17196137

Page 1


‫المـقـهى \ قِـصـة َقـصـيرة‬ ‫إسـالم حـِجـي‬

‫إصـدار أول \ ينـايـر ‪3102‬‬

‫إخـراج و تنسيق الكتـاب‬ ‫إسـالم حجـي‬

‫جميع الحقوق محفوظـة ©‬


‫إسـالم ِحجـي‬ ‫قِـصـة قـصيـرة‬


‫إهداء‬ ‫إلــــــيك في ‪ ..‬إلي فــــــــــيك‬


‫" كـ ُل حـ ٍ‬ ‫ب يكـونُ معـ ُه طـَـلب ‪ ..‬ال يُـعـول عـليـه ‪..‬‬ ‫وق يسكـنُ بالـلـقاء ‪ ..‬ال ُيعـول عـلـيه ‪" ..‬‬ ‫و كـ ُل شــ ٍ‬ ‫ابـن عـربـي‬


‫" هـا نـحـنُ نتـابـعـد عـن بعـضنـا أكـثـر فـ أكـثر كـل يـوم ‪..‬‬ ‫و كـأننـا شظـايـا تتـنـاثـر فـي الفـضــاء ‪" ...‬‬ ‫مـصـطـفى محـمـود‬ ‫ُ‬ ‫لـغـز الــحـيــاة‬


‫" هل كان من الضروري أن نفـتـرق ‪..‬‬ ‫لندرك كم كـنا في حاج ٍة ألن نبـقى قليال لنقول مالم نستطع قولـه أو ما اخـفـقـنا في قوله ؟ "‬

‫واســينـي األعـرج‬


‫ُ‬ ‫وحبـات العـرق تحفر لنفسها أخـاديدا ُحـرة في أجـسـادهم ‪...‬‬ ‫انتـصف النـهار‬ ‫الشمـس تحمل سوطـا حـارا يلفحهمـا‪ ,‬دائما كانا يلتـقيان منتصف النهار مراعاة لها ‪...‬‬ ‫أخـيرا وصـال إلى " المـقهـى " المعهود الذي تعودا الجلوس فيه ‪...‬‬ ‫لكـن الغائب الوحيد هذه المرة كان الصوت \ الكـالم \ الرغبة في التواصل بالحنـاجر ‪...‬‬ ‫كالهما يأمـل أنه مع بعض الصلوات والقليل من الحظ ‪...‬‬ ‫سيجدان في الصمت مساحة مشتركة تحمل جودة تماثل جودة الكالم أو ربمـا تفوقه ‪...‬‬

‫هـو يشـعر بأن صـديق َتـه القديمة ليست هي تلك ال ُمتزينة أمـام ُه‬ ‫وهي تشعر بأن عينيه ُتـصران على أن تعريـانهـا من ردا ِء القوة التي أرهقت نفسها طوال‬ ‫العام الفائت ل ُت َفصِّـل لنفسـها واحدا يـالئمـها‬

‫أتى النـادل ‪ ..‬فأخبرهُ بعبار ٍة صغير ٍة‪ " :‬كـ العـادة "‪.‬‬ ‫ضح َكـت ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ لمـاذا تضحكـين؟‬‫ أال تظـن أن " كـ العـادة " عبارة مضحكة ؟‬‫هل تـذكر متى كانت آخر مـرة كـنـا فيها هنـا سويـا ؟‪...‬‬ ‫عـام أو ربما أكـثر !!‪..‬‬ ‫أم تـراك خالفت وعـدك بأال تـأتي هنـا وحـدك أو أنك نسـيت ما قل َت ُه لي عن لألمـاكن‬ ‫أيـضـا لغـة تتواطىء مع جسد الكلمات لتغلف روح الصـداقة بين المقربين‬ ‫وأنـك لن تجـازف بأن تستـنزف هذه الروح دون صـديق‪.‬‬

‫فهـم كـل شيء‬ ‫أرجـع ظهـره واتكأ وتكـلف وضع ابتـسام ٍة ونظـر ٍة تـوحي بأنه ِ‬


‫"كم الزلت مغفال يا صديقي ‪ "..‬قالتها لنفسها وهي تلملم بقايا الصورة القديمة التي‬ ‫جمعتهما معا في ذهنها ‪...‬‬ ‫أتى صو ُتها ‪ " :‬ال داعي لتلك النظرة ‪...‬‬ ‫فال َ‬ ‫أنت بقيت كما أنت وال أنا توقف بي الزمن "‪.‬‬

‫عدا تلك القوةُ الفاقع لونها التي ال تسر الناظرين التي ترتدينها‬ ‫وال أفهم ما حاجـ ُتكِ لها ‪ ,‬لم أعد أفهم ماذا تقصدين ؟!‪.‬‬

‫عادت لتسأله في عقلها " لم تعد ؟! ‪ ,‬وهل فهمت قصدي يوما ؟ "‬ ‫داع للقلق يا صديقي أنا الزلت أنا‬ ‫ ال ِ‬‫لكن تحت هذا المعطف السميك من القسوة أو الـ المباالة ‪ ,‬سمّـها ما شئت ‪ ..‬ال يهم ‪.‬‬ ‫لقد كان دائما موجودا في خزانتي ‪ ..‬أتزين به أمام الغرباء ‪...‬‬ ‫أنا فقط لم ألبس ُه في صُحبتك من قبل ‪...‬‬ ‫بغـض النـظر عـن اإلهـانة المتعمـدة هال ّ أخـبرتِنـي لماذا ترتدين ُه اآلن إذن ؟‬ ‫‬‫ِ‬

‫ك في كامل هيأتي ‪..‬‬ ‫عام من االنقطاع كان البد أن ألقا َ‬ ‫ض ِح َكت ‪ :‬أ َتـزينُ لك يا صديقي فبعد ٍ‬ ‫أال يعجبك؟‬

‫ ال تتـذاكي من فضلك ‪ُ -‬تهينيني عندما تفعلين‪ -‬أخبريني فقط ما األمر؟‬‫ ما األمر؟!‬‫يبدو أنك أنت من يريد أن يتغابى قليال‬


‫خـبرك مباشرة‬ ‫حسنا إذن ‪ ..‬تريدني أن أقـتل كبريائي و أ ُ َ‬ ‫ال بأس ‪ ..‬سـأفـعـل ‪.‬‬


‫‪3‬‬ ‫استجمعت قوتها لتسأله ‪ :‬أين نحن على خـارطة العـالقـات ؟‬ ‫ماذا تسمي هذا الشيء المشوّ ه الذي يجمعنا وال يُغني وال يُشبع من حُب ؟‬

‫ أتى صـو ُته هزيال كما نظر ُته ‪...‬‬‫نحـنُ ‪ ..‬نحن أصدقاء ‪...‬‬ ‫ ربمـا ‪ ..‬لكن ‪..‬‬‫أال تظن أن الصداقة تفرض نوعا فاخرا من االلتزام تِجـاه الطرف اآلخر‪..‬‬ ‫نوعا غير هذا النوع الرديء الذي ُتقدمه لي ؟‬ ‫َ‬ ‫ظننت أني سأرضى بشيء بهذه الرداءة ؟‬ ‫ما يـؤلمنـي هـو ‪ :‬كيف‬

‫أراد أن يقاطعها فأشارت إليه أن يصمت وأت َبعـت ‪:‬‬ ‫ربما َ‬ ‫أنت ال تراه رديئا ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫يحـيط بهـا تعـريـف واحد متـفق عليـه‬ ‫و لألسف هي أشيـاء نسبيـة ال‬ ‫لكـن أنـا و أنت ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫أنـت كـيف لم نتـفـ ْق عـلى تعـري ٍ‬ ‫ف يحيط بـأجمـل ما لدينـا ؟‬ ‫أنـا و‬ ‫هـذا إذا كـان أجمـ َل مـا لدينـا حـقا‬ ‫أو ربما كل ما في األمر أن العالقات ال تأتي دائما على مقاس أصحـابها ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بكثـير يـا ‪ ..‬صديقي ‪...‬‬ ‫اخترت لي مقاسا َيص ُغرني‬ ‫وأنت‬ ‫ٍ‬ ‫دعني أجمع كل َشرقيتي و أنوثـتي وعقلي و فكري ‪...‬‬ ‫ك أني ال أعترض على مبـدأ التصادق الحر الشريف ‪...‬‬ ‫ألخـب ُر َ‬ ‫لكن إياك أن تظن أني سـأستجدي صـداقتك !‬ ‫ال ‪...‬‬


‫ انفجر بوجهها ‪ :‬عن أية رداءة تتـحدثين ؟! ‪..‬‬‫أحمق‬ ‫ت التي طالما تعاملتي بشيء من الدالل األنثوي و الذي تستخدمن ُه للسيطر ِة على‬ ‫أن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الرجـال حمـقى في نـظـر ُكـن‬ ‫آخر ‪ ..‬كـ ُل ِ‬ ‫ولم تفهمي أني عامل ُتك برجول ٍة أخرى ‪...‬‬ ‫غير تلك التي قد َتخضع ألنوث ٍة مُصطنع ٍة ليست تعنيهـا‬ ‫بإنسان ال رجل يليق بامرأة‬ ‫كنت أظن أننا نتعامل كإنسان يليق‬ ‫ٍ‬ ‫كنت أظنـُكِ مـختلفـة ‪...‬‬ ‫ت دائما جاهزة بعتا ٍ‬ ‫ب ما ‪...‬‬ ‫لكنكِ كن ِ‬ ‫ُ‬ ‫كنت قلي َل الحساسي ِة ُتجاهك ‪...‬‬ ‫ل ُتريني كم‬ ‫ألم يخبروكِ ‪ ..‬أن الحساسي َة تسري في االتجاهين معـا ؟!‬ ‫ت وحـدك ؟!‬ ‫أم أنكِ مثلُهنّ ‪ ..‬تأتي حساسي ُتك دائما في اتجـاهك لتعمـل في صـالحـك أنـ ِ‬

‫ أتى صوتها مشحونا بغض ٍ‬‫ب تحاول أن َتكـظـ َم ُه ‪:‬‬ ‫كم َ‬ ‫أنت مذهل في َقـلب المواقف لصالحك ‪..‬‬ ‫لوال أننا في موقفِ خِالف لصفقت إعجابا بك ‪..‬‬

‫لكل شيء سببا وجيها ليست لي‬ ‫تعلَ ُم جيدا أن منطقة الكالم المُمنـطق التي تعطي ِ‬ ‫ قـاطـعهـا ‪ :‬وتعلمين جيدا أن المشاعر المـ ُ َمكيـجة التي ُت َجمِّل‪ -‬كذبا ‪ -‬مالمح الجُرح‬‫ليست لي ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ت من وراء صداق ٍة كهذه ؟‬ ‫ُترى ماذا‬ ‫انتظرت أنا و أن ِ‬ ‫ُ‬ ‫رأيت فيكِ أرضا يمكن لفكري و شِ عري أن ينبتا فيها ‪...‬‬ ‫أ ّما عني ‪ ..‬فـ أنـا فقط‬ ‫أما اآلن فلست أدري ‪ ...‬هل نحن حـقـا أصدقاء ؟‬


‫ـشب َع أناني َتـنا الكبيرة ؟‬ ‫لماذا انتظرنا من خلف صداق ٍة طفل ٍة كتـلك أن ُن ِ‬ ‫كانت طفلة‪ ..‬واألطفال ال يسمحون باالنشغال عنـهم بما سواهم ‪...‬‬ ‫عندها ‪ -‬وبحماق ٍة مثالي ٍة انشغلنا ‪ -‬عن الصداقة ذاتها بـ" تفسيرها "‪..‬‬ ‫ـرمـة قبيحة ؟‬ ‫حتى دفعناها عِ ـندا و كِبـرا لتصبح َه ِ‬ ‫ـر ِم ‪ -‬صديقتي ‪ -‬سـوى الموت ؟‬ ‫اله َ‬ ‫وماذا بعد ِ‬ ‫اختنق هو بكلماته واختنقت هي بدموعها‪...‬‬ ‫ت صم ٍ‬ ‫ت طِ وال ‪ ..‬تواطئا معا ليكتفيا بهذا ال َقـ ْدر و ال َقـدَر‬ ‫بعد لحظا ِ‬ ‫فليس من الحكمة التناوش على جسد صداق ٍة ميتة‪.‬‬

‫أشار إلى النادل الذي أتاه بالفاتورة ‪...‬‬ ‫دفع له وكان سخيا ‪ ..‬كما لو كان يعتذر مسبقا لـذاكرة ذلك المكان التي جمعتــهمـا سويا ‪..‬‬ ‫أنها لن تراهمـا معا مرة أخرى ‪...‬‬ ‫وأنهما إذا تجـرأ أحدهما أن يحيي ذكرى صداقتهم تِلك ‪...‬‬ ‫فـسيأتي منفردا ‪.‬‬ ‫أوصلها إلى باب " الرحيل " وأنهت عيناهما صمتا ما ابتـدئاه صمتا‬ ‫ورحل كل منهما يحمل معه خيبة كـاملة و ذكرى صداق ٍة لم تكتمل ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫عـام أو أكـثر َمـر منـذ آخـر لقا ٍء في المـقهى وال يـزال يتجنـب الجـلوس فيـه ‪..‬‬ ‫مـساره مبتـعدا‬ ‫لم يعهد نفسـه حسّـاسـا أو هشـا لهـذه الدرجـة ‪ ,‬شيء مـا يجـبره عـلى تغـيير‬ ‫ِ‬ ‫كـلما صـادف أن يمـر من هنـاك ‪.‬‬ ‫للمـكان ذاكـرة ال تشيـخ ‪..‬‬ ‫وكـأن الزمن تجمـد عنـد تلك المـشاهد التي جمـعت الصـديقيـن معا‬ ‫شي مـا يتـجاوز كـونها كـراسي متراصة في تلك البقعة من المكـان ‪..‬‬ ‫شي ما أعمـق ‪..‬‬ ‫وكـأنه و صـديقـ ُته نسيـا جـزءا من أرواحهمـا هنـاك ‪..‬‬ ‫األرواح ال يُعكـرهـا مرور الزمن ‪..‬‬ ‫األرواح أيـضـا ال تشيـخ ‪..‬‬ ‫تبقى حيـة تـئـنُ في صمـ ٍ‬ ‫ت ثقـيل ‪..‬‬ ‫وهو ‪ ..‬هو ال يقـدر عـلى تحمـل أنـيـنـها ‪..‬‬ ‫هو ال طـاقـة له بالصمت الصـاخب الذي َيعـ ُ ُج بـه المكـان هنـاك ‪..‬‬ ‫آه لو تعـلم تـلك الحـمـقاء كم سببـت له من تشـوش ؟‬ ‫سـأل نفسـه كـثيرا هـل ال يزال يـذكـرهـا ألنـها حبيب ُته و هو أحمق لدرجة منعتـه من إدراك‬ ‫ذلك مسبقـا ؟‬ ‫أم هو ال يزال مقتنـعا أنها الصديق الذي تمنـاه من هللا فـأرسـله هللا له في صـور ِة أنـثى ؟‬ ‫ت الـزمـن التـي ينـقلب فيها القـَ َد ُرعلينـا ليجـعل من نفس الشخص الذي‬ ‫غـريبـة محـطـا ِ‬ ‫كـان ِنعمـة منذ أم ٍد غير بعـيد ‪ ..‬لعنـة أبـديـة ؟!‬ ‫ت أن تتـرجـلّي عن القِطـار الذي أنا فيه و تأخـذي القِطـار‬ ‫كيف بهـذه التـلقائية استـطـع ِ‬ ‫المـبتعـد عنـي ؟‬

‫ال بـأس ‪..‬‬ ‫مشـواره في الحيـا ِة دون تـوقف‬ ‫هو دائمـا قوي ‪ ..‬يُكـمل‬ ‫َ‬


‫نعم يؤلمـه الحـنين أحـيانا لكـن ال يغـلبـه ‪ ..‬يتعجـب مما آلـت إليـه األمـور لكن ال يسحـ ُرهُ‬ ‫ال َعجـب ‪..‬‬ ‫الحـياة قـاسيـة بما يكفي ‪,‬هل كـان عليكِ حـقا أن ُتضيفي إلى قسـوتهـا بعـضا من قسـوتِك ؟!‬ ‫تمـر ليالي الشتـاء بـاردة حـزينـة ‪..‬‬ ‫و هو لم يكنْ قط من الذين يستـدعون النوم فيلبي نـدائهم مسرعـا‬ ‫دائما هناك ألف قِصـ ٍة مبتـورة ُتروى على وسـادات الليـل الغـارقـة في األمـاني التي ال‬ ‫تكتمـل أبـدا ‪..‬‬

‫ " تـفضـل ‪ ..‬أيـها المـدلل ‪ ,‬لـقد أحـضـرت لك قِطـعة من الشـيكوالتـة ‪..‬‬‫ُجـدن تـدليـلي كـفاصل طـفولي في زخم الرجـولـة ‪..‬‬ ‫ هههههه أحـبُ من ي َ‬‫ أنـا لم أقـابل رجـال معتـزا بـ طفـولتـه مثلك ‪..‬‬‫ت لم تـقابلـي " رجـال كـفايـة " مـثـلي و غمـز لها و ضحـكـت له‬ ‫ ربما أنـ ِ‬‫ كـم أود أن اجـادل َك قلـيال عـن الحـدود الفاصـلة بيـن الطـفولة و الرجولة \ المِـزاجـية و‬‫االنتـقائية \ الـغـرور و ال َتـرفـُع ؟ لكنـك ستـغلبني في الكـالم ولن افهـم منـك شيئا على أيـ ِة‬ ‫حـال ‪ ..‬أيـها الرجـ ُل الطـف ُل المـزاجـي المبد ُع المتـرف ُع ‪ ..‬المـدلل "‬

‫انتبـه من هـذيانـه عنـدما َمـرت دمـعة على خـده قبـل أن تبتـلعـها الـوسـادة‬ ‫تنـهـد ‪..‬‬ ‫شيء مـا قـد مـات ‪ ..‬لماذا من العـسير عـليك أن تتـأقلم ؟‬ ‫ُ‬ ‫لست معتـرضـا عـلى المـوت ‪ ..‬لكن ماذا لو أنه لم يمـُت بل قُـتِل‬ ‫أنا‬ ‫أال يكـون من حـقي حـينـها و لو بـدافع الفضـول أن أتـسـائـل منْ َقـتـل ُه ؟‬ ‫و لم َقتـَلَت ْـه ؟ أقـصد لم َقتـَ ْل ُه أي من كـان ؟‬ ‫ثم أن صـديقـا ل ُه في المـباحث أخـبره سـابقـا ‪ ..‬أ ّنه ال جـريمـة إذا لم يجـدوا الجـثـة‬ ‫وهو لم يجـد جـثـة ما كان بينهمـا بعـد ‪..‬‬ ‫ربما ما كـان بينهمـا ال يزا ُل بينهمـا ‪ ..‬حيـا في مكـان مـا ‪..‬‬


‫ربما تـائها وحـيدا على جـزيـر ٍة نـائيـ ٍة من جـز ُر الذاكـرة ينتـظ ُر أن يتـصالح المـاضي‬ ‫ث عنـه‬ ‫و الحـاضر و يذهبـا معـا للبـحـ ِ‬ ‫دائمـا كانت تقول له أن أجمـل شي ٍء في صـداقتهمـا أنـها حيّـة‬ ‫و هو يـؤمن أن الحـياة طـاقـة ‪..‬‬ ‫و الفيـزياء تقول أن الطـاقـة ال تفنـى ‪ ..‬الطـاقة ال ينبغي لها أن تفنـى‬ ‫الصـداقـة ال تصيـ ُر يـومـا عـدما ‪..‬‬ ‫ربما تـأخـذ شكـال آخـر غير مفهوم \ غير مـرئي لكن ‪..‬‬ ‫ال ينبغي أن تـفنـى ‪.‬‬

‫ت تحتـضنـين دميتـك عنـدمـا تنـامين ؟!‬ ‫ " هـل الزل ِ‬‫فاجأهـا سؤالـه‬

‫ أتـسخـ َ ُر منـي ؟!‬‫نعم افعـل و تدري ماذا أفعـ ُل ايـضـا ؟ ‪ ..‬انام في الجانب الداخلي من سريري‬ ‫فـ اكـاد التـصق بالحائط ‪ ..‬حتى أ ّني أعـص ُر جسدي في الزاوية الحادة بين الحائط‬ ‫و السرير و اكـاد أتـالشى ‪.‬‬ ‫هي أمـور ال شـأن لكم بـها أنتـم مُـدعـوا اإلنـسانـية حديثوا العـهد بالـحـساسيـة‬ ‫ُ‬ ‫حـديث عهـ ٍد بالحساسيـة ؟! ‪ ..‬يكرم أصلك يا بنت األصـول‬ ‫ أنـا‬‫ويضحـك بصـو ٍ‬ ‫ت عـا ٍل حتى تتـلفت حـولهـا و تنظـر إليـه ‪َ ..‬تمـدن يابن الصـحـاري‬ ‫ُ‬ ‫أصبـحت بـدويـا أيـضـا ‪..‬‬ ‫ ههههههههههه اآلن‬‫تخـيلي لو أننـا في الصحـراء فِعـال‪ ,‬و ُتطـالعـُني عينـاكِ من وراء البُـر ُقـع‬ ‫ي ال َعسـ ِل في ج َنـ َتي عينـيكِ ‪..‬‬ ‫ال أرى منـكِ سوى َنهـر ّ‬ ‫ تنـهـَدَت و ابتـسمت بتـواطـؤ ‪..‬‬‫ت التي تختـفي و ُجو َههـن خـلف البـَرا ِق ُع‬ ‫ حينـها تكـونين واحـدة من المـحـظوظـا ِ‬‫و تتكـفل مخـيالت الرجـال بـ َتحـْلـيتـهـُن ‪....‬‬


‫ مـاذا تقـصد ؟!! ‪..‬‬‫ُ‬ ‫تستـشيـط غضـبا‬ ‫هـو يقـهـقـ ُه و هـي‬ ‫ لمـاذا ُتفـسد كـل شيء في اللحـظة األخـيرة ‪..‬‬‫لمـاذا ال ُتكـمل ما ابتـدئتـه جمـيال بجمـال يلـيق ‪..‬؟‬ ‫ُ‬ ‫مكـانـة المـرأة تـظـل تنـتظـر أحـدهم ليخـبرهـا كم جمـيلة هي ؟‬ ‫ بـل لماذا مهمـا َعلـت‬‫لمـاذا ُتسـهِـل عليه َنصـب شِ راكـه بل و تسقـط فيها طـواعـية ببالهـة مستفـزة‬ ‫هـا ‪ ..‬لماذا يا رأس الحمـامـة ؟‬ ‫ضحكـا كـليهمـا ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ و أتبعـت هي ‪ :‬ربمـا َفطـ َرنـا هللا على هذه الطِ يبـة حتـى تجـدون أنتم معـشر الحمـقى َمن‬‫َتقـبل بسخـافـاتِكـم و تتـكلـف تحمـيسـكم لالستمـرار في تصـديق َوهـ ْم الـرجولة و البطـولة‬ ‫و بالتـالي إعـطـاء قيمـة لحـياتـكم ‪ ..‬و اإلغــداق علينـا بسعـادة‬ ‫أتبعتـها بغـمـزة جـعلتـه يضحـك بصـوت أعـلى و أعـلى "‬ ‫َنـم َنـم ‪ ..‬غـدا حفلـة التـعارف التـي أعـدهـا َسعــيد ‪..‬‬ ‫غـدا ُيعـرفنـا عـلى خطـيبتـَ ُه التي أبقـاهـا سِ ـرا إلى االن ‪..‬‬ ‫ُتـرى كـيف تبـدو حـبيبـتك يا َسعـيد و لماذا ال تتحـدث عنـها ‪ ..‬أتـغا ُر عليـها م ّنـا ؟‬ ‫أم تخـاف عليـها من الحـسد ؟ أم أنـك أيضـا من حـراس قُدسيـة الحـب الذين ُيشهـرون‬ ‫سيـف الغمـوض للدفـاع عمن يحبون ؟‬ ‫هللا يهنـيّك يا صـَديقي‪.‬‬ ‫ت النـوم ‪..‬‬ ‫يتمم دعـوا ِ‬ ‫ويتـذكر وجـه أمـ ّ ُه و يشعـر بقبلتـها على خـده ‪..‬‬ ‫لنـوم خفـيف ‪.‬‬ ‫و يبتـسم وعينـاه تستسلم أخـيرا‬ ‫ٍ‬


‫‪4‬‬

‫‪ 4321‬صـباحـا ‪..‬‬ ‫و ال تـزا ُل تتـلوى كمـحمـوم ٍة في فـِراشـها ‪..‬‬ ‫أق ُل من سـاعـ ٍة عـلى ميعـاد استـيقـاظهـا و ضجـيج مُنبـههـا‬ ‫ضبطـت منبهها على نفس ميعاد استيقاظها اليومي رغم أنها في أجـازة‬

‫تـرى لماذا يسمـونـّه ضجـيج ؟‬ ‫لم يـعد أحـد هنـا يستـيقظ الستيـقاظي منـذ أمـ ٍد بعيـد‬ ‫أظـنُ أننـي لم أعـد طِ فـلة كمـا يقـولون ‪,‬لكن ربما لو أزعـج أحـدهم نـفسـه ليودعني‬ ‫صبـاحـا لكـان شيئا جمـيال ‪ ..‬على مـاأظـن ‪.‬‬ ‫ب ه ‪ ..‬هل هذه صيغـة مبالغـة ؟‬ ‫لمـاذا من األسـاس يسمـونه مُن ِبـه ‪ ..‬مـ ُ نــ ِ‬ ‫زامـت و هي تعـص ُر جفنـيها ‪ :‬نـامي أيتـها البلـها ُء في َم ُتفـكريـن ؟!!!‬

‫اليـوم بالتـحـديد يجب أن آخـذ كـفايتـي من النـوم ‪..‬‬ ‫ال يجب أن يـرانـي النـاس بعينين منتـفخـتين ‪ ..‬يجب أن أبـدو جميـلة‬ ‫حفـلة تـعارف ؟‪ ..‬منذ متى يحتـاج النـاس حـفالت ُتنـ َظم خصيصـا للتـعارف ‪..‬‬ ‫ليتعـارفـوا ؟!‬

‫مهم في حياتنا ال يأتينـا النوم‬ ‫ليوم ٍ‬ ‫ " في رأيـك لماذا كلما أردنا أن ننام لنستيقظ منتعـشين ٍ‬‫بل و كـأن الوقت و الجسـد يعمـالن معـا ضـد مـصلحتنـا ؟‬ ‫أقصـد أليس من المـفتـرض أن يعمـل الجـس ُد في مصـلحة صـاحـبه ؟‬ ‫ضحـِك من سؤالها و قال‪ :‬لهـذا يسمـونـه األرق ‪..‬‬ ‫ َ‬‫ربما تعـددت أسبـابـه لكن يبقى األرق واحـدا ‪" ..‬‬


‫ُ‬ ‫لسـت متـأكدة من هـذه الخـطوة ‪..‬‬ ‫ال أدري لماذا يصرون جميعا على حضوري ‪..‬‬ ‫من يعرفني منهم يعرفني ‪ ..‬و ال يحتاج إلى مزي ٍد من التعارف‬ ‫ومن ال يعرفني لن تكفيه حفلة واحـدة ‪ -‬غالبا نصبح كلنا فيها كاذبين تلقائيا ‪ -‬ليتعرف عليّ‬

‫آذان الفـجـر ‪..‬‬ ‫قـامـت كـ يـرقـة تجـاهد للـخروج من شرنـقتـها إلى النـور‬ ‫هللا هنا \ هنـاك \ في كـل مكـان ‪ ..‬تريـد أن ترفرف إليـه‬ ‫ت المـجـهـدة‬ ‫هللا مِشـكـاة ال تـحـرق الفـراشـا ِ‬ ‫و هي تشـعر بنـفسـها مُثقـلة لكن ليسـت ثقيـلة ‪..‬‬ ‫تـئن لكنها لم تقـع بعـد ‪..‬‬ ‫تتنـهـد و َتعـ ُد ش ْهـقاتـِها و زفـرْ ا ِتـها لكن ما استـيئسـت من الحـياة بعـد‬ ‫تـوضـأت و اخمـدت كـل حيـرتـها و وحـدتـها في سجـد ٍة طـويـلة‬ ‫لم تـقل فيـها الكـثير لكن هللا سمـع منـها الكـثيـر‪...‬‬ ‫سّـبحـت هلل و بكـت لـ حـالهـا ‪..‬‬ ‫سلمت عن يمينها و يسـارهـا و استسلمت لـ ورائـها المـزدحم بالوجـوه‬ ‫غير أن وجـهـا واحدا فقط يـظـل بـارزا ‪..‬‬ ‫قش فـرعـوني محـفور في الجـرانـيت الداخلي لمعبـد الذاكـرة‬ ‫كـن ٍ‬ ‫طلـسم يصـيب كـل من يحـاول مسـحـه من مكـانه بلعنـة القـدمـاء‬ ‫أهـل الوفـاء و الحـب ‪..‬‬ ‫تنهـدت هي و تهـادت الشمـس َمـرحـة في جـلبـاب الصـباح‬

‫ " أتـدرين البـد أن ميـالد الروح في جـسـ ِد آدم كـان مع أول الصبـح‬‫ليست عنـدي معـلومـة أكـيدة ‪ ..‬لكن هكـذا ميـالد ال يليق به إال هكـذا ميـعـاد‬ ‫أصـف لـكِ نشوتي كل صبـاحٍ و الشمـسُ ُت ُ‬ ‫بـعث من جـدي ٍد من رحم‬ ‫ليتنـي أستـطيع أن‬ ‫َ‬ ‫الغـيب ‪..‬‬


‫ آ ٍه منـك و من فلـسفتـك ‪ ..‬أال تتعـب ؟‬‫أحسد قـدرتك عـلى عدم االكـتراث بكـل هـؤالء الذين ال يفهمـون فلسفتـك وال َغيـم حديثـك‬ ‫الذي سُـرعـان مـا يُمـطرعـلى رأس من يسمـعك ‪..‬‬ ‫يضحكـان‬ ‫ وهللا ال أتـفلسف وال أعـرف حتى تعريف الفلسفة‬‫َ‬ ‫األلفـاظ المجرد َة من المعاني و المواقف المـجردة من االنـفـعاالت‬ ‫غير أ ّني أكـره‬ ‫و الحـياة المجردة من التأمل \ من الروح ‪..‬‬ ‫ت ذا تفهمـين ولم تـهربي بعـد ‪ ..‬فـ إمـا أنـكِ ذكـية جدا أو غبيـة جـدا‬ ‫ثم هـاأن ِ‬ ‫وضحـك حتى أدمعـت عينـاه "‬ ‫عـادت للـ آن لتـُكمـل سـؤالـه ‪ ..‬أو عاشـقة جـدا \ واهـمـة جـدا ياصـديقي‬ ‫أم أنني من أولئك البنـات الالتـي يُعـامـلهن الرجـال عـلى أنـهنّ أخـواتهم ؟‬ ‫عـلى أي أسـاس يصنـفونـهن ؟‪..‬‬ ‫كـيف يجـرؤون عـلى تصنـيفـهن أصـال بغـير استـئذانـهـن ؟‬ ‫لكن ‪ ..‬من يُثبـت لي أني أحبه ذاك النوع من الحب‬ ‫ربما هو صديقي ال أكـثر ‪..‬‬ ‫ربما هو عـلى حـق ‪ ..‬نحـنُ رائعـان ألننـا منفصـالن ‪..‬‬ ‫كيانـان متـوازيـان ال ينبغي أن يتـقـاطـعا ‪ ..‬نلتـقي لقـاء النِـقـاط بالنِـقـاط‬ ‫نتصـافـح تصـاف َح الممـاس بالدائـرة ‪..‬‬ ‫نجـتمـع اجتمـاع الفـراشـة بـالضِ يــاء ‪ ..‬تـأخذه كله دون أن تـأخـذه حـقا ‪..‬‬ ‫تتـركـه كـلُه دون أن تتـركـه حـقـا ‪..‬‬ ‫آه ‪ ..‬دائمـا ماكنت حمـقاء اذا تعلق األمر بالريـاضيـات ‪ ..‬أو بالـحب‬ ‫أنا طـالبتـُه بأكـثر مما يطـيق و انتـظرت منه ماال يمكنـه تـقـديمـه لي‬ ‫البشر مـعادن و من الحمـاقة صـياغـة الحـديد للحـ ُلي او تشكـيل الذهب لـقضـبان الـسجـن‬ ‫أنـا انتـظرت من النـعامـة أن تـطير من أجـلي و من الصـقر أن يصبح وديعا في قفـص‬


‫ُ‬ ‫شرفتـي ‪..‬‬ ‫ممم ‪..‬‬ ‫آآلن أستـفيق ؟!‬ ‫أم أننـي أضـنـاني بُـعده لدرجة تجعـلني أرضى بـه دون زيـادات‬ ‫أرضـى بـعـِـالقـ ٍة يتـوقف نمـوهـا عنـد هذه المرحـلة‬ ‫عِ ـالقـة راقيـة ‪ ..‬لكن هـذا آخـرها ‪..‬‬ ‫ال يجمعني به سوى طـاول ٍة خشبيـ ٍة في مقـهى‬ ‫ب و كـوب من القهـوة و قطعتـي سُـكـر‬ ‫و طيـف ح ِ‬ ‫و كبـريـــائـي ؟!! ‪..‬‬ ‫دفنـت وجـههـا في وسـادتـها و صـَ َرخـت ‪ ..‬آآآآه‬ ‫و جـاء من الـ المكـان صـوت أنغـام‬

‫هاتمناله الخير من قلبى ‪ ..‬علشان يستاهل‬ ‫دنا هتمنى تلف الدنيا تانى ‪ ..‬تانى و نتقابل‬ ‫ت \ وحـيدة تبقيـن‬ ‫َب َكـت و َب َكـت ‪ ..‬وحـيدة ِجـئـ ِ‬

‫حفتكرله حاجات كتير كانت ما بينا‬ ‫حفتكر لحظه لقانا وانسى لحظه ماافترقنا‬ ‫لما كنا بنقسم الفرحه فـ عـيونا‬ ‫حفتكرله حاجات كتير واتمناله الخير‬

‫تـذكـرت كـيف التـقيـا أول مـرة ‪:‬‬ ‫‪ " -‬هـل يجـلس أحـد هنـا ‪ ..‬و أشـار إلى ال ُفسـحة البسيطة في طـرف المدرج التي كـانت‬


‫تجلس عليه ‪..‬‬ ‫ نظـرت إلـيه و قد بـدا لها أنـها لم تـره من قبـل ‪..‬‬‫طويـل عـريض وسيـم و ربمـا مغرور و هي ال حـاجة بها إلى تحمـل فظـاظـة أمـثاله‬ ‫عـذرا ‪ ..‬صـديقتي ستـأتي حـاال ‪..‬‬ ‫ اومـأ لها بـرأسـه و جـلس في المقعد الذي يليها ‪..‬‬‫ شيئا ما أثـار فضـولهـا تجـاهه ‪ ..‬تـابعتـه‬‫طـالب بـال دفتـر وال أقـالم يبدوا جـليا أنه ليس من رواد المـدرجـات وال يعـي كـثيرا ممـا‬ ‫يقال عـلى أيـة حـال ‪..‬‬ ‫ظـل طوال المحـاضرة يسـأل من على يمينه عن معنى هذه و المقصود من تـلك و متى‬ ‫ُذكـِر كـذا و في أي جزء بالتحديد من الكتـاب ورد هذا ‪..‬‬ ‫ت صديقتـها ألنه لم يكن هنـاك صديقة من األسـاس‬ ‫انتهت المحـاضرة و لم تـأ ِ‬ ‫كـان يهم بالمغـادرة عندما ألقى نـظرة سريعة على المكـان الخالي و ابتسم لهـا‬ ‫ال تعـلم ماالذي دفعها لالبتسام خجال حينـها ‪ ..‬انحنى بجوارها يهمس لها ‪ :‬سـأغفـ ُر لكِ ‪..‬‬ ‫وابتسم كـ بابا كنيسـ ٍة نال اعتـراف التـائب الخجـالن ‪..‬‬ ‫و رحل سريعا ‪..‬‬

‫واقفـة أمـام الكـافتـيريا بحقيبتها الكبيرة تفتش فيها عن عمـالتها المعدنية بعدما تـذمـر البائع‬ ‫من عدم وجـود " فكـة " لديه ‪..‬‬ ‫و محفظتها في يديها و نظـارتها الشمسية تكـاد تسقط من على وجههـا و هـاتفهـا ال يكـف‬ ‫عن النـواح و يد سمـراء ممـدودة من نافذ ِة الكـافتـيريا بـ كو ٍ‬ ‫ب مغطـى ‪..‬‬ ‫ال تعلم من أين أتى لكنه ناولها الكوب و دفـع لهـا‬ ‫ولم يكلمها و لم يبتسم ‪ ..‬فقط اومـأ بـرأسـه و ذهـب‬ ‫تفسير و‬ ‫ أصـابهـا الغضب ‪ :‬هـذا ماكـان ينقصنـي أصبحت مدينة لشـاب ال أعـرفه بـ‬‫ٍ‬ ‫مـال ‪ ..‬افففف‬ ‫عدة أيام و وجدتة يودع صديقا عند باب الكلية‪..‬‬


‫انطلقت إليه كـسهم يأبى أال ُيـردي فريستـه‬ ‫ اسمـع ‪ ..‬أنا حـرة‬‫ُ‬ ‫باعتـذار وال تفسير ‪ ..‬و حركات الرجا ِل تلك لن تخـيل عل ّي‬ ‫لست مدينة‬ ‫أنا‬ ‫ٍ‬ ‫إيـاك أن ُتـوهم نـفسـك أن لك علي حق أن أفـ ‪..‬‬ ‫قـاطعهـا ‪ 4 :‬جنيهـات و ينتهي االمر‬ ‫ أربـ ُع ماذا؟ ‪ ..‬جنيهـ مـاذا ‪ ..‬ارت َبكـت‬‫ ثمنُ مـشروبـك ‪ 4‬جنـيهـات ‪ ..‬أو ربما اقـَدِم لكِ تخفيضا ألني كـرجـ ٍل فشـلت في تمرير‬‫حركـات الرجال إياها كما تقولين و بالتالي عل ّي أن أدفع ثمن خيبتي ‪ ..‬صحيح ؟‬ ‫مممم ‪ ...‬لنجعـلها جنيهيـن إذن ‪..‬‬ ‫ضحكــت ‪ ..‬و لم يضـحك‬ ‫ آسفـة ‪ ..‬أظنُ أني فعال مدينة لك باعتـذار ‪..‬‬‫ ضحك ‪ :‬ال يا صديقتي بل مدينة بكو ٍ‬‫ب من القهوة و حب ِة بنادول ‪ ..‬و اعتذار‬ ‫ضحكـا كالهما ‪" ..‬‬ ‫َ‬ ‫آتت دقـ ُ‬ ‫ات السـاعـة لتعيـدهـا إلى حاضرها‬ ‫السـاع ُة اآلن العـاشرة صبـاحـا‬ ‫بـال رغبـ ٍة أعدت لنفسها كوبا من القـهوة ‪..‬‬ ‫و بحـركات اتـومـاتيـكيـة تفحـصت للمرة االخـيرة فسـتانـها السواريـه و حذاءها و حقيبة‬ ‫يدها‬ ‫و بصـو ٍ‬ ‫خـال من االنـفعـاالت هاتفت صديقتها التي ستمرعليها للذهاب معا إلى الحـفلة ‪..‬‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫آلـو ‪..‬‬ ‫كـيف حـالك ؟ ‪..‬‬ ‫الحمـدهلل ‪ ..‬بخـير ‪ ..‬فقط لم أ َنـم جيدا هذه الليلة‪..‬‬ ‫ال أدري ‪ ..‬قلبي مقبـوض ‪..‬‬ ‫مـن قال لن أذهـب ‪..‬‬


‫أنـا فقط حـضـرني أنـاس ال أعلم لم تـذكرتهم الليـلة بالتحـديد‬ ‫ههههههه ال ليسـوا شيـاطينـا ‪ ..‬أطـياف ربمـا أو أرواح خـير‬ ‫أعلم أني يجب أن أذهـب ‪ ..‬ماعلـينا‬ ‫متى تمـرين بـي‬ ‫تمام ‪..‬‬ ‫سـأكون جـاهزة‬ ‫سـالم‬


‫‪5‬‬ ‫آذان الـظـهر ‪..‬‬ ‫وهـى الزالت ذاهـلة عنـها ‪..‬‬ ‫كـطـائرة وضعـت على نـظام الـ " الطـيار اآللي " كـذلك روحـهـا‬ ‫أمـسـكت بـ فستـانـها و حمـلته على كـلتي ذراعيـها كـ وليـ ٍد هش و قربتـه من وجـهـها‬ ‫و دفنـت رأسـها فيه ‪..‬‬ ‫رفعـت عينـاها لتجـد نفسـها أمـام امـرأة غـريبـة بالكامل تحمـل فستـانا ُ‬ ‫يليق بـ عروس ‪..‬‬ ‫تطـالعـهـا من المـرآة ‪..‬‬ ‫امـرأة شـاحـبة ‪ ,‬عينـاهـا غـائرتـان و شفـتاهـا ال حـياة فيهمـا وتنـظر لهـا نظـرة تهـديد‬ ‫تـفعـل ‪..‬‬ ‫تـفعـل \ أو ربمـا تتـوسـل إليـها ‪ :‬أرجـوكِ ال‬ ‫و كـأنهـا تـأمـرُهـا ‪ :‬ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫انتـفضـت كمـن مسـها تيـار كـهربـائي مبتـعدة عن المـرآة و جـلسـت على االرض‬ ‫محتضنـة فستـانهـا ‪..‬‬

‫ُ‬ ‫يليـق بـكِ ‪..‬‬ ‫ " الفيـروزي‬‫ُ‬ ‫عالقة نس ٍ‬ ‫ب و روح‬ ‫أخـبر ُتك مـرارا أن بينـَكِ و بين البـحر عـالقـة مـا ‪..‬‬ ‫ب أعماقِـه ‪" ..‬‬ ‫و كـأنـكِ ابنتـ َ ُه ‪ ..‬اآلتـية من صُـل ِ‬ ‫َبـ َكـت وكـلمـاته تتـردد على مـسامعهـا ‪..‬‬ ‫ُتـرى لو رأيتنـي اآلن ستـظل تنـسبني إلى البـحـر ؟‬ ‫ابنـ ُة البـحر لم تعـرف أنـها ُتحـسن العوم إال عنـدما أخبرتهـا أنت بذلك‬ ‫ابنـ ُة البـحر اآلن َغـرقـى و ال تـقـاوم ‪..‬‬ ‫ابنـ ُة البـحر تقـوقعـت ‪.‬‬ ‫الفـيروزي ال يليـق باألرواح الممـزقـة‬ ‫" الفيروزي يُنـعش و يقـوي جـهاز المنـاعـة " هذا ما ُكتـب على أحـد المنـتـديات‬ ‫آآآه ‪ ..‬عن أي منـاعـة يتـحـدث هـؤالء ‪..‬‬ ‫ـذر وال فـرع‬ ‫أي منـاعـ ٍة لشجـر ٍة غـادرت موطـنهـا ‪ ..‬بال ِج ٍ‬


‫ت أشـجـار َتـصنـ ُع غـابتـهـا الخـاصـة‬ ‫ " أنا و أنـ ِ‬‫عالم ملي ٍء بالحمقى الذين يقطعون أخـشاب‬ ‫نبقى معـا لنـحمي وطنـا افتـراضيا في‬ ‫ٍ‬ ‫الصـداقة ليصنعـوا منـها محـارم قـابـلة إلعـادة التـدويـر‬ ‫ أتظـن حـقـا أن الصـداقـة إذا استـهلكـت ‪ ..‬يمكن إعـادة تـدويـرهـا ؟‬‫ ال أدري ‪..‬‬‫كم جميل لو بقينا أصدقاء‬ ‫إن كل امرأة تحتاج‬ ‫إلى كف صديق‬ ‫كن صديقي‬ ‫ أتـوافقـين ؟‬‫ عـالم ؟‬‫ عـلى مـا تقـوله االغنيـة ‪..‬‬‫ أتدري أن سعـاد الصبـاح هي مؤلفتـها ؟‬‫ حقـا ؟ ظـننـ ُت ُه نـزار القبـاني ‪ ..‬على أيـة حـال أنا لم أسـألكِ عن كاتبها رجـال هو أم‬‫امـرأة ؟‬ ‫ت مـثلها ؟‬ ‫ سـأل ُتـكِ ‪ :‬هل أنـ ِ‬‫ كـ إنـسانـة ‪ ..‬نعم‬‫ف صـديق ؟‬ ‫أوليس ك ُل إنـسان يحتـا ُج إلى كـ ِ‬ ‫لكن هواياتي كبيرة و طموحاتي ال متنـاهـية‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لست نصـفا ينتـظ ُر نِصـف‬ ‫لست ضئيـلة و‬ ‫أنـا‬


‫ تـرفقـي أيتها المـرأة الحـديدية‬‫إننـا نتكلم عن احتياجنا الفِطـري للتـراحم و التـقارب‬ ‫ال عن ضعف فينـا بل عن إنسـانية جُبـلنـا عليها‬

‫كن صديقي‬ ‫ليس في األمر انتقاص للرجولة‬ ‫الشرقي‬ ‫غير أن‬ ‫َ‬ ‫بدور غير أدوار البطولة‬ ‫ال يرضى‬ ‫ٍ‬ ‫بـدور غير أدوار البطولة ؟‬ ‫ اآلن ما رأيُك أنت ‪ ..‬أترضى‬‫ٍ‬ ‫ضحِكت و ضحك عليها و لم يجُب "‬ ‫ أنا من محبي البطولة الجمـاعية ‪َ ..‬‬‫آه لو تعـلم أن تِلك المـرأة الحـديدية‬ ‫جبـل ظاهـره القسوة و باطنه أجـوف ‪..‬‬ ‫تحـولت إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ليس بسببك ‪..‬‬ ‫لكن ككل مفقود مرغوب أقول لنفسي ربما لو كـنت هنـا ألوقدت النـارعلى معدني‬ ‫فال افـقـد جـذوة الحياة و نشـوة االنفعـال‬ ‫أتعلم ‪ ..‬أسوأ ما يمكن أن يحدث ألحدنا هو أن يفقد انفـعاالتـه‬ ‫مجـرد ٍة‬ ‫فال يعود يتـألم لجـرح و ال يرقص لـفرح ‪ ..‬تتحـول كل انفعـاالته إلى أسمـا ٍء‬ ‫َ‬ ‫لمسمى مفقود‬

‫ارتـدت فستـانهـا و جلست طويال أمـام المـرآه تخـفي اثـار قِلة النوم و كـثرة الذكـريات‬ ‫تحت مكيـاجـها ‪..‬‬ ‫رنّ هـاتفـها ‪:‬‬ ‫آسفه لم أسمـعه‬


‫ُ‬ ‫قلت آسـفة‬ ‫جـاهزة‬ ‫حاال‬ ‫سالم‬


‫‪6‬‬ ‫َقبــلت صديقتـها و احتضنتـها بعدما أغلقت خلفها باب السيارة ‪..‬‬ ‫بـدأت السيارة في التـحرك و هي تنظر إلى الفـراغ و تبتـسم ‪.‬‬

‫ " لمـاذا تقبلـّن بعـضكـن كل مـرة بحـفاوة من التـقت بـ أمهـا بعـد غيـاب َعقـ ٍد من‬‫الزمـان ؟‬ ‫و الغـريب أنكـن تودعـن بعضـكن بنـفس الحـفاوة ‪..‬‬ ‫يمر أقـل من يوم و تلتـقون مجـددا بنفس االشتـياق ‪..‬‬ ‫كم أنتـُن مُدعـيات و ممـلالت‬ ‫ ههههههه قـل أنكم تغـارون م ّنـا ‪..‬‬‫فـ أنتم بـاردون كـ ألواح الثـلج ‪..‬‬ ‫تلتقون ُفـتنـهـقون ضحكـا ثم تتـغامزون بـكالم ال نفهمه نحـن لكننا ندرك تمـاما أنه فـارغ‬ ‫مثال رؤوسـكم ‪..‬‬ ‫بل أنكم إذا وجِـع أحدكم ال يخـبر صـاحبـه و ال يبوح لـه وكأنهـا تعـليما ٍ‬ ‫ت ُأنـزلت عليكم‬ ‫في كتيب ( كيف تكـون رجـال ) ؟!‬

‫ آتعـلمين ؟‬‫عنـدما يرزقنـي هللا بـ آدم ‪ ..‬سـ أعلمه أن الحـزن حـالة إنـسانية ال داعي للخجـل منـها‬ ‫و أن دمـوعه و إن كـانت مقدسة ال يجب أن يـراهـا المسـوخ إال أن نزولها يروي‬ ‫صحـاري نـفوسنـا ‪..‬‬ ‫و أننـا نصـير رجـاال أكـثر عنـدما نكـون آدمـييـن أكـثر ‪..‬‬ ‫و أننـا نصير آدميين أكـثر عنـدما نثق بـ ارواحنـا و نتـركـها تقـودنـا نحو فهم أعمق‬ ‫لمـشاعـرنـا ‪..‬‬ ‫سـ أقول له أن هذه الدنيا كثيرة المتغـيرات و أن األكيـدان الوحـيدان الذي عـليه أن يثـق‬ ‫فيهمـا همـا هللا ( اآلكـد المُطـلق ) و روحـه ( اآلكـد النـسبي )‬ ‫ اآلكـد النسبي ؟!‬‫ نعم الروح ُتمنـح لنا لفتـرة محـدودة فقط نجـاهد لنعرف َق ْـدرهـا لكننـا نعـرف القـليل عنهـا‬‫فقـط ‪..‬‬


‫و إذا هـرول إل ّي ليقول ‪ :‬بابا أنـا خـائف ‪..‬‬ ‫سـ أحتضنـه و أشيـر إلى قلبـه و أقـول هنـا يسكـن هللا في صـدور المـؤمنين‬ ‫و مـن َسكـن هللا قلبـه ‪ ..‬ال يخـاف‬ ‫ُ‬ ‫اشتـقت آلدم‬ ‫و لمعـت عينـاه وهو يقـول ‪:‬‬ ‫ضحـك حتى ابتسمـت "‬ ‫فـ َبكـت هي و استـدرك هو و َ‬ ‫ت ‪..‬‬ ‫ هـاااااي إنـ ِ‬‫انتـبهـت على يـ ِد صـديقتـها و هي تلكزهـا في كتـفهـا‬ ‫ نعم نعم ‪ ..‬ردت عليها‬‫ مابكِ ؟ سـألتـها صـديقتـها‬‫ هـل تعتـقدين أننـا كـامالت ؟!‬‫ضحكت صديقتـها ‪ :‬ماذا تعنـين ؟‬ ‫َ‬ ‫ هـل نحـنُ كـامالت ‪ ..‬قـويـات ‪ ..‬مثلهـم ؟‬‫أخفضت رأسهـا كمـا لو كـانت باحت بما الينبـغي‬ ‫ مث ُل الرجـال تقصـدين ؟‬‫ت‬ ‫ممم غريب سؤالك ‪ ..‬أو ربما ليس السؤا ُل هو الغريب بل الغريب أن يأتي منكِ أن ِ‬ ‫بالتـحديد ‪..‬‬ ‫طـالما رأيتـُك مثـال األنـوثـة الواثقـة في نفسـها التي تـرفض أن توضـع في مقارنـة مع‬ ‫الرجـولة ‪..‬‬ ‫ال يعنـيها الصيغـة الجسـدية التي صـاغـها هللا فيهـا بـقدر ما يعنيـها الروح التي طالما‬ ‫معين إلهي واحـد‬ ‫استمـاتت في الدفـاع عن أنها كلها تـأتي من‬ ‫ٍ‬ ‫ماذا بكِ ؟‬ ‫ ال أدري ما بي ‪..‬‬‫فجـأة تزلزلت األرض تحت قـدمي ‪..‬‬ ‫تـداخـلت المـعاني \ تشـابكـت المسمـيات و اشتبـكت معـا لتختبر مـدى َجـلَدي و اتضـح‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أصبـحت بـال حيـلة أمـام احتـالل الشجـن و‬ ‫قـاومـت كـثيرا حتى اس ُتنـفِذت ح َيلـي و‬ ‫أننـي‬ ‫مستطـونـات الـ ( مـاذا لـو ) التـي تمـزق أوصال روحـي‪.‬‬


‫ت تعلمين أني لم أخرج قط عن األدب العام و لم أدافع قط عن الشـاذات عن المجتمع باسم‬ ‫أن ِ‬ ‫التحـرر أو التساوي‬ ‫لكن ما لم أحسب حـسابـه أبـدا هو كيف أ َفـرِّ ق بين حـب الصـداقة و الحب الصـادق ؟‬ ‫ ال افهم ؟‬‫راق يقف على حدود الصـداقة و يراعي هللا فيكِ‬ ‫ كيف اذا رزقـَكِ هللا صـديقا ٍ‬‫كيف تكتفين بهذا ال َق ْ‬ ‫ــدر ؟‬ ‫ماذا تقـولين لقلبـك و عقـلك حينـها كي ال يحـب هذا الصـديق أكـثر ممـا ينبغي ؟‬

‫‪ -‬صديقتي لماذا اآلن ‪ ..‬أفصحـي ؟‬

‫ أرجـوكِ ال ُتكـيفي أسـئلتي عليّ بالتحـديد و حاولي أن تجـاوبيها في العمـوم ‪.‬‬‫تجـ ّردي منـي ‪..‬‬ ‫المـوضـوع أشبـه بأن يقـدموا لكِ " تشوكـلت كيـك " كـبيرة و يخبرونك أنها كلها لكِ لكن في‬ ‫الحقيقة ال يمكنك أن تتنـاولي أكـثر من قِطـع ٍة واحدة و ال أن تحمـليها معكِ للـبيـت !!‬ ‫ضحكـا كليـهمـا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وصـال أخـيرا إلى قـاعـة الحـفالت ‪.‬‬


‫‪7‬‬ ‫تـرجـال من السيـارة ‪.‬‬ ‫و دخـال معا كـفراشتـين تحيط بهما هالتي النور و الجمـال ‪..‬‬ ‫ مالت عليها صديقتها لتخـبرهمـا ‪ :‬دائمـا كهـرمـان ٍة مشـعة و محظوظة من تمشي تحت‬‫مظل ِة نورك ‪..‬‬ ‫ضحكـت من قولهـا و ابتسمت‪.‬‬ ‫ َ‬‫ أتبعت صـديقتـها ‪ :‬عنـدي إحـسـاس أن كيـوبيـد الخـاصُ بك يتربصُ بكِ اآلن‬‫و يُـعد أسهمـه‪.‬‬ ‫ تحشـمي يالئيمة يكفيني أمي و كيـوبيـداتـها في البيـت ‪.‬‬‫رأتهمـا سلمى و كانت تقف بجوار ( سعيـ ِدهـا ) كما كـانـوا يسمونه فيما بينهم‬ ‫جرت عليهما و احتضتنتها هي بالذات و شدتها من يديها تمر بها على الطاوالت‬ ‫طاولة طاولة و تقدمها لهم على أنهـا األم الروحية لها ‪..‬‬ ‫و أنهـا لوالها ربما ما كانـت ُخطـِبـت لـسعـيد‬ ‫حتى أن سعيد نفسه جـاءها مهروال يبدي آيـات العـرفـان ‪ :‬مـرحـبا بأكـثر ال ّدالالت جمـاال‬ ‫و ثقـافـة ‪..‬‬ ‫ مرحـبا بـ ثقيـل الدم \ الطـائر المُنـقرض سعيـد كيف حـالك ؟‪..‬‬‫ بنصف ابتـسامة علقت سلمى ‪ :‬و لمـاذا تـركتنـي أقـع فيه إذا ؟!‬‫ غمـزتهـا ‪ :‬آلن الطـيور عـلى أشكـالهـا تقـع‬‫ضحـك سعـيد و سـأل خطيبتـه ‪ :‬و أنـا يا سلمى ‪ ..‬ثقيل الدم هـا ؟‬ ‫ َ‬‫بتقعـير جـعلها تنطـقها كـفقيه ٍة أزهـريـة و أتبعـت ‪ :‬أنت ثقيل الدم فعـال‬ ‫ أي نعم ‪ ..‬قالتها‬‫ٍ‬ ‫ضحـِك الجمـيع ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫سـعيـد يتـوسط الجمـيليتين عـن يسـاره خطـيبتـه في االورجـواني الفـاتح‬ ‫و عن يمينه في مواجـهـة سلمى تقـف ابنـة البُحـر في الفيـروزي و ظـهـرها للـباب‬ ‫أقـدار من اإلشتـياق المتمـنـع ‪..‬‬ ‫أقـدام من الصـدفـة و‬ ‫و عـلى مـسافـ ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫يقفُ رجـال عـند البـاب ُ‬ ‫شـلت روحـه عنـد ال َع َتـب ِة فلم يجـاوزهـا ‪..‬‬ ‫يحـدق في الفسـتان و يخفـق قلبـه ‪..‬‬ ‫يـرهُ من قبل لكن لـونـا و هيـئة كـ هـذيـن ال ينبغيـان لسـواهـا‬ ‫لم َ‬ ‫تبـاطأ َنفسـه ال يـدري لمـاذا ؟‬ ‫اهـدأ ‪ ...‬هي مجـرد صدي َقـ ُتك و سعـيد رجـل صـالح ‪..‬‬ ‫صديقتي ؟! ‪..‬‬ ‫كانت صديقتي ‪ ..‬حتى تكـ ّبر كالنـا على االعتـراف لآلخـر بـ احتـياجـه‬ ‫و سعـيد رجـل صـالح لكن ‪ ..‬لها ؟!!‬ ‫صمـوت الذي ال ُيـتم كتـابا بـدأه \ الذي يكره الفـلسفه كما يكره األسـئلة ؟‬ ‫سعـيد ال َ‬

‫ " أتـعرف ‪ ..‬ال أظـن أنني يمكننـي أن آ َمـن لرجـ ٍل ال يتـفلسف على تـربيـ ِة أوالدي "‬‫سعـيد ُمـرحـبا من بعـيد ‪:‬‬ ‫مـرحـبا بالـ ( بحـر ) أخـيرا فِضـت عـلينـا ‪ ..‬لمـاذا تـأخرت ؟‬ ‫و هو ال يزا ُل واجمـا ‪ ..‬متيبـسا في َم َحـله‬ ‫تخـشب كـدمـية بـال روح يهـزهـا سعـيد و هو يصـافحها و يحتـضنـها‬ ‫تعـال تـعال أعـرفـك علـى النـاس ‪..‬‬ ‫كـانت سلمى قـد تحـركت حتى كـادت أن تلتصق بها ‪..‬‬ ‫ذاك الـ ( بحـر ) هو صديقه المـقرب ‪ ,‬انـظري إليه ببـذتـه السمراء بالكـامل فيمـا عـدا‬ ‫ربطـة عـنقه ‪..‬‬ ‫شهـقت و هي تـقول الـ بحـر يرتـدي ربطـة عنـق فيروزيـة أي صـدف ٍة هذه و غمـزتهـا ‪.‬‬ ‫و هي ال تكـاد تتـنفس ‪..‬‬ ‫الهواء فجـأة صـار ثقيـال خـانقا محمـال بالـيود ‪ ..‬و كـأن إعـصارا بحـريـا اعتـصر‬ ‫رمـال متحـرك ٍة بـال قـرار‬ ‫فـؤادهـا‪ ,‬قـَـدماهـا لم تعـودا قويتين بل كـأنهمـا تـغـوصـان في‬ ‫ٍ‬ ‫تشـعر به و لم تـره بـعد ‪..‬‬ ‫و كـأن كـل شي ٍء حـولهـا تحـول تلقـائيـا إلى مجـال بـث ‪..‬‬ ‫ُتـبث من خـاللـه ذبـذبـا ٍ‬ ‫ت كـانت ظـنـت أنهـا تـوقفـت عن استـقبـالهـا منـذ أمـد‬


‫ أتبعت سلمى ‪ :‬يقال أن حبيبته أو صديقتـه هي من أطـلقـت عليه الـبحـر ‪..‬‬‫هنـا خـارت قواها و ارتكـزت على يدي سلمي التي سريعـا أجـلستهـا و أسـرع إليهمـا‬ ‫سعيد يسـأل مـا بها ‪..‬‬ ‫اومـأت بـرأسهـا أنـا بخـير ‪..‬‬ ‫أحتـاج أن استنشق الهواء قليال ‪ ..‬وحـدي‬ ‫ارتشفت قليال من الماء و استجمعت قواها لتسير خـارجة ‪..‬‬ ‫ك ُل ما يُسيـط ُر عليـها اآلن هو ‪ :‬كيف تمـر بالبـحر دون أن تـغرق فيـه ؟ ‪..‬‬ ‫تـقـابـال ‪..‬‬ ‫فيروز فسـتـانـها ‪..‬‬ ‫هي ابنـة البـحر في‬ ‫ِ‬ ‫و هو البـحر في عتمـة بـّذت ُه ‪..‬‬ ‫التقـت األعـين ‪..‬‬ ‫خـاطر يجـو ُل في ذهنـه ‪..‬‬ ‫و ألف‬ ‫ٍ‬ ‫وسعيـد و سلمى يسـرعـان إليـهما ‪ ,‬أشـار سعـيد إليهمـا ‪ :‬أخـيرا التـقيتمـا ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫أردت أن أقدم لك سلمـى ‪ ..‬خطـيبتـي ‪..‬‬ ‫سنتكـركمـا تتعـارفان فقط‬ ‫ضحـك بـ هيستـيريا استـفزت الجمـيع ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫تـدارك الموقف و انحنى انـحنـاء ٍة رقيـقة لسلمى ‪ :‬مـبروك‬ ‫سـعيد رجـل صـالح ‪ ..‬بل األصـلح بيننـا‬ ‫بارك هللا لكمـا و عليكمـا و جمـع بينكمـا في خـير‬ ‫انسحـبا الخطـيبين كـ كومـبارس أديـا دورهما و عليهما اآلن أن يتـالشيا سريعـا من أمام‬ ‫األبطـال الحـقيقين للروايـة ‪..‬‬ ‫بقيـا متـواجـهـين يحيط بهما غـالف جوي من التحـفز‬ ‫صمـ ٍ‬ ‫ت ال يعلم مـداه إال هللا‬ ‫منـفصالن عـن العـالم ‪ ,‬غـرقى في َ‬ ‫أذهـان قُتـلت لتـوهـا ‪..‬‬ ‫أرواح ال تجـد بين اللغـات لغـة تعـبر عنـها ‪..‬‬


‫تـابعـت سيـرهـا تجـاه البـاب‬ ‫تـردد هو ‪..‬‬ ‫ثم َتبعـها ‪..‬‬ ‫ ثـانية ؟‬‫أتـرحـليـن ثـانيـة ؟‬ ‫ لم يكـن مقـدرا لنـا أن نلتـقي ‪..‬‬‫التـقينـا لهـوا سـابقا و سـهوا اآلن ‪..‬‬ ‫دعنا ال ننـكأ جـرحـا لن ُتـوقف نـزيفه بضـع كـلمـات‬ ‫ لم نلتـقي قـط لـهوا وال سـهوا‬‫على األقـل بالنسبة لي ‪..‬‬ ‫بل القدر يجمـعنا مرة أخرى ‪ ,‬يبدوا أننـا من أحباب هللا الذين يمنحهم فرصة أخرى كي ال‬ ‫ك كمـن يدف ُع خجـال أو يخـبىء تـوسـال ‪.‬‬ ‫يُصـروا عـلى حمـاقـاتهم ‪ ..‬و ضحـ َ‬ ‫صبـرهم ‪..‬‬ ‫ أو كي يختـبر مـدى َ‬‫ربما الحمـاقة أننـا التقينـا ال أننـا افتـرقنـا‬ ‫ماض سرعـان ما سينحسر‬ ‫ربما ال يليق بالبحـر ‪ ..‬أن َيـقتـل كبريـائه اآلن على شـاطى ِء ٍ‬ ‫عنه األمـل ليعـود إلى ركـوده و صمـته ‪ ..‬الكـبريـاء الذي يحيا به و يقتـ ُل به غيـره‪.‬‬ ‫ زفـر بضـع زفـرا ٍ‬‫ت كمـن ينـفخ على النـار‬ ‫ صحـيح منـذ متى صـ َ‬‫ِرت بحـرا ؟‬ ‫ت ابنـة البـحر‬ ‫ت أن ِ‬ ‫ منـذ أن كنـ ِ‬‫ت دوامـ َة َفـ ْقـ ٍد أكـثر مِنـكِ ميـنـاء سـالم‬ ‫منـذ صِ ـر ِ‬ ‫ُ‬ ‫مـنذ أصررتـي على أن تعـقدي األمـور أكـثر فـ أكـثر كـل مـرة‬ ‫أصـررت َ‬ ‫َ‬ ‫أنت على أال تـأخذني على محمـل الجد كـل مـرة ؟‬ ‫ أو‬‫ُ‬ ‫أخذت ما بيننـا على محمـل الروح ‪ ..‬أال يكفيكِ ؟‬ ‫‪-‬‬


‫ أنا مرهـقة ‪ ..‬ال تغرقني بفلسفتك اآلن ‪..‬‬‫ارجع لسعـيد ‪..‬‬ ‫ سأعـود ‪..‬‬‫ت لي معروفـا أخـير ؟‬ ‫لكن قبلها هال فعل ِ‬ ‫ قل و سـأرى‬‫أجـيبينـي ‪:‬‬ ‫هـل أنـا خـائن\ كـذاب ؟‬ ‫هل نافى فِعـلي قولي؟‬ ‫هل كنت غـامضا أكـثر ممـا ينبغي ؟‬ ‫سيئا أكـثر ممـا ينبغي ؟‬ ‫متالعبا أكـثر ممـا ينبغي؟‬ ‫غائبـا أكـثر ممـا ينبغي ؟‬ ‫ سـ أجيبك ‪..‬‬‫ال ألني مدينة لك بل آلني أحتـاج إلى أن أخلي خزان َة روحي منـك إلى األبد‬ ‫ـشر مُـدن و بعض المدن متى َتغـربنـا ع ّنـها ال يكون لنا إليـها حـق‬ ‫و ألني أعلم أن بعض ال َب ِ‬ ‫عـودة ‪ ..‬سـ أخـبرُك‬ ‫أنت جيد َق ْـدر ما أحتـاج‬ ‫و حـاضر أكثر مما أحتـاج ‪..‬‬ ‫و هـذا هو بالتحـديد ما ال تحتـاجـه أنـت ‪ ..‬لكنك إما أنك لم تفهم فعال‬ ‫أو فهمـت و استمـرأت االستمـرار في تخديري‬ ‫و المُخـدر ماهو إال مسكـن لآلالم لكنه جيـدا أكـثر مما ينبغي‬ ‫فال تعود الحـياة جيـدة بدونـة‬ ‫الكثـير من األلم حتى نتطـهر منـه‬ ‫ لذلك نحتـا ُج إذا ‪ -‬أردنـا الـخـالص ‪ -‬إلى توبـة \ إلى‬‫ِ‬ ‫و نعود قـادرين على استعمال المسكنات العادية لآلالم العـادية ‪..‬‬


‫ لم تكـوني ُ‬‫ُ‬ ‫تـليق بكِ األوجـاع العـاديـة ‪..‬‬ ‫قط عـاديـة وال‬ ‫أنـا وجـعـك الممـيز ‪ ..‬تـذكـرين ؟‬ ‫ تـَعـبـت أو ربما َهـرمـت على تـلك األنـواع الممـيزة من الوجـع ‪..‬‬‫كلماتها األخـيرة قالتها و هي تبتعد و تشير إلى تـاكسي‬ ‫لم يحاول أن يلحق بها و هي لم تظـنه يفعل‬ ‫حـرهُ ‪ ..‬و نـفسـها‬ ‫كـرهـت فستـانهـا و َب َ‬ ‫شيئا مـا مايزال حـيا بيننـا‪ ..‬هذا ما يتردد في ذهنـها إلى اآلن‬ ‫ألم متـراكم ‪ ..‬و األل ُم دليل عشم و العشم دليل حياة‬ ‫هـذا الكـرُه المفـاجىء دليل ٍ‬ ‫مر يومـان و هاتفهـا مغلق ‪..‬‬ ‫و عنـدمـا فتحتـه وجـدت ‪ 01‬رسـائل من سلمى و صديقاتها‬ ‫و واحـدة منـه ‪..‬‬ ‫ارتـعشـت أمـامـها ‪ ..‬و تنـهدت وهي تـردد اسمـه‬ ‫شيء ما يقول ال تـقرأي و كـ ُل شـي ٍء يقـول اقـرأي‬ ‫سكين انتحـارهـا‬ ‫بحـرك ٍة ال إرادية ألقت الهـاتف بعيدا عنـها ‪ ..‬كمن تتخـلص من‬ ‫ِ‬ ‫مم تخـافيـن ؟ ‪..‬‬ ‫حتـى هو لم يجـرؤ عـلى قـول مـايـريد في اتـصال فـأرسـله في َنص‬ ‫أم تـرى ‪ ..‬هي احدى الرسـائل التي تخـبرك بمن حـاول االتـصال بك ‪..‬‬ ‫باتصـال مفقـود‬ ‫أمـسكت هـاتفهـا و بـدا لها أنها رسـالة نـصيـة ليست إخطـارا‬ ‫ٍ‬ ‫ تذكـرت عنـدما قـال ‪:‬‬‫" أري ُدكِ أن تتـأكـدي أ ّنه لو اختـلج في خاطـري شيء مـا سـأخبرُكِ به مبـاشرة‬

‫تعـلمين أنني ال تروق لي الطرق الغير مباشرة في الوصول إلى الهـدف‬ ‫تكـهن تصـرُفـا ِتي "‬ ‫لذا ال تمـارسي ألعـاب التخمـين في‬ ‫ِ‬


‫هـل خـان ُته قواه اآلن و استتـر ُخـلف َنـص ؟‪..‬‬ ‫افتحـيهـا و ينتـهي األمـر ‪ ..‬ماذا لديكِ لتخـسريـه ؟‬ ‫ت عـلى استـعداد أن تعـيدي المحـاولة ثـانية ؟‬ ‫أو ربمـا السؤال هـو ‪ ..‬هل أن ِ‬ ‫مـاذا لو يزا ُل عـلى عهـده القـديم ‪ ...‬صـديق ‪..‬‬ ‫ستـظل ال ُك َرة في ملعـبك كمـا كـانت دومـا‬ ‫مـلعبه دون أن تحـرزي هـدفـك ؟‬ ‫هـل يُرضيكِ أن تبقي في‬ ‫ِ‬ ‫ماذا لو أنـه اعتـرف لنـفسه أنني من يبحث عنـها لكنه ككـل الرجـال ال يُـقّـدِر ما بيـن يـديه‬ ‫حتى يفقـده‪..‬‬ ‫كـيف ستتـأكدين أنه يفعـل ذلك متجردا من ضغط البُـعد و ال َفـقد ؟‬ ‫قلـبهـا يوشك عـلى خيـانتـها ‪..‬‬ ‫و روحـها اعتـزلـت اللعـبة بـأكمـلها ‪ ..‬و العـقل قـرر عـدم االنحـياز ‪.‬‬ ‫و الـرسالة تحـدق بهـا ‪.‬‬ ‫الرسـالة تـومـض كمـن يتحـداهـا ‪..‬‬ ‫و قـلبهـا ينـبُض كمـن يتـرجـاهـا ‪...‬‬ ‫و هـي أضعـفُ من أن تعتـرف بضعـفهـا‬ ‫و أقوى من أن تتـخلى عن قوتـها‪.‬‬ ‫تمـت‪.‬‬


‫" ال تجالس أنصاف العشاق‪ ،‬وال تصادق أنصاف األصدقاء ‪..‬‬ ‫ال تعش نصف حياة‪ ،‬وال تمت نصف موت‪..‬‬ ‫ال تختر نصف حل‪ ،‬وال تقف في منتصف الحقيقة‪..‬‬ ‫ال تحلم نصف حلم‪ ،‬وال تتعلق بنصف أمل ‪" ...‬‬ ‫جـبران خـليـل جـبران‬


‫" إلى التـي تـرى في األلم كـرامـ ٍة ُتجـَمـل العـذاب ‪..‬‬ ‫عـلنـي أعـلمـها الـرقص عـلى الـرمـاد ‪..‬‬ ‫من يـرقص ‪ ..‬ينـفض عنـه غبـار الـذاكـرة‬ ‫كـفى مـكـابـرة ‪ ..‬قـومـي للـرقـص "‬ ‫أحـالم مـستـغـانمـي‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.