سياتى عصير الكتب

Page 1


‫ســـيأتي‪...‬‬

‫دينا نسريين‬

‫جميع الحقوق محفوظة©‬ ‫رقم اإليداع ‪ISBN-13: 978-1495320378 :‬‬ ‫‪ISBN-10: 1495320375‬‬ ‫تصميم الغالف ‪ :‬دينا نسريني‬


‫جدل كثري دار حول فكرة النشر اإللكرتوني أو ما يسمى اليب دي إف‬ ‫ٌ‬ ‫للقراء وجهة نظ ٍر حترتم‬ ‫للكتاب وجهة نظ ٍر حترتم‬ ‫و ما بني هؤالء و هؤالء جيشٌ من التجار و القراصنة يستنزفون الطرفني‬ ‫أعرتف حبق كل قارئ أن يستمتع بإبداع كاتبه املفضل‬ ‫و أعرتف حبق كاتب بذل من وقته و جهده و عواطفه الكثري و يف أوقات كثرية من « حتويشة عمره»‬ ‫أمتنى أن يأتي يوم يدرك فيه كال الطرفني حجم املؤامرة اليت زج هبما يف وسطها‬ ‫حقوق شرعية و قانونية لن أتنازل عنها و سأحارب يف سبيلها‬ ‫يل يف رواييت أمل ٌ‬ ‫و للقراء يف موهبيت حقٌ و نصيب أمتنى أن توفيه جمموعيت هذه‬ ‫سيأتي كتابٌ إلكرتوني شرعي و قانوني أهديه لكم بكل احلب و الودّ‬ ‫دمتم لنا ‪ ..‬فبدونكم ال طائل من موهبتنا‬ ‫أهديكم ‪...‬‬

‫سيأتي‬

‫‪...‬‬


‫إهداء خاص‬

‫جملموعة عصري الكتب الثقافية‬ ‫شكرٌ واجب‬

‫ٌ‬

‫ٍّ‬ ‫ ‪-‬الكثري من هذه القصص كتبت يف بيئة مسابقاتٍ ثقافية‪ ,‬نشأت يف كل من جمموعة حروف و‬ ‫جمموعة ‪ 313‬األدبيتني و هلما كل الشكر على ذلك‪.‬‬ ‫ ‪-‬فكرة نشر هذه اجملموعة جاءت من أعز األصدقاء و الزمالء‪ ..‬الكاتب الرائع حممد‬ ‫عصمت ‪..‬دوم ًا أدين لك بالكثري و الكثري شكر ًا‪.‬‬ ‫ ‪-‬النقطاع التيار الكهربائي الدائم فوائد‪ ,‬و لصوت القنابل و الرشاشات إهلام ‪ ,‬و للخوف من‬ ‫رغبة و إصرارٌ على االستمرار يف احلياة ‪ ,‬لألسف البالغ كثريون هم من أشكرهم على‬ ‫املوت ٌ‬ ‫هذه امليزات األدبية ‪ ..‬شكر ًا ‪.‬‬


‫إله ـ ـ ـ ــام‬


‫ٍ‬ ‫بسرعة لصفحات الدفتر البيضاء‪ ,‬تشحذ‬ ‫توجه طعناتها‬ ‫استل ْ‬ ‫ّت قلم الحبر‪ ,‬و بدأت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫الدم يسيل على السطور‬ ‫سنّه بطرف دواة الحبر الحمراء‪ ,‬و تتابع الكتابة بثورة عارمة‪ ,‬كان ّ‬ ‫الدم غطى كل المالمح‬ ‫بمعاناة ‪ ...‬وجوهٌ كثيرةٌ و كلمات أكثر اختلطت في مخيلتها ‪ّ ...‬‬ ‫أسندت ظهرها إلى الكرسي‪ ,‬عقدت ما بين حاجبيها و‬ ‫ت إلى الخلف و‬ ‫ْ‬ ‫رجع ْ‬ ‫بقسوة ‪َ ...‬‬ ‫أخذت تتأمل جراج الورق لدقائق‪ ,‬فيما أخذت ترتشف رحيق معاناتها بسكون؛‬

‫خضم عتمة نَ ِ‬ ‫فسها‬ ‫اصط ّفت الذكريات في مخيلتها‪ ,‬اختارت أحدها بدقة‪ ,‬و رمته في‬ ‫ِّ‬ ‫خنجراً ش ّق حاجز الوهم ‪..‬‬

‫«خللي بالك من نفسك ‪ ..‬عشان خاطري»‬ ‫يرحلون ‪ ...‬كلهم يرحلون‪ ,‬يرمون بكلماتهم التافهة لتقعقع على أرض الوحشة الفارغة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معدنية مزيّفة ‪ ...‬و يرحلون ‪.‬‬ ‫كعملة‬ ‫ضت عينيها بعنف‪ ,‬فتحتهما‪ ,‬و عادت تنشب أفكارها في الورق‪ ,‬تصوغ اآلهات‪,‬‬ ‫أغم َ‬ ‫اآلهة إثر اآلهة‪ ,‬ترسم موت كل من آلمها و جرحها يوماً‪ ,‬في ٍ‬ ‫لوحة فنيّ ٍة ال مثيل لها ‪.‬‬ ‫يقتربون ‪ ...‬يزرعون اآلمال في بستان أحالمها‪ ,‬و حين تورد حبّاً و سحراً‪ ,‬يحرقون كل‬

‫شيء ‪ ...‬و بعبارة كـ ‪« :‬انيت طبعاً مقدرة ظرويف» يرحلون ‪.‬‬

‫أنفاسها و هي تلطّ ُخ الصفحة بألوان‬ ‫تالحقت الكلمات و األفكار‪ ,‬و تالحقت معها ُ‬

‫معاناتها ‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫برشاقة‬ ‫أشبعت غريزة االنتقام‪ ,‬رمت جثث ذكرياتها جانباً‪ ,‬و على رأس الصفحة خطّت‬ ‫ْ‬ ‫إسماً صارخاً لقصيدتها ‪.‬‬ ‫ت وجهها بين يديها‪ ,‬و تعالى صوت النحيب ‪...‬‬ ‫وضعت القلم جانباً ‪ ...‬دفنَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫بهدوء حزين‪ ,‬لتتهاوى على صفحة مجلة‪,‬‬ ‫ت قطرات دمعها من بين كفيها‪ ,‬تسلّلت‬ ‫هربَ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يطرح فيه‬ ‫لتستقر على مقابلة صحفية أجراها أحدهم معها‪ ,‬استقرت تحديداً على سطر‪ُ ,‬‬ ‫ُّ‬ ‫خط النسخ سؤاالً ملوناً أنيقاً ‪:‬‬

‫« يتساءل قراؤك عن مصدر إهلامك‪ ,‬من أين تأتني بتلك املشاعر الفياضة لتبدعي قصائدك‬ ‫العبقرية ?»‬

‫تبتسم السطور بدبلوماسية‪ ,‬و هي تمتص دموعها ‪ ...‬بصمت ‪.‬‬


‫دعوة إلى العشاء‬


‫فتح الباب الزجاجي برشاقة ‪...‬‬ ‫ تفضلي يا حبيبتي‬‫ٍ‬ ‫واقف على الباب‪ ,‬تعلو وجهه ابتسامة الجنتل مان‪ ,‬لكم‬ ‫منح ْتهُ ابتسامة‬ ‫سعادة و هو ٌ‬ ‫َ‬

‫ٍ‬ ‫سحب من السعادة‬ ‫سر وجوده و فرحتها تحملُه إلى‬ ‫يهوى إسعاد قلبها الرقيق؛ بسمتها ّ‬ ‫الوردية‪ ,‬دخل إلى المطعم ‪..‬‬

‫ طاولةٌ الثنين لو سمحت ‪.‬‬‫تق ّدمه النادل مختاراً له طاولةً هادئةً بجوار النافذة‪.‬‬ ‫أيك يا حبيبتي‪ ,‬مناسبة ؟‬ ‫ ما ر ُ‬‫ ممتازةٌ طبعاً ‪.‬‬‫جلس بهدوء‪ ,‬ثم وضع حامل هاتفه المحمول على الطاولة‪ ,‬و ثبّت فيه الجهاز بعناية‪,‬‬

‫ثم اغترف نظرًة قاتلةً من عينيها الواسعتين‪ ,‬و بالكاد أحجم عن النظر لشفتيها‪ ,‬فهو في‬ ‫ٍ‬ ‫مكان عام‪ ,‬و عندما نتكلم عن شفتيها‪ ,‬فنظرةٌ فحسب لن تكون كافيةً بالنسبة له !‬ ‫‪ -‬أحبك يا ملكتي‪.‬‬


‫ أحبك يا ملكي‪ ,‬و ملك قلبي و روحي‪...‬‬‫ٍ‬ ‫بحور من الغزل‪,‬‬ ‫مرت و هما غارقان في مناجاة صامتة‪ ,‬و بين العينين ٌ‬ ‫بضعة دقائق ّ‬

‫و جداول من األمل‪.‬‬

‫سحب عينيه من عينيها و هو يطلق تنهيدةً سعيدة‪..‬‬ ‫حت ‪.‬‬ ‫سم ْ‬ ‫ قائمة الطعام لو َ‬‫نظر له النادل نظر ٍ‬ ‫ات غريبة‪ ,‬ثم أحضر له القائمة بضمت‪.‬‬ ‫ ستختارين ِ‬‫أنت لي وجبتي كما اتفقنا‪.‬‬ ‫ طبعاً! أُتل علي الخيارات ‪.‬‬‫ بيتزا ‪..‬‬‫ طبعا ال‪..‬‬‫ اسكالوب ‪..‬‬‫دسم جداً ‪.‬‬ ‫ ال‪ ,‬االسكالوب ٌّ‬‫مقلي و ٌ‬ ‫‪ -‬دجاج تيكا باألعشاب ‪..‬‬


‫ابتسمت له برضى‬ ‫ نعم‪ ,‬هذا هو الطلب المناسب ‪.‬‬‫ت للنظرة المسرحية على وجهه‪..‬‬ ‫قهقه ْ‬ ‫قلب ش ّفته بامتعاض‪ ,‬و اصطنع الحزن‪َ ,‬‬ ‫ حسناً‪ ..‬حسناً‪ ,‬إطلب البيتزا !‬‫انفرجت أساريره و رسم على شفتيه ابتسامةً عريضة‪ ,‬سرعان ما تقلّصت و هي تستدرك‬ ‫بسرعة ‪..‬‬ ‫ بيتزا بالخضار طبعاً !‬‫ويل لمن ولّى شؤونه المرأة !‬ ‫ ٌ‬‫رفعت حاجبها باستنكار فضحك ‪..‬‬ ‫ ماذا ستأكلين ِ‬‫انت ؟‬ ‫ قلت لك‪ ,‬سآكل ما تآكل يا روحي ‪.‬‬‫أشار للنادل و حدد له طلبه و عاد لالستغراق في جمالها‪ ,‬شعرها الحريري كسالسل‬ ‫ٍ‬ ‫عتم هار ٍبة من ٍ‬ ‫من ٍ‬ ‫أكتاف ‪ ..‬آآآه من‬ ‫شعر يتغندر على‬ ‫ليلة يتغنى بها الع ّ‬ ‫شاق و الشعراء‪ٌ ,‬‬ ‫عض على شفته و حاول العودة مسرعاً إلى عينيها‪ ,‬لكن كمين شفتيها اقتنصه‬ ‫أكتافها! ّ‬


‫فاشتعل قلبه ناراً و هو يرتمي على حدود طالء الشفاه القرمزي‪ ,‬كانت قد تزيّنت خصيصاً‬

‫للمناسبة‪ ,‬مختارةً لون طالء الشفاه الذي تدرك تماما أنه يفقده صوابه ‪ ,‬تململ في جلسته‬ ‫‪..‬‬ ‫ أهناك ما يضايقك يا حبيبي ؟‬‫ إممم تقريباً ‪..‬‬‫ت على أناملها بخجل‪ ,‬أنامل‬ ‫ض ْ‬ ‫نظر لها نظرةً ذات مغزى‪ ,‬أدركت معناها على الفور فع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شاردة من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غابة مسحورة ‪.‬‬ ‫حمامة بيضاء‬ ‫رقيقةٌ كريش‬ ‫ لم تقل ما هي المفاجأة ؟‬‫ٍ‬ ‫محاولة لتغيير مجرى الصمت‪ ,‬ضرب على جبينه بخ ّفة‪..‬‬ ‫سألَته في‬ ‫ كدت أنسى ! ‪..‬‬‫أشار للنادل مجدداً و سلّمه قرص سي دي ‪..‬‬ ‫ أتسمح بتشغيل هذه األغنية لو سمحت ؟‬‫هز النادل برأسه و انسحب بصمت‪ ,‬دقائق و انطلق اللحن الهادئ في أرجاء المكان‬ ‫‪«I wanna grow old with you‬‬ ‫«…‪I wanna die lying in your arms.‬‬


‫ ‪-‬أتسمحين لي بهذه الرقصة ؟‬ ‫كل منهما في أحضان‬ ‫ْ‬ ‫أومأت برأسها بسعادة‪ ,‬أغم َ‬ ‫ضت عينيها و أغمض عينيه‪ ,‬و غرق ٌ‬ ‫اآلخر في رقصة سلو ٍ‬ ‫هادئة ساحرة‪...‬‬ ‫‪«A thousand mile‬‬ ‫‪Between us now‬‬ ‫‪It causes me‬‬ ‫…‪To wonder why« ..‬‬ ‫قطع لحظتهما الحلوة وصول الطعام‪ ,‬فتح عينيه و أمسك بزجاجة صلصة الطماطم‪...‬‬ ‫ ماذا تفعل ! اتركها من يدك بسرعة !‬‫ِ‬ ‫أرجوك !‬ ‫ القليل فقط‬‫رفعت ذقنها رافضةً بعناد‪ ,‬برقَت في عينيه نظرة ٍ‬ ‫كت‬ ‫تمرد و رفع حاجبه في عزم‪ ,‬أدر ْ‬ ‫اجعت‪..‬‬ ‫بأن العناد سيجعلها تخسر أكثر‪ ,‬فتر ْ‬ ‫ فقط القليل !‬‫ حاااااضر ‪...‬‬‫يفرغ محتويات الزجاجة بأكملها على القرص الساخن‪..‬‬ ‫قالها و هو ُ‬


‫ هذا ليس ٍ‬‫بقليل أيها المخادع! حسناً سأخاصمك ‪.‬‬ ‫رفع نظرةً ماجنةً إليها و قال لها و عيناه تذوبان عشقاً ‪..‬‬ ‫ ‪-‬أألنك فانتة الفاتنات‪ ,‬تستغلّين حبي لك ؟‬ ‫ٍ‬ ‫بشهية‬ ‫احمرت وجنتاها من حرارة نظراته و كلماته‪ ,‬فيما انهمك هو في التهام وجبته‬ ‫جمة‪ ,‬فمنذ قرر أن يتّبع حميةً غذائية‪ ,‬و هي تؤازره بأصعب الطرق و أش ّدها‪ ,‬حتى أنها‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫يخرج فيها لتناول الطعام خارج المنزل‪ ,‬حيث اكتشفا‬ ‫ّ‬ ‫صممت على أن ترافقه في كل مرة ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ممتعة سوياً‪ ,‬عاد ليتأمل عينيها الداكنتين بعشق‪ ,‬لكم‬ ‫بوجبة‬ ‫متعةً جديد ًة في االستغراق‬ ‫يهواها! قرأت عبارات الحب في عينيه فترجمتهما على الفور‪...‬‬ ‫ أحبك يا أغلى ٍ‬‫حبيب في الدنيا‪...‬‬ ‫أرسلت له قبلةً عبر األثير‪ ,‬م ّد يده ليلمس شاشة هاتفه المحمول‪ ,‬ليتلقى القبلة بطرف‬

‫ٍ‬ ‫بخجل من خالل الشاشة الصغيرة‪ ,‬ر ّد لها‬ ‫أصابعه و يرفعها إلى شفتيه بحب‪ ,‬ابتسمت له‬ ‫القبلة برقّ ٍة واضعاً طرف أصابعه على موقع شفتيها على الشاشة‪ ,‬أغمض عينيه مجدداً‪ ,‬و‬ ‫حلم بيوم لقائهما سوياً‪ ...‬على أرض الواقع ‪ ...‬ال على األثير‪...‬‬ ‫ أحبك أكثر!‬‫قالها و تنهد‪ ,‬و عاد للغرق في بحر عينيها الساحرتين‪.‬‬


‫ولـ ـ ـ ــيمة‬


‫خف اختالج جسده‪ ,‬ذابت التأوهات‬ ‫ج ّفت حبات العرق الباردة على صدغيه‪ ,‬و ّ‬ ‫الخافتة‪ ,‬و توقّف صوت الطرق المنتظم في رأسه‪ ,‬كل ٍ‬ ‫شيء على ما ير ٍام اآلن ‪ ...‬كل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شيء على ما يرام !‬ ‫كان جوعه قد امت ّد على مدى أسبوعين كاملين‪ ,‬لكنه اآلن قد عثَر على فريسته و لن‬

‫يجوع مجدداً‪ ,‬تقلَص وجهه في تكشيرة ألم ‪ ...‬جيد ‪ ..‬األلم جيد ‪ ..‬فهو يذكره بأنه ما‬ ‫زال حياً ‪.‬‬ ‫لم يكن لديه الكثير من المساحة ليتحرك‪ ,‬لكنها كانت كافيةً ليغيّر وضعه إلى جلسة‬ ‫القرفصاء‪ ,‬اآلن يمكنه أن يلتهمها! أغمض عينيه محاوالً أن يقتل آخر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إنسانية‬ ‫قطرة من‬ ‫في روحه‪ ,‬و إن كان عذاب األسبوعين الماضيين كفيالً بخنقها تماماً‪ ...‬أنشب فكيه فيها‬

‫يمزقها بأسنانه تمزيقاً؛ طعمها أل ّذ بكثي ٍر مما كان يتوقع! في البداية كان يبتلعها ابتالعاً‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫تذو َق في أشهر‬ ‫لكن‪ ...‬و بعد بضعة قضمات‪ ,‬بات يلوكها بتل ّذذ‪ ,‬إنها أل ّذ من أفخر ما ّ‬

‫المطاعم التي كان قد اعتاد ارتيادها‪ ,‬وليمةٌ ال يستحق تذوقَها إال هو‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫بشهوة و هو يتناولها بنهم‪ ,‬و نقاط الدم تتساقط من أشداقه‪ ,‬لتختلط مع‬ ‫يتلمظ‬ ‫بدأ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بهدوء تحته ‪..‬‬ ‫مياه المجاري التي كانت تتسرب‬ ‫ٍ‬ ‫فجأةً سمع أصواتاً كثيرةً تنادي‪ ,‬أصوات‬ ‫حجارة تتدحرج‪ ,‬و بدأ النور يتسرب إليه قويّاً‬ ‫أطل الجنون من عينيه‪,‬‬ ‫مختلفاً عما تآلفت عليه عيناه ‪ ..‬اتّسعت حدقتا عينيه في رعب‪ ,‬و ّ‬


‫و هو يحاول أن ينبش األرض ليخفيها عن أعينهم ‪ ...‬أذرعٌ كثيرةٌ امتدت إليه لتخطفها منه!‬ ‫‪ ..‬ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬إنها لي! لي أنا فقط ‪ ..‬ابتعدوا !!!‬

‫ٍ‬ ‫كحيوان‬ ‫قيل بأنهم وجدوه بعد أسبوعين من انهيار منزله‪ ,‬محصوراً تحت األنقاض‪ ,‬صارخاً‬ ‫ٍ‬ ‫محاولة لمساعدته‪ ,‬و قال أحد من وجدوه أنهم ما كانوا ليعثروا عليه لوال‬ ‫ثائر‪ ,‬رافضاً أي‬ ‫صرخته و هو يقطع يده اليسرى ‪ ..‬ليأكلها ‪ ..‬الجوع كافر!‪.‬‬


‫اإلختراع‬ ‫عمل مشترك مع الرائع محـ ـ ــمد عصمت‬


‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫بسرعة على‬ ‫ط البيانات المتحرك‬ ‫حك ذقنه الطويلة بظهر يده و هو يلقي نظرةً أخيرةً على خ ّ‬ ‫الشاشة ‪...‬‬ ‫نعم ‪ ..‬الصيغة صحيحة !‬ ‫البيانات ال تخطئ !‬ ‫لقد فعلها هذه المرة !‬ ‫بدأت ابتسامة رضى ترتسم على وجهه‪ ,‬و لمع في عيونه بري ٌق ال يعرفه إال المخترعون‪ ,‬يضع‬ ‫يده على زر التشغيل بحر ٍ‬ ‫كة مسرحية ‪ ...‬اآلن‪ ...‬و بضغطة زٍر واحدة‪ ,‬سيتغير العالم بأسره!‬ ‫كل من سخر منه ‪ ..‬كل من ‪... ..‬‬ ‫لقد وصل لالختراع األكبر منذ بدء البشرية ‪ّ ...‬‬ ‫ط مرًة أخرى ‪ ..‬و ثانية و ثالثة ‪ ...‬ال شيء يحدث!!‬ ‫ماذا ؟!!‪ ..‬لم يحدث شيء!! يضغ ُ‬ ‫يضرب على اآللة الغبية بكلتا قبضتيه و يصرخ بجنون‬ ‫ لماذا ‪ ..‬لماذا ‪ ..‬لماذا!!‬‫أخفقت ‪ ..‬لقد أخفقت!!‬ ‫يراجع أوراقه بجنون‪ ,‬ثم يبدأ بتقطيعها و رميها في كل مكان‪ - .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫يُطرق رأسه بيأس‪ ,‬عليه أن يبدأ مجدداً من البداية؛ يخلع معطفه األبيض الطويل‪ ,‬يعلّقه‪,‬‬


‫مفاتيح على شكل رأس آينشتاين و يتجه نحو باب المعمل‪ ,‬ينظر وراءه‬ ‫يحمل سلسلة‬ ‫ٍ‬ ‫نظرةً يائسةً أخيرة‪ ,‬يطلق زفرةً طويلةً و يفتح الباب و ‪.....‬‬ ‫يحني رقبته الطويلة جداً‪ ,‬و ينزل برأسه ليصل لمستوى األرض‪ ,‬يحملق فيه بعينيه‬ ‫جسم ضخم ‪...‬‬ ‫الضخمتين‪ ...‬حراشف‪ ,‬رقبةٌ طويلة‪ ,‬عينان دائريتان صفراوان واسعتان‪ٌ ,‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بدائية‬ ‫صرخة‬ ‫شك في ذلك! إنه أمام ديناصور ‪ !..‬صوت‬ ‫تتسارع دقات قلبه بجنون‪ ,‬ال ّ‬

‫ٍ‬ ‫بسرعة طابقاً الباب وراءه بعنف‪ ,‬يُعمل مفتاحه في‬ ‫مفزعة تجعله يقفز من مكانه و يدخل‬

‫األقفال الخمسة على الباب بسرعة ‪ ...‬واحد ‪ ..‬إثنان ‪ ..‬صراخ الديناصور يعلو مرةً أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫خطوات عمالقة‬ ‫‪ ...‬ثالثة ‪ ..‬أربعة أقفال ‪ ..‬و فيما يقفل القفل الخامس يسمع صوت‬ ‫تبتعد عن الباب ‪.‬‬ ‫ ما الذي حدث؟! كان من المفروض أن‪! .....‬‬‫يلملِم أوراقه المتناثرة على أرض المعمل‪ ,‬يقرأ فيها بسرعة‪...‬‬ ‫يحاول أن ْ‬ ‫ أين أخطأت ‪ ..‬أين أخطأت!؟ ال بد من أنني نسيت رقماً هنا أو هناك‪ ,‬ليس من‬‫المفترض حدوث هذا!‬ ‫يدور في معمله في دوائر ال متناهية و هو يقرأ و يقرأ و يقرأ ‪ ..‬ال شيء هنا‪ ,‬و ال هنا ‪,‬‬ ‫غضب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هائلة و هو يركل الجهاز بقدمه ركلةً قويّةً سرعان ما يندم‬ ‫و ال هنا! يطلق صرخة‬ ‫عليها‪ ,‬ماذا لو ‪ ..‬لم يتمكن من العودة ‪ !..‬يمسح بيده على سطح اآللة كأنما ليراضيها ‪.‬‬ ‫‪ -‬أنا آسف ‪ ..‬أنا آسف ‪ ..‬إنه خطأي و ال ب ّد ‪.....‬‬


‫ٍ‬ ‫بصورة كاريكاتير ٍية‬ ‫صرخةٌ جديدةٌ من الخارج تجعله يقفز‪ ,‬يقفز معه شعره األشعث‬ ‫مضحكة‪ .,‬يضع األوراق جانباً‪ ,‬و يتَّجه نحو النافذة بحذر‪ ,‬يبعد الستارة الرمادية قليالً‪,‬‬ ‫شك في ذلك‪ ,‬لقد عاد آالفاً من السنين إلى الوراء ‪ ..‬بدأ دماغه يعالج المعلومات‬ ‫ال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل مكان‪ ,‬و‬ ‫بسرعة فائقة ‪ٌ ..‬‬ ‫أرض قاحلة‪ ,‬سراخس كثيرة‪ ,‬أشجار الصنوبر منتشرةٌ في ّ‬ ‫الديناصور الضخم الذي حملق فيه منذ بضعة دقائق‪ ,‬غالباً من فصيلة البالتيوصور‪ ...‬أم‬ ‫كان أيورابتور؟‬ ‫لوحة سر ٍ‬ ‫أحس بأنه أمام ٍ‬ ‫يالية ضخمة‪ ,‬و هو يرى السماء القرمزية ملتصقةً باألرض‬ ‫ّ‬ ‫مروع‪ ...‬إتسعت‬ ‫البرتقالية‪ ,‬فيما ش ّكلت األشجار على جانب الصورة إطاراً باهتاً لمشهد ّ‬ ‫عيناه برعب‬

‫قضيت على الحضارة اإلنسانية كلها بضغطة زر!‬ ‫ ما الذي فعلتُه ! لقد‬‫ُ‬ ‫أخذ يفكر و الحسرة تأكل قلبه‪ ,‬لن يذهب بعد العمل إلى المقهى الصغير في آخر‬ ‫الشارع‪ ,‬و ينظر خلسةً إلى النادلة الجميلة‪ ,‬و هي تقدم له كعكة القرفة إلى جانب كوبه‬ ‫الشهي من الكابتشينو‪ ,‬لن يلقي تحية الصباح على العجوز القاطنة في الشقة األرضية‪,‬‬ ‫لن يعود إلى شقته و يداعب أذني عم دافنشي المزغبتين الصغيرتين و هو يقدم له قطعة‬ ‫نسل حس ٍن يتزوجها‪ ,‬و يخلّفان سبعة فئر ٍ‬ ‫جب ٍن لذيذة‪ ,‬لن يجد له فأرةً من ٍ‬ ‫ان زهر ٍية صغيرة‬ ‫‪ ....‬لن ‪ ..‬ولن ‪..‬و لن ‪..‬‬ ‫ ما الذي فعلتُه!!‬‫ٍ‬ ‫غضب جديدة‪ ,‬عاد إلى الجهاز و أخذ‬ ‫خاطب نفسه بهلع‪ ,‬تحول بسرعة إلى نوبة‬


‫يصرخ فيه‪..‬‬ ‫فعلت هذا ‪ ..‬لماذا ؟!‬ ‫ لماذا َ‬‫جلس على األرض إلى جانب الجهاز المعدني‪ ,‬حضنه و دخل في ٍ‬ ‫نوبة من البكاء ‪...‬‬ ‫في الخارج‪ ,‬و بينما كان غارقاً في ٍ‬ ‫نوبة من األفكار اليائسة وسط بحوٍر من الحيرة‪ ,‬بدأ‬ ‫جسدان باالرتجاج ٍ‬ ‫بعنف فوق سطح المعمل‪ ,‬صوت الضحكات يكاد يعلو‪ ,‬إال أنهما‬ ‫يتداركان الموقف بصعوبة‪ ,‬أحدهما أحمر الوجه من كثرة الضحك‪ ,‬فيما يحاول الثاني‬ ‫الوقوف مترنحاً كالس ّكير وسط ضحكاته الخافتة‪ ,‬نظر له زميله و قال من بين ضحكاته‬ ‫بص عليه‪ ,‬أول ما يضغط على الزرار تاني قولّي ‪ ...‬هانزله بالعصر الجليدي‪,‬‬ ‫ إنزل ّ‬‫هاجننهولك !‬ ‫بصعوبة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بالغة قبل أن يسأل‬ ‫ضحكات أخرى تهرب من بين شفاههما‪ ,‬إال أنهما يكظمانها‬ ‫ٌ‬ ‫أحدهما اآلخر‬ ‫ إنت هاتقوله إيمتى إننا خلصنا جهاز الهولوجرام و جربناه علي ـ ‪...‬‬‫لم يستطع إنهاء الجملة من كثرة الضحك‪ ,‬ضغط زميله على الزر الذي أمامه‪ ,‬فارتفع‬ ‫ٍ‬ ‫صوت معر ٍ‬ ‫صاخبة غطت على ضحكاتهما التي أطلقا لها العنان‪ ,‬و هما يتأمالن الشارع‬ ‫كة‬ ‫المليء بالسيارات المتوقفة أمام المعمل و عيناهما تدمعان من الضحك‪.‬‬


‫س ـ ـ ـ ـ ـ ــارة‬


‫شعر أسود‬ ‫لم تكن فاتنة الجمال‪ ,‬عينان بنيتان عاديتان‪ ,‬بشرةٌ حنطية‪ ,‬شفتان زهريتان‪ٌ ,‬‬ ‫متوسط الطول‪ ,‬ال هو بالناعم كجدول ٍ‬ ‫ماء عذب‪ ,‬و ال هو باألجعد ليسرح على أكتافها‬ ‫بتمرد؛ لم يكن جسدها رائع الجمال‪ ,‬فككل النساء الشرقيات كان لها انحناءاتها و كان‬ ‫لها عيوبها‪ ,‬لكنها كانت يوماً تدعى سارة ! ‪..‬‬ ‫عندما كانت تدعى سارة‪ ...‬كان يقول لها بأن السحر يترقرق في مقلتي عينيها اللوزيتين‪,‬‬ ‫يجن عندما تتراقص الضحكة على شفتيها الخالبتين الناضجتين كحبتي كرز‪,‬‬ ‫و بأن الغرام ّ‬ ‫ال يقوى على الصبر حتى يلتهمها ‪...‬‬

‫ليل تسهر عيناه الولهتين فيه‪ ,‬فتُلهمانِه‬ ‫عندما كانت سارة ‪ ...‬كان يقول بأن شعرها األسود ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بحروف من ذهب ‪ « :‬إىل سارة»‬ ‫أحلى األشعار‪ ,‬حتى أنه و على ديوانه األول نقش اسمها‬ ‫كان يقول بأن نساء الدنيا ال يساوين نظرًة من عيون سارة‪ ,‬و بأن هواها منتهى األحالم ‪..‬‬ ‫دام َّ‬ ‫العينين‬ ‫عر ليالً و ضوؤه‬ ‫ما َ‬ ‫ْ‬ ‫الش ُ‬ ‫دام ُّ‬ ‫شفتين‬ ‫الحلم‬ ‫الخد أمالً‪ ,‬و‬ ‫ما َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫معتين‬ ‫ما َ‬ ‫دام الحز ٌن يستحي أمام ال ّد ْ‬ ‫قلبين‬ ‫ُّ‬ ‫فالحب يا حبيبتي ٌ‬ ‫قدر على ْ‬ ‫ٍ‬ ‫قصيدة كتبها لها ‪ ..‬عندما كانت تدعى سارة‪.‬‬ ‫تلك كانت أول‬ ‫كانت سارة ‪-‬كما يقول‪ -‬حوريةً من الجنان‪ ,‬كانت مالكاً و شيطان‪ ,‬كانت الدنيا كلها‬


‫تطوف في فلك سارة ‪...‬‬

‫ذلك‪ ....‬عندما كانت تدعى سارة ‪.‬‬ ‫انحدرت دمعتها و هي تراقبه من بعيد‪ ,‬اآلن ما عادت تدعى سارة ‪ ...‬استبدل إسمها‬ ‫ٍ‬ ‫بألقاب كثيرة « الحكومة «‪« ,‬أم العيال»‪« ,‬أم احمد»‪ « ,‬يا وليّة «‪ ...‬ضاع اسم سارة‬ ‫وسط زحمة األسماء و الواجبات ‪ ...‬اليوم ‪ ..‬ما عادت سارة ‪...‬‬

‫همس شيئاً في أٌذن تلك الفاتنة‪ ,‬و هو يمضي لها نسخةً من ديوانه الجديد‪ ,‬خطّت يداه‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫بسرعة على غالف الكتاب ‪ ...‬إلى سارة ‪..‬‬ ‫اإلهداء‬

‫نعم ‪ ..‬هي ما عادت سارة ‪ ...‬لم تعد سارة منذ أن ابتعد عنها ليبحث عن سارة جديدة ‪.‬‬


‫س ـ ــيأتي‪...‬‬


‫أدخلت مفاتيحها في قفل الباب ‪ ..‬أدارتهم دورة كاملة لتضمن سالمة المنزل في غيابها‬ ‫‪ ..‬لم تسمع صوتاً خلفها يجعلها تستدير باسمة ‪ ..‬جرت قدميها على درجات السلم‬ ‫ببطئ ‪ ..‬سيأتي ‪ ..‬أجل سيأتي‬ ‫كظل شاحب ‪ ..‬اقتحمتها اشعة الشمس بقسوة ‪ ..‬هربت منها‬ ‫خرجت من مدخل عمارتها ًّ‬ ‫دمعة سريعة ‪ ..‬مسحتها باقتضاب ‪ ..‬ال مكان للدموع ‪ ..‬سيأتي ‪..‬‬ ‫حاولت أن تبتلع فيض الدموع السابح في روحها و تغطيه بستارة من أمل ‪ ..‬كانت تدري‬ ‫جيدا أنه زائف ‪ ...‬سيأتي ‪ ..‬سيأتي ‪ ..‬سيأتي ‪ ..‬طفقت تردد الكلمة في رأسها ليترافق‬ ‫ايقاعها مع صوت كعب حذائها على االسفلت البارد ‪ ..‬انسابت االطياف امام عينها ‪..‬‬ ‫يدها ترتعش في كفه و تتوج اذنها همساته ‪ « ..‬أنا اتنفس اسمك ‪ ,‬ال تتركيني ‪ ,‬أحبك ‪..‬‬ ‫أحيك ‪ ..‬أحيك ! « غزا صوته الدافئ خيالها أغمضت عينها للحظات في محاولة الن‬ ‫تستحضر طيفه من اعماقها عبثاً حاولت ‪ ..‬تداخلت الصور و االصوات ‪ ..‬صوت بوق‬ ‫سيارة مارة اوقظها و شتيمة خصها بها السائق ‪ ...‬يا ليته فعلها ‪ ..‬يا ليته فعلها ‪ ..‬هزت‬ ‫راسها كانما لتوقظ نفسها من حلم ‪ ..‬ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬لن تموت ‪ ..‬هو سيأتي ‪ ...‬سيأتي ‪..‬‬ ‫سيأتي ‪ ..‬تدحرجت اآلالم على خدها معلنة االستسالم ‪ ..‬جيد أنها ترتدي نظارة شمسية‬ ‫‪..‬‬ ‫«لم‬ ‫دخلَت إلى مكتبها و بدأت يومها بهدوء‪ ,‬نظرات الشفقة تل ّفها من كل اتجاه‪َ ,‬‬ ‫قادم أال تدرون! هو عائد إلي!»‬ ‫تشفقون علي؟ هو ٌ‬


‫أغرقت نفسها بين أوراقها‪ ,‬و ما بين الكومة و الكومة‪ ,‬كانت ترفع عينيها لباب‬ ‫ت‪ ,‬أو‬ ‫ْ‬ ‫غ ِرقَ ْ‬ ‫يأت بعد» و لكأن الفراغ في إطار الباب كل ٍ‬ ‫المكتب‪« ...‬لم ِ‬ ‫مرة كان يغلّف روحها‬ ‫ّ‬ ‫بصقي ٍع من الخيبة و الهوان‪.‬‬ ‫إلي‪»..‬‬ ‫« أنا شهرزاد حياته‪ ,‬أنا حبيبته ‪..‬لن يتركني هكذا! سيعود ّ‬ ‫أغمضت عينيها و ابتسمت بهدوء‪ ,‬ها هو طيفه يزورها‪ ,‬ال بد أنه هو من أرسله إليها‬ ‫ٍ‬ ‫بباقات من الورد األزرق‪ ,‬و الحب‪ ,‬صوته الدافئ‬ ‫يستصبرها برهةً حتى يجيء إليها محمالً‬ ‫ُ‬ ‫يحتضنها َبولَه‪ ,‬أصابعه تقترب من وجنتها لتقطف دمعةً شاردة ‪« ..‬أتحزنين و أنا حبيبك‬ ‫ِ‬ ‫؟! ها قد عدت ِ‬ ‫ِ‬ ‫حبيبك سيتركك هكذا بال سبب ؟!»‬ ‫أتخيلت يوماً أن‬ ‫إليك‪,‬‬ ‫شالل ٍ‬ ‫تعشت أوصالها‪ ,‬فتحت‬ ‫الخواء‪ُ ,‬‬ ‫ألم انسكب في داخلها‪ ,‬ار ْ‬ ‫م ّدت أصابعها لتلمس َ‬ ‫أجفانها ببطئ ‪« ..‬ليس هنا» ‪ ...‬أغمضت عينيها مجدداً‪ ,‬علّها تلمحه في ظلمة تالفيف‬

‫أمانيها‪ ,‬هيهات! فقد رحل الطّيف و بقيت لوحدها ‪.‬‬ ‫يعة من فنجان ٍ‬ ‫عصبية سر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قهوة وضعه أحدهم أمامها‪ ,‬ليس هو من وضعه‪,‬‬ ‫رشفات‬ ‫رشفت‬ ‫هو يعلم أنها ال تحب القهوة ‪ .‬ابتلعت المشروب الساخن ابتالعاً‪ ,‬علّه يحرق الشفاه‬ ‫تغزل بها‪ ,‬علّه يحرق حنجرتها التي نادته مراراً و لم يسمع‪ ,‬علّه يحرق فؤادها‬ ‫التي طالما ّ‬ ‫الدامي‪ ,‬الذي ملّت نزيفه المستمر ‪.‬‬

‫ال ‪ ..‬ال ‪ ..‬لن يتركها هكذا بال سبب ! سيعود إليها‪ ,‬هو يدري كم هي تحبه‪ ,‬و هو يحبها‬ ‫أكثر‪ ,‬سيتع ّذب مثلها‪ ,‬لن يحتمل ألم الفراق ‪ ....‬سيعود!‬


‫ات ٍ‬ ‫عادت ألوراقها‪ ,‬تختلس كل ٍ‬ ‫برهة نظر ٍ‬ ‫يائسة إلطار ٍ‬ ‫طويل‬ ‫باب فارغ‪ ,‬انتهى ٌ‬ ‫يوم آخر ٌ‬ ‫مليءٌ بالترقب؛ أسرعت خطواتها و هي تتجه لباب الشركة‪ ,‬هو ينتظرها هناك و ال بد‪ ,‬كان‬ ‫قلبها يرتعش كطي ٍر يلفظ أنفاسه األخيرة ‪« ..‬لم يات بعد‪ ...‬ال بد أن زحام الطريق أخره»‪.‬‬

‫وقفت تتبادل مع إحدى زميالتها حديثاً ال لون له و ال طعم‪ ,‬ليغطي على ت ّكات الدقائق‬ ‫ْ‬ ‫على عقرب ساعتها‪ ,‬تعتذر زميلتها بخجل‪ ,‬قفد فرغ الحوار من كل إمكانيات الحروف‪,‬‬ ‫عليها أن تعود لمنزلها ‪ ...‬صوت ضربات كعبها على األسفلت كان رتيباً قاسياً مترافقاً‬ ‫بالتسبيح اليومي‪ ..« :‬سيأتي ‪ ..‬سيأتي ‪ ..‬سيأتي ‪ ..‬سيأتي ‪.»..‬‬ ‫وصلت لباب عمارتها‪ ,‬أجالَت عينيها في كل ز ٍ‬ ‫اوية من زوايا الشارع‪ ,‬ال ‪ ..‬ليس هناك ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫و ال هنا ‪ ..‬و ال ‪ ..‬و ال ‪ ..‬و ال ‪...‬‬

‫صعدت درجات السلم باستكانة‪ ,‬أدخلت المفتاح في ثقب الباب‪ ,‬أدارته دورةً و نصف‪,‬‬ ‫دخلت‪ ,‬تأكدت من انه ليس على السلم وراءها‪ ,‬أغلقت الباب ‪ ..‬لم يأت ‪ ..‬لم يأت ‪!...‬‬ ‫ٍ‬ ‫يح بدرت من حنجرتها‪ ,‬تالحقت خطواتها نحو حجرتها‪ ,‬ارتمت على‬ ‫صرخة‬ ‫حيوان جر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صرخات اختلج لها جسدها‬ ‫ت على وسادتها و أشبعتها بصرخاتها المكتومة‪,‬‬ ‫ض ْ‬ ‫السرير‪ ,‬انق ّ‬ ‫بعنف‪ ,‬سيل الدموع غطى على كل شيء إال صورته التي غاصت في الظالم بهدوء ‪..‬‬ ‫استيقظت صباح اليوم التالي ‪..‬‬


‫سيأتي ‪....‬‬ ‫ٍ‬ ‫لقيمات على عجالة‪ ,‬ارتدت ثيابها‪ ,‬تأنّقت في ملبسها‪ ,‬لبست كعباً عالياًكما‬ ‫ت بضعة‬ ‫ال َك ْ‬ ‫يحب‪« ,‬سيأتي اليوم و يراها جميلةً له» خرجت من باب الشقة‪ ,‬أدارت المفاتيح دورةً‬ ‫جرت قدميها على درجات السلم ببطئ ‪ ..‬سيأتي ‪ ..‬سيأتي اليوم ‪.‬‬ ‫كاملة‪ّ ,‬‬


‫رائحة الياسمين‬ ‫من س ـ ـ ـ ـ ــوريا ‪....‬‬


‫شق صغي ٍر فتحه في نافذة السيارة‪ ,‬في‬ ‫رائحة الياسمين التصقت بالنسمات الهاربة من ٍّ‬ ‫يكز على أسنانه غضباً‪ ,‬فمنذ أزهر الياسمين هذا‬ ‫الوقع‪ ,‬التصقت بها بإصرا ٍر‬ ‫مستفز جعله ّ‬ ‫ّ‬ ‫العام و هو يحاول تجاهله‪ ,‬أغلق النافذة ٍ‬ ‫بحزم و عيناه مثبتتان على الطريق أمامه‪ ,‬ليس‬ ‫للياسمين مكا ٌن في حياته بعد اآلن‪ ,‬و لماذا! ‪ ..‬لماذا يزهر الياسمين في غيابها ! ‪ ..‬هي‬ ‫ٍ‬ ‫ببسمة تشرق على ثغرها‪ ,‬هي‬ ‫لم تعد هنا اآلن‪ ,‬ليق ّدم لها منه أساور جدلَها بصب ٍر ليفوز‬ ‫لم تعد هنا اآلن ‪ ..‬لم تعد هنا‪ ,‬لتقرأ له سورة يس بخشوع ‪ ..‬ليست هنا‪ ,‬لتحميه بأدعيتها‬ ‫و صلواتها ‪ ..‬ليست هنا‪ ,‬ليذوب عشقاً في نظرة عينيها القلقتين ‪ . .‬لكم كانت تخشى‬ ‫‪ ...‬أن يرحل و يتركها ‪ ..‬ربما ‪ ..‬لهذا السبب ‪ ..‬تركته و رحلت بسرعة!‬ ‫صورة شعرها األسود الطويل تأبى أن تفارق مخيلته‪ ,‬لم يكن قد سبق له ‪ ..‬أن شاهد‬ ‫شعرها‪ ,‬يومها ‪ ..‬يومها فقط‪ ,‬رأى ضفيرتها ‪ ...‬كانت طويلةً طول ليالي شوقه للخصالت‬ ‫الناعمة‪ ,‬تلك الخصالت التي خبأت بين ثنياتها كل أحالمها و أمانيها‪ ,‬لكنها ‪ ...‬كانت‬ ‫ٍ‬ ‫بخوف لتفترش‬ ‫العنبري‪ ,‬في حين تبعثرت الخصالت‬ ‫ملوثةً برماد األلم‪ ,‬مشبعةً بالدم‬ ‫ّ‬ ‫لمس إحدى تلك الخصل كان حلماً بعيداً طالما تمناه‪ ,‬لكنه يومها‬ ‫اإلسفلت الشاحب‪ُ ,‬‬ ‫‪ ...‬لم يقدر ‪ !...‬لم ‪ ..‬لم يقوى على لمسها‪! ...‬‬

‫شارعان فقط‪ ,‬كانا يفضالن بيته عين بيتها‪ ,‬عالمه عن عالمها‪ ,‬شارعان ‪ ..‬يفصالن الغنى‬ ‫ٍ‬ ‫فلسبب ما‪ ,‬تأبى القذاف و‬ ‫عن الفقر‪ ,‬البذخ عن البساطة‪ ,‬و الحياة ‪ ..‬عن الموت ‪..‬‬ ‫القنابل «الطائشة» أن تدوس بعض المناطق‪ ,‬و كذلك‪ ...‬يأبى أن يزورها لقب « شهيد»‪.‬‬ ‫اوتوماتيكية و حر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لهجةٌ كريهةٌ انتشلته من بحر آالمه‪ ,‬بطر ٍ‬ ‫كة متعجرفة‪ ,‬ضغط زر فتح‬ ‫يقة‬


‫ٍ‬ ‫ضحكة ساخرة ‪...‬‬ ‫الصندوق الخلفي للسيارة‪ ,‬في حين تراقص على شفتيه أثر‬ ‫ وين رايح ؟‬‫ عشغلي ‪.‬‬‫ معك تصريح ؟‬‫أبرز التصريح‪ ,‬نعم تصريح‪ ,‬فسوق المدينة المغطى بات \ منطقةً عسكرية ‪ ..‬على األقل‬ ‫‪ ..‬سيكون اليوم ‪..‬‬ ‫خبطةٌ من يد الكائن الكريه على ظهر السيارة‪ ,‬منحته تصريحاً آخر ليكمل طريقه‪ ,‬ابتلع‬ ‫حفنةً من الشتائم و مضى‪ ,‬لم يكن المكان بعيداً‪ ,‬أوقف السيارة داخل المستودع‪ ,‬و‬ ‫ترجل ليغلق الستارة الحديدية وراءه‪ ,‬األضواء االمامية للسيارة أظهرت في عينيه لمعة‬ ‫ّ‬

‫انتصار‪ ,‬عاد لمقعد السيارة‪ ,‬و قام بتنفيذ اإلشارة الضوئية‪ ,‬اقترب منه يحيى باسماً‬ ‫‪ -‬‬

‫اليوم رح نحرر الجامع األموي ‪.‬‬

‫‪ -‬‬

‫اهلل محيي الجيش الحر ‪..‬‬

‫اتجه نحو السيارة و كشف عن مخبئه الجهنمي‪ ,‬خمسة صناديق من الذخائر‪ ,‬هو فقط‬ ‫كل هذه الكمية من الذخائر من تحت أنف شبيحة األسد‬ ‫كان الوحيد الذي بإمكانه تمر ُير ّ‬ ‫‪...‬‬


‫و قبل أن يبدأ بإفراغ الصناديق أمسك بيد يحيى‬ ‫‪ -‬‬

‫متل ما اتفقنا ؟‬

‫‪ -‬‬

‫يا قيس! كبّر عقلك !‬

‫تراجع للخلف و نظر له ٍ‬ ‫بتحد و غضب ‪...‬‬ ‫‪ -‬‬

‫خلص! ال تعصب علينا! بس ما تقول ما نصحتك‪ .‬اللي متلك ما بيقدر يتعامل‬

‫مع ساحة معركة ‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫خصك أخي؟ عمبقلك بقدر‪ ,‬و بعدين الحامي اهلل !‬ ‫إنت شو ّ‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خافت يعتريه القلق‬ ‫بصوت‬ ‫هز يحيى رأسه بضعف‪ ,‬و ر ّدد خلفه‬ ‫ّ‬ ‫ ‪ -‬الحامي اهلل ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل المشاهد بين تلك اللحظة و‬ ‫ضبابيةٌ معطرةٌ بأث ٍر بسيط من رائحة الياسمين‪ ,‬كانت ّ‬ ‫اللحظة التي وجد نفسه فيها يهتف بأعلى صوته‪:‬‬ ‫ اهلل أكبر ‪ ..‬اهلل أكبر ‪ ..‬اهلل أكبر ‪...‬‬‫كان صوته يحاول أن يغطي على صوت طلقات المدفع الرشاش في يده‪ ,‬كانت تحاول‬ ‫ٍ‬ ‫خفي تذ ّكر “أنا ال أحب اللون‬ ‫أن تمحي اللون األحمر الذي غطى كل شيء‪ ,‬و‬ ‫لسبب ٍّ‬


‫األحمر !” ‪ ...‬رائحة الياسمين تسلّلت إليه من بين كل روائح البارود و الدم و التراب‪,‬‬ ‫لتعيد له صوت ضحكتها النديّة‪ ,‬ارتفع الصوت بداخله حتى غطّى على كل األصوات‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫للحظات ليسرق فيها صورةً لها‪,‬‬ ‫اإلغراء كان أقوى من قدرته على المقاومة‪ ,‬أغلق عينيه‬ ‫رسمها خياله في عتمة ذاته ‪“ ..‬أنا هنا ألجلها ‪ ..‬ألجل فاتن و كل أحالمها‪ ,‬ألجل سوريا‬ ‫‪ ..‬ال ‪ ..‬ألجلها فقط ‪ ..‬ألجل فاتن ‪”...‬‬ ‫‪ -‬‬

‫قيس ! الاأ قيس !!‬

‫لزج غطى‬ ‫دوار‬ ‫ٌ‬ ‫خفيف بدأ يعتريه‪ ,‬شيءٌ ٌ‬ ‫ر ّن صوت يحيى في أذنيه‪ ,‬مع طني ٍن مزعج‪ ,‬و ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بصعوبة فتح عينيه باحثاً عن مصدر الرائحة‪ ,‬و على بعد‬ ‫لزج دافئ‪ ,‬أحمر ‪..‬‬ ‫أصابعه‪ٌ ,‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يحس‬ ‫خطوات فقط‪ ,‬لم يكن‬ ‫خطوات وجد ضالته‪ ,‬تحامل على نفسه‪ ,‬بضعة‬ ‫بضعة‬ ‫ّ‬ ‫بالرصاصات المنهالة من كل جانب‪ ,‬و صوت يحيى بات بعيداً جداً‪ ,‬كأنه ٍ‬ ‫آت من ٍ‬ ‫عالم‬ ‫آخر‪ ,‬أخيراً ‪ ..‬وصل! م ّد يده المضرجة بالدماء‪ ,‬و قطف زهرة‪ ,‬ال بأس ‪ ..‬واحدةٌ هذه‬ ‫المرة تكفي‪ ,‬المهم أنه لن يذهب إليها خاوي اليدين ‪ ..‬أطبق قبضته على الزهرة الثمينة‪,‬‬ ‫توقف عن اللهاث‪ ,‬و تهاوى على األرض‪ ,‬اآلن ‪ ..‬اآلن فقط فهم لماذا ‪ ..‬الزال يزهر‬ ‫الياسمين ‪..‬‬ ‫في ذلك اليوم ‪ ..‬تم تحرير المسجد األموي ‪...‬‬ ‫و في ذلك اليوم ‪ ..‬في ٍ‬ ‫مكان ما من ٍ‬ ‫عالم آخر ‪ ..‬زينت فاتن ضفيرتها السوداء الطويلة‬ ‫بزهرة ياسمين بيضاء ‪..‬‬ ‫و ايضاً في ذلك اليوم ‪ ..‬لمس قيس خصالت شعرها الحريري ‪ ...‬ألول مرة ‪.‬‬


‫عروس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتي‬ ‫من م ـ ـ ـ ـ ـ ــصر ‪....‬‬


‫نفضت عن ظهره‬ ‫كم القفطان‪ ,‬ع ّدلت بهية وضع القفطان على كتفيه‪ ,‬و‬ ‫أدخل يده في ِّ‬ ‫ْ‬

‫حبات غبا ٍر غير مرئية‪ ,‬حمل سبحته و نظر لها قائالً‪:‬‬ ‫ روحي جهزيها ‪.‬‬‫تحاشت نظراته و قالت له و عيناها على االرض‬ ‫ البت لسا صغيرة يا أبو محمد ‪.‬‬‫لف السبحة على يده و ر ّد عليها ٍ‬ ‫بنبرة عصبية‪:‬‬ ‫ّ‬

‫ يا ولية هو انتي هتفهمي أكتر من الشرع!‪ .‬أكتر من القانون؟ !!‬‫ٍ‬ ‫بصوت خافت و هي تهر ِول لتفتح له باب الغرفة‪:‬‬ ‫تابعت بهية‬ ‫ بس دي لسا مش عارفة حاجة! مش عارفة يعني إيه جواز‪ ,‬مش عارفة يعني إيه دنيا ‪.‬‬‫خارج و قال‪:‬‬ ‫أشاح بوجهه و هو ٌ‬ ‫ هو يفهمها و يعلمها على إيده‪ ,‬و يخليها تشوف الدنيا زي ما هو عايز‪.‬‬‫استوقفته ٍ‬ ‫بنبرة مترجيَة‪:‬‬


‫ دي لسا عيلة !‬‫ٍ‬ ‫بلهجة آمرة ‪:‬‬ ‫استدار و قال لها‬ ‫ قومي انتي جهزيها‪ ,‬و أما يقعد معاها هيعرف هي عيلة و اال أل !‬‫يزوجها‪ ,‬و ما من‬ ‫ماتت الكلمات على شفتيها‪ ,‬ما من شيء يُقال‪ ,‬فقد استقر رأيه على أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شيء تقوله أو تفعله ليغير األمر‪.‬‬ ‫(( البت مالهاش غير بيت عدلها )) صدى صوت الحاجة والدتها في رأسها‪ ,‬الصوت‬ ‫الذي سمعته ألول ٍ‬ ‫تسرح شعرها ‪ ..‬أربعون عاماً و هي‬ ‫مرة و الحاجة ّ‬ ‫تفك ضفائرها‪ ,‬و ّ‬ ‫تحاول أن تصدق هذه الجملة‪ ,‬أربعون عاماً‪ ,‬و هي تغالب في داخلها شياطين الـ»ماذا لو‬ ‫« ‪ ...‬ماذا لو !! ‪ ..‬ماذا لو !!‬ ‫توجهت لغرفة البنات‪ ,‬كانت سعاد جالسةً على‬ ‫ْ‬ ‫حارة‪ ,‬و ّ‬ ‫غالبت دمعتها و أطلقت تنهيدةً ّ‬ ‫بدمية قديمة‪ ,‬في حين كانت دمية فاطمة جالسةً بكبر ٍ‬ ‫سريرها تلعب ٍ‬ ‫ياء في مكانها المعتاد‬ ‫على الطاولة أمامها‪ ,‬كان النور الخافت ينعكس على ضفائر طفلتها البريئة‪ ,‬في حين كانت‬ ‫تغلق الدرج بسرعة لتخفي شيئاً كانت تحمله‪ ,‬و تمسك القلم و تضع رأسها في كراس‬ ‫الواجب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طويلة تلعب بها‪ ,‬و تخفي‬ ‫ستقصها! لن تترك لها خصالت شع ٍر‬ ‫لن تفك هذه الضفائر!‬ ‫ُّ‬ ‫اهن على التلفاز‪,‬‬ ‫فيها مخاوفها و خيبتها‪ ,‬الشعر القصير سيمنحها جرأ ًة كالفتيات الالتي تر ّ‬ ‫القوة لتدافع عن نفسها‪.‬‬ ‫سيمنحها ّ‬


‫انتبهت على نظرات سعاد و فاطمة إليها و هي واقفةٌ أمام الباب تتأمل‪:‬‬ ‫ تعالي يا بت‬‫و أشارت لفاطمة بيدها‬ ‫ بخلّص الواجب أهوه ياما ‪.‬‬‫ ال سيبي الواجب و تعالي عاوزاكي ‪.‬‬‫الكراس و أغلقته ثم تبعت أمها‬ ‫التقت نظرات فاطمة و سعاد بقلق‪ ,‬وضعت القلم داخل ّ‬

‫مسرعة ‪.‬‬

‫فتحت األم باب حجرتها و أدخلتها برقة‬ ‫ ادخلي يا حبيبتي ‪.‬‬‫استغربت فاطمة الحنان المفاجئ في صوت أمها‬ ‫مالك ياما ؟ (لمحت دمعةً في زاوية عين أمها الخفية ) إنتي بتعيطي ! و ربنا خلصت‬‫مذاكرة و ربنا مش فاضل غير الواجب بس! (صمتت ٍ‬ ‫لثوان ثم استطردت) مش هعمل‬ ‫كده تاني خالص !‬ ‫قوي و قلبها يهتف « يا بنتي يا‬ ‫لم تر ّد بهية‪ ,‬بل استدارت نحو ابنتها و غمرتها بحض ٍن ٍّ‬


‫حبيبتي ده انتي تسع سنين بس ‪ ...‬تسع سنين ! «‬ ‫و تذ ّكرت الحاجة والدتها‪ ,‬و تذكرت المشط و قلم الروج و قزازة البارفان الفرنساوي و‬ ‫علبة البودرة الذهبية‪ ,‬رسمت ذات الضحكة المصطنعة على وجهها‪ ,‬الضحكة التي سبق‬ ‫و رأتها على وجه والدتها‪...‬‬ ‫ انتي بقيتي عروسة يا حبيبتي ‪.‬‬‫بأي‬ ‫نظرت لها فاطمة باستغراب‪ ,‬و آالف األسئلة تموج في خاطرها‪ ,‬لكن قبل أن تبوح ٍّ‬ ‫منهم‪ ,‬سحبتها والدتها من يدها و أجلستها على الكرسي‬ ‫مهم جايلك ‪.‬‬ ‫تعالي هنا ّ‬‫هزوقك‪ ,‬النهاردة في حد ّ‬ ‫ تزوقيني ؟!!‬‫أسبوع فقط «رنها باباها علقة موت» ألنها خطّت شفاهها‬ ‫لم تصدق فاطمة أذنيها‪ ,‬فمنذ‬ ‫ٍ‬ ‫بقلمها األحمر و هي تلعب مع أختها سعاد لعبة األم و ابنتها‪.‬‬ ‫درج ٍ‬ ‫بعيد أخرجت األم علباً كثيرة‪ ,‬و بدأت تعمل بالفرش تارةً‪ ,‬و بأصابعها تارةً‪,‬‬ ‫من ٍ‬ ‫و بأقالم الكحل تارة أخرى على وجه طفلتها‪ ,‬و بدأت المالمح الطفولية تتحول إلى‬ ‫المقص على الطاولة بنظرة تصميم‪ ,‬سأقص‬ ‫مالمح مسخ ‪ ..‬و بين الفينة و األخرى ترمق‬ ‫ّ‬

‫ضفائرها‪ ,‬ال بد من أن أقص ضفائرها‪ ,‬ال بد من أن تصبح مثلهن!‬

‫البراقة تغطي وجهها‪ ,‬أحست‬ ‫أما فاطمة فكانت تنظر إلى المرآة في ذهول‪ ,‬و األلوان ّ‬


‫أحست بالجمال و هي‬ ‫بالسعادة و هي ترى سمار سحنتها يتحول الى لون ٍّ‬ ‫جيري أبيض‪ّ ,‬‬ ‫ٍ‬ ‫لمسات من أمها احست بأنها تشبه هيفاء وهبي‪,‬‬ ‫ترى األحمر على وجنتها‪ ,‬و بعد عدة‬ ‫أو حتى نانسي‪ ,‬ال ينقصها إال الشعر الطويل المفرود مدت يدها إلى ضفائرها لتحلها‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫همت بأن تقول شيئاً‪ ,‬لكن أبو محمد دخل الغرفة مزمجراً‬ ‫أمسكت بهية بيد ابنتها بقوة و ّ‬ ‫ هاه خلصتوا و اال لسا؟ الراجل مستني في الصالون !‬‫ أهوه خلصت ياخويا فاضل أسرحلها شعرها بس ‪...‬‬‫رمى األب ابنته بنظرة ٍ‬ ‫ناقدة ثم قال‪:‬‬ ‫ ال هاتيها كده خالص‪.‬‬‫تتابعت األصوات المجنونة في ذهن بهية‪ ,‬يجب أن تقص ضفائرها! لن تتركها تدفن‬ ‫مشاعرها في خصالت شعرها لن ‪ ...‬لن ‪ ..‬و على الرغم من البركان في داخلها لم يصدر‬ ‫صوت ضعيف‪:‬‬ ‫منها إال‬ ‫ٌ‬ ‫ بس يا بو محمد ‪..‬‬‫ هاتيها بقولك !‬‫أسقط في يدها‪ ,‬فاستدارت قبل أن يلمحوا الدموع التي طالما حبستها تنهمر على وجهها‪:‬‬ ‫ روحي مع أبوكي يا فاطمة‪ ,‬أنا شوية و أحصلكو ‪.‬‬‫سحب األب فاطمة من يدها دون أن ينظر لها‪ ,‬و سار بها حتى وصال إلى الصالون؛‬


‫النجفة الكبيرة كانت تتألأل باألضواء‪ ,‬و الغرفة كانت تفوح برائحة الطّيب‪ ,‬هذه الرائحة‬ ‫تشمها و هي تمر أمام مكتبة الشيخ أمين و هي في طريقها للمدرسة‪,‬‬ ‫تعرفها‪ ,‬كانت دوماً ّ‬

‫و رأت الشيخ أمين بنفسه جالساً على الكنبة البيضاء المذهبة‪ ,‬إذاً فالشيخ أمين هو‬ ‫الضيف المهم ‪ ...‬قطع والدها أفكارها و هو يدفعها من ظهرها ‪:‬‬ ‫ أنا في األوضة اللي جنبكو ‪..‬‬‫المحرمة‪ ,‬لم يُسمح لها من قبل أن تدخل‬ ‫و أغلق الباب‪ ,‬أجالت فاطمة عينيها في الغرفة‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بخيوط ذهبية‪ ,‬و على الجدار‬ ‫هذه الغرفة؛ على الحائط علِّقت سورة الفاتحة مطرزةً‬ ‫ط ملون‪ ,‬كيف يضع حذاءه على‬ ‫المقابل ساعةٌ قديمةٌ خشبيةٌ جميلة‪ ,‬و على األرض بسا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫شيء بهذا الجمال ‪!..‬‬ ‫ ما تيجي تقعدي يا عروسة ‪.‬‬‫لم تكد تصدق نفسها « سعاد هتتفرس! طول عمرها هتموت و تقعد في األوضة دي»‪,‬‬ ‫آخر من جلس من إخوتها في هذه الغرفة كانت هبة‪ ,‬و كان ذلك قبل أن تلبس فستان‬ ‫الفرح األبيض و تسافر إلى السعودية ‪..‬‬ ‫سارعت بالجلوس على أقرب كرسي منها‪ ,‬كانت تريد أن تجلس قبل أن يأتي والدها و‬ ‫يعنفها و ينهرها‪ ,‬لكن الشيخ أمين ضحك ضحكةً غريبة‪ ,‬و ربّت على الكنبة قربه و قال‪:‬‬ ‫ ال تعالي هنا ‪.‬‬‫«هو بيبصلي كده ليه ! أكيد عشان ماما زوقتني و بقيت حلوة هو فرحان بيا « قامت‬ ‫و مشت برؤوس أصابعها على البساط الجميل كي ال تتلفه‪ ,‬و جلست على الكنبة قربه‪,‬‬


‫تعبير غريب‪ ,‬لعق شفاهه و الجوع يطل‬ ‫اقترب منها حتى كاد أن يلتصق بها‪ ,‬و على وجهه ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت مبحوح‪:‬‬ ‫من عينيه الداكنتين‪ ,‬و سألها‬ ‫ هاه رأيك إيه فيا ‪..‬‬‫ما هذا السؤال الغريب ! تململت فاطمة في جلستها و أشاحت بنظرها‪ ,‬فعلى الرغم من‬ ‫يح جثم على‬ ‫سعادتها بالزواق و باألوضة الحلوة و البساط الجميل‪ ,‬لكن شيئاً غير مر ٍ‬ ‫غرق بها الشيخ أمين نفسه‪ ,‬ابتعدت عنه‬ ‫صدرها‪ ,‬ربما كانت رائحة العطر الو ّخازة التي ّ‬ ‫قليالً فضحك ضحكةً قصيرًة و قال‪:‬‬ ‫ بتتكسفي ليه بس! أمال لما تيجي معايا هتعملي إيه ؟‬‫ آجي معاك ؟‬‫ آه تيجي معايا‪ ,‬أنا هاخدك بيتنا الخميس الجاي إن شاء اهلل‪.‬‬‫نفس النظرة الغريبة‪ ,‬أحست فاطمة بحنين لدميتها التي جلبتها لها أختها هبة من السعودية‬ ‫في زيارتها لمصر السنة الماضية‪ ,‬كانت دميةً جميلةً جداً‪ ,‬أحلى من كل دمى صديقاتها‪,‬‬ ‫أحلى حتى من دمية هبة القديمة‪ ,‬أمسكت ضفيرتها و أخذت تلعب بها بعصبية‪.‬‬ ‫مالك يا قطة ؟‬‫ أقدر أجيب عروستي معايا ؟‬‫تذكرت فاطمة عروسة أختها هبة‪ ,‬و أمها ترميها في الكرار لتمتأل باألتربة و يأكلها العث‪...‬‬


‫ عروسة إيه بس! ده انتي اللي هتبقي عروستي‪.‬‬‫نظرةٌ قاتمةٌ مألت عينيها‪ ,‬في حين تململ الشيخ حسن في جلسته و سحب نفساً عميقاً‪,‬‬ ‫قطع الصمت دخول والدها إلى الغرفة‪ ,‬و نظرةٌ منه إلى وجه الشيخ أمين مألت وجهه‬ ‫بابتسامة عر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يضة و قال بصوت ر ٍ‬ ‫اض‪:‬‬ ‫ هاه‪ ,‬نقول مبروك ؟‬‫فوقف الشيخ أمين و م ّد يده آخذا بيد والدها‬ ‫ نقرا الفاتحة بقى‪.‬‬‫انفجر والدها ضاحكا و قال له‪:‬‬ ‫ اهلل! ده انت مستعجل أوي على كده !‬‫دخلت والدتها و سحبتها من يدها إلى المطبخ‪ ,‬لتحملها صينية الشربات و تدخلها إلى‬ ‫«عريسها» كما سمته‪ ,‬لكنها كانت تتحرك بطر ٍ‬ ‫يقة آليّ ٍة و صورة عروسة هبة المهترئة ال‬ ‫ّ‬ ‫تفارق خيالها‪ ,‬و هي تقدم العصير‪ ,‬و هي جالسة‪ ,‬و هي تو ّدعه‪ ,‬و هو يضغط على يدها‪,‬‬ ‫و حتى حين عانقتها أمها مرةً أخرى ‪ « ..‬عروستي الحلوة مش هتروح الكرار»‬

‫جلس والدها و كلمها كالماً كثيراً لم تفهم منه شيئاً‪ ,‬كانت تريده أن يصمت و يدعها‬ ‫ت على رأسها و أمرها ان تذهب و تنام‪ ,‬فأمامها غداً‬ ‫تذهب لتحضن دميتها‪ ,‬و أخيراً ربّ َ‬

‫مشوار للخيّاطة‪..‬‬ ‫ٌ‬


‫ مش هروح المدرسة ؟‬‫ أل بقى مدرسة إيه !‬‫المدرسات يضربنها دوماً و الدروس صعبة‪,‬‬ ‫تحب المدرسة‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫لم تحزن فاطمة فهي ال ّ‬

‫لكنها تريد أن تحضن دميتها‪ ,‬خرج والدها من الغرفة و تبعته والدتها‪ ,‬رجعت إلى‬ ‫غرفتها‪ ,‬كانت سعاد قد نامت‪ ,‬اقتربت من الدرج ‪ ,‬فتحته و أخرجت الفستان الذي‬ ‫كانت قد أخفته عندما دخلت أمها‪ ,‬أمسكت اإلبرة و تابعت عملها عليه و رأسها‬ ‫بالصور و األفكار‪ ,‬و نظراتها تحير ما بين الثوب و بين عروستها‪ ,‬و بعد بضعة‬ ‫مليءٌ ّ‬

‫دقائق قطعت الخيط‪ ,‬و نشرت الثوب على حجرها‪ ,‬كان ثوباً أبيض جميالً‪ ,‬له‬ ‫كشاكش على أطرافه و أكمامه‪ ,‬و قد أضافت على طرفه فيونكةً جميلةً أخذتها من‬ ‫ثوب قديم لها ‪.‬‬ ‫أحست بوخ ٍز في قلبها‪ ,‬لن تتمكن من أن‬ ‫ْ‬ ‫سحبت العروسة و ألبستها الثوب الجديد‪ّ ,‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت خافت‪:‬‬ ‫تلعب معها في فستانها الجديد الجميل‪ ,‬و همست‬ ‫ مش هخليهم يحطوكي في الكرار زي عروسة هبة ‪ .‬أمسكت شعر الدمية و جعلته‬‫على هيئة ضفيرتين‪ ,‬أخدتها ووضعتها على السرير‪ ,‬إلى جانب أختها سعاد‪ ,‬اتجهت‬ ‫إلى المرآة‪ ,‬حلّت ضفائرها و ابتسمت ابتسامةً خافتة‪ ,‬أطفأت النور‪ ,‬وخلدت للنوم ‪.‬‬


‫عمل مشترك مع الزميل القدير سراج الدين البدوي‬

‫وحي البحر‬ ‫ُ‬


‫ٍ‬ ‫بهدوء على إيقاع ألمه الحزين‪:‬‬ ‫أجال نظرًة حائرًة في البحر الهائج‪ ،‬فيما كان قلبه يرقص‬ ‫َ‬ ‫ ‪-‬ال لن أعود لها بعد كل ما قالته‪ ،‬مستحيل‪!..‬‬ ‫ٍ‬ ‫بخطوات تائهة‪ ,‬هائماً بوجهه على الرمال التي طالما لعبا عليها‪ ...‬هنا بنيا قصراً من‬ ‫مشى‬ ‫مستقبل ٍ‬ ‫الرمل و أودعا فيه حلماً أزلياً ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مليء بالسعادة األبدية‪ ،‬هنا جلسا‬ ‫ببيت وطفل‪ ،‬و‬

‫ٍ‬ ‫يع ّدان نجوم ٍ‬ ‫ليلة‬ ‫صافية كسماء عشقهما‪ ،‬وهنا تشاطرا آيس كر ٍيم واحد‪ ،‬كانت خدعةً‬ ‫ماكرةً ليصل إلى رحيق شفتيها؛ نظر إلى األمواج المتالطمة‪ ,‬لكم يتمنى أن تسحبه واحدةٌ‬ ‫منها وتضربه ضربةً تلو ضر ٍبة تلو ضربة‪ ,‬حتى يستيقظ من وهمه‪ ،‬حتى يدرك أنه ال حب‪..‬‬ ‫ال‪ ...‬في هذه الدنيا المادية جداً‪ ،‬القاسية جداً‪ ،‬ال وجود لكلمة حب‪.‬‬ ‫لمع شيءٌ على مستوى بصره تتالعب به األمواج باستهتار‪ ،‬وعلى الرغم من محاولته‬ ‫لصرف النّظر عنه؛ إال أنه لمع كالبرق‪ ،‬وكأنما يناديه ليخترق ظالم ألمه ٍ‬ ‫بتحد و إصرار‪،‬‬ ‫لم يتمكن من تجاهل النداء فنزل بثيابه لمقابلة األمواج حتى وصل الماء إلى كتفيه‪ ،‬كانت‬

‫زجاجة‪ ،‬بل زجاجتين تتراقصان سوياً على سيمفونية جنون البحر‪ ،‬سحبهما ليجد كالً منهما‬ ‫مختومة‪ ،‬دقق النظر فيهما جيداً‪ ،‬نعم‪ ..‬رسالتان كل واحدةٌ في زجاجة‪ ،‬هذا ما كان قد‬ ‫حصل عليه‪.‬‬ ‫بهدوء ليتفحص محتواهما‪ ،‬األولى كانت أكبر قليالً‪ ،‬مختومةً ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بغطاء‬ ‫عاد إلى الشاطئ وقبع‬ ‫ٍ‬ ‫فضي مزر ٍ‬ ‫شرقية جميلة‪ ،‬فتحها على مهل‪ ,‬و أخرج منها ورقةً صفراء قديمة‪،‬‬ ‫كش بنقوش‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بهدوء على الرمال‪ ،‬الرسالة كانت‬ ‫بخجل حتى استقرت‬ ‫ترك الزجاجة تنسحب من يده‬


‫مكتوبةً ٍّ‬ ‫بخط‬ ‫أندلسي جميل‪ ،‬لكن كلماتها كانت أروع جماالً من الخط‪ ,‬و أد ّق صياغةً‬ ‫ٍّ‬

‫من الزجاجة وغطائها‪ ,‬بدأ يقرأ بانسياب حتى كاد يتوحد مع الكلمات‪:‬‬

‫العربي الخالص‪،‬‬ ‫استنشقت األثير‬ ‫المغرب وقد‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫«على ضفاف بحر َ‬ ‫أكتب ِ‬ ‫قد مهجتي ومهجة األمة‬ ‫لك أيتها القشتالية‪ ,‬و بيننا بحر الروم ُي ّ‬ ‫ِ‬ ‫عنك القناع‬ ‫نزعت‬ ‫بأكملها‪ ،‬ال أدري ما الذي أصابني عندما‬ ‫ُ‬ ‫الذي ستر وجه ًا كبد ٍر غاص في سحب النهار فأبهجها دوننا‪،‬‬ ‫ماهر ٌة في القتال ِ‬ ‫أنت‪ ،‬و لكن كيف المرأ ٍة كسبحات النجوم تمسك‬ ‫بسيف وتغامر بحياتها‪..‬؟!‬ ‫ٍ‬ ‫جرح أفاقني على‬ ‫حق ًا جرحني سيفك القشتالي قرب قلبي‪ ,‬و لكنه‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫وجهك‪..‬‬ ‫رؤيا‬ ‫الصعبة في‬ ‫زيدون حتى أنجز هذه المهمة‬ ‫أستحضر روح ابن‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫كتابتي ِ‬ ‫البهي في سماء‬ ‫لك‪ ،‬ولكنها تتعنّت بالرغم من نجمك‬ ‫ِّ‬ ‫الجمال‪ ،‬ذلك ألنك قشتالية! والقشتاليون هم أعداؤنا‪ ،‬أخذوا‬ ‫علم ال أول له وال آخر‪ ،‬قتلوا الكثير‬ ‫أرضنا‪ ،‬وأحرقوا مكتباتنا‪ ،‬فاندثر ٌ‬ ‫والكثير من أمتنا! ولكن وبالرغم من ذلك أجدني مشدود ًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أموت‬ ‫لقومك سيستمر‪ ,‬و حبي لك سيستمر حتى‬ ‫إليك‪ ،‬إال أن قتالي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫يديك‪..‬‬ ‫بين‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كيانك أصاب كياني‪ ،‬و‬ ‫أحببتك حق ًا ليس ضعف ًا؛ و لكن‬ ‫ِ‬ ‫روحك الفاتنة التي ال تتوه عن خيالي‪ ،‬و اآلن أنا أتقلّب‬ ‫استباحتني‬ ‫على نار الجوى لفراقنا‪ ،‬فهل من قرب ٍة تجمعنا‪..‬؟‬ ‫أيتها القشتالية الفاتنة‪ ,‬لقد أحببتك حق ًا‪ ،‬وألجل ذلك كتبت‬ ‫خطابي‪ ،‬و به أثبت هذا الحب الذي تجشأ نار الوغى‪ ،‬و أسبل‬ ‫إثبات آخر؛‬ ‫كشالل دائم‪ ،‬و إن كان هناك‬ ‫الدمع على خدي‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫أخطها بدمي حتى أنعم بحبك‪..‬‬ ‫لكتبت لك قصيد ًة‬ ‫ولكن هل تحبين الشعر‪..‬؟‬

‫العاشق‪« :‬نور الدين»‪.‬‬ ‫تجولت على خده‪ ,‬وهو يلمس الدم القاني على الرسالة كمن يلمس كنزاً‬ ‫دمعةٌ شريدةٌ ّ‬ ‫بشمم و ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫من كنوز الدنيا‪ ،‬أحس ٍ‬ ‫شرقية يطلاّ ن من حروف الرسالة‪ ,‬ليرسما عالماً من‬ ‫عزة‬ ‫شرقي هو يأبي أن ترفضه امرأة؛‬ ‫رجل ٌّ‬ ‫الرجولة و القوة‪ ،‬تذ ّكر ذاك الشعور الدفين بداخله‪ٌ ،‬‬

‫لكن كلمات الحب في الرسالة كانت أقوى من الرجولة‪ ،‬أقوى من الزمن‪ ،‬أقوى من الحياة‬ ‫بأسرها! لكم أحب «نور الدين» قشتاليته تلك‬ ‫أحب أنا ياسمين‪..‬؟!» سأل نفسه‪ ,‬و بغرور العشاق الدائم مسح‬ ‫«أتراه أَحبَّها أكثر مما ُ‬ ‫الفكرة من رأسه‪ ،‬فيما طوى الرسالة وأعادها ٍ‬ ‫بعناية إلى زجاجتها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شمس آلت إلى المغيب‪،‬‬ ‫تناول الزجاجة الثانية‪ ,‬و التي بدت أصغر حجماً‪ ،‬قرمزيةً مثل‬


‫ٍ‬ ‫مرص ٍع بالعقيق والزبرجد‪ ،‬و إن كان الزمن و السفر المضني على أمواج‬ ‫مختومةً بغطاء ّ‬ ‫بعناية و وضعها ٍ‬ ‫البحر قد سرق بضعة أحجا ٍر منها‪ ،‬فتح الزجاجة ٍ‬ ‫برقة إلى جانب رفيقتها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بخيوط من حري ٍر ملون‪ ،‬تقلصت‬ ‫منديل مطرٌز‬ ‫ورقةٌ أخرى‪ ,‬رسالةٌ أخرى‪ ,‬وإلى جانبها‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بعبوس زاجر‪ ,‬عندما رأى الطالسم المكتوبة على الورقة‪..‬‬ ‫عضالت جبهته‬ ‫ ‪-‬بأي ٍ‬ ‫لغة هي‪..‬؟!‬ ‫ّ‬ ‫قال في تأفّف‪ ،‬و لكي يتمكن من قراءتها؛ عاد يقلّب الزجاجة في يده تارًة‪ ,‬و ينظر للورقة‬ ‫تارًة أخرى‪ ،‬ثم لمعت عيناه بفرح‪ ،‬أجرى مكالمةً هاتفيةً سريعة‪ ،‬حمل الزجاجتين واتجه‬ ‫مسرعاً نحو سيارته‪.‬‬ ‫بعد نصف ٍ‬ ‫ساعة كان يجلس أمام مكتبه منتظراً منه االنتهاء من ترجمة طالسم الرسالة‪،‬‬ ‫نظر له عمه من وراء نظارته الصغيرة ثم عاد بنظره للورقة وتال عليه‪:‬‬

‫«أيها السيد األندلسي‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫قت إال للمجد و العال‪..‬‬ ‫ما كان ملثلي أن حتب و تعشق‪ ،‬فمثلي ما ُخل ْ‬ ‫تك أيها العاشق‪ ،‬فدعين أخربك عن أصلي وفصلي‪ ،‬أنا «ليديا»‪ ,‬ابنة‬ ‫قد ال تعرف من بارز َ‬ ‫أتفص ُد مثل ورق الشجر وقت اخلريف‪،‬‬ ‫الكولونيل «دون رميون» أحد كرباء حرب األندلس‪ّ ،‬‬

‫أقع يف‬ ‫فبعدما ُ‬ ‫بلغت العال‪ ,‬و وقف ببايب ملوك األرض من أقاصي اليونان و حىت بالد السند؛ ُ‬ ‫ِ‬ ‫عريب أصيل‪ ,‬كان كل مهه احلفاظ على بالده‪.‬‬ ‫شرك ٍّ‬


‫فبينما أن يف ساحات احلرب أحصد بسيفي الرؤوس من كل ٍ‬ ‫شكل و لون؛ التقى سيفي‬ ‫بسيفك‪ ،‬و ما قابلت يف احلرب باسالً مثلك‪ ،‬حيارب ٍ‬ ‫بقوة و لكنه يرفق خبصمه‪ ،‬لقد وقع قليب‬

‫تأكدت من شخصي‬ ‫أسرياً لك عندما رفعت عين القناع‪ ,‬فأصابك سيفي‪ ،‬رجوعك عين بعدما‬ ‫َ‬ ‫خضم هذا احلب‪ ،‬فيا حلرييت بني القلب والواجب‪.‬‬ ‫كان حافزاً كبرياً ألقع يف ّ‬

‫لعلمت أن‬ ‫كم حيب لك‪,‬‬ ‫َ‬ ‫نعم حاو ُ‬ ‫لت االنتقام لرفعك عين قناعي ألصيبك‪ ،‬و لكن لو تدري ّ‬

‫الدم الذي جرى يف جرحك كان دمي أنا‪ ،‬فكيف أقتلك وروحي فداك‪ ،‬وحلمي أن أنال يوماً‬ ‫رضاك‪..‬؟‬ ‫بت ألول مرٍة يف عمري‪ ،‬لكن ما كان يل أن أغيرّ قدري ‪،‬فأخربين يا مليكي‪ ،‬يا من أبوح له‬ ‫هر ُ‬ ‫بعذابايت‪ ..‬أخربين ما احلل وكيف أنال مبتغى اآلمال‪..‬؟‬ ‫كيف ملثلي أن تلتقي بك؟ وكيف أصبح ملكاً لك أيها العاشق؛ حىت أعيش حيا ًة مل أعشها‬

‫بعد‪ ،‬حياةٌ متنيتها معك‪..‬؟»‪.‬‬

‫عمه من ٍ‬ ‫ألح عليه‪ ,‬خطف الرسالة من يده وخرج بسرعة‪.‬‬ ‫سؤال ّ‬ ‫قبل أن يتمكن ّ‬ ‫أي قد ٍر ساق لي هاتين الرسالتين‪..‬؟!‬ ‫ ‪ّ -‬‬ ‫رس َم له خياله صورة «ليديا»‬ ‫قال في وه ٍن و هو ال يدري إلى أين تحمله قدماه‪ ،‬فبأي قد ٍر َ‬

‫«نور دي ٍن» شرقياً يود لو يحميها من‬ ‫األميرة العاشقة «ياسمين» و رسم نفسه إلى جانبها َ‬ ‫ٍ‬ ‫حديث ٍ‬ ‫طويل‬ ‫الدنيا و خطوبها‪ ،‬أمسك هاتفه واتصل بها‪« :‬أحبك‪ »!..‬كانت بداية‬


‫متو ٍج باألماني و البسمات‪ ،‬فاح عطر الهوى في روحه فكلّلت السعادة مقلتيه؛‬ ‫ّ‬ ‫أنهى المكالمة ونظر للزجاجتين في تفكر‪..‬‬ ‫ ‪-‬بقي شيءٌ واح ٌد ألفعله‪.‬‬ ‫ط عليها‬ ‫قالها متحمساً‪ ،‬من ثم توجه نحو البحر‪ ،‬أخرج من جيبه ورقةً صغيرةً خ ّ‬ ‫ِ‬ ‫محب‪ ،‬ثم وضعها بعناية إلى جانب الرسالتين في زجاجة «نور الدين»‪,‬‬ ‫سطرين بدقة ّ‬ ‫أحكم إغالقها و رماها في أحضان البحر تسوقها األمواج حيث ال يدري‪ ،‬لعب‬ ‫ٍ‬ ‫ابتسامة صافية‪.‬‬ ‫بزجاجة «ليديا» بين أصابعه في‬ ‫ ‪-‬نعم‪ ..‬ستكون لحبيبتي أحلى هدية‪ ,‬تذكرني دوماً بحظنا‪ ،‬في أن‬ ‫نكون معاً‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فضي‬ ‫ين زجاجةً مختومةً بغطاء ٍّ‬ ‫في زم ٍن آخر‪ ,‬و في مكان ليس بقريب‪ ،‬فتح عاش ٌق حز ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مزر ٍ‬ ‫توجس‬ ‫كش‬ ‫بنقوش شرقية جميلة؛ ليجد فيها ثالث رسائل متعانقة‪ ،‬فتح األولى في ّ‬ ‫ليقرأها‪:‬‬

‫«ليس ُم ْج ٍد ما فعله القدر مع األميرة «ليديا» عندما فرق بينها وبين حبيبها العربي‬ ‫«نور الدين»؛ هذا ألن الرسائل التي بعثها كل منهما لآلخر قد عزفت على أوتار‬ ‫العشق األبدي سيمفونيةً ربما لن تتكرر»‪.‬‬


‫شروع في قتل‬


‫حاول ان يبلل شفتيه الجافتين بلسانه‪ ,‬لكن لسانه كان جافاً كقطعة ٍ‬ ‫خيش قديمة‪ ,‬أحس‬ ‫تحسس الوحش البارد القابع في‬ ‫بارتفاع حرارة جسمه مع ازدياد ضغط الدم في شرايينه‪ّ ,‬‬ ‫جيبيه بسكون‪ ,‬دون أن يرفع عينيه عنه‪ ,‬كل ما فيه بات يولّد لديه شعوراً باالختناق و‬

‫االزدراء ‪ ...‬ذقنه الطويلة‪ ,‬جلبابه األبيض‪ ,‬الزبيبة على جبينه‪ ,‬و السبحة التي الزمت يمينه‬ ‫أبداً‪ ,‬تتحرك حباتها الحمراء القاتمة بين أصابعه بر ٍ‬ ‫تابة قاتلة!‬ ‫ترّكزت عيناه على الحبّات الحمراء و هي تتدحرج‪ ...‬حبةٌ ‪ ..‬تليها حبة ‪ ..‬نقطةٌ ‪ ..‬تليها‬

‫ات‬ ‫نقطة ‪ ..‬ثم قطرة ‪ ..‬ثم قطرة ‪ ..................................................‬قطر ٌ‬ ‫دم ٍ‬ ‫بسرعة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫من ال ّدم كانت تنهمر من فمه فيما بدأت بقعةٌ ٍ‬ ‫رهيبة على قميصه‪,‬‬ ‫كبيرة تتسع‬ ‫مرًة أخرى لتجحظ عيناه و هو يرى رامز صديق عمره يتهاوى على األرض‪,‬‬ ‫عاد بالزمن ّ‬ ‫نادى بأعلى صوته‪ ,‬صرخ و صرخ و صرخ ‪ ...‬لم يرى حوله سواهم‪ ,‬جميعهم بذقون‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫كشيطان‬ ‫جميعهم يرتدون الجلباب االبيض‪ ,‬جميعهم يحملون الزبيبة الشهيرة على جبينهم‬ ‫يطل من فوق أعينهم‪ ,‬و يضحك منه و من معاناته‪ ,‬انهالت عليه الضربات من كل‬ ‫صغي ٍر ُّ‬ ‫جانب ‪..‬‬ ‫استيقظ بعد عدة ٍ‬ ‫أيام في المستشفى ‪...‬‬ ‫ رامز فين ؟‬‫مطّت الممرضة شفتيها بال مباالة‪..‬‬


‫ ‪ -‬مش الجدع اللي كان معاك ده ؟ تعيش انت‪ ,‬ياهلل اتشطّر انت بقى و‬ ‫خف‪ ,‬جرحك أهو اتلم و بقيت زي الحصان‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الشاشي على رأسه‪ ,‬و أحس بدوا ٍر شديد ‪ ...‬صورة طفلين على ٍ‬ ‫مدرسية‬ ‫دكة‬ ‫تلمس الرباط‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫واحدة يدبّران مقلباً لمدرس حصة التاريخ‪ ,‬صورةٌ لمباراة كرة الشراب و جووووول ‪,...‬‬ ‫صورة شابين جالسين على كورنيش النيل يحملقان في شاشة الموبايل بل ّذ ٍة آثمة‪ ,‬صورة‬ ‫بقوة ‪ ...‬لون أسود قاتم غطّى كل شيء و هو‬ ‫رامز على كتفه و هما يهتفان أمام االتحادية ّ‬

‫يغمض عينيه ٍ‬ ‫بألم حابساً دمعاً كاد أن ينهمر ‪...‬‬ ‫ ‪-‬يمين باهلل آلخد بتارك يمين باهلل !‬

‫خرج من قوقعة أفكاره على منظر السبحة و القطرات تتابع ‪ ..‬النقط تتابع ‪ ..‬حبة ‪..‬‬ ‫حبة ‪ ..‬حبة تتدحرج بين أصابعه ‪ ..‬ذات الجالبية البيضاء‪ ,‬الذقن و الزبيبة‪ ,‬نعم ها هو‬ ‫ٍ‬ ‫بهدوء و ال مباالة‪ ...‬رامز مات ‪ ..‬ماااااات !! سيثأر له منهم‪ ,‬هو هنا ليثأر!‬ ‫أمامه‪ ,‬يتحرك‬ ‫سيخلصه من عارهم و يثأر لرامز‪ ,‬نعم سيخلصه ‪ ..‬فهو منهم ‪ ..‬مثلهم! سيخلصه من‬ ‫عارهم‪ ,‬من ذقنهم و زبيبتهم و جالبيتهم و سبحتهم ! ‪..‬‬ ‫تالحقت دقّات قلبه‪ ,‬وضع إصبعه على الزناد‪ ,‬سينتهي الموضوع خالل ٍ‬ ‫ثوان‪ ,‬الموضوع‬ ‫دم بدم ! ‪ ...‬سيثأر ‪ ..‬سيثأر !‪..‬‬ ‫بسي ٌ‬ ‫ط جداً ‪ٌ ..‬‬ ‫اتسعت حدقتا عينيه و الجالبية البيضاء تقترب منه‪ ,‬ربّت على كتفه بهدوء‪..‬‬ ‫‪ -‬ياهلل يا ابني مش هتقوم تصلي معايا ؟‬


‫هوى الصوت الحنون على قلبه كالمطرقة‪ ,‬فبعثر أفكاره و مشاعره كلها‪ ,‬سال دمع ذاته‬ ‫المؤرقين‪ ,‬رفع‬ ‫مطفئاً براكين الغضب‪ ,‬أشاح وجهه بعيداً مخفياً دمعةً هربت من جفنيه ّ‬ ‫إصبعه عن الزناد ببطئ ‪..‬‬ ‫‪ -‬حاضر يا بابا‪ ,‬هقوم اتوضى و الحقك ‪.‬‬


‫قـه ـ ـ ــوة‬ ‫عمل مشترك مع الزميل عمرو يسري السيد‬


‫ت بأن تطلب فنجاناً رابعاً من القهوة‪ ,‬المقهى بدا خانقاً و‬ ‫فكر ْ‬ ‫اقترب النادل منها بهدوء‪َ ,‬‬

‫أحست بكل من فيه يراقبونها‪ ,‬و الفناجين الفارغة الثالثة مصط ّفةٌ أمامها تراقب يأسها و‬ ‫ّ‬ ‫نظرت إلى ساعة يدها‪ ,‬هذه هي المرة السابعة التي يتأخر بها عنها‪ ,‬لن يأتي اليوم‬ ‫ألمها;‬ ‫ْ‬ ‫هي تعلم ذلك ‪.‬‬ ‫ال بد من أن تتنشق بعض الهواء العذب ‪...‬‬ ‫أحست بكل األحاديث الهامسة تتكلم عنها‪,‬‬ ‫ْ‬ ‫طلبت الحساب‪ ,‬دفعت و خرجت بهدوء ‪ّ ,‬‬ ‫تسخر منها! صوت الجرس المعلّق على الباب أنبأها بأن المقهى أصبح ماضياً‪ ,‬و أنها‬ ‫اآلن وحيدةٌ في الشارع‪ ,‬نسمة ٍ‬ ‫هواء هبّت‪ ,‬عبثت بشعرها األسود الناعم و الشال األخضر‬ ‫المعلق على رقبتها‪ ,‬اختارته خصيصاً ألنه يحب تماشيه مع لون عينيها ‪« ...‬لقد تغيّر ‪...‬‬ ‫خاطبت نفسها و هي تعبُر الشارع بهدوء‬ ‫واجهي الحقيقة‪ ,‬لقد تغيّر!»‬ ‫ْ‬

‫لحقها النادل من الداخل هاتفاً‬ ‫ يا آنسة يا آنسة نسيتي هذا !‬‫سلّمها طرداً ملفوفاً بعناية ‪ ..‬لفته بيدها‪ ,‬صنعت ما بداخله بيدها‪ ,‬كانت تريد منحه هديةً‬ ‫ٍ‬ ‫مختلفةً هذه المرة ‪ ..‬لكنه لم ِ‬ ‫ساعات‬ ‫يأت ‪ ..‬لقد تغير ! ما عاد يسابق الزمن ليقضي معها‬ ‫من السعادة و الحب‪ ,‬ما عاد يهديها ورداً و ال عاد يمنح عينيها النظرة التي تذيب قلبها‪,‬‬ ‫ما عادت دنياه‪ ,‬لقد هرب الحب من قلبه ‪.‬‬


‫أخطأت به‪ ,‬لكنها مهما‬ ‫«يا ترى أين أخطأت؟» قضت شهوراً تحاول اكتشاف ما‬ ‫ْ‬ ‫حاولت‪ ,‬لم تتمكن من أن تستعيد بريق الحب في عيونه ‪.‬‬ ‫واجهي األمر‪ ,‬لقد مل ِ‬ ‫منك! لم تعودي حبّه‪ ,‬لم تعودي مقصده ‪ .‬كانت ترى نظراته تسرح‬ ‫ّ‬

‫تمر في الشارع‪ ,‬في حين كان قلبها يستجدي منه نظرةً واحدة؛ عيناه اللتان‬ ‫على كل أنثى ُّ‬ ‫كانتا ال تفارقانها لحظة « لتغترفا من بحر جمالها « كما كان يقول‪ ,‬محوالً بياض وجنتها‬ ‫ٍ‬ ‫للون أحم ٍر وردي‪ ,‬ذبل ورد خديها اليوم‪ ,‬فهو ما عاد يسقيها حباً‪ ,‬كان ّجل عذابها نظرة‬ ‫جل عذابها كان أنها قد أدركت‪ ...‬بأنها ما عادت تسعده‪« ,‬إن لم‬ ‫السأم التي على عينيه‪ّ ,‬‬ ‫أسعده ‪ ...‬فما سبب وجودي؟!!»‬

‫طلبت منه أن يأتي لتر ّد له قلبه ‪ « ..‬إن كان لديك‬ ‫طلبت منه القدوم اليوم لتبلّغه بقرارها‪,‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫شيءٌ تحبّه‪ ,‬فحرره‪ ...‬إن عاد إليك فهو لك لألبد‪ ,‬و إن لم يعد فهو لم يكن ملكك‬

‫أصالً « كانت ستمنحه حريته من كل القيود و العهود و المواثيق التي منحها لها‪ ,‬ستمنحه‬

‫ٍ‬ ‫دبدوب أبيض‪ ,‬كان قد سبق و منحه‬ ‫حريته من «‪ “ saty with me‬مطرزًة على بطن‬ ‫ٍ‬ ‫إسورة لم يسبق لها أن خلعتها من‬ ‫لها‪ ,‬ستحرره من “ ‪ “ I am yours‬منقوشةٌ على‬ ‫أغان ٍ‬ ‫معصمها‪ ,‬ستحرره من ٍ‬ ‫كثيرة قد أهداها لها‪ ,‬و عبار ٍ‬ ‫ات و رسائل أكثر ‪...‬‬ ‫لكنه لم يأت‪.‬‬ ‫أمسكت بهاتفها و كتبت رسالةً نصيّة‬ ‫ْ‬ ‫أحررك مني ‪ ..‬خطبتي بعد غد‪ ,‬وداعاً ‪”.‬‬ ‫“ اليوم ّ‬


‫ٍ‬ ‫شجرة و أجهشت بالبكاء‪,‬‬ ‫أقفلت هاتفها المحمول‪ ,‬استندت إلى جذع‬ ‫بعثت الرسالة‪,‬‬ ‫ْ‬

‫تنعي حبّاً حسبت أنه يدوم أبداً ‪.‬‬

‫****************************‬ ‫على مقر ٍبة ِ‬ ‫منك أجلس أنا اآلن‪ ،‬أتوارى منك خلف تلك الشجرة‪ ،‬أرتقب نظراتك‪،‬‬ ‫انفعاالتك‪ ،‬كل ٍ‬ ‫شيء منك ‪.‬‬ ‫أعرف ما الذي تفكرين به‪ ،‬تح ّدثين نفسك “تخلى عن موعدي للمرة السابعة”‪ ,‬ال يا‬ ‫لست على صواب‪ ,‬لم أكن أنا من تخليت ِ‬ ‫عنك‪ ,‬بل ِ‬ ‫حبيبتي ِ‬ ‫أنت‪ ,‬و بدون أن تشعرين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تجاهك و أن أضع‬ ‫تعرفين ‪..‬؟؟ إنها المرة السابعة التي أحاول فيها أن أسجن مشاعري‬

‫على قلبي ثقالً ال يتحمله‪ ،‬هذه الدقائق التي تجلسينها مستمتعةً بقهوتك‪ ,‬أحترق أنا فيها‬ ‫شوقـا ِ‬ ‫إليك‪ ،‬ولكن عذراً لن أستطيع‪ ،‬كفاني فقط النظر إليك‪ ,‬أرى كيف تتعاملين مع‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمامك وتطلبين‬ ‫فرغت منه حتى أزحتيه من‬ ‫األشياء‪ ،‬انظري إلى فنجان قهوتك‪...‬ما إن‬ ‫غيره‪ ،‬تستمتعين به إلى النهاية ثم ‪ ....‬تبعدينه من أمامك‪ ,‬و تبدأين البحث عن آخر‬ ‫السر وراء إصرارك على المجيء‬ ‫‪ ...‬فأتساءل‪ ,‬هل سأكون مثل هذه األشياء؟! ال أعرف ّ‬ ‫إلى هنا‪ ,‬إن كنت تعلمين أنني لن آتي‪ ،‬محدثاً نفسي كل مرة‪ ,‬قد تكون هذه هي المرة‬ ‫األخيرة‪ ,‬ثم ما يلبث أن ينقطع تفكيري وتعاودين االتصال بي‪ ,‬متقبلةً كل أعذاري الكاذبة‪،‬‬ ‫هل الحب أعمى كما يقولون؟ هل تحبينني حقاً؟ هل هو الحب‪ ,‬أم انك تريدين الثأر‬ ‫لكرامتك ‪..‬؟ أعتقد ذلك!‬ ‫تعرفين ماذا تغير بي؟ إنه قانون الطرد لألشياء التي نحبها وتؤذينا‪ ،‬فأنا أجد ضعفي في‬


‫ِ‬ ‫عينيك‪ ,‬و أنا لم أعتد هذا الضعف أبداً ‪.‬‬ ‫إلي” لكنك آتيةٌ لتخبريني‬ ‫أتتذكرين حديثك معي عندما تأتين لي بلهفة‪ ،‬هنا أعتقد “تشتاقين ّ‬

‫بأنك سوف تسافرين مع أصدقاءك للخارج‪ ،‬ياااااااه لظني الخائب‪ ,‬اعتقدت أنك تسرعين‬ ‫مرة حاولت منعك من فعل ٍ‬ ‫لترتمي في أحضاني وتبقين بجواري ‪ ..‬كم من ٍ‬ ‫شيء و لكنك‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أغلقت‬ ‫مرٍة‬ ‫علي و تركتيني و أنا أحدثك‪ ،‬كم من ّ‬ ‫فعلتيه على الرغم مني ‪ ،‬كم من مرة تجرأت ّ‬

‫إلي معتذرة‪ ،‬كنت أصفح و أسامح‪ ,‬و أترك كرامتي جانباً‬ ‫سماعة الهاتف في وجهي‪ ,‬ثم تأتين ّ‬ ‫ِ‬ ‫أجلك ‪ ،‬و لكني كنت أتألم حقاً؛ هل ِ‬ ‫من‬ ‫أتيت لتعتذري أيضاً هذه المرة؟ هل تريدين حقاً‬ ‫ذلك؟ تظنين االعتذار ٍ‬ ‫كاف لحفظ كرامتي ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫اعتدت على فعلها مع أصدقاءك‪،‬كم مرةً تركتيني‬ ‫ال أعلم هل تعرفين كل هذه األشياء‪ ,‬أم أنك‬ ‫تفرقي بيني و بينهم‪ ,‬كنت تثقين بأنني سأبقى معك‪ ،‬إلى متى ؟ تذهبين‪,‬‬ ‫من أجلهم ‪ ،‬لم ّ‬ ‫تمرحين‪ ,‬تغيبين باأليام‪ ,‬ثم تعودين وتحضرين لي هديةً كي تظهري بها حبك‪ ,‬فآخذها‪ ,‬و معها‬ ‫تستنزفين جزءاً من حبي ِ‬ ‫لك؛ البدايات دائماً جميلة‪ ,‬و لكن انظري إلى أين وصلنا اآلن! و‬ ‫ماذا بعد ‪......‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آسف على عدم فهمك لي‪ ,‬و لكن ما حاجتك بي و ِ‬ ‫وحدك‪,‬‬ ‫وحدك‪ ,‬و تختارين‬ ‫أنت تذهبين‬ ‫ٌ‬ ‫أحبك‪ ,‬أر ِ‬ ‫و تقررين وحدك؟!! ‪ِ ..‬‬ ‫يدك‪ ,‬ولكن ‪. ...‬‬ ‫عذرا لست أنا‬ ‫علي أن أنتظر موعدي‪ ,‬حتى أجد نفسي بجوار تلك الفناجين؟؟ ‪ً ....‬‬ ‫هل ّ‬ ‫!!‪....‬‬ ‫****************************‬ ‫ٍ‬ ‫صواب دائماً !!!‪.‬‬ ‫كلٌّ منّا على‬


‫ص ـ ـراع‬ ‫عمل مشترك مع ساحرة الكلمات سالي الجندي‬


‫آلمها كثيراً فر ّدت الصاع صاعين ‪..‬‬ ‫تركته واقفاً على ناصية الوداع و رحلت ‪..‬‬ ‫«ال تتصل بي بعد اليوم» أعلنتها و هي تشهر غيابها في وجهه‪..‬‬ ‫خاطبت نفسها و هي تعبُر الشارع بهدوء‬ ‫واجهي الحقيقة‪ ,‬لقد تغيّر!»‬ ‫ْ‬ ‫لحقها النادل من الداخل هاتفاً‬ ‫ يا آنسة يا آنسة نسيتي هذا !‬‫سلّمها طرداً ملفوفاً بعناية ‪ ..‬لفته بيدها‪ ,‬صنعت ما بداخله بيدها‪ ,‬كانت تريد منحه هديةً‬ ‫دفنت قلبي الذي عشقك‪ ,‬الزلت‬ ‫رجحت عقلي الذي لفظك‪ ,‬و ُ‬ ‫و أنا أف ّكر فيما حدث‪ّ ,‬‬ ‫أظن مشاعري عابرة ‪..‬‬ ‫أؤمن بأنها صفقةٌ خاسرة‪ ,‬نعم‪ُّ ..‬‬ ‫لكن قلبي أبى أن يستمع لكل قرارات عقلي!‬ ‫تمرده‪ ,‬و علّق صورك في كل أزقّة أفكاري‪..‬‬ ‫و أعلن عصيانه و ّ‬ ‫معلناً أنك سيد أحالمي ‪...‬‬


‫ال! لن أفتقدك ‪..‬‬ ‫ت معك كلماتك‪ ,‬ال! لن أشعر بغيابك ‪..‬‬ ‫سافر ْ‬ ‫فلقد َ‬ ‫ستختفي من قواميس دنيتي ‪..‬‬ ‫لن تتحرك مشاعري يوماً حتى مماتك ‪..‬‬ ‫و لكن‪ ...‬أيُطيق قلبي بعادك ‪..‬‬ ‫أتحسبني أحتمل يوماً هجرانك؟‬ ‫و أنت من كان يحيي بساتين وردي ٍ‬ ‫بنظرة منه ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ت يدي يديه ‪...‬‬ ‫لمس ْ‬ ‫و يطيب حصاد العنب من على شفتي‪ ,‬إذا ما َ‬ ‫لست سعيد ًة لكن ‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫يكفينى راحة البال ‪..‬‬ ‫لن أحتفظ بذكراك‪ ,‬و إن استمر غيابك‪ ،‬أو طال ‪ ,‬لن أطارد شبيهاً لك آملةً أن يكون‬ ‫أنت ‪..‬‬ ‫علي فرض ‪..‬‬ ‫سأجعل هجرك قبلتي‪ ,‬ونسيانك ّ‬


‫لكن أشواقي لك تطاردني في كل مكان ‪..‬‬ ‫أدفنها تحت ٍ‬ ‫محررةً كل جنون العشق ‪...‬‬ ‫أكوام من رماد النسيان‪ُّ ,‬‬ ‫فتهب رياح أحالمي ّ‬ ‫دت إليك تعود ؟‬ ‫تراني إذا عُ ُ‬

‫يومياً‪ ...‬قبل أن أذوب فى رحلة نومي ليالً ‪..‬‬ ‫أُفنّد كل أخطائك المؤلمة ‪..‬‬ ‫اح غائرة ‪..‬‬ ‫أتذكر آثار ما سببته لي من جر ٍ‬ ‫ال أعلم ‪ ..‬ربما ﻷني سعيدةٌ لغيابك ‪....‬‬ ‫أو خوفاً‪ ...‬من أن أسافر في نومي‪ ,‬و أحلم بلقاءك ‪...‬‬ ‫‪..‬لمساتك تطرب قلبي‬ ‫يهدهد القلق قيود وعيي‪ ,‬حتى أغيب معك في عوالم الغيب‬ ‫َ‬ ‫الكسير‪ ,‬و همساتك تعود بمواسم ربيعي‪ ,‬و على شطآن أحالمي تغيب شمس الفراق‬

‫إلى االبد‪..‬‬ ‫حاولت أن تصطنع من حلمها حقيقة ‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫غزت روحها بعنف‪.‬‬ ‫لكن آالمها أبت إال أن تسلبها ل ّذة سراب أحالمها‪ ,‬و َ‬ ‫دموع‬ ‫بت إلى شرفتها متأملةً السماء المتأللئة‪ ,‬تفجرت آبار ٍ‬ ‫وضعت القلم من يدها‪ ,‬هر ْ‬


‫دفنَْتها طويالً ‪..‬وح ّدثت السماء مناجيةً‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫اشتياق فاق كل مشاعر البشر!‬ ‫ ‪ -‬يا سماء الكون‪ ...‬إشهدي على‬ ‫يرن الهاتف ‪..‬‬ ‫تنظر إلى الرقم على الشاشة الصغيرة بسرعة ‪..‬‬ ‫و ُّ‬ ‫تشق ابتسامةٌ واسعةٌ طريقها وسط أنهار الدموع‪ ,‬منهيةً صراعاً طويالً ‪...‬‬ ‫ ‪-‬أحبك‪.‬‬


‫تـحـ ـ ـ ـ ـ ُّـرش‬


‫تبخر‬ ‫درجة الحرارة كانت تصهر خالياه الدماغية‪ ,‬زحام األوتوبيس المعتاد كان يساهم في ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫عارم آلدميته التعيسة ‪ ..‬هذا االختراق التام ألسطورة « مساحتك الشخصية « كان بطالً‬ ‫للموقف ‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫لمعادلة مستحيلة الحل‪ ,‬ازداد التدافع‬ ‫توقف األوتوبيس ليضيف المزيد من األرقام‬ ‫تحرك جسده في زوايا غير طبيعية‪ ,‬ليتمكن من‬ ‫مصحوباً بقاموس الشتائم المعتاد ‪ّ ,‬‬ ‫التناسب مع حيز الفراغ الضيق‪ ,‬نظر ٍ‬ ‫بحقد نحو باب األوتوبيس المفتوح ‪ ...‬عندما ‪.....‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫« أحبب فيغدو الكوخ قصراً نيّراً « ‪..‬‬ ‫المنطقي الوحيد لإلحساس الذي اعتراه‪ ,‬فروحه أخذت تحلّق في‬ ‫كان ذاك هو التبرير‬ ‫ُّ‬ ‫سموات من السعادة و النشوة‪ ,‬ألف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كمان كان يعزف موسيقى حالمة و العصافير ! من‬ ‫مالك رقي ٌق خبّأ‬ ‫أقل ما يمكن أن يرافق صعودها‪ٌ ,‬‬ ‫أين اتت زقزقة العصافير ؟ كل هذا كان ّ‬ ‫جناحيه في حنايا ٍ‬ ‫غيمة قريبة‪ ,‬و نزل إلى األرض البائسة ليلقي شيئًا من نوٍر و ٍ‬ ‫ألق على‬

‫سحر تخجل أمامه أروع قصائد العشاق‪ ,‬الخ ّدان أسطورتان هاربتان من‬ ‫قاطنيها؛ العينان ٌ‬ ‫منحوت في معبد أفروديت‪ ,‬و الشفتان !‬ ‫يقي‬ ‫ٌ‬ ‫كتب العشق و الهوى‪ ,‬األنف عمو ٌد إغر ٌّ‬

‫المحرمة‪...‬كان ليرضى أن يُق َذف من الجنة عشرات المرات‬ ‫‪ ..‬الشفتان فاكهة الجنّة‬ ‫ّ‬ ‫ليتذوقهما !‪...‬‬ ‫دفعةٌ أخرى من أحد الركاب و شتيمةٌ قذرة‪ ,‬أعادته ألرض الواقع‪ ,‬فجأةً توقّفت الموسيقى‬


‫الخيالية‪ ,‬و عاد زحام األوتوبيس ليفرض نفسه ‪ ...‬ربااااه! كيف لهذه الفراشة الرقيقة أن‬ ‫مرت بأصابع كالمرمر المصقول على شالها‪ ,‬زفرت من‬ ‫تستحمل جهنم األرضيّة تلك ؟! ‪ّ ..‬‬ ‫شفتيها زفرة ٍ‬ ‫تأوه قلبه إثرها؛ ما هذا ! من هذا الذي يقترب منها؟‪ .‬لماذا يقترب منها‬ ‫ضيق ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بكلمات‬ ‫؟! لماذا تصاعد اللون األحمر إلى وجهها ؟! هل يدنّس طهر أذنيها الرقيقتين‬

‫ٍ‬ ‫قذرة مثله ؟!! هل ‪ ..‬يفكر أن يتحرش بها !!! ما قيمة كونك رجالً ‪ ..‬إن لم تتمكن من‬ ‫أن تصبح فارساً يحمي فاتنته من تلك الحثالة البشرية؟؟! ال وقت ليضيعه‪ ,‬أخذ يجول‬ ‫بعينيه في األتوبيس بجنون‪ ,‬قارءاً عشرات الوجوه من أولئك المحظوظين الذين تمكنوا‬ ‫يتجهز أحدهم للنزول ! و على‬ ‫من اقتناص مقعد‪ ,‬اقتربت المحطة التالية‪ ,‬ال بد من أن ّ‬

‫بعد بضعة مقاعد وجد ضالّته‪ :‬النظرة المدققة إلى تضاريس الشارع‪ ,‬الجلسة المتأهبة‪,‬‬ ‫هذه السيدة العجوز حتماً ستو ّدع مقعدها بعد بضعة ٍ‬ ‫ثوان؛ بدأ بالتحرك‪ ,‬التدافع كان‬ ‫جهنمياً‪ ,‬لكن التراجع كان من سابع المستحيالت‪,‬أدار رأسه لينهل منها نظرة‪ ,‬رشف‬

‫رشفةً من رحيق جمالها‪ ,‬كانت كافيةً لتمنحه القوة ليرفع خمسة جبال‪ ,‬دفع هذا و ذاك‬ ‫و مرر جسمه في الزوايا المستحيلة‪ ,‬بذل مجهوداً خارقاً ليمنع الشتائم من التدفق من‬ ‫فمه ‪ ...‬فأذناها لم تخلقا لسماع الشتائم‪ ,‬تينك األذنان خلقتا لهمسات العشق و الغزل‬ ‫فحسب‪ ,‬قليالً بعد ‪ ..‬قليالً بعد ‪...‬قطرات العرق غطّت وجهه كامالً‪ ,‬و أخيراً ‪ ..‬وصل!‬ ‫وصل في اللحظة المناسبة و العجوز تنهض من على كرسيها‪ ,‬ابتسامة نص ٍر كلّلت وجهه‪,‬‬

‫السعادة كانت نبعاً يفيض من عينيه‪ ,‬و هو يقف في حيز المقعد و يشير لها‬ ‫‪ -‬‬

‫يا آنسة ‪ ..‬اتفضلي ‪.‬‬

‫و بذراعه و ٍ‬ ‫بقوة خارقة‪ ,‬تمكن من دفع دز ٍ‬ ‫ينة من األجساد ليفسح لها طري ًقا حتى تصل‬


‫للمقعد‪ ,‬اقتربت ‪ ..‬اقتربت أكثر ‪ ..‬ها هي ‪ ..‬اقتربت ‪ ....‬أكثر من الالزم ! ‪..‬‬ ‫‪ -‬‬

‫تشكر يا عسل !‬

‫تكسرت عليها كل أحالمه و تصوراته‪,‬‬ ‫اللهجة الرقيعة و الصوت الحاد‪ ,‬كانا الصخرة التي ّ‬ ‫تحول عزف الكمان إلى نشا ٍز مؤلم‪ ,‬و أطلق صيا ٌد ما رصاصه على العصافير المزقزقة‪,‬‬

‫الجناح المالئكي الغافي بين حنايا غيمة ما كان إال شوكةً ضخمةً انغرست في حلقه‪ ,‬و‬ ‫ٍ‬ ‫تحرش واضحة !‬ ‫هو يحس بيدها تلمسه ‪ ...‬في حالة‬ ‫يقصون مواقفاً مشابهة‬ ‫حرجة‪ ,‬و هم ّ‬ ‫كثيراً ما سخر من رفاقه و من همساتهم ُ‬ ‫الم َ‬ ‫« إيه يا خويا مش فاضل إال تقولي إغتصبتَك كمان ! إسترجل يا حيلتها!! «‬ ‫ف ّكر بنظرات الشماتة التي سيقرؤها في أعينهم‪ ,‬فيما كان لون وجهه يتدرج ما بين ألوان‬

‫الطيف‪ ,‬ليستقر آخراً على اللون األرجواني‪ ,‬بدأ يشم رائحة احتراق‪ ,‬و لم يتمكن ٍ‬ ‫بحال‬ ‫ّ‬ ‫من األحوال أن يعرف ‪ ..‬أكانت رائحة احتراق وجهه ‪ ..‬كرامته ‪ ..‬أم أنها لم تكن أكثر‬

‫من رائحة احتراق الوقود في محرك األوتوبيس المزدحم ‪.‬‬


‫العروس ـ ـ ــة‬ ‫عمل مشترك مع الرائع محـ ـ ــمد عصمت‬


‫كلمات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سعاد ُّ‬ ‫كلمات مسمومةٌ كانت‪,‬‬ ‫ترن في أذنها ‪...‬‬ ‫تو‬ ‫ٌ‬ ‫لسبب ما تجهله‪ ,‬استيقظَ ْ‬ ‫ُ‬

‫مغلفةً بالغيرة و الحسد‪ ,‬عيناها كانتا تقدحان شرراً و هي ترمي بتفاحة إبليس تلك في‬ ‫جنتها الوليدة‪:‬‬ ‫زي بقية الرجالة عاوز‬ ‫ ‪ -‬دلوقتي يا حلوة شهر العسل خلص‪ ,‬و زيه ّ‬ ‫خدامة في البيت ‪ ,‬و هتقفي يا أختي قدام المراية تغني « أطبطب ‪...‬‬ ‫و أدلع ‪ ...‬و أكنس ‪ ...‬و ألمع ‪ ...‬و أنيم ‪ ...‬و أأكل ‪ ...‬يا يقولي‬ ‫أنا إتغيرت عليه «!‬ ‫غضبت منها و نهرتها‪ ,‬فزوجها كان دمثاً رقيق القلب‪ ,‬حنوناً خلوقاً‪ ,‬و فوق‬ ‫بالتأكيد هي‬ ‫ْ‬ ‫كل وصف ‪...‬‬ ‫كل هذا كان يحبها فوق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ ‪-‬و النبي إنتي هبلة! الراجل الشرقي بيبقاله سوفت معين كده صعب‬ ‫تغيريه‪ ,‬و عشان كده أنا رافضة أتجوز!‪.‬‬ ‫كانت أكثر من يعرف بُهتَان كذبها ذاك‪ ,‬فهي لم ترفض عريساً واحداً‪ ,‬بل على‬ ‫العكس! كانت تقتنص الرجال ناسجةً شباكها في كل مكان‪ ,‬محاولةً صيد أي عريس؛‬ ‫حتى زوجها في أيام الخطبة‪ ,‬تلقى منها كثيراً من المكالمات و المحاوالت‪ ,‬كانا‬ ‫يضحكان منها‪ ,‬كانت تحاول المستحيل لتسرقه منها و لكن هيهات‪ ,‬فقد كان حبهما‬ ‫أقوى من كل حبائلها و مكائدها ‪.‬‬


‫كالسم في أوصالها‪,‬‬ ‫لتحس بكلماتها تسري‬ ‫لكن ‪ ..‬مع كل هذا! استيقظت هذا الصباح‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫و تزحف ٍ‬ ‫لتغطي على كل شيء ‪..‬‬ ‫ببطء بين تالفيف أفكارها‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫ هاتبقي خدامة ‪ ...‬خدامة ‪ ....‬خدامة ‪...‬‬‫توقفت أفكارها عند هذا الحد ‪:‬‬ ‫‪ ...‬خدامة ‪ ...‬خدامة ‪...‬‬ ‫نظرت حولها في دهشة‬ ‫‪ ...‬خدامة ‪ ...‬خدامة ‪...‬‬ ‫نظرت النعكاس صورتها في المرآة‪ ,‬و التي تتسلى بترديد الكلمة ‪:‬‬ ‫‪ ..‬خدامة ‪ ...‬خدامة ‪...‬‬ ‫نظرت لها بغضب فانزوت على نفسها خجالً قبل أن تسمع صوته يناديها‬ ‫ ‪-‬هدى ‪ ...‬يا هدى يا حبيبتي‬ ‫بدأت بوادر المأساة! ها هو يناديها من المطبخ منتظراً منها إعداد اإلفطار! ال أبداً ! هذا‬ ‫جهزت نفسها لترد عليه ‪ ..‬لكنه استبقها منادياً ‪:‬‬ ‫لن يكون ! ّ‬ ‫ ‪ -‬البيض ‪ ...‬أومليت و ال عيون يا عيوني انتي ؟‬ ‫ٍ‬ ‫الجرار الزراعي‪:‬‬ ‫قالت بصوت يشبه صوت ّ‬


‫ ‪ -‬إتفقعت عيونك يا سعاد يا رب!‬ ‫ ‪-‬بتقولي إيه ؟؟‬ ‫استعاد صوتها رقة العروس الجديدة و هي تقول ‪:‬‬ ‫زي ما تحب يا حبيبي ‪.‬‬ ‫إذاً فهو من ُّ‬ ‫يعد لها الفطور ‪ ..‬لعنت سعاد و لعنت أفكارها تلك‪,‬كيف تسمح لهذه‬ ‫الترهات الحاقدة بأن تكدر عليها صباحها؟!‬ ‫دخل فادي عليها و ابتسامةٌ حنونةٌ على شفتيه‪ ,‬طبع قبلةً على وجنتها‪ ,‬و وضع أمامها‬ ‫فطوراً شهياً؛ تناوال طعامهما ثم سبقها بحمل األطباق إلى المطبخ‪ ,‬دقائق و سمعت‬ ‫صوته منادياً من الحمام ‪..‬‬ ‫شيطان أحم ٍر يمسك بشو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كة يتصاعد منها اللهب‪,‬‬ ‫مع صوته‪ ,‬عادت سعاد على هيئة‬ ‫تبتسم بجش ٍع و هي تقهقه قبل أن تحرق النار يدها‪ ,‬فتتوقف عن الضحك و توسوس في‬ ‫أفكارها بخبث ‪..‬‬ ‫ ‪ -‬مش قلتلك؟ عاوزك تجهزيله الحمام! أهي بدأت أهي!! النهاردة‬ ‫تجهزيله الحمام‪ ,‬بكرة تقلعيه الجزمة‪ ,‬هتبقي خدامة بتترعش لو سمعت‬ ‫جوزها بيندهلها ‪.‬‬ ‫ال ‪ ..‬ال و ألف ال! ‪ ...‬سأقول له بأن يذهب هو و توقعاته إلى الجحيم !!! لن أسمح‬


‫له أن ‪..‬‬ ‫ُصيبت أفكارها ٍ‬ ‫تام و هي تدخل إلى الحمام‪ ,‬لترى الشموع المعطّرة تهفو برائحتها‬ ‫بشلل ٍّ‬ ‫أ ْ‬ ‫الرقيقة‪ ,‬و فادي ينحني أمامها بحر ٍ‬ ‫كة تمثيلية‬ ‫ تفضلي يا أميرتي ‪..‬‬‫مرت‬ ‫قالها و هو ينثر شيئاً من بتالت الورد في ماء استحمامها الدافئة؛ شتائم متعددةٌ ّ‬

‫في رأسها‪ ,‬لو سمعها زوجها لطلّقها! أكثرها كان لسعاد‪ ,‬و بعضها كان لنفسها ‪ ...‬كيف‬ ‫تسمم يومها‪ ,‬أن تغزو أفكارها كيف؟!! ‪..‬‬ ‫تسمح لهذه الحاقدة بأن ّ‬ ‫غطّست رأسها تحت الماء‪ ,‬كتمت أنفاسها محاولةً خنق صورة سعاد‪ ,‬إال أن إحدى‬ ‫البتالت دخلت إلى أنفها فكادت تختنق هي ‪.‬‬ ‫خرجت من الحمام لترى فادي قد اختار لها ثوباً جميالً وضعه على السرير‪ ,‬و إلى جانبه‬ ‫ورقةٌ صغيرةٌ خط عليها ‪:‬‬ ‫لك أن تع ّدي لنا فنجانين من الشاي حتى أعود ؟ ‪ِ ..‬‬ ‫“ حبيبتي ‪ ..‬هل ِ‬ ‫أحبك ‪ ..‬اإلمضاء‬ ‫‪ ..‬متيم ِ‬ ‫بك”‬ ‫ٌ‬ ‫ارتدت ثوبها و هي تصارع لتطرد سعاد و نظراتها من رأسها‪ ,‬وضعت الورقة جانباً‪ ,‬و‬ ‫رسمت على وجهها ابتسامة الزوجة السعيدة‪ ,‬نجحت في ذلك حتى وصلت إلى باب‬ ‫لست جارية! لن أتحول إلى خادمة !‬ ‫المطبخ‪ ,‬ال ‪ُ ..‬‬


‫وضعت اإلبريق على النار و هي تحدث نفسها‬ ‫ْ‬ ‫“سأضع الشاي أمامه‪ ,‬و أقول له ‪ ..‬أنا لست جارية لم و لن أكون ملكاً ألحد ما حييت!‬ ‫حرةٌ قائمةٌ بحد ذاتي و لي اعتباري و احترامي! أنا لن أهرول عندما يشير إلي‬ ‫أنا شخصيّةٌ ّ‬

‫‪ ..‬أما أوامره فلـ ‪”.......‬‬

‫ٍ‬ ‫الذهبي من علبة السكر‪ ,‬و تقرأ‬ ‫بسرعة و هي ترفع الخاتم‬ ‫انهمرت الدموع من عينيها‬ ‫ّ‬ ‫الكلمة المنقوشة عليه‬ ‫“ أحبك لألبد “‬ ‫خرج فادي من ز ٍ‬ ‫اوية خفية‪ ,‬وضع الخاتم في يدها و هو يقول‪ - :‬حلو الخاتم ؟؟‬ ‫ ج ًدا يا حبيبي!‬‫ طب هاتيه بقى عشان نرجعه !!‬‫نظرت له و الدهشة ترتسم على محياها قبل أن يبادرها ‪:‬‬ ‫ بهزر بهزر!‬‫عانقها‪ ,‬دفنت رأسها في صدره لتتمزق صورة سعاد و صوتها فيما فادي يقول لها ‪:‬‬ ‫ يلال عشـ ـ ـ ‪...‬‬‫‪ -‬حنااااااان ‪ ...‬يلال عشان باص المدرسة ‪....‬‬


‫لت مسرعةً نحو الباب حاملةً حقيبتها‪ ,‬دون‬ ‫هرو ْ‬ ‫وضعت حنان ُدماها على األرض‪ ,‬و َ‬ ‫أن تلتفت ورائها‪.‬‬

‫أما دميتاها “هدى” و “فادي”‪ ,‬فقد قبعتا على األرض متعانقتين بهدوء ‪.‬‬

‫‪ -‬تمت ‪-‬‬

‫هذا العمل هو عمل إكتروني مجاني حقوقه محفوظة يمنع استخدامه للمنفعة المادية أو الكسب و‬ ‫اإلتجار و أي تجاوز في ذلك يعرض صاحبه للمساءلة القانونية‬

‫للمتابعة المزيد من أعملي تفضلوا بزيارة صفحتي الشخصية على الجود ريدز‬

‫إضغط الزر لزيارة الصفحة‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.