Poetry in euro languages 04الشعر العربي في اللغات العربية

Page 1

‫الشعر العربي‬ ‫في اللغات األوروبية‬


‫الشعر العربي‬ ‫في اللغات األوروبية‬


‫الشاعر اإلنكليزي بيرسي شيللي‬

‫لوحـــظ أن العـــرب األقدمين لـــم يعتنوا بنقـــل التـــراث اليوناني‬ ‫مـــن الشـــعر‪ ،‬كأنهم كانـــوا ضد ترجمة الشـــعر‪ ،‬حتـــى أن الجاحظ‬ ‫كان يقـــول‪« :‬ان الشـــعر العربـــي ال يســـتطاع ان يترجم وال يجوز‬ ‫عليـــه النقل ومتـــى ترجم تقطع نظمه وذهب حســـنه وســـقط‬ ‫موضوع التعجـــب فيه»‪.‬‬ ‫والجاحـــظ مـــن أوائـــل الـــرواد العـــرب الواضعيـــن لقواعـــد نظريـــة‬ ‫الترجمـــة‪ ،‬وهـــو الـــذي ســـجل افـــكاراً عـــن هـــذه العمليـــة‪ ،‬وحـــدد‬ ‫شـــرائطها وأوضـــح نوعيـــة مـــادة الترجمـــة وشـــخص المترجـــم‪.‬‬ ‫فـــي الزمـــن المعاصـــر بقيـــت مقولة الجاحـــظ موضع نقـــاش وجدل‪،‬‬ ‫وبقـــي الحديـــث عـــن شـــكل الشـــعر وروحـــه مـــن األمـــور العالقـــة‬ ‫والكثيـــرة التأويـــل‪ .‬فـــي كتابها «في الشـــعر وترجمته» تـــورد خالدة‬ ‫حامـــد الكثير مـــن اآلراء في معنى ترجمة الشـــعر‪ ،‬فيصف عزرا باوند‬ ‫ثالثـــة جوانب للشـــعر هي‪ :‬الموســـيقى والخيال ورقـــص العقل بين‬ ‫الكلمـــات‪ ،‬ويعتبـــر الجانـــب األخير روح الشـــعر‪ .‬من هنا نستشـــف أن‬ ‫ثمـــة جوانـــب ال ملموســـة وال مرئيـــة‪ ،‬يعج بهـــا عالم الشـــعر‪ ،‬تجعل‬ ‫نقلـــه إلى لغة أخرى شـــبه مســـتحيل‪.‬‬ ‫ريلكـــه يقـــول أن «الترجمـــة قلـــب الشـــاعر النابـــض»‪ .‬وبينمـــا يـــردد‬ ‫خورخـــي لويـــس بورخيـــس أن «األصل خائـــن للترجمة»‪ ،‬يـــرد ايمبرتو‬ ‫قائال إن «الترجمة هي فن الفشـــل»‪ .‬ويؤكد روبرت فروســـت‬ ‫إيكـــو‬ ‫ً‬ ‫أن الشـــعر يضيـــع بالترجمـــة‪ ،‬فـــي حين يقـــول جوزف برودســـكي إن‬ ‫الترجمـــة تبقـــي عليـــه‪ .‬ويقول دبليـــو ميروين‪« :‬يعتقـــد بعض الناس‬ ‫أن ترجمة الشـــعر صعبـــة حتماً ‪ ،‬لكننا نعلم أن ذلـــك االعتقاد يجافي‬ ‫الحقيقـــة‪ ...‬إنهـــا مســـتحيلة»‪ .‬أمـــا ويليـــس بارنســـتون فيؤكـــد أن‬ ‫الترجمـــة هي «فـــن التجلي»‪ ،‬تجعـــل من المجهـــول معلوماً ‪ ،‬وعلى‬ ‫ذات النبـــرة يـــرى الشـــاعر اإلنكليـــزي بيرســـي شـــيللي أن «ترجمـــة‬ ‫الشـــعر محاولـــة عقيمـــة تمامـــا‪ ،‬مثـــل نقـــل زهرة بنفســـج مـــن تربة‬ ‫أنبتتهـــا إلـــى زهريـــة»‪ ،‬بينمـــا يفتح جاكوبســـون نافذة لإلمـــكان حين‬ ‫الخالق‪،‬‬ ‫يقـــول إن «الترجمـــة الوحيدة الممكنة هي النقـــل اإلبداعي‬ ‫ّ‬ ‫أي إعـــادة كتابـــة القصيـــدة وإنتاجها مـــن جديد»‪.‬‬

‫خورخي لويس بورخيس‬

‫‪4‬‬

‫‪5‬‬


‫أبو الطيب المتنبي‬

‫علـــى أن الكثيـــر مـــن المترجمين تخطـــوا هذه األفـــكار النمطية‬ ‫والنظريـــة وترجمـــوا الشـــعر العربـــي الـــى اللغـــات األوروبيـــة‬ ‫(الفرنســـية واأللمانية تحديداً )‪ ،‬واذا اخدنا مثال الشاعر العباسي‬ ‫أو الطيـــب المتنبي‪ ،‬نالحظ أن بعـــض األجانب يتزاحمون من أجل‬ ‫إعـــان تبنيـــه‪ ،‬لقـــد أفتتـــن المستشـــرق ريجيس بالشـــير باللغة‬ ‫العربيـــة فـــي زمـــن كانت فيه موضـــع تهميـــش (او التباس) عند‬ ‫األوروبييـــن‪ .‬فوجـــد فيها كمـــا وصفها «لغة المجـــد»‪ ،‬كما وجد‬ ‫في الشـــعر العربي «جنـــة خفية»‪.‬‬ ‫عرف بالمتنبـــي في الثقافـــة العالمية‪ ،‬ومن‬ ‫يعتبر بالشـــير أول مـــن ّ‬ ‫شـــدة ولعـــه بـــه‪ ،‬قـــدم أطروحتـــه للدكتـــوراه عنـــه بعنـــوان «ديوان‬ ‫المتنبـــي في العالم العربي وعند المستشـــرقين»‪ .1935 ،‬وحظيت‬ ‫هذه الدراســـة بمكانـــة كبيرة في الشـــعر األوروبـــي والعالمي‪.‬‬ ‫وقالـــت المستشـــرقة كاتارينـــا مومـــزن األســـتاذة فـــي جامعـــة‬ ‫ســـتانفورد االميركيـــة فـــى كتابهـــا «غوتـــه وبعـــض شـــعراء العصـــر‬ ‫االســـامي» ان المتنبـــي كاد أن يكـــون نكـــرة بالنســـبة للقـــارئ‬ ‫األوروبـــي فـــى عصر غوته ولكنهـــم انتبهوا إليه بعـــد أن تحدث عنه‬ ‫غوتـــه باعجـــاب واكبـــار في «الديـــوان الغربي‪-‬الشـــرقي»‪ .‬وأشـــارت‬ ‫الـــى أن للمتنبـــي ظـــاال فـــى بعـــض أعمـــال غوتـــه ومنهـــا مشـــهد‬ ‫فكاهـــي في مســـرحيته «مأســـاة فاوســـت» كمـــا اســـتوحى النبرة‬ ‫الغزليـــة فـــى قصيدتـــه «الســـماح بالدخـــول» التـــي كتبها يـــوم ‪24‬‬ ‫ابريل‪/‬نيســـان ‪ 1820‬مـــن غزليـــات المتنبـــي‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬


‫ال يتوقـــف األمـــر علـــى الغزليـــات‪ ،‬فعـــن دار نشـــر «أكـــت ســـود»‬ ‫الباريســـية‪ ،‬صـــدر «كتـــاب الســـيوف» بترجمـــة باتريك مغربنـــة وهوا‬ ‫هـــوي فوونـــغ يتضمـــن قصائـــد مختـــارة للمتنبـــي‪ ،‬والســـيف ‪-‬كمـــا‬ ‫يشـــيران إليه فـــي المقدمة‪ -‬يطبع حياة المتنبي مـــن بدايتها وحتى‬ ‫ســـيف شـــهره الشـــاعر منـــذ خروجـــه مـــن ســـن المراهقة‪،‬‬ ‫نهايتهـــا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ليشـــحذ الحقـــا ســـيف هجائـــه ضـــد هـــذا األخيـــر‪ ،‬ويعـــود فيســـتلّ ه‬ ‫لمقاتلـــة مهاجمـــي قافلتـــه عام ‪ 965‬فيمـــوت والســـيف في يده‪.‬‬ ‫وأيـــا تكن ترجمـــات المتنبي الـــى األجنبية فهو يبدو أقلويـــاً ونخبوياً‬ ‫بامتيـــاز‪ ،‬ولـــو حضـــر بقـــوة في عالـــم غوته‪.‬‬

‫اء‬ ‫ات لِ ألكْ َف ِ ‬ ‫إنّ َما التّ ْهنِ َئ ُ‬

‫الب َع َداءِ‬ ‫ولم ْن َي َّدني ِم َن ُ‬ ‫َ‬

‫ىء ُع ْض ٌو ‬ ‫َوأنَ ا ِمنْ َك ال ُي َهنّ ُ‬

‫األع َضاءِ‬ ‫بالم َس ّر ِ‬ ‫ات سائِ َر ْ‬ ‫َ‬

‫الد َي َار َولَ ْو كَ ا ‬ ‫ُم ْستَ ِق ٌّل لَ َك ّ‬

‫األمـ ‬ ‫َولَ َو ّان الذي َي ِخ ّر ِم َن ْ‬ ‫أنْ َت أعلى َم َحلّ ًة ْأن تُ َهنّ ا ‬

‫‪8‬‬

‫البنَ اءِ‬ ‫َن نُ ُجوماً ُآج ُّر َهذا ِ‬ ‫يضاءِ‬ ‫فيها ِم ْن ِف ّض ٍة َب َ‬ ‫َـو ِاه َ‬ ‫السماءِ‬ ‫األر ِض ْأو في ّ‬ ‫كان في ْ‬ ‫َ‬ ‫بم ٍ‬

‫‪9‬‬


‫أبو العالء المعري‬

‫اذا كان المتنبـــي متقدمـــاً علـــى أبـــي العـــاء المعـــري عربيـــاً ‪،‬‬ ‫ومســـجال علـــى الـــدوام ما يؤكـــد انه الشـــاعر األبرز فـــي التاريخ‬ ‫ً‬ ‫للمعـــري رمزية‬ ‫العربـــي والذي تخطى شـــعره لعبـــة الزمن‪ ،‬فان‬ ‫ّ‬ ‫أوروبيـــة خالصـــة خصوصـــا حيـــن تجـــري المقارنـــة بيـــن «رســـالة‬ ‫الغفران» وكوميديا دانتي‪ ،‬ويطرح الســـؤال الدائم كيف ســـرق‬ ‫المعـــري‪ ،‬بالرغم مـــن االختالف‬ ‫دانتـــي الليغيـــري الفكـــرة مـــن‬ ‫ّ‬ ‫علـــى مبـــدأ التصوير ســـواء الـــذي اتبعـــه دانتي فـــي الكوميديا‬ ‫او اتبعـــه مـــن قبلـــه المعري فـــى رائعته «رســـاله الغفـــران»‪...‬‬ ‫والحال أن المعري كان على الدوام موضوع دراســـات وترجمات‬ ‫ألعمالـــه منهـــا ترجمـــة «لزومياته» الـــى اللغة الفرنســـية على‬ ‫يـــد الباحثيـــن باتريك مغربنـــة وهوا هـــوي فونغ‪ .‬اذ يـــرى هذان‬ ‫الباحثـــان ان الخـــوض في فكـــر المعري وشـــعره إشـــكالي‪ ،‬ألنه‬ ‫ذهـــب بفلســـفته أبعد من معاصريـــه‪ ،‬واســـتبق الحداثة بقرون‪،‬‬ ‫وبقـــي مـــع ضعف صاحبـــه الجســـدي واقفـــاً امامنا ّحتـــى اليوم‬ ‫يؤرق ويســـائل‪.‬‬ ‫وكتـــب الباحثـــان مقالـــة عنـــه فـــي مطبوعـــة لومونـــد دبلوماتيـــك‬ ‫المعـــري؟ كيـــف يرقى فكـــر الحداثـــة إلى‬ ‫ســـر‬ ‫ّ‬ ‫بعنـــوان «هـــل ُفضح ّ‬ ‫شـــعر أديـــب العربيـــة األكبـــر»‪ ،‬ويضيـــف الباحثـــان «ليس فـــي ديوان‬ ‫األدب العربـــي علـــى عظمتـــه وجاللـــة قدرته ما يجزي عـــن أدب أبي‬ ‫شـــخصيته‪ ،‬باإلضافة‬ ‫العـــاء المعري من نبل‪ .‬لقد جمع المعري في‬ ‫ّ‬ ‫والقـــوة في‬ ‫إلـــى نبوغـــه الفطـــري‪ ،‬اإلخـــاص فـــي خدمـــة الحقيقة‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫أفق جديد يســـتعلي على ّ‬ ‫مهاجمة الفســـاد‪ ،‬فتمكّ ن من فســـح ٍ‬

‫‪10‬‬

‫‪11‬‬


‫نهاية قصيدة أمرؤ القس وبداية قصيدة لَ بيد بن ربيعة‬

‫المعـــري ومنها ترجمة‬ ‫مـــا ســـبقه»‪ .‬وهناك أكثر مـــن ترجمة ألعمال‬ ‫ّ‬ ‫األديـــب اللبنانـــي أميـــن الريحانـــي لبعـــض اللُ زوميات باســـم رباعيات‬ ‫أبـــي العالء‪.‬‬ ‫كان فـــون كرومـــر هـــو أول من حقق ونشـــر «اللزوميـــات» في العام‬ ‫‪ 1889‬ثـــم نشـــر مارغليـــوث «رســـائل ابـــي العـــاء ‪ – »1898‬ونشـــر‬ ‫نيكلســـون «رســـالة الغفـــران» ‪ ,1900‬وقـــد حفـــظ المستشـــرقون‬ ‫علـــى غـــرار القدمـــاء – ألبـــي العـــاء‪ ،‬مكانتـــه العلميـــة الفريـــدة في‬ ‫الثقافـــة العربيـــة‪ ،‬واذا كان القدماء قد حـــاروا في تصنيف أبي العالء‬ ‫دينيـــا‪ ،‬فـــان المستشـــرقين والنقـــاد العـــرب المحدثين قد حـــاروا في‬ ‫تصنيفه فلســـفيا‪ ،‬فهو‪« :‬ينزع النزعتين معـــا‪ :‬نزعة المتصوفة ونزعة‬ ‫المعتزلـــة» وهو ينتمـــي الى المذهـــب االســـماعيلي الباطني‪ ،‬وهو‬ ‫«ديكارتي ســـابق لعصره» وهو «يراهن رهان الفيلســـوف الفرنســـي‬ ‫بســـكال»‪ ،‬أو «يقتـــرب فـــي فلســـفته مـــن عمـــر الخيـــام»‪ ،‬او مـــن‬ ‫«ابيقور»‪.‬‬

‫بلد‪ ،‬‬ ‫أقيم في ٍ‬ ‫لي أن َ‬ ‫من َ‬

‫ُ‬ ‫والديانة والعلـ ‬ ‫سر‬ ‫الي ُ‬ ‫بي ُ‬ ‫ُي َظ ُّن َ‬ ‫واحدة‪ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫علي‬ ‫ُّ‬ ‫كل شهوري ّ‬

‫وادعى َف َهمي ‬ ‫أقرر ُت بالجهل‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫هدر‪ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫والحق أني وأنهم ٌ‬

‫‪12‬‬

‫يجب‬ ‫ُأذكَ ُر فيه بغير ما ُ‬ ‫ـلم‪ ،‬وبيني وبينها ُح ُج ُب‬ ‫ُ‬ ‫رجب‬ ‫ال َص َف ٌر ُيتّ قى وال ُ‬ ‫عج ُب‬ ‫قوم‪ ،‬فأمري‬ ‫وأمرهم َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫هم نُ ُج ُب‬ ‫ُ‬ ‫لست نجيباً ‪ ،‬وال ُ‬

‫‪13‬‬


‫المعلقات تبهر أوروبا‬

‫معلقات الشـــعر الجاهلي لهـــا حضورها في اللغـــات االوروبية‪،‬‬ ‫فقد ترجم المستشـــرق اإلنكليزي وليم جونز المعلقات الســـبع‬ ‫(طرفـــة‪ ،‬عنتـــرة‪ ،‬امـــرؤ القيس‪ )..‬ترجمـــة خاصة‪ ،‬لم يســـبقه أحد‬ ‫فـــي ذلـــك‪ ،‬وتعتبـــر أول ترجمـــة إلـــى اللغـــة األوروبيـــة وكانت‬ ‫ترجمـــة جونـــز نثريـــة وبلغـــة «مؤدبـــة»‪ .‬والترجمـــة الوحيـــدة‬ ‫األخـــرى كانـــت ترجمـــة حرفيـــة فـــي نثـــر غير مزخـــرف قـــام بها‬ ‫الكابتـــن جونســـون فـــي بومباي وطبعـــت بعد ســـنوات لفائدة‬ ‫الطلبـــة الهنود‪.‬‬ ‫ولـــم تكـــن الثقافـــة األوروبيـــة علـــى علـــم بهـــذه المعلقـــات‪ ،‬فـــي‬ ‫العـــام ‪ ،1772‬تاريـــخ ترجمتها‪ ،‬فـــكان لها التأثير الكبير في األوســـاط‬ ‫وشـــبهت بإلياذة هوميـــروس‪ ،‬وهي مقارنة‬ ‫الثقافيـــة واألكاديمية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫رفعـــت من شـــأن الشـــعر العربـــي وخاصة فـــي أوروبا‪.‬‬ ‫وتوصـــل جونـــز إلـــى أن الشـــعر الجاهلـــي كشـــف الكثيـــر مـــن خصال‬ ‫العـــرب الحميـــدة والســـيئة‪ ،‬وكان بذلـــك موضوعيـــاً ولـــم يركز على‬ ‫مـــدح الـــذات فقـــط كما أشـــار بعـــض النقـــاد الغربييـــن‪ .‬يؤكـــد جونز‪،‬‬ ‫أنـــه جـــاء إلـــى دراســـة اللغـــة العربية عـــن طريـــق المصادفـــة‪ ،‬ولكن‬ ‫ســـرعان مـــا تحولـــت هـــذه المصادفـــة إلـــى ضـــرورة بحيـــث كـــرس‬ ‫حياتـــه لهـــا درســـاً وتأليفـــاً وترجمة‪ ،‬فهو يقـــول‪»:‬ال أعـــرف ما الذي‬ ‫جذبنـــي لدراســـة األدب العربي‪ ،‬وإن كان قد لفت نظري أن إســـبانيا‬ ‫تعربـــت تمامـــاً بعـــد أن دخلها العـــرب»‪ .‬إال أن هذا العمل الشـــعري‬ ‫ّ‬ ‫حظـــي بعـــد حوالـــي قرن من الزمـــن بترجمته شـــعرا إلـــى اإلنكليزية‪،‬‬ ‫فقـــد اســـتخدم المستشـــرق اإلنكليزي شـــارل ليـــال (‪)1920-1845‬‬ ‫الموازيـــن الشـــعرية اإلنكليزيـــة فـــي عملـــه الموســـوم «ترجمـــات‬ ‫للشـــعر العربـــي القديـــم»‪ ،‬وظهـــر هـــذا العمـــل ســـنة ‪ .1885‬ورغم‬ ‫هـــذه الجهـــود التي بذلها جونز وخلفه ليال‪ ،‬إال أن الشـــعر العربي لم‬ ‫يســـتطع التأثير في األدب اإلنكليزي في حقبة القرن التاســـع عشـــر‬ ‫الميـــادي‪ ،‬والســـبب يعـــود إلـــى أنـــه لم يكـــن هناك شـــاعر متمكن‬ ‫حاذقـــا حتـــى يســـتطيع النفـــاذ‬ ‫ً‬ ‫مـــن أســـاليب اللغـــة العربيـــة تمكّ نً ـــا‬ ‫‪14‬‬

‫حســـب عبارة بوزورث‪ -‬إلى الحديقة الســـرية للشـــعر العربي‪ .‬وكان‬‫الشـــاعر اإلنكليزي شـــيللي ( ‪ )1822 1702-‬قد قام بكتابة قصيدة‬ ‫شـــداد‪ ،‬وســـيرة هذا‬ ‫حاول أن يقلّ د فيها الشـــاعر الجاهلي عنترة بن‬ ‫ّ‬ ‫األخيـــر تمـــت ترجمتها إلـــى اللغة الروســـية وترجمهـــا هاميلتون الى‬ ‫اللغـــه اإلنكليزيـــة ثـــم توالـــت ترجمتهـــا باللغـــات األخرى لدرجـــه أنها‬ ‫أصبحـــت تنافـــس الف ليلـــة وليلة فـــي عـــدد ترجماتها‪.‬‬ ‫شداد‬ ‫أبيات من معلّ قة عنترة بن ّ‬

‫فإنَّ نِ ـي ‬ ‫ِإ ْن تُ ْغ ِدفي ُدونِ ي ِ‬ ‫الق َ‬ ‫ناع ِ‬

‫َ‬ ‫فإنَّ نِ ـي ‬ ‫أ ْثنِ ـي َعلَ َّي ِب َما َعلِ ْم ِت ِ‬

‫ـل‬ ‫اس ٌ ‬ ‫فإ َّن ُظلْ ِمي َب ِ‬ ‫وإ َذا ُظلِ ْم ُت ِ‬ ‫ِ‬

‫الم ْستَ لْ ئِ ِـم‬ ‫الف ِ‬ ‫خذ َ‬ ‫ـب ِب َأ ِ‬ ‫ارس ُ‬ ‫َط ٌّ‬

‫القتي ِإ َذا لم ُأ ْظلَ ِـم‬ ‫َس ْم ٌـح ُم َخ َ‬ ‫العلْ َق ِـم‬ ‫ُم ٌّـر َم َذ َاقتُ ُـه كَ َط ِ‬ ‫عم َ‬

‫‪15‬‬


‫الحالج‬

‫ومـــن االســـماء التـــي ترجمـــت الـــى اللغـــات االوروبية الشـــاعر‬ ‫الصوفـــي الحـــاج‪ ،‬ويعتبـــر المستشـــرق لويـــس ماســـينيون‬ ‫ً‬ ‫دراســـة‬ ‫فد َرســـه‬ ‫أبـــرز من اشـــتغل على شـــعره وســـيرة حياته‪َ ،‬‬ ‫مستفيضة‪ ،‬ونشـــر»ديوانه» مع ترجمته إلى الفرنسية‪ ،‬وكذلك‬ ‫«مصطلحـــات الصوفيـــة»‪ ،‬و»أخبـــار الحالج»‪ ،‬و»الطواســـين»‪.‬‬ ‫وماســـينيون‪ ،‬الـــذي عمل فـــي العراق وعـــاش ردحا مـــن الزمن‬ ‫ودرس في مصـــر في أوائل القرن‬ ‫فـــي المغرب والجزائر ودرس ّ‬ ‫العشـــرين‪ ،‬واصـــل االهتمام بقصة هذا الرجل األســـطوري حتى‬ ‫أمـــاط اللثـــام عن تفاصيـــل دقيقة من ســـيرته؟‬ ‫كل ذلك كان معقوال‪ ،‬ولكن أن يقفز اســـم الحالج الى الصدارة في‬ ‫اهتمـــام أهل الشـــمال االســـكندنافي فهـــو حدث له داللـــة واحدة‪،‬‬ ‫هي عالمية الفكر اإلنســـاني ومشـــاعية الثقافـــة وانتقال المعلومة‬ ‫مثـــل إنتقـــال الهـــواء‪ .‬األمر الـــذي جعل أهم شـــعراء الســـويد أنغمار‬ ‫ليكيـــوس ينظـــم أجمل قصائـــده في ذكر هذا الشـــاعر وموته‪.‬‬ ‫وتذكر المستشـــرقة األلمانية آن ماري شـــيميل ان قصة «الفراشة‬ ‫والقنديـــل» التـــي وردت فـــي كتاب «الطواســـين» قـــد انتقلت إلى‬ ‫الشـــعر الفارســـي على يد حافظ الشيرازي وانتشـــرت في ألمانيا عن‬ ‫طريـــق ترجمـــة غوتـــه وتركـــت أثارها الفنيـــة وخاصة فـــي مجموعته‬ ‫الموســـومة ديوان «الغرب والشـــرق»‪ ،‬يقول الحالج «لفراش يطير‬ ‫حـــول المصبـــاح إلـــى الصبـــاح ويعـــود إلـــى اإلشـــكال فيخبرهـــم عن‬ ‫الحـــال بألطـــف مقـــال ثـــم يمـــرح بالـــدالل طمعا فـــي الوصـــول إلى‬ ‫الكمـــال» بـــذا إذن يكون (المتصوف العارف) كالفراشـــة تقترب أوال‬ ‫من القنديل فترى نوره أوال ثم تشـــعر يدفئه وأخيرا تقذف بنفســـها‬ ‫فـــي لهيبـــه ألنهـــا ال تريـــد ان تكتفـــي بمجـــرد النظر واإلحســـاس بل‬ ‫تريـــد ان تكـــون الشـــعلة ذاتهـــا للوصـــول إلى حيـــاة جديـــدة فتكون‬ ‫النتيجـــة أنها تحرق نفســـها بشـــعلة القنديل‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫‪17‬‬


‫المستشرقة األلمانية آن ماري شيميل‬

‫المعري‪ ،‬أوال‬ ‫وللحـــاج ميـــزة فـــي الثقافة الغربية ربما تشـــبه ميـــزة‬ ‫ّ‬ ‫بســـبب مواقفـــه الصوفية الخاصـــة والالفتـــة وثانياً بســـبب طريقة‬ ‫مقتلـــه وصلبه ألســـباب تتعلـــق بمواقفه‪.‬‬

‫أهل ولإليمان ترتيب ‬ ‫للعلم ٌ‬

‫‪18‬‬

‫وللعلـوم ْ‬ ‫وأهلِ يها تجاريب‬

‫والعلم علمان منبوذ ومكتسب ‬

‫والبحر بحران مركوب ومرهوب‬

‫والدهر يومان مذموم وممتدح ‬

‫والناس اثنان ممنوح ومسلوب‬

‫مع بقلبك ما يأتيك عن ثقةٍ ‬ ‫فاس ْ‬ ‫َ‬

‫وانظر بفهمك فالتمييز موهوب‬ ‫ْ‬

‫‪19‬‬


‫الملوح‬ ‫قيس بن‬ ‫ّ‬

‫وثمة بعض الشخصيات األسطورية العربية ترجمها األوروبيون‬ ‫واســـتلهموا مـــن رمزيتهـــا ومعانيهـــا‪ ،‬ومنها شـــخصية مجنون‬ ‫ليلـــى التي ألهمـــت الكثير من الكتـــاب والفنانيـــن الغربيين في‬ ‫مجاالت الشـــعر والموســـيقى واألوبـــرا‪ ،‬والفنون التشـــكيلية‪.‬‬ ‫انتقلـــت قصـــة «مجنون ليلـــى»‪ ،‬إلى األدب الفارســـي‪ ،‬فاألدب‬ ‫األردي والتركي‪.‬‬ ‫هذه القصة نفســـها ترجمها إلى الفرنسية المستعرب أندريه ميكيل‬ ‫الـــذي ُعـــرف بمؤلفاتـــه الرصينة حـــول العالـــم العربي واإلســـامي‪،‬‬ ‫كمـــا عـــرف بترجماتـــه لعدد مـــن النصـــوص التراثيـــة العربيـــة الكبيرة‬ ‫ومنهـــا «حكايات ألف ليلة وليلة» باالشـــتراك مـــع الكاتب الجزائري‬ ‫جمـــال الدين بن شـــيخ‪.‬‬ ‫صرح‬ ‫حـــول ترجمته لقصائد مجنـــون ليلى ونظرته إلى هذه القصائد‪ّ ،‬‬ ‫«إن العرب في أواخر القرن الســـابع‬ ‫أندريـــه ميكيـــل لجريدة الريـــاض‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫والمتمثل‬ ‫الميـــادي هـــم الذيـــن ابتكـــروا هـــذا النوع مـــن العشـــق‪،‬‬ ‫الحـــب المطلق والمســـتحيل‪ ،‬وذلك قبل حضـــارات أخرى عمل‬ ‫فـــي‬ ‫ّ‬ ‫وتجســـدت أعمالهـــم فـــي إنتاجات‬ ‫أدباؤهـــا علـــى الموضـــوع ذاتـــه‬ ‫ّ‬ ‫إبداعيـــة خالـــدة‪ ،‬مثـــل «تريســـتان وإيـــزوت» و«روميـــو وجوليت»‪...‬‬ ‫«إن أكثر مـــا لفتني لـــدى قراءة أشـــعار المجنون‬ ‫يســـتطرد ميكيـــل‪ّ :‬‬ ‫العام في ذلـــك الحين‪.‬‬ ‫هـــي ابتعادهـــا عن مســـار الشـــعر التقليـــدي‬ ‫ّ‬ ‫كان المجنـــون يـــروي شـــعره ســـاخراً من ذلـــك األســـلوب ومن تلك‬ ‫الحب‪».‬‬ ‫إال عـــن موضوع واحد هـــو‬ ‫القوالـــب‪ ،‬ومـــا كان يتكلّ ـــم ّ‬ ‫ّ‬

‫جم ُعني َولَ يلى ‬ ‫يس اللَ ُ‬ ‫يل َي َ‬ ‫َألَ َ‬ ‫راه ‬ ‫هار كَ ما َأ ُ‬ ‫تَ رى َو َض َح النَ ِ‬

‫‪20‬‬

‫فيه لَ نا تَ داني‬ ‫ذاك ِ‬ ‫فاك ِب َ‬ ‫كَ َ‬ ‫هار كَ ما َعالني‬ ‫َو َيعلوها النَ ُ‬

‫‪21‬‬


‫جالل الدين الرومي‬

‫أصغ كيف الناي يروي باشتياق ‬

‫إنه يشكو تباريح الفراق‬

‫ضج مذ أبعدت عن غابي الحبيب ‬ ‫ّ‬

‫كل إنسان أريب‬ ‫من أنيني ُ‬

‫تشظى في الفراق ‬ ‫ّ‬ ‫هات لي قلباً‬ ‫ِ‬

‫كي له أعرض دنيا االشتياق‬

‫ورغـــم كثـــرة الشـــعراء العـــرب الذيـــن ترجمـــوا الـــى اللغـــات‬ ‫االوروبيـــة‪ ،‬لكـــن يبقـــى الشـــاعر األبرز الـــذي ترجم الـــى اللغات‬ ‫األجنبيـــة هـــو جالل الديـــن الرومي‪ ،‬الفارســـي األصـــل المتعدد‬ ‫الهويـــات‪ ،‬فهـــو ولـــد في بلـــخ (مـــا يعـــرف بأفغانســـتان حالياً )‪.‬‬ ‫وأســـس الطريقة المولوية ودفن في تركيا‪ ،‬وتحول قناعا للكثير من‬ ‫ّ‬ ‫األعمـــال األدبيـــة والمســـرحية والصوفية وحتى الغنائيـــة‪ .‬والملفت‬ ‫للنظـــر هنـــا هـــو مـــدى انتشـــار أفـــكار الرومـــي وأشـــعاره فـــي أوروبا‬ ‫والواليـــات المتحـــدة األميركية‪ ،‬والتقصير الكبيـــر إن لم نقل التجاهل‬ ‫المتصوف‪،‬‬ ‫فـــي البالد العربية واإلســـامية لألعمـــال الفكرية لهـــذا‬ ‫ّ‬ ‫وأظهـــرت اإلحصائيات التـــي جرت في الواليات المتحـــدة األميركية‪،‬‬ ‫ّأن أشـــعار جـــال الدين الرومي هي األكثر انتشـــاراً فـــي أميركا‪ ،‬خاصة‬ ‫وأن ترجمـــات واســـعة قدمت‬ ‫فـــي صفـــوف الشـــباب والمراهقيـــن‪ّ ،‬‬ ‫وأن أشـــهر مغنّ يين‬ ‫للقراء‪ ،‬فصنعت منها بطاقات التعارف واألعياد‪ّ ،‬‬ ‫الحب‪ ،‬وهما «دمي مور» و«غولدي‬ ‫أميركييـــن معاصرين في أغانـــي‬ ‫ّ‬ ‫هـــون» يغنيـــان أشـــعار جالل الديـــن الرومـــي‪ ،‬وكلمات إحـــدى أغاني‬ ‫مادونـــا بعنوان «تعلّ ـــم كيف تقول وداعا» مأخـــوذة أصال من إحدى‬ ‫قصائد الرومي الشـــعرية الفلسفية‪.‬‬ ‫تـــرك جـــال الديـــن الرومي ميراثـــا أدبيا هائال يعكـــف المختصون على‬ ‫كـــرس المستشـــرق البريطاني‬ ‫دراســـته دراســـة علميـــة شـــاملة‪ .‬فقد ّ‬ ‫رينولد نيكلســـون خمسة وعشرين عاماً من عمره لترجمة «المثنوي»‬ ‫ودراســـته‪ ،‬وأصدره تباعا في ثمانية مجلدات بيـــن ‪ 1925‬و‪ .1940‬كما‬ ‫ّأن كولمـــان باركـــس وهو شـــاعر ومترجـــم أميركي أصـــدر ثمانية كتب‬ ‫متسلســـلة عن الرومـــي كان آخرها كتاب «ماهيـــة الرومي»‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫‪23‬‬


‫‪phanquynhtram.com/tag/roland-barthes‬‬

‫ترجمة الشعر‬ ‫العربي الحديث‬ ‫أمـــا ترجمـــة الشـــعر العربـــي الحديـــث الـــى اللغـــات األوروبيـــة‬ ‫فـــكان لهـــا ســـياقات مختلفـــة ومتنوعة فـــي الزمـــان والمكان‬ ‫وااليديولوجيـــا‪ ،‬وحصـــل فيهـــا اخذ ورد‪ ،‬ومســـار ترجمة الشـــعر‬ ‫العربـــي المعاصـــر الـــى اللغـــات األوروبية يبـــدو بطيئـــا وأقلويا‬ ‫وشـــحيحاً ‪ ،‬حتـــى اســـم محمـــود درويـــش الســـاطع اآلن لم يكن‬ ‫كمـــا نتخيلـــه في أوروبـــا‪ ،‬لقد عبـــر مطبـــات كثيـــرة صعبة حتى‬ ‫أصبح شـــعره يصـــل الـــى القراء‪.‬‬ ‫واذا كانـــت المكتبة األوروبية غنية‪ ،‬الى حـــد ما‪ ،‬بالمصادر المتعلقة‬ ‫بالتـــراث العربـــي‪ ،‬فإنهـــا تبـــدو فقيـــرة جدا في مـــا يتعلـــق بالمصادر‬ ‫التـــي تتناول ادبنا‪ ،‬ال ســـيما شـــعرنا الحديث‪.‬‬ ‫آثـــر ســـمث ان يتناول آداب العالم منذ مفتتـــح القرن الماضي وحتى‬ ‫اصـــدار كتابـــه الضخـــم‪ ،‬وخـــال هـــذه الفترة التي تســـتغرق خمســـة‬ ‫وســـبعين عامـــا لـــم يخصـــص للشـــعر العربـــي إال مـــا هـــو اقـــل مـــن‬ ‫صفحـــة واحـــدة تناول فيها شـــعر حافـــظ ابراهيـــم باعتبـــاره نموذجا‬ ‫للتدليـــل علـــى التطـــور الـــذي طرأ على شـــكل الشـــعر العربـــي‪ ،‬دون‬ ‫ان يمـــس مضمونـــه‪ ،‬اذ بقيـــت مضامينـــه فارغـــة ال تفصـــح عـــن‬ ‫شـــيء ابدا‪ ،‬تـــكاد تقتصر على شـــعر المناســـبات‪ ،‬والمراثـــي لوجهاء‬ ‫المجتمـــع‪ .‬وفـــي كتابـــه الشـــهير «روالن بـــارت بقلـــم روالن بـــارت”‪،‬‬ ‫يلمـــح الناقـــد الفرنســـي الـــى ان الثقافـــة العربية “ال تهمنـــا اال في‬ ‫حـــاالت انتروبولوجية”‪.‬‬ ‫مـــا ترجـــم الـــى اللغة األوروبيـــة من العربيـــة‪ ،‬في عقدين مـــن الزمن‬ ‫يتجـــاوز مـــا ترجـــم عبـــر قـــرون‪ .‬وافضـــل حضـــور للشـــعر العربـــي في‬ ‫اوروبـــا موجـــود فـــي فرنســـا‪ ،‬ويعود الفضـــل في ذلك الى دار نشـــر‬ ‫ســـندباد‪/‬اكت ســـود‪ ،‬وبعـــض الشـــعراء الذين أصـــدروا انطولوجيات‬ ‫للشـــعر العربي باللغـــات األوروبية‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫‪25‬‬


‫محمود درويش‬

‫ليس كالم مارتن ســـمث تعســـفيا او تجنيا‪ ،‬فمعظم الدراسات‬ ‫تشـــير إلى أن أسماء قليلة في الشـــعر العربي المعاصر ترجمت‬ ‫فـــي الســـبعينات والثمانينـــات من القـــرن الماضـــي‪ ،‬لنأخذ مثال‬ ‫محمود درويش‪ ،‬فهو من األســـماء الالمعة البارزة في الشـــعر‬ ‫العربـــي‪ ،‬ومـــن األســـماء التـــي حظيـــت باهتمـــام المترجميـــن‬ ‫والمســـتعربين‪ ،‬وهـــو ترجـــم مبكـــراً منـــذ بداياتـــه األولى ليس‬ ‫الســـباب شـــعرية بل الســـباب ايديولوجية‪ ،‬نظراً الرتباط شعره‬ ‫بالقضيـــة الفلســـطينية والقـــوى اليســـارية‪ ،‬كمـــا كان يســـافر‬ ‫كثيـــراً إلـــى مناطق للدعـــوة إلى القضيـــة وهو مـــا كان يتطلب‬ ‫ترجمـــة أشـــعاره لتقديمه هنـــاك‪ ،‬إلى جانب النـــدوات التي كان‬ ‫يحييها ســـنوياً في فرنســـا وإســـبانيا وانكلترا وألمانيا واليونان‬ ‫ويوغوســـافيا‪ .‬ويتفـــاوت تقييـــم حضـــور محمـــود درويـــش‬ ‫ترجمتـــه بين كاتب وآخر‪ ،‬كتب إدوارد ســـعيد أن جمهوره عريض‬ ‫واســـع علـــى امتـــداد العالـــم العربـــي (فـــي عـــام ‪ 1977‬كانـــت‬ ‫كتبـــه قـــد باعـــت أكثـــر مـــن مليـــون نســـخة)‪ ،‬ليس في أوســـاط‬ ‫الفلســـطينيين فحســـب‪ ،‬على الرغـــم من أنه أبعد مـــا يكون عن‬ ‫النموذج الشـــعبوي‪.‬‬ ‫وهـــو مقـــروء والفـــت لالنتبـــاه علـــى نطـــاق واســـع في إســـرائيل‪،‬‬ ‫بســـبب اقترانه الطويـــل باللجنة التنفيذية لمنظمـــة التحرير‪ .‬وكانت‬ ‫ضد إســـرائيل‪،‬‬ ‫حاد وســـاخط ّ‬ ‫عبرت عـــن رأي ّ‬ ‫إحـــدى قصائـــده‪ ،‬التـــي ّ‬ ‫تبيـــن أن نبرته‬ ‫ســـببت انـــدالع نقاش داخـــل الكنيســـت‪ ،‬بحيـــث ّ‬ ‫قـــد ّ‬ ‫القـــوة والتأثير على جمهوره اآلخـــر‪ .‬ويقول الباحث‬ ‫ذات َو ْقـــع بالـــغ‬ ‫ّ‬ ‫والمستشـــرق األلمانـــي ســـتيفان فايدنـــر‪ :‬كانـــت أول مؤلفـــات‬ ‫محمـــود درويـــش المترجمـــة إلـــى ألمانيـــا قـــد تولـــت نشـــرها‪ ،‬فـــي‬ ‫وقـــت واحد تقريباً ‪ ،‬دار نشـــر فـــي ألمانيا الغربية وأخـــرى في ألمانيا‬ ‫الشـــرقية‪ .‬ففـــي بادئ األمر‪ ،‬فـــي العام ‪ 1978‬على وجـــه التحديد‪،‬‬ ‫صـــدر فـــي برلين الغربيـــة مؤلفه «يوميـــات الحزن العـــادي» بترجمة‬ ‫فـــاروق بيضون‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫‪27‬‬


‫وهنـــا أيضـــاً لعبـــت العوامـــل السياســـية دوراً مميـــزاً فـــي نشـــر هذا‬ ‫الكتاب‪ ،‬فدار النشـــر األلمانيـــة الغربية كانت اشـــتراكية النزعة وتكن‬ ‫العـــداء للكولونياليـــة واالســـتعمار وتتطلـــع لتعريف القـــراء األلمان‬ ‫بـــآداب العالـــم الثالـــث‪ .‬وصـــدر في برلين الشـــرقية في عـــام ‪،1979‬‬ ‫ديـــوان محمـــود درويـــش «عاشـــق مـــن فلســـطين»‪ .‬وكان هـــذا‬ ‫الديـــوان بترجمة الســـيدة يوهانا وقرينهـــا مصطفى هيكل»‪ .‬يضيف‬ ‫فايدنـــر «عمومـــاً نجيز ألنفســـنا القول بأن االهتمـــام الذي حظي به‬ ‫محمـــود درويـــش في ألمانيـــا ما كان يكمـــن ‪-‬في الوهلـــة األولى‪-‬‬ ‫فـــي شـــخصه كشـــاعر‪ ،‬بـــل كان يكمـــن فـــي مواقفـــه السياســـية‪.‬‬ ‫ومـــع أن مثـــل هـــذه الحفاوة السياســـية أمـــر ال ضير فيـــه طبعاً ‪ ،‬إال‬ ‫أنهـــا تنطـــوي بالرغـــم مـــن ذلك علـــى أمر ســـلبي‪ :‬فعندمـــا ال يحظ‬ ‫الموضـــوع السياســـي باألهميـــة المناســـبة لدى القـــراء‪ ،‬فإن هؤالء‬ ‫لن يعيـــروا اهتمامـــاً يذكر لهـــذا األدب»‪.‬‬ ‫ثمـــة تنـــاول آخر لمحمود درويـــش باللغات االجنبية‪ ،‬كتب الفرنســـي‬ ‫بييـــر أســـولين‪ ،‬فـــي «مدونته» علـــى االنترنـــت مقالة بعنـــوان «من‬ ‫أجـــل تحيـــة محمـــود درويـــش» حيـــث يبـــدأ كالمـــه بالقـــول‪« :‬فـــي‬ ‫النهايـــة هـــذا هو الشـــعر‪ :‬محمـــود درويش‪ ،‬أحـــد أكبر شـــعراء اللغة‬ ‫العربيـــة‪ ،‬كان يقـــرأ قصائـــده بالعربيـــة فـــي فرنســـا أمـــام جمهـــور‬ ‫فرنســـي حيـــث أن عددا كبيـــرا منهم ال يفهموا أي كلمـــة من لغته‪،‬‬ ‫اســـتمعوا إليه لساعات مندهشـــين من هذه الموسيقى‪ ،‬مأسورين‬ ‫بمـــا كانـــت تقولـــه‪ ،‬بحميميـــة‪ ،‬كلماتـــه التي كانـــوا يتلقونهـــا بعمق‬ ‫فـــي حيـــن أنهـــم كانـــوا غرباء مـــن حيـــث المبدأ‪ .‬هـــذا الســـحر هو ما‬ ‫يسمى الشـــعر‪.»...‬‬

‫بالطبـــع يبقـــى محمـــود درويش من األســـماء النـــادرة في الشـــعر‪،‬‬ ‫واألمـــر يتعـــدى والءه للقضيـــة الفلســـطينية‪ ،‬وكان له تأثيـــره البارز‬ ‫فـــي اوروبـــا بشـــهادة النقـــاد والمتابعيـــن‪ ،‬كونـــه احتـــل «الوجـــدان‬ ‫الجمعـــي لألمـــة» بحســـب صبحـــي حديدي‪.‬‬

‫كل خوخ األرض ينمو في جسد‬ ‫ّ‬ ‫وتكون الكلمة‬ ‫وتكون الرغبة المحتدمه‬ ‫الظل عليها‬ ‫ّ‬ ‫سقط‬ ‫ال أحد‬ ‫ال أحد ‪...‬‬ ‫وتغنّ ي وحدها‬ ‫في طريق العربات المهملة‬ ‫كل شيء عندها‬ ‫لقب للسنبلة‬ ‫وتغنّ ي وحدها‪:‬‬ ‫البحيرات كثيره‬ ‫وهي النهر الوحيد‬

‫‪28‬‬

‫‪29‬‬


‫أدونيس‬

‫حضـــور الشـــعر العربي المعاصـــر في اللغـــات األجنبيـــة يتأرجح‬ ‫بيـــن اســـمين بارزين‪ ،‬محمـــود درويش من جهـــة وأدونيس من‬ ‫جهـــة ثانيـــة‪ ،‬األول له عالمه السياســـي والشـــعري واإليقاعي‬ ‫والرمـــزي‪ ،‬والثانـــي لـــه مشـــروعه الحداثـــوي والتراثـــي‪ ،‬واكثر‬ ‫شـــاعر عربـــي وربمـــا عالمـــي اشـــتغل علـــى ترجمة نفســـه الى‬ ‫اللغـــات االوروبيـــة‪ ،‬خصوصا منذ قيل أو راج أنه مرشـــح لجائزة‬ ‫نوبـــل لـــآداب‪ ،‬صـــار يعتبـــر الشـــاعر العربـــي األكثر شـــهرة في‬ ‫اللغـــات االجنبيـــة‪ ،‬اســـمه يتـــداول ويحضـــر مـــن أميـــركا الـــى‬ ‫الصيـــن‪ ،‬ومـــن باريـــس الـــى طوكيـــو‪ ،‬ومن أنقـــرة الـــى طهران‪،‬‬ ‫مـــن الفـــوز بجائـــزة غوتـــة األلمانيـــة الـــى الطمـــوح للحصـــول‬ ‫مترجما‬ ‫علـــى نوبل لـــآداب‪ ،‬يتردد اســـم أدونيس هنا وهنـــاك‬ ‫ِ‬ ‫ومترجمـــا‪ ،‬انطولوجيات ودواوين شـــعرية وتراثية ومهرجانات‬ ‫َ‬ ‫ومواقف صاخبة‪ ،‬اختلطت فيه العبارات الشـــعرية بالكلشـــيات‬ ‫الفكريـــة‪ .‬طالمـــا كانت الترجمـــة الى اللغـــات العالمية هاجس‬ ‫ومحـــط أنظـــاره‪ ،‬والـــرأي عنده أنه فـــي حالة‬ ‫ّ‬ ‫أدونيـــس الدائـــم‬ ‫تقـــدم‬ ‫الترجمـــة مـــن العربيـــة إلـــى اللغـــات األجنبيـــة ال بـــد أن‬ ‫ّ‬ ‫هـــذه الترجمـــة إضافـــة إلى آفـــاق اللغـــات األخرى بمـــا يزيدها‬ ‫معرفـــة باإلبـــداع العربي‪.‬‬ ‫ولذلـــك يـــرى أدونيـــس أنـــه البـــد أن نحيد عـــن الترجمة التـــي تندرج‬ ‫فـــي الســـياق السياســـي أو اإلعالمـــي أو اإلجتماعـــي تلبيـــة لرغبة‬ ‫اآلخـــر فـــي النظـــر إلى العـــرب ال نظـــرة النديـــة اإلبداعية‪ ،‬بـــل نظرة‬ ‫مـــن يســـعى للتشـــهير بهـــم أو إبقائهم ســـجناء النظـــرة اإلمبريالية‬ ‫والتخلـــف والتبعية‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫‪31‬‬


‫الشاعر والناقد اإليطالي جوزيف كونتي‬

‫وقصائـــد أدونيـــس‪ ،‬القديمـــة والجديـــدة مـــا برحـــت «تنتقـــل» الـــى‬ ‫لغـــات عـــدة‪ ،‬ومـــا زال المترجمـــون الغربيـــون يقبلـــون علـــى نقـــل‬ ‫مختـــارات مـــن دواويـــن الشـــاعر الـــذي جمع بيـــن اللحظة الشـــعرية‬ ‫واللحظـــة الفكريـــة‪ ،‬خصوصـــا فـــي كتبـــه «مفـــرد بصيغـــة الجمـــع»‬ ‫وأغانـــي مهيـــار الدمشـــقي» و«كتـــاب التحـــوالت والهجـــرة فـــي‬ ‫اقاليـــم النهـــار والليـــل»‪ ،‬وكتـــب الشـــاعر والناقد اإليطالـــي جوزيف‬ ‫كونتـــي مقدمـــاً كتـــاب «مئـــة قصيـــدة حـــب»‪« :‬اإلهتمـــام الغربـــي‬ ‫والعالمـــي بشـــعر أدونيـــس هـــو موضع جـــدل دائم فـــي الصفحات‬ ‫الثقافيـــة العربيـــة‪ ،‬فعدا عن عالقـــات أدونيس الدوليـــة المعروفة‪،‬‬ ‫هنـــاك مـــن يتهـــم «اإلستشـــراق» باختيـــار قصائـــده ويصف شـــعره‬ ‫بالغربـــي و«التغريبـــي»‪.‬‬

‫خلخل المدى‬ ‫َ‬ ‫تكون أن تُ‬ ‫أجمل ما‬ ‫ُ‬ ‫داء‬ ‫واآلخرون ‪ -‬بعضهم يظنّ ك النّ َ‬

‫الصدى‪.‬‬ ‫بعضهم يظنّ ك ّ‬

‫حج ًة‬ ‫أجمل ما‬ ‫ُ‬ ‫تكون أن تكون ّ‬ ‫الم‬ ‫للنور ّ‬ ‫والظ ِ‬ ‫الكالم‬ ‫الكالم ّأو َل‬ ‫آخر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يكون فيك ُ‬ ‫زبدا‬ ‫واآلخرون ‪ -‬بعضهم يرى إليك ً‬ ‫خالقا‪.‬‬ ‫وبعضهم يرى إليك ً‬ ‫هدفا ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫أجمل ما تكون أن تكون‬ ‫مفترقا‬ ‫ً‬ ‫والكالم ‪.‬‬ ‫مت‬ ‫للص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬

‫‪32‬‬

‫‪33‬‬


‫أنسي الحاج‬

‫إليك بألم الفرق بيننا‬ ‫ِ‬ ‫مربوطاً‬ ‫نفسك‬ ‫ِ‬ ‫زع ِك من‬ ‫أنتَ ُ‬ ‫وتنتزعينني‪،‬‬ ‫الجوهري‬ ‫نتخاطف الى سكرة‬ ‫ّ‬

‫رغـــم أن ادونيـــس وأنســـي الحاج برزا فـــي مرحلة واحـــدة تقريبا‬ ‫ســـواء فـــي قصيـــدة النثـــر او مجلـــة شـــعر أو حتى ايـــام بيروت‬ ‫ودورهـــا‪ ،‬إال أن الحـــاج كان ميـــاال الـــى العزلـــة واالبتعـــاد عـــن‬ ‫االضـــواء‪ ،‬وهذا انعكس علـــى حضوره في الترجمات‪ ،‬فالشـــاعر‬ ‫الـــذي يصنـــف ضمـــن الـــرواد بقيـــت ترجماتـــه بنســـبة محدودة‬ ‫إلـــى الفرنســـية واإلنكليزية واأللمانيـــة والبرتغاليـــة واالرمنية‬ ‫الطيار» بالفرنســـية في‬ ‫والفنلنديـــة‪ .‬صـــدرت انطولوجيا «االبد‬ ‫ّ‬ ‫باريـــس عـــن دار «أكت ســـود» عـــام ‪ 1997‬وانطولوجيـــا «الحب‬ ‫والذئـــب الحـــب وغيـــري» باأللمانيـــة مـــع االصـــول العربية في‬ ‫وقدم لهـــا عبد القادر‬ ‫برليـــن عـــام ‪ .1998‬األولى اشـــرف عليها‬ ‫ّ‬ ‫الجنابـــي واألخـــرى ترجمهـــا خالـــد المعالي وهربـــرت بيكر‪.‬‬

‫نتجدد حتى نضيع‬ ‫ّ‬ ‫نتكرر حتى نتالشى‬ ‫ّ‬ ‫نغيب في الجنوح‬ ‫ُ‬ ‫الف ْقد السعيد‬ ‫في َ‬ ‫كل شائبة‪.‬‬ ‫خالصين من ّ‬ ‫الوردي‬ ‫الع َدم‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ونَ لِ ُج َ‬

‫قلـــة ترجمـــات الحـــاج الـــى اللغـــات االجنبية ســـببها مزاجـــه قبل كل‬ ‫شـــيء‪ ،‬فحين ترجم الى الفرنســـية بدا لبعضهم انه يكتشـــف شـــاعراً‬ ‫إن قراءة‬ ‫جديدا مع انه من الرواد‪ ،‬وقال الشـــاعر ســـاران ألكسندريان ّ‬ ‫بأن أنســـي الحـــاج وريث روحي للشـــعراء‬ ‫«األبـــد‬ ‫الطيـــار» أقنعتنـــي ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعمقـــت في دراســـتهم فـــي «الســـوريالية والحلم»‪،‬‬ ‫الكبـــار الذيـــن ّ‬ ‫الشـــعراء الذيـــن وصفهم أراغون بأنّ هم «رؤســـاء جمهوريـــة الحلم»‪.‬‬ ‫لكن شـــعر أنســـي الحاج ينطـــوي على أمر ال نجده في الســـوريالية‬ ‫ّ‬ ‫المميـــزة‪ .‬وقـــد‬ ‫التقليديـــة‪ ،‬علـــى إضافـــة مـــا تصنـــع خصوصيتـــه‬ ‫ّ‬ ‫تلمســـت هـــذه اإلضافـــة خصوصـــاً عنـــد قراءتـــي قصيدتـــه ‪ -‬النهـــر‬ ‫ّ‬ ‫نشـــرت مقاطع‬ ‫«الرســـولة بشـــعرها الطويـــل حتى الينابيـــع»‪ ،‬التي‬ ‫ُ‬ ‫منهـــا هذه الســـنة فـــي مجلّ تـــي «‪Sup‬ژ‪ ،»rieur Inconnu‬تذكّ رت‬ ‫مقطعاً من «بيان الســـوريالية» يصف فيـــه اندره بروتون مجموعة‬ ‫قائال «شـــاتوبريان ســـوريالي فـــي اإلغرابيـــة‪ ...‬بودلير‬ ‫مـــن الكتّ ـــاب‬ ‫ً‬ ‫ســـوريالي في األخالقيـــة‪ ...‬ماالرميه ســـوريالي في البوح‪ ...‬ســـان‬ ‫بـــول رو ســـوريالي فـــي الرمـــز‪ ،‬إلـــخ‪ ،»...‬وخـــال قراءتي «الرســـولة‬ ‫بشـــعرها الطويـــل حتـــى الينابيع»‪ ،‬لم أتمالك من أن أفكّ ر‪« :‬أنســـي‬ ‫الحاج ســـوريالي فـــي الغنوصية»‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪35‬‬


‫قاسم حداد‬

‫أيا أمي أريد حياة‬ ‫سئمت تحجر الكلمات فوق جدارنا الصخري‬ ‫سئمت الموت عبر حياتنا يسري‬ ‫أريد حياتي الكبرى‪ -‬أيا أمي‪ -‬بال سجان‬

‫ثمة مجموعة ال بأس بها من الشـعراء العرب ترجمة قصائدهم‬ ‫الـى اللغـات األجنبيـة‪ ،‬فنشـرت الدكتـورة فريـال غـازول‪ ،‬أسـتاذ‬ ‫ورئيـس قسـم اللغـة اإلنكليزيـة بالجامعـة األميركيـة بالقاهـرة‬ ‫وجـون فيرلينـدن‪ ،‬أسـتاذ البالغـة والكتابـة بالجامعـة‪ ،‬ترجمـة‬ ‫ديـوان مجنـون ليلـى وأشـعار مختـارة للشـاعر البحرينـي قاسـم‬ ‫حـداد‪ .‬يجمـع هـذا العمـل‪ ،‬أهم أعمـال حداد وأكثر قصائـده تأثيرا‬ ‫خلال ‪ 40‬عامـا مـن اإلبـداع‪ .‬حظـى حـداد بالتقديـر الدولي إلعادة‬ ‫صياغتـه لقصيـدة مجنـون ليلـى وإنتاجـه الغزيـر مـن القصائـد‬ ‫القصيـرة إلـى تجاربـه مـع الشـعر الحـر‪ ،‬ويقـول فيرلينـدن‪« :‬بدأنـا‬ ‫العمـل علـى ترجمـة أعمـال مختـارة مـن قصائـد حـداد منـذ عـام‬ ‫‪ 2005‬ونشـرنا بالفعـل بعضـا مـن هـذه الترجمـات بمجلـة بانيبال‪،‬‬ ‫الصادرة من لندن والمختصة بترجمة األدب العربي لإلنكليزية»‪.‬‬

‫بال قبر جميع جهاته جدران‬ ‫بال سور يحز حقيقة اإلنسان‬ ‫أريد الحلم أصنعه بال قضبان‬ ‫أريد الحب أشعره كما اإلنسان‬

‫وتوضـح القصائـد المختـارة فـي ترجمـة مهـارة حـداد التأمليـة المرحـة‬ ‫والتـي ال تخلـو مـن عمـق فـي الوقـت ذاتـه‪ ،‬فلـدى حـداد كشـاعر‬ ‫قـدرة قويـة علـى كتابـة القصائـد الغنائيـة‪ ،‬كمـا يملـك القـدرة علـى‬ ‫وضـع الرمـوز الكالسـيكية والحديثـة‪ ،‬والمـزج بيـن الجديـد والقديـم‪،‬‬ ‫والحسـي والمقـدس‪ ،‬مـع الشـائع واالسـتثنائي‪.‬‬ ‫وقاسـم حـداد مـن المسـاهمين بنشـر الشـعر باللغـات العالميـة مـن‬ ‫خلال موقـع «جهـة الشـعر» الكترونـي الـذي أسسـه مـع إنطالقـة‬ ‫عالـم اإلنترنـت‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫‪37‬‬


‫سركون بولص‬

‫ســـركون بولـــص صاحـــب الترجمـــات الشـــعرية المهمـــة عـــن‬ ‫االنكليزيـــة‪ ،‬صدر عـــن دار «أكت دي ســـود» الفرنســـية‪ ،‬مختارات‬ ‫من شـــعره‪ ،‬تحت عنوان «االيماضة الباقيـــة»‪ ،‬قام بترجمتها إلى‬ ‫الفرنســـية أنطـــوان جوكـــي‪ .‬وقدم لهـــا وديع ســـعادة بكلمة جاء‬ ‫فيها‪« :‬شـــاعر الالمكان ســـركون بولـــص‪ ،‬الذي عبـــر أمكنة كثيرة‬ ‫(العـــراق‪ ،‬لبنـــان‪ ،‬الواليات المتحـــدة‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬ألمانيـــا‪ ،)...‬لم يكن‬ ‫يعبـــر فـــي الجغرافيـــا‪ .‬كان يعبر في ذاتـــه‪ ،‬عمودياً فـــي األعماق‪،‬‬ ‫وفـــي الغور هناك يحاول هدم الحدود بيـــن الحلم والواقع‪ .‬كانت‬ ‫اللغـــة هي وطنه االفتراضي الوحيـــد‪ ،‬فحفر فيها عميقاً علّ ه يجد‬ ‫نفســـه فـــي وطن‪ ...‬لكن‪ ،‬هل للشـــعراء وطن‪ ،‬حتى فـــي اللغة؟»‬ ‫عنـــوان الكتـــاب هو عنـــوان قصيدة نثر فـــي ديوانـــه «األول والتالي»‪،‬‬ ‫واختيـــار المترجـــم لهـــذا العنـــوان كخيط جامع‪ ،‬لـــه داللة جيـــدة وهي‬ ‫أن الشـــاعر ال بقـــاء لـــه فـــي مـــا تركـــه ســـوى شـــعره‪ ،‬هـــذه االيماضة‬ ‫الباقيـــة األخيـــرة‪ .‬وقد لعب أنطـــوان جوكي دوراً كبيـــراً في جعل هذه‬ ‫االيماضـــة تســـتمر في التوهج‪ .‬فقد بذل جهدا كبيـــرا في ترجمة هذه‬ ‫المجموعة من شـــعر ســـركون بولص وقد اختار‪ ،‬بدقة‪ ،‬ما ال يمكن أن‬ ‫يضيـــع كليـــاً في لغة أخـــرى‪ ،‬حصر اختيـــار المترجم حـــول قصائد تتحاور‬ ‫مع الوعي الشـــعري الفرنســـي المعاصـــر‪ ،‬ولها طابـــع أكثر كونية‪.‬‬

‫أنا في النهار رجل عادي‬ ‫يؤدي واجباته العادية دون أن يشتكي‬ ‫كأي خروف في القطيع لكنني في الليل‬ ‫نسر يعتلي الهضبة‬ ‫وفريستي ترتاح تحت مخالبي‬ ‫‪38‬‬

‫‪39‬‬


‫الشاعر سعيد عقل‬ ‫الشاعر نزار قباني‬ ‫‪nizar-qabbani.com‬‬

‫‪40‬‬

‫شعراء آخرون‬

‫بالطبـــع ال يمكـــن رصـــد كل التجـــارب الشـــعرية العربيـــة المعاصـــرة‬ ‫المترجمـــة الـــى اللغـــات االجنبيـــة مـــن خـــال مقـــال واحـــد‪ ،‬فهناك‬ ‫اســـماء كثيرة ترجمت الـــى اللغات االجنبة ان مـــن خالل كتب خاصة‬ ‫أو مـــن خالل انطولوجيات بلغات متعدد‪ ،‬ومن األســـماء البارزة في‬ ‫هـــذا الســـياق عبـــاس بيضون‪ ،‬وديع ســـعادة‪ ،‬بســـام حجار‪ ،‬ســـعدي‬ ‫يوســـف‪ ،‬بدر شـــاكر الســـياب‪ ،‬ســـميح القاســـم‪ ،‬نازك المالئكة‪ ،‬بول‬ ‫شـــاوول‪ ،‬نزار قباني وســـعيد عقـــل ‪....‬الخ‬

‫‪41‬‬


43

42


44


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.