Doha 49 web

Page 1

‫مات ستيف جوبز‬

‫كاهن التكنولوجيا‬

‫حامد عويس‬

‫قيمة الجسد‬

‫د‪.‬عبدالحميد األنصاري‬ ‫أخشى سرقة الثورات‬

‫توماس ترانسترومر‬

‫جغرافيا الشعر البعيدة‬

‫مجان ًا مع العدد كتاب‪:‬‬

‫شروط النهضة‬ ‫العدد ‪ - 49‬نوفمبر ‪2011‬‬

‫المرأة‬

‫ملتقى اإلبداع العربي والثقافة اإلنسانية‬

‫نصف الثورة الحلو‬

‫مالك بن نبي‬

‫القراءة‬

‫طعم الحب‬


‫كتاب الدوحة‬

‫مجان ًا كل شهر مع العدد‬

‫الكتابات الخالدة في اإلبداع والفكر العربيين‬

‫وزارة الثقافة والفنون والتراث‬ ‫الدوحة ‪ -‬قطر‬


‫رئيس الهيئة االستشارية‬

‫د‪ .‬حمد بن عبد العزيز الكواري‬ ‫وزير الثقافة والفنون والرتاث‬

‫ملتقى دارين الثقافي األول‬

‫رئيس التحرير‬

‫د‪.‬علي �أحمد الكبي�سي‬ ‫مدير التحرير‬

‫عزت القمحاوي‬ ‫اإلشراف الفني‬

‫�سلمان املالك‬

‫سكرتير التحرير‬

‫نبيل خالد الأغا‬ ‫الهيئة االستشارية‬

‫�أ‪ .‬مبارك بن نا�صر �آل خليفة‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد عبد الرحيم كافود‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬حممد غامن الرميحي‬ ‫د‪ .‬علي فخرو‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬ر�ضوان ال�سيد‬ ‫�أ‪ .‬خالد اخلمي�سي‬ ‫جميع امل�شاركات تر�سل با�سم رئي�س التحرير‬ ‫ويف�ضل �أن تر�سل عرب الربيد االلكرتوين‬ ‫للمجلة �أو على قر�ص مدمج يف حدود ‪1000‬‬ ‫كلمة على العنوان الآتي‪:‬‬ ‫تليفون ‪)+974( 44022281 :‬‬ ‫تليفون ‪ -‬فاك�س ‪)+974( 44022690 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب‪ - 22404 :.‬الدوحة ‪ -‬قطر‬ ‫البريد اإللكتروني‪:‬‬ ‫‪editor@dohamagazine.com‬‬ ‫‪aldoha_magazine@yahoo.com‬‬

‫مكتب القاهرة‪:‬‬

‫‪�  34‬ش طلعت حرب‪ ،‬الدور اخلام�س‪،‬‬ ‫�شقة ‪  25‬ميدان التحرير‬ ‫تليفاك�س‪5783770 :‬‬ ‫الربيد الإلكرتوين‪:‬‬

‫‪samykamaleldeen@yahoo.com‬‬

‫املواد املن�شورة يف املجلة تعرب عن �آراء كتابها‬ ‫وال تعرب بال�ضرورة عن ر�أي الوزارة �أو املجلة‬ ‫وال تلتزم املجلة برد �أ�صول ما ال تن�شره‪.‬‬

‫ش���اركت مجلة الدوحة في ملتقى دارين الثقافي األول الذي نظمه نادي المنطقة‬ ‫الش���رقية األدبي بالدمام ‪ /‬المملكة العربية السعودية يومي ‪ 3‬و ‪ 4‬أكتوبر ‪2011‬‬ ‫وتناول موضوع المجالت الثقافية في دول الخليج وتنمية المعرفة‪ ،‬وش���ارك فيه‬ ‫أربعة و عش���رون باحث ًا وباحثة إضافة إلى رؤس���اء تحرير المجالت الثقافية في‬ ‫دول مجلس التعاون الخليجي‪.‬‬ ‫لقد كانت مبادرة طيبة من نادي المنطقة الش���رقية األدبي إلتاحة الفرصة لهذا‬ ‫اللق���اء الثقافي المثمر حيث تعارف رؤس���اء التحرير و اس���تمعوا إلى الباحثين و‬ ‫تناقشوا مع المشاركين حول كل ما يهم المجالت الثقافية في دول مجلس التعاون‬ ‫وما يواجهها من تحديات‪ ،‬وتعددت قضايا المناقشة عبر جلسات ست ناقش الملتقى‬ ‫فيه���ا عددًا من المح���اور منها تعزيز المجالت الثقافية لحركتي الش���عر والس���رد‪،‬‬ ‫وامتداد التراث في المجالت الثقافية‪ ،‬ومواكبة المجالت الثقافية للنظريات النقدية‬ ‫الحديثة‪ ،‬وحضور أدب اآلخر في المجالت الثقافية عبر الترجمة‪ ،‬وتجليات المكان‬ ‫في المج�ل�ات الثقافية‪ ،‬والمج�ل�ات الثقافية بوصفها حاضنة للمع���ارك النقدية‪،‬‬ ‫والمس���اجالت الثقافية‪ ،‬ومستقبل المجالت الثقافية والتحديات في عصر اإلنترنت‬ ‫واإلنفوميدي���ا وطرحت وجهات نظر أفاد منها رؤس���اء التحرير ورؤس���اء األندية‬ ‫الثقافية كذلك‪.‬‬ ‫الحديث ‪ -‬وكذا البحث ‪ -‬حين يتناول المجالت الثقافية في الخليج العربي يأخذ‬ ‫جوانب متعددة تتعلق ببدايات النشأة والتطور التاريخي أو المحتوى ومدى تنوعه‬ ‫عبر مس���يرة تلك المجالت مع رصد القضايا الكب���رى التي طرحتها والموضوعات‬ ‫التي ناقشتها أو الوضع الراهن لهذه المجالت والتحديات التي يفرضها عصر التقدم‬ ‫التكنولوجي ومواقع التواصل االجتماعي‪.‬‬ ‫ولع���ل البداية الصحيحة لبح���ث كل تلك القضايا وما يترت���ب عليها هي تحديد‬ ‫المقصود من مصطلح «المجالت الثقافية» فهو مصطلح واسع الداللة يضم أصنافا‬ ‫منوعة من المجالت يصعب حصرها بالمعنى الواسع للثقافة وال بد من تخصيص‬ ‫وتصنيف يحددان المصطلح ويقيدانه‪.‬‬ ‫وليس المقصود من هذا الملتقى وال غيره أن تس���ير المجالت الثقافية الخليجية‬ ‫على درب واحد أو تأخذ نهج ًا واحدًا فهذا كله خالف األصل إذ إن لكل مجلة طابعها‬ ‫الخاص وسياس���تها التحريرية المميزة وهي تتنافس مع غيرها تنافس���ا ش���ريفا‬ ‫لجذب أكبر عدد من القراء ونيل رضاهم‪ ،‬ولكن هدف هذا الملتقى وغيره هو تبادل‬ ‫اآلراء والخب���رات من أجل تطوي���ر المجالت والرقي بها إلى مس���توى يغني ثقافة‬ ‫قرائها فيشدهم إليها ويعزز تواصلهم معها‪.‬‬ ‫وجرى نقاش طويل متش���عب حول مستقبل هذه المجالت الثقافية ومدى قدرتها‬ ‫على االس���تمرار في ظل انتش���ار المنتديات والمجالت الثقافي���ة اإللكترونية‪ ،‬وأكد‬ ‫المشاركون أهمية تحديث محتوى هذه المجالت لتكون أكثر تأثيرًا وجذب ًا لقرائها‪.‬‬ ‫وعلى هامش الملتقى عقد رؤس���اء التحري���ر اجتماعا تبادلوا فيه وجهات النظر‬ ‫حول أهمية التواصل عبر الملتقيات وندواتها الثقافية ومناقشة السبل التي تمكن‬ ‫هذه المجالت من تفعيل دورها وتحقيق أهدافها المنشودة‪.‬‬ ‫لقد كان لقاء مثمرًا أجمع المشاركون على نجاحه واتفقوا على أهمية استمراره‬ ‫ودورية انعقاده‪.‬‬

‫رئي�س التحرير‬


‫الغالف األول‪:‬‬

‫العدد‬

‫‪49‬‬

‫مجان ًا مع العدد‪:‬‬

‫ثـــــقــــــافـــيــة �شــــــــــهـــــريــــــة‬ ‫ال�سنة الرابعة ‪ -‬العدد التا�سع والأربعون‬ ‫ذو احلجة ‪ - 1432‬نوفمرب ‪2011‬‬

‫ت�صدر عن‬

‫وزارة الثقافة والفنون والتراث‬ ‫ال ــدوحـ ــة ‪ -‬قـ ـ ـطـ ــر‬

‫لوحة الغالف‬

‫‪Edward Hopper‬‬ ‫‪1967 - 1882‬‬

‫���ص��در ال� �ع ��دد الأول يف ن��وف �م�بر ‪ ،1969‬ويف ي �ن��اي��ر ‪� 1976‬أخ�� ��ذت ت��وج �ه �ه��ا ال �ع��رب��ي وا�ستمرت‬ ‫يف ال� ��� �ص���دور ح� �ت ��ي ي� �ن ��اي ��ر ع � ��ام ‪ 1986‬ل �ت �� �س �ت ��أن��ف ال� ��� �ص���دور جم�� � ��دد ًا يف ن ��وف� �م�ب�ر ‪. 2007‬‬ ‫ت��واىل على رئ��ا��س��ة حت��ري��رال��دوح��ة �إب��راه�ي��م �أب��و ن��اب ‪ ،‬د‪ .‬حممد �إب��راه�ي��م ال�شو�ش و رج��اء النقا�ش‪.‬‬

‫االشتراكات السنوية‬

‫رئيس قسم التوزيع واالشتراكات‬

‫داخل دولة قطر‬

‫عبد اهلل حممد عبداهلل املرزوقي‬

‫الأفراد ‬ ‫الدوائر الر�سمية‬

‫‪ 120‬ريا ًال‬ ‫‪ 240‬ريا ًال‬

‫خارج دولة قطر‬ ‫‪ 300‬ريال‬ ‫دول اخلليج العربي‬ ‫باقي الدول العربية‬ ‫‪ 300‬ريال‬ ‫دول االحتاد األوروبي ‪ 75‬يورو‬ ‫‪ 100‬دوالر‬ ‫�أمـــــــــيــــركـــــــا‬ ‫كــــــنـــدا وا�ســـتــــرالــــيــــا ‪150‬دوالراً‬

‫تليفون ‪)+974( 44022338 :‬‬ ‫فاك�س ‪)+974( 44022343 :‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪:‬‬

‫‪al-marzouqi501@hotmail.com‬‬ ‫‪doha.distribution@yahoo.com‬‬

‫تر�سل قيمة اال�شرتاك مبوجب حوالة‬ ‫م�صرفية �أو �شيك بالريال القطري‬ ‫با�سم وزارة الثقافة والفنون والرتاث‬ ‫على عنوان املجلة‪.‬‬

‫�شروط النه�ضة‬ ‫مالك بن نبي‬

‫متابعات‬

‫‪4‬‬

‫موريتانيا‪ :‬متاهات الثورة‬ ‫اجلزائر �شتات الكتّاب‬ ‫�صنعاء ‪ :‬جيفارا مر�شد ًا للإخوان يف كوبا!‬ ‫ال�سودان‪ :‬املعر�ض الدويل للكتاب‬ ‫ميديا‬

‫‪10‬‬

‫ائتالف فلول القذايف‬ ‫ياما حتت اللحايا‪ ..‬خفايا‬ ‫اجلميالت الثائرات‬ ‫اتفاقية لتبادل املخلوعني‬ ‫رحلة‬

‫الموزعون‬

‫‪58‬‬

‫�آرل‪ :‬مدينة املاء والريح(خالد النجار)‬

‫وكيل التوزيع يف دولة قطر‪:‬‬ ‫دار ال�شرق للطباعة والن�شر والتوزيع ‪ -‬الدوحة ‪ -‬ت‪ 44557810 :‬فاك�س‪44557819 :‬‬

‫وكالء التوزيع يف اخلارج‪:‬‬

‫ستيف جوبز‬ ‫كاهن وادي‬ ‫السيليكون‬

‫اململكة العربية ال�سعودية ‪ -‬ال�شركة الوطنية املوحدة للتوزيع ‪ -‬الريا�ض‪ -‬ت‪4871414 :‬‬ ‫ فاك�س‪ /4871460 :‬مملكة البحرين ‪ -‬م�ؤ�س�سة الهالل لتوزيع ال�صحف ‪ -‬املنامة ‪ -‬ت‪:‬‬‫‪ - 17480800‬فاك�س‪/17480818 :‬دولة الإم��ارات العربية املتحدة ‪ -‬امل�ؤ�س�سة العربية‬ ‫لل�صحافة والإع�لام ‪� -‬أبو ظبي ‪ -‬ت‪ - 4477999 :‬فاك�س‪� /4475668 :‬سلطنة عُ مان ‪-‬‬ ‫م�ؤ�س�سة عُ مان لل�صحافة والأنباء والن�شر والإعالن ‪ -‬م�سقط ‪ -‬ت‪ - 24600196 :‬فاك�س‪:‬‬ ‫‪ /24699672‬دولة الكويت ‪� -‬شركةاملجموعة الت�سويقية للدعاية والإع�لان ‪ -‬الكويت ‪-‬‬ ‫ت‪ - 1838281 :‬فاك�س‪ /24839487 :‬اجلمهورية اللبنانية ‪ -‬م�ؤ�س�سة نعنوع ال�صحفية‬ ‫للتوزيع ‪ -‬بريوت ‪ -‬ت‪ - 653259 :‬فاك�س‪ /653260 :‬اجلمهورية اليمنية ‪ -‬حمالت القائد‬ ‫التجارية ‪� -‬صنعاء ‪ -‬ت‪ - 240883 :‬فاك�س‪ / 240883 :‬جمهورية م�صر العربية ‪ -‬م�ؤ�س�سة‬ ‫الأه��رام ‪ -‬القاهرة ‪ -‬ت‪ - 25796997 :‬فاك�س ‪/27703196‬اجلماهريية الليبية ‪ -‬دار‬ ‫الفكر اجلديد ال�سترياد ون�شر وتوزيع املطبوعات ‪ -‬طرابل�س ‪ -‬ت‪ - 925639257 :‬فاك�س‪:‬‬ ‫‪ / 213332610‬جمهورية ال�سودان ‪ -‬دار الريان للثقافة والن�شر والتوزيع ‪ -‬اخلرطوم ‪ -‬ت‪:‬‬ ‫‪ - 466357‬فاك�س‪ / 466951 :‬اململكة املغربية ‪ -‬ال�شركة العربية الإفريقية للتوزيع والن�شر‬ ‫وال�صحافة‪� ،‬سربي�س ‪ -‬الدار البي�ضاء ‪ -‬ت‪ - 2249200 :‬فاك�س‪ /2249214:‬اجلمهورية‬

‫العربية ال�سورية ‪ -‬م�ؤ�س�سة الوحدة لل�صحافة والطباعة والن�شر والتوزيع ‪ -‬دم�شق ‪ -‬ت‪:‬‬ ‫‪- 2127797‬فاك�س‪2128664:‬‬

‫األسعار‬ ‫دولة قطر‬ ‫مملكة البحرين‬ ‫الإمارات العربية املتحدة‬ ‫�سلطنة عمان‬ ‫دولة الكويت‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫جمهورية م�صر العربية‬ ‫اجلماهريية العربية الليبية‬ ‫اجلمهورية التون�سية‬ ‫اجلمهورية اجلزائرية‬ ‫اململكة املغربية‬ ‫اجلمهورية العربية ال�سورية‬

‫‪ 10‬رياالت‬ ‫دينار واحد‬ ‫‪ 10‬دراهم‬ ‫‪ 800‬بي�سة‬ ‫دينار واحد‬ ‫‪ 10‬رياالت‬ ‫جنيهان‬ ‫‪ 3‬دنانري‬ ‫‪ 2‬دينار‬ ‫‪ 80‬دينار ًا‬ ‫‪ 15‬درهم ًا‬ ‫‪ 80‬لرية‬

‫اجلمهورية اللبنانية‬ ‫اجلمهورية العراقية‬ ‫اململكة الأردنية الها�شمية‬ ‫اجلمهورية اليمنية‬ ‫جمهورية ال�سودان‬ ‫موريتانيا‬ ‫فل�سطني‬ ‫ال�صومال‬ ‫بريطانيا‬ ‫دول االحتاد الأوروبي‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫كندا وا�سرتاليا‬

‫‪ 3000‬لرية‬ ‫‪ 3000‬دينار‬ ‫‪ 1.5‬دينار‬ ‫‪ 150‬ريا ًال‬ ‫‪ 1.5‬جنيه‬ ‫‪� 100‬أوقية‬ ‫‪ 1‬دينار �أردين‬ ‫‪� 1500‬شلن‬ ‫‪ 4‬جنيهات‬ ‫‪ 4‬يورو‬ ‫‪ 4‬دوالرات‬ ‫‪ 5‬دوالرات‬

‫‪16‬‬ ‫نصوص‬

‫حممود قرين‬ ‫ممدوح عبدال�ستار‬ ‫لطيفة باقا‬ ‫ندى مهرى‬ ‫حوار‬

‫د‪.‬عبد احلميد الأن�صاري‬

‫‪115‬‬

‫‪52‬‬


‫مقاالت‬

‫�أيام عرب جديدة ودامية (�أجمد نا�صر)‬ ‫‪42‬‬ ‫بني الكرامة والكونية (د‪ .‬حممد الرميحي)‬ ‫‪44‬‬ ‫القيم �أو ال�سّ لطة(الطاهر بنجلون)‬ ‫‪56‬‬ ‫ثقــافـة االنـدهـا�ش!(د‪ .‬مرزوق ب�شري)‬ ‫‪100‬‬ ‫فك املربوط(�أمري تاج ال�سر)‬ ‫‪111‬‬ ‫ال�صورة املتوالدة(عبد ال�سالم بنعبد العايل)‬ ‫‪114‬‬ ‫�سماااااع هووو�س من ف�ضلكم(�صايف ناز كاظم) ‪138‬‬ ‫تربة الكاتبة(منهل ال�سراج)‬ ‫‪160‬‬ ‫ندوة‬

‫�إيطاليا جهة الو�صول‬ ‫حلم الهجرة الذي يتحول �إىل عار بني ال�ضفتني‬

‫‪62‬‬

‫‪48‬‬

‫القراءة‬ ‫طعم الحب‬

‫أدب‬ ‫‪102‬‬ ‫توما�س تران�سرتومر‪ ..‬جغرافيا ال�شعر البعيدة‬ ‫بوعالم �صن�صال‪ :‬يف انتظار الثورة اجلزائرية‬ ‫ف�ضيحة البوكر الإجنليزية‬ ‫صيد اللؤلؤ‬

‫الأرقام العربية (د‪ .‬حممد عبد املطلب)‬ ‫تشكيل‬

‫حامد عوي�س قيمة اجل�سد وغريزة البقاء‬ ‫سينما‬

‫‪143‬‬

‫موسيقى‬

‫عبد النبي اجلرياري جرح الأغنية املغربية‬ ‫عمرو دياب‪� ..‬ألبوم الك�سل‬

‫‪135‬‬

‫دوحة العشاق‬

‫تبلغنا العيون مبا �أردنا (نزار عابدين)‬

‫‪139‬‬

‫كثري من املهرجانات قليل من الأفالم‬ ‫مهرجان الإ�سكندرية‪ :‬دورة الفلول والثوار‬ ‫بغداد‪ :‬خوف النجوم‬ ‫�أبوظبي‪ :‬ثورة ال�سينمائيني‪ ..‬حتى �إ�شعار �آخر‬ ‫بريوت‪�:‬أفالم الربيع بدون دعوة!‬ ‫احلرب يف مر�آة اجلنيّات‬ ‫ن�سوة ال�شا�شة‬

‫علوم‬

‫خوان جويتيسولو‬

‫زمن‬ ‫ابن خلدون‬ ‫‪20‬‬

‫‪22‬‬

‫ن�صيحة يف كب�سولة‬ ‫«‪ »8.7‬مليون كائن على الأر�ض‬ ‫نامو تبدعوا‬ ‫�أطعمة من �أجل املزاج الرائق‬

‫‪148‬‬

‫‪151‬‬ ‫‪152‬‬

‫صفحات مطوية‬ ‫‪158‬‬ ‫خم�سون عام ًا على جملة «الكاتب» (�شعبان يو�سف)‬

‫قضية العدد‬

‫المرأة‬ ‫نصف الثورة‬ ‫الحلو‬


‫متابعات‬

‫متاهات الثورة الموريتانية‬ ‫موريتانيا ‪ -‬عبداهلل ولد محمدو‬ ‫عجي���ب أم���ر الش���باب الموريتاني‪،‬‬ ‫يعيش ربي���ع الث���ورات العربية‪ ،‬حذق‬ ‫فقه الث���ورة‪ ،‬وتع���رف أركانها‪ ،‬فأحرم‬ ‫من المواقيت‪ ،‬ووقف بالميادين‪ ،‬وطاف‬ ‫وسعى‪ ،‬لكن لسان حاله اليوم يقول إن‬ ‫نسكه منتقض‪.‬‬ ‫فما السر في هذا الخلل الذي سرى إلى‬ ‫نسكه الثوري رغم استيفائه أركانه؟‬ ‫ل���م تلبث حماس���ة ث���ورة ‪ 25‬فبراير‬

‫الموريتاني���ة أن خمدت جذوتها‪ ،‬بعد أن‬ ‫أشعلت لهيبها دعوات شباب‪ ،‬تداعت آالف‬ ‫منه إلى صفحات «الفيس بوك» مطالبة‬ ‫بالتغيير الش���امل واإلص�ل�اح ومكافحة‬ ‫الفساد‪ ،‬وإن لم تتحمس غالبيتها لدعوة‬ ‫البع���ض إلى تغيي���ر النظام‪ ،‬ألس���باب‬ ‫كثيرة‪ ،‬منها تشجيع الرئيس الموريتاني‬ ‫المعل���ن للتح���رك الش���بابي الداع���ي‬ ‫لإلصالح ودعمه الصريح لحزب العصر‬ ‫الذي حمل لواءه ش���باب الثورة المؤلف‬ ‫من تشكيالت سياسية مختلفة وأطياف‬

‫ماركات القذافي‬ ‫لي���س غريب ًا أن تصبح عب���ارات ربيع الثورات العربية مصدر إلهام لش���تى‬ ‫المبدعين في مختلف المجاالت‪ ،‬أو أن يتندر الناس بخطابات بعض ش���خصيات‬ ‫هذه الثورات الغريبة كالقذافي الذي ش���غل الن���اس بعبارته «زنقة زنقة»‪ ،‬لكن‬ ‫الطريف أن تتحول هذه العبارة من ش���عار قذاف���ي للتحريض على تعقب الثوار‬ ‫إلى زي ملبوس‪ ،‬وهو ما ش���هده موسم عيد الفطر السابق في موريتانيا‪ ،‬حيث‬ ‫راج في األس���واق الموريتانية نوع من المالحف «الزي النسائي التقليدي للمرأة‬ ‫الموريتانية» عرف بمالحف زنقة زنقة‪.‬‬ ‫ويمتاز الثوب النسائي «الملحفة» بسرعة التجدد والتغير في األسماء واأللوان‬ ‫واألشكال الزخرفية لها‪ ،‬رغم ثبات ش���كلها التصميمي‪ ،‬وغالب ًا ما تحمل أسماء‬ ‫أحداث وطنية أو دولية‪ ،‬تشغل الرأي العام‪ ،‬دون أن يعني هذا االختيار إعجاب ًا‬ ‫بالحدث‪ ،‬بل هو نوع من االستغالل التجاري لشهرة الحدث أو الخطاب‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫اجتماعي���ة عدي���دة‪ ،‬وكان له���ذا التفاهم‬ ‫مع الرئيس أثر عاصف بثورة الش���باب‬ ‫ووحدة تماسكه في ظل محيط سياسي‬ ‫رافض لحراكه‪ ،‬فالمعارضة خيب آمالها‬ ‫عرافي الثورة الشبابية المبكر إلى‬ ‫اتجاه ّ‬ ‫القصر‪ ،‬وتناغم ش���عاراتها مع برنامج‬ ‫الرئيس السياس���ي الداعي إلى «مكافحة‬ ‫الفس���اد»‪ ،‬والمواالة السياس���ية أغاظها‬ ‫اندفاع الرئيس في تأييد حركة شبابية‪،‬‬ ‫توجس���ت خيفة من ولوجها المتكرر إلى‬ ‫القصر‪ ،‬فليس مس���تبعدًا ف���ي نظرها أن‬ ‫يعرض ه���ذا القصر عن أنص���اره الكبار‬ ‫الحكماء متجه ًا صوب شباب غير مندفع‪،‬‬ ‫متناس���ي ًا فضل من رفعوه إلى كرس���ي‬ ‫القصر بمددهم الم���ادي والمعنوي‪ ،‬فقد‬ ‫س���رت الغي���رة إلى نفوس���هم من ضرة‬ ‫غض���ة حت���ى تمنى ش���يوخ م���ن حزب‬ ‫السلطة الرسمي أن يعودوا شبان ًا مرداً‪.‬‬ ‫ومن الطريف أن الشباب الموريتاني‬ ‫اتجه���ت أغل���ب تنظيمات���ه السياس���ية‬ ‫«الثوري���ة» لمغازل���ة القصر ف���ي الوقت‬ ‫ال���ذي تش���يخ في���ه الطبقة السياس���ية‬ ‫المعارضة‪ ،‬فتب���دو أغلب وجوهها ‪ -‬من‬ ‫زعيم المعارضة وغيره من قادة ورموز‬ ‫أحزابها ‪ -‬في خريف العمر الذابل بعصر‬ ‫ربيع الثورات الزاهر‪.‬‬ ‫استوفى األركان ولزمه دم لم يقضه‬ ‫استوفى الشباب الموريتاني األركان‬ ‫األربع���ة‪ ،‬متمتع ًا بش���عارات عدة لربيع‬ ‫الثورة العربي���ة‪ ،‬عس���اها تقربه زلفى‬ ‫إلى القص���ر‪ِ ،‬‬ ‫قبلة الث���ورات‪ :‬فقد أحرم‬ ‫بنية التغيير من ميقات مواقع التواصل‬ ‫االجتماع���ي باعتباره وس���يلة للتنظير‬ ‫والتخطيط للتحركات‪ ،‬فهو ركن الثورة‬ ‫األول ال���ذي انعقدت عب���ر صفحاته نية‬ ‫اإلصرار الج���ازم وعزيمة الثورة‪ ،‬ولعل‬ ‫س���ر أهمية هذا الركن في جدته وخفائه‬ ‫عل���ى كثير م���ن مه���رة رقباء الس���لطة‬ ‫التقليديين‪ .‬وله ب���كل بلد ميقات زماني‬ ‫محدد‪ ،‬اختار ل���ه الش���باب الموريتاني‬ ‫الخامس والعش���رين من فبراير أس���وة‬ ‫بالثورات العربية ‪ 25‬يناير بمصر‪ ،‬و‪17‬‬ ‫فبراير بليبيا‪.‬‬ ‫ووقف بالمي���دان‪ ،‬وهو مكان يتنادى‬ ‫إليه الثائرون‪ ،‬يس���مى «ميداناً» وإن لم‬


‫يك���ن في األص���ل معروف بهذا االس���م‪،‬‬ ‫اخت���ار له الش���باب الموريتاني س���احة‬ ‫بوس���ط العاصمة‪ ،‬هدمت عمارات كانت‬ ‫تنتص���ب به���ا‪ ،‬ليح���ل محلها بن���اء من‬ ‫ن���وع جديد‪ ،‬يحاول التأس���يس لصروح‬ ‫سياسية جديدة‪ ،‬والختيار هذه الساحة‬ ‫مغزى سياس���ي‪ ،‬فق���د بيع���ت عماراتها‬ ‫العمومية لخصوصيي���ن‪ ،‬فكان التجمع‬ ‫به���ا احتجاج ًا عل���ى خصخصتها لرجال‬ ‫أعم���ال‪ ،‬تنازل���ت لهم الدول���ة عن أغلى‬ ‫قطعة أرضية في وسط العاصمة‪.‬‬ ‫ثم كان الطواف بالميدان لعدة أشواط‬ ‫مستمرة لغاية ولوج ساحة القصر‪ ،‬وقد‬ ‫ظ���ل حراك ش���باب ث���ورة الفيس بوك‬ ‫ال رغم‬ ‫الموريتاني من���ذ انطالقه متواص ً‬ ‫التباعد النس���بي بين أيامه االحتجاجية‬ ‫من ي���وم الجمع���ة ‪ 2/25‬إل���ى اإلثنين‬ ‫‪ ،4/25‬والثالث���اء ‪ ،5/24‬وقد اس���تمد‬ ‫هذا الش���باب أس���ماء أيامه من شعارات‬ ‫الثورات العربية التي س���بقته‪ ،‬كتسمية‬ ‫احتجاجات الثالثاء بيوم الغضب‪.‬‬ ‫وأخيرًا الس���عي الحثيث بين الميدان‬ ‫والقص���ر‪ ،‬لتحقي���ق التغيير المنش���ود‪،‬‬ ‫ولعل مما قلل من فاعلية س���عي الشباب‬ ‫الموريتاني الثوري كون المحرم المتمتع‬ ‫بش���عارات الثورة الطامح إل���ى القصر‬ ‫يلزمه دم‪ ،‬وليس ح���ب إراقة الدماء من‬ ‫طبيع���ة الموريتانيي���ن‪ ،‬وال التضحي���ة‬ ‫بغير الخراف من سنتهم‪.‬‬ ‫لقد حرك الش���باب الموريتاني سفنه‬ ‫وف���ق ضوابط فق���ه الث���ورات العربية‪،‬‬ ‫لكن الموج رماه إلى اليم خالي الوفاض‬ ‫إال من حيرة تش���ده مرة إلى تذكر أيامه‬ ‫الخوال���ي الت���ي أق���ام فيه���ا اعتصامات‬ ‫وحرك مظاه���رات ‪ -‬وإن كان���ت خافتة‬ ‫ بميادين العاصم���ة‪ ،‬وتجذبه مره إلى‬‫عرض هذا اإلرث الثوري المتعثر بالمزاد‬ ‫العلني بسوق قصر رئاسي‪ ،‬أعرض عنه‬ ‫ونأى بعد تفككه‪ ،‬عائدًا إلى حبه األول‪،‬‬ ‫متمس���ك ًا بحزب الكبار‪ ،‬فكيف يشق هذا‬ ‫الش���باب طريقه‪ ،‬وهو عاجز متردد بين‬ ‫موقفين‪ ،‬موقف بقصر رئاسي لم يستجب‬ ‫لمطامحه‪ ،‬وموقف بميدان ثوري لم يقو‬ ‫على الثبات فيه ؟‬

‫خمسينيه اتحاد كتاب المغرب‬ ‫المغرب ‪ -‬عبدالحق ميفراني‬ ‫احتف���ى مؤخ���رًا اتحاد كت���اب المغرب‬ ‫بالذكرى الخمسينية لتأسيسه (‪1961‬ــ‬ ‫‪ ،)2011‬حيث ش���مل برنامجه الثقافي‬ ‫بهذه المناس���بة لقاءات ثقافية وفنية‪،‬‬ ‫إل���ى جانب حفل موس���يقي‪ ،‬وذلك في‬ ‫أف���ق تنظيم المكتب التنفي���ذي للمؤتمر‬ ‫الوطن���ي الثامن عش���ر التح���اد كتاب‬ ‫المغرب‪.‬‬ ‫كما تمت صياغة بنود اتفاقية التعاون‬ ‫والش���راكة بي���ن اتحاد كت���اب المغرب‬ ‫وبيت الحكمة العراق���ي في أفق توطيد‬ ‫العالقات الثقافية‪.‬‬ ‫مض���ى عل���ى تأس���يس اتح���اد كتاب‬ ‫المغرب ما يربو على ‪ 50‬س���نة‪ .‬وإلى‬ ‫الي���وم‪ ،‬الزال الره���ان مس���تمرًا في أن‬ ‫يكون االتحاد «صوت ًا للنقد المس���ؤول‬ ‫والخ�ل�اق»‪ ،‬ويواص���ل تطوي���ر أدائه‬ ‫الثقاف���ي ف���ي اتجاه حضور وإش���عاع‬ ‫أعمق‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬يبدو أن مؤسسة االتحاد «ترهلت»‬ ‫وأمست تستدعي التفكير في آليات عملها‬ ‫واس���تراتيجياتها الثقافي���ة‪ ،‬خصوص ًا‬ ‫أننا أمام إطار ثقافي يجر وراءه تاريخ ًا‬ ‫ال من االنخراط الفعلي في ترسيخ‬ ‫حاف ً‬ ‫مفهوم الثقافة الوطنية‪.‬‬ ‫أي اتحاد كتاب المغ���رب يريده الكتاب‬ ‫المغاربة اليوم في خض���م هذا الحراك‬ ‫الداخل���ي الدائر حالي���اً؟‪ ،‬حيث ارتفعت‬ ‫أص���وات تن���ادي بضرورة عق���د ندوة‬

‫وطني���ة لمناقش���ة راهن اتح���اد كتاب‬ ‫المغرب ومستقبله‪ ،‬وهو ما يزكي تلك‬ ‫اإلرادة القوي���ة ف���ي أن تجم���ع الكتاب‬ ‫والمثقفين يجب أن يق���دم نموذج ًا حي ًا‬ ‫للمغرب الي���وم في قدرته عل���ى تدبير‬ ‫اختالفات���ه الجوهرية بالنقد المباش���ر‬ ‫وحتى بالنقد الذاتي‪.‬‬ ‫لقد أمس���ى اتحاد كتاب المغرب مطالب ًا‬ ‫بإعادة التفكير في آليات التدبير الثقافي‬ ‫بالمغ���رب‪ .‬واالنخ���راط بش���كل عميق‬ ‫في أس���ئلة المغرب الثقاف���ي بكتاباته‬ ‫وبمختلف طرائ���ق التعبير‪ ،‬واالنخراط‬ ‫أيض ًا في إش���كاليات القراءة والكتاب‪،‬‬ ‫واأله���م التفكير في سياس���ات المغرب‬ ‫الثقافية‪ .‬واألهم ف���ي راهنه اليوم‪ ،‬أن‬ ‫يوازي فعله وحض���وره الثقافي مع ما‬ ‫يش���هده العالم العربي من حراك ثوري‬ ‫ضد االستبداد‪.‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬أصدر المكتب التنفيذي‬ ‫التحاد كتاب المغرب بيان ًا اس���تنكاري ًا‬ ‫يحتج فيه على «إقصائه كصوت ثقافي‬ ‫وتغييبه من تش���كيلة المجلس الوطني‬ ‫لحقوق اإلنس���ان»‪.‬حيث يعتبر إقصاءه‬ ‫وتغييب���ه من تش���كيلته المعل���ن عنها‪:‬‬ ‫تراجع ًا ع���ن روح ومنطوق الدس���تور‬ ‫الجدي���د الذي أدم���ج المس���ألة الثقافية‬ ‫ف���ي المنظوم���ة الحقوقي���ة الوطنية‪،‬‬ ‫واس���تهداف ًا لالتح���اد كمنظم���ة ثقافية‬ ‫وطني���ة عريقة‪ ،‬انبرت منذ تأسيس���ها‬ ‫لالصطف���اف دائم��� ًا إلى جان���ب قضايا‬ ‫اإلنسان وحريته وحقوقه‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫شتات الكتّاب‬ ‫نوارة لحـرش‬ ‫الجزائر ‪ّ -‬‬ ‫خلّف صالون الجزائر الدولي للكتاب‬ ‫(‪ 23‬س���بتمبر – ‪ 1‬أكتوب���ر) ف���ي طبعته‬ ‫الـسادس���ة عش���ر زوبعة واس���تياء في‬ ‫الوس���ط األدبي المحلي‪ ،‬حيث اكتش���ف‬ ‫الم َعّدة‬ ‫أدب���اء الداخل أنهم خارج األجندة ُ‬ ‫المصاحب���ة‬ ‫للنش���اطات والفعالي���ات ُ‬ ‫للصالون‪ .‬وكان الروائي الحبيب السائح‬ ‫أول م���ن أصدر بيان ًا ين���دد فيه بإقصاء‬ ‫روايت���ه األخي���رة «زه���وة»‪ .‬مس���تنكرًا‬

‫‪6‬‬

‫بلهجة حادة هذا الفعل التهميش���ي الذي‬ ‫ال تتوانى الجهات الوصية من ممارسته‬ ‫عل���ى بعض المبدعين‪ .‬وطالب الس���ائح‬ ‫الهيئة المش���رفة التي تتحك���م في المال‬ ‫العمومي‪ ،‬باالشتغال‪ ‬بشفافية‪.‬‬ ‫ول���م يكن صاح���ب «زم���ن النمرود»‬ ‫الكتاب الذين نددوا‬ ‫وحده في ريبرت���وار ُ‬ ‫مارس ضدهم‪ .‬فالش���اعرة‬ ‫باإلقص���اء ُ‬ ‫الم َ‬ ‫والروائي���ة ربيع���ة جلط���ي س���جلت‬ ‫اس���تنكارها ه���ي أيض��� ًا م���ن اإلقص���اء‬ ‫ال���ذي تتع���رض ل���ه ف���ي كل طبعة من‬

‫ربيعة جلطي‬

‫بشير مفتي‬

‫توفيق عوني‬

‫عاشور فني‬

‫طبعات الصال���ون وكتبت على صفحتها‬ ‫الشخصية في الفيسبوك‪« :‬للعام الرابع‬ ‫ُيقصى اس���مي م���ن برنام���ج المعرض‬ ‫الدول���ي للكت���اب على الرغم م���ن كتبي‬ ‫الجديدة ومنها «بحار ليست تنام»‪«،‬حجر‬ ‫حائر» و«الذروة»‪ .‬وقد استقطب تصريح‬ ‫جلطي تضامن ًا كبيرًا من خالل التعليقات‬ ‫الت���ي تجاوزت ‪ 90‬تعليق ًا ومن الاليكات‬ ‫التي تج���اوزت ‪ .120‬وأكدت جلطي في‬ ‫س���ياق تصريحها وبكثير من المرارة أن‬ ‫العائل���ة األدبية والثقافية ف���ي الجزائر‬ ‫تش���كو الشتات ومرض الكراهية الخبيث‬ ‫الذي ينتج عنه اإلقصاء والتهميش‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬أعلن الروائي بشير مفتي‬ ‫اس���تياءه من هذه اإلقص���اءات المتتالية‬ ‫والمبرمجة مس���بقاً‪ .‬وأض���اف المتحدث‬ ‫نفس���ه الذي لم تتم دعوته هو أيض ًا وال‬ ‫مرة لنشاطات الصالون الدولي ِ‬ ‫للكتاب‪:‬‬ ‫«أبسط األخالق أن يحضر الكتاب الذين‬ ‫يكتب���ون وليس الذين يطبلون كالعادة‪،‬‬ ‫لكن المؤس���ف أن هناك أس���ماء تتكرس‬ ‫مثل الس�ل�اطين في هذا الصالون بالذات‬ ‫وتَه َّم���ش»‪ .‬ودعا مؤلف‬ ‫وأخرى تلغ���ى ُ‬ ‫الكت���اب إل���ى وقفة‬ ‫الذب���اب»‬ ‫«أرخبي���ل‬ ‫ُ‬ ‫احتجاجي���ة للتعبي���ر عن س���خطهم من‬ ‫التهميش واإلقصاء‪.‬كما س���جل الش���اعر‬ ‫توفيق عوني أيض ًا استياءه من اإلقصاء‬ ‫ال���ذي يعاني منه أدباء الهامش من أبناء‬ ‫المدن البعي���دة عن الجزائ���ر العاصمة‪،‬‬ ‫وق���ام بتوجيه نداء إلى وزي���رة الثقافة‬ ‫يش���كو فيه���ا اإلهم���ال ال���ذي تمارس���ه‬ ‫المؤسس���ات الثقافي���ة ضده���م‪ .‬واعتبر‬ ‫يكرس المركزية‬ ‫الش���اعر أن هذا التمييز ِّ‬ ‫ويؤسس للقطيعة الدائمة‬ ‫في كل ش���يء‬ ‫ِّ‬ ‫بين كّتاب الجزائر‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬الشاعر عاشور فني أصدر‬ ‫بيان ًا ندد فيه باألس���اليب المشينة التي‬ ‫تعتمده���ا إدارة الصالون في التعامل مع‬ ‫الكتاب‪ ،‬مع العلم أنه كان مدعوًا لتنشيط‬ ‫ُ‬ ‫أمس���ية ش���عرية إال أنه تراجع في آخر‬ ‫لحظة‪ ،‬وأعلن مقاطعته للصالون‪ .‬وهو‬ ‫القرار نفسه الذي بادر إليه الروائي عبد‬ ‫العزي���ز غرمول الذي كان اس���مه مدرج ًا‬ ‫لتنشيط أمس���ية الش���اعرين اللبنانيين‬ ‫شوقي بزيع وإسكندر حبش‪.‬‬


‫جيفارا في ساحات اليمن‬

‫جيفارا‬

‫مرشد ًا لإلخوان في كوبا!‬ ‫صنعاء‪-‬جمال جبران‬ ‫ساهمت ثورة الشباب اليمنية في هدم‬ ‫بعض المس���لمات السياس���ية‪ ،‬من بينها‬ ‫كس���ر حالة احتكار الص���ورة التي كانت‬ ‫مقتص���رة‪ ،‬طيل���ة عقود‪ ،‬عل���ى صورة‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫ط���وال ثالثة وثالثين عام���اً‪ ،‬لم تكن‬ ‫تظه���ر غير ص���ورة الرئي���س علي عبد‬ ‫اهلل صالح‪ ،‬متس���يدة المشهد برمته على‬

‫حس���اب غيرها م���ن صور ش���خصيات‬ ‫يمنية بارزة راحلة صنعت شيئ ًا عظيم ًا‬ ‫لبلده���ا‪ .‬الرئيس صالح لم يكن يحب أن‬ ‫يرى صورة غي���ر صورته حيثما ذهب‪.‬‬ ‫وكان هناك ما يشبه تعميم ًا رسمي ًا غير‬ ‫معلن ُيجب���ر أصحاب المحالت التجارية‬ ‫والمكات���ب الحكومية على الس���واء على‬ ‫رفع صورته‪ ،‬ومن يخالف هذا فليس له‬ ‫أن يلوم غير نفسه‪.‬‬ ‫وجاءت ثورة الش���باب لتكس���ر هذا‬

‫التقليد (الرس���مي) وتخرج إلى الواجهة‬ ‫ص���ور ش���خصيات يمني���ة سياس���ية‬ ‫راحلة أنجزت في حياتها الشيء الكثير‬ ‫لبلدها فاس���تحقت أن تبق���ى في ذاكرة‬ ‫اليمنيي���ن‪ ،‬وعلى وجه الخصوص تلك‬ ‫الشخصيات التي ُعرفت بنزاهتها أثناء‬ ‫تس���لّمها لمناصب رسمية مثال الرئيس‬ ‫الراح���ل إبراهيم الحم���دي (‪11 – 1943‬‬ ‫أكتوب���ر ‪ )1977‬الذي حك���م اليمن لمدة‬ ‫لم تتجاوز األع���وام األربعة لكن عمله‬ ‫وسيرته ما يزاالن حديث الشارع اليمني‬ ‫حت���ى الي���وم‪ ،‬بفضل م���ا أنجزه خالل‬ ‫فترته الرئاسية‪ .‬خصوص ًا سعيه لبناء‬ ‫مجتمع مدني حديث يبتعد عن الش���رط‬ ‫القبل���ي وأعرافه‪ .‬وظه���رت نتائج هذا‬ ‫المشروع سريع ًا وكان بإمكانه المضي‬ ‫بعي���دًا فيه غي���ر أنه قض���ى في حادث‬ ‫اغتيال ما تزال تفاصيله غامضة‪ .‬وإلى‬ ‫جان���ب ص���ورة الحمدي ظه���رت صور‬ ‫أخرى لش���خصيات يمني���ة راح أغلبها‬ ‫أيض ًا ضحية ح���وادث اغتيال غامضة‬ ‫طوال فترة حكم الرئيس صالح‪.‬‬ ‫الكم‬ ‫لك���ن الالفت م���ن بين كل ذل���ك ّ‬ ‫من الصور‪ ،‬الت���ي ُأعيد لها االعتبار في‬ ‫س���احات التغيير‪ ،‬ظهور صورة الثائر‬ ‫األرجنتيني إرنس���تو تشي جيفارا على‬ ‫جنبات كثيرة من تلك الساحات وبشكل‬ ‫جعل صورته تحتل المرتبة األولى من‬ ‫حيث كثاف���ة حضورها هن���اك‪ ،‬وعلى‬ ‫وج���ه الخص���وص في محي���ط جامعة‬ ‫صنعاء‪ ،‬حيث ال يمكن أن تسير متجو ًال‬ ‫لبضعة أمتار من غير أن يواجه بصرك‬ ‫ص���ورة لجيف���ارا بهيئ���ات وأش���كال‬ ‫مختلفة تتراوح بين صور فوتوغرافية‬ ‫ولوحات تش���كيلية تفنن شباب الثورة‬ ‫في عرضها وتقديمها‪ .‬ومن الطريف أن‬ ‫تجد شاب ًا ينتمي لجماعة حزب اإلصالح‬ ‫الديني���ة وهو يرفع ف���ي واجهة خيمته‬ ‫الت���ي يقيم فيه���ا في الس���احة صورة‬ ‫لجيف���ارا‪ ،‬وعندما تس���أله يجيبك على‬ ‫الفور أنه ليس للثورة دين أو جنس���ية‬ ‫كما أن لديه لحية مثلنا‪ ،‬قبل أن يضيف‬ ‫مازحاً‪« :‬يمكننا اعتب���ار الرفيق جيفارا‬ ‫رئيس��� ًا لجماعة اإلخوان المسلمين فرع‬ ‫كوبا!»‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫قصيدة نثر‪ ..‬إلى إشعار آخر‬ ‫دمشق ‪ -‬سناء عون‬ ‫مقه���ى «قصيدة نثر» ال���ذي حاول منذ‬ ‫انطالقته تحريك الج���و الراكد في مدينة‬ ‫ع���ل أوغاريت الت���ي صدرت‬ ‫الالذقي���ة‪ّ ،‬‬ ‫األبجدي���ة األول���ى إلى العالم‪ ،‬تس���تعيد‬ ‫بريقها الثقافي‪ ،‬قرر تعليق أنشطته إلى‬ ‫إشعار آخر‪ ،‬فسورية تنزف اليوم‪.‬‬ ‫هذا المقهى القابع في أحد أزقة الشيخ‬ ‫ضاه���ر‪ ،‬وال���ذي افتتح نهاي���ة ‪2007‬م‬ ‫تح���ول ف���ي بضعة أس���ابيع إل���ى قبلة‬ ‫للمبدعين‪.‬‬ ‫العب���ارات المنتق���اة بعناي���ة‪،‬‬ ‫والموضوع���ة ببراوي���ز أنيق���ة عل���ى‬ ‫الج���دران ه���ي أول المؤكدي���ن على أننا‬ ‫أمام مؤسس���ة ثقافية اكتست حلّة مقهى‪.‬‬ ‫تلك العبارات التي يستبدلها المسؤوالن‬ ‫بريء خليل ورامي غدير كل أسبوعين‪،‬‬ ‫هي ضيافة على شرف الماغوط‪ ،‬أنسي‬ ‫الح���اج‪ ،‬أدوني���س‪ ،‬محم���ود درويش‪،‬‬ ‫زي���اد الرحباني‪ ،‬أمجد ناص���ر‪ ،‬لوركا‪،‬‬ ‫س���ركون‪ ..‬شعر‪ ،‬نثر‪ ،‬س���رد وكلمات‪،‬‬ ‫هي ضيافة تجعلك مضطرًا لشرب البيرة‬ ‫دافئة والقهوة باردة‪ ،‬دونما امتعاض‪.‬‬ ‫المقه���ى يأخ���ذك إل���ى أجوائ���ه‪،‬‬ ‫بابتس���امة‪ ،‬وتأمل طوي���ل‪ .‬ذلك المقهى‬ ‫الذي ولد مثل غلط���ة‪ ،‬لم تكن والدته إال‬ ‫مزح���ة كما يؤكد بريء خليل‪« :‬مش���روع‬ ‫قصيدة نثر كان مزحة بيني وبين صديقي‬ ‫رامي‪ ،‬وربما كان من المفترض أن يكون‬ ‫المشروع مؤسس���ة ثقافية صغيرة لكن‬ ‫لصعوبة العمل في س���ورية تحول شكل‬ ‫المش���روع لمقهى قصيدة نثر‪ ،‬حاولنا أن‬ ‫نعمل بنفس نبض مؤسس���ة ثقافية غير‬ ‫ربحية»‪.‬‬ ‫الداخ���ل إل���ى المقهى‪ ،‬حت���ى وإن لم‬ ‫يسمع به من قبل‪ ،‬سيكتشف على الفور‬ ‫خصوصية المكان من خالل صور شعراء‬ ‫قصيدة النثر والتفعيل���ة‪ ،‬وكبار الكتاب‬ ‫في العالم‪ ،‬الملصقة على الجدران‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫مقهى ثقافي‪ ..‬مقهى متهم‬

‫كما يض���م مكتبة مؤثث���ة بنحو ألفي‬ ‫كتاب‪ ،‬تعتبر وجبة دس���مة لرواد المكان‬ ‫ممن يعش���قون النهل من هذه الفردوس‪.‬‬ ‫هذا العاش���ق سيترك الكتاب وحيدًا على‬ ‫الطاولة‪ ،‬تنفي���ذًا لتعليمة ورقة صغيرة‬ ‫علق���ت بج���وار المكتب���ة «الرج���اء إبقاء‬ ‫الكت���اب وحيدًا عل���ى الطاول���ة‪ ...‬نحن‬ ‫نعيده لمغارته السحرية»‪.‬‬ ‫أنش���طة المقهى بدأت بإحياء عدد من‬ ‫األمسيات الشعرية لش���عراء من مختلف‬ ‫األجي���ال منه���م‪ :‬م���رام المص���ري‪ ،‬منذر‬ ‫المص���ري‪ ،‬لقمان ديركي‪ ،‬محمد مظلوم‪،‬‬ ‫سامر إس���ماعيل‪ ،‬ندى منزلجي‪ ،‬حسام‬ ‫جيفي‪ ،‬إيلي عب���دو‪ ...‬كما أحيا عددًا من‬ ‫األمس���يات القصصي���ة لكت���اب من جيل‬ ‫الش���باب‪ .‬ول���م تغفل ع���ن إقامة حفالت‬ ‫توقيع الكت���ب‪ ،‬كان آخرها توقيع رواية‬ ‫«إلى األبد ويوم» للشاعر عادل محمود‪.‬‬ ‫كم���ا اس���تضاف المقه���ى ج���زءًا من‬ ‫أنش���طة مهرجان «في رحاب المتوسط»‬ ‫بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنس���ي‪،‬‬ ‫الذي تضمن معرض��� ًا للتصوير الضوئي‬ ‫لمصورين فرنسيين وسوريين‪.‬‬ ‫أما الضي���ف الكبير المقي���م دائم ًا في‬ ‫المقهى‪ ،‬فهو محمود درويش‪ ،‬حيث أقيم‬ ‫في الذكرى السنوية األولى لرحيله حفل‬ ‫بعن���وان «لقد مات فقط» اس���تمر ليومين‬

‫تضم���ن‪ :‬غناء بع���ض القصائد للش���اعر‬ ‫بصوت رشا بالل وإلقاء قصائد أخرى‪.‬‬ ‫أقام المقهى أيض ًا عددًا من المعارض‪،‬‬ ‫كان لألطفال نصيبهم الواسع فيها‪.‬‬ ‫قصيدة نثر هو مقهى يعطيك كل شيء‬ ‫تحتاج���ه من أفكار ومعن���ى‪ ،‬ويولد نوع ًا‬ ‫م���ن دينامي���ة النقاش‪ ،‬واالنس���يابية في‬ ‫التعامل والطرح‪ ..‬أدت إلى والدة حقيقية‬ ‫لمؤسس���ة ثقافية أهلية غير ربحية هدفها‬ ‫األول إش���اعة القراءة‪ ،‬ورعاية التجارب‬ ‫الجديدة‪ ،‬وخلق ٍ‬ ‫جيل من الشعراء الجدد‪،‬‬ ‫وأخيرًا جعل الحياة أجمل‪ ،‬والناس أكثر‬ ‫فرحاً‪.‬‬ ‫أق���ام المقه���ى مؤخ���رًا مجموع���ة من‬ ‫ورش���ات العم���ل‪ ،‬منه���ا ورش���ة ترجمة‬ ‫استمرت ش���هراً‪ ،‬أش���رف عليها المترجم‬ ‫الس���وري ثائ���ر دي���ب‪ ،‬وورش���ة لكتابة‬ ‫الس���يناريو بإش���راف السيناريس���ت‬ ‫الس���وري خالد خليفة‪ .‬كما أقام‬ ‫والروائي‬ ‫ّ‬ ‫المقه���ى دورات لغوي���ة مجاني���ة لتعليم‬ ‫اإلنكليزية والفرنسية‪.‬‬ ‫وتع���رض لكثي���ر م���ن المضايق���ات‬ ‫واالتهامات باليسارية وبفتح تجمع ثقافي‬ ‫غير مرخص أو تجمع ماركس���يين بحسب‬ ‫تعبير عناصر األمن تثير الضحك والكثير‬ ‫م���ن الس���خرية‪ ..‬التهم���ة الحقيقي���ة هي‬ ‫مشروع أهلي هدفه األول نشر الثقافة‪.‬‬


‫معرض الخرطوم الدولي للكتاب‬

‫إقبال ضعيف رغم الخصم‬ ‫الخرط����وم‪ -‬طاه����ر محم����د علي‬ ‫من���ذ والدت���ه بمناس���بة «الخرطوم‬ ‫ش���كل‬ ‫عاصمة للثقافة العربية ‪»2005‬‬ ‫َّ‬ ‫مع���رض الخرطوم الدول���ي للكتاب أهم‬ ‫إنج���ازات وزارة الثقاف���ة الس���ودانية‪،‬‬ ‫وعلى أمل أن تشهد الدورة السابعة هذا‬ ‫العام قوة شرائية أكبر على غرار العام‬ ‫الماض���ي‪ ،‬حيث بلغت قيم���ة المبيعات‬ ‫حوالي مليون ومئتي ألف دوالر‪ ،‬اتخذت‬ ‫الوزارة قرارات تلزم الناش���رين بخصم‬ ‫نسبة (‪ )% 25‬من سعر الكتاب‪ ،‬وتعفي‬ ‫الناشرين من الجمارك‪ .‬لكنه وعلى غير‬ ‫عادته لم يجد اإلقب���ال المتوقع في نظر‬ ‫بعض المراقبين‪.‬‬ ‫دورة هذا العام رفعت شعار (الثقافة‬ ‫هي الفائدة والرائدة لهذا المجتمع)‪ .‬وقد‬ ‫احتفت بدولة قطر‪ ،‬التي شاركت بعرض‬ ‫حوال���ي (‪ )90‬عنوان��� ًا م���ن مطبوعات‬ ‫وزارة الثقاف���ة والفن���ون والت���راث‪،‬‬ ‫واإلنت���اج الفكري القطري لمنش���ورات‬ ‫الدوحة عاصم���ة الثقافة القطرية للعام‬ ‫‪2010‬م‪ .‬فعالي���ات المع���رض تضمن���ت‬ ‫ندوات فكرية وثقافية وأمسيات شعرية‬ ‫وعروض��� ًا فني���ة م���ن الت���راث والغناء‬ ‫القط���ري والس���وداني‪ .‬البرنامج عرف‬ ‫مشاركة واسعة من دور النشر العربية‬

‫بلغت ‪ 150‬دارًا للنش���ر وبمش���اركة ‪15‬‬ ‫دولة‪.‬‬ ‫رح���ب فيه‬ ‫بحف���ل‬ ‫المع���رض‬ ‫افتت���ح‬ ‫َّ‬ ‫سعادة وزير الثقافة السوداني السموءل‬ ‫بالوفد القطري الذي ترأس���ه الس���يد عبد‬ ‫اهلل ناصر األنصاري ممثل وزارة الثقافة‬ ‫والفن���ون والتراث ومدير إدارة المكتبات‬ ‫العامة ومدي���ر معرض الدوح���ة الدولي‬ ‫للكت���اب‪ ،‬وس���فير قطر بالس���ودان علي‬ ‫بن حس���ن الحمادي‪ ،‬واعتب���ر الوزير أن‬ ‫مش���اركة قطر كضيف شرف مؤشر على‬ ‫نجاح المع���رض‪ ،‬يمثل ح���رص البلدين‬ ‫على العالقات الثقافي���ة واإلبداعية‪ .‬كما‬ ‫تكفُّل دولة قط���ر بطباعة‬ ‫أعلن الوزي���ر َ‬ ‫(‪ )13‬ديوان ًا لكبار الشعراء السودانيين‪.‬‬ ‫عبرت مستش���ارة الرئيس‬ ‫من جانبها َّ‬ ‫الس���وداني رج���اء حس���ن خليف���ة ع���ن‬ ‫س���عادتها بأن تكون قطر ضيف ش���رف‬ ‫مع���رض الخرطوم‪ ،‬مؤكدة على أن دولة‬ ‫قط���ر دعم���ت الثقافة العربي���ة بكثير من‬ ‫المبادرات والمعارف بطباعة المجلدات‪،‬‬ ‫واألطروحات العلمي���ة وتوفيرها مجان ًا‬ ‫للجامع���ات والمؤسس���ات الثقافي���ة‬ ‫السودانية‪.‬‬ ‫عرف���ت فعالي���ات المعرض أنش���طة‬ ‫موازية‪ ،‬حيث تضمن برنامج دولة قطر‬ ‫ندوتين‪ :‬األولى قدمت فيها الدكتورة كلثم‬

‫جبر الكواري ورقة حول المشهد الثقافي‬ ‫القط���ري‪ ،‬أش���ارت فيه���ا إل���ى انعكاس‬ ‫النمو االقتص���ادي على تط���ور المنتوج‬ ‫اإلبداعي القط���ري‪ ،‬وكذلك دور الوافدين‬ ‫ومس���اهماتهم م���ن خ�ل�ال المؤسس���ات‬ ‫الحكومية واألهلية‪ ،‬إضافة إلى البعثات‬ ‫ال عن المؤسسات‬ ‫الخارجية للطالب‪ ،‬فض ً‬ ‫الثقافي���ة وعمله���ا في التنمي���ة الثقافية‪.‬‬ ‫كما نبه���ت الدكتورة كلث���م جبر الكواري‬ ‫إلى أن المنت���وج األدبي القطري لم يجد‬ ‫نصيبه من االهتمام والنقد‪ ،‬وأن الساحة‬ ‫القطري���ة لم تك���ن بمعزل ع���ن محيطها‬ ‫الثقافي العربي‪ ،‬بل هي اآلن تنطلق من‬ ‫النطاق المحلي إلى العالمي مع االحتفاظ‬ ‫بخصوصيتها‪.‬‬ ‫أم���ا الن���دوة الثانية‪ ،‬فق���د قدمت فيها‬ ‫الدكتورة ه���دى النعيمي ورق���ة بعنوان‬ ‫«الصحاف���ة الثقافي���ة في قطر‪ :‬النش���أة‬ ‫والتط���ور»‪ ،‬تطرقت إلى الدور الذي لعبه‬ ‫اختيار الدوح���ة عاصمة للثقافة العربية‬ ‫‪ 2010‬في إثراء المنتوج الثقافي القطري‪،‬‬ ‫كما تضمنت الورقة سردًا موجزًا لمسيرة‬ ‫المطبوع���ات الثقافي���ة القطري���ة من���ذ‬ ‫سبعينيات القرن الماضي إلى اآلن‪ ،‬أكدت‬ ‫فيه الدكت���ورة هدى النعيم���ي على دور‬ ‫قطر في نش���ر وتوزيع الكتاب العربي‪،‬‬ ‫وإس���هام المطبوع���ات الت���ي تصدره���ا‬ ‫ف���ي تثقيف المتلق���ي العرب���ي وتزويده‬ ‫بالمعلومات والمعارف من خالل مجلتي‬ ‫«العروب���ة»‪ ،‬و«الدوحة» التي تقدم كتاب ًا‬ ‫هدية مع أعدادها الصادرة شهرياً‪.‬‬ ‫وفي ندوة أخرى ق���دم الوفد العراقي‬ ‫محاضرة بعنوان «الفن المسرحي العراقي‬ ‫بعد عام ‪2003‬م»‪ ،‬وفي الشأن السوداني‬ ‫تم تقدي���م ندوة حول «الهوية والمواطنة‬ ‫في ضوء المعطيات الثقافية»‪.‬‬ ‫كم���ا كان لجمه���ور المع���رض موعد‬ ‫مع أمس���ية فنية تغنت بالتراث والغناء‬ ‫القطري والس���وداني أقيمت على مسرح‬ ‫الفنون الش���عبية بأم درمان‪ ،‬بمشاركة‬ ‫المطرب القطري علي ش���اهين والفنان‬ ‫سعد حمد‪ ،‬ومن السودان عمر إحساس‪.‬‬ ‫واختتمت األمس���ية بتقديم وزير الثقافة‬ ‫هدايا تذكارية لس���فير قطر في الخرطوم‬ ‫وألفراد الوفد القطري المشارك‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫ميديا‬

‫تشريعات إعالمية جديدة بموريتانيا‬ ‫أبصر النور قانون جديد في موريتانيا‪،‬‬ ‫يمثل نقلة نوعية في تاريخها اإلعالمي‪،‬‬ ‫فق���د كش���ف مؤخ���رًا وزي���ر االتص���ال‬ ‫والعالق���ات م���ع البرلم���ان حم���دي ولد‬ ‫محج���وب بقصر المؤتم���رات عن قانون‬ ‫يقضي بتحرير القطاع السمعي البصري‪،‬‬ ‫وإلغاء االحتكار والمصادرة اإلعالمية‪،‬‬ ‫وتحويل وس���ائل اإلعالم التابعة للدولة‬

‫إلى مؤسس���ات خدم���ة عمومية‪ ،‬وفتح‬ ‫اآلفاق أمام التعددية والتنوع‪ ،‬وإفس���اح‬ ‫المجال أمام إذاعات وتليفزيونات حرة‪.‬‬ ‫والمعروف أن الفضاء السمعي البصري‬ ‫ال محتكرًا لجهة‬ ‫في موريتانيا ظ���ل طوي ً‬ ‫واح���دة ه���ي الحكوم���ة‪ ،‬توج���ه عبره‬ ‫رس���التها الرس���مية بصوتها األحادي‪،‬‬ ‫ومن آث���ار هذا االحتكار إع���راض أغلب‬ ‫المواطني���ن عن اس���تقبال ب���ث القنوات‬ ‫الرس���مية بس���بب أحاديثه���ا الرتيب���ة‪،‬‬ ‫وعجزه���ا اإلعالمي في خضم منافس���ة‬ ‫فضائي���ة قوي���ة‪ ،‬ولطالم���ا احتج���ت‬ ‫المعارضة على هذا االستئثار الرسمي‬ ‫باإلعالم المرئي والمسموع‪.‬‬ ‫ويجم���ع أه���ل االختصاص عل���ى عظم‬ ‫التحديات التي يطرحها هذا القانون في‬ ‫بلد يحتاج اإلعالم الحر فيه إلى مستوى‬ ‫من المس���ؤولية الواعي���ة للحفاظ على‬ ‫االنس���جام المجتمعي في بلد مش���حون‬ ‫بالتنوع العرقي والثقافي‪.‬‬

‫احتفاالت مصر الثورة بنصر أكتوبر‬ ‫في مص���ر انش���غل الس���اخرون ومواقع‬ ‫النكتة السياس���ية بالتعليقات الباس���مة‬ ‫احتف���اء بنص���ر أكتوبر عل���ى صفحات‬ ‫الفيسبوك‪:‬‬ ‫كتب س���امح سمير‪ :‬بمناس���بة احتفاالت‬ ‫أكتوبر‪ ,‬المش���ير طنط���اوي يوفد مندوب ًا‬ ‫لوضع إكليل من الزهور على قبر الرئيس‬ ‫جمال عبد الناصر وآخر على قبر الرئيس‬ ‫أنور السادات‪ ,‬وإرس���ال عيش وحالوة‬ ‫إلى مقر الرئيس حسني مبارك‪.‬‬ ‫الرئي���س مب���ارك يوفد العقي���د أحمد عبد‬ ‫ال���رازق مأم���ور س���جن ط���رة لحضور‬ ‫احتفاالت أكتوبر نيابة عن سيادته‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫وكتب موقع األدب الساخر‪:‬‬ ‫تهنئ���ة واجبة‪ :‬إلى كوهين وحيدرا وماما‬ ‫راشيل وبابا ‪ -‬شمعون‪ ،‬وإلى العم ديفيد‬ ‫والخال حايي���م وطنط ناتال‪ ،‬وإلى الجد‬ ‫ليش���ع والجدة بول‪ ،‬إلى جميع الطواقي‬ ‫الصغي���رة والذقون الملطخة بالدماء‪ ،‬كل‬ ‫س���نة وأنتم متعكنن عليكو بمناس���بة ‪6‬‬ ‫أكتوبر وموعدنا قرب جدًا بإذن اهلل‪.‬‬ ‫حم���اده أبوزيد‪ :‬الحمد هلل ال���ذي أحياني‬ ‫حت���ى أرى ذكرى أكتوب���ر العظيم بدون‬ ‫طلع���ة جوي���ة‪ ..‬المجد للش���هداء‪ ..‬المجد‬ ‫لجماهي���ر مص���ر العظام الذي���ن خاضوا‬ ‫ملحمة العبور‪.‬‬

‫بال حدود‬ ‫نوارة لحـرش‬ ‫الجزائر‪ّ -‬‬ ‫الش���عراء والكت���اب يري���دون فت���ح‬ ‫الحدود بي���ن الجزائر والمغ���رب‪ ،‬هذا‬ ‫ما برز مؤخ���رًا على موق���ع التواصل‬ ‫االجتماع���ي الفيس���بوك‪ .‬حي���ث أطلق‬ ‫الش���اعر الجزائ���ري بوزي���د ح���رز اهلل‬ ‫والشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار‬ ‫بيان ًا على صفحتيهما يستنكر استمرار‬ ‫غلق الح���دود البرية بين هذين البلدين‬ ‫العربيين المتجاورين اللذين تجمعهما‬ ‫محب���ة عظيم���ة‪ ،‬وقد تم غل���ق الحدود‬ ‫منذ عام ‪ 1994‬بس���بب بعض الخالفات‬ ‫السياس���ية بين قي���ادة البلدين‪ .‬البيان‬ ‫ج���اء مقتضب��� ًا لكن���ه دا ًال عل���ى كل ما‬ ‫يحتويه التاريخ المش���ترك من الجوار‬ ‫والعالقات القوية الت���ي لم يقو الغلق‬ ‫على إضعافها أو قتلها والمس���اس بها‬ ‫يوم���اً‪ ،‬ألن ه���ذا التاري���خ الجميل بين‬ ‫البلدين والش���عبين أكبر وأقوى وأدوم‬ ‫من أي غلق ومن أي حدود إسمنتية أو‬ ‫حديدية‪ .‬البيان الق���ى الكثير من الدعم‬ ‫واالستجابة ليس فقط من أدباء الجزائر‬ ‫والمغ���رب‪ ،‬ولك���ن من ع���دد كبير من‬ ‫المبدعين والكتاب م���ن مختلف البلدان‬ ‫العربي���ة‪ ،‬وجاء في نصه‪« :‬نحن أدباء‬ ‫ومثقفي الوطن العربي مغرب ًا ومشرق ًا‬ ‫نس���تنكر اس���تمرار غلق الح���دود بين‬ ‫البلدين الش���قيقين‪ :‬المغرب والجزائر‪،‬‬ ‫ونخاط���ب الذي���ن دبروا ف���ي الليل هذا‬ ‫االعتداء السافر على الجغرافيا ونسجوا‬ ‫تل���ك المكيدة الطويلة محاولين تمزيق‬ ‫أواص���ر األخوة والتاريخ المش���ترك‪،‬‬ ‫ونق���ول لهم‪ :‬دعوا نهر المحبة والحياة‬ ‫يتدف���ق ح���رًا عميق��� ًا في جس���د هذين‬ ‫البلدي���ن‪ ،‬وال يحق لك���م وألي جهة أن‬ ‫تغل���ق الح���دود على ش���عبين هما في‬ ‫األصل شعب واحد»‪.‬‬ ‫وقد وقَّع البيان عدد كبير من المبدعين‬ ‫م���ن الجزائر والمغرب ومختلف البلدان‬ ‫العربية‪.‬‬


‫خفة دم اليمنيين‬ ‫«لن تستقيم ثورة في اليمن مع وجود‬ ‫نبتة القات»‪ ،‬عبارة ظهرت على السطح‬ ‫مع األيام األولى الندالع ثورة الش���باب‬ ‫اليمنية ووجدت لها صدى على صفحات‬ ‫نق���اش كثير م���ن الش���باب العربي على‬ ‫«الفيس���بوك»‪ .‬وقد تكون تل���ك العبارة‬ ‫مصيبة انطالق ًا من ك���ون طبيعة إدمان‬ ‫كثير من الشباب اليمني على تناول تلك‬ ‫النبتة يتطلب ظروف ًا معينة‪ ،‬كالجلوس‬ ‫في م���كان مريح وهادئ جي���د التدفئة‪،‬‬ ‫وذلك وقت التن���اول بعد ظهيرة كل يوم‬ ‫وقد يمت���د حتى وقت متأخر م���ن الليل‪.‬‬ ‫هذا إضافة لحالة العبوس والتجهم التي‬ ‫تنت���اب متناول الق���ات‪ .‬وهي ظروف ال‬ ‫تساعد الش���خص على القيام بأي حراك‬ ‫أو مجه���ود إضافي غير البقاء في التأمل‬ ‫والتخطي���ط لمش���اريع كبيرة س���تذهب‬ ‫لحال س���بيلها مع حلول اليوم‪ .‬لكن مع‬ ‫صحة كل هذا إال أن عجلة ثورة الشباب‬

‫تحركت في اليمن وتقدمت لتصل اليوم‬ ‫تخوم شهرها الثامن‪.‬‬ ‫وق���د ح���دث أن ق���ام مجموع���ة من‬ ‫ش���باب الث���ورة بإنش���اء صفحة على‬ ‫«الفيسبوك» هدفها إظهار أن نبتة القات‬ ‫الخض���راء ال يمك���ن أن تكون بأي حال‬ ‫من األحوال عائق ًا أمام قيام ثورة‪ ،‬كما‬ ‫هدفت الصفحة التي حملت اس���م «خفة‬ ‫دم اليمنيين» إيضاح أن ش���باب اليمن‬ ‫بدورهم وعل���ى الرغم من وجود القات‬ ‫بينهم إال أنهم يتميزون أيض ًا بخفة الدم‬ ‫واس���تلهام روح النكتة في مواجهة ما‬ ‫يح���دث اليوم من عنف وقت���ل لرفاقهم‬ ‫الثوار في الس���احات م���ن قبل عناصر‬ ‫ّ‬ ‫نظام الرئيس علي عبد اهلل صالح‪.‬‬ ‫وتعم���ل الصفحة عل���ى جمع أحدث‬ ‫الطرائف المتداولة بداخل الساحات عن‬ ‫األوضاع في البل���د أو المواقف المثيرة‬ ‫للسخرية التي يقع فيها رجال النظام‪.‬‬

‫المطلوب‪ ..‬غلق قناة «نسمة»‬ ‫محاولةإحراق قناة «نس���مة» الفضائية‬ ‫المثيرة للجدل في تونس لم يكن مظهر‬ ‫الغضب الوحيد ضد القناة التي أججت‬ ‫مؤخرًا سخط بعض المتتبعين‪ ،‬بعدما‬ ‫أقدمت على ع���رض الفيل���م الكرتوني‬ ‫اإليران���ي «بيرس���بوليس»‪ ،‬مدبلج��� ًا‬ ‫بالعامي���ة التونس���ية‪ ،‬والذي تجس���د‬ ‫واحدة من مشاهده الذات اإللهية‪.‬‬ ‫يروي س���يناريو الفيلم السيرة الذاتية‬ ‫للمخرج���ة اإليرانية مرجان س���ترابي‬ ‫التي تش���هد قيام الثورة اإلسالمية في‬ ‫إيران ثم ح���رب العراق‪ ،‬قبل أن تنتقل‬ ‫إلى المهجر في أوروبا وتعيش ثورتها‬ ‫الثاني���ة م���ع اكتش���اف ل���ذة التحرر‪،‬‬ ‫م���ع العل���م أن الفيلم ذاته ن���ال جائزة‬

‫خاصة من لجنة تحكيم مهرجان «كان»‬ ‫(‪ )2007‬وجائ���زة الس���يزار (‪.)2008‬‬ ‫ول���م يهضم بع���ض التونس���يين إقدام‬ ‫القن���اة على ع���رض «بيرس���بوليس»‬ ‫(بالد فارس) وأنش���أوا مجموعة على‬

‫الفيسبوك‪ ،‬انضم إليها أكثر من ‪1000‬‬ ‫متصفح لإلنترنت ف���ي ظرف يومين‪،‬‬ ‫تطالب بغلقها فورًا ومحاسبة القائمين‬ ‫عليها بتهمة اإلس���اءة لإلسالم في بالد‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫وسبق لقناة «نسمة» التي انطلق بثها‬ ‫س���نة ‪ 2009‬أن أثارت حولها كثير من‬ ‫ردود الفع���ل المتضاربة فيما بينها في‬ ‫تونس وف���ي المغرب الكبي���ر إجماالً‪،‬‬ ‫بس���بب ميلها إلى االنفتاح وإلى تقديم‬ ‫برام���ج «ت���وك ش���و» عل���ى الطريقة‬ ‫الغربية‪ .‬مما دفع ببع���ض التنظيمات‬ ‫المحافظة إلى اتهامها بتغريب المجتمع‬ ‫التونسي ومحاولة اقتالعه من جذوره‬ ‫األصيلة‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫ميديا‬

‫القارئ الشعبي ناقد ًا‬ ‫القاهرة ‪ -‬سامية بكري‬ ‫وقالت‪:‬‬ ‫ربة الشعر‪،‬‬ ‫«ثم‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫لطمت كاليوبي‪ّ ،‬‬ ‫يصدر‬ ‫هكذا‬ ‫فين���ا»‪،‬‬ ‫ظاظا‬ ‫أبلة‬ ‫ش���ماتة‬ ‫يا‬ ‫ِّ‬ ‫مدونة القارئ الش���عبي المجهول‬ ‫صاحب َّ‬ ‫مدونته الس���اخرة التي تقوم على الربط‬ ‫َّ‬ ‫بين مضم���ون األعمال األدبي���ة العالمية‬ ‫وأحداث الواقع‪ ،‬واستيحاء عناوين جديدة‬ ‫لهذه االعمال تتسم بالطرافة وخفة الظل‪،‬‬ ‫ويقوم القارئ الشعبي بعرض أغلفة هذه‬ ‫األعم���ال بعناوينها الجديدة التي وضعها‬ ‫ال‬ ‫ُمَذ َّيل���ة بالعناوي���ن األصلية له���ا‪ ،‬فمث ً‬ ‫على غالف مسرحية شكسبير «يوليوس‬ ‫قيصر» كتب ‪«:‬محاوالت شكسبير للوقيعة‬ ‫بين الشعب والجيش»‪ ،‬وفي ذيل الغالف‬ ‫كتب بخط صغير يوليوس قيصر‪ ،‬وعلى‬ ‫غالف رواية يوس���ا «حفلة التيس» كتب‪:‬‬ ‫«مالحق���ش ي���روح ج���دة»‪ ،‬وعلى غالف‬ ‫رواية «س���يد الخواتم» ل ج‪.‬ر‪.‬رتولكين‬ ‫كت���ب ‪« :‬تفضيل الجان على كثير من بني‬

‫اإلنسان»‪ ،‬وبعنوان «يارجالة إحنا ممكن‬ ‫نفرط في أي حاجة أي حاجة إال الحرية»‬ ‫جاء غالف مس���رحية شكس���بير «هنري‬ ‫الخامس»‪.‬‬ ‫أم���ا «امبريال���ي عفن ين���دس بين جموع‬ ‫الش���عب العمالية» فهو العن���وان البديل لـ‬ ‫«عناقيد الغضب» لجون شتاينبك‪ ،‬وتحت‬ ‫عنوان «اللي اختش���وا ماتوا» جاء غالف‬ ‫رواية ساراماجو «العمى»‪.‬‬ ‫غ�ل�اف «تاريخ الجم���ال» ألمبرت���و ايكو‬ ‫عنوان���ه يقول‪« :‬الب���ت بيضا بيضا بيضا‬ ‫الب���ت بيضا وأنا أعمل إي���ه» وهي أغنية‬ ‫شعبية مصرية شهيرة‪.‬‬ ‫وم���ن كالس���يكيات األدب الش���هيرة‬ ‫الت���ي طالتها س���خرية القارئ الش���عبي‬ ‫رواي���ة «المقامر» لديستيوفس���كي والتي‬ ‫صارت‪«:‬العب العب العب العب»‪ ،‬و«كيف‬ ‫تؤلف اشتعالة» هو العنوان الذي اختاره‬ ‫ألجاثا كريستي في روايتها «قطار الشرق‬ ‫الس���ريع»‪ ،‬ول���م يس���لم دانت���ي صاحب‬

‫«الحي���اة الجدي���دة» م���ن تس���ميتها «ابن‬ ‫المتشحتفة»‪.‬‬ ‫عرف بنفسه‪ ،‬وال يدع‬ ‫صاحب المدونة ال ُي ِّ‬ ‫مجال للتعليق عل���ى صفحته التي نالت‬ ‫إعج���اب ال���زوار بربطها بي���ن المضمون‬ ‫الفعل���ي للعم���ل األدبي‪ ،‬وبي���ن العنوان‬ ‫الس���اخر ال���ذي يس���توحيه م���ن الواقع‬ ‫العربي‪.‬‬

‫كوميديا سوداء سورية‬ ‫عن حيرة بعض المواطنين البس���طاء في‬ ‫س���ورية حول األح���داث الجاري���ة كتبت‬ ‫الروائية ابتس���ام تريس���ي على صفحتها‬ ‫بالفيسبوك تقول‪:‬‬

‫‪12‬‬

‫جارت���ي عجوز بس���يطة ج���دًا ال تعرف‬ ‫ماذا يح���دث بالبلد‪ ،‬أحيان ًا تقول لي‪ :‬اهلل‬ ‫محي���ي الجيش واهلل ل���واله كانت هلكتنا‬ ‫العصابات المس���لحة‪ .‬وأحيان ًا تقول لي‬ ‫«يعني لك بنتي معقول بش���ار األس���د ما‬ ‫عن���ده تليفزيون‪.‬؟ أنا بعرف أنو بس���يط‬ ‫وأكاب���ر وبحب���ه‪ ،‬ب���س واهلل مال���و حق‬ ‫يش���تري تليفزيون ويش���وف أش���و عم‬ ‫يعرضوا على الجزي���رة‪ ،‬بلكي بيقلن ال‬ ‫بق���ى يقتل���وا الخلق‪ ،‬واهلل ح���رام» حين‬ ‫أشرح لها أنّه يعرف‪ ..‬تستغفر اهلل وتقول‬ ‫«استغفري اهلل يا بنتي‪ ...‬حرام تظلميه‪،‬‬ ‫الرجال أش���و بدو يعمل اهلل يعينو‬ ‫يعني ّ‬ ‫عم يفكر بهموم الخل���ق كلن وين بيروح‬ ‫بحالو؟» وبعد أن تصمت قليالً‪ ،‬تس���ألني‬ ‫‪ :‬يعني لك بنتي إذا بعتهم على الجوالن‬ ‫ثم تعود لتقول لي «واهلل عيب‬ ‫ما أحسن؟ ّ‬

‫عليهم يقولوا عنه كالم بذيء‪ ،‬اهلل يرحم‬ ‫جيلنا ما كنا نس���ترجي نرفع وجهنا قدام‬ ‫اآلغا»‪.‬‬ ‫عندم���ا قطعوا الكهرب���اء والماء وخطوط‬ ‫الهات���ف قالت ل���ي‪« :‬ولك يخ���رب ديارن‬ ‫إذا واح���د مريض وب���دو دكتور كيف بدو‬ ‫يتصل فيه؟»‪.‬‬ ‫قل���ت لها‪ :‬ي���ا خالتي‪ ،‬أن���ت بتحبي زمن‬ ‫اآلغ���ا‪ ،‬وبيعرف���وا إن���ك بتحترميه‪ ،‬وما‬ ‫كنت تسترجي ترفعي راسك قّدامه‪ ،‬لهيك‬ ‫رجع���وك لزمن اآلغ���ا‪ ..‬طلعي جيبي َم ْي‬ ‫من العين واشتري لمبة كاز‪ ،‬وانسي أمر‬ ‫التليفون‪..‬‬ ‫فيي وقالت بلهجة س���اخرة ‪َ :‬م ْي‬ ‫طلَّع���ت ّ‬ ‫من العين؟ من امتى‪ ،‬العين ناشفة ! جيب‬ ‫كاز؟ ليش ضل كاز بالدنيا؟‬


‫ائتالف فلول القذافي‬ ‫تحت عنوان «ائتالف ثوار ‪ 20‬أغسطس‬ ‫وما بعدها» كتب صاحب مدونة «أمواج»‬ ‫عبدالدائ���م أكواص طبيب وش���اعر ليبي‬ ‫مقيم في لندن يصف بعض فلول النظام‬ ‫الليبي السابق الذين يسعون لالنقضاض‬ ‫على السلطة مرة أخرى ويقول‪:‬‬ ‫بيان رقم‪ :1‬نبارك نحن ‪ -‬أعضاء إئتالف‬ ‫‪ 20‬أغسطس (وما بعدها) ‪ -‬لكل الليبيين‬ ‫تحرير طرابلس وسقوط نظام القذافي‪،‬‬ ‫ونعل���ن دعمن���ا الالمح���دود لث���ورة ‪17‬‬ ‫ال‬ ‫فبراير‪ ،‬حيث نعتبر ائتالفنا رافدًا ومكم ً‬ ‫له���ا‪ ،‬ونظرًا النش���غال ثوارن���ا األبطال‬ ‫ف���ي الجبه���ات‪ ،‬فإننا نعلن اس���تعدادنا‬ ‫الالمشروط لملء كل المناصب الشاغرة‬ ‫ف���ي المرحل���ة اإلنتقالية (وم���ا بعدها)‪،‬‬ ‫س���واء أكانت ه���ذه المناص���ب وزارات‬ ‫أو إدارات عام���ة أو مجال���س محلية أو‬ ‫عس���كرية أو حتى مدراء مدارس‪ ،‬وذلك‬ ‫لم���ا تقتضيه ه���ذه المرحلة الحساس���ة‬ ‫من اس���تغالل أف���راد ذوي خبرة طويلة‬ ‫في ه���ذه المجاالت‪ ،‬فأعض���اء االئتالف‬ ‫متمرسون ولهم خبرة طويلة خالل فترة‬ ‫حكم النظام السابق (وماقبله)‪.‬‬ ‫ونؤك���د على حقيق���ة أن ه���ذا االئتالف‬ ‫يضم نخبة من أبن���اء الوطن المخلصين‬ ‫يتوزعون عل���ى الجهات التالية‪ :‬أعضاء‬ ‫المغرر بيهم‪ ،‬اتحاد المجبورين‪،‬‬ ‫جمعية‬ ‫َّ‬ ‫والحرك���ة الوطني���ة الجهوي���ة القبلي���ة‬ ‫العس���كرية المتمدنة‪ ،‬الحرك���ة الوطنية‬ ‫للمتس���لقين والعاملي���ن عليه���ا‪ ،‬رابطة‬ ‫اإلعالميي���ن والصحافيي���ن التائبي���ن‬ ‫(المطبلي���ن س���ابقاً)‪ ،‬مجل���س ش���ورى‬ ‫الخب���راء (الواصلي���ن س���ابق ًا )‪ ،‬لجان‬ ‫المحلقين حديث ًا (كاسكوات سابق ًا )‪.‬‬ ‫كم���ا نؤكد دعمن���ا ومبايعتن���ا للمجلس‬ ‫الوطني االنتقال���ي (وما بعده) كحكومة‬ ‫شرعية لليبيا‪.‬‬ ‫وإلى األمام‪..‬والكفاح االنتقالي مستمر‪.‬‬

‫اليوتيوب مشغول بصاحبة نوبل اليمنية‬ ‫بمجرد إعالن فوز الثائرة اليمنية توكل‬ ‫كرمان بجائزة نوبل للس�ل�ام انتش���رت‬ ‫على موقع اليوتيوب فيديوهات عديدة‬ ‫لها في أحاديث ومداخالت تليفزيونية‪،‬‬ ‫كما زاد اإلقبال عل���ى فيديوهاتها أثناء‬ ‫التظاه���ر واالعتص���ام ف���ي س���احات‬ ‫التغيير باليمن‪ ،‬وكان من أبرز تعليقات‬ ‫المشاهدين لفيديوهاتها بعد الفوز‪:‬‬ ‫«ألف مبروك لألس���تاذه توكل كرمان»‪-‬‬ ‫«ق���ل موت���وا بغيظك���م» ص���دق اهلل‬

‫مخاوف‬ ‫تونسية‬

‫العظيم‪.‬‬ ‫«وعل���ى عي���ن كل حاق���د وكل فاس���د‪،‬‬ ‫أيامكم راح���ت‪ ,‬وما بقائكم وتش���بثكم‬ ‫بالسلطة إلى اآلن إأل ألنكم تريدوا حرق‬ ‫ما تبقى في هذه البالد‪ ،‬لوال أمثالك من‬ ‫الحاقدين المحاربين لها ما كانت حصلت‬ ‫عل���ى نوب���ل‪« ،‬اح���رق في نفس���ك من‬ ‫الغيظ»‪« ،‬هلل درك يـ توكل‪ ,‬بنت تسوى‬ ‫‪ 1000‬رجال»‪ ،‬س���عودي ف���ي أميركا‪:‬‬ ‫«مبرووووووووك لتوكل كرمان»‪.‬‬ ‫على صفحات الثورة التونسية انتشرت‬ ‫التحذيرات المصورة الساخرة من تولي‬ ‫فل���ول النظام الس���ابق لمقالي���د األمور‬ ‫ودخول البرلمان ونشرت صورة لـ«بن‬ ‫علي» تحاكي خطابه األخير يقول فيها‪:‬‬ ‫«أنا عندي برشة فلوس‪ ..‬ايه نعم برشة‬ ‫فل���وس‪ ..‬بش نش���ريكم الكل‪ ..‬نش���ري‬ ‫البطال‪ ..‬ونش���ري السياس���ي‪ ..‬نشري‬ ‫الطال���ب والخدام واللي يساس���ي‪ ..‬ايه‬ ‫نعم برش���ة فل���وس‪ ..‬بكل ح���زم‪ ..‬بكل‬ ‫حزم»‪.‬‬ ‫وكتب التونس���ي س���امي سنوسي على‬ ‫صفحته متخوف ًا من التيار اإلس�ل�امي‪:‬‬ ‫«بن���و خونج وبن���و التج���وع يذهبون‬ ‫بتونس إلى جزائر ‪.1991‬‬ ‫إما معنا أو مع‪..‬نا! وليس هنالك طريق‬ ‫آخ���ر ثالث‪.‬أينك���م ي���ا ثوار م���ا قبل ‪14‬‬ ‫جانفي؟‪ ،‬أينكم يا أح���زاب الديمقراطية‬ ‫االجتماعي���ة الحقيقية؟‪ ،‬دائم��� ًا الخراج‬ ‫للدكتاتوري���ة القادمة تح���ت أي يافطة‬ ‫كانت»‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫ميديا‬

‫ياما تحت‬ ‫اللحايا‪ ..‬خفايا‬ ‫المدون‬ ‫«أحمد مطر تفوق علينا» هكذا كتب‬ ‫ِّ‬ ‫والكاتب الكويتي عبد اللطيف خالدي في‬ ‫هذا المقال على مدونته والذي صنفه تحت‬ ‫قسم «ياما تحت اللحايا خفايا» عن أحوال‬ ‫الثورات العربية بعد شهور من قيامها‪:‬‬ ‫وس���ط هذا الزخم من الث���ورات العربية‬ ‫وم���ا ُيصاحبها من س���قوط أقنعة الكثير‬ ‫من ‪ -‬بياعي���ن الحجي ‪ -‬التي ُيطبلون لها‬ ‫أبحث عن تطور ُيصاحب‬ ‫صباح ًا ومساء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫سقوط أنظمتها الغبية التي كانت السبب‬ ‫الرئيسي ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬لتراجع مستوى‬ ‫الحريات لديها وتدني فكر المواطن خالل‬ ‫فترة حك���م قراقوش���ها الظال���م‪ ،..‬كالم‬ ‫جميل ج���دًا جدًا و ‪ -‬يف���رح أوي ‪ ،!-‬لكن‬ ‫تطوره بعد سقوط‬ ‫أين المواطن المزعوم ّ‬ ‫النظام القمعي؟‪ُ ،‬ع���ذرًا فالرؤية معدومة‬

‫وال أرى من حديثكم األنيق إال س���راب ًا من‬ ‫بالعطاشى!‪.‬‬ ‫نار وسط أرض مليئة ُ‬ ‫جميع األراض���ي العربية الت���ي تمت بها‬ ‫الثورات تس���قط على وجهه���ا ‪ -‬بعرقلة ‪-‬‬ ‫س���لفية بحتة‪ ،‬فمصر على سبيل المثال‬

‫الجميالت الثائرات‬

‫وتعود به���ا خياالت من‬ ‫ُته���دم من جدي���د‬ ‫ُ‬ ‫الحكم السابق‪ ،‬فال يوجد فرق بين مبارك‬ ‫ أمل���ط ‪ ..-‬ومبارك صاح���ب لحيه كثة‬‫و‪-‬مسواك‪ ،!-‬فلو حاولنا النظر عن كثب‬ ‫بالش���أن المص���ري لرأينا حق��� ًا أن نظام‬ ‫ُمبارك يعود بأوجه سلفية إرهابية‪ ..‬كما‬ ‫تعود جماعة ‪ -‬حس���ب اهلل ‪ -‬مع مزاميرها‬ ‫بصوت عالي وشكل واضح جدًا !‪.‬‬ ‫ويواص���ل معلق��� ًا على ثورة س���ورية‪:‬‬ ‫نصب ش���خص‬ ‫األخطر م���ن كل ذلك أن ُي َّ‬ ‫ببش���اعة ‪ -‬العرع���ور ‪ -‬كأب روحي لهذه‬ ‫الحرك���ة‪ ،..‬فهل تتأملون واقع س���ورية‬ ‫الق���ادم في ظ���ل حكم س���لفي عرعوري‬ ‫لها؟‪،‬‬ ‫ويختتم مقال���ه قائالً‪ :‬أحم���د مطر تفوق‬ ‫علينا بع���د أن اعتقدنا بأنن���ا دحضنا كل‬ ‫أشعاره وخواطره وحروفه التي ُتهاجم‬ ‫المخزي‪،‬‬ ‫واقعنا العربي ُ‬ ‫أحمد مطر مرة أخرى‪:‬‬ ‫بعد ألفي سنة تنهض فوق الكتب‪،‬‬

‫«يا أمي���ركا هانت وبان���ت» كلها كام يوم‬ ‫كان ش���عار ظرفاء الفيسبوك في مساندة‬ ‫س���موا‬ ‫جمي�ل�ات الث���ورة األميركية كما ّ‬ ‫االحتجاج���ات األميركية األخي���رة يقول‬ ‫عبدالرحمن ف���ارس أحد أعضاء الصفحة‪:‬‬ ‫ظرفاء الفيس���بوك والث���ورة األميركية‪،‬‬ ‫«أن���ا أدعم الث���ورة األميركية ضد النظام‬ ‫الرأس���مالي‪..‬المتعفن كما أعلن تضامني‬ ‫الكامل م���ع كل الث���وار األمي���ركان ومع‬ ‫الثائرات منهن بشكل خاص!!»‪.‬‬ ‫«ياكبد أمك يا شابة‬ ‫فين بقى المدعي���ن للحرية لمصر يطلعوا‬ ‫البنية دي؟‬ ‫يتضامنوا مع ُ‬ ‫آه لو كنت في أمي���ركا مكنتش خليت حد‬ ‫يمسكك كده‬ ‫تس���قط الغطرس���ة األميركي���ة‪ ..‬المج���د‬ ‫للثائرات‬ ‫أنا عايز أناضل مع مناضالت أميركا»‬

‫‪14‬‬


‫أصداء وفاة العبقري جوبز‪:‬‬

‫جاجا تأكل التفاح‪ ..‬والعرب ينتظرون هدية آي باد‬ ‫غي���رت العالم‪:‬‬ ‫ي���رددون أن ‪ 3‬تفاح���ات ّ‬ ‫تفاح���ة آدم وتفاح���ة اس���حاق نيوتن‪،‬‬ ‫مكتشف قانون الجاذبية‪ ،‬وتفاحة «آبل»‬ ‫التي أسسها ستيف جوبز‪ ،‬ونحن صنعنا‬ ‫مصل التفاحتين‪ .‬كانت هذه أكثر المقوالت‬ ‫انتشارًا على مواقع التواصل االجتماعي‬ ‫تعليق ًا على وفاة مؤس���س «آبل» ستيف‬ ‫جوبز‪.‬‬ ‫وكان���ت أخب���ار وف���اة جوبز ق���د غمرت‬ ‫اإلنترنت من فيس���بوك إل���ى تويتر‪ ،‬من‬ ‫نيويورك إلى أس���تراليا‪ ،‬حتى أن العديد‬ ‫أطلق مصطلح «آيساد» حزن ًا عليه‪.‬‬ ‫العديد من الشركات قدمت التعازي وحتى‬ ‫غوغل وضعت رابط ًا على المحرك يشير‬ ‫إلى صفحة وفاة جوبز على موقع «آبل»‪،‬‬ ‫ال مع الحدث المؤس���ف قام مارك‬ ‫وتواص ً‬ ‫زوكربيرج منشئ الفيسبوك بنعي خاص‬

‫على حس���ابه الش���خصي بالفيس���بوك‪،‬‬ ‫وكان نصه التالي‪« :‬ستيف‪ ،‬شكرًا لكونك‬ ‫بينت‬ ‫صديق ًا ومث ً‬ ‫ال أعلى‪ ،‬وش���كرًا ألنك ّ‬ ‫يغي���ر العالم‪..‬‬ ‫أن‬ ‫يمك���ن‬ ‫تصنعه‬ ‫أن م���ا‬ ‫ّ‬ ‫سأفتقدك»‪.‬‬ ‫كماعب���رت المغنية العالمي���ة ليدي جاجا‬ ‫ّ‬ ‫ع���ن بالغ حزنها‪ ،‬وكتب���ت على صفحتها‬ ‫الش���خصية على تويتر تقول‪« :‬ش���عرت‬ ‫بحزن وألم ش���ديدين عندما علمت بوفاة‬ ‫رائد وعبقري التكنولوجيا ستيف جوبز‪،‬‬ ‫ال���ذي اس���تفاد العال���م كله م���ن خبراته‬ ‫واختراعات���ه ذات البصم���ة الواضح���ة‪،‬‬ ‫فاليوم قمت بتصف���ح اإلنترنت من إحدى‬ ‫اختراعاته التي أمتعنا بها‪ ،‬سأقوم بأكل‬ ‫التف���اح الي���وم بأكمله»‪ ،‬أما مس���تخدمو‬ ‫المواق���ع االجتماعية العرب فقد غير كثير‬ ‫منهم صور البروفايل لصورة جوبز‪ ،‬كما‬

‫اتفاقية لتبادل المخلوعين‬ ‫على صفحة س���ورية الحرية نش���رت صورة كاركاتيرية س���اخرة للرئيسين‬ ‫السوري بشار األسد واليمني علي عبد اهلل صالح وصاحبها هذا التعليق‪:‬‬ ‫«تلقى الرئيس بش���ار حافظ األس���د عصر الي���وم مكالمة م���ن فخامة الرئيس‬ ‫المخل���وع اليمني علي عب���د اهلل صالح‪..‬وقد هنأ كل منهما اآلخر باس���م جمعة‬ ‫اليوم‪..‬ه���ذا وقد تم بحث مب���ادرة المّتة مقابل القات‪ ،‬واقترح الس���يد الرئيس‬ ‫خزن الكثير‬ ‫تنفيذها على وجه الس���رعة‪..‬في حين صفن نظيره اليمني بعد أن ّ‬ ‫الكثير من «األفكار» ونطق‪..‬فاتنا الغطار‪ ..‬فات فينا الغطار!‬ ‫وما زال بش���ار يشرح للرئيس اليمني تعريف القطار وأنواعه وفلسفة السكك‬ ‫الخالقة حتى هذه اللحظة‪..‬وتلوح في االفق بوادر مد سكة حديدية بين دمشق‬ ‫وصنعاء لتبادل الرؤساء المخلوعين‪..‬والذي منه»‪.‬‬

‫نشروا العديد من الصور والمعلومات عن‬ ‫سيرته ومقوالته الشهيرة مثل‪:‬‬ ‫ االبتكار واإلبداع هو ما يميز بين القائد‬‫والتابع‪.‬‬ ‫ وقتك محدود‪ ،‬فال تضيعه وأنت تعيش‬‫حياة ش���خص أخر‪ ،‬ال تدع ضجيج آراء‬ ‫اآلخرين يحجب صوتك الداخلي‪ .‬واألهم‬ ‫من ذلك‪ ،‬لتكن لديك الش���جاعة لمالحقة‬ ‫ما يمليهما قلبك وحدسك‪ ،‬ألنهما بطريقة‬ ‫أو بأخ���رى يعرفان بالضب���ط ما تريد أن‬ ‫تكون‪ ،‬كل شيء آخر ثانوي‪.‬‬ ‫ونش���ر كاريكاتير يوضح ح���زن أجهزة‬ ‫الموبايل والكمبيوتر عليه وصورة لنصب‬ ‫تذكاري له على شكل موبايل كبير‪.‬‬ ‫أم���ا الطري���ف فه���و انتش���ار مجموع���ة‬ ‫من الرس���ائل بي���ن مس���تخدمي المواقع‬ ‫االجتماعية خصوص ًا فيس���بوك وتويتر‬ ‫مفاده���ا أن آب���ل ت���وزع آيف���ون وآيباد‬ ‫مجان��� ًا تخلي���دًا لذكرى جوبز‪ ،‬اإلش���اعة‬ ‫التي انتش���رت كالصاعقة بين مستخدمي‬ ‫اإلنترنت‪ .‬بل وأكثر من ذلك بعض الهاكرز‬ ‫استغلوا الفرصة للقيام بإنشاء تطبيقات‬ ‫خبيث���ة على الفيس���بوك وإش���هارها في‬ ‫الصفحات وبعض الحسابات المسروقة‪،‬‬ ‫مم���ا أدى إلى ازدي���اد ع���دد ضحايا هذا‬ ‫اإلع�ل�ان الوهمي‪ .‬فيما البعض اآلخر عمد‬ ‫إلى إنشاء صفحات على الفيسبوك تطلب‬ ‫م���ن المس���تخدم القيام بإعج���اب (اليك)‬ ‫لمجموعة من الصفحات لكي يكتشف من‬ ‫بعد أن األمر ال أساس له من الصحة وأنه‬ ‫فقط كان عامل عل���ى زيادة عدد معجبي‬ ‫تلك الصفحات‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫غياب‬

‫‪16‬‬


‫ستيف جوبز‬

‫كاهن وادي السيليكون‬ ‫مات ستيف جوبز ولن يتجلى مرة‬ ‫أخرى على المؤمنين بمنتجاته‪ ،‬لكن عبادة‬ ‫التفاحة مستمرة‪ ،‬وقد خرج الجيل الجديد‬ ‫من آي فون في موعده وكأن إطالقه جاء‬ ‫نوع ًا من رحمة ونور على روحه من كهنة‬ ‫المعبد حيث اإلهداء «إلى جوبز» بينما‬ ‫تدفقت جموع المؤمنين بتفاحة جوبز على‬ ‫أبواب المتاجر‪ .‬مستخدم من اليابان قال‬ ‫إنه وقف مع صديقه ثالثة أيام ليتمكن من‬ ‫الحصول على الجهاز لحظة إطالقه‪.‬‬ ‫تفاحة آبل التي ابتدعها جوبز هي‬ ‫الثالثة في التاريخ التي تغير العالم بعد‬ ‫التفاحة التي قضمها أبونا آدم فأخرجتنا‬ ‫من الجنة وتفاحة نيوتن التي سقطت‬ ‫على رأسه فألهمته قانون الجاذبية‪.‬‬ ‫كان مدير آبل‪ ،‬يصر على تقديم‬ ‫انتصاراته بنفسه‪ ،‬في مشهد يخلط بين‬ ‫كاريزما القائد العسكري والديني‪.‬‬ ‫في كل مرة يتـجلـى فيها جوبز علـى‬ ‫خــراف اهلل التكنولوجية‪ ،‬لعرض منتجه‬ ‫األحدث‪ ،‬يخرج أحد مساعديه مثل مؤمن‬ ‫جديد يعرض رحلته من الشك إلى اإليمان‬ ‫بآبل‪ ،‬شارح ًا كيف تسعى مايكروسوفت‬ ‫لتقليدها‪ ،‬لكنها لألسف تبقى مايكروسوفت‬ ‫في النهاية‪ ،‬مثيرة للشفقة مثل سمين‬ ‫مترهل يصر على تقليد ألفيس بريسلي!‬ ‫وبعد أن تلتهب أكف المؤمنين‬ ‫بالتصفيق‪ ،‬ينسحب المساعد‪ ،‬ويتجلى‬ ‫ستيف النحيف كراهب بلحيته البيضاء‪،‬‬ ‫وتي شيرته األسود فوق بنطلون الجينز‪،‬‬ ‫خلفه شاشة ضخمة في خلفية مظلمة‬ ‫لفضاء واسع‪ ،‬الشاشة تضيئها عالمات‬ ‫إصدارات مختلفة من نظام التشغيل‪،‬‬ ‫كأيقونات ال يبدو منها سوى الهاالت‬ ‫الذهبية تلمع فوق الرأس في ظالم‬ ‫المذبح‪.‬‬

‫آبل سبق أن قدمت عند اقتحامها لسوق‬ ‫الكمبيوتر الشخصي عام ‪ ١٩٨٤‬اإلعالن‬ ‫األنجح في تاريخ الدعاية األميركية‪،‬‬ ‫والذي يعرض مستخدمي الكمبيوتر حليقي‬ ‫الرؤوس في صورة عبيد لألخ األكبر‬ ‫الشيطان ‪ ،IBM‬في اللحظة التي تقتحم‬ ‫الفتاة الحيية آبل المكان وتهشم بمطرقتها‬ ‫رأس األخ األكبر وتحرر العبيد!‬ ‫وقد أسست آبل بذلك لتقليد في العداء‬ ‫بين شركات الكمبيوتر‪ ،‬وأخذ مبشرو‬ ‫مايكروسوفت ينهون مواعظهم بذلك‬ ‫الشعار الظافر والشامت‪ ،‬خذ هذه يا آبل!‬ ‫في فيلم قراصنة وادي السيليكون‬ ‫تتعايش الديانتان‪ ،‬حيث يقدم الفيلم قصة‬ ‫المؤسسين الكبيرين‪ ،‬ستيف جوبز وبيل‬ ‫غيتس عندما كانا صبيين غادرا المهد‬ ‫بقليل من السنوات‪ ،‬وقليل من المؤمنين‪،‬‬ ‫وكثير من الشظف‪ ،‬وتمكنا من تأسيس‬ ‫شركتيهما في قبوين أو كهفين‪.‬‬ ‫والعالمة الفارقة في االثنين التي‬ ‫تميزهما عن البشر العاديين‪ ،‬ويصران على‬ ‫إبرازها في الحوارات والسير المنشورة‪،‬‬ ‫هي أنهما غير جامعيين (أال يساوي هذا‬ ‫أمية األنبياء في األزمنة الغابرة؟)‪.‬‬ ‫في الفيلم نرى لحظة اإللهام التي‬ ‫أضاءت طريق هجرة جوبز من الجامعة‪،‬‬ ‫أثناء مظاهرات الطالب في عام‪،1971‬‬ ‫حيث يحاول االختباء من العنف داخل‬ ‫الحرم الجامعي مع صديقه ستيف‬ ‫وازنيك‪ ،‬شريكه فيما بعد‪.‬‬ ‫دخل ستيف الجامعة لمدة فصل‬ ‫دراسي واحد‪ ،‬واكتشف أنه لم يخلق لهذه‬ ‫الحياة‪ ،‬فترك الجامعة وواصل تعليمه‬ ‫الحر‪ ،‬وبهذا تضاف األمية الجامعية إلى‬ ‫العصامية لتصنعا مع ًا أسطورة كاهن‬ ‫وادي السيليكون‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫مات نتيجة خلل لم يمكن إصالحه‬

‫الرؤيوي المتمرد‬ ‫ّ‬ ‫جهـاد ُ�صعيليك ‪ -‬دبي‬

‫‪18‬‬

‫ها هو ستيف جوبس المفكر المبدع‬ ‫غيرت وجه‬ ‫لكثير من المنتجات التي َّ‬ ‫عالقتنا بالحاسوب‪ ،‬يمضي نتيجة‬ ‫«خلل لم يمكن إصالحه»‪ ،‬كما كتب على‬ ‫ٍ‬ ‫شاهد قبره‪ ..‬لكنه سيبقى ملهم ًا ليس‬ ‫فقط للعاملين في مجال التقنية‪ ،‬بل‬ ‫وفي تطبيقات إدارية وفنية شتى‪ ،‬ألن‬ ‫هذا الرجل جعل عنوان أعماله اإلبداع‪،‬‬ ‫فأبدع في اإلدارة والقيادة‪ ،‬وفي‬ ‫التسويق والمبيعات وفي التواصل مع‬ ‫الجمهور‪ ،‬وأبدع في التصميم الصناعي‬ ‫وبناء المنتجات‪ ،‬تمام ًا مثلما أبدع في‬ ‫البرمجة وتطوير التقنيات!‬ ‫أدرك هنا أننا استمرأنا في العالم‬ ‫الثالث تغييب توصيف اإلبداع إال عن‬ ‫األعمال األدبية والفنية‪ ،‬متناسين أن‬ ‫اإلبداع الحسي في العلوم والتقنية‬ ‫أبلغ أثرًا وأكثر فائدة‪ ،‬خاصة إذا‬ ‫اقترن بالتيسير على الناس وتطوير‬ ‫قدراتهم‪ .‬كم من أديب ينعم اآلن بما‬ ‫وفرته له فكرة اآلي باد العبقرية من‬ ‫مساحة وآفاق‪ ..‬أيجوز هنا أن يكون‬ ‫هذا األديب مبدعاً؛ وصاحب اآلي باد‬ ‫ليس كذلك؟‬ ‫الواقع أن ستيف جوبس تعامل‬ ‫بشكل غير مباشر مع هذه اإلشكالية‪،‬‬ ‫إذ كان هو نفسه فنان ًا صمم الكثير من‬ ‫المنتجات التي قدمها‪ ،‬وأضاف إلى‬ ‫ذلك قدراته التقنية ومعارفه الواسعة‪،‬‬ ‫فابتكر ما نعرف اليوم من منتجات‬ ‫عديدة بدءًا من األبل ‪ 1‬ووصو ًال إلى‬ ‫اآلي باد‪.‬‬ ‫وإذا أردنا أن نلخص تجربة ستيف‬ ‫جوبس مع التقنية ومنتجاتها في‬ ‫عبارة واحدة‪ ،‬نقول‪ :‬إنه جعل سهولة‬ ‫االستخدام تأتي قبل التفوق التقني!‬ ‫وهو أمر مهم لم يساعد على انتشار‬ ‫المنتجات التي صممها فحسب‪ ،‬بل‬ ‫أسهم كثيرًا في محاربة أمية الحاسوب‪،‬‬ ‫وتطوير التعليم من خالل إدخال هذا‬ ‫الحاسوب نفسه إلى الغرف الصفية‪،‬‬ ‫وخاصة في البلدان التي استكملت‬ ‫ذلك من خالل منظومة من البرمجيات‬ ‫المنتجة والمفيدة لألغراض التربوية‬ ‫المختلفة أسري ًا ومدرسياً‪.‬‬


‫لعل أجمل وصف سمعته لستيف‬ ‫«رؤيوي متمرد»‪ ...‬وتلك‬ ‫جوبس أنه‬ ‫ٌ‬ ‫حقيقة مهمة تتضح إذا تذكرنا أن‬ ‫ستيف لم يكن مجرد قائد إداري لشركة‬ ‫رابحة‪ ،‬بل كان كبير مديري المنتجات‬ ‫فيها والمسؤول الرئيسي عن تطوير‬ ‫أعمالها‪ ،‬ثم هو فوق ذلك أصبح‬ ‫أنموذج ًا لتأسيس شركة من ال شيء‬ ‫تنتقل إلى العالمية بفضل أفكاره في‬ ‫أقل من سنة‪ ،‬وهو ما فعله مع شركة‬ ‫(نكست) مث ً‬ ‫ال التي خصصها لتطوير‬ ‫أجهزة حوسبية متقدمة مخصصة‬ ‫لإلنتاج السينمائي والتليفزيوني قبل‬ ‫أن يبيعها إلى أبل نفسها بعد ذلك‪.‬‬ ‫والالفت هنا أن الرجل كان معني ًا‬ ‫بشكل أو بآخر‪ ،‬بتطويع التقنية‬ ‫لمستويات مختلفة من اإلبداع الفني‬ ‫الذي نعرف‪ ،‬كأن الفنان في نفس الرجل‬ ‫اجتذب التقني وتمازجت أفكارهما في‬ ‫فكرة واحدة عبقرية‪ ..‬أجهزته في أبل‬ ‫هي التي فتحت الباب على مصراعيه‬ ‫لكل ما نعرف اليوم من اإلخراج‬ ‫الصحفي للمجالت والمطبوعات على‬ ‫اختالفها‪ ،‬ورقمنة الموسيقى واألفالم‬ ‫وما سواها‪ ،‬أما بيكسار فهي التي‬ ‫أدخلت الرسوم المتحركة إلى دور‬ ‫السينما من بوابة الكمبيوتر‪ ،‬ولكم هنا‬ ‫أن تتذكروا أفالم ًا من مثل توي ستوري‪،‬‬ ‫وكارس‪ ,‬والبحث عن نيمو‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫وقد أصبحت بيكسار هذه جزءًا من عالم‬ ‫ديزني منذ نهاية ‪.2006‬‬ ‫وقد أتيحت لي الفرصة ربيع ذلك‬ ‫العام أن أعايش جزءًا من هذه الرؤيوية‬ ‫المتمردة خالل زيارة لمقر شركة‬ ‫بيكسار ؛ لاللتقاء بالفريق العامل على‬ ‫فيلم كارس‪ ،‬ولعبة الفيديو المكملة‬ ‫له‪ ،‬فما إن وصلنا إلى مبنى الشركة‬ ‫في وادي السيليكون حتى بدأنا نلحظ‬ ‫شيئ ًا مختلفاً‪ ..‬فالمبنى الضخم (‪300‬م‬ ‫عرض ًا في مثلها طو ًال) كان يحوي ملعب ًا‬ ‫للتنس‪ ،‬ومسبحاً‪ ،‬وصالة للتمارين‬ ‫الرياضية وغير ذلك من إضافات اعتاد‬ ‫الناس عليها في الوادي‪ .‬بيد أن أكثر‬ ‫ما استوقفنا أن المبنى على ضخامته‬ ‫لم يكن يحتوي إال على دورة واحدة‬

‫للمياه‪ ..‬وكان الفت ًا طابور الواقفين‬ ‫أمامها‪ ..‬كما كان الفت ًا أن مرافقنا يؤشر‬ ‫إلى ذلك الخيار متفاخرًا باعتباره من‬ ‫أفكار ستيف جوبس نفسه!‬ ‫لماذا؟ وجهة نظره كانت أنه كلما‬ ‫جعلت الموظفين من أقسام مختلفة‬ ‫يتواصلون مع ًا تمكنوا من ابتكار أفكار‬ ‫جديدة وإبداع أعمال غير مسبوقة‪ .‬لم‬ ‫تكفنا حقيقة أن التفكير بإنتاج فيلم‬ ‫كارس (وشخصياته من السيارات‬ ‫الناطقة) نفسه بدأ في ذلك الطابور‪،‬‬ ‫فأردف مرافقنا ضارب ًا لنا مث ً‬ ‫ال عملياً!‬ ‫قال‪ :‬إن إحدى األفكار التي تالقي‬ ‫االستحسان في الفيلم تتمثل في أن‬ ‫المشاهد الخلفية تظهر فيها الجبال في‬ ‫األفق تشبه السيارات‪ ،‬هي من بنات‬ ‫أفكار محاسبة تحادثت مع زميل لها‬ ‫من قسم الرسوم المتحركة أثناء ذلك‬ ‫الطابور‪ ،‬وسرعان ما اقترحت عليه‬ ‫فكرة مختلفة لخلفيات مشاهد الفيلم‪..‬‬ ‫أن تبدو الجبال للسيارات‪ ،‬أشباه‬ ‫سيارات!‬ ‫كان ذلك أنموذج ًا إلبداع جوبس‬ ‫كقائد إداري في فن إشراك الموظفين في‬ ‫العملية اإلبداعية‪ ،‬وهذه مهارة إدارية‬ ‫رفيعة في استثمار كافة الطاقات‪ ،‬ال‬ ‫تعطيلها‪ ،‬لهذا نجد أن شركاته هي من‬ ‫األقل خسارة للموظفين‪.‬‬ ‫تستوقفني كثيرًا تجربة الرجل مع‬ ‫السرطان‪ ،‬خاصة حين أستمع إلى‬ ‫خطابه الشهير في إحدى الجامعات‬ ‫األميركية في بدايات معاناته مع‬ ‫المرض الخبيث‪ ..‬كان يتحدث للطلبة‬ ‫بذهنية متصوف‪ ،‬يذكرهم أن الموت‬ ‫استمرار للحياة‪ ،‬ال نهاية لها‪ ،‬وأن‬ ‫عليهم فهم ذلك بأسلوب منتج يتمثل‬ ‫في تعلم االستفادة من وقتهم وأيامهم‬ ‫بشكل مثمر‪.‬‬ ‫لكن األبرز حقيقة أنه واصل العمل‬ ‫إلى ما قبل شهر من الموعد الذي توقعه‬ ‫له أطباؤه! بدا األمر كما لو كان مسافرًا‬ ‫في مهمة‪ ،‬يواصل العمل في المكتب‪،‬‬ ‫ثم عندما يحين الوقت يذهب إلى البيت‬ ‫لالستعداد! ال أعرف كيف تشعرون‪،‬‬

‫فما أراه أنه كان سلوك رجل يتعايش‬ ‫مع السرطان‪ ،‬ويخطط للقضاء عليه‪،‬‬ ‫ال لالستسالم له! كم من دروس النجاح‬ ‫يمكننا أن نتعلم من مريض مصاب‬ ‫بالسرطان‪ ،‬حتى وهو في آخر أيامه!‬ ‫أذكركم هنا أن هدية ستيف جوبس‬ ‫األبرز لعالم اإلنسانية‪ ،‬وهي اآلي باد‪،‬‬ ‫صممها وهو في خضم الفترة التي‬ ‫أجريت له فيها عملية خطيرة تتصل‬ ‫بسرطان البنكرياس عام ‪!2009‬‬ ‫ينتمي ستيف جوبس إلى جيل‬ ‫غير العالم من جراج العائلة! هو مع‬ ‫َّ‬ ‫ستيف وزنياك زميله يصممان أول‬ ‫أجهزة الماكنتوش في النصف الثاني‬ ‫من السبعينيات‪ ،‬بينما بيل غايتس‬ ‫وستيف بالمر مشغوالن بتطوير نظام‬ ‫دوس الذي فتح لنا ما فتح من آفاق‬ ‫البرمجة والحوسبة واستخداماتهما‬ ‫المختلفة!‬ ‫لكن تجربة جراج العائلة هذه تمثل‬ ‫تحدي ًا لنا نحن العرب أكثر من غيرنا‪،‬‬ ‫لذلك دعوني أستفزكم بمعلومة هنا‪:‬‬ ‫فقد كان ستيف جوبس في الحادية‬ ‫والعشرين من عمره فقط حين أسس‬ ‫شركة أبل‪ ،‬التي تزيد قيمتها اليوم عن‬ ‫‪ 800‬مليار دوالر أي أكثر بكثير من‬ ‫القيمة اإلجمالية لبعض الدول! ومع‬ ‫ذلك كان للرجل من الجرأة الذاتية ما‬ ‫يكفي ليقول إن سعادته تكون حين‬ ‫يستفيد الناس من منتجاته ال حين‬ ‫بعد أرباحه!‬ ‫ينشغل َّ‬ ‫حين أستذكر ستيف جوبز فإنما‬ ‫أستذكره كإنسان مبدع أجاد استخدام‬ ‫ما منحه اهلل من قدرة على التفكير‬ ‫المختلف‪ ..‬أما الذين يحلمون أن يكون‬ ‫أبناؤهم على هذا القدر من اإلبداع‪،‬‬ ‫فأقول لهم‪َ :‬عَِّلموهم أن ال يخافوا من‬ ‫التفكير‪ ،‬وأال يفكروا مثل بقية الناس‪،‬‬ ‫فقد قال رجل حكيم ذات يوم‪ :‬إذا فكرت‬ ‫مثل بقية الناس فليس من المحتمل أن‬ ‫تأتي بشيء جديد! وهذه هي القاعدة‬ ‫الذهبية للتفكير‪ ...‬النقدي (وليس‬ ‫اإلبداعي فقط)!‬ ‫‪19‬‬


‫لقاء‬

‫خوان جويتيسولو‬

‫زمن ابن خلدون اآلن‬ ‫ليس مبالغ����ة أن نقول إن الربيع العربي هو أكبر حدث‬ ‫تاريخي في العالم العربي اإلس��ل�امي منذ فترة االضمحالل‬ ‫الت����ي التقطها ابن خلدون بعظم����ة‪ .‬فبصيرة المؤرخ الكبير‬ ‫المعروضة ف����ي صفحات «المقدمة» (وترجمها لإلس����بانية‬ ‫وكت����ب مقدمتها فرانثيس����كو رويث خي����رال) والتي تناولت‬ ‫تفسخ ممالك الطوائف بشبه الجزيرة األيبيرية ثمرة واقع‬ ‫ال يمك����ن تحمل����ه‪ ،‬لم تفقد رونقها في ع����ام ‪ .2011‬كان ابن‬ ‫مطلع ًا على عل����وم وفنون عصره‪ ،‬بمعرفة وخبرة‬ ‫خلدون ّ‬ ‫تراكمت على مدى س����نوات حياته بجانب ملوك ورؤس����اء‬ ‫متش����بثين بسلطة ينهار أساس����ها‪ ،‬وسمحت له بتشخيص‬ ‫صائب ل����دورات صعود وس����قوط االمبراطوري����ات يمكن‬ ‫تطبيقه ليس فقط على حضارة زمنه بل أيض ًا على حضارة‬ ‫زمننا‪ .‬وكما يقول أحد أفضل العارفين بالتأثير العربي في‬ ‫الثقافة اإلسبانية‪ ،‬البروفيس����ور الفخري بجامعة هارفارد‬ ‫جم انشغاله يتركز في‬ ‫فرانثيس����كو ماركيز بييانويبا‪« :‬كان ّ‬ ‫مصائر اإلس��ل�ام‪ ،‬ال����ذي كان يراه ينهار س����واء في الغرب‬ ‫أمام الدفع المس����يحي (غرناطة) أو في الشرق أمام المغول‬ ‫(دمشق)»‪.‬‬ ‫لقد كانت العصبية التي تأسس����ت عليها األس����ر الملكية‬ ‫األفريقية‪ ،‬التي أرادت أن تعكر العالم بفورانها‪ ،‬كما يالحظ‬ ‫اب����ن خلدون‪ ،‬تقضي على حياة هذه األس����ر وتتس����بب في‬ ‫انحداره����ا‪ .‬وكان التذبذب بين الجذب والطرد‪ ،‬بين التكامل‬ ‫والتفسخ يتم عن طريق قمع الشعوب التي تستهلكها سلطة‬ ‫يجزمون بعدم ش����رعيتها‪ ،‬وبعد فترات طويلة من الخنوع‬ ‫والنعاس‪ ،‬يخرجون من سباتهم ويدخلون في الغليان‪.‬‬ ‫بكل وضوح‪ ،‬ل����م يكن عالم ابن خلدون هو نفس العالم‬ ‫ال����ذي نعيش فيه اآلن‪ ،‬غير أن الحقيق����ة البازغة لوجودنا‬

‫‪20‬‬

‫ف����ي نهاي����ة المطاف داخل رأس����مالية ش����رهة ووحش����ية‬ ‫تهددنا بإفالس����ها الكلي‪ ،‬وانح����دار االمبراطورية األميركية‬ ‫في المج����ال االقتصادي والسياس����ي والعس����كري‪ ،‬وعجز‬ ‫أوروبا بدولها الس����بع والعش����رين عن ضبط نشاز كورال‬ ‫أصواتها‪ ،‬وصعود الصين ال����ذي ال يمكن إيقافه وهيمنات‬ ‫أخرى ناشئة‪ ،‬يدعو لقراءة «المقدمة» التي يمكن من خالل‬ ‫صفحاتها قراءة وتفسير الثورات العربية التي انطلقت في‬ ‫عام ‪.2011‬‬ ‫لقد تبخرت ف����ي الحال اآلمال الت����ي أثارها النضال ضد‬ ‫وتحرر الدول العربية‬ ‫االس����تعمار من المحيط إلى الخليج‬ ‫ُّ‬ ‫بالتتابع‪ .‬وكم����ا تحققت في حالة الجزائ����ر‪ ،‬فإن الحركات‬ ‫الديمقراطية والداعية للتفتح قد سحقتها بال رحمة األنظمة‬ ‫العس����كرية التابع����ة لحزب أوح����د وأقامت باس����م القومية‬ ‫ال م����ا ارتبطت بالمبادئ‬ ‫والوطن س����لطات ديكتاتورية قلي ً‬ ‫الت����ي كان����وا يعلنونها بالخ����ارج‪ .‬وكما حدث ف����ي مرحلة‬ ‫الخالف����ة األخي����رة‪ ،‬أخفقت وس����اوس التوح����د‪ .‬وانتقال‬ ‫الس����لطة من األب إلى االبن أو إلى العشيرة العائلية سواء‬ ‫ألس����رة األسد أو صدام أو الحكام المصريين أو التونسيين‬ ‫أو اليمنيي����ن تؤكد التحليل الذي أس����س له بصواب المؤرخ‬ ‫الكبير المدفون ف����ي القاهرة‪ .‬وما الطغيان وجنون العظمة‬ ‫واحتقار الشعوب واستخدام الدين كأداة في خدمة السلطة‬ ‫الموجودة في أغلب الدول العربية إال تالؤم لدورة ُس����جلت‬ ‫من قبل في دورات النظام الكلي الذي أشرت إليه من قبل‪.‬‬ ‫لم يهتم إكليش����يه الحتمية الش����هير المترسب في الخيال‬ ‫األوروب����ي وال����ذي كان موضوع ًا آلالف الكت����ب واألبحاث‬ ‫ودراسات المتخصصين األوروبيين واألميركيين الشماليين‬ ‫بمالحظات ابن خلدون الذي‪ ،‬كم����ا يقول ماركيز بييانويبا‬


‫في دراسته المش����ار إليها س����ابقاً‪ ،‬كان يدرك أن‪« :‬الحياة‬ ‫في مجتمع تشبه ظاهرة ثقافية‪ ،‬خاضعة لقيم ذات توازن‬ ‫غير مستقر‪ ،‬وتحت قانون عقل بشري غير معصوم‪ ،‬يمكن‬ ‫بالطبع أن يصيب أو يخطئ»‪.‬‬ ‫م����ا من ش����يء كان مكتوب���� ًا يحتم على ش����عوب تونس‬ ‫وس����ورية ومص����ر وليبيا واليمن قبول أش����ياء تبرر القمع‬ ‫والفق����ر واالحتقار من جانب أصحاب الس����لطة‪ .‬هذا الوعاء‬ ‫الذي كان يغلي فوق نار حمراء كان يجب أن ينفجر‪ ،‬وانفجر‬ ‫أخيرًا مع احتراق بائع الفواكه الشاب محمد بوعزيزي‪.‬‬ ‫المتحدث����ون باس����م عقيدة الحتمي����ة العربي����ة‪ ،‬وجدوا‬ ‫أنفس����هم‪ ،‬بع����د ثورتي تون����س ومص����ر‪ ،‬مضطرين لجمع‬ ‫ش����موعهم المتناثرة ليواصلوا تماسكهم‪ ،‬ويعيدوا صياغة‬ ‫ما قالوه م����ن قبل‪ ،‬وليتنبأوا بذلك بوجوه مدهوش����ة بأن‬ ‫الفائ����دة الوحيدة من ه����ذه الحركات الش����عبية والتلقائية‬ ‫ستكون صعود اإلسالميين السلفيين‪.‬‬ ‫ومن بي����ن ما جمعت����ه عن الربي����ع العرب����ي‪ ،‬أعتقد أن‬ ‫مجموعة مقاالت عالء األس����واني «الثورة المصرية» والتي‬ ‫بدأ في كتابتها قبل س����قوط مب����ارك‪ ،‬هي أفضل مثال على‬ ‫بق����اء روح ابن خل����دون المنطقي����ة والبرجماتية في الوقت‬ ‫نفس����ه عن طريق تحليل����ه للتدهور السياس����ي واألخالقي‬ ‫ضه مرس����وم‬ ‫فر َ‬ ‫واالجتماعي الذي ال يمكن أن نلصقه بقدر َ‬ ‫إلهي بل بأنانية وعجز وفس����اد نظام قمعي يس����تغل الدين‬ ‫ليصمت البؤساء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫���تعرت كلمات مؤل����ف «عمارة‬ ‫ليعذرن����ي الق����ارئ إن اس�‬ ‫ُ‬ ‫يعقوبي����ان» الت����ي تعني إن‪« :‬مصر تتس����اقط قطعة قطعة‬ ‫بينما ال يش����غل بال الرئيس مب����ارك‪ ،‬الذي يحكم مصر منذ‬

‫أكث����ر من ربع ق����رن وأدى بها إلى الهاوية‪ ،‬س����وى توريث‬ ‫الحك����م البنه»‪ ،‬و«لقد وصل الوضع في مصر إلى مداه وما‬ ‫ع����اد من الممكن االس����تمرار في الصمت‪ .‬هن����اك ماليين من‬ ‫المصريين يعيش����ون في ظروف تحت اإلنس����انية‪ ،‬في عز‬ ‫الفقر والبطالة واألمراض والقمع والفس����اد الذي لم يسبقه‬ ‫مثيل»‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬البؤس والبطالة والقمع وغياب األفق عند شباب‬ ‫بلد ‪ % 70‬من إجمالي ‪ 80‬مليون نس����مة يعيش����ون في فقر‬ ‫وال تزال رواتبهم الشهرية واقفة عند ما يساوي ‪ 40‬يورو‪،‬‬ ‫فلم يكن بوسعهم أن يحتملوا‪ .‬أنا أعرف ما أقول‪ :‬لقد أقمت‬ ‫فترة قصيرة عام ‪ 1985‬في مدينة الموتى (مقابر البساتين)‬ ‫بالقرب م����ن ضريح عمر ب����ن الفارض ورابع����ة العدوية‪،‬‬ ‫وبالقرب من شعب ينال احترامي بال حدود وأحبه كما أحب‬ ‫ش����عبي‪ ،‬ومنذ ذل����ك الحين رافقني اس����تفزاز أخالقي أمام‬ ‫ظروف معيش����تهم‪ .‬في زيارتي قبل األخيرة إلى القاهرة‪،‬‬ ‫تحققت‬ ‫في عام ‪ ،2009‬وبعد غياب طال لعش����ر س����نوات‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اعتقدت‪ ،‬قد‬ ‫م����ن أن هذا الوضع‪ ،‬بد ًال من أن يتحس����ن كم����ا‬ ‫ُ‬ ‫س����اء ووصل إلى العواقب التي أش����ار إليها األسواني‪ .‬في‬ ‫‪ 15‬يناير‪/‬كان����ون األول من ه����ذا العام‪ ،‬ردًا على أس����ئلة‬ ‫صحافيين في برش����لونة حول الرأس التالية بعد بن علي‪،‬‬ ‫قلت بجد‪:‬رأس الفرعون‪.‬‬ ‫س����تظل الدورة التاريخية الجديدة مفتوحة في مدار دار‬ ‫متحدية‬ ‫اإلسالم‪ ،‬مع التقدم والتقهقر‪ ،‬مع القمع والمذابح‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إرادة الطغاة بإبادة الش����عوب قبل أن يرحلوا عن كرس����ي‬ ‫الرئاس����ة‪ .‬علين����ا أن نقرأ بتركي����ز «مقدمة اب����ن خلدون»‪،‬‬ ‫فإدراكه الشديد لألحداث يشملنا جميعاً‪.‬‬ ‫ترجمة‪ :‬أحمد عبد اللطيف‬ ‫‪21‬‬


‫ق�ضية العدد‬

‫‪22‬‬


‫النصف‬ ‫الحلو‬ ‫من الثورة‬

‫مثلما أدهشت ثورات العرب العالم‬ ‫وأربكت حسابات دول عظمى‪ ،‬أدهشت المرأة‬ ‫العربية الدنيا بتقدمها صفوف الثورة في‬ ‫مختلف بالد العرب‪ .‬وإذا ما حاولت الذاكرة‬ ‫استعراض أسماء المدونين والناشطين في‬ ‫وقفات االحتجاج التي مهدت لهذا الربيع‬ ‫وشاركت في ثوراته ستحضر أسماء شابات‬ ‫مثل إسراء عبدالفتاح‪ ،‬طل الملوحي‪ ،‬وتوكل‬ ‫كرمان‪ ،‬مثلما تحضر أسماء الشباب‪.‬‬ ‫وبكل قوة عدم الحياء السياسي التي‬ ‫سدت طريق األمل أمام الشعوب‪ ،‬قاومت‬ ‫األنظمة المستبدة بشراسة النصف الحلو من‬ ‫الثورة‪ .‬اغتيال حقيقي ومعنوي وتعذيب‬ ‫ومعتقالت ونفي وتحرش‪ ،‬إجراءات فظة لم‬ ‫تخف المرأة أو تجعلها تتراجع‪ ،‬ألن البنت‬ ‫مثل الولد‪ ،‬كالهما اكتشف طعم الحرية‬ ‫األجمل من طعم الحياة‪.‬‬ ‫ومثلما ساهمت المرأة العربية في صنع‬ ‫الثورة‪ ،‬ساهمت الثورات في خلق صورة‬ ‫جديدة للمرأة ذاتها وللمجتمع العربي‪ ،‬حيث‬ ‫لم يقتصر خروج المرأة ضد االستبداد على‬ ‫فصيل سياسي أو طبقة اجتماعية واحدة‪.‬‬ ‫شاهد العالم الفتاة العصرية المحمولة‬ ‫على أكتاف زمالئها من الشباب والمحجبة‬ ‫والمنقبة بين الثوار‪ .‬مشهد يربك حسابات‬ ‫من صدقوا أكاذيب عدة قرون من االستشراق‬ ‫صنعت صورة نمطية للمرأة العربية‬ ‫والمسلمة في الغرب الذي سيكتشف مع هذه‬ ‫الثورات أن األزياء تقليد اجتماعي ال يمنع‬ ‫التفكير وال يقتل التوق إلى الحرية‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫تونس‪ :‬الحرية الحمراء أنثى‪ ..‬ال قاعدة وال تطرف‬

‫يعول عليه»‪ ،‬تنسحب‬ ‫يبدو أن مقولة ابن عربي «المكان الذي ال يؤنَّث ال َّ‬ ‫على ميادين التحرير العربية‪ .‬وهذه الحقيقة تعرفها السلطة بأكثر مما‬ ‫يعرفها الثوار‪ ،‬لذا فقد جعلت من جسد المرأة ساحة لحربها من أجل‬ ‫البقاء‪.‬‬

‫الثورة التي ال تُ َؤنّث ال يُ َع َّول عليها‬

‫جسد المرأة‬ ‫ساحة للحرب‬ ‫عزت القمحاوي‬

‫‪24‬‬

‫لم يفرق المستبدون بين الرجل والمرأة‬ ‫في القتل‪ .‬لم يراعوا حرمة لحياة أو‬ ‫حرمة للجسد المنتفض أي ًا كان نوعه‪،‬‬ ‫لكنهم خصوا المرأة بتنكيل من نوع فريد‪،‬‬ ‫إذ حولوها إلى ساحة حرب إضافية‪،‬‬ ‫حرب أيديولوجية تستهدف تشويهها‬ ‫والحط من مكانتها االجتماعية‪.‬‬ ‫المستبد يقلد وال يبتكر‪ .‬والحرب‬ ‫األيديولوجية تستند إلى تاريخ طويل‬ ‫من االستخدام السياسي لجسد المرأة‬ ‫العربية بالذات‪ ،‬حيث كان تزييف هذا‬ ‫الجسد وإضفاء الغرائبية عليه عبر‬ ‫اللوحة والكلمة أحد أسوأ عمليات‬ ‫التزييف االستشراقية‪.‬‬ ‫في لوحات ونصوص المستشرقين كان‬ ‫الجسد األنثوي العربي يتأرجح بين‬ ‫حدين متناقضين‪ :‬العري الكامل في‬ ‫الحمامات العامة وأسواق الرقيق‪ -‬حيث‬ ‫يتفحص البائع والمشتري كل تفصيلة‬ ‫في الجسد ‪ -‬وبين التغليف الكامل بألف‬ ‫طبقة من المالبس وألف رتاج على باب‬ ‫الحرملك المفعم باألسرار‪.‬‬ ‫وبين حدي الكشف واإلخفاء كان هذا‬ ‫الجسد األنثوي المؤدلج أحد أهم المعابر‬


‫الجسد المحجب يثور أيض ًا‬

‫سورية‪ :‬تأنيث السلطة والتأييد‬

‫التي مرت من فوقها جيوش الغرب في‬ ‫القرنين الثامن عشر والتاسع عشر‬ ‫الحتالل الشرق من أجل تنويره!‪.‬‬ ‫هذه األرضية التي تقدم العرب‪ ،‬ولنقل‬ ‫المسلمين بوصفهم أمة مشوشة‪ ،‬هي‬ ‫نفسها التي استخدمها اليمين األمريكي‬ ‫عندما قرر اختراع العدو اإلسالمي بدي ً‬ ‫ال‬ ‫للعدو الشيوعي المتهاوي عام ‪،1989‬‬ ‫وهي نفسها حجج إدارة بوش الحتالل‬

‫العراق‪ .‬ومن يتذكر تلك األيام سيرى‬ ‫كيف كانت قناة سي إن إن تركز على‬ ‫كومات النساء المتشحات بالسواد في‬ ‫بغداد‪ ،‬بينما كانت التقارير الحقوقية‬ ‫تتحدث عن تعرية النساء واغتصابهن‬ ‫أحيان ًا عند االستجواب‪.‬‬ ‫ولم يخرج الطغاة عن تناقض الكشف‬ ‫واإلخفاء عند التعامل مع جسد المرأة‬ ‫أثناء الثورات‪ ،‬أي أنهم لم يفعلوا أكثر‬

‫من استعارة بضاعة االستشراق الغربي‬ ‫ثم تسويقها لديه‪ ،‬لكنهم خصصوا‬ ‫صورة المرأة المتشحة للغرب‪ ،‬بينما‬ ‫أرادوا ترويج صورة المرأة المتهتكة‬ ‫لدى مجتمعاتهم المحافظة!‬ ‫«إنها ثورات إسالمية ولن تكون‬ ‫مصالحكم مضمونة بعد سقوطي»‬ ‫استراتيجية استخدمها زين العابدين‪.‬‬ ‫ومن دون ابتكار أو تجديد استخدمها من‬ ‫بعده مبارك وصالح والقذافي وبشار‪.‬‬ ‫كلهم قالوا إن تنظيم القاعدة وراء ما‬ ‫يحدث ببالدهم‪ ،‬وكانت صورة المرأة‬ ‫المغطاة سالحهم الذي انكشف سريعاً‪،‬‬ ‫مثلما انكشف سالح العري أو التعرية‬ ‫بمعنى أدق‪.‬‬ ‫لم يكونوا محظوظين في الحالتين‪،‬‬ ‫فصورة المجتمع العربي لم تعد تذهب‬ ‫إلى الغرب عبر رسوم أو كتابات عدد‬ ‫قليل من الفنانين والكتاب المغامرين‬ ‫الذين جاءوا إلى الشرق بمبادرتهم‬ ‫الخاصة أو أولئك المحمولين بين جنود‬ ‫الغزو‪ ،‬كما في حالة حملة نابليون مثالً‪.‬‬ ‫اآلن صار هناك البث الحي من الشوارع‬ ‫وساحات الحرية‪ .‬وفي الوقت نفسه‬ ‫لم تعد السلطة مهيمنة على كل رسائل‬ ‫الداخل‪ ،‬فهناك الفضائيات األخرى‬ ‫واإلعالم البديل عبر اإلنترنت‪ ،‬وهناك‬ ‫العدد الكبير من المشاركين في الثورة‬ ‫الذين شهدوا بأنفسهم على كذب ادعاءات‬ ‫الطغاة وخدمهم اإلعالمي‪.‬‬ ‫صورة فتاة سمراء ذات رداء أحمر‬ ‫محمولة على أعناق رفاقها الشباب تهتف‬ ‫للحرية أسقطت ادعاءات زين العابدين‬ ‫بن علي حول تطرف الثوار‪ ،‬وكان‬ ‫انهياره السريع وخروجه أقل خسة من‬ ‫خروج باقي الساقطين حتى اليوم‪ ،‬ذلك‬ ‫ألن زين العابدين وإن تطابق نظامه‬ ‫مع كل األنظمة األخرى في الكثير من‬ ‫المخازي فإنه كان مخلص ًا لعلمانيته‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ولم يلجأ إلى التشويه‬ ‫األخالقي للمرأة الذي لجأت إليه بقية‬ ‫األنظمة‪ ،‬بتفوق منقطع النظير للقذافي‬ ‫الذي بلغ الحدود القصوى في التمثيل‬ ‫بجسد المرأة سلم ًا وحرباً‪.‬‬ ‫عندما أراد القذافي أن يمد ثورته إلى‬ ‫‪25‬‬


‫أنثى مصر المنتفضة‪ :‬سافرة‪ ..‬محجبة ومنقبة‬

‫‪26‬‬

‫األبد عمد إلى تأنيثها من خالل ألوان‬ ‫أزيائه الغريبة ومن خالل الحرس‬ ‫األنثوي االستعراضي الذي لم يدخل‬ ‫في تجربة دفاع حقيقية عن العقيد‪،‬‬ ‫لكن وجود بين مائتين وثالثمائة امرأة‬ ‫قوية خلف العقيد أعاد التذكير بالخيال‬ ‫الجنسي حول المحاربات األمازونيات‬ ‫الالتي أبدعت السينما الهوليوودية في‬ ‫تقديمهن‪.‬‬ ‫حارسات القذافي المجهوالت ظللن‬ ‫مركزًا لالستيهام الخيالي والتصورات‬ ‫حول عالقتهن بالعقيد‪ ،‬وكما لو كان‬ ‫يستخدمهن كفقرة في سيرك اختفين‬ ‫تمام ًا أثناء الثورة عليه‪ ،‬وظهر حوله‬ ‫الرجال‪ ،‬بينما أصبح جسد المرأة الضد‬ ‫مباح ًا لالغتصاب ومصدرًا للتشوش‬ ‫ممث ً‬ ‫ال في إيمان العبيدي التي ظلت‬ ‫قصتها لغزًا حتى اليوم‪.‬‬ ‫في مصر تالزمت محاوالت بث الرعب‬ ‫من الغول اإلسالمي مع التشويه‬ ‫األخالقي للثوار‪ .‬كانت كاميرات القنوات‬ ‫الحكومية والقنوات العربية المساندة‬ ‫للنظام تتسكع بين الزوايا الخالية من‬ ‫ميدان التحرير وتجمعات المحجبات‬ ‫والمنقبات‪ .‬وفي الوقت نفسه تستضيف‬ ‫تلك القنوات فنانين ونجوم كرة قدم‬ ‫مقربين من النظام يتحدثون عن حفالت‬ ‫جنس وتحشيش جماعية تجري لي ً‬ ‫ال في‬ ‫خيام ميدان التحرير‪ .‬هذا الزعم‪ ،‬وإن‬ ‫استهدف ذكور وإناث الثورة إال أنه‬ ‫لن يصيب إال النساء خاصة‪ ،‬فالعبث‬ ‫الجنسي في المجتمعات العربية سبب‬ ‫لفخر الرجل ال إدانته‪.‬‬ ‫وهكذا تضافرت محاولة الضغط على‬ ‫األسر المصرية لحبس بناتها وإفقاد‬ ‫الم َع َّول عليه مع‬ ‫الثورة نصفها الحلو ُ‬ ‫محاولة إضفاء الوجه الديني على‬ ‫الثورة‪ .‬وكانت المحجبات المسيسات‬ ‫وغير المسيسات جزءًا عزيزًا من مكونات‬ ‫الثورة المصرية‪ ،‬لكن الزوايا األخرى من‬ ‫الصورة كانت تعج بحضور السافرات‬ ‫من الكاتبات والفنانات وأعداد كبيرة‬ ‫من الشابات ال تريد كاميرات الفلول أن‬ ‫تراهن‪ ،‬وكان من الصعب إخفاء كل هذا‬ ‫مثلما كشف حضور الماليين على قناة‬


‫ليبيا‪ :‬أنوثة تحرس العقيد وأنوثة تخلعه‬

‫الجزيرة زيف الربع الخالي من الميدان‬ ‫المعروض على القنوات المصرية وقناة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫التشويه التافه ذاته نالته المرأة اليمنية‬ ‫ومعها السورية على ما بينهما من‬ ‫اختالفات‪ .‬كان سفور السورية علنياً‪،‬‬ ‫وتعرضت لصفاقات أخالقية من نظام‬ ‫لم يخلص لعلمانيته الشكالنية كما‬ ‫أخلص النظام التونسي‪ .‬إذا قالت ثائرة‬ ‫عن بنات جنسها أنهن يتلقين الرصاص‬ ‫بصدور عارية‪ .‬ودارت الغمزات التافهة‬ ‫حول عري الصدور‪ ،‬كما وجدت فنانات‬ ‫وكاتبات أنفسهن بطالت لمغامرات‬ ‫جنسية متخيلة‪.‬‬ ‫مغامرات السوريات الجنسية ـ في‬ ‫ادعاءات النظام وأبواقه ـ فردية‪ ،‬ألن‬ ‫الثورة السورية تجري من شارع إلى‬ ‫شارع لتتفادى جنازير الدبابات‪ ،‬لكن‬ ‫الثورة اليمنية مقيمة في الميادين مثل‬ ‫نظيرتها المصرية وتليق بالمقيمين‬ ‫والمقيمات حفالت الجنس الجماعي!‪.‬‬ ‫وقد جاء حصول اليمنية توكل كرمان‬ ‫على جائزة نوبل السالم التفاتة من‬ ‫لجنة الجائزة العريقة إلى الحضور‬

‫األنثوي في الثورات العربية‪ .‬وكرمان‬ ‫ليست سوى شابة عربية ساهمت في‬ ‫صنع الربيع العربي‪ ،‬يقل عطاؤها أو‬ ‫يزيد عن غيرها من نساء أخريات في‬ ‫تونس ومصر وسورية‪ ،‬خصوص ًا‬ ‫سورية التي قدمت عددًا من الشهيدات‬ ‫أكبر من أية ثورة أخرى‪ ،‬لكن الجوائز‬ ‫تريد اسم ًا مفردًا في النهاية وال تذهب‬ ‫إلى الجموع المجهولة إال رمزًا من خالل‬ ‫التجسد في االسم المختار‪.‬‬ ‫قبل أن تتقاسم كرمان الجائزة مع‬ ‫رئيسة ليبيريا إيلين جونسون سيرليف‬ ‫ومواطنتها داعية السالم ليما غبوي‪،‬‬ ‫كانت المرأة اليمنية قد كسبت احترام‬ ‫العالم وحققت نجاح ًا مذه ً‬ ‫ال في ضرب‬ ‫القاعدة االستشراقية من أساسها بعد أن‬ ‫عاشت أكثر من ثالثة قرون‪.‬‬ ‫المسيرات السوداء لمبرقعات اليمن‬ ‫الثائرات تشبه حضور مبرقعات مصر‬ ‫في ثورة ‪ ،1919‬صورة تؤكد أن اللباس‬ ‫مجرد عادة اجتماعية‪ ،‬وأن الرأس‬ ‫ذكاء من الرأس السافر‬ ‫المغطى ليس أقل ً‬ ‫والجسد األنثوي المغطى في حشد‬ ‫متجانس ليس أقل توق ًا إلى الحرية‬

‫من الجسد األنثوي المنطلق في الحشد‬ ‫المختلط‪.‬‬ ‫ولكن األنظمة البليدة لم تع النصر الذي‬ ‫حققه جسد المرأة في معركة الحرية‪،‬‬ ‫ولم تزل تستهدفها بشراسة بينما تميز‬ ‫النظام السوري على باقي األنظمة‬ ‫بإجراء إضافي‪ ،‬حيث عمد إلى تقديم أنثى‬ ‫السلطة ليواجه حضور األنثى الثائرة‪.‬‬ ‫النظام السوري يعرف أن عاصمته تضم‬ ‫قبر موالنا محيي الدين صاحب دعوة‬ ‫التيمن بالتأنيث‪ ،‬ولذلك سعى إلى تأنيث‬ ‫سلطته لتدعيم صورته كنظام علماني‪،‬‬ ‫يدافع عن بالده ضد هجمات عصابات‬ ‫دينية مسلحة‪.‬‬ ‫ظلت األنثى في مقدمة المتحدثين باسم‬ ‫النظام خصوص ًا لإلعالم األجنبي‪،‬‬ ‫وبخالف بثينة شعبان (األنثى الضد‬ ‫األشهر) كانت هناك متحدثات أخريات‬ ‫مثل سميرة مسالمة رئيسة تحرير جريدة‬ ‫تشرين التي أبعدوها عن منصبها بعد‬ ‫ظهورين أو ثالثة على الشاشة‪ ،‬حيث لم‬ ‫يغفروا لها دمعة لمعت تحت كلماتها حزن ًا‬ ‫على شباب عائلتها وشباب محافظتها‬ ‫درعا‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫سالي زهران‬

‫شهيدات الثورة‬ ‫علي النوي�شي‬ ‫جلست أم الشهيد «محمد البوعزيزي»‬ ‫متكئة على قبره مرددة «اهلل يرحمك يا‬ ‫وليدي محمد‪ ..‬فتحت لبواب»‪.‬‬ ‫وبالفعل فتحت أبواب الثورة‬ ‫وانطلقت أنهار الدم في شرق العالم‬ ‫العربي وغربه‪ ،‬في تونس‪ ،‬في مصر‪،‬‬ ‫في سورية واليمن وليبيا‪ ،‬ولم يكن‬ ‫الرجل وحده هو بطل المشهد‪ ..‬بل كانت‬ ‫معه المرأة‪ ،‬سيدة وطفلة وصبية‪.‬‬ ‫وفي تقرير أصدرته منظمة العفو‬ ‫الدولية تحت عنوان‪« :‬مصر تنتفض»‬ ‫عن أعمال القتل واالعتقال والتعذيب‬ ‫خالل ثورة ‪ 25‬يناير‪ ،‬عن دور المرأة‬ ‫في الثورة وضحاياها‪ .‬وأن المرأة مثلت‬ ‫‪ ٪ 20‬من ماليين الناشطين الذين تدفقوا‬ ‫على ميدان التحرير في القاهرة وفي‬ ‫غيرها من المحافظات‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫خالل ‪ 18‬يوم ًا كانت المرأة جزءًا ال‬ ‫يتجزأ من االنتفاضة وسبب ًا رئيسي ًا‬ ‫لنجاحها‪ .‬ولقيت العديد من الفتيات‬ ‫والنساء مصرعهن نتيجة الستخدام قوات‬ ‫األمن القوة المفرطة‪ ،‬وكانت هناك نساء‬ ‫أيض ًا ضمن الجرحى والمصابين من‬ ‫ضحايا قوات األمن والبلطجية‪ ،‬وضمن‬ ‫من تعرضوا للتعذيب في المعتقالت‪.‬‬ ‫من كل محافظات مصر وكل أحياء‬ ‫القاهرة سطرت المرأة تاريخ الثورة‬ ‫بدمائها‪ :‬رحمة محسن أحمد من روض‬ ‫الفرج‪ ،‬رشا أحمد جندي من العمرانية‬ ‫جيزة‪ ،‬أميرة محمد إسماعيل من القاهرة‪،‬‬ ‫كريستين من القاهرة‪ ،‬أميرة سمير‬ ‫شحاتة من اإلسكندرية‪ .‬وهن لسن مجرد‬ ‫أسماء‪ ،‬لكنهن شهيدات حفرن أسماءهن‬ ‫في قلوب كل المصريين‪ ،‬فألول مرة في‬

‫تاريخ مصر السياسي يسقط عشرات‬ ‫القتلى والمصابين من النسوة والشابات‬ ‫الصغيرات‪.‬‬ ‫ولم يستثن الموت األمهات‪ ،‬حيث‬ ‫لقيت مهير خليل زكي مصرعها وهي أم‬ ‫ألربعة أطفال وتبلغ من العمر ‪ 40‬عام ًا‬ ‫نتيجة أعيرة نارية أطلقت عليها من‬ ‫قسم شرطة بوالق الدكرور عندما كانت‬ ‫تقف على سقف بيتها مع أوالدها على‬ ‫الناحية األخرى من القسم أمام كوبري‬ ‫ثروت‪ ،‬ورأت الشرطة تطلق النار على‬ ‫شاب فوق الكوبري‪ ،‬صرخت األم مهير‬ ‫كي يتركوه حياً‪ ،‬فما كان من رئيس‬ ‫مباحث القسم إال أن أطلق عليها النار‬ ‫وهي في بيتها‪ ،‬فأصيبت في صدرها‬ ‫وذراعيها وسقطت شهيدة‪.‬‬ ‫أول شهيدة في ثورة ‪ 25‬يناير كانت‬ ‫من سوهاج سالي مجدي زهران أيقونة‬ ‫الثورة وملهمة الشباب‪ .‬اعتبرها الفنان‬ ‫مصطفى التوني «جان دارك المصرية»‬ ‫ووضعت وكالة ناسا الفضائية اسمها‬ ‫على إحدى المركبات المتجهة إلى‬ ‫المريخ‪ ،‬وأطلقت بلدية «رام اهلل» اسمها‬ ‫على أحد شوارع المدينة «سالي مجدي‬ ‫زهران شهيدة الحرية»‪.‬‬ ‫ولدت سالي في القاهرة يوم‬ ‫‪ 6‬أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪،1987‬‬ ‫واستشهدت يوم ‪ 28‬يناير‪/‬كانون األول‬ ‫في محافظة سوهاج بعد انتقال والدها‬ ‫للتدريس في جامعة سوهاج وتخرجت‬ ‫من قسم األدب اإلنكليزي‪ .‬وهي طالبة‬ ‫في السنة الثالثة بالجامعة سافرت‬ ‫للعمل في القاهرة كمساعدة مصممة‬ ‫مالبس في فيلم وثائقي‪.‬‬ ‫وجدت سالي نفسها في القاهرة مع‬ ‫أصدقاء يحلمون مثلها بتغيير العالم‪.‬‬ ‫التحقت بـ «كورال شكاوى القاهرة»‬ ‫الذي أوقفته مباحث أمن الدولة بعد‬ ‫أول عرض‪ ،‬قدموا شكاوى تخص‬ ‫المواطنين‪ :‬القمح المسرطن‪ ،‬والغاز‬ ‫المصدر إلسرائيل‪ ،‬اإلعالنات الوهمية‪..‬‬ ‫وفي يوم ‪ 10‬يناير ‪ 2011‬عادت سالي‬ ‫إلى سوهاج الستكمال دراستها‪ ..‬وحين‬ ‫انطلقت الثورة يوم ‪ 25‬يناير انطلقت‬ ‫إليها وكأنها ثورتها وحدها‪ ،‬وفي جمعة‬


‫الغضب ‪ 28‬يناير لحقوا بها وضربوها‬ ‫بالشوم على رأسها فماتت بنزيف حاد‬ ‫في المخ قبل أن يحملوها للمستشفى‪.‬‬ ‫في الجمعة نفسها سقطت الطفلة هدير‬ ‫‪ 13‬سنة وهي تشاهد المظاهرات من‬ ‫شرفة منزلهابالمعادي‪ ،‬حيث اخترقت‬ ‫الرصاصة رقبتها‪ ،‬وفارقت الحياة بين‬ ‫أحضان أبيها‪.‬‬ ‫أميرة سمير شحاتة شابة من‬ ‫مواليد ‪ 1994‬كانت تحضر درس ًا في‬ ‫بيت صاحبتها يوم ‪ 28‬يناير‪ ،‬ومن‬ ‫شرفة المنزل تقوم بتصوير المظاهرة‬ ‫بتليفونها المحمول ويلمحها فرد شرطة‬ ‫من فوق سطح القسم المجاور ليوجه‬ ‫لها رصاصة في القلب‪.‬‬ ‫آخر شهيدات جمعة الغضب هدى‬ ‫محمد السيد الطنطاوي البالغة من العمر‬ ‫‪ 17‬عاماً‪ ،‬وتوفيت مساء ‪ 24‬يوليو‪/‬‬ ‫تموز الماضي بعد معاناة دامت حوالي‬ ‫ستة أشهر إلصابتها بطلق ناري استقر‬ ‫في عنقها أمام مسجد القائد إبراهيم‪.‬‬ ‫وهدى فقدت شقيقها إبراهيم صابر يوم‬ ‫‪ 28‬يناير‪ ،‬حيث أصيب برصاصة في‬ ‫رأسه ومات في الحال‪.‬‬ ‫وكشفت الثورة السورية عن وجوه‬ ‫مشرفة لعشرات الصبايا من الكاتبات‬ ‫واإلعالميات والطبيبات والحقوقيات‬ ‫يتحدين الظلم والقمع والقهر كل يوم‬ ‫مقابل فضح أفعال النظام‪ ،‬ومنهن من‬ ‫تعرضن لالعتقال والتعذيب والخطف‬ ‫والتقطيع وتهديد العائالت وقطع‬ ‫أرزاقهن وفصلهن عن العمل‪ ،‬والطعن‬ ‫بشرفهن وسمعتهن وفبركة القصص‬ ‫الدنيئة لهن‪ ،‬بل أخذت النساء رهائن‬ ‫للمساومة في الوصول لذويهن من إخوة‬ ‫وآباء ناشطين‪ ،‬أو أن يعتقل ذووها‬ ‫إلجبارها على تسليم نفسها لألمن‪،‬‬ ‫ومن منّا ال يعرف قصة الناشطة رزان‬ ‫زيتونة وكيف اعتقل زوجها وأخوه‬ ‫كي تسلم نفسها‪ ..‬وكانت أول شهيدات‬ ‫الثورة حميدة النطراوي الفياض من‬ ‫مدينة تلبيسة التي صفيت هي وابنها‬ ‫وهما عائدان من مزرعتها بمدينة‬ ‫بانياس‪ ،‬لتتوالى بعدهما الشهيدات‬ ‫من درعا وريف دمشق وإدلب وجسر‬

‫الشغور ودير الزور والرستن‪.‬‬ ‫أما الجريمة الدنيئة التي ارتكبت بحق‬ ‫الشهيدة زينب الحصني فقد هزت أركان‬ ‫النظام السوري ومع ذلك لم يرتدع أو‬ ‫يتراجع عن غبائه‪.‬‬ ‫بدأت فصول هذه القصة من حي باب‬ ‫السباع أحد أحياء مدينة حمص الثائرة‬ ‫ضد الظلم واالستبداد‪ ،‬حينها كان‬ ‫الشاب محمد الحصني شقيق زينب أحد‬ ‫أهم الناشطين المعروفين في الحي‪،‬‬ ‫ما أثار حفيظة زبانية النظام ضده‪،‬‬ ‫فقاموا بعمليات دهم واقتحام لمنزله‬ ‫أكثر من مرة‪ ،‬مما دفع األسرة لهجر‬ ‫المنزل‪ ،‬لتذهب إلى منزل آخر أكثر أمان ًا‬ ‫بحي النازحين‪ ..‬لكن عمليات الدهم‬ ‫طاردتهم‪ ،‬ومع غياب محمد عن البيت‪،‬‬ ‫كانت شقيقته زينب بنت التاسعة عشرة‬ ‫هي التي تجلب احتياجات البيت‪.‬‬ ‫لكن كانت عيون الغدر والخيانة‬ ‫تترقب خروج زينب من بيتها في حي‬ ‫النازحين صبيحة اليوم الثاني من شهر‬ ‫رمضان ليتم اختطافها‪.‬‬ ‫وبعد مرور خمسة أيام على اختطاف‬ ‫زينب اتصلت فتاة باألسرة لتقول‬ ‫إن زينب موجودة لديهم ومستعدون‬ ‫لتسليمها مقابل تسليم شقيقها محمد‪،‬‬ ‫وحددت لهم مكان ًا بأحد األحياء غير‬ ‫اآلمنة‪ ،‬وعندما طلب األهل التسليم‬ ‫في مكان آمن أغلقت السماعة‪ ،‬وبقيت‬ ‫األسرة ال تعرف عن ابنتها شيئاً‪.‬‬ ‫وفي الثالث عشر من شهر أيلول‪/‬‬ ‫سبتمبر فجعت األسرة بنبأ استشهاد‬ ‫ابنهم محمد على يد رجال المخابرات‪..‬‬ ‫فتوجهت الستالم جثمانه بالمستشفى‬ ‫العسكري بحمص‪.‬‬ ‫وأثناء تواجد األسرة في االنتظار‬ ‫علموا بوجود جثة فتاة في التاسعة‬ ‫عشرة من عمرها في ثالجة المستشفى‪.‬‬ ‫أرادوا أن يكذبوا ظنونهم‪ ،‬لكن ذهب‬ ‫البعض ليتعرف على الجثة‪ ،‬ولم‬ ‫يستطيعوا التعرف عليها في البداية‪،‬‬ ‫حتى ذهبت األم وعرفت جثة ابنتها‪،‬‬ ‫مقطوعة اليدين من الكتف‪ ،‬مقطوعة‬ ‫الرأس‪ ،‬ووجهها محروق‪ ،‬وعلى‬ ‫ظهرها أثار التعذيب‪ ،‬والحروق تغطي‬

‫جسدها‪.‬‬ ‫لم يسمح لتلك األسرة المكلومة‬ ‫باستالم الجثمان إال بعد التوقيع على‬ ‫إقرار يمنع تصوير الجثمان ويمنع إقامة‬ ‫جنازة‪.‬‬ ‫وبالفعل حملت األسرة جثمان ابنتها‬ ‫لتدفنها سرًا في مقبرة باب السباع ولكن‬ ‫يذهب من بعدهم بعض الشباب لينبشوا‬ ‫القبر ويصوروا الجثمان ممزق ًا مقطعاً‪،‬‬ ‫وتعلن في كل أنحاء سورية جمعة حداد‬ ‫«زينب الحصني»‪ .‬أرادوا أن يحجبوا‬ ‫جنازتها‪ ،‬فسار العالم كله في جنازتها!‬ ‫ونتيجة تمسك المرأة التونسية بكلمة‬ ‫واحدة هي «ارحل اآلن» تعرضت المرأة‬ ‫للعنف الشديد من جانب رجال الشرطة‪،‬‬ ‫وأصيب في يوم ‪ 14‬يناير اآلالف من‬ ‫النساء خالل االحتجاجات الواسعة التي‬ ‫عمت البالد قبل رحيل زين العابدين بيوم‬ ‫واحد‪ ،‬حيث كانت النساء والفتيات في‬ ‫مواجهة األمن يتلقين طلقات الرصاص‬ ‫والقنابل المسيلة للدموع‪.‬‬ ‫وكشف استشهاد السيدة منال‬ ‫بوعالقي‪ ،‬عن استخدام عصابات‬ ‫السلطة المسلحة سيارات اإلسعاف‬ ‫كوسيلة غادرة يطلقون منها النار على‬ ‫كل من يصادفهم‪.‬‬ ‫وبحسب توثيق الجمعيات الحقوقية‬ ‫لما تعرضت له المرأة‪ ،‬كان االغتصاب‬ ‫والتحرش الجنسي والعنف اللفظي‬ ‫واالعتداء المتغطرس هو الحال اليومي‬ ‫ألهالي مدن تالة والقصرين والرقاب‬ ‫وسيدي بوزيد وحتى العاصمة‬ ‫نفسها‪!..‬‬ ‫وعرضت الجمعية التونسية للنساء‬ ‫الديموقراطيات فيلم ًا وثائقي ًا عن ضحايا‬ ‫العنف ضد المرأة الذي ذهب ضحيته عدد‬ ‫من النساء باإلضافة لألطفال الرضع‬ ‫الذين ماتوا بتأثير القنابل المسيلة‬ ‫للدموع‪.‬‬ ‫وفي ليبيا لم يعرف عدد النساء‬ ‫الشهيدات‪ ..‬لكن هناك العشرات بل‬ ‫والمئات الذين قضوا تحت نيران القصف‬ ‫العشوائي لكتائب القذافي‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫االعتداء الجنسي واالغتصاب القسري‬ ‫للفتيات‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫وبس!‬ ‫حريّة‬ ‫ْ‬ ‫رزان نعيم املغربي ‪ -‬طرابل�س‬

‫أن تكون ثورتنا سلمية‪ ،‬كانت هذه‬ ‫حسرتي وغصة كل الشعب الليبي‪،‬‬ ‫الذي تحدى نظام ًا سبق له تعليق‬ ‫طلبة الجامعات على حبال المشانق‪،‬‬ ‫وساق شباب ًا ورجا ًال إلى صحراء تشاد‬ ‫تنفيذًا ألوامر طاغية‪ ،‬وأطلق الرصاص‬ ‫على سجناء «بوسليم»‪ ،‬ألنهم طالبوا‬ ‫بتحسين ظروف اعتقالهم‪.‬‬ ‫قبل ‪ 17‬فبراير‪ ،‬لم يكن البعض‬ ‫يصدق أنهم سيمتلكون يوم ًا الجرأة‬ ‫للقيام بثورة‪ ،‬ألن النظام عمل طوي ً‬ ‫ال‬ ‫على خديعة نفسية‪ ،‬تمثلت في الترويج‬ ‫لكذبة أن الشعب الليبي جبان‪ ،‬وأن‬ ‫صوت الرصاص والسجون التي ترتكب‬ ‫فيها المذابح‪ ،‬هي خاتمة كل تمرد أو‬ ‫ثورة‪ .‬مع هذا‪ ،‬كان اإليمان بأن الوقت‬ ‫حان للخروج‪ ،‬والتظاهر والمطالبة‬ ‫بالحقوق‪ ،‬أقوى من صوت المدافع‪،‬‬ ‫وعنجهية المرتزقة‪.‬‬ ‫أتذكر األيام الثالثة األولى من الثورة‬ ‫وكيف كنا نسمع أصوات الرصاص‪،‬‬ ‫أثناء تشييع الشهداء في بنغازي‪ ،‬من‬ ‫خالل هواتف الصديقات واألصدقاء‪،‬‬ ‫ودعوتهم لنا كي نناصرهم ونخرج‬ ‫أيض ًا ليخف الضغط عليهم‪ ،‬وهو ما‬ ‫حدث فعلياً‪ ،‬وخرجت طرابلس رجا ًال‬

‫‪30‬‬

‫ونساء‪ ،‬وامتألت الشوارع بجموعهم‬ ‫تطالب برحيل من ال يصدق أن في ليبيا‬ ‫رجا ًال‪ ..‬فإذا برصاص المدافع الغادرة‬ ‫يهطل من أعلى السرايا الحمراء على‬ ‫الجموع الهادرة‪ ،‬ويسقط أكثر من ‪800‬‬ ‫شهيد‪.‬‬ ‫هؤالء الشباب والرجال الذين عادوا‬ ‫وبعضهم اختفت جثثهم‪ ،‬أقسمت‬ ‫أمهاتهم على األخذ بالثأر‪ ،‬بل نساء‬ ‫ليبيا اللواتي لم يتقبلن العزاء‪ ،‬أقسمن‬ ‫جميعهن على دفع أبنائهن بشجاعة‬ ‫نادرة‪ ،‬إلى الخروج وحمل السالح‪.‬‬ ‫هجرن حفالت األعراس‪ ،‬وتبرعن‬ ‫بالحلي والمجوهرات لصالح الثورة‪.‬‬ ‫وبرزت أخيرًا المرأة الليبية الحقيقية‪،‬‬ ‫التي اختفت طويالً‪ ،‬وغيبت قسرًا‪.‬‬ ‫فجأة أصبحنا نمتلك (شيفرة)‬ ‫خاصة لكل مكالمة هاتفية بين اثنتين‬ ‫من الصديقات دون أي اتفاق سابق‪،‬‬ ‫واستخدمنا لغة نسائية مشفرة‪ ،‬لنقول‬ ‫إن هناك اشتباك ًا في منطقة معينة من‬ ‫طرابلس‪ ،‬نعبر عنها بالقول‪« :‬هناك‬ ‫حفلة صاخبة في صالة األفراح»‪ ،‬و«تم‬ ‫تعليق زينة ضخمة»‪ ،‬كناية عن رفع‬ ‫العلم في مكان ما‪ .‬كانت تنتقل األخبار‬ ‫من خالل الهواتف المراقبة‪ ،‬وتصل إلى‬

‫اإلعالم بشكل سريع وفوري‪.‬‬ ‫تازيري امرأة شابة من يفرن‪ ،‬كانت‬ ‫تلف الذخيرة بغطاء طفلها الرضيع في‬ ‫حجرها‪ ،‬ووالدة زوجها العجوز تخبئ‬ ‫تحت ردائها األبيض رشاشاً‪ .‬صديقتي‬ ‫تازيري من أمزيغ الجبل الغربي‪،‬‬ ‫صاحبة مشاريع مدارس األطفال‪،‬‬ ‫وقارئتي األولى‪ .‬تلك المرأة الشابة‪،‬‬ ‫تحولت‪،‬‬ ‫التي تهوى السفر والرفاهية‪ّ ،‬‬ ‫بين يوم وليلة‪ ،‬إلى مهربة للسالح‬ ‫والذخيرة‪ ،‬بينما شقيقتها األصغر تصر‬ ‫على البقاء وحيدة في (يفرن) كي تطهو‬ ‫للثوار من أقربائها وغيرهم‪ .‬غير عابئة‬ ‫بصواريخ كتائب القذافي‪ ،‬وال بإمكانية‬ ‫تعرضها لوحشيتهم لو وقعت بين‬ ‫أيديهم أسيرة‪.‬‬ ‫أما تركية عبد الحفيظ‪ ،‬وهي كاتبة‬ ‫وأستاذة جامعية من بنات تاجوراء‬ ‫في طرابلس‪ ،‬وزوجها كاتب وباحث‬ ‫من مصراتة‪ ،‬فكانت تدفع ابنها الشاب‬ ‫إلى تونس ليأخذ مركب ًا بحري ًا صغيرًا‬ ‫ويدخل مدينة مصراتة ويشترك في‬ ‫الدفاع عنها‪ .‬هذه القاصة الرقيقة كان‬ ‫سالحها قلم ًا ينتقد ويسخر‪ ،‬ولم يدر‬ ‫في بالها يوماً‪ ،‬أنها سوف تشجع أكبر‬ ‫أبنائها محمود (سنة أولى جامعة)‬ ‫ليكون مقات ً‬ ‫ال على الجبهات‪ ،‬وها هي‬ ‫صورته في جبهة سرت حام ً‬ ‫ال رشاش ًا‬ ‫ثقي ً‬ ‫ال منشورة على صفحتها على‬ ‫الفيسبوك‪.‬‬ ‫من جهتها‪ ،‬ظلت سيدة األعمال هند‬ ‫تطارد صفقات وعموالت من بلد إلى‬ ‫آخر‪ .‬هذه المرة ركبت سيارة أجرة‬ ‫مع أوالدها‪ ،‬وأقامت في تونس‪ ،‬من‬ ‫هناك أخذت تجمع التبرعات‪ ،‬وتسافر‬ ‫إلى مخيمات الالجئين‪ ،‬ثم تعود إلى‬ ‫العاصمة تونس لتتابع إجراءات شحن‬ ‫الدواء‪ ،‬ثم تدفع باثنين من أوالدها‬ ‫أصغرهما لم يبلغ العشرين من عمره‪،‬‬ ‫ليلتحق بمعسكرات التدريب في الجبل‬ ‫الغربي‪.‬‬ ‫فوزية‪ ،‬سيدة مصراتية‪ ،‬ذهب ابنها‬ ‫مصطفى‪ ،‬الذي تخرج في كلية الهندسة‬ ‫المدنية العام الماضي إلى الجبهة‪،‬‬ ‫يدافع عن مدينته‪ ،‬برفقة خمسة من‬


‫عالمة النصر الذي جاء‬

‫أصدقائه‪ .‬كان كلما يعود إلى البيت‬ ‫ليغتسل ويرى والدته‪ ،‬يخبرها بأنهم‬ ‫ودعوا شهيدًا منهم‪ .‬في المرة األخيرة‬ ‫أخبرها أنه لم يتبق سواه مع ابن‬ ‫خالته‪ .‬طلب أن ينام ساعة على ركبة‬ ‫والدته‪ ،‬ليصحو ويلتحق بهم‪ .‬كان‬ ‫نومه عميقاً‪ ،‬وبإحساس األم القوي‪،‬‬ ‫شعرت أنها المرة األخيرة‪ ،‬فلم توقظه‬ ‫حتى الفجر‪ ،‬ولم تتحرك من مكانها‪،‬‬ ‫ولم تغير جلستها‪ ،‬حتى ال يستيقظ‪.‬‬ ‫ومع هذا لم تطلب منه البقاء‪ ،‬بل دفعته‬ ‫نحو مصيره‪ ،‬ليعود لها شهيدًا‪.‬‬ ‫تحول الثورة السلمية إلى ثورة‬ ‫ّ‬ ‫مقاومة وسالح فرض علينا الخوف‪.‬‬ ‫والخوف هنا ليس من الموت والقتل‪،‬‬ ‫على الجبهات أو برصاص القناصة التي‬ ‫انتشرت على أسطح العمارات العالية‬ ‫الحكومية والسكنية في طرابلس‪ ،‬إنما‬ ‫خوف من االعتقال‪ ،‬والمهانة لكرامة‬ ‫اإلنسان‪ .‬فالنظام الذي تزعمه القذافي‪،‬‬ ‫خرج إلينا يسأل‪« :‬من أنتم ؟ يا مقملين‬ ‫ياجرذان‪ ،‬مهلوسين!‪ .»..‬لم يكتف بذلك‬

‫التجريح العلني‪ ،‬بل مارسه‪ ،‬وأمر‬ ‫المرتزقة باغتصاب النساء‪ .‬وقد رأى‬ ‫العالم حالة إيمان العبيدي التي اقتحمت‬ ‫فندق «ريكسوس» وهي تصرخ طالبة أن‬ ‫يشهد اإلعالم الغربي المرهون والمعتقل‬ ‫داخل الفندق على ما وقع لها‪.‬‬ ‫عندما قيل عبر وسائل اإلعالم إن‬ ‫العاصمة معتقلة‪ ،‬لم يتصور أحد في‬ ‫الخارج معنى ذلك‪ ،‬وكيف كان شكل‬ ‫المعاناة‪ .‬كيف انتشرت الكتائب زنقة‬ ‫زنقة وبيت بيت‪ .‬كانوا من داخل حدائق‬ ‫بيوتهم يطلقون الرصاص العشوائي‪،‬‬ ‫وفي الليل يصبح أشد وأقوى وهم‬ ‫يطاردون ثوار المدينة‪ ،‬وينادونهم «يا‬ ‫جرذان!»‪.‬‬ ‫كانت المقاومة تتخذ أشكا ًال بدائية‪،‬‬ ‫في مواجهة سالح قوي ال يرحم‪ ،‬ويمكن‬ ‫أن أذكر مثا ًال‪ :‬عندما بدأ اقتحام مدينة‬ ‫بنغازي في ‪ 3/19‬وقبل ساعات من‬ ‫تحليق الطائرات الفرنسية في السماء‪،‬‬ ‫كانت الدبابات تدخل إلى بنغازي‪،‬‬ ‫وكان الشارع مرتفع ًا قلي ً‬ ‫ال وكأنه على‬

‫هضبة صغيرة‪ ،‬مما جعل رجال وشباب‬ ‫بنغازي‪ ،‬يفرشون الشارع بالسجاد بعد‬ ‫أن أغرقوه بالزيت والوقود‪ ،‬وانتظروا‬ ‫وصول الدبابات التي اشتبك جنزيرها‬ ‫بالبساط‪ ،‬وهنا قاموا بإلقاء زجاجات‬ ‫حارقة‪ ،‬أعدوها بأنفسهم‪ ،‬وتم تفجير‬ ‫هذه اآلليات الضخمة الزاحفة لقصف‬ ‫المدينة‪.‬‬ ‫كل تلك البطوالت‪ ،‬كانت وراءها‬ ‫أمهات وزوجات‪ ،‬يدفعن بالشباب‬ ‫والرجال‪ ،‬للدفاع عن الوطن‪ .‬ورغم‬ ‫الوضع الملتهب‪ ،‬وجدت بعض‬ ‫النساء حرية في التنقل والحركة لنقل‬ ‫المنشورات لخيام الكتائب‪ ،‬تحثهم على‬ ‫االنشقاق‪ ،‬وتقوم بنقل السالح من جهة‬ ‫إلى أخرى‪ ،‬على الرغم من حذر النظام‬ ‫ليكن ضمن نقاط‬ ‫الذي جند حارساته‬ ‫َّ‬ ‫التفتيش على كافة الحواجز‪ ،‬داخل‬ ‫المدن وخارجها‪ .‬اليوم‪ ،‬بعد سقوط‬ ‫نظام القذافي‪ ،‬ستبقى ذاكرة األمهات‬ ‫والنساء تحفظ صور الشهداء‪ ،‬ألنهم‬ ‫وحدهم من دفع الضريبة مرتين‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫حرائر سورية‬ ‫عبداهلل احلامدي‬

‫المرأة السورية هي األكثر إحراج ًا‬ ‫للنظام‪ ،‬فليس من المعقول أن تكون‬ ‫ريما فليحان أو مي سكاف أو مروة‬ ‫الغميان «جماعة مسلحة»!‬ ‫مروة منذ ‪ 15‬مارس‪/‬آذار ‪2011‬‬ ‫تاريخ خروجها في أول مظاهرة حرية‬ ‫مع رفقائها الخمسة (فقط) حسمت أمرها‪،‬‬ ‫فسورية ُتشترى بالروح‪ ،‬وترخص لها‬ ‫الدماء‪ ،‬ودعت أباها وأمها عبر مقطع‬ ‫فيديو مسجل بالموبايل‪ ،‬وخرجت في‬ ‫الصباح دون أن يرف لها جفن طوال‬ ‫الليل‪ ،‬متفقة مع صديقتها نورا الرفاعي‪،‬‬ ‫وكأنها تستعيد حكاية البطل يوسف‬ ‫العظمة وزير الدفاع السوري حين توجه‬ ‫إلى معركة ميسلون عام ‪ ،1920‬مودع ًا‬ ‫ابنته الوحيدة «ليلى»‪ ،‬بعد أن أدرك‬ ‫خسارة المعركة مسبقاً‪ ،‬بسبب قلة العدد‬ ‫والعتاد‪ ،‬بعبارته الشهيرة‪« :‬حتى ال‬ ‫يقولوا إن الفرنسيين دخلوا دمشق بال‬ ‫مقاومة»‪ ،‬فكانت معركة الكرامة التي‬ ‫استشهد فيها‪.‬‬ ‫«الموت وال المذلة» هو التعبير‬ ‫األحدث عن شعب «تحت هودجها‪/‬‬ ‫وتعالجنا‪ /‬صار سحب سيوف‪ /‬يا ويل‬ ‫حالي‪ /‬يا ويل ويلي‪ /‬يا ويل حالي‪/‬‬ ‫أخذوا حبي‪ /‬وراحوا شمالي‪ /‬راحوا‬ ‫لبعيد‪ /‬لبعيد راحوا‪ /‬كيف بدي أطير؟‪/‬‬ ‫وجناح ما لي!»‪ ،‬وغيرها الكثير من‬

‫‪32‬‬

‫األهازيج التي ترددها النسوة وأطفالهن‬ ‫في البيوت‪ ،‬من تالل الجزيرة إلى سهل‬ ‫حوران‪ ،‬ومن جبل الزاوية إلى بساتين‬ ‫الغوطة‪ ،‬أما الشباب األباة فيودعون‬ ‫أهاليهم ويخرجون‪ ،‬ليصرخوا مطالبين‬ ‫بالحرية‪ ،‬ويستشهدوا تباعاً‪.‬‬ ‫ال يمل النظام من القول‪ :‬ال ثورة في‬ ‫سورية‪ ،‬وال يخجل من القول بالمقابل‪:‬‬ ‫ثمة مطالب محقة! وكأن قدر المرأة‬ ‫السورية‪ ،‬عاملة وفالحة وموظفة وربة‬ ‫منزل وطالبة جامعية أن تحمل وزرين‬ ‫ثقيلين معاً‪ :‬أو ًال أنها امرأة مثل سائر‬ ‫النساء في دكتاتوريات العالم الثالث‪،‬‬ ‫ترفع شعار حقوقها الطبيعية‪ ،‬وثاني ًا‬ ‫أنها ثائرة ضد نظام ال يسمي األشياء‬ ‫بأسمائها‪ ،‬فعليها أن تثبت أنها امرأة‪،‬‬ ‫وعليها أن تثبت أن ما يحدث على طول‬ ‫الوطن وعرضه‪ ،‬ويستشهد الرجال‬ ‫والنساء واألطفال في سبيله هو ثورة‪،‬‬ ‫وليس مزحة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ظاهرة تدعو للدهشة أن‬ ‫أليست‬ ‫تتبعثر السورّيات منذ بدء الثورة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫كل منهن في اتجاه‪ :‬بهية مارديني في‬ ‫القاهرة‪ ،‬ريما فليحان في عمان‪ ،‬مي‬ ‫سكاف في موسكو‪ ،‬سمر يزبك في‬ ‫باريس‪ ،‬طل الملوحي في السجن‪،‬‬ ‫ال‪ ،‬كانت مودعة في السجن قبل اندالع‬ ‫الثورة بكثير‪ ،‬وتعرضت لما ال حصر له‬

‫من الشائعات والروايات البوليسية التي‬ ‫تفوقت فيها على «رأفت الهجان»‪ ،‬رغم‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫«مدونة» مراهقة لم‬ ‫طل كانت مجرد‬ ‫ِّ‬ ‫تكمل عامها العشرين‪.‬‬ ‫الكاتبة الدرامية ريما فليحان التي‬ ‫خبرت تفاصيل الحياة االجتماعية‬ ‫السورية‪ ،‬وكانت من أوليات الثائرات‪،‬‬ ‫تروي حكايتها مع الثورة‪ :‬صدر بحقي‬ ‫قرار بالمنع من السفر‪ ،‬وصرت مهددة‬ ‫باالعتقال والتصفية في أية لحظة‪،‬‬ ‫وجدت نفسي أمام خيارين‪ :‬إما الصمت‬ ‫أو الهرب‪ ،‬وتأتي تتمة الحكاية من‬ ‫العاصمة األردنية‪ :‬الفكرة تمثلت في‬ ‫ضرورة إيصال صوتنا إلى الشارع‪،‬‬ ‫بدأنا تنفيذ الفكرة بإنشاء صفحة على‬ ‫«الفيسبوك» تحت اسم «مثقفون من‬ ‫أجل سورية»‪ ،‬تضمنت المطالبة بإطالق‬ ‫سراح المعتقلين ووقف أعمال القتل‪،‬‬ ‫اخترنا جامع الحسن في منطقة الميدان‬ ‫مكان ًا للتجمع‪ ،‬وقبل التحرك وجدنا‬ ‫أنفسنا محاطين برجال األمن والشبيحة‪،‬‬ ‫أخذونا الى فرع األمن الجنائي‪ ،‬وهناك‬ ‫فصلوا الشباب عن البنات‪ ،‬أودعونا‬ ‫في القسم المخصص لقضايا الدعارة‪،‬‬ ‫أدركنا اإلهانة التي يحاولون توجيهها‬ ‫إلينا‪ ،‬رفضنا البقاء هناك‪ ،‬ونقلونا بعد‬ ‫ثالث ساعات إلى غرف عارية من كل‬ ‫حولونا بعدها‬ ‫شيء لمدة أربعة أيام‪ّ ،‬‬ ‫الى المحكمة‪ ،‬ونحن مقيدات بالسالسل‬ ‫كالمجرمين‪ ،‬وتكمل «صاحبة بيان‬ ‫الحليب»‪ :‬الطفل الجائع في درعا استفز‬ ‫شعوري بأمومتي‪ ،‬قمت بكتابة بيان من‬ ‫عدة أسطر أناشد فيه الحكومة السورية‬ ‫السماح بإدخال الحليب ألطفال درعا‪،‬‬ ‫ألن طفل درعا ال يمكن أن يكون مندساً‪،‬‬ ‫وصل عدد التواقيع على البيان الذي‬ ‫أرسلناه إلى وزارة الصحة إلى ‪1400‬‬ ‫توقيع‪ ،‬وكان من بين الموقعين منى‬ ‫واصف وريم علي وكاريس بشار‪ ،‬ثم‬ ‫تسترجع ريما تاريخ عالقتها مع النظام‬ ‫قائلة‪ :‬عندما كنت طفلة في البكالوريا‪،‬‬ ‫نسبونا الى حزب البعث‪ ،‬وكانوا يعقدون‬ ‫لنا االجتماعات‪ ،‬لم أستطع االستمرار‪،‬‬ ‫قلت لهم أرغب باالستقالة‪ ،‬وحينما‬ ‫رفضت التراجع قاموا بفصلي‪ ،‬بمعنى‬


‫سهير األتاسي‬

‫مي سكاف‬

‫أم زينب الحصني‬

‫زينب الحصني‬

‫مروة الغميان‬

‫سمر يزبك‬

‫ريما فليحان‬

‫طل الملوحي‬

‫أنهم نسبوني إلى الحزب وفصلوني‪،‬‬ ‫دون أن يتركوا لي حق اختياره أو‬ ‫مغادرته‪ ،‬وتضيف‪ :‬في االستفتاء األخير‬ ‫على والية األسد األب‪ ،‬كانوا يجرحون‬ ‫أصابع المواطنين ليبصموا بالدم‪،‬‬ ‫ويعبئون استمارات االستفتاء نيابة‬ ‫عنهم‪ ،‬لم أحتمل الموقف‪ ،‬وخرجت من‬ ‫أصوت‪ ،‬وعندما تولى بشار‬ ‫دون أن‬ ‫ّ‬ ‫الحكم‪ ،‬توقعنا منه التعددية السياسية‬ ‫واإلصالح‪ ،‬لكن ذلك لم يحدث‪ ،‬واستمر‬ ‫الفساد والبيروقراطية والفقر‪ ،‬وتدخالت‬ ‫الفروع األمنية‪ ،‬لم نشعر بالتغيير‪ ،‬يريد‬ ‫بشار أن يبقى مثل أبيه‪ ،‬وأن يحكم ابنه‬ ‫أبنائي!‬ ‫الناشطة السياسية سهير األتاسي‬ ‫رئيسة منتدى جمال األتاسي للحوار‬ ‫الديموقراطي‪ ،‬الذي تم إغالقه‪ ،‬لم يبق‬ ‫لها سوى فضاء الفيسبوك لتواصل‬ ‫فعالياته‪ ،‬تعرضت للضرب والشتم‬ ‫بألفاظ نابية في الثاني من فبراير‬ ‫‪ 2011‬حين احتجت بإشعال الشموع‬ ‫مع مجموعة شبابية‪ ،‬تضامن ًا مع‬ ‫الثورة المصرية بدمشق‪ ،‬فانقض عليها‬ ‫بلطجية األمن على مرأى ومسمع عناصر‬ ‫الشرطة‪ ،‬وتلقت سهير أول صفعة‬ ‫في الثورة السورية من ضابط أمن لم‬ ‫يعرف بهويته وهددها بالقتل‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫يزبك‪ ‬المولودة‬ ‫سمر‬ ‫الروائية‬ ‫في مدينة‪ ‬جبلة‪ ‬المطلة على الساحل‬

‫السوري والتي خرجت من عباءة العائلة‬ ‫والطائفة متخطية المحرمات االجتماعية‬ ‫عبر رواياتها «الصلصال» و«رائحة‬ ‫القرفة» و«طفلة السماء» وكتبت ‪ 13‬فيلم ًا‬ ‫ومسلس ً‬ ‫ال واحدًا أعلنت على صفحتها في‬ ‫الفيسبوك‪« :‬لو كان اإلمام علي بن أبي‬ ‫طالب يعيش بيننا‪ ،‬لكان أول متظاهر‬ ‫فوق األرض السورية الكريمة‪ ،‬ولرأيتم‬ ‫وجهه دامياً‪ ،‬أعرف كم سيغضبكم هذا‬ ‫الحديث‪ ،‬أعرف أنكم تبرأتم مني‪ ،‬ولكني‬ ‫لست بريئة منكم‪ ،‬أنتم في صدري‬ ‫مثل سكين‪ ،‬أعرف كم يلزم من الوقت‬ ‫لتشعروا بالخديعة التي صمتم فيها عن‬ ‫وجه القاتل»‪ .‬وتتابع‪ :‬لقد كنا نعيش‬ ‫مع ًا في دوامة الخوف‪ ،‬اآلن لم يعد‬ ‫هناك من مجال للوقوف بشكل حيادي‬ ‫اتجاه ما يفعله النظام المستبد بكم‪،‬‬ ‫بقراكم الفقيرة‪ ،‬ورجالكم الذين تحولوا‬ ‫إلى مرتزقة‪ ،‬ومثقفيكم الذي قضوا عمرًا‬ ‫في سجون النظام‪ ،‬النظام المتمثل‬ ‫بعائلة طاغية تجعل منكم درع ًا بشري ًا‬ ‫لها‪ ،‬وتستمر في جبروتها وطغيانها‪،‬‬ ‫وتحرفكم عن مسار الحق‪ ،‬مضيفة‪:‬‬ ‫«لن يقتلكم أخوتكم في الوطن والسماء‬ ‫واألرض‪ ،‬زوال العائلة المجرمة الحاكمة‬ ‫ال يعني زوا ًال للطائفة‪ ،‬الطائفة أبقى‬ ‫وأعز‪ ،‬يذهبون وتعيشون بين إخوتكم‪،‬‬ ‫لهم ما لكم‪ ،‬ولكم ما لهم»‪.‬‬ ‫الممثلة مي سكاف التي اختفت مدة‬

‫في حواري الشام إثر مالحقتها من قبل‬ ‫«الشبيحة»‪ ،‬ثم ظهرت في موسكو‪،‬‬ ‫على شاشات عدد من الفضائيات منها‬ ‫«الجزيرة» رأت في الثورة السورية‬ ‫بداية جديدة‪ :‬الحياة اختالف واالستقرار‬ ‫موت‪ ،‬إنها سورية العظيمة‪ ،‬وليست‬ ‫سورية األسد‪ ،‬مضيفة‪ :‬أنا أحب أبي‬ ‫رحمه اهلل ولم يخطر ببالي أبدًا أن أضع‬ ‫صورته على زجاج سيارتي‪ ،‬وفي‬ ‫مكتبي وأمام مدخل بنايتي!‬ ‫مروة الغميان ودانا بقدونس وسهير‬ ‫األتاسي وملك النشواني وسارة‬ ‫الطويل ومي سكاف وريم فليحان ويم‬ ‫مشهدي وسوسن العبار وشقيقتها‬ ‫غادة ورغداء حسن ونور جزماتي التي‬ ‫اعتقلت خالل مشاركتها في مظاهرة باب‬ ‫الحديد في حلب وكثيرات جدًا ‪ ..‬حطمن‬ ‫جدار الخوف‪ ،‬كل واحدة منهن بمائة‬ ‫رجل‪ ،‬قلن لرجل المخابرات‪ :‬كفى‪ ،‬فما‬ ‫عاد الحجز والتوقيف وغرف التحقيق‪،‬‬ ‫وال حتى الرصاص يخيف‪ ،‬ولعل األهم‬ ‫أنهن فضحن المعارضة الفلكلورية‬ ‫التزيينية التي مارسها أربعين عام ًا كثير‬ ‫من المثقفين والفنانين الجبناء بقصد‬ ‫التربح عن طريق الحديث باسم الشعب‬ ‫الذي خرج عن صمته في الشارع‪ ،‬ولم‬ ‫يعد بحاجة إلى متحدثين و«منفسين»‬ ‫يرعاهم النظام األمني المستبد ضمن‬ ‫جوقته‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫كانت الناشطة اليمنية توكل كرمان جالسة في خيمتها منذ انطالقة‬ ‫الثورةاليمنية‪ ،‬كانت هناك عندما تلقت مكالمة هاتفية تخبرها أنها‬ ‫حصلت على جائزة نوبل للسالم ‪.2011‬‬

‫حفيدة بلقيس‬ ‫سيدة السالم‬ ‫جمال جربان ‪� -‬صنعاء‬ ‫كأن توكل كرمان ُخلقت الجتياز‬ ‫الخطوط الحمراء في مجتمع قبلي تقليدي‬ ‫محافظ‪ ،‬يحاول االقتراب بحياء من خط‬ ‫المدنية‪.‬خرجت من عباءة أبرز األحزاب‬ ‫الدينية األصولية في اليمن وتمردت‬ ‫على رموزه المحافظة‪ ،‬من أهمها رجل‬ ‫الدين المتشدد عبد المجيد الزنداني‪.‬‬ ‫خلعت النقاب مفضلة الحجاب كي‬ ‫تكون قادرة على الحركة بشكل أفضل‪.‬‬ ‫تمردها لم يمنعها من التدرج تنظيمي ًا في‬ ‫حزبها واصلة مصاف مجلس الشورى‬ ‫فيه‪ .‬دخلت جغرافيا الصحافة وصنعت‬ ‫لنفسها نبرة قوية جامحة جعلت منها‬ ‫األولى في كتيبة صحافيين شباب‬ ‫رفعوا شعار «ارحل» في وجه الرئيس‬ ‫اليمني الذي لم يّدخر طريقة تأديبية في‬ ‫حقها إال وفعلها‪ ،‬بداية من الشتائم عبر‬ ‫الصحف الممولة من القصر الرئاسي‪،‬‬ ‫مرروًا بالمحاكمات و انتهاء بالخطف‬ ‫واالعتقال والتهديد بالقتل‪ .‬لكنه لم يكن‬ ‫يعلم أن كل هذا سيمهد الطريق لها كي‬ ‫تصل إلى نوبل السالم‪.‬‬

‫من هنا تبدأ الحكاية‬

‫لم يكن في بال التلميذة اليمنية توكل‬ ‫كرمان(مواليد ‪ )1979‬وهي تقود مجموعة‬ ‫من زميالتها يوم كانت في الصف الثاني‬ ‫‪34‬‬

‫الثانوي في مسيرة احتجاجية باتجاه‬ ‫مكتب مديرة المدرسة‪ ،‬من أجل إيصال‬ ‫رسالة تقول بعدم رضاهن عن سير‬ ‫العملية التعليمية‪ ،‬أن هذه الطريق‬ ‫ستطول بها مع السنوات لتصل حد‬ ‫قيادة مسيرة أكبر حجماً‪ ،‬وتذهب بها‬ ‫باتجاه القصر الرئاسي مطالبة بـإسقاط‬ ‫النظام في اليمن‪.‬‬ ‫من المدرسة إذًا ظهرت تلك الروح‬ ‫االحتجاجية عند توكل مفصحة عن بذرة‬ ‫فتاة قيادية ستنمو مع الوقت لتصبح‬ ‫منهج ًا في الحياة ورغبة ال تلين في‬ ‫تغيير األوضاع المغلوطة التي تراها‬ ‫قائمة في كافة نواحي الحياة اليمنية‬ ‫على اختالف مستوياتها‪.‬‬ ‫«أنا سُأغّير»‪ ،‬تقول توكل‪ .‬وليس «أنا‬ ‫سوف أسعى أن ُأغّير»‪ .‬الدقة مطلوبة هنا‬ ‫من طرفها وتعني لها المفردات الشيء‬ ‫الكثير‪ ،‬لهذا تحرص على اختيارها‬ ‫بعناية شديدة لما في هذا من قدرة على‬ ‫تهيئة رسالتها التي تريد إيصالها من غير‬ ‫تشويش أو سوء فهم قد يضران بها‪ .‬كما‬ ‫كانت تعرف بشكل مسبق أنه ولكونها‬ ‫امرأة في بيئة اجتماعية غير متصالحة‬ ‫تمام ًا مع النساء سيكون عليها بذل جهد‬ ‫مضاعف وإضافي عن أقرانها الذكور‬ ‫وهذا كي تصل لمرتبة معينة من القدرة‬

‫على اإلقناع‪ .‬لكن كل هذا لم يكن متاح ًا‬ ‫من الفراغ أو نزل عليها فجأة من مكان ما‬ ‫حيث هناك من صنع لها أرضية متينة‬ ‫كي تسير عليها بتلك الثقة الظاهرة‬ ‫على خطوتها كما على نبرتها إذ تصرح‬ ‫ﻠ «الدوحة»‪« :‬هو أبي‪( ،‬عبد السالم‬ ‫كرمان الوزير السابق وعضو مجلس‬ ‫الشورى اليمني حالياً‪ ،‬الذي يعتبر من‬ ‫أهم المرجعيات الفكرية لحزب التجمع‬ ‫اليمني لإلصالح وهو الحزب الديني‬ ‫في بذرة‬ ‫األبرز في اليمن)‪ ،‬من زرع ّ‬ ‫ثقة بدأت تتشكل في داخلي فعمل على‬ ‫تنميتها ودعمها حتى صرت أنا توكل‬ ‫كرمان بشخصية مستقلة وبنبرة خاصة‬ ‫بي»‪ .‬وعليه كان اكتساب الثقة في وقت‬ ‫مبكر والقدرة على الخروج بلسان قادر‬ ‫على الكالم بصوت مرتفع‪ .‬لهذا كان‬ ‫اختيارها السير في طريق الصحافة ليس‬ ‫غريب ًا وقد طورت وضبطت لهجتها‪،‬‬ ‫وتمكنت من مفرداتها بشكل واضح‪ .‬لكن‬ ‫لم يكن هذا كل شيء! تقول لنا توكل إن‬ ‫الخطوة التي تريدها كانت أكبر من الممر‬ ‫الضيق المتاح الذي كان أمامها‪« :‬صار‬ ‫صوتي يضيق من مساحة المقال الواحد‬ ‫وأصبحت بحاجة لجغرافيا أوسع لها أن‬ ‫والهم لم يعد‬ ‫ُتَمكِّني من االنطالق‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬ ‫شخصي ًا بل صار مالمس ًا لمجتمع بحاله‬ ‫يعاني من الكبت وانحسار مساحات‬ ‫الكالم والتعبير» تضيف‪.‬‬ ‫وعليه قالت لنفسها‪ :‬لنطلق منظمة‬ ‫وتعنى بالدفاع عن‬ ‫مدنية مستقلة ُ‬ ‫الحريات والحق في التعبير وامتالك‬ ‫الناس لحق إنشاء قنوات تلفزيونية‬ ‫ومحطات إذاعية خاصة‪ ،‬والتوقف عن‬ ‫محاكمة الصحافيين والصحف في محاكم‬ ‫جنائية‪ .‬خطوة سارت في نجاحها‬ ‫بتأسيس منظمة «صحافيات بال حدود»‬ ‫لكن بشكل مؤقت قبل أن يتم قرصنتها‬ ‫عن طريق عناصر تابعة للنظام‪.‬‬

‫في مواجهة السيستام‬

‫بالنسبة لفتاة ال تعرف الهدوء أو‬ ‫االستكانة لمصير ُفرض عليها‪ ،‬لم يكن‬ ‫هذا نهاية الطريق‪ ،‬فكانت محاولتها‬ ‫الثانية لتأسيس منظمة بنفس األهداف‬ ‫مع تحوير االسم الذي تمت مصادرته‬


‫ليصبح «صحافيات بال قيود»‪.‬‬ ‫مهمة لم تكن سهلة أمام تعنُّت‬ ‫وإصرار رسمي بعدم منحها الترخيص‬ ‫المطلوب عن طريق اختراع أسوار من‬ ‫الطلبات التعجيزية أمامها‪ .‬لكنها لم‬ ‫تجنح للراحة وتقول‪« :‬لقد فعلت كل ما‬ ‫بوسعي وأرحت ضميري»‪ .‬لم يكن هذا‬ ‫ما قامت به حيث ذهبت ألبعد من ذلك‬ ‫بأن أعلنت نيتها االعتصام في الجهة‬ ‫الحكومية المخول لها إصدار التراخيص‬ ‫المانحة لحق تأسيس المنظمات األهلية‪.‬‬ ‫فأخذت أغراضها الشخصية وجهاز‬ ‫حاسوبها الخاص وأعلنت في وجوههم‬ ‫أنها لن تغادر المكان قبل حصولها على‬ ‫الترخيص‪.‬ووجدوا أنفسهم مجبرين على‬ ‫التواصل مع الجهات الرسمية العليا التي‬ ‫لم تجد ح ً‬ ‫ال غير إعطاء أوامرها بمنح‬ ‫توكل الترخيص الذي تريده لتأسيس‬ ‫منظمتها‪.‬‬ ‫«ما كان يشغل تفكيري وقتها كان‬ ‫أبعد من أهداف المنظمة نفسها وصو ًال‬ ‫عند طرح فكرة عدم التنازل عن الحق‬ ‫الشخصي البديهي المكفول لكل الناس‬ ‫بعيدًا عن المستويات القبلية واالجتماعية‬ ‫التي ينحدرون منها واعتبارها كحق‬ ‫أصيل وليس هبة أو منحة من الحاكم»‬ ‫تخبرنا توكل التي نجحت في وقت‬ ‫قياسي في تحرير مفهوم عمل المنظمات‬ ‫الحقوقية المدنية مطلقة إياه من محيط‬ ‫مقراته ومن‬ ‫الجداران المحاصرة له في ّ‬

‫ساحة المكاتب الروتينية منطلقة إلى‬ ‫الشارع العام وفضائه وعبر منظمة‬ ‫«صحافيات بال قيود» جعل الكلمة متاحة‬ ‫في الشارع العام وفي الساحات‪ .‬وكان‬ ‫هذا من خالل اتخاذها لفكرة الساحة‬ ‫كشكل من أشكال النضال السلمي من‬ ‫أجل استعادة الحقوق المنهوبة‪« ،‬ساحة‬ ‫الحرية» التي سبقت «ساحة التغيير»‬ ‫الحالية التي ساهمت في تأسيسها‬ ‫بأربعة أعوام تقريباً‪ .‬وكان هذا عن‬ ‫طريق الوقوف كل يوم ثالثاء من كل‬ ‫أسبوع أمام الساحة المقابلة لمقر مجلس‬ ‫الوزراء اليمني ورفع الالفتات المطالبة‬ ‫بالحقوق ودعوة أصحاب المظالم‬ ‫لالنضمام إليها‪ .‬ساحة استطاعت في‬ ‫وقت قياسي أن تتحول إلى يوم محاكمة‬ ‫علني لحكومة البلد‪ ،‬هذه الحكومة‬ ‫التي صنعت بينها وبين الناس حواجز‬ ‫عالية جعلتها تعيش في جزيرة معزولة‬ ‫عن الهم اليومي المعيش‪« ،‬إذا كان‬ ‫لك حق فعليك أن ُتطالب به» تلخص‬ ‫توكل فكرتها عن طريقة استرداد الحق‬ ‫المنهوب والمستباح‪.‬‬ ‫عندما خرج طلبة صنعاء إلى الساحة‬ ‫المواجهة لجامعتهم تحت تأثير ما حصل‬ ‫في تونس‪ ،‬كان سقف مطالبهم هو‬ ‫إسقاط النظام وال شيء دونه‪ .‬كانت‬ ‫توكل هناك بينهم وخرجت معهم غير‬ ‫يمسهم رافعين‬ ‫آبهين بشيء أو بخطر قد ّ‬ ‫أصواتهم بمفردة «ارحل»‪ ،‬وهي نفس‬

‫المفردة التي كانت توكل من أوائل من‬ ‫وضعها في قاموس الصحافة اليمنية‬ ‫في بدايات العام ‪ ،2005‬وكانت وقتها‬ ‫ضمن كتيبة صحافية شابة نجحت في‬ ‫رفع سقف الكتابة في البلد عن طريق‬ ‫فتح ملفات كانت في عداد المسكوت‬ ‫عنها مثال ملف توريث السلطة‪ ،‬وحكم‬ ‫العائلة وسيطرتها على مقدرات اليمن‪.‬‬ ‫واليوم ما تزال توكل كرمان‪،‬‬ ‫المتزوجة واألم لثالثة أبناء مالزمة‬ ‫لخيمتها المنصوبة في «ساحة التغيير»‪،‬‬ ‫لكن هناك شيء إضافي حصل؛ فقد‬ ‫وصلتها جائزة نوبل للسالم كأول يمنية‬ ‫وعربية تنالها‪.‬‬ ‫ال تكتم توكل فرحتها بالجائزة‪،‬‬ ‫لكنها في الوقت نفسه ال تنسى الرفاق‬ ‫الشباب‪ ،‬رفاق الثورة الذين سقطوا‬ ‫في الطريق لتهديهم إياها وألقرانهم في‬ ‫ثورات الربيع العربي»‪ .‬لقد صار الوقت‬ ‫مناسب ًا وضروري ًا للتخلص من هذه‬ ‫األصنام التي ظلت تتحكم في مصير‬ ‫البالد العربية كل هذا الزمن الطويل»‬ ‫تقول توكل كرمان بنبرة عالية مستشهدة‬ ‫بمن سقط منهم وبمن هو واقع اآلن على‬ ‫الطريق ذاته‪ .‬لكنها مع ذلك ال تستطيع‬ ‫كتم مشاعر تأثرها بالشباب اليمني الذي‬ ‫سارت معهم على طريق الثورة بهدف‬ ‫التخلص من حكم علي صالح وعنهم‬ ‫تقول‪« :‬إنهم عندي أهم من أي جائزة في‬ ‫الدنيا»‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫رزان زيتونة‬

‫الصرخة‬ ‫مايا �شكر اهلل ‪ -‬دم�شق‬ ‫مر ًة‪« :‬من المحزن أن أقول إنه‬ ‫قالت ّ‬ ‫ّ‬ ‫استلمتها لم‬ ‫التي‬ ‫القضايا‬ ‫كل‬ ‫من بين‬ ‫ُ‬ ‫أربح وال واحدة»‪ ،‬مع ذلك يصعب‬ ‫خسرت ولو‬ ‫القول إن هذه المرأة‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫قضية واحدة‪ .‬على العكس من ذلك‬ ‫تماماً‪ ،‬إذ إن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫«شكلية» في‬ ‫خسارة‬ ‫كل‬ ‫أروقة المحاكم‪ -‬حيث كانت تدافع عن‬ ‫المعتقلين السياسيين في بداية حياتها‬ ‫لت فوزًا ممتلئ المعنى في‬ ‫المهنية‪ -‬مّث ْ‬ ‫ٍ‬ ‫أروقة ٍ‬ ‫مشتهاة‪ ،‬قِوامها الحرّية في‬ ‫حياة‬ ‫االنحياز إلى الضحية‪ ،‬والدفاع عنها‪.‬‬ ‫ال أظن أن المحامية الشابة رزان‬ ‫فكرت يوم ًا أنها – مثل‬ ‫زيتونة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الكثيرين‪ -‬تملك االختيار بين مقلبين‪:‬‬ ‫األول أن تمارس مهنة المحاماة وفق ًا‬ ‫ّ‬ ‫للحّد األدنى من معنى لفظ المهنة‪،‬‬ ‫فتزيد بذلك من‬ ‫أي الشهادة الجامعية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إحصاءات سنوية‪،‬‬ ‫عدد النساء في‬ ‫ٍ‬ ‫وإن‬ ‫إنهن‬ ‫فاعالت في مجتمعهن‪ّ ،‬‬ ‫تقول ّ‬ ‫التحرر‪ ،‬تتضح معالمه‬ ‫إلى‬ ‫طريقهن‬ ‫ّ‬ ‫الدارسة‪ ،‬كلّما ازددن رقم ًا «اقتصادّياً»‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫أما‬ ‫األحوال‪.‬‬ ‫أحسن‬ ‫في‬ ‫يبدو‪-‬‬ ‫ما‬ ‫على‬ ‫ّ‬ ‫المقلب الصعب‪،‬‬ ‫المقلب الثاني‪ ،‬فهو‬ ‫ُ‬ ‫إصرار‬ ‫سبق‬ ‫عن‬ ‫ألنه يتجاوز‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتصور‪ ،‬الحّد األدنى من المعنى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويذهب باتجاه ذرا المعاني‪ ،‬حيث ال‬ ‫‪36‬‬

‫درب تتضح‬ ‫طريق معّبدة سلفاً‪ ،‬بل‬ ‫ٌ‬ ‫معالمه وفق ًا للتجربة التي ستمحو‬ ‫الخاص للحياة‬ ‫رويدًا رويدًا الحّيز‬ ‫ّ‬ ‫العادية أو الطبيعّية المرأة مثقفة‬ ‫ومستقلة‪ ،‬وتصقل بد ًال منه حّيزًا من‬ ‫نوع مختلف‪ ،‬المرأة فريدة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فليس سه ً‬ ‫معتقل‬ ‫ال أن تدافع عن‬ ‫ٍ‬ ‫سياسي في بلٍد مثل سورية‪ ،‬وأن‬ ‫الحت‬ ‫وتكرره كلّما‬ ‫تصر على ذلك‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫«فرصة» كهذه‪ .‬خصوص ًا‬ ‫في األفق‬ ‫أن تعليق ًا بليدًا جاهزًا بالمرصاد من‬ ‫ِ‬ ‫وصف عملك المهني هذا‪« :‬هذه‬ ‫أجل‬ ‫طواحين الهواء‪ ،‬فال تجعل من نفسك‬ ‫دون كيشوت!»‪ .‬لكن المدافع عن‬ ‫المعتقل السياسي‪ ،‬يرى أبعد وأعمق‬ ‫ٍ‬ ‫تشبيه‬ ‫من تعليقات جاهزة تستند إلى‬ ‫في غير محله‪ .‬فال طواحين وال دون‬ ‫كيشوت‪ ،‬بل معتقل ‪ /‬ضحية‪.‬‬ ‫يرى المدافع عن المعتقل – الضحية‬ ‫أبعد‪ ،‬ألنه يتواصل معها ومع أهلها‬ ‫األم واألب‪ ،‬الزوجة والزوج‪،‬‬ ‫أيضاً‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫واألبناء‪ .‬فيتبّدد التشبيه البليد‪ ،‬وتحل‬ ‫قصة الضحية التي ال تنفصل‬ ‫بد ًال منه ّ‬ ‫نحو ِ‬ ‫يمكِّننا من‬ ‫عن قصص أهلها‪ ،‬على ٍ‬ ‫القول إن وراء ّ‬ ‫معتقل سياسي‪/‬‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬

‫ضحية‪ ،‬طائفة من الضحايا‪ .‬ويرى‬ ‫المدافع أعمق إذ كلّما دافعت رزان‬ ‫وجدت‬ ‫سياسي‪،‬‬ ‫معتقل‬ ‫زيتونة عن‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتكشَف ْت صورة‬ ‫وراءه ضحايا جددًا‪،‬‬ ‫الوطن‪ :‬سورية‪.‬‬ ‫كانت وفرة القصص الشخصية‬ ‫ربما ْ‬ ‫التي تعرفها هذه المرأة النبيلة‪ ،‬زادًا‬ ‫روحي ًا وعاطفي ًا لها في ابتداع حّيزها‬ ‫المختلف‪ ،‬حّيزها الذي ظهر في مقاالتها‬ ‫الصحافية ودراساتها عن أوضاع‬ ‫محّددة ألهالي الضحايا مثالً‪( :‬زوجات‬ ‫المعتقلين األصوليين‪« :‬مجاهدات»‪،‬‬ ‫مهمشات)‪ .‬مثلما ظهر‬ ‫«فاضالت»‬ ‫ّ‬ ‫الحق ًا في (مذكرات الثورة‪ ،‬سراقب‪،‬‬ ‫دارّيا‪ ،‬ياسمين وغيرها)‪ ،‬التي تمّثل‬ ‫جزءًا يسيرًا من مشاهداتها ومشاركاتها‬ ‫وتفاعلها مع الشباب الذين يخرجون‬ ‫إلى الطرقات‪ ،‬حاملين أرواحهم‬ ‫النضرة‪ ،‬سالحهم أنامل مرفوعة‬ ‫وحناجر تغني‪ ،‬يستدرجون الحرية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأجنحة ال ُتحصر‬ ‫لوح لهم‬ ‫التي ُت ّ‬ ‫بالمثنى‪ ،‬أن تأتي إليهم رغم الرصاص‬ ‫والقنابل‪ ،‬رغم االعتقال والتعذيب‪،‬‬ ‫رغم األسلحة المشهرة‪.‬‬ ‫فمن يقرأ مقاالت رزان ومذكراتها‬


‫على االختباء والتخفي‪ ،‬فمثلما «اختفى»‬ ‫الزوج وأخوه‪ ،‬اختفى البيت من حياتها‬ ‫اليومية‪ ،‬بل إن الحياة اليومية العادية‬ ‫اختفت كلّها‪ .‬لكن‬ ‫بتفاصيلها الصغيرة‬ ‫ْ‬ ‫النضال السلمي ومفرداته‪ ،‬لم يختفيا‬ ‫من قاموسها البتة‪.‬‬ ‫ُيقال إن رزان تظهر فجأة بين جموع‬ ‫المتظاهرين‪ /‬الضحايا‪ ،‬تلمع كالشهاب‬ ‫لتقول كلمتين‪ ،‬ثم تختفي من جديد‬ ‫وتتوارى‪ .‬لكنها ال تختفي من وراء‬ ‫وتوثق أسماء‬ ‫شاشة الكمبيوتر‪ :‬تكتب ّ‬ ‫الضحايا من سجناء وقتلى ومختفين‬ ‫قسرًا‪ ،‬وتحفظ قصصهم وأحالمهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫راجفة أم‬ ‫وتشاركهم نبضات قلوبهم‬ ‫ً‬ ‫متسارعة‪.‬لم تفتح رزان قلبها للضحايا‬ ‫ضبطت إيقاع نبضاته على‬ ‫بل‬ ‫فحسب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫إيقاع نبضات قلوبهم الكسيرة‪.‬‬ ‫هذه‪ ،‬لن يفوته اإلحساس بالتناغم‬ ‫المطلق بين أفكارها وممارساتها من‬ ‫جهة‪ ،‬وأفكار الضحايا وممارساتهم‬ ‫من جهة أخرى‪ .‬ولهذا التناغم اسم‬ ‫وحيد‪ :‬النضال السلمي‪ .‬ففي دارّيا تلك‬ ‫المدينة الواقعة أسفل خصر دمشق‪،‬‬ ‫آسر‪:‬‬ ‫التي خلّدها البحتري‬ ‫بمطلع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫«العيش في ليل دارّيا إذا بردا‬ ‫والراح نمزجها بالماء من بردى»‬ ‫تروي رزان كيف قام الشباب‬ ‫بمبادرة حمل الورود والماء إلى‬ ‫الذين قد ال يتوانون عن تغيير صفة‬ ‫معتقل‪،‬‬ ‫الموصوف من متظاهر إلى‬ ‫ٍ‬ ‫انتقلت‬ ‫ثم تروي كيف‬ ‫ْ‬ ‫فمعذ ٍ‬ ‫ّب فشهيد‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫(التل)‪،‬‬ ‫تجربة دارّيا إلى مدينة أخرى‬ ‫بالتمر‬ ‫الحلوة‪،‬‬ ‫استبدِلت الورود‬ ‫حيث ُ‬ ‫ّ‬ ‫أما الماء فقد بقي سلمّي ًا‬ ‫ّ‬ ‫السكري الحلو‪ّ ،‬‬ ‫عكرت‬ ‫شفافاً‪ .‬بيد أن «حالوة الروح» ّ‬ ‫المياه‪ ،‬فسال األحمر وتغّير الموصوف‬ ‫من متظاهر إلى قتيل‪.‬‬ ‫وفي ّ‬ ‫مرة تغّي َر الموصوف‪،‬‬ ‫كل ّ‬ ‫وأدركت أن حّيزها‬ ‫حياتها‪،‬‬ ‫رت‬ ‫تغّي ْ‬ ‫ْ‬ ‫المختلف يتنفس وينمو كلّما اقترب‬

‫توثق انتقالهم من‬ ‫من حّيز الضحايا‪ّ .‬‬ ‫خانة المتظاهر إلى خانة المعتقل‪ ،‬أو‬ ‫إلى خانة الشهيد‪ ،‬وتحصي أعدادهم‬ ‫المتزايدة‪ .‬ومهما تغّير الموصوف‪،‬‬ ‫تشّبثت رزان بأفكارها أكثر‪ ،‬أفكارها‬ ‫التي تستند إلى النضال الالعنفي‪.‬‬ ‫تم‬ ‫في شهر أيار‪/‬مايو الماضي‪ّ ،‬‬ ‫ثم زوجها‪ ،‬بسبب‬ ‫اعتقال شقيق زوجها ّ‬ ‫نضالها من أجل الديموقراطية‪ ،‬وبسبب‬ ‫دفاعها عن الضحايا‪ .‬هي تعرف بدقة‬ ‫أنها المستهدفة من وراء اعتقالهما‪.‬‬ ‫وابتدعت‬ ‫توارت رزان عن األنظار‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫حّيزها المختلف‪ ،‬القائم في ٍ‬ ‫جزء منه‪،‬‬

‫وفرة القصص‬ ‫الشخصية التي‬ ‫تعرفها هذه المرأة‬ ‫النبيلة‪ ،‬زاد روحي‬ ‫لها في ابتداع حيّزها‬ ‫المختلف‬

‫وإذ ُتسأل في مقابلة صحافية عن‬ ‫ً‬ ‫نبيلة‬ ‫عملها النبيل هذا‪ ،‬تأتي إجابتها‬ ‫كذلك‪ّ :‬‬ ‫«أقل ما يمكنني فعله هو نقل‬ ‫صرخة ثورتهم»‪.‬‬ ‫نشرت الصحافة المرئية‬ ‫حين‬ ‫ْ‬ ‫خبر‬ ‫والمسموعة‪،‬‬ ‫والمكتوبة‬ ‫فوزها بجائزة الصحافية الروسية‬ ‫والناشطة في ميدان حقوق اإلنسان‬ ‫وذكرت اللجنة في‬ ‫آنا بوليتكوفسكايا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫بيانها‪« :‬إن عزيمة زيتونة وتصميمها‬ ‫دفعا النظام السوري إلى القبض‬ ‫عليها وتعذيبها هي وأفراد أسرتها»‪،‬‬ ‫فرح معجبوها الكثر‪ ،‬ال ألنها تستحق‬ ‫ٍ‬ ‫جدارة فحسب‪ ،‬بل ألنها‬ ‫الجائزة عن‬ ‫ً‬ ‫صدقية عالية‬ ‫في فوزها هذا تعطي‬ ‫لصواب الخيار‪ :‬أن نحبها ونتباهى‬ ‫بها‪.‬‬ ‫امرأة تظهر وتختفي‪ ،‬تكتب‬ ‫وتختفي‪ ،‬تقول رأيها بجرأة وصدق‬ ‫وتختفي‪ ،‬توصل صوت الضحايا‬ ‫إلى العالم وتختفي‪ ،‬تروي قصص‬ ‫الضحايا وتخفي قصتها الشخصّية‪:‬‬ ‫ابتدعت حّيزها المختلف‪،‬‬ ‫المرأة التي‬ ‫ْ‬ ‫امرأة المقلب الصعب من الحياة‪ ،‬واقفة‬ ‫هناك عند ذرا المعاني‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫أمهات الثورة‬ ‫تاء التحرير‬

‫حين أشرق هذا الفجر ظلت الحاجة‬ ‫عنبة في ميدان التحرير‪ ،‬لم تغادره حتى‬ ‫اآلن‪ .‬كيف لها أن تغادره وقد صارت‬ ‫معلم ًا من معالمه‪ .‬ما إن تسأل أي بائع‬ ‫سميط أو تمر هندي أو كبدة في ميدان‬ ‫التحرير‪ ،‬إال ويشير إلى تلك الكومة‬ ‫العظيمة والوجه المألوف المجاور‬ ‫لعم رمضان بائع الصحف الشهير في‬ ‫الميدان‪.‬‬

‫�سامي كمال الدين – القاهرة‬

‫«نزلت الميدان بعد يوم ‪ 28‬يناير‪/‬‬ ‫علي دور تجاه‬ ‫كانون الثاني‪ .‬حسيت أن ّ‬ ‫هذا البلد‪.‬لما بدأت أشوف الشباب اللي‬ ‫زي الورد في الميدان على قناة الجزيرة‪،‬‬ ‫وهو بيجري وعيونه مليانة خوف‬ ‫وتحدي قلت دول والدي‪ .‬صرخت‪ :‬جاية‬ ‫لكم يا والدي»‪ ،‬تقول الحاجة عنبة‪.‬‬ ‫مرت دقيقة صمت‪ ،‬مغلفة بالحزن‪،‬‬ ‫لم يكن مقدرًا لها المرور‪ ،‬في هذا الحديث‬ ‫عن ذكريات أيام مفعمة بالفرح والفخر‪.‬‬ ‫قضتها في ميدان التحرير «ناضورجية»‬ ‫على الميدان‪ ،‬تتابع بعينين منتبهتين‬ ‫الداخل إليه والخارج منه‪.‬‬ ‫بررت «عنبة» ذلك الحزن بما أصاب‬ ‫كبد مصر من ألم في مذبحة ماسبيرو –‬ ‫قبيل منتصف الشهر الفائت – واألحداث‬ ‫التي سبقتها‪ ،‬والمطالب الفئوية التي‬ ‫كادت توقف الحال‪« .‬لم يكن هذا هو‬ ‫الهدف الذي خرج الناس من أجله إلى‬ ‫الميدان‪ .‬الشعب المصري خرج ألجل‬ ‫الحرية وإسقاط الظلم‪ ،‬وأن يكون‬

‫‪38‬‬

‫بالنساء الداخالت إلى الميدان جانباً‪،‬‬ ‫وتفتيشهن‪ ،‬وفي آخر الليل تلتحف‬ ‫الحجة عنبة السماء‪ ،‬تنام منتظرة أن‬ ‫يشرق فجر جديد دون مبارك‪.‬‬

‫مسلموه وأقباطه يدًا واحدة‪ .‬خرج وهو‬ ‫خايف على مصر‪ ،‬ومهموم بهمها‪ ،‬واآلن‬ ‫إللي خرج الشعب لطردهم من الصورة‬ ‫هما اللي بيبانوا في الصورة»‪.‬‬ ‫من ناهيا في حي امبابة الشهير‬ ‫تحركت الحاجة عنبة إلى ميدان التحرير‪.‬‬ ‫وجدت في بنيتها الضخمة وشخصيتها‬ ‫القوية ما يجعلها تقف على أحد مداخل‬ ‫الميدان بجوار الجامعة األميركية ومطعم‬ ‫هارديز‪ .‬سرعان ما تآلفت مع حراس‬ ‫الميدان‪ ،‬وأصبح لها صوت مسموع‪.‬‬ ‫تختار فتيات يقفن معها‪ .‬دورهن االنتحاء‬

‫والدة خالد سعيد‬ ‫انتقلت من مسكنها‬ ‫في اإلسكندرية إلى‬ ‫القاهرة‪ .‬وأقامت‬ ‫في شقة مطلة‬ ‫على الميدان‬

‫عم رمضان «حدوتة» تمشي على‬ ‫أرض الميدان‪ ،‬فمنذ عقود يجلس في‬ ‫الميدان‪ .‬جاء قبل أن يجيء تمثال‬ ‫عمر مكرم المواجه له‪ .‬تمنى دائم ًا لو‬ ‫أن البعض تفرغ قلي ً‬ ‫ال لهؤالء النسوة‬ ‫اللواتي قمن بدور عظيم في ثورة ‪25‬‬ ‫يناير‪ .‬ابنه هاني يقول‪« :‬اوعوا حد ينكر‬ ‫دور العواجيز اللي زينا‪ .‬أنا شفت ستات‬ ‫كبيرة بتتسحل‪ .‬وشفت اللي كانوا‬ ‫بيتعكزوا وهما بيوزعوا ساندوتشات‬ ‫جبنة والنشون للثوار‪ .‬اللي معاه‬ ‫يدفع اتنين جنيه‪ ،‬اللي مش معاه ياخد‬ ‫الساندوتش ياكله‪ ،‬وال يسألونه عن‬ ‫فلوس‪ .‬أمهات بجد‪ .‬شافوا األمل بيتزرع‬ ‫في الميدان»‪.‬‬ ‫والدة خالد سعيد السيدة ليلى تعد‬ ‫من أمهات الثورة – فقد لعبت دورًا‬ ‫مهم ًا يوازي دور السيدات اللواتي كن‬ ‫في الميدان‪ .‬انتقلت من مسكنها في‬ ‫اإلسكندرية إلى القاهرة‪ .‬وفي شقة‬ ‫مطلة على الميدان أقامت‪ ،‬بل وباتت‬ ‫بعض الليالي في الميدان تتابع الجرحى‬ ‫وتتحدث للفضائيات لتحمس الشباب‪ .‬بل‬ ‫حتى وإن لم تنطق بحرف‪ ،‬كان وقوفها‬ ‫في وسط المشهد يفجر طاقات تحٍّد‬ ‫للشباب‪ ،‬وإلعادة الحق الضائع‪« .‬كنت‬ ‫أشاهد الجرحى وأصاب بالهلع خوف ًا‬ ‫من أن يالقوا مصير خالد ابني‪ ،‬وأنا‬ ‫واحدة من ماليين المصريين اللي كان‬ ‫هدفهم رد الظلم والقهر‪ .‬ال أعرف إن كنت‬


‫سوف أنزل الميدان أم ال إن لم يكن خالد‬ ‫ابني فيه‪ ،‬لكن كانت لدي رغبة أكيدة في‬ ‫التخلص من الجالدين‪ ،‬وكنت أتمنى أن‬ ‫يعيش الشعب المصري في حرية»‪.‬‬ ‫ليلة التنحي شاهد الكثيرون السيدة‬ ‫ليلى وهي تقف على المنصة‪ ،‬تحمس‬ ‫الشباب وتطالبهم بالثبات وتؤكد لهم‬ ‫أن النصر قادم‪ ،‬وأن الشمس البد أن‬ ‫تشرق‪.‬‬ ‫من األيام التي ال تنساها السيدة‬ ‫ليلى أيضاً‪ ،‬يوم عيد ميالد خالد سعيد‪.‬‬ ‫أغلب من في الميدان أجهش بالبكاء‪،‬‬ ‫ولعل وجود هذه السيدة في هذا اليوم‬ ‫ ‪ 27‬يناير‪/‬كانون ثاني – أعطى دفعة‬‫قوية للشباب‪ ،‬فهي تحتفل بعيد ميالد‬ ‫ابن ال يسكن األرض‪ ،‬لكنه يسكنها‪.‬‬ ‫أرادت استعادته في ذلك اليوم من أيام‬ ‫الميدان‪ ،‬لتستريح قلي ً‬ ‫ال من همها الدائم‪،‬‬ ‫لكنها لم تسترح إال حين سقط مبارك‬ ‫ونظامه‪ ،‬على الرغم من أسودها الذي‬ ‫ما زال يجلل ملبسها‪.‬‬

‫فادية الطواف نموذج آخر من نماذج‬ ‫السيدات اللواتي شاركن في ثورة ‪25‬‬ ‫يناير‪ .‬تخرجت في جامعة األزهر‪ ،‬وكانت‬ ‫تعظ النساء‪ .‬وكانت عظاتها تحمل دائم ًا‬ ‫تلميحات سياسية لطرد الظلم وردعه‪.‬‬ ‫وحين انفجر بركان الغضب كانت في‬ ‫الميدان‪ ،‬تؤم النساء للصالة‪« .‬كانت‬ ‫العديد من السيدات يرغبن في الصالة‬ ‫جماعة في الميدان‪ ،‬لذا لم أتوان عن‬ ‫هذه الفرصة العظيمة‪ ،‬فقد ُوجدت في‬ ‫الميدان منذ األيام األولى للثورة‪ ،‬وكان‬ ‫في صالتنا جماعة‪ ،‬إضافة إلى ثوابها‬ ‫العظيم‪ ،‬أن تحقق لنا التآلف والمحبة‬ ‫واالتحاد‪ ،‬كنا نجهر بالدعاء بعد كل‬ ‫صالة ألن يسقط اهلل الطاغية وأعوانه»‬ ‫تقول‪.‬‬ ‫من جهتها‪ ،‬الناشطة انتصار بدر ترى‬ ‫أن الثورة قامت بالنساء والرجال‪ ،‬وأن‬ ‫المرأة لعبت الدور المحفز في هذه الثورة‬ ‫سواء كانت فتاة أو امرأة كبيرة السن‪.‬‬ ‫«هتفنا كما الرجال وبتنا في الميدان كما‬ ‫باتوا وعانينا كما عانوا‪ .‬ال فضل لرجل‬

‫على امرأة إال بالمشاركة والبقاء في‬ ‫الميدان»‪.‬‬ ‫الحاجة فاطمة أحمد والدة الشهيد‬ ‫سامح علي جمال تصرح‪« :‬أنا فرحانة‬ ‫جدًا بابني‪ .‬قال لي يا ماما اذا مت شهيد‬ ‫تفرحي بي‪ .‬وكان يصلي ويدعو اهلل‬ ‫أن ينوله الشهادة‪ .‬ابني حاصل على‬ ‫بكالوريوس سياحة وفنادق‪ ،‬وكان‬ ‫يعمل في فندق في مصر الجديدة‪،‬‬ ‫وشارك في أول يومين في الثورة ضد‬ ‫الظلم‪ ،‬وكان طوال الوقت متضايق ًا‬ ‫ومأزوم ًا ممن يقفون فوق كوبري أكتوبر‬ ‫ويضربون الناس اللي تحت‪ ،‬وقرر‬ ‫النزول بعد أن أنهى ورديته في اللجان‬ ‫الشعبية‪ .‬ذهب إلى الميدان في الثالثة‬ ‫والنصف صباح ًا وبعد الفجر أحس قلبي‬ ‫بالنهاية‪ ،‬ونظرت إلى التليفزيون فجأة‪،‬‬ ‫وجدتهم يسحبون شاب ًا على األرض‪،‬‬ ‫بكيت‪ ،‬ثم جاء أخي وأخبرني بموت‬ ‫ابني‪ ،‬وحيدي على ثالث بنات‪ .‬كان‬ ‫يحلم بالشهادة ويراها بهجة وسعادة‬ ‫وأم ً‬ ‫ال يرنو إليها»‪.‬‬ ‫‪39‬‬


‫الثورة تسقط النموذج األبوي في شخص الديكتاتور‬

‫المرأة التونسية‬ ‫تستكمل المسيرة‬ ‫باوال جاندولفي*‬

‫كنت محظوظة بالذهاب إلى تونس في‬ ‫إبريل الماضي بمناسبة مؤتمر دولي‬ ‫شاركت فيه‪ ،‬متحدثة‪ ،‬باعتباري من‬ ‫باحثي أنثروبولوجيا المغرب العربي‬ ‫وتخصصت في أبحاثي في الثقافات‬ ‫والممارسات اليومية لهذا الجزء من‬ ‫العالم العربي‪ ،‬فعرفت تونس‪ ،‬ودولة بن‬ ‫علي البوليسية‪ ،‬وكان لقائي مع تونس‬ ‫الجديدة مدهشاً‪.‬‬ ‫منذ ذلك الوقت وحتى هذه األيام تابعت‬ ‫بشخصي بعض ًا من الحركات الكثيرة‬ ‫التي تنبع من القاع‪ ،‬والتي حاولت أن‬ ‫تعمل يوم ًا بيوم حتى تنجح الثورة‬ ‫التونسية في تحقيق مقاصدها‪ ،‬حتى‪،‬‬ ‫وعلى األخص‪ ،‬بعد سقوط بن علي‪.‬‬ ‫كل أولئك الذين قابلتهم من نشطاء على‬ ‫جبهات كثيرة‪ ،‬والذين التقيتهم بطرق‬ ‫وفي أماكن مختلفة قالوا لي إجما ًال‪ :‬إن‬ ‫الثورة التونسية حتى تنجح يجب أن‬ ‫تقوم بتعبئة العمل الشعبي‪ ،‬وإن دور‬ ‫المجتمع المدني دور أساسي‪ .‬غني عن‬ ‫الذكر ومن نافلة القول أن أضيف أن‬ ‫الثورة نفسها على نحو حتمي لم تكن‬ ‫ممكنة لوال الدور األساسي الذي لعبته‬ ‫في هذه العملية فاعليات المجتمع المدني‬ ‫والشباب وجمعيات حقوق اإلنسان‬

‫‪40‬‬

‫والجمعيات النسائية وغيرها‪.‬‬ ‫ولكن الوعي األكبر‪ ،‬في الشهور‬ ‫التالية‪ ،‬تمثل في الحاجة الملحة إلى‬ ‫تعبئة التحرك الشعبي في مرحلة ما‬ ‫بعد الثورة‪ .‬من بين الالتي رددن بألف‬ ‫طريقة وطريقة هذه الفكرة‪ ،‬واستطعت‬ ‫أن أراقبهن‪ ،‬وأن أراهن بعيني أثناء‬ ‫تحركهن‪ ،‬وأعتقد أنهن بدأن يطفين‬ ‫بطاقة واقتناع كاملين‪ ،‬طالبات الجامعة‬ ‫والنساء الناشطات والمهنيات والمعلمات‬ ‫والفنانات‪ ،‬والالتي يقمن منذ شهور‬ ‫بحشد الوعي العام وتعبئته‪ ،‬وتوعيته‬ ‫بأن كل يوم له قيمة في أن يوصلن إلى‬ ‫المواطنين‪ ،‬والمواطنات التونسيات‪،‬‬ ‫حقوقهم‪ ،‬ويقمن بإذكاء الوعي بأهمية‬ ‫التصويت‪.‬‬ ‫كثيرة هي الوجوه واألصوات النشطة‬ ‫تلك التي رأيتها طيلة األسابيع الماضية‪.‬‬ ‫وبصفة خاصة‪ ،‬بين صفوف االتحادات‬ ‫الكثيرة‪ ،‬التي كانت تقوم بعمل دقيق مثل‬ ‫جمعية «مشاركة المواط ن ‪eEngag‬‬ ‫‪ ،»ment citoyen‬وهي جمعية جديدة‪،‬‬ ‫أسستها أربع سيدات تونسيات‪ ،‬من بينهن‬ ‫نادرة بن إسماعيل‪ ،‬وهي محللة نفسية‬ ‫نشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة‪،‬‬ ‫بهدف القيام بزيارات دورية للمصانع مع‬

‫تركيز عال على العامالت‪ ،‬لتحفيز وعي‬ ‫المواطنة وأهمية التصويت‪.‬‬ ‫إن فكرة أداء عمل مستمر في المصانع‬ ‫والتحدث مع العامالت‪ ،‬وتحفيز إدراكهن‬ ‫لمسؤولياتهن تجاه بناتهن‪ ،‬وكما أكدن‬ ‫هن أنفسهن‪ ،‬تجاه النساء العربيات‬ ‫الالتي يراقبنهن في هذه اللحظة التاريخية‬ ‫الخاصة‪ ،‬هو أمر في حد ذاته ثوري‪.‬‬ ‫وكثيرات من هؤالء الناشطات يعرفن‬ ‫تمام ًا أن عملية التحرر النسائي في‬ ‫تونس مرتبطة ارتباط ًا قوي ًا بالتصنيع‪،‬‬ ‫وأن التطور الصناعي قد غير التركيبة‬ ‫العائلية وشجع على الحراك االجتماعي‬ ‫والتحضر العمراني‪ .‬من الناحية‬ ‫التاريخية‪ ،‬كما تقول بعضهن‪ ،‬كان‬ ‫الصراع النسائي متسارع ًا على نحو‬ ‫ما بسبب ظروف الحياة والعمل في‬ ‫المصانع (وليس مصادفة أن بعض‬ ‫األحزاب اإلسالمية اليوم تدعو العامالت‬ ‫إلى العودة إلى األعمال المنزلية حتى ال‬ ‫ينضممن إلى أية حركات نقابية)‪.‬‬ ‫ولكن المثير الذي يمكن أن نالحظه اليوم‬ ‫ليس فقط في قدر ما يمثله ثقل صورة‬ ‫«أب األسرة» على المستويات السياسية‬ ‫والدينية واالجتماعية والثقافية في‬ ‫العالم العربي بسقوط الديكتاتور‪ ،‬ولكن‬ ‫ما يمثله أيض ًا رفض النموذج الثقافي‬ ‫والسياسي الذي ظل لقرون عديدة يتمثل‬ ‫في النموذج األبوي العتيق‪.‬‬ ‫ال يتعلق األمر فقط بعملية تحول يمكن أن‬ ‫تسمح للمجتمع بالتغيير‪ ،‬بخوف أقل‪،‬‬ ‫ودون تعقيدات (كما ترى ليلى زواولي‬ ‫الناشطة في القطب الديموقراطي الحداثي‬ ‫وجبهة النساء من أجل المساواة)‪ ،‬وإنما‬ ‫األهم من هذا وهو تطور عمليات المشاركة‬ ‫والوعي من القاع تقوم بها النساء من‬ ‫أجل النساء‪ .‬إحدى المعارك األولى‬ ‫التي كسبها المجتمع المدني التونسي‬ ‫تمثلت في الحصول على المساواة في‬ ‫قوائم األحزاب السياسية النتخابات‬ ‫المجلس التأسيسي‪ .‬ليس هذا وحسب‪،‬‬ ‫بل تشكلت بعد يوم ‪ 14‬يناير مباشرة‬ ‫«لجنة المساوة» التي أرادها قطب الشعب‬ ‫العلماني‪ ،‬واألكثر إدهاش ًا بعد ذلك هي‬ ‫تلك الدينامية والتحرك المدني للمرأة‪،‬‬


‫بالخيال تواصل المرأة التونسية إبداع ثورتها‬

‫والتي لم تكتف بالبحث في هذه الشهور‬ ‫عن التوعية وتشجيع الصحوة السياسية‬ ‫بصفة عامة‪ ،‬ولكنها حاولت طرح طرق‬ ‫ملموسة للوصول إلى أحوال اقتصادية‬ ‫مقبولة‪ ،‬بطرح نفسها بدي ً‬ ‫ال عن األحزاب‬ ‫التي تشتري األصوات‪.‬‬ ‫كل يوم في تونس وفي المدن الرئيسية‬ ‫للبالد تنتشر الندوات والمعارض‬ ‫والمهرجانات الثقافية ومعارض الكتاب‪.‬‬ ‫لقد أظهر المجتمع المدني نضج ًا ليس‬ ‫مسبوقاً‪ ،‬والنساء في هذا السياق الجديد‬ ‫كان لهن دور تزيد أهميته باستمرار‪.‬‬ ‫وقد تابعت عن بعد تلك المبادرات‬ ‫الكثيرة للجمعيات النسائية التونسية‪،‬‬ ‫وأحيان ًا كان يصعب متابعتها لفرط‬ ‫حيويتها وسرعة إيقاعها‪ .‬وعندما عدت‬ ‫إلى تونس في أغسطس‪ ،‬كانت جمعية‬ ‫«تونسيات من أجل الحقوق والمساواة‬ ‫والمواطنة» قد نظمت لتوها لقاء في مركز‬ ‫ثقافي خارج تونس لالحتفال بما يسمى‬ ‫«يوم المرأة» (‪ 13.8.1956‬هو تاريخ‬ ‫صدور قانون األحوال الشخصية)‪ .‬إن‬ ‫ما يدهش في هذه المبادرة وغيرها من‬

‫المبادرات هو خليط من النضال السياسي‬ ‫والخيال‪ ،‬والعزم على االتحاد‪ ،‬في عملية‬ ‫تأهيل وتوعية جادة‪ ،‬ومعها جرعة إبداع‬ ‫وإمتاع وحيوية‪.‬‬ ‫ومن الوسائل المباشرة واألكثر نجاح ًا‬ ‫كانت المشاهد المسرحية التي أعدتها‬ ‫بعضهن‪ :‬فعلى خشبة المسرح تم تقديم‬ ‫مشاهد من الحياة اليومية للمرأة العادية‪،‬‬ ‫وقد وجدت النسوة الحاضرات أنفسهن في‬ ‫هذه المشاهد المطابقة لحياتهن‪ ،‬فتوحدن‬ ‫معها واستمتعن بها‪ .‬فمسرحية «مدام ال‬ ‫شيء» كانت مجرد نموذج من عدة نماذج‬ ‫مبدعة وفعالة‪ :‬الحدث الذي تم تمثيله‬ ‫على المسرح بأسلوب ساخر كان عن‬ ‫مشوار امرأة تقدمت بطلب عمل‪ ،‬وجنون‬ ‫الوثائق المطلوب منها تعبئتها‪ ،‬والتي‬ ‫تعني في النهاية أن أي امرأة تريد وظيفة‬ ‫وهي أم ‪ ،‬تبدو رسمي ًا كما لو أنها مدام‬ ‫«ال شيء»‪ .‬هذا الواقع اليومي المتحول‬ ‫إلى دراما‪ ،‬تقدم باللغة العامية‪ ،‬بمشاهد‬ ‫صغيرة واقعية‪ ،‬كان من بين الوسائل‬ ‫األكثر فعالية لشرح حقوق النساء للنساء‬ ‫وإضحاكهن وإمتاعهن‪ .‬وعندما كانت‬

‫هذه المشاهد الدرامية تصل إلى وجدان‬ ‫الحاضرات الالتي يتوحدن فيها كن‬ ‫ينفجرن في التصفيق والصفير والتهليل‪.‬‬ ‫وبالطريقة نفسها فإن مناخ الحوار غير‬ ‫الثقيل‪ ،‬والتنفيث‪ ،‬أدى في النهاية إلى‬ ‫أن تكون لدينا أمسيات احتفالية واقعية‬ ‫مفيدة تشيد وتبني‪ ،‬وتمتلئ بالتبادل‬ ‫النافع للمعلومات‪ .‬وهذه ليست إال بعض‬ ‫األمثلة‪ .‬فما نستطيع أن نحكيه كثير‪.‬‬ ‫آالف من المشاهد واألحداث‪ ،‬إلى جوار‬ ‫الندوات السياسية والثقافية‪ ،‬واإلعالنات‬ ‫الثقافية (مثل إعالن ‪ 13‬أغسطس‪/‬‬ ‫آب ‪ 2011‬للنساء التونسيات من أجل‬ ‫المساواة والمواطنة)‪ ،‬ابتدعتها النساء‬ ‫التونسيات‪ ،‬وأثبتن أنفسهن بطالت‬ ‫لمحاوالت التوعية والتحفيز من القاع‪،‬‬ ‫وهذه عالمة على الشجاعة وقوة اإلرادة‪،‬‬ ‫فإذا أضفنا إليها اإلبداع والخيال نجد أنها‬ ‫تشجع على ديناميات صغيرة وأساسية‬ ‫للوفاء باالستحقاق االنتخابي األول وإلى‬ ‫عملية تغيير أوسع يمكن أن تبدأ من‬ ‫القاع‪ .‬مع الوعي بأنه في هذه المرحلة‪،‬‬ ‫أكثر من أية مرحلة أخرى‪ ،‬يلزم الخروج‬ ‫بشجاعة واقتناع من البيوت والذهاب‬ ‫إلى المرأة واألسرة‪ ،‬إلى الناس‪ .‬وهذا‬ ‫هو ما يهدف إليه مشروع «ارتقراطية»‪،‬‬ ‫الذي علق صورًا ضخمة الحجم لمئة‬ ‫مواطن تونسي غير محددي الهوية –‬ ‫من بينهم نساء – على جدران المدن‬ ‫التونسية‪ ،‬في بلد ظل لخمسين عام ًا ال‬ ‫يعلق سوى صورة الرئيس‪ ،‬وهو ما‬ ‫يحمل الفن إلى الناس العادية ويعطيها‬ ‫مالمح ووجها‪ ،‬وبالطريقة نفسها‪ ،‬فإن‬ ‫بعض هذه المحاوالت كشف عن محاولة‬ ‫حقيقية للمرأة أن تخرج من البيت ومن‬ ‫مقار الجمعيات النسوية وأن تذهب للقاء‬ ‫النساء األخريات والتعرف على قصص‬ ‫أخرى من الحياة اليومية‪ .‬قبل كل شيء‪،‬‬ ‫لكي يتعارفن ويعلمن ويتواصلن‪ ،‬وهذه‬ ‫هي الخطوة األولى ألي شيء يمكن أن‬ ‫يعتبر ثوري ًا بحق‪.‬‬ ‫*أستاذ السياسات التربوية في البالد العربية‬ ‫اإلسالمية المتوسطية واللغة العربية بجامعة‬ ‫بيرجامو اإليطالية‪.‬‬ ‫ترجمة‪ :‬حسين محمود‬ ‫‪41‬‬


‫في ‪ 15‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪ ،2011‬ساعات قليلة بعد سقوط‬ ‫مدونتها «بنية‬ ‫نظام زين العابدين بن علي‪ ،‬كتبت لينا بن مهني على ّ‬ ‫تونسية» باللّغتين الفرنسّية واإلنكليزية‪« :‬أول ما رأيت صباح‬ ‫اليوم‪ ..‬هو علم تونس»‪.‬‬

‫اسمي « ْبنية»‬ ‫�سعيد خطيبي‬ ‫أبصرت عيناها مع االستيقاظ‬ ‫النجمة والهالل المحاطين باللّون األحمر‬ ‫كما تمنّت دائم ًا رؤيتهما‪ .‬بعيدًا عن‬ ‫ديكتاتورية الرئيس المخلوع‪.‬‬ ‫«الحجب» و«الغلق» هما مصطلحان‬ ‫مدونو تونس الذين عانوا‬ ‫يعرفهما جيدًا ّ‬ ‫طوي ً‬ ‫ال من تعسف النظام البوليسي‬ ‫السابق‪ .‬ولينا بن مهني(‪ 28‬سنة)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تردد اسمها مؤخرًا في مداوالت‬ ‫التي ّ‬ ‫لجنة جائزة نوبل للسالم‪ ،‬هي واحدة‬ ‫من النساء المناضالت اللواتي تعرضن‬ ‫للتّضييق في ممارسة حقهن الشرعي في‬ ‫التّعبير‪ ،‬وفي الكشف عن المستور‪ .‬حيث‬ ‫تمت قرصنة مدونتها التي أطلقتها عام‬ ‫‪ 2007‬إحدى وأربعين مرة‪ ..‬وجاءت‬ ‫الثورة التي أطلق شرارتها البوعزيزي‪،‬‬ ‫وتحرر كثيرين مثلها‪ ،‬من‬ ‫لتحررها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سلطة الرقيب‪.‬‬ ‫دور لينا في تدويل ثورة تونس‬ ‫بالصورة والتعليق ال يمكن أن يختلف‬ ‫ّ‬ ‫فيه اثنان‪ .‬حيث ساهمت في تزويد‬ ‫الضمير العالمي بالحقائق التي لم‬ ‫تستطع عدسات وكاالت األنباء والقنوات‬ ‫اإلخبارية بلوغها‪ .‬تسلّحت أيام القمع‬ ‫البوليسي واعتقال المتظاهرين وتعذيب‬ ‫الناشطين السياسيين‪ ،‬بداية السنة‬ ‫السلمي‪.‬‬ ‫الجارية‪ ،‬بإيمانها في التغيير ّ‬ ‫وسافرت بوسائلها الخاصة من تونس‬ ‫‪42‬‬

‫العاصمة إلى القصرين والرقاب بوالية‬ ‫سيدي بوزيد‪ ،‬حاملة معها كاميرا‪،‬‬ ‫وتتبعت عن قرب مسار نهاية الديكتاتور‬ ‫خطوة بخطوة‪ .‬شجاعة المناضلة‬ ‫في نقل وقائع الثورة من البؤر األكثر‬ ‫سخونة ساهمت في دفع اسمها إلى‬ ‫واجهة االهتمامات الدولية واإلقليمية‪.‬‬ ‫حيث نشرت لها دار «أنديجان» الفرنسّية‬ ‫كتاب ًا تحكي فيه جزءًا من تجربتها في‬ ‫مقاومة نظام بن علي‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬مع دخول تونس مرحلة‬ ‫جديدة‪ ،‬ال تبدو لينا بن مهني متفائلة‬ ‫وتقول‪« :‬أبقى أحتفظ ببعض األمل‪،‬‬ ‫ولكنني أرقب بحذر مستقبل البلد»‪ .‬تعتقد‬ ‫أن التغيير األهم لم يتأت بعد‪ .‬الطريق‬ ‫ما تزال محفوفة بالعقبات‪ ،‬وسقوط‬ ‫طي صفحة الماضي‬ ‫الديكتاتور ال يعني ّ‬ ‫كلية‪ .‬تعبر عن ثقتها في اإلعالم البديل من‬ ‫أجل نقل المعلومة والمساهمة في البناء‪.‬‬ ‫ولكنها تشير أيض ًا إلى ضرورة االنتباه‬ ‫تروج لها‬ ‫أمام مّد «المغالطات» التي ّ‬ ‫مجموعات من الداخل تريد سلب الشعب‬ ‫مكتسبات ثروة مست رياحها مصر‬ ‫وليبيا وسورية ودو ًال عربية أخرى‪.‬‬ ‫تشاؤم بن مهني‪ ،‬التي تعمل مدرسة للغة‬ ‫اإلنجليزية في جامعة ‪ 7‬أكتوبر‪ ،‬يتجلى‬ ‫في آخر ما كتبته على مدونتها عقب‬ ‫السفارة التونسية منح مدونين‬ ‫رفض ّ‬

‫فلسطينيين تأشيرة لحضور فعاليات‬ ‫«الملتقى الثالث للمدونين العرب»‪« :‬هاته‬ ‫الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة‬ ‫أن الثورة‬ ‫التونسية أكبر دليل على ّ‬ ‫وأن النظام الزال‬ ‫ضاعت من بين أيادينا ّ‬ ‫قائم ًا ّ‬ ‫وكل ما وقع في تونس الحبيبة‬ ‫هو تغيير وجوه النظام‪ ..‬ما وقع هو‬ ‫تمييز عنصري ‪ ‬مارسته حكومة عربية‬ ‫على أبناء شعب مستضعف ال تفسير وال‬ ‫تبرير له‪ ،‬ومما زاد من تعميق الجرح‬ ‫الرفض‪ ‬وأي‬ ‫أي تفسير لهذا‬ ‫ّ‬ ‫هو غياب ّ‬ ‫أي تفسير لهاته‬ ‫ّ‬ ‫رد فعل مع أنّي ال أرى ّ‬ ‫الخطوة الخطيرة للجهات التونسية‬ ‫المسؤولة»‪.‬‬ ‫لينا بن مهني التي تعود بداياتها‬ ‫في النضال ضد نظام الطاغية إلى عام‬ ‫‪ ،2008‬حيث دونت أحداث الحوض‬ ‫المنجمي‪ ،‬حصدت هذه السنة كثيرًا‬ ‫من التشريفات‪ ،‬منها جائزة أفضل‬ ‫مدونة التي تمنحها قناة «دوتشيه‬ ‫فيليه» األلمانية‪ ،‬وجائزة الصحافة‬ ‫العالمية التي تمنحها جريدة «ألموندو»‬ ‫اإلسبانية‪ .‬يرى فيها كثير من المتتبعين‬ ‫وجه ًا من أهم الوجوه الفاعلة في‬ ‫الربيع العربي‪ .‬رمز امرأة شابة اختزلت‬ ‫معاناة نساء عربيات كبرن وسط القمع‬ ‫والمنع‪ ،‬ولكنهن لم يتخلين يوم ًا عن‬ ‫حلم االنقالب على سياسات المنع‪.‬‬


‫ا�ستدراك‬

‫أمجد ناصر‬

‫أيام عرب جديدة‪ ..‬ودامية‬ ‫ال هذا العام‪ .‬إنه‪ ،‬حقاً‪ ،‬من «أيام العرب»‪،‬‬ ‫سيتذكر العرب طوي ً‬ ‫س���جل حاف���ل بالوقائع والغارات‬ ‫وهذه األخيرة‪ ،‬كما نعرف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الت���ي دارت بين القبائل العربية في «العصر الجاهلي»‪ ،‬أو بين‬ ‫بعض القبائل العربية والفرس‪ ،‬واكتس���بت على لس���ان الرواة‬ ‫واإلخباريين طابع الملحمة‪ ،‬وربما األس���طورة‪ ،‬وتناقلها عرب‬ ‫ال بعد جيل‪.‬‬ ‫لك���ن الفارق أن أيام‬ ‫الحقون‪ ،‬رواية وش���عراً‪ ،‬جي ً‬ ‫َّ‬ ‫العرب في عام ‪ 2011‬ل���م تكن بين قبائل تتصارع على الزعامة‬ ‫والمجال الحيوي وإنما بين شعوب ُمهانة وحاكمين جائرين من‬ ‫بني جلدتهم أدخلوهم‪ ،‬بالسجون والمخابرات والتجويع‪ ،‬إلى‬ ‫حظائر الصمت والطاعة في «الدولة الوطنية»‪.‬‬ ‫‪lll‬‬

‫لم يصّدق العرب أنفسهم‪ .‬لم يصدقوا أنهم قادرون على خلع‬ ‫نير الطغي���ان من أعناقهم‪ .‬ما حدث كان أكب���ر من أن يتوقعوه‬ ‫فهالهم أنهم بالحناجر‪ ،‬باألي���دي المعروقة‪ ،‬بالصدور العارية‪،‬‬ ‫ببضعة ش���عارات قادرون على كس���ر جدار الخ���وف والصمت‬ ‫واالنسحاق الذي ُحبسوا خلفه طويالً‪.‬‬ ‫الث���ورات العربي���ة التي اندلعت من جس���د التهمت���ه النيران‬ ‫في بلدة مغم���ورة ونائية في تونس فاجأتن���ا قبل أن تفاجىء‬ ‫غيرنا‪ .‬هذا الس���يل الهادر من الحناجر واأليدي واألجساد الفتية‬ ‫ح���ط علين���ا‪ ،‬أربكنا‪ .‬فقد‬ ‫والتصمي���م‪ ،‬ال���ذي ال نعرف من أين‬ ‫َّ‬ ‫صدقن���ا أننا اس���ثتناء من الحري���ة والكرامة‪ .‬مجرد جس���د تبَلّد‬ ‫حي س���وى ما يربطه بحياة‬ ‫ول���م يعد يصدر عنه ما يوحي أنه ٌّ‬ ‫األنعام‪ :‬البيولوجيا الصرف‪ .‬هذه هي عالمات الحياة وأماراتها‬ ‫في جس���د أمة تتم���ّدد‪ ،‬بخنوع وذَلّ���ة‪ ،‬بين ماءي���ن مالحين‪ .‬ال‬ ‫شيء‪ ،‬تقريباً‪ ،‬غير ذلك‪ .‬دليلنا على االستثناء المعيب هو هذه‬ ‫انحطت‪ ،‬في هزيعها األخير‪ ،‬إلى مستوى‬ ‫األنظمة البائسة التي‬ ‫َّ‬ ‫العصابة‪ .‬دليلنا هو الخوف الذي سكننا كقرين من ِّ‬ ‫كل من تلوح‬ ‫على كتفه ش���ارة‪ :‬الجندي‪ ،‬الشرطي‪ ،‬جابي المياه والكهرباء‪،‬‬ ‫تجرب‬ ‫ساعي البريد إلخ‪ .‬لكن فجأة يحدث ما لم يحدث من قبل‪ِّ .‬‬ ‫الجموع التكّتل والّتراص في الشارع والميدان العمومي‪ .‬تزحف‬ ‫من األزقة والحارات لتصب في النهر البش���ري الذي يكبر ويعلو‬ ‫تجرب الجموع اس���تخدام الحب���ال الصوتية المعطلة‬ ‫ويم���وج‪ِّ .‬‬ ‫فتطلع الصرخة الحبيسة‪ .‬تهدر األصوات أكثر وأعلى فيتداعى‪،‬‬ ‫تحت عصف هديرها‪ ،‬هيكل الطغيان ويتبدى خواؤه الفظيع‪.‬‬ ‫االنهيار الس���ريع الثنين من أش���رس األنظم���ة العربية أمام‬ ‫أي س�ل�اح سوى اإلرادة‪ ،‬سوى الشوق‬ ‫قوة الناس العارية من ّ‬

‫تحول عدوى انتشرت في الهواء العربي‪ .‬طلع‬ ‫ّ‬ ‫الممض للحرية‪َّ ،‬‬ ‫الناس م���ن الكهوف والمغاور‪ ،‬من وراء األس���وار العالية‪ ،‬في‬ ‫غير مكان عربي‪ .‬في هذه األثن���اء صحت األنظمة العربية التي‬ ‫ش���عرت بالزلزلة تحت أقدامها من طمأنينتها إلى ثبات «طاعة»‬ ‫شعوبها وانصياعها إلى االستبداد فانتضت السالح‪ .‬بادرت إلى‬ ‫الرصاص الغزير‪ .‬وعندم���ا لم ينفع رصاص البنادق في إعادة‬ ‫«العبيد» اآلبقين إلى حظائر الطاعة‪ ،‬دفعت دباباتها‪ ،‬التي كادت‬ ‫أن تصدأ في المستودعات‪ ،‬إلى المدن والبلدات العاصية‪.‬‬ ‫زمر‬ ‫محولة الش���عب إلى ٍ‬ ‫وم���ع انطالق دبابة النظام العربي ّ‬ ‫م���ن اإلرهابيين والس���لفيين والمتآمرين والج���رذان حامت في‬ ‫أجوائنا أس���ئلة التش���كيك‪ :‬ه���ل هذه الثورات م���ن صنعنا‪ ،‬أم‬ ‫من صنع أميركا والصهيوني���ة العالمية؟ هل ما يجري ثورة أم‬ ‫مؤامرة علينا؟‬ ‫‪lll‬‬

‫«األجندات الخفِّية»! هذا هو مربط الفرس عند المش���ككين في‬ ‫دغدغة لدى رهط من المثقفين‬ ‫االنتفاضات العربية‪ .‬وهذا يحدث‬ ‫ً‬ ‫والسياس���يين الع���رب ذوي الخلفي���ات القومية والماركس���ية‬ ‫المبتذلة (غير الماركس���ية الحقيقية) مم���ن وقفوا‪ ،‬وال يزالون‪،‬‬ ‫مع أنظمة الطغيان العربي بحجة تغليب «التناقض الرئيس���ي»‬ ‫(االمبريالية والصهيونية) على «التناقض الفرعي» (ما يسمونه‬ ‫األنظمة الوطنية العربية)‪.‬‬ ‫لست من السذاجة كي ال أعرف أن مصالح الجماهير العربية‬ ‫قد تتقاطع في لحظ���ة معينة‪ ،‬من دون تخطيط وال أجندة‪ ،‬مع‬ ‫مصالح آخرين‪ ،‬قوى عظمى مثالً‪ .‬المثال الفلس���في المدرس���ي‬ ‫تغص بالماء وتم���وت ال يعني أن‬ ‫القدي���م ال يزال صالح���اً‪ :‬أن َّ‬ ‫َّ‬ ‫تكف عن ش���رب الماء‪ .‬ليس���ت العلة في الم���اء ولن نتوقف عن‬ ‫نغص ب���ه ونموت‪ .‬نحن في‬ ‫ش���رب الماء ألن هناك احتما ًال أن َّ‬ ‫حاج���ة إلى الماء‪ .‬إنه أس���اس الحياة‪ .‬والماء هنا ليس س���وى‬ ‫استعارة للحرية‪ .‬فلن نتوقف عن طلبها لمجرد أنها قد (أقول قد)‬ ‫تجد ص���دى في نفوس آخرين‪ ،‬قد تتقاطع مع رؤى وتصورات‬ ‫تخصه���م‪ .‬فإن لم نس���تطع التعوي���ل على ديناميات ش���عوبنا‬ ‫ورؤيتها الواضحة لمصالحها ووعي ش���رائح من ُنخبنا التي لم‬ ‫ينخرها الفس���اد فهذا يعني أن نقرأ على أنفسنا السالم‪ .‬ستكون‬ ‫هناك دائم ًا مصالح تتقاطع بين ما هو محلي وما هو خارجي‪،‬‬ ‫وال ينبغي أن نصاب بره���اب االرتياب في حاجتنا إلى الحرية‬ ‫رنّة مغايرة في أمكنة أخرى‪.‬‬ ‫لمجرد أن لهذه الكلمة َ‬ ‫‪43‬‬


‫ربيع العرب‬ ‫بين الكرامة والكونية أو‪:‬‬

‫نظرية (ك‪/‬ك)‬ ‫د‪.‬حممد الرميحي‪-‬الكويت‬ ‫س���وف نحتاج إل���ى س���نين طويلة‬ ‫لنع���رف األس���باب العميق���ة لم���ا حدث‬ ‫ويحدث ف���ي الفضاء العرب���ي‪ ،‬انطالق ًا‬ ‫من تونس في نهاي���ة عام ‪ 2010‬وليس‬ ‫انته���اء بما يحدث في س���ورية في بحر‬ ‫عام ‪ 2011‬م���رورًا بمصر واليمن وليبيا‪.‬‬ ‫م���ا نحتاجه ه���و التفكير بص���وت عال‬ ‫لتفسير ما حدث‪.‬‬ ‫التفس���يرات المتاحة كثيرة‪ ،‬بعضها‬ ‫قريب إل���ى اله���زل وبعضه���ا قريب إلى‬ ‫الجد‪ .‬من الهزل ما كتبه توماس فريدمان‬ ‫المعل���ق األميركي المش���هور‪ ،‬أن العرب‬ ‫(غاروا) من ما حدث لدينا في أميركا وما‬ ‫حدث في إسرائيل‪ ،‬فقد انتخبنا ألول مرة‬ ‫ال أسود) كرئيس للجمهورية‪ ،‬وقدم‬ ‫(رج ً‬ ‫رئي���س جمهوري���ة إس���رائيل للمحاكمة‬ ‫بس���بب تح���رش جنس���ي! يق���ول عندما‬ ‫ش���اهد العرب ذل���ك قرروا أن يعيش���وا‬ ‫عصر الديموقراطية! بالطبع ذلك تفسير‬ ‫ساذج لألحداث‪ ،‬ولكن ال يخلو من نظرة‬ ‫س���لبية للعرب ظهرت بين السطور وإن‬ ‫لم تقل‪.‬‬ ‫م���ا يعنينا ه���و توصيف م���ا حدث‪،‬‬ ‫الحقائ���ق أمامنا تق���ول إن ربيع العرب‬ ‫‪44‬‬

‫انقس���م إلى قس���مين‪ :‬األول س���باق قفز‬ ‫موانع لمئة متر‪ ،‬قصير ومثير وس���ريع‬ ‫النتائج‪ ،‬ذلك حدث في تونس ومصر‪،‬‬ ‫والثاني س���باق ماراثوني طويل أنهك‬ ‫األنف���اس وبعث���ر الدم���اء‪ ،‬كم���ا حدث‬ ‫ويح���دث ف���ي ليبيا واليمن وس���ورية‪،‬‬ ‫وربما في بلدان أخرى‪.‬‬ ‫العم���ق هناك عام�ل�ان أرى من‬ ‫ف���ي ُ‬ ‫منظور سيكولوجي أنهما أثّرا كثيرًا فيما‬ ‫يح���دث‪ ،‬األول هو ما أس���ميه الحط من‬ ‫(الحقرة) والثاني‬ ‫كرامة المواطن العربي ُ‬ ‫(تأثي���ر الكوني���ة) أو (تأثير العصرنة)‪،‬‬ ‫ومن أج���ل التعرف إل���ى مفاعيل هذين‬ ‫العاملي���ن علين���ا أو ًال أن نقدم ش���رح ًا‬ ‫للمفهومي���ن‪ ،‬اللذين يمك���ن اختصارهما‬ ‫بتفاعل ك ‪ /‬ك‪(.‬كرامة وكونية)‪.‬‬ ‫الحق���رة‪ ،‬أو انتف���اء الكرام���ة‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسانية‪،‬أو احتقار المواطنين من قبل‬ ‫األنظمة‪ ،‬تظهر في أيقونات الش���رارات‬ ‫التي فجرت – كما هو متفق عليه بشكل‬ ‫واس���ع – انتفاض���ة الع���رب الحالية‪،‬‬ ‫وأقصد حادثي البوعزي���زي في تونس‬ ‫وخالد سعيد في مصر‪ .‬كالهما اختصار‬ ‫ص���ارخ إلهانة الكرامة اإلنس���انية‪ ،‬فقد‬

‫وجد العرب أنه في عالم يعيشون فيه مع‬ ‫آخرين‪ ،‬كل ش���يء ثمنه يزداد ارتفاعاً‪،‬‬ ‫م���ن لقمة الخبز إلى دفتر المدرس���ة‪ ،‬إال‬ ‫أن م���ا يرخص وبس���رعة‪ ،‬ه���و كرامة‬ ‫اإلنس���ان العربي‪ .‬إذًا فالحقرة أو افتقاد‬ ‫الكرامة ه���ي واحد من العوام���ل الهامة‬ ‫التي س���اهمت في تفج���ر ربيع العرب‪،‬‬ ‫إال أنه���ا لم تكن (وحدها) قادرة على هذا‬ ‫الفعل الكبير والتاريخ���ي‪ ،‬هناك عامل‬ ‫كو َن خلفية‬ ‫آخر اشترك معها وأرى أنه َّ‬ ‫الصورة وهو (الكوني���ة أو العصرنة)‪،‬‬ ‫وهي الت���ي تعني في بعض مما تعنيه‪،‬‬ ‫تل���ك العوامل الت���ي تؤثر ف���ي التغيير‬ ‫االجتماعي‪ ،‬حيث تتع���رف المجتمعات‬ ‫األقل نموًا (كالمجتمع���ات العربية) إلى‬ ‫الخصائص المشتركة للمجتمعات األكثر‬ ‫نمواً‪ .‬أي التقدم االقتصادي الس���ريع في‬ ‫زمن قصي���ر مع التش���بيك العولمي من‬ ‫خالل اتس���اع استخدام ثورة المعلومات‬ ‫تفجرت في وج���ه العالم وأصبح‬ ‫الت���ي ّ‬ ‫أكثر التصاق ًا بعض���ه باآلخر وتأثرًا بما‬ ‫يحدث فيه‪.‬‬ ‫من مؤش���رات الكوني���ة أو العصرنة‬ ‫(تدف���ق الس���كن ف���ي الم���دن‪ ،‬انتش���ار‬


‫كاف الكرامة لم يرهبها الحرس‬

‫التعليم‪ ،‬انخفاض وفيات الرضع‪ ،‬طول‬ ‫أعمار الس���كان‪ ،‬محو األمي���ة‪ ،‬الخدمات‬ ‫الصحي���ة‪ ،‬التع���رض لوس���ائل اإلعالم‬ ‫الحديث���ة) وغيرها من المؤش���رات هي‬ ‫محفزة لتس���ريع الص���راع االجتماعي‪،‬‬ ‫خاص���ة إذا قوبل���ت بسياس���ات جامدة‬ ‫ال تس���تجيب للمتغي���رات االجتماعي���ة‬ ‫االقتصادية الس���ريعة‪ .‬يحدث وقتها أن‬ ‫يق���ع ف���ي المجتمع ما يمكن تس���ميته بـ‬ ‫(انسداد في المسارات الطبيعية للتطور)‬ ‫تحتم أن تجد لضغوطها مس���ارات بديلة‬ ‫وجدي���دة‪ .‬إنها قوى سياس���ية صاعدة‬ ‫تبح���ث ع���ن دور‪ ،‬يقف أمامه���ا تصلب‬ ‫الجماعات السياسية التقليدية‪.‬‬ ‫من هن���ا يظهر ما يس���مى النش���اط‬ ‫السياس���ي االعتراض���ي‪ ،‬خاص���ة من‬ ‫الش���باب‪ .‬فالحرمان النسبي بين ما هو‬ ‫متوقع وما هو قائم يترجم إلى مشاركة‬ ‫سياسية متمردة على كل الواقع‪ .‬فكلما‬ ‫ارتفع مؤشر التغير نحو الحداثة‪ ،‬ارتفع‬ ‫معدل المطالبات السياسية‪ .‬هذا يفسر ما‬ ‫احتوت عليه نهض���ة الجماهير العربية‬ ‫من ش���بابية‪ ،‬صحيح أن شرائح أخرى‬ ‫تبعت الحركة الجماهيرية‪ ،‬ثم التحق بها‬

‫السياس���يون‪ ،‬إال أن حج���ر الزاوية كان‬ ‫من الش���باب‪ .‬ومن خالل متوسط أعمار‬ ‫القتلى في معظم دول الربيع‪ ،‬نعرف أن‬ ‫حطب التغيير هم الشباب‪.‬‬ ‫التفاصيل في تفسر كل ذلك كثيرة‪:‬‬ ‫الحقرة سبب للثورة!‬ ‫ُ‬ ‫نس���ي العرب وخاصة المش���تغلين‬ ‫بعل���م االجتم���اع النصيح���ة الذهبي���ة‬ ‫الت���ي تركها لنا عالم من مؤسس���ي علم‬ ‫االجتم���اع‪ ،‬وهو ماكس فيب���ر في بداية‬ ‫الق���رن العش���رين‪ ،‬حيث ق���ال إن عالم‬

‫كلما ارتفع‬ ‫مؤشر التغير نحو‬ ‫الحداثة‪ ،‬ارتفع‬ ‫معدل المطالبات‬ ‫السياسية‪ .‬هذا يفسر‬ ‫ما احتوت عليه‬ ‫نهضة الجماهير‬ ‫العربية من شبابية‬

‫االجتماع يجب أن يبقى في علم االجتماع‬ ‫وال يميل إلى السياس���ة‪ ،‬فمتى ما أدلج‬ ‫(أي دخلت األيديولوجية) علم االجتماع‬ ‫فسدت النتائج التي يسعى إلى إثباتها‪،‬‬ ‫ألنه حينه���ا يحكم على الظواهر بمنظار‬ ‫السياسي وليس عالم االجتماع‪ .‬ربما ما‬ ‫عدا قالئل من المشتغلين بعلم االجتماع‬ ‫العربي‪ ،‬اهتموا بالفص���ل بين االثنين‪.‬‬ ‫معظمه���م خلط ما بين ما يريده ويرغبه‬ ‫سياس���ياً‪ ،‬وبين الظواه���ر االجتماعية‬ ‫تبريرا دون إثبات‬ ‫الشاخصة أمامه‪ ،‬إما‬ ‫ً‬ ‫أو نقدًا دون دليل‪.‬‬ ‫من هن���ا ف���إن معظم ما كت���ب حتى‬ ‫اآلن (أواخ���ر ‪ )2011‬م���ن مالحظ���ات‬ ‫اجتماعي���ة عل���ى ما ح���دث ويحدث في‬ ‫عدد م���ن المجتمعات العربي���ة‪ ،‬هو في‬ ‫الحقيق���ة مالحظات س���ريعة مخلوطة‬ ‫بأيديولوجي���ا ثقلية تس���تر عين القارئ‬ ‫ع���ن الحقائ���ق‪ .‬بعضهم فس���ر ما حدث‬ ‫وما يح���دث في كل م���ن تونس ومصر‬ ‫واليمن وس���ورية وليبي���ا‪ ،‬وربما عدد‬ ‫من الب�ل�اد العربية األخرى‪ ،‬منذ ش���هر‬ ‫ديس���مبر ‪ 2010‬وحتى الي���وم‪ ،‬أنه يتم‬ ‫بس���بب الفقر في هذه المجتمعات‪ .‬ذلك‬ ‫‪45‬‬


‫ليس حقيقة مطلقة‪ ،‬فتونس على سبيل‬ ‫المثال كان متوسط دخل الفرد فيها عند‬ ‫قيام (االنتفاض���ة) أعلى من بعض دول‬ ‫عربي���ة تنت���ج النفط‪ .‬بعضهم فس���ر ما‬ ‫حدث بأنه عدم رضا الطبقة الوس���طى‬ ‫في تلك الب�ل�اد عن اإلدارة السياس���ية‬ ‫القائم���ة‪ ،‬إال أن الحقيقة هي أن الطبقة‬ ‫الوسطى‪ ،‬وإن قدمت ممثلين لها في عدد‬ ‫من (االنتفاضات) إال أنها لم تكن الوحيدة‬ ‫أو القائ���دة‪ ،‬فق���د قام الجي���ش بدوره‪،‬‬ ‫سواء في تونس أو مصر‪ ،‬كما قام بدور‬ ‫ش���به معاكس في كل م���ن ليبيا واليمن‬ ‫وس���ورية حتى اآلن‪ ،‬وربما القبيلة في‬ ‫اليم���ن أيض ًا قامت بدور م���ا معاكس أو‬ ‫مواف���ق لالنتفاضة اليمنية‪ .‬بمعنى آخر‬ ‫ال يوجد سبب تقليدي واحد بعينه يجمع‬ ‫العناص���ر المؤدية إلى ربيع العرب غير‬ ‫بالكونية‪(.‬ك‪/‬ك)‪.‬‬ ‫الحقرة ُ‬ ‫تالزم ُ‬ ‫بالد مثل بنغالدش‪ ،‬أكثر بالد العالم‬ ‫فقراً‪ ،‬الناس تبيت وتتوالد في الشوارع‪،‬‬ ‫ولي���س هناك أكثر من نس���بة العاطلين‬ ‫في إسبانيا اليوم‪ ،‬وليس أكثر من فساد‬ ‫حكوم���ات تدع���ي الديموقراطية كما في‬ ‫دول اس���تقلت عن االتحاد الس���وفياتي‬ ‫الس���ابق أو حت���ى روس���يا االتحادية‪.‬‬ ‫ولكن كل هذا البالد وغيرها لم تلجأ إلى‬ ‫الشارع كي تقوم بانتفاظة تغير النظام‬ ‫ع���ن بكرة أبي���ه! كما ح���دث لدى بعض‬ ‫العرب!‬ ‫م���ا أردت أن أصل إليه أن التس���رع‬ ‫ف���ي تفس���ير تل���ك االنتفاض���ات جعل‬ ‫كثيري���ن يميلون إلى تثبيت كليش���يهات‬ ‫معروفة في علم االجتماع الكالس���يكي‪،‬‬ ‫عن طريق التفس���ير ذي العامل الواحد‪،‬‬ ‫وهذا يذكرني بعدد من الدراس���ات التي‬ ‫تم���ت بع���د أح���داث ‪ 11‬س���بتمبر ‪2001‬‬ ‫الكارثي���ة‪ .‬وقتها أيض ًا حصل التس���رع‬ ‫في إطالق األحكام‪ ،‬كان أكثرها تفسيرًا‬ ‫هو نقص في الممارسة (الديموقراطية)‬ ‫في بلدان األشخاص الذين قاموا بالعمل‬ ‫التدمي���ري ف���ي صباح خريف الس���احل‬ ‫الش���رقي للوالي���ات المتح���دة وكان���وا‬ ‫جميع ًا من الع���رب الذين كان بعضهم قد‬ ‫ذهب إلى أفغانس���تان‪ ،‬األم���ر الذي بَنت‬ ‫عليه إدارة بوش االبن كل سياس���اتها‪،‬‬ ‫‪46‬‬

‫والت���ي أدت إلى حرب الحقة وضروس‬ ‫في كل من العراق وأفغانس���تان ما زال‬ ‫بعضه���ا مس���تعراً‪ ،‬وكلف���ت الكثير من‬ ‫األرواح والكثي���ر من األم���وال‪ .‬وعندما‬ ‫أفاق الجميع‪ ،‬تبي���ن أن (دمقرطة) هذه‬ ‫المجتمع���ات ليس���ت هي الحل الس���ريع‬ ‫إلنهاء األزم���ة‪ ،‬ألن هناك عوامل ثقافية‬ ‫يج���ب أخذه���ا ف���ي الحس���اب تقلل من‬ ‫التحاق هذه المجتمعات بالديموقراطية‬ ‫الغربية‪ ،‬فال العراق أصبح ديموقراطي ًا‬ ‫على طريقة وس���ت منستر‪ ،‬وال األفغان‬ ‫أصبح���وا ديموقراطيين عل���ى الطريقة‬ ‫الجفرس���ونية‪ ،‬نس���بة إل���ى بريطانيا‬ ‫وأميركا‪ ،‬إال أن الصحوة من الفهم الخطأ‬ ‫جاءت متأخرة بعد أن ُخس���فت األرض‪،‬‬ ‫بعد أن تبين أن هناك جماعات إرهابية‬ ‫نبتت على أرض ديموقراطية‪ ،‬كما حدث‬ ‫ف���ي بريطاني���ا وألمانيا ب���ل والواليات‬ ‫(‪)1‬‬ ‫المتحدة نفسها‪.‬‬ ‫بالعودة إلى تفسير ما حدث ويحدث‬ ‫من (انتفاضات عربية) أرى أن الس���بب‬ ‫(الحقرة) كما قلت ممزوجة‬ ‫المباش���ر هو ُ‬ ‫بنتائ���ج العصرنة‪ ،‬أي فش���ل ذريع في‬ ‫إدارة المجتمعات إدارة حديثة‪ ،‬تأخذ في‬ ‫الحس���اب الثورة التقنية التي اجتاحت‬ ‫العالم وتتكيف مع متطلباتها‪.‬‬ ‫أي غياب الوعي السياسي الذي يوائم‬ ‫بين متطلبات األجي���ال الجديدة‪ ،‬وبين‬ ‫التعبير السياس���ي المحافظ والتقليدي‬ ‫الس���ائد‪ .‬هذا الغياب ه���و الذي جعل من‬ ‫ب���ن علي في تونس ومب���ارك في مصر‬ ‫وعلي عبداهلل صالح في اليمن والقذافي‬ ‫ف���ي ليبيا ومن بع���ض زعامات أخرى‪،‬‬

‫التسرع في تفسير‬ ‫تلك االنتفاضات‬ ‫جعل كثيرين‬ ‫يميلون إلى تثبيت‬ ‫كليشيهات معروفة‬ ‫في علم االجتماع‬ ‫الكالسيكي‬

‫تتجاه���ل المتغي���رات وتتجاهل مصالح‬ ‫المواطني���ن‪ ،‬إلى درجة نف���ي أن تكون‬ ‫موج���ودة‪ .‬ليس المه���م أن تكون هناك‬ ‫ديموقراطية بمعن���ى صناديق انتخاب‬ ‫ومكان يتخاطب فيه المنتخبون بأشنع‬ ‫األلفاظ يس���مى برلماناً‪ ،‬المهم أن يكون‬ ‫هناك قانون عقالني سائد في المجتمع‪،‬‬ ‫وأن يحت���رم هذا القان���ون بدقة وبحزم‬ ‫ويطب���ق على الجمي���ع‪ ،‬المه���م معرفة‬ ‫قوانين االجتماع ومالحظ���ة التغير في‬ ‫مصفوفة القيم التي تتأثر بقوة بالعولمة‬ ‫والكوني���ة‪ .‬تجاهل الناس ما أس���ميه بـ‬ ‫(الحق���رة) هو ما جعل من القذافي يطلق‬ ‫ُ‬ ‫(أكذوبة سياسية) ويصدقها‪ ،‬فقد اقنتع‬ ‫أن���ه ال رئي���س وال مس���ؤول‪ ،‬هو فقط‬ ‫قائد‪ ،‬وترك أبناءه يعيثون فس���ادًا في‬ ‫كل مق���درات ليبيا‪ .‬إلى درج���ة أنه يثير‬ ‫س أحد أبنائه –‬ ‫زوبعة سياس���ية إن ُم َّ‬ ‫جراء استهتاره – في أي بلد‪ ،‬كما حدث‬ ‫مع سويسرا‪ ،‬أو يدفع باليين الدوالرات‬ ‫من المال الليبي عل���ى تعويضات ليس‬ ‫للش���عب الليبي أية يد فيها‪ ،‬أو أن يدفن‬ ‫آالف الليبيين في المقابر الجماعية دون‬ ‫أن يسأل‪.‬‬ ‫أو م���ن جه���ة أخ���رى يقرر حس���ني‬ ‫مبارك‪ ،‬توري���ث الجمهورية البنه دون‬ ‫أدنى اعتبار للن���اس‪ ،‬أو حرمان الناس‬ ‫من أق���ل درجة م���ن الحري���ات وإطالق‬ ‫ق���وى األمن المتعدد عليه���م تحت ذرائع‬ ‫مختلفة كما في س���ورية‪ .‬تلك أمثلة من‬ ‫الحقرة التي تحرم الحرية على الناس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫في الوقت الذي يتاح للمواطن العادي –‬ ‫نتيجة التقدم التقن���ي الهائل‪ -‬الحصول‬ ‫على معلومات في كيفية تعامل البش���ر‬ ‫فيما بينهم بش���كل حض���اري في أماكن‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫لذلك نجد أن أوسع تجمع ليبي مثقف‬ ‫هو خارج ليبيا‪ ،‬وأكبر تجمع إنس���اني‬ ‫متعل���م ومدرب‪ ،‬هو خ���ارج مصر‪ ،‬وقد‬ ‫كانت نتيجة الدراسات التي أجريت على‬ ‫ش���باب مصر‪ ،‬أن أمنيته���م الغالية بعد‬ ‫التخرج‪ ،‬الهجرة خارج مصر‪ .‬ليس ألن‬ ‫مصر فقيرة من الموارد‪ ،‬بل ألن احترام‬ ‫اإلنسان فيها وصل إلى مرحلة ال تطاق‬ ‫من الدونية‪ .‬الرئيس الس���ابق حس���ني‬


‫كاف الكونية أطلعت العرب على معنى الحرية‬

‫مبارك‪ ،‬لما قيل له إن الناس لم تعجبهم‬ ‫نتائ���ج انتخاب���ات مجلس���ي الش���عب‬ ‫والشورى لعام ‪ ،2010‬وإن المعارضة‬ ‫تفكر بإنش���اء (برلمان بديل) قال بكثير‬ ‫من االستخفاف‪( :‬خليهم يتسلوا)!‪.‬‬ ‫يشل البلد من أقصاه إلى أقصاه‪ ،‬إذا‬ ‫تحرك الرئيس من مكان إلى آخر‪ ،‬دون‬ ‫احترام لمصالح الناس‪ ،‬يتعطل بعضهم‬ ‫على الطرقات لمدة ساعات ألن الرئيس‬ ‫س���وف يمر‪ ،‬تلك ُحقرة للناس‪ ،‬وأمثلة‬ ‫أخ���رى تبين م���دى اس���تهتار القيادات‬ ‫بمصال���ح ورغبات الن���اس‪ ،‬في الوقت‬ ‫الذي يرى فيه الجميع أن اجتماع قيادات‬ ‫أخرى في دول متقدمة‪ ،‬يجري بسهولة‬ ‫ويس���ر‪ ،‬دون إرهاق للمواطن‪ ،‬ويترك‬ ‫المسؤول وظيفته الكبيرة ليكون مواطن ًا‬ ‫عادي ًا بين الناس‪ .‬كل هذا كان تحت سمع‬ ‫وبص���ر المواطن العربي تنقله وس���ائل‬ ‫اإلعالم الحديثة حتى بيته‪.‬‬ ‫نصف الس���ودان ينفصل عن ش���ماله‬ ‫بس���بب هذا الضع���ف الهائل ف���ي إدارة‬ ‫الدول���ة‪ ،‬وربعه األخير (منطقة دارفور)‬ ‫تجري فيها حرب ش���به ح���رب أهلية‪،‬‬

‫(حقرة) األحزاب األخرى‬ ‫والنظام يتعمد ُ‬ ‫ومطاردتها وسجن نشطائها‪.‬‬ ‫في مذكرات���ه األخي���رة التي صدرت‬ ‫في كتاب‪ ،‬ينقل اإلمام الصادق المهدي‪،‬‬ ‫رئيس ح���زب األم���ة‪ ،‬ورئي���س وزراء‬ ‫س���ابق‪ ،‬قول المعارض الرئيس���ي في‬ ‫الجنوب ورئيس حكومتها سلفاكير‪ ،‬أنه‬ ‫ل���وال الحياء‪ ،‬ألق���ام الجنوبيون تماثيل‬ ‫ل���كل أعض���اء قي���ادة (ث���ورة اإلنقاذ)‪،‬‬ ‫وأشخاص حكومات البشير المتعاقبة‪،‬‬ ‫ألنه���م الذي���ن اقنع���وا ‪ -‬بسياس���اتهم‬ ‫المعتم���دة عل���ى الح���رب والتصفي���ة ‪-‬‬ ‫الجنوبيي���ن بالتوجه إل���ى االنفصال!!‬ ‫وهكذا تم االنفصال بأغلبية بلغت تقريب ًا‬ ‫اإلجم���اع! بعد حروب س���قط فيها مئات‬ ‫���رد فيها أكثر من‬ ‫اآلالف من البشر‪ُ ،‬‬ ‫وش ِّ‬ ‫ضعفي العدد!‬ ‫كي���ف ما وجه���ت نظرك ف���ي عالمنا‬ ‫العربي ترى فش���ل (اإلدارة العامة) في‬ ‫وقت يتم التواصل بين أطرف المعمورة‬ ‫في ث���وان‪ ،‬وف���ي وقت ال يمك���ن إخفاء‬ ‫الحقائ���ق إال لبضع دقائق‪ ،‬س���رعان ما‬ ‫تع���رف‪ ،‬وفي زمان ي���رى فيه الناس –‬

‫كل ليل���ة – تقريب ًا على شاش���اتهم كيف‬ ‫تق���دم العالم من حولهم‪ !.‬في زمن يقول‬ ‫لنا فيه المختص���ون باالتصال الحديث‪،‬‬ ‫إن تراك���م المعرفة منذ نش���أة الحضارة‬ ‫إلى ع���ام ‪ 2003‬يمكن اختصارها بعمل‬ ‫يومين بسبب وسائل االتصال الحديثة‪.‬‬ ‫بع���د أن وقف���ت المطبع���ة‪ ،‬بع���د‬ ‫اختراعها‪ ،‬على أبواب المس���لمين ‪300‬‬ ‫عام‪،‬دخلت إلى بالدنا‪ ،‬وكانت المطبعة‬ ‫قد أحدثت ثورة في العالم الذي اخترعت‬ ‫فيه (أوروبا) كما أن اكتشاف البخار غير‬ ‫العالم من جديد‪ ،‬إال أن المطبعة والبخار‬ ‫بقيا لس���نوات يتراوحان أمام الشعوب‬ ‫العربي���ة‪ ،‬الي���وم وس���ائل االتص���ال‬ ‫الحديث���ة‪ ،‬م���ا إن تخرج م���ن مصانعها‬ ‫حت���ى تص���ل إلين���ا‪ ،‬ذلك ما ل���م يفهمه‬ ‫البعض بعد‪ .‬اعتقد هذا البعض خطأ‪ ،‬أن‬ ‫رفع األس���وار هو الحل‪ ،‬وتفعيل القوى‬ ‫األمني���ة ه���و المالذ‪ ،‬في حي���ن أن البث‬ ‫الفضائ���ي يأتي من أعل���ى! قوة األفكار‬ ‫فاقت كل قوة‪ ،‬واألفكار ال تس���تأذن في‬ ‫الدخول‪.‬‬ ‫يقابل المواطن العربي بحقران ليس‬ ‫له مثيل في كل شيء تقريباً‪ ،‬فالكبير ال‬ ‫يقف على طوابير االنتظار‪ ،‬وال يتفحص‬ ‫في وجهه الش���رطي ف���ي المنافذ‪ ،‬كونه‬ ‫متهم��� ًا حتى يثبت العك���س‪ ،‬وال تحترم‬ ‫أقدميت���ه في وظيف���ة يريدها من هو في‬ ‫الس���لطة لقريب غير مؤهل‪ ،‬وال تعطى‬ ‫له حقوقه في المحكمة‪ ،‬وال يحترم أحد‬ ‫خصوصيت���ه‪ ،‬بل آدميته‪ .‬هو مدان قبل‬ ‫أن يتكلم‪ ،‬ومتهم قبل أن ينطق!‬ ‫أم���ام كل ذلك فق���د اقتن���ع المواطن‬ ‫العربي‪ ،‬أمام ش���عور عام وسائد بعدم‬ ‫االحترام‪ ،‬بأن خس���ارة حيات���ه لم تعد‬ ‫خسارة‪ ،‬هي خسارة في دنيا ال قيمة له‬ ‫فيها‪ ،‬لذلك لم يع���د الخوف هو الرادع‪،‬‬ ‫فانفجرت الحناجر‪ ،‬وبدأ التصدع وتجمع‬ ‫الناس في الميادين‪ ،‬مستعدين للموت‪،‬‬ ‫رافعين ش���عار (ارحل) إنه���ا مفاعيل الـ‬ ‫(ك‪/‬ك)‪ ،‬والحبل على الجرار‪.‬‬ ‫(‪ )1‬تبي���ن من ع���دد من الدراس���ات أن هناك‬ ‫جماع���ات أصولية في الغرب تكون���ت من أبناء‬ ‫الغرب نفسه مثل الجماعة الجهادية األلمانية‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫ندوة‬

‫قوارب هزيلة تخوض البحر نحو إيطاليا وغالب ًا كا تصل إلى اآلخرة!‬

‫حلم الهجرة الذي يتحول عار ًا بين الضفتين‪:‬‬

‫إيطاليا‬ ‫جهة الوصول‬ ‫القاهرة ‪ -‬مكتب الدوحة‬

‫عل���م دراس���ة الص���ورة أو‬ ‫اإليماجولوجي���ا‪ ،‬لي���س منتش���رًا على‬ ‫نط���اق واس���ع ف���ي عالمن���ا العربي‪،‬‬ ‫ولكنه علم مقب���ول و«موضة» في إطار‬ ‫عل���وم المقارنة الحديث���ة‪ .‬ولكن المؤكد‬ ‫أن االش���تباك ظاهر بين أطراف العالم‬ ‫وهوامشه‪ ،‬وتعقد العالقات العولمية‪.‬‬ ‫تأثير الص���ورة الذهنية التي تتكون‬ ‫ع���ن أرض م���ا‪ ،‬ع���ن ثقاف���ة م���ا‪ ،‬عن‬ ‫كي���ان ما‪ ،‬وحت���ى عن س���لعة ما‪ ،‬هو‬

‫‪48‬‬

‫ما تس���عى اإليماجيولوج���ي أن تبحث‬ ‫فيه‪ ،‬باعتبارها في األس���اس من علوم‬ ‫االتص���ال‪ ،‬الذي وجد ل���ه تطبيقات في‬ ‫األدب‪ ،‬وفي السينما‪.‬‬ ‫وه���ي مناس���بة لدراس���ة ظاه���رة‬ ‫الهجرة أو انتقال البش���ر من أرض إلى‬ ‫أرض‪ .‬الظاهرة الت���ي تخلف الكثير من‬ ‫المآسي اإلنسانية‪ ،‬الكثير من الشكوك‬ ‫والمخاوف‪.‬‬ ‫وله���ذا الس���بب اجتم���ع نخب���ة م���ن‬

‫الباحثي���ن م���ن أط���راف العال���م لك���ي‬ ‫يناقش���وا ف���ي القاه���رة (كلي���ة اآلدب‬ ‫بجامع���ة حلوان من ‪ 3‬إل���ى ‪ 4‬أكتوبر‪/‬‬ ‫تش���رين األول ‪ )2011‬دور الصورة في‬ ‫حركات الهج���رة عبر الس���ينما واألدب‬ ‫واإلع�ل�ام‪ ،‬وعل���ى نح���و خ���اص دار‬ ‫الحدي���ث حول الهجرة إلى إيطاليا‪ ،‬فهو‬ ‫عنوان المش���روع البحثي الضخم (جهة‬ ‫الوص���ول‪ :‬إيطاليا) الذي يش���رف عليه‬ ‫البروفيس���ور جويدو بوناسفر‪ ،‬أستاذ‬ ‫الدراس���ات اإليطالية بجامعة أكسفورد‬ ‫البريطانية‪ ،‬وتشارك فيه جامعات من‬ ‫أميركا وأستراليا وإيطاليا ومصر‪.‬‬ ‫حكاية ورش���ة العم���ل العلمية هذه‬ ‫ب���دأت في ع���ام ‪ 2010‬عندما فاز قس���م‬ ‫الدراس���ات اإليطالية بجامعة أكسفورد‬ ‫‪ ISO‬بمنح���ة م���ن مؤسس���ة ليفر هولم‬ ‫ترست‪ ،‬لتكوين ش���بكة دولية لدراسة‬ ‫صور تقديم ظاهرة الهجرة في الرواية‬ ‫واإلعالم الحدي���ث (الس���ينما واألدب)‪.‬‬ ‫أطل���ق عل���ى هذه الش���بكة اس���م «جهة‬ ‫الوص���ول‪ :‬إيطالي���ا»‪ ،‬وهدفه���ا هو أن‬ ‫تجمع علماء ودارسين يعملون من كافة‬ ‫أنح���اء العال���م من خ�ل�ال مجموعة من‬ ‫الفاعليات على مدى ‪ 24‬ش���هرًا بدءًا من‬ ‫سبتمبر عام ‪ .2010‬ويتضمن المشروع‬ ‫أيض��� ًا أن ينش���ئ ‪ ISO‬قاع���دة بيانات‬ ‫ش���املة عن األف�ل�ام الت���ي تتعامل مع‬ ‫موضوع الهجرة إلى إيطاليا‪ .‬وقد تلقى‬ ‫هذا مزيدًا من التمويل من جانب صندوق‬ ‫جون فيل‪.‬‬ ‫ويعتبر الس���بب في اختيار موضوع‬


‫الهج���رة‪ ،‬وإل���ى إيطاليا تحدي���داً‪ ،‬هو‬ ‫تع���رض إيطالي���ا في األع���وام األخيرة‬ ‫إلى تدفق هجرة ضخمة األبعاد‪ ،‬أثارت‬ ‫ع���ددًا م���ن المخ���اوف المثي���رة للجدل‬ ‫الساخن‪ ،‬سياس���ي ًا واجتماعي ًا وثقافياً‪.‬‬ ‫ويتصور المش���روع أن بمقدور النقاش‬ ‫العام حول ه���ذه الظاهرة أن يس���تفيد‬ ‫م���ن الرؤية الخارجية له���ا‪ ،‬خاصة إذا‬ ‫كانت ه���ذه النظرة الخارجي���ة متعددة‬ ‫المناه���ج والعل���وم‪ ،‬وأنه���ا تحمل إلى‬ ‫ساحة النقاش آراء وخبرات دولية لها‬ ‫ثقلها‪ .‬تعد الهجرة من القضايا الحاسمة‬ ‫في كيفية تط���ور المجتمع اإليطالي في‬ ‫المس���تقبل‪ ،‬ولذا فإن من الحيوي بمكان‬ ‫إنجاز فهم مفصل للعوامل المشاركة في‬ ‫مثل هذه العملية العميقة‪.‬‬ ‫يستكشف البرنامج المطروح القضايا‬ ‫المرتبط���ة بتصوير اإلع�ل�ام والرواية‬ ‫للهجرة فيم���ا يتعلق بالحالة اإليطالية‪.‬‬ ‫وهي تهدف إلى إنتاج دراسة عميقة في‬ ‫منطقتين بينهما يتعلق كل منهما باآلخر‪:‬‬ ‫أي كي���ف يت���م تصوي���ر المهاجرين في‬ ‫اإلعالم والس���ينما واألدب في إيطاليا‪،‬‬ ‫وكي���ف تم تصوي���ر إيطاليا ف���ي بلدان‬ ‫المهاجري���ن األصلية‪ .‬ومن خالل البحث‬ ‫يس���تهدف تكوين صورة شاملة سوف‬ ‫تسهم في فهم دور الصورة الذهنية في‬ ‫آليات الهجرة‪.‬‬ ‫يجم���ع برنام���ج «جه���ة الوص���ول‬ ‫إيطاليا» علماء يعملون في حقل الهجرة‬ ‫في سياق دولي حقيقي‪ .‬ستكون شبكة‬ ‫أكس���فورد «بينية الدراسات» هي مركز‬

‫المجموع���ة البحثية التي تتخذ من لندن‬ ‫مقرًا له���ا وتضم جامع���ات برمنجهام‪،‬‬ ‫وبريس���تول‪ ،‬وأكس���فورد بروك���س‪،‬‬ ‫وريدين���ج‪ ،‬وي���و س���ي إل ووارويك‪،‬‬ ‫أما الش���ركاء الدوليون لهذه الجامعات‬ ‫البريطاني���ة م���ن فلورنس���ا‪ ،‬وجامعة‬ ‫السابينس���ا بروم���ا‪ ،‬وجامعة روما ‪،3‬‬ ‫والمرك���ز الجامع���ي مون���اش بمدين���ة‬ ‫براتو‪ ،‬ومن مصر جامعة حلوان‪ ،‬ومن‬ ‫فرنس���ا جامعة باري���س الثانية‪ ،‬وفي‬ ‫أميركا جامعة كوني بنيويورك‪.‬‬ ‫وس���وف يتم تقديم العم���ل البحثي‬ ‫الناتج عن هذا المشروع في مؤتمر كبير‬ ‫يقام عام ‪ 2012‬وينش���ر ف���ي مطبوعة‬ ‫دولية‪ .‬وفي النهاية يهدف إلى الوصول‬ ‫إل���ى تقييم عام ش���امل لتمثي���ل الميديا‬ ‫واألدب للمهاجرين إل���ى إيطاليا والذي‬ ‫س���وف يكون مصدرًا ل���ه قيمته للبحث‬ ‫وللرج���وع إلي���ه م���ن جان���ب صانعي‬ ‫القرار‪ ،‬ومرجع ًا للباحثين والدارس���ين‬ ‫في هذه المجاالت‪.‬‬ ‫تضمن المشروع البحثي أربع ورش‬ ‫للعمل‪:‬‬ ‫• أقيم���ت الورش���ة األول���ى ببرات���و‬ ‫بفلورنس���ا اإليطالي���ة يوم���ي ‪ 17‬و‪18‬‬ ‫س���بتمبر‪/‬أيلول‪ ،‬وكان الي���وم األول‬ ‫مخصص ًا ألعضاء الفريق البحثي لتقديم‬

‫محمود الشيخ‪:‬‬ ‫قراءة الرموز‬ ‫اإلسالمية في‬ ‫المجتمع االيطالي‬

‫م���ا وصل���وا إليه م���ن بح���وث‪ ،‬بينما‬ ‫كان الي���وم التالي يوم��� ًا عام ًا مخصص ًا‬ ‫للمشاركات العامة‪.‬‬ ‫• أقيم���ت الورش���ة الثاني���ة بجامعة‬ ‫س���يتي بنيوي���ورك يوم���ي ‪ 25‬و‪26‬‬ ‫فبراير‪/‬شباط عام ‪.2011‬‬ ‫• الورش���ة الثالثة أقيمت بالقاهرة‪،‬‬ ‫يوم���ي ‪ 3‬و‪ 4‬أكتوبر‪/‬تش���رين األول‬ ‫‪ 2011‬بجامعة حلوان‪.‬‬ ‫• الورشة الرابعة تقام بأكسفورد في‬ ‫إبريل‪/‬نيسان عام ‪.2012‬‬ ‫تأتي مش���اركة باحثين من دول لها‬ ‫خبرات س���ابقة ف���ي الهج���رة وتحليل‬ ‫الظاه���رة مث���ل أس���تراليا وفرنس���ا‬ ‫والواليات المتحدة حتى يمكن االستفادة‬ ‫من الخب���رة المنهجية القيمة التي يمكن‬ ‫تطبيقها في هذا المش���روع‪ .‬وفي الوقت‬ ‫نفس���ه توفر دراسة دور تصوير الميديا‬ ‫والرواية إليطالي���ا في العديد من الدول‬ ‫التي يأتي منها المهاجرون مثل رومانيا‬ ‫والباني���ا ومص���ر وأثيوبي���ا والمغرب‬ ‫وتون���س واألردن فرص���ة للتعرف عن‬ ‫كثب إل���ى تأثي���ر األفكار الش���ائعة عن‬ ‫بلد الوصول س���واء أكان���ت حقيقية أو‬ ‫خيالية‪ .‬أما مش���اركة منظمات المجتمع‬ ‫المدن���ي فته���دف إل���ى ضمان أث���ر هذا‬ ‫المش���روع على الرأي الع���ام وصانعي‬ ‫القرار‪.‬‬ ‫في حل���وان كان العنوان الرئيس���ي‬ ‫هو استكشاف دور الصورة في حركات‬ ‫الهجرة عبر الس���ينما واألدب واإلعالم‪،‬‬ ‫وم���ا بين أف�ل�ام س���ينمائية وتحليالت‬ ‫لمعالج���ة الصحاف���ة وق���راءات أدبي���ة‬ ‫ونقدية قدم المتحدثون صورة متكاملة‬ ‫إليطاليا في المخيلة العربية العامة‪.‬‬ ‫ش���ارك في الورش���ة كذلك الروائي‬ ‫ع���زت القمحاوي الذي اهت���م بالظاهرة‬ ‫على نحو مباشر من خالل كتاب «العار‬ ‫بين الضفتي���ن‪ :‬عبيد األزمن���ة الحديثة‬ ‫والموت في مراكب الظلمات»‪.‬‬ ‫المداخل���ة الت���ي تحدث فيه���ا عزت‬ ‫القمحاوي جاءت بعن���وان دال‪« :‬الحلم‬ ‫والكابوس‪ .‬سياس���ات عبور البحر من‬ ‫مصر إلى إيطاليا»‪ ،‬وأكد فيها أن المصري‬ ‫‪49‬‬


‫ال يهاج���ر‪ ،‬وإنما يس���افر‪ ،‬ألن���ه يحلم‬ ‫دائم��� ًا بالعودة‪ ،‬كما عال���ج أثر الهجرة‬ ‫على التركيب الطبقي للقرية المصرية‪،‬‬ ‫مشيرًا إلى األثر السلبي لسلوك المهاجر‬ ‫العائد الذي ال يش���ارك بماله في عملية‬ ‫اإلنت���اج‪ ،‬وإنم���ا في البحث ع���ن ترقية‬ ‫وضع���ه االجتماع���ي‪ .‬وص���ف ع���زت‬ ‫القمح���اوي كتابه بأنه «يكش���ف وقائع‬ ‫العار‪ ،‬وقائع انهيار العقيدة االجتماعية‬ ‫لش���عب لم يك���ن أبن���اؤه يغادرونه إال‬ ‫مضطرين وأليام مع���دودة»‪ ،‬والهجرة‬ ‫في رأيه ليست مجرد تحول اقتصادي‪،‬‬ ‫وإنم���ا تمث���ل «انهي���ارًا لعقي���دة دينية‬ ‫فرعونية تحورت ف���ي وعي المصريين‬ ‫المعاصري���ن لتس���تقر آالف��� ًا أخرى من‬ ‫السنين كعقيدة اجتماعية»‪.‬‬ ‫كان ه���ذا أيض��� ًا م���ا تبن���اه جويدو‬ ‫بونس���افر‪ ،‬ربما اقتباس��� ًا م���ن مقوالت‬ ‫القمح���اوي‪ ،‬وال���ذي طال���ب باعتب���ار‬ ‫الهجرة حقاً‪ ،‬إذا تمس���كنا ب���أن الهجرة‬ ‫سفر‪ ،‬والسفر هو انتقال حر لألشخاص‬ ‫بي���ن األماكن‪ .‬حل���ل بونس���افر األفالم‬ ‫السينمائية التي قدمها مهرجان البندقية‬ ‫هذا العام‪ ،‬والتي خص بها الهجرة على‬ ‫وجه التحديد‪ ،‬ومن أشهرها فيلم المخرج‬ ‫المخضرم إرمانو أولمي‪ ،‬وجاء بعنوان‬ ‫«القرية الكرت���ون»‪ ،‬وإن لم يرق الفيلم‬ ‫كثيرًا للبروفيسور بونسافر فيما يتعلق‬ ‫بمعالجت���ه للهجرة‪ ،‬وه���و نقد منطقي‬ ‫ومفهوم إذا كان الفيلم قد تم تنفيذه من‬ ‫أجل خدمة ظاهرة الهجرة‪ ،‬وأتصور أن‬ ‫أولمي‪ ،‬ذلك المخرج ال���ذي أبهر العالم‬ ‫بفيلم «شجرة القبقاب»‪ ،‬والذي قدم فيه‬ ‫تجربة فريدة‪ ،‬فكان جميع أبطال الفيلم‬ ‫م���ن األش���خاص الطبيعيين‪ ،‬وليس���وا‬ ‫ممثلين محترفين‪ ،‬البد أن���ه يقدم فيلم ًا‬ ‫يهت���م أكثر بمدرس���ته الس���ينمائية في‬ ‫مالمس���تها للواقع عن كث���ب‪ .‬كذلك قدم‬ ‫بونس���افر رؤيته للفيلم الذي عرض في‬ ‫الورش���ة‪ ،‬وهو فيلم وثائق���ي بعنوان‬ ‫«البح���ر وحده»‪ ،‬وال���ذي قدمه بعد ذلك‬ ‫وش���رح كيفية تنفيذه المنتج المشارك‬ ‫للفيل���م‪ ،‬وهو البروفيس���ور الس���اندرو‬ ‫تريلوتسي أس���تاذ الدراسات اإلفريقية‬ ‫بجامع���ة نابول���ي أورينتالي‪ ،‬ويرأس‬ ‫‪50‬‬

‫إيما بوند‪:‬‬ ‫تجليات حركات‬ ‫الهجرة في الفن‬ ‫واإلعالم‬

‫ف���ي الوقت نفس���ه مؤسس���ة «التوثيق‬ ‫الس���ينمائي وأرش���فة الهج���رة» ف���ي‬ ‫إيطاليا‪ ،‬وكان الفيلم‪ ،‬إضافة إلى الجهد‬ ‫التس���جيلي فيه‪ ،‬يحلل استقبال مدينة‬ ‫المب���دوزا البحري���ة للمهاجري���ن الذين‬ ‫يقذف بهم البحر إليهم‪ ،‬وخلص إلى أن‬ ‫المدينة تعاني مشاكل سياسية وإدارية‬ ‫ليست الهجرة طرف ًا فيها‪.‬‬ ‫من ناحيته حلل الناقد الدكتور يسري‬ ‫عبد اهلل بنية الس���رد ف���ي رواية الهجرة‬ ‫ال رواية «نساء الريح»‬ ‫السياس���ية محل ً‬ ‫للكاتب���ة الليبية رازان نعي���م قال فيها‪:‬‬ ‫«ثم���ة دوافع تضع اإلنس���ان على حافة‬ ‫الفرار من المكان‪ ،‬ربما يأتي في مقدمتها‬ ‫االستبداد السياسي‪ ،‬هذا االستبداد الذي‬ ‫يمكن لن���ا أن نتلمس مالمحه في رواية‬ ‫«نساء الريح»‪ ،‬والذي يشكل بنية خاصة‬ ‫به‪ ،‬يتجادل فيها السياس���ي مع الديني‬ ‫ف���ي تخليق بيئ���ة موازية م���ن القمع‪،‬‬ ‫وبحيث تصبح بيئة االستبداد الطاردة‬ ‫دافع���ة بالش���خوص على حاف���ة الفعل‬ ‫الس���لبي (الفرار)‪ ،‬عبر البحر المتوسط‬ ‫من ليبيا إلى إيطاليا‪ ،‬في دراما متوترة‬ ‫تصطخب فيها الحياة مع الموت‪ ،‬وعبر‬ ‫سرد شفيف به‪ -‬أحياناً‪ -‬نزوع شعري‪،‬‬ ‫تنفتح مس���احات ضافية م���ن التخييل‬ ‫فض���اء تأويلي ًا خصب ًا‬ ‫الس���ردي خالقة‬ ‫ً‬

‫وواعدًا أم���ام المتلقي الذي يجد نفس���ه‬ ‫أمام نص كاشف عن المعاناة اإلنسانية‬ ‫المحضة‪ ،‬واسترقاق النساء في مجتمع‬ ‫ذك���وري بامتي���از‪ ،‬غي���ر أن الكاتبة لم‬ ‫تزل تتعاطى م���ع المرأة بوصفها كائن ًا‬ ‫إنسانياً‪ -‬باألساس‪ -‬يحيا في ظل واقع‬ ‫خانق‪ ،‬ومأزوم‪ ،‬ومرتبك»‪.‬‬ ‫وتحدث الدكتور حس���ين محمود عن‬ ‫ص���ورة اآلخ���ر األوروبي ف���ي الرواية‬ ‫العربي���ة أك���د فيه���ا أن «هذه الورش���ة‬ ‫إجماالً‪ ،‬تريد استكشاف أهمية الصورة‬ ‫التي تقدمها وس���ائل اإلعالم‪ ،‬والسينما‬ ‫باعتبارها وس���يلة إعالمية لها رسالتها‬ ‫الخاص���ة‪ ،‬والص���ورة الت���ي يقدمه���ا‬ ‫األدب‪ ،‬ف���ي عملية الهج���رة‪ .‬وما يجمع‬ ‫بين الس���ينما واألدب ه���و الخيال‪ ،‬أي‬ ‫أننا لس���نا بصدد تقديم «واقع» حقيقي‬ ‫لظاهرة الهجرة من أرقام وسياس���ات‪،‬‬ ‫وربما حكايات ومآس تقدمها صفحات‬ ‫الحوادث في الصحف الس���يارة‪ ،‬ولكن‬ ‫«واقع» فني لهذه األرقام والسياس���ات‬ ‫وم���ا إلى ذلك‪ .‬الخيال ه���و الفارق بين‬ ‫التقدي���م والتمثيل‪ ،‬ومن هنا تهدف هذه‬ ‫الورقة إل���ى البحث عن ص���ورة اآلخر‬ ‫األوروبي في الرواي���ة العربية‪ ..‬فربما‬ ‫تس���اعدنا الرؤية التمثيلية التصويرية‬ ‫لألدباء العرب ع���ن كيفية تمثل القارئ‬ ‫لهذا النم���وذج‪ ،‬وربما تقودنا أيض ًا إلى‬ ‫فهم ميل األنا العرب���ي إلى التماهي في‬ ‫نموذج مختلف‪ ،‬مكتمل‪ ،‬مثالي»‪.‬‬ ‫من ناحيتها حللت الدكتورة وفاء عبد‬ ‫الرؤوف رواية «س���ر برهومة» المهاجر‬ ‫المصري إلى إيطاليا‪ ،‬واعتبرت الهجرة‬ ‫رحلة من الخوف واألمل‪.‬‬ ‫ش���ارك أيض ًا من المغ���رب الدكتور‬ ‫محم���د مخطاري نائب عمي���د كلية آداب‬ ‫الرب���اط وتحدث عن أغاني المهاجرين‪،‬‬ ‫في إط���ار ثنائي���ة البح���ر والمراكب»‪،‬‬ ‫وم���ن األردن ش���ارك الدكت���ور محمود‬ ‫جاران بتحلي���ل رواية يون���س توفيق‬ ‫«األجنبية»‪ ،‬وه���و من كتاب المهاجرين‬ ‫العراقيي���ن في إيطالي���ا‪ .‬ومن البحوث‬ ‫الهامة التي قدمت في الورش���ة ما قدمته‬ ‫باحث���ة جامع���ة ويستمنس���تر نعومي‬ ‫صاكر‪ ،‬والذي حللت فيه تدفق وانحسار‬


‫التغطية التليفزيونية المصرية لظاهرة‬ ‫الهجرة إلى إيطاليا‪ ،‬وخاصة في برامج‬ ‫التوك ش���و‪ ،‬وف���ي األس���اس تناولت‬ ‫تقدي���م برامج مثل «العاش���رة مس���اء»‬ ‫لمنى الشاذلي في قناة دريم أو برنامج‬ ‫معتز الدمرداش في قناة المحور‪ ،‬وهي‬ ‫برامج كان���ت تقدم «رس���الة تحذيرية»‬ ‫عن الهجرة‪ ،‬ووقفت منها موقف ًا معادي ًا‬ ‫ومضادًا لها‪ .‬القضايا التحذيرية نفس���ها‬ ‫تناوله���ا الباحث اإليطالي ماركو برونو‬ ‫م���ن جامعة روم���ا‪ ،‬عندما حلل بش���كل‬ ‫إحصائي موق���ف الرأي العام من قضية‬ ‫بناء المس���اجد في إيطالي���ا‪ ،‬ورغم دقة‬ ‫ط���رح القضية ف���ي البح���ث‪ ،‬وصرامة‬ ‫المنه���ج العلم���ي‪ ،‬وما وص���ل إليه من‬ ‫إدان���ة لموقف اإليطاليين من اس���تقبال‬ ‫اإلس�ل�ام في بالدهم‪ ،‬والذي قدم إليهم‬ ‫مع المهاجرين (نحو ‪ 2‬مليون مسلم في‬ ‫إيطالي���ا)‪ ،‬ورفضهم للرم���وز البصرية‬ ‫المرئي���ة للدين اإلس�ل�امي‪ ،‬مثل المآذن‬ ‫واآلذان والحجاب وما إليه‪ ،‬فقد ش���جع‬ ‫هذا البروفيس���ور محمود سالم الشيخ‪،‬‬ ‫عالم فقه اللغات الرومانسية بفلورنسا‪،‬‬ ‫لكي يشرح شرح ًا مستفيض ًا القى إعجاب ًا‬ ‫م���ن الحاضرين‪ ،‬مح���ددات وجود هذه‬ ‫الرموز المرئية اإلس�ل�امية في المجتمع‬ ‫اإليطالي‪ ،‬وموقف الدس���تور اإليطالي‬

‫جويدو بوتسافر‪:‬‬ ‫مسافرون ال‬ ‫مهاجرون‪ ..‬قراءة‬ ‫في األفالم‬

‫م���ن التعامل م���ع األدي���ان األخرى غير‬ ‫الكاثوليكية‪.‬‬ ‫أما البروفيس���ور كارلو فيتش���ي من‬ ‫جامعة نابولي فقد حلل والدة أسطورة‬ ‫إيطالي���ا‪ ،‬البل���د الجميل وبل���د الجمال‪،‬‬ ‫انطالق ًا من عصر النهضة‪ ،‬وكان من بين‬ ‫ما طرحه لوحة موناليزا التي رس���مها‬ ‫دافينش���ي‪ ،‬والتي عولجت في وسائل‬ ‫اإلع�ل�ام بطرق كثيرة مختلفة منها على‬ ‫س���بيل المثال صورة لها استخدمت في‬ ‫وس���ائل اإلع�ل�ام وهي ترت���دي النقاب‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫هل توج���د في البحر تماس���يح؟ هذا‬ ‫هو السؤال الذي جاء في عنوان مداخلة‬ ‫إيزادورا دالمو من جامعة سالنتو‪ ،‬وهي‬ ‫تحاول أن تشرح كيف يمكن التغلب على‬ ‫القيود الت���ي قد تع���وق محاولة تقديم‬ ‫الذات وكذلك المواطنة متعددة الطبقات‬ ‫م���ا بين الهج���رة األولى وم���ا يليها من‬ ‫ظهور أجي���ال ثاني���ة للمهاجرين‪ ،‬فإذا‬ ‫حاف���ظ المهاج���رون عل���ى هويتهم فإن‬ ‫الجي���ل الثان���ي يق���ل استمس���اكه بهذه‬ ‫الهوية‪.‬‬ ‫وبالفيديو كونفرنس شارك باحثون‬ ‫م���ن أمي���ركا وروما وكن���دا‪ ،‬إلى جانب‬ ‫البريطاني���ة إيم���ا بون���د‪ ،‬والصحافية‬ ‫اإليطالية غابريال جاكوميلال‪ .‬وعرضت‬ ‫األمم المتحدة فيلم ًا ترويجي ًا ضد الهجرة‬ ‫عن طريق مكت���ب الهجرة التابع لها في‬ ‫مص���ر‪ ،‬وه���و فيل���م كان المقصود منه‬ ‫الترويج لكبح ظاه���رة الهجرة‪ ،‬ولكنه‬ ‫كان يحتاج لمزيد من التدقيق والمراجعة‬ ‫طبق ًا لنقد الدكتورة إيمان عز الدين له‪.‬‬ ‫وقدمت ب���اوال جاندوفل���ي بحث ًا عن‬ ‫تخيل الهجرة المؤقتة بواس���طة السرد‬ ‫الروائي المتعدد وتخيل صورة إيطاليا‬ ‫بين ضفتي البحر المتوسط قارنت فيها‬ ‫بي���ن ص���ورة إيطاليا ل���دى اإليطاليين‬ ‫وصورته���ا عند الغرب���اء والمهاجرين‪،‬‬ ‫وربم���ا كان م���ن أه���م ما أثبتت���ه باوال‬ ‫جاندوفلي هو أن «الحلم اإليطالي» حل‬ ‫مح���ل «الحلم األميركي»‪ ،‬ذلك الذي كان‬ ‫يراود كل من كانت الهجرة هدف ًا له‪ ،‬سواء‬ ‫من الشرق أو من الغرب‪ ،‬أي أن إيطاليا‬ ‫أصبحت في مخيل���ة المهاجر إليها‪ ،‬من‬

‫باوال جاندوفلي‪:‬‬ ‫تخيل صورة إيطاليا‬ ‫في رواية الضفتين‬

‫إفريقيا ومن الش���رق األوسط والشرق‬ ‫البعيد‪ ،‬هو األرض الجديدة التي تسمح‬ ‫لهم بتحقيق الحلم‪ ،‬في الوقت الذي يرى‬ ‫فيه اإليطاليون المهاجرين شرًا البد من‬ ‫التخلص منه‪ ،‬ويجهلون ثقافات هؤالء‬ ‫المهاجرين‪ ،‬ولهذا يعادونها «فاإلنس���ان‬ ‫عدو ما يجه���ل»‪ ،‬رغم احتياجهم الماس‬ ‫للمهاجرين‪ ،‬ليس فقط على المس���توى‬ ‫االقتصادي والديموغرافي‪ ،‬وإنما أيض ًا‬ ‫على المستوى الحضاري والثقافي‪.‬‬ ‫الورشة الدولية التي استكشفت دور‬ ‫الص���ورة في توجيه حرك���ة المهاجرين‬ ‫وصل���ت إل���ى نتائج كثي���رة‪ ،‬يبدو من‬ ‫الظاهر أنها متناقضة‪ ،‬فالهجرة مقبولة‬ ‫ومرح���ب به���ا‪ ،‬وهي في الوقت نفس���ه‬ ‫مرفوض���ة و«ع���ار» عل���ى الضفتي���ن‪،‬‬ ‫والص���ورة الذهنية في المخيلة العربية‬ ‫ع���ن إيطاليا هي صورة أرض األحالم‪،‬‬ ‫وه���ي في الوقت نفس���ه بح���ر الظلمات‬ ‫الذي يبتلع األبن���اء‪ ،‬هي رمز األمل في‬ ‫مس���تقبل متط���ور‪ ،‬وهي أيض��� ًا مكمن‬ ‫الخطر على الهوية‪.‬‬ ‫ولك���ن كما يق���ول الكاتب والش���اعر‬ ‫والمفك���ر اإليطال���ي الس���كندري المولد‬ ‫مارينيت���ي إن هن���اك س���حر غامض ال‬ ‫يمكن تفس���يره يجذبك دائم ًا ألرض ما‪،‬‬ ‫وليس شرط ًا أن تتوافر في هذه األرض‬ ‫الشروط المثالية ألرض األحالم‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫حوار‬

‫إسماعيل عزام ‪ -‬العراق‬

‫د‪.‬عبدالحمي���د األنصاري عميد‬ ‫كلية الشريعة األسبق في جامعة‬ ‫قطر والمفكر والكاتب الثائر على‬ ‫المجتم���ع وأوضاعه‪ ،‬والرافض‬ ‫لكل أش���كال المهادن���ة وأنصاف‬ ‫الحلول‪ ،‬أبى على نفسه أن يكون‬ ‫من بين القاعدين‪ ،‬ومشى وحده‬ ‫في طريق محفوفة باألش���واك‪،‬‬ ‫فأثارالكثي���ر م���ن المع���ارك‬ ‫والعواص���ف‪ ،‬وتلقى المئات من‬ ‫الطعنات واللعنات‬

‫د‪ .‬عبد الحميد األنصاري‬

‫أخشى على الثورات‬ ‫من السرقة‬ ‫حوار‪ :‬د‪ .‬ربيعة الكواري‬ ‫‪52‬‬


‫كان تكفيره من قبل البعض واتهامه‬ ‫بالزندق���ة أم���رًا يؤلمه ويزعج���ه كثيراً‪،‬‬ ‫لكنه ل���م يعبأ به���م ومض���ى وحده في‬ ‫طريقه‪ ،‬حتى أثمرت كلماته وأتت أكلها‪،‬‬ ‫وها هو اليوم ي���رى تحقيق كل ما نادى‬ ‫به من تحرير للمرأة والمجتمع‪ ،‬وخالل‬ ‫ه���ذا الحوار نعرض للعدي���د من القضايا‬ ‫الحساسة والساخنة التي تهم المجتمعين‬ ‫العربي واإلسالمي مع التعرج لألحداث‬ ‫السياسية المعاصرة مثل‪ :‬ثورات الربيع‬ ‫العربي‪ ،‬ومناه���ج التعليم في الخليج‪،‬‬ ‫والتعص���ب الدين���ي وقضاي���ا الم���رأة‪،‬‬ ‫وثقافة الكراهية والتخوين‪ ،‬ورده على‬ ‫اتهامه من قبل البعض بالتكفير‪.‬‬

‫§ يتهم���ك البعض بأنك ليبرالي‬ ‫ومتحرر إل���ى أقصى الح���دود بينما‬ ‫تعي���ش ف���ي مجتم���ع محاف���ظ قد ال‬ ‫يتقبل الثورة على األعراف والتقاليد‬ ‫اإلسالمية ؟‬

‫ اس���مح لي في أن أتف���ق معك في‬‫إني ليبرالي وأختل���ف معك في (أقصى‬ ‫الح���دود)‪ ،‬لنقل إني ليبرالي إس�ل�امي‪،‬‬ ‫علم��� ًا ب���أن الليبرالية ليس���ت تهمة فهي‬ ‫تعني قب���ول اآلخ���ر واحت���رام وجهات‬ ‫نظ���ره وع���دم تخوين���ه أو تكفي���ره أو‬ ‫تجريح���ه‪ ،‬أما أني في مجتمع محافظ ال‬ ‫يتقبل الثورة على التقاليد‪ ،‬فهذا صحيح‬ ‫(نس���بياً) أي أنه كان ف���ي الماضي هكذا‬ ‫تغير كثيرًا وأصبح متس���امح ًا مع‬ ‫لكنه ّ‬ ‫اآلراء النقدية‪ ،‬على أن من شأن المثقف‬ ‫أن ال يهاب ال���رأي العام وإال لما تغيرت‬ ‫المجتمع���ات‪ ،‬ألن المثق���ف الحقيقي أو‬ ‫المصل���ح أو الداعية‪ ،‬هو ذلك اإلنس���ان‬ ‫ال���ذي يظل على خالف دائم مع مجتمعه‬ ‫استشراف ًا لمس���تقبل أفضل‪ ،‬فإذا خضع‬ ‫لس���لطان الرأي العام ‪ -‬تملق��� ًا أو خوف ًا‬ ‫انتف���ت عن���ه صف���ة المثق���ف‪ ،‬فالمثقف‬ ‫موقف وليس مجموعة من المعارف التي‬ ‫يحشوا بها رأسه‪ ،‬والمثقف الحقيقي هو‬ ‫ال عن تأثيرات السلطة‬ ‫الذي يفكر مس���تق ً‬ ‫وع���ن غرائز الجماهير ف���ي الوقت ذاته‪.‬‬ ‫ويبقى أن أعترف أني ش���خصية مثيرة‬ ‫للجدل ولكن من أجل أن يتطور المجتمع‬ ‫إلى األفضل‪.‬‬

‫عندما أيدت تحرير‬ ‫العراق من حاكمه‬ ‫المستبد ولو على‬ ‫يد األميركيين فذلك‬ ‫أيض ًا كان مطلب‬ ‫أغلبية العراقيين‬ ‫§ هن���اك اته���ام من آخري���ن بأنك‬ ‫تخ���دم األجندة الغربي���ة فكيف ترد على‬ ‫هؤالء ؟‬ ‫ هؤالء معذورون ألنهم سمعوا أقوا ًال‬‫مرس���لة ال س���ند لها‪ ،‬ولو أنهم عرفوني‬ ‫عن قرب واطلع���وا على ما كتبت لغيّروا‬ ‫نظرتهم‪ ،‬ه���ؤالء الذين ظنوا بأني أخدم‬ ‫األجندة الغربية التبس عليهم األمر عندما‬ ‫أيّ���دت تطوير المناهج الدينية والخطاب‬ ‫الدين���ي لينفتح عل���ى البعد اإلنس���اني‬ ‫والثقاف���ة المعاصرة‪ ،‬فقال���وا إنه يؤيد‬ ‫الدعوة األميركية لتغيير المناهج مع أن‬ ‫منطلقاتي وطنية وتربوية ومستقبلية‪،‬‬ ‫وعندما أيدت تحري���ر العراق من حاكمه‬ ‫المس���تبد ولو على ي���د األميركيين فذلك‬ ‫أيض��� ًا مطل���ب أغلبي���ة العراقيي���ن‪ ،‬وال‬ ‫يمك���ن أن نتهمهم ف���ي وطنيتهم وعندما‬ ‫طالب���ت بحق���وق الم���رأة كامل���ة‪ ،‬فذلك‬ ‫أيض ًا م���ن منطلق ش���رعي صحيح وال‬ ‫عالقة له بالمطال���ب الغربية‪ ،‬وهكذا في‬ ‫بقية القضايا التي كانت صادمة للثقافة‬ ‫السائدة في المجتمع القطري‪ ،‬وأتصور‬ ‫أن الزم���ن كفي���ل بتجاوز ه���ذه النظرة‬ ‫السلبية‪.‬‬ ‫§ كثي���رًا م���ا تهاج���م الح���ركات‬ ‫اإلس�ل�امية ألهداف لم يفهمها الكثير من‬ ‫الناس بعد‪ ،‬فماذا تريد بالضبط ؟‬ ‫ أن���ا ال أهاج���م الحركات ب���ل أنتقد‬‫خطاب ه���ذه الحركات ومس���لكياتها في‬ ‫توظي���ف الدين في الصراع السياس���ي‪،‬‬ ‫وأرى في هذا الخط���اب بعدًا عن تعاليم‬ ‫الدين بالدعوة بالحسنى وبالمنطق (ادع‬ ‫إلى س���بيل رب���ك بالحكم���ة والموعظة‬ ‫الحس���نة وجادله���م بالتي هو أحس���ن)‬

‫الخطاب العام لمعظم الحركات السياسية‬ ‫اإلسالمية خطاب تعبئة وتحريض ضد‬ ‫األنظمة القائمة وضد الغرب‪ ،‬خطاب يمأل‬ ‫نفسية الش���باب بكراهية اآلخر‪ ،‬خطاب‬ ‫يهدم وال يبن���ي‪ ،‬خطاب غاضب يتالعب‬ ‫بعواطف الش���اب المسلم وقد يدفعه إلى‬ ‫مزالق اله�ل�اك واإلض���رار بالنفس‪ ،‬أنا‬ ‫أنتقد هذا الخطاب م���ن منطلق إني أريد‬ ‫خطاب��� ًا ديني ًا يحب���ب ش���بابنا بالحياة‬ ‫واإلنت���اج والعم���ل والتعليم والكش���ف‬ ‫واالبتكار واإلبداع والمنافسة في ميادين‬ ‫التنمية من أج���ل نهضة األمة ال من أجل‬ ‫التس���ابق إلى ميادين الهالك بحجة أنه‬ ‫جهاد‪ ،‬أنا ال ارى في ذلك جهادًا بل إتالف ًا‬ ‫للنفس في غير طائ���ل‪ ،‬الجهاد الحقيقي‬ ‫جهاد التنمية واإلنتاج والصناعة وبناء‬ ‫الق���وة الذاتي���ة‪ ،‬الجه���اد الحقيق���ي هو‬ ‫ف���ي إعمار األرض ال ف���ي أهالك الحرث‬ ‫والنس���ل‪ ،‬الجهاد الحقيق���ي هو(الجهاد‬ ‫الحض���اري) ال (االنتح���ار الحض���اري)‪.‬‬ ‫كما أنتقد مس���لكيات هذه الحركات ألنها‬ ‫تسعى للتوظيف (النفعي) أو االنتهازي‬ ‫للدي���ن وبه���دف الوصول إلى الس���لطة‬ ‫عبر اس���تخدام العنف ال عبر األس���لوب‬ ‫الديموقراطي‪ ،‬وألن معظم هذه الحركات‬ ‫أو الجماع���ات تمثل مش���اريع (تفكيكية)‬ ‫للدول���ة الوطنية المعاص���رة‪ ،‬هدف كل‬ ‫حركة سياسية إس�ل�امية تكوين إمارة‬ ‫إسالمية تطبق فيها الشريعة اإلسالمية‬ ‫بمفهومه���ا الضيق‪ ،‬وذل���ك بغض النظر‬ ‫عن أن تكوين هذه اإلم���ارة الدينية فيها‬ ‫تهديد لوحدة الدولة وهدم لسيادتها‪ ،‬ثم‬ ‫إن هذه الحركات له���ا والء عابر للحدود‬ ‫الوطنية إلى أيديولوجية شمولية حالمة‬ ‫باس���تعادة (الخالفة) اإلس�ل�امية‪ ،‬وهو‬ ‫حلم مس���تحيل تطبيقه ف���ي ظل موازين‬ ‫القوى الدولية‪.‬‬ ‫§ ه���ل نح���ن بحاج���ة لمصطل���ح‬ ‫«الح���وار بين األديان» رغ���م عدم اتفاق‬ ‫البعض على ضرورة هذا التحاور ومنهم‬ ‫الش���يخ القرضاوي الذي يرفض الحوار‬ ‫مع اليهود بشكل خاص؟‬ ‫لح ليس بين‬ ‫ ثقافة الحوار مطلب ُم ّ‬‫األديان فحس���ب بل بين أبن���اء المجتمع‬ ‫‪53‬‬


‫الواح���د بكاف���ة طوائف���ه وأطيافه‪ ،‬لكن‬ ‫ثقاف���ة الحوار ال تعني مجرد إبداء وجهة‬ ‫نظ���ري‪ ،‬وال تعني أن أداف���ع عن ديني‬ ‫ومعتق���دي المذهبي والسياس���ي‪ ،‬كما ال‬ ‫تعني أن أح���اول االنتصار على خصمي‬ ‫ورد ش���بهاته وإفحام���ه لنص���رة رأيي‬ ‫ّ‬ ‫ومذهب���ي وبيان أني على حق وخصمي‬ ‫عل���ى باطل‪ ،‬هذا ليس ح���وارًا منتج ًا بل‬ ‫يؤدي إلى ما يس���مى (حوار الطرشان)‪.‬‬ ‫إن(ثقاف���ة الحوار) تعني قبول اآلخر كما‬ ‫هو علي���ه ال كما أريده أنا‪ ،‬وليس معنى‬ ‫أن أقب���ل اآلخر كما هو عليه أني أعترف‬ ‫بصح���ة معتق���ده أو رأيه‪ ،‬ولك���ن أقبله‬ ‫أخ ًا في اإلنس���انية له كافة الحقوق التي‬ ‫لي‪ ،‬فال أحج���ب رأيه وال أصادر حريته‬ ‫وال أم���ارس تمييزًا ضده وال أجرحه وال‬ ‫أكفره وال أخون���ه‪ ،‬كما ال أملك صكوك‬ ‫الجن���ة والنار فتلك بيد اهلل تعالى يفصل‬ ‫بين الناس يوم القيامة‪.‬‬ ‫وأحت���رم وجهة الش���يخ القرضاوي‬ ‫في عدم قبول���ه المحاورة م���ع اليهود‪،‬‬ ‫لكننا نخالفه ون���رى أن الحوار ضرورة‬ ‫حتى م���ع العدو الغاصب‪ ،‬رفض الحوار‬ ‫موق���ف إقصائي ال نرتضي���ه مهما كانت‬ ‫المبررات‪.‬‬ ‫أخال���ف الش���يخ القرض���اوي ف���ي‬ ‫آرائه السياس���ية فقط فأنا ضد مقاطعة‬ ‫البضائع األميركية وضد ش���حن الناس‬ ‫بكراهية الحضارة الغربية وضد نظريات‬ ‫المؤامرة وال أؤمن بش���يء اسمه (الغزو‬ ‫الثقاف���ي) ومخططات الغرب للس���يطرة‬ ‫عل���ى العال���م اإلس�ل�امي وأعتق���د أن‬ ‫(بروتوك���والت حكماء صهيون) خرافة‪،‬‬ ‫كما أنني أس���تنكر توظيف منابر بيوت‬ ‫اهلل لف���رض آراء سياس���ية خالفية‪ ،‬أنا‬ ‫مؤمن تمام ًا ويقين ًا أن اإلسالم دين ُيعنى‬ ‫بقضاي���ا المس���لمين (وم���ن ال يهتم بأمر‬ ‫المسلمين فليس منهم) ولكن ليس معنى‬ ‫ذلك أن اس���تغل منصبي كخطيب جمعة‬ ‫ألروج آلراء سياس���ية ه���ي محل خالف‬ ‫ّ‬ ‫بين المس���لمين‪ ،‬المسجد لنش���ر الهداية‬ ‫والتس���امح والقيم المش���تركة والقضايا‬ ‫المتفق عليه���ا مثل العدال���ة والنهي عن‬ ‫الظلم واالس���تبداد إلخ‪ .‬ولك���ن تحويل‬ ‫منبر المسجد إلى منبر حزبي خالفي هو‬ ‫‪54‬‬

‫انتهاك عظيم لقدس���ية المحراب الديني‬ ‫ومخالفة لتوجيهات الرس���ول صلى اهلل‬ ‫عليه وس���لم بإبعاد الخالفات السياسية‬ ‫واأليديولوجية عن المساجد‪ ،‬ولو أبحنا‬ ‫ل���كل خطي���ب أن يوظف المنب���ر لخدمة‬ ‫آرائه السياس���ية‪ ،‬لتحول���ت األمور إلى‬ ‫فوضى !‪.‬‬ ‫§ يع���رف عن���ك رفض���ك لمناهج‬ ‫التعليم ف���ي الخلي���ج‪ ،‬وتطال���ب دائما‬ ‫بتغييره���ا وتهذيبها بما يس���اير النظرة‬ ‫الغربية واألميركية تحديدًا ؟‬ ‫ نع���م أطال���ب بتطوي���ر وتنقي���ح‬‫المناه���ج يما يتف���ق وثقافة التس���امح‬ ‫وقبول اآلخر ونب���ذ الكراهية والنزعات‬ ‫التعصبي���ة‪ ،‬وذل���ك من أجل مس���تقبل‬ ‫أوالدن���ا وبه���دف تحصينه���م وتقوي���ة‬ ‫مناعتهم أم���ام غزو األف���كار المتطرفة‪،‬‬ ‫ولست أنا أول من دعا لتطوير المناهج‪،‬‬ ‫بل ه���م كبار التربويي���ن العرب من قبل‬ ‫ألنهم عانوا كثي���رًا من مخرجات التعليم‬ ‫العربي‪ ،‬إننا نري���د تعليم ًا متصالح ًا مع‬ ‫العصر‪ ،‬يس���اعد على تطوير مجتمعاتنا‬ ‫لعبور فجوة التخلف التي تزداد اتساعاً‪،‬‬ ‫نريد تعليم ًا يقربنا وال يفرقنا‪ ،‬ويسعدنا‬ ‫وال يشقينا‪ ،‬ويحمي أوالدنا ويحببهم في‬ ‫الحياة وال يزرع فيهم الكراهية ويدفعهم‬ ‫للهالك‪.‬‬

‫(ثقافة الحوار) تعني‬ ‫قبول اآلخر كما هو‬ ‫عليه ال كما أريده‬ ‫أنا‪ ،‬وليس معنى‬ ‫أن أقبل اآلخر كما‬ ‫هو عليه أني أعترف‬ ‫بصحة معتقده أو‬ ‫رأيه‪ ،‬ولكن أقبله أخ ًا‬ ‫في اإلنسانية‬

‫§ أن���ت نصي���ر للم���رأة ف���ي كل‬ ‫قضاياها‪ ،‬عل���ى الرغم من وجود بعض‬ ‫النساء ممن يعارضنك الرأي في كتاباتك‬ ‫على طول الخط ؟‬ ‫الم���رأة إنس���ان له���ا كاف���ة الحقوق‬ ‫التي لإلنس���ان وكونها أنثى ليس مبررًا‬ ‫لالنتقاص من آدميتها أو هضم ًا لحقوقها‬ ‫أو اس���تعالء عليها‪ .‬هذا ليس من تعاليم‬ ‫وقيم اإلس�ل�ام‪ ،‬نع���م التقاليد واألعراف‬ ‫جارت على التعاليم وظلمت المرأة على‬ ‫م���ر التاريخ‪ ،‬وواجبنا اليوم وواجب كل‬ ‫صاحب قلم أو منبر أن يدافع عن المرأة‪،‬‬ ‫أن���ا ال أدافع ع���ن المرأة ألنه���ا امرأة بل‬ ‫ألنها إنس���ان يتعرض ألنواع من التمييز‬ ‫والتهميش واالنتق���اص‪ ،‬أدافع عنها كما‬ ‫أدافع عن كافة المظلومين والمهمش���ين‪،‬‬ ‫منطلقي إنس���اني بالدرج���ة األولى‪ ،‬وال‬ ‫ب���أس أن يعارضني بعض النس���اء فهذا‬ ‫حقه���ن‪ ،‬لكن من تجرحن���ي فهي ضحية‬ ‫األعراف والثقاف���ة الموروثة التي زينت‬ ‫لها أن تلك الثقافة هي اإلسالم‪ ،‬وأن الذي‬ ‫يهاجمه���ا يهاجم اإلس�ل�ام‪ ،‬فهي ضحية‬ ‫مخدوعة لما أسميه (الوعي الزائف)‪.‬‬ ‫§ البعض يكفِّ���رك ويتهمك بالردة‬ ‫واإللحاد وخروجك ع���ن المألوف فكيف‬ ‫ترد على هؤالء ؟‬ ‫ تكفي���ر المس���لم من أكب���ر الكبائر‪،‬‬‫ش���ق هؤالء ع���ن ص���دري واطلعوا‬ ‫ّ‬ ‫هل‬ ‫عل���ى مكنونات ف���ؤادي‪ ،‬ال يجوز تكفير‬ ‫من يق���ول‪ :‬ال إل���ه إال اهلل محمد رس���ول‬ ‫َه���م الجو‬ ‫اهلل‪ ،‬ولك���ن المكفّري���ن َخ�ل�ا لُ‬ ‫فباضوا وصفروا‪ ،‬ونحن ال نملك سلطة‬ ‫مقاضاتهم‪ ،‬ومن هنا فإنهم يستس���هلون‬ ‫تكفي���ر المخالفين لهم في رأي سياس���ي‬ ‫أو اجتهاد فقهي‪ ،‬علم ًا بأن ديننا العظيم‬ ‫هو الدين الوحيد الذي يكافئ على الخطأ‬ ‫في االجتهاد‪ ،‬أئذا اختلفت معهم في رأي‬ ‫فقهي أو قضية اجتماعية تتعلق بالمرأة‪،‬‬ ‫كفروني ؟!‪ .‬التكفير عجز عن بيان الحجة‬ ‫ّ‬ ‫ضره���م إذا اختلفت‬ ‫وإف�ل�اس فكري‪ ،‬ما ّ‬ ‫علي باألحس���ن فلعلي‬ ‫معه���م أن ي���ردوا ّ‬ ‫أقتن���ع بحججهم ؟ لماذا التجريح وفرض‬ ‫الوصاية عل���ى اآلخرين ؟ لماذا ال يثقون‬ ‫في آرائه���م ويخاف���ون أن يقتنع الناس‬


‫بآراء المخالفين؟ قال اهلل تعالى لرسوله‬ ‫الكري���م «إنم���ا عليك البالغ» والرس���ول‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم لم يفرض وصايته‬ ‫على أح���د‪ ،‬التكفير نوع من االس���تعالء‬ ‫يرى صاحبه أنه صاحب السلطة الدينية‬ ‫عل���ى الناس‪ ،‬وال عالج له���ذا المرض إال‬ ‫بتشريع يبيح محاسبة المكفِّرين‪.‬‬ ‫§ كي���ف تنظ���ر للث���ورات العربية‬ ‫الت���ي انطلقت من تون���س ومصر وليبيا‬ ‫واليمن؟‬ ‫ االس���تبداد وقرينه الفس���اد آفتان‬‫حاكمت���ان في الحي���اة العربية منذ قرون‬ ‫طويلة ب���ل منذ تحول الحكم اإلس�ل�امي‬ ‫من نظام الخالفة في عهد الراش���دين إلى‬ ‫الملك العضوض في عهد األمويين‬ ‫نظام ُ‬ ‫وما تاله إلى يومنا هذا‪ ،‬الثورات العربية‬ ‫بداي���ة انطالق���ة جدي���دة وح���رة لألم���ة‬ ‫العربي���ة‪ ،‬وكل دع���اة الحري���ة والعدالة‬ ‫وحقوق اإلنس���ان يدعمونها ويأملون أن‬ ‫تحقق أهدافها ف���ي الحياة الحرة الكريمة‬ ‫لإلنسان بعد طول إذالل واستعباد‪ ،‬لكن‬ ‫هناك محاذير ومخاوف كثيرة في طريق‬ ‫الثورات العربية‪ ،‬لعل أبرزها‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬انش���غال هذه الثورات بتصفية‬ ‫رموز العهد الس���ابق ومحاكمتهم وطمس‬ ‫كل اإلنج���ازات الس���ابقة وإقصاء كل من‬ ‫عمل أو أيد أو وقف مع النظام الس���ابق‪،‬‬ ‫توج���ه انتقامي‪ ،‬عدم���ي‪ ،‬ثأري‪،‬‬ ‫وه���ذا ُّ‬ ‫ماضوي‪ ،‬يستنزف الجهود والطاقات عن‬ ‫التفكير والتخطيط للمس���تقبل‪ ،‬يجب أن‬ ‫تنشغل الثورة بالبناء واإلنتاج والتنمية‪،‬‬ ‫وتترك الماضي لحكم التاريخ‪.‬‬ ‫وثاني المخ���اوف ‪ :‬خطف الثورة أو‬ ‫سرقتها من قبل الجماعات األيديولوجية‬ ‫المنظمة أو من قبل الزعماء الش���عبويين‬ ‫الذين يحس���نون الخط���اب‪ ،‬ويتالعبون‬ ‫بالعواط���ف‪ ،‬تل���ك الجماع���ات وهؤالء‬ ‫تحولوا‬ ‫الزعماء إذا وصلوا إلى الس���لطة ّ‬ ‫إلى فراعنة جدد‪.‬‬ ‫وثالث المحاذير‪ :‬أن ش���باب الثورات‬ ‫الجدي���دة ال يؤمنون بثقافة الحوار بدليل‬ ‫نش���اطهم فيم���ا س���موه بقوائ���م العار‪،‬‬ ‫ومقاطعتهم لن���دوات الحوار الوطني في‬ ‫مص���ر بحج���ة اعتراضهم على مش���اركة‬

‫أستنكر توظيف‬ ‫منابر بيوت اهلل‬ ‫لفرض آراء سياسية‬ ‫خالفية‪ ،‬أنا مؤمن‬ ‫تمام ًا ويقين ًا أن‬ ‫اإلسالم دين يُعنى‬ ‫بقضايا المسلمين‬ ‫(ومن ال يهتم بأمر‬ ‫المسلمين فليس‬ ‫منهم)‬ ‫بعض الش���خصيات ف���ي الحزب الوطني‬ ‫المنحل‪ ،‬وهذا موقف إقصائي ال يس���اعد‬ ‫على ترس���يخ ثقاف���ة الديموقراطية في‬ ‫التربة المجتمعية‪.‬‬ ‫ورابع���اً‪ :‬نحن نعلم أن البناء أصعب‬ ‫بكثير من الهدم ‪ -‬لذلك على شباب الثورة‬ ‫عدم االنخداع بالش���خصيات التي تحسن‬ ‫التملّق والتزلّف بل عليهم اختيار الكفاءة‬ ‫بر األمان‬ ‫القادرة على قي���ادة الدولة إلى ّ‬ ‫بغض النظر عن رأيهم فيها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وخامساً‪ :‬نعم لقد سقط جدار الخوف‬ ‫وأثبتت الثورات الشعبية أنها قادرة على‬ ‫التغيير مصداق ًا لقول���ه تعالى «إن اهلل ال‬ ‫يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفس���هم»‬ ‫فمن غير المقبول تعطيل اإلنتاج والعمل‬ ‫واس���تمرار نزيف الخس���ائر واس���تمرار‬ ‫التظاه���رات واالعتصامات بحجة وجود‬ ‫«الث���ورة المض���ادة» و«فل���ول النظ���ام»‬ ‫و«البلطجي���ة»‪ .‬المطل���وب اليوم التوجه‬ ‫إل���ى اإلص�ل�اح الحقيق���ي والبن���اء على‬ ‫أسس من الديموقراطية وسيادة القانون‬ ‫والعدال���ة وتأمين ف���رص العمل والحياة‬ ‫الكريم���ة للمواط���ن‪ ،‬المطل���وب تضافر‬ ‫الجه���ود لتعوي���ض الخس���ائر الفادحة‬ ‫وإص�ل�اح االقتص���اد وذلك ل���ن يتحقق‬ ‫إال باالس���تقرار لقد هربت االس���تثمارات‬ ‫وتقلصت السياحة ووصلت الخسائر إلى‬ ‫أكث���ر من ‪ 70‬مليار دوالر خالل ‪ 3‬أش���هر‬ ‫فقط‪ ،‬السياحة المصرية تخسر يومي ًا ‪40‬‬

‫مليون دوالر‪ ،‬المطلوب اليوم سياس���ة‬ ‫رش���يدة تعيد الثقة باالقتصاد المصري‪،‬‬ ‫ولن تعود هذه الثقة إال إذا أدرك المواطن‬ ‫أن «منط���ق الثورة» غير «منطق الدولة»‬ ‫وأن الثورة إذا أسقطت النظام السياسي‬ ‫يج���ب أن تفس���ح المجال الي���وم للدولة‬ ‫لتم���ارس دورها المطلوب‪ ،‬لهذا علينا أن‬ ‫نخشى على مصير الثورة!‪.‬‬ ‫§ م���ا ه���ي المطال���ب الت���ي تتمنى‬ ‫أن تحق���ق النج���اح والتف���وق للمجتمع‬ ‫القطري؟‬ ‫ لقد حققت القيادة السياسية نجاح ًا‬‫خارجي��� ًا مش���هودًا في مج���االت عديدة‪،‬‬ ‫أتمن���ى أن ينعكس ه���ذا النج���اح الكبير‬ ‫على األوضاع الداخلية في تحسين أكبر‬ ‫للخدم���ات وف���ي تطوير أعظ���م للمرافق‬ ‫وفي تجويد نوع���ي للتعليم وفي ارتقاء‬ ‫أعلى للخدمات الصحية وفي تش���ريعات‬ ‫سياس���ية واجتماعي���ة أكث���ر توافق��� ًا‬ ‫وتصالح ًا م���ع منطق ومتغيرات العصر‪.‬‬ ‫أطم���ح ف���ي بني���ة تحتية أفض���ل‪ ،‬وفي‬ ‫بيئ���ة صحية أرقى‪ ،‬وفي مناخ اجتماعي‬ ‫أكث���ر انفتاح��� ًا وتس���امحاً‪ .‬أطمع في أن‬ ‫تكون (المواطنة) هي العملة الرئيس���ية‬ ‫ف���ي الت���داول االجتماعي والسياس���ي ال‬ ‫الهويات واالنتماءات الضيقة إلى الطائفة‬ ‫والقبيل���ة والمذهب‪ .‬أطمح في أن تحظى‬ ‫كاف���ة مكونات المجتم���ع القطري بنفس‬ ‫تكافؤ الف���رص واالمتي���ازات القانونية‬ ‫والدس���تورية عل���ى قدم س���واء‪ .‬أطمح‬ ‫أن نتجاوز الحواج���ز القبلية والطائفية‬ ‫والمذهبية كما تجاوزتها ش���عوب الدول‬ ‫المتقدم���ة‪ .‬أطم���ح ف���ي تحجي���م دع���اة‬ ‫الكراهية والتعصب الذين دفعوا ش���بابنا‬ ‫إلى بؤر التوتر وتسببوا في هالككم‪.‬‬ ‫أطمح في تشريع يتيح مقاضاة الذين‬ ‫يكفِّرون الناس ويشكِّكون في معتقداتهم‬ ‫ويش���وهونهم‪.‬أطمح في خط���اب ديني‬ ‫منفتح عل���ى العصر‪.‬أطمح في تش���ريع‬ ‫لألس���رة متصالح مع العصر‪.‬أطمح في‬ ‫خطاب إعالمي يحبب شبابنا في الحياة‬ ‫ويدفعه���م للتناف���س في ميادي���ن اإلبداع‬ ‫والكشف العلمي والسباق الحضاري بد ًال‬ ‫من إشغالهم بقضايا الماضي‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫التزام‬

‫الطاهر بنجلون‬

‫السلطة‪:‬‬ ‫القيم أو ّ‬ ‫أوباما يخيّب آمالنا‬ ‫الس���ير‬ ‫باراك أوباما يريد مدة انتخابية ثانية‪ .‬يريد ّ‬ ‫حق‬ ‫عل���ى خطى كلينت���ون وجورج بوش االب���ن‪ .‬هذا ّ‬ ‫مشروع! ولكن‪ ،‬من أجل الحفاظ على كرسي الرئاسة‬ ‫ال بد من االستجابة لمتطلبات األغلبية‪ .‬كما يجب عليه‬ ‫التن���ازل عن بعض القيم التي س���نحت له بكس���ب ثقة‬ ‫الناخبين في العهدة األولى التاريخية‪.‬‬ ‫الس���هل أن تكون رئيس��� ًا للبل���د األول في‬ ‫ليس من ّ‬ ‫العالم (األول على بعض المس���تويات على األقل)‪ .‬إنه‬ ‫منص���ب يخلق أع���داء أكثر مما يخل���ق أصدقاء‪ .‬يخلق‬ ‫خصوم��� ًا معروفي���ن وأعداء مجهولي���ن‪ .‬إنه منصب ال‬ ‫يسمح لصاحبه بالعيش مثل بقية الناس‪ .‬حياة جميع‬ ‫رؤس���اء الواليات المتحدة األميركي���ة كانت في خطر‪.‬‬ ‫يحصل أحيان ًا أن يفاجئ معتوه وسط الحشود الرئيس‬ ‫ويطلق عليه النار‪ .‬ويفش���ل عادة المحققون في كشف‬ ‫هوية المخططين الفعليين لمثل هذه العمليات‪ .‬اغتيال‬ ‫ال م���ا يزال لغ���زاً‪ .‬كل واحد يفترض‬ ‫ج���ون كينيدي مث ً‬ ‫إجاب���ة معينة عليه‪ .‬لم���ا يموت رئي���س يخلفه آخر‪.‬‬ ‫العنف هو سمة متعارف عليها في أميركا‪ .‬تاريخ البلد‬ ‫يثبت ذلك‪ .‬ففي أميركا يوجد أكبر سوق لألسلحة ذات‬ ‫االستعمال الفردي‪ .‬هناك الناس يتسلحون للدفاع عن‬ ‫أنفس���هم‪ .‬للحفاظ على سالمتهم‪ .‬كما أن امتالك سالح‬ ‫في أميركا صار تقليدًا اجتماعياً‪.‬‬ ‫فكر ملي ًا قبل اتخاذ موقف بش���ان‬ ‫أكي���د أن أوبام���ا ّ‬ ‫اإلقرار بدولة فلس���طين‪ .‬من المؤكد أنه تس���اءل‪« :‬ماذا‬ ‫‪56‬‬

‫سأكس���ب من هذه القضية؟ هل تستحق أن أتنازل من‬ ‫تمس ش���عب ًا‬ ‫أجلها عن مدة انتخابية ثانية؟ إنها ّ‬ ‫قضية ّ‬ ‫مش���تت ًا منذ ‪ ،1948‬ش���عب ًا يمكنه مواصلة العيش في‬ ‫المنفى وف���ي مخيمات الالجئي���ن‪ .‬بالتالي ال داعي أن‬ ‫أدير ظهري إلس���رائيل‪ .‬فإس���رائيل ه���ي الدولة التي‬ ‫تمتل���ك لوبي���ات في كل م���كان‪ .‬لو أنني أتخ���ذ موقف ًا‬ ‫معادي ًا لسياستها الكولونيالية فإن اللوبي اإلسرائيلي‬ ‫في أميركا س���يعرقل طموحي في الحفاظ على منصب‬ ‫الرئي���س‪ .‬س���يتهمني البعض بع���دم تنفي���ذ وعودي‬ ‫خصوص ًا لما صرحت في القاهرة‪« :‬الواليات المتحدة‬ ‫ال تقر ببناء المستوطنات االستعمارية»‪ .‬حاولت حينها‬ ‫أن أثني نتانياهو عما يس���عى إليه‪ .‬لكنه يواصل بناء‬ ‫أقر‬ ‫مس���توطنات جديدة‪ .‬كالمي لم يؤثر عليه‪ .‬بالتالي ّ‬ ‫بأن���ه أقوى مني‪ ،‬ومن صالح���ي التراجع‪ .‬لن أتحدث‬ ‫مجددًا عن المس���توطنات‪ .‬وسأذهب بعيدًا وأؤكد أنني‬ ‫ال أريد دولة فلسطينية في هيئة األمم المتحدة‪ .‬أميركا‬ ‫حق الفيتو وته���دد الفلس���طينيين بوقف‬ ‫ستس���تخدم ّ‬ ‫المساعدات المادية‪ .‬من المستحب نيل رضا إسرائيل‪.‬‬ ‫سأدعم جيش الس���احل بالسالح‪ .‬وس���تقوم هيالري‬ ‫لحث األم���م المتحدة على رفض طلب‬ ‫كلينت���ون بعملها ّ‬ ‫االعت���راف بدولة فلس���طين‪ .‬وإن ح���دث العكس فإننا‬ ‫سنسحب من هذه الهيئة التي فقدت صالحيتها‪ .‬هذا ما‬ ‫والسلطة»‪.‬‬ ‫أفكر فيه لما أكون ّ‬ ‫مخيرًا بين القيم ّ‬ ‫حسابات أوباما خاطئة‪ .‬االستسالم لمنطق إسرائيل‬


‫والتنازل عن احترام القيم اإلنسانية يكشف عن ضعفه‬ ‫وع���ن خيبة أملن���ا فيه‪ .‬أصدق���اؤه س���يتخلون عنه‪.‬‬ ‫رئي���س ضعيف لن يس���تطيع ترؤس أمي���ركا مرتين‪.‬‬ ‫الرؤس���اء الكبار نتعرف عليهم لما يكشفون قوتهم في‬ ‫اللحظ���ات الصعبة‪ .‬أوباما باع كل ش���يء ويعتقد أنه‬ ‫س���يفوز في االنتخابات‪ .‬ليس ل���دي نصائح ألوجهها‬ ‫الظن أننا نتق���دم في الوقت الذي‬ ‫ل���ه‪ .‬ولكن من الخطأ ّ‬ ‫نتراجع فيه خطوات إلى الوراء‪ .‬ربما س���تكون وجهة‬ ‫نظري مخطئة‪ ،‬لكنه لن ينتخب لعهدة رئاسية ثانية‪.‬‬ ‫وذلك ليس بس���بب سياس���ته االجتماعية‪ ،‬وال بسبب‬ ‫األزمة المالية‪ ،‬ولكنه ل���ن يبقى في الحكم ألن اللوبي‬ ‫اإلس���رائيلي بحاج���ة لرئي���س أميرك���ي يتعامل معه‬ ‫مرة بمكانة إس���رائيل في‬ ‫بليونة أكثر دون تذكيره كل ّ‬ ‫المنطقة‪ .‬حدث أن ب���ان نتانياهو مغرورًا في التعامل‬ ‫مع أوباما‪ .‬هذا األخير شعر بإحراج وفضل الذهاب مع‬ ‫زوجته لتناول العش���اء‪ .‬في اليوم الموالي مباش���رة‪،‬‬ ‫قررت الحكومة اإلس���رائيلية بناء ‪ 1600‬وحدة سكنية‬ ‫في قطاع محتل‪ .‬أوباما فهم كيف تتم معاملة رؤس���اء‬ ‫يريدون إنصاف شعب بال أرض‪ .‬شعب مظلوم‪.‬‬ ‫الس���لطة‬ ‫الّتضحي���ة بالقي���م من أج���ل الحفاظ على ّ‬ ‫تعتبر خطأ‪ .‬ففي الوقت الذي يعيش فيه العالم العربي‬ ‫ربيع��� ًا يمتد إل���ى ما وراء الحدود‪ .‬وفي وقت تكتس���ح‬ ‫فيه الش���عوب الش���وارع في مواجهة الجيوش بصدور‬ ‫عارية‪ ،‬قرر أوباما أن يغمض عينيه ويستسلم إلرادة‬ ‫إس���رائيل‪ .‬مع أن���ه يدرك أن ه���ذه الدول���ة ال تحترم‬ ‫المواثيق الدولي���ة‪ ،‬وتتظاهر بالتفاوض من أجل ربح‬ ‫الوقت وتكريس الوضع الراهن‪ :‬من لقاء مدريد ‪،1991‬‬ ‫اتفاقيات أوس���لو ‪ ،1993‬اجتم���اع كامب ديفيد ‪2000‬‬ ‫إل���ى ندوة أنابوليس ‪ ،2007‬أبان الفلس���طينيون عن‬ ‫نوايا حسنة‪ .‬لكن إسرائيل تواصل اللجوء إلى العنف‬ ‫الس���لم‪ ،‬رافضة مجاورة دولة فلس���طينية‪ .‬يبقى‬ ‫بدل ّ‬ ‫ف���ي األخير أمل‪ ،‬ربما فكر فيه أوبام���ا‪ ،‬هو أمل رؤية‬ ‫شعب إسرائيل يخرج إلى الشارع مطالب ًا بإقامة سالم‬ ‫يهمه أكثر مما يهم الساس���ة‪ .‬فقد تح���دث البعض قبل‬ ‫عبر أكثر من‬ ‫فترة قصيرة عن «ربيع إس���رائيلي» حين ّ‬ ‫أربعمئة ألف مواطن عن رفضه للسياس���ة االجتماعية‬ ‫لحكومة أقصى اليمين‪.‬‬ ‫خيبت آمالنا‬ ‫في األخير‪ ،‬نقول للس���يد أوباما‪ :‬لق���د ّ‬ ‫وضيعت فرصة تاريخية على نفسك‪.‬‬ ‫فيك‪،‬‬ ‫ّ‬

‫في العدد القادم‬

‫امرأة من‬ ‫الضفة األخرى‬

‫قصة‪ :‬محمد البساطي‬

‫السينات‬

‫شعر‪ :‬بوزيد حرز اهلل‬

‫وقت للرحيل‬

‫قصة للتركي‬ ‫بهاء الدين أوزكشي‬

‫‪57‬‬


‫رحلة‬

‫‪ - van Gogh‬هولندا‬

‫ّتينية المفتوحة على العالم في مواجهة المدن‬ ‫سري يشّدك إلى المدن الال ّ‬ ‫هناك رابط ما‪ ،‬رابط ّ‬ ‫األنكلوسكسونية ومدن الشمال الّداكنة والمغلقة تمام ًا كغاباته‪ ..‬أستثني فيينا وأمستردام‬ ‫ّ‬ ‫السعيد وكأنهما مدينتان متوسطيتان زرعتا في الشمال‪..‬‬ ‫إشراقهما‬ ‫في‬ ‫لي‬ ‫اللتين تبدوان‬ ‫ّ‬ ‫األلماني‪ ،‬وأمستردام‬ ‫فيينا التي تنتمي للعالم الجرماني ولكن بدون تلك الرزانة‪ ‬وذاك الجّد‬ ‫ّ‬ ‫التي هي فينيسيا الشمال برسوم عصر نهضتها التي تلقاها في الرايكس موزيوم‪ ،‬وقنواتها‬ ‫الراقصة في المياه وقواربها الزاهية‪..‬‬ ‫التي ال تنتهي‪ ،‬وبنايات شوارعها ّ‬

‫آرل‪ :‬مدينة الماء والريح‬ ‫خالد النجار‬ ‫‪58‬‬


‫أول زي���ارة له���ا وكنت‬ ‫أذك���ر‪ ،‬ف���ي ّ‬ ‫ال أس���مر ف���ي ش���رفة بالدور‬ ‫جالس��� ًا لي ً‬ ‫الثان���ي أو الثالث مع بع���ض األصدقاء‪،‬‬ ‫فإذا بي ألمح فجأة باخرة تدخل المدينة‪،‬‬ ‫تمر م���ن أمامنا عب���ر البناي���ات‪ ،‬باخرة‬ ‫ّ‬ ‫بيضاء كبي���رة بأبراجها وصفوف كواها‬ ‫تمر صامتة هادئة‬ ‫المستقيمة المضيئة؛ ّ‬ ‫الهولندي البعيد‪،‬‬ ‫تحت نجوم ذل���ك الليل‬ ‫ّ‬ ‫عجائبياً‪،‬‬ ‫كأنها تمخر الشارع؛ بدا المشهد‬ ‫ّ‬ ‫مشهد مس���رحي‪ ،‬فنحن في ظالم الشرفة‬ ‫الرك���ح المضاء‪..‬‬ ‫تمر ف���وق ّ‬ ‫والباخ���رة ّ‬ ‫ث���م‪ ،‬وبلمح���ة بصر‪ ،‬أحسس���ت أنّي في‬ ‫ّ‬ ‫بحري���ة‪ ..‬أو‪ ،‬كأننّي داخل بطاقة‬ ‫مدينة‬ ‫ّ‬ ‫بريد باألبيض واألسود ألحد المصورين‬ ‫الفوتوغرافيي���ن‪ ..‬يا إله���ي كيف يرتقي‬ ‫فني���اً؟ أجل‪ ،‬الواقع‬ ‫الواق���ع ليصير عم ً‬ ‫ال ّ‬ ‫أيض��� ًا مث���ل العم���ل الفنّي ه���و حقيقي‬ ‫وغي���ر حقيقي ف���ي اآلن‪..‬آه‪ ،‬لق���د فقدنا‬ ‫بكارة النظر للعالم مباشرة واإلحساس‬ ‫بحضوره المباشر في النّفس‪ ،‬صار الفن‬ ‫من فوتوغرافيا ورس���م وسينما ورواية‬ ‫يكيف نظرتنا‪،‬‬ ‫يقف بينن���ا وبين العالم‪ّ ،‬‬ ‫باختص���ار صرنا ن���رى العالم من خالل‬ ‫الفني���ة التي يكتظ به���ا وعينا‬ ‫األعم���ال ّ‬ ‫واللغوية‪،‬‬ ‫المرئية‬ ‫وتحتش���د بها ذاكرتنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فنياً‪ ..‬وم���ن يومها‬ ‫ص���ار العال���م‬ ‫ً‬ ‫عم�ل�ا ّ‬ ‫ارتبط���ت أمس���تردام في ذهن���ي بالبحر‬ ‫المتوسط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫س���ري يش���ّدك إلى المدن‬ ‫ثمة رابط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جدلية صالبة‬ ‫تحكمه���ا‬ ‫الت���ي‬ ‫���ة‬ ‫ّتيني‬ ‫ّ‬ ‫الال ّ‬ ‫الحجر‪ ‬وليونة األض���واء؛ وهي‪ ،‬ال فرق‬ ‫نهرية‬ ‫بينها كبير إن كانت مدن ًا‬ ‫داخلية أو ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل المدن التي مررت بها‬ ‫أو على البحر‪ّ ..‬‬ ‫م���ن روما إلى فيتاربو‪ ،‬إلى ميالنو‪ ،‬إلى‬ ‫مرس���يليا‪ ،‬إلى أفينيون‪ ،‬إلى أوكسيير‪،‬‬ ‫إلى ليون‪ ،‬إلى باري���س‪ ،‬إلى مدريد إلى‬ ‫ثمة قاسم يجمع‬ ‫سلمنكة إلى برشلونة‪ّ ،‬‬ ‫ّتينية وهو احتفاؤها‬ ‫بين هذه الم���دن الال ّ‬ ‫بالحجر وتل���ك العم���ارة المنفتحة على‬ ‫العالم الخارجي‪ ،‬على أضواء الس���ماء‪..‬‬ ‫وأنت ما تزال تحتفظ في ذاكرتك وروحك‬ ‫���طية‬ ‫ومانية‬ ‫المتوس ّ‬ ‫الر ّ‬ ‫ّ‬ ‫بتلك األض���واء ّ‬ ‫البرتقالي���ة‬ ‫الناعم���ة‪ ،‬أض���واء المس���اء‬ ‫ّ‬ ‫والحمراء القانية منعكس���ة على صفحة‬ ‫الرمادية قبل الغروب‬ ‫نهر السين الزرقاء‬ ‫ّ‬

‫ثمة رابط سرّي‬ ‫ّ‬ ‫يش ّدك إلى المدن‬ ‫الالّتينيّة التي‬ ‫تحكمها جدليّة‬ ‫صالبة الحجر‪ ‬وليونة‬ ‫األضواء‬ ‫في حي الش���اتلي‪ ،‬أو فوق زجاج نوافذ‬ ‫الح���ي الالّتيني أواخ���ر الربيع إذ يطول‬ ‫ّ‬ ‫النه���ار حس���ب التوقيت الصيف���ي وتقفر‬ ‫الش���وارع‪ ،‬هي أض���واء س���لمنكة على‬ ‫نه���ر التورميس‪ ،‬أض���واء آرل على نهر‬ ‫الرون المنس���اب في البكور أو العش���ايا‬ ‫ّ‬ ‫وأنت تتطل���ع إليه خالل أش���جار الدلب‬ ‫واألوكاليبتوس الكبيرة من س���طح بيت‬ ‫غابي ‪.‬‬ ‫س���ري يشّدك إلى‬ ‫رابط‬ ‫هناك‬ ‫أجل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الم���دن الالّتينية الصاخب���ة‪ ،‬تلك المدن‬ ‫الحسية‪ ،‬السعيدة مشاهد‬ ‫الديونيزوسية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العامة في الش���وارع‬ ‫المراقص والحفالت ّ‬ ‫والس���احات وأكشاك الموس���يقى‪ ،‬التي‬ ‫ال تخلو منها مدينة فرنس���ية‪ ..‬وفترينات‬ ‫جاجي���ة المض���اءة في مدن‬ ‫المخ���ازن ّ‬ ‫الز ّ‬ ‫أوروب���ا والناس الهائم���ة على األرصفة‬ ‫وف���ي حدائ���ق التويل���ري كم���ا نراه���م‬ ‫ف���ي فوتوغرافي���ا آخ���ر القرن التاس���ع‬ ‫عش���ر بقبعاته���م ومطرياتهم الس���وداء‬ ‫أو ف���ي حديق���ة الليكس���مبورغ‪ ..‬رجال‬ ‫ونس���اء يدورون ف���رادى أو مع أطفالهم‬ ‫وحيواناتهم األليفة‪ ..‬تلك المشاهد التي‬ ‫رس���امو آخ���ر القرن التاس���ع‬ ‫صوره���ا ّ‬ ‫عش���ر من التعبيريين‪ :‬مشاهد مونمارتر‬ ‫وكورني���ش مدين���ة ني���س‪ :‬رون���وار‪،‬‬ ‫وماني‪ ،‬ومون���ي‪ ،‬وبرنار دوفي وإدغار‬ ‫ديغ���ا بحس���ية رس���ومه التي تحتش���د‬ ‫بالخي���ول وراقصات البالي���ه‪ ..‬وموانئ‬ ‫س���يزلي التي تكت���ظ بالق���وارب فتبدو‬ ‫الص���واري‪ ..‬مش���اهد الناس‬ ‫غاب���ة م���ن ّ‬ ‫في الش���وارع الصاخبة‪ ،‬وف���ي المقاهي‬ ‫الضاجة باألصوات‬ ‫والمشارب والبارات‬ ‫ّ‬ ‫والدخان المرتفع‪ ..‬نفس األماكن صورها‬ ‫وفي نف���س الحقبة تقريب��� ًا رافع رفاعة‬

‫الطهطاوي في كتابه الديوان النّفيس أو‬ ‫تخليص اإلبريز ف���ي تلخيص باريز وبدا‬ ‫ش���اذًا‬ ‫له‪ ،‬ه���و اإلمام األزهري المتحفّظ‬ ‫ّ‬ ‫اج في‬ ‫الض‬ ‫ذاك الطبع الفرنسي المنفعل‪ّ ّ ،‬‬ ‫المقاهي والمشارب‪ ،‬ذاك الطبع المتقلب‬ ‫بس���رعة كما الحظ هو م���ن الفرح العارم‬ ‫إلى الغض���ب العارم‪ ..‬الش���ارع في هذه‬ ‫المدن نش���يد دينامي من األلوان الزاهية‬ ‫والصخب‪ :‬س���تارات المقاهي وأرصفتها‬ ‫ّ‬ ‫برس���اميها الش���وارعيين وعازف���ي‬ ‫األكوردي���ون والح���واة ومطلقي النيران‬ ‫العامة المبلطة‬ ‫من أفواههم‪ ..‬الس���احات ّ‬ ‫وريثة األغ���ورا ‪ Agora‬اإلغريقية حيث‬ ‫يلجأ الكلوشارات والعشاق إلى الكراسي‬ ‫العام���ة التي غناه���ا جورج براس���انز‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وس���احات الكنائس ‪ Les parvis‬حيث‬ ‫يتلكأ الناس بعد خروجهم من الكنيس���ة‬ ‫ّ‬ ‫أيام اآلحاد‪.‬‬ ‫أن ما يش���ّدك إل���ى مدينة آرل‪،‬‬ ‫بي���د ّ‬ ‫الري���اح ف���ي إقلي���م البروفانس‬ ‫مدين���ة ّ‬ ‫جنوبي فرنسا شيء يتجاوز هذا الرابط‬ ‫الس���ري‪ ،‬فقد عشت فيها فترات كثيرة من‬ ‫ّ‬ ‫حياتك‪ ..‬كان���ت آرل في ذهن���ي قبل أن‬ ‫أزورها مرتبطة بأس���طورة فان خوخ‪،‬‬ ‫كان هناك إحس���اس شاعري يهزني كلما‬ ‫فكرت بأني س���أذهب إليه���ا قريب ًا وأنّي‬ ‫س���أقيم فيها في المركز الدولي للترجمة‬ ‫األدبية‪ ،‬وأنّي سأجول في تلك المغاني‬ ‫التي ج���ال فيها فان خ���وخ‪ ،‬هناك قطع‬ ‫تحبه‪ ،‬هكذا‬ ‫أذنه ليقّدمها هدية المرأة لم ّ‬ ‫تق���ول األس���طورة التي ق���رأت وصّدقت‬ ‫مرة أخرى وضع كفه فوق ش���علة‬ ‫وفي ّ‬ ‫ش���معة وترك لحمه يحترق ليبرهن عن‬ ‫حبه الم���رأة كانت معه في أحدى مقاهي‬ ‫ّيلي الذي رس���مه‪..‬‬ ‫آرل‪ ،‬لعلّه المقهى الل ّ‬ ‫ج���اداً‪ :‬لن أرفع ي���دي عن النار‬ ‫قايضه���ا‬ ‫ّ‬ ‫بحبك‪..‬‬ ‫حتى تبوحين لي ّ‬ ‫فكن���ت آخذ كتاب رس���ائل فان خوخ‬ ‫وهو عمل أدبي راق من ّ‬ ‫الرف ألقرأ رسالة‬ ‫أو رس���التين إلى شقيقه ثيو يحدثه فيها‬ ‫ع���ن حياته ف���ي آرل‪ ،‬وفي س���ان ريمي‬ ‫يحّدث���ه ع���ن الفالحي���ن‪ ،‬وع���ن عذاباته‬ ‫وآالمه واضطراباته النفسية‪ ،‬ثم أتوقف‬ ‫عن القراءة ألمضي بعيدًا في أحالم يقظة‬ ‫ال تنته���ي‪ ،‬أغرق في الخي���ال حيث أرى‬ ‫‪59‬‬


‫مشاهد الريف الفرنسي‪ ،‬حياة الفالحين‪،‬‬ ‫الغابات والبحيرات الزرقاء والطواحين‬ ‫والجس���ور عل���ى األنه���ار والرع���اة مع‬ ‫الريفية المتناثرة في‬ ‫قطعانه���م والبيوت‬ ‫ّ‬ ‫الزرقاء بقرميدها األحمر والدخان‬ ‫اآلفاق ّ‬ ‫المتصاعد في البعيد من مداخنها‪.‬‬ ‫محطة القطار وتمضي في‬ ‫تخرج من ّ‬ ‫اتجاه النهر‪ ،‬في اتجاه الجسر الذي هدمته‬ ‫الطائ���رات األميركية في الحرب العالمية‬ ‫الثانية ‪ ،1944‬لم يبق من الجسر سوى‬ ‫بوابتي���ه على الضفّتي���ن‪ ،‬ألمح من بعيد‬ ‫َّ‬ ‫البر‬ ‫في‬ ‫مدخله‬ ‫على‬ ‫الحجريين‬ ‫األس���دين‬ ‫ّ‬ ‫وكأنهما يس���بحان في الس���ماء الزرقاء‪،‬‬ ‫ومن الضفة األخرى تلمح أش���جار الدلب‬ ‫والكالتوس والس���رو والمقب���رة الحديثة‬ ‫خط األف���ق‪ ،‬وبلحظ���ة وأنت تقترب‬ ‫ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫من الميناء النّهري الس���ياحي تلمح تلك‬ ‫النهرية الرابضة على الرصيف‪،‬‬ ‫الباخرة‬ ‫ّ‬ ‫بغرفها المض���اءة باألباجورات ومطعمها‬ ‫كل أولئك المجانين‬ ‫على السطح‪ ..‬تتذكر ّ‬ ‫الت���ي كانت أوروب���ا القرون الوس���طى‬ ‫تتخلص منهم بوضعهم في القوارب‪ ،‬فقد‬ ‫كانت الناس تعتقد أن مياه البحر مطّهرة‬ ‫من الس���حر والجن الذي يسكنهم‪ .‬بيد أن‬ ‫هذه الباخرة النهري���ة ال تحمل مجانين‪،‬‬ ‫هي عبارة عن فندق عائم يحمل س���ياح ًا‬ ‫من ألمانيا وجينيف وصلوا إلى آرل عبر‬ ‫النهرية‪ ..‬وبلحظة تحس بنعمة‬ ‫الخطوط‬ ‫ّ‬ ‫الس���عيد ال���ذي يختلط عليك‬ ‫ذاك الضوء ّ‬ ‫فال ت���دري هل ه���و صاعد م���ن الّداخل‪،‬‬ ‫األثيرية‬ ‫من أعماق���ك‪ ،‬أم هو في األجواء‬ ‫ّ‬ ‫تهز أيك‬ ‫الهينة ّ‬ ‫التي تحيط بك؟‪ :‬الري���ح ّ‬ ‫الرون الذي‬ ‫القصب النابت على حافة نهر ّ‬ ‫ينس���اب في هدوء عميق‪ ،‬هدوء راس���خ‬ ‫ثم انعكاس‬ ‫وقديم مثل س���يالن الزمن‪ّ ..‬‬ ‫أضواء الشمس على زجاج نوافذ البيوت‬ ‫الرصيف حيث دير فرس���ان‬ ‫الت���ي عل���ى ّ‬ ‫مالط���ة الذين كانوا يحلمون باس���تعادة‬ ‫القدس من المسلمين‪ ..‬دير فرسان مالطة‬ ‫الحجرية الصموت���ة ونوافذها‬ ‫بواجهت���ه‬ ‫ّ‬ ‫العالية المصطفّة‪ ..‬كلما مررت من هناك‬ ‫مر بآرل‬ ‫تذكرت قصة األمير العربي الذي ّ‬ ‫وترك فيها كنزًا مدفون��� ًا ال يعرف مكانه‬ ‫أح���د‪ ،‬ومازال الن���اس يبحثون عنه‪ .‬فقد‬ ‫كان���ت آرل في تل���ك األزمن���ة ومناطق‬ ‫‪60‬‬

‫كثيرة من جنوب فرنسا عرضة لهجمات‬ ‫يس���مى‬ ‫فرق الع���رب األندلس���يين أو ما‬ ‫ّ‬ ‫الفرنسية‬ ‫في أدبيات القرون الوس���طى‬ ‫ّ‬ ‫(الس���ارازين)‪.Les Sarrazins ..‬‬ ‫ب���ـ ّ‬ ‫تذكرت قصص األس���رى المسلمين الذين‬ ‫اقتنصه���م القرصان وقضوا بقية حياتهم‬ ‫هن���ا‪ ..‬قصص��� ًا كثي���رة مثيرة‪ ..‬وبع���د‬ ‫الدير هناك القنط���رة التي تربط المدينة‬ ‫بحي تيكت���اي والتي رس���مها فان خوخ‬ ‫ثم تتق���ّدم خطوات لتجد دار آكت س���ود‬ ‫ّ‬ ‫لصاحبه���ا الكات���ب والناش���ر اليه���ودي‬ ‫البلجيكي هيبرت نيسان‪ ..‬عرفت نيسان‬ ‫ف���ي زيارتي األولى كنت معجب ًا بإنجازه‬ ‫ككات���ب وناش���ر رائد ورج���ل تقّدمي ذي‬ ‫أفق إنس���اني إلى أن قرأت يومياته التي‬ ‫بح���س صهيون���ي يتناف���ى مع‬ ‫تنض���ح‬ ‫ّ‬ ‫كل ه���ذا‪ ..‬وهذا ش���أن كثير م���ن الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫والش���عراء في الغرب تج���د الواحد منهم‬ ‫اليكي��� ًا حداثي ًا وما‬ ‫تقّدمي��� ًا ديموقراطي��� ًا ّ‬ ‫إن ينتقل الحوار إلى الكيان اإلس���رائيلي‬ ‫الصهيوني���ة حتى‬ ‫وإل���ى األيديولوجي���ا‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫ينقل���ب ه���ذا الكاتب أو الش���اعر على ّ‬ ‫ليتحول إلى‬ ‫مبادئه في تناق���ض فاضح‬ ‫ّ‬ ‫يؤيد دولة دينية‬ ‫رج���ل من أقصى اليمين ّ‬ ‫نبي‪ ،‬تمارس‬ ‫اس���تعمارية تتخذ لها اسم ّ‬ ‫األبارتاي���د باختص���ار تم���ارس التطهير‬ ‫العرقي ضد الفلسطينيين‪ ،‬تهدم البيوت‬ ‫على أهله���ا وتقتل األطفال بالفوس���فور‬ ‫بأي‬ ‫دون أن ي���رف ل���ه جفن أو يش���عر ّ‬ ‫تناقض ف���ي مواقفه بي���ن درس فولتير‬ ‫والتنوير الذي يريد تس���ويقه لدى تالميذ‬ ‫فرنس���ا من الفرنكوفونيين وبين عقيدته‬ ‫في ه���ذه الدولة الّدينية‪ .‬وق���د تركوا هذا‬ ‫االزدواج ل���دى كثي���ر م���ن تالميذهم في‬

‫كانت آرل في‬ ‫ذهني قبل أن أزورها‬ ‫مرتبطة بأسطورة‬ ‫فان خوخ‪ ،‬كان هناك‬ ‫إحساس شاعري‬ ‫يهزني كلما فكرت‬ ‫بأني سأذهب إليها‬

‫المستعمرات القديمة من الفرانكوفونيين‬ ‫المغاربة واللبنانيين العاجزين عن بناء‬ ‫موقف فكري مس���تقل عن موقف الس���يد‬ ‫المستعمر‪ .‬بل صار بعضهم يدافع عالنية‬ ‫عن الدولة الصهيونية الدينية !!! ويدعوا‬ ‫إل���ى اليكي���ة كولونيالية داخ���ل بالده‪،‬‬ ‫اليكية ه���ي خلطة جاهزة م���ن صيدلية‬ ‫الثورة الفرنسية يعالج بها تاريخه‪.‬‬ ‫ف���ي البعي���د تلمح بيت مي���راي الذي‬ ‫يلقاك في زاوية ش���ارع س���افوريان مع‬ ‫كورني���ش الروكيت‪ ،‬وفي ه���ذه الزاوية‬ ‫بالضب���ط تجل���س األم روزيتا فوق تلك‬ ‫ّ‬ ‫ال عن األرض كما‬ ‫السطيحة المرتفعة قلي ً‬ ‫هو شأنها في العصاري‪ ..‬روزيّتا إيطالية‬ ‫مهاجرة جاءت إل���ى آرل بعد الحرب مع‬ ‫زوجها البوليت���اري جيوفاني‪ ،‬إذ كانت‬ ‫آرل قد عرفت موجة مهاجرين من العمال‬ ‫المياومي���ن اإليطاليي���ن واإلس���بان مع‬ ‫حي‬ ‫بدايات السكة الحديد ‪ 1850‬وسكنوا ّ‬ ‫الرون‪،‬‬ ‫الروكيت في ط���رف المدينة على ّ‬ ‫ثم‪ ،‬وفي الخمسينات أعقبتهم موجة من‬ ‫المهاجرين العرب‪ ،‬من حركيين جزائريين‬ ‫وعم���ال مغاربة وتونس���يين‪ ..‬يجيئون‬ ‫ّ‬ ‫عادة في الخريف في موسم جني الكروم‬ ‫في الحقول المحيطة ب���آرل‪ ..‬وفي آخر‬ ‫الس���بعينيات جاء أو ق���ل التجأ إلى آرل‬ ‫من أماكن قصية ف���ي أوروبا وأميركا ما‬ ‫يس���مى بش���باب مايو‪/‬أيار ‪ 68‬جاء‬ ‫كان‬ ‫ّ‬ ‫بع���د الثورة آخ���ر الس���بعينيات وأوائل‬ ‫الثمانينيات‪ ،‬جاء وهو يناهز األربعين‪،‬‬ ‫جاء في لحظ���ة إحباطه وضياع حلمه‪..‬‬ ‫فالث���ورة هي الثورة بي���د أن النظام هو‬ ‫النظ���ام أيض���اً‪ .‬والنظ���ام ه���و القاعدة‬ ‫والثورة استثناء ولكنّه ضروري‪ .‬شباب‬ ‫ثورة مايو الحال���م والمحبط من الثورة‬ ‫منح المدينة س���مت ًا آخر‪ ..‬واكتمل البناء‬ ‫الفسيفس���ائي للمدينة‪ :‬عائ�ل�ات أرليزية‬ ‫عريقة‪ ،‬مهاج���رون إس���بان وإيطاليون‬ ‫وعرب ش���مال إفريقيا ثم هذا الرهط من‬ ‫بقاي���ا ش���باب ‪ 68‬يليه طلبة المدرس���ة‬ ‫القومية للّتصوير الفوتوغرافي‪.‬‬ ‫وروزيّتا م���ن المهاجرين اإليطاليين‬ ‫ا ُأل َول عج���وز تناه���ز الثماني���ن تتكل���م‬ ‫إيطالي���ة وأثناء الكالم‬ ‫الفرنس���ية بلكنة‬ ‫ّ‬ ‫تنتقل إلى لغتها األم دون أن تدري‪ ،‬وهي‬


‫‪ - Paul Gauguin‬فرنسا‬

‫تعتقد أنها ما تزال تتكلم الفرنس���ية‪ ..‬آه‬ ‫لروزيتا وهي تتذكر بكثير من الحس���رة‬ ‫أي���ام ش���بابها‪ :‬كن���ت جميلة ج���ّدًا وكان‬ ‫الش���باب يطاردونني ‪ ..‬يحاولون لمسي‬ ‫وتشير بيدها إلى صدرها وتعقّب‪ :‬آه كم‬ ‫كان رائع ًا ذاك الزمان! لقد مضى‪ ،‬مضى‬ ‫الش���باب‪ ..‬آه يا للش���باب! وأسالها‪ :‬هل‬ ‫لحقت موسليني في إيطاليا أيام الحرب؟‬ ‫وتقول‪ :‬آه موس���ولّيني ‪ ..‬موس���ولّيني‬ ‫أحب موسليني‪ ..‬رأيته‬ ‫رائع‪ ،‬رائع‪ ..‬أنا ّ‬ ‫عندما كنت صغيرة في روما في الساحة‬ ‫العامة وهو يطل من شرفة قصر المدينة‬ ‫ّ‬ ‫طيب‪..‬‬ ‫ويحيي الش���عب‪ ..‬موس���ولّيني ّ‬ ‫طيب جّداً‪ ..‬كان يحب‬ ‫طيب‪ ،‬موس���ليني ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحب الفقراء‪.‬‬ ‫الشعب‪ ،‬كان ّ‬ ‫وتغوص روزيّتا من بعدها في اللغة‬ ‫اإليطالي���ة وال أس���تطيع متابعتها وأريد‬ ‫تس���تمر في‬ ‫أن أس���ألها عما تقول ولكنها‬ ‫ّ‬ ‫تظن أنّي ما‬ ‫مونولوغ ال ينته���ي‪ ..‬وهي ّ‬ ‫أزال أتابعه���ا‪ .‬هكذا هي مش���اعر روزيتا‬ ‫ش���عبية بس���يطة وصادق���ة وال ب���ّد لي‬ ‫كل تل���ك األدبيات‬ ‫أن أن���زع م���ن دماغي ّ‬ ‫السياس���ية الت���ي قّدمت لنا موس���وليني‬ ‫كفاش���ي فق���ط‪ ..‬وأدركت تل���ك اللحظة‬ ‫كم ه���و الب���ون شاس���ع بي���ن الحقيقة‬ ‫المعاشة‪ ،‬بين مش���اعر الناس الحقيقية‬

‫تاريخية ما وبين التصنيفات‬ ‫في لحظ���ة‬ ‫ّ‬ ‫األيديولوجية وما يكتب المؤرخون‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أما جيوفاني زوجها ف�ل�ا تراه‪ ،‬فهو‬ ‫ومنذ سنين يغادر بيته في الفجر للصيد‬ ‫شتاء‪ ،‬نادرًا ما ألقاه‬ ‫صيف ًا كان الفصل أم‬ ‫ً‬ ‫ال‬ ‫وه���و يدخل أو يغادر بيته منحني ًا حام ً‬ ‫قصب���ة وأدوات الصي���د‪ ..‬ظلت صورته‬ ‫لسنوات صورة ذاك الرجل القصير الذي‬ ‫يس���ير في انحناءة كبي���رة إلى أن توفي‬ ‫مسجى‬ ‫ودخلنا بيته للعزاء فإذا بنا وهو ّ‬ ‫في ف���راش الموت نكتش���ف أنّه طويل‪..‬‬ ‫طوي���ل‪ ،‬ورج�ل�اه ت���كادان تتج���اوزان‬ ‫السرير‪..‬‬ ‫أحب أن أزور آرل في الخريف عندما‬ ‫ّ‬ ‫تكون الش���وارع خالي���ة وزرقاء‪ ،‬وريح‬ ‫الجو‬ ‫الميس���ترال التي تهب عليه���ا تزيد ّ‬ ‫رومانس���ية‪ ..‬يأوي األرليزيون‬ ‫وحش���ة‬ ‫ّ‬ ‫إلى بيوتهم؛ ال أحد في الش���وارع سوى‬ ‫بعض من تخلَّف من الس���ياح األوروبيين‬ ‫واألميركان تلقاهم في ساحة الجمهورية‬ ‫أمام بوابة كنيس���ة القديس تروفيم ذات‬ ‫األخروية وكأنها تجسيم حجري‬ ‫النحوت‬ ‫ّ‬ ‫لجحي���م دانتي من قب���ل أن ينحت رودان‬ ‫جحيم دانتي ف���ي بوابته العظيمة‪ ،‬هكذا‬ ‫كانت كنيس���ة العص���ر الوس���يط ترهب‬ ‫األبدي���ة‪ ..‬أو تراه���م‬ ‫الن���اس بالني���ران‬ ‫ّ‬

‫(هؤالء الس���ياح) يجلس���ون في جماعات‬ ‫على أرصفة مقاهي ش���ارع ديليس الذي‬ ‫يلف آرل القديمة‪ ..‬يمنحون المدينة شيئ ًا‬ ‫احتفالية الصيف ال���ذي يمضي إلى‬ ‫م���ن‬ ‫ّ‬ ‫االضمحالل وس���ط رياح الميسترال التي‬ ‫ته���ز األش���جار وتدفع ب���أوراق الخريف‬ ‫ّ‬ ‫وتموج‬ ‫الصف���راء في زواي���ا األرصف���ة‬ ‫ّ‬ ‫النيلي‪.‬‬ ‫الرون‬ ‫سطح ّ‬ ‫ّ‬ ‫يمتّد ش���ارع ديليس من أمام حديقة‬ ‫المسرح الروماني حيث تمثال فان خوخ‬ ‫وذاك النب���ع الرومانس���ي المختفي بين‬ ‫الحجر وتحت ش���جرة اللبالب المعترشة‬ ‫مرت أجيال من الشعراء‬ ‫في جداره‪ ..‬هنا ّ‬ ‫والكت���اب‪ ..‬أش���عار كثيرة أنش���دت في‬ ‫ظالل هذه األش���جار وتحت أقمار فرنسا‬ ‫الباردة منذ القرن الثامن عش���ر‪ ،‬من أيام‬ ‫روس���و وروايته وهيلويز الجديدة التي‬ ‫الرومانسي‪ ..‬ال أدري لماذا‬ ‫ّ‬ ‫دشنت العصر ّ‬ ‫يذكرني هذا المشهد كلما مررت به برواية‬ ‫ّ‬ ‫آالم الشاب فارتر لولفغانغ غوتة‪ ،‬فأرى‬ ‫نحي�ل�ا ضارب ًا إلى صف���رة بذقن‬ ‫ش���اب ًا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وقبعة سوداء مستطيلة‬ ‫خفيفة‬ ‫س���وداء‬ ‫ّ‬ ‫وعصا في يده تحت شجرة زيزفون وهو‬ ‫بح���ب يائس إل���ى حبيبته التي ال‬ ‫يبوح‬ ‫ّ‬ ‫ب���كل ما يقول‪ ..‬ويس���يل الدمع في‬ ‫تأبه‬ ‫ّ‬ ‫صمت على وجنتيه‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫ملف‬

‫ أستراليا‬- Olga Lysenko

62


‫القراءة‬ ‫طعم الحب‬ ‫في ‪ 17‬نوفمبر‪/‬تشرين الثاني من عام ‪ 1965‬نادت اليونسكو‬ ‫بتخصيص يوم عالمي للقراءة والتحصيل‪ ،‬سرعان ما بدأ‬ ‫االحتفال به للمرة األولى في ‪ 8‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪ ،1966‬وفي عام‬ ‫‪ 1995‬قررت اليونسكو تحديد يوم ‪ 23‬إبريل‪/‬نيسان يوم ًا عالمي ًا‬ ‫للكتاب وحقوق المؤلف‪ .‬عيدان للكتاب‪ ،‬لكنها مصادفة جيدة أن‬ ‫يسبق االحتفال بالقارئ االحتفال بالكاتب الذي يحظى في العادة‬ ‫بالتكريم والشهرة‪ ،‬على الرغم من أن المتعة والمعرفة شراكة بين‬ ‫الكاتب والقارئ‪.‬‬ ‫ال يكتب المؤلف على صفحة خالية‪ ،‬لكنه يرسل بما يكتب إلى‬ ‫قارئ يضيف إلى النص من خياله ومعارفه السابقة ومزاجه في‬ ‫اللحظة التي يتلقى فيها الكتاب‪.‬‬ ‫كاتبنا العربي عمر فاخوري (الذي قدمنا كتابه الفصول األربعة‬ ‫مع عدد سبتمبر من الدوحة) يعتبر الكاتب والقارئ مسافرين على‬ ‫راحلة واحدة‪ ،‬أما العبقري األرجنتيني بورخيس الذي كان يحلم‬ ‫بجنة على هيئة مكتبة فينقل عن قس فيلسوف من القرن الثاني‬ ‫عشر هو القس بيركلي‪« :‬إن طعم التفاحة ليس في التفاحة نفسها‪،‬‬ ‫وال في فم آكلها‪ ،‬وإنما في اجتماع االثنين»‪.‬‬ ‫هكذا تشبه القراءة متعة السفر ولذة األكل وإشراقة الحب‪ ،‬فهي‬ ‫فعل يحتاج إلى شريك‪ .‬ال الكاتب وال القارئ وحده يحدد قيمة‬ ‫الكتابة وطعمها‪ .‬وهي كذلك فعل يوسع الحياة ويعمقها‪ ،‬ويجعل‬ ‫من العمر الواحد أعمارًا بإضافة تجارب وخبرات اآلخرين إلى‬ ‫أعمارنا‪ .‬وعلى الرغم من أننا نقف في ذيل قائمة األمم التي تعرف‬ ‫لذة القراءة‪ ،‬فقد تأذت المتعة الخجول كثيرًا خالل عام الربيع‬ ‫العربي‪ ،‬ألن الجائع والخائف والغاضب ال يقرأ‪.‬‬ ‫وهذا الملف محاولة من «الدوحة» لالحتفاء بالمتعة المنسية التي‬ ‫إن تمسكنا بها ال يبقى معها على ظهر أرض العرب من مستبد‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫تاريخ الحرية‬ ‫فالن ناس��� ًا قد اجتمعوا‬ ‫إن في دار ٍ‬ ‫«ق���ال أبو عمرو بن العالء‪ِ :‬قيل لنا يوماً‪ّ :‬‬ ‫عليهم‬ ‫فتسورنا‬ ‫ور‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫على َس���وءة‪ ،‬وهم ُج ٌ‬ ‫نب ٌ‬ ‫لوس على خميرة لهم‪ ،‬وعندهم ُط ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وأصحابه حوله‪،‬‬ ‫الدار‪،‬‬ ‫وسط‬ ‫في‬ ‫جالس‬ ‫فتى‬ ‫فإذا‬ ‫‪،‬‬ ‫الحي‬ ‫جماعة من‬ ‫في‬ ‫ٌ‬ ‫رجال ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ِّحى‪ ،‬وإذا هو يقرأ عليهم دفترًا فيه ش���عر‪ .‬فقال الذي س���عى‬ ‫الل‬ ‫يض‬ ‫ب‬ ‫هم‬ ‫وإذا‬ ‫ِْ ُ‬ ‫َ‬ ‫أكشف‬ ‫وإن دخلتموه عَثرتم عليها! فقلت‪ :‬واهلل ال‬ ‫ُ‬ ‫السوءة في ذلك البيت‪ْ ،‬‬ ‫بهم‪َّ :‬‬ ‫بن‬ ‫ثوبه‬ ‫ف���ي‬ ‫كان‬ ‫ولو‬ ‫علم‪،‬‬ ‫دفتر‬ ‫يده‬ ‫وف���ي‬ ‫ش���يوخ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫أصحاب‬ ‫فتى‬ ‫دم يحيى ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫زكرياء»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫من مقدمة كتاب «الحيوان» للجاحظ‬ ‫ ‬

‫حم�سن العتيقي‬ ‫تضفي القراءة ضوءًا على معارفنا‪،‬‬ ‫فيت���راءى لنا أننا قادرون بش���كل أفضل‬ ‫عل���ى التعبير ع���ن أفكارن���ا وعواطفنا‪،‬‬ ‫وبشكل تراكمي تشق قراءاتنا طريقها إلى‬ ‫ش���عور بغبطة التكلم‪ .‬في القراءة أيض ًا‬ ‫نكتش���ف إلى أي حد أنن���ا في تماس مع‬ ‫اآلخرين‪ ،‬وينتابنا ش���عور غريب عندما‬ ‫نواجه عالم ًا يش���به العالم الذي نكتشفه‬ ‫لحظ���ة القراءة‪ ،‬نموذج الحياة نفس���ه‪،‬‬ ‫رغبات واحدة‪ ،‬مصير متكرر‪ ،‬وكثيرًا ما‬ ‫نتس���اءل أين كنا حي���ن نرفع أعيننا عن‬ ‫صفح���ة‪ ،‬وأحيان ًا بعد ش���رود تعترينا‬ ‫ذروة خاطفة‪ .‬مجرد كلمات مطبوعة في‬ ‫كتاب قادرة على استنس���اخنا‪ ،‬فنتمنى‬ ‫لو يطول حلم اليقظة هذا‪.‬‬ ‫إننا نؤمن على حياتنا بالمعرفة على‬ ‫حد تعبير نيتشه‪« :‬أليست غريزة الخوف‬ ‫م���ا تدفعنا إلى المعرفة؟ أليس���ت البهجة‬ ‫التي يش���عر بها من يحصل على المعرفة‬ ‫بهج���ة الش���عور باألمن؟»‪ .‬وبن���اء على‬ ‫هذا غ���دا العالم مرآة لتج���ارب وحقائق‬ ‫المعرفة اإلنس���انية‪ ،‬فنج���د في تجارب‬ ‫اآلخرين حياة مختصرة لحياتنا‪ ،‬لنتأمل‬ ‫اس���تعارة أندري���ه جيد‪« :‬اعرف نفس���ك‬ ‫بنفسك! يا لها من قاعدة قبيحة وضارة!‬ ‫فكل م���ن يبادر بمالحظة نفس���ه يتوقف‬ ‫عن النم���و‪ ،‬ولو حاول���ت دودة الفراش‬ ‫‪64‬‬

‫أن تع���رف نفس���ها جي���دًا لم���ا أصبحت‬ ‫أبدًا فراش���ة»‪ .‬أن تك���ون لكل قارئ قدوة‬ ‫دودة الف���راش م���ن المؤك���د أن التحليق‬ ‫ينطوي على أجنح���ة بصرية‪ ،‬في نظر‬ ‫أوغس���طينس العين بوابة الدخول إلى‬ ‫العالم‪ ،‬الحاس���ة البصري���ة هي األهم‪،‬‬ ‫يقول الالهوتي اإليطالي توما األكويني‪،‬‬ ‫وبها نستطيع الحصول على المعرفة‪.‬‬ ‫في ع���ام ‪ 1781‬وصف الفيلس���وف‬ ‫والكاتب الفرنس���ي دنیس دیدرو الخطة‬ ‫الممتعة التي شفيت بها زوجته نانت من‬ ‫كآبتها‪« :‬بدأت أقرأ عليها باالعتماد على‬ ‫الوصفة التالية‪ :‬تناول ثالثة أقراص من‬ ‫جيل بالس يومي���اً‪ ،‬وعندما ننتهي نبدأ‬ ‫بـ «الش���يطان على العكازتين» و«أعزب‬ ‫س���االمانكا»‪ ،‬بعد مرور بضع س���نوات‬ ‫وق���راءة مئ���ات الكت���ب اكتش���فت أخيرًا‬ ‫أنها مفيدة للغاية ض���د الكآبة»‪ .‬وصفة‬ ‫ديدرو هاته تتماثل مع بلسم هنري كينغ‬ ‫حين كتب بعد وفاة زوجته الش���ابة‪« :‬يا‬ ‫للخسارة لقد غادرت باكراً‪ ،‬وواجبي هو‬ ‫التأم���ل‪ ،‬تأملك‪ ،‬تأمل���ك‪ ،‬إنك الكتاب‪،‬‬ ‫غرفة القراءة التي أبحث عنها‪ ،‬وإن كنت‬ ‫أشرفت على العمى»‪.‬‬ ‫وهذا فرانسيس بيكون يضع مفهوم ًا‬ ‫جديدًا لألكل‪« :‬بع���ض الكتب يجب التلذذ‬ ‫به���ا‪ ،‬وغيرها يج���ب أن تلتهم‪ ،‬وأخرى‬

‫تمضغ جيدًا وتلتهم»‪ ،‬الش���هية البصرية‬ ‫نفسها‪ ،‬نعثر عليها في نص مسرحية «من‬ ‫الحب من أجل الحب» للش���اعر اإلنكليزي‬ ‫ويليام كونكريف (‪ )1729 - 1670‬حين‬ ‫يقول الخادم‪« :‬تناول الغذاء عبر عينيك‪،‬‬ ‫أغل���ق فمك واجتر كت���ل الفهم‪ ،‬إن المرء‬ ‫يسمن كثيرًا من الحمية الورقية هذه»‪.‬‬ ‫حي���ن نلته���م الكت���ب بنه���م يتحقق‬ ‫إش���باع تقذف في���ه حياتن���ا‪ ،‬وكثيرًا ما‬ ‫نك���ون عنوان ًا متك���ررًا لكتبنا المفضلة‪،‬‬ ‫وعندئذ فنحن نمتلكها بإصرار وحرص‪،‬‬ ‫وهذا جانب من عالقاتنا المريرة بالكتب‪،‬‬ ‫يعبر عن���ه هنري ميللر‪« :‬أحد األش���ياء‬ ‫الت���ي أربطها بقراءة الكت���ب هو الصراع‬ ‫الذي خضته من أج���ل الحصول عليها»‪.‬‬ ‫وعلى هذا الحرص هن���اك كتب نحب أن‬ ‫نعينها ناطقة رس���مية باس���منا‪ ،‬وهذه‬ ‫إحدى الح���االت التي وقع فيها الش���اعر‬ ‫األلمان���ي راينر ماريا ريلك���ه وهو مقبل‬ ‫عل���ى ترجمة أعم���ال لوي���زه البيه‪ ،‬فقد‬ ‫وج���د فيها س���يرته الطفولية البائس���ة‪.‬‬ ‫وقبل اندالع الحرب العالمية األولى كتب‬ ‫في إحدى رسائله «أنا ال أفكر في العمل‪،‬‬ ‫بل فقط في اس���تعادة صحتي تدريجي ًا‬ ‫بواسطة القراءة والتأمل»‪.‬‬ ‫حتم��� ًا ليس في مس���تطاع القارئ إال‬ ‫أن يبح���ث عن مرآته ف���ي كتاب‪ ،‬إعالن‬ ‫التماه���ي هذا مأثور عند فرجينيا وولف‪:‬‬ ‫«الق���راءة فن معق���د‪ ،‬االمتحان األصعب‬ ‫لحواسنا كما نلمس كقراء‪ ،‬وفي المجمل‬ ‫فإن الكتاب الذين يمنحوننا جل ما عندهم‬ ‫يس���ببون لنا أزمة مع كبريائنا‪ ..‬ليبقى‬ ‫الحكم معلق ًا إذ ال نعرف ما الذي سيأتي‬ ‫بع���د‪ ..‬وعلي���ه ربم���ا يبق���ى البحث عن‬ ‫النهاية مس���تمراً»‪ ،‬وعلى هذا النحو اتخذ‬ ‫س���يغموند فرويد من فعل القراءة جلسة‬ ‫للتحرر من التوترات داخل أنفسنا‪ ،‬حيث‬ ‫«ينطلق التلذذ الحقيق���ي الكامل بالعمل‬ ‫األدبي‪ ..‬إننا نقرأ ألننا نريد العثور على‬ ‫النهاية»‪.‬‬ ‫وإذ يبدو تاري���خ القراءة هو تاريخ‬ ‫عالقتنا بها‪ ،‬فهو من الناحية األدق تاريخ‬ ‫البحث ع���ن الحرية‪ ،‬وهك���ذا بدأ ملكوت‬ ‫الكلم���ات الش���اهدة عل���ى إرادة الحياة‪.‬‬ ‫إن م���ا جعل العبيد خالل مئات الس���نين‬


‫يعرضون حياته���م للخطر هو‬ ‫تعلم القراءة سراً‪ ،‬مجرد التفكير‬ ‫في «شعب أس���ود» متعلم كان‬ ‫يبعث في مالكي الرقيق الخوف‬ ‫من احتم���ال عثور عبيدهم على‬ ‫أفكار انقالبي���ة‪ .‬مثل هذا الحذر‬ ‫مثلته المؤسسات الدينية على‬ ‫مر العصور‪ ،‬ليس فقط في منع‬ ‫انتش���ار الكتب بين العامة‪ ،‬بل‬ ‫في فرض نمط واحد من القراءة‬ ‫ال يخرج عن «كالم اهلل»‪.‬‬ ‫وبش���كل متالزم كان بعض‬ ‫العقائديين يصادرون التطور الذي حصل‬ ‫عند االنتقال من القراءة الجماعية بصوت‬ ‫مرتفع ف���ي األديرة إلى القراءة الصامتة‬ ‫في المنازل وعلى ا َأل ِسّرة؛ إذ إن القراءة‬ ‫الصامتة كانت حس���ب اعتقادهم تشجع‬ ‫على أح�ل�ام اليقظة وأنها مكمن االنزالق‬ ‫في الش���هوات الحس���ية‪ ،‬واعتبر الكتاب‬ ‫المقروء بصمت في غنى عن االستفس���ار‬ ‫الفوري والمراقبة من قبل مستمع آخر‪،‬‬ ‫لذا فإن القراءة بصمت كانت تسمح بقيام‬ ‫اتصاالت بعيدة عن ش���هود العيان‪ ،‬في‬ ‫الوقت الذي كانت فيه المؤسسات الدينية‬ ‫تص���ب اللعنة على قراء «الهرطقة» الذين‬ ‫كانوا يعثرون في االنزواء مع الكتب غير‬ ‫الدينية فسحة للتحرر من قيود العصور‬ ‫الوس���طى‪ .‬ونتيجة لقلة الذين يحسنون‬ ‫الق���راءة في ه���ذه الفترة ف���إن القراءات‬ ‫العام���ة كانت أم���رًا منتش���راً‪ ،‬حتى أنها‬ ‫ال من أشكال النشر‪.‬‬ ‫أصبحت شك ً‬ ‫وكم���ا ارتبط���ت الق���راءة الصامت���ة‬ ‫باالنف�ل�ات من رقابة األدي���رة‪ ،‬ارتبطت‬ ‫كذلك بتطوير اللغة بعد إضافة التنقيط‬ ‫والفواصل‪ ،‬ومن داخل الكنيس���ة نفسها‬ ‫كان القدي���س إس���حق الس���وري يمتدح‬ ‫قائ�ل�ا «إنني‬ ‫مناف���ع الق���راءة الصامتة‬ ‫ً‬ ‫أتم���رس على الصمت من أجل أن تمألني‬ ‫النصوص التي أقرأه���ا فرح ًا وحبوراً»‪.‬‬ ‫وهكذا أصبحت القراءة واالنفراد بالكتب‬ ‫مألوف��� ًا في حياة العامة‪ ،‬وبش���كل ذائع‬ ‫م���ع اخت���راع الطباع���ة‪ ،‬حي���ث عمم���ت‬ ‫الكت���ب بعدم���ا كانت محتك���رة في طبقة‬ ‫األرستقراطيين ورجال الدين‪ .‬وابتداء من‬ ‫ِ‬ ‫واألسّرة‬ ‫القرن ‪ 14‬أصبحت حيازة الكتب‬

‫الفاخرة مؤش���رًا على مكانة اجتماعية‪،‬‬ ‫وأضحت ِ‬ ‫األسّرة والكتب ترهن ويوصى‬ ‫بها للعائل���ة‪ ،‬إلى أن أصبح���ت القراءة‬ ‫في التقاليد الفرنس���ية خ�ل�ال القرن ‪18‬‬ ‫نوع ًا من اإلك���رام للضيف في مقابل قلة‬ ‫الذوق لدى العائل���ة التي ال تمارس هذه‬ ‫العادة‪ .‬كما انتش���رت القراءة في السرير‬ ‫في هذه الفترة إلى الحد الذي جعل القس‬ ‫الفرنس���ي جان بابتيست دوالسال يحذر‬ ‫م���ن الخمول ال���ذي يبعث عل���ى ارتكاب‬ ‫المعصية وأوصى الناس بأن ال يحاكوا‬ ‫«أش���خاص ًا يش���غلون أوقاتهم بالقراءة‬ ‫في الف���راش دون أن يكون ذلك بغرض‬ ‫النوم»‪ .‬أما معاص���ره األديب اإلنكليزي‬ ‫الس���اخر جوناث���ام س���وفت فق���د اقترح‬ ‫ب���أن الكتب التي تقرأ ف���ي الفراش يجب‬ ‫أن تع���رض للتهوي���ة‪ .‬في حي���ن أن هذا‬ ‫الموقف ل���م يكن يعني عند الفيلس���وف‬ ‫اإلنكليزي جوفري شوسر سوى حرمان‬ ‫من لذة القراءة التي عبر عنها في مؤلفه‬ ‫«الدوق���ة» بكون القراءة في الفراش أكثر‬ ‫متعة من لعبة الشطرنج‪.‬‬ ‫وكما كان للقراءة أعداء باس���م القيم‬ ‫الرسمية‪ ،‬كان لها أنصارها الذين فتحوا‬ ‫شهية الكتاب للقراء‪.‬‬ ‫وم���ن بين أب���رز المحرضي���ن أوائل‬ ‫القرن ‪ 19‬نجد رائد الحركة الترنسندالية‬ ‫الفيلس���وف والش���اعر األميرك���ي والدو‬ ‫إمرسون الذي كان يحث القراء بضرورة‬ ‫تبادل وجهات النظر حول الكتب‪ ،‬معتبرًا‬ ‫أن الق���راءة مس���ألة خاص���ة وانفرادية‬ ‫محضة «إن الكتب تعبير سام عن ضمير‬ ‫العال���م وتعن���ي بالنس���بة إل���ى حياتنا‬

‫اليومية أكثر من مجرد التقويم‬ ‫الس���نوي أو الصحف اليومية‪،‬‬ ‫غير أنها يجب أن تقرأ موضوعة‬ ‫على الركبتين وأنت جالس في‬ ‫دورة المي���اه‪ ،‬وم���ا تتضمن���ه‬ ‫من رس���ائل يجب أن تعطى أو‬ ‫تؤخذ بواسطة الشفاه ونهاية‬ ‫اللسان‪ ،‬بل من توهج الوجنتين‬ ‫والقل���وب الخفاقة»‪ .‬وللروائية‬ ‫األرستقراطية األميركية إيديث‬ ‫وارتون حكاية مع غرفة نومها‪،‬‬ ‫إذ وجدت فيه���ا المهرب الوحيد‬ ‫من بروتوك���والت القرن ‪ ،19‬حيث كانت‬ ‫تس���تطيع أن تقرأ وتكتب في س���ريرها‬ ‫حتى أنه���ا احتفلت بأعي���اد ميالدها في‬ ‫الفراش ف���ي مراحلها األخي���رة‪ ،‬وكانت‬ ‫تسمي سريرها بمكان «الوحدة السامية»‪.‬‬ ‫أما هنري ميلر فكان���ت أفضل انزواءاته‬ ‫بالق���راءة تحدث ف���ي دورة المياه‪ ،‬هذا‬ ‫المكان الهادئ المخصص الس���تعماالت‬ ‫خاصة ومبتذلة‪ ،‬هو في الواقع بالنسبة‬ ‫له مكان «لجميع انش���غاالته التي كانت‬ ‫تتطلب وح���دة خالية من التش���ويش»‪.‬‬ ‫لكن البوح األكثر جنون ًا وخالء ذلك الذي‬ ‫عبرت عنه الكاتبة اإلنكليزية ماري ِشلي‬ ‫«إن عاداتي ه���ي أن أتعرى وأن أجلس‬ ‫عل���ى صخرة جرداء ألق���رأ هيرودوتس‬ ‫إلى أن يتوقف العرق عن التصبب»‪.‬‬ ‫وف���ي م���كان آخ���ر أكث���ر حميمي���ة‬ ‫وش���اعرية كان الروائ���ي الفرنس���ي‬ ‫مارسيل بروست بمجرد ما تغادر عائلته‬ ‫المنزل في نزهة العطلة الصيفية‪ ،‬يلجأ‬ ‫إلى المطبخ‪ ،‬حي���ث أصحابه الوحيدين‬ ‫الذين يحترمون الق���راءة فقط «األطباق‬ ‫الملونة المعلقة على الجدران‪ ،‬والتقويم‬ ‫ال���ذي اقتطعت منه توًا ورق���ة البارحة‪،‬‬ ‫والساعة والموقد‪ ..‬ساعتان كاملتان قبل‬ ‫أن تظهر الطاهية»‪.‬‬ ‫بين األمكن���ة األكثر خلوة إلى األكثر‬ ‫غراب���ة أو اعتيادي���ة‪ ،‬تعي���ش الق���راءة‬ ‫سيرتها بالتماس مع قدرتنا على التحرر‬ ‫والحل���م بحياة أخرى ف���ي روح الكتب‪،‬‬ ‫وس���واء قرأنا في هذا الم���كان أو ذاك‪،‬‬ ‫يبق���ى فع���ل الق���راءة تكريس��� ًا للحرية‬ ‫والبناء المجتمعي‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫القراءة حتى الملل‬ ‫المدرس���ة العربية ش���رعت تدريجي ًا في الّتخلي عن دورها في تثقيف‬ ‫مبالية بتجديد مناهجه���ا وتحديث طرائق تلقينها‬ ‫المجتم���ع‪ .‬صارت غير ّ‬ ‫ال‬ ‫ش���ام‬ ‫ا‬ ‫اس���تطالع‬ ‫أجرت‬ ‫«الدوحة»‬ ‫مجلة‬ ‫ّص‪.‬‬ ‫لّذة المطالعة وغواية الن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وسبرت آراء طلبة وأساتذة ومختصين حول واقع المطالعة‪.‬‬

‫الدوحة‪ -‬مرا�سلون‬

‫الهم يبق���ى واحدًا في كثير من الّدول‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ :‬كيف نس���تطيع إقناع الطفل أو‬ ‫المراهق بأهمية المطالعة؟ بين ماضوية‬ ‫النصوص المدرجة ف���ي المناهج والتي‬ ‫ال تم���ت للراه���ن بصلة‪ ،‬وفش���ل بعض‬ ‫المدرس���ين ف���ي التواصل الحس���ن مع‬ ‫التالمي���ذ‪ ،‬يفقد الفرد العربي‪ ،‬من س���نة‬ ‫ألخرى‪ ،‬عالقته بالكتاب‪.‬‬ ‫تعود التالمي���ذ على عدم‬ ‫في لبن���ان ّ‬ ‫إتم���ام ق���راءة أي كت���اب يلتقطون���ه‪،‬‬ ‫بحس���ب ما تقول كارين (‪ 16‬عاماً) التي‬ ‫تتابع تعليمها في مدرسة خاصة‪« :‬إلى‬ ‫جانب سريري‪ ،‬ترقد كتب كثيرة‪ ،‬أبدأها‬ ‫أي ًا منها‪ ..‬أراها‬ ‫وأس���أم منها‪ ،‬فال أنهي ّ‬ ‫في الصباح وأشعر بالذنب»‪ .‬تلك العادة‬ ‫تحول���ت إلى ظاهرة‪ .‬أما في صف األدب‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪ ،‬تتيقّ���ظ فقط قلّة م���ن التالميذ‬ ‫وتغف���و األكثري���ة‪ .‬يعود ذلك‪ ،‬بحس���ب‬ ‫رامي‪ ،‬وهو أحد الغف���اة المزمنين‪ ،‬إلى‬ ‫«ضع���ف الغالبية بالقواع���د» ويضيف‪:‬‬ ‫«كرهت القواعد منذ الطفولة‪ ،‬فبت أسأم‬ ‫في صف���وف األدب‪ ،‬ألنني أخطئ كثيرًا‬ ‫في القراءة»‪.‬‬ ‫تحدي���ث المنهج الرس���مي في لبنان‬ ‫يعتبر مس���ألة دائمة الحض���ور‪ .‬كما أن‬ ‫الظروف السياس���ية المتقلبة واألوضاع‬

‫‪66‬‬

‫االجتماعي���ة الصعبة الت���ي يعرفها البلد‬ ‫ص���ارت تطغى عل���ى تفكير األس���اتذة‬ ‫والمدرس���ين أكثر من التفكير في أهمية‬ ‫ّ‬ ‫تحس���ين أداء التالميذ وتوطيد عالقتهم‬ ‫بالقراءة‪« .‬في الجامعة‪ ،‬الوضع س���يئ‬ ‫جدًا اجتماعياً» تقول األس���تاذة الش���ابة‬ ‫تخرجت من «جامعة القديس‬ ‫مهى‪ ،‬التي ّ‬ ‫يوس���ف» وقررت أن تعلّم في «الجامعة‬ ‫اللبناني���ة» كج���زء م���ن «النض���ال الذي‬ ‫عل���ي أن أؤديه تج���اه وطني‪،‬‬ ‫يتوجب‬ ‫ّ‬ ‫وتج���اه الجي���ل الجدي���د!»‪ .‬الج���و الذي‬ ‫التعصب السياس���ي‬ ‫ينفرها يتمث���ل في‬ ‫ّ‬ ‫والطائف���ي المستش���ري بي���ن الطالب‪.‬‬ ‫أضف إلى ذل���ك «الوضع اإلداري القائم‬ ‫وتذكر‬ ‫عل���ى بيروقراطية غي���ر منتجة»‪ّ .‬‬ ‫بأن «األساتذة‪ ،‬ليسوا كلهم كذلك‪ ..‬لكن‬ ‫الجو العام يساعد على الفساد‪ ،‬والسأم‬ ‫من الرسالة»‪.‬‬

‫السياسة‬ ‫على حافة ّ‬

‫كان الع���رب يتداولون في الس���ابق‬ ‫عبارة «القاهرة تكت���ب‪ ،‬بيروت تطبع‪،‬‬ ‫وبغ���داد تق���رأ»‪ .‬أم���ا الي���وم فق���د صار‬ ‫أبناء بغداد يبتعدون ش���يئ ًا فش���يئ ًا عن‬ ‫هم القراءة‪ .‬ش���غلتهم السياس���ة وحالة‬ ‫ّ‬ ‫الالاس���تقرار الت���ي يعرفه���ا البل���د‪ ،‬منذ‬

‫س���نوات‪ ،‬عن رغبة التمع���ن في الكتب‪.‬‬ ‫كما أن األساتذة في المدارس يبدون غير‬ ‫عابئين بتوطي���د عالقة التلميذ مع متعة‬ ‫اكتشاف النص‪.‬‬ ‫سالم مكي‪ ،‬طالب في كلية التربية‪-‬‬ ‫م���ادة المطالعة‬ ‫جامعة باب���ل‪ ،‬يرى أن ّ‬ ‫غير مرغوب فيها من قبل أس���تاذها ومن‬ ‫قب���ل الطلبة أيضاً‪ ،‬بالرغ���م من أهميتها‬ ‫م���ادة النحو‪ ،‬كما‬ ‫الت���ي توازي أهمي���ة ّ‬ ‫أن واضع���ي المنهج الدراس���ي‪ ،‬جعلوا‬ ‫ّ‬ ‫م���ادة ثانوية‪ ،‬ويواصل‪:‬‬ ‫م���ن المطالعة ّ‬ ‫«األس���تاذ ال يعت���رف بالمطالعة‪ ،‬فنراه‬ ‫الدراس���ية‬ ‫يأخ���ذ دورها ف���ي الحصص‬ ‫ّ‬ ‫مادة أخرى‪ ..‬من جانب التلميذ‪،‬‬ ‫لحساب ّ‬ ‫تظ���ل المطالع���ة غريبة علي���ه‪ ،‬ال يفهم‬ ‫راو لبط���والت النظام‪،‬‬ ‫منها س���وى أنها ٍ‬ ‫ومج���ال لألق�ل�ام المأج���ورة لصالحه‪..‬‬ ‫بمعنى أن وضع منهج للمطالعة كان له‬ ‫تربوية‪ ،‬وإال‬ ‫سياسية‪ ،‬أكثر منها‬ ‫غايات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كيف نفه���م اقتصار مواضيعها على أدب‬ ‫خاص؟ حّتى أن النصوص‬ ‫الحرب بشكل ّ‬ ‫التاريخية اختيرت من تلك التي تتالءم‬ ‫ّ‬ ‫وتوجهات الس���لطة»‪ .‬مكي لفت االنتباه‬ ‫إل���ى مالحظة لم يس���تجب له���ا واضعو‬ ‫المناه���ج الجديدة وه���ي أن «مواضيع‬ ‫المطالعة مازالت تراوح مكانها‪ ،‬فاألدب‬ ‫كل فترة‬ ‫تطور‬ ‫مستمر‪ ،‬وفي ّ‬ ‫العالمي في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتم ابتكار أنماط جدي���دة للكتابة‪ ،‬ومع‬ ‫ّ‬ ‫كل جي���ل‪ ،‬يظهر أدباء ج���دد‪ ،‬بينما نجد‬ ‫ّ‬ ‫الكالس���يكي‪،‬‬ ‫األدب‬ ‫على‬ ‫ز‬ ‫ترك‬ ‫مناهجنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تارك���ة الحديث منه خل���ف ظهرها»‪ .‬من‬ ‫جانبها‪ ،‬ذكرت الطالبة في ثانوية بغداد‬ ‫«مادة المطالعة‬ ‫للبنات س���ارة طاهر أن ّ‬ ‫الم���واد المهمل���ة جّدًا ف���ي المدارس‬ ‫م���ن‬ ‫ّ‬ ‫العراقية بحيث أن طلبة كثيرين سمعوا‬ ‫ّ‬ ‫مجرد كتاب‬ ‫أنها‬ ‫أو‬ ‫سماع‬ ‫د‬ ‫مجر‬ ‫باسمها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المدرس���ية‪،‬‬ ‫يقتنونه ف���ي خزانة كتبهم‬ ‫ّ‬ ‫وكأنّ���ه أمانة لديهم‪ ..‬حّت���ى ال يعرفون‬ ‫هم مدرس���ي‬ ‫م���ا فيه من مواضيع‪ّ ،‬‬ ‫وكل ّ‬ ‫العربي���ة أن يكملوا المنهج‬ ‫مادة اللغ���ة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المق���رر لهم وفق���ط»‪ .‬أما م���درس اللغة‬ ‫ّ‬ ‫العربية في «الغربية المتوسطة» ببغداد‬ ‫نافع مطر‪ ،‬فيدافع ع���ن مادته‪« :‬الطلبة‬ ‫الم���ادة يحترمونها‬ ‫الذين أدرس���هم هذه‬ ‫ّ‬ ‫مادة‬ ‫ويعطونها اعتباراً‪ ،‬بل إنهم يرونها ّ‬


‫مش���وقة فيها قصص وحكم‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫ّ‬ ‫األدبية وم���ا تتضمنه من‬ ‫النص���وص‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ش���عر ونثر وخطابة ومقال���ة يرى فيها‬ ‫مادة ممتعة ومسلية على خالف‬ ‫الطالب ّ‬ ‫أن طريقة تقديم‬ ‫يؤكـد ّ‬ ‫مادة النحو»‪ .‬لكنّه ّ‬ ‫المادة تختلف من مدرس إلى آخر‪،‬‬ ‫هذه ّ‬ ‫فالبعض يوليها اهتمام ًا والبعض اآلخر‬ ‫بمادة ثانية‪.‬‬ ‫يستبدلها ّ‬

‫اجترار النص‬

‫‪ - Ronald Brooks Kitaj‬أميركا‬

‫بالتوجه إلى اليمن لن يختلف الحال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أزمة المطالعة تتسبب فيها بعض العوامل‬ ‫المتداخل���ة فيم���ا بينها‪ .‬ولكن المس���ؤول‬ ‫الرئيس���ي عنها يتجسد في وزارة التربية‬ ‫واضعة المنهج الدراسي‪.‬‬ ‫يقول أحمد الماوري‪ ،‬تلميذ في الصف‬ ‫التاسع األساسي‪ ،‬إنه غير مرتاح لنوعية‬ ‫النص���وص التي يحمله���ا المنهج الخاص‬ ‫بالمطالعة‪ ،‬حيث تهيمن عليه نصوص ال‬ ‫تدفع الطالب للتعلق بها‪ ،‬مش���يرًا إلى أن‬ ‫غلبة طابع الملل عليها هو ما يدفعه لعدم‬ ‫االهتم���ام بها‪ .‬ويضي���ف‪« :‬هي نصوص‬ ‫ال تش���به تلك النصوص التي نجدها في‬ ‫الكت���ب الخارجي���ة والمج�ل�ات الخاصة‬ ‫بالش���باب والتي نجد فيها م���ادة جاذبة‬ ‫ومحف���زة لمتابعتها واالس���تفادة منها»‪.‬‬ ‫ويعتقد علي محس���ن العكب���ري‪ ،‬مدرس‬ ‫مادة القراءة في إحدى المدارس الثانوية‬ ‫في صنع���اء‪ ،‬أن المدرس���ين لهذه المادة‬ ‫يجدون أنفس���هم مجبرين عل���ى التعامل‬ ‫يم���س على نحو جاد رغبات‬ ‫مع كتاب ال ّ‬ ‫التالمي���ذ وميوله���م أو حتى المس���توى‬ ‫الثقاف���ي ال���ذي يتقاطع���ون مع���ه عب���ر‬ ‫وس���ائل الميديا المختلفة والتي تطورت‬ ‫بش���كل كبير‪ .‬ويصر المتحدث نفسه على‬ ‫ض���رورة أن تتوافق المناه���ج الخاصة‬ ‫بالق���راءة معه���ا‪ .‬ويضي���ف العكبري أن‬ ‫هناك حالة من القطيعة بينهم كمدرسين‬ ‫لهذه المادة وبين المش���رفين على عملية‬ ‫وض���ع المناهج الخاصة به���ا في وزارة‬ ‫التربية والتعليم‪.‬‬ ‫تعتقد وفاء مقبل الشرجبي‪،‬أس���تاذة‬ ‫األدب المق���ارن بكلي���ة اآلداب‪ ،‬جامع���ة‬ ‫صنعاء‪ ،‬أن إش���كالية الق���راءة والطلبة‬ ‫وعالقة سوء الفهم المتالزمة بينهما تكمن‬

‫بدرجة أولى في مسألة عدم وجود تراكم‬ ‫معرفي من المفترض أن قاعدته األساسية‬ ‫تبدأ من المراحل الدراسية األولى‪ .‬يضاف‬ ‫إل���ى ذلك أن المنهج القائ���م على التلقين‬ ‫ينأى عن طرح النص���وص الثقافية التي‬ ‫باستطاعتها جذب الطالب ودفعه للتعلق‬ ‫بالق���راءة م���ن منطل���ق ذاتي بح���ت غير‬ ‫مرتبط بواجب إلزامي عليه القيام به من‬ ‫أجل اجتياز مرحلة دراسية والدخول إلى‬ ‫مرحلة أعلى‪.‬‬

‫هواة الخطاب‬

‫ال ينحصر إشكال تراجع اإلقبال على‬ ‫المطالعة في الجزائر في نوعية المناهج‬ ‫وفي أساليب تدريسها بقدر ما يتجسد في‬ ‫الم���درس والتلميذ‪،‬‬ ‫اله���وة الفاصلة بين‬ ‫ّ‬ ‫والت���ي يتح���دث عنها محمد تحريش���ي‪،‬‬ ‫عمي���د كلي���ة اآلداب واللغ���ات بجامع���ة‬ ‫بش���ار‪« :‬في الوقت ال���ذي يوظف التالميذ‬ ‫تكنولوجي���ات اإلع�ل�ام واالتصال ما زال‬ ‫المكونون يتمسكون بالوسائل التقليدية‬ ‫ّ‬ ‫للمطالعة»‪ ،‬ويذهب تحريشي في رأيه إلى‬ ‫أن ما تطرحه كتب المطالعة في المدرسة‬ ‫والجامع���ة ق���د ال تس���تجيب لتطلع���ات‬ ‫التالميذ والطلب���ة‪ ،‬ومن ثم فإن األنترنت‬

‫تت���راءى البديل المفض���ل» ذلك ما يؤكده‬ ‫رائد بلغرب���ي‪ ،‬تلميذ في الطور الثانوي‪،‬‬ ‫حي���ث يقول‪« :‬القليل جدًا من يطالع كتباً‪.‬‬ ‫طوال الوقت وأنا أم���ام أجهزة الكمبيوتر‬ ‫م���ع رفاقي‪ .‬نقض���ي الس���اعات إما على‬ ‫الفيسبوك أو في اللعب اإللكتروني أو في‬ ‫الشات‪ .‬المطالعة ال تعنينا»‪ .‬وعن كيفية‬ ‫تعاطي األس���اتذة مع المنهج الدراس���ي‬ ‫لم���ادة المطالعة والفوارق الواضحة بين‬ ‫كل واحد منهم‪ ،‬يجيب تحريشي‪« :‬تعامل‬ ‫األستاذ مع مادة المطالعة يأتي في ثالثة‬ ‫أنماط‪ :‬فهناك من يتلقى المنهج وال يتمكن‬ ‫من االستفادة منه‪ ،‬ألنه لم يدرك األبعاد‬ ‫الفلسفية والمرتكزات الفكرية والتوجهات‬ ‫الجمالية والفنية للمنهج‪ ،‬ومن ثم يصبح‬ ‫هو والمنهج خطي���ن متوازيين‪ .‬والنمط‬ ‫الثاني من يس���لبه المنهج ويسيطر عليه‬ ‫وال يس���تطيع الفكاك من���ه للوصول إلى‬ ‫مرحل���ة اإلنتاج واإلب���داع انطالق ًا من هذا‬ ‫المنهج أو ذاك‪ .‬ومن ثم ‪ ‬يصبح مسلوب‬ ‫اإلرادة‪ .‬والنم���ط الثال���ث من يس���تطيع‬ ‫اس���تيعاب المنه���ج والس���يطرة علي���ه‪،‬‬ ‫فيوظف���ه توظيف ًا مبدع ًا ليس���مو به‪ ‬نحو‬ ‫غايات قرائية تستلهم التراث والمعاصر‬ ‫في آن واحد»‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫بعد الديكتاتور‬

‫نور محمد الريطي‪ ،‬طالبة الثانوية‬ ‫العامة في مصر‪ ،‬واحدة ممن عانين من‬ ‫ضعف منهج م���ادة المطالعة‪ ،‬تخبرنا‪:‬‬ ‫«نش���أت في بيت يحبذ الق���راءة ويقدر‬ ‫قيمة الكت���ب‪ .‬لكن في مراحل الدراس���ة‬ ‫المختلفة‪ ،‬أدرك���ت أن الطريقة الوحيدة‬ ‫المناس���بة لهذه المناهج ه���ي الحفظ‪،‬‬ ‫فأغلب المواد الدراسية ال تقدم لي اإلفادة‬ ‫الت���ي أحصل عليه���ا من ق���راءة الكتب‬ ‫واألعمال اإلبداعية الموجودة في بيتنا‪.‬‬ ‫أنا أذاكر وأحفظ المنهج عن ظهر قلب ‪،‬‬ ‫وأحاول أن أحقق نهم���ي في القراءة ‪،‬‬ ‫ولكن خارج المناهج الدراسية»‪.‬‬ ‫أما علي الدين س���ليمان علي‪ ،‬الذي‬ ‫يدرس ف���ي األزه���ر الش���ريف صباح ًا‬ ‫ويتعلم عبر مواقع التواصل االجتماعي‬ ‫مس���اء‪ ،‬فيقول‪« :‬أتمن���ى أن تطبق في‬ ‫الثانوية كتب أني���س منصور ورحالته‬ ‫وكذلك أحمد بهجت ومحمود الس���عدني‬ ‫وماركي���ز ونجي���ب محفوظ ‪ ،‬ب���د ًال من‬ ‫المناهج التي ال تفيد التالميذ في شيء‪.‬‬ ‫م���واد جافة‪ ،‬مملة‪ ،‬ويب���دو أن مؤلفيها‬ ‫ال ينتم���ون إلى عصرنا»‪ .‬م���ن جانبه‪،‬‬ ‫يدافع محم���د عبد المجيد عبد الرس���ول‬ ‫– ناظ���ر مدرس���ة الس�ل�امنة االبتدائية‬ ‫جن���وب مصر‪ -‬ع���ن المنهج الدراس���ي‬ ‫لمادة المطالعة‪ ،‬ويشير إلى أن التالميذ‬ ‫ال يلتزم���ون بجدي���ة م���ع الم���واد التي‬ ‫يتلقونها وال يتحمس���ون للمطالعة التي‬ ‫يدفعهم إليها األساتذة‪.‬‬ ‫مؤش���رات المطالع���ة ف���ي الوط���ن‬ ‫العرب���ي ج���د متدني���ة مقارن���ة بما هي‬ ‫عليه في أوروبا وفي آس���يا‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫البعض يتمس���ك بخيط األم���ل ويعتقد‬ ‫أن التغيي���ر ق���ادم‪ ،‬وأن الجي���ل ال���ذي‬ ‫صن���ع ربي���ع الث���ورات س���يحمل معه‬ ‫نظرة ورؤى تجديدي���ة‪ ،‬ومترابطة مع‬ ‫تح���والت الراهن‪ .‬العرب يحفظون جيدًا‬ ‫مقولة «شعب يقرأ ش���عب ال يجوع وال‬ ‫يستعبد»‪ .‬فمتى سيطبقونها على أرض‬ ‫الواق���ع ويغيرون عالقته���م مع القراءة‬ ‫نحو األفضل؟‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫إيمان مالكي ‪ -‬إيران‬


‫القراءة بوصفها عادة متأصلة في س���لوك الناس وتقليدًا راسخ ًا في‬ ‫طبعهم‪ ،‬تسهم في توسيع رؤيتهم للعالم‪ ،‬وتطوير قدراتهم و مؤهالتهم‪.‬‬ ‫وهو ما ينعكس إيجاب ًا على مس���يرة المجتمع وحركيته وأدائه‪ ،‬ويؤدي‬ ‫إلى تحسين صورته ونمو مرافقه االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫عن التلقين‬ ‫ومآس أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫د‪ .‬حممد الداهي‪ -‬الرباط‬ ‫تعتب���ر القراءة‪ ،‬على م���ر األزمان‪،‬‬ ‫مطلب��� ًا ملح��� ًا لتكوي���ن المواطني���ن‬ ‫وتثقيفه���م وصق���ل مواهبه���م وتنمية‬ ‫مقرطة‬ ‫مهاراته���م‪ .‬وهذا ما يس���تدعي َد ْ‬ ‫الثقافة والتعليم حت���ى تصبح القراءة‬ ‫مكسب ًا يتمتع به جميع المواطنين دون‬ ‫تمييز أو إقصاء‪.‬‬ ‫تلع���ب المدرس���ة دورًا كبي���رًا ف���ي‬ ‫حف���ز المتعل���م عل���ى الق���راءة وتنمية‬ ‫معارف���ه وقدراته‪ .‬وفي هذا الصدد نثير‬ ‫المالحظات اآلتية‪:‬‬ ‫أ‪-‬يعان���ي الوس���ط المدرس���ي من‬ ‫آفات تس���هم ف���ي تفاقم األمي���ة‪ ،‬ومن‬ ‫ضمنها االنقطاع عن الدراس���ة‪ ،‬والهدر‬ ‫المدرس���ي‪ ،‬وإخفاق البرامج التربوية‬ ‫في تحقيق أهدافها واستجالب المردود‬ ‫المتوخ���ى‪ .‬كم���ا يعان���ي هذا الوس���ط‬ ‫ّ‬ ‫أيض ًا م���ن قلة المكتب���ات الوطنية (‪10‬‬ ‫‪ %‬على الصعي���د الوطني) والفضاءات‬ ‫الت���ي يمك���ن أن تس���عف المتعلمي���ن‬ ‫بالقراءة والقيام بأنشطة ثقافية وفنية‬ ‫موازي���ة‪ .‬ومم���ا يؤس���ف ل���ه أن أغلب‬ ‫الخزانات المدرس���ية عبارة عن قاعات‬ ‫غير صالحة وغي���ر مجهزة‪ ،‬وتتعرض‬ ‫للنهب والس���رقة‪ ،‬وتسير غالي ًا من لدن‬ ‫قيمين غي���ر أكفاء‪ ،‬وال تتوصل بالكتب‬ ‫ِّ‬

‫الجديدة‪ ،‬وال تش���ملها حمالت التفتيش‬ ‫إال نادرًا جدًا لتقويم محتوياتها وتعرف‬ ‫أحوالها ‪ .‬و يس���تفحل وض���ع القراءة‬ ‫بالمؤسس���ات التعليمي���ة أكث���ر إذا ما‬ ‫اعتمدنا مؤش���رات جدي���دة لقياس مدى‬ ‫توافر المتعلمين وغيرهم على مؤهالت‬ ‫لغوية ومعرفية ومنهجية وتقنية لبناء‬ ‫مجتمع المعرفة‪.‬‬ ‫ب‪ُ -‬يعتمد في أغلب الحصص‪ ،‬رغم‬ ‫موج���ات التجديد التربوي‪ ،‬على اإللقاء‬ ‫وهو ما يحرم المتعلم من تطوير قدراته‬ ‫على مختل���ف أنماط القراءة (على نحو‬ ‫القراءة الكلية (‪)Approche globale‬‬ ‫والق���راءة التفاعلي���ة (‪Lecture‬‬ ‫‪ )interactive‬والنق���د والبح���ث‬ ‫والمس���اءلة ومعالج���ة المعلوم���ات‬ ‫والتحليل والتأويل والتركيب‪ .‬ويحوله‬ ‫إل���ى آل���ة خامل���ة تكتفي باس���تظهار‬ ‫المحتوي���ات الملقن���ة واجترارها‪ .‬وفي‬ ‫السياق نفس���ه‪ ،‬تعتمد نسبة كبيرة من‬ ‫الطلب���ة على المقررات الدراس���ية‪ ،‬وال‬ ‫تدعمها بالرجوع إلى مراجع أساس���ية‬ ‫يمكن أن تسعفها على توسيع مداركها‪،‬‬ ‫وتنمي���ة معارفه���ا‪ ،‬وصق���ل مؤهالتها‬ ‫المنهجية‪ .‬ومما ترتب على هذه الوضع‬ ‫ركود السوق الثقافية نتيجة عدم إقبال‬ ‫‪69‬‬


‫الطلبة على اقتناء الكتب لعوامل كثيرة‬ ‫نذكر منها ما يلي‪ :‬غ�ل�اء الكتب‪ ،‬وعدم‬ ‫التع���ود على الق���راءة‪ ،‬وعدم إرش���اد‬ ‫الطلبة إلى المراجع األساسية‪ ،‬وضعف‬ ‫الخدمات المكتبية في الخزانات البلدية‬ ‫والجامعي���ة‪ ،‬وإقبال الش���باب المتزايد‬ ‫ولفترات طويلة على ش���بكة االنترنيت‬ ‫وإن كانوا ال يستثمرون إال النزر القليل‬ ‫منها «الدردشة‪ ،‬واللعب‪ ،‬والتعارف»‪.‬‬ ‫ج‪ -‬رغم ص���دور كثير من المذكرات‬ ‫التي تش���جع عل���ى تكوي���ن أندية في‬ ‫المؤسسات التعليمية سعي ًا إلى تحسين‬ ‫ج���ودة الحي���اة المدرس���ية ‪ ،‬وإع���داد‬ ‫المش���روعات البيداغوجي���ة المالئمة؛‬ ‫فه���ي مازال���ت قليلة وغي���ر مجهزة من‬ ‫الناحية اللوجس���تيكية ( انعدام وسائل‬ ‫العم���ل ‪ ،‬والتجهي���زات‪ ،‬و فض���اءات‬ ‫االش���تغال‪ ،‬والموارد المالي���ة‪ ،‬وعدم‬ ‫وج���ود حوافز مادي���ة ومعنوية) وغير‬ ‫مؤهل���ة ألداء دورها التربوي والثقافي‬ ‫لتبادل الخبرات والتعُلّمات‪ ،‬واالنفتاح‬ ‫على المحي���ط االجتماعي واالقتصادي‬ ‫والثقافي‪ ،‬والسعي إلى تزويد المتعلم‬ ‫بمهارات جديدة يك���ون لها الفضل على‬ ‫نمو شخصيته وصقل مواهبه‪.‬‬ ‫وفي خضم موجات التجديد التربوي‬ ‫اضط���رت المدرس���ة المغربي���ة إل���ى‬ ‫مراجعة مناهجها التعليمية حتى تغدو‬ ‫منسجمة مع المستحدثات البيداغوجية‬ ‫‪ ،‬ومواكبة سيرورة التنمية المستديمة‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار تم تعزيز مادة المؤلفات‬ ‫بالتص���ورات البيداغوجية المناس���بة‬ ‫(الكفايات المس���تهدفة‪ ،‬مراحل القراءة‬ ‫وس���بل تنفيذه���ا‪ ،‬التقوي���م) واقتراح‬ ‫ما يناس���بها م���ن محتويات تتماش���ى‬ ‫والمس���توى اإلدراك���ي والتعليم���ي‬ ‫للمتعلمين سعي ًا إلى تطوير مؤهالتهم‬ ‫الثقافي���ة والمعرفي���ة والتواصلي���ة ‪،‬‬ ‫وتدريبهم على «الق���راءة المنهجية»*‪،‬‬ ‫بهدف اكتس���اب عادات ومهارات جديدة‬ ‫ف���ي التعامل م���ع الكتاب س���واء داخل‬ ‫الفصل الدراسي أو خارجه‪.‬‬ ‫واختار واضعو البرامج التعليمية‬ ‫المنظورات الس���تة لحف���ز المتعلم على‬

‫‪70‬‬

‫ق���راءة الرواية على س���بيل المثال من‬ ‫زوايا مختلفة ( موضوعاتية‪ ،‬ونفسية‪،‬‬ ‫وسيميائية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وأسلوبية‪. .‬‬ ‫)‪ .‬وهي‪ ،‬في مجملها‪ ،‬عبارة عن مداخل‬ ‫أساسية لتهيئ المتعلم نفسي ًا ومعرفي ًا‬ ‫قصد التغلب على المصاعب التي يمكن‬ ‫أن تعترض س���بيله إن تابع دراس���اته‬ ‫العليا في شعب اآلداب‪ .‬ومن مزايا هذه‬ ‫تلح‪ ،‬في بعض‬ ‫المقاربة المتعددة أنها ّ‬ ‫مراح���ل تنفيذها‪ ،‬على العمل الجماعي(‬ ‫يقس���م الفص���ل الدراس���ي إل���ى س���ت‬ ‫مجموع���ات‪ .‬تكل���ف كل مجموعة على‬ ‫حدة بمنظور قرائي محدد) بهدف تدريب‬ ‫المتعلمي���ن على ق���راءة النص بطريقة‬ ‫منهجية‪ ،‬وإع���داد بطاقات القراءة التي‬ ‫تعك���س األداء التواصل���ي والمعرف���ي‬ ‫للمجموعة‪ ،‬وتبين مدى حصولها على‬ ‫القدرات الالزمة لمنافس���ة المجموعات‬ ‫األخرى وإحراز المراتب األولى‪.‬‬ ‫ورغم ما عرفته المدرس���ة المغربية‬ ‫من تطور فيما يخص تدريس المؤلفات‬ ‫والحف���ز عل���ى الق���راءة الح���رة‪ ،‬فق���د‬ ‫اعترضته���ا كثير م���ن المصاعب حالت‬ ‫دون وصولها إل���ى النتائج المرضية‪.‬‬ ‫ومن ضمن هذه المصاعب نذكر أساس ًا‬ ‫ما يلي‪:‬‬ ‫أ‪ -‬يعتم���د أغل���ب المدرس���ين على‬ ‫تلقين محتويات المؤلفات دون مراعاة‬ ‫ما تح���ث عليه المذك���رات الوزارية من‬ ‫توجيهات تهم أساس��� ًا اعتماد الطريقة‬

‫يعتمد أغلب‬ ‫المدرسين على‬ ‫التلقين دون مراعاة‬ ‫ما تحث عليه‬ ‫المذكرات الوزارية‬ ‫من اعتماد الطريقة‬ ‫الحوارية في بناء‬ ‫الدرس‬

‫الحواري���ة في بن���اء ال���درس‪ .‬وهو ما‬ ‫يح���رم المتعلم م���ن اكتس���اب مهارات‬ ‫جديدة في مجال القراءة المنهجية‪ ،‬ومن‬ ‫تحس���ين قدراته على التواصل الكتابي‬ ‫والش���فاهي‪ .‬ويتذرع الم���درس في عدم‬ ‫االمتثال للمذكرات الوزارية والوصفات‬ ‫البيداغوجية المطلوب���ة بتفاقم ظاهرة‬ ‫اكتظ���اظ الفص���ول الدراس���ية‪ ،‬وطول‬ ‫البرامج التعليمية وتكدس محتوياتها‪،‬‬ ‫وعدم انتظام سيرورة الزمن المدرسي‪،‬‬ ‫وتف���اوت المتعلمي���ن في مس���توياتهم‬ ‫وقدراته���م االس���تيعابية واإلدراكي���ة‪،‬‬ ‫واس���تفحال ظاهرة تنزي���ل محتويات‬ ‫جاه���زة من ش���بكة اإلنترني���ت‪ ،‬وعدم‬ ‫انتظام برامج التكوين المستمر لتمكين‬ ‫المدرسين من مهارات مهنية متطورة‪،‬‬ ‫وتمكينه���م م���ن مواكبة المس���تحدثات‬ ‫البيداغوجي���ة والمنهجي���ة‪ .‬وه���ذا م���ا‬ ‫ينعك���س س���لب ًا على تطوي���ر مؤهالت‬ ‫المتعل���م عل���ى النحو األمث���ل‪ ،‬ويعيق‬ ‫اكتس���ابه للمهارات الضرورية لمتابعة‬ ‫دراس���ته بنجاع���ة وفاعلي���ة‪ ،‬وتنمية‬ ‫شخصيته وذوقه وإحساسه‪ ،‬وتأهيله‬ ‫لممارسة مهنة في الحياة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬عرفت الجامعة المغربية سلسلة‬ ‫من اإلصالحات حرص ًا على استجالب‬ ‫المتوخَيْين‪ ،‬وتطوير‬ ‫المردود والجودة‬ ‫َّ‬ ‫مؤهالت الطلبة عل���ى اإلبداع واإلنتاج‬ ‫والبحث‪ .‬ومن بين المالحظات السلبية‬ ‫التي أدت إلى تعثر كثير من المبادرات‬ ‫اإلصالحي���ة البن���اءة هو ع���دم تحقق‬ ‫المالءمة بين الغايات المنش���ودة وبين‬ ‫إرغام���ات الواقع‪ .‬وما يهمن���ا‪ ،‬في هذا‬ ‫الصدد‪ ،‬هو خيبة أمل كثير من األساتذة‬ ‫بسبب تراجع المحصول القرائي لطلبة‬ ‫اليوم مقارنة بأندادهم فيما سبق‪ .‬يرشد‬ ‫األستاذ‪ ،‬على جري عادته‪ ،‬طلبته إلى‬ ‫ق���راءة مراج���ع معينة بهدف توس���يع‬ ‫محصولهم اإلدراكي‪ ،‬وتنمية رصيدهم‬ ‫اللغ���وي والمعرفي‪ .‬لك���ن أغلب الطلبة‬ ‫الميس���ر والجاهز‪ ،‬و يحبذون‬ ‫يؤثرون‬ ‫َّ‬ ‫استظهار ما ُأملي عليهم خالل مجزوءة‬ ‫دراس���ية(‪ .)Module‬ال يطلعون على‬ ‫المراج���ع المطلوب���ة بدع���وى تكلفتها‬ ‫الباهظة‪ ،‬وكثرة المواد الدراسية‪ ،‬وعدم‬


‫قدرات���ه المنهجي���ة والتواصلي���ة ف���ي‬ ‫مواجه���ة وضعي���ة ش���ائكة وعويصة‬ ‫بالنجاعة والفاعلية المنشودتين‪.‬‬ ‫مما تق���دم يتضح حج���م المصاعب‬ ‫مقرط���ة الثقاف���ة‬ ‫الت���ي تح���ول دون َد ْ‬ ‫وتوس���يع قاعدة الق���راءة في المغرب(‬ ‫مقارنة م���ع ال���دول المتقدمة) بس���بب‬ ‫انتش���ار األمية‪ ،‬وتفاقم مشاكل التعليم‬ ‫والتربية‪ ،‬وانحس���ار الس���وق الثقافية‬ ‫وضيق بنياتها االس���تيعابية‪ ،‬وتراجع‬ ‫االس���تثمار في مجال النش���ر‪ ،‬وضعف‬ ‫نس���ب اقتناء المصنف���ات المطبوعة أو‬ ‫تحمي���ل المصنف���ات المرقمن���ة‪ ،‬وقلة‬ ‫البني���ات التحتي���ة ( بالنظ���ر إلى عدد‬ ‫الس���اكنة المغربية) وضعف تجهيزاتها‬ ‫باس���تثناء ح���االت مح���دودة‪ . .‬وه���و‬ ‫م���ا يتطل���ب إصالح��� ًا ش���مولي ًا يمس‬ ‫جمي���ع القطاع���ات لتحس���ين الظروف‬ ‫المعيش���ية للمواطني���ن‪ ،‬وتمكينهم من‬ ‫الخدمات الضرورية (بما فيها الخدمات‬ ‫الثقافية والمعرفية)‪ ،‬واالرتقاء بذوقهم‬ ‫ومس���تواهم التعليم���ي والثقافي‪ .‬كما‬ ‫يس���تدعي من جميع الجه���ات المتدخلة‬ ‫أيض��� ًا إعداد مخط���ط وطن���ي للقراءة‬ ‫يش���خص المش���اكل الكبرى‪،‬‬ ‫والثقافة‬ ‫ِّ‬ ‫ويقدم مقترحات عملي���ة للتغلب عليها‬ ‫وتذليلها على نحو يسعف على إنعاش‬ ‫سوق النش���ر والكتاب‪ ،‬ويدفع الناس‪،‬‬ ‫على اختالف مس���توياتهم االجتماعية‬ ‫والثقافي���ة‪ ،‬إل���ى اقتن���اء المصنفات‪،‬‬ ‫بمختلف دعاماتها وأنواعها وأجناسها‪،‬‬ ‫وتداولها واالستفادة من محتوياتها‪.‬‬ ‫هامش‪:‬‬

‫توافر المهارات األساس���ية للتعامل مع‬ ‫مرجع ما واالستفادة من محتوياته‪.‬‬ ‫ومم���ا يح���رض الطلبة عل���ى عدم‬ ‫قراءتها ه���و تركيز أغل���ب االمتحانات‬ ‫على المحتويات المدرس���ة وليس على‬ ‫مجمل البرنامج الذي ينبغي أن ُتستوفى‬

‫جمي���ع عناصره ومكونات���ه خالل مدة‬ ‫زمنية محددة (المج���زوءة)‪ .‬وقلما ترد‬ ‫االمتحانات في ش���كل أسئلة تركيبية‪،‬‬ ‫أو تضع الطالب أمام وضعية‪-‬مش���كلة‬ ‫(‪ .)situation-problème‬وه���و م���ا‬ ‫يس���تدعي من الطالب‪ ،‬في هذه الحالة‪،‬‬ ‫أن يبرز مؤهالته الشخصية‪ ،‬ويمتحن‬

‫* «ه���ي البن���اء التدريج���ي لمعن���ى النص‬ ‫تأكد من‬ ‫انطالق��� ًا من فرضي���ات القراءة الت���ي ُي َّ‬ ‫بت���أن» ص ‪« .9 - 8‬ال يعن���ى بالقراءة‬ ‫صحتها‬ ‫ٍّ‬ ‫المنهجية استخالص معنى النص بطريقة آلية‪..‬‬ ‫إن القراءة تس���تدعي‪ ،‬بش���كل أساسي‪ ،‬نشاط‬ ‫القارئ الذي يحول عناصر النص وجزئياته إلى‬ ‫مؤش���رات دالة» ص‪ .9‬بالجملة ‪ ،‬تعتمد القراءة‬ ‫المنهجي���ة عل���ى مراحل مضبوط���ة‪ ،‬وخلفيات‬ ‫واضحة‪ ،‬وأنش���طة هادفة لحف���ز المتعلم على‬ ‫تمييز النص بالنظر إلى شكله وطبيعته‪ ،‬وعلى‬ ‫بناء محتوياته وتركيبها واستثمارها‪ .‬انظر في‬ ‫هذا الصدد‪Michel Descotes et autres, :‬‬ ‫‪Lire méthodiquement des textes,‬‬ ‫‪.Bertrand-lacoste,1995‬‬ ‫‪71‬‬


‫البركة في الّلوح‬ ‫عبداهلل ولد حممدو ‪ -‬موريتانيا‬

‫‪72‬‬

‫وراء الحف���ظ المذه���ل ال���ذي امت���از‬ ‫ب���ه كثير م���ن العلم���اء الموريتانيين أو‬ ‫الشناقطة أس���رار كثيرة وروايات عدة‪،‬‬ ‫من اإلجحاف اختزالها في عامل أحادي‪،‬‬ ‫لك���ن ثمة عنص���رًا ب���ارزاً‪ ،‬كان له األثر‬ ‫العظيم في تنمية قدرة الحفظ لدى طالب‬ ‫الكتاب التقليدي���ة الموريتانية‬ ‫مدرس���ة ُ‬ ‫«المحظرة» ه���و ذلك الرفيق الذي اتخذه‬ ‫الدارسون وس���يلة للقراءة والحفظ في‬ ‫الطرف الغربي من الوطن العربي‪ ،‬حيث‬ ‫توجد بداوة عالمة‪ ،‬بخالف المعهود من‬ ‫غلب���ة األمية في العصور الس���ابقة على‬ ‫بادي���ة أغل���ب البلدان العربي���ة‪ ،‬خاصة‬ ‫قبل انتش���ار المدارس الحديثة‪ ،‬وال تزال‬ ‫هذه الوسيلة منتشرة في مدن موريتانيا‬ ‫الكبرى وباديتها حت���ى اليوم‪ ،‬تلك هي‬


‫وس���يلة اللوح ال���ذي حمل ف���ي الثقافة‬ ‫الش���عبية الموريتاني���ة دالالت رمزي���ة‬ ‫كثيرة أبرزها استعماله كمرادف للثقافة‬ ‫نفس���ها‪ .‬وفي العادة يختار الدارس���ون‬ ‫حجم ه���ذا اللوح‪ ،‬ط���و ًال وعرضاً‪ ،‬تبع ًا‬ ‫لمستوى نموهم الجس���مي والعقلي‪ ،‬أو‬ ‫همتهم ف���ي التحصيل‪،،‬‬ ‫بناء على ق���در َّ‬ ‫وهو عبارة عن لوح خش���بي سميك ذي‬ ‫شكل مس���تطيل وقاعدة مستوية‪ ،‬أعاله‬ ‫س���تعمل جهت���اه لكتابة‬ ‫نصف دائري‪ُ ،‬ت َ‬ ‫درسين‪ :‬جديد حديث ؛ يسمى «الوجه»‪،‬‬ ‫وقديم دارس‪ ،‬يس���مى «الدرس»‪ ،‬يكتب‬ ‫فيه كل يوم محتوى دراس���ي‪ ،‬يتناسب‬ ‫مع ق���درات المتعلم ف���ي الحفظ والفهم‪،‬‬ ‫بداي���ة م���ن مس���توى التهجي���ة لمراحل‬ ‫الطفولة األولى إل���ى مراحل التخصص‬ ‫للراش���دين‪ ،‬وتصنع األقالم المستخدمة‬ ‫في الكتابة على هذه الوس���يلة من أعواد‬ ‫نباتية صلبة‪ ،‬تبرى بموسى‪ ،‬لتستعمل‬ ‫كقلم حبري مالئم لأللواح‪ ،‬ويصنع مداد‬ ‫الحبر من الفح���م والصمغ ممزوجين في‬ ‫ماء بمستوى مركز‪ ،‬وبعد قراءة الطالب‬ ‫مادته العلمية المناسبة له واستظهارها‬ ‫عن غيب يغس���لها بماء‪ ،‬ليكت���ب مكانها‬ ‫درس��� ًا جديداً‪ ،‬وغالب ًا ما يقرأ الطالب في‬ ‫المحظ���رة لوحه في فترتي���ن صباحية‬ ‫ومس���ائية‪ ،‬أو ثالث فت���رات في أوقات‬ ‫الصباح الباكر والظهيرة وبعد المغرب‪،‬‬ ‫متخذًا من وسيلة التكرار القرائي للوحه‬ ‫وصل���ة لحف���ظ مادت���ه‪ ،‬وتتك���ون بين‬ ‫الطالب القارئ في هذا النظام الدراس���ي‬ ‫وبين لوحه المق���روء ألفة ومحبة تتولد‬ ‫من طول العشرة‪.‬‬ ‫ويذهب كثي���ر من ش���يوخ المحاظر‬ ‫الموريتانيي���ن إل���ى أن ف���ي اللوح بركة‬ ‫ليس���ت في س���واه من وس���ائل التعلم‪،‬‬ ‫فهو في اعتقادهم الراس���خ ُي َس ِّهل الحفظ‬ ‫والفه���م عل���ى القارئ منه‪ ،‬ويس���تدلون‬ ‫لأْ‬ ‫اح ِم ْن‬ ‫ْو ِ‬ ‫باآلية الكريمة َ‬ ‫«و َكَتْبَنا َل ُه ِفي ا َ ل َ‬ ‫ُك ِّل َشيٍء َم ْو ِع َظ ًة َوَتْف ِ‬ ‫صيلاً ِلُك ِّل َش ْيٍء»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ول���ذا يؤمن كثير م���ن القائمين على‬ ‫الكتاتي���ب أو «المحاظر» ‪ -‬كما يس���ميها‬

‫صور ألواح وحبر مستعمل في الكتابة عليها‬

‫س���ر كامن في‬ ‫الموريتاني���ون ‪ -‬بوجود‬ ‫ٍّ‬ ‫هذه الوس���يلة الطبيعية‪ ،‬يساعد القارئ‬ ‫في تمثُّل ما ق���رئ منه‪ ،‬ويثبت في ذهنه‬ ‫حفظه بيسر وسهولة‪ ،‬ال يتهيآن لقارئ‬ ‫الدفات���ر أو الكتب الورقية‪ ،‬ويس���تدلون‬ ‫بتخرج علم���اء حفاظ كبار من مدرس���ة‬ ‫األلواح‪ ،‬يستظهرون من المتون والكتب‬ ‫ما يسحر األلباب‪ ،‬فما هو السر وراء هذه‬ ‫المزية ؟‬ ‫ال شك أن ندرة وس���ائل اإلغراء في‬ ‫البيئة المحظري���ة معين على تفرغ ذهن‬ ‫ال���دارس لمقروئ���ه‪ ،‬فليس ف���ي مخيلة‬ ‫الق���ارئ فيها م���ن األش���كال واأللوان ما‬ ‫يزاحم ذاكرة بش���رية ترك���ز كل طاقاتها‬ ‫االس���تيعابية للحفظ والفهم‪ ،‬بعيدًا عن‬ ‫وس���ائل اإلغ���راء الس���معية والبصرية‬ ‫المتواردة على ذاكرة الطالب في الفضاء‬ ‫المدرسي الحضري‪.‬‬ ‫لقد تغنى باللوح كثير من الش���عراء‬ ‫الشناقطة كاشفين تأصل الخلة والمودة‬ ‫الناش���ئة من معاش���رة اللوح الذي أبى‬ ‫الشاعر ابن حنبل الحسني الوفي للوحه‬ ‫المغ���رم ب���ه أن يلتف���ت إلى م���ن يلومه‬ ‫في طول االنش���غال ب���ه‪ ،‬فلديه ظمأ إلى‬

‫المعرف���ة ال يطفئه غير طول صحبة هذا‬ ‫الل���وح الحامل صن���وف الثقافة العربية‬ ‫اإلس�ل�امية‪ ،‬لقد ش���غفه حباً‪ ،‬ولم يعبأ‬ ‫بص���وارف الرغبة في الث���راء المادي أو‬ ‫الميل إلى االتصال بالغواني الجميالت‪،‬‬ ‫يقول هذا الشاعر‪:‬‬ ‫عم صبح ًا أفلحت كــل فـالح‬ ‫ْ‬

‫ ‬

‫فـيـك يا لـــــــوح لم أطع ألف الح‬

‫أنت يا لوح صاحبي وأنيسي‬ ‫ ‬

‫ـواحي‬ ‫وشفـائي من غـلتي وُل َّ‬

‫ ‬

‫الح‬ ‫ومحـيـاك‪،‬ال وجـــوه الـمـِ َ‬

‫بـك ال بالـثـرا كـلفـت قـديـم ًا‬

‫وبالرغم من التطور الذي نال وسائل‬ ‫التعل���م والتعليم ال يزال اللوح وس���يلة‬ ‫قرائية مفضلة ل���دى الموريتانيين حتى‬ ‫يوم الناس هذا‪ ،‬رغم انتش���ار وس���ائل‬ ‫أخرى كثيرة م���ن دفاتر وكتب وغيرها‪،‬‬ ‫غلبت على المدارس النظامية في العصر‬ ‫الحاض���ر‪ ،‬وإذا كان ابن حنبل قد أفصح‬ ‫باألم���س عن ارتباط وثيق بلوحه صنع‬ ‫من شخصيته العلمية قامة ثقافية سامقة‬ ‫في التراث العربي اإلس�ل�امي لهذا البلد‪،‬‬ ‫فهل تقفو األجيال اليوم أثره طلب ًا للتميز‬ ‫والنبوغ ؟‬

‫‪73‬‬


‫خرافة البراءة‬ ‫د‪� .‬أحمد يو�سف علي ‪ -‬جامعة قطر‬

‫‪ - Pablo Picasso‬إسبانيا‬ ‫‪74‬‬

‫هل هناك قراءة بريئة ؟ وما معنى‬ ‫البراءة؟ وإذا كنا نقصد بالكتابة ‪ -‬وهي‬ ‫تجس���يد القراءة‪ -‬التعبي���ر عن موقف‬ ‫فك���ري أو أخالق���ي أو استكش���افي‪،‬‬ ‫فكيف نتقبل القول الش���ائع في حياتنا‬ ‫الفكري���ة وه���و الكتاب���ة المحايدة أو‬ ‫الق���راءة المحاي���دة بمعن���ى أن الكاتب‬ ‫يقف على مسافة متساوية من األطراف‬ ‫الذي���ن يكتب عنه���م‪ ،‬أو أنه يتجرد من‬ ‫مخ���زون عقل���ه ووجدانه ومالبس���ات‬ ‫انتماءاته السياسية واالجتماعية حتى‬ ‫وإن لم يكن له انتس���اب معلن لجماعة‬ ‫من جماعات ال���رأي أو الفكر أو العمل‬ ‫السياس���ي؟‪ .‬لو تقبلنا ذلك وصدقناه‬ ‫لفتحنا باب ًا واسع ًا من الوهم والضالل‬ ‫ودعونا الناس إلي���ه لتصديقه‪ .‬فحياد‬ ‫الق���راءة مث���ل حي���اد الكتاب���ة خرافة‬ ‫وه���ذا هو ما نعنيه من التس���اؤل الذي‬ ‫طرحن���اه ف���ي ص���در الس���طر األول‪.‬‬ ‫وتاريخ الكتابة‪ /‬القراءة يؤيد ما نقول‬ ‫ويدحض خرافة الحياد الذي نعيش في‬ ‫ونروج له عندما يتملكنا اإلعجاب‬ ‫ظله‬ ‫ِّ‬ ‫بما يصنعه أحد منا لسبب أو آلخر‪.‬‬ ‫إن الق���راءة بمعن���ى أنه���ا انتخاب‬ ‫فردي لما يريد القارئ تفرضه ظروفه‬ ‫في زمن���ه وحاجته إلى المقروء ومدى‬ ‫وعي���ه بالعالقة الفارق���ة بين الماضي‬ ‫والحاض���ر وبي���ن ترتي���ب القي���م في‬ ‫الس���لم االجتماعي ومساحات التوافق‬ ‫واالختالف واألش���باه والنظائر‪ .‬هذه‬ ‫القراءة فعل إنس���اني يمارس���ه العقل‬ ‫والوج���دان مع ًا وف���ي آن واحد ويؤكد‬ ‫خرافة مقولة الحياد‪ ،‬ويكش���ف الزيف‬ ‫كما يكش���ف األصالة في المقروء‪ ،‬كما‬ ‫يبين ع���ن عدالة عين القارئ فيما يرى‬ ‫وفيما يغض الط���رف عنه‪ ،‬وقد يكون‬ ‫ه���ذا المغض���وض عنه الط���رف أولى‬ ‫بالتركيز عليه واإلعالء من شأنه‪.‬‬ ‫ومن طري���ف هذا الفع���ل في عالم‬ ‫الشعراء ما صنعه أبو تمام في قراءته‬ ‫لمن س���بقه من الش���عراءإذ لم يشأ أن‬


‫يت���رك نتاج قراءت���ه رهن��� ًا لتقديرات‬ ‫قارئي شعره لكنه لم يذكر كل الشعراء‬ ‫الذين قرأ لهم واكتفى بمن نالوا رضاه‬ ‫واتفقوا مع أس���لوبه في كتابة الشعر‬ ‫وخاصة بناء الصورة الش���عرية التي‬ ‫تضافرت فيها خيوط معرفية عديدة مع‬ ‫اتجاهه الفلس���في ومع يقظة الحواس‬ ‫وصحوة العقل‪ ،‬فجمع خالصة قراءته‬ ‫في (حماستيه الكبرى والصغرى) ولم‬ ‫يكن موضوع قراءة أبي تمام بعيدًا أو‬ ‫مفارق ًا لهموم أبي تمام الشاعر والمفكر‬ ‫م���ن جهة وأبي تم���ام القريب من بالط‬ ‫صانع القرار السياس���ي واالجتماعي‬ ‫م���ن جهة أخرى‪ .‬لقد كان أبو تمام قلق ًا‬ ‫مؤرق ًا بس���بب رؤيته النافذة إلى عمق‬ ‫األوضاع اإلنسانية وخوفه من انفالت‬ ‫التعبير الش���عري المصور لمأس���اة ما‬ ‫ي���رى ويعاي���ش‪ ،‬وفي الوقت نفس���ه‬ ‫يتحرى الصدق فيم���ا يصور ويصوغ‪.‬‬ ‫من هنا كانت قراءته للتراث الش���عري‬ ‫ق���راءة محفوف���ة بظالل ه���ذا الموقف‬ ‫الفك���ري والش���عري ومحكوم���ة بما‬ ‫يستجيب لهموم هذا الموقف وقضاياه‬ ‫من نصوص الشعراء السابقين عليه‪،‬‬ ‫وه���ذا ما دعاه إل���ى االنتخاب والفرز‪،‬‬ ‫واالنتخ���اب والفرز أول خ���رق لفكرة‬ ‫الحياد وهدم لمس���ألة البراءة ودحض‬ ‫لشائعة الموضوعية‪.‬‬ ‫وبع���د االنتخ���اب والف���رز يأت���ي‬ ‫تفس���ير المقروء وتوظيفه في س���ياق‬ ‫جديد ليس هو الس���ياق المنتج للنص‬ ‫المقروء بل هو السياق المبشر بموقف‬ ‫مغاير في واقع جديد‪(.‬فالدهر المغفل)‬ ‫و(الزمن الحم���ار) كما ي���رى أبو تمام‬ ‫لي���س هو(زمن القرود) كم���ا يرى أبو‬ ‫نواس‪ ،‬وليس ه���و الزمن المراوغ كما‬ ‫يرى عب���د الصبور‪ .‬فه���ؤالء جميع ًا لم‬ ‫يفارقهم اإلحساس بوطأة الزمن وثقله‬ ‫على النف���س وإن تباينت صورهم في‬ ‫التعبي���ر عن ه���ذا اإلحس���اس‪ ،‬لكنهم‬ ‫كان���وا ق���راء كبارًا لما س���بق عصرهم‬ ‫م���ن المفكرين والش���عراء ولم يكونوا‬

‫براءة القراءة‬ ‫مثل براءة الكتابة‬ ‫خدعة لها وجهان‪:‬‬ ‫وجه سلبي‪ ،‬ووجه‬ ‫إيجابي‬ ‫أبدًا مثل األطفال‪ -‬إال في الدهشة وهي‬ ‫أس���اس المعرفة‪ -‬لهم ذاك���رة بيضاء‬ ‫وعقول محاي���دة كالمرآة‪ ،‬ب���ل كانوا‬ ‫مثل عين الصقر تلتقط األشياء من بعد‬ ‫وتعرف كيف تضعه���ا في مكان مغاير‬ ‫لمكانها األول‪.‬‬ ‫وبراءة الق���راءة مثل براءة الكتابة‬ ‫خدعة لها وجهان‪ :‬وجه سلبي‪ ،‬ووجه‬ ‫إيجابي‪ .‬أما الس���لبي فيتمثل في إهدار‬ ‫اس���تقالل الموضوع المق���روء ظن ًا من‬ ‫القارئ أو الكات���ب أن الذات ال تنفصل‬ ‫عن الموض���وع بمعن���ى أن األثر الذي‬ ‫يق���رؤه ال وجود ل���ه وال تأثير إال عبر‬ ‫الذات القارئة التي تمنحه وجوده كما‬ ‫تمنحه حياته عبر انتشاره من جديد بين‬ ‫الناس‪ .‬وما أكثر هذا الفعل من القراءة‬ ‫في حياتن���ا المعاصرة‪.‬فم���ن يعادون‬ ‫التقدم والتطور ف���ي الواقع المعاصر‬ ‫ال يعترف���ون أبدًا ب���أي إنجاز علمي أو‬ ‫اقتصادي أو اجتماعي ألنهم في حقيقة‬ ‫األمر يمارس���ون القراءة الس���لبية لما‬ ‫يقرؤون من نص���وص التراث العلمي‬ ‫أو الديني وه���م منحازون بالضرورة‬ ‫لفكرة مس���تقرة ف���ي أذهانهم عن زمن‬ ‫س���ابق وال وجود لها في الواقع‪ .‬هذه‬ ‫الفكرة هي أن السابقين قد أحرزوا كل‬ ‫تقدم وحققوا كل سبق‪.‬‬ ‫وهذه األزمنة هي أزمنة المسلمين‬ ‫األوائل‪ .‬فإذا قرأنا ف���ي مناهج البحث‬ ‫عن أهمية فكرة الش���ك المنهجي التي‬ ‫قدمه���ا ديكارت‪ ،‬كان ال���رد جاهزًا عند‬ ‫ممثلي القراءة الس���لبية ف���ي أن فكرة‬

‫الشك المنهجي ليس���ت جديدة أبدًا فقد‬ ‫تحدث عنها الغزال���ي في كتابه(إحياء‬ ‫علوم الدين) وإذا ما أنجز طه حس���ين‬ ‫قراءت���ه الكاش���فة عن انتحال الش���عر‬ ‫الجاهلي مس���تخدم ًا المنط���ق العلمي‬ ‫القائم على الشك ومناقشة المنقول من‬ ‫األدل���ة والنصوص المنس���وبة للعصر‬ ‫الجاهلي‪ ،‬وكان ش���جاع ًا في مواجهة‬ ‫الكس���اد العقلي والرض���وخ لمقوالت‬ ‫األس�ل�اف والتصديق المطلق لألبطال‬ ‫من الرواة والش���راح والكتاب كان الرد‬ ‫على هذا اإلنجاز جاهزًا لدى أهل القراءة‬ ‫السلبية الذين يصدقون ما في عقولهم‬ ‫بقوله���م إن هذه الدراس���ة مبنية على‬ ‫مقوالت المستشرقين الذين استخدموا‬ ‫طه حس���ين رأس حربة له���دم التراث‬ ‫الش���عري‪ ،‬وأن طه حسين لم يراع ما‬ ‫هو مقدس وطعن فيه وأس���قطه‪ .‬لكن‬ ‫أحدًا من هؤالء لم يقم بدراسة مناقضة‬ ‫لدراسة طه حسين‪ ،‬ولم يقدم فروض ًا‬ ‫جديدة يمكن أن تؤدي إلى نتائج جديدة‬ ‫تضيف إل���ى هذه القضي���ة وال تنقص‬ ‫منها‪ ،‬ولم يش���غل نفس���ه بالموضوع‬ ‫المبحوث بل ش���غل نفس���ه بشخصية‬ ‫الباحث وعقيدته وعالقاته وسخر كل‬ ‫طاقته في إس���قاط الش���خصية‪ ،‬وظل‬ ‫الموضوع المبحوث كما هو وإن أصابه‬ ‫بعض الش���رر والتعتيم والعجيب في‬ ‫األم���ر أن ما ذاع وانتش���ر بين الناس‪-‬‬ ‫بس���بب القراءة الس���لبية‪ -‬ه���و ما قيل‬ ‫ع���ن الباحث وع���ن بحثه‪ .‬أم���ا البحث‬ ‫ذاته فقد صودر وظل محظورًا نش���ره‬ ‫وتداوله وكأنه عورة من العورات‪ .‬أما‬ ‫الوجه اإليجاب���ي لخدعة براءة القراءة‬ ‫والكتابة فيتمثل فيم���ا يمكن أن نطلق‬ ‫علي���ه (ص���راع الق���راءات) وتعني أن‬ ‫الموض���وع المقروء هو م���دار التأويل‬ ‫والتفسير‪ .‬وتظل فكرة براءة الكتابة أو‬ ‫القراءة فكرة ال أس���اس لها من الصحة‬ ‫وأن قيمته���ا رهين���ة بمواقع أصحابها‬ ‫في الس���لم االجتماعي وليس���ت رهينة‬ ‫بقيمة العلم والفكر عبر التاريخ‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫العاشق‬ ‫والمعشوق‬ ‫د‪ .‬مرمي النعيمي ‪-‬جامعة قطر‬ ‫رد‬ ‫الق���راءة هم عربي م���ؤرق‪ ،‬إليه ُي ّ‬ ‫اتجاهن���ا القهق���رى ف���ي حلبة الس���باق‬ ‫الحضاري المزدح���م بأمم قارئة‪ ،‬أدارت‬ ‫األرض بتقنيته���ا المهيمن���ة‪ ،‬وارتق���ت‬ ‫إل���ى الفضاء برؤاها الطامحة‪ ،‬لتبس���ط‬ ‫س���لطانها على كواكب عدي���دة بطاقاتها‬ ‫القرائي���ة‪ ،‬تارك���ة خل���ف غباره���ا أمم ًا‬ ‫نب���ذت القراءة وراء ظهره���ا‪ ،‬لتهبط بما‬ ‫جنت على نفس���ها ف���ي دركات التخلف‪،‬‬ ‫ممعنة ف���ي اإلعراض عن مص���در الرقي‬ ‫واالنصراف عن مدار النهوض الذي يمكن‬ ‫تلخيصه ف���ي أزمة مركزي���ة كبرى هي‬ ‫أزمة عالقتها بالقراءة‪.‬‬ ‫ولعل الق���راءة في العص���ر الحاضر‬ ‫أصدق معيار للتطور والرقي الحضاري‬ ‫والثقافي‪ ،‬وإحص���اءات معدلها مصدقة‬ ‫لذلك‪ ،‬فقد كشفت اليونسكو في بياناتها‬ ‫عن نس���بة مزرية لمقدار مقروء اإلنسان‬ ‫العربي موازنة بنظي���ره الغربي‪ ،‬حيث‬ ‫ُيق���در متوس���ط م���ا يق���رأه العربي في‬ ‫الس���نة بس���ت دقائق مقابل اثني عش���ر‬ ‫أل���ف دقيقة للغرب���ي! وطبيعي أن تتبع‬ ‫ذل���ك إحصاءات أخ���رى مرتبط���ة بهذه‬ ‫النسبة المنحطة أكثر إزراء وانحطاطاً‪،‬‬ ‫كنسب النشر والترجمة والتوزيع للمادة‬ ‫المقروءة‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫وال ش���ك أن وراء هذه األزمة بواعث‬ ‫بنيوية ف���ي التكوين الثقاف���ي والتفكير‬ ‫الس���ائد ف���ي المجتمع���ات العربية‪ ،‬وال‬ ‫يمك���ن حصرها في عامل أح���ادي‪ ،‬وإن‬ ‫حام�ل�ا أوفر نصيب‬ ‫كان المقروء نفس���ه‬ ‫ً‬ ‫من ه���ذه البواعث المثبطة للنمو القرائي‬ ‫الثقافي في وطننا العربي‪.‬‬ ‫إن القارئ يقوم بعملية شديدة التعقيد‪،‬‬ ‫متش���ابكة األدوار‪ ،‬متع���ددة األطراف‪،‬‬ ‫وحين تنسجم جهاتها األساسية المكونة‬ ‫لها انس���جام ًا تفاعلي ًا قائم ًا على الرغبة‬ ‫الذاتي���ة واإلرواء الفكري لظمأ الش���وق‬ ‫الروحي واالس���تجابة لحاجات ومطالب‬ ‫القارئ تكون ممارس���ة إنس���انية راقية‬ ‫لمعنى من أجل معاني الحياة‪ ،‬وتحقيق ًا‬ ‫لجوهر وجود البشر في أسمى دالالته‪.‬‬ ‫ولعل مكمن الخلل ومناط القصور في‬ ‫األزمة القرائية لدينا راجع الختالل شبكة‬

‫العالقة بين القارئ‬ ‫والمقروء تصل إلى‬ ‫مستوى من التالحم‬ ‫يبلغ مرتبة الذوبان‬ ‫في وحدة وجودية‬

‫العالقات المؤسسة لنظام القراءة‪ ،‬فمتى‬ ‫كانت القراءة مجردة من الش���غف الذاتي‬ ‫والتوق الوجدان���ي واالرتباط الروحي‪،‬‬ ‫خالية من معنى إنس���اني نبيل‪ ،‬ضئيلة‬ ‫العائ���دات والمناف���ع المادية لم ينش���ط‬ ‫إليه���ا متحمس ولم يتحرك إليها مندفع‪،‬‬ ‫وانطالق ًا من هذا المنظور نس���تطيع أن‬ ‫نقول إن القراءة كحوار وجداني روحي‬ ‫ذي قط���وف مادي���ة لم يبق م���ن مجدها‬ ‫العربي اإلس�ل�امي غير ذم���اء يحتضر‪،‬‬ ‫ف�ل�ا المكتب���ات التي ش���يدت في عصور‬ ‫أمة «اقرأ» اإلس�ل�امية الزاه���رة تجد لها‬ ‫في عالمن���ا العربي اليوم امتداداً‪ ،‬يحفظ‬ ‫لتراثه���ا ألق���ه‪ ،‬ويعيد إلي���ه مجده‪ ،‬وال‬ ‫المبدع كان ل���ه من الحضور ما‬ ‫المق���روء َ‬ ‫ينتسب لتلك األيام المضيئة من تاريخنا‬ ‫العربي المجيد‪.‬‬ ‫في الن���ص المقروء المبدع مغناطيس‬ ‫جذاب يأس���ر قلب القارئ‪ ،‬ويملك عقله‪،‬‬ ‫لتتح���ول العالقة بي���ن الق���ارئ المحب‬ ‫والمق���روء المعش���وق إلى مس���توى من‬ ‫التالحم واالنسجام‪ ،‬يصل درجة الهيام‪،‬‬ ‫ويبلغ مرتبة الذوبان في وحدة وجودية‬ ‫أقرب إل���ى ما يع���رف بوح���دة الوجود‬ ‫أو الحل���ول ل���دى الصوفية‪ ،‬وم���ن أراد‬ ‫أن يفه���م هذه العالق���ة الروحية القائمة‬ ‫على العش���ق المتأصل في الذات القارئة‬ ‫لمادته���ا المق���روءة يطالع حي���اة األمم‬ ‫القارئة في مس���ارح حياته���ا المتعددة‪،‬‬ ‫فهو واجد فيه���ا من االرتباط بين القارئ‬ ‫العاشق وبين المقروء المحبوب ما يبهر‬ ‫لبه ويثير حاسة االستغراب لديه‪ ،‬فلوال‬ ‫ه���ذا االرتباط الروحي لم���ا كان المقروء‬ ‫ل���دى األمم القارئة الراقي���ة حاضرًا أمام‬ ‫عيون القراء في حلهم وترحالهم‪ ،‬فال هم‬ ‫يصب���رون عن وصال النص المقروء في‬ ‫سفرهم وإقامتهم‪ ،‬وكأن القراءة سياحة‬ ‫يروح فيها اإلنسان عن نفسه في لحظات‬ ‫ّ‬ ‫الخلوة‪ ،‬ويش���غل بها مواقي���ت الفراغ‪،‬‬ ‫لتعمره نفحات اإلش���راقات المتجلية من‬ ‫وراء الس���طور‪ ،‬ويش���ع ن���ور الحقائق‬ ‫الكونية في حياة هذا اإلنس���ان القارئ‪،‬‬ ‫ويتحول م���ن مغ���رم بالمادة الحس���ية‬ ‫إل���ى محب للثقاف���ة بمفهومه���ا المتكامل‬


‫‪ - Ignat Bednarik‬رومانيا‬

‫ال���ذي يرق���ى بالنفس إلى حي���اة مثلى‪،‬‬ ‫يمت���زج فيها الروح���ي بالم���ادي‪ ،‬وإذا‬ ‫كانت المراق���ي الصوفية تمر بمراحل من‬ ‫الرياضات الروحية‪ ،‬تنتهي بالنفس إلى‬ ‫التوحد وفق الرؤية الفلس���فية الصوفية‬ ‫يعب���ر مدارج‬ ‫بي���ن طرفين ف���إن القارئ ُ‬ ‫الرق���ي نحو االندماج بالن���ص المقروء‪،‬‬ ‫يش���ده الش���وق إلى نور الكلمة والتعلق‬ ‫بحقيقة المعاني الكامنة وراء السطور‪،‬‬ ‫وبقدر ما ينجح ُكتاب الكلمة ومس���طرو‬ ‫النص المقروء في خلق مشوقات آسرة‬ ‫لوجدان القارئ جاذبة لعقله يتم اختصار‬

‫المسافات حتى يقترب القارئ من الذوبان‬ ‫الصوفي والفناء العشقي‪ ،‬في ذات النص‬ ‫المتجلية إش���راقاته في صور من السمو‬ ‫والرقي والتشويق‪ ،‬يحول عملية القراءة‬ ‫إلى فعل سحري‪ ،‬يصيب سويداء مرتاد‬ ‫مدارجها‪ ،‬ليتم تفاني القارئ في مقروئه‬ ‫واإلمح���اء والذوب���ان فيه وف���ي النهاية‬ ‫تتحلى إش���راقات المقروء الساحرة في‬ ‫حياة اإلنسان سموًا ورقياً‪.‬‬ ‫م���ا أحوجن���ا إل���ى تغيير فلس���فتنا‬ ‫القرائي���ة وإع���ادة التفكي���ر ف���ي مادتنا‬ ‫المقروءة حتى نرتقي بالقارئ إلى درجة‬

‫العشق الصوفي لمادته المقروءة‪ ،‬ولعل‬ ‫من أخصر الس���بل إلى ذل���ك إحياء روح‬ ‫اإلبداع في نصوصن���ا المقروءة‪ ،‬وبعث‬ ‫قيم الغن���اء والثراء فيه���ا لخلق جوالب‬ ‫التش���ويق حتى يرجع للقراءة وهجها‪،‬‬ ‫وتعود أمتنا إلى الريادة والقيادة قارئة‬ ‫كما كانت في عصورها األولى‪ ،‬تبدع من‬ ‫المادة المقروءة ما يميل القلوب‪ ،‬ويأسر‬ ‫العقول‪ ،‬ويمهد الدروب لصناعة نس���خة‬ ‫من الثقافة والتقانة تضاهي منتوج األمم‬ ‫األخرى الس���باقة في مضمار ركب النماء‬ ‫والتطور في عصرنا الحاضر‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫ال أحد يحتسي‬ ‫القهوة االفتراضية‬

‫جهاد بزي ‪ -‬بريوت‬ ‫الشابة العش���رينية الجالسة وحدها‬ ‫إل���ى طاول���ة مقه���ى الرصي���ف‪ ،‬تقرأ‬ ‫وتشرب من فنجان قهوتها ببطء ومتعة‪.‬‬ ‫هي ليس���ت منفصلة تمام��� ًا عن مكانها‪.‬‬ ‫تعلم أنها مرئية‪ .‬مالمح وجهها وخصلة‬ ‫شعرها التي ترفعها عن جبينها وألوان‬ ‫ثوبها الخريفي وخواتمها وأس���اورها‪.‬‬ ‫كل م���ا فيها مرئي‪ ،‬وهي‪ ،‬كما معظمنا‪،‬‬ ‫تري���د أن تطمئن إلى أنها تترك انطباع ًا‬ ‫ما عند اآلخرين‪ ،‬ولو كانوا غرباء‪ .‬تترك‬ ‫أثرًا ما في عابرين لن ترى وجوههم‪.‬‬ ‫غالف الكتاب الذي تقرأه يدل إلى ما‬ ‫تريده لصورتها‪ .‬ما تقرأه هو ما تكون‪.‬‬ ‫وإذ تقرأ في هذه في المس���احة العامة‪،‬‬ ‫تفعل ما هو أبعد من القراءة‪ .‬إنها تعلن‬ ‫عن هوية‪ ..‬هويتها‪.‬‬ ‫لنبدأ م���ن هنا‪ :‬من أنها إذا كانت تقرأ‬ ‫في كتاب إلكتروني‪ ،‬فقد خس���رت األمل‬ ‫الصغير اللطيف بأن يثني أحدهم‪ ،‬ولو‬ ‫بنظرة سريعة متبادلة على اختيارها‪،‬‬ ‫كتاب ميالن كونديرا‪« ،‬خفة الكائن التي‬ ‫ال تحتمل»‪.‬‬ ‫غير أن الجهاز الذي يبذل جهدًا كبيرًا‬ ‫كي يك���ون كتاباً‪ ،‬يؤمن لها مزايا كثيرة‬ ‫أخرى‪ .‬الجهد الذي س���تقوم به البتياع‬ ‫الكتاب بسيط‪ ،‬ويمكن كل عارف بأمور‬

‫‪78‬‬

‫اإلنترن���ت أن يق���وم به ف���ي دقائق هي‬ ‫الفت���رة الكافية لدفع ثمن���ه وإنزاله من‬ ‫موقع���ه‪ ،‬ما لم يكن مجاني���اً‪ ،‬والمكتبة‬ ‫المفتوح���ة المواق���ع عل���ى اإلنترن���ت‬ ‫تض���م‪ ،‬حرفياً‪ ،‬ما ال يحصى من الكتب‪.‬‬ ‫والنسخة االلكترونية ستظل موجودة‪،‬‬ ‫بال حج���م‪ ،‬ف���ي مكانه���ا‪ ،‬إل���ى األبد‪،‬‬ ‫بانتظارها‪ ،‬لتعيدها إلى الشاش���ة متى‬ ‫شاءت لتقرأها من جديد‪.‬‬ ‫القراءة اإللكترونية س���تكون أسهل‪:‬‬ ‫حجم الخط المالئ���م‪ .‬الترجمة الفورية‬ ‫للكلم���ات‪ .‬كم���ا إمكانية معرف���ة كل ما‬ ‫يتعل���ق بأي م���كان‪ ،‬أو زمان‪ ،‬أو زي‪،‬‬ ‫أو حتى ش���خص‪ ،‬بمجرد نسخ الكلمة‬ ‫المنتقاة من الن���ص ورميها في غوغل‪.‬‬ ‫المتخيلة أي‬ ‫هكذا‪ ،‬ل���ن يبقى لقارئتن���ا ُ‬ ‫غام���ض في النص بين يديها‪ .‬هذا إن لم‬ ‫تسحبها كلمة «براغ»‪ ،‬مثالً‪ ،‬إلى الغرق‬ ‫ف���ي آالف الصفحات والصور‪ ،‬واألفالم‬ ‫القصي���رة‪ ،‬وكل م���ا قيل ع���ن المدينة‪،‬‬ ‫وتاريخها‪ ..‬حتى إذا ما عادت إلى حيث‬ ‫تركت الصفحة‪ ،‬باتت مرهقة وفد تشتت‬ ‫ذهنها‪ ،‬وشعرت باالكتفاء من «القراءة»‬ ‫له���ذا اليوم‪ ،‬مع أنها‪ ،‬عل���ى األرجح لم‬ ‫تقرأ شيئاً‪.‬‬ ‫بال أي انتب���اه إلى الحني���ن‪ ،‬يذهب‬

‫القارئ اإللكتروني إلى الهدف مباشرة‪:‬‬ ‫الق���راءة‪ .‬ه���و ال يعي���ر اهتمام���اً‪( ،‬وال‬ ‫يس���تطيع أصالً) ل���كل تل���ك الطقوس‬ ‫والع���ادات الت���ي يدمنها محب���و الكتب‪.‬‬ ‫القراءة عند هؤالء تب���دأ قبل وقت كثير‬ ‫من الجل���وس إلى المقعد وفتح الكتاب‪.‬‬ ‫تبدأ‪ ،‬ربم���ا‪ ،‬من المش���ي على رصيف‬ ‫الشارع المفضل‪ ،‬والدخول إلى المكتبة‪،‬‬ ‫وبذل وقت طويل بي���ن الكتب‪ ،‬حملها‪،‬‬ ‫وتحسس أغلفتها‬ ‫وتقليبها بين اليدين‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وفلفش���ة أوراقها‪ ،‬وفي ح���االت كثيرة‬ ‫ش���م الرائحة الطازجة للكتاب الجديد‪.‬‬ ‫االختبارات التي يخضعها كل واحد منا‬ ‫للكتب على طريقته هي جزء أساس���ي‬ ‫حيزها في‬ ‫م���ن متعة الق���راءة‪ ..‬كذل���ك ّ‬ ‫المكتب���ة‪ ،‬كذل���ك المالحظ���ات بالخط‬ ‫الصغير عل���ى أطراف الكتب‪ .‬الصفحات‬ ‫المطوية في أعاله���ا لمن لديه مثل هذه‬ ‫العادات المكروهة عند آخرين‪ .‬تكويمها‬ ‫في طبق���ات تضيق بها الغ���رف لتترك‬ ‫لدينا ذاك الشعور الغامض بالرضى عن‬ ‫أنفسنا ألننا قرأنا‪ .‬نس���يانها لسنوات‪،‬‬ ‫والتفرج على كل‬ ‫وفْتحها‪،‬‬ ‫ثم ُّ‬ ‫تذكره���ا‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ما فيه���ا‪ .‬مالحظ���ات الهوامش‪ ،‬وصل‬ ‫ش���راء غرض وضعناه هناك كي نعود‬ ‫إلى حيث انقطعنا ع���ن القراءة‪ ،‬وصل‬ ‫يتبين أنه كان لقميص ما ربما‪ ،‬أو للعبة‬ ‫أطفال‪ .‬إهمالها لس���نوات‪ ،‬ثم فتحها من‬ ‫جديد على توقيع لشاعر كبير راحل على‬ ‫طبعة أولى‪ .‬كتب ُأهديت إلينا‪ ،‬وأخرى‬ ‫أهديناها‪ .‬كتب أعرناها ولم ترجع إلينا‪.‬‬ ‫كت���ب ندمنا ألنن���ا اش���تريناها‪ ،‬لكننا‪،‬‬ ‫وبس���بب ولعنا الغري���ب بالحنين على‬ ‫األرجح‪ ،‬ال نرميها‪ ،‬كتب مفككة بس���بب‬ ‫صمغها السيئ‪ ،‬كتب أنيقة بغالف قاس‬ ‫وورق فخ���م‪ .‬أخرى مجاني���ة‪ ،‬ثالثة لم‬ ‫تفتح يوم���اً‪ ،‬إما لخوف من صعوبتها‪،‬‬ ‫وإما ألننا لم نتحم���س لها‪ .‬كتب ننتظر‬ ‫بش���وق أن ينتب���ه إليه���ا أطفالن���ا إذ‬ ‫يكبرون‪ .‬كتب نشبهها وتشبهنا‪.‬‬ ‫العال���م اإللكتروني ُم ِ‬ ‫���ر على قتل‬ ‫ص ّ‬ ‫الزم���ن‪ .‬والوق���ت ال يم���ر عل���ى الكتاب‬ ‫اإللكترون���ي ألنه غي���ر موج���ود حقاً‪.‬‬ ‫هو مجموعة من اإلش���ارات الكهربائية‬ ‫الت���ي يمكن استنس���اخها بع���دد مرات‬


‫‪ - George F. Fishman‬الواليات المتحدة‬

‫النهائي‪ .‬كم���ا أن ال ش���كل حقيقي ًا لها‪:‬‬ ‫يمكنه���ا أن تكب���ر وأن تصغر بحس���ب‬ ‫الشاشة المستخدمة‪ .‬يمكننا استعادتها‬ ‫من مخبئها مئات الم���رات‪ ،‬ولن تصاب‬ ‫أط���راف أوراقها ب���ذاك االهت���راء الذي‬ ‫يترك لنا أثرًا علينا‪ .‬قد نستطيع وضع‬ ‫مالحظاتنا بقل���م إلكتروني عليها‪ ،‬وقد‬ ‫ندعي أننا طوينا أعلى الصفحات فيها‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫لكن هذه مح���اكاة‪ .‬الكت���ب االلكترونية‬ ‫ستعيش معنا لعش���رات السنين ربما‪،‬‬ ‫وننقله���ا من جهاز قراءة إلى آخر‪ ،‬ولن‬ ‫نرتبط بها وترتبط بنا بأي عالقة ُتذكر‪.‬‬ ‫لن تكون لنا حقاً‪ ،‬وربما لن نشعر بأي‬ ‫خس���ارة‪ ،‬إذا محوناه���ا عرض���اً‪ ،‬ألننا‬ ‫ق���ادرون على جلبها‪ ،‬هي نفس���ها‪ ،‬بال‬ ‫أي عن���اء‪ .‬هي موجودة‪ ،‬لكنها ليس���ت‬ ‫سمي‬ ‫موجودة تماماً‪ ،‬افتراضية على ما ِّ‬ ‫كل شيء إلكتروني‪ ،‬لكنها تشق طريقها‬ ‫االفتراضي للسيطرة على سوق الكتب‬ ‫في الغرب على األقل‪ ،‬والشرق سيلحق‬ ‫بالركب على عادته‪ ،‬وإن متأخراً‪.‬‬ ‫إنها ليس���ت مس���ألة قراءة فقط‪ ،‬بل‬

‫أس���لوب حي���اة‪ .‬رف���وف المكتب���ة في‬ ‫البيت‪ ،‬وفضول االصدقاء‪ ،‬كما فضولنا‬ ‫ف���ي المقابل‪ ،‬في التف���رج عليها‪ ،‬وفتح‬ ‫أحادي���ث حوله���ا‪ ،‬والتعبير ع���ن الود‬ ‫بالتخل���ي عن كت���اب لكس���ب صديق‪،‬‬ ‫كل ه���ذا لن يتم بين شاش���تين‪ ،‬كما أن‬ ‫إهداء نس���خة م���ن كت���اب الكتروني لن‬ ‫تعني شيئ ًا ألحد‪ .‬كما أن معرض الكتب‬ ‫س���يكون بال جدوى‪ ،‬وال كتب فيه‪ ،‬بل‬ ‫شاش���ات‪ .‬ليس���ت القراءة وحدها‪ .‬إنها‬ ‫كل م���ا يحيط بها أيضاً‪ ،‬وال يمكن خلقه‬ ‫افتراضياً‪.‬‬ ‫قد ال يخس���ر الكت���اب الورقي حربه‬ ‫مع الكتاب اإللكتروني لهذه األس���باب‪،‬‬ ‫ولغيرها‪ .‬غير أنها حرب صعبة‪ .‬يكفي‬ ‫أن صار هناك من يش���اركه في اس���مه‬ ‫االول‪ ،‬وللتعري���ف ع���ن الكت���اب‪ ،‬بتنا‬ ‫بحاج���ة لتمييزه بأنه «ورقي»‪ .‬بتنا في‬ ‫عالم جديد‪.‬‬ ‫الش���ابة العش���رينية المتخيلة التي‬ ‫ابتدئ بها النص‪ ،‬جالس���ة في مقهى من‬ ‫ثالثة أبعاد‪ ،‬وقهوتها ليست افتراضية‪.‬‬

‫هي تحتس���ي قه���وة طازجة س���اخنة‪،‬‬ ‫وه���ا هو الفنج���ان ينقلب بم���ا بقي في‬ ‫قعره عل���ى كتابها‪ .‬في االحتمال األول‪،‬‬ ‫اإللكتروني‪ ،‬س���تحترق اآللة وتخس���ر‬ ‫الش���ابة ثم���ن الجه���از‪ .‬لك���ن ال بأس‪.‬‬ ‫س���تجلب واح���دًا جديدًا وتنزل نس���خة‬ ‫الكت���اب‪ ،‬وتتابع من حي���ث توقفت‪ .‬أو‬ ‫أنها ستمسح الجهاز بفوطة ويعود كما‬ ‫كان‪ .‬كأن القهوة لم تسكب‪.‬‬ ‫في االحتمال الثاني‪ ،‬س���تتبلل بضع‬ ‫صفح���ات من كت���اب كوندي���را الورقي‬ ‫بالس���ائل األسود‪ .‬تجفف الشابة الورق‬ ‫م���ا أمكنه���ا‪ ،‬وتتاب���ع الق���راءة‪ .‬وبعد‬ ‫س���نوات‪ ،‬بعد س���نوات بعيدة‪ ،‬تسحب‬ ‫السيدة األربعينية الكتاب من مكتبتها‪،‬‬ ‫وتفلف���ش أوراقه‪ ،‬وحين ت���رى البقعة‬ ‫تق���رب الكت���اب من‬ ‫الباهت���ة للقه���وة‪ّ ،‬‬ ‫وجهه���ا وتش���مه‪ .‬تعيده���ا الرائحة إلى‬ ‫مقهى الرصي���ف‪ ،‬تجفف أوراق كتابها‪،‬‬ ‫ورجل م���ا ينظ���ر إليها‪ ،‬وعل���ى خّدها‬ ‫عذوبة البرودة الخفيف���ة لهواء المدينة‬ ‫الخريفي‪ ،‬يحتفل بشبابها‪.‬‬ ‫‪79‬‬


‫جدل الكتابة والقراءة والتنظير‬

‫الجوع للواقع‬ ‫د‪� .‬صربي حافظ ‪-‬جامعة قطر‬

‫‪ - Harold Knight‬المملكة المتحدة‬ ‫‪80‬‬

‫نادرة هي الكتابات النظرية‪ ،‬أو‬ ‫التنظيرية التي تصل إلى قائمة أكثر‬ ‫الكتب مبيع ًا وخاصة في بلد مثل أميركا‬ ‫مغرم بالسطحية واإلثارة السريعة‪،‬‬ ‫ومعاد للتفكير الجاد والتنظير المعمق‬ ‫إلى حّد ما‪ ،‬حيث تحولت فيه الضحالة‬ ‫إلى فن رفيع‪ .‬فإضافة أميركا األساسية‬ ‫للفكر الفلسفي هي البراجماتية‪ ،‬وهي‬ ‫أقصى ما يمكن توقعه من ثقافة «رعاة‬ ‫البقر» التي اليزال لقاموسها وقيمها‬ ‫ورؤاها سحره في المجتمع األميركي‬ ‫حتى اليوم‪ .‬أقول نادرة وليست غائبة‪،‬‬ ‫ألن ثمة كتب نظرية أو حاولت التنظير‬ ‫وصلت في أميركا إلى قائمة أكثر الكتب‬ ‫مبيعاً‪ ،‬بل وبقي بعضها على هذه القائمة‬ ‫لعدة شهور‪ ،‬وأحيان ًا أعوام‪ .‬منها على‬ ‫سبيل المثال كتاب بول كينيدي ‪Paul‬‬ ‫‪« Kennedy‬نشوء وسقوط القوى‬ ‫الكبرى‪The Rise and Fall of the‬‬ ‫‪ Great Powers» ، 1989‬الذي بقي‬ ‫على قائمة اكثر الكتب مبيع ًا ألكثر من‬ ‫عامين عند نشره‪ .‬والذي جاء في لحظة‬ ‫حرجة من الحرب الباردة‪ ،‬وقبل سقوط‬ ‫االتحاد السوفياتي‪ ،‬يحذِّر أميركا بأن‬ ‫عليها أن تتصرف بسرعة‪ ،‬وإال فإن‬ ‫إمبراطورتيها على وشك االنهيار‪.‬‬ ‫ومنها كتاب (نهاية التاريخ‪The‬‬ ‫‪End of History and the Last‬‬ ‫‪ Man( 1992‬لفرانسيس فوكاياما‬ ‫‪ Francis Fukuyama‬الذي بدأ‬ ‫كمقالة كتبها عام ‪ 1989‬عقب سقوط‬ ‫وحولها إلى كتاب‬ ‫االتحاد السوفياتي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫حظي بشعبية كبيرة‪ ،‬ألنه بدد هواجس‬ ‫نظرية كبرى أثارها كتاب كينيدي حول‬ ‫مستقبل أميركا‪ ،‬وهدهد الثقة األميركية‬ ‫الرعناء بانتصارها في الحرب الباردة‪،‬‬ ‫وانفرادها بقيادة العالم‪ .‬ومنها أيض ًا‬ ‫كتاب صامويل هنتنغتون ‪Samuel‬‬ ‫‪( P. Huntington‬صراع الحضارات‬ ‫وإعادة صياغة النظام العالمي ‪Clash‬‬ ‫‪of Civilizations and the Re‬‬‫‪ )making of World Order‬الذي‬ ‫بدأ هو اآلخر كمقالة عام ‪،1993‬‬ ‫بتكليف من أحد مراكز المحافظين الجدد‬ ‫البحثية‪« ،‬المشروع األميرك ي ‪iAmer‬‬


‫‪ »can Enterprise‬في ندوة عن كتاب‬ ‫فوكوياما‪ ،‬ثم تطور ليصبح كتاب ًا من‬ ‫أوسع الكتب مبيع ًا عام ‪.1996‬‬ ‫لكن ما يجمع بين هذه الكتب التنظيرية‬ ‫ليس عمقها أو إضافاتها النظرية‬ ‫المهمة للفكر اإلنساني‪ ،‬بأي حال من‬ ‫األحوال‪ .‬فباستثناء كتاب بول كينيدي‪،‬‬ ‫وهو باحث بريطاني وليس أميركياً‪،‬‬ ‫استقطبته جامعة ييل ‪ Yale‬األميركية‬ ‫الشهيرة بسبب كتابه هذا ومنحته كرسي‬ ‫التاريخ والعالقات الدولية فيها‪ ،‬فليس‬ ‫في الكتابين الباقيين ما يمكن اعتباره‬ ‫إضافة جادة للنظرية في مجاليهما‪ ،‬بل‬ ‫إن سيرة تأليف كل منهما والتي بدأت‬ ‫كمقالة ثم أدت غواية شغف األميركيين‬ ‫بها إلى تحويلها إلى كتاب‪ ،‬تكشف‬ ‫لنا بعض أسرار ضعفهما‪ .‬وكيف أنه‬ ‫لن يكون ألي منهما أهمية خارج فترة‬ ‫الصالحية القصيرة‪ .‬فنحن في مجتمع‬ ‫الوجبات القرائية السريعة‪ ،‬والتي‬ ‫تنتهي قدرتها على اإلشباع عادة مع‬ ‫انتهاء فترة الرواج االفتراضي‪ ،‬وظهور‬ ‫كتاب جديد يستحوذ على االنتباه الذي‬ ‫يتسم هو اآلخر بقصره الزمني‪.‬‬ ‫على العكس من كتاب بول كينيدي‬ ‫الذي اليزال قاب ً‬ ‫ال للقراءة والجدل حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬وال تزال كشوفه قادرة على‬ ‫التنبؤ بمصير أميركا الوشيك‪ ،‬برغم‬ ‫كل الجهود المضنية لتأخير هذا المصير‬ ‫وتأجيله‪ .‬وإنما ما يجمعها‪ ،‬وربما‬ ‫سر رواجها في الوقت نفسه‪،‬‬ ‫يكشف لنا ّ‬ ‫هو قدرتها على استخدام قدر من العمق‬ ‫والمنهجية والجدية لطرح مقوالت تلمس‬ ‫الوتر األميركي الجمعي الحساس‪،‬‬ ‫والذي يتمحور حول نرجسية أميركا‪،‬‬ ‫وحرصها على أن تكون األقوى واألهم‪.‬‬ ‫وأهم من هذا كله قابلية تلك التنظيرات‬ ‫للتعميم السريع في أجهزة اإلعالم‪،‬‬ ‫وإشباع الرغبة السريعة والوقتية للجدل‬ ‫الذي يفضي إلى طمأنة األميركيين على‬ ‫وضعهم المتميز في العالم‪ ،‬أو يساعد‬ ‫صنّاع القرار على اتخاذ قرارات دولية‬ ‫مرغوبة أو على تسويقها في عالم‬ ‫يقاومها وال يقتنع بها‪.‬‬ ‫لذلك يبدو صعود كتاب نظري‪ ،‬أو‬

‫سحر القراءة في‬ ‫عالم تتسارع فيه‬ ‫الحركة‪ ،‬وتزداد‬ ‫فيه الرغبة في‬ ‫الكبسوالت‬ ‫الصغيرة‬ ‫تنظيري‪ ،‬مغاير لهذا السياق العام إلى‬ ‫قائمة أكثر الكتب مبيع ًا في أواخر العام‬ ‫الماضي ‪ 2010‬ثم وصوله إلى بريطانيا‬ ‫ليحظى برواج مماثل نسبي ًا فيها هذا‬ ‫العام ‪ 2011‬من األمور النادرة حقاً‪.‬‬ ‫ألن كتاب (الجوع للواقع‪ :‬بينان ‪lRea‬‬ ‫‪ )ity Hunger: A Manifesto‬لدافيد‬ ‫شيلدز ‪ David Shields‬ليس كتاب ًا في‬ ‫السياسة وإنما يمكن اعتباره‪ ،‬تجاوزًا‪،‬‬ ‫كتاب ًا في النظرية األدبية‪ .‬بل إن بعض‬ ‫من كتب عنه قال عنه «إنه يمكن أن يكون‬ ‫الكتاب المحدد لجماليات مرحلة بدايات‬ ‫القرن الحادي والعشرين والتعريف‬ ‫التعرف‬ ‫الجامع لها»‪ .‬لذلك يلزمنا‪ ،‬وقبل‬ ‫ُّ‬ ‫إلى أطروحات هذا الكتاب الذي ال يطرح‬ ‫جماليات مرحلة بدايات القرن الجديد‬ ‫فحسب‪ ،‬وإنما يضيء لنا بعض جوانب‬ ‫سحر جدلية القراءة والكتابة في عالم‬ ‫تتسارع فيه الحركة‪ ،‬وتزداد فيه الرغبة‬ ‫في استهالك الكبسوالت الصغيرة‬ ‫المعلبة‪ ،‬أن نتعرف مسيرة كاتبه‪ ،‬أو‬ ‫باألحرى أن نقدمه للقارئ العربي الذي‬ ‫غالب ًا لم يسمع به من قبل‪.‬‬ ‫فقد بدأ دافيد شيلدز المولود في‬ ‫لوس أنجيلوس عام ‪ 1956‬حياته كأي‬ ‫كاتب أميركي معاصر يتبع الطريقة‬ ‫األميركية التقليدية المعتمدة‪ .‬فدرس‬ ‫األدب اإلنكليزي واألميركي في إحدى‬ ‫الجامعات المرموقة (جامعة براون)‬ ‫وتخرج فيها عام ‪ ،1978‬ثم حصل على‬ ‫ماجستير من ورشة الكتابة اإلبداعية‬ ‫بجامعة أيوا عام ‪ ،1980‬فقد أصبحت‬ ‫الكتابة اإلبداعية منذ زمن في أميركا‬ ‫موضوع ًا للدراسة الجامعية التي تساعد‬

‫على اختصار طريق النجاح‪ ،‬وتجنيب‬ ‫الكاتب للطرق المسدودة التي ال تفضي‬ ‫لشيء ذي بال‪ .‬ثم بدأ في كتابة روايته‬ ‫األولى (أبطال) التي نشرت عام ‪،1984‬‬ ‫ثم نشر روايته الثانية (لغات ميتة) عام‬ ‫‪ 1989‬دون أن تلفت أي منهما األنظار‪،‬‬ ‫ولكنه حينما اكتشف طريقة جديدة في‬ ‫الكتابة في روايته الثالثة (دليل عملي‬ ‫للغرق‪ :‬رواية في قص ص ‪dHan‬‬ ‫‪book for Drowning: A Novel in‬‬ ‫‪ )Stories‬عام ‪ 1992‬والتي خرج فيها‬ ‫على طريقة الكتابة السردية التقليدية‪،‬‬ ‫واتخذ من «الكوالج» بين صيغ كتابية‬ ‫مختلفة‪ ،‬وانتهاك الحدود الفاصلة بين‬ ‫السرد والمقال والسيرة والمزج بين تلك‬ ‫األجناس جميعها في توليفة جديدة‪ ،‬بدأ‬ ‫يلفت األنظار‪.‬‬ ‫بحس أميركي‬ ‫استجاب‪،‬‬ ‫ما‬ ‫وسرعان‬ ‫ّ‬ ‫خالص‪ ،‬الستجابة الجمهور لهذا التغيير‬ ‫فأمعن أكثر في االبتعاد عن السرد‬ ‫التقليدي في كتابه التالي (نائياً‪ :‬تأمالت‬ ‫عن الحياة في ظل شخص مشهو ر ‪eR‬‬ ‫‪mote: Reflections on Life in the‬‬ ‫‪ )Shadow of Celebrity‬عام ‪،1996‬‬ ‫وأخذ في المزج بين تجربة واقعية‪،‬‬ ‫ووقائع وأحداث وتقارير صحفية حول‬ ‫عالم الرياضة ومشاهيرها في الواليات‬ ‫المتحدة األميركية بطريقة تجمع بين‬ ‫التحقيق الصحفي‪ ،‬والسرد القصصي‪،‬‬ ‫والنص الوثائقي والتأمالت الشعرية‪.‬‬ ‫ثم واصل نفس النهج في كتبه التالية‬ ‫حتى وصل كتابه األخير‪ ،‬والسابق على‬ ‫الكتاب الذي نتناوله هنا‪ ،‬وهو (المؤكد‬ ‫عن الحياة هو أنك ستموت في يوم من‬ ‫األيام ‪The Thing About Life Is‬‬ ‫‪)That One Day You’ll Be Dead‬‬ ‫عام ‪ ،2008‬إلى قائمة أكثر الكتب‬ ‫مبيعاً‪.‬‬ ‫وربما كانت مسيرته اإلبداعية تلك‪،‬‬ ‫والشغف بمعايير النجاح والتوزيع‬ ‫وهو شغف أو باألحرى استحواذ‬ ‫أميركي‪ ،‬هي التي قادته لكتابة هذا‬ ‫الكتاب‪ /‬البيان (الجوع للواقع) الذي‬ ‫يوشك أن يكون منطلقه هو سؤال‬ ‫مضمر البد وأنه طرحه على نفسه‬ ‫‪81‬‬


‫كثيرًا‪ :‬لماذا نجحت كتبي األخيرة‪ ،‬ولم‬ ‫تنجح رواياتي األولى؟ ألن السؤال الذي‬ ‫ينطلق منه هذا الكتاب الغريب‪ /‬الفريد‬ ‫في شكله ومنطقة وبنيته هو‪ :‬هل‬ ‫تستطيع الرواية‪ ،‬بصورتها التقليدية‬ ‫القديمة‪ ،‬أن تشبع جوع قارئ القرن‬ ‫الحادي والعشرين الجديد للواقع؟ أو‬ ‫باألحرى ما شكل الرواية القادرة على‬ ‫إشباع هذا الجوع بعد أن تغيرت كل‬ ‫مواضعات اللعبة؟ لعبة الكتابة ولعبة‬ ‫القراءة والتلقي معاً‪ .‬ألن الكتاب يعي‬ ‫أن الكتابة لعبة لها أصولها‪ ،‬وقواعد‬ ‫نشرها القانونية‪ ،‬ولذلك فقد قرر أن‬ ‫ينتهك قواعد تلك اللعبة ويحافظ عليها‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬بأن يكتب كتاب ًا ‪% 70‬‬ ‫منه كتبها اآلخرون‪ ،‬وليست له‪ ،‬ولكن‬ ‫دون أن يقع تحت طائلة دفع حقوق‬ ‫تأليف ألي منهم تحول دون استفادته‬ ‫هو المادية من الكتاب‪ .‬بمعنى أنه‬ ‫يحرص على أن تكون مقتطفاته قصيرة‬ ‫نسبياً‪ ،‬قد ال يتجاوز أي منها الصفحة‪،‬‬ ‫ولكنها قد تقصر إلى حد عدة أسطر‪،‬‬ ‫ولكن تظل في حدود الفقرة الواحدة‪،‬‬ ‫حتى ال يقع تحت طائلة دفع أي حقوق‬ ‫تأليف ألصحابها‪.‬‬ ‫ومع ذلك فإن الكتاب‪ ،‬وهو منظم‬ ‫على مستويين‪ :‬مستوى ترقيم المتن‬ ‫إلى فقرات‪ ،‬حيث يتكون الكتاب كله‬ ‫من ‪ 618‬فقرة متفاوتة الطول‪ ،‬منها‬ ‫‪ 415‬فقرة لكتّاب آخرين وليست له‪.‬‬ ‫هذه الفقرات التي تشكل أكثر من ثلثي‬ ‫حجم الكتاب يقدم قائمة بها في نهاية‬ ‫الكتاب‪ ،‬وينسب كل فقرة لصاحبها‪،‬‬ ‫حسب األصول‪ .‬ثم يقترح على القارئ‬ ‫أن يقطع هذه الصفحات األخيرة من‬ ‫الكتاب‪ ،‬وقد جعلها قابلة للقطع من‬ ‫الكتاب بتخريمه لها حتى يسهل قطعها‪،‬‬ ‫ويلقي بها بعيدًا‪ ،‬وال يعود إليها كي‬ ‫يستمتع بقراءة الكتاب‪ ،‬وكأنه عمل‬ ‫واحد متصل‪.‬‬ ‫وقد كتب هذه الفقرات كتاب وشعراء‬ ‫ورسامون ومخرجون سينمائيون‬ ‫ومفكرون ومؤرخون ينتمون إلى فترة‬ ‫زمنية عريضة تمتد من المؤرخ اليوناني‬ ‫الروماني بلوتارخ حتى العصر الحديث‪،‬‬ ‫‪82‬‬

‫وإن كان أغلبهم من العصر الحديث‬ ‫بالطبع‪ ،‬ومن مختلف الجنسيات وإن‬ ‫غلب عليهم األميركيون بالطبع أيضاً‪:‬‬ ‫فالكتاب يعج بأسماء كثيرة شهيرة‪،‬‬ ‫مثل إميرسون‪ ،‬وهيرمان ميلفيل‪،‬‬ ‫ولورنس شتيرن‪ ،‬وجوته‪ ،‬وفلوبير‪،‬‬ ‫وبورخيز‪ ،‬وثورو‪ ،‬وإيميلي ديكنسون‪،‬‬ ‫وجيفرسون‪ ،‬وت‪ .‬س‪ .‬إليوت‪ ،‬وعزرا‬ ‫باوند‪ ،‬وييتس‪ ،‬وجون كيتس‪،‬‬ ‫وميخائيل ليرمينتوف‪ ،‬وفيتزجيرالد‪،‬‬ ‫وجورج أورويل‪ ،‬وفيرجينيا وولف‪،‬‬ ‫وصول بيلو‪ ،‬وتوماس بينشون‪،‬‬ ‫ورالف إليسون‪ ،‬وأ‪ .‬م‪ .‬فورستر‪ ،‬ود‪ .‬ه‪.‬‬ ‫لورانس‪ ،‬ودافيد ماميت‪ ،‬وجون فاولز‪،‬‬ ‫وف‪ .‬س‪ .‬بريتشيت‪ ،‬ومايكل مور‪،‬‬ ‫وبيكاسو‪ ،‬وفرانك أوهارا‪ ،‬ونابوكوف‪،‬‬ ‫ونايبول‪ ،‬وروبرت لويل‪ ،‬وجور‬ ‫فيدال‪ ،‬وإليزابيث باوين‪ ،‬وفريدريك‬ ‫بارثيلميو‪ ،‬ولورين آدامز‪ ،‬ومارك‬ ‫ويليس‪ ،‬وجون دآجاتا‪ ،‬ووليام جاس‪،‬‬ ‫وجوناثان رابان‪ ،‬وتشاك كلوسترمان‪،‬‬ ‫وفيفيان جورنيك‪ ،‬وكيفين كيلي‪،‬‬ ‫وتشارلز سيميك‪ ،‬وفيليب روث‪ ،‬وجيم‬ ‫بول‪ ،‬وجوف داير‪ ،‬وروبرت وايندر‪،‬‬ ‫ووليام جيبسون‪ ،‬ودوروثي جاالهار‪،‬‬ ‫وجوناثان ليثام‪ ،‬وأوتو بريمينجر‪،‬‬ ‫وودي آالن‪ ،‬وورنر هيرزوج‪ ،‬وديبورا‬ ‫آيزنبرج‪ ،‬وأالن روب جرييه‪ ،‬وجون‬ ‫كوتسيا‪ ،‬وبيتر بيلي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وهناك‬ ‫أيض ًا نقاد ومنظرون وفالسفة من‬ ‫عينة نيتشه وكيركيجارد‪ ،‬وتوكفيل‪،‬‬ ‫ومونتاني‪ ،‬وروالن بارت‪ ،‬ووالتر‬ ‫بنيامين‪ ،‬وأدورنو‪ ،‬ورايموند وليامز‪،‬‬ ‫وليونيل تريلنج‪ ،‬ووالتر بيتر‪ ،‬وروبرت‬ ‫ماركوز‪ ،‬وجون راسكن‪ ،‬وفيكتور‬ ‫شكلوفسكي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫أما المستوى الثاني لتنظيم الكتاب‬ ‫فهو تنظيمه في فصول‪ ،‬بعدد حروف‬ ‫األبجدية أي ‪ 26‬فصالً‪ .‬حيث أن الفصول‬ ‫مرقمة بالحروف حسب ترتيبها األبجدي‪،‬‬ ‫ويحمل كل منها عنوان ًا يبدأ بفصل‬ ‫عنوانه «استهالل»‪ ،‬ولكنه يستخدم هذه‬ ‫المرة المفردة الخاصة به في الموسيقى‬ ‫‪ Overture‬وليس أي من المفردات‬ ‫الخاصة به في الكتابة‪ ،‬وينتهي مع‬

‫حرف ‪ Z‬بفصل معنون هو اآلخر‬ ‫«خاتمة»‪ ،‬ولكن بالمصطلح الموسيقي‬ ‫أيض ًا ‪ ،Coda‬مما يوحي بحرص‬ ‫الكتاب على أن يوصل لقارئه أنه يقدم‬ ‫له معزوفة شارك فيها الكثيرون‪،‬‬ ‫كما ذكرت‪ ،‬ولم يقم المؤلف بغير دور‬ ‫المايسترو فيها‪ .‬فما الذي يقدمه المؤلف‬ ‫في معزوفته تلك؟‬ ‫من البداية البد من االعتراف بأننا‬ ‫بإزاء كتاب يستعصي على التلخيص‬ ‫والتصنيف‪ ،‬وربما أنه يستعصي‬ ‫على التلخيص بسبب استعصائه على‬ ‫التصنيف‪ .‬فهو ليس دراسة أدبية‪ ،‬وإن‬ ‫به منها شيئاً‪ ،‬وليس نظرية أدبية وإن‬ ‫طرحت استقصاءاته حدوس ًا جمالية‬ ‫مهمة‪ ،‬وليس مجرد كتاب مقتطفات‪،‬‬ ‫وليس مقالة أدبية وإن كان يضمر‬ ‫بنيتها‪ ،‬ألن له بنيته وموضوعه الموحد‪.‬‬ ‫لكننا بإزاء كتاب يعي مؤلفه جدل المبنى‬ ‫والمعنى‪ ،‬ويدرك أن لشكل الكتاب‬ ‫نفسه محتواه الداللي المهم الذي يعتمد‬ ‫على الكوالج والمزج بين الخطابات‬ ‫واألصوات ليخلق عبر الصوت الجمعي‬ ‫مصداقية مقوالته‪ .‬وربما كان قدر كبير‬ ‫من سر غواية هذا الكتاب يعود إلى‬ ‫طريقة كتابته‪ ،‬وإلى هذا المزيج الشيق‬ ‫من «الكوالج» وهو من أبرز تقنيات الفن‬ ‫البصري المعاصر‪ ،‬وأحد فنون السينما‬ ‫المهمة‪ ،‬وهو فن «المونتاج» الذكي الذي‬ ‫أحال مقتطفاته العديدة من مئات الكتاب‬ ‫والمصادر إلى سرد شيق سلس يجذب‬ ‫القارئ في شبكته المغوية‪ ،‬ويخرج به‬ ‫عن جفاف التنظيرات األدبية بالرغم من‬ ‫أن التنظير هو موضوعه األساسي‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ينظر هنا‬ ‫لكنه يعي أيض ًا أنه‬ ‫للرواية‪ ،‬وهي أكثر األجناس األدبية‬ ‫رواج ًا في العصر الحديث‪ ،‬ويريد‬ ‫لتنظيره لها أن يكون نفس رواج الفن‬ ‫ينظر له‪ .‬وأنه ِّ‬ ‫الذي ِّ‬ ‫ينظر لواقع يتسم‬ ‫بالتشظي‪ ،‬فيجعل من التشظي نفسه‬ ‫بنية لكتابه ولتنظيره معاً‪ .‬لكن أهم‬ ‫محتويات شكل هذا الكتاب المضمرة‪،‬‬ ‫واتخاذه من «الكوالج» و«المونتاج»‬ ‫أداتين لبناء نصه‪ ،‬هو اإلعالن عن أن‬ ‫كً‬ ‫ال من الفن التشكيلي وفن السينما قد‬


‫سبقا فن الرواية في االستجابة للجوع‬ ‫للواقع الذي يرى أن على الرواية أن‬ ‫تشبعه‪ .‬فمن أهداف الكتاب المعلنة‪،‬‬ ‫ال المضمرة هذه المرة‪ ،‬أن يكون بيان ًا‬ ‫«مانيفيستو» كما يقول عنوانه عن حال‬ ‫الرواية في واقعنا المعاصر‪ .‬ولذلك فإنه‬ ‫يبدأ بعد فصله االستهاللي بفصل ‪ B‬عن‬ ‫«المحاكاة ‪ »Mimesis‬يكشف لنا فيه من‬ ‫خالل ‪ 29‬فقرة أن أصل الكتابة منذ أقدم‬ ‫التواريخ هو الحكاية‪ /‬محاكاة الواقع‪،‬‬ ‫ولكنه يكشف لنا في الوقت نفسه أن‬ ‫أصل الرواية مع أنها أكثر األشكال‬ ‫انطالق ًا من مبدأ الحكاية‪ /‬المحاكاة‪ ،‬هو‬ ‫التجديد والتملص من أي انصياع لقيود‬ ‫المحاكاة‪.‬‬ ‫حيث يقدم لنا تعريف جون كوتسيا‬ ‫(كاتب جنوب إفريقيا الشهير والحائز‬ ‫على نوبل) لها «بأن كلمة رواي ة ‪vNo‬‬ ‫‪ el‬كان لها أشد الدالالت غموض ًا حينما‬ ‫دخلت للغات األوروبية‪ ،‬إذ كانت تدل‬ ‫على نوع من الكتابة ال شكل له‪ ،‬وال‬

‫قواعد تحكمه‪ ،‬ويقوم باستمرار بصناعة‬ ‫قواعده عبر مسيرة تطوره»‪ .‬هنا يسعى‬ ‫كوتسيا لتقديم أحدث تعريفات الرواية‬ ‫في واحدة من أكثر نصوصه‪ /‬رواياته‬ ‫وعي ًا بروائيتها ومناقشة لفن الرواية‬ ‫نفسه (إليزابيث كوستيللو) بالزعم بأنه‬ ‫أقدمها‪ ،‬وبأنه جنس القواعد المفتوحة‬ ‫والمتحولة‪ .‬لكن الكتاب يلمس أيض ًا‬ ‫وترًا حساس ًا في مجتمع ما بعد الحداثة‪،‬‬ ‫ذلك الذي يقول عنه وين كويتنباوم في‬ ‫مراجعته للكتاب‪« :‬إن هذا هو الكتاب‬ ‫الذي يحتاجه مجتمعنا المريض حتى‬ ‫النخاع‪ ،‬الكتاب الذي يوجه له لكمة‬ ‫كهربائية صادمة كي يفيق»‪.‬‬ ‫وينطوي هذا الكوالج على هدف‬ ‫أساسي هو نقد األنماط التقليدية في‬ ‫األدب والفن‪ ،‬وانتهاك الحدود الصارمة‬ ‫التي تفصل بين األجناس األدبية‬ ‫المختلفة‪ ،‬وخاصة تلك الحدود بين‬ ‫السرد‪ /‬القص وغيره من األجناس‬ ‫األدبية‪ .‬ألن شيلدز ينطلق من أنه يجد‬

‫أن من المستحيل عليه شخصي ًا أن يقرأ‬ ‫رواية معاصرة تقدم نفسها دون وعي‬ ‫بروائيتها أو نصيتها‪ ،‬على أنها رواية‪،‬‬ ‫حيث ال يستطيع أن يفهم كيف يمكن‬ ‫لمثل هذا النص أن يعكس ما يعيشه‬ ‫اإلنسان المعاصر‪ .‬لذلك فإنه يدعو في‬ ‫كتابه هذا‪ ،‬عبر تلك الجوقة الكبيرة‬ ‫من األصوات والتبريرات المختلفة إلى‬ ‫التخلي عن الشكل الروائي التقليدي‬ ‫بدعوى تكلّسه وعدم قدرته على‬ ‫االستجابة لمتطلبات القارئ الحديث‪،‬‬ ‫أو باألحرى عدم صالحيته للتعبير عن‬ ‫حساسيته األدبية‪ ،‬وعن جوعه الشديد‬ ‫للواقع‪ ،‬في زمن تهتز فيه رواسي هذا‬ ‫الواقع جميعها من تحت قدميه‪ .‬فالجوع‬ ‫للواقع نابع من التضاؤل المستمر‬ ‫لخبرة اإلنسان الحديث بالواقع‪ ،‬والذي‬ ‫جعلته الحياة المعاصرة يعيشه بسرعة‬ ‫وسطحية‪ ،‬وال يجد الوقت الكافي ليسبر‬ ‫تجربته به‪ ،‬أو لتكون له خبرة حقيقية‬ ‫بتجلياته‪ .‬وكأن استيعاب الفن ألجزاء‬ ‫متنامية من الواقع في نسيج األعمال‬ ‫الفنية واألدبية هو تعويض ضروري‬ ‫عن نقص تلك الخبرة به‪ .‬وكأن على‬ ‫الفن أن يوفر له ما حرمته الحياة منه‪.‬‬ ‫تحول الشكل الروائي عنده إلى‬ ‫فقد َّ‬ ‫شكل اصطناعي بعد أن عرت الروايات‬ ‫المتتابعة كل استراتيجياته النصية‬ ‫للقارئ‪ ،‬ولم يعد ثمة جديد يشده فيه‪.‬‬ ‫خاصة وأن القارئ الحديث عنده قارئ‬ ‫كلبي ماكر تهكُّمي‪ ،‬أرهفت الوسائط‬ ‫الحديثة قدراته النقدية على السخرية من‬ ‫كل ما يراه‪ .‬وزاده إيقاع الواقع وشره‬ ‫مع ًا إحساس ًا بالقلق وعدم الرضا عن‬ ‫كل ما حوله‪ .‬لذلك يدعو إلى أن يستبدل‬ ‫الكاتب الجديد بالرواية التقليدية هذا‬ ‫المزيج «الكوالج» من المقالة الشعرية‪،‬‬ ‫وقصيدة النثر‪ ،‬وأمشاج السيرة‪،‬‬ ‫والمشهد الوثائقي‪ ،‬والتحقيق الصحفي‪،‬‬ ‫والتأمالت‪ .‬حتى يستطيع النص الجديد‬ ‫أن يستوعب غنى الواقع الجديد وتنوع‬ ‫إيقاعاته‪ ،‬وأهم من هذا كله تشظي‬ ‫بنيته في عصر مابعد الحداثة‪ .‬كي‬ ‫تظل الرواية هي الفن القادر دوم ًا على‬ ‫التحول واستيعاب متغيرات الواقع‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫وجبة من التوابل للقارئ العجول‬

‫األكثر مبيع ًا‬ ‫علي النوي�شي‬

‫على الغالف األخير لكتب «ستيفن آر‪.‬‬ ‫كوف���ي» المؤلف األميركي الش���هير جملة‬ ‫تقول‪ :‬بيعت أكثر من ‪ 20‬مليون نس���خة‬ ‫من كتبه وترجمت إلى ‪ 83‬لغة مختلفة‪.‬‬ ‫أما المؤلف دان براون وهو من مواليد‬ ‫‪ 1964‬وأش���هر كتبه‪ :‬ش���فرة دافنش���ي‪،‬‬ ‫مالئك���ة وش���ياطين‪ ،‬الرم���ز الضائ���ع‪،‬‬ ‫الحصن الرقمي وقد حققت أعلى المبيعات‬ ‫في العال���م‪ ،‬ووصفته مجل���ة تايم بأنه‬ ‫واحد من أكثر من ‪ 100‬شخص أثروا في‬ ‫العالم سنة ‪.2004‬‬ ‫والس���ؤال‪ :‬م���ا ه���ي الرواي���ة األكثر‬ ‫مبيعاً؟‪ ..‬ولماذا تصبح كذلك؟‬ ‫ال أدبي ًا مميزاً‪ ،‬أم‬ ‫هل ألنها تقدم ش���ك ً‬ ‫ألنه���ا تحمل عناصر التش���ويق واإلثارة‬ ‫لما فيها من كس���ر للتابوه���ات المعروفة‬ ‫في السياس���ة والدين والجنس‪ ..‬أم ألنها‬ ‫كتبت بش���كل جديد فيما يطلق عليه اآلن‬ ‫الكتاب���ة الجديدة‪ ..‬أم أن هناك أس���باب ًا‬ ‫أخرى وظروف ًا مختلفة تؤدي ألن يصبح‬ ‫هذا الكتاب األكثر مبيعاً؟‪.‬‬ ‫في تاريخ الثقافات العالمية‪ ،‬لم يبع‬ ‫ناش���ر من الكتب مثلما باع الناشرون من‬ ‫روايات أجاثا كريس���تي ع���ن الجريمة‪..‬‬ ‫فمنذ بداياتها وحتى اآلن طبعت مئات بل‬ ‫‪84‬‬

‫آالف الطبعات وبيعت بالمليارات‪ ،‬لكن‬ ‫المفارقة أن المؤلفة نفسها قدمت خمس‬ ‫روايات بعي���دًا عن عال���م الجريمة الذي‬ ‫اشتهرت به‪ ،‬وباسم مستعار‪ ،‬فلم توزع‬ ‫من هذه الروايات إال أعداد قليلة‪.‬‬ ‫« العراب » صاح���ب الرواية المذهلة‬ ‫للمؤل���ف ماريوبوزو التي كش���فت عالم‬ ‫الجريمة السري‪ ،‬الذي كان يسيطر على‬ ‫حركة المال واالقتصاد والس���لطة‪ ،‬بيع‬ ‫منها عشرات الماليين من النسخ‪.‬‬ ‫وهناك روايات شديدة الرصانةتباع‬ ‫بشكل مستمر‪ ،‬وتصل في النهاية لألكثر‬ ‫مبيع ًا مثل رواي���ة «الغريب» أللبيركامو‬ ‫الت���ي تحت���ل دائم��� ًا قائم���ة القص���ص‬ ‫الفرنسية‪.‬‬ ‫ربما يكون عنصرا التشويق واإلثارة‬ ‫الفكري���ة هم���ا الل���ذان يدفع���ان بكت���اب‬ ‫م���ا ليحتل قائم���ة الكتب األكث���ر مبيعاً‪،‬‬ ‫باإلضاف���ة إلى الخلفية الت���ي يتمتع بها‬ ‫الكاتب‪ ،‬فالمعلومات والتفاصيل الكثيرة‬ ‫والعمق الذي ال يتنازل عنه الكاتب لحظة‬ ‫واحدة ف���ي كتاباته‪ ،‬كلها عوامل تجتمع‬ ‫ف���ي النهاي���ة لتعط���ي مؤش���رًا واضح ًا‬ ‫وصريح ًا الحترام الكاتب لعقلية قارئه‪.‬‬ ‫فرواية « ش���يفرة دافنشي »‪ ،‬تعطيك‬

‫انطباع ًا بأن الكاتب ال يملي عليك رواية‬ ‫وال يلق���ي إليك بأح���داث‪ ،‬بل هو يطرح‬ ‫أسئلة‪ ،‬يطرحها كل قارئ معه‪.‬‬ ‫ويق���ول ب���راون‪« :‬لم أتوق���ع أبدًا أن‬ ‫يستمتع كل هؤالء الناس بقراءة الرواية‪،‬‬ ‫لق���د كتب���ت ه���ذا الكت���اب في األس���اس‬ ‫كمجموعة من الشخصيات المختلفة التي‬ ‫تحاول استكشاف أفكار‪ ،‬كنت أنا نفسي‬ ‫متشوق ًا الستكشافها»‪.‬‬ ‫بل اس���تطاع الكات���ب بصدقه وعمق‬ ‫أف���كاره أن يس���اهم ف���ي زلزل���ة كثي���ر‬ ‫م���ن الثوابت األساس���ية ف���ي معتقدات‬ ‫المسيحيين أنفسهم‪.‬‬ ‫والكتاب الذي يباع في أميركا ويحقق‬ ‫مبيع���ات أق���ل م���ن ‪ 150‬ألف نس���خة ال‬ ‫يس���مى األكثر مبيع���اً‪ ،‬لكن ف���ي عالمنا‬ ‫العربي الصورة مختلفة تماماً‪ ..‬فالكتاب‬ ‫المطب���وع ال ي���وزع أكث���ر م���ن ‪ 3‬آالف‬ ‫نسخة‪ ،‬بل قد يوزعهم على سنوات‪ ..‬وال‬ ‫يوجد ما يسمى باألكثر مبيع ًا في عالمنا‬ ‫العرب���ي‪ ،‬حتى ألكبر الكت���اب وأكثرهم‬ ‫ش���هرة‪ ،‬ونجيب محفوظ نفس���ه لم يفز‬ ‫باألكثر مبيعاً‪ ،‬وحسنين هيكل كذلك‪.‬‬ ‫ولكن هناك قائمة «األكثر مبيعاً» هي‬ ‫في األس���اس «األكثر شذوذاً»‪ ،‬فالعمل ال‬ ‫يوزع لقيمته‪ ،‬بل للظروف المحيطة به‪..‬‬ ‫ولم يحظ األدب العربي بتلك التسميات‬ ‫إال في مرات قليل���ة‪ :‬أوالها «المصادرة»‬ ‫والثاني���ة‪« :‬كس���ر التاب���و»‪ .‬فعندما تم‬ ‫حظر نشر رواية «أوالد حارتنا» لنجيب‬ ‫محفوظ أنشأ الناشرون لها سوق ًا رائجة‬ ‫للطباع���ة والتهريب وبي���ع منها ماليين‬ ‫النسخ‪.‬‬ ‫وعندما تكسر الرواية ثالوث الجنس‬ ‫والدين والسياسة تحقق أعلى المبيعات‪،‬‬ ‫ومع ذلك فه���ي مازالت بعيدة عن قائمة‬ ‫األكثر مبيعاً‪.‬‬ ‫مرات قليلة فقط هي التي لمست فيها‬ ‫بعض م���ن تلك الرواي���ات حافة «األكثر‬ ‫مبيع���اً» فعندما نش���رت رواي���ة «وليمة‬ ‫ألعشاب البحر» للكاتب حيدر حيدر طبع‬ ‫منها ثالثة آالف نسخة وزع منها ‪1200‬‬


‫‪ - Marc Chagall‬بيالروسيا‬

‫نسخة وخزنت بقية األعداد إلى أن حدثت‬ ‫األزمة وتمت مصادرة النسخ المطبوعة‪،‬‬ ‫وفي ساعات أصبح الكتاب الذي لم يجد‬ ‫من يقبل عليه قبل األزمة بجنيهين يباع‬ ‫بمئة جنيه‪ ،‬وتس���ابقت دور النشر على‬ ‫طبع���ه في الس���ر‪ ،‬وكان���ت الوليمة هي‬ ‫«األكثر مبيع ًا س���راً»‪ ،‬بس���بب المصادرة‬ ‫والضجة التي أثيرت من حولها‪.‬‬ ‫أما الرواي���ات الثالث الت���ي طبعتها‬ ‫هيئ���ة قصور الثقافة بمص���ر عام ‪2001‬‬ ‫وكانت تحمل عب���ارات إباحية‪ ،‬فقد قدم‬ ‫عضو اإلخوان المسلمين بمجلس الشعب‬

‫د‪ .‬جمال حش���مت طلب إحاط���ة للوزير‬ ‫ترتب علي���ه مصادرة الرواي���ات وإقالة‬ ‫ع���دد من قي���ادات الوزارة على رأس���هم‬ ‫علي أبوش���ادي رئي���س الهيئة‪ ،‬وترتب‬ ‫على مصادرة الوليمة والروايات الثالث‬ ‫أن احتلت قائمة الرواي���ات األكثر مبيع ًا‬ ‫في القراءة العربية‪.‬‬

‫أم���ا رواي���ة «عزازي���ل» ليوس���ف‬ ‫زيدان فهاجمت ثواب���ت في الفكر الديني‬ ‫المس���يحي‪ ،‬وفج���رت غضب الكنيس���ة‬ ‫والق���راء لتق���ف في قمة الب���رج العاجي‬ ‫للرواي���ات األكث���ر مبيع���اً‪ ،‬جنب��� ًا إلى‬ ‫جنب مع رواية «الخب���ز الحافي» لمحمد‬ ‫شكري‪.‬‬

‫رواي���ة «عم���ارة يعقوبي���ان» لعالء‬ ‫األسواني وطبعت عدة مرات في شهور‬ ‫قليل���ة وأصبح���ت من الرواي���ات األكثر‬ ‫مبيع ًا ألن موضوعها كان فضح فس���اد‬ ‫المسؤولين الكبار‪.‬‬

‫ولكن ال يغي���ب عن األذهان أن الكتب‬ ‫األكثر مبيع ًا في عالمن���ا العربي ينتمي‬ ‫أكثرها إلى نوع الكتب الدينية السلفية‪،‬‬ ‫وكتب الطبخ‪ ..‬وكذلك الكتب المتخصصة‬ ‫في قراءة الكف‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫‪ - René Magritte‬بلجيكا‬

‫القارئة اللئيمة‬ ‫هدى بركات ‪ -‬برلني‬

‫‪86‬‬

‫قال���ت أم���ي‪ :‬ه���ذه البن���ت مريضة!‬ ‫وأجبرتن���ي عل���ى مالزمة الف���راش‪ ،‬ثم‬ ‫أختي الصغيرتين‬ ‫انصرفت إلى تجهي���ز‬ ‫ّ‬ ‫للذهاب إلى المدرسة‪.‬‬ ‫إل���ي وجلس���ت عل���ى‬ ‫حي���ن ع���ادت ّ‬ ‫التحري عن حالتي‬ ‫فراشي‪ ،‬راحت وقبل‬ ‫ّ‬ ‫تؤكد لي ‪ -‬أنا المجتهدة الخائفة‬ ‫الصحية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫التغيب ‪ -‬أو الخائفة دوم ًا من‬ ‫تبعات‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫أن للمرض أحكاماً‪ ،‬وأنّي ال‬ ‫أي ش���يء ‪ّ -‬‬ ‫ّ‬ ‫ملخص���ات ما فاتني‪،‬‬ ‫على‬ ‫س���أحصل‬ ‫بّد‬ ‫َّ‬ ‫كالع���ادة كلما أقعدن���ي التهاب اللوزتين‬ ‫في الفراش‪.‬‬


‫ثم راحت أمي‪ ،‬حين رأت أن ال شيء‬ ‫بي من ع���وارض ذلك االلتهاب‪ ،‬تس���أل‬ ‫قررت أن احمرار‬ ‫بقلق عن مكامن ألمي‪.‬ثم ّ‬ ‫عين���ي إنما هو الدليل عل���ى إفراطي في‬ ‫ّ‬ ‫الدرس ليالً‪..‬رغم تحذيراتها المتكررة من‬ ‫عدم ثقتي بنفسي (أو ضعف شخصيتي‬ ‫وخوفي من المعلّمات‪.)...‬‬

‫وتابع���ت كمن ينزلق عل���ى فراش وثير‪.‬‬ ‫جنس���ية أو إش���ارات‬ ‫لي���س من مقاطع‬ ‫ّ‬ ‫مستفزة من أي نوع كان‪ .‬إنه عمل أدبي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على م���ا يصنّ���ف واقع���ي ‪ -‬ريفي وفي‬ ‫أحيان أخ���رى رومنطيقي ‪ -‬ش���اعري‪.‬‬ ‫أي كس���ر‬ ‫ولي���س فيه‪ ،‬ف���ي ّ‬ ‫كل األحوال ّ‬ ‫لمحظور‪ .‬ولم تلق الرواية إثر صدورها‬ ‫ عام‪ - 1913‬حفاوة تذكر‪ .‬لكنها‪ ،‬وهي‬‫وحي���دة كاتبه���ا‪ ،‬بدأت تحقّ���ق مبيعات‬ ‫معقولة بعيد مقتل واضعها أالن فورنييه‬ ‫الش���اب في معارك الحرب األولى‪..‬إلى‬ ‫واعتبرت‬ ‫أن انتش���رت بماليين النسخ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫إحدى الروايات الفرنسية العشرة األكثر‬ ‫أهمية واألكثر تأثيراً‪.‬‬

‫ه���ل كان ذهوالً؟ أم غياب���اً؟ أم انتقا ًال‬ ‫بالمعنى الصوفي للكلمة‪ ،‬ذلك المستعمل‬ ‫ع���ادة في قوامي���س القّديس���ين‪ ،‬هؤالء‬ ‫الذي���ن يغادرون أجس���ادهم إل���ى أمكنة‬ ‫«أخرى»؟ ال أذكر ش���يئ ًا عن ذلك الصباح‬ ‫أتخيل حكايته‪ .‬ذلك أني‪،‬‬ ‫أرج���ح أو ّ‬ ‫بل ّ‬ ‫وأمي على فراشي‪،‬كنت قد غادرت البيت‬ ‫عند الفجر‪ .‬وغادرت المدرسة أيضاً‪ .‬اآلن‬ ‫أعرف ذلك‪.‬‬

‫لك���ن ه���ذا عرفت���ه بع���د س���نوات‬ ‫عديدة‪...‬‬

‫أعتق���د أن هذا م���ا حصل‪ .‬ذلك أني‪،‬‬ ‫وأنا في فراش���ي ذاك لم أكن أس���مع ما‬ ‫تقول أمي‪ .‬ولعلّي اآلن‪ ،‬وأنا أس���ترجع‬ ‫صباح ذل���ك اليوم من ذاكرت���ي‪ ،‬أؤلّف‬ ‫أتذكره هو حالة تش���به‬ ‫أتذك���ر‪ .‬م���ا ّ‬ ‫وال ّ‬ ‫الذه���ول‪ ..‬والحقيقة أني ال أجد لها حتى‬ ‫اليوم اللفظ المالئم أو الدقيق‪.‬‬

‫أتذكر كيف «سقطت»‬ ‫أحتار اليوم وال ّ‬ ‫يدي‪ .‬كنت في‬ ‫رواية «مولن الكبير» بين ّ‬ ‫الثانية عشرة‪ .‬أعرف ذلك الرتباط عمري‬ ‫آنذاك بصفّي‪ ،‬وببدء اهتزاز خالياي مع‬ ‫تمر بالعالم الصغير‪ .‬لم تكن‬ ‫كل نس���مة ّ‬ ‫الرواية تلك من الكتب المصنّفة للتكميلي‬ ‫الثاني‪.‬‬ ‫ال أعرف من أين أتيت بها؟ ال يعني هذا‬ ‫أنها كانت محظ���ورة علينا‪ .‬فقط لم تكن‬ ‫ّ‬ ‫الص���ف التكميلي الثاني‬ ‫مخصصات‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫من المكتبة المدرسية‪ .‬لم يكن في الكتاب‬ ‫األحم���ر الزوايا ما يمن���ع وصولي إليه‬ ‫بس���هولة‪ .‬لم يكن من النوع الذي تسعى‬ ‫المتم���ردات على‬ ‫الزمي�ل�ات الجريئات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أعتاب المراهقة‪ ،‬إلى سرقته والمفاخرة‬ ‫بقراءته‪ ..‬ذلك أيض ًا ألني لم أكن جريئة‬ ‫متمردة في ش���يء‪ .‬كنت ش���ديدة الميل‬ ‫ّ‬ ‫ال بأن ينس���اني‬ ‫إلى الطاعة واالمتثال أم ً‬ ‫كل اآلخرين‪.‬‬ ‫اآلخرون‪ّ ..‬‬

‫هك���ذا رحت اقرأ «مول���ن الكبير» دون‬ ‫تحسب أو ارتياب من أخطار ما‪.‬‬ ‫حذر أو ّ‬

‫مرة إلى ق���راءة «مولن‬ ‫وأن���ا لم أع���د ّ‬ ‫الكبي���ر» رغ���م أن���ي اش���تريت الكت���اب‬ ‫مرات عدي���دة‪ .‬أضع النس���خة في مكان‬ ‫ّ‬ ‫بائ���ن وأقول س���أعود يوم ًا إل���ى قراءة‬ ‫ه���ذه الرواية‪ ،‬وال أفعل‪..‬ثم أنس���اها أو‬ ‫أضيعه���ا‪ .‬لكن���ي‪ ،‬وأنا أس���ترجع ليلة‬ ‫ّ‬ ‫أسترد إحساسي‪،‬‬ ‫القراءة اليتيمة تلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫طازج ًا كامالً‪ ،‬في فج���ر يبدو اليوم كأن‬ ‫وأخمن أنه كان ‪-‬‬ ‫عما س���بقه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مقطوع��� ًا ّ‬ ‫بشكل ما ‪-‬عتبة خروجي من العمر الطفل‬ ‫إلى غير رجعة‪.‬‬ ‫بالتعط���ل‪.‬‬ ‫كان إحساس��� ًا فيزيائي��� ًا‬ ‫ّ‬ ‫يشبه الخوف‪ ،‬أو الذهول‪.‬لم يكن صدمة‬ ‫إعج���اب‪ ،‬ال حزن ًا وال فرح���اً‪ .‬أقرب إلى‬ ‫السقوط فجأة في مكان شديد الغرابة‪ .‬أو‬ ‫كمن ينتقل م���ن مكانه إلى مكان مجهول‬ ‫دون سفر‪ ،‬دون أن يرى الطريق ودون‬ ‫يتفرج على‬ ‫أن يتفقّد عقارب الس���اعة أو ّ‬ ‫المحطات‪ .‬هكذا ‪ -‬أيض ًا ‪ -‬يصبح المكان‬ ‫ّ‬ ‫األول‪ ،‬ب���دوره مكان��� ًا ضائع���اً‪ ،‬يبعث‬ ‫الحاد‬ ‫التوجس وعل���ى الش���عور‬ ‫عل���ى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالوحشة‪ ..‬وعلى فقدان مفاتيح اإلدراك‬ ‫السابقة‪.‬‬ ‫لم أعد إل���ى قراءة «مولن الكبير» ولم‬ ‫أش���اهد الفيلم المأخوذ عن الرواية رغم‬ ‫كل ما قرأت عن نجاحه في «نقل الرواية‬ ‫بإب���داع أكي���د»‪ .‬نس���يت تمام��� ًا تفاصيل‬ ‫مرة واحدة‬ ‫الحكاية وحبكتها الس���ردية‪ّ .‬‬

‫فتأكدت‬ ‫أع���دت ق���راءة الجملة األخي���رة ّ‬ ‫نهائي��� ًا أني ال أريد قراءة ه���ذه الرواية‪.‬‬ ‫(وال أقول إعادة قراءتها)‪.‬‬ ‫ربما ألني ال أريد كس���ر ذلك السحر‪،‬‬ ‫ربما ألني أخاف على «مولن الكبير» من‬ ‫القارئة اللئيمة الت���ي صرت إليها‪ ،‬وأنا‬ ‫محدودي���ة «عبقرية» هذه‬ ‫أتوجس م���ن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرواية‪...‬وربم���ا ألن���ي أح���ب كثيرًا أن‬ ‫أحتفظ في قلبي بتل���ك الفتاة المريضة‬ ‫من القراءة ذات ليلة لم تنم فيها‪.‬‬ ‫الليال���ي الت���ي ق���رأت فيها ول���م أنم‬ ‫هزتني‬ ‫تكررت في ما بعد كثيراً‪ .‬قراءات ّ‬ ‫ّ‬ ‫وغيرت وعيي لنفس���ي وللعالم‪،‬‬ ‫ا‬ ‫عميق‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مثل «الغريب» ومثل «الس���اعة الخامسة‬ ‫والعشرون» ومثل «خان الخليلي» ومثل‬ ‫«األي���ام» ومثل «الرحل‬ ‫«هامل���ت» ومثل ّ‬ ‫الب�ل�ا صفات» ومثل «أحد عش���ر كوكباً»‬ ‫ومثل «أفول األصنام» و‪...‬الكثير غيرها‪.‬‬ ‫لكن���ي كنت دوم ًا أعود إل���ى هذه الكتب‪،‬‬ ‫أش���رع لها أبواب روحي وعقلي بقابلية‬ ‫ّ‬ ‫وشهية من يس���تدعي النعمة‪..‬ثم برغبة‬ ‫ّ‬ ‫المريد‪ ،‬ثم بأن���اة وبحث التلميذ‬ ‫ّ���ي‬ ‫وتأن‬ ‫ُ‬ ‫عن مكامن الجمال وأسرار صنعة اإلبداع‬ ‫العجيب���ة‪ ...‬إ ّال «مولن الكبير»‪ .‬لن أعود‬ ‫إليها وسأحافظ بإصرار على نسيان ما‬ ‫في داخل دفّتيه���ا‪ .‬ذلك أن ما أحتفظ به‬ ‫من هذه الرواية هو ما يلزمني‪.‬‬ ‫أوغس���تان مولن الذي ‪ -‬في السابعة‬ ‫عش���رة ‪ -‬ويكبرن���ي بخمس���ة أع���وام‬ ‫س���يصطحبني كم���ا يفع���ل دائم��� ًا ف���ي‬ ‫متاهات���ه‪ ،‬ف���ي غبش المس���اء الخريفي‬ ‫الب���ارد‪ ،‬إلى التيهان ف���ي غابات موحلة‬ ‫سنستمر في‬ ‫وفي أسرار وخيبات‪ ،‬حيث‬ ‫ّ‬ ‫بحثنا عن البيت الجمي���ل الذي لن نجده‬ ‫رغم أنن���ا دخلناه وس���معنا في���ه عزف ًا‬ ‫ال لن ننساه‪..‬‬ ‫جمي ً‬

‫يمر‬ ‫مرة أجلس إلى الكتابة ّ‬ ‫وف���ي كل ّ‬ ‫يدق خفيف ًا‬ ‫«مولن» على مقربة‪ .‬وأحيان ًا ّ‬ ‫برؤؤس األصابع على زجاج نافذتي‪ .‬ثم‬ ‫يغيب كالعادة‪ .‬كعادته دائماً‪ .‬يختفي‪...‬‬ ‫ه���ل كان تأثير ه���ذه الرواية دافعاً‪،‬‬ ‫مفتاح ًا للكتابة؟‬

‫األرجح أنها كانت المفتاح الذي أقفل‬ ‫كل األبواب األخرى‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫لع���ل الكت���اب األول في حياة الكات���ب مثل الحب األول ف���ي حياة أي‬ ‫إنس���ان‪ ،‬واألولوية هنا ال تقاس بالس���بق الزمني‪ ،‬ب���ل بحجم التأثير‪،‬‬ ‫س���واء في نفس الكاتب أو وجدان المحب‪ .‬ومن ثم أرى أن رواية «آسيا»‬ ‫للكاتب الروسي «إيفان تورجينيف» هي الكتاب األول عاصف التأثير في‬ ‫حياتي كقارئ صار كاتباً‪ ،‬وكما أن للحب األول عند العشاق غالب ًا حكاية‬ ‫استثنائية‪ ،‬فإن لهذا الكتاب عندي حكاية استثنائية‪.‬‬

‫تمام ًا كالحب األول !‬ ‫حممد املخزجني ‪ -‬القاهرة‬ ‫كنت في الص���ف الثالث اإلعدادي‪ ،‬في‬ ‫عمر الخامسة عشرة إال قليالً‪ ،‬ومنذ وقت‬ ‫أبكر من ذلك كنت ول���دًا «من طبعتين»‪،‬‬ ‫طبعة وديعة ومتأملة يمثلها صبي هادئ‬ ‫صم���وت يقرأ قصص المكتب���ة الخضراء‬ ‫طوي�ل�ا على ش���اطئ‬ ‫ويح���ب التمش���ي‬ ‫ً‬

‫نيل المنصورة الجميل‪ ،‬ينس���ج قصص ًا‬ ‫للحب والترحال يعيش���ها بخياله‪ ،‬وولد‬ ‫ِجنِّي‪ ،‬يخرج من القمق���م بعد عودته من‬ ‫المدرسة‪ ،‬ليش���تعل في الشوارع‪ ،‬عراك‬ ‫ورك���ض وعبث وضحك ومشاكس���ات ال‬ ‫تنتهي حتى يهبط اللي���ل‪ .‬والتحاق ًا بهذه‬

‫الطبعة الجنية كان الفتى الرياضي بطل‬ ‫المحافظة في الجمباز‪.‬‬ ‫في فاص���ل من فواص���ل الولد الجني‬ ‫كنت في القاهرة أش���ارك في منافس���ات‬ ‫المقام���ة على أرض‬ ‫بطول���ة الجمهورية ُ‬ ‫نادي الجزيرة‪ ،‬أو مركز شباب الجزيرة‪،‬‬ ‫ال أتذكر بالضبط‪ ،‬ألنني بتحريض ِجنِّي‬ ‫س���حبت فري���ق محافظتن���ا وجعلت عدة‬ ‫فرق أخرى تلحق بنا‪ ،‬عندما لمحت سرب ًا‬ ‫من بنات رائع���ات الجمال يمتطين رهط ًا‬ ‫م���ن الخيول البديع���ة‪ ،‬ويتهادين بها في‬ ‫مضمار قريب‪ ،‬وهذا ال يمكن أن يكون إال‬ ‫في نادي الجزيرة‪ ،‬آنذاك!‬ ‫كادت المباري���ات تتوقف عندما الحظ‬ ‫المش���رفون على البطول���ة حالة النزوح‬ ‫الجماعي هذه م���ن المالعب‪ ،‬وراح مذيع‬ ‫المباري���ات يص���رخ منادي��� ًا الالعبين أن‬ ‫يعودوا وإال تم ش���طبهم م���ن البطولة‪،‬‬ ‫ولم يش���طبونا على أية ح���ال‪ ،‬فقد عدنا‬ ‫سريعاً‪ ،‬ألن س���رب الفارسات الجميالت‬ ‫روعه���ن الظهور المباغ���ت الصاخب لنا‪،‬‬ ‫فأطلقن العنان لخيولهن مبتعدات‪.‬‬ ‫كن���ا نع���ود م���ن مباري���ات البطولة‬ ‫ق���رب الغ���روب‪ ،‬وكان���ت «اللوكان���دة»‬ ‫التي ُينزلوننا به���ا في منطقة «العتبة»‪،‬‬ ‫‪ - Henri Matisse‬فرنسا‬

‫‪88‬‬


‫وهن���اك ح���دث أن الولد الجن���ي تنحى‬ ‫تكشف لي كنز للكتب‬ ‫للولد الحالم‪ ،‬حيث َّ‬ ‫زهيدة األسعار على «س���ور األزبكية»‪،‬‬ ‫وجذبني مجلد عنوانه «آس���يا‪ ،‬وجداول‬ ‫الربي���ع» تبينت أنه روايت���ان عن الحب‬ ‫لكات���ب روس���ي اس���مه تورجيني���ف‪،‬‬ ‫عبارات���ه مرفرفة بأجنحة حب ش���فافة‪،‬‬ ‫وح���وار المحبين فيه يذوب حنان ًا ورقة‪.‬‬ ‫وأتذكر أنني اشتريت هذا المجلد بـ «تالتة‬ ‫تعريفه»‪ ،‬أي قرش ونصف !‬ ‫في أماس���ي البطوالت‪ ،‬يتوجب على‬ ‫الالعبي���ن أن ينام���وا مبك���رًا حتى يكون‬ ‫تركيزه���م ولياقته���م ف���ي ال���ذروة عند‬ ‫األداء ف���ي النهارات التالي���ة‪ ،‬لكنني في‬ ‫ذلك المس���اء وجدتني مشتبك ًا مع رواية‬ ‫«آسيا»‪ ،‬وتسللت من غرف الالعبين في‬ ‫الظالم بعيدًا عن عيني المدرب ومشرفي‬ ‫الفريق‪ ،‬وانتحيت ركن��� ًا قصي ًا لم يطفئ‬ ‫أن���واره ف���ي اللوكاندة قبع���ت فيه‪ ،‬ولم‬ ‫أنهض منه إال ق���رب الفجر بعد الوصول‬ ‫إلى خاتم���ة الرواية التي عصفت بكياني‬ ‫الطالع‪ ،‬وما أن اندسس���ت تحت األغطية‬ ‫حتى انفجرت في بكاء كنت أكتم نشيجه‬ ‫بمش���قة بالغة‪ ،‬فقد كان بكاء حرقة قلب‬ ‫غض على ح���ب بديع ضيعت���ه كلمة لم‬ ‫يقلها المحب لمحبوبت���ه‪ ،‬وكانت الجملة‬ ‫الختامي���ة في ه���ذه الرواية على لس���ان‬ ‫المحب المهجور كاوي���ة تماماً‪ ،‬فالحبيبة‬ ‫س���افرت مجروحة منه‪ ،‬ول���م يفلح في‬ ‫العث���ور عليها برغ���م محاوالته المضنية‬ ‫للح���اق بها‪ ،‬لم يع���د يراه���ا وال يعرف‬ ‫حتى إن كانت عل���ى قيد الحياة‪ ،‬وكل ما‬ ‫بقي منها قصاص���ة ورق بخطها وزهرة‬ ‫جيرانيوم ظلت تفوح بش���ذى خفيف‪ .‬أما‬ ‫الجملة الختامية على ما أذكر فقد ش���قت‬ ‫قلبي آنذاك‪ ،‬إذ يتس���اءل الكاتب الراوي‬ ‫عن يد الحبيبة الت���ي أهدته الزهرة‪ ،‬أين‬ ‫تكون‪« ،‬من يدري‪ ،‬لعلها حفنة تراب في‬ ‫زاوية من قبر مهج���ور»! فبكيتها بالدمع‬ ‫الثخين الكتيم حتى الصباح !‬ ‫لق���د وقعت في هوى تورجينيف بتلك‬ ‫البداية‪ ،‬وف���ي المباريات وقعت في خطأ‬ ‫جس���يم بس���بب قلة التركيز وأرق الليلة‬ ‫العاصفة‪ ،‬فمذي���ع البطولة وقد الحظني‬ ‫عل���ى جهاز «الحلق» ممش���وق ًا في حركة‬

‫«باالنس باالنش»‪ ،‬أي وقوف على اليدين‬ ‫الممس���كتين بالحلقتين بأذرع مفتوحة‪،‬‬ ‫حت���ى أذاع ف���ي حم���اس‪« :‬أنا ش���ايف‬ ‫الع���ب ممتاز من إس���كندرية في باالنس‬ ‫باالنش عل���ى الحلق» وما أن نطق بذلك‬ ‫حتى اندفع زمالئي الخمس���ة في الفريق‬ ‫يصرخون في نف���س واحد «المنصورة‪..‬‬ ‫المنصورة»‪ ،‬ولعلي كنت أريد أن أنتصر‬ ‫لمدينتي مثلهم‪ ،‬فبد ًال من النزول البطيء‬ ‫من ه���ذه الحرك���ة الثابتة‪ ،‬نزل���ت نزو ًال‬ ‫ِجنِّي ًا س���ريع ًا في «جراند س���يركل»‪ ،‬أي‬ ‫دورة هوائية واس���عة‪ ،‬وكان أن انفلتت‬ ‫الحلقتان من قبضتي‪ ،‬وطرت في الهواء‪،‬‬ ‫وسقطت على رأسي في رمال «الفرشة»‬ ‫عل���ى األرض فلم تنكس���ر رقبت���ي‪ ،‬وإن‬ ‫طارت مني البطولة‪ .‬لكنني مكثت أحلق‬ ‫في أجواء تورجينيف حتى سنوات قليلة‬ ‫خلت‪.‬‬ ‫ق���رأت لتورجيني���ف‪ :‬الح���ب األول‪،‬‬ ‫وأبناء وبنون‪ ،‬ورودين‪ ،‬وبيت النبالء‪،‬‬ ‫ومكثت أتعقب كتاباته وسيرته على مدى‬ ‫سنوات امتدت عمرًا من القراءة كان األدب‬ ‫الروس���ي في مركزها بفضل هذا الكتاب‬ ‫األول لتورجينيف‪ .‬كان���ت كتابته متينة‬ ‫السبك والحبكات وذات نفس رومانسي‬ ‫قوي‪ ،‬جياش���ة العاطف���ة برغم واقعيتها‬ ‫دقيق���ة التقصي‪ ،‬وصار كل هذا نبراس��� ًا‬ ‫لي وطموح ًا في الكتابة‪ ،‬وبرغم انتقالي‬ ‫مع الوقت من هذا المربع إلى مس���احات‬ ‫مختلفة ومفتوحة ومغاي���رة فيما أظن‪،‬‬ ‫إال أن عب���ق كتاب���ة تورجينيف لم يغادر‬ ‫ذائقتي‪ ،‬ليس بمعنى المحاكاة المتوهمة‬ ‫أو المزعوم���ة‪ ،‬فالكاتب الناش���ئ عندما‬ ‫يق���رأ كاتب ًا كبي���رًا ال يك���رره‪ ،‬بل يتخذه‬ ‫أداة س���حرية ليفت���ح بها نواف���ذ روحه‬ ‫ه���و‪ ،‬ليطل���ق عصافير روح���ه هو‪ ،‬في‬ ‫س���ماء اإلبداع‪ ،‬ومن هنا يحدث التشابه‬ ‫الملتبس‪ ،‬إلى أن ينتحي الكاتب الش���اب‬ ‫ويأخذ اتجاه ًا واضح��� ًا لغصنه الخاص‬ ‫نح���و شمس���ه الخاصة فيواص���ل النمو‬ ‫واإلثمار‪.‬‬ ‫لقد مكثت أتيه بتورجينيف حتى ثالث‬ ‫س���نوات مضت‪ ،‬خاصة وقد اكتشفت أن‬ ‫جنونه في الحب على أرض الواقع يشفع‬ ‫ٍ‬ ‫مماثل كان عن���دي‪ ،‬فتورجينيف‬ ‫لجنون‬ ‫ٍ‬

‫كان مفتون ًا بمحبوبة لم تكن له‪ ،‬تزوجت‬ ‫وهاجرت إل���ى باريس‪ ،‬فهجر حياته في‬ ‫روس���يا ومضى ف���ي أثرها‪ ،‬س���كن في‬ ‫البناية التي تس���كن فيه���ا‪ ،‬وكان ال يريد‬ ‫أي ش���يء منها‪ ،‬وال حتى كلمة‪ ،‬فقد كان‬ ‫يكفيه أن يحس بها قريبة منه‪ ،‬وأن يراها‬ ‫صدفة بين الحين والحين‪ ،‬وال أكثر !‬ ‫ظل تورجينيف عندي أيقونة الكتابة‬ ‫الكالسيكية العالمية‪ ،‬خاصة وقد تابعت‬ ‫كتاب���ات نقدي���ة تثبت أس���تاذيته لكّتاب‬ ‫فرنس���يين كبار تأثروا ب���ه أثناء وجوده‬ ‫في باري���س التي ع���اش فيها س���نواته‬ ‫األخيرة حتى رحيله‪ ،‬منهم فلوبير وزوال‬ ‫وموباس���ان‪ .‬لك���ن مع قراءت���ي الجديدة‬ ‫لدوستويفس���كي الت���ي ش���ملت س���يرة‬ ‫حياته وس���يرة كتاباته‪ ،‬وجدتني أرفع‬ ‫أيقونة تورجينيف لتحل بمكانها أيقونة‬ ‫دوستويفس���كي‪ ،‬فق���د كان���ا نموذجين‬ ‫مفترقين في الصميم‪ ،‬فتورجينيف يمثل‬ ‫أرستقراطية الكتابة بترف الحياة وتأنق‬ ‫النث���ر والتحليق الس���ابح فوق س���طح‬ ‫الذوات البش���رية‪ ،‬بينما دوستويفسكي‬ ‫يعبر ع���ن الكدح النفس���ي والروحي في‬ ‫كتابة أعمق وحياة أش���ق وغوص بعيد‬ ‫ف���ي أعماق ظلم���ات األرواح اإلنس���انية‬ ‫المتحرق���ة ش���وق ًا لبصي���ص م���ن النور‬ ‫يواسي عذاباتها‪ ،‬ولم يكن هذا كله يتيح‬ ‫لدوستويفس���كي أناة الصياغة المتأنقة‬ ‫وال إحكام البناء الروائي‪ ،‬ومع ذلك أراه‬ ‫األعظم !‬ ‫أتحيز لعظم���ة دوستويفس���كي اآلن‬ ‫في ق���راءة ش���املة جدي���دة بدأته���ا منذ‬ ‫س���نتين‪ ،‬بعد خبرة الس���نين والمعرفة‬ ‫المهنية بش���يء من عل���م النفس والطب‬ ‫النفسي التي أرى أن دوستويفسكي كان‬ ‫رائدًا فيها‪ ،‬ومكتش���ف ًا ألغوار سحيقة لم‬ ‫يس���بر غرائبها أحد مثله وال قبله‪ ،‬وهذا‬ ‫يجعلني‪ ،‬بصراحة انقالبية‪ ،‬أخجل حالي ًا‬ ‫من رومانسية تورجينيف األرستقراطية‬ ‫المتأنق���ة‪ ،‬وإن كنت أدين له بالفضل في‬ ‫حب الكتاب���ة الجميلة حيثم���ا كانت‪ ،‬ثم‬ ‫االنتقال إلى االنش���داه بالكتابة الرهيبة‬ ‫عن���د دوستويفس���كي‪ ،‬وإن ظلت لرواية‬ ‫تورجينيف «آسيا» مكانة الكتاب األول‪،‬‬ ‫كما الحب األول‪ :‬قوة الذكرى !‬ ‫‪89‬‬


‫القراءة في الستينيات‬ ‫طارق الطيب ‪ -‬ڤيينا‬

‫‪ - Jean Baptiste‬فرنسا‬

‫‪90‬‬

‫ال أتذكر متى بدأت القراءة‪ ،‬لعلي‬ ‫كنت في الخامسة حين أرسلني والدي‬ ‫قبل منتصف الستينيات إلى ُكَتّاب‬ ‫الشيخ علي في عين شمس بالقاهرة‪.‬‬ ‫لم يكن في ذاك الوقت أي حضانات‬ ‫مما‬ ‫لألطفال في حّينا أو أي «كي جي» ّ‬ ‫يوجد اآلن‪ .‬كانت خلفية المسجد في‬ ‫الدور الثاني حيث تصلي النساء هي‬ ‫ُكَتّابنا اليومي‪.‬‬ ‫وأتذكر جيدًا حين كان يأتي والدي‬ ‫للبيت حام ً‬ ‫ال معه الجرائد المصرية‬ ‫اليومية‪ :‬األهرام أو األخبار أو‬ ‫الجمهورية‪ ،‬ونادرًا ما يأتي بجريدة‬ ‫المساء‪ ،‬إضافة إلى المجالت األسبوعية‬ ‫والمصور وصباح‬ ‫مثل روز اليوسف‬ ‫ّ‬ ‫الخير وآخر ساعة‪ ،‬أو الشهرية‬ ‫كالعربي أو منبر اإلسالم‪ .‬يخلع‬ ‫مالبسه ويستلقي على السرير فاتح ًا‬ ‫الجريدة قارئ ًا إياها بامتداد ذراعيه‬ ‫العمالقتين في انتظار غداء «العصرية»‬ ‫المتأخر‪ .‬كنت أرمي نفسي إلى جواره‬ ‫مقلدًا شكله وطريقته‪ ،‬محاو ًال أن‬ ‫أفتح الجريدة‪ ،‬الجريدة المصرية‬ ‫أيام الستينيات بحجمها الكبير‪ ،‬فال‬ ‫أستطيع‪ .‬أجاهد وأثني الجريدة على‬ ‫صفحة واحدة فأستطيع‪ ،‬ثم أبدأ في‬ ‫تقليده في القراءة بتحريك وجهي من‬ ‫اليمين لليسار‪ ،‬مزايدًا عليه بإخراج‬ ‫أصوات غريبة كأنها نطق للمكتوب‪.‬‬ ‫كان يضحك فأضحك معه حتى ننام‬ ‫لتوقظنا أمي مخرجة إيانا من بين‬ ‫صفحات الجرائد التي تغطينا حتى‬ ‫نجتمع للغداء‪.‬‬ ‫ِم الحروف‬ ‫قبل الدخول للكتاب كنت ألّ‬ ‫وُألِم بها بصعوبة‪ ،‬لكني تمكنت من‬ ‫معرفة رسم اسمي ورسم اسم أبي‪،‬‬ ‫وألن أبي كان قد جمع الروايات وجلّدها‬ ‫في مجموعات ورقّمها بتسلسل‪ ،‬اعتقدت‬ ‫جازم ًا أن أبي كاتب وأنه صاحب كل هذا‬ ‫الكم من الكتب‪ .‬لم أكن أعرف أنه على‬ ‫ّ‬ ‫غالف كل كتاب توجد أسماء كتّابها‪.‬‬ ‫اكتفيت باالسم الموجود على كعب كل‬ ‫مجلد بحروف ذهبية جميلة وأقنعت‬ ‫نفسي بأن أبي هو صاحب وكاتب كل‬


‫هذه المؤلفات بكل تأكيد‪ ،‬وعشت على‬ ‫أمل وأمنية أن أصير مثله يوم ًا من‬ ‫األيام‪ ،‬بكتب مجلّدة ممهورة باسمي‪:‬‬ ‫طارق الطيب‪.‬‬ ‫في السابعة كنت أجدت القراءة‬ ‫وأتذكر أنني أمسكت أحد هذه المجلدات‬ ‫واخترت رواية من بينها‪ ،‬ال أتذكر‬ ‫تماماً‪ ،‬ربما كانت «شجرة اللبالب»‬ ‫لمحمد عبد الحليم عبد اهلل‪ .‬ظللت ما‬ ‫يقارب األسابيع الثالثة أنحت في قراءة‬ ‫هذا الكتاب‪ -‬الضخم على عمري‪ -‬نهارًا‬ ‫وليالً‪ ،‬حتى أنهيته‪ .‬كنت سعيدًا سعادة‬ ‫ال حدود لها أن أنهي رواية كاملة‪ ،‬فهذا‬ ‫فعل ال يفعله إال الكبار‪ .‬وقتها لم أفهم‬ ‫ّ‬ ‫وتعطلت مخّيلتي عن‬ ‫شيئ ًا من الرواية‬ ‫علي‬ ‫واستغلق‬ ‫الجمل‬ ‫فهم الكثير من‬ ‫َّ‬ ‫الوصف‪ ،‬لكنني تابعت للنهاية في‬ ‫مارثون القراءة الذي نويته وأنجزت‬ ‫قراءة أول كتاب ضخم للغاية‪ ،‬ربما‬ ‫مائتي صفحة‪« :‬يا للهول!»‪ .‬ماذا كانت‬ ‫تحكي الرواية وما أحداثها‪ ،‬لم يهمني‪.‬‬ ‫كل ما أهمني هو معرفة اسم كاتبها‬ ‫وعنوانها وعدد صفحاتها‪ ،‬ألتحدث أمام‬ ‫أبي عن هذا اإلنجاز غير المسبوق‪.‬‬ ‫الجدير بالذكر أنه في فترة‬ ‫الخمسينيات والستينيات كان جهاز‬ ‫التليفزيون شيئ ًا نادرًا ولم يدخل بيتنا‬ ‫إال وأنا‪ -‬تقريباً‪ -‬عند العاشرة أو الثانية‬ ‫عشرة‪ ،‬وهذا ما جعل مجال القراءة لي‬ ‫متاح ًا لوقت أطول‪ .‬دخولي للمدرسة‬ ‫متأخرًا لعام كامل ألسباب تتعلق‬ ‫لكتّاب‬ ‫بالميالد جعلني أعود صاغرًا ُ‬ ‫الشيخ علي وأعيد قراءة قصار السور‬ ‫وحفظ سور جديدة وتالوتها‪ ،‬فأصبحت‬ ‫القراءة لي يسيرة جًّدا والكتابة أيضاً‪،‬‬ ‫لذا صارت المدرسة االبتدائية في سنتها‬ ‫األولى ُمّملة للغاية‪ .‬في اليوم األول‬ ‫للمدرسة قرأت كتاب المطالعة كام ً‬ ‫ال‬ ‫بعد أن استلمته من المدرسة‪ .‬ثم قرأت‬ ‫كل قصص الناشئة التي كانت موجودة‬ ‫في ذلك الحين‪ .‬كنت أتبادلها مع أقراني‬ ‫بسرعة خيالية وأحاول أن أتبادل‬ ‫مع أختي عزة األكبر مني بسنتين‬ ‫وأستسمحها أن تستبدل قصتها مع‬

‫كنت سعيد ًا سعادة‬ ‫ال حدود لها حين‬ ‫أنهي رواية كاملة‪،‬‬ ‫فهذا فعل ال يفعله‬ ‫إال الكبار‬ ‫قريناتها ألقرأ أنا‪ .‬كنت أحب القصص‬ ‫الكتّاب لم تكن هناك‬ ‫المصورة‪ ،‬ففي ُ‬ ‫َّ‬ ‫«سور»‪ ،‬وكان الشرح‬ ‫فقط‬ ‫بل‬ ‫«صور»‬ ‫َ‬ ‫مهما فيما‬ ‫بالفعل تصويرًّيا وخلق خيا ًال ًّ‬ ‫بعد‪ ،‬لكن الترهيب كان شديدًا وحزمة‬ ‫األخالق التي نبتلعها يومًّيا كانت أكثر‬ ‫ثق ً‬ ‫ال على أعمارنا الصغيرة‪.‬‬ ‫في المدرسة االبتدائية أعجبني‬ ‫في كتاب القراءة والمطالعة الصور‬ ‫الموجودة فيه‪ ،‬على الرغم من محتواه‬ ‫الذي بدا لي ضعيفاً‪ ،‬لم تهمني هذه‬ ‫السطور البسيطة جًّدا‪( :‬عادل وسعاد‬ ‫في الحديقة‪ -‬عادل يزرع الفول‪-‬‬ ‫سعاد تسقى الورد)‪ .‬كنت قد تعلمت‬ ‫كلمات أهم وجم ً‬ ‫ال أصعب وأستطيع‬ ‫شرحها‪ ،‬وسورًا أجمل أحب أن أشرحها‬ ‫اه‬ ‫«وَق َضى َرُّب َك َأ َّال َت ْعُبُدوْا ِإ َّال ِإَّي ُ‬ ‫مثل‪َ :‬‬ ‫ند َك‬ ‫ْوالَ‬ ‫ِدْي ِن ِإ ْح َسان ًا ِإَّما َيْبُل َغَّن ِع َ‬ ‫َوِبال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الِ‬ ‫ّهَمآ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ْكَبَر َ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ُ َ ُ‬ ‫ُأ ٍّ‬ ‫ّهَما َق ْو ًال َكِريماً‪.‬‬ ‫ف َو َال َتْنَهْر ُهَما َوُقل َلُ‬ ‫اخف ْ‬ ‫الر ْحَمِة‬ ‫َو ْ‬ ‫اح الُذِّ‬ ‫ّل ِم َن َّ‬ ‫ِض َلُهَما َجَن َ‬ ‫ص ِغيرًا»‪.‬‬ ‫َوُقل َّر ِّب ْار َحْمُهَما َكَما َرَّبَيانِي َ‬ ‫فيما بعد كان أبي يأتي بمجلة العربي‬ ‫وبها ملحق منفصل اسمه «العربي‬ ‫الصغير» شغفت به‪ .‬كنت أنتظر صدور‬ ‫العدد بفارغ الصبر ألقرأ العربي الصغير‬ ‫وأتصفح العربي «الكبير» مشاهدًا‬ ‫الصور الملونة المصقولة الموجودة به‬ ‫وقراءة القليل ألكون مع الكبار‪.‬‬ ‫مرة طلبت من والدي أن يأتي‬ ‫لي بمجلتي «سمير» و«ميكي»‬ ‫األسبوعيتين لألطفال‪ .‬وعدني بذلك‬ ‫في مقابل أن أنتظم في الصالة‪ .‬وافقت‬ ‫وكنت أصلي بالفعل‪ .‬كنت أضاعف‬

‫الصلوات حين أراه صاعدًا للبيت‪ ،‬أهرع‬ ‫وأفرش السجادة فورًا في مكان مرئي‬ ‫له وأنكب في صالة مظهرية جهورية‬ ‫ألبي الداخل فورًا للبيت‪ .‬تمام ًا مثلما‬ ‫تعودت حين يدخل أبي بحلويات أو‬ ‫بفاكهتي المحببة‪ ،‬أن أتوقف فورًا عن‬ ‫األكل بكلمة زاعقة‪« :‬الحمد هلل!»‪ ،‬حتى‬ ‫أسرت أمي ألبي‬ ‫لو كنا في بداية األكل‪َّ .‬‬ ‫أن يخفي الحلويات أو الفاكهة مستقب ً‬ ‫ال‬ ‫حين يدخل حتى أتم طعامي‪ ،‬لكن‬ ‫هيهات‪ ،‬أنفي المدرب كان يساعدني‬ ‫على النطق الفوري السريع بـ «الحمد‬ ‫هلل!»‪ ،‬وانتظار ملهوف مني حتى تتنهي‬ ‫العائلة من أكلها البطيء ألستمتع‬ ‫بالحلو والفاكهة‪.‬‬ ‫أحببت حصة القراءة والمطالعة في‬ ‫السنوات التالية في المدرسة‪ ،‬بسبب‬ ‫تدريبي المبكر على القراءة وبفضل‬ ‫مساعدة جارنا في الدور الثاني‪،‬‬ ‫الدكتور عبد الغفار إبراهيم عميد كلية‬ ‫الحقوق فرع الخرطوم فيما بعد‪ ،‬الذي‬ ‫تعهدني بشرح الكثير من قواعد اللغة‬ ‫والنحو واالستماع لي في القراءة‪.‬‬ ‫كانت موضوعات التعبير واإلنشاء‬ ‫من أجمل ما أحب في المدرسة االبتدائية‪،‬‬ ‫خصوص ًا أن أكتب في موضوع بنفسي‬ ‫أنا مؤلفه بالكامل‪.‬‬ ‫أعتقد أننا كنا نقرأ كثيرًا في ذاك‬ ‫الزمن‪ ،‬زمن الستينيات‪ .‬كانت حوارات‬ ‫الكبار في صالونات البيوت تتناول‬ ‫موضوعات أكثر ثقافة‪ .‬الرجال كانوا‬ ‫يحكون عادة في السياسة الداخلية‬ ‫وموضوعات عربية مصيرية مثل‬ ‫موضوع فلسطين وحرب اليمن‬ ‫ويعرجون على أحداث عالمية‪ .‬كانوا‬ ‫يقرؤون جميع ًا ويتواصلون باألحاديث‬ ‫عما قرؤوا‪ .‬كنت أسمع وال أفهم كثيرًا‬ ‫ّ‬ ‫سوى الرئيس جمال عبد الناصر‪.‬‬ ‫موضوعات النساء في هذه الفترة‬ ‫كانت أكثر تشويقاً‪ .‬قضيت طفولة‬ ‫سعيدة بين الموضوعات الخشنة‬ ‫شكل‬ ‫والموضوعات الناعمة كالهما ّ‬ ‫وجداني ومصيري‪.‬‬ ‫‪91‬‬


‫بكيت حتى قرأت!‬

‫عبد العزيز اخلاطر ‪-‬قطر‬

‫بكيت كما بكى جيلي نكسة حزيران‪/‬‬ ‫يونيو ‪ ،67‬عندها لم أكن أتجاوز‬ ‫الثانية عشرة من عمري‪ ،‬شكلت لي‬ ‫تلك المرحلة وعي ًا جديدًا بأهمية القراءة‬ ‫على المذياع‪ ،‬قبل هذه النكسة وأحيان ًا‬ ‫تسمى النكبة إيماء لفداحتها على األمة‪،‬‬ ‫وكان المذياع هو مصدر التلقين الرئيسي‬ ‫وبالذات «صوت العرب» و«أحمد سعيد‬ ‫ومن بعده محمد عروق» الذي أصبح‬ ‫فيما بعد مديرًا لها‪ .‬كما كانت برامج مثل‬ ‫«أكاذيب تكشفها حقائق» ونداء االفتتاح‬ ‫الصباحي لكل العرب المصاحب بأغنية‬ ‫«أمجاد يا عرب أمجاد» لكارم محمود هي‬ ‫زادي الثقافي اليومي‪ .‬كان المد القومي‬ ‫أوجه وكان خليجنا العربي‬ ‫الناصري في ّ‬ ‫الهادي يتلقى اإلشارات من قلب األمة‬ ‫العربية في القاهرة‪ ،‬والعزف على لحن‬ ‫القومية وأمجادها كان جمي ً‬ ‫ال في تلك‬ ‫األيام‪ ،‬في قطر لم نكن نشعر باالستعمار‬ ‫وال نحس بوطأته‪ ،‬فلم يكن لبريطانيا‬ ‫سوى الشأن الخارجي‪ ،‬ولكن استطاع‬ ‫المد القومي يومها دمج المشاعر العربية‬ ‫بعضها ببعض حتى كنا نتظاهر من أجل‬ ‫الجزائر وننادي بعروبة «األحواز» على‬ ‫الشاطئ المقابل في خليجنا العربي‪ .‬كان‬ ‫صوت الزعيم عبدالناصر هو ثقافتنا‬

‫‪92‬‬

‫ومصدر إلهامنا وتطلعاتنا للمستقبل‪.‬‬ ‫هذا هو النسق الثقافي السائد والذي‬ ‫عايشته في شبابي األول «ثقافة الصوت‬ ‫الوطني»‪ .‬ال أستطيع هنا أن أعيب تلك‬ ‫الثقافة اليوم وال ملكة الفكر لدى جيلي‬ ‫في تلك األيام‪ ،‬فالعصر له خطابه‬ ‫وكانت تلك الثقافة خطاب ذلك العصر‬ ‫وتصور الحكمة عند النظر للماضي من‬ ‫بعيد تصور ساذج ألنه طبيعي وفي‬ ‫سياق الطبيعة اإلنسانية‪ .‬بعد النكسة‬ ‫اختلف الوضع بالنسبة لي‪ ،‬فبقدر ما‬ ‫هي نكسة على األمة كانت باإلضافة‬ ‫إلى ذلك صدمة بالنسبة لي‪ ،‬لم أعد‬ ‫أثق بالمذياع والبالمذيع والباإلذاعات‬ ‫العربية‪ .‬من هنا بدا لي خيط آخر هو‬ ‫خيط القراءة والبحث في الورق عن‬ ‫الحقائق‪ .‬كان أخي األكبر «خالد»(‪)1‬‬ ‫يأتي بصحف من المملكة العربية‬ ‫السعودية التي كانت على ما أظن توزع‬ ‫مجان ًا في قطر مثل صحيفتي «الندوة»‬ ‫و«البالد»‪ ،‬لم تكونا صحيفتي رأي‪ ،‬بل‬ ‫كانتا عبارة عن صور وأخبار للنظام‬ ‫السعودي حينذاك أيام المغفور له الملك‬ ‫«فيصل»‪ ،‬ولكن أخي بعد ذلك أحدث‬ ‫تطورًا نوعي ًا في مطالعاته عندما أحضر‬ ‫كتاب ًا ألحمد الشقيري رئيس منظمة‬

‫التحرير الفلسطينية األسبق واسمه‬ ‫«حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء‬ ‫العرب»‪ ،‬وهو من عدة أجزاء أذكر‬ ‫أنني قرأته كله بأجزائه الثالثة على ما‬ ‫أعتقد‪ ،‬ثم أطلعني على كتاب آخر اسمه‬ ‫«اإلسالم في وجه الزحف األحمر» وثالث‬ ‫بعنوان «من هنا نعلم» وهما للشيخ‬ ‫محمد الغزالي رحمه اهلل‪.‬‬ ‫بعد تلك الفترة حصل تحول نوعي‬ ‫في ذهني‪ ،‬لم أعد ببساطة المتلقي‬ ‫الصافي الذهن‪ ،‬بل بذهنية التأجيل‬ ‫حتى يتبين األمر‪ ،‬أو الشك اإليجابي إذا‬ ‫أمكن التصور‪ .‬وأذكر أنني كنت أشتري‬ ‫مجلة تصدر من الكويت اسمها على ما‬ ‫أذكر «صوت الخليج» ومحررها على ما‬ ‫أذكر يسمى «باقر خريبط» على األقل أنا‬ ‫متأكد من االسم الثاني وهي أسبوعية‪،‬‬ ‫كانت تنشر صورًا لنكسة العرب الكبرى‬ ‫في حينه ولكن بصور مقلوبة ومعنونة‬ ‫بالتالي «هذا ما فعلنا بإسرائيل» وهي‬ ‫مجموعة صور للدمار الذي أصيبت به‬ ‫إسرائيل وهو ال يذكر بما ألحقته بنا‪.‬‬ ‫لدي جعل من ردة الفعل‬ ‫الوعي بالقراءة ّ‬ ‫عندي بطيئة وليست فورية كما كانت أيام‬ ‫االعتماد على المذياع ونبرة الصوت‪ .‬بعد‬ ‫ذلك كنت حريص ًا على إقتناء الصحف‬ ‫المصرية «آخر ساعة» و«المصور»‬ ‫بشكل أسبوعي‪ ،‬ولم يكن هناك بٌد من‬ ‫نقد الذات والبحث في أسباب الهزيمة‪،‬‬ ‫فكنت قارئ ًا نهم ًا لصحوة الشارع المصري‬ ‫من إغواء اإلعالم الزائف‪ ،‬وكنت متابع ًا‬ ‫لمحاكمة المشير عامر حتى انتحاره أو‬ ‫مقتله‪ ،‬كم يشار إليه بعد ذلك‪ ،‬وكنت‬ ‫محايثا لعودة عبد الناصر ولكن بأقل‬ ‫كارزماتية في النفس من ذي قبل مع كل‬ ‫الحب‪ ،‬ولكن موضوعية القراءة جعلت‬ ‫مني َأميل إلى التصور مني إلى حماسة‬ ‫الخطاب وعاطفيته‪ .‬لم تكن الدوحة‬ ‫ساعتئذ قبلة للصحافة وال لدور النشر‪،‬‬ ‫اللهم سوى عدة مجالت مصرية ولبنانية‬ ‫أذكر منها الحوادث وكويتية وبعض‬ ‫الصحف العربية اليومية التي تصل‬ ‫متأخرة وتفقد بالتالي قيمتها الخبرية‪،‬‬ ‫وعيت كذلك من خالل القراءة بوجود ما‬ ‫يسمى معارضة‪ ،‬وبالخالف السعودي ‪-‬‬


‫إيمان مالكي ‪ -‬إيران‬

‫المصري قبل األزمة وأسبابه‪ ،‬كل هذه‬ ‫األمور لم تكن واضحة لي قبل القراءة‬ ‫بالشكل الموضوعي‪ ،‬كان خطاب ًا واحدًا‬ ‫موجه ًا نحو مواطن عاطفي أسرته‬ ‫الكاريزما وملك الحلم العربي كل‬ ‫جوانحه‪ .‬بعد تلك الفترة رجعت أبحث‬ ‫عن كتب قديمة كان لها تأثير لم نشعر به‬ ‫نحن هنا في هذه المنطقة ساعتها مثل‬ ‫كتاب «معالم على الطريق» لسيد قطب‪.‬‬ ‫علمتني النكسة أن ال أقرأ باتجاه‬ ‫واحد وال أتخذ موقف ًا من خالل كتاب‬ ‫واحد وال حتى من كتابين‪ ،‬لم أطلع على‬ ‫لدي الرأي من‬ ‫اآلخر المخالف ليتكون ّ‬ ‫وضوح الطرفين والحجتين‪ ،‬علمتني‬

‫النكسة أن أقرأ مجتمعي قراءة نقدية لذا‬ ‫درست علم االجتماع‪ ،‬علمتني النكسة أن‬ ‫أقرأ األسباب ال النتائج‪ ،‬علمتني القراءة‬ ‫كذلك أال أحكم على األمور دائم ًا بالصح‬ ‫أو بالخطأ‪ ،‬علمتني القراءة أن هناك‬ ‫حكم ًا آخر هو الحكم االجتهادي الذي‬ ‫يؤخذ فردي ًا كاجتهاد فال نتقاتل واألمر ال‬ ‫يتعدى كونه اجتهادًا‪ .‬بعدها أصبت بداء‬ ‫القراءة فكنت أقرأ حتى صفحة الوفيات‬ ‫واألفراح والمفقودين وأن أبدأ بالصفحة‬ ‫األخيره قبل األولى إليماني بأن األمور‬ ‫بخواتيمها‪ .‬قرأت ما كان ممنوع ًا في‬ ‫مدارسنا ساعتئذ مثل النظرية الماركسية‬ ‫ووجدت لو أنها ُتركت لتقرأ لقل وربما‬

‫اختفى بريقها‪ .‬ماذا بعد‪ ..‬هل أشكر‬ ‫النكسة التي جعلت مني قارئ ًا ومن‬ ‫ثم كاتب ًا وهل كان بكائي حينها بداية‬ ‫لمرحلة من الوعي الجديد بالرغم مما فيه‬ ‫من لوعة وألم‪ .‬تعلمت أن أحترم التاريخ‬ ‫وشخوصه وأن أحكم عليه بظروفه‪ .‬لقد‬ ‫كانت فترة مصيرية بالنسبة لي على‬ ‫الرغم من تكلفتها الكبيرة على األمة‬ ‫فلذلك أنني ما أزال أعيش وخز الضمير‬ ‫الذي ربط تحول حياتي بجرح األمة‬ ‫الكبير إال أن التاريخ درس لمن يستلهمه‬ ‫في أي ساعة وتحت أي ظرف‪.‬‬ ‫‪ :1‬أخي خالد‪ :‬نائب رئيس مجلس الشورى السابق‬

‫‪93‬‬


‫ما تبقى‬

‫من الدار الكبيرة‬ ‫احلبيب ال�سائح ‪ -‬اجلزائر‬

‫أق���ّدر أن كل َمن ج���اءت بهم أقدارهم‬ ‫ووا‪ ،‬في مراهقتهم‬ ‫إلى الكتابة األدبية َغ ْ‬ ‫خاص���ة‪ ،‬تعلقوا بأكثر من كتاب قرأوه‬ ‫ف���ي مكتب���ة المدرس���ة اإلكمالي���ة أو‬ ‫الثانوية‪.‬‬ ‫أو أعارتهم إياه مكتبة عمومية وتلك‬ ‫كانت حالي مع «البؤساء» بترجمة منير‬ ‫البعلبكي‪ ،‬قبل أن أشتريه بعد سنين من‬ ‫ذلك‪ ،‬أو حصلوا عليه من صديق أو من‬ ‫أس���تاذ‪ ،‬أو سرقوه من مكتبة تجارية‪،‬‬ ‫أو اقتنوه من عل���ى رصيف أو من عند‬ ‫بائع كتب مستعملة‪ ،‬أو أشير عليهم به‬ ‫من جهة تنظيمية أو من شخص تابع لها‬ ‫إلي يوم قدم لي‬ ‫كما كان الشأن بالنسبة ّ‬ ‫أحد األساتذة العراقيين من المتعاونين‬ ‫أعده أهم‬ ‫التقنيين‪ ،‬وكان شيوعياً‪ ،‬ما ُ‬ ‫كتاب نقلني إلى قلب الثورة البلشفية‪،‬‬ ‫إنه «عشرة أيام هزت العالم»‪.‬‬ ‫َفِلطريق���ة كتابت���ه المتأرجح���ة بين‬ ‫السرد الصحافي وبين السرد الروائي‪،‬‬ ‫إلى حد التماه���ي بينهما فيتحوالن في‬ ‫ذهني ش���ريط ًا أشاهد وقائعه كما على‬ ‫درجة أن أتمثل نفسي‬ ‫بلغت‬ ‫الشاش���ة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جون ريد نفس���ه الذي لم يكن فحس���ب‬

‫‪94‬‬

‫يحك���ي‪ ،‬وعن بعد‪ ،‬وقائ���ع تلك األيام‬ ‫التي حول���ت العالم إلى قطبين‪ ،‬ولكنه‬ ‫يعيش���ها في تفاصيلها لينقلها بكلمات‬ ‫الكات���ب وكاميرا الس���ينمائي وريش���ة‬ ‫الفنان‪.‬‬ ‫ذل���ك م���ا أدهش���ني‪ ،‬إنه أس���لوب‬ ‫التداخ���ل بين س���رد الوثيق���ة (مقاالت‬ ‫الصح���ف والمنش���ورات والمراس�ل�ات‬ ‫والصور) وبين سرد الشاهد اليومياتي‬ ‫الذي ينتهي إلى األدبية‪.‬‬ ‫وبرغ���م أن الكت���اب ظ���ل خ���ارج‬ ‫التجنيس الروائي فإنه يكفي أن ُتحذف‬ ‫منه المقدم���ات‬ ‫متنه‬ ‫والمؤخرات ليظهر ْ‬ ‫َّ‬ ‫نص ًا أدبياً‪ ،‬بامتياز!‬ ‫اآلن‪ ،‬وعلى بعد مسافة تقدر بحوالي‬ ‫ق���رن من ذل���ك‪ ،‬وفي ظل ه���ذا الحراك‬ ‫الذي يعرفه العالم العربي من الماء إلى‬ ‫ٍ‬ ‫بأم���ل‪ :‬أيمكن للعبقرية‬ ‫الماء‪ ،‬أتس���اءل‬ ‫العربي���ة أن تبرهن أن لها من األفذاذ من‬ ‫يحفرون في رخام���ة تاريخنا المعاصر‬ ‫ه���ذا التحول بكلمات س���تقرأها األجيال‬ ‫القادمة بانبهار وإكبار؟‬ ‫لعل «عشرة أيام هزت العالم» وفيلم‬ ‫المدمرة «بوتامكين» لمخرجه سيرغاي‬

‫أنشتاين‪ ،‬والحق ًا رواية «األم» لمكسيم‬ ‫مجتمعة‪ ،‬كانت القبس���ات‬ ‫غوركي‪ ،‬هي‬ ‫ً‬ ‫األولى التي س���تزرع ف���ي داخلي الحلم‬ ‫بأن أكت���ب يوم��� ًا عن فالح���ي الجزائر‬ ‫وعمالها وكان مشروع الخيار االشتراكي‬ ‫قد ب���دأ تنفيذه ف���ي س���بعينيات القرن‬ ‫الماض���ي ـ ونظرًا إل���ى العالقة الوثيقة‬ ‫ج���دًا بي���ن الرواية وبين الس���ينما فإنه‬ ‫ال ب���د من القول إن تأثير الس���ينما على‬ ‫جيلي (الجيل الثان���ي من كتاب الرواية‬ ‫بالعربي���ة في الجزائ���ر) كان له وقع ال‬ ‫يختل���ف عن الرواية‪ ،‬بل كان أحد روافد‬ ‫ذلك التأثير في مسار التجربة كله‪.‬‬ ‫َخ َصص���ت بالذك���ر كتاب ج���ون ريد‬ ‫وفيل���م «بوتامكي���ن» لتأثي���ر خطابهما‬ ‫الفكري والجمالي‪ ،‬الذي سيتبلور عندي‬ ‫الحق��� ًا خي���ارًا أيديولوجياً‪ ،‬س���تدعمه‬ ‫األدبيات الماركسية وكتابات الواقعية‬ ‫االش���تراكية‪ .‬وس���تصبح «البؤساء»‪،‬‬ ‫الت���ي كانت من قب���ل أحد اكتش���افاتي‬ ‫لواق���ع الفقر والظلم االجتماعي والقمع‬ ‫والرذيل���ة والفضيلة في فرنس���ا القرن‬ ‫متجاوزة‬ ‫رواية‬ ‫التاسع عشر خاصة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫إذ أقرأ‪ ،‬من مكتبة جامعة وهران‪« ،‬الدار‬


‫‪ - Henri Matisse‬فرنسا‬

‫الكبيرة» في نسختها األصلية‪.‬‬ ‫كان���ت‪ ،‬بح���ق‪ ،‬أول مفصل وأهمه‪،‬‬ ‫إلي في ثالثية محمد ديب‪ ،‬قبل‬ ‫بالنسبة ّ‬ ‫أن أقرأه���ا في ترجمة رائعة لألس���تاذ‬ ‫الكبير س���امي الدروبي‪ .‬فقد اكتش���فت‬ ‫فيه���ا‪ ،‬أدبي��� ًا وفني���اً‪ ،‬واق���ع التفقي���ر‬ ‫والتجويع والظلم والحرمان االجتماعي‬ ‫والثقافي وكل أنواع الميز والفصل التي‬ ‫كانت المؤسسة االستعمارية الفرنسية‬ ‫تمارسه ضد الجزائريين في المنتصف‬ ‫األول من القرن العشرين‪.‬‬ ‫فه���ي‪« ،‬الدار الكبيرة»‪ ،‬التي كان لها‬ ‫عل���ي التأثير الس���حري لعبقرية لغتها‬ ‫ّ‬

‫الفرنسية كيف تصور‪ ،‬خالف ًا للفرنسية‬ ‫األخ���رى‪ ،‬مقاومة الجزائريين الصامتة‬ ‫على بعد خمس���ة عش���ر عام ًا من اندالع‬ ‫حرب التحرير!‬ ‫فش���خصيات مثل الطفل عمر‪ ،‬الذي‬ ‫المأسوي‬ ‫يكون شاهدًا على ذلك الواقع‬ ‫َ‬ ‫فيعبر ألمه في نهاية الرواية ببس���مته‬ ‫ّ‬ ‫ع���ن أمل الخالص الذي س���يكون جيله‬ ‫هو من يحمل الس�ل�اح لتحقيقه‪ .‬ومثل‬ ‫حميد السراج المعلم المثقف المناضل‪،‬‬ ‫أحد رموز الوعي الوطني‪ .‬ومثل األم لال‬ ‫عيني في خوض تجربة نضالها الشاقة‬ ‫المختلف���ة ع���ن تجرب���ة «أم» غورك���ي‬

‫باعتباره���ا رم���ز الحفاظ عل���ى الهوية‬ ‫والنسيج األسري‪ ،‬برغم حاالت اليأس‬ ‫التي كانت تبلغها تحت وطأة الفقر‪.‬‬ ‫«الدار الكبيرة» هي التي ستسكنني‬ ‫أجواؤه���ا أكثر من غيره���ا في الثالثية‬ ‫نفس���ها أو ف���ي م���ا قرأته م���ن حولها‪.‬‬ ‫وس���يكون لتلك األج���واء انبعاثات في‬ ‫قصصي القصيرة‪ ،‬وفي بعض رواياتي‬ ‫امتدادات رفيعة الخيوط من بناء مكانها‬ ‫ٌ‬ ‫المغلق الفضاء المفتوح الدالالت‪.‬‬ ‫وكانت ه���ي إذًا بؤرة هاجس���ي في‬ ‫القي���م التاريخي���ة الت���ي ص���ار يمكن‬ ‫لكتابتي أن تحم���ل بعضها‪ .‬ومن ثمة‪،‬‬ ‫ح���دث اإلغواء الذي تكون قد مارس���ته‬ ‫ال أني‬ ‫عل���ي‪ ،‬دون أن أك���ون أدرك فع ً‬ ‫ّ‬ ‫ُم ْغوى بها‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬أعتبر أن هن���اك تضافرًا تم‪،‬‬ ‫بفعل تقاطعات «البؤس���اء» و«عش���رة‬ ‫أيام ه���زت العالم» و«األم» م���ع «الدار‬ ‫الكبي���رة»‪ ،‬ألجد نفس���ي يوم��� ًا دخلت‪،‬‬ ‫تح���ت تأثي���ر ذل���ك كل���ه بالتأكيد‪ ،‬في‬ ‫تجربة الكتابة األدبية التي س���يوجهها‬ ‫في البدء الوعي وااللتزام السياسيان‪.‬‬ ‫ث���م‪ ،‬وبنض���وج التجرب���ة نفس���ها‬ ‫وتطورها وبتتالي االنكسارات النفسية‬ ‫واالنهيارات األيديولوجية‪ ،‬وعليه هدم‬ ‫بن���اء القناعات المكرس���ة‪ ،‬مع الحفاظ‬ ‫على ما يغ���ذي الروح بالس���خاء تجاه‬ ‫اإلنسان واإلنس���انية‪ ،‬سيصبح بحثي‬ ‫عن الفض���اء الخاص واللغ���ة الجديدة‬ ‫واألس���لوب المميز ومغام���رة التجريب‬ ‫من بين أهم انش���غاالتي إلضافة لمسة‬ ‫خاصة إلى ش���كل الرواية التي يوم ًا ما‬ ‫أغوتني‪ .‬فص���رت كأنما أن���ا ملزم بأن‬ ‫أقول ما كانت س���تقوله «الدار الكبيرة»‬ ‫في زمني ه���ذا‪ ،‬بعد أكثر من س���بعين‬ ‫عاماً‪.‬‬ ‫ذلك مني أهم تعبير عن الوفاء لعهد‬ ‫بعض‬ ‫تل���ك الكتابة‪ .‬وذلك م���ا يحاول‬ ‫ٌ‬ ‫م���ن كتابتي اليوم أن يح���اور به «الدار‬ ‫الكبي���رة»‪ ،‬ألنها الرواي���ة التي يوم ًا ما‬ ‫أغوتني‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫تعلم كيف تقرأ‬ ‫ثقافة القراءة وأولوية الكتاب‬

‫د‪� .‬صربي م�سلم‪-‬نيويورك‬

‫تب���دو تلك الكت���ب التي س���بق أن‬ ‫اطلع���ت عليها في مراح���ل مختلفة من‬ ‫حياتي مث���ل إضمامة ش���موع متأللئة‬ ‫أضاءت عالم���ي‪ ،‬وكان لها األثر الكبير‬ ‫في مسيرة حياتي الخاصة‪ .‬وأذكر جيدًا‬ ‫أن كتاب ًا اس���تعرته م���ن مكتبة إعدادية‬ ‫قضاء المس���يب التاب���ع لمحافظة بابل‬ ‫احتل مساحة مهمة من اهتمامي وأنا لم‬ ‫أكمل دراس���تي اإلعدادية بعد‪ ،‬وعنوان‬ ‫ه���ذا الكتاب «كيف تق���رأ كتاباً؟» تأليف‬ ‫مورتايمر أدلر وجارل���س فان دورين‪.‬‬ ‫وقد احتفظت في تلك الفترة المبكرة من‬ ‫حياتي بملخص للكت���اب‪ ،‬وكنت أعود‬ ‫بين حين وآخر لهذا الملخص فأفيد منه‬ ‫كثيراً‪.‬‬ ‫كان الكتاب مهتم ًا بالجانب التنظيري‬ ‫لفن القراءة والجان���ب اآلخر التطبيقي‬ ‫أيضاً‪ ،‬السيما أنه يشير إشارة واضحة‬ ‫إلى أنك يمكن أن تت���درب على القراءة‬ ‫السريعة فتقرأ أربعة أضعاف ما تقرأه‬ ‫قبل التدريب على أن تستوعب ما تقرأه‬ ‫طبع���اً‪ .‬ويذكر الكتاب نماذج لمش���اهير‬ ‫كانوا يقرأون في الدقيقة الواحدة ما يزيد‬ ‫على ست صفحات من القطع المتوسط‬ ‫‪96‬‬

‫ويستوعبونها‪ .‬وإذا كنت ممن يستطيع‬ ‫أن يقرأ صفحة واحدة بالدقيقة الواحدة‬ ‫فيمكنك إذن أن تزي���د قدرتك إلى أربع‬ ‫صفحات وربم���ا أكثر بالدقيقة الواحدة‬ ‫دون أن تفقد االس���تيعاب‪ ،‬بمعنى أنك‬ ‫في األصل تستطيع أن تقرأ ما بين ‪220‬‬ ‫ ‪ 250‬كلمة في الدقيقة الواحدة‪ ،‬وبعد‬‫التدريب يمكن أن تقرأ مع االس���تيعاب‬ ‫مابي���ن ‪ 1000 - 900‬كلمة في الدقيقة‬ ‫الواحدة‪ .‬وقد جربت هذا بنفسي وتبين‬ ‫لي أنه صحيح تماماً‪.‬‬ ‫ومما أذك���ره أيض ًا أن ه���ذا الكتاب‬ ‫يؤكد على مس���ألة التركيز في القراءة‪،‬‬ ‫فقراءة ساعة واحدة مع التركيز تعادل‬ ‫ق���راءة عش���ر س���اعات ب���دون تركيز‪،‬‬ ‫بمعن���ى أن ال ينصرف اهتم���ام القارئ‬ ‫إلى س���وى الكت���اب الذي بي���ن يديه‪،‬‬ ‫فهو بؤرة اهتمامه‪ ،‬وليس ثمة ش���يء‬ ‫آخر ينافس���ه‪ .‬وإن كان بع���ض القراء‬ ‫ومع التدريب والممارسة يمكن أن يقرأ‬ ‫وينصرف تمام ًا إل���ى ما يقرأه دون أن‬ ‫يهمه الم���كان وإن كان يعج بالضجيج‬ ‫والضوضاء‪ ،‬ف���ي حين يحرص بعض‬ ‫الق���راء عل���ى الهدوء الت���ام وربما على‬

‫طقوس معينة أثناء القراءة كالموسيقى‬ ‫الهادئة أو أكواب الش���اي والقهوة‪ .‬مما‬ ‫يذكرنا بقول أب���ي الطيب المتنبي‪ :‬لكل‬ ‫ام���رئ من دهره م���ا تع���ودا‪ .‬وفي كل‬ ‫األح���وال يبرز دور الرغب���ة القوية في‬ ‫القراءة‪ ،‬فهي التي تش���كل نقطة البدء‪،‬‬ ‫وهي مما يمكن أن يحفز القارئ نفس���ه‬ ‫عليها عن طريق تخيل ثمار النجاح‪.‬‬ ‫ومن البديه���ي أن الكتب تختلف من‬ ‫حيث طبيعة الم���ادة المقروءة‪ ،‬فقراءة‬ ‫رواية على س���بيل المث���ال تختلف عن‬ ‫قراءة كتاب فلسفي أو تاريخي‪ ،‬وتبدو‬ ‫الفج���وة أوس���ع حي���ن يك���ون الكتاب‬ ‫علمي��� ًا كأن يك���ون ف���ي البيولوجيا أو‬ ‫الجيولوجيا أو الرياضيات‪ .‬إذن فنحن‬ ‫أمام أنماط مختلفة من الكتب‪ ،‬كما أننا‬ ‫ف���ي الوقت نفس���ه أمام أن���واع مختلفة‬ ‫من القراء أيض���اً‪ ،‬فهناك القارئ العابر‬ ‫الع���ارض ال���ذي يهم���ه أن يزجي وقته‬ ‫وهو في باص أو قطار أو طائرة وربما‬ ‫في عيادة الطبي���ب ينتظر دوره‪ .‬وثمة‬ ‫القارئ المتخصص الذي يعرف مايريده‬ ‫من الكتاب‪ .‬وهن���اك الطالب الذي يهمه‬ ‫أن ي���ؤدي امتحان��� ًا ف���ي م���ادة كتاب‬ ‫ما‪ .‬بي���د أن ثمة خط ًا عام��� ًا يجمع بين‬ ‫هذه الح���االت‪ ،‬فهم جميع��� ًا يحتاجون‬ ‫إلى القراءة الس���ريعة وذل���ك بالمرور‬ ‫الس���ريع الخاط���ف فوق الس���طور من‬ ‫أجل أكبر كمي���ة من المعلومات لتكوين‬ ‫االنطب���اع األول عن هذا الكتاب ووضع‬ ‫اليد على المحاور المهمة فيه‪ .‬وال بأس‬ ‫بإش���ارات خفيفة بقلم الرصاص على‬ ‫هام���ش الكتاب إذا كن���ت تمتلكه‪ ،‬وفي‬ ‫س���وى ذلك يفضل أن تكتب على ورقة‬ ‫منفصلة رؤوس نقاط مكثفة من وحي‬ ‫القراءة األولى‪.‬‬ ‫وتبقى القراءة من أجل االستيعاب‬ ‫والقدرة على اس���ترجاع مادته خطوة‬ ‫الحقة‪ .‬إذ يمكن أن يكتشف القارئ بعد‬ ‫القراءة الس���ريعة األولى أن هذا الكتاب‬ ‫ال يس���تحق أن يستمر في قراءته أو أنه‬


‫ال يدخ���ل ف���ي دائرة اهتمام���ه‪ ،‬ولكنه‬ ‫ق���د يقتنع تمام ًا بأن���ه وجد ضالته في‬ ‫ه���ذا الكت���اب‪ ،‬إذن ينبغ���ي أن يقرأه‬ ‫قراءة ثاني���ة متأنية‪ .‬وفي هذه الحالة‬ ‫اليستغني عن القلم والورقة حيث يثبت‬ ‫األفكار الرئيس���ية للكت���اب باختصار‬ ‫شديد مع االستعانة باألعداد ‪3 - 2- 1‬‬ ‫أو الح���روف أ‪ -‬ب ‪ -‬ج‪ ..‬وحين يعود‬ ‫الق���ارئ للكتاب مرة أخ���رى يمكنه أن‬ ‫يقرأ ملخصه الذي أعده بنفسه ويكتفي‬ ‫به‪.‬‬ ‫وثم���ة حقيق���ة أخ���رى مهم���ة في‬ ‫ق���راءة كتابك المنش���ود حي���ن تقتنع‬

‫بأنه مهم وأنه يمك���ن أن يضيف إليك‬ ‫جديدًا وهي التك���رار إذ ثبت أن التكرار‬ ‫من أش���د أعداء النس���يان‪ ،‬فإذا كررت‬ ‫األف���كار الرئيس���ية كل ي���وم فإنك لن‬ ‫تنساها وال س���يما في ساعات ما قبل‬ ‫النوم أو بعد أن تس���تيقظ مباش���رة‪،‬‬ ‫وفي هذه الحالة تكون قد استعنت بما‬ ‫يس���ميه علماء النفس بـ(الالشعور أو‬ ‫الالوع���ي) ورس���خت المعلومات التي‬ ‫كررتها بوعي من���ك ألهميتها‪ .‬وهناك‬ ‫قاعدة مهمة أخرى في القراءة تس���تند‬ ‫إلى آلية الربط بين ماتقرأه في الكتاب‬ ‫الذي بي���ن يديك وبين م���ا تعرفه أنت‬

‫قب���ل قراءت���ك له‪ ،‬بمعنى أن���ك ال تدع‬ ‫معلومات الكتاب عائمة في فراغ وإنما‬ ‫هي امتداد لما تعرفه س���ابقاً‪ ،‬فيس���هل‬ ‫عليك اس���تيعابها‪ .‬وم���ن الحقائق في‬ ‫هذا الشأن مسألة التعود على ساعات‬ ‫معينة للقراءة حتى أن بعض المؤلفين‬ ‫والكتاب حين يس���افر يح���س بالذنب‬ ‫ألنه لم يقرأ في الساعات التي اعتاد أن‬ ‫يقرأ فيها‪ .‬وفي لقاء مع الكاتب العربي‬ ‫نجيب محفوظ ذكر أنه في بداياته كان‬ ‫عليه أن يقضي وقت القيلولة ‪-‬المتاح‬ ‫له بعد ساعات الدوام في الوظيفة‪ -‬إما‬ ‫في القراءة أو النوم‪ ،‬ولو أنه اختار أن‬ ‫يقضي قيلولته نائم��� ًا لما عرفنا كاتب ًا‬ ‫رائع ًا مثل نجيب محفوظ‪.‬‬ ‫ويؤك���د الكت���اب عل���ى ض���رورة‬ ‫إش���راك أكثر من حاس���ة ف���ي عملية‬ ‫التعلم والس���يما في تعلم اللغات على‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬أو حفظ النصوص التي‬ ‫تحب أن تستشهد بها عند الضرورة أو‬ ‫أن تحفظ القواعد أو األس���س التي في‬ ‫ضوئها تس���تطيع التطبيق‪ .‬وفي هذه‬ ‫الحالة أن تقرأ هذه القواعد أو األسس‬ ‫وأن تس���معها وأن تكتبها أيض ًا أفضل‬ ‫من أن تقرأها فقط بمعنى أن التقتصر‬ ‫على حاس���ة البصر في عملية التلقي‪.‬‬ ‫ومن ه���ذا المنطل���ق ال تخف���ى أهمية‬ ‫وسائل اإليضاح أو الوسائل التعليمية‬ ‫في عمليت���ي التعلم والتعليم كلتيهما‪،‬‬ ‫فهي مما ال يستغنى عنه‪.‬‬

‫‪ - Pablo Picasso‬إسبانيا‬

‫ويبق���ى الكت���اب من���ارًا س���اطع ًا‬ ‫ومعلم��� ًا فذًا على الرغم من منافس���يه‪.‬‬ ‫ولع���ل أب���رز منافس���يه هذه الش���بكة‬ ‫السحرية للمعلومات‪ ،‬وهي مما يمكن‬ ‫أن يؤازر الكتاب ال أن يلغيه إذ ال يمكن‬ ‫االس���تغناء عن الكتاب وال مناص من‬ ‫القراءة الجادة الهادفة‪ ،‬والسيما ذلك‬ ‫الكتاب الذي تحس بأنك ش���خص آخر‬ ‫بعد قراءته‪ ،‬وأن���ه أضاف إليك جديدًا‬ ‫مؤثرًا اليمكن أن تنساه ما حييت‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫آلبرتو مانغويل‬

‫المهنة‪ :‬قارئ‬ ‫حم�سن العتيقي‬ ‫في مكتبة «بيغماليون» ببيونس‬ ‫آيرس‪ ،‬كان المكفوف خورخي لويس‬ ‫يقرب‬ ‫بورخس رفقة والدته العجوز ّ‬ ‫الكتب من وجهه حتى يالمسها كما لو‬ ‫كان أنفه يستطيع أن يستنشق الكلمات‪.‬‬ ‫يذكر آلبرتو مانغويل أنه كان يعمل في‬ ‫هذه المكتبة بعد انتهاء المحاضرات‪،‬‬ ‫مكلف ًا بترتيب ونفض الغبار عن الكتب‪،‬‬ ‫بل وسرقة ما أحب تملكه منها‪ ،‬ذات مرة‬ ‫سأله بورخس إن كان يقبل بأن يقرأ له‪.‬‬ ‫في كتابه «تاريخ القراءة» يبوح بأنه‬ ‫وافق دون أن يدرك االمتياز الذي حصل‬ ‫عليه‪« :‬عندما كنت أقرأ على بورخس لم‬ ‫كنت أقوم بواجب‬ ‫أكن أشعر قط بأنني ُ‬ ‫علي‪ ،‬بل إن هذه التجربة كانت‬ ‫ملقى ّ‬ ‫تبدو لي بمثابة األسر السعيد»‪ .‬ممارسة‬ ‫أخرى إلى جانب القراءة لبورخس‪ ،‬كان‬ ‫مانغويل سارد أفالم‪ ،‬وفي المهمتين‬ ‫ابتلي بتعليقات لم يفارقه ظلها في‬ ‫معظم ما كتب‪ .‬مانغويل كاتب مهنته‬ ‫األساسية القراءة التي تلقى رواج ًا في‬ ‫العديد من اللغات التي ترجمت إليها‪.‬‬ ‫عاش بجوار كاتب عالي المخيلة‪،‬‬ ‫نفذت محصلته إلى ذاكرة عجيبة‪،‬‬ ‫لم يشتتها ركام الكتب‪ ،‬القراءة على‬ ‫بورخس رتبت كتب ًا جنب بعضها‬

‫‪98‬‬

‫البعض في رف الكتب الوهمي الموجود‬ ‫في مخيلة مانغويل منذ الصبا‪ ،‬ومن‬ ‫غير انقطاع استمرت كاماسوتراه بين‬ ‫الكتب‪ ،‬حتى لنحسبه ماكينة قراءة تلتذ‬ ‫وتتداعى بين الرفوف‪ .‬ومن إقامته في‬ ‫المكتبة موطنه األرستقراطي‪ ،‬إلى سعة‬ ‫اطالعه ِ‬ ‫بسَير صداقاته األدبية الواسعة‪،‬‬ ‫وجد مانغويل فجوة لنمط كتابة‪ ،‬غير‬ ‫مطروقة إال لماماً‪ ،‬كتابته عن مكتبته‬ ‫اتخذت من القراءة موضوع تأليف‬ ‫موسوعي‪ ،‬يمزج فيه المخطوطات‬ ‫والنوادر القديمة‪ ،‬بتاريخ األدب والفن‪،‬‬ ‫منفتح ًا على مختلف بقاع المعرفة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬بأسلوب متراوح بين سرد‬ ‫المقتطفات والموازنة بين أصحابها‪.‬‬ ‫يروم مانغويل في تأليفه تذوق‬ ‫مؤلفات الماضي وتحيينها في مقابالت‬ ‫جدلية‪ ،‬فإذا جازت له فكرة كاتب يطابقها‬ ‫بمرونة مع أخرى‪ ،‬يقتاد المواقف إلى‬ ‫المفارقات والترادف‪ ،‬يتهكم بخفة‬ ‫على ما ال يوافق هواه ويترافع على‬ ‫ما يرغبه بتفتيش دقيق يسنده‪ ،‬مؤرخ‬ ‫مؤلفات‪ ،‬إذا جاز التعبير‪ ،‬تتراءى له‬ ‫الطبعات األصلية من الحاملة لتقادم‬ ‫الزمن والمليئة باألخطاء‪ ،‬والترجمات‬ ‫المزعجة‪ ،‬فال يفوته النبش في المقروء‬

‫لديه كلما دعت الضرورة التهكم أو إدانة‬ ‫المغشوش من الكتب‪« :‬وما كان بورخس‬ ‫لينزعج من مثل هذا االعتبار‪ :‬وهو الذي‬ ‫قال ذات يوم عن النسخة اإلنكليزية‬ ‫لـفاتيك ‪ ،Vathek‬من تأليف بيكفور‪،‬‬ ‫باللغة الفرنسية‪ ،‬بأن األصل كان غير‬ ‫وفي للترجمة»‪ .‬وباقتباس إيحائي‬ ‫مرتين في آن‪ ،‬يقتطف مانغويل ما يوافق‬ ‫هواه‪ ،‬فيذهب تفكيره «إلى األخالقي‬ ‫المتزمت جوزيف جوبير الذي وصف‬ ‫شاتوبريان عادات المطالعة لديه‪ :‬عندما‬ ‫يقرأ‪ ،‬يمزق من الكتب الصفحات التي ال‬ ‫تروق له‪ ،‬وهكذا أصبحت لديه مكتبة‬ ‫الستخدامه الخاص»‪.‬‬ ‫أن تكون الكلمات على ورقة يعني‬ ‫أنها العالم‪ .‬يذكر مانغويل في كتابه‬ ‫غابة المرآة‪« :‬يقول بورخس مستشهدا‬ ‫ببيت الشعر لدى تينيسون حول الزهرة‬ ‫في جدار متشقق بأنه ما من واقعة‪،‬‬ ‫مهما كان شأنها ضئيالً‪ ،‬إال وتربط معها‬ ‫التاريخ الكوني»‪ ،‬يتمم مانغويل ما‬ ‫تعمده نقص ًا مدسوس ًا بين قول بورخس‬ ‫واقتباسه‪« ،‬ومن ثم تأتي مكتبة بابل‬ ‫الشهيرة التي يطلق عليها بعضهم‬ ‫اسم الكون»‪ .‬في سياقات أخرى يدفع‬ ‫مانغويل قراءاته‪ ،‬تارة نحو تجاوز‬ ‫المعهود من الشروحات‪« :‬نحن نقرأ ما‬ ‫نريد أن نقرأ‪ ،‬ال ما كتب المؤلف‪ .‬في‬ ‫دون كيخوته‪ ،‬أنا لست مهتما‪ ،‬بشكل‬ ‫خاص‪ ،‬بعالم الفروسية‪ ،‬بل بأخالق‬ ‫البطل‪ ،‬وفي عالقة الصداقة الغريبة مع‬ ‫سانشو»‪ ،‬وتارة أخرى يلقي القناعات‬ ‫في مضمار المواجهة محتفظ ًا بتفضيل‬ ‫شعري أو مذهبي لطرف على آخر‬ ‫مخطط له سلفاً‪« :‬يعتقد اللاّ ما أن كل‬ ‫سيزال من تلقاء نفسه‪،‬‬ ‫عائق في طريقه ُ‬ ‫بينما ِكيم يؤمن بأنه قادر على إزالته‬ ‫بنفسه‪ ،‬أو الدوران حوله‪ .‬قرأت أمس‬ ‫في سيرة حياة ماكس برود أن كافكا‬ ‫مرة إلى‬ ‫كان يكره بلزاك‪ ،‬وقد انتبه ّ‬ ‫الشعار الذي نقشه بلزاك على عصاه‪:‬‬ ‫أنا أحطم كل عائق‪ ،‬عندئذ أضاف كافكا‬ ‫شعاره الخاص‪ :‬كل عائق يحطمني»‪.‬‬ ‫يقصد مانغويل ما ينتقيه‪ ،‬أو يترك‬ ‫المصادفة للسياق بمراوغة تحيك‬


‫الكلمات والمقتطفات دون استطراد‪،‬‬ ‫سم كتب‬ ‫يوجز‬ ‫ٍ‬ ‫ويسلّط ّ‬ ‫بمكر خاطف ُ‬ ‫بوخز متقون‪« :‬من الممكن‬ ‫بأكمالها‬ ‫ٍ‬ ‫إيجاد عالقة ما بين الباذنجانة وجورج‬ ‫بوش‪ ،‬وعلى هذا األساس يمكن بالتأكيد‬ ‫إيجاد عالقة بين حرب الخليج ورواية‬ ‫لبوتزاتي ‪ -‬يقصد صحراء التتر‪ -‬قصة‬ ‫دروغو تروي أن شاب ًا يعين في القلعة‬ ‫في أطراف ما يدعى بسهوب التتر‪،‬‬ ‫يستحوذ عليه هاجس أن يبرهن نفسه‬ ‫جندي ًا في معركة مع تتر ال يظهرون‬ ‫أبدًا‪ .‬دورغو يؤمن أن التتر موجودون‪،‬‬ ‫وهم يشكلون تهديدًا‪ .‬إنه يحتاج أن‬ ‫يؤمن بوجود عدو‪ .‬ما يحدث في رواية‬ ‫بوتزاتي يمكن تطبيقه على الواقع»‪.‬‬ ‫أسلوب مانغويل‪ ،‬في عمومه‪ :‬توليد‬ ‫إشراقات معرفية وفضح ما بين السطور‬ ‫توأمان لتقنية واحدة‪ ،‬هي التنقل الفاخر‬

‫بين الكتب واألسماء‪ .‬تنقل‪ ،‬محسود‬ ‫يؤصل في‬ ‫ويحّين‪ ،‬كما ّ‬ ‫عليه‪ ،‬يسترجع ُ‬ ‫غابة المرآة‪ « :‬لقد أعلن ثورو‪ ،‬وهذا الفت‬ ‫للنظر‪ ،‬بأن الفعل القائم على المبادئ‪،‬‬ ‫والحصول على الحقوق وتطبيقها‪ ،‬من‬ ‫شأنه تعديل األشياء والعالقات‪ .‬فالفعل‬ ‫هو في جوهره ثوري‪ ،‬وال ينحصر كلي ًا‬ ‫بأي شيء كائن ًا ما كان‪ ،‬وهو ال يكتفي‬ ‫ّ‬ ‫بشق الدول فحسب‪ ،‬بل هو يشق األسرة‪.‬‬ ‫وحقيقة األمر أنه يشق الفرد‪ ،‬فاص ً‬ ‫ال‬ ‫في داخله الشيطاني عن الرحماني‪.‬‬ ‫وجيفارا الذي هو كما جميع المثقفين‬ ‫األرجنتينيين في عصره‪ ،‬البد أنه قرأ‪:‬‬ ‫(شق عصا الطاعة مدنيا)‪ ،‬كان على‬ ‫ما هو مفترض متفق ًا مع هذه العبارة‬ ‫المحرفة عن القديس متّى»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫«طالما أعلنت بأن الغاية الدائمة‬ ‫لألدب هي عرض أقدارنا»‪ ،‬مقولة‬

‫بورخس التي ما فتئ مانغويل يسوغها‬ ‫محرض ًا قارئيه على القراءة في وصايا‬ ‫ال تنضب‪« :‬كلما اخترنا كتاب ًا لنقرأه في‬ ‫مساء‪ ،‬نشق أيض ًا طريق ًا بين‬ ‫السرير‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تنبؤات الفردوس ووعود الجحيم»‪،‬‬ ‫«اقرئي كي تحيا‪ ،‬رسالة غوستاف‬ ‫فلوبير» فاتحة مانغويل في كتابه‬ ‫«تاريخ القراءة»‪« ،‬القراءة مثل التنفس‪،‬‬ ‫وظيفة حياتية أساسية»‪ .‬لكن القراءة‬ ‫كما يريدها مانغويل مذهب ًا لفن العيش‬ ‫مقرونة عنده باإليمان والثقة‪ :‬إيمان‬ ‫بجهد طقوسي يشترط حس المتعة‬ ‫ً‬ ‫استعارة‪ ،‬تحويل الكتان إلى‬ ‫المراد بها‪،‬‬ ‫خيطان من ذهب‪ :‬فـ «تساعدنا الكتب التي‬ ‫نقرؤها على تسمية الحجر والشجر‪،‬‬ ‫ولحظة الفرح أو القنوط‪ ،‬ولهاث من‬ ‫نحب أو صفير طائر‪ ،‬بإلقاء ضوء‬ ‫التجلي على شيء مرئي أو محسوس‪،‬‬ ‫وبمخاطبة أنفسنا قائلين هذا قلبنا‬ ‫موضع التأمل‪ ،‬وتلك أمواج مسحورة‪،‬‬ ‫وهذا هو اإلنسان الحزين عند المساء»‪.‬‬ ‫وأما الثقة فحرص وانتقاء‪« :‬كل قراءة‬ ‫فيها تخريب ومعاكسة للتلفيقات‪،‬‬ ‫ففي مثل هذه الحاالت‪ ،‬تقدم القراءة‬ ‫لنا العون لصيانة االنسجام في قلب‬ ‫السديم‪ ،‬على أال نثق في السطح البراق‬ ‫للكلمات‪ ،‬بل ننبش بحث ًا في األعماق‪.‬‬ ‫من الخطأ أن نعتبر القراءة نشاط ًا قائم ًا‬ ‫على التلقي واالستقبال ال غير‪ ،‬على‬ ‫العكس‪ :‬فماالرميه يقول بأن من واجب‬ ‫كل قارئ أن يعطي معنى أصفى وأنقى‬ ‫للكلمات»‪.‬‬ ‫ال تكاد صفحة واحدة من مؤلفات‬ ‫مانغويل تخلو من عشرات الكتاب‬ ‫والمقتطفات‪ ،‬إنه بطبيعة ما يسرده‬ ‫غربال ُكتب‪ .‬في «يوميات القراءة» و«غابة‬ ‫المرآة» و«تاريخ القراءة» تحديدًا‪ ،‬تصلنا‬ ‫حكاية حب ولهاني بالمكتبة‪ .‬آلبيرتو‬ ‫مروج ميوالت وزبدة‬ ‫مانغويل يدرك أنه ّ‬ ‫مؤلفات حتى التخمة‪ ،‬ومهما تكن هذه‬ ‫الميوالت‪ ،‬يبقى فضله المحمود تمجيد‬ ‫القراءة والتحريض عليها‪ ،‬وكتبه‪ ،‬بما‬ ‫تدخره من آالف الكتّاب والكتب‪ ،‬يمكن‬ ‫وضعها على الطاولة دلي ً‬ ‫ال ال يخيب‬ ‫الباحث والقارئ معاً‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫«هك���ذا يبدو مظهر ش���خص‬ ‫ ‬

‫يقرأ‪ :‬مظهر ال أحد»‪.‬‬ ‫بوثو شتراوس‬

‫قرأت حتى ُ‬ ‫شفيت‬ ‫عبدالفتاح كيليطو‬ ‫أح���ب الق���راءة ف���ي الف���راش‪ .‬عادة‬ ‫ّ‬ ‫لحظة اكتش���اف‬ ‫الطفولة‪،‬‬ ‫منذ‬ ‫مكتس���بة‬ ‫َ‬ ‫«ألف ليلة وليلة»‪.‬‬ ‫كنت أرقد في غرفة جّدتي‪ ،‬على أريكة‬ ‫موضوعة أسفل س���ريرها‪ .‬أثناء مرض‬ ‫من أمراضي ـ ال بد أنه كان من الخطورة‬ ‫تتأبد ذكراه عند األس���رة ـ كنت على‬ ‫كي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫���باتي‪ .‬وفي‬ ‫س‬ ‫رقاد‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫غائص���‬ ‫الدوام‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أسترد فيها وعيي‪،‬‬ ‫اللحظات القليلة التي‬ ‫ّ‬ ‫أسمع أصوات الزائرات المستخبرات عن‬ ‫همسهن‬ ‫حالي‪ .‬ما إن أدرك أني موضوع‬ ‫ّ‬ ‫حتى أغوص ثانية في النوم‪.‬‬ ‫عندم���ا أخذت ف���ي التعاف���ي‪ ،‬رفعن‬ ‫صوتهن وتكلّمن ع���ن هذا وذاك من‬ ‫م���ن‬ ‫ّ‬ ‫رت‬ ‫األشياء‪ .‬لم أعد محور‬ ‫ّ‬ ‫أحاديثهن‪ .‬تكّد ُ‬ ‫أتحس���ر عل���ى المرض‪،‬‬ ‫لذل���ك‪ ،‬فأخذت‬ ‫ّ‬ ‫لكن ال جدوى م���ن التصنّع‪ ،‬كنت أعرف‬ ‫بالتجرب���ة أن جّدت���ي ال تنخ���دع أب���دًا‬ ‫بأكاذيبي‪ .‬وف���ي العمق‪ ،‬ما كنت بحاجة‬ ‫إلى المراوغة‪ ،‬فما زلت واهن ًا وانتكاسة‬ ‫كل لحظة‪.‬‬ ‫قد تطرأ في ّ‬ ‫كتاب‬ ‫انتباهي‬ ‫ج���ذب‬ ‫الظرف‬ ‫في هذا‬ ‫ٌ‬ ‫موض���وع بالق���رب منّ���ي‪« ،‬أل���ف ليلة‬ ‫المس���ماة‬ ‫وليل���ة»‪ ،‬ف���ي طبعة بيروت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أيض ًا بالكاثوليكية‪ .‬ماذا كان يصنع في‬ ‫يهتم فيه أحد ب���األدب؟ من الذي‬ ‫بي���ت ال ّ‬ ‫‪100‬‬

‫جعل���ه قريب ًا م���ن أريكتي‪ ،‬ف���ي متناول‬ ‫يدي؟ م���ن الظاه���ر أن إح���دى الزائرات‬ ‫قد نس���يته ول���م ترجع الس���ترداده‪ ،‬لذا‬ ‫ظل قرب فراش���ي ط���وال نقاهتي‪ .‬كنت‬ ‫ّ‬ ‫أجه���ل ذاك الوقت أن الفقرات الجنس���ية‬ ‫اس���تبعدت منه بعناي���ة‪ ،‬لكن لم ينل‬ ‫قد‬ ‫ُ‬ ‫وظ���ل جانبها‬ ‫ق���وة الحكايات‬ ‫ّ‬ ‫ذل���ك من ّ‬ ‫الفاضح كامالً‪ .‬وإ ّال لماذا انتابني شعور‬ ‫مبهم بأنه ال ينبغ���ي لي أن أقرأه؟ إذا ما‬ ‫دخل ش���خص إلى الغرفة‪ ،‬أخفيه تحت‬ ‫س���يما إذا كان والدي‪ .‬هكذا‬ ‫األغطية‪ ،‬ال ّ‬ ‫كنت إذًا أتص���دى للقراءة‪ ،‬لألدب‪ ،‬تحت‬ ‫ش���ارة المرض واإلثم‪ .‬ذلك كان الكتاب‬ ‫األول ال���ذي حاول���ت قراءت���ه‪ ،‬الكت���اب‬ ‫ّ‬ ‫األول بال زيادة‪.‬‬ ‫األول‪ ،‬الكتاب ّ‬ ‫العربي ّ‬ ‫ّ‬ ‫كن���ت أقرأ ف���ي الف���راش‪ ،‬على ضوء‬ ‫النهار‪ ..‬نقيض ش���هرزاد التي تروي في‬ ‫الليل وتس���كت في الصباح‪ .‬كنت بقطعي‬ ‫الق���راءة في المس���اء‪ ،‬أخالف إش���ارتها‬ ‫الضمنية وأعكس نظام األشياء‪.‬‬ ‫والحال أني بقدر ما كنت أقرأ ويمضي‬ ‫تتحس���ن حال���ي‪ .‬وعندما بلغت‬ ‫الوقت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الصفحة األخيرة‪ُ ،‬ش���فيت تماماً‪ .‬وكأن‬ ‫لألدب فضيلة عالجية‪ .‬فإن لم يكن يشفي‬ ‫يس���كن آالم النفس‪،‬‬ ‫أمراض البدن‪ ،‬فهو‬ ‫ّ‬ ‫ه���ذه إحدى ثيمات كتاب «الليالي»‪ .‬أميل‬

‫إلى الظن أنني اس���تعدت الصحة بفضل‬ ‫ش���فاعته؛ بفضلها هي أيض���اً‪ ،‬الزائرة‬ ‫الغامضة التي نسيته عند رأس فراشي‪.‬‬ ‫هذا كلّ���ه مؤثّر للغاية‪ ،‬لكن ش���كوك ًا‬ ‫ال‬ ‫مشوش���ة صفاء اللوحة‪ .‬أفع ً‬ ‫تنبثق‪ّ ،‬‬ ‫قرأت هذا الكتاب ف���ي الطبعة البيروتية‬ ‫المهذّبة؟ يروق لي اعتقاد ذلك‪ ،‬اهلل يعلم‬ ‫لماذا‪ ،‬لكن ما حقيقة األمر؟ لنذهب أبعد‪:‬‬ ‫أقرأته وأنا طفل؟ ربما أكون قد حاولت‪،‬‬ ‫وعندم���ا فطنت لثرائه المبه���ظ‪ ،‬تخلّيت‬ ‫عن قراءته بع���د بضع صفحات‪ ،‬بضعة‬ ‫زعمت‬ ‫مرة‬ ‫ُ‬ ‫س���طور‪ .‬الكتاب األول؟ كم ّ‬ ‫ذل���ك‪ ،‬لكن ألي���س ذلك ألن���ه بالعربية‬ ‫وأنني أش���قى مجتهدًا ألربط نفس���ي بما‬ ‫لست أدري من أصل؟‬ ‫أم���ا الزعم بأنني كن���ت مريض ًا عندما‬ ‫اكتش���فته‪ ،‬فذل���ك مح���ض اس���تيهام‪.‬‬ ‫اس���تحضار م���ا لس���ت أدري من مرض‪،‬‬ ‫استثارة الش���فقة على الذات‪ ،‬استعادة‬ ‫ال راقدًا على أريكة تحت سرير‬ ‫رؤيتي طف ً‬ ‫جّدتي‪ ..‬ألست منهمك ًا في تزويق األشياء‬ ‫موحي ًا بأن الحكايات قد اس���ترجعت لي‬ ‫حق‪،‬‬ ‫صحتي؟ مماث ً‬ ‫ال نفس���ي م���ن دون ّ‬ ‫بش���هريار‪ ،‬الملك المجنون الذي ش���فته‬ ‫ثم سيناريو تلك الزائرة‬ ‫شهرزاد‪ ..‬ومن ّ‬ ‫الغامض���ة‪ ،‬القارئة الناس���ية للكتاب‪..‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬ال ام���رأة كانت تقرأ في ذلك‬ ‫ربم���ا آيات من‬ ‫الزمان ف���ي من حولي‪ّ ،‬‬ ‫القرآن‪ ،‬ال «الليالي» بالتأكيد‪.‬‬ ‫أخي���راً‪ ،‬اإليحاء بأني ببلوغ النهاية‪،‬‬ ‫اختالق‬ ‫قد شفيت تماماً‪ ..‬هذا من جانبي‬ ‫ٌ‬ ‫مغرض‪ .‬الواقع أنني لن أكون قد ُشفيت‪،‬‬ ‫مت‪ .‬منذ ألفية من السنين‪،‬‬ ‫بل سأكون قد ّ‬ ‫يتردد الق���ول إنه ال تنبغ���ي قراءة‬ ‫أل���م ّ‬ ‫«الليال���ي»‪ ،‬أو أن ال ُيقرأ س���وى ش���طر‬ ‫منه���ا؟ الذين ل���م يتبعوا ه���ذه النصيحة‬ ‫دفع���وا الثمن غالياً‪ .‬فقد ثبت أنهم ُجنّوا‪،‬‬ ‫أو وضع���وا حّدًا لحياته���م‪ ،‬أو ماتوا من‬ ‫الس���أم‪ ،‬حرفياً‪ .‬غاب عنّ���ي هذا في ذلك‬ ‫استش���عرت‬ ‫الزمان‪ ،‬لك���ن ال بّد كنت قد‬ ‫ُ‬ ‫غريزي ًا الخطر‪.‬‬ ‫صفحات من رواي���ة «أنبئوني بالرؤي���ا» الصادرة‬ ‫حديثًا عن دار اآلداب‪ .‬ترجمة‪ :‬عبدالكبير الشرقاوي‪.‬‬ ‫«أية مكتب���ة هي صورة عن العال���م‪ ،‬لكنها صورة‬ ‫متفائلة»‪ .‬ألبرتو مانغويل «يوميات قارئ»‬


‫ت�أمالت‬

‫د‪ .‬مرزوق بشير‬

‫ثقــافـة االنـدهـاش!‬ ‫الدهش���ة ثقافة‪ ،‬أو على أقل تقدير نت���اج للثقافة‪ ،‬ولكل‬ ‫ثقافة مس���ببات لدهشتها‪ ،‬فاألمر الذي يدهش فردًا من ثقافة‬ ‫إن الدهش���ة مثل‬ ‫معين���ة قد ال يدهش فردًا من ثقافة أخرى‪ّ ،‬‬ ‫االبتس���امة والغضب والح���زن والف���رح‪ ،‬جميعها مخرجات‬ ‫إنس���انية لمدخالت ثقافية واجتماعية‪ .‬والدهشة أيض ًا نعمة‬ ‫إلهية مثل البصر والشم واللمس والتذوق‪ ،‬فمن يفتقدها فإنه‬ ‫يفتقد إثارة األس���ئلة‪ ،‬واألسئلة هي مقدمة للتعلم والمعرفة‬ ‫ومقدمة للتغيير والتقدم‪.‬‬ ‫تحملن���ا المقدمة اآلنف���ة إلى الحديث ع���ن الحاكم الذي ال‬ ‫ينده���ش‪ ،‬ففي كل صب���اح ترفع إلى مكاتب رؤس���اء الدول‬ ‫تقارير مخابرتية منتقاة‪ ،‬يصوغها أش���خاص مدربون على‬ ‫إبعاد ما يكدر صفو المسؤول ومزاجه‪ ،‬يقرأ الحاكم (هذا إذا‬ ‫كان مزاج���ه رائق ًا للق���راءة)‪ ،‬أو (إذا كان يفك الخط أصالً)‪،‬‬ ‫أن أمور الب�ل�اد والعباد على أفضل ح���ال‪ ،‬وتبدي له‬ ‫يق���رأ ّ‬ ‫اإلحصائي���ات المفبركة والتحاليل المنمق���ة والمفصلة على‬ ‫وأن وزراءه‬ ‫لب���اة‪ّ ،‬‬ ‫هواه ّ‬ ‫أن ش���ؤون الن���اس ومطالبه���ا ُم َّ‬ ‫ومندوبي���ه ف���ي الداخ���ل والخ���ارج يعرق���ون ويجاه���دون‬ ‫ويصل���ون الليل بالنهار من أج���ل مصلحة وراحة المجتمع‪،‬‬ ‫فالتعليم منتظم‪ ،‬والمرور في حالة انس���ياب‪ ،‬واألسعار في‬ ‫متن���اول الجميع بفضل تعاون التجار وتضحياتهم للفقراء‪،‬‬ ‫والمستشفيات مجهزة بالكامل من أطباء وممرضين وأجهزة‬ ‫وتس���اوي م���ا بين المرضى ف���ي المواعيد وغرف‬ ‫وأدوية‪ُ ،‬‬ ‫االستش���فاء‪ ،‬والحالة الثقافية في قم���ة عطائها وإبداعاتها‪،‬‬ ‫فهناك مهرجانات األفالم الدولية‪ ،‬ومهرجانات المس���رحيات‬ ‫العالمية‪ ،‬وعشرات الحفالت الموسيقية الكالسيكية‪ .‬ويقرأ‬ ‫الحاكم أن جميع أفراد شعبه يعملون‪ ،‬وال بطالة بين شباب‬ ‫األمة‪ ،‬وال كهولها والجميع على مسافة واحدة‪.‬‬ ‫هذا الحاكم لم يحاول لحظ���ة واحدة أن يتوقف ليندهش‬ ‫ال أم المدينة المثالية ألفالطون؟‬ ‫ويتساءل‪ :‬هل هذه بلدي مث ً‬ ‫لكن دهش���ته تقع فقط عندم���ا تصله أصوات ش���عبه التي‬ ‫تنادي بإسقاطه‪ ،‬وإسقاط نظامه‪ .‬هنا فقط يتساءل (وربما‬ ‫أن ما تعرضه عليه أجهزة مخابراته‪،‬‬ ‫يكتشف متأخراً)‪ :‬هل ّ‬ ‫وتحالي���ل خبرائه هي مجموع���ة من األكاذي���ب والروايات‬ ‫المفبركة تبعده عن حقيقة الواقع‪ ،‬روايات تفرحه وتس���ليه‬ ‫وتطيب خاطره‪ ،‬ليعيش في عالمه المتخيل؟‪.‬‬ ‫ال يندهش الحاك���م عندما يرفع له وزي���ر التعليم تقريرًا‬ ‫ال بزيارة‬ ‫وردي ًا يشبه رس���ائل العشاق عن حال التعليم مدل ً‬ ‫هيأها له المنافقون ليشاهد طابور الصباح‬ ‫قام بها للمدرسة‪ّ ،‬‬

‫طرياً‪ ،‬ومقاعد‬ ‫المنتظم‪ ،‬والفصول التي مازال دهان جدرانها ّ‬ ‫الطلبة التي ُجددت على عجل‪ ،‬ومكيفاتها التي ُرّكبت خلسة‬ ‫وألن وزير التعليم رجل سياسة وليس‬ ‫في الليلة الس���ابقة‪ّ .‬‬ ‫ف���إن قضية المناهج الدراس���ية وتطويرها هي‬ ‫رجل تعليم‬ ‫ّ‬ ‫آخر ما يفقه وما يناقش‪.‬‬ ‫بأن التعليم في أحس���ن حاالته‬ ‫يختم تقريره إلى حاكمه ّ‬ ‫وإنتاجه ‪ ،‬الحاكم ال يندهش عندما يش���اهد قنواته المحلية‪،‬‬ ‫وتكبر بحمده‪ ،‬تستعرض‬ ‫تسبح‬ ‫ِّ‬ ‫وصحافة بلده اليومية التي ِّ‬ ‫مغادرته وقدومه ووداعه واس���تقباله‪ ،‬والعناوين البارزة‬ ‫إلنجازاته ومكارمه‪ ،‬واألغاني الوطنية التي اس���تبدلت اسم‬ ‫الوطن باس���مه لكنه يندهش عندما ي���ذاع البيان األول الذي‬ ‫يعلن رحيله وسقوطه‪.‬‬ ‫خالصة كل ذلك أننا في حاجة إلى ثقافة متقدمة ومتطورة‬ ‫في إدارة حكم الش���عوب‪ ،‬ثقافة تنظ���م العالقة العادلة بين‬ ‫الحاكم والمحكومين‪ ،‬وتقوم على الشفافية والصراحة دون‬ ‫خ���وف أو تردد أو فزع م���ن العواقب‪ ،‬ثقافة تثير األس���ئلة‬ ‫وتتلق���ى اإلجابات عليها‪ ،‬ثقافة تس���اير المتغيرات الكونية‬ ‫ف���ي كافة المجاالت‪ ،‬ثقافة متفتح���ة على كافة الثقافات غير‬ ‫مؤدلجة أو منحازة لقبيلة أو عش���يرة‪ ،‬ثقافة تتساوى فيها‬ ‫الفرص لجميع طوائف المجتم���ع (دون تفرقة أو عنصرية)‬ ‫أمام القانون ويش���عر جميع أف���راد المجتمع بأنهم جزء من‬ ‫صنع قراراتهم ومصيرهم‪ ،‬وليسوا مدفوعين له دفعاً‪.‬‬ ‫وأخي���رًا وليس آخراً‪ ،‬نحن في حاج���ة إلى ثقافة الحاكم‬ ‫الذي يتوق���ف عند التقاري���ر الصباحية الت���ي تعرض عليه‬ ‫ليبح���ث فيها عن األس���ئلة التي تقدم له���ا التقارير اإلجابات‬ ‫الجاه���زة‪ ،‬وعليه أن يك���ون في موقف المنده���ش أكثر من‬ ‫موقف المتبلد‪.‬‬ ‫نحن في حاجة إلى إعادة تأسيس ثقافة مختلفة تأتي من‬ ‫خالل إعادة النظر في مناهج وأساليب التعليم السائدة‪ ،‬هذا‬ ‫الن���وع من التعليم النمطي الطارد للعقل والمنطق والوعي‪،‬‬ ‫الحر وقبول اآلخر‪ ،‬والمطالبة‬ ‫تعليم ال يجهز تالميذه للحوار ّ‬ ‫بالحقوق الدس���تورية والقانونية وانتقاد السلطة وتوجيه‬ ‫أدائه���ا للصال���ح العام‪ ،‬وعلين���ا أن نعيد النظ���ر في ثقافة‬ ‫تحول إلى غ���رف مغلقة على نفر‬ ‫اإلنت���اج اإلعالمي‪ ،‬ال���ذي َّ‬ ‫قليلين‪ ،‬يحتكرون عقل األمة ويتالعبون به حس���ب أهوائهم‬ ‫وأمزجته���م وما يخدم مصالحه���م الضيقة‪ ،‬نريد إعالم ًا يعيد‬ ‫لنا ولحكامنا الدهش���ة‪ ،‬تلك الحاسة السادس���ة التي فقدنا‬ ‫فعاليتها ودورها الهام في تقدم المجتمع‪.‬‬ ‫‪101‬‬


‫�أدب‬

‫توماس ترانسترومر‬

‫جغرافيا الشعر البعيدة‬

‫عبداحلق ميفراين‬

‫حينما تلقى الشاعر السويدي توماس‬ ‫ترانس���ترومر نبأ ف���وزه بجائزة نوبل‬ ‫لآلداب هذه السنة‪ ،‬قال‪« :‬إنني شجرة‬ ‫قديم���ة ذات أوراق ذابل���ة‪ ،‬لكنها تبقى‬ ‫متشبثة وال تسقط على األرض»‪ ،‬هكذا‬ ‫ج���اءت عبارات الش���اعر البالغ ثمانين‬ ‫عاماً‪ ،‬منهي��� ًا ما يقارب ‪ 40‬عام ًا لم يفز‬ ‫فيه���ا أي س���ويدي بهذه الجائ���زة التي‬

‫تظل محط أنظار الجميع رغم أن اسمه‬ ‫ظل مطروح ًا في قائمة الترشيحات منذ‬ ‫‪ .1993‬وأوضحت األكاديمية السويدية‬ ‫أن ترانس���ترومر حاز الجائزة «ألنه من‬ ‫خالل صور مركزة وواضحة‪ ،‬يعطينا‬ ‫منفذًا جديدًا على الواقع‪ .‬شاعر يتناول‬ ‫الموت والتاري���خ والذاكرة التي تحدق‬ ‫بنا وتزيد من قيمتنا وأضافت األكاديمية‬

‫الشاعر في شبابه‬

‫‪102‬‬

‫أن «غالبي���ة دواوي���ن ترانس���ترومر‬ ‫الش���عرية تتس���م باإليجاز والوضوح‬ ‫واالستعارات المعبرة»‪.‬‬ ‫يعتبر الش���اعر الس���ويدي ماغنوس‬ ‫وليان أولسون أن توماس ترانسترومر‬ ‫أصبح أكثر الشعراء السويديين شهرة‬ ‫وق���راء في العالم بفض���ل «ميزة الخلق‬ ‫الص���وري لديه»‪ .‬وقد ولد ترانس���ترمر‬ ‫س���نة ‪ 1931‬في «اس���توكهولم»‪ ،‬أبدى‬ ‫ولعه بالش���عر والموسيقى باكرًا خالل‬ ‫دراس���ته ف���ي الثانوي���ة‪ ،‬ف���ي الثالثة‬ ‫والعشرين باشر بدراسة تاريخ األديان‬ ‫وتاريخ األدب وعلم النفس في جامعة‬ ‫اس���توكهولم الت���ي تخ���رج فيها س���نة‬ ‫‪ .1956‬بدأ كتابة الشعر وهو في الثالثة‬ ‫عش���رة‪ ،‬ونش���ر أول مجموعة شعرية‬ ‫بعنوان «‪ 17‬قصيدة» في س���نة ‪،1954‬‬ ‫وله حالي��� ًا ‪ 15‬كتاب ًا ش���عرياً‪ ،‬قبل أن‬ ‫ينش���ر ش���عره اش���تهر كمترجم لشعر‬ ‫أندريه بريتون السوريالي‪.‬‬ ‫وينتم���ي الش���اعر الس���ويدي‬ ‫ترانس���ترومر إل���ى جغرافية ش���عرية‬ ‫قصي���ة‪ ،‬ل���م يصل منه���ا إل���ى القارئ‬ ‫العربي إال الن���زر القليل من الترجمات‪.‬‬ ‫وقد س���بق أن قدم العراقي���ان إبراهيم‬ ‫عبدالملك وجاس���م محم���د ترجمة مهمة‬ ‫للش���عر الس���ويدي من خ�ل�ال كتابهما‬ ‫«أنطولوجي���ا الش���عر الس���ويدي» من‬ ‫س���بعينيات القرن الماضي حتى العقد‬ ‫األول م���ن األلفية الثالث���ة‪ ،‬إطاللة من‬ ‫حواف النهائي» صدر سنة ‪ 2009‬بدعم‬ ‫من المجلس األعلى للثقافة في السويد‪،‬‬ ‫مع تقديم للشاعر سليم بركات‪ .‬وتختتم‬ ‫األنطولوجيا بورقة للش���اعر ماغنوس‬ ‫وليم أولس���ون تقارب الشعر السويدي‬ ‫من س���بعينيات الق���رن الماضي حتى‬ ‫العق���د األول من األلفي���ة الثالثة‪ ،‬وهي‬ ‫ورقة أساسية تقدم لقارئ األنطولوجيا‬ ‫سمات أساس���ية حول مسارات تشكل‬ ‫القصي���دة الس���ويدية الحديث���ة والتي‬ ‫اعتبرها الش���اعر العربي سليم بركات‬ ‫«قصائد على حافة النهائي»‪.‬‬ ‫ويس���عفنا ه���ذا المت���ن المختار من‬ ‫القصائ���د ف���ي التعرف عل���ى «قصيدة»‬


‫ظلت توث���ق عزلتها بعي���دًا عن التداول‬ ‫النق���دي العرب���ي‪ ،‬لذل���ك يمكنن���ا أن‬ ‫نس���توعب دالالت «خاتم���ة» ماغنوس‬ ‫وليم أولسون في دراسته حول الشعر‬ ‫الس���ويدي في س���ؤاله‪« :‬كي���ف لي أن‬ ‫أصف ماهية مركبة كالش���عر السويدي‬ ‫لقارئ من المحتمل أنه لم يس���مع اللغة‬ ‫الس���ويدية أبداً؟»‪ ،‬هذه اللغة «النائية»‬ ‫المتحدة بعالم من التناقضات الشديدة‪.‬‬ ‫ظلت القصيدة الس���ويدية تعاني من‬ ‫عق���دة األخ األصغر ارتباط��� ًا بزمالئها‬ ‫ف���ي أوروبا‪ ،‬رغ���م أن التاريخ يش���ير‬ ‫إلى تقليد أدبي اس���كندنافي متميز تمتد‬ ‫جذوره إلى القرون الوسطى‪ .‬لقد بحث‬ ‫الشعر السويدي والشعراء السويديون‪،‬‬ ‫يش���ير الش���اعر أولس���ون‪ ،‬ع���ن الذات‬ ‫في الخ���ارج دائماً‪ ،‬ف���ي تقاليد ولغات‬ ‫أخرى‪ .‬وفي نفس اآلن‪ ،‬ناضل الشعراء‬ ‫الس���ويديون للفكاك من تل���ك القبضة‬ ‫األس���لوبية الغربية لغوياً‪ .‬وثمة أمثلة‬ ‫متف���ردة في ه���ذا الباب كش���اعر القرن‬ ‫‪ 18‬كارل ميكيائي���ل بيلم���ان أو إيريك‬ ‫يوهان ش���اغنيليوس في القرن ‪ ،19‬إذ‬ ‫ب���دأ منذ ذاك التاريخ ف���ي تجاوز إلزام‬ ‫المقف���ى‪( »Slutrimm« /‬أح���د فروع‬ ‫الشعر األوروبية)‪ ،‬وبحكم افتقاد اللغة‬ ‫السويدية إلى القافية‪.‬‬ ‫لهذه االعتبارات‪ ،‬أتى الش���عر الحر‬ ‫«كمحرر ش���عري» إلى السويد‪ .‬يبدأ مع‬ ‫بيرالغركفس���ت (‪1891‬ـ ‪ )1974‬وإيديت‬ ‫س���ودرغران (‪1902‬ــ ‪ ،)1923‬وهاري‬ ‫مارتنس���ون (‪1904‬ـ ‪ ،)1978‬وغون���ار‬ ‫ايكيل���وف (‪1907‬ـ ‪ ،)1968‬ومع ظهور‬ ‫ش���عراء منهم إيريك ليندغرين (‪1910‬ـ‬ ‫‪ )1968‬وكارل فينبيرغ (‪1910‬ــ ‪)1995‬‬ ‫وروث هيالرب (‪1914‬ـ ‪ )2003‬أمس���ت‬ ‫الحداثة قاعدة واتس���ع توظيف الشعر‬ ‫الموزون على أساليب الكتابة‪.‬‬ ‫ف���ي الخمس���ينيات حظي���ت تجربة‬ ‫الش���اعر توماس ترانسترومر بحضور‬ ‫بارز وأصبح أكثر الشعراء السويديين‬ ‫شهرة وقراءة في العالم وكذلك بيرغتا‬ ‫تروتزي���غ (‪)1929‬بقصائده���ا النثرية‬ ‫السوداوية‪.‬‬

‫ترانسترومر‪..‬قوة الصورة‬

‫ف���ي الس���تينيات‪ ،‬ول���دت حرك���ة‬ ‫كونكريتي���ة‪ ،‬وعي جمالي وسياس���ي‬ ‫جديد‪ ،‬وهو امتداد لحركة الس���وريالية‬ ‫والدادئية وهو اتجاه في الشعر (وقبله‬ ‫في الفن التشكيلي والموسيقى) تتساوى‬ ‫في���ه أهمي���ة الترتي���ب التايبوغراف���ي‬ ‫للكلمات مع أهمية العناصر الش���عرية‬ ‫األخرى‪ ،‬لذلك س���مي ش���عر الش���كل‪/‬‬ ‫‪ Chape poetry‬أو ش���عر التصمي���م‬ ‫المرس���وم‪ .Patterm poetry /‬ه���ي‬ ‫حرك���ة إبداعي���ة أدلجت حدود الش���عر‬ ‫الفاصل���ة بين الص���ورة والنص‪ ،‬بين‬ ‫الكلمة والصوت والفاصلة بين المسرح‬ ‫والش���عر‪ .‬لقد فتح ش���عراء جيل بنغت‬ ‫ايميل يونس���ون‪ ،‬س���ونيا أوكس���ون‪،‬‬ ‫إيريك بيكمان‪ ..‬قيم الحداثة الش���عرية‬ ‫في أوس���ع تجلياتها‪ .‬الستينيات عرفت‬ ‫أيضاً‪ ،‬ظهور الش���عر «البسيط الجديد»‬ ‫أدار ظه���ره لنخبوية الحداثة باحث ًا عن‬ ‫ذاته في اليومي الشعبي إلى أن ظهرت‬ ‫تجربة الش���اعر برونوك أوير بشعره‬ ‫الفوضوي المهووس بالصورة‪.‬‬ ‫إذا كانت س���نة ‪ 1975‬تؤرخ لظهور‬ ‫مجلة «أزمة»‪ ،‬فإنها أس���همت في ظهور‬ ‫اس���م ش���اعرة س���ويدية هي كاتارينا‬ ‫فروستنسون التي غيرت التقليد الشعري‬

‫السويدي‪ ،‬ومع حلول ثمانينيات القرن‬ ‫الماضي انطلق العصر الذهبي للش���عر‬ ‫الس���ويدي‪ .‬ظهر يوهان نوردبك بأدبه‬ ‫المج���ازي‪ ،‬أولف ايركس���ون بقصائده‬ ‫الحسية المجادلة فلسفياً‪ ،‬آن يادرلوند‬ ‫بحساس���ية بالغة لمس���تويات معاني‬ ‫اللغة‪ ،‬آرنه يونس���ون بشعره الحكمي‬ ‫المتدف���ق‪ ،‬كريس���تيان لوندبي���رغ أحد‬ ‫أعض���اء جماعة «زم���رة مالمو» تنطلق‬ ‫أش���عاره من بيئة مادية لتلج األسئلة‬ ‫الوجودية الكبرى‪.‬‬ ‫في منتصف التس���عينيات تم تقديم‬ ‫ظاهرة المباريات الش���عرية في السويد‬ ‫وتق���وم فكرته���ا على ش���كل ش���عري‬ ‫ش���فوي وش���عبي‪ ،‬يلق���ي أثناءه���ا‬ ‫الشعراء قصائدهم لينالوا بعدها تقييم ًا‬ ‫م���ن الجمهور‪ .‬في العق���د األول من هذا‬ ‫القرن ظهر العديد من الشعراء المثيرين‬ ‫لالهتمام كآن هالس���تروم شعرها يبدو‬ ‫ال تمام ًا عن متناقضات المعرفة‬ ‫مس���تق ً‬ ‫الش���عرية‪ ،‬شاعرة أخرى‪ ،‬يني توندال‬ ‫ش���اعرة وناق���دة أدبي���ة أكثر ش���عراء‬ ‫الجيل الجديد إث���ارة لالهتمام ويمثالن‬ ‫معاً‪ ،‬إلى جانب الش���اعر دافيد فكغرين‬ ‫مرحلة جديدة للشعر السويدي‪.‬‬ ‫‪103‬‬


‫أحد آخ����ر الحوارات التي أجريت مع توماس ترانس����ترومر‪ ،‬صاحب‬ ‫والصحافية‬ ‫لما زارته الشاعرة ّ‬ ‫نوبل لآلداب‪ ،2011‬تعود إلى عام ‪ّ ،2007‬‬ ‫الس����ويدية جين����ي موريلي في بيت����ه وتحدّثت معه عن بع����ض الجوانب‬ ‫ّ‬ ‫الحميمة من يومياته‪ ،‬تجربته في الشعر ونظرته للحياة‪ .‬وبما أن الشاعر‬ ‫تعرض لجلطة دماغية(‪ )1990‬س����ببت له‬ ‫يجد صعوبات في الكالم بعدما ّ‬ ‫ال نصفي ًا فقد جلست بينهما زوجته مونيكا لتسرد هي أيض ًا بعض ما‬ ‫ش����ل ً‬ ‫تعرفه عن خصوصيات رجل عاشرته أكثر من نصف قرن‪.‬‬

‫حوار مع الشاعر عبر زوجته‪:‬‬

‫أرخبيل الشعر‬ ‫ترجمة ‪� -‬سعيد خطيبي‬ ‫لم���ا كن���ت مقيمة ف���ي بي���ت الكتّاب‬ ‫السويديين صيف ‪ 2007‬راودتني فكرة‬ ‫ّ‬ ‫زيارة الش���اعر توماس ترانس���ترومر‪،‬‬ ‫خصوص��� ًا لما علمت أنه يس���كن جزيرة‬ ‫قررت‬ ‫قريبة م���ن أرخبيل اس���توكهولم‪ّ .‬‬ ‫أن أرس���ل إليه أو ًال مجموعتي الشعرية‬ ‫وأنتظر ردًا من���ه‪ .‬اعتقدت في البدء أنها‬ ‫فك���رة غبي���ة‪ .‬فل���ن يوليها ش���اعر كبير‬ ‫اهتماماً‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فقد أرس���لتها وكتبت‬ ‫معها رس���الة أخبره فيها بم���دى تعلُّقي‬ ‫بنصوصه الش���عرية التي أحفظ بعض ًا‬ ‫منها عن ظهر قلب‪ .‬بعد بضعة أس���ابيع‬ ‫وصلتني رسالة صوتية على الموبايل‬ ‫من طرف مونيكا ترانسترومر‪ ،‬تشكرني‬ ‫فيها على إرس���ال الكت���اب وتطلب مني‬ ‫مهاتفته���ا‪ .‬فق���د اطل���ع توم���اس عل���ى‬ ‫وس���جل حولها بعض‬ ‫ّ‬ ‫بعض نصوصي‬ ‫المالحظات اإليجابية‪.‬‬ ‫ذات ظهيرة مشرقة من بداية الخريف‬ ‫ركنت دراجتي إلى جانب عمارة آجورية‬ ‫اللّون حيث يس���كن توم���اس ومونيكا‪.‬‬ ‫صعدت الس���لم العتي���ق والمظلم بعض‬ ‫الش���يء‪ ،‬ولما فتحت ل���ي مونيكا الباب‬ ‫أبهرن���ي ض���وء النه���ار المنعكس على‬ ‫س���قف البيت األخضر‪ .‬في نهاية الرواق‬ ‫كانت توجد قاعة االستقبال حيث يجلس‬ ‫توماس ترانس���ترومر عل���ى كنبة ممددًا‬ ‫‪104‬‬

‫يكور‬ ‫ذراعه اليسرى المستند على عصا‪ّ .‬‬ ‫ي���ده اليمني عل���ى بطن���ه وكأنها رأس‬ ‫يتك���ور حول غصن ش���جرة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عصف���ور‬ ‫كان���ت زهور اللي�ل�اس المائل���ة للزرقة‬ ‫تزيّ���ن ش���رفة البي���ت‪ .‬توجه���ت مونيكا‬ ‫وحض���رت لنا قهوة وقطع‬ ‫َّ‬ ‫إلى المطبخ‬ ‫بسكويت وشكوالتة للبدء في الحوار‪.‬‬

‫‪ l‬تعرض���ت لجلطة دماغية وأنت‬ ‫في س���ن التاس���عة والخمسين‪ .‬كيف‬ ‫عش���ت تلك المرحل���ة الصعبة‪ ،‬تلك‬ ‫الصدمة‪ ،‬ذلك الفقد؟‬ ‫ ال أخف���ي حقيق���ة أنن���ي قضي���ت‬‫وقتها األس���ابيع األولى في المستش���فى‬ ‫في ارتي���اح‪( .‬منذ تعرض���ه لتلك األزمة‬ ‫الصحية صار يجد صعوبات في الكالم‪.‬‬ ‫صار يس���تمع أكثر مما يتكل���م‪ .‬مونيكا‬ ‫تسعده في إيصال ما يريد قوله)‪.‬‬

‫‪ l‬عشت مرحلة جّد قاسية‪ .‬صارت‬ ‫الموس���يقى رفيقك الوحي���د‪ .‬تعلّمت‬ ‫العزف عل���ى البيانو باليد اليس���رى‬ ‫بعدما ُشلّت اليمنى‪.‬‬

‫ أعتقد أن ش���خص ًا يستطيع التأقلم‬‫مع مثل هذه الوضعية العسيرة يستحق‬ ‫كثيرًا من التقدير‪ .‬تقول مونيكا‬

‫‪ l‬كما تواصل اليوم الكتابة باليد‬ ‫اليسرى‪ .‬وتقرأ أيضاً؟‬

‫ نصوصه أخذت توجهات جديدة بعد‬‫تلك المرحلة‪ .‬تضي���ف مونيكا (توماس‬ ‫يحرك رأسه إيجاباً‪ .‬ويضع يده اليمنى‬ ‫ّ‬ ‫أو رأس العصفور على فخذه)‬

‫‪ l‬كي���ف اس���تطاع الع���ودة إل���ى‬ ‫الكتابة بعد شلل اليد اليمنى؟‬

‫ال في األيام األولى‪.‬‬ ‫ لم يكن األمر سه ً‬‫فقد توجب عليه المثابرة لتعلم استخدام‬ ‫اليد اليسرى‪.‬‬ ‫في الس���ابق ل���م تكن مونيكا تش���كِّل‬ ‫جزءًا من عمل الش���اعر‪ .‬ل���م تكن تتخيّل‬ ‫س���تطلع يوم��� ًا ما عل���ى هوامش‬ ‫َّ‬ ‫أنه���ا‬ ‫ومالحظ���ات الش���اعر توم���اس‪ .‬ولكنها‬ ‫اليوم ص���ارت جزءًا من مس���ار الكتابة‪.‬‬ ‫فهي تس���اعد زوجها في كتابة النصوص‬ ‫يطلع عليها في الختام‪،‬‬ ‫وفي رقنه���ا‪ .‬ثم َّ‬ ‫وي���درج عليه���ا التغيي���رات قب���ل بلوغ‬ ‫النسخة النهائية الموجهة للنشر‪.‬‬

‫‪ l‬عملت سنوات طويلة كمختص‬ ‫في علم النفس‪ .‬كيف كنت تجد الوقت‬ ‫للكتابة؟‬

‫ إنها مس���ألة روتين‪ .‬خصوص ًا لما‬‫ننخ���رط في عجلة الكتاب���ة‪ .‬كنت أقضي‬ ‫ال مع المراس�ل�ات‪ ،‬السفريات‬ ‫وقت ًا طوي ً‬ ‫واالطالع على مخطوطات اآلخرين‪ .‬لكن‬ ‫لم أكن أفرط في القراءات اليومية‪ .‬وبما‬ ‫أنني أعيش في جزيرة فإنني أجد كثيرًا‬ ‫من وقت الفراغ‪.‬‬

‫‪ l‬موني���كا‪ ،‬م���اذا يعن���ي لك أن‬ ‫تكوني زوجة شاعر؟‬

‫ إن���ه ش���عور اس���تثنائي وش���يء‬‫س���ن‬ ‫ّ‬ ‫تزوجت من توماس في‬ ‫مختل���ف‪ّ .‬‬ ‫التاس���عة عش���ر‪ ،‬بينم���ا كان ه���و يبلغ‬ ‫الس���ابعة والعش���رين‪ .‬باعتق���ادي إن‬ ‫س���ؤالك يمكن أعيد طرحه بالقول‪ :‬كيف‬ ‫يمكنن���ا العيش م���ع فن���ان عندما نكون‬ ‫قادمين من خارج الفن؟‬

‫‪ l‬نعم‬

‫‪ -‬باعتق���ادي إن الش���رط األهم يتمثل‬


‫‪ l‬لو أنك حالي ًا في سن العشرين‪،‬‬ ‫ماذا ستفعل؟‬

‫ ماذا س���نصير لو أنن���ا ولدنا نهاية‬‫الثمانينيات؟ سننش���أ ف���ي دور حضانة‬ ‫ووف���ق مناه���ج مختلف���ة‪ .‬أعتق���د أنني‬ ‫ال للفن‪ .‬ولكنني كنت‬ ‫س���أمتلك دائم ًا مي ً‬ ‫ربما س���أختار مهنة أخرى‪ .‬أو ربما علم‬ ‫النفس من جديد‪.‬‬

‫‪ l‬ما هي الوسيلة األفضل من أجل‬ ‫تطهي���ر الكتابة من المغاالة وتقديمها‬ ‫في أفضل أشكالها؟‬

‫فقد الكالم يعني فقد القدرة على اإلختباء‬

‫في االحترام المتبادل‪ .‬مما يوفر للطرف‬ ‫اآلخ���ر هام���ش الحرية الذي يس���مح له‬ ‫بمواصلة اإلبداع‪.‬‬

‫‪ l‬كيف تع���رَّف كل منكما باآلخر؟‬ ‫ومتى حصل ذلك؟‬ ‫ صديق مش���ترك جمع بينن���ا يوم ًا‬‫صدفة‪ ،‬في س���توكهولم العتيقة‪ .‬حدث‬ ‫ذلك عام ‪ 1957‬وتزوجنا في ‪.1958‬‬

‫‪ l‬هل لواحدة م���ن ابنتيكما ميول‬ ‫فنية؟‬

‫ كلتاهما تمتلكان ميو ًال فنية ورغبة‬‫ف���ي التّعبير‪ .‬البن���ت الكب���رى تفكر في‬ ‫ول���وج عالم الغن���اء‪ ،‬أم���ا الصغرى فقد‬ ‫صارت ممرض���ة مواصلة‪ ،‬ف���ي الوقت‬ ‫نفس���ه‪ ،‬تمارس هوايتها ف���ي التصوير‬ ‫الفوتوغرافي‪.‬‬

‫‪ l‬م���اذا برأي���ك سنخس���ر من فقد‬ ‫القدرة على الكالم؟‬ ‫ أن نفقد الكالم يعني فقد القدرة على‬‫االختف���اء وراءه‪ .‬ولكن م���ن الممكن أن‬ ‫نضيف ش���يئ ًا مهم ًا هو أن توماس كسب‬ ‫في حالته مع فقد الكالم عالقة وطيدة مع‬ ‫الموس���يقى‪ .‬فهو ما يزال يشعر بالحرية‬ ‫مادامت ي���ده اليمن���ى‪ ،‬عين���اه ودماغه‬ ‫ينش���طون بش���كل طبيعي‪ .‬فهو يقضي‬ ‫ال في العزف على البيانو‪.‬‬ ‫وقت ًا طوي ً‬ ‫(لما يعزف توماس على البيانو أظل‬ ‫منصتة إليه‪ .‬تتحرك يده اليس���رى بيسر‬

‫عل���ى اللوح‪ .‬يعزف مقاطع ًا للفنان رينو‬ ‫غليار‪ .‬أدركت بفضله أنه توجد خمسمئة‬ ‫مقطوع���ة كتبت للعزف باليد اليس���رى‪.‬‬ ‫وخمسون فقط لليد اليمنى)‬

‫‪ l‬مع���روف ع���ن توم���اس حب���ه‬ ‫للغابات‪ ،‬أليس كذلك مونيكا؟‬ ‫ كان توم���اس يستش���عر كثي���رًا من‬‫الحرية و يس���تلهم نصوص��� ًا في جزيرة‬ ‫رونمارو بالقرب من س���توكهولم‪ .‬أتذكر‬ ‫جيدًا حين كان يقضي ساعات طويلة في‬ ‫التجوال في الغابة قبل أن يعود مس���اء‬ ‫إلى البي���ت بجيوب تملؤه���ا قصاصات‬ ‫ورقية‪ .‬تعلق توم���اس كثيرًا بالغابات‪.‬‬ ‫ولكن الوضع تغيَّر في السنوات األخيرة‬ ‫بسبب الصعوبات الجمة التي يجدها في‬ ‫السير وفي التنقل من مكان آلخر‪.‬‬

‫‪ l‬توم���اس‪ ،‬هل تعتق���د بأنه من‬ ‫الممك���ن تش���كيل مقاوم���ة ش���عرية‬ ‫اليوم؟‬

‫ برأي���ي إن دور الش���عر يتمث���ل في‬‫محاولة تغيير أشكال التفكير التقليدية‪،‬‬ ‫ومناهج البحث عن أبع���اد ذواتنا‪ .‬تلك‬ ‫األبعاد الت���ي تنبذها القوى المادية التي‬ ‫تتحكم في العالم اليوم‪.‬‬

‫‪ l‬ما هي مشاريعك في المستقبل‬ ‫القريب؟‬ ‫‪ -‬بصراحة‪ ،‬ليست لدي فكرة‪.‬‬

‫ ال بد من من���ح النّص وقت ًا وفرصة‬‫لينضج‪ .‬النّص ال يبلغ ش���كله الختامي‬ ‫من البداية‪ .‬ال ب���د من الصبر‪ .‬وأن نتذكر‬ ‫دائم ًا ب���أن ما يربطنا مع القارئ هو عقد‬ ‫ثقة‪ .‬التلقائية في الكتابة ش���يء جميل‪.‬‬ ‫ولكن لن نجد دائم ًا طريق ًا لها‪.‬‬

‫‪ l‬هل تفكر فقط في كتابة الشعر‪،‬‬ ‫ال شيء آخر غير الشعر؟‬ ‫‪ -‬الشعر ال نهاية له‪.‬‬

‫بالمتص���وف‬ ‫ّ‬ ‫‪ l‬يش���بهك البع���ض‬ ‫إكه���رت‪ .‬هل م���ا زلت تعي���ش الطقوس‬ ‫الصوفي���ة نفس���ها كم���ا كن���ت عليه في‬ ‫السابق؟‬ ‫ س���ؤال مه���م‪ .‬نع���م‪ ،‬ق���رأت كثيرًا‬‫للمعلم إكهرت سنوات الخمسينيات وكذا‬ ‫للقديس أوغس���تين‪ .‬تأث���رت بكتاباتهما‬ ‫كثي���راً‪ .‬أعتقد أنهما موج���ودان في مكان‬ ‫ما من نصوصي الش���عرية‪ .‬لست أدعي‬ ‫متص���وف‪ ،‬لكنني أحاول أن أكون‬ ‫ّ‬ ‫أنني‬ ‫كذلك‪ .‬خصوص ًا لما أختلي بنفس���ي في‬ ‫الطبيعة‪.‬‬ ‫(صرَّح توماس ترونس���ترومر س���نة‬ ‫‪«:1972‬المتصوف هو ش���خص استطاع‬ ‫رؤي���ة اهلل‪ .‬أم���ا أنا فلم يح���دث معي أن‬ ‫رأيت اهلل»)‬ ‫بع���د االنته���اء من الح���وار والخروج‬ ‫م���ن بي���ت ترانس���ترومر‪ ،‬بقي���ت تراود‬ ‫ذهني صورة يد الشاعر اليمنى النائمة‪.‬‬ ‫ومالم���ح وجهه المبتهج���ة‪ .‬وأفكر كيف‬ ‫ناب���ت الزوج���ة موني���كا ع���ن كثير من‬ ‫مسؤوليات زوجها توماس‪.‬‬ ‫‪105‬‬


‫قصائد‬ ‫توما�س تران�سرتومر‬

‫وسط الشتاء‬ ‫نور �شاحب‬ ‫يلمع من بني مالب�سي‪.‬‬ ‫انقالب ال�شم�س ال�شتوي‪.‬‬ ‫حلن راق�ص للثلج املطقطق‪.‬‬ ‫�أغلق عيني‪.‬‬ ‫هناك عامل �أبكم‬ ‫تتجاوز كلماته احلدود‬ ‫خفية‪.‬‬ ‫(من ديوان الغندول المشؤوم‪)1996 ،‬‬

‫حكاية بعض البحارة‬ ‫وجه ًا لوجه‬ ‫يف فرباير‪ ،‬كانت احلياة متوقفة‬ ‫الع�صافري حتلق ق�رساً والروح‬ ‫حتتك بالطبيعة كمركب‬ ‫تلم�س املر�سى املربوطة �إليه‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪ lll‬‬

‫�أدارت الأ�شجار ظهرها �إىل هذه الناحية‪.‬‬ ‫�سمك الثلج يقا�س بالأع�شاب امليتة‪.‬‬ ‫ت�شيخ �آثار اخلطوات على ركام الثلج‪.‬‬ ‫وحتت الدفيئة تذوي الكلمة‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪ lll‬‬

‫يوماً ما‪� ،‬شيء ما �أقرتب من النافذة‪.‬‬ ‫توقف العمل‪ ،‬وقفت �أتطلع اليه‬ ‫الألوان تنت�رش‪ .‬وكل �شيء انقلب ر�أ�ساً على عقب‪.‬‬ ‫قفز كل منا‪ ،‬الأر�ض و�أنا‪ ،‬نحو الآخر‪.‬‬ ‫(شمس غير مكتملة‪)1962 ،‬‬

‫‪106‬‬

‫هناك �أيام بال ثلج حيث تنطلق مياه‬ ‫املحيط من بالد اجلبل‪ ،‬يلبد يف زينته‬ ‫من الري�ش الرمادي‪،‬‬ ‫حلظة ق�صرية زرقاء‪� ،‬ساعات طويلة‬ ‫ت�صحبها �أمواج كو�شق �شاحب‪،‬‬ ‫تبحث بال جدوى عن م�أوى حتت ح�صى ال�شاطئ‪.‬‬ ‫هذه الأيام‪ ،‬هجر ال�ضائعون املحيط بحثاً‬ ‫عن مراراتهم‪ ،‬ا�ستوطنوا �ضجة املدينة‪.‬‬ ‫واملالحون الغرقي يطريون نحو الأر�ض‪� ،‬أكرث‬ ‫خفة �أي�ضاً من دخان الغليون‪...‬‬ ‫(يف ال�شمال ترك�ض حيوانات الو�شق الأ�صيلة‬ ‫ذات املخالب امل�شخوذة والأعني احلاملة‪.‬‬ ‫يف ال�شمال‪ ،‬حيث ي�سكن اليوم منجماً‪،‬‬ ‫نهاراً وليالً‪.‬‬ ‫حيث الناجي الوحيد يجل�س قرب مدف�أة‬ ‫الفجر ال�شمايل وي�سمع مو�سيقى من‬ ‫ماتوا متجمدين بردا)‪.‬‬ ‫(‪ 17‬فصيدة‪)1957 ،‬‬


‫في البعيد‬ ‫عند مدخل املدينة الكبري‬ ‫حينما تكون ال�سماء واطئة‪.‬‬ ‫تزيد احلركة‪ ،‬وتتكثف‪.‬‬ ‫كتنني ك�سول‪ ،‬المع‪.‬‬ ‫�أنا حر�شفة من حرا�شف التنني‪.‬‬ ‫فج�أة‪ ،‬ال�شم�س املت�أججة‬ ‫و�سط الزجاج الأمامي‬ ‫وتغمرين‪.‬‬ ‫�أنا �شفاف‬ ‫وكتابة تدون‬ ‫يف داخلي‬ ‫كلمات �سطرت باحلرب ال�رسي‬ ‫الذي يتبدى‬ ‫حينما من�سك الورقة �أعلى نور ال�شعلة !‬ ‫�أعرف �أنه يلزمني �أن �أرحل �إىل البعيد‬ ‫�أجتاز املدينة و�أذهب بعيدا‬ ‫للغاية‪ ،‬حتى ت�أزف �ساعة الرحيل‬ ‫و�أم�شي طوي ً‬ ‫ال يف الغابة‪.‬‬ ‫�أتتبع �أثار الغرير‪.‬‬ ‫تهبط العتمة‪ ،‬ومن ال�صعب ر�ؤيتها‪.‬‬ ‫ولكن هناك‪ ،‬على الزبد‪� ،‬أحجار‪.‬‬ ‫�أحدها نفي�س‪.‬‬ ‫من املمكن �أن يحول كل �شيء‪:‬‬ ‫يعرف �أن يجعل العتمة تربق‪.‬‬ ‫�أنه عاك�س جلميع البلدان‪.‬‬ ‫كل �شيء ات�صل به‪.‬‬ ‫ينظر �إليه‪ ،‬يلم�سه‪...‬‬ ‫(دورب‪)1973 ،‬‬

‫ترجمة ‪� -‬أ‪.‬ع‬ ‫‪107‬‬


‫فاز الكاتب والروائي الجزائري الفرانكفوني بوعالم صنصال بجائزة السالم في‬ ‫معرض فرانكفورت للكتاب بألمانيا‪ .‬وقال صنصال ‪-‬الذي تس����لم الجائزة منتصف‬ ‫الش����هر الماض����ي بحضور نحو ألف ش����خص في أكبر معرض للكتاب ف����ي العالم‪ -‬إن‬ ‫"ث����ورة عالمية تجري اآلن‪ ،..‬وإن الناس يري����دون ديمقراطية أممية صادقة من دون‬ ‫حدود أو محرمات‪ ،‬وهم ينبذون الطغاة والتطرف وس����لطة األس����واق وهيمنة الدين‬ ‫الخانقة"‪.‬‬

‫بوعالم صنصال يفوز بجائزة فرانكفورت للسالم‬

‫في انتظار الثورة الجزائرية‬ ‫حوار‪ :‬ماريان بايو‬ ‫ترجمة‪� :‬أحمد عثمان‬

‫‪108‬‬


‫في ه����ذا الحوار يتح����دث صنصال‬ ‫ع����ن عالمه اإلبداع����ي وروايته األحدث‬ ‫«ش����ارع داروين» الصادرة هذه األيام‬ ‫عن دار غاليمار‪.‬‬ ‫يرسم بوعالم بورتريه عائلة وبلد‬ ‫تحت وطأة الخوف‪ .‬في نهاية يونيو‪/‬‬ ‫حزيران‪ ،‬في حديقة دار غاليمار الرائعة‪،‬‬ ‫من����ح بوعالم صنصال نفس����ه قس����ط ًا‬ ‫من الراحة‪ .‬بمناس����بة اقت����راب صدور‬ ‫روايته السادس����ة «ش����ارع داروين»‪،‬‬ ‫قبل أن يؤوب إل����ى مدينته بومرداس‪.‬‬ ‫رواية جميلة‪ ،‬ذات ش����خصيات مثيرة‬ ‫لالهتمام‪ ،‬تجتاز نصف قرن من تاريخ‬ ‫الجزائر‪ ،‬بصورة يصعب معها وصفها‬ ‫«تربطني عالقة به����ذه الحكاية»‪ ،‬هكذا‬ ‫أس����ر مؤلف «قس����م البراب����رة»‪ ،‬ولكن‬ ‫كيف أحك����ي ه����ذا دون اغتصاب حياة‬ ‫اآلخري����ن‪ ،‬دون أن أخونه����ا؟ إنه نوع‬ ‫الرواي����ة بحيث من الممكن أن يكون كل‬ ‫ش����يء مزيف ًا أو أن نس����قط في النزعة‬ ‫االستعراضية»‪ .‬بعد فترة تردد طويلة‬ ‫دام����ت ثالثة أش����هر إثر وف����اة والدته‪،‬‬ ‫انطلق بوعالم صنصال‪ .‬كل شيء يبدأ‬ ‫م����ن هنا‪ :‬أش����قاء متفرقون ف����ي أركان‬ ‫الدنيا األربع����ة يتجمعون حول تابوت‬ ‫األم‪ .‬كان يزي����د‪ ،‬المس����مى ي����از‪ ،‬األخ‬ ‫األكبر‪ ،‬من رعاها حتى أيامها األخيرة‪،‬‬ ‫من بقي في البالد بينما هرب اآلخرون‬ ‫من الح����رب والبؤس‪ .‬ي����از أو بوعالم‬ ‫«يش����بهني كثيراً‪ ،‬في الواق����ع‪ .‬مثلي‪،‬‬ ‫ع����اش طفولت����ه‪ ،‬خالل الخمس����ينيات‬ ‫والس����تينيات‪ ،‬في شارع داروين (على‬ ‫بعد ‪ 100‬متر من بيت آلبير كامو)‪ ،‬في‬ ‫بلك����ور‪ ،‬حي جزائري ش����عبي‪ .‬مثلي‪،‬‬ ‫شيئ ًا بعد شيء كبر فيه‪ ،‬ال يعرف شيئ ًا‬ ‫عن نفس����ه‪ ،‬عن أخوته‪ ،‬ع����ن أمه‪.»..‬‬ ‫ال ق����در يش����به قدر ي����از‪ ،‬تتجاذبه جدة‬ ‫ثري����ة يحيا معها داخل نوع من التجمع‬ ‫الس����كني وأمان تركتاه في سن الثامنة‬

‫حينما كنت أنقب‬ ‫عن حكايتي‪ ،‬لم‬ ‫أكن أرى سوى‬ ‫النساء‬ ‫متجهتان نح����و الجزائر العاصمة! إنما‬ ‫عودة‪ ،‬صحبة صنصال الشجاع‪ ،‬إلى‬ ‫حياة وبلد خارج المألوف‪.‬‬ ‫ولد بوعالم صنصال في عام ‪1949‬‬ ‫ببلدة «ثنية الحد»‪ .‬درس الهندس����ة في‬ ‫مدرسة البوليتكنيك الوطنية بالجزائر‬ ‫ثم المدرسة الوطنية العليا لالتصاالت‬ ‫بباريس‪ .‬حائز أيض ًا على دكتوراه في‬ ‫االقتصاد‪.‬‬ ‫م����ن روايات����ه‪« :‬قس����م البراب����رة»‬ ‫(‪ ،1999‬جائزة الرواية األولى وجائزة‬ ‫م����دارات ف����ي نف����س الع����ام)‪« ،‬الطفل‬ ‫المجنون بالشجرة المجوفة» (‪،2000‬‬ ‫جائزة ميش����ال دارد)‪« ،‬قرية األلماني»‬ ‫(‪.)2008‬‬

‫‪ l‬الج���دة االس���تثنائية‪ ،‬قوادة‬ ‫على نطاق واس���ع تتربع على قمة‬ ‫االمبراطوري���ة‪ ..‬هل هي ش���خصية‬ ‫من المواقع؟‬ ‫ نعم‪ ،‬والدي ابنه����ا‪ ،‬أو باألحرى‬‫اب����ن أختها أو اب����ن قريبة له����ا‪ ..‬كانت‬

‫الال س����عدية زعيمة آل ق����ادري‪ ،‬امرأة‬ ‫ناف����ذة‪ ،‬له����ا ممتلكات ف����ي كل مكان ‪-‬‬ ‫وم����ن بينها بيوت دع����ارة‪ -‬في تونس‬ ‫والمغرب وفرنس����ا‪ .‬كانت متسلطة‪ ،‬ال‬ ‫يس����تطيع أحد أن يقاومها‪ ،‬تدير عالمها‬ ‫بق����وة وبأس ش����ديدين‪ .‬كان����ت ماهرة‬ ‫إلى حد أنه����ا عرفت التعام����ل مع كافة‬ ‫هذه األنظمة‪ :‬اإلدارة الفرنس����ية‪ ،‬جبهة‬ ‫التحرير الوطني وفي زمن االس����تقالل‬ ‫أصبح����ت بطل����ة‪ .‬وقتما كان����ت تعاني‬ ‫الجزائ����ر من اإلفالس‪ ،‬ع����رض بن بلة‬ ‫مش����روع التضام����ن الوطني‪ .‬س����اهم‬ ‫الجمي����ع‪ ،‬وقدم����ت الج����دة قناطير من‬ ‫الذهب‪ .‬بغتة‪ ،‬استقبلت بن بلة وناصر‬ ‫في زيارت����ه للجزائر عل����ى الغداء‪ .‬كل‬ ‫هذا عرض في نشرة األخبار التلفازية‪.‬‬ ‫حتى أن موتها كان مجلجالً‪ :‬تم اغتيالها‬ ‫في ظروف غامضة‪..‬‬

‫‪ l‬كتبت ف���ي الرواية‪« :‬جاء زمن‬ ‫النساء»‪ ..‬ماذا تقصد؟‬ ‫ حينما كنت أنقب عن حكايتي‪ ،‬لم‬‫أكن أرى سوى النساء‪ ،‬الجدة‪ ،‬فايزة‪،‬‬ ‫فروجة‪ ،‬كريمة‪ ..‬في وسطنا التقليدي‪،‬‬ ‫ال يتبادل الرجال والنس����اء المواقع‪ ،‬إذ‬ ‫هما عالمان منفصالن‪ .‬تجلس النس����اء‬ ‫سوية‪ ،‬وكن يعرفن الكثير من األشياء‬ ‫الغامض����ة‪ ،‬وكان عالمهن معقدًا وحياً‪.‬‬ ‫بينما لم يكن الرجال س����وى ظالل‪ .‬منذ‬ ‫ذاك‪ ،‬عشت هذا الشعور بخواء الرجال‪.‬‬ ‫بالنس����بة لي‪ ،‬كان����وا دوم���� ًا ضعيفي‬ ‫الش����خصية وعديمي الفائدة‪ .‬باستثناء‬ ‫الجل����وس‪ ،‬ش����رب القه����وة‪ ،‬تن����اول‬ ‫الطعام‪ ،‬النوم‪ ،‬ماذا يفعلون؟‬

‫‪ l‬تتحس���ر دوماً‪ ،‬كما قلت‪ ،‬من‬ ‫صمتك وعدم مجابهتك لفترة طويلة‬ ‫للجماعات اإلسالمية المسلحة‪..‬‬ ‫‪109‬‬


‫ تحررنا من الكولونيالية بسيف‬‫اإلسالم‪ .‬ولهذا الس���بب وألن اإلسالم‬ ‫دين آبائنا‪ ،‬لم نتجرأ على مهاجمته‪،‬‬ ‫فقد كان مقدس ًا كما الثورة‪.‬‬

‫‪ l‬يغ���ذي كثي���ر م���ن الحروب‬ ‫روايتك‪ .‬فيها‪ ،‬نقرأ بومدين‪ ،‬خالل‬ ‫حرب ‪ ،1973‬في خطاب حماسي‪،‬‬ ‫يق���ول‪« :‬كلما كان هناك ش���هداء‪،‬‬ ‫جمي�ل�ا»‪ .‬هل هذا خيال‬ ‫كان النصر‬ ‫ً‬ ‫أم حقيقة؟‬ ‫ إنها الحقيقة كلمة بكلمة! حينما‬‫س���معت مؤخرًا القذاف���ي يقول نفس‬ ‫الخط���اب‪ ،‬ارتجفت‪ ،‬اذ رأيت نفس���ي‬ ‫ف���ي الثكن���ة الواقع���ة ف���ي ضواحي‬ ‫الجزائر‪ ،‬أم���ام بومدين حينما أنش���أ‬ ‫يحدثني والجنود عن «عطش األرض‬ ‫العربية للدماء»‪ .‬في آخر األمر‪ ،‬أشعر‬ ‫أنن���ي أمضيت حياتي كلها أتحدث عن‬ ‫الحرب‪ ،‬وهذا لن يتوقف أبداً‪.‬‬

‫‪ l‬في مع���رض فرانكفورت في‬ ‫أكتوبر القادم‪ ،‬سوف تحصل على‬ ‫جائزة السالم المقدمة من المكتبات‬ ‫األلمانية‪ .‬هل يثير األمر دهش���تك‬ ‫ويحميك؟‬ ‫ ف���ي الواق���ع‪ ،‬ه���ذا ش���رف لي‪.‬‬‫الفرانكفونيان الوحي���دان اللذان حازا‬ ‫عليه���ا هم���ا آس���يا جب���ار وخورخه‬ ‫سمبرون‪ ..‬بالتأكيد‪ ،‬تحمي الكاتب أية‬ ‫جائزة كما الشهرة على وجه العموم‪.‬‬ ‫بق���در ما أك���ون تحت الض���وء‪ ،‬أكون‬ ‫«مصوناً»‪ .‬الصحف الفرنس���ية تش���يد‬ ‫بهذه المزية‪ ،‬مع أنن���ي ال أنتقد كثيرًا‬ ‫ألنن���ي أعل���م أن هذا يص���ب في خانة‬ ‫النظ���ام‪ ،‬ال���ذي ال يخش���ى إال الهبّات‬ ‫الشعبية‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫‪ l‬بالضب���ط‪ ،‬كيف تفس���ر «الال‬ ‫مباالة الجزائرية»؟‬ ‫ هناك أكثر من س���بب‪ .‬في بادئ‬‫األم���ر‪ ،‬قام الجزائري���ون بثورتهم في‬ ‫عام ‪ 1988‬وفشلت‪ .‬ظللنا نرزح تحت‬ ‫هذا الفش���ل المؤلم الذي أدى فيما بعد‬ ‫إلى مئتي ألف قتيل‪ ،‬إلى حرب أهلية‪،‬‬ ‫ومدمر‪ .‬هرس‬ ‫إلى بلد ممزق‪ ،‬مش���تت ّ‬ ‫النظام الجزائري المتمردين حتى آخر‬ ‫فرد منه���م‪ ،‬وبفض���ل الديموقراطية‪،‬‬ ‫منح جبهة اإلنقاذ اإلس�ل�امية شرعية‬ ‫ال عن ذل���ك‪ ،‬النظام‪،‬‬ ‫وجوده���ا‪ .‬فض ً‬ ‫الغن���ي بدرج���ة كبي���رة وباحتياطيه‬ ‫النقدي الذي تعدّى المئة والخمس���ين‬ ‫ملي���ارًا من ال���دوالرات‪ ،‬فت���ح أبواب‬ ‫االس���تيراد‪ .‬وهكذا‪ ،‬توفر كل ش���يء‪،‬‬ ‫وف���ور أن ترفع النقاب���ات أصواتها‪،‬‬ ‫ترتف���ع الروات���ب‪ .‬آخر األم���ر‪ ،‬القمع‬ ‫كبير‪ .‬األلف متظاه���ر الذين تظاهروا‬ ‫ش���هر يوليو‪/‬تموز في (مي���دان أول‬ ‫مايو) في وس���ط البلد بالجزائر كانوا‬

‫أشعر أنني أمضيت‬ ‫حياتي كلها أتحدث‬ ‫عن الحرب‪ ،‬وهذا لن‬ ‫يتوقف أبد ًا‬

‫محاطي���ن بأكثر من خمس���ة وثالثين‬ ‫ألف متظاهر‪ ،‬بينما القوات المس���لحة‬ ‫تسد كافة مداخل العاصمة‪.‬‬

‫‪ l‬هل تمت مصادرة كتبك؟‬ ‫ نعم‪ ،‬تقريب ًا كل كتبي‪ ،‬وتحديدًا‬‫رواي���ة «الجزائ���ر‪ :‬بري���د لم يرس���ل»‬ ‫و«قرية األلماني»‪ .‬واألخيرة استقبلت‬ ‫بصورة س���يئة للغاية في الصحافة‪،‬‬ ‫وأثارت السخط‪ :‬كيف تجاسرت على‬ ‫القول إن نازي ًا اشترك في الثورة‪ .‬لم‬ ‫يس���اندني أحد‪ .‬زوجتي‪ ،‬وهي تعمل‬ ‫أستاذة‪ ،‬أجبرت على االستقالة‪ .‬وأنا‬ ‫في عام ‪ ،2003‬ت���م فصلي من عملي‬ ‫في وزارة الصناعة بسبب تصريحاتي‬ ‫عن بوتفليقة والنظام‪.‬‬

‫‪ l‬أل���م يدفع���ك كل ه���ذا إل���ى‬ ‫الرحيل؟‬ ‫ كل صب���اح! كل صب���اح‪ ،‬أقول‬‫في نفس���ي‪« :‬انتهى األم���ر‪ ،‬أنا تعب‪،‬‬ ‫الحياة قاس���ية للغاية»‪ .‬كانت أمامي‬ ‫ف���رص رائعة‪ ،‬بيد أنني ال أس���تطيع‬ ‫أن أترك أمي بمفرده���ا‪ .‬الرحيل عمل‬ ‫رائع‪ ،‬نخرج من مسرح الحرب‪ ،‬ندخل‬ ‫إلى الحياة العادي���ة‪ ،‬ولكن بعد طور‬ ‫الس���عادة‪ ،‬يأتي طور الشعور بالذنب‬ ‫ثم الن���دم‪ .‬يستش���يط المهاجر غضباً‪:‬‬ ‫«اخرج من خنوعك‪ ،‬ناضل!»‪ .‬يرجع‬ ‫البعض‪ ،‬أخيراً‪ ،‬إل���ى البالد ويصبح‬ ‫جزائري ًا أكثر من الجزائريين‪ ،‬مس���لم ًا‬ ‫أكثر من المس���لمين‪ ،‬يعطي الدروس‬ ‫لمن لم يبرح مكانه! اليوم‪ ،‬أعتقد أنه‬ ‫يجب أن يرحل رجال السلطة‪ .‬تنازلنا‬ ‫كثيراً‪ ،‬ولذا يجب أال نتنازل ثانية‪.‬‬ ‫‪(*) Marianne Payot, Entretien avec‬‬ ‫‪Boualem Sansal, L’Express, N°‬‬ ‫‪3138- 24 au 30 août 2011.‬‬


‫�ضغط الكتابة‬

‫أمير تاج السر‬

‫فك المربوط‬

‫وصلتني عبر البريد اإللكتروني‪ ،‬رسالة منمقة‪ ،‬وتشبه‬ ‫ال في‬ ‫كثيراً‪ ،‬تلك الس���ير الذاتية التي تقدم لجهات العمل‪ ،‬أم ً‬ ‫الحصول على وظيفة‪ .‬كانت الرسالة من واحد اسمه الشيخ‬ ‫زكري���ا‪ ،‬يقيم ف���ي واحدة م���ن العواصم العربي���ة‪ ..‬يقول‬ ‫الش���يخ في رس���الته‪ ،‬إنه متخصص في (ف���ك المربوط)‪،‬‬ ‫وإزالة الس���حر بأنواعه‪ ،‬وتزويج اآلنسات‪ ،‬وحل المشاكل‬ ‫الزوجية‪ ،‬وتحسين أداء الطالب في المدارس‪ ،‬وأيض ًا عالج‬ ‫(القول���ون العصبي) وأمراض المع���دة والحموضة الناتجة‬ ‫عن ضغوط الحي���اة اليومية‪ ،‬وإنه يقدم تلك الخدمات عبر‬ ‫االتص���ال الهاتفي أو البريد اإللكتروني‪ ،‬أو اللقاء المباش���ر‬ ‫إن كن���ت أقيم ف���ي منطقة قريبة من مركز نش���اطه‪ ،‬ويقبل‬ ‫الدفع بالفيزا والماس���تر كارد‪ ،‬إن تعذر التحويل المصرفي‪.‬‬ ‫وفي نهاية الرس���الة أوصاني بتعميم تلك األنباء الس���ارة‬ ‫على أصدقائي‪ ،‬والرد على رس���الته فورًا حتى يتس���نى له‬ ‫أن يدرج لي موعدًا في دفتر مواعيده المشغول ألشهر عدة‪..‬‬ ‫ولم ينس بالطبع أن يذكر بأنه األفضل واألقل أجرًا في ذلك‬ ‫المجال‪.‬‬ ‫جلس���ت لفترة أتأمل تلك الرسالة الزائرة لبريدي‪ ،‬فهمت‬ ‫ف���ك المرب���وط وإزالة الس���حر‪ ،‬وتزويج العازب���ات‪ ،‬ولم‬ ‫أفهم أب���دًا إزالة الحموضة التي هي من اختصاص ش���راب‬ ‫(الموكس���ال)‪ ،‬وحبوب (الزنتاك) و (اإليمبرزول)‪ ،‬أو تأخر‬ ‫الطالب في التعلي���م التي يتبناها اختصاصيون في النطق‬ ‫والتخاطب والسلوك النفسي‪ ،‬وال دخل للتشيخ في حلها‪.‬‬ ‫هذه الرسالة أو السنارة الصائدة‪ ،‬هي بالضبط ما يريده‬

‫الن���اس في هذا الزمان‪ ..‬الكل يح���س بأنه مربوط بحبل ما‬ ‫وبحاجة لمن يفك ربطه‪ ،‬ال���كل يعاني وال يفهم معاناته‪..‬‬ ‫تزدح���م العيادات والمصح���ات‪ ،‬ويخرج الناس بعش���رات‬ ‫األصناف من األدوية وال يتغير شيء‪ ،‬وقد فهم زكريا وغيره‬ ‫ممن يديرون محطات تليفزيونية فضائية لنش���ر الدجل‪ ،‬أو‬ ‫يستطيعون السباحة في اإلنترنت‪ ،‬أن هذا هو هوى الناس‬ ‫ومرادهم‪ ،‬فاستغلوا التكنولوجيا لجني األرباح‪ ..‬وبالرغم‬ ‫من أن األيام دائم ًا ما تثبت أن هؤالء األش���خاص ليس���وا إال‬ ‫صيادين في الماء العك���ر‪ ،‬إال أن الناس ال يريدون تصديق‬ ‫ذلك وبالتالي يظل رزق (الهبل) متاح ًا عند المجانين‪.‬‬ ‫في مقالة سابقة نش���رتها في عكاظ السعودية‪ ،‬تحدثت‬ ‫عن السيدة (ميمونة) التي كانت تدير جلسات قراءة الطالع‬ ‫في مدينتي الساحلية‪ ،‬وتشد إليها العقول حين تدفن ماضي ًا‬ ‫أو تزين مستقبالً‪ ،‬وتحدثت عن الرجال الذين يشبهونها في‬ ‫علي كثيرون طالبين مني أن أكتب‬ ‫فضائيات الدجل‪ ،‬وقد رد ّ‬ ‫في مج���ال تخصص���ي‪ ..‬أي الثقافة بعيدًا ع���ن معتقداتهم‪،‬‬ ‫ناسين أن الكاتب يجب أن يظل عين ًا تراقب المجتمع‪ ..‬تشيد‬ ‫بتط���وره‪ ،‬وتنبش في التخلف‪ ،‬س���اعية إل���ى دحره‪ .‬ولن‬ ‫تكون ثمة قامة لكاتب ال يدلي برأي‪.‬‬ ‫تجرعت جرعة كبيرة من ش���راب الموكسال وأنا أفكر في‬ ‫رسالة الشيخ زكريا‪ ..‬زالت الحموضة على الفور‪ ..‬لكن كم‬ ‫يائس بحموضة أكبر سيصمد‪ ..‬قطع ًا هناك آالف االتصاالت‬ ‫تجرى ومئات الرس���ائل اإللكترونية ترسل‪ ..‬والهوس يظل‬ ‫هوساً‪ ..‬بال دواء‪.‬‬

‫‪111‬‬


‫فضيحة البوكر اإلنجليزية‬

‫األصل يحاكي الصورة‬ ‫لندن ‪ -‬سمير نوار‬ ‫ف���ي عملية ما بع���د حداثية بامتياز‪،‬‬ ‫حي���ث يس���ود في عال���م مابع���د الحداثة‬ ‫ما يس���ميه بودريار بالس���يموالكرا‪ ،‬أو‬ ‫الص���ورة الزائفة‪ ،‬الت���ي تحاكي األصل‬ ‫وتزعم أنه���ا البديل األرقى له‪ ،‬حدث في‬ ‫مس���اء ليلة الثالثاء ‪ 18‬أكتوبر في لندن‬ ‫أثناء اإلعالن عن نتائ���ج جائزة البوكر‬ ‫األصلية ما يحدث عند اإلعالن عن جائزة‬ ‫بوكر العربية‪ ،‬الص���ورة الزائفة لها كما‬ ‫زعم البعض من البداي���ة‪ ,‬وفي مقدمتهم‬ ‫الناقد المص���ري الدكتور صبري حافظ‪،‬‬ ‫من فضائح وإشكاليات‪ .‬تذكرت هجومه‬ ‫عل���ى أول رئيس للجن���ة تحكيم البوكر‬ ‫العربية‪ ،‬وأنا أشاهد وقائع احتفال منح‬ ‫جائ���زة البوكر المتلفزة في لندن‪ ،‬والتي‬ ‫رأس���ت لجنة تحكيمها هذا العام ستيلال‬ ‫ريمنجت���ون‪ ،‬الرئيس���ة الس���ابقة لجهاز‬ ‫المخاب���رات المحل���ي المعروف باس���م‬ ‫‪ ،MI5‬تميزًا له عن قرينه األش���هر ‪MI6‬‬ ‫المختص باالستخبارات الخارجية‪.‬‬ ‫فقد وقف���ت تلقي على المش���اهدين‪،‬‬ ‫وبينه���م س���تة م���ن المؤلفي���ن الذي���ن‬ ‫ينتظ���رون عل���ى أحر من الجمر س���ماع‬ ‫ال عريض ًا عن حال‬ ‫النتيجة‪ ،‬خطاب ًا طوي ً‬ ‫الكتابة والقراءة‪ ،‬وعن ضرورة أن تكون‬ ‫القراءة الس���هلة والتشويق من المعايير‬ ‫المهمة في الحكم عل���ى الروايات‪ ،‬وعن‬ ‫أن النقاد الذي���ن هاجموا قائمة هذا العام‬ ‫‪112‬‬

‫القصي���رة واعتبروها من أس���وأ القوائم‬ ‫في األع���وام األخيرة‪ ،‬وطرح���وا القيمة‬ ‫األدبي���ة والعمق ف���ي مواجه���ة القراءة‬ ‫السهلة والتش���ويق‪ ،‬ليسوا إال من النوع‬ ‫ال���ذي هجاه ألكس���اندر ب���وب (‪- 1688‬‬ ‫‪ Alexander Pope )1744‬في قصيدته‬ ‫الشهيرة «مقال في النقد األدب ي ‪sAn E‬‬ ‫‪ .» say on Criticism‬بل وبدأت تلقي‬ ‫على الحضور مقاط���ع تقريعية من هذه‬ ‫الهجائية الشهيرة المكتوبة قبل ثالثمئة‬ ‫ع���ام‪ ،‬وبالتحدي���د ع���ام ‪ ،1711‬وكأنها‬ ‫تحتفل بمئويتها الثالثة‪.‬‬ ‫ويبدو أن ستيلال ريمنجتون‪ ،‬أرادت‬ ‫تحول اإلعالن عن الجائزة إلى فرصة‬ ‫أن ّ‬

‫الرواية الفائزة‬

‫لالنتقام من النق���اد‪ ،‬فبينها وبينهم ثأر‬ ‫قدي���م‪ ،‬يرجع إل���ى أعق���اب تقاعدها من‬ ‫رئاس���ة هذا الجهاز المخابراتي الش���هير‬ ‫منذ ما يقرب من الس���نوات العشر حينما‬ ‫قررت كتابة (أسرار مفتوحة) الذي روت‬ ‫فيه شيئ ًا من س���يرتها الذاتية ومذكراتها‬ ‫في هذا الجه���از العتيد‪ ،‬وقوب���ل كتابها‬ ‫برغم نجاحه التجاري النسبي باستهجان‬ ‫النقاد والصحفيين ألنه من غير المقبول‬ ‫أن يكتب رئي���س مثل ه���ذا الجهاز الذي‬ ‫تحيط���ه الس���رية والغم���وض مذكراته‪،‬‬ ‫خاصة وأن الناش���ر دفع لها مبلغ ًا كبيرًا‬ ‫في هذا الش���أن‪ .‬ثم تحولت بعد ذلك إلى‬ ‫كتابة الروايات فاعتب���ر النقاد رواياتها‬ ‫من عيار روايات التسلية الخفيفة‪ .‬لذلك‬ ‫أرادت أن تس���تغل ه���ذه الفرص���ة التي‬ ‫أتيح���ت لها كي تلقنهم درس��� ًا في أهمية‬ ‫روايات التسلية الخفيفة‪.‬‬ ‫فل���م تكت���ف بتقري���ع النق���اد الذين‬ ‫هاجموا اختيارات لجنتها‪ ،‬واالستشهاد‬ ‫بمقط���ع هجائي الذع من ألكس���ندر بوب‬ ‫بش���أنهم‪ ،‬ولم تعبأ بظه���ور االمتعاض‬ ‫م���ن خطابها عل���ى وجوه النق���اد الذين‬ ‫امت�ل�أ بهم الحف���ل‪ ،‬وال بخ���روج أندرو‬ ‫موشن‪ ،‬شاعر البالط السابق‪ ،‬ورئيس‬ ‫لجن���ة تحكيم البوكر في العام الماضي‪،‬‬ ‫احتجاجا‪ ،‬وه���و الذي كتب عقب اإلعالن‬ ‫ع���ن القائمة القصيرة التي اعتبرها كثير‬ ‫من النقاد أسوأ قائمة قصيرة في األعوام‬ ‫العشرة األخيرة‪ ،‬مهاجم ًا اختياراتها‪ .‬بل‬ ‫ط���رح بد ًال منه���ا قائمته القصي���رة التي‬ ‫لم تتضمن إال كتابين م���ن قائمتها‪ ،‬كان‬ ‫بينهما لحس���ن الحظ الكت���اب الفائز‪ .‬لم‬ ‫تكتف ريمنجتون بذل���ك‪ ،‬وإنما انطلقت‬ ‫إلى تش���بيه عال���م الناش���رين وما يدور‬ ‫في كواليس���ه بعالم المخابرات وخاصة‬ ‫في أس���وأ أش���كاله لدى الـ ‪ ،KGB‬إبان‬ ‫اش���تعال الح���رب الب���اردة واس���تخدام‬ ‫أشكال مما دعته بالبروباجندا السوداء‪،‬‬ ‫وزعزعة س���معة اآلخرين‪ ،‬والمؤامرات‬ ‫والعم�ل�اء المزدوجين‪ ،‬وغي���ر ذلك من‬


‫ستيال ريمنجتون‬

‫قاموس الحروب االستخباراتية‪.‬‬ ‫لك���ن ما خفف بعض الش���يء من أثر‬ ‫ال هو أنها‬ ‫تلك الصدم���ة أو الفضيحة قلي ً‬ ‫حينما أعلنت اس���م الفائز‪ ،‬وهو جوليان‬ ‫بارنز (المولود في ليستر‪ ،‬بانجلترا عام‬ ‫‪ )1946‬ع���ن روايت���ه القصي���رة (الحس‬ ‫بنهاي���ة ‪)The Sense of an ending‬‬ ‫التي تعد أقصر رواية فازت بتلك الجائزة‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬حيث ال تتجاوز عدد صفحاتها‬ ‫‪ 150‬صفح���ة‪ ،‬لقيت النتيجة ش���يئ ًا من‬ ‫االرتياح‪ .‬ألن رواية بارنز تلك كانت هي‬ ‫ورواية كارول بيرش ‪ Carol Birch‬من‬ ‫أفض���ل روايات القائمة القصيرة الس���ت‬ ‫وأكثره���ا أدبية‪ .‬وكان كثير من النقاد قد‬ ‫عارضوا الجائ���زة هذا العام‪ ،‬بعد إعالن‬ ‫قائمتها الطويلة في يوليو الماضي‪ ،‬ثم‬ ‫قائمتها القصيرة في س���بتمبر‪ ،‬ووجهوا‬ ‫إليه���ا نقدًا الذع ًا ألنه���ا نحت إلى تفضيل‬ ‫األعمال س���هلة القراءة‪ ،‬والتي تستجيب‬ ‫لهوى القارئ الس���طحي الس���ريع‪ ،‬على‬ ‫األعم���ال ذات القيمة األدبي���ة الخالصة‪.‬‬ ‫فباس���تثناء روايت���ي بارن���ز وبيرش‪،‬‬ ‫كان ف���ي قائم���ة ريمنجت���ون القصي���رة‬ ‫كاتب���ان جديدان ينش���ر كل منهما روايته‬ ‫األولى هما س���تيفن كيلمان وأ‪ .‬د‪ .‬ميلر‪،‬‬ ‫وكاتبان مجهوالن م���ن كندا هما باتريك‬ ‫ديويت وإس���ي إدوجي���ان‪ .‬وهذا ما دفع‬ ‫النقاد الذين يحبذون طرح القيمة األدبية‬

‫جوليان بارنز‬

‫في مواجهة القراءات الس���هلة السريعة‪،‬‬ ‫والذين تزعمهم أندرو موشن‪ ،‬إلى طرح‬ ‫أس���ماء‬ ‫ً‬ ‫قائم���ة قصيرة منافس���ة ضمت‬ ‫مرموق���ة من عينة أالن هولينجهيرس���ت‬ ‫‪ ،Alan Hollinghurst‬وجراي���ام‬ ‫سويفت ‪ Graham Swift‬وآلي سميث‬ ‫‪Ali Smith‬‬ ‫ب���ل إن رواية هولنجهيرس���ت (طفل‬ ‫الغري���ب) التي كان���ت في قائم���ة النقاد‬ ‫المضادة ولم تظهر في القائمة القصيرة‬ ‫للبوكر التي أعلنت في سبتمبر الماضي‪،‬‬ ‫حقق���ت أعلى المبيعات بين كل الروايات‬ ‫المطروح���ة في القائمتي���ن‪ ،‬وتجاوزت‬ ‫مبيعاتها ‪ 350‬ألف استرليني في الشهور‬ ‫القليلة الماضية‪ .‬ونحن نتحدث هنا عن‬ ‫عائدات البيع في شهور قليلة‪ ،‬ألنه بعد‬ ‫أن ينقش���ع الغبار عن حومة المنافس���ة‬ ‫تظل أرق���ام البيع في تصاعد‪ ،‬بالصورة‬ ‫الت���ي تجاوزت فيها أرقام بيع كل رواية‬ ‫وصلت إل���ى القائمة القصي���رة من قبل‬ ‫المليون جنيه استرليني‪ ،‬ووصل بعضها‬ ‫كما هو الحال مع الرواية الفائزة ببوكر‬ ‫عام ‪ 2002‬وهي (حياة بي) ليان مارتل‬ ‫إلى عشرة ماليين جنيه استرليني‪.‬‬ ‫لكن يبدو أن ستيلال ريمنجتون أرادت‬ ‫أيض ًا إفحام هؤالء النق���اد حينما أعلنت‬ ‫أن العمل الفائز‪ ،‬حصد الجائزة ألسباب‬ ‫أدبية محضة‪ ،‬إذ يتسم بالتكثيف وتعدد‬

‫المستويات والقدرة على تناول القضايا‬ ‫اإلنسانية الجوهرية‪ .‬والواقع أن جوليان‬ ‫بارنز أحد أهم األسماء البارزة في عالم‬ ‫الرواي���ة االنجليزي���ة المعاص���رة‪ ،‬لكن‬ ‫الذين أسعدهم فوز بارنز‪ ،‬الحظوا‪ ،‬أنه‬ ‫بالرغم م���ن أن روايته جيدة بأي معيار‬ ‫من المعايير‪ ،‬إال أنها تعد خفيفة نس���بي ًا‬ ‫بالمقارن���ة برواياته األخرى التي لم تفز‬ ‫بالجائزة‪ .‬وقد قال أحد النقاد العرب في‬ ‫تعليق عل���ى فوز رواي���ة بارنز (الحس‬ ‫بنهاي���ة) بها‪ ،‬بينما لم تف���ز بها روايات‬ ‫مهمة له مثل (ببغاء فلوبير) التي وصلت‬ ‫للقائمة القصيرة عام ‪ 1984‬و(التحديق‬ ‫في الش���مس) و(تاريخ العالم في عشرة‬ ‫فصول ونص���ف) و(انجلت���را‪ ..‬انجلترا)‬ ‫التي وصلت للقائمة القصيرة عام ‪1998‬‬ ‫و(آرث���ر وجورج) الت���ي وصلت للقائمة‬ ‫القصي���رة ع���ام ‪ ،2005‬إن األمر يش���به‬ ‫إعطاء نجيب محفوظ جائزة ما عن رواية‬ ‫مثل (حكايات حارتنا) أو حتى (قشتمر)‬ ‫بينما لم تفز بنفس الجائزة روايات أهم‬ ‫له مثل (الثالثية) أو (الحرافيش)‪.‬‬ ‫لكن المفارقة المثيرة هي أن جوليان‬ ‫بارنز‪ ،‬ال���ذي فاز بالجائزة ه���ذا العام‪،‬‬ ‫وس���بق له أن قال في مناس���بة سابقة‬ ‫وصلت فيها روايته للقائمة القصيرة دون‬ ‫الفوز إن هذه الجائزة ليست إال نوع ًا من‬ ‫اليانصي���ب الراقي «‪ ،»posh bingo‬هو‬ ‫الذي رد للحفل وقاره‪ ،‬وبدد خيبة األمل‬ ‫التي أحاطت بالحف���ل كله‪ ،‬حينما طرح‬ ‫وهو يتح���دث في خطاب قبوله للجائزة‬ ‫استقصاءات مثيرة عن جماليات الكتاب‬ ‫الصغي���ر‪ ،‬وع���ن أهمي���ة مواجهة زحف‬ ‫الكتاب اإللكتروني على حس���اب الكتاب‬ ‫المطب���وع‪ ،‬وع���ن ض���رورة أن ينافس‬ ‫الكتاب جمالي ًا جهاز «كينديل» الصغير‪،‬‬ ‫الذي تقرأ في���ه الكتب اإللكترونية‪ ،‬وعن‬ ‫أهمي���ة التركي���ز والتكثيف ف���ي الكتابة‬ ‫الس���ردية المعاصرة‪ ،‬فرد للحفل طابعه‬ ‫األدبي من جديد‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫فا�صلة‬

‫عبد السالم بنعبد العالي‬

‫الصورة المتوالدة‬ ‫أي وزن للعرب‪ ..‬وأن تتصرف تمام ًا‬ ‫«أناش���دك‪ ..‬أال تقيم ّ‬ ‫أكن الكراهية لهذه الس�ل�الة‬ ‫إنني‬ ‫وجود‪.‬‬ ‫كم���ا لو لم يك���ن لهم‬ ‫ّ‬ ‫طيب ًا يمكن‬ ‫بكامله���ا‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫بالكاد يمكن ألحد أن يقنعني أن ش���يئ ًا ّ‬ ‫رجال العلم‪ ،‬لس���ت‬ ‫فأنتم‪،‬‬ ‫ذلك‬ ‫وم���ع‬ ‫هؤالء‪.‬‬ ‫عن‬ ‫أن يص���در‬ ‫َ‬ ‫الضعف حت���ى تغدقوا عليهم مدح ًا ال‬ ‫أدري لم���اذا ينتابكم هذا ّ‬ ‫يستحقونه»‪ .‬بيترارك (‪)xiv‬‬ ‫بوادر ليس���ت قليلة تلك التي تش���ير إلى أن الصورة التي‬ ‫أصبحت للعربي لدى الغرب ربما لم تعد هي الصورة نفس���ها‬ ‫تكرست قبل ربيع الثورات العربية‪ .‬ال نستطيع أن نزعم‬ ‫التي ّ‬ ‫أن الغربيي���ن جميعهم ُيقرون بهذا التب���ّدل ويعترفون به‪ ،‬إال‬ ‫أننا نكاد نلمس���ه‪ ،‬إن مباشرة أو بطرق ملتوية متخفية‪ ،‬هذا‬ ‫يعبر بصريح القول عما شاب‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن كون بعض الغربيين ّ‬ ‫تغير‪.‬‬ ‫نظرته إلى العرب أخيرًا من ّ‬ ‫وس���واء أق���ر الغربيون بذل���ك‪ ،‬أم أخف���وه وأنكروه‪ ،‬فال‬ ‫يمكنن���ا إال أن نؤك���د أن «الربيع» كان له أيض��� ًا وقع ّما على‬ ‫«الخارج»‪ ،‬وأنه أس���هم إلى حد ما‪ ،‬في زحزحة المنظور الذي‬ ‫كان الغربيون ينظرون من خالل���ه إلى العرب‪ ،‬فأخذ العربي‬ ‫أن بإمكانه‬ ‫«يظن» أنه عليه‪ :‬بدا ّ‬ ‫يب���دو في أعينهم غير ما كان ُ‬ ‫تبي���ن أنه قادر على‬ ‫ه���و أيض ًا أن «يفعل» ف���ي التاريخ‪ ،‬كما ّ‬ ‫أخذ زمام المبادرة‪ ،‬وأنه ليس فحس���ب قدرة على االستنساخ‬ ‫واالقتداء‪ ،‬وانما هو كذلك قوة مبدعة خالقة‪.‬‬ ‫كل هذا مخالف أش���د المخالفة بطبيعة الحال للصورة التي‬ ‫تكرست لدى األوروبي‪ ،‬والتي ما فتئ اإلعالم الغربي ينحتها‬ ‫ّ‬ ‫عن العربي‪.‬‬ ‫ال يعن���ي ذلك مطلق ًا أن ه���ذه الصورة الربيعي���ة الجديدة‬ ‫قد أزاح���ت نظيرتها القديمة ومحتها مح���واً‪ .‬ذلك أن الصورة‬ ‫«الخريفية» لم تكن بس���يطة وال سطحية‪ ،‬وإنما كانت مركبة‬ ‫متعددة األوجه‪.‬‬ ‫فالعربي يحمل في عي���ن األوروبي صفات متناقضة‪ :‬فهو‬ ‫الش���يء ونقيضه في الوقت ذاته‪ ،‬إنه كائن «ثانوي» وضيف‬ ‫آخر‪ ،‬أو اآلخر‬ ‫ثقيل‪ ،‬لكنه ضرورة‬ ‫و«ش���ر البد من���ه»‪ ،‬وهو َ‬ ‫ّ‬ ‫على األصح‪ ،‬لكنه أيض ًا المخالف للذات‪ ،‬المحّدد لألنا‪ :‬إنه ما‬ ‫بداللته أصبحت ُت َحدد «الهوية الوطنية»‪.‬‬ ‫هذه الصورة‪ ،‬أو الصور على األصح‪ ،‬لن يكون من السهل‬ ‫‪114‬‬

‫اس���تبدالها‪ ،‬وباألحرى محوها والقض���اء عليها‪ .‬وهذا ال ألنها‬ ‫متعددة متشعبة فحسب‪ ،‬وإنما ألنها عريقة متجذرة في الزمن‪،‬‬ ‫ال كي تترسخ‪ .‬أو لنقل على األصح إنها‬ ‫اس���تغرقت وقت ًا طوي ً‬ ‫فعلت فيها الرحالت فعلها‪،‬‬ ‫ت‪:‬‬ ‫وتراص‬ ‫طبقاتها‬ ‫صور تراكم���ت‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫وغذّاها المبشرون ببعثاتهم‪ ،‬ثم رعتها الحركات االستعمارية‬ ‫تش���كلها هج���رة المهاجرين‪،‬‬ ‫وأقام���ت لها األس���س‪ ،‬وأكملت‬ ‫ّ‬ ‫و«حرائق» المبحرين‪.‬‬ ‫ليس من اليسير والحالة هاته‪ ،‬محو صورة إلحالل أخرى‪،‬‬ ‫إذ ال يكفي في ذلك التأثير في أنواع الخطابات المتداولة في هذا‬ ‫الشأن‪ ،‬وال حتى استبدال قوانين بأخرى‪ ،‬أو إقامة مؤسسات‬ ‫مغايرة تسهر على وضوح الصورة وصفاء العالقة‪ .‬فالصورة‬ ‫المركبة ال تتكرس فحسب عن طريق أيديولوجيا يمكن‬ ‫العتيقة ّ‬ ‫مناهضتها‪ ،‬وال هي تس���كن التش���ريعات والقوانين وحدها‪،‬‬ ‫وانم���ا تتغلغل ف���ي األدمغ���ة والعقول‪ ،‬بل األده���ى من ذلك‬ ‫أنها تتخفّى في الالش���عور‪ ،‬وتعشعش في المخيال الغربي‪،‬‬ ‫وتس���ري في إبداعاته وتتخلل رواياته ومس���رحياته وأفالمه‬ ‫وأغانيه ونكته‪..‬‬ ‫ما يزيد األمر تعقيداً‪ ،‬والصورة تركيباً‪ :‬فهاته الصور التي‬ ‫ويرسخها اإلنتاج الفني‪ ،‬والتي تتغلغل‬ ‫كرسها الكتابة األدبية‬ ‫ّ‬ ‫ُت ّ‬ ‫ف���ي اللغة وتس���كن اليومي‪ ،‬صور فعال���ة صانعة للهويات‪،‬‬ ‫محددة لألنا واآلخر‪ ،‬وليست منفعلة فحسب عاكسة لها‪ .‬إذ ال‬ ‫ينبغي أن ننس���ى أن الغربي إذ ينتج صورًا في الرسوم التي‬ ‫يرسمها‪ ،‬أو الروايات التي يبدعها‪ ،‬أو األفالم التي يعرضها‪،‬‬ ‫أو األغان���ي التي يرددها‪ ،‬أو النكت التي يتداولها يس���قط هو‬ ‫نفسه في مسلسل االستنساخ وآليات خلق التشابه واالشتباه‬ ‫فالتش���به ‪ ،simulation‬فتغدو تلك الصور التي ابتدعها مرايا‬ ‫ّ‬ ‫خالق���ة تدفعه إلى استنس���اخ نس���خه‪ ،‬تغدو ص���ورًا مولّدة‬ ‫ألخرى‪ ،‬صورًا متوالدة‪.‬‬ ‫نلمس اآلن تعقّد المسألة وصعوبة تحديد الصورة وضبطها‬ ‫تشكلها وتوالدها‪ ،‬وباألولى محوها واستبدالها‪ .‬فحتى‬ ‫ووقف ّ‬ ‫إن كان الربيع إذًا قد أحدث زحزحة ّما‪ ،‬فإنه لم يعمل إال على‬ ‫المكرسة‪ ،‬وربما ساهم في التساؤل بشأنها‪،‬‬ ‫خلخلة الصورة‬ ‫َّ‬ ‫والتشكك في س�ل�امتها‪ ،‬وِل َم ال؟‪ ..‬في توليدها وفسح المجال‬ ‫لصورة مغايرة‪.‬‬


‫حممود قرين‬ ‫ممدوح عبدال�ستار‬ ‫م�صر‬ ‫لطيفة باقا‬ ‫املغرب‬

‫ن�صو�ص‬

‫ندى مهرى‬ ‫اجلزائر‬ ‫رسوم‪:‬‬ ‫‪Sltay Sadigzadeh‬‬ ‫إيران‬

‫‪115‬‬


‫ص ٌ‬ ‫ل‬ ‫َف ْ‬ ‫*‬ ‫صةِ األَلَم‬ ‫مِ ْ‬ ‫ن حِ َّ‬

‫وحاولَ ْت �أن متلأ اللوحة الفارغة‬ ‫ر�س َمت �شجرة‬ ‫ر�س َمت امر�أة‬ ‫ثم ر�س َمت رج ًال‪ ..‬وقالت‪:‬‬ ‫ها هي ال�شجرة التي �أجنبَ ِت اخلطيئة‬ ‫ع َّما قليل‬ ‫�ست�أتي اخلمارة بال�سكارى‬ ‫الذين يقلقون بال النظام‬ ‫�ست�أتي التفاحة وهي تتم�شى‬ ‫يف �صحبة ع�شيقها‬ ‫و�سي�أتي قارب الع�شاق‬ ‫لي�أخذ ِح َّ�صتَه من الأمل‪.‬‬

‫حممود قرين‬ ‫«يا وجه الأحباب‪� ،‬إن �أ�صبهان بالدي‪،‬ويل فيها بنت عم كنت �أحبها ‪،‬وكنت متولعاً‬ ‫بها‪،‬فغزانا قوم �أقوى منا و�أخذوين يف جملة الغنائم كنت �صغرياً فقطعوا �إحليلي‪ ،‬وها �أنا‬ ‫على حايل‪ ،‬بعد �أن باعوين خادماً‪..‬تقدم يا «�أن�س الوجود» فـ «الورد يف الأكمام» تركت‬ ‫ا�سمك على فم طائر القمري لكن ال تن�س من يريدون �أن يفكوا قيودهم‪.»..‬‬ ‫من حكاية �أن�س الوجود مع الورد يف الأكمام‬ ‫«بت�رصف» �ألف ليلة وليلة‬

‫ ‬

‫‪1‬‬

‫يف مثل هذه ال�ساعة‬ ‫ْقب َل مئات ال�سنني‬ ‫حتدث َْت «ورد الأكمام» �إىل حيواناتها الأليفة‬ ‫ثم َح َك ْت ق�ص َة الثعلب الذي خدع احلمار‬ ‫وعبرَ النهر فوق ظهره – م�ضطجعاً –‬ ‫وبني يديه ال�سيجار‬ ‫كما حتدث َْت عن الغراب‬ ‫الذي ظل يُلقي باحل�صى امل�سموم يف َ�صحن‬ ‫قائد اجلي�ش‬ ‫معتقداً �أنه �سريث بَ َّزته‬ ‫لذلك َّ‬ ‫فك َر ْت يف القدي�سني‬ ‫والأ�شقياء‬ ‫مروا من هنا‬ ‫الذين َّ‬ ‫و�صاروا جمرد ِنكات تتداولها الذئاب‪.‬‬

‫‪116‬‬

‫حتدثت املالكة �إىل حكمائها‬ ‫يف غرفة النوم‬ ‫ِ‬ ‫قال حكيم‪:‬‬ ‫تخيي جنماً‬ ‫َرّ‬ ‫نبعث يف َط َلبِه مع امل�سافرين‬ ‫ُ‬ ‫و�س�أدفع له ما يريد‬ ‫قال �آخر‪:‬‬ ‫ال تن�شغلي باملوتى الذين انح�رشوا‬ ‫يف جوف ال�سهل‬ ‫جر ٍة فارغة‬ ‫وال به�ؤالء النائمني مثل َّ‬ ‫�إنني �أملك �ضيعتني‬ ‫وقنطاراً من النبيذ‬ ‫وقال الثالث‪:‬‬ ‫معذرة �أيتها املالكة‬ ‫ال �أكاد �أ�شعر مبا تقولني‬ ‫لقد �سرُ ِ َق قلبي يف حادث �سطو‬ ‫البد �أن �أ�ست�شري طبيباً‪.‬‬ ‫رت املالكة �إىل �إفريزها‬ ‫هكذا ن َظ ِ‬ ‫�ضباب رقيق‬ ‫الذي غ َّلفه‬ ‫ٌ‬

‫ ‬

‫‪2‬‬

‫لمَ ْ �أَ ُع ْد �أَذكر ذلك الوجه‬ ‫«ورد الأكمام»‬ ‫تلك الأمرية التي هربت من �إخوتها‬ ‫داه َمهم الآالم‬ ‫َق ْب َل �أن تُ ِ‬ ‫ويَ ِح َّل مبركبهم ال َع َط ْب‪.‬‬ ‫كثريون منهم الآن يتعلقون بخ�شب ٍة يف جوف‬ ‫املحيط‬ ‫و�آخرون يرت�أ�سون َ‬ ‫قبائل‬ ‫عميق َة الأث ِر يف حياة �أُممَ ِهم‬ ‫�سمِ عنا عن كثريين منهم‬ ‫يُق ِي ُمون امل�صانع ويدخنون احل�شي�ش‬ ‫ويخرجون يف نُزهات �شاطئية‬ ‫ويقولون �إن ذلك من �أَ ْجل ال�صالح العام‬ ‫وهناك �آخرون يتاجرون يف ال�سالح‬ ‫دفاعاً عن الأغطي ِة ال َو ِثري ِة ل�شعوبهم‬ ‫قات الدعائي ُة متلأُ‬ ‫ال�شوارع وتر�ص ُد‬ ‫امل ُ ْل َ�ص ُ‬ ‫َ‬ ‫الإجنازات‬ ‫رغم �أنهم لي�سوا يف حاجة �إىل ذلك‪.‬‬ ‫أم�س َو َ�ص َل ْت برقي ٌة من �إخوتهم‬ ‫بال ِ‬


‫املتعلقني بخ�شب ٍة يف جوف املحيط‬ ‫يطلبون امل�ساعدة‬ ‫وقد َو َع َد ال ُق َّوا ُد ببحث الأمر‬ ‫عند عودتهم من الإجازة ال�صيفية‪.‬‬

‫ ‬

‫‪3‬‬

‫�إىل �أق�صى ال�رشقِ‬ ‫مي�ضي القائ ُد ب�صحب ِة َم َال َك ِت ِه‬ ‫ُ‬ ‫خرائط الفاحتني‬ ‫و ْحت َت �إبط ِه‬ ‫قال بثق ٍة‬ ‫�إنه ي�ض ُع َق َد َماً يف «�سمرقند»‬ ‫و�أخرى يف «تُركمان�ستان»‬ ‫عند �أول جدولٍ �صادفه‬ ‫�أَ ْو َق َف ا ُجلن َد‬ ‫ونظر �إىل اخلرائط‬ ‫ف�أدرك �أنه َ�ض َّل الطريق‬ ‫قالت امل َالكة‪:‬‬ ‫�أيها القائد‬ ‫احلافر على احلاف ِر‬ ‫َ�ض ِع‬ ‫َ‬ ‫وال تكن بطيناً‬ ‫و�ص ْل َت �إىل هناك‬ ‫و�إذا َ‬

‫أر�ض �أرجوحةً‪.‬‬ ‫ال جتعل ال َ‬ ‫ُ‬ ‫قائد مغمور‬ ‫ينظر‬ ‫الرجل بِبَاله ِة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ك�ضبع طريد‬ ‫يئن‬ ‫بينما ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫وهاهو يَ ْج َم ُع ا ُجلن َد‬ ‫لريوي حلماً ُمفزعاً ر�آه يف املنام‬ ‫ويت�ساءل‪:‬‬ ‫َم ْن منك ُمو يف�رسُ يل‬ ‫�أَ ّن ال�سلطا َن ينق ُل ِني‬ ‫اللحم �إىل باب امل َ َر ْق ؟!‬ ‫من باب‬ ‫ِ‬ ‫ ‬

‫‪4‬‬

‫املالكة التي �أتت من �آخر الزمان‬ ‫تحُ ُ‬ ‫ادث ال�شم�س والنجوم‬ ‫وتلقي �أ�شعتها الذهبية‬ ‫على انحناءة املكدودين‬ ‫ثم مت�شي كغزالة رعناء‬ ‫تقول للفالح‪:‬‬ ‫�أيها الديك �أ�سمعني �صياحك‬ ‫خذين �إىل اجل�رس �أيها الرجل القوي‬ ‫وامنحني لوزة‬ ‫هل تعرف كيف تنزع ع ِنّي جوربي و�إزاري‪،‬‬

‫وتنقر ب�أ�سنانك بني �أ�صابعي؟‬ ‫َ‬ ‫الفالح مفتول الزندين‬ ‫يرتك ف�أ�سه ُمنغر�ساً يف العط�ش‬ ‫ويهرع �إليها‪:‬‬ ‫يا�سيدتي �أنت �أخت النجوم‬ ‫ورفيقة املالئكة‬ ‫وهذا لَ ْو ُز �أبيك‬ ‫�أنا اخلادم‬ ‫الذي �أتى �إىل هنا‬ ‫بعد �أن فقد �أهله ونام يف العراء‬ ‫ُ‬ ‫الديك‬ ‫�أنا‬ ‫الذي مي�شي على الأ ْع َراف‬ ‫فتقول املالكة‪:‬‬ ‫�أيها الديك �أَ�سمعني �صياحك‬ ‫فيقول لها‪:‬‬ ‫�سيكون لك ذلك‬ ‫�أمهليني فقط �إىل الغد‬ ‫و�سوف �أح�ضرِ ُ معي ِمنقاري‪.‬‬ ‫* المقاط���ع ج���زء من قصيد طويل سينش���ر‬ ‫في دي���وان تحت عن���وان «ورد األكم���ام تتزوج‬ ‫الضوء»‪.‬‬ ‫‪117‬‬


‫رائحة القسوة‬ ‫لطيفة باقا‬

‫السماء تمطر فوق مصابيح العيد الوطني‪ ..‬الليل الذي كان‬ ‫قد انهمر في الخارج بدا غريب ًا تقريب ًا واستثنائي ًا في عتمته‪.‬‬ ‫السيارات وأعمدة النور وأضواء المحالت التجارية تساهم‬ ‫أيض ًا في هذا الشعور‪..‬‬ ‫أكاد أبكي في مكاني‪..‬‬ ‫ رحمك هذا ينبغي استئصاله‪.‬‬‫حاولت أن أرى أمرًا آخر خلف نظارتيه الس���ميكتين‪ .‬كان‬ ‫الطبيب واقف ًا في مواجهتي‪ ،‬ظل ينظر إلى عينين زجاجيتين‬ ‫باردتين‪ .‬تذكرت بس���رعة تلك الحفرة القديمة التي ألقي فيها‬ ‫جس���د أبي ذات صباح بعيد في مقبرة سيدي بلعباس وكانت‬ ‫ب���اردة‪ ..‬فكرت فج���أة أنها كانت ب���اردة‪ .‬باردة ج���دًا عليه‪،‬‬ ‫خصوص ًا في شهر ديسمبر‪.‬‬ ‫ نحن في ديس���مبر ألي���س كذلك دكتور‪ .‬يا له من ش���هر‬‫بارد‪ ..‬قلت له إنني س���وف أغادر هذه المدينة‪ ..‬سوف أحمل‬ ‫رحم���ي معي وأرحل‪ .‬وأنا أتقدم من الباب آلمتني بش���دة في‬ ‫ظهري نظرت���ه الزجاجية التي كنت أعل���م غريزي ًا تقريب ًا أنه‬ ‫يحفر بها جسدي الذي كان ينسحب أمامه‪..‬‬ ‫ف���ي البهو تق���ف الممرضة الت���ي لم تمنحن���ي عيناها أي‬ ‫تعاطف ولو ضئيالً‪ ..‬ثم تذكرت ثانية أبي في صورته الرائقة‬ ‫وه���و يتبول من النافذة في غرفة الجل���وس بعد ليلة طويلة‬ ‫من الش���رب‪ ..‬عندما كان الليل ونش���وة النبيذ يتصاعدان في‬ ‫رأسه‪ ،‬كان ينتصب أمامنا فجأة‪ ..‬يقف في النافذة‪ ..‬ويتبول‬ ‫على العالم‪.‬‬ ‫أنا لم أس���تطع أب���دًا أن أتبول على العالم‪( ..‬لهذا الس���بب‬ ‫بالضب���ط كنت في حاجة إل���ى تعاطفها‪ ،‬أقص���د اهتمام تلك‬ ‫المرأة الممرضة التي كانت بال أدنى ش���ك س���فاكة دماء مثل‬ ‫باقي الممرضات المجرمات اللواتي يتجولن بكامل الحرية في‬ ‫مستش���فيات ومصحات العالم‪ )..‬لم أبك بعد‪ ..‬كنت فقط على‬ ‫حافة االنهيار‪ ،‬جميع ًا كنا دائم ًا أقل ش���جاعة‪ ،‬فلم ينتحر منا‬ ‫أحد‪ ..‬ولم يتبول أحدنا من النافذة أبداً‪ ..‬بل حتى لم يقذف أي‬

‫‪118‬‬

‫أحد منا بجس���ده التافه عبرها إلى الخواء الفسيح‪ ..‬الممرضة‬ ‫لم تتابعني بعينيها الممسوحتين تحت المساحيق (كنت أتوقع‬ ‫أمرًا كه���ذا‪ ..‬طبع ًا كما يمكن المرأة منتهية أن تتوقع من امرأة‬ ‫افترضت فيها الكتب المدرسية الكثير من الرقة المفتعلة‪..‬‬ ‫امرأة تعلمت اإلحساس بالشفقة أمام البؤس اإلنساني‪.)..‬‬ ‫ال أدري كي���ف فكرت فجأة في جمع رس���ائلي الفاجرة إلى‬ ‫عش���اقي الكثيرين والمنتش���رين كاأللم في العالم حيث طالما‬ ‫كتبت عن أمور لم أعد أتذكر‪ ،‬ومنذ زمن بعيد‪ ،‬الس���ياق الغبي‬ ‫الذي جاءت فيه‪ ..‬سأجمعها كلها في ظرف كبير وأرسلها إلى‬ ‫إحدى أكثر صديقاتي تكتم ًا (ه���ذه الميزة بالذات‪ ،‬أقصد ميزة‬ ‫التكتم لم تكن أبدًا من ش���يمي‪ ،‬ولم تكن أبدًا لتشغلني معرفة‬ ‫سبب ذلك)‪.‬‬ ‫ألقي بجس���دي المتعب ف���وق األريكة القديمة في الش���رفة‬ ‫وأمض���ي أغني بصوت عال أغني���ة حزينة كان يدندن بها أبي‬ ‫في لحظات انتش���ائه‪ ..‬تتحدث عن حرب مجنونة بال معنى‪..‬‬ ‫ع���ن جبال عالية جدًا وعن القس���وة التي يش���م أطفال الفقراء‬ ‫رائحتها عن بعد‪..‬‬ ‫في رس���ائلي الكثير من الش���جاعة والجرأة‪ .‬أفكر اآلن كما‬ ‫ال يليق بس���يدة عاقلة أن تكتب‪ ..‬منذ س���ن السادس���ة عشرة‬ ‫ب���دأت حربي ضد التش���ابه والخوف‪ ..‬كتبت م���ا ال ينبغي أن‬ ‫أكتبه وأرس���له إلى رجال ما كانوا ليستحقوا كل ذلك الفجور‬ ‫الراقي‪ ..‬كنت أشبهه ذلك الرجل الذي يستقر اآلن داخل حفرة‬ ‫ال وكنت أعلم أنه تشابه على الورق‬ ‫باردة‪ ..‬اعتقدت ذلك طوي ً‬ ‫فقط وليس أبدًا في الحياة‪..‬‬ ‫عندما مات أخيرًا في غرفة طفولتنا‪ ،‬حيث كانت أمي تحكي‬ ‫الحكاي���ات لتعوضنا بها عن نقص األغطية في ليالي الش���تاء‬ ‫الطويلة‪ ..‬دخلت ألراه آلخر مرة‪ ..‬كان س���عيداً‪ .‬وخيل لي أنه‬ ‫كان يبتسم لي بتواطؤ أفهمه‪ ..‬اقتربت منه وطبعت قبلة فوق‬ ‫جبينه‪ ..‬ولم أبك‪.‬‬ ‫أنظر إلى الخارج إلى الشارع الضاج باآلخرين واكتشف أن‬


‫الحياة ستكون حياة لغيري‪ ..‬وليست لي‪ ..‬يمكنني اآلن فقط‬ ‫أن أقتل كل الذين أس���اؤوا إلي خالل وجودي القصير – نسبي ًا‬ ‫– ف���ي هذه الدنيا‪ .‬معلمتي «ال ميتريس عائش���ة» تلك البدينة‬ ‫الش���ريرة التي كانت تشد شعر رأسي وتس���خر من فساتيني‬ ‫«المين���ي» وهي تلف���ح فخ���ذاي النحيلتين بالس���وط الجلدي‬ ‫الغلي���ظ‪ .‬مدير الثانوي���ة الذي طردنا أس���بوع ًا بأكمله وأهان‬ ‫أهالينا لتضامننا مع فؤاد زميلنا الموقوف عن الدراسة بسبب‬ ‫قصة ش���عره التي كانت على شكل نخيل الشارع الرئيسي في‬ ‫المدينة‪.‬‬ ‫يمكنني اآلن أيض ًا أن أقتل بعض مسؤولي هذه البالد التي‬ ‫ش���اءت إحدى الصدف السيئة أن أولد فوق أرضها‪ ..‬ثم أخيرًا‬ ‫الجزء األكبر من العش���اق الس���ابقين الذين كان يحلو لهم فيما‬ ‫يبدو عصر قلبي الغبي بين أياديهم الغليظة‪..‬‬ ‫الليل واإلحساس بأن ش���يئ ًا ما قد ال يحدث أبداً‪ ..‬ال لشيء‬ ‫س���وى ألننا لن نك���ون هن���اك‪ ..‬األمور تحدث ونح���ن نعتقد‬ ‫أنه���ا حدثت ألننا كنا هناك‪ ..‬اللي���ل يجعل أزمنة غابرة ومدنا‬ ‫جاحدة تكتسحني مرة واحدة‪ ،‬وبصفاقة كبيرة غير محتملة‪.‬‬ ‫والحاف�ل�ات تمزق ش���وارع المدينة‪ ..‬س���وف تظ���ل ذاهبة أو‬ ‫تجتث آخر رحم في المدينة‪ ..‬التاكس���ي‬ ‫عائ���دة هكذا إل���ى أن‬ ‫َّ‬

‫مر‬ ‫األحمر الذي كان يحملني من ذلك المكان البارد منذ لحظات ّ‬ ‫أمام الكثير من المس���اجد التي ل���م أدخلها أبدًا ألنها كانت دائم ًا‬ ‫تخصص هامش ًا صغيرًا جدًا في الخلف للنساء المؤمنات‪ .‬مرت‬ ‫س���نتان اآلن وأنا أجتاز نفس الشوارع ومع ذلك لم تخبطني‬ ‫أية س���يارة أجرة أو حافلة‪ ..‬ومررت دائم ًا بالمس���توصف‪..‬‬ ‫هناك كان يقف باس���تمرار الرجل ال���ذي كان يضاجع الجدار‪.‬‬ ‫رأيت���ه أول مرة عندما وصلت إلى ه���ذه المدينة‪ ..‬رأيت ظهره‬ ‫ووس���طه يهتزان في اتجاه الجدار القديم‪ .‬كنت أفضل طبع ًا أن‬ ‫أعتقد أنه يتألم‪ ..‬ظل «يتألم» بذلك الشكل الخاص كلما مررت‬ ‫من هناك‪.‬‬ ‫لس���ت وحدي بعد‪ .‬قد يرن الهاتف ف���ي الغرفة المجاورة أو‬ ‫جرس الب���اب‪ .‬لكني أراه من اآلن قادماً‪ ..‬أراه ش���بح الوحدة‬ ‫الرهي���ب يقترب مني وهو يحرك في الغرفة برأس���ه األس���ود‬ ‫الثقيل في اتجاهي‪ ..‬ويبتسم‪.‬‬ ‫س���ألتها تلك الصديقة التي س���وف تتلقى رسائلي لتتكتم‬ ‫عليها عمرًا بأكمله‪:‬‬ ‫ أهو قدرنا أن نعيش وحيدات؟‬‫كنا نمشي سوية في الطريق الطويلة المعتمة والتي طالما‬ ‫حلمنا بمنزل يشرف عليها‪..‬‬

‫‪119‬‬


‫كن���ت أريد أن أقول إذن (م���ن كل هذه الثرثرة التي ال تليق‬ ‫بامرأة س���وف يجتثون منها رحمها ف���ي اليوم الموالي) إنهم‬ ‫سيس���تأصلون رحمي ومن بعده باق���ي أعضائي‪ ..‬ثدياي‪..‬‬ ‫رجالي‪ ..‬كليتاي‪ ..‬عرقوباي‪ ..‬عمودي الفقري‪ ..‬إلى آخره‪..‬‬ ‫س���وف أنسحب إذن بالتقس���يط كما الفقراء الش���امخين أمام‬ ‫بائع اللحم يطلبون عشرة دراهم من الكبد (ويلحون أن يكون‬ ‫طرياً) ليتوجهوا بعد ذلك إلى دكان البقال ليطلبوا منه درهم ًا‬ ‫من الش���اي وآخر من السكر‪ ..‬وسيجارة «ديطاي» بالتقسيط‬ ‫المريح دائماً‪ ..‬وحدهم األغنياء البشعون ينسحبون بالجملة‬ ‫بحيث تت���وارى جثثهم النتنة بس���منتها المفرط���ة‪ ،‬وبكل ما‬ ‫ص���رف عليها من أموال في األكل والعطور وكريمات التدليك‬ ‫والمراه���م‪ ..‬تتوارى خل���ف التراب كاملة غي���ر منقوصة أبدًا‬ ‫ينفج���ر صوت غريب مقهقه ًا بضحكات غريبة داخل حنجرتي‬ ‫في الغرفة المعتمة‪.‬‬ ‫ س���وف أغادر هذه المهزلة بالتدريج‪ .‬وليس مرة واحدة‬‫كما يحدث لباقي السخفاء الذين انسحبوا قبلي والذين سوف‬ ‫ينسحبون بعدي‪.‬‬ ‫المدينة مصابة بالقرف‪ ..‬وبالعيد الوطني‪..‬‬ ‫يبدو أنني س���وف أفشل تمام ًا في التفكير في شيء جميل‬ ‫من اآلن فصاعداً‪ ..‬إنج���اب طفلتي‪ ..‬لن يكون بإمكاني النظر‬ ‫إلى سنها األولى الصغيرة وهي تلمع داخل ثغرها‪ ..‬كلماتها‬ ‫األول���ى‪ ..‬حماقاتها‪ ..‬كنت أحل���م أن يكون «نورس»‪ .‬ال أملك‬ ‫في واقع األمر س���بب ًا مقنع ًا وحقيقي��� ًا أو حتى متعارف ًا عليه‬ ‫لالبتس���ام في وجه أحد‪ ..‬ومع ذلك كل ش���يء ممكن في هذه‬ ‫الش���رفة المطلة على الحياة‪ .‬هذه الحياة التي سوف تستمر‬ ‫بكامل زيفها ومسلسالتها المصرية بعدي‪..‬‬ ‫وجه���ي‪ ..‬بش���كل عينيه وارتف���اع أنفه‪ ..‬بمس���حة الغباء‬ ‫الرائق���ة التي طالما كان���ت تعلوه في لحظ���ات بعينها خالل‬ ‫وجوده القديم فوق عنقي‪ ..‬أنا أعرف ش���كله جيداً‪ ،‬لست في‬ ‫حاج���ة إلى النظر في م���رآة ألتذكر تقاطيع���ه التي تصيبني‬ ‫بالغض���ب أحياناً‪ ..‬لقد كان دائما هناك أعلى جس���دي‪ ..‬غرب ًا‬ ‫ال تقريب ًا وغير واقعي بالمرة‪ ..‬س���وف يقفون حتماً‪،‬‬ ‫ومنفص ً‬ ‫من حي���ن إلى آخر لينظروا ببالدة تليق بصدقهم إلى صوره‬ ‫داخل اإلطارات الباردة ث���م يتأوهون ويتلفظون بكالم كثير‬ ‫لن يغير من أمر ثقب األوزون شيئاً‪.‬‬ ‫س���ألتني صديقتي وهي تتلقى مني ظرف الرسائل الكبير‬ ‫إن كان���ت تس���تطيع أن تقبلن���ي‪ ،‬كانت س���خيفة تمام ًا وهي‬ ‫تس���ألني ذلك‪ ،‬أما بالنس���بة ل���ي فأنا بالتأكي���د أنفر من هذا‬ ‫الس���لوك أن يحصل تقبيل بين امرأتين أو رجلين‪ .‬بل أحس‬ ‫أحيان ًا بتقزز حقيقي من تلك المشاهد التي تصفعنا بها بعض‬ ‫القنوات الفضائية‪ ..‬أمي كانت تندهش عندما تجدني متشنجة‬ ‫وهي تقبلني وتعانقن���ي‪ ..‬كنت أتراجع إلى الوراء وينتفض‬ ‫جسدي فجأة‪ .‬أمي لم تستطع أن تفهم‪ ..‬وال أنا فهمت‪..‬‬

‫‪120‬‬

‫صديقتي تريد أن تقبلني ألنني سوف أموت‪ .‬وأنا ال أريدها‬ ‫أن تفعل ألنني ال أحب ذلك‪.‬‬ ‫البرودة س���وف تتفشى يوم ًا عن يوم أكثر في جسدي وفي‬ ‫الغرفة‪ ..‬وفي عالقتي باآلخرين‪ ..‬برودة حقيقية‪ ،‬أرتعش‪..‬‬ ‫من الخوف ومن الوحدة‪ ..‬أش���عر أن جسدي مصاب بالموت‪..‬‬ ‫وزنه سيستقر قريب ًا داخل حفرة‪ ..‬باردة‪.‬‬ ‫الدم���وع تورطنا في ش���عور ق���وي بالحي���اة‪ ..‬المصابون‬ ‫بالحي���اة هم فقط الذين يبكون‪ ..‬أتذكر أم���ورًا كثيرة حدثت‪..‬‬ ‫جميعهم كانوا دائم ًا هناك أو هنا‪ ،‬لكنهم جميعهم لم يستطيعوا‬ ‫أبدًا فعل ش���يءألجلي‪ ..‬كما لم أس���تطع أن أفعل ش���يئ ًا ألجل‬ ‫أحد‪.‬‬ ‫أس���مع س���عا ًال حادًا مرة أخرى‪ ..‬يبدو أن الصوت صادر‬ ‫عني‪ ..‬لم يكن هناك أي شخص ثان غيري في المنزل‪..‬‬ ‫النبت���ة فوق المائدة تك���ون مليئة بالضوء خ�ل�ال نهارات‬ ‫بعينه���ا‪ ..‬هي مظلم���ة ألنه اللي���ل‪ ،‬وألن رحمي س���وف يتم‬ ‫استئصاله غداً‪ ..‬لم أكن شيئ ًا خالل حياة بأكملها‪..‬‬ ‫كن���ت أود أو باألحرى أطمع أن يحضر أح���د ما‪ ،‬أن يهتف‬ ‫ألخبره أنني في حاجة إل���ى حزن كبير‪ ..‬حزن راق وأصيل‪،‬‬ ‫ألشعر بجسدي أكثر‪ .‬هذا الجسد الذي أخبرني أحد األطباء هذا‬ ‫يدي أحد‬ ‫الصباح أنه خذلني‪ .‬أنظر إلى يداي‪ ..‬إنهما تش���بهان ّ‬ ‫م���ا‪ ..‬أكثر من أي وقت مضى تش���بهان يدي���ه‪ ..‬كان يضع يده‬ ‫قرب يدي ويطلب مني أن أتأمل هذا التشابه الغريب‪..‬‬ ‫أنا ال أش���به أحداً‪ ..‬لس���ت أحدًا آخر غيري‪ ،‬لذلك س���وف‬ ‫أم���وت وحدي لن يك���ون ألحد ما أن يموت مكان���ي‪ ،‬أو يتألم‬ ‫عوض��� ًا عني‪ ..‬صدفة ما قذفت بي ف���ي رحم امرأة ال أعرفها‪..‬‬ ‫أو عل���ى األقل كنت كائن��� ًا حي ًا مثل الذب���اب والماعز والقطط‬ ‫ونبت���ة الدالية في منزلنا‪ ..‬جميع ًا كن���ا كائنات حية‪ ..‬تتنفس‬ ‫وتتغ���وط‪ ..‬لكنني كنت أكثرها تصديق ًا لألوهام‪ .‬صدقت أنني‬ ‫سأظل بينهم‪ ..‬أس���تقل الحافالت مثلهم‪ ..‬أشاهد المسلسالت‬ ‫وأع���د أطباق��� ًا ناجحة من البي���ض والطماط���م‪ ..‬صدقت ذلك‬ ‫ال حتى أنني س���طرت مثلهم بعض المش���اريع الرائعة من‬ ‫فع ً‬ ‫نوع إعداد بلوفرات دافئة للش���تاء القادم‪ .‬واالحتفاظ ببعض‬ ‫الرواي���ات التافهة لقراءتها على ش���اطئ البحر خالل الصيف‬ ‫الذي س���يأتي‪ ..‬واقتناء ثوب جديد للسهر مع الرجل الخارق‪..‬‬ ‫الذي لم أصادفه بعد‪.‬‬ ‫صادفت الكثير من الخيبات‪..‬‬ ‫في الغرفة األخرى ال يرن الهاتف‪..‬‬ ‫وال جرس الباب‪.‬‬ ‫ك���م صدقت الحياة‪ ،‬يب���دو بالفعل أنني صدقتها (أكتش���ف‬ ‫ذلك اآلن فقط)‪ ،‬صدق���ت الهواتف التي ظلت ترن باألكاذيب‪..‬‬ ‫واألج���راس الت���ي دقت ألجل���ي‪ ..‬صدقت الحاف�ل�ات‪ ،‬صدقت‬ ‫المصحات‪ ،‬صدقت النوافذ‪ ،‬صدقت المدن‪ ..‬وصدقت جسدي‪.‬‬


‫ضحكة هاجر‬ ‫ممدوح عبدال�ستار‬ ‫جس���د هاجر مازال ينبض بالبكارة‪ ،‬ويعطي إشارات مبهمة‬ ‫ل���كل الرج���ال دون أن تعي‪ .‬هذا الجس���د م���ازال يطلب حقه في‬ ‫اللم���س بلطف‪ ،‬وأحيان ًا كثيرة بالقس���وة والعنف التي دائم ًا ما‬ ‫كان يحبها‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬لم يس���تطع الفكاك من القمع المتعمد‪،‬‬ ‫وحش���رته صاحبت���ه في جلباب أس���ود‪ ..‬واس���ع ال يليق به‪،‬‬ ‫وكانت له‪ -‬الجس���د ‪ -‬حريته النزقة‪ ،‬ويتحرك كيفما ش���اء دون‬ ‫عوائق ُتذكر‪ .‬كان يحب االرتطام بأجس���اد أخرى‪ .‬هذا االرتطام‬ ‫غي���ر المتعمد في الس���وق‪ ،‬وف���ي المواصالت العام���ة أحياناً‪،‬‬ ‫مضت‪..‬‬ ‫يحرك فيه هذه النش���وة التي يطلبه���ا منذ أعوام كثيرة‬ ‫ْ‬ ‫لكنه في نهاية األمر‪ ،‬استس���لم هادئاً‪ ،‬ومطيع ًا لصاحبته التي‬ ‫جعلته للصالة‪ ..‬كانت الصالة هي أكثر األفعال التي تجعله بال‬ ‫رغبة حقيقية‪ .‬حاول االنفالت مرات عديدة رغم كل القيود التي‬ ‫رضت عليه‪.‬‬ ‫ُف ْ‬ ‫النس���وة الالتي يجلس���ن بجانب هاجر مت���وردة خدودهن‪،‬‬ ‫ورائحة الليل الفائت‪ ،‬وزيت الشعر العطرة تزكم أنف هاجر التي‬ ‫فقدت زوجها وهي لم تس���تعد بعد لذل���ك‪ .‬كن ينظرنها بتوجس‬ ‫ْ‬ ‫���ت هاجر بالنظرات المتوهجة‬ ‫أحس‬ ‫ومازلن‪.‬‬ ‫أعوام‪،‬‬ ‫منذ‬ ‫وخيفة‬ ‫ّ ْ‬ ‫تحصني كيفما ِ‬ ‫طأطأت‬ ‫شئت»‬ ‫ْ‬ ‫التي تقول لها «نحن أحسن منك‪ّ .‬‬ ‫تصب اللعنة على الحياة‪ ،‬وتلك األشياء‬ ‫رأسها فترة‪ ،‬ثم‬ ‫ْ‬ ‫راحت ّ‬ ‫القذرة من وجهة نظرها في تل���ك اللحظة الحرجة‪ ،‬ولم يتركها‬ ‫جس���دها لحالها‪ ،‬وفقد صبره وإيمانه ال���ذي يتحصن به‪ ..‬لكن‬ ‫صالحة‪ -‬المرأة العارفة بتلك األش���ياء الصغيرة‪ -‬قالت بصوت‬ ‫هام���س‪ ،‬وهي تنحني عل���ى هاجر التي تنظ���ر لبالطة مهترئة‬ ‫أكلتها األرجل‪-:‬‬ ‫ ‪.....‬‬‫ووشوش���تها بكلم���ات قليلة كانت كفيلة بقتل هذا الجس���د‪..‬‬ ‫لوال أنه محاصر ومس���جون‪ .‬كانت كلمات محمومة وموشومة‬ ‫وأشاحت بيديها للجميع‪.‬‬ ‫حاولت هاجر القيام‪،‬‬ ‫برغبة حقيقية‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ابتس���مت صالحة بخبث‪ -‬كانت ابتس���امة بين الرفض والقبول‪-‬‬ ‫ْ‬ ‫وربتت على هاجر في تلك اللحظة‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫حظوظ !‬‫وأفاقت‬ ‫نظرت هاجر للحجرة‪،‬‬ ‫وتمادت صالحة في تحسسها‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقبضت‬ ‫المستسلم‪،‬‬ ‫الجس���د‬ ‫من‬ ‫نفس���ها‬ ‫ونترت‬ ‫ش���رودها‪،‬‬ ‫من‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقالت‪ ،‬وقطرات الدمع مرتعشة‪:‬‬ ‫عليه بيديها‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫حرام ِ‬‫عليك‬ ‫وقبل أن تخطو هاجر الخطوة األولى معلنة انسحابها‪ ،‬كانت‬ ‫وتقبلها على خدها األيس���ر الذي تورد‬ ‫صالح���ة تهجم عليه���ا‪ّ ،‬‬

‫وابتس���مت منصاعة‬ ‫أحس���ت هاجر أن صالحة تتأس���ف‪،‬‬ ‫فجأة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وراحت صالحة تنقل أسفها‬ ‫لتلك االبتسامة المرسومة بعناية‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ولمست بتعمد شفتيها اللتين ارتعشتا بسرعة‬ ‫على الخد األيمن‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫وتركت هاجر جس���دها‪-‬رغم ًا عنه���ا‪ -‬ينتفض مثل فرخة‬ ‫مفرطة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫مذبوح���ة‪ .‬في ه���ذه اللحظة بالذات‪ ،‬انكش���ف أمر هذا الجس���د‪..‬‬ ‫المغلق على الجميع كبضاعة فاسدة أو نادرة جداً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫في الغرفة المفتوحة‪ ،‬كانت ضحكات النس���وة مكتومة نوع ًا‬ ‫ما‪ .‬وحكايات الليل أغنية جميلة للقابضين على أزواجهن فقط‪،‬‬ ‫حت���ى أن واح���دة منهن قال���ت بصوت هام���س وضاحك في آن‬ ‫واحد‪-:‬‬ ‫‪......‬‬‫وغمزت لزميلتها التي قالت‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫وأنا أيضاً‪.‬‬‫بين الفعل واألمنية مس���افة قصيرة يمك���ن أن تقطعها المرأة‬ ‫بس���هولة في هذه اللحظة إن أرادت‪ ،‬وجس���د هاجر يريد حياته‪،‬‬ ‫والصالة تمنعه‪ ،‬والسواد المطبق عليه ال يعطيه أي أمل‪.‬‬ ‫بعد هذه المحادثة البس���يطة‪ ،‬انكشف أمر جسد هاجر‪ ،‬وظل‬ ‫وأخذت صاحبته‪ -‬حينئذ‪ -‬تحكي‬ ‫على حال من القلق واالنتظار‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫حكايته���ا‪ .‬حكاية ليس به���ا ما يميزها‪ .‬هي بالتحديد‪ :‬ش���كوى‪.‬‬ ‫والنسوة يستمعن إليها بشغف‪ ،‬وعيونهن معلّقة على هذا الجسد‬ ‫المستور‪.‬‬ ‫وبدأت ‪ -‬دون خوف‬ ‫انزوت هاجر بصالحة‪،‬‬ ‫بع���د أيام قليلة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫سيطرت عليها منذ مدة قصيرة‪.‬‬ ‫التي‬ ‫أحالمها‬ ‫ تحكي عن‬‫ْ‬ ‫ ٍ‬‫آه يا صالحة!‬ ‫وعض ْت على ش���فتيها‬ ‫لت‬ ‫صدره���ا‬ ‫وضرب���ت‬ ‫س���كت القل���ب‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وابتس���مت ابتس���امة صافية‪،‬‬ ‫المتلونتي���ن بلون حلم البارحة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫فقدت زوجها‪.‬‬ ‫وضحكت ألول مرة منذ أن ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪121‬‬


‫أحالم حائط‬ ‫ندى مهرى‬ ‫عندم���ا كنت الش���يء وال فرق بين���ي وبين الحائ���ط الذي‬ ‫ترتاده قدمي‪ ،‬عقدت صفقة انتظار طويل للحصول على عمل‬ ‫وانضممت لقائمة (الحيطيست*)‪ ،‬كان الجدار صديقي الغالي‪،‬‬ ‫كن���ت أتامل حيات���ي المعلقة في نقطة الوق���ت الرتيب األزلي‪،‬‬ ‫بأيامه ولياليه وفصوله المتش���ابهة ف���ي القتامة والغارقة في‬ ‫اليأس وهي تهرب مني‪ ،‬ال بل تس���خر مني‪ ،‬فتتدفق أنفاس���ي‬ ‫الفائرة في وجوه اآلخرين غضب ًا وتمردًا وحقداً‪.‬‬ ‫حاولت اختراع منافذ لتس���ريب الوقت المكدس بأن تصادقت‬ ‫م���ع بع���ض حوائط الجامع���ات بفضل صدي���ق يفوقني بعمر‬ ‫وخبرة في الحوائط السخية‪ ،‬حيث دلني على طلبة يحضرون‬ ‫رس���ائل التخرج ويحتاج���ون الى مدقق لغ���وي مقابل مكافأة‬ ‫مادية‪ ،‬وكانت فكرته جيدة فذكائي وبراعتي في اللغة العربية‬ ‫ال من الفاقة وإن كانت غير كافية‪ ،‬وكنت‬ ‫وقواعدها أنقذاني قلي ً‬ ‫دوم ًا أشعر بالندم لذكائي العاطل عن العمل واألمل تمام ًا مثل‬ ‫م���ا يفتقد فؤادي العاطل عن الحب للحنان‪ ،‬فحياتي ش���حيحة‬ ‫فم���ن أين يعثر قلبي على تحية عاطفي���ة حتى‪ ،‬فأنا ال أتعدى‬ ‫كوني محارب ًا مدافع��� ًا بالمخالب تارة وبالتجاهل تارة أخرى‪،‬‬

‫فنظرات اآلخرين الملوثة بالفضول والشفقة والخليعة بالعداء‬ ‫لوجودي تتناسل حولي وتتلفظني كبقايا إنسان وأدنى‪.‬‬ ‫شعوري الدائم بأني ال شيء جعلني أهرب إلى قلبي وألهيه‪،‬‬ ‫وكان البد أن أطعمه بأي عاطفة حتى أتباهى بها أمام أقراني‪،‬‬ ‫هذا هو قانون الفحولة المفروض في عالم الجدران‪.‬‬ ‫كنت أمارس هواية رياضة (المشي*) مع حبيباتي المزعومات‬ ‫وكنت أتعجب لكم المشاة غيري‪ ،‬هناك ظاهرة «مشي» عامة في‬ ‫الشوارع وعلى كورنيش البحر‪ ،‬وهناك مشي حتى في صاالت‬ ‫الس���ينما طالما رائحة القبل واألحض���ان تنطلق من كل األماكن‬ ‫الت���ي ذكرتها‪ ،‬والمدهش أن الجميع اتفق على أن كل ما يحدث‬ ‫من مناظر فهي س���رية للغاية وال تخ���دش الحياء العام‪ ،‬وكنت‬ ‫ش���ديد اللؤم إذ رويت لرواد المقهى الذي أعاقره كل مس���اء عن‬ ‫الكثير من مغامراتي العش���قية البائسة والتي حولتها بأدواتي‬ ‫الخاصة إلى بطوالت ذكورية حفظ ًا لماء الوجه‪.‬‬ ‫وبعد س���نوات عقيمة امتصت رمانة عمري أمضيتها أتجول‬ ‫في أروقة االنتظار‪ ،‬ومس���افات البحث حصلت على عمل بفضل‬ ‫صديق أسقط جداري وأنقذني من سياطه‪.‬‬ ‫كرضي���ع لم يتقن الكالم بعد وممتل���ئ بصدمة اختبار كل ما‬ ‫يق���ع عليه ناظره هكذا كان إحساس���ي وأنا أنظ���ر الى مكتبي‬ ‫بهيئته المهيبة‪ ،‬وأتلمس زيه الخشبي الناعم اآلسر والمتعالي‪،‬‬ ‫وأرقب لمعان سطحه الزجاجي المستطيل والمتناسق الحواف‬ ‫الذي ينتهي بانحراف مغر عند األطراف‪ ،‬تتوسطه أريكة حانية‬ ‫تس���تدير في كل الجهات وتومئ اس���تقامتها المحببة الى جهاز‬ ‫كومبيوتر يفوقني عصرن���ة وحداثة أنا القادم لتوي من أزمنة‬ ‫الغبار‪.‬‬ ‫أما الهاتف بلونه الس���ماوي الشفاف فتنام في حضنه بأمان‬ ‫س���ماعة جاهزة لإلنقضاض على مس���معي لوال رنينها الرخيم‬ ‫كس���يمفونية‪ ،‬هاتف متواطئ مع أخالقي المزاجية التي دربتها‬ ‫الج���دران‪ ،‬فما أجم���ل أن تغازل امرأة من مكت���ب يحرض على‬ ‫اإلغ���راء‪ ،‬حتى نبرات صوتك تتغير‪ ،‬ومف���ردات لغتك ترتدي‬ ‫الزي الرسمي للفارس النبيل األسطوري الذي تحلم به كل فتاة‬ ‫ولم تتعثر به مطلق ًا إال في أرش���يف أمانيها‪ ،‬أنت الذي أمضيت‬ ‫أجندة أيامك في دهاليز مجهولة العنوان وتربيت على أحاديث‬ ‫مش���فرة ومبهمة كوجودك‪ ،‬وألنك قدمت من حوائط النسيان‪،‬‬ ‫ها أن���ت اآلن تصدر أوامرك األولى على عام���ل يأتيك بفنجان‬ ‫قهوة يحملها بطريقة تش���ي إلى دوال���ي ماضيك فمعك األوامر‬ ‫تبدأ من قاع حلم موؤود قضيته تدقق في لغة أحالمك‪.‬‬ ‫ال من‬ ‫ه���ذا المكتب الممس���وس كمارد حرر في عروقي س���ي ً‬ ‫العنفوان السجين والمفقود لسنوات‪ ،‬غير أن قلبي لم يتعاف‪،‬‬ ‫ال بش���عارات الحوائط الغاضبة والناقمة‪ ،‬وليست‬ ‫فلقد ظل مبل ً‬ ‫الج���دران وحدها حاج���زًا بل لحوائط ال���روح تجلياتها أمام كل‬ ‫عمل ال يعجب مس���ؤوليك وأمام كل أنثى ال تستجيب لتطلعات‬ ‫مكتبك األنيق المتلبس بذريعة حائط سابق‪.‬‬ ‫البطال أو العاطل عن‬ ‫* الحيطيس���ت‪ :‬كلمة جزائرية تطلق على الش���اب ّ‬ ‫العمل الذي يقضي نهاره متكئ ًا على حائط بحيه‪.‬‬ ‫* المش���ي‪ :‬ه���ي صف���ة بالجزائ���ر تطلق عل���ى عالقة الحب بين الش���اب‬ ‫والفتاة‪.‬‬

‫‪122‬‬


‫الضواحي المعتمة‬ ‫فرنسا تدين كثيرًا للجاليات العربية‬ ‫التي رفعت عالي ًا اسمها‪ .‬تدين لزين الدين‬ ‫ال في كرة القدم ولجمال دبوز في‬ ‫زيدان مث ً‬ ‫الكوميديا‪ .‬رغم اتساع دائرة المتعاطفين‬ ‫مع خطابات اليمي���ن المتطرف المعادية‬ ‫لألجان���ب‪ ،‬فإن القليل فقط من ينكر دور‬ ‫المهاجرين في إثراء ثقافة البلد‪ .‬تجارب‬ ‫أدبية وفنية مهمة برزت خالل السنوات‬ ‫تكرس‬ ‫القليلة الماضية واس���تطاعت أن ّ‬ ‫اس���م ًا لها‪ ،‬على غرار الكاتبة الجزائرية‬ ‫الشابة فايزة فين (‪ )1985‬التي أصدرت‪،‬‬ ‫لحّد الساعة‪ ،‬ثالث روايات‪ ،‬أوالها «غدًا‬ ‫كيف كي���ف» الت���ي نقلتها إل���ى العربية‬ ‫دار بلومزبري – مؤسس���ة قطر للنش���ر‬ ‫(‪.)2010‬‬ ‫بطلة الرواي���ة «دري���ة» مراهقة في‬ ‫الخامس���ة عش���رة‪ ،‬تعي���ش ف���ي إحدى‬ ‫الضواح���ي الباريس���ية رفق���ة والدته���ا‬

‫بعدما هجرهم���ا والدهما وق���رر العودة‬ ‫إلى المغ���رب وإعادة بناء عالقة زوجية‬ ‫تصور فصول‬ ‫ّ‬ ‫ثاني���ة مع امرأة ش���ابة‪.‬‬ ‫«غ���دًا كيف كيف» بع���ض جوانب العيش‬ ‫في الضواحي‪ ،‬التهمي���ش الممارس في‬ ‫ح���ق الجالي���ات المغاربي���ة ومعاناتهم‬

‫المتواصلة مع الشرطة التي تنظر إليهم‪،‬‬ ‫بشكل دائم‪ ،‬بعين الريبة‪.‬‬ ‫رغم صغر سنها فإن درية تجد نفسها‬ ‫مضط���رة لتحم���ل بعض المس���ؤوليات‬ ‫االجتماعي���ة‪ .‬فوالدتها التي تعمل منظفة‬ ‫تقر بعدم قدرته���ا على تحمل‬ ‫في فن���دق ّ‬ ‫المتاعب اليومية‪ .‬بي���ن البيت والثانوية‬ ‫والمرش���دة االجتماعي���ة ت���دور يوميات‬ ‫دري���ة التي تفتقد حياته���ا لمعاني الحب‬ ‫والطمأنينة وتقول‪« :‬الحياة ضربة حظ‬ ‫على الرغم من كل ش���يء»‪ .‬حياة يمألها‬ ‫القرف من ظلم الوالد ومن تعسف الحياة‬ ‫في باريس ليس���ت تشبه باريس األفالم‬ ‫واألح�ل�ام‪ .‬باريس أخ���رى يعيش فيها‬ ‫الكثي���رون على الهامش‪ ،‬تدفع درية إلى‬ ‫مخاطبة الق���ارئ‪« :‬كثيرًا م���ا تمنيت أن‬ ‫أكون شخص ًا آخر‪ ،‬ربما حتى بعيدًا في‬ ‫عصر آخر»‪.‬‬

‫كتب‬ ‫في روايت���ه الجديدة المعنون���ة «حديقة‬ ‫الس���يدة العجوز» يواصل ف���ؤاد العروي‬ ‫التنقيب ع���ن العالق���ات المتناقضة التي‬ ‫تجم���ع بي���ن المغ���رب وفرنس���ا‪ .‬رواية‬ ‫تسودها نبرة س���اخرة من الحياة ولعب‬ ‫بالكلم���ات‪ .‬بط�ل�ا الرواية هم���ا زوجان‬ ‫فرنس���يان (فرانسوا وسيس���يل) يقيمان‬ ‫في باري���س‪ ،‬يقرران فج���أة تغيير نمط‬ ‫عيش���هما وينتق�ل�ان إلى ال���دار البيضاء‬ ‫حيث يشتريان بيتا مرفقا بحديقة‪ .‬دونما‬ ‫معرفة مسبقة بالثقافة المغربية وبعادات‬

‫وتقالي���د البل���د‪ .‬المؤل���ف يرص���د حياة‬ ‫الزوجين على امتداد س���نة كاملة‪ .‬حياة‬ ‫يلفها كثير من المفاجآت والتقلبات‪ .‬حيث‬ ‫يجد الثنائي فرنس���وا وسيس���يل نفسهما‬ ‫تدريجي���ا في صلب حكايات مغربية‪ ،‬من‬ ‫س���نوات االحتالل بداية الق���رن الماضي‬ ‫إلى االستقالل وصوال إلى الحاضر‪ .‬كما‬ ‫ال يف���وت الفرص���ة للفت انتب���اه القارئ‬ ‫إل���ى الوضع الم���زري ال���ذي يعيش فيه‬ ‫بعض المغاربة في ظل اتس���اع الشعوذة‬ ‫والخرافات‪.‬‬ ‫‪123‬‬


‫تشريح المهاجر اللبناني‬ ‫�سحر مندور ‪ -‬بريوت‬ ‫في روايت���ه التاريخي���ة «تبليط البحر»‬ ‫الصادرة حديث ًا ع���ن دار رياض الريّس‬ ‫للكتب والنش���ر‪ ،‬يس���افر بن���ا اللبناني‬ ‫رشيد الضعيف إلى أواخر القرن التاسع‬ ‫عش���ر‪ ،‬في حبكة ترصد مرحلة الشباب‬ ‫والتحصيل الجامعي واالرتباط بالوطن‬ ‫ب���كل طوائف���ه‪ ،‬ويأت���ي زم���ن الرواية‬ ‫شاهدًا على الفترة التي بدأ فيها الشباب‬ ‫اللبناني الهجرة نح���و الغرب‪ ،‬وموثق ًا‬ ‫مش���اكل الغربة والتمييز العنصري في‬ ‫أميركا‪ ،‬ثم الص���راع الطائفي في لبنان‬ ‫الذي أبعد فارس هاشم بطل الرواية عن‬ ‫وطنه كفرد منتج وفاعل في بناء وطنه‬ ‫بعد مرحلة الدراسة الجامعية‪.‬‬ ‫ومن بلد إلى آخر‪ ،‬وحدوتة إلى أخرى‪،‬‬ ‫ف���ي صورة جريدة يومي���ة صادرة في‬ ‫ذاك الزم���ن‪ ،‬تقف���ز معلوماتها من غزو‬ ‫الج���راد لبيروت‪ ،‬فالكولي���را في مدينة‬ ‫زحل���ة‪ ،‬م���رورًا بمن���ارة اإلس���كندرية‬ ‫المتن���ور‪ ،‬فباريس التي‬ ‫ّ‬ ‫وقاهرة الزمن‬ ‫«تحب نفسها وتمتّع نفسها»‪ ،‬ومنها إلى‬ ‫أميركا وحربها مع إس���بانيا في كوبا‪،‬‬ ‫عم���ال الصين وحروبهم الدموية في‬ ‫ثم ّ‬ ‫البيرو‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫مب���رر الس���رد واالس���تحضار يكمن في‬ ‫متابع���ة يوميات فارس هاش���م‪ ،‬الذي‬ ‫تبنّ���ى حلم والده‪ ،‬بالنه���وض بالوطن‬ ‫واألمة‪ ،‬فعاش حياته بهاجس يختصره‬ ‫قس���م تش���اركه مع أصدق���اء الهجرة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يق���ول‪ :‬بـ«أنن���ي س���أعود إل���ى بالدي‬ ‫المقدّس���ة‪ ،‬بعد نيلي ش���هادتي‪ ،‬ألعمل‬ ‫قاطبة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فيه���ا على نهضتها‪ ،‬ف���ي مدنها‬ ‫وفي كل قراها الطاهرة»‪..‬‬ ‫وقد دفعت بف���ارس إلى الهجرة‪ ،‬محطة‬ ‫«تاريخية» محلية تختص���ر أزمة الفكر‬ ‫الديني التي سدّت منفذ العلوم الحديثة‬ ‫فاس���توجب طلبها ف���ي مواطنها خارج‬ ‫الطب نور‬ ‫الوطن‪ ،‬حي���ث وجد ط�ل�اب ّ‬ ‫المعرف���ة الحديث���ة كإيم���ان بديل‪ ،‬في‬ ‫مواجهة «تديّن» فكر البعثة التبشيرية‪،‬‬ ‫الذي أدان علوم العالم البريطاني تشارلز‬ ‫«بشر» بها‪ ،‬وصو ًال إلى‬ ‫دارون‪ ،‬وكل من ّ‬ ‫طب‪ ،‬و«محاكمة» الطالب‬ ‫فصل أس���تاذ ّ‬ ‫المعترضين‪ ،‬ما جعله���م يتفرقون بين‬ ‫مصر وأمي���ركا إلتمام العلم‪ .‬فتقود تلك‬ ‫األزم���ة جرجي زي���دان (وه���و صديق‬ ‫فارس من���ذ الطفولة المدرس���ية‪ ،‬وأحد‬ ‫خي���وط البطول���ة ف���ي الرواي���ة) إل���ى‬ ‫الطب‪ ،‬إال‬ ‫القاهرة‪ ،‬ليتابع فيها دراس���ة ّ‬ ‫أن عاصمة النور العربية حينها‪ ،‬قادته‬ ‫باتجاه اللغة واألدب‪ ،‬فكان له ما أراده‬ ‫لنفسه‪« :‬العمل على نهضتها»‪.‬‬ ‫س الرواية في السرد التاريخي ليس‬ ‫َنَف ُ‬ ‫قصي���راً‪ ،‬وال هو بطويل‪ ،‬إنه أقرب إلى‬ ‫آلي���ة التنفّ���س‪ .‬فما يميّز رواية رش���يد‬ ‫الضعيف على هذا المستوى‪ ،‬هو المنحى‬ ‫التبسيطي في السرد‪ ،‬دون التقصير في‬ ‫مّد القارئ بمعلومات حول ذاكرة الوطن‬ ‫والحروب ودول المهجر‪.‬‬

‫مقدمات‬ ‫الثورة‬

‫«أليس الصبح بقريب »‪ ،‬كتاب جديد‬ ‫للمصري الس���اخر ب�ل�ال فضل صدر‬ ‫ع���ن دار بلومزبري قط���ر‪ .‬وكعادته‬ ‫حين يص���در كتب���ه يس���تعين فضل‬ ‫بنص شعري مثلما حدث في «قلمين»‬ ‫و«السكان األصليين لمصر» و«ضحك‬ ‫مجروح»‪ ،‬فوض���ع في المقدمة جزءًا‬ ‫من قصيدة األبن���ودي «المد والجزر»‬ ‫الت���ي كتبها ع���ام ‪ 1981‬قبيل اغتيال‬ ‫السادات بشهرين‪.‬‬ ‫الكتاب عبارة ع���ن مجموعة مقاالت‬ ‫نش���رها بالل من ع���ام ‪ 2008‬وحتى‬ ‫عام ‪ ،2010‬حيث أقسم في أولى هذه‬ ‫المق���االت بأن التغيير س���يأتي على‬ ‫مصر ألنها تستحق ذلك‪.‬‬ ‫هو كتاب عن السنوات السوداء التي‬ ‫عانت منه���ا مصر في حكم رئيس���ها‬ ‫المخلوع مب���ارك‪ ،‬فمن فوز مصطفى‬ ‫الفقي – سكرتير الرئيس للمعلومات‬ ‫ذات م���رة – بجائ���زة مب���ارك ف���ي‬ ‫االجتماع‪ ،‬وعشرات سواه يستحقونها‬ ‫إلى سرقة لوحة الخشخاش‪ ،‬وحتى‬ ‫الهج���وم المنظم على محمد البرادعي‬ ‫حتى بانجو خالد سعيد‪.‬‬ ‫كان الب���د أن تق���وم ث���ورة ف���ي ظل‬ ‫نظام ال يقرأ المقدمات وال ينتبه إلى‬ ‫البدايات‪.‬‬


‫هانس فيرنر غيردس‬

‫حشود مراكش‬ ‫عبداحلق ميفراين ‪ -‬املغرب‬

‫إل���ى جان���ب الف���ن التش���كيلي عرف‬ ‫الفن���ان والكاتب األلمان���ي هانس فيرنر‬ ‫غيردس (ولد ‪ ،)1925‬بكتاباته السردية‬ ‫(األوتوبيوغرافي���ة)‪ ،‬وكانت دار «كراس‬ ‫المتوحد» وراء إخراج إصداراته وترجمتها‬ ‫إل���ى العربية‪ ،‬من خ�ل�ال كتابيه‪ :‬يحيى‬ ‫مراكش‪ -‬بالعربية والفرنسية‪ ،‬ويوميات‬ ‫متس���كع ‪journal d’un flaneur‬‬ ‫بالفرنس���ية‪ .‬كما سبق للدار أن احتضنت‬ ‫معرضا اس���تعاديا لتجربت���ه الفنية من‬ ‫خ�ل�ال تنظيمه���ا لمعرض تش���كيلي أرخ‬ ‫لمسيرة الفنان التشكيلية‪.‬‬ ‫عش���ق غي���ردس مدين���ة مراك���ش‬ ‫ومتاهاتها منذ الس���تينيات‪ ،‬تسكع داخل‬ ‫جام���ع الفنا وجبال األطل���س والدباغين‬ ‫وحدائ���ق أك���دال والمواس���ين وس���وق‬

‫الخمي���س‪ ..‬تع���ود الجل���وس بمقه���ى‬ ‫«ماطيش» المرك���ز العالمي للثقافات كما‬ ‫يس���ميها صديق���ه «المراكش���ي» الكاتب‬ ‫اإلس���باني خوان غويتيس���ولو‪ ،‬وتعلم‬ ‫أس���اليب التراث الش���فوي‪ ..‬ساعده هذا‬ ‫الحضور في اكتش���اف طريقة جديدة في‬ ‫الفن والكتابة ابتك���ر عبرها طريقة الفن‬ ‫الحشدي ‪.Foulisme‬‬ ‫في كت���اب «يحي���ى مراك���ش» يكتب‬ ‫غيردس كما يرس���م‪ ،‬إذ يشير في عالقته‬ ‫بمراك���ش وبالرس���م «أذهلتني حش���ود‬ ‫مراك���ش بحيث أصبحت أرس���م دون أن‬ ‫أع���ي ما أفعل‪ ،‬لم أك���ن أتحكم في ذاتي‪:‬‬ ‫مشدودًا إلى إيقاع الموسيقى ومحاصرًا‬ ‫بتنقالت الحش���ود‪ ،‬أرسم مش���اهداتي‪،‬‬ ‫كانت الريشة تترك بصاماتها على الورق‬ ‫دون تدخل مني أنا الشاهد»‪ ،‬وهكذا تأتي‬ ‫أعمال غيردس لتحقق دواره اإليقاعي أو‬ ‫ما يس���ميه لطخ ًا تجسيدي ًا يحول مراكش‬ ‫إلى «بورتريه» مصغر‪.‬‬ ‫يكت���ب غي���ردس‪« :‬مراكش حش���ود‬ ‫عديدة‪ ،‬امتالء‪ ،‬كتل من البش���ر‪ ،‬حلقات‬ ‫متحرك���ة وكالم مرتج���ل‪ ،‬جام���ع هكذا‬ ‫أش���ياء ه���ي مراك���ش‪ ..‬تحث شمس���ها‬ ‫يتوهج الحطام‪ ،‬مزيج من األلوان شبيه‬ ‫بشبكة من الخيوط تتمدد فوق األرض»‪.‬‬ ‫وهكذا يصور غيردس المكان بالفرشاة‪،‬‬ ‫ويسميها «بوابة العالم»‪ .‬وفي «يوميات‬ ‫متسكع» نكتشف مع غيردس أن الدخول‬ ‫لمراكش يبدأ بسفر س���حري من مساحة‬ ‫جامع الفنا‪ ،‬إذ عبر هذا الفضاء الفرجوي‬ ‫ينطلق السفر الداخلي نحو عوالم المكان‪،‬‬ ‫بحس جمالي من خالل العين «السائحة»‬ ‫عين «اآلخر» وهي عين غيرتس تمس���ك‬ ‫بالن���اس وتجعلهم حش���ودًا ف���ي عالمه‬ ‫الفنتستيكي‪.‬‬

‫حذاء يشبهني!‬ ‫ف���ي مجموعتها القصصي���ة «حذاء‬ ‫أزرق» لكندة الس���وادي‪ ،‬الصادرة عن‬ ‫داري «مح���اكاة» و«النايا»‪/‬دمش���ق‪،‬‬ ‫نق���رأ نصوص��� ًا أق���رب إلى التس���كع‬ ‫الالمبالي‪.‬‬ ‫تش���تبك المؤلفة مع ش���خصياتها‬ ‫بعالقة حميمة‪ ،‬هي عالقة‬ ‫أق���رب إل���ى المشاكس���ة‬ ‫تقتح���م فيه���ا اآلخ���ر‬ ‫بغرض تخريب سكينته‪.‬‬ ‫يتجل���ى ذلك عل���ى نحو‬ ‫واض���ح وناجح في قصة‬ ‫«عصفور السيدة الصغيرة‬ ‫المراه���ق»‪ ،‬إذ تتع���رف‬ ‫الس���اردة عل���ى ش���ابة‬ ‫رصينة تس���كن وحيدة‪،‬‬ ‫فيأب���ى طي���ف الكاتبة إال‬ ‫أن يالحقها لينب���ش فيما وراء هدوئها‬ ‫واستقرارها‪ ،‬بل إن هذا الطيف يضيّق‬ ‫على الش���ابة فتحس بوجوده الكثيف‬ ‫وال تجد فكاك ًا منه‪ .‬حتى الحبيب‪ ،‬في‬ ‫قصة أخرى‪ ،‬لن يجد مهرب ًا كما سنجد‬ ‫في االقتب���اس التالي ال���ذي يعبر عن‬ ‫لغة الكاتب���ة‪« :‬هك���ذا أخرجت جبيني‬ ‫من تحت األغطي���ة ألخرج بالحل الذي‬ ‫اعتقدت���ه ذهبي ًا في فك االش���تباك مع‬ ‫هلوس���اتي‪ ،‬س���ألتصق بظه���ره‪ .‬أي‬ ‫سألتصق به‪ .‬جس���دي ًا أقصد‪ .‬مثل قرد‬ ‫صغير مذعور‪ ،‬ماذا س���يفعل؟ نعم لن‬ ‫يقدر على نزعي من���ه مهما حصل‪ .‬إذا‬ ‫ما التصقت به بهذه الطريقة المحرجة‪،‬‬ ‫سيمش���ي بين الناس مطأطئ ًا ومرتبك ًا‬ ‫بالجس���د األنثوي المتعرب���ش به بكل‬ ‫أمومة األدغ���ال‪ ..‬غدًا س���أذهب إليه‪،‬‬ ‫وألتص���ق بص���دره كضم���اد منته���ي‬ ‫الصالحية‪ ...‬حتى لو هشم وجهي في‬ ‫ذروة استفزازي الماجن له‪ ،‬لن أبتعد‬ ‫خطوة واح���دة‪ :‬حبيبي ب�ل�ا حيونة!‬ ‫ال تهجرني أرج���وك‪ .‬أرجوك‪ ..‬هذا ما‬ ‫سأقوله له‪ ..‬هذا هو الحل!!‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫فيما يش����به الحفريات «األركيولوجية» يعود الناقد األدبي والمس����رحي‬ ‫البحرين����ي الدكت����ور إبراهيم غلوم إلى المرحلة التأسيس����ية للمس����رح‬ ‫ف����ي منطق����ة الخليج العربي‪ ،‬عب����ر كتابه الجديد «المس����رح الموازي ‪-‬‬ ‫سوس����يولوجيا البداي����ات المس����رحية والوعي القومي ف����ي مجتمعات‬ ‫الخليج العربي‪( »1958 – 1925 :‬االنتشار العربي ‪ -‬بيروت)‪.‬‬

‫التنقيب في المسرح الخليجي‬ ‫عبد اهلل احلامدي‬

‫يذكر غل����وم في المقدمة أن دراس����ته‬ ‫هذه تعتب����ر امتدادًا لدراس����ات نقدية‬ ‫انش����غل بها من����ذ بداي����ة الثمانينيات‬ ‫حول البحث عن تقابالت بنيوية بين‬ ‫الفن����ون الدرامية (المس����رح‪ ،‬القصة‪،‬‬ ‫القصيدة‪ ،‬الرواية) وبين حركة التغير‬ ‫االجتماعي والسياسي في مجتمعات‬ ‫الخليج العرب����ي‪ ،‬منوه ًا بأن كتابات‬ ‫كثي����رة عالجت الموضوع األساس����ي‬ ‫للكت����اب‪ ،‬أال وه����و بواكي����ر الحركة‬ ‫المس����رحية في الكوي����ت والبحرين‪،‬‬ ‫لكن مش����كلة هذه الكتابات‪ ،‬حس����بما‬ ‫يرى المؤل����ف‪ ،‬أنها تفتقر إلى المنهج‬ ‫النقدي الواضح‪.‬‬ ‫وال ينك����ر المؤلف أن جهود كل هؤالء‬ ‫مفيدة‪ ،‬كونها تس����رد وقائع تاريخية‬ ‫جديدة أحياناً‪ ،‬ويقول‪ :‬إن هذا النمط‬ ‫م����ن البحث تطلب منه تنقيب ًا واس����ع ًا‬ ‫يتجاوز الكتابات السابقة‪ ،‬من خالل‬ ‫ع����دة مص����ادر‪ ،‬تمثلت ف����ي مراجعة‬ ‫مراس��ل�ات المستش����ارين اإلنكليز في‬ ‫المنطق����ة والمحفوظ����ة ف����ي المكتبة‬ ‫الهندي����ة بلن����دن‪ ،‬ووثائ����ق األندي����ة‬ ‫المحلي����ة ف����ي البحري����ن والكوي����ت‪،‬‬ ‫ال‬ ‫وأرش����يف الصحاف����ة المحلية‪ ،‬فض ً‬ ‫‪126‬‬

‫عن التحقيق البحثي في تجربة ثالثة‬ ‫من رواد الحركة المسرحية الخليجية‪،‬‬ ‫وهم‪ :‬إبراهيم العريّض وعبد الرحمن‬ ‫المعاودة وحمد الرجيب‪.‬‬ ‫ويرى مؤلف «المس����رح الموازي» أن‬ ‫الوعي القومي ل����دى مثقفي المنطقة‬ ‫ف����ي الربع األول من القرن العش����رين‬ ‫أف����رز حرك����ة تنويري����ة تمثل����ت في‬ ‫التعليم وإنشاء المكتبات والصحف‪،‬‬ ‫وأن����ه لم يكن من الصدف����ة أن تتكون‬ ‫أولى بداي����ات المس����رح بالخليج في‬ ‫هذا المناخ النهضوي العربي‪ ،‬والذي‬ ‫كان أحد تجلياته البارزة على سبيل‬ ‫المث����ال مش����روع الش����يخ عبدالعزيز‬ ‫الرش����يد ف����ي الكويت‪ ،‬حي����ن وضع‬ ‫مس����رحية قصي����رة‪ ،‬أو «مح����اورة‬ ‫إصالحية» قدمت عام ‪ 1924‬بمناسبة‬ ‫افتتاح مدرسة األحمدية‪.‬‬ ‫ويتضم����ن الكت����اب خمس����ة فصول‪،‬‬ ‫حي����ث تن����اول المؤل����ف ف����ي الفصل‬ ‫األول «مس����رحية الوع����ي القوم����ي ‪-‬‬ ‫الس����ياق الثقافي األول لتلقي الوعي‬ ‫القومي»‪ ،‬وفي الفصل الثاني «مسرح‬ ‫عبدالرحمن المعاودة – فضاء األندية‬ ‫الوطني����ة»‪ ،‬وف����ي الفص����ل الثال����ث‬

‫«الدرس القوم����ي وبناء الفضاء العام‬ ‫للمس����رح – والدة النص المسرحي»‪،‬‬ ‫وفي الفصل الرابع «إبراهيم العريض‬ ‫ومس����رحية الحدث القوم����ي»‪ ،‬وفي‬ ‫الفصل الخامس «مسرح حمد الرجيب‬ ‫– المنابع الواقعية لمس����رحية الوعي‬ ‫القومي»‪.‬‬ ‫ويجم����ل د‪ .‬غلوم النتيجة المباش����رة‬ ‫لهذه الدراس����ة في خاتمة الكتاب بأن‬ ‫الوع����ي القومي يمث����ل أولى الحلقات‬ ‫القومي����ة التي قادت دخول مجتمعات‬ ‫الخلي����ج العرب����ي العص����ر الحديث‪،‬‬ ‫مؤكدًا أن هذا الوعي استطاع أن يبتكر‬ ‫بش����كل تلقائ����ي تش����كيالت البواكير‬ ‫المس����رحية العربية‪ ،‬ث����م ينتهي إلى‬ ‫القول‪« :‬إن ذلك ال ينطبق على بواكير‬ ‫المسرح في الخليج فحسب‪ ،‬وإنما في‬ ‫الوط����ن العربي كل����ه»‪ ،‬مضيفاً‪« :‬لقد‬ ‫حدّد المس����رح مآل عالقت����ه بالتاريخ‬ ‫(الماض����ي) منذ ذلك الحي����ن‪ ،‬وعلى‬ ‫م����دى أكث����ر من مئ����ة ع����ام»‪ .‬ويورد‬ ‫المؤلف بعض الوثائق المصورة التي‬ ‫اعتمده����ا في دراس����ته‪ ،‬عب����ر ثالثين‬ ‫صفحة من نهاية الكتاب‪ ،‬توكيدًا على‬ ‫ما ذهب إليه في المتن‪.‬‬


‫حوارات من جبين الثورة‬ ‫ال��م��دون ال��ج��زائ��ري يوسف بعلوج‬ ‫س��اف��ر إل��ى ت��ون��س قبل ال��ث��ورة وفي‬ ‫خضمها وح��اول معايشتها عن قرب‪،‬‬ ‫تواصل مع بعض الفاعلين فيها في‬ ‫األدب والسياسة‪ ،‬وأج���رى ح��وارات‬ ‫تخوض كلها ف��ي م��س��ارات ويوميات‬ ‫ال في‬ ‫وإرهاصات الثورة‪ ،‬ولم يكن مجام ً‬ ‫«على جبينها ثورة وكتاب»‪ ،‬وهو عنوان‬ ‫الكتاب الذي أنجزه عن ثورة الياسمين‪.‬‬ ‫الكتاب ص��در ع��ن م��ن��ش��ورات فيسيرا‬ ‫بالجزائر وهو أول كتاب جزائري يؤرخ‬ ‫ويوثق لثورة تونس‪ ،‬وينقسم إلى عدة‬

‫أجزاء اختار لها الكاتب بعلوج عناوين‬ ‫مختلفة لكنها تشترك كلها في الجبين‪:‬‬ ‫«جبين السياسة»‪« ،‬جبين التدوين»‪،‬‬ ‫«جبين الكتابة»‬

‫الخيال العلمي الناعم‬ ‫النبوءة الت���ي حملتها أبيات «فيرجيل»‬ ‫لزوج���ة «إينياس» الثانية «الفينيا» في‬ ‫«اإللياذة» هي ما اعتمدت عليه الكاتبة‬ ‫األميركية «أورسوالكي لي جوين» في‬ ‫روايتها «الفينيا» الصادرة عن سلسلة‬ ‫الجوائ���ز م���ن الهيئة المصري���ة العامة‬ ‫للكتاب بترجمة لنا عبدالرحمن‪.‬‬ ‫في اليوم السابق لنـزول «إينياس» إلى‬ ‫«التينيوم» تمسك نيران غامضة بشعر‬ ‫«الفينيا» ابنة الملك «التينوس» والملكة‬ ‫«أماتا» اللتين كانتا تحكمان «التينيوم»‬ ‫في عصر ما قبل الرومان‪ ،‬وتفقد «أماتا»‬ ‫طفليها بعد أن يصاب���ا بمرض نادر ثم‬ ‫تص���اب بالجن���ون وتصر عل���ى زواج‬

‫«الفينيا» م���ن ابن أخته���ا «تورنوس»‬ ‫ولي عهد «روتاليا» المملكة المجاورة‪.‬‬ ‫لك���ن «الفينيا» تت���ردد وتتب���ع كلمات‬ ‫النبوءة‪ ،‬ويعلن الملك «التينوس» أنها‬ ‫س���وف تتزوج من «إيني���اس» الغريب‬ ‫القادم حديث ًا من «طروادة» لتبدأ الحرب‬ ‫األهلية‪ ،‬ويكون مقدرًا لبطل «فيرجيل»‬ ‫تأسيس امبراطورية‪.‬‬ ‫وم���ن هن���اك عب���ر الميثولوجي���ا غير‬ ‫التاريخي���ة‪ ،‬بعي���دًا ع���ن ع���دم اليقين‬ ‫لعلماء اآلث���ار في فت���رة تاريخية غير‬ ‫واضح���ة تمام ًا للمؤرخي���ن من تاريخ‬ ‫ما قبل االمبراطوري���ة الرومانية تدور‬ ‫أج���واء رواي���ة «الفيني���ا» حي���ث عالم‬ ‫الفانتازي���ا داخل العل���وم االجتماعية‬ ‫واألنثروبولوجي���ا أو الخي���ال العلمي‬ ‫الناعم في العلوم االجتماعية‪.‬‬ ‫وقد حصلت «أورس���والكي لي جوين»‬ ‫على جائزة «ديمون ناي���ت» التذكارية‬ ‫الكبرى‪ ،‬وهي جائزة س���نوية يمنحها‬ ‫االتحاد األميركي لكتاب الخيال العلمي‪،‬‬ ‫كما القت روايتها األولى «اليد اليس���رى‬ ‫للنظام» رواج ًا كبي���راً‪ ،‬وحصلت على‬ ‫عدة جوائز أخرى‪.‬‬

‫قصائد‬ ‫باألبيض واألسود‬ ‫صدر مؤخرًا في القاهرة ديوان العامية‬ ‫«أبيض وأس���ود» للش���اعر المصري‬ ‫وسام الدويك عن دار (إيزيس للفنون‬ ‫والنش���ر)‪ .‬الديوان الذي يقع في مئة‬ ‫صفحة م���ن القطع المتوس���ط كتبت‬ ‫قصائ���ده بين عام���ي ‪ 1994‬و‪2004‬‬ ‫ويحتوي على ثماني عش���رة قصيدة‬ ‫تأرجحت بين التفعيلية‬ ‫والنثرية‪.‬‬ ‫يذك���ر أن الدي���وان هو‬ ‫رابع أعم���ال (الدويك)‬ ‫الش���عرية وخام���س‬ ‫كتب���ه‪ ،‬حيث ص���در له‬ ‫عن هيئة قصور الثقافة‬ ‫المصري���ة ديوان���ان‬ ‫هما‪« :‬يرجع العاديون‬ ‫مكبلي���ن بالياس���مين»‬ ‫‪ ،1999‬و«الخروج في‬ ‫النهار» ‪.2002‬‬ ‫ثم قدم الشاعر كتابه البحثي «كافاني‬ ‫الش���اعر والمدين���ة» والذي يؤس���س‬ ‫خالله لكتابة جديدة أس���ماها «تأريخ‬ ‫السيرة»‪ ،‬يقوم من خاللها «بشخصنة»‬ ‫المبدعين وتقديم تجاربهم اإلنس���انية‬ ‫ إلى جانب اإلبداعية ‪ -‬للمتلقي سواء‬‫أكان مهتم ًا باإلبداع أم قارئ ًا عاماً‪.‬‬ ‫كما ص���در للدوي���ك دي���وان بعنوان‬ ‫«الشرفات» ‪ 2009‬عن سلسلة «كتاب‬ ‫المرس���م» التي يش���رف عليها الفنان‬ ‫التشكيلي «أحمد الجنايني»‪.‬‬ ‫يذكر أن الش���اعر من موالي���د القاهرة‬ ‫‪ 1971‬وقد حصل على ليسانس اآلثار‬ ‫المصرية ويعمل باإلعالم منذ تخرجه‬ ‫حتى اليوم‪.‬‬

‫‪127‬‬


‫بحر العرب‬

‫مرآة العالم‬ ‫حم�سن العتيقي‬

‫لي���س جدي���دًا تن���اول منج���زات الع���رب‬ ‫والمس���لمين القدامى‪ ،‬ولعلن���ا نميل إلى‬ ‫الملل من الدراس���ات التحليلي���ة الفردية‬ ‫التواقة للماضي‪ ،‬ويحق هنا بعيدًا عن هذا‬ ‫االنغماس أن يع���زى تأخر مؤرخ العلوم‬ ‫والتقنيات عن تدوين ما حفل به التاريخ‬ ‫العربي واإلسالمي في هذا المجال ألسباب‬ ‫ترتب���ط بتقدم العل���وم واالقتصاد‪ ،‬وهي‬ ‫ميادي���ن تتطلب تراكم ًا يقاس في التأليف‬ ‫التاريخي بقرون عدة‪ .‬معطى يتوقف عند‬ ‫المحترفين األثريي���ن على توفر حفريات‬ ‫ووثائ���ق تاريخي���ة جذابة‪ .‬وم���ن ناحية‬ ‫أخ���رى‪ ،‬ف���إن أي تألي���ف للتاريخ يخلو‬ ‫من العم���ل الجماعي المتخصص مآله في‬ ‫عرف المؤرخين السقوط في لعبة التخيل‬ ‫والظن المطلق‪.‬‬ ‫يحيلنا ما س���بق في س���ياق هذا التقديم‬ ‫لكت���اب «التاريخ البحري للمحيط الهندي‬ ‫منذ اإلدريس���ي وص���و ًال إلى اب���ن ماجد‬ ‫ومن يليهما» أن دراس���ة التاريخ وتجديد‬ ‫رؤيتن���ا حوله تبقى الس���ند المس���تقبلي‬ ‫الس���تدراك بع���ض الض�ل�ال التاريخي‪.‬‬ ‫الكتاب ص���ادر ضمن منش���ورات وزارة‬ ‫الثقاف���ة والفن���ون والت���راث ف���ي قطر‪،‬‬ ‫ترجمة د‪ .‬نبيلة يوسف الزواوي‪ ،‬تحرير‬ ‫خال طورابي وأمينة غوريب‪ ،‬ومراجعة‬ ‫د‪ .‬محمد لطفي اليوسفي‪ .‬ويشمل أبحاث ًا‬ ‫علمية تسرد التاريخ العربي واإلسالمي‬ ‫في المحيط الهن���دي اعتمادًا على مصادر‬ ‫موثق���ة‪ ،‬ق���ام بالتحق���ق منه���ا وتأليفها‬ ‫مجموعة م���ن المتخصصين المعاصرين‪:‬‬ ‫‪128‬‬

‫عالم الحفريات أنور جانو‪ ،‬عالم البحرية‬ ‫علي رضا إسبك‪ ،‬المؤرخ أسعد بوغله‪،‬‬ ‫عالم اآلثار هنري دانييل ليسكوفس���كي‪،‬‬ ‫المؤرخ���ة مارينا كارتر‪ ،‬الم���ؤرخ ممتاز‬ ‫إمري���ث‪ ،‬المفك���ر والمهن���دس مارس���يل‬ ‫ليندساي‪ .‬هذه البحوث أنجزت بمناسبة‬ ‫احتفاء حكومة موريش���يوس بمس���اهمة‬ ‫الش���ريف اإلدريس���ي وغيره من الرحالة‬ ‫والمالحين في تعزيز علوم الجغرافيا في‬ ‫العالم‪ ،‬وقد نش���ر العمل ضمن احتفالية‬ ‫الدوحة عاصمة الثقافة العربية ‪.2010‬‬ ‫ينطل���ق الكت���اب حس���ب ديباجت���ه‪ ،‬من‬ ‫ضرورة إلغاء مقول���ة إن التاريخ يكتبه‬ ‫المنتص���ر‪ ،‬ليطرح ضمن م���ا يطرحه من‬ ‫تس���اؤالت‪ ،‬لماذا ال يخفى عل���ى أحد أن‬ ‫فاسكو دا جاما اكتشف أنه يمكن الوصول‬ ‫إلى الهند عبر الدوران حول رأس الرجاء‬

‫الصال���ح‪ ،‬وال ُيذك���ر أن اب���ن ماج���د أو‬ ‫أحد تالمي���ذه رافقه على متن س���فينته‪،‬‬ ‫وأرش���ده إلى الطريق الت���ي نال األمجاد‬ ‫حين اكتشفها‪.‬‬ ‫االستنتاجات الواردة في الكتاب تتجاوز‬ ‫نقد حقيقة التأليف االستعماري االنتقائي‪،‬‬ ‫إلى تصوير ملحمة باهرة عن فترة هيمنة‬ ‫الع���رب على المحيط الهندي دامت ثمانية‬ ‫قرون‪ ،‬فترة نم���و تجاري بلغ مداه بعيدًا‬ ‫يرده الدارس���ون إل���ى أدبي���ات التجارة‬ ‫العربية الحرة ومراع���اة حرمة الثقة في‬ ‫الصفق���ات التجارية‪ ،‬فم���ن الصحراء إلى‬ ‫عباب البح���ار لم يتغير الع���رف العربي‬ ‫الم���وروث من تجارة القواف���ل‪ .‬واعتمادًا‬ ‫على خرائط وصور‪ ،‬يسرد الكتاب القصة‬ ‫الكاملة للمراكب الش���راعية العربية التي‬ ‫أبح���رت ألول مرة عكس اتج���اه الرياح‪،‬‬ ‫لتؤم���ن التجارة عب���ر الط���رق التجارية‬ ‫البحرية على مدى ش���واطئ آسيا وبحر‬ ‫العرب وجنوب الصين والساحل الشرقي‬ ‫إلفريقيا‪ ،‬وصو ًال إلى جنوب الموزنبيق‪.‬‬ ‫كما يس���تفيض الس���رد والتحليل في ذكر‬ ‫أصن���اف الس���لع والمنتج���ات‪ ،‬التوابل‬ ‫التي ش���كلت عنص���رًا هام ًا ف���ي التجارة‬ ‫القديمة‪ ،‬كيف أنها تحررت‪ ،‬محققة رخاء‬ ‫اقتصادي��� ًا مع مج���يء المالحين العرب‪،‬‬ ‫وجعلت التجار أثرياء العالم‪ ،‬بل كش���فت‬ ‫لألوروبيي���ن عن وجود ق���ارات بأكملها‪.‬‬ ‫ويتتبع الكتاب مراحل النش���اط التجاري‬ ‫للبحارة الع���رب وتوس���عهم االجتماعي‬ ‫والثقاف���ي على س���واحل المحيط الهندي‬ ‫حت���ى بات���وا أكب���ر المس���تفيدين م���ن‬ ‫احتياج���ات أوروب���ا‪ ،‬إل���ى غاية صعود‬ ‫االمبراطوري���ة العثماني���ة‪ ،‬ث���م الهيمنة‬ ‫األوروبي���ة السياس���ية واالقتصادية بعد‬ ‫رحالت فاس���كو دا جاما االستكشافية في‬ ‫المحيط الهندي ابتداء من ق ‪15‬م‪.‬‬ ‫الحدي���ث عن الق���رون التي ظ���ل المحيط‬ ‫الهن���دي ش���اهدًا فيها على مه���ارة العرب‬ ‫والعثمانيي���ن ف���ي المالحة‪ ،‬ه���و حديث‬ ‫يلتص���ق بمعرفتهم المتواصل���ة بالعلوم‬ ‫الجغرافية ورس���م الخرائ���ط وعلم الفلك‬ ‫واألرصاد الجوية وعل���م المالحة وبناء‬ ‫الس���فن‪ ،‬وفي هذا تتوزع في الكتاب سير‬ ‫أعالم الجغرافيا وعلوم أخرى كانت بالد‬


‫اإلس�ل�ام مختب���ر اكتش���افها وتطويرها‪.‬‬ ‫ومن خ�ل�ال جرد ألرش���يف الخوارزمي‪،‬‬ ‫وابن ماجد‪ ،‬والش���ريف اإلدريسي‪ ،‬وابن‬ ‫بطوطة‪ ،‬وكمال بي���ري ريّس في العصر‬ ‫العثمان���ي‪ ،‬وكذل���ك مدون���ات الرحالت‬ ‫الموثقة‪ ،‬وأمثلة كثيرة‪ ،‬نس���تطيع وفق‬ ‫منجزها األصيل‪ ،‬أن نتحدث عن حضارة‬ ‫بحرية مزدهرة‪ ،‬قامت على أسس علمية‬ ‫ط���ورت الرؤي���ة البطليموس���ية للعالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأكملت صورة البحر واليابسة‪.‬‬ ‫وإلى جانب ذكر سير األعالم يورد الكتاب‬ ‫تعليق���ات اعتمادًا على مؤلفاتهم تش���مل‬ ‫تفصيالت حول تقني���ات المالحة وإدارة‬ ‫طاقم الس���فينة‪ ،‬ومالحظ���ات حول علم‬ ‫الفلك‪ ،‬وكذل���ك أماكن الخلجان والموانئ‬ ‫والطرق المالحي���ة‪ ،‬وتفاصيل عن حياة‬ ‫وثقافة ش���عوب المحي���ط الهندي‪ ،‬وهي‬ ‫تعليقات تخلص إلى تقدم علمي‪ ،‬سرعان‬ ‫ما أصبح المرجع الش���امل ع���ن المحيط‬ ‫الهندي وجلب انتباه المالحين األوروبيين‬ ‫والمخططين العسكريين إلى هذه الشبكة‬ ‫التجارية النشطة‪.‬‬ ‫يس���تدل هنري دانييل ليسكوفس���كي من‬ ‫خالل حفريات بج���زر القمر ما بين العام‬ ‫‪ 1995‬و‪ 1998‬على وجود كش���وفات عن‬ ‫أنواع المقايضات والمنتوجات اإلسالمية‬ ‫في المحي���ط الهندي حيث تم العثور على‬ ‫حج���ر االثم���د والكحل وعمالت فارس���ية‬ ‫وحلق���ات مختلفة من النح���اس والرأس‬ ‫ذي العمام���ة والس���يراميك اإلس�ل�امي‪،‬‬ ‫ويعل���ق ليسكوفس���كي «الواضح أن هذه‬ ‫الحفريات تكشف منتجات من أصل عربي‬ ‫وهي تعكس أهمية التجارة النشطة التي‬ ‫مارس���ها التجار العرب والمس���لمون في‬ ‫منطقة المحيط الهندي»‪.‬‬ ‫ال نختلف في أن التاريخ اإلس�ل�امي بناء‬ ‫أصيل تهاوى منه الكثير‪ ،‬لذا تبقى الحاجة‬ ‫ألي بن���اء جديد هي كن���س األنقاض‪ .‬هذا‬ ‫الكتاب «التاريخ البحري للمحيط الهندي‬ ‫منذ اإلدريسي وصو ًال إلى ابن ماجد ومن‬ ‫يليهم���ا» هو عمل ترميمي‪ .‬ولكن ال يجوز‬ ‫لنا أن نتكلم ع���ن ترميم متواصل حق ًا إال‬ ‫بعد أن ينجز من تجدي���د رؤيتنا للتاريخ‬ ‫قسم كبير‪.‬‬

‫الهروب نحو الم ّوال‬ ‫هويدا �صالح ‪ -‬القاهرة‬ ‫ال تجد الذات الس���اردة لحالها من‬ ‫ش���فاء سوى سرد خيبات األمل‪ ،‬فمن‬ ‫الصمت إل���ى الكونش���يرتو واألغاني‬ ‫تتشكل أوجاع النس���اء في رواية مي‬ ‫خالد «تانجو وموال» الصادرة حديثا‬ ‫عن دار العين بالقاهرة‪.‬‬ ‫بطلة الرواية فيوال الخيط الرابط‬ ‫بي���ن الصم���ت والصخ���ب‪ ،‬م���ن فرط‬ ‫افتتانه���ا بالموس���يقى تس���مي باقي‬ ‫شخصيات الرواية بآالت موسيقية‪،‬‬ ‫وتحتف���ظ لنفس���ها بالفي���وال كاس���م‬ ‫جريح‪.‬‬ ‫فيوال ُتغيِّب عن قصد صوتها وراء‬ ‫طبق���ات من الصم���ت يجعله���ا نزيلة‬ ‫مستش���فى لألمراض النفس���ية‪ ،‬ومنذ‬ ‫الصفحات األولى تقع ضحية ألطباء‬ ‫ال يعرف���ون كي���ف يلمس���ون وجعها‬ ‫الروح���ي‪ .‬وجع يتعب روح النس���اء‬ ‫فيخت���رن البح���ث عن وس���يلة أخرى‬ ‫تخلصه���ن م���ن األل���م عل���ى ضربات‬ ‫الدفوف والرقص ف���ي طقوس «الزار‬ ‫البلدي»‪.‬‬ ‫تحتفي الس���اردة بالموس���يقى‪،‬‬ ‫واآلالت وأصواته���ا واس���تخداماتها‪،‬‬ ‫وتحتف���ي عل���ى وج���ه الخص���وص‬ ‫بالفي���وال الكمان الصغي���ر‪ ،‬رغم أنها‬ ‫أهدت روايتها آللة الكونترباص‪.‬‬ ‫«رب���اب رفع���ت» مذيع���ة تق���دم‬ ‫برنامجها الموس���يقي تانجو وموال‪،‬‬ ‫تتواص���ل م���ع مس���تمعيها بصوته���ا‬ ‫الرقي���ق‪ ،‬فج���أة تدخل ف���ي حالة من‬ ‫الصمت الشارد بعد أن تخلى عنها كل‬ ‫الرجال الذين تقلبت بين أكفهم‪ ،‬تختار‬ ‫رباب لكل واح���د من أبطال غرامياتها‬ ‫آلة تناس���به‪ ..‬رياض يش���به طبلة‪،‬‬

‫ومروان بيانو‪ ،‬وحسين سكسافون‪.‬‬ ‫وال يتوقف األم���ر في تلك الهزائم‬ ‫والخيبات عند الش���خصيات النسائية‬ ‫فقط‪ ،‬بل حتى الش���خصيات الذكورية‬ ‫في الرواية مهزومة وغير متحققة‪.‬‬ ‫اعتم���دت الكاتب���ة ضمي���ر األن���ا‬ ‫الساردة ليناس���ب حالة الصمت التي‬ ‫تلبس���تها‪ ،‬كم���ا يناس���ب المونولوج‬ ‫تصوير الصمت‪.‬‬ ‫تختم الرواية بس���ردية سينارية‬ ‫«تنساب الموس���يقى الحالمة‪ ،‬يكون‬ ‫على راقص التانج���و أن يقود امرأته‬ ‫إلى س���احة الرقص‪ ،‬ينظر في عينيها‬ ‫بثوان ويتبادالن حوارًا هامس���اً‪ ،‬إلى‬ ‫أن تب���دأ في اإلحس���اس مثله بالنغم‪.‬‬ ‫يبدأ ه���و بالعناق الخفيف ت���ارك ًا لها‬ ‫حرية اختيار مدى التصاقه بها‪ ،‬يثير‬ ‫اإليقاع في ذهنه خطوات ووضعيات‬ ‫للرق���ص‪ ،‬فيقوده���ا في رق���ة لتغيير‬ ‫موقعها بتلقائية مدروسة ويبحر بها‬ ‫إلى أعماق نفسه ونفسها»‪.‬‬

‫‪129‬‬


‫شعرية لقاء البجعة بالماء‬ ‫�أني�س الرافعي‬

‫يت���وزع المؤلف‪ ،‬ال���ذي جاء في ‪304‬‬ ‫صفح���ات م���ن القط���ع الكبير وﺃش���رف‬ ‫على تصميمه الفني عب���د العزيز ﺃزغاي‬ ‫انطالق ًا من لوحة تجريدية للفنان سعيد‬ ‫حس���بان‪ ،‬إلى ثالثة أبواب كبرى‪ ،‬حمل‬ ‫أولها عنوان‪« :‬موس���يقى أف���كار»‪ ،‬وهو‬ ‫بمثابة فرش نظري تمهيدي‪ ،‬أو تأشيرة‬ ‫أولي���ة للول���وج إل���ى أراض���ي الش���عر‬ ‫وجغرافيات���ه‪ ،‬قص���د التع���رف ببوصلة‬ ‫المستكش���ف المغام���ر على تضاريس���ه‬ ‫وإحداثيات���ه الوعرة‪ ،‬كلم���ا قادتك أقدام‬ ‫المعرفة واس���تقصاءات الفضول صوب‬ ‫م���ا يتخلل ثي���اب القصي���دة أو ما تحيل‬ ‫علي���ه الخيوط المنس���لة من قماش���تها‪،‬‬ ‫س���واء أكان طاعناً‪ ‬ف���ي الميثولوجي���ا‬ ‫مثل الن���ار والخلود والصم���ت والهاوية‬ ‫والعمق واﻹيروس���ية والع���ود األبدي‪،‬‬ ‫أو منغرس ًا في الحاضر مثل انطولوجيا‬ ‫االنتحار وش���اعرية المس���ودة وشعرية‬ ‫الح���د األدن���ى‪ ،‬أو قادم ًا من المس���تقبل‬ ‫مثل البحث عن ﺃثر الفراش���ة والقس���وة‬ ‫والسعادة والشقاء واأللم والبقاء والسفر‬ ‫والشجن‪ ،‬وغيرها من الحدوس واألوراق‬ ‫القديمة التي اس���تخرجها صاحب «أعمال‬ ‫المجه���ول» م���ن أدراج���ه وأضابي���ره‪،‬‬ ‫اعتقادًا منه بأن «ال ش���يء يضيع‪ ،‬وكل‬ ‫ش���يء يتحول‪ .‬لكننا‪ ،‬م���ع ذلك‪ ،‬نأنس‬ ‫ألوراق‪ ،‬تجع���ل نس���يم ًا خاص���اً‪ ،‬يه���ب‬ ‫علينا من ماضينا الشخصي‪ ،‬ليغرقنا في‬ ‫أح�ل�ام يقظة‪ ،‬نلملم م���ن نثارها صورة‬ ‫عن اإلنسان الذي كناه‪ ،‬والذي ربما صعد‬ ‫من رفاته هذا الكائن الجديد‪ ،‬الذي يستمر‬ ‫‪130‬‬

‫في مراودة الكتابة عن نفس���ها‪ ،‬غير واع‬ ‫بحج���م وحقيقة التحوالت واالنجرافات‪،‬‬ ‫التي وضعته في هذا الطريق»‪.‬‬ ‫أما الب���اب الثاني فقد جاء موس���وم ًا‬ ‫فع�ل�ا التفاتة‬ ‫ً‬ ‫ﺑ «التفات���ة ﺃورفي»‪ ،‬وهو‬ ‫معاصرة على ش���كل مقاربات تمزج بين‬ ‫النق���دي الرصين واالنطباعي العاش���ق‬ ‫لمتون ش���عرية عربية ومغربية لكل من‬ ‫محمود درويش وسعدي يوسف ومحمد‬ ‫بنيس وبول ش���اوول وعب���د اهلل زريقة‬ ‫وعب���ده وازن وحس���ن نجم���ي ومبارك‬ ‫وساط ومحمد الصابر وعائشة البصري‬ ‫وعبد اإلل���ه الصالحي وكم���ال أخالقي‪،‬‬ ‫وق���د انصبت عل���ى تحليل «األس���طورة‬ ‫الش���خصية» له���ؤالء المبدعين من خالل‬ ‫متخيلهم ونظرته���م اﻷنطولوجية للعالم‬ ‫وتوس���لهم بالش���عر كطريق���ة ﻹش���فاء‬ ‫الكينونة من لواعج وكدمات الوجود‪.‬‬ ‫في حين ركز الباب الثالث واألخير من‬

‫والمعمد ﺑ «صوت الغريب» على‬ ‫ّ‬ ‫الكتاب‪،‬‬ ‫مجموعة من التجارب الشعرية الكونية‬ ‫ذات المناب���ع والمناب���ت والمرجعي���ات‬ ‫المختلفة‪ ،‬مع اﻹلماع إلى درجة تأثيرها‬ ‫في الذائقة الشعرية العربية غداة انتقالها‬ ‫عبر جس���ر الترجمة‪ .‬وهكذا تم التطرق‬ ‫لتج���ارب ألمانية وأميركية وفرنس���ية‬ ‫وبرتغالي���ة وإس���بانية وتش���يكية في‬ ‫ش���خص الش���عراء هولدرلين وويتمان‬ ‫ومالرمي وبيس���وا وباطاي وغامونيدا‬ ‫وﺃنخي���ل فالنت���ي وصوفي���ا دي م���ي‬ ‫ﺃندرسن وياروسالف سيفرست‪.‬‬ ‫وق���د اعتمد الدكتور نبي���ل منصر في‬ ‫هندس���ته للمفاصل الثالثة للكتاب على‬ ‫منهجي���ة رمزي���ة قوامها «لق���اء البجعة‬ ‫بالماء»‪ ،‬هذا اللقاء «المفجر لرهافة عذبة‬ ‫ومعذّب���ة ف���ي آن‪ ،‬مادام���ت تنوس بين‬ ‫التكتم واإلفش���اء‪،‬بين الخفاء والتجلي‪.‬‬ ‫وهنا ال يقوم الم���اء مقام اللباس فقط‪،‬‬ ‫بل تمتد أعناق أزهار البحيرة وأعشابها‬ ‫المتطاولة‪ ،‬لتشكل ذلك الخباء الطبيعي‬ ‫الذي يسعف المستحمة على صون السر‪:‬‬ ‫نب���ع الحياة‪ .‬ج���زء من جم���ال البجعة‬ ‫وعريها يغرق في الماء‪ ،‬فتوكل للخيال‬ ‫مهنة اإلنقاذ»‪.‬‬ ‫هذا دون إغفال اإلشارة إلى «األخوات»‬ ‫التي تس���تدعيها البجعة وتتقاسم معها‬ ‫خبز «مج���اورة الجمال للخطر‪ ،‬وتماس‬ ‫الفاتن مع الهالك المحدق باليد الراغبة»‪،‬‬ ‫في إحالة مباش���رة إل���ى كل من نرجس‬ ‫المع���ذب بصورت���ه المبه���رة‪ ،‬وﺃوفيليا‬ ‫المبددة لجمالها كمدا في المياه العكرة‪،‬‬ ‫والس���يرينات المس���تدرجات بغوايتهن‬ ‫وأصواته���ن الطروبة للبحارة الس���ذج‬ ‫صوب وليمة القيعان‪.‬‬ ‫وف���ي الختام‪ ،‬لم يف���ت مبدع «مدينة‬ ‫نائم���ة» أن يق���دم على س���بيل التحذير‬ ‫نصيح���ة للق���ارئ المفت���رض لمؤلف���ه‬ ‫بضرورة التوفر على مهارات فن العوم‪،‬‬ ‫وإال س���تظل االس���تعارة األدبي���ة التي‬ ‫تم تبئي���ر الكتاب حوله���ا «مغلقة على‬ ‫أس���رارها‪ ،‬في فضاء المي���اه العميقة»‪.‬‬ ‫المياه نفس���ها‪ ،‬الت���ي كلم���ا اهتزت إال‬ ‫واهت���زت دوائ���ر الخي���ال عند الش���اعر‬ ‫ودوائر المتعة عند المتلقي‪.‬‬


‫تاريخ بأكمله س���رقه القذافي‪ .‬نس���اء‬ ‫ملغيات‪ ،‬أحالم مسروقة‪ ،‬طفولة شاردة‪،‬‬ ‫هذا ما تس���رده رواية «س���بع نس���اء من‬ ‫طرابلس» للكاتب والش���اعر الليبي كمال‬ ‫بن حميدة‪ .‬الرواية صدرت طبعتها األولى‬ ‫بالفرنسية وترجمت مؤخرًا إلى األلمانية‪،‬‬ ‫وهي اس���تمرار لمشروع المؤلف المغترب‬ ‫ال���ذي اخت���ار أن يمحوره حول مس���اءلة‬ ‫بنية المجتمع الليبي‪ ،‬وكش���ف تناقضاته‬ ‫المترسبة في الذاكرة الليبية‪.‬‬ ‫مش���روع يقول عنه بن حميدة محاولة‬ ‫لكتاب���ة التاريخ اإلنس���اني الذي طمس���ه‬ ‫القذاف���ي‪ .‬وبطبيع���ة هذه الح���ال‪ ،‬ترصد‬ ‫روايته «سبع نس���اء من طرابلس» الظلم‬ ‫والغياب الذي عانت من���ه المرأة الليبية‪.‬‬ ‫نس���اء بالكاد يختلس���ن النظر من النوافذ‬

‫نصف ليبيا‬

‫المفقود‬

‫مذكرات «‪ 25‬يناير»‬ ‫عالء اجلابري‬ ‫«ف���ي مي���دان التحري���ر‪ ،‬حاصرون���ا‪،‬‬ ‫وحاولوا من���ع الماء والغ���ذاء والدواء‪،‬‬ ‫ونحن صمدنا معتصمين‪ !..‬وقفنا كنبتة‬ ‫الصَبّار ف���ي الصحراء‪ ،‬هذه النبتة األبَيّة‬ ‫َّ‬ ‫الت���ي تعيش رغم انعدام الماء لس���نوات‬ ‫وسنوات !» بهذا التقديم يستعير الشاعر‬ ‫المصري عبد الرحمن يوسف نبتة الصبار‬ ‫عنوان���ا لصورة الث���وار المنعزلين بداية‬ ‫في ميدان التحري���ر‪« ،‬ثورة الصبار» هو‬ ‫عبارة ع���ن يوميات عن الثورة المصرية‬ ‫نشرها الشاعر متسلسلة ثم أصدرها في‬ ‫كتاب عن دار الش���اعر باالشتراك مع دار‬ ‫العلوم للنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫يب���دأ الكت���اب بمقدمات مه���دت للثورة‪،‬‬ ‫تزوي���ر انتخاب���ات ‪ ،2010‬الحراك الذي‬ ‫أحدثت���ه «الجمعي���ة الوطني���ة للتغيير»‬ ‫و«كفاي���ة» والحمل���ة الش���عبية لدع���م‬ ‫البرادعي‪ ،‬والتي كان عبد الرحمن يوسف‬ ‫منسقها العام حتى مطلع ‪ .2011‬ويسهب‬ ‫المؤل���ف في الحكي عن تفاصيل يوم ‪25‬‬

‫يناير تحدي���داً‪ ،‬فاحتل حوالي ‪ % 25‬من‬ ‫صفحات الكتاب‪.‬‬ ‫يلح المؤلف على أنه كان متنبئ ًا بالثورة‬ ‫متوقع ًا له���ا‪ ،‬صحيح أنه يحاول توثيق‬ ‫ذلك بمقاالت كتبها قبل الثورة‪ ،‬وقصائد‬ ‫كان ق���د كتبه���ا م���ن قبل يلم���ح فيها إلى‬ ‫اقت���راب األيام األخيرة لمب���ارك من مثل‬ ‫قصي���دة «الطريدة»‪ ،‬وغيرها من قصائده‬ ‫الت���ي يتخذه���ا عتبات لفص���ول الكتاب‪.‬‬

‫كي يطللن على مختلف تفاصيل المجتمع‬ ‫الطرابلس���ي‪ ،‬ويش���هدن علي���ه‪ ،‬األطفال‬ ‫يروون أسئلتهم التائهة فيقابلون بردود‬ ‫من الحكايات واألس���اطير أكثر غرابة من‬ ‫أسئلتهم‪ ،‬أما ذهنية الرجل فيضعها الكاتب‬ ‫بي���ن تماهيه مع البنية الفوقية الس���ائدة‬ ‫وبين محاكاة سادية لهذه البنية‪.‬‬ ‫به���ذا يعكس ب���ن حمي���دة ف���ي عمله‬ ‫الروائ���ي غرائبية المجتمع الطرابلس���ي‪.‬‬ ‫ليط���رح ف���ي النهاي���ة مس���ألة البحث عن‬ ‫مس���تقبل آخر‪ ،‬مس���تقبل قد يتحقق جزء‬ ‫منه في ليبيا جديدة‪ ،‬لكنه لن يوصل إلى‬ ‫حلم كامل بمجتمع مغاير لعهده الس���ابق‬ ‫إال في استيعاب وتأطير مرجعي يتأسس‬ ‫عل���ى تغيير فكري عمي���ق للبنى التحتية‬ ‫والبنى الفوقية‪.‬‬ ‫كما اس���تعان الكاتب بالشعر العمودي‪،‬‬ ‫في سياق تذكر موقف ما‪ ،‬أو فيما يتآزر‬ ‫مع ما يس���تعين به من األمثال الشعبية‬ ‫لقيمتها االس���تعارية في االقناع وتكثيف‬ ‫الحكاية دون استطراد‪ ،‬فالشعب في عين‬ ‫الرئيس الس���ابق (خد متعود على اللطم)‬ ‫وهو الذي لم يعلم قيمة مصر (زبال وفي‬ ‫ايده وردة)‪.‬‬ ‫معظم الش���خوص الحاضرين في الكتاب‬ ‫من الوجوه المعروفة‪ ،‬لعل أبرزهم محمد‬ ‫البرادع���ي‪ ،‬وك���ذا عبد الجلي���ل مصطفى‬ ‫وياس���ر اله���واري ومصطف���ى النجار‪،‬‬ ‫والبع���ض يومض ثم يختف���ي مثل بالل‬ ‫فض���ل وعباس أب���و الحس���ن‪ ..‬في حين‬ ‫غ���اب التركي���ز على بعض الش���خوص‪،‬‬ ‫مثل «وائ���ل غنيم» برغم دوره الكبير في‬ ‫تنظيم الثورة في الفضاء االفتراضي‪.‬‬ ‫الكتاب مذكرات في س���تة فصول يستعيد‬ ‫فيها الشاعر مش���اهد من ميدان التحرير‪،‬‬ ‫منذ انطالق الشرارة األولى يوم ‪ 25‬يناير‬ ‫‪ 2011‬وما سبقها من تحضيرات‪ ،‬وحتى‬ ‫إسقاط مبارك‪ .‬وينقسم الكتاب إلى عدة‬ ‫فصول وهي على التوالي‪:‬‬ ‫الصَبّار؟‪ ،‬جمعة غضب‬ ‫كيف انطلقت ثورة َّ‬ ‫لكل الش���عب‪ ،‬معركة الصب���ر‪ ،‬العنف لن‬ ‫يفيد‪ ،‬نضال وسياسة‪ ،‬االنتصــــار‪.‬‬

‫‪131‬‬


‫المسلمون في الصين‬ ‫تاريخ المعاناة والتسامح‬ ‫د‪ .‬عبدالقادر بن حمود القحطاين‬

‫*‬

‫استغلت الصين انشغال العالم اإلسالمي والعربي بالثورات المشتعلة‬ ‫في كثير من دوله‪ ،‬وبالمجاعة في القرن اإلفريقي لشن حملة تطهير عرقي‬ ‫جديدة ضد مسلمي اإليغور في إقليم شينجيانغ‪.‬‬ ‫في يوليو الماضي وقع هجوم كبير في مدينة كاشغر نتج عنه سقوط‬ ‫‪ 14‬قتي ً‬ ‫ال وإصابة ‪ 42‬شخصاً‪ ،‬الرواية الرسمية للصين دائم ًا ما توجه‬ ‫اتهامها لالنفصاليين من إقليم شينجيانغ لسعيهم إلقامة دولة مستقلة‬ ‫تحت اسم تركستان الشرقية‪.‬‬ ‫لكن منظمات حقوقية دولية كثيرة اتهمت السلطات الصينية صراحة‬ ‫بقمع األقلية المسلمة في اإلقليم‪ ،‬منحازة في ذلك إلى أقلية «الهان» من‬ ‫أجل تغيير ديموغرافي لصالحها‪.‬‬

‫‪132‬‬

‫للمسلمين في الصين تاريخ عريق‪،‬‬ ‫حيث وصلها اإلسالم مع الفتوحات‬ ‫الكبرى على يد قتيبة بن مسلم الباهلي‬ ‫(‪ 98-96‬هـ)‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ لم ينقطع‬ ‫االتصال بين مسلمي الصين والعالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وامتد تأثير المنطقة إلى‬ ‫اإلسالم في فترة حكم ستوف بغراخان‬ ‫خاقان االمبراطورية القراخانية عام‬ ‫(‪323‬هـ ‪943 -‬م) وأسلم معه ما يقارب‬ ‫مليون نسمة‪ .‬ذكر عالم التاريخ الصيني‬ ‫(تشن يوان)‪ ،‬أن اإلسالم دخل الصين في‬ ‫‪156‬م‪ ،‬في عهد االمبراطور (تانغ)‪ ،‬وقد‬ ‫بعث عثمان بن عفان (رضي اهلل عنه)‪،‬‬ ‫مبعوث ًا إلى االمبراطور الصيني (تانغ)‪،‬‬ ‫يوضح له الدين اإلسالمي والمبادئ‬ ‫اإلنسانية التي يقوم عليها‪ .‬ومنذ ذلك‬ ‫التاريخ بدأ اإلسالم ينشر نوره في‬ ‫الصين‪.‬‬ ‫وكان اعتناق أسرة (الهان) لإلسالم‬ ‫من األسباب التي أدت إلى انتشاره‬ ‫في الجهة الغربية من البالد‪ ،‬كما أن‬ ‫تطور المواصالت بين غرب الصين‬ ‫والعاصمة تشانغ‪ ،‬وارتباطها بآسيا‬ ‫الوسطى وهضبة األناضول وبالد فارس‬ ‫وأفغانستان وتركستان كان من األسباب‬ ‫التي ساعدت على انتشار اإلسالم‪.‬‬ ‫وازداد اإلسالم انتشارًا في القرن‬ ‫الثالث عشر‪ ،‬بوصول عدد من التجار‬ ‫العرب والمسلمين‪ ،‬وكذلك غزو (جنكيز‬ ‫خان) ملك سمرقند للصين في ‪1215‬م ‪.‬‬ ‫وازدهر اإلسالم في عهد أسرة (تانغ)‬ ‫الحاكمة‪ ،‬حيث سمح للمسلمين ببناء‬ ‫المساجد والمدارس والمعاهد اإلسالمية‪،‬‬ ‫وطبع الكتب واستيرادها من الخارج‪.‬‬ ‫وكان في مقدمة المساجد التي بنيت في‬ ‫الصين مسجد (الشوق) إلى النبي (صلى‬ ‫اهلل عليه وسلم)‪ ،‬ومسجد الصحابة‪،‬‬ ‫ومسجد شيانخة‪ ،‬ومسجد منغ هوانغ‪،‬‬ ‫وهي أقدم أربعة مساجد في الصين‪.‬‬ ‫ويصل عدد المساجد حالي ًا في الصين‬ ‫أكثر من ‪ 40‬ألف مسجد‪.‬‬ ‫وفي أواخر حكم أسرة (يوان) في‬ ‫منتصف القرن الرابع عشر‪ ،‬تم تأسيس‬ ‫هيئة إسالمية في الصين لإلشراف على‬ ‫بناء المساجد وإدارة الشؤون اإلسالمية‪.‬‬


‫ونظرًا للصفات الحميدة التي تميز بها‬ ‫المسلمون عن غيرهم لم يواجهوا صعوبة‬ ‫في الزواج من األسر الصينية‪.‬‬ ‫ومن المآثر التي يذكرها الصينيون‬ ‫عن المسلمين أنهم ال يشربون الخمر وال‬ ‫يتعاطون المخدرات‪،‬كما أن المسلمين‬ ‫كانوا يقومون بشراء األطفال الذين‬ ‫يبيعهم أهاليهم نتيجة المجاعة ويقومون‬ ‫بتربيتهم على اإلسالم ويعاملونهم‬ ‫معاملة كريمة‪.‬‬ ‫ولكن تعرض المسلمون في عهد حكم‬ ‫أسرة (مينغ) إلى االضطهاد والتنكيل‪،‬‬ ‫وتدهورت أحوالهم االقتصادية ومكانتهم‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ووضعت قيود على ممارسة‬ ‫عباداتهم‪ ،‬وبسبب انتشار المسلمين على‬ ‫نطاق واسع داخل الصين‪ ،‬ظهرت عوائق‬ ‫في االتصال والتواصل بين المناطق‬ ‫التي يقطنها المسلمون‪ ،‬األمر الذي أدى‬ ‫إلى انقسام المسلمين إلى عشر قوميات‬ ‫وهي‪:‬‬

‫الويغور‬

‫الويغور‪ ،‬تعني التضامن بين أفراد‬ ‫القومية‪ .‬وأفراد هذه القومية يتركزون‬ ‫في منطقة (شينجيانغ)‪ ،‬الذاتية الحكم‪،‬‬ ‫ويقطن عدد منها مناطق خنان‪ ،‬وهونان‪،‬‬ ‫وغيرها من المناطق الصينية‪ .‬ويبلغ‬ ‫عدد أفراد هذه القومية نحو ‪ 9‬ماليين‬ ‫نسمة حالياً‪.‬‬ ‫اعتنق الويغور اإلسالم منذ بداية‬ ‫القرن العاشر الميالدي‪ ،‬وأكبر مسجد في‬ ‫منطقة شينجيانغ مسجد األذكار‪.‬‬

‫القازاق‬

‫قومية القازاق المسلمة يتوزع أفرادها‬ ‫في مناطق‪ ،‬ييلي وتشنغ‪ ،‬والتاي‪.‬‬ ‫اعتنق القازاق اإلسالم منذ عهد مبكر‬ ‫من تاريخ اإلسالم‪ ،‬واستطاع القازاق‬ ‫في القرن الخامس عشر تأسيس مملكة‬ ‫(قازاق خان) في شمال الصين‪ ،‬التي‬ ‫تتمتع بالحكم الذاتي‪.‬‬

‫القرغيز‬

‫تقع القرغيز في منطقة شينجيانغ‬ ‫بوالية كهسيلهسو‪ ،‬التي تتمتع بالحكم‬

‫الذاتي‪ ،‬اعتنقوا اإلسالم منذ وقت مبكر‪،‬‬ ‫واهتموا ببناء المساجد والمدارس‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وبينهم عدد كبير من العلماء‬ ‫المتخصصين في الدين اإلسالمي‬ ‫والخطباء‪ ،‬ويعرفون بحبهم لألعمال‬ ‫األدبية التي تجسد البطوالت‪ ،‬وأهم‬ ‫األعمال األدبية التي ألفها أحد أدبائهم‬ ‫(ملحمة الشعر التاريخية – ماناس)‪.‬‬

‫األوزبك‬

‫اعتنق األوزبك اإلسالم في مطلع‬ ‫القرن الخامس عشر‪ ،‬ويتركز أفراد‬ ‫هذه القومية في شينجيانغ والمناطق‬ ‫المحيطة بها‪ .‬واللغة األوزبكية تقريب ًا‬ ‫مثل اللغة األفغانية والفارسية ويكتبون‬ ‫بحروف عربية كما هو الحال في‬ ‫أفغانستان وايران‪.‬‬

‫الطاجيك‬

‫اعتنق الطاجيك اإلسالم في‬ ‫القرن الحادي عشر ويتوزعون على‬ ‫مذاهب السنة والشيعة واإلسماعيلية‪.‬‬ ‫ويقطنون في المناطق الشمالية الغربية‬ ‫من الصين‪ ،‬مثل تاشيكور‪ ،‬ويارقند‪،‬‬ ‫ويهتشنغ وتسهبو واكتاو‪ .‬وهم متأثرون‬ ‫باألدب الفارسي‪.‬‬

‫التتار‬

‫التتار من القبائل البدائية‪ ،‬ومقرها‬ ‫شمال الصين‪ ،‬اعتنق أفرادها اإلسالم‬ ‫منذ العصور الوسطى‪ ،‬وهاجرت إلى‬ ‫منطقة شينجيانغ‪.‬‬

‫هواي‬

‫هناك من يؤكد أن أبناء قومية هواي‬ ‫من أصول عربية وفارسية وأفغانية‬ ‫وتركية‪ ،‬وأن مالمح وجوههم تدل على‬ ‫ذلك‪ ،‬وأنهم قدموا من أوطانهم إلى‬ ‫الصين ألجل التجارة ونشر اإلسالم‬ ‫وكان ذلك في القرن الثالث عشر في عهد‬ ‫أسرتي تانغ وسونغ‪.‬‬ ‫ومع أن قومية (هواي) تتحدث‬ ‫الصينية غير أن علماءها من المسلمين‬ ‫وأئمة المساجد والقائمين على التعليم‬ ‫يتحدثون اللغة العربية ويستخدمونها‬

‫في المجال الديني حتى اليوم‪ .‬ويبلغ‬ ‫عدد أبناء قومية هواي نحو تسعة‬ ‫ماليين نسمة‪ ،‬منتشرين في غرب الصين‬ ‫وفي الشمال الغربي من البالد‪.‬‬

‫ساالر‬

‫جاء أسالف هذه القومية من آسيا‬ ‫الوسطى‪ ،‬واعتنق أبناء هذه القومية‬ ‫اإلسالم مع غزو جنكيز خان للصين‬ ‫في القرن الثالث عشر الميالدي‪ .‬ويقطن‬ ‫الساالر‪ ،‬مقاطعة تشيتغهاي‪.‬‬ ‫ويحرص أبناء هذه القومية على‬ ‫ترسيخ الوحدة فيما بينهم والعمل على‬ ‫نقل الروايات الشعبية التي تتحدث‬ ‫عن هجرة أسالفهم من آسيا الوسطى‬ ‫إلى الصين‪ ،‬وكفاح أجدادهم في سبيل‬ ‫تحقيق األمن واألمان لهم‪.‬‬

‫دونغشيانغ‬

‫ينتمي أبناء هذه القومية إلى‬ ‫(السامية) وجاء أسالفهم مع غزو جنكيز‬ ‫خان للصين في القرن الثالث عشر‪،‬‬ ‫ومعظم أبناء هذه القومية من أهل‬ ‫السنة‪ ،‬ويحرصون على تعلم العلوم‬ ‫اإلسالمية وفي مقدمتها القرآن الكريم‪.‬‬ ‫وتم ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة‬ ‫الصينية‪ ،‬وكذلك ترجمة معاني القرآن‬ ‫الكريم ومعانيه وبعض الكتب‪ .‬وتقطن‬ ‫قومية دونغشيانغ مقاطعة (قانسو)‪.‬‬

‫باوان‬

‫اعتنق أبناء هذه القومية اإلسالم‬ ‫بعد غزو المغول للصين‪ ،‬وتقطن هذه‬ ‫القومية جبل جيشي بلينشيا في مقاطعة‬ ‫قانسو‪.‬‬ ‫ويتمسك أبناء باوان‪ ،‬باإلسالم‬ ‫وتعاليمه من صالة وصيام ويحج‬ ‫المستطاع منهم‪ ،‬ولهم جمعيات خيرية‬ ‫تقوم بمساعدة الفقراء من المسلمين‬ ‫في الصين‪ .‬ولهم مساجدهم ومعاهدهم‬ ‫الدينية‪ ،‬ومدارسهم سواء كانت ملحقة‬ ‫بالمساجد أو في أبنية مستقلة‪.‬‬

‫* أستاذ مشارك – قسم التاريخ ‪ -‬جامعة قطر‬

‫‪133‬‬


‫�صيد الل�ؤل�ؤ‬

‫د‪ .‬محمد عبد المطلب‬

‫األرقام العربية‬ ‫الرقم معناه (الكتابة) عموماً‪ ،‬ورقّمت الكتاب بينته بالنقط‬ ‫والحركات‪ ،‬و(العدد)‪ :‬إحصاء األشياء عموماً‪ ،‬وقد كانت بداية‬ ‫كتاب���ة األرقام بالكلمات‪( :‬واحد – اثني���ن – ثالثة) وهكذا‪ ،‬ثم‬ ‫في مرحلة تالي���ة‪ ،‬حلت الحروف محل الكلمات‪ ،‬باس���تخدام‬ ‫(األبجدي���ة) أي‪ :‬أبج���د هوز‪ ،‬ف���كل حرف يمثل رقم��� ًا محدداً‪،‬‬ ‫(األلف‪ )1 :‬و(الباء ‪ )2‬وهكذا‪ ،‬ثم جاء التطور األخير في كتابة‬ ‫هذه األرقام التي بين أيدينا‪ )3 – 2 – 1( :‬إلى آخرها‪ ،‬وكانت‬ ‫هذه المرحلة األخيرة في القرن الثاني الهجري في عهد الخليفة‬ ‫العباسي (أبي جعفر المنصور)‪ ،‬وشاع استخدام هذه األرقام‬ ‫ابتداء من القرن الثالث الهجري حتى يومنا هذا‪ ،‬ولم تكن هذه‬ ‫األرقام وحدها هي المستعملة في العالم العربي‪ ،‬بل ظهر لها‬ ‫منافس في القرن السادس الهجرى في المغرب العربي‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫(األرق���ام الغبارية) على يد العالم الرياضي (ابن الياس���مين)‬ ‫تـ‪ 601‬هـ‪.‬‬ ‫وقد أدى هذا الظهور المزدوج لألرقام إلى خالف في الرأي‪،‬‬ ‫إذ رأى البعض أن األرقام الغبارية‪ ،‬هي األرقام العربية‪ ،‬بينما‬ ‫األرقام المش���رقية‪ ،‬أرقام هندية‪ ،‬وهو ما حاول المستشرقون‬ ‫ترس���يخه ألهداف ثقافية واس���تعمارية‪ ،‬وهذا ما يدعونا إلى‬ ‫عقد مقارنة بين هذين النسقين في كتابة األرقام‪ ،‬ليتضح منها‬ ‫أي النسقين هو األولى أن ينتسب للثقافة العربية‪.‬‬ ‫المالح���ظ أن األرقام العربية (‪ )2 – 1‬تتميز بحضور حرف‬ ‫األل���ف (أ) في معظمها‪ ،‬مع إضافة ف���ي قمته تميز كل رقم عن‬ ‫سواه‪ ،‬باستثناء الرقم (‪ )4‬الذي يتشابه مع حرف (ع)‪ ،‬ورقم‬ ‫(‪ )5‬الذي يتشابه مع الهاء المربوطة في مثل (قرأه)‪ ،‬أما الرقم‬ ‫(‪ )7‬فإنه يتداخل ش���كلي ًا مع حرف الم أل���ف (ال)‪ ،‬والرقم (‪)8‬‬ ‫مقلوب الحرف السابق‪ ،‬أما (الصفر) فهو النقطة العربية‪.‬‬ ‫أما األرقام الغباري���ة‪ ،‬فإنها تلتحم بالح���روف الالتينية‪،‬‬ ‫فالرقم (‪ )1‬يتش���ابه م���ع الحرف (‪ ،)I‬والرقم (‪ )2‬يتش���ابه مع‬ ‫الح���رف (‪ ،)z‬والرق���م (‪ )3‬مقل���وب الح���رف (‪ ،)E‬والرقم (‪)4‬‬ ‫‪134‬‬

‫يتش���ابه مع الحرف (‪ ،)q‬والرقم (‪ )5‬يتشابه مع الحرف (‪،)s‬‬ ‫والرقم (‪ )6‬يتش���ابه مع الحرف (‪ ،)b‬والرقم (‪ )7‬يتش���ابه مع‬ ‫مقلوب الح���رف (‪ ،)f‬والرقم (‪ )8‬يتش���ابه م���ع الحرف (‪،)B‬‬ ‫والرقم (‪ )9‬يتش���ابه مع الحرف (‪ ،)q‬والرقم (‪ )0‬يتش���ابه مع‬ ‫حرك���ة الضم (‪ ،)o‬لكن األخطر في ه���ذه المقارنة‪ ،‬أن األرقام‬ ‫المش���رقية تس���ير على نمط الكتابة العربي���ة‪ ،‬أي من اليمين‬ ‫إلى اليس���ار‪ ،‬بينما األرقام الغبارية تس���ير على نمط الكتابة‬ ‫الالتينية‪ ،‬من اليسار لليمين‪.‬‬ ‫إن اختالف اآلراء جعل البعض يقول إن األرقام المشرقية‪،‬‬ ‫هي األرق���ام العربي���ة‪ ،‬والبعض اآلخر يرى أن ه���ذه األرقام‬ ‫أرقام هندية‪ ،‬وأن األرقام الغبارية هي األرقام العربية‪ ،‬وأيد‬ ‫الرأي األخير مثقفو المغرب العربي‪ ،‬وبعض المستش���رقين‪،‬‬ ‫أما ال���رأي األول‪ ،‬فقد أيدته المجامع اللغوية‪ ،‬والمؤسس���ات‬ ‫األكاديمية‪ ،‬فقد أصدر المجمع اللغوي في القاهرة قرارًا بذلك‬ ‫عام ‪ ،1986‬وأيده اتحاد المجامع العربية عام ‪.1987‬‬ ‫ونحب اإلشارة إلى بعض المخاطر التي تترتب على اعتبار‬ ‫األرقام الغبارية هي األرقام العربية‪ ،‬وأول هذه المخاطر كسر‬ ‫النس���ق الثقافي العربي في الكتابة والق���راءة في االتجاه من‬ ‫اليمين إلى اليس���ار‪ ،‬وهو ما يدخل الن���شء في صدام بين ما‬ ‫تعودوه م���ن الكتابة من اليمين إلى اليس���ار‪ ،‬وكتابة األرقام‬ ‫الالتيني���ة من اليس���ار إل���ى اليمين‪ ،‬والخطر األكب���ر أن يتبع‬ ‫النطق الكتابة‪ ،‬وهو ما الحظته على كثير من الناش���ئة‪ ،‬إذ ال‬ ‫يعرفون معنى الرقم إذا قيل لهم بالعربية‪ ،‬ألنهم ال يفهمون إال‬ ‫منطوق ما يكتبون‪.‬‬ ‫أما الكارثة المنتظرة من سيادة الكتابة باألرقام الالتينية‪،‬‬ ‫فه���ي أن تع���ود إلين���ا الدعوة الت���ي ظهرت في مطل���ع القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬والتي كانت تنادي بإحالل الحروف الالتينية محل‬ ‫الح���روف العربية‪ ،‬وه���و ما يهدد الهوي���ة العربية في أخص‬ ‫خصائصها (اللغة)‪.‬‬


‫ت�شكيل‬

‫جسد الفن‬ ‫عبداحلق ميفراين ‪-‬مراك�ش‬ ‫في الوق���ت الذي هدد فيه ناش���طون‬ ‫مغارب���ة‪ ،‬عبر المنتدي���ات اإللكترونية‪،‬‬ ‫بـ«قت���ل وتصفية» الفنان الفرنس���ي من‬ ‫أص���ل مغربي «مهدي ج���ورج لحلو» إذا‬ ‫ش���ارك بع���رض فني رس���م في���ه آيات‬ ‫القرآن على جس���ده العاري‪ ،‬في معرض‬ ‫الفن الحديث والمعاصر الذي استضافته‬ ‫مدين���ة مراكش المغربي���ة‪ ،‬خالل الفترة‬ ‫من ‪ 30‬س���بتمبر‪/‬أيلول إلى ‪ 3‬أكتوبر‪/‬‬ ‫تشرين األول‪ .‬كان بالغ اللجنة المنظمة‬ ‫ينف���ي مش���اركة أعم���ال مه���دي جورج‬ ‫لحلو ف���ي فعاليات المع���رض‪ .‬وقد نفى‬ ‫المنظمون (آرت فاي���ر) أن تكون أعماله‬ ‫«الذي يعمد إلى وشم نصوص دينية على‬ ‫الجسد»‪ ،‬قد وردت‪ ،‬على اإلطالق‪ ،‬ضمن‬ ‫برمج���ة دورة ‪ 2011‬لهذه التظاهرة‪ .‬هذا‬ ‫ف���ي الوقت الذي ظل يص���ر فيه «الفنان»‬ ‫المعني باألمر بحقيقة مشاركته وبرمجة‬ ‫أعماله ضمن األعمال المعروضة‪.‬‬ ‫أه���داف التظاهرة تجس���دت في خلق‬ ‫منب���ر للتب���ادل والكتش���اف اإلبداع���ات‬

‫الفنية المعاصرة‪ ،‬المغربية والدولية‪ ،‬‬ ‫بم���ا يجع���ل من مع���رض مراك���ش للفن‬ ‫الحديث والمعاصر موعدًا هام ًا في قائمة‬ ‫التظاه���رات الفنية الدولية‪ .‬وعرفت هذه‬ ‫ال���دورة مش���اركة ‪ 48‬رواق���اً‪ ،‬منها ‪13‬‬ ‫رواق ًا مغربياً‪ ،‬تمثل ‪ 11‬دولة وما يقارب‬ ‫‪ 800‬فن���ان‪ ،‬مع حضور وف���ود دولية‬ ‫وازنة م���ن أوروبا والعالم العربي تمثل‬ ‫مؤسسات مرموقة ومتاحف دولية‪.‬‬ ‫وتم تش���كيل لجن���ة فني���ة للصالون‬ ‫العربي للفن المعاصر ضمت تش���كيليين‬ ‫مغارب���ة وعرب��� ًا وأوروبيي���ن تتول���ى‬ ‫إح���داث (األكاديمية العربي���ة للفنون)‪،‬‬ ‫وتتوي���ج بع���ض الفناني���ن واالجته���اد‬ ‫للتعري���ف بالف���ن العربي عل���ى الصعيد‬ ‫العالمي‪ ،‬واإلش���راف الفني على فقرات‬ ‫الصال���ون‪ .‬وتضم اللجن���ة كال من كلود‬ ‫موران (فرنس���ا)‪ ،‬وأحمد ن���وار ونظلي‬ ‫مذكور وع���ادل الس���يوي ومحمد طلعة‬ ‫(مصر)‪ ،‬ونجاة مكي وعبد القادر الرايس‬ ‫(اإلم���ارات العربية المتح���دة)‪ ،‬وعبد اهلل‬

‫نووي (المملك���ة العربية الس���عودية)‪،‬‬ ‫وس���امي محمد وعبد الرس���ول س���لمان‬ ‫(الكوي���ت)‪ ،‬وعب���د المجي���د العروس���ي‬ ‫وس�ل�ال زهرة وحمزة بونوا (الجزائر)‪،‬‬ ‫وأمل العاثم ويوسف أحمد (قطر) وغازي‬ ‫نعي���م ومحمد العام���ري(األردن)‪ ،‬وديما‬ ‫وع���د وحس���ن جوني (لبن���ان)‪ ،‬وزهرة‬ ‫الزي���راوي وف���ؤاد بالمي���ن (المغرب)‪،‬‬ ‫وسناء تامزيني وعلي الزنايدي ومنجي‬ ‫معتوك (تونس)‪ ،‬وإياد كنعان(ليبيا)‪.‬‬ ‫يش���ار إلى أن منح ميداليات الشرف‬ ‫للفنانين المتوجين من طرف األكاديمية‬ ‫العربي���ة للفن���ون التش���كيلية‪ .‬وعرف‬ ‫الي���وم الثاني من هذا الحدث التش���كيلي‬ ‫تنظي���م ث�ل�اث موائ���د مس���تديرة حول‬ ‫«دور الفن���ون التش���كيلية ف���ي التنمية‬ ‫البشرية» و«الصورة في تنمية المجتمع»‬ ‫و«ربيع الفن العربي والهويات الثقافية‬ ‫المتع���ددة»‪ ،‬أم���ا الي���وم الثال���ث فتميز‬ ‫بتنظيم بيع بالم���زاد العلني‪ ،‬فيما توج‬ ‫اليوم األخي���ر بمنح جوائ���ز األكاديمية‬ ‫ألحسن األعمال المشاركة في الصالون‪.‬‬ ‫وق���د أس���هم ح���دث مش���اركة الفنان‬ ‫المغربي األصل الفرنسي الجنسية مهدي‬ ‫ج���ورج لحل���و‪ 29 ،‬س���نة‪ ،‬بالمعرض‬ ‫الدولي للفن المعاصر والحديث بمراكش‬ ‫قبل انعقاده‪ ،‬في عودة النقاش والجدل‬ ‫حول موضوع الفن والدين؟ وعن «حدود‬ ‫الخلق الفني»؟ رغم تأكيد المنظمين أنهم‬ ‫ال يرغب���ون ف���ي أن «يتح���ول المعرض‬ ‫من م���كان لالحتف���ال إلى م���كان للجدل‬ ‫والبوليميك الديني واالجتماعي»‪.‬‬ ‫‪135‬‬


‫رحل عن عالمنا فنان مصر الكبير حامد عويس عن ‪ 92‬عام ًا بداية شهر‬ ‫أكتوبر‪/‬تشرين األول وهو أحد العالمات البارزة والفارقة في مسار‬ ‫الحركة التشكيلية المصرية والعربية طوال الخمسين عام ًا الماضية‪.‬‬

‫حامد عويس‬ ‫قيمة الجسد وغريزة البقاء‬ ‫فاطمة علي ‪-‬القاهرة‬ ‫س حياته لقضايا المجتمع واإلنسان‬ ‫َك َّر َ‬ ‫مركِّزًا على قيمة الحياة الكريمة ودافع ًا‬ ‫بصري ًا لقيمة العلم والعمل والبناء‪..‬‬ ‫فكان ُيخاطب‪ ‬المجتمع ‪ -‬خاصة الطبقة‬ ‫الوسطى ‪ -‬من خالل كادحيها من العمال‬ ‫والفالحين ليحقق لهذه الطبقة مكانة‬

‫‪136‬‬

‫أفضل تتسق ودورها في صنع التقدم‬ ‫المادي والروحي للمجتمع‪ ..‬لذلك اشتهر‬ ‫الفنان عويس بأنه فنان الطبقة الكادحة‬ ‫إلخالصه على مدار حياته بتصوير حاالت‬ ‫العمل والجهد الجسدي المبذول‪ ‬لعمال‬ ‫المصانع وفالحي الحقول وصيادي‬

‫السمك والعامالت على ماكينات‬ ‫الخياطة‪ ..‬كما اهتم بتصوير مشاهد‬ ‫من مظاهر حياة الطبقة الوسطى في‬ ‫المقاهي ومحالت الحالقة واألندية‬ ‫الشعبية‪ ..‬كما اهتم برسم العديد من‬ ‫اللوحات الدافعة لنهضة األمة في لوحات‬ ‫ِّ‬ ‫تمثل الصمود الفلسطيني‬ ‫بانورامية‬ ‫وأخرى للحشد الشعبي بعد نكسة ‪67‬‬ ‫وأخرى لنصر ‪ 73‬وتحطيم خط بارليف‪..‬‬ ‫البعد االجتماعي‬ ‫ومن الواضح أن ُ‬ ‫والواقعية االشتراكية واضحة في‬ ‫أعماله كأفكار ورؤى جعل تفسيراتها في‬ ‫لوحات وصفية شبه مباشرة بأسلوبه‬ ‫المتفرد الجذاب‪ ..‬ولكني أراه أكثر تأثيرًا‬ ‫كفنان وكداللة بصرية ألفكاره من خالل‬ ‫شخوص موضوعاته في معالجاته لهم‬ ‫كأجساد أكثر من توصيفات وتفسيرات‬ ‫موضوعاته على الضوء االجتماعي‬ ‫الواقعي‪ .‬فأراه وقد اتخذ من أجساد‬ ‫شخوصه حتى دون اعتبار لمالمح أو‬ ‫سمات معينة مبررًا الستحضار فكرة‬ ‫حول‬ ‫الجسد‪ ‬تجسيدًا وتضخيم ًا لفكرته قد َّ‬ ‫هؤالء األشخاص صانعي التقدم المادي‬ ‫باستخدام أيديهم وكل قدراتهم الجسدية‬ ‫إلنجاز عملهم اليدوي في غالبه‪ ..‬فبدت‬ ‫األجساد بحضورها الفيزيائي الضخم‬ ‫هي الرسالة ومضمونها في وقت واحد‪..‬‬ ‫رسالة الحضور اإلنساني الفعال بمجرد‬ ‫وجوده المادي في حالة عمل وطاقة‬ ‫مبذولة‪ ‬وملتزم ًا بمفهوم أوسع من‬ ‫مجرد بذل الطاقة وهو مفهوم البقاء‬ ‫الوجودي اإلنساني كجزء من منظومة‬ ‫كونية غير منعزلة والتزام الجسد ‪-‬‬ ‫األداة اإلنسانية ‪ -‬بهذا النظام بدافع‬ ‫غريزة البقاء‪ ..‬فالجسد اإلنساني عبر‬ ‫الحضارات هو المفهوم والفعل ووسيلة‬ ‫البقاء‪.‬‬ ‫ونالحظ أن الفنان الراحل لم يهمل‬ ‫بتعبيراته الفتية المبالغة لحجم الجسد‬ ‫الفيزيائي كمادة في تأكيد جمالها‬ ‫الخاص‪ ..‬ليعمل الجسد في لوحاته‬ ‫أحيان ًا كفنارات موجهة تجاه البقاء‪..‬‬ ‫أو ليعمل الجسد كهيكل ضخم للوجود‬ ‫اإلنساني دون تفسير مباشر مثل قفاز‬ ‫ملفوف من الخارج بالجلد وتجاعيد‬


‫الجسد‪ ..‬أو ليبدو الجسد عنده ُمتبع ًا‬ ‫لموسيقاه الخاصة وأقصد به إيقاعه‬ ‫الخاص الذي هو بالضرورة جزء من‬ ‫إيقاع كوني يشملنا جميع ًا لنرى أجساد‬ ‫شخوصه تتبع موسيقى كونية كالجسد‬ ‫الذي يتبع موسيقى راقصة طوعاً‪ ..‬فلم‪ ‬‬ ‫يعتمد حامد عويس على الجسد كمادة‬ ‫وشكل حركة لتقديم تفسيراته الفكرية‪،‬‬ ‫بل جعل الجسد يولد حركته المتسقة‬ ‫وإيمانه للفكرة يتبعها كاتباع موسيقاه‬ ‫التي تتحكم في قدر طاقته واتجاهاتها‬ ‫والتي‪ ،‬في كثير منها‪ ،‬اعتمد على ذكاء‬ ‫الجسد الذي نراه في أعماله الصرحية‬ ‫يعمل كشراع رياح أفكاره في هيكل سفينة‬ ‫ضخمة تخضع لالهتزازات الالمنطقية‬ ‫التي تولد طاقة جديدة في الجسد‪ ..‬طاقة‬ ‫أكثر غريزية ووعي ًا في األداة البشرية‬ ‫من أجل البقاء‪ ..‬وأحيان ًا في لوحاته نجد‬

‫أن الجسد عبر بحركاته واتجاهاتها في‬ ‫فعل أدائي «بيرفورمانس» ليخلق بيئة‬ ‫نشطة تحيط بالمشاهد حتى إذا جاء إلى‬ ‫نهاية التعبير وجدناه يقف أو يجلس‬ ‫في الصمت كما في لوحته «الراحة»‬ ‫استعدادًا ليصبح جاهزًا إلرسال طاقة‬ ‫جديدة‪ ..‬فهو يجدد ويشحن نفسه ذاتي ًا‬ ‫في تماثل ونظام العمل الكوني‪.‬‬ ‫والجسد عند حامد عويس ُيعّد أداة‬ ‫ُمثلى وجودية‪ ..‬فنراه يجعل الجسد‬ ‫نفسه كترسانة حربية كما في لوحته‬

‫«العبور»‪ ،‬ومرة نراه أرض ًا كما في‬ ‫لوحته «فلسطين» ومرة نراه كهف ًا كما‬ ‫في لوحته عن «النكسة» ومرة نراه‬ ‫نصب ًا تذكاري ًا كما في لوحته «الراحة»‪.‬‬ ‫وشخوص حامد عويس بحضورها‬ ‫الجسدي أصبحت لها سمة شبه عالمية‬ ‫بوجودها المادي كأعمال فنية ُمقتناة في‬ ‫أكثر من متحف في أكثر من مكان‪ :‬ففي‬ ‫متحف درسدن بألمانيا لوحته «صيادين‬ ‫من اإلسكندرية»‪ ..‬وفي متحف الفن‬ ‫الحديث في برلين لوحة «المطرقة»‪..‬‬ ‫وفي متحف بوزنان في بولندا لوحة‬ ‫«الجالسة»‪ ..‬وفي متحف بوشكين في‬ ‫موسكو لوحات «إحنا الشعب» و«نحو‬ ‫النور» و«السد العالي»‪ ..‬وفي متحف‬ ‫الفنون الشرقية في موسكو لوحتاه‬ ‫«السد العالي ‪ »2‬و«العمل في الحقل»‪..‬‬ ‫وفي متحف الفن المعاصر في برشلونة‬ ‫لوحة «القيلولة»‪ ..‬وفي متحف الفن‬ ‫المصري الحديث في القاهرة لوحتاه‬ ‫«وردية الليل» و«البطالة»‪ ..‬وفي متحف‬ ‫الفنون الجميلة في اإلسكندرية لوحة‬ ‫«الحصاد»‪ ..‬وفي متحف الفن الحديث‬ ‫ متحف محمود سعيد لوحتا «النيل»‬‫و«التعايش السلمي»‪ ..‬وفي متحف‬ ‫فنون القاهرة لوحة «التعمير»‪ ..‬وفي‪ ‬‬ ‫متحف فنون اإلسكندرية لوحاته «القنال‬ ‫لنا» و«الحالق» و«بائع الورد»‪ ..‬وفي‬ ‫متحف دولة قطر بالدوحة لوحاته «من‬ ‫الريف» و«صالون الحالقة» و«العائلة»‬ ‫و«الورشة» و«على شاطئ القنال»‬ ‫و«السمك والناس»‪.‬‬ ‫رحل فنان مصر الكبير تارك ًا وراءه فن ًا‬ ‫جادًا له أبعاده الفكرية التي تمثل رصيدًا‬ ‫وتاريخ ًا محفوظ ًا في لوحاته إبداعُا وفي‬ ‫فن تالمذته الذين هم اآلن أساتذة الفن‬ ‫المصري المعاصر‪ ..‬وقد نال عويس‬ ‫وتعرض‬ ‫تقديرًا داخل مصر وخارجها‬ ‫ّ‬ ‫ألعماله نقاد لهم مكانتهم ومصداقيتهم‬ ‫في المجال الفني منهم النحات األلماني‬ ‫فرتس كريمر‪ ،‬والناقد اإلسباني كارلوس‬ ‫اريان‪ ،‬والناقد البريطاني جون بريجر‪،‬‬ ‫والناقد الروسي دكتور بجدامون‪،‬‬ ‫وأجمعت هذه العيون الغربية على شدة‬ ‫مصريته وعالميته في الوقت ذاته‪.‬‬ ‫‪137‬‬


‫مقال‬

‫صافي ناز كاظم‬

‫سماااااع هوووس من فضلكم!‬ ‫صارت الرؤية كأنها مستحيلة وبؤرة اإلبصار معتمة‪ ،‬لكن‬ ‫م���ن يملك أن يعت���رف بأنه لم يعد يرى؟ م���ن يملك أن يتوقف‬ ‫لحظة عن الكالم ليسمع أو يفهم أو ليستدل ويسير في االتجاه‬ ‫الصحي���ح؟ من ه���ذا الذي لديه الصبر لينتظ���ر حتى تكمل‪ ،‬من‬ ‫دون أن يندفع ليس���تنتج ما تنوي قوله‪ ،‬رغم أن استنتاجاته‬ ‫تشطح بعيداً‪ ،‬ويظل بكل طاقته يرد على ما لم يكن في البال؟‬ ‫هناك مثل عن���د أهل العراق‪ ،‬يقولونه عندما يتراكم الخطأ في‬ ‫المنط���ق والقول والس���ياق والمفردات‪ ،‬يقول���ون إن هذا كالم‬ ‫مثل‪«:‬خسان‪ ،‬خوس���ين‪ ،‬بنات معاوية!»‪ ،‬أي أن المتكلم يقع‬ ‫في مجمل أخطاء أولها‪ :‬نطق «الحسن والحسين»‪ ،‬ثانياً‪ :‬أنهما‬ ‫ولدا «علي بن أبي طالب» وليسا «بنتي معاوية»‪ ،‬ولقد عانينا‬ ‫كثيرًا م���ن الغوص الجاهل في «المس���ألة اإلس�ل�امية»‪ ،‬حتى‬ ‫ألفناه فقلّ���ت المعاناة‪« ،‬تنحنا»‪ ،‬كما نقول باللهجة المصرية‪،‬‬ ‫وأصبحن���ا نم���رر الكالم بهش���ة ي���د‪ ،‬ونواصل حياتن���ا وفق ًا‬ ‫الختياراتنا التي تمليها علينا عقيدتنا بفقه مذاهبها المتعددة‪،‬‬ ‫وبعلم أهل الذكر‪ ،‬وال نتوقف لنتعجب من أن معظم الخائضين‬ ‫في أمور اإلس�ل�ام‪ ،‬ال يس���تقيمون معه‪ ،‬لألسف‪ ،‬على أمر أو‬ ‫تكلي���ف أو طاع���ة أو التزام‪ ،‬ولو جادل���ك أحدهم أو إحداهن‪،‬‬ ‫يكون الجدل مطابق ًا للنكتة المشهورة‪« :‬من قال إن الصالة من‬ ‫دون وضوء ال تنفع؟ أنا صليت من غير وضوء ونفع!»‪.‬‬ ‫تس���مع الصارخ‪ ،‬كأنه الغيور على س���معة اإلسالم‪ ،‬يهتف‬ ‫نافياً‪ :‬أهذا هو اإلسالم؟ كال! وتنظر فترى الصارخ بعيداً‪ ،‬بقدر‬ ‫اس���تطاعته‪ ،‬عن مظهر ومخبر اإلس�ل�ام العزي���ز‪ ،‬وهو‪ ،‬الذي‬ ‫يري���د‪ ،‬أن يلقي في روعنا أنه‪ ،‬مق���روص بالمرارة حزن ًا على‬ ‫«التش���ويه»‪ .‬وحين ينطلق ذلك المنطلق بكالم عن اإلس�ل�ام‬ ‫يش���به منطق «خس���ان خوس���ين بنات معاوية»‪ ،‬ال تملك أن‬ ‫تصده بـ«هون عليك‪ ،‬كالمك كله عك»‪ ،‬ألنه حينئذ سوف تعلو‬ ‫عقيرته بما يصم اآلذان‪« :‬ال كهنوت في اإلسالم‪ ،‬ال إغالق لباب‬ ‫وتلوح بما يفهم من التلويح‪« :‬أينعم يا س���يداتي‬ ‫االجته���اد»‪ّ ،‬‬ ‫سادتي‪ ..‬لكن كذلك ال تخريف في االسالم‪ ،‬واالجتهاد هو شأن‬ ‫من يعلم بحق الدراسة والبحث‪ ...‬و‪ ..‬و‪ ،»..‬ولكن إذا كان هذا‬ ‫المنطلق بمنطق «أنا صليت من غير وضوء ونفع»‪ ،‬ال يس���مع‬ ‫صوتك فهل يمكن أن يرى تلويحاتك؟‬ ‫وبمناس���بة فت���ح أحادي���ث مناه���ج التعليم يح���ق لنا أن‬ ‫نتس���اءل‪ :‬هل نريد أن نع���د المواطن المس���لم‪ ،‬ليكون راضي ًا‬ ‫بعلمنة المجتمع في البالد اإلس�ل�امية‪ ،‬تحت عنوان «المجتمع‬ ‫المدن���ي»‪ ،‬المقص���ود به تنحية اإلس�ل�ام تمام ًا ع���ن القوانين‬ ‫‪138‬‬

‫المنظمة للمجتمع‪ ،‬باعتباره عمامة متحفية نبوس���ها ونضعها‬ ‫ج���وار الحائ���ط؟ أال يجب أن نس���عى نحو جعل األم���ور أكثر‬ ‫اس���تقامة بحيث تصبح ش���ريعة «ال إله إال اهلل محمد رس���ول‬ ‫اهلل»‪ ،‬ه���ي القائد له���ذه األم���ة‪ ،‬والحاضنة لتي���ارات التطور‬ ‫المعاص���رة المنبثقة منه���ا‪ ،‬أم أن نخضع لن���داءات المطالبة‬ ‫بتدجين المواطن المس���لم منذ الطفولة‪ ،‬ليتوافق مع ما يسميه‬ ‫الراطن���ون بـ«العصري���ة» و«الحداثة» و«العولم���ة»‪ ،‬من دون‬ ‫أن نح���دد إلى أي «عص���ر» تنتمي تلك «العصري���ة»‪ ،‬المبتغاة‬ ‫والمنش���ودة‪ ،‬أهي إلى «عصر اإلس�ل�ام» أم إلى «عصر الحقبة‬ ‫األورو أمريصهيوني���ة»‪ ،‬وعولمته���ا التي أصبحت تفصح عن‬ ‫نفس���ها بإمالء وقح متعجرف‪ ،‬يتباهى بإهانة اآلخرين‪ ،‬وهو‬ ‫س���ائر نحو سحقهم بدماره الش���امل؟ هل يجوز تدجين الطفل‬ ‫المس���لم ليتوافق‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬مع من أعلن���وا بوضوح عداءهم‬ ‫لإلسالم بالقول والفعل؟‬ ‫أال يجب أن نربي الوعي لدى الطفل المس���لم‪ ،‬بأنه س���وف‬ ‫ينش���أ في مجتمع به تع���داد جاهل بالعقي���دة‪ ،‬وآخر معاد له‬ ‫جه���ارًا تحت اإللحاد الس���افر‪ ،‬أو تحت غط���اء مخاتل‪ ،‬ال يرى‬ ‫الصالح إال في التبعية للغرب ونبذ «فطرة» المقاومة‪ ،‬بدعوى‬ ‫أنها ليس���ت غاية‪ ،‬بل وسيلة أثبتت فش���لها‪ .‬وال يسألني أحد‬ ‫كيف أثبتت المقاومة فش���لها‪ ،‬ألن هذا يدخل في منطق «خسان‬ ‫خوسين بنات معاوية»!‬ ‫أال يتحتم أن نربي الطفل بما يسلحه بمهارة المنطق السليم‬ ‫الصحي‪ ،‬وبقوة الخلفية اإليمانية القادرة على مناظرة األفكار‬ ‫العلمانية المثبطة وفضحها ودحضها‪ ،‬بأس���لوب غير إنشائي‬ ‫وغير متهافت؟ أال يجب أن ندرج في مناهجنا الدراس���ة النقدية‬ ‫لألف���كار العلمانية العولمية‪ ،‬ومهاجمتها من نقاط قوتها ال من‬ ‫نقاط ضعفها البدهية؟ أال يمكن أن نس���تفيد من ميراث التربية‬ ‫التي أخرجت ابن سينا والبيروني‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وجمال الدين‬ ‫األفغاني‪ ،‬وسيد قطب‪ ،‬إلى آخر سلسلة العظماء في أمتنا من‬ ‫الش���رق والغرب؟ والذي يمكن أن نضيفه حديث ًا هو‪ :‬ترس���يخ‬ ‫الوعي لدى طالب العلم‪ ،‬بأنهم يتحركون ويعيشون في عصر‬ ‫ق���وة التحدي���ات العلماني���ة‪ ،‬وعليهم أن يتخطوه���ا ليحققوا‬ ‫مسؤولية «المعاصرة» التي نراها حقنا وهي‪ :‬تثبيت المشروع‬ ‫الحضاري اإلس�ل�امي‪ ،‬وتقديم إنجازاته اإلنس���انية لنس���ترد‬ ‫موقعن���ا الندي مع قوى العالم‪ ،‬لنملك مصيرنا في السياس���ة‬ ‫الدولية‪ ،‬ونجلس‪ ،‬بعلمائنا‪ ،‬في مقعدنا الش���اغر في الساحة‬ ‫العالمية‪ ،‬بوجه مؤمن أصيل وضيء‪ ،‬رحمة للعالمين‪.‬‬


‫�سينما‬

‫كثير من‬ ‫المهرجانات‬ ‫قليل من األفالم‬ ‫مرة أخرى لم يخلف شهر المهرجانات موعده‪ ،‬على الرغم‬ ‫من الظروف التي تمر بها مصر أقيم مهرجان اإلسكندرية‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من صدى الثورة السورية في لبنان أقيم‬ ‫مهرجان بيروت‪ ،‬باإلضافة إلى أبو ظبي‪ ،‬وبعد مثول‬ ‫المجلة للطبع يتم افتتاح ترايبيكا الدوحة‪.‬‬ ‫عبرت الثورة على استحياء المهرجانات بقليل من األفالم‬ ‫هاجسها الحدث والتفاعل معه وليس جماليات الفيلم‪.‬‬ ‫ولم تدخل روح الثورة المهرجانات بشكل حقيقي يعطي‬ ‫األولوية لإلنتاج السينمائي قبل الحفل‪ ،‬وعرض الفيلم‬ ‫على نطاق واسع قبل استعراض أزياء النجمات‪.‬‬ ‫التنافس بين المهرجانات العربية ليس على تقديم أكبر‬ ‫عدد من األفالم الجيدة وال التحول إلى ظاهرة مجتمعية‬ ‫تجعل من المهرجان عيدًا للسينما يشارك فيه عشاقها‪،‬‬ ‫بل في عدد أسماء نجوم الصف األول عالمي ًا وعربي ًا‬ ‫الذين يستضيفهم المهرجان‪.‬‬ ‫ومن المؤاخذات الدائمة التي ترافق ظاهرة المهرجانات‬ ‫السينمائية ولم تزل بال حل تضارب مواعيدها‪ ،‬مما يزيد‬ ‫من تنافسها حول نجوم ونجمات السينما‪ ،‬ثم يأتي أخيرًا‬ ‫التنافس على األفالم‪.‬‬ ‫وتبقى مشكلة اإلنتاج السينمائي قائمة‪ ،‬على الرغم من‬ ‫أن المهرجانات السينمائية نفسها تتضمن ندوات تنتهي‬ ‫بتوصيات تتحدث عن أزمة إنتاج ودعم‪ ،‬لكنها لحد‬ ‫اآلن‪ ،‬في معظمها على األقل‪ ،‬مازالت في حدود اإلقرار‬ ‫بأزمة ملقاة على مسؤوليتها أساساً‪ ،‬مما يجعل وضع‬ ‫آلية متكاملة ومشتركة إلنعاش سوق السينما العربية‬ ‫وتثقيفها حلقة مفقودة بين هذا المهرجان وذاك‪.‬‬

‫‪139‬‬


‫مهرجان اإلسكندرية‪:‬‬

‫دورة الفلول والثوار‬ ‫�سامي كمال الدين‪-‬القاهرة‬

‫مث���ل «مصر» ف���ي تخبطه���ا وفورانها‬ ‫وبهجتها وحزنها ج���اءت دورة مهرجان‬ ‫اإلس���كندرية الس���ينمائي ف���ي دورت���ه‬ ‫السابعة والعش���رين‪ ،‬أول مهرجان فني‬ ‫بع���د ث���ورة ‪ 25‬يناير‪ ،‬فعل���ى الرغم من‬ ‫أن المهرج���ان يق���ام خصيص��� ًا لالحتفاء‬ ‫بسينما البحر المتوسط إال أنه مع تقادم‬ ‫ال لكل شيء‬ ‫الدورات أصبح عام ًا وش���ام ً‬ ‫ولالشيء!‬ ‫فف���ي خض���م األح���داث السياس���ية‬ ‫العصيبة التي تعيش���ها مصر كان الوطن‬ ‫بحاجة إلى استراحة محارب تولد فيه قيم‬ ‫اإلبداع والحرية‪ ،‬وتجدد نش���اطه‪ ،‬وكان‬ ‫المتوق���ع أن يكون مهرجان اإلس���كندرية‬ ‫هو ه���ذه االس���تراحة‪ ،‬لكنه تح���ول إلى‬ ‫صداع مزمن‪.‬‬ ‫تم تخفي���ض ميزاني���ة المهرجان إلى‬ ‫‪ 40%‬مقارنة بدورة العام الماضي نظرًا‬ ‫للظروف االقتصادي���ة الصعبة التي تمر‬ ‫بها مصر‪ ،‬وتم تقليص األفالم المش���اركة‬ ‫من ‪ 100‬فيلم إلى‪ 11‬فيلماً‪ ،‬وتم تخفيض‬ ‫عدد أيام المهرجان إلى خمسة أيام فقط‪،‬‬ ‫لكن سوء التخطيط وسوء التنظيم أفسدا‬ ‫كل شيء‪ ،‬فقد تغير جدول عروض األفالم‬ ‫أكثر من مرة‪ ،‬بسبب تأخر وصول األفالم‬ ‫من الخارج‪.‬‬ ‫بل إن المخرج���ة اإلس���بانية «هيلينا‬ ‫تابرينا» رئيس���ة لجنة تحكيم المهرجان‬ ‫رفضت االستمرار في اللجنة بسبب عرض‬ ‫األفالم عل���ى نس���خ «‪ ،»DVD‬ال تصلح‬

‫‪140‬‬

‫للس���ينما‪ ،‬بسبب توقيف األفالم في مطار‬ ‫القاهرة لعدم تخليصها جمركياً‪.‬‬ ‫حف���ل الخت���ام كان حف���ل الش���عارات‬ ‫السياسية‪ ،‬وفيه ُش َّن هجوم على المجلس‬ ‫العس���كري «يسقط يسقط حكم العسكر»‪،‬‬ ‫وانتق���د أحمد فوزي صال���ح مخرج فيلم‬ ‫«جلد ح���ي»‪ ،‬واتهم ق���وات الجيش بأنها‬ ‫تقتل األقباط أمام ماسبيرو‪ ،‬بينما طالب‬ ‫عل���ى الجانب اآلخ���ر عدد م���ن الفنانين‪:‬‬ ‫خالد يوسف‪ -‬خالد صالح‪ -‬حسن الرداد‪-‬‬ ‫جيه���ان فاضل – مجدي أحمد علي – عمر‬ ‫عب���د العزيز‪ -‬عمرو عابدي���ن – خالد عبد‬ ‫الجليل‪ -‬إيمان البح���ر درويش‪ ،‬باإلفراج‬ ‫ع���ن طالب معهد الس���ينما فادي الس���عيد‬ ‫ال���ذي ت���م اعتقاله عقب أحداث الس���فارة‬ ‫من فيلم «حاوي»‬

‫اإلسرائيلية ومحاكمته عسكرياً‪ ،‬وارتدوا‬ ‫«ت���ي ش���يرتات» مطبوع��� ًا عليها صورة‬ ‫فادي س���عيد ُكتب أسفلها «الحرية لفادي‬ ‫س���عيد» و«ال للمحاكمات العسكرية»‪ .‬بل‬ ‫وخالل كلمته طالب خالد يوسف باإلفراج‬ ‫ووج َه رسالة‬ ‫عن فادي س���عيد ورفاقه‪َّ ،‬‬ ‫لوزيري الثقافة واإلع�ل�ام يطالبهما فيها‬ ‫بالوقوف بجوار فادي سعيد‪.‬‬ ‫رئيس المهرجان الناقد نادر عدلي أبدى‬ ‫اعتراضه بداية على اس���تخدام الشعارات‬ ‫السياس���ية‪ ،‬كما احتد على كلمة المخرج‬ ‫أحمد فوزي ‪ -‬الذي ت���رك تكريمه وغادر‬ ‫المهرجان‪.‬‬ ‫حصل فيلم «ك���ف القمر» على الجائزة‬ ‫األولى وقيمتها ‪ 100‬أل���ف جنيه‪ ،‬إخراج‬ ‫خالد يوسف وتأليف ناصر عبد الرحمن‪،‬‬ ‫الذي جاء كم���ا أفالمهما الس���ابقة ( حين‬ ‫ميس���رة‪ -‬هي فوضى – دكان ش���حاتة)‬ ‫حي���ث المواطن المص���ري المطحون‪ ،‬مع‬ ‫اإلسقاطات السياس���ية على العصر الذي‬ ‫تدور في���ه األحداث‪ ،‬وهي هن���ا لثالثين‬ ‫عام ًا خلت‪ ،‬حيث يرنو إلى عودة الشعوب‬ ‫العربية متحدة‪ ،‬ألن وحدتها هي الش���يء‬ ‫الوحيد الذي يصنع لها مكانة بين األمم‪.‬‬ ‫تحضر أيض ًا القصة الشعبية في «كف‬ ‫القم���ر» كما ف���ي أعمالهما الس���ابقة‪ ،‬لكن‬ ‫الحوار هنا كاد يفسدها لطوله‪.‬‬ ‫المباش���رة كادت تفس���د العم���ل لوال‬ ‫حبكة الس���يناريو‪ ،‬وطريقة خالد يوسف‬ ‫المتمي���زة والمختلف���ة في ط���رح أعماله‪.‬‬


‫«مفيش حرب من غير الكبير» هذه الجملة‬ ‫ال في أذنك وأن���ت تتأمل دور‬ ‫تط���ن طوي ً‬ ‫مصر السياسي بين الدول العربية مؤخرًا‬ ‫تتبعها جملة «ومفيش تس���ليم رقاب من‬ ‫غير رأي الصغي���ر»‪ ،‬وهي المطالبة التي‬ ‫طالبت فيها الدول العربية المخلوع مبارك‬ ‫ال بأن يقدر قيمة الدول العربية‪ ،‬وأال‬ ‫طوي ً‬ ‫يتخذ قرارات���ه ف���ي دول العالم‪ ،‬خاصة‬ ‫قضية فلس���طين دونها‪ .‬الفيل���م بطولة‪:‬‬ ‫وفاء عام���ر‪ ،‬غ���ادة عبد ال���رازق‪ ،‬خالد‬ ‫صالح‪ ،‬حسن الرداد‪ ،‬هيثم أحمد زكي‪.‬‬ ‫وف���از فيلم «حاوي» بالجائزة الثانية‬ ‫وقيمته���ا ‪ 50‬ألف جنيه إخ���راج إبراهيم‬ ‫البط���وط حيث ت���دور أح���داث الفيلم في‬ ‫مدينة اإلس���كندرية حول «يوسف» الذي‬ ‫أطل���ق س���راحه بعد خمس���ة أع���وام من‬ ‫الس���جن االنفرادي‪ ،‬ليبحث عن مجموعة‬ ‫من الوثائق الهامة‪.‬‬ ‫أما ف���ي أفالم الديجت���ال فحصل فيلم‬ ‫«أن���ا واألجندة» لمخرجته نيفين ش���لبي‬ ‫على جائزة المسابقة‪ ،‬وحصل فيلم «جلد‬ ‫حي» لمخرجه فوزي صالح على جائزة‬ ‫لجنة التحكيم‪ ،‬وف���از بمبلغ ثالثة آالف‬ ‫جنيه فيلم «ثورة ش���باب» لمخرجه عماد‬ ‫ماهر‪.‬‬ ‫وحصل فيل���م «برد يناي���ر» لمخرجه‬ ‫روماني س���عد على جائ���زة أفضل فيلم‬ ‫وقدرها خمس���ة آالف جني���ه‪ ،‬أما جائزة‬ ‫التحكيم الخاصة عن الفيلم التس���جيلي‬ ‫فقد حصل عليها «حرق األوبرا» لمخرجه‬ ‫كمال عبدالعزيز‪.‬‬ ‫أما جائزة لجنة التحكيم وثالثة آالف‬ ‫جنيه‪ ،‬فق���د حصل عليها فيلم «الحواس»‬ ‫لمخرجه محم���د عمارة‪ ،‬أما جائزة أفضل‬ ‫فيلم روائي قصير فق���د كانت من نصيب‬ ‫فيلم «صلصال» لمخرج���ه أحمد النجار‪،‬‬ ‫ومعها خمسة آالف جنيه‪.‬‬ ‫تس���تحق هذه الدورة أن يطلق عليها‬ ‫اسم دورة الفلول والثوار‪ ،‬فقد جاء شعار‬ ‫المهرج���ان وأفيش���اته لتوح���ي بالثورة‬ ‫والث���وار‪ ،‬بينما خلت أفالم المهرجان من‬ ‫أفالم عن الث���ورة‪ ،‬في نفس الوقت الذي‬ ‫كان في���ه «ف���ل عظيم» من فل���ول النظام‬ ‫البائد يس���يطر على العدي���د من فعاليات‬ ‫المهرجان هو ممدوح الليثي‪.‬‬

‫بغداد‪:‬‬ ‫خوف النجوم‬ ‫ح�سام ال�سراي‪-‬بغداد‬ ‫السينمائي‬ ‫العراقية منذ افتتاح مهرجان بغداد‬ ‫بعد سجال طويل شهدته الصحافة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطني بمشاركة ما يقرب من‬ ‫المس���رح‬ ‫قاعة‬ ‫فعالياته على‬ ‫الدولي الثالث‪ ،‬اختتمت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 160‬فيلم ًا من ‪ 32‬دولة‪.‬‬ ‫عراقية‪ ،‬هو س���وء التنظيم‬ ‫إعالم‬ ‫ووس���يلة‬ ‫صحيفة‬ ‫من‬ ‫أكثر‬ ‫أه���م م���ا أثير في‬ ‫ّ‬ ‫الذي رافق حفل االفتتاح خصوصاً‪ ،‬والذي أش���اع حالة من اإلحباط بشأن مستوى‬ ‫الدعائي الذي س���بق انطالقه‪ ،‬إضافة إلى تقديم فقرات ال‬ ‫كان مأموالً‪ ،‬وفقر الجانب‬ ‫ّ‬ ‫دولي للسينما‪.‬‬ ‫تتناسب ومهرجان‬ ‫ّ‬ ‫الفنية لمدرسة الموسيقى والباليه‪،‬‬ ‫النشاطات‬ ‫من‬ ‫عدد‬ ‫تقديم‬ ‫النتائج‬ ‫سبق إعالن‬ ‫ّ‬ ‫عراقي���ون بال حدود»‪ ،‬ورئيس المهرجان عمار‬ ‫س���ينمائيون‬ ‫«منظمة‬ ‫ليوقـع رئيس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والفلسطيني للمشاركة وتبادل الخبرات في‬ ‫المغربي‬ ‫الجانبين‬ ‫مع‬ ‫اتفاقية‬ ‫العرادي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم جرى إعالن نتائج‬ ‫المهرجانات‬ ‫ّ‬ ‫الس���ينمائية التي تقيمها الجهت���ان المذكورتان‪ّ ..‬‬ ‫الرسمية للمهرجان‪.‬‬ ‫المسابقات‬ ‫ّ‬ ‫الفعاليات من لغط‬ ‫وعكس���ت الكتابات وردود «إعالم المهرجان» عليها‪ ،‬ما رافق‬ ‫ّ‬ ‫بأن «هناك محاوالت مس���بقة إلفش���ال المهرجان‬ ‫تصور أفصح عنه ّ‬ ‫المنظمون ّ‬ ‫ومن ّ‬ ‫السينمائي كاظم مرشد السلوم في موقع «كتابات»‬ ‫قبل انطالقه»‪ ،‬وهنا كتب الناقد‬ ‫ّ‬ ‫«إن المدن التي تقام‬ ‫األخير‪:‬‬ ‫الحدث‬ ‫بخصوص‬ ‫كثيرة‬ ‫اإللكتروني‪ ،‬طارح ًا مالحظات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وموسيقية‪،‬‬ ‫فنية‬ ‫فيها مهرجانات‬ ‫سينمائية‪ ،‬ترتدي حل ً‬ ‫ّ‬ ‫ال بهية وتقام فيها كرنفاالت ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن مدير ورئيس المهرجان لم‬ ‫وتنش���ر إعالنات المهرجان في ّ‬ ‫كل أرجائها‪ ،‬ويب���دو ّ‬ ‫ينسقا مع أمانة بغداد أو مجلس محافظتها من أجل دعم المهرجان»‪.‬‬ ‫ومما جاء في رد «مهرجان بغداد»‪« :‬ليكن في علم السلوم أن أحالمه في حضور‬ ‫كبار النج���وم مازالت تصطدم بما خلفه االحتالل م���ن توتر وخوف وعنف‪ ،‬ومتى‬ ‫مازال���ت هذه العوامل فس���يحضر النجوم‪ ،‬ومتى أتيح للضي���وف العرب واألجانب‬ ‫التج���وال في ش���وارع العاصمة بغداد لوحده���م من دون خوف عندها س���يحضر‬ ‫الجميع»‪.‬‬ ‫أما المخرج مالك عبد فقال لـ «الدوحة»‪« :‬مهرجان بغداد بدورته الثالثة‪ ،‬خطوة‬ ‫الس���ينمائية‪ ،‬لركود‬ ‫الثقافية‬ ‫جي���دة لتحريك عجلة الركود ف���ي صنع االحتفاليات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السينمائيين‬ ‫استقبال‬ ‫كيفية‬ ‫ص‬ ‫ألخ‬ ‫أن‬ ‫أس���تطيع‬ ‫ال‬ ‫تجاهها‪..‬‬ ‫ة‬ ‫الحكومي‬ ‫سة‬ ‫المؤس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكن المهرجان استقطب‬ ‫العراقيين لحدثهم هذا‪ ،‬لعدم حرفية الجميع بهذا الخصوص‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫عالمية وهذا ما يفرح»‪.‬‬ ‫جيدة من دول عديدة‬ ‫ّ‬ ‫هذه السنة أفالم ًا ّ‬ ‫يسمون‬ ‫ما‬ ‫أو‬ ‫العراقيين‬ ‫ين‬ ‫السينمائي‬ ‫أن‬ ‫يحزن‬ ‫«ما‬ ‫يس���تدرك‪:‬‬ ‫عبد‬ ‫أن مالك‬ ‫ّ‬ ‫غير ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بسينمائيين من خالل تصريحاتهم التي هي أكثر من منجزهم وثقافتهم‪ ،‬لم‬ ‫أنفسهم‬ ‫ّ‬ ‫تنظيمي ًا‬ ‫المهرجان‬ ‫افتتاح‬ ‫فشل‬ ‫إلى‬ ‫يعود‬ ‫والسبب‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫نادر‬ ‫إال‬ ‫المهرجان‬ ‫إلى‬ ‫يحضروا‬ ‫ّ‬ ‫أدى إليه من خيبة أمل كبيرة‪ ،‬وبرغم ذلك ه���ذا ال يعني أن نقاطع المهرجان‬ ‫وم���ا ّ‬ ‫جيدة ال نستطيع أن نشاهدها في مكان آخر من بغداد»‪.‬‬ ‫أفالم‬ ‫ففيه‬ ‫ّ‬

‫‪141‬‬


‫أبوظبي‪:‬‬

‫ثورة السينمائيين‪ ..‬حتى إشعار آخر‬ ‫حنان �شافعي‪�-‬أبوظبي‬ ‫ج���اءت الدورة الخامس���ة من مهرجان‬ ‫أبوظبي الس���ينمائي هذا العام في خضم‬ ‫الربي���ع العربي‪ ،‬فالثورات تش���تعل في‬ ‫وطننا الكبير ومعها يتفاعل السينمائيون‬ ‫باألساس وفي طليعة األسرة الفنية لذلك‬ ‫ح���ازت أفالم الثورة على النس���بة األكبر‬ ‫في المشاهدة واالحتفاء خالل المهرجان‪،‬‬ ‫كما تصدر الحديث ع���ن تطورات موجات‬ ‫الربي���ع العربي في كل من مصر وتونس‬ ‫وس���ورية قائم���ة النقاش���ات التي دارت‬ ‫في أروق���ة المهرجان خصوص��� ًا الندوة‬ ‫الموس���عة الت���ي أقيمت ي���وم اإلثنين ‪17‬‬ ‫أكتوبر‪/‬تش���رين األول تحت عنوان «أثر‬ ‫الربيع العربي على صناعة الس���ينما» إذ‬ ‫ال بين المتحدثين‬ ‫شهدت القاعة نقاش ًا فاع ً‬ ‫وهم‪ :‬الممثالن خالد أبوالنجا وعمرو واكد‬ ‫من مص���ر ومن س���ورية المخرجان نبيل‬ ‫المال���ح وهال���ة العبد اهلل‪ ،‬وم���ن تونس‬ ‫تحدث المخرج حبيب عطية‪.‬‬ ‫ف���ي ه���ذا اللق���اء تب���ادل المتحدثون‬ ‫الميكروفون في حم���اس يحكي كل منهم‬ ‫ع���ن تجربة ب�ل�اده ف���ي الس���ير باتجاه‬ ‫تحررها م���ن قيود نظام فاس���د‪ ،‬وبينما‬ ‫ب���دا المصريان (واكد وأب���و النجا) األكثر‬ ‫تألق ًا في س���رد رؤيتهما لم���ا جرى‪ ،‬كان‬ ‫المالح والعبد اهلل متأرجحين بين اليأس‬ ‫من نجاح الثورة الس���ورية في إس���قاط‬ ‫نظام األسد واألمل في غد أفضل تنعكس‬ ‫فضائله على صناعة الس���ينما في بلد ال‬ ‫يعرف غير مش���روعات إنتاج الدولة‪ ،‬أما‬ ‫التونس���ي عطيه فقد غل���ب على مداخلته‬ ‫الخوف م���ن المد اإلس�ل�امي وإرهاصات‬

‫‪142‬‬

‫من فيلم «‪ 18‬يوم»‬ ‫حرية التعبير التي برزت الخالفات حولها‬ ‫ه���ذه األيام‪ .‬ويمكننا إجما ًال الوقوف على‬ ‫استغراق اللقاء في الحديث عن السياسة‬ ‫والتنظير لحاضر البالد ومس���تقبلها أكثر‬ ‫م���ن الدخول إل���ى صناعة الس���ينما على‬ ‫اخت�ل�اف أطرافه���ا وما يمكن أن تش���هده‬ ‫م���ن تغيير ف���ي موازين الق���وى بعد تلك‬ ‫الثورات‪ ،‬خصوص ًا ما يتعلق بمش���كالت‬ ‫اإلنت���اج والعملية الصناعية ف���ي العالم‬ ‫العرب���ي حيث يتس���اوى الجميع في تلك‬

‫المعاناة بمستويات متفاوتة‪.‬‬ ‫أما ع���ن العروض العربية المش���اركة‬ ‫ف���ي المهرجان فقد جاءت أبرزها من رحم‬ ‫الربيع العربي بل يمكننا أن نعتبر الحدث‬ ‫فرص���ة لإلطالع على وثائقي���ات الثورة‬ ‫وأظن أن هذا س���يكون حال المهرجانات‬ ‫التي يتم تنظيمها في المنطقة خالل فترة‬ ‫قد تمتد لسنوات‪ .‬أبرز هذه العروض كان‬ ‫الفيلمين المصريين «‪ 18‬يوم» وهو مكون‬ ‫م���ن ‪ 10‬أفالم روائية قصي���رة من توقيع‬


‫‪ 10‬م���ن المخرجين المصريين يمثلون كل‬ ‫األجيال‪ ،‬وشارك في بطولته عدد كبير من‬ ‫نجوم السينما المصريين من بينهم أحمد‬ ‫حلمي‪ ،‬آسر ياس���ين‪ ،‬منى ذكي‪ ،‬يسرا‪،‬‬ ‫عمرو واكد‪ ،‬والفيلم الثاني هو «التحرير‬ ‫‪ :2011‬الطيب والشرس والسياسي»‪ ،‬من‬ ‫إخ���راج تامر عزت وآيتي���ن أمين وعمرو‬ ‫س�ل�امة تم عرضه ضمن أفالم مس���ابقة‬ ‫األفالم الوثائقية‪ .‬وبينما حضرت الثورة‬ ‫المصري���ة غاب���ت ع���ن ص���االت العرض‬ ‫تمام ًا السينما الس���ورية المملوكة للدولة‬ ‫وه���ي نتيج���ة كان���ت متوقعة م���ن قبل‬ ‫معظم المش���اركين وكذلك لم تبرز أي من‬ ‫العروض التونسية‪.‬‬ ‫اإلم���ارات وه���ي الدول���ة المضيف���ة‬ ‫والمنظم���ة للمهرج���ان تمثل���ت بالفيل���م‬ ‫الروائي «ظ���ل البح���ر» لإلماراتي نواف‬ ‫الجناح���ي إضاف���ة إلى عدد م���ن األفالم‬ ‫الوثائقي���ة والروائية القصيرة التي تمثل‬ ‫شباب المخرجين‪ .‬كذلك حضرت المغرب‬ ‫بكثير من أفالم اإلنتاج المش���ترك كما هو‬ ‫معت���اد في الس���ينما المغربي���ة في إطار‬ ‫موضوعات اجتماعي���ة ودراما العالقات‬ ‫الشخصية وإشكاليات الذات واالغتراب‪.‬‬ ‫من جانب آخر عرض المهرجان مجموعة‬ ‫كبي���رة م���ن األف�ل�ام العالمية م���ن بينها‬ ‫الفرنسي واإليطالي والصيني واألميركي‬ ‫والبريطان���ي والمكس���يكي حي���ث ضمت‬ ‫المجموع���ة أفالم ًا تع���رض للمرة األولى‬ ‫عالمياً‪.‬‬ ‫ولع���ل أب���رز الفعاليات التي ش���ملها‬ ‫برنامج مهرجان أبوظبي الس���ينمائي في‬ ‫نس���خته الخامس���ة االحتفالي���ة الخاصة‬ ‫ب���كل من أدي���ب نوب���ل المص���ري نجيب‬ ‫محف���وظ وذل���ك بع���رض باقة م���ن أهم‬ ‫األفالم المأخوذة ع���ن أعماله مثل «درب‬ ‫المهابي���ل» و«الجوع» و«بداي���ة ونهاية»‬ ‫وغيرها‪ ،‬كما عقدت ندوة لمناقشة سينما‬ ‫نجيب محفوظ وخصوصيتها التي تعتبر‬ ‫مدرسة سينمائية مس���تقلة بذاتها‪ ،‬كذلك‬ ‫كان هناك احتفاء بالتجربة الس���ينمائية‬ ‫الخاص���ة بالمخ���رج الس���ويدي إنجم���ار‬ ‫برجم���ان ال���ذي ت���رك بصم���ة أبدية في‬ ‫صناعة السينما العالمية‪.‬‬

‫بيروت‪:‬‬ ‫أفالم الربيع بدون دعوة!‬ ‫ختتم���ت ال���دورة ‪ 11‬م���ن مهرج���ان‬ ‫بيروت الس���ينمائي الدول���ي الذي امتد‬ ‫م���ن ‪ 5‬إل���ى ‪ 13‬أكتوبر‪/‬تش���رين األول‬ ‫المنصرم‪ ،‬بمشاركة ‪ 67‬فيلم ًا لمخرجين‬ ‫م���ن ‪ 29‬دول���ة مختلفة‪ ،‬م���ن بينها ‪24‬‬ ‫فيلم��� ًا م���ن الع���راق واألردن وتون���س‬ ‫والمغرب ولبنان والبحرين‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى س���تة أفالم من إي���ران‪ .‬وقد ترأس‬ ‫المخ���رج اإليطالي لوكا جوادنينو لجنة‬ ‫التحكيم التي ضمت‪ :‬الناقدة السينمائية‬ ‫كريس���تينا بيتش���ينو‪ ،‬ومخرج���ة فيلم‬ ‫«غناء العروسين» كارين البو المتوجة‬ ‫بجائ���زة س���يزار‪ ،‬ومخرج���ة األف�ل�ام‬ ‫الوثائقية العراقية ميسون باتشاتشي‪،‬‬ ‫والكاتبة السعودية رجاء الصانع مؤلفة‬ ‫رواية «بنات الرياض»‪ .‬المهرجان افتتح‬ ‫بعرض فيلم «ش���جرة الحياة» للمخرج‬ ‫األميرك���ي تيران���س الفائ���ز بالس���عفة‬ ‫الذهبي���ة ألفضل فيلم ف���ي مهرجان كان‬ ‫ه���ذا العام‪ .‬كم���ا كان للجمه���ور فرصة‬ ‫لمش���اهدة أفالم تألقت في كان وبرلين‬ ‫والبندقية‪ ،‬منها‪« :‬الجس���د الذي أسكنه»‬ ‫للمخرج اإلس���باني بي���درو ألمودوفار‪،‬‬ ‫و«نح���ن بحاج���ة للحديث ع���ن كيفين»‬ ‫للبريطانية لين رامسي‪ ،‬والفيلم المثير‬ ‫للجدل «ميالنكوليا» (االكتئاب) للمخرج‬ ‫الدنماركي الرس فون ترير‪.‬‬ ‫تصريح كوليت نوفل مديرة مهرجان‬ ‫بيروت السينمائي الدولي بكون «دورة‬ ‫هذا العام هي األكبر خالل أكثر من عشر‬ ‫س���نوات»‪ ،‬لم يكن كافي��� ًا لتبرير غياب‬ ‫األعمال الت���ي صورت ح���ول الثورات‬ ‫العربية‪ ،‬هذا الغي���اب كان أبرز ما ركز‬ ‫علي���ه المراقبون رغ���م الحضور الالفت‬ ‫ألفالم تتناول الواق���ع العراقي وقضايا‬ ‫«الش���رق األوس���ط»‪ ،‬فيما ردت رئيسة‬ ‫المهرج���ان ه���ذا الغياب حس���ب مصادر‬ ‫متطابقة‪ ،‬إلى «تزامن وتضارب مواعيد‬

‫المهرجان���ات العربي���ة»‪ ،‬مصرحة أنها‬ ‫«دع���ت مخرجي���ن أنتج���وا أفالم��� ًا عن‬ ‫الثورات العربية إال أنهم فضلوا عرضها‬ ‫في مهرجانات الخليج لدوافع مالية»‪.‬‬ ‫نتائج المسابقات أسفرت عن تتويج‬ ‫مصر بث�ل�اث جوائز‪ :‬ذهبية أفضل فيلم‬ ‫روائي «شرق أوسط»‪ ،‬وذهبية ألفضل‬ ‫س���يناريو‪ ،‬للمخرج المص���ري إبراهيم‬ ‫البط���وط ع���ن فيل���م «ح���اوي»‪ .‬ونال‬ ‫الك���ردي العراقي حس���ن عل���ي محمود‬ ‫جائ���زة «ألف» الذهبي���ة ألفضل مخرج‪،‬‬ ‫عن فيلمه «حي الفزاعات»‪ .‬بينما منحت‬ ‫جائزة لجنة التحكي���م الخاصة لألفالم‬ ‫الروائية (جائزة فران���س ‪ )24‬للمخرج‬ ‫الكردي العراقي المقيم في إيران إبراهيم‬ ‫السعيدي عن فيلم «ماندو»‪ .‬أما جائزة‬ ‫أفضل فيلم وثائقي «شرق أوسط» فنالها‬ ‫فيل���م «ك���وال» للمخرج العراق���ي يحيى‬ ‫الع�ل�اق‪ ،‬وف���ازت المخرج���ة اإليرانية‬ ‫األسترالية نورا نياساري بجائزة أفضل‬ ‫مخرجة في مس���ابقة األف�ل�ام الوثائقية‬ ‫عن فيلمها «تحت الجسر»‪ ،‬وحصل فيلم‬ ‫«حياة كل���ب» للمخرج���ة اإليرانية هانا‬ ‫مخملب���اف على جائزة «أل���ف» الذهبية‬ ‫ألفض���ل فيلم «ش���رق أوس���ط قصير»‪،‬‬ ‫بينم���ا منح���ت جائ���زة «أل���ف» الفضية‬ ‫في مس���ابقة األفالم «الش���رق أوسطية‬ ‫القصيرة» للتركي غوتش���لو يامان عن‬ ‫فيلم «رحلة الالعودة»‪.‬‬ ‫يذكر أن فيلم «أحمر‪ ،‬أبيض وأخضر»‬ ‫للمخرج اإليراني ن���ادر داوودي والذي‬ ‫كان مبرمج��� ًا ضم���ن المهرج���ان‪ ،‬قد تم‬ ‫س���حبه من المش���اركة‪ ،‬بع���د تعرضه‬ ‫للرقابة من قبل السلطات اإليرانية ومنع‬ ‫مخرجه من السفر إلى لبنان على خلفية‬ ‫موضوع الفيلم الذي يتناول االنتخابات‬ ‫الرئاسية في إيران ‪ 2009‬والمظاهرات‬ ‫الرافضة لنتائجها‪.‬‬

‫‪143‬‬


‫عمر الحريري‬

‫موعد مع الحياة‬ ‫�سامي كمال الدين‪-‬القاهرة‬ ‫في مش���هد من أفالم األبيض واألسود‬ ‫يمس���ك «الس���يجار» في يده كأحد أبناء‬ ‫باشوات الزمن القديم‪ ،‬وفي مشاهده في‬ ‫الحياة يمس���ك أيض ًا بسيجاره ال يفارق‬ ‫يده أبداً‪.‬‬ ‫هكذا عاش عم���ر الحريري ابن الطبقة‬ ‫الراقية غير س���اع إلى مج���د‪ ،‬وال بريق‪،‬‬ ‫وال أض���واء‪ ،‬إن اختاره الدور كان بها‪،‬‬ ‫يس���ع اليه ال يس���عى ه���و إلى‬ ‫وإن ل���م‬ ‫َ‬ ‫ال���دور‪ ،‬فقد كان دائم اإليم���ان بأن الدور‬ ‫يختار صاحبه‪ ،‬وليس العكس‪ .‬لذا تجده‬ ‫متمكن ًا من األداء‪ ،‬وهو يلعب دور شقيق‬ ‫فاتن حمامة في فيلم «س���يدة القصر» في‬ ‫مواجهة زوجها الطاغية «زكي رس���تم»‪،‬‬ ‫وكذلك دوره في فيلم «موعد مع الحياة»‬ ‫أم���ام ش���ادية وفات���ن حمام���ة وكم���ال‬ ‫الشناوي‪.‬‬ ‫ج���اء رحيل���ه بع���د ربي���ع الث���ورات‬ ‫وق���د َر دور‬ ‫العربي���ة‪ ،‬ال���ذي أش���اد به‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ش���باب ثورة ‪ 25‬يناير‪ ،‬وذكر أن الحلم‬ ‫الذي ط���ال انتظ���اره قد تحق���ق على يد‬ ‫هؤالء الش���باب‪ ،‬وع���رف أن القذافي لن‬ ‫يستسلم من خبرته‪ ،‬حيث أقام الحريري‬ ‫لس���نوات خمس في ليبيا بقرار س���يادي‬ ‫عند تحررها في أواخر الستينيات‪ ،‬حيث‬ ‫طلبت منه القي���ادة المصرية الذهاب إلى‬ ‫ودرب‬ ‫ليبيا‪ ،‬فأس���س مس���رح ًا هن���اك‪َّ ،‬‬ ‫العديد من الليبيين عل���ى التمثيل‪ ،‬وظل‬ ‫لخمس سنوات يعلم ويدرب‪،‬وحين تأكد‬

‫‪144‬‬

‫من وقوف فن المس���رح عل���ى قدميه عاد‬ ‫إلى مصر‪ ،‬لذا كان يعرف صالبة النظام‬ ‫الليبي وعناده‪.‬‬ ‫ولد عم���ر الحريري ف���ي ‪ 12‬فبراير‪/‬‬ ‫ش���باط ‪ 1926‬وتعل���ق بف���ن التمثي���ل‬ ‫وهو في الس���ابعة م���ن عمره‪ ،‬حيث كان‬ ‫وال���ده يصطحبه معه لمش���اهدة األعمال‬ ‫فك���و َن فرق���ة تمثي���ل ف���ي‬ ‫المس���رحية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫المدرس���ة‪ ،‬ثم التح���ق بمعه���د التمثيل‪،‬‬ ‫وتخ���رج في���ه ع���ام ‪ ،1947‬وكان قد بدأ‬ ‫حياته الفنية قب���ل االلتحاق بالمعهد في‬ ‫مش���هد صامت من خالل فيلم «سالمة في‬ ‫خير» عام ‪ 1937‬مع نجيب الريحاني‪.‬‬

‫بع���د تخرج���ه ف���ي المعه���د ‪ -‬دفع���ة‬ ‫واحدة مع ش���كري سرحان ‪ -‬انضم إلى‬ ‫فرقة المس���رحي الكبير زك���ي طليمات‪،‬‬ ‫وش���ارك في عدة مسرحيات في المسرح‬ ‫القوم���ي‪ ،‬حت���ى تع���رف هو وش���كري‬ ‫س���رحان بيوس���ف وهبي‪ ،‬وعمال معه‬ ‫في مس���رحية «راس���بوتين» عام ‪،1951‬‬ ‫وق���د أعج���ب يوس���ف وهب���ي بأدائهما‬ ‫فرش���حهما للعمل ف���ي فيل���م «األفوكاتو‬ ‫مديحة»‪ ،‬تأليف وإخراج يوس���ف وهبي‬ ‫وبطولته مع مديحة يسري وثريا حسن‬ ‫وفردوس محمد وحس���ين رياض وفاخر‬ ‫فاخر وس���امية فهمي‪ .‬لينتقل إلى مرحلة‬ ‫األضواء من خالل عدة أفالم ‪« :‬وداع ًا يا‬ ‫غرامي»‪« ،‬ابن النيل»‪« ،‬الس���بع أفندي»‪.‬‬ ‫ليش���ارك في عش���رات األفالم بعد ذلك‪،‬‬ ‫ويقدم عدة مسلس�ل�ات تليفزيونية‪ ،‬لعل‬ ‫أشهرها دوره مع عادل إمام في مسلسل‬ ‫«أحالم الفت���ى الطائر»‪ ،‬وقدم منذ عامين‬ ‫دورًا هام ًا في مسلس���ل «ش���يخ العرب‬ ‫همام»‪ ،‬حيث لعب دور «يوس���ف همام»‬ ‫الجد األكب���ر لقبائل اله���وارة في جنوب‬ ‫مصر‪ ،‬ووالد «همام» – يحيى الفخراني‪-‬‬ ‫وعلى الرغم من أن ال���دور من العالمات‬ ‫ألي فن���ان‪ ،‬وكأنه يقدم دروس��� ًا في فن‬ ‫التمثيل‪ ،‬إال أن الدور سبب أزمات كبيرة‬ ‫لقبائ���ل الهوارة‪ ،‬حيث ظه���ر جدهم غير‬ ‫مهتم بنظافته الشخصية‪!..‬‬ ‫كما ش���ارك في مسلس�ل�ات‪« :‬خالتي‬ ‫صفي���ة والدي���ر»‪« ،‬س���اكن قص���ادي»‪،‬‬ ‫«الس���يرة الهاللي���ة»‪ .‬كم���ا ش���ارك ف���ي‬ ‫مسرحيات ‪« :‬الواد سيد الشغال»‪« ،‬شاهد‬ ‫ما شافش حاجة»‪.‬‬ ‫ما ال يعرفه الكثيرون أن الفنانة ميمي‬ ‫ش���كيب هي عمة الفنان عم���ر الحريري‪،‬‬ ‫وقد عرفت هذه المعلومة منه‪.‬‬ ‫كان���ت آخ���ر أدوار الفن���ان الراح���ل‪،‬‬ ‫الشهر الفائت‪ ،‬مسرحية لألطفال «حديقة‬ ‫ِ‬ ‫وس���عد كثيرًا به���ا‪ ،‬اذ تمنى‬ ‫األذكي���اء»‪،‬‬ ‫تقدي���م عمل لألطفال‪ ،‬لينق���ل بعدها إلى‬ ‫مستش���فى الج�ل�اء العس���كري ويغ���ادر‬ ‫الحياة مس���اء األحد ‪ 17‬أكتوبر‪/‬تشرين‬ ‫األول ‪ 2011‬حي���ث هجم الس���رطان على‬ ‫كل أجزاء جسده كذئب متوحش‪ ،‬ليغادر‬ ‫الحياة وهو في التاسعة والثمانين‪.‬‬


‫الش���ارع في تونس‪ .‬أثارت لغط ًا وجد ًال واسعين‪.‬‬ ‫حركت ّ‬ ‫امرأة واحدة ّ‬ ‫محط اهتمام‬ ‫فالجرأة والحماس���ة اللتان ورثتهما ع���ن والدها جعلتا منها ّ‬ ‫الساسة والمثقفين‪.‬‬ ‫ّ‬

‫حفيدات لينين‬ ‫�سعيد خطيبي‬ ‫إنه���ا المخرج���ة نادية الفان���ي التي‬ ‫تخطت الطابوهات في الشريط الوثائقي‬ ‫ّ‬ ‫«علمانية إن ش���اء اهلل!» ودافعت بش���ّدة‬ ‫ّ‬ ‫عن مرجعياتها الفكرية والعقائدية وعن‬ ‫رغبتها في رؤية تونس جديدة‪ ،‬موحّدة‪،‬‬ ‫تتعاي���ش مع اآلخر‪ ،‬تؤم���ن باالختالف‬ ‫وباألقليات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الش���ريط المثير للجدل نزل‪ ،‬مؤخراً‪،‬‬ ‫إلى صاالت العرض في فرنسا‪ ،‬وحظي‬ ‫بحض���ور مه���م في عرض���ه األول ضمن‬ ‫تم‬ ‫فعالي���ات أيام الس���ينما العربية‪ .‬كما ّ‬ ‫إدراج���ه ضم���ن برنامج ع���روض قافلة‬ ‫األش���رطة الوثائقية األورو‪-‬متوسطية‬ ‫الت���ي تج���وب م���دن فرنس���ية مختلفة‪.‬‬ ‫ويب���دو أن الفان���ي‪ ،‬صاحب���ة «أوالد‬ ‫ليني���ن»(‪ )2008‬ق���د اجت���ازت بس�ل�ام‬ ‫تعرض���ت إليها‬ ‫الهجم���ة العنيفة الت���ي ّ‬ ‫ش���هر يونيو الماضي بمناس���بة عرض‬

‫الش���ريط نفس���ه بصالة «أفريك آر» في‬ ‫تون���س العاصمة‪ .‬حي���ث اتهمتها حينها‬ ‫بعض الجماعات الّدينية بالمساس بقيم‬ ‫اإلس�ل�ام قبل أن ت���رد عليه���م‪« :‬غالبية‬ ‫منتقدي لم يشاهدوا الفيلم‪ .‬هم يوجهون‬ ‫َّ‬ ‫أحكامه���م لي ش���خصي ًا ولي���س للفيلم‪.‬‬ ‫يس���تمدون انتقاداتهم من س���وء تأويل‬ ‫لتصريحات أدليت بها على بالطو إحدى‬ ‫وتصب غالبية‬ ‫القنوات التليفزيوني���ة»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫االتهامات الموجهة للمخرجة في حنينها‬ ‫إل���ى الش���يوعية وف���ي ميلها إلى نش���ر‬ ‫أف���كار تغريبية في المجتمع التونس���ي‪.‬‬ ‫يصور بالد‬ ‫مع العلم أن الش���ريط نفسه ّ‬ ‫الطاهر حداد في مختلف تجلياته‪ .‬دونما‬ ‫تعص���ب لفكرة معين���ة أو تغليب منطق‬ ‫وتروج فصوله إلى ضرورة‬ ‫على آخ���ر‪ّ .‬‬ ‫الحوار والتواصل بين المس���لمين وغير‬ ‫المس���لمين‪ .‬من خالل نقل شهادات أفراد‬

‫ومواطنين عاديين‪ ،‬حيث يسرد كل واحد‬ ‫منهم نظرته لطبيع���ة العالقات التي من‬ ‫الواجب أن تجمع بين األفراد فيما بينهم‪،‬‬ ‫س���واء تحت مظلّة الدي���ن أو تحت مظلة‬ ‫الوطن الواحد‪.‬‬ ‫تزام���ن تصوير ش���ريط «علمانية إن‬ ‫شاء اهلل!» مع األش���هر األخيرة من حكم‬ ‫زي���ن العابدين ب���ن علي‪ .‬حي���ث انطلق‬ ‫س���رًا (نظرًا للرقاب���ة وللمضايقات التي‬ ‫كان���ت مفروض���ة عل���ى المخرج���ة) في‬ ‫أغس���طس‪ 2010‬وتواصل لغاية ما بعد‬ ‫‪ 14‬يناير ‪ .2011‬أكثر من ستة أشهر نقلت‬ ‫خاللها المخرجة صورتي���ن متناقضتين‬ ‫من تونس‪ .‬وجه���ان من بلد عاش الريبة‬ ‫والخ���وف تحت س���لطة نظ���ام الرئيس‬ ‫المخلوع‪ ،‬ثم نش���وة االنتصار بعد رحيل‬ ‫المس���تبد ونجاح ثورة انطلقت من مدينة‬ ‫سيدي بوزيد المسالمة‪.‬‬ ‫وتصرح نادية الفاني التي س���بق لها‬ ‫ّ‬ ‫العمل مع كثير من المخرجين الكبار أمثال‬ ‫روم���ان بولنس���كي وألكس���ندر أركادي‪:‬‬ ‫يمس أي أحد‪ .‬ليس بروباغندا‪.‬‬ ‫«الفيلم ال ّ‬ ‫يداف���ع فقط عن حق األف���راد في التعبير‬ ‫وف���ي التفكير‪ .‬أتمنى أن يثير النقاش من‬ ‫أجل فتح المجال واسع ًا أمام االختالف ال‬ ‫أمام اللغط والمبارزات اللفظية»‪.‬‬ ‫عمل الفان���ي األخير هو ش���هادة عن‬ ‫الجرأة‪ .‬وثيق���ة مهمة من أجل فهم بعض‬ ‫العوامل الداخلية واألسباب الفعلية التي‬ ‫س���اهمت في اندالع الثورة في تونس ثم‬ ‫تحرر كثير من التج���ارب ومن األصوات‬ ‫الت���ي عانت التعتي���م س���نوات طويلة‪.‬‬ ‫نادي���ة الفاني‪ ،‬التي مهدت اليوم الطريق‬ ‫أم���ام كثير من مثيالتها‪ ،‬ليس���ت س���وى‬ ‫جزء من نضال متعدد ومس���تمر لنس���اء‬ ‫تونس���يات واجهن القمع بالفن وبالكلمة‬ ‫الح���رة‪ .‬جيل تمثله أس���ماء ش���ابة‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫ال لينا بن مهني(‪ 28‬س���نة) التي‬ ‫بينها مث ً‬ ‫ورد اسمها ضمن مرشحي نوبل للسالم‪،‬‬ ‫بعدما أحرجت نظام الطرابلسية بمدونتها‬ ‫«بنية تونسية» ونقلت وقائع الثورة من‬ ‫سيدي بوزيد إلى تونس العاصمة مرورًا‬ ‫بصفاقس وبقابس بكاميرا هاتفها النقال‬ ‫واتساع رؤيتها وإيمانها بحقها في العيش‬ ‫الكريم‪ ،‬بعيدًا عن بطش الديكتاتور‪.‬‬ ‫‪145‬‬


‫الحرب في مرآة الجنيّات‬ ‫�سحر مندور ‪ -‬بريوت‬ ‫يسكن الشاشة‪،‬‬ ‫مجموعة من النس���اء‬ ‫ّ‬ ‫ويصنعن من تفاصيلها حفلة مس���تمرة‪،‬‬ ‫المتفرج خالله���ا على الضحك‬ ‫يتن���اوب‬ ‫ّ‬ ‫والب���كاء‪ ،‬ف���ي ٍ‬ ‫قصة أق���رب إلى قصص‬ ‫الجنيات المسحورات‪ ،‬تروي عن كيفية‬ ‫ّ‬ ‫«إطفاء» الحرب في نفوس الرجال‪.‬‬ ‫حظي فيلم نادين لبكي الجديد «وهأل‬ ‫الس���اعة‪ ،‬بنسبة مشاهدة‬ ‫لوين؟»‪ ،‬حتى ّ‬ ‫عالي���ة ف���ي دور الع���رض اللبناني���ة‪،‬‬ ‫وبعرض أول في «مهرجان كان» (‪)2011‬‬ ‫ٍ‬ ‫للس���ينما‪ ،‬وبجائزة‬ ‫ثم مهرجان الّدوحة ّ‬ ‫جمهور مهرج���ان «تورنت���و»‪ ،‬وبتداول‬ ‫اس���مه للمنافسة على «أوس���كار أفضل‬

‫‪146‬‬

‫فيلم أجنبي» (‪.)2012‬‬ ‫سيناريو الفيلم يدور في قرية بدينين‪،‬‬ ‫سكانها مس���يحيون ومسلمون‪ ،‬ينشغل‬ ‫ّ‬ ‫النس���اء بينهم في حياك���ة حياة يومية‪،‬‬ ‫بينما يتأرجح الرجال على حافة ما بين‬ ‫اعتداء على الكنيس���ة‪،‬‬ ‫األلفة والغضب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حرب‪،‬‬ ‫فاعت���داء على الجامع‪ ،‬فش���رارة ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫فقتال ف���ردي‪ ،‬فخطط متبادلة للمواجهة‬ ‫بين سكان تلك القرية‪ ،‬يجتمع لصياغتها‬ ‫رجال دفنوا األسلحة في األرض‪ ،‬وباتوا‬ ‫ٌ‬ ‫على أهبة الحفر الستخراجها‪.‬‬ ‫النس���اء يتابع���ن تل���ك األح���داث‬ ‫بقلق شديد‪ .‬يس���عين إلى‬ ‫وتس���ارعها‪ٍ ،‬‬

‫حرب ال تزال‬ ‫صرف انتباه الرج���ال عن ٍ‬ ‫نيرانها مشتعلة في القرى المحيطة‪ ،‬بينما‬ ‫هن لم يخلعن بعد عنهن اللون األس���ود‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ح���دادًا على آب���اء وأزواج وأبناء قضوا‬ ‫حرب‬ ‫حرب س���ابقة‪ .‬يستمتن ضد ٍ‬ ‫خالل ٍ‬ ‫تبدو لهن غبية ج���داً‪ ،‬فيقررن مواجهتها‬ ‫بأكثر األساليب ابتكارًا وفكاهة‪ .‬فيضحى‬ ‫مكونة‬ ‫المتفرج أمام «عصابتين»‪ :‬واحدة ّ‬ ‫ّ‬ ‫من رجال من الدينين‪ ،‬ش���ديدي التوتر‪،‬‬ ‫يس���تجدون الحياة لكي تمّدهم بمشاجرة‬ ‫مكونة‬ ‫تتط���ور إلى ح���رب‪ ،‬والثاني���ة ّ‬ ‫من النس���اء‪ ،‬يراقبن الرج���ال‪ ،‬وينصبن‬ ‫له���م الفخ تل���و اآلخر به���دف منعهم عن‬ ‫الحرب‪.‬‬ ‫النقد األساس���ي للفيلم تمحور حول‬ ‫هذه النقطة‪ :‬من قال إن النساء يناهضن‬ ‫الح���رب؟ من قال إن النس���اء ال يمتن في‬ ‫الحرب ويستمتن ألجلها؟ التاريخ اللبناني‬ ‫ي���روي الكثير ع���ن النس���اء المقاتالت‪،‬‬ ‫والحاض���ر اللبنان���ي يفي���ض بالنس���اء‬ ‫المتعصبات‪ ،‬كما أن األم اللبنانية قادرة‬ ‫ّ‬ ‫على رف���ع التحّدي ضد «الع���دو» لدرجة‬


‫تقدي���م أوالدها وق���ودًا لحرقه‪ .‬النس���اء‬ ‫اللبنانيات‪ ،‬كما النس���اء ف���ي كل مكان‪،‬‬ ‫يتمتع���ن بغرائز وبردود أفعال ش���بيهة‬ ‫بتلك المتوافرة ل���دى الرجال‪ ..‬ما يجعل‬ ‫من ق���رار إلب���اس النس���اء رداء «العفّة»‬ ‫الحربية‪ ،‬ضرب ًا من ضروب التسطيح‪.‬‬ ‫ف���ي المقابل‪ ،‬ل���م تعم���د نادين لبكي‬ ‫في فيلمه���ا‪ ،‬إلى تطهير النس���اء من كل‬ ‫ذنب‪ ،‬وإنما إلى تطهيرهن فقط من ذنب‬ ‫الحرب‪ ،‬كأنهن تعلّمن من تجارب سابقة‪،‬‬ ‫لم تعلّم الرجال شيئاً‪ .‬فخرج الفيلم على‬ ‫الجمهور بمجموعة من النس���اء‪ ،‬يلتقطن‬ ‫أنفاس المتفرجين من لحظته األولى إلى‬ ‫تلك األخيرة‪.‬‬ ‫تقول لبكي ف���ي مقابالتها الصحافية‬ ‫إن فك���رة الفيل���م ول���دت خ�ل�ال حبلها‬ ‫بوحيده���ا وليد‪ ،‬عندما اش���تعلت حرب‬ ‫شوارع سريعة في لبنان العام ‪،2008‬‬ ‫مكبلة اليدين أمام رعب‬ ‫فوجدت نفس���ها ّ‬ ‫هائل الحج���م‪ ،‬قادر عل���ى ابتالع طفلها‬ ‫فكرت بما في وسعها فعله‬ ‫وأطفال كثر‪ّ .‬‬ ‫لحمايتهم‪ .‬ه���ي‪ ،‬إذاً‪ ،‬منذ والدة الفكرة‪،‬‬ ‫أطلقت على كل النساء اسم «األم» وعلى‬ ‫كل الرجال اس���م «الح���رب»‪ .‬وهكذا كان‬ ‫فيلمها‪.‬‬ ‫نقطة نقد محورية أخرى كان يمكن أن‬ ‫يواجه بها الفيلم‪ ،‬وهي أسباب الحروب‬ ‫ودوافعها‪ ،‬إذ عولجت بطريقة مستعجلة‬ ‫في الفيلم‪ ،‬على الرغم من تعقّد الواقع‪،‬‬ ‫والتركيب الذي يشوب أسباب أي حرب‪،‬‬ ‫بدءًا من مس���توى الحي���اة االقتصادي‪،‬‬ ‫ال‬ ‫مرورًا بنوعية العصبية التي تتخذ شك ً‬ ‫ديني���اً‪ ،‬وص���و ًال إلى دور الف���رد ودور‬ ‫اآلخر ف���ي صناعتها‪ ..‬الفيل���م ال يعالج‬ ‫ذل���ك‪ ،‬وإنما يختصر «أس���باب الحرب»‬ ‫بنوع من أنواع الغباء الش���رس‪ ،‬يصيب‬ ‫تمكن الفيلم‬ ‫الرجال‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كفيروس معٍد‪ .‬وقد ّ‬ ‫من تفادي ذلك المط���ب من خالل مقّدمة‬ ‫تضع���ه ف���ي س���ياق خيالي‪ ،‬ومش���اهد‬ ‫موس���يقية تجعله أقرب إل���ى الفانتازيا‬ ‫وتطور أح���داث ينأى به عن‬ ‫الراقص���ة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الواقع‪ ،‬ليكون حلم امرأة تسعى إلبعاد‬ ‫ش���بح الحرب عن عائلتها‪ .‬فكانت امرأة‬ ‫حمت فيلمها من نقٍد يمكن أن يصيبه في‬ ‫صلبه‪.‬‬

‫نسوة الشاشة‬ ‫استطاع الفيلم األلماني الطويل «عندما نرحل» للمخرجة فيو أالداك‬ ‫الفوز بالجائزة الكبرى في اختتام المهرجان الدولي الخامس لفيلم‬ ‫المرأة والذي تحتضنه مدينة سال‪ ،‬وهو الفيلم الذي يعالج إشكالية‬ ‫«الهوية والهجرة» وقد حظي اختيار لجنة التحكيم على هذا الفيلم كي‬ ‫ُيَت َّوج أيض ًا بجائزة أحسن دور نسائي والتي كانت من نصيب الممثلة‬ ‫سيبيل كيكيلي‪ ،‬وأحسن سيناريو والذي كتبته مخرجة الفيلم الذي‬ ‫أنتج سنة ‪ .2008‬ويحكي الفيلم نفسه «قصة أوماي امرأة شابة من‬ ‫أصل ألماني‪ ،‬تضطر لمغادرة اسطنبول برفقة ابنها من أجل حمايته‬ ‫من بطش زوجها العنيف‪ ،‬وتقرر العودة للعيش وسط عائلتها في‬ ‫برلين‪ ،‬لكن أفراد أسرتها لم يلقوها بالترحاب الذي كانت تنتظره منهم‪،‬‬ ‫فاألعراف أقوى من أن يتجاوزوا االتفاقات مما يجعلهم ممزقين بين‬ ‫ِيم مجتمعهم‪ .‬أمام هذا الوضع‪ ،‬تجد أوماي‬ ‫الحب الذي يكنّونه لها وقَ‬ ‫نفسها مجبرة مرة أخرى على مغادرة من تحبهم تجنب ًا لالنتقام‪ ،‬وأال‬ ‫تكون مصدر العار والخزي لهم‪.»..‬‬ ‫أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فقد عادت مناصفة إلى الفيلم‬ ‫األميركي «شتاء العظام»‪ ،‬للمخرجة ديبرا كرانيك‪ ،‬والفيلم اإليطالي‬ ‫«كوربو سيليست»‪ ،‬للمخرجة أليس روهراوش‪ ،‬في حين عادت جائزة‬ ‫أحسن دور رجالي إلى الممثل األسترالي جون هيرت عن دوره في‬ ‫«لو» للمخرجة بليندا شايكو‪ .‬وقررت لجنة التحكيم ‪-‬التي ضمت في‬ ‫عضويتها ك ً‬ ‫ال من مورين مازوريك من إنكلترا‪ ،‬والصحافية والناقدة‬ ‫السينمائية أومي ندور من السينغال‪ ،‬والممثلة هالة صدقي من مصر‪،‬‬ ‫والمخرجة مريم خاكيبور من إيران‪ ،‬والمخرجة والمنتجة السينمائية‬ ‫لوسيل هادزيها ليلوفيتش من فرنسا‪ ،‬والمخرجة ليلى التريكي من‬ ‫المغرب‪ -‬منح «تنويه خاص» للفيلم المصري «‪ »8-7-6‬للمخرج محمد‬ ‫دياب لـ «شجاعة هذا األخير في التطرق لموضوع التحرش ولدفاعه‬ ‫عن كرامة المرأة»‪.‬‬ ‫ومن جانب آخر‪ ،‬عرف الحفل الذي احتضنه المركب السينمائي‬ ‫«هوليوود» في سال تكريم فاطمة العلوي بلحسن (المغرب)‪ ،‬مصممة‬ ‫الديكور والفنانة التشكيلية‪ ،‬وناكي سي سافاني من كوت ديفوار‪،‬‬ ‫وهي ممثلة وناشطة في مجال حقوق النساء والطفولة في إفريقيا‬ ‫ورئيسة مهرجان المرايا والسينمات اإلفريقية في مارسيليا‪.‬‬

‫‪147‬‬


‫مو�سيقى‬

‫عبد النبي الجيراري‬

‫جرح األغنية المغربية‬ ‫مهم���ا مكثوا ف���ي الظل فظلّه���م يبقى‬ ‫شامخاً‪ ،‬عبد النبي الجيراري الذي ودعنا‬ ‫أخيرًا ينتمي إلى ساللة هؤالء‪ .‬كان أول‬ ‫رائد ينتزع الموس���يقى م���ن نعمة التراث‬ ‫األندلسي والملحون واألهازيج الشعبية‪،‬‬ ‫وي���ذوب كل ه���ذا في حداث���ة غنائية غير‬ ‫ّ‬ ‫معهودة تركت أجود ما مني به اإلنصات‬ ‫في زمانه‪ ،‬الجيراري هو األغنية المغربية‬ ‫حين يقترن الحديث بالريادة والعصرنة‪.‬‬ ‫ق���اده افتتان���ه المبك���ر بالمقام���ات‬

‫‪148‬‬

‫العربية من حصي���ر معهد متواضع يلقن‬ ‫الصولفيج‪ ،‬إلى بارع متعدد‪ ،‬نقّاء ش���عر‬ ‫وصوت‪ ،‬ذي إحاطة موسوعية باآلالت‪،‬‬ ‫يتقم���ص بإتقان‪ :‬الع���ود والكمنجة‪ ،‬إلى‬ ‫ّ‬ ‫األكورديون‪ ،‬وبينه وبين البيانو تجاذب‬ ‫أقحمه في الموسيقى المغربية ألول مرة‪.‬‬ ‫وهكذا وض���ع اللبنات األولى ألرش���يف‬ ‫اإلذاعة بأغانيه ومعزوفاته وكان ينتقي‬ ‫أش���عاره بذوق رفيع‪ ،‬فمن جملة ما غناه‬ ‫قصائد البن زي���دون وجميل بثينة وأبي‬

‫القاسم الشابي‪.‬‬ ‫قامة في العطاء اس���تؤنفت بتأسيسه‬ ‫ج���وق االتحاد الفن���ي الرباط���ي‪ ،‬النواة‬ ‫األول���ى للفرق الموس���يقية العصرية في‬ ‫المغرب س���نة ‪ ،1945‬واس���تمر الراحل‬ ‫يك���رس وقت���ه ف���ي بح���ث ال ينقطع عن‬ ‫الخام���ات الصوتي���ة‪ ،‬ه���و األب الروحي‬ ‫والمستكش���ف األول لنج���وم األغني���ة‬ ‫المغربي���ة‪ :‬عبد اله���ادي بلخياط‪ ،‬نعيمة‬ ‫سميح‪ ،‬سميرة بن سعيد‪ ،‬عزيزة جالل‪،‬‬ ‫الراحل���ة رجاء بلملي���ح‪ ،‬والملحنين عبد‬ ‫الق���ادر وهبي وعبد اللطيف الس���حنوني‬ ‫وعز الدين المنتصر‪ ،‬وغيرهم يطول حصر‬ ‫أسمائهم‪ ،‬مازال الناس يتذكرون دهشتهم‬ ‫األول���ى وه���م خل���ف مكرف���ون برنامج‬ ‫«مواه���ب» مدرس���ة عبدالنب���ي الجيراري‬ ‫التي علم فيها أصول النغم واس���تحقاق‬ ‫التطريب عبر شاشة التليفزيون المغربي‬ ‫ف���ي س���تينيات الق���رن الماض���ي‪ .‬جهده‬ ‫سيال وال ش���غل له إال الموسيقى‪ ،‬أنفق‬ ‫ّ‬ ‫في س���بيلها وفي س���بيل الموسيقيين ما‬ ‫يملكه‪ ،‬ولم تخيبه التضحية في مشروع‬ ‫متكامل جماعي على أسسه تألقت األغنية‬ ‫وذاع صيتها في العالم العربي‪.‬‬ ‫ودعنا الجيراري بعدما بس���ط أنغامه‬ ‫خارج الحدود‪ ،‬وغير محبذ أن تظل أعماله‬ ‫محبوسة في ريبرتوار اإلذاعة الوطنية‪،‬‬ ‫وهي تذي���ع منها ما ش���اءت وغيرها من‬ ‫الخالدات الكثير‪ ،‬لكن الحاجة إلى تعميمها‬ ‫والحدي���ث عنها إنصاف مس���تحق‪ ،‬ومن‬ ‫االستخفاف والحرقة التذكير برموز كبار‬ ‫وقت رحيلهم أو ف���ي تكريم يتيم ال يرقى‬ ‫إلى المنجزات‪.‬‬ ‫منذ أن تس���للت قبض���ة وزير الداخلية‬ ‫واإلعالم األس���بق إدريس البصري على‬ ‫تجرب���ة «مواهب» أواس���ط الثمانينيات‪،‬‬ ‫والعق���م ينخ���ر األغاني‪ ،‬وض���ع أحزن‬ ‫الجيراري ولم يفارقه الحنين الس���توديو‬ ‫ال عن‬ ‫«مواه���ب»‪ ،‬وقد غاب الراح���ل طوي ً‬ ‫الوسط الفني في السنين األخيرة إلى أن‬ ‫انعزل طريح الفراش وحيدًا في نس���يان‬ ‫مري���ر‪ .‬رحل عنا الجي���راري في غفلة من‬ ‫حناجر كانت وال تزال مكرسة بفضله‪ ،‬ال‬ ‫ش���يء يشفع لهم غير موسيقاه وستبقى‬ ‫أغانيه مرثيات سعيدة‪.‬‬


‫فن الصوت‪..‬‬ ‫األرشيف الضائع‬ ‫�إبراهيم را�شد الدو�سري‬ ‫بعد رحيل المط���رب البحريني الكبير‬ ‫محمد بن فارس‪ ،‬أشهر من غنّى الصوت‬ ‫ف���ي الخلي���ج العرب���ي ع���ام ‪1947‬م‪،‬‬ ‫ل���م يتوق���ف تأث���ر ع���دد م���ن المطربين‬ ‫البحرينيي���ن بف���ن الص���وت م���ن الذين‬ ‫عاص���روا محمد بن ف���ارس أو من الذين‬ ‫برزوا ف���ي األربعينيات والخمس���ينيات‬ ‫والستينيات من أمثال المطرب عبدالعزيز‬ ‫بورقبة ومحمد عيس���ى عالي���ة وعبداهلل‬ ‫أحمد وفرحان بش���ير وعلي خالد وأحمد‬ ‫خالد ويوس���ف فوني وعبداهلل بوشيخة‬ ‫وس���بت صالح ومحمد عيس���ى بوشقر‬ ‫ال‬ ‫وأحمد الجميري وإبراهيم حبيب‪ ،‬فض ً‬ ‫ع���ن الراحلين ضاحي ب���ن وليد ومحمد‬ ‫زوي���د أحد أبرز تالم���ذة محمد بن فارس‬ ‫وغيرهم‪ ،‬س���واء من داخ���ل البحرين أو‬ ‫الخليج عموماً‪.‬‬ ‫وبرغ���م الظ���روف الت���ي أدت إل���ى‬ ‫انحس���ار وانكم���اش ف���ن الص���وت في‬ ‫السنوات األخيرة إال أنني البد وأن أشيد‬ ‫بأهم اإلنجازات الفردية التي س���اهم بها‬ ‫أصحابه���ا من فنانين وكت���اب إلبراز فن‬ ‫الص���وت وتوثيقه ليك���ون معين ًا وذخرًا‬ ‫لألجيال القادمة‪.‬‬ ‫ومن هؤالء الفنانين المطرب والملحن‬ ‫أحمد الجميري الذي قام بتس���جيل حديث‬ ‫لع���دد م���ن أص���وات محم���د ب���ن فارس‬ ‫بمصاحبة الفرقة الموسيقية‪.‬‬ ‫وكذلك المطرب الكويتي الراحل عوض‬ ‫الدوخي الذي قام بتس���جيل مجموعة من‬ ‫أصوات المطرب محمد بن فارس بصوته‬ ‫الرخيم في أواخر السبعينيات‪.‬‬ ‫وكذل���ك تجرب���ة الملح���ن والمطرب‬ ‫البحريني خالد الش���يخ وقيامه بتلحين‬ ‫أغ���ان مس���توحاة م���ن ف���ن الص���وت‬

‫وإيقاعاته‪ ،‬وتل���ك األغاني هي «جروح‬ ‫قلب���ي وت���ر» للش���اعر علي الش���رقاوي‬ ‫وأغني���ة «أحبابنا» وهي موال للش���اعر‬ ‫علي عبداهلل خليفة‪.‬‬ ‫وف���ي مج���ال الكتابة والبح���ث يبرز‬ ‫إنجاز الباحث البحريني مبارك العماري‬ ‫ال���ذي أص���در كتاب ًا من جزءي���ن‪ ..‬األول‬ ‫بعنوان المطرب محمد بن فارس أش���هر‬ ‫من غنّى الصوت في الخليج العربي وهو‬ ‫يتضمن س���يرة حياة المطرب محمد بن‬ ‫فارس ومشواره الفني‪ .‬أما الجزء الثاني‬ ‫فيتضمن القصائد الت���ي غناها محمد بن‬ ‫فارس والتي سجل عددًا منها‪.‬‬ ‫في ظ���ل عص���ر الفضائي���ات ونظام‬

‫العولمة وانفت���اح نوافذ الحضارات على‬ ‫بعضها البعض من خالل وسائل االتصال‬ ‫الحديث���ة المختلفة أصبح لزام ًا علينا بل‬ ‫وواجب��� ًا تحتمه المتغيرات الديموغرافية‬ ‫واالجتماعي���ة والسياس���ية أن نحاف���ظ‬ ‫عل���ى المنج���زات التي أنجزه���ا أجدادنا‬ ‫في المجاالت المختلف���ة وأصبحت تراث ًا‬ ‫عزيزًا وقواعد تأسس���ت عليها التطورات‬ ‫الالحقة‪ ،‬ومثال ذلك ف���ن الصوت وهو‬ ‫الغن���اء الفردي الذي تع���زز في البحرين‬ ‫بفض���ل جهود المط���رب الكبي���ر الراحل‬ ‫محمد بن فارس والمطربين الذين ساروا‬ ‫على نهجه من بعده‪ ،‬لذلك تبقى صيانة‬ ‫ه���ذا اإلرث وتوثيق���ه بما يجنب���ه التلف‬ ‫والنسيان مسألة في غاية األهمية‪.‬‬ ‫إن ما هو موجود في متحف البحرين‬ ‫في قس���م الطرب وفنون الغناء الشعبي‬ ‫ال يعب���ر حقيقة عن تاري���خ هذه الفنون‬ ‫في البحرين‪ ،‬فالمادة المعروضة فقيرة‬ ‫مقارنة بالفت���رة الزمنية الت���ي قطعتها‬ ‫هذه الفن���ون‪ ،‬وصو ًال إل���ى فن الصوت‬ ‫الذي ب���رز ف���ي البحرين بفض���ل جهود‬ ‫محمد بن فارس والمطربين الذين ساروا‬ ‫على نهجه من بعده‪ .‬فلو تم جمع المادة‬ ‫المتعلق���ة بف���ن الصوت فق���ط من صور‬ ‫للمطربين ‪ -‬اآلالت الموسيقية واإليقاعات‬ ‫المس���تخدمة ف���ي الص���وت ‪ -‬ونصوص‬ ‫األغان���ي‪ -‬واألس���طوانات‪ -‬والوثائ���ق‬ ‫والمراس�ل�ات والرس���ائل واالتفاقي���ات‬ ‫وعقود التس���جيل ‪ -‬وأجهزة التس���جيل‬ ‫الصوتية القديم���ة ‪ -‬والكتب واألبحاث‪.‬‬ ‫وصور الدور والطرب الش���عبي وصور‬ ‫العازفي���ن المصاحبي���ن عل���ى اآلالت‬ ‫الوترية واإليقاعية وأسمائهم والروايات‬ ‫ وص���ور وأس���ماء أصحاب ش���ركات‬‫التسجيل واألسطوانات‪.‬‬ ‫نقول لو تم جمع تل���ك المادة الثرية‬ ‫وفرزها وتصنيفها وعرض ما هو مناسب‬ ‫واالحتفاظ بالباقي كأرش���يف‪ ،‬شريطة‬ ‫أن تعرض المادة بشكل جذاب ومشوق‪،‬‬ ‫حينها سوف يجتذب هذا القسم‪ ،‬أي قسم‬ ‫فن الصوت في المتحف‪ ،‬انتباه الش���باب‬ ‫خصوص���اً‪ ،‬والزوار عموم���اً‪ ،‬ليتعرفوا‬ ‫على ج���زء عزيز من تاريخ فنون الوطن‬ ‫وتراثه األصيل وهو فن الصوت‪.‬‬ ‫‪149‬‬


‫ألبوم الكسل‬ ‫حممد ه�شام عبيه‬ ‫الحك���م على أي ألبوم جديد لعمرو دياب ال يتم بس���ماعه من‬ ‫أول م���رة‪ ،‬والحالة الت���ي تصنعها األغنيات الجديدة‪ ،‬تتس���لل‬ ‫تدريجي ًا إلى األذن ومنها إلى الروح بتكرار االس���تماع إليها‪ ،‬هذا‬ ‫م���ا تقوله «النظرية العمراوية»‪ .‬والبد أن مريدي «عمرو» طبقوا‬ ‫ه���ذه النظرية مع ألبوم «بناديك تعال���ى» الذي صدر في أوائل‬ ‫شهر أكتوبر‪/‬تشرين األول‪ ،‬فماذا كانت النتيجة؟‬ ‫حتى مع سماع أغنيات «بناديك تعالى» مرات متكررة‪ ،‬يبدو‬ ‫االس���تمتاع باأللبوم عصياً‪ ،‬فالحالة العام���ة التي تغلف معظم‬ ‫األغنيات هي «الكسل الفني» الذي يتجلى في أن ‪ 9‬أغنيات على‬ ‫األق���ل من أصل ‪ 12‬يضمها األلبوم‪ ،‬ال تدهش المس���تمع بكلمات‬ ‫مغاي���رة أو جمل لحنية مختلف���ة عن تلك الت���ي يقدمها «عمرو‬ ‫دياب» منذ س���نوات عدة‪ ،‬وهو أمر منطقي ألن «الهضبة» ‪ -‬كما‬ ‫يطلق عليه مريدوه ‪ -‬الي���زال مخلص ًا لعدد محدد من المؤلفين‪،‬‬ ‫دون المغامرة بـ «نفس» جديد باستثناءات قليلة‪.‬‬ ‫لك���ن عمرو دياب اس���تنفد جزءًا كبيرًا م���ن طاقته في تلحين‬ ‫أو المش���اركة ف���ي تلحين ‪ 10‬أغنيات كامل���ة باأللبوم من أصل‬ ‫‪ ،12‬ول���م يظهر في أي من األلحان باس���تثناء «تجربة وعدت»‪،‬‬ ‫و«يوم ما اتقابلنا»‪ ،‬و«ألومك ليه»‪ ،‬ما يمكن تس���ميته بـ «طاقة‬

‫عمرو دي���اب»‪ .‬والالفت‬ ‫أن األغنيتين األخيرتين‬ ‫م���ن تأليف أيم���ن بهجت‬ ‫قمر ال���ذي ال يرتكن إلى‬ ‫كالم متك���رر في أغنياته‬ ‫قط‪ ،‬في حين اس���تولى‬ ‫«الكس���ل الفن���ي» عل���ى‬ ‫باقي األلحان‪ ،‬بل إن الكس���ل ذاته يتجلى في أن أغنية «بناديك‬ ‫تعال���ى» تم تكراره���ا في نهاية الوجه األول م���ن األلبوم حرفي ًا‬ ‫دون أي محاول���ة إلعادة توزيعه���ا مثلما فعل عمرو من قبل في‬ ‫أكثر من ألبوم‪.‬‬ ‫تبقى أغنية «مقدرش أنا» هي األكثر تماس��� ًا مع روح وطاقة‬ ‫عمرو دياب‪ ،‬فيما تبدو «يا ريت س���نك» م���ن تأليف بهاء الدين‬ ‫محم���د هي األغرب ربم���ا في تاريخ عمرو دي���اب كله‪ ،‬إذ وهي‬ ‫الموجهة لمراهقات إع���دادي وثانوي وتتحدث عن أنه «لو بس‬ ‫م���ش طيب» دون أن يكمل الش���طر مترك ًا العن���ان لخيالك‪ ،‬في‬ ‫حاجة لمراجعة كلماتها بدقة باعتبار أنها تستهدف من هن دون‬ ‫‪ 18‬سنة!‬ ‫«السميعة» في مصر ‪ -‬وربما في العالم العربي‬ ‫اختلف مزاج‬ ‫ّ‬ ‫ بع���د ثورة ‪ 25‬يناير ب���كل تأكيد‪ ،‬وم���ا كان يمررونه من قبل‬‫لمحبيهم ل���ن يفعلوه ثاني���ة‪ ،‬ربما رصيد عمرو دياب يس���مح‬ ‫ه���ذه المرة‪ ،‬فق���ط إذ اعتبر أن «بناديك تعال���ى» مجرد «تجربة‬ ‫وع���دت»‪ ،‬وأن ي���درك على عك���س ما يردده ف���ي نفس األغنية‬ ‫قائالً‪« :‬بالعربي ما حدش يس���تاهل» بأنه «بالعربي» هناك من‬ ‫يستاهل‪ ..‬جمهوره‪.‬‬

‫وردة تسترد ما ضاع منها‬ ‫وردة الجزائري���ة تع���ود مج���دًا لمالقاة‬ ‫بالش���وق وبلهفة محو‬ ‫محمل���ة ّ‬ ‫الجمه���ور‪ّ ،‬‬ ‫الطويلة‪ .‬تعيدنا إلى زمن‬ ‫س���نوات الغياب ّ‬ ‫الطرب الجميل وتكش���ف عن ثقل الس���نين‬ ‫ّ‬ ‫التي ترك أثرًا على صوتها في ألبوم «اللي‬ ‫ضاع من عمري» في حلّة مفرطة شبابية‪.‬‬ ‫األلب���وم الجديد إنت���اج «روتانا» تضمن‬ ‫سبعة أغان تنوعت موضوعاتها بين الحب‬ ‫والعت���اب‪ .‬أم���ا األغنية األهم ف���ي األلبوم‬ ‫والتي حملت عنوان «اللي ضاع من عمري»‬ ‫فتق���ول فيه���ا‪« :‬اللي ضاع م���ن عمري ليك‬ ‫الزم ارجع أعيش���ه بع���دك‪ ..‬روحي كانت‬ ‫بي���ن إيدي���ك وبايديك رجعت ف���ي بعدك»‬ ‫وتواصل‪« :‬مبقاش في ش���ي يستاهل أبكي‬

‫‪150‬‬

‫عل���ى أي حاجة أبداً‪ ..‬حتى اللي خان قلبي‬ ‫وجرحني اهلل يس���امحو شكرا»‪ .‬كما تمنحنا‬ ‫وردة فرصة للس���ؤال عن مصائر المحبين‬ ‫في «حب مين يش���تري؟»وتحكي بعض ًا من‬ ‫حياتها في «عدت س���نة» قائلة‪« :‬عدت سنة‬ ‫حاج���ات كثيرة تغيرت إال أنا»‪ .‬ومن المقرر‬ ‫أن تص���در وردة‪ ،‬خ�ل�ال األي���ام المقبلة‪،‬‬ ‫فيديو كليب أغنية «أمل» التي كتبها ولحنها‬ ‫مروان خ���وري‪ .‬في انتظار دائم��� ًا الدويتو‬ ‫ال���ذي س���يجمعها م���ع المطرب التونس���ي‬ ‫صاب���ر الرباع���ي المعنون «الغن���ا حالي»‬ ‫وال���ذي تم اإلعالن عنه قبل أكثر من س���نة‬ ‫ونصف‪ .‬حيث سنس���مع في مطلع األغنية‬ ‫الت���ي يفتتحها الرباعي‪ « :‬طول عمرى وأنا‬ ‫بحلم يبقى الغنا حالي‪ ..‬أفرح أغني أحزن‬ ‫أغن���ي‪ ..‬راحتي ف���ي موالي قد م���ا اتمنيت‬ ‫وحلمت بيه ولقيت‪ ..‬إيه أجمل من النهارده‬ ‫جنبك بغنى يا وردة»‪.‬‬


‫دوحة الع�شاق‬

‫تبلغنا العيون بما أردنا‬ ‫نزار عابدين‬ ‫يحفل التاريخ الشعري العربي بقصص العشـق‬ ‫والعشـاق‪ ،‬ونحدد «التاريخ الشعري» ألن المؤرخين لم‬ ‫يهتموا إال بالشـعراء من العشـاق وأهملوا غيرهـم‪ ،‬فال‬ ‫ّ‬ ‫نجد أخبارهم إال في بعض المصادر التي اهتمت بطرائف‬ ‫القصص واألخبار‪ ،‬أو التي عنيت بأخبار العشق وقصصه‬ ‫«مصارع العشـاق» للسِّـراج القاري (‪1106 - 1027‬م)‬ ‫مثل َ‬ ‫و«تزيين األسـواق في أخبار العشـاق» لداوود األنطاكي‬ ‫(؟ ‪1600 -‬م)‪ .‬حتى هـؤالء العـشـاق الشـعـراء لم يلقـوا‬ ‫القـدر نفـسـه من االهـتـمـام‪ ،‬فـقـد أصبح بعـضهـم نجوم ًا‬ ‫يردد الناس أســماءهم حتى دون أن يحفظوا بيت ًا واحدًا‬ ‫عزة» و«ذي‬ ‫و«كثيـِّـر ّ‬ ‫من أشـعـارهـم مثل «جميل بثينة» ُ‬ ‫مي)‪ ،‬بينمـا ال يعـرف معـظـم‬ ‫الرّمـة» (اســم صاحبتـه ّ‬ ‫ُ‬ ‫«عروة‬ ‫عـشـاق الشـعـر شيئ ًا عمن كانوا أئمة العـشــق مثل ُ‬ ‫بن حـِزام» وصاحبتـه عفراء‪ ،‬و«عبد اهلل بن العجالن‬ ‫النهدي» وصاحبتـه هند‪ ،‬و«المرقِّـش األكبر» وصاحبته‬ ‫أسماء‪.‬‬ ‫ثمة ظلم آخر في قصص العشـق والعشـاق‪ ،‬وفي‬ ‫بعامة‪ .‬فإذا اسـتثنينا «الخنسـاء»‬ ‫تاريخ الشعر العربي‬ ‫ّ‬ ‫و«ليـلى األخيلـيـة» فإننا النجـد للـنـسـاء الشـاعـرات إال‬ ‫أبـيـاتـ ًا متـفـرقـة‪ ،‬وقد ال نجد لـلـشــاعـرة إال بيتين أو‬ ‫ثالثة قالتها في مناســبة ما‪ ،‬ترتبط في أغلب األحيان‬ ‫بالشاعـر العاشق‪ ،‬مع أن القراءة المتأنيـة المتفحصة لهذه‬ ‫األبيات تنم عن شـاعرية حقة‪ ،‬ولذا يصعب تصديق أن‬ ‫هذه المرأة لم تقل شـعـرًا ال قبل المناسـبة وال بعدها‪ .‬لنقرأ‬ ‫هذا المثال‪.‬‬ ‫عز عليه‬ ‫مـ‬ ‫بن‬ ‫جميل‬ ‫حضرت‬ ‫حين‬ ‫عمـر الوفاة في مصر‪َّ ،‬‬ ‫َ َ‬ ‫أال تعلـم بثينـة باألمر‪ ،‬فأعطى رج ً‬ ‫ال راحلتـه وما عليها‪،‬‬ ‫حي بثينة‪:‬‬ ‫عند‬ ‫حلـته‪ ،‬وينشد‬ ‫وأوصاه أن يرتدي ّ‬ ‫ّ‬

‫ميـل‬ ‫َ�ص َدع النّـع ِّي َوما كـَـنى ب َِج ِ‬ ‫ ‬ ‫َوثوى بمِ ِ�رصَ ثـَوا َء غـ َ ِري قـَفـولِ‬ ‫َولَقَد �أَ ُج َّر الذَيلَ يف وادي القُرى‬ ‫خيــل‬ ‫ ‬ ‫نـَ�شـــوان َ بَني َمزار ٍِع َونـ َ ِ‬ ‫ِ�س ذي هِ َّـمــ ٍة‬ ‫كـر النَع ِّي بِفـار ٍ‬ ‫بَ َ‬ ‫ـذيــــل‬ ‫ــم اللِقـــا ُء ُم‬ ‫ ‬ ‫ِ‬ ‫بَـطـ َ ٍل �إِذا ُح َّ‬

‫ويــل‬ ‫قومي بُثـينـة ُ فَانـْ ُدبي ِب َع ِ‬ ‫ـليــــل‬ ‫َوابـْكي َخـليلـ َ ِك دون كُـلِّ َخ‬ ‫ ‬ ‫ِ‬

‫فخرجت إليه بثينة في نساء وقد فرعتهن (فاقتهن)‬ ‫صكـت وجهها وأغمي عليها‬ ‫طو ًال‪ ،‬فلما تيقنت من صدقه‬ ‫ّ‬ ‫ساعة‪ ،‬فلما أفاقت قالت‪:‬‬

‫ميل لـَ�سا َع ٌة‬ ‫َو� َّإن ُ�سلـ ُ ِّوي َع ْن َج ٍ‬ ‫من ال ّده ِر ال حانَت َوال حان حِ ينُها‬ ‫ ‬

‫فكيف نصدق أن من قالت هذين البيتين لم تقل شـعرًا‬ ‫قبلهمـا وال بعدهمـا؟ ولو أننا قرأنا البيتيـن وقد نسبا إلى‬ ‫أحد الشعراء ألعجبنا بهما أيما إعجاب‪.‬‬ ‫ونضرب مثـ ً‬ ‫ال آخر‪ ،‬إذ تـتـكـرر حكايـة رجـل يدعى‬ ‫هجع» في كـتـب كثيـرة منهـا األغاني والفـرج بعد‬ ‫«جـ ْعـد بن ِم َ‬ ‫َ‬ ‫الشــدة للقـاضي التـنـوخي وأخبار النســاء البن الجوزي‬ ‫والتـذكـرة الحمدونيـة البن حـمـدون وغيرها‪ ،‬وفي نهاية‬ ‫الحكاية تنشــد «أســماء» صاحبة جعد ثم زوجته ثالثـة‬ ‫أبيات‪ ،‬يمكن أن نعدهـا من عيون شعر الغزل‪:‬‬

‫كتمت ال َه َوى �إين ر�أيتُ َ‬ ‫ـك جازِعاً‬ ‫ُ‬ ‫ديـق يُ ِريـ ُد‬ ‫ ‬ ‫ال�ص ِ‬ ‫فتى َ‬ ‫ُ‬ ‫بع�ض ّ‬ ‫فقلت ً‬ ‫ُ‬ ‫تـقـول‪ :‬فـتـيـَّـة‬ ‫َو�إنْ تَ َّطـ ِر ْحني �أ ْو‬ ‫يُ�ضرِ ُّ بهـا بَ ْـر ُح ال َهــ َوى فـتـعـُو ُد‬ ‫ ‬

‫ومع ذلك ال نجد في كتب التراث بيت ًا واحدًا لهذه الشاعرة‬ ‫غير هذه األبيات‪ .‬حتى في قصـة مجـنـون ليلى ال نجد له بيت ًا‬ ‫ِ‬ ‫المبادرة‬ ‫واحدًا قبل عـشـقـه ليـلى‪ ،‬ويلفـت االنتـبــاه أنها كانت‬ ‫إلى البـوح‪ ،‬وقالت الشــعـر قـبـلـه‪ ،‬فقد أحبت أن تعـرف ما‬ ‫امـ ُتـقـِع لونه قالت‪:‬‬ ‫لهـا عنده‪ ،‬فاهـتمت بغيره فلمـا ْ‬

‫للنا�س بُغ�ضــاً‬ ‫كِ النـا ُمظـْهـ ٌِر ِ‬ ‫ِيــن‬ ‫ ‬ ‫وكـلٌ عند َ �صـاحـبـ ِه َمـكـ ُ‬ ‫تُبلـِّغـُـنــا العـُيـون بـمـا �أَردنـا‬ ‫دفيــن‬ ‫وى‬ ‫َويف‬ ‫ ‬ ‫ِ‬ ‫القـلبـيـن ثـ َ ّم َه ً‬ ‫ُ‬

‫لسنا نؤرخ للعشق والعشاق فالمجال ال يتسع لهذا‪ ،‬إنما‬ ‫هي طرائف ومفارقات من هذا العالم الجميل‪ ،‬عالم الحب‬ ‫والمحبين‪.‬‬

‫‪151‬‬


‫علوم‬

‫نصيحة في كبسولة‬ ‫ألم األسنان‬

‫ظهور ألم عند محاولة القضم أو شرب‬ ‫سوائل باردة أو ساخنة ُيعد عالمة على‬ ‫تص���دع إحدى األس���نان أو وجود كس���ر‬ ‫فيها‪ ،‬وتش���ير الجمعي���ة األميركية لطب‬ ‫األسنان إلى األس���باب المحتملة لتصدع‬ ‫األسنان في القائمة اآلتية‪:‬‬ ‫• مضغ أو محاولة كسر أطعمة صلبة‬ ‫كالج���وز أو الحل���وى أو مكعبات الثلج‬ ‫باستخدام األسنان‪.‬‬ ‫• المضغ بشكل غير منتظم‪.‬‬ ‫• فقدان جزء من األسنان كالحشو‪.‬‬ ‫• عملي���ات حش���و األعص���اب والتي‬ ‫تجعل األسنان أكثر قابلية للكسر‪.‬‬ ‫• تعرض األس���نان لدرج���ات حرارة‬ ‫مفرط���ة كتناول ش���راب س���اخن جدًا أو‬ ‫مثلج‪.‬‬

‫الحروق الطفيفة‬

‫معظم الحروق الطفيفة تكون حمراء‬ ‫ومؤلمة‪ ،‬وقد تحدث انتفاخا تحت الجلد‪،‬‬ ‫وقد يتقش���ر الجل���د المح���روق بعد قليل‬ ‫ليتعافى خالل ستة أيام‪ ،‬ويعتبر عالج‬ ‫الجروح الطفيفة ممكن ًا في المنزل مادامت‬ ‫ال تغطي مساحة كبيرة من الجلد‪.‬‬ ‫وتنص���ح األكاديمي���ة األميركية لطب‬ ‫األسرة بعدم وضع الزيت أو الثلج على‬ ‫منطقة الحرق‪ ،‬كم���ا هو متعارف عليه‪،‬‬ ‫وبد ًال م���ن ذلك تغمس منطقة الحرق في‬ ‫ماء بارد ثم تطلى بمرهم مضاد حيوي‪،‬‬ ‫‪152‬‬

‫وتغطى منطقة اإلصابة بشاش أو قماش‬ ‫نظيف وجاف‪ ،‬ويتم تغيير الضمادة كل‬ ‫صباح وطالء المنطقة بالمرهم باستمرار‬ ‫منع ًا لاللتهاب‪ .‬ويمكن اس���تخدام مسكن‬ ‫ألم موضعي لتقليل الش���عور بالحرق‪،‬‬ ‫وتش���ير األكاديمية إلى ضرورة الذهاب‬ ‫إلى الطبيب في حالة عدم التئام المنطقة‬ ‫بعد عدة أي���ام أو في حالة ظهور التهاب‬ ‫أو وجود ألم غير محتمل‪.‬‬

‫الجروح البسيطة‬

‫تع���د معظ���م أن���واع الج���روح قابلة‬ ‫للع�ل�اج ف���ي المن���زل دون الحاجة إلى‬ ‫زيارة الطبي���ب‪ ،‬إال أن الجروح العميقة‬ ‫قد تتطلب عناية سريعة منع ًا لاللتهاب‪.‬‬ ‫وتق���ول مؤسس���ة نيم���روس األميركية‬ ‫للصح���ة إنه ف���ي حالة اإلصاب���ة وعدم‬ ‫إمكانية التوجه إلى المستشفى بالسرعة‬ ‫المطلوبة‪ ،‬فهن���اك إجراءات يمكن عملها‬ ‫للتعام���ل المؤقت مع الموق���ف ومنها ما‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫• غسل الجرح والضغط عليه بقماش‬ ‫أو شاش نظيف للسيطرة على النزيف‪.‬‬ ‫• في حالة تشرب القماش يتم تغييره‬ ‫بقطعة أخرى جافة ونظيفة واالستمرار‬ ‫في الضغط‪.‬‬ ‫• يتم رفع مس���توى الج���زء المصاب‬ ‫لتخفيف النزيف‪.‬‬ ‫• مراع���اة ع���دم الضغط بش���دة على‬ ‫المنطقة المصابة منع ًا لتهتك الجرح‪.‬‬

‫نزع الشظايا‬

‫معظ���م الش���ظايا كالش���وك وأجزاء‬ ‫الزجاج تعتبر قابل���ة لإلزالة في المنزل‬ ‫دون حاج���ة إلى زيارة الطبيب‪ ،‬مادامت‬ ‫اإلصابة س���طحية وتقع في منطقة غير‬ ‫حساس���ة من الجلد‪ ،‬أما ف���ي حالة كون‬ ‫الش���ظية في منطقة حساسة قرب العين‬ ‫أو غي���ر ذلك‪ ،‬وف���ي حالة م���ا إذا كانت‬ ‫غائ���رة في الجس���م‪ ،‬فمن المهم س���رعة‬ ‫التوج���ه إل���ى الطبيب إلزالته���ا جراحي ًا‬ ‫ومنع االلتهاب‪.‬‬ ‫وتنص���ح الجمعي���ة األميركي���ة لطب‬ ‫األس���رة من يح���اول إزالة ش���ظية في‬ ‫المنزل باتباع الخطوات التالية‪:‬‬ ‫• بالنسبة للش���ظايا الكبيرة تستخدم‬ ‫إب���رة أو ملقاط بعد تعقيمها بالكحول أو‬ ‫اللهب‪.‬‬ ‫• تغس���ل منطق���ة اإلصاب���ة بالم���اء‬ ‫والصابون مع مراعاة عدم غمرها بالماء‬ ‫حال كون الشظية خشبية‪.‬‬ ‫• االس���تعانة بإضاءة جيدة وعدسة‬ ‫مكبرة إن إمكن‪.‬‬ ‫• باستخدام الملقاط يتم القبض على‬ ‫طرف الش���ظية بإح���كام والجذب بنفس‬ ‫الزاوية التي اخترقت بها الشظية الجلد‪.‬‬ ‫• يت���م تعقي���م المنطقة بع���د إخراج‬ ‫الش���ظية بالصاب���ون والم���اء ويراع���ى‬ ‫خاص���ة إذا ما‬ ‫ً‬ ‫تغطيته���ا بالصق طبي‪،‬‬ ‫خلفت العملية جرحاً‪.‬‬


‫«‪ »8.7‬مليون نوع من الكائنات‬ ‫تعيش على األرض‬ ‫ح�سن فتحي ‪ -‬القاهرة‬ ‫ف���ي أح���دث تقري���ر إلجمال���ي أنواع‬ ‫الكائن���ات الموجودة على األرض‪ ،‬أعلن‬ ‫علماء الحي���اة البحرية بكن���دا أن هناك‬ ‫‪ 6.5‬مليون نوع موجودة على األرض‪،‬‬ ‫بجانب ‪ 2.2‬مليون نوع تعيش في أعماق‬ ‫البحار والمحيطات‪.‬‬ ‫وذكر العلماء أن ه���ذا التقدير قد بني‬ ‫على تقني���ة تحليلي���ة مبتك���رة ضيقت‬ ‫بدرجة هائلة من مدى التقديرات السابقة‪،‬‬ ‫حيث ذكر أن عدد أن���واع الكائنات طبق ًا‬ ‫للتقدي���رات الس���ابقة التي أع���دت حتى‬ ‫اآلن كان يتراوح بي���ن ‪ 3‬ماليين و ‪100‬‬ ‫مليون نوع‪ .‬وتذكر الدراس���ة أن ‪% 86‬‬ ‫من مجموع أنواع الكائنات على األرض‪،‬‬ ‫و‪ % 91‬من أن���واع الكائنات البحرية لم‬ ‫تكتشف بعد‪ ،‬ويحاول العلماء اكتشافها‬ ‫وتوصيفها ووضع تقديرات لها‪.‬‬ ‫وكانت قضي���ة عدد أن���واع الكائنات‬

‫الموج���ودة على األرض‪ ،‬أثارت ش���غف‬ ‫العلماء والباحثين لعدة قرون‪ ،‬وتركزت‬ ‫اإلجابة مع البحوث األخرى على توزيع‬ ‫األن���واع وم���دى توافرها‪ ،‬وه���ي قضية‬ ‫بالغة األهمية اليوم‪ ،‬ألن تأثير األنشطة‬ ‫س���رع من معدل‬ ‫البش���رية السائدة اآلن ُي ّ‬ ‫انقراض العديد من أنواع الكائنات‪ ،‬حتى‬ ‫أن أنواع��� ًا عديدة من الكائنات قد تختفي‬ ‫قبل أن نتمكن من إدراك تلك الحقيقة‪.‬‬ ‫ووفق��� ًا للدكتور بوري���س وورم من‬ ‫جامعة داله���وس‪ ،‬اإلنس���انية رغم أنها‬ ‫ألزمت نفس���ها بإنق���اذ أن���واع الكائنات‬ ‫المه���ددة باإلنقراض‪ ،‬إال أنه���ا ال تمتلك‬ ‫حتى اآلن س���وى فكرة حقيقية محدودة‬ ‫عن أعداد تلك األنواع‪ .‬والحظ وورم أن‬ ‫المعدلة التي‬ ‫القائم���ة الحمراء التحذيرية ُ‬ ‫أصدرها أخيرًا االتح���اد الدولي للحفاظ‬ ‫على الطبيعة‪ ،‬أكدت على وجود ‪59508‬‬

‫أنواع من بينها ‪ 19625‬نوع ًا تم تصنيفها‬ ‫على أنها مهددة باالنقراض‪ ،‬ويعني ذلك‬ ‫أن القائمة الحمراء التي أصدرها االتحاد‬ ‫الدول���ي للحفاظ عل���ى الطبيعة‪ ،‬والتي‬ ‫تمثل أكثر الدراس���ات الجارية تعقيدًا قد‬ ‫تتبع���ت أقل م���ن ‪ % 1‬فقط م���ن مجموع‬ ‫أنواع الكائنات الموجودة في العالم‪.‬‬ ‫وقد نش���ر هذا البح���ث بجانب تعليق‬ ‫للورد روبرت ماي من جامعة أكسفورد‬ ‫الرئي���س الس���ابق للجمعي���ة الملكي���ة‬ ‫البريطانية امت���دح فيه الباحثين‪ ،‬معلق ًا‬ ‫ال جدي���داً‪ ،‬وعهدًا‬ ‫بأن البح���ث يمثل مدخ ً‬ ‫مرموق ًا لزهو وفخار اإلنسانية أن نعرف‬ ‫أن أع���داد الكتب في مكتب���ة الكونغرس‬ ‫األميركية ف���ي أول فبراير‪/‬ش���باط هذا‬ ‫العام كان قد بلغ نحو ‪ 22‬مليون ًا و‪195‬‬ ‫ألف كتاب‪ ،‬ولكنها ال تستطيع أن تخبرك‬ ‫بحالة وأعداد أنواع النباتات والحيوانات‬ ‫المنقرضة أو المهددة باالنقراض‪.‬‬ ‫وم���ن المعروف أن العالم الس���ويدي‬ ‫كارل ليناي���وس ق���د وض���ع ونش���ر في‬ ‫عام ‪ 1758‬النظام الذي مازال يس���تخدم‬ ‫لتسمية ووصف أنواع الكائنات‪ .‬وعلى‬ ‫مدى ‪ 253‬سنة منذ هذا التاريخ تم وصف‬ ‫نحو ‪ 1.25‬مليون نوع‪ ،‬منها مليون على‬ ‫س���طح األرض والباقي في المحيطات‪،‬‬ ‫وأدخل���ت قاع���دة البيان���ات المركزية‪،‬‬ ‫ويعتقد أن هناك ‪ 700‬ألف نوع أخرى تم‬ ‫وصفها‪ ،‬ولكن لم يت���م إدخالها بعد إلى‬ ‫قاعدة البيانات المركزية‪ .‬وقد ُبني أفضل‬ ‫تقدير لمجمل الكائنات على األرض على‬ ‫تخمينات ووجهات نظ���ر وآراء الخبراء‬ ‫الذين اندفعوا في تقديراتهم بشكل متباين‬ ‫من ‪ 3‬إلى ‪ 100‬مليون لعدم وجود طريقة‬ ‫لتحقيق تلك األرقام‪ .‬ولذلك قام العالمان‬ ‫م���ورا وورم باالش���تراك م���ع زمالئهما‬ ‫من جامعة دالهوس���ي بتنقية التقديرات‬ ‫الموضوع���ة إلجمال���ي أن���واع الكائنات‬ ‫وتوصلوا إل���ى النتيجة الس���ابقة بأنها‬ ‫تبلغ ‪ 8.7‬مليون نوع‪ ،‬وذلك باستخدام‬ ‫النم���اذج الرقمية الموضوع���ة في إطار‬ ‫النظام المتبع في علم التصنيف‪ .‬كش���ف‬ ‫علم���اء أ‪ 09‬ويحم���ل اس���م عال���م الفلك‬ ‫األلماني فريدريش فيلهلم هيرش���ل الذي‬ ‫ولد عام ‪ 1738‬وتوفي عام ‪.1822‬‬ ‫‪153‬‬


‫نامــوا تبـدعوا‬ ‫في كل يوم يكش���ف العلم���اء حقائق‬ ‫جديدة عن أس���رار الن���وم‪ ،‬وربما يكون‬ ‫أهم اكتش���اف في هذا المجال أن العلماء‬ ‫وجدوا نشاط ًا كبيرًا للدماغ أثناء النوم‪،‬‬ ‫وأنه يمكن لإلنسان االستفادة من وقته‬ ‫وهو نائم في تعلم أش���ياء جديدة‪ ،‬وهذا‬ ‫األمر ربما يكون مهم ًا بالنس���بة للطالب‬ ‫والباحثين والمبدعين‪.‬‬ ‫إذ يعك���ف العلم���اء اليوم ف���ي معهد‬ ‫ماك���س بالن���ك بألماني���ا عل���ى تحري‬ ‫الذكري���ات وطرق تخزينه���ا وآلية عمل‬ ‫الذاك���رة‪ ،‬وقد فوجئ���وا عندما وجدوا أن‬ ‫النوم يمث���ل معجزة عظيم���ة في التذكر‬ ‫والتعلم! والنتائج التي نشرت في مجلة‬ ‫(‪)Nature Neuroscience‬تمثل قفزة‬ ‫ف���ي معرفة كيفي���ة التعل���م والتذكر لدى‬ ‫اإلنس���ان‪ ،‬حيث وجدوا أن قشرة الدماغ‬ ‫تنشط أثناء النوم!!!‬ ‫وقد تبين بنتيجة هذه الدراس���ات أن‬ ‫المعلومات تخ���زن في منطقة عميقة من‬ ‫الدم���اغ تدع���ى ‪ hippocampus‬لفترة‬ ‫قصي���رة‪ ،‬ثم تتح���رك خالل ع���دة أيام‬ ‫وبخاصة أثناء النوم العميق إلى قشرة‬ ‫الدماغ ف���ي منطقة تدع���ى ‪neocortex‬‬ ‫لتصبح في مجال الذاكرة الطويلة األمد‪.‬‬ ‫فق���د أكد العلماء توم���اس هان وبرت‬ ‫س���اكمان وماينك ميثا على أهمية النوم‬ ‫في عملية التعلم والتذكر‪ ،‬حيث الحظوا‬ ‫‪154‬‬

‫نش���اط ًا كبي���رًا للخاليا العصبي���ة أثناء‬ ‫النوم‪.‬‬ ‫وبين���ت دراس���ة أميركي���ة أن النوم‬ ‫العميق يقلل من مش���كلة زي���ادة الوزن‬ ‫وخاصة عند األطفال‪ .‬وتقول الدراس���ة‬ ‫الت���ي أجريت ف���ي جامعة إيفانس���تون‬ ‫في والي���ة إلين���وي إن كل س���اعة نوم‬ ‫إضافي���ة تقلل من مش���كلة زيادة الوزن‬ ‫والسمنة‪ .‬وأكدت إيميلي سنيل‪ ،‬الخبيرة‬ ‫المسؤولة عن الدراسة أن قلة النوم تؤثر‬ ‫على الهرمونات المس���ؤولة عن الشعور‬ ‫بالجوع وخاصة عند األطفال‪.‬‬

‫النوم ينمي المواهب‬ ‫يق���ول الباحثون‪ :‬إن الن���وم المريح‬ ‫والمتراف���ق بمواصل���ة الممارس���ة‬ ‫واس���تمرارها‪ ،‬يمكن أن ينم���ي ويطور‬ ‫المه���ارات الفردية الخاص���ة والمواهب‬ ‫الشخصية‪ ،‬وخصوص ًا ما يتعلق بتنشيط‬ ‫الذاكرة وتنش���يط اس���تذكار ما حدث في‬ ‫الماضي‪ ،‬واستذكار التصورات‪.‬‬ ‫يقول الدكتور س���تيفان فيش���ر الذي‬ ‫ت���رأس هذه الدراس���ة‪ :‬إن النوم مفيد بل‬ ‫ض���روري لتحقي���ق مس���توى أفضل من‬ ‫المهارات‪ ،‬ويقول رئي���س جمعية النوم‬ ‫البريطانية نيل س���تاندلي‪ :‬إن الدراس���ة‬ ‫الجديدة تؤكد من جديد على أهمية النوم‬

‫في حياة اإلنس���ان‪ ،‬وأن���ه من الخطأ أن‬ ‫يتص���ور البعض أن النوم مجرد مضيعة‬ ‫للوقت وبال فائدة‪.‬‬ ‫وق���د أثبتت سلس���لة من الدراس���ات‬ ‫األلماني���ة وج���ود عالق���ة بي���ن الن���وم‬ ‫والقدرة على اإلبداع‪ ،‬وأن الدماغ يمارس‬ ‫نش���اطات إبداعية أثناء الن���وم‪ .‬ويقول‬ ‫الدكت���ور كارل هان���ت‪ ،‬رئي���س المركز‬ ‫القومي ألبحاث اضطرابات النوم التابع‬ ‫للمعاه���د القومية للصحة في ألمانيا‪ :‬إن‬ ‫نتائج وانعكاس���ات مثل هذه الدراسات‬ ‫س���تكون بالغة األهمية على أداء األفراد‬ ‫على الصعيدين الدراسي والعملي‪.‬‬ ‫وهناك دراس���ة قام بها علماء جامعة‬ ‫لوبي���ك أثبت���وا فيها نظري���ات الكيمياء‬ ‫الحيوية التي تش���ير إل���ى أن المخ يعيد‬ ‫ترتيب الذاك���رة قبيل التخزي���ن‪ ،‬وترى‬ ‫النظري���ة أن تطوي���ر الق���درات واإلبداع‬ ‫يحدث أثناء هذه المراحل‪ ،‬ويقول الدكتور‬ ‫بورن‪ :‬قد تقع عملية إعادة الترتيب هذه‬ ‫بطريقة ما تسهل من عملية حل المشاكل‬ ‫والمصاع���ب‪ .‬ولكن التفاع�ل�ات الدقيقة‬ ‫التي تؤدي لش���حذ المخ بتلك المقدرات‬ ‫أثناء النوم مازالت غير واضحة‪.‬‬ ‫ويهت���م العلم���اء األلم���ان بظاه���رة‬ ‫النوم ويحاولون االس���تفادة من نتائج‬ ‫تجاربهم‪ ،‬ويقولون‪ :‬تبدأ التغييرات في‬ ‫المخ الت���ي تؤدي إلى اإلب���داع وتطوير‬ ‫الق���درات في الح���دوث أثناء ما يس���مى‬ ‫بالموج���ات البطيئ���ة ‪ slow waves‬أو‬ ‫النوم العميق التي تحدث أثناء الساعات‬ ‫األرب���ع األولى م���ن دورة الن���وم‪ ،‬وقد‬


‫تفس���ر الدراس���ة األلمانية أيض��� ًا فقدان‬ ‫الذاك���رة مع التقدم في العمر الذي يرتبط‬ ‫باضطرابات وقلة النوم‪ ،‬خاصة العميق‬ ‫منه والضروري لعملية شحذ الذاكرة‪.‬‬ ‫وكان الباحث���ون قد ربط���وا منذ وقت‬ ‫طوي���ل بين الن���وم وقدرته على ش���حذ‬ ‫الذاكرة وتقوية وترتيب األفكار‪ ،‬بيد أنهم‬ ‫واجهوا صعوبة في تصميم تجربة تؤكد‬ ‫النظرية الش���ائعة‪ ،‬وتساهم اضطرابات‬ ‫النوم ف���ي التأثير بصورة س���لبية على‬ ‫شريحة واس���عة من المجتمع األميركي‬ ‫تبلغ ‪ 70‬مليون نس���مة‪ ،‬وذلك بتراجع‬ ‫حدة الذكاء وارتكاب الحوادث واإلصابة‬ ‫بأنواع مختلفة من األمراض‪.‬‬

‫الدماغ يسترجع الذكريات‬ ‫ويؤكد الباحثون من جامعة شيكاغو‬ ‫أن الحقائ���ق التي ينس���اها الناس خالل‬ ‫يوم حافل بالعمل ربما يمكن استرجاعها‪،‬‬ ‫إذا أعقب ذلك النوم بش���كل جيد‪ .‬وطلب‬ ‫الباحث���ون م���ن متطوعين تذك���ر كلمات‬ ‫بس���يطة‪ ،‬ووج���د كثي���رون أن ذاكرتهم‬ ‫تخذلهم في نهاية اليوم‪ ،‬لكن في صباح‬ ‫اليوم التالي استطاع أولئك الذين ناموا‬ ‫نوم ًا مريح ًا استرجاع المعلومات بشكل‬ ‫أفضل بكثير‪.‬‬ ‫وهذا يعني أن المخ يمكن أن يسترجع‬ ‫خ�ل�ال اللي���ل الذكريات الت���ي كادت أن‬ ‫تنس���ى‪ .‬وعندم���ا يطلب من الم���خ تذكر‬ ‫شيء ألول مرة تكون هذه المعلومة في‬ ‫حالة غير مس���تقرة‪ ،‬وهو ما يعني أنها‬ ‫ربم���ا تكون قد نس���يت‪ .‬وف���ي مرحلة ما‬ ‫يضع المخ المعلوم���ات المهمة في حالة‬ ‫أكثر اس���تقرارًا وثباتاً‪ ،‬لك���ن الباحثين‬ ‫ي���رون أنه من الممكن أن تع���ود الذاكرة‬ ‫المس���تقرة إلى حالة عدم االستقرار مرة‬ ‫أخ���رى عندما يتم اس���ترجاعها‪ ،‬ويعني‬ ‫ذلك أن الذكريات يمكن تعديلها وحفظها‬ ‫مرة أخرى عن���د مواجهة تجارب جديدة‪.‬‬ ‫إن ه���ذه القضية بالفع���ل تحير العقول‪،‬‬ ‫فهل الطبيعة هي التي صممت هذا النظام‬ ‫الدقي���ق للنوم؟ وه���ل المصادفة العمياء‬ ‫ه���ي التي جعلت الكائن���ات الحية تنام‪،‬‬ ‫وهي تعلم أن النوم مفيد لها؟‬

‫أطعمة من أجل المزاج الرائق‬ ‫ف���ي المرة القادمة الت���ي تذهب فيها‬ ‫للتس���وق ال تنس اختيار هذه األطعمة‬ ‫التس���عة التي س���تمنحك الفيتامينات‬ ‫األساس���ية وتحسن من مزاجك العام‪..‬‬ ‫هذه األطعمة تحتوي على مواد طبيعية‬ ‫تخفف من مس���تويات التوتر واإلجهاد‬ ‫في الجسم بشكل طبيعي‪.‬‬ ‫البرتقال‪ :‬فقد وجدت دراسة ألمانية‬ ‫ف���ي ‪ Psychopharmacology‬أن‬ ‫فيتامي���ن «ج» يس���اعد عل���ى تخفيض‬ ‫الدم و«هرمون‬ ‫اإلجهاد وإعادة ضغ���ط ّ‬ ‫الكورتيزول» إلى المستويات الطبيعية‬ ‫بعد حالة االرهاق‪ ،‬وفيتامين ج مشهور‬ ‫أيض��� ًا بقدرت���ه عل���ى تحس���ين جهاز‬ ‫المناعة‪.‬‬ ‫الحل���وة‪ :‬تعتب���ر البطاطا‬ ‫ّ‬ ‫البطاط���ا‬ ‫الحلوة من مخففات التوتر‪ ،‬ألنها تشبع‬ ‫رغبتنا بالنش���ويات والس���كريات مع ًا‬ ‫بطريق���ة طبيعية‪ ،‬وتحت���وي البطاطا‬ ‫عل���ى البيت���ا كاروتي���ن وفيتامين���ات‬ ‫أخرى‪ ،‬وتس���اعد األلياف على معالجة‬ ‫الكربوهيدرات بأس���لوب بطيء وثابت‬ ‫وبالتالي تقلل من المزاجية‪.‬‬ ‫المش���مش المجفّف‪ :‬المش���مش غني‬ ‫بالمغنيسيوم‪ ،‬الذي يقلل من مستويات‬ ‫اإلجه���اد ويرخ���ي العض�ل�ات بش���كل‬ ‫طبيعي أيضاً‪.‬‬ ‫اللوز والفستق والجوز‪ :‬اللوز غني‬ ‫بفيتامين ‪ ،B,E‬الذي يساعد على‬ ‫رفع نظ���ام المناع���ة‪ ،‬بينما‬ ‫يس���اعد الجوز والفس���تق‬ ‫على خفض ضغط الدم‪.‬‬

‫لحم الدي���ك الروم���ي‪ :‬يحتوي لحم‬ ‫الدي���ك الروم���ي على أحم���اض أمينية‬ ‫تع���رف باس���م ‪ tryptophan‬تس���بب‬ ‫إط�ل�اق هرم���ون ‪ ،serotonin‬وه���ي‬ ‫م���ادة كيماوية يفرزه���ا الدماغ وتبعث‬ ‫على االرتياح‪.‬‬ ‫السبانخ‪ :‬أي نقص في المغنيسيوم‬ ‫يمكن أن يس���بب الصداع الذي قد يؤدي‬ ‫الى داء الش���قيقة «الصداع» والش���عور‬ ‫باإلعياء‪ .‬يجب تناول كوب من السبانخ‬ ‫للحص���ول عل���ى‪ % 40‬م���ن حاجاتك‬ ‫اليومية من المغنيسيوم‪.‬‬ ‫الس���لمون‪ :‬الحمي���ات أو «األنظم���ة‬ ‫الغذائية» الغنية باألوميجا ‪ 3 -‬تحميكم‬ ‫من مرض القلب‪ ،‬ووجدت دراسة حديثة‬ ‫أن األوميجا ‪ 3 -‬يحافظ على مستويات‬ ‫هورمون���ات اإلجه���اد واألدرينالين من‬ ‫بلوغ الذروة‪.‬‬ ‫األف���وكادو‪ :‬تس���اعد الده���ون غير‬ ‫المشبعة والبوتاس���يوم الموجودة في‬ ‫األفوكادو على خفض ضغط الدم‪ .‬وتعد‬ ‫أحد أفض���ل الطرق لخفض ضغط الدم‪.‬‬ ‫(األف���وكادو يحتوي على بوتاس���يوم‬ ‫أكثر من الموز)‪.‬‬ ‫الخضراوات الخضراء‪ :‬القرنبيط أو‬ ‫(الزهرة)‪ ،‬اللفت‪ ،‬والخضراوات الورقية‬ ‫مصادر قوة من الفيتامينات التي تساعد‬ ‫على إعادة الطاقة والقوة ألجسامنا في‬ ‫أوقات اإلجهاد‪.‬‬

‫‪155‬‬


‫�أقالم‬

‫بصيص من نور‬

‫غزالة المطر‬

‫عرفته إذ كان أبوه يقسو عليه قسوة شديدة‪ ،‬وعلمت بأمره وقت اعتزامه‬ ‫الرحي���ل هرب ًا من تلك القس���وة؛ إال أن القدر يش���اء أن يرتمي ذلك األب في‬ ‫حضن ابنه مطعوناً؛ فلم أر منه إال نحيب ًا ونشيج ًا تتفطر له أكباد الجبال لو‬ ‫أتراه لو كان سيبكي شعراً‪ ،‬هل كان سيترنم ويقول‪:‬‬ ‫كان لها أن تتفطر‪ُ ..‬‬

‫َّ‬ ‫أنفا�س ُه‬ ‫وتقط ْ‬ ‫عت � ُ‬ ‫َ�س‬ ‫َ�س تَبَا َع َد عن نَف ْ‬ ‫نَف ٌ‬ ‫ُت‬ ‫ُ‬ ‫والنب�ض يَ ْخف ُ‬ ‫النب�ضات يف لَ َه ٍف‬ ‫أح�س ُب‬ ‫ِ‬ ‫� ُ‬ ‫�شعاع النور يَ ْب ُزغُ يف‬ ‫�أبغي ب�صي�صاً من‬ ‫ِ‬ ‫َ�س‬ ‫َغل ْ‬ ‫وته ّدجت كلماتُ ُه يف َح ْل ِق ِه‬ ‫فك�أنه ي�شكو �إ َّ‬ ‫يل وما نَبَ ْ�س‬ ‫والنَّ ْز ُف دفّاقٌ‬ ‫ك� َّأن دما َء َه نب ٌع تَ َغا َز َر وانْبَ َج ْ�س‬ ‫غري‬ ‫�ألقى‬ ‫ٍ‬ ‫بج�سم فوق �صدري مل يذق َ‬ ‫الهمو ْم‬

‫�ألقى ِب ِه‬ ‫فجعلتُ ُه يف حِ ْ�ض ِن �صدري‬ ‫و�ضممتُ ُه‪ ،‬و�شممتُ ُه‬ ‫ِ�س‬ ‫ُ‬ ‫وكتمت هذا النَّ ْز َف كيما يحتب ْ‬ ‫لكنه مل يحتب�س‬ ‫و�أطلَّ يرنو وهو يف حِ ْ�ضني �إىل عيني �أنا‬ ‫وحدي �أنا‬ ‫وك�أمنا ي�سرتج ُع الأيا َم والأحال َم يف عيني‬ ‫�أنا‬ ‫َ�س‬ ‫حتى انتهى ذاك النَّف ْ‬ ‫والنب�ض �أي�ضاً يف ح�شا ُه قد احتب�س‬ ‫ُ‬ ‫محمد عبد الرحيم الخطيب‬ ‫كلية دار العلوم ‪ -‬القاهرة‬

‫السعادة‪ ..‬المفهوم شبه الضائع‬ ‫ِ‬ ‫رحلة بحث عن كنز مجهول الخارطة‪ ،‬لم يدرك يوم ًا‬ ‫واإلنسان في‬ ‫‪ ‬منُذ األزل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومستقر في أعماق قلبه‪- ،‬بالتحديد‪ -‬قريب ًا جدًا من محل‬ ‫كامن‬ ‫عنه‬ ‫يبحث‬ ‫ما‬ ‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫إشارة من عقله الباطني ليبعث رسائل‬ ‫تنفسه‪ ،‬مقيدًا بقفص ضيق‪ ،‬ومنتظرًا‬ ‫إطالق سراح معتقل طال مدة سجنه‪ .‬أيها اإلنسان السعادة ليست ضرب ًا من‬ ‫المستحيالت‪ ،‬وال من نسج الخيال كقصص ألف ليلة وليلة‪ ،‬بل هي حقيقة‬ ‫طويل حال ْ‬ ‫مفتاح الزنزانة سجدة ودعاء وعزيمة‬ ‫ِك‪.‬‬ ‫ليل‬ ‫ٍ‬ ‫ترغب في البزوغ بعد ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وإصرار‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫جميل أن تستشعر معنى السعادة فتراها تشع في وجهك كالشمس‬ ‫لكم هو‬ ‫ً‬ ‫تزيدك بهاء‪ .‬أيا‬ ‫مضيئة‬ ‫ابتسامة‬ ‫وجهك‬ ‫على‬ ‫وترسم‬ ‫الشروق‪،‬‬ ‫وقت‬ ‫ُ‬ ‫إنسان اسعد لتعمل وتعطي‪ ،‬اسعد لتكون أنت أنت‪ .‬ابدأ اآلن واطلق‬ ‫سراحه‪ ،‬اخرج من دائرة الحزن‪ ،‬فأمثالك يستحقون أن يجربوا‬ ‫طعم السعادة‪ ،‬اجعلها تنساب من شرايين قلبك لتغذي روحك‬ ‫نق قلبك‪ ،‬افتح عقلك‪ ،‬دع الماضي يصبح ماضي ًا‬ ‫وجسدك‪ِ .‬‬ ‫وامض نحو مستقبل مشرق وال تنس أن تعيش الحاضر‬ ‫ِ‬ ‫بلحظاته‪ ..‬فأنت ابن اليوم‪ ،‬تذكر ذلك‪.‬‬ ‫منى محمد ‪ -‬الدوحة ‪ -‬قطر‬

‫‪156‬‬

‫‪1‬‬ ‫وت�رشدين‪..‬‬ ‫مدى القلب ملعبُك‪..‬‬ ‫�أيا ظبية الوريد الأرجواين ال�رشيد‪..‬‬ ‫تط ّهرك ال�سواقي‪..‬‬ ‫يعيد ك ما�ؤها �أمرية الطهر‪� ..‬أمرية الغدير‪..‬‬ ‫فيه تغت�سلني‪..‬‬ ‫وت�ستحيلني من ف�ضته‪..‬‬ ‫عقدا ً من عقيق‪ ...‬و�سحراً من حنني‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وت�رشدين‪..‬‬ ‫بهاء التلّ رو�ضك‪..‬‬ ‫ودفرتك بيا�ض القلب‪...‬‬ ‫ال�شعر‪...‬‬ ‫بيتاً فبيتاً من �سبحات ّ‬ ‫وحلو الق�صيد‪ ..‬مليكة الربيع واحلياة‪...‬‬ ‫خالد عارف عثمان ‪/‬سورية ‪ -‬جبلة‬


‫نستقبل مساهماتكم في «أقالم» على البريد اإللكتروني ‪ aklam_d@yahoo.com‬أو صندوق البريد‪ 22404:‬الدوحة‪-‬قطر‬

‫معذرة‪ ..‬أيتها الشعوب العربية!‬

‫األعمال الفنية‪ - tejosh halder :‬بنغالدش‬

‫من بين أعتى األشياء‪ ،‬التي أسفرت عنها الثورات العربية‪ ،‬حتى حدود‬ ‫اللحظ���ة‪ ،‬على األقل‪ .‬تبرز‪ ،‬في رأيي مس���ألتان رئيس���يتان‪ ،‬أكثر تجلي ًا‬ ‫مقارن���ة مع غيرهما‪ .‬أقصد‪ ،‬بذلك‪ :‬تبين بالملموس وبدليل قاطع ال رجعة‬ ‫في���ه‪ ،‬أن الطغاة الذين يحكموننا‪ ،‬أكثر ضحالة فكرية ومذهبية وأخالقية‬ ‫مما كنا نعتقد س���ابقاً‪ ،‬بالتالي قد يصلح أفضلهم إلدارة ش���ؤون مصرف‬ ‫صغير‪ ،‬أما جهاز دولة بالمفهوم الحديث للكلمة‪ ،‬فال أظن‪ .‬إذن‪ ،‬اكتش���فنا‬ ‫اليوم بالملموس‪ ،‬سبب تخلفنا المريع عن األمم المتقدمة‪ ،‬بقرون وقرون‪،‬‬ ‫م���ادام مصير العرب انتهى ف���ي هذا الزمان اللعين إل���ى بلهاء ومخادعين‬ ‫ومخاتلين وضعاف النفوس‪.‬‬ ‫في المقابل‪ ،‬وكحقيقة ثانية سطعت مثل الشمس على كهف لم ير النور‬ ‫منذ ماليين السنين‪ ،‬أن الشعوب العربية‪ ‬ودحض ًا لكل النماذج المرسومة‬ ‫قب�ل�ا‪ ،‬فاجأت العالم بش���دة‪ ،‬وأثبت���ت لمن يحتاج إلى إثب���ات أن فطرتها‬ ‫ً‬ ‫وذكاءها وخيالها ومبتغاها‪ ..‬ال تختلف قيد أنملة عن ما يميز باقي البشر‪،‬‬ ‫وبأن الليبي أو المصري أو الس���عودي‪ ..‬يسكنه نفس التطلع إلى الحرية‬ ‫والكرامة‪ ..‬فقط ما كان ينق���ص العربي عن غيره‪ ،‬تلك القيادة التاريخية‬ ‫المؤهلة فعال ألن تستثمر إيجابياته وتهذب سلبياته‬ ‫سعيد بوخليط‬ ‫مراكش ‪ -‬المغرب‬

‫العجوز والبحر‬ ‫ليس عجوز همنجواي بل آخر سكندري توطدت عالقته‬ ‫بالحياة حتى غم���رت وجنتيه بتجاعيده���ا الحنون‪ ،‬ترهل‬ ‫جسده وهجرت األسنان فمه تاركة خلفها خواء صنع مساحة‬ ‫زائدة في ش���فتيه تبرز إلى األمام عند انطباقهما فيبدو دائم‬ ‫االمتعاض‪ ،‬أهو فعل الخواء بفمه حقا؟ أم فعل السنون بقلبه؟‬ ‫رأيت���ه ف���ي نه���ار رمضان���ي من نه���ارات أغس���طس‪/‬آب‬ ‫الحارة على كورنيش اإلس���كندرية الذي لم ينجح نس���يمه‬ ‫ف���ي تخفي���ف ح���دة الح���ر وال اجت���ذاب العش���اق يومذاك‬ ‫ال البحر بصدره‪ ،‬مولي ًا ظهره للعالم‪ ،‬بدأ مناجاته للبحر‪،‬‬ ‫مستقب ً‬ ‫ابتدأها بوجه هاجئ االنفعاالت‪ ،‬يداه لم تكفان عن الحركة هنا‬ ‫وهناك بإشارات الحديث المألوفة لشرح ما تنطق به شفتاه‪،‬‬ ‫المارة المتعجلون للهرب من الحر والصيام أخذوا يرمقونه‬ ‫بنظرات الدهش���ة والسخرية‪ ،‬لم يلمحهم هو‪ ،‬كان مستغرق ًا‬ ‫في مناجاته للبحر‪ ،‬كان يسبح في عالم غير عالمهم (حقيقة)‬ ‫ب���دا كم���ا ل���و كان ذل���ك لوم��� ًا ال مج���رد ب���وح أو ثرث���رة‬ ‫فارغ���ة‪ ،‬فحديث���ه للبح���ر احتد أكث���ر‪ ،‬وجهه حم���ل غضب ًا‬ ‫رقيق���اً‪ ،‬وانفع���االت يدي���ه أصبح���ت أكث���ر عصبي���ة‪.‬‬

‫في���م كان يل���وم البحر؟ هل أجه���ض له البحر حلم��� ًا قديماً؟‬ ‫أينتظ���ر عزيزًا ط���ال غيابه؟ هل أغ���رق البحر يوم��� ًا ولده‬ ‫الش���اب المهاجر للحياة على الشاطئ اآلخر؟ هل دفن البحر‬ ‫يوم��� ًا بين أعماقه محبوبة قديمة ل���ه؟ أينتظر حورية من‬ ‫حوري���ات البحر؟ ك���م عمر هذه العالقة بين���ه وبين البحر؟‬ ‫توقفت عن محاولة التأويل حينما لمحت توقفه عن الحديث‪،‬‬ ‫وضع يديه على خاصرت���ه وظهر عليه التركيز‪ ،‬بدا كما لو‬ ‫كان ينصت باهتمام لمحدث ما‪ ،‬أكان البحر يبادله المناجاة؟‬ ‫ال أع���رف‪ ،‬ال يه���م أن أعرف‪ ،‬ال يه���م إن كان البحر يناجيه‬ ‫حق��� ًا أم ال‪ ،‬المه���م أن يصدق ه���و ذلك‪ ،‬أن البح���ر يناجيه‬ ‫فجأة وفي ذلك اليوم الصيفي الملتهب عديم الرياح زام البحر‬ ‫وهاج���ت أمواجه قبل أن يهوي بها على الصخور لتتكس���ر‪.‬‬ ‫الم���ارة المتعجلون للهرب من الحر والصيام طفقوا يهربون‬ ‫م���ن رذاذ البح���ر المتناث���ر ويتقون���ه بم���ا ملك���ت أيديهم‪،‬‬ ‫وحده الرجل العجوز‪ ،‬اس���تقبل الرذاذ بابتس���امة عريضة‬ ‫وصدر مفرود‪ ،‬قبل أن يستدير ليغادر البحر منشرح الصدر‬ ‫والقسمات‪.‬‬ ‫أحمد نور الدين ‪ -‬مصر‬

‫‪157‬‬


‫�صفحات مطوية‬

‫خم�سون عاما ً على جملة «الكاتب» الطليعية‬ ‫�شعبان يو�سف‬

‫مجل���ة «الكاتب» التي ص���در عددها‬ ‫األول في إبريل‪/‬نيس���ان عام ‪ 1961‬أي‬ ‫منذ خمس���ين عاماً‪ ،‬وت���رأس تحريرها‬ ‫أح���د الضب���اط األح���رار المثقفين وهو‬ ‫أحم���د حم���روش‪ ،‬وكان رئيس مجلس‬ ‫اإلدارة ص�ل�اح س���الم ‪ -‬عض���و مجلس‬ ‫قي���ادة الث���ورة ‪ ،-‬وتص���درت الع���دد‬ ‫األول كلم���ة لجمال عب���د الناصر تقول‪:‬‬ ‫(عقيدت���ي الثابت���ة ه���ي أن العل���م على‬ ‫اختالف نواحيه هو الوس���يلة الحقيقية‬ ‫لتطوي���ر مجتمعنا‪ ..‬والواق���ع أنه بدون‬ ‫العل���م تصبح كل األح�ل�ام التي تجيش‬ ‫في صدورنا كس���راب الصحراء وهم ًا ال‬ ‫وجود له‪ ،)..‬ثم ص���ورة في الصفحات‬ ‫األولى للرئيس‪ ،‬وكت���ب تحتها‪« :‬حامي‬ ‫الثقاف���ة»‪ ،‬ورغم أن الرئي���س بصورته‬ ‫وبكلماته وبوصفه حامي��� ًا للثقافة‪ ،‬إال‬ ‫أن المقدم���ة التي وقعت باس���م «أس���رة‬ ‫الكات���ب» تعترف ب���أن أزم���ة المثقفين‬ ‫الع���رب ‪ -‬وعلينا أن نتذكر أن هذا الوقت‬ ‫‪158‬‬

‫كتب محمد حس���نين هيكل كتابه الشهير‬ ‫«أزمة المثقفين»‪ ،‬وتم تقسيمه وترويجه‬ ‫وتس���ويقه ‪ -‬بصفته���ا الكلمة الفصل في‬ ‫موضوع الثقافة‪ ،‬ولكن المقدمة تعترف‬ ‫بـ‪« :‬لس���نا ندعي أننا نسجل بهذه المجلة‬ ‫أزمتن���ا الثقافي���ة‪ ،‬ولكننا ننش���ئ منبرًا‬ ‫جدي���دًا متواضع��� ًا لعله يعي���ن المثقفين‬ ‫على رد اعتبار الثقافة»‪ .‬وكتب في العدد‬ ‫األول نجوم الثقافة الفتية في ذلك الوقت‬ ‫مثل الكت���اب والمبدعين أحمد بهاء الدين‬ ‫وص�ل�اح عبد الصبور ونعمان عاش���ور‬ ‫وأحمد عبد المعطي حجازي وعبد الرحمن‬ ‫الخميس���ي ومحمد مندور وسعد مكاوي‬ ‫ويحي���ى حقي ولويس عوض وس���هير‬ ‫القلماوي وفؤاد دوارة ومفيد الشوباشي‬ ‫وشكري عياد‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬أي كل المشهد‬ ‫الثقافي الساطع‪ ،‬وفي العدد الثاني بدأت‬ ‫تتعزز أقدام المجلة في الحياة الثقافية‪،‬‬ ‫وراحت تجذب أس���ماء جدي���دة مثل أنور‬ ‫المعداوي وس���عد كامل ورشدي صالح‬

‫وس���عد الدين وهبة‪ ،‬وكتب صالح سالم‬ ‫مقدم���ة طويل���ة تحت عنوان «المش���كلة‬ ‫الجزائري���ة» لتعزيز البع���د العربي الذي‬ ‫كان���ت تتبن���اه وترع���اه الدول���ة ذاتها‪،‬‬ ‫وفي العدد الثالث نش���ر يوسف ادريس‬ ‫روايته الش���هيرة والرائعة‪( :‬العس���كري‬ ‫األس���ود)‪ ،‬ومن هنا بدأت المتاعب التي‬ ‫أحاط���ت بالمجلة‪ ،‬وراحت تمثل الصوت‬ ‫الطليعي ف���ي الحياة الثقافي���ة – آنذاك‬ ‫‪ ،‬هذا الصوت الذي اتخذ ش���عار‪( :‬مجلة‬‫الثقافة اإلنسانية) هدف ًا له‪ ،‬ثم تغير هذا‬ ‫الش���عار إلى‪( :‬مجل���ة المثقفين العرب)‪،‬‬ ‫وب���دأت الس���لطة تم���ارس نوع��� ًا م���ن‬ ‫التضيي���ق‪ ،‬فبعد تغيير رئيس التحرير‪،‬‬ ‫وتنصيب الكاتب أحمد عباس صالح في‬ ‫أول يناير‪/‬كان���ون أول ‪ 1964‬رئيس��� ًا‬ ‫للتحري���ر‪ ،‬قدم���ت المجلة نوع��� ًا مختلف ًا‬ ‫شكل تغييرا‪ ،‬وأحدث تطويرًا في المادة‬ ‫الثقافية‪ ،‬وهذا يعني أنها أفلتت بش���كل‬ ‫نس���بي – أيض ًا – من المتابعة والمرافبة‬ ‫السلطوية‪ ،‬إال أن السلطة لم تحتمل هذا‬ ‫المنحى‪ ،‬فعينت الصحفي حلمي س�ل�ام‬ ‫رئيس��� ًا لمجلس اإلدارة‪ ،‬الذي قام بنقل‬ ‫الكتاب اليساريين العاملين بدار التحرير‬ ‫إل���ى ش���ركات القطاع الع���ام المختلفة‪،‬‬ ‫ونقل رئيس التحرير إلى شركة لتجارة‬ ‫األخش���اب ! وأغلقت المجل���ة بقرار من‬ ‫الصحفي حلمي سالم‪ ،‬وهذا كان يتم في‬ ‫إطار صراع صقور الس���لطة وهذا ما لم‬ ‫يرض جمال عب���د الناصر‪ ،‬فأصدر قرارًا‬ ‫باس���تعادة المجلة‪ ،‬ولكن خارج رعاية‬ ‫المؤسس���ة – دار التحرير – وعلى نفقة‬ ‫وبجه���د مصدريه���ا – كما كت���ب إبراهيم‬ ‫منصور ‪ -‬وحاول���ت الدولة عبر رئيس‬ ‫وزرائها الدكتور عبد القادر حاتم استمالة‬ ‫المجلة نحو سياستها‪ ،‬فطلب من المجلة‬ ‫أن تنضم ل���وزارة الثقافة‪ ،‬وقبلت هيئة‬ ‫تحرير المجلة في ذلك الوقت – ‪– 1966‬‬ ‫برغم أن توزيعها وصل إلى اثني عش���ر‬ ‫ألف���اً‪ ،‬ولك���ن الص���دام زادت حدته‪ ،‬ألن‬ ‫المجل���ة كانت تزداد وتتط���ور في تقديم‬ ‫الم���ادة الثقافية والفكرية والسياس���ية‬ ‫المختلفة عن سياسة الدولة‪ ،‬أي الصدام‬ ‫بي���ن ثقافة مس���تقلة ومتم���ردة وناقدة‬ ‫للوضع العام‪ ،‬وبين سلطة تريد تثبيت‬


‫وتدعي���م قوائمها بثقافة تقليدية ومؤيدة‬ ‫لكل ما تفعله‪ ،‬وظل ه���ذا الصدام الناعم‬ ‫حتى سبتمبر‪/‬أيلول ‪ 1971‬حيث أصدر‬ ‫الدكت���ور عبد الق���ادر حات���م وكان نائب ًا‬ ‫لرئي���س الوزراء ق���رار غاش���م ًا يقضي‬ ‫بإغالق جمي���ع المجالت الص���ادرة عن‬ ‫وزارة الثقافة‪.‬ظ���ل ه���ذا الص���راع حتى‬ ‫بلغ ذروته في عام ‪ ،1974‬ودخل وزير‬ ‫الثقافة (الراحل يوسف السباعي)‪ ،‬طرف ًا‬ ‫شخصي ًا في هذا الصراع‪ ،‬ودارت معركة‬ ‫على صفحات المجالت والجرائد‪ ،‬وكانت‬ ‫الحج���ة مقالي���ن ألحمد عب���اس صالح‪،‬‬ ‫وصالح عيس���ى‪ ،‬وكانت ه���ذه الفترة –‬ ‫تحدي���دًا – يتم فيها تصفي���ة كل المالمح‬ ‫الباقية من العهد الناصري‪ ،‬وكانت مجلة‬ ‫الكاتب إحدى العالمات البارزة لهذا العهد‪،‬‬ ‫فتكاثرت س���يوف اليمي���ن الثقافي على‬ ‫المجلة‪ ،‬فكتب ابراهيم الورداني سلسلة‬ ‫مقاالت‪ ،‬واستخدم كل أسلحة التسخيف‬ ‫والتزيي���ف ليس���حق بدبابت���ه الرجعية‬ ‫هذه الطيور المغردة في س���ماء الثقافة‪،‬‬ ‫وكان���ت مقاالته بمثاب���ة بالغات موجهة‬ ‫ومقدمة إلى الس���لطة‪ ،‬وكان السادات قد‬ ‫أصدر ف���ي فبراير‪/‬كان���ون ثاني ‪1974‬‬ ‫قرارًا برفع الرقاب���ة عن الصحف‪ ،‬فكتب‬ ‫الوردان���ي ف���ي ‪ 1974/4/4‬مقا ًال تحت‬ ‫عن���وان‪( :‬األق�ل�ام‪ ..‬وما يكتب���ون) يندد‬ ‫فيه بمجلة الكات���ب وبأقالمها‪ ،‬ويتهمهم‬ ‫بأنهم استغلوا مناخ الحرية‪ ،‬لكي ينفثوا‬ ‫س���مومهم في جسد األمة‪ ،‬وكتب يوسف‬ ‫السباعي ‪ -‬وزير الثقافة ‪ -‬بنفسه‪ ،‬فرأى‬ ‫أن يك���ون معول���ه هو الحاس���م في هذه‬ ‫المعرك���ة‪ ،‬وحكى حكايات مطولة‪ ،‬ثبت‬ ‫بع���د ذلك أنه���ا حكايات ليس���ت دقيقة‪،‬‬ ‫وبعدها قدمت أس���رة التحرير اس���تقالة‬ ‫جماعية لوزير الثقافة‪ ،‬وتم اس���تضافة‬ ‫المجل���ة لمدة عددين ف���ي مجلة الطليعة‬ ‫اليس���ارية‪.‬أما مجلة الكات���ب األميرية ‪-‬‬ ‫كما أطل���ق عليها المثقفون بعد ذلك‪ ،‬أي‬ ‫الحكومية‪ ،‬فتم إس���ناد رئاسة تحريرها‬ ‫إل���ى الش���اعر ص�ل�اح عب���د الصب���ور‪،‬‬ ‫وانقس���مت الحي���اة الثقافية ح���ول هذا‬ ‫التنصيب‪ ،‬وتعاون م���ع صالح عدد من‬ ‫المثقفين‪ ،‬وأدانه آخرون‪.‬‬

‫�ضعف الإ�سناد‬ ‫محدث مس���لم ونصراني‬ ‫اجتم���ع ِّ‬ ‫فص���ب النصراني من‬ ‫ف���ي س���فينة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫زق كان مع���ه ف���ي كأس وش���رب‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ث���م راح يصب ويش���رب‪ .‬وبعد حين‬ ‫عرض على المحدث كأساً‪ ،‬فتناولها‬ ‫المحدث من غير تفكير وشرب‪ .‬فقال‬ ‫له النصراني‪ :‬ويحك هذا خمر‪ .‬فقال‬ ‫له المحدث‪ :‬من أين علمت أنها خمر؟‬ ‫خمار‬ ‫فأجابه‪ :‬اش���تراها غالم���ي من ّ‬

‫يهودي‪ ،‬وحل���ف أنها خم���ر معتقة‪:‬‬ ‫فق���ال المح���دث‪ :‬أنت أحم���ق‪ ،‬فنحن‬ ‫أصحاب الحديث نروي عن الصحابة‬ ‫والتابعين‪ ،‬فكيف تريدني أن أصدق‬ ‫نصراني��� ًا عن غالم يه���ودي؟ واهلل ما‬ ‫شربتها إال لضعف اإلسناد‪.‬‬ ‫* ابن حجة الحموي‪« ،‬ثمرات األوراق»‪،‬‬ ‫وهو هامش كتاب‪« :‬المستطرف في كل‬

‫فن مستظرف» لألبشيهي‪.‬‬

‫والدٌ يحت�رض وولد يتقعر‬ ‫كان لبعضه���م ولٌد نح���وي يتقعر‬ ‫ف���ي كالمه‪ ،‬فاعتل أبوه علة ش���ديدة‬ ‫أش���رف فيه���ا على الم���وت‪ .‬فاجتمع‬ ‫أوالده وقال���وا ل���ه‪ :‬ندع���و ل���ه فالن ًا‬ ‫إن جاءن���ي قتلني‪.‬‬ ‫أخانا‪ .‬ق���ال‪ :‬ال‪ْ ،‬‬ ‫فقال���وا‪ :‬نح���ن نوصي���ه أال يتكل���م‪.‬‬ ‫فدعوه فلم���ا دخل قال له‪ :‬يا ِ‬ ‫أبت‪ :‬قل‬ ‫ال إله إال اهلل تدخ���ل الجنة وتفوز من‬ ‫النار‪ .‬يا ِ‬ ‫أبت واهلل ما شغلني عنك إال‬

‫فالن‪ ،‬فإنه دعان���ي باألمس فأهرس‬ ‫وأعدس واس���تبذج وسكبج وطهبج‬ ‫وأفرج ودجج وأبصل وأمضر ولوزج‬ ‫وافلوذج‪ .‬فصاح به أبوه‪ :‬غمضوني‪،‬‬ ‫فقد سبق ابني ملك الموت إلى قبض‬ ‫روحي‪.‬‬ ‫* القيرواني‪« ،‬جميع الجواهر في الملح‬ ‫والنوادر»‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪.1987 ،‬‬

‫‪159‬‬


‫منهل السراج‬

‫تربة الكاتبة‬ ‫تسارع الكاتبة من اللهفة‪:‬‬ ‫ـ أنا أحرق نفسي‪ !..‬لعلنا ننقذ‪ ،‬المندفع والمتحمس والحالم‬ ‫والمفعم أمالً‪ ،‬وصاحب النخوة‪ ،‬ونقي السريرة‪.‬‬ ‫ال ش���يء متاح ًا لك يا كاتبة‪ ،‬فأنت ال تس���تطيعين حتى أن‬ ‫تحلمي‪ ،‬تكلمي وأنت ساكتة!‬ ‫ـ أؤم���ن أن العال���م القادم‪ ،‬ه���و عالم البط���ات والدجاجات‬ ‫والخرفان واألرانب والقواقع‪ ،‬وكل مخلوق كان اليوم نافعاً‪.‬‬ ‫أؤمن أن العالم القادم س���وف يقصقص أفق الصقور‪ ،‬وكل‬ ‫من هم ضارية‪.‬‬ ‫أن‪ ،‬لن يكون في العالم القادم من يخسرون في بعضهم‪.‬‬ ‫سيكون‪ ،‬ليس انتصاب ًا وال اقتحاماً‪.‬‬ ‫سيكون عالم المخلوقات التي سعت على الدهر وتسعى‪.‬‬ ‫العال���م القادم! عال���م المخلوقات ذات ال���رؤوس الصغيرة‬ ‫واألمخاخ الزكية‪.‬‬ ‫ولن يكون عالم الفحول‪ ،‬بعد اآلن‪.‬‬ ‫وأم���د اليدين للحزينات في البالد منادية‪ :‬امضين إلى تربة‬ ‫األبن���اء والبنات‪ ،‬هاجر ومحمد وم�ل�اك وكل من قضى ناقص ًا‬ ‫عم���راً‪ ،‬احملن جرة ماء في ذراع‪ ،‬وف���ي الثانية عرق ًا أخضر‪،‬‬ ‫زين المكان باله�ل�ال‪ ،‬واصرخن‬ ‫اغ���رزن وازرعن واس���قين‪ّ ،‬‬ ‫بالبكاء‪ ،‬حتى الشبع‪ ،‬تحصدن الكثير من العزاء‪.‬‬ ‫وامض���ي هنا عصر كل يوم‪ ،‬حين تكاد الغصة أن تنبق من‬ ‫قدمي‪،‬‬ ‫العنق‪ ،‬امضي إلى مقابر الغرباء‪ ،‬فال أس���مع إال حفيف ّ‬ ‫وال أرى إال شواهد بأس���ماء غريبة‪ ،‬آن ماري‪ ،‬بريت لويس‪،‬‬ ‫ستيفان‪ ،‬أندرش‪..‬‬ ‫لكنني‪ ،‬اآلن‪ ،‬أرتجف غضباً‪.‬‬ ‫آمني بالجنة!‬ ‫هن���اك في الوديان‪ ،‬عند منابع األنهار س���وف يعيش���ون‪،‬‬ ‫يرتوون ماء زالالً‪ ،‬وعلى األرائك‪ ..‬إلخ‬ ‫ـ مطمورون تحت التراب‪ ،‬الضحايا‪ ،‬ناسي‪ ،‬الناس‪ !..‬أريد‬ ‫عيني‪ ،‬أحتاج أن أنزل‬ ‫أن ّ‬ ‫أرج العال���م من كتفيه‪ ،‬كي ينظر في ّ‬ ‫عن كاهلي حمل الضحايا‪.‬‬ ‫وأنت! ربما‪ ،‬تتاح لك بعض الخطايا وبعض الهموم‪ ،‬لكنك‬ ‫أيض ًا لن تتقني ارتكابها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كتبت الهية‪ :‬نحن من نعشق الوادي والنهر‪ ،‬في الظل‪ ،‬نلتذ‬ ‫‪160‬‬

‫ونثمر‪ .‬يؤنسنا الحب المسروق‪ .‬وللمليحات منا‪ ،‬شأن وقيمة‪،‬‬ ‫فاتنات حين يعشقن‪ ،‬وعند الحلو والمر ماجدات‪ ،‬هن السيدات‬ ‫على األبناء من الرجال‪ ،‬ولكلمة األم‪ ،‬قدسية األرباب‪.‬‬ ‫حين الضي���ف ننتظر نحن عند العتبة‪ ،‬ال نفتش عن األصل‬ ‫والفصل‪ ،‬وال عن الحسب والنسب‪ ،‬ألن الولد عندنا يسبق أباه‪،‬‬ ‫واألب يبتس���م‪ .‬ال نق���اوم‪ ،‬وال نمارس رد الفع���ل‪ .‬نحن نبادر‬ ‫بفعل آخر‪ ،‬يخصنا والظرف‪ ،‬وحين يثوب التائه إلى الرشد‪،‬‬ ‫بحكمتنا نبدأ تمام ًا عند رشده وبفعلنا نبدأ‪.‬‬ ‫ومضي���ت في غيك‪ :‬لم���اذا نحن هكذا؟ تقولي���ن‪ ،‬ألن النزاع‬ ‫كان مع القدر‪ ،‬وم���ن يقدر أن يتعالج مع قدره‪ ،‬يقدر أن يتدبر‬ ‫صعوبات البش���ر‪ ،‬وال نعتب على من ال يقدرنا حق القدرـ فهذا‬ ‫أيض ًا نحسبه على صعوبات البشر‪ ،‬وفي القلب‪ ،‬الرب الحق‪،‬‬ ‫الذي يرجى به‪ ،‬وال يرجى له‪.‬‬ ‫ثم تماديت‪ ،‬ونبش���ت‪ ،‬تكتبي���ن عن يوم البل���وغ‪ :‬ضربوا‬ ‫بالمعول حول الش���جرة‪ ،‬وربطوها بالبل���دوزر‪ ،‬واقتلعوها‪.‬‬ ‫نصب العيني���ن تركوا لي موطئ اقتالع الش���جر‪ .‬فورثت عبق‬ ‫الجذور‪.‬‬ ‫حين أنهيت كلماتك وفخرك‪ ،‬وانتشيت‪ُ ،‬سرق همك!‬ ‫وتساقط الشهداء‪..‬‬ ‫سكوت من الكاتبة‪.‬‬ ‫حين ترتجفين غضب ًا وتشعرين أن الحق مغتصب والكفين‬ ‫فارغان إال من المسالك المقطوعة‪ ،‬بالمختصر‪ ،‬خالية الوفاض‬ ‫من الهم والغم وكل أسباب الحياة‪ ،‬اشتري سير الركض!‬ ‫اركض���ي في مكانك! افعل���ي كل يوم‪ ،‬ال ب���أس عليك بأن‬ ‫تلهث���ي‪ ،‬أما الدمع الهاطل‪ ،‬فاحرصي أن تدعس���ي على دمعك‬ ‫الهاطل‪ ،‬ادعسي على السير الناقل للدمع‪ ،‬وأعيدي الدعس في‬ ‫كل مرة يرجع إليك مداس الدمع‪.‬‬ ‫ـ يقولون‪ ،‬ليسوا هم من يرتكبون الجريمة‪ ،‬يقولون‪ ،‬كانوا‬ ‫شهوداً‪.‬‬ ‫ف���إن ل���م ُيج���ِد كل ما س���بق م���ن الوصف���ات والتمرينات‬ ‫والمعززات‪ ،‬أعدك يا كاتبة‪ ،‬سيتالشى القهر‪ ،‬سوف تركنين‪،‬‬ ‫يوماً‪ ،‬حين تش���بعين م���ن التراب‪ ،‬طبعاً‪ ،‬كمثل من يس���مونه‬ ‫الش���هيد‪ ،‬ولك بعض أمل بأنه ربما تشبع بك تربتك‪ ،‬موطئ‬ ‫نحولك‪.‬‬


‫�ضد الن�سيان‬

‫إيليا أبو ماضي‬

‫المجدد‬ ‫كان إيليا أبو ماضي ثالث ثالثة ‪ -‬جبران وميخائيل نعيمة‪..‬‬ ‫أحدثوا تجديدًا في الكلمة الشعرية‪ ،‬وجعلوها تتسع لمضامين‬ ‫الحياة االجتماعية والفكرية والنفسية‪ ..‬دون أن تفارقها إمارات‬ ‫البساطة والوضوح‪ ،‬بل حملوا القصيدة العربية من غيابات‬ ‫العصور الوسطى وعبروا بها المحيط‪ ،‬وعلى الشاطئ اآلخر‬ ‫في المهجر أسس إيليا أبو ماضي فلسفته الخاصة في الموت‬ ‫والوجود والحياة والحب‪.‬‬ ‫ولد إيليا ضاهر أبي ماضي في ‪ 1889‬في قرية المحيدثة في‬ ‫شمال لبنان من عائلة أرثوذكسية فقيرة‪ ..‬ولكن إصراره‬ ‫وجلده جعال منه واحدًا من رواد الشعر‪ ،‬وأحد أعالم النهضة‬ ‫األدبية العربية في بدايات القرن العشرين‪.‬‬ ‫منذ طفولته واألسئلة الحائرة تشغله‪ ،‬وهو ال يعلم من أين جاء‪،‬‬ ‫وال إلى أين سيؤول مصيره‪ ،‬وفي أي طريق سيسير‪ ،‬وبقيت‬ ‫الحيرة تطارده حتى كتب قصيدته الشهيرة (الطالسم)‪:‬‬ ‫حيئت ال أعلم من أين‪ ،‬ولكني أتيت‬ ‫ولقد أبصرت أمامي طريق ًا فمشيت‬ ‫وسأبقى ماشي ًا إن شئت هذا أم أبيت‬ ‫كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي‪ ..‬لست أدري!!‬ ‫وإن أجبره الفقر على أن يترك دراسته‪ ،‬إال أنه لم ينل من‬ ‫موهبته التي تغنت باألمل الذي بقي معه ولم يفارقه لحظة في‬ ‫حياته أو شعره‪:‬‬ ‫«وقال السماء كئيبة وتجهم ‪ -‬قلت ابتسم يكفي التجهم في‬ ‫السماء‬ ‫قال الصبا ولى‪ ،‬فقلت له ابتسم‪ ،‬لن يرجع األسف الصبا‬ ‫المتصرما»‬ ‫تقول الشاعرة فدوى طوقان‪« :‬إنني أرفع أبوماضي إلى القمة‬ ‫وال أفضل عليه شاعرًا عربي ًا آخر‪ ،‬ال في القديم وال في الحديث‪،‬‬ ‫فالشعر العربي لم يعرف له من نظير»‪.‬‬ ‫سافر إلى مصر هرب ًا من الفقر والعوز ليعمل في تجارة التبغ‪،‬‬ ‫وهناك تعرف على األديب أمين تقي الدين الذي تبناه ونشر‬ ‫أولى قصائده في مجلة «الزهور» وفي مصر أصدر ديوانه‬ ‫األول «تذكار الماضي» عام ‪ 1911‬من مكتبة مصر وكان يبلغ‬ ‫من العمر ‪ 22‬عاماً‪ ،‬ساند الوطنيين بشعره فألب عليه غضب‬ ‫السلطة واالحتالل‪ ،‬مع أن معظم شعره كان للتنديد بالظلم‬ ‫الذي يمارسه الطغيان العثماني ضد بالده‪.‬‬ ‫هاجر عام ‪ 1912‬إلى أميركا‪ .‬وفي المهجر أسس مع جبران‬ ‫ونعيمة «الرابطة القلمية»‪ ،‬التي تعد من أبرز معالم األدب‬ ‫العربي الحديث‪ ،‬وكانت الرابطة هي أداة أبوماضي لنشر‬ ‫فلسفته الشعرية‪.‬‬ ‫وكتب إيليا أبو ماضي أفضل شعره في المهجر‪ ،‬حتى فاجأته‬ ‫نوبة أوقفت قلبه عن الحب والشعر والكالم المباح في ‪23‬‬ ‫نوفمبر ‪1957‬م‪.‬‬

‫‪163‬‬


‫اطلب نسختك المجانية‬ ‫من الكتاب مع العدد‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.