ســـيأتي...
دينا نسريين
جميع الحقوق محفوظة© رقم اإليداع ISBN-13: 978-1495320378 : ISBN-10: 1495320375 تصميم الغالف :دينا نسريني
جدل كثري دار حول فكرة النشر اإللكرتوني أو ما يسمى اليب دي إف ٌ للقراء وجهة نظ ٍر حترتم للكتاب وجهة نظ ٍر حترتم و ما بني هؤالء و هؤالء جيشٌ من التجار و القراصنة يستنزفون الطرفني أعرتف حبق كل قارئ أن يستمتع بإبداع كاتبه املفضل و أعرتف حبق كاتب بذل من وقته و جهده و عواطفه الكثري و يف أوقات كثرية من « حتويشة عمره» أمتنى أن يأتي يوم يدرك فيه كال الطرفني حجم املؤامرة اليت زج هبما يف وسطها حقوق شرعية و قانونية لن أتنازل عنها و سأحارب يف سبيلها يل يف رواييت أمل ٌ و للقراء يف موهبيت حقٌ و نصيب أمتنى أن توفيه جمموعيت هذه سيأتي كتابٌ إلكرتوني شرعي و قانوني أهديه لكم بكل احلب و الودّ دمتم لنا ..فبدونكم ال طائل من موهبتنا أهديكم ...
سيأتي
...
إهداء خاص
جملموعة عصري الكتب الثقافية شكرٌ واجب
ٌ
ٍّ -الكثري من هذه القصص كتبت يف بيئة مسابقاتٍ ثقافية ,نشأت يف كل من جمموعة حروف و جمموعة 313األدبيتني و هلما كل الشكر على ذلك. -فكرة نشر هذه اجملموعة جاءت من أعز األصدقاء و الزمالء ..الكاتب الرائع حممد عصمت ..دوم ًا أدين لك بالكثري و الكثري شكر ًا. -النقطاع التيار الكهربائي الدائم فوائد ,و لصوت القنابل و الرشاشات إهلام ,و للخوف من رغبة و إصرارٌ على االستمرار يف احلياة ,لألسف البالغ كثريون هم من أشكرهم على املوت ٌ هذه امليزات األدبية ..شكر ًا .
إله ـ ـ ـ ــام
ٍ بسرعة لصفحات الدفتر البيضاء ,تشحذ توجه طعناتها استل ْ ّت قلم الحبر ,و بدأت ّ ٍ الدم يسيل على السطور سنّه بطرف دواة الحبر الحمراء ,و تتابع الكتابة بثورة عارمة ,كان ّ الدم غطى كل المالمح بمعاناة ...وجوهٌ كثيرةٌ و كلمات أكثر اختلطت في مخيلتها ّ ... أسندت ظهرها إلى الكرسي ,عقدت ما بين حاجبيها و ت إلى الخلف و ْ رجع ْ بقسوة َ ... أخذت تتأمل جراج الورق لدقائق ,فيما أخذت ترتشف رحيق معاناتها بسكون؛
خضم عتمة نَ ِ فسها اصط ّفت الذكريات في مخيلتها ,اختارت أحدها بدقة ,و رمته في ِّ خنجراً ش ّق حاجز الوهم ..
«خللي بالك من نفسك ..عشان خاطري» يرحلون ...كلهم يرحلون ,يرمون بكلماتهم التافهة لتقعقع على أرض الوحشة الفارغة ٍ ٍ معدنية مزيّفة ...و يرحلون . كعملة ضت عينيها بعنف ,فتحتهما ,و عادت تنشب أفكارها في الورق ,تصوغ اآلهات, أغم َ اآلهة إثر اآلهة ,ترسم موت كل من آلمها و جرحها يوماً ,في ٍ لوحة فنيّ ٍة ال مثيل لها . يقتربون ...يزرعون اآلمال في بستان أحالمها ,و حين تورد حبّاً و سحراً ,يحرقون كل
شيء ...و بعبارة كـ « :انيت طبعاً مقدرة ظرويف» يرحلون .
أنفاسها و هي تلطّ ُخ الصفحة بألوان تالحقت الكلمات و األفكار ,و تالحقت معها ُ
معاناتها .
ٍ برشاقة أشبعت غريزة االنتقام ,رمت جثث ذكرياتها جانباً ,و على رأس الصفحة خطّت ْ إسماً صارخاً لقصيدتها . ت وجهها بين يديها ,و تعالى صوت النحيب ... وضعت القلم جانباً ...دفنَ ْ ْ ٍ بهدوء حزين ,لتتهاوى على صفحة مجلة, ت قطرات دمعها من بين كفيها ,تسلّلت هربَ ْ ٍ ٍ يطرح فيه لتستقر على مقابلة صحفية أجراها أحدهم معها ,استقرت تحديداً على سطرُ , ُّ خط النسخ سؤاالً ملوناً أنيقاً :
« يتساءل قراؤك عن مصدر إهلامك ,من أين تأتني بتلك املشاعر الفياضة لتبدعي قصائدك العبقرية ?»
تبتسم السطور بدبلوماسية ,و هي تمتص دموعها ...بصمت .
دعوة إلى العشاء
فتح الباب الزجاجي برشاقة ... تفضلي يا حبيبتيٍ واقف على الباب ,تعلو وجهه ابتسامة الجنتل مان ,لكم منح ْتهُ ابتسامة سعادة و هو ٌ َ
ٍ سحب من السعادة سر وجوده و فرحتها تحملُه إلى يهوى إسعاد قلبها الرقيق؛ بسمتها ّ الوردية ,دخل إلى المطعم ..
طاولةٌ الثنين لو سمحت .تق ّدمه النادل مختاراً له طاولةً هادئةً بجوار النافذة. أيك يا حبيبتي ,مناسبة ؟ ما ر ُ ممتازةٌ طبعاً .جلس بهدوء ,ثم وضع حامل هاتفه المحمول على الطاولة ,و ثبّت فيه الجهاز بعناية,
ثم اغترف نظرًة قاتلةً من عينيها الواسعتين ,و بالكاد أحجم عن النظر لشفتيها ,فهو في ٍ مكان عام ,و عندما نتكلم عن شفتيها ,فنظرةٌ فحسب لن تكون كافيةً بالنسبة له ! -أحبك يا ملكتي.
أحبك يا ملكي ,و ملك قلبي و روحي...ٍ بحور من الغزل, مرت و هما غارقان في مناجاة صامتة ,و بين العينين ٌ بضعة دقائق ّ
و جداول من األمل.
سحب عينيه من عينيها و هو يطلق تنهيدةً سعيدة.. حت . سم ْ قائمة الطعام لو َنظر له النادل نظر ٍ ات غريبة ,ثم أحضر له القائمة بضمت. ستختارين ِأنت لي وجبتي كما اتفقنا. طبعاً! أُتل علي الخيارات . بيتزا .. طبعا ال.. اسكالوب ..دسم جداً . ال ,االسكالوب ٌّمقلي و ٌ -دجاج تيكا باألعشاب ..
ابتسمت له برضى نعم ,هذا هو الطلب المناسب .ت للنظرة المسرحية على وجهه.. قهقه ْ قلب ش ّفته بامتعاض ,و اصطنع الحزنَ , حسناً ..حسناً ,إطلب البيتزا !انفرجت أساريره و رسم على شفتيه ابتسامةً عريضة ,سرعان ما تقلّصت و هي تستدرك بسرعة .. بيتزا بالخضار طبعاً !ويل لمن ولّى شؤونه المرأة ! ٌرفعت حاجبها باستنكار فضحك .. ماذا ستأكلين ِانت ؟ قلت لك ,سآكل ما تآكل يا روحي .أشار للنادل و حدد له طلبه و عاد لالستغراق في جمالها ,شعرها الحريري كسالسل ٍ عتم هار ٍبة من ٍ من ٍ أكتاف ..آآآه من شعر يتغندر على ليلة يتغنى بها الع ّ شاق و الشعراءٌ , عض على شفته و حاول العودة مسرعاً إلى عينيها ,لكن كمين شفتيها اقتنصه أكتافها! ّ
فاشتعل قلبه ناراً و هو يرتمي على حدود طالء الشفاه القرمزي ,كانت قد تزيّنت خصيصاً
للمناسبة ,مختارةً لون طالء الشفاه الذي تدرك تماما أنه يفقده صوابه ,تململ في جلسته .. أهناك ما يضايقك يا حبيبي ؟ إممم تقريباً ..ت على أناملها بخجل ,أنامل ض ْ نظر لها نظرةً ذات مغزى ,أدركت معناها على الفور فع ّ ٍ شاردة من ٍ ٍ غابة مسحورة . حمامة بيضاء رقيقةٌ كريش لم تقل ما هي المفاجأة ؟ٍ محاولة لتغيير مجرى الصمت ,ضرب على جبينه بخ ّفة.. سألَته في كدت أنسى ! ..أشار للنادل مجدداً و سلّمه قرص سي دي .. أتسمح بتشغيل هذه األغنية لو سمحت ؟هز النادل برأسه و انسحب بصمت ,دقائق و انطلق اللحن الهادئ في أرجاء المكان «I wanna grow old with you «…I wanna die lying in your arms.
-أتسمحين لي بهذه الرقصة ؟ كل منهما في أحضان ْ أومأت برأسها بسعادة ,أغم َ ضت عينيها و أغمض عينيه ,و غرق ٌ اآلخر في رقصة سلو ٍ هادئة ساحرة... «A thousand mile Between us now It causes me …To wonder why« .. قطع لحظتهما الحلوة وصول الطعام ,فتح عينيه و أمسك بزجاجة صلصة الطماطم... ماذا تفعل ! اتركها من يدك بسرعة !ِ أرجوك ! القليل فقطرفعت ذقنها رافضةً بعناد ,برقَت في عينيه نظرة ٍ كت تمرد و رفع حاجبه في عزم ,أدر ْ اجعت.. بأن العناد سيجعلها تخسر أكثر ,فتر ْ فقط القليل ! حاااااضر ...يفرغ محتويات الزجاجة بأكملها على القرص الساخن.. قالها و هو ُ
هذا ليس ٍبقليل أيها المخادع! حسناً سأخاصمك . رفع نظرةً ماجنةً إليها و قال لها و عيناه تذوبان عشقاً .. -أألنك فانتة الفاتنات ,تستغلّين حبي لك ؟ ٍ بشهية احمرت وجنتاها من حرارة نظراته و كلماته ,فيما انهمك هو في التهام وجبته جمة ,فمنذ قرر أن يتّبع حميةً غذائية ,و هي تؤازره بأصعب الطرق و أش ّدها ,حتى أنها ّ ٍ يخرج فيها لتناول الطعام خارج المنزل ,حيث اكتشفا ّ صممت على أن ترافقه في كل مرة ُ ٍ ٍ ممتعة سوياً ,عاد ليتأمل عينيها الداكنتين بعشق ,لكم بوجبة متعةً جديد ًة في االستغراق يهواها! قرأت عبارات الحب في عينيه فترجمتهما على الفور... أحبك يا أغلى ٍحبيب في الدنيا... أرسلت له قبلةً عبر األثير ,م ّد يده ليلمس شاشة هاتفه المحمول ,ليتلقى القبلة بطرف
ٍ بخجل من خالل الشاشة الصغيرة ,ر ّد لها أصابعه و يرفعها إلى شفتيه بحب ,ابتسمت له القبلة برقّ ٍة واضعاً طرف أصابعه على موقع شفتيها على الشاشة ,أغمض عينيه مجدداً ,و حلم بيوم لقائهما سوياً ...على أرض الواقع ...ال على األثير... أحبك أكثر!قالها و تنهد ,و عاد للغرق في بحر عينيها الساحرتين.
ولـ ـ ـ ــيمة
خف اختالج جسده ,ذابت التأوهات ج ّفت حبات العرق الباردة على صدغيه ,و ّ الخافتة ,و توقّف صوت الطرق المنتظم في رأسه ,كل ٍ شيء على ما ير ٍام اآلن ...كل ّ ٍ شيء على ما يرام ! كان جوعه قد امت ّد على مدى أسبوعين كاملين ,لكنه اآلن قد عثَر على فريسته و لن
يجوع مجدداً ,تقلَص وجهه في تكشيرة ألم ...جيد ..األلم جيد ..فهو يذكره بأنه ما زال حياً . لم يكن لديه الكثير من المساحة ليتحرك ,لكنها كانت كافيةً ليغيّر وضعه إلى جلسة القرفصاء ,اآلن يمكنه أن يلتهمها! أغمض عينيه محاوالً أن يقتل آخر ٍ ٍ إنسانية قطرة من في روحه ,و إن كان عذاب األسبوعين الماضيين كفيالً بخنقها تماماً ...أنشب فكيه فيها
يمزقها بأسنانه تمزيقاً؛ طعمها أل ّذ بكثي ٍر مما كان يتوقع! في البداية كان يبتلعها ابتالعاً, ّ تذو َق في أشهر لكن ...و بعد بضعة قضمات ,بات يلوكها بتل ّذذ ,إنها أل ّذ من أفخر ما ّ
المطاعم التي كان قد اعتاد ارتيادها ,وليمةٌ ال يستحق تذوقَها إال هو.
ٍ بشهوة و هو يتناولها بنهم ,و نقاط الدم تتساقط من أشداقه ,لتختلط مع يتلمظ بدأ ّ ٍ بهدوء تحته .. مياه المجاري التي كانت تتسرب ٍ فجأةً سمع أصواتاً كثيرةً تنادي ,أصوات حجارة تتدحرج ,و بدأ النور يتسرب إليه قويّاً أطل الجنون من عينيه, مختلفاً عما تآلفت عليه عيناه ..اتّسعت حدقتا عينيه في رعب ,و ّ
و هو يحاول أن ينبش األرض ليخفيها عن أعينهم ...أذرعٌ كثيرةٌ امتدت إليه لتخطفها منه! ..ال ..ال ..إنها لي! لي أنا فقط ..ابتعدوا !!!
ٍ كحيوان قيل بأنهم وجدوه بعد أسبوعين من انهيار منزله ,محصوراً تحت األنقاض ,صارخاً ٍ محاولة لمساعدته ,و قال أحد من وجدوه أنهم ما كانوا ليعثروا عليه لوال ثائر ,رافضاً أي صرخته و هو يقطع يده اليسرى ..ليأكلها ..الجوع كافر!.
اإلختراع عمل مشترك مع الرائع محـ ـ ــمد عصمت
ٍ َّ بسرعة على ط البيانات المتحرك حك ذقنه الطويلة بظهر يده و هو يلقي نظرةً أخيرةً على خ ّ الشاشة ... نعم ..الصيغة صحيحة ! البيانات ال تخطئ ! لقد فعلها هذه المرة ! بدأت ابتسامة رضى ترتسم على وجهه ,و لمع في عيونه بري ٌق ال يعرفه إال المخترعون ,يضع يده على زر التشغيل بحر ٍ كة مسرحية ...اآلن ...و بضغطة زٍر واحدة ,سيتغير العالم بأسره! كل من سخر منه ..كل من ... .. لقد وصل لالختراع األكبر منذ بدء البشرية ّ ... ط مرًة أخرى ..و ثانية و ثالثة ...ال شيء يحدث!! ماذا ؟!! ..لم يحدث شيء!! يضغ ُ يضرب على اآللة الغبية بكلتا قبضتيه و يصرخ بجنون لماذا ..لماذا ..لماذا!!أخفقت ..لقد أخفقت!! يراجع أوراقه بجنون ,ثم يبدأ بتقطيعها و رميها في كل مكان - .لقد ُ يُطرق رأسه بيأس ,عليه أن يبدأ مجدداً من البداية؛ يخلع معطفه األبيض الطويل ,يعلّقه,
مفاتيح على شكل رأس آينشتاين و يتجه نحو باب المعمل ,ينظر وراءه يحمل سلسلة ٍ نظرةً يائسةً أخيرة ,يطلق زفرةً طويلةً و يفتح الباب و ..... يحني رقبته الطويلة جداً ,و ينزل برأسه ليصل لمستوى األرض ,يحملق فيه بعينيه جسم ضخم ... الضخمتين ...حراشف ,رقبةٌ طويلة ,عينان دائريتان صفراوان واسعتانٌ , ٍ ٍ بدائية صرخة شك في ذلك! إنه أمام ديناصور !..صوت تتسارع دقات قلبه بجنون ,ال ّ
ٍ بسرعة طابقاً الباب وراءه بعنف ,يُعمل مفتاحه في مفزعة تجعله يقفز من مكانه و يدخل
األقفال الخمسة على الباب بسرعة ...واحد ..إثنان ..صراخ الديناصور يعلو مرةً أخرى ٍ خطوات عمالقة ...ثالثة ..أربعة أقفال ..و فيما يقفل القفل الخامس يسمع صوت تبتعد عن الباب . ما الذي حدث؟! كان من المفروض أن! .....يلملِم أوراقه المتناثرة على أرض المعمل ,يقرأ فيها بسرعة... يحاول أن ْ أين أخطأت ..أين أخطأت!؟ ال بد من أنني نسيت رقماً هنا أو هناك ,ليس منالمفترض حدوث هذا! يدور في معمله في دوائر ال متناهية و هو يقرأ و يقرأ و يقرأ ..ال شيء هنا ,و ال هنا , غضب ٍ ٍ هائلة و هو يركل الجهاز بقدمه ركلةً قويّةً سرعان ما يندم و ال هنا! يطلق صرخة عليها ,ماذا لو ..لم يتمكن من العودة !..يمسح بيده على سطح اآللة كأنما ليراضيها . -أنا آسف ..أنا آسف ..إنه خطأي و ال ب ّد .....
ٍ بصورة كاريكاتير ٍية صرخةٌ جديدةٌ من الخارج تجعله يقفز ,يقفز معه شعره األشعث مضحكة .,يضع األوراق جانباً ,و يتَّجه نحو النافذة بحذر ,يبعد الستارة الرمادية قليالً, شك في ذلك ,لقد عاد آالفاً من السنين إلى الوراء ..بدأ دماغه يعالج المعلومات ال ّ ٍ كل مكان ,و بسرعة فائقة ٌ .. أرض قاحلة ,سراخس كثيرة ,أشجار الصنوبر منتشرةٌ في ّ الديناصور الضخم الذي حملق فيه منذ بضعة دقائق ,غالباً من فصيلة البالتيوصور ...أم كان أيورابتور؟ لوحة سر ٍ أحس بأنه أمام ٍ يالية ضخمة ,و هو يرى السماء القرمزية ملتصقةً باألرض ّ مروع ...إتسعت البرتقالية ,فيما ش ّكلت األشجار على جانب الصورة إطاراً باهتاً لمشهد ّ عيناه برعب
قضيت على الحضارة اإلنسانية كلها بضغطة زر! ما الذي فعلتُه ! لقدُ أخذ يفكر و الحسرة تأكل قلبه ,لن يذهب بعد العمل إلى المقهى الصغير في آخر الشارع ,و ينظر خلسةً إلى النادلة الجميلة ,و هي تقدم له كعكة القرفة إلى جانب كوبه الشهي من الكابتشينو ,لن يلقي تحية الصباح على العجوز القاطنة في الشقة األرضية, لن يعود إلى شقته و يداعب أذني عم دافنشي المزغبتين الصغيرتين و هو يقدم له قطعة نسل حس ٍن يتزوجها ,و يخلّفان سبعة فئر ٍ جب ٍن لذيذة ,لن يجد له فأرةً من ٍ ان زهر ٍية صغيرة ....لن ..ولن ..و لن .. ما الذي فعلتُه!!ٍ غضب جديدة ,عاد إلى الجهاز و أخذ خاطب نفسه بهلع ,تحول بسرعة إلى نوبة
يصرخ فيه.. فعلت هذا ..لماذا ؟! لماذا َجلس على األرض إلى جانب الجهاز المعدني ,حضنه و دخل في ٍ نوبة من البكاء ... في الخارج ,و بينما كان غارقاً في ٍ نوبة من األفكار اليائسة وسط بحوٍر من الحيرة ,بدأ جسدان باالرتجاج ٍ بعنف فوق سطح المعمل ,صوت الضحكات يكاد يعلو ,إال أنهما يتداركان الموقف بصعوبة ,أحدهما أحمر الوجه من كثرة الضحك ,فيما يحاول الثاني الوقوف مترنحاً كالس ّكير وسط ضحكاته الخافتة ,نظر له زميله و قال من بين ضحكاته بص عليه ,أول ما يضغط على الزرار تاني قولّي ...هانزله بالعصر الجليدي, إنزل ّهاجننهولك ! بصعوبة ٍ ٍ بالغة قبل أن يسأل ضحكات أخرى تهرب من بين شفاههما ,إال أنهما يكظمانها ٌ أحدهما اآلخر إنت هاتقوله إيمتى إننا خلصنا جهاز الهولوجرام و جربناه علي ـ ...لم يستطع إنهاء الجملة من كثرة الضحك ,ضغط زميله على الزر الذي أمامه ,فارتفع ٍ صوت معر ٍ صاخبة غطت على ضحكاتهما التي أطلقا لها العنان ,و هما يتأمالن الشارع كة المليء بالسيارات المتوقفة أمام المعمل و عيناهما تدمعان من الضحك.
س ـ ـ ـ ـ ـ ــارة
شعر أسود لم تكن فاتنة الجمال ,عينان بنيتان عاديتان ,بشرةٌ حنطية ,شفتان زهريتانٌ , متوسط الطول ,ال هو بالناعم كجدول ٍ ماء عذب ,و ال هو باألجعد ليسرح على أكتافها بتمرد؛ لم يكن جسدها رائع الجمال ,فككل النساء الشرقيات كان لها انحناءاتها و كان لها عيوبها ,لكنها كانت يوماً تدعى سارة ! .. عندما كانت تدعى سارة ...كان يقول لها بأن السحر يترقرق في مقلتي عينيها اللوزيتين, يجن عندما تتراقص الضحكة على شفتيها الخالبتين الناضجتين كحبتي كرز, و بأن الغرام ّ ال يقوى على الصبر حتى يلتهمها ...
ليل تسهر عيناه الولهتين فيه ,فتُلهمانِه عندما كانت سارة ...كان يقول بأن شعرها األسود ٌ ٍ بحروف من ذهب « :إىل سارة» أحلى األشعار ,حتى أنه و على ديوانه األول نقش اسمها كان يقول بأن نساء الدنيا ال يساوين نظرًة من عيون سارة ,و بأن هواها منتهى األحالم .. دام َّ العينين عر ليالً و ضوؤه ما َ ْ الش ُ دام ُّ شفتين الحلم الخد أمالً ,و ما َ ْ ُ
معتين ما َ دام الحز ٌن يستحي أمام ال ّد ْ قلبين ُّ فالحب يا حبيبتي ٌ قدر على ْ ٍ قصيدة كتبها لها ..عندما كانت تدعى سارة. تلك كانت أول كانت سارة -كما يقول -حوريةً من الجنان ,كانت مالكاً و شيطان ,كانت الدنيا كلها
تطوف في فلك سارة ...
ذلك ....عندما كانت تدعى سارة . انحدرت دمعتها و هي تراقبه من بعيد ,اآلن ما عادت تدعى سارة ...استبدل إسمها ٍ بألقاب كثيرة « الحكومة «« ,أم العيال»« ,أم احمد» « ,يا وليّة « ...ضاع اسم سارة وسط زحمة األسماء و الواجبات ...اليوم ..ما عادت سارة ...
همس شيئاً في أٌذن تلك الفاتنة ,و هو يمضي لها نسخةً من ديوانه الجديد ,خطّت يداه َ ٍ بسرعة على غالف الكتاب ...إلى سارة .. اإلهداء
نعم ..هي ما عادت سارة ...لم تعد سارة منذ أن ابتعد عنها ليبحث عن سارة جديدة .
س ـ ــيأتي...
أدخلت مفاتيحها في قفل الباب ..أدارتهم دورة كاملة لتضمن سالمة المنزل في غيابها ..لم تسمع صوتاً خلفها يجعلها تستدير باسمة ..جرت قدميها على درجات السلم ببطئ ..سيأتي ..أجل سيأتي كظل شاحب ..اقتحمتها اشعة الشمس بقسوة ..هربت منها خرجت من مدخل عمارتها ًّ دمعة سريعة ..مسحتها باقتضاب ..ال مكان للدموع ..سيأتي .. حاولت أن تبتلع فيض الدموع السابح في روحها و تغطيه بستارة من أمل ..كانت تدري جيدا أنه زائف ...سيأتي ..سيأتي ..سيأتي ..طفقت تردد الكلمة في رأسها ليترافق ايقاعها مع صوت كعب حذائها على االسفلت البارد ..انسابت االطياف امام عينها .. يدها ترتعش في كفه و تتوج اذنها همساته « ..أنا اتنفس اسمك ,ال تتركيني ,أحبك .. أحيك ..أحيك ! « غزا صوته الدافئ خيالها أغمضت عينها للحظات في محاولة الن تستحضر طيفه من اعماقها عبثاً حاولت ..تداخلت الصور و االصوات ..صوت بوق سيارة مارة اوقظها و شتيمة خصها بها السائق ...يا ليته فعلها ..يا ليته فعلها ..هزت راسها كانما لتوقظ نفسها من حلم ..ال ..ال ..لن تموت ..هو سيأتي ...سيأتي .. سيأتي ..تدحرجت اآلالم على خدها معلنة االستسالم ..جيد أنها ترتدي نظارة شمسية .. «لم دخلَت إلى مكتبها و بدأت يومها بهدوء ,نظرات الشفقة تل ّفها من كل اتجاهَ , قادم أال تدرون! هو عائد إلي!» تشفقون علي؟ هو ٌ
أغرقت نفسها بين أوراقها ,و ما بين الكومة و الكومة ,كانت ترفع عينيها لباب ت ,أو ْ غ ِرقَ ْ يأت بعد» و لكأن الفراغ في إطار الباب كل ٍ المكتب« ...لم ِ مرة كان يغلّف روحها ّ بصقي ٍع من الخيبة و الهوان. إلي».. « أنا شهرزاد حياته ,أنا حبيبته ..لن يتركني هكذا! سيعود ّ أغمضت عينيها و ابتسمت بهدوء ,ها هو طيفه يزورها ,ال بد أنه هو من أرسله إليها ٍ بباقات من الورد األزرق ,و الحب ,صوته الدافئ يستصبرها برهةً حتى يجيء إليها محمالً ُ يحتضنها َبولَه ,أصابعه تقترب من وجنتها لتقطف دمعةً شاردة « ..أتحزنين و أنا حبيبك ِ ؟! ها قد عدت ِ ِ حبيبك سيتركك هكذا بال سبب ؟!» أتخيلت يوماً أن إليك, شالل ٍ تعشت أوصالها ,فتحت الخواءُ , ألم انسكب في داخلها ,ار ْ م ّدت أصابعها لتلمس َ أجفانها ببطئ « ..ليس هنا» ...أغمضت عينيها مجدداً ,علّها تلمحه في ظلمة تالفيف
أمانيها ,هيهات! فقد رحل الطّيف و بقيت لوحدها . يعة من فنجان ٍ عصبية سر ٍ ٍ ٍ قهوة وضعه أحدهم أمامها ,ليس هو من وضعه, رشفات رشفت هو يعلم أنها ال تحب القهوة .ابتلعت المشروب الساخن ابتالعاً ,علّه يحرق الشفاه تغزل بها ,علّه يحرق حنجرتها التي نادته مراراً و لم يسمع ,علّه يحرق فؤادها التي طالما ّ الدامي ,الذي ملّت نزيفه المستمر .
ال ..ال ..لن يتركها هكذا بال سبب ! سيعود إليها ,هو يدري كم هي تحبه ,و هو يحبها أكثر ,سيتع ّذب مثلها ,لن يحتمل ألم الفراق ....سيعود!
ات ٍ عادت ألوراقها ,تختلس كل ٍ برهة نظر ٍ يائسة إلطار ٍ طويل باب فارغ ,انتهى ٌ يوم آخر ٌ مليءٌ بالترقب؛ أسرعت خطواتها و هي تتجه لباب الشركة ,هو ينتظرها هناك و ال بد ,كان قلبها يرتعش كطي ٍر يلفظ أنفاسه األخيرة « ..لم يات بعد ...ال بد أن زحام الطريق أخره».
وقفت تتبادل مع إحدى زميالتها حديثاً ال لون له و ال طعم ,ليغطي على ت ّكات الدقائق ْ على عقرب ساعتها ,تعتذر زميلتها بخجل ,قفد فرغ الحوار من كل إمكانيات الحروف, عليها أن تعود لمنزلها ...صوت ضربات كعبها على األسفلت كان رتيباً قاسياً مترافقاً بالتسبيح اليومي ..« :سيأتي ..سيأتي ..سيأتي ..سيأتي .».. وصلت لباب عمارتها ,أجالَت عينيها في كل ز ٍ اوية من زوايا الشارع ,ال ..ليس هناك .. ّ و ال هنا ..و ال ..و ال ..و ال ...
صعدت درجات السلم باستكانة ,أدخلت المفتاح في ثقب الباب ,أدارته دورةً و نصف, دخلت ,تأكدت من انه ليس على السلم وراءها ,أغلقت الباب ..لم يأت ..لم يأت !... ٍ يح بدرت من حنجرتها ,تالحقت خطواتها نحو حجرتها ,ارتمت على صرخة حيوان جر ٍ ٍ صرخات اختلج لها جسدها ت على وسادتها و أشبعتها بصرخاتها المكتومة, ض ْ السرير ,انق ّ بعنف ,سيل الدموع غطى على كل شيء إال صورته التي غاصت في الظالم بهدوء .. استيقظت صباح اليوم التالي ..
سيأتي .... ٍ لقيمات على عجالة ,ارتدت ثيابها ,تأنّقت في ملبسها ,لبست كعباً عالياًكما ت بضعة ال َك ْ يحب« ,سيأتي اليوم و يراها جميلةً له» خرجت من باب الشقة ,أدارت المفاتيح دورةً جرت قدميها على درجات السلم ببطئ ..سيأتي ..سيأتي اليوم . كاملةّ ,
رائحة الياسمين من س ـ ـ ـ ـ ــوريا ....
شق صغي ٍر فتحه في نافذة السيارة ,في رائحة الياسمين التصقت بالنسمات الهاربة من ٍّ يكز على أسنانه غضباً ,فمنذ أزهر الياسمين هذا الوقع ,التصقت بها بإصرا ٍر مستفز جعله ّ ّ العام و هو يحاول تجاهله ,أغلق النافذة ٍ بحزم و عيناه مثبتتان على الطريق أمامه ,ليس للياسمين مكا ٌن في حياته بعد اآلن ,و لماذا! ..لماذا يزهر الياسمين في غيابها ! ..هي ٍ ببسمة تشرق على ثغرها ,هي لم تعد هنا اآلن ,ليق ّدم لها منه أساور جدلَها بصب ٍر ليفوز لم تعد هنا اآلن ..لم تعد هنا ,لتقرأ له سورة يس بخشوع ..ليست هنا ,لتحميه بأدعيتها و صلواتها ..ليست هنا ,ليذوب عشقاً في نظرة عينيها القلقتين . .لكم كانت تخشى ...أن يرحل و يتركها ..ربما ..لهذا السبب ..تركته و رحلت بسرعة! صورة شعرها األسود الطويل تأبى أن تفارق مخيلته ,لم يكن قد سبق له ..أن شاهد شعرها ,يومها ..يومها فقط ,رأى ضفيرتها ...كانت طويلةً طول ليالي شوقه للخصالت الناعمة ,تلك الخصالت التي خبأت بين ثنياتها كل أحالمها و أمانيها ,لكنها ...كانت ٍ بخوف لتفترش العنبري ,في حين تبعثرت الخصالت ملوثةً برماد األلم ,مشبعةً بالدم ّ لمس إحدى تلك الخصل كان حلماً بعيداً طالما تمناه ,لكنه يومها اإلسفلت الشاحبُ , ...لم يقدر !...لم ..لم يقوى على لمسها! ...
شارعان فقط ,كانا يفضالن بيته عين بيتها ,عالمه عن عالمها ,شارعان ..يفصالن الغنى ٍ فلسبب ما ,تأبى القذاف و عن الفقر ,البذخ عن البساطة ,و الحياة ..عن الموت .. القنابل «الطائشة» أن تدوس بعض المناطق ,و كذلك ...يأبى أن يزورها لقب « شهيد». اوتوماتيكية و حر ٍ ٍ لهجةٌ كريهةٌ انتشلته من بحر آالمه ,بطر ٍ كة متعجرفة ,ضغط زر فتح يقة
ٍ ضحكة ساخرة ... الصندوق الخلفي للسيارة ,في حين تراقص على شفتيه أثر وين رايح ؟ عشغلي . معك تصريح ؟أبرز التصريح ,نعم تصريح ,فسوق المدينة المغطى بات \ منطقةً عسكرية ..على األقل ..سيكون اليوم .. خبطةٌ من يد الكائن الكريه على ظهر السيارة ,منحته تصريحاً آخر ليكمل طريقه ,ابتلع حفنةً من الشتائم و مضى ,لم يكن المكان بعيداً ,أوقف السيارة داخل المستودع ,و ترجل ليغلق الستارة الحديدية وراءه ,األضواء االمامية للسيارة أظهرت في عينيه لمعة ّ
انتصار ,عاد لمقعد السيارة ,و قام بتنفيذ اإلشارة الضوئية ,اقترب منه يحيى باسماً -
اليوم رح نحرر الجامع األموي .
-
اهلل محيي الجيش الحر ..
اتجه نحو السيارة و كشف عن مخبئه الجهنمي ,خمسة صناديق من الذخائر ,هو فقط كل هذه الكمية من الذخائر من تحت أنف شبيحة األسد كان الوحيد الذي بإمكانه تمر ُير ّ ...
و قبل أن يبدأ بإفراغ الصناديق أمسك بيد يحيى -
متل ما اتفقنا ؟
-
يا قيس! كبّر عقلك !
تراجع للخلف و نظر له ٍ بتحد و غضب ... -
خلص! ال تعصب علينا! بس ما تقول ما نصحتك .اللي متلك ما بيقدر يتعامل
مع ساحة معركة . -
خصك أخي؟ عمبقلك بقدر ,و بعدين الحامي اهلل ! إنت شو ّ
ٍ ٍ خافت يعتريه القلق بصوت هز يحيى رأسه بضعف ,و ر ّدد خلفه ّ -الحامي اهلل . ٍ كل المشاهد بين تلك اللحظة و ضبابيةٌ معطرةٌ بأث ٍر بسيط من رائحة الياسمين ,كانت ّ اللحظة التي وجد نفسه فيها يهتف بأعلى صوته: اهلل أكبر ..اهلل أكبر ..اهلل أكبر ...كان صوته يحاول أن يغطي على صوت طلقات المدفع الرشاش في يده ,كانت تحاول ٍ خفي تذ ّكر “أنا ال أحب اللون أن تمحي اللون األحمر الذي غطى كل شيء ,و لسبب ٍّ
األحمر !” ...رائحة الياسمين تسلّلت إليه من بين كل روائح البارود و الدم و التراب, لتعيد له صوت ضحكتها النديّة ,ارتفع الصوت بداخله حتى غطّى على كل األصوات, ٍ للحظات ليسرق فيها صورةً لها, اإلغراء كان أقوى من قدرته على المقاومة ,أغلق عينيه رسمها خياله في عتمة ذاته “ ..أنا هنا ألجلها ..ألجل فاتن و كل أحالمها ,ألجل سوريا ..ال ..ألجلها فقط ..ألجل فاتن ”... -
قيس ! الاأ قيس !!
لزج غطى دوار ٌ خفيف بدأ يعتريه ,شيءٌ ٌ ر ّن صوت يحيى في أذنيه ,مع طني ٍن مزعج ,و ٌ ٍ بصعوبة فتح عينيه باحثاً عن مصدر الرائحة ,و على بعد لزج دافئ ,أحمر .. أصابعهٌ , ٍ ٍ يحس خطوات فقط ,لم يكن خطوات وجد ضالته ,تحامل على نفسه ,بضعة بضعة ّ بالرصاصات المنهالة من كل جانب ,و صوت يحيى بات بعيداً جداً ,كأنه ٍ آت من ٍ عالم آخر ,أخيراً ..وصل! م ّد يده المضرجة بالدماء ,و قطف زهرة ,ال بأس ..واحدةٌ هذه المرة تكفي ,المهم أنه لن يذهب إليها خاوي اليدين ..أطبق قبضته على الزهرة الثمينة, توقف عن اللهاث ,و تهاوى على األرض ,اآلن ..اآلن فقط فهم لماذا ..الزال يزهر الياسمين .. في ذلك اليوم ..تم تحرير المسجد األموي ... و في ذلك اليوم ..في ٍ مكان ما من ٍ عالم آخر ..زينت فاتن ضفيرتها السوداء الطويلة بزهرة ياسمين بيضاء .. و ايضاً في ذلك اليوم ..لمس قيس خصالت شعرها الحريري ...ألول مرة .
عروس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتي من م ـ ـ ـ ـ ـ ــصر ....
نفضت عن ظهره كم القفطان ,ع ّدلت بهية وضع القفطان على كتفيه ,و أدخل يده في ِّ ْ
حبات غبا ٍر غير مرئية ,حمل سبحته و نظر لها قائالً: روحي جهزيها .تحاشت نظراته و قالت له و عيناها على االرض البت لسا صغيرة يا أبو محمد .لف السبحة على يده و ر ّد عليها ٍ بنبرة عصبية: ّ
يا ولية هو انتي هتفهمي أكتر من الشرع! .أكتر من القانون؟ !!ٍ بصوت خافت و هي تهر ِول لتفتح له باب الغرفة: تابعت بهية بس دي لسا مش عارفة حاجة! مش عارفة يعني إيه جواز ,مش عارفة يعني إيه دنيا .خارج و قال: أشاح بوجهه و هو ٌ هو يفهمها و يعلمها على إيده ,و يخليها تشوف الدنيا زي ما هو عايز.استوقفته ٍ بنبرة مترجيَة:
دي لسا عيلة !ٍ بلهجة آمرة : استدار و قال لها قومي انتي جهزيها ,و أما يقعد معاها هيعرف هي عيلة و اال أل !يزوجها ,و ما من ماتت الكلمات على شفتيها ,ما من شيء يُقال ,فقد استقر رأيه على أن ّ ٍ شيء تقوله أو تفعله ليغير األمر. (( البت مالهاش غير بيت عدلها )) صدى صوت الحاجة والدتها في رأسها ,الصوت الذي سمعته ألول ٍ تسرح شعرها ..أربعون عاماً و هي مرة و الحاجة ّ تفك ضفائرها ,و ّ تحاول أن تصدق هذه الجملة ,أربعون عاماً ,و هي تغالب في داخلها شياطين الـ»ماذا لو « ...ماذا لو !! ..ماذا لو !! توجهت لغرفة البنات ,كانت سعاد جالسةً على ْ حارة ,و ّ غالبت دمعتها و أطلقت تنهيدةً ّ بدمية قديمة ,في حين كانت دمية فاطمة جالسةً بكبر ٍ سريرها تلعب ٍ ياء في مكانها المعتاد على الطاولة أمامها ,كان النور الخافت ينعكس على ضفائر طفلتها البريئة ,في حين كانت تغلق الدرج بسرعة لتخفي شيئاً كانت تحمله ,و تمسك القلم و تضع رأسها في كراس الواجب. ٍ طويلة تلعب بها ,و تخفي ستقصها! لن تترك لها خصالت شع ٍر لن تفك هذه الضفائر! ُّ اهن على التلفاز, فيها مخاوفها و خيبتها ,الشعر القصير سيمنحها جرأ ًة كالفتيات الالتي تر ّ القوة لتدافع عن نفسها. سيمنحها ّ
انتبهت على نظرات سعاد و فاطمة إليها و هي واقفةٌ أمام الباب تتأمل: تعالي يا بتو أشارت لفاطمة بيدها بخلّص الواجب أهوه ياما . ال سيبي الواجب و تعالي عاوزاكي .الكراس و أغلقته ثم تبعت أمها التقت نظرات فاطمة و سعاد بقلق ,وضعت القلم داخل ّ
مسرعة .
فتحت األم باب حجرتها و أدخلتها برقة ادخلي يا حبيبتي .استغربت فاطمة الحنان المفاجئ في صوت أمها مالك ياما ؟ (لمحت دمعةً في زاوية عين أمها الخفية ) إنتي بتعيطي ! و ربنا خلصتمذاكرة و ربنا مش فاضل غير الواجب بس! (صمتت ٍ لثوان ثم استطردت) مش هعمل كده تاني خالص ! قوي و قلبها يهتف « يا بنتي يا لم تر ّد بهية ,بل استدارت نحو ابنتها و غمرتها بحض ٍن ٍّ
حبيبتي ده انتي تسع سنين بس ...تسع سنين ! « و تذ ّكرت الحاجة والدتها ,و تذكرت المشط و قلم الروج و قزازة البارفان الفرنساوي و علبة البودرة الذهبية ,رسمت ذات الضحكة المصطنعة على وجهها ,الضحكة التي سبق و رأتها على وجه والدتها... انتي بقيتي عروسة يا حبيبتي .بأي نظرت لها فاطمة باستغراب ,و آالف األسئلة تموج في خاطرها ,لكن قبل أن تبوح ٍّ منهم ,سحبتها والدتها من يدها و أجلستها على الكرسي مهم جايلك . تعالي هنا ّهزوقك ,النهاردة في حد ّ تزوقيني ؟!!أسبوع فقط «رنها باباها علقة موت» ألنها خطّت شفاهها لم تصدق فاطمة أذنيها ,فمنذ ٍ بقلمها األحمر و هي تلعب مع أختها سعاد لعبة األم و ابنتها. درج ٍ بعيد أخرجت األم علباً كثيرة ,و بدأت تعمل بالفرش تارةً ,و بأصابعها تارةً, من ٍ و بأقالم الكحل تارة أخرى على وجه طفلتها ,و بدأت المالمح الطفولية تتحول إلى المقص على الطاولة بنظرة تصميم ,سأقص مالمح مسخ ..و بين الفينة و األخرى ترمق ّ
ضفائرها ,ال بد من أن أقص ضفائرها ,ال بد من أن تصبح مثلهن!
البراقة تغطي وجهها ,أحست أما فاطمة فكانت تنظر إلى المرآة في ذهول ,و األلوان ّ
أحست بالجمال و هي بالسعادة و هي ترى سمار سحنتها يتحول الى لون ٍّ جيري أبيضّ , ٍ لمسات من أمها احست بأنها تشبه هيفاء وهبي, ترى األحمر على وجنتها ,و بعد عدة أو حتى نانسي ,ال ينقصها إال الشعر الطويل المفرود مدت يدها إلى ضفائرها لتحلها, ٍ همت بأن تقول شيئاً ,لكن أبو محمد دخل الغرفة مزمجراً أمسكت بهية بيد ابنتها بقوة و ّ هاه خلصتوا و اال لسا؟ الراجل مستني في الصالون ! أهوه خلصت ياخويا فاضل أسرحلها شعرها بس ...رمى األب ابنته بنظرة ٍ ناقدة ثم قال: ال هاتيها كده خالص.تتابعت األصوات المجنونة في ذهن بهية ,يجب أن تقص ضفائرها! لن تتركها تدفن مشاعرها في خصالت شعرها لن ...لن ..و على الرغم من البركان في داخلها لم يصدر صوت ضعيف: منها إال ٌ بس يا بو محمد .. هاتيها بقولك !أسقط في يدها ,فاستدارت قبل أن يلمحوا الدموع التي طالما حبستها تنهمر على وجهها: روحي مع أبوكي يا فاطمة ,أنا شوية و أحصلكو .سحب األب فاطمة من يدها دون أن ينظر لها ,و سار بها حتى وصال إلى الصالون؛
النجفة الكبيرة كانت تتألأل باألضواء ,و الغرفة كانت تفوح برائحة الطّيب ,هذه الرائحة تشمها و هي تمر أمام مكتبة الشيخ أمين و هي في طريقها للمدرسة, تعرفها ,كانت دوماً ّ
و رأت الشيخ أمين بنفسه جالساً على الكنبة البيضاء المذهبة ,إذاً فالشيخ أمين هو الضيف المهم ...قطع والدها أفكارها و هو يدفعها من ظهرها : أنا في األوضة اللي جنبكو ..المحرمة ,لم يُسمح لها من قبل أن تدخل و أغلق الباب ,أجالت فاطمة عينيها في الغرفة ّ ٍ بخيوط ذهبية ,و على الجدار هذه الغرفة؛ على الحائط علِّقت سورة الفاتحة مطرزةً ط ملون ,كيف يضع حذاءه على المقابل ساعةٌ قديمةٌ خشبيةٌ جميلة ,و على األرض بسا ٌ ٍ شيء بهذا الجمال !.. ما تيجي تقعدي يا عروسة .لم تكد تصدق نفسها « سعاد هتتفرس! طول عمرها هتموت و تقعد في األوضة دي», آخر من جلس من إخوتها في هذه الغرفة كانت هبة ,و كان ذلك قبل أن تلبس فستان الفرح األبيض و تسافر إلى السعودية .. سارعت بالجلوس على أقرب كرسي منها ,كانت تريد أن تجلس قبل أن يأتي والدها و يعنفها و ينهرها ,لكن الشيخ أمين ضحك ضحكةً غريبة ,و ربّت على الكنبة قربه و قال: ال تعالي هنا .«هو بيبصلي كده ليه ! أكيد عشان ماما زوقتني و بقيت حلوة هو فرحان بيا « قامت و مشت برؤوس أصابعها على البساط الجميل كي ال تتلفه ,و جلست على الكنبة قربه,
تعبير غريب ,لعق شفاهه و الجوع يطل اقترب منها حتى كاد أن يلتصق بها ,و على وجهه ٌ ٍ بصوت مبحوح: من عينيه الداكنتين ,و سألها هاه رأيك إيه فيا ..ما هذا السؤال الغريب ! تململت فاطمة في جلستها و أشاحت بنظرها ,فعلى الرغم من يح جثم على سعادتها بالزواق و باألوضة الحلوة و البساط الجميل ,لكن شيئاً غير مر ٍ غرق بها الشيخ أمين نفسه ,ابتعدت عنه صدرها ,ربما كانت رائحة العطر الو ّخازة التي ّ قليالً فضحك ضحكةً قصيرًة و قال: بتتكسفي ليه بس! أمال لما تيجي معايا هتعملي إيه ؟ آجي معاك ؟ آه تيجي معايا ,أنا هاخدك بيتنا الخميس الجاي إن شاء اهلل.نفس النظرة الغريبة ,أحست فاطمة بحنين لدميتها التي جلبتها لها أختها هبة من السعودية في زيارتها لمصر السنة الماضية ,كانت دميةً جميلةً جداً ,أحلى من كل دمى صديقاتها, أحلى حتى من دمية هبة القديمة ,أمسكت ضفيرتها و أخذت تلعب بها بعصبية. مالك يا قطة ؟ أقدر أجيب عروستي معايا ؟تذكرت فاطمة عروسة أختها هبة ,و أمها ترميها في الكرار لتمتأل باألتربة و يأكلها العث...
عروسة إيه بس! ده انتي اللي هتبقي عروستي.نظرةٌ قاتمةٌ مألت عينيها ,في حين تململ الشيخ حسن في جلسته و سحب نفساً عميقاً, قطع الصمت دخول والدها إلى الغرفة ,و نظرةٌ منه إلى وجه الشيخ أمين مألت وجهه بابتسامة عر ٍ ٍ يضة و قال بصوت ر ٍ اض: هاه ,نقول مبروك ؟فوقف الشيخ أمين و م ّد يده آخذا بيد والدها نقرا الفاتحة بقى.انفجر والدها ضاحكا و قال له: اهلل! ده انت مستعجل أوي على كده !دخلت والدتها و سحبتها من يدها إلى المطبخ ,لتحملها صينية الشربات و تدخلها إلى «عريسها» كما سمته ,لكنها كانت تتحرك بطر ٍ يقة آليّ ٍة و صورة عروسة هبة المهترئة ال ّ تفارق خيالها ,و هي تقدم العصير ,و هي جالسة ,و هي تو ّدعه ,و هو يضغط على يدها, و حتى حين عانقتها أمها مرةً أخرى « ..عروستي الحلوة مش هتروح الكرار»
جلس والدها و كلمها كالماً كثيراً لم تفهم منه شيئاً ,كانت تريده أن يصمت و يدعها ت على رأسها و أمرها ان تذهب و تنام ,فأمامها غداً تذهب لتحضن دميتها ,و أخيراً ربّ َ
مشوار للخيّاطة.. ٌ
مش هروح المدرسة ؟ أل بقى مدرسة إيه !المدرسات يضربنها دوماً و الدروس صعبة, تحب المدرسة, ّ لم تحزن فاطمة فهي ال ّ
لكنها تريد أن تحضن دميتها ,خرج والدها من الغرفة و تبعته والدتها ,رجعت إلى غرفتها ,كانت سعاد قد نامت ,اقتربت من الدرج ,فتحته و أخرجت الفستان الذي كانت قد أخفته عندما دخلت أمها ,أمسكت اإلبرة و تابعت عملها عليه و رأسها بالصور و األفكار ,و نظراتها تحير ما بين الثوب و بين عروستها ,و بعد بضعة مليءٌ ّ
دقائق قطعت الخيط ,و نشرت الثوب على حجرها ,كان ثوباً أبيض جميالً ,له كشاكش على أطرافه و أكمامه ,و قد أضافت على طرفه فيونكةً جميلةً أخذتها من ثوب قديم لها . أحست بوخ ٍز في قلبها ,لن تتمكن من أن ْ سحبت العروسة و ألبستها الثوب الجديدّ , ٍ بصوت خافت: تلعب معها في فستانها الجديد الجميل ,و همست مش هخليهم يحطوكي في الكرار زي عروسة هبة .أمسكت شعر الدمية و جعلتهعلى هيئة ضفيرتين ,أخدتها ووضعتها على السرير ,إلى جانب أختها سعاد ,اتجهت إلى المرآة ,حلّت ضفائرها و ابتسمت ابتسامةً خافتة ,أطفأت النور ,وخلدت للنوم .
عمل مشترك مع الزميل القدير سراج الدين البدوي
وحي البحر ُ
ٍ بهدوء على إيقاع ألمه الحزين: أجال نظرًة حائرًة في البحر الهائج ،فيما كان قلبه يرقص َ -ال لن أعود لها بعد كل ما قالته ،مستحيل!.. ٍ بخطوات تائهة ,هائماً بوجهه على الرمال التي طالما لعبا عليها ...هنا بنيا قصراً من مشى مستقبل ٍ الرمل و أودعا فيه حلماً أزلياً ٍ ٍ مليء بالسعادة األبدية ،هنا جلسا ببيت وطفل ،و
ٍ يع ّدان نجوم ٍ ليلة صافية كسماء عشقهما ،وهنا تشاطرا آيس كر ٍيم واحد ،كانت خدعةً ماكرةً ليصل إلى رحيق شفتيها؛ نظر إلى األمواج المتالطمة ,لكم يتمنى أن تسحبه واحدةٌ منها وتضربه ضربةً تلو ضر ٍبة تلو ضربة ,حتى يستيقظ من وهمه ،حتى يدرك أنه ال حب.. ال ...في هذه الدنيا المادية جداً ،القاسية جداً ،ال وجود لكلمة حب. لمع شيءٌ على مستوى بصره تتالعب به األمواج باستهتار ،وعلى الرغم من محاولته لصرف النّظر عنه؛ إال أنه لمع كالبرق ،وكأنما يناديه ليخترق ظالم ألمه ٍ بتحد و إصرار، لم يتمكن من تجاهل النداء فنزل بثيابه لمقابلة األمواج حتى وصل الماء إلى كتفيه ،كانت
زجاجة ،بل زجاجتين تتراقصان سوياً على سيمفونية جنون البحر ،سحبهما ليجد كالً منهما مختومة ،دقق النظر فيهما جيداً ،نعم ..رسالتان كل واحدةٌ في زجاجة ،هذا ما كان قد حصل عليه. بهدوء ليتفحص محتواهما ،األولى كانت أكبر قليالً ،مختومةً ٍ ٍ بغطاء عاد إلى الشاطئ وقبع ٍ فضي مزر ٍ شرقية جميلة ،فتحها على مهل ,و أخرج منها ورقةً صفراء قديمة، كش بنقوش ٍّ ٍ ٍ بهدوء على الرمال ،الرسالة كانت بخجل حتى استقرت ترك الزجاجة تنسحب من يده
مكتوبةً ٍّ بخط أندلسي جميل ،لكن كلماتها كانت أروع جماالً من الخط ,و أد ّق صياغةً ٍّ
من الزجاجة وغطائها ,بدأ يقرأ بانسياب حتى كاد يتوحد مع الكلمات:
العربي الخالص، استنشقت األثير المغرب وقد ّ ُ «على ضفاف بحر َ أكتب ِ قد مهجتي ومهجة األمة لك أيتها القشتالية ,و بيننا بحر الروم ُي ّ ِ عنك القناع نزعت بأكملها ،ال أدري ما الذي أصابني عندما ُ الذي ستر وجه ًا كبد ٍر غاص في سحب النهار فأبهجها دوننا، ماهر ٌة في القتال ِ أنت ،و لكن كيف المرأ ٍة كسبحات النجوم تمسك بسيف وتغامر بحياتها..؟! ٍ جرح أفاقني على حق ًا جرحني سيفك القشتالي قرب قلبي ,و لكنه ٌ ِ وجهك.. رؤيا الصعبة في زيدون حتى أنجز هذه المهمة أستحضر روح ابن ٍ ّ كتابتي ِ البهي في سماء لك ،ولكنها تتعنّت بالرغم من نجمك ِّ الجمال ،ذلك ألنك قشتالية! والقشتاليون هم أعداؤنا ،أخذوا علم ال أول له وال آخر ،قتلوا الكثير أرضنا ،وأحرقوا مكتباتنا ،فاندثر ٌ والكثير من أمتنا! ولكن وبالرغم من ذلك أجدني مشدود ًا ِ ِ أموت لقومك سيستمر ,و حبي لك سيستمر حتى إليك ،إال أن قتالي َ ِ يديك.. بين
ِ ِ كيانك أصاب كياني ،و أحببتك حق ًا ليس ضعف ًا؛ و لكن ِ روحك الفاتنة التي ال تتوه عن خيالي ،و اآلن أنا أتقلّب استباحتني على نار الجوى لفراقنا ،فهل من قرب ٍة تجمعنا..؟ أيتها القشتالية الفاتنة ,لقد أحببتك حق ًا ،وألجل ذلك كتبت خطابي ،و به أثبت هذا الحب الذي تجشأ نار الوغى ،و أسبل إثبات آخر؛ كشالل دائم ،و إن كان هناك الدمع على خدي ٍ ٌ ّ أخطها بدمي حتى أنعم بحبك.. لكتبت لك قصيد ًة ولكن هل تحبين الشعر..؟
العاشق« :نور الدين». تجولت على خده ,وهو يلمس الدم القاني على الرسالة كمن يلمس كنزاً دمعةٌ شريدةٌ ّ بشمم و ٍ ٍ من كنوز الدنيا ،أحس ٍ شرقية يطلاّ ن من حروف الرسالة ,ليرسما عالماً من عزة شرقي هو يأبي أن ترفضه امرأة؛ رجل ٌّ الرجولة و القوة ،تذ ّكر ذاك الشعور الدفين بداخلهٌ ،
لكن كلمات الحب في الرسالة كانت أقوى من الرجولة ،أقوى من الزمن ،أقوى من الحياة بأسرها! لكم أحب «نور الدين» قشتاليته تلك أحب أنا ياسمين..؟!» سأل نفسه ,و بغرور العشاق الدائم مسح «أتراه أَحبَّها أكثر مما ُ الفكرة من رأسه ،فيما طوى الرسالة وأعادها ٍ بعناية إلى زجاجتها. ٍ شمس آلت إلى المغيب، تناول الزجاجة الثانية ,و التي بدت أصغر حجماً ،قرمزيةً مثل
ٍ مرص ٍع بالعقيق والزبرجد ،و إن كان الزمن و السفر المضني على أمواج مختومةً بغطاء ّ بعناية و وضعها ٍ البحر قد سرق بضعة أحجا ٍر منها ،فتح الزجاجة ٍ برقة إلى جانب رفيقتها، ٍ بخيوط من حري ٍر ملون ،تقلصت منديل مطرٌز ورقةٌ أخرى ,رسالةٌ أخرى ,وإلى جانبها ٌ ٍ بعبوس زاجر ,عندما رأى الطالسم المكتوبة على الورقة.. عضالت جبهته -بأي ٍ لغة هي..؟! ّ قال في تأفّف ،و لكي يتمكن من قراءتها؛ عاد يقلّب الزجاجة في يده تارًة ,و ينظر للورقة تارًة أخرى ،ثم لمعت عيناه بفرح ،أجرى مكالمةً هاتفيةً سريعة ،حمل الزجاجتين واتجه مسرعاً نحو سيارته. بعد نصف ٍ ساعة كان يجلس أمام مكتبه منتظراً منه االنتهاء من ترجمة طالسم الرسالة، نظر له عمه من وراء نظارته الصغيرة ثم عاد بنظره للورقة وتال عليه:
«أيها السيد األندلسي.. ِ قت إال للمجد و العال.. ما كان ملثلي أن حتب و تعشق ،فمثلي ما ُخل ْ تك أيها العاشق ،فدعين أخربك عن أصلي وفصلي ،أنا «ليديا» ,ابنة قد ال تعرف من بارز َ أتفص ُد مثل ورق الشجر وقت اخلريف، الكولونيل «دون رميون» أحد كرباء حرب األندلسّ ،
أقع يف فبعدما ُ بلغت العال ,و وقف ببايب ملوك األرض من أقاصي اليونان و حىت بالد السند؛ ُ ِ عريب أصيل ,كان كل مهه احلفاظ على بالده. شرك ٍّ
فبينما أن يف ساحات احلرب أحصد بسيفي الرؤوس من كل ٍ شكل و لون؛ التقى سيفي بسيفك ،و ما قابلت يف احلرب باسالً مثلك ،حيارب ٍ بقوة و لكنه يرفق خبصمه ،لقد وقع قليب
تأكدت من شخصي أسرياً لك عندما رفعت عين القناع ,فأصابك سيفي ،رجوعك عين بعدما َ خضم هذا احلب ،فيا حلرييت بني القلب والواجب. كان حافزاً كبرياً ألقع يف ّ
لعلمت أن كم حيب لك, َ نعم حاو ُ لت االنتقام لرفعك عين قناعي ألصيبك ،و لكن لو تدري ّ
الدم الذي جرى يف جرحك كان دمي أنا ،فكيف أقتلك وروحي فداك ،وحلمي أن أنال يوماً رضاك..؟ بت ألول مرٍة يف عمري ،لكن ما كان يل أن أغيرّ قدري ،فأخربين يا مليكي ،يا من أبوح له هر ُ بعذابايت ..أخربين ما احلل وكيف أنال مبتغى اآلمال..؟ كيف ملثلي أن تلتقي بك؟ وكيف أصبح ملكاً لك أيها العاشق؛ حىت أعيش حيا ًة مل أعشها
بعد ،حياةٌ متنيتها معك..؟».
عمه من ٍ ألح عليه ,خطف الرسالة من يده وخرج بسرعة. سؤال ّ قبل أن يتمكن ّ أي قد ٍر ساق لي هاتين الرسالتين..؟! ّ - رس َم له خياله صورة «ليديا» قال في وه ٍن و هو ال يدري إلى أين تحمله قدماه ،فبأي قد ٍر َ
«نور دي ٍن» شرقياً يود لو يحميها من األميرة العاشقة «ياسمين» و رسم نفسه إلى جانبها َ ٍ حديث ٍ طويل الدنيا و خطوبها ،أمسك هاتفه واتصل بها« :أحبك »!..كانت بداية
متو ٍج باألماني و البسمات ،فاح عطر الهوى في روحه فكلّلت السعادة مقلتيه؛ ّ أنهى المكالمة ونظر للزجاجتين في تفكر.. -بقي شيءٌ واح ٌد ألفعله. ط عليها قالها متحمساً ،من ثم توجه نحو البحر ،أخرج من جيبه ورقةً صغيرةً خ ّ ِ محب ،ثم وضعها بعناية إلى جانب الرسالتين في زجاجة «نور الدين», سطرين بدقة ّ أحكم إغالقها و رماها في أحضان البحر تسوقها األمواج حيث ال يدري ،لعب ٍ ابتسامة صافية. بزجاجة «ليديا» بين أصابعه في -نعم ..ستكون لحبيبتي أحلى هدية ,تذكرني دوماً بحظنا ،في أن نكون معاً. ٍ ٍ فضي ين زجاجةً مختومةً بغطاء ٍّ في زم ٍن آخر ,و في مكان ليس بقريب ،فتح عاش ٌق حز ٌ ٍ ٍ مزر ٍ توجس كش بنقوش شرقية جميلة؛ ليجد فيها ثالث رسائل متعانقة ،فتح األولى في ّ ليقرأها:
«ليس ُم ْج ٍد ما فعله القدر مع األميرة «ليديا» عندما فرق بينها وبين حبيبها العربي «نور الدين»؛ هذا ألن الرسائل التي بعثها كل منهما لآلخر قد عزفت على أوتار العشق األبدي سيمفونيةً ربما لن تتكرر».
شروع في قتل
حاول ان يبلل شفتيه الجافتين بلسانه ,لكن لسانه كان جافاً كقطعة ٍ خيش قديمة ,أحس تحسس الوحش البارد القابع في بارتفاع حرارة جسمه مع ازدياد ضغط الدم في شرايينهّ , جيبيه بسكون ,دون أن يرفع عينيه عنه ,كل ما فيه بات يولّد لديه شعوراً باالختناق و
االزدراء ...ذقنه الطويلة ,جلبابه األبيض ,الزبيبة على جبينه ,و السبحة التي الزمت يمينه أبداً ,تتحرك حباتها الحمراء القاتمة بين أصابعه بر ٍ تابة قاتلة! ترّكزت عيناه على الحبّات الحمراء و هي تتدحرج ...حبةٌ ..تليها حبة ..نقطةٌ ..تليها
ات نقطة ..ثم قطرة ..ثم قطرة ..................................................قطر ٌ دم ٍ بسرعة ٍ ٍ من ال ّدم كانت تنهمر من فمه فيما بدأت بقعةٌ ٍ رهيبة على قميصه, كبيرة تتسع مرًة أخرى لتجحظ عيناه و هو يرى رامز صديق عمره يتهاوى على األرض, عاد بالزمن ّ نادى بأعلى صوته ,صرخ و صرخ و صرخ ...لم يرى حوله سواهم ,جميعهم بذقون, ٍ كشيطان جميعهم يرتدون الجلباب االبيض ,جميعهم يحملون الزبيبة الشهيرة على جبينهم يطل من فوق أعينهم ,و يضحك منه و من معاناته ,انهالت عليه الضربات من كل صغي ٍر ُّ جانب .. استيقظ بعد عدة ٍ أيام في المستشفى ... رامز فين ؟مطّت الممرضة شفتيها بال مباالة..
-مش الجدع اللي كان معاك ده ؟ تعيش انت ,ياهلل اتشطّر انت بقى و خف ,جرحك أهو اتلم و بقيت زي الحصان. ٍ الشاشي على رأسه ,و أحس بدوا ٍر شديد ...صورة طفلين على ٍ مدرسية دكة تلمس الرباط َّ ّ ٍ واحدة يدبّران مقلباً لمدرس حصة التاريخ ,صورةٌ لمباراة كرة الشراب و جووووول ,... صورة شابين جالسين على كورنيش النيل يحملقان في شاشة الموبايل بل ّذ ٍة آثمة ,صورة بقوة ...لون أسود قاتم غطّى كل شيء و هو رامز على كتفه و هما يهتفان أمام االتحادية ّ
يغمض عينيه ٍ بألم حابساً دمعاً كاد أن ينهمر ... -يمين باهلل آلخد بتارك يمين باهلل !
خرج من قوقعة أفكاره على منظر السبحة و القطرات تتابع ..النقط تتابع ..حبة .. حبة ..حبة تتدحرج بين أصابعه ..ذات الجالبية البيضاء ,الذقن و الزبيبة ,نعم ها هو ٍ بهدوء و ال مباالة ...رامز مات ..ماااااات !! سيثأر له منهم ,هو هنا ليثأر! أمامه ,يتحرك سيخلصه من عارهم و يثأر لرامز ,نعم سيخلصه ..فهو منهم ..مثلهم! سيخلصه من عارهم ,من ذقنهم و زبيبتهم و جالبيتهم و سبحتهم ! .. تالحقت دقّات قلبه ,وضع إصبعه على الزناد ,سينتهي الموضوع خالل ٍ ثوان ,الموضوع دم بدم ! ...سيثأر ..سيثأر !.. بسي ٌ ط جداً ٌ .. اتسعت حدقتا عينيه و الجالبية البيضاء تقترب منه ,ربّت على كتفه بهدوء.. -ياهلل يا ابني مش هتقوم تصلي معايا ؟
هوى الصوت الحنون على قلبه كالمطرقة ,فبعثر أفكاره و مشاعره كلها ,سال دمع ذاته المؤرقين ,رفع مطفئاً براكين الغضب ,أشاح وجهه بعيداً مخفياً دمعةً هربت من جفنيه ّ إصبعه عن الزناد ببطئ .. -حاضر يا بابا ,هقوم اتوضى و الحقك .
قـه ـ ـ ــوة عمل مشترك مع الزميل عمرو يسري السيد
ت بأن تطلب فنجاناً رابعاً من القهوة ,المقهى بدا خانقاً و فكر ْ اقترب النادل منها بهدوءَ ,
أحست بكل من فيه يراقبونها ,و الفناجين الفارغة الثالثة مصط ّفةٌ أمامها تراقب يأسها و ّ نظرت إلى ساعة يدها ,هذه هي المرة السابعة التي يتأخر بها عنها ,لن يأتي اليوم ألمها; ْ هي تعلم ذلك . ال بد من أن تتنشق بعض الهواء العذب ... أحست بكل األحاديث الهامسة تتكلم عنها, ْ طلبت الحساب ,دفعت و خرجت بهدوء ّ , تسخر منها! صوت الجرس المعلّق على الباب أنبأها بأن المقهى أصبح ماضياً ,و أنها اآلن وحيدةٌ في الشارع ,نسمة ٍ هواء هبّت ,عبثت بشعرها األسود الناعم و الشال األخضر المعلق على رقبتها ,اختارته خصيصاً ألنه يحب تماشيه مع لون عينيها « ...لقد تغيّر ... خاطبت نفسها و هي تعبُر الشارع بهدوء واجهي الحقيقة ,لقد تغيّر!» ْ
لحقها النادل من الداخل هاتفاً يا آنسة يا آنسة نسيتي هذا !سلّمها طرداً ملفوفاً بعناية ..لفته بيدها ,صنعت ما بداخله بيدها ,كانت تريد منحه هديةً ٍ مختلفةً هذه المرة ..لكنه لم ِ ساعات يأت ..لقد تغير ! ما عاد يسابق الزمن ليقضي معها من السعادة و الحب ,ما عاد يهديها ورداً و ال عاد يمنح عينيها النظرة التي تذيب قلبها, ما عادت دنياه ,لقد هرب الحب من قلبه .
أخطأت به ,لكنها مهما «يا ترى أين أخطأت؟» قضت شهوراً تحاول اكتشاف ما ْ حاولت ,لم تتمكن من أن تستعيد بريق الحب في عيونه . واجهي األمر ,لقد مل ِ منك! لم تعودي حبّه ,لم تعودي مقصده .كانت ترى نظراته تسرح ّ
تمر في الشارع ,في حين كان قلبها يستجدي منه نظرةً واحدة؛ عيناه اللتان على كل أنثى ُّ كانتا ال تفارقانها لحظة « لتغترفا من بحر جمالها « كما كان يقول ,محوالً بياض وجنتها ٍ للون أحم ٍر وردي ,ذبل ورد خديها اليوم ,فهو ما عاد يسقيها حباً ,كان ّجل عذابها نظرة جل عذابها كان أنها قد أدركت ...بأنها ما عادت تسعده« ,إن لم السأم التي على عينيهّ , أسعده ...فما سبب وجودي؟!!»
طلبت منه أن يأتي لتر ّد له قلبه « ..إن كان لديك طلبت منه القدوم اليوم لتبلّغه بقرارها, ْ ْ شيءٌ تحبّه ,فحرره ...إن عاد إليك فهو لك لألبد ,و إن لم يعد فهو لم يكن ملكك
أصالً « كانت ستمنحه حريته من كل القيود و العهود و المواثيق التي منحها لها ,ستمنحه
ٍ دبدوب أبيض ,كان قد سبق و منحه حريته من « “ saty with meمطرزًة على بطن ٍ إسورة لم يسبق لها أن خلعتها من لها ,ستحرره من “ “ I am yoursمنقوشةٌ على أغان ٍ معصمها ,ستحرره من ٍ كثيرة قد أهداها لها ,و عبار ٍ ات و رسائل أكثر ... لكنه لم يأت. أمسكت بهاتفها و كتبت رسالةً نصيّة ْ أحررك مني ..خطبتي بعد غد ,وداعاً ”. “ اليوم ّ
ٍ شجرة و أجهشت بالبكاء, أقفلت هاتفها المحمول ,استندت إلى جذع بعثت الرسالة, ْ
تنعي حبّاً حسبت أنه يدوم أبداً .
**************************** على مقر ٍبة ِ منك أجلس أنا اآلن ،أتوارى منك خلف تلك الشجرة ،أرتقب نظراتك، انفعاالتك ،كل ٍ شيء منك . أعرف ما الذي تفكرين به ،تح ّدثين نفسك “تخلى عن موعدي للمرة السابعة” ,ال يا لست على صواب ,لم أكن أنا من تخليت ِ عنك ,بل ِ حبيبتي ِ أنت ,و بدون أن تشعرين، ِ تجاهك و أن أضع تعرفين ..؟؟ إنها المرة السابعة التي أحاول فيها أن أسجن مشاعري
على قلبي ثقالً ال يتحمله ،هذه الدقائق التي تجلسينها مستمتعةً بقهوتك ,أحترق أنا فيها شوقـا ِ إليك ،ولكن عذراً لن أستطيع ،كفاني فقط النظر إليك ,أرى كيف تتعاملين مع ً ِ ِ أمامك وتطلبين فرغت منه حتى أزحتيه من األشياء ،انظري إلى فنجان قهوتك...ما إن غيره ،تستمتعين به إلى النهاية ثم ....تبعدينه من أمامك ,و تبدأين البحث عن آخر السر وراء إصرارك على المجيء ...فأتساءل ,هل سأكون مثل هذه األشياء؟! ال أعرف ّ إلى هنا ,إن كنت تعلمين أنني لن آتي ،محدثاً نفسي كل مرة ,قد تكون هذه هي المرة األخيرة ,ثم ما يلبث أن ينقطع تفكيري وتعاودين االتصال بي ,متقبلةً كل أعذاري الكاذبة، هل الحب أعمى كما يقولون؟ هل تحبينني حقاً؟ هل هو الحب ,أم انك تريدين الثأر لكرامتك ..؟ أعتقد ذلك! تعرفين ماذا تغير بي؟ إنه قانون الطرد لألشياء التي نحبها وتؤذينا ،فأنا أجد ضعفي في
ِ عينيك ,و أنا لم أعتد هذا الضعف أبداً . إلي” لكنك آتيةٌ لتخبريني أتتذكرين حديثك معي عندما تأتين لي بلهفة ،هنا أعتقد “تشتاقين ّ
بأنك سوف تسافرين مع أصدقاءك للخارج ،ياااااااه لظني الخائب ,اعتقدت أنك تسرعين مرة حاولت منعك من فعل ٍ لترتمي في أحضاني وتبقين بجواري ..كم من ٍ شيء و لكنك
ٍ ِ ِ أغلقت مرٍة علي و تركتيني و أنا أحدثك ،كم من ّ فعلتيه على الرغم مني ،كم من مرة تجرأت ّ
إلي معتذرة ،كنت أصفح و أسامح ,و أترك كرامتي جانباً سماعة الهاتف في وجهي ,ثم تأتين ّ ِ أجلك ،و لكني كنت أتألم حقاً؛ هل ِ من أتيت لتعتذري أيضاً هذه المرة؟ هل تريدين حقاً ذلك؟ تظنين االعتذار ٍ كاف لحفظ كرامتي .
ِ اعتدت على فعلها مع أصدقاءك،كم مرةً تركتيني ال أعلم هل تعرفين كل هذه األشياء ,أم أنك تفرقي بيني و بينهم ,كنت تثقين بأنني سأبقى معك ،إلى متى ؟ تذهبين, من أجلهم ،لم ّ تمرحين ,تغيبين باأليام ,ثم تعودين وتحضرين لي هديةً كي تظهري بها حبك ,فآخذها ,و معها تستنزفين جزءاً من حبي ِ لك؛ البدايات دائماً جميلة ,و لكن انظري إلى أين وصلنا اآلن! و ماذا بعد ...... ِ ِ آسف على عدم فهمك لي ,و لكن ما حاجتك بي و ِ وحدك, وحدك ,و تختارين أنت تذهبين ٌ أحبك ,أر ِ و تقررين وحدك؟!! ِ .. يدك ,ولكن . ... عذرا لست أنا علي أن أنتظر موعدي ,حتى أجد نفسي بجوار تلك الفناجين؟؟ ً .... هل ّ !!.... **************************** ٍ صواب دائماً !!!. كلٌّ منّا على
ص ـ ـراع عمل مشترك مع ساحرة الكلمات سالي الجندي
آلمها كثيراً فر ّدت الصاع صاعين .. تركته واقفاً على ناصية الوداع و رحلت .. «ال تتصل بي بعد اليوم» أعلنتها و هي تشهر غيابها في وجهه.. خاطبت نفسها و هي تعبُر الشارع بهدوء واجهي الحقيقة ,لقد تغيّر!» ْ لحقها النادل من الداخل هاتفاً يا آنسة يا آنسة نسيتي هذا !سلّمها طرداً ملفوفاً بعناية ..لفته بيدها ,صنعت ما بداخله بيدها ,كانت تريد منحه هديةً دفنت قلبي الذي عشقك ,الزلت رجحت عقلي الذي لفظك ,و ُ و أنا أف ّكر فيما حدثّ , أظن مشاعري عابرة .. أؤمن بأنها صفقةٌ خاسرة ,نعمُّ .. لكن قلبي أبى أن يستمع لكل قرارات عقلي! تمرده ,و علّق صورك في كل أزقّة أفكاري.. و أعلن عصيانه و ّ معلناً أنك سيد أحالمي ...
ال! لن أفتقدك .. ت معك كلماتك ,ال! لن أشعر بغيابك .. سافر ْ فلقد َ ستختفي من قواميس دنيتي .. لن تتحرك مشاعري يوماً حتى مماتك .. و لكن ...أيُطيق قلبي بعادك .. أتحسبني أحتمل يوماً هجرانك؟ و أنت من كان يحيي بساتين وردي ٍ بنظرة منه .. ُ ت يدي يديه ... لمس ْ و يطيب حصاد العنب من على شفتي ,إذا ما َ لست سعيد ًة لكن .. ُ يكفينى راحة البال .. لن أحتفظ بذكراك ,و إن استمر غيابك ،أو طال ,لن أطارد شبيهاً لك آملةً أن يكون أنت .. علي فرض .. سأجعل هجرك قبلتي ,ونسيانك ّ
لكن أشواقي لك تطاردني في كل مكان .. أدفنها تحت ٍ محررةً كل جنون العشق ... أكوام من رماد النسيانُّ , فتهب رياح أحالمي ّ دت إليك تعود ؟ تراني إذا عُ ُ
يومياً ...قبل أن أذوب فى رحلة نومي ليالً .. أُفنّد كل أخطائك المؤلمة .. اح غائرة .. أتذكر آثار ما سببته لي من جر ٍ ال أعلم ..ربما ﻷني سعيدةٌ لغيابك .... أو خوفاً ...من أن أسافر في نومي ,و أحلم بلقاءك ... ..لمساتك تطرب قلبي يهدهد القلق قيود وعيي ,حتى أغيب معك في عوالم الغيب َ الكسير ,و همساتك تعود بمواسم ربيعي ,و على شطآن أحالمي تغيب شمس الفراق
إلى االبد.. حاولت أن تصطنع من حلمها حقيقة .. ْ غزت روحها بعنف. لكن آالمها أبت إال أن تسلبها ل ّذة سراب أحالمها ,و َ دموع بت إلى شرفتها متأملةً السماء المتأللئة ,تفجرت آبار ٍ وضعت القلم من يدها ,هر ْ
دفنَْتها طويالً ..وح ّدثت السماء مناجيةً: ٍ اشتياق فاق كل مشاعر البشر! -يا سماء الكون ...إشهدي على يرن الهاتف .. تنظر إلى الرقم على الشاشة الصغيرة بسرعة .. و ُّ تشق ابتسامةٌ واسعةٌ طريقها وسط أنهار الدموع ,منهيةً صراعاً طويالً ... -أحبك.
تـحـ ـ ـ ـ ـ ُّـرش
تبخر درجة الحرارة كانت تصهر خالياه الدماغية ,زحام األوتوبيس المعتاد كان يساهم في ٍّ ٍ عارم آلدميته التعيسة ..هذا االختراق التام ألسطورة « مساحتك الشخصية « كان بطالً للموقف .. ٍ لمعادلة مستحيلة الحل ,ازداد التدافع توقف األوتوبيس ليضيف المزيد من األرقام تحرك جسده في زوايا غير طبيعية ,ليتمكن من مصحوباً بقاموس الشتائم المعتاد ّ , التناسب مع حيز الفراغ الضيق ,نظر ٍ بحقد نحو باب األوتوبيس المفتوح ...عندما ..... ّ ّ « أحبب فيغدو الكوخ قصراً نيّراً « .. المنطقي الوحيد لإلحساس الذي اعتراه ,فروحه أخذت تحلّق في كان ذاك هو التبرير ُّ سموات من السعادة و النشوة ,ألف ٍ ٍ كمان كان يعزف موسيقى حالمة و العصافير ! من مالك رقي ٌق خبّأ أقل ما يمكن أن يرافق صعودهاٌ , أين اتت زقزقة العصافير ؟ كل هذا كان ّ جناحيه في حنايا ٍ غيمة قريبة ,و نزل إلى األرض البائسة ليلقي شيئًا من نوٍر و ٍ ألق على
سحر تخجل أمامه أروع قصائد العشاق ,الخ ّدان أسطورتان هاربتان من قاطنيها؛ العينان ٌ منحوت في معبد أفروديت ,و الشفتان ! يقي ٌ كتب العشق و الهوى ,األنف عمو ٌد إغر ٌّ
المحرمة...كان ليرضى أن يُق َذف من الجنة عشرات المرات ..الشفتان فاكهة الجنّة ّ ليتذوقهما !... دفعةٌ أخرى من أحد الركاب و شتيمةٌ قذرة ,أعادته ألرض الواقع ,فجأةً توقّفت الموسيقى
الخيالية ,و عاد زحام األوتوبيس ليفرض نفسه ...ربااااه! كيف لهذه الفراشة الرقيقة أن مرت بأصابع كالمرمر المصقول على شالها ,زفرت من تستحمل جهنم األرضيّة تلك ؟! ّ .. شفتيها زفرة ٍ تأوه قلبه إثرها؛ ما هذا ! من هذا الذي يقترب منها؟ .لماذا يقترب منها ضيق ّ ٍ بكلمات ؟! لماذا تصاعد اللون األحمر إلى وجهها ؟! هل يدنّس طهر أذنيها الرقيقتين
ٍ قذرة مثله ؟!! هل ..يفكر أن يتحرش بها !!! ما قيمة كونك رجالً ..إن لم تتمكن من أن تصبح فارساً يحمي فاتنته من تلك الحثالة البشرية؟؟! ال وقت ليضيعه ,أخذ يجول بعينيه في األتوبيس بجنون ,قارءاً عشرات الوجوه من أولئك المحظوظين الذين تمكنوا يتجهز أحدهم للنزول ! و على من اقتناص مقعد ,اقتربت المحطة التالية ,ال بد من أن ّ
بعد بضعة مقاعد وجد ضالّته :النظرة المدققة إلى تضاريس الشارع ,الجلسة المتأهبة, هذه السيدة العجوز حتماً ستو ّدع مقعدها بعد بضعة ٍ ثوان؛ بدأ بالتحرك ,التدافع كان جهنمياً ,لكن التراجع كان من سابع المستحيالت,أدار رأسه لينهل منها نظرة ,رشف
رشفةً من رحيق جمالها ,كانت كافيةً لتمنحه القوة ليرفع خمسة جبال ,دفع هذا و ذاك و مرر جسمه في الزوايا المستحيلة ,بذل مجهوداً خارقاً ليمنع الشتائم من التدفق من فمه ...فأذناها لم تخلقا لسماع الشتائم ,تينك األذنان خلقتا لهمسات العشق و الغزل فحسب ,قليالً بعد ..قليالً بعد ...قطرات العرق غطّت وجهه كامالً ,و أخيراً ..وصل! وصل في اللحظة المناسبة و العجوز تنهض من على كرسيها ,ابتسامة نص ٍر كلّلت وجهه,
السعادة كانت نبعاً يفيض من عينيه ,و هو يقف في حيز المقعد و يشير لها -
يا آنسة ..اتفضلي .
و بذراعه و ٍ بقوة خارقة ,تمكن من دفع دز ٍ ينة من األجساد ليفسح لها طري ًقا حتى تصل
للمقعد ,اقتربت ..اقتربت أكثر ..ها هي ..اقتربت ....أكثر من الالزم ! .. -
تشكر يا عسل !
تكسرت عليها كل أحالمه و تصوراته, اللهجة الرقيعة و الصوت الحاد ,كانا الصخرة التي ّ تحول عزف الكمان إلى نشا ٍز مؤلم ,و أطلق صيا ٌد ما رصاصه على العصافير المزقزقة,
الجناح المالئكي الغافي بين حنايا غيمة ما كان إال شوكةً ضخمةً انغرست في حلقه ,و ٍ تحرش واضحة ! هو يحس بيدها تلمسه ...في حالة يقصون مواقفاً مشابهة حرجة ,و هم ّ كثيراً ما سخر من رفاقه و من همساتهم ُ الم َ « إيه يا خويا مش فاضل إال تقولي إغتصبتَك كمان ! إسترجل يا حيلتها!! « ف ّكر بنظرات الشماتة التي سيقرؤها في أعينهم ,فيما كان لون وجهه يتدرج ما بين ألوان
الطيف ,ليستقر آخراً على اللون األرجواني ,بدأ يشم رائحة احتراق ,و لم يتمكن ٍ بحال ّ من األحوال أن يعرف ..أكانت رائحة احتراق وجهه ..كرامته ..أم أنها لم تكن أكثر
من رائحة احتراق الوقود في محرك األوتوبيس المزدحم .
العروس ـ ـ ــة عمل مشترك مع الرائع محـ ـ ــمد عصمت
كلمات ٍ ٍ سعاد ُّ كلمات مسمومةٌ كانت, ترن في أذنها ... تو ٌ لسبب ما تجهله ,استيقظَ ْ ُ
مغلفةً بالغيرة و الحسد ,عيناها كانتا تقدحان شرراً و هي ترمي بتفاحة إبليس تلك في جنتها الوليدة: زي بقية الرجالة عاوز -دلوقتي يا حلوة شهر العسل خلص ,و زيه ّ خدامة في البيت ,و هتقفي يا أختي قدام المراية تغني « أطبطب ... و أدلع ...و أكنس ...و ألمع ...و أنيم ...و أأكل ...يا يقولي أنا إتغيرت عليه «! غضبت منها و نهرتها ,فزوجها كان دمثاً رقيق القلب ,حنوناً خلوقاً ,و فوق بالتأكيد هي ْ كل وصف ... كل هذا كان يحبها فوق ّ ّ -و النبي إنتي هبلة! الراجل الشرقي بيبقاله سوفت معين كده صعب تغيريه ,و عشان كده أنا رافضة أتجوز!. كانت أكثر من يعرف بُهتَان كذبها ذاك ,فهي لم ترفض عريساً واحداً ,بل على العكس! كانت تقتنص الرجال ناسجةً شباكها في كل مكان ,محاولةً صيد أي عريس؛ حتى زوجها في أيام الخطبة ,تلقى منها كثيراً من المكالمات و المحاوالت ,كانا يضحكان منها ,كانت تحاول المستحيل لتسرقه منها و لكن هيهات ,فقد كان حبهما أقوى من كل حبائلها و مكائدها .
كالسم في أوصالها, لتحس بكلماتها تسري لكن ..مع كل هذا! استيقظت هذا الصباح ِّ ّ و تزحف ٍ لتغطي على كل شيء .. ببطء بين تالفيف أفكارها, ّ هاتبقي خدامة ...خدامة ....خدامة ...توقفت أفكارها عند هذا الحد : ...خدامة ...خدامة ... نظرت حولها في دهشة ...خدامة ...خدامة ... نظرت النعكاس صورتها في المرآة ,و التي تتسلى بترديد الكلمة : ..خدامة ...خدامة ... نظرت لها بغضب فانزوت على نفسها خجالً قبل أن تسمع صوته يناديها -هدى ...يا هدى يا حبيبتي بدأت بوادر المأساة! ها هو يناديها من المطبخ منتظراً منها إعداد اإلفطار! ال أبداً ! هذا جهزت نفسها لترد عليه ..لكنه استبقها منادياً : لن يكون ! ّ -البيض ...أومليت و ال عيون يا عيوني انتي ؟ ٍ الجرار الزراعي: قالت بصوت يشبه صوت ّ
-إتفقعت عيونك يا سعاد يا رب! -بتقولي إيه ؟؟ استعاد صوتها رقة العروس الجديدة و هي تقول : زي ما تحب يا حبيبي . إذاً فهو من ُّ يعد لها الفطور ..لعنت سعاد و لعنت أفكارها تلك,كيف تسمح لهذه الترهات الحاقدة بأن تكدر عليها صباحها؟! دخل فادي عليها و ابتسامةٌ حنونةٌ على شفتيه ,طبع قبلةً على وجنتها ,و وضع أمامها فطوراً شهياً؛ تناوال طعامهما ثم سبقها بحمل األطباق إلى المطبخ ,دقائق و سمعت صوته منادياً من الحمام .. شيطان أحم ٍر يمسك بشو ٍ ٍ كة يتصاعد منها اللهب, مع صوته ,عادت سعاد على هيئة تبتسم بجش ٍع و هي تقهقه قبل أن تحرق النار يدها ,فتتوقف عن الضحك و توسوس في أفكارها بخبث .. -مش قلتلك؟ عاوزك تجهزيله الحمام! أهي بدأت أهي!! النهاردة تجهزيله الحمام ,بكرة تقلعيه الجزمة ,هتبقي خدامة بتترعش لو سمعت جوزها بيندهلها . ال ..ال و ألف ال! ...سأقول له بأن يذهب هو و توقعاته إلى الجحيم !!! لن أسمح
له أن .. ُصيبت أفكارها ٍ تام و هي تدخل إلى الحمام ,لترى الشموع المعطّرة تهفو برائحتها بشلل ٍّ أ ْ الرقيقة ,و فادي ينحني أمامها بحر ٍ كة تمثيلية تفضلي يا أميرتي ..مرت قالها و هو ينثر شيئاً من بتالت الورد في ماء استحمامها الدافئة؛ شتائم متعددةٌ ّ
في رأسها ,لو سمعها زوجها لطلّقها! أكثرها كان لسعاد ,و بعضها كان لنفسها ...كيف تسمم يومها ,أن تغزو أفكارها كيف؟!! .. تسمح لهذه الحاقدة بأن ّ غطّست رأسها تحت الماء ,كتمت أنفاسها محاولةً خنق صورة سعاد ,إال أن إحدى البتالت دخلت إلى أنفها فكادت تختنق هي . خرجت من الحمام لترى فادي قد اختار لها ثوباً جميالً وضعه على السرير ,و إلى جانبه ورقةٌ صغيرةٌ خط عليها : لك أن تع ّدي لنا فنجانين من الشاي حتى أعود ؟ ِ .. “ حبيبتي ..هل ِ أحبك ..اإلمضاء ..متيم ِ بك” ٌ ارتدت ثوبها و هي تصارع لتطرد سعاد و نظراتها من رأسها ,وضعت الورقة جانباً ,و رسمت على وجهها ابتسامة الزوجة السعيدة ,نجحت في ذلك حتى وصلت إلى باب لست جارية! لن أتحول إلى خادمة ! المطبخ ,ال ُ ..
وضعت اإلبريق على النار و هي تحدث نفسها ْ “سأضع الشاي أمامه ,و أقول له ..أنا لست جارية لم و لن أكون ملكاً ألحد ما حييت! حرةٌ قائمةٌ بحد ذاتي و لي اعتباري و احترامي! أنا لن أهرول عندما يشير إلي أنا شخصيّةٌ ّ
..أما أوامره فلـ ”.......
ٍ الذهبي من علبة السكر ,و تقرأ بسرعة و هي ترفع الخاتم انهمرت الدموع من عينيها ّ الكلمة المنقوشة عليه “ أحبك لألبد “ خرج فادي من ز ٍ اوية خفية ,وضع الخاتم في يدها و هو يقول - :حلو الخاتم ؟؟ ج ًدا يا حبيبي! طب هاتيه بقى عشان نرجعه !!نظرت له و الدهشة ترتسم على محياها قبل أن يبادرها : بهزر بهزر!عانقها ,دفنت رأسها في صدره لتتمزق صورة سعاد و صوتها فيما فادي يقول لها : يلال عشـ ـ ـ ... -حنااااااان ...يلال عشان باص المدرسة ....
لت مسرعةً نحو الباب حاملةً حقيبتها ,دون هرو ْ وضعت حنان ُدماها على األرض ,و َ أن تلتفت ورائها.
أما دميتاها “هدى” و “فادي” ,فقد قبعتا على األرض متعانقتين بهدوء .
-تمت -
هذا العمل هو عمل إكتروني مجاني حقوقه محفوظة يمنع استخدامه للمنفعة المادية أو الكسب و اإلتجار و أي تجاوز في ذلك يعرض صاحبه للمساءلة القانونية
للمتابعة المزيد من أعملي تفضلوا بزيارة صفحتي الشخصية على الجود ريدز
إضغط الزر لزيارة الصفحة