الشعر العربي في اللغات األوروبية
الشعر العربي في اللغات األوروبية
الشاعر اإلنكليزي بيرسي شيللي
لوحـــظ أن العـــرب األقدمين لـــم يعتنوا بنقـــل التـــراث اليوناني مـــن الشـــعر ،كأنهم كانـــوا ضد ترجمة الشـــعر ،حتـــى أن الجاحظ كان يقـــول« :ان الشـــعر العربـــي ال يســـتطاع ان يترجم وال يجوز عليـــه النقل ومتـــى ترجم تقطع نظمه وذهب حســـنه وســـقط موضوع التعجـــب فيه». والجاحـــظ مـــن أوائـــل الـــرواد العـــرب الواضعيـــن لقواعـــد نظريـــة الترجمـــة ،وهـــو الـــذي ســـجل افـــكاراً عـــن هـــذه العمليـــة ،وحـــدد شـــرائطها وأوضـــح نوعيـــة مـــادة الترجمـــة وشـــخص المترجـــم. فـــي الزمـــن المعاصـــر بقيـــت مقولة الجاحـــظ موضع نقـــاش وجدل، وبقـــي الحديـــث عـــن شـــكل الشـــعر وروحـــه مـــن األمـــور العالقـــة والكثيـــرة التأويـــل .فـــي كتابها «في الشـــعر وترجمته» تـــورد خالدة حامـــد الكثير مـــن اآلراء في معنى ترجمة الشـــعر ،فيصف عزرا باوند ثالثـــة جوانب للشـــعر هي :الموســـيقى والخيال ورقـــص العقل بين الكلمـــات ،ويعتبـــر الجانـــب األخير روح الشـــعر .من هنا نستشـــف أن ثمـــة جوانـــب ال ملموســـة وال مرئيـــة ،يعج بهـــا عالم الشـــعر ،تجعل نقلـــه إلى لغة أخرى شـــبه مســـتحيل. ريلكـــه يقـــول أن «الترجمـــة قلـــب الشـــاعر النابـــض» .وبينمـــا يـــردد خورخـــي لويـــس بورخيـــس أن «األصل خائـــن للترجمة» ،يـــرد ايمبرتو قائال إن «الترجمة هي فن الفشـــل» .ويؤكد روبرت فروســـت إيكـــو ً أن الشـــعر يضيـــع بالترجمـــة ،فـــي حين يقـــول جوزف برودســـكي إن الترجمـــة تبقـــي عليـــه .ويقول دبليـــو ميروين« :يعتقـــد بعض الناس أن ترجمة الشـــعر صعبـــة حتماً ،لكننا نعلم أن ذلـــك االعتقاد يجافي الحقيقـــة ...إنهـــا مســـتحيلة» .أمـــا ويليـــس بارنســـتون فيؤكـــد أن الترجمـــة هي «فـــن التجلي» ،تجعـــل من المجهـــول معلوماً ،وعلى ذات النبـــرة يـــرى الشـــاعر اإلنكليـــزي بيرســـي شـــيللي أن «ترجمـــة الشـــعر محاولـــة عقيمـــة تمامـــا ،مثـــل نقـــل زهرة بنفســـج مـــن تربة أنبتتهـــا إلـــى زهريـــة» ،بينمـــا يفتح جاكوبســـون نافذة لإلمـــكان حين الخالق، يقـــول إن «الترجمـــة الوحيدة الممكنة هي النقـــل اإلبداعي ّ أي إعـــادة كتابـــة القصيـــدة وإنتاجها مـــن جديد».
خورخي لويس بورخيس
4
5
أبو الطيب المتنبي
علـــى أن الكثيـــر مـــن المترجمين تخطـــوا هذه األفـــكار النمطية والنظريـــة وترجمـــوا الشـــعر العربـــي الـــى اللغـــات األوروبيـــة (الفرنســـية واأللمانية تحديداً ) ،واذا اخدنا مثال الشاعر العباسي أو الطيـــب المتنبي ،نالحظ أن بعـــض األجانب يتزاحمون من أجل إعـــان تبنيـــه ،لقـــد أفتتـــن المستشـــرق ريجيس بالشـــير باللغة العربيـــة فـــي زمـــن كانت فيه موضـــع تهميـــش (او التباس) عند األوروبييـــن .فوجـــد فيها كمـــا وصفها «لغة المجـــد» ،كما وجد في الشـــعر العربي «جنـــة خفية». عرف بالمتنبـــي في الثقافـــة العالمية ،ومن يعتبر بالشـــير أول مـــن ّ شـــدة ولعـــه بـــه ،قـــدم أطروحتـــه للدكتـــوراه عنـــه بعنـــوان «ديوان المتنبـــي في العالم العربي وعند المستشـــرقين» .1935 ،وحظيت هذه الدراســـة بمكانـــة كبيرة في الشـــعر األوروبـــي والعالمي. وقالـــت المستشـــرقة كاتارينـــا مومـــزن األســـتاذة فـــي جامعـــة ســـتانفورد االميركيـــة فـــى كتابهـــا «غوتـــه وبعـــض شـــعراء العصـــر االســـامي» ان المتنبـــي كاد أن يكـــون نكـــرة بالنســـبة للقـــارئ األوروبـــي فـــى عصر غوته ولكنهـــم انتبهوا إليه بعـــد أن تحدث عنه غوتـــه باعجـــاب واكبـــار في «الديـــوان الغربي-الشـــرقي» .وأشـــارت الـــى أن للمتنبـــي ظـــاال فـــى بعـــض أعمـــال غوتـــه ومنهـــا مشـــهد فكاهـــي في مســـرحيته «مأســـاة فاوســـت» كمـــا اســـتوحى النبرة الغزليـــة فـــى قصيدتـــه «الســـماح بالدخـــول» التـــي كتبها يـــوم 24 ابريل/نيســـان 1820مـــن غزليـــات المتنبـــي.
6
7
ال يتوقـــف األمـــر علـــى الغزليـــات ،فعـــن دار نشـــر «أكـــت ســـود» الباريســـية ،صـــدر «كتـــاب الســـيوف» بترجمـــة باتريك مغربنـــة وهوا هـــوي فوونـــغ يتضمـــن قصائـــد مختـــارة للمتنبـــي ،والســـيف -كمـــا يشـــيران إليه فـــي المقدمة -يطبع حياة المتنبي مـــن بدايتها وحتى ســـيف شـــهره الشـــاعر منـــذ خروجـــه مـــن ســـن المراهقة، نهايتهـــا. ٌ ليشـــحذ الحقـــا ســـيف هجائـــه ضـــد هـــذا األخيـــر ،ويعـــود فيســـتلّ ه لمقاتلـــة مهاجمـــي قافلتـــه عام 965فيمـــوت والســـيف في يده. وأيـــا تكن ترجمـــات المتنبي الـــى األجنبية فهو يبدو أقلويـــاً ونخبوياً بامتيـــاز ،ولـــو حضـــر بقـــوة في عالـــم غوته.
اء ات لِ ألكْ َف ِ إنّ َما التّ ْهنِ َئ ُ
الب َع َداءِ ولم ْن َي َّدني ِم َن ُ َ
ىء ُع ْض ٌو َوأنَ ا ِمنْ َك ال ُي َهنّ ُ
األع َضاءِ بالم َس ّر ِ ات سائِ َر ْ َ
الد َي َار َولَ ْو كَ ا ُم ْستَ ِق ٌّل لَ َك ّ
األمـ َولَ َو ّان الذي َي ِخ ّر ِم َن ْ أنْ َت أعلى َم َحلّ ًة ْأن تُ َهنّ ا
8
البنَ اءِ َن نُ ُجوماً ُآج ُّر َهذا ِ يضاءِ فيها ِم ْن ِف ّض ٍة َب َ َـو ِاه َ السماءِ األر ِض ْأو في ّ كان في ْ َ بم ٍ
9
أبو العالء المعري
اذا كان المتنبـــي متقدمـــاً علـــى أبـــي العـــاء المعـــري عربيـــاً ، ومســـجال علـــى الـــدوام ما يؤكـــد انه الشـــاعر األبرز فـــي التاريخ ً للمعـــري رمزية العربـــي والذي تخطى شـــعره لعبـــة الزمن ،فان ّ أوروبيـــة خالصـــة خصوصـــا حيـــن تجـــري المقارنـــة بيـــن «رســـالة الغفران» وكوميديا دانتي ،ويطرح الســـؤال الدائم كيف ســـرق المعـــري ،بالرغم مـــن االختالف دانتـــي الليغيـــري الفكـــرة مـــن ّ علـــى مبـــدأ التصوير ســـواء الـــذي اتبعـــه دانتي فـــي الكوميديا او اتبعـــه مـــن قبلـــه المعري فـــى رائعته «رســـاله الغفـــران»... والحال أن المعري كان على الدوام موضوع دراســـات وترجمات ألعمالـــه منهـــا ترجمـــة «لزومياته» الـــى اللغة الفرنســـية على يـــد الباحثيـــن باتريك مغربنـــة وهوا هـــوي فونغ .اذ يـــرى هذان الباحثـــان ان الخـــوض في فكـــر المعري وشـــعره إشـــكالي ،ألنه ذهـــب بفلســـفته أبعد من معاصريـــه ،واســـتبق الحداثة بقرون، وبقـــي مـــع ضعف صاحبـــه الجســـدي واقفـــاً امامنا ّحتـــى اليوم يؤرق ويســـائل. وكتـــب الباحثـــان مقالـــة عنـــه فـــي مطبوعـــة لومونـــد دبلوماتيـــك المعـــري؟ كيـــف يرقى فكـــر الحداثـــة إلى ســـر ّ بعنـــوان «هـــل ُفضح ّ شـــعر أديـــب العربيـــة األكبـــر» ،ويضيـــف الباحثـــان «ليس فـــي ديوان األدب العربـــي علـــى عظمتـــه وجاللـــة قدرته ما يجزي عـــن أدب أبي شـــخصيته ،باإلضافة العـــاء المعري من نبل .لقد جمع المعري في ّ والقـــوة في إلـــى نبوغـــه الفطـــري ،اإلخـــاص فـــي خدمـــة الحقيقة ّ كل أفق جديد يســـتعلي على ّ مهاجمة الفســـاد ،فتمكّ ن من فســـح ٍ
10
11
نهاية قصيدة أمرؤ القس وبداية قصيدة لَ بيد بن ربيعة
المعـــري ومنها ترجمة مـــا ســـبقه» .وهناك أكثر مـــن ترجمة ألعمال ّ األديـــب اللبنانـــي أميـــن الريحانـــي لبعـــض اللُ زوميات باســـم رباعيات أبـــي العالء. كان فـــون كرومـــر هـــو أول من حقق ونشـــر «اللزوميـــات» في العام 1889ثـــم نشـــر مارغليـــوث «رســـائل ابـــي العـــاء – »1898ونشـــر نيكلســـون «رســـالة الغفـــران» ,1900وقـــد حفـــظ المستشـــرقون علـــى غـــرار القدمـــاء – ألبـــي العـــاء ،مكانتـــه العلميـــة الفريـــدة في الثقافـــة العربيـــة ،واذا كان القدماء قد حـــاروا في تصنيف أبي العالء دينيـــا ،فـــان المستشـــرقين والنقـــاد العـــرب المحدثين قد حـــاروا في تصنيفه فلســـفيا ،فهو« :ينزع النزعتين معـــا :نزعة المتصوفة ونزعة المعتزلـــة» وهو ينتمـــي الى المذهـــب االســـماعيلي الباطني ،وهو «ديكارتي ســـابق لعصره» وهو «يراهن رهان الفيلســـوف الفرنســـي بســـكال» ،أو «يقتـــرب فـــي فلســـفته مـــن عمـــر الخيـــام» ،او مـــن «ابيقور».
بلد ، أقيم في ٍ لي أن َ من َ
ُ والديانة والعلـ سر الي ُ بي ُ ُي َظ ُّن َ واحدة ، ٌ علي ُّ كل شهوري ّ
وادعى َف َهمي أقرر ُت بالجهلّ ، ْ هدر ، ُّ والحق أني وأنهم ٌ
12
يجب ُأذكَ ُر فيه بغير ما ُ ـلم ،وبيني وبينها ُح ُج ُب ُ رجب ال َص َف ٌر ُيتّ قى وال ُ عج ُب قوم ،فأمري وأمرهم َ ُ ٌ هم نُ ُج ُب ُ لست نجيباً ،وال ُ
13
المعلقات تبهر أوروبا
معلقات الشـــعر الجاهلي لهـــا حضورها في اللغـــات االوروبية، فقد ترجم المستشـــرق اإلنكليزي وليم جونز المعلقات الســـبع (طرفـــة ،عنتـــرة ،امـــرؤ القيس )..ترجمـــة خاصة ،لم يســـبقه أحد فـــي ذلـــك ،وتعتبـــر أول ترجمـــة إلـــى اللغـــة األوروبيـــة وكانت ترجمـــة جونـــز نثريـــة وبلغـــة «مؤدبـــة» .والترجمـــة الوحيـــدة األخـــرى كانـــت ترجمـــة حرفيـــة فـــي نثـــر غير مزخـــرف قـــام بها الكابتـــن جونســـون فـــي بومباي وطبعـــت بعد ســـنوات لفائدة الطلبـــة الهنود. ولـــم تكـــن الثقافـــة األوروبيـــة علـــى علـــم بهـــذه المعلقـــات ،فـــي العـــام ،1772تاريـــخ ترجمتها ،فـــكان لها التأثير الكبير في األوســـاط وشـــبهت بإلياذة هوميـــروس ،وهي مقارنة الثقافيـــة واألكاديمية، ّ رفعـــت من شـــأن الشـــعر العربـــي وخاصة فـــي أوروبا. وتوصـــل جونـــز إلـــى أن الشـــعر الجاهلـــي كشـــف الكثيـــر مـــن خصال العـــرب الحميـــدة والســـيئة ،وكان بذلـــك موضوعيـــاً ولـــم يركز على مـــدح الـــذات فقـــط كما أشـــار بعـــض النقـــاد الغربييـــن .يؤكـــد جونز، أنـــه جـــاء إلـــى دراســـة اللغـــة العربية عـــن طريـــق المصادفـــة ،ولكن ســـرعان مـــا تحولـــت هـــذه المصادفـــة إلـــى ضـــرورة بحيـــث كـــرس حياتـــه لهـــا درســـاً وتأليفـــاً وترجمة ،فهو يقـــول»:ال أعـــرف ما الذي جذبنـــي لدراســـة األدب العربي ،وإن كان قد لفت نظري أن إســـبانيا تعربـــت تمامـــاً بعـــد أن دخلها العـــرب» .إال أن هذا العمل الشـــعري ّ حظـــي بعـــد حوالـــي قرن من الزمـــن بترجمته شـــعرا إلـــى اإلنكليزية، فقـــد اســـتخدم المستشـــرق اإلنكليزي شـــارل ليـــال ()1920-1845 الموازيـــن الشـــعرية اإلنكليزيـــة فـــي عملـــه الموســـوم «ترجمـــات للشـــعر العربـــي القديـــم» ،وظهـــر هـــذا العمـــل ســـنة .1885ورغم هـــذه الجهـــود التي بذلها جونز وخلفه ليال ،إال أن الشـــعر العربي لم يســـتطع التأثير في األدب اإلنكليزي في حقبة القرن التاســـع عشـــر الميـــادي ،والســـبب يعـــود إلـــى أنـــه لم يكـــن هناك شـــاعر متمكن حاذقـــا حتـــى يســـتطيع النفـــاذ ً مـــن أســـاليب اللغـــة العربيـــة تمكّ نً ـــا 14
حســـب عبارة بوزورث -إلى الحديقة الســـرية للشـــعر العربي .وكانالشـــاعر اإلنكليزي شـــيللي ( )1822 1702-قد قام بكتابة قصيدة شـــداد ،وســـيرة هذا حاول أن يقلّ د فيها الشـــاعر الجاهلي عنترة بن ّ األخيـــر تمـــت ترجمتها إلـــى اللغة الروســـية وترجمهـــا هاميلتون الى اللغـــه اإلنكليزيـــة ثـــم توالـــت ترجمتهـــا باللغـــات األخرى لدرجـــه أنها أصبحـــت تنافـــس الف ليلـــة وليلة فـــي عـــدد ترجماتها. شداد أبيات من معلّ قة عنترة بن ّ
فإنَّ نِ ـي ِإ ْن تُ ْغ ِدفي ُدونِ ي ِ الق َ ناع ِ
َ فإنَّ نِ ـي أ ْثنِ ـي َعلَ َّي ِب َما َعلِ ْم ِت ِ
ـل اس ٌ فإ َّن ُظلْ ِمي َب ِ وإ َذا ُظلِ ْم ُت ِ ِ
الم ْستَ لْ ئِ ِـم الف ِ خذ َ ـب ِب َأ ِ ارس ُ َط ٌّ
القتي ِإ َذا لم ُأ ْظلَ ِـم َس ْم ٌـح ُم َخ َ العلْ َق ِـم ُم ٌّـر َم َذ َاقتُ ُـه كَ َط ِ عم َ
15
الحالج
ومـــن االســـماء التـــي ترجمـــت الـــى اللغـــات االوروبية الشـــاعر الصوفـــي الحـــاج ،ويعتبـــر المستشـــرق لويـــس ماســـينيون ً دراســـة فد َرســـه أبـــرز من اشـــتغل على شـــعره وســـيرة حياتهَ ، مستفيضة ،ونشـــر»ديوانه» مع ترجمته إلى الفرنسية ،وكذلك «مصطلحـــات الصوفيـــة» ،و»أخبـــار الحالج» ،و»الطواســـين». وماســـينيون ،الـــذي عمل فـــي العراق وعـــاش ردحا مـــن الزمن ودرس في مصـــر في أوائل القرن فـــي المغرب والجزائر ودرس ّ العشـــرين ،واصـــل االهتمام بقصة هذا الرجل األســـطوري حتى أمـــاط اللثـــام عن تفاصيـــل دقيقة من ســـيرته؟ كل ذلك كان معقوال ،ولكن أن يقفز اســـم الحالج الى الصدارة في اهتمـــام أهل الشـــمال االســـكندنافي فهـــو حدث له داللـــة واحدة، هي عالمية الفكر اإلنســـاني ومشـــاعية الثقافـــة وانتقال المعلومة مثـــل إنتقـــال الهـــواء .األمر الـــذي جعل أهم شـــعراء الســـويد أنغمار ليكيـــوس ينظـــم أجمل قصائـــده في ذكر هذا الشـــاعر وموته. وتذكر المستشـــرقة األلمانية آن ماري شـــيميل ان قصة «الفراشة والقنديـــل» التـــي وردت فـــي كتاب «الطواســـين» قـــد انتقلت إلى الشـــعر الفارســـي على يد حافظ الشيرازي وانتشـــرت في ألمانيا عن طريـــق ترجمـــة غوتـــه وتركـــت أثارها الفنيـــة وخاصة فـــي مجموعته الموســـومة ديوان «الغرب والشـــرق» ،يقول الحالج «لفراش يطير حـــول المصبـــاح إلـــى الصبـــاح ويعـــود إلـــى اإلشـــكال فيخبرهـــم عن الحـــال بألطـــف مقـــال ثـــم يمـــرح بالـــدالل طمعا فـــي الوصـــول إلى الكمـــال» بـــذا إذن يكون (المتصوف العارف) كالفراشـــة تقترب أوال من القنديل فترى نوره أوال ثم تشـــعر يدفئه وأخيرا تقذف بنفســـها فـــي لهيبـــه ألنهـــا ال تريـــد ان تكتفـــي بمجـــرد النظر واإلحســـاس بل تريـــد ان تكـــون الشـــعلة ذاتهـــا للوصـــول إلى حيـــاة جديـــدة فتكون النتيجـــة أنها تحرق نفســـها بشـــعلة القنديل.
16
17
المستشرقة األلمانية آن ماري شيميل
المعري ،أوال وللحـــاج ميـــزة فـــي الثقافة الغربية ربما تشـــبه ميـــزة ّ بســـبب مواقفـــه الصوفية الخاصـــة والالفتـــة وثانياً بســـبب طريقة مقتلـــه وصلبه ألســـباب تتعلـــق بمواقفه.
أهل ولإليمان ترتيب للعلم ٌ
18
وللعلـوم ْ وأهلِ يها تجاريب
والعلم علمان منبوذ ومكتسب
والبحر بحران مركوب ومرهوب
والدهر يومان مذموم وممتدح
والناس اثنان ممنوح ومسلوب
مع بقلبك ما يأتيك عن ثقةٍ فاس ْ َ
وانظر بفهمك فالتمييز موهوب ْ
19
الملوح قيس بن ّ
وثمة بعض الشخصيات األسطورية العربية ترجمها األوروبيون واســـتلهموا مـــن رمزيتهـــا ومعانيهـــا ،ومنها شـــخصية مجنون ليلـــى التي ألهمـــت الكثير من الكتـــاب والفنانيـــن الغربيين في مجاالت الشـــعر والموســـيقى واألوبـــرا ،والفنون التشـــكيلية. انتقلـــت قصـــة «مجنون ليلـــى» ،إلى األدب الفارســـي ،فاألدب األردي والتركي. هذه القصة نفســـها ترجمها إلى الفرنسية المستعرب أندريه ميكيل الـــذي ُعـــرف بمؤلفاتـــه الرصينة حـــول العالـــم العربي واإلســـامي، كمـــا عـــرف بترجماتـــه لعدد مـــن النصـــوص التراثيـــة العربيـــة الكبيرة ومنهـــا «حكايات ألف ليلة وليلة» باالشـــتراك مـــع الكاتب الجزائري جمـــال الدين بن شـــيخ. صرح حـــول ترجمته لقصائد مجنـــون ليلى ونظرته إلى هذه القصائدّ ، «إن العرب في أواخر القرن الســـابع أندريـــه ميكيـــل لجريدة الريـــاضّ : ّ والمتمثل الميـــادي هـــم الذيـــن ابتكـــروا هـــذا النوع مـــن العشـــق، الحـــب المطلق والمســـتحيل ،وذلك قبل حضـــارات أخرى عمل فـــي ّ وتجســـدت أعمالهـــم فـــي إنتاجات أدباؤهـــا علـــى الموضـــوع ذاتـــه ّ إبداعيـــة خالـــدة ،مثـــل «تريســـتان وإيـــزوت» و«روميـــو وجوليت»... «إن أكثر مـــا لفتني لـــدى قراءة أشـــعار المجنون يســـتطرد ميكيـــلّ : العام في ذلـــك الحين. هـــي ابتعادهـــا عن مســـار الشـــعر التقليـــدي ّ كان المجنـــون يـــروي شـــعره ســـاخراً من ذلـــك األســـلوب ومن تلك الحب». إال عـــن موضوع واحد هـــو القوالـــب ،ومـــا كان يتكلّ ـــم ّ ّ
جم ُعني َولَ يلى يس اللَ ُ يل َي َ َألَ َ راه هار كَ ما َأ ُ تَ رى َو َض َح النَ ِ
20
فيه لَ نا تَ داني ذاك ِ فاك ِب َ كَ َ هار كَ ما َعالني َو َيعلوها النَ ُ
21
جالل الدين الرومي
أصغ كيف الناي يروي باشتياق
إنه يشكو تباريح الفراق
ضج مذ أبعدت عن غابي الحبيب ّ
كل إنسان أريب من أنيني ُ
تشظى في الفراق ّ هات لي قلباً ِ
كي له أعرض دنيا االشتياق
ورغـــم كثـــرة الشـــعراء العـــرب الذيـــن ترجمـــوا الـــى اللغـــات االوروبيـــة ،لكـــن يبقـــى الشـــاعر األبرز الـــذي ترجم الـــى اللغات األجنبيـــة هـــو جالل الديـــن الرومي ،الفارســـي األصـــل المتعدد الهويـــات ،فهـــو ولـــد في بلـــخ (مـــا يعـــرف بأفغانســـتان حالياً ). وأســـس الطريقة المولوية ودفن في تركيا ،وتحول قناعا للكثير من ّ األعمـــال األدبيـــة والمســـرحية والصوفية وحتى الغنائيـــة .والملفت للنظـــر هنـــا هـــو مـــدى انتشـــار أفـــكار الرومـــي وأشـــعاره فـــي أوروبا والواليـــات المتحـــدة األميركية ،والتقصير الكبيـــر إن لم نقل التجاهل المتصوف، فـــي البالد العربية واإلســـامية لألعمـــال الفكرية لهـــذا ّ وأظهـــرت اإلحصائيات التـــي جرت في الواليات المتحـــدة األميركية، ّأن أشـــعار جـــال الدين الرومي هي األكثر انتشـــاراً فـــي أميركا ،خاصة وأن ترجمـــات واســـعة قدمت فـــي صفـــوف الشـــباب والمراهقيـــنّ ، وأن أشـــهر مغنّ يين للقراء ،فصنعت منها بطاقات التعارف واألعيادّ ، الحب ،وهما «دمي مور» و«غولدي أميركييـــن معاصرين في أغانـــي ّ هـــون» يغنيـــان أشـــعار جالل الديـــن الرومـــي ،وكلمات إحـــدى أغاني مادونـــا بعنوان «تعلّ ـــم كيف تقول وداعا» مأخـــوذة أصال من إحدى قصائد الرومي الشـــعرية الفلسفية. تـــرك جـــال الديـــن الرومي ميراثـــا أدبيا هائال يعكـــف المختصون على كـــرس المستشـــرق البريطاني دراســـته دراســـة علميـــة شـــاملة .فقد ّ رينولد نيكلســـون خمسة وعشرين عاماً من عمره لترجمة «المثنوي» ودراســـته ،وأصدره تباعا في ثمانية مجلدات بيـــن 1925و .1940كما ّأن كولمـــان باركـــس وهو شـــاعر ومترجـــم أميركي أصـــدر ثمانية كتب متسلســـلة عن الرومـــي كان آخرها كتاب «ماهيـــة الرومي».
22
23
phanquynhtram.com/tag/roland-barthes
ترجمة الشعر العربي الحديث أمـــا ترجمـــة الشـــعر العربـــي الحديـــث الـــى اللغـــات األوروبيـــة فـــكان لهـــا ســـياقات مختلفـــة ومتنوعة فـــي الزمـــان والمكان وااليديولوجيـــا ،وحصـــل فيهـــا اخذ ورد ،ومســـار ترجمة الشـــعر العربـــي المعاصـــر الـــى اللغـــات األوروبية يبـــدو بطيئـــا وأقلويا وشـــحيحاً ،حتـــى اســـم محمـــود درويـــش الســـاطع اآلن لم يكن كمـــا نتخيلـــه في أوروبـــا ،لقد عبـــر مطبـــات كثيـــرة صعبة حتى أصبح شـــعره يصـــل الـــى القراء. واذا كانـــت المكتبة األوروبية غنية ،الى حـــد ما ،بالمصادر المتعلقة بالتـــراث العربـــي ،فإنهـــا تبـــدو فقيـــرة جدا في مـــا يتعلـــق بالمصادر التـــي تتناول ادبنا ،ال ســـيما شـــعرنا الحديث. آثـــر ســـمث ان يتناول آداب العالم منذ مفتتـــح القرن الماضي وحتى اصـــدار كتابـــه الضخـــم ،وخـــال هـــذه الفترة التي تســـتغرق خمســـة وســـبعين عامـــا لـــم يخصـــص للشـــعر العربـــي إال مـــا هـــو اقـــل مـــن صفحـــة واحـــدة تناول فيها شـــعر حافـــظ ابراهيـــم باعتبـــاره نموذجا للتدليـــل علـــى التطـــور الـــذي طرأ على شـــكل الشـــعر العربـــي ،دون ان يمـــس مضمونـــه ،اذ بقيـــت مضامينـــه فارغـــة ال تفصـــح عـــن شـــيء ابدا ،تـــكاد تقتصر على شـــعر المناســـبات ،والمراثـــي لوجهاء المجتمـــع .وفـــي كتابـــه الشـــهير «روالن بـــارت بقلـــم روالن بـــارت”، يلمـــح الناقـــد الفرنســـي الـــى ان الثقافـــة العربية “ال تهمنـــا اال في حـــاالت انتروبولوجية”. مـــا ترجـــم الـــى اللغة األوروبيـــة من العربيـــة ،في عقدين مـــن الزمن يتجـــاوز مـــا ترجـــم عبـــر قـــرون .وافضـــل حضـــور للشـــعر العربـــي في اوروبـــا موجـــود فـــي فرنســـا ،ويعود الفضـــل في ذلك الى دار نشـــر ســـندباد/اكت ســـود ،وبعـــض الشـــعراء الذين أصـــدروا انطولوجيات للشـــعر العربي باللغـــات األوروبية.
24
25
محمود درويش
ليس كالم مارتن ســـمث تعســـفيا او تجنيا ،فمعظم الدراسات تشـــير إلى أن أسماء قليلة في الشـــعر العربي المعاصر ترجمت فـــي الســـبعينات والثمانينـــات من القـــرن الماضـــي ،لنأخذ مثال محمود درويش ،فهو من األســـماء الالمعة البارزة في الشـــعر العربـــي ،ومـــن األســـماء التـــي حظيـــت باهتمـــام المترجميـــن والمســـتعربين ،وهـــو ترجـــم مبكـــراً منـــذ بداياتـــه األولى ليس الســـباب شـــعرية بل الســـباب ايديولوجية ،نظراً الرتباط شعره بالقضيـــة الفلســـطينية والقـــوى اليســـارية ،كمـــا كان يســـافر كثيـــراً إلـــى مناطق للدعـــوة إلى القضيـــة وهو مـــا كان يتطلب ترجمـــة أشـــعاره لتقديمه هنـــاك ،إلى جانب النـــدوات التي كان يحييها ســـنوياً في فرنســـا وإســـبانيا وانكلترا وألمانيا واليونان ويوغوســـافيا .ويتفـــاوت تقييـــم حضـــور محمـــود درويـــش ترجمتـــه بين كاتب وآخر ،كتب إدوارد ســـعيد أن جمهوره عريض واســـع علـــى امتـــداد العالـــم العربـــي (فـــي عـــام 1977كانـــت كتبـــه قـــد باعـــت أكثـــر مـــن مليـــون نســـخة) ،ليس في أوســـاط الفلســـطينيين فحســـب ،على الرغـــم من أنه أبعد مـــا يكون عن النموذج الشـــعبوي. وهـــو مقـــروء والفـــت لالنتبـــاه علـــى نطـــاق واســـع في إســـرائيل، بســـبب اقترانه الطويـــل باللجنة التنفيذية لمنظمـــة التحرير .وكانت ضد إســـرائيل، حاد وســـاخط ّ عبرت عـــن رأي ّ إحـــدى قصائـــده ،التـــي ّ تبيـــن أن نبرته ســـببت انـــدالع نقاش داخـــل الكنيســـت ،بحيـــث ّ قـــد ّ القـــوة والتأثير على جمهوره اآلخـــر .ويقول الباحث ذات َو ْقـــع بالـــغ ّ والمستشـــرق األلمانـــي ســـتيفان فايدنـــر :كانـــت أول مؤلفـــات محمـــود درويـــش المترجمـــة إلـــى ألمانيـــا قـــد تولـــت نشـــرها ،فـــي وقـــت واحد تقريباً ،دار نشـــر فـــي ألمانيا الغربية وأخـــرى في ألمانيا الشـــرقية .ففـــي بادئ األمر ،فـــي العام 1978على وجـــه التحديد، صـــدر فـــي برلين الغربيـــة مؤلفه «يوميـــات الحزن العـــادي» بترجمة فـــاروق بيضون.
26
27
وهنـــا أيضـــاً لعبـــت العوامـــل السياســـية دوراً مميـــزاً فـــي نشـــر هذا الكتاب ،فدار النشـــر األلمانيـــة الغربية كانت اشـــتراكية النزعة وتكن العـــداء للكولونياليـــة واالســـتعمار وتتطلـــع لتعريف القـــراء األلمان بـــآداب العالـــم الثالـــث .وصـــدر في برلين الشـــرقية في عـــام ،1979 ديـــوان محمـــود درويـــش «عاشـــق مـــن فلســـطين» .وكان هـــذا الديـــوان بترجمة الســـيدة يوهانا وقرينهـــا مصطفى هيكل» .يضيف فايدنـــر «عمومـــاً نجيز ألنفســـنا القول بأن االهتمـــام الذي حظي به محمـــود درويـــش في ألمانيـــا ما كان يكمـــن -في الوهلـــة األولى- فـــي شـــخصه كشـــاعر ،بـــل كان يكمـــن فـــي مواقفـــه السياســـية. ومـــع أن مثـــل هـــذه الحفاوة السياســـية أمـــر ال ضير فيـــه طبعاً ،إال أنهـــا تنطـــوي بالرغـــم مـــن ذلك علـــى أمر ســـلبي :فعندمـــا ال يحظ الموضـــوع السياســـي باألهميـــة المناســـبة لدى القـــراء ،فإن هؤالء لن يعيـــروا اهتمامـــاً يذكر لهـــذا األدب». ثمـــة تنـــاول آخر لمحمود درويـــش باللغات االجنبية ،كتب الفرنســـي بييـــر أســـولين ،فـــي «مدونته» علـــى االنترنـــت مقالة بعنـــوان «من أجـــل تحيـــة محمـــود درويـــش» حيـــث يبـــدأ كالمـــه بالقـــول« :فـــي النهايـــة هـــذا هو الشـــعر :محمـــود درويش ،أحـــد أكبر شـــعراء اللغة العربيـــة ،كان يقـــرأ قصائـــده بالعربيـــة فـــي فرنســـا أمـــام جمهـــور فرنســـي حيـــث أن عددا كبيـــرا منهم ال يفهموا أي كلمـــة من لغته، اســـتمعوا إليه لساعات مندهشـــين من هذه الموسيقى ،مأسورين بمـــا كانـــت تقولـــه ،بحميميـــة ،كلماتـــه التي كانـــوا يتلقونهـــا بعمق فـــي حيـــن أنهـــم كانـــوا غرباء مـــن حيـــث المبدأ .هـــذا الســـحر هو ما يسمى الشـــعر.»...
بالطبـــع يبقـــى محمـــود درويش من األســـماء النـــادرة في الشـــعر، واألمـــر يتعـــدى والءه للقضيـــة الفلســـطينية ،وكان له تأثيـــره البارز فـــي اوروبـــا بشـــهادة النقـــاد والمتابعيـــن ،كونـــه احتـــل «الوجـــدان الجمعـــي لألمـــة» بحســـب صبحـــي حديدي.
كل خوخ األرض ينمو في جسد ّ وتكون الكلمة وتكون الرغبة المحتدمه الظل عليها ّ سقط ال أحد ال أحد ... وتغنّ ي وحدها في طريق العربات المهملة كل شيء عندها لقب للسنبلة وتغنّ ي وحدها: البحيرات كثيره وهي النهر الوحيد
28
29
أدونيس
حضـــور الشـــعر العربي المعاصـــر في اللغـــات األجنبيـــة يتأرجح بيـــن اســـمين بارزين ،محمـــود درويش من جهـــة وأدونيس من جهـــة ثانيـــة ،األول له عالمه السياســـي والشـــعري واإليقاعي والرمـــزي ،والثانـــي لـــه مشـــروعه الحداثـــوي والتراثـــي ،واكثر شـــاعر عربـــي وربمـــا عالمـــي اشـــتغل علـــى ترجمة نفســـه الى اللغـــات االوروبيـــة ،خصوصا منذ قيل أو راج أنه مرشـــح لجائزة نوبـــل لـــآداب ،صـــار يعتبـــر الشـــاعر العربـــي األكثر شـــهرة في اللغـــات االجنبيـــة ،اســـمه يتـــداول ويحضـــر مـــن أميـــركا الـــى الصيـــن ،ومـــن باريـــس الـــى طوكيـــو ،ومن أنقـــرة الـــى طهران، مـــن الفـــوز بجائـــزة غوتـــة األلمانيـــة الـــى الطمـــوح للحصـــول مترجما علـــى نوبل لـــآداب ،يتردد اســـم أدونيس هنا وهنـــاك ِ ومترجمـــا ،انطولوجيات ودواوين شـــعرية وتراثية ومهرجانات َ ومواقف صاخبة ،اختلطت فيه العبارات الشـــعرية بالكلشـــيات الفكريـــة .طالمـــا كانت الترجمـــة الى اللغـــات العالمية هاجس ومحـــط أنظـــاره ،والـــرأي عنده أنه فـــي حالة ّ أدونيـــس الدائـــم تقـــدم الترجمـــة مـــن العربيـــة إلـــى اللغـــات األجنبيـــة ال بـــد أن ّ هـــذه الترجمـــة إضافـــة إلى آفـــاق اللغـــات األخرى بمـــا يزيدها معرفـــة باإلبـــداع العربي. ولذلـــك يـــرى أدونيـــس أنـــه البـــد أن نحيد عـــن الترجمة التـــي تندرج فـــي الســـياق السياســـي أو اإلعالمـــي أو اإلجتماعـــي تلبيـــة لرغبة اآلخـــر فـــي النظـــر إلى العـــرب ال نظـــرة النديـــة اإلبداعية ،بـــل نظرة مـــن يســـعى للتشـــهير بهـــم أو إبقائهم ســـجناء النظـــرة اإلمبريالية والتخلـــف والتبعية.
30
31
الشاعر والناقد اإليطالي جوزيف كونتي
وقصائـــد أدونيـــس ،القديمـــة والجديـــدة مـــا برحـــت «تنتقـــل» الـــى لغـــات عـــدة ،ومـــا زال المترجمـــون الغربيـــون يقبلـــون علـــى نقـــل مختـــارات مـــن دواويـــن الشـــاعر الـــذي جمع بيـــن اللحظة الشـــعرية واللحظـــة الفكريـــة ،خصوصـــا فـــي كتبـــه «مفـــرد بصيغـــة الجمـــع» وأغانـــي مهيـــار الدمشـــقي» و«كتـــاب التحـــوالت والهجـــرة فـــي اقاليـــم النهـــار والليـــل» ،وكتـــب الشـــاعر والناقد اإليطالـــي جوزيف كونتـــي مقدمـــاً كتـــاب «مئـــة قصيـــدة حـــب»« :اإلهتمـــام الغربـــي والعالمـــي بشـــعر أدونيـــس هـــو موضع جـــدل دائم فـــي الصفحات الثقافيـــة العربيـــة ،فعدا عن عالقـــات أدونيس الدوليـــة المعروفة، هنـــاك مـــن يتهـــم «اإلستشـــراق» باختيـــار قصائـــده ويصف شـــعره بالغربـــي و«التغريبـــي».
خلخل المدى َ تكون أن تُ أجمل ما ُ داء واآلخرون -بعضهم يظنّ ك النّ َ
الصدى. بعضهم يظنّ ك ّ
حج ًة أجمل ما ُ تكون أن تكون ّ الم للنور ّ والظ ِ الكالم الكالم ّأو َل آخر ِ ِ يكون فيك ُ زبدا واآلخرون -بعضهم يرى إليك ً خالقا. وبعضهم يرى إليك ً هدفا - ً أجمل ما تكون أن تكون مفترقا ً والكالم . مت للص ِ ِ ّ
32
33
أنسي الحاج
إليك بألم الفرق بيننا ِ مربوطاً نفسك ِ زع ِك من أنتَ ُ وتنتزعينني، الجوهري نتخاطف الى سكرة ّ
رغـــم أن ادونيـــس وأنســـي الحاج برزا فـــي مرحلة واحـــدة تقريبا ســـواء فـــي قصيـــدة النثـــر او مجلـــة شـــعر أو حتى ايـــام بيروت ودورهـــا ،إال أن الحـــاج كان ميـــاال الـــى العزلـــة واالبتعـــاد عـــن االضـــواء ،وهذا انعكس علـــى حضوره في الترجمات ،فالشـــاعر الـــذي يصنـــف ضمـــن الـــرواد بقيـــت ترجماتـــه بنســـبة محدودة إلـــى الفرنســـية واإلنكليزية واأللمانيـــة والبرتغاليـــة واالرمنية الطيار» بالفرنســـية في والفنلنديـــة .صـــدرت انطولوجيا «االبد ّ باريـــس عـــن دار «أكت ســـود» عـــام 1997وانطولوجيـــا «الحب والذئـــب الحـــب وغيـــري» باأللمانيـــة مـــع االصـــول العربية في وقدم لهـــا عبد القادر برليـــن عـــام .1998األولى اشـــرف عليها ّ الجنابـــي واألخـــرى ترجمهـــا خالـــد المعالي وهربـــرت بيكر.
نتجدد حتى نضيع ّ نتكرر حتى نتالشى ّ نغيب في الجنوح ُ الف ْقد السعيد في َ كل شائبة. خالصين من ّ الوردي الع َدم َ ّ ونَ لِ ُج َ
قلـــة ترجمـــات الحـــاج الـــى اللغـــات االجنبية ســـببها مزاجـــه قبل كل شـــيء ،فحين ترجم الى الفرنســـية بدا لبعضهم انه يكتشـــف شـــاعراً إن قراءة جديدا مع انه من الرواد ،وقال الشـــاعر ســـاران ألكسندريان ّ بأن أنســـي الحـــاج وريث روحي للشـــعراء «األبـــد الطيـــار» أقنعتنـــي ّ ّ تعمقـــت في دراســـتهم فـــي «الســـوريالية والحلم»، الكبـــار الذيـــن ّ الشـــعراء الذيـــن وصفهم أراغون بأنّ هم «رؤســـاء جمهوريـــة الحلم». لكن شـــعر أنســـي الحاج ينطـــوي على أمر ال نجده في الســـوريالية ّ المميـــزة .وقـــد التقليديـــة ،علـــى إضافـــة مـــا تصنـــع خصوصيتـــه ّ تلمســـت هـــذه اإلضافـــة خصوصـــاً عنـــد قراءتـــي قصيدتـــه -النهـــر ّ نشـــرت مقاطع «الرســـولة بشـــعرها الطويـــل حتى الينابيـــع» ،التي ُ منهـــا هذه الســـنة فـــي مجلّ تـــي «Supژ ،»rieur Inconnuتذكّ رت مقطعاً من «بيان الســـوريالية» يصف فيـــه اندره بروتون مجموعة قائال «شـــاتوبريان ســـوريالي فـــي اإلغرابيـــة ...بودلير مـــن الكتّ ـــاب ً ســـوريالي في األخالقيـــة ...ماالرميه ســـوريالي في البوح ...ســـان بـــول رو ســـوريالي فـــي الرمـــز ،إلـــخ ،»...وخـــال قراءتي «الرســـولة بشـــعرها الطويـــل حتـــى الينابيع» ،لم أتمالك من أن أفكّ ر« :أنســـي الحاج ســـوريالي فـــي الغنوصية». 34
35
قاسم حداد
أيا أمي أريد حياة سئمت تحجر الكلمات فوق جدارنا الصخري سئمت الموت عبر حياتنا يسري أريد حياتي الكبرى -أيا أمي -بال سجان
ثمة مجموعة ال بأس بها من الشـعراء العرب ترجمة قصائدهم الـى اللغـات األجنبيـة ،فنشـرت الدكتـورة فريـال غـازول ،أسـتاذ ورئيـس قسـم اللغـة اإلنكليزيـة بالجامعـة األميركيـة بالقاهـرة وجـون فيرلينـدن ،أسـتاذ البالغـة والكتابـة بالجامعـة ،ترجمـة ديـوان مجنـون ليلـى وأشـعار مختـارة للشـاعر البحرينـي قاسـم حـداد .يجمـع هـذا العمـل ،أهم أعمـال حداد وأكثر قصائـده تأثيرا خلال 40عامـا مـن اإلبـداع .حظـى حـداد بالتقديـر الدولي إلعادة صياغتـه لقصيـدة مجنـون ليلـى وإنتاجـه الغزيـر مـن القصائـد القصيـرة إلـى تجاربـه مـع الشـعر الحـر ،ويقـول فيرلينـدن« :بدأنـا العمـل علـى ترجمـة أعمـال مختـارة مـن قصائـد حـداد منـذ عـام 2005ونشـرنا بالفعـل بعضـا مـن هـذه الترجمـات بمجلـة بانيبال، الصادرة من لندن والمختصة بترجمة األدب العربي لإلنكليزية».
بال قبر جميع جهاته جدران بال سور يحز حقيقة اإلنسان أريد الحلم أصنعه بال قضبان أريد الحب أشعره كما اإلنسان
وتوضـح القصائـد المختـارة فـي ترجمـة مهـارة حـداد التأمليـة المرحـة والتـي ال تخلـو مـن عمـق فـي الوقـت ذاتـه ،فلـدى حـداد كشـاعر قـدرة قويـة علـى كتابـة القصائـد الغنائيـة ،كمـا يملـك القـدرة علـى وضـع الرمـوز الكالسـيكية والحديثـة ،والمـزج بيـن الجديـد والقديـم، والحسـي والمقـدس ،مـع الشـائع واالسـتثنائي. وقاسـم حـداد مـن المسـاهمين بنشـر الشـعر باللغـات العالميـة مـن خلال موقـع «جهـة الشـعر» الكترونـي الـذي أسسـه مـع إنطالقـة عالـم اإلنترنـت.
36
37
سركون بولص
ســـركون بولـــص صاحـــب الترجمـــات الشـــعرية المهمـــة عـــن االنكليزيـــة ،صدر عـــن دار «أكت دي ســـود» الفرنســـية ،مختارات من شـــعره ،تحت عنوان «االيماضة الباقيـــة» ،قام بترجمتها إلى الفرنســـية أنطـــوان جوكـــي .وقدم لهـــا وديع ســـعادة بكلمة جاء فيها« :شـــاعر الالمكان ســـركون بولـــص ،الذي عبـــر أمكنة كثيرة (العـــراق ،لبنـــان ،الواليات المتحـــدة ،بريطانيا ،ألمانيـــا ،)...لم يكن يعبـــر فـــي الجغرافيـــا .كان يعبر في ذاتـــه ،عمودياً فـــي األعماق، وفـــي الغور هناك يحاول هدم الحدود بيـــن الحلم والواقع .كانت اللغـــة هي وطنه االفتراضي الوحيـــد ،فحفر فيها عميقاً علّ ه يجد نفســـه فـــي وطن ...لكن ،هل للشـــعراء وطن ،حتى فـــي اللغة؟» عنـــوان الكتـــاب هو عنـــوان قصيدة نثر فـــي ديوانـــه «األول والتالي»، واختيـــار المترجـــم لهـــذا العنـــوان كخيط جامع ،لـــه داللة جيـــدة وهي أن الشـــاعر ال بقـــاء لـــه فـــي مـــا تركـــه ســـوى شـــعره ،هـــذه االيماضة الباقيـــة األخيـــرة .وقد لعب أنطـــوان جوكي دوراً كبيـــراً في جعل هذه االيماضـــة تســـتمر في التوهج .فقد بذل جهدا كبيـــرا في ترجمة هذه المجموعة من شـــعر ســـركون بولص وقد اختار ،بدقة ،ما ال يمكن أن يضيـــع كليـــاً في لغة أخـــرى ،حصر اختيـــار المترجم حـــول قصائد تتحاور مع الوعي الشـــعري الفرنســـي المعاصـــر ،ولها طابـــع أكثر كونية.
أنا في النهار رجل عادي يؤدي واجباته العادية دون أن يشتكي كأي خروف في القطيع لكنني في الليل نسر يعتلي الهضبة وفريستي ترتاح تحت مخالبي 38
39
الشاعر سعيد عقل الشاعر نزار قباني nizar-qabbani.com
40
شعراء آخرون
بالطبـــع ال يمكـــن رصـــد كل التجـــارب الشـــعرية العربيـــة المعاصـــرة المترجمـــة الـــى اللغـــات االجنبيـــة مـــن خـــال مقـــال واحـــد ،فهناك اســـماء كثيرة ترجمت الـــى اللغات االجنبة ان مـــن خالل كتب خاصة أو مـــن خالل انطولوجيات بلغات متعدد ،ومن األســـماء البارزة في هـــذا الســـياق عبـــاس بيضون ،وديع ســـعادة ،بســـام حجار ،ســـعدي يوســـف ،بدر شـــاكر الســـياب ،ســـميح القاســـم ،نازك المالئكة ،بول شـــاوول ،نزار قباني وســـعيد عقـــل ....الخ
41
43
42
44