ﺑﻄﺎﻗﺔ ﻣﻜﺘﺒﻴﺔ
ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻘﻞ إن ﺣﻜﻰ اﻟﻤﺆﻟﻒ :ﻫﻨﺮي زﻏﻴﺐ اﻟﻨﺎﺷﺮ :درﻏﺎم ﺑﻴﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ اﻟﻤﻮﺿﻮع :ﻓﺼﻮل ّ اﻟﻠﻐﺔ :ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻋﺪد اﻟﺼﻔﺤﺎت ٢٠٤ :ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻴﺎس ٢٦ x ٢١ :ﺳﻨﺘﻢ رﻗﻢ اﻟﻜﺘﺎب ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮﻗﻤﻲ اﻟﺪوﻟﻲ ISBN 978-9953-579-14-6 : اﻟﻄﺒﻌﺔ ا ُ ﻷوﻟﻰ – ٢٠١٠ :اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ )(AUST
اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :درﻏﺎم – ٢٠١٢ © اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﺷﺮ ﻣﻨﺸﻮرات درﻏﺎم
ﺳﺪ اﻟﺒﻮﺷﺮﻳﺔ ﺑﻨﺎﻳﺔ درﻏﺎم ،ﺷﺎرع اﻟﻔﺮدوسّ ، ص ب ٩٠ – ١٧٢٨ﺟﺪﻳﺪة اﻟﻤﺘﻦ اﻟﻤﺘﻦ ١٢٠٢ – ٢١٣٠ اﻟﺒﺮﻳﺪ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲinfo@dergham.com : اﻟﻤﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲwww.dergham.com : ﻟﻮﺣ ُﺔ اﻟﻐﻼف وﺟﻴﻪ ﻧﺤﻠﻪ ﻳﺨﺘﺼﺮ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﻮارات ﻫﻨﺮي زﻏﻴﺐ ﻣﻊ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻘﻞ ﺣﻮل ﺣﻴﺎﺗﻪ وﻓﻜﺮه وﺷﻌﺮه ت ُﻣﺨﺘﺼﺮ ًة ﻓﻲ ﻣﺠﻠّ ﺔ اﻟﻮﺳﻂ) ﻟﻨﺪن( ﺻﺪرت أﺟﺰاء ُﻣﺨﺘﺎر ٌة ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻠﻘﺎ ٍ ﻣﻦ اﻟﻌﺪد ٨) ٥٨آذار (١٩٩٣إﻟﻰ اﻟﻌﺪد ١٠) ٦٧أﻳﺎر (١٩٩٣ وﻫﻨﺎ ،ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،ﻧَ ﱡﺼﻬﺎ اﻟﻜﺎﻣﻞ.
هرني زغيب
املقدمة
ً ساعة معه خمسون
من هنري زغيب ِشـعـر
:طبعة أولى ،1986طبعة ثانية ( 2002بيروت) إيقاعات ترجمها الى اإلنكليزية عره َ قصائد ُح ّب في الزمن الممنو ع ُ :مختارات من ِش ِ عدنان حيدر ومايكل بيرد طبعة أُ ولى :واشنطن ،1991 طبعة ثانية :بيروت 2005 :طبعة أُ ولى :واشنطن ،1993طبعة ثانية :بيروت 2004 سمفونيا السقوط والغفرا ن :طبعة أُ ولى :واشنطن ،1994طبعة ثانية :بيروت 2004 من حوار البحر والريح :بيروت 2001 أن ِتْ ...ول َت ْن َت ِه الدنيا :بيروت 2005 ك وجه ِ تقاسيم على إيقاع ِ :بيروت 2006 نصة ِ م َّ :بيروت 2010 ربيع الصيف الهند ي :بيروت 2012 على رمال الشاطئ الممنوع
نـثـر
واإل َل َه ُة أن ِت ألنني المعبد ِ صديق ُة البحر ميميات َ ح ّ ت ميميا ح َ ّ نقطة على الحرف غات اللغة ُ ل ُ
:بيروت 1981 :طبعة أُ ولى ،1998طبعة ثانية 2005 :بيروت 2003 :في 4لغات (العربية ،اإلنكليزية ،الفرنسية ،األلمانية) منشورات جامعة سيراكيوز – نيويورك 2008 :بيروت 2010 :بيروت 2011 سيرة وأنطولوجيا
القصة اللبنانية [في جزءين] – بيروت 1980 :أُ نطولوجيا قرأ من لبنان َ أ ُ َّ الضيعة اللبنانية بأقالم أدبائها :بيروت 1982 النحل :بيروت 2001 األخ َوين رحباني - َ ُ طريق َّ جزءا] – بيروت 2005 * تنسيق وتقديم المجموعة المسرحية الكاملة لألخوين رحباني [ً 20 :بيروت – 2010طبعة رابعة 2015 سعيد عقل إن حكى * صدرت ترجمته إلى الفرنسية Saïd Aklفي منشورات – L'Orient des Livresبيروت ٢٠١٤ شواهد الناس واألمكنة :بيروت ( 2012طبعة أُ ولى :آذار – طبعة ثانية :حزيران) جبران.. ُ متناثرا كريش العصافير : بيروت 2013 نزار قباني ً أبو شبكة ...من الذكرى إلى الذاكر ة :بيروت 2014 :بيروت 2015 في رحاب األخوين رحباني
الشاعر!
الكثيرون يعرفونه بهذا االسم على أنه يختصره. وما سوى القليلين يعرفون أن الشعر سنبل ٌة واحــدة من بيدره الكثير .قد تكون األبرز ،لكنها ليست الوحيدة. يتجدد وال يتوقّ ف .يواصل الطريق واالكتشاف. عرفته ( ،)1972وأنا أراقبه منذ ُ َّ ص ْفر الذاكرة إلى امتالء الحضور. دائما من ِ لم يتغير صفاؤه .يأتي ً ال يغيب اسـ ٌـم عن باله وال رقــم .من ّأول التاريخ إلى أحــدث األرقــام .من أقدم األزمنة إلى آخر اإلحـصــاءات .يقارع المؤرخين بالوقائع ،والسياسيين بالحجج، ب غسان تويني. وي ُ صدم باألرقام ،كما َكت َ َ الشعر: واألرقام تعني ال ِعلْ م .وها هو يعترف، شاعرا وهو َمن هو في ِ ً
– العلم وراء كل تحفة عظيمة .إنه قصيدة القرن العشرين .ال تسحرني قصيدة كما اكتشاف علمي .العلم هو المعرفة بأسمى ما وصل إليه العصر الذي يسحرني ٌ الشعر من ال ِعلْ م ّإال هيكليته، هي فيه .حتى الشعر هو ابن العلْ م .لو لم يأخذ ِ ب لكفاه .العلْ م أتع ُ يعصمك من الشرود في القصيدة فتبقى في موضوعها .حين َ ُ من الكتابة ،أروح أقرأ في الكتب العلمية. 9
بريشة سمري تابت
ً ساعة معه المقدمة | خمسون
قصيرا. جلست إليه ،وكان الزمان خمسين ساعة ُ ً معا (منذ )1972في استباق ما سوف يقول .ما قاله، ولم ُيسعفني ُطول صداقتنا ً يوما بعد يوم ،يتابع، معظمه في تلك الساعات الخمسين ،كان ً جديدا .ذلك أنهً ، ُ يكتشف ،ويستنتج الحصائل األخيرة. فكيف يمكن أن نكثّ ف فكر سعيد عقل في خمسين ساعة؟ اختصار هذا الدفق من المعلومات ،بأسمائها وأرقامها وإحصاءاتها، كيف يمكن ُ تاريخا ذا عالقة به ،لكنه في صفاء ذهني عجيب ،وذاكرة دقيقة ال تخون! قد ينسى ً اسما ذا عالقة بلبنان ،هو الذي لم يكتب طوال عمره كلمة واحدة ال ينسى ً تاريخا وال ً ّإال من أجل لبنان:
زنبق أناِ ... اكسرين عىل ثرى بالدي شلح ٍ ُ زمنيا؟ أم محطات؟ كيف مقارب ُة فكره: ً تسلسال ً صورتهما مرافقة واكتشافّ ،تتضح دهشة معا ،على ما فيهما من ُ ٍ ِ بل األمــران ً تباعا في فصول هذا الكتاب. ً تركيزا فهذا الذي يمأل اسمه الشعر منذ ثالثينات القرن الماضي ،بدأ حياته ً أبدا في تلك البدايات أن على الرياضيات ،وفي باله أن يكون مهندسا .لم يخطر له ً ً يدخل عالم األدب لوال حادثة وقعت ألبيه جعلته ينتقل إلى عالم الكلمة ويكون له فيه ما أصبح له من شأن وتأثير. وهو بدأ يعي اهلل منذ طفولته األولىْ ،إثر حادثة معه في البيت ،جعلته يكبر على الحقا آراؤه الخاصة في الالهوت. كنه اهلل وتكون له ً حادثة له مع المعلّ مة في الصف ،اكتشف وهو منذ سنته المدرسية الثالثة ،إثر ٍ الحقا بثورة الحرف تقصير الحرف في استيعاب اللغة ،ما سيبقى في باله حتى َي ْط َلع ً وثورة اللغة. 11
سعيد عقل إن حكى
ّ خواطره في تتشظى ومقدمات الكتب، والخطب ،كما في مقاالته في محاضراته ُ ّ ُ النص يتركز ُد َرب الفكر والفلسفة والتاريخ والالهوت والفن والسياسة والعلْ م ،وقد ّ ّ تجمع فيها باق ًة من فضائل كلّ ه على دربة واحدة منها .أما قصيدته فيستحيل ّأال َ دائما ،إلى أسمى .فالمناسبة ال تعود وعواطف ُ ومثُ ل عليا تشيل بقارئها إلى فوقً ، استذكارا أم قول َة تكريم .كأنما القصيدة ،بعده ،تخجل غز ًال كانت أم سوى مبررَ ، ً أن تخرج من الشاعر إلى الناس إن لم تكن ثقيفة مرتدية أبهى األفكار وأنبل العواطف .كأنما ،بدون هذه ،تخرج غير الئقة ،وتخجل من ذاتها ومن شاعرها. ينقش القصيدة والقطعة عره والنثر من مقلع واحد :الجماليا .باإلزميل نفسه ُ ِش ُ النثرية. تسنى لــه ،مثلي ،أن يــرى واح ــد ًة مــن مخطوطاته قبل أن تأخذ طريقها ومــن ّ َ مرت بمصهر من المفردات والمترادفات إلى الطبع ،يعرف أن الكلمة المطبوعة ّ ألي آخر ،غيره هو ،أن يقرأ النص بصيغته والتغييرات والتجويد ،حتى ال يعود ُم ً مكنا ٍّ األخيرة. يكتفي؟ ال. يتلقفون الجديدة فقراؤه ّ يتكررّ ، هذه طبعات كتبه تشهد :بين األولى والتالية ما ال ّ مصححة ال على أنها طبعة أخرى بل كأنه كتاب جديد .من هنا حرصه على عبارة ّ ومزيدة عند كل طبعة جديدة من مؤلفاته. ويشدد :نُ هين النثر إذا قاربناه ال فرق لديه بين نثر وشعر .كالهما فن عظيم، ّ شعره .وهذا ما من الشعر ،ونُ هين الشعر إذا قلناه ً منثورا .لذا ُيتقن نثره إتقانَ ه َ دفع سعيد تقي الدين إلى القول عنه إنه أعظم من كتب النثر في العربية .وفي السياق نفسه قال الناثر الجماليائي اآلخر أنطون قازان في تقديمه ذات يوم :ما المطيب ،حين لثنائية في اإلبداع .هذا القلم عجبت خفت على نثره من شعره ،بل ٍ ُ ُ َّ المعني .سعيد حد البراعات ،حتى لكأنه هو يشدهم إليه ٍ بلولبة َّ يقدم لرفاقهُّ ، ِّ ّ عقل ،يستحيل ّأال ُيروع. 10
ً ساعة معه المقدمة | خمسون
وهو الذي كان له ما كان من صداقته مع عاصي ومنصور الرحباني اللذين بات مستشارهما األول ويعترفان بتأثيره على شعرهما والعديد من مبادئهما في الفن والحياة. وهو الذي كانت له حادثة مع الشاعر السنغالي الرئيس سنغور وحادثة أخرى مع الشاعر التركي ناظم حكمت ،فقام معهما بما عجز عنه رؤساء الدولة. وهو الذي أسهم في تكريم العديد من كبار الشعراء واألدباء وما زال يرفض أن يقام له حفل تكريمي واحد. وهو الــذي ،قبل هذه كلّ ها وبعد هذه كلّ ها ،مكتشف لبنان الحضاري منذ إيل، والستة العطاءات الفينيقية التي خلقت أوروپا ،والفضائل الفينيقية التسعين ،والسبع لبنانيا المدن اللبنانية التي أرست ركائز أساسية في الفكر العالمي ،واألحد عشر ً فريدا في يعددها في الشعب اللبناني الذي يراه ً عمالقة العالم ،إضافة إلى ُمثُ ل ّ البطولة واالحتمال برواقية زينونية. يشرحها بالتفصيل في فصول هذا الكتاب. جميع هذه األعاله ،سيكون له أن َ عشرات األفكار واآلراء والمبادئ والذكريات مدى ما يزيد عن خمسين سنة، اختصرها في خمسين ساعة. َ س الدهر في عبارة؟ أتكون لي طاقته التي قالها هو ً حب ُ يوما عن األدب إنه ْ ـرارا في جلساتنا حين ُ تهيأ لي أنه سيقول مما سمعته منه مـ ً جئته أجلس إليهَّ ، وخطبه .غير أن ذاك كلّ ه لم يكن سوى النزر اليسير .ورحت الخاصة أو محاضراته ُ أسيح معه في آخر اكتشافاته وأول الذكريات ،ما بدا لي في نهايتها سعيد عقل عرفته في مطلع السبعينات. جديدا لم أعرفه منذ ُ ً متقد يخنه اسم أو رقم أو تاريخ .حاضر الذهن والذاكرةّ . طوال جلساتي إليه ،لم ْ البصر والبصيرة .شباب في الحيوية واالنفعالَ .يفاعة في الحماسة والتفاؤل بالغد. مصادرة على المستقبل لتحقيق أحالمه والمشاريع. مهيأٌ ،على قيافة الفتة واستعداد نضر. لم أجئه مرة ّإال وهو ّ 13
سعيد عقل إن حكى
أيضا طريقه الكرم والعطاء ،فواصل هو ً المغالي في َ وهو نشأ على حضور أبيه ُ يافعا حتى إذا بلغ الخمسين أطلق الحدث الذي جاء األول من في المسار نفسه فتى ً نوعه في لبنان والعالم العربي. صمم أال ينزل إلى بيروت وهو الذي ،يوم قرر اإلشاحة عن الهندسة إلى األدبّ ، كبيرا .فكان له ما كان في مكتبة ذاك الضابط الفرنسي في ّإال َّ مثق ًفا في األدب ً زحلة. وهو الذي ،من عبارة واحدة قالها عنه في حضوره شاعر كبير لصديق له آخر شاعر كبير ،وعى أنه مهيأٌ ليكون شاعر عصرهَّ ، األكبر منه، الحقا حتى يتأثر به ً ُ بشهادة غير واحد بينهم. مجلة كانت يومها كبرى بدال على نشر قصائده في وهو الذي كان أول من تقاضى ً ٍ طويال في ما بعد. األدبية ،ولم يستطع رفاقه أن يحذوا حذوه ّإال مجالت بيروت ً ّ وهــو الــذي كــان مقاله األسبوعي في الصياد ونصف األسبوعي في لسان المثقفين والسياسيين في لبنان وعدد من رؤساء الدول العربية ِلما الحال مرنى ّ يضمن مقاالته من إحصاءات ال يأتيها سواه. كان ّ وهو الذي ،بمقطع من خمسة أسطر قرأها رئيس جمهورية لبناني ،أنقذ لبنان من مشروع كان يرمي إلى إلغاء الضريبة فيه .وفيما كانت صحف بيروت ُتهلّ ل لرقم ميزانية أطلقه أحد رؤساء الجمهورية ،كتب في مقاله قطعة صغيرة بعنوان :هذا رقم التعتير فخجل المهلّ لون وخجل رئيس الجمهورية نفسه. وهو الذي حبسه المطر ثالثة أيام في فندق إحدى العواصم الكبرى فالزم غرفته شعرا إلى اللبنانية ،في فسحة الصفحة على هامش وترجم رائعة عالمية خالدةً ، ترجماتها العربية والفرنسية واإلنكليزية. وهو الذي ،في كل مهرجان أدبي في لبنان أو في مصر ،يلقى الحفاوة والتكريم وتكون قصيدته عنوان المهرجان .وحين احتفت به القاهرة مرتين في مناسبتين، اعتبرته فيهما ضيفها األول. 12
األول الفصل ّ
مهندسا... كان حلمي أن أكون ً وبدأت حياتي أستا ًذا للرياضيات ُ
سعيد عقل إن حكى
يومه يبدأ حين الناس نيام:
فجرا ،يكون القلم حـ ّـدي واألوراق .ال أَ بــدأُ أبـ ًـدا بل أُ كمل. – أنهض في الرابعة ً باشرت بها .حتى القصيدة الجديدة كتابات أكــون فدائما إلــى جانب سريري ُ ٌ ً فأستحم ثم أعود إلى الكتابة .في قليال كل .أستريح ً ليست جديدة ألنها جزء من ّ ّ وصباحاَ .يمضي قبل فجرا ً هي ُأته ً الثامنة تأتي السكرتيرة .أُ ملي عليها ما أكون ّ وزوار. الظهر في تنقيح النصوص وإعادة طبعها وأحيانً ا في استقبال أصدقاء ّ وصحفا كي كتبا جديدة ومجالت أجنبية ً بعد القيلولة ،وهي قصيرة عادة ،أَ قرأُ ً أمسية أُ لقيها أو إجماال بمحاضر ٍة أو ً أتابع األحــداث في العالم .ينتهي النهار ٍ أَ حضرها ،أو بزيارة أو بدعوة عشاء ،وأسعى ّأال تطول سهرتي حتى أنهض في اليوم التالي إلى إيقاعي الكتابي اليومي .أَ ُكتب كل يوم .الكتابة ُتسعدني ،تخلق بي قرأت في تجددها .قبل فتر ٍة طويلة فرحا يحافظ على نضارة خالياي واستمرار ُّ ُ ً أن الكتابة اإلبداعية تجعل العقل في حالة إيجابية ،أي في حالة فرح، مقال طبي ّ ّ تتسرب من النخاع الشوكي إلى كل الجسم وتخلق له فيفرز مادة ّ تؤثر على الدماغ ُ حصانة .وهذا مبدإي في األساس :حين أخلق قطعة أدبية جميلة ،أَ فرح لها أنا قبل قارئي…. سر النضارة في عقل سعيد عقل ،وصفاء الذهن وتوقُّ د الذاكرة. لعل في هذا ّ ّ رحلة في عقل سعيد عقل؟ كل من ُي ْقبل على المعرفة بتواضع العلماء وبكارة االقتبال متعة ذهنية يعطاها ُّ وبراءة اإلصغاء. الع ّد ُة اكتملَ ت. ُ انعقدت. والنية َ ّ فلتبدإ الرحلة.
14
ضفةُ النهر، والشهر الورد لدت ،سريري ّ وعمري … مثلما ُ ُو ُ ُ ُ فالنهر تآخى ُ وكـان أبـي كاملـــوج الصخر دحرج من صخ ٍر ،وآ ًنا هو يهـــدر ،مر ًة ُي ُ ُ ُ انشق واخضوضر القفر وقد ع ّلماين احلق … ما احلق؟ ُدفعةٌ .كما السيل عنه ّ
هذا
اإلطــار الشعري (مطلع قصيدته لمناسبة نيل الروائي الروسي ميخائيل أبلغ داللة على الجو الذي شهد شولوخوف جائزة نوبل لآلداب سنة ُ )1965 مالكيها ،وأُ ٍّم هي ب هو شبل عقل ،أحد أعيان زحلة وكبار ّ والدة الشاعر في زحلة ،أل ٍ مثقفة على كثير جمال. أدال يزبك من بكفياّ ، ب عصبي ،عنيف، في منزل فخم على كتف نهر زحلة الشهير (البردوني) ،بين أ ٍ قليل الثقافة كثير الشهامة والعطاء ،وأُ ٍّم هي إلى الطوباوية أَ قربُ ،بنبلها وشهامتها صغير بكر هو عقل ،وشقيقتين هما هيفاء وإميليُ ،و ِل َد سعيد، ُ واحتمالها ،وشقي ٍق ٍ سجل المعمودية .)1910 هويته 1908وفي ّ العائلة ،يوم 4تموز ( 1912في بطاقة ّ شكلَ ت الجزء األكبر من شخصيته وطبيعته ونتاجه في أحداث َّ وكانت له في طفولته ٌ ما بعد. 17
عينان زرقاوان اىل حلم بعيد أزرق
مهندسا... الفصل األول | كان حلمي أن أكون ً
بطاقة هويته
الرقم املتسلسل57-765012 : االسم والشهرة :سعيد عقل اسم األب :شبل اسم ا ُألم :أدال يزبك تاريخ وحمل الوالدة :زحلة 908تسعماية وثمانية املذهب :ماروين الصنعة :صحايف متع ّلم أو ُأ ّمي :متعلّم متأهل أو أعزب :أعزب حمل اإلقامة :زحلة مار الياس احملافظة :البقاع – قضاء :زحلة رقم السجل7/25 : تاريخ إصدار التذكرة 5 :أيلول 1960
يف بطاقة هويّته أنه ُولِد سنة ،1908ويف سجِ لّ كنيسة مار يوسف /زحلة أنه اقتبل العماد يف 15آب .1910 املستبعد أن يبقى الطفل سنتني ( )1910–1908بعد والدته بدون معمودية ،بينما وألن من ّ َ وعمر ُه شهر وعشرة أيام ( 4متوز – 15آب ،)1910نَـميل املنطقي أكرث أن تكون معموديّته ُ ترجيحا إىل أن يكون مولده يف 4متوز .1910وبذلك يكون عمره لدى صدور هذا الكتاب مئةً ً وس َن َتني (.)2012–1910
19
سعيد عقل إن حكى
نسخة عن ِ س ِج ّل العماد يف كنيسة مار يوسف للرهبانية األنطونية املارونية – زحلة السجل رقم – 1صفحة – 12رقم ( 323ويف هذا السجلّ لوائح شهادات العماد بني 1865و)1981 العرابة أرملة ْ صد َقة شديد َ العراب موسى جدعون – ّ ورد فيه اسمه سعيد شبل عقل – زحلة – تاريخ العماد 15آب ّ – 1910 الـم َع ِّمد القس بطرس تابت :راهب لبناين ماروين من دير القمر ،كان رئيس دير مار أنطونيوس الكبري – زحلة من 1910إىل .1913 ُ تويف يف دير سيدة املعونات – جبيل ( .)1920/3/1عن صفحة 48من فصل رؤساء دير مار أنطونيوس الكبري بني 1863 و 2004يف كتاب األباتي باسيل غامن – مقتطفات من حياته لألب الياس اجلمهوري (زحلة .)2006
يقول سعيد عقل إنه ُولِد يف 4متوز سنة .1912وهو ما تَ ْذك ُُر ُه ال ّنبذة البيوغرافية عنه يف جميع الكتب والدراسات واملراجع. ً ٍ رخصة بإصدار جريدة يف زحلة مل يكن ميكنه الحقا ليحصل على ويقول إنه َ ك ّبر عمره احلصول عليها يف سن مبكّرة.
18
مهندسا... الفصل األول | كان حلمي أن أكون ً
وأم َرها – كنت في الرابعة حين نادى أبي الخادمة الكانت ترافقني وتشتري ما أرغبَ ، تركيا .عند المساء استدعاني: ً أن تدعني أشتري لوحدي .أعطاني يومها متليكا ً الحي، العم عزيز ،في قلت له إنني مــاذا ُ فعلت بالمتليك؟ُ َ ذهبت إلى دكــان ّ ّ استغربت: ف ال أرضاه. تصر ٌ ُ تجهم وقال :هذا ُّ واشتريت به أصابع سمسميةَّ . أعطيتها كلّ ها أين الخطأ في ما فعلت؟ فقال :هذا المتليك من عشر بارات. َ صرفت سخاؤك؟ السخاء أن ُتعطي وال تأخذ .لو ـذت الحلوى .أين ُ َ لعزيز وأخـ َ وأعطيتها خمس بارات من المع َوزة أُ ّم مسعد المتليك نصفين ،كنت َ َ مررت بجارتنا ْ شيئا .هذا هو السخاء الحقيقي .يجب أن تتعلّ م كيف تعطي دون أن تأخذ منها ً مبلغا أكبر لمصروفي الخاص، من دون أن تأخذ .ومع السنوات صار ُيعطيني ً َ إلي ،كان طبعا من مصروف شقيقي والشقيقتين .وكلما زاد المبلغ ّ أقل ً المعطى َّ سعيدا كنت يزيد سخائي في تقديم نصفه من دون أن آخذ ً ً شيئا بالمقابل .وكم ُ أن هذه الظاهرة موجودة في اإلســام ،واحدة من خمس أن أكتشف في ما بعد ّ فرائض .هي الزكاة ،وفيها قول الرسول :أعطوا من خير ما أعطاكم. ومناقبيته ،وسيكون له عام هذا الــدرس في السخاء ،بقي في بال الشاعر ّ عمليا في ظاهرة ستكون الفريدة من نوعها في لبنان والشرق 1962أن يترجمه ً األوسط ،كما سيجيء ذكرها في الفصل الثاني عشر من هذا الكتاب. وكان له في ّأمه مثال أسمى:
حب الثقافة .فهي خريجة وحس الجمال. أخذت عن أمي الجمال – ُ ُ وأخذت عنها ّ ّ مدرسة فرنسية ،وكانت ُتتقن ً ثالثا :العربية الفرنسية واإلنكليزية .قراءتها سيرة الحقا في وستظهر آثار ذلك ً كثيرا َ طبع ْتني ً پلوتارك بالفرنسية على مسامعي َ كتابي لبنان إن حكى .كانت تحب أن تحكي لي في طفولتي األولــى حكايات جميال ونبذ كل ما ليس أخذت روح البطولة واألخالق .وعنها أنا ً ُ الشمم واألنفة ْ َ أبدا تحتمل البشاعة وأخبارها وروايتها .وكانت على نُ ضج كثير. ً وأنيقا .لم تكن ً 21
سعيد عقل إن حكى
يستغل بعضها ويبيع في هذا الجو نشأ ،يرى أباه الوارث أراضي شاسعة في زحلة ّ بعضها اآلخر .ينفق بعض ثروته على أسرته كي تعيش في بحبوحة ُويسر ،فيما ينفق البعض اآلخر على شؤون عامة. يتذكر أباه في شمم: َّ عنيدا في االستقامة ،وعنه وعيت على فكرة المطلق .كان قيا .عنه ً ُ – أبي كان ُمطلَ ً ـراره توزيع اإلعاشة على المعوزين في أخذت استقامتي .أَ قْ ـ َـد ُم ما أذكر عنه :قـ ُ أيام الحرب العالمية األولى حين نزح معظم سكان الجبل إلى زحلة ،لكونها مدينة أن عليه اإلسهام في كثيرا بالحرب .وألن أبي كان قرر ّ ً ميسوراّ ، خيرة ولم تتأثر ً ِّ يتجمع وطعاما على من خبزا كل يوم سبت ،كان الخدم في بيتنا ّ يوزعون ً اإلعانةّ . ً َّ في ساحة البيت .ثم راح يطلب منا نحن أن نشترك مع الخدم في التوزيع كي كر ُمه حد التبذير. نشعر أكثر بعاطفة العطاء .كان أبي مجنون سخاء ،وبلغ َ الحقا في إحدى خماسياته: انطبعت فيه ،وظهرت ً هذه الصورة عن أبيه َ
ع َّل َمـني َأن ُأ ِ راه ْن اجلفون أيبَ ...أقــول ْ ـــاكن َصحِ ْب ُت ُه ّـن َم َس ْ لكـــن ب عق َْيل... ُأحِ ُّ ْ جنون خاليا مـن ْ ال ً
ومن طفولته األولى هذه الحادثة في درس السخاء ،كانت وحدها كافية كي تطبع نهائيا: شخصيته السخية ً 20
مهندسا... الفصل األول | كان حلمي أن أكون ً
أم َي ...يا مالكي ِّ األبد يا ُح ّب َي الباقي إىل ْ والدته أدال عقل بريشة جورج قرم.
ـرف فـ ـ ـ ـ ــوق َه ـ ـ ّـم ـ ــي َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ ُ نــــــبــــــض ق ــل ــب ــي ــي ُ أ ّمـ ـ ــ ـ ــ ـ ـ َ وح ـ ــب ـ ــي و ُق ـ ـ ـ ْـب ـ ـ ــل ـ ـ ــت ـ ـ ــيُ ... ـاك؟ مـ ـ ــا عـ ــيـ ــنـ ـ ِ ع ـ ــي ـ ــن ـ ـ ِ ـاك! ُأ ِّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـي يـ ـ ــــ ـ ــا َمـ ـ ــاكـ ـ ــي
ـب ـاح عـ ــنـ ــــ ــدلـ ــيـ ـ ْ َجـ ـ ـ ـ ــنـ ـ ـ ـ ـ ُ ـت ِن ـــــــــــــــداي إن وجِ ـ ـ ـ ْـع ـ ـ ـ ْ َ ـت ُأ ّمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـي ْإن و ِلـ ـ ــــ ـ ـ ْـعـ ـ ـ ْ ـب يف اجلــلـ ْـد أجــمـ ُـل مــا كــوكـ َ يــا ُح ِّــبــي الــبــاقــي إىل األب ـ ْـد
23
سعيد عقل إن حكى
ماسيات وعن طفولته الواعية على بهاء ّأمه االستثنائية ،سيقول الحقا (في ُ ً خ ّ الصبا:) ّ
ت أميً ، بعدَ ،ن ِك ْد َ كنتُ ، وطفال ُ شاك ْس ُ ـت عن شَ عرهاِ ،لي ،بعض َأزها ِر ْ قطف ُ قالتَ :أال ُر َّدها ...وا ْل َعب ِبإسواري املعص َمني غـ ِر ْد ما َه َّمني ذهـ ٌ ـب يف َ َ كـل أشعاري ت عن شَ ع ِر ُأ ّمـي َّ قط ْف ُ
مثاال الحقا ً هذه الصورة عن المرأة الجميلة ذات المناقبية ،ستبقى في شعره ً تذكارا لها ،سيطلب من الفنان جورج قرم أن ساميا للكمال والجمال .وفي ما بعد، ً ً يرسم لوجهها لوح ًة زيتية ال تزال حتى اليوم في غرفة الشاعر ،يتباهى بها داللة على األناقة والجمال والبساطة. هذه الصورة بالذات ،عاد الحقا فرسمها في قصيدته التي طارت شهر ًة ِبلَ ْحن ً األخوين رحباني وصوت فيروز:
ــــــــــــــــــــي ...ي ـ ـ ــا مـ ــاكـ ــي ِّأم َ وال َت ـ ـ ـ ـ ـــ ـ ـ ـ ـ ـ َـز ْل ي ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـداك ي ـ ـ ـــ ـ ـ ــرن ـ ـ ــو َّإيل ش ـ ـ ـ ْـه ـ ـ ـ ُـر ِ ـــــــــــر أمـــــــــــي وأنــــــــــــــــت ْ زه ُ و ِإذ َأقـــــــــــــولُ :أمـ ـ ـ ـ ــي
22
يــا ُح ـ ّـب ـ َـي الــبــاقــي إىل األب ـ ْـد ُأرج ــوح ــت ــي وال َأ َز ْل و َلـ ـ ْـد َويـــــــنـــــــطـــــــــــــــوي رب ـ ـ ــي ـ ـ ـ ْـع ضــــــــيــــــــع يف عــــــــطــــــــره َأ ْ ـب ُأف ـ ـ ـ ـ ـ َـت ـ ـ ـ ـ ـ ُـن يب أط ـ ـــ ـ ــي ـ ـ ْ
مهندسا... الفصل األول | كان حلمي أن أكون ً
وسيكرمها أكثر في قصيد ٍة الحقة (أَ جـمــل َ األعـ ــراس ،من مجموعته كما ِّ متصو ًرا إياها نهار عرسها: األعمدة،) ّ
ِ باألبيض جرات اللوز َذ ِّك ْر َنني شَ ْ ِبـــــهــا َتـ َـخـ ّـطـ ُـر ،تسرتخـي مــد َّلــلــةً دســـــت أنام َلها َمـ ُ ـاكــه هــي ،إن َّ مــن الــزمـــــان أراه ــا الــيــوم راجــعــةً وزنــــ ُـد أيب ال ...ال َت َخ َّي ُلتها إال َ
ض بثوب ِإكليلها وهي ُ الـب ْ اليمام َ َض فتى ،كاللـيث إن َينق ْ عىل ذراع ً ض بني الورود استحى شوكٌ لها وار َف ْ َتمشي إىل ِ ض بيـتنا يف طـرحة َأ ْع َر ْ ض عروسا يلف منها ُّ ُ ينه ْ خصـرها َ ً
عرس والديه صور ٌة بالغ ُة األثر في باله ،فيكتب عنه بالمحكية: وكأنما ُ
هالكون َو ْردَ ...و ْرد ...وم ْل ِت ِفت َ يــا غابة اللـوز ال ــْ كتبتي اللون ويغ ُمرا كيه ! ْ ِتمشي ْو َع زندو ّمت ِّ وك َرمو سهل ا ْندرى هوي َ سيف ّ حكتلها حجارو من بيتنا ِض ْ غ ِّنت َعريشتنا قالو :عروستنا ِش ــل ــح زن ــب ــق فـ َّـتــحــو زرارو. فـ ـ ـ ـ ــا ِتـ ـ ـ ـ ــت ...وص ـ ـ ـ ـ ــار اخل ـ ــر وان ف ــوق ِد ْن ـ ِيـ ْـتــنــا ْيــطــر الطري ْ
صوبهاَ ... ت وط ْر ِحة عـرس طا ِر ْ ْ ت غـاريْ ...زهو ِرك من ْقبل غا ِر ْ ض ومن َفرحتو ْيصري املـدى ْيع َر ْ وهيي مـالكو ا َألبيض ا َألبيض! ّ
َع ب ـ ــي ـ ــت ـ ــن ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ْـد ُفـ ـ ـ ـ ـ ْـق تشر ْق عم ُ ْت َص ِّلب ،تقول الشمس ْ
25
حكى عقلإنإنحكى سعيدعقل سعيد
ِ عروستنا قالو: ِشلـح زنبق َّفتحو زرارو.
والداه شبل عقل وأدال يزبك عقل نهار عرسهما. ُ ضرتو قصيدته ص 164من هذا الكتاب) ح ما اللي (العرس ْ ْ
24
مهندسا... الفصل األول | كان حلمي أن أكون ً
كثيرا على الرياضيات وعلى اللغة الفرنسية .كنت أسأل – كانت المدرسة ُت َش ّدد ً كنت يدرسونها ،لفضو ٍل عندي أن أعرف لغا ٍ ت أكثرُ . عن سائر اللغات ،ولماذا ال ِّ في تلك المدرسة نصف داخلي :الغداء في المدرسة ،ويوم األحد في المدرسة، نصفه للدرس وبعد الظهر للنزهة .ويوم الخميس بعد الظهر ،مع أنه عطلة ،كان ُ علي الغداء في المدرسة والبقاء فيها للدرس .ولم أكن أعود إلى البيت ّإال في َّ مكثَّ متدا على المساء .كنا ندرس 47ساعة في األسبوع ،وكان البرنامج وم ً ًفا ُ َو َساعة معلومات ووفْ رة مواد. ّ لمدرسة ُمثلى وضع وسيخطط في ما بعد هذا النهج سيبقى في بال الشاعر، ٍ ً تدريس جميع اللغات نموذجيا لتخريج تالمذة نوابغ ،من برنامجها مخططا لها ُ ً الحضارية. سنويا كانت تحتفي به زحلة في ساحة المنشية عيدا من تلك الحقبةّ ، يتذكر ً ً ب في ذاك العيد يوم 14تموز ،ذكــرى الثورة الفرنسية .وال يــزال َيذكر اسم خطي ٍ الحقا كتابه قطرات سيحب الفتى سعيد سيطبعه في ما بعد :راجي الراعي الذي ً ّ والحقا سينصفه في قصيد ٍة كانت وحدها ندى ويعتبره قمة في الحكمة واألدب. ً ومطلعها: كبيرا في زحلة لم يكن فيه سوى قصيدة سعيد عقل، مهرجانً ا ً ُ
التواضع باليا دع ...زار َأ َ بكيك؟ ْ ُ عت ،ألنني عت أنا ،وجِ ُ راجي ،وجِ ُ َو َو ِد ْد ُتني ،يوم العىل ،ألويل ُالعىل قمم القريضُ ،أجِ ّلكم ،لكنني – َ احتوته عبار ٌة الكون ما احلكمةُ ؟ ْ ُ َت: َأ ْل َب ْس َتها من َخ ِّز صور ...فزقزق ْ
ـت أشَ ـ ًّـمــا عاليا َأنـــــذا احلَ ــصــا ُة َبـ َـكـ ْ ك راثيا جئت َ مل ُأ ْعطَ َس ْم َع َ يوم ُ ك َ ت مآقيا: قلت وقد َ جف ْف ُ يف ِالشعر ُ ش باكيا ـرت لو ُيصغي ،و ُأ ِ آثـ ُ جه ُ لؤلؤ يف العـنق َيغنج حاليا هي ٌ – ملكـا ِتناِ ،مما َل ُك َّن ،أنا ليا
27
سعيد عقل إن حكى
من تلك الطفولة األولى حادثة الفتة أخرى جرت لسعيد ابن السنوات الخمس الحقا: وتركت آثارها في تفكيره ً تفتت خفت يدي إناء بلوري ثمين فانكسر. وحزنت لوعيي أنه َّ ُ ُ – ذات يوم ،وقع بين ّ أن علي أن أتصوره لن يرجع إلى الحالة التي كان عليها .غير ّ ولن يعودُ . ّ صعب َّ تهتم .أردف أبي :هذه أغراض موجودة علي ْ أُ ّمي ّ وبادرتني :ال ّ خففت ذلك َّ الخزاف بد أن أصال كي تنكسر. ً ّ غدا نأتي بإناء آخر .ال َّ واستطردت أميً : َ أيضا تماما كاهلل الذي خلَ قنا ،خلَ ق غيرنا ً الذي صنعه ،صنع آخر أجمل منهً . فأجابتني :هو سألتها :اهلل؟ من هو اهلل؟. استوقفتني الكلمة. أجمل منا. ْ ُ ْ خلقنا من العدم. الذي ،عندما نركع جميعنا كل مساء ونصلّ ي ،نصلّ ي له .إنه الذي َ فخلقنا في مكان وزمان .ومن عظمة ما كنا غير موجودين في مكان وال زمان، َ هو رحيم ،أنه سيبقينا معه إلى األبد .من يومها بدأَ ت تنمو عندي فكرة العدم اكتشفت أن هذه خصيص ُة اهلل الرحمن الرحيم كبرت والبقاء بعد الموت .وحين ُ ُ في مفهوم المسلمين والمسيحيين ،بينما إله اليهود ال ُيبقي حياة لهم بعد الموت، بل يعودون إلى العدم. هــذه الفكرة سترافق الشاعر في ما بعدُ ،فتلقي على شعره أضــواء ماورائية استمدها من ّ خاصا الهوتيا فكرا اطالعاته الالهوتية الالحقة، ْ ّ ً يكون له ً وجعلته ّ ً تجلّ ى في شعره ومحاضراته. ثالث سنوات أولى من طفولته ،أمضاها في مدرسة خاصة لـالمعلمة صوفيا، وهي سيدة فتحت مدرسة صغيرة ألبناء األثرياء في زحلة ،وكان شبل عقل (والد ماديا. الشاعر) يساعدها ً في تلك األثناء ،كان اإلخوة المريميون الفرنسيون (الفرير ماريست )يديرون الكلية الشرقية في زحلة ،فانتسب إليها الصبي سعيد عام :1920 26
مهندسا... الفصل األول | كان حلمي أن أكون ً
الفرنسية وغياب تام لإلنكليزية .اليوم أشعر بتعاسة أنني ال أعرف اإلنكليزية، كما سيشعر ،بعد سنوات قليلة ،كل طالب لم يتعلَّ م اليابانية التي سيكون لها شأن عظيم في العقود األولى من القرن الحادي والعشرين ،كما اإلنكليزية اليوم هي اللغة العالمية األولى .لذلك أعي اليوم أنني ال أعرف من لغات العالم الحضارية ّإال الفرنسية التي ليست سوى اللغة الخامسة. مجددا مع األرقام واإلحصاءات ،وهو فيها خبير .ها هو يوضح: ً
تسع أسميها اللغات الحضارية – في العالم اليوم نحو 2800لغة سائدة ،منها ٌ يدرسونها لطالبنا) .هذه التسع هي نوافذنا على الحضارة (ال األجنبية كما ّ في العالم والتي ال يمكنك قراءتها ّإال في كتب منشورة بهذه اللغات .وترتيبها هو اآلتي :اإلنكليزية ويصدر بها %22من كتب العالم ،الروسية ،%17األلمانية ،%15اليابانية ،%11الفرنسية ،%9اإلسپانية ،%7اإليطالية ،%6الپرتغالية ،%5 الصينية ،%4وتبقى نسبة %4من كتب العالم تصدر في سائر اللغات السائدة. يقدر لها أن تستمر. على أن انطالقته المدرسية العاصفة في تلك السنوات لم َّ فها هو شبل عقل مجنون السخاء ،كما أسماه ابنه سعيد ،يصاب عــام 1927 أمواال كثيرة، ً خس َر أمواله ْإثر عمليات مصرفية ،وكان بذّ ر بكارثة مالية قاصمةِ : يسدد ديونه التي تراكمت عليه. فاضطر إلى بيع ما ّ تبقى من أراضيه حتى ّ يلف البيت. رغد العيش الذي كان ّ منذ تلك الحادثة انكسر ُ الوالد األنــوف أبى عليه كبرياؤه أن يعود ويخرج إلى الناس ،فانزوى في بيته. وارتــأى ْبك ُره عقل أن يهاجر فغادر إلى أميركا في ذاك العام نفسه .وغــادر الفتى سعيد المدرسة ولم ُي ّتم ّإال الصف الثاني تكميلي عربي والثالث تكميلي فرنسي، لينصرف إلى العمل كي يقوم بمصروفه وبعض مصروف العائلة التي اعتاد في كنفها عيشة الهناءة والرخاء. 29
سعيد عقل إن حكى
هن ُمـ ِـعــيـــــد ًة َوتــمــيــس مــا ُ ميسـات ّ غضبت عىل عـ ٍ ـاتَ ،فق ُْل ّأمــا إذا َ ك ِب َف ّجها؟ ُأترى ال ُنهى امــرأ ٌة َس َب ْت َ مــا سـ ـ ُّـر ُه ،القلم الــبــهـ ُّـيَ ،سـ َل ْل َت ُه ـك واجلــمــال ،أوح ــد ٌة؟ مــا بــن َبــثّ ـ َ
جد األىل فتحوا الفتوح تآخيا َم َ زحل رمى الصخور عواتيا نهر َ هي ُ تستبق القطوف دوانيا؟ ت ْ وقطف َ ُ شكا ،ال الكؤوس تعاطيا ال السيف ًّ َ يــا َأ ّو ُل ،ات ـ ُـرك كـ َّـل آخــــ َـر ثـانيا
مياال إلى الكلمة وال صاره في ما بعد ،لم يكن ،وهو طفلً ، على أن الشاعر الذي ُ إلى األدب: ميال إلى الرياضيات .كانت ساعات – منذ سنواتي الدراسية األولى ُ اكتشفت أنني ٌ سابقا بت ً أحسني أعرف ما يقال حتى ّ هذا الصف عندي من أمتع لذّ اتي .كنت ُّ معلومات صفي .ومرات عديدة كنت أساعد رفاقً ا لي بفروض الرياضيات هم كنت أُ جــادل أستاذ الرياضيات في عملية أرفع مني سنة أو سنتين .وغير مرة ُ ـواب رأيي وخطأُ تدريسه .كان مدير المدرسة يقول :لهذا حسابية َوي ُثبت صـ ُ مستقبل غير عادي في الرياضيات .ومنذ تلك السنوات األولى غدا، الصبيً ، ٌ بارعا لشدة شعرت أنني سأكون أضمرت أن أتخصص في الهندسة. ُ ُ مهندسا ً ً والدي بذلك فلم يمانعا .كانا يحترمان رأيي ورغبتي. فاتحت شغفي بالرياضيات. ُ ّ قويا في األدب واللغات .كانت عالماتي في العربية والفرنسية يومها لم أكن ً أتقوى فيهما مع أنني ال ّ تتعدى معدل .20/9وكــان أساتذتي يحثّ ونني على أن ّ تفوقي في الرياضيات وحدها .لم يكن التشديد كنت األول في صفي بسبب ّ انصراف إليها بل كان تشديد على وأدبــا ،وال كان لي ٌ ً كثيرا على العربية ،لغ ًة ً 28
الفصل الثاين
من بيت الضابط إىل قوس احملكمة
سعيد عقل إن حكى
مجال أمام الفتى سعيد إلكمال اختصاصه المالي المر ،لم يعد أمام هذا الواقع ٌ ّ مهندسا فــي ب ـيــروت ،فباشر عمله فــي بعض م ــدارس زحلة أس ـتــاذً ا للرياضيات ً أدرس مادة الجبر مع أنني كنت أحب الهندسة (الجيومتري) أكثر، بالفرنسية :كنت ّ لكنني لم أوفَّ ق بمن طلبني إلى تدريسها .وإلى جانب التدريس بالفرنسية بدأ العمل الكتابي بالعربية .كانت الخطوات األولى في جريدة الوادي الزحلية لصاحبها ندرة تطور العمل من التحرير في الجريدة إلى تحرير الجريدة كلها. ألوف ،وسرعان ما ّ قرر أن ينتقل إزاء هذا الواقعَ ،وت َغ ُّي ِر مصير الفتى الذي كان طامحا إلى الهندسةّ ، ً إلى عالم األدب .ولكن بالطريقة نفسها: ضليعا كما كنت سأدرس الهندسة بوسع أديبا – ّ فك ُ ً رت منذ البداية :أريد أن أكون ً قررت االنتقال إلى األدب مع أن ضليعا .لماذا مهندسا وعمق ومعرفة كي أَ كون ُ ً ً اكتشفت أن األدب هو الحقل األدب ليس ميلي وال من طبيعتي؟ لسبب بسيط: ُ الوحيد الذي يمكن أن أدرســه لوحدي وأقــوم بتحصيله فيما أنا أعمل .عندها ضليعا فيه .والطريقة الوحيدة :أن أطالع األدب مثق ًفا صممت أن ألج عالم األدب ّ ُ ً أعرف من أول الطريق ما الذي يجب أن يكون في رأس األديب ليكون العالمي كي َ علي كطالب هندسة أن ّ أطلع على عالم الهندسة كي أكون ّ خالقً اً ، تماما كما َّ مهندسا خالقً ا .لألديب ،إذن ،أن يكون ّ مبدعا. أديبا ً ً مط ًلعا على األدب كي يصبح ً علي أن ّ أطلع، ولما لم أكن أعــرف من اللغات الحضارية سوى الفرنسية ،كان َّ علي ،لوال صدف ٌة بالفرنسية ،على آداب العالم األخــرى .ولكان ذلك ً مستحيال َّ حملتني ذات يوم إلى نبع وفير. ْ
30
كيف
كان يمكن سعيد عقل ،أستاذ الرياضيات والصحافي الناشئ ،أن يغوص على اآلداب العالمية من دون أن يترك المدرسة وال الجريدة؟ ً مولعا بجمع ضابطا إنها مصادفة حملت إليه فرنسيا كان في زحلة عهدذاكً ، ً جدا ،فيها كل ما كان يلزم سعيد عقل أن روائع اآلداب العالمية ،وفي بيته مكتبة غنية ً مثق ًفا في تراكيبها. يعرفه كي يلج عالم األدب كما هو يريد: ضليعا بآداب العالمّ ، ً معجبا بطموحات الفتى الناشئ فسمح له أن َي ْخلُ د إلى مكتبته متى كان الضابط ً أي كتاب منها. شاء ،غير سامح بإخراج ِّ يتردد إلى بيت ذاك الضابط ثالث سنوات وكانت تلك فرصة الفتى الذهبية :أخذ ّ متتالية غرف خاللها من مكتبته ،بتنظيم مدروس ومثابرة يومية ،ما ال يغرفه سواه في سنوات طويلة. والتنظيم ،هنا ،يعني الرحلة الكرونولوجية إلى تلك الكتب منذ أقدم اآلداب: يلفتني .ثم األدب السنسكريتي (الهندي القديم) .لم – بدأت باألدب الصيني .لم ْ ُ وجدت في تلك اآلداب كثيرا .بعده األدب الزندي (الفارسي القديم). ْ ُ يستوقفني ً ويتحول إلى إشعاع كبير .وصدق شعوري الحقا عت له أن ينفجر ً ضوءا ً بعيدا توقّ ُ ّ ً حين ّ امتدادا لذاك الضوء فوجدت فيه لعت على األدب الفارسي بعد اإلسالم ً ُ اط ُ الخيام ،سعدي ،حافظ ،وجالل الدين الرومي. لدى أربعة من كبار شعراء العالمّ : 33
دائم اىل فوق تط ُّل ٌع ٌ
الفصل الثاني | من بيت الضابط إلى قوس المحكمة
أحببت دانته في ثالثيته الشعرية الخالدة التي باتت في األدب اإليطالي ُ ـت غــزل پ ـتــرارك ،وغ ــزل ميكاالنج فــي قصائده الكوميديا اإللـهـيــة ،وأحـبـبـ ُ وصلت وأحببت في األدب اإلسپاني لوپه دي ڤيغا وسرڤانتس .وحين المتفرقة. ُ ُ إلــى األدب اإلنكليزي قــرأت كل شكسپير بأعماله الخمسة والثالثين ،وقــرأت وقرأت لدى األلمان غوته وشيلر في الشعر ،وكانط وهيغل ونيتشه كيتس وشيلي. ُ وأسفت أنني لم ّ كثيرا على األدب الروسي ،فلم أقرأ ّإال مقاطع في الفلسفة. ُ أطلع ً من دوستويفسكي ،واألم لغوركي. وواصلت ما لم أكن تعمقي فيه منذ المدرسة، األدب الفرنسي كان ُ بديهيا ُّ ً ّ وفوجئت فتعمقت به من مصادري الخاصة، لعت عليه بعد .وأما األدب العربي، ُ ُ اط ُ تأثرت يدهشني فيه شاعر واحــد بكامله ،وال قصيد ٌة واحــدة بكاملها. أن لم ْ ْ ُ ض من األبيات العربية ،ألن للعرب غنى في تركيب البيت الواحد ال في بتركيب بع ٍ تركيب القصيدة المتكاملة ككل ،وال في فكرها ،وشاعرها ليس ابن ثقافة .حتى الشعراء العباسيون لم يكونوا ّ ألن المترجمين نقلوا مطلعين على آداب سواهمّ ، أبيات من فرغت من قراءاتي العربية وفي رأسي فكر اليونان ال شعرهم .وهكذا ٌ ُ طورتها، الحقا ،بعد أن واستخدمتها الشعر ال تزيد عن مئتين ،لفتتني تراكيبها ُ ً ُ في لُ عباتي التركيبية. أبياتا كنت درست في المدرسة أوزان الشعر العربية والفرنسية .وكنا ننظم ً ُ ُ لمجرد ضبط الــوزن فقط .وفــي نهاية تلك السنوات الثالث من ال معنى لها، ّ أن بات بإمكاني النزول إلى القراءات اليومية لدى ذاك الضابط الفرنسي، شعرت ْ ُ بأن الحضارات الوسط األدبي في بيروت وأنا خبير في اآلداب ضليع .كما شعرت ّ ُ التي ّ وأعطتني غنى وسعت خيالي ْ لعت عليها ،لم ْ اط ُ تزدني ثقافة وحسب ،بل َّ أفكارا كثيرة بت ،حين أكتب ،ال أراوح في الموضوع الواحد ،بل أنثُ ر ً فكريا حتى ُّ ً في القصيدة الواحدة ذات الموضوع الواحد .لذا ،على ابن القلم ّأال يخط كلمة واحدة قبل أن يكون ّ اطلع على روائع اآلداب العالمية ،وعلى نتاج الحضارة في 35
سعيد عقل إن حكى
امتداد لذاك الضوء البعيد في األدب وأدبهم جميعهم ٌ َ مترج ُمون إلى لغات العالمُ ، ُ رحت أسطره متفرقة انتقلت إلى األدب الفينيقي الــذي كانت الزندي .بعدها ُ ُ أجمعها وأَ ضـ ُّـم إليها كتابات بدأت تصدر عن حفريات رأس شمرا (أوغاريت) ُ أحسست في ذاك األدب نضارة جعلَ ْتني أعي كم ِش ْعر الحديثة االكتشاف فترتئذ. ُ عفويها على أناقة ،جميل كجمال الطبيعة التي لبنان القديم بسيط العاطفة، ّ قرأت األدب العبراني فأدهشني ،ولم أكن يومها أعرف كم ُولد فيها شعراؤهّ .ثم ُ هو ِّ وصلت إلى األدب المصري القديم فأعجبني فيه متأثر باألدب الفينيقي .ثم ُ قيم خالدة ثابتة ال كتاب األمــوات وأعجبني اهتداء المصريين القدامى إلى َ تزال حتى اليوم تفعل في الحضارة المعاصرة. ّ قرأت ُهم في ُد َر ِبهم األربع :الشعر إطالعي على األدب األوروپي بدأ مع اليونانُ . الملحمي مع هومير ،نصف الملحمي مع هيزيود ،الغنائي مع پندار ،والمرسحي الحقا لماذا يقال مرسح وال يقال مسرح) مع أشيل وسوفوكل وأوريپيد (سيشرح ً قرأت شعرهم الراعوي مع تيوكريت ومتفرقات من ألسي وسافو. وأريستوفان. ُ تعمقت بفالسفتهم سقراط مسبوك لمعة واح ــدة. وأعجبني أنــه ،كالدينار، ٌ ُ وقرأت لفالسفة كتبوا باليونانية كالرواقيين ،قبل أن أكتشف وأفالطون وأرسطو، ُ قت بقراءاتي العربية، مؤسس الرواقية هو ابن لبنان. ً تعم ُ أن زينون ِّ والحقا ،حين َّ وجدت أن أروع كلمة في كل اآلداب العالمية لتلخيص الرواقية هي الكلمة القرآنية ُ طبقها الملك عبد العزيز آل سعود قبل تأسيس المملكة ،كما واخشوشنوا التي ّ وصفه بولس سالمة في ملحمته عيد الرياض التي هي للعرب كما اإللياذة جزء ما ملحمة عيد الرياض لليونان .وكتابي لبنان إن حكى ال يخدم لبنان َ تخدم السعوديين في تبيان الحق والخير والجمال لديهم. لشب ِه ِه باليوناني ،ولذا أوصى ڤرجيل بحرق الرومان لم أحب أدبهم ً ّ كثيراَ ، يستهوني مــن الكتابات الالتينية سوى اإليـنـيـيــد لقناعته بـهــذا الشبه .لــم ِ اعترافات أوغسطينوس وخالصة توما األكويني. 34
الفصل الثاني | من بيت الضابط إلى قوس المحكمة
صديقا لي من دير القمرّ ، موظ ًفا في التقيت في زحلة ذات يوم من ،1932 ً ُ وسأقدمك غدا سيأتي إلى زحلة فؤاد افرام البستاني ّ المحكمة ،فقال ليً : درستها في المدرسة، كنت أعــرف االســم من سلسلة الــروائــع التي ُ إليهُ . درس المرحلة الثانوية عند اليسوعيين، وكان اسمه بدأ يلمع في عالم األدب ُم ّ وأديبا ذا شأن وحضور. ً فقرأت له قصائد متفرقة. التقيته في اليوم التالي .طلب أن يسمع من شعري ُ ُ فأعطيته ض منها، ُ أي انفعال ،لكنه سألني أن أمـ َّـده ببع ٍ لم ألحظ على وجهه َّ وجعلت أرســل له إلــى بيروت قصائد أخــرى .ومــا هي حتى بــدأَ ت تتناهى إلى ُ طالبه في اليسوعية ،أصداء كالم قوي مسامعي في زحلة ،من أصدقاء لي أو من ّ يقوله هذا الرجل عن شاعريتي وقصائدي في أوساط بيروت األدبية. التقيت القاضي الشاعر بولس سالمة إلي هذه األصداء، ُ فتر َة بدأت تتناهى َّ ذات يوم ،فقال لي إن الشاعر صالح لبكي سيجيء إلى محكمة زحلة ليترافع حاميا في إحدى الدعاوى ،ودعاني إلى حضور جلسة المحكمة التي سيترأَّ سها ُم ً وشهرته. عز مجده ُ يومها في ّ في اليوم التالي .وكان صالح لبكي َ أقفل القاضي بعد انتهاء المحكمة ذاك الـيــوم ،وانـفــراط عقد الحضور، َ األبــواب ،وجلسنا ثالثتنا (بولس سالمة ،صالح لبكي ،وأنــا) على قوس صغير وتلوت عليهما كامل قصيدتي المجدلية وكنت أحفظها في قاعة المحكمة، ُ انتهيت ،بدا صالح لبكي ّ متأث ًرا جـ ًـدا ،فالتفت إلى بولس سالمة غيبا .وحين ُ ً اعتقدت أنه الفتا في عمري عهدئذ .بعد انصرافه وقال له عبار ًة كانت ً مفصال ً ُ قال عبارته في تلك القاعة المقفلة وانتهى األمر .سوى أنه نزل إلى بيروت ونثر ـت ،أنا الذي كان ينتظر الوقت عبارته تلك في أوســاط بيروت األدبية .وما دريـ ُ األدبية نفسها تدعوني إليها .عندها المناسب للنزول إلى بيروتّ ،إال وبيروت ّ فعليا في عالم األدب. أحسست أنني ُ ُ دخلت ً
37
سعيد عقل إن حكى
اليوم، وأنا َمن أنا يف عامل األدب، أطالع كتب العلوم أكثر مما أطالع األدب. يف شبابه األول بريشة جورج قرم.
تماما كالطبيب أو المهندس أو صاحب أيــة ُدربــة من ُدرب مختلف الميادينً . العقل ،ال يمكنه أن يبدع في حقله إن لم يكن ّ وإال يكون مط ًلعا على حقول سواهّ ، جديدا وال يبدع .اليوم ،وأنا َمن أنا في عالم تقليديا ال يخلق عاديا مارسا َ ً ً مهنته ً ُم ً األدب ،أطالع كتب العلوم (الرياضيات ،الذَّ رة ،الفلك) أكثر مما أطالع األدب. شاعرا أنني بدأت بكتابة الشعر، كنت ،حين في هذا المناخ الفكري ُ المعمق ُ ً ّ بفوقيتهم مريضا بأحد .كنت أحترم كبار شعراء العالم من دون أن أشعر لست ً ّ جئت الشعر عن طريق العلوم ،ولــم أسمح لي أن أشتغل أساسا علي ،ألنني ُ ً ّ استوعبته خالل قراءاتي طوال تلك السنوات في األدب ّإال بعد تحصيلي ما ُ الثالث.
36
الفصل الثاني | من بيت الضابط إلى قوس المحكمة
العجب .فأية مؤملي الذي يكاد يتقادم ً عهدا ،أن أقول في صالح لبكي بعض َ – في َّ شيمة من ِش َيم هذه الريشة الحلوة ال تهيب بي إلى كتابة ُطرفة ،سواء داعبت بالدنا قصت القصص اللبناني ،أو زأَ رت تحمي الجبل؟ ( )...أغنى َ الشعر ،أو َّ كثيرا هذا الفتى األسمر .شعره زاد من َك ّر العنادل في الجبل ،فالضوء المجل ِبب ً والظالل المنطرحة على السهل غدت منعطفاتنا أصبح بعده أنعم وأكثر مخملية، ِ ُ كثيرا. أطرى وأندى (.)... ب فيه صالح لبكي ً يجيء يوم ُي َح ُّ ُ (الحقا) قصيد ًة في صالح لبكيَ ،يذْ كر فيها ف بذلك ،فها هو يكتب ً ولم يكت ِ عبارته في تلك الصبيحة الزحلية .وال تزال القصيدة حتى اليوم بين أوراقه تنتظر ومطلعها: مهرجانً ا لصالح لبكي يلقيها فيه سعيد عقل، ُ
ب السيفِ شَ ّك َت ُه ...ال ما َح َب ْب ُت َ ك ُح َّ ينشـر هـذا ما رواه هنا إن راح ُ كأن ً نبـت يل وكنت ُ طفال ،ف َأ َ ُ بعدْ ، ـت أنا هذي ال .لكـن َح َـب ْب ُ وال ِل َ منك طــار ِبـها ألن ِف ـ ْلــذَ َة شَ ـط ٍر َ َّ قرأت أنا ففي كتابٍ لك احلوىل، ُ
ِلق ٍ هزت غَ دي طربا: َولة َ منك يبَّ ، كس ُـرها أقـالمنا َأدب ــا ُرحــنــا ُن ّ جناحي ِع ـ ّـز ٍة وإبــا الكـالم هــذا َ ُ
ذبا ُمـ ُّـر ُه َعذُ با َح َـب ْب ُت َ ك احلُ َّ ب َع ً اللعب واللهبا ُ لهيب ِلعبٍ َ ،ح َب ْتني ْ منس ِكبا قوس الغمام، َ َ وميس اخلصر َ
وهــا هــو فــؤاد افــرام البستاني ،وهــو اآلخــر يكبر سعيد عقل بسبع سنوات (ولد عام )1905يعترف بتأثير سعيد عقل على الوسط األدبي منذ الثالثينات، وحتى على الشعراء الذين يكبرونه .ففي محاضرة ألقاها بالفرنسية في جامعة رومــا (كلية اآلداب) يــوم ،1964/11/23مـ َّـر على الــوضــع األجنبي في 39
سعيد عقل إن حكى
استوقفت وفعال كانت عبارة صالح لبكي في سعيد عقل يومها هي المحطة التي ً َ شاعر شاب في زحلة قال عنه صالح لبكي :يــوم يبدأ هذا بيروت ،متطلِّ عة إلى ٍ الشاعر بنشر قصائده ،سنكسر أقالمنا. تبق ضمن تلك البشرى المعمدانية من فؤاد افــرام البستاني وصالح لبكي ،لم َ حديث شفوي جرى في زحلة ذات شهر من ،1932بل كانت الطريق لهذا الشاعر كي وحامال حامال معه شعره الجديد على أوساط بيروت الثقافية، ينزل إلى بيروت ً ً فيه ينابيع معرفة وعلوم وحضارة جعلته ،وهو األفتى من الكثيرين بين شعراء بيروت، نجمهم والمحور. الحقا بأفكار فها صالح لبكي ،وهو يكبره بست سنوات (ولد عام )1906يتأثر ً سعيد عقل الجديدة وينسج بعض شعره على منوالها .وال يكابر بل يهديه إحدى قصائده (حلم – مهداة إلى سعيد عقل) .ومما جاء فيها:
ـت ي ـ ـ ــا حـ ـ ـ ُل ـ ـ ْـم ال حتـ ـ ـ ّق ـ ــق ـ ـ َ أن ـ ـ ـ ــت أشـ ـ ــهـ ـ ــى ُم ـ ـ َـمـ ـ ـ ّن ـ ـ ًـع ـ ــا ـت يف أنـــــت أدن ـ ـ ــى مـ ــا أن ـ ـ ـ َ جـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـوك ال ـ ــغ ـ ــي ـ ــب م ــب ــه ــم ل ـ ــك عـ ــنـ ــد احل ـ ــي ـ ــاة ِمــــ َّنــــةُ حــســبــنــا م ــن ــك مـ ــا نــشـ ُّـمــك ُ
فـــــتـــــســـــاويـــــت وال ـ ـ ــع ـ ـ ـ َـدم َ ـرف ال ـ ُـب ــع ــد وال ــش ـ َـم ــم مـ ــسـ ـ َ عـ ـ ـ ـ ــامل الــــــســــــر وال ـ ـ ـ ُظ ـ ـ ـ َلـ ـ ــم جـ ـ ـ ـ ـ ُّـوك املـ ـ ــوعـ ـ ــد اكـ ــتـ ـ َـتـ ــم َمـ ـ ـ ـ ــن ُي ـ ــم ـ ــط ـ ــر الـ ـ ـ ـ ِّـد َيـ ـ ـ ــم بـــــــالـــــــوهـــــــم أو نـ ـ ـ َـضـ ـ ـ ّـم ِ
المقدمة ويوم قرر صالح لبكي أن ُيصدر رائعته سأم )1948( لم يجد لكتابة ِّ مقدمة سأم ،إحدى أجمل ما غير سعيد عقل الذي َر ّد الوفاء لصالح لبكي وكتب ّ مقدمات .وفيها: كتب من ّ َ 38
الفصل الثاني | من بيت الضابط إلى قوس المحكمة
سعيد راعك يا َم ِل ٌ ُ ك َي ُ ْ ريد د ل أيس ُر ما ُت ُ وا ُخل َ ً ونبضا. انسجاما إلقا ُؤه مم َّي ٌز يذوب فيه ً
ويصدق كالم البستاني في قوله عن تأثير سعيد عقل حتى على الشعراء الذين يكبرونه .فهذا بولس سالمة يكتب في سعيد عقل قصيد ًة جاء فيها:
ـراعـ ـ ــك يــــا ســعــيـ ُـد َمـ ـ ـ ِل ـ ـ ٌ ـك َيـ ـ ـ ُ ا ُخل ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ُـد م ـ ــا أعـ ــيـ ــى ال ـ ــزم ـ ــا ُن قـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ٌـم َتـ ـ ــعـ ـ ـ َّـمـ ـ ــد بـ ــاجلـ ــمـ ــال ـري وأخ ـ ــط ـ ـ ٌـل مـ ـ ــا الـ ـ ـ ُـبـ ـ ــح ـ ـ ـ ُتـ ـ ـ ُّ َخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـو ٌن وراء َك م ــث ــل ــم ــا الــــعــــى املُ ــــــغــــــم ُ ــــــد احلــــــامــــــي ُ َ
أيـــــســـــ ُر م ـ ــا ُتـ ــريـ ـ ُـد وا ُخل ـ ـ ـ ْلـ ـ ــد َ ـــمـــيـــد ـت ومـ ـ ـ ــا َت ُ ومـ ـ ـ ــا عـ ــيـ ــيـ ـ َ ٍ وريــــــــد ـــــــــــــة ــــــمــــــ َل ُ ُّ فـــــكـــــل ُأ ْن ُ مـ ــا اب ـ ــن الـ ـ ُـد َمـ ــي ـ ـ َنـ ـ ِـة مـ ــا لــبــيـ ُـد خ ـ ـ ّفـ ــت إىل الـ ــعـ ــرس الــعــبــيـ ُـد بـــــــغـــــــرا ِره صـــــــدئ احل ـ ــدي ـ ـ ُـد 41
سعيد عقل إن حكى
لبنان منذ القرن التاسع حتى الثلث األول من القرن العشرين ،جاء ما ترجمته انفجر فيها بركان سعيد الحرفية ... :تلك كانت حالة الشعر اللبناني حين َ أن وهـ ًـجــا جــديـ ًـدا في عقل فــي النصف الثاني مــن الثالثينات .وشـ َـعــر الجميع ّ أعطيت للشعر أحسوا أن انطالقة جديدة ذات مفهوم جديد الشعر ّ أطل عليهمّ . َ أن هذا الشعر ،في تاريخه الطويل، اللبناني ومنه إلى الشعر العربي .وأيقنوا ّ دخل مرحلة جديدة عنوانُ ها سعيد عقل .حتى الذين يكبرونه ،وكانت شهرتهم منتشرة فــي األوس ــاط األدب ـيــة قبله بكثير ،تـ ّ ـأثــروا بــآرائــه الـجــديــدة وتجربته الشخصية .كانت لهذا الفنان شخصية قوية اجتاحت كل ما حولها .وانصاعت له األنــواع األدبية جميعها ،حتى تلك التي (كالمأْ ساة والقصيدة الملحمية) لم تكن نجحت تجاربها قبله في الشعر العربي. (الحقا) قصيد ًة ومر ًة أُ خرى ُير ُّد سعيد عقل الوفاء لفؤاد افرام البستاني ،فيكتب ً به ألقاها في مهرجان عنه ،مطلعها:
َتمايدي، اليوم َر ْج ُع َصدى ِلــــ َـجـ ِّـر ريــشـ ِـتــهَ ،مـــــن َمـ َّـيـ َـد الـ ُـعـ ُـمــدا ُّ بعلبكَ ، الصبـح ضـ َـار َعـ ُـه أمــر أقــامــنــا ،ال ضوءا ،وال الليل جارى ُعمق َُه ُب ُعدا ُ ُ ً رد َّن َم ٍ اعتمدا جـد بــه ؤر ْخَ ،ت ُق ْل ُه – ِط ْر بها قلمي – ُأ ُ ئن ُي ِّ ُ َل ْ تاريخـنا َ أعطى ُذرانـــــا عاف السما ُز ْرقا ِتها اجل ُُددا شموخا ،عق َلنا ِك َب ًرا أعطى ِش َ ً
األمس؟ هذي ُهم .هو؟ اشتعيل روى لنا األمس استحال غدا روس اجلبال:روى َ َ َ ِمن َبع ِد ِه الده ُر أفتى أ ْن صبـاه بنا ٍ ـروض ،ع ّلى يقر ُأ ا َجل َلدا راء إىل ال ـ ِ رأس ُه َد َعةً َكر ْأس ص ّنني َيهوي ،إن هوىُ ،ص ُعدا إن ُر ُ حت ُأطريه ،يغضي َ
40
الفصل الثالث
بنت يفتاح أول م ْأساة يعرفها الشرق يف تاريخه
سعيد عقل إن حكى
كــــــــل ُم ـ ـ َـهـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ٍد ــــــديــــــك َيــــــ ْف َ ُّ يـ ـ ــا ش ـ ــاع ـ ــر الـ ـ ــشـ ـ ــعـ ـ ــراء هــل ّإم ـ ـ ـــ ـ ـ ــا ُت ـ ـ ـ َـم ـ ـ ـ ّـه ـ ـ ـ ْـد لـ ــلـ ــرفـ ــاق أطـ ـ ـ َل ـ ـ ْـعـ ـ ـ َت ـ ــه ـ ــم ُط ـ ـ ـ ـ َر ًفـ ـ ـ ــا كــمــا ـاء لـ ـ ُـيـ ـ َـكـ ــوكـ ــبـ ــوا :أنـ ـ ــت ال ــس ــم ـ ُ هـ ــل َخـ ــمـ ــر ٌة لـ ــو مل ُت ـ َـش ــع ـ ِـش ـ ْـع
ف َو ُجـــــــو ُد يف َنـ ـ ْـص ـ ـ ِلـ ـ ِـه شَ ــــــــ َر ٌ قصفت رع ــو ُد؟ لــســوى الـ ــذُّ رى َ ـــــجـــــد ق ـ ـ ــواع ـ ـ ـ َـده الـ ــعـ ــمـ ــو ُد َي ْ بـ ــا ُحلـ ـ ْـس ـ ـ ِن ُن ـ ـ ِّط ـ ـ َقـ ـ ِ ـت الـ ــقـ ــدو ُد لـــــي ِ أنـــــــت ال ــص ــع ــي ـ ُـد ـــــزهـــــروا: َ ُ يف يـ ــديـ ــك؟ وهـــــل ق ــص ــي ـ ُـد؟
األخطل الصغير أن يجمع قصائده عام 1961في ديوان ،لم يسأل غير قرر ُ ويوم ّ َ سعيد عقل أن يكتب له مقدمته. شاعر شاب من زحلة في منتصف تلك هي األجواء الكانت سائد ًة في بيروت عن ٍ الثالثينات. ليغير خارطة الشعر فيها ،ومنها مهيأَ ًة بيروت الستقبالهُ ، وهكذا كانت َّ ينزل إليها ِّ يغير مفهوم الشعر العربي. ّ
42
بعد
ـداول اسم سعيد عقل وقصائده شفاه ًة في أوساط ثالث سنوات من تـ ُ فعليا إلى بيروت ،جاءت المناسبة بيروت األدبية ،قبل أن ينزل هذا الشاعر ً التي فتحت له باب النشر. في تلك الفترة ،كانت في بيروت مؤسسة الجامعة األدبـيــة من فــؤاد افــرام البستاني وصــاح لبكي وش ــارل قــرم وآخــريــن ،أمينها الـعــام تقي الــديــن الصلح، مقر وزارة الخارجية اللبنانية). دوريــا في قصر إيڤلين بسترس (اليوم ّ ويجتمعون ً زاده إعالنُ ها ذات يوم من صيف 1934عن جائزة وكان لهذه الجامعة شأن كبيرَ ، يومئذ مبلغ يكفي صاحبه ستة أشهر على األقل. 100ليرة ألفضل رواية َتمثيلية وهو ٍ وكانت تلك الجامعة هي الهيئة األدبية األرفــع في ذلك الزمان ،ومرنى األدبــاء والشعراء .وها هو الياس أبو شبكة ،في يومياته الخاصة التي َّتم العثور عليها بعد وفاته ،يذكرها في يومية :1934/11/20خالل جلسة الجامعة األدبية في السادسة من مساء اليوم ،تم التصديق على قرار سابق بإحياء حفلة تكريم ألسد رستم وفؤاد َ تجنبا لنفقات ال طاقة للجامعة البستاني ،وباقتصار الحفلة على الخطب والقصائد ً نظرا لحداثة عهدها .وفــي هــذه الجلسة نفسها تقرر درس روايــات على تحملها ً أديبا إلعطاء أحسن رواية بينها تمثيلية ثماني عشرة تلقتها الجامعة من ثمانية عشر ً جائزة 100ليرة كانت الجامعة أعلنت عنها في مطلع هذا الصيف( .الياس أبو شبكة – دراسات وذكريات – دار المكشوف – –1948ص .)211 45
ـحيي أنصاره خالل مهرجانه االنتخابي يف زحلة يُ ّ
الفصل الثالث | بنت يفتاح أول ْ مأساة يعرفها الشرق في تاريخه
قدموا رواياتهم التمثيلية ،أدباء كبار كان بين المشتركين الثمانية عشرة الذين َّ احتراما .لم يعترض منهم على النتيجة ّإال الشيخ من تلك الحقبة ،نشيح عن ذكرهم ً مقاال فريد الدحداح ،وكانت رواياته التمثيلية مالئة صاالت العاصمة ومكتباتها .كتب ً جيدا ولكن ال عالقة له بالمسرح. هاجم فيه سعيد عقل على أنه قد يكون شاعرا ً ً ويوم صدور المقال اتصل به تقي الدين الصلح واستدعاه إلى قصر بسترس وقال له :أنت ال تعرف سعيد عقل وثقافته المسرحية .هي ذي روايته بنت يفتاح .لن مبشرا بـوالدة تخرج من هنا حتى تقرأها .ولدى االنتهاء من القراءة خرج الدحداح ً شاعر روائي في لبنان سيضاهي شعراء أوروپا .وهو ما عاد فؤاد افرام البستاني بعد ثالثين سنة فأشار إليه خالل محاضرته في روما ( )1964إذ قال :جاء سعيد مضاهيا كبارها في أثينا ورومــا وپاريس ،وجاء عقل بالمأساة إلى الشعر العربي ً بقصيدته الملحمية ليضارع الكبار من دون جدال. عمم فؤاد افرام البستاني – وهو الثقيف الخبير في األدب العربي وأول من َّ موهبة سعيد عقل فــي بـيــروت – كــان أشـ ّـد المتحمسين لـبنت يفتاح فحملها إلى األب اليسوعي هنري المنس الذي قرأها وقال :هذه أول مأساة شعرية في فورا في مجلة المشرق المعروفة التي كان يرأس األدب العربي ،وأمر بنشرها ً تحريرها ،كما أصدر تعليماته في ما بعد إلى المطبعة الكاثوليكية فأصدرها عن منشورات مجلة المشرق في كتاب أنيق مستقل عام .1935 ما الذي جعل لـبنت يفتاح هذه الصدمة األدبية في أوســاط بيروت الثقافية وخصوصا في أوساط الخبراء والعارفين؟ ً ها صاحبها يشرح: – ألنها مأساة .والمأساة (تراجيديا) ،غير الفاجعة (دراما) .المأساة ال تظهر ّإال الرقي الحضاري والتراثي .شكسپير العظيم لم يكتب المأساة في البلدان العريقة ّ بل الفاجعة .هذا ما لفت األب المنس :أن تصدر مأساة عن لبنان فيما الشرق 47
سعيد عقل إن حكى
سائال سعيد عقل ذات يوم من تلك الفترة بالذات صعد صالح لبكي إلى زحلة ً االشتراك في تلك المسابقة .لم يفاجأْ سعيد بالطلب: طلبت مني إحدى إن عندي رواية عن بنت يفتاح – قلت لصالح ّ ُ ُ بدأت كتابتها يوم َ راهبات القلبين األقدسين في زحلة كتابة تمثيلية شعرية لطالباتها في آخر المقدس .وكانت تلك الراهبات يأتين إلى السنة المدرسية ،مستوحاة من الكتاب ّ ت فسألتني أمي أن بيتنا يصلّ ين ألمي ْ أهتم بهن وأُ لبي طلبهن .لكني حين أَ ْت َم ْم ُ ّ فأشحت عن وجدتها أقــوى من مستوى الطالبات، الفصل األول من التمثيلية ُ ُ الموضوع وما يزال الفصل األول عندي .سألني صالح أن أقرأَ ه له ففعلت .أذهله الفصل فسألني :كم تحتاج لتنهي الفصل الثاني؟ أجبته :أسبوعين .فقال: ننتظرك .وأخذ الفصل األول وعاد إلى بيروت. في اللقاء الــدوري لـالجامعة ،وكانت انتهت المدة القانونية المعلنة الستالم المخطوطات ،كــاد أن يؤخذ ال ـقــرار بحجب الـجــائــزة ألن جميع المشتركين في المسابقة لم يستوفوا الشروط الفنية المطلوبة .عندها ،قال صالح لبكي لرفاقه إن معه الفصل األول من تمثيلية سعيد عقل بنت يفتاح ،وإن الفصل الثاني تقرأه حماته األديبة سلمى صايغ وسيأتي به إلى اللجنة بعد أسبوعين. بعد ثالثة أسابيع ،صدر في الصحف بيان من الجامعة بتوقيع تقي الدين نص واحد استوفى الشروط الصلحً ، معلنا ْ أن لم ينل جائزة الجامعة األدبية سوى ٍّ الفنية المطلوبة ،هو لسعيد عقل في روايته التمثيلية الشعرية بنت يفتاح .وأعلن البيان أنها نالت 40/40من شــارل قــرم ،و 40/35من صــاح لبكي .وكــان جورج وع ّين وزير تربية في الكفوري (من أساتذة األدب العربي المشهورين في ذلك العهد ُ ما بعد) مستشار اللجنة لإلشراف على الدقائق اللغوية في المسابقة ،فأعلن أن اللغة في بنت يفتاح من أندر وأصفى ما تعرفه اللغة العربية. 46
الفصل الثالث | بنت يفتاح أول ْ مأساة يعرفها الشرق في تاريخه
يقبل يد سعيد عقل وديع الصايف ّ وراءه مالكه احلارس ماري روز أميدي وإىل يساره هرني زغيب.
أي قاموس .ولكن األساس هنا أن مرسح كلمة فينيقية .وهذا يشير إلى أن في ّ الفينيقيين عرفوا هذا النوع ،وهو مكان في القرية تتم فيه هذه العروض .وحتى طبعا وال قيمة مارون النقاش حين بدأ أعماله التمثيلية في بيروت ،وهي ضعيفة ً يسمه المسرح .وفي فترة طويلة من القرن لها ،قال إن هذا النوع مرسح ولم ّ التاسع عشر بقيت الكلمة المتداولة مرسح .وفي مصر اليوم غالبية كثيرة من الكتاب والفنانين تسميه المرسح أخــذً ا بها من القرن الماضي .واألهــم من ّ كل ذلك :تعطينا هذه الكلمة فكرة واضحة أننا عريقون في هذا الفن ،حتى قبل اليونان .واشتهرت عندنا في القديم الساحق من الزمان األدونيات الكبيرة واألدونيات الصغيرة وهي طقوس إلحياء ذكرى أدونيس وحبيبته عشتروت، وأسطورته الشهيرة التي كان الناس ي ِفدون لحضورها في جبيل وصيدا وصور، كل وضوح .ولكن ،مع مطالع القرن وال تزال َّ تدل على ذلك في ّ المدرجات هناك ّ 49
سعيد عقل إن حكى
بكامله لم تصدر عنه مأسا ٌة شعري ٌة واحدة في كل تاريخه .وال حتى أوروپا العريقة. لم تصدر المأساة ّإال عند اليونان وفرنسا .سائر البلدان صدرت عنها أعمال تحددها شروط الوحدات الثالث :وحدة في الدراما ال في التراجيديا .المأساة ِّ يدركه الكاتب سبب جوهري إذا لم ْ المكان ،وحدة الزمان ،وحدة الموضوع .ولهذه ٌ يصيبه ما أصاب الفرنسي كورناي حين تحايل على الوحدات الثالث التي أزعجته ألنه اعتبرها مفروضة عليه .الكاتب الــذي يعي تحديد المأساة ،ال تزعجه كمثقف، فرضا عليه .وأناّ ، الوحدات الثالث .يجدها طبيعية وتلقائية ال مفروضة ً أعي تحديد المأساة ،لذا لم أنزعج أبـ ًـدا بالوحدات الثالث لـبنت يفتاح وال لـقدموس بعدها .وتحديد المأساة أنها تبدأ حين األزمة العاطفية (أزمة القلب) لسوفوكل في ذروتها القصوى قبيل انفجارها .مثال الفت عليها :أوديپ ً ملكاُ أحد ثالثة عمالقة اليونان في المأساة والمرسح ولدى الكالسيكيين الفرنسيين. ملكا بعدما قتل أباه وتزوج فمنذ دخول المشاهد إلى القاعة يعرف أن أوديپ بات ً أمه .المشاهدون يعرفون هذا األمر قبل افتتاح المرسحية ،والوحيد الذي لم يكن يعرفه هو أوديپ نفسه .هكذا تفتتح المرسحية فور يدرك أوديپ ما فعل ،وعليه اتخاذ قراره ضمن 24ساعة هي وحدة المكان والزمان والموضوع .هكذا بنت التردد واتخاذ القرار. يفتاح :منذ المشهد األول يعي يفتاح ما فعل ،وبقي عليه ُّ حدث له ذبحة قلبية ويجب أن يتخذ القرار في والمشابهة األقرب هنا هي من َت ُ المكان نفسه والــزمــان نفسه حــول هــذا الموضوع بالذات قبل أن يفوت األوان ويتوقف القلب .هذا ما أعطاني إياه التثقف في موضوع المرسح. إيضاحا لها فأجاب: سألته يشدد عليهاُ . تتكرر لفظة المرسح وسعيد عقل ّ ً ّ
متشد ًدا في أمور اللغة واألدب العربي، – في أحد أعداد المقتطف ،وهو كان ّ يصوب اللفظة ويجعلها مرسح ويهاجم الذين مقال واضــح في ثلث صفحة ّ يستعملونها مسرح على أنها خطأ .وهو أمر لغوي بسيط يمكن ّ االطالع عليه 48
الفصل الرابع
سهرات شارل قرم تنتهي مشيًا إىل اجلامعة األمريكية
سعيد عقل إن حكى
من أَحالمه الكثرية: القوي. التخطيط لـلبنان ّ
(مقطع من مشروعٍ له يف الفرنسية)
50
خطإ فــاضــح ،إلــى مـســرح، ـردهــا ،فــي العشرين ،قــام مــن يـ ُّ ٍ ر َسـ ــح( مــع أن األصــل، العـتـبــار ْ أن ليس فــي العربية فعل َ عربيا وال جذر له في العربية ،ألن العرب لم كما قلت ،ليس ً سـ َـرح يعرفوا في القديم هذا النوع)ّ . توهموا أن الجذر هو َ فاشتقوها مسرح .وهذا خطأ إيتيمولوجي ومضموني ،ألن ّ أن ليس في فن المرسح هذا من كان خبيرا في هذا الفن يعرف ْ ً السرحان والمشي على الخشبة ،بل هو انفعال داخلي وتعبير َ عنه بــدون قفز في الطول والعرض وحركات ال عالقة لها في جوهر هذا الفن القائم على تعبير الوجه واللسان قبل أية حركة تنبه له األخوان رحباني في مهرجانات بعلبك، جسدية .وهذا ما ّ تحر ًكا في طول الخشبة وعرضها، حين انطلقت فيها فيروز ،ال ُّ بل صوتها وحده كان الحركة والرقص والتأثير ،بأوتاره وكلمات القصائد وموسيقاها ،وكان لها في الناس تأثير عميق .هذا ما عرفه اليونان بالـآينفونغ وهو انفعال الجمهور في رصانة مع ما يجري في المرسح .أما السرحان على الخشبة فال عالقة له بجوهر فن عظيم اغتالوه حين تصوروه في العربية أنه فن تماما كالذين نقلوا إلى العربية الس َرحان فقالوه المسرحً . َ كتاب أرسطو فن الشعر فسموا الرثاء تراجيديا لما فيها من بكاء ،ونقلوا أرسطوفان فسموا الكوميديا الهجاء لما كان فيها من حوارات صاخبة بين الممثلين .لم ينتبه الكثيرون إلى دائما كلمات ال فعل لها وال جذر في الفعل. ّ أن في اللغات ً ينتهي الشرح .نعود إلى ،1935إلى تلك الفترة التي ،بعد اندالع بنت يفتاح في األوساط األدبية ،نزل معها صاحبها إلى بيروت، حيث كان له ما كان.
بعد
اندلعت شهر ُة سعيد عقل في بيروت ،فبدأت َتبلُ غه نشر بنت يفتاح ْ َ دعوات من صالونات بيروت األدبية .ميشال شيحا دعاه إليها ،وشارل قرم وإيڤلين بسترس وآخرون. معمقة لم يبلغها أحد من أترابه وال ممن أكبر هكذاَّ ، مزو ًدا بثقافة علمية وأدبية ّ بأحد من أدبائها وال شعرائها. جيال ،نزل الشاعر إلى بيروت ...غير مبهور منه ً ٍ كبيرا منذ فترتئذ وصــدف ٍ تحضير مناسبة وطنية زادت في إطالقه شــاعـ ًـرا ً ُ مطالعه. ها هو فؤاد افرام البستاني يرويها: تاريخ حكامنا بالتأمل في جهل ّ وقعت حادثة في أيامنا كان فيها عبرة جديرة َ ُّ لبنان .فذات يوم من أواخر ،1934وكنا في إبان الشباب الطالع نترقّ ب الذكريات الوطنية والمناسبات التاريخية إلقامة حفالت أدبية وتوعية الناشئة اللبنانية على تنبهنا إلى التذكار المئوي لمصرع فخر الدين ( )1935/04/13وهو تاريخها العريقَّ ، دائما بختم مستدير عليه فخر الدين آل معن ،أمير فينيقيا وجبل كان يوقّ ع اسمه ً نشد قصيدة لبنان .فرأينا أن نُ ِع ّد الحتفال وطني فخم ُتلقى فيه محاضرةُ ،وت َ ّ بد من الحصول على إذن حكومي ملحميةُ ،وترسم لوحة تخليدا لذكرى األمير .كان ال ّ ً إلقامة المهرجان ،فقدمنا عريضة بالطلب الرسمي إلــى رئيس الــدائــرة عهدئذ عبداهلل بيهم الــذي قــال :مينو هيدا فخر الــديــن؟ ولــم يمنحنا اإلذْ ن .فاقتصر 53
التش ُّبث باحلقيقة واجلمال
مشيا إلى الجامعة األميركية الفصل الرابع | سهرات شارل قرم تنتهي ً
مهيأة ،حين نزل إليها سعيد عقل. هكذا كانت أوساط بيروت األدبية َّ بــدأت الـمــدارس والجامعات تعرض عليه التدريس فيها .وأخــذت الجمعيات جديد منه والمؤسسات الثقافية واألدبـيــة تدعوه إللقاء محاضرات لديها .وإذا ِب ٍ ماليا على المحاضرة واألمسية الشعرية ،ما لم يكن فرض منذ البدء ً يفاجئ: َ بدال ً مألوفً ا في أوساط بيروت األدبية. تأسست في بيروت المدرسة الفرنسية العليا لآلداب ،برئاسة وسط هذا الجو ّ المفكر الفرنسي غبريال بــونــور الــذي كــان ،أيــام االن ـتــداب ،مستشار المفوضية وشكل لها هيئة تدريسية الفرنسية العليا حتى زالت هذه فانتقل إلى المدرسة العلياّ ، عاما لها الشاعر جــورج شـحــادة .من لبنان لم يختر وعين ً أمينا ً من الفرنسيين ّ للتدريس سوى اثنين :عمر فاخوري لتدريس األدب العربي ،وسعيد عقل الذي أنشأ درسها في العربية والفرنسية مادة جديدة على الجامعات عنوانها :كيف ُتبدعّ ، مطلقا .أخذ في تلك تثقفه الــذي لم يتوقف ً معا ،مما كان اكتسبه خالل سنوات ُّ ً الدروس يجمع النظرية إلى التطبيق ،ولم يحصر كالمه على الشعر وحسب ،بل على جامعا الفلك والرياضيات والالهوت ،ما لفت األساتذة مختلف الحقول والعلوم، ً يحضرون الــدروس مع الطالب .أمام هذه الظاهرة طلب بونور من كذلك فأخذوا ْ مفتوحا لمن يحب أن يحضر من عاما ،مر ًة في األسبوع، ً درسا ً سعيد عقل أن ُيعطي ً عريضا من األدباء جمهورا الجمهور العام ،فاستقطبت تلك المحاضرة األسبوعية ً ً مبادئ كيف ُتبدع طبيعي ًة والكتاب إلى جانب األكاديميين .وكانت والصحافيين ّ ُ تلخيص حياته كلِّ ها بعبارة واحدة :كيف ُيبدع .وهذا ما على الشاعر الذي ُيمكن ُ الحقا ،بعد أربعين سنة ،إلى إنشاء حركة التبادعية التي نشر لها الوثيقة حداه ً ونهجها :من منتج لالستهالك إلى فنان حياته .وهو شاءها التبادعية)1976( ُ ُ وفن حياة. رؤيا عن اهلل والكون عبر نظام ٍ سياسي ّ في مطلع األربعينات أصدر الشيخ فؤاد حبيش جريدته المكشوف .واتصل طالبا منه قصيدة لكل عــدد .أيامها كانت عند سعيد عقل مجموعة بسعيد عقل ً 55
سعيد عقل إن حكى
االحتفال على ذكرى معركة عنجر الشهيرة أحياها بالتصوير والشعر لبنانيان كبيران: طواال حتى خرجت شهورا ً الجميل انكب عليها الجميل وسعيد عقل .اللوحة قيصر ً َّ ّ ّ من روائع فن التصوير التاريخي في لبنان (اليوم تتصدر بهو المدرسة الحربية في وطنيا ذخرا الفياضية) ،والقصيدة من روائع سعيد عقل الملحمية الخالدة الباقية ً ً فطبقت له ولها شهر ٌة في محفوظات النشء اللبناني، ْ نشرتها له مجلة المشرقّ واسعة تحدثت عنها بيروت لمدة طويلة( .فؤاد افرام البستاني – لبنان الدائم في تطوره الحضاري – الجزء الرابع – منشورات الدائرة – 1988 ص .)117 – 93 ومما جاء في قصيدة فخر الدين الثاني:
ِ بذكريات األم ِري! شاطئ البوسفورِ ،رفقًا األمواج يف اندفاع يا َ ِ ِ فالصبح مــأمتُ نــو ِر بالصبح ،و َألـــوى، ببقايا ُحـ ْلـ ٍـم تــفـ َّـو َ ُ ف ُّ فيه من ِ اجلريح إىل الث ْأر ،وفيه من احتضا ِر النسو ِر! وثبة ِ فخرالدين ،الفتى ،يقر ُأ األي ـ َـام يف قـ ِ ـازين َوقــو ِر ـول خـ ٍّ هو ُ األمــس من مــذابـ َـح ُحـ ْـمـ ٍر نــافـ ٍ ـرات عىل ممـ ِّـر الــدهــو ِر. فــرى َ ِ عينيه َبـ ْـعـ َـد ُبـ ْـعـ ِـد الضم ِري ملعب لبنان َحـ ْـفـ َنــةٌ ،إ ّنما أرض َ ُ ُ ـدود دوا ٍن ف ــرآه ــا ع ــى شَ ــفــا املــعــمــو ِر ـرت قــلـ َـبـ ُـه ح ـ ـ ٌ ع ــص ـ ْ ت يف ثيابِ النشو ِر داس يف أرضه األمـ ُـر ،فراح ُ اجلبل امل َْي ُ َ هزت من ُذرى أرزه إىل صخ ِر صو ِر: بنان َّ وسرت رعشةٌ ب ُل َ ـرد جمـ ـ ًـدا ســلــيـ ًـبــا ،وأم ـ ـ ٌـر يــلــهــو م ــع امل ــق ــدو ِر! ُأ َّمـ ـ ــةٌ ت ــس ـ ُّ كتاب ٍ عهد نض ِري! بنان ،ق ُِّصي حجارا يا َ خوافت اللو ِن يف ُل َ ً َ
54
مشيا إلى الجامعة األميركية الفصل الرابع | سهرات شارل قرم تنتهي ً
مطلقا ،على ما رواه هو نفسه في ما بعد لعد ٍد من رواد لم يجادل في هذا األمر ً كل همه أن تصدر قصيدة في الصفحة األولــى لـهذا الشاعر المكشوف .كان ّ قويا في حينه ،وبدأ وحقق ذلك لـالمكشوف الذي يشغل أوساط بيروتّ . ً انتشارا ً كثيرون يطلبونها إلى الخارج ،حتى أن شفيق المعلوف في البرازيل كان يطلب كل سبب مباغت ًة له وللكثيرين سواه، عدد كي يحتفظ منه بقصيدة سعيد عقل .وهذا ما ّ الحقا في كتاب ( )1950وفيها تعديل كثير عما كانت صدرت حين صدرت رندلى ً به في المكشوف. وهذه من خصائص سعيد عقل الشعرية: أجريت عليها تغييرات كثيرة .الشعر – قبل أن أُ صــدر تلك القصائد في كتاب، ُ كتبته من ضمن خطتي الواعية في سياقي الشعري. عندي افتعال .حتى الغزل ُ وأي تثقيف للشعر أنا أكتب. ً كنت منذ البدء تماما ماذا أريد من ِ ُ الشعرّ ، مدركا ً رسالة جمالية أو فكرية أو فلسفية أو الهوتية جميع قصائدي مقصودة إليصال ٍ أن امرأة أوحت أو علمية .حتى قصائد الحب لها ُ مجر َد ّ رسالتها الواعية .لم تكن ّ افتعال ألجل لي بهذه القصيدة أو تلك .هذا أمر ثانوي .من هنا قولي إن الشعر ٌ فن صناعة .على الفنان أن يشتغله ،ال أن يترك الفكرة تأتي معين .كل ٍّ هدف ّ لكن سجيتها فينقلها كما هي .قد تأتي على َ المبدع فكر ٌة من هنا أو من هناكّ ، ّ الفن أن تشتغلَ ه. العمل الفني كله ال يمكن أن يكون نتيجة تلقائية َأتت كما هيُّ . أن تصقله .وعبارة شاعر مطبوع ساذجة ال معنى لها .فهل نتصور أن المتنبي شاعر مطبوع؟ أو شكسپير أو غــوتــه؟ ليس مــن فــن (رس ــم ،نحت ،موسيقى، مجرد مطبوع أو بالفطرة أو على ريازة ،شعر) يبلغ أعلى مراتب الرقي إذا كان ّ ّ للمتلقي بأنه مطبوع وعفوي .هذا اإليحاء ال يبلغه السجية .اإلبداع فيه :أن يوحي ّ ّ وتنعيما .وهذا ما عناه صقال مرارا على القطعة الواحدة ً المبدع ّإال بعد اشتغاله ً ً العرب في قولهم البليغ السهل الممت ِنع .هكذا ،كل واحدة من قصائدي أعمل 57
سعيد عقل إن حكى
الشعر عندي افتعال حتى يف قصائد َالغ َزل. حوار مع الشيخ خليل تقي الدين يف برنامج تلـﭭزيوين. – صداقة قدمية من أيام املكشوف
جدا قصائد (صدرت ً كتبها في فترة مبكرة ً الحقا سنة 1950باسم رندلى ،)كان َ (قبل بنت يفتاح والمجدلية وفخر الدين )ولم ينشر ًأيــا منها ،لكن بعض قصائدها كانت تتداوله شفاه ًة أوساط بيروت األدبية. نشر قصيدة في صدر الصفحة األولى من المكشوف ّاتفق وفؤاد حبيش على ْ جديدا على الوسط األدبي ،وعلى لقاء مبلغ أربع ليرات ونصف لكل عدد .وذلك كان ً حلقة المكشوف( خليل تقي الدين ،يوسف غصوب ،فؤاد افرام البستاني ،مارون قائال له: عبود ،الياس أبو شبكة ،عمر فاخوري )...،حتى جاءه هذا األخير ذات يوم ً أنت الوحيد الذي يتقاضى ثمن نتاجه في الجريدة عدا رئيف خوري ولويس الحاج ّ موظفان فيها .والالفت أن فــؤاد حبيش الحقا) ألنهما (رئيس تحرير النهار ً 56
مشيا إلى الجامعة األميركية الفصل الرابع | سهرات شارل قرم تنتهي ً
يشرح نظرياته والطالّب اجلامع ُّيون عيون عليه.
سيرا على أقدامهم لندرة السيارات .ويروي رواد تلك األمسيات عودة الساهرين ً مشيا في شوارع بيروت العتيقة حتى الجامعة األميركية، أنها كانت أحيانً ا تتواصل ً على صوت سعيد عقل يشرح نظرياته وآراءه أو يتلو على مسامع السائرين آخر الليل قصائد لم يكن تالها خالل السهرة في قصر شــارل قــرم .وغير مــرة ،حين يكون سعيد عقل في زحلة ليلة انعقاد السهرة الشهرية ،كان شــارل قرم يشكو إليه أن السهرة كانت ناقصة من دونه. إلى المدرسة الفرنسية العليا لــآداب ،طلبت منه إدارة الجامعة اللبنانية أن درسا أُ ب في سبوعيا لطالبها ،فأعطى مادة ما هو األدب، مستفيضا من أد ٍ ً يعطي ً ً وجماليا ،مع شواهد وتطبيقيا نظريا لغة معينة إلى ماهية األدب في جميع اللغات، ٍ ً ً ً جيدا .ويــروي بعض من كبار أدبــاء العالم الذين كان يقرأ لهم وبات يعرف نتاجهم ً 59
سعيد عقل إن حكى
دائما أتوق إليه .وهذا ما وتنعيما تغييرا عليها ً ً وصقال كي أرضي الكمال الذي ً ً تعمقي في الالهوت :أن أعمل حتى ُأصبح األقرب من الكائن األسمى. أعطانيه ُّ الشاعر األمر ذات أسبوع صدرت المكشوف بدون قصيدة سعيد عقل .استغرب ُ راويا له ما جرى :وصلت ّ واتصل من زحلة بإدارة الجريدة ،فأجابه يوسف غصوب ً محاوال استكشاف مناحي الغزل فيها ً القصيدة فتلقفها خليل تقي الدين وأخذ يقرأها يتغزل فيها وتنبه إلى أن الشاعر ال ّ فلم يجدها الفتة .وصل عمر فاخوري فقرأَ ها ّ بامرأ ٍة بل هو يناجي القصيدة نفسها .وحين أدرك خليل تقي الدين ذلك ،طلب من أسبوعا ،لتصدر بعده في مكانها من صدر الصفحة فؤاد حبيش تأجيل نشر القصيدة ً األولى وبجانبها مقال من خليل تقي الدين يحلّ ل فيه شاعرية سعيد عقل غير العادية. الحقا في رندلى ،ومنها: كانت تلك ،قصيدة نيانار التي صدرت ً
الصباح ـب مــا يف الــطــيــبِ ،أغ ــوى مــن ِاإلغـ ــواء ،أنــقــى مــن مــطـ ِّـل ْ أطــيـ ُ وازينت كانت ،فكان ـاح ُمـ ْلـ ٌـد وغ ّنى حــول قـ ٍّـد ِوشـ ْ احلسنّ ، ُ ف ِ فراشتيً ، اسمها من ياسم ٍني ،فيـا َناح ! مهال ِب َر ِّ ق َْط ُ ف اجل ْ هكذا باتت لسعيد عقل حرمة خاصة بين شعراء بيروت وأدبائها ،يحتفون به كلما نزل من زحلة لتمضية أيام في العاصمة .ومما يرويه أدباء تلك الفترة أن عالقته ببشارة الخوري (األخطل الصغير) وأمين نخلة وبطرس البستاني بدأت بمشادة بينه وبينهم في مقهى شقير على ساحة البرج. سهرات فترتئذ كان سعيد عقل ضيف السهرات األدبية البيروتية ،ومن أبرزها ٍ ُ مستقطبا لها شارل قرم الذي أنشأ في تلك الحقبة سهرات الصداقات اللبنانية ً نخبة األدبــاء والشعراء .ومن أطرف ما كان في تلك السهرات ،عند ارفضاضها، 58
الفصل اخلامس
قدموس بخمسني لرية... ونفاد الطبعة األوىل األول يف األسبوع ّ
سعيد عقل إن حكى
كثيرا ما استقطبت أساتذة الجامعة اللبنانية أن تلك الساعة األسبوعية لسعيد عقل ً طالبا من اختصاصات أخرى كانوا يتركون صفوفهم ليستمعوا إلى شرحه. ً صفا في األكاديميا وفي تلك الحقبة كذلك طلب منه ألكسي بطرس أن يعطي ً اللبنانية للفنون الجميلة( ألبا )ففعل ،وكان له تأثير شخصي على الشيخ عبداهلل العاليلي بإقناعه في إعطاء دروس لغوية لطالب األكاديميا. في وقت الحق ستطلبه إليها جامعة الــروح القدس – الكسليك كي ُيلقي فيها دروس ــا .وهــو كــان لــه فضل فــي إطــاق اسمها .وقصة ذلــك أنــه ،فــي إحــدى تلك ً الساعات العامة التي كان يعطيها للجمهور العام في المدرسة الفرنسية العليا درسا عن توما األكويني ومفهوم الثالوث األقدس .وشرح كيف أن لآلداب ،أعطى ً القدرة ،مع المسيح كان عصر االبن وهو اآلب كان عصره قبل المسيح وهو عصر ُ عصر المعرفة ،واليوم نحن في عصر الروح القدس وهو عصر العقل .ولذا علينا أن طالب ننشئ على اسم الروح القدس مؤسسة جامعية كبيرة .وكان بين المستمعين ُ الحقا مسؤولين فيها (بينهم األباتي بطرس الهــوت من الرهبنة اللبنانية صــاروا ً قزي) .وحين قرروا إنشاء جامعة لهم ،سموها جامعة الروح القدس بتأثير من دروس سعيد عقل في تلك الحقبة. وفي تلك الفترة نفسها كذلك ،دعــاه األب يوحنا مــارون إلى إعطاء دروس عن الشعر والجماليا في معهد الحكمة ،وكان من أبرز المؤسسات التعليمية في لبنان، كبيرا في ما بعد على أساتذة األدب والجماليا في دروسا تركت فألقى فيه تأثيرا ً ً ً غنية في لبنان كانوا طالب سعيد عقل في تلك األيام .ثم كانت له حصص تدريس ّ جامعة سيدة اللويزة. متفرقة في المكشوف بعد صدور بنت يفتاح، وهكذا ،من قصائد رندلىّ كتابا (،)1937 ومن صــدور قصيدة فخر الدين في المشرق ،والمجدليةً ـابــا فــي الجامعات والمعاهد ،ومستمعين إلــى محاضراته َوتـ َـو ُّســع جـمـهــوره :طـ ً تكونت لسعيد عقل مكان ٌة أدبية ُ والخطب واألمسيات الشعرية والسهرات األدبيةَّ ، صدور رائعته الشعرية قدموس. كبيرة َت َّو َجها ،في تلك الحقبة، ُ 60
سنة
أشهرا طويلة من 1937صدرت المجدلية بعد اشتغال سعيد عقل عليها ً الصقل.
تعمقي بالالهوت على وعي أمور مهمة تتعلّ ق بالكائن األسمى .قصيدتي – ساعدني ُّ ـرزخ بين خــاصــة العقل اليوناني وخالصة المجدلية فــي هــذا الـسـيــاق :ب ـ ٌ العقل المسيحي .فالمجدلية عاشت في فترة انتقال الفكر البشري بين تينك طويال عند اليونان ألنهم توقفت الخالصتين .فيما كنت أطالع اآلداب العالمية، ً ُ َ قيم يختصرها ثالثة :شاعر ّ محطة مهمة في تاريخ البشرية. يتشكل عقلهم في َ تتلخص بنحو مئة سطر ،ويمكن (هومير) وفيلسوفان (أفالطون وأرسطو) .وقد َّ إيجازها بثالث كلمات :الحق والخير والجمال .وهذه الثالث تالزم الكائن كي كائنا .عــادة تكتفي الشعوب في نتاجها بالحق والخير .لكن التي تريد يكون ً معا: خالدا لنتاجها أن يكون ً ً تتمم شــروط الكلمات الثالث ً ومبدعا ،يجب أن ِّ أي بزيادة الجمال .معظم الشعراء العرب يراعون في نتاجهم الحق والخير ،وال فن جميل يرقى إلى أصفى مراتب النقاء يأبهون للجمال .يغيب عنهم أن الشعر ٌّ تشددوا في شرط والجمال .وهذا ما جعل شعر اليونان خالدا على العصور ألنهم ّ ً الجمال .المجدلية اآلتية من ثالوث العقل اليوناني ،والمعتادة أن تغوي رجال عصرها ،لم تستطع إغــواء المسيح ،فانتقلَ ت في نهاية القصيدة إلى القدرة 63
رئيس اجلمهورية العماد ميشال سليمان يق ِّلده وسام االستحقاق اللبناين من رتبة ضابط أكرب (القصر اجلمهوري – اجلمعة 5تشرين الثاين )2010
الفصل الخامس | قدموس بخمسين ليرة...
تنافست على طلب توزيعها مكتبة أنطوان انتشار الخبر بصدور الطبعة الفخمة، َ فتقرر أن يوزعها األخير إرضــاء لفؤاد افــرام البستاني. ومكتبة عفيف البستاني، ّ وظل صاحب تلك المكتبة يروي سنوات عديدة بعدها كيف وقف فؤاد عمون على ّ باب المكتبة صباح اليوم المقرر أن يبدأ بيع قدموس ،وكان هو أول من اشترى تبق في تلك المكتبة النسخة األولــى بخمسين ليرة .وعند نهاية األسبوع األول لم َ وأمنت تلك الطبعة األولى للشاعر نسخة واحدة من الكتاب برغم السعر المرتفعّ . نفقات معيشته لنحو سنتين .بعد ذلك طلبها ناشران جديدان في بيروت ،فأصدرها في طبعة عادية بثالث ليرات كانت عهدئذ من أعلى أسعار الكتب. ومن أخبار قدموس في تلك الفترة أن الكثيرين كانوا ينسخون النص في خط كثيرا (لم تكن آالت جميل عن الكتاب المطبوع ،ويبيعون النسخ ألن الطلب عليها كان ً االستنساخ ظهرت بعد) .ويروي أحد أساتذة معهد الحكمة أن طالبه جمعوا ثالث تباعا. ليرات واشتروا نسخة واحدة أخذوا يتناقلونها في ما بينهم وينسخونها ً أبدا ،بل ألن قويا فقط؟ ً ما الذي جعل لهذه الرائعة ذاك الرواج؟ هل كونها ً شعرا ً فيها خالصة ثقافية عميقة اختزنها سعيد عقل منذ مطالعه. وجدت أن من إحكام القوة في الرواية أن أجمع أوروپ – يوم كنت أكتب قدموس ُ صقال عن الفصلين اللذين كانا أرغمت قلمي على نحت فص ٍل ال يقل وقدموس. ً ُ مكتوبين .ساعدني على ذلك وسع ثقافتي ّ واطالعي على أصول المأساة عند َ يتثقف األديب تصور .حين ّ خد ْ أشدد على أن الثقافة َ اليونان .لذا ّ متني فوق كل ّ تنقاد له الظروف والمعطيات في سهولة ،ويساعد موهبته التي ال يمكنها أن مثق ًفا تخلق اإلبداع وحدها من دون ثقافة .ومن هنا قولي عن اإلبداع :حين تكون َّ والتردد يمكنك أن تبدع في الحقل الذي أنت فيه .الثقافة تحرزك من الخوف ُّ يدك حين َت ُم ُّدها إلى استنباط الجديد وغور الصعوبات. والوقوع ،وال ترتجف ُ جميع المخترعين الكبار في التاريخ كانوا َّ عميقا على حقول كثيرة غير مطلعين ً 65
سعيد عقل إن حكى
والمعرفة والمحبة ،ثالوث العقل المسيحي الذي بالتقاء ثالثة عناصره يكون ردها الجمال .وانطالقً ا من هذه االنتقالة أنهيت قصيدة المجدلية بعدما َّ جانحا دمعتها فتحولت المسيح خائبة من دون أن يجرح كرامتها ،وانصرفَ ت ُ ً َّ ّ كتبتها غطاها وحماها من الرجم في ما بعد .القصيدة هي إلثبات هذه النظريةُ . كثيرا ألنها كانت على مراحل واستغرقت أشهرا طويلة .كان صالح لبكي يحبها ً ً زلت حتى اليوم ،عند إعادة أول ما سمع مني داخل قوس المحكمة في زحلة .وما ُ طبعها ،أصقل فيها أكثر وأكثر. سنة 1939أنهى سعيد عقل كتابة مأساته الشعرية قدموس من فصلَ ين .كتب كبيرا منهما في ضهور الشوير حيث كان يصطافّ .ثم عاد فوجد ضــرور َة قسما ً ً أن يجتمع قدموس وأخته أوروپ قبل انتهاء الرواية فأضاف إليها ،ذات صيف في جديدا جعله الثاني فاكتملت الحبكة في ثالثة فصول .أخــذ يقرأ فصال بكفيا، ً ً بدال عن منها في المدارس والجامعات .لم يسرع بطباعتها ألنه ،وهو كان يتقاضى ً ترد عليه حقوق التأليف في جميع أمسياته الشعرية ،كان يكسب منها أكثر مما قد ُّ كتابا .وبعد أربع سنوات على قراءتها في أماكن متعددة ،وانتشارها في إصدارها ً ت مدون ًة ت ومشاهد متفرق ًة ومالحظا ٍ َ األوساط األدبية والجامعية والمدرسية شذرا ٍ ب غير عادي. هيأت إصدارها في كتا ٍ لدى طالب أو حضور ،حانت مصادف ٌة ّ حامال إليها وسائل فسنة 1943تولّ ى إدارة المطبعة الكاثوليكية األب پول كورون ً حديثة وطرقً ا عصرية .وسمع من فؤاد افرام البستاني بالشهرة التي لـقدموس في يطرق باب الشاعر سعيد كتابا .وذات صباح باكر كان األوساط، ُ َ فأضمر أن يصدرها ً عقل في أحد فنادق ساحة الدباس في بيروت .عرض عليه أن ُيصدر قدموس في تدر على الشاعر وعلى المطبعة ثروة في فترة قليلة .والعرض: طبعة فخمة خاصة ّ إصدارها في 100نسخة تباع واحدتها بخمسين ليرة (مبلغ خيالي في ذاك الوقت، ألن ثمن نسخة الكتاب العادية لم تكن تتعدى بضعة قــروش) .وهكذا حدث .عند 64
الفصل الخامس | قدموس بخمسين ليرة...
متفرع من التذكار) .حين يصل الشعب إلى الغنائيات (ال الحنين ،ألن هذا جزء ِّ استقر في يكون انتهى من مرحلة الملحمة التي جاءته في عصر الحروب .يكون ّ المدينة وابتنى دولة تحميه ،ال كما من قبل يحميه الفوارس وسيوف الشعراء، وبات بإمكانه الخلود إلى ذاته والتفكير بحبيبته وأصدقائه .هنا تخرج الغنائيات بكمية عواطف هادئة أكثر من قبل .وهــي تخرج أقصر ،إذ ال حاجة لها إلى المطوالت لرواية القصص الملحمية كما من قبل. ّ الرقي. يتطور اإلنسان أكثر ،فيبلغ المرسح حين يبلغ في بالده أعلى درجات ّ يقصر عنه لبنان .والمرسح درجة تسبق هذا ما بلغته اليونان وفرنسا ،وما لم ّ الغنائيات إنما متفرعة إلى عواطف أكثر .فيه ال يعود اإلنسان يحب فقط ،كما يحب وهو في صراع مع ذاته (كما يفتاح في بنت في قصيدة الغزل الغنائية ،بل ّ ملكا .)من هنا كلمة مرسح يفتاح ومرى في قدموس وأوديپ في أوديپ ً تحر ًكا على الخشبة شرحتها من قبل ،ألنها تفترض كما ُ ً خلودا إلى الــذات ال ُّ سـ َـرح الذي للمواشي). ترجمه البعض خطأ بـمسرح في العربية (من فعل َ تتفرع العاطفة الواحدة وتروح تتصارع مع ذاتها .وهذه مرتبة ذروة المرسح أن َّ سامية ال تبلغها الغنائيات .لماذا؟ ألن بلوغ تلك الدرجة السامية في المرسح، ناضجا عميق الثقافة كي يخرج عنه هذا الفن الراقي .ومهمة شعبا ً يفترض ً يثقف جمهوره الذي يأتي ليشاهد المرسحية. مثق ًفا كي ِّ الشاعر فيه أن يكون َّ المأساة ذروة المرسح ألنها قمة الثقافة والنضج .إنكلترا ،على رغم عراقتها، ـيء من لم تصدر المأساة بل الفاجعة مع شكسپير .ما الفرق؟ في الفاجعة شـ ٌ الملحمة .قد تدور الفاجعة في مدة سنوات بينما على المأساة أن تنتهي في أربع وعشرين ساعة .الفرق بينهما أن الفاجعة ،كالملحمةّ ، تغطي حياة أشخاص على مرسحيتي تعمدته في كامال قد يشترك فيها .وهذا ما مدى عمر كامل، وشعبا ً ُ ّ ً عشتريم( باللبنانية) وهي فاجع ٌة ال مأساة ،تمتد أحداثها على مدى خمس سنوات ،ويشترك فيها شعب صيدا كله .بينما المأساة تقتصر على ثالثة أشخاص 67
سعيد عقل إن حكى
مثال ميكاالنج الذي لم يكن الفن ُدربته الذي كان اختصاصهم فيه .يحضرني ً معمق ّ االطــاع على الفلسفة والعلوم والــاهــوت .من خاللها الوحيدة بل كــان ّ اكتسبته أنا من العلوم والفلسفة جديدا في فنه .وهذا ما معا استطاع أن يقول ُ ً ً بقدرما أنا عالم والــاهــوت .لذلك ،يخطئ من يقولني ابــن الشعر وحــده .أنــا ِ ِ ابنها. رافدا من العلوم التي أنا ُ شاعر .وأنا ابن العلْ م ،وليس الشعر ّإال ً يرتاح سعيد عقل إلى هذه المحطة .فهو يكرر ،منذ سنوات طويلة ،أن سعيد العالم .ذلك أنه ابن العلْ م في كل عقل الشاعر واألديب هو باألحرى :سعيد عقل ِ ما يقوله :من معرفة لبنان إلى السياسة إلى الالهوت إلى الفلسفة إلى األدب إلى الشعر ،شعره هو ،حتى شعره .وفي كل ما يقوله أو يكتبه إنما يفعل بمسؤولية أن العالم يقرأه أو يسمعه قبل الجمهور العادي .وهو يرى أن أهمية قدموس ،عدا ِ كعالم: قيمتها الشعرية ،هي في كونها مأْ ساة .لماذا؟ يشرحها من نظرته ِ
– ألن المأساة ال تصدر ّإال عن الشعوب الراقية .المرسح بذاته ذروة األنواع األدبية. تخف مع األدب وهذه تبدأ بالملحمة ّثم تعلو إلى الغنائيات ،وتعلو إلى المرسحّ ،ثم ّ العالم ،وتنحدر في ما بعد إلى األدب التعليمي وهو أدنى تلك األنواع الحكمي َ ِ ْ (نظم األرجوزات واألبيات التعليمية التي فيها ْتقني ُة وز ٍن وقافية ولكن ليس فيها تعاطيت مع األنواع الثالثة األولى كي يقال بأن لبنان أطلعها ِشعر) .من هنا أنني ُ وجلّ ى فيها ،فكانت فخر الدين قصيدتي الملحمية ،وكانت دواويني في الغزل، وكانت بنت يفتاح وقدموس في المرسح. الملحمة عادة تصدر عن البلدان الجميلة الطبيعة (لبنان ،اليونان) وتتميز أوال بكتابة الشعر، الحقا في عهوده الراقية .يبدأ ً بالشعر ألن اإلنسان ُيتقن النثر ً طبيعيا بالوزن والقافيةَ ،ويشحن غنائياته بالخوارق وما بالغنائيات التي ُتلزمه ً مثال يصاحبها من جمال ،وبعواطف تلقائية متينة ال تتجاوز العشر ،منها التذكار ً 66
الفصل السادس
رندىل أول ديوان يف الشرق خمصص للغزل أكرث قصائدي يف الغزل مكتوبة من دون امرأة
سعيد عقل إن حكى
أو أربعة تتصارع عاطفة من عواطفهم مع ذاتها في داخل الفرد .هذا يفترض عرفته بيروت ،ما وأخيرا عرفته أثينا في القديمّ ،ثم عرفته پاريس، بالغا ْ ْ رقيا ً ً ً دفع باألب المنس إلى قوله ،عند قراءته بنت يفتاح ،إنها أول مأساة يعرفها الشرق. ينه ُد إلى فوق ،إلى سمو المرسح (كقصائد مهم بنسبة ما َ الشعر الحكمي ّ طاليس اليوناني الحكمية) ،وقد ينحدر إلى الشعر التعليمي الساذج .إنه ،في توجهه الحكمي ،فلسف ٌة تشرح ذاتها في إيجاز .وهذا ما برع به اللبناني راجي لقية .في ومضة قول مسبوكة جم ًعا في بيت واحــد .في ّ الراعي .إنه الفكر ُم َّ شئتها تختصر في ما دته في الـخماسيات التي ُ تعم ُ ومشدودة بجمال .وهذا ما َّ سوى خمسة أبيات لمعة مرسحية قوية. مقاطع ذات نفس ملحمي .لم أكتب الملحمة الكاملة ألننا ليست في قصائدي ُ الغنية كما عند اليونان .عند الفينيقيين نحو لدينا خــوارق في الميثولوجيات ّ نوعا من قصص ميثولوجية .لن يكون ثالثين أُ سطورة أُ ضمر أن أكتب حولها ً علي سأقوم به .فأنا ،طالما عندنا تراث عظيم من دون ميثولوجيا .هذا واجب ّ هم عندي ّإال أن أقوم بواجبي ُ عائدات كتبي وكتاباتي تكفيني لتأمين معيشتي ،ال َّ تجاه تراثي.
68
يف
أوحت بالقصيدة .هكذا منطق شعر الحب فضول قارئه أن يعرف المرأة التي َ ُ غالبا جماليا القصيدة وراء َه ِّم البحث عن صاحبة القصيدة .ف ِمن تضيع ً فضول وحياته ُملْ ك قرائه ،أن يبحث الناس عن النساء في حياته ،وهو قدر الشاعر، ُ َ ٌ قد يطغى على قراءة قصيدة الحب مقطوع ًة فنية. فورا :المرأة في حياته تساعد على مناخ القصيدة سعيد عقل يلغي هذا األمر ً تكون هي القصيدة .لذلك أَ لغى من حياته الخاصة وال يمكن – وال بحال – أن َ المباش َر على قصيدة الحب لديه. وهج المرأة َ َ سنتين في مطلع 1955عقد ُخ ْط َب َته على اآلنسة سعاد أبي صالح .دامت الخطبة َ ولم ُتكمل إلى الزواج. بعدها بربع قــرن ،مساء األربـعــاء ،1981/12/9عقد ُخطبته على الشاعرة أمــال جنبالط .دامــت الخطبة خمسة أشهر وتكلّ لت صباح األحــد 1982/4/2 يوما ،وانكسر بمأساة غياب العروس عصر األحد ـزواج لم َيـ ُـدم ّإال خمسين ً بـ ٍ .1982/5/23 أسماء نساء أو وكثير من قصائده أو عناوين قصائده، في دواوين سعيد عقل، ٍ ُ الغزلي عن امرأة وراء كل إهداءات إلى نساء .فهل من الضروري أن نبحث في شعره َ قصيدة؟ 71
صص كامالً للغزل غالف الطبعة األُوىل من رندىل – أول ديوان يف العربية ُم َ ـخ َّ
الفصل السادس | رندلى أول ديوان في الشرق مخصص للغزل
زواجه من أمال جنبالط ُ (دير مار مارون عنايا – األحد 2نيسان )1982 اإلشبني الرئيس عادل عسريان، اجلميل أبو ناضر. واإلشبينة السيدة كلود ِّ
يتشدد سعيد عقل بهذا األمر .ويروي حادثة جرت معه غير مرة: ّ
كنت ،قبل البدء بقراءة شعري، – أكثر من مــرة ،حين أدعــى إلى أمسية شعريةُ ، أرفع هذا الخاتم في يدي ،وهو ذهب أصلي من أمي وفي قلبه فيروزة مطبوخة، شح َبت (يقال ماتت بسبب ما يلحقها من ماء وصابون ومواد أخرى تطال كلما ُ ميز أصابع اليد) أَ ستبدلها ُبأخرى ألن الفيروزة األصلية ثمينة ً جدا وليس من ُي ِّ يميزوا الغزل األصلية من المطبوخة ّإال العارف الخبيرّ .ثم أنبه الحضور أن ّ واهيا ال يلتقطه سوى السامي األنيق من الغزل ّ المزيف الخليع ألن بينهما فارقً ا ً كنت أتناول بعض قصائدي الخبير .في السيارة ،وأنا في طريقي إلى األمسيةُ ، مزيفة سريعة ال قيمة شعرية وأنسج على القافية نفسها والــوزن نفسه نُ ً ُ سخا ّ 73
سعيد عقل إن حكى
دواوينه الغنائية بدأت مع رندلى )1950( وقصائدها مكتوبة قبلذاك بعشرين ك؟ ال ،)1960( أج ــراس الياسمين،)1971( ـامــا ( ،)1930ثـ ّـم أجـمــل مـنـ ِ عـ ً دلزى ،)1973( وله كتاب الورد( كلمات حب– قصائد من دفترهاُ ،)1973( ،)1972ولــه قصائد ُحــب فــي ي ــارا )1961( وخماسيات )1978( وكالهما باللبنانية ،والذهب قصائد( بالفرنسية .)1981 ـوان كامل فــي الـغــزل بالطبيعة جميعها مــن الشعر الغنائي الغزلي ،وبينها دي ـ ٌ النقاد (من َح َملة الدكتوراه في األدب) (أجراس الياسمين .)والطريف هنا أن أحد ّ مطو ًال في الديوان كال فيه المديح لتلك المرأة التي أوحت لسعيد عقل كتب ً مقاال ّ جميعها ذات عالقة بالمرأة بل بهذه القصائد ،والديوان ليست فيه قصيدة واحدة ُ ُ دوما سعيد عقل :أهمية التغزل بالطبيعة .هذا ،مر ًة أخرى ،لنؤكد ما ّ في ُّ يشدد عليه ً شاعره مثق ًفا إذا كان قارئا َّ الثقافة عند الشاعر أو عند الناقد ... .كيف نخلق ً ُ مثق َفين؟. وناقده غير َّ ُ وإذا بنت يفتاح هي أول مأساة عرفها الشرق( كما قال األب المنس)، الفرس الذين عرفوا هذه فـرندلى أول ديــوان غزل متكامل في الشرق (عــدا ُ جزءا من ديوان يحوي وجدانيات ومواضيع شتى. الظاهرة ً قبال) .قبله ،كان الغزل ً كامال ِل َما سوى الغزل ولم يسبقه أحد إلى ذلك خصص الشاعر ديوانً ا ً لماذا ّ قبال؟ ً ناجما عما اختزنه من ثقافة: وأيضا يأتي شرحه وأيضا ها هو يشرح، ً ً ً
يكرم المرأة ،يصدر عنه غزل را ٍق. – الحب أجمل عاطفة على اإلطــاق. شعب ّ ٌ مزيف ينحو إلى الخالعة .يخلط الناس وإذا لم يكن يكرمها ،يصدر عنه غزل ّ بين الغزل والخالعة .الشعوب في شتى عصورها عرفَ ت شعراء خليعين .شرطُ شهما فتقرأه األم البنتها وتبوح لها بأنه مكتوب بها .صعوبة الغزل َ الغزل أن يبقى ً غريزيا .وثمة شعراء كثيرون معرض لالنزالق إلى خالعة يتأَ ّثر بها الجمهور أنه َّ ً استغلوا هذه الغريزة فأكثروا من شعر الخالعة على أنه غزل ،وما هو بذلك قط.
72
الفصل السادس | رندلى أول ديوان في الشرق مخصص للغزل
هكذا قصائدي في الغزل :لها رسالة ،وليست مجرد أفكار أو كلمات مستوحاة الغزل كله .يكفي أن تكون هي بطلة القصيدة .حتى من امرأة .مع أن المرأة هي َ الغزل يعني أنها موجودة أو جر ُد كتابته َ معينةُ ،م َّ لو لم يكن الشاعر يحب امرأة ّ دور المرأة أنها حاضرة في صميم الغزل من أول القصيدة يفترضها في خيالهُ . إلى آخر القصيدة. الغزلي ،جاء فيه: نقديا ذات يوم كتب إدوار حنين ً إيجابيا عن شعري َ مقاال ً ً وألهبت لواعجه وكان على عته ليس في قصيدة سعيد عقل امرأ ٌة حقيقية َّلو ْ َ أخترع امرأة عذّ بتني، حق .وما ذنبي إذا لم أعرف في حياتي امرأة َّلو َع ْتني؟ هل ُ ما سوى ألكتب فيها هذا الكالم؟ أنا أباهي بأن شعبي دلّ لني ،والمرأة دلّ لتني .فلماذا أخترع أو أفتعل ما لم النواح والحزن واألنين عرفت يحدث؟ شعره على ُّ ُ شاعرا ،في مطلع شبابي ،قام ُ ً افتعال الحزن دائما في شعره ُ ونـ ْـدب الشباب مع أنــه في ريعان الشباب .كــان ً والوجع والحرقة .وهكذا يفعل شعراء كثيرون. المثقفة .هذه ،كي ترتفع إلى أعلى، أنا ال أؤمن بما يصدر عن الطبقات غير َّ أريدها أن تقرأ في شعري كيف تحب وتشعر .لست أنا من ينزل إليها قط .لم قناعة شعرية من أجل النزول إلى مستوى القراء تنازلت عن ث في حياتي أن ٍ يحد ْ ُ ُ المثقفة. العاديين أو الطبقات غير َّ غزل. أي بلد :لعب ُة َ الغزل أهـ ُّـم مدرسة لترقية الشعب .مطلع النهضة في ّ وويل الغزل الحقيقي. شاعر عظيم: بداية ب لم يعرف َ ويل شع ٍ ُ ُ قصائد غـ َـزلُ . ٍ عالم أو سياسي إذا لم يبدأ بقصيدة غزل ألن الغزل يمنحه الشهامة ويزيده ِ تمر أمامه ْ رهافة في التقاط نواميس الطبيعة أو أسرار الحكم .من لم ّ يتغزلّ ، َ العظمات وال يراها. أصبحت انطالقً ا من وعيي هذا الواقع ،لم أبدأ بكتابة قصائد الغزل ّإال بعدما ُ يتعد الغزل ُ ّ عشته في مطالع حياتي ،لكن الذي عشته لم ّ مثق ًفا .صحيح أن بعض َ 75
سعيد عقل إن حكى
مع خطيبته سعاد أبي صالح وفريوز – يف حمبسة شربل. (عنايا – أيلول )1957
النسخ المزيفة واحد ًة بعد لها بل فيها إيحاء بإثارة .في األمسية أَ قرأُ للحضور َ وأتبسط في أخيرا أقــرأ لهم األصلية أخــرى ،وكل واحــدة يظنونها الحقيقية. ً ّ الفارق الدقيق ،وهــو في لغة شهمة ال يمكن أن تخرج بها قصيدة ّإال إذا كان وأنيقا .ثمة كلمات ال يمكن استعمالها في شعر الغزل شهما ً شكلُ ها الفني كذلك ً غالبا ما تبدأ حضار ٌة من ديوان غزل ألنها تجرح الشهامة .الغزل ْ شهم وصعبً . الغزل، أو قصة حب خالدة (قصة روميو وجولييت ً مثال في إنكلترا) .وحين أقول َ أعني الشهامة والبطولة والشرف وفضائل سامية حين يقرأها الناس في الغزل ّ يتأثرون بها في حقول الفلسفة والتاريخ والسياسة ويلتزمون بحدودها الشهمة. شعرا يصبح َ للغزل طابع تعليمي يرفع الناس إلى مناخ سام ٍ رفيع ،مع أنه ليس ً تعليميا وال بحال. ً 74
الفصل السادس | رندلى أول ديوان في الشرق مخصص للغزل
تأثرت بنساء ُ أحببت ُه ّن يف حيايت، ُ ُ بهن. ت عجب أ ُ ّ وبنساء ْ ب الشاعر كما أقولهما صبحين .لم ُيقل هذا ٌ أحد قبلي .المرأة التي َتبقى بعد ُح ّ َ غزل. حبهما وحسب ،وشعره فيها خالعة ال َ غريزي ْ ّ كانت قبله ،يعني أن ّ أهل للتغني التمنع .المرأة جزء من جماليا الشعر الغزلي عندي: ِّ ُّ المتمنعة ٌ أساسي في الغزل. ودوره المتمنعة ال تستحقه .الحياء بها .غير ّ أجمل العواطفُ ، ُ ٌّ السياسي أن يمتنع عن المتمنعة أُ لْ ِمح إلى الرأس العالي ،وأُ شير إلى وبالمرأة ِّ ّ الغزل باستزالمه الى دولة من خارج وطنه. َ (كدت من جماليا قصيدتي الغزلية :اإللماح الجمالي .في قصيدتي نارْ فوجدتها عدت ّأال أُ درجها في رندلى خوف أال تكون سامية الجماليا ،لكنني ُ ُ أصف ليلة حمراء من دون أن أتبذَّ ل في وصف اللقاء ال تجرح خطي الشعري) ُ تعهر جسد المرأة بل قلت: الجسدي الذي تم ليلتئذ َ ٍ مرتين .لم ِ أصف ُّ 77
سعيد عقل إن حكى
أكتب اكتسبته كي اآلخر جاء ابن العلم الذي ُ نصف قصائدي األولــى ،والنصف َ َ مطلقا ،بل من غير معاشة غز ًال ً عظيما .في ما بعد صرت أكتب قصائد َ َ غزل َ ً وطن عظيم يقوم على عواطف الغزل للغزل في سبيل خلْ ق الغزل َ منطلق كتابة َ ٍ الراقي. بهن مثل أمي ومريم تأثرت بنساء طبعا ُ ت ّ عجب ُ ُ ً أحببت ُه ّن في حياتي ،وبنساء أُ ْ الـعــذراء ،ونساء في التاريخ (إليسا وزوجــة أستروبال) وملكات لبنانيات منهن ماما ،وجوليا ميزا اللواتي أُ تفوقن على عجبت ّ ُ جوليا دومنا ،وجوليا ّ بهن ألنهن ّ كن ُيقدن الجيوش الفينيقية .أُ عجبت الميديتشيتين (اللتين حكمتا فرنسا) بأنهن ّ ّ َّ أحببتها لم تكن ملكة وال بتلك الشخصيات النسائية أكثر من إعجابي بأية امرأة ُ بطلة. لديهن حسنات ت كانت أكثر مما أنا ُ ّ أحبب ُ أحببت ّ أحب ْب َنني َ هن .واللواتي ْ ثمة نساء َ كنت أُ َح ِّسن المرأة التي أُ حب ،كأن تمتنع عما ال أحب. زاد منها ُح ِّبي ِه ّن .مرا ٍ ت ُ مثال لم أدخــن في حياتي ولم أشــرب القهوة وال الخمر ،وهكذا أرغــب أن فأنا ً كن يقرأن أشعاري ويتمثَّ لن ببطلة حبها .ومعظم اللواتي أحببت ّ ُ تكون المرأة التي أُ ُّ شرا ،بل القصيدة ناهدا ٍ صبحن مثلها .المرأة عندي ليست شيطانً ا وال ً ت إلى أن ُي ْ ب لحظة حب في قصيدتي تختصر ْ أعطتني سعادة من أجمل فترات حياتيُ . ور ّ سنوات من حب كبير. بقيت أكتب للقارئ كما ثالثة يخلقهم الشاعر :الشعب ،المرأة ،القارئ .إذا ُ التغزل بالمرأة من قاموس أحسنه وال أرفعه مما هو عليه .قبلي كان ُّ هو يريد ،ال ّ لصا حين استعار لوصف المرأة عيون المها وعنق امرئ القيس .وهذا كان ْ مخ ً نادرا ما كان يرى في الصحراء القاحلة الجرداء أجمل الغزال وقوام الشجرة ألنه ً من عيني البقرة الوحشية ْ ومشق الشجرة .فهل أنا أبقى على هذا؟ ب الغزال ْ ووث ِ برمانتين ،فهل أنا وإذا كان الرمان ّإال نـ ً وشبه صدر حبيبته ّ البدوي لم َير ّ ّ ـادرا َّ انتين؟ ال .أنا برم َ أشبه صدر حبيبتي ّ اللبناني الذي يرى ّ الرمان كل يوم في السوق ّ 76
الفصل السابع
خطاب يف طرابلس يطيح صورة بشارة اخلوري وخمسة أسطر كانت كافية لتحسم موقف فؤاد شهاب
سعيد عقل إن حكى
بعد العرس يف عنايا -اليوم األبيض.
َ ل َوق ُْع ِ مهيب ك فوق السرير ٌ
ك ـ َـو ْق ــع الــهــنــيــهــة يف املــطــلـ ِـق
التمنع .كلوحات الفن الراقية أصفها بشيء من حتى حين أصف المرأة تعطي، ُّ ُ في العريّ ، ت خ ِفر ًة من جسدها .امرأة ال تلعب لعبة تغطي المرأة فيها مساحا ٍ أقل .المرأة التي تحب ،تبدي الحياء في ذروة العطاء ،يعاملُ ها الرجل باحترام ّ التمنع حتى وهــي في ذروة عطائها َمــن تحب .في الـغـ َـزل ،الجسد غاي ٌة بعض ُّ أداتها المرأة. يتحول الجسد متع ًة ُ كالروح ،شرطَ أال ّ جزء من مشاكل دائما في بالي .لم َ أخف ً الزواج؟ كان ً يوما من مشاكله وهي ٌ أحس أنني أكبر من مشاكل الحياة .ولذا أعترف اليوم دائما ُّ أكبر في الحياة .كنت ً هن. بندمي على عدم الزواج من إحدى الصبايا اللواتي ُ َ أحببت ّ 78
– أريد أن أخلق في لبنان ورشة إبــداع .ال يمكن أن نغلب إسرائيل بــآراء سياسية يلوكها عندنا سياسيون غارقون في الجهل ،وبعض صحافيين يمارسون التنظير ُ يتحدثون عن استعدادات مستندين إلى آراء أولئك السياسيين .ويضحكني الذين َّ في لبنان والدول المحيطة بإسرائيل للتغلُّ ب عليها .إسرائيل خطر داهم وتطمح التوسع الدائم .ال يمكن التغلُّ ب عليها ّإال بالعلم والوعي والثقافة .السياسيون إلى ُّ خطر على حاكمو ال ــدول المحيطة بها ال يتمتعون بــذلــك .فكيف ،وإســرائـيــل ٌ حضارتنا ،نغلبها بما دون الحضارة؟ وكيف نقوى عليها إن لم يكن بالرياضيات والعلم والتكنولوجيا وهي باتت بتكنولوجياها تضاهي أقوى الدول؟
هذا
يتحدث به سعيد عقل ،كــان رأس اهتماماته من يــوم بدأ المنطق الــذي ّ يكتب افتتاحياته في الصحافة اللبنانية ،وتمتد مقاالته إلى البلدان البعيدة فيتابعها رؤساء جمهورية ،منهم الحبيب بو رقيبة وجمال عبد الناصر. ضمر أن يكتب لتوعية الشعب على الحقائق، منذ بدء كتابته مقاالته الصحافية أَ َ يوما إن سعيد وباللغة التي ال جدل في حقائقها :األرقام ،حتى َكت َ ب غسان تويني ً شارحا وال يتركها عمياءَ .ي ُح ُّكها بسواها ُويجري عقل يصدم باألرقام ألنه يستنطقها ً مقارنات فتصبح لألرقام على قلمه لغة صارخة.
81
يتحدث باسم لبنان يف قاعة جامعة الدول العربية ّ
الفصل السابع | خطاب في طرابلس يطيح صورة بشارة الخوري
مل ينتبه إىل صورة الرئيس بشارة اخلوري معلَّقة وراءه.
المر فرضي ،شرط أن ينزعوا صورة الرئيس .يومها كان وزير الداخلية غبريال ّ َ يرد على سعيد عقل في سيلقي كلمة الدولة ويعلّ ق الوسام ،ومعه حبيب أبو شهال كي ّ حال هاجم الدولة والرئيس .صباح يوم الحفلة كان الشاعر يستريح في غرفته من عرف عن نفسه بأنه يعرف سعيد عقل التل في طرابلس ،حين جاء رجل َّ فندق على ّ من أيام كمال جنبالط ،وهو أصبح محافظ الشمال ويرجو الشاعر أن يتنازل عن مطلبه بإنزال صورة الرئيس من القاعة ،فرفض الشاعر وكلّ ف صديقه المحامي فوزي غازي أن يترقّ ب الحفلة ،فإذا أنزل المنظمون صورة الرئيس يتصل به كي وإال فلن يأتي .بدأ الجمهور يتوافد إلى يأتي إلى القاعة ويلقي خطابه المكتوبّ ، أحدهم سلّ ًما ونزع الصورة .عندها جاء الشاعر القاعة ،وقبيل بدء الحفلة وضع ُ إلى الحفلة وألقى كلمة بدأها بالقول :من السهل أن تدعو عظماء العالم إلى قصر 83
سعيد عقل إن حكى
من أول عهده بالصحف ،كانت له فيها نظرة خاصة ورؤية مميزة. يتغيب عن جريدته الــواديُ ويس ِند إدارتها بدأ في زحلة حين كان ندرة ألوف ّ تقريبا .لكنه منذ تلك المطالع، فيحررها بكاملها إلى الشاب عهدئذ سعيد عقل ّ ً تنبه إلــى أمــر االختصار تنبه ّأال يوقِّ ع ّإال المقاالت ذات الطابع الـخــاص .كما َّ ّ متعدد المقاطع والمواضيع فيصبح جريدة مختصر ًة. واالختزال ،وأن يكون مقاله ّ يؤسسها هكذا فتكون متعددة المواضيع .وكــان ذلك يطمح ،لو أتيح لــه ،أن ّ كــان َ متعدد المقاطع ،فيه الغزل جديدا على الكتابة الصحافية عهدئذ :عمود أو مقال ِّ ً أيضا إلى أن القارئ يرتاح في قراءة تنبه ً والفلسفة وال ِعلم والالهوت والسياسة .كما ّ يتمرس في تطويع المقطوعات القصيرة ،وإلى أنه هو نفسه ،ككاتب في الصحافةَّ ، أسطر قليلة. قلمه لتلخيص فكرة كبيرة بما سوى ٍ ت متفرق ًة غير مرت فترة غير قصيرة َ نشر خاللها مقاال ٍ بعد الــوادي في زحلة َّ ومجالت من دون التزام ثابت .أما الكتابة الدورية المنتظمة فكانت دورية في صح ٍ ف َ يوم دعاه سعيد فريحة إلى الكتابة في الصياد .ولتلك الدعوة حادثتان ،هنا قصتهما. ف مع الرئيس بشارة الخوري بسبب تجاوزات حصلت كان سعيد عقل على خال ٍ علم بها الرئيس وحماها .فأخذ الشاعر يرفض أن يحضر أو في انتخابات زحلة ِ ُ يخطب في حفلة يحضرها بشارة الـخــوري أو يرعاها بممثل عنه (ال يــزال حتى اليوم يرفض أن يتكلّ م في حفلة تحت رعاية رسمية من الدولة) .إلى أن كانت حفلة ملحمته عيد الكلية العاملية (في بيروت) لتكريم بولس سالمة عند إصداره َ نظمتها ّ الغدير .تكلّ م الشاعر في صديقه المحتفى به ولم ينتبه إلى صورة الرئيس معلَّ قة تقرر في طرابلس تكريم أمرا .وبعد أَ شهر ّ وراءه وهو يلقي قصيدته .فأضمر للرئيس ً وساما على خدماتها. منحتها الدولة سيدة من آل فاضل ْ ً طلب ِّ منظمو الحفلة (فــي مدرسة األميركان) من سعيد عقل أن يلقي كلمة. فقال إنه ُيحرجهم ألنه ال يخطب تحت صورة بشارة الخوري وألنه سيهاجم الرئيس أصر المنظمون بسبب تجاوزات له حصلت عند إنشاء قصر األونسكو في بيروت. ّ 82
الفصل السابع | خطاب في طرابلس يطيح صورة بشارة الخوري
يطل على القراء بصفحة عاما ّ ّ ظل سعيد عقل يكتب في الصياد اثني عشر ً أسبوعية تضم مقطوعات قصيرة مختلفة المواضيع .ولتلك الصفحة حكايات خصوصا عند حصول بعض تتردد في الناس وتترك أثرها البالغ، وأصــداء كانت ّ ً األحداث والحوادث. يتصدرها حديث لرئيس الجمهورية يوما َّ من تلك الـحــوادث :صــدرت الصحف ً أن ميزانية بيروت بلغت 72 عهدئذ كميل شمعون يعلن أن في لبنان ازدهـ ًـارا ،بدليل ّ افتتاحيات رؤساء التحرير والمعلّ قين يفاخرون بذلك وبعهد مليون ليرة .وهلّ لت يومها ُ قصيرا من بضعة أسطر مقطعا الرئيس شمعون .فما كان من سعيد عقل ّإال أن كتب ً ً في صفحته األسبوعية من الصياد بعنوان :هذا رقم التعتير .وأشار إلى أن هذا
85
سعيد عقل إن حكى
ـج ِّود ...يُ َب ِّدل ...حتى يكتُبِّ ... ينقح ...يُ َغ ِّير ...يُ َ ليصعب على سواه أن يقرأ خمطوطته.
حاكما ذا مؤلفات وتكون األونسكو في لبنان ،إنما ليس من السهل أن تكون أنت ً هبت القاعة لخطاب سعيد عقل ولم يجد ً واحدا من عظماء األونسكو .وكان أن َّ يرد به عليه .بين حضور تلك الحفلة كان غسان تويني وسعيد حبيب أبو شهال ما ّ فريحةَ ، يخرب عالقته ببشارة فآثر تويني عدم نشر الخطاب في النهار كي ال ّ كامال .من يومها توطدت العالقة الخوري ،بينما سعيد فريحة أخذ النص ونشره ً الرجلَ ين .بعدها بنحو عامٍ ،كان سعيد عقل عند سعيد فريحة يوصيه بعام ٍل بين ُ أن الرجل بدأ أن يجد له مكانً ا في مطبعة الصياد فأجاب فريحة :إعتبر ّ أسبوعيا في مقاال بالعمل .ولكن أنت ،لن تخرج من هنا قبل أن ّنتفق على كتابتك ً ً الصياد .وهكذا كان.
84
الفصل السابع | خطاب في طرابلس يطيح صورة بشارة الخوري
على كل متر مربع واحد ،حتى لو أعطيناه مئات األمتار؟ لذا قال سعيد عقل عن رقم طبل لها السياسيون والصحافيون إنه ليس سوى رقم التعتير. ميزانية بيروت التي ّ في اليوم التالي صــدرت لسان الحال بافتتاحية من رئيس تحريرها جبران حايك يعترف فيها بـسذاجة ما كتبنا يوم أمس مهلّ لين لميزانية بيروت التي باتت العالم الخبير بلغة أقل من شحيحة حين َص َد َمنا سعيد عقل بحقيقة أرقامها ،هو ِ ّ األرقام .ومنذ تلك الفترة أخذ جبران حايك يترقّ ب الفرصة ليأتي بسعيد عقل إلى لسان الحال. وجاءت الفرصة بعدذاك بنحو عامين. سنة 1961أصدر سعيد عقل يــارا في اللغة اللبنانية والحرف اللبناني .ثار ماليا) فطلب من سعيد فريحة أن ُيوقف جمال عبد الناصر (وهو يدعم الصيادً سعيد عقل عن الكتابة في الصياد أو ُينكر الكتابة بالحرف الالتيني .وكان عبد معجبا بمقاالت الشاعر في الصياد ،يقرأُ ها ويطلب من أعوانه في مجلس الناصر ً قيادة الثورة أن يتمثلوا بآراء سعيد عقل فيها ،كما كان سعيد فريحة ،كلما زار مصر والتقى الرئيس المصري ،ينقل ذلك لسعيد عقل .وبعد أسبوعين صدرت الصياد تنبه جبران حايك واستفسر عن األمر من الشاعر في من دون مقال سعيد عقلَّ . بأي شرط، علم بما جرى ،وضع جريدته لسان الحال في ُّ تصرفه ّ زحلة .ولما َ قبل أن يغريه صديقه جورج نقاش للكتابة في الجريدة .وهكذا انتقل الشاعر من شهريا إلى الكتابة في لسان الحال مقابل الكتابة في الصياد لقاء 500ليرة ً شهريا لقاء عمود افتتاحي كل كلمة بما كان يعادل نحو 2000ليرة نصف ليرة عن ّ ً نصف أسبوعي بعنوان كلمات. مــن طــريــف ح ــوادث مقاله فــي ل ـســان ال ـحــال أنــه كــان مــرة فــي بــاريــس وزار كاتب في مكانته ،فاكتشف أنه يدفع الفيغارو وعرف كم يدفع ضريبة على معاشه ٌ ربع معاشه .بعد عودته إلى بيروت كتب الحادثة وطالب وزير المالية (يومها رئيس
87
سعيد عقل إن حكى
ً مشاركا يف ندوة عن كتاب حفْ ٌر على ا َأل ّ يام َ باكورة الشاعرة مي الريحاين (عن ميينه) على املنرب من اليمني: عصام حمفوظ ،جوزف صايغ، نور سلمان ،جميل جرب. (الندوة اللبنانية)1969 –
الرقم المرتفع الذي أعلنه الرئيس يجب أن يتم تشريحه ألن الرقم أعمى مهما عال، العالم الخبير وتجب مقارنته ُ ومقابلته كي ّتتضح قيمته أو يتضح بؤسه .وبمنطق ِ باألرقام حلّ ل الرقم إلى مقاربة يعرفها الناس ،كاآلتي :نقسم 72مليون ليرة على كبيرا. يوما حتى نجد كم تكون ميزانية بيروت في اليوم الواحد .يبقى الرقم ً ً 365 نعود فنقسمه على 16مليون وخمسمئة ألف متر مربع هي مساحة بيروت لنعرف كم خصصت للمتر المربع الواحد من العاصمة .عندها يقترب الرقم من تكون الميزانية ّ يوميا مع األرقام الصغيرة على المساحات ذهنية الناس الذين يتعاملون في ميزانياتهم ً (تحديدا 1،9 :غرش). الصغيرة من بيوتهم الصغيرة .جاءت النتيجة أقل من قرشين ً كامال مقابل هذه القروش نهارا ً فهل من رجل بائس يبحث عن عمل ،يرضى أن يشتغل ً
86
الفصل الثامن
احلرف ل ّلغة يتغري كالثوب للجسد
سعيد عقل إن حكى
الــوزراء رشيد كرامي) بأن يطلب منه دفع ضريبة تعادل 500ليرة ألنه كان يقبض يومها من لسان الحال 2000 ليرة. كان الرئيس فؤاد شهاب يقرأ لسان الحال ويرتاح إلى القطع الصغيرة ،ومنها مقطوعات سعيد عقل فــي عـمــوده .وص ــدف ،يــوم صــدور المقال ،مــوعـ ٌـد لجمعية الصناعيين مع الرئيس إلقناعه بإلغاء ضريبة الدخل في لبنان .وكــان مع أعضاء الجمعية نائب ووزير (هو رئيس أحد األحــزاب) جاء ُيحاول إقناع الرئيس بأن إلغاء سيشجع توافد الرساميل األجنبية على لبنان ،وهــذا ُي ْغني الدولة .أخفى الضريبة ّ الرئيس الجريدة واستقبل الوفد .وقبل الشروع بالتباحث في الموضوع ،طلب شهاب من رئيس الجمعية (عبداهلل خوري) أن يقرأ له مقطع سعيد عقل في لسان الحال بحجة أنه لم يفهمه .وفور انتهاء رئيس الجمعية من قراءة المقطع (وكان من خمسة هلموا بنا ،انتهى االجتماع .فخامته أعطانا أسطر ونصف) قال لزمالئه في االجتماعّ : موضوعا نناقشه به منذ سنتين. وحس َم في دقيقتين ً الجواب قبل أن نبدأ الحديثَ ، مساء ذاك اليوم التقى عبداهلل خوري وسعيد عقل في عشاء عند إميل البستاني، شاعر يطالب قائال له: فأخبره خوري بما حدث وكيف انتهر الرئيس ذاك السياسي ً ٌ بأن يدفع ربع معاشه ضريبة ،وأنت تأتي لتدعم من يطالبونني بإلغاء الضريبة؟ هذا عيب يا حضرة النائب والوزير ورئيس الحزب. ...وقصص مماثلة كثيرة َ حدثت من أصداء مقاالت نارية كان سعيد عقل يكتبها. الحقا كتب افتتاحيات في جريدة الجريدة بعنوان اليوم اليوم ،وفي جريدة وهو ً نداء الوطن لصديقه القديم الزحالوي الياس الغريافي. ابن ال ِعلم ،يحاجج باألرقام ،ويرفع الصوت وفي جميع تلك المقاالت كان الشاعر َ من أجل ِ يتلقى أصداء كتلك وطن قوي بعيد عن غوغائية سياسييه ،ويبتسم حين ّ بناء ٍ ّ التي َ وسببت انقطاعه عن الصياد بسبب صدور ديوانه يارا في الحرف حدثت َّ الالتيني.
88
كان
الطفل سعيد عقل فــي الــرابـعــة مــن عـمــره حين شـ َـرعــت المعلمة في درسا في اللغة الفرنسية. مدرسة المعلمة صوفيا تعطي تالمذتها ً لم يفهم الطفل كيف أن حرف باء Bمع حرف Aيصبح با BA والراء Rمع أصر حرف Aيصبح را RA بينما حرف Cمع حرف Aيصبح كــا.CA ّ الصبي على أن يكون سا مثل SA فاستنجدت المعلمة بمديرة المدرسة التي َ أن هــذا مــن طبيعة الـحــرف فــي اللغة الفرنسية .وهنا التفت جــاءت ْ فأفهمته ّ كل حرف ُيلفظ بصورته الطفل إلى المديرة وقال لهاً : غدا حين أكبر سأجعل ّ من دون تغيير. سينفذ ذات أن هذا الصغير أمامها ّ ابتسمت المديرة لـنكتة الطفل ،ولم تدرك ّ يوم حلمه الكبير. (وردت في الفصل سنة 1927غادر سعيد عقل المدرسة ألسباب عائلية قاهرة َ ف ال األول من هذا الكتاب) ،وفي باله وضع مشروع الكتابة باللغة المحكية وبحر ٍ يتغير لفظه أنى ورد في الكلمة .كان ّ مط ًلعا على ما أحدثه مصطفى كمال أتاتورك ّ أساسا لغة محكية. تغيير في اللغة ألن التركية يحتاج إلى في الحرف من دون أن َ ٍ ً كما وعى بأن من غير المنطق إطالق ثورة الحرف ثم ثورة اللغة ألن الشعب ال يحتمل كبيرتين في فترة متقاربة. ثورتين َ َ 91
هرني زغيب (شباط )1993خالل حواراته مع سعيد عقل وهي التي شكّلت فصول هذا الكتاب
الفصل الثامن | الحرف ّللغة يتغير كالثوب للجسد
العدد 86من جريدته لبنان( األربعاء 9شباط )1986يف اللبنانية واحلرف العربي. خل ِ مسي هـ ا َ املانشيت :فيلم عن عاصي وفريوز ،واالفتتاحية بتوقيعهَ :
93
سعيد عقل إن حكى
92
العدد 372من جريدته لبنان 25( آذار )1983يف اللبنانية واحلرف اللبناين. هـ الــِ 100 كلمه املانشيت :اهلل والرياضيات ،واالفتتاحية بتوقيعهَ :
الفصل الثامن | الحرف ّللغة يتغير كالثوب للجسد
العالم الذي يمشي مع ً دوال كبرى في العالم ماشية بهذه الظاهرة .كانت لي جرأة ِ ضدها. الحقيقة ولو كانت األكثرية ّ فونيما (الفونيم = صوت تنبه لهذه الظاهرة فأوجد 22حرفً ا لـ22 ً قدموس ّ اللفظة) هي كل ما كانت تحتاجه اللغة الفينيقية .وراح مبتدعو الحضارات يطوعوا حروفً ا جديدة يأخذون الحروف الفينيقية ويؤقلمونها ِللُ غاتهم من دون أن ّ للفونيمات التي في لغاتهم. ـدت حروفً ا مؤاتية لجميع اللغات في العالمَ ،تصلُ ح ألصــوات جميع أنا أوجـ ُ األحرف في جميع اللغات. بعضهم قال إنني مبالغ في الحقيقة .جورج أصــداء يــارا كانت صاخبةُ . نقاش أرســل صحافيين أجــروا استفتاءات بين الناس فجاءت النتائج جميعها ومن لتغير في رأيي ألنني ابن العلْ مَ ، إيجابية .وحتى لو لم تكن إيجابية ،ما كانت ّ كان مع العلْ م كان مع الحقيقة. جميع الحروف في العالم على مسافة واحدة مني ألنها جميعها ابنة الحرف أي حرف آخر؟ الفينيقي .لماذا ُ اعتمدت الحرف الالتيني مع أنه معاق أكثر من ّ استعماال في العالم بسبب انتشار اإلنكليزية والفرنسية ً اعتمدته ألنــه األكثر ُ مثقف في العالم يعرف لغته ولغ ًة أخرى واإليطالية واإلسپانية واأللمانية .كل ّ ف بالحرف الالتيني إن لم تكن لغته األساسية به. جعل حر ٍ ُ قمت بتصحيحه في ْ ت 11حرفً ا بدون أن تظهر على أنها حروف جديدة، واحد لكل فونيم، َ واشتق ْق ُ يخيل للقارئ أنها من صميم الحرف الالتيني نفسه. حتى بات َّ ما الذي حصل بعدها؟ أخذ علماء في دول عدة من العالم (أسوج ،ألمانيا، فرنسا ،إيطاليا ،الواليات المتحدة ،مصر) يطالبون بهذا الحرف للغاتهم. منقوال إلى ً ذات يوم قال لي فرنسوا لوجيل (سفير فرنسا في لبنان وكــان مرشح أن أكون وزير التربية .إذا تم لي ذلك سأطالب بحرفك الكويت) :أنا ّ يصحح استعمالها ً لفظا وكتابة .في إنكلترا ترك برناردشو للّ غة الفرنسية ألنه ّ 95
سعيد عقل إن حكى
ترجم قصيدة المرتين البحيرة إلى اللبنانية وبالحرف الالتيني وكان سنة 1930 َ حلما طوال 31سنة الذي لم يكن عندئذ في الكمال الذي صقلَ ه ً الحقا .وبقي الحلم ً حتى ّتم له تحقيقه سنة .1961 لماذا تأخر تحقيق الحلم؟ وماذا جرى في أثناء تلك السنوات؟ أشجع على الكتابة باللبنانية ،وأكتب قصائد من يــارا وال – منذ 1927أخـ ُ ـذت ّ يوما إلى زحلة مدير إذاعة دمشق أقبل أن أنشرها حتى ّ أحقق الحرف .وجاءني ً عسة يرافقه الكاتب السوري شاكر مصطفى ،وطلب مني قصائد ألقيها أحمد ّ عددا من قصائد يارا لتلك الغاية. بصوتي. فكتبت ً ُ تباعا لدى عدة ناشرين ،وقــراري ّأال وبينما ُكتبي في العربية كانت تصدر ً مقررا كذلك ّأال أنشر قصائدي باللبنانية كنت ً كتابا واحـ ًـدا على حسابيُ ، أطبع ً لصب حروفه وتهيئتها للمطبعة. كبيرا ّإال بالحرف اللبناني الذي كان يحتاج ً ّ مبلغا ً كتابا لي وحين ُ يوما في مكتبة أنطوان ،وطلب مني پيار نوفل ،أحد أصحابهاً ، كنت ً مكلف ( 3000ليرة حقوقي، كتابا ال يستطيع هو نشره ألنه ْ ينشره ،قلت له إن عندي ً صب أحــرف جديدة للمطبعة) .لكن و 3000ليرة تكاليف طباعة ،و 3000ليرة ّ فقصدت حسيب درغام إلى مسبكه (مسبك الحروف الشرقية) پيار نوفل وافق، ُ أخذت الحروف والمخطوطة إلى مطبعة بيبان (في وصنع لي الحرف اللبناني ،ثم ّ ُ وأصدرت يارا بالحرف اللبناني واللغة اللبنانية (.)1961 جونيه)، ُ كنت أحلم لها أن تكون. هكذا بدأت مع يارا مرحلة الحرف واللغة ،مثلما ُ ُ بأي حرف .الحرف للُّ غة كالثوب للجسم .اللغة يمكنها أن َّأية لغة يمكن كتابتها ّ أي ثــوب .وقــد تبقى عارية كما كانت طــوال آالف السنوات قبل اختراع تلبس ّ الحرف .من هنا تعبير اللغة الكاسية واللغة العارية. موجهة إلى العالم كلِّ ه ال إلى لبنان أبسطُ الثورتين هي ثــور ُة الحرف ألنها ّ تكتبها وحده .ففي الكثير من لغات العالم ٌ أحرف تلفظها وال صورة لها ،وأحرف ُ وال تلفظها ،وفونيمات يستعيرون لها حرفَ ين كي يأتوا لها باللفظة .ولم يبهرني أن 94
الفصل الثامن | الحرف ّللغة يتغير كالثوب للجسد
مل يقف على منرب واحتشدت له اجلموع إال ّ َ سياسيني ومناصرين. من ّ
لغات أنا ال أهتم لمصلحتي الخاصة بل لمصلحة ال ِعلْ م والحقيقة .في فرنسا ٌ حية ألنها محكية .اللغة اليونانية حكية تتعايش مع اللغة األم التي هي ّ كثيرة َم ّ القديمة انتهت .اللغة العربية يكتبها جميع العرب وال يتكلم بها أحد ،ال في مهد والدتها وال في أقاصي امتداداتها .طه حسين ،أحد عمالقة هذه اللغة ،كان يستعملها للكتابة فقط ،وفي الكالم كان يتكلّ م المصرية المحكية. لماذا يتخلّ ى اللسان عن اللغة الميتة ويعتمد اللغة الحية؟ ألن اللغة المحكية دائما هي الشكل المتطور األفضل لتلك التي ما عادت محكية .اإلنسان يتطور ً صوب األفضل .اللغة الميتة أطــول ،المحكية أقصر ولذا تعتمدها العامة .من يقرر؟ اللسان .ألنه هو الذي ينطق أكثر ساعات النهار .العقل يعمل لكنه ال ينطق ّ ملموسا وال تلتقطه العين (وهي تلتقط ماديا ً ألنه ال يستعمل اللغة .الفارق ليس ً 97
سعيد عقل إن حكى
ثرو ًة أوصى بها لتصحيح الحرف اإلنكليزي .وفي مصر دعا إليه صالح جاهين يصحح حرفها مصر سعيد عقل آخر يع ِو ُز ّ َ في تصريح نشرته النهار بعنوانْ : للّ غة المصرية .وكذلك المستشار الرئاسي عثمان صبري دعا إلى اعتماد اللغة المصرية المحكية واعتماد الحرف الالتيني لها. أصدرت مسابق ًة لتصحيح الحرف العربي، لدى تأسيس جامعة الدول العربية َ ّإما بتحسينه أو باعتماد حرف آخر للعربية .وفي الجامعة اليسوعية أطروحة كتابا عالج صاحبه جميع االقتراحات التي تقدمت إلى جامعة دكتوراه صدرت ً طمس النظام في الــدول العربية في القاهرة .وبسبب ظروف سياسية معينةَ ، مصر أمر هذه المسابقة. العالم األلماني الدكتور هاينز غروسڤلت قبل سنوات جاء إلى فرنسا وكــان ِ لحضور مؤتمر لغوي ،ودافع عن حرف يارا الالتيني (أنا أسميه الحرف اللبناني)، وكان الدكتور سعيد البستاني يمثل لبنان في هذا المؤتمر وروى لي تفاصيل ما كان. كل بلد يريد هذا عن ثورة الحرف ،وهي ليست المهمة .ثــور ُة اللغة أهمّ . أن يدخل في الحضارة ،عليه أن يعتمد لغة محكية .هكذا فعلت أوروپــا حين تخلَّ ت عن الالتينية واعتمدت لغاتها األوروپية المتداولة اليوم .الشعراء عاد ًة السباقون في كل ميدان .من هنا قال هيغل: هم الذين يبدأون بهذه الثورة ألنهم ّ عزف دانته عن كتابة عندما يزول كل شيء في العالم ،يبقى الشعر .هكذا َ الكوميديا اإللهية باللغة الالتينية (وكان أحد عمالقتها ويعتبر نفسه تلميذ عاصمتها ڤرجيل) وأعاد كتابتها باللغة التوسكانية (كانت توسكانا إمارة صغيرة ُ فلورنسا) ،وباتت تلك اللغة لغة إيطاليا اليوم .وها الكوميديا اإللهية إحدى أروع التحف العالمية الخالدة. تحديد علمي للغة الميتة بأنها لغة لم تعد محكية .وذات س ٌ في كل قامو ٍ لغة ميتة ،ولكن إذا أدبا في ٍ يوم قال ميخائيل نعيمه في مجلس خاص :إننا ننتج ً قلنا هكذا أين نبيع كتبنا؟. 96
الفصل التاسع
قصيدته عروس املهرجانات األدبية ومصر عقدت له الصدارة مرتني
سعيد عقل إن حكى
%83من معارفنا) بل ُ األذُ ن فقط (وهي ال تلتقط سوى )%11ولذلك ال يلتقط العامة الفارق بين المحكية والميتة ألن األذُ ن وحدها تلتقطها .ولو كانت ماد ًة وتنبه الناس أسرع إلى الفارق. مرئية لكانت ْ التقطتها العين َّ اللغة تتمظهر في الكتاب والجريدة والمرسح والسينما واألغنية والكالم. بين هذه كلّ ها ،يستعمل العربي َة المكتوب َة بضع ُة آالف فقط (في الكتاب والجريدة وبعض المرسح) ،بينما المحكية يستعملها الماليين في السينما واألغنية والكالم اليومي .هكذا اللسان يغلب ،بحقيقة علمية ال جدال فيها. فحجتهم واهية ،ألن الوحدة المتحججون بعامل الوحدة من خالل اللغة، أما ّ ّ يوحد المسيحيين في العالم لغة اإلنجيل ال تقوم ّ ضد الحقيقة العلمية .فهل ما ّ يوما محابا ًة أم تعاليم اإلنجيل؟ وهل يقبل المسلمون ما قاله الشاعر القروي ً يوحد بيننا؟ ومداهنة: سالم على ُك ْف ٍر ِّ ٌ يتم أحيانً ا على إن القول في االتحاد القوة قول خاطئ .ألن االتحاد قد ّ قوة .األصح أن نقول :القوة هي في الضالل أو الفكر أو الشر ،وقد يكون ذا ّ موحدة، االتحاد على الحقيقة .حين جاء النبي محمد كانت الجزيرة العربية َّ يتوسع إنما على عبادة األوثــان .وألنــه جاء بالحقيقة ،بدأ من أقلّ ية معه وأخــذ ّ بالحقيقة ،وينتشر بالحق ،وينشر رسالة اإلســام .أين القوة لديه؟ كانت من بالقيم العليا التي ي ِق ُّر بها العقل. دعوته اإلسالمية إلى االتحاد على الحق َ
98
عن
أن حتى فؤاد افرام البستاني من محاضرة له في الفرنسية (روما ْ )1964 شهرتهم منتشر ًة في األوســاط األدبية الذين يكبرون سعيد عقل ،وكانت ُ قبله بكثيرَّ ، تأثروا بأفكاره الجديدة وتجربته الشخصية. من هؤالء الذين آمنوا بتجربة سعيد عقل الشخصية :األخطل الصغير .وحين جمع قصائده التي اشتهرت في لبنان والعالم العربي ُليصدرها في كتاب (شعر أصر أن يكتب مقدمته سعيد عقل .فكتبها وأعاد الوفاء لألخطل: األخطل الصغيرّ )
– قبل أن يكون للشرق أدا ٌة سياسية تجمع ،كان الشعر تلك األداة .على أنها مع ورافدين، وهنت وشائج بين نيل مبلغها العلي العظيم .فإن َ بلغت َ األخطل الصغير َ َ ّ أو ّ تقطعت أنفاس صبا بين نجد وأطلس ،تألّ قت بيروت بمفاتن ِشعر ،فائتلف سفيرا قبل شرق وشرقت بدموع الفرح عواصم .وللبنان ،كان األخطل الصغير ٌ ً العهد ببعوث تنطلق.
عند صــدور الــديــوان عــام 1961تنادى األدب ــاء إلــى حفل تكريمي كبير في قصر األونسكو شــارك فيه كبار الشعراء :محمد مهدي الجواهري (من الـعــراق) ،صالح جودت (من مصر) ،عمر أبو ريشة (من سوريا) ،عبد المنعم الرفاعي (من األردن)، نثرا، َ وآخرون .وطلب ميشال أسمر (مؤسس الندوة اللبنانية )من سعيد عقل أن يقول ً 101
بريشة بيار صادق
الفصل التاسع | قصيدته عروس المهرجانات األدبية
ً فتأجل المهرجان ،ثم توفي أمين نخلة ( 14أيار )1976 أمنيا وقع في بيروت ّ حادثا ً ومطلعها: قبل أن يشهد تكريمه في مهرجانه ،فبقيت قصيدة سعيد عقل بين أوراقه، ُ
تـاج ك ...ال بيني وبي َن َ عرش وال ُ ٌ تنص ُرهم همُ ، من بايعوا ،بايعوا .ما َّ ـره ك!! ٌ اهلل ف ُّن َ سيف ُس َّل! َلم َي ُ عجب يهتز يف اللمع أو يف القَمع ال ُّ ٌ واطريب رقص ُ تَ ... َ وع ُيت ُه؟ قل أنا ُأ ْ ٍ مبعصية وعد اختل معيٌ ، أفكاركَ ؟ ْ ُ أفكاركَ الورد ،من ق َْطف األمرية صمت ُهِ ،وغوى أفكاركَ ؟ ُ الليل منهاُ ، ُ
معراج نرت ِق ا ُخللدِ ،شعري اليوم قُم َ ُ يا ذا الفقار الذي يف ظ ّله ماجوا ـزالج ـاب اخلــواطـ ِر ّإال انـزاح مـ ُ بـ ُ رجراج الشرق يوم الثب ُ ُ ُ ت َ لوحده ْ مهباج الـدق كالب ّن ُي ِرق ُص ُه يف ُ ّ ُ ـاج ـوم ال ّإالكَ نـ َّـهـ ُ ـج يـــــــ َ ِلــــ َـمــنـ َـهـ ٍ
أدراج تستقوي وقد ْ تعبت ،والقصر ُ هز ُاج ـجوم – فوق – ّ ُسدو ِل ِه ،و ُن ٌ
بعد مهرجان مبايعة األخطل الصغير ،كــان مهرجان شبلي المالط في قصر األونسكو كذلك .وفــي جلسة التحضير كـ ّـرر ميشال أسمر طلبه إلــى سعيد عقل نثرا .فانتفض فــؤاد افــرام البستاني وعبداهلل العاليلي ووجــدي المالط أن يقول ً شعرا .وأردف البستاني يومها: وأنطون قازان ِ رافضين ،وأصروا أن يقول سعيد عقل ً شعرا ّ مؤخ ًرا أعلن طه حسين في تصريح له أن الشعر انتقل إلى لبنان .إذا لم ُتق ْل ً في المهرجان قد يتراجع طه حسين عن كالمه .ويومها ألقى سعيد عقل قصيدته مطلعها: التي ُ
ك احلُ ُر ُم سيف عىل ُالب ْطل أم ِش ُ ٌ يمات َ
القلم شعر َخ ِّلد ٌ يا ُ وسيف ذلك ُ
103
سعيد عقل إن حكى
يف مهرجان األخطل الصغري.
وأن تبقى قصيدة لبنان محصورة بأمين نخلة .وألن أمين نخلة كان ذا مكانة كبرى لدى سعيد عقل ،رضي فألقى كلمة نثرية ،وألقى أمين نخلة قصيدته التي مطلعها:
أيــقــولــون أخ ــط ـ ٌـل ...وصــغـ ُـر؟
ـت يف دولـ ــة ال ــق ــوايف أم ـ ُـر أن ـــ ـ َ
المهرجان بقصيدة جديدة ،مطلعها: ويومها ختم األخطل َ
أصبحت ال شمسي وال قمري وم ُ َ أ َي َ
من ذا يغ ِّني عىل ٍ عود بال وتر؟
ومن مكانة أمين نخلة العالية في قلب سعيد عقل ،مشاركته في مهرجا ٍن كان ُم َع ًدا (سنة )1973لتكريم األمين يشارك فيه شعراء من لبنان والدول العربية .لكن 102
الفصل التاسع | قصيدته عروس المهرجانات األدبية
هد ُر عىل َ اسمك بني احلَ و ِر َأغوى و َأ ُ
أشعر؟ اليوم ُ النهر ،شوقيُّ ،أينا َ أنا ُ
وفي زحلة كذلك كان يوم شفيق معلوف:
زهـ ٌـر ُن ُض ُر رص ْع َ وعمري َأ ُ ت بايل ُ َّ
القم ُر كما ُيـ ِّ ـرصـ ُـع لــيـ َـل الــعــاشـ ِـق َ
مجرد مدح المحتفى به وهكذا ،مع سعيد عقل ،انتقلَ ت قصيدة المهرجانات من ّ وخرجت قصائد تكريم الذكرى شعر يحوي الغزل والجمال والمجد، أو رثائه ،إلى َ ٍ عن الرثاء العربي الحافل بالنواح والبكاء .ولذلك كانت قصيدته في كل مهرجان هي عروس المهرجان. مرتين إليها في مهرجانَ ي عزيز أباظة وطه عي َ وكما في لبنان كذلك في مصرُ :د َ حسين .كالهما بدعوة من وزير الثقافة عهدئذ يوسف السباعي ،وفي كليهما كان حديث المهرجان. شاعر لبنان َ ُ من قصيدته في عزيز أباظة:
أنت؟ يف بايل انضنى َأ َل ُم عر وال َ ِش ٌ ـواهــمــاُ :نـ ْـبـ ٌـل بشعرك مل إثــنــان أهـ ُ لت غُ ص ًنا من األرز َ استظ َّل به ُح ِّم ُ ِ مبتد ُع ماهم ثرى لبنان أو من َن ُ دم ما مل َن ِز ْن مصر َ يبق ٌ وزن احلق َ ت يف ُخ ُل ٍد مصر ،إذا ُأ ْع ِو ْز َ عمالق َ َ من زهر لبنان ُخذْ َعرشً ا ومن ِق َي ٍم
مصر ،تط َّل ْع ،وا ْنحنى َه َر ُم عمالق َ َ ولبنان منه َت َتعب ا ُألممُ يتعب، ُ َ أو رعمسيس أو ُالو ّف ُاد َمن َع ُظموا ُالب ّداع َمن نَثَ روا الدنيا َومن َن َظموا ـراق َد ُم عىل الضمري ويبقى َأن ُي ـ َ الض َم ُم شاءت ُّ َف ُض َّم من ُخ ْلدنا ما َ ـان ...وال ِالق َيم ال زهـ ُـر لبنان م ـ ّنـ ٌ َ
105
سعيد عقل إن حكى
ثم كان مهرجان الذكرى ُ األولــى لغياب األخطل الصغير فأقيم له ( )1969في قصيدته التي سارت في الناس فحفظوها، قصر األونسكو ،ألقى فيه سعيد عقل َ ومطلعها:
ت بكيت َ لكن ُ سكت ْ قبل ،مذ َ ال ُمذ ُ كْ ،
الغص ِن يراعةٌ لـ َ ـكَّ ، الهم يف ُ قـل ُّ
وشعشعت قصيدة سعيد عقل فيه ،ومطلعها: َّثم كان مهرجان أمين تقي الدين، َ
قمم ِ املجد ! تصباك ِشعريَ ، قلت ُه َ َّ
ب ِ بالغ ْم ِد سالم عليه السيف ُأ ِ عج َ ٌ
وبعده كان مهرجان أنطون قازان فقال فيه سعيد عقل:
كئيب اليوم ،ها شعري ُ دا ِو شعري َ
ـب غـ ُـصــــ ٌـن شُ ـــ ـ ِّـر َد عــنــه الــعــنــدلــيـ ُ
ويقام مهرجان لصديقه القديم عمر فاخوري ،فيوفّ يه حقه:
ِ فليشتع ْل بايل ت اليوم ببايل مـ َـر ْر َ
قصف الرعد يف اجلبل العايل كأ ّنك ُ
وضجت قصيدة سعيد عقل فيه: وكان يوم نهرو، ّ
ِ ـت ،وكالنهى سر الهند أنـ َ كالهند ُّ
وإليك كان املنتهى؟ َأو َتنتهي... َ
وكان يوم خليل مطران في بعلبك:
فتقد رأس َ منك ُت ُ ما املوت؟ شَ مخةُ ٍ
األبد عطرها ُ واس َل ْم بباقة ِشع ٍر ُ
واندلعت فيه قصيدة سعيد عقل التي أشعلَ ت وكان يوم أحمد شوقي في زحلة، َ جد ًال: َ 104
الفصل التاسع | قصيدته عروس المهرجانات األدبية
جميعا هنا متهد ًجا بثمانينه ،وارتجل كلمة جاء فيها :أنتم الحكيم ،وقف الحكيم ِّ ً ضروريا أن علي كأوالدي .وبهذه الدالّ ة أسألكم كما يسأل األب أبناءه :أكان ً عزيزون َّ أذوق هذا التكريم؟ إن هذه الظاهرة اليوم يجيء سعيد عقل من لبنان إلى مصر حتى َ تلقيت دعــوات من المقاصد اإلسالمية والجامعة أعز ما عرفت في حياتيّ . لدي ُّ ُ َّ األميركية كي أزور بيروت وكنت أعتذر عن تلبية الدعوة .أما اليوم فأُ علن أمامكم تلقيت من سعيد عقل دعوة لزيارتها .كنا قبل أيام استمعنا أنني سأزور بيروت إذا ُ إلى قصيدته الرائعة التي جاء فيها:
دم إن مل َن ْ يبق ٌ زن مصر وزن احلق َ
دم ـراق ُ عىل الضمري ويبقى أن ُيـ َ
وأتمنى على الرئيس السادات أن ينقل بيت سعيد عقل إلى لغات العالم الحية ويذهب به للمفاوضة في األمم المتحدة. الوفد اللبناني إلى زيارة مكتبه في األهرام في اليوم التالي دعا توفيق الحكيم َ وكتابها ،وبينهم بنت الشاطئ التي استقباال ً وهيأ له ً حافال من محرري الجريدة ّ ّ طلبت أن يــزور سعيد عقل مكتبها ولو لدقيقة واحــدة ،وكذلك طلب الكاتب كمال المالخ الــذي كــان ثاني يــوم المهرجان كتب في زاويته على الصفحة األخيرة من ّ يهز مصر بقصيدته. األهرامً مقاال بعنوان :سعيد عقل فيلسوف لبنان ّ عالقة سعيد عقل بطه حسين ترقى إلى زمن بعيد ،أيام كان الشاعر اللبناني عهدئذ ،فيجلس إليه شابا يزور أخواله في منطقة الزمالك حيث بيت طه حسين ٍ ً واحدهما إلى أفكار اآلخر الطليعية .مهرجان طه حسين أقيم في القاعة ويأنس ُ الكبرى لمبنى جامعة الدول العربية .وأعطي الوفد اللبناني صدر القاعة .في الليلة األولى دخلت سوزان أرملة طه حسين ،وابنتها زوجة أحمد حسن الزيات يرافقهما وزير الثقافة ،وفي سائر األمسيات كانت تدخل مصحوبة بشخص من الوفد اللبناني تغيب الوفد اللبناني ذات أمسية ،اتصل السباعي ينتدبه رئيسه سعيد عقل .وحين ّ التغيب كي ال يرتبك المهرجان في غياب شاعر ليال بسعيد عقل ً راجيا إياه عدم ُّ ً 107
سعيد عقل إن حكى
في مهرجان عزيز أباظة ،فيما كان عبدالمنعم الرفاعي يلقي قصيدته ،صرخ أحدهم من القاعة :اهلل يا أمير الشعراء فأجابه الرفاعي عن المنبر :أرجوك. نحن في حضرة سعيد عقل. فتلقى دعــوات من خالل أيــام المهرجان كان سعيد عقل رئيس الوفد اللبناني ّ َ مشيرا إليهم أن الحفلة ستكون في ستة وزراءَّ ،لباها ّثم دعاهم إلى مأدبة ُشكر، ً الفتا رعاية توفيق الحكيم .اعترض أحمد حسن الزيات (مستشار السادات يومها) ً الشاعر اللبناني إلى أن الپروتوكول المصري حــازم في هذا األمــر :ال تقام حفلة ً يحضرها وزير ويرأسها أديب فالصدارة تكون للسياسي ولو كان ّ بسيطا وكان موظ ًفا تتصدروا حفلة عظيما .استغرب سعيد عقل وأجاب :ال يمكنكم جميعكم أن األديب َّ ً يحضرها توفيق الحكيم .قال الزيات :فليحلَّ ها السباعي .إذا هو رضي ،أنا ُأقنع صعبا ،فكالهما على صداقة وطيدة بسعيد عقل: الرئيس السادات .لم يكن ذلك ً مثمرا ،والزيات صهر طه وقتا معا ً ً السباعي كان يزوره كلما زار بيروت ويمضيان ً حسين ويدين لسعيد عقل بأمرين :األول يوم سارر الزيات سعيد عقل بأمر حسن الزين صاحب دار الكتاب اللبناني الــذي أصــدر مؤلفات طه حسين في خمسة أجزاء وكان االتفاق أن تصدر في أربعة ،فاتصل سعيد عقل بالزين وطلب منه دفع حقوق الجزء الخامس ،واألمر اآلخر يوم دعا سعيد عقل صديقه الزيات إلى بيروت للتفاوض بتحويل رائعة طه حسين األيام إلى أوپريت لألخوين رحباني تكون فيها فيروز روح مصر التي يناجيها طه حسين في سويعات أزماته النفسية َفتظهر عليه ُوتسعفه على تفريج حزنه .سوى أن مرض عاصي ألغى المشروع. مفاتحا السباعي باألمر فاستهجنه وقــال :هــذه سابقة لم اتصل سعيد عقل ً مثيل في مصر من قبل .ال أظن الرئيس السادات يرضى بها .وقد يشي يحدث لها ٌ فطمأَ نه شاعر لبنان إلى أن الزيات ال يمانع إذا رضي الزيات بي عند الرئيس. ْ السباعي .ولدى إصرار سعيد عقل على األمر ،رضخ السباعي وحضر المأدبة وجاء الزيات والــوزراء األربعة اآلخــرون .كان ذلك في فندق الشيراتون .وخالل المأدبة، بعد كلمة ترحيب من سعيد عقل صاحب الدعوة الذي أعلن أنها في رعاية توفيق 106
الفصل العاشر
هذا هو لبنان مؤرخي التاريخ كما قاله عظماء ّ
سعيد عقل إن حكى
وغالبا ما كان عبدالمنعم الرفاعي ،رئيس وفد األردن ،يغادر مقصورة وفده لبنان. ً ويأتي للجلوس مع سعيد عقل في مقصورة الوفد اللبناني. خالل أيام مهرجان طه حسين كان في البرنامج أن تزور الوفود بيت طه حسين رامتان في منطقة األهــرامــات .وحين وصلت الوفود إلى مدخل المبنى ،بقيت تنتظر إلى أن قالت ابنة طه حسين (زوجــة الــزيــات) :والدتي لن تبدأ باستقبال الوفود ّإال عند حضور وفد لبنان .وهكذا كان. يومها ،بعد زيارة البيت ،كان في البرنامج زيارة قبر طه حسين وقراءة الفاتحة، فاعتذر سعيد عقل من ســوزان طه حسين ألنــه ال يحب زيــارة القبور .ســوى أنها أصرت عليه ّأال يغيب الوفد اللبناني ،فلم يرفض لها الطلب. َّ أياما بعدها تنشر تعليقات ومقاالت حول مهرجان طه وبقيت الصحافة المصرية ً تركته في نفوس المصريين قصيد ُة شاعر حسين ،وتشير في وضوح الفت إلى ما ْ لبنان ،ومنها:
ذكراكَ يف البال؟ ما ذكراكَ ؟ قُل ُض ِربا منبع ُه والليل وحدك تدري أين ُ أنت ،وما يت َ حي َ ِومصر ِث ْنتا ِن :ما َأ َ ٍ وكنت صدى زهر لبنا ٍن َ آت معي ُ إن ِز ْل ِبما َض َّج يف لبنان من َو َل ٍـه جبل لت ببعض الصخر من ٍ َت ُك ْن َنز َ ت ،يل ُعذُ ري هتفت باسمك ،ما َلق َّْب ُ ُ نتهجي طه حسني ويكفي ! ذاك ُم َ
سيف َأشعل ُّالس ُحبا عىل هوى الرعد ٌ وكيف كان ..وكان اهلل ما َوهبا منت ِسبا ت .هذي وتلك ْ أ ْل َه ْم َ الفكر َ لــثـ ٍ ـورة يف بنيه ُتــــ ْنـــــزل العصبا ِ ينجرح ،بالورد ما انتهبا بالك ْبر َلم ْ فضل املجد إن َص ُعبا له عىل املجد ُ من ذا يلق ُِّبها – إال بها – ُّالش ُهبا الك ُتبا أنا كما السيف طلقًا أن ِزل ُ
108
وعيت عليه. تاركا إياه كما كان يوم وأغيب عنه ً أعيش في لبنان مكنا أن – لم يكن ُم ً ُ َ َ معروف في الصحافة جذريا .هذا اللبنان ،كما هو تغييرا ث فيه ٌ دوري أن أُ ْحـ ِـد َ ً ً والسياسة وأرقى الكتب اللبنانية وأرقى كتب المفكرين األوروپيين عنه ،هو ليس تماما بأنني لست ابن جيل عفوي تلقائي عابر ،بل ً لبناني أنا .أقول هذا مدركا ً رجال عظماء في العالم سطرا كتبها عن لبنان ابن عشرة أسطر أو خمسة عشر ٌ ً أي بلد آخر كفرنسا أو ألمانيا أو اليونان ،مع لم يكتبوها عن بلدانهم هم ،وال عن ّ أنهم كانوا فرنسيين وألمانً ا ويونانيين .إذن ،لم يكن لديهم انحياز .هؤالء األجانب منذئذ أَ كتشف. عيني على لبنان ،لبناني أنــا ،ورحــت الذين تحدثوا عنا ّفتحوا ٍ َّ نتفا شعرت بواجبي أن أوفر على القارئ عناء الذهاب إلى كتب أجنبية كي يلملم ً ُ عن عطاءات لبنان .كان ذلك دوري وواجبي ،وهو ما أنا فاعله منذ ذلك الحين. بهذا الكالم الموجز اختصر سعيد عقل رسالته تجاه لبنان. وبهذا المناخ بدأ يكتب لبنان إن حكى ،الكتاب الذي من لم يقرأه ال يمكن أن يعرف لبنان. بدأ ينشر مقطوعات هذا الكتاب منفصل ًة في البدء على صفحات مجلة الشراع التي كان يرأس تحريرها.
111
على املنرب ُو ٌ ثوق وإقناع
مؤرخي التاريخ الفصل العاشر | هذا هو لبنان كما قاله عظماء ّ
تجسيدا لهذا اإليمان ،كتب في واحاتنا اللبنانية قصائد ترسم مدنَ نا الخالدة في ً ذاكرة الزمان ،منها قصيدته في ُص ْور:
سيف صو َر، الغضب ك َم ُّروا ِبصو َر ،لهم ٌ سيف ...أما رهبوا؟ يا َ احتمل ،ال َم َّس َ ْ ُ َب ـوم ُع ـىً توقّفي، اهلل! اهلل إن ُت َّ ستــل ي ـ َ شمس ،واروي ِالعـ َّز يا ِحق ُ ُ املجـد ِ ف بعضـ ُه شَ َر ٌ ب وبعضـ ُه أ ْن إ َلــــ َّـي ُ هنا الرتاب تعاىلُ ... ينتس ُ ُ أهلوه عن ِ ب؟ يدهمَ ، تلك التي شَ ُه َم ْ ُ فن؟ وما َل ِع ُ ت ،أخذُ البسالة ...ما ٌ
فارتــد ما ِ ت نبوكد َن َّـص َر ش يكتئب كاظ ٌم غيـ َظيه ْ انهزم ْ َّ هنا جيو ُ ُ َ ـاح الدي ِن أب؟ هـاب هنا أال ُف َ َ وم َّرت ِني صـ ُ ديت ،ابن سيفٍ ،هـل ُهناك ُ ب؟ ُتــرى العظيما ِن أفتى فيهـما قد ٌر أ ْن ال يكون ُلصـو ٍر منهـما َع َط ُ مغرتب؟ رب من لبنا َن كيما ُي َه ِّدمـها – يا ُذ َّل ـ ُه! – َو َلـ ٌـد م ِ الغربِ َ ، ُ والغ ُ ـت لــكــنــهــا مــــــ ـ َّرغَ ـ ْت ـ ُه قــبــلــمــا غُ ــلـ َـبـ ْ ت ،بقيا أطلع ْ لو ا َّن صورُ ، وح ْك ًما َ ـاس يف رحبهاُ ،كــــ ٌـل كخا ِل ِق ِه والــنـ ُ يا صو ُر ،فا ِتحةَ الدنيا بـغري وغى
ب ومات ،ش َّر َ جيشـها ِ موتاُ ، ف ً َ اللج ُ ب لكانت األرض إحدى ...ليس حت َت ِر ُ ُ ب ٌ س وال َذ َه ُ جهد من َالبدع ...ال َك ْد ٌ ِ ب َل َرم َلةٌ منـكَ ، تلك القص ُر والق َُب ُ
وجد لبنان الحقيقي وواضع مبدأ وم ِ من هنا أن سعيد عقل شاعر معرفةُ خالق ِق َيم. تسريع الزمان بثورتي الحرف واللغة ،وهو إلى هذا ّ َ بهذا المفهوم ،يعي سعيد عقل ...خطايا مميتة ارتكبها لبنانيون كبار ،بينها: 113
سعيد عقل إن حكى
شعرت أن التاريخ كما هو مكتوب عندنا ،كتبه أشخاص غير شجعان وال ّ مطلعين – ُ بنيت كتابي على على أسطر قليلة ،كتبها عنا عظماء التاريخ في العالم .وهكذا ُ ثالثة عناصر: )1حقائق تاريخية ثابتة. )2أحالم تمنيت بها أن تكون تلك القصص َ حدثت في لبنان. نسجت لها إطار قصص خيالية. )3أحداث في لبنان واقعية ُ هذا الكتاب خلق مدرسة في معرفة لبنان ،وهو أكثر كتبي إعادة طبع ،ويشكل ثلث مدخولي السنوي ،ما يدل على أن الشعب اللبناني تجاوب مع هذا الكتاب، وطنا وخصوصا مع أشخاصه المتنوعين في القيم ،وبات يجرؤ على التفكير بلبنان ً ً ّ غير عادي. كرس سعيد عقل انطالقً ا من مبدإ أن القيم يخلقها أفراد ويعطونها للحضارةَّ ، كل حياته ،لفتح مكنوزات لبنان في التاريخ. حياتهّ ، من هنا إيمانه بأن دولة كبرى في التاريخ قد تزول مع األيام عن الخارطة ،لكن تماما كما زالت اليوم أمبراطوريات تحفة ْ أطلعتها تلك الدولة ال يمكن أن تــزولً . شعت أمبراطورية صور (التي قال عنها پيار مقدونيا وأشــور وبابل ورومــا ،وكما ّ هوباك إنها كانت أعظم أمبراطورية في العالم )ولم يعد اليوم من بقاياها سوى أطلعتها صور ال يمكن أن تزول. التحف التي ْ صور المدينة ،بينما َ يركز سعيد عقل على ثالثة عناوين للحضارة ،منشأُ ها لبنان: لذلك ّ )1كتاب العناصرُ ألقليد وهو ابن صور. )2بعلبك التي اعلَ ولت على أرض لبنان. )3األبجدية التي نشرها في العالم قدموس ابن صور. وهذه أعظم ثالثة عطاءات أعطاها لبنان حين كان لبنان مجد فينيقيا ،وهي ال لبنان الدولة الصغيرة التي هي اليوم. يمكن أن تزول ولو زال ُ 112
مؤرخي التاريخ الفصل العاشر | هذا هو لبنان كما قاله عظماء ّ
البطريرك الياس احلويك: بالدي أرض فينيقيا )4فلسفة الـ نوسو – ديمقراطية( نوس = العقل ،ديموس = الشعب) أي مبدأ يعينه العقالء في الدولة واآلخر ينتخبه الشعب .وهو الحكم بثقة مجلسين :أول ِّ سائدا في صيدا وصور وقال عنه أرسطو بعد ألف سنة :دستور ال مبدأ كان ً ف فيه. يمكن تغيير حر ٍ ُ
(تؤكد الكتب العلمية والمؤرخون العرب أنه ابن صور). )5كتاب العناصر ألقليد ّ مقد ًما إلى العين كي تــراه ال إلى األذن كي وهــذا الكتاب هو منطق أرسطو َّ سنويا نحو ربع مليار نسخة لجميع تالمذة العالم في جميع تسمعهُ .يطبع منه ً يفت ِتن بهذا الكتاب في صباه ،ال يمكن أن اللغات .قال عنه آينشتاين :الذي لم َ سيحل نظريا .وقالت عنه موسوعة بريتانيكا :الكتاب الذي عال ًما وال يكون ِ ّ ً مكانه لم ُيكتب بعد .واألرجح أنه لن ُيكتب. 115
سعيد عقل إن حكى
ثانويا ،في تاريخنا اسما لوطنهم بدل فينيقيا ،كأنه كان )1 ُ ً اعتمادهم لبنانً الحديث ،ذاك الذي راح يوقّ ع فخر الدين الثاني أمير فينيقيا .مع أن البطريرك ضمن خطابه الشهير في پاريس عبارة بالدي ،أرض فينيقيا .لكن الحويك َّ االسم ،ألسباب سياسية ،انقلب إلى لبنان الكبير.
ترج َم ًة عن اإلغريقية للكلمة )2 ُ اعتمادهم في العربية عبارة الكتاب المقدسَ أيضا چِ ْـب ْل )أخذها اليونان عن اسم ب ْبل( وكانت ُت َلفظ ً اليونانية األصلية ِ بيبلوس (جبيل) مدينتنا التي اشتهرت في الدنيا بصنع الكتاب .بلدان الدنيا تفردوا باالستنكاف عن أخذت اسم مدينتنا عن األغارقة ،ووحدهم مترجمونا ّ معتم ًدا في بلدان العالم ّإال في البلد اعتماد االسم األصلي حتى بات اسم ِ ب ْبلَ الذي هو أمه وأبوه. تصحيحا لتلك الخطايا المميتة يوجز سعيد عقل مفهومه على الشكل التالي: ً خلقت أوروپا: لبنان واح ُة ستة عطاءات َ
)1اإليمان بالحياة بعد الموت .وهو ما يؤمن به المسلمون والمسيحيون وال يؤمن به اليهود .الشيوعية نقضت هذا المبدأ فالقت مصيرها َ سود بانهيارها الذي األ َ منتظرا. كان ً
) 2األبجدية الفينيقية أُ ُّم األبجديات( كما قال عنها موريس دونــان) .وضعها قدموس في صور وجاء إلى جبيل ليستأذن علماءها بنشر حرفه الذي جاء أكمل مما كان قبله (الهيروغليفية في مصر وأبجدية بالد ما بين النهرين) .ومنه ُو ِلدت األرقام المعروفة اليوم في كل العالم. تتجزأ .ثم جــاء لوسيپ وديموكريت ـذرة ّ )3القول مع موخوس ابــن صيدا إن ال ـ ّ وحن َطا التفكير الفيزيائي قرونً ا طويلة ،حتى جاء اليونانيان فقاالها ال تتجزأ ّ أساس تتجزأ ،وإذا بها اليوم مؤخرا ُيثبت نظرية موخوس بأن الذّ ّرة ،بلى، العلم ّ ً ُ االختراعات الذرية الحديثة.
114
مؤرخي التاريخ الفصل العاشر | هذا هو لبنان كما قاله عظماء ّ
)4صيداَ : الذرة التي ْ أعطت ،مع صور، الحكم الـنوسو – ديمقراطي ،ونظرية ّ تتجزأ.
انتشارا في العالم وفي )5صــور :أعطت أقليد صاحب العناصر أكثر الكتب ً جميع اللغات.
)6قانا 12( :كلم عن صور) فيها َت َّمت أعجوبة تحويل الماء إلى خمر ،أولى عجائب المسيح.
العالم األلماني )7بعلبك :قيل عنها إنها خيمياء الجمال في العالم .وقال ِ ً وبسيطا أمام عظمة بعلبك .وحين زارها صغيرا غفر إن األكروپول يبدو ً نلت جائزة نوبل لألدب عام جورج برناردشو (في )1931/3/19قال :يوم ُ أكافئني بزيارة أقوم بها إلى بعلبك. أضمرت أن 1925كافأني العالم ،لكنني َ ُ ووجدت بعلبك أفضل إطار لمسرحيتي الجديدة أحقق الحلم. وها أنا اليوم ّ ُ ان عندنا مثل بعلبك في إنكلترا لَ ُك ّنا ألغينا كليوپاترا والقيصر ...لو ّ الضرائب. لبنانيا كانوا ذوي عظيما يختم سعيد عقل خالصة أبحاثه عن لبنان بأحد عشر ً ً تأثير على العالم: )1قدموس :ناشر األبجدية الذي ذهب إلى اليونان السترداد أخته فبذَ ر هناك نور الحرف.
)2مــوخــوس :الصيدوني الــذي أطلق مبدأ تـجـ ُّـزؤ ال ــذرة ومنه انطلق الـيــوم علم اإللكترون واإلنفورماتيك (اإلعالمياء).
)3طاليس :المالوي المسمى أحد حكماء اليونان السبعة وهو جاء من فينيقيا كما قال عنه ديوجين الييرس أقدم مؤرخ للفلسفة.
)4پيتاغور :أبو الرياضيات ،ويعزوه تالمذته إلى صيدا.
117
سعيد عقل إن حكى
منسى من )6الفلسفة الرواقية التي أطلقها زينون (أي الفينيقي الصغير )ابن ّ صيدا .وزينون أول من قال بمبدإ العالم ّأمة واحدة .كان يلقي تعاليمه تحت رواق فأخذت فلسفته اسم الرواقية .ويذكر إرنست رينان أن أهم 100سنة من التشدد مع الذات .وهذه تاريخ الحضارة صنعها رواقيون .وتقوم الرواقية على ّ الفلسفة أفضل كلمة عنها في جميع لغات العالم هي اخشوشنوا القرآنية التي أطلقها الرسول العربي النبي محمد عنوانً ا في عناوين رسالة اإلسالم. بعد هذه العطاءات الستة ،يشير سعيد عقل إلى تسعين فضيلة فينيقية هي في أصل الفضائل كلها .الفضيلة وجه اهلل على األرض .ويــرى أن وصايا موسى المشرع ،بينما الفضائل الفينيقية ال نَ ْهي فيها بل العشر فيها نَ ْهي كان يحتاجه ِّ قيم .ومن التسعين :اإليمان ،القناعة ،اإلخالص ،االحتراز ،البالغة ،التقوى، هي َ الجلَ د ،الحكمة ،االحتشام ،الحياء ،الحذر، التواضع ،الثبات ،السمو ،الصمودَ ، الكبر ،المحبة، الذكاء ،الشجاعة ،الشفقة ،العدل ،العزم ،األناقة ،الغيرية ،الفطنةَ ، المجد ،النخوة ،النضارة ،النبل....، يعدد سعيد عقل سبع مدن لبنانية هي ركائز الفكر في العالم. إلى هذه أعالهّ ،
)1طرابلس :أول أمم متحدة في التاريخ ،كان يجتمع فيها قادة صيدا وصور وأرواد للتداول في أمر الدستور والشعب. )2جبيل :بيبلوس التي أعطت األبجدية وفكرة البقاء بعد الموت.
الحقوق في مدرستها الشهيرة أولپيان ابن صور .وعن الشاعر درس َ )3بيروتَّ : اليوناني القديم ُّننوز قوله :لن َت ّمحي النزاعات المدمرة التي تفتك بالشعوب، ّإال متى غــدت بـيــروت وصـ ّـي ـ ًة على راح ــة الحياة وطمأنينتها ،مـ ِّ ـوطـ َـد ًة ُسـ ُـبـ َـل بالح ْكم المطلق في جميع مدن العالم .وجاء في جغرافيا القوانين ِ ومستأث َر ًة ُ اإلكسپوزيسو أن تعليم مدرسة بيروت أصبح أساس جميع الدروس الحقوقية في العالم. 116
الفصل احلادي عشر
ذات يوم... عاصي ومنصور الرحباين
سعيد عقل إن حكى
)5ديوجين :صاحب فلسفة القنديل الشهيرة ،وهو مولود في آڤيال على سفح الحرمون.
)6زينون :أبو الرواقية ونظرية العالم الواحد وأن اإلنسان مواطن عالمي. )7أقليد :صاحب كتاب العناصر.
)8بولس :االســم الثاني بعد المسيح .مولود في جيشتاال (مدينة الجش) قرب يارون جنوبي لبنان.
)9أولـپـيــان ابــن صــور :أسـتــاذ الحقوق فــي مــدرســة بـيــروت .أصبح رئيس وزراء األمبراطور اسكندر ساويروس ابن عرقة (شمالي لبنان).
)10پُرفير ابــن صــور :كاتب فلسفة أفلوطين األفالطونية المحدثة ،وصاحب القيم األخالقية المعروفة بـشجرة پُرفير. مية َ َه َر ّ البعلبكي العظيم الــذي احتكم إليه الشافعي )11اإلمــام عبدالرحمن األوزاع ــي: ّ والمالكي والحنبلي من دون تفريق .كان إمام المف ِتين في عصره .وهو قال إن أي دين كان عليه. اإلنسان يكون خالصه ولو من ّ
درر ال هذه جميعا ليست سوى عناوين .والعنوان نافذة على بحر ،وفي البحر ٌ ً عمر والغوص يمكن بلوغُ ها ّإال بالغوص، عميق وطويل ،يحتاج الى وق ٍ ٌ ت مديد ،الى ٍ ُ مديد يعطاه كما أعطي سعيد عقل.
118
سنة
ّ 1950أســس سعيد عقل (مع جــورج غُ ـ َّـرة) مدرسة مار افــرام في زحلة، كل حقل ،منهم قيصر الجميل ،سلوى نصار، وجاء إليها بأساتذة كبار في ّ مصطفى فروخ ،األب حنا الفاخوري ،فؤاد افرام البستاني ،وآخرون .وكان هو يعطي فيثَ ّقفوا بها ذويهم. فيها ً القيم واألخالق على أمل أن َيذهب التالمذة ُ دروسا في َ ذات يوم وصل إلى المدرسة عبداهلل الخوري ،ابن األخطل الصغير صدي ِقه ،ومعه وعرف عنهما :عاصي ومنصور الرحباني. شابان قال إنهما شقيقا زوجته سلوىَّ ، وأعجبته بموسيقاها وصوت فيروز. كان سعيد عقل سمع من أعمالهما راجعة ْ وأفكار ّ تأثر بها عاصي ومنصور تحدث فيها الشاعر عن آرائه وكانت جلس ٌة يومها ّ ٍ تدريجيا في شعرهما والموسيقى ،حتى أن منصور قال غير مرة: يطبقانها ً وراحا ّ يلحنان قصائد تعلّ ْمنا كيف نستعمل تركيبات سعيد عقل الشعرية .وراح األخوان ّ أن لحن من رندلى ويــارا وكما األعمدة وسواها .وعن محمد عبدالوهاب ّ شال( من رندلى )أحد أروع ما سمعه في حياته .ويقول سعيد عقل إنه ،بعد أحبها أكثر مما يحبها أن سمعها أغني ًة بموسيقى عاصي ومنصور وصوت فيروزَّ ، واحد ًة من قصائده. بناء على وغالبا ما كان يكتب قصائد خصيصا كي ّ ً ً يلحنها عاصي ومنصور ،أو ً رغبة منهما في قصيد ٍة منه جديدة ،ومنها: 121
مع عاصي الرحباين وفريوز يف مناسبة اجتماعية
الفصل الحادي عشر | ذات يوم ...عاصي ومنصور الرحباني
ـام ،رأت أنـــا ،أيــنــمــا ص ـ ّلــى األن ـ ـ ُ ل ــو َرم ــل ــةٌ َهــ َتــ َف ــت ِبـ ُـمــبـــ ـ ِد ِعــهــا
ضـ َّـج احلجيج هــنــاك ،فاشتبكي ِ وأعـ ـ ـ ـ ـ َّز ،ريب ،الـ ــنـ ــاس ُكـ ـ َّل ـ ُـه ـ ُـم ال َق ـ ــف ـ ــر ٌة ّإال و ُت ـ ْـخ ـــ ـــ ـ ِـص ـ ُـب ــه ــا ــــدت األرض ،ريب ،ورد ٌة ُو ِع َ ُ رجا ـال وجـ ِهـ َ ـك ...ال يـ ُ وجــمـ ُ ـزال ً َ
ـت جــودا ـاء تــفـ َّتــحـ ْ عــيـ ِنــي الــســمـ َ ـت ِلـ َـشـ ْـج ـ ِوهــا عــودا ش ـ ْـج ـ ًـوا ،لـ ُـكــنـ ُ ق ،تغريدا ِبـ َفــمــي هــنــا ،يــا ُو ْر ُ ـت ،أو ُس ــودا ِبــيـ ًـضــا ،فــا فـ ـ َّر ْق ـ َ ّإال ُويــعــطــى الــعــطــ َر ال ع ــودا قطف ف ــا ْروِ موعودا ـك أنــت َت ُ بـ َ ـواه م ـــ ــردودا ُي ــرج ــى وك ـ ـ ُّـل سـ ـ ـ ُ
ت عالقتي ويبوح سعيد عقل :فترة األخوين رحباني من أجمل فترات حياتي .بدأَ ْ يتنقالن من مجد إلى مجد. بهما إعجابا أخذ يكبر ولم يتوقّ ف .كان عاصي ومنصور ّ ً واحدا ،ال في شعرهما وال في موسيقاهما. يوما ً لم َي ِخب تفكيري بهما ً وال ُينكر األخــوان ذلك .يقول منصور :أخذْ نا عن سعيد عقل ،بين ما أخذْ نا، والمقربون من الحكام. الحكامً ،أيا كان ّ أن نغني الشعب واألرض والتاريخ وال نغني ّ ّ كبيرا مقابل أن يذكروا في أحد األخوين رحباني يعرفون قصة رفضهما ماديا ً إغراء ً ً أعمالهما ولو مرة واحدة اسم أحد الملوك .وكذلك فيروز لم تقبل ذات يوم هدي ًة قدمها الى زوجته في زحلة من أرملة الشاعر شفيق معلوف حلي ًة قديمة كان الشاعر َّ هدية عرسهما. مكتب عاصي ومنصور في حرش الكفوري (بــدارو) كان َحـ ّـد بيت سعيد عقل. وكانا يقرآن له قصائدهما ومسرحياتهما .ويفاخر سعيد عقل :صداقتي مع عاصي أحبني فيه ومنصور أُ باهي بها .لم َي ُش ْبها ً أحبنيّ ، يوما شائبة .وحين أُ فاخر بأن لبنان ّ 123
سعيد عقل إن حكى
ِ العـ ـ ـ ـ ـ ــبِ الـ ــريـ ــشـ ــــ ــة واغْ ـ ـ ـ ـ ـ َـو واهـ ـ ـ ـ ـ ـ َـوين ،مـ ــن ل ــي ــس يــهــوى ْ ـود َ لـــــــك هـــــــذا ال ـ ــري ـ ـــ ـ ـ ُـح عـ ـ ـ ُ ُـــــــرود ِضـ ـ ـ ـ ـ ْـعُ ...تـ ـ ــبـ ـ ـ ِّـد ْدكَ اجل ُ
رود واض ـ ـ ـ ـ ُـفـ ـ ـ ـ ـ ِر ال ـ ـ ُـع ـ ــم ـ ـ َـر ُو ْ ْ ـود مل ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـز ْر ه ـ ـ ـ ــذا ال ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ْ ـات وت ـ ـ ـ ـ ْـر وال ـ ـ ـ َـغ ـ ـ ــم ـ ـ ــام ـ ـ ـــ ـ ـ ـــ ـ ـ ـ ُ ـك ال ـ ـ ـ َقـ ـ ـ َـمـ ـ ـ ْـر ُوي ـ ـ ـ َـج ـ ـ ـ ِّـم ـ ـ ـ ْـع ـ ـ ـــ ـ ـ ـ َ
يب ،ب ـ ـ َـش ـ ــع ـ ــري ،بـ ــالـ ــغـ ــدائـ ـ ْـر وخ ـ ـ ـ ـ ِّـل امل ـ ــج ـ ـ َـد ط ـــ ــائ ـ ْـر ـــــــر َ ِط ْ ـف ظـ ــافـ ـ ْـر أنـــــــا ُحـ ـ ـ ّـبـ ـ ــي س ـ ــي ـ ـ ُ ـب ال ـ ــب ـ ــح ـ ـ َـر اجلـ ـ ــزائـ ـ ـ ْـر َسـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ َ
بــــــا ِحلــــــ َلــــــى حـــــــــول َيـ ـ ـ ـ ـ ـ َـد ّي ــــــي َك ـ ـ ـ ـ ِّـسـ ـ ـ ـ ـ ِر الـ ـ ــغـ ـ ــــ ـ ــار َعــــــ َل ّ َحـ ـ ـ ـ َـمـ ـ ـ ـ َـل الـ ـ ـ ُّـدنـ ـ ــيـ ـ ــا ِإ َل ـ ـ ـــ ـ ـ ـ ّـي
ـود قـ ـ ـ ـ ـ ــال :شُ ـ ـ ّـك ـ ــي ـ ــه ـ ــا ع ـ ــق ـ ـ ْ
ِ العـ ـ ـ ـ ـ ــبِ الـ ــريـ ــشـ ــــ ــة واغْ ـ ـ ـ ـ ـ َـو واهـ ـ ـ ـ ـ ـ َـوين ،مـ ــن ل ــي ــس يــهــوى ْ
رود واض ـ ـ ـ ـ ُـفـ ـ ـ ـ ـ ِر ال ـ ـ ُـع ـ ــم ـ ـ َـر ُو ْ ْ ـود مل ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـز ْر ه ـ ـ ـ ــذا ال ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ْ
ومنها كذلك:
ـت م ـ ّـك ــةَ ...أه ـ َلــهــا الصيدا غ ـ ّنــيـ ُ فــ ِرحــوا ...فـ ـ ْ سما أ َأل حتــت كــل ً رب ال ــع ــامل ــن عال وعـ ــى اسـ ــم ّ ـارئ الـ ــقـ ــرآنَ ...صـ ـ ِّـل لهم يــا قـ ـ َ َمـ ــن راك ـ ـ ـ ـ ٌـع ...ويـ ـ ــداه آ َنــســتــا 122
وال ــع ــي ــد َي ــم ــأ أضــ ُل ــع ــي عــيــدا ـت ع ــى بــيــت ال ــه ــدى زي ــدا بــيـ ٌ بــنــيــا ُنــهــم ...كــالـ ّـشـ ْـهــب ممـــدودا أه ــي ه ــن ــاك ...و َط ـ ِّـي ــبِ الـ ِبــيــدا الباب َموصودا؟ أ ْن ليس يبقى ُ
الفصل الحادي عشر | ذات يوم ...عاصي ومنصور الرحباني
حفلة في مكان يختاره الرحبانيان ويحضره الرئيس وضيفه ألن فيروز ال تغني في بيت ،حتى ولو كان هذا البيت القصر الجمهوري. حادثة شبيهة بعد سنوات :رفض عاصي أن تغني فيروز في فندق فينيسيا لضيف لبنان الرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة بدعوة من الرئيس شــارل حلو. قرارا ِبمنع أغاني فيروز من اإلذاعة يومها أصدر وزير اإلعالم الحاج حسين العويني ً اللبنانية فقامت الصحافة اللبنانية عليه وتراجع عن قراره في اليوم التالي. وإبداعا. يقل عن عاصي عبقري ًة بعد غياب عاصيّ ، ً شدد سعيد عقل :منصور ال ّ ال أرضــى التمييز وال االنسياق وراء تعظيم الغائب على حساب األحياء .منصور شاعر كبير وموسيقي كبير. حكايته مع الشاعر ليوپولد سنغور رئيس أيضا ُ في ذكريات سعيد عقل الالفتة ً جمهورية السنغال. ذات فترةّ ،لبى الرئيس سنغور دعــوة الــدولــة اللبنانية إلــى محاضرة يلقيها َ في قصر هنري فرعون .وكان ميشال أسمر (مؤسس الندوة اللبنانية )لولب تلك الدعوةّ .تم اإلعالن قبل نحو عام من موعد المحاضرة ،فطلب حسن الزين من صديقه سعيد عقل أن يسعى إلــى قيام الرئيس سنغور بزيارة دار الكتاب اللبناني على أن تتم ترجمة كتاب سنغور الزنوجية إلى العربية ويكتب سعيد عقل مقدمته .وهكذا كان .وفي الموعد المقرر سافر علي ِسن ،سفير السنغال في القائم باألعمال وقرأ لبنان ،إلى بالده ليصطحب الرئيس ،فاستدعى سعيد عقل َ ملحا على الرئيس له مقدمته لكتاب سنغور ،فأبرق القائم باألعمال إلى داكــار ًّ ترجمته إلــى العربية .كــان سنغور يعرف سعيد عقل من بزيارة دار النشر التي ْ أحاديث جورج شحادة .وبعدما مدير التشريفات في القصر الجمهوري (جورج طالبا حازما من سنغور نفسه حيمري) رفــض تغيير برنامج سنغور ،جــاء الــرد ً ً 125
سعيد عقل إن حكى
غالف الطبعة األوىل من الكتاب.
كبار عظماء في طليعتهم :عاصي ومنصور الرحباني العبقريان االستثنائيان .إنهما إلي ،مع صالح لبكي وفؤاد افرام البستاني. أقرب الناس َّ صحب سعيد عقل ذات يوم من ويعرف المقربون من الشاعر واألخوين ّ أن عاصي َ ّ يفكر 1954إلى محلة البطركية حيث كان بيت نهاد حداد ،الفتاة التي كان عاصي ّ مباشرا حتى أنه بعد أسبوع من تلك الزيارة بالزواج منها .وكان تأثير سعيد عليه ً سأتزوج نهاد. قائال: جاءه عاصي ً ّ وذات يوم استدعى عاصي صديقه سعيد عقل من زحلة يخبره برغبة الرئيس كميل شمعون أن تحيي فيروز حفلة في القصر الجمهوري لمناسبة استضافة الرئيس صديقه شاه إيــران وزوجته ثريا .رفض سعيد األمر بحزم ،واقترح إقامة اللبناني َ
124
الفصل الحادي عشر | ذات يوم ...عاصي ومنصور الرحباني
يقرأ للرئيس سنغور املقدمة التي كتبها ُّنوجية. للطبعة العربية من الز ّ
حدث جلل :ناظم حكمت. شاعر عالمي آخر كان له في لبنان مع سعيد عقل َ ذات يوم من نيسان 1960جاء إلى سعيد عقل أصدقاء له من الحزب الشيوعي قائلين له إن الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت هو على متن الباخرة أسپيريا منفي من بالده ،يعيش في التي سترسو عصر اليوم التالي في مرفأ بيروت .وهو ٌّ ترض الكويت بإدخاله وال مصر .ولم يستطيعوا أوروپا ويقوم بجولة على المنطقة .لم َ المتعصبين في جهاز الحصول له على إذن بدخول األراضي اللبنانية بسبب بعض ّ أمن الدولة ال يعجبهم انتماؤه السياسي. يتدخل إلدخال صمم أن ّ تحمس سعيد عقل لألمر .ومع أنه َبعيد عن الشيوعيةّ ، عالميا ويجب أن يستقبله لبنان .اتصل بصديقه الشاعر التركي كونه شــاعـ ًـرا ً معا بعد ظهر اليوم نفسه على رأس وفد ثقافي لزيارة مدير جورج شحادة وذهبا ً 127
سعيد عقل إن حكى
إدراج زيــارة دار الكتاب اللبناني من ضمن البرنامج .وهناك قرأ سعيد عقل بالغا، (بالفرنسية) مقدمته لكتاب سنغور فكان تأثيرها على الرئيس السنغالي ً كما روى ميشال أسمر في ما بعد. عامئذ ،جرت في زحلة انتخابات فرعية ترشح لها الياس الهراوي ثم انسحب ٍ لمصلحة أخيه جوزف (طبيب نسائي لم يتعاطَ السياسة من قبل) .يومها شارك جــوزف سكاف في دعم الهراوي فنال 12000صوت بينما نال سعيد عقل 9000 صوت .وكانت الصحافة اللبنانية فترتئذ داعمة ترشيح سعيد عقل .وصادفت زيارة سنغور في تلك الفترة ،وسعيد عقل ناقم على الدولة ورئيسها شارل حلو .وكان في برنامج الرئيس الضيف زيارة بعلبك ومأدبة في زحلة .كلّ ف شارل حلو وزير التربية والخارجية يومها فؤاد بطرس أن يمثّ له في المأدبة .وكان سعيد عقل ،بمقاله في لسان الحال ،هاجم خطاب سنغور عند الرئيس حلو ألنه دعا إلى التحاق لبنان يرد شارل حلو على هذه النقطة. بمصر عبدالناصر ،ولم َّ ردا على كالم اقترح مدير التشريفات أن يخطب سعيد عقل في زحلة فيجيء ً رسميا من الدولة ،وهكذا كان .خطب الشاعر بالفرنسية ردا سنغور وال يكون ذاك ً ً بادئا بتقدير سنغور كشاعر كبير ثم انتقل إلــى الكالم إلــى ما بين لبنان والسنغال ً عالقة افتتحها َح ّنون اللبناني بأسطو ٍل أخذه من قرطاجة بـ 50ألف رجل راحوا من ٍ وعدد الشاعر نصوص رحلة حنون البحرية يفتحون مدنً ا في أفريقيا ومنها السنغالَّ . (ذكــر أمين الريحاني هذه الرحلة في كتابه قلب لبنان .)وعـ َّـدد سعيد عقل كبار اللبنانيين المنتشرين في العالم وهم ذوو نفوذ في دولهم ،وذوو صداقات كبرى في كل تنبه سنغور إلى بلدان الدنيا .ولذلك ال يمكن لبنان أن يستزلم عند أية دولة أخرىّ . ّ رد بها عليه وأبدى امتنانه لما المغازي المبطنة في خطاب سعيد عقل ،فألقى كلمة َّ تحدث فيه عند شارل حلو. عرفه عن لبنان، تماما غير الذي كان َّ َّ وتحدث بمنطق آخر ً جئت لبنان وأنا ال اعي له على المطار: ُ ويوم غادر سنغور لبنان ،قال في تصريح َو َد ّ كل لبنان. أعرف عنه ّإال القليل ،وحين ُ استمعت إلى سعيد عقل عرفت ّ 126
الفصل الحادي عشر | ذات يوم ...عاصي ومنصور الرحباني
معينة في بيروت ،فزاروا الجندي وبولس سالمة بمرافقة الشاعر الكبير الى أماكن ّ المجهول وبعض كبار األدباء والشعراء والمفكرين اللبنانيين. طالبا إليه تهيئة محاضرة للشاعر الضيف في اتصل سعيد عقل بميشال أسمر ً يمول الندوة الندوة اللبنانيةّ . تردد أسمر ألنه ال يريد أن ُيغضب الحكم الذي كان ّ أصر شيوعيا وربما يلغي مساعدته الندوة. شاعرا وقد ينزعج من استقبالها ّ ً ً وتخفيفا للمسؤولية على ميشال أسمر اقترح أن يكون اللقاء سعيد عقل على األمر. ً أن ناظم حكمت ثالثيا :سعيد عقل ،جورج شحادة وناظم حكمت .وهكذا كان .ومع ّ ً يعاني من أزمــة قلبية وممنوع عليه صعود الــدرج ،ارتقى درج الـنــدوة اللبنانية منشرحا للتكريم الــذي القــاه في لبنان من الصحافة برشاقة وحيوية وهو يبتسم ً والمؤسسات الرسمية. تكريما يلق قبل افتتاح األمسية همس ناظم حكمت إلى جــورج شحادة أنه لم َ ً ُّ حامال معه التأثر عميق راقيا بمستوى ما ل ِق َيه في لبنان .وبعد األمسية ،مضى ً َ ً يتلقاه شاعر الترجمة الفرنسية لخطاب سعيد عقل، شاعرا أنه يحمل أرفع وسام ّ ً لمودعيه. من شاعر ،كما قال ّ ما الذي سمع ناظم حكمت تلك العشية من سعيد عقل شاعر لبنان؟ هنا بعضه: يد من فوق .هذا الوافد إلينا من أعماق الحلم اآلسيوي ،بعد – أكثر من شاعر .إنه ٌ جميعا ،تألَّ َم كما ال أحد وما طوف في جنبات المعمور وغنى باألوتار اإلنسانية ً أن ّ جميال .عصفور طار من الشرق وزقزق على جميع بكى ،بل صرخ وجعل الصراخ ً أغصان الوجود ،ليحمل ولو بمنقار صغير لقم ًة إلى فــراخ العش الــذي يسمى األرض. يروي سعيد عقل ذلك بكثير ُّ التأثر. ويضيف:
129
سعيد عقل إن حكى
عاصي الرحباين يتسلّم جائزة سعيد عقل الشهرية رقم 50 احملررين وفيق الطيبي ومعهما نقيب ّ وعضو نقابة الصحافة نسيب املتني.
(بعلبكي من آل حيدر) .وما جلس الوفد حتى بادر سعيد عقل مدير مرفأ بيروت ّ غدا تصل أسپيريا إلى بيروت وعلى متنها أحد أكبر شعراء العالم. المرفأً : َّ متعصبون في جهاز الدولة يمنعون دخوله إلى لبنان بحجة أنه شيوعي. موظفون ِّ أريد منك ،أنت الحيدري البعلبكي البطل ،أن تتحمل مسؤولية دخوله أراضينا ولو لفترة قصيرة. وهكذا كــان .ذهــب سعيد عقل وجــورج شحادة على رأس وفــد كبير ضـ َّـم بعض أعضاء الحزب الشيوعي واستقبلوا الشاعر مجتازين به صفوف المعامالت الطويلة، وذهـبــوا بــه مباشرة إلــى قصر ال ــزوق حيث كــان الرئيس فــؤاد شهاب ينتظره بعد مسعى شخصي من سعيد عقل .وفي اليوم التالي قام سعيد عقل وجــورج شحادة
128
الفصل الثاين عشر
سه املطر َح َب َ داخل الفندق يف طهران اخليام إىل اللبنانية فرتجم رباعيات ّ
سعيد عقل إن حكى
– يوم قمنا ،جــورج شحادة وأنــا ،إلى السفينة البيضاء نستقبل الشاعر العالمي نحو الوافد إلينا ً س ّ أن ناظم حكمت هو لبناني على ٍ مثقال بغبار النجوم ،كنا نَ ْح ُد ُ صغيرا ،كان كنت ما .وتحقق ْ حد ُسنا حين باح لنا ببعض من سره إذ قال لنا :يوم ُ ً عمر على أرض لي – أنا وأغلى وجه ُ عرفت :وجه أمي – أن أعيش بضع ًة من ٍ لبنان.
130
لغريه
أن ّيتكئ على الشيخوخة ويلتحف بالسنوات ويختبئ خلف صوته المتهدج ليمارس شيخوخته وبداية النسيان. ّ وقامة منتصبة كأرز ٍة على قمة مع سعيد عقل ،أنت أمام عزم ٍ َجهوري الصوت، ٍ يد إلى الغد كما الستعجال وصوله من أجل تحقيق وم ِّد ٍ ملون المدىَ ، لبنان ،وحلم ٍ ّ الطموحات والمشاريع. – هذا مشروع يلزمنا لتحقيقه خمس سنوات .ذاك ،عشر .وتلك مشاريع أخرى نسعى لتأمين تمويلها .الطريق طويل ،لكننا نعمل .لن نتعب ولن نيأس. كأن بينه وبين السنوات بهذا المنطق تحدث طوال عمرهّ . يتحدث سعيد عقل كما َّ ّ حده وال تراه .كأن له على العمر دالّ ة .كأنه ،أطال اهلل عمره، اتفاقً ا معها أن َت ُم ّر من ِّ أبدا. يعيش ً كل صباح :قصيدة جديدة أو قصيدة تبزغ ولم تعقد بعد. ّ طبعا ال تستطيع (وال أحــد يستطيع) قــراءة تصل سكرتيرته في نحو الثامنةً . معدلة خمس القصيدة المصححة كي تطبعها على اآللة الكاتبة .فالكلمة األصلية َّ َّ مرات على األقل ،والبيت الواحد مكتوب في مكانه ّثم في الهامش ثم على هامش الهامش ،ويضيق المكان فيأخذه خط إلى أسفل الورقة أو أعالها ،حتى تصبح 133
يف حوار مع ميخائيل نعيمه
الفصل الثاني عشر | َح َب َسه المطر داخل الفندق
ـذهــب في ـح ،وهــو يـبــذر ال يلتفت .يـعــرف أن السنابل ستطلع ذات يــوم وتـتـ َّ قـمـ ٍ الشمس. كتابا. أي نص مكتوب عنهً ، مقاال كان أم ً ال يجمع قصائده ،وال مقاالته ،وال َّ
نادرا – من األساس لم أهتم لهذا األمر .لم أجمع حتى الرسائل التي تأتيني .وأنا ً ما أكتب رسائل شخصية .حين أفعل ،فرسائل تتعلّ ق بلبنان .قصائد كثيرة من شعري كنت أريــد أن أضمها إلى مجموعتي ،لكنني ال أملك نسخة عنها حيث صدرت.
تلك واحدة من عادات سعيد عقل. قررت إصدار مجلتي الشعرية األوديسيه شاهد على واحدة منها :حين وأنا ٌ ُ استشرتهم ،فكان أول الذين شجعوني على سنة 1982كان سعيد عقل أول الذين ُ ـددا مــدى 3سنوات متتالية ،ثم تنفيذ هــذا الحلم .وطــوال صــدور المجلة ( 36عـ ً عدد واحد من قصيدة لسعيد عقل، يخل ٌ سنة كاملة في أربعة أعــداد فصلية) لم ُ وغالبا ما كان يسألُ ني عن بعض أعــداد من في اللبنانية أو العربية أو الفرنسية. ً لضمها إلى األوديـسـيــه فيها قصائد يريد أن يعيد النظر فيها ويشتغل عليها ِّ مجموعة جديدة. ذات يــوم مــن 1971طلب منه عاصي ومنصور الرحباني قصيد ًة جديدة. ر ّدني إلى بالدي .بعد عام صدرت أعطاهما واحدة كان انتهى منها قبل أيامُ : ـذكــرهــا ،وطلب مــن عاصي أن يعطيه القصيدة بصوت فـيــروز .حين سمعها تـ ّ يهيئها للطبع، نسخة عنها كي يضمها إلى مجموعته ُ دلــزى التي كان يومئذ ّ ّ تماما .وحين صدرت القصيدة ذلك أنه أعطاها لعاصي ومنصور ونسي أمرها ً دلــزى )1973( كان فيها بعض تغيير عما صــدرت بصوت فيروز ،وحين في ُ عاما صدرت في المجموعة الكاملة ( )1991كان فيها تغيير آخر. بعد عشرين ً وهنا مثال: 135
سعيد عقل إن حكى
كليا ّإال على صاحب مخطوطة القصيدة خارطة تستعصي على قارئها وتنغلق قراءتها ً القصيدة. يجلس .يضع نظاراته كي يتبين هو نفسه هذا الخط من أين انطلق وإلى أين تؤخذ له صورة أي بيت .ال يحب أن َ أي سطر تنتمي أو ّ وصل ،وهذه الكلمة إلى ّ ّ بالنظارات .ال يحب أن يبدو في حالة شيخوخة .لذلك ال يستقبل زواره ّإال وهو وهو في كامل أناقته .تلك القيافة التي اشتهر بها في بيروت منذ نزل إليها في مطلع شبابه. يغير حتى وهو يقرأ .تنتهي السكرتيرة من أكتبي يا بنتي .ويروح يقرأ. ودائما ّ ً الطبع. أبدا .في اليوم التالي تعود السكرتيرة لتجد القصيدة المطبوعة هل انتهى األمر؟ ً استحالت إلى خارطة جديدة .إطبعيها من جديد .ويندر أن تذهب قصيدة أو عدة. قطعة نثرية أو مقالة إلى النشر قبل أن تطبعها السكرتيرة مرات ّ
ً مخططا لها ضمن كتاب – صباحاتي كلها هكذا :إما أبــدأ قصيدة جديدة أكــون وأعدل حتى أصحح فيها أشتغل عليه ،أو قصيدة مطبوعة على اآللة الكاتبة أروح ّ ّ تستقيم .حين صدرت مجموعتي الكاملة سعيد عقل ،شعره والنثر في سبعة ك؟ ال ودلــزى مجلدات ،فوجئ الكثيرون بقصائد من رندلى وأجمل من ِ وأجــراس الياسمين وسائر كتبي طرأ تعديل عليها فباتت غير ما عرفوها به دائما على صقل القصيدة حتى تجيء سلسة لماعة وغيبوها .عليك أن تعمل ً َّ بدون أن يشعر القارئ أنها استغرقت كل هذا الصقل .عبقرية الشاعر ّأال ُيش ِعرك تنعيما بنح ِته القصيد َة فتظن أنها هكذا ُو ِل ـ َـدت ،فيما يكون هو اشتغل عليها ً وصقال في عمل شاق. ً فيضا .هو ال يكتب الشعر .هو نفسه ِش ْعر. الشعر عند سعيد عقل يفيض ً كأن في قبضة يده ُجمعة هو نفسه قصيدة متواصلة التوالد ،مستدام ُة َ الخلْ قّ .
134
الفصل الثاني عشر | َح َب َسه المطر داخل الفندق
مسكون بالشعر سعيد عقل .كأنما الشعر في خالياه ،في دمه الذي ال ينفك يرفد ٌ ف ومطالع قصائد. قلبه بقالدات قوا ٍ ذات يوم كان في إيران .أراد أن يزورها ويزور متاحفها ويتعرف إلى وطن سعدي وحــافــظ .فوجئ بالمطر الشديد يحبسه في الفندق طــوال المساء وطــوال اليوم التالي .لم يكن يستطيع الخروج .مــاذا فعل؟ ليس سوى الشعر .تناول رباعيات النص الفرنسي واإلنكليزي الخيام وكانت معه طبعة مثلّ ثة :على الصفحة نفسها ُّ والعربي .بقي في كل صفحة هامش .مأله سعيد عقل بترجمة الرباعيات جميعها وخرجت الترجمة اللبنانية أجمل من الثالث المجاورة .جاءت إلى اللبنانية... . َ ترجم ًة يحبها الخيام لو قرأها ،ألن فيها الفن الشعري الصعب مضافً ا إلى مضمون الخيام. حر ًجا في الترجمة. ال يجد َ
يترجم ،شرط أن تأتي الترجمة أكثر – ليس يترجم .كل شعر َ صحيحا أن الشعر ال َ ً عرا من األصل .الترجمة مسؤولية أصعب من الكتابة .في هذه ،أنت تكتب وال ِش ً تنقلك على المعاني والكلمات .أما في الترجمة فالنص األصلي رقيب .حر في ُّ ّ الشعر ال يأتيها ّإال رقيب عليك ،وحــدوده واضحة ال يمكنك تخطيها .ترجمة ِ شاعر من وزن صاحب النص األصلي بل وأشعر. والنص محفوظ لديه غير منشور بعد ،له ترجمات أخرى. الخيام، ُّ إلى ّ دروسا ذات سنة ،دعاه مدير معهد الحكمة األب يوحنا مارون إلى أن يعطي ً يترجم ،فأخذ قصيدة الجبل الملهم في الشعر .أراد إثبات مقولته بأن الشعر َ تباعا .انتشرت قصة الترجمة وسمع بها الناس، لشارل قرم وراح يترجمها لتالمذته ً فنشر فــؤاد افــرام البستاني بعض المقاطع في مجلة المشرق .راجــت بشكل الحقا أن يجمعها في الكتاب فرفض سعيد عقل .ال يصدر الفت .أراد البستاني ً المترجم للمناسبات ال للنشر. عني سوى شعري المكتوب. َ
137
سعيد عقل إن حكى
في الكتابة األولى (بصوت فيروز) جاء في بعض األبيات:
بـــــالدي
ِ غـــــــــــــواد مـــــــــــــع ن ـ ـ ــس ـ ـ ــائ ـ ـ ــم ْ عــــــنــــــد شـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ــئ َو ِ واد
ــــــــب ُح ـ ـ ـ َّـب ـ ـ ــن ـ ـ ــي ه ـ ـ ــن ـ ـ ــاك ُح َّ
مـــالـــئـــا فـــــؤادي ـــــب ً الـــــح َّ ُ
ُر َّدنــــــــي
إلـــــــى
ٍ شــــــعــــــاعــــــة تـ ـ ــغـ ـ ــاوت م ـ ـ ـ ـ ـ ْـع ٍ وفــــــــــــــاء مل أزل ع ـ ـ ـ ـ ــى
مـ ـ ــا سـ ـ ـ ــوى ال ـ ـ ــوف ـ ـ ــاء زادي
وحين صدرت القصيدة في المجموعة الكاملة ،باتت األبيات أعاله كما اآلتي:
ُر َّدنــــــــي
إلـــــــى
بـــــالدي
يف ال ـ ــش ـ ــع ـ ــاع قـ ـ ــد تـ ــهـ ــاوى ٍ وفـــــــــــــاء مل َأزل عـ ـ ـ ـ ــى ــــــــب ُح ـ ـ ـ َّـب ـ ـ ــن ـ ـ ــي ه ـ ـ ــن ـ ـ ــاك ُح َّ
يف ال ـ ــن ـ ــي ـ ــاس ـ ــم الـ ـ ـ ــغـ ـ ـ ــوادي ْربـــــــــــــــــــوة َو ِ واد ع ـ ـ ــن ـ ـ ــد
أنـ ـ ـ ـ ــا مِ ال ـ ـ ـ ــوف ـ ـ ـ ــاء زادي ـــــــــــب َج ـ ـ ـ ـ َّـر ًاح ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ــؤادي احلُ َّ
كل شعره .وهكذا جميع قصائده .حتى قدموس ،حتى بنت يفتاح، هكذا ُّ دائما أجمل. والمجدلية ،ورندلى ،بل وبخاصة رندلى .يريد شعره ً – بالشعر نـ ْـنـ َـهــد صــوب الـجـمــال ،واألح ــرى بـنــا أن نـقـتــرب مــن الـجـمــال ،من وهبنا الخالق من حلّ ة نقترب بها منه وهو الجمال الخالق األسمى بأبهى ما َ المطلق.
136
الفصل الثاني عشر | َح َب َسه المطر داخل الفندق
يف مناسبة اجتماعية: إىل يساره: العماد اسكندر غامن قائد اجليش وإىل ميينه: الشاعر والوزير سليم حيدر واإلمام موسى الصدر.
ذلك أنه عنيد في الحقيقة. والبطل أقلية .من كان مع الحقيقة ال يخاف. – أنت والحقيقة أكثرية ،والماليين ُ الزمن ،مهما طال ،سيكون معه. ِوباسم هذه الحقيقة ،عاش سعيد عقل ويعيش.
ّ يشيح شخصا هاجمه. يهتم .لم ُي ِجب مرة واحدة يهمه َعذول أو ُ ً متنطح .ال ّ ال ُّ موجودا. عنه .يعتبره ليس ً يتهيأ لكتابة كلمة في الياس أبي شبكة لمناسبة صدور مجموعته ذات يوم كان ّ الشعرية إلــى األبــد .غير أنه فوجئ بأبي شبكة ذات صباح يهاجمه في جريدة
139
سعيد عقل إن حكى
وهنا مثال: في أحد المقاطع كتب شارل قرم عن األرز أن محيط جذع أرزة منه يبلغ ستة مترا ،وأن عمرها يبلغ ثالثة آالف سنة .فإذا المقطع في ترجمة سعيد عقل: عشر ً
ـك هـ ـ ـ ــوذا واح ـ ـ ـ ــد ٌة مــنـ َ اك ــت ـ َـس ــت ثــــوب اجلــــدود جـ ــذْ ُعـ ــهـ ــا ُض ـ ـ َّـم ـ ــةُ ع ــشــ ٍر مـ ــن ج ــم ــي ــات ال ـ ـ ُقـ ــدود ـض اخل ــل ــود. ُعــمـ ُـرهــا بــعـ ُ
وذات يوم ،في أحد لقاءاته الكثيرة حول اعتماد اللغة المحكية ألنها اللغة الحية، مذك ًرا إياه بأمجاده في العربية وكيف ال يمكن أن يضاهيها تنطح أحد الحاضرين ِّ باللبنانية المحكيةّ ،ثم قال له :كيف يمكن يا أستاذ سعيد ،أن تأتي في اللبنانية بيتي عنترة اللذين تقولهما أنت نفسك من أجمل الغزل: بجمال َ
ـرتـ ِ نواهل ـاح ولقد ذكـ ُ ٌ ـك وال ـ ِرمـ ُ فـ ِ دت تقبيل السيوف ألنها ـود ُ
مني وبيض الهند تقطر من دمي ـت كــبــارق ثــغـ ِ ـرك املـ َـتـ َـبـ ِّـسـ ِـم َلـ َـمـ َـعـ ْ
فأجابه سعيد عقل :خذهما باللبنانية أجمل:
ْخ َط ْريت َع بايل والرمـاح برتتوي واشتقْت َب ِّو ْسها السيوف ا ْلـ َل ْم ِعتا َ
138
ِ بتصطد ْم مني ،وبضلوعي النصال عميبتسم تقويل فيا من ِّمتــك الـــ ْ
الفصل الثاني عشر | َح َب َسه المطر داخل الفندق
وبعضهم غير لبنانيين والفلسفة ،أكثرهم من لبنان زادوا من عطاء لبنان، ُ عملوا من أجل لبنان .ومن الذين نالوها :عاصي ومنصور الرحباني وفيروز وإميلي نصراهلل وعبداهلل العاليلي وديانا تقي الدين وحسن الصمدي ونجيب علم الــديــن ونــاديــا تويني ومــي ُمــر وريـنــه حبشي وراجــي الــراعــي وإدوار صوما وفؤاد الترك ونجيب حنكش وشوشو وعبدالحليم كركال وسلوى القطريب وطالل حيدر وأمال جنبالط وأنسي الحاج ...وكذلك تورين الرسن (الدانمارك) ،جان دورت ــال (فــرنـســا) ،جــان ش ــارون (فــرنـســا) ،محمد الـمــاغــوط (ســوريــا) ،خليفة بن زايــد (اإلم ــارات العربية) ،فندق بــرانــدن (هــولـنــدا) ،رالــف نــادر (أميركا)، خورخي ضاهر (ڤنزويال) ،غايتانو ألبرندي (إيطاليا) ،موريس دونان (فرنسا)، مانويل دانوبرغا (البرازيل) ،إيفغيني كروپونوڤ (روسيا) ،جوسلينو دوپتشيك (البرازيل). يرف له جفن .اشترى شقة في وتبقى رواقيته ال إلى حدود :باع بيته في زحلة ولم َّ الطابق الرابع من بناية في عين الرمانة .المكان ال يعني له .يعني له الزمان .ولذلك ّ يوظف الزمان اآلتي من أجل لبنان. شعريا ،لديه مخطوطات عدة جاهزة للطبع ،بينها ...وشعر َك ْت ِب ْتلُ و( غزل ً لبناني) ،غَ َزل وغار( باللبنانية) ،وسواهما. جميعها عالم والشعر جزء من اشتغاله على العلْ م)، مشاريعه (هو الذي يصر أنه ِ ُ مشاريع لـخلق ورشــة إبــداع في لبنان ،من أجــل توعية اللبنانيين على حقيقة لبنان ،وعندها ال يعود لبنان في العالم دولــة صغيرة بل يعي العالم أهمية هذا دوما :أن يتحمس اللبنانيون الوطن المنتشر على كل الخارطة بمبدعيه .وهدفُ ه ً فيتحول لبنان إلى ورشة عمل إبداعية ...يوم يصير المبدعون وينصرفوا إلى اإلنتاج ّ لبنان ورشة إبداع ،يقترب من لبنان الحقيقي. على هذه األحالم يعيش سعيد عقل ،كأنه يبدأ اليوم ،كأنه في أول الحلم ،والحلم في أول الطريق. 141
سعيد عقل إن حكى
نحته واشتغالُ ه األحرار على نظريته في الشعر إذ يعتبر سعيد عقل أن الشعر يجب ُ ّ طبعا سعيد عقل لم فينشر كما جاء .كان نقد أبي شبكة قاسياً . وليس يجيء ً ً عفوا ُ ذكر ّ ير ْد ُ يهيئه ،وعن صاحب المقال ،ولم ِ يرد .ومن يومها أشاح عن المقال الذي كان ّ أبي شبكة مر ًة واحدة بين كل ما كتب في ما بعد .هذه طريقته :في قلبه حب كبير، ولكنه إذا انزعج من أحد أشاح عنه فال يعود يذكره وال بكلمة. وهــو عنيد فــي أمــر لبنان .ال جــدال عنده فــي هــذا األم ــر .ذات يــوم فــي مطلع ضد الدولة السبعينات ،جاءه تقي الدين الصلح ً قائال له إن في بيروت ضج ًة كبرى ّ ألنها طلبت من ميخائيل نعيمه دفع ضريبة الدخل على مؤلّ فاته وهو يرفض .ثار سعيد عقل .ال على الدولة بل على ميخائيل نعيمه :لماذا ال يدفع؟ طالما مؤلفاته وحده ضد تلك كأي مواطن ذي دخل .وقف َ ُ تد ّر عليه ،يجب أن يدفع حصة الدولة ّ استعرت فترتئذ .وكان أن دفع نعيمه ضريبة الدخل في النهاية. الحملة التي َ عنيد في أمر لبنان ،حتى على ذاته. أوجعني أن أوقف جائزتي الشهرية بعد عشر سنوات على إنشائها. – سنة 1975 َ أمال بأن أستطيع فصرفت سائقي خف مدخولي من كتبي ومقاالتي وبعت سيارتي ً َّ ُ ُ أوقفتها وفي قلبي غص ٌة اإلبقاء على الجائزة .بعدها بسنتين لم أعد أحتمل. ُ أوجعني أصبحت بال سائق وال سيارة وال رفاهية .إنما كبيرة .ما َه َّمني أنني ُ َ رصدتها على اسم من َيخدمون لبنان. توقيف الجائزة التي ُ وهـكــذا ،فــي ،1975/10/4عند تسليمه الجائزة رقــم 160إلــى جــورج كرم تموز على معجمه الفرنسي ،أوقــف الجائزة الشهرية التي كــان أنشأها في ّ 4 شهرا. 1962احتفاء بعيد ميالده الخمسين ( )1962–1912وأبقى عليها 160 ً أول مــن نالها المهندس زهــدي عبس على تصميمه مئذن ًة زادت مــن جمال لبنان ،ونالها 160شخصية في حقول الشعر والنثر والتصوير والرسم والنحت واللغة والمعاجم والهندسة والـمــرســح وال ـعــزف والـغـنــاء والفولكلور والــرقــص 140
ط ُّل ٌع إىل البعيد يف جميع مراحل عمره تَ َ
سعيد عقل إن حكى
يشكل فــرادة هذا الرجل الحاضر في تاريخنا الحديث منذ ثالثة وهو هذا ما ّ أرباع القرن. أن لبنان اإلبداع في عافية. ظال من إنه شاعر لبنان... وقامته تبسط ً ِ ُ طمأنينة ّ حاضر على الحاضر ان وهكذا سيبقى ،هو الذي يراهن على المستقبل كما لو ّ ٌ َ أطراف أنامله. – الدولة؟ من هي؟ ال أراها .إنها قزمة أمام عطاءات لبنان.
أكثرنا نضارة حلم ،وأبهانا طموحات دائما ُ سعيد عقل هو ُ نفسه سعيد عقلً : مستقبل. خمسون ساعة معه… كأنها تبدأ اآلن. كل ما كنت أنوي أن أجمع؟ حقا ،في ما سوى خمسين ساعة، هل ً ُ قطفت منه ّ عاما ،من كأنها تبدأ اآلن .بل كأنه هو ،حتى هو ،يبدأ اآلن ،كما بدأ من خمسين ً عاما ،حين كان في مطلع شبابه وفجر طموحاته وهديل األحالم. ستين ً غنى ومعرف ًة لعقلي ووعيي لبنان. خمسون ساعة إليه ،من أكثر ساعات حياتي ً من المبدعين َمن ينتسبون إلى وطنهم ،ومنهم من ينتسب وطنهم إليهم. ينتسب إليه لبنان. سعيد عقل ،هوِ ،
142
سعيد عقل
يف ُ 41ق األودي صيدة غير مسيه نشورة
يوم
ـت على إص ــدار ُ تنشر سوى األودي ـس ـيــهَ مجل ًة شعري ًة شهري ًة ال عــزمـ ُ ُ واستشرت سعيد عقل باألمر، سابقا، غير المنشورة ً ُ القصائد الجديدة ِ خصص ل ُ عدد حمس للفكرة، كل ٍ وديسيه في ّ وعدني بأن ُي ّ وشجعني ،وأكثرَ : ّ ـاأل ّ َت ّ غير منشورة. قصيد ًة منه جديد ًة َ أصدرت ُ وديسيه على مرحلتين :أُ ولى شهرية من 1982الى 1984 وبالفعل، ُ األ ّ عددا)ُ ، واألخرى فصلية سنة ( 2001أربعة أعداد). (ً 36 عدد بقصيد ٍة جديدة. لكل ٍ ووفى سعيد عقل ِب ِ وعده :كان َي ُم ّدني ّ اليوم ،وهذا الكتاب سعيد عقل إن حكى ،وليس أفضل من سعيد عقل يحكي المنشورة ّإال في ُ األوديسيه،) عن سعيد عقل بشعره ،أعود إلى تلك القصائد (غير ُ ت شرها في هذا الكتاب كي ال تبقى منسي ًة في أعــداد المجلة التي ْ وأُ ُ أوقف ُ عيد نَ َ ّ صدورها عند العدد ( 40خريف .)2001 َ
147
سعيد عقل في ُ األوديسيه
ِ قامتا؟ بتقول ِغ ِّن ِّيه ِم ْن َهكِ ا ْلـ َن ْغماتا ِغ ُلو، الدقايق يسألو: حدا َ و ِيمرقو ّ هيي؟. هيي ِومش ِّ شو ْتكون ها ْلـ ِّ سايحه… ْو َع َل ْفتِ َتا ،تبقى الليايل ْ رايحه… وهيي َم ْ تعرف شي… ْت َض َّال ْ ِّ عنهن ِغوى َع ْي َدا األجمل ِمني حِ كي ُ ْزهور احلقل شَ ْهقو ْلها كِ ُّلن َسوا ِب ِو ّجها ْت َم ُّرو سالم ْه ُد ّوْ ...و َ ْو َع َصدرها َك ُّرو فرخ ْين من طري َاليمام… َ و ْي ْنها؟ يقول اليل شافا واشْ َتهى. َ ِ ميكن ِب َّقصه ْمن القصص، ِ ميكن بشي حِ ْل ْمْ ،و َخ َلص. َيوم ا ْلـ ْبيعرف َوين ،بيكون ا ْنتهى! األول – أيار )1982 (السنة األولى – العدد ّ
149
سعيد عقل إن حكى
َع ْيدا كتري ِ بتح ّبا… كتري… وشو ْتضيع ِ عمر بالت َ سعت ْعش الـْ شَ ق ِْع ُت ْن َع ْيدا ْ هودي نجومو َل ِّلشعر ت يكون ّالربيع… عليهن ،قالَ ، َم َّيل ُ ْب ِت ْحكي… ّإال ِل َّغه ِف َيا الطفلْ ،وفيا بلبل عمـينادي كنار… ُ عمـب ْت َل ِّبسا ْوت َع ِّريا، ولـَ ْسرار ِ الكبار… يضحكو عيونا ا ْلـ ِمن ِّالزرق ْ ْب ْ َال شا ْفها َم َّره الق ََمر. ق ْ ِمني عاد ِي ْمليلو َن َظر؟ هاحللوه؟ ،يغ ّني ،للطيور؟ َ لمني ِ َلشي ِحلو ْم ِن َالغ ْيب َص ُّلولو ْو ِ س ِعد؟ عمـتحسدك ،يا َهـ ِالب ِعد ق ّلو :الدين َ َج َّـوا عيو َنا ا ْلـ َو ّجعو َّالس ْبع ْالبحور….
148
سعيد عقل في ُ األوديسيه
صر تناهى كما َخ ٌ كنت( )1معنى الزهرة اح َلوىل شذاها َ ِ املـــعـــرفـــة ال ـ َـع ــل ــي ــا ،أال يـ ــا سـ ـ َن ــى صي َرتها؟ ِه َ مت بالـ يــا لــيـ ُـل ،ما ّ ٍ ـــــكـــــ ٍر فـــــأنـــــا مــــــن نــــــــق َــــــــرات ُب َّ تـــــــــاه يف بـــــــايل ك ـ َـم ــا ن ـ ــه ـ ــون ـ ـ ٌـد َ وت ــغ ــاوى ال ــع ــزف يف م ـ ّـد الشجى الــــع ِ أنـــــت لها ــــود مــتــى َ َح ــض ــن ــةُ ُ نـــــــــت مـ ــا ِس ـ ـ ـ ّـر الــغــنــا دو َ ومـ ــتـ ــى ّ ورج ـ ـ ـ ـ ٌـع طــائــر ِعـ ــلـ ـ ُـمـ ـ َ ـك ال ــب ــح ـ ُـر ْ ـك ال ــي ــوم؟ ِ ارمـ ـ ِـه ـب ا ُخل ــل ـ ُـد ب ـ َ َر ّح ـ ـ َ
فـ ــت ـ ـ َقـ ـ َّـب ـ ـ ْلـ ــه الـ ـ ــوفـ ـ ــا ًآه ـ ـ ـ ــا ف ــآه ــا ـك ف ــل ـ َـي ـ ْـح ـ ِـن ال ــع ــل ـ ّـي ــون ا ِجلــبــاهــا لـ ـ َ ج ـ ـ ّنـ ــةً أجـ ــمـ ـ ُـل مـ ــا ف ــي ــه ــا حــيــاهــا ـك ،نـ ـ ــاداين م ــن اآلي صــداهــا لــ َ ب ـ ــن إبـ ــهـ ــامـ ــك والـ ـ ِـبـ ــنـ ــصـ ــر ت ــاه ــا مــنــذمــا احــت ـ ّلــت نـ ــجـ ــاواكَ مــداهــا وج ـ ـ ُـع ال ــع ــود كــمــا خ ــص ـ ٌـر تــنــاهــى ه ـ َـت ــف ال ـ ــق ـ ــارئ ُ س ـ َّـب ـ َـح ــت اإلل ــه ــا اخت ْرُ :أدنيا أم ِصباها؟ عن َ يديكَ ... ـك س ــه ـ ًـم ــا مـ ــن ت ــلـ ـ ّق ــاه جتــاهــى بــ َ
(السنة األولى – العدد – 5/4/3صيف )1982
( )1الموسيقار سليم الحلو.
151
سعيد عقل إن حكى
T O I N U E ! E T Q U E M A M A I N G R I M P E …
Toi nue ! et que ma main grimpe Ce svelte d’or et d’azur ? Nue. Oh ! le nu trop peu pur Me t’offre fuyant l’Olympe. Oui déesse. De mes jours Déesse, et de mes nuits. Dore Cet instant où moi t’adore, Cet instant où toi l’Amour. Te veux entière, et m’encombre De quelque mort à ton ombre. Toi ne dis que tu mourras. Très belle, telle toi-même, Dans mes peines tu vivras, Tu vivras dans mes poèmes. )1982 (السنة األولى – العدد الثاني – حزيران
150
سعيد عقل في ُ األوديسيه
ـورد من قطفِ األمرية أفكاركَ الـ ُ ُ الليل منهاَ ،ص ْم ُت ُهِ ،وغوى أفكاركَ ُ ، ُ
أدراج ت، َت ْستقوي ،وقد َت ِع َب ْ والقصر ُ ُ ـوق ُهـ ـ ّـز ُاج ُس ــد ِول ـ ِـه، ونــجــوم ف ـ ُ ٌ
(السنة األولى – العدد – 8/7/6خريف )1982
153
سعيد عقل إن حكى
يف أمني نخله [األحد 15نيسان 1973كان موعد تكريم أمين نخله بمهرجان ضخم ٍ في قصر األونسكو /بيروت ،يساهم فيه شعراء من لبنان والدول العربية (بينهم نزار قباني، أمني حادث محمد الفيتوري،صالح جودت ،بولس سالمه ،سعيد عقل .)...وطرأ ٌ ٌّ منا لكن الموت كان أج َل المهرجان إلى أسرع من هذا الموعد فَ َسرق ّ ٍ َ موعد الحقّ . َّ يكرمونه ،هو مه من أن َ وح َر ُ يشهد رفاقَ ه ّ أمين نخله يوم الجمعة 14أيار َ ،1976 واحد من شعراء لبنان والعرب .لبنان ،في المهرجان، غير ٍ الذي شارك في تكريم ِ كان سيتمثّ ل بقصيدة شاعر لبنان سعيد عقل الذي كتب مطلعها من ثمانية أبيات وانطوت وتأجل المهرجانّ ،ثم غاب األمين دامعا) فاهتز لها (سمعها أمين نخله َّ ّ ً َ َ تنته. القصيدة ولم ِ وتنشرها كي ال تنطوي ،هي سحبت األبيات من بين أوراق صاحبها، األوديسيه ُ َ األخرى ،مع المهرجان ومع األمين].
تاج بيني وبي َنك ،ال عرش وال ُ ٌ نصرهم َم ْن بايعوا بايعوا ..ما َه َّم؟ َت ُ سيف ُس ـ َّـل ،مل َيـ َـر ُه ـك! ٌ أهلل َف ـ ُّنـ َ ب، ُّ اللم ِع ،أو يف الق َْم ِع ،ال َع َج ٌ يهتز يف ْ تَ ... واط َريب! َو َع ْي ُت ُه؟ ق ُْل :أنا ُأ ْر ِق ْص ُ ٍ مبعصية وعد اخت ْل معيٌ ، أفكاركَ ؟ َ ُ 152
عراج اليوم ِم ُ ق ُْم َن ْر َت ِق ا ُخل ْل َدِ ،شعري َ يا ذا َالفقا ِر الذي يف ِظ ِّل ِه ماجوا ـزاح مزالج ـاب اخلــواطـ ِر َّإال ا ْن ـ َ بـ ُ الشرق َرجراج يوم َل َو ْح َد ُه الثَّ ْب ُ ُ تَ ، كالب ِّن ُي ِرق ُص ُه يف ال ـ َـد ِّق ِمهباج ُ ـاج ـوم ال َّإالكَ َن ـ ّـه ـ ُ ـج يـ ـ َ ِل ـ َـمــ ْن ـ َـه ـ ٍ
ُ سعيد عقل في األوديسيه
XEBBAYTAQ
Xebbay¥aq zahhar baali, Ya kamra xelm dwaali. Nab® b®iid, qif baddi gebb? ²al be¥xebb w ma be¥xebb, Gayyir gayyir qermaali.
²albi ®a mayl, ³albaq ®a mayl W ®am be¥naadiiq znuudi, Bzahherlaq sebx, ma ¥zahhir layl, Ma ¥ensa ward kduudi. Ma ¥cuuf el ka‡r el ³elaq maal W ³allaq, ya ®emri w maali, ¬am ¥uja®ni, ³aal elli ³all, ²en¥ el ³axla men xaali.
¬a cebbaaqi ³en¥ur, ¥a n jii¥ Gammid ®ayni ®a l jaayi,
155
َح َّب ْي َتك ،حب ْي َتك َز َّهر بايل َّ خمره حلم ْدوا ِلي َ يا ب؟ ّ كيف،نبع بعيد ّ بدي ِغ ،بتحب ب وما ّ ّ ِقال بتح .غير كرمايل ِّ غير ِّ قلبك َع ميل َ ،قلبي َع ميل ،وعمـبتناديك ْزنودي ،تزهر ليل ِّ ما،بزهر َلك صبح ِّ .ما تنسى ورد خدودي ما تشوف اخلصر ا ْلـ إ َلك مال ، يا عمري ومايل،و َق َّلك ، قال اليل قال،وجعني ُ َ عمـت .إنت األحىل من حايل ْ ُ شباكي ت ْان جيت َ ،أنطر ّ َع ،غمض َع ْيني َع ا ْلـ جايي ِّ
سعيد عقل إن حكى
SANS COURONNE
Et par moments, mes vers parlent de moi. Pardonne Bel Art. En voici deux non encore historiés : Il est des rois soleils qui ne portent couronne, Leurs fronts sont à la fois et couronne et laurier. )1983 – كانون الثاني9 (السنة األولى – العدد
154
سعيد عقل في ُ األوديسيه
ُر َلى جر ت .ها ُر َلى َّاز َّي َن ْ عض ُه َالف ُ البس َب َ ٌ َتـ َـخـ َّـي ـ ْلـ ُـتــهــا ُع ــري ــا َن ــةً َ ،خـ ـ ْـمـ ـ َـر ًة َإذ ْن ت، ب ما َ سألت َ ارت َأ ْ ُ كَ ،زنديُ ،ض َّمها غَ ْص َ طائفا ـت ُر َل ــى َطــيـ ًـفــا ِبـ َـز ْح ـ َلــةَ ً َحـ َـبـ ْـبـ ُ اح ِم ْلها إىل ّالزه ِرُ ،ك َّبها َوي ِهت ُ ف يبْ : واردا َو َت ـ ْنـ َـتـ ِـهـ َـبــا مــا مل َيــكـ ْـن بــعـ ُـد ً يوما فيكما :هل ُوجِ ْد ُتما ُويــسـ ُ ـأل ً ـارجــا، تــعــايلُ ،رىل ،مل يــبـ َـق َّإال ِك خـ ً
األخمص ال َّن ُّد وال َّن ْض ُر حتى ِ ِم َن َّالشع ِر ّ ف الق َِّد منها هو ا َخل ْم ُر كأسِ ،ص ْر ُ وال َ ف ،ك َأ ْن ُك ُّلها َث ْغ ُر كَ ،ثغري ،اق ِْط ْ سألت َ ُ ُيـ َـخـ ِّـبـ ُـر عنها ِضـ َّـفــتــي َنـ ْـه ـ ِرنــا الـ َّنـ ْـهـ ُـر عىل الـ َّـزهـ ِر ،و ْل َي ْش َه ْق ِل َش ْهق َِتها َّالز ْه ُر ِبــبـ ٍ ـال ،ومــا َلـ ْـم َي ـ ْلـ َـق ِمـ ْـن ُع ـ ُنـ ٍـق ُد ُّر ِب ُد ْنياُ ،هنا؟ ْأم َل ْم َي ِل ْق ِب ُكما َع ْص ُر؟ عر ُمذْ َه َّم ِ عر و ُأ ِنش َدَ : ك ِّالش ُ كان ِّالش ُ
(السنة األولى – العدد – 11آذار )1983
157
سعيد عقل إن حكى
ت تعرف شو ْسهرت وشو ْبكيت ْو َ وشو وشوشْ ت الربدا ِيه... هالسماِ ، نجومك كتار يا ّ وواحد ِم ُنن ِببايل. قوليلو صاير قلبي نار، ميرق يا قبايل... ّ حدي ُ
W ¥a ¥a®rif cu sher¥ w cu bqii¥ W cu wacwac¥ el berdaayi... Ya ha s sama, njuumiq q¥aar W waaxid menun bi baali. ²uliilu ‡aayir ³albi naar, Xaddi yemru³ ya ³baali...
(السنة األولى – العدد – 10شباط )1983
156
Sa®iid ¬A²L
ُ سعيد عقل في األوديسيه
MYRNA
Tant ma vallée était nantie, De fleurs, oh ! je ne voyais pleur. Maintenant, Myrna, toi partie, Comment croire qu’il est des fleurs ? Je t’ai vue une fois. Des roses Sur bras. Je dis : « Moi je me vends Pour ces deux gerbes vers et prose… » Et tu ris, vent qu’emporte vent. Partie hier, étoile filante, Toi que soleil en soleil chante ? Plutôt vis, Myrna, dans ces vers. Elle, qui fut lys des lys, aime M’entendre te pleurer amer, Toi le plus beau de mes poèmes. )1983 – نيسان12 (السنة األولى – العدد
159
سعيد عقل إن حكى
PèRE ETIENNE SACRE
Vagues, dialoguez pures, Avec les partirs, avec… Ô ses mots d’architecture, Colonnes de Baalbeck. J’aime sa lyre qu’accorde Avec ciel son épée-or, Telle Tyr frayant les hordes De Nabuchodonosor. Sa pensée-allure brasse Tout. Sa fronde- enfant fracasse. Et je le vois lendemain Où revit, défiant Parques, La trirème, art de nos mains, Sur laquelle Dieu s’embarque.
158
ُ سعيد عقل في األوديسيه
إلــهـه َ
²ILAAHA
َل ُـ منى
la Muna
N ci yawm xebbay¥iq ³ana... ²addma bxebbiq... N daxraj¥ ®a darbiq Ward w nejem¥ayn w hana... We n me¥l ci qasri¥ nesr Ma hammni ®esr w yesr, Gattay¥ we ktaf¥iq... w cel¥ b ha t tluu®...
نسر W xettay¥iq b ³albi w seqqar¥ ed dluu®... W hawniiq, matrax ma d deni be¥fell, Ciiliq w raa‡i xaamlu b dayyi, Xett wejjiq malw ®inayyi,
W hell, ya ha l wejj, faw³... w hell...
We n‡iir mec qezbi, w jiina ®a d deni, De³na w daa³e¥na ¥ ¥ese®¥a®car seni L waxdun ®emr...
161
...حبيتِ ك أنا َّ ان شي يوم ...ك ْ بحب ّ ِّ قدما ت َع در ِبك ان ْ دحرج ْ ...ونجمتني َوهنا ْورد َ وان متل شي َكس ِرة ْنسر ،ويسر ّ ما ْ عسر ْ همني ّ وشِ ْلت ْبهالطلوع...وخطفتِ ك ْ غطيت ّ وسك ْرت الضلوع ّ وحطيتِ ك بقلبي ،تفل ّ مطرح ما الدين ِب،وهونيك ،شيلِك وراسي حاملو ْب َـد ِّيي ،وجك م ْلو عينيي ِّ حط ... ِوه ّل... فوق،هالوج يا،ِوه ّل ّ
، وجينا َع الدين،ونصري مش كذبه دِ قنا وداقتنا التسعتعشر سنِه عمر ُ ا ْلـ ْ وحدن
سعيد عقل إن حكى
ِ عنك هذا الكتاب عــنـ ِ ـاب ،ع ــن ُقــبــلـ ٍـة ـك ه ــذا ال ــك ــت ـ ُ ـورد، سـ َ ـوف يبقى ،سـ َـيــقـ َـر ُأون به الـ َ سم ِ باحي ،كالب ّلو ِر، ك ّ ُطر َفةٌ جِ ُ الص ُّ ت ق ــوا ِف ـ َّـي نــاداهــا هــو إن ع ــا َن ـ َـد ْ أنــا ِشعري َرني ُنه ِمــنـ ِ ـك ،من ُح َّق ِني والشموخ الــذي ِبه هو ِمن ُبـ ِ ـرد ِك، ُ س ــائ ــي ك ـ ـ َّـل ص ــف ــح ـ ٍـة مـ ــن كــتــايب وغــــــــدا تـ ــقـ ــر ُأ امل ــل ــي ــح ــةُ ِش ــع ــري ً ـن قـ ْـه ـ ٍر َف ـ َـت ــم ــي ـ ُـد ال ــدن ــي ــا ب ــه ــا ،بـ ـ َ هدي، َت َ شتهي لو تكون عاشت عىل َع َ َع ـ ـ َّـل َطـ ــر ًفـ ــا ِمـ ـ ّن ــي ي ــك ــون َرآهـ ــا
َأق َْط ْف ِت ِنيها وقد َه ِ ويت عىل زندي ومــــــويت عـ ــى َقـ ـ ـ ِ ـك والـ ـ ـ ـ ِ ـوامـ ـ ـ ِ ـورد ك ــاحلُ ــل ـ ِـم مل َي ـ ـ ِـص ـ ـ َّـح ...وك ــال ـ َـوع ـ ِـد ت َر َّد احلــبــيــبـ ِـةِ ...مــن ُبـ ْـعـ ِـد َف ـ ـ َـر َّد ْ والصدى ُيعدي َب َّض ْي ِنْ ،أصـ َـد َيــاَ ... ّإم ـ ــا َخ ـ ـ َـط ـ ـ ْـر ِ ت َت ــغ ــوي ــن ب ــال ـ ُـب ـ ْـر ِد عنكَ ،ي ْس َب ْح سؤا ُل ِ ِ النض ُر بال َن ِّد ك ْ فيك ،بل يف تو ُّلهي ِ ِ بك أو ُسهدي ـت َبــعــدي وانـ ــجـ ــراح ٍ ألنــهــا ُخــ ِلــ َق ـ ْ أو ال فـ ِـعــقـ ُـدهــا ِص ــي ـ َـغ يف َعــهــدي بالبعض ِمن َح َببِ ِالعق ِْد أو َتغ َّنى ِ
(السنة الثانية – العدد – 13أيار )1983
160
ُ سعيد عقل في األوديسيه
ELLE EN CE MONDE?... à I. Tu te réaliseras, Rêve qui sur mes cils tombe, Et sous mon toit la colombe, Colombe roucoulera… Oui, la non blessée encore, Par un chasseur, s’offrira A la blessure et vivra En un ciel de je t’adore. Ô rêve, ô seul rêve mien, Viens, tes ailes au vent, viens… Et déesse sur tes ailes… Elle à moi ? Quoi ! pour de vrai ? Qui croirait, ô mes yeux ? Elle En ce monde ?! Qui croirait ? )1983 – تموز15 (السنة الثانية – العدد
163
سعيد عقل إن حكى
البنيات ُّالسمر وغ ّنولنا ورقصو ّ حلوه أنا َه ِيكي وكون يا ِ صرت زهره ْتفرفطا َد ْيكي غيتار ْوتدقّي طَ َرب ود َهب ُلو ُلو وإملاز َ
W gannuulna w ra³‡u l bnayyaa¥ es semr...
إجر ْيكي ِز ُّتن َع َ أو صرت شي ِ نبعةْ شباب ...وتغريف... وما تعريف شو صار يا هاإللــهــه ا ْلـ حم ُل َوا األشعار بس ميكن تعريف قديش ِبقلبي ِغنى ّ ك، وقديش ِ بقلب ْ ّ حبيتِ ك أنا ْان شي يوم َّ ك! بحب ْ ّ قدما ِّ
W quun ya xelwi ³ana hayqi... †er¥ zahra ¥farfeta dayqi... ši¥aar we ¥de³³i tarab... Luulu w ³elmaaz w dehab... Ze¥¥un ®a ³ejrayqi... ²aw ‡er¥ ci nab®i¥ cabaab... w ¥egerfi... W ma ¥a®rfi cu ‡aar, Ya ha l ³ilaaha l xemluwa l ³ac®aar... Bass yemqin ¥a®rfi ²eddayc bi ³albi gena W ³eddayc bi ³albiq, N ci yawm xebbay¥iq ³ana
(السنة الثانية – العدد – 14حزيران )1983
162
²addma bxebbiq.
سعيد عقل في ُ األوديسيه
أرض بالدي وحدها تبقى واألمل يوجعني أين سأمضي وشبايب... ْ ُ أحمل غابتي معي وسنديا ًنا و ُق َل ْل ُ زل وحدها تبقى... وديوان غَ ْ أرض بالدي َ ُ ُ جناح عصفو ٍر َر َح ْل كتبتها أنا عىل ُ ِ األز ْل وقلت يا دنيا ْاس َمعي عنها َ ُ وخ ِّبري َ حل ا ُملق َْل رابها ال ُب ُسط الريح وال ُك ُ ُت ُ ِ اشت َع ْل مرج من ِ الزنبق يف البال َ أحىل ،وال ٌ ات احلَ َج ْل ض ريش ال َّنسرَّ ،كر ُ أرض بالديَ ،ن ْف ُ ُ أسك ْن ُتها ُزرقةَ َعي َن َّي شَ َك ْك ُتها َأس ْل َ وج ّن ٌّي َب َط ْل الليل ِ َي ُ رحم ُه ُ قصف منها َ احتفل املجد أمسها؟؟؟ مبجدكَ ْ ُ ٌ أذاكر يا َ يوما َن َز ْل وغَ ُدها بعض نزولِ اهلل ْإن ً ُ رمون بها ا ُأل ْف َق فيح َلويل َّ الط َفل سي َ قال َ ب ِل ارشُ قوا َس َماها بال ُّنجوم ...بالق َُبل ُ قلتَ : ويل ْأبقوا ُفسحةً من ِ انسد ْل فوقها احلَ ْو ُر َ َ ِ كالوردة يف َّالشعر َاله َم ْل ت انزرع ُ أنا بها ْ (السنة الثانية – العدد – 17أيلول )1983
ِ
165
سعيد عقل إن حكى
L ¬ERS El MA XŠERTU
العرس ا ْلـ ما ْحضرتو
وملتِ ِفت هالكون... َو ْرد...َو ْرد †awbha, w tarxi¥ ®eres taari¥... وطَ رحِ ةْ عرس طا ِرت،صوبها ْ Ya gaab¥ el lawz el qa¥ab¥i l lawn, يا غابة اللوز الـْ كتبتي اللون Gaari... zhuuriq men ³abl gaari¥... ... ْزهو ِرك من قبل غا ِرت...غاري Temci... w ®a zendu me¥¥qiyyi... ويغمرا...ع زندو متكيه َ ْو...تِمشي ُ ِّ ّ w yegmera... ومن فرحتو ْيصري املدى ْيع َرض W men farx¥u y‡iir el mada ye®ra‹, وك َرمو سهل ا ْندرى َ هوي ّ سيف Sayf huwwi w qaramu sahl ndara, !وهيي مالكو األبيض األبيض ّ W hiyyi malaaqu l ³abya‹ el ³abya‹! حكتلها حجارو ْ من بيتنا ِض Men bay¥na ‹exqe¥lha xjaaru, غ ِّنت َعريشتنا Ganni¥ ®ariice¥na, عروستنا :قالو ²aalu: «¬aruuse¥na .شِ لح زنبق َّفتحو زرارو Celx zanba³ fa¥¥axu zraaru». وصار اخلري...فاتت Faa¥i¥... w ‡aar el kayr ،َع بيتنا يد ُفق ®a bay¥na yedfu³, وان فوق دِ ْن ِي ْتنا يطري الطري We n faw³ denye¥na ytiir e¥ tayr . تقول الشمس عمـتشرق،ْتص ِّلب T‡allib, ¥ ³uul ec cams ®am ¥ecru³. Ward ward... w mel¥efi¥ ha l qawn
)1983 – آب16 (السنة الثانية – العدد
164
ُ سعيد عقل في األوديسيه
Qaan el xarf el maxa l layl, W ®a mraaqib xelwi men hawn Mecit el qelmi l xerra, Jduudu ma t®addu marra W xaqamu w ¥aa®un el qawn.
Ya ¤rabels el ¥enbeni Mwaxxadi fiiqi d deni, Y³ella, rax ¥eb³i ‡akra La l nabtu ®enna ³arzaa¥, W men ha c catt b ha l qerra Ncarru mluuq w malaqaa¥.
W ya B®albaq saqri¥ el baal, Yrandix we y³uul el ma n³aal, ¬an ³ar‹iq menlamlema Xjaar b¥e¥gaawa dalaal, ¬wamiidiq xemlu s sama, ¬ellam¥i l ®a³l ej jamaal.
167
كان احلرف ا ْلـ حما الليل حلوه من َهون ِ ْو َع ْمراكب احلره َّ ِم ْش ِيت الكلمِ ه جدودو ما ْت َع ُّدو ّمره .الكون َ وطاعن ُ وح َكمو َ
طراب ْلس ا ْلـ تنبني ُ يا ،ْم َو َّحدِ ه فيكي الدين صخره َ رح تبقي،ِيق َّال لـَ الـْ ْنبتو ع ّنا أرزات بهالكره ّومن هالشط َّ .انشرو ْملوك وم َلكات ُّ
،ويا بعلبك َس ْك ِرة البال ،ْي َر ْندِ ح ويقول ا ْلـ ما ا ْنقال ِ عن أرضك من َل ْملِما ،حجار ْبتتغاوى دالل ،عواميدِ ك حِ ملو السما .ع ّلمتي العقل اجلمال
سعيد عقل إن حكى
GENNIYYIT XELWIT EL XARB ²elu q¥ab¥iya W reccaaciq ed darb... Randxi fiya Ya xelwi¥ el xarb.
– Xebbay¥u mec miin ma qaan, ²albu xelu, l ³aami zaan, ¬endu Lebnaan, w ba®du Baruudi btexmi Lebnaan.
Bya®rif ³ennu ³ahlu qbaar, Leb³e¥lun ¥ijaan el gaar, W la qelmi¥ Bayruu¥ el xa³³ Nsuur ed dewal ¥enxeni, W ma® Fakr ed Diin ed deni Tcuufun sayf el «³££» we l «la³³». We bya®rif ³ennu mne Jbayl
غ ّن ّية حلوة احلرب إلو ْك َت ْبتِ يا ورشّ اشِ ك الدرب رندحي فيا يا حلوة احلرب
– حِ َّب ْيتو مش مي ْن َما كان ِ ،قلبو حلو ،القامه زان وبعدو،عندو لبنان .بارودِ ه بتحمي لبنان بيعرف إنو أهلو كبار ِل ْب ِق ْت ُلن تيجان الغار و َلـ كلمِ ة بريوت احلق ،نسور الدول تنحني ومع فخرالدين الدين .أل والـإيهتشو ُفن سيف الـ وبيعرف إنو من جبيل 166
سعيد عقل في ُ األوديسيه
الوصية هـ ـ ــكـ ـ ــذا أبـ ـ ــقـ ـ ــى إذا ـارض ـح عـ ـ ـ ٍ ُكـ ـ ـ ـ ُّـل نـ ــفـ ـ ٍ األرضَ ،ويب َتـ ـ ـ ـ ُـر ُد ُ ال رأى الـ ــرائـ ــي عــى ـوكـ ُـه ب ُق ــل :ي ــا شـ َ َر ِّ
خـ ـ ـ ـ َّـيـ ـ ـ ــروين ...ه ــك ــذا نـ ـ ــاقـ ـ ـ ٌـل عـ ــنـ ــي شَ ـ ـ ــذا لـ ــلـ ــعـ ــصـ ــاف ـ ـ ِر ُجـ ـ ــذى َو ِ رد َقـ ـ ْـبـ ــري م ــأخ ــذا ـك أذى ال يــكـ ْـن فــيـ َ
(السنة الثانية – العدد – 20كانون األول )1983
األرض 169
سعيد عقل إن حكى
والسالم ا ْلـ جاهو فيه ِحن اليل ْن َظ ْمنا قْوافيه ن ْ بدو بس العدو ا ْلـ ّ ّ يطل ْب َسيفو عند ّالسور ّ ْترا ِبه من زحله أو صور بتكسر سيفو و ِب ْت ِر ُّدو. ُ
We s salaam el jaahu fii Nexn elli n|amna ³wafii Bass el ®aduww el baddu ¬tell b sayfu ®end es suur, Traabi men Zaxli ³aw †uur B¥eqsur sayfu w be¥reddu.
(السنة الثانية – العدد – 19/18ت/1ت)1983 2
168
سعيد عقل في ُ األوديسيه
ّالشجرة
بتصرف) (عن الپرتغالية، ّ
جره َتع َّط ْ ف ،أنا َّالش َ عيل. َتع َّط ْ ف ّ اليوم ِم ّن َي َف ّي َ لك َ بعد غَ دٍ ثَ َم َره َو َ سيء ّإيل ٌ حرام ُت ُ ك َح ّي. َو ُعودِ َي مث ُل َ ِك َأشْ قى وأ ْن َع ْم ألجل َ ك ُأ ْع َد ْم أجل ُح ِّب َ ِوم ْن ِ َف َم ْه ُدكَ ِم ّني غري َ وأنت َص ْ روح ُتغ ّني َت ُ طري وقلبي َي ْ مود ِل َب ْيتِ َ ك ِم ّني َع ْ أنيق ٌ وسقف ْ ود ُ وك ِّل َي ُج ْ 171
سعيد عقل إن حكى
VOLUPTÉ
Je t’ai réécrite tel lys, Telle pomme je t’ai goûtée, Ô toi, par mes cils or captée, Tu flambes jardin d’Adonis. Errante en l’esprit pur des roses Reviens, ô déesse en beauté, Et moi, fou sur tes mains jeté, M’ajoute à leur silence, glose. Sur l’une où frémit bracelet Serti de brillants dentelés, Moi, le rien de glose, je joue Le jeu du gros brillant clair clair... Et ton corps à mon corps se noue Beau ciel à bleu, rime à beau vers. )1984 – كانون الثاني21 (السنة الثانية – العدد
170
سعيد عقل في ُ األوديسيه
زورق ك أنا َل َ ْ احلياه، ُي ِق ُّل ْ أنت َت ْغ َر ْق وإن َ ْ جاه... ُ فجذع َن ْ ك وإ ّن َي يف َم ْم َرحِ ْ ِ ِ ماء، مظ َّلةُ َن ْب َعة ْ الفداء ورمز ُ ْ ك َعىل مذْ َبحِ ْ الصحاب ويف َالغدِ َ ، يوم ُيو ّلي ِّ أمينةَ َع ْهدٍ أظَ ّل حتى َّ الط َف ْل من الفج ِر ّ باب أيف ِب ُعهودِ ّالش ْ ري ُتلقى عىل دِ ْ ف ِء َص ْد َ رفيق ِني ُك ّنا ونبقى راب! رفي َق ِني حتت ُّالت ْ
زورق (السنة الثانية – العدد – 22شباط )1984
173
سعيد عقل إن حكى
بيق ْ وزه ٌر َع ْ َأ ُأ ِنس َيتني؟ ما َدهاكْ ؟ سريركَ ِم ّن َيِ ،من َأض ُلعي، ُ َو ِم ّني َعصاكْ ك امل ُْم ِر ِع عو ِل َ َو ِم َقب ُ ض ِم َ داعب ْتها َيداكْ وقيثار ٌة َ ستعيد سيت؟ َأ ّال َت ْ َن َ ُوان؟ متى أنا ِم ْن َ ك اخل ْ نضيد قد وأه ُل َ ْ ك ِع ٌ عيد هر ْ حوايلّ ، َّ والد ُ مان َو َك ُّر ّالز ْ أنا ال ّن ُار يف امل َْو ِقدِ فاء ّإيل ُي ُ احلكايات بني َي َد ّي ُوتحكى ُ َلب َصدِ َفق ٌ وج ِّن َّيتا ِن عىل َم ِ وعدِ ِ وس َم ْر صفاء ُوب ْحبوحةٌ َ ٌ ويف البابِ ِ عاصفةٌ ال َتذَ ْر...
172
ُ سعيد عقل في األوديسيه
JAYCNA L BA¤AL
Jaycna l batal, Ya jbiin malw el gaar, Ya le®b¥u be l ®aa‡fi j jabal, Ya ®enfewaana talli¥ el ³axraar.
W la jayc kalfu l majd ³ebn el majd ²addma kalfaq, We n raax yehrum be l ®eda ‡affaq – Hay †uur, ³ellun, yesjduula sajd. L mabda l cara®¥u ma hamadlu ‡awt: «Me®¥edi la ¥quun, Bass be¥reddu bi ¥emmu l maw¥ L taalil w mec xaamil ge‡n zay¥uun». Qaabar Sqandar ? Galab ? T®a||am ? W law ne¥f, mennu qen¥ farrag¥u.
175
جيشنا البطل ،جيشنا البطل ْ ،يا جبني َم ْل َو الغار ِ ،بالعاصفه اجلبل يا لعبتو .يا عنفوانا ط ِّلة األحرار وال جيش خلفو املجد إبن املجد ك ْ خلف َ قدما ّ ِ يهرم ك ْ بالعدا َص َّف ُ وان راح . يسجدوال َس ْجد، ِق ُّلن،– َهي ُصور :شر ْعتو ما َه َم ْدلو َصوت َ املبدا ا ْلـ ،معتدي ال ْتكون برتدو ِبتِ ّمو املوت ّ بس .ا ْلـ طالل ومش حامل غصن زيتون كابر اسكندر؟ غَ َلب؟ ْت َع َّظم؟ َ ِم ُّنو كنت َف َّرغتو،ولو ْنتف
سعيد عقل إن حكى
الدنيا يا ُص ْو ُر فاحتة ُّ سيف ...أما رهبوا؟ صور ،لهم ٌ َم ُّروا ِب َ ـوم ُعـ ـىً اهلل! اهلل إن ُتــســتـ َّـل ي ـ ـ َ ف بعضه شَ ـ َـر ٌ هنا الــراب تــعــاىل... ُ أهلوه عن ِ تلك التي شَ ُه َمت – يدهم – َ ُ انهزمت ـوش نــبــوكـ ْـدنـ َّـصـ َـر ْ هنا جــيـ ُ ـاب هنا ـاح الــديـ ِـن ه ـ َ ومـ َّـرت ـ ِن ص ـ ُ ـدر ُت ــرى الــعــظــيــمــا ِن أفــتــى فيهما قـ ٌ كيما ُي َه ِّدمها – يــا ُذ َّلـ ـ ُـه! – َو َلـ ٌـد ـت لــكــنــهــا مـ ـ َّـرغَ ـ ـ ْـتـ ـ ُـه قــبــلــمــا غُ ــل ـ َـب ـ ْ ت ،بقيا أطلع ْ لو َّان صــورُ ، وح ْك ًما َ ـــل كــخــا ِلـ ِـقـ ِـه ـاس يف رحــبــهــاُ ،ك ٌّ وال ــن ـ ُ ـور ،فــاحتــةَ الدنيا بغري وغى يــا ص ـ ُ
صورِ ، الغضب ك يا َ احتم ْل ،ال َم َّس َ سيف َ ُ َب توقّفي، شمس ،واروي َّ العز يا ِحق ُ ُ ـب وبــعــضـ ُـه ْأن َّإيل امل ــج ـ ُـد يــنــتـ ِـسـ ُ ب؟ أخــذُ البسالة ...ما فـ ٌـن؟ وما َل ِع ُ ـاظـ ٌـم َ فــارتـ َّـد مــا كـ ِ يكتئب غيظيه ُ أب؟ أال ُف َ ديت ،ابن سيفٍ ،هل ثناكَ ُ ـب ْأن ال يــكــون لــصــو ٍر منهما َعـ َـطـ ُ مغرتب؟ لبنان مِ الغربِ َ ، رب من َ ُ والغ ُ ب شر َ جيشها ِ موتاُ ، ف ً َ اللج ُ وماتَّ ، ب لكانت األرض إحدى ...ليس َ حتت ِر ُ ُ ب ٌ س وال َذ َه ُ جهد من َالبدع ...ال َك ْد ٌ َلـ َـرمـ َلــةٌ مــنـ ِ ب تلك ـكَ ، القصر والق َُب ُ ُ
(السنة الثانية – العدد – 24/23آذار/نيسان )1984
174
سعيد عقل في ُ األوديسيه
َج ُّدو َل ِ تاك َجـ ـ ـ ـ ـ ُّـدو َلـ ـ ـ ـ ــتـ ـ ـ ـ ـ ِ ـاك يل ِش ـ ـ ْلـ ـ ِ ـت َيب ،ان ــز ِل ــي
ـوم أرجـــــــوحـــــــةُ الـ ــهـ ــمـ ـ ْ ـوم يف ُقـ ـ ـ ّـبـ ـ ــة الـ ــنـ ــجـ ـ ْ
م ـ ــن شُ ـ ـ ـ ـ ْق ـ ـ ـ ٍ ـرة َس ـ ــرى رأي ـ ـ ـ ـ ُـت ـ ـ ـ ــن ـ ـ ـ ــي أرى ـت ه ـ ــا ب ــه ــم ــا أمـ ـ َـسـ ـ ْـكـ ـ ْ ــت أشــر ْك ْ طــــري ...أن ــا َ
ـف ال ــه ــن ـ ْـاء يب ع ـ ــاص ـ ـ ُ ضـــيـــاء َحـ ــب ـ ـ َلـ ــن م ـ ــن ْ
ـت م ــن جــديـ ْـد أم ــس ــك ـ ُ ب ــال ــع ــي ــش ال َي ــم ــي ــد
وك ـ ـ ـ ـ ْـم ـــــــــــم َ أواه َك ْ َجـ ـ ـ ـ ُّـدو َلـ ـ ـ ــتـ ـ ـ ـ ِ ـاك؟ َأ ْم
ـت فـ ــيـ ــهـ ــمـ ــا: س ـ ـ ـ ــأل ـ ـ ـ ـ ُ س ـ ـ ـ ــا ِل ـ ـ ـ ـ ُـم ال ـ ــس ـ ــم ـ ــا؟
ـب؟ ـب َأ ْم ُأ َحـ ـ ـ ـ ّ ُأ ِح ـ ـ ـ ـ ُّ َجـ ـ ـ ـ ُّـدو َلـ ـ ـ ــتـ ـ ـ ـ ِ رب ـاك ّ
ــــواب ضـ ـ ـ َ الــــص ْ ـاع َيب َّ فـ ــلـ ـ ُـي ـ ـ ْن ـ ـ ِزال الـ ـ ِـكـ ــتـ ــاب
(السنة الثالثة – العدد – 28/27تموز/آب )1984
177
سعيد عقل إن حكى
Hammaq? Ma hammaq.. Haq el marmag¥u ¬aad ®¥araf, ³aal mennaq ¥®allam.
هاك ا ْلـ مرمغتو..همك؟ ما َه َّمك َّ . قال ِم َّنك تع َّلم،عاد اعرتف
.َع َد ْين صور ْت َت ْل َمذو األبطال Miin gayrha yeq¥ub: :يكتب ُ مني غريها «El xarb ³ennaq daayman ¥eglub»? ؟داميا تِغ ُلب ً احلرب إ َّنك Marra me¥e¥?... Ba®du n nejm ma ntaal... ... بعدو ال ِّن ِجم ما ا ْنطال...مره ِمتِ ت؟ َّ ¬a dayn †uur ¥¥almazu l ³abtaal.
Syuufaq ndallelha, ya ha l ®asqar, Nganniilha: «Haa¥i ! B ¬anjar el waaxid yeglub ¥laa¥i ²aw ma menceqqa be l qe¥ub ¬anjar». Jaycna l batal, Ya jbiin malw el gaar, Ya le®b¥u be l ®aa‡fi j jabal, Ya ®enfewaana talli¥ el ³axraar.
يا هالعسكر،سيو َفك ْن َد ِّللها !هايت :ْن َغ ِّني ْلها عنجر الواحد يغ ُلب ْتالتِه َ ْب .أو ما م ْن ِش َّكا بالكتب عنجر ،جيشنا البطل ْ ،يا جبني َم ْل َو الغار ِ بالعاصفه اجلبل يا لعبتو .يا عنفوانا ط ِّلة األحرار
)1984 حزيران/ – أيار26/25 (السنة الثالثة – العدد
176
سعيد عقل في ُ األوديسيه
أمرية تشاؤين أ ِل ْج ُ األمني خباءها ْ َ حيث وهى أ ِر ْج ياسمني َوام ق ُ ْ عان ِْق ،تقول ،شُ ْم... خصري ْاب ُل ُه َر َّنا خصري أنا ُر ُن ْم كبلبل غ ّنى! ٍ َيود وتغ ُنج امل ْ أعود تريدين ْ ُ س من ذلك ُالع ُر ْ غايه، أحكي وال َ ت َآيه ْأن ُن ِّز َل ْ س! يف الكتبِ الق ُُد ْ (السنة الثالثة – العدد – 30تشرين األول )1984
179
سعيد عقل إن حكى
MON CŒUR SERAIT MARGUERITE
Mon cœur serait marguerite Et tu l’effrites, ce cœur. Oh ! non, pour lui, je n’ai peur, J’ai peur pour toi qui l’habites. Ô fleur, à la merci d’un sort Dur, ô fleur de feu blottie En mon âme, d’or nantie, Que te bercent mes cils d’or. Et quand, un soir frangé d’aube, Tu le fends, ce cœur, ta robe, Elle, sera verdeur val, Non rouge sang qui se gaufre. Car une reine ne s’offre Le mal d’avoir fait du mal. )1984 – أيلول29 (السنة الثالثة – العدد
178
سعيد عقل في ُ األوديسيه
ميالد الفضاء، أرض ،أيا تفاحةَ ُ ْ طريي بنا طار بكِ الهناء، َ ْ يمات نناديكِ نحن ال ُن َج ُ ياء، ُ نزلزل ّ الض ْ والالهنا من الـْ ُهنا ُ َ الفضاء. أرض ،أيا تفاحةَ ُ ْ خاطره ما كنتِ ؟ َ يف... ذهن طَ ْ يف ِ وقلم ِ صيف يوم ْ منقص ٌ ِ ف مِ الشمس َ الشجرة ِ َّ املغام َره خطكِ يف َ سؤال. ّتفاحةً بعض ْ َ الكمال؟ ما أنتِ ؟ ما أنتِ ؟ ْ اللهب. حاشا ،وال سِ ُّر ْ ُبب، أنتِ ارتعاشةُ الق ْ اجلمال. ند ْ ِع َ
181
سعيد عقل إن حكى
MADELEINE
LISE
Un nu
Lise
En nage ?
Sort,
L’Orage
D’or
Venu !
Bise…
S’impose
Roi
Un cri
D’algues
Ecrit
Nargue-
Sur roses
Toi
Car sein
Elle,
D’or ceint
L’aile
Et d’âme,
Feint ?
De nard D’Eve
En dard
Rêve
S’enflamme…
Sein… )1984 – تشرين الثاني31 (السنة الثالثة – العدد
180
سعيد عقل في ُ األوديسيه
تفوت س الكأس ّأال َ ْ تد َع الك ْأ َ أكثر ُ الكون ال ْ عنكبوت. من ْ فهل ُقطِ ْفتِ ،يا ّتف َاحه؟ قالْ ، َ الوجوم؟ ُرميتِ ،هل ُرميتِ يف ْ صداحه بعد ُمسمِ ًعا طري ُ َ ال َ نجوم. وال ْ وعضكِ األ َل ْـم ّ ويل وجود ْ حتى َل ْل ُ عضكِ ّ ّ ليل، كام ْ وفوق ّ خديكِ ُر ُ َ طع ُم َع َد ْم! ْ الكون ما دهاه؟ ُ صباحه! َه َّد األسى َ قُالمتا ظف ٍر عىل ّتف َاحه َك َف َرتا باهلل. وبعد ،يا ّتف َاحه؟ ُ ِ ت ِب َح ّد وسِ َعكِ اهللُ. وبالرحمة ما ُح َّد ْ
183
سعيد عقل إن حكى
ِ ذات أمدٍ مضى، تفاحةَ الفضاءَ ، َّ حطت عليكِ دميةٌ َحسناء. حتى َلحواىل خص ِرها حسناء ّ ُ رقطاء. حيةٌ َمن َّ ْ ُّأيهما َج َّر َحتِ الفضا؟ حواء؟ ُّأيهما ّ وخاجل َْتها ُلعبةُ ال ُلعب ب. يكون وأن َ ْ اخلالق ا ْن َغ َل ْ ُ وكان ْأن غدوتِ شَ ّي َ ُنن، ُي ِّنكس الق ْ أسود أو َك َـف ّي شبح َ َك ٍ الزم ْن، عىل َ الوجود، جلبابا عىل كعنكبوتٍ َم ّد ْ ً يجحد، ْ يصعد َيخ ُنق ما ْ إىل ِ اإلله من ُسجود! سك ْر يقولَ :م ْن ُي َ بالوه ِم ال ُي ْؤثَ ْر 182
سعيد عقل في ُ األوديسيه
تأن وربما ُز ّواد ٌة يف َ عقدت ْيها من ِّ َ فوق يغ ّني وكوكب ُ ٌ جياد فق ثالثةً عىل ْ يقود يف ا ُأل ِ ُ عاد ِب ْ ت أنسى َمن عىل ِر ْج َل ْيها وكِ ْد ُ زنبقتان ْ تان مرمي ْ َّ وفوق ذاك ُ يديها َ الطهر من ْ سماء!) (ميديُ ،د ًنى ،ميديْ ، أضاء! طِ ٌ فل عىل الكون ْ سر ْه سر ًة َم َّ َم َّ ُ فتستجاب، تنظر عي ُنها ْ إىل ِ اإلله َم َّر ْه الكتاب ومر ًة إىل ْ قرطاس ُه احلُ َم ّيا يف شاع ٍر ُ الريحان داده ِم ُ ْ إليا ُهتا ُف ُهّ : لبنان َّإيل ،يا عروسِ ،من ْ ُ
(السنة الثالثة – العدد – 32كانون األول )1984
185
سعيد عقل إن حكى
َم ّد راحه. َم َّد ً يدا َأست ِج َ وعد. وكان ْ َ ِف تأتل ْ ُطعان نجومٍ َ ها هي ق ُ عد. قبل َوب ْ ٌ وراكع ُ ليل ِ ف. ينتص ْ ها هو ٌ الفضاء تفاحةَ ْ السماء. بأن نلقى ُ اآلن ْ موعدنا َ ْ من ُأ ُنت ِق َي ّالز ْ ضور وح ْ وموضع من الكتابِ ُ ٌ ضع ُق َن ْن ِب ُ وك ُّل أجنادِ اجلنان، جاثيةٌ ُ ، ْ وأتان، وثور، ْ وبعض رعيا ٍنٌ ، ُ نعجه، وأربع َ وأربعون َ ٌ ثلجه! وأي َ وأي عاصفٍ ُّ ُّ صديق ورجل ِّ ٌ ٍ إبريق، زاوية، لف ،يف وخ ُ َ ْ 184
سعيد عقل في ُ األوديسيه
ال�شطر ّ عىل ِ عادة األربابِ ،تبقى كما أنا ّ واحد تتخطى! إ ّنما وقد ُ السيف ُ كون غَ وى ،نغمةً ،سنى غني كما ٌ ٌّ جتنى؟ وهل بـيدٍ ُيفضى َ إليك ُفت َ ناهد! َ سر ال ّنهدِ ْأن هو ُ معاذكَ ! ُّ (السنة الثالثة – العدد – 33كانون الثاني )1985
187
سعيد عقل إن حكى
ِّالشعر ال�شعر بيت ّ ف ُد ًنى! أنتَ ،مهاباتٍ ،و َل َّ ِ كالليل َ وممت َش ُق طيف هنا وهنا ٌ ٌ سيف َ غوى وغنى. ُ هموم لو ٍنِ ،صبا كو ٍنً ، ك َأنا: َومن تكون؟ أال َد ْع ...وأل ُق ْل َ ِلق عمار ًة يف َالغمامِ اجلُون تأت ُ ال�شعر فلذة ِّ َتق ّل َني عن شط ٍر ...وغَ ّن ْيتِ ...فا ْندرى حتى َل َي ْك ُر ُج ناء البيت ّ عليكِ َه ُ فحرف عىل حرفٍ َي ُر ُّد َوي ُهز ُج ٌ ت ِبلفظٍ َف ُف ِّجرا؟ وهل لفظةٌ َه َّم ْ اخلصر وافاكِ َيغ ُن ُج اآلن َآن ُخذي َ ُ
186
سعيد عقل في ُ األوديسيه
تاج وغار ٌ تكريمي كبير لراجي الــراعــي في زحله (ربيع مهرجان ـان في التحضير ٌ *) كـ َ ٌّ كرمين شاعر لبنان سعيد عقل الذي بدأ بقصيد ٍة أنهى منها الم ِّ ،)1977وكان بين ُ الغياب راجي لغي ،في حينه ،ثم داهم العشرة األبيات األولى أدناهّ . ُ لكن المهرجان أُ َ غير منتهية. الراعي، فانطوت القصيدة َ َ تكريم أمين نخله مقررا ومر ّة أخرى (بعد أُ ولى ،وفي الظروف نفسها ،حين كان ً ُ وهيأ سعيد عقل قصيد ًة أنهى منها ثمانية أبيات ّثم َتأَ َّج َل المهرجان عام ّ ،1973 غير منتهية ،وأخذَ ت األوديسيه أبياتها وغاب األمين عام ،1976فبقيت القصيدة َ َ لتتسلَّ ل الثمانية َ فنشرتها في عددها – 8/7/6خريف ،)1982تعود األوديسيهَ غير المنتهية في إلى أوراق شاعر لبنان وتنشر العشرة األبيات الناجزة من ِ قصيدته ِ راجي الراعي.
وغار نهدا ِن ..ما َس َتر تاج ُ ُ اإلزار ْأبهىَ ...ك َأ ْن ٌ أغار تلك هي َ ضحى ُ ُ لنجم ً حكمته ،فإن َس َف َرت ِ َ ـون حتـ ِـبـ ُـسـ ُـهِ ،لــرشُ ـ َقــنــا بـ ـ ِـهَ ،ف ـ َل ـ َنـ ْـحـ ُـن نـ ُـار ال ــك ـ ُ ـرار ـت لنا ال َن َغ ُ ِمــن بعدها َآه ـ ْ مات وافـ ُـتـ ِـتـ َـن الـ َقـ ُ ـدار؟ ـأســا ُت ـ ُ ُأت ــرى غـ َـدونــا ال ـ ّنـ َ ـاي يف َك َّفيه ،أو كـ ً ـرار ـون ُقــ ْل ـ ُـه صــفــحــةً َخـ َّـطــتـ ُـه ريــشـ ُـتـ ُـه ال ـ ّـش ـ ُ ال ــك ـ ُ َزار؟ رت هذي فديت َ األرض؟ أم َ كُ ...ز َ أنت امل ُ راجيُ ، َ 189
سعيد عقل إن حكى
صويت أنا ّالرعد
†AWTI ²ANA R RA¬D
†aw¥i ³ana r ra®d: ca®bi ca®bna qellu, ¬an qell ®ayli w tefl ha s sayf ®am sellu. Ma bcuuf gayru ®aduww el men baraari ³eja, Hayq ej jduud el banu, hayq el banu w ®allu.
Gerbaan ¥exqum bi ³ar‹i, w ‹all saaqe¥la?! †uur el ³ana ³ebnha, slatiin ka‹®e¥la. ²ahli ®atuuha d Deni l kamsi lli lawla menun Laa ®a³l zaara w la janni faw³ ‹exqe¥la.
Ngaalib nexn ba®‹na ®a fayy cajra.. w ®a lawn?.. Ngaalib ®ela l Garb: hawniiq el ®ela? ³aw hawn? Ya qellna, ‹ejj ‹ajji¥ qellna: «Bi ³iid Bayruut mec Tooqyo, beqra, ljaam el Qawn».
، شعبي شعبنا ك ّلو:صويت أنا ا ّلرعد .كل َع ْي ِله وطفل ها ّلسيف عمـسِ ُّلو ّ عن ،ما بشوف غَ ريو َع ُد ّو ا ْلـ من براري إجا . هيك ا ْلـ َب ُنو َوع ُّلو،َه ْيك اجلدود ا ْلـ َب ُنو وضل ساكتال؟ ّ ،غربان حتكم بأرضي . ْسالطني َخ ْض ِعتال،ُص ْور ا ْلـ أنا إبنها أهيل َعطوها الدين اخلمسِ ه اليل لوال ِم ُنن .ال عقل زارا ْوال ج ِّنه َفوق ِض ْح ِك ْتال شجره ْو َع لون؟ َ نحن بعضنا َع َف ّي ْ ْنغا ِلب َهونيك ا ُلعال؟ أو َهون؟:ْنغا ِلب ُعال الغرب ِبـإيد :ضجةْ ك ّلنا ِّ ُض ّج،يا ك ّلنا . ْلجام الكون، ُب َكرا،بريوت مش طوكيو
)1985 – شباط34 (السنة الثالثة – العدد
188
ُ سعيد عقل في األوديسيه
T oi … que sais - tu de toi ?
Toi que sais-tu de toi ?... Que pour eux toi la belle ? Une rime de moi, non trop captée encor, Mais enivrant déjà mon amour et mes ailes, Te ferait ciel, vrai ciel, le bleu de mes prunelles Où viendront se clouer étoiles tes cils d’or.
U n ciel dit sourire
Dire le « je t’adore… » oh ! n’est-ce un vil velours Dont s’habille le mot anoblir le dire ? Le « je t’adore… » mien est plutôt ce toujours De mes trois doigts créants, ivres de ton amour, Des deux aubes dits seins, et d’un ciel dit sourire. )2001 – شتاء37 (العدد
191
سعيد عقل إن حكى
احلوار ويبتدئ اجلبال غـ ًـوى... تقصدكَ ألراكَ ُ ُ ُ ُ ـرار؟ ب سيناءَ ، ـانَ ،ف َهل فـ ُ ليم هو الــزمـ ُ يا َر َّ الك ُ َ وار ُع ِق َد احلوارَ ...ت َم َّل َ دار َ بك ُّ الد ُ كونَ ، واسك ْرُ ، ُ (السنة الثالثة – العدد – 36/35آذار/نيسان )1985
190
سعيد عقل في ُ األوديسيه
َم َر ِ رت ِب َدريب خت بيتٍ ِم َن ِّالشع ِر َم َررتِ ِب َدريب ُأ َ س بُ ،قلتِ :ال َّن ُ َت َص َّع َ هد ما ْأخذُ ُه ِب َل ْم ْ ولكن ٍ س بـآهُّ ، ِْ كل َحرفٍ ض ًنى َو َه ْم ْ عىل ُرغْ مِ ها ،هاين عىل الق َْطف ْأس َتجري ألبقى أنا يف ّالشعر ً س أهال ِبق َْطفِ شَ ْم ْ
ً أهال
193
سعيد عقل إن حكى
و ْن ِع ّد ا َجلمال : و ْن ِع ّد اجل ََمال... هات،صابيعك هاتيل َ ،ك ْ اخلصر ا ْلـ ز ْل َز َل ْ ،َل ْه ِفتا َّإمك ِ ِض التالل ّالشمس من َفوق،حكة الطفل ْ ، ْنزال :ولعبة ِّالشعر ا ْلـ َفيا غْ َمزتو ِ .!زام ْلتي إ َلك ِ ،ب ّالسما ّ َر َ حلوه ْم
WE N¬EDD EJ JAMAAL
Ha¥li ‡abii®aq, haa¥... we n®edd ej jamaal: Lahfe¥a ³emmaq, el ka‡r el zalzalaq, Šexqi¥ e¥ tefl, ec Cams men faw³ e¥ ¥laal W le®bit ec ce®r, el fiya gmaz¥u: «Nzaal, Rabb es Sama, xelwi mzaamal¥i ³elaq!»
192
ُ سعيد عقل في األوديسيه
هيي ّ ْوت ّ طل ، – ْتغا ِوت در ْفتي:شباك َو ّعاين ّ طل! – شو! َه ْي إ ْنت َد ْوم؟ ّ وهيي ْت.ِي ْغ ُمز عن كلمِ ه وال َل ْوم؟، باألسبوع،مليون خلنصر لعبتي َ ما...إيه روح ُ بتوصل .كل ْيو ْم ْ ِه ْي ها ْلـ ِم َنا ّ بيش ُرق جمايل
We T¤ELL HIYYI!
Cebbaaq wa®®aani: – Tgaawi¥ darf¥i, Yegmuz. W hiyyi ¥tell! – Cuu! hay ³en¥ dawm? Malyuun, be l ³esbuu®, ®an qelmi w la lawm?... ²££ ruux... ma b¥uu‡al la ken‡ur le®b¥i... Hii ha l mena byecru³ jamaali qell yawm.
195
سعيد عقل إن حكى
MOI JE VOGUE SUTLAN
Quoi ! tes deux mains de rêve, en mes deux rudes mains ? Entends de moi – moi peintre oh ! que créa sa toile – Te dire en mots flambants, l’un rose, l’autre étoile : En ta blouse éthérée où s’ébattent deux seins, – Moi je vogue Sultan sans trirème et sans voile. )2001 – ربيع38 (العدد
194
ُ سعيد عقل في األوديسيه
سوزانا
SºZAANA
Bes³al jamaala: «Cuu ¥quun?» Biyredd: «Maa ³ella sexr... We l kala³a radla ¥muun ¬a dehabu... w qaan ec ce®r!»
شو Xelu jamaala, b ha njuum Yba®sir, y³uul: «Jhalu...
Wes® ej jahl... Bass n hmuum Hammi ¥duu³u, b¥e®³alu...» Xelu jamaala yqun ramaz
Be c ce®r ³ennu qnuuz ²iil... Ta mlay®ib er riici n gamaz, Ya ce®r, bi ha l qawn ciil!
197
كون؟ ْ شو ْت :ِب ْسأل جماال حر ّ ْ ِما إ َِّال س :بريد مون ْ واخلالقا رادال ْت ! وكان ِّالشعر...َع َد َه ُبو بهالنجوم ،حلو جماال ْ اجه ُلو ْ : يقول،يبعثر موم ْ بس ْان ْه.ِو ْسع اجل َْهل . ْبتِ ْعقَلو...َه ّمي ْتدوقو
حلو َجماال ْيكون َر َم ْز ِ .إيل ْ بالشعر إنو كنوز ِ ت ْم َل ْي ِعب ،الريشه ْان غَ َم ْز َ ! ِبهالكون شيل،يا شِ عر
سعيد عقل إن حكى
ِ جما ُل ...ك ما ال ّنسر؟ َف َع َّث ْر...!سر ع ّلى ُ جما ُلكِ ما ال َن شيل ْ قاه َت ُ عيو ًنا إىل ُم َرت ب ِم َن ِّالشعر َز َّهر؟ ٌ ُترى أنتِ َص ْع تذَ َّك ْر،أقول ُ ،ب ُ – َص ْع..وما َه َّم؟ .املستحيل َمعي َل ِعباتٍ َض َنى ْ
TOMBE A SES PIEDS
Le rossignol m’a dit : « Vis-la de ciel ton heure ! Ta déesse en tes mains, yeux, lèvres. En eux crois. Elle ! … Oui comme en un rêve, oui comme en un chant roi, Tombe à ses pieds, et tel qu’à quinze ans tu fus, pleure… Disant : je t’aime ? Oh ! non, je me meure pour toi ». )2001 – صيف39 (العدد
196
سعيد عقل إن حكى
Ba®rif S¿zaana byerbeta Bi ha d deni ³akdi¥ ®elm ²enna ci yawm b¥en®ata Tjannin malaq marba l xelm.
Ka‹aarun ®yuuna nawaal Ha l welid b re‹a s Sama Ka‡ra nagam, ®en³a dalaal We l ward lah¥i¥ mabsama...
We l malaq, el ³el¥u ³ahl Bi ³atfha, keli³ ¥era? Keli³ w biy³ellaq: «Sahl ²enwi ³ana w laa ³entera...»
بعرف سوزانا بريبطا هالدين ْأخدِ ت ِع ْل ْم ّ ِب
إ ّنا شي َيوم ْبتِ ْن َعطى .ْت َج ِّنن م َلك مربى احل ْلم ضارن عيونا َنوال ُ َخ هالو ِل ْد ْب ِرضى ّالسما ِ ِعنقا دالل،خصرا َنغم مبسما َ والورد َلهتِ ة ا ْلـ قلتو أهل،وامللِك خِ لِق َترى؟،ِبق َْطفها س ْهل َ :خِ لِق وبيق َّلك ُ إ ْنوي أنا وال ُأ نطرا
)2001 – خريف40 (العدد
198
مؤلفاته في العربية بنت يفتا ح المجدلية قَ دموس
طبعة أولى 1 935 طبعة أولى 1937 طبعة أولى 1944
رندلى ِ غد النخب ة ُ أجمل منك؟ ال لبنان إن حكى
طبعة أولى 1 950 طبعة أولى 1954 طبعة أولى 1960 طبعة أولى 1960
كأس لخم ر ٌ أجراس الياسمين ُ كتاب الورد ُ قصائد من دفترها ُ ُ دلزى كما األعمدة الوثيقة التبادعية خماسيات الصبا ُ شرر نحت في الضوء
طبعة أولى 1 961 طبعة أولى 1971 طبعة أولى 1972 طبعة أولى 1973 طبعة أولى 1973 طبعة أولى 1974 طبعة أولى 1976 طبعة أولى 1991 طبعة أولى 2000 طبعة أولى 2000
مترجم إلى اإلنكليزية ( ،)1985وإلى اإلسپانية ()2010
مترجم إلى الپرتغالية ( )1975وإلى اإلسپانية ()2009
في اللبنانية يار ا خماسيات ُ عشتريم الح ْب َر ِوي القداس َ
طبعة أولى 1961 طبعة أولى 1978 طبعة أولى 1999 طبعة أولى 1999
في الفرنسية طبعة أولى 1981 L’Or est poèmes Sagesse de Phénicieطبعة أولى 1999
طبعة ثانية 1991 طبعة ثالثة 1991 طبعة رابعة 1991 طبعة خامسة 1991 طبعة ثانية 1991 طبعة ثانية 1991 طبعة ثامنة 1991 طبعة ثانية 1991 طبعة ثانية 1991 طبعة ثانية 1991 طبعة ثانية 1991 طبعة ثانية 1991 طبعة ثانية 1991 طبعة ثانية 1991
الفهرس المقدمة خمسون ساع ًة معه 7 . ........................................................................................................
الفصل األول ا... مهندس أكون أن حلمي كان وبدأت حياتي أستاذً ا للرياضيات 15 . ......................................... ُ ً الفصل الثاني من بيت الضابط إلى قوس المحكمة
31 . ...............................................................................
الفصل الثالث بنت يفتاح أول مأْ ساة يعرفها الشرق في تاريخه 43 . .............................................................
الفصل الرابع مشيا إلى الجامعة األميركية سهرات شارل قرم تنتهي ً
51 . .......................................................
الفصل السادس رندلى أول ديوان في الشرق مخصص للغزل وأكثر قصائدي في الغزل مكتوبة من دون امرأة
69 . .......................................................
الفصل الخامس األول 61 . ..................................... قدموس بخمسين ليرة ...ونفاد الطبعة األولى في األسبوع ّ
الفصل السابع خطاب في طرابلس يطيح صورة بشارة الخوري وخمسة أسطر كانت كافية لتحسم موقف فؤاد شهاب
79 . ..................................................
الفصل الثامن الحرف للّ غة يتغير كالثوب للجسد 89 . ....................................................................................
الفصل التاسع قصيدته عروس المهرجانات األدبية ومصر عقدت له الصدارة مرتين
99 . .................................
الفصل العاشر مؤرخي التاريخ 109 . ................................................................... هذا هو لبنان كما قاله عظماء ّ الفصل الحادي عشر ذات يوم ...عاصي ومنصور الرحباني
119 . .............................................................................
الفصل الثاني عشر َح َب َسه المطر داخل الفندق في طهران فترجم رباعيات الخيام إلى اللبنانية
131 . ......................
سعيد عقل في ُ األوديسيه145 . .................................................................................................
ɛ̟̉˳̖̫ɭ
.ʜ˞̴ ˨ˏ˛̐4̊̈ɽ4̎̃˳4̄ˡ̘ʁ4ʁ˝̌ˊ4̊̈̍˹˞˴̐4ʛʝ˞̑˒̀̂ʁ ̵ 4̇̅ 4ʃ̱ ˜˗ʁʝ 4̱ˌ̃ˋ̉ˡ 4˞˴˥̂ʁ 4ʛɽ 4ʛ̍˹˞˴̐ 4̇̑̃̑̃˽̂ʁ 4ʞ̍ˡ 4ˆ̅ʝ .ʃ˜̑˗̍̂ʁ4ˍˢ̑̂4ˆ̌̉̀̂4ɸʌ˞ˊ̔ʁ4ʛ̍̀ˎ4˜˼4.˞̑˒̀̂ʁ4ʜʋ˜̑ˊ .ʁ˞̑˨˼4 ʛˆ̅˟̂ʁ4ʛˆ˿ʝ4ɸ̊̑̂ɿ4 ˍˢ̃˔4ˌ˳ˆˡ4̇̑ˢ̆˚ ̰ ̴ ̴ 4̊ˢ˺̈ 4́̑̅ʌ̖ˆˊ 4.ˆ̑̂ˆ̆˕̂ʁ 4N˜˗ʁʝ 4˲̃˽̅ 4̇̅ 4˞˒̉̂ʁʝ 4ʜ˞˴ ̴ ˤ̵ .ˌ̐˞˒̉̂ʁ4ˌ˴ˮ˽̂ʁʝ4ʃ˜̑˨˽̂ʁ4ˣ˽̉̐ ̴ 4˜̐˟̐4ˆ̅4ʞ˜̅4ʄˆ̐˞˿˝̂ʁʝ4ʀʉˆˋ̆̂ʁʝ4ɻʁʋ̒ʁʝ4ʋˆ̀˹̔ʁ4ʄʁ˞˥˳ .ˌ˳ˆˡ4̇̑ˢ̆˚4̏˹4ˆ̋˞˨ˏ˚ʁ4ɸˌ̉ˡ4̇̑ˢ̆˚4̇˳ ̳ 4˞˨ˋ̂ʁ 4˜˽ˏ̅ ̶ 4.ʋˆ˿˝ˏˡʁ 4̊̉˛̐ ̷ 4̄̂ 4ɸ̊̑̂ɿ 4̏ˎˆˢ̃˔ 4ʙʁ̍˭ 4ˌˡˆ̆˘̂ʁ 4̏˹ 4.ʙˆ˴˺̘̈ʁʝ 4ˌ̐̍̑˘̂ʁ 4̏˹ 4ʂˆˋˤ 4.ʃ˞̑˨ˋ̂ʁʝ ̱ 4̊̅͏˗ɽ4˻̑˽˘ˏ̂4́ˋ˽ˏˢ̆̂ʁ4̎̃˳4ʃ̱ ʋʉˆ˨̅4.˜˷̂ˆˊ4ʙɾˆ˺ˏ̂ʁʝ ̴ .˲̐ʋˆ˥̆̂ʁʝ ɺ́˽˳4˜̑˴ˡ4́˽˳4̏˹4ˌ̃˗ʋ 4˲˪ʁ̍ˏˊ4ˌ˹˞˴̆̂ʁ4̎̃˳4́ ˋ̵ ˽̷ ̐4̇̅4 ́˿4ˆ̋ˆˮ˴̐4̱ ˌ̑̉̋ʊ4̱ˌ˴ˏ̅ ̴ ̿ ̴ .ɻˆ˷˧̖ʁ4ʃɻʁ˞ˊʝ4ʙˆˋˏ˼̘ʁ4ʃʋˆ̀ˊʝ4ɻˆ̆̃˴̂ʁ .ˍ̃̆ˏ˿ʁ4 ʃ̴ ˜̶ ˴̂ʁ ̳ ̴ .ʄ˜˽˴̈ʁ4̴ ˌ̑̉̂ʁʝ ̳ ̶ .ˌ̃˗˞̂ʁ4ɿ̵ ˜̳ ˋ̷ ˏ̳ ̷̃ ˹̳ <ˌ̅˜˽̆̂ʁ4̇̅= ̶
͚̒̿ʭ{ˀ̧͔͒ {͚̱́͋ʢ {̻͚̓ʬʘ { ̧̮̽͋ʢ {̗͈̒̑ʾ {̧̼̭̑ ˆ {͂͘ {͓̗͎̑̓͋̌ {ʦ ˅ ̥̠ ˄ ˄ʞ { ͑̑͒̔͋͘ ˂ ˂ ˅ ˇ {͂͘ʾ {ʙ ˘˖˗˘ {ʗʴ͖͒͏͏͋ʢ {̶̮̎̑͋ʢ {ʺ͎̑ʬ {̼͗͌ʘ {ʙ ˘˖˗˖ {ʗˀ̥͕͒͋ʢ {̧̮̽͋ʢ{ ˆ ͍˅ ̺˅ ˅͑{ì{̀͌͋̕ʢ{ʥ̑̀ ˅ ˅͋ʘ{ʙ ˘˖˗˖ {ʗʷ̧̡͋ʢ{̼͗͌{̷͆͑̕ʘ{ ̧̛͒͋ʢ ˅ {͚͐̓ {̧̛͒͋ʢʾ {ì {ʼʢ̧̝̔ {͚̣͊͌ {ʼʢ̧̝̔ʘ {ʙ ˘˖˗˗ {ʗʴʢ̥̓͟ʢʾ {ʺ͖̰͝ʢ ˇ { ˘˖˗˘ {ʗ͉͎͒̕͝ʢʾ{ʮ̑͒͋ʢ{̥͔ʢ͖̭ ˅