدفوؾ والطب‬ ‫والمزمار والبوق وكذلك االلحان واألناشٌد ‪ .‬وأ خذوا العادات البٌئٌة واالجتماعٌة كاألزٌاء والمالبس والحلى واالوانً‬ ‫ّ‬ ‫والفخارٌة‪ ،‬والحٌاكة والخٌاطة والنسٌج والؽزل وهلم جرّ ا" ‪. )32 (....‬‬ ‫الزجاجٌة‬ ‫واذا كان التؤثٌر الكنعانً شمل الٌهود فً ك ّل أرجاء فلسطٌن بوجه عام فانه طبع بطابعه خاصة ٌهود الجلٌل والمناطق‬ ‫القرٌبة من لبنان‪ .‬وزاد هذا التؤثٌر مع الزمن بسبب تشرّ د الٌهود كلما مضت حقبة من الزمن من جهة‪ ،‬واستمرار‬ ‫الكنعانٌ​ٌن المستمر فً ارضهم من جهة ثانٌة ‪....‬‬ ‫وس ّكان السامرة الواقعة فً وسط فلسطٌن بٌن الجلٌل شماال" والٌهودٌة جنوبا" كانوا من الناحٌة الدٌنٌة فرقة منشقّة‬ ‫عن ٌهود الجلٌل وٌهود اٌهودٌة‪ ،‬لها هٌكلها الخاص فوق جبل جرٌزٌم‪ .‬وقد دمّر ٌوحنا هرقانس هذا الهٌكل فً السنة‬ ‫‪ 129‬ق‪ .‬م‪ ،‬وكان هذا الهٌكل مكان العبادة السامرٌة ‪ .‬وكان للسامرٌ​ٌن لؽتهم وطقوسهم وتقالٌدهم وعاداتهم الخاصة ‪.‬‬ ‫ومن الناحٌة العرقٌة كان السامرٌون خلٌطا" من الٌهود والكنعانٌ​ٌن وبعض الؽرباء الذٌن استقدمهم االشورٌون بعد سبً‬ ‫الٌهود الى بابل ‪. )33 ( ..‬‬ ‫وعل الرؼم من تب ّنً هذه الجماعة الؽرٌبة للدٌن الٌهودي نجدها لم تندمج بالٌهود حتى الٌوم ‪ .‬بل وعندما شاإوا‬ ‫التنصّل من الٌهود أثناء اضطهاد أنطٌوخس أبٌفانوس للٌهود فً القرن الثانً قبل المٌالد نجدهم ٌلقون فً لبنان متسعا"‬ ‫لهم فٌنتسبون الى مدٌنة صٌدا (‪ )34‬التً كانت اوسع صدرا" لتقبل الجماعات وصهرها‪ ،‬كما كانت تقبّلت مماثلٌن لهم فً‬


‫زمن أسر حدّون فً القرن السابع قبل المٌالد ‪ ...‬وٌقول السامرٌون فً رسالة ارسلوها الى الملك انطٌوخس أبٌفانوس‬ ‫(‪ 164-175‬ق‪ .‬م) انهم صٌدونٌّون وان أجدادهم بنوا فوق جبل جرٌزٌم معبدا" ٌقدّمون فٌه االضاحً بمناسبة االمراض‬ ‫والضٌقات والحروب ‪ .)35 ( ...‬وقد قبل أنطٌوخس مطالبهم فاستثناهم من االضطهاد الذي قاد عندئذ الى ثورة‬ ‫المكابٌ​ٌن‪...‬‬

‫‪ -5‬النزعة االنسان ّية «العالمية» ‪...‬‬ ‫منذ اقدم العصور حتى المسٌح‪ ،‬كان الجلٌل‪ -‬وخاصة جلٌل االمم‪ -‬متؤثرا" جدا" بفٌنٌقٌة‪ -‬لبنان المالصقة له‪ .‬وقد ظهر‬ ‫هذا التؤثٌر بوضوح فً جمٌع المجاالت وكافة النشاطات االنسانٌة‪ .‬وكانت مدٌنتا صور وصٌدا قطبً هذا اتؤثٌر‬ ‫الجؽرافً والتارٌخً المتواصل‪ ،‬كما ٌشهد على ذلك جمٌع اسفار وكتب انبٌاء التوراة وؼٌرها‪ ...‬وكانت هاتان المدٌنتان‬ ‫ومناطقهما تواصالن وتختصران ‪ ،‬فً زمن المسٌح‪ ،‬الدور الكنعانً‪ -‬الفٌنٌقً ذا النزعة االنسانٌة «العالمٌة»‪ .‬فً هذه‬ ‫البٌئة بالذات نشؤ وتربّى‪ ،‬عمل وعلّم وب ّشر ٌسوع المسٌح‪ .‬فكان من الطبٌعً جدا" ان ٌعٌش «فادي االنسان»‪،‬‬ ‫و«مخلص البشر أجمعٌن» فً بٌئة ذات نزعة انسانٌة منفتحة عالمٌة‪ ،‬بدل ان ٌعٌش فً بٌئة منؽلقة عنصرٌة متعصّبة‬ ‫كالٌهودٌة مثال" ‪...‬‬ ‫هذه البٌئة العالمٌة التً عاش فٌها المسٌح هً امتداد جؽرافً طبٌعً‪ ،‬تارٌخً وحضاري للبٌئة اللبنانٌة ذات النزعة‬ ‫العالمٌة المعروفة عبر التارٌخ الطوٌل ‪ .‬فالكنعانٌون – الفنٌقٌون حقّقوا بواسطتهم بٌن الشعوب فكرة «عالمٌة االنسان»‬ ‫قبل أثٌنا وروما واالسكندرٌة‪ .‬وجمٌع ما انجزوه كان ٌتطلب االنفتاح والسالم واالمن والثقة بٌن المتعاملٌن‪ .‬ربطوا العالم‬ ‫قبل ؼٌرهم بروح حضارٌة جدٌدة بمواصالتهم‪ ،‬وبمرونتهم وروحهم التوفبقٌة‪ .‬نقلوا العلوم والفنون والمعارؾ بٌن‬ ‫الفرقاء وعمموا معها عطاءاتهم واكتشافاتهم وابدعاتهم‪ .‬فكان نهجهم نهج فكرة «العالمٌة االنسانٌة » ‪ .‬وفً الواقع‪ ،‬بقٌت‬ ‫ارض لبنان ملتقى لجمٌع الشعوب والدٌانات والثقافات طوال قرون طوٌلة ‪ ...‬هكذا كانت‪ ،‬وهكذا هً الٌوم ‪ .‬هذا دورها‪،‬‬ ‫وهذه رسالتها‪ .‬فمنذ البدء كان «لبنان اكثر من وطن ‪ ...‬كان رسالة حضارٌة وصٌؽة نموذجٌة ضرورٌة للشرق والؽرب‬ ‫معا" ‪. »...‬‬ ‫وفً هذه «البٌئة العالمٌة » بالذات ٌصعب التحدث عن التش ّكالت الطقسٌّة للدٌن حٌث تلتقً عدة حضارات فتتمازج‬ ‫شعوبها ودٌاناتها زمختلؾ طقوسها‪ .‬وهذه الصعوبة ال تقؾ عند العهود التارٌخٌة الؽامضة او النادرة الوثائق‬ ‫والمستندات‪ ،‬كالعهود الكنعانٌة القدٌمة‪ ،‬بل فً ارض لبنان لكل عهد وزمن‪ .‬فهنا كانت‪ -‬وال تزال‪ -‬معطٌات الثقافة‬ ‫وطقوس االدٌان تلتقً معا" آتٌة مع التجارة او حركات الهجرة او موجات الفتح والؽزو الحربً‪ ،‬فتتداخل وتتفاعل‬ ‫وتتكامل معا"‪ ،‬متجهة صوب «العالمٌة»‪ ،‬فتتنقّى بصفاء طبٌعة لبنان وتوازن مإثراتها‪ .‬وبعد ان تتكٌّؾ لتصبح موائمة‬ ‫لكل الناس‪ ،‬تتخلّى عن تبعٌتها الضٌقة للظروؾ وااللتزامات الجؽرافٌة والعرقٌة‪ ،‬التً تكون لها قبل وصولها الى مركز‬ ‫االلتقاء والتقٌ​ٌم ‪. )36 ( .‬‬ ‫والتارٌخ البشري أخذ ٌكشؾ لنا اكثر فؤكثر ان لبنان كان مركز تقٌ​ٌم وتؤهٌل وتوزٌع لؤلفكار والمعتقدات وطقوس‬ ‫القدٌسٌن من أقدم العصور ‪ .‬ولهذا كان ال بد له من نهج خاص ٌتبعه لقبول االفكار والمعتقدات والطقوس‪ ،‬ولوسم كل ما‬ ‫ٌصدر عنه من هذه الى العالم الذي كانت تمتد الٌه عالقاته االنسانٌة والتجارٌة ‪ .‬وكان من الطبٌعً ان ٌؤتً النهج والسمة‬ ‫اللذان ا ّتبعها الذهنٌة اللبنانٌة ملتزمٌن بالفكرة «العالمٌة لؤلنسان »‪ ،‬مع ما لهذه الفكرة من شروط لرفعه فوق العرق‬


‫والدٌن واللؽة‪ ،‬ولحماٌته من قٌود الوراثة واضطهادات التعصّب ‪ .‬فقد كانت الظروؾ الجؽرافٌة واالجتماعٌة اآلسرة‪،‬‬ ‫والمتطلبات العالمٌة للتحرّ ك الحٌوي واالقتصادي للبنان هً التً فرضت هذا االلتزام ونقّته مع الزمن من كل شائبة‬ ‫تعٌق تحقّقه وتحد من اتساعه وشمولٌته ‪...‬‬ ‫ولئن كانت بٌئة لبنان بوجوهها المختلفة شدّدت على فكرة «عالمٌة االنسان» وشروطها بدافع من ظروفها وعالئقها‬ ‫الحٌوٌّة ‪ ،‬فان الفكرة العلمٌة بطبعها تشترط «الواقعٌة التوفقٌة » لتشمل جمٌع الناس‪ ،‬و «الواقعٌة التوفقٌة» المطلوبة هنا‬ ‫لٌست فً معامالت التجارة او العالقات الٌومٌة وحسب‪ ،‬بل هً اٌضا" فً تفسٌر االحاسٌس والمشاعر والنوازع النفسٌة‬ ‫والعواطؾ التً تنبثق من جوهر فاعل واحد‪ ،‬مهما اختلفت تش ّكالتها وتباٌنت‪ ،‬او اشتدّت تواتراتها او تراخت‪ ،‬فالواقعٌة‬ ‫المتوازنة التً تلتقً فٌها نوازع النفس المختلفة‪ ،‬دون حواجز كثٌفة من الطقوس واالسرار الؽٌبٌّة هً ما نجده فً جوهر‬ ‫العقائد العالمٌة التً كان ٌحملها متدٌنو لبنان القدٌم ‪ ،‬وهً ذاتها ما فتح اذهان الشعوب الؽرٌبة امام الكنعانٌة الفٌنٌقٌة التً‬ ‫تفسّر مشاعر الوجود والعدم والٌؤس واألمل ‪. )37 (.‬‬ ‫وان الباحث المعاصر لٌعجب ‪ ،‬حتى فً أٌامنا هذه ‪ ،‬من الواقعٌة الواعٌة التً عالج بها الكنعانً القضاٌا الؽٌبٌة‬ ‫والمشاعر النفسٌة الؽامضة ‪ .‬كما ٌعجب اكثر بالتوازن العاطفً المسإول الذي التزم به طقوس اٌمانه وتفسٌراته‬ ‫لؽوامض المجهول ‪ ،‬وفً موقفه من القدر وقوى الطبٌعة ‪ .‬ولعل ابرز فكرة تمثل الالهوت الكنعانً نجدها فً فكرة‬ ‫التوحٌد المتعالً والصفات التً كان ٌسبؽها الكنعانٌون على الههم «ٳٌل» ‪ ...‬اٳلله العالمً الكونً الموحّ د االول‪...‬‬ ‫ان فكرة «االنسانٌة العالمٌة » التً قدمتها أرض لبنان الممٌّزة‪ ،‬للبشرٌة جمعاء‪ ،‬فً العصور الكنعانٌة‪ ،‬تواصلت‬ ‫واستمرت وزادت نضجا" فً العصور الحدٌثة نسبٌا"‪ :‬العصر الٌونانً والعصر الهلنستً والعصر الرومانً حتى‬ ‫المسٌح‪ ...‬ومع «رواقٌة» زٌنون الكنعانً اخذت فكرة االلوهٌة صورة العناٌة الطبٌعٌة الشاملة التً تشمل جمٌع‬ ‫موجودات العالم‪ ،‬وتكون روحا" لها تدبّرها‪ ،‬انتشرت فكرة «العناٌة» الرواقٌة هذه فً العالم الهلنستً جمٌعا"‪ ،‬وؼدت‬ ‫وحدة العالم بشعوبه وثقافته عملٌة ناضجة‪ ،‬لٌس من جهة النظر العقائدٌة الدٌنٌة فحسب‪ ،‬بل من الناحٌة العملٌة التطبٌقٌة‬ ‫كذلك ‪ .‬وكان من الطبٌعً ان ٌقوم الفالسفة الفٌنٌقٌّون والمعلمون المتجولون منهم‪ ،‬بنوع خاص‪ ،‬بنشر فكرة «الوحدة‬ ‫العالمٌة» والتبشٌر بفكرة العناٌة االلهٌة التً لم تكن سوى الوجه الفلسفً لٳلله «ٳٌل» خالق الخالئق وحافظ توازنها ‪.‬‬ ‫فالوحدة العالمٌة وحدها تستطٌع صهر الشعوب الصؽٌرة والقلٌلة العدد بالشعوب الكبرى ‪ .‬وأرض لبنان كانت دائما"‬ ‫مركز االلتقاء بٌن االدٌان والثقافات المختلفة‪ ،‬ولهذا نجد سترابون مثال" ٌحدثنا عن مدارس مختلفة للفلسفات والعلوم فً‬ ‫مدٌنتً صٌدا وصور عندما زارهما ‪ ،‬حوالً زمن المٌالد ( ‪ !... )38‬كما نجد معظم الذٌن جمعوا الفلسفة آنذاك من اصل‬ ‫لبنانً‪ ،‬او انهم قاموا بعملهم فً أرض لبنان ‪...‬‬ ‫فً العهد الهلنستً ازدهرت مدن لبنان اقنصادٌا" كما لم ٌسبق لها ان تكون‪ ،‬كما اصبح الدٌن القدٌم الواسع‪ ،‬بما له من‬ ‫مقدّسات وطقوس‪ ،‬دٌن الشعبٌن الٌونانً والرومانً‪ ،‬اللذٌن حكما هذه المنطقة فً تلك الفترة‪ .‬وهكذا لم ٌبق اي حاجز‬ ‫دٌنً بٌن الحكام الؽرباء وس ّكان البالد االصلٌ​ٌن‪ ،‬فكان على لبنان ان ٌتابع رسالته العالمٌة بصٌؽة اخرى ؼٌر الصٌؽة‬ ‫الدٌنٌة ‪ .‬ولم تكن الصٌؽة الجدٌدة ؼٌر الثقافة والقوانٌن والحقوق االنسانٌة لؤلفراد والشعوب‪ .‬فقد تعهّد لبنان كل ذلك‬ ‫ّ‬ ‫ومؽذٌتها؟ )‪(Nutrix Legum‬‬ ‫ونجح به ‪ .‬الم تصبح بٌروت «مرضعة الشرائع » ايّ أم الشرائع‬ ‫الم ٌصبح «أولبٌان » و «بابٌنٌان » المرجعٌن االولٌن لمشترعً العالم وحقوقٌٌّه؟ الم تصبح «مدرسة بٌروت الحقوقٌة »‬ ‫قبلة انظار طالّب الحقوق فً العالم أجمع؟ ‪...‬‬


‫جليلي ‪...‬‬ ‫يسوع المسيح‬ ‫ّ‬ ‫فً هذه البٌئة الممٌّزة عاش ٌسوع المسٌح ‪ .‬بٌئة انسانٌة منفتحة راقٌة حضارٌّة وذات «طابع عالمً » ‪ .‬فً بٌئة مهٌؤة‬ ‫تماما" القتبال فكرة عالمٌة االنسان ‪ ...‬المسٌح جلٌلًّ هو‪ .‬والجلٌل مهد المسٌحٌة ‪ .‬فً الجلٌل نشؤ ٌسوع وتربّى وترعرع‬ ‫وعمل شابا" ورجال" وعاش معظم حٌاته العلنٌّة التبشٌرٌة ‪ .‬هناك نطق باسمى تعالٌمه كالعظة على الجبل وؼٌرها ‪.‬‬ ‫وهناك صنع معظم معجزاته ‪ .‬واالولى كانت فً عرس «قانا الجلٌل » ‪ .‬فً الجلٌل حصل التجسد االلهً ‪ .‬فً الجلٌل‬ ‫تجسد اٳلله العالمً الكونً الواحد والموحّ د ‪« :‬ٳٌل»‪ ،‬واصبح «عمّانوئٌل » اي «ٳٌل معنا »‪ ،‬المترجمة فٌما بعد الى «ّللا‬ ‫معنا»‪ .‬فً كفرناحوم وطبرٌّا وبٌت صٌدا وقانا وؼٌرها من بالد الجلٌل اقام وتجوّ ل وعلّم وب ّشر وعمل اآلٌات‪ ،‬من‬ ‫الجلٌل اختار رسله وتالمٌذه‪ .‬ما عدا ٌهوذا االسخرٌوطً وحده التلمٌذ الخائن الذي كان ٌهودٌا"‪ ،‬من قرٌة ٌهودٌة جنوب‬ ‫ؼربً اورشلٌم كانت تدعى‪« :‬ٳٌش قرٌوت » بالعبرانٌة ‪ ،‬أي «قرٌة االنسان»‪ ،‬بٌنما جمٌع رسله كانوا من الجلٌل ‪ :‬من‬ ‫قرى الجلٌل اي قرى «ٳٌل»‪ ...‬فوق بحر الجلٌل مشى ٌسوع على المٌاه وأسكت العواصؾ ‪ .‬انعكست طبٌعة الجلٌل‬ ‫ومناظره وجماالته فً تعالٌم المسٌح واسلوبه وأمثاله ‪ .‬المسٌح ابن الجلٌل ‪ :‬ٳنه «ابن ٳٌل»‪...‬‬ ‫واالناجٌل نفسها تإكد مرارا" على «جلٌلٌّة المسٌح» ‪ .‬فم ّتى ٌقول ‪...« :‬وكان بطرس جالسا" فً خارج الدار‪ ،‬فً‬ ‫ساحتها‪ ،‬فدنت الٌه جارٌة وقالت‪ ، :‬انت اٌضا" كنت مع ٌسوع الجلٌلً‪ ...‬وبعد قلٌل دنا الحاضرون وقالوا لبطرس ‪:‬‬ ‫ؾن لهجتك (الجلٌلٌة) تفضح امرك ‪(...‬متى ‪ . )75-69 : 26‬ومرقس بدوره ٌقول ‪ ... « :‬وبعد‬ ‫حقا" انت اٌضا" منهم‪ ،‬ٳ‬ ‫قلٌل قال الحاضرون أٌضا" لبطرس ‪ :‬حقا" أنت منهم النك جلٌلًّ ‪( » ...‬مرقس ‪ . )70: 14‬ولوقا بدوره ٌقول ‪« :‬‬ ‫ومضى نحو ساعة فقال اخر مإكدا" ‪ :‬حقا"‪ ،‬هذا اٌضا" (ٌقصد بطرس) كان معه‪ ،‬فهو جلٌلًّ ‪( » ...‬لوقا ‪59:22 :‬‬

‫انقطاع الوجود المسيحي في الجليل طوال ‪ 300‬سنة ‪.‬‬ ‫تإكد جمٌع التوارٌخ‪ -‬فً الشرق والؽرب‪ -‬ان الوجود المسٌحً قد انقطع تماما" فً بالد الجلٌل منذ صعود المسٌح‬ ‫حتى ظهور قسطنطٌن الكبٌر فً اوائل القرن الرابع ‪.‬‬ ‫فبعد فتح طٌطوس للقدس فً السنة ‪ 70‬م‪ ،‬وخراب هٌكل اورشلٌم والتنكٌل بالٌهود‪ ،‬تش ّتت هإالء ‪ ،‬وتجمّع معظمهم‬ ‫ّ‬ ‫وحظروا على المسٌحٌن االقامة هناك ‪ ،‬وعملوا جهدهم لطمس كل اثر مسٌحً وكل التقالٌد والذكرٌات‬ ‫فً جبال الجلٌل‬ ‫المسٌحٌة من جذورها ‪ ،‬وجذورها جلٌلٌة ‪...‬‬ ‫هذه الحقائق جهلها او تجاهلها الكثٌرون وطمسها عن قصد المإرخون الؽربٌون الؽرباء والمتهوّ دون ‪ ...‬وهكذا عندما‬ ‫بدأ الحجّاج الؽربٌّون ٌتوافدون الى فلسطٌن والجلٌل فً عهد قسطنطٌن وبعده فً القرون الوسطى لم ٌجدوا أي أثر‬ ‫للمسٌحٌة فً الجلٌل‪ -‬وخاصة فً جلٌل االمم ‪ .‬وبالتالً لم ٌكن باستطاعتهم االستناد الى اي تقلٌد محلً متواصل منذ‬ ‫زمن المسٌح لتحدٌد موقع قانا االنجٌل فاستندوا على الشبه اللفظً وعلى التوهم ان قانا ٌجب ان تكون بجوار الناصرة‬ ‫!‪...‬‬ ‫وهكذا نسً المسٌحٌون والعالم قانا االنجٌل‪ ،‬االصلٌة الحقٌقٌة‪ ،‬فنامت نوم «اهل الكهؾ » ‪ ،‬كهؾ التناسً والنسٌان‬ ‫‪ ،‬طوال قرون عدٌدة ‪....‬‬


‫الفصل الثالث‬ ‫البحث عن "قانا الجليل"‬


‫البحث عن «قانا» من القرن الرابع الى اليوم –(لمحة خاطفة) ‪.‬‬ ‫ان أول من تحدث عن قانا ‪ ،‬فً التارٌخ المسٌحً ‪ ،‬هو أوسابٌوس البامفٌلً ( ‪ )339-265‬أسقؾ قٌصري<ة فلسطٌن ‪،‬‬ ‫المإرخ الكنسً األول ‪ .‬وباالضافة الى كتابه الشهٌر «تارٌخ الكنٌسة » ‪ ،‬وضع اوسابٌوس مإلفات عدٌدة فً التارٌخ‬ ‫والكتاب المقدّس والالهوت والدفاع عن المسٌحٌّة ‪ .‬وله رسائل ومواعظ كثٌرة ‪ .‬وحول جؽرافٌّة الكتاب المقدس وضع‬ ‫بالٌونانٌة كتابا" أسماء «أونوماستٌكون » (‪) ( )40‬وهو بحث مفصّل فً اسماء االماكن الخاصة بجؽرافٌة الكتاب‬ ‫المقدّس ‪ ،‬وفٌه عرض متسلسل وجداول لهذه االسماء بحسب الحروؾ االبجدٌّة ‪ ،‬ووصؾ موضوعً لهذه االماكن ‪ ،‬مع‬ ‫ذكر االسماء المتتالٌة التً حملتها هذه االماكن خالل تارٌخها الطوٌل ‪ .‬ففً هذا الكتاب بالذات تحدث المإرخ أوسابٌوس‬ ‫– وكان اول المتحدثٌن‪ -‬عن مدٌنة «قانا» ‪ .‬فكتب ما ترجمته ‪ ،‬عن الٌونابٌّة ‪ ،‬بالحرؾ الواحد ‪ ،‬ما ٌلً ‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬وقانا ‪ ،‬حتى صٌدون الكبٌرة ‪ ،‬لقبٌلة أشٌر ‪ .‬وفً هذا المكان حوّ ل ربنا والهنا ٌسوع المسٌح الماء الى طبٌعة‬ ‫الخمر ‪ .‬وفٌها أٌضا" كان نتنائٌل ‪ .‬وهً قرٌة فً الجلٌل ‪. » ...‬‬ ‫والكتاب الذي ٌحوي هذا النص الواضح والخطٌر وضع فً القرن الرابع للمٌالد !‬ ‫وفً النصؾ الثانً من القرن الرابع نقل القدٌس جٌروم ( ‪ -)420-347‬مترجم التوراة الشهٌر‪ -‬الى اللؽة الالتنٌة ‪،‬‬ ‫كتاب «أنوماستٌكون» الماّر ذكره ‪ .‬وكانت الترجمة االولى الى االتٌنٌة ( ‪ )41‬ولكن جٌروم اضاؾ الى النصّ الخاصّ‬ ‫«بقانا» بدقة أكثر ‪ .‬فؽدت الترجمة الالّتٌنٌّة كاآلتً ‪:‬‬ ‫«قانا حتى صٌدون الكبرى ‪ .‬وٌوجد أٌضا" اخرى صؽرى ‪ .‬وللتمٌ​ٌز بٌنهما دعٌت هذه كبرى ‪ .‬وكانت «قانا» لقبٌلة‬ ‫أشٌر أٌضا" ‪ .‬وفٌها حوّ ل سٌدنا ومخلصنا الماء الى خمر ‪ .‬ونتنائٌل أعلن بشهادة مخلصنا اسرائٌلٌا" حقٌقٌا" ‪ .‬وهً الٌوم‬ ‫(أي قانا ) قرٌة فً جلٌل االمم ‪. » ...‬‬ ‫هذا ٌعنً بشكل دحدّد وقاطع ونهائً أن قانا االنجٌل هً فً لبنان ( جلٌل األمم‪ ،‬فً منطقة صٌدون الكبرى ‪ ،‬القرٌبة‬ ‫من صور الٌوم ‪ . )....‬والمعروؾ ان القدٌس جٌروم أمضى معظم حٌاته فً المنطقة ‪ٌ ،‬تتبع األماكن التً مرّ فٌها المسٌح‬ ‫‪ ،‬وٌدون معلوماته بالتفصٌل ‪ .‬فهو بالتالً ٌعرؾ شخصٌا" هذه االماكن جٌدا" ‪ .‬ومن هنا جاءت القٌمة التارٌخٌّة‬ ‫لتوضٌحاته ‪.‬‬ ‫ان نص جٌروم هذا ٌتضمن تحدٌدا" ال التباس فٌه البتة لموقع قانا االنجٌل ‪ .‬والمقطع القائل «حتى صٌدون الكبرى »‬ ‫مقتبس من كتاب وجؽرافٌة ٌشوع ( ‪ )28 : 19‬الذي ٌذكر المدن التابعة لسبط او قبٌلة أشٌر ووجهة مواقعها ‪ .‬وال تزال‬ ‫تسمٌة أشٌر مؤلوفة فً المنطقة ‪ ،‬حٌث لٌس بعٌدا" عن قاتا اللبنانٌّة ٌوجد واد عمٌق ٌسمّى وادي «عشور» ‪ .‬كما ان‬ ‫تسمٌة بالد «بشارة » ‪-‬منطقة جبل عامل –تؤتً من «بٌت أشٌره » ‪ ،‬كما ٌقول البحّاثة «رٌنه دوسّو » ‪ .‬والمعروؾ ان‬ ‫لفظة «بٌت» تفقد الثانً والثالث ‪ ،‬فً االستعمال الشعبً‪ ،‬على سبٌل السرعة ‪ ،‬فً كثٌر من األسماء اآلرامٌة – السرٌانٌّة‬ ‫للقرى والبلدات فً لبنان ‪( .‬على سبٌل المثال‪ :‬بحبّوش = بٌت حبّوش‪ :‬مكان الحبس ‪ ،‬بحصاص = بٌت حصوصو ‪:‬‬ ‫مكان الحجارة‪ ،‬بدناٌل = بٌت دونٌال ‪ :‬بٌت دانٌال ‪ ،‬بزمّار= بٌت زمورو ‪ :‬بٌت المزمّر الخ ‪. )...‬‬ ‫وعند ذكر وجود نتنائٌل فً بلدة قانا الجلٌل نراجع ما ورد فً انجٌل ٌوحنا من ان ٌسوع عرؾ ان نتنائٌل ابن قانا‬ ‫الجلٌل هو اسرائٌلً حقا" ( ‪ 47 : 1‬و ‪ .)2: 12‬وهذا ٌعنً ان نتنائٌل كان بٌن الكنعانٌٌّن ‪ ،‬فمٌّزه‪ ،‬ولم ٌكن بٌن الٌهود‬ ‫االسرائٌلٌ​ٌن عندما التقى به للمرة األولى ‪.‬‬


‫بعد هذٌن النصٌن التارٌخٌ​ٌن ‪ ،‬القدٌمٌن والواضحٌن‪ ،‬الوسابٌوس وجٌروم ‪ ،‬أسدل على قانا الجلٌل – جلٌل األمم –‬ ‫ستار كثٌؾ من النسٌان والتناسً والجهل ‪ .‬وذلك عن قصد ‪ ،‬السباب فً نفس ٌعقوب ‪ ، » ...‬أو عن ؼٌر قصد ‪ .‬ألٌس‬ ‫الطمس المقصود والجهل التام سٌّان؟ والنصوص والتقالٌد التً وصلت الٌنا حول هذا الموضوع ‪ ،‬منذ اوائل القرن‬ ‫السادس‪ -‬اي بعد اكثر من مائة سنة من تارٌخ النصٌّن الشهٌرٌن – كان مصدرها الحجاج األوربٌّون ‪ ،‬الذٌن كانوا‬ ‫ٌجهلون تماما" اللؽات الشرقٌّة ‪ ،‬واحوال المنطقة وطبٌعة االماكن الجؽرافٌّة ‪ .‬كانوا ٌكتفون بالمجئ الى اورشلٌم‪ ،‬او اذا‬ ‫ابتعدوا كثٌرا" عنها ٌصلون فقط الى الناصرة ‪ .‬وكانوا ٌتصورون ان كل االحداث االنجٌلٌة قد حصلت بٌن اورشلٌم‬ ‫والناصرة ‪ !...‬واول الحجاج القادمٌن والذٌن كتبوا حول هذا الموضوع كان المدعو تٌودوز سنة ‪ 530‬م ‪ ،‬فكتب ٌقول ‪:‬‬ ‫« ‪ ...‬ومن صفّورٌة الى قانا الجلٌل او الى الناصرة المسافة ذاتها وهً خمسة أمٌال ‪. )42( » ...‬‬ ‫وبسبب هذا النص‪ ،‬وبعد خمسمائة سنة تماما" من عرس قانا الجلٌل ‪ ،‬بدأت األفكار ت ّتجه فً تحدٌد موقع قانا الى مكان‬ ‫ما قرب الناصرة ‪!...‬؟‬ ‫ؼٌر ان التناقض الفاضح‪ -‬والذي سببه الطمس والجهل‪ -‬بدأ باكرا" حتى بٌن الحجاج االوروبٌ​ٌن أنفسهم ‪ .‬فقانا الجلٌل‬ ‫حسب البعض منهم هً كفرك ّنا ( !) الواقعة على بعد ثالثة امٌال من صفّورٌة ونحو عشرٌن كٌلومترا" من مدٌنة طبرٌة‬ ‫وعلى مسافة نحو ساعة ونصؾ شمالً شرقً الناصرة مشٌا" على األقدام ‪...‬‬ ‫اما بحسب البعض اآلخر فقانا الجلٌل هً المحلّة المدعوّ ة الٌوم خربة قانا ( !) الواقعة على مسافة تسعة أمٌال شمالً‬ ‫الناصرة ‪ ...‬وعلى هذا التناقض الفاضح بٌن الحجاج بدأ الباحثون األوروبٌّون ٌحاولون تحدٌد موقع قانا الجلٌل ‪ .‬ولم ٌكن‬ ‫هإالء أق ّل جهال" من أولئك‪ ،‬فٌما ٌخص اللؽات الشرقٌّة ‪ ،‬واحوال المنطقة‪ ،‬ومواقع االماكن الجؽرافٌّة ‪ .‬ففئة من الباحثٌن‬ ‫وعلى رأسها معجم التوراة ( ‪ٌ ،)43‬عتبر ان القرٌّة المقصودة من كالم تٌودوز‪ -‬الحاج األول‪ -‬هً «كفركنا »‪ ،‬بٌنما فئة‬ ‫أخرى مثل ؼوستاؾ دلمان ٌعتبر أن المقصود خربة قانا ال كفرك ّنا ( ‪ )44‬والحاج انطونٌن ٌقول أ ّنه سافر سنة ‪ 560‬من‬ ‫عكا الى صفّورٌّة ‪ ،‬ومن صفّورٌة سار ثالثة أمٌال فوصل الى قانا حٌث اشترك ربنا فً العرس ( ‪ . )45‬وقانا التً ٌتكلّم‬ ‫عنها أنطونٌن ٌعتبرها معجم التوراة كفرم ّنا ‪ ،‬بٌنما دلمان وؼٌرها ٌعتبرها خربة قانا ( ‪. )46‬‬ ‫بعد نحو قرنٌن أي فً سنة ‪ٌ 726‬قول الحا ّج وٌلٌبالد انه انتقل من الناصرة الى قانا حٌث زار كنٌسة كبٌرة شاهد فٌها‬ ‫ٳناء" قٌل له انه أحد األجاجٌن الس ّتة التً حوّ ل فٌها الرب الماء خمرا" ( ‪ ! )47‬فقانا هنا هً اٌضا" كفرك ّنا حسب البعض‬ ‫وخربة قانا حسب البعض اآلخر‪...‬‬ ‫ومن السنة ‪ 726‬تقفز النصوص أربعمائة سنة الى األمام لتصل الى السنة ‪ 1103‬حٌث قال سوفلؾ ان قانا هً خربة‬ ‫قانا ال كفرك ّنا (‪ .)48‬وبعده فوكاس الذي تكلّم عن قانا ‪ ،‬وٌستدل من كالمه حسب معجم التوراة ان كفرك ّنا ال خربة قانا‬ ‫(‪ .)49‬وحذا حذوه السلئح جان دي فورزبورغ ( ‪ . )50‬وخالفهما بورشارد( ‪ )1283‬ومارٌنو سانوتو ( ‪ )1231‬وجان دي‬ ‫بولونٌا ( ‪ )1421‬الذٌن قالوا ان قانا هً خربة قانا ال كفرك ّنا ( ‪ .)51‬وفً ‪ 1524‬قال األب فرنسٌسكو سورٌانو بكفرك ّنا‬ ‫فً كتابه الشهٌر عن االرض المقدسة ‪...‬‬ ‫ومن جهة ثانٌة ٳؾن الخرائط والوثائق الصلٌبٌّة فً القرنٌن الثانً عشر والثالث عشر ال تحسم المسؤلة ‪ ،‬فتمٌّز بٌن‬ ‫كفرك ّنا وخربة قانا بدون االنحٌاز الى أي منهما ‪.‬‬ ‫هذا حسب معجم التوراة ( ‪ .)52‬أما دلمان فٌعتبر أن الخرائط والصكوك الصلٌبٌّة هً لصالح خربة قانا ال كفرك ّنا !‬ ‫(‪. )53‬‬


‫وهكذا ظلت القضٌة متؤرجحة بٌن كفرك ّنا وخربة قانا الى ان جاء كوارٌزموس فً ‪ 1625‬فؤظهر تفضٌال" لكفرك ّنا‬ ‫(‪ .)54‬وتبعه الحجاج روجٌه ‪ 1631‬ونٌتشٌز ‪ 1636‬وسورٌوس ‪ 1644‬ودوبران ‪ . 1625‬من الذٌن قالوا بكفرك ّنا منذ‬ ‫القرن التاسع عشر الى الٌوم هم‪ :‬لوجاندر فً معجم التوراة ‪ ،‬ؼٌرٌن (‪ )55‬ودي سوسً (‪ )56‬وٳٌجٌدٌوس ؼٌشلر ( ‪)57‬‬ ‫ورٌنه دوسّو (‪ )58‬والدلٌل األزرق ( ‪ . )59‬ومن الذٌن ٌقولون بخربة قانا ال كفرك ّنا ادوارد روبنسون ( ‪ ، )60‬وطومسون‬ ‫(‪ ،)61‬وفً اٌامنا هذه آبل ( ‪ ،)62‬وبراون (‪ )63‬وؼوستاؾ دلمان (‪. )64‬‬ ‫ومن الؽرٌب حقا" ان النصوص ذاتها تعتبرها فئة مشٌرة الى كفرك ّنا‪ ،‬بٌنما النصوص ذاتها تعتبرها الفئة المعاكسة‬ ‫مشٌرة الى خربة قانا !؟‪ ...‬ومن الؽرٌب أٌضا" عدم االستقرار فً الرأي حول هذا الموضوع ‪ .‬وٌمكن قسمة مراحل‬ ‫الرأي وتقلباته العدٌدة حول قانا الى أربع مراحل ‪:‬‬ ‫ أ‪ -‬من السنة ‪ 530‬حتى ‪ : 726‬التقالٌد والنصوص تضع قانا بجوار مدٌنة الناصرة بدون أن ٌ ّتضح منها تحدٌد المكان‬‫بصورة أكٌدة ‪ .‬لذلك أوّ ل كل واحد هذه النصوص على هواه ‪...‬‬ ‫ ب – من السنة ‪ 726‬حتى ‪ :1103‬صمت تام فال نصوص الب ّتة حول هذا الموضوع؟‪...‬‬‫ ج – من السنة ‪ 1103‬حتى ‪ :1625‬انقسام بالرأي‪ .‬فمنهم من ٌقول قانا هً كفرك ّنا ‪ ،‬ومنهم من ٌقول خربة قانا ‪ ،‬ومنهم‬‫من ٌالزم الحٌاد !!‪.‬‬ ‫ د – من السنة ‪ 1625‬الى ٌومنا هذا ‪ :‬هناك فئتان متناقضتان تماما"‪ .‬فئة تقول بخربة قانا عاملة جهدها لدحض اقوال‬‫القائلٌن بكفرك ّنا والعكس بالعكس؟ !‪...‬‬ ‫هذا وخربة قانا ال ترقى الىؤقدم من العصر العربً ‪ ...‬وكفرك ّنا اسم مركب من لفظتٌن‪« :‬كفر» وتعنً مكان ‪ ،‬موقع‬ ‫او قرٌة‪ ،‬و«ج ّنة» وتعنً حدٌقة‪ ،‬بستان ‪ ...‬وتكتب أصال" بحرؾ ال چ (المصرٌة) ولٌس بحرؾ ال ج كما نلفظ‬ ‫بالعربٌة الٌوم‪.‬‬ ‫اصل كلمة «كفرج ّنة» = قرٌة الحدٌقة‪ ،‬ولٌس «كفرك ّنا »؟ ولٌس هناك من حرؾ ج ‪ ،‬بل چ ( المصرٌة) ‪ ،‬فً اللؽات‬ ‫السامٌة القدٌمة ‪ .‬من هنا حصل االلتباس بٌن «قانا» و «ج ّنة»‪ ،‬والمقاربة بٌن قانا وكفرچنة ثم كفرك ّنا ‪ .‬وسبب كل ذلك‬ ‫جهل الحجاج والسٌّاح االوروبٌ​ٌن للؽات السامٌة ومن بعدهم المفسّرٌن الؽربٌ​ٌن ‪ .‬وهكذا حصل فً كثٌر من االلفاظ‬ ‫والعبارات السامٌة فً الكتاب المقدّس‪ ،‬فجاءت التفسٌرات مشوشة ومحرّ فة وبعٌدة عن الحقٌقة ‪ .‬وهذا أمر خطٌر جدا" ‪.‬‬ ‫وهو باق الى الٌوم !!؟ ‪...‬‬ ‫وهكذا ٌظهر بوضوح ان التقالٌد والنصوص حول كفرك ّنا وخربة قانا متضاربة وؼٌر متماسكة وؼٌر متواصلة ‪،‬‬ ‫وتشوبها عٌوب كثٌرة تجعلها ؼٌر صالحة لالقناع بؤن أٌا" من كفرك ّنا أو خربة قانا هً «قانا االنجٌل » ‪ .‬من هذه العٌوب‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ ­"1‬التقالٌد والنصوص التً تركها الحجاج والسٌّاح والرحّالة هً من صنع أجانب وؼرباء‪ .‬وهً جمٌعها تجهل او‬ ‫تتجاهل­ وقد ٌكون الجهل أدهى­ النصوص األولى ‪ ،‬الواضحة والمحددة تماما" التً كتبها اوسابٌوس وجٌروم ‪ .‬واقوال‬


‫هذٌن المإرخٌن الكبٌرٌن هً الحاسمة تماما" فً الموضوع ‪ ،‬وذلك النهما أقدم من كتب حول قانا ‪ ،‬وهما من أهل البالد‬ ‫ّ‬ ‫مطلعون على تقالٌدها ولؽاتها عن كثب وعلى تارٌخها وجؽرافٌتها وبٌبتها وكل أحوالها وشإونها ‪...‬‬ ‫‪ ­"2‬ان السٌّاح والحجاج بدأوا بالحدٌث أو بالكتابة حول قانا ابتداء من سنة ‪ ! 530‬ولم ٌكونوا من المإرّ خٌن أو البحاثة‬ ‫الموقّعٌن‪ .‬وبالتالً لم ٌمعنوا النظر بدقّة فً نص االنجٌل ‪ .‬وكل كلمة من كلماته على ضوء الواقع الجؽرافً والمحلًّ ‪.‬‬ ‫وكان كل واحد ٌردّد ما ٌسمع او ما ٌقال له دون ان ٌهت ّم بالبحث والتدقٌق ‪ .‬لذلك جاءت اقوالهم وكتاباتهم مشوبة‬ ‫بالؽموض والتارجع ‪ ،‬ملٌبة بالتناقضات الفاضحة ‪...‬‬ ‫‪ ­" 3‬انهم بمعظمهم مفتقرون الى معرفة دقٌقة وشاملة للبٌبة المحلٌة وعاداتها ولؽاتها وتارٌخها ‪ .‬قدموا من بالد األفرنج‬ ‫وهمهم االساسً ان ٌزوروا االماكن المقدسة المسٌحٌة ‪ ،‬ال ان ٌدقّقوا فً التارٌخ والجؽرافٌة ‪ .‬وقد وقع البعض منهم فً‬ ‫اخطاء تارٌخٌّة فاضحة ومضحكة ‪...‬‬ ‫‪ ­"4‬جاءت تقالٌد ونصوص هإالء الؽرباء ؼٌر متواصلة فً الزمن كحلقة متتابعة متماسكة ‪ .‬بل كانت متؤرجحة‬ ‫متقطعة تفصل بٌن أجزابها مبات السنٌن احٌانا"‪ .‬فمنذ االناجٌل المقدسة حتى سنة ‪ 530‬لم ٌظهر أي نصّ او وثٌقة تبٌّن‬ ‫ان كفرك ّنا او خربة قانا هً قانا االنجٌل ! ومن السنة ‪ 726‬حتى ‪ 1103‬حدث انقطاع وفراغ جدٌد فال وثابق وال‬ ‫نصوص تشٌر الى كفرك ّنا او خربة قانا ‪ .‬وهكذا على مدى نحو ألفً سنة هناك فراغ وانقطاع فً التقلٌد ٌبلػ مجموع‬ ‫مدته الزمنٌة نحوا" من ألؾ سنة ‪ .‬فً هذا الفراغ الكبٌر تبدو النتؾ الخطٌة السطحٌة حول كفرك ّنا وخربة قانا بمثابة‬ ‫جزر ضبٌلة مبعثرة فً هذا الفراغ بدون أي تماسك او تكامل ‪...‬‬ ‫‪ ­"5‬والفراغ االهم هو الفاصل بٌن األناجٌل المقدسة واول نص اعتبر مشٌرا" الى كون قانا بقرب الناصرة ‪ ،‬أي نص‬ ‫الحاج تٌودوز ‪ . 530‬فٌتضح أن عدم وجود تقالٌد متواصل منذ عهد الرسل حتى ‪ ، 530‬حول كون قانا هً كفرك ّنا او‬ ‫خربة قانا بقرب الناصرة ‪ٌ ،‬جعل التقلٌد حول هاتٌن القرٌتٌن فً سنة ‪ 530‬ؼٌر مستند الى أيّ اساس أو دلٌل سوى‬ ‫الوهم والتقدٌر والتخمٌن !‬ ‫‪ ­"6‬استوحى الحجّاج والكتاب االوروبٌون الذٌن كتبوا حول هذا الموضوع منذ سنة ‪ 530‬افكارا" سطحٌة اعتباطٌة‬ ‫كالتصور أن معظم االحداث االنجٌلٌة قد حدثت­ او ٌجب ان تحدث­ فً أورشلٌم او الناصرة أو حوالٌهما ‪ .‬وبالتالً‬ ‫ٌجب ان تكون قانا االنجٌل بالقرب من الناصرة ! هذا فضال" عن انخداعهم الواضح بالشبه اللفظً بٌن قانا من‬ ‫جهة وكفرك ّنا من جهة ثانٌة ‪ ،‬كما رأٌنا سالفا"‪...‬‬ ‫كل هذه العٌوب تجعل من التقلٌد الؽربً الذي ٌقول بكفرك ّنا او خربة قانا مشوبا" بالتناقض والتضارب وعدم‬ ‫االستقرار والوهن والؽموض وانعدام التماسك ‪ .‬كل ذلك ٌدل على ان اٌة فبة من الفبتٌن ال تستند الى أدلّة مكٌنة كافٌة‬ ‫وحاسمة لدعم رأٌها ‪ .‬فالقابلون بكفرك ّنا ٌقدمون االدلّة لدحض قول القابلٌن بخربة قانا والعكس بالعكس ‪ .‬وهم من حٌث‬ ‫ال ٌدرون ٌقدمون األدلة ‪ ،‬ولو بشكل ؼٌر مباشر ‪ ،‬على كون قانا االنجٌل هً فانا الجلٌل ‪ :‬جلٌل االمم اي قانا اللبنانٌّة ‪.‬‬ ‫والتقلٌد "التقوي" الذي انساق فٌه السٌاح والحجاج االجانب السباب ؼٌر واضحة وانجرؾ فٌه بعض الباحثٌن الؽرباء‬ ‫أق ّل ما ٌقال فٌه انه ؼٌر موضوعً وؼٌر علمً )‪(Pieux non scientifique – Pious non scientific‬‬


‫على حد تعبٌر بعض الباحثٌت والعلماء الحالٌ​ٌن ‪ .‬فهذا التضارب والتناقض الكبٌران فً ااآلراء ٌستحٌل معهما التسلٌم‬ ‫بؤن أٌّا" من الموقعٌن كفرك ّنا وخربة قانا هو قانا الوارد ذكرها فً االنجٌل المقدس ‪.‬‬ ‫واذا عدنا الى النص االنجٌلً حول عرس قانا ‪ ،‬الذي كتبه ٌوحنا – وهو النص الوحٌد فً األناجٌل األربعة – فان‬ ‫الكاتب ال ٌتكلّم ال عن كفرك ّنا وال عن خربة قانا ‪ .‬انه ٌتكلّم عن قانا – وقانا الجلٌل – فٌقول بالحرؾ الواحد ما ٌلً‪" :‬‬ ‫‪ ...‬وفً الٌوم الثالث ‪ ،‬كان عرس فً قانا الجلٌل ‪ ،‬وكانت أم ٌسوع هناك (أي فً قانا الجلٌل)‪ٌ( ...‬وحنا ‪...)1: 2‬‬ ‫وكفرك ّنا كان دابما" اسمها كفرك ّنا ال قانا ‪ ،‬والقول بؤنها قانا هو تحرٌؾ اعتباطً ال مبرّر له ‪ .‬وكذلك خربة قانا كان‬ ‫اسمها دابما" حسبما هو معروؾ الى اآلن خربة قانا ال قانا ‪ .‬والقول بؤنها قانا هو أٌضا" تحرٌؾ اعتباطً ال ٌستند الى‬ ‫أيّ أساس ‪ .‬والحفرٌّات االثرٌة التً اجرٌت فً خربة قانا قد اثبتت عدم وجود اي عمران فً تلك المحلّة ٌرقى الى زمن‬ ‫السٌد المسٌح (‪ ، )65‬وعدم وجود اي أثر لكنٌسة مسٌحٌّة ‪ .‬فخربة قانا ‪ ،‬كما اسلفنا ‪ ،‬ال ترقى الى اقدم من العهد العربً‬ ‫‪...‬‬ ‫والتوراة نفسها ال تؤتً على ذكر ال كفرك ّنا وال خربة قانا ‪ .‬بل تؤتً فقط على ذكر مدٌنة قانا ‪ ،‬فٌقول سفر ٌشوع‬ ‫بالحرؾ الواحد ‪ ..." :‬وتنفذ (حدود سبط أشٌر – التً هً كلها فً جلٌل األمم) الى كابول شماال" والى عبدون ورحوب‬ ‫وحمّون وقانا القرٌبة من صٌدون الكبرى ‪ ...‬فهناك اثنتان وعشرون مدٌنة بقراها ‪ ...‬هذا مٌراث سبط بنً أشٌر بحسب‬ ‫عشابرهم ‪ٌ(" ...‬شوع ‪ . )31­24 :19‬فهكذا كانت قانا مدٌنة كنعانٌة – لبنانٌة قدٌمة ومعروفة ‪ ،‬وكان لها قرى صؽٌرة‬ ‫تابعة لها ‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬المراجع العربٌّة القدٌمة­ والحدٌثة من بعدها­ تذكر اسم كفرك ّنا دوما" على هذا الشكل وتكتبها هكذا‬ ‫«كفرك ّنة» ‪ .‬فٌقول المإرخ الرحّالة أبً حسن الهراوي ‪ ،‬فً كتابه «االشارات الى معرفة الزٌارات »‪:‬‬ ‫«كفرك ّنة قرٌة بها مقام ٌونس وقبر ابنه وهللا أعلم ‪ . )66(» ...‬وتعلّق ناشرة الكتاب العالمة المستشرقة «جانٌن‬ ‫سوردٌل طومٌن» على هذا المقطع بما ٌلً ‪:‬‬ ‫‪«Kafar Kanna، Village important، toujours connu sous ce nom et situé à une vingtaine de‬‬ ‫‪Kms de Tibériade sur la route de Nazareth …» (67).‬‬ ‫أو بما تعرٌبه‪:‬‬ ‫« كفرك ّنة بلدة هامة كانت تعرؾ دوما" بهذا االسم ‪ ،‬وهً تقع على بعد مسافة عشرٌن كٌلومترا" تقرٌبا" من طبرٌّة‬ ‫على طرٌق الناصرة ‪. » ...‬‬ ‫هكذا اذا" كانت كفرك ّنة تعرؾ دوما" بهذا االسم‪ ،‬ولم تعرؾ ٌوما" من األٌام بقانا ‪ .‬وهً اشتهرت بكونها تحوي مقام‬ ‫ٌونس وقبر ابنه ‪ .‬ولكن ال ذكر فٌها ال لعرس قانا وال لشىء متعلق بالمسٌح او بؤي حدث ٌمت الى المسٌحٌة أو الى‬ ‫الكنٌسة بصلة ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وسرت بعد ذلك الى قرٌة تسمَّى كفرك ّنة‪ .‬وبجانبها ت ّل بنٌت على‬ ‫وقد ذكر مقام ٌونس فٌها ناصر خسرو ٳذ ٌقول‪...« :‬‬ ‫ٌونس علٌه السالم‪. )68( » ...‬‬ ‫قمته صومعة جمٌلة بها قبر النبً‬ ‫َ‬


‫الفصل الرابع‬ ‫"قانا الجليل"‪ :‬قانا اﻹنجيل هي في لبنان‬


‫"قانا الجليل"‪ :‬قانا اﻹنجيل هي في لبنان‬ ‫ان قانا الجلٌل = «قانا االنجٌل » الحقٌقة = قانا اللبنانٌة‪ ،‬قد تعرّ ضت للطمس من جهة‪ ،‬وللجهل من جهة ثانٌة‪ ،‬فكاد‬ ‫التارٌخ ٌنساها وٌهمل دورها البارز فً حٌاة ٌسوع وامه مرٌم وفً نشؤة الدٌانة المسٌحٌّة ‪ .‬حتى ان الخرٌطة اللبنانٌة‬ ‫نفسها ال تحمل الى الٌوم اسمها الكامل اي «قانا الجلٌل »‪ ،‬بل تكتفً بكلمة «قانة» !!! وكذلك اهل الجوار‪ .‬ولوال تذكٌر‬ ‫وحسب ‪.‬‬ ‫بعض علماء القرون الماضٌة باسمها الكامل «قانا الجلٌل » واهمٌته لظن ّنا نن أٌضا" ان اسمها هو قانا َ‬ ‫والنسبة اي نسبة قانا الى الجلٌل لٌست فً األصل الى منطقة جؽرافٌّة هً «الجلٌل» ولو كان هناك منطقة سمٌّت فٌما‬ ‫بعد «الجلٌل»‪ ،‬بل الى مزار قدٌم مه ّم فً مرتفع البلدة باسم «النبً الجلٌل »‪ .‬وهذا المزار باق الى الٌوم‪ ،‬وظاهر للعٌان‪،‬‬ ‫تقدّم له النذور والتقدٌمات من المسٌحٌ​ٌن والمسلمٌن على السواء‪ ،‬وله كرامات معروفة وٌدفن االهلون موتاهم حوله‬ ‫تٌمنا" به وطلبا" للشفاعة‪ .‬وهذا الةلًّ المقدس عمٌق الجذور فً جنوب لبنان‪ ،...‬وله مقام آخر فً بلدة «الشرقٌة» فً‬ ‫جوار مدٌنة النبطٌّة باق الى الٌوم‪ .‬ومما ال شك فٌه ان هذا «الولً المقدس» هو سابق على المسٌحٌة واالسالم ‪...‬‬ ‫انه ولً كنعانً­ لبنانً قدٌم جدا"‪ .‬ولفظة «الجلٌل » التً الزمته طٌلة قرون عدٌدة ‪ ،‬ترجع دون رٌب الى لؽة الدٌانة‬ ‫الكنعانٌة ­ اللبنانٌة‪ ،‬الدٌانة الموحّ دة االولى فً التارٌخ = دٌانة «ٳٌل»‪« .‬ٳٌل» الذي تجسّد فً ٌَسوع المسٌح الملقب‪:‬‬ ‫«عمّانوبٌل» اي «ٳٌل معنا » التً ترجمت فٌما بعد «هللا معنا»‪ ...‬فلظة «الجلٌل» تعنً هكذا صفة من صفات «ٳٌل»­‬ ‫هللا‪ :‬اي «اٌل الجلٌل » كما اننا الى الٌوم نقول‪« :‬هللا ج ّل جالله »‪ّ « ،‬‬ ‫عز وج ّل‪ » ...‬كما نقول «جاللة الملك» ونلقّب‬ ‫الكاهن «بالجلٌل » الخ‪ ...‬وهكذا ٌكون من األولى ان تنسب أرض الجلٌل برمتها الى هذا الولًّ المقدّس القدٌم‪ ،‬ال ان‬ ‫ٌنسب هو الٌها‪ .‬فٌكون جنوب لبنان هو «جلٌل االمم» كما تمٌّزه الكتابات القدٌمة‪ ،‬وحتى التوراة نفسها ‪ .‬واالمم هنا هم‬ ‫الكنعانٌون واآلرامٌون الذٌن كانوا فً المنطقة فً زمن المٌالد ‪...‬‬

‫قانا الجليل‪ :‬مدينة كنعان ّية‪ -‬لبنان ّية ‪.‬‬ ‫كانت مدٌنة قانا الجلٌل دوما"‪ ،‬وما تزال‪ ،‬مدٌنة كنعانٌّة ­ لبنانٌّة‪ ،‬وذلك قبل ان ٌؽتصب بنو اسرابٌل جنوبً أرض‬ ‫كنعان بآالؾ من السنٌن ! فقد جاء فً سفر ٌشوع‪ ،‬من باب مسح األراضً لألسباط ‪ ...‬ماٌلً‪:‬‬ ‫«‪...‬وخرجت القرعة الخامسة لسبط بنً أشٌر بحسب عشابرهم‪ :‬فكان فً حدودهم‪ :‬حلقة وحلً وباطن واكشاؾ‬ ‫والمالك وعمعاد ومشآل‪ ،‬وتتصل ؼربا" الى كرمل وشٌحور لبنات‪ ،‬وتنعطؾ شرقا" الى بٌت داجون ثم ت ّتصل زبولون‬ ‫والى وادي ٌفتحبٌل‪ ،‬على شمال بٌت العامق وتعٌبٌل‪ ،‬وتنفذ الى كابول شماال" والى عبدون ورحوب وحمّون وقانة الى‬ ‫صٌدون الكبرى‪ ...‬وتنعطؾ الحدود الى الرامة والى المدٌنة المحصّنة صور‪ ،‬ثم تنعطؾ الى حومة‪ ،‬وتنفذ عند البحر الى‬ ‫محالٌب واكزٌب‪ ،‬وع ّكو وافٌق ورحوب‪ .‬فهناك اثنتان وعشرون مدٌنة بقراها ‪ ...‬هذا مٌراث سبط بنً أشٌر بحسب‬ ‫عشابرهم ‪ٌ( »...‬شوع ‪. )31­24 :19‬‬ ‫وجاء أٌضا" فً سفر القضاة‪ ... « :‬ولم ٌطرد أشٌ ُر اهل ع ّكاء وصٌدون واحلب واكزٌب وحلبة وأفٌق ورحوب ‪...‬‬ ‫فؤقام األشٌرٌّون فً وسط الكنعانٌ​ٌّن‪ ،‬س ّكان االرض االصلٌ​ٌن‪ ،‬النهم لم ٌطردوهم ‪( ...‬القضاة ‪ .)32­31 : 1‬وهكذا‬ ‫فعلت اسباط منسّى وأفرابٌم وزبولون ونفتالً‪( ...‬راجع أٌضا" تكوٌن ‪ ،20 : 49‬وتثنٌة االشتراع ‪. )25­24 : 33‬‬


‫الكنعانٌّة هذه‪ ،‬المجاورة لصور كانت مشهورة منذ القدم‪ .‬وقد قانا الجلٌل‪ ،‬المدٌنة‬ ‫ورد ذكرها ال فً التوراة فحسب ‪ ،‬ولكن فً النصوص القدٌمة كلوابح الفرعون ساتً األول مثال" ( ‪ 1298­1312‬ق‪ .‬م)‬ ‫وؼٌرها ‪ ...‬وال تزال مشهورة بهذا االسم «قانا» منذ آالؾ السنٌن مرورا" باالنجٌل حتى الٌوم ( ‪ . )69‬وحتى اللفظة‬ ‫ذاتها‪ ،‬كما ٌقول ٳمٌل كرٌلنػ ‪ ،‬تدّل على كونها قانا ‪“Sa prononciation même correspond à celle du‬‬ ‫)‪ Cana de Tyr” (69‬صور ‪.‬‬

‫موقع قانا الجليل وآثارها‬ ‫«قانا الجلٌل» قرٌة لبنانٌة جنوبٌة تقع على بعد ‪ 12‬كٌلومترا" تقرٌبا" جنوب شرق صور ‪ .‬وهً مبنٌّة على سلسلة من‬ ‫الروابً الصؽٌرة ‪ .‬والرابٌة االعلى بٌنها ٌقوم علٌها معبد «الجلٌل»‪ ،‬الذي تنتسب له البلدة‪ .‬وفً ساحة المعبد كشؾ عن‬ ‫مجموعة اجران حجرٌة ‪ ،‬توافق سعة الواحد منها السعة التً ذكرها فً انجٌل ٌوح ّنا تماما"‪ .‬وهذه االجران ال ٌق ّل عددها‬ ‫عن الستة المذكورة فً االنجٌل (ٌوحنا ‪ . )6 :2‬وموقعها ٌناسب الموقع المفترض بؤن ٌكون مكانا" لحفلة عرس‪ ،‬حٌث‬ ‫من ؼٌر المنطقً ان تكون أجران ستة فً بٌت خاصّ ‪ ،‬وانما االرجح انها كانت فً مكان عام ٌخصّ المعبد او معصرة‬ ‫للعنب والزٌت ‪ .‬وهذا ٌقتضً ان ٌكون مكان حفلة العرس فً مكان عام ٌ ّتسع للمدعوٌن ولموابد الدعوة ‪ .‬وأفضل‬ ‫االماكن هو باحة المعبد ‪ ،‬معبد «الجلٌل»‪...‬‬ ‫اما بقٌة اآلثار الخاصة بالمؽارة والنقوش الحجرٌة فتقع على منحدر صخري صعب فً الؽرب الشمالً للبلدة‪ ،‬وهو‬ ‫منعزل بعٌد عن الطرقات العامة‪ ،‬وال اثر فٌه لبناء او عمران او حتى لقبور حٌن افتراض وجود قبور هناك ‪ .‬وكانت‬ ‫العادة تجري فً مناطق لبنان وفلسطٌن كافة ان تنقش على الصخور اشخاص الموتى المدفونٌن بقرب هذه الصخور ‪...‬‬ ‫امّا فً «قانا الجلٌل » هذه وحدها‪ ،‬فكان هناك نقوش صخرٌة دون ان ٌكون بقربها مدافن ‪ٌ .‬نتج عن ذلك ان النقوش‬ ‫الصخرٌّة فً «قانا الجلٌل » لم تكن ترمز الى اشخاص الموتى‪ ،‬بل الى احداث مسٌحٌّة‪ ،‬او أشخاص مسٌحٌ​ٌن ‪ .‬وهناك‬ ‫صخرة كبٌرة نقش علٌها اثنا عشر شخصا" وشخص كبٌر فً الوسط نسبة الى تالمٌذ المسٌح االثنا عشر وفً وسطهم‬ ‫ٌسوع ‪ .‬واذا امعنا النظر تماما"نرى ان صخرة أمامٌّة منفردة مستقلة اثنً عشر شخصا" منحوتٌن فً الصخر فً صؾ‬ ‫واحد على الواجهة ‪ .‬وفً وسط الصؾ شخص بارز له هالة حول رأسه‪ ،‬وبدا رفاقه من الٌمٌن والٌسار مختلفً‬ ‫االحجام‪ ،‬وقد اوهت العوامل الطبٌعٌة بعض معالم اشخاص االطراؾ ‪ .‬ولكن عددهم كما ٌظهرون ٌراوح االثنً عشر ‪.‬‬ ‫وؼٌاب تفاصٌل المالمح عنهم ٌدل على ان النحّات ارادهم رمزا" لفكرة اكثر منها الشخاص معٌنٌن ‪ .‬وهذا ما ٌحمل‬ ‫على الربط بٌن المنحوتة الصخرٌة والفكرة المسٌحٌة الرمز‪ ،‬وهً المسٌح وتالمذته االثنا عشر معه ‪...‬‬ ‫وعلى واجهة جدار صخري‪ ،‬خلؾ هذه المنحوتة الرمز‪ ،‬تبرز منحوتات مكتملة تظهر فٌها اشكال االشخاص‬ ‫وأوضاعهم وثٌابهم بوضوح‪ ،‬وهً اقرب الى االٌقونات المسٌحٌة المؤلوفة‪ ،‬لكون االوضاع البارزة توحً بالخشوع‬ ‫والتعبّد‪ ،‬كض ّم االٌدي الى الصدر أو رفعها نحو العالء ‪ .‬كما ان بٌنها رسما" لرجل حافً القدمٌن ‪ .‬وعلى انفراد ٌوجد‬ ‫نحت ٳمرأة تظهر ثنٌات ثوبها بوضوح‪ ،‬مما ٌشٌر الى قصد النحّات فً ابراز دور اماة ما فً هذا الموقع ‪ .‬كما ٌإكد‬


‫على مسٌحٌّة الموقع ومجتمعه‪ ،‬لكون المرأة برز لها دور هام مع المسٌحٌة فً المجتمع ولٌس قبلها ‪ .‬ومن المرجّ ح ان‬ ‫نقش االمرأة هنا ٌرمز الى العذراء مرٌم ودورها البارز فً عرس «قانا الجلٌل »‪ ،‬وفً نشؤة المسٌحٌة أٌضا" ‪...‬‬ ‫وفً اسفل هذه الصخور والمنحوتات توجد مؽارة واسعة ٌنفتح بابها على المنحدر وال ٌالحظ وجودها االّ من ٌقصدها‬ ‫‪ .‬وهً ملجؤ مثالً للباحثٌن عن ملجؤ ‪ ...‬وكاد اهل القرٌة ان ٌجعلوا من هذه المؽرة اسطورة بذاتها ‪ ،‬حٌث ظ ّنوا انها‬ ‫تذهب بعٌدا" داخل الجبل‪ ،‬لكون أحد سرادٌبها ٌمتد عمٌقا" فً الداخل ‪.‬‬ ‫هذه اآلثار تتكامل مع بعضها لتصبح أفضل شاهد على ما جاء فً اعمال الرسل ( ‪ ...« :)19 :11‬وأما الذٌن شتتهم‬ ‫الضٌق واالضطهاد الذي وقع بعد مقتل اسطفانوس ‪ ،‬فانهم انتقلوا الى فٌنٌقٌة ‪. » ...‬‬ ‫كما أننا نجد وصفا" لمثل هذه التجمّعات المسٌحٌّة األولى فً نصّ لدى مإرخ الكنٌسة االول اوسابٌوس‪ ،‬اسقؾ‬ ‫قٌصرٌّة فٌلٌبّس _ فلسطٌن ‪ ،‬حٌث ٌذكر ‪« :‬إنهم ( اي المسٌحٌّون) كانوا ٌتخلّون عن ممتلكتاهم ألقاربهم ‪ ،‬وٌودّعون كل‬ ‫اهتمامات الحٌاة‪ ،‬وٌخرجون خارج المدن فٌجعلون مقرّ اتهم فً الصحارى والبراري والقفار ‪ .)70( » ...‬وهو نفسه ٌذكر‬ ‫لنا امثال هذه المنحوتات الصخرٌة لدى المسٌحٌ​ٌن األول فً مدٌنة بانٌاس – فً لحؾ جبل حرمون – وقد شاهدها هو‬ ‫بنفسه فً القرن الثالث للمٌالد ‪ ،‬فهو رأى منحوتات للرسولٌن بطرس وبولس وللمسٌح ذاته ‪ ،‬كما ٌقول ‪. )71 ( .‬‬ ‫"‬ ‫وهكذا ٌكون موضوع هذه المنحوتات اصخرٌة موضوعا" مستقال"‪ ،‬ولكنه مكمّل لموضوع «قانا الجلٌل » االنجٌلٌة فً‬ ‫لبنان ‪...‬‬ ‫فؤوسابٌوس مإرخ عالّمة ال تزال كتبه مرجعا" اساسٌا فً التارٌخ حتى الٌوم ‪ ،‬وخاصة التارٌخ الكنسً والكتاب‬ ‫المقدس واالناجٌل وخرٌطة االراضً المقدسة ‪ .‬وباالضافة الى ذلك انه ابن فلسطٌن وبحّاثة ّ‬ ‫مطلع على جؽرافٌّة وتارٌخ‬ ‫بالده اكثر من السٌاح والحجاج الؽرباء الذٌن من بالد اوروبا البعٌدة والتً كان س ّكانها ؼٌر متطورّ ٌن ‪ ،‬عهد ذلك‪ ،‬فً‬ ‫العلم والبحث ‪ .‬وكان البعض منهم من الناس البسطاء واالمٌّ​ٌن ‪ .‬وفضال" عن ذلك ان كالم المإرخ اوسابٌوس عن قانا‬ ‫ٌتضمنه كتاب الّفه خصٌصا" لوصؾ جؽرافٌة فلسطٌن بالتفصٌل والناحٌة المتعلقة منها باالننجٌل خاصة ‪ .‬فمعلوماته من‬ ‫هذا القبٌل من الدقة بمكان وكتابه مصدر ربٌسً للعلماء ‪ ،‬قبل عصرنا وفً عصرنا‪ ،‬الباحثٌن بتارٌخ البٌبة االنجٌلٌّة‬ ‫وطبٌعتها واحوالها وجؽرافٌتها ‪ .‬وهذا المإرخ عالّمة فً لؽات هذه البالد الشرقٌّة‪ ،‬فضال" عن اللؽة الٌونانٌّة‪ ،‬وفً‬ ‫الالهوت والكتاب المقدس والتقالٌد المسٌحٌّة‪...‬‬ ‫والقدٌس جٌروم (إٌرونٌموس) الذي ترجم كتاب اوسابٌوس وأٌد أقواله بخصوص قانا وحدّد موقعها فً لبنان بشكل‬ ‫دقٌق وقاطع‪ ،‬هو الذي ترجم العهدٌن القدٌم والجدٌد الى اللؽة الالتٌنٌّة ‪ .‬هو المعتمد فً الكنٌسة ‪ ) (Vulgate‬وال ٌزال‬ ‫النص الذي وضعه والمعروؾ بال «ڤولؽات»‬ ‫الؽربٌة بؤسرها ‪.‬‬ ‫ولوضع هذه الترجمة أتى جٌروم خصٌصا" من اٌطالٌا الى فلسطٌن لٌدرس اللؽات الشرقٌّة وٌتعرّ ؾ عن كثب الى بٌبة‬ ‫االنجٌل والكتب المقدسة ولؽاتها وتارٌخها وجؽرافٌتها وتقالٌدها وعاداتها ‪ ...‬ومن ثم ات لنصوص هذٌن العالمٌن‬


‫(أوسابٌوس وجٌروم) وشهادتهما وشروحهما قوة حاسمة وبرهانا" ساطعا" قاطعا" فً الموضوع الذي نحن بصدده ‪ :‬فً‬ ‫كون قانا االنجٌل‪ ،‬قانا العرس فً قانا الجلٌل ‪ :‬فً كونها لبنانٌة‪ .‬ولٌس من الرصانة العلمٌة فً شًء نبذ شهادتهما بسبب‬ ‫الطمس المتعمّد او الجهل أو التجاهل ‪ ،‬للتعلّق ببعض التقالٌد الشعبٌّة الواهٌة ذات المصدر الؽربً المتهوّ د والمنبثقة من‬ ‫شهادات مبهمة مترجرجة او متناقضة صادرة عن سٌّاح أو حجاج ؼرباء وأمٌ​ٌن‪...‬‬ ‫ان معرفة البالد وتارٌخها وجؽرافٌتها ولؽاتها لها أهمٌة كبرى فً هذا الموضوع ‪ .‬فالحروؾ الشرقٌّة وخاصة‬ ‫السامٌّة منها ؼرٌبة عن اللفظ الؽربً االوروبً مما ٌإدي­ وقد أدّى­ باالوروبٌ​ٌن الى الؽلط والخلط بٌن االسماء‬ ‫وااللفاظ والعبارات‪ .‬فبما انّ السٌّاح والحجّاج االوروبٌ​ٌن فً القرون الوسطى كلنوا ٌجهلون لفظ «القاؾ» السامٌة وال‬ ‫ٌمٌّزون بٌنها وبٌن «الكاؾ» خلطوا بٌن «قانا» و «كفرك ّنا » !‬ ‫واذ كانوا ٌبحثون عن قانا السباب دٌنٌة عاطفٌة ‪ ،‬وكانوا جاهلٌن البٌبة االنجٌلٌّة وؼرباء عنها‪ ،‬او واقعٌن_ وهذا‬ ‫اسوأ_ تحت تؤثٌر الٌهود «واالسطورة _ الخدعة العالمٌة » المسمّاة «شعب هللا المختار »‪ ،‬تصوروا ان قانا ٌجب ان‬ ‫تكون بجوار الناصرة ‪ ،‬الن اسم الناصرة بارز فً اذهانهم ولكونها المدٌنة التً تربّى فٌها المسٌح ‪ .‬وعندما القوا على‬ ‫مقربة من الناصرة ‪ ،‬قرٌة «كفرك ّنا » اؼترّ وا بالشبه اللفظً بٌن «ك ّنا» و «قانا» ؼٌر ممٌّزٌن بٌن القاؾ والكاؾ‬ ‫فتصوروا ان «كفرك ّنا » هً قانا ! ومع الزمن‪ ،‬وبعد عدة قرون‪ ،‬اي فً القرن السابع عشر ‪ ،‬مٌّز هإالء الؽرباء الفرق‬ ‫اللؽوي بٌن «ك ّنا» و «قانا» فعدل بعضهم عن كفرك ّنا للقول بخربة قانا القرٌبة اٌضا" من الناصرة ‪ .‬وظل بعضهم‬ ‫متشبثا" بكفرك ّنا اذ لم ٌعثر أحد فً خربة قانا على أي شًء ٌوحً بوجودها فً زمن المسٌح ‪ .‬وأخذ كل فرٌق ٌعمل‬ ‫جاهدا" لدحض حجج الفرٌق اآلخر‪ .‬وهكذا اختلط الحابل بالنابل عند هإالء ووقعت عندهم الحٌرة بٌن كفرك ّنا وخربة‬ ‫قانا‪ ،‬فؤخذوا ٌخبطون خبط عشواء وٌؽرقون اكثر فؤكثر فً التعارضات والتناقضات‪ ،‬مما ٌدعو حقا" الى االسؾ والخجل‬ ‫والعجب وحتى الى الشفقة ‪...‬‬ ‫وفضال" عن كل ذلك فإن لشهادة أوسابٌوس وجٌروم _ مرة اخرى_ االفضلٌة على ؼٌرها ‪ ،‬النهما أقدم من ؼٌرهما‬ ‫فً تسلسل المتكلمٌن عن موضوع قانا ‪ .‬فاوسابٌوس من القرن الثالث واوابل القرن الرابع ‪ ،‬وجٌروم من القرن الرابع‬ ‫واوابل الخامس ‪.‬‬ ‫وهناك دلٌل جؽرافً من االنجٌل ذاته ٌثبت ان قانا المذكورة فً االنجٌل هً قانا صور لبنان ال كفرك ّنا وال خربة قانا‬ ‫‪ .‬فٌسوع بعد ان صنع اآلٌة االولى فً قانا الجلٌل ذهب الى اورشلٌم لعٌد الفصح ‪ .‬ثم عاد الى الجلٌل وتوجه الى قانا من‬ ‫جدٌد حٌث صنع آٌة ثانٌة‪ ،‬سنعرضها بعد قلٌل ‪ .‬ومن الظروؾ التً سردها انجٌل ٌوحنا حول هذه اآلٌة الثانٌة ٌستدل‬ ‫بوضوح ان المسافة بٌن قانا وكفرناحوم ( قرٌة تقع على الشاطا الشمالً الؽربً لبحر الجلٌل) تنطبق على المسافة بٌن‬ ‫قانا وصور وكفرناحوم ال على المسافة بٌن كفرك ّنا وكفرناحوم او بٌن خربة قانا وكفرناحوم ‪ .‬وهكذا ٌصؾ انجٌل ٌوحنا‬ ‫هذه اآلٌة الثانٌة التً صنعها ٌسوع فً قانا الجلٌل ‪:‬‬ ‫«‪ ...‬وجاء ٌسوع الى حٌث حوّ ل الماء خمرا" ‪ .‬فسمع بقدومه ربٌس للملك أي احد قوّ اده فً كفرناحوم ‪ .‬وكان لهذا‬ ‫الربٌس ابن مرٌض مشرؾ على الموت ‪ .‬فبادر الربٌس الى ٌسوع فً قانا ٌتوسل الٌه ان ٌنزل وٌشفً ابنه فً حالة‬ ‫النزاع ‪ .‬حول ٌسوع تحرٌك اٌمانه فقال له‪ :‬ان لم تعٌنوا اآلٌات والعجابب ال تإمنون ‪ .‬ضاق البٌس ذرعا" لقلقه الشدٌد‬ ‫على حٌاة ابنه فتوسّل الى ٌسوع بلهفة قابال" ‪ٌ :‬ا ربّ إنزل قبل ان ٌموت ولدي ‪ .‬فؤجابه ٌسوع امض فإن ابنك حًّ ‪» ...‬‬ ‫(ٌوحنا ‪. )54 – 43 : 4‬‬


‫صدّق الربٌس كالم ٌسوع ومضى مسرعا" بدون شك لقلقه من جهة على حالة ابنه ولتلهفه من جهة ثانٌة ‪ ،‬لٌرى‬ ‫نتٌجة كالم ٌسوع ‪ .‬وفٌما هو منحدر من قانا صوب كفرناحوم بادر ؼلمانه ٌب ّشرونه بشفاء ابنه قابلٌن ‪ :‬ان ابنك حًّ بعد‬ ‫ان كان بحكم المٌت ‪ .‬فسؤلهم الربٌس ‪ :‬فً أٌة ساعة اخذ فً العافٌة ؟ فقالوا له‪ :‬أمس فً الساعة السابعة فارقته الحمّى ‪.‬‬ ‫والساعة السابعة تعنً الواحدة بعد الظهر ‪ .‬فعرؾ االب انها الساعة التً قال له فٌها ٌسوع ان ابنك حًّ ‪ .‬فآمن بٌسوع‬ ‫هو واهل بٌته جمٌعا " ‪.‬‬ ‫كان هذا الربٌس او القابد بدون شك ممتطٌا" أسرع وسٌلة للسفر فً ذلك الزمن ‪ .‬وذلك اوال" لقلقه على حٌاة ابنه ‪،‬‬ ‫ثانٌا"بسبب مرتبته االجتماعٌّة‪ ،‬ثالثا" لتوفٌر الوقت‪ ،‬رابعا" لتوفٌر الراحة‪ ،‬وهو الربٌس القادر على امتالك ك ّل أسباب‬ ‫الراحة والسرعة فً التنفٌذ والعمل ‪ .‬انه بدون رٌب كان ممتطٌا" جوادا" سرٌعا" ‪ .‬ولكن حتى لو قلنا إنه كان مسافرا"‬ ‫مشٌا" على االقدام فانه قطع المسافة بٌن قانا حٌث كان المسٌح وبٌن كفرناحوم حٌث كان ابنه بمدّة ال تق ّل عن ثمانً‬ ‫عشرة ساعة او عشرٌن ‪ .‬فظ ّل ٌسٌر من الساعة الواحدة بعد الظهر حتى الٌوم التالً اي نصؾ النهار السابق واللٌل كلّه‬ ‫وربما قسما" من الٌوم التالً مما ٌبلػ ال أق ّل من ثمانً عشرة ساعة ‪ .‬واالنسان ٌقطع عادة مسافة خمسة كٌلومترات‬ ‫تقرٌبا" فً الساعة مشٌا" على األقدام ‪ .‬هذا هو المعدّل المؤلوؾ ‪ .‬فتكون المسافة بٌن قانا وكفرناحوم نحوا" من تسعٌن‬ ‫كٌلومترا" ‪ .‬هذه هً المسافة الفاصلة بٌن قانا صور وكفرناحوم ‪ .‬بٌنما المسافة بٌن كفرك ّنا وخربة قانا وبٌن كفرناحوم ال‬ ‫تتجاوز الخمسة والثالثٌن كٌلومترا" ‪ .‬وهذا ما ٌإ ّكده كل العلماء والسٌاح الجؽرافٌ​ٌن فً الماضً والحاضر ‪.‬‬ ‫وهناك دلٌل جؽرافً آخر من تارٌخ ٌوسٌفوس (ڤالڤٌوس جوزٌؾ) المإرخ الٌهودي الكبٌر والمعاصر للمسٌح ٌثبت‬ ‫ان قانا المذكورة فً االنجٌل هً قانا صور لبنان ‪ .‬وكالم هذا المإرخ ٌشٌر الى المسافة عٌنها بٌن قانا الجلٌل وبحٌرة‬ ‫طبرٌّة (بحر الجلٌل) ‪ .‬كان ٌوسٌفوس ( ‪ 37‬م _ ‪ 100‬م) حاكم الجلٌل فً اثناء ثورة الٌهود ضد الرومان فً الستٌنات‬ ‫من القرن األوّ ل المٌالدي ‪ .‬واذ كان فً قانا الجلٌل وصله على جناح السرعة رسول من عامله فً مدٌنة طبرٌّة (على‬ ‫الشاطا الؽربً لبحر الجلٌل او بحٌرة طبرٌّة) ٌبلؽه برسالة خطٌّة ان ٌوح ّنا الجشًّ (من جٌسكاال المدعوّ ة الٌوم الجشّ )‬ ‫ّ‬ ‫وٌستحثه عامله فً الرسالة على ان ٌسرع فً المجٌا الى‬ ‫ٌحبك مإامرة كبٌرة ضدّه وضد ٌوسٌفوس‪ ،‬حاكم الجلٌل ‪.‬‬ ‫مدٌنة طبرٌّة لتدارك االمر‪ ،‬ألن اي تؤخٌر من قبل ٌوسٌفوس بالحرؾ الواحد ما تعرٌبه ‪ ... « :‬وانا حالما وصلتنً‬ ‫الرسالة المذكورة سرت بسرعة كلٌة طوال اللٌل فبلؽت مدٌنة طبرٌّة عند الصباح ‪. )72( » ...‬‬ ‫فعبارة طوال اللٌل تعنً على األق ّل عشر ساعات ‪ .‬وٌوسٌفوس ‪ ،‬كما ٌقول هو شخصٌا" ‪ ،‬كان ٌسٌر بسرعة كلٌة ‪.‬‬ ‫المسافة بٌن كفرك ّنا وطبرٌّة عشرون كٌلومترا" ( ‪ . )73‬فهذه المسافة ال ٌستلزم قطعها اكثر من أربع ساعات مشٌا" على‬ ‫االقدام بسرعة عادٌة ‪ .‬أما إذا كان المسافر ممطتٌا" جوادا" ومسرعا" جدا" كما كانت حالة ٌوسٌفوس فال تستلزم المسافة‬ ‫اكثر من ساعتٌن ‪ .‬وهكذا ٌظهر بوضوح تام ان كالم ٌوسٌفوس ال ٌنطبق ال على كفرك ّنا وال على خربة قانا ولكن على‬ ‫قانا اللبنانٌّة المجاورة لصور ‪ .‬فضال" عن ان االسم الوارد فً نص ٌوسٌفوس‪ ،‬جملة مرات‪ ،‬هو قانا‪،‬الال كفرك ّنة وال‬ ‫خربة قانا ‪ .‬والمإرخ ٌوسٌفوس كما هو معروؾ من الجمٌع مإرخ ثقة دقٌق ومن اكبر المراجع التارٌخٌّة حتى ٌومنا‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫وهكذا كما رأٌنا ٌنطبق كالم المإرخ ٌوسٌفوس تماما" مع كالم االنجٌل ‪ :‬فقانا االنجٌل وقانا ٌوسٌفوس هً هً نفسها‬ ‫قانا الجلٌل_ جلٌل االمم_ قانا اللبنانٌّة ‪ .‬كما ٌنطبق كالمه مع كالم اوسابٌوس وجٌروم ‪.‬‬


‫وٌدعم هذا الكالم أٌضا" الرحالة الدكتور «ادوار روبنصون » ‪ .‬فهو ٌصؾ ساعة فساعة رحلة قام بها فً السنة‬ ‫‪ 1856‬من صفد الى صور مرورا" بقانا ‪ .‬وكانت تصل قانا بصفد فكفرناحوم وطبرٌّة طرٌقان ‪ :‬االولى تمرّ بتبنٌن فبنت‬ ‫جبٌل فالجش فصفد فكفرناحوم‪ ،‬والثانٌة تمرّ بصدٌّقٌن فدبل فرمٌش فكفربرعم فالجش فصفد ‪ .‬فرحلة روبنصون‬ ‫استؽرقت من صفد الى قانا ثالث عشرة ساعة سٌرا" فقط بدون ان ٌدخل فً الحساب ساعات الراحة واالكل والنوم ‪.‬‬ ‫وكان السفر على ظهور البؽال فً تلك االٌام ( ‪ . )74‬واذا أضفنا ما ٌلزم من الوقت للسفر من صفد الى كفرناحوم اي‬ ‫قرابة أربع ساعات ٌكون السفر من كفرناحوم الى قانا على ظهر البؽل او الفرس او الحصان ٌستلزم نحوا" من ثمانً‬ ‫عشرة ساعة ‪ .‬وهذا هو الوقت الذي ٌ ّتضح من االنجٌل ان رحلة نابب الملك استؽرقته ‪ ،‬وكذلك رحلة المإرّ خ ٌوسٌفوس‬ ‫‪.‬‬ ‫وحتى الذٌن أخطؤوا بتقدٌر المسافات والعالقة بٌن قانا الجلٌل وحٌاة المسٌح لم ٌستطٌعوا ان ٌرفضوا تماما" التوافق‬ ‫بٌن النص والواقع ‪ .‬فالبحاثة ؼٌران فً كالمه على مزارات الجلٌل‪ٌ ،‬ستدرك فٌقول ‪« :‬ؼٌر ان اسم «النبً الجلٌل »‬ ‫المعطى لمزار «قانا الفوقا » (ٌقصد قانا صور) ٌمكن ان ٌبدو كؤثر السم قانا الذي تحمله قانا الجلٌل » (‪. )75‬‬ ‫وفً موسوعة «شارح الكتاب المقدس » ‪ٌ ،1962 ،‬عترؾ العالم «دٌڤٌت بلٌت » بصحة نص أوسابٌوس والقدٌس‬ ‫جٌروم الذي ٌعٌّن قانا الجلٌل فً أرض أشٌر‪ ،‬قرب صٌدون‪ ،‬ولكن لجهله وجود قانا الجلٌل اللبنانٌّة ٌفترض أن الموقع‬ ‫ٌوجد فً «سهل البطوؾ»‪ ،‬وهذا خارج أرض أشٌر كما هو معروؾ ‪ .‬ولكنه ٌعود فٌستدرك وٌرفض االعتراؾ التقلٌدي‬ ‫الخاطا ببلدة كفرك ّنا المتعارؾ علٌها حتى الٌوم ‪.‬‬ ‫ومنذ فترة أجرت مصلحة اآلثار اللبنانٌّة تنقٌبات وحفرٌّات فاكتشفت أجرانا" مثل التً ٌتحدّث عنها االنجٌل ‪:‬‬ ‫«س ّتة أجاجٌن موضوعة حسب تطهٌر الٌهود ‪ » ...‬وكون هذه االجران وجدت فً ما ٌشبه معصرة من العهد البٌزنطً‬ ‫ال ٌمنع ان تكون هً أو مثٌالتها استعملت للتطهٌر او ؼسٌل االٌدي فً العرس ‪.‬‬ ‫وبالقرب من قانا محلة تدعى «وادي قانا » اكتشفت فٌها رسوم محفورة فوق صخورها ‪ .‬ومن هذه الرسوم واحد ٌمثل‬ ‫شخصا" ممٌّزا" فً الوسط وحوله اثنا عشر رجال" ( ‪ . )76‬والبحاثة االب رونزڤال ٌعتبر ان هذه الرسوم ترقى الى‬ ‫القرن المٌالدي االول مما ٌوحً بؤن هذا الرسم ّ‬ ‫ٌمثل السٌّد المسٌح ورسله االثنً عشر ( ‪ . )77‬وهذا مرجّ ح جدا" وٌدل‬ ‫على صلة وثٌقة بٌن قانا والمسٌح ‪ .‬وقد خلّد المسٌحٌون االولون هذه الصلة بحفرهم على صخورهم هذه الصورة‬ ‫تذكارا" لزٌارة المسٌح وتالمٌذه لبلدتهم ‪...‬‬


‫الفصل الخامس‬ ‫المسيح في لبنان ‪...‬‬


‫المسيح في لبنان‬ ‫لقد اصبح من المإكد والمحقّق الٌوم ان المسٌح اقام وتجوّ ل وب ّشر فً لبنان اكثر بكثٌر مما ٌظنّ او ممّا قٌل وكتب ‪...‬‬ ‫ولقد طمست اٌضا" هذه الحقابق عن قصد او عن جهل ! فكل ما له عالقة بلبنان ذكر لماما"‪ ،‬هامشٌا"‪ ،‬وبسرعة خاطفة ‪.‬‬ ‫أمّا الٌوم فقد «فك الرصد عن لبنان ‪ !» ...‬وأخذ «حجاب إٌزٌس» ٌنزاح‪ ،‬شٌبا" فشٌبا"‪ ،‬عن وجه «الوطن ­ الرسالة »‬ ‫المشعّ كالشمس ‪.‬‬ ‫لقد اتفقت رواٌات االناجٌل جمٌعا" على ان ٌسوع كان ٌعرؾ جٌّدا" ضواحً صور وصٌدا ‪ .‬فهو حٌن كان ٌرٌد‬ ‫االختفاء كان ٌذهب دوما" الى هناك ‪ .‬وعندما ندّد بخطاٌا صور وصٌدا عند انذاره «لكورزٌن» وبٌت صٌدا (لوقا ‪: 10‬‬ ‫‪ ،)14 – 13‬انما كان ٌندّد ببلدٌن ٌعرفهما تماما" ‪ .‬ولم تكن هذه الخطاٌا‪ ،‬كما ٌبدو‪ ،‬االّ االزدهار وحٌاة الرفاه التً كانت‬ ‫تنعم بها صور وصٌدا‪ ،‬مع ما ٌتبع ذلك من ترؾ وبذخ ‪...‬‬ ‫وعندما نعرؾ ان المسٌح كان ؼاببا"‪ ،‬اكثر األحٌان‪ ،‬عن الناصرة‪ ،‬الى ح ّد ان اهل قرٌته تساءلوا عنه لما شاهدوه ٌقرأ‬ ‫فً مجمعهم‪ ،‬فال نجد تفسٌرا" لهذا الؽٌاب االّ أنه كان فً مناطق صٌدا وصور وقانا وؼٌرها من قرى «جلٌل االمم » ‪...‬‬ ‫فً لبنان باشر المسٌح رسالته الخالصٌة ‪ .‬فؤول معجزة قام بها «فً قانا الجلٌل » قرب صور‪ ،‬حٌث حوّ ل الماء‬ ‫خمرا" فً عرس أنسبابه ‪ .‬واالنجٌل نفسه ٌقول ‪ ...« :‬هذه اآلٌة االولى صنعها ٌسوع فً قانا الجلٌل وأظهر مجده فآمن‬ ‫به تالمٌذه»‪ٌ( .‬وحنا ‪ .)11 :2‬فً لبنان بدأ اذا" االٌمان المسٌحً‪ ،‬وفً لبنان تؤسست المسٌحٌة والكنٌسة ‪.‬‬ ‫بعد عرس «قانا الجلٌل »‪ ،‬حٌث اقام المسٌح فترة من الزمن‪« ،‬انحدر الى كفرناحوم هو وأمه وأخوته وتالمٌذه ولبثوا‬ ‫هناك أٌاما" ؼٌر كثٌرة (ٌوحنا ‪ )21 : 2‬وكان سبب تركه الجلٌل حضور عٌد الفصح فً اورشلٌم ‪« .‬وبعد العٌد ترك‬ ‫المسٌح اورشلٌم ومضى الى الجلٌل ‪ ...‬فلما أتى الى الجلٌل قبله الجلٌلٌّون النهم عٌنوا كل ما صنعه فً اورشلٌم فً‬ ‫العٌد‪ ،‬النهم هم أٌضا" جاإوا الى العٌد‪ .‬فؤتى اٌضا" الى قانا الجلٌل حٌث حوّ الماء خمرا"‪ٌ( » ...‬وحنا ‪.)54­ 46 : 4‬‬ ‫وبعد آٌته الثانٌة هذه مكث المسٌح فً الجلٌل اكثر من شهرٌن‪ .‬واستقبله اخوته الجلٌلٌون بالتكرٌم والحفاوة «النهم عاٌنوا‬ ‫ما صنعه فً اورشلٌم ‪ .» ...‬وعند اقتراب عٌد العنصرة عاد ٌسوع من الجلٌل الى الٌهودٌّة لالشتراك بالعٌد فً أورشلٌم‬ ‫‪.‬‬ ‫وبعد عٌد العنصرة «خرج ٌسوع من هناك (أي من الٌهودٌّة) وأتى الى تخوم صور وصٌدا ‪( ...‬م ّتى ‪،)28 ­21 :15‬‬ ‫حٌث شفً ابنة المرأة الكنعانٌّة­ الفٌنٌقٌّة ‪ .‬وٌإ ّكد مرقس ( ‪« :)26 :27‬وكانت المرأة فٌنٌقٌة ‪ .» ...‬أمضى المسٌح فترة‬ ‫طوٌلة فً مناطق صور وصٌدا‪« ،‬ثم خرج من تخوم صور ومرّ فً صٌدا وجاء فٌما بٌن تخوم المدن العشر الى بحر‬ ‫الجلٌل»‪( .‬مرقس ‪.)31: 7‬‬ ‫ثورة النقمة والحقد التً تؤججت فً صدور زعماء الٌهود وشٌوخهم وكهنتهم وفرّ ٌسٌهم ضد ٌوحنا المعمدان‪ ،‬اصبح‬ ‫هدفها الوحٌد ٌسوع بعد استشهاد المعمدان‪ .‬وظل هذا التٌّار المتعصّب فً تصاعد مستمر ضد ٌسوع‪ .‬وخوفهم من‬ ‫االنهٌار جعلهم فً صراع شدٌد مع ٌسوع اذ كانت القضٌّة بنظرهم مسؤلة حٌاة او موت‪« .‬لذلك خرج ٌسوع من هناك »‬ ‫أي من مناطق نفوذ الكتبة والفرّ ٌسٌ​ٌن وكهنة الٌهود‪ ،‬وأتى الى تخوم صور وصٌدا اي الى لبنان ‪...‬‬


‫وخالل رحلته الطوٌلة من صور الى صٌدا الى تخوم المدن العشر الى بحر الجلٌل مرّ المسٌح بمزارات ٌكرّ م فٌها‬ ‫العدٌد من آباء العهد القدٌم واجداد البشر واألنبٌاء والصدٌّقٌن‪ .‬فالبلدان التً اجتازها حافلة بذكرٌات هإالء اآلباء‬ ‫واالولٌاء المشهورٌن‪ .‬ومهمة هإالء تمهٌد الطرٌق امام المسٌح‪ ،‬وجاء هو لٌتمم وٌكمّل ما بدأوه‪« .‬ما جبت النقض بل‬ ‫ألكمل ‪ .»...‬وكانت العادة عهد ذاك ان ٌزور الناس مقامات االنبٌاء واالولٌاء‪ .‬وخالل خروج المسٌح من تخوم صٌدا‬ ‫الى تخوم المدن العشر كان ال بد له – وهذا مثبت ومحقّق­ من أن ٌمرّ ببعض نواحً لبنان الؽربًّ والبقاع الؽربً‬ ‫ولبنان الشرقً‪ .‬وكانت هذه المناطق اللبنانٌّة بالذات عابقة‪ ،‬عهد ذاك‪ ،‬بتذكارات اآلباء االولٌن من آدم الى هابٌل وشٌت‬ ‫واحنوح ونوح واوالدهم وأحفادهم‪ ...‬وكانت مقاماتهم ومزاراتهم مقصد الحجّاج واالتقٌاء من كل صوب‪ .‬هذا كان من‬ ‫دواعً زٌارة المسٌح لهذه المقامات فً رحلته‪ .‬وقد حفظ المإرخون العرب تقلٌدا" ٌإكد ذلك اي زٌارة المسٌح لمقامات‬ ‫اآلباء فً هذه المناطق اللبنانٌّة‪ ،‬كٌاقوت الحمويّ ( ‪ ،)78‬وابن عساكر (‪ ،)79‬وابن شداد (‪ ،)80‬وابن جبٌر (‪، )81‬‬ ‫وشهاب الدٌن العمريّ (‪ ،)82‬والقزوٌنً ( ‪ ،)83‬والطبري (‪ ،)84‬وؼٌرهم كثٌرٌن‪ ...‬باالضافة الى التقالٌد المحلٌة‬ ‫المتواصلة والمستمرة فً تلك المناطق اللبنانٌّة عند المسٌحٌ​ٌن والمسلمٌن‪ ...‬وفضال" عن مقامات اآلباء االولٌن المارّ‬ ‫ذكرهم‪ ،‬هناك أٌضا" مزارات االولٌاء واألنبٌاء امثال أٌّوب‪ ،‬وطوبٌا البار واٌلٌا وباراق والنبً عوبدٌا وؼٌرهم ‪)85 ( ...‬‬ ‫‪.‬‬ ‫وزٌارة المسٌح لهذه المقامات واالماكن المقدّسة جاءت تكرٌسا" وتتوٌجا"لقدسٌة هذه المزارات وتذكار اولٌابها الذٌن‬ ‫مهدوا السبٌل امام المسٌح وجاإوا كرموز مسبقة له ولعمله الخالصًّ ‪ ،‬وذلك منذ أقدم العصور الكنعانٌّة‪...‬‬ ‫وحتى بعد موته‪ ،‬وقبل صعوده الى السماء‪ ،‬ظ ّل المسٌح جلٌلٌا"‪ .‬تراءى لهم فً الجلٌل‪ ،‬ومن جبل فً الجلٌل صعد‬ ‫امام تالمٌذه الى السماء‪ .‬فٌوح ّنا ٌقول‪ « :‬وتراءى ٌسوع بعدبذ للتالمٌذ مرة أخرى‪ .‬وكان ذلك على شاطا بحٌرة طبرٌّا‬ ‫فً الجلٌل (ٌوحنا ‪ .)1 : 21‬وم ّتى بدوره ٌقول بعد القٌامة وبلسان المالك الى مرٌم المجدلٌة ومرٌم األخرى‪« :‬أسرعا‬ ‫فً الذهاب الى تالمٌذه وقوال لهم‪ :‬إنه قام من بٌن األموات‪ ،‬وها هوذا ٌتقدّمكم الى الجلٌل‪ ،‬ؼهناك ترونه‪ ...‬ها انً قد‬ ‫بلّؽتكما‪(...‬م ّتى ‪ .)7: 28‬وٌتابع متى‪ ،‬ولكن هذه المرّة على لسان ٌسوع نفسه فٌقول‪ « :‬وقال لهما ٌسوع (اي لمرٌم‬ ‫المجدلٌة ومرٌم االخرى)‪ :‬ال تخافا إذهبا فقوال الخوتً ان ٌمضوا الى الجلٌل فهناك ٌروننً‪( » ...‬متى ‪. )10 :28‬‬ ‫وحتى الصعود نفسه‪ ،‬صعود المسٌح الى السماء بنفسه وجسده‪ ،‬حصل اٌضا" فً الجلٌل ! ولماذا حصل الصعود فً‬ ‫الجلٌل‪ ،‬فً أرض «إٌل» ‪ ،‬ولم ٌحصل فً ارض الٌهود اي فً الٌهودٌة؟ الٌس الن المسٌح كان­ فً الحقٌقة­ منذ الحبل‬ ‫به ووالدته ‪ ...‬الى صعوده‪ ،‬كان جلٌلٌا"؟ الٌس ألنه هو «عمانوبٌل»­ أي «إٌل معنا »‪ ،‬او «هللا معنا» كما ٌقول الوحً‬ ‫االلهً واالنجٌل المقدس نفسه‪ ،‬بالوضوح التام واالسم والحرؾ الواحد؟ !‬ ‫ٌقول االنجٌل‪« :‬واما التالمٌذ األحد عشر‪ ،‬فذهبوا الى الجلٌل‪ ،‬الى الجبل الذي امرهم ٌسوع ان ٌذهبوا الٌه‪ .‬فلما رأوه‬ ‫سجدوا له‪ ،‬ولكن بعضهم ارتابوا‪ .‬فدنا ٌسوع وكلّمهم قال‪ :‬إنً اولٌت كل سلطان فً السماوات واالرض‪ .‬فاذهبوا وتلمذوا‬ ‫جمٌع االمم‪ ،‬وعمّدوهم ان باسم اآلب واالبن والروح القدس‪ ،‬وعلموهم ان ٌحفظوا كل ما اوصٌتكم به‪ .‬وهابنذا معكم كل‬ ‫االٌام الى نهاٌة العالم‪( » ...‬متى ‪ .)20 ­16 :28‬وٌزٌد مرقس‪ ،‬خاتما" انجٌله‪ ،‬فٌقول‪ ...« :‬وبعد ان كلّمهم الرب ٌسوع‬ ‫صعد الى السماء‪ ،‬وجلس عن ٌمٌن هللا‪ .‬فذهب اولبك ٌب ّشرون فً كل مكان‪ ،‬والرب ٌعمل معهم وٌإٌد كلمته بما ٌصحبها‬ ‫من اآلٌات‪( »...‬مرقس ‪. )20 ­19 :16‬‬


‫والحقٌقة التً بدأت تسطع­ من جدٌد­هً ان العالقة بٌن هللا ولبنان عالقة سرٌّة‪ ،‬قوٌة‪ ،‬وطٌدة‪ ،‬راسخة تمتد جذورها‬ ‫من سحٌق المواضً‪ ،‬وتٌنع ثمارها فً اعالً اآلتٌات والمستقبل البعٌد‪ .‬قلنا‪« :‬من جدٌد»‪ ،‬الن لبنان كان فً القدٌم‪،‬‬ ‫وطوال قرون عدٌدة‪ ،‬أرض «إٌل» اإلله الكنعانً العالمً الكونً األول واالوحد‪ ،‬ومن ارض لبنان_ المهد الموبل­‬ ‫انطلقت الدٌانة التوحٌدٌّة االولى مع الحضارة العالمٌة االولى الى كل أصقاع األرض‪ ...‬والٌوم وفً عهد «إٌل‬ ‫المتجسّد»­ «عمانوبٌل»­ «إٌل معنا»­ اي المسٌح‪ ،‬وبعد الفً سنة‪ ،‬بدأت العالقة السرٌّة بٌن المسٌح ولبنان تسطع من‬ ‫جدٌد‪ :‬انطالقا" من «قانا الجلٌل » !! وسوؾ تسطع اكثر فؤكثر فً االلؾ الثالث‪ ،‬فٌلعب لبنان دوره الحضاري وٌقوم‬ ‫برسالته االنسانٌة فً اطار اكثر عالمٌّة وكونٌة‪...‬‬


‫الفصل السادس‬ ‫عرس "قانا الجليل"‬


‫عرس قانا الجليل‬ ‫ٌمكن‪ ،‬على سبٌل التسبٌط والتوضٌح‪ ،‬ان نقسم نص «عرس قانا الجلٌل»‪ ،‬فً االنجٌل‪ ،‬الى خمسة اقسام متكاملة‪.‬‬ ‫وهكذا ٌظهر التصمٌم على الشكل اآلتً‪:‬‬ ‫_ اوال"‪ :‬اآلٌتان االولى والثانٌة‪ :‬ظروؾ الزمان والمكان‪( ،‬الٌوم الثالث‪ ،‬مدٌنة قانا الجلٌل) _ االطار الخاص‬ ‫(العرس)_ االشخاص الربٌسٌّون ( مرٌم من جهة أولى‪ٌ ،‬سوع وتالمٌذه من جهة ثانٌة‪ ،‬االقارب والمدعوون من جهة‬ ‫ثالثة)‪.‬‬ ‫_ ثانٌا"‪ :‬من االٌة ‪ 3‬الى االٌة ‪ :5‬المناسبة المحدّدة للمعجزة‪ :‬نفاد الخمر فً وسط ولٌمةالعرس‪ ،‬الحوار بٌن مرٌم‬ ‫وابنها ٌسوع‪ ،‬الذي ٌرسم لنا معنى المعجزة المنتظرة وٌدعونا لنرتفع الى مستوى أعلى ‪...‬‬ ‫_ ثالثا" ‪ :‬من اآلٌة ‪ 6‬الى اآلٌة ‪ :8‬المعجزة فً ح ّد ذاتها‪ :‬تحوٌل الماء الى خمر ‪.‬‬ ‫_ رابعا"‪ :‬اآلٌتان التاسعة والعاشرة‪ :‬التحقّق من واقع المعجزة ومن عظمتها وأبعادها‪ :‬سخاء ٌفوق كل حد ووصؾ ‪...‬‬ ‫_ خامسا"‪ :‬اآلٌة الحادٌة عشرة واألخٌرة‪ :‬النتابج‪ :‬اعجوبة المسٌح األولى‪ ،‬اعالن مجد ٌسوع والوهٌته‪ ،‬واٌمان التالمٌذ‬ ‫به ألول مرّة ‪...‬‬ ‫النص اﻹنجيلي‪،‬ظروف الزمان والمكان‪ ،‬قانا ‪.‬‬ ‫أوال"_ عرس قانا الجليل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫(اآلٌتان ‪ :‬األولى والثانٌة)‬ ‫جاء فً إنجٌل ٌوحنا ما ٌلً‪:‬‬ ‫«وفً الٌوم الثالث‪ ،‬كان عرس فً قانا الجلٌل وكانت أ ّم ٌسوع هناك‪ .‬فدعً ٌسوع وتالمٌذه الى العرس‪ .‬وفرؼت‬ ‫الخمر فقالت أم ٌسوع له لٌس عندهم خمر‪ .‬فقال لها ٌسوع ما لً ولك ٌا إمرأة لم تات ساعتً بعد‪ .‬فقالت أمه للخدّام مهما‬ ‫ٌؤمركم به فإفعلوه‪ ،‬وكان هناك ست أجاجٌن من حجر موضوعة بحسب تطهٌر الٌهود تسع ك ّل واحدة منها مكٌالٌن أو‬ ‫ثالثة‪ .‬فقال لهم استقوا اآلن وناولوا ربٌس الم ّتكإ فناولوا‪ .‬فلما ذاق ربٌس الم ّتكإ الماء المحوّ ل خمرا"‪ ،‬ولم ٌكن ٌعلم من‬ ‫أٌن هو وأمّا الخدام الذٌن استقوا الماء فكانوا ٌعلمون‪ ،‬دعا ربٌس الم ّتكإ العروس وقال له كل انسان إنما ٌؤتً بالخمر‬ ‫الجٌدة أوال" فإذا سكروا فعند ذلك ٌؤتً بالدون أمّا أنت فؤبقٌت الخمر الجٌدة الى اآلن‪ .‬هذه اآلٌة االولى صنعها ٌسوع فً‬ ‫قانا الجلٌل وأظهر مجده فآمن به تالمٌذه »‪.‬‬ ‫(ٌوحنا ‪.)11 ­1 :2‬‬ ‫جدٌر بالذكر ان النصّ االنجٌلً ٌبدأ بهذا القول ‪« :‬وفً الٌوم الثالث‪ » ...‬وهذا ٌعنً‪ :‬بدأ عرس قانا الجلٌل بعد ثالثة‬ ‫اٌام من الحدٌث الذي دار بٌن ٌسوع ونتابٌل‪.‬‬ ‫ماذا دار بٌنهما؟ ٌقول االنجٌل فً المقطع الذي ٌسبق مباشرة نص العرس‪:‬‬ ‫«‪ ...‬واراد ٌسوع فً الؽد ان ٌذهب الى الجلٌل‪ ...‬فلقً فٌلبّس فقال له‪ :‬اتبعنً ! وكان فٌلبّس من بٌت صٌدا (مدٌنة فً‬ ‫شمال بحٌرة طبرٌّة الى الشرق) مدٌنة اندراوس وبطرس ‪ .‬ولقً فٌلبّس نتنابٌل فقال له‪ :‬وجدنا الذي ذكره موسى فً‬


‫الشرٌعة وذكره االنبٌاء‪ ،‬وهو ٌسوع ابن ٌوسؾ من الناصرة‪ .‬فقال نتنابٌل‪ :‬أمن الناصرة ٌخرج شًء صالح؟ فقال له‬ ‫فٌلٌبّس‪ :‬هل ّم فؤنظر ! ورأى ٌسوع نتنابٌل آتٌا" نحوه فقال له‪ :‬هذا اسرابٌلًّ خالص ال ؼشّ فٌه‪ ...‬فقال له نتنابٌل‪ :‬من أٌن‬ ‫تعرفنً؟ أجابه ٌسوع‪ :‬قبل ان ٌدعوك فٌلٌبّس وانت تحت التٌنة‪ ،‬رأٌتك‪ ...‬أجابه نتنابٌل‪ :‬رابًّ‪ ،‬أنت ابن هللا‪ ،‬انت ملك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحق أقول لكم‪:‬‬ ‫الحق‬ ‫اسرابٌل‪ .‬أجابه ٌسوع‪ :‬آمنت ألنً قلت لك إنً رأٌتك تحت التٌنة‪ .‬سترى أعظم من هذا‪ .‬ثم قال له‪:‬‬ ‫سترون السماء منفتحة‪ ،‬ومالبكة هللا صاعدٌن نازلٌن فوق ابن االنسان » ( ٌوحنا ‪. )51 – 43‬‬ ‫وبعد هذا القول مباشرة‪ٌ ،‬قول االنجٌل‪ « :‬وفً الٌوم الثالث كان عرس فً قانا الجلٌل ‪ .» ...‬وفً الترجمة العربٌة‬ ‫االخٌرة التً بٌن اٌدٌنا (الطبعة الٌسوعٌّة‪ ،1989 ،‬ص‪ ، 293 ،‬والحاشٌة رقم (‪ ،)1‬نقرأ فً هذا الموضوع بالذات ما‬ ‫ٌلً‪ ،‬فً باب شرح عبارة «فً الٌوم الثالث »‪« :‬فً الٌوم الثالث »‪ :‬بعد الوعد الذي وعد به نتنابٌل ٌثالثة أٌام‪ .‬ولذلك بعد‬ ‫مشهد بٌت عنٌا بسبعة اٌام (شهادة ٌوحنا‪ ) 28⁄1 :‬فاالنجٌل ٌفتتح‪ ،‬على ؼرار سفر التكوٌن‪ ،‬بؤسبوع ٌنتهً فً الٌوم‬ ‫ّ‬ ‫السابع بؤول تج ّل لمجد ٌسوع( ‪ .)11⁄2‬والمقصود بالوعد هنا _ وعد ٌسوع لنتابٌل اثناء حدٌثه معه « ّ‬ ‫الحق أقول‬ ‫الحق‬ ‫لكم‪ :‬سترون السماء منفتحة ومالبكة هللا صاعدٌن نازلٌن فوق ابن االنسان »‪ .‬وفً الواقع‪ ،‬تحقق وعد ٌسوع هذا لنتابٌل‬ ‫فً اآلٌة التً أتى بها فً عرس قانا الجلٌل حٌث حوّ ل الماء خمرا"‪ .‬قال ٌسوع‪« :‬سوؾ ترون‪ » ...‬وقد «رأى» نتنابٌل‬ ‫والحاضرون‪ .‬وكان نتنابٌل العرٌس ‪...‬‬ ‫أمّا مكان العرس_ مدٌنة «قانا الجلٌل »_ فقد تحدثنا عنها بالتفصٌل واثبتنا أنها قانا اللبنانٌة القرٌبة من مدٌنة صور الى‬ ‫الجنوب الشرقً (فلتراجع فً مكانها‪ ،‬فً باب‪ :‬قانا االنجٌل هً «قانا اللبنانٌّة‪. » ...‬‬ ‫­ اإلطار الخاص للمعجزة‪ :‬العرس‪:‬‬ ‫«وكان عرس‪ ،» ...‬تد ّل الكلمة الٌونانٌة (ؼاموس)_ وٌوحنا كتب انجٌله بالٌونانٌة_ على ما ٌرافق االحتفال بالزواج‬ ‫من افراح وابتهاجات‪ ،‬او بصورة خاصة على ولٌمة العرس كما هو االمر هنا‪ .‬وحسب تقالٌد االعراس الشرقٌة القدٌمة‪،‬‬ ‫كان االحتفال بالعرس ٌمتد الى سبعة اٌام كما نرى مثال" فً سفر القضاة‪ ...« :‬وقال شمشون للفلسطٌنٌ​ٌن‪ :‬انً عارض‬ ‫علٌكم لؽزا"‪ .‬فإن حللتموه فً سبعة اٌام ولٌمة العرس واصبتم اعطٌتكم ثالثٌن قمٌصا" وثالثٌن حلّة من الثٌاب‪ ...‬وبكت‬ ‫إمرأة شمشون لدٌه سبعة اٌام الولٌمة‪ ...‬وفً الٌوم السابع‪ ،‬فً نهاٌة ولٌمة العرس ح ّل اللؽز‪( » ...‬سفر القضاة‪ :‬الفصل‬ ‫‪ .)14‬ثم ان ذكر ولٌمة العرس فً نصّ ٌوحنا ثالث مرات ٌدفعنا الى التعمق اكثر فً مقاصد الكاتب‪ .‬فكلمة «ؼاموس»‬ ‫(العرس) ترتبط بالمواضٌع الكبرى فً تقلٌد شعب اسرابٌل الدٌنً وفً التقلٌد المسٌحً االول‪ .‬واذا علمنا ان طابع انجٌل‬ ‫ٌوحنا هو طابع الهوتً روحانً نعرؾ ان الكاتب ٌتكلم عن الزواج واالعراس لٌدل على عهد روحانً بٌن هللا وشعبه‬ ‫(راجع فً العهد القدٌم‪ :‬سفر اشعٌا‪ ،5_4 :62 ،10 :60،6_5 :54 :‬ارمٌا ‪ ،2:2‬حزقٌال ‪ ،16‬هوشع ‪ ،)2_1‬وٌدل فً‬ ‫القصد االخٌر‪ ،‬على اتحاد المسٌح بكنٌسته (راجع فً العهد الجدٌد‪ 2 :‬كورنتس ‪ ،2: 11‬أفسس ‪ ،27_25 :5‬الرإٌا ‪21‬‬ ‫‪ .)17 :22 "9 ،2:‬ثم ان جو الفرح واستعارة الولٌمة ومؤدبة العرس ترمز روحٌا" الى فرح الملكوت السماوي‪ ،‬الى‬ ‫الملكوت المسٌحانً وسعادته‪ ،‬والى الخٌرات االسكاتولوجٌّة (اشعٌا ‪ ،3_1 :55 ،6 :25‬م ّتى ‪ ،11 :8‬لوقا ‪،30 :22‬‬ ‫رإٌا ‪ .)20 :3‬وصورة «ولٌمة العرس» تجمع الصورتٌن السابقتٌن (العهد_ الفرح)‪ ،‬وتسند الواحدة الى االخرى (م ّتى‬ ‫‪ ،15 :25 ،2 :22‬رإٌا ‪ .)9_7 :19‬وهكذا ٌفسّر ٌوحنا االنجٌلً ولٌمة قانا كرمز لولٌمة عرس المسٌح فً هذا الوقت‬ ‫الذي بدأ ٌسوع ٌجمع فٌه تالمٌذه الجلٌلٌ​ٌن الذٌن ٌش ّكلون النواة االولى للجماعة المسٌحانٌة‪ .‬هذا هو تفسٌر آباء الكنٌسة‬ ‫وهو امتداد لّما لّمحت الٌه نصوص الكتاب المقدّس‪...‬‬


‫كل ذلك حصل فً «قانا الجلٌل » ­ «جلٌل االمم»­ اي فً ارض لبنان‪ .‬كل ذلك تكرّ س وتقدّس فً ارض لبنان‬ ‫المقدسة‪ .‬زكل امتدادات هذا الحدث‪ ،‬الروحٌة والالهوتٌة والمسٌحانٌة واالسكاتولوجٌة‪ ،‬انطلقت جؽرافٌا" وتارٌخٌا" من‬ ‫ارض لبنان بالذات‪ .‬هذا سرّ من اسرار لبنان التً ال تحصى وال تع ّد‪ .‬اجل ! «لبنان هو اكثر من وطن»‪ ...‬إنه أنموذج‬ ‫وصٌؽة فرٌدة حضارٌة‪ ،‬ضرورٌة للشرق والؽرب‪( » ...‬البابا ٌوحنا بولس الثانً)‪.‬‬ ‫ العريس‪:‬‬‫ال ٌذكر االنجٌل اسم العرٌس فً عرس «قانا الجلٌل »‪ .‬ؼٌر ان كثٌرٌن من مفسّري الكتاب المقدّس ٌقولون انه كان‬ ‫الرسول سمعان القانوي المدعو الؽٌور فً االنجٌل (م ّتى ‪ ،4 :10‬لوقا ‪ ،)15 :6‬من هإالء كالٌستوس وبارونٌوس ( ‪)86‬‬ ‫وؼٌرهما‪ .‬والرسول سمعان القانوي دعً القانوي نسبة الى قانا الجلٌل‪ .‬وأسبػ علٌه المسٌح لقب «الؽٌور»‪ .‬وٌقول‬ ‫بعض الباحثٌن ان لفظة «الؽٌور » هً ترجمة القانوي‪ .‬فقانا تعنً أٌضا" بالكنعانٌة االحمرار واالضطرام‪ ،‬وتقرب منها‬ ‫اللفظة العربٌة «قنا الشًء » اي اشتد احمراره و «االحمر القانً » الشدٌد الحمرة‪ .‬والحمرة الشدٌدة هو لون النار‬ ‫المضطرمة‪ .‬من هنا معنى الؽٌور اب الم ّتقد كالنار ( ‪ .)87‬وٌقول القدٌس جٌروم اكبر مفسّري الكتاب المقدس ان سمعان‬ ‫القانوي كان ٌعرؾ اٌضا" باسم ٌهوذا ( ‪ ،)88‬وكان ابن حلفى شقٌق القدٌس ٌوسؾ ونسٌب مرٌم العذراء‪)89 ( .‬‬ ‫والبوالندٌون‪ ،‬كبار واضعً سٌر الرسل والقدٌسٌن فً الكنٌسة الؽربٌة‪ٌ ،‬قولون ان الرسول سمعان القانوي هو ذاته‬ ‫نتنابٌل (‪ .)90‬وٌوافق هذا القول «مٌناون» (اي كتاب سٌر القدٌسٌن) للكنٌسة الشرقٌة ( ‪ .)91‬باالضافة الى العدٌد من‬ ‫مفسّري الكتاب المقدس فً الشرق والؽرب وكثٌر من التقالٌد ‪ ...‬ونتنابٌل هذا ب ّشر باالنجٌل فً مصر وأفرٌقٌا ثم انتقل‬ ‫الى بالد فارس حٌث مات مصلوبا"‪ .‬وٌقول مإرخ من القرن السلدس أنه ب ّشر فً مصر ودعً هناك دوروثاوس ( ‪.)92‬‬ ‫وهذا ٌإٌد القول ان سمعان هو نفسه نتنابٌل الن نتنابٌل لفظة كنعانٌة معناها «عطٌة إٌل »­ «عطٌة هللا»­ ودوروثاوس‬ ‫لفظة ٌونانٌة معناها أٌضا" «عطٌة هللا»‪ .‬فتكون لفظة دوروثاوس ترجمة حرفٌة لنتنابٌل‪ .‬ونذ ّكر أخٌرا" بؤن االنجٌل‬ ‫نفسه ٌقول إن نتنابٌل كان من قانا الجلٌل‪:‬‬ ‫«وتراءى ٌسوع بعدبذ للتالمٌذ مرّة أخرى‪ .‬وكان ذلك على شاطا بحٌرة طبرٌّة‪ .‬وهكذا تراءى لهم‪ :‬كان قد اجتمع‬ ‫سمعان بطرس وتوما الذي ٌقال له التوأم ونتنابٌل من قانا الجلٌل‪ٌ( » ...‬وحنا ‪.)2­1 :21‬‬ ‫ العروس‪:‬‬‫أمّا العروس فً «عرس قانا الجلٌل » فال نعرؾ عنها أو عن اسمها شٌبا"؟ ال فً االنجٌل‪ ،‬وال فً التقالٌد واقوال‬ ‫الشارحٌن فٌما بعد‪ .‬وٌؽلب الظن ان العروس كانت من أقرباء العرٌس حسبما كانت العادة عهد ذاك‪ ،‬اذ كان الزواج ٌتم‬ ‫عادة بٌن االقرباء واالنسباء‪...‬‬ ‫مريم في قانا الجليل ‪« :‬وكانت ام يسوع هناك‪»...‬‬ ‫ٌقول النص االنجٌلً‪« :‬وفً الٌوم الثالث‪ ،‬كان عرس فً قانا الجلٌل‪ ،‬وكانت ام ٌسوع هناك‪ » ...‬فعبارة‪« :‬وكانت أم‬ ‫ٌسوع هناك‪ ،»...‬هً التً نرؼب ان نظهرها ونبرزها ونر ّكز علٌها‪ ،‬هنا‪ ،‬ولو باختصار‪ ،‬بعد ان تراكم فوقها ؼبار‬ ‫االٌام والسنٌن‪ ،‬النها هً أٌضا" قد اهملت وطمست‪ ،‬عن قصد او عن جهل‪...‬‬


‫الول وهلة ٌظن القارئ العادي‪ ،‬ان عبارة «وكانت ام ٌسوع هناك ‪ » ...‬تعنً أن أم ٌسوع كانت فً العرس‪ ،‬وبما ان‬ ‫موضوع النص الظاهر والمباشر هو العرس‪ٌ ،‬تبادر الى ظن القارئ‪ ،‬بشكل عفوي‪ ،‬ان عبارة «هناك» تعنً‪ :‬فً‬ ‫العرس‪ .‬وبعض الترجمات تظهر وكانها ّ‬ ‫تعزز ظن القارئ هذا‪ .‬امّا اذا امعنا النظر‪ ،‬وقابلنا كافة الترجمات وتقصٌّنا فكرة‬ ‫الكاتب االساسٌة‪ ،‬ظهر لنا بوضوح ان كلمة‪« :‬هناك» ال تعنً «فً العرس»‪ ،‬بل تعنً «فً قانا»‪ .‬فااللفاظ الصرفٌة‬ ‫المعتمدة فً النص االنجٌلً تعنً ظروفا" مكانٌة‪ ،‬ظروؾ اقامة وسكنى‪ ...‬وبكلمة وجٌزة نقول‪ :‬طبعا" كانت العذراء فً‬ ‫العرس‪ ،‬ولكن عبارة‪« :‬وكانت ام ٌسوع هناك‪ » ...‬تعنً فقط‪ ،‬ال ؼٌر‪ :‬كانت فً قانا‪ ،‬فً البلدة او المدٌنة‪ .‬وهذا ٌؽٌّر‬ ‫اشٌاء كثٌرة جدا"‪ ،‬وٌكشؾ عن حقابق جدٌدة بالؽة االهمٌة‪...‬‬ ‫فعبارة «كانت ام ٌسوع هناك‪ » ...‬تعنً قبل كل شًء‪ ،‬وبشكل واضح ومحدّد‪ ،‬أن مرٌم كانت فً بلدة «قانا الجلٌل »‬ ‫قبل مجًء ٌسوع الى العرس وحتى قبل دعوته الٌه ! الن االنجٌل ٌقول صراحة‪« :‬كانت ام ٌسوع هناك‪ » ...‬وبعد ذلك‪،‬‬ ‫وفً المقطع الثانً ٌقول‪ « :‬ودعً ٌسوع اٌضا" وتالمٌذه الى العرس ‪ » ...‬كانت مرٌم اذا" مقٌمة فً قانا الجلٌل‪ ،‬لم تكن‬ ‫ال فً اورشلٌم وال فً الناصرة مقر ٳقامتها العادي سابقا"‪ ،...‬وال حتى مع ابنها‪ ،‬وكان ٌسوع آنذاك ٌب ّشر فً منطقة‬ ‫طبرٌّة مع البعض من تالمٌذه‪ .‬لم تدعى مرٌم الى العرس بل ابنها هو الذي دعً مع تالمٌذه‪ .‬لم تدعى النها كانت مقٌمة‬ ‫فً قانا الجلٌل نفسها‪ .‬وقد حضرت العرس طبعا"‪ .‬والسإال الخطٌر والطبٌعً معا" ٌطرح نفسه بكل بساطة‪ :‬لماذا كانت‬ ‫مرٌم فً «قانا الجلٌل »‪ :‬قانا اللبنانٌة؟ وماذا كانت تعمل هناك ‪ ،‬وبدون ابنها؟ فاذا كان السبب الوحٌد هو حضور العرس‬ ‫لكانت دعٌت مثل ؼٌرها الى حضوره‪ ،‬او حتى قبل ؼٌرها‪ .‬لكن مرٌم لم تدعى الى العرس ال قبل دعوة ابنها‪ ،‬وال معه‬ ‫ومع تالمٌذه‪ ،‬وال بعده‪ .‬مرٌم لم تدعى الى العرس‪ ،‬بل كانت مقٌمة هناك‪ ،‬فً بلدة قانا الجلٌل نفسها‪ .‬لماذا كانت مرٌم فً‬ ‫قانا الجلٌل؟ كما ٌقول االنجٌل بكل بساطة ووضوح‪ ...« :‬وكانت ام ٌسوع هناك‪» ...‬؟‬ ‫الجواب هو التالً‪ :‬أصل مرٌم العذراء من «قانا الجلٌل »! أصل مرٌم العذراء من لبنان !!‬ ‫ال مجال هنا للتفاصٌل‪ ،‬وعرض جمٌع الحجج والبراهٌن لدعم هذه الحقٌقة الخطٌرة‪ .‬بل نتركها لكتاب سوؾ ننشره‬ ‫الحقا" ‪ ...‬ونعلن فٌه للعالم أجمع‪ ،‬وبشكل علمً أن أصل مرٌم من لبنان ! ونكتفً هنا بعرض بعض البراهٌن‪ ،‬بشكل‬ ‫أولً مختصر‪ ،‬مبسّط ‪:‬‬ ‫اوال"­ مرٌم لم تكن من الناصرة أصال" بل أتت فٌما بعد وسكنت الناصرة‪ ،‬اي لم ٌكن اجدادها وآباإها واقاربها من‬ ‫الناصرة ! وهذا واضح‪ ،‬وضوح الشمس‪ ،‬من كالم االنجٌل نفسه‪:‬‬ ‫«‪ ...‬وما ٳن توفً هٌرودوس حتى تراءى مالك الرب فً الحلم لٌوسؾ فً مصر وقال له‪ :‬قم فخذ الطفل وامه واذهب‬ ‫الى ارض اسرائٌل ‪ ،‬فقد مات من كان ٌرٌد اهالك الطفل‪ .‬فقام فاخذ الطفل وامه ودخل أرض اسرائٌل ‪ ،‬لكنه سمع ان‬ ‫أرخالوس خلؾ أباه هٌرودس على الٌهودٌة ‪ ،‬فخاؾ أن ٌذهب الٌها ‪ ،‬فؤوحً له فً الحلم‪ ،‬فلجؤ الى ناحٌة الجلٌل‪ .‬وجاء‬ ‫مدٌنة ٌقال لها الناصرة ‪ ،‬فسكن فٌها‪ ،‬لٌتم ما قٌل على لسان االنبٌاء‪ :‬انه ٌدعى ناصرٌا"‪( » ...‬م ّتى ‪. )23-1 :92‬‬ ‫فهكذا اذا" ٌتضح من نصّ االنجٌل نفسه‪ ،‬وبشكل قاطع ‪ ،‬ان مرٌم (وٌوسؾ اٌضا"‪ )...‬لم تكن أصال" من مدٌنة‬ ‫الناصرة‪ ،‬بل اتت ‪ ،‬فٌما بعد‪ ،‬وسكنت فً الناصرة‪ ...‬مع ٌوسؾ وٌسوع‪.‬‬


‫ ثانٌا"‪ : -‬مإرخ الناصرة القدٌم ‪ ،‬االب برنابا ‪ ،‬والمرجع االول الذي منه استقى بقٌة مإرخً المدٌنة‪ٌ ،‬قول بالحرؾ‬‫الواحد‪ ،‬فً كتابه الضخم « جدٌد االرض المقدّسة» ‪:‬‬ ‫«‪ ...‬ولم تولد العذراء فً مدٌنة الناصرة‪ ،‬بل ان هذا «تزوٌر تقوي »! وٌتابع‪« :‬ولم ٌثبت ال من التوارٌخ وال من‬ ‫التقلٌدات المحلٌة ان ٌوسؾ ومرٌم كان لهما اهل او اقارب وانسباء فً الناصرة‪ ،‬او مٌراث ورثوه فٌها عن اآلباء‬ ‫واالجداد‪.)93(. »...‬‬ ‫­ ثالثا"­‪ :‬ومإرخ الناصرة الحدٌث‪ ،‬القس اسعد منصور‪ ،‬فً كتابه‪« :‬تارٌخ الناصرة­ من أقدم ازمانها الى اٌامنا‬ ‫الحاضرة» ٌنقل كالم االب برنابا حول العالقة بٌن مرٌم والناصرة‪ ،‬وٌإكد فٌقول‪« :‬لم تولد العذراء مرٌم فً مدٌنة‬ ‫الناصرة‪ ،‬بل ان هذا «تزوٌر تقوي »‪ ،‬بل هً اتت وسكنت فً الناصرة مع ٌوسؾ وٌسوع ‪ ،‬دون ان ٌكون لهم أجداد او‬ ‫آباء او مٌراث فً الناصرة ‪.)94( » ...‬‬ ‫رابعا"‪ٌ :‬قول البحاثة العالّمة «ٳرنست رٌنان »‪ ،‬والذي زار االراضً المقدسة بلدة بلدة‪ -‬وزار اٌضا" فٌنٌقٌة‪ -‬بؽٌة‬ ‫البحث والدرس والحفر والتنقٌب بكل موضوعٌة علمٌة ‪ٌ ،‬قول فً كتابه «حٌاة ٌسوع »‪ ،‬بكل موضوعٌة وجرأة ‪ ،‬ما‬ ‫تعرٌبه عن الفرنسٌة‪ ،‬بالحرؾ الواحد‪:‬‬ ‫«‪ ...‬وقد توفً ٌوسؾ قبل ان ٌبدأ ابنه (ٌسوع) حٌاته العلنٌة‪ .‬وهكذا اصبحت مرٌم رأس العائلة‪ .‬وهذا ٌفسّر كٌؾ ان‬ ‫ابنها (ٌسوع) كان ٌلقّب «ٳببن مرٌم»‪ ،‬عندما كان الشعب ٌفاضل بٌن القابه المتعدّدة‪ .‬وٌظهر ان مرٌم ‪ ،‬بعد موت زوجها‬ ‫ٌوسؾ‪ ،‬اصبحت ؼرٌبة فً مدٌنة الناصرة ‪ ،‬فتركت الناصرة واقامت فً قانا ‪ ،‬ألن أصلها من «قانا» ( !!!)‪ .‬وٌتابع رٌنان‬ ‫فٌقول‪ ...« :‬وٌظهر ان ٌسوع نفسه اقام فترة طوٌلة فً قانا ‪ ،‬حٌث امضى فترة صباه وفتوته وشبابه‪ ، ...‬وحٌث صنع‬ ‫اولى معجزاته وآٌاته » (‪ !!! )95‬وفً الواقع‪ ،‬ألم ٌقل االنجٌل عن آٌة عرس قانا الجلٌل‪« :‬هذه اولى آٌات ٌسوع اتى بها‬ ‫فً قانا الجلٌل‪ ،‬فؤظهر مجده فآمن به تالمٌذه‪» ...‬؟‬ ‫خامسا"‪:‬‬ ‫تجمع التقالٌد شرقٌة وؼربٌة ‪ ،‬بشكل متواصل ‪ ،‬من اٌام المسٌح الى ٌومنا هذا ‪ ،‬أن العروسٌن كانا من اقارب مرٌم‬ ‫وٌوسؾ‪ ،‬وبالتالً من أقارب ٌسوع نفسه ‪ .‬وهذا ٌفسّر قول االنجٌل « وكانت أم ٌسوع هناك‪ ،» ...‬فً قانا الجلٌل‪ ،‬بٌن‬ ‫اقاربها وانسبابها‪ ،‬النها كانت من قانا‪ ،‬كما ٌفسّر دعوة ابنها وتالمٌذه الى عرس قانا‪ .‬هذا باالضافة الى أن مرٌم كانت‬ ‫مهتمة جدا" بالعرس‪ ،‬وبالتالً فً قضٌة نفاد الخمر‪ ،‬وهً التً اخذت المبادرة فً ح ّل هذه المشكلة فقالت البنها ٌسوع‪:‬‬ ‫« لٌس لدٌهم خمر‪ .»...‬كان ٌهمّها أن ٌستمر العرس حتى نهاٌته فتكتمل هكذا طقوس العرس وافراح المدعوٌن‬ ‫والحاضرٌن‪ ...‬كان العرس ٌهمها جدا" النه عرس اثنٌن من اقاربها واقارب زوجها ٌوسؾ وابنها ٌسوع‪...‬‬ ‫­ «فدعً ٌسوع اٌضا" وتالمٌذه الى العرس‪» ...‬‬ ‫ان دعوة ٌسوع شخصٌا" مع تالمٌذه ‪ ،‬او البعض منهم ‪ ،‬ترجع‪ ،‬على ما ٌبدو‪ ،‬الى اسباب عدّة ‪:‬‬ ‫أوال" ‪ :‬ان العرٌس كان‪ ،‬كما رأٌنا ‪ ،‬احد تالمٌذه‪ .‬فهو نتنائٌل المدعو سمعان القانوي وهو من قانا الجلٌل نفسها ‪ ،‬كما‬ ‫ٌقول االنجٌل‪ .‬فكان من الطبٌعً والحالة هذه ‪ ،‬ان ٌدعى المسٌح الى عرس تلمٌذه‪ ،‬وقد التقاه قبل ثالثة اٌام‪ .‬وكان المسٌح‬


‫قبل مجٌئه الى العرس‪ٌ ،‬ب ّشر فً شمالً طبرٌّة هو وبعض تالمٌذه ‪ ،‬والسفر من طبرٌّة الى قانا الجلٌل ٌلزمه نحو من‬ ‫ثالثة اٌام‪ ،‬حسب الطرٌقة التً كان المسٌح ٌتبعها اثناء تبشٌره‪...‬‬ ‫ثانٌا"‪ :‬كان العرٌس اٌضا" من اقرباء ٌسوع ‪ ،‬كما تقول التقالٌد وؼالبٌة مفسّري االنجٌل‪ .‬وقد ٌكون ابن حلفى شقٌق‬ ‫القدٌس ٌوسؾ‪ .‬فمجًء ٌسوع الى عرس احد اقربائه امر طبٌعً جدا" ‪.‬‬ ‫ثالثا"‪« :‬كانت أم ٌسوع هناك » قبل مجًء ٌسوع الى قانا‪ .‬وذلك النها مقٌمة فً قانا كما رأٌنا ‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن جهة‬ ‫ثانٌة الن العرٌس كان من أقربائها ‪ ،‬وهً وٌوسؾ اقرباء كما هو معروؾ اٌضا" ‪.‬‬ ‫رابعا"‪ :‬كان عرس قانا الجلٌل ‪ ،‬على ما ٌبدو‪ ،‬عرسا" كبٌرا" وشعبٌا"‪ٌ .‬دل على وجود مدعوٌن كثٌرٌن ‪ ،‬ونفاد الخمر‪،‬‬ ‫وكثرة الخدم‪ ،‬وعدد االجاجٌن‪ ،‬ووكٌل للمائدة‪ ،‬والجو العام للعرس ‪ ...‬كانت فرحة مناسبة ومالئمة لدعوة ٌسوع‬ ‫ولمجٌئه‪ ،‬جاء الى العرس لٌجعل منه محطة روحٌة بارزة فً بداٌة حٌاته التبشٌرٌة‪ .‬واختار بنوع خاص ارض لبنان‬ ‫بالذات لٌجعل منها ارض بداٌة معجزاته وآٌاته ‪ ،‬ارض اعالن واظهار شفاعة امه العذراء مرٌم ‪ ،‬هذه الشفاعة الفائقة‬ ‫الوصؾ‪ ،‬كما سنرى تفاصٌل كل ذلك فٌما بعد ‪...‬‬ ‫ثانيا"‪ -‬مناسبة المعجزة من اآلية الثالثة الى اآلية الخامسة ‪:‬‬ ‫« ونفدت الخمر‪ ،» ...‬فقالت لٌسوع أمه ‪« :‬لٌس لدٌهم خمر‪»...‬‬ ‫نفاد الخمر ٌعود ‪ ،‬كما ٌظهر‪ ،‬الى أن العرس كان كبٌرا" وشعبٌا" ‪ ،‬وان المدعوٌن كانوا كثٌرٌن‪ .‬وقد ٌكون وجود ٌسوع‬ ‫وأمه وتالمٌذه أضفى على جو الولٌمة طابعا" ممٌّزا" زاد من الفرح والبهجة ‪ ،‬مما جعل الخمر تنفد وولٌمة العرس لم تنته‬ ‫بعد ‪.‬‬ ‫ٌالحظ ٌوحنا على دفعتٌن خطورة المشكلة ‪ ،‬وكؤنً به ٌشدّد مسبقا" على واقع المعجزة واهمٌتها‪ .‬لكن الملفت اكثر هو‬ ‫أن مرٌم‪ -‬قبل ؼٌرها‪ -‬كانت المبادرة الى ح ّل هذه المشكلة‪ ،‬وذلك قبل الخدم ووكٌل المائدة واهل العروسٌن‪ ،‬وقبل‬ ‫العروسٌن أنفسهما ‪ .‬وكؤنً بالجمٌع كانوا ٌنظرون الى مرٌم على انها «ست البٌت االولى »‪ .‬كانوا ٌعرفونها عن كثب‬ ‫وٌدركون مكانتها وقوة وساطتها الفعاّلة‪...‬‬ ‫« فقال لها ٌسوع‪ :‬ما لً ولك ٌا امرأة ‪ ،‬لم تؤت ساعتً بعد »‪.‬‬ ‫«ما لً ولك‪ » ...‬تعبٌر مؤلوؾ فً العهد القدٌم‪ .‬وٌؤتً بمعنٌ​ٌن ‪ :‬االول ٌحمل عتابا" ولوما" ‪ :‬ماذا فعلت انا حتى فعلت‬‫بً هكذا؟ (راجع سفر القضاة ‪ ،12 :11‬سفر االخبار الثانً ‪ ،21 :35‬سفر الملوك الثالث ‪ .)18 :17‬وبهذا المعنى ورد‬ ‫فً انجٌل مرقس (‪ .)7 :5 ،24 :1‬اما المعنى الثانً فٌحمل تبرإا" من صلة وعالقة‪ :‬لٌس ما ٌجمعنا‪ ،‬وال صلة لك بً‬ ‫(راجع سفر النبً هوشع ‪ ،9 :14‬سفر الملوك الثانً ‪ ، 13 :3‬وؼٌرها)‪ .‬وهذا المعنى أقرب الى وضع ٌسوع وامه هنا‪:‬‬ ‫لٌس لمرٌم ان تقرر ساعة اآلٌة ‪ ،‬او «ساعة ٌسوع»‪ ،‬وتتدخل فً شإونه ‪ ،‬بل ّللا اآلب هو وحده من ٌقرر (ٌوحنا ‪: 12‬‬ ‫‪ .)27‬وٌتضح هذا المعنى اذا ما ا ّتضح معنى ‪ « :‬لم تؤت ساعتً بعد ‪.» ...‬‬


‫«ٌا امرأة ‪ » ...‬مثل هذه التسمٌة ؼٌر عادٌة وممٌّزة‪ .‬وقد تلفظ ٌسوع بهذه الكلمة متعمدا"‪ .‬وسٌرددها على الجلجلة ‪:‬‬ ‫«ٌا امرأة هذا ابنك‪ٌ( » ...‬وحنا ‪ .)26 :19‬قد ٌكون هناك بعض االحترام والعطؾ‪ ،‬ولكننا نبقى فً الدهشة واالستؽراب‪،‬‬ ‫الننا ال نجد هذه الكلمة مؤلوفة بٌن ابن وأمّه‪ .‬ثم ان ٌسوع ٌتحدث هكذا الى كل امرأة ٌنادٌها (ٌوحنا ‪،11 :8 ،21 :4‬‬ ‫‪ ،15 :20‬م ّتى ‪ ،28 :15‬لوقا ‪ .)12 :13‬انه ٌتوجّ ه بالطرٌقة عٌنها الى أمّه‪ ،‬وٌجٌبها بمسحة من الوقار‪ .‬انه ٌتناسى‬ ‫صفته كابن وٌجعل نفسه على مستوى آخر‪ :‬انه اآلن محاط بتالمٌذه وقد التزم عمله المسٌحانً‪ ،‬فلم تعد تهمّه رباطات‬ ‫الدم من الحصول على المعجزة‪ ،‬بل ٌهمه التوافق مع مخطط ّللا واالنتباه الى الساعة التً ٌقررها االب وحده‪ .‬ولهذا قال‬ ‫لها‪:‬‬ ‫«لم تات ساعتً بعد‪. » ..‬‬‫ان قول ٌسوع هذا ٌبرز للمرة االولى‪ ،‬دون ان ٌفسّر‪ ،‬موضوعا" ٌعود مرارا" فً انجٌل ٌوحنا مع مدلول محدّد‪ .‬ولن‬ ‫تصبح العبارة واضحة فعال" االّ فً نهاٌة حٌاة ٌسوع العلنٌة‪ ،‬حٌن تاتً ساعة ٌسوع ‪« :‬جاءت الساعة التً فٌها ٌتمجّ د‬ ‫ابن االنسان» (ٌوحنا ‪ « .)23 :12‬قبل عٌد الفصح عرؾ ٌسوع ان ساعته جاءت لٌنتقل من هذا العالم الى اآلب » (ٌوحنا‬ ‫‪ٌ« .)1 :13‬ا ابً‪ ،‬جاءت الساعة ‪ :‬مجّ د ابنك لٌمجدك ابنك ‪ٌ( » ...‬وحنا ‪ .)1 :17‬ساعة ٌسوع هً الساعة التً حددها‬ ‫االب السماوي فً مسٌرة قصده لتمجٌد ابنه ‪ .‬سوؾ ٌتمجّ د ٌسوع بقٌامته وارتفاعه الى اآلب ابٌه‪ ،‬حٌنئذ ٌظهر فً‬ ‫بشرٌته ذاتها المجد االلهً الذي كان له منذ االزل كابن ّللا ‪ٌ« :‬ا أبً‪ ،‬مجّ دنً بالمجد الذي كان لً عندك قبل ان ٌكون‬ ‫العالم‪ٌ( »..‬وحنا ‪.)5 :17‬‬ ‫فً قانا‪ ،‬على ما ٌظهر‪ ،‬لم تؤت بعد الساعة التً فٌها ٌتمجّ د حقا"‪ ،‬لم تؤت الساعة التس تعطً خٌرات الخالص‪ .‬ولكن‬ ‫العالقة بالتمجٌد اآلتً‪« ،‬بالساعة»‪ ،‬هً التً تعطً المعجزة الحاضرة معناها الحقٌقً ومدلولها العمٌق‪ .‬هذه المعجزة‬ ‫هً عربون‪ ،‬فً تحقٌق أولًّ صؽٌر ٌتبعه تحقٌق كبٌر وكامل‪ ،‬هً استباق لظهور المجد االكبر‪ .‬وحٌن تؤتً «الساعة»‪،‬‬ ‫حٌنئذ نفهم هذه العالقة‪ .‬بانتظار ذلك نبقى متٌقظٌن‪ .‬وفً جو الٌقظة هذا تتم المعجزة‪ ...‬وها هً بدأت تت ّم على لسان‬ ‫«األم»‪:‬‬ ‫«مهما ٌقل لكم فافعلوا‪»...‬‬‫تردّد ام ٌسوع‪ ،‬هنا‪ ،‬ما قاله فرعون للمصرٌ​ٌن‪ٌ ،‬وم افتقروا الى الحنطة‪« :‬أمضوا الى ٌوسؾ‪ ،‬ومهما ٌقل لكم فافعلوا »‬ ‫(سفر التكوٌن ‪ .)55 :41‬وٌوسؾ (الحسن) قٌّم فرعون ملك مصر‪ ،‬هو رمز لٌسوع الملك األعظم ‪...‬‬ ‫لم تجد مرٌم فً جواب ابنها رفضا" قاطعا"‪ ،‬بل ٳن هذا الجواب شجّ عها فً انتظارها فتحدثت الى الخدم واستعارت‬ ‫كلمة من الكتاب المقدس‪ .‬وهكذا جعلت مرٌم نفسها فً مستوى رفٌع وان كان سرّ ٌا"‪ ...‬صعدت الى مستوى االٌمان‬ ‫والتوافق مع مخطط ّللا اآلب الذي ٌحدّد «الساعة»‪ .‬واوصت الخدم بالثقة التامة والخضوع الكامل للمسٌح‪ ،‬مهما كان‬ ‫الشًء الذي ٌؤمرهم به‪ .‬وٌد ّل كالمها هذا على ا ّنها توقّعت من جواب المسٌح السرّ ي لها أ ّنه سٌصنع المعجزة فً الوقت‬ ‫المناسب‪ .‬ولذلك أمرت الخدم باالستعداد لطاعة امره‪ .‬وأمرها للخدم‪ ،‬من جهة ثانٌة‪ٌ ،‬إٌد القول بؤنها من أقرباء اهل‬ ‫العرس ‪...‬‬ ‫امّا ماذا دار بٌن ٌسوع وامه وجعل ٌسوع ٌسرّ ع «ساعته»؟ ماذا حصل بالضبط بٌن قول ٌسوع ألمّه‪ ...« :‬ما لً ولك‬ ‫ٌا امراة‪ ،‬انّ ساعتً لم تؤت بعد‪ ،» ...‬وقول مرٌم للخدم‪ ... :‬مهما قال لكم ما فعلوه‪...‬؟ هل حصل حوار بٌنهما؟ هل اسرّ‬


‫لها بشًء؟ هل كان بٌنهما كالم او همس او اشارة او تخاطر‪ ،‬او اي شًء آخر؟ االنجٌل ال ٌقول شٌئا"‪ ،‬وٌوحنا ال ٌشٌر‬ ‫الى شًء‪ .‬هناك صمت‪ ،‬وصمت مطبق‪ .‬ولكن رفض ٌسوع الظاهري الذي ظهر فً قوله ‪« :‬لم تؤت ساعتً بعد‪،» ...‬‬ ‫هذا الرفض لم ٌدم طوٌال"‪ .‬فجواب ام ٌسوع كان سرٌعا" ‪« :‬مهما قال لكم فافعلوه‪ » ...‬ماذا حصل اذا" فً هذه الفترة‬ ‫الصامتة السرٌّة؟ ماذا حصل؟ ٌظهران الذي حصل فعال"‪ ،‬لم ٌحصل على المستوى البشري الراهن والعادي المؤلوؾ ‪.‬‬ ‫بل حصل فً مستوى بشري اعمق واسمى‪ ،‬فً مستوى سرّ ي‪ -‬سرّ انً‪ ...‬والداللة على ذلك ان اآلٌة قد حصلت‪...‬‬ ‫وتحوّ ل الماء خمرا"‪ ،‬وخمرا" لذٌذة‪ .‬فً قلب االعجوبة ٌكمن الجواب على ما حصل‪ ،‬فً قلب االعجوبة ٌكمن الشرح‬ ‫والتفسٌر‪ ،‬وٌكمن البرهان القاطع‪ .‬واذا جاز لنا القول فً ذلك‪ ،‬نقول‪ :‬لقد قامت مرٌم‪ ،‬من ضمن مخط اآلب طبعا"‪ ،‬بدور‬ ‫فرٌد عجٌب لم ٌقم به أحد‪ .‬انها أم ٌسوع‪ .‬وٌسوع هو االنسان «اال نموذج والمثال »‪ ،‬و«المرأة اال نموذج والمثال »‪...‬‬ ‫ألم ٌكن للمسٌح‪ ،‬باالضافة الى‬ ‫وعلى مستوى الطبٌعة البشرٌة الصرؾ للمسٌح‪ ،‬قامت مرٌم ام ٌسوع‪ ،‬بدور «‬ ‫الطبٌعة االلهٌّة‪« (L’Initiatrice)،‬االمرأة‪ -‬األم » «السرّ انٌّة»‬ ‫طبٌعة بشرٌّة حقٌقٌّة بكل ما فً هذه الكلمة من معنى؟ ‪ .‬طبعا" دون الشرّ والخطٌئة ‪ .‬الم ٌكن المسٌح انسانا"؟ وانسانا"‬ ‫مثلنا تماما"؟ الم ٌقل االنجٌل المقدّس نفسه عنه ‪« :‬انه كان ٌنمو بالقامة والنعمة امام ّللا والناس؟ » انه كان ٌنمو اذا" فً‬ ‫طبٌعته البشرٌّة‪ ...‬وفً طبٌعته البشرٌّة فقط ‪ ...‬ونحن نر ّكز هنا على كلمة «ٌنمو» ومضمونها البشري فقط ‪...‬‬ ‫ثالثا"‪ -‬المعجزة في حد ذاتها ‪ :‬تحويل الماء الى خمر‬ ‫ من اآلٌة ‪ 6‬الى اآلٌة ‪– 8‬‬‫«وكان هناك ستة أجران حجرٌّة حسب تطهٌر الٌهود‪ٌ ،‬سع ك ّل منها مقدار مكٌالٌن أو ثالثة ‪. » ...‬‬ ‫تحدث ٌوحنا االنجٌلً بدقة عن سعة االجران وعددها وجهة استعمالها‪ .‬فهً كانت تستعمل للتطهٌر الطقسً عند‬ ‫الٌهود‪ ،‬وال سٌما قبل الطعام حسب فرائض الشرٌعة وتقالٌد الفرّ ٌسٌ​ٌن‪ .‬وهذا ٌوافق تماما" ما قاله االنجٌلً مرقس فً‬ ‫هذا الموضوع‪ ،‬مع بعض التفاصٌل ‪ « :‬واجتمع لدٌه الفرٌسٌّون وبعض الكتبة اآلتٌن من اورشلٌم ‪ ...‬فرأوا بعض‬ ‫تالمٌذه ٌتناولون الطعام باٌد نجسة‪ ،‬اي ؼٌر مؽسولة ( الن الفرّ ٌسٌٌّن والٌهود عامة ال ٌؤكلون االّ بعد ان ٌؽسلوا أٌدٌهم‬ ‫حتى المرفق‪ ،‬تمسكا" بس ّنة الشٌوخ‪ .‬واذا رجعوا من السوق ال ٌؤكلون االّ بعد ان ٌؽتسلوا‪ .‬وهناك أشٌاء أخرى كثٌرة من‬ ‫الس ّنة ٌتمسّكون بها‪ ،‬كؽسل الكإوس والجرار وآنٌة النحاس ‪( » )...‬انجٌل مرقس ‪ .)4-1 :7‬والجدٌر بالذكر هنا ان هذه‬ ‫العادات قد اورثها الشٌوخ االقدمون زاعمٌن انه ال بد منها للعمل بؤحكام الشرٌعة‪ ،‬مع ان الشرٌعة لم تفرضها !‬ ‫وكانت االجران الحجرٌة‪ ،‬عاى ما ٌظهر‪ ،‬موضوعة بعٌدا" عن أعٌن العرٌس والمدعوٌن ورئٌس المتكؤ (اي الولٌمة)‪،‬‬ ‫الن هذا االخٌر‪« ،‬بعد ان ذاق الماء المحوّ ل خمرا" ولم ٌكن ٌدري من اٌن هو‪ -‬فً حٌن ان الخدم الذٌن استقوا الماء‬ ‫كانوا ٌدرون‪ -‬دعا العرٌس وقال له ‪ٌ( » ...‬وحنا ‪ .)10-9 :2‬كانت االجران الحجرٌّة تسع ما ٌوازي ستة هكتولٌترات‪،‬‬ ‫اذا حسبنا ان المكٌال (او مطرة) ٌسع ‪ 50‬لٌترا" ‪ .‬نحن اذا" امام كمٌة كبٌرة جدا" من الخمر ‪ .‬ثم ان الخدم ملإا االجران‬ ‫الى فوق‪ ،‬مؤلوها حتى فاضت (ترد الكلمة مرتٌن فً النص)‪ ...‬وبما ان تلك االجران كانت معدّة للماء فلم ٌكن فٌها اي‬ ‫اثر للخمر‪ .‬والذٌن مؤلوها ماء صاروا بذلك شهودا" بصحّ ة المعجزة ‪.‬‬ ‫ونو ّد ان نلفت‪ ،‬فً هذا النص‪ ،‬الى امر نعتبره ممٌّزا" وذا داللة كونٌة‪ ،‬فً كتابات ٌوحنا ‪ :‬فً االنجٌل والرسائل‬ ‫والرإٌا‪ ،‬اال وهو‪ :‬العددٌة الرمزٌة الروحٌة ‪ٌ .‬ر ّكز ٌوحنا هنا على عدد االجران الحجرٌة ‪ :‬انها كانت ستة اجران‪ .‬فهو‬


‫ٌقصد ان عدد االجران هذا ‪ 6‬هو عدد ناقص‪ .6=1 -7 :‬السبعة (‪ )7‬هذه عدد القداسة والكمال‪ ،‬وهو ٌركز الى المسٌح‪.‬‬ ‫والمسٌح صٌّر هنا الناقص كامال" تاما"‪ .‬وتحوٌل ماء التطهٌر خمرا" فائضا" جٌدا" رمز تحوٌل العهد القدٌم الى عهد‬ ‫جدٌد‪ ،‬أفضل واكمل بما ال ٌقاس ‪.)96 ( ...‬‬ ‫« فقال ٌسوع للخدم‪ :‬امؤلوا االجران ماء"‪ .‬فمؤلوها الى فوق‪ .‬فقال لهم‪ :‬اؼرفوا االن وناولوا وكٌل المائدة‪،‬‬‫فناولوا‪»...‬‬ ‫تبدأ اآلٌة بفعل األمر‪ .‬واآلمر هنا ٌسوع المسٌح‪ ،‬الذي هو الملء االلهً‪ -‬البشري‪ ،‬والذي فٌه «ح ّل ملء الالهوت »‪،‬‬ ‫كما ٌقول بولس‪ .‬والملء هنا عطاء وفٌض‪ ،‬تحدٌدا"‪ .‬وهو الحب والكرم الالمحدود ‪ٌ .‬فٌض‪ :‬فتوجد الكائنات‪ٌ .‬فٌض‪:‬‬ ‫فتبدأ االعراس‪ ،‬وٌكثر المدعوون‪ ،‬وتمتلئ االجران‪ ،‬وتتحوّ ل الماء‪ّ ،‬‬ ‫وٌتذوق الحاضرون‪ ،‬وٌستمر الفرح البشري ‪...‬‬ ‫ٌفٌض‪ :‬فتمتلئ الٌنابٌع وتتدفّق المٌاه «التً منها ٌخرج كل كائن حًّ »‪ ،‬ثم ٌفٌض‪ ،‬من داخل الماء هذه المّرة‪ ،‬فتتدفّق‬ ‫الخمرة التً تحوّ ل حٌاة الكائن الطبٌعٌة‪ -‬البشرٌة وتشركها فً حٌاة فائقة الطبٌعة‪ ،‬فً حٌاة الهٌّة‪...‬‬ ‫«ٳمؤلوا االجران ماء»‪ ،‬قال المسٌح للخدم‪ .‬هذا ٌعنً فً العمق الحقٌقً الروحً ‪ :‬ساهموا معً فً صنع االعجوبة‪،‬‬ ‫اشتركوا فً عملٌة التحوٌل‪ ،‬اصنعوا نصؾ االعجوبة‪ ،‬وانا اتكفّل بصنع النصؾ الثانً‪ .‬هذا ٌعنً ان المسٌح ٌقول‬ ‫للبشر‪ :‬انتم ابناء ّللا‪ ،‬انتم اخوتً‪ .‬نعم «انا واآلب واحد »‪ ،‬ولكننً «انا فٌكم وانتم فًّ ‪« ،» ...‬سوؾ تعملون اآلٌات التً‬ ‫اعلمها انا‪ ،‬وتعملون اكبر منها‪ !» ...‬لقد خلقك ّللا‪ ،‬اٌها االنسان‪ ،‬خالقا"‪ -‬معاونا" له‪ ،‬مشتركا" فً خلقه واعماله وآٌاته‪.‬‬ ‫اٌها االنسان‪ ،‬امؤل االجران ماء" ‪ ،‬قم بدورك‪ ،‬اشترك معً وساهم‪ ،‬انت‪ ،‬فً صنع نصؾ االعجوبة االلهٌة‪ ،‬اآلٌة‬ ‫الكونٌة‪ ،‬وانا اتكفّل بصنع الباقً‪ ،‬بصنع النصؾ الثانً لؤلعجوبة‪ .‬هذا من فٌض كرمً‪ ،‬هذه ارادتٌن وهذا ما شئت اٌّها‬ ‫االنسان ! انت ؼاٌة ولست وسٌلة‪ ،‬انت ؼاٌتً من خلق هذا الكون‪ ،‬أنت ؼاٌتً من تجسدي ومجٌئً الى هذا العالم‪ ،‬انت‬ ‫العرٌس فً «قانا جلٌل الكون »‪ .‬اٌها االنسان ! انا الذي اقمت لك عرسا" فً «قانا الجلٌل »‪ ،‬انا الذي دعوت الخالئق الى‬ ‫عرسك‪ ،‬انا الذي مدٌّت المائدة وعٌّنت رئٌسا" للمائدة‪ ،‬واقمت الخدم‪ ،‬ووضعت االجران‪ ،‬وحوّ لت الماء خمرا"‪ ،‬لٌستمر‬ ‫الفرح فً عرسك دون نهاٌة وعلٌك أن تتذوقها‪ ،‬انها طٌّبة جدا" وممٌّزة‪ « :‬ٳ ّنها لبنانٌة ‪. » ...‬‬ ‫فتؤوٌل خمرة «قانا الجلٌل » كرمز لنعم وخٌرات العهد الجدٌد تثبته وفرة العطاء من خمرة طٌّبة‪ٌ ،‬عتبرها العهد القدٌم‬ ‫من النعم المسٌحانٌة المنتظرة (سفر التكٌون ‪ ،10 :49‬أشعٌا ‪ .)6 :25‬وتقول حكمة العهد القدٌم ‪ « :‬هلمّوا‪ ...‬واشربوا‬ ‫من الخمر التً مزجت !» (أمثال ‪ ، 5 -1 :9‬ابن سٌراخ ‪ 17 :24‬وما ٌتبع)‪.‬‬ ‫أما فٌما ٌخصّ «خمر لبنان » ومذاقها وشهرتها الواسعة‪ ،‬فٌقول النبً هوشع فً ذكرى االصفٌاء والقدٌسٌن االبرار‪:‬‬ ‫«‪ ...‬وٌزهرون كجفنة‪ .‬وٌكون ذكرهم كخمر لبنان‪ » ...‬هوشع ‪ ،18 :14‬راجع اٌضا" النبً حزقٌال ‪ ،18 :27‬ونشٌد‬ ‫األناشٌد ‪...)10 :4‬‬ ‫وهكذا لمّا «ذاق وكٌل المائدة الماء المحوّ ل خمرا" ‪ ،‬وكان ال ٌدري من اٌن أتت‪ ،‬فً حٌن أن الخدم الذٌن ؼرفوا الماء‬ ‫كانوا ٌدرون‪ ،‬دعا العرٌس وقال له ‪ :‬كل امرئ ٌقدم الخمرة الجٌّدة أوال"‪ ،‬فاذا اخذ الشراب فً الناس‪ ،‬قدّم ما كان دونها‬ ‫فً الجودة‪ .‬أمّا انت فحفظت الخمرة الجٌّدة الى اآلن‪! » ...‬‬


‫ومن جهة ثانٌة‪ ،‬فحضور المسٌح عرس قانا الجلٌل‪ ،‬ومشاركته فً ولٌمة العرس‪ ،‬وصنعه المعجزة‪ٌ ،‬إ ّكد على حقائق‬ ‫ثالث‪ :‬الحقٌقة االولى‪ :‬كرّ س المسٌح مإسسة الزواج البشري‪ ،‬وقدّسه ورفعه الى مرتبة اعلى‪ ،‬الى مرتبة «السرّ »‪...‬‬ ‫ومع الزواج كرّ س الحب الٌشري‪ ،‬وخصوبة الحٌاة البشرٌة‪ ،‬ومإسسة العٌلة البشرٌة‪ ،‬ورفع كل ذلك الى المستوى‬ ‫السامً الذي اراده الخالق‪ ...‬الحقٌقة الثانٌة‪ :‬كرس المسٌح الفرح البشري وجعل منه االطار الوحٌد آلٌته االولى‪ ،‬الظهار‬ ‫مجده‪ ،‬العالن الوهٌته‪ ،‬والٌمان االنسان به‪ !...‬الحقٌقة الثالثة‪:‬كرس المسٌح مشاركة ّللا بافراح البشر‪ .‬وا ّكد ان مصدر‬ ‫الفرح البشري هو فً ّللا‪ ،‬وان الؽاٌة االخٌرة من خلق االنسان هً السعادة واالشتراك بالحب االلهً «وبالطبٌعة‬ ‫االلهٌّة» (‪ 2‬بطرس ‪.)4 :1‬‬ ‫« تلك كانت اولى آٌات ٌسوع اتى بها فً «قانا الجلٌل »ن فاظهر مجده‪ ،‬وآمن به تالمٌذه ‪» ...‬‬‫ٌدعو ٌوحنا معجزات ٌسوع آٌات تقود الى االٌمان بٌسوع من خالل ٳظهار مجده ‪.‬ان التوافق واضح مع ؼاٌة انجٌل‬ ‫ٌوحنا ‪ «:‬وأتى ٌسوع أمام التالمٌذ بآٌات اخرى كثٌرة لم تدوّ ن فً هذا الكتاب‪ ،‬وا ّنما دونت تلك اآلٌات لتإمنوا بان ٌسوع‬ ‫هو المسٌح ابن ّللا‪ .‬فاذا آمنتم نلتم باسمه الحٌاة ‪ٌ( » ...‬وحنا ‪ .)31-30 :20‬فنص عرس قانا الجلٌل ٌندمج اذا" فً خط‬ ‫االنجٌل الرئٌسً‪ ،‬وهو ابراز سر المسٌح‪ ،‬واظهار مجده‪ ،‬وحمل الناس على االٌمان به‪ .‬وفً مقدمة انجٌله ٌحدّد ٌوحنا‬ ‫بلفظة «مجده» كٌان الكلمة المتجسّد‪« :‬والكلمة صار جسدا" وح ّل فٌنا‪ ،‬فرأٌنا مجده مجدا" من لدن اآلب البن وحٌد ملإه‬ ‫النعمة والحق» (ٌوحنا ‪ .)14 :1‬وعبارة المجد‪ ،‬هنا هً أقرب ما تكون للعبارة المجردّة «ألوهة» (‪ .)97‬كان مجد ّللا‬ ‫ٌتجلّى فً العهد القدٌم‪ ،‬فٌدل على ثقل القداسة االلهٌة الساحق‪ ،‬وعلى وجهها الساطع‪ ،‬وعلى قدرتها التً تتجلّى لالنسان‬ ‫بشكل «ؼمام» (سفر الخروج ‪ ،) 18-15 :24 ،10 :16‬او بشكل «نار ملتهبة » (سفر تثنٌة االشتراع ‪ )26-23 :5‬او‬ ‫بشكل «ضٌاء ساطع كبٌر » (حزقٌال ‪ .)5-1 :43‬واألناجٌل االزائٌة تحتفظ بهذه التعابٌر البن االنسان الذي ٌؤتً ببهاء‬ ‫مجده‪ ،‬على «الؽمام»‪ ،‬فً أخر االزمنة ‪...‬‬ ‫اما ٌوحنا فانه ٌخصّ المسٌح المقٌم بٌننا بهذا المجد‪ .‬وقد اكتشؾ هذا المجد فً عجائب المسٌح‪ ،‬كآٌات تظهر ان ّللا‬ ‫حاضر فٌه ٌعمل وٌتجلى اآلن‪ ،‬هنا‪ ،‬بٌننا وامام انظارنا ! وهو ٌؤتً لكً ٌخلصنا‪ .‬هذا هو المعنى من «آٌة» قانا الجلٌل‪.‬‬ ‫وتجدر المالحظة ان المسٌح لم ٌخلق الخمرة وٌقدّمها‪ :‬انه ٌحوّ ل الماء الى خمر‪ .‬ولم ٌعمل بمفرده‪ :‬فقد اشرك الخدم فً‬ ‫«اآلٌة»‪ .‬فآٌات ٌوحنا مهما سمت تستند الى حقٌقة ملموسة وٌشترك فٌها االنسان ( ‪ .)98‬فاالعجوبة عند ٌوحنا تحصل‬ ‫نتٌجة لسعً البشر وجهودهم التً ال ٌؽفلها‪ ،‬وانما ٌتب ّناها بمفهوم جدٌد (ٌوحنا ‪ 5 :5‬وما ٌلٌها‪:1 ،32 :9 ،18-7 :6 ،‬‬ ‫‪ 3 :21 ،39‬الخ) فً «اآلٌة» ٌعبر ٌسوع من اآلب الى العالم‪ ،‬وفً المجد ٌعبر من العالم الى اآلب ‪« .‬من ّللا خرج‬ ‫والى ّللا ٌمضً » (ٌوحنا ‪ )3 :13‬وما ٌهم ٌوحنا من «اآلٌة» هو مدلولها وعالقتها بواقع سام‪ ،‬بنظام آخر‪ ،‬تشٌر الٌه‬ ‫وتتضم ّنه وتنقله ( ‪ . )99‬ان «اآلٌة» تولّد االٌمان ‪« :‬أظهر مجده‪ ،‬فآمن به تالمٌذه »‪ .‬ولكن االٌمان ٌقوم بدوره فً فهم‬ ‫اآلٌة فهما" مسٌحانٌا"‪ ،‬فٌصبح تؤمال" ومشاهدة ‪ :‬رإٌة مجد ّللا فً المسٌح ‪ .‬قال ٌسوع لمرتا‪ :‬ألم اقل لك انك اذا آمنت‬ ‫سترٌن مجد ّللا؟ (ٌوحنا ‪ . )4 :11‬ؼعبر عمل ٌسوع البشري نرى ونشاهد ّللا الذي ٌفعل والذي ٌخلّص‪ .‬فاالٌمان ٌرى‬ ‫فً «اآلٌة» اكثر من اآلٌة ‪ :‬انه ٌرى ّللا الذي ٌعطً ذاته ( ‪« .)100‬ألن ّللا محبة» (ٌوحنا ‪. )8 :4‬‬ ‫وعندما ٌقول ٌوحنا‪ :‬ان المسٌح «أظهر مجده ٌعنً ان المسٌح أعلن «الوهٌته»‪ .‬وفً لبنان تم اعالن االلوهٌة ‪ .‬ونحن‬ ‫نكرر هنا‪ ،‬عن قصد‪ ،‬أن الوهٌة المسٌح لم تعلن ال فً السامرة‪ ،‬وال فً اورشلٌم وال فً الٌهودٌة‪ ،‬وال فً جلٌل فلسطٌن‪،‬‬ ‫بل اعلنت فً «قانا الجلٌل » ‪« -‬جلٌل االمم» ‪ -‬اي فً ارض لبنان بالذات ‪ .‬واكثر‪ :‬أعلنت فً لبنان ولم تعلن فً اي‬ ‫مكان آخر على وجه األرض ! ولماذا أعلنت ألوهٌة المسٌح فً لبنان‪ ،‬ال فً ؼٌره؟ ذلك ألن لبنان كان فً الحقٌقة‪ ،‬ومنذ‬


‫فجر التارٌخ‪ ،‬جبل ّللا‪« ،‬جبل اآللهة» ‪« ،‬جبل القداسة» والقدٌسٌن ‪ .‬ذلك الن أرض لبنان كانت «أرض إٌل»‪« ،‬حمى‬ ‫إٌل» ‪ ،‬وإٌل‪ ،‬كما هومعروؾ هو االله الكنعانً اللبنانً العالمً الكونً االول والموحّ د ‪ .‬والمسٌح هو عمانوئٌل »‪-‬‬ ‫بشهادة الوحً واالنجٌل‪ -‬اٌل المتجسّد‪ ،‬اي «إٌل معنا » او «ّللا معنا»‪ .‬ذلك الن لبنان‪ ،‬ارض اٌل‪ ،‬كان المهد االول‬ ‫للدٌانة الموحّ دة االولى فً التارٌخ‪ ،‬وهو الذي نشر هذه الدٌانة فً كل اصقاع االرض‪ ،‬ولبنان كان مهد الحضارة‬ ‫االنسانٌة االولى‪ -‬حضارة «عالمٌة االنسان»‪ -‬وهو الذي نشر هذه الحضارة العالمٌة فً كل اصقاع االرض‪ ،‬هذا كان‬ ‫دور لبنان فً زمن االله اٌل‪ ،‬وهذا كان دوره فً زمن اٌل المتجسّد ­ «عمانوبٌل »­ اي ٌسوع المسٌح‪ .‬ألٌس ان كل ما‬ ‫كان قبل المسٌح‪ ،‬كان تمهٌدا" له؟ بلى‪ .‬فلكل هذه االسباب أعلن ٌسوع المسٌح الوهٌّته فً لبنان ‪!...‬‬ ‫بناء على ما تقدم‪ ،‬ماذا كانت نتابج «آٌة» المسٌح فً عرس «قانا الجلٌل »­ اللبنانٌة – ماا حصل اذا" فً لبنان؟ الذي‬ ‫حصل‪ ،‬فً الواقع‪ ،‬فً لبنان‪ ،‬هو التالً ‪:‬‬ ‫­اوال"­ فً لبنان حصلت «اآلٌة االولى التً اتً بها المسٌح » ‪ .‬وقد رأٌنا بالتفصٌل‪ ،‬فً الفقرات السابقة ماذا تعنً اآلٌة‬ ‫بمفهوم انجٌل ٌوحنا ‪ ...‬اجل ! فً لبنان حصلت أولى آٌات ٌسوع‪ ،‬أولى آٌات العهد الجدٌد ‪ .‬ولم تحصل ال فً السامرة‪،‬‬ ‫وال فً اورشلٌم وال فً اي مكان آخر فً ارض الٌهودٌة – ارض ٌهوذا ‪ .‬وال حتى فً جلٌل فلسطٌن ‪ :‬الجلٌل االسفل‬ ‫الجنوبً ‪ .‬بل حصلت فً الجلٌل االعلى‪ ،‬الجلٌل الشمالً‪« :‬جلٌل االمم» اي فً ارض لبنان بالذات‪ .‬واكثر ‪ :‬حصلت فً‬ ‫لبنان ولم تحصل فً اي مكان آخر على وجه االرض‪ ...‬ولماذا حصلت فً لبنان؟ الن لبنان كان منذ فجر التارٌخ _‬ ‫وسٌبقى _ أرض القداسة االولى والحقٌقٌة ‪ .‬ال بل ألن لبنان هو «اآلٌة»‪ ،‬آٌة هللا على االرض ‪...‬‬ ‫ ثانٌا"‪ -‬فً لبنان أظهر المسٌح «مجده»‪ ...‬ألول مرّة ‪ .‬لم ٌعد مجده ٌظهر فً الؽمام او فً النار الملتهبة او فً‬‫االضواء الساطعة ‪ .‬بل بدأ ٌظهر على االرض‪ ،‬معنا وبٌننا ‪ ،‬وامام انظارنا‪ :‬بدأ ٌظهر فً االنسان ومن االنسان ٌسوع‬ ‫المسٌح ‪ .‬وفً لبنان ظهر هذا المجد !‬ ‫ثالثا"‪ -‬فً لبنان «آمن به تالمٌذه ‪»...‬‬ ‫االنجٌل المقدّس واضح جدا" ‪ :‬كانت آٌة عرس قانا الجلٌل اآلٌة االولى التً اتى بها ٌسوع فً حٌاته على هذه االرض‬ ‫‪ .‬وكانت هذه اآلٌة أمام ابصار امه وتالمٌذه وسائر المدعوٌن والحاضرٌن ‪ .‬وفور اتمام اآلٌة «آمن به تالمٌذه » ‪ .‬وهذا‬ ‫االٌمان بالمسٌح‪ ،‬والول مرّة‪ ،‬حصل فً االرض اللبنانٌة‪ ،‬ولم ٌحصل ال فً السامرة وال فً الٌهودٌة وال فً اورشلٌم‬ ‫وال فً اٌة قرٌة او بلدة او مدٌنة ٌهودٌة ‪ .‬لم ٌحصل ذلك حتى فً جلٌل فلسطٌن‪ ،‬الجلٌل االسفل الجنوبً ‪ .‬بل حصل‪،‬‬ ‫وبالتحدٌد‪ ،‬فً الجلٌل االعلى الشمالً ‪« --‬جلٌل االمم»‪ -‬كما ٌقول الوحً واالنجٌل‪ ،‬وكما ٌإكد بكل دقة اول المإرخٌن‬ ‫المسٌحٌ​ٌن‪ :‬حصل فً لبنان ‪ .‬اجل ! لقد بدأ اٌمان االنسان بالمسٌح فً لبنان ‪ .‬وفً لبنان بدأت المسٌحٌة‪ ،‬وتكونت النواة‬ ‫االولى للجماعة المسٌحٌة ‪ .‬فً لبنان تؤسست الكنٌسة وبدأت برسالتها على هذه االرض ! ‪...‬‬


‫الفصل السابع‬ ‫الحقائق التاريخية الساطعة‬ ‫( ّ‬ ‫ملخص الدراسة)‬


‫الحقيقة االولى‬ ‫ٳن عبارة «قانا الجلٌل » تعنً فً األصل ‚ لؽوٌا" ‪« :‬مقام ٳٌل» او مسكنه ومركزه ‪ .‬و «ٳٌل» هو اٳلله الكنعانً الكونًّ‬ ‫الواحد‪ ،‬ٳله «عالمٌة االنسان»‪ ،‬ٳله الدٌانة الموحّ دة االولى فً التارٌخ ‪ .‬ثم تطور مضمون هذه العبارة فاصبحت تعنً‬ ‫«مقام الجلٌل» نسبة الى احد القاب اٌل الرئٌسٌة ‪« :‬الجلٌل»; ثم اصبحت تعنً‪ ،‬حدٌثا"‪ ،‬مقام احد األنبٌاء أو األولٌاء‬ ‫الصدٌقٌن (؟) أمّا الٌوم‪ ،‬وقد بعثت حٌّة من سباتها الطوٌل بعد الفً عام‪ ،‬فعادت تعنً مضمونها االصلً القدٌم الذي‬ ‫ٌنتسب الى اٳلله اللبنانً «ٳٌل»‪ -‬والى «ٳٌل المتجسّد‪-‬عمانوئٌل‪« -‬ٳٌل معنا »‪ّ « ،‬‬ ‫ّللا معنا» ‪ٌ:‬سوع المسٌح‪.!...‬‬

‫الحقيقة الثانية‬ ‫ٳن منطقة «الجلٌل»‪ -‬وخاصة «جلٌل االمم»‪ -‬كانت امتدادا" جؽرافٌا" وتارٌخٌا" وانسانٌا" مباشرا" للبنان‪ .‬فكانت هكذا‬ ‫بٌئة اجتماعٌة منفتحة حضارٌة‪ .‬وكان سكانها ذوي نزعة انسانٌة عالمٌة تجلّت فً فكرة «عالمٌة االنسان» وعالمٌة‬ ‫اٳلله» و«عالمٌة الدٌن»‪ ...‬وكان رسل السٌد المسٌح جمٌعهم من «الجلٌل»‪ ،‬ما عدا ٌهوذا االسخرٌوطً (ٌوضاس)‬ ‫الذي كان وحده من أرض البهود‪ -‬ارض ٌهوذا‪!...‬‬

‫الحقيقة الثالثة‬ ‫ان ٌسوع المسٌح نفسه كان «جلٌلٌّا"» بكل ما فً هذه الكلمة من معنى‪ .‬فً الجلٌل نشؤ وتربّى وترعرع وعمل فتٌا"‬ ‫وشابا" ورجال"‪ ،‬فً الجلٌل أٌضا" عاش معظم حٌاته العلنٌّة حٌث اقام وتجوّ ل وعلّم وب ّشر وعمل اال ٌات‪ ،‬واالولى كانت‬ ‫فً عرس «قانا الجلٌل اكثر بكثٌر مما ٌظن‪ ،‬ومما قٌل وكتب ‪...‬‬

‫الحقيقة الرابعة‬ ‫ان الجلٌل ظل طوال اكثر من ‪ 300‬سنة بدون أي وجود اواثر مسٌحً‪ .‬فالٌهود‪ ،‬بعد خراب هٌكلهم فً اورشلٌم‪،‬‬ ‫والتنكٌل بهم من قبل الرومان‪ ،‬تشت ّتوا فً أصقاع األرض‪ ،‬وجاء قسم منهم واستوطن الجلٌل‪ .‬وأخذ الٌهود ٌضطهّدون‬ ‫المسٌحٌن وٌنكلون بهم‪ ،‬فانكفؤ هإالء الى الشمال‪ ،‬الى مناطق فً العمق اللبنانً ‪ .‬وهكذا ّ‬ ‫ؼطى رداء النسٌان بلدة قانا‬ ‫الجلٌل‪ ،‬بعد ان طمس الٌهود حتى ذكراها‪!...‬‬

‫الحقيقة الخامسة‬ ‫بعد هذا الطمس والنسٌان‪ ،‬وفً مطلع القرن الرابع‪ ،‬بدأ الحدٌث مجددا" عن قانا الجلٌل‪-‬قانا االنجٌل‪ .‬ثم توالت المحاوالت‬ ‫بؽٌة تحدٌد موقعها الجؽرافً ‪ .‬والمإسؾ حقا"‪ ،‬ان معظم الباحثٌن عن موقع قانا الجلٌل كانوا من الحجّاج والرحالة‬ ‫االجانب الؽرباء عن المنطقة‪ ،‬ومن ؼٌر المثقّفٌن وؼٌر الملمٌنبلؽات الشرق وجؽرافٌته وأحواله ‪ .‬فمنهم من قال انها‬


‫«خربة قانا»‪ ،‬ومنهم من قال انها «كفركنا » ‪ .‬وكان التناقض فٌما بٌنهم صارخا" وفاضحا"‪ .‬جمٌعهم حاولوا‪ -‬عن جهل‪-‬‬ ‫ان ٌجعلوها قرٌبة من الناصرة ‪ .‬وهكذا وضع ؼطاء جدٌد من الجهل والتناقض‪ ،‬بعد ؼطاء من الطمس والنسٌان فوق‬ ‫قانا الجلٌل الحقٌقٌة‪« :‬قانا الجلٌل اللبنانٌة » !‬

‫الحقيقة السادسة‬ ‫ٳن «قانا الجلٌل »‪-‬قانا االنجٌل‪ -‬التً حوّ ل المسٌح فً عرسها الماء خمرا"‪ ،‬هً فً لبنان‪ ،‬فً لبنان الجنوبً‪ ،‬على مسلفة‬ ‫قلٌلة من مدٌنة صور‪ ،‬الى الجنوب الشرقً ‪ .‬ال هً كفرك ّنا‪،‬وال هً خربة قانا‪ .‬بل هً «قانا الجلٌل »‪ ،‬المدٌنة الكنعانٌّة‪-‬‬ ‫اللبنانٌة العرٌقة ‪ .‬وها هً تقوم الٌوم‪ ،‬ساطعة كالشمس‪ ،‬من تحت أؼطٌة الطمس المتعمّد والجهل والتناسً والنسٌان‬ ‫‪.‬واالدلة والحجج والبراهٌن امام أبصار العالم كله‪ ،‬حٌّة كالبشروقاطعة كالحجر ‪ .‬وها هً مالمح «عرس عالمً جدٌد »‬ ‫أخذت تتكون فً أرضها ‪ .‬وفً المستقبل القرٌب سوؾ ٌبدأ «العرس اللبنانً العالمً » فً أرض قانا الجلٌل ٳٌاها‪...‬‬

‫الحقيقة السابعة‬ ‫لقد أصبح من المحقق والثابت الٌوم‪ ،‬عند معظم الباحثٌن والمإرخٌن ان ٌسوع المسٌح قد أقام فً لبنان وت ّج ول وعلّم‬ ‫وب ّشر اكثر بكثٌر مما كان ٌظن‪ ،‬او مما قٌل وكتب ‪ ...‬وحتى أهل الناصرة بلدته كانوا ٌتساءلون مرارا" عن اسباب ؼٌابه‬ ‫عن بلدتهم ومنطقتهم ‪ .‬ولم ٌكن ‪ĩ‬نذاك ال فً الٌهودٌّة وال حتى فً جلٌل فلسطٌن او فً السامرة ‪ .‬بل كان‪ ،‬على ما ٌبدو‪،‬‬ ‫فً جلٌل األمم‪،‬أي فً لبنان‪ ،‬فً مناطق صور وصٌدا وقانا وؼٌرها ‪ ...‬وأثناء رحلته الطوٌلة من صٌدا الى المدن العشر‬ ‫فبحٌرة الجلٌل‪ ،‬زار المسٌح مقامات وقبور ومزارات اآلباء االولٌن واألنبٌاء واالولٌاء والصدٌقٌن فً جنوب لبنان‪ ،‬وفً‬ ‫البقاعٌن الؽربً والجنوبً‪ ،‬والنواحً الجنوبٌة من جبل لبنان الشرقً ‪( ...‬نواحً جبل حرمون ‪)...‬‬

‫الحقيقة الثامنة‬ ‫ان عرس االنجٌل الذي حول فٌه السٌد المسٌح الماء خمرا" حصل فعال" فً قانا جلٌل األمم‪ ،‬فً االرض اللبنانٌة ‪.‬‬ ‫العروسان واالهل واالقارب كانوا من اللبنانٌ​ٌن ‪ .‬النصوص والتقالٌد القدٌمة‪ ،‬واآلثار الباقٌة الى الٌوم تدّل كلها على‬ ‫ذلك‪...‬‬

‫الحقيقة التاسعة‬ ‫مرٌم العذراء أصلها من قانا الجلٌل‪ :‬أصلها من لبنان ! لم تكن أصال" من الناصرة‪ ،‬هذا «تفسٌر تقوي » ‪ .‬بل جاءت بعد‬ ‫رجوعها من مصر‪ ،‬مع ٌوسؾ وٌسوع‪ ،‬وسكنت فً أرض الجلٌل‪ ،‬فً مدٌنة ٌقال لها الناصرة‪ ،‬كما ٌقول االنجٌل‬ ‫المقدس ‪ .‬ومرٌم‪ ،‬بعد موت زوجها ٌوسؾ‪ ،‬تركت الناصرة وعادت الى حٌث انسباإها واقرباإها‪ :‬الىقانا الجلٌل ‪ .‬وهً‬ ‫كانت فً عرس قانا الجلٌل‪ ،‬وقبل الدعوة الٌه ‪...‬‬


‫الحقيقة العاشرة‬ ‫ان دور الشخص البشري‪ -‬وهنا دور االمرأة واالم بنوع خاص‪-‬قد تك ّشؾ على حقٌقته السرٌّة الكاملة‪ :‬وهذا الدور تجسّد‬ ‫فً لبنان ‪ .‬رؼم ان «ساعة ٌسوع» لم تكن «أتت بعد ‪ ،» ...‬فقد «تدخلت» مرٌم فً برنامج اآلب الذي ٌحدد «ساعة»‬ ‫ابنه ٌسوع‪ ،‬وجعلته «ٌؽٌّر» وٌسرّ ع الساعة‪ ،‬بؽٌة العمل على استمرارٌّة الفرح البشري ‪ .‬وهكذا وفً لبنان بالذات‪،‬‬ ‫وفٌما بٌن اللبنانٌ​ٌن انفسهم‪ ،‬تجلّى سرّ كرامة الشخص البشري بؤسمى تجلٌاته فً برنامج الخالق‪ ،‬وتجلّت‪ ،‬بنوع خاص‪،‬‬ ‫رسالة المرأة‪ ،‬رسالة األم‪ -‬الرسالة السرّ انٌة‪-‬فً التارٌخ البشري !‪...‬‬

‫الحقيقة الحادية عشرة‬ ‫ان «اآلٌة» االولى التً صنعها السٌّد المسٌح حصلت فً لبنان ‪ .‬حصلت فً ارض االله اٌل‪ ،‬فً «ارض ّللا »‪ ،‬فً‬ ‫«ارض اآللهة» ‪ ،‬فً ارض االنسان االول الذي هو اآلٌة االولى على االرض‪ ،‬فً ارض االباء االولٌن‪ ،‬واالولٌاء‬ ‫والقدٌسٌن ‪ .‬وهذه اآلٌة االولى التً صنعها المسٌح فً لبنان كانت العربون والرمز والتمهٌد لكل آٌات العهد الجدٌد‬ ‫ورموزه وخٌراته ‪...‬‬

‫الحقبقة الثانية عشرة‬ ‫اآلٌة المسٌحٌة االولى حصلت فً اطار عرس بشري ‪ .‬وهكذا كرّ س المسٌح‪ ،‬فً ارض لبنان بالذات‪ ،‬وألوّ ل مرّة‪،‬‬ ‫العرس والزواج والحب البشري والعائلة البشرٌّة وخصوبة الحٌاة ‪ .‬واعاد كل هذه الحقائق والمإسسات البشرٌة الى‬ ‫اصالتها االولى‪ ،‬رافعا" اٌاها الى اعلى المستوٌات‪ :‬المستوى الذي اراده ّللا الخالق ‪...‬‬

‫الحقيقة الثالثة عشرة‬ ‫فً لبنان حصل اعالن الوهٌة المسٌح ‪ .‬فٌوحنا عندما ٌقول ‪« :‬فاظهر ٌسوع مجده ‪ٌ » ...‬عنً اظهر ٌسوع الوهٌته ‪.‬‬ ‫فٌسوع هو «عمّانوئٌل » أي «اٌل معنا » او «ّللا معنا» ‪ .‬وبكلمة ان ٌسوع هو «اٌل المتجسّد » ‪ .‬وكما أعلن «اٌل »‬ ‫الوهٌته فً لبنان‪،‬فكان لبنان آٌة اٌل االولى‪ ،‬هكذا اٌل المتجسّد‪« -‬عمّانوئٌل »‪ٌ -‬سوع المسٌح ‪،‬أعلن الوهٌته فً لبنان! ‪...‬‬ ‫فكان لبنان آٌة المسٌح األولى !‬

‫الحقيقة الرابعة عشرة‬ ‫فً لبنان ‪ ،‬بدأ العهد الجدٌد‪ ،‬وبدأت المسٌحٌّة‪ ،‬وتؤسست الكنٌسة ‪ .‬واالنجٌل المقدّس عندما ٌقول‪« :‬أظهرمجده فآمن به‬ ‫تالمٌذه» ‪ٌ ،‬عنً بوضوح‪ :‬بدأ اٌمان االنسان‪ ،‬الو ّل مرّة‪ ،‬بالمسٌح فً لبنان‪ ،‬وهكذا فً لبنان تكونت النواة االولى‬


‫للمإمنٌن بالمسٌح‪ ،‬للجماعة المسٌحٌة‪ ،‬للشعب المسٌحً ‪ .‬اجل ! فً لبنان بدأ االٌمان بالمسٌح‪ ،‬وبدأت المسٌحٌّة ‪ .‬وهكذا‬ ‫فً لبنان تؤسست الكنٌسة المسٌحٌّة وبدأت رسالتها السامٌة على هذه االرض !‪...‬‬


‫الملحق‬ ‫الخرائط والصور‬




‫خارطة الجليل ولبنان الجنوبي‬ ‫تبدو قانا وصفد وكفرناحوم والناصرة وكفرك ّنا ‪ .‬اما خربة قانا فتقع فً ساحل ّ‬ ‫البطوؾ شمالً الناصرة ولم تشر الٌها‬ ‫الخارطة ‪ .‬والخارطة توضح المسافات والمواقع والطرقات واالنهر ‪ .‬وكان الح ّد الشمالً للجلٌل فً زمن المسٌح نهر‬ ‫اللٌطانً او القاسمٌة ‪ .‬وهذا ال ٌعنً ان هذا القسم من لبنان كان تحت حكم الٌهود اٌّام المسٌح ‪ .‬لم ٌكن الٌهود الحاكمٌن‬ ‫ولكن الدولة الرومانٌة التً قسمت البلدان الخاضعة لحكمها ومنها لبنان وسورٌا وفلسطٌن وفقا" الهدافها وخططها‬ ‫السٌاسٌّة والعسكرٌّة واالدارٌّة ‪ .‬وكان المندوب السامً الرومانً فً فلسطٌن فً زمن عرس قانا الجلٌل بٌالطس البنطً‬ ‫‪ .‬وكان عامل الدولة الرومانٌة فً الجلٌل االعلى الشمالً‪ ،‬جلٌل االمم‪ ،‬حتى اللٌطانً فً ذلك الزمن هٌرودس أنتٌباس‬ ‫بن هٌرودس االول الذي فً زمنه ولد المسٌح‪ ،‬والذي مات فً السنة ‪ 750‬لروما ‪ .‬فاسرة هٌرودس لم تكن ٌهودٌّة ولكن‬ ‫أدومٌة اي من بالد أدوم الواقعة جنوبً فلسطٌن والبحر المٌت ‪ .‬واالدومٌون من نسل عٌسو الذي تنازل عن حقوقه‬ ‫(كاألبن البكر السحق) ألخٌه ٌعقوب‪ ،‬واقام هو وذرّ ٌته فً أرض أدوم ‪ .‬ولم ٌكن االدومٌون ٌهودا" ال دٌنا" وال سٌاسة‪،‬‬ ‫كما لم ٌكونوا من العرب ‪.‬‬ ‫هكذا كان الجلٌل خاضعا" للرومان ‪ .‬ولم ٌكن الشرٌط الساحلً من اللٌطانً حتى جبل الكرمل تابعا" للجلٌل ولكنه كان‬ ‫تابعا" لفٌنٌقٌة – لبنان‪ ،‬وبالتحدٌد كان تابعا" لمدٌنة صور التً كانت فً العهد الرومانً مدٌنة حرّة تتم ّتع بالحكم الذاتً‬ ‫واالستقالل بانعام خاص من روما ! والجلٌل االعلى الذي كانت تمتد حدوده حتى اللٌطانً‪ ،‬والذي فٌه كانت تقع قانا‬ ‫االنجٌل‪ ،‬كان ٌدعى «جلٌل االمم»‪ .‬ولفظة «االمم» اطلقها الٌهود (ؼوٌم – بالعبرٌّة) على الشعوب ؼٌر الٌهودٌّة‪.‬‬ ‫والمقصود هنا – جلٌل االمم – الكنعانٌون – الفٌنٌقٌون – اللبنانٌون ‪.‬‬

‫«جليل االمم» هو لبنان الجنوبي ‪.‬‬ ‫«وقانا الجليل» هي في لبنان ‪.‬‬


















‫صورة لٌسوع فً عرس قانا الجلٌل ترقى الى القرن الثانً المٌالدي وقد اكتشفت فً مدفن باالسكندرٌّة فً مصر ‪ٌ .‬بدو‬ ‫فٌها المسٌح واالحرؾ االولى من اسمه بالٌونانٌّة مرسومة بازاء وجهه – وامامه صورة العذراء مرٌم تكاد تكون‬ ‫مطموسة وبازائها اسمها بالٌونانٌّة ‪.‬‬ ‫وفً الصؾ االمامً تبدو امرأتان فً الوسط تمد كل منهما ٌدها الى الصحن امامها واحداهما على رأسها اكلٌل مما‬ ‫ٌوحً بانها العروس ( ‪ . )1‬هذا الرسم هو اقدم صورة لعرس قانا وجدت حتى اآلن ‪.‬‬


‫مراجع الكتاب‬ 7 -1 :20 ‫ٌشوع‬ -1 A. Legendre، Art. Galilée، “Dictionnaire de la Bible” (DB)، Tome Ш، Paris، 1903، col.

287-88. 3R. Young، “Analytical Concordance of the Bible”، New-York، p. 551. 1 :9 ‫ الملوك الثالث‬- 4 5Flavius Josephe، “Warsof the Jews”، Books Ш، ch 3. § 1. 6Dict. De la Bible، o.c.، col 89 et carte de la Galitée. 7l.c. 8l.c.،col. 89. 12 ‫ ص‬.3 ‫ مجلّد‬،1957 ‫ ٌلقوت الحموي «معجم البلدان» بٌروت‬- - 9 10- D.B.، o.c.، col. 90. 11- D.B.، l.c. 12- D.B.، l.c. 13- Flavius Josephus، “Opera Omnia”، New-York، 1821، Vol. II ،p. 286. 20 : 49 ‫ سفر التكوٌن‬- - 14 24 -23 :33 ‫ سفر تثنٌة االشتراع‬- - 15 16- Fl. Josephus، o.c. p.527 . 17- D.B. o.c.، col. 91-92 40 -10 :19 ‫ سفر ٌشوع‬- - 18 ‫ المصدر نفسه‬،‫ سفر ٌشوع‬- - 19 36 -19 : 1 ‫ سفر القضاة‬- - 20 7 -5 :3 ‫ سفر القضاة‬- - 21 23 : ‫ سفر اشعٌا الفصل‬،29-26 ‫ الفصول‬،‫ سفر حزقٌال‬- - 22 23- G. Ricciotti، “Storia d’Israel”، Torino، 1937، p. 282. 29 :15 ‫ سفر الملوك الرابع‬- - 24 18 -1 :17 ‫ سفر الملوك الرابع‬- - 25 26Flav. Josephe “Antiq. Jud.،” IX، XI، 1، XII، VIII، 2، D.B.، o.c.، col. 93. 23 -14 :5 ‫ سفر المكابٌ​ٌن األول‬- - 27 1 :9 ‫ أشعٌا‬- - 28 29- H.E. Del Medico، “La Bible Cananéenne”، Paris، 1950، Biblica، V، 33، 1952 p.p. 30-52 et V. 34، 1953، pp. 81-90 . 7 :14 ،40-39 :9 ، 34-33 :8 ‫ سفر اخبار االٌام االول‬- - 30 31- Ph. K. Hitti، “History of Syria،” London. 1957، p. 204.


-76 ، 55-39 ‫ ص‬،1691 ،‫ بٌروت‬،» ‫ نسٌب وهٌبة الخازن «أوؼارٌت‬:"‫ وأٌضا‬208-203 ‫ ص‬،‫ المرجع نفسه‬. 89 -24 :17 ً‫ سفر الملوك الثان‬،287-284 ‫ ص‬،» ‫ «نصوص من الشرق االدنى القدٌم‬،‫ فٌ​ٌزر‬.‫ ج‬- 32 -378 ‫ ص‬7 :12 ،» ‫ ٌوسٌفوس «تارٌخ الٌهود القدٌم‬- 33 227 ،55 ‫ ص‬،1986 ‫ بٌروت‬،» ‫ ٌوسؾ الحورانً «لبنان فً قٌم تارٌخه‬- 34 ‫ المصدر السابق‬- 35 197 ‫ ص‬، ‫ المصدر السابق‬،ً‫ ٌوسؾ الحوران‬- 36 198 ‫ ص‬، ‫ المصدر السابق‬،ً‫ ٌوسؾ الحوران‬- 37 24 ،23 ،2: 16 ‫ سترابون‬- 38 39- Dictionnaire de la Bible –Supplément، t. VI، Paris، 1960، col. 331 – 332. 40- “Onomastica Sacra”، Goettinger، 1870، p. 2 - E. Klosterman in “Corpus” de Berlin، Leipzig، 1904. . )» ‫ (مقالة حول «قانا الجلٌل اللبنانٌّة‬5 ‫ صفحة‬،1993 ،‫ كانون االول‬25 ،‫ ملحق النهار‬،ً‫– ٌوسؾ الحوران‬ 41- Migne “Patristique Latine”، Tome 23، pp. 859-928. - F. Cavallera “Saint Jérôme”، I، p. 145، note 2. 42434445464748495051525354555657-

A. Legendre “Dictionnaire de la Bible”، Tome III، 1899، colonne 113. A. Legendre، D.B.، l.c. Gustave dalman، “Les Itinéraires de Jésus”، Paris، 1930، p. 139. A. Legendre، D.B.، l.c. Gustave dalman، “Les Itinéraires de Jésus”، l.c. A. Legendre، D.B.، col. 114. G. Dalman، o.c، p. 140، A. Legendre، D.B.، l.c. A. Legendre، D.B.، l.c. A. Legendre، D.B.، l.c. G. Dalman، l. c.، A. Legendre، D.B.، l.c.، col. 114-115. A. Legendre، D.B.، l.c. G. Dalman، l.c. A. Legendre، D.B.، l. c.، G. Dalman، l. c.، p. 141. V. Guérin، “La Galitée”، t.l، 1880، pp. 168-182، 474-476. De Saulcy، “Voyage autour de la Mer Morte”، 1852، t.2، pp. 449-494. Igidius Geissler، “Die Mission Von Cana”، 1881، pp. 93-96.


58- René Dussaud، “Topographie historique de la Syrie antique et medieval”، Paris، 1927، p.10. 59- Les Guides Bleus de Syrie et Palestine، 1932، p. 517. 60- Eduard Robinson، “Biblical Researches in Palestine and the adjacent Regios”، London، 1856، t.2، p.p. 346 et suivantes. 61- R. Thomson، “The Land and the Book”، 1876، p. 425. 62- F.M. Abel، “Géographie de la Palestine”، t.2، 3ème edition، Paris، 1967، pp. 412 et suiv. 63- R.E. brown “The Jérome biblical Commentary”، London، 1970، pp. 652، 669. 64- G. Dalman، “Les Itinéraires de jésus”، l.c.، p. 139. - Geyer “Itinera Hierosolymitana”، p. 139، 161. - Tobler et Molinor Itin. Hieros.، pp. 260،303. - Palestine Exploration Fund’s Quaterly Statement، 1915، pp. 180 suiv. - michelant et Raynaud، “Itinéraire rédigé en francais au 11e et 12e siècle”، pp. 50،80. 65-

R.E. Brown “The Jérome biblical Commentary”، l.c، p. 669. ،‫ دمشق‬،‫ تحقٌق ونشر جانٌن سوردٌل طومٌن‬، » ‫ أبً حسن الهروي «كتاب االشارات الى معرفة الزٌارات‬- - 66 .20 ‫ ص‬،1953 67- Al-Harawi “Guide des lieux de Pélerinage”، Damas، 1957، p. 52، note 5. ‫ ص‬،1963 ،‫ دمشق‬، ‫ «االعالق الخطٌرة فً ذكر أمراء الشام والجزٌرة » تحقٌق ونشر سامً الدهان‬،‫ ابن شدّاد‬- 68 .282 69- Emile Kraeling “ -4 :17 ،ً‫ الجزء الثان‬،» ‫– أوسابٌوس «تارٌخ الكنٌسة‬ Bible Atlas”، page 372. 18 : 7 . ‫ المصدر السابق‬، ‫ أوسابٌوس‬- - 70 71- F.M. Abel “Géographie de la Palestine”، o.c. p. 41272- Flavius Josephus “Genuine Works”، new-York، 1921، vol 2 pp. 279-516. 73- Les Guides Bleus، o.c. pp. 517-519. 74- R. Dussaud، o.c. pp. 21-22 et Carte I .28 -9 ‫ ص‬،1949 ،‫ بٌروت‬،‫ الجزء االول‬،ً‫ تعرٌب أسد الشٌخان‬،» ‫ ادوار روبنسون «ٌومٌات فً لبنان‬- - 75 76- V. Guérin، “La galilée”، o.c.، p. 392. 77- Brahim Kaoukabani، “Les monuments de Wadi- Cana”، Bulletin du Musée de Beyrouth، t. 24، 1971، pp. 29-37، et surtout planch V، figure: 3. 26 . ‫ ص‬3 ‫ ومجلّد‬،444 ‫ ص‬،‫ المجلّد االول‬،‫ بٌروت‬،1957 ،»‫ ٌاقوت الحمويّ «معجم البلدان‬- - 78


‫‪ - - 79‬ابن عساكر فً تارٌخ دمشق ( فً الفرنسٌّة)‪:‬‬ ‫‪Nikita Elisséef، “La description de Damas d’Ibn-Assakir”، Damas، 1959، pp.‬‬ ‫‪184،195،199،261.‬‬ ‫( وهذا الكالم اخذه ابن عساكر عن مكحول بن عبّاس ابن عم النبً محمّد وتلمٌذ كعب االحبار الذي كان ٌهودٌا" ٌمنٌا"‬ ‫واعتنق االسالم على اٌام ابً بكر‪ .‬لقّب بكعب االحبار لمعرفته الواسعة بالتوراة‪ .‬من اقدم رواة الحدٌث ‪ .‬مات فً حمص‬ ‫فً ‪ 652‬م‪ – ).‬راجع اٌضا" ابن عساكر‪ ،‬المرجع نفسه‬ ‫‪Cartes des environs de Damas‬‬ ‫ ابن شدّاد «االعالق الخطٌرة فً ذكر امراء الشام والجزٌرة »‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪305‬‬‫‪- 80‬‬ ‫‪ - - 81‬ابن جبٌر «رحلة بن جبٌر»‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬بٌروت‪ ،1959 ،‬ص ‪251-246 ،234‬‬ ‫‪ - - 82‬شهاب الدٌن العمري‪ ،‬راجع بالفرنسٌة ‪:‬‬ ‫‪Gaudefroy – Demombynes، “La Syrie à l’époque des Mamelouks”، Paris، 1923، p. 46.‬‬ ‫‪ - - 83‬القزوٌنً «آثار البالد وأخبار العباد » ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بٌروت‪ ،1960 ،‬ص ‪. 191‬‬ ‫‪ - - 84‬الطبري « تارٌخ الرسل والملوك » الجزء ‪ ،1‬ص ‪188 -187‬‬ ‫‪85‬‬‫‪R. Young، “Analytical Concordance of the Bible”، New-York، 1938، p. 70، 706-G.‬‬ ‫‪Dalman، o.c.، p. 265.‬‬ ‫‪ - - 86‬سفر القضاة ‪.5 ،4‬‬ ‫االب الفرد دوران « رحلة السٌد المسٌح الى فٌنٌقٌة والمدن العشر »‪ ،‬المشرق ‪ ،)1908 ( 11‬ص ‪. 92-81‬‬ ‫الدكتور كمٌل افرام البستانً (حول الرحلة السابقة نفسها )‪ ،‬مجلة المنارة‪ ،1950 ،‬ص ‪. 191-186‬‬ ‫الخوري (المطران) ٌوسؾ الدبس‪« ،‬تحفة الجٌل فً تفسٌر االناجٌل »‪ ،‬بٌروت‪ ،1877 ،‬ص ‪.111‬‬ ‫‪87- J.S Assémani، “Kalendarium Ecclesiae Universae”، Rome، 1755، t.6، pp. 324-335.‬‬ ‫‪88- J.S Assémani، o.c. p.324.‬‬ ‫‪ - - 89‬جاك تٌرٌنً الٌسوعً‪« ،‬تحفة الجٌل فً تفسٌر االناجٌل » (معرّب) بشارة ٌوحنا‪ -‬االصحاح الثانً‪ ،‬الفصل‬ ‫الخامس‪ ،‬ص ‪ 717 -716‬وقد استند على أقوال العدٌد من اآلباء ومفسري االناجٌل‪...‬‬ ‫‪ - - 90‬االب فروماج الٌسوعً ‪« ،‬مروج األخبار فً تراجم االبرار »‪ ،‬بٌروت‪ ،1880 ،‬ص ‪ ،657‬نقال" عن‬ ‫البوالندٌ​ٌن كبار مإرخً سٌر الرسل والقدٌسٌن‪.‬‬ ‫‪ - - 91‬الدبس‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪712‬‬ ‫ االب فروماج ( والبالندٌّون)‪ ،‬المرجع نفسه‬‫‪- 92‬‬ ‫‪ - - 93‬القس اسعد منصور‪« ،‬تارٌخ الناصرة‪ -‬من أقدم ازمانها الى اٌامنا الحاضرة »‪ ،‬مطبعة الهالل‪ ،‬مصر‪،1924 ،‬‬ ‫الباب الثالث‪ ،‬الفصل الثانً‪ ،‬صفحة ‪ ،137 -136‬والحاشٌة ‪ 2‬وفٌه ٌنقل المإلؾ كالم االب برنابا مإرخ الناصرة القدٌم‬ ‫‪ - - 94‬المرجع السابق نفسه‪ ،‬ص ‪. 137 -136‬‬ ‫‪95- Ernest Renan (de l’Académie Francaise)، “Vie de Jésus”، Maison d’édition “Nobilis”،‬‬ ‫‪Edimbourg، Ecosse، t.1، chapitre 4، page 50.‬‬


‫‪ - - 96‬الكتاب المقدّس‪ -‬العهد الجدٌد (أونجلٌون)‪ ،‬جامعة الروح القدس‪ -‬الكسلٌك‪ ،‬جونٌه‪ ،‬لبنان ‪ ،1987‬ص ‪،403‬‬ ‫الحاشٌة رقم ‪.6‬‬ ‫‪97- Donation Mollat، “ Lectures de Saint Jean”، 2e edition، 1979، Publications des Equipes‬‬ ‫‪Notre- Dame، chap. 2.‬‬ ‫‪ - 98‬فً ترجمته العربٌّة‪ ،‬بقلم االب حلٌم عبدّللا‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،1987 ،‬الفصل الثانً‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪ - 99‬المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص ‪. 26‬‬ ‫الخوري بولس الفؽالً «انجٌل ٌوحنا‪ -‬دراسات وتؤمالت »‪ ،‬دراسات بٌبلٌّة ( ‪ ،)2‬الرابطة الكتابٌة‪ ،‬طبعة اولى بٌروت‪،‬‬‫لبنان‪ ، 1992 ،‬الفصل العاشر‪ ،‬ص ‪. 122‬‬ ‫‪ -100‬المصدر السابق نفسه‪ ،‬ص ‪. 124‬‬


‫فهرس الكتاب‬ ‫اإلهداء ……………………………………………………………………………………………… ‪5‬‬ ‫المقدمة ……………………………………………………………………………………………… ‪7‬‬ ‫الفصل االول­ «قانا الجلٌل»‪ :‬اللفظة واالسم ‪11 ………………………………………………….‬‬ ‫الفصل الثانً – الجلٌل فً اٌام المسٌح ‪15 ………………………………………………………..‬‬ ‫الفصل الثالث – البحث عن«قانا الجلٌل»‪31 ………………………………………………….….‬‬ ‫الفصل الرابع ­ «قانا الجلٌل»‪ :‬قانا االنجٌل هً فً لبنان‪41 …………………………………..‬‬ ‫الفصل الخامس – المسٌح فً لبنان …………………………………………………………… ‪53‬‬ ‫الفصل السادس – عرس «قانا الجلٌل»‪59 ……………………………………………………….‬‬ ‫الفصل السابع – الحقابق التارٌخٌة الساطعة (مل ّخص الدراسة)…‪81 ………………………….‬‬ ‫الملحق – خرابط والصور ‪87 …………………….………………………….…………………….‬‬ ‫مراجع الكتاب‪101 ……………………..……………………………………………………………..‬‬ ‫فهرس الكتاب ‪108 …………………………………………………………………………………...‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.