كبار السن
ما لهم وما علينا
كبار السن
ما لهم وما علينا
كبار السن
ما لهم وما علينا
في األول من أكتوبر ،تحتفل األمم المتحدة ودول الســن .واعتماد هــذا اليوم العالــم معهــا بيوم كبار ّ من كل عام في المنظمة العالمية مدعاة لالغتباط فــي مســيرة تعزيــز ثقافــة االهتمــام بالمســنّ ين، لاللتفــات إلى هذه الفئة الشــديدة الخصوصية من ً وتلبية البشــر ،لقــاء فضلهــم على األجيــال الناشــئة، لحاجاتهم حين تتقدم بهم السن. والحــق يقــال ،إن رعايــة المســنين مبدأ ليــس جديداً دخيــا علــى حضارتنــا .ففــي ُعرفنــا ،يحمــل وال ً المســنّ ون فــي عقولهم عصارة حكمــة كل مجتمع. والمســنّ ون مــن اآلبــاء واألمهــات يرشــدوننا فــي طيــش فتوتنــا ،قبــل أن نبلــغ ســن الرشــد .إنهــم مكرمــون فــي اإلســام ،وفــي التــراث الشــرقي، ّ وتقاليد مجتمعاتنا ،وفي كثير من مجتمعات البشر فــي العمــوم .ففــي القــرآن الكريــم ارتبطــت عبادة اللــه باإلحســان للوالديــن فــي غير آيــة كريمة ،وفي حــض علــى المعاملــة الكريمة األحاديــث الشــريفةٌ ، للمســن .وفــي الشــعر واألدب العربييــن قيل بعض ّ أجمــل ما كُ تــب عن األم واألب .أما فــي مجتمعاتنا الملتزمــة هذه المبادئ والتقاليد ،فللشــيخ مكانته المحترمة .وقد جاءت مؤتمرات المنظمات الدولية بالمقــررات والتوصيــات لتؤكــد الحــرص علــى رعايــة المسنّ ين واالهتمام بهم.
كبار السن ما لهم وما علينا
لن ننساهم ولو نسونا
مهما تنوعت احتياجات المسنين وأحوالهم مابين القدرة على االستمرار في العطاء ولو بشكل محدود بعد تجاوز سن العمل ،وفقدان كل قدرة على العطاء غير ما يكتنزه القلب من عاطفة، أوالعقل من حكمة ،فإن ما هو مشترك بين كل كبار السن يتمثل في حاجتهم إلى من يتكئون عليه ،في مواجهة ضعفهم .ضعف يتطلب يد العون من الجيل الالحق لرفع تبعاته .ولعل من أجمل ما يلخص واجباتنا تجاه المسنين ،وهم في أضعف أحوالهم ،الشعار الذي ترفعه إحدى الجمعيات العربية للعناية بالعجزة فاقدي الذاكرة، ويقول « :لن ننساهم ولو نسونا».
حب أكبر مــن حب األم واألب عمــر ال َي ُ قلــب إنســان ٌ َ ألبنائهمــا .وغاية الوفــاء لهذا الحب ،المنزّ ه عن كل ســر قامت على بــر األبنــاء للوالدين .إنه ٌّ غــرض ،هي ّ أساســه الحيــاة .فالمــرء ُيطــل علــى الدنيــا ضعيفــاً ال يقــوى علــى العيــش يومــاً ،لــوال عطــف األم وحماية األب. وقد عرفت المجتمعات البشرية كافة ،هذا الفضل وخــص البشــر كبارهــم والمســنّ ين منهــم لألبويــن، ّ بأجــل االحتــرام والتقديــر .واعترفــت كل الثقافــات ّ والحضــارات بجميــل األبويــن .فقــال الفيلســوف خير من عشرة أب واحد ٌ الفرنســي جان جاك ّ روســوٌ : مربين .فالعاطفة األبوية أقوى ضمانة للولد .وقال ّ مثــل بلغــاري :يزأر األســد لكنه ال يلتهــم صغاره .أما الوزير الفرنســي ريشيليو ،فقال :ال يغفو قلب األب حتــى تغفــو جميــع القلوب .ذلــك أن األب ،كما قال الشــاعر األلماني الكبير جوته :األب وحده ال يحســد ابنه على موهبته. ولــم تخرج حضارتنا عــن هذا ،بل إنها فاقت حضارات أخرى ،في رفع الوالدين خصوصاً والمسنّ ين عموماً إلــى مكانــة رفيعــة فــي المجتمــع .وللشــيخ فــي الحضــارة العربية موقــع ال ُينازَ ع فيه .وتبارى األدباء والشعراء في مدح األم واألب على السواء. يعبر الذي وخص الشعراء العرب األم بجميل الشعر، ّ ّ الالمحدودين. وحنوها عن أصدق االمتنان لعطفها َ ّ
فلألديب رشــدي المعلوف قصيدة شــهيرة يقول فيها عن األمهات: ّربي َ باسم ِهنَّ ِ سألتُ َك َ َ له َّن أن الدنيا ُ تفرش ّ يداك بالورد ِإن َس َم َحت ِ َ بعد ُه َّن وبالبنفسج َ ِ الجراح فامسح ُبأنملِ َك َ َ أطراف األسنّ ة ور َّد َ ُ الصباح شمس َك في طل لتُ َّ ُ ِ أم مطمئنّ ة ُّ وكل ٍ وقال شاعر النيل حافظ ابراهيم: ٌ مدرسة إذا َأعددتَ ها األم األعراق طيب شعباً أعددت َ َ ِ أما الشاعر محمود درويش ،فقال مخاطباً أمه: يك امرأة سم ِ لن ُأ ّ يك كل شيء سأسم ِ ّ قبل يديك حينما أنحني ُأل ّ وأسكب دموع ضعفي فوق صدرك وأستجدي نظرات الرضا من عينيك حينها فقط أشعر باكتمال رجولتي وقال إسالم شمس الدين: تخــل الحضــارات األخــرى مــن هذه النظــرة إلى ُ ولــم األم ،إذ ليس في العالم وسادة أنعم من حضن األم. وإذا كان فضل األم قد نال حصة وافرة من شــعراء العــرب وأدبائهــم ،حتى في الجاهليــة ،فإن األب لم يفتقــر إلــى قصائد عربية قيلت في فضله هو أيضاً. إذ جــاء فــي ديــوان :بــدر الدجــى ،للشــاعر مصطفى عباس ،مخاطباً أباه: قاسم ّ الشعر يوماً ما وال األدبا لم تَ كتُ ب َ ُ تقرأ الكُ تُ با سهرت الليالي وما َ
ُ به نعيش ِ كنزت لنا مجداً لكن َ الله َمن للخير قد وهبا فنحمد َ سأنظم الشعر مدحاً فيك منطلقاً ُّ والش ُهبا واألفالك البدر جاوز َ َ ُي ِ بشعر َك ذا فمن تعني قالوا تُ غالي َ ِ بذاك أبا أنعم فقلت :أعني أبي ِ َ
الشيخوخة ليست فقدان الشباب، وإنما مرحلة جديدة للفرصة والقوة. بيتي فريدان
العمر الحقيقي لإلنسان هو عمره بعد موته. محمد بن صالح العثيمين
طيبعة نسيج األسرة
كبار السن ما لهم وما علينا
ونظراً إلى هذه المرتبة التي يحتلها الوالدان، األبناء خص ال سيما في المجتمعات الشرقيةّ ، ُ تميز المسنّ ين برعاية تبلغ مرتبة الواجب .ويعود ّ المجتمعات الشرقية ،في رعايتها للمسنّ ين ،إلى أن نظام األسرة هو النسيج األساسي الذي تقوم عليه هذه المجتمعات.
فاألسرة هي عماد المجتمع الشرقي في العموم، وال يتوقــف اهتمــام األب واألم عمليــاً بأوالدهمــا حتــى يبلغــا ســن الشــيخوخة ويصبحــا عاجزيــن عــن تحمل كل األعباء العائلية ،فيكون أوالدهما متابعة ّ قــد أدركــوا ســن البلــوغ وباتــوا قادريــن علــى تولّ ي المهــام كاملــة ،مــن توفيــر مصــدر الرزق ،إلــى تدبير شــؤون البيــت ،وإلى تربية الحفــدة ورعاية أمورهم. بهــذا النمــط مــن العيــش ،تشــتد خيــوط النســيج العائلي ترابطاً ،فتكون األســرة كالهرم رأسه الشيخ والجدة ،وقاعدته الجيل الطالع، الجد والعجــوز ،أي ّ ّ األبنــاء والحفــدة ،ويكــون مترابــط األركان ،متيــن البنيان. وال تتوقــف الروابــط المتينــة فــي المجتمعــات تتعداها لتشــمل الشــرقية عنــد حــدود األســرة ،بــل ّ المتحدرين من أســراً أخــرى من األقــارب واألنســباء، ّ
األربعون شيخوخة الشباب،والخمسون شباب الشيخوخة. هوسيا بالو
والجــدة ،أو أولئــك الذيــن الجــد أشــقاء وشــقيقات ّ ّ تربطهــم باألســرة روابــط المصاهــرة والــزواج .وفي كل هــذا المشــهد ،تــرى علــى قمــة الهــرم شــيخاً ، هــو الخيــط الرابــط بيــن كل خيــوط هــذا النســيج االجتماعــي ،وهــو المرجــع فــي الغالب ،حيــن تحتاج األســرة وأنســباؤها إلى مشــورة حكيــم عاقل ،خبير بأمور الحياة ،فتكون له في معظم األحيان الكلمة األخيرة في األمور المهمة .والشــيخ رأس المجتمع العربي منذ الزمان الغابر. فعلى هذا األساس االجتماعي المعتمد على نواة األســرة ،قامــت المجتمعــات فــي المــدن واألرياف العربية ،وقامت العشائر والقبائل والبطون لتشكّ ل يشــد بعضها أزر بعــض ،في تكافل تجمعات بشــرية ّ ّ للمســن الــذي أفنــى عمــره فــي اجتماعــي ،يضمــن ّ رعايــة األبنــاء ،وربما الحفدة أيضــاً ،أن يتلقى الرعاية التي يستحق في سني عمره األخيرة ،بعدما تقاعد مــن عملــه وانقطع مــورد رزقه واســتبد به الضعف والمرض ووهنت عزيمته. وهــذه صــورة تختلــف تمامــاً عــن تقاليــد الكثيــر من مجتمعــات الغرب ،حيث ال ينــدر أن ترى األب واألم ُيخرجان الولد من البيت ،ليتولّ ى أمر نفســه بنفســه، حالما يبلغ من الســن ،ما قد ال يتجاوز أحياناً الرابعة عشــر .فيمضــي الولــد في الحيــاة وحيــداً ،ال يضمن مســاراً مســتقيماً في عيشــه ،وفي المقابل ال يرى
حاجــة إلــى االلتفات إلى والديــه اللذين تركاه وحيداً ســن مبكــرة .ومــن هنــا اعتمــدت فــي الحيــاة ،فــي ّ الدول الغربية كثيراً في مناهجها االجتماعية ،نظام بيــوت العجــزة ،حيــث يعيــش الشــيخ الهــرم وحيــداً تيســر وبعيــداً عــن عائلتــه ،يكتفــي مــن الحيــاة بمــا ّ مــن الطعــام والمأوى والــدواء ،ويفتقــر إلى حضن العائلة الدافئ. أما األســرة العربية والشرقية عموماً ،فتشعر بحرج مــن إيداع شــيخها فــي بيوت العجــزة ،لتتركه وحيداً عمــن أحــب ورعــى يغالــب ســنوات هرمــه ،بعيــداً ّ وقوتــه وشــبابه .ولــذا يشــعر فتوتــه ّ فــي ســنوات ّ المتشــبع بتقاليــد مجتمعــه وبيئتــه ،بأن المشــرقي ّ يتقدم على االعتناء بالمســنّ ين في العائلة ،واجب ، ّ كثير من الواجبات.
العمر ثمن باهظ جداً ندفعه للنضوج. توم ستوبارد
أساليب التعامل مع كبار السن
هــذا هو عنوان كتاب الدكتور علي ابراهيــم الزهراني ،وفيه شــرح لألســاليب التــي ينبغي مراعاتهــا عنــد التعامــل مــع كبير السن ،ومنها :
-1مبادرة المسنّ ين بالتحية والسالم والمصافحة وتقبيل الرأس واليد ال سيما إن كان أباً أو أماً أو عالما. -2رفع الروح المعنوية بحسن استقبالهم والترحيب بهم والدعاء لهم وإظهار البشر والتبسم في بقدومهم ّ وجههم ،فهذا يشعرهم بالحب وأنهم غير منبوذين. المسن عن ماضيه -3سؤال ّ وذكرياته ومنجزاته واإلصغاء إليه وعدم مقاطعته فهو يتذكر جيداً أعماله في شبابه ويرغب في التحدث عنها مع غيره. المسن -4إبراز منجزات ّ والحديث عما قدمه من خدمات إلى مجتمعه والدعوة إلى االقتداء به والدعاء له وإشعاره بأهميته وخاصة في اللقاءات العائلية فشعور المسن أنه قد أنجز أعماال باهرة ّ يولّ د لديه إحساساً من السعادة النفسية. -5الحذر من االستئثار بالحديث في حضرتهم أو تجاهلهم دون منحهم فرصة للتعبير عن مشاعرهم أو ذكر شيء من آرائهم وخبراتهم.
التبرم والضجر من -6عدم ّ المسن لماضيه ألن تعصب ّ ّ المسن بماضيه يمثّ ل اعتزاز ّ بالنسبة له القوة والنشاط والمكانة االجتماعية والمنجزات. المسن -7ضرورة االقتراب من ّ ال سيما أقرباؤه وأصدقاؤه، ففي هذه المرحلة من العمر يزداد الشعور بالوحدة والغربة المسن بانفضاض ويشعر ّ األقارب واألصدقاء عنه وهذا الوضع قد يزيد الخيبة والحسرة لديه ويدهور شخصيته ويزيد شعوره باألمراض واآلالم. المسن في -8مساعدة ّ المشاركة االجتماعية وحضور المناسبات والتكيف مع وضعه الجديد. المسن بما ينفعه من -9إشغال ّ أمور دنياه وآخرته إما بتكوين عالقات جديدة وصداقات السن أو أخرى مع أنداده في ّ علمية. المشاركة في حلقات ّ -10مراعاة التغيرات العضوية المسن والنفسية والذهنية عند ّ حين يصبح عرضة لكثير من والنفسية. الجسمية التغيرات ّ ّ ّ
-11مراعاة آداب المجالسة والمخالطة والمصاحبة. المسن ونفعه -12معاونة ّ حيث تزداد حاجته إلى المعاونة والمساعدة. -13تطييب نفوس المسنّ ين وتقوية قلوبهم. المسن من مخاوف -14حماية ّ الشيخوخة ومنها الخوف من فقدان المركز االجتماعي والقلق بشأن الحالة الصحية والمادية وازدياد مرارة الشعور قل الناس من بالوحدة كلّ ما ّ حوله وخاصة األوالد واألهل أو تناقص األصدقاء. المسن من -15حماية ّ االنسحاب االجتماعي بسبب السن والعجز واألمراض تقدم ّ وضعف السمع والبصر مما هو من عالمات الشيخوخة ،فيميل المسن إلى االمتناع كثيراً عن ّ المشاركة االجتماعية ،وإذا حضر يظل ساكتاً ،لذلك ينبغي على من حوله وقايته من هذا االنسحاب.
المسن للعنت -16عدم تعريض ّ والمشقة وإذا عجز عن أمر ما وجبت مساعدته. المسن بالعناية -17إشعار ّ واالهتمام ال سيما من جانب من تربطه بهم قرابة أو صداقة أو زمالة عمل أو جوار. المسن باألمور -18ملء فراغ ّ النافعة ومن ذلك ربطهم بالمساجد وأداء العمرة وتوفير مكتبة ثقافية في مكانه وممارسة بعض التمارين الرياضية. التعرف على أبرز مشكالت -19 ّ المسن التي أدت إلى ضعف ّ الصالت االجتماعية عنده وال سيما بسبب أن أفكار المسنّ ين ال تعجب األوالد ،والشعور بالعزلة ورفض األوالد الجلوس المسن والحديث معه مع ّ المسن بأنه أصبح عبئاً وشعور ّ ثقيال على أفراد أسرته. ً -20االعتناء بنظافة كبار السن وستر عوراتهم.
المسن بأوقات -21تذكير ّ العبادات. -22أهمية تبصير األسرة المسن وضرورة العناية بحقوق ّ به وزيارته والسؤال عنه. -23ضرورة تعليم األوالد والصغار وتدريبهم على رعاية الوالدين فتقديم الخدمات إلى الوالدين وكبار السن يقوي العالقة بهم فينشأ األوالد بارين بكبار السن والحفدة ّ يظهرون االحترام والتقدير لهم، فيبادر األوالد بالسالم عليهم ويقبلون رؤوسهم وأيديهم ّ ألنهم اعتادوا على هذه األمور منذ الصغر. -24االعتناء بغذاء المسنّ ين ومراعاة حالتهم الصحية والنفسية.
كبار السن ما لهم وما علينا
ّ السن تكاثر كبار
والمسنّ ون على تكاثر ،وواجبهم على تعاظم. وليس من شك في أن من حق البشرية أن تغتبط لتقدم الخدمات الصحية وعلوم الطب والجراحة ّ وصناعة الدواء ،إذ كان من ثمار هذا التقدم أن مطرداً ، معدالت عمر اإلنسان ارتفاعا ّ ارتفعت ّ حتى في البلدان الفقيرة من العالم.
تخطــى فقــد كان الرجــل فــي الزمــان الغابــر متــى ّ األربعيــن مــن عمرهُ ،صنِّ ــف في الجيــل الثالث ،جيل الشــيوخ الذين قد ُيســتفاد في أحسن األحوال من حكمتهم وحلمهم ،لكن أمر االستفادة من عملهم ونشــاطهم المهنــي وخبرتهــم العمليــة وقدراتهــم الجســدية أمر آخر .وفــي العصر الحديث ،حين تقدم الطــب خطــوة إلى األمــام ،اتُّ ِفق فــي العموم في الدول الحديثة على أن ســن التقاعد في الوظائف، هي الســتّ ون .أما اليوم فقد رفعت كثير من الدول ســن التقاعد إلى الخامســة والســتين ،فيما ُأعفيت بعــض المهــن ،كالفنــون والبحث العلمــي والتعليم الحــد العمري .وصار بلوغ ســن الجامعــي ،مــن هــذا ّ الثمانيــن أمــراً ال يثيــر الدهشــة واالســتغراب ،بل ان فــي بعض البلدان المتقدمــة أعداداً متزايدة ،ممن يكونــون شــريحة متعاظمــة تخطــوا المئــة عــامّ ،
مــن شــرائح هــرم األعمــار .لكــن المشــكلة هــي في أن المــرء ،مهمــا كان ســليم البنيــة مكتمــل الصحة، ســيتوقف يومــاً مــا عــن العمــل ،فــا يرتــزق مــن كــده وعملــه ،بــل من صناديــق الشــيخوخة أو راتب ّ تقاعــده أو تعويــض نهاية خدمته ،أو قد يصبح عالة اقتصاديــة واجتماعيــة علــى أوالده ،أو مجتمعــه، همــل تماماً فيبلغ من البــؤس منتهاه .وقد وربمــا ُي َ ّ ظهــرت في الــدول المتقدمة ،وحتــى في عدد من الــدول الناميــة ،مشــكلة عــدم التوازن بيــن مداخيل ومدخــرات التقاعــد ،وبيــن صناديــق الشــيخوخة ّ المعمريــن، النفقــات المتزايــدة بفعــل تزايــد عــدد َّ وحاجتهم المتعاظمة إلى الخدمات الطبية وغيرها. فتحولــت نعمة التطور الطبــي ،إلى مصدر لمتاعب ّ اقتصاديــة ،ال تنــذر فقــط بحــدوث اضطــراب فــي معاييــر المحاســبة الماليــة ،بــل قد تفضــي في كثير الحاالت إلى تقليص الموارد الضرورية لإلنفاق على فيتحــول طول المســنّ ين ،فــي آخــر مراحــل عمرهم، ّ العمــر مــن ســبب لالغتبــاط والســعادة ،إلــى مصدر للبؤس واالكتئاب والشقاء. ومــن ناحيــة أخــرى أثبتــت دراســات متخصصــة فــي العلــوم االجتماعيــة ،أن التقاعــد يؤثــر فــي التوافق االجتماعــي لــدى المســنّ ين ،مــا لــم يتمكنــوا مــن متنــوع تعويــض انتهــاء خدمتهــم بنشــاط عملــي ّ يتناســب وحالهــم الفكريــة والثقافيــة واالجتماعية ومؤهالتهــم المهنيــة .فهــذا النشــاط فــي أوقــات فراغهم ،وهي وفيرة بعد التقاعد ،يساعدهم على اإلحســاس بــأن قيمتهم مصونة ،مــا دام ثمة حاجة إليهــم ،ضمــن العائلــة أو المجتمــع ،وبأنهــم ليســوا عالة على محيطهم المباشر ال فائدة منها .والعزلة التكيف مع بيئتهم، تجعل المسنّ ين أقل قدرة على ّ فيعينُ هم مظهره، في أما العمل مهما كان بسيطاً ُ في معالجة الكثير من مشــكالتهم النفســية ،وفي إشعارهم بالقيمة الشخصية. ومــن أوجــه العمــل التــي تكتســب قيمــة عالية في المتقدمــة ،وتنطــوي علــى فائــدة هــذه الســن ّ اجتماعيــة فــي الوقــت نفســه ،عقــد صــات متينــة الح َفدة من بيــن األجــداد والجدات مــن جهة ،وبيــن َ ّ األطفــال الذيــن يقاســمونهم المبيــت فــي المنــزل نفســه .ففــي المجتمعــات الحديثة التــي صار الجيل األوســط الناشــط فيهــا منصرفــاً أكثــر فأكثــر إلــى أعمالــه خــارج المنــزل ،بعيــداً عــن األطفــال ،يمكــن
لألجــداد والجــدات أن يســدوا ثغــرة مهمــة فــي النســيج االجتماعــي األســري ،فــي عصرنــا هــذا ،ال ســيما وأن الطفــل فــي حاجــة إلــى االكتســاب من التــراث المخــزون فــي أحاديث األجــداد وقصصهم وذكرياتهــم وعلومهــم وتقاليدهــم .ففــي هــذا يعــوض الجيــل الطالــع مــن فقــدان المخــزون مــا ّ صلتــه بتراثه الثقافي واألخالقــي واللغوي ،بعدما صــار االنصــراف شــبه كامــل نحــو وســائل اللهــو اإللكترونيــة المســتوردة ،فــي أدواتهمــا وفــي مضمونهــا االجتماعي والثقافي أيضا. وليــس مــن شــك ،كما يــدل علم االجتمــاع ،في أن المســن ،قبل المنــزل والمجتمــع الــذي عــاش فيــه ّ التقاعد ،هو المكان األنســب لعيشــه في تقاعده، لتمضيــة ســنوات عمــره األخيــرة .ولــذا ينبغــي أن تتضافــر جميــع الجهــود العائليــة والرســمية والتطوعيــة ،فــي المؤسســات العامــة واألهليــة مدة علــى الســواء ،من أجل إبقــاء المســنّ ين أطول ّ ممكنــة فــي منزلهــم األول ،وفــي المجتمــع الذي شــاخوا في كنفه ،وبذلك يعتمدون على أنفســهم بنســبة عاليــة ،ويحتاجــون إلــى القليــل فقــط مــن األقــارب أو الجمعيــات المهتمــة بالمســنّ ين أو المساعدات الحكومية.
عندما تكبر ،من المحتمل أن يصبح لديك أمران أهم من غيرهما: الصحة والمال. هيلين غورلي براون
النواحي النفسية
كبار السن ما لهم وما علينا
المسن المتقاعد، وفي إطار االستفادة من ّ سؤال وجيه :أال يمكن تكليف الشيخ أو العجوز بإعطائهما دوراً ما في البرامج التنموية التي تشرف عليها المؤسسات والمنظمات الرسمية واألهلية؟ إن من حسنات مثل هذه االستفادة، المسن من الدائرة المنزلية أنها فيما تُ خرج ّ الضيقة ،فهي تُ بقيه على صلة بالمجتمع الذي طالما نشط فيه ،فيحتفظ هو بقدراته االجتماعية والفكرية ما أمكن ،ويستثمر المجتمع طاقته على العطاء ،وهو في خريف العمر.
فمــن األخطــاء الشــائعة فــي التفكيــر العــام ،حيــن حصــر المتقدميــن فــي يتحدثــون عــن ّ الســن ،أن تُ َ ّ ّ مشــكلتهم بالنواحــي الصحيــة الخالصــة .صحيــح الشــبان ألمــراض مزمنــة، معرضــون أكثــر مــن ّ أنهــم ّ والســكري واألمــراض مثــل ارتفــاع ضغــط الــدم ّ المرتبطــة بالقلــب والشــرايين وااللتهــاب العصبــي وآالم المفاصــل وضعــف البصــر والســمع ،وغيرهــا. لكــن العلــوم ،مــع تقدمهــا ،تثبــت أكثــر فأكثــر ،أن المســن، الحالــة النفســية الســيئة التــي قــد يعانيها ّ إنمــا تفاقــم هــذه األمــراض ،إن لــم تكــن مــن أهــم أسبابها .ولذا فال بد والحال هذه ،من إيالء اهتمام المســن، أكبــر بالبــؤس والشــقاء الناتجين من انزواء ّ وإحساســه بأنــه أصبــح بــا فائــدة فــي المجتمــع، وااللتفــات إلــى مغالبــة مشــاعر الوحــدة واليــأس التي تنتابه. لقد بات لزاماً القول إن المشكلة ،حين يتقدم المرء الســن ،ال تنحصر في توفير المســكن والملبس في ّ والمــأكل والــدواء ،وهي في أي حــال تبقى ضرورية بالطبــع .لكــن ال بد في الوقت نفســه ،بل قبل هذا وذاك ،مــن التفكيــر فــي إشــراك المتقدميــن فــي السن ،ال سيما القادرين نسبياً من الناحية الجسدية، فــي الحيــاة العائليــة وفــي البرامــج االجتماعيــة والتنموية التي تتناســب مــع مؤهالتهم وماضيهم المهنــي ومعارفهــم .فلهــذا األمر فائدتان ال شــك المســن منتجاً بشــكل من فيهما ،األولى هي إبقاء ّ األشــكال ،يفيــد مجتمعه ،وال يكــون عالة عليه .أما المســن بــأن لــه دوراً الفائــدة الثانيــة فهــي إشــعار ّ مهماً يقوم به ،وأن المجتمع من حوله يحتاج إليه.
سر العبقرية هو أن تحتفظ بروح الطفولة إلى سن الشيخوخة ،ما يعني أال تفقد حماسك أبدا. ألدوس هكسلي
املس ّنون في اللغة العربية
المسنّ ون هم الذين أدركوا ِس ّن الشيخوخة .جاء في «لسان العرب» ،في مادة سنن« :وقد والس ّن ِ بالس ّن عن العمر... عبر ِ ُي َّ من العمر ُأنثى ،تكون في الناس وغيرهم ...وفي حديث عثمان: وجاوزت أسنان أهل بيتي ،أي ُ فالن ِس ُّن فالن أعمارهم .يقال: ٌ الس ّنَ . وأ َس َّن إذا كان مثله في ِ كب َرت المحكم: الرجل كبر ،وفي ُ ِ سنُّ هُ ،ي ِس ُّن إسناناُ فهو ُم ِس ّن. أكبر سناً أس ُّن من هذا ،أي ُ وهذا َ والسن من العمر منه» .ولقوله: ّ الس ّن، تقدمت به ِ أنثى ،نقولّ : السن. تقدم به ِ وال نقولّ :
«ع ِم َر وفي «اللسان» أيضاَ : مارة وع ً ُ عم ُر َع َمراً َ الرجل َي َ وع ْمراً ...عاش وبقي زماناً َ طويال ...ومنه قولهم :أطال ً وعم ّره مرك... َّ وع َ مرك ُ الله َع َ وع َم َره ،أبقاه» .ومنه الله َ أسن :إنه القول عن الرجل إذا ّ مثال ،فهو ُع ِّم َر ثمانين عاماً ً ، عمر. ُم َّ أما العجوز ،فيقول فيها ابن منظور« :والعجوز والعجوزة رمة... اله َ من النساء :الشيخة َ وع ْجزٌ وعجائز... والجمع ُع ُجزٌ ُ معجزة طعنت في إمرأة ّ السن ...والعرب تقول المرأة شابة :هي الرجل ،وإن كانت ّ عجوزُ ُه ...وللزوج وإن كان حدثاً ، هو شيخها». «اله َرم أقصى وقال في الهرم: َ هرماً ، وم َ هرماً َ يهر ُم َ الكبر ،هرمَ ... هرم ،من وقد أهرمه الله ،فهو ٌ َ وهرمى ...واألنثى رجال َهرمين َ رمى، وه َ هرمة من نساء َهرمات َ وهر َمه ...وابن هر ّ الد ُ أهر َمه ّ وقد َ آخر ولد الشيخ». هرمةُ ، َ
والكهولة منتصف العمر، وليست هي الشيخوخة كما يشيع في كتابات البعض ،إذ جاء «الكهل ً في «لسان العرب»: الرجل إذا َو َخ َطه ّ الشيب ...وفي الصحاح الكهل من الرجال ،الذي وو َخ َطه ّ الشيب. جاوز الثالثين َ وفي فضل أبي بكر وعمر رضي سيدا كهول الله عنهما :هذان ّ الجنّ ة ...قال ابن األثير :الكهل من الرجال من زاد على ثالثين سنة إلى األربعين ،وقيل هو من ثالث وثالثين إلى تمام الخمسين ،وقد اكتهل الرجل وكاهل ،إذا بلغ الكهولة فصار َ كهل حينئذ ٌ كهال ...وقيل له ً قوته، واكتمال شبابه النتهاء ّ هول وكهال ٌ والجمع كَ هلون وكُ ميادة: وكُ هالن .قال ابن ّ حال دونَ ها رجيها وقد َ َ وكيف تُ ّ وشبابها؟» بنو أسد كُ هالنُ ها ُ وفي الشيخ ،قال ابن منظور: «الشيخ الذي استبانت فيه السن ،وظهر عليه َّ الشيب، ّ
وقيل هو شيخ من خمسين إلى آخره .وقيل هو من إحدى وخمسين إلى آخر عمره ،وقيل هو من الخمسين إلى الثمانين. وشيوخ ٌ وشيخان أشياخ ٌ والجمع ٌ شي ٌ خة ...ومشايخ. وم َ وشي َخةَ ... َ واألنثى شيخة ...وقد شاخ ً يشيخ َش َيخاً ُ ... يوخة... وش وشيخوخة ...فهو شيخ». وفي الطاعن في السن ،جاء «وطعن في «لسان العرب»: َ طع ُن ...إذا فالن في ّ ٌ السن َي ُ تقدم شخص فيها» إي إذا ّ فيها.
كبار السن ما لهم وما علينا
ّ املسن تكريم
من القرآن الكريم إلى شعوب العالم
عمال بأمره للمسن مكانة عالية في اإلسالم، ّ ً تعالى ،الذي يأمر فيه ببر الوالدين ،وهما حكماً متقدمان فيها على الولد .وقد بالغان في السن، ّ جمع القرآن الكريم بين عبادة الله واإلحسان للوالدين ،في قوله تعالى ،في اآلية 36من به شيئاً شركوا ِ اعبدوا َ {و ُ سورة النساءَ : الله َوال تُ ِ وبالوالدين ِإحسانا} .كذلك ربط القرآن الكريم عبادة ِ الله وعدم اإلشراك به ،باإلحسان للوالدين ،في اآليتين 23و 24من سورة اإلسراء ،حيث قال عزّ وبالوالدين اه َ وجل: عبدوا ِإ ّل ّإي ُ {وقضى ُّربك َأ ّل تَ ُ ِ َ كالهما حدهما أو عند َك ِ ُ الك َب َر أ ُ ِإحساناً ِإ ّما َيبلُ َغ َّن َ وال لهما ُأ ٍف وال تَ نْ َه ْر ُهما ُ وقل ُ َفال تَ ُقل ُ لهما َق ً كَ ريماً * َ وقل حم ِة ُ ناح ُّ الر َ الذ ِّل ِم َن ّ لهما َج َ وأ ْخ ِف ْض ُ ارح ْم ُهما كَ ما َر َّبياني َصغيراً }. رب َ ِّ
إذا كان القرآن الكريم قد رفع ّبر الوالدين إلى مرتبة الواجــب الدينــي ،فــإن عدداً مــن الحضــارات لحظت هــذا الواجــب من زاوية اجتماعيــة أيضا .ففيما ُيعزَ ل المســن غالبــاً فــي الحضــارة الغربيــة ،ويحــال علــى ّ المــآوي والمستشــفيات ،تحتفــل حضــارات عديــدة بالشــيخوخة وتكرمهــا أيمــا تكريــم ،ال ســيما فــي مشارق األرض. يقــول المفكر كوشــين باليه إليســون مــن نيويورك: الســن «ثمــة خجــل فــي ثقافتنــا مــن التقــدم فــي ّ الســن يشــعرون والمــوت .وحيــن يتقدم الناس في ّ بــأن بهــم خطباً ما ،وأنهم فقدوا قيمتهم» .ويقول عالم الفيزيولوجيا إريك إريكســون« :إن افتقارنا إلى النظرة المثالية إلى الشيخوخة يحرمنا من أن تكون لنا نظرة شاملة إلى الحياة». أمــا فــي اليونــان ،فــإن عبــارة الرجــل العجوز ليســت محــل احتفــال وتكريــم ّ ســلبية ،بــل ان الشــيخوخة والمسن يحتل مكانة المركز في العائلة. واحترام، ّ يسمون عادة: وينظر سكان أمريكا األصليون ،الذين َّ الهنــود الحمــر ،بتبجيــل كبير إلى كبارهــم ،لحكمتهم وخبرتهــم فــي الحيــاة .وتالحظ دراســة فــي جامعة ميســوري ،في كنســاس ســيتي ،أن الشــيوخ منهم يحرصــون على نقل معارفهــم وخبرتهم إلى األجيال الناشئة. المســن مبــدأ مــن مبادئ وفــي كوريــا ،يعــد تبجيــل ّ تعاليــم كونفوشــيوس الحكيــم الصينــي ،واحتــرام بالمســن فــي العائلة الوالديــن واجــب .بل إن العناية ّ
واجــب أيضــا .وفــي خــارج اإلطــار العائلــي ،يبــدي الكوريــون عمومــاً احترامهــم للمســنّ ين .يقــول ّ كونفوشيوس في تعاليمه« :خشوع األبناء واحترام اإلخوة هما أســاس اإلنســانية» .وفي كوريا تقاليد تقضــي االحتفــال ببلوغ الرجل أو المرأة الســتين ،ثم الســبعين مــن العمــر ،ذلــك أن بلــوغ هاتين الســنّ ين مدعــاة لفــرح العائلــة ،ألن الســابقين فــي ماضــي الزمان ،نادراً ما كانوا يبلغونهما. نظر إلى خشوع األبناء وفي الصين ،كما في كورياُ ،ي َ للوالدين على أنه أسمى الفضائل .وعلى الرغم من أن بعض التغريب وسياسة الولد الواحد أضعفا نوعاً مــا هــذا التقليــد ،إال أن البالغ الصينــي في العموم، نظر إلى وي َ يبــدي احتراماً كبيــراً لوالديه وللمســنّ ينُ . يودع والديه في مأوى ،على أنه عاق. َمن ِ
والمســن فــي الهنــد هــو رأس العائلــة .فالكثير من ّ الجدين الهنــود يعيشــون ضمن عائلتهم التــي تضم ّ الجــد هــو رأس العائلة. واألوالد والحفــدة ،ويكــون ّ فاعــا فــي تنشــئة الحفــدة. الجــدان دوراً ويلعــب ّ ً ــرد عنــد استشــارتهما فــي األمــور وكلمتهمــا ال تُ ّ المسن أكثر أفراد العائلة األساسية .وغالباً ما يكون ّ المســن أو احتــرام وعــدم تعلقــاً بالديــن واألخــاق. ّ إيداعه في مأوى ،أمر معيب لدى الهنود. وفــي رومــا القديمــة ،كان معــدل عيــش الفــرد ال يتعــدى 25ســنة تقريبــاً ،لكــن بعــض األفــراد كانــوا ّ يبلغــون ســن الســبعين ،وكانــوا يحظــون باالحتــرام، لحكمتهم.
تقــول د .كاريــن كوكايــن ،مــن جامعــة ريدينــغ« :كان الرومــان يســتفيدون مــن مســنّ يهم ،ويؤمنــون ســبت إلــى الخطيــب بحكمتهــم وتجربتهــم» .وقــد نَ َ الرومانــي شيشــرون قولــه« :ليــس أعــز عند اإلنســان مــن الحكمــة .ومع أن التقدم في الســن يأخذ منّ ا كل شــيء ،إال أنــه يعطينــا الحكمــة» .أما الشــرط الذي ال للمســن مــن أن يتحلّ ى به ليســتحق االحترام ،فهو بد ّ أن يعيــش حيــاة فاضلــة .تقــول كوكايــن« :كان ال بــد مــن االجتهــاد لبلوغ مرتبــة الحكمــة ،بالعمل الدؤوب فالمســن كان والــدرس ،وال ســيما بالعيــش الفاضــل. ّ فتــرض أن يعمــل دائمــاً باعتــدال ووقــار .كان علــى ُي َ مثاال أعلى للشــبان، يكونوا أن الســن في المتقدمين ً ألن هؤالء ســيتعلّ مون منهم الســلوك الحســن .كان متأص ًال في الحضارة الرومانية». هذا ّ
تبدو الشيخوخة الطريقة الوحيدة المتاحة لتعيش طويال. ً كيتي أونيل كولينز
الشيخوخة عدديًا
في البالد العربية اليوم
كبار السن ما لهم وما علينا
جاء في دراسة للّ جنة االقتصادية واالجتماعية لغرب آسيا (اإلسكوا) ،أن نمط التوازن الديمغرافي تغير في العقود التقليدي في البالد العربية ّ ّ التحول الديمغرافي وتمثلت إحدى نتائج الماضية. ّ معدالت الخصوبة إلى انخفاضها ومن من ارتفاع ّ الو َف َيات إلى انخفاضه في تطور ارتفاع معدل َ ّ الهيكل العمري للسكان (هرم األعمار) .وأدى تراجع الخصوبة في البلدان العربية إلى تغييرات مهمة في هذا الهيكل. ّ
وتتمثّ ل التغييرات في ارتفاع حاد لنسبة السكان بسن العمل ( 25إلى 64عاما) وانخفاض نسبة السكان في فئة األطفال (إلى سن 14عاما) وارتفاع بطيء وإن كان تدريجياً في نسبة المسنّ ين ( 65عاما وأكثر). وعمليــة الشــيخوخة هــي أيضاً فــي مراحلها األولى فــي المنطقــة العربيــة حيــث تشــكل بدايــة تراجــع الخصوبــة اتجاهــاً حديثــاً نســبياً .ومــع ذلــك وفــي أعقــاب التغيــر الســريع للوضــع الديمغرافــي فــي المنطقــة ،ال يمكــن التقليل من أهميــة الحاجة إلى مواجهة التحديات الكامنة في ارتفاع نسبة السكان المســنّ ين ،نظــراً إلــى أن العــدد المطلق لألشــخاص البالغيــن مــن العمــر 65عاما وأكثر قــد تضاعف من 5,7مالييــن نســمة في عام 1980إلــى 10,4ماليين نســمة فــي عــام ( ،2000وإلــى 14 )...مليون نســمة ويتوقــع أن يبلــغ 21,3مليــون نســمة ّ عــام ،2010 بحلول عام .2020 خمســينيات والعالــم بأســره يــزداد شــيخوخة فــي ّ القــرن العشــرين ،كانــت الفئــة العمرية من 65ســنة مثال ،تشــكل نســبة %5من فمــا فــوق فــي اليابــان ً مجمل تعداد الســكان .وقد اســتقرت النســبة على نموها حالها بعض الوقت ،لكنها أخذت تتسارع في ّ في العقود التالية من السنوات .وفي العام ،1989 بلغت نســبة السكان فوق 65سنة في اليابان 11,6 %من مجمل الســكان ،وفي سنة 2000بلغت هذه ويتوقــع أن تبلــغ فــي ســنة ،2020 ّ النســبة .%16,9
نســبة .%25,2أبــرز مــا في هــذه األرقــام ،أن اليابان هي أســرع الشــعوب في الدول الصناعية نمواً في مثال بالواليات المتحدة، فئة الشــيوخ .فإذا قورنت ً فإننــا نالحــظ أن نســبة الفئــة العمريــة مــن الشــيوخ األمريكييــن اســتغرقت لتنمــو من %7إلــى ،%14ما يقــرب مــن 75ســنة .أمــا فئــة الشــيوخ من ســن 65 سنة وما فوق في ألمانيا وبريطانيا ،فنمت نسبتها من %7إلى %14في مدى 45ســنة .ولم يســتغرق هذا النمو في اليابان غير 24,5سنة فقط ،من سنة 1970إلى سنة .1995ولكن رغم تفاوت النسب هنا وهناك ،فأنها كله تؤكد أن العالم بأسره يشيخ أكثر فأكثر ،وبوتيرة أسرع من أي وقت مضى.
هرم األعمار وأهميته
كبار السن ما لهم وما علينا
هــرم األعمــار هــو رســم بياني يمثــل توزيع الســكان حســب الجنــس (الذكــور فــي جانــب واإلنــاث فــي الجانــب اآلخــر) وحســب فئــات األعمــار (في شــرائح متصاعــدة ،فاألطفــال في قاعدة الهرم ،والشــيوخ في أعاله). يتميــز هــرم األعمــار فــي الــدول الناميــة بقاعــدة ّ عريضــة تمثــل غلبــة فئــة األطفــال والشــباب علــى فئــات المتقدميــن فــي الســن ،بفعــل ارتفــاع وتيرة حســب هذه الوتيرة بالفرق بين التكاثر الطبيعي .وتُ َ الو َف َيات ،في كل ألف شخص عدد الوالدات وعدد َ من السكان. المتقدمــة أمــا هــرم األعمــار فــي الــدول الصناعيــة ّ فيتميــز بكبر حجــم فئة األعمار المتوســطة وارتفاع ّ نســبة الشيوخ .وســبب ذلك انخفاض نســبة التكاثر الطبيعي بفعل اعتماد سياســة تحديد النسل ،على نحو يقلّ ص قاعدة الهرم. وال تكتفــي الــدول عادة في إحصاءاتها االقتصادية بهــرم األعمــار وحــده ،لتعييــن وضعهــا الســكاني (الديمغرافي) بل تســتند أيضاً إلى احتســاب الفئات الناشــطة والفئــات غيــر الناشــطة فــي المجتمــع. ففــي اإلحصاءات ،الفئات الناشــطة تشــمل األفراد البالغيــن ســن العمــل (بيــن 15ســنة ،و 60أو 65 ســنة) .وتنقسم فئة الســكان الناشطين إلى سكان ناشــطين يعملــون ،وســكان ناشــطين عاطليــن من العمــل .أمــا الفئة غير الناشــطة ،فتشــمل األطفال والتالميــذ والطــاب وربــات البيــوت والمتقاعديــن المسنّ ين وذوي الحاجات الخاصة.
حســب نســبة النشــاط فــي الســكان ،بالنســبة وتُ َ المئويــة التــي تمثلهــا الفئة الناشــطة مــن مجموع الســكان ،وحســابها يكــون بالمعادلــة التاليــة( :عدد السكان الناشطين :مجموع السكان).%... =100 x إن نســبة النشــاط فــي الــدول الصناعيــة المتقدمة (ال ســيما دول الشــمال والغرب) أعلى من النســبة فــي الــدول الناميــة (دول الجنوب والعالــم الثالث)، ألن فــي دول الجنــوب نســبة أكبــر مــن األطفــال وربات البيوت. ّ وال بد من أن نالحظ ،أن أســلوب رســم هرم األعمار قــد يختلــف ،حســب اختــاف فئــات العمــر .فبعض أهــرام العمــر تجعــل كل خمــس ســنين فئــة تمثلهــا شــريحة مــن الهرم ،وبعضهــا اآلخر قد يجعل الســن حتى العشــرين فئة ،ومن العشرين إلى الستين فئة ثانية ،وما فوق الســتين فئة ثالثة .كذلك ال بد من مالحظــة أن هــرم األعمــار في الــدول النامية أقرب إلى شــكل الهــرم ،ألن القاعدة فيه عريضة .أما في الــدول المتقدمــة ،فيقترب شــكل الهرم من شــكل بين الهرم والعمود. وتهتــم األبحــاث االقتصاديــة والتنمويــة فــي يبيــن بصــورة البــاد المتطــورة بهــرم األعمــار ،ألنــه ّ مبســطة ونظــرة واحــدة ،إذا كانــت البــاد «فتيــة» أم أنها «تشــيخ» .فلهذا الشــأن عالقة بوتيرة النمو االقتصــادي .ولــذا يشــجعون الهجــرة الوافــدة ،وال الشبان ،حين يخشون هذه «الشيخوخة». سيما ّ
سن الكبر هو السن الذي يزيد عن عمري الحالي بخمسة عشر عاما. أوليفر وندل هولمز
األمم املتحدة
قضية ذات أبعاد أخالقية واقتصادية وحقوقية
كبار السن ما لهم وما علينا
السن، إن إعالن األول من أكتوبر يوماً دولياً لكبار ّ ال ينم عن اهتمام جديد بهذه المسألة .فقد اهتمت األمم المتحدة ،منذ العام 1982على وعددت على أحد الخصوص بحقوق كبار السن. ّ أقرت فيها النصوص مواقعها المؤتمرات التي ّ والمبادئ المتعلقة بهذا الموضوع .وصنّ فت المنظمة الدولية سوء معاملة كبار السن على وأقرت ما يلي: أنه مسألة حقوق إنسان، ّ
توجيه االنتباه إلى المسائل السياسية التي ينطوي عليها سوء معاملة كبار ضدهم. ّ السن والتمييز ّ التصدي لسوء المعاملة فيما يتصل ّ السن في الحصول على بحق كبار ّ المنافع االجتماعية وغيرها من االستحقاقات.
التصدي بفعالية لسوء المعاملة ّ والعنف. وأجملــت خطــة العمــل الدوليــة للشــيخوخة التــي اعتمدتهــا الجمعيــة العالميــة األولــى للشــيخوخة وبينت في فيينا في عام ،1982حقوق كبار ّ الســنّ ، الســن مبــادئ األمــم المتحــدة المتعلقــة بكبــار ّ حقوقهــم فــي مجــاالت االســتقاللية والمشــاركة والرعايــة وتحقيــق الــذات والكرامــة .وفــي عــام وجهــت اللجنة المعنيــة بالحقوق االقتصادية ّ 1995 واالجتماعيــة والثقافيــة فــي تعليقهــا المتعلــق بتنفيذ العهــد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعيــة والثقافيــة انتبــاه الــدول األعضــاء توجيهيــة الســن ،ووضعــت مبــادئ إلــى حالــة كبــار ّ ّ لتسترشــد بهــا الدول األطراف فــي تعميق فهمها السن في تنفيذ أحكام العهد. اللتزاماتها إزاء كبار ّ
واعتمدت مؤتمرات القمة التي عقدتها األمم المتحدة أيضــاً التزامــات ومبــادئ توجيهيــة ،تشــدد بالخصــوص السن ،منها إعالن وبرنامج عمل على تعزيز حقوق كبار ّ كوبنهاغــن اللــذان اعتمدهمــا مؤتمــر القمــة العالمــي للتنميــة االجتماعيــة فــي عــام 1995وإعــان ومنهــاج عمــل بيكين اللــذان اعتمدهما المؤتمــر العالمي الرابع المعني بالمرأة في عام ،1995والمبادرات األخرى من أجــل التنميــة االجتماعية التــي اتخذتهــا دورة الجمعية العامــة االســتثنائية الرابعة والعشــرون ،وإعالن األمم المتحــدة لأللفيــة الــذي اعتمــده مؤتمــر قمــة األلفية باألمم المتحدة في عام .2000 وتــرى المواثيــق الدوليــة فــي هــذا الشــأن ،أن الفقــر يزيــد حــدة الحرمــان مــن حقــوق اإلنســان األساســية ويقلــل الخيارات والفرص المتاحــة لحياة مقبولة .وفي الســن نســبة العديــد مــن المجتمعــات توجــد بيــن كبــار ّ غيــر متناســبة من الفقــراء وفقراء الفقــراء .ولذلك فإن مكمالن القضــاء علــى الفقر والحد من العنــف هدفان ّ لحقــوق اإلنســان فــي العديــد مــن المناطــق ،وعناصــر هامة من عناصر التنمية البشرية. السن حرم كبار ّ والشــيخوخة هي إحدى الوســائل التي ُي َ بواســطتها من حقوق اإلنســان ،أو تُ نتَ هك عن طريقها تتحــول الصــور النمطيــة تلــك الحقــوق .ويحــدث أن ّ الســن وإســاءة معاملتهــم إلــى قلــة الســلبية لكبــار ّ اهتمــام المجتمــع بهــم ،بما فــي ذلك خطــر التهميش والحرمــان مــن تســاوي الفــرص ومــن المــوارد ومــن السن الحقوق .ويؤدي التمييز في العمل على أساس ّ العمال المســنّ ين من العمالــة النظامية. إلــى اســتبعاد ّ وتؤثّ ــر القيــم الثقافية فيما يتصل بالســن ونوع الجنس ضد المســنّ ين في الحياة االجتماعية على درجة التمييز ّ واالقتصاديــة والسياســية .وقد تنجــح النظم القانونية أو تفشــل فــي مقاومــة الضغــوط التعويضيــة لحمايــة حقوق اإلنسان.
خاتمة
لقدأمرنــا الديــن ببــر الوالديــن ،فصــار األمــر محتوماً َ مــرد لــه ،وأعطت النظــم االجتماعيــة والمواثيق ال ّ حقــه فــي الكرامة واالحتــرام ،في المســن ّ الدوليــة ّ تتقــدم العلــوم خريــف العمــر .وفــي هــذه األثنــاء ّ الطبية ،ويبدو في األفق مزيد من المكاســب على ّ معــدل العمر هــذا الصعيــد ،علــى النحو الــذي يرفع ّ المتوقع لإلنسان. ّ التقــدم الذي يدعو إلــى االغتباط من جانب، وبهــذا ّ تــزداد البشــرية شــيخوخة مــن الجانــب اآلخــر ،أي أن نســبة الذيــن يخرجــون مــن ســوق العمــل تــزداد، فتــزداد معهم أعباء الرعاية ،وتتعاظم الجهود التي يتعيــن علــى البشــرية أن تبذلهــا ،فــي توفير حياة ّ كريمــة لكبارنا. بجــد فــي المســألة، بــد للبشــرية مــن أن تنظــر ّ وال ّ لتوازن بين أمر رعاية الشيخوخة المفروغ منه ،وبين توفيــر المــوارد الماديــة والمعنويــة الالزمــة لهــذا الواجب الديني واإلنساني. والمسؤولية تقع على النواة األولى ،وهي العائلة، وعلــى كاهــل الجمعيــات األهليــة المتخصصــة فــي هــذا الشــأن ،ثــم علــى المؤسســات العامــة ،التــي تخطط لشعبها وتنظر في حاضره ومستقبله. تلك هي المسألة ،وهي ليست مما يستعصي حلّ ه.