Qafilah jul aug 2016

Page 1

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 4‬مجلد ‪ . 65‬يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫التقرير‬

‫ش‬ ‫مؤ�ات ف البحث‬ ‫العلمي ي� المملكة‬

‫تأث� الحوار الهادف ف ي�‬ ‫الورشة‪ :‬ي‬ ‫التواصل الفعال‬ ‫شكسب� بعد‬ ‫أدب‪ :‬ماذا بقي من‬ ‫ي‬ ‫‪ 400‬سنة عىل رحيله؟‬ ‫ين‬ ‫ع� وعدسة‪ :‬سوق الخضار‬ ‫ف‬ ‫واللحوم ي� روتردام‬ ‫الس‬ ‫الملف‪ِّ :‬‬


‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين‬

‫العدد ‪ . 4‬مجلد ‪65‬‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫الناشر‬ ‫شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)‬ ‫الظهران‬ ‫رئيس الشركة‪ ،‬كبير إدارييها التنفيذيين‬ ‫أمين بن حسن الناصر‬

‫ت‬ ‫للمش� ي ن‬ ‫توزع مجاناً‬ ‫ك�‬ ‫• العنوان‪ :‬أرامكو السعودية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬

‫نائب الرئيس لشؤون أرامكو السعودية‬ ‫ناصر بن عبدالرزاق النفيسي‬

‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫• ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪alqafilah@aramco.com.sa‬‬

‫مدير عام دائرة الشؤون العامة‬ ‫عبدالله بن عيسى العيسى‬

‫• الموقع إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫• الهواتف‪:‬‬ ‫ فريق التحرير‪+966 13 876 0175 :‬‬ ‫ت‬ ‫االش�اكات‪+966 13 876 0477 :‬‬ ‫فاكس‪+966 13 873 1700 :‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫محمد الدميني‬ ‫تصميم وتحرير‬

‫‪www.mohtaraf.com‬‬

‫صورة الغالف‬ ‫هذا الغالف | يشكِّل البحث العلمي‬ ‫تعول عليها‬ ‫واحداً من أبرز العناصر التي ّ‬ ‫«رؤية المملكة ‪ »2030‬الهادفة إلى تحرير‬ ‫االقتصاد الوطني من االعتماد على النفط‪،‬‬ ‫والتحول إلى االقتصاد المعرفي‪ .‬فقد بات‬ ‫ُّ‬ ‫من المسلّم به عالمياً أن البحث العلمي‬ ‫هو استثمار مجد وطويل أ‬ ‫المد‪ ،‬وحجر‬ ‫ٍ‬ ‫الزاوية في بناء اقتصاد قائم على االبتكار‪،‬‬ ‫وأساس لتوليد معارف جديدة والستدامة‬ ‫النمو االقتصادي وتقوية المنافسة‬ ‫العالمية وخلق صناعات جديدة بالكامل‪.‬‬ ‫تصميم الغالف‪ :‬فهد القثامي‬

‫طباعة‬ ‫شركة مطابع التريكي‬ ‫‪www.altraiki.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬ ‫• جميع المراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫يعبر بالضرورة عن رأيها‪.‬‬ ‫• ما ينشر فـي القافلة ال ِّ‬ ‫• ال يجوز إعادة نشر أي من موضوعات أو صور‬ ‫«القافلة» إال بإذن خطي من إدارة التحرير‪.‬‬ ‫• ال تقبل «القافلة» إال أصول الموضوعات التي لم يسبق‬ ‫نشرها‪.‬‬


‫محتوى العدد‬

‫ً‬ ‫معا‬ ‫الرحلة‬ ‫ِم ْن رئيس التحرير ‬ ‫القراء ‬ ‫مع َّ‬ ‫أكثر من رسالة ‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫المحطة األولى‬ ‫ورشة عمل‪ :‬تأثير الحوار الهادف في‬ ‫الفعال ‬ ‫التواصل ّ‬ ‫ِ‬ ‫تفضل‪ ..‬قراءة رواية‬ ‫أيهما‬ ‫كالم‪:‬‬ ‫بداية‬ ‫ِّ‬ ‫أم كتاب آخر؟ ‬ ‫كتب عربية‪ ..‬كتب من العالم ‬ ‫قول في مقال‪ُ :‬ح ٌّب افتراضي ‬

‫‪6‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪20‬‬

‫علوم وطاقة‬ ‫الحرة‪ ..‬الصراع بين‬ ‫علوم‪ :‬البرمجيات ّ‬ ‫البداع ‬ ‫حق‬ ‫الملكية وحق إ‬ ‫ّ‬ ‫كيف يعمل؟‪ :‬مجفف الشعر ‬ ‫والصوات أ‬ ‫من يحفظ الصور أ‬ ‫والفالم؟ أفالم‬ ‫َ ْ‬ ‫وكتب تُمحى وصور «سلفي» تتراكم ‬ ‫العلم خيال‪ :‬بساط الريح ‬ ‫منتج‪ :‬كود الرد السريع ‬ ‫أ‬ ‫طاقة‪ :‬الهدف السابع في خطة المم‬ ‫المتحدة للتنمية المستدامة‪ ..‬ما المقصود‬ ‫بضمان الوصول إلى الطاقة؟ ‬ ‫من المختبر ‬ ‫االسم المعياري‪ :‬بيكريل ‬ ‫ماذا لو‪ :‬ماذا لو كان جزيء الماء مستقيماً؟ ‬

‫‪21‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪39‬‬ ‫الحج‪ ..‬مشهدية إيمانية فريدة ‬ ‫مطاعم المستقبل خدمة بلمسة غير شخصية ‪43‬‬ ‫‪46‬‬ ‫لماذا نركض الماراثونات؟ ‬ ‫‪48‬‬ ‫تعليق على التعليق ‬ ‫‪50‬‬ ‫تخصص جديد‪ :‬إدارة الطاقة البحرية ‬ ‫عين وعدسة‪ :‬سوق الخضار واللحوم في روتردام ‪51‬‬ ‫‪56‬‬ ‫فكرة‪ :‬مزرعة في الملجأ الحربي ‬ ‫أدب وفنون‬ ‫أدب‪ :‬الرواية السيرية‪ ..‬سخونة الواقع‬ ‫وصقيع السرد ‬ ‫يتبدد تمام اً‬ ‫الغموض حول شكسبير لم َّ‬ ‫أهم ما رآه دايفد هوكني في لوس أنجلس ‬ ‫فنان ومكان‪ :‬علي الرزيزاء وأشيقر ‬ ‫أقول شعراً‪ :‬منازل الرؤيا‪ ..‬عبدهللا ناجي ‬ ‫ذاكرة القافلة‪ :‬حائل‪ ..‬حاضرة جبال ُش َّمر ‬ ‫لغويات‪ :‬مواعيد عرقوب ‬ ‫فرشاة وإزميل‪ :‬محمد فارع‪ :‬البيوت القديمة‬ ‫إرثنا أ‬ ‫‪73‬‬ ‫الجمل ‬ ‫‪78‬‬ ‫سينما سعودية‪ِ :‬فلم «بسطة»‪ ....‬‬ ‫رأي أدبي‪ :‬ديغا‪ :‬كتاب فريد لمعرض فريد ‪80‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪72‬‬

‫التقرير‬ ‫مؤشرات البحث العلمي في المملكة ‬ ‫الملف‬ ‫السر ‬ ‫ِّ‬

‫‪Qafilah App available at‬‬

‫‪81‬‬

‫‪89‬‬

‫‪@QafilahMagazine‬‬


‫‪3|2‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫القافلة أونالين‬

‫—‪www.qafilah.com‬‬

‫ورشة عمل | ألن الحوار يلعب دور ًا‬ ‫حاسماً في نجاح التواصل‪ ،‬أصبح الحوار‬ ‫معينة يستوجب‬ ‫الهادف إلى تحقيق غاية َّ‬ ‫تحليل عناصره كي يصبح ماد ًة يمكن‬ ‫تلقينها للمحتاجين إليه‪ ،‬سواء أكان ذلك‬ ‫في قطاع أ‬ ‫العمال أم في غيره من مجاالت‬ ‫التواصل‪ .‬وهذا ما كان محور ورشة العمل‬ ‫المدرب المتخصص في هذا‬ ‫التي أدارها‬ ‫ِّ‬ ‫المجال‪ ،‬سلمان أمجد في الظهران‪.‬‬

‫المكرمة نقطة‬ ‫حياتنا | أصبحت مكّة‬ ‫ّ‬ ‫التقاء المسلمين من جميع أنحاء العالم‪،‬‬ ‫السالم‬ ‫يحجون إليها سنوياً إلقامة ركن إ‬ ‫الخامس‪ .‬وهناك‪ ،‬يرسم حجاج بيت هللا‬ ‫الحرام مشاهد ال مثيل لها‪ ،‬يتجسد فيها‬ ‫اليمان في أبهى صوره‪ .‬فتتجمع حشود‬ ‫إ‬ ‫المؤمنين حول البيت العتيق وتطوف‬ ‫في حركة دائرية واحدة‪ ،‬في مشهد كوني‬ ‫والنسانية بما‬ ‫يجسد وحدة الرب والكون إ‬ ‫ِّ‬ ‫يبدو معه السير في االتجاه المعاكس‬ ‫خالفاً لحركة الكون‪.‬‬

‫علوم | أسهم االنتشار الواسع ألجهزة‬ ‫الحاسوب الشخصية في إتاحة الفرصة‬ ‫أمام طرح أسئلة محورية عن ماهية‬ ‫البرمجيات‪ ،‬ودورها في صياغة الفكر‬ ‫وتوجيه الحريّات‪ ،‬وكيفية التربّح منها‬ ‫وحقوق احتكارها‪ .‬وتشكَّل رأيان أسهم ٌكل‬ ‫منهما في رسم تصوراتنا لما يجب عليه أن‬ ‫يكون دور البرمجيات في المجتمع‪.‬‬

‫فرشاة وإزميل | محمد فارع فنان سعودي‬ ‫شاب‪ .‬شكّل في محترفه في الرياض فضا ًء‬ ‫فنياً‪ ،‬فرغ له الجزء أ‬ ‫الكبر من بيت العائلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وذلك في اعتماده نمط حياة تقوده فعلياً‬ ‫ال مجازياً مفاهيم الفن‪ ..‬ولدى لقائنا‬ ‫بـ فارع في محترفه هذا‪ ،‬تشكَّلت عندنا‬ ‫صورة عنه‪ ،‬كفنان حريص على استقالليته‪.‬‬ ‫إنه فنان وفي للتراث‪ ،‬ويظنه المشروع‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫بأن‬ ‫النسب لمصافحة الخر‪ ،‬مؤمن َّ‬ ‫لمحترفه الجميل دوراً اجتماعياً فاعال ً في‬ ‫الوسط الفني‪.‬‬

‫ين‬ ‫ع� وعدسة | كانت مدينة روتردام‬ ‫أ‬ ‫الهولندية توصف بأنها مدينة السمنت‬ ‫تغير‬ ‫والحديد الصلب‪ .‬لكن هذا كله َّ‬ ‫بالكامل مع ظهور مبنى السوق الجديد في‬ ‫وسط المدينة‪ .‬فبعد افتتاح هذا المبنى‬ ‫مباشرة‪ ،‬ص َّنفتها صحيفة «نيويورك تايمز»‬ ‫أ‬ ‫المريكية في المرتبة العاشرة ضمن قائمة‬ ‫ضمت ‪ 52‬وجهة سياحية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ومكونات‬ ‫الملف | كل المعارف والمشاعر ّ‬ ‫النسان تنقسم إلى قسمين‪ :‬قسم‬ ‫وعي إ‬ ‫متبادل مع محيطه‪ ،‬وقسم يحتفظ به‬ ‫لنفسه أو ضمن دائرة مغلقة‪ .‬إن السر درع‬ ‫النسان نفسه أو مصالحه من‬ ‫يحمي به‬ ‫الخرين‪ .‬إ أ‬ ‫آ‬ ‫ولن «الحماية» من مستلزمات‬ ‫الحياة‪ ،‬ومن شروط البقاء‪ ،‬ال عجب في‬ ‫أن تنطوي هذه الحياة على سلسلة من‬ ‫أ‬ ‫السرار تمتد من أعماق نفس الطفل‪،‬‬ ‫وحتى قيادات الدول والمجتمعات‪.‬‬


‫تحية وبعد‬

‫أظن أننا ال ندرك قيمة الطاقة ف ي� حياتنا إال عند لحظة فقدانها‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫ين‬ ‫ظه�ة صيفية‪،‬‬ ‫فح� ينقطع التيار‬ ‫الكهربا� عن منازلنا‪ ،‬ذات ي‬ ‫ي‬ ‫فإن أول شعور يداهمنا هو قصور المنشآت الكهربائية عن‬ ‫تغذية مدننا بالطاقة‪ ،‬لكننا نادراً ما ت‬ ‫نع�ف أننا ضالعون ف ي� هدر‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫نب� البيوت لنكتشف الحقاً أن نصفها وأحياناً‬ ‫ال� ال َّ‬ ‫تقدر بثمن‪ .‬فنحن ي‬ ‫تلك الطاقة ي‬ ‫أ‬ ‫ربعها يكفينا‪ .‬ونهدر طاقة المكيفات وأنواع إالضاءة من دون حساب‪ .‬ونُر ِاكم الجهزة‬ ‫الكهربائية ف� غرفنا ومطابخنا بما يفيض عن حاجتنا‪ .‬وقد عشنا عقوداً دون أن ت‬ ‫نع�ف‬ ‫ي‬ ‫أن االستهالك المفرط قد وصم حياتنا‪ ،‬وأن إالرساف المنهي عنه قد طبع هويتنا‪.‬‬ ‫متغ� ت‬ ‫اس�اتيجي‪ ،‬فعبارة «كفاءة الطاقة» أو «ترشيد‬ ‫لكننا اليوم نصحو عىل ي ّ‬ ‫االستهالك» أصبحت مطلباً يتوجب علينا فهمه وإدراك أبعاده‪ ،‬وهي لم تعد عبارات‬ ‫وغنيها‪ ،‬وتعقد حولها‬ ‫تتطاير لالستهالك بل هي حاجة تتداولها الدول‪ ،‬ي‬ ‫فق�ها ّ‬ ‫المؤتمرات‪ ،‬وتدور حولها المبادرات الحكومية والفردية‪ .‬ولعل أضخم ما حدث ف ي� هذا‬ ‫للتغ� المناخي‪ ،‬الذي توافقت فيه دول العالم عىل مواجهة‬ ‫السياق مؤتمر باريس ي‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫المسك� بما فيها االستهالك المتسارع‬ ‫ال� تت�بص بهذا الكوكب‬ ‫المخاطر أالكامنة ي‬ ‫لخ�ات الرض‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫«ال�اهة االستهالكية» إذاً يمكن أن تكون عنوان عالقة المواطن الخليجي بمصادر‬ ‫المتقدم متهماً بغلبة‬ ‫الشحيحة منذ قرابة نصف قرن‪ .‬وإذا كان العالم‬ ‫طاقته ّ‬ ‫ِّ‬ ‫االستهالك‪ ،‬فإن الفرق بيننا ي ن‬ ‫وب� ذلك العالم هو ف ي� امتالكه مصادر اقتصادية متنوعة‪،‬‬ ‫أما دول الخليج فإن اقتصاداتها مرهونة إىل حد كب� بذهب أ‬ ‫الرض من النفط والغاز‬ ‫ٍّ ي‬ ‫لمتغ�ات السوق‬ ‫ذهب‬ ‫مجمعات تب�وكيميائية‪ ،‬وهو‬ ‫معرض ي‬ ‫وما يلحق بهما من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫العالمية‪ ،‬وحجم االستهالك‪ ،‬وبدائل الطاقة‪ .‬واستطراداً‪ ،‬فإن هذه ال�اهة المفرطة‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ال� يمكن أن تتناسب مع مزاج الدول الغنية‪ ،‬قد ال تنسجم معنا نحن الدول ي‬ ‫ي‬ ‫لم تستكمل بُناها التحتية وال صناعة مواردها ش‬ ‫الب�ية المنافسة‪ ،‬وهذا ما يجعل‬ ‫ويعرض أجيالها القادمة لمستقبل قلق‬ ‫االستهالك خطراً كامناً ِّ‬ ‫يهدد مكتسبات بالدنا ِّ‬ ‫وغ� آمن‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فقد بلغ الرساف ف� حياتنا حده أ‬ ‫القىص‪ .‬وأفرطنا ف ي� استهالك كل ش‬ ‫�ء‪ ،‬الماء والوقود‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫والكهرباء‪ ،‬مروراً يبالمساكن والمركبات والمالبس أ‬ ‫والجهزة الكهربائية والهواتف الذكية‬ ‫وما ال يعد من أ‬ ‫السباب االستهالكية‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬نحن مطالَبون بالتوقف عن كل ذلك‪ ،‬وباعتماد ثقافة تال�شيد وكفاءة الطاقة �ف‬ ‫ي‬ ‫منازلنا ومدارسنا ومواقع عملنا وموسساتنا الحكومية والخاصة‪ ،‬واعتبار هذه السياسة‬ ‫رهاناً مستقبلياً يتطلب من الجميع تحقيقه وجعله ثقافة جديدة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫المحل للطاقة يشكِّل ما‬ ‫ولوجز هنا بعض الحقائق المعلنة والمؤلمة‪ :‬فاالستهالك‬ ‫ي‬ ‫نسبته ‪ %38‬من إنتاج المملكة من النفط والغاز‪ ،‬ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول‬ ‫‪2030‬م‪ ،‬وهناك ثالثة قطاعات تستحوذ عىل ث‬ ‫أك� من ‪ %90‬من الطاقة لدينا‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫ن‬ ‫المبا� والنقل والصناعة‪ ،‬كما أن ما نسبته ‪ %80‬من الطاقة الكهربائية يذهب إىل قطاع‬ ‫ي‬ ‫ن ف‬ ‫توف� قرابة ‪ 24‬مليار دوالر سنوياً من خالل برامج ترشيد‬ ‫و� مقدور المملكة ي‬ ‫ي‬ ‫المبا�‪ ،‬ي‬ ‫الطاقة‪ ،‬وإدخال البدائل المتجددة والنظيفة لتوليد الطاقة‪.‬‬ ‫ثمة إذاً ناقوس خطر ينذر بأن ما ننتجه من مواد هيدروكربونية بعد قرابة العقدين قد‬ ‫يستهلك ث‬ ‫أك�ه محلياً‪ ،‬وال يبقى منه سوى القليل الذي يمكننا تصديره‪ ،‬وهو ما حفَّز‬ ‫الجهات المسؤولة عىل التوجه بحثاً عن مصادر طاقة جديدة‪ ،‬وترشيد ما نستهلكه‬ ‫فعل‪.‬‬ ‫بشكل ي‬ ‫ف ي� ‪2012‬م ولد المركز السعودي لكفاءة استهالك الطاقة بتضامن حقيقي مع‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫معاي�‬ ‫كب�‪ ،‬فقد وضع ي‬ ‫الك�ى ي� المملكة‪ .‬وطموح المركز ي‬ ‫ال�كات والمؤسسات ب‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫للمواطن� ليبنوا مساكنهم أو أبراجهم وفق �وط جديدة‪ ،‬ويختاروا الجهزة‬ ‫جديدة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫والطارات الك� فاعلية وترشيداً‪ .‬والمركز يعد بحمالت وبرامج تقلص‬ ‫والمركبات إ‬ ‫استهالك ثروتنا‪.‬‬ ‫ين‬ ‫المواطن� تجاه ترشيد استهالك الطاقة هو أصعب‬ ‫لكن بناء وعي جديد لدى‬ ‫أ‬ ‫المهمات‪ ،‬ولن ينجزها المركز وحده‪ .‬فعىل الفراد والمؤسسات وقنوات إالعالم‬ ‫لتغي� النسق االجتماعي العام‪ ،‬وحفظ بعض هذه ثال�وة‬ ‫والتواصل أن تتضامن ي‬ ‫ألجيالنا القادمة رأفة بهم من ي ن‬ ‫السن� العجاف‪.‬‬

‫الرحلة معاً‬ ‫ِمن رئيس التحرير‬

‫ثقافة الطاقة‪..‬‬ ‫كيف تُبنى؟‬


‫‪5|4‬‬

‫مع القرَّ اء‬ ‫تحية وبعد‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫الح َرف‪ ،‬مثل‬ ‫وتساءل‪ :‬هل تص َّنف الروايات‪ ،‬وكتب ِ‬ ‫الطبخ‪ ،‬أو بما يسمى «اصنعه بنفسك» تحت تصنيف‬ ‫القراءة ذات المضمون المفيد؟ فإذا كان الجواب‬ ‫بنعم‪ ،‬فهل تعتقدون أن هذا النوع من الكتب هي‬ ‫التي ترفع من الثقافة أ‬ ‫الدبية والعلمية من القارئ؟‬ ‫وإذا كان الجواب بنعم‪ ،‬فأعتقد أن هذه هي المشكلة‬ ‫الرئيسة لمن يخوض في هذا الموضوع‪ ،‬حيث إنني‬ ‫عجزت أن أجد أي شخص مقتنع بأن قراءة الروايات‬ ‫الجوفاء هي ما يرفع المستوى الثقافي للقارئ‪.‬‬ ‫أما إذا كان الجواب بالنفي‪ ،‬فأعتقد أن أزمة القراءة‬ ‫هي أزمة عالمية وليست فقط عربية‪ .‬وأبسط دليل على‬ ‫هذا هو أنك إذا ذهبت إلى أي من المكتبات العالمية‬ ‫الغلبية العظمى من أ‬ ‫العريقة‪ ،‬تجد أن أ‬ ‫الرفف هي من‬ ‫نصيب كتب الروايات الخيالية وغير الخيالية‪ ،‬وكتب‬ ‫الطبخ‪ ،‬وكتب «اصنعه بنفسك»‪ ..‬هذا ما يشتريه‬ ‫القارئ الغربي‪ ،‬وبطبيعة الحال المكتبات التجارية‬ ‫تستجيب لما يريده الزبون‪.‬‬ ‫تحية وبعد‬

‫نعم‪ ،‬ما زلنا نعيش أزمة قر ف‬ ‫اءة ي� العالم ب ي‬ ‫العر�‪ ،‬والدليل عىل‬ ‫ذلك ي‬ ‫يف‬ ‫تتال المبادرات العربية المعنية‬ ‫بتحف� كل فئات المجتمع‬ ‫ ال النشء‬‫ف‬ ‫وحده ‪ -‬عىل القراءة واقتحام العرص‬ ‫المعر�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫المشاريع‬ ‫العربية ي� هذا الصدد ال تُحىص‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ف لكن بت�ز من بينها الدراسة الميدانية‬ ‫ي‬ ‫ال� أنجزها مركز الملك عبدالعزيز‬ ‫ف‬ ‫الثقا� العالمي‬ ‫ي‬ ‫عن مجتمع القراءة ي� السعودية‪،‬‬ ‫ومبادرة إحياء «اليوم‬ ‫العالمي‬ ‫ف‬ ‫للكتاب» الذي‬ ‫تنظ شِّمه منظمة أاليونيسكو ي� أبريل‬ ‫من كل عام‪ ،‬وأخ� ً‬ ‫د� المضمار‬ ‫ي ا دخول حكومة ب ي‬ ‫بم�وعها االضخم عربياً لتشجيع‬ ‫القراءة عىل‬ ‫العر� بع� برامج‬ ‫مستوى العالم ب ي‬ ‫ومسابقات وحمالت إعالمية ضخمة‪.‬‬

‫الرحلة م ً‬ ‫عا‬ ‫ِمن رئيس التحرير‬

‫مبادرات تبحث‬ ‫قراء‬ ‫عن َّ‬

‫وفضال ً عن هذه‬ ‫المبادرات فإن معارض‬ ‫يف‬ ‫الكتاب العربية تنهال عىل القرَّاء‬ ‫بآالف العناوين‪ ،‬في ت‬ ‫والمهتم�‬ ‫و� ش� حقول المعرفة‬ ‫ف‬ ‫والثقافة والفنون والعلوم ي� شبه‬ ‫احتفاالت‬ ‫سنوية تمتد من الخليج إل المغرب‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫يع� أن حقل العطاء ش‬ ‫كل هذا ي‬ ‫والن�‬ ‫الثقا�‬ ‫أ‬ ‫ي ليس مجدباً بل إنه يعيش ربيعاً ما‪،‬‬ ‫لكن الدر‬ ‫اسات واالبحاث ال تزال ي‬ ‫أ‬ ‫تش� إل أن‬ ‫ال� مخاطر الفشل القر يا� تحدق بمجتمعنا‬ ‫العر�‪ ،‬وتق سلف ً‬ ‫بي‬ ‫وفنونه رّ ا بأن المجتمعات ت ي ال تقرأ وال‬ ‫تختلط بثقافات العالم وابتكاراته‬ ‫تصبح‬ ‫تلقائياً خارج الخارطة الحضارية للمجتمعات ش‬ ‫الب�ية‪ ،‬لتصبح كياناً‬ ‫أعزال ً يتلقى ويستهلك دون أن‬ ‫يتفاعل مع العالم الذي يحيط به‪.‬‬

‫ش‬ ‫وبكالم أك� بساطة‪ ،‬فإن ب‬ ‫ف‬ ‫الع�ة ليست بضخامة االإنتاج الفكري‬ ‫والثقا�‪ ،‬رغم‬ ‫أهميته‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫أولكن بإيصاله إل الجيل الجديد‬ ‫ضمن م�وع تربوي متكامل‪ ،‬يبدأ من‬ ‫رياض اال‬ ‫ش‬ ‫طفال وينتهي بالمرحلة الجامعية‪.‬‬ ‫وهذا الم�وع ينبغي له أن يعيد‬ ‫تعريف القراءة ووظائفها َّ‬ ‫الخالقة‬ ‫وآلياتها‪ ،‬واعتبارها أساساً لبناء عقل‬ ‫مستن�‬ ‫ي‬ ‫يحافظ عىل هويته‬ ‫ومرجعياته الدينية والوطنية‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫دون شطط‪ ،‬وتعينه قراءاته عىل‬ ‫معرفة االديان والحضارات االخرى‬ ‫والتواصل‬ ‫مع‬ ‫إنسانها‬ ‫وما‬ ‫يحيط به من مؤسسات‬ ‫ومفاهيم‬ ‫وتقاليد معرفية‪ ،‬دون تصفيات أو ف‬ ‫تح�‬ ‫إننا نبحث هنا ف‬ ‫ي ّ ات أو أحكام نابذة وعدوانية‪ .‬أي‬ ‫�‬ ‫كيفية‬ ‫ي‬ ‫تأسيس‬ ‫آ‬ ‫جيل قادر عىل‬ ‫موقع ش‬ ‫خوض معركة التثاقف مع االخر من‬ ‫ال�اكة والتعلم‬ ‫ي‬ ‫والتأث� المتبادل‪،‬‬ ‫فف‬ ‫وتقليص العصبيات وال�عات االنعزالية‬ ‫والتطرف والتوحش‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يع� أيضاً ت‬ ‫االع�اف بأن أي ش‬ ‫وهذا ي‬ ‫أ‬ ‫م�وع قر أا�‬ ‫ف ش‬ ‫ي اجتماعي ال يضم االرسة والمجتمع‬ ‫الصغ�‬ ‫ي والمدينة ي� رساكة تضامنية كاملة‪،‬‬ ‫فإنه لن يحقق أهدافه المنظورة‪،‬‬ ‫وستبقى‬ ‫المبادرات تتوال وكأنها قد وضعت‬ ‫ف للر ّد عىل تُهَم المنظمات الثقافية‬ ‫العالمية‬ ‫بأن المجتمعات العربية تعيش �‬ ‫ي المراتب الدنيا من السلّم القر أيا�‬ ‫للعالم‪.‬‬ ‫كذلك فإنه يتوجب عىل‬ ‫ف‬ ‫صانعي هذه المبادرات أن‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ت ف‬ ‫يذلِّلوا العقبات ي� طريق صناعة‬ ‫الن� ب ي‬ ‫و�‪ ،‬فدون ي ف‬ ‫العر� ي‬ ‫الور� واالإ لك� ي‬ ‫قوان� ر‬ ‫ش‬ ‫والنارسين‪ ،‬فإن ف‬ ‫اسخة وملزمة تضمن حقوق الكُ تَّاب‬ ‫فو� ش‬ ‫الن�‬ ‫والقراءة ستبقى بال أمل‪ ،‬كما أن‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫تتنافس عىل ش ّ‬ ‫تع� تداول الكتب وأدوات المعرفة أ‬ ‫الرقابات العربية ي‬ ‫شاالخرى وتدوير الفعاليات الفنية‬ ‫والثقافية ستبقى معوّقاً أمام المبادر‬ ‫ات الجادة لن� المعرفة والكتاب‪.‬‬

‫قال‬ ‫يل صديق مرة‪ ،‬ونحن نَعْ ب ُ� إحدى‬ ‫المجمعات التجارية‪ ،‬إن الهواتف الذكية‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫أج�ت الناس‬ ‫لكن� أجبته بأن ليس‬ ‫عىل القراءة‪ ،‬ي‬ ‫فهناك ما هو أخطر من القراءات‬ ‫ت‬ ‫الواهمة أو اللحظية‪..‬‬ ‫فقد اع�ف بعض المر ي‬ ‫اهق� بأنهم تتلمذوا عليها ونفَّذوا‬ ‫تحت تأث�‬ ‫ي ها ما ال يُحىص من الجرائم بحق‬ ‫مجتمعات آمنة‪ .‬مثل هذه القراءات‬ ‫ت‬ ‫فأشبه بإطارات السيا‬ ‫أ‬ ‫ال� يمكن أن‬ ‫رات المقلّدة ي‬ ‫ي� غمضة ي ف‬ ‫تذهب بالمركبات االنيقة إل حتفها‬ ‫ع�‪.‬‬

‫الغرب الرأسمالي‬ ‫َّ‬ ‫يتعلم الزهد‬

‫حياتنا اليوم‬

‫وردتنا من أ‬ ‫الخ يوسف العوهلي رسالة يعقِّب فيها‬ ‫أ‬ ‫على موضوع الرحلة معاً في العدد الخير من القافلة‪،‬‬ ‫وأعرب عن اعتقاده بأنه من المهم طرح السؤال‪ :‬ماذا‬ ‫نقرأ؟ وماذا يقرأ الغرب؟‬

‫بعد المبالغة في‬ ‫اقتناء األشياء‬

‫بعدما انتفخت‬ ‫صناعة الكماليات في الغرب‬ ‫خالل العقود القليلة الماضية‪ِّ ،‬‬ ‫يعززها‬ ‫الرخاء االقتصادي‬ ‫والترويج الماهر الهادف‬ ‫إلى بيع أية سلعة‬ ‫وبأكبر كمية ممكنة‪ ،‬ثمة‬ ‫ظاهرة بدأت‬ ‫تطل‬ ‫َّ‬ ‫برأسها في أوروبا‪،‬‬ ‫وتتمثل‬ ‫في التساؤل عن‬ ‫جدوى اإلفراط في اقتناء‬ ‫األشياء‪ ،‬أو ما يمكننا‬ ‫أن نسميه بداية الميل‬ ‫َّ‬ ‫إلى التقشف والزهد‪.‬‬ ‫وشكل تدفق الالجئين‬ ‫السوريين بأحوالهم المادية السيئة‪ ،‬دفعاً‬ ‫ً‬ ‫إضافيا‬ ‫ً‬ ‫لهذا االتجاه الذي يشغل‬ ‫أيضا علماء‬ ‫االجتماع واالقتصاد منذ فترة‪.‬‬

‫بقلم‪ :‬سوزانا فوس*‬ ‫ترجمة‪ :‬أسامة أمين‬

‫*‬ ‫كتبت سوزانا فوس‪ ،‬من‬ ‫برلين‪ ،‬هذا المقال بتكليف‬ ‫خاص من «القافلة»‬

‫إذاً‪ ،‬كلنا في الهوى سواء‪ ..‬ال فرق بين القارئ الغربي‬ ‫والعربي إال لون الجلد‪ ،‬وعقدة الغربي أ‬ ‫البيض‬ ‫المعظّم‪..‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬أعرب أ‬ ‫الخ العوهلي عن إعجابه‬ ‫بالتقرير «الغرب الرأسمالي يتعلّم الزهد»‪ ..‬في عدد‬ ‫المجلة أ‬ ‫الخير‪ .‬ووصف تحريره بأنه في غاية االحترافية‬ ‫الصحفية من جميع النواحي‪ ،‬المضمون‪ ،‬وتفاصيل‬ ‫المصادر‪ ..‬إلخ‪ ..‬كما شكر المترجم على العمل الجميل‪،‬‬ ‫واقترح اعتماد كلمة «تعريب» بدال ً من «ترجمة»‪.‬‬ ‫ومن جدة‪ ،‬كتب أ‬ ‫الخ مأمون أحمد محيي الدين يقول‪:‬‬ ‫لم َأر قطعاً ابني أحمد‪ ،‬الطالب الجامعي ذا العشرين‬ ‫عاماً‪ ،‬يقرأ كتاباً أو مجلة ورقية باستثناء مجلة واحدة‬ ‫هي القافلة‪.‬‬ ‫وأضاف إن ابنه يقول إنه يقرأ من الهاتف وال يحب‬ ‫الورقية‪ ،‬وليس عنده الوقت وال المكان لها‪.‬‬ ‫الكتب‬ ‫َّ‬ ‫ولكن القافلة هي المطبوعة الوحيدة التي يقرأها قبل‬ ‫النوم‪ .‬ولما سألته مستغرباً لماذا؟ أجاب‪ :‬أقرأها ألنها‬ ‫فريدة في موضوعاتها وغنية بموادها‪ ،‬وقراءتها كاملة‬ ‫ممتعة أكثر‪ .‬ولعل القصة مع تناقص أعداد القافلة في‬ ‫مكتبتي لم تنته مع ابني أحمد‪ ،‬فهي تتناقص كلما زارني‬

‫أصدقائي أو أقاربي‪ ،‬أجدهم يتطلعون إلى مكتبتي‪،‬‬ ‫يمرون سريعاً على عناوينها‪ ،‬ثم يلتقطون شيئاً منها‬ ‫ويتصفحونه سريعاً‪ ،‬وفجأة يباغتني السؤال‪« :‬ممكن‬ ‫آخذ دي؟»‪ .‬وغالباً ما تكون «دي» أحد أعداد القافلة‪.‬‬ ‫وتلقينا من أ‬ ‫الخ عمر الجهني رسالة يشكر فيها القافلة‬ ‫سماه «هذه المادة الرصينة التي صاحبتنا‬ ‫على ما َّ‬ ‫ً‬ ‫سنوات طويلة» مقترحا «توزيع المجلة مقابل‬ ‫رسم نقدي وتوفيرها في المكتبات ومنافذ البيع‪..‬‬ ‫أ‬ ‫تقدمونه من‬ ‫لننا وبصدق‪ ،‬في حاجة ماسة لمثل ما ِّ‬ ‫معلومات مفيدة في هذا الزحام المعلوماتي»‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وللخ عمر نقول إن القافلة تصدر عن أرامكو السعودية‬ ‫في إطار تقديماتها االجتماعية‪ .‬ويكفي للحصول عليها‬ ‫القراء‬ ‫التقدم بطلب اشتراك فيها‪ .‬كما أن غالبية َّ‬ ‫يفضلون وصولها إليهم مجاناً وبالبريد على شرائها‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ولكن فكرتك تبقى قابلة للبحث‪.‬‬ ‫ومن الرياض‪ ،‬أعربت أ‬ ‫الخت أسرار منذر السليمان عن‬ ‫أ‬ ‫إعجابها الخاص بصفحتي الخبار العلمية‪ ،‬واقترحت‬ ‫توسعة هذه الزاوية لتصبح من أربع أو ست صفحات‪.‬‬ ‫ونحن بدورنا سنحيل اقتراحها إلى فريق التحرير‬ ‫لدراسته واتخاذ القرار المالئم‪.‬‬ ‫الروب‬

‫وت‪..‬أرخص عامل نظافة‬

‫االسم المعياري‬

‫كولوم‬

‫باتت أسعار‬ ‫المنتجات التقنية المتطورة ذات‬ ‫مسار معروف‪ .‬فهي باهظة جداً عند‬ ‫ظهورها‪ ،‬ومن‬ ‫ثم تروح تتدنى شيئاً فشيئاً‪ ،‬حتى‬ ‫ذلك كما‬ ‫تصبح في متناول الجميع‪ .‬وينطبق‬ ‫نعرف‪ ،‬على كل شيء من حولنا‪ ،‬من‬ ‫آأجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية‬ ‫إلى آالت‬ ‫آ‬ ‫التصوير واالإ لكترونيات المنزلية‪ .‬واال‬ ‫ن جاء زمن شيوع أالرجال االليين‪.‬‬ ‫شارل‬ ‫ أوغستان دو كولوم‬‫فالمفاجأة الجديدة في روبوت «برافا»‬ ‫من‬ ‫شركة‬ ‫«آي‬ ‫روبوت»‬ ‫اال‬ ‫على‬ ‫مريكية ال تقتصر‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬إنما في السعر‪200 :‬‬ ‫دوالر أمريكي فقط‪.‬‬ ‫وهذا الروبوت مخصص لتنظيف ومسح االأ‬ ‫شارل ‪ -‬أوغستان دو‬ ‫القوى الفاعلة ف أكولوم عالم فر ي‬ ‫رضية الصلبة كالحمامات والمطابخ‪.‬‬ ‫نس متعدد االهتمامات‪ ،‬درس‬ ‫والستخدامه‪ ،‬علينا فقط‬ ‫ي‬ ‫ب� االجسام المشحونة كهربياً وفصلها ف‬ ‫إضافة الماء إلى خزان في أعاله‪،‬‬ ‫وتعليق‬ ‫ممسحة‬ ‫�‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫قانون‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُنسب‬ ‫أسفله والضغط‬ ‫إليه‬ ‫على زر «نظِّف»‪ .‬فيبدأ الروبوت‬ ‫(قانون كولوم)‪ .‬كما أن اسمه هو‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ برش الماء أمامه ثم ينظف‬ ‫البقعة الرطبة‬ ‫الوحدة المعيارية العالمية لقياس‬ ‫الشحنة الكهربية‪.‬‬ ‫بالممسحة‪ .‬ويمكن تزويده بثالثة‬ ‫أنواع من المماسح‪ :‬رطبة‪ ،‬مبللة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫عاش‬ ‫وجافة‪ .‬وبإمكانه التمييز‬ ‫أ‬ ‫بينها ليقوم بالتنظيف المناسب‪.‬‬ ‫كولوم يب� عامي ‪ 1736‬و‪1806‬م‪.‬‬ ‫وبعدما‬ ‫اشتكى‬ ‫وأتاح له انتماؤه الرسة أرستقراطية‬ ‫ف‬ ‫نافذة‬ ‫المستهلكون‬ ‫ً‬ ‫سابقاً من أن عليهم‬ ‫تعليما ممتازاً فانغمس ي� دراسة‬ ‫دائماً «تنظيف روبوت التنظيف»‪،‬‬ ‫فإن ميزة «بر‬ ‫الرياضيات قبل أن يلتحق بالسلك‬ ‫افا» هي أيضاً في سهولة تنظيفه‪.‬‬ ‫العسكري ف كمهندس إنشاءات‪ .‬وبعد‬ ‫فعند انتهاء التنظيف‪ ،‬ليس عليك‬ ‫عودته فمريضاً من المستعمرات‬ ‫لمس الممسحة‬ ‫الفرنسية ي�‬ ‫الوسخة‪ ،‬فحجمه الصغير ووزنه‬ ‫الكاري�‪ ،‬واصل تعزيز‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫الخفيف يخولك حمله فوق سلة‬ ‫المهمالت‬ ‫سمعته ي� فرنسا كمتخصص ال يُشق‬ ‫له‬ ‫والضغط على زر لتسقط الممسحة‬ ‫غبار ي� خواص مواد البناء‪ .‬لكن‬ ‫فيها‪ .‬كما أنه ال يحتوي على خزان‬ ‫للمياه المستعملة‬ ‫ب� التكريم فالعريض الذي حظي به جلب‬ ‫كث�اً من العداوات ي ف‬ ‫له كذلك ي‬ ‫يتطلب التنظيف بدوره‪ .‬ويعمل‬ ‫أيون‬ ‫الروبوت بواسطة أبطارية ليثيوم‬ ‫المتنفذين ي� الجهاز الحكومي‪ .‬هكذا‬ ‫يف‬ ‫قرر كولوم ف ي�‬ ‫قابلة للشحن في الجدار‪ .‬وهكذا‬ ‫الثالث� من عمره أن ت ف‬ ‫يع�ل‬ ‫وتقول شركة «آي روبوت» إن «بر تتخلص من فوضى ومتاعب االسالك‪.‬‬ ‫صوب ي ف‬ ‫مجال تخصصه ووجّ ه اهتمامه‬ ‫الف�ياء‪..‬‬ ‫افا»‬ ‫ً‬ ‫يبدو‬ ‫وتحديد‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫إىل‬ ‫بسيط‬ ‫ا‬ ‫الخواص‬ ‫للغاية‪،‬‬ ‫لكن‬ ‫ف‬ ‫من‬ ‫الشركة حشرت كثيراً‬ ‫الكهربية والمغناطيسية للمواد‪.‬‬ ‫الهندسة الذكية في داخله‪ ،‬للتأكد من‬ ‫يب� عامي ‪ 1785‬و‪1791‬م‪ ،‬شن�‬ ‫الماسح‪ ،‬حيث نعلِّق الممسحة‪ ،‬يرتج التحرك والتنظيف بشكل فعَّ ال‪ .‬فرأس‬ ‫كولوم ف سبع أوراق بحثية مهمة ف ي�‬ ‫المغناطيسية‬ ‫والكهرباء‪ .‬وهذا ما قاده ي� النهاية إىل‬ ‫لتسهيل إزالة الوسخ والبقع بالكامل‪.‬‬ ‫وللتحرك‪،‬‬ ‫صياغة قانونه الخاص‬ ‫الذي ينص عىل أن «قوة التجاذب أو التنافر ي ف‬ ‫ونوعاً يستخدم برافا طريقة جديدة تستعمل‬ ‫شحنت� ف‬ ‫اد‬ ‫ف‬ ‫عدّ‬ ‫المسافات‬ ‫ب�‬ ‫في‬ ‫�‬ ‫العجالت‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫ي الفراغ‬ ‫ف‬ ‫البوصلة لوضع خريطة لما حوله‪،‬‬ ‫تتناسب طردياً مع القيمة المطلقة‬ ‫تغطي حوالي ‪ 14‬متراً مربعاً‪ ،‬أو‬ ‫لحاصل �ب شحنتيهما‪ ،‬وعكسياً‬ ‫مساحة غرفة‬ ‫مع‬ ‫نوم عادية‪ .‬وإذا أردت َّأال يتحرك‬ ‫مربع المسافة بينهما»‪ .‬وقد أدى‬ ‫في اتجاه معيَّن‪ ،‬فعليك أن تضع‬ ‫هذا الفهم إىل أفتوحات عديدة ف ي�‬ ‫خلفيته مقابلها‪.‬‬ ‫دراسات قوى الجذب ي ف‬ ‫ب�‬ ‫ت‬ ‫فيقوم الروبوت عند ذلك بوضع‬ ‫جدار افتراضي في خريطته لئال‬ ‫يعبرها‪.‬‬ ‫مع قيام الثورة الفرنسية‪ ،‬الجسيمات الذرية وح� االجرام الكونية‪.‬‬ ‫رّد‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ويتمتع‬ ‫وأج� عىل جُ كولوم من معظم امتيازات الطبقة‬ ‫«برافا» بفن المناورة حول االثاث‬ ‫أ‬ ‫االرستقراطية ب‬ ‫ف‬ ‫االستقالة من‬ ‫وسالل النفايات وغيرها من االدوات‬ ‫الجيش‪ .‬فق� المرحلة التالية من‬ ‫المنزلية لتنظيف كل بقعة‪.‬‬ ‫حياته متفرغاً‬ ‫للبحث العلمي ليدرس الهندسة‬ ‫مع هذا‬ ‫الميكانيكية ولزوجة السوائل‬ ‫ي‬ ‫الروبوت الجديد‪ ،‬يبدو واضحاً أن‬ ‫ف‬ ‫وتأث� المناخ والغذاء عىل الوظائف‬ ‫شركة «آي روبوت» تستهدف أوسع‬ ‫شريحة من‬ ‫الحيوية لالإنسان‪ .‬ف ي‬ ‫و� العام ‪1806‬م‬ ‫تعاظم عليه أثر‬ ‫المستهلكين المتوسطي الحال الذين‬ ‫المرض الذي طارده‬ ‫سيكون «برافا» أول روبوت تنظيف‬ ‫ف‬ ‫يستعملونه‪.‬‬ ‫منذ أيام خدمته ي� الهند الغربية‬ ‫بالبحر‬ ‫بي‬ ‫الكاري� ليتو� ي‬ ‫أخ�اً مخلفاً إرثاً علمياً حافال ً‪.‬‬ ‫‪ome-robots/‬‬ ‫يغ� أن‬ ‫إعادة‬ ‫‪n/robotics/h‬‬ ‫االعتبار‬ ‫لكولوم‬ ‫‪g/automato‬‬ ‫تحققت‬ ‫بعد نحو قرن‪ .‬ي ف‬ ‫‪http://spectrum.ieee.or‬‬ ‫فح� صمم‬ ‫ي ف‬ ‫ال�ج‬ ‫غوستاف إيفل ب‬ ‫الشه� ي� باريس‪،‬‬ ‫يف‬ ‫‪irobot-braava-jet-mopping-robot‬‬ ‫نقش أسماء ‪َ 72‬علَماً شرسّفوا فرنسا‬ ‫ب� عامي‬ ‫أ‬ ‫‪ 1789‬و‪1889‬م بأحرف ذهبية عىل‬ ‫حافة سياج الطابق االول‬ ‫ب‬ ‫لل�ج‪ ،‬وكان‬ ‫من بينهم كولوم الذي اعتُمد اسمه ف ي� النظام ت‬ ‫الم�ي معياراً‬ ‫لقياس‬ ‫ت‬ ‫شاركنا رأيك‬ ‫ف‬ ‫الشحنة الكهربائية ي‬ ‫ال� يحملها تيار مقداره ي‬ ‫(أمب�) واحد ي� ثانية‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫تحية وبعد‬

‫أكثر من رسالة‬

‫نهر عظيم في الصحراء؟‬ ‫يَ ُ‬ ‫أن نهراً عظيماً كان يجري في الربع‬ ‫تداول البعض َّ‬ ‫أ‬ ‫الخالي في غرب الصحراء!‪ ،‬فهل يمكن أن يكون المر‬ ‫صحيحاً؟‬ ‫تُعد منطقة الربع الخالي واحدة من أكثر المناطق‬ ‫حرار ًة وجفافاً في العالم‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن ال أحد‬ ‫يصدق هذه الرواية‪ .‬ولكن خرائط‬ ‫سيلوم من لم ِّ‬ ‫شبه الجزيرة العربية تُظهر نهرين كبيرين يجريان‬ ‫في صحراء الربع الخالي‪ ،‬يجري أحدهما شماال ً‬ ‫نحو الخليج العربي آ‬ ‫والخر يجري جنوباً نحو البحر‬ ‫أ‬ ‫أن هذه الخريطة ُرسمت في القرن‬ ‫الحمر‪ .‬ومع َّ‬ ‫الخامس عشر‪ ،‬حين كان من المؤكد عدم وجود مثل‬ ‫أن َر ْس َمها استند‬ ‫هذين النهرين في هذا القرن‪ ،‬إال َّ‬ ‫إلى وصف بطليموس للعالَم حوالي العام ‪150‬‬ ‫عكس َ‬ ‫حال شبه الجزيرة‬ ‫إن‬ ‫َ‬ ‫ميالدي‪ ،‬أي َّ‬ ‫الوصف يَ ُ‬ ‫العربية قبل حوالي ‪ 2000‬عام‪.‬‬ ‫آ‬ ‫المستكشفين‪ ،‬وجدوا في عمق‬ ‫والدليل الخر هو َّ‬ ‫أن ُ‬ ‫جافة يَعو ُد‬ ‫الصحراء عدداً من‬ ‫المواقع لبحير ٍات ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تاريخها إلى ما بين ‪ 7000‬و‪ 13000‬سنة مضت‪.‬‬ ‫عظام غزالن‬ ‫وكذلك وجدوا بالقرب من هذه المواقع َ‬ ‫وماعز بري وماشية أخرى بقرون طويلة‪ ،‬وجميعها‬ ‫حيوانات لم يشاهدها أحد في الصحراء خالل‬ ‫المعاشة‪ .‬وهذا يؤكد أن الصحراء الجافة‬ ‫الذاكرة ُ‬ ‫حالياً كانت قبل آالف السنين ُمب َتلّة بشكل كبير وفيها‬ ‫مياه وفيها حيوانات غير صحراوية!‬ ‫وربما ما هو أكثر إقناعاً لنا‪ ،‬هو ذلك أ‬ ‫الثر الخفيف‬

‫أهم ّية التنظير‬ ‫السلبية التي ننعت بها من‬ ‫أصبح التنظير السمة‬ ‫ّ‬ ‫يعود بأصل المسألة إلى أساسها النظري أو وضعها‬ ‫االفتراضي‪ .‬فيتدرج من مستواها إلى مراحل أ‬ ‫الحداث‬ ‫ّ‬ ‫بغرض القياس عليها في سبيل استنتاج ما كان صائباً‬ ‫وما كان خاطئاً‪ ،‬وما كان يجب عمله وما يجب تفاديه‪.‬‬ ‫ننتقد نحن هذه النوعية من أ‬ ‫الشخاص ألنهم ال‬ ‫ّ‬ ‫يطبقون شيئاً على أرض الواقع‪ ،‬أو هذا ما نحسبه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأهمية‬ ‫مؤمن‬ ‫أنني‬ ‫إل‬ ‫غيري‪،‬‬ ‫من‬ ‫أعلم‬ ‫ني‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫أزعم‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬

‫قربة لمنطقة النهر العظيم في سبخة مطي وتظهره كخليط بني طري من الملح والرمل‪ ،‬مختلف تماماً عن رمال الصحراء‬ ‫صورة ُم َّ‬

‫جداً لبقايا نهر أظهرته صور أقمار صناعية لهذه‬ ‫المنطقة‪ .‬ووجود سبخة مطي التي هي منبسط ملحي‬ ‫يمتد لمئات الكيلومترات في غرب صحراء شبه جزيرة‬ ‫العرب يمكن أن يعد من الدالئل المهمة أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والسبخة رخوة جداً وال يمكن المشي عليها ألنها‬ ‫النسان أو الحيوان‬ ‫مغطاة بقشرة ملحية‪ ،‬ولو حاول إ‬ ‫المشي عليها لغاصوا تحت رمالها‪ ،‬إال أنه توجد‬ ‫بعض المسالك والدروب البدائية التي يعرف أبناء‬ ‫المنطقة أسرارها فيمرون منها بسهولة وسالم‪ .‬ويُظن‬ ‫أن السبخة كانت قديماً منطقة مبلولة وفيها مياه‬ ‫بسبب مرور نهر فيها‪.‬‬

‫التنظير في كل مسألة‪ .‬ألنها كما أعتقد المرحلة‬ ‫الولى أ‬ ‫أ‬ ‫المتأصل في الحل‪ .‬يعقب التنظير‬ ‫والساس‬ ‫ّ‬ ‫آ‬ ‫التخطيط ل ّلية الحل‪ ،‬وما يمكن عمله أو ال‪ ،‬وما‬ ‫يمكن تفاديه أو ال حسبما نُظِّر له‪ .‬ويعقب ذلك‬ ‫مرحلة التطبيق التي مع أ‬ ‫السف ال نؤمن بما قبلها‪.‬‬ ‫أكثر أنواع التنظير ظلماً هو التنظير االجتماعي أو‬ ‫العلني‪ .‬فالمفكّر هنا يضع فكرته للعلن ليشاركه غيره‬ ‫عقل واحد في‬ ‫مسألة تقليبها عوضاً عن حبسها في ٍ‬

‫وتدعم دراسات معاهد الطقس آ‬ ‫الراء أعاله‪ ،‬فهي‬ ‫تُخبرنا أن طقس شبه الجزيرة العربية من النوع‬ ‫الذي يتأرجح تناوباً بين فترات مبلولة وفترات جافة‪،‬‬ ‫وهو آ‬ ‫الن في طور جفاف‪ ،‬بينما كان قبل ‪ 5000‬عام‬ ‫أكثر اعتداال من آ‬ ‫الن‪ ،‬وشبيهاً بطقس شرق إفريقيا‬ ‫ً‬ ‫وجود بحير ٍات‬ ‫حالياً‪ .‬وفيه كمية أمطار تكفي‬ ‫لديمومة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولنمو ُع ْش ٍب يكفي لدعم وجود حياة برية لحيوانات‬ ‫يالحقها الناس الصطيادها‪.‬‬ ‫الدكتورة ليلى صالح العلي‬ ‫المارات العربية المتحدة‬ ‫الشارقة ‪ -‬إ‬

‫سبيل تحقيق الحل المرجو‪ .‬وكل ما سيلقاه هو اللوم‬ ‫واالنتقاد‪ .‬بل أ‬ ‫العظم أن هذا يكون من ِقبل َم ْن يُنظّر‬ ‫آ‬ ‫ألجلهم! ولعل ما أقوله الن ليس ّإل تنظيراً خالصاً‪،‬‬ ‫أهمية التنظير‪ ،‬وفي حال شارك المنظّرون‬ ‫أرى فيه ّ‬ ‫القراء محاربتهم‪.‬‬ ‫أفكارهم‪ ،‬ال يجب على َّ‬ ‫إياد سليمان السليمان‬ ‫الظهران‬


‫‪7|6‬‬

‫ورشة عمل‬

‫تأثير الحوار الهادف في‬ ‫التواصل الفعال‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬


‫في هذا الوقت الذي يزداد فيه‬ ‫عالم أ‬ ‫العمال توسعاً وتأثيراً‪،‬‬ ‫ظهر قادة أ‬ ‫العمال اليوم‬ ‫متسمين بأربعة سلوكيات ذات‬ ‫فعال‪ ،‬تم ّيزهم وتجعلهم قدوة يحتذى‬ ‫تأثير ّ‬ ‫بها‪ .‬وبدأ الموظفون وأفراد المجتمع تأسي‬ ‫هذه السلوكيات‪ ،‬سعياً منهم إلى تغيير نمط‬ ‫حياتهم ووظائفهم‪ ،‬والوصول إلى أهدافهم‬ ‫بالضافة إلى‬ ‫بأقصر الطرق وأكثرها فاعل َّية إ‬ ‫اليجابي في مجال أعمالهم أو‬ ‫زيادة تأثيرهم إ‬ ‫في محيط عالقاتهم االجتماعية‪ .‬وتتلخص هذه‬ ‫السلوكيات أ‬ ‫الربعة في كل من‪ :‬سلوك الحوار‬ ‫الهادف‪ ،‬والتمكين‪ ،‬والتعاون‪ ،‬واتخاذ القرار‪.‬‬ ‫في هذه الورشة التدريبية يرصد لنا بندر الحربي‬ ‫طريقة تعامل وتفاعل الناس مع سلوك الحوار‬ ‫الهادف‪.‬‬ ‫شكّل سلوك «الحوار الهادف» نقطة التفاعل بين المشاركين في‬ ‫المدرب‬ ‫ضمت زهاء مئة وثالثين مشاركاً‪ ،‬وأدارها‬ ‫ورشة العمل التي ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الدولي سلمان أمجد‪ ،‬من تورونتو‪ ،‬كندا‪ ،‬المتحدث بست لغات‪،‬‬ ‫والحاصل على درجة الماجستير في علم اللغة التطبيقي من جامعة‬ ‫برمنغهام والمتخصص في مجال وسائل التواصل واكتساب اللغات‬ ‫وتعليمها‪.‬‬ ‫المدرب أمجد إيصاله‪ ،‬وهو يعبر َجي َئةً وذَهاباً أمام‬ ‫ما أراد‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫مجموعات المشاركين في الورشة‪ ،‬هو أن هذه السلوكيات الربعة‬ ‫تمثل عامال مهماً في تهيئة بيئة النجاح أ‬ ‫للفراد والمنظمات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫بيئةً‬ ‫يكون تقود إلى‬ ‫وأن سلوك الحوار الهادف ِّ‬ ‫النجاح الشخصي والمهني‪ّ ،‬إل أن لسياق الحوار‬ ‫بالضافة‬ ‫وتأثيرات مواقف الحوار المختلفة‪ ،‬إ‬ ‫إلى خصائص اللغة‪ ،‬أثراً في إحداث أو‬ ‫إعاقة الفهم بين المتحاورين‪.‬‬ ‫بدأ العرض بقوله إننا نعرف اللغة ولكن قد‬ ‫ينتابنا الشك من مضمونها الفعلي‪ .‬قد ال‬ ‫ندرك ما يسمى «حس الفكاهة» أ‬ ‫و«الهداف‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫الضمنية»‪ ،‬وفهم مضامين اللغة بنا ًء على‬

‫محدد‬ ‫المحتوى والسياق‪ ،‬والعوامل المهمة التي ترفع مستوى الحوار َّ‬ ‫الفعال‪ .‬وهو‬ ‫الهدف إلى مستوى أعلى من الحوار‪ ،‬يسمى التواصل ّ‬ ‫أ‬ ‫ذلك المستوى من التواصل الذي يقود إلى نتائج إيجابية للفراد‬ ‫والمنظمة‪ .‬ومن هذه النتائج‪ - 1 :‬توضيح أهداف أ‬ ‫الفراد وأدوارهم‬ ‫بشكل أكثر وضوحاً‪ - 2 ،‬نقل المعرفة فيما بينهم‪ - 3 ،‬زيادة إالنتاجية‬ ‫والفاعلية الشخصية والجماعية‪ - 4 ،‬تعزيز التوافق واالنسجام بين‬ ‫أ‬ ‫الفراد وتحسين التنسيق بينهم‪ - 5 ،‬زيادة الدافعية الشخصية‬ ‫والجماعية‪ - 6 ،‬صقل المهارات واكتساب الخبرات‪ - 7 ،‬تأسيس عالقة‬ ‫قوية بين الرئيس والمرؤوس في بيئة العمل تُعطي الرئيس قدرة‬ ‫لتقييم مشاركة كل فرد من أفراد فريق العمل في تحقيق أهداف‬ ‫المنظمة التي يعمل بها‪ .‬كما أن الوصول إلى هذا المستوى من‬ ‫التواصل‪ ،‬يتطلب وجود ثقة بين طرفي الحوار‪ ،‬وفهم الحوار فهماً‬ ‫جيداً‪ ،‬إذ ليس «ما يُقال» دائماً هو «ما يُفهم معناه» تماماً‪ ،‬وبالتالي‬ ‫من المهم أن يكون الحوار واضحاً وبعيداً عن أي غموض‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الفكار التي سعت ورشة العمل إلى إيصالها إلى المشاركين‪ ،‬عبر‬ ‫المدرب وخبراته‬ ‫أسلوب عملي وسرد قصصي‪ ،‬ترافقت مع تجارب‬ ‫ِّ‬ ‫دول وبيئات ثقافية مختلفة زارها من قبل لتقديم‬ ‫الشخصية في ٍ‬ ‫محاضرات‪.‬‬

‫ما هي السلوكيات أ‬ ‫الربعة؟‬

‫حسناً‪ ،‬ما هي أو ما معنى السلوكيات أ‬ ‫الربعة؟ لنبدأ مع سلوك‬ ‫آ‬ ‫الحوار الهادف‪ ،‬ويعني حديثك المنتظم مع الخرين عن توقعاتك‪،‬‬ ‫ومناقشتهم ألدائك وتطورك؛ في حين يعني سلوك التمكين‪ ،‬منح‬ ‫الخرين صالحيات مناسبة من أجل تحقيق أ‬ ‫آ‬ ‫الهداف المشتركة‪،‬‬ ‫ومساعدتهم للتغلب على أي صعوبات أو عقبات قد تواجههم؛‬ ‫يدل السلوك الثالث‪ ،‬وهو التعاون‪ ،‬على االلتزام أ‬ ‫بينما ُّ‬ ‫بالهداف‬ ‫آ‬ ‫المشتركة والسعي مع الخرين من أجل تحقيقها‪ ،‬ويم ّثل السلوك‬ ‫أ‬ ‫الخير وهو اتخاذ القرار‪ ،‬االلتزام والوضوح في التفكير‪ ،‬بهدف‬ ‫اتخاذ قرارات مهمة‪.‬‬

‫السلوكيات األساسية في‬ ‫التواصل ّ‬ ‫الفعال‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫الحوار الهادف والتمكين‬ ‫والتعاون واتخاذ القرار‪.‬‬ ‫المد ِّرب الدولي سلمان أمجد‬ ‫متحدث بست لغات‬ ‫ِّ‬ ‫يحمل شهادة الماجستير في علم‬ ‫اللغة التطبيقي من جامعة برمنغهام‪.‬‬ ‫متخصص في مجال التواصل‬ ‫ِّ‬ ‫واكتساب اللغات وتعليمها‪.‬‬


‫‪9|8‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫المشاركون في الورشة تلقوا بتحفز السؤال أ‬ ‫الول والرئيس‪ ،‬وهو‪ :‬ما‬ ‫والجابة جاءت على هذا النحو‪ :‬إن أهم‬ ‫فعاالً؟ إ‬ ‫الذي يجعل التواصل َّ‬ ‫ما يؤثر في فاعلية الحوار‪ ،‬ست مهارات‪ ،‬وهي‪ :‬تحديد َم ْن هو صاحب‬ ‫الحس الفكاهي؛ ومعرفة أهداف المتحدث الضمنية؛‬ ‫اللغة؛ واكتساب ّ‬ ‫والقدرة على التمييز بين االختالف والخطأ في اللغة؛ ومعرفة المحتوى‬ ‫والوعاء الظرفي؛ والقدرة على تفسير تعبيرات الجسد‪.‬‬ ‫لم ُ‬ ‫لطيف للمشاركين عندما طرح المدرب‬ ‫يخل الطرح من‬ ‫استجواب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫هذه السئلة‪َ :‬م ْن هو صاحب اللغة؟ وهل َم ْن يملك اللغة الم هو‬ ‫يحدد سياقها ومضمونها ومقصدها؟ وهل في اختالف الثقافات‬ ‫من ِّ‬ ‫واللغات تأثير على اتساق الحوار وفهمه؟ وماذا يعني االتصال؟‬ ‫وماذا يعني بالضبط من ثقافة إلى أخرى؟ ماذا يعني لك آ‬ ‫وللخرين؟‬ ‫المدرب اللغة بأنها نظام‬ ‫عرف‬ ‫وبعد ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ردود عديدة من المشاركين‪َّ ،‬‬ ‫من أ‬ ‫الصوات والرموز‪ ،‬تحمل معاني متعددة‪ ،‬وتقوم على اتفاق‬ ‫متبادل بين المتحدثين في المجتمع‪ ،‬كما تَظهر بصور عديدة‪ ،‬ولكي‬ ‫يكون التواصل عن طريق اللغة ناجحاً فال بد من فهم مضمون‬ ‫اللغة‪ ،‬ومعاني مفرداتها وجملها‪ .‬ولكن حين تكون لمفردات اللغة‬ ‫معان مختلفة في السياق الذي تُقال فيه‪ ،‬تصبح‬ ‫وجملها المتشابهة ٍ‬ ‫ثمة حاجة لتوضيحها أكثر في هذه الحالة‪.‬‬

‫اختالفات في اللغة نفسها‬

‫النجليزية نفسها‪ ،‬سوا ًء اللغة‬ ‫تتضح هذه الحالة أكثر في اللغة إ‬ ‫المستخدمة في الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‪ ،‬أو تلك‬ ‫المدرب في هذا الصدد‬ ‫المتداولة في بريطانيا‪ .‬يذكر‬ ‫ِّ‬ ‫مالحظاته‪ ،‬مثال ً كلمة (‪ )subway‬تعني الممر تحت‬ ‫أ‬ ‫أيضا (مطعم‬ ‫الرض في إنجلترا‪ ،‬بينما تعني ً‬ ‫الشطائر) المعروف أو مترو أ‬ ‫النفاق في أمريكا!‬ ‫وفي حين أن كلمة (‪ )coach‬تدل على الحافلة في‬ ‫إنجلترا فإنها تعني (المدرب) أ‬ ‫للمريكيين‪ .‬وبالتالي‬ ‫ِّ‬ ‫داللةً‬ ‫مختلفة في‬ ‫تحمل هذه االختالفات الدقيقة‬

‫التواصل‪ ،‬بسبب بسيط وهو أن التوصل إلى الفهم‬ ‫بين متحدثي اللغة نفسها من خلفيتين ثقافيتين‬ ‫«م ْن هو صاحب‬ ‫مختلفتين تقوم على مفهوم َ‬ ‫اللغة؟»‪.‬‬ ‫وبدأت الفكرة تتضح أكثر للمشاركين‪ ،‬من خالل‬ ‫المدرب أمثلة أخرى من تجاربه ال تخلو من‬ ‫سرد‬ ‫ِّ‬ ‫مفارقات طريفة‪ ،‬وتحدث عن أمثلة تتعلق بدور‬ ‫العبارة أو معناها‪ ،‬مثل عبارة التحية التي يستخدمها‬ ‫السعوديون‪« :‬إيش لونك اليوم؟» فإن جوابها‬ ‫المعتاد هو «بخير‪ ،‬الحمد هلل»‪ ،‬باعتبار أن هذا‬ ‫السؤال تضمن سؤاال ً عن «الحال» وليس «اللون!»‬ ‫مر به يتعلق بالتشابه‬ ‫كما يدل حرفياً‪ .‬ومثال آخر َّ‬ ‫في نطق كلمتين‪ ،‬عندما سأله نادل المطعم العربي‬ ‫«كيف أ‬ ‫«الهامور» (نوع من‬ ‫المور؟» فظن أنه يقصد‬ ‫ّ‬ ‫السمك)‪ ،‬فأجابه‪« :‬ال‪ ،‬دجاج من فضلك!»‪.‬‬ ‫المدرب عبر سرد حكايته مع رئيسه في العمل معنى‬ ‫كما أبان‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫حس الفكاهة ومعرفة الهداف الضمنية‪ .‬فذكر‬ ‫اكتساب مهارتي ّ‬ ‫يحدد مسار الحوار غالباً هو المستوى غير الرسمي‪ ،‬والفهم‬ ‫أن ما ِّ‬ ‫الصحيح لمضمون ما يقوله المتحدث‪ ،‬ومستوى سلطته‪ ،‬وحيث‬

‫حس الفكاهة‬ ‫عند اكتساب ّ‬ ‫تتالشى الفروقات والمستوى‬ ‫الرسمي بين المتحدثين‪،‬‬ ‫ويصبح الحوار أكثر عمق ًا‬ ‫وفهماً‪...‬‬


‫أن يكون ثمة تمييز بين «طرح السؤال» و«االستجواب»‪ ،‬أو بمعنى‬ ‫آخر ثمة حاجة لمعرفة مقصود المتحدث‪.‬‬

‫سلوكيات قادة األعمال اليوم‬

‫‪ - 1‬سلوك الحوار الهادف‬

‫الحديث المنتظم مع اآلخرين عن‬ ‫التوقعات ومناقشة األداء والتطور‪.‬‬ ‫‪ - 2‬سلوك التمكين‬ ‫منح اآلخرين الصالحيات والفرص‬ ‫الالزمة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬سلوك التعاون‬ ‫مساعدة اآلخرين على تذليل‬ ‫العقبات‪.‬‬ ‫‪ - 4‬سلوك القرار‬ ‫التزام الوضوح في التفكير الضروري‬ ‫لسالمة القرارات‪.‬‬

‫النسان االجتماعي‬ ‫وفي هذا المحور‪ ،‬استشهد‬ ‫المدرب بأفكار علم إ‬ ‫ِّ‬ ‫ومصطلحاته‪ ،‬فذكر مصطلحي «ثقافة السياق المرتفع» و«ثقافة‬ ‫السياق المنخفض»؛ اللذين يشيران إلى طريقة كل ثقافة في‬ ‫استخدام عمليات التواصل المعتادة‪ .‬فمثال ً في «ثقافة السياق‬ ‫المرتفع» ال يقول الناس كالماً كثيراً في الغالب بهدف إيصال المعنى‬ ‫للمتلقي‪ ،‬إذ تقوم العوامل أ‬ ‫الخرى لهذه الثقافة بشرح المعنى‬ ‫المقصود‪ ،‬وتصبح الكلمات المفردة في مثل هذه الثقافة مهمة جداً‪،‬‬ ‫كما أنها تستخدم بفاعلية‪ .‬بينما في «ثقافة السياق المنخفض»‬ ‫من الضروري أن يكون المحاور واضحاً ومباشراً جداً في حديثه‪،‬‬ ‫أي يدخل في الموضوع مباشرة‪ ،‬وال تمثل لديه الكلمات المفردة‬ ‫أهمية بحد ذاتها‪ .‬على سبيل المثال فإن شعوباً مثل أ‬ ‫الستراليين‬ ‫أ‬ ‫والمريكيين والسويسريين يتبنون «ثقافة السياق المنخفض»‪،‬‬ ‫وبالتالي فإن سلوكيات التواصل بين أفرادها تتسم بالوضوح‬ ‫والفريقية‬ ‫الشديد‪ ،‬بينما تستخدم الثقافة العربية والفرنسية إ‬ ‫واليابانية مثال ً ثقافة السياق المرتفع‪ ،‬وبالتالي فإن سلوكيات التواصل‬ ‫بين أفرادها أقل مباشرة في تناولها لموضوع الحوار‪.‬‬ ‫المدرب مع رئيسه‪ ،‬أوضحت المقصود من ذلك‪،‬‬ ‫إحدى تجارب‬ ‫ِّ‬ ‫يقول‪ :‬كنت برفقة رئيسي في العمل‪ ،‬وكان يقود السيارة بسرعة‬ ‫وشعرت أنه من الصعب أن أطلب منه مباشرة أن يبطئ سرعته‪،‬‬ ‫فوجدت أن أستخدم أسلوب ثقافة السياق المرتفع‪ ،‬ألنه أ‬ ‫الفضل‬ ‫في هذه الحالة‪ ،‬قلت له‪« :‬هل تعلم أنني كنت أعيش في هذه‬ ‫عبر هذا الطريق»‪ ،‬ففهم‬ ‫المنطقة‪ ،‬وصادفت كثيراً من ِ‬ ‫الجمال تَ ُ‬ ‫قصدي وبطأ من سرعته‪.‬‬

‫الحديث الواضح‬

‫حس الفكاهة وتتالشى الفروقات بين المتحاورين‪،‬‬ ‫يكتسب الحديث ّ‬ ‫ً‬ ‫ويصبح الحوار أكثر عمقا وفهماً‪ ،‬وبالتالي يصبح المهم في هذه‬ ‫الحالة‪ ،‬هو معرفة َمن الذي يتحدث‪ ،‬وليس ما يقال‪ .‬أما ما الذي‬ ‫يعنيه المتحدث‪ ،‬وكيف يفسره المتلقي‪ ،‬فهذا يدخل في إطار‬ ‫معرفة أ‬ ‫الهداف الضمنية‪ ،‬التي تعني إتقان مهارة االستماع ومعرفة‬ ‫آ‬ ‫يكمن وراء‬ ‫ما يقصده الخرون فعالً‪ ،‬أو بمعنى آخر معرفة ماذا ُ‬ ‫اللغة المنطوقة‪ .‬خذ هذا المثال‪ :‬عند السؤال المألوف والمقصود‬ ‫به التحية‪ :‬كيف حالك؟ فليس من المتوقع أن يكون الجواب لماذا‬ ‫تسأل؟! أو طلب توضيح للمعنى‪ ،‬فهذا النوع من الحوار ال يحمل‬ ‫معين من الثقة بين الطرفين‪.‬‬ ‫أهدافاً ضمنية أو يحتاج إلى مستوى َّ‬

‫المدرب حديثه للمشاركين‪ ،‬قائالً‪ :‬إنه‬ ‫في نقطة مهمة أخرى يوجه‬ ‫ِّ‬ ‫لكي تكون متأكداً من أن حديثك مفهوم وواضح لدى المستمع‪،‬‬ ‫بحس الفكاهة‪ ،‬وحتى تتأكد من تحقيق هدفك‬ ‫فال بد أن تتمتع ّ‬ ‫في الحوار‪ ،‬عليك أن تتأكد من مستوى الثقة بينك وبين الطرف‬ ‫آ‬ ‫آ‬ ‫بالهانة أو يرفض الحوار‪ .‬تخيل‬ ‫الخر‪ ،‬كي ال يشعر الطرف الخر إ‬ ‫أن رئيسك في العمل يطلب منك الحضور حاالً‪ .‬أغلبنا سيشعر‬ ‫أن ثمة خطأ قد وقع! أو تخيل أن تجدعلى شاشة هاتفك عديداً‬ ‫من المكالمات الفائتة من المنزل‪ ،‬أغلبنا سيشعر بالقلق أيضاً! فإذا‬ ‫كان اكتساب حس الفكاهة يتعلَّق بالمتحدث‪ ،‬فإن معرفة أ‬ ‫الهداف‬ ‫ّ‬ ‫الضمنية تتعلق بالمتلقي أو المستمع‪ .‬فعندما ال نكون متأكدين من‬ ‫أهداف َم ْن يتحدث معنا‪ ،‬سنمتلئ بالشك والقلق‪.‬‬

‫إن اكتساب مستوى من الثقة في عالقات أ‬ ‫الفراد مع بعضهم‬ ‫الفعال ويبعث الراحة لدى‬ ‫في مكان العمل‪ ،‬يع ِّزز التواصل ّ‬ ‫المتحاورين‪ ،‬لكونه يلقي عن كاهلهم التكلف والرسمية‪ ،‬ولكن ال بد‬

‫بعد ذلك جرى الحديث عن مهارة التمييز بين االختالف والخطأ في‬ ‫اللغة‪ ،‬وذكر أنه عند الترجمة من لغة إلى أخرى‪ ،‬أو عند تعلم لغة‬

‫التواصل بين الثقافات‬


‫‪11 | 10‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪two chairs‬‬

‫جديدة‪ ،‬ثمة عناصر من اللغة أ‬ ‫الم نجد أثرها في اللغة الثانية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وفي بعض الحاالت تسمى هذه العناصر «أخطا ًء» لنها تتعارض‬ ‫تماماً مع قواعد اللغة الجديدة‪ ،‬وفي حاالت أخرى تكون مجرد‬ ‫«اختالف» فقط‪.‬‬

‫اثنين كرسي‬

‫كيف؟ من تجربته في تعلم اللغة العربية‪ ،‬كان يقول (اثنين كرسي)‬ ‫بدال ً من (كرسيين) ألن هذه الصيغة هي التي تقوم عليها لغته‬ ‫الم‪ ،‬وهذه تسمى (لغة المتعلم أ‬ ‫النجليزية أ‬ ‫الصلية)‪ ،‬لكن في مثل‬ ‫إ‬ ‫هذه الحالة فإن االختالف ال يعيق التواصل كما أنه ال يظهر سوء‬ ‫فهم عند المستمع وال يدل على خطأ‪.‬‬ ‫قدم جمال ً إنجليزية مترجمة حرفياً من‬ ‫ولتوضيح الفكرة أكثر‪َّ ،‬‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬موضحاً الفرق بين المعنيين‪ ،‬كما سرد مجموعة‬ ‫النجليزية التي تختلف في الثقافتين البريطانية‬ ‫من المفردات إ‬ ‫أ‬ ‫السبانية‬ ‫والمريكية عن بعضها بعضاً‪ ،‬وأورد أمثلة من اللغة إ‬ ‫والفرنسية‪ ،‬سائال ً المشاركين العارفين بتلك اللغات توضيح معناها‪.‬‬ ‫ما أراد إيصاله في هذا الجزء من ورشة العمل التدريبية‪ ،‬هو ما‬ ‫أشار إليه سابقاً من أن معرفة أ‬ ‫الهداف الضمنية مهم في سياق أي‬

‫كان يقول (اثنين كرسي) بد ًال من (كرسيين)‬ ‫ألن هذه الصيغة التي تقوم عليها لغته‬ ‫اإلنجليزية األم‪ ،‬هذه الحالة تسمى (لغة‬ ‫المتعلم األصلية)‪ ،‬وفي هذه الحالة فإن‬ ‫االختالف ال يعيق الفهم أو التواصل‪.‬‬


‫ثمة جمل صحيحة من ناحية القواعد في لغتها‬ ‫األصلية ولكن تمثل صعوبة في الحوار‪ ،‬وبالتالي‬ ‫الفعال‬ ‫تكون عقبة في التواصل ّ‬

‫الفعال‬ ‫فوائد االتصال َّ‬ ‫• توضيح األدوار واألهداف‬ ‫• نقل المعرفة‬ ‫• زيادة اإلنتاجية والفاعلية الشخصية‬ ‫• تعزيز التوافق واالنسجام والتنسيق‬ ‫• زيادة الدافعية‬ ‫• صقل المهارات‬ ‫• تأسيس عالقة سليمة بين الرئيس والمرؤوس‬

‫"ثقافة السياق المرتفع"‪:‬‬ ‫كالم قليل يتكامل مع عناصر‬ ‫ثقافية أخرى في إيصال المعنى‬ ‫"ثقافة السياق المنخفض"‪:‬‬ ‫وضوح ودخول مباشر في الموضوع‬ ‫وعدم ترك أي مجال للتأويل‬ ‫يظهر الخطأ في التواصل‪ .‬وهنا تكمن أهمية معرفة القواعد‪ ،‬حيث‬ ‫إننا قد نعرف اللغة بالحدس‪ ،‬لكننا ال نستطيع شرحها دون تعلُّمها‪.‬‬ ‫وهذا ينطبق على اللغة العربية التي تستخدم مفردات التذكير‬ ‫والتأنيث‪ ،‬مثال ً عند قولنا‪« :‬هذه سيارة» و«هذا كتاب»‪.‬‬ ‫الج َمل من‬ ‫إذاً من المهم في مجال التواصل عدم الحكم على ُ‬ ‫ً‬ ‫ظاهرها دون معرفة السياق‪ ،‬فالمثل الذي يُضرب دائما في مجال‬ ‫العالم‪« :‬الكلب عض الرجل» و«الرجل عض الكلب»‪ ،‬كالهما‬ ‫إ‬ ‫معنى‬ ‫صحيح من ناحية قواعد اللغة‪ ،‬ولكننا نعرف أن الجملة تحمل ً‬ ‫حقيقياً واحداً‪.‬‬

‫التعبيرات الجسدية‬

‫وبعد أن أومأ برأسه في محاولة إليضاح ما قد تدل عليه تعبيرات‬ ‫الجسد؟ سأل الحاضرين ما إذا كانت جميع ثقافات العالم تتفق مع‬ ‫هذا التعبير‪ ،‬لكونه داللة على الموافقة؟ وقد كانت إجابة الجميع‬ ‫بالنفي‪ ،‬فالثقافات حتماً تختلف في تفسير التعبيرات الجسدية‪.‬‬ ‫حوار‪ .‬وأن ثمة جمال صحيحة من ناحية القواعد في لغتها أ‬ ‫الصلية‪،‬‬ ‫ُ ً‬ ‫الفعال‪.‬‬ ‫ولكنها تمثل عائقاً في الحوار ومن َّثم التواصل ّ‬ ‫جمل‬ ‫وباالنتقال إلى جزء آخر من الورشة‪ ،‬أشار‬ ‫ِّ‬ ‫المدرب بيده إلى ٍ‬ ‫ظهرت على شاشة العرض‪ ،‬مختلفة في تراكيبها ولكنها تحمل‬ ‫المعنى نفسه‪ ،‬في محاولة إليضاح مفهوم المحتوى والوعاء‬ ‫الظرفي‪ ،‬ذاكراً أنه قد تكون جمل الحوار صحيحة من ناحية القواعد‬ ‫ولكنها ليست كذلك على مستوى المعنى‪ ،‬وفي هذه الحالة أيضاً قد‬

‫أ‬ ‫شخص ما‪ ،‬سائال ً‬ ‫وقدم مثاال ً آخر عن إ‬ ‫َّ‬ ‫الشارة بالصبع الستدعاء ٍ‬ ‫ً‬ ‫المشاركين ما إذا كان هذا تعبيرا مناسباً؟ وقد ردت إحدى الحاضرات‬ ‫بنعم‪ ،‬ثم استدركت بقولها إنه قد يكون سلوكاً ممارساً منذ زمن في‬ ‫المطاعم مثال‪ ،‬لكنه لم يعد كذلك آ‬ ‫الن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫المدرب بقوله إن تعبيرات الجسد‬ ‫ومن خالل تمثيل عملي‪ ،‬علَّق‬ ‫ِّ‬ ‫فالشارة إلى شيء ما‬ ‫مرتبطة بتفاوت سلطة كل من المتحاورين‪ ،‬إ‬ ‫يعتمد على السياق ومع من يرافقك‪ ،‬كما أن تعبير االبتسامة ليس‬ ‫تعبيراً منتشراً في جميع الثقافات العالمية كما ي ُتصور‪ ،‬فثمة ثقافات‬


‫‪13 | 12‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫تفسر هذا التعبير على نحو مختلف! وعندما نلقي نظرة على نتائج‬ ‫ِّ‬ ‫بعض أ‬ ‫البحاث المتعلقة بتعبيرات الجسد‪ ،‬نجد أن التواصل غير‬ ‫لفظي في أغلبه‪ ،‬بل إن التواصل غير اللفظي يمثل في الحقيقة‬ ‫‪ %80‬من عملية التواصل بين الناس‪.‬‬ ‫ولكن تعبيرات الجسد التي تستخدم في أنحاء مختلفة من‬ ‫العالم تختلف عن بعضها بعضاً‪ ،‬وفي بعض الحاالت تكون‬ ‫متعارضة تماماً‪ ،‬فمثال ً أحد التعبيرات هو ضم أصبع السبابة‬ ‫مع أصبع البهام وتوجيه كف اليد إلى أحد أ‬ ‫الشخاص‪ .‬هذا‬ ‫إ‬ ‫يعني في الثقافة أ‬ ‫الوروبية «الموافقة»‪ ،‬أو نوعاً من الرضا‪ ،‬وفي‬ ‫الثقافة اليابانية «مال» أو «الرجاء دفع المال!»‪ ،‬أما في الثقافة‬ ‫المدرب حكاية‬ ‫السعودية فيعني التهديد‪ ،‬وفي هذا السياق يذكر‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫الطالب السعودي الذي أشار إليه معلمه البريطاني معبرا عن‬ ‫تهنئته ورضاه عن أدائه‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي أدى إلى امتعاض الطالب‬ ‫الشارة!‪ .‬تعبير آخر قد يُعد مغايراً تماماً‬ ‫لعدم معرفته بمعنى إ‬

‫«هز الرأس» الذي يعني في أغلب المجتمعات الموافقة‬ ‫وهو ّ‬ ‫ويعني لدى بعض الثقافات «رفض» مثل الثقافة البلغارية‪.‬‬

‫مصادر متنوعة‬

‫المقدم في ورشة‬ ‫استعان المدرب بمصادر متنوعة لتعزيز المفهوم َّ‬ ‫العمل‪ ،‬فذكر أن الحوار الهادف يتكون من خمسة عناصر‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫الذكاء والعاطفة والتأويل والسرد ثم الحوار بوصفه نتيجة العناصر‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ ،‬وهذه العناصر مجتمعة تمثل «صندوق الحوار»‪ ،‬وهو‬ ‫المصطلح الذي صاغه ديفيد كوان في كتابه «استراتيجية التواصل‬ ‫الداخلي‪ :‬كيف يُبنى أداء الموظف والتزامه»‪.‬‬

‫إذا بدأنا بالمكون أ‬ ‫الول للصندوق وهو الذكاء‪ ،‬الذي يعني‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قدرتنا على أن نكون عقالنيين ونتبع طريقا منطقيا للوصول إلى‬ ‫المعلومات واتخاذ القرار‪ ،‬إال أن ثمة العديد من الحواجز التي تمنع‬ ‫الناس‪ ،‬رغم امتالكهم العقل الذي يساعدهم على التفكير‪ ،‬من‬ ‫الوصول إلى النتائج الصحيحة‪ ،‬ومن هذه الحواجز االفتراضات‬ ‫المسبقة والتحيز‪ ،‬ومدى القدرة على االنتباه‪.‬‬ ‫ولكي نفهم «صندوق الحوار» أكثر‪ ،‬فإننا نحتاج إلى النظر إلى دور‬ ‫العاطفة لنكمل هذه الدائرة‪ ،‬ألن التواصل مع الذكاء الواقعي أو‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫الثقافة أ‬ ‫الوروبية الثقافة اليابانية الثقافة السعودية‬ ‫الرجاء دفع المال وعيد‬ ‫موافقة‬

‫اإليماءات التي تُستخدم في أنحاء العالم تختلف كلياً‪ ،‬وفي بعض‬ ‫الحاالت تكون متعارضة تماماً‪ ،‬إحدى اإلشارات هي تحريك أصبع‬ ‫السبابة دائري ًا موجهةً إلى أحد األشخاص‪ .‬فهي تعني في الثقافة‬ ‫األوروبية «الموافقة»‪ ،‬أو نوع ًا من الرضا‪ ،‬وفي الثقافة اليابانية‬ ‫«مال» أو «الرجاء دفع المال!»‪ ،‬وفي الثقافة السعودية تهديد ًا‬


‫العملي يمثل مشكلة في التواصل‪ ،‬فالناس والموظفون يتسمون‬ ‫بالعاطفة دائماً‪ .‬وكما يقول المختصون إننا إذا استطعنا لفت انتباه‬ ‫أ‬ ‫محددة بعينها‪ ،‬سنساعدهم على تحديد أفكارهم‪،‬‬ ‫الفراد إلى أمور َّ‬ ‫والتحكم بعاطفتهم‪ .‬وتظهر ردة الفعل العاطفية بمجرد الحصول‬ ‫على المعلومات‪ ،‬سوا ًء أكانت مهمة أم غير مهمة‪ .‬وتتفاوت ردة‬ ‫الفعل العاطفية حسب الموضوع كذلك‪ ،‬فقد تكون طويلة أو‬ ‫لثوان فقط‪ ،‬ومن المهم معرفة كيف نتحكم بالعاطفة‬ ‫قد تستمر‬ ‫إذا أردنا معرفة ٍ التواصل الفعال‪ ،‬حيث إن إدارة أ‬ ‫الفراد متعلقة‬ ‫َّ‬ ‫بإدارة العواطف‪ .‬والنقطة المهمة هنا أن العاطفة تحمل كثيراً من‬ ‫المعلومات ويستطيع القادة ّ‬ ‫حل كثير من المشكالت من خاللها‪.‬‬ ‫كما أن إدراك حالة المتحدث وفهم مضمون حديثه والتعاطف‬ ‫معه‪ ،‬يتطلب االستماع إليه ورؤية أ‬ ‫المر من وجهة نظره‪.‬‬ ‫ومن أجل ربط الذكاء مع العاطفة‪ ،‬يأتي العنصر الثالث وهو تفسير‬ ‫المعلومات‪ ،‬بمعنى فهم ما هو المقصود من هذه المعلومات‪،‬‬ ‫إذ يميل الناس لرؤية أ‬ ‫الحداث من وجهة نظرهم‪ ،‬التي ال تخلو‬ ‫أ‬ ‫من تحيز مسبق ووضع مسار شخصي للحداث يبتعد عن الحياد‬ ‫والموضوعية‪.‬‬ ‫أما السرد باعتباره العنصر الرابع في «صندوق الحوار» فهو يعني‬ ‫تنفيذ ردة الفعل سوا ًء باتخاذ قرار أو تقديم رأي‪ .‬وهكذا بدون هذه‬

‫وذكر المد ِّرب أن‬ ‫السلوكيات األربعة‬ ‫مرتبطة جميع ًا‬

‫مدى ارتباط سلوك‬ ‫الفعال مع‬ ‫الحوار َّ‬ ‫السلوكيات الثالثة‬ ‫األخرى؟‬

‫العاطفة‬

‫الذكاء‬

‫مكونات‬ ‫الحوار‬ ‫التأويل‬

‫السرد‬

‫العناصر الخمسة للحوار‪ ،‬سيظهر سوء الفهم‪ ،‬وصعوبة التفسير‪،‬‬ ‫وعدم الوضوح‪ .‬ويتعلَّق أ‬ ‫المر هنا باالستجابة الفاعلة بين المرسل‬ ‫والمستقبل من أجل تحقيق فهم صحيح لسياق الحوار‪ ،‬إذ يتواصل‬ ‫الناس دائماً‪ ،‬ويتداولون عديداً من القصص مع بعضهم بعضاً‪،‬‬ ‫حيث يمكن لهذه القصص أن تعضد أو تضعف الروح المعنوية‪،‬‬ ‫مع أ‬ ‫الخذ في االعتبار وجود خط رفيع بين الوضوح والغموض‪.‬‬ ‫ختاماً فقد طرح المشاركون عديداً من أ‬ ‫السئلة‪ :‬إذ سأل أحد‬ ‫الفعال مع السلوكيات‬ ‫المشاركين عن مدى ارتباط سلوك الحوار َّ‬ ‫الخرى؟ وذكر المدرب أن السلوكيات أ‬ ‫الثالثة أ‬ ‫الربعة مرتبطة معاً‪.‬‬ ‫وقدم مشارك آخر تنبيهاً‬ ‫للمدرب عن موضوع اللفظ‪ ،‬واختالف‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫النجليزية إسبانياً أو صينياً‪،‬‬ ‫اللكنة‪ ،‬فمثال ً قد يكون المتحدث للغة إ‬ ‫تغلب على ألفاظه لغته أ‬ ‫الم‪ .‬وذكر آخر اختالف اللغات وإسقاط‬ ‫بعض الحروف من لغة إلى آخرين‪ ،‬بينما علَّق آخر بأن الناس ال‬ ‫المدرب أن‬ ‫يستمعون بقدر ما يرغبون باالستماع إليهم‪ ،‬فذكر‬ ‫ِّ‬ ‫والنصات‪ ،‬وهذه‬ ‫االستماع يعني التعاطف‪ ،‬وثمة فرق بين االستماع إ‬ ‫حدد مستوى الحوار وعمقه‪،‬‬ ‫نقطة مهمة‪ .‬كما أن معرفة الشخص تُ ِّ‬ ‫كذلك فإن العالقات والثقة مهمة قبل الحوار‪ ،‬وهذا ما يؤكد‬ ‫موضوع اكتساب حس الفكاهة ومعرفة أ‬ ‫الهداف الضمنية‪.‬‬ ‫ّ‬


‫‪15 | 14‬‬

‫بداية كالم‬

‫ِّ‬ ‫أيهما تفضل‪..‬‬ ‫قراءة رواية أم كتاب آخر؟‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫لعملة واحدة‬ ‫وجهان‬ ‫ق‬

‫عبدالبا� ‪ -‬صحفي مرصي‬ ‫إبراهيم‬ ‫ي‬

‫الرواية والكتاب وجهان لعملة واحدة‪ .‬إنهما طرفا‬ ‫معادلة ال يستقيم الحال بأحدهما دون آ‬ ‫الخر‪ ،‬وذلك‬ ‫ومن يسعى إىل إدراك ما يدور حوله‪.‬‬ ‫عند َمن يقرأ َ‬ ‫فمن ت‬ ‫تجرب�‪ ،‬أعتقد أن الرواية عالم رحب يضعك ف ي� قالب الحكاية‪ ،‬تقرأ‬ ‫ي‬ ‫وتفهم وتتوقّع وتفس بمفردك؛ تُسقط أحكامك عىل أبطالها بت�ر وتدافع وتهاجم وتضع الحلول؛ ت‬ ‫وح�‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حركه فيك كاتبها‪ ،‬لتخرج بنفسك بالمغزى وتسقطه عىل واقعك أحياناً‬ ‫رحب‬ ‫خيال‬ ‫وفق‬ ‫النهايات أحياناً؛‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫أو تبحث عنه أحيانا أخرى‪.‬‬ ‫أما الكتاب؛ سواء أكان علمياً أو فكرياً؛ فهو نز‬ ‫بم�لة المعادلة والنظرية والقانون؛ وضعه الكاتب بعد‬ ‫الرقام والحقائق‪ .‬إذاً فأنت ملزم آ‬ ‫تجارب ال تنقصها أ‬ ‫الن تب�ك أفق الخيال الرحب الذي وضعك فيه‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫نز‬ ‫ليأ� الكتاب‬ ‫كاتب الرواية وال�ول إىل أرض الواقع وفق معادالت وأرقام وأدلَّة‪ .‬فالرواية تصنع الخيال ي‬ ‫ويكمل الصورة‪ ،‬فكم من ت‬ ‫اخ�اع بدأ بخيال وانتهى بواقع‪.‬‬ ‫بالعلم والقانون ّ‬ ‫اف� ض‬ ‫بقي أن أقول إن الرواية عالم ت‬ ‫الع ب� من أبطالها ونسعى‬ ‫ا�‪ ،‬نعيش فيه لبعض الوقت لنستلهم ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫وقوان� ليست مجاال ً للرأي والرد‬ ‫وخ�ات‬ ‫للتغي� للفضل وفق مضمونها‪ ،‬أما الكتاب فيظل معلومات ب‬ ‫ي‬ ‫ح� ت‬ ‫فقط‪ .‬إنه الحقيقة‪ ،‬والمطلوب أن تقرأها وتعتقد بها ت‬ ‫يأ� العلم بجديد يثبت العكس‪.‬‬ ‫ي‬

‫الكتاب ث‬ ‫أك� تخصصاً‪ ،‬ولكن الرواية ثت�ي أيضاً‬ ‫مشاعل الغامدي ‪ -‬باحثة دكتوراة‬

‫ن‬ ‫واحد هو فكر صاحبها الذي قد يتفق أو يختلف مع فكر‬ ‫فكر ٍ‬ ‫غالباً ما تُب� الرواية عىل ٍ‬ ‫طاغ عىل الرواية من وجهة نظري ويصعب تجاوزه‪ .‬فالرواية القائمة عىل آراء شخصية‬ ‫القارئ‪ .‬وهو أمر ٍ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتأثر باهتمامات الكاتب وظروفه وحياته‪ ،‬مقارنة‬ ‫مرتبطة بتجارب ففردية غالباً‪ ،‬ممزوجة ببعض المعلومات ي‬ ‫ت‬ ‫علم مؤصل بعيد عن الخياالت‪.‬‬ ‫ال� تُ نب� ي� معظمها عىل علوم متفق عىل ي‬ ‫كث� من تفاصيلها‪ٌ ،‬‬ ‫بالكتب ي‬ ‫أ‬ ‫ثم إن الكتاب ث‬ ‫أك�‪ ،‬لنه يتناول موضوعات‬ ‫أك� تخصصاً من الرواية‪ ،‬وتحصيل المنفعة العلمية من قراءته ب‬ ‫تدور ف� فلك واحد‪ .‬وهذا ما يجعل جمهوره أقل‪ ،‬عىل عكس الرواية الجذابة بقدرتها عىل إثارة الفضول �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫معظم أ‬ ‫الحيان‪.‬‬ ‫ث‬ ‫يتعرف عىل واقع لم يعايشه ف ي� حياته اليومية‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬وللإنصاف‪ ،‬فإن الرواية ت�ي القارئ أيضاً‪ ،‬وتجعله َّ‬ ‫فاختالف البيئات والعصور والثقافات يفتح عالماً جديداً للقارئ‪ ،‬ومجاال ً جديداً ليقارن ويحلل ويناقش‪.‬‬ ‫فالرواية تعطي التوازن للباحث‪ ،‬والكتب تعطي الثقافة للهاوي‪ .‬ولكل ذلك‪ ،‬تفعل الرواية ما ال يفعله‬ ‫ن‬ ‫تغ� عنه‪.‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬لكنها ال ي‬


‫النظري‬ ‫العمل والمد ِّرس‬ ‫المد ِّرس‬ ‫ي‬ ‫ف‬

‫غزوان الحسن ‪ -‬إعالمي سوري مقيم ي� السعودية‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫عقل بعد إنهاء‬ ‫نفس‬ ‫ي‬ ‫ي� بدايات قر ي‬ ‫ومستش�اً ي‬ ‫اء�‪ ،‬توقفت مراراً سائال ً ي‬ ‫ت‬ ‫عل بها‪ ،‬وكانت فوائد ال تحىص‪ ..‬ولكن هل سأجد عدداً‬ ‫كل رواية عن‬ ‫الفائدة ي‬ ‫ال� عادت ي ّ‬ ‫ف‬ ‫مشابهاً من الفوائد ي� الكتاب؟‬ ‫ن‬ ‫أك� وأفضل‪ ،‬وأوضح الفوارق ي ن‬ ‫والمدرس النظري‪.‬‬ ‫العمل‬ ‫المدرس‬ ‫ب� الرواية والكتاب هي نفسها الفوارق يب�‬ ‫ربما ب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أمامك‪ ،‬أم مدرس يأخذك �ف‬ ‫ف‬ ‫ويش� إىل صورتها � الكتاب‬ ‫يتحدث عن عظمة الهرام المرصية ي‬ ‫مدرس َّ‬ ‫ّ‬ ‫فأيهما أفضل؟ ِّ‬ ‫ي‬ ‫الحجار‪ ،‬وتستكشفان الغرف‪ ،‬ي ويبهرك أ‬ ‫الهرام‪ ،‬تحت الشمس‪ ،‬ويتسلَّق معك أ‬ ‫رحلة إىل أ‬ ‫بالرسار أمام عينيك؟؟‬ ‫ف‬ ‫الكتاب يعطيك الخالصة ي� كل موضوع‪ .‬ويتحدث الكاتب من منطلق البحث واالستقصاء ‪ -‬وهذا صحيح ‪ -‬فإن ما‬ ‫يكتبه هو الصحيح وعليك أن ت ز‬ ‫تل�م به ما دمت تثق ف ي� الكاتب‪ .‬أما ف ي� الرواية فإن الكاتب ال يضع لك حدوداً أو إطاراً‬ ‫معيناً‪.‬‬ ‫بل إنه تي�ك لك التصور والتخيل ت‬ ‫واق�اح مئات الحلول قبل أن يضع الحل الذي يراه هو مناسباً ف ي� النهاية‪ .‬وربما ال‬ ‫يفعل هذا‪ ،‬ت‬ ‫في�ك لك «النهاية مفتوحة» كما يقولون‪ ،‬تضعها أنت كما تحلو لك‪.‬‬

‫ما أجمل أن تقرأ‬

‫العن�ي ‪ -‬ش‬ ‫م�ف عالقات‪ ‬‬ ‫عبدالرحمن ب‬ ‫الروايات ف ي� أغلبها إنسانية‪ ،‬تتناول حياة‬ ‫النسان وترصفاته وردود أفعاله‪ .‬لكن إذا كنت‬ ‫إ‬ ‫ال ت‬ ‫تذك�ك بأن‬ ‫تع�ف إال بالمعلومات‬ ‫المحددة والعلوم‪ ،‬فأود ي‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫خيال بعض الك َّتاب الذي ذهب بعيداً ي� رواياتهم قد وصل إىل مصطلحات أضيفت بعدها‬ ‫إىل العلوم أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫وأك� مثال عىل ذلك هو مصطلح «الفكر المزدوج» الذي أضيف إىل علم‬ ‫ولعل أوضح ب‬ ‫النفس‪ ،‬والمصطلح الذي أضيف إىل السياسة وهو مصطلح «الدول الشمولية» أو‬ ‫أ‬ ‫«الوريلية» نسبة إىل صاحبها وهو الكاتب «جورج أورويل» الذي ذكرهما ف ي� روايته العظيمة‬ ‫«‪.»1984‬‬ ‫ولكن‪ ،‬ف� المجمل‪ ،‬ما أجمل أن تقرأ‪ ..‬فقط أن تقرأ‪ ،‬وتتبادل الحديث الفكري بينك ي ن‬ ‫وب�‬ ‫ي‬ ‫الصفحات ت‬ ‫وخ�ات فنقاها‪،‬‬ ‫ال� سطرها الكاتب الذي ‪ -‬بدوره ‪ -‬جمع ما فيها من معلومات ب‬ ‫ي‬ ‫وصفَاها ووضعها ف� أجمل شكل استطاعه‪ ،‬لتوضع ي ن‬ ‫ب� يديك‪ .‬تفهم منها عىل قدر فهمك‪،‬‬ ‫ي‬ ‫تستعل عليك لضيق أفقك نسبياً‪ ،‬وال تقلل من شأنك إذا كنت مخالف الرأي‪ ،‬فقط تقرأ‬ ‫فال‬ ‫ي‬ ‫وتكمل أحجية الفكر ي ن‬ ‫ب� الكاتب والكتاب‪ ..‬وأنت‪.‬‬


‫‪17 | 16‬‬

‫كتب عربية‬

‫ً‬ ‫كاتبا‬ ‫نجيب محفوظ‬ ‫ً‬ ‫مسرحيا‬ ‫تأليف‪ :‬محمود كحيلة‬ ‫الناشر‪ :‬الهيئة المصرية العامة‬ ‫للكتاب ‪ -‬أبريل ‪2016‬‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫يأتى هذا الكتاب ضمن «سلسلة نجيب محفوظ» الذي خلّف‬ ‫وراءه مخزوناً أدبياً كبيراً‪ ،‬تُ ِّوج بحصوله على جائزة نوبل في‬ ‫أ‬ ‫الدب في عام ‪1988‬م‪.‬‬ ‫يخلص الكتاب الجديد إلى أن نجيب محفوظ أسهم في‬ ‫تهميش نصوصه المسرحية بوضعها ضمن مجموعاته‬ ‫القصصية‪ ،‬دون تنبيه واضح إلى وجودها‪ .‬وتبعه في ذلك نقَّاد‬ ‫أ‬ ‫الدب الذين بحثوا في رواياته وتجاهلوا نصوصه المسرحية‪،‬‬ ‫تميزها في الشكل والمضمون‪.‬‬ ‫رغم ّ‬ ‫ً‬ ‫وأوضح الكتاب أن محفوظا كتب ثماني مسرحيات حملت‬ ‫توقيعه ككاتب درامي‪ ،‬وأكَّدت وجوده ككاتب مسرحي‪ .‬كما أن‬ ‫الكتاب ليس أ‬ ‫الول من نوعه‪ ،‬فقد سبق للناقد المسرحي الكبير‬ ‫أعد دراسة بعنوان «تخطيط لدراسة‬ ‫الدكتور حسن عطية أن ّ‬ ‫سوسيولوجية‪ ..‬شخصيات مسرحيات محفوظ بين سلطة الكاتب‬ ‫وسلطة المجتمع»‪.‬‬ ‫وقال حسن عطية في دراسته‪« :‬وسط العالم السردي الذي‬ ‫تفرد به نجيب محفوظ بمكانة سامية في مجال الرواية‪ ،‬فضال ً‬ ‫َّ‬ ‫عن تميزه في مجال القصة القصيرة‪ ،‬ومع وجود الحوار بكثرة‬ ‫في عديد من أعماله السردية‪ ،‬طرق محفوظ حقل الكتابة‬ ‫البداعية‪ ،‬منتجاً‬ ‫الدرامية للمسرح في مرحلة متأخرة من مسيرته إ‬ ‫ثمانية نصوص فقط»‪.‬‬

‫مساجالت نقدية في‬ ‫الثقافة العربية المعاصرة‬ ‫تأليف‪ :‬محمد القاضي‬ ‫الناشر‪ :‬كتاب المجلة العربية ‪ -‬مارس‬ ‫‪2016‬‬

‫يحتوي هذا الكتاب جملة من الوقائع الفكرية والثقافية التي اختلف حول‬ ‫قضاياها وموضوعاتها عديد من الك َّتاب العرب‪ .‬ويعرض أطيافاً من التعابير‬ ‫النقدية بين الخصوم لدى مساجالتهم‪ ،‬وهو نوع من أ‬ ‫الدب العربي الذي‬ ‫ظهر في وقت مبكِّر بين المبدعين العرب حول قضايا الشعر أ‬ ‫والدب واللغة‬ ‫والفكر والفلسفة والعلوم‪ ،‬حيث أسست تلك المساجالت بنية راسخة في‬ ‫البداع العربي منذ وقت مبكر‪.‬‬ ‫الظاهرة النقدية في إ‬ ‫أ‬ ‫ويغلب على الكتاب الطابع اللغوي في نقد المعارك الدبية التي باتت تم ِّثل‬ ‫تتوخى تجارب‬ ‫قطاعاً حياً من الحياة الثقافية والفكرية‪ ،‬وبرزت كفعل إبداعي َّ‬ ‫وأساليب‪ ،‬مثلما تؤشر على ثقافة منهجية تمتلك أسئلة معرفية وجمالية حائرة‬ ‫حول موضوعات البحث وأشكاله‪.‬‬ ‫ومن عناوين بعض فصول الكتاب‪ :‬الشاعر إبراهيم ناجي بين العقاد وطه‬ ‫حسين‪ ،‬رسالة الغفران للمعري بين الدكتور أمجد الطرابلسي والدكتورة بنت‬ ‫الشاطئ‪ ،‬بذور الطائفية بين محمد مهدي الجواهري وساطع الحصري‪،‬‬ ‫غازي القصيبي ومحيي الدين محمد حول ديوان (مدينة بال قلب) للشاعر‬ ‫عبدالمعطي حجازي‪ ،‬والدكتور محمد النويهي وذو النون أيوب حول شخصية‬ ‫بالضافة إلى قضايا الشعر العربي المعاصر بين نازك المالئكة‬ ‫بشار بن برد‪ ،‬إ‬ ‫أ‬ ‫وجميل حسن‪ ،‬الملكية الدبية بين أدونيس ونزار قباني‪.‬‬ ‫ويشكِّل الكتاب إضافة إلى المكتبة العربية‪ ،‬ويفيد كثيراً من الباحثين‬ ‫أ‬ ‫والكاديميين في االطالع على نماذج من هموم وتطلعات عدد من القامات‬ ‫البداع العربي المعاصر في أكثر من زمان‬ ‫البداعية العربية تجاه محطات في إ‬ ‫إ‬ ‫ومكان‪.‬‬

‫قوة الفن‬ ‫تأليف‪ :‬فاروق يوسف‬ ‫الناشر‪ :‬الدار العربية للعلوم ناشرون ‪ -‬أبريل ‪2016‬‬

‫يسعى كتاب قوة الفن للإجابة عن عديد من أ‬ ‫السئلة‬ ‫تعرضت‬ ‫ويحاول فيه الكاتب تحديد هوية الفن بعد أن َّ‬ ‫هوية الفرد إلى التعدد إن لم نقل إلى التشتت‪.‬‬ ‫فقبل سنوات‪ ،‬كان هناك تفكير مختلف حول الفن ووظائفه‬ ‫أ‬ ‫تغيرت النظرة‬ ‫والغاية منه‪ .‬ولكن خالل العقود الخيرة ّ‬ ‫إلى الفن‪ .‬فعلى المستوى المادي‪ ،‬نالحظ اتساع رقعة‬ ‫استخدام التقنيات الرقمية وغزارة الثروة المعلوماتية وتوزع‬ ‫اهتمام الذهن البشري بين ما هو مرئي وما هو افتراضي‪.‬‬ ‫أما على المستوى الروحي فقد حل فراغ كبير بعد تفتت‬

‫المنظومات الفكرية الكبرى وسطوة السلوك النفعي الذي‬ ‫يقدم المنافع على العقائد‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫فهناك نوع صامت من اليأس دفع بكثير من الفنانين‬ ‫إلى اللجوء إلى أ‬ ‫الساليب المباشرة‪ ،‬وأحياناً المبتذلة‪ ،‬في‬ ‫تهدد المصير‬ ‫محاولة منهم للفت النظر إلى الكارثة التي ِّ‬ ‫البشري والطبيعة من حولنا‪ .‬هناك قسوة متبادلة يعيشها‬ ‫الفن مستفزاً ومنفعالً‪ .‬فهل صار العالم واقعياً أكثر مما‬ ‫يجب؟ وهل تخلَّى العالم عن واقعيته بشكل مطلق؟ هذا‬ ‫ما يجيب عنه الكتاب‪.‬‬


‫يتتبع هذا الكتاب في فصوله الخمسة مسارات وتفاصيل نهوض‬ ‫الصين االقتصادي‪ ،‬من دولة محسوبة على العالم الثالث إلى دولة في‬ ‫صف العالم أ‬ ‫الول‪ ،‬خالل ثالثين عاماً‪ ،‬بدأت من عام ‪1978‬م وحتى‬ ‫‪2008‬م‪ .‬حيث تُعد الطفرة الصينية خالل العقود الثالثة الماضية‬ ‫واحدة من أكثر أ‬ ‫المور التي جذبت أنظار العالم إليها‪ .‬واشتملت هذه‬ ‫الطفرة على خلفيات ثقافية خاصة وأسس فكرية متفردة‪ ،‬كما تضمنت‬ ‫أساليب اقتصادية معقدة وغير اعتيادية‪ ،‬إلى جانب صراعات المصالح‬ ‫وتضاربها‪ .‬ويبحث المؤلف عن كيفية وصول دولة زراعية يفوق سكانها‬ ‫المليار نسمة إلى مرحلة «العصرنة»‪.‬‬ ‫كما يركز الكتاب على مالمح الصين التي تغيرت خالل هذه الفترة بما‬ ‫عبر عنها المؤلف في المقدمة‬ ‫فيها من تقلبات واضطرابات‪ .‬والتي َّ‬ ‫بقوله‪« :‬وأنا أقلِّب نظري في الصور‪ ،‬ال أزال أشعر بالدهشة من تطور‬ ‫الصين الذي قلب الدنيا رأساً على عقب‪ .‬ودائماً ما أتساءل هل هذه‬ ‫حقاً الصين نفسها التي نعرفها؟»‪ .‬ويصف الكتاب هذه الفترة التاريخية‬ ‫بأنها رائعة ومتنوعة‪ ،‬إذ لم يكن الناس يراقبون «القانون الموضوعي»‬ ‫الذي يحلو لالقتصاديين الحديث عنه‪ ،‬بل كانت التجربة الصينية‬ ‫انتصاراً لمفهوم القيمة التجريبية التي ال مثيل لها في العمل‪ ،‬ورغبة‬ ‫والصرار على ترك حالة الفقر‬ ‫الثراء عند جميع المواطنين والحكومة‪ ،‬إ‬ ‫والسعي بقوة نحو التحديث‪.‬‬

‫يتناول هذا الكتاب مدينة نجران‪ ،‬التي تعود نشأتها إلى ما قبل‬ ‫النسان في كل مراحلها وتوجت‬ ‫ومرت عليها ثقافات إ‬ ‫التاريخ‪َّ ،‬‬ ‫البراهيمي كبداية النتشار التوحيد في شبه الجزيرة‬ ‫بالتوحيد إ‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أعدها الرحالة الوروبيون الذين توافدوا‬ ‫فكما تؤكد الدراسات التي ّ‬ ‫على الجزيرة العربية منذ نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬وكذلك‬ ‫المسوحات التي أجرتها الهيئة العامة للسياحة والتراث في المملكة‪،‬‬ ‫هناك تاريخ‪ ،‬في نجران‪ ،‬يمتد إلى ما قبل الميالد بمئات السنين‪،‬‬ ‫استناداً إلى بعض المواقع أ‬ ‫الثرية التي عثر فيها على كتابات‬ ‫رحالة أوروبيين‪،‬‬ ‫ونقوش قديمة‪ ،‬تم اكتشاف بعضها على أيدي ّ‬ ‫ومنهم هاري سانت جون فلبي‪ ،‬وجونزاك وجاك ريكمانز‪ ،‬وليبنز‪،‬‬ ‫وألبرت جام وغيرهم‪.‬‬ ‫متعددة منها‬ ‫ووجد المؤلِّف في بحثه أن لغات أهل نجران كانت ِّ‬ ‫الرومية ومنها الحميرية‪ ،‬إال أنها كانت محدودة قياساً إلى اللغة‬ ‫العربية التي كانت سائدة عندهم‪.‬‬ ‫معزز بدراسات بحثية متعمقة وصور نقوش ومخطوطات‬ ‫والكتاب َّ‬ ‫وجدت في المنطقة‪.‬‬

‫الكتاب وأزمة القراءة في العالم العربي‬ ‫بين الورقي والرقمي‬ ‫تأليف‪ :‬مجموعة من الباحثين‬ ‫الناشر‪ :‬دار «روافد» بالقاهرة‪ ،‬ومنشورات «فرع اتحاد ك َّتاب‬ ‫المغرب» ‪ -‬يناير ‪2016‬‬

‫يتضمن هذا الكتاب مجموعة من الدراسات التي قاربت‬ ‫موضوع «الكتاب وأزمة القراءة في العالم العربي»‪،‬‬ ‫في مختلف إشكاالتها وتجلياتها‪ ،‬التي ق ُِّدمت خالل‬ ‫الندوة الدولية التي نظمها فرع االتحاد بمدينة تازة‬ ‫المغربية‪.‬‬ ‫تقرر إصدار هذا الكتاب‪ ،‬انطالقاً من وجوب‬ ‫وقد َّ‬ ‫الشكاالت الكثيرة المرتبطة بمجالي‬ ‫العمل على مواجهة إ‬

‫القراءة والكتاب‪ ،‬وأهمها خلو الفضاء العام في‬ ‫العالم العربي من القراءة كسلوك يومي‪ ،‬وهو ما تؤشر‬ ‫حد سواء‪ .‬إذ‬ ‫عليه كل الدراسات الدولية والعربية على ٍّ‬ ‫يصبح من الضروري اليوم‪ ،‬وأكثر من أي وقت مضى‪،‬‬ ‫االنكباب على دراسة إشكالية فعل القراءة بين الورقي‬ ‫والرقمي وأزمتها المستشرية على المستويين العمودي‬ ‫أ‬ ‫والفقي في عالمنا العربي‪.‬‬

‫كتب عربية‬

‫الطفرة الصينية‬ ‫ً‬ ‫عاما من التنمية‬ ‫ثالثون‬ ‫تأليف‪ :‬وو شياو بوو‬ ‫ترجمة ‪ :‬د‪ .‬رشا كمال‬ ‫الناشر‪ :‬الدار المصرية اللبنانية ‪-‬‬ ‫يناير ‪2016‬‬

‫نجران‪ :‬جدلية المكان‬ ‫والشخوص‪ ..‬دراسة‬ ‫أنثروبولوجية‬ ‫تأليف‪ :‬محمد آل هتيلة‬ ‫الناشر‪ :‬دار جداول للنشر والترجمة‬ ‫‪ -‬أبريل ‪2016‬‬


‫‪19 | 18‬‬

‫كتب من العالم‬

‫يمكنك البحث عنها‪ :‬رفوف المراجع‬ ‫من بابل القديمة إلى ويكيبيديا‬ ‫‪You Could Look it Up: The Reference Shelf from‬‬ ‫‪Ancient Babylon to Wikipedia by Jack Lynch‬‬ ‫تأليف‪ :‬جاك لينش‬ ‫الناشر‪ - Bloomsbury Press :‬فبراير ‪2016‬‬

‫النجليزي صموئيل جونسون «المعرفة‬ ‫يقول الكاتب إ‬ ‫نوعان‪ :‬أن نعرف الشيء بأنفسنا‪ ،‬أو أن نعرف كيف نأتي‬ ‫بالمعلومات عن هذا الشيء»‪.‬‬ ‫يستكشف كتاب «يمكنك البحث عنها» القصص‬ ‫السرة وراء نشوء المراجع أ‬ ‫آ‬ ‫والعمال المعرفية العظيمة‬ ‫ومحتوياتها‪ ،‬من شريعة حمورابي‪ ،‬أقدم القوانين التي‬ ‫ُعرفت في بابل القديمة قبل الميالد بنحو ألفي سنة‬ ‫إلى مجلد «التاريخ الطبيعي» الذي تركه بليني أ‬ ‫الكبر‪،‬‬ ‫ومن مؤلف «يوم القيامة» من القرن الحادي عشر الذي‬ ‫الراضي في إنجلترا‪ ،‬إلى أ‬ ‫يسجل حركة ملكية أ‬ ‫الطلس‬ ‫أ‬ ‫الول في العالم الذي ألَّفه أبراهام أورتيليوس؛ ومن‬

‫النجليزية» لصموئيل جونسون إلى‬ ‫«معجم اللغة إ‬ ‫«كتالوج أ‬ ‫الرض كلها» على غوغل‪ .‬ويُلقي المؤلف جاك‬ ‫والنجازات وراء كل‬ ‫النسانية إ‬ ‫لينش الضوء على القصص إ‬ ‫النسانية‪.‬‬ ‫منها‪ ،‬وكذلك تأثيرها المستدام على الحضارة إ‬ ‫يقدم رؤية جديدة لقيمة المعرفة‪.‬‬ ‫ومن خالل ذلك‪ِّ ،‬‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫في كتابها «اللغة العالمية‪ :‬الترجمة والسيطرة» تدرس‬ ‫الدب في جامعة «ديوك» أ‬ ‫باسكال كازانوفا‪ ،‬أستاذة أ‬ ‫المريكية‬ ‫أ‬ ‫ومؤلفة عديد من الكتب حول اللغات والدب‪ ،‬آليات‬ ‫وتميزها‪.‬‬ ‫السيطرة اللغوية التي تمنح لهذه اللغة أو تلك ّ‬ ‫ويتناول الكتاب أيضاً دور الترجمة من اللغات «المسيطرة»‬ ‫وإليها‪ .‬وبالتحديد من حيث تعزيز «سمات السيطرة»‪ .‬أما‬ ‫الساسية أ‬ ‫المالحظة أ‬ ‫الولى التي تنطلق منها كازانوفا في‬ ‫تحليالتها‪ ،‬فتتمثل في القول إن السيطرة اللغوية عالمياً ال‬ ‫القوة االقتصادية أو العسكرية‪،‬‬ ‫تخضع بالضرورة لموازين ّ‬ ‫على غرار ما يُقال ويتر َّدد اليوم بالنسبة لسيطرة اللغة‬ ‫النجليزية وارتباط ذلك بالموقع المتميز للواليات المتحدة‬ ‫إ‬ ‫في العالم‪.‬‬ ‫ومن أ‬ ‫الفكار الرئيسة التي تؤكّدها مؤلفة الكتاب أيضاً‪ ،‬أن‬

‫سيطرة أية لغة ليست بمنزلة «قدر نهائي» على سيطرة أ‬ ‫المة‬ ‫التفوق» الذي تتمتع به ال‬ ‫المعنية بها‪ .‬ذلك أن «مظهر ّ‬ ‫يمكن أن تتم ترجمته بالضرورة بتفوق اقتصادي أو عسكري‪.‬‬ ‫التفوق‬ ‫والمثال البليغ على ذلك تجده المؤلفة في حقبة ّ‬ ‫العسكري واالقتصادي لروما القديمة‪ ،‬حيث كانت اللغة‬ ‫تفوق‬ ‫اليونانية متفوقة على اللغة الالتينية‪ .‬كما تجده في ّ‬ ‫النجليزية في القرن الثامن‬ ‫اللغة الفرنسية بمواجهة اللغة إ‬ ‫عشر‪.‬‬ ‫أما اليوم‪ ،‬فتتنازع اللغات على السيطرة على السوق‪ ،‬ولكن‬ ‫بأدوات تتباين من حيث فاعليتها‪ .‬وتؤكد الكاتبة في هذا‬ ‫السياق أيضاً أن بعض اللغات تفرض قوانينها وسيطرتها‬ ‫على أسواق التبادل التجاري‪ ،‬ومن ال يجيد هذه اللغات ال‬ ‫يغدو صوته مسموعاً‪.‬‬

‫يعيش نصف سكان العالم في المناطق الساحلية في‬ ‫مواجهة عوامل المد والجزر‪ .‬ولكن كثيرين يجهلون أهمية‬ ‫هذه الطاقة الطبيعية الهائلة‪.‬‬ ‫تعتمد قدرتنا على التنبؤ وفهم المد والجزر على قرون من‬ ‫دونها أرسطو إلى نظريات‬ ‫العلم‪ ،‬من المالحظات التي ّ‬ ‫نيوتن العلمية إلى الحسابات التي تقوم بها أجهزة‬ ‫الكمبيوتر اليوم‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫المتعلقة‬ ‫المد والجزر‪ :‬العلم و المعرفة‬ ‫أ‬ ‫«المد والجزر» يحتوي أبرز الحداث المرتبطة‬ ‫ولكن كتاب‬ ‫ّ‬ ‫بأعظم قوة على األرض‬ ‫‪ Tide: The Science and Lore of the Greatest Force‬بالمد والجزر عبر التاريخ‪ ،‬من غزو يوليوس قيصر الفاشل‬ ‫‪on Earth by Hugh Aldersey- Williams‬‬ ‫لبريطانيا إلى الفيضانات الكارثية التي غرقت تحتها مدينة‬

‫البندقية‪ ،‬وتتداخل هذه أ‬ ‫الحداث مع فولكلور غني ال يزال‬ ‫يلهم الفن أ‬ ‫والدب حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫يتحول ألديرسي ويليامز إلى دليل يجوب‬ ‫ففي هذا الكتاب‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫للمد والجزر على الكوكب‬ ‫بنا الجوانب الغرب والكثر رعباً ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫السكندنافية‬ ‫الرضي‪ ،‬من أضخم المواج في الدول إ‬ ‫المد والجزر في العالم الموجودة في‬ ‫إلى أعلى ذروات ّ‬ ‫المد والجزر‪،‬‬ ‫تي‬ ‫ر‬ ‫ظاه‬ ‫أهمية‬ ‫تتوضح‬ ‫أسكتلندا‪ .‬ومعه‬ ‫ّ‬ ‫وتأثيرها على مجرى التاريخ وتشكل الحضارات‪.‬‬

‫اللغة العالمية‪ :‬الترجمة والسيطرة‬ ‫‪La Langue Mondiale: Traduction et Domination by‬‬ ‫‪Pascale Casanova‬‬ ‫تأليف‪ :‬باسكا كازانوفا‬ ‫الناشر‪ - Seuil :‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫تأليف‪ :‬هوغ ألدرسي‪ -‬وليامز‬ ‫الناشر‪ - Viking :‬يونيو ‪2016‬‬

‫كرة القدم‬ ‫‪Football by Jean- Philippe Toussaint‬‬ ‫تأليف‪ :‬جون فيليب توسين‬ ‫الناشر‪ - Les Editions de Minuit :‬سبتمبر‬ ‫‪2015‬‬

‫ينطلق هذ الكتاب بتحذير استفزازي عندما يعلن أن‪« :‬هذا‬ ‫توسان‬ ‫الكتاب لن يُعجب أي أحد»‪ ،‬إذ يحذِّ ر جون فيليب ّ‬ ‫من أن عمله سوف ينفّر المثقفين الذين يستخفون بهذه‬ ‫اللعبة الجميلة‪ ،‬وكذلك مشجعي كرة القدم الذين ال يبالون‬ ‫بالمثقفين‪ .‬وفي محاولة التوفيق بين هذين الفريقين يلجأ‬ ‫توسان إلى لمسة من الفكاهة‪ ،‬في الوقت الذي يعالج فيه‬ ‫ّ‬ ‫الموضوع بجدية تامة‪.‬‬ ‫إن «كرة القدم التي يلعبها‬ ‫يقول في أحد مقاطع الكتاب َّ‬ ‫الكبار» مع كل السياسة والمال الوفير الذي يدخل فيها‪،‬‬ ‫وفضائح الفيفا‪« ،‬تفقده حماسته للعبة» التي كان يعشقها‬

‫منذ طفولته‪.‬‬ ‫أما جوهر الكتاب فيرد في الفقرة الختامية من التمهيد‪،‬‬ ‫توسان‪« :‬أتظاهر بأنني أكتب عن كرة القدم‪،‬‬ ‫عندما يقول‬ ‫ولكنني أكتب‪ّ ،‬كما هو الحال دائماً‪ ،‬حول تمضية أ‬ ‫الوقات‬ ‫توسان‪ ،‬تبقى كل االحتماالت‬ ‫الممتعة»‪ .‬وخالل‬ ‫اللعبة‪ ،‬يقول ّ‬ ‫مفتوحة حتى اللحظة أ‬ ‫الخيرة‪ ،‬ودرجة االندماج في كل لحظة‬ ‫من اللعبة «تضعنا على مسافة من الموت»‪ ،‬التي تُنتج‬ ‫بدورها «نوعاً من الرفاهية الميتافيزيقية»‪.‬‬


‫بين كتابين‬

‫ما بين الذاكرة والمعرفة واإلنترنت‬

‫ النترنت خاصتنا‪ :‬أن نعرف أكثر ونفهم أقل في عصر البيانات الكبرى‬ ‫(‪ )1‬إ‬ ‫تأليف‪ :‬مايكل لينش‬ ‫الناشر‪ - Liveright :‬مارس ‪2016‬‬ ‫‪The Internet of Us: Knowing More and Understanding Less in‬‬ ‫‪the Age of Big Data by Michael Lynch‬‬ ‫(‪ )2‬عندما نفنى‪ :‬كيف تشكّل الذاكرة الرقمية مستقبلنا‬ ‫تأليف‪ :‬آبي سميث رامزي‬ ‫الناشر‪ - Bloomsbury Press :‬يناير ‪2016‬‬ ‫‪When We Are No More: How Digital Memory is Shaping Our‬‬ ‫‪Future by Abby Smith Rumsey‬‬ ‫نعيش في عصر المعلومات‪ ،‬ولكن ما نعرفه أصبح أقل وأقل‪ ،‬ونحيا في عصر‬ ‫تفشى فيه هوس تصوير كل ما يجري في حياتنا‪ ،‬ولكن ما نتذكره صار أقل وأقل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫آ‬ ‫ً‬ ‫صدر حديثا كتابان حول التكنولوجيا‪ ،‬واحد من تأليف مؤرخ‪ ،‬والخر من‬ ‫توقيع فيلسوف‪ .‬يهتم كتاب المؤرخ بالذاكرة بينما يُعنى كتاب الفيلسوف‬ ‫بالمعرفة والعقل‪ .‬فعلى الرغم من أن هناك عديداً من أ‬ ‫البحاث التي سلَّطت‬ ‫النترنت إليها‪،‬‬ ‫تحول جوانب عديدة من حياتنا مع دخول شبكة إ‬ ‫الضوء على ُّ‬ ‫آ‬ ‫آ‬ ‫التحول حتى الن‪ .‬ومن‬ ‫لم تستكشف أي منها الثار الفلسفية العميقة لهذا‬ ‫ُّ‬

‫خالل تركيزه على أن هناك ما هو متعلِّق بالمعرفة أكثر من مجرد اكتساب‬ ‫«النترنت‬ ‫المعلومات‪ ،‬اهتم الفيلسوف مايكل باتريك لينش‪ ،‬في كتابه إ‬ ‫خاصتنا» بتسليط الضوء على أن العالم الرقمي الذي يسيطر على حياتنا‬ ‫يجعلنا نفضل بعض الطرق لمعالجة المعلومات على أخرى‪.‬‬ ‫فبعدما أطلق ديكارت مقولته الشهيرة «أنا أفكر‪ ،‬إذاً أنا موجود» يتجه العصر‬ ‫الرقمي لترسيخ فكرة «أنا أبحث في غوغل‪ ،‬إذاً أنا موجود»‪ .‬وهذا االعتماد‬ ‫على غوغل يجعلنا ننتقل من عصر اكتشاف المعلومات إلى مجرد تحميلها‪.‬‬ ‫النترنت شارف عصر «الحقيقة» على نهايته‪ ،‬وأخذت «البيانات»‬ ‫فمع دخول إ‬ ‫مكان «الحقائق»‪ ،‬مما أدى إلى مزيد من الفوضى المعرفية‪ ،‬ألسباب ليس‬ ‫أقلها بأن جمع وتقييم الحقائق يتطلَّب التحقيق‪ ،‬والتمييز والمقارنة‪ .‬ويكمن‬ ‫جذر المشكلة‪ ،‬كما يراها لينش‪ ،‬في مفارقة غريبة‪ ،‬إذ إنه مع وفرة المعلومات‬ ‫يبدو أننا نعرف أكثر وأقل في الوقت نفسه‪ .‬وقد أ ّدى ذلك به إلى طرح‬ ‫بعض أ‬ ‫السئلة حول ما يعنيه أن نقول إننا نعرف شيئاً ما‪ .‬وبعد عرض شروط‬ ‫ومعوقات المعرفة الحقيقية‪ ،‬يختتم لينش بالقول إنه بعدما ازدادت كمية‬ ‫المعلومات التي نعرفها «كل ما علينا القيام به هو السعي ألن نكون عارفين‬ ‫أكثر مسؤولية‪ ،‬أ‬ ‫ولن يصبح فهمنا لما نعرفه أعمق»‪.‬‬ ‫وإذا سألت بعض الناس لماذا يوثِّقون تجاربهم بطريقة مكثفة من خالل‬ ‫الصور‪ ،‬سيجيب معظمهم بأنهم يريدون التأكد من أن التجارب التي مروا بها‬ ‫في حياتهم لن يعتريها النسيان‪ .‬لكن آبي سميث رامزي‪ ،‬تتساءل في كتابها‬ ‫«عندما نفنى»‪ ،‬عما إذا كان هوسنا بالتوثيق‪ ،‬سيؤدي إلى النسيان بدال ً من منعه‪.‬‬ ‫يحتوي كتاب رامزي على كثير من التأمالت حول الذاكرة‪ ،‬إذ تقول إن التحدي‬ ‫أ‬ ‫الساسي أمامنا ينشأ من أن «القدرة االستيعابية ألنظمة ذاكرتنا تتخلف بشكل‬ ‫كبير عن قدرتنا على توليد المعلومات»‪.‬‬ ‫وتهتم رامزي بتوضيح أ‬ ‫ً‬ ‫الفكار واالعتقادات المتعلِّقة بالذاكرة‪ ،‬تماما كما يحاول‬ ‫لينش أن يساعدنا في التفكير على نحو أفضل حول كل ما يتعلَّق بالمعرفة‪.‬‬ ‫هناك كثير في كتاب رامزي الذي يشبه العرض التاريخي التأملي للفكر‬ ‫التاريخي المتعلِّق بالذاكرة‪ ،‬مع تسليط الضوء على شخصيات رئيسة في هذا‬ ‫التاريخ مثل أفالطون ومونتان وتوماس جيفرسون لدوره في تأسيس مكتبة‬ ‫الكونغرس‪ .‬وفي الجزء أ‬ ‫الخير من الكتاب تتحول رامزي نحو مستقبل الذاكرة‪،‬‬ ‫اللهاء‬ ‫تهدد مقومات الذاكرة لدينا وأهمها إ‬ ‫حيث تحدد بوضوح المخاطر التي ِّ‬ ‫وفقدان الذاكرة الذي تسببه التكنولوجيا الحديثة‪ .‬ولكنها تنهي بنفحة تفاؤلية‬ ‫حيث تؤكد أنها واثقة أن بإمكاننا مواجهة هذه المخاطر بنجاح‪.‬‬

‫كتب من العالم‬

‫المال ِّ‬ ‫يغير كل شيء‪ :‬كيف جعلت‬ ‫العمليات المالية الحضارة ممكنة‬ ‫‪Money Changes Everything: How‬‬ ‫‪Finance Made Civilization Possible by‬‬ ‫‪William Goetzmann‬‬ ‫تأليف‪ :‬وليم غوتزمان‬ ‫الناشر‪ - Princeton University Press :‬أبريل‬ ‫‪2016‬‬

‫الزمات المالية أ‬ ‫في أعقاب أ‬ ‫الخيرة‪ ،‬كان من السهل أن نرى‬ ‫العمليات المالية كقوة مدمرة تقضي على الثروات وفرص‬ ‫يغير‬ ‫العمل‪ ،‬وتقوض الحكومات والبنوك‪ .‬في أ كتابه «المال ِّ‬ ‫كل شيء»‪ ،‬يقول المؤرخ المتخصص بالمور المالية وليام‬ ‫غوتزمان إن العكس هو الصحيح‪ ،‬وإن تطور أ‬ ‫النظمة المالية‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫جعل الحضارات ممكنة‪.‬‬ ‫ويوضح غوتزمان أن المعامالت المالية هي مثل آلة الزمن‪،‬‬ ‫والتكنولوجيا التي تسمح لنا بالتنقل عبر الزمن‪ .‬وأن هذا‬ ‫غير الطريقة التي ننظر فيها إلى المستقبل‬ ‫االبتكار قد َّ‬ ‫والتخطيط له‪ .‬وهو يُظهر كيف كانت التعامالت المالية‬ ‫حاضرة في كل لحظة من اللحظات التاريخية المفصلية‪،‬‬ ‫حيث كانت الدافع وراء اختراع الكتابة في بالد ما بين‬ ‫النهرين‪ ،‬والمحفّز على نشوء الحضارات الكالسيكية في‬ ‫اليونان وروما لتصبح إمبراطوريات كبيرة‪ ،‬وهي التي حددت‬ ‫المبراطورية الصينية‪ ،‬وهي‬ ‫صعود وسقوط السالالت في إ‬

‫التي كانت وراء البعثات التجارية التي أخذت أ‬ ‫الوروبيين إلى‬ ‫العالم الجديد‪.‬‬ ‫كما يظهر غوتزمان أيضاً كيف أن هذا الجهاز الذي نربطه‬ ‫بأسواق االقتصاد الحديث الذي يتكون من أسواق أ‬ ‫السهم‬ ‫وصناديق االئتمان‪ ،‬والمنتجات المالية المعقدة‪ ،‬والتجارة‬ ‫الدولية‪ ،‬تم تطويره مراراً وتكراراً كما ّتم إهماله أحياناً أخرى‬ ‫وإعادة تكوينه على مدى التاريخ البشري‪.‬‬ ‫من خالل استكشاف الدور الحاسم للقطاع المالي على مدى‬ ‫آالف السنين‪ ،‬وحول العالم‪ ،‬يسلط غوتزمان الضوء على‬ ‫تفاصيل تظهر كيف ساعدت التقنيات المالية والمؤسسات‬ ‫المالية والسندات والبنوك والشركات في نشوء المراكز‬ ‫الحضرية وتوسيعها وازدهار ثقافاتها‪ .‬ولن يتوقف هذا‬ ‫القطاع عن إعادة تشكيل حياتنا‪ ،‬ال سيما مع وجود تحديات‬ ‫مستقبلية كبيرة‪ ،‬مثل كيفية استخدام المال للعناية أ‬ ‫بالعداد‬ ‫السكانية المتزايدة التي ازدادت شيخوخة‪.‬‬


‫‪21 | 20‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫قول في مقال‬

‫ُح ٌّب‬ ‫افتراضي‬ ‫يحيى البطاط‬ ‫أعلنت ش�كة «أبل» مؤخراً عن إجراء عدد‬ ‫من التحديثات ألنظمة التشغيل المختلفة‬ ‫ف ي� أجهزة ماك بوك وآيفون وآيباد وتلفزيون‬ ‫أبل وساعة أبل‪.‬‬ ‫الخ�‪ ،‬تطبيق‬ ‫ستطول هذه التحديثات‪ ،‬كما أفصح ب‬ ‫«س�ي» الذي أطلق‬ ‫المحادثة الذكية المعروف باسم ي‬ ‫أول مرة قبل سنوات خمس‪ ،‬كأن تستطيع أن تطلب‬ ‫«س�ي» أن تح�ض لك سيارة أجرة‪ ،‬أو تسألها‬ ‫من ي‬ ‫المفضل‪ ،‬أو ترسل‬ ‫أن توفِّر لك وجبة من مطعمك‬ ‫َّ‬ ‫حوالة نقدية إىل صديق‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الخ�‪،‬‬ ‫ال� تتمتع بروح مرحة‪ ،‬كما جاء ي� ب‬ ‫ي‬ ‫«س�ي» ي‬ ‫كث�اً من‬ ‫تستطيع أيضاً أداء أعمال أخرى تستهلك ي‬ ‫الوقت‪ ،‬مثل إجراء عمليات البحث عن المعلومات‬ ‫والملفات وحفظها أو حذفها‪.‬‬ ‫يعود بنا هذا التطوير الجديد الذي أعلنه العمالق‬ ‫رومانس يُدعى‬ ‫مستقبل‬ ‫التكنولوجي «أبل» إىل ِفلم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫«هي» (‪ )Her‬أنتج عام ‪2013‬م من تأليف وإخراج‬ ‫ين‬ ‫خواك� فينيكس‪ .‬تدور حكاية‬ ‫سبايك جونز‪ ،‬وبطولة‬ ‫الفلم حول رجل يدعى ثيودور‪ ،‬يعمل بوظيفة كاتب‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫تدون عىل بطاقات المعايدات‪ ،‬وهو‬ ‫كال� َّ‬ ‫رسائل ي‬ ‫عىل وشك االنفصال عن زوجته‪ ،‬يعيش حياة فارغة‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ويعا� من الوحدة والملل‪ ..‬ولذا يم�ض ي معظم وقته‬ ‫ي‬ ‫بال�ثرة مع أ‬ ‫ث‬ ‫الصدقاء أو ممارسة ألعاب الفيديو‪..‬‬ ‫يقرر‬ ‫تنقلب حياة ثيودور رأساً عىل‬ ‫عقب أعندما ِّ‬ ‫ف‬ ‫ذك يُطرح ي� السواق يُدعى‬ ‫اقتناء نظام تشغيل ي‬ ‫(‪ ،)OS1‬وتقوم فكرة النظام الجديد عىل مبدأ إنجاز‬ ‫كل أ‬ ‫العمال الخاصة بالزبون عن طريق المحادثة‬ ‫الصوتية‪ .‬يغ� أن هذا النظام يتمتع بذكاء صناعي‬ ‫خارق‪ ،‬فهو يستطيع أن يبلور لنفسه شخصية‬ ‫فريدة‪ ،‬ويمنح نفسه جنساً واسماً خاصاً حسب رغبة‬ ‫ف‬ ‫الفلم إىل ث‬ ‫أن�‬ ‫الزبون‪.‬‬ ‫ويتحول نظام التشغيل ي� ِ‬ ‫َّ‬ ‫اسمها (سامنثا)‪.‬‬

‫الفلم‬ ‫لقطة من ِ‬ ‫تستطيع سامنثا أن تدخل إىل أجهزة ثيودور‪ ،‬ت‬ ‫وتق�ح‬ ‫عليه جملة من أ‬ ‫العمال كتنظيم ملفاته‪ ،‬وتجري معه‬ ‫محادثات عميقة ال تختلف عن أي محادثة يجريها‬ ‫شخصان عاقالن مثقفان‪ ،‬بل إن سامنثا تزيد عىل‬ ‫ذلك بأن تترصف كسكر يت�ة شخصية‪ ،‬وتقوم بمهمات‬ ‫لم يلتفت إليها البطل‪ ،‬كأن تتفق مع دار شن� وتطبع‬ ‫كتاباً يضم أعمال ثيودور‪ ،‬بل وصل أ‬ ‫المر بها إىل أن‬ ‫تبحث له عن صديقة حقيقية بعد أن اكتشفت أنه‬ ‫ن‬ ‫يعا� من العزلة والملل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫تتغ� يوميات ثيودور جذرياً‪ ،‬عندما يكتشف أن‬ ‫ي َّ‬ ‫حياته أصبح لها ن‬ ‫مع� بوجود سامنثا‪ ،‬وأنه منجذب‬ ‫إليها‪ ،‬ولم يعد قادراً عىل االستمرار من دونها‪ .‬ومما‬ ‫الفلم‪ ،‬أن نظام التشغيل‬ ‫يزيد من طرافة حبكة ِ‬ ‫االف� ض‬ ‫ت‬ ‫ا� الذي يحقق تواصله مع البطل الواقعي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫عن طريق الصوت فقط‪ ،‬يجد نفسه هو الخر واقعاً‬ ‫ف‬ ‫الفلم منعطفاً‬ ‫ي� ُحب ثيودور‪ ..‬وهنا تأخذ قصة ِ‬ ‫حاسماً عندما يبدآن بتمضية أوقات ث‬ ‫أك� بالحديث مع‬ ‫بعضهما بعضاً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الفلم‬ ‫ي� ذروة صدمة أصدقاء ثيودور‪ ،‬ومشاهدي ِ‬ ‫عىل حد سواء‪ ،‬ب ز‬ ‫الفلم‬ ‫ت�غ فكرة مؤلف ومخرج ِ‬ ‫ت‬ ‫ال� يلخصها سؤال جوهري واحد‪:‬‬ ‫سبايك جونز ي‬ ‫ماذا بعد؟‬

‫رجل حقيقي يقع ف ي� ُحب نظام تشغيل بشخصية‬ ‫وصوت ث‬ ‫أن�‪ ...‬كيف يمكن أن تتطور العالقة بينهما؟‬ ‫ن‬ ‫وإنسا� ستنتهي إليه؟ هل ستنتهي‬ ‫أي منحى واقعي‬ ‫ي‬ ‫بالزواج مثالً؟ هل سيختلفان وتحدث بينهما مشكالت‬ ‫عاطفية؟ هل سينفصالن ف ي� لحظة ما؟ ويبقى السؤال‬ ‫أ‬ ‫الهم‪ :‬أين سيأخذنا الوعي عندما يصل إىل جدار‬ ‫الفلم‬ ‫مسدود‪ ،‬كالذي وصل إليه وعي كل من بطل ِ‬ ‫ثيودور‪ ،‬وبرنامج التشغيل سامنثا؟‬ ‫أ‬ ‫المر مربك حقاً‪ ،‬البطل يشكِّك ف ي� أعماقه بحقيقة‬ ‫ف‬ ‫سامنثا‪ ،‬فهي ي� النهاية برنامج تشغيل يتمتع بذكاء‬ ‫صناعي صممه ش‬ ‫الب�‪ ..‬وهي‪ ،‬أي سامنثا‪ ،‬تدرك أن‬ ‫ثيودور يغ� مقتنع بحقيقة مشاعره تجاهها‪ ،‬لذا تقرر‬ ‫أن تهجره‪ ،‬ت‬ ‫وت�كه وحيداً مرة أخرى‪.‬‬ ‫تطبيقات الذكاء الصناعي رائعة عندما يتعلق أ‬ ‫المر‬ ‫توف� سيارة أجرة أو‬ ‫بتقديم الخدمات الروتينية مثل ي‬ ‫تحويل أ‬ ‫الموال‪ ،‬لكن من يعلم كيف ستصبح الحياة‬ ‫أ‬ ‫عندما يتعلَّق المر بتقديم الخدمات العاطفية‬ ‫أيضاً؟‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫براء عرابي‬

‫البرمجيات‬ ‫ّ‬ ‫الحرة‬

‫الصراع بين حق‬ ‫ّ‬ ‫الملكية‪ ..‬وحق اإلبداع‬

‫علوم‬

‫ً‬ ‫صراعا‬ ‫شهدت العقود الثالثة األخيرة‬ ‫داخل المجتمع التقني حول «الوضع‬ ‫االجتماعي للبرمجيات»‪ .‬فقد شهد عقد‬ ‫الثمانينيات من القرن الميالدي الماضي‬ ‫نقلة كمية ونوعية للبرمجيات مع بدء‬ ‫االنتشار الواسع ألجهزة الحاسوب‬ ‫الشخصية‪ ،‬ما سمح لفئات واسعة من‬ ‫المجتمع باإلسهام في تطوير البرمجيات‬ ‫دون الحاجة لدعم الجهات األكاديمية‬ ‫والتجارية‪ .‬وأسهم هذا االنتشار في إتاحة‬ ‫الفرصة أمام طرح أسئلة محورية عن‬ ‫ماهية البرمجيات‪ ،‬ودورها في صياغة‬ ‫الفكر وتوجيه الحريّ ات‪ ،‬وكيفية التربّ ح منها‬ ‫وحقوق احتكارها‪ .‬ومع ظهور شركات‬ ‫البرمجيات ككيانات اقتصادية كبرى‪،‬‬ ‫واعتماد الناس المتزايد عليها في شؤون‬ ‫حياتهم‪ ،‬باتت مسألة الحرية في تداول‬ ‫وتطوير هذه البرمجيات بمنزلة ورقة‬ ‫الضغط السياسية‪ .‬وتشكل رأيان أسهم‬ ‫كل منها في رسم تصوراتنا لما يجب عليه‬ ‫أن يكون دور البرمجيات في المجتمع‪.‬‬


‫‪23 | 22‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫سنتطرق‬ ‫بحسب مشروع «غُنو» الذي‬ ‫َّ‬ ‫إليه خالل أ‬ ‫السطر التالية‪ ،‬فإن‬ ‫«البرمجيات الحرة» هي تلك التي يملك‬ ‫المستخدمون الحرية في تشغيلها‬ ‫ونسخها وتوزيعها ودراستها وتعديلها‬ ‫وتحسينها‪ .‬ومع هذه الحريات‪ ،‬يتحكم‬ ‫المستخدمون‪ ،‬من أفراد أو مجموعات‪،‬‬ ‫بأثر المنتج البرمجي عليهم‪ ،‬عوضاً‬ ‫عن أن يتحكم المنتج البرمجي ‪ -‬والجهة التي أنتجته ‪ -‬بحياة‬ ‫المستخدمين‪.‬‬ ‫ولعل البعض سمع بالمشروع «غنو» من خالل استخدامه‬ ‫ وإسهامه ‪ -‬في تحرير مواد موقع «ويكيبيديا» التي تُعد بدورها‬‫أحد أشهر موارد المعلومة مفتوحة المصدر‪ .‬وحتى هذا المصطلح‬ ‫(المصدر المفتوح – ‪ )Open Source‬كان أحد محاور الصراع الذي‬ ‫ثار منذ الثمانينيات من القرن الماضي حول أحقيتنا كمستخدمين‬ ‫في تعديل ونسخ وتداول البرمجيات التي يكتبها سوانا‪ .‬هذا الصراع‬ ‫التاريخي تمخض عن رأيين ومدرستين‪ .‬وهو صراع أثّر على أجيال‬ ‫من المستخدمين وأنتج مدارس فكرية واستهالكية متباينة‪ .‬وكي‬ ‫نؤكد أننا ال نسرد مادة تاريخية هنا‪ ،‬نشير إلى أن صراع البرمجيات‬ ‫المفتوحة يالحقنا إلى اليوم‪ ،‬حيث حل اسم «التطبيق – ‪»App‬‬ ‫محل البرنامج‪ ،‬وحل الجهاز الذكي محل الحاسوب الشخصي‪ ،‬وها‬ ‫معسكري «آبل» و«غوغل»‬ ‫نحن نجد أنفسنا اليوم منقسمين بين‬ ‫ّ‬ ‫على سبيل المثال‪.‬‬

‫<‪ ://////‬المجموعتان المتصارعتان ‪>>>>/‬‬ ‫أولى المجموعتين المتصارعتين ‪ -‬على صياغة تعريف ماهية‬ ‫البرمجيات وماهية دورها االجتماعي ‪ -‬هي شركات البرمجة العمالقة‬ ‫التي توسعت في ثمانينيات القرن الماضي‪ ،‬مثل «مايكروسوفت»‬ ‫و«بيل سيستمز»‪.‬‬ ‫االهتمام الرئيس لهذه المجموعة هو الكسب المادي‪ .‬وبالتالي‪،‬‬ ‫تنظر هذه المجموعة للبرمجيات على أنها ُمنتج تتملكه‪،‬‬ ‫وللمستخدم على أنه زبون يدفع مبلغاً مادياً لقاء «رخصة» تتيح له‬ ‫محددة‪ ،‬حق استخدام‬ ‫حصرياً‪ ،‬أو بالشراكة مع آخرين في مجموعة َّ‬ ‫هذا المنتج الذي تمتلكه‪ .‬وقد ترتب على تصور هذه المجموعة‬ ‫أن مطوري هذه البرمجيات ليسوا إال موظفين مدفوعي أ‬ ‫الجر‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ال يملكون حقوقاً في المنتج النهائي الذي طوروه‪ .‬وبما أن هذه‬ ‫المجموعة ترى أن البرمجيات يجب أن تعامل كسلع‪ ،‬فهي ‪ -‬بطبيعة‬ ‫الحال ‪ -‬تُعير اهتماماً بالغاً لحقوق الملكية الفكرية لبرمجياتها‪.‬‬ ‫كان لهذه المجموعة السبق في تطوير عديد من البرمجيات التي‬ ‫انتشرت بشكل كبير حتى أصبحت نماذج معياريّةً ‪ِ ،‬قيس على‬ ‫مثالها عديداً من أ‬ ‫النظمة الحاسوبية التي لحقتها‪ .‬ولعل أهم‬ ‫أ‬ ‫الطالق هو نظام التشغيل يونيكس‬ ‫هذه النظمة المعيارية على إ‬ ‫(‪ )UNIX‬الذي نشرت شركة بيل سيستمز أول نسخه في عام‬ ‫‪1973‬م‪ ،‬والذي انتشر بشكل كبير في أواخر السبعينيات‪ ،‬خصوصاً‬ ‫بين كليات علوم الحاسوب بأمريكا‪ .‬تلى ذلك ببضع سنين نظاما‬

‫ريتشارد ستولمان‬

‫تشغيل إم إس‪ -‬دوس (‪ )MS-DOS‬في عام ‪1981‬م وويندوز في‬ ‫عام ‪1985‬م‪ ،‬اللذان استحوذا على غالبية سوق أ‬ ‫الجهزة الحاسوبية‬ ‫الشخصية حينها‪.‬‬ ‫كانت لمحاوالت الشركات تقنين كيفية استخدام ونشر برمجياتها‬ ‫عبر قوانين الملكية الفكرية ولوائح تنظيم االستخدام آثار عكسية‬

‫ترى المجموعة األولى أن‬ ‫ِّ‬ ‫مطوري هذه البرمجيات ليسوا‬ ‫إال موظفين مدفوعي األجر‪ ،‬ال‬ ‫ً‬ ‫حقوقا في المنتج النهائي‬ ‫يملكون‬ ‫الذي طوروه‪.‬‬ ‫على بعض مستخدمي هذه البرمجيات‪ ،‬خصوصاً في المحيط‬ ‫أ‬ ‫الكاديمي في أمريكا‪ ،‬الذي يتبنى معايير الحرية المطلقة في‬ ‫البداع‪ ،‬والذي أدرك أن البرمجيات تمثل موجة حضارية ستتنقل‬ ‫إ‬ ‫بالبشرية إلى مرحلة تالية على نحو ما فعلت آلة البخار‪ .‬هذا أ‬ ‫الثر‬ ‫العكسي الرافض لسطوة شركات البرمجة أدى إلى نشأة المجموعة‬ ‫المجتمعية الثانية‪ ،‬التي كونت تصورها الخاص لدور البرمجيات في‬ ‫المجتمع‪.‬‬ ‫أحد أهم هؤالء أ‬ ‫الفراد الساخطين على سلوك الشركات هو ريتشارد‬ ‫ستولمان الذي كان يعمل في بداية الثمانينيات في مختبر الذكاء‬ ‫الصناعي في معهد ماساتشوسيتس للتقنية‪ ،‬ولكنه قرر ترك عمله‬ ‫في المعهد عام ‪1984‬م ليتفرغ بشكل كامل لمشروع البرمجيات‬


‫الحرة ُغ ُنو (‪ ،)GNU‬ولتأسيس مؤسسة البرمجيات الحرة (‪Free‬‬ ‫‪ )Software Foundation‬الذي تم عام ‪1985‬م‪ .‬كان ستولمان يرى‬ ‫أن البرمجيات في أ‬ ‫الساس هي ملكية جماعية‪ ،‬الجميع له الحق في‬ ‫االستفادة منها‪ ،‬وتطويرها ونشرها‪ ،‬وهذا ما أراد تحقيقه من خالل‬ ‫غُنو ومؤسسة البرمجيات الحرة‪.‬‬ ‫كانت الفكرة خلف مشروع غُنو إنشاء نظام تشغيل متوافق في‬ ‫المعايير مع نظام تشغيل يونيكس‪ ،‬ولكن على أن يكون مفتوح‬ ‫المصدر متاحاً للعموم‪ .‬بهذا يكون غُنو مملوكاً من قبل المجتمع‬ ‫بأسره‪ ،‬ويتم تطويره وصيانته من ِق َبل المستخدمين أنفسهم‪ .‬وبعد‬ ‫نجاح مؤسسة البرمجيات الحرة في إتمام مشروع ُغ ُنو‪ ،‬أصبحت‬ ‫المؤسسة مرجعية أساسية للمجموعة االجتماعية الثانية‪ ،‬التي كما‬ ‫قلنا سابقاً‪ ،‬ترى في البرمجيات وقفاً عاماً للمجتمع يعمل أفراده على‬ ‫تطويره وتحسينه وصيانته‪.‬‬

‫أ‬ ‫والمثلة على البرمجيات التي طُورت تحت هذا النموذج عديدة‬ ‫وشكَّل حاضنة لنظام‬ ‫ومتنوعة‪ .‬فمثالً‪ ،‬نظام تشغيل غُنو تط ََّور َ‬ ‫أ‬ ‫تشغيل لينوكس (‪ .)Linux‬وتنطبق الحريات الربع على نظام‬ ‫تشغيل لينوكس بشكل كامل‪ .‬فمثالً‪ ،‬ال توجد أية قيود قانونية‬ ‫للمجاالت التي يحق لمستخدم لينوكس أن يستعمله من أجلها‪،‬‬ ‫سوا ًء أكانت مجاالت ربحية أو تجارية أو تعليمية أو شخصية‪ .‬ويحق‬ ‫أيضاً ألي شخص االطالع على الكود أ‬ ‫الساسي للينوكس ‪ -‬مجاناً عبر‬ ‫النترنت ‪ -‬الذي يُمثل المخطوطات لبناء نظام التشغيل‪ .‬ويمكن‬ ‫إ‬

‫<‪ ://////‬التصوران المتنازعان ‪>>>>/‬‬ ‫يُطلق على التصور الذي شكلته الشركات البرمجية للبرمجيات‬ ‫عاد ًة اسم تصور البرمجيات االحتكارية (‪.)Proprietary Software‬‬ ‫بينما يُسمى تصور المجموعات كمؤسسة البرمجيات الحرة تصور‬ ‫البرمجيات الحرة (‪.)Free Software‬‬ ‫لقد تمكنت مؤسسة البرمجيات الحرة من صياغة تعريف لتصورها‬ ‫سمتها الحريّات أو الحقوق‬ ‫للبرمجيات الحرة في أربع نقاط‪َّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫الربعة‪ ،‬وهي بدءاً من الحق رقم صفر‪:‬‬ ‫‪ )0‬الحق بتشغيل البرنامج ألية غاية تخص المستخدم‬ ‫‪ )1‬الحق بفهم كيفية عمل البرنامج داخلياً (يتطلب حق الوصول‬ ‫إلى الكود أو النص أ‬ ‫الساسي للبرنامج)‬ ‫‪ )2‬الحق بإعادة نشر البرنامج‬ ‫‪ )3‬الحق بتعديل البرنامج‬

‫ترى المجموعة الثانية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عاما‬ ‫وقفا‬ ‫في البرمجيات‬ ‫للمجتمع يعمل أفراده على‬ ‫تطويره وتحسينه وصيانته‬

‫ألي شخص أيضاً أن يقوم بنسخ برنامج لينوكس ويعيد نشره دون‬ ‫الرجوع إلى مطوري البرنامج أ‬ ‫الصليين‪ .‬وأخيراً‪ ،‬يحق ألي شخص‬ ‫بأن يقوم بأية تعديالت على البرنامج ‪ -‬ويعيد نشر هذه التعديالت‬ ‫ربما ‪ -‬دون الحاجة للعودة لمطوري لينوكس‪ .‬وبسبب هذه‬ ‫الحريات أ‬ ‫الربع‪ ،‬توجد اليوم مئات التنويعات على نظام التشغيل‬ ‫أ‬ ‫لينوكس‪ٌّ ،‬كل بخواصه المميزة‪ ،‬ولكنها كلها ملتزمة بالحريات الربع‬ ‫المذكورة‪.‬‬ ‫تكتف مؤسسة البرمجيات الحرة بالدعوة إلى تب ّني تصورها عن‬ ‫ولم ِ‬ ‫ً‬ ‫البرمجيات فحسب‪ ،‬بل قامت أيضا بجهد قانوني جبار لصياغة‬ ‫مستندات قانونية تحافظ على دائرة تطوير البرمجيات الحرة‪ .‬أحد‬ ‫المطور‬ ‫هذه المستندات هو رخصة (‪ .)GPL‬التي تضع بين يدي‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫محدد‪ ،‬حيث‬ ‫القدرة على تقنين الحريات الربع فيما يتعلَّق ببرنامج َّ‬ ‫تسمح للمستخدم استعمال البرنامج‪ ،‬والولوج لكوده المصدري‪،‬‬ ‫وتعديله‪ ،‬ونشره ولكن شرط أن يُنشر دون أي قيد قانوني إضافي‬ ‫الربع‪ ،‬وأن يعزى فضل تطوير البرنامج أ‬ ‫يقيد الحريات أ‬ ‫الصلي لمن‬ ‫ُ‬ ‫طوره ابتدا ًء‪ .‬بهذا يضمن المطورون أن الفضل سينسب إليهم‬ ‫ّ‬ ‫أدبياً‪ ،‬وأن الشركات التجارية س ُتحرم من استخدام برمجياتهم في‬ ‫منتجات ال تحترم الحريات أ‬ ‫الربع‪.‬‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬تسعى شركات البرمجة التي تعتمد التوجه االحتكاري‬ ‫إلى ترسيخ مبدأ أن البرامج التي يطورها موظفوها هي ملك‬ ‫للشركات أوال ً وآخراً‪ .‬ومن ثم تقوم الشركة ببيع رخصة الستخدام‬ ‫معينة‪ .‬وبسبب هذا‪ ،‬تؤكد شركات‬ ‫منتجاتها تحت شروط وأحكام َّ‬ ‫بحماسة على االلتزام بحقوق الملكية الفكرية‪ .‬فحين يقوم‬ ‫البرمجة َ‬ ‫أحدنا مثال ً بشراء منتج مثل ‪ ،Microsoft Office‬فإنه من منظور‬ ‫يشتر حقوق ‪ Microsoft Office‬كسلعة يحق له أن يفعل‬ ‫قانوني لم ِ‬


‫‪25 | 24‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫بها ما يحق له قانونياً أن يَفعل بقطعة مالبس اشتراها من السوق؛‬ ‫بل ما تم شراؤه هنا هو رخصة الستخدام ‪ Microsoft Office‬تحت‬ ‫وتقيد‬ ‫تقيد طبيعة استخدامك للمنتج‪ِّ ،‬‬ ‫شروط وأحكام معينة‪ِّ ،‬‬ ‫الغايات التي يحق لك أن تستخدم المنتج من أجلها‪ ،‬بل وربما في‬ ‫محددة تبطل بعدها صالحية رخصتك الستخدام‬ ‫إطار فترة زمنية َّ‬ ‫المنتج‪.‬‬ ‫الجانب آ‬ ‫الخر للقيود التي تفرضها شركات البرمجة حول برمجياتها‬ ‫غير تلك التي تفرضها على المستخدمين‪ ،‬هو التقييد على‬ ‫المطورين آ‬ ‫الخرين‪ .‬فالبرمجيات االحتكارية ال تسمح ألحد بأن‬ ‫ِّ‬ ‫يستنسخ تصميمها لبناء منتجات أخرى‪ ،‬وال لتعديل المنتج بذاته‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬تبني هذه الشركات سوراً حول تكنولوجيتها وتحاسب‬ ‫قانونياً من يتجاوزه‪.‬‬

‫<‪ ://////‬هل علينا نحن أن ندعم البرمجيات‬ ‫الحرة؟ ‪>>>>/‬‬ ‫للإجابة عن هذا السؤال‪ ،‬ال بد لنا أن نسأل عن المقصود‬ ‫بـ«نحن»‪ .‬إنها عائدة على المجتمع ككل‪ ،‬وهكذا يصير السؤال‬ ‫الضمني‪ :‬لماذا علينا كمجتمع أن ندعم البرمجيات الحرة؟‬ ‫يسوق المؤيدون للبرمجيات المفتوحة عدة مبررات لدعم وجهة‬ ‫نظرهم‪:‬‬ ‫البداع والتعليم‬ ‫أوال ً‪ :‬إ‬

‫فالبرمجيات الحرة تسمح ألفراد‬ ‫المجتمع بأن يأخذوا ما تم ابتكاره‬ ‫سابقاً من منتجات‪ ،‬وإنتاج اختراعات‬ ‫جديدة مبنية على ما سبق من‬ ‫اختراعات‪ .‬ال أحد يبتكر من العدم‪.‬‬ ‫كل ابتكار هو إضافة أو إعادة إنتاج‬ ‫لما سبق‪ ،‬وكلما ك َُبر حجم المساحة‬ ‫المتاحة ألفراد المجتمع لكي يستلهموا‬ ‫منها ابتكارهم التالي‪ ،‬ازداد تنوع‬ ‫وفرادة ما ينتجون‪.‬‬

‫دور مهم جداً في التعليم‪ .‬فالبرمجيات‬ ‫وللبرمجيات الحرة أيضاً ٌ‬ ‫الحرة تتيح مثاال ً حياً لمشاريع كبيرة يقوم الناس باستخدامها‬ ‫وتطويرها‪ .‬فمثالً‪ ،‬قبل نظام تشغيل لينوكس‪ ،‬لم يكن لدى‬ ‫طالب علوم الحاسوب الفرصة لرؤية التطبيق العملي لما‬ ‫يتعلمونه في موادهم الجامعية في منتج كامل متكامل‪ .‬إن أي‬ ‫طالب جامعي في علوم الحاسوب يُدرك جيداً أن ما يتعلَّمه‬ ‫نظرياً في الكتب ال يُمكن ترجمته مباشرة لتطبيقات دون مجهود‬ ‫إضافي كبير‪ ،‬والمشاريع القائمة على البرمجيات الحرة تُمثل‬ ‫اللقاء أ‬ ‫الول بين طالب علوم الحاسوب وبين مداخيل برنامج‬ ‫حاسوبي‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬أ‬ ‫المان والخصوصية‬

‫إن عدم إتاحة الكود‬ ‫المصدري ألي برنامج كان‪،‬‬ ‫يعني أننا كمجتمع مضطرون‬ ‫الستخدام هذا البرنامج‬ ‫كصندوق أسود‪ ،‬ال نعرف أي‬ ‫شيء عن كيفية عمله الداخلية‬ ‫وآليته‪ .‬وبما أن استخدامنا‬ ‫لهذا البرنامج يعني أن من‬ ‫شبه المؤكد أن معلومات‬ ‫خصوصية ستمر عبر هذا‬ ‫البرنامج‪ ،‬فال بد لنا أن نسأل أنفسنا‪ :‬كيف نضمن أن البرنامج الذي‬ ‫نستخدمه آمن طالما أننا ال نعرف شيئاً عن آلية عمله الداخلية؟‬

‫لماذا علينا كمجتمع أن ندعم‬ ‫البرمجيات الحرة؟ يسوق‬ ‫المؤيدون للبرمجيات المفتوحة‬ ‫عدة مبررات لدعم وجهة نظرهم‬ ‫إن أي برنامج مغلق المصدر (‪ )Closed Source‬عرضة لالختراق‬ ‫أ‬ ‫المخربون والمتلصصون على الشبكة‪ ،‬والشركة‬ ‫المني من جهتين‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫نفسها التي طورت البرنامج‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يتوجب على أية جهة أو‬ ‫مؤسسة مجتمعية أن تسأل نفسها إن كانت تثق بالشركة المطورة‬ ‫للبرمجيات التي تستخدمها‪ ،‬أو إن كان المحتوى الذي تُستخدم‬ ‫هذه البرمجيات ألجله على مستوى من أ‬ ‫الهمية يتوجب معه أن‬ ‫نعرف جميع حيثيات وآليات عمل البرمجيات التي يمر المحتوى‬ ‫من خاللها‪.‬‬


‫السباب‪ ،‬نجد اليوم أن أهم معايير أ‬ ‫لهذه أ‬ ‫المن والتشفير تعتمد‬ ‫على برمجيات وتقنيات مفتوحة المصدر‪ .‬نجد أمثلة على ذلك نظام‬ ‫(‪ )OpenSSH‬الذي يسمح باالتصال بأجهزة الحاسوب عن بُعد‬ ‫بطريقة آمنة‪ ،‬والذي يشكِّل حوالي ‪ %80‬من استخدام بروتوكول‬ ‫أ‬ ‫النترنت‪.‬‬ ‫التشفير المني الشهير (‪ )SSH‬على إ‬ ‫ثالثاً‪ :‬االقتصاد‬ ‫السؤال هو ببساطة‪ :‬ما الحاجة لبذل‬ ‫جهدنا في إعادة اختراع ما تم اختراعه؟‬ ‫بدال ً من ذلك يمكننا أن نبذل جهدنا‬ ‫في تحسين ما تم اختراعه‪ ،‬أو في‬ ‫ابتكار شيء جديد‪ .‬وفوق ذلك تسمح‬ ‫البرمجيات الحرة بتجميع الجهود التي‬ ‫قد تكون تعمل على مشاريع متفرقة‪،‬‬ ‫ولكن لهدف واحد في مشروع واحد‬ ‫يشملها جميعاً‪ .‬لهذا‪ ،‬ال نجد غالباً‬ ‫في البرمجيات الحرة تكراراً غير مثمر‬ ‫للجهود‪ .‬فمثالً‪ ،‬في مجال تحرير‬ ‫المطورين على مشروع‬ ‫المستندات‪ ،‬تتركز معظم جهود مجتمع‬ ‫ِّ‬ ‫(‪ )LibreOffice‬الذي يشكِّل بديال ً جيداً للبرنامج المحتكر من قبل‬ ‫مايكروسوفت (‪.)Office‬‬

‫<‪ ://////‬نتائج الصراع ‪>>>>/‬‬ ‫تكون هذين التصورين حول‬ ‫بعد مضي نحو ‪ 30‬عاماً على ُّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫البرمجيات الحرة‪ ،‬ال نزال نرى أن الصراع لم يحسم تماما لحدهما‬ ‫دون آ‬ ‫الخر‪ .‬في بعض المجاالت‪ ،‬نجد كال ً من البرمجيات االحتكارية‬ ‫والبرمجيات الحرة يمتلك حصة وقاعدة من المستخدمين‪ .‬فمثالً‪،‬‬ ‫في أنظمة تشغيل أ‬ ‫الجهزة المحمولة والذكية‪ ،‬يسود نظاما ‪iOS‬‬ ‫و‪ .Android‬أ‬ ‫الول طورته شركة ‪ Apple‬والثاني طورته شركة ‪Google‬‬ ‫وهو مبني بشكل كبير على نظام تشغيل لينوكس‪ .‬وبالتالي فإن‬ ‫‪ Android‬يخضع للحريات أ‬ ‫الربع التي حددتها مؤسسة البرمجيات‬ ‫الحرة‪ .‬على الجانب آ‬ ‫الخر‪ ،‬فإن نظام ‪ iOS‬المملوك من شركة آبل‬ ‫(‪ )Apple‬يصنف ضمن البرمجيات االحتكارية‪ .‬ونجد في هذا المثال‬ ‫أن الصراع‪ ،‬سواء على الحصة السوقية أو على قناعات أ‬ ‫الفراد في‬ ‫المجتمع‪ ،‬بين البرمجيات الحرة وتلك االحتكارية ال يزال بعيداً عن‬ ‫الحسم النهائي‪.‬‬ ‫ولكن في مجاالت أخرى‪ ،‬نجد أن المعركة تكاد تكون محسومة‬ ‫للبرمجيات الحرة‪ .‬إذ نجد أن لينوكس يستحوذ على سوق أنظمة‬ ‫تشغيل الحاسبات الخادمة التي هي القلب المشغل للإنترنت‪.‬‬ ‫إضافة إلى أن معظم خوارزميات تأمين االتصال على الشبكات‬

‫تسعى الشركات البرمجية‬ ‫التي تعتمد التوجه‬ ‫االحتكاري إلى ترسيخ مبدأ‬ ‫أن البرامج التي يطورها‬ ‫موظفوها هي ملك‬ ‫ً‬ ‫للشركات ً‬ ‫وآخرا‪...‬‬ ‫أوال‬ ‫التي تضمن الحماية والخصوصية للمستخدم‪ ،‬هي في معظمها‬ ‫برمجيات مفتوحة المصدر‪ .‬كما تحظى منتجات من قبيل متصفح‬ ‫ترجح‬ ‫إ‬ ‫النترنت ‪ Firefox‬ومنصات ‪ Wiki‬بشعبية وموثوقية عالية تكاد ِّ‬ ‫كفة البرمجيات المفتوحة‪ ،‬لوال أن حوادث كارثية تقع من ٍآن آلخر‬ ‫ألسباب هي في صميم آلية تطوير برمجيات المصادر المفتوحة‪،‬‬ ‫نذكر منها االختراق أ‬ ‫المني الشهير الذي وقع في أبريل ‪2014‬م‬ ‫و ُعرف باسم (‪ ،)Heartbleed‬ومن شأن االسترسال في استحضار‬ ‫الميزات ونقائضها أن يؤكد أمراً واحداً؛ أن الصراع بين التيارين‬ ‫هذه ّ‬ ‫ً‬ ‫ال يزال مفتوحا كما كان منذ ثالثة عقود‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪27 | 26‬‬

‫كيف يعمل‪...‬‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫ِّ‬ ‫مجفف‬ ‫الشعر‬ ‫ظهر مجفِّف الشعر ألول مرة في العقد الثالث من القرن العشرين‪ .‬وبالنظر إلى وظيفته التشغيلية‪،‬‬ ‫أصر كثيرون على تسميته بـ «مدفع الهواء الحار»‪ .‬لكن هذا المدفع يستخدم شعبياً على نطاق واسع‬ ‫ّ‬ ‫لتجفيف الشعر المبتل‪ ،‬وذلك بتسريع تبخر الماء عبر رفع درجة حرارة خصالت الشعر‪ ،‬أو أي سطح آخر يُراد‬ ‫تجفيفه سريعاً‪.‬‬ ‫وبالضافة إلى مصدر للتيار الكهربائي‪ ،‬يتأ َّلف مجفف الشعر من ثالثة أقسام رئيسة على الوجه التالي‪:‬‬ ‫إ‬

‫المحرك‬

‫‪.1‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪.3‬‬

‫ مروحة ذات محرك يشغّ له التيار‬ ‫الكهربائي‪ ،‬وظيفتها دفع الهواء بسرعات‬ ‫عالية يمكن التحكم بها‪.‬‬ ‫السخان‪ ،‬وهذا يشغّ له التيار الكهربائي‬ ‫ ّ‬ ‫للسخان أن يكون في‬ ‫كذلك‪ .‬ويمكن َّ‬ ‫صيغة لفات معدنية يمكن رفع حرارتها‬ ‫متقدمة‪.‬‬ ‫بسرعة‪ ،‬أو من مواد سيراميكة ِّ‬ ‫ومهمة هذا الجزء هو تلقي الهواء البارد‬ ‫من المروحة وتحويله إلى هواء ساخن‪.‬‬ ‫وفي بعض وحدات التسخين في‬ ‫المتقدمة يمكن التحكم‬ ‫مجففات الشعر‬ ‫ِّ‬ ‫بمستوى الحرارة الالزمة أو الكافية‪.‬‬ ‫ الفوهة التي نتلقى الهواء الساخن منها‪،‬‬ ‫ونالحظ أنها تكون عادة أضيق من قطر‬ ‫الهيكل الرئيس للمجفف الذي يحتوي‬ ‫السخان‪ ،‬وذلك لزيادة زخم اندفاع‬ ‫على ّ‬ ‫الهواء الساخن إلى الخارج‪.‬‬

‫عنصر التسخين‬ ‫المنفخ‬

‫مصدر الطاقة‬


‫سحاب‬ ‫د‪ .‬فكتور ّ‬

‫من يحفظ الصور‬ ‫واألصوات واألفالم؟‬ ‫أفالم وكتب ُتمحى وصور‬ ‫«سلفي» تتراكم!‬

‫علوم‬

‫ً‬ ‫تقريبا بين أواخر القرن التاسع‬ ‫في قرن يمتد‬ ‫ّ‬ ‫عشر وأواخر القرن العشرين‪ ،‬تمكن البشر‬ ‫من حفظ الصور باختراع الفوتوغرافيا‪،‬‬ ‫ومن حفظ األصوات واألغنيات‪ ،‬باختراع‬ ‫الغراموفون وآلة التسجيل واألسطوانة‪،‬‬ ‫ومن تصوير الروايات التمثيلية والحوادث‬ ‫السياسية والثقافية العامة باختراع‬ ‫السينما‪ ،‬وأضافوا كل هذه الوسائط لخزن‬ ‫ّ‬ ‫تطورت‬ ‫المحفوظات‪ ،‬إلى الكتب التي‬ ‫ّ‬ ‫فتوسعت‬ ‫طباعتها في القرن العشرين‪،‬‬ ‫أعمال طباعة المصحف الشريف وكتب‬ ‫التراث البشري‪ ،‬منذ إلياذة هوميروس‪ ،‬حتى‬ ‫آخر روايات أغاثا كريستي‪.‬‬


‫‪29 | 28‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫لكن كل هذه المحفوظات ظلّت‬ ‫عرضة للتلف‪ ،‬بتمزق الصور‬ ‫أو بانكسار أ‬ ‫السطوانات وتلف‬ ‫أشرطة التسجيل وتآكل ورق‬ ‫الكتب‪.‬‬ ‫ثم جاء العصر الرقمي‪ ،‬ليقول لكل هذه الوسائل‬ ‫الحديثة‪ :‬أنا البديل! إذ أخذ الكمبيوتر ووسائل الخزن‬ ‫الرقمي المتنوعة على عاتقها المهمة في حفظ الصور‬ ‫والصوات أ‬ ‫أ‬ ‫والفالم‪ ،‬على النحو الذي ال يبلى‪...‬‬ ‫مبدئياً‪.‬‬ ‫وبات أب العائلة الذي كان في الماضي يجتهد في‬ ‫التقاط صورة جامعة لعائلته وفي حفظها من التلف‬ ‫أو الضياع‪ ،‬يستطيع بكبسة زر‪ ،‬على هاتفه الخلوي‪،‬‬ ‫أن يلتقط ما شاء من صور‪ ،‬وأن يسجل أ‬ ‫الحاديث أو‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫مصورة على‬ ‫الصوات كما يحلو له‪ .‬وباتت الكتب ّ‬ ‫مختلف أنواع البرامج الخاصة بتكوين المكتبات‬ ‫الخاصة والعامة‪.‬‬ ‫المطورون في دنيا الصناعة الرقمية‪،‬‬ ‫واخترع‬ ‫ّ‬ ‫مختلف أ‬ ‫الدوات التي تمكننا من نقل ما نريد حفظه‬ ‫من صور وتسجيالت إلى «مخازن»‪ ،‬راوحت بين‬ ‫السعة المحدودة‪،‬‬ ‫ما ّ‬ ‫يسمى «يو إس بي»‪ ،‬ذا ّ‬ ‫المسمى «إكستيرنال هارد‬ ‫وبين القرص الرقمي‬ ‫ّ‬ ‫ديسك»‪ ،‬وأخذت هذه الوسائل في االنتشار‬ ‫وأسعارها في االنخفاض‪ ،‬حتى إن من أ‬ ‫القراص‬ ‫الرقمية التي تتسع اليوم الثنين تيرابايت‪ ،‬ما ال‬ ‫يتجاوز سعره المئة دوالر أمريكي‪ .‬وهي قادرة على‬ ‫حفظ نتاج عمر من الصور والتسجيالت وغيرها من‬ ‫المحفوظات‪.‬‬ ‫وصارت هذه أ‬ ‫القراص وسيلة عملية للمكتبات‬ ‫الشخصية‪ ،‬لمن يريد االحتفاظ بما يشاء‪.‬‬ ‫القراص‪ ،‬معرضة هي أ‬ ‫غير أن هذه أ‬ ‫الخرى للتلف‬ ‫ّ‬ ‫أو حدوث خلل‪ ،‬غير قابل للإصالح‪ ،‬فتضيع كل‬ ‫المحفوظات فيه‪.‬‬

‫«كالود» و«ناس»‬

‫يسمى اليوم «كالود»‪ ،‬أي الغيمة‪ ،‬وهي‬ ‫وظهر ما َّ‬ ‫موقع يستقبل ممن يشاء المحفوظات التي يرغب‬ ‫في خزنها‪ ،‬واستعادتها‪ ،‬أو استعادة استعمالها‪،‬‬ ‫متى شاء‪ ،‬حيثما كان مع حاسوبه الشخصي‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من أن إدارة «كالود»‪ ،‬تؤكد أن المحفوظات‬ ‫محمية‪ ،‬غير أن نسبة من أصحاب‬ ‫فيها‬ ‫ّ‬ ‫المحفوظات‪ ،‬يخشون على محفوظاتهم من أن‬ ‫تتسرب إلى من ال يشاؤون إطالعهم عليها‪ ،‬مثل‬ ‫ّ‬ ‫الشؤون العائلية الخاصة‪ ،‬أو أ‬ ‫السرار التجارية أو‬ ‫الصناعية‪ ،‬أو ما إليها‪.‬‬

‫ما العمل إذاً؟‬ ‫ثمة من يطرح اليوم في أسواق الوسائط الرقمية‪،‬‬ ‫يسمى «ناس» (‪Network Attached Storage‬‬ ‫ما ّ‬ ‫‪ ،)NAS‬وهو جهاز لخزن المحفوظات‪ ،‬إال أنه محدود‬ ‫المدى‪ ،‬فال يستعمله‪ ،‬وال يصل إلى مضمونه‪ ،‬إال‬ ‫مجموعة من الناس‪ ،‬قد يكونون موظفين في شركة‪،‬‬ ‫أو مجموعة عائلية معينة‪ .‬وهو يقيم شبكة اتصال‬ ‫المصرح لهم دخوله‪ ،‬وسعته كبيرة‬ ‫مقفلة‪ ،‬بين أولئك‬ ‫ّ‬ ‫جداً‪ ،‬حتى للشركات‪ .‬وهو سهل االستخدام‪ ،‬ويمكن‬ ‫النترنت الالسلكي‪ ،‬حتى قيل فيه إنه‬ ‫االتصال به عبر إ‬ ‫«كالود خاص»‪.‬‬

‫عصر الظلمات‬

‫لكن كل هذا يبدو أنه ال يكفي‪ .‬فتكاثر وسائل خزن‬ ‫المحفوظات‪ ،‬ربما يؤدي إلى نتيجة معكوسة‪ .‬إذ‬ ‫يطلق المؤرخون وخبراء المحفوظات على زمننا‬ ‫هذا عبارة‪« :‬عصر الظلمات الرقمي»‪ .‬وعبارة عصر‬ ‫الظلمات‪ ،‬تذ ّكرنا بفترة القرون الوسطى‪ ،‬التي حلّت‬ ‫المبراطورية الرومانية‪ ،‬وهو انهيار‬ ‫في أعقاب انهيار إ‬ ‫أدى إلى تراجع جذري في وسائل تدوين وتسجيل‬ ‫تاريخ الغرب نحواً من ألف سنة متوالية‪ .‬لكن في‬ ‫عصر الظلمات الرقمي الذي يحذِّ روننا من أننا نعيش‬ ‫في أيامه آ‬ ‫الن‪ ،‬ال تلوموا قبائل «الفيزيقوط» أو قبائل‬ ‫المبراطورية‬ ‫«الفاندال» الذين كانوا وراء انهيار إ‬ ‫الرومانية‪ .‬الملوم في عصر الظلمات الرقمي هو‬ ‫تميز وسائل‬ ‫الطبيعة ّ‬ ‫الهشة السريعة الزوال التي ّ‬ ‫التدوين الرقمي في يومنا هذا‪.‬‬ ‫فلنتذكر كل المحفوظات التي وضعناها على أقراص‬ ‫«فلوبي» (‪ ،)floppy‬وهي محفوظات ضاعت آ‬ ‫الن‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫م ّنا إلى البد‪ .‬ثم توالى فيما بعد ظهور البدائل‬ ‫المختلفة‪ ،‬فمن أقراص الزمام (‪ )zip discs‬إلى‬ ‫المدمجة (‪ ،)CD-ROMs‬إلى‬ ‫أقراص «سي دي روم»‬ ‫ّ‬ ‫المخازن الرقمية الخارجية‪ ،‬حتى وصلنا إلى عصر‬ ‫اللكترونية»‪.‬‬ ‫نخ ّزن فيه محفوظاتنا في «الغيمة إ‬ ‫دع عنك كل الصور والنصوص والتسجيالت والوثائق‬ ‫التي ضيعتها البشرية بسبب انهيار الكمبيوترات‪.‬‬ ‫إن كل انتقال من وسيلة حفظ‪ ،‬إلى وسيلة حفظ‬ ‫تعد من الوثائق‬ ‫جديدة‪ ،‬شهد ضياع تريليونات ال ّ‬ ‫والصور والتسجيالت‪ .‬وال شك في أن المفارقة‪ ،‬هي‬ ‫أننا على الرغم من أننا ننتج من المحفوظات أكثر‬ ‫مما أنتجت أي حضارة سالفة بما ال يقاس‪ ،‬فإننا في‬ ‫المهمة‪،‬‬ ‫حصى من الوثائق‬ ‫ّ‬ ‫الوقت نفسه ّ‬ ‫ندمر ما ال يُ َ‬ ‫الجيال آ‬ ‫حتى إن أ‬ ‫التية قد ال تجد ما تعرفه عنا وعن‬ ‫أ‬ ‫وجودنا على هذه الرض يوماً‪.‬‬ ‫لقد تأمل أخيراً نائب رئيس شركة «غوغل» فينت‬ ‫سيرف‪ ،‬في شأن كتاب دوريس كيرنز غودوين «فريق‬

‫متنافسين‪ :‬عبقرية أبراهام لنكولن السياسية»‪،‬‬ ‫وقال‪« :‬مثل هذا الكتاب قد ال يكون ممكناً كتابته‬ ‫في أشخاص يعيشون في يومنا هذا‪ ...‬فالمضمون‬ ‫اللكترونية التي قد يحتاج‬ ‫الرقمي‪ ،‬مثل الرسائل إ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫تبخرت‪ ،‬لن أحدا لم يحفظها‪ ،‬أو‬ ‫إليها الكاتب‪ّ ،‬‬ ‫أنها موجودة في مكان ما‪ ،‬لكن ال يمكن قراءتها أو‬ ‫االستفادة منها‪ ،‬ألنها محفوظة وفق برامج إلكترونية‬ ‫مضى عليها الزمن»‪.‬‬ ‫انظر إلى الصور التي حفظتها على هاتفك الخلوي‪.‬‬ ‫إن قلة م ّنا يدركون هذا‪ ،‬لكن البرمجة التلقائية‬ ‫أ‬ ‫اللكترونية‪ ،‬مثل‬ ‫(‪ )default settings‬في الجهزة إ‬ ‫الهواتف الذكية‪ ،‬تقضي بحفظ الصورة أو النص أو‬ ‫سجل فيديو‪،‬‬ ‫التسجيل‪ ،‬ال محوها‪ُ .‬خذ صورة أو ِّ‬ ‫فيحفظها جهاز «أبل»‪ ،‬أو يرسلها للحفظ في أي‬ ‫مخزن من مخازن حسابك الشخصي‪ .‬فإذا كنت مثل‬ ‫معظم الناس‪ ،‬فإنك تلتقط من الصور أكثر بكثير‬ ‫مما تمحو منها‪ .‬ولكن حتى حين «تمحو» (‪)delete‬‬ ‫محى حقاً‪ ،‬بل‬ ‫شيئاً من جهازك إ‬ ‫اللكتروني‪ ،‬فإنه ال يُ َ‬ ‫الممحاة»‬ ‫يسمى ملف «الصور ُ‬ ‫إنه ينتقل فقط إلى ما ّ‬ ‫(‪ .)Deleted Photos‬ولكن من أجل أن تمحو حقاً‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫شيئا‬ ‫حقا‬ ‫من أجل أن تمحو‬ ‫ما من على جهازك اإللكتروني‪،‬‬ ‫فعليك أن تمحوه مرة أخرى‬ ‫من ملف «الصور الممحاة»‪،‬‬ ‫ومعظم الناس ال ّ‬ ‫يكلفون‬ ‫أنفسهم هذا العناء‬


‫معظم الحاالت مرة أخرى‪ .‬وهكذا تمحو «الرقمنة»‬ ‫أ‬ ‫العمال الثقافية أو الوثائق الضرورية بالجملة‪.‬‬ ‫من أ‬ ‫الفالم التي عددها بين ‪ 80‬ألفاً و‪ 90‬ألفاً‪،‬‬ ‫والتي نُ ِس َخت على أقراص «دي في دي» في‬ ‫الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‪ ،‬لم تنتقل إلى الوسائل‬ ‫اللكترونية المتاحة اليوم‪ ،‬إال نسبة ضئيلة‪.‬‬ ‫إ‬ ‫سبب هذا في معظم الحاالت أن الشركات مثل‬ ‫«نتفلكس»‪ ،‬ال تستطيع أو ال تريد أن تشتري حقوق‬ ‫هذه أ‬ ‫الفالم‪ ،‬التي لها أصحاب حقوق أدبية يريدون‬ ‫يجمدوا ما يملكون‪ ،‬للحصول على أموال أكثر‪.‬‬ ‫أن ّ‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬إذا أردت أن تشاهد أفالماً كالسيكية‪،‬‬ ‫فأملك الوحيد هو أن تشتري قرص «دي في دي»‬ ‫َ‬ ‫قديماً مستعمالً‪ ،‬بواسطة «إيباي» (على شرط أن‬ ‫تكون محتفظاً بآلة تشغيل هذه أ‬ ‫القراص)‪ .‬بالطبع‪،‬‬ ‫عند كل انتقال إلى جهاز رقمي ذي برنامج جديد‪،‬‬ ‫صار كثير من أ‬ ‫الفالم المهمة‪ ،‬غير متاحة لهواة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تتحول أبداً من‬ ‫الفالم‪ .‬كثير من أعظم الفالم لم ّ‬ ‫صيغة الفيديو «في إتش إس» إلى أقراص «دي في‬ ‫دي»‪.‬‬

‫إن االنتقال من برنامج إلى‬ ‫برنامج ومن جهاز إلى جهاز‪،‬‬ ‫أخذ يغتال تراثنا الموسيقي‬ ‫واألدبي والفني‪ .‬واألمر ليس‬ ‫ً‬ ‫جديدا‪ .‬فهواة الموسيقى‬ ‫الباحثون عن روائع ظهرت‬ ‫على أسطوانات ‪ 78‬دورة في‬ ‫الدقيقة‪ ،‬لم يجدوها فيما بعد‬ ‫على أسطوانات ‪ 33‬دورة في‬ ‫الدقيقة‬

‫اللكتروني‪ ،‬فعليك أن تمحوه مرة‬ ‫شيئاً ما من جهازك إ‬ ‫أخرى من ملف «الصور الممحاة»‪ ،‬ومعظم الناس ال‬ ‫يكلّفون أنفسهم هذا العناء‪.‬‬ ‫لذا فإن هذا العدد الهائل من الصور اليومية‪ ،‬كصور‬ ‫ولدك في حفلة المدرسة الثانوية‪ ،‬أو صور بطاقات‬ ‫سفرك‪ ،‬أو صور السلع التي ترغب في الحصول على‬ ‫مزيد منها‪ ،‬جميع هذه تتراكم‪.‬‬ ‫وما دمنا نحجم عن محو مثل هذه المحفوظات‪،‬‬ ‫غير الضرورية في معظم أ‬ ‫الحيان‪ ،‬يَتوقّع بعض‬ ‫الخبراء‪ ،‬أن تداهمنا أزمة سعة رقمية‪ ،‬بضخامة‬ ‫ملحمية أسطورية‪.‬‬ ‫االحتفاظ بكل شيء‪ ،‬أكان ضرورياً أم ال‪ ،‬هو ظاهرة‬ ‫العصر الرقمي‪ .‬كانت الصور الفوتوغرافية الورقية‬ ‫غالية الثمن‪ ،‬إذا أردنا تظهيرها وطباعتها‪ .‬لذا التقطنا‬ ‫القليل منها‪ ،‬ثم إننا لم نُظ ّهر كل ما التقطناه من‬ ‫صور‪.‬‬ ‫المفارقة أ‬ ‫الكثر تأثيراً‪ ،‬هي أننا حتى ونحن نحفظ‬ ‫ثالث نسخ من تريليونات‪ ،‬بل زيليونات الوثائق‬ ‫والصور‪ ،‬فإننا ال نعاود مشاهدتها ومطالعتها‪ ،‬في‬

‫إن االنتقال من برنامج إلى برنامج ومن جهاز إلى‬ ‫جهاز‪ ،‬أخذ يغتال تراثنا الموسيقي أ‬ ‫والدبي والفني‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والمر ليس جديداً‪ .‬فهواة الموسيقى الباحثون عن‬ ‫روائع ظهرت على أسطوانات ‪ 78‬دورة في الدقيقة‪،‬‬ ‫لم يجدوها فيما بعد على أسطوانات ‪ 33‬دورة في‬ ‫الدقيقة‪ .‬وعند االنتقال من أسطوانة الشمع‪ ،‬إلى‬ ‫أسطوانة «سي دي»‪ ،‬ضاعت أطنان من أ‬ ‫النغام‪.‬‬ ‫كم من الموسيقى الضائعة فقدنا‪ ،‬ونحن نحب‬ ‫سماعها‪ .‬لكن مهالً‪ ،‬يبدو أن ضياع التراث مع التطور‬ ‫الرقمي المستمر أشد تدميراً هذه المرة‪ ،‬مع انتقال‬ ‫التسجيالت من الوسائل المادية الملموسة‪ ،‬إلى‬ ‫النطاق أ‬ ‫الثيري االفتراضي‪.‬‬ ‫تتحول‬ ‫صار سهال ً نسيان ٍ‬ ‫عدد كبير من الكتب التي لم ّ‬ ‫رقمياً‪ ،‬ال سيما وأن الشركات مثل أمازون‪ ،‬تبيعك‬ ‫معين‪ .‬في هذه‬ ‫حق قراءة ‪ 600‬ألف كتاب لقاء مبلغ َّ‬ ‫المجموعة‪ ،‬ال نجد أسماء ك ّتاب كبار‪ .‬فقد صدر في‬ ‫العالم ‪ 129‬مليون كتاب‪ ،‬حتى سنة ‪2010‬م‪.‬‬ ‫اشترك إذاً بإحدى هذه الشركات على الشبكة الدولية‬ ‫«النترنت»‪ ،‬وستحصل على مدخل إلى أقل من‬ ‫إ‬ ‫‪ %0,5‬من كتب العالم‪ .‬لكن ال عليك‪ ،‬فسيظل في‬ ‫إمكانك أن تنظر إلى صور أوالد مدرسة يلعبون‪.‬‬ ‫هذا إلى أن تشتري هاتفاً جديداً‪.‬‬ ‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪31 | 30‬‬

‫العلم خيال‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫بساط الريح‬ ‫َّ‬ ‫تتحدث عن سجادة‬ ‫ضمن حكايات «ألف ليلة وليلة»‪ ،‬ثمة واحدة‬ ‫سحرية لها القدرة على الطيران بمن عليها من مكان إلى مكان‪،‬‬ ‫في استحضار لحلم البشرية القديم بالطيران‪ .‬وبعدما ظهرت‬ ‫الطائرة قبل مئة عام‪ ،‬لم تتوقف األبحاث إلنتاج بساط الريح!‬ ‫حسن الخاطر‬


‫يز‬ ‫ف�يائياً‪ ،‬تتباين المواد والعنارص الكيميائية ف ي� موصليتها ‪ -‬أو‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا�‪ .‬المقاومة الكهربائية لها عالقة‬ ‫مقاومتها ‪ -‬للتيار‬ ‫ي‬ ‫بدرجة الحرارة‪ ،‬فتنخفض بانخفاضها وتزداد بازديادها‪ .‬فعندما‬ ‫موصل فإن مقاومته تزداد‪ ،‬والسبب‬ ‫نقوم برفع درجة حرارة ِّ‬ ‫الذي يجعل المادة تقل مقاومتها بانخفاض درجة الحرارة يعود إىل قلة الحركة‬ ‫لك�ونات بحرية ث‬ ‫ال ت‬ ‫ت‬ ‫تز‬ ‫أك�‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن‬ ‫ال� تسمح بدورها بتدفق إ‬ ‫االه�ازية للذرات‪ ،‬ي‬ ‫ال ت‬ ‫عدد االصطدامات يقل ي ن‬ ‫لك�ونات والذرات‪ .‬أما ارتفاع درجة الحرارة فناتج‬ ‫ب� إ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫اللك�ونات‪.‬‬ ‫عن زيادة حركة الذرات ما يشكِّل صعوبة ي� تدفق إ‬ ‫ن‬ ‫كث�اً‪ ،‬ألن المقاومة مسؤولة عن ضياع الطاقة‬ ‫تع� لنا ي‬ ‫والمقاومة الصفرية ي‬ ‫الكهربائية دون فائدة‪ .‬فأسالك الكهرباء النحاسية تفقد طاقة أثناء نقل الكهرباء‪،‬‬ ‫لكن ف ي� حالة المواد المعروفة بـ «الموصالت الفائقة» فإن الضائع سيكون شبه‬ ‫ن‬ ‫توف�اً هائال ً ف ي� الموارد والنفقات‪ .‬إن للموصالت الفائقة القدرة‬ ‫يع� ي‬ ‫معدوم‪ ،‬ما ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا�‪ ،‬ويمكن له أن يستمر ي� مروره بع� حلقة مصنوعة‬ ‫عىل االحتفاظ بالتيار‬ ‫ي‬ ‫من مادة فائقة الموصلية مع عدم وجود مصدر للطاقة! ذلك أنه ال يوجد ما يعيق‬ ‫لك�ونات ويبدد طاقتها‪ ،‬لكن هذه الفكرة ت‬ ‫ال ت‬ ‫تع�ضها موانع منها �ض ورة‬ ‫حركة إ‬ ‫بت�يد المادة فائقة التوصيل بشدة‪ ،‬وهذه العملية باهظة التكلفة‪.‬‬

‫ن‬ ‫مايس�»؟‬ ‫ما هي «ظاهرة‬

‫الف�يائيان أ‬ ‫ن‬ ‫ف� عام ‪1933‬م‪ ،‬اكتشف ي ز‬ ‫مايس� وأوشنفليد‪ ،‬أثناء بحوثهما‬ ‫اللمانيان‬ ‫ي‬ ‫ف ي� الموصالت الفائقة حول عنرصي القصدير والرصاص‪ ،‬أنها تطرد الحقل‬ ‫المغناطيس‪ .‬أي إن هناك قوة تدافع ي ن‬ ‫ب� المغناطيس والموصل الفائق‪ .‬وعرفت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫مايس�»‪ .‬فإذا قمنا بوضع مغناطيس فوق موصل‬ ‫هذه الظاهرة باسم «ظاهرة‬ ‫فائق‪ ،‬فسوف يطفو المغناطيس فوق الموصل الفائق ويبقى معلقاً ف ي� الهواء‪،‬‬ ‫تأث�ية عىل سطحها نتيجة‬ ‫فالمادة فائقة التوصيل بسبب ما يصاحبها من تيارات ي‬ ‫انعدام المقاومة تنتج حقال مغناطيسياً يلغي تماماً الحقل المغناطيس أ‬ ‫صل‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الذي يحاول النفاذ إىل المادة فائقة التوصيل‪ .‬وتمت االستفادة من هذه الخاصية‬ ‫ف ي� تصميم القطارات الرسيعة الطائرة المعلَّقة ف ي� الهواء‪ .‬فتصور أنك ف ي� قطار‬ ‫ن‬ ‫اليابا� مغادراً طوكيو برسعة تفوق ‪ 500‬كم ف ي� الساعة! أي ما‬ ‫المغناطيس‬ ‫الطفو‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يعادل ‪ 0.4‬من رسعة الصوت! وهذه الرسعة الهائلة هي نتيجة انعدام االحتكاك إذ‬ ‫إنه من المعروف ي ز‬ ‫ف�يائياً أن قوة االحتكاك تعيق الحركة ذلك أنها تعمل ف ي� االتجاه‬ ‫المعاكس لها‪.‬‬ ‫يواصل العلماء بحوثهم ف� مجال المواد فائقة التوصيل‪ ،‬ومن أ‬ ‫الهداف‬ ‫ي‬ ‫الرئيسة البحث عن موصالت فائقة ف ي� درجات حرارة أعىل‪ .‬ذلك أن الحصول‬ ‫للت�يد مكلف جداً كما سلف‪ .‬ومنذ عام ‪1986‬م‪،‬‬ ‫عىل الهيليوم السائل الالزم ب‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تعمل ي� درجة حرارة عالية‪،‬‬ ‫تحققت قفزة ي‬ ‫كب�ة ي� مجال الموصالت الفائقة ي‬ ‫الف� ي ن‬ ‫ويعود الفضل ف� ذلك إىل ي ز‬ ‫يائي� موللر وبيدنورز‪ ،‬حيث اكتشفا مركباً‬ ‫ي‬ ‫س�اميكياً يتكون من «النثانوم‪-‬باريوم‪ -‬أكسيد النحاس» ودرجة حرارته الحرجة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫نظ� اكتشافهما‪.‬‬ ‫‪ 35‬كالفن‪ ،‬وقد حاز هذان العا ِلمان جائزة نوبل ي� عام ‪1987‬م ي‬ ‫ف‬ ‫يتكون من «إتريوم‪-‬باريوم‪-‬‬ ‫و� العام نفسه تم اكتشاف مركب ي‬ ‫اميك آخر َّ‬ ‫س� ي‬ ‫ي‬ ‫أكسيد النحاس» الذي بلغت درجة حرارته الحرجة ‪ 93‬كالفن‪ ،‬أي أعىل من‬ ‫درجة غليان ت‬ ‫الني� ي ن‬ ‫كب�اً ف ي� مواصلة طريقهم‪ .‬أي إننا‬ ‫وج�‪ ،‬مما فتح للعلماء أمال ً ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫وج�ن‬ ‫للت�يد‪ .‬فهذه المواد الفائقة تعمل ي� الني� ي‬ ‫ال نحتاج للهيليوم المسال ب‬ ‫يغل عند درجة ‪ 77‬كالفن أي ‪ 196‬درجة مئوية تحت الصفر‪،‬‬ ‫السائل‪ ،‬الذي ي‬ ‫ويسهل الحصول عليه مقارنة بالهيليوم‪ .‬وباكتشاف هذا المركب دخلنا عرص‬ ‫الموصالت الفائقة عالية الحرارة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫وح� هذه اللحظة ما زال العلماء يحاولون اكتشاف مركّبات جديدة تعمل ف ي�‬ ‫درجة حرارة مرتفعة من خالل التجربة‪ .‬ذلك أنه ال توجد نظرية واضحة تفرس‬

‫‪B‬‬ ‫‪B‬‬ ‫عمل الموصالت الفائقة ف ي� درجة‬ ‫الحرارة المرتفعة‪ ،‬وال توجد نظرية‬ ‫الن‪ .‬آ‬ ‫ح� آ‬ ‫قبول عاماً ت‬ ‫مقبولة ً‬ ‫واللية‬ ‫أ‬ ‫ز‬ ‫الف�يائية لهذه الظاهرة‬ ‫الساسية ي‬ ‫يغ� مفهومة بشكل كامل‪ ،‬وقد تم‬ ‫الوصول إىل موصالت فائقة مرتفعة‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫الحرارة مقارنة بالموصالت ي‬ ‫سبقتها‪ ،‬منها عىل سبيل المثال مادة‬ ‫تتكون من زئبق وثاليوم وباريوم‬ ‫َّ‬ ‫وكالسيوم وأكسيد النحاس‪ ،‬ودرجة‬ ‫حرارته الحرجة تبلغ ‪ 138‬كالفن أي‬ ‫‪ 135‬درجة مئوية تحت الصفر‪ ،‬وكان‬ ‫‪T> T‬‬ ‫‪T< T‬‬ ‫‪C‬‬ ‫‪C‬‬ ‫ذلك ف ي� عام ‪1994‬م‪ .‬وعىل الرغم‬ ‫من هذه الدرجة المرتفعة نسبياً إال‬ ‫البعد عن الدرجة المأمولة‪ ،‬إضافة إىل مواد درجات حرارتها‬ ‫أنها ال تزال بعيدة كل ُ‬ ‫تأث� الضغط‪.‬‬ ‫الحرجة مرتفعة نسبياً إذا وضعت تحت ي‬

‫جداً يواجه العلماء وهو‬ ‫كب�اً وصعباً ّ‬ ‫وعىل الرغم من ذلك‪ ،‬فإن هناك تحدياً ي‬ ‫الحصول عىل موصالت فائقة ف ي� درجة حرارة الغرفة (‪ 25‬درجة مئوية) ومن دون‬ ‫الحاجة إىل بت�يدها إطالقاً‪ .‬والبحث ما زال مستمراً ف ي� هذا المضمار‪.‬‬ ‫فإذا استطعنا الوصول إىل هذه الخلطة السحرية‪ ،‬ستولد عندنا تطبيقات‬ ‫تكنولوجية ال حدود لها‪ .‬إذ سوف نستبدلها أ‬ ‫بالسالك النحاسية وننقل الطاقة‬ ‫أ‬ ‫فسنعبد بها الطرقات ً‬ ‫بدل من السفلت‬ ‫الكهربائية بالمجان‪ ،‬وليس هذا فحسب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لتص� عندنا شوارع ذاتية الدفع تسبح فوقها مركباتنا برسعات عظيمة‪ .‬وإذا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ال� ظهرت ي� أفالم الخيال‬ ‫حدث ذلك بالفعل‪ ،‬فسنقود ي‬ ‫أخ�ا السيارات الطائرة ي‬ ‫العلمي‪ ،‬وسيتفوق كل منا عىل عالء الدين وبساطه السحري‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪33 | 32‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫منتج‬

‫كود الـرد‬ ‫السريع‬ ‫د‪ .‬أشرف فقيه‬ ‫الحرفان ‪ QR‬هما اختصار للكلمتين‬ ‫(‪ )Quick Response‬أو (الرد السريع)‪.‬‬ ‫وهذا هو اسم العالمة التجارية لنظام‬ ‫الباركود ثنائي أ‬ ‫البعاد الذي ظهر أصال ً في عام‬ ‫‪1994‬م‪ ،‬على يد شركة «دنسو ويف» التابعة لعمالق‬ ‫صناعة السيارات تويوتا‪.‬‬ ‫هذا الكود المليء بالنقاط البيضاء والسوداء أريد له‬ ‫يقدم حال ً داخلياً لتتبع قطع غيار السيارات أثناء‬ ‫أن ِّ‬ ‫مرحلة التصنيع‪ .‬لكنه انتشر اليوم كمنتج تعريفي‬ ‫ألي شيء وكل شيء‪ .‬وبالتضافر مع انتشار الهواتف‬ ‫المزودة بالكاميرات‪ ،‬صرنا اليوم نستعمل‬ ‫الذكية َّ‬ ‫لنحدد مواقع منازلنا على الخرائط‬ ‫رمز الـ «‪ِّ ،»QR‬‬ ‫التفاعلية‪ ،‬ونوفر المعلومات والتواريخ الخاصة‬ ‫بالبضائع والمواقع السياحية‪ ،‬ونتبادل عناوين‬ ‫اللكتروني‪ ،‬بل ونرسل رسائل تهنئة‬ ‫النترنت والبريد إ‬ ‫إ‬ ‫قصيرة‪ .‬وها نحن نجد هذا الكود على أغلفة الكتب‬ ‫ولوحات مواقع البناء وبطاقات التهنئة‪ .‬فصار أحدنا‬ ‫يستعيض عن بطاقة عمله برمز الرد السريع هذا‬ ‫يتضمن كل بياناته الضرورية‪ .‬كما أن لهذا‬ ‫الذي َّ‬ ‫المنتج دوراً مهماً في تعقّب ومتابعة الشحنات من‬ ‫والمداد‪.‬‬ ‫أمتعة وبضائع عبر خطوط التوصيل إ‬ ‫لكن االنتشار الكبير لهذا الرمز يراه البعض دون‬ ‫تدربت على تجاهل‬ ‫المأمول‪ .‬بدليل أن أعيننا قد َّ‬ ‫هذه المربعات وقلَّما اعتمدنا عليها حقاً‪ .‬فما‬ ‫المطلوب بالضبط من هذا المنتج التعريفي؟‬ ‫كثيراً ما تتم مقارنة كود الرد السريع بالكود المخطط‬ ‫المعروف باسم ‪ Bar Code‬الموجود على المنتجات‬ ‫التجارية خاصة وأن االثنين يتطلبان قارئاً إلكترونياً‬ ‫(‪ )Scanner‬قادراً على فك شفرة الكود المبهم‬ ‫بالنسبة للعين المجردة‪ .‬ويقتصر وجه الشبه في‬ ‫كون االثنين يمكن أن يُستخدما لتعريف المنتجات‬ ‫أ‬ ‫والشياء‪ .‬لكن االختالفات كثيرة‪ .‬فمثالً‪ :‬قارئ‬

‫في الزوايا الثالث لرموز الـ ‪ QR‬بمنزلة «نقاط ارتكاز»‬ ‫للقارئ‪/‬الكاميرا لضمان قراءة دقيقة للرمز‪ .‬وبالنتيجة‪،‬‬ ‫يمكننا اليوم تمثيل أي صيغة من البيانات تقريباً‬ ‫وتبادلها بسهولة من خالل شفرة هذا الرمز‪.‬‬ ‫لكن السهولة التي يمكن إنتاج وتداول هذا المنتج من‬ ‫خاللها قد تقلل من فاعليته بشكل كبير‪ .‬فبالرغم من‬ ‫أن هذا الرمز قد شهد قفزة في استخدامه بين عامي‬ ‫‪ 2010‬و ‪2011‬م بلغت زيادتها نسب ‪ 4000‬بالمئة‬ ‫في الواليات المتحدة‪ ،.‬إال أن الناس ما لبثوا أن‬ ‫وجدوا أنفسهم غارقين في بحر من هذا الكود‪.‬‬ ‫الباركود يلزم أن يكون متصال ً بقاعدة بيانات تمده‬ ‫بالمعلومات الخاصة بالمنتج مثل السعر أو تاريخ‬ ‫الصالحية‪ .‬وهذا ال ينطبق على رمز الرد السريع الذي‬ ‫يقوم قارئه (الهاتف الذكي غالباً) بتحليله واستخراج‬ ‫المعلومات المخ ّزنة به ذاتياً‪ ،‬عبر معالجه الخاص من‬ ‫دون الحاجة إلى االتصال بأي قاعدة بيانات‪ .‬ويمكن‬ ‫لرمز الرد السريع الواحد أن يخزن آالف أ‬ ‫الحرف من‬ ‫ُ ِّ‬ ‫المعلومات وبلغات عدة تشمل العربية في حين ال‬ ‫يحمل البار كود أكثر من بضع عشرات من الحروف‪.‬‬ ‫كيف يتم «تخزين» أ‬ ‫الحرف في نقاط بيضاء وسوداء؟‬ ‫ما يقوم به هذا الكود هو عملية تشفير للمعلومات‬ ‫في صيغ أصفار وآحاد ومن ثم تحويل هذه الشفرة‬ ‫إلى نمط مخصوص من النقاط السوداء‪ .‬وحين تسلِّط‬ ‫كاميرا هاتفك الجوال على أحد هذه الرموز فإن برنامجاً‬ ‫خاصاً يقوم بقراءة نمط النقاط وإعادة ترجمتها إلى‬ ‫أ‬ ‫الرقام والحروف التي صمم بها في البدء‪ .‬وبطبيعة‬ ‫الحال فهذا توصيف فيه اختزال كبير‪ .‬وقد تم اعتماد‬ ‫عديد من تقنيات تصحيح الخطأ الرياضية لضمان‬ ‫قراءة دقيقة من قبل أي كاميرا ألي رمز للرد السريع‬ ‫مهما كان حجمه‪ .‬كما تخدم المربعات الثالثة المميزة‬

‫ففجأة صارت كل صفحة إعالنات في كل مجلة‪ ،‬وكل‬ ‫مقالة‪ ،‬مزينة بالكود الخاص بها‪ .‬كما صارت كل التقارير‬ ‫الصحفية في الجرائد تُزيَّن بكود خاص به‪ .‬وحين تقرأ‬ ‫هذا الكود بهاتفك الجوال فإنه لن يزيد من معلوماتك‬ ‫يحسن حياتك بالضرورة‪ ،‬بل إنه في الغالب‬ ‫وال ِّ‬ ‫سيأخذك إلى النسخة إاللكترونية للمادة نفسها التي‬ ‫قرأتها للتو ورقياً‪ ،‬وأحياناً سيأخذك إلى موقع كاتب‬ ‫المقال أو إلى صفحة هيئة التحرير أو إلى موقع تجاري‬ ‫في دعاية فجة قد ال تكون مهتماً بها‪ .‬ناهيك عن أن‬ ‫السهولة الكبيرة في إنتاج كود الرد السريع وترويجه‪،‬‬ ‫بحيث يمكن ألي كان عمل كوده الخاص وإرساله‬ ‫إليك عبر عديد من التطبيقات المجانية‪ ،‬أتاحت نوعاً‬ ‫جديداً من إالرهاب إاللكتروني بات معروفاً باسم‬ ‫(‪ .)Attagging‬وهنا يرسل لك أحدهم كوداً لتقرأه بنية‬ ‫حسنة فيأخذك إلى موقع ضار إما بمحتواه‪ ،‬أو بقدرته‬ ‫على اختراق بيانات هاتفك الجوال‪.‬‬ ‫كل هذه العيوب قلَّلت من الحماسة الكبرى لكود الرد‬ ‫تنف بطبيعة الحال أهميته الكبرى‬ ‫السريع‪ ،‬لكنها لم ِ‬ ‫أ‬ ‫كمنتج فعال في التعريف بالشياء وربطها معاً‪ ،‬وهي‬ ‫تتطور وتنمو مع زيادة اعتمادنا‬ ‫سمة يتوقع لها أن َّ‬ ‫على محتوى الفضاء السايبيري وزيادة تعلقنا بهواتفنا‬ ‫الذكية‪.‬‬


‫ما المقصود‬ ‫بضمان الوصول‬ ‫إلى الطاقة؟‬

‫المستدامة السبعة عشر‪ ،‬بـ «ضمان الحصول‬ ‫على الطاقة» الحديثة بأسعار معقولة وبشكل‬ ‫موثوق ومستدام للجميع‪ ،‬لما لذلك من تأثير‬ ‫على تغير المناخ‪ ،‬وتشجيع العمل على تحسين‬ ‫كفاءة الطاقة‪ ،‬واستخدام مصادر الطاقة‬ ‫المتجددة‪ .‬فما الذي يعنيه ذلك؟‬

‫إيمان عبداهلل أمان‬

‫طاقة‬ ‫علوم‬

‫الهدف السابع في خطة األمم‬ ‫المتحدة للتنمية المستدامة‬

‫ً‬ ‫رسميا‬ ‫في بداية العام الجاري ‪2016‬م‪ ،‬بدأ‬ ‫تنفيذ األهداف اإلنمائية التي وضعتها األمم‬ ‫المتحدة في «خطة التنمية المستدامة‬ ‫‪2030‬م»‪ ،‬واعتمدها قادة العالم في سبتمبر‬ ‫‪2015‬م في مدينة نيويورك خالل قمة أممية‬ ‫اعتبرت تاريخية‪ .‬وعلى الرغم من أن هذه‬ ‫ً‬ ‫قانونا للدول‪ ،‬فقد تعهدت‬ ‫األهداف غير ملزمة‬ ‫الحكومات بالعمل على إعداد برامج وطنية‬ ‫تتناسب وحاجاتها االجتماعية والتنموية‬ ‫والبيئية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ويتعلق الهدف السابع من أهداف التنمية‬


‫‪35 | 34‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫بات الحصول عىل الطاقة بشكل‬ ‫مستدام وبتكلفة مناسبة للجميع‬ ‫لكث� من دول‬ ‫تحد ي‬ ‫مصدر ٍّ‬ ‫العالم‪ .‬وصعوبة الحصول عىل‬ ‫الطاقة الكهربائية ووقود الطهي‬ ‫والتدفئة‪ ،‬صارت تعرف بـ «فقر الطاقة»‪ ،‬الذي‬ ‫تعا� منه مجتمعات عديدة‪ .‬أ‬ ‫ن‬ ‫المر الذي يستدعي‬ ‫ي‬ ‫بذل الجهود لبناء القدرات الوطنية ف ي� البلدان‬ ‫المعنية بهذه القضية‪ ،‬وعقد ش‬ ‫ال�اكات العالمية‬ ‫ودعم التقنيات الحديثة إليصال الطاقة‪ ،‬للمساهمة‬ ‫ف ي� التخفيف من الفقر‪ ،‬وتحقيق أهداف التنمية‬ ‫المستدامة وفق رؤية أ‬ ‫المم المتحدة‪.‬‬

‫إنه أمر أساسي لتوفير المياه‬ ‫النظيفة والصرف الصحي‬ ‫والرعاية الصحية‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى الحاجات اليومية العديدة‬ ‫مثل توفير اإلضاءة والتدفئة‬ ‫والطهي والنقل وخدمات‬ ‫االتصاالت الحديثة‪...‬‬

‫والفق�ة‪ ،‬يُعد الحصول عىل‬ ‫ففي البلدان النامية‬ ‫ي‬ ‫خدمات الطاقة بأسعار جيدة وبطريقة موثوقة‬ ‫للحد من الفقر وزيادة‬ ‫ومستدامة‪ ،‬أمراً أساسياً ِّ‬ ‫إالنتاجية‪ ،‬وتعزيز القدرة التنافسية والنمو االقتصادي‪.‬‬ ‫لتوف� المياه النظيفة والرصف‬ ‫كما أنه أمر‬ ‫أساس ي‬ ‫ي‬ ‫بالضافة إىل االحتياجات‬ ‫الصحي والرعاية الصحية‪ ،‬إ‬ ‫توف� إالضاءة والتدفئة والطهي‬ ‫اليومية العديدة مثل ي‬ ‫والنقل وخدمات االتصاالت الحديثة‪.‬‬

‫ستحتاج مرافق‬ ‫الطهي النظيف‬ ‫‪ 5-4‬ي ن‬ ‫بالي� دوالر‬

‫مقاصد الهدف رقم ‪7‬‬

‫يتضمن الهدف رقم ‪ 7‬مقاصد عديدة‪ ،‬أهمها‪:‬‬ ‫• ضمان حصول الجميع عىل خدمات الطاقة الحديثة‬ ‫بتكلفة معقولة بحلول عام ‪2030‬م‪.‬‬ ‫ف‬ ‫المتجددة ي� مزيج‬ ‫• العمل عىل زيادة حصة الطاقة‬ ‫ِّ‬ ‫الطاقة العالمي بحلول عام ‪2030‬م‪.‬‬ ‫• دعم الجهود لمضاعفة المعدل العالمي الستمرار‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫ضعف�‬ ‫تحس� االستهالك ورفع كفاءة الطاقة‬ ‫بحلول عام ‪2030‬م‪.‬‬ ‫الدول المس ّهل للوصول‬ ‫والتعاون‬ ‫• تعزيز المساهمة‬ ‫ي‬ ‫إىل أبحاث وتكنولوجيا الطاقة النظيفة‪ ،‬ويشمل‬ ‫ذلك الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام واستهالك‬ ‫الطاقة وتقنيات الوقود أ‬ ‫الحفوري المتقدمة‬ ‫أ‬ ‫والنظف‪ ،‬وأيضاً تشجيع االستثمار ف� ن‬ ‫الب� التحتية‬ ‫ي‬ ‫للطاقة والطاقة النظيفة‪.‬‬ ‫• ش‬ ‫القالل‬ ‫ ن� ثقافة االستهالك الواعي المساعد عىل إ‬ ‫من الهدر والتلوث‪ .‬وتعزيز جهود الوصول للطاقة‬ ‫الحديثة والميرسة والمستدامة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الب ن� التحتية وتطوير خدمات‬ ‫• التوسع ي� ُ‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬وذلك من أجل تقديم خدمات الطاقة‬ ‫الحديثة والمستدامة للجميع عىل مستوى البلدان‬ ‫النامية أ‬ ‫والقل نمواً‪ ،‬وذلك بما ش‬ ‫يتما� مع برامج‬ ‫الدعم الخاصة بكل منها عىل حدة بحلول عام‬ ‫‪2030‬م‪.‬‬

‫ن‬ ‫يع� هذا المفهوم تحديداً؟‬ ‫ماذا ي‬

‫ح� آ‬ ‫ال يوجد ت‬ ‫الن تعريف عالمي متفق عليه‬ ‫لمصطلح «الوصول إىل خدمات الطاقة الحديثة»‪،‬‬

‫ولعل أهم النقاط الرئيسة ف ي� تعريف هذا‬ ‫المصطلح‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫• حصول كل أرسة عىل المستوى أ‬ ‫ال ن‬ ‫د� من حاجتها‬ ‫للطاقة الكهربائية‪.‬‬ ‫• استخدام أ‬ ‫الرس لمواقد طهي وأدوات تدفئة آمنة‬ ‫وأقل �ض راً عىل الصحة والبيئة‪.‬‬ ‫• الحصول عىل الطاقة الحديثة والممكنة ألوجه‬ ‫النتاجي‪ ،‬مثال عىل ذلك الطاقة‬ ‫النشاط االقتصادي إ‬ ‫الميكانيكية ألغراض الزراعة والصناعات المتنوعة‪.‬‬ ‫• الحصول أيضاً عىل الطاقة الحديثة لتقديم‬ ‫الخدمات العامة مثل الكهرباء للمرافق الصحية‬ ‫ودور التعليم وإنارة الطرقات‪.‬‬ ‫ويعت� برنامج أ‬ ‫المم المتحدة إ ئ‬ ‫نما� أن الوصول‬ ‫ب‬ ‫ال ي‬ ‫يعد وسيلة لدعم‬ ‫إىل خدمات الطاقة المستدامة ّ‬ ‫برامج التنمية ش‬ ‫ال�امج‬ ‫الب�ية والمجتمعية وكذلك ب‬ ‫ويشجع‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وتعزيز التنمية المستدامة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال�نامج عىل االستثمار ف ي� الطاقة المتجددة للوصول‬ ‫ب‬ ‫الفق�ة للوصول لخدمات الطاقة‪.‬‬ ‫إىل المناطق النائية ي‬ ‫ويعرف «بنك التنمية آ‬ ‫السيوي» (‪ )ABD‬فقر الطاقة‬ ‫ِّ‬ ‫بأنه غياب االختيار للحصول عىل خدمات الطاقة‬ ‫الكافية بأسعار معقولة وموثوقة وذات جودة‬ ‫عالية وآمنة وسليمة بيئياً لدعم االقتصاد والتنمية‬ ‫ش‬ ‫الب�ية‪.‬‬

‫ويرى «بنك أ‬ ‫المم االمتحدة للتنمية» أن ش‬ ‫مؤ�‬ ‫الفقر ال يقترص فقط عىل الدخل المنخفض أو‬ ‫المنعدم‪ ،‬وإنما يشمل عدداً من الجوانب من‬ ‫بينها مقياسان يتعلقان بالطاقة‪ .‬أحدهما يختص‬ ‫بالكهرباء الذي يُعد عدم الحصول عليها ش‬ ‫مؤ�اً‬ ‫والمؤ� آ‬ ‫ش‬ ‫الخر يتعلق بوقود الطبخ وما‬ ‫عىل الفقر‪.‬‬ ‫ف‬ ‫إذا كان قائماً عىل استخدام وسائل بدائية ي� مواقد‬ ‫الطعام كالحطب والفحم وروث الحيوانات أ‬ ‫كالبقار‬ ‫والماشية‪.‬‬

‫لحة إىل االستثمارات‬ ‫الحاجة ُ‬ ‫الم ّ‬

‫الدول أن نقص االستثمارات هو‬ ‫يعت� البنك‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫التحدي الرئيس للحصول عىل كهرباء موثوقة‬ ‫ومستدامة‪ .‬فهناك حاجة لضخ استثمارات هائلة‬ ‫لتوف�‬ ‫قدر‬ ‫بحوال ‪ 48‬مليار دوالر سنوياً‪ ،‬ي‬ ‫تُ َّ‬ ‫ي‬ ‫سبل الحصول عىل الطاقة للجميع بحلول‬ ‫عام ‪2030‬م‪ .‬وستحتاج مرافق الطهي النظيف‬ ‫إجمال هذه‬ ‫وحدها إىل ‪ 4‬أو ‪ 5‬مليارات دوالر من‬ ‫ي‬ ‫االستثمارات‪.‬‬

‫ولتحقيق هدف الوصول إىل خدمات الطاقة‬ ‫الحديثة وبسعر ممكن‪ ،‬ال بد من توفر حزمة من‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تمكّن الحكومات من‬ ‫السياسات والدوات ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫دعم برامج االستثمارات ي� التوسع ي� خدمات‬ ‫المقدمة للناس ف ي� الدول النامية وخصوصاً‬ ‫الطاقة‬ ‫َّ‬


‫حقائق حول الحق ف ي� الوصول إىل خدمات الطاقة‬

‫• لم يكن محور الطاقة موجوداً ف� أهداف أ‬ ‫المم‬ ‫ي‬ ‫المتحدة النمائية ف� أ‬ ‫اللفية السابقة!‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫• كان صندوق أوبك للتنمية «أوفيد» أول من‬ ‫عنون ل�ض ورة الوصول لخدمات الطاقة‪ ،‬باعتباره‬ ‫أ‬ ‫النمائية ف ي�‬ ‫الهدف رقم ‪ 9‬الناقص من الهداف إ‬ ‫أ‬ ‫اللفية السابقة!‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف�‬ ‫• ف ي � عام ‪2007‬م أعلن خادم‬ ‫الملك عبدهللا بن عبدالعزيز‪ ،‬يرحمه هللا‪ ،‬عن‬ ‫ت‬ ‫ال� اعتمدها‬ ‫مبادرة «الطاقة من أجل الفقراء»‪ ،‬ي‬ ‫صندوق «أوفيد» بك�نامج رائد لديه‪.‬‬ ‫• يتفق الهدف رقم ‪ 7‬مع مبادرة أ‬ ‫المم المتحدة‬ ‫م� العام أ‬ ‫ال� أطلقها أ‬ ‫ت‬ ‫ال ي ن‬ ‫للمم المتحدة السيد‬ ‫ي‬ ‫بان يك مون تحت عنوان «الطاقة المستدامة‬ ‫للجميع ‪2030‬م» ف ي� دعم هدف الوصول إىل‬ ‫خدمات الطاقة الحديثة‪.‬‬ ‫• بحسب وكالة الطاقة الدولية‪ ،‬يوجد ‪ 1,2‬مليار‬ ‫نسمة حول العالم ال يحصلون عىل الكهرباء‬ ‫بطرق آمنة وحديثة‪.‬‬ ‫• واحد من كل خمسة أشخاص حول العالم يفتقر‬ ‫إىل الحصول عىل خدمات الطاقة الحديثة‪.‬‬ ‫• ث‬ ‫ أك� من ‪ %95‬من أولئك الذين يفتقرون للوصول‬ ‫ف‬ ‫لخدمات الطاقة الحديثة هم ي� قارة إفريقيا‬

‫ف‬ ‫و� أرياف‬ ‫جنو� الصحراء ب‬ ‫خصوصاً آ ب ي‬ ‫الك�ى‪ ،‬ي‬ ‫الدول السيوية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الك�ى وحدها‪ ،‬هناك‬ ‫جنو� الصحراء ب‬ ‫• ي � بلدان ب ي‬ ‫‪ 600‬مليون إفريقي ال يحصلون عىل الكهرباء!‬ ‫• هناك ‪ 31‬مليون شخص يفتقرون إىل خدمات‬ ‫الطاقة الكهربائية ف ي� أمريكا الالتينية ومنطقة‬ ‫الكاري�!‬ ‫بي‬ ‫• ما زال نحو ‪ 2,7‬مليار نسمة (ما يعادل ‪ %41‬من‬ ‫سكان أ‬ ‫الرض) وأغلبهم من النساء‪ ،‬يعتمدون ف ي�‬ ‫الحصول عىل الطاقة عىل مصادر بدائية مثل‬ ‫ت‬ ‫والنبا� ومخلفات‬ ‫الخشب والفحم الحجري‬ ‫ي‬ ‫الحيوانات‪ ،‬ألغراض المعيشة اليومية كالطبخ‬ ‫والتدفئة‪.‬‬ ‫حوال ‪ 4,3‬مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً‬ ‫• ف هناك ي‬ ‫تلوث الهواء ف ي� المنازل‬ ‫إىل‬ ‫تعزى‬ ‫ي� العالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نتيجة لالستخدام التقليدي للوقود المولّد من‬ ‫الكتلة الحيوية كالحطب ونفايات الحيوانات ف ي�‬ ‫أماكن سيئة التهوية‪.‬‬ ‫• تتسبب الطرق البدائية ف ي� استخدام الطاقة إىل‬ ‫ن‬ ‫مليو�‬ ‫انتشار أمراض جهاز التنفس‪ ،‬وأيضاً وفاة‬ ‫ي‬ ‫شخص كل عام‪ ،‬و‪ %85‬من هؤالء هم من‬ ‫النساء أ‬ ‫والطفال!‬

‫• سيسهم تقديم الحلول النظيفة للطهي إىل‬ ‫الحد من إزالة الغابات!‬ ‫ِّ‬ ‫الحراق الناتج عن‬ ‫تش� إىل أن إ‬ ‫• هناك دراسات ي‬ ‫استخدام مصادر بدائية للوقود المستخدم‬ ‫أ‬ ‫حوال ‪10‬‬ ‫لغراض الطهي والتدفئة مسؤول عن ي‬ ‫إىل ‪ %15‬من انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً!‬ ‫• تفارق الحياة يومياً ‪ 800‬امرأة بسبب المضاعفات‬ ‫الصحية للحمل والوالدة‪ ،‬والحقيقة أنه يمكن‬ ‫تفادي هذه الحوادث أ‬ ‫الليمة لو توفرت الطاقة‬ ‫الكهربائية المستدامة لتقديم الخدمات الطبية‬ ‫الالزمة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫أساس يب� الهدف رقم ‪( 7‬الوصول‬ ‫• هناك ترابط‬ ‫إىل الطاقة) ق ي أ‬ ‫النمائية المستدامة‪،‬‬ ‫وبا� الهداف إ‬ ‫ي‬ ‫باعتبار الوصول إىل خدمات الطاقة بشكل آمن‬ ‫يعت� ي ز‬ ‫رك�ة لمواجهة تحديات عالمية‬ ‫ومستدام ب‬ ‫تغ� المناخ‪.‬‬ ‫مثل القضاء عىل الفقر ومشكلة ي‬ ‫• الوصول إىل خدمات الطاقة الحديثة وبأسعار‬ ‫ممكنة يُعد ي ز‬ ‫رك�ة أساسية لتحقيق كافة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫الهداف الستة ع� الباقية ي� خطة التنمية‬ ‫المستدامة‪ ،‬مثل‪ :‬الصحة والقضاء عىل الفقر‬ ‫والتغ� المناخي والتعليم والبنية التحتية‬ ‫ي‬ ‫والصناعة‪....‬إلخ‪.‬‬

‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تتوفر فيها الشبكات‬ ‫ي� القرى والماكن ي‬ ‫الكهربائية المركزية‪.‬‬

‫وغ�ها‪ ،‬ف ي�‬ ‫مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ي‬ ‫ين‬ ‫تحس� ودعم الوصول إىل خدمات الطاقة الحديثة‬ ‫المتجددة‬ ‫بأسعار معقولة‪ .‬حيث ستساعد الطاقة‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫الصغ�ة ف ي� الرياف‬ ‫عىل شن� الشبكات الكهربائية‬ ‫ي‬ ‫والقرى النائية ي ت‬ ‫ال� يتعذر ربطها بالشبكات‬ ‫الفق�ة ي‬ ‫الكهربائية المركزية‪ .‬إضافة إىل ما ستسهم به الطاقة‬ ‫المتجددة ف ي� حل المشكالت البيئية والتلوث ف ي�‬ ‫أساليب الطهي والتدفئة التقليدية‪.‬‬

‫أ‬ ‫الماكن الريفية والنائية‪ .‬ومثال عىل ذلك إنشاء برنامج‬ ‫ف‬ ‫غاز ت‬ ‫الب�ول المسال (‪ )LPG‬ي� إندونيسيا‪ ،‬كبديل‬ ‫أ‬ ‫نز‬ ‫ن‬ ‫الفق�ة‪.‬‬ ‫وس� لتلبية االحتياجات الم�لية للرس ي‬ ‫للك� ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الفريقية بدأت‬ ‫كما أن الهند وعددا من الدول إ‬ ‫تعتمد عىل أنظمة الطاقة الشمسية نز‬ ‫الم�لية كبديل‬ ‫ئ‬ ‫الك� ي ن‬ ‫البدا�‪.‬‬ ‫وس� أو الوقود‬ ‫الستخدام ي‬ ‫ي‬

‫ويمكن لحكومات الدول اعتماد سياسات مرنة ف ي� إدارة‬ ‫ال�امج ومراقبة تنفيذها‪ ،‬مثل برامج الدعم أ‬ ‫للرس‬ ‫ب‬ ‫الفق�ة‪ ،‬وما يشمل ذلك من آليات وحوافز متنوعة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وضمانات مالية‪ ،‬وبرامج التمويل الميرسة للبدء‬ ‫توف� الطاقة الكهربائية النظيفة‪ ،‬خصوصاً‬ ‫بمشاريع ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ك� عىل ي ن‬ ‫ال� ي ز‬ ‫الفق�ة‪.‬‬ ‫تحس� مواقد الطهي للرس ي‬ ‫إضافة إىل ذلك‪َّ ،‬‬ ‫يتجل بوضوح وجوب تقديم الدعم‬ ‫للمستثمرين واالستفادة من مصادر الطاقة المتجددة‬ ‫وبشكل خاص ف� القرى أ‬ ‫والماكن النائية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ولجذب االستثمار إىل قطاع الطاقة الحديثة ال بد من‬ ‫أ‬ ‫ين ت‬ ‫ال�‬ ‫والب ن� التحتية الجيدة‬ ‫توافر النظمة ُ‬ ‫والقوان� ي‬ ‫تحمي البيئة االستثمارية‪ .‬كما أنه ال ّبد من العمل‬ ‫عىل بناء القدرات والموارد ش‬ ‫الب�ية والمؤسساتية‬ ‫القوية‪ ،‬لتنفيذ السياسات أ‬ ‫والدوات االستثمارية‬ ‫والنظم المتعلِّقة ي ن‬ ‫بتمك� الوصول إىل مصادر الطاقة‬ ‫الحديثة‪.‬‬

‫المتجددة تلعب دوراً مساعداً‬ ‫الطاقة‬ ‫ِّ‬

‫ويمكن أن تسهم الطاقة المتجددة بكافة أشكالها‪،‬‬

‫ومن أ‬ ‫المثلة عىل بال�امج العالمية فيما يختص بالطاقة‬ ‫ين‬ ‫وتحس� الوصول إىل الطاقة «برنامج إفريقيا‬ ‫المتجددة‬ ‫للطاقة المتجددة والوصول للطاقة»‪ :‬الذي يهدف‬ ‫إىل ترسيع شن� برامج الطاقة المتجددة عىل المستوى‬ ‫إالفريقي وتخفيف الفقر وتحقيق التنمية المستدامة‪.‬‬ ‫ويركز هذا بال�نامج عىل الوصول إىل خدمات الطاقة‬ ‫ين‬ ‫وتحس� إالضاءة‬ ‫الحديثة الموثوقة وبأسعار مناسبة‬ ‫ومواقد الطهي ف ي� المنازل‪ .‬كذلك يؤكد هذا النوع من‬ ‫ال�امج عىل اعتماد ما يعرف بالنمو أ‬ ‫الخ�ض ‪ .‬ويشمل‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫والتكيف مع‬ ‫الكربون‬ ‫منخفضة‬ ‫التنميية‬ ‫امج‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫تشجيع‬ ‫ّ‬ ‫تغ� المناخ وإمداد الطاقة المستدامة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ويف�ض التوسع ف ي� برامج أنظمة الكهرباء ترسيع‬ ‫االعتماد عىل الحلول التكنولوجية خارج الشبكة‪� ،‬ف‬ ‫ي‬

‫أ‬ ‫الكب�ة تصاحبها دائماً‬ ‫إن مثل هذه الهداف ي‬ ‫تحديات‪ ،‬خاصة عندما تحتاج إىل ضخ استثمارات‬ ‫كب�ة‪ .‬ولكن االلتفاف العالمي لتحقيق الهدف رقم‬ ‫ي‬ ‫‪ 7‬من أهداف خطة التنمية المسستدامة‪ ،‬يبعث عىل‬ ‫ش�ء من التفاؤل‪ ،‬أو عىل أ‬ ‫القل‪ ،‬فإنه يؤكد صحة‬ ‫ي‬ ‫النظرة إىل طبيعة الحل‪ ،‬ويشكل فرصة ممتازة لتكاتف‬ ‫الجهود الدولية سعياً إىل إيصال الجميع إىل مصادر‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫تحس� حياة الناس‬ ‫ال� ستسهم ف ي�‬ ‫الطاقة الحديثة ي‬ ‫حول العالم‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪37 | 36‬‬

‫من المختبر‬

‫الساعة البيولوجية تعالج اضطرابات النوم‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫لتجنب االضطرابات الجسمانية الناجمة عن السفر من منطقة إلى أخرى ذات‬ ‫توقيت يختلف بشكل ملحوظ‪ ،‬أو حتى تلك الناجمة عن قيادة السيارة لفترة‬ ‫طويلة‪ ،‬يجب علينا التحكم بساعتنا البيولوجية‪ .‬ولهذه الغاية‪ ،‬قام فريق من‬ ‫الباحثين من معهد «ناغويا» للبيولوجيا والجزيئات الحيوية في سنغافورة‪ ،‬بالعمل‬ ‫على توليف جزيئات تؤثر على واحدة من البروتينات أ‬ ‫الربعة التي تعمل عليها‬ ‫الساعة البيولوجية‪.‬‬ ‫فمن المعروف أن كل الكائنات الحيوية من نبات وحيوان وفطريات‪ ،‬تمتلك‬ ‫ساعة بيولوجية يومية مبرمجة على أساس وحدة زمنية هي ‪ 24‬ساعة‪ .‬وتتحكم‬ ‫هذه الساعة بدورات اليقظة والنوم وعمليات التمثيل الغذائي أو أ‬ ‫اليض‪.‬‬ ‫وعندما تتعطل هذه الدورة كما يحدث مع مالحي الطائرات وركابها مثال ً خالل‬ ‫الرحالت الجوية الطويلة‪ ،‬تظهر نوبات القيلولة بديال ً عنها‪ .‬ولكن الضرر الناتج‬ ‫عن هذا التعطل على المدى الطويل يطال القلب أ‬ ‫والوعية الدموية والغدد‬ ‫الصماء وجهاز المناعة‪ ،‬فيرتفع ضغط الدم وتزداد السمنة واضطرابات الصحة‬ ‫العقلية‪.‬‬ ‫إن ساعتنا البيولوجية تعمل بواسطة أربع منظِّمات بروتيين رئيسة‪ ،‬تعمل بدورها‬ ‫مدتها يوم كامل‪.‬‬ ‫في وقت واحد على تشكيل دورة من التنشيط إ‬ ‫والطالة والتوقف‪ّ ،‬‬ ‫ويعمل الفريق على توليف جزيء يشبه أحد البروتينات أ‬ ‫الربعة الذي يؤثر على‬ ‫محدد من هذه الدورة‪ ،‬لكنه يختلف عنه في عمله‪ .‬وهكذا تقوم عملية‬ ‫جانب َّ‬ ‫الخداع هذه على تغيير مجرى توقيت دورة الساعة كما نريد‪.‬‬

‫ويقول تاكاشي يوشيمورا‪ ،‬أحد ك َّتاب المقالة عن هذا الموضوع‪ ،‬إننا نتمنى أن‬ ‫نستخدم الكيمياء الوهمية لتصميم جزيئات حيوية بإمكانها السيطرة على‬ ‫السكتات الدماغية والتحكم بالساعة البيولوجية‪ ،‬لالستفادة منها في تطبيقات‬ ‫طبية مثل معالجة مشكالت أ‬ ‫الرق والنوم وغيرها الكثير‪.‬‬ ‫‪http://healthmedicinet.com/jet-lag-newly-synthesized‬‬‫‪molecules-turn-back-biological-clock/‬‬

‫الصق جديد‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫فورا‬ ‫يتصلب‬ ‫بواسطة التيار‬ ‫الكهربائي‬ ‫معظم المواد الالصقة السريعة المتوفرة حالياً‬ ‫تتصلَّب إما بالضوء أو الحرارة أو ببعض المحفزات‬ ‫الكيميائية‪ .‬وكل الصق مخصص لمواد أو بيئة معينة‬ ‫وال يصلح لغيرها‪ .‬فاللواصق التي نطبق عليها الضوء‬ ‫لتجف مثالً‪ ،‬هي مالئمة فقط لتلك التي تتسم‬ ‫بالشفافية إلى حد ما‪ ،‬في حين ال يمكن استخدام‬ ‫الحرارة إال مع المواد التي تتسامح معها‪.‬‬ ‫وتُستخدم هذه المواد الالصقة السريعة في مروحة‬ ‫واسعة من صناعات أ‬ ‫الجهزة الطبية والسيارات‬ ‫والسلع االستهالكية ألنها تتمتع بميزات تفاضلية‬ ‫بالمقارنة مع أ‬ ‫الخرى‪ .‬فالمسامير بأنواعها والسحابات‬ ‫والبراغي المعدنية مثال ً تضعف المواد المطبقة‬ ‫عليها‪ .‬والغريب أن يغيب االبتكار في هذا الحقل‬ ‫الملحة إليه‪.‬‬ ‫لعقود بالرغم من الحاجة َّ‬ ‫لكن فريقاً من الباحثين في جامعة نانيانغ للتكنولوجيا‬

‫في سنغافورة توصل الكتشاف الصق جديد سيغير‬ ‫قواعد اللعبة في مجاالت صناعية متعددة مثل زراعة‬ ‫أ‬ ‫العضاء في الطب وصناعة السيارات وغيرها‪.‬‬ ‫فالالصق الجديد هو نوع من هالم أو «جل» سائل‬ ‫يتصلَّب ليصبح نوعاً من رباط البوليمر عند تمرير تيار‬ ‫كهربائي خالله بقوة أقل من اثنين فولت‪ .‬والتصلب‬ ‫هو المرحلة من الوقت المطلوب ليصل الغراء إلى‬ ‫كامل قوته بعد مرحلة جفافه‪ .‬وهذا الغراء الجديد‬ ‫يتوقف فوراً عن التصلب حالما نقطع عنه التيار‪.‬‬ ‫وهكذا يمكن للمستخدمين ضبط قوة الرباط ومرونته‬ ‫بواسطة قوة التيار ومدته‪.‬‬ ‫وأهمية هذا الرابط الجديد أنه يمكّن المستخدم من‬ ‫أن يغلّف المواد ويضعها ويركزها حيثما يشاء‪ ،‬لتصبح‬ ‫لديه مفاصل قوية‪ ،‬ذات مرونة كبيرة ومقامة إلى حد‬ ‫كبير لقوة القص‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والجهزة البيولوجية هي من االستخدامات المحتملة‬ ‫لهذه اللواصق الجديدة‪ ،‬حيث إن تطبيق الضوء‬ ‫والحرارة ينطوي على مشكالت كثيرة بالنسبة إلى‬ ‫اللكترونيات البيولوجية وإلكترونيات البوليمر‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫المخصصة والمصممة لربط النسجة الحية‪ .‬وهكذا‬ ‫يمكن ضبطها للتعامل مع ترددات بذبذبات محددة‪،‬‬ ‫أو تتناسب مع ثبات ومرونة أ‬ ‫النسجة المطبقة عليها‪.‬‬ ‫‪http://phys.org/news/201605-‬‬‫‪instantly-hardens-electric-current.html‬‬


‫االسم المعياري‬ ‫تخزين الطاقة في رقاقة‬ ‫متناهية الصغر‬ ‫طاقة‬ ‫كهربائية‬ ‫‪100‬نانومتر‬

‫فعالة لتخزين الطاقة في‬ ‫طور علماء من «مركز البحوث التقنية في فنلندا» طريقة َّ‬ ‫ّ‬ ‫مكثف كهربائي فائق‪ ،‬صغير جداً‪ ،‬يمكن أن يتكامل مباشرة داخل رقاقة السيليكون‬ ‫المتناهية الصغر‪ .‬وتعتمد هذه التقنية على مواد نانوية هجينة (أي خليط من‬ ‫أجزاء متباينة متناهية الصغر) ط ُّورت حديثاً في المركز نفسه‪ .‬وهذه التكنولوجيا‬ ‫مهمة جداً ألنها تفتح آفاقاً جديدة أ‬ ‫للجهزة النقالة المتكاملة وتم ِّهد الطريق إلى‬ ‫نوع جديد من أ‬ ‫الجهزة ذاتية العمل‪ ،‬التي تحتاج إلى صفر من الطاقة الخارجية‬ ‫أ‬ ‫التي يحتاجها المستقبل لما يعرف بإنترنت الشياء‪.‬‬ ‫والمكثفات الكهربائية الفائقة هذه تشبه البطاريات الكهروكيميائية‪ .‬مع ذلك‪ ،‬وعلى‬ ‫النقيض مثال ً من بطاريات إيونات الليثيوم في الهواتف النقالة‪ ،‬التي تستخدم‬ ‫التفاعالت الكيميائية لتخزين الطاقة على شكل تيار كهربائي‪ ،‬فإن المكثفات‬ ‫الجديدة تخزن طاقة كهربائية ساكنة مرتبطة بالسطح بين أ‬ ‫القطاب الكهربائية‬ ‫السائلة والصلبة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فالطاقة وكثافة القوة لهذه المكثفات تعتمد على مساحة وموصلية القطاب‬ ‫طور الفريق الفنلندي أقطاباً من مادة نانوية هجينة‪،‬‬ ‫الكهربائية الصلبة‪ .‬وقد ّ‬ ‫تتألَّف من سيليكون قابل لالختراق‪ ،‬ومغلَّفة بطبقة سماكتها متناهية الصغر من‬ ‫نيتراد التيتانيوم‪ .‬ويؤدي هذا النهج إلى سطح موصل للكهرباء بشكل كبير وقياسي‬ ‫في حجم صغير نسبياً‪.‬‬ ‫ووصف أداء هذا المكثف الكهربائي الجديد بأنه ممتاز‪ .‬فللمرة أ‬ ‫الولى ينافس‬ ‫مكثف يعتمد السيليكون مع أجهزة رائدة تعتمد على الكربون والغرافين‪.‬‬ ‫وهذه المكثفات الفائقة الصغيرة بإمكانها التكامل حالياً مع أ‬ ‫الجهزة العاملة‬ ‫لتخزين الطاقة المتولدة من الحرارة والضوء واالهتزاز لتزويدها عند الحاجة‪.‬‬ ‫ولللبسة اللكترونية أ‬ ‫وهذا أمر مهم جداً لشبكات االستشعار ذاتية العمل أ‬ ‫والجهزة‬ ‫إ‬ ‫النقالة الضرورية لشبكات (إنترنت أ‬ ‫الشياء)‪.‬‬ ‫وقد دفع الفريق الفنلندي الباحث التكامل بين هذه المكثفات الجديدة إلى أقصى‬ ‫وتبين أن هذا التداخل أنتج طاقة ‪ 2‬وات على‬ ‫ٍّ‬ ‫حد بدمجها داخل رقاقة السيليكون‪ّ .‬‬ ‫رقاقة سيليكون مساحتها سنتيمتر مربع واحد‪ .‬وهو في الوقت نفسه يترك سطح‬ ‫الرقاقة متاحاً لعمل الدوائر الكهربائية الدقيقة المتكاملة مع أجهزة االستشعار‪.‬‬ ‫‪https://www.sciencedaily.com/‬‬ ‫‪releases/2016160608103953/06/.htm‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫بيكريل‬

‫عىل الرغم من أن اكتشاف‬ ‫النشاط إالشعاعي لبعض‬ ‫العنارص مثل الراديوم‬ ‫ً‬ ‫واليورانيوم ينسب دائما إىل‬ ‫ين‬ ‫بي� وماري كوري‪ .‬إال أن‬ ‫الزوج� ي‬ ‫شخصاً ثالثاً شاركهما جائزة نوبل‬ ‫ت‬ ‫ف� ي ز‬ ‫ال� ُمنحت لهما عام‬ ‫ي‬ ‫الف�ياء ي‬ ‫نس أنطوان‬ ‫‪1903‬م‪ ،‬وهو الفر‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ه�ي بيكريل الذي كان دوره ف ي�‬ ‫اكتشاف النشاط إالشعاعي الذري‬ ‫كظاهرة ي ز‬ ‫أنطوان هنري بيكريل‬ ‫ف�يائية مهماً لدرجة أن‬ ‫اسمه قد اع ُتمد للوحدة العالمية‬ ‫ويعرف البيكريل الواحد‬ ‫المعيارية لقياس النشاط إالشعاعي منذ العام ‪1975‬م‪َّ .‬‬ ‫ف‬ ‫بأنه كمية إالشعاع الصادرة من مادة مشعة تتحلل فيها نواة واحدة ي� الثانية‬ ‫الواحدة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫والنشاط إالشعاعي هو خاصية لنوية الذرات تصل بها إىل حاالت أك� استقراراً‪،‬‬ ‫وقد تحولها إىل عنارص أخرى‪ .‬وبعض العنارص تشع ت‬ ‫وغ�ها تشع‬ ‫إلك�ونات ي‬ ‫موجات كهرومغناطيسية ذات طاقة عالية‪ .‬فعن االضمحالل إالشعاعي لعنرص‬ ‫الراديوم مثال ً ينتج غاز الرادون‪.‬‬ ‫ُعرف النشاط إالشعاعي قبل بيكريل‪ .‬لكن ساد اعتقاد بأن بعض العنارص تصدر‬ ‫عرضت للشمس‪ .‬وكان‬ ‫طاقة‪ ،‬يمكن مالحظاتها عىل شكل وهج‪ ،‬فقط إذا ما ِّ‬ ‫ً‬ ‫التفس� آنذاك أن العنارص تمتص طاقة أشعة الشمس ثم تصدرها خارجا الحقاً‪.‬‬ ‫ي‬ ‫لكن مالحظات بيكريل يغ�ت هذه النظرة‪ .‬وكانت هذه المالحظات نتيجة لتجارب‬ ‫أ ن‬ ‫لما� رونتجن حول الظاهرة الفلوورية ‪Fluorescence‬‬ ‫مدفوعة باكتشافات ال ي‬ ‫ئ‬ ‫الضو� إذا توافق الطول الموجي للضوء‬ ‫والمتعلِّقة بإصدار العنارص للإشعاع‬ ‫ي‬ ‫الساقط عليها مع مستويات الطاقة الخاصة بذرات تلك الطاقة‪ .‬وقادت التجارب‬ ‫أ‬ ‫سماه (شعاع ‪ .)X‬ومع بدايات عام‬ ‫رونتجن إىل اكتشاف نوع جديد من الشعة َّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫‪1896‬م‪ ،‬وصلت أنباء اكتشاف رونتجن إىل الكاديمية الفرنسية ي� باريس‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تتمتع‬ ‫وهناك‪ ،‬تلقفها بيكريل الذي أجرى اختبار‬ ‫ات عىل جميع المواد ي‬ ‫ف‬ ‫بالخاصية الفلوورية‪ ،‬مكرراً تجارب رونتجن ي� قياس إالشعاع‪ ،‬بأن غلّف تلك‬ ‫سيسود‬ ‫وقرب منها لوحاً فوتوغرافياً وراقب ما إذا كان أي منها‬ ‫ِّ‬ ‫المواد بورق أسود َّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫اللوح كدليل عىل وجود نشاط فلووري‪ .‬ولن بيكريل كان مقتنعا بأن المصدر‬ ‫ح� ف� أ‬ ‫أ‬ ‫ح� ظهر له أنه ت‬ ‫الساس للإشعاع كان ضوء الشمس‪ ،‬فقد ُدهش ي ن‬ ‫اليام‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� الظالم‪ ،‬فإن بعضاً من أمالح اليورانيوم تت�ك عالمات إشعاع‬ ‫الغائمة ي‬ ‫واضحة عىل اللوح الفوتوغر فا�‪ .‬ما ن‬ ‫يع� أن هذا العنرص وسواه يمتلك خاصية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تعرف العالم عىل ظاهرة النشاط إالشعاعي للمواد‪.‬‬ ‫إشعاعية ذاتية‪ .‬وهكذا َّ‬ ‫الحقاً‪ ،‬تحمس الزوجان كوري لموضوع إشعاع اليورانيوم‪ ،‬خاصة وأن ماري‬ ‫أرادت أن تكون أول امرأة أوروبية تحصل عىل الدكتوراة ف� ي ز‬ ‫الف�ياء آنذاك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فقادتها أبحاثها إىل اكتشاف عنرص مشع آخر هو الثوريوم‪ ،‬ثم اكتشفت‬ ‫البولونيوم ورسعان ما تم اكتشاف الراديوم عام ‪1898‬م‪ ،‬وبات واضحاً لديها أن‬ ‫ثمة «إشعاعاً راديوياً» لدى هذه العنارص النشطة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫س�‪ .‬أما ماري كوري ن‬ ‫وه�ي بيكريل فتوفيا بمضاعفات‬ ‫بي� كوري ي� حادث ي‬ ‫تو� ي‬ ‫ي‬ ‫الرسطان الذي أصابهما بسبب التعرض ش‬ ‫المبا� للمواد المشعة خالل تجاربهما‬ ‫ف ي� زمن لم يكن خطر هذه المواد معروفاً بعد‪ .‬واليوم‪ ،‬تدين ش‬ ‫بكث� من‬ ‫الب�ية ي‬ ‫ابتكارات الرعاية الطبية وتوليد الطاقة‪ ،‬فضال ً عن مخاوف أسلحة الدمار الشامل‪،‬‬ ‫الرواد‪.‬‬ ‫لدراسات أولئك ّ‬


‫ماذا لو؟‬

‫‪39 | 38‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫ماذا لو كان‬ ‫جزيء الماء‬ ‫ً‬ ‫مستقيما؟‬ ‫ُعمير طيبة‬

‫مكون من‬ ‫كلنا نعرف أن جزيء الماء ّ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫هيدروج�‪ .‬وترتبط‬ ‫وذر�‬ ‫ذرة‬ ‫أكسج� ي‬ ‫ابطت�ن‬ ‫هذه الذرات ببعضها عن طريق ر ي‬ ‫وتتكون الروابط التساهمية عادة ي ن‬ ‫ين‬ ‫ب�‬ ‫تساهميت�‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الالفلزات‪ ،‬حيث تتشارك الجزيئات ت‬ ‫إلك�وناتها‪.‬‬ ‫ولن ذرة أ‬ ‫أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ال�وتونات‬ ‫أك� من ب‬ ‫كسج� فيها عدد ب‬ ‫ت‬ ‫ال ت‬ ‫ين‬ ‫لك�ونات‬ ‫ذر�‬ ‫الهيدروج�‪ ،‬تكون إ‬ ‫الموجبة من ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ويقدر‬ ‫كسج�‪ِّ .‬‬ ‫السالبة أقرب نسبياً لذرة ال ي‬ ‫تكون زاوية قدرها‬ ‫الكيميائيون أن الذرات الثالث ِّ‬ ‫بالضافة إىل‬ ‫‪ 104.5‬درجة‪ .‬ويشكِّل هذا االنحناء‪ ،‬إ‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونات‪ ،‬ثنائية قطبية دائمة حول جزيء‬ ‫موقع إ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫كسج� سالبة‬ ‫الماء‪ .‬ونتيجة ذلك‪ ،‬تكون ذرة ال ي‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ين‬ ‫الهيدروج� ف ي� جزيء الماء لقرب‬ ‫ذر�‬ ‫أك� من ي‬ ‫ت‬ ‫اللك�ونات منها‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫يكون جزيئاً‬ ‫لكن ماذا لو اف�ضنا هنا أن الماء ّ‬ ‫شه� آخر أال وهو جزيء ن‬ ‫ثا�‬ ‫مستقيماً مثل جزيء ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫أكسيد الكربون؟‪ .‬النتيجة المبا�ة هي أن الثنائية‬ ‫القطبية ستختفي‪ .‬وسيصبح جزيء الماء متعادال ً‬ ‫كهربياً‪ .‬ونتيجة هذا التعادل هي أن الماء سيفقد‬ ‫كث�اً من خصائصه‪ .‬إذ بسبب الثنائية القطبية ف ي�‬ ‫ي‬

‫الماء‪ ،‬يُحدث الماء ثنائيات قطبية مؤقتة ف ي� جزيئات‬ ‫ت‬ ‫ال� تختلط به ما يؤدي إىل ذوبان هذه المواد‬ ‫فالمواد ي‬ ‫ي� الماء‪ .‬وهذا ما يجعل منه مذيباً قوياً‪ .‬فلو كان‬ ‫جزيء الماء مستقيماً لما استطاع تذويب الجزيئات‬ ‫الخرى‪ .‬أ‬ ‫أ‬ ‫ولن الماء وسط مهم لمعظم العمليات‬ ‫الحيوية‪ ،‬ستصبح الحياة مستحيلة من يغ� انحناءة‬ ‫جزيء الماء‪ .‬فعىل سبيل المثال لن يستطيع الدم‬ ‫حمل وتوزيع المواد الغذائية والمركَّبات الكيميائية‬ ‫المذابة به حول الجسم‪.‬‬ ‫وكنتيجة أخرى النحناء الجزيء‪ ،‬نجد أن الثنائيات‬ ‫القطبية تساعد عىل تجاذب جزيئات الماء بعضها‬ ‫بعضاً فيما يسمى بالروابط الهيدروجينية‪ .‬وينتج‬ ‫عن الرابطة الهيدروجينية أن جزيئات الماء تقاوم‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫مدى‬ ‫يع� أن الماء يكون سائال ً ي� ً‬ ‫االنتشار مما ي‬ ‫أوسع من درجات الحرارة‪ .‬فلو فقد الماء روابطه‬ ‫الهيدروجينية ت ز‬ ‫س�يد رسعة تبخره‪ .‬أي إن درجة‬ ‫غليانه ستكون حول ‪ 20‬درجة مئوية أو أقل‪،‬‬ ‫وستجف بحارنا تماماً مع بدايات فصل الربيع!‬ ‫ن‬ ‫الهيدروجي� يؤدي إىل‬ ‫كما أن فقدان التجاذب‬ ‫ي‬ ‫فقدان خاصية التوتر السطحي‪ .‬وهي الخاصية‬

‫ت‬ ‫الح�ات قادرة عىل ش‬ ‫ال� تجعل بعض ش‬ ‫الم� فوق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الماء‪.‬‬ ‫وكما هو معروف‪ ،‬فالجليد أقل كثافة من الماء‪،‬‬ ‫ألن الروابط الهيدروجينية تساعد الماء ف ي� تكوين‬ ‫تركيبات بلورية عند التجمد‪ .‬ومن خصائص‬ ‫البلورات أنها تخلق مساحات ي ن‬ ‫وبالتال‬ ‫الجزيئات‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫يتمدد الماء عند بت�يده‪ ،‬فتقل كثافته ويطفو‬ ‫الجليد عىل الماء‪.‬‬ ‫فلو ت‬ ‫اف�ضنا أن جزيء الماء صار مستقيماً‪،‬‬ ‫فستستحيل الحياة عىل عدة ُصعد‪ .‬وعىل الرغم‬ ‫من وجود بعض مركبات ذات جزيئات شبيهة‬ ‫ين‬ ‫الهيدروج�‪ :‬ذرة بك�يت وذرتا‬ ‫بالماء (مثل بك�يتيد‬ ‫ين‬ ‫هيدروج�) إال أنها ال تتمتع بالخصائص المذكورة‬ ‫ن‬ ‫الهيدروج� ال يتمتع بثنائية قطبية‬ ‫فك�يتيد‬ ‫ي‬ ‫للماء‪ .‬ب‬ ‫وبالتال ال يستطيع تكوين الروابط‬ ‫كب�ة مثل الماء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الهيدروجينية‪ .‬هذا ما يجعل علماء الفضاء يبحثون‬ ‫عن الماء تحديداً ش‬ ‫كمؤ� حتمي لوجود حياة عىل‬ ‫الكواكب أ‬ ‫متشوق�ن‬ ‫الخرى‪ .‬وهذا ما يجعلهم‬ ‫ي‬ ‫لمعرفة ما إذا الحياة موجودة تحت أطنان الجليد‬ ‫أك� أقمار زحل‪.‬‬ ‫عىل تايتان؛ ب‬


‫حياتنا اليوم‬ ‫هذه هي اآليات من سورة الحج التي تدعو‬ ‫المسلمين إلقامة فريضة الحج لمن استطاع‬ ‫ً‬ ‫سبيال‪ .‬وبذلك أصبحت مدينة ّ‬ ‫مكة المكرّ مة‬ ‫إليه‬ ‫نقطة التقاء المسلمين من جميع أنحاء‬ ‫ً‬ ‫سنويا إلقامة ركن اإلسالم‬ ‫العالم‪ ،‬يحجون إليها‬ ‫الخامس‪ .‬وهناك‪ ،‬وهم يقومون بمناسك الحج‪،‬‬ ‫يرسم حجاج بيت اهلل الحرام مشاهد ال مثيل لها‪،‬‬ ‫يتجسد فيها اإليمان في أبهى صوره‪ .‬فتتجمع‬ ‫حشود المؤمنين حول البيت العتيق وتطوف‬ ‫في حركة دائرية واحدة‪ ،‬في مشهد كوني ِّ‬ ‫يجسد‬ ‫وحدة الرب والكون واإلنسانية بما يبدو معه‬ ‫ً‬ ‫خالفا لحركة الكون‪.‬‬ ‫السير في االتجاه المعاكس‬

‫الحج‬

‫مشهدية إيمانية فريدة‬


‫‪41 | 40‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫يذكرنا المشهد العظيم لماليين المسلمين في‬ ‫نقطة واحدة في وقت واحد وهم يطوفون‬ ‫بالكعبة الشريفة‪ ،‬بأنه ال يوجد دين آخر في‬ ‫العالم له قوة الجذب إلى المكان الواحد مثل‬ ‫السالمي‪ .‬وفي كل مرة يتوجه أي مسلم‬ ‫الدين إ‬ ‫بصالته نحو القبلة الشريفة يتم استدعاء هذا المنحى المكاني‪ .‬وفي‬ ‫تصوير جميل لمشهد الطواف حول الكعبة‪ ،‬أنجز الفنان السعودي‬ ‫أحمد ماطر آل زياد عمال ً فنياً هو أقرب إلى المشروع الفيزيائي‬ ‫بعنوان «جاذبية مغناطيسية»‪ ،‬وضع فيه مكعباً مغناطيسياً أسود‬ ‫كبيراً يمثل الكعبة الشريفة وحوله قطع من برادة الحديد ترمز إلى‬ ‫الجسم الموحد للحجاج‪ ،‬حيث ال فرق بين غني وفقير أو شاب‬ ‫وكهل‪ ،‬كلهم منجذبون إلى الكعبة كمركز وحيد للعالم‪ .‬وقد‬ ‫تم عرض هذا العمل في معرض بعنوان «الحج‪ :‬رحلة إلى قلب‬ ‫السالم» الذي أقيم في المتحف البريطاني عام ‪2012‬م‪ ،‬وكان‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الول من نوعه في العالم‪.‬‬

‫مشاعر تهز أ‬ ‫الفئدة‬ ‫ّ‬

‫ليست رحلة الحج مجرد رحلة جغرافية فحسب‪ ،‬وإنما هي رحلة‬ ‫زمنية روحية يسعى فيها كل مؤمن إلى السير على ُخطا الرسول‬ ‫ صلّى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬والسعي إلى الرحمة والغفران‪.‬‬‫يعبر المسلمون عن قربهم من هللا خاصة عندما يقفون على‬ ‫ّ‬ ‫جبل عرفات‪ ،‬حيث نراهم يذرفون الدموع‪ ،‬وهم يقفون تحت‬ ‫الشمس الحارقة وسط الماليين من المؤمنين‪ ،‬عارفين أنه مهما‬ ‫كثرت الحشود من حولهم‪ ،‬فإنهم سيتركون هذه أ‬ ‫الرض وحدهم‬ ‫للوقوف بين أيدي هللا عز وجل‪ .‬وهناك وثائق كثيرة ألشخاص‬ ‫سجلوا مشاعرهم في تلك اللحظات التي عاشوها في الحج‪ ،‬ومن‬ ‫أبرزهم المالكم العالمي محمد علي كالي‪ ،‬الذي أ ّدى فريضة‬ ‫الحج في ‪1989‬م‪ ،‬ومن ثم كتب يقول‪« :‬لقد كان هناك كثير‬ ‫من اللحظات الجميلة في حياتي‪ .‬لكن المشاعر التي اختبرتها وأنا‬ ‫القوى أ‬ ‫أقف على جبل عرفات في يوم الحج كانت أ‬ ‫والكثر فرادة‬ ‫الطالق»‪.‬‬ ‫على إ‬ ‫والليدي إيفلين كوبولد‪ ،‬السيدة البريطانية التي تنتمي إلى الطبقة‬ ‫أ‬ ‫السالم وأصبحت أول بريطانية تقوم‬ ‫الرستقراطية والتي اعتنقت إ‬ ‫عبرت فيها‬ ‫برحلة الحج في ‪1933‬م‪ ،‬كتبت رسالة مؤثرة إلى حفيدها َّ‬

‫«جاذبية مغناطيسية» من أعمال الفنان أحمد ماطر‬

‫إن ارتفاع عدد الحجاج من بضعة‬ ‫آالف في بداية القرن العشرين‪ ،‬إلى‬ ‫نحو ثالثة ماليين حاج هذا العام‪،‬‬ ‫هو شاهد على قدرة هذا الحدث‬ ‫ّ‬ ‫التكيف مع العصر‬ ‫الرائع على‬ ‫عن شعورها وهي تقضي مناسك الحج بقولها‪« :‬يبدو أنني لطالما‬ ‫كنت مسلمة»‪.‬‬ ‫ونجد المشاعر نفسها حتى في صفوف المشككين من المستشرقين‬ ‫أ‬ ‫الجانب‪ .‬ففي عام ‪1853‬م‪ ،‬تنكّر الرحالة ريتشارد فرانسيس بيرتون‬ ‫المكرمة بنية االستكشاف‬ ‫بزي طبيب أفغاني‪ ،‬وقام بالحج إلى مكّة‬ ‫ّ‬ ‫يعبر عن إحساس غريب تملكه‬ ‫ليس إال‪ .‬ولكن لم يسعه إال أن ّ‬ ‫أ‬ ‫وهو يقف في جوار الكعبة الشريفة حيث قال‪« :‬كان المر كما‬ ‫لو كانت أ‬ ‫الساطير الشعرية العربية تتحدث عن الحقيقة‪ ،‬وكأنما‬ ‫أ‬ ‫أجنحة المالئكة هي التي كانت تلوح في الفق‪ ،‬وليس نسيم الصباح‬ ‫العليل هو الذي كان يلوح بكسوة الكعبة»‪.‬‬

‫مكة المكرمة‬


‫«لقد كان هناك كثير من اللحظات‬ ‫الجميلة في حياتي‪ .‬لكن المشاعر‬ ‫التي اختبرتها وأنا أقف على جبل‬ ‫عرفات في يوم الحج كانت األكثر‬ ‫قوة وفرادة على اإلطالق»‬ ‫محمد علي كالي‬

‫تغير الزمان وتغيرت الدروب‬

‫إن ارتفاع عدد الحجاج من بضعة آالف في بداية القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬إلى نحو ثالثة ماليين حاج هذا العام‪ ،‬هو شاهد‬ ‫التكيف مع العصر‪ .‬فمناسك‬ ‫على قدرة هذا الحدث الرائع على ّ‬ ‫الفاضة‬ ‫تتغير من السعي بين الصفا والمروة وطواف إ‬ ‫الحج لم َّ‬ ‫تغيرت وتطورت‬ ‫إليه‬ ‫الطرق‬ ‫ولكن‬ ‫بعرفة‪.‬‬ ‫والوقوف‬ ‫والحرام‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫عبر الزمن‪ .‬فبعد وفاة الرسول ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلم ‪ّ ،-‬تم‬ ‫المكرمة‪ .‬ومن أول هذه الطرق‬ ‫إنشاء أربعة طرق رئيسة إلى مكّة‬ ‫ّ‬ ‫المكرمة الذي‬ ‫وأهمها‪ ،‬درب زبيدة من الكوفة في العراق إلى مكّة‬ ‫ّ‬ ‫أُنشئ في مطلع القرن التاسع الميالدي بطول ‪ 1448‬كلم‪ ،‬حيث‬ ‫كان الحجاج من العراق وإيران وآسيا الوسطى يتجمعون قبل‬ ‫القيام بالرحلة إلى مكة المكرمة‪ .‬وقد ُعرف بهذا االسم نسبة‬ ‫إلى زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد التي قامت هي شخصياً‬ ‫بالحج خمس مرات‪ ،‬وكانت قد أولت اهتماماً خاصاً بهذا الطريق‪،‬‬ ‫آ‬ ‫الصالحات‬ ‫فأمرت بإنشاء االستراحات وحفر البار وإدخال إ‬ ‫العالم وتنظيف الطريق ورصفه وترميم البرك آ‬ ‫ووضع أ‬ ‫والبار‬ ‫القديمة حوله‪ .‬وقد أطلق اسمها‪ ،‬ليس فقط على الطريق نفسه‪،‬‬

‫البحر أ‬ ‫البيض المتوسط‬ ‫القاهرة‬ ‫تومبكتو‬

‫ولكن أيضاً على نظام الري المعروف باسم ربيع زبيدة في سهل‬ ‫عرفات خارج المدينة‪.‬‬ ‫ومن ثم كانت هناك طرق الحج المصري والشامي واليمني‪ ..‬ومنذ‬ ‫القرن الحادي عشر كان الحجاج يفدون من جنوب شرق آسيا‬ ‫وغرب إفريقيا وأوروبا الجنوبية‪ ،‬وكان بعضهم يسافر عبر الخطوط‬ ‫البحرية إلى البحر أ‬ ‫الحمر على متن المراكب الشراعية والبواخر من‬ ‫سنغافورة ومومباي‪ .‬وفي عام ‪1908‬م بعد تشييد السكة الحديدية‬ ‫الناضول والمدينة المنورة مروراً بسوريا أ‬ ‫بين أ‬ ‫والردن والعراق بطول‬ ‫‪ 1400‬كلم‪ ،‬سافر الماليين من الحجاج براً من إسطنبول أ‬ ‫والناضول‬ ‫والشام‪.‬‬

‫مخاطر السفر قديماً‬

‫ولكن السفر عبر هذه الطرقات كان محفوفاً بالمخاطر المختلفة‬ ‫أ‬ ‫بالضافة إلى المخاطر الجغرافية‬ ‫مثل السيول والمطار وشح المياه إ‬ ‫الطبيعية‪ .‬حيث أظهر رسم بياني للطريق البحري الطويل جرى‬ ‫رسمه حوالي عام ‪1835‬م‪ ،‬وتم نشره باللغات الغوجاراتية والهندية‬ ‫والنجليزية‪ ،‬كم كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر‪ ،‬وكيف كانت‬ ‫إ‬ ‫تغير اتجاهها بعناية حول النتوءات المرجانية في البحر‬ ‫السفن ِّ‬ ‫أ‬ ‫الحمر‪ .‬كما كانت معظم هذه الطرق في حالة أمنية سيئة‪ ،‬فضال ً‬ ‫أ‬ ‫عن دفع إتاوات لمراء القبائل ومشايخها للمرور عبر ديارهم‪.‬‬ ‫ويروي عبدهللا بن سعيد الزهراني‪ ،‬الباحث المتخصص في تاريخ‬ ‫وآداب الحرم‪ ،‬لمحات تاريخية ألمن الحجيج قديماً وحديثاً‪،‬‬ ‫فيقول إن قوافل الحجاج كانت تتحرك على شكل مجموعات‬ ‫يحرسها عدد كبير من الجنود‪ .‬وكان يصحبها عدد من العسكر‬ ‫والجنود لحمايتها من قطَّاع الطرق خالل المسير إلى الحج‪ .‬وقد‬ ‫يكون مانسا موسى ملك مالي‪ ،‬أشهر من سافر للحج في القرون‬ ‫الوسطى عندما سافر عبر الصحراء من مدينة تمبكتو إلى القاهرة‬ ‫ثم إلى مكة المكرمة عام ‪1324‬م‪ ،‬متحدياً المخاطر بمواكبة‬ ‫‪ 60,000‬من أتباعه وحامال ً معه ‪ 300‬رطل من الذهب‪ ،‬وزعها على‬ ‫طول الطريق‪.‬‬ ‫وفي لوحة شهيرة ُرسمت في العراق عام ‪1237‬م‪ ،‬ظهر‬ ‫الجمال في العصور الوسطى‬ ‫موكب صاخب من الحجاج على ِ‬ ‫قادماً من تومبكتو والقوقاز ومتجهاً إلى مكة المكرمة‪ ،‬وهو‬


‫‪43 | 42‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫وحر الصحراء تتقدمه فرقة تقرع الطبول‬ ‫يتحدى أقطَّاع الطرق ّ‬ ‫وتنفخ البواق‪.‬‬

‫اختالف الحال بعد توحيد المملكة‬

‫تحدق بالحجاج على مختلف دروبهم‪ ،‬إلى أن‬ ‫بقيت هذه المخاطر ّ‬ ‫تم تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز‪،‬‬ ‫يرحمه هللا‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول الباحث عبدالرحمن التويجري‪ ،‬المهتم‬ ‫آ‬ ‫بالثار والتاريخ‪ ،‬إنه في عهد الملك عبدالعزيز‪ ،‬طيب هللا ثراه‪،‬‬ ‫أ‬ ‫«وضعت السس القوية التي قامت عليها الدولة المعتمدة على‬ ‫كتاب هللا وسنة رسوله ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬فشاع أ‬ ‫المن‬ ‫وتيسرت وتطورت حركة المواصالت البرية والبحرية والجوية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫واهتم من جاء بعده من الملوك اهتماماً بالغاً بالحرمين الشريفين‬ ‫وحجاج بيت هللا الحرام‪ ،‬وأصبح الحجاج يفدون إلى المملكة‬ ‫العربية السعودية من كل حدب وصوب‪ ،‬عبر كافة المنافذ ألداء‬ ‫مناسك الحج والعمرة آمنين مطمئنين»‪.‬‬ ‫الفريقي‪ ،‬مؤلف كتاب «الدولة السعودية‬ ‫ويذكر محمد طارق إ‬ ‫أن الملك عبدالعزيز كان حاكماً صالحاً في‬ ‫في الجزيرة العربية»‪ّ ،‬‬ ‫الغراء‪ ،‬تمكّن من نشر العدل‬ ‫الجزيرة العربية يستند على الشريعة َّ‬ ‫أ‬ ‫والمن في الجزيرة بعد أن كانت مسرحاً للفوضى والسلب والنهب‪،‬‬ ‫حيث يجوب الحجاج طول البالد وعرضها ليال ً ونهاراً مع أموالهم‬ ‫وأوالدهم بكل طمأنينة ال يمسهم سوء‪ ،‬بعد أن كانوا يُقتلون‬ ‫ويُسلبون وهم تحت حراسة الجيوش والجنود‪ .‬وأنه قد رأى بعينه‬ ‫أثناء تفتيشاته العسكرية‪ ،‬بصفته أول رئيس أركان حرب لجيش‬ ‫الملك عبدالعزيز‪ ،‬قوافل تترك حمولتها في الصحاري دون أية‬ ‫حراسة وتعود إليها بعد أيام عديدة فتجدها كما تركتها‪.‬‬ ‫البنى التحتية المحيطة‬ ‫وإضافة إلى تغير الدروب إلى الحج‪ ،‬تغيرت ُ‬ ‫بالرحلة بشكل كبير‪ ،‬فمن أجل مواكبة ازدياد أعداد الحجاج‪،‬‬ ‫توالت المشاريع التطويرية على أيدي الملوك الذين خلفوا الملك‬

‫ليست رحلة الحج مجرد رحلة‬ ‫جغرافية فحسب وإنما هي رحلة‬ ‫زمنية روحية يسعى فيها كل‬ ‫مؤمن للسير على ُخطا الرسول‬ ‫ صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والسعي‬‫للرحمة والغفران‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬بدءاً بالملك سعود‪ ،‬حيث كانت أول توسعة للحرم‬ ‫الشريف في عهده‪ ،‬مروراً بأكبر توسعة للحرمين الشريفين في عهد‬ ‫الملك فهد‪ ،‬وما صاحبها من تطوير شبكات الطرق أ‬ ‫والنفاق في‬ ‫المشاعر المقدسة ومكة المكرمة‪ ،‬ثم في عهد الملك عبدهللا بن‬ ‫عبدالعزيز حيث شهدت المشاعر المقدسة بعض أكبر مشاريع‬ ‫التطوير‪ ،‬ومن أبرزها جسر الجمرات العمالق وقطار المشاعر‬ ‫والتوسعة الضخمة في الحرم الشريف‪ .‬وتستمر مشاريع توسعة‬ ‫الحرمين الشريفين الضخمة حتى يومنا هذا بقيادة خادم الحرمين‬ ‫الشريفين‪ ،‬الملك سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬حفظه هللا‪.‬‬ ‫والبنى التحتية المحيطة به‪،‬‬ ‫وتغيرت الدروب ُ‬ ‫تغير الزمان َّ‬ ‫فقد َّ‬ ‫يقدم مشهدية عالمية‬ ‫ولكن الحج‪ ،‬الركن الخامس للإسالم‪ ،‬فهو ِّ‬ ‫تغير حياة‬ ‫رحلة‬ ‫في‬ ‫اليمان وفرادة المكان‬ ‫فريدة‪ ،‬ترمز إلى قوة إ‬ ‫ّ‬ ‫ماليين المسلمين سنوياً‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫خدمة بلمسة‬ ‫غير شخصية‬

‫مهى قمر الدين‬

‫حياتنا اليوم‬

‫مطاعم‬ ‫المستقبل‬

‫ً‬ ‫قريبا؟ إذا ما‬ ‫هل ستنقرض وظيفة النادل‬ ‫قمنا بزيارة لبعض المطاعم التي بدأت تفتح‬ ‫ِّ‬ ‫متعددة من العالم فقد‬ ‫أبوابها في أنحاء‬ ‫ً‬ ‫فعال‪ .‬ومن المطاعم الجديدة‬ ‫نعتقد ذلك‬ ‫التي ِّ‬ ‫تعزز ذلك مطعم «إيستا» في سان‬ ‫فرانسيسكو في الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫ومطعم «باغرز» في ألمانيا وسلسلة‬ ‫المقاهي والمطاعم المعروفة «فيتوبنا»‬ ‫في جمهورية تشيكيا ومطعم «فوا مين»‬ ‫في اليابان وغيرها‪ ..‬وكل هذه المطاعم‬ ‫َّ‬ ‫يتسلم الطلبات أو‬ ‫خالية من النوادل أو ممن‬ ‫المحاسبين أو أي عنصر بشري آخر‪ ،‬باستثناء‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن أنظار‬ ‫طاقم الطباخين الذي يعمل‬ ‫الزبائن‪.‬‬


‫‪45 | 44‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫في مطعم «إيستا» يوجد خط‬ ‫سريع وشاشة كبيرة بالئحة‬ ‫المأكوالت والمشروبات التي‬ ‫يقدمها المطعم مرفقة بالئحة‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫السعار‪ .‬وكل ما على الزبون‬ ‫القيام به‪ ،‬اختيار طلبه من خالل النقر على كمبيوتر‬ ‫لوحي موجود تحت الشاشة‪ ،‬ومن ثم الدفع بواسطة‬ ‫بطاقة ائتمان‪ .‬وعندها يظهر االسم المأخوذ من‬ ‫بطاقة االئتمان على شاشة أخرى‪ ،‬مرفق برقم يشير‬ ‫إلى النافذة التي ستصل إليها الوجبة المطلوبة‪ .‬وتقع‬ ‫مجموعة النوافذ خلف شاشة شفافة من الكريستال‬ ‫يتغير لون‬ ‫السائل‪ ،‬وعندما تصبح الوجبة جاهزة‪َّ ،‬‬ ‫الشاشة أمام النافذة ليصبح أسود داكناً‪ .‬وعند النقر‬ ‫على الشاشة مرتين تفتح الشاشة بحيث يمكن للزبون‬ ‫أخذ وجبته إلى الطاولة التي يختارها‪.‬‬ ‫وفي مطعم «باغرز» في نورنبرغ أ‬ ‫اللمانية‪ ،‬تم وصل‬ ‫كل طاولة من طاوالت المطعم بالمطبخ بواسطة‬

‫أسالك معدنية‪ .‬أما المطبخ فقد أنشىء تحت‬ ‫السقف مباشرة بحيث تنزلق الوجبة الجاهزة على‬ ‫تلك أ‬ ‫السالك إلى الطاولة مباشرة‪ .‬وإنما ليس قبل‬ ‫أن يختار الزبون طلبه باستخدام شاشة الكمبيوتر‬ ‫اللوحي الموجود على كل طاولة‪ .‬أ‬ ‫ولن كل الطاوالت‬ ‫في المطعم موصولة بشبكة من أجهزة الكمبيوتر‪،‬‬ ‫يتم تسجيل طلبات الزبائن في المطبخ‪ .‬ومن ثم يبدأ‬ ‫نظام الكمبيوتر باحتساب مواعيد تسليم الوجبات‬ ‫المحتملة ويُبقي الزبائن على علم بذلك‪.‬‬

‫مطاعم آلية منذ السبعينيات‬

‫فمهما اختلف تصميم هذه المطاعم‪ ،‬فإنها تؤشر‬ ‫إلى دخول المكننة إلى حقل المطاعم‪ ،‬وبقوة‪ .‬وفكرة‬ ‫هذه المطاعم الممكننة ليست جديدة بالكامل‪.‬‬ ‫ففي أوائل السبعينيات من القرن الماضي كانت‬ ‫هناك بعض المطاعم المعروفة بالمطاعم آ‬ ‫اللية‬ ‫(‪ )Automats‬وقد ظهرت في الواليات المتحدة‬ ‫وأوروبا و ُعرفت في اليابان بـ «الشوكنكي»‪ .‬وكانت‬ ‫هذه المطاعم آ‬ ‫اللية بمنزلة تطوير لمبدأ آالت البيع‬ ‫اللي (‪ .)Vending machines‬والمطاعم آ‬ ‫آ‬ ‫اللية تضم‬

‫هناك من يعتقد بأن النوادل‬ ‫يمكن أن يكونوا مصدر إزعاج‬ ‫عند قراءتهم للوائح الطعام‬ ‫الطويلة واالهتمام الزائد‬ ‫بالزبائن ومقاطعة الحديث‬ ‫الذي يدور على الطاوالت‬

‫جداراً من النوافذ الصغيرة تحتوي على الوجبات‬ ‫الطازجة وغير الطازجة مج َّهزة من ِقبل طاقم بشري‬ ‫غير مرئي‪ ،‬بحيث يمكن لرواد هذه المطاعم إسقاط‬ ‫المحددة في الفتحات الموجودة إلى‬ ‫قطع النقود‬ ‫َّ‬ ‫جانب كل نافذة‪ ،‬ليظهر أمامهم طبق الهامبرغر أو‬ ‫قطعة الحلوى أو سلطة التونه المطلوبة‪.‬‬

‫التفاؤل والحذر‬

‫مهما كان ظهور المطاعم الممكننة الحديثة مبنياً‬ ‫على فكرة جديدة أو مجرد تطور لفكرة كانت‬ ‫موجودة سابقاً‪ ،‬إال أنها مقدمة لمستقبل المطاعم‬ ‫التي استدعت ر َّدات فعل من المتشائمين منها‬ ‫والمتفائلين بها‪ .‬فبالنسبة للمتفائلين‪ ،‬تبدو المكننة‬ ‫طريقة لجعل أي مطعم أكثر فاعلية وأقل تكلفة‪.‬‬ ‫وبالنسبة للمتشائمين‪ ،‬فهي أحدث مثال عن كيفية‬ ‫سرقة وظائف البشر من قبل التكنولوجيا الحديثة‪.‬‬ ‫يقول مايكل ماك صاحب فكرة مطعم «باغرز»‬ ‫اللماني‪ ،‬إن استخدام هذا النظام آ‬ ‫أ‬ ‫اللي في‬ ‫المطعم سمح له بتوفير آ‬ ‫الالف من اليوروات في‬ ‫تكلفة الموظفين‪ .‬وبأنه يفكِّر في المستقبل باستبدال‬ ‫طاقم الطباخين بمجموعة من الروبوتات القادرة على‬ ‫موحدة وأسهل مما هي‬ ‫تحضير الوجبات بطريقة َّ‬ ‫عليه في الوقت الحاضر‪.‬‬ ‫ويعتقد ديفيد فريدبرغ صاحب مطعم «إيستا»‬ ‫والنتاجية في مطعمه‬ ‫أن المكننة زادت الفاعلية إ‬ ‫بالضافة إلى تخفيض أ‬ ‫السعار بالنسبة للزبائن‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن هذه المطاعم تضع‬ ‫تحت المجهر أحد أهم المعتقدات حول طبيعة‬ ‫العمل في عصر آ‬ ‫اللة الثاني التي تقول إنه‪ ،‬مع‬ ‫كل التقدم التكنولوجي‪ ،‬سيبقى هناك عديد من‬

‫للتأكد من راحتهم‪..‬‬

‫مطعم «إيستا» في سان فرانسيسكو‬

‫مطعم «باغرز» في ألمانيا‬


‫الوظائف في حقل الخدمات‪ ،‬ألننا بحاجة إلى‬ ‫التفاعل البشري‪ .‬من المؤكد أن هناك صحة في‬ ‫الجزء أ‬ ‫الول من المقولة وهناك كثير من الشكوك‬ ‫حول الجزء الثاني منها‪.‬‬ ‫فنحن مخلوقات اجتماعية‪ ،‬ومهما كان الشخص يحب‬ ‫العزلة فإنه بمجرد خروجه من المنزل لتناول الطعام‬ ‫في أي مطعم‪ ،‬فهو يسعى إلى نوع من التفاعل‬ ‫البشري‪ .‬على الرغم من أن هناك من يعتقد بأن‬ ‫النوادل يمكن أن يكونوا مصدر إزعاج عند قراءتهم‬ ‫للوائح الطعام الطويلة واالهتمام الزائد بالزبائن‬ ‫ومقاطعة الحديث الذي يدور على الطاوالت للتأكد‬ ‫من راحتهم‪.‬‬

‫المكننة تدخل إلى قطاع الخدمات‬

‫بعد أن كان قطاع الخدمات يعتمد بالدرجة أ‬ ‫الولى‬ ‫على أ‬ ‫اليدي العاملة البشرية‪ ،‬بدأت التحديات‬ ‫التكنولوجية التي كانت تحبط مشاريع مكننتها تسقط‬ ‫وبسرعة‪ .‬حتى إن أندرو ماكفي‪ ،‬أحد مؤسسي مبادرة‬ ‫معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لالقتصاد الرقمي‪،‬‬ ‫آ‬ ‫يعبر عن‬ ‫وأحد مؤلفي كتاب «عصر اللة الثاني»‪ّ ،‬‬ ‫قلقه من خالل طرحه السؤال التالي‪« :‬ما هي نسبة‬ ‫تقدم‬ ‫تعامالتنا البشرية التي ستبقى إنسانية مع ُّ‬ ‫التكنولوجيا؟»‪.‬‬ ‫تحول جميع الصناعات‪ ،‬وحلَّت‬ ‫فقد أخذت المكننة ّ‬ ‫الماكينات مكان اليد العاملة الماهرة في المصانع‬

‫والوظائف المكتبية في المصارف وحتى في مكاتب‬ ‫المحاماة‪ .‬ومع استحداث السيارات التي تُقاد ذاتياً‬ ‫المر نفسه مع سائقي سيارات أ‬ ‫قد يحصل أ‬ ‫الجرة‬ ‫وسيارات الشحن‪ .‬كما أنه من المتوقع أن يدخل‬ ‫اللي آ‬ ‫الرجل آ‬ ‫والالت الذكية إلى القطاع الصحي‪ .‬أما‬ ‫آ‬ ‫ما حصل الن فهو أن المكننة غزت قطاعات جديدة‬ ‫تتطلَّب يداً عاملة غير ماهرة‪.‬‬ ‫لقد اختبر الصينيون تجربة وضع الطلبات في‬ ‫المطاعم من خالل الكمبيوتر اللوحي لمدة سنوات‬ ‫من أجل تخفيض تكاليف العمالة أ‬ ‫والسعار‪ .‬ففي‬ ‫اليابان‪ ،‬يخلو فندق «النانا» الذي تم افتتاحه في‬ ‫يوليو الماضي من العنصر البشري بالكامل‪ ،‬إذ ّ‬ ‫حل‬ ‫الرجل آ‬ ‫اللي محل الموظفين في كل جميع المهمات‬ ‫من تنظيف الغرف إلى إدارة إجراءات الوصول‬ ‫والمغادرة‪ .‬وليس بعيداً عن سان فرانسيسكو بدأ‬ ‫فندق في سينفالو يعرف باسم «ألوف كوبرتينو»‬ ‫اختبار رجل آلي ليساعد زمالءه البشر على المهمات‬ ‫اليومية مثل تغيير الشراشف والمناشف وتوصيل‬ ‫الحاجيات إلى النزالء‪ .‬أما آ‬ ‫الن‪ ،‬وقد دخلت المكننة‬ ‫إلى قطاع المطاعم بهذه الصورة الطاغية‪ ،‬فإنها‬ ‫تهدد وظائف الطبقات الفقيرة وراحت تطرح‬ ‫أصبحت ِّ‬ ‫تساؤالت حقيقية بالنسبة للمستقبل االقتصادي لهذه‬ ‫الطبقات‪.‬‬ ‫وبغض النظر عما إذا كانت هذه المطاعم الجديدة‬ ‫مؤذية للدورة االقتصادية أم ال‪ ،‬فهي‪ ،‬من خالل‬ ‫تقديمها الطعام بلمسة غير شخصية بالكامل‪،‬‬ ‫تع ِّزز ثقافة العصر الجديدة التي ترتكز على‬ ‫العزلة االجتماعية وقد يكون أ‬ ‫المر كما قال ألبرت‬ ‫أينشتاين أنه أصبح من الواضح‪ ،‬وبشكل مخيف‪ ،‬أن‬ ‫التكنولوجيا أخذت تتجاوز إنسانيتنا‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫قائمة‬ ‫الطعام‬


‫‪47 | 46‬‬

‫حياتنا اليوم‬

‫الماراثون من أعرق أنواع الرياضة‪ ،‬ظهر في‬ ‫اليونان القديمة‪ ،‬وأعادت إحياءه اليونان‬ ‫الحديثة‪ ،‬وراج خالل العقود األخيرة خارج‬ ‫إطار األلعاب األولمبية في مدن عديدة صارت‬ ‫ِّ‬ ‫تنظمه لغايات مختلفة‪ .‬وفي الماراثونات‬

‫الحديثة‪ ،‬تحالفت المصالح الشخصية‬ ‫االجتماعية والتجارية على الترويج لهذا‬ ‫النشاط‪ ،‬وهذا التحالف هو وحده ما ِّ‬ ‫يفسر‬ ‫إقبال اآلالف على المشاركة في كل ماراثون‪،‬‬ ‫رغم محاذير الركض لعشرات الكيلومترات على‬ ‫ُّ‬ ‫التحمل‪.‬‬ ‫الصحة والقدرة على‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫لماذا نركض‬ ‫الماراثونات؟‬ ‫انطلقت فكرة الماراثون من‬ ‫اليونان القديمة عام ‪490‬‬ ‫قبل الميالد‪ ،‬عندما ركض‬ ‫الجندي فيديبيديس مسافة ‪40‬‬ ‫كيلومتراً من أرض المعركة في‬ ‫بلدة ماراثون في اليونان إلى‬ ‫الغريق على الفرس‪ .‬وتقول‬ ‫أثينا حامال ً نبأ انتصار إ‬ ‫أ‬ ‫إن فيديبيديس سلّم الرسالة العظيمة‬ ‫السطوة ّ‬ ‫«نيكي» (أي النصر) قبل أن ينهار ويموت‪ ،‬وبالتالي‬ ‫أسس لسابقة مثيرة لنتائج سباق الماراثون‪.‬‬ ‫اللعاب أ‬ ‫عند افتتاح أ‬ ‫الولمبية الرسمية الحديثة عام‬ ‫‪1896‬م في اليونان‪ ،‬أُعيد إحياء أسطورة فيديبيدس‬ ‫بسباق الـ ‪ 40‬كلم انطالقاً من جسر بلدة ماراثون إلى‬ ‫الملعب أ‬ ‫الولمبي في أثينا‪ .‬وفي تلك الدورة‪ ،‬وحتى‬ ‫بلوغ الماراثون‪ ،‬الذي كان الحدث النهائي التقليدي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الغريق قد فازوا بأية‬ ‫في اللعاب الولمبية‪ ،‬لم يكن إ‬ ‫ميدالية‪ ،‬لذلك كان الماراثون فرصتهم أ‬ ‫الخيرة لتحقيق‬ ‫أ‬ ‫عدا ًء على‬ ‫فتجمع خمسة وعشرون َّ‬ ‫المجد لمتهم‪ّ .‬‬ ‫جسر بلدة ماراثون‪ ،‬ومن ثم أُطلقت طلقة البداية‪.‬‬ ‫عمت الحشود المنتظرة عند خط‬ ‫«وكانت إ‬ ‫الثارة التي َّ‬ ‫النهاية في المنشأة الحديثة‪ ،‬التي ُش ّيدت على طراز‬ ‫استاد أ‬ ‫الولمبياد في أثينا القديمة‪ ،‬تفوق الوصف»‬ ‫عب َر سبيريدون‬ ‫كما كتب المؤرخ اليوناني كورسنتاني‪َ .‬‬

‫لويس‪ ،‬وهو عامل بريد يوناني من قرية ماروسي‪،‬‬ ‫كان قد شارك في عدة سباقات عسكرية طويلة‪ ،‬خط‬ ‫النهاية متقدماً بفارق سبع دقائق كاملة عمن تَ ِل َيه‪.‬‬ ‫وكان وقته ‪ 2‬ساعة‪ ،‬و‪ 58‬دقيقة‪ ،‬و‪ 50‬ثانية لمسافة‬ ‫‪ 40‬كيلومتراً‪ .‬عندها حققت الدولة المضيفة الفوز‬ ‫المنشود‪ ،‬وعندها ُولد سباق الماراثون الحديث‪.‬‬

‫تحدي الذات‬ ‫ِّ‬

‫عد نشاطاً غريباً‬ ‫على مدى سنوات‪ ،‬كان الماراثون يُ ُّ‬ ‫وخطراً بالفعل‪ .‬وقد تكون قصة فيديبيدس الذي‬ ‫الجهاد تحذيراً مثلما هي احتفاء بالقدرة‬ ‫مات من إ‬ ‫التحمل‪ .‬ولذلك اقتصرت المشاركة‬ ‫النسانية على‬ ‫إ‬ ‫ُّ‬ ‫فيه على الرياضيين المحترفين‪ .‬ومنذ عقود قليلة‬ ‫ماضية فقط أصبح الماراثون حدثاً رياضياً شعبياً في‬ ‫معظم مدن العالم‪ .‬وهناك عدة أسباب وراء رواج‬ ‫فبالضافة إلى‬ ‫هذه الرياضة بهذا الشكل المتزايد‪ .‬إ‬ ‫االستفادة من الفوائد الصحية للركض‪ ،‬وكون معظم‬ ‫سباقات الماراثون مفتوحة للجميع‪ ،‬تقريباً‪ ،‬دون‬ ‫وضع شروط صعبة على المشاركة فيها‪ ،‬فقد يكون‬ ‫الثارة والتحدي‪.‬‬ ‫أول عامل جذب لها هو السعي وراء إ‬ ‫فضمن وتيرة الحياة السريعة التي نعيشها‪ ،‬تتشتت‬ ‫أفكارنا حوالي ‪ 12‬مرة في الدقيقة‪ .‬كما أننا نقضي‬ ‫مسمرين أمام‬ ‫المكيفة ونبقى ّ‬ ‫وقتاً طويال ً في مكاتبنا ّ‬

‫مختلف أنواع الشاشات إاللكترونية‪ .‬ويمكننا الوصول‬ ‫إلى وسائل ترفيه ال حدود لها كما ّأن بمقدورنا التسوق‬ ‫والحصول على الوجبات الغذائية دون أن نترك‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫منازلنا‪ .‬فالحياة سهلة وسريعة ومملة في ٍآن ٍ‬ ‫وبينما تسيطر على أ‬ ‫اللعاب الرياضية الجماعية‪،‬‬ ‫مثل كرة القدم وكرة السلة وكرة الطائرة وغيرها‪ ،‬لغة‬ ‫القتال‪ ،‬حيث هناك حديث عن فائزين وخاسرين‪،‬‬ ‫واستراتيجيات وإصابات وحمالت‪ ،‬والنتيجة هي كل‬ ‫شيء‪ ،‬يكون التحدي في رياضة الماراثون هو تحدي‬ ‫الذات‪ .‬هناك قلة قليلة من المشاركين الذين يسعون‬ ‫لتحقيق الفوز وحتى بلوغ الهدف النهائي‪ .‬هنا‪ ،‬في‬ ‫الركض في الماراثون‪ ،‬تكون الغاية أهدأ وأكثر روحانية‪.‬‬ ‫ويتحدث الروائي الياباني الشهير هاروكي موراكامي‪،‬‬ ‫«عم‬ ‫الذي يهوى المشاركة في الماراثونات‪ ،‬في كتابه ّ‬ ‫أتحدث حينما أتكلم عن الركض» عن التركيز على‬ ‫ّ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫الهداف الداخلية بدال ً من على المنافسة مع الخر‪.‬‬ ‫فيقول عن ممارسة الركض إنه ليس من المهم ما «إذا‬ ‫كانت مفيدة أم ال‪ ،‬أم إذا كانت رائجة أم ال‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫للمور‪ ،‬فإن الهدف أ‬ ‫في التحليل النهائي أ‬ ‫الهم هو ما‬ ‫ال يمكنك أن تراه ولكن ما تشعر به في قلبك»‪.‬‬

‫التدفق والروح‬

‫هناك مصطلح يستخدمه المتخصصون في علم‬ ‫النفس الرياضي لوصف حالة الرياضي وهو يمارس‬ ‫الرياضة بكل سهولة وكأنه فاقد للوعي‪ ،‬وهو‬ ‫«التدفق»‪ .‬هذا التدفق هو الذي يهب السعادة‬ ‫الدراج الفرنسي جان‬ ‫المجردة التي ّ‬ ‫يتحدث عنها َّ‬ ‫بوبيه عندما يصف الشعور الذي يشعر به وهو‬ ‫«الحساس الدقيق‪،‬‬ ‫في ذروة السباق‪ .‬إذ يقول إنّه إ‬ ‫والحميم والسريع الزوال الذي حين تدركه‪ ،‬يتملكك‬ ‫ويجتاحك ومن ثم يتركك مرة أخرى‪ .‬تشعر به‬


‫وحدك‪ .‬هو مزيج من السرعة والسهولة والقوة‬ ‫العداء الكيني‬ ‫والنعومة»‪ .‬وهذا ما يسميه موتاي‪ّ ،‬‬ ‫الذي يُعد ملك الماراثونات‪ ،‬بـ «الروح»‪ .‬يقول موتاي‬ ‫إن قساوة النظام التدريبي الذي كان يتبعه ‪125 -‬‬ ‫ّ‬ ‫ميال شرسة في أ‬ ‫السبوع ‪ -‬كانت من أجل تحقيق هذا‬ ‫ً‬ ‫الهدف‪ ،‬ويضيف «كلما أصبح التدريب أقسى حصلت‬ ‫مزيد من الروح»‪.‬‬ ‫على ٍ‬

‫الحياء أ‬ ‫البشر ما يصفه عالم أ‬ ‫اللماني بيرند هاينريش‬ ‫بـ «قوة البصيرة» في كتابه «لماذا نركض؟»‪ ،‬فيقول‬ ‫التحمل‪ ،‬كما يعرف كل‬ ‫إن «مفتاح القدرة على‬ ‫ُّ‬ ‫عدائي المسافات الطويلة‪ ،‬ليست مجرد مسألة غدد‬ ‫ّ‬ ‫عرقية‪ ...‬بل إنّها الرؤية‪ .‬فالتحمل هو أن يكون أمامك‬ ‫ٌ‬ ‫واضح والقدرة على ترجمته بالقدرات العقلية‪،‬‬ ‫هدف‬ ‫ٌ‬ ‫أ‬ ‫أي الخذ في االعتبار أبعد مما تراه العين»‪.‬‬

‫إلى ذلك‪ ،‬فإن جاذبية المشاركة في الماراثونات‪،‬‬ ‫تعبير عن ميزة‬ ‫والركض بشكل خاص‪ ،‬هي بمنزلة ٍ‬ ‫بشرية تجعل البشر ما هم عليه‪ .‬ويتحدث كتاب‬ ‫كريستوفر ماكدوغال بعنوان «مولود ليركض»‪،‬‬ ‫عن قبيلة «تاراهومارا» في المكسيك‪ ،‬ونظام حياة‬ ‫أفرادها الذي يغلب عليه الركض لمسافات طويلة‪.‬‬ ‫في هذا الكتاب‪ ،‬يشرح ماكدوغال التقدم أ‬ ‫الخير في‬ ‫علم التطور البشري من خالل نظرية «الرجل الذي‬ ‫يركض»‪ .‬ما يوحي بأن «تحمل مشقة الصيد» ‪ -‬أي‬ ‫مالحقة الفريسة على بعد أميال كثيرة ‪ -‬كان حجر‬ ‫الزاوية في تطور البشرية‪.‬‬

‫الماراثون كسلعة تجارية‬

‫ويقول أنصار نظرية «الرجل الذي يركض» إن ثمة‬ ‫تبين بأنّنا ولدنا‬ ‫معينة في البشر ّ‬ ‫خصائص فيزيائية َّ‬ ‫لنركض‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬وعلى عكس الثدييات‬ ‫غير القادرة على الركض‪ ،‬ولكن مثل الخيول والكالب‪،‬‬ ‫يمكن للبشر أن يبقوا رؤوسهم ثابتة بسبب الرباط‬ ‫أن لديهم عضالت‬ ‫القفوي في قاعدة الجمجمة‪ .‬كما ّ‬ ‫قوية للتحكم بأرجلهم ولموازنة صدورهم الثقيلة‪،‬‬ ‫مكونة من مجموعة كبيرة من‬ ‫وأقدامهم وكواحلهم ّ‬ ‫والربطة أ‬ ‫العضالت أ‬ ‫والوتار‪ .‬ولديهم غدد عرقية‬ ‫أ‬ ‫فإن أجسامهم قادرة على‬ ‫تفرز الماء والمالح‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫أن تبرد ذاتها بسرعة‪ .‬أ‬ ‫والهم من ذلك كله‪ ،‬يمتلك‬ ‫ّ‬

‫هذا من الناحية الفردية‪ ،‬أما من الناحية االجتماعية‬ ‫فهناك جانب مهم يتعلَّق بالماراثونات ورواجها خالل‬ ‫الخيرة‪ .‬وهي أنها في كثير من أ‬ ‫السنوات أ‬ ‫الحيان‬ ‫ّ‬ ‫صارت تنظِّم كحمالت للتبرع ألهداف خيرية‪.‬‬ ‫وعندها ال يسبب رسم المشاركة أي قلق بالنسبة‬ ‫للمشاركين الذين يعرفون بأن أي فائض من المال‬ ‫سيذهب لمحاربة السرطان أو بناء مدرسة أو مساعدة‬ ‫أ‬ ‫اليتام أو لهدف إنساني آخر‪.‬‬ ‫وكل هذه العوامل جعلت من الماراثون سلعة عالية‬ ‫الطلب‪ .‬وهذا ما دفع عديداً من الجهات المنظِّمة إلى‬ ‫لتحمل تكلفة تنظيمها‪ ،‬كما‬ ‫أن تكون على استعداد ُّ‬ ‫دفعت بالشركات الكبرى إلى السعي لرعايتها‪ ،‬لكونها‬ ‫هدفاً دعائياً ناجحاً لها‪ ،‬أو كمجرد استثمار تجاري رابح‪.‬‬ ‫وما يجعل االستثمار في الماراثونات أكثر جاذبية‬ ‫إن‬ ‫هو كون الماراثون سلعة تجارية غير مرنة‪ ،‬أي ّ‬ ‫الطلب عليها ال يتأثر كثيراً بارتفاع رسوم التسجيل‬ ‫فيها‪ .‬فعادة ما تكون رسوم التسجيل في الماراثون‬ ‫في متناول الجميع‪ ،‬وإنما في بعض أ‬ ‫الحيان قد تصل‬ ‫ّ‬ ‫إلى أرقام مرتفعة‪ .‬فهناك على سبيل المثال بعض‬ ‫الماراثونات النخبوية مثل ماراثون مدينة نيويورك‬

‫لمجرد‬ ‫الذي يفرض رسم دخول بقيمة ‪ 11‬دوالراً ّ‬ ‫المشاركة في سحب يعطي للرابحين الفرصة لالشتراك‬ ‫في الماراثون برسم يبلغ ‪ 255‬دوالراً‪ .‬ولكن أين تذهب‬ ‫كل هذه أ‬ ‫الموال؟‬ ‫تبدأ تكلفة الماراثونات قبل شهور من السباق‪.‬‬ ‫ففي البداية تبدأ الجهة المنظِّمة بدرس مؤهالت‬ ‫المكان الذي سيقام فيه السباق‪ ،‬ومن ثم تسعى‬ ‫للحصول على التراخيص من البلدية المعنية‬ ‫الستخدام المساحات العامة من الطرق ومواقف‬ ‫العالن للسباق إن‬ ‫السيارات وغيرها‪ .‬وهناك تكاليف إ‬ ‫النترنت‪.‬‬ ‫كان في التلفزيون أو الصحف أو مواقع إ‬ ‫ويوم الماراثون هناك تكلفة العاملين على أ‬ ‫الرض‬ ‫من موزعي المياه والمراقبين أ‬ ‫والجهزة الطبية في‬ ‫حال حدوث أي طارئ وما إلى هنالك‪ .‬ولكن مهما‬ ‫بلغت التكاليف‪ ،‬فمع أعداد المشاركين الكبيرة تبقى‬ ‫الماراثونات مشروعاً مربحاً إن عاد ريعها إلى هدف‬ ‫سام‪ ،‬أو إلى تحقيق ربح تجاري تسعى‬ ‫إنساني ٍ‬ ‫الشركات المنظمة إلى كسبه‪.‬‬ ‫ومع تالقي المصلحة الفردية مع المصلحة المجتمعية‬ ‫تحولت الماراثونات إلى ظاهرة من‬ ‫والمصالح التجارية َّ‬ ‫ظواهر المجتمع المعاصر‪ ،‬لتصبح أكثر تنوعاً وأكثر‬ ‫إثارة وأكثر ابتكاراً‪ ،‬وليس آخرها الماراثون الذي أصبح‬ ‫يُجرى مؤخراً على رمال الصحراء الحارقة في سلطنة‬ ‫ُعمان لمسافة تبلغ ‪ 165‬كلم‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪49 | 48‬‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫تعليق‬ ‫على‬ ‫التعليق‬

‫ال شك في أن‬ ‫التعليقات التفاعلية‬ ‫القصيرة على شبكة‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬إن كانت‬ ‫تعليقات على محتوى‬ ‫أشرطة الفيديو أو المقاالت أو‬ ‫المدونات أو غيرها‪ ،‬هي نافذة مهمة‬ ‫ّ‬ ‫تطل على كيفية التفاعل البشري‬ ‫والمشاركة في العصر الرقمي‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي قد تكون بعض‬ ‫التعليقات بغيضة أو مسيئة أو‬ ‫ِّ‬ ‫مضللة‪ ،‬إال أنها قد ِّ‬ ‫تقدم معلومات‬ ‫قيِّ مة للشركات واألفراد على ٍّ‬ ‫حد‬ ‫سواء‪ ،‬كما ُت ّ‬ ‫مكن المشجعين‬ ‫ِّ‬ ‫والمعلقين من التواصل على نطاق‬ ‫لم يسبق له مثيل من قبل‪ .‬وقد‬ ‫يكون لهذا التواصل تأثير أبعد من‬ ‫شبكة الويب‪ .‬ولكن ما الذي يمكن‬ ‫َّ‬ ‫نتعلمه منها؟ وكيف يمكن‬ ‫أن‬ ‫التمييز بين المحتوى والتعليق؟‬ ‫وما الذي يمكن أن تكشفه لنا‬ ‫عن الطبييعة البشرية ال سيما‬ ‫إذا تمكن المشاركون من إخفاء‬ ‫هويتهم الفعلية؟ كيف َّ‬ ‫تحولت هذه‬ ‫التعليقات إلى قيمة تجارية بحد‬ ‫ذاتها؟‬


‫التعليقات منذ القدم‬

‫إلى جانب التعليقات البشرية‬ ‫المعتادة في التجمعات االجتماعية‬ ‫العادية إن كانت في المقاهي‬ ‫أو المجالس أو غيرها‪ ،‬ظهرت‬ ‫هناك التعليقات المكتوبة منذ العهود القديمة‬ ‫ويعود بعضها إلى تلك التعليقات التي ُوجدت على‬ ‫المخطوطات السومرية أ‬ ‫الولى في بابل القديمة‪،‬‬ ‫لكنها لم تتطور إلى شكلها الرسمي المكتوب إال من‬ ‫خالل التعليقات التي كانت ترسل إلى الصحف‪ .‬إذ‬ ‫المحررون يتحدثون‬ ‫بدأ التشجيع عليها عندما راح‬ ‫ِّ‬ ‫عن وجوب انهيار الحواجز وإزالة العالقات الهرمية‬ ‫بين الك ّتاب وقرائهم‪ .‬ولكن تلك التعليقات كانت‬ ‫محدودة‪ ،‬غير متوافرة للقراءة من قبل الجميع‪،‬‬ ‫النترنت عندما أصبحت التعليقات‬ ‫وذلك حتى ظهور إ‬ ‫والمراجعات أسهل من حيث نشرها وقراءتها والتفاعل‬ ‫معها‪ .‬وتمثل هذه التعليقات تفاعال ً على محتوى‬ ‫معين من خالل دوافع مختلفة‪ ،‬وبذلك قد تكون‬ ‫َّ‬ ‫غنية بالمعلومات أو مضللة أو مسلية أو مملة أو‬ ‫حاقدة أو حتى خارجة عن الموضوع تماماً‪.‬‬

‫التعليقات وعالمها السفلي‬

‫إن هذه التعليقات هي أحد أكثر‬ ‫قد يقول البعض َّ‬ ‫النترنت‪ ،‬وإنها تنتمي إلى‬ ‫التطورات البغيضة على إ‬ ‫النترنت السفلي إذ إنها غالباً ما تكون في‬ ‫عالم إ‬ ‫أسفل المقال أو الفيديو أو المدونة‪ ،‬وبالتالي يجب‬ ‫تجاهلها وعدم قراءتها‪ .‬وهناك من يقول إن قراءة‬ ‫هذه التعليقات لها تأثير سلبي على التركيز على‬ ‫المضمون وعلى احترام الذات‪ ،‬والنظرة إلى العالقة‬ ‫مع آ‬ ‫الخرين‪.‬‬ ‫فمنذ سنتين تقريباً قامت مجلة «‪»Science Popular‬‬ ‫اللكتروني‪ ،‬إذ‬ ‫بوقف العمل بالتعليقات على موقعها إ‬ ‫النترنت‪ ،‬ال سيما‬ ‫أن التعليقات على إ‬ ‫ا َّدعى المحررون ّ‬ ‫تقوض نزاهة العلم وتؤدي إلى‬ ‫المجهولة المصدر‪ّ ،‬‬ ‫ثقافة السخرية والعدوان التي تعيق الخطاب العلمي‬ ‫الموضوعي‪ .‬ودعماً لهذا الرأي تقول سوزان البار‪ ،‬التي‬ ‫تعمل في مجال التحرير في المجلة نفسها‪ ،‬نقال ً عن‬ ‫دراسة حديثة من جامعة ويسكونسون ‪ -‬ماديسون‪ ،‬إن‬ ‫«عدداً قليال ً من التعليقات السلبية يملك ما يكفي من‬ ‫القوة لحرف انتباه القارىء عن المضمون الفعلي»‪.‬‬ ‫ولكن هناك رأياً آخر يقول إن الدعوة إلى عدم قراءة‬ ‫َّ‬ ‫التعليقات وتجاهلها‪ ،‬مشروع غير قابل للتطبيق‪،‬‬ ‫أ‬ ‫النترنت بحد ذاتها هي شبكة ضخمة ومتشعبة‬ ‫لن إ‬ ‫العالم االجتماعية‪،‬‬ ‫من التعليقات‪ ،‬كما أن وسائل إ‬ ‫بالجمال‪ ،‬وتويتر على وجه الخصوص‪ ،‬هي تراكم‬ ‫إ‬ ‫مستمر من التعليقات والهوامش وأي تغريدة على‬ ‫النترنت هي‪ ،‬في أ‬ ‫الساس موضوعة إلثارة مزيد من‬ ‫إ‬ ‫التعليقات عن طريق الرد أو إعادة استخدامها من‬ ‫جديد أو حتى االستشهاد بها‪.‬‬ ‫ومما ال شك فيه أن العنصر أ‬ ‫الخطر في هذه‬

‫التعليقات هو في إمكانية القيام بها دون الكشف عن‬ ‫هوية المعلِّق الحقيقية‪ .‬ووفقاً الستطالع قام به مركز‬ ‫«‪ »PEW‬أ‬ ‫للبحاث‪ ،‬فإن ربع التعليقات على إالنترنت‬ ‫هي تعليقات مجهولة المصدر‪ ،‬وبالتالي هناك انفصام‬ ‫بين هوية المعلِّق الحقيقية وبين ما يقوله‪.‬‬ ‫وقد وصف الطبيب النفسي جون سولر هذه الظاهرة‬ ‫النترنت»‪،‬‬ ‫سماه بنظرية «تأثير إزالة الكبت على إ‬ ‫بما َّ‬ ‫تتحرر هوية الشخص‬ ‫التي‬ ‫اللحظة‬ ‫في‬ ‫إنه‬ ‫تقول‬ ‫التي‬ ‫َّ‬ ‫من القيود المفروضة عليه يتغير سلوكه المعتاد‬ ‫الشارة هنا إلى القول المأثور‬ ‫بشكل كبير‪ .‬كما يمكن إ‬ ‫النترنت ال أحد يعرف بأنك كلب» الذي اشتهر‬ ‫«على إ‬ ‫على إثر رسم كرتوني للفنان الكاريكاتوري بيتر ستاينر‬ ‫في مجلة النيو يوركر أ‬ ‫المريكية‪ .‬ويُظهر الرسم كلبين‪،‬‬ ‫أحدهما يجلس على كرسي أمام شاشة الكمبيوتر‬ ‫أ‬ ‫وهو يقول هذه العبارة لكلب آخر جالس على الرض‬ ‫في جواره‪ .‬ومنذ ‪2011‬م أصبح هذا الرسم أشهر‬ ‫الرسوم الكاريكاتورية التي رسمتها المجلة‪ ،‬وأصبح‬ ‫يعبر عن‬ ‫هذا القول يتردد على لسان كل من يريد أن ِّ‬ ‫النترنت‪.‬‬ ‫إمكان إخفاء هويته على إ‬ ‫عندما قام آرثر سانتانا‪ ،‬أستاذ االتصاالت في جامعة‬ ‫هيوستن‪ ،‬بتحليل ‪ 900‬تعليق‪ ،‬اختارها‪ ،‬بطريقة‬ ‫عشوائية‪ ،‬من تعليقات على مقاالت حول الهجرة‪،‬‬ ‫نصفها من صحف كانت تسمح بالتعليقات المجهولة‬ ‫ونصفها من صحف ال تسمح بذلك‪ ،‬وجد أن ‪%53‬‬ ‫من المعلِّقين المجهولين كانوا غير مهذبين بالتعابير‬ ‫التي استخدموها في تعليقاتهم‪ ،‬في مقابل ‪%29‬‬ ‫عرفوا عن هوياتهم‪.‬‬ ‫فقط من المعلِّقين الذين ّ‬ ‫وبالتالي استنتج سانتانا بأن إخفاء الهوية يشجع على‬ ‫الخروج عن اللياقة والتهذيب‪.‬‬ ‫يشجع على‬ ‫تبين أن إخفاء الهوية ِّ‬ ‫من ناحية أخرى‪َّ ،‬‬ ‫المشاركة‪ ،‬حيث يشعر المشاركون بأنهم يعززون‬ ‫المشاركة المجتمعية أ‬ ‫الوسع دون التركيز على‬ ‫المحددة‪ .‬كما أن إخفاء الهوية يمكنه أن‬ ‫هوياتهم‬ ‫َّ‬ ‫البداعي‪ ،‬وذلك حسب دراسة أجراها‬ ‫يع ِّزز التفكير إ‬ ‫عا ِلما النفس إينا بلو وإيفنر كاسبي على تعليم‬ ‫الطالب في بيئتين مختلفتين‪ ،‬واحدة تتميز بالتعليم‬ ‫المباشر وواحدة من خالل التعليم عن بُعد بالرسائل‬ ‫النترنت وغيرها‪ ،‬مع‬ ‫اللكترونية والمحاضرات على إ‬ ‫إ‬ ‫حجب هويات الطالب‪ .‬وقد وجدا أنه على الرغم من‬ ‫أن التفاعل المباشر مع الطالب يمكن أن يوفر قدراً‬ ‫أن المشاركة المجهولة أظهرت‬ ‫أكبر من االرتياح‪ ،‬إال َّ‬ ‫أنها تعزز روح المبادرة أ‬ ‫والفكار المبدعة‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫قيمة تجارية بحد ذاتها‬

‫وفي قراءة للتعليقات المستخدمة في عالم التسويق‬ ‫النترنت كانت المالحظة بأنها تحتوي على كمية‬ ‫على إ‬ ‫كبيرة من التالعب واالستغالل والمصالح التجارية‪.‬‬ ‫وهنا تتحول التعليقات إلى وسائل دعائية غير‬ ‫مشروعة في بعض أ‬ ‫الحيان‪ .‬فهناك بعض المطاعم‬ ‫اليجابية‬ ‫التي تعطي الكوبونات مقابل المراجعات إ‬

‫على النترنت‪ .‬وفي بعض أ‬ ‫الحيان‪ ،‬أيضاً‪ ،‬يطلب‬ ‫إ‬ ‫الهل أ‬ ‫الكتاب من أ‬ ‫والصدقاء كتابة مراجعات لكتبهم‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا يقومون بذلك هم أنفسهم‪ .‬كما يقوم بعض‬ ‫أ‬ ‫الس َير الذاتية على ويكيبيديا‬ ‫الشخاص بتحرير ِ‬ ‫أ‬ ‫ويشتري بعض المشاهير التباع والمشجعين‪ .‬هذا‬ ‫بالضافة إلى أن هناك رغبة‪ ،‬تقترب إلى الهوس‪،‬‬ ‫إ‬ ‫النترنت‪ ،‬وهذا هو‬ ‫لتقييم وتصنيف كل شيء على إ‬ ‫جزء من دينامية «مراجعة الطلب» في العصر الرقمي‪.‬‬ ‫النترنت‬ ‫وقد أصبح لتعليقات المستخدمين على إ‬ ‫قيمة تجارية مهمة‪ ،‬ففي ‪2013‬م قامت شركة أمازون‬ ‫التي تبيع الكتب بشراء موقع «‪ ،»Goodreads‬وهو‬ ‫موقع لمراجعة ومناقشة الكتب‪ ،‬بقيمة ‪ 150‬مليون‬ ‫دوالر أمريكي‪ ،‬وقام موقع «‪ ،»TripAdvisor‬أهم‬ ‫موقع للسفر في العالم‪ ،‬بشراء موقع السفر آ‬ ‫الخر‬ ‫«‪ »Expedia‬بقيمة ‪ 200‬مليون دوالر أمريكي واشترت‬ ‫غوغل دليل تصنيف المطاعم «‪ »Zagat‬بـ ‪150‬‬ ‫مليون دوالر أمريكي‪.‬‬ ‫فقد أصبحت التعليقات سمة من سمات العصر‬ ‫الحديث‪ ،‬إذا ما كانت تنتمي إلى عالم سفلي هامشي‬ ‫أم ال‪ .‬وكما قال عا ِلما النفس ماركو إيزر وبراون‬ ‫تغير‬ ‫ساوثويل فإن «تقنيات التواصل الحديثة ال ّ‬ ‫القواعد النظرية للتفاعل البشري‪ ،‬ألن هذا التفاعل‬ ‫سيبقى يحكم بنفس الميول النسانية أ‬ ‫الساسية»‪ .‬قد‬ ‫إ‬ ‫ُ‬ ‫تتغير الوسيلة ولكن الناس ال يتغيرون‪ .‬إال أن السؤال‬ ‫يبقى هل يكون للمتصيدين والمتالعبين التأثير‬ ‫أ‬ ‫النترنت؟‬ ‫القوى على إ‬ ‫قد نكون بحاجة إلى قوانين وتطبيقات تكنولوجية‬ ‫حديثة يمكنها أن تحمي عالم التعليقات من كل‬ ‫المتالعبين به‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪51 | 50‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫تخصص جديد‬

‫إدارة‬ ‫الطاقة‬ ‫البحرية‬

‫تم تصميم تخصص إدارة الطاقة‬ ‫البحرية للمهتمين بقطاعي الطاقة‬ ‫والبيئة‪ ،‬أ‬ ‫وللشخاص الذين يعملون في هذين‬ ‫القطاعين وتنقصهم بعض المهارات أو المعارف‬ ‫التقنية مثل المهندسين البحريين وضباط السطح‪،‬‬ ‫وكذلك أ‬ ‫الشخاص الذين يأتون من خلفيات أخرى‪،‬‬ ‫والداريين والفنيين‪.‬‬ ‫مثل مشغِّ لي السفن إ‬ ‫يساعد هذا التخصص على تمكين هؤالء من االنتقال‬ ‫يقدم لهم فهماً‬ ‫إلى العمل على النطاق الدولي‪ .‬إذ ِّ‬ ‫شامال ً لمختلف جوانب إدارة الطاقة البحرية‪ ،‬من‬ ‫السفن إلى المرافق البرمائية‪ .‬وقد أدخلت «الجامعة‬ ‫البحرية العالمية» في السويد هذا التخصص‬ ‫استجابة لبرنامج ‪ 2030‬للتنمية المستدامة‪ ،‬الذي‬ ‫لللفية التابعة أ‬ ‫الهداف النمائية أ‬ ‫يستند إلى أ‬ ‫للمم‬ ‫إ‬ ‫المتحدة‪ .‬ويتعلَّق الهدف الرابع عشر باالستعمال‬ ‫المستدام للمحيطات والبحار والموارد البحرية‬ ‫من أجل التنمية المستدامة‪ .‬ويتأهل الخريجون‬ ‫بالمهارات والخبرات الالزمة لتطوير صناعة النقل‬ ‫البحري على أساس االستدامة وتوفير الطاقة‪ .‬كما‬

‫المتقدمة والمهارات‬ ‫يوفر هذا التخصص المعرفة‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫الساسية الالزمة لصانعي القرار في الحكومات‬ ‫والصناعة البحرية وغيرها من الجهات المعنية‪،‬‬ ‫لتمكينهم من تنفيذ برنامج أ‬ ‫المم المتحدة للتنمية‬ ‫النمائية‪.‬‬ ‫المستدامة وأهدافه إ‬ ‫وتضم المقررات أ‬ ‫الساسية في هذا التخصص‪:‬‬ ‫تنظيم النقل البحري العالمي المعاصر‪ ،‬والقضايا‬ ‫الدارة‬ ‫الدارية في قطاع النقل البحري‪ ،‬وكيفية إ‬ ‫إ‬ ‫الفعالة للسالمة أ‬ ‫والمن والمخاطر‪ ،‬وإدارة الموارد‬ ‫مثل الموارد البشرية والعمليات التنظيمية والمالحة‬ ‫البحرية‪ ،‬والحفاظ على القدرة التنافسية في السوق‬ ‫أ‬ ‫بالضافة إلى‬ ‫من خالل الدوات المالية االستراتيجية‪ .‬إ‬ ‫التكنولوجيا البحرية البيئية‪.‬‬ ‫لمزيد من المعلومات انظر الرابط التالي‪:‬‬ ‫‪http://www.educations.com/study‬‬‫‪abroad/world-maritime-university/‬‬ ‫‪msc-in-maritime-affairs-maritime-energy‬‬‫‪management-466663‬‬


‫سوق الخضار‬ ‫واللحوم في‬ ‫روتردام‬

‫لمياء المقدم‬

‫عين وعدسة‬

‫أضخم عمل فني‬ ‫في العالم‬

‫ً‬ ‫يوما وجهة‬ ‫لم تكن مدينة روتردام الهولندية‬ ‫محبَّ بة للسياح‪ .‬فقد اعتاد سكانها على الحياة‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن كاميرات السياحة العالمية‪ ،‬وفنادقها‬ ‫تعتمد باألساس على السياحة الداخلية‪.‬‬ ‫والمدينة التي ُد ِّمرت بالكامل خالل الحرب‬ ‫بمبان هندسية حديثة‪،‬‬ ‫العالمية الثانية‪ ،‬تعج‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫خصيصا لتستوعب حمولة المدينة‬ ‫ُصممت‬ ‫المكتظة بالبشر واألجناس‪ ،‬وهي تشبه في‬ ‫ً‬ ‫مدنا كثيرة أخرى‪ .‬لكن روتردام كان ينقصها‬ ‫ذلك‬ ‫نوع من الجاذبية الجمالية التي تمنحها هوية‬ ‫مختلفة‪ .‬وكانت توصف بأنها مدينة اإلسمنت‬ ‫والحديد الصلب‪ ،‬وهي الصالبة نفسها التي‬ ‫على وجوه سكانها‪ .‬لكن هذا كله تغيَّ ر بالكامل‬ ‫مع ظهور مبنى السوق الجديد في وسط‬ ‫المدينة‪ .‬فبعد افتتاح هذا المبنى مباشرة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫صنفتها صحيفة «نيويورك تايمز» األمريكية في‬ ‫المرتبة العاشرة ضمن قائمة ّ‬ ‫ضمت ‪ 52‬وجهة‬ ‫سياحية‪ ،‬وكذلك فعل الدليل السياحي الشهير‬ ‫«راف غايد»‪ ،‬الذي وصف المدينة بأنها «مدينة‬ ‫الهندسة العجيبة»‪.‬‬


‫‪53 | 52‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫تشدد‬ ‫بدأت فكرة بناء السوق مع ُّ‬ ‫القوانين والجراءات أ‬ ‫الوروبية‬ ‫إ‬ ‫الخاصة التي حظرت عرض‬ ‫اللحوم أ‬ ‫والسماك والفواكه‬ ‫والخضار في أسواق مفتوحة‪.‬‬ ‫ويُعد سوق روتردام أول سوق شعبي بسقف مغطى‪،‬‬ ‫إال أن المصممين حرصوا على أن يبدو كما لو أنه في‬ ‫الهواء الطلق‪ ،‬كعادة أ‬ ‫السواق المفتوحة‪ ،‬فرفعوا من‬ ‫السقف إلى درجة ال تشعر بوجوده‪ .‬إضافة إلى أن‬ ‫الشكال ثالثية أ‬ ‫أ‬ ‫البعاد التي تزيِّن السقف تمنح الناظر‬ ‫إليها إحساساً بأنه يستلقي في الهواء الطلق ويتطلع‬ ‫إلى سماء مزينة بالخضار والفواكه أ‬ ‫والبقار والعشب‬ ‫والشمس‪.‬‬ ‫انطلق بناء السوق في ‪ 19‬نوفمبر ‪2009‬م‪ ،‬واستمر‬ ‫حتى ‪ 1‬اكتوبر ‪2014‬م‪ ،‬تاريخ افتتاحه ألول مرة من‬ ‫مصطبات الباعة‪،‬‬ ‫يتوسطها المقهى وفي‬ ‫أ‬ ‫العلى نوافذ الشقق‬ ‫السكنية‬

‫يُ عد سوق روتردام‬ ‫أول سوق شعبي‬ ‫بسقف مغطى‪ ،‬إال أن‬ ‫المصممين حرصوا‬ ‫على أن يبدو كما لو‬ ‫أنه في الهواء الطلق‪،‬‬ ‫كعادة األسواق‬ ‫المفتوحة فرفعوا من‬ ‫السقف إلى درجة ال‬ ‫تشعر بوجوده‬

‫ِقبل الملكة ماكسيما‪ ،‬زوجة الملك فيلم ألكسندر‬ ‫ملك هولندا‪.‬‬

‫من تصميم الفنان الهولندي آرنو كونن‪ .‬وقد أطلقت‬ ‫عليه أسماء كثيرة‪ ،‬لكن أشهرها‪ :‬قصر الفضاء‪ ،‬في‬ ‫إشارة إلى حجمه الضخم‪.‬‬

‫أثناء القيام بالحفريات في منطقة روتا‪ ،‬وهي الجزء‬ ‫الذي أقيمت عليه مدينة روتردام القديمة في عام‬ ‫‪1270‬م‪ُ ،‬عثر على آثار تعود إلى القرون الوسطى‪،‬‬ ‫أوان فخارية‪ ،‬وأسلحة تستعمل في‬ ‫تتمثل في ٍ‬ ‫الصيد البري‪ ،‬وحلي وغيرها‪ .‬بعد أن انتهى بناء‬ ‫السوق‪ ،‬تم تخصيص قاعة به لعرض هذه التحف‪،‬‬ ‫تصور تطور المشروع من‬ ‫إلى جانب الصور التي ِّ‬ ‫أ‬ ‫تحوله إلى أشهر مبنى في‬ ‫مرحلة حفر الساس إلى ُّ‬ ‫روتردام‪.‬‬

‫في حوار له مع صحيفة عالمية قال مصمم‬ ‫المشروع‪« :‬العمل بعظمته ال يقل جماال ً وإتقاناً عن‬ ‫الصروح العمرانية الكبرى في عصر النهضة‪ .‬تستطيع‬ ‫أن تقول إنه قصيدة للكون»‪.‬‬

‫متحف في سوق الخضار؟‬

‫أكبر عمل فني في العالم‬

‫‪ 11‬ألف متر مربع من أ‬ ‫اللوان الناطقة بالحياة‪ ،‬يضمها‬ ‫هذا المبنى الذي يُعد أكبر عمل فني عالمي‪ ،‬وهو‬

‫ُص ِّمم هذا المبنى على شكل قنطرة‪ ،‬في قلبها‬ ‫المجوف يوجد السوق والمقاهي والمطاعم‬ ‫واالستراحات‪ ،‬ومتاجر البهارات أ‬ ‫والغذية واللحوم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والسماك‪ ،‬وغيرها مما تجده في السواق الشعبية‪.‬‬ ‫وخارجه عبارة عن شقق مخصصة للسكن‪ ،‬تمتلك كلها‬ ‫نوافذ تطل على السوق من أ‬ ‫العلى‪ .‬وجاء تصميمه في‬ ‫تهدمت بالكامل خالل‬ ‫إطار تجديد وسط المدينة التي َّ‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪.‬‬


‫بهارات من مراكش‬ ‫أضخم عمل فني من نوعه‬ ‫في أوروبا‬


‫‪55 | 54‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫سوق ومقصد سياحي في الوقت نفسه‬

‫الخضار والفاكهة ومزيد من أ‬ ‫اللوان‬

‫ويتحدث بعض المراقبين عن «سيكولوجية» خاصة‬ ‫َّ‬ ‫تتميز بها مدينة روتردام‪ ،‬وهي البناء تحت الجسور‬ ‫أ‬ ‫تتعرض إلى‬ ‫وفي النفاق‪ ،‬كما لو أنها تخشى أن َّ‬ ‫حرب جديدة‪ .‬وربما هذا السوق أيضاً ال يختلف‬ ‫عن باقي مباني روتردام في إيجاد النفق العظيم‬ ‫وملون‪ ،‬ومملوء‬ ‫يميز المدينة‪ ،‬إال أنه نفق ز ٍاه‪َّ ،‬‬ ‫الذي ِّ‬ ‫بالحياة‪.‬‬ ‫كان التحدي أ‬ ‫الكبر بالنسبة لبلدية روتردام يتم َّثل‬ ‫في إيجاد سوق ومبنى سكني ومواقف سيارات‬ ‫ضخم في المنطقة نفسها‪ .‬هذا ما تمكَّن المصمم‬ ‫الهولندي من تحقيقه بالفعل‪ .‬لكن التحدي‬ ‫أ‬ ‫يتحول السوق إلى رواق تسوق‬ ‫الصعب كان أال َّ‬ ‫أ‬ ‫للثرياء فقط‪ ،‬على غرار «هارودز» في لندن أو‬ ‫«باينكورف» في هولندا‪ .‬ولم يكن أ‬ ‫المر سهالً‪.‬‬

‫فوجود سوق شعبي تحت سقف مبنى يُعد تحفة‬ ‫فنية مكلفة ومجازفة حقيقية‪ ،‬اعتقد البعض أنها‬ ‫ستنتهي إما بفقدان المبنى لقيمته الفنية أو بفقدان‬ ‫السوق لطابعه الشعبي البسيط‪.‬‬ ‫لكن بلدية روتردام نجحت في كسب التحدي‪ ،‬عبر‬ ‫الصرار على عكس التنوع الموجود في المدينة‬ ‫إ‬ ‫داخل السوق‪ .‬فتجد بائع البهارات المغربية إلى‬ ‫جانب بائع لحم البقر الهولندي وبائع الخضر‬ ‫أ‬ ‫والسماك السورينامي يحاذيه مطعم مغربي‪،‬‬ ‫وفي جوار المطعم بائع الورد الهولندي وبائع‬ ‫الخبز التركي‪ ..‬في تنوع واختالف مبهر‪ ،‬ال يقل‬ ‫تتميز به مدينة‬ ‫جماال ً وتفرداً عن االختالف الذي َّ‬ ‫روتردام التي تضم أكبر جالية مغربية على‬ ‫الطالق‪ ،‬وعمدتها أحمد أبو طالب هو أول عمدة‬ ‫إ‬

‫مدخل السوق‬


‫المباني السكنية المطلة من فوق على السوق‬

‫تضم أيضاً جالية‬ ‫هولندي من أصل مغربي‪ ،‬كما ُّ‬ ‫أ‬ ‫والندونيسيين‪،‬‬ ‫كبيرة من التراك والسورينام إ‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫وعندما ُسئل مصمم المبنى‪ :‬متى تستطيع أن تقول‬ ‫إن المبنى نجح في تحقيق التوازن المطلوب منه؟‬ ‫قال‪« :‬عندما نسمع داخله صراخ الباعة‪ ،‬ونرى على‬ ‫أرضه وروداً متناثرة‪ ،‬ونشم داخله رائحة الشواء‪،‬‬ ‫تماماً كما يحدث في أ‬ ‫السواق المفتوحة‪ ،‬ال نريده أن‬ ‫يتحول إلى سوق للنخبة‪ ،‬لذلك راعينا الذوق الفني‬ ‫َّ‬ ‫ونقرب الفن منهم‪،‬‬ ‫الفن‪،‬‬ ‫من‬ ‫بهم‬ ‫نقر‬ ‫بحيث‬ ‫للعامة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫فالشكال المرسومة على السقف رغم فنيتها الشديدة‬ ‫إال أنها تعكس حقال ً معرفياً وبصرياً مألوفاً وقريباً‬ ‫من عامة الناس‪ ،‬وهو الخضار والغالل أ‬ ‫والبقار‪،‬‬ ‫والشمس أ‬ ‫والسماك»‪.‬‬

‫هوية المبنى‬

‫للمباني هويات كما للبشر‪ .‬هذا ما يقوله مبنى‬ ‫مصمموه‪ .‬فالمبنى الذي ال يعكس‬ ‫روتردام ويؤكده ّ‬ ‫ً‬ ‫محددة وواضحة يصبح مبنى هجينا ودخيال ً‬ ‫هوية َّ‬ ‫على المكان الذي يوجد فيه وعلى مرتاديه‪.‬‬

‫لهذا السبب تحديداً‪ ،‬أ‬ ‫ولن مدينة روتردام تُعد ثاني‬ ‫أكبر مدينة هولندية من حيث التعداد السكاني‪،‬‬ ‫وتنوع أ‬ ‫الجناس واللغات‪ ،‬فقد حرص المبنى على‬ ‫أن يتكلم لغة يفهمها الجميع‪ ،‬ويعكس صورة‬ ‫قريبة من الكل‪ ،‬ويزيِّن جدرانه بألوان الطيف التي‬ ‫تميز المدينة‪ .‬وإذا كانت شوارع المدينة تفرق بين‬ ‫ِّ‬ ‫الذاهب والقادم‪ ،‬وبين الغني والفقير وبين أبنائها‬ ‫أ‬ ‫الصليين والدخيلين عليها‪ ،‬فإن سوق روتردام‬ ‫ويوحد‪ ،‬هو نقطة تصب فيها المدينة كل‬ ‫يجمع ّ‬

‫اختالفاتها‪ ،‬فتمحى الفوارق‪ ،‬وتتقارب أ‬ ‫الجسام‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتتماس أ‬ ‫الرواح‪.‬‬ ‫كثيرون يأتون إلى السوق للجلوس في أحد مقاهيه‬ ‫الشعبية‪ ،‬أو لتناول وجبة غداء خفيفة في فسحة العمل‬ ‫القصيرة‪ ،‬ويأتيه آخرون للتبضع‪ ،‬أو التنزه‪ ،‬أو التمتع‬ ‫بالنظر إلى سقف المبنى‪ ،‬والتقاط الصور‪ ،‬وهناك طبعاً‬ ‫من يأتيه ألنه يقيم فيه‪ ،‬أو أ‬ ‫بالحرى في الشقق المبنية‬ ‫فوقه‪ ،‬التي تمكِّن من يسكنها من أن يطل على السوق‪،‬‬ ‫ورواده من نافذة زجاجة‪ ،‬ويتابع تحت قدميه مشهداً‬ ‫يومياً حياً يضج بالحياة والحركة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪57 | 56‬‬

‫فكرة‬

‫مزرعة في‬ ‫الملجأ الحربي‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫استنبات الخضار على عمق‬ ‫‪ 100‬متر تحت سطح أ‬ ‫الرض‬ ‫تحت الضوء‬

‫بالضافة إلى البيئة الخالية من المبيدات الحشرية التي توفرها بيئة‬ ‫المهجور‪ ،‬إ‬ ‫الملجأ الجوفية ومقاومة الظروف المناخية الصعبة في مدينة لندن‪.‬‬

‫ريتشارد باالرد وستيفان دريغ المستثمران في المشروع‬

‫تفحص عينة من الغالل‬ ‫ُّ‬

‫مكان يمكن التفكير فية إلنشاء مزرعة خضار وفاكهة‪،‬‬ ‫قد يكون آخر ٍ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫ملجأ يقع على عمق ‪ 100‬قدم تحت سطح الرض‪ .‬أنشىء هذا الملجأ‬ ‫في مدينة لندن أيام الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وكان قادراً على استيعاب‬ ‫أكثر من ‪ 12000‬شخص كانوا يتجمعون فيه للحماية من الغارات على المدينة‬ ‫في عام ‪1944‬م‪ .‬وبعد هجره لمدة ‪ 70‬عاماً‪ ،‬قرر رجال أ‬ ‫العمال ريتشارد باالرد‬ ‫وستيفن درينغ االستثمار فيه‪ .‬فعمال على إقامة أول مزرعة جوفية في العالم‪ .‬أما‬ ‫عامل الجذب أ‬ ‫الول إلى هذا الملجأ‪ ،‬فهو التكلفة الزهيدة إليجار مثل هذا المكان‬

‫صممت هذه المزرعة بشكل حلقات مغلقة تسمح ببقاء جميع العناصر الغذائية‬ ‫محفوظة فيها‪ .‬كما أنها ال تعاني من الجريان السطحي الزراعي الذي تتأثر به‬ ‫ري يستهلك ‪ %70‬أقل من كمية‬ ‫الزراعة في السهول المفتوحة‪ .‬وتستخدم نظام ّ‬ ‫المياه المستخدمة في الزراعة التقليدية‪ .‬ويتم تشغيل هذا النظام بشكل آلي‬ ‫بالضاءة ودرجات الحرارة وتدفق الهواء ونسبة‬ ‫بواسطة جهاز كمبيوتر يتحكَّم أيضاً إ‬ ‫المغذيات‪ .‬ومن المميزات أ‬ ‫الخرى لهذه المزرعة قصر المسافة التي تقطعها‬ ‫منتجاتها لتصل إلى المستهلك لقربها من أ‬ ‫الماكن السكنية في مدينة لندن وبذلك‬ ‫تبقى طازجة أكثر من غيرها‪.‬‬ ‫أما المحاصيل أ‬ ‫الولى في هذه المزرعة فتشمل براعم البازالء‪ ،‬والقرنبيط‪ ،‬والثوم‬ ‫وبذور الخردل‪ ،‬وكذلك بعض الزهور الصالحة أ‬ ‫للكل‪ .‬ويجري العمل على تطويرها‬ ‫لكي تستطيع زراعة محاصيل أخرى‪ ،‬بما في ذلك الفطر وأصناف الطماطم‬ ‫المختلفة وأنواع أخرى من الخضار‪.‬‬ ‫وهذا المشروع هو واحد من الطرق المبتكرة التي استطاعت فيها المدن الكبرى‬ ‫توسيع المساحات الزراعية فيها وإدخال الزراعة إلى البيئة الحضرية‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫الرواية‬ ‫السيرية‪..‬‬

‫سخونة الواقع وصقيع السرد‬

‫فايز المسفر‬

‫النسان في أصدق‬ ‫روسو‪ ..‬إ‬ ‫صوره‬ ‫«إنني ُمقْدم على مشروع لم يسبقه مثيل‪ ،‬ولن يكون‬ ‫له نظير‪ ،‬إذ إنني أبغي أن أعرض على أقراني إنساناً‬ ‫النسان هو‪ :‬أنا! أنا‬ ‫في أصدق صور طبيعته‪ ..‬وهذا إ‬ ‫وحدي!‪ .»...‬بهذا الوضوح التام‪ ،‬الصادم ‪ -‬حينها ‪،-‬‬ ‫ّ‬ ‫استهل الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو‬ ‫قدمت نمطاً‬ ‫أول سطر في كراسات اعترافاته‪ ،‬التي َّ‬ ‫الس َير الذاتية‪ ،‬التي ينحاز فيها الكاتب‬ ‫مبكراً جداً من ِ‬ ‫إلى واقعه ‪ -‬مباشر ًة ‪ -‬يكون فيها هو الحاكي والمحكي‬ ‫عنه‪ .‬ينقل سخونة أحداثه تماماً كما هي‪ ،‬دون أن‬ ‫يخضع ذلك إلى صقيع الخيال والسرد أ‬ ‫الدبي الذي‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قد يكون قاصراً‪ ،‬وربما باهتا ‪ -‬أحيانا ‪ -‬في نقل تجربة‬ ‫إنسانية إذا ما قورن بسرد أحداث حقيقية واقعية‪،‬‬ ‫يكون الخيال فيها ضمنياً‪ ،‬ال كلياً‪.‬‬ ‫نقل روسو في اعترافاته كثيراً من جوانب حياته‬ ‫الشخصية بكل صراحة‪ ،‬كان مؤمناً منذ وقت مبكر بأن‬ ‫الكتابة عن الذات تستلزم قدراً من الجرأة والصراحة‬ ‫والشفافية‪ ،‬وتتطلب نقل التجربة الحياتية بكل‬ ‫تداخالتها وإخفاقاتها وإنجازاتها‪ ،‬وتستعير من زخم‬ ‫الحياة تلك السخونة الكامنة في مسرح أحداثها‪.‬‬ ‫الجرأة في الحكاية عن الذات‪ ،‬عن الواقع‪ ،‬وكشف‬ ‫أدق أ‬ ‫السرار الحميمة في حياة الكاتب‪ ،‬بما يصاحب‬ ‫ذلك من سيناريو واقعي ساخن وحقيقي‪ ،‬يعجز عن‬ ‫صياغته أعظم الخياالت أ‬ ‫الدبية‪ ،‬كل ذلك المزيج‬ ‫الساطع وهب اعترافات روسو الخلود والجاذبية‪.‬‬

‫لقد ذكر روسو في تلك المذكرات قصة حبه الكبيرة‬ ‫لمدام دي فاران التي ظل يلهج بذكرها في تلك‬ ‫المذكرات‪ ،‬بل آ‬ ‫ولخر لحظة في حياته‪ .‬كتب تلك‬ ‫االعترافات على مدى خمس سنين من ‪ 1765‬حتى‬ ‫‪1770‬م‪ .‬وهذه االعترافات بدورها كان لها دور كبير‬ ‫في تعليم أجيال من الك َّتاب الفرنسيين كيفية الكتابة‬ ‫أ‬ ‫الدبية الشفافة‪ ،‬خصوصاً‪ ،‬الكتابة الرومانسية‪.‬‬ ‫ويدخل في عداد هؤالء المارتين وفيكتور هوغو‬ ‫وأسماء كثيرة‪.‬‬ ‫فمن بين الكتب المهمة التي ألّفها روسو في‬ ‫مجاالت عدة وشكَّلت منعطفات تاريخية كبيرة‪،‬‬

‫تتميز اعترافاته هذه بكونه ينساب فيها كالماء‬ ‫المتدفق‪ .‬تجده عاشقاً حيناً‪ ،‬وطفال ً يعاني‬ ‫الفقد واليتم والمرض حيناً آخر‪ ،‬وفيلسوفاً أديباً‬ ‫موسيقياً كذلك‪ .‬إنه يجمع كل هذا المزيج بين‬ ‫دفتي كتاب خالد‪ ،‬وال يمكن لقارىء أن يفهم‬ ‫مؤلفات وكتب وأفكار روسو ما لم يمر على‬ ‫اعترافاته الساخنة تلك‪ .‬إن الكاتب حين ينزع‬ ‫يقدم للقارئ‬ ‫إلى هذا النوع من الكتابة فإنه ِّ‬ ‫نمطاً مختلفاً عن حياته‪ ،‬إنه يشارك القارئ كل‬ ‫تفاصيلها‪ ،‬مكوناً بذلك عالقة صادقة تتيح لكليهما‬ ‫الثقة آ‬ ‫بالخر‪ ،‬وذلك ما يفسر الرواج الكبير لمثل‬ ‫هذه النوع من الكتابة‪.‬‬

‫أدب وفنون‬

‫أربعة أمثلة‬

‫ثمة عالقة ما بين الرواية والسيرة الذاتية‪،‬‬ ‫ظلت مثار جدل بين كثير من َّ‬ ‫الكتاب‪ ..‬قد‬ ‫َّ‬ ‫تتخفى‬ ‫تتكئ الرواية على السيرة الذاتية‪ ،‬أو‬ ‫تحت تسمية الرواية‪.‬‬ ‫وإذا كان الخيال األدبي البعيد عن الواقع‪،‬‬ ‫قد أضفى على بعض األعمال الروائية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كئيبا‪ ،‬فإن الحياة بصدقها وواقعيتها‬ ‫صقيعا‬ ‫وتناقضاتها وحرارتها وأحداثها المتصاعدة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لهيبا‬ ‫كثيرا من الروايات السيرية‬ ‫قد منحت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ووميضا واشتعاال ظل متقدا حتى عصرنا‬ ‫ً‬ ‫كثيرا من األعمال الخالدة‬ ‫هذا‪ ،‬وأنتجت لنا‬ ‫التي استلهمت الحياة واتكأت على السرد‬ ‫الذاتي الواقعي‪.‬‬


‫‪59 | 58‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫«وكنت مكروباً‪ ،‬معذباً‪ ،‬حطمتني العواصف من كل‬ ‫نوع‪ ،‬وأضنتني التنقالت واالضطهادات خالل سنوات‬ ‫عديدة‪ ،‬وأصبحت أشعر شعوراً طاغياً بالحاجة إلى‬ ‫الراحة التي اتخذ أعدائي ‪ -‬الغالظ القلوب ‪ -‬ملها ًة من‬ ‫حرماني منها‪.»...‬‬ ‫وكما بدأ روسو بهذا الوضوح التام‪ ،‬يختتم اعترافاته‬ ‫الشخصية كذلك‪ ،‬تاركاً خلفه نافذ ًة مفتوحة أطل من‬ ‫خاللها كثيراً للتعرف على سيرة هذا الكاتب الفيلسوف‬ ‫الكبير‪.‬‬

‫سيلين‪ ..‬سوداوية الواقع‬ ‫وبياض الحرف‬ ‫دخل سيلين الشهرة أ‬ ‫الدبية من بابها الواسع بعد‬ ‫نشره روايته أ‬ ‫الولى «رحلة في أقاصي الليل» سنة‬ ‫‪1932‬م‪ ،‬حيث ينتقد الكاتب بنمطه أ‬ ‫الدبي الفريد‪،‬‬ ‫حد ما‬ ‫رعب الحرب‪ ،‬قسوة الرأسمالية‪ ،‬وإلى ٍّ‬ ‫االستعمار‪ ،‬من خالل الشخصية الرئيسة للرواية‬ ‫فرديناند باردامو (المستوحاة من التجارب الشخصية‬ ‫لسيلين)‪.‬‬ ‫ينحاز الكاتب الروائي والطبيب الفرنسي لويس‬ ‫فرديناند سيلين في روايته «رحلة في أقاصي الليل»‬ ‫إلى الحقيقة والواقع كثيراً‪ ،‬الواقع بشقيه‪ :‬النفسي‬

‫والمحيط‪ ،‬مش ِّكال ً ثور ًة أسلوبية جمالية‪ ،‬موازيةً للثورة‬ ‫التي أحدثتها مؤلفاته العديدة‪.‬‬ ‫تبدو حروفه هنا قناديل محتشدة‪ ،‬برغم السواد‬ ‫يلف واقعه وحياته‪.‬‬ ‫الذي كان ّ‬ ‫يصف بؤسه في أحد منعطفات حياته‪ ،‬حامال ً‬ ‫مخطوط روايته «سيرته» إلى إحدى دور النشر من‬ ‫أجل أن يعتاش من مكافأتها‪ ،‬ال من أجل أن يصير‬ ‫أديباً مشهوراً‪ .‬لكن مخطوطة الرواية ضاعت‪ ،‬فضاع‬ ‫أمل سيلين في أخذ ما طمح إليه كي ينتشل نفسه من‬ ‫عجزها‪ ،‬ويبعدها عن حاالت القهر االجتماعي التي‬ ‫واجهته‪ .‬وبمحض الصدفة النادرة‪ ،‬تتهيأ لـ «سيلين»‬ ‫فرصة سانحة لنشر هذه الرواية التي أحدثت ‪ -‬الحقاً‬ ‫ عاصفةً مدوية في فرنسا‪ ،‬ما لبثت أن انتقلت إلى‬‫لغات أوروبية عديدة‪ ..‬لم تكن لتلقى كل هذا الرواج‬ ‫جسدت جوانب شخصية في حياة الكاتب‪،‬‬ ‫لوال أنها ّ‬ ‫متناه‪ ،‬مستحضر ًة تفاصيل‬ ‫ورسمت واقعه بوضوح ٍ‬ ‫دقيقة ال تخطر على بال الخيال أ‬ ‫الدبي مطلقاً‪.‬‬ ‫مر بها‬ ‫إن الحياة الحافلة‪ ،‬والتجارب المريرة التي َّ‬ ‫سيلين ألقت بظاللها على روايته «رحلة في أقاصي‬ ‫الليل»‪ ،‬فاتساع التجربة وامتدادها ما بين الخدمة‬ ‫في الجيش‪ ،‬والعمل في مهنة الطب‪ ،‬والكتابة‪،‬‬ ‫والسجن‪ ،‬واالضطهاد‪ ..‬كل ذلك السواد‪ ،‬أنتج لنا‬ ‫«الليل» الذي غاص في أعماقه سيلين‪ ،‬بكل مهارة‬

‫واقتدار‪ ،‬ليأخذنا في رحلة إلى أقصاه‪ ،‬كانت أنفاسه‬ ‫أنفاسنا‪ ،‬وعزلته عزلتنا‪ ،‬وشقاؤه شقاءنا‪ ،‬وتلك الحرارة‬ ‫التي َ كانت محتشدة ما بين السطور‪ ،‬هي حرارة أ‬ ‫اليام‬ ‫في أصدق صورها‪.‬‬

‫أ‬ ‫«اليام»‪ ..‬نافذة أولى‬ ‫حرم على نفسه ألواناً من الطعام‬ ‫«ومن ذلك الوقت ّ‬ ‫حرم‬ ‫والعشرين‪،‬‬ ‫الخامسة‬ ‫جاوز‬ ‫لم تبح له إلى أن‬ ‫ّ‬


‫والرز وكل أ‬ ‫على نفسه الحساء أ‬ ‫اللوان التي تؤكل‬ ‫بالمالعق‪ ،‬ألنه كان يعرف أنه ال يحسن اصطناع‬ ‫الملعقة‪ ،‬وكان يكره أن يضحك عليه إخوته‪ ،‬أو تبكي‬ ‫أمه‪ ،‬أو يعلمه أبوه في هدوء حزين»‪.‬‬ ‫لم تكن هذه الرواية تجربةً عابرة‪ ،‬وال حدثاً عادياً‪.‬‬ ‫ربما لم يكن عميد أ‬ ‫الدب العربي طه حسين ‪ -‬حينها ‪-‬‬ ‫يفكر أن أ‬ ‫«اليام» التي عاشها وكتبها‪ ،‬ستصبح باكورة‬ ‫الرواية السيرية في أ‬ ‫الدب العربي‪ .‬فقد انحاز فقط‬ ‫إلى الجمال‪ ،‬وترك للموهبة الفذّ ة إكمال المهمة‪.‬‬ ‫لم تكن تجربة ذلك الفتى الضئيل الضرير‪ ،‬وهو‬ ‫يغادر الريف نحو المدينة طلباً للعلم‪ ،‬هارباً من‬ ‫تدون بفتور‬ ‫ضيق القرية إلى اتساع المدينة‪ ،‬تجربة ّ‬ ‫وتقليدية‪ ..‬أن تكون كفيفاً بين كل تلك أ‬ ‫الضواء‪ ،‬غريباً‬ ‫أ‬ ‫وسط كل تلك الحشود‪ ،‬بعيداً بين تقارب الشياء‪ ،‬أن‬ ‫تعيش كل هذه أ‬ ‫«اليام» دون أن تكون لك القدرة‬ ‫أن‬ ‫على حكايتها‪ ،‬واسترجاع كل تفاصيلها الدقيقة‪ْ ،‬‬ ‫تعجز ذاكرتك عن الرجوع إلى تلك أ‬ ‫اليام‪ ،‬فأنت‬ ‫تفوت فرصةً سانحةً للجمال‪ ،‬وذلك ما لم يحدث مع‬ ‫ّ‬ ‫طه حسين‪ ،‬حيث أهدى أ‬ ‫للدب العربي تجربةً ظلت‬ ‫في موقع الريادة حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫وإن كانت لخصوصية تجربة طه حسين باعتباره ينقل‬ ‫ْ‬ ‫أثر في‬ ‫بقلبه‪،‬‬ ‫يبصر‬ ‫كان‬ ‫الذي‬ ‫«الضرير»‬ ‫الفتى‬ ‫تجربة‬ ‫ٌ‬ ‫هذا العمل الخالد‪ ،‬فإنه عاش إضافة إلى ذلك مرحلةً‬ ‫مهمة في تاريخنا العربي‪ ،‬وحيا ًة حافلةً بالتجارب‬

‫الموجعة حيناً والمشرقة حيناً آخر‪ .‬لقد عاش أياماً‬ ‫كفيلة بأن تُروى وتُحكى‪ ،‬استطاع بموهبته الفذة‪،‬‬ ‫وبقلمه الجريء أن يقدم أ‬ ‫للدب العربي والعالمي‬ ‫ِّ‬ ‫تجربةً جدير ًة بالبقاء والديمومة‪.‬‬

‫الدارة‪ ..‬سيرة‬ ‫حياة في إ‬ ‫مغايرة‬ ‫حينما نتحدث عن الروايات السيرية‪ ،‬ال يمكن تجاوز‬ ‫الدارة»‪ ،‬هذا الكتاب الذي قفز به الدكتور‬ ‫«حياة في إ‬ ‫أ‬ ‫غازي القصيبي من التناول الكاديمي الجاف لمفهوم‬ ‫البداعي الرحب‪.‬‬ ‫الدارة‪ ،‬إلى أفق السرد إ‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الدارية بقلم الشاعر‬ ‫لقد تناول الوزير الديب سيرته إ‬ ‫البداعي‬ ‫والروائي‪ّ ،‬‬ ‫أهله إلى ذلك الحس الفني إ‬ ‫الدارية العريضة‪ ،‬ليخرج بهذا‬ ‫ممزوجاً بالخبرة إ‬ ‫الدارة»‪ ،‬كسيرة أدبية إدارية‬ ‫المزيج الرائع «حياة في إ‬ ‫ال تخلو من الفائدة العلمية والمتعة أ‬ ‫الدبية كذلك‪.‬‬ ‫«إذا كان ثمة سر فهو أنني كنت دوماً أعرف مواطن‬ ‫ضعفي بقدر ما أعرف مواطن قوتي»‪ ..‬يالمس‬ ‫«القصيبي» في هذا السرد الماتع لجانب عملي‬ ‫النسان‪ ،‬جانباً إنسانياً مهماً‪ ،‬ال يتسنى‬ ‫في حياة إ‬ ‫للمؤلفات العلمية التطرق إليه‪ ،‬إنه يكتب «نفسه»‬ ‫إدارياً قبل كل شيء‪ ..‬يدير كتابة «نفسه» هذه المرة‪،‬‬ ‫يتحدث عن أسراره الشخصية الكامنة خلف كل قراراته‬

‫الدارية‪ ،‬وهذا ما أضاف إلى هذه السيرة الروائية‬ ‫إ‬ ‫النساني المك ّثف‪..‬‬ ‫الزخم الحياتي إ‬ ‫الدارة» وثيقة تاريخية مهمة لحقبة‬ ‫يعد «حياة في إ‬ ‫ّ‬ ‫إدارية أكثر أهمية في المملكة‪ ،‬كما أنه مرجع إداري‬ ‫في مجاله‪ .‬إضافة إلى ذلك فهو يُعد عمال ً أدبياً‬ ‫أ‬ ‫الدارة من بوابة الدب‪،‬‬ ‫بامتياز‪ .‬لقد كان الحديث عن إ‬ ‫السرد تحديداً‪ ،‬هو الطريق الممهد الذي جعل من‬ ‫أ‬ ‫الدارية عمال ً يالمس كوامن‬ ‫هذه السيرة الدبية إ‬ ‫أ‬ ‫النفس‪ ،‬وينفذ إلى الرواح بانسيابية مدهشة‪.‬‬ ‫«أستطيع أن أقول إن حصيلة السنوات الخمس‬ ‫أ‬ ‫الولى في حياتي كانت وحدة مشوبة بالحزن‪،‬‬ ‫وطفولة تنمو تحت عين ٍأب حازم صارم وفي كنف‬ ‫جدة رؤوم حنون‪ ،‬هل تركت هذه الطفولة في عقلي‬ ‫الدارية؟»‪..‬‬ ‫الباطن ميراثاً وسم بسماته حياتي إ‬ ‫الدارية‪،‬‬ ‫هكذا اختار «القصيبي» الحديث عن حياته إ‬ ‫ومن هذه النافذة تحديداً‪ ،‬نافذة السرد الذاتي‪ ،‬أو‬ ‫الرواية السيرية‪ ،‬أطل ليضمن لكتابه مكاناً مرموقاً في‬ ‫التراث أ‬ ‫الدبي العربي‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪61 | 60‬‬

‫أدب وفنون‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫في ذكرى مرور أربعة قرون على وفاة الشاعر‬ ‫والمسرحي اإلنجليزي الكبير وليم شكسبير‪،‬‬ ‫انطلقت في شتى البقاع‪ ،‬وباألخص في موطنه‪،‬‬ ‫مهرجانات تحتفل بالذكرى األربعمائة لوفاة واحد‬ ‫من أعظم َّ‬ ‫الكتاب المسرحيين على اإلطالق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عروضا ومسرحيات‬ ‫وتشمل تلك المهرجانات‬ ‫ً‬ ‫وأسواقا وجوالت وندوات وغيرها‪ ،‬تهدف جميعها‬ ‫ٍ‬ ‫احتفاء يليق باإلرث األدبي الخالد الذي تركه‬ ‫إلى‬ ‫شكسبير من أعمال شعرية ومسرحية كالسيكية‬ ‫تربّ ع بسببها على عرش األدب‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬أكثر إثارة ربما‪ ،‬أعادت هذه‬ ‫المناسبة إلى الواجهة من جديد أسئلة حول‬ ‫حقيقة شكسبير‪ ،‬يصل بعضها في شكوكه إلى‬ ‫اعتباره شخصية ُم َ‬ ‫ختلقة وال وجود لها على أرض‬ ‫الواقع‪ .‬وقد ُطرح هذا السؤال من ِقبل مجموعة‬ ‫من الباحثين‪ُ ،‬‬ ‫واتخذت في سبيل اإلجابة عنه‬ ‫خطوات تراوحت بين الجدية العلمية ومحض‬ ‫االفتراض‪ .‬إضافة إلى أنه‪ ،‬ومنذ وقت ِّ‬ ‫مبكر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫شكوك حول عدد من النصوص التي‬ ‫ارتفعت‬ ‫ُنسبت إلى شكسبير‪ ،‬وبعض تلك النصوص‬ ‫ً‬ ‫قائما حتى اليوم‪.‬‬ ‫ال يزال الخالف حول مؤلفها‬

‫علي المجنوني‬

‫في ذكرى مرور‬ ‫أربعمائة عام على وفاته‬

‫الغموض حول‬ ‫شكسبير لم‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫تماما‬ ‫يتبدد‬


‫تتعزز الشكوك المتعلِّقة بأصالة شكسبير بشبه‬ ‫َّ‬ ‫انعدام الوثائق التي تسجل حياته الخاصة‪.‬‬ ‫فظهرت نظريات تنفي وجود شكسبير بالشكل‬ ‫تقدم‬ ‫الذي يعرفه العالم اليوم‪ .‬وبالطبع‪ِّ ،‬‬ ‫هذه النظريات فرضية بديلة تقول إن ما‬ ‫نُسب إلى شكسبير من نتاج أدبي‪ ،‬إنما كتبه ك ّتاب آخرون أرادوا‬ ‫أن يستخدموا شخصية شكسبير قناعاً ألفكارهم‪ ،‬يقيهم مواجهة‬ ‫السلطة آنذاك‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬لم يكن اسم وليم شكسبير في رأي‬ ‫تلك النظريات سوى اسم مستعار‪ .‬بل إن سبع سنوات من حياته‬ ‫ظلت مجهولة أ‬ ‫الثر تماماً‪ ،‬وأسهمت في ظهور فرضيات مختلفة عن‬ ‫مكانه‪ ،‬ودعمت فرضيات أخرى متعلقة بمن ُرشحوا ليكونوا مؤلفي‬ ‫مسرحيات شكسبير‪ ،‬وهم كُثر‪.‬‬

‫هل هو كريستوفر مارلو؟‬

‫ولعل أهم أ‬ ‫السماء التي طُرحت باعتبارها أسماء المؤلفين‬ ‫النجليزي الشهير‬ ‫الحقيقيين لمسرحيات شكسبير هو الكاتب إ‬ ‫كريستوفر مارلو‪ .‬فقد قابل شكسبير كريستوفر مارلو الذي تشبه‬ ‫قصةُ حياته قصةَ حياة شكسبير‪ ،‬في ما عدا أن أ‬ ‫الول تلقَّى تعليماً‬ ‫ممتازاً وحصل على منحتين للدراسة إحداها من أكاديمية الملك‬ ‫النحوية الشهيرة التي ارتبط اسمها باسم شكسبير في ما بعد‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والخرى من جامعة كمبردج‪.‬‬ ‫وذاع صيت مارلو في المسرح بعد أن كتب مسرحيات عظيمة‪.‬‬ ‫لكن الجزء الذي يثير التساؤل بالنسبة لعالقته بشكسبير يكمن‬ ‫في النشاط السياسي الذي مارسه مارلو معارضاً‪ ،‬وأ ّدى به‬ ‫العدام‪ ،‬ثم قُتل في شجار قبل إعدامه‬ ‫إلى مواجهة عقوبة إ‬ ‫زور حادثة موته والذ‬ ‫ببضعة أيام‪ .‬وتقول النظرية إن مارلو َّ‬ ‫بالهرب سراً‪ .‬ولم ينشر شكسبير أول أعماله إال بعد اختفاء‬ ‫مارلو‪ .‬وتستند هذه النظرية أيضاً إلى تشابه كبير بين أعمال كل‬ ‫من شكسبير ومارلو‪ ،‬سواء في الموضوعات أو في أ‬ ‫السلوب‪،‬‬ ‫كما أن كليهما استخدم الشعر الحر‪ ،‬واستعمل الرموز نفسها‪.‬‬

‫حد‬ ‫مروجو تلك النظرية‬ ‫بجمل تصل أحياناً إلى ٍّ‬ ‫واستشهد ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫التطابق وجدت في مسرحية مارلو «يهودي مالطا» ومسرحية‬ ‫شكسبير «روميو وجولييت»‪.‬‬

‫افتقاره إلى التعليم أ‬ ‫الكاديمي!‬

‫وكما أشرنا سابقاً‪ ،‬لم يحفظ التاريخ أية وثائق ومن أي نوع‪ ،‬سواء‬ ‫أكانت أوراقاً رسمية أم إشارات من أولئك الذين عاصروا شكسبير‪،‬‬ ‫تدل على أن أكبر أديب إنجليزي تلقَّى تعليماً معتبراً‪ ،‬لكونه لم‬ ‫الطالق‪ .‬وهذا ما جعله محل انتقاد بعض‬ ‫يلتحق بجامعة على إ‬ ‫أ‬ ‫الدباء من أمثال مواطنه الشاعر والمسرحي بن جونسون‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬أصبح السؤال ُم ِلحاً حول كيفية تفسير براعة‬ ‫شكسبير أ‬ ‫الدبية في وقت تنعدم فيه احتمالية انخراطه في‬ ‫التعليم‪ .‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬كيف يمكن تفسير معرفة شكسبير‬ ‫الضليعة بالالتينية التي اس ُت ّ‬ ‫دل عليها من خالل مقوالت من‬ ‫أ‬ ‫الدب الالتيني وضعها الكاتب على أفواه شخصياته المتعددة؟‪.‬‬ ‫كما أن من تب َّنى النظرة التشكيكية في مسرحيات شكسبير لم يجد‬ ‫توافقاً منطقياً بين سيرة الكاتب الذاتية وبين روح كتاباته وأجوائها‬ ‫أ‬ ‫الرستقراطية‪ .‬على كل حال‪ ،‬لم يتوصل الباحثون إلى إجابات‬ ‫شافية في هذا الشأن‪ ،‬وهذا ما جعل أسئلة «أصالة» شكسبير‬ ‫قائمة حتى يومنا هذا‪.‬‬

‫االستنجاد بالتطبيقات الحاسوبية‬

‫استمراراً في تقصي الفرضيات المشككة في وجود شكسبير أو في‬ ‫كونه فعال مؤلف كل أ‬ ‫العمال المنسوبة إليه‪ ،‬اس ُتعين بالتطبيقات‬ ‫ً‬ ‫تقدمها تقنية الحاسوب لحل لغز شكسبير في أكثر من مرة‬ ‫التي ِّ‬ ‫مؤخراً‪.‬‬ ‫فالمكانات التي باتت متوفرة بفضل استخدام الكمبيوتر في‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫التحليل الدبي هائلة‪ ،‬وأسفرت عن نتائج مذهلة من خالل قدرتها‬ ‫على القيام بمهام تستعصي‪ ،‬أو تكاد‪ ،‬على االستطاعة البشرية‪،‬‬ ‫مثل إحصاء الكلمات والتعابير‪ ،‬وتتبع تكرارها في العمل أ‬ ‫الدبي‬ ‫أ ّ‬ ‫الواحد أو في مجموع أ‬ ‫الدبية‪ ،‬من أجل استنباط أنساق‬ ‫العمال‬ ‫مفرداتية وأسلوبية يمكن أن تنبئ عن كاتب النص الحقيقي‪ .‬وهكذا‬ ‫ُعقدت مقارنات حاسوبية بين شكسبير وغيره من الك َّتاب المسرحيين‬ ‫الذين يشتبه في أنهم مؤلفو مسرحياته الحقيقيون‪.‬‬ ‫إذ بدءاً من العام ‪1987‬م‪ ،‬شرع باحثون في مقارنة أسلوب‬ ‫شكسبير بسبعة وثالثين كاتباً آخرين ق ُِّدموا باعتبارهم هم من كتب‬ ‫في أ‬ ‫الصل أعماال ً منسوبة إلى شكسبير‪ .‬هذه المقارنة مستمرة إلى‬ ‫العمال أ‬ ‫الن‪ ،‬وكان من نتائجها أن أ‬ ‫آ‬ ‫الدبية التي خضعت للمقارنة‬ ‫تكشف عن أسلوب متسق لكاتب واحد وليس لك َّتاب متعددين‪ .‬كما‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يبين‬ ‫أظهرت النتائج أيضاً أن السلوب المفحوص في تلك العمال ّ‬ ‫أن كاتبها يختلف في أسلوبه عن كل أولئك المرشحين ليكونوا الك َّتاب‬ ‫أ‬ ‫الصليين‪.‬‬ ‫تقدم‪ ،‬يبدو الكمبيوتر أكثر إنصافاً لشكسبير‬ ‫وإضافة إلى ما ّ‬ ‫من المؤرخين‪ ،‬إذ ظهرت أبحاث ودراسات عدة أجريت بمساعدة‬ ‫برامج الكمبيوتر‪ ،‬وتشير إلى نسبة احتمالية عالية بأن يكون‬ ‫شكسبير مؤلف أعمال لم تُنسب سابقاً إليه‪ ،‬ولو على سبيل‬ ‫المشاركة في تأليفها‪.‬‬


‫‪63 | 62‬‬

‫من أديب شعبي إلى أديب النخبة‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫من سمات أدب شكسبير أنه يحتل مكانة مرموقة بين متذوقي‬ ‫أ‬ ‫الدب الرفيع‪ .‬وما فتئ الباحثون في الجامعات وسائر المؤسسات‬ ‫أ‬ ‫الكاديمية ينهلون من معين أدبه ويتحصلون على أرقى الشهادات‬ ‫من خالل دراسته‪ .‬ولكن هل كان شكسبير دوماً هكذا‪ ،‬أي ثقافةً‬ ‫عليا؟ الجواب هو بالنفي‪ .‬إذ كان شكسبير جزءاً من الثقافة الشعبية‪،‬‬ ‫وكان ارتياد عروض مسرحياته أو ترديد قصائده ملمحاً من مالمح‬ ‫الحياة الشعبية في بريطانيا وأمريكا‪ .‬ولهذا‪ ،‬فهو مثال مهم على أن‬ ‫الفروق الموضوعة بين ما يسمى الثقافة الرفيعة والثقافة الشعبية‬ ‫ما هي إال فروق وهمية صنعها المجتمع‪ ،‬مدفوعاً في الغالب بقيم‬ ‫برجوازية‪ ،‬بعد أن قرر حصر بعض أ‬ ‫الذواق الفنية في طبقة معينة‪.‬‬ ‫والنتيجة أن يُنظر أحياناً إلى إرث شكسبير على أنه من الثقافة العليا‬ ‫التي ال يحظى العموم بفرصة الوصول إليها وتذوقها‪ .‬لكن الواقع‬

‫أن ذيوعه لدى جمهور العموم كان أكبر بكثير من آ‬ ‫الن‪ ،‬وليس‬ ‫ّ‬ ‫قصائده‬ ‫عوام منتصف القرن التاسع عشر‬ ‫أدل على ذلك من حفظ ّ‬ ‫َ‬ ‫ومسرحيا ِته عن ظهر قلب‪ ،‬وامتالء مسرح «غلوب» الواقع على‬ ‫ضفاف نهر التايمز بالجماهير الغفيرة ‪ ،‬وهو المسرح نفسه الذي‬ ‫أسهم شكسبير نفسه في تشييده عام ‪1599‬م مع باقي أعضاء‬ ‫المجموعة المسرحية التي كان ينتمي لها‪ .‬فما الذي حصل حتى‬ ‫أصبح شكسبير متعة يحوزها النخبة دون غيرهم؟‬ ‫بعد صعود تشارلز الثاني إلى عرش الحكم‪ ،‬اس ُتبدل مسرح غلوب‬ ‫بمسارح صغيرة مغلقة اجتذبت طبقة من أ‬ ‫الرستقراطيين القادرين‬ ‫على دفع تكاليف التذاكر الباهظة‪ .‬وتبع ذلك دخول شكسبير كمادة‬ ‫الدب في أ‬ ‫لدراسة أ‬ ‫الكاديمية وتفاني نقَّاد النخبة في انتقاد عادات‬ ‫الذهاب إلى المسرح التافه والدعوة إلنشاء منافذ «ترفع» إرث‬ ‫شكسبير عن ذوق العامة وجيوبهم‪ .‬الصراع الذوقي بين الثقافة‬ ‫«التافهة» والثقافة «الرفيعة» لخصته معركة حقيقية نشبت في‬ ‫نيويورك عام ‪1849‬م أمام مسرح آستور‪ .‬ففي أثناء عرض لمسرحية‬ ‫ممثلين ينتمي كل منهما إلى قطب ثقافي‪،‬‬ ‫«ماكبث» ثار خالف بين‬ ‫ومنع الجمهور من الدخول‪ْ ،‬فصاحوا «أحرقوا عرين أ‬ ‫الرستقراطية‬ ‫ُ‬ ‫اللعين» ثم أخذوا يقذفون الحجارة‪ .‬وأفضى تدخل الشرطة لفض‬ ‫الشغب إلى مقتل ‪ 22‬شخصاً وإصابة أكثر من مئة‪.‬‬ ‫النسانية‬ ‫ختاماً‪ ،‬يسود ٌ‬ ‫خير من وظَّف المشاعر إ‬ ‫اتفاق أن شكسبير ُ‬ ‫درامياً ورسم الصراعات التي تنتج عن تضارب تلك المشاعر‪ .‬لقد‬ ‫ابتدع شخصيات مسرحية استطاع الجميع أن يتماهى معها بسهولة‪.‬‬ ‫وهذا ما يفسر امتداد أثره عبر اللغات والثقافات أ‬ ‫والزمنة‪ .‬ولطالما‬ ‫ِّ‬ ‫ألهمت أعماله‪ ،‬بعد أن تُرجمت إلى كافة لغات العالم الحية‪ ،‬خيال‬ ‫أ‬ ‫الدباء والفنانين والمخرجين والممثلين وغيرهم‪ ،‬وال تزال أعماله‬ ‫تقتبس إلى اليوم في أشكال جديدة من النتاج أ‬ ‫الدبي والفني‪ .‬ولكن‬ ‫ُ‬ ‫إ‬ ‫قدر شكسبير هو أن يبقى شخصية مثيرة للجدل‪ ،‬حتى بعد أربعة‬ ‫َ‬ ‫قرون على تاريخ وفاته‪.‬‬

‫كريستوفر مارلو‬

‫لويس ثيوبالد‬

‫جون فلتشر‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫بن جونسون‬


‫مهدي عبده‬

‫«صورة وايلر في المسبح»‪1966 ،‬م‬

‫أحواض السباحة وحركة الماء‬

‫أهم ما رآه دايفد هوكني‬ ‫في لوس أنجلس‬

‫أدب وفنون‬

‫ً‬ ‫مؤخرا عن بدء‬ ‫أعلن متحف «تايت» في لندن‬ ‫التحضير إلقامة معرض استعادي شامل في‬ ‫ربيع العام المقبل ألعمال الرسام البريطاني‬ ‫ً‬ ‫واحدا من ألمع‬ ‫دايفد هوكني الذي ُيعد‬ ‫الرسامين البريطانيين المعاصرين‪ .‬ومن‬ ‫مفاخر المعرض المرتقب‪ ،‬حسبما جاء في‬ ‫نشرة المتحف‪ ،‬اللوحات المميزة التي رسمها‬ ‫هوكني في مدينة لوس أنجلس األمريكية‪،‬‬ ‫والتي تمحورت في معظمها حول المسابح‬ ‫المنزلية وأسلوبه الفريد في معالجة مشهد‬ ‫الماء المتحرك فيها‪ ،‬وكانت وراء شهرته‬ ‫العالمية‪.‬‬


‫‪65 | 64‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫«صورة فنان» (مسبح وشخصان)‪1972 ،‬م‬

‫في منتصف الستينيات من القرن الماضي‪،‬‬ ‫وصل الفنان البريطاني دايفد هوكني ألول مرة‬ ‫إلى مدينة لوس أنجلس أ‬ ‫المريكية آتياً من لندن‪،‬‬ ‫باحثاً عن الهدوء الملهم والشعور بالحرية‪.‬‬ ‫وبقليل من المال اختار مكان إقامته المؤقت في‬ ‫إحدى الشقق وبدأ بالرسم‪ .‬إذ كان يرى أن هذا كل ما يحتاجه تقريباً‬ ‫في سبيل تجربة مختلفة‪.‬‬ ‫ما الذي جذب هوكني إلى لوس أنجلس؟ الجواب بكل بساطة‪ ،‬هو‬ ‫الطقس أ‬ ‫ال َّخاذ والمكان المثير‪ ،‬عالم من أشجار النخيل وأحواض‬ ‫السباحة‪ ،‬إضافة إلى كون المدينة كانت تعيش حالة من التوهج‬ ‫الثقافي بعد وصول كثير من الفنانين المنفيين من أوروبا خالل‬ ‫الحرب العالمية الثانية من أمثال توماس مان وإيغور سترافينسكي‬ ‫الحلم ألي فنان‪،‬‬ ‫وألدوس هكسلي‪ .‬كانت لوس أنجلس تشبه المكان ُ‬ ‫كون الصورة الجمالية‬ ‫وقد تشكَّل هذ االنطباع لدى هوكني بعدما َّ‬ ‫الخاصة به عن المدينة‪ ،‬جمال المناخ والمتعة التي يشعر بها الناس‬ ‫تحت الشمس‪ ،‬وشكَّل هذا مصدر إلهام خاصاً به‪ ،‬وأسهم في‬ ‫اختياره أ‬ ‫لللوان النابضة بالحياة‪.‬‬ ‫ولد ديفيد هوكني عام ‪1937‬م‪ ،‬ودرس في أكاديمية برادفورد‬ ‫للفنون قبل أن يلتحق أ‬ ‫بالكاديمية الملكية للفنون في لندن‪ .‬سافر‬ ‫إلى لوس أنجلس ألول مرة فور تخرجه عام ‪1964‬م‪ ،‬وخالل‬ ‫العوام التالية تأثر أ‬ ‫أ‬ ‫بالضواء ونمط الحياة في المدينة‪ .‬وبحسب‬ ‫أ‬ ‫شهادته فإن «الضواء في لوس أنجلس مذهلة أكثر بكثير من‬ ‫إنجلترا»‪ .‬وهناك بدأ العمل على سلسلة (أحواض السباحة) بأسلوبه‬ ‫البسيط الذي يقترب كثيراً من الواقعية‪ .‬وظهر من خاللها أنه يتمتع‬ ‫بالموهبة في القبض على الموضوع والجرأة في التقاط اللحظة‪،‬‬ ‫حيث وثَّق الصيف في تالل هوليود والمظالت‪ ،‬والنقوش الزاهية‪،‬‬ ‫وحتى حداثة الديكور والعمارة‪.‬‬

‫جاذبية السطح المتغير للماء‬

‫بمجرد وصوله إلى لوس أنجلس إذاً‪ ،‬اكتشف هوكني أن‬ ‫لدى الجميع حوض سباحة‪ .‬وأحواض السباحة في العموم‬ ‫ليست شيئاً مميزاً‪ ،‬ولكن في لوس أنجلس كان حوض السباحة‬ ‫يُستخدم‪ ،‬بسبب الطقس‪ ،‬على مدار العام‪ .‬كما أنه لم يكن‬

‫«مسبح في هوليود»‪1964 ،‬م‬

‫داللة على الرفاهية بالضرورة مثلما هو الحال في كثير من‬ ‫المناطق أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫لقد انجذب هوكني إلى سطح الماء المتغير على الدوام‪ ،‬ووجد‬ ‫فيه ملهماً يستطيع من خالله تناول موضوعاته الفنية المتعلِّقة‬ ‫النسانية‪ ،‬أال وهما الخيال‬ ‫في بُعدين حساسين من أبعاد التجربة إ‬ ‫والذاكرة‪ .‬ساعدته في ذلك مجموعة أ‬ ‫اللوان التي كان يستخدمها‪،‬‬ ‫والصفر أ‬ ‫والزرق أ‬ ‫فالذهبي أ‬ ‫والخضر ألوان تمنح الشعور بالتوهج‬ ‫والصفاء اللذين تحتاجهما النفس‪.‬‬ ‫شكَّلت مجموعة «رش» (‪ )Splash‬المؤلفة من ثالث لوحات ألحواض‬ ‫سباحة يُثار فيها سطح الماء على شكل رشة كبيرة‪ ،‬أهم ما في‬ ‫سلسلة (أحواض السباحة) التي أنجزها بين عامي ‪ 1966‬و ‪1967‬م‪.‬‬ ‫وفيها استلهم من معاصريه‪ ،‬البريطاني برنارد كوهين والفرنسي‬ ‫جان دوبوفيه تناولهما لسطح الماء‪ .‬كما ترك مساحات واسعة‬ ‫من قماش الرسم خاماً‪ ،‬دون صبغ أو بقليل منه‪ ،‬في محاولة منه‬ ‫أ‬ ‫النسانية‪ ،‬الحالة‬ ‫لمحاذاة الخيال والذاكرة بالحالة الصل للنفس إ‬ ‫التي تسبق الشعور والتجربة‪.‬‬ ‫تشترك تلك اللوحات في تصوير مشهد درامي‪ ،‬ولكنه في الوقت‬ ‫نفسه مشهد صامت ومهيب وخال من أ‬ ‫الشخاص‪ ،‬على عكس‬ ‫ٍ‬ ‫لوحاته السابقة التي كانت تصور أحواض سباحة تحوي شخصاً‪ ،‬في‬ ‫الغالب ذكراً يدير ظهره‪ .‬أما في مجموعة «رش»‪ ،‬فالدراما حاضرة‬ ‫في حركة الماء المفاجئة وقصيرة أ‬ ‫الجل‪ ..‬وبهذه الطريقة يجعل‬ ‫هوكني من حضور الشخص السابح حضوراً مختلفاً ومتناقضاً‪،‬‬ ‫يتراوح في الوقت نفسه بين الحضور والغياب‪ ،‬وبين السكون‬ ‫والحركة‪.‬‬

‫إخفاء الحضور البشري وإظهار أثره‬

‫كان هوكني دائماً مهووساً بالزمن‪ ،‬وباالختالف بين الزمن على أرض‬ ‫تقدم في‬ ‫الواقع وبين الزمن كما نعيشه‪ .‬ولكنه في هذه اللوحات َّ‬ ‫الزمن خطوة إلى أ‬ ‫المام‪ ،‬وتالعب بالحضور البشري في اللوحة‪،‬‬ ‫ومبقياً على أثره‪ .‬وفي هذا يقول عن اللوحة‬ ‫ُمخفياً هذا الحضور ُ‬ ‫الثالثة من المجموعة التي استغرقت منه أسبوعين كاملين‪« :‬عندما‬ ‫تجمد لحظة لتصبح شيئاً آخر‪ .‬أدرك أن‬ ‫تأخذ صورة لرشة ماء فأنت ّ‬


‫«غطَّاس كبير»‪1978 ،‬م‬

‫الرشة ال يمكن أبداً أن تُرى بهذه الطريقة في الحياة الواقعية‪ ،‬حيث‬ ‫تحدث بسرعة شديدة‪ .‬وأعجبني هذا‪ ،‬لذلك رسم ُتها بطريقة متأنية‬ ‫يصور هوكني في اللوحة اللحظة المهمة للماء المتطاير قبل‬ ‫جداً»‪ِّ .‬‬ ‫السطح المتحرك إلى هدوئه وصفائه من جديد‪ .‬وبالطبع‬ ‫أن يعود‬ ‫ُ‬ ‫ينقل هذه الصورة عبر مجموعة أ‬ ‫اللوان الجريئة والفاتحة التي‬ ‫تناسب المشهد الطبيعي والذهني لحوض السباحة بشكل خاص‬ ‫وللمنطقة الجغرافية بشكل عام‪ .‬فالضوء القوي الذي تتميز به‬ ‫كاليفورنيا المشمسة عموماً ولوس أنجلس بالتحديد‪ ،‬هو ما جذب‬ ‫الفنان إلى المنطقة‪ .‬واستطاع اللون الفيروزي ودرجات أ‬ ‫الزرق‬ ‫بالبيض وباقي أ‬ ‫الفاتح التي تنتهي أ‬ ‫اللوان المشرقة‪ ،‬التعبير عن‬ ‫الموضوع بنجاح‪.‬‬ ‫لقد أسهم هوكني في التعريف بلوس أنجلس‪ ،‬وأصبحت لوحاته‬ ‫من أهم أعمال تيار «البوب آرت»‪ .‬وخالل فترة قصيرة زادت شهرته‬ ‫كفنان له أسلوبه المختلف‪ .‬فهذا الفنان معجب باالنطباعي هنري‬ ‫ماتيس وبيكاسو وحتى هوكوساي الرسام الياباني‪ ،‬ومتأثر بالحيوية‬ ‫يفضل الرسم على أسطح القماش‪،‬‬ ‫االنطباعية في اختيار اللون‪ .‬كان ّ‬ ‫أ‬ ‫وباستخدام متفاوت أ‬ ‫لللوان المائية والزيتية‪ .‬معظم تلك العمال‬ ‫تناولت موضوع لوس أنجلس الفاتن‪ ،‬الطقس والسباحة والمناظر‬ ‫الطبيعية‪ .‬يقول هوكني‪ :‬أ‬ ‫«اللوان تحركني‪ .‬في إنجلترا يفتنك‬ ‫الخضر في كل مكان أ‬ ‫أ‬ ‫والحمر لون حافالت لندن‪ ،‬لكن هنا الضوء‬ ‫والسماء الزرقاء يفتناني جداً»‪.‬‬ ‫تصور الطبيعة في‬ ‫عمل هوكني على مجموعة من اللوحات التي ِّ‬ ‫كاليفورنيا‪ ،‬بدقة في نقل تفاصيل البيئة وتعدد الفصول‪ .‬وتحمل‬ ‫واحدة من أهم لوحاته عنوان «الطريق إلى أ‬ ‫الستديو»‪ ،‬وتبدو مثل‬ ‫مهرجان أ‬ ‫لللوان‪ ،‬يتضح من خاللها تأثره باالنطباعية‪ .‬فأعماله تمثل‬ ‫الشغف الذي كان يعيشه‪ ،‬والمتعة في اكتشاف الطريقة التي ينظر‬ ‫بها إلى العالم‪ ،‬حتى أصبح واحداً من أشهر الفنانين البريطانيين‬ ‫وأكثرهم تأثيراً في القرن العشرين‪.‬‬ ‫قرر هوكني شراء منزل على أحد تالل هوليوود‪،‬‬ ‫في عام‬ ‫‪1978‬م‪َّ ،‬‬ ‫أنشأ فيه أ‬ ‫الستوديو الفني الخاص به وأصبح جزءاً من المشهد‬ ‫الفني في المدينة‪ ،‬حيث أسهم في تأسيس متحف الفن المعاصر‬ ‫في لوس أنجلس‪ ،‬وأصبح من رواد حركة «البوب آرت» الفنية‬

‫«رشَّ ة كبيرة»‪1967 ،‬م‬

‫«فضاء داخلي عريض»‪ ،‬لوس أنجلس‪1988 ،‬م‬

‫برفقة آندي وارهول‪ .‬وكان نمط الحياة االجتماعي الذي يعيشه‬ ‫يتيح له االختالط بنجوم السينما والموسيقيين‪ ،‬فقام برسم‬ ‫مجموعة من اللوحات بإلهام من الباليه والموسيقى‪ .‬ولفترة‪،‬‬ ‫سحر هوكني بالكاميرا‪ ،‬وعمل على مجموعة من أ‬ ‫العمال الفنية‬ ‫ُ‬ ‫يفضل التصوير‬ ‫بكاميرا البينتاكس والبوالرويد‪ .‬في الغالب كان ِّ‬ ‫السردي والكوالج‪ .‬فقد كان يحب تجربة أ‬ ‫الساليب الفنية المختلفة‬ ‫بدءاً بآالت الفاكسيميلي وبرامج التصميم‪ ،‬وانتهاء أ‬ ‫بالجهزة‬ ‫ً‬ ‫اللوحية مؤخراً‪.‬‬ ‫كان تأثير كاليفورنيا على دايفد هوكني عظيماً‪ .‬ففي الفترة التي‬ ‫عاد فيها إلى مسقط رأسه في يوركشاير عام ‪2007‬م‪ ،‬راح يرسم‬ ‫بسطوة اللون البنفسجي‪ ،‬وأنجز مجموعة من اللوحات بأحجام‬ ‫النجليزي‪.‬‬ ‫ضخمة استلهمها من الطبيعة الخصبة في الريف إ‬ ‫لكنه عاد مجدداً إلى لوس أنجلس‪ ،‬إذ يبدو أن هذه المدينة‬ ‫تشكِّل مالذاً له‪ ،‬يرى فيها أنه فنان منتج أكثر وأسعد‪ .‬فعمل‬ ‫مؤخراً على مجموعة من «البورتريهات» ألشخاص من كل أ‬ ‫العمار‬ ‫يجلسون ببساطة على كرسي خشبي بخلفية زرقاء‪ .‬فالفنان‬ ‫البريطاني بات مرتبطاً حتى النخاع بكاليفورنيا‪ّ ،‬‬ ‫يدل على ذلك‬ ‫قوله‪« :‬لقد عشت وقتاً طويال ً هنا‪ ،‬إني أرى في لوس أنجلس‬ ‫المكان أ‬ ‫الكثر جنوناً وإبداعاً»‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪67 | 66‬‬

‫فنان ومكان‬

‫أشيقر من مدن نجد‪ ،‬وهي مدينة هادئة‬ ‫منغمسة في الهوية العربية‪ ،‬وغنية‬ ‫بطبيعتها من نفود ومزارع نخيل‪ُ ،‬‬ ‫وتعد من‬ ‫أقدم مدن نجد وما زالت محتفظة بكثير‬ ‫من اآلثار القديمة‪ ،‬وبيوتها الطينية تقاوم‬ ‫عوامل التعرية المتغيرة‪ .‬بيئتها ملهمة‬ ‫إحساسا عالياً‬ ‫ً‬ ‫وآثارها موحية لمن يمتلك‬ ‫تستفزه ُشقرة تربتها وحمرة جبالها‪ .‬والفنان‬ ‫علي الرزيزاء هو ابن أشيقر هذه‪ ،‬إنه من‬ ‫وصفه أحد أساتذة الفن في إيطاليا بأنه‬ ‫كأس ممتلىء لو أضيفت إليه قطرة واحدة‬ ‫ً‬ ‫شيئا‪.‬‬ ‫لخرجت منه دون أن تضيف إليه‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫فيصل الخديدي‬

‫علي الرزيزاء‬ ‫وأشيقر‬


‫أ‬ ‫اللوان الترابية وزخارف العمارة المستوحاة من البيئة المحلية‬

‫ألقت بيئة نجد الثقافية الخصبة‬ ‫بظاللها على شخصية علي‬ ‫الرزيزاء وموهبته المبكرة‪،‬‬ ‫البداع‬ ‫واستنطقت مكامن إ‬ ‫في مخرجاته ومنجزاته الفنية‬ ‫التي صقلها بدراسته في معهد التربية الفنية في‬ ‫الرياض‪ ،‬ثم أعقبها بدبلوم من أكاديمية الفنون‬ ‫بروما‪ ،‬حتى أصبح بفنه ومعرفته وخبراته المكتسبة‬ ‫من الممارسة والدراسة والموهبة الفطرية كشجرة‬ ‫تنغرس جذورها في المدينة الساكنة به دائماً أشيقر‪.‬‬ ‫عمل لصالح كثير من الجهات الحكومية والخاصة‪،‬‬ ‫وظهر امتداده الفني عند كثير ممن درسوا الفن‬ ‫على يديه‪ ،‬سواء في معهد التربية الفنية الذي عمل‬ ‫فيه معلماً لثالثة أعوام‪ ،‬أو في التعليم العام‬ ‫بالمرحلتين المتوسطة والثانوية‪ ،‬أو حتى في المراكز‬ ‫الصيفية التي عمل بها مشرفاً على الفنون لثالثة‬ ‫أعوام‪ .‬وفي مساحة أوسع للإنجاز‪ ،‬عمل بأمانة‬ ‫الرياض لمدة ستة أعوام مهندساً للديكور‪ ،‬وأشرف‬ ‫على تنظيم عديد من المعارض التابعة أ‬ ‫للمانة‪،‬‬ ‫وعلى إعداد وتصميم وتنفيذ معرض الرياض بين‬ ‫أ‬ ‫قدم صورة مشرقة لهوية‬ ‫المس واليوم الذي َّ‬ ‫الوطن متجذرة في تاريخ نجد وتراثه أ‬ ‫الصيل‪،‬‬ ‫وهو المعرض الذي جال على عديد من الدول‬ ‫والعواصم (لندن ‪ -‬باريس ‪ -‬القاهرة ‪ -‬أمريكا ‪ -‬كندا‬ ‫‪ -‬إشبيليا)‪.‬‬

‫بيته متحفه‬

‫وعلى الرغم مما حققه الرزيزاء من حضور في‬ ‫المعارض الكبيرة‪ ،‬إال أنه ما زال مسكوناً بكثير من‬ ‫مدينته أشيقر‪ .‬فقد عمل جاهداً على أن يكون كل‬ ‫معبراً عن تلك الرؤية الممتدة من‬ ‫ما يحيط بفنه ِّ‬ ‫شقرة تراب أشيقر وحمرة صخورها وجمال زخارف‬ ‫بيوتها الطينية وبساطتها‪ .‬فبنى عالمه بنفسه‬ ‫عد‬ ‫بتصميم ورؤية ذاتية‪ ،‬حتى غدا منزله متحفاً أُ َّ‬

‫الفنان علي الرزيزاء‬

‫على مدار أكثر من خمسة عشر عاماً‪ ،‬راعى فيه‬ ‫المالمح النجدية والتراث المحلي بأدق تفاصيله من‬ ‫أبواب وشبابيك وأرضيات وأسقف وزخارف ونقوش‬ ‫أ‬ ‫الضاءة‬ ‫وألوان الطالءات والثاث‪ ،‬وصوال ً إلى نظم إ‬ ‫والتهوية‪ ،‬فكانت النتيجة تحفة فنية بمفردات‬ ‫زخرفية متحدة عميقة المدلول‪ ،‬مبنيةً بتكر ٍار غير‬ ‫ممل‪ ،‬وهندسية منتظمة مريحة وأنيقة بصرياً‪،‬‬ ‫ليصبح المنزل دار عرض تضم أكثر من خمسين‬ ‫عمال ً فنياً من مقتنياته ألعمال عدد من الفنانين‬ ‫العالميين والعرب والمحليين‪ .‬فقد نجح الرزيزاء في‬ ‫إظهار منزله على هيئة تحفة فنية معمارية أصيلة‬ ‫الهوية غنية بالجمال‪ ،‬حتى أصبح كمن يسكن في‬ ‫قلب لوحة تشكيلية‪.‬‬

‫مفرداته التشكيلية‬

‫تتلخص مفردات الرزيزاء في الشكل الدائري‬ ‫ومشتقاته من نصف دائرة وأهلّة وخطوط منحنية‪،‬‬ ‫كما يحضر الشكل المثلث أيضاً بمختلف مظاهره‪،‬‬ ‫وبتكرار يضيف إيقاعاً أصيالً‪ .‬فهو يرد الشكل الدائري‬ ‫إلى قرص الشمس‪ ،‬والمثلث إلى جذوع النخيل التي‬ ‫تشي بعمق وتغلغل الهوية الطبيعية لمدينته أشيقر‬ ‫التي أصبحت حاضرة في داخله‪ .‬ويأتي الحضور‬ ‫اللوني في أعماله بومضات من لون أ‬ ‫الرض وشقرتها‪،‬‬

‫يمكن القول إن الرزيزاء‬ ‫ٌ‬ ‫فلسفة‬ ‫فنان صاحب‬ ‫ٍ‬ ‫فنية حقيقية‪ ،‬ومشروع‬ ‫تشكيلي ناضج‪ ،‬يقوم‬ ‫على االعتناء بتراث‬ ‫المعمار المنزلي‪..‬‬ ‫الب ّني‪ ..‬وإليها أضاف‬ ‫وألوان الرمال المتدرجة في ُ‬ ‫أ‬ ‫وحدات زخرفية عاشها وتشربها من خالل البواب‬ ‫صمت‬ ‫باستطالة‬ ‫العتيقة والشبابيك التي تشق‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫جدران العمارة النجدية‪.‬‬ ‫ومشروع‬ ‫فلسفة حقيقية‪،‬‬ ‫فنان صاحب‬ ‫فالرزيزاء ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تشكيلي ناضج‪ ،‬يقوم على االعتناء بتراث المعمار‬ ‫المنزلي‪ .‬هذا التراث هو موضوعه الكبير الذي‬ ‫يجسد من خالله مشروعاً متجدداً في لوحات‬ ‫ِّ‬ ‫مسندية‪ ،‬ومجسمات ميدانية‪ ،‬وديكورات منزلية‪،‬‬ ‫فكان إبداعاً ناطقاً بكل قيم الجمال في متحفه‬ ‫المنزل ومنزله المتحف‪ .‬فقد انطلق الفنان بإبداعه‬ ‫ِ‬ ‫وفلسفته من عطر أ‬ ‫الرض وشموخ النخيل وتفاصيل‬ ‫حياة ابن نجد‪ ،‬فالمس قرص الشمس بإبداعه أ‬ ‫ومل‬ ‫محيطه فناً أصيل الهوية عميق الجذور‪ ،‬تجاوز به‬ ‫الحدود المكانية والزمانية‪ ،‬وسجل حضوره العالمي‬ ‫بمنجز أصيل‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪69 | 68‬‬

‫ً‬ ‫شعرا‬ ‫أقول‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫كشف وار ٌ‬ ‫تحال ف ي� الماوراء‪ ،‬فالشاعر يمارس‬ ‫القصيدة ٌ‬ ‫اللهام‪،‬‬ ‫نبوء ًة من نوع خاص‪ .‬أشواقه ٌ‬ ‫فيض من إ‬ ‫شكل من أشكال الحدس‪ ،‬ي ن‬ ‫وأحالمه ٌ‬ ‫ح� تطيل‬ ‫التحديق ف ي� الالمتناهي‪ ،‬ستشف روحك وتنفذ بع�‬ ‫الح ُجب متجاوزة حدود المكان والزمان‪ .‬والقصيدة‬ ‫ُ‬ ‫المتنبئة هي ت‬ ‫ال� تُكتب ف� منطقة ي ن‬ ‫ب� الحضور‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬ ‫والالمر�‪ ،‬ي ن‬ ‫ن‬ ‫المر�‬ ‫ب� الوعي والالوعي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والغياب‪ ،‬يب� ي‬ ‫أياً كان موضوعها أو مساحة اشتغالها‪ .‬والشاعر‬ ‫العارف هو ذاك الذي يشعل حرائق أ‬ ‫الفكار‪ ،‬ثم يقف‬ ‫مصلوباً عىل أخشاب رؤاه‪.‬‬

‫أبدي إىل لحظة البدء‪ ،‬إىل‬ ‫ف ي� ذات الشاعر ٌ‬ ‫توق ٌّ‬ ‫الشهقة أ‬ ‫الوىل‪ ،‬وإىل رصخة الوجود‪...‬‬ ‫ف‬ ‫تتلمس‬ ‫و� العتمة البيضاء حيث تقيم النفس‪ ،‬سوف َّ‬ ‫ي‬ ‫طريقها للعروج إىل أفق فسيح وفضاء أوسع وأجمل‪.‬‬ ‫النسان مشدوداً إىل خيوط النور المتصالبة مع‬ ‫يظل إ‬ ‫تصوراته‪ ،‬ليصل إىل الروضة السماوية‪...‬‬ ‫الكون حجرة الشاعر المعتادة‪ ،‬حيث يحرق سجائر‬ ‫روحه‪ ،‬الواحدة تلو أ‬ ‫الخرى‪ ،‬ليتصاعد مع دخانها‬ ‫ويبرص ما لم يكن يبرصه قبل ذلك ت‬ ‫االح�اق!‬ ‫متجدد‬ ‫كل قصيدة هي عودة إىل البداية‪ ،‬هي ميالد ِّ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫و� كل قصيدة موت وحياة‪ ،‬وذات الشاعر‬ ‫للب�ية‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫هي نقطة االلتقاء يب� ذلك الموت وتلك الحياة‪،‬‬ ‫ن ف‬ ‫ن‬ ‫و� لحظة‬ ‫هي ب‬ ‫ال�زخ الذي يصل يب� العال َ​َم ي ْ�‪ .‬ي‬ ‫واحدة فقط ت ز‬ ‫يم�ج هذان العالمان ليصبحا عالماً‬ ‫التجل‬ ‫واحداً‪ ،‬ال حدود بينهما‪ ،‬تلك هي لحظة‬ ‫ي‬ ‫والتلقي‪ٍّ ،‬‬ ‫وتلق‬ ‫تجل للروح عىل إلهامات باهرة‪ٍّ ،‬‬ ‫أللواح الحقيقة‪...‬‬ ‫إنها لحظة يتداخل فيها أ‬ ‫اللم بالفرح‪،‬‬ ‫ويتكامل فيها االعتناق باالنعتاق‪ ،‬اعتناق‬ ‫الذات وانعتاق من الذات‪...‬‬ ‫ت‬ ‫يموت الشاعر لتولد القصيدة‪ ...‬تح�ق‬ ‫النسانية‪...‬‬ ‫الروح لتنبعث إ‬


‫استمع للقصائد‬

www.qafilah.com


‫‪71 | 70‬‬

‫ذاكرة القافلة‬

‫حائل‪ ..‬حاضرة‬ ‫ُ‬ ‫جبال ش َّمر‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫نشرت القافلة في‬ ‫عددها لشهر شعبان‬ ‫‪1392‬هـ (سبتمبر‬ ‫ أكتوبر ‪1972‬م)‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫مصورا بقلم سليمان‬ ‫استطالعا‬ ‫نصر اهلل حول مدينة حائل وبلدات‬ ‫منطقتها‪ ،‬نقتطف منه ما يأتي‪:‬‬ ‫منطقة حائل شاسعة جداً‪ ،‬إذ تمتد شماال ً حتى تشمل‬ ‫صحراء النفود ذات الرمال الوردية‪ ،‬وتمتد شرقاً‬ ‫وجنوباً إلى حرة خيبر‪ ،‬وتصل إلى القصيم من الجهة‬ ‫الجنوبية الغربية‪ .‬وفيها الجبال أ‬ ‫والودية والحرار‬ ‫والصحاري والسهول والهضاب‪ ،‬كلها قد اجتمعت‬ ‫في تناسق جميل لتضفي عليها طابعاً مميزاً‪ .‬وليس‬ ‫من قبيل الصدف أن تُعرف هذه الرقعة الخالبة‬ ‫اليوم باسم «إمارة الجبل»‪ .‬ذلك أن جبال طيء‪،‬‬ ‫كانت وال تزال‪ ،‬مصدر الخير وينبوع الجمال‪ ،‬نسج‬ ‫الخيال المجنح حولها أمتع القصص التي ال تزال‬ ‫جنبات الشعاب تردد أصداءها‪ .‬وهذه الجبال تتألف‬

‫قلعة «عيرف» على قمة جبل «عيرف» في الجهة‬ ‫الجنوبية من مدينة حائل‬

‫من سلسلتين متوازيتين تعرف إحداهما بأجا أ‬ ‫والخرى‬ ‫ُ‬ ‫بسلمى‪ .‬وتفصل بين السلسلتين سهول تمتد نحو ‪70‬‬ ‫كيلومتراً تتخللها الجبال الصغيرة‪.‬‬

‫كيف تودع ذكاء تلك الطبيعة الفتانة كل يوم‪ ،‬فتلقي‬ ‫عليها وشاحاً من تبر قبيل أن تختفي وراء قنن جبل‬ ‫أجا‪.‬‬

‫ومدينة حائل التي ترتفع عن مستوى سطح البحر‬ ‫حوالي ‪ 3500‬قدم تقع في سهل منبسط على بُعد‬ ‫‪ 4‬كيلومترات من حافة جبل أجا الشمالية الشرقية‪،‬‬ ‫وتحيط بها هضاب قليلة االرتفاع من الجهة الشمالية‪،‬‬ ‫وإلى الشرق من حائل يقوم جبل صغير يُدعى‬ ‫«أعيرف» الذي تتربع فوقه «قلعة الزيارة» القديمة‬ ‫التي بُنيت في أوائل القرن التاسع عشر‪ ،‬ومن ورائه‬ ‫ينتصب جبل «سمراء حائل»‪ ،‬وهو جبل شاهق تقوم‬ ‫على قمته أطالل حصن قديم منيع بُني بالحجارة‬ ‫الغرانيتية والجص‪ .‬ويشرف هذا الجبل أ‬ ‫الشم على‬ ‫مدينة حائل‪ ،‬وقرية الخريمي من الجهة الجنوبية‪،‬‬ ‫وعلى ضاحية «السويفلة» القديمة من الجهة‬ ‫الشمالية‪ .‬ومن أروع المشاهد التي يمكن أن يحظى بها‬ ‫إالنسان وقوفه على أطالل ذلك الحصن قبيل جنوح‬ ‫مستقبال ً النسائم الباردة‪ ،‬ممتعاً‬ ‫الشمس إلى المغيب‬ ‫ناظريه بالسهول والهضاب ِ والجبال أ‬ ‫والودية‪ ،‬مشاهداً‬

‫ويطلق أبناء حائل على قمة ذلك الجبل اسم‬ ‫«الموقدة» ويزعمون أن حاتماً الطائي كان يأمر غالمه‬ ‫أن يوقد النار على تلك القمة ليهتدي بها المسافرون‬ ‫وتجلب له الضيوف‪ ،‬فكان يقول‪:‬‬ ‫قـر‬ ‫ليـل‬ ‫أوقـد فـإن الليـل‬ ‫ّ‬ ‫صر‬ ‫والريـح يـا موقد ريـح ّ‬ ‫ّ‬ ‫يمـر‬ ‫عـل يـرى نـارك مـن ّ‬ ‫ً‬ ‫حر‬ ‫إن جلبـت ضيفـا فأنت ّ‬ ‫وحائل اليوم تشهد حركة عمرانية عارمة ستزداد‬ ‫نشاطاً‪ .‬ولن يمضي طويل وقت حتى يفتتح الطريق‬ ‫المعبد الذي يربط حائل بالقصيم‪ ،‬ومن ثم‬ ‫َّ‬ ‫بالرياض‪ ،‬والبالغ طوله ‪ 280‬كيلومتراً‪.‬‬ ‫إن مما يسترعي انتباه الزائر لحائل قصر إالمارة الذي‬ ‫يقف شامخاً عند مدخل المدينة مما يلي المطار والذي‬


‫في حائل إلى عام ‪1375‬هـ‪ ،‬ثم ما لبث أن أصبح في‬ ‫المنطقة خمس مدارس متوسطة‪ ،‬يبلغ عدد الطالب‬ ‫فيها حالياً ‪ 1075‬طالباً‪ ،‬وفي عام ‪1378‬هـ قامت وزارة‬ ‫المعارف بافتتاح مدرسة ثانوية‪ ،‬وهي تضم آ‬ ‫الن ‪164‬‬ ‫طالباً‪ ..‬وفي العام الدراسي ‪1391 / 1390‬هـ افتتح في‬ ‫حائل معهد ثانوي إلعداد المعلمين يُقبل فيه الطالب‬ ‫الحاصل على شهادة الكفاءة‪.‬‬

‫بدأت منذ عهد قريب زراعة القمح في منطقة حائل‪ ،‬وانتشرت انتشاراً كبيراً‬

‫يجد نفسه في وسط المدينة‪ ،‬حيث تقوم المحالت‬ ‫التجارية المكتظة بالسلع والكماليات على اختالف‬ ‫أنواعها‪ .‬ومن شارع المطار الرئيس يتفرع شارع أ‬ ‫المير‬ ‫خالد الذي يتجه غرباً‪ ،‬وقد أخذت ترتفع على جانبيه‬ ‫العمارات الحديثة الضخمة والمطاعم والمحالت‬ ‫شيدت المباني الحكومية‬ ‫التجارية‪ .‬وعلى مقرية منه ِّ‬ ‫الحديثة‪ ،‬ومنها إالمارة‪ ،‬وإدارات الجوازات والجنسية‪،‬‬ ‫والبريد والبرق‪ ،‬والشرطة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫الحركة العلمية والفكرية أ‬ ‫والدبية‬

‫تكوينات صخرية بديعة وسيول متدفقة في‬ ‫منطقة حائل‬

‫بناه سمو أ‬ ‫المير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي‬ ‫أمير حائل السابق‪ .‬وهذا القصر يُعد تحفة فنية‬ ‫شيد عام ‪1357‬هـ بالطين واللبن‪ ،‬وتقوم‬ ‫رائعة‪ ،‬وقد ِّ‬ ‫ردهاته على أعمدة من الحجر المصقول المكسو‬ ‫بالجص‪ ،‬ويمتاز القصر بأبوابه الضخمة المزخرفة‪،‬‬ ‫الزاهية أ‬ ‫اللوان‪ ،‬المصنوعة من خشب إالثل‪ .‬ويحيط‬ ‫عال تقوم على أركانه «مرابيع» أي أبراج‬ ‫بالقصر سور ٍ‬ ‫مستديرة‪ ،‬وتزدان حواف الجدران من أعلى «بزرانيق»‬ ‫جميلة‪ .‬ويمثل هذا القصر الطراز المعماري العريق‬ ‫المتبع في أبنية حائل خير تمثيل‪ .‬وفي الجهة المقابلة‬ ‫لقصر إالمارة يقف قصر آخر ال يقل عنه روعة هو‬ ‫«القشلة»‪ .‬وما إن يجتاز المرء هذين القصرين حتى‬

‫أما التعليم الديني في حائل فيوفره المعهد العلمي‬ ‫التابع للرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية‬ ‫بالرياض‪ .‬وقد افتتح هذا المعهد عام ‪1381‬هـ وبدأ‬ ‫بحوالي ‪ 150‬طالباً‪ ،‬ويقبل فيه الطالب بعد نيله‬ ‫الشهادة االبتدائية‪.‬‬ ‫ويعود تعليم الفتاة في حائل إلى عام ‪1381‬هـ عندما‬ ‫افتتحت الرئاسة العامة لتعليم البنات أول مدرسة‬ ‫ابتدائية في حي الجديدة‪ ،‬ثم أتبعتها فيما بعد بثالث‬ ‫مدارس ابتدائية في حائل‪ .‬وقد شرع في العام المنصرم‬ ‫في إنشاء مدرسة نموذجية ضخمة في مدينة حائل‬ ‫تضم مراحل التعليم االبتدائي والمتوسط والثانوي‪.‬‬ ‫ومن المتوقع أن تنتهي أعمال إالنشاء فيها قريباً لتباشر‬ ‫المدرسة رسالتها في العام الدراسي المقبل‪.‬‬

‫يرجع تاريخ التعليم في حائل إلى ما يقرب من‬ ‫قرن من الزمان عندما كانت نخبة من المشايخ من‬ ‫أهل العلم تقوم بتعليم أبناء حائل مبادئ القراءة‬ ‫والكتابة‪ ..‬أما التعليم النظامي بمعناه الحديث فقد‬ ‫بدأ عام ‪1356‬هـ عندما افتتحت المدرسة السعودية‪،‬‬ ‫وهي أول مدرسة ابتدائية بحائل‪ .‬ومن ثم أخذت‬ ‫الحكومة توالي افتتاح المدارس االبتدائية في حائل‬ ‫وقرى المنطقة حتى بلغ عددها ‪ 72‬مدرسة‪ ،‬تضم‬ ‫بين جدرانها ‪ 6765‬طالباً‪ .‬وفي عام ‪1373‬هـ تأسس‬ ‫معهد للمعلمين يلتحق فيه الطالب بعد إنهاء المرحلة‬ ‫تخرج منه حتى تصفيته عام ‪1387‬هـ‬ ‫االبتدائية‪ ،‬وقد َّ‬ ‫ً‬ ‫ما يقرب من ‪ 465‬طالبا انخرطوا في سلك التدريس في‬ ‫المنطقة‪ .‬ويرجع تاريخ تأسيس أول مدرسة متوسطة‬

‫يجري حالياً تمديد خط أنابيب قطره ‪ 12‬بوصة لينقل‬ ‫مياه الشرب إلى مدينة حائل من منطقة «الحميمة»‬ ‫التي تقع على بعد ‪ 45‬كيلومتراً من حائل‬

‫عندما يشتد البرد في منطقة حائل تروج سوق‬ ‫الفراء المصنوعة من جلد الخراف التي تكثر في‬ ‫حائل‪ ،‬ومنها النجدية والحبصية والجرشية‪ ،‬وتمتاز‬ ‫كلها بأصوافها الناعمة‬

‫اقرأ المزيد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪73 | 72‬‬

‫لغويات‬

‫م‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ب‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫من الأ‬ ‫مثا‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لم‬ ‫ش‬ ‫هو‬ ‫رة‬ ‫«م‬ ‫وا‬ ‫عي‬ ‫ده مواعيد ُع ْرقوب»‪ ،‬ويضر‬ ‫ب لمن ال يلتزم بوعوده‪ .‬فما‬ ‫ق ّصة ُعرقوب هذا؟‬ ‫ُعرقوب هو رج ٌل م‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫لع‬ ‫م‬ ‫الي‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ج‬ ‫اء‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫طل‬ ‫ب منه أ‬ ‫ن يُعينه في حاجته‪ ،‬فقال له‬ ‫عرقوب‪ :‬إذا أ ْط َل َع ْت‬ ‫ه‬ ‫ذه‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫خ‬ ‫ُ‬ ‫لة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫كَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ها‬ ‫ُ (ال ّطلع‬ ‫هو الغَ ريض وهو ّأول ما يُرى‬ ‫من ِعذْ ق ال ّنخلة)‪.‬‬ ‫ف ّلما أط َل َع ْت أتاه أ‬ ‫خو‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ف‬ ‫قا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ه‪:‬‬ ‫دع‬ ‫ها‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ى‬ ‫ت‬ ‫ّ صير ب َلحاً‪.‬‬ ‫َ ف ّلما أبْ َل َح ْت قال‪ :‬د ْعها ح ّتى‬ ‫تصير َز ْهواً (ا ّلزهو‬ ‫هو‬ ‫الت‬ ‫لو‬ ‫ن‬ ‫بال‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫رة‬ ‫وال‬ ‫ُ‬ ‫ص‬ ‫ف‬ ‫رة‬ ‫ُّ )‪ .‬فلما‬ ‫ّ ْأز َه ْت قال‪ :‬د ْعها ح ّتى تصير‬ ‫ُرطباً‪ .‬ف ّلما صارت رطباً‬ ‫‪،‬‬ ‫قا‬ ‫ل‪:‬‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ها‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ى‬ ‫ت‬ ‫ص‬ ‫ّ‬ ‫ير‬ ‫ت‬ ‫َْمراً‪ ،‬فلما‬ ‫أ َتمر ْت جاء إليها ُعرقوب في‬ ‫الليل فجذّ ها‪ ،‬ولم‬ ‫يُع ِط أخاه شيئاً‪ ،‬فصار َمثالً‪.‬‬ ‫وفيه يقول ال ّشاعر ‪:‬‬ ‫وع‬ ‫َ َ ْد َت وكَا َن ال ُخ ْل ُف ِمنكَ َس ِج َّي ًة‬ ‫ ‬

‫َمواع َيد ُع ْرقو ٍب أخا ُه ِب َي ْث ِر ِب‬


‫ضياء يوسف‬

‫محمد فارع‪:‬‬

‫البيوت‬ ‫القديمة إرثنا‬ ‫األجمل‬

‫فرشاة وإزميل‬

‫محمد فارع فنان سعودي شاب‪ّ .‬‬ ‫شكل في‬ ‫فضاء ً‬ ‫ً‬ ‫فنيا‪ ،‬فرّ غ له الجزء‬ ‫محترفه في الرياض‬ ‫األكبر من بيت العائلة‪.‬وذلك في اعتماده نمط‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجازيا مفاهيم الفن‪..‬‬ ‫فعليا ال‬ ‫حياة تقوده‬ ‫َّ‬ ‫ولدى لقائنا فارع في محترفه هذا‪ ،‬تشكلت‬ ‫عندنا صورة عنه‪ ،‬كفنان حريص على‬ ‫استقالليته‪ ،‬وذي موقف إيجابي من مؤسسات‬ ‫الثقافة الرسمية في الوقت نفسه‪ .‬كما يظهر‬ ‫أن إليمانه بالتراكم والصدق مع الذات بالغ‬ ‫األثر عليه في تكوين المواقف والمسافات‬ ‫بينه وبين مجايليه في الوسط الفني‪ .‬إنه‬ ‫وفي للتراث‪ ،‬ويظنه المشروع األنسب‬ ‫فنان ٌّ‬ ‫لمصافحة اآلخر‪ ،‬مؤمن َّ‬ ‫بأن لمحترفه الجميل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فاعال في الوسط الفني‪.‬‬ ‫اجتماعيا‬ ‫دورا‬


‫‪75 | 74‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫• لو استنطقنا روح ت‬ ‫مح�فك‪ ،‬ماذا ستقول لنا عن الفن وعنك‬ ‫ف ي� عالم الفن؟‬ ‫سيقول ت‬ ‫مح� ف ي� إن قصتنا كمجتمع لديها فرصة لتؤرخ فنياً‬ ‫أ‬ ‫بأجمل تفاصيلها‪ .‬فنحن نعيش حياة السالف من خالل فنهم فقط‪ .‬وسيقول أيضاً‬ ‫الفنان� من جهة والفن بهم من الجهة أ‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫إن� أبحث عن قلب واحد يجمع‬ ‫ي‬ ‫فالفنانون التشكيليون أو الفوتوغرافيون والشعراء والفنانون عموماً‪ ،‬هم دائماً �ف‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫المش�كة‪ .‬أريد للصدق أن ينشأ ف ي� بيئة الفن لدينا‪.‬‬ ‫حالة اختالفات ضمن المهنة‬ ‫أريد أن يتم تداول الفن بالصدق فقط‪.‬‬ ‫تقدم مجموعة من العنارص والمعلومات اللونية‬ ‫• من الواضح أن أعمالك ِّ‬ ‫أ‬ ‫الساسية حول ت‬ ‫ً‬ ‫بكث�‪ ،‬تظهر أهمية موضوعات‬ ‫ال�اث‪ ،‬وبشكل أقل وضوحا ي‬ ‫ت‬ ‫ذا� يتعلَّق بالشعور ث‬ ‫أك� من‬ ‫أخرى تتطرق إليها لوحاتك‪ .‬هل نقول إن فنك ي‬ ‫الفكرة؟‬ ‫النسان عن ذاته وما حوله وما اكتسبه خالل حقبة زمنية‬ ‫تعب� إ‬ ‫أوالً‪ ،‬الفن هو ي‬ ‫يعيشها‪ .‬والفنان «الحقيقي» هو نتيجة ما يكتسبه ويتعلمه من أشياء بسيطة‪.‬‬ ‫هنالك ثقافات أخرى سبقتنا لديها مهارات ف ي� الفنون تفوقت بها‪ .‬ونحن‬ ‫يّ ز‬ ‫والمم� ليس ف ي� ذلك إنما‬ ‫نستطيع تعلم مهاراتهم وتقنياتهم‪ .‬ولكن الجميل‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫تز‬ ‫ال� نشأنا عليها‪ :‬البيوت‪ ،‬الشمس‪ ،‬المطر‪ ،‬النخيل‪..‬‬ ‫ي� «اخ�ال» الثقافة ي‬ ‫ش‬ ‫�ء حولنا لمسناه‪ ،‬أحسسنا به هو من مكتسباتنا الجميلة‪ ،‬ويجب أن‬ ‫كل ي‬

‫تخرج منها أعمالنا الفنية سواء أكانت تجريدية أو مفاهيمية‪ ،‬أو بأي شكل من‬ ‫ن‬ ‫وكيا� من خاللها‪ .‬فبالنسبة يل‪،‬‬ ‫أشكال الفنون‪ ،‬ويحق يل أن ب ِّ‬ ‫أع� عن وجودي ي‬ ‫تدرجت ف ي� الرسم من قلم الرصاص إىل الواقعية ثم إىل التجريدية ثم إىل نوع‬ ‫أ‬ ‫رسال�‪ ..‬وال أقول إن ت‬ ‫المفاهيمي‪..‬لوصل ت‬ ‫رسال� بهذا الوضوح‪،‬‬ ‫التعب�‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫انتما� إىل ت‬ ‫التعب� لكل العالم عنه هو ف ي� غاية الوضوح‪.‬‬ ‫بيئ� الذي أريد‬ ‫ولكن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وسيدرك ي آ‬ ‫الخر ما أفعله‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫• مناقشة فضاء‬ ‫نتطرق إىل إ‬ ‫َ‬ ‫المح�ف الخاص فبك تجعلنا َّ‬ ‫الشكاالت ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫حد أنت مدرك‬ ‫و� تحوله وتطوره‪ .‬إىل أي ٍّ‬ ‫الف� ي‬ ‫تواجهها ي� تلقي فموضوعك ي‬ ‫ت‬ ‫ال� قد تواجهها هذه التحوالت‬ ‫للتحوالت الفنية ي� أعمالك‪ ،‬وللصعوبات ي‬ ‫ين‬ ‫المتلق�؟‬ ‫مع‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫المتلق�‪ .‬وعندما‬ ‫للتما� مع‬ ‫البداعية ليست محاولة‬ ‫احل إ‬ ‫أنا أعي أن تحوالت مر أ ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المتلق� أو الجمهور‪ .‬إدر ياك هو الذي‬ ‫يع� أن المر يحدث من أجل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أتغ� فهذا فال ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫وموهب�‪.‬‬ ‫افي�‬ ‫اح�‬ ‫أثبت‬ ‫أن‬ ‫يهم�‬ ‫كان‬ ‫بدايا�‬ ‫�‬ ‫ربما‬ ‫‪.‬‬ ‫يتغ�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫أن‬ ‫ن� أشعر بنوع من المسؤولية ف ي� طرحي‪ .‬بت أعرف أن هناك‬ ‫الن أرسم لرتاح‪ ،‬ل ي‬ ‫ين‬ ‫نوعاً من الصدق يصل إىل‬ ‫النسان من‬ ‫تتغ� نظرة إ‬ ‫المتلق� عىل أي حال‪ .‬فمثلما ي َّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫عي� المراهق إىل الناضج إىل الشيخ‪ ،‬فإن إدراك أي مبدع من‬ ‫عي� الطفل إىل ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫المبدع� ينمو بنفس الطوار تقريباً‪ .‬وما يحكم كل هذا هو التطلع إىل الحياة‬ ‫ش‬ ‫حول أقرأه وأراه بشكل‬ ‫بشغف‪ .‬فما ي‬ ‫�ء ي‬ ‫يتغ� هو طريقة تعقيد الحياة‪ .‬كل ي‬


‫استطعت إدخال‬ ‫مجتمع الفن النخبوي‬ ‫إلى محترفي والفنان‬ ‫«الحقيقي» هو نتيجة‬ ‫ّ‬ ‫ويتعلمه‬ ‫ما يكتسبه‬ ‫من أشياء بسيطة‪..‬‬

‫الشياء أ‬ ‫للفن مع أ‬ ‫ت‬ ‫يأ� الضيوف إىل مكان ث‬ ‫ت‬ ‫أك� إثارة للدهشة‬ ‫ال‬ ‫خرى‪ .‬اق�حت أن ي‬ ‫آ‬ ‫ش‬ ‫ليتما�‬ ‫تغي� المكان‬ ‫من مجلس عادي‪ .‬والن‪ ،‬بعد كل هذا الزمن‪ ،‬استطعت ي‬ ‫داخل‪.‬‬ ‫مع‬ ‫ي‬

‫آ‬ ‫ت‬ ‫وسأع� عن كل‬ ‫رؤي� ف ي� المستقبل ستكون أوضح‬ ‫ب ِّ‬ ‫أوضح الن‪ .‬وأنا أدرك أن ي‬ ‫مكتسب‪.‬‬ ‫ت‬ ‫حد ئ ن‬ ‫«مح�فك» كأداة كما تحب أن تسميه‪ ..‬ف ي� عكس‬ ‫تطم� إىل قدرة‬ ‫• إىل أي ٍّ‬ ‫َ‬ ‫الداخل وعمقك!‬ ‫توجهك‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫لقد تطور ن‬ ‫كث�اً‪ .‬فقد جاء ف ي� مرحلة ما ليتدخل ف ي�‬ ‫مع�‬ ‫المح�ف بالنسبة يل ي‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫الشخص‪ .‬وحولت «مجلس البيت» الذي هو وجه البيت‬ ‫نزل‬ ‫تكوين ي‬ ‫حيا� وم� ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫المح�ف لجل‬ ‫أهل ي� البدء بفكرة‬ ‫وأهم مكان فيه‪ ،‬إىل مح�ف‪ .‬لم يؤمن ي‬ ‫�ض‬ ‫ث‬ ‫الفن‪ .‬ش‬ ‫تغي� المكان ليتسع‬ ‫لك أقنعهم ب ورة ي‬ ‫ولع�ة أعوام أو أك�‪ ،‬عانيت ي‬

‫تغ�وا داخلياً تجاه فكرة الفن بعد أن‬ ‫لدي عائلة وأخوة يتشاركون البيت‪ ،‬وقد ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫استطعت إدخال مجتمع الفن النخبوي إىل مح� ي� ‪ /‬الذي هو جزء من بيتهم الن‪.‬‬ ‫المساحة بالنسبة ل أساسية ن أ‬ ‫ن‬ ‫إيما� بالمساحة الصحيحة لمصافحة‬ ‫لف� لنها تمثل ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ومساح� استقبلت‬ ‫والتعب� عن الفن‪ ،‬وإيصال رسائل جميلة للمجتمع‪.‬‬ ‫الناس‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫م�وعي ن‬ ‫ت‬ ‫ضيوفاً ي ن‬ ‫المح�ف جزء من ش‬ ‫الف� الذي أعمل عليه‪.‬‬ ‫بأن‬ ‫أثق‬ ‫لذلك‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫مهم�‬ ‫ي‬ ‫وأك�‪ .‬ت‬ ‫أك� ث‬ ‫هو عمل الذي يتطور كل يوم ث‬ ‫ال�اكم الذي يحدث بفعل الزمن‬ ‫وتالقح ي أ‬ ‫ف‬ ‫الفكار يتشكَّل ف‬ ‫ت‬ ‫داخل‪ ،‬وينعكس ي� النهاية عىل المح�ف‪.‬‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ومن خالل فنون آ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫جيل وعشاق الفن‪،‬‬ ‫الخرين الذين شأ�كهم ف ي�‬ ‫مساح� من ي‬ ‫فنا� ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� مروا بها لتعلم‪.‬‬ ‫ال� تتكون بيننا وتثمر‪ .‬وأستثمر من تجاربهم ي‬ ‫أستثمر الثقة ي‬ ‫الفن أداة تتكلم عن ثقافة مجتمع كامل‪ .‬أتعامل مع هذه الحقيقة بواقعية‪،‬‬ ‫بتعاو� مع عدة جهات تنظيمية أن أتعامل مع ثقافة آ‬ ‫ن‬ ‫الخر من خالل‬ ‫وأحاول‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫وط�‪ .‬ثقافة مجتمعي ن‬ ‫وأصدقا� والفنون ت‬ ‫ثقافة ن‬ ‫ال� تحدث ف ي� كل لحظة‬ ‫ومكا�‬ ‫أ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫بمعا� الثبات من أجل ي ز‬ ‫رك�ة التقدم‪.‬‬ ‫السالمي منها الذي يمل ن ي�‬ ‫حول‪ .‬خصوصاً إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مح�فك بصفته عالمك أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تواجهها مع ت‬ ‫الصغر بسبب‬ ‫• ما هي الصعوبات ي‬ ‫انفتاحه عىل الحياة االجتماعية بهذا الشكل الواسع؟‬


‫‪77 | 76‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫أ‬ ‫بكث� مما ن‬ ‫ت‬ ‫ف ن‬ ‫أتم�‪ .‬بسبب‬ ‫أن� مضطر للبقاء ف ي�‬ ‫المح�ف أقل ي‬ ‫الصعوبة الوىل هي ي� ي‬ ‫ئ ن‬ ‫ن‬ ‫الف�‪ ..‬فضال ً عن‬ ‫كث�اً من‬ ‫ارتباطي‬ ‫يحد ي‬ ‫لف�‪ .‬هذا ّ‬ ‫ي‬ ‫فضا� ي‬ ‫بالعمل وعدم تفرغي ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫تز‬ ‫وترك�ي وأتطلع إلنتاجي بشغف حقيقي‪.‬‬ ‫االل�امات الخرى‪ .‬أنا بحاجة‬ ‫لذه� ي‬ ‫ي‬ ‫مح�فك واضح‪ .‬فهذا فضاء يتوقع حضور أ‬ ‫• اهتمامك بأناقة ت‬ ‫الصدقاء‪..‬‬ ‫ويمارس سلوك المنصة االجتماعية تقريباً‪ .‬ويأخذنا هذا إىل سؤال عن إيمانك‬ ‫ين‬ ‫الفنان� من جهة‪ .‬ي ن‬ ‫ين‬ ‫بجدوى التفاعل االجتماعي بينك ي ن‬ ‫والمقتن�‬ ‫وب� الفن‬ ‫وب�‬ ‫أساس من إحياء االتجاهات الفنية أو قتلها‪.‬‬ ‫الذين هم جزء‬ ‫ي‬ ‫الخراج مع المحتوى‬ ‫بداية‪ ،‬أنا أحب الديكور والتصميم‪ .‬ويجب أن يتناسب إ‬ ‫مح� ف� أنيق بسبب هذا ال ث‬ ‫بشكل واضح والفت‪ .‬ت‬ ‫أك�‪ .‬كما أن مرسمي يستقبل‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫تشكيلي�‪ ..‬ولذا‪ ،‬أحاول العمل عىل تحويل‬ ‫وفنان�‬ ‫ضيوفاً وزمالء وأصدقاء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫بمقتنيا� الشخصية‪ .‬أنا أعشق الفن‪ ،‬وأريد‬ ‫مح� ف ي� إىل معرض دائم وخاص‬ ‫ي‬

‫ن‬ ‫يزر� مقتنون‪ ،‬كل زواري ت‬ ‫ح� اللحظة من‬ ‫للحياة أن َّ‬ ‫تتحول إىل قطعة فنية‪ .‬لم ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال ي ن‬ ‫ين‬ ‫المح�ف إىل كيان رسمي‪ ،‬فقد‬ ‫تحول‬ ‫الفنان� أو الصدقاء أو إ‬ ‫عالمي�‪ .‬وإذا َّ‬ ‫ت‬ ‫أك� من ذلك‪ .‬ن‬ ‫نستقبل ث‬ ‫المح�ف مكاناً يخدم الوطن من‬ ‫أتم� أن يصبح هذا‬ ‫يقدمه‪.‬‬ ‫خالل الفن الذي ِّ‬ ‫كب�ة يواجهها‬ ‫• اليوجد فن بمعزل عن المجتمع وما يجري فيه‪ .‬وهناك تحوالت ي‬ ‫المجتمع السعودي والعالم بأرسه مثل تقنيات التواصل ي ن‬ ‫ب� الناس‪ ..‬كيف‬ ‫يواجه عالم الفن هذه التحوالت برأيك؟ وما هي الرهانات والصعوبات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫جراء ذلك؟‬ ‫ال� سيدفعها الفنانون َّ‬ ‫والثمان ي‬ ‫وتغ�ت‬ ‫صارت وسائط التواصل االجتماعي جزءاً من الفن‪ .‬فظهر «الفيديو آرت»‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫أك�ها هو ما نراه ف ي�‬ ‫كث�ة ي� الحياة‪ ،‬ربما ب‬ ‫تغ� أشياء ي‬ ‫بنية الفن وصورته بحسب ي‬ ‫ثورة االتصال‪ .‬فبتنا نستطيع أن نرى ورشة فنية ف� أي مكان ف� العالم ونحن �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫تغ�‪،‬‬ ‫الف�‪ .‬ورغم أن سطح اللوحة «الكانفاس» َّي‬ ‫بيوتنا‪ .‬وهذا تطور يخدم العمل ي‬ ‫ف‬ ‫إال أن الفن صار صدره أرحب‪ ،‬وتبقى اللوحة المتصدرة ي� نظري‪.‬‬ ‫ف‬ ‫كث�ة‪ .‬فهل تكريس أعمالك‬ ‫• تنبعث القرية وما زالت ي� أعمال أدبية وفنية ي‬ ‫سل� من المدينة؟‬ ‫لموضوع القرية هو موقف ب ي‬ ‫السل�‪ .‬أنا أرى البيوت القديمة تندثر‪ ،‬وجمالها‬ ‫ليس عندي مثل هذا الموقف ب ي‬ ‫ت‬ ‫بلوحا�‪ .‬والحمدهلل أن هناك من عمل عىل المحافظة‬ ‫أش� إليها‬ ‫ببقائها‪ ،‬وأنا ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الرث الجمل الذي تركه لنا من سبقنا‪ ،‬بجمالياته ومدلوالته‬ ‫عليها لنها إ‬


‫ت‬ ‫ومناسبته للبيئة‪ .‬وأنا أحافظ عليها من خالل ت‬ ‫طريق� ف ي� حفظ‬ ‫لوح�‪ .‬هذه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫البيت ت‬ ‫الغال‪ .‬وهي ال تزال ماثلة أمامي‪،‬‬ ‫الوط� ف ي� أي جزء من الوطن‬ ‫ال� ث يا�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وأنا أفتخر بها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫مس�تك الفنية؟ وإىل أين صارت تأخذك‬ ‫• أي نوع من المل تنطوي عليه ي‬ ‫مؤخراً؟‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫السعودي� ف ي� معرض أقيم ف ي� مدينة‬ ‫الفنان�‬ ‫اش�كت مؤخراً مع مجموعة من‬ ‫يف� �ف‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫كان الفرنسية وانتقل إىل باريس برعاية سفارة خادم‬ ‫ال� ي ي‬ ‫ف‬ ‫المستقبل‬ ‫طموحي‬ ‫أما‬ ‫‪.‬‬ ‫نس‬ ‫ي‬ ‫فرنسا‪ .‬وكانت له أصداء جميلة ي� المجتمع الفر ي‬ ‫فهو أن أتمكَّن من إقامة معارض شخصية داخلياً وخارجياً‪ .‬فأنا أعمل عىل‬ ‫ف ن‬ ‫ين‬ ‫لفنان� آخرين‪ .‬أريد أن‬ ‫تب� تنظيم معارض داخلية أو خارجية‬ ‫هذا‪ ،‬وأفكر ف ي� ِّ ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫خ� ي� ي� هذا المجال لتنظيم‬ ‫أمارس دوراً ي� تنظيم المعارض‪ ،‬وأن أستثمر ب‬ ‫ملتقيات فنية‪.‬‬

‫أشعر بنوع من‬ ‫المسؤولية‬ ‫وتحوالت مراحلي‬ ‫اإلبداعية ليست‬ ‫محاولة للتماشي‬ ‫ِّ‬ ‫المتلقين‪..‬‬ ‫مع‬

‫• هل تعتقد أن التكتالت الفنية ف ي� المجتمع السعودي هي ظاهرة إيجابية أم‬ ‫العكس؟ وبرأيك‪ ،‬هل تنشأ هذه التكتالت بحكم موضوع الفن أم سوقه؟ وإىل‬ ‫حد نحتاج إليها؟‬ ‫أي ٍّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� مختلف المجاالت‪ .‬ولكن الجيد منها هو ما‬ ‫التكتالت ظاهرة طبيعية ي� الحياة ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تسعى إىل‬ ‫يخلق آفضاء تنافسياً جميال ً و�يفاً‪ ،‬بع� أعمال منظمة‪ .‬أما التكتالت ي‬ ‫هدامة‪.‬‬ ‫إلغاء الخر أو تقلل من شأنه فهي ّ‬ ‫• كيف تتحدد أهمية الفنان ف ي� مجتمعنا؟ وهل هي صادقة وأصيلة ف ي�‬ ‫نظرك؟‬ ‫هنالك فنان يُصنع وآخر يَصنع‪ .‬هنالك فنان تتم صناعته ليكون فناناً‪ ،‬وهذا‬ ‫موجود وبقوة عىل ساحة الفن السعودي‪ .‬فإذا أردنا أن نعرف الفنان فعالً‪،‬‬ ‫فعلينا أن ندرك رحلته وتراكم تجربته الحياتية والفنية‪ .‬هناك فنانون ك ثُ� من‬ ‫ين‬ ‫الفنان� الذين «يَصنعون» مثل الفنان محمد السليم وعبدالحليم رضوي‪،‬‬ ‫نوع‬ ‫وغ�هم‪ .‬هؤالء‬ ‫رحمهما هللا‪ ،‬وطه‬ ‫وعل الرزيزاء‪ ،‬وعبدالرحمن السليمان ي‬ ‫صبان‪ ،‬ي‬ ‫ثقافتهم ف‬ ‫ال نستطيع أن نشك ف‬ ‫و� أسمائهم الراسخة‪ .‬ولكن هناك أيضاً فنانون‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تم تصنيعهم‪ .‬وال نعرف كيف يحدث هذا ي ن‬ ‫ب� ليلة وضحاها‪ .‬لست مطَّلعاً‬ ‫يق� تام بأن أ‬ ‫ن‬ ‫لكن� عىل ي ن‬ ‫المر أشبه بفقاعة‬ ‫بما يكفي لمعرفة الرس وراء هذا‪ ،‬ي‬ ‫الصابون‪ .‬ويبقى للممارسة والتعب ت‬ ‫وال�اكم والقراءة والتعلم لمسة الفرق‬ ‫الواضحة‪.‬‬ ‫حد يمكن للفنان‬ ‫• هل يفي الدعم الرسمي بما يحتاجه عالم الفن؟ وإىل أي ٍّ‬ ‫تجاوز هذا الدعم ف ي� طريقه إىل النجاح؟‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫للفنان�‪ .‬فعىل سبيل المثال‪ ،‬هناك‬ ‫ال�ء بالنسبة‬ ‫هذا موضوع حساس بعض ي‬ ‫«جمعية الثقافة والفنون»‪ ،‬وفهم دور هذه الجمعية سيمكننا من التعامل‬ ‫معها‪ ،‬أو وضع سقف توقعات موضوعي‪ .‬هذه الجمعية وضعت لتطوير النشء‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫الفنان� ركنوا إىل هذه الجمعيات فال يعملون أو يقيمون‬ ‫وكث� من‬ ‫الف�‪ .‬ي‬ ‫ي‬ ‫معارض إال عن طريقها‪ .‬علماً أن دورها يقترص عىل تعليم الفنون ودعم‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الناشئ�‪.‬‬ ‫الفنان�‬ ‫يجب أن يعمل الفنان لنفسه‪ .‬أن يقيم المعارض لنفسه انطالقاً من ذاته‪ .‬حركته‬ ‫أ‬ ‫بكث� من أي دور آخر‬ ‫ساس تجاه فنه ونفسه‪ .‬وهو دور أعمق ي‬ ‫المرنة هي دوره ال ي‬ ‫يمكن أن يمارس عليه‪ .‬بالطبع من المهم أن تدعم الجهات الرسمية المشاركات‬

‫الشخص فيقع عىل عاتق الفنان وحده‪.‬‬ ‫الداخلية والخارجية‪ .‬أما تطور الفنان‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الفنان� وتحركاتهم أنفسهم‪ ،‬وإن كان تحت مظلة وزارة‬ ‫أرغب ف ي� رؤية دور‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫بالخ� من خالل‬ ‫الثقافة إ‬ ‫كث�اً ي� الحقيقة‪ ،‬ولكن المور ش ِّ‬ ‫تب� ي‬ ‫والعالم‪ .‬نحتاج ي‬ ‫إنشاء المتاحف وحركة سوق الفن‪ .‬ونحن نتطلع بشغف وتفاؤل إىل «رؤية المملكة‬ ‫ش‬ ‫الكث�‪.‬‬ ‫ال�ء ي‬ ‫‪ ،»2030‬ونتوقع منها ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫يأ� من ش‬ ‫ال�كات والبنوك والمؤسسات القادرة‬ ‫الجزء الهم من الدعم يجب أن ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫وتغي� وضعه‪ ،‬كما هو الحال ي� المجتمعات الخرى‪ ،‬حيث تلعب‬ ‫عىل رعاية الفن ي‬ ‫مثل هذه المؤسسات دور الراعي أ‬ ‫ال بك� للحياة الفنية المعارصة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫• هناك معيار ف ي�‬ ‫الف� السعودي منذ نشأته‪ ،‬يمنح درجة أرفع للفنان‬ ‫الوسط ي‬ ‫ف‬ ‫الذي يتاح له العرض ي� الخارج‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬ال يمكن إنكار التجربة‬ ‫يز‬ ‫والمم�ة لمن تتاح له هذه الفرصة‪ ،‬فماذا عنك وعن مشاركتك‬ ‫الثقافية الخاصة‬ ‫ف ي� العرض ف ي� الخارج؟‬ ‫المعارض العالمية والبيناليات الكب�ة تقوم باختيار أ‬ ‫العمال من خالل ِّقي ي ن‬ ‫م�‬ ‫ي‬ ‫العمال عىل أ‬ ‫الفنان�‪ .‬وهذه النوعية من أ‬ ‫ين‬ ‫القل‬ ‫معاي� جيدة لتقييم‬ ‫عليها‪ .‬هذه ي‬ ‫مم�ة لنأ‬ ‫ليست من نوع أ‬ ‫العمال ذات القيمة المضلِّلة‪ .‬وكتجربة ثقافية فهي ي ز‬ ‫الشعوب أ‬ ‫الوروبية مثالً‪ ،‬متمرسة ف ي� زيارة المتاحف‪ ،‬ولديها تشبع وفهم حقيقي‬ ‫للفن‪ .‬ويشد انتباهها الجديد‪ .‬وبيئتنا جديدة عليها وتجذبها‪ .‬هناك تساؤالت‬ ‫ين‬ ‫الغربي� تجاه أعمالنا‪ ،‬وهم يقرأونها جيداً‪.‬‬ ‫ممتعة لدى‬ ‫إن النقاش مع آ‬ ‫�ض‬ ‫ين‬ ‫تمسك‬ ‫الخرين‬ ‫إيجا� جداً‪ .‬ومع هذا‪ ،‬تبقى ورة ُّ‬ ‫المختلف� ب ي‬ ‫الفنان بثقافته وتعاليم دينه‪ .‬فأحياناً ال تتناسب بعض الفنون المعروضة مع‬ ‫الف� بالجمال هو الرسالة أ‬ ‫الوىل عنا‪ ،‬ويجب أن تكون رسالة‬ ‫خصوصيتنا‪ .‬والعمل ن ي إ‬ ‫ومع�ة‪.‬‬ ‫صادقة ب ِّ‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪79 | 78‬‬

‫سينما سعودية‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫المفارقة اللطيفة التي ُس ِّجلت في الدورة‬ ‫الثالثة لمهرجان األفالم السعودية ‪ ،2016‬هي‬ ‫عرض ِفلمين يتناوالن ظاهرة «البسطة»‪،‬‬ ‫والباعة المتجولين في األسواق الشعبية‬ ‫الذين يترزقون من بيع المستلزمات البسيطة‪.‬‬ ‫الفلمان من إنتاج السنة الماضية‪ .‬أحدهما‬ ‫تسجيلي قصير للمخرج الشاب محمد‬ ‫الحمادي بعنوان «البسطة»‪َّ ،‬‬ ‫تقصى فيه خبايا‬ ‫المهنة وخلفياتها ودوافع أصحابها لمزاولتها‪،‬‬ ‫والثاني روائي قصير للمخرجة الشابة هند‬ ‫الفهاد بعنوان «بسطة»‪ ،‬ويتناول قصة إحدى‬ ‫ّ‬ ‫«البساطات» كما يطلق عليهن‪،‬‬ ‫البائعات أو‬ ‫وهو مستوحى من أحداث حقيقية‪ ،‬كما‬ ‫أشارت المخرجة في مقابلة صحفية لها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫تعاطفا مع النساء الالئي يعملن‬ ‫ويتضمن‬ ‫في هذه المهنة في المدن السعودية‪..‬‬ ‫الفلم الذي نالت عنه‬ ‫وهنا وقفة أمام هذا ِ‬ ‫المخرجة جائزة النخلة الذهبية‪ ،‬وتسلمتها‬ ‫الفلم السعودي‬ ‫في الحفل الختامي لمهرجان ِ‬ ‫على مسرح خيمة إثراء المعرفة التابعة‬ ‫ألرامكو السعودية بالظهران‪.‬‬

‫خالد ربيع‬

‫«بسطة»‪..‬‬

‫التفاتة سينمائية إلى البائعات‬ ‫ّ‬ ‫المتجوالت‬

‫عىل مدى ربع ساعة تماماً‪ ،‬ينقل الفلم معاناة‬ ‫امرأة تدعى «أم سالم» (تؤدي دورها الممثلة‬ ‫سناء بكر)‪ ،‬تعمل ف ي� هذه المهنة بسبب الظروف‬ ‫ت‬ ‫أج�تها عىل الجلوس ببضاعتها ف ي�‬ ‫ال� ب‬ ‫المادية ي‬ ‫شع�‪ ،‬ت‬ ‫اف�شت بعض النساء البائعات‬ ‫سوق ب ي‬ ‫للبساطات‪.‬‬ ‫أرضه ليكون بذلك سوقاً ّ‬ ‫الفلم الذي تم تصويره ف ي� الرياض وحائل والشارقة‪،‬‬ ‫يبدأ ِ‬ ‫ً‬ ‫شع�‬ ‫لبيت‬ ‫عريض‬ ‫بكادر‬ ‫ب ي تقف أمامه صباحا سيارة مفتوحة‬ ‫الصندوق الخلفي‪ .‬وتمر لحظات ويخرج شاب (الممثل‬ ‫أحمد عبدهللا ف ي� دور «سالم») يحمل صندوقاً ثقيال ً ويضعه‬ ‫ف ي� صندوق السيارة‪ .‬ثم تخرج أم سالم وتستقل السيارة‬ ‫مع سالم ليوصلها إىل السوق‬ ‫الشع�‪ ،‬حيث اعتادت فرش‬ ‫بي‬ ‫أسبوع�ن‬ ‫بسطتها ي ن‬ ‫ب� النساء‪ ،‬وكانت قد غابت عن السوق مدة‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫تأ� وتحتل‬ ‫بسب عملية جراحية أجرتها‪ ،‬مما جعل امرأة أخرى ي‬ ‫موقعها الذي اعتادت عليه‪.‬‬ ‫ف ي� لقطات متداخلة مع وصولها إىل السوق‪ ،‬ورحلة انتقالها من‬ ‫ب� أ‬ ‫البيت إليه‪ ،‬يدور حوار ي ن‬ ‫الم واالبن‪ ،‬نتعرف من خالله عىل‬ ‫مالمح رسيعة من حياتهما‪ ،‬وسبب اختيارها لهذه المهنة ال�ت‬ ‫ي‬ ‫تراها مريحة وال تتطلب مجهوداً سوى الجلوس واستقبال الزبائن‬ ‫لتبيعهم ما تعرضه من مواد العطارة وبهارات الطعام‪ ،‬وهي أيضاً‬ ‫ت‬ ‫ال� تجعلهما يرفعان رأسيهما ويسلمان من منة‬ ‫المهنة أو «الشغلة» ي‬ ‫الناس‪ ،‬كما قالت البنها‪.‬‬ ‫بساطة أخرى قد احتلت‬ ‫تصل أم سالم إىل السوق وتجد ّ‬ ‫مكانها‪ .‬وتحاول تنحيتها عن ذلك المكان دون فائدة‪ .‬فيظهر‬ ‫ش‬ ‫ال�طي حارس السوق (الممثل إبراهيم الحساوي)‪ ،‬ويحاول‬ ‫ف‬ ‫ب� المر ي ن‬ ‫ال�اع الذي دار ي ن‬ ‫التدخل � نز‬ ‫أت�‪ ،‬وترفض أم سالم أن‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تشكو ش‬ ‫لل�طي‪ ،‬لكن عيون النساء البائعات الخريات ت�اءى من‬ ‫خلف النقاب وتوحي بالريبة من محاولة تدخل ش‬ ‫ال�طي‪ ،‬فيما‬ ‫تش� إىل أن‬ ‫غ� مؤكدة‪ ،‬ي‬ ‫تنبعث إشارات خفية وخاطفة‪ ،‬وأيضاً ي‬ ‫ش‬ ‫ال�طي يدبر أمراً‪.‬‬

‫عقدة القصة‬

‫ت‬ ‫تأ� امرأة متسوقة لتبتاع من أم سالم‪ ،‬وتطلب منها أن تت�ك‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لديها بعض الكياس المملوءة بالغراض ريثما تعود بعد قليل‪.‬‬ ‫فت�ك أ‬ ‫وبعد ممانعة توافق‪ ،‬ت‬ ‫الغراض وتغادر‪ .‬بعد لحظات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� أودعتها الكياس‪،‬‬ ‫ي‬ ‫تأ� امرأة أخرى َّتدعي أنها شقيقة المرأة ي‬ ‫وتطلبهم منها وتأخذهم‪ ،‬بعد أن برهنت لها أنها تعرف‬


‫الفلم‬ ‫من ضمن ما يميّ ز هذا ِ‬ ‫االختصار واالشتغال باإليحاء‬ ‫المدعوم بإشارات خاطفة‪ ،‬ربما‬ ‫الفلم‬ ‫يراد منها تقليص دقائق ِ‬ ‫إلى أقصى حد‬

‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� الوقت نفسه‪ ،‬قد يوحي ركوبها معه‬ ‫حادثة فقدان الغراض‪ .‬ي‬ ‫تفس� ذلك بسبب تأخر ابنها عن‬ ‫عىل هذه الموافقة‪ ،‬وإن كان يمكن ي‬ ‫الحضور ألخذها‪ ،‬ليس إال‪.‬‬ ‫إنه فلم يتطلب مشاهدة يقظة‪ .‬فقد تصل سياقاته إىل مشاهد‬ ‫وتغيب عن آخر‪ .‬ولكن جودة عنارصه السينمائية مثل تقنيات التصوير‬ ‫والحوار وأماكن التصوير والمؤثرات الصوتية والموسيقى والتمثيل‬ ‫ت‬ ‫ال� نالها‪.‬‬ ‫المتمكن‪ ..‬جعلت منه فلماً جيداً ومستحقاً للجوائز ي‬

‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تركتهم عندها هي أختها‬ ‫محتويات الكياس‪ ،‬وأن المرأة ي‬ ‫وأرسلتها لتأخذهم منها‪.‬‬ ‫ت‬ ‫يأ� ش‬ ‫ال�طي‪ ،‬ويتحاور مع أم سالم‪ ،‬ويتضح أنه قد عرض عليها‬ ‫ي‬ ‫الزواج من قبل‪ ،‬ولكنها لم توافق‪ ،‬وتقول له‪ :‬يكفيك النساء‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت أودعتها‬ ‫أ ي‬ ‫الال� لديك‪ ..‬ي� اللحظة نفسها تعود المرأة ي‬ ‫تخ�ها بأن أختها جاءت‬ ‫الكياس‪ ،‬وتطلب أغراضها‪ ،‬لكن أم سالم ب‬ ‫وأخذتهم‪ ..‬يدب نقاش حاد بينهن‪ ،‬تتهم فيه المتسوقة أم سالم‬ ‫ال�طي إلنهاء نز‬ ‫بأنها رسقتها‪ ،‬ويتدخل ش‬ ‫ال�اع‪ ،‬ويطلب من المرأة أن‬ ‫التال‪ ،‬ويعدها بأنه سوف يعطيها المال‬ ‫تذهب وتعود ف ي� اليوم‬ ‫ي‬ ‫الذي يعوضها‪ ،‬إن لم تعطها البائعة قيمة أ‬ ‫الغراض‪ .‬وبعدما تغادر‪،‬‬ ‫يبتسم ش‬ ‫ال�طي ابتسامة ماكرة ويومئ بجسده وبمالمح وجهه بأنه‬ ‫هنا‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫أ‬ ‫ال ف‬ ‫الفلم يظهر أن الليل قد حل‪ ،‬والمحال ف ي� السوق‬ ‫المشهد ي‬ ‫خ� ي� ِ‬ ‫أغلقت‪ ،‬والنساء البائعات غادرن‪ ،‬وأم سالم تجلس وحيدة منتظرة‬ ‫ف‬ ‫يتقدم‬ ‫ابنها الذي تأخر ي� الحضور الصطحابها إىل البيت‪ ،‬وهنا َّ‬ ‫ال�طي بسيارته ويقف ليقلها معه‪ ،‬ويتضح وجود امر ي ن‬ ‫ش‬ ‫أت� ف ي� السيارة‬ ‫الفلم‪.‬‬ ‫معه‪ ..‬تركب أم سالم السيارة وينتهي ِ‬

‫واليحاء‬ ‫الحبكة إ‬

‫من ضمن ما ي ّ ز‬ ‫باليحاء المدعوم‬ ‫الفلم االختصار واالشتغال إ‬ ‫يم� هذا ِ‬ ‫الفلم إىل أقىص حد‪.‬‬ ‫بإشارات خاطفة‪ ،‬ربما يراد منها تقليص دقائق ِ‬ ‫الفلم مكثفاً‪ ،‬ال يكشف عن العقدة الرئيسة بشكل سافر‪،‬‬ ‫فجاء رسد ِ‬ ‫لكن ذلك ال يعيب الحبكة‪.‬‬ ‫أما من ناحية القصة‪ ،‬فقد ال يدرك المشاهد ما إذا كانت أم سالم‬ ‫قد وافقت عىل عرض الزواج من ش‬ ‫ال�طي تحت ضغط تورطها ف ي�‬

‫بسطة‬

‫تمثيل‪ :‬سناء بكر يونس وإبراهيم الحساوي وعبدهللا أحمد‪ ،‬وغالية مرشد | تصوير‪ :‬حسن‬ ‫المدلوح | المنتج المنفذ‪ :‬مجموعة فراديس «عبدهللا حسن أحمد» | سيناريو‪ :‬هند الفهاد وهناء‬ ‫الضاءة‪ :‬شهاب‬ ‫عل سلوم ويوسف بوخماس | تنفيذ إ‬ ‫ي‬ ‫العم� | تصوير‪ :‬حسن سعيد | مونتاج‪ :‬ي‬ ‫‪tow‬‬ ‫‪four54‬‬ ‫وإنتاج‬ ‫تمويل‬ ‫من‬ ‫لم‬ ‫الف‬ ‫|‬ ‫فالته‬ ‫بكر‬ ‫موسيقى‪:‬‬ ‫|‬ ‫عل‬ ‫أبوظ�‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫بي‬

‫جوائز نالها الفلم‬

‫• نال جائزة المهر الخليجي أ‬ ‫ئ‬ ‫ديسم� ‪2015‬م‪.‬‬ ‫السينما�‪،‬‬ ‫د�‬ ‫القص�ة‬ ‫للفالم‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بمهرجان ب ي‬ ‫• نال جائزة أفضل فلم قص� ف� مهرجان الشباب أ‬ ‫للفالم ف ي� جدة‪ ،‬بف�اير ‪2016‬م‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫• نال جائزة النخلة الفضية ي� الدورة الثالثة لمهرجان الفالم السعودية بالدمام‪ ،‬مارس ‪2016‬م‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪81 | 80‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫ديغا‪ :‬كتاب فريد‬ ‫لمعرض فريد‬ ‫بقلم‬ ‫كميل حوا‬

‫ت‬ ‫ال� تُصدرها المتاحف أو‬ ‫تتصف كتب الفن ي‬ ‫ن‬ ‫ف�‬ ‫صاالت العرض ب‬ ‫الك�ى لمناسبة معرض ي‬ ‫ئ‬ ‫استثنا� بشخصية خاصة وفرادة ما! وربما يعود‬ ‫ي‬ ‫ذلك إىل أن فكرة المعرض تجعل المعروضات‬ ‫ت‬ ‫ال� تظهر ف ي� الكتاب حالة استثنائية تعرض وجهة نظر جديدة‪ ،‬لم‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫يسبق لها أن اجتمعت ي� كتاب من تأليف ناقد أو باحث ي� الفن‪.‬‬ ‫وزع عىل المكتبات‬ ‫ويزيد من فرادة هذه الكتب أنها بشكل عام ال تُ ّ‬ ‫ت‬ ‫الن�‪ .‬ث‬ ‫ال� تصدر عن دور ش‬ ‫غ�‬ ‫وأك� من ذلك‪ ،‬فمن ي‬ ‫بقدر الكتب ي‬ ‫ح� �ف‬ ‫ف‬ ‫المحتمل إعادة إصدارها � طبعة ثانية بعد انتهاء المعرض‪ ،‬ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫حال نفاد الطبعة أ‬ ‫الوىل‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن هواة الفن وعشاقه تي� َّصدون‬ ‫هذه الكتب‪ ،‬ويحتاطون شل�ائها قبل نفاد الطبعة‪ ،‬وبشكل عام‬ ‫ضمن تف�ة العرض‪ .‬ومن هذه الكتب‪« ،‬الكاتالوج» الذي أصدره‬ ‫متحف الفن الحديث ف ي� نيويورك ليصاحب معرضاً فريداً للفنان‬ ‫و«غ� االنطباعي» إدجار ديغا‪.‬‬ ‫االنطباعي ي‬ ‫اشتهر هذا الفنان برسوماته لراقصات الباليه‬ ‫وحلبات سباق الخيل‪ .‬وكان يُص َّنف من ضمن‬ ‫المدرسة االنطباعية‪ ،‬لكنه لم يكن يجلس‬ ‫فعال ً عىل مقاعدها بقناعة كاملة‪ ،‬بل كان‬ ‫وكأنه عىل تخومها‪ ،‬محتفظاً لنفسه بدرجة‬ ‫يّ ز‬ ‫والتم� ظهرت‪ ،‬عىل سبيل‬ ‫من االستقاللية‬ ‫المثال‪ ،‬ف� تفاديه الرسم ف� الطبيعة‪ ،‬إال �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫حاالت استثنائية محدودة‪.‬‬ ‫الكب� المقام حالياً ف ي� نيويورك فله‬ ‫أما معرضه ي‬ ‫تم�ه بقدر ما ي ّ ز‬ ‫خاصية كذلك‪ ،‬ي ّ ز‬ ‫تم� الكتاب‬ ‫الخاص هذا‪ ،‬وهو أنه يجمع ألول مرة‬ ‫كب�اً من أعمال ديغا الطباعية‪،‬‬ ‫عدداً ي‬ ‫أي ما يُعرف بـ «المونوتايب»‪ ،‬وهو‬ ‫اسم درج فيما بعد لصنف ي َّ ن‬ ‫مع�‬ ‫من آالت الطباعة ومؤسسات‬ ‫تطوير حروف الطباعة‬ ‫المعدنية‪ .‬ي ن‬ ‫فح� شغُ ف‬ ‫إدجار ديغا بهذه التقنية‬

‫الفنية‪ ،‬كانت الطباعة ما زالت ف ي� بداية عهدها‪ .‬و«المونوتايب»‬ ‫المقصودة هي طباعة يدوية يمارسها الف ّنان بنفسه حيث يقوم‬ ‫بالرسم ش‬ ‫مبا�ة عىل صفيحة معدنية عادة من الزنك‪ .‬وبعد أن يروي‬ ‫التأث�ات المختلفة‪ ،‬يضع هذه الصفيحة ضمن جهاز‬ ‫غليله من ي‬ ‫ئ‬ ‫بدا� بسيط‪ ،‬ويطبع ف� العادة نسخة واحدة من العمل الف�ن‬ ‫طباعة ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الح� تسمح بالتكرار‪ .‬ويستمتع الفنانون‬ ‫أو‬ ‫نسخت� إذا كانت كمية ب‬ ‫أ‬ ‫�ض‬ ‫غ� محسوبة أو متوقّعة‪،‬‬ ‫بهذه الممارسة الفنية لنها تُف ي إىل نتائج ي‬ ‫ثانية فوق الطبعة أ‬ ‫الوىل إلثراء العمل‬ ‫وكث�اً ما يعمدون إىل طباعة‬ ‫ي‬ ‫وربما لمضاعفة غرابته‪.‬‬ ‫يقدم الفنان بما لم يعهده‬ ‫ويُجمع النقّاد عىل أن هذا المعرض ِّ‬ ‫الناس به‪ ،‬وبمناخ ث‬ ‫أك� عرصية من أعماله المعروفة‪ .‬وربما من هنا‬ ‫عنوان العرض والكتاب معاً‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫تقرير القافلة‬

‫مؤشرات‬ ‫البحث‬ ‫العلمي في‬ ‫المملكة‬


‫‪83 | 82‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫واحدا من أبرز العناصر التي ّ‬ ‫تعول عليها «رؤية المملكة ‪»2030‬‬ ‫يشكل البحث العلمي‬ ‫ُّ‬ ‫والتحول إلى االقتصاد‬ ‫الهادفة إلى نقل االقتصاد الوطني من االعتماد على النفط‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مجد وطويل‬ ‫عالميا أن البحث العلمي هو استثمار‬ ‫المسلم به‬ ‫المعرفي‪ .‬فقد بات من‬ ‫ٍ‬ ‫األمد‪ ،‬وحجر الزاوية في بناء أي اقتصاد قائم على االبتكار‪ ،‬وأساس لتوليد معارف جديدة‬ ‫والستدامة النمو االقتصادي وتقوية المنافسة العالمية وخلق صناعات جديدة بالكامل‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من حداثة عهد البحث العلمي في المملكة مقارنة ببعض دول العالم‪ ،‬فإنه خطا خالل السنوات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عالميا‪.‬‬ ‫إقليميا وفي الصفوف األولى‬ ‫القليلة الماضية خطوات كبيرة‪ ،‬وضعته في الصف األول‬

‫البحث العلمي الجامعي ف ي� العالم‬

‫ظهوره‬

‫يعود تاريخ البحث العلمي الجامعي إىل القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪ .‬ففي‬ ‫عام ‪1809‬م‪ ،‬أنشئت جامعة ي ن‬ ‫مكرسة بالكامل إلجراء‬ ‫برل� كمؤسسة ّ‬ ‫البحوث العلمية ف ي� مختلف الميادين لمساعدة البالد عىل النهوض‬ ‫من نتائج هزيمتها ف ي� الحرب أمام فرنسا‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫بح� مستقل‪ ،‬هو «معهد العلوم‬ ‫ي‬ ‫و� عام ‪1887‬م‪ ،‬تأسس أول معهد ي‬ ‫الطبيعية» ف� بر ي ن‬ ‫ل� أيضاً‪ .‬وبعد ذلك بسنة‪ ،‬ش‬ ‫أن�ء «معهد باستور» ف ي�‬ ‫ي‬ ‫فرنسا‪ ،‬ثم تواىل إنشاء المعاهد البحثية ف ي� كافة أنحاء أوروبا‪.‬‬

‫حا�ض ه اليوم‬

‫أثمرت مراكز البحث العلمي ثماراً بك�ى أثَّرت عىل تطور العلوم‬ ‫واالقتصادات ونوعية الحياة خالل القرن ش‬ ‫الع�ين‪ ،‬ما يكفي لوضعها‬ ‫ضمن أبرز اهتمامات حكومات العالم قاطبة‪ .‬فتحول البحث العلمي‬ ‫إىل صناعة عمالقة‪ ،‬يكاد حجمها أن يكون ش‬ ‫مؤ�اً دقيقاً لقياس تطور‬ ‫أي دولة وقوتها االقتصادية ومكانتها ي ن‬ ‫ب� دول العالم‪.‬‬

‫النفاق العالمي‬ ‫حجم إ‬ ‫عىل البحث والتطوير‬

‫فوفقاً للتقرير السنوي الذي تصدره مجلة «باتيل»‬ ‫المتخصصة‬

‫النفاق العالمي عىل البحث والتطوير ف ي� عام ‪2014‬م‪ ،‬نحو‬ ‫‪ 1‬بلغ إ‬ ‫‪ 1.6‬تريليون دوالر‪ ،‬أي ما يشكِّل ‪ %1.8‬من الناتج العالمي البالغ‬ ‫‪ 88.733‬تريليون دوالر‪.‬‬

‫المريكية قائمة الدول أ‬ ‫‪ 2‬تتصدر الواليات المتحدة أ‬ ‫ال ثك� إنفاقاً‬ ‫َّ‬ ‫عىل البحث العلمي بمبلغ ‪ 465‬مليار دوالر‪ ،‬أي ما يشكِّل ‪%2.8‬‬ ‫ن ف‬ ‫ن‬ ‫الثا� بمبلغ ‪ 284‬مليار‬ ‫من ناتجها‬ ‫المحل‪ ،‬تليها ي‬ ‫الص� ي� المركز ي‬ ‫ي‬ ‫دوالر ونسبة ‪ ،%2‬ثم اليابان بمبلغ ‪ 165‬مليار دوالر‪ ،‬ثم ألمانيا‬ ‫بمبلغ ‪ 92‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫‪ 3‬هناك ش‬ ‫إجمال‬ ‫ع� دول ف ي� العالم تنفق وحدها نحو ‪ %80‬من‬ ‫ي‬ ‫إالنفاق عىل البحث العلمي‪ ،‬ومن بينها ثالث دول هي الواليات‬ ‫ين‬ ‫والص� واليابان تنفق وحدها نصف هذا المبلغ‪.‬‬ ‫المتحدة‬ ‫‪ 4‬أشار التقرير إىل أن ي ن‬ ‫النفاق عىل البحث‬ ‫الص� بتخطيطها لزيادة إ‬ ‫المحل عام ‪2014‬م إىل ‪%2.2‬‬ ‫العلمي من ‪ %1.94‬من ناتجها‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ف ي� عام ‪2015‬م‪ ،‬فإنها تتطلع إىل أن يصبح اقتصادها قائما عىل‬ ‫االبتكار بحلول عام ‪.2020‬‬

‫قائمة الدول أ‬ ‫ال ثك� إنفاقاً عىل‬ ‫البحث العلمي‬


‫البحث العلمي ف ي� المملكة من البداية‬ ‫إىل ما هو عليه اليوم‬

‫ازدادت مساهمة المملكة ف ي�‬ ‫شن� أوراق البحث العلمي‬ ‫أك�‬ ‫العال الجودة بمعدل ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫من أي بلد آخر ي� غرب آسيا‪،‬‬ ‫وحل النمو الذي حققته ي ن‬ ‫ّ‬ ‫ب�‬ ‫ف‬ ‫عامي ‪ 2012‬و‪ 2015‬ي� المركز‬ ‫الثامن ي ن‬ ‫ب� أعىل معدالت‬ ‫النمو عىل مستوى العالم‬ ‫في شهر أبريل من العام الجاري ‪،2016‬‬ ‫كشف «مؤشر نيتشر لألبحاث العلمية ‪2016‬‬ ‫ المملكة العربية السعودية»‪ ،‬أن المملكة‬‫حققت أعلى معدل نمو في البحوث العلمية‬ ‫عالية الجودة في غرب آسيا‬

‫تضاعف عدد البحوث‬ ‫العلمية المنشورة ف ي�‬ ‫الدوريات العالمية‬

‫ظهر االهتمام بالبحث العلمي ف ي� المملكة بظهور الجامعات‬ ‫الحديثة قبل نحو نصف قرن‪ ،‬غ� أنه بعد مس�ة كانت بطيئة �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫كب�اً خالل السنوات الع� الماضية‪ .‬فقد‬ ‫بداياتها‪ ،‬شهد اندفاعاً ي‬ ‫ف‬ ‫تضاعف عدد البحوث العلمية المنشورة ي� الدوريات العالمية عدة‬ ‫مرات‪ ،‬من ‪ 1400‬بحث فقط ف ي� عام ‪2006‬م إىل نحو ‪ 9000‬بحث ف ي�‬ ‫ّ‬ ‫الكب� إىل عوامل عدة‪ ،‬من أهمها‪:‬‬ ‫عام ‪2013‬م‪ .‬ويُعزى هذا االرتفاع ي‬ ‫‪ 1‬ارتفاع عدد الجامعات ف� المملكة خالل ت‬ ‫الف�ة نفسها إىل ‪ 34‬جامعة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫‪ 2‬اعتماد المملكة ف ي� عام ‪2008‬م خطة بحثية وطنية بغرض‬ ‫التحول من اقتصاد قائم عىل النفط‪ ،‬إىل اقتصاد قائم عىل‬ ‫ُّ‬ ‫المعرفة بقيادة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية‪ ،‬وما‬ ‫شهدته المرحلة أ‬ ‫الوىل من هذه الخطة من إنشاء معاهد بحثية‬ ‫وجامعات حديثة عىل أعىل مستوى‪.‬‬ ‫ف ي� عام ‪2012‬م‪ ،‬ظهرت المملكة ألول مرة عىل الخريطة العالمية‬ ‫للبحث والتطوير ف� تقرير مجلة «باتيل» وكان هذا هو الظهور أ‬ ‫الول‬ ‫ي‬ ‫لدولة عربية ضمن هذا التقرير‪ ،‬لكنها خرجت منه ف ي� عام ‪2013‬م‪،‬‬ ‫لتعود إليه ف ي� عام م‪ ،2014‬ترافقها دولة عربية أخرى هي قطر‪،‬‬ ‫وخمس دول إسالمية هي تركيا وإيران وباكستان ي ز‬ ‫ومال�يا وإندونيسيا‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� العام نفسه ‪2012‬م‪ ،‬أفاد تقرير ت‬ ‫«روي�ز طومسون» ألداء البحث‬ ‫ي‬ ‫واالبتكار ف ي� دول مجموعة ش‬ ‫الع�ين‪ ،‬أن ملف المملكة ف ي� البحث‬ ‫واالبتكار ينمو برسعة هائلة‪ ،‬لكنه ال يزال منخفضاً مقارنة بما يجب‬ ‫الع�ين‪ .‬وأشار التقرير نفسه �ف‬ ‫أن يكون عليه ف ي� دولة من مجموعة ش‬ ‫ي‬ ‫موضع آخر إىل أن نسبة سعودة أ‬ ‫البحاث ترتفع باطراد‪ ،‬فبعد أن كانت‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫العامل� ف ي� البحث العلمي ف ي� المملكة ال تتجاوز‬ ‫السعودي�‬ ‫نسبة‬ ‫‪ %10‬عام ‪2003‬م‪ ،‬ارتفعت هذه النسبة إىل ‪ %35‬عام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫ف‬ ‫«مؤ� ش‬ ‫و� شهر أبريل من العام الجاري ‪2016‬م‪ ،‬صدر ش‬ ‫نيت�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫للبحاث العلمية ‪ - 2016‬المملكة العربية السعودية»‪ ،‬ليكشف أن‬ ‫المملكة أظهرت أعىل معدل نمو ف ي� البحوث العلمية عالية الجودة‬ ‫ف� غرب آسيا‪ ،‬تزامناً مع تصدر الجامعات السعودية ت‬ ‫ال�تيب عربياً ف ي�‬ ‫ي‬ ‫معظم تصنيفات الجامعات العربية‪.‬‬ ‫«مؤ� ش‬ ‫واستناداً إىل ش‬ ‫نيت�»‪ ،‬فقد ازدادت مساهمة المملكة ف ي� شن�‬ ‫أك� من أي بلد آخر‬ ‫العال الجودة بمعدل ب‬ ‫أوراق البحث العلمي ي‬ ‫ن‬ ‫ف ي� غرب آسيا‪ّ ،‬‬ ‫وحل النمو الذي حققته يب� عامي ‪ 2012‬و‪2015‬م‪،‬‬ ‫المؤ� بنسبة ‪ ،%85‬ف� المركز الثامن ي ن‬ ‫قدره ش‬ ‫ب� أعىل معدالت‬ ‫والذي َّ‬ ‫ي‬ ‫النمو عىل مستوى العالم‪.‬‬ ‫إجمال مخرجات البحث العلمي‪ ،‬فقد أدى هذا النمو‬ ‫أما عىل صعيد‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ثما� درجات إىل العىل‪ ،‬من المرتبة التاسعة‬ ‫إىل دفع مكانة المملكة ي‬ ‫ب� دول العالم‪ ،‬أ‬ ‫والثالث� ي ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫والوىل عربياً‪.‬‬ ‫والثالث� إىل المرتبة الحادية‬


‫‪85 | 84‬‬

‫تحتل المملكة المرتبة‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫ت‬ ‫أبرز‬ ‫ال� تقود أعمال البحث‬ ‫الجهات ي‬ ‫ف‬ ‫العلمي ي� المملكة‬

‫ف‬ ‫النفاق عىل‬ ‫عالمياً ي� إ‬ ‫مجال البحث العلمي‬ ‫«مؤ� ش‬ ‫(يعتمد ش‬ ‫نيت�» عىل قياس مساهمة كل بلد أو مؤسسة ف ي�‬ ‫نحو ‪ 60‬ألف مقالة علمية عالية الجودة ش‬ ‫تن� كل سنة‪ ،‬ويستخدم‬ ‫ش‬ ‫المؤ� ثالثة مقاييس معقدة نسبياً لرصد البيانات‪ ،‬هي‪ :‬عدد‬

‫المرجح‪ .‬ويمكن‬ ‫المقاالت‪ ،‬والعدد الكرسي‪ ،‬والعدد الكرسي ّ‬ ‫للمهتم باالطالع عىل ماهية هذه المقاييس بالتفصيل وباللغة‬ ‫ف‬ ‫العر�»‬ ‫العربية‪ ،‬أن يجدها ي� موقع «منظمة المجتمع العلمي ب ي‬ ‫‪.)www.arsco.org‬‬

‫النفاق عىل البحث العلمي‬ ‫إ‬

‫النفاق عىل البحث العلمي ف ي� المملكة خالل العام‬ ‫بلغ‬ ‫إجمال إ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫الما� ‪2015‬م‪ ،‬نحو ‪ 6.75‬مليار ريال (‪ 1.8‬مليار دوالر)‪ .‬ف ي�‬ ‫ي‬ ‫يقدر فيه حجم إنفاق الدول العربية مجتمعة عىل‬ ‫الوقت الذي َّ‬ ‫البحث العلمي بنحو ‪ 20‬مليار ريال (‪ 5.31‬مليار دوالر)‪ .‬وبذلك‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫النفاق عىل هذا‬ ‫تحتل المملكة المرتبة السابعة‬ ‫والثالث� عالمياً ي� إ‬ ‫المجال‪.‬‬ ‫يز‬ ‫أساس‬ ‫ويتم� إالنفاق عىل البحث العلمي ف ي� المملكة باالعتماد بشكل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� هذا الصدد‪ ،‬أشار مدير جامعة الملك‬ ‫عىل التمويل الحكومي‪ .‬ي‬ ‫اس البحث ف ي�‬ ‫ر‬ ‫لك‬ ‫الثالث‬ ‫الملتقى‬ ‫خالل‬ ‫العمر‪،‬‬ ‫سعود الدكتور بدران‬ ‫ي‬ ‫المملكة عام ‪2014‬م‪ ،‬إىل أن «النسبة العظمى من موازنات البحث‬ ‫ف‬ ‫تمول من الدولة بواقع ‪ %85‬تقريباً‪ ،‬ف� ي ن‬ ‫ح� أن‬ ‫العلمي ي� المملكة ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫نسبة التمويل الحكومي لموازنات البحث العلمي ي� اليابان مثال ً ّ‬ ‫تقل‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� الواليات المتحدة ‪.»%35‬‬ ‫و� كندا ‪ %30‬ي‬ ‫عن ‪ ،%18‬ي‬

‫ترك بن سعود‪ :‬البحث العلمي من أهم أدوات‬ ‫د‪ .‬ي‬ ‫تنفيذ رؤية ‪2030‬‬ ‫أ‬ ‫ترك بن‬ ‫ِّ‬ ‫يشدد رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية‪ ،‬صاحب السمو ال يم� الدكتور ي‬ ‫سعود بن محمد آل سعود‪ ،‬عىل دور البحث العلمي والتطوير ن‬ ‫التق� ف ي� تنفيذ رؤية المملكة‬ ‫ي‬ ‫‪.2030‬‬ ‫ف‬ ‫وقال سموه ي� ترصيح لمناسبة صدور قرار مجلس الوزراء باعتماد «رؤية المملكة العربية‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� سوف‬ ‫التق� من الدوات المهمة ي‬ ‫السعودية ‪« :»2030‬إن مجال البحث العلمي والتطوير ي‬ ‫ف‬ ‫والنتاجية‬ ‫تسهم ي� تنفيذ هذه الرؤية»‪ .‬وأوضح أن «البحث والتطوير يرتبطان بالتنافسية إ‬ ‫الب�ية‪ ،‬وهي ي ز‬ ‫واالستدامة‪ ،‬ويعتمدان بشكل رئيس عىل القدرات ش‬ ‫م�ة تتمتع بها المملكة‪،‬‬ ‫إضافة إىل وجود بنية تحتية متطورة»‪.‬‬ ‫وأكد سموه أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ستعمل من خالل منظومة البحث‬ ‫ن‬ ‫المكانات الالزمة‪ ،‬مما يسهم ف ي� تنفيذ هذه‬ ‫التق� ف ي� المملكة‬ ‫لتسخ� كافة إ‬ ‫ي‬ ‫العلمي والتطوير ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تقيمها‬ ‫الرؤية الطموحة من خالل عديد من المبادرات والتحالفات الصناعية التقنية ي‬ ‫المدينة بشكل ينسجم مع سعي المملكة إىل زيادة القيمة المضافة إىل المنتجات‪ ،‬ورفع‬ ‫ن‬ ‫الوط�‪.‬‬ ‫قدراتها التنافسية دعماً لالقتصاد‬ ‫ي‬

‫مراكز البحث العلمي وتوزعها الجغر ف يا�‬ ‫ف‬

‫يمكن للباحث عن عدد مراكز البحث العلمي ي� المملكة أن يقع‬ ‫ين‬ ‫كب�‪ .‬ففي ي ن‬ ‫الباحث� يكتفي‬ ‫ح� أن بعض‬ ‫عىل أرقام متفاوتة بشكل ي‬ ‫بتعداد ما يزيد عن المئة بقليل‪ ،‬يمكن إلحصاءات أخرى كتلك ال�ت‬ ‫ي‬ ‫السالمية» أن ترفع هذا‬ ‫المام محمد بن سعود إ‬ ‫أجرتها «جامعة إ‬ ‫ف‬ ‫العدد ت‬ ‫ح� ‪ 267‬مركزاً‪ ،‬وكان ذلك ي� عام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫ويعود هذا التفاوت إىل االعتبارات والمقاييس الخاصة بكل جهة‬ ‫الحصاء‪ .‬ففي ي ن‬ ‫ح� أن بعضها يكتفي بمجرد وجود المؤسسة‬ ‫تجري إ‬ ‫ن‬ ‫بع� االعتبار‪ ،‬تستند جهات أخرى إىل حجم المقاالت‬ ‫ليأخذها ي‬ ‫العالية الجودة ت‬ ‫ال� تخرج عن المركز لتصنيفه ضمن المراكز‬ ‫ي‬ ‫النشطة‪.‬‬

‫إحدى فعاليات أسبوع العلوم والتقنية الذي تنظّمه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية‬


‫وعىل الرغم من أن كل الجامعات السعودية ومعظم فروعها‬ ‫باتت تحتوي عىل عمادات للبحث العلمي‪ ،‬فإن سبعاً منها تقود‬ ‫البحث العلمي ف ي� المملكة‪ ،‬هي حسب توزعها الجغر ف يا� عىل‬ ‫التال‪:‬‬ ‫الوجه ي‬ ‫ف ي � الرياض ثالث‪ ،‬هي‪ :‬مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم‬ ‫والتقنية‪ ،‬وجامعة الملك سعود‪ ،‬ومستشفى الملك فيصل‬ ‫التخصص ومركز أ‬ ‫البحاث‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف ي � منطقة مكة المكرمة ثالث‪ :‬جامعة الملك عبدالعزيز ف ي�‬ ‫جدة‪ ،‬وجامعة الملك عبدهللا ف ي� َثول‪ ،‬وجامعة أم القرى ف ي� مكة‬ ‫المكرمة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ف ي � المنطقة ال�قية‪ :‬جامعة الملك فهد للب�ول والمعادن‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تحتضن إضافة إىل ما فيها من مراكز للبحث العلمي‪ ،‬وادي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التقنية ي� الظهران‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫«مؤ� ش‬ ‫وعىل الرغم من أن ش‬ ‫نيت�» يقول إن نحو ‪ %90‬من‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� أُنجزت ي� السنة الماضية‬ ‫البحاث العلمية العالية الجودة ي‬ ‫كانت بقيادة جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك عبدهللا‬ ‫ف أ‬ ‫ال� أجريت �ف‬ ‫ت‬ ‫للعلوم والتقنية‪ ،‬وأن الزيادة ي‬ ‫ي‬ ‫الكب�ة ي� البحاث ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� عززت مكانة المملكة ي� المؤ�‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫هذه ال ي‬ ‫خ�ة هي ي‬ ‫ن‬ ‫القالل من أهمية البحوث العلمية الجارية ف ي� المعاهد‬ ‫يع� إ‬ ‫ال ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والمراكز الخرى‪ .‬فبفضل مراكز البحث العلمي ي� الكيمياء‪،‬‬ ‫وغالبيتها يقع ف� جامعة الملك فهد ت‬ ‫للب�ول والمعادن ووادي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ثل� البحوث‬ ‫التقنية ي� الظهران‪ ،‬بات علم الكيمياء يشكل ي‬ ‫ش‬ ‫المؤ�‪ .‬وقد تضاعفت مساهمة هذه‬ ‫العلمية ف ي� المملكة حسب‬ ‫المراكز مجتمعة ثالثة أضعاف منذ عام ‪2012‬م‪ ،‬بحيث باتت‬ ‫مكانة المملكة ف ي� مجال بحوث الكيمياء متقدمة عىل بعض الدول‬ ‫أ‬ ‫وال�تغال وإيرلندا‪.‬‬ ‫الوروبية مثل فنلندا ب‬

‫استناداً إىل تقرير ش‬ ‫«نيت�»‪ ،‬توزعت نسب البحوث العلمية العالية‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫الجودة ف ي� المملكة ف ي� عام ‪2015‬م عىل النحو ال ي�‪:‬‬ ‫جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنية‪.%73 :‬‬ ‫جامعة الملك عبدالعزيز‪.%14 :‬‬ ‫جامعة الملك سعود‪.%6 :‬‬ ‫مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية‪.%2 :‬‬ ‫مستشفى الملك فيصل التخصص ومركز أ‬ ‫البحاث‪.%2 :‬‬ ‫ي‬ ‫جامعة الملك فهد ت‬ ‫للب�ول والمعادن‪.%1 :‬‬ ‫مراكز أخرى‪.%2 :‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫المام محمد بن سعود‬ ‫ال� أعدتها جامعة إ‬ ‫وجاء ي� الدراسة ي‬ ‫السالمية‪ ،‬المشار إليها سابقاً‪ ،‬أن العلوم التطبيقية تشغل ما‬ ‫إ‬ ‫نسبته ‪ %31.4‬من مجمل البحوث العلمية ف ي� المملكة‪ ،‬تليها العلوم‬ ‫النسانية بنسبة ‪،%14.9‬‬ ‫الطبية بقرابة ‪ ،%22.8‬ثم العلوم إ‬ ‫فالعلوم االجتماعية بنسبة ‪.%13.8‬‬

‫‪%73‬‬

‫‪%6‬‬

‫‪%2‬‬ ‫توزع البحوث عالية‬ ‫الجودة وطبيعتها‬

‫توزع البحوث عالية الجودة وطبيعتها‬

‫‪%1‬‬

‫‪%2‬‬

‫‪%14‬‬ ‫‪%2‬‬


‫‪87 | 86‬‬

‫دور ش‬ ‫ال�اكات العالمية‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫ت‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ال�‬ ‫يقول دايفد سوينبانكس‪ ،‬مؤسس «مؤ� نيت�» إن الزيادة ي‬ ‫طرأت مؤخراً عىل ناتج المملكة من أ‬ ‫البحاث عالية الجودة الفتة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الدول»‪ ،‬فقد‬ ‫كب� منه إىل التعاون‬ ‫للنظار‪ .‬ويستند ذلك ي� جزء ي‬ ‫ي‬ ‫الدول‪،‬‬ ‫عززت المعاهد ومراكز البحوث ف ي� المملكة من تعاونها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ع�ات ش‬ ‫وعقدت ش‬ ‫ال�اكات مع جامعات ومعاهد أبحاث أجنبية‪.‬‬ ‫ال�يك أ‬ ‫ومنذ عام ‪2012‬م‪ ،‬ال تزال الواليات المتحدة ش‬ ‫ال بك�‬ ‫للمملكة ف� هذا المجال تليها ي ن‬ ‫الص�‪ ،‬ثم ألمانيا فالمملكة المتحدة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ويالحظ الدكتور طارق قابيل ف ي� قراءته لتقرير ش‬ ‫نيت� المنشور عىل‬ ‫ين‬ ‫أساسي� ف ي� هذا‬ ‫العر�» أمرين‬ ‫موقع «منظمة المجتمع العلمي ب ي‬ ‫المجال‪:‬‬ ‫• ففيما يتعلَّق بإنتاج جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنية‬ ‫إجمال الناتج‬ ‫وجامعة الملك عبدالعزيز لنحو ‪ %90‬من‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الجامعت� تتبع‬ ‫العلمي السعودي ف ي� عام ‪2015‬م‪ ،‬فإن كال ً من‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫كب� جداً من ناتج‬ ‫يأ� شطر ي‬ ‫اس�اتيجية مختلفة تماماً‪ ،‬حيث ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫متعاون� خارج البالد ي� حالة جامعة الملك‬ ‫المقاالت العلمية من‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬وأما جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنية فيأ�ت‬ ‫ي‬ ‫الشطر أ‬ ‫ال بك� من مساهمتها من داخل جدران المؤسسة نفسها‪.‬‬ ‫والمحل محدود للغاية ف ي� المملكة‪ ،‬يغ� أن‬ ‫القليمي‬ ‫• إن التعاون إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫التخصص ومركز البحاث حقَّق نجاحاً‬ ‫مستشفى الملك فيصل‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫بال� ي ز‬ ‫المجال� من التعاون‪ ،‬مما ساعد عىل إنشاء‬ ‫ك� عىل هذين‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الخ�ة‪.‬‬ ‫قاعدة محلية من‬ ‫الباحث� ذوي ب‬

‫«عمادة البحث العلمي»‬

‫الموحدة للبحث العلمي ف ي� الجامعات» الصادرة عام‬ ‫نصت «الالئحة‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫‪1419‬ه‪ ،‬عىل إنشاء عمادة باسم «عمادة البحث العلمي» ف ي� كل جامعة‬ ‫ت‬ ‫ال� تُجرى ف ي� الجامعات إثراء المعارف‬ ‫سعودية‪ ،‬وأن تكون أهداف البحوث ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫يأ�‪:‬‬ ‫والعلوم ي� جميع المجاالت المفيدة‪ ،‬وعىل وجه الخصوص فيما ي‬ ‫ف‬ ‫النسانية‪.‬‬ ‫السالمي ومنجزاته ي� تاريخ الحضارة والعلوم إ‬ ‫‪ .1‬إبراز المنهج إ‬ ‫ت‬ ‫وتيس�ه‬ ‫والسالمي والعناية به وفهرسته وتحقيقه‬ ‫العر� إ‬ ‫ي‬ ‫‪ .2‬جمع ال�اث ب ي‬ ‫ين‬ ‫للباحث�‪.‬‬ ‫‪ .3‬تقديم المشورة العلمية وتطوير الحلول العلمية والعملية للمشكالت‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تطلب إعدادها‬ ‫ال� تواجه المجتمع من خالل البحاث والدراسات ي‬ ‫ي‬ ‫جهات حكومية أو أهلية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫وتوط� التقنية الحديثة‪ ،‬والمشاركة ي� تطويرها وتطويعها لتالئم‬ ‫‪ .4‬نقل‬ ‫الظروف المحلية لخدمة أغراض التنمية‪.‬‬ ‫‪ .5‬ربط البحث العلمي بأهداف الجامعة وخطط التنمية‪ ،‬ف‬ ‫وتال� االزدواجية‬ ‫ي‬ ‫والتكرار‪ ،‬واالستفادة من الدراسات السابقة‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫السعودي� وتدريبهم عىل إجراء البحوث‬ ‫الباحث�‬ ‫‪ .6‬تنمية جيل من‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫الصيلة ذات المستوى الرفيع‪ ،‬وذلك عن طريق إ�اك طالب الدراسات‬ ‫ين‬ ‫الباحث� ف ي� تنفيذ البحوث‬ ‫العليا والمعيدين والمحا�ض ين ومساعدي‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ .7‬االرتقاء بمستوى التعليم الجامعي والدراسات العليا‪.‬‬ ‫ودعت الالئحة إىل شن� نتائج البحث العلمي ف ي� أوعية ش‬ ‫الن� المحلية‬ ‫والدولية‪ ،‬والتعاون مع الهيئات البحثية داخل المملكة وخارجها عن طريق‬ ‫والصدارات‬ ‫وتوف� وسائل االتصاالت الحديثة إ‬ ‫والخ�ات‪ ،‬ي‬ ‫تبادل المعارف ب‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫العلمية من دوريات وكتب ي‬

‫ت‬ ‫ال� أعدتها جامعة‬ ‫الدراسة ي‬ ‫السالمية‬ ‫المام محمد بن سعود إ‬ ‫إ‬ ‫علوم طبية‬

‫‪%22.8‬‬

‫علوم اجتماعية‬

‫‪%13.8‬‬

‫علوم تطبيقية‬

‫‪%31.4‬‬

‫علوم إنسانية‬

‫‪%14.9‬‬

‫جامعة‬ ‫ ارتفاع عدد الجامعات ف ي� المملكة‬ ‫خالل ت‬ ‫الف�ة من ‪ 2006‬إىل ‪2013‬م‬


‫مراكز البحث العلمي ف ي� المملكة‬ ‫مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ‪KACST‬‬ ‫ت‬ ‫‪ .1‬مراكز ي ز‬ ‫المش�كة‬ ‫التم�‬ ‫مركز ي ز‬ ‫تم� النظم الهندسية المركبة ‪CCES‬‬ ‫مركز ي ز‬ ‫والط�ان ‪CEAA‬‬ ‫تم� الفضاء‬ ‫ي‬ ‫مركز ي ز‬ ‫تم� تقنية النانو الحيوية ‪JCIN‬‬ ‫مركز ي ز‬ ‫المتقدمة والتصنيع ‪CAMM‬‬ ‫تم� المواد‬ ‫ّ‬ ‫�ض‬ ‫مركز ي ز‬ ‫تم� تقنية النانو الخ اء ‪CEGN‬‬ ‫التم� ت‬ ‫مركز ي ز‬ ‫للب�وكيماويات ‪KOPRC‬‬ ‫مركز ي ز‬ ‫التم� لتطبيقات االتصاالت ‪CETA‬‬ ‫مركز ي ز‬ ‫تم� المواد النانوية لتطبيقات الطاقة النظيفة ‪CENCEA‬‬ ‫ت‬ ‫مركز ي ز‬ ‫تم� الموروثيات المش�ك ‪CEG‬‬ ‫مركز ي ز‬ ‫تم� الطب النانوي ‪CENM‬‬ ‫‪ .2‬معهد بحوث المياه والطاقة‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية معالجة وتحلية المياه‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية أنظمة الطاقة الكهربائية‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية االح�اق والبالزما وخاليا الوقود‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫الوط� لتقنية أ‬ ‫ن‬ ‫الغشية‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫المركز السعودي لكفاءة الطاقة‬ ‫‪ .3‬معهد بحوث علم المواد‬ ‫ن‬ ‫الوط� لبحوث التقنيات المتناهية الصغر (النانو)‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية الب�وكيماويات‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية البناء والتشييد‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫للف�ياء التطبيقية‬ ‫المركز‬ ‫الوط� ي‬ ‫ي‬ ‫‪ .4‬معهد بحوث االتصاالت وتقنية المعلومات‬ ‫ال ت‬ ‫ن‬ ‫لك�ونيات والضوئيات‬ ‫المركز‬ ‫الوط� لتقنية إ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية أمن المعلومات‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية الحاسب والرياضيات التطبيقية‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية الروبوت والنظمة الذكية‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية المستشعرات والنظمة الدفاعية‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫‪ .5‬معهد بحوث أ‬ ‫الحياء والبيئة‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية الخاليا الجذعية‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الوط� لتقنية الموروثيات‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫والط�ان‬ ‫‪ .6‬معهد بحوث الفضاء‬ ‫ي‬ ‫‪ .7‬معهد بحوث العلوم النووية‬

‫جامعة الملك عبدالعزيز ‪KAU‬‬ ‫مركز الملك فهد للبحوث الطبیة‬ ‫مركز بحوث الدراسات البیئیة‬ ‫التم� ث ف‬ ‫مركز ي ز‬ ‫الط�‬ ‫ي‬ ‫البح� ي� علوم الجينوم ب ي‬ ‫مركز البحوث والتنمية‬ ‫مركز تقنیات متناھیة الصغر‬ ‫البح� ف� أ‬ ‫أ‬ ‫للتم� ث‬ ‫ال�اهيم ي ز‬ ‫المراض الوراثية‬ ‫مركز ال يم�ة الجوهرة ب‬ ‫ي ي‬ ‫مركز ي ز‬ ‫التم� ألبحاث هشاشة العظام‬ ‫الشعاع‬ ‫مركز التدريب والوقاية من إ‬ ‫الشخص‬ ‫مركز االبتكار ف ي� الطب‬ ‫ي‬ ‫مركز أبحاث المخاطر الجيولوجية‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مركز الشيخ عبدهللا بخش ي ز‬ ‫للتم� ي� الرعاية الصحية لمراض القلب للطفال‬ ‫ز أ‬ ‫التغ� المناخي‬ ‫التم� لبحاث ي‬ ‫مركز ي‬ ‫ف‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫للتم� ي� رعاية رسطان الثدي‬ ‫حس� العمودي ي‬ ‫مركز الشيخ محمد ي‬ ‫التم� ث‬ ‫مركز ي ز‬ ‫المتقدمة‬ ‫المواد‬ ‫البح� ف ي�‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫مركز طب وبحوث النوم‬ ‫التم� ث‬ ‫مركز ي ز‬ ‫البح� ف ي� تقنية تحلية المياه جامعة الملك عبدالعزيز‬ ‫ي‬ ‫مركز المهارات والمحاكاة الرسيرية (‪)CSSC‬‬ ‫مركز المبدعون للدراسات أ‬ ‫والبحاث‬ ‫مركز الحوسبة عالية أ‬ ‫الداء‬ ‫مركز الملك عبدهللا للدراسات والبحوث ت‬ ‫الب�ولية (‪)KAPSARC‬‬ ‫مركز الملك عبدهللا العالمي أ‬ ‫للبحاث الطبية‬ ‫جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنية ‪KAUST‬‬ ‫مركز أ‬ ‫المتقدمة والمواد المسامية (‪)AMPMC‬‬ ‫الغشية‬ ‫ِّ‬ ‫مركز الحفازات (‪)KCC‬‬ ‫مركز أبحاث العلوم الحيوية الحاسوبية (‪)CBRC‬‬ ‫مركز أبحاث ت‬ ‫االح�اق النظيف (‪)CCRC‬‬ ‫مركز زراعة الصحراء (‪)CDA‬‬


‫‪89 | 88‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫مركز أبحاث الحوسبة القصوى (‪)ECRC‬‬ ‫مركز أبحاث البحر أ‬ ‫الحمر‬ ‫مركز بحوث هندسة الطاقة الشمسية‬ ‫مركز أبحاث هندسة النفط ف ي� المراحل السابقة للإنتاج (‪)UPERC‬‬ ‫مركز تحلية المياه وإعادة استخدامها (‪)WDRC‬‬ ‫جامعة الملك فهد ت‬ ‫للب�ول والمعادن ‪KFUPM‬‬ ‫مركز بحوث االتصاالت وتكنولوجيا المعلومات (‪)CCITR‬‬ ‫والدارة (‪)CEM‬‬ ‫مركز االقتصاد إ‬ ‫مركز البيئة والمياه (‪)CEW‬‬ ‫مركز البحوث الهندسية (‪)CER‬‬ ‫مركز التكرير ت‬ ‫والب�وكيماويات (‪)CEP‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫التم� ث‬ ‫مركز ي ز‬ ‫البح� ي� تكرير الب�ول والب�وكيماويات (‪)CoRE-PRP‬‬ ‫ي‬ ‫التم� ث‬ ‫مركز ي ز‬ ‫البح� ف ي� التآكل (‪)CoRE-C‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التم� ث‬ ‫مركز ي ز‬ ‫المتجددة (‪)CoRE-RE‬‬ ‫البح� ي� الطاقة‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التم� ث‬ ‫مركز ي ز‬ ‫البح� ي� تقنية النانو (‪)CENT‬‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫مركز ي ز‬ ‫السالمي (‪)CEIF‬‬ ‫التم�‬ ‫البح� للدراسات المرصفية والتمويل إ‬ ‫ي‬ ‫وادي الظهران للتقنية ‪DTV‬‬ ‫ج� ألبحاث الكربونات (‪)SDCR‬‬ ‫شلم� ي‬ ‫مركز ب‬ ‫مركز بيكر هيوز الظهران للبحوث والتقنية (‪)DRTC‬‬ ‫هالي�تون لتقنيات المكامن يغ� التقليدية وإنتاجية الخزانات‬ ‫مركز ب‬ ‫مركز يوكوجاوا السعودية للبحوث والتنمية‬ ‫مركز أبحاث روزن‬ ‫مركز هانيويل‪-‬يو إي ب� الظهران التق�ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مركز جي إي السعودية للتقنية واالبتكار‬ ‫مركز أميانتيت السعودية للبحوث والتنمية‬ ‫مركز سبكيم للتقنية واالبتكار (‪)STIC‬‬ ‫ت‬ ‫المش�ك لتكنولوجيا المعلومات واالتصاالت للنفط والغاز‬ ‫مركز ابتكار هواوي‬ ‫جامعة الملك سعود ‪KSU‬‬ ‫التم� ث ف‬ ‫مركز ي ز‬ ‫والرقاء (‪)CETH‬‬ ‫التخ�‬ ‫البح� ي� ث إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫مركز ي ز‬ ‫البح� ي� التقنية الحيوية‬ ‫التم�‬ ‫ي‬ ‫معهد الملك عبدهللا لتقنية النانو (‪)KAIN‬‬ ‫معهد بحوث أ‬ ‫المتقدمة (‪)PSATRI‬‬ ‫ال يم� سلطان للتقنيات‬ ‫ِّ‬ ‫جامعة الملك فيصل ‪KFU‬‬ ‫البل‬ ‫مركز أبحاث إ‬ ‫ث‬ ‫مركز أبحاث ال�وة السمكية‬ ‫مركز أبحاث الطيور‬ ‫مركز الدراسات المائية‬ ‫مركز أبحاث النخيل والتمور‬ ‫جامعة أم القرى ‪UQU‬‬ ‫مركز البحوث والدراسات االستشارية‬ ‫مركز بحوث الطب والعلوم الطبیة‬

‫مركز بحوث العلوم الهندسية والمعمارية‬ ‫مركز بحوث العلوم الصيدالنية‬ ‫مركز بحوث العلوم االجتماعية‬ ‫مركز بحوث اللغة العربية وآدابها‬ ‫السالمية‬ ‫مركز بحوث الدراسات إ‬ ‫السالمي‬ ‫مركز بحوث التعليم إ‬ ‫مركز البحوث ت‬ ‫ال�بوية والنفسية‬ ‫مركز بحوث الحج والعمرة‬ ‫ت‬ ‫السالمي‬ ‫مركز البحث العلمي وإحياء ال�اث إ‬ ‫مراكز متنوعة‬ ‫الم� سلمان أ‬ ‫أ‬ ‫العاقة‬ ‫بحاث‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫مركز ي‬ ‫اس�راع أ‬ ‫مركز أبحاث ت ز‬ ‫السماك ف ي� السعودية‬ ‫ن‬ ‫الوط� ألبحاث الزراعة والمياه بالرياض‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الوط� لمكافحة وأبحاث الجراد – وزارة الزراعة والمياه‬ ‫المركز‬ ‫ي‬ ‫مجمع سابك الصناعي للبحث والتطوير – مدينة الرياض‬ ‫مركز الدراسات والبحوث بجامعة نايف العربية للعلوم أ‬ ‫المنية‬ ‫الطفال أ‬ ‫الوط� ألورام أ‬ ‫ن‬ ‫والبحاث‬ ‫مركز الملك فهد‬ ‫ي‬


‫الملف‪:‬‬

‫السر‬ ‫ِّ‬ ‫وم ْن ّ‬ ‫َم ْن ّ‬ ‫منا ال أسرار في حياته؟ َ‬ ‫منا‬ ‫ً‬ ‫كثيرا من‬ ‫ال يعرف أن محيطه يكتم عنه‬ ‫األسرار؟‬ ‫ّ‬ ‫ومكونات وعي‬ ‫فكل المعارف والمشاعر‬ ‫اإلنسان تنقسم إلى قسمين‪ :‬قسم‬ ‫متبادل مع محيطه‪ ،‬وقسم يحتفظ به‬ ‫لنفسه أو ضمن دائرة مغلقة‪ .‬إن السر‬ ‫درع يحمي به اإلنسان نفسه أو مصالحه‬ ‫من اآلخرين‪ .‬وألن «الحماية» من‬ ‫مستلزمات الحياة‪ ،‬ومن شروط البقاء‪،‬‬ ‫ال عجب في أن تنطوي هذه الحياة على‬ ‫سلسلة من األسرار تمتد من أعماق‬ ‫نفس الطفل‪ ،‬وحتى قيادات الدول‬ ‫والمجتمعات‪.‬‬ ‫قد يكون االحتفاظ ببعض األسرار‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومكلفا‪ ،‬ولكنه يبقى ّ‬ ‫أقل‬ ‫مرهقا‬ ‫تكلفة من إفشائه‪ .‬ولذا‪ ،‬يبدو السر‬ ‫أشبه بملكية خاصة‪ ،‬تحميها األعراف‬ ‫ً‬ ‫قانونا‪.‬‬ ‫محمي‬ ‫األخالقية‪ ،‬ومنها ما هو‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وكي ال يبقى مفهوم السر سرا يستطلع‬ ‫حسام الدين صالح في هذا الملف تاريخ‬ ‫السر‪ ،‬وحضوره في حياتنا اليومية وأثره‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحاضرا‪ ،‬كما ينقلنا إلى أبرز‬ ‫ماضيا‬ ‫فيها‬ ‫مواقع تجمع األسرار من حولنا في هذا‬ ‫العالم‪.‬‬


‫‪91 | 90‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫تكونه ف ي�‬ ‫تبدأ حياة إ‬ ‫برس وتنتهي بآخر‪ .‬فعند ّ‬ ‫النسان ٍّ‬ ‫ال�ى تح�ض‬ ‫رحم أمه يكون جنسه رساً‪ ،‬وعندما يُوارى ث‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� شغلت‬ ‫صورة الموت كواحد من ب‬ ‫أك� الرسار ي‬ ‫ن‬ ‫مر العصور‪ .‬وما يب� الوالدة والموت‬ ‫إ‬ ‫النسانية عىل ّ‬ ‫ف‬ ‫النسان أرسار ال حرص لطبيعتها وال للدواعي إىل‬ ‫تتكدس ي� حياة هذا إ‬ ‫االحتفاظ بها أرساراً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫وثقا� ولغوي‪ ،‬إال أن كل هذه الصفات‬ ‫يقال إن إ‬ ‫النسان كائن اجتماعي ي‬ ‫لكث� من تفاصيل حياته‪ .‬إننا‬ ‫ال تنفي عنه صفة الرسية المالزمة ي‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ورسيون‬ ‫اجتماعيون ألننا ال نستطيع العيش‬ ‫ي‬ ‫منعزل� عن الخرين‪ ،‬آ ّ‬ ‫ين‬ ‫مكشوف� تماماً ف ي� حال االتصال بالخرين‪.‬‬ ‫ألننا ال نسطيع أن نعيش‬ ‫رسيون‬ ‫وحب‬ ‫نحن ثقافيون المتيازنا بالوعي والعقل ُ‬ ‫المعرفة‪ ،‬لكننا ّ‬ ‫آ‬ ‫ألننا نحب أن نعرف ث‬ ‫أك� مما نريد أن يعرفه الخرون عنا‪ .‬نفخر بكوننا‬ ‫كائنات لغوية تجيد التواصل‪ ،‬دون أن نسمع افتخاراً مشابهاً أ‬ ‫بالرسار‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ي ّ ز‬ ‫ال� تعيش وتموت دون أن تشعر بوخز‬ ‫تم�نا عن بقية الكائنات ي‬ ‫ي‬ ‫لتأث�اته عند كتمانه أو إفشائه‪.‬‬ ‫تتعرض سلباً ي‬ ‫الرس‪ ،‬أو َّ‬ ‫كأن الرس يشطرنا إىل ي ن‬ ‫مقسمة‬ ‫نصف�‪ ،‬فما زالت الحياة منذ وعينا بها ّ‬ ‫ّ‬ ‫إىل ُمك َت َشفات ومجهوالت‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن بعض حياتنا الشخصية معروف‬ ‫آ‬ ‫وغ�ها‪ ،‬وبعضها‬ ‫للخرين‪ :‬والدتنا‪ ،‬نشأتنا‪ ،‬تعليمنا‪ ،‬حالتنا االجتماعية ي‬ ‫آ‬ ‫عمن‬ ‫الخر نطويه بالكتمان طوعاً وإرصاراً‪ ،‬نكشفه عندما نريد‪ ،‬ونخفيه ّ‬ ‫نريد‪.‬‬ ‫وللرس جاذبية تشد غرائز آ‬ ‫الخرين إىل اكتشافه‪ .‬ويمكن لسعي هؤالء إىل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اكتشافه أن يكون تطفال ً وعيباً سلوكياً‪ ،‬كما يمكنه أن يكون بحثاً حميدا‪ً.‬‬ ‫ف‬ ‫رس‬ ‫الك�ى ي� تاريخ إ‬ ‫ألم تبدأ كل االكتشافات ب‬ ‫النسانية بمالحظة وجود ٍّ‬ ‫غامض ف ي� موضع ما؟‬ ‫ش‬ ‫�ء رساً‪ ،‬نحن‪ ،‬والكون‪ ،‬والحياة‪ .‬ومن كان م ّنا بال‬ ‫هكذا يبدو أن لكل ي‬ ‫رس فليبح به‪.‬‬ ‫ٍّ‬

‫جنس الجنين‪ ..‬واحد من‬ ‫أ‬ ‫السرار الخالدة التي شغلت‬ ‫كل إنسان‬

‫تاريخ الرس‬

‫ال تاريخ محدد لبداية الرس وال نهاية‪ ،‬وكأنه أمر ساكن‪ ،‬قائم ف ي� نفس‬ ‫ف‬ ‫و� العالم من حوله‪ .‬ال يتطور وال يتبدل‪ ،‬بل يقترص التطور‬ ‫إ‬ ‫النسان ي‬ ‫عىل النظرة إليه وعىل التعامل معه‪.‬‬ ‫قد نستطيع القول إن تاريخ الرس سبق وجود اللغة‪ ،‬ومع سبقه لتاريخ‬ ‫تطور التعامل معه بتطورهما‪ .‬وال نستطيع من الناحية‬ ‫الكالم والكتابة ّ‬ ‫ن‬ ‫التاريخية الفصل يب� الرس وكتمانه‪ .‬فمنذ العصور القديمة تأكد‬ ‫النسان من قيمة حفظ أ‬ ‫الرسار وعاقبة إفشائها من خالل حرصه عىل‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� يعيش فيها‪.‬‬ ‫مصلحته الشخصية‪ ،‬وعىل مصلحة وجوده ي� الجماعة ي‬

‫السر في اللغة‬ ‫الرس ما أَ ْخف َْي َت‪ ،‬كما يقول ابن‬ ‫ف‬ ‫وكث�ه أرسار‪،‬‬ ‫منظور ي� لسان العرب؛ ي‬ ‫وكث�ها رسائر؛ وكل‬ ‫والرسيرة مثيل الرس ي‬ ‫ف‬ ‫رس مخفي بال�ض ورة‪ ،‬فالرس ي� اللغة يؤخذ‬ ‫ت‬ ‫تش� إىل إخفاء‬ ‫ال� ي‬ ‫من مادة (س ر ر) ي‬ ‫ش‬ ‫ال�ء؛ وكأن اللغة العربية قد احتاطت‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫فعدت‬ ‫الحتمال ظهور الرسار وطبيعتها‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يمكن أن تستخدم‬ ‫فالرس من ألفاظ الضداد ي‬ ‫ن‬ ‫العالن‬ ‫ي�‬ ‫المع� وعكسه‪ ،‬فيمكن أن يطلق الرس عىل إ‬ ‫ف‬ ‫سوا ال َّن َد َامةَ َل َّما َرأَ ُوا‬ ‫أيضاً‪ ،‬مثلما جاء ي� قول هللا تعاىل‪(َ :‬وأَ َ ُّ‬ ‫ون‬ ‫س َ‬ ‫ا ْل َعذَ َ‬ ‫اب)‪ ،‬أي‪ :‬أظهروا الندامة؛ ومثلها قول هللا أتعاىل‪( :‬تُ ِ ُّ‬ ‫بالظهار لن إبالغ الرس‬ ‫الرسار هنا إ‬ ‫ِإ َل ْي ِه ْم ِبا ْل َم َو َّد ِة)‪ ،‬وقد ف ُِّس إ‬ ‫إىل آ‬ ‫الخرين يقت�ض ي إظهاره لهم‪.‬‬ ‫وعندما يذكر الرس اصطالحاً فإنه برأي الراغب أ‬ ‫ن‬ ‫يع�‬ ‫ال‬ ‫صفها�‪ ،‬ب ِّ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫يرسه‬ ‫«ما‬ ‫الكفوي‪:‬‬ ‫عند‬ ‫عن (الحديث المك ّتم ف ي� ال ّنفس)‪ ،‬وهو‬ ‫ُّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� عزم عليها»‪ ،‬أما مجمع الفقه‬ ‫المرء ي� نفسه من المور ي‬ ‫النسان إىل آخر‬ ‫إ‬ ‫اعت� الرس كل‪« :‬ما يف�ض ي به إ‬ ‫السالمي فقد ب‬ ‫مستكتماً إياه من قبل أو من بعد‪ ،‬ويشمل ما حفت به قرائن‬ ‫العرف يق�ض ي بكتمانه‪ ،‬كما يشمل‬ ‫دالة عىل طلب الكتمان إذا كان ُ‬ ‫ت‬ ‫ال� يكره أن يطلع عليها الناس»‪،‬‬ ‫خصوصيات إ‬ ‫النسان وعيوبه ي‬ ‫ويضع الشيخ ش�يف بن إدريس تعريفاً جامعاً للرس بقوله إن‬ ‫الرس هو كل «ما يقوم ف ي� الذهن مقيداً بالكتمان»‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬يزداد الرس تمنعاً عن تعريف واحد جامع‪ .‬فرغم‬ ‫ف‬ ‫محدد خاصة حينما‬ ‫بساطته اللغوية‪ ،‬يصعب وضعه ي� إطار َّ‬ ‫المر بالمفاهيم‪ ،‬الرتباط أ‬ ‫يتع َّلق أ‬ ‫الرسار ت‬ ‫بش� مجاالت الحياة‪:‬‬ ‫الشخصية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬والقانونية‪ ،‬واالجتماعية‪.‬‬


‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫منذ ذلك التاريخ البعيد ُعرف اح�ام الرس كأحد مكارم الخالق ي‬ ‫تحافظ عىل حرية الناس ومصالحهم االجتماعية‪ .‬وتبعاً لذلك وجد‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� ظهرت ف ي�‬ ‫الرس مكانه من الصيانة والحرمة ي� مدونات الخالق ي‬ ‫ين‬ ‫القوان� الحامية له‪ ،‬فيما ظهر‬ ‫المجتمعات القديمة‪ .‬ثم تبع ذلك سن‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫حينها من ي ن‬ ‫كقوان� حمور ب يا� ف ي� بابل ي� القرن الثامن ش‬ ‫ع� قبل‬ ‫قوان�‪،‬‬ ‫الميالد ت‬ ‫ال� كانت تقوم عىل مبدأ المعاملة بالمثل‪ ،‬وفقء ي ن‬ ‫الع� عقوبة‬ ‫ي‬ ‫قوان� أ‬ ‫لمن يتعمد النظر ف� أرسار آ‬ ‫الخرين‪ ،‬ومثلها ي ن‬ ‫المانة وحفظ الرس‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال� ي ّ ز‬ ‫المرصي�‪.‬‬ ‫م�ت الحياة االجتماعية عند قدماء‬ ‫ي‬ ‫أث�ة ف ي� حياة العرب‪ ،‬وكان حفظ الرس يُعد من‬ ‫وقد وجد الرس مكانة ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� وثقتها‬ ‫مكارم الخالق والمروءة‪ ،‬وتشهد بذلك حياتهم االجتماعية ي‬ ‫دواوينهم الشعرية‪.‬‬

‫السر قضية ثقافية‬ ‫ِّ‬ ‫وقانونية منذ فجر‬ ‫الحضارات‬


‫‪93 | 92‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫العلوم‪ ..‬تعبير عن سعي‬ ‫النسان إلى الكشف عن‬ ‫إ‬ ‫أسرار الطبيعة‬

‫الرس ف ي� القرآن الكريم‬

‫ورد (الرس) ف ي� القرآن الكريم بصورة ش‬ ‫مبا�ة بلفظ (الرس) ومشتقاته‪،‬‬ ‫مبا�ة ف� آ‬ ‫وورد بصورة يغ� ش‬ ‫اليات الحاضة عىل الوفاء بالعهود‬ ‫ي‬ ‫و� آ‬ ‫أ‬ ‫وال�ف والمروءة‪ ،‬ف‬ ‫والمانات ش‬ ‫اليات المحذِّ رة من اللغو‪ ،‬والخيانة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والعراض‪ ،‬والساءات أ‬ ‫الستار أ‬ ‫وهتك أ‬ ‫والذى‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ومن آ‬ ‫اليات ت‬ ‫ال� ورد فيها اسم (الرس) رصاحة‪ ،‬قوله تعاىل‪( :‬ق ُْل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ُورا َّر ِح ًيما)‬ ‫الس َم َاو ِات َو ْال َ ْر ِض ِإنَّ ُه ك َ‬ ‫َان َغف ً‬ ‫الس ِ ي� َّ‬ ‫أَن َز َل ُه ا َّل ِذي يَ ْع َل ُم ِّ َّ‬ ‫الس َوأَ ْخفَى)‬ ‫(الفرقان‪ ،)6:‬وقوله تعاىل‪(َ :‬و ِإن تَ ْج َه ْر ِبا ْلق َْو ِل ف َِإنَّ ُه يَ ْع َل ُم ِّ َّ‬ ‫(سا َو َع َل ِن َيةً ) (إبراهيم‪ ،)31:‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫(طه‪ ،)7:‬وقوله تعاىل‪ًّ ِ :‬‬ ‫سوا‬ ‫ون َو َما تُ ْع ِل ُن َ‬ ‫س َ‬ ‫ون) (التغابن‪ ،)4:‬وقوله تعاىل‪(َ :‬وأَ ِ ُّ‬ ‫(ويَ ْع َل ُم َما تُ ِ ُّ‬ ‫ق َْو َلك ُْم أَ ِو ْاج َه ُروا ِب ِه) (الملك‪ ،)13:‬وقوله تعاىل‪( :‬أَ َل ْم يَ ْع َل ُموا أَ َّن ال َّل َه‬ ‫سوا ال َّن َد َامةَ‬ ‫س ُه ْم َونَ ْج َو ُ‬ ‫اه ْم ) (التوبة‪ ،)78:‬وقوله تعاىل‪(َ :‬وأَ َ ُّ‬ ‫يَ ْع َل ُم ِ َّ‬

‫� ِإ َ ٰل بَ ْع ِض‬ ‫َل َّما َرأَ ُوا ا ْل َعذَ َ‬ ‫اب) (يونس‪ ،)54:‬وقوله تعاىل‪(َ :‬و ِإ ْذ أَ َ َّ‬ ‫س ال َّن ِب ي ُّ‬ ‫ون ِإ َل ْي ِهم ِبا ْل َم َو َّد ِة َوأَنَا‬ ‫س َ‬ ‫أَ ْز َو ِاج ِه َح ِدي ًثا) (التحريم‪ ،)3:‬وقوله تعاىل‪( :‬تُ ِ ُّ‬ ‫أَ ْع َل ُم ِب َما أَ ْخف َْي ُت ْم َو َما أَ ْع َلن ُت ْم ) (الممتحنة‪ ،)1:‬وقوله تعاىل‪( :‬يَ ْو َم تُ ْب َل‬ ‫السائر) (الطارق‪ )9:‬وغ�ها من آ‬ ‫اليات‪.‬‬ ‫ي‬ ‫َّ َ ِ ُ‬ ‫اح�ام أ‬ ‫آ‬ ‫حضت عىل ت‬ ‫ت‬ ‫الرسار وعدم إفشائها‬ ‫ال� َّ‬ ‫ومن اليات العامة ي‬ ‫َان َم ْس ُئ ً‬ ‫(الرساء‪،)34:‬‬ ‫ول) إ‬ ‫(وأَ ْوفُوا ِبا ْل َع ْه ِد ِإ َّن ا ْل َع ْه َد ك َ‬ ‫قوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ول َوتَ ُخونُوا‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬يَا أيُّ َها ا َّل ِذ َ‬ ‫ين َآم ُنوا َل تَ ُخونُوا ال َّل َه َو َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ون • َوا ْع َل ُموا أنَّ َما أ ْم َوا ُلك ُْم َوأ ْو َل ُدك ُْم ِف ْت َنةٌ‬ ‫أَ َمانَا ِتك ُْم َوأَن ُت ْم تَ ْع َل ُم َ‬ ‫أ‬ ‫(و ِإذَا‬ ‫يم ) (النفال‪ ،)28-27 :‬وقوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫َوأَ َّن ال َّل َه ِع َند ُه أَ ْج ٌر َع ِظ ٌ‬ ‫أ‬ ‫ول‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫َجا َء ُه ْم أَ ْم ٌر أ ِّم َن ْال َ ْم ِن أَ ِو ا ْل َخ ْو ِف أَذَا ُعوا ِب ِه َو َل ْو َر ُّدو ُه ِإ َل َّ‬ ‫ين يَ ْس َت ِنب ُ‬ ‫طونَ ُه ِم ْن ُه ْم ) (النساء‪)83 :‬‬ ‫ول ْال َ ْم ِر ِم ْن ُه ْم َل َع ِل َم ُه ا َّل ِذ َ‬ ‫َو ِإ َ ٰل أُ ِ ي‬ ‫آ‬ ‫وغ�ها من اليات‪.‬‬ ‫ي‬


‫اح�ام السالم أ‬ ‫ت‬ ‫للرسار‬ ‫إ‬

‫النسان‪ ،‬يجب ت‬ ‫الرس ف ي� ش‬ ‫اح�امه معنوياً‬ ‫السالمية جزء من إ‬ ‫ال�يعة إ‬ ‫بحمايته من كل أذى‪ ،‬كما وجب ت‬ ‫ال�ض ار به‬ ‫اح�ام كيانه مادياً بعدم إ‬ ‫من أي جانب‪ .‬ولهذا منع السالم إفشاء أرسار آ‬ ‫الخرين‪ ،‬وحض عىل‬ ‫إ‬ ‫كتمانها‪ ،‬لما ف� إفشائها من �ض ر عىل حياة أ‬ ‫الشخاص والمجتمعات؛‬ ‫ي‬ ‫السالم إفشاء الرس من المحرمات إذا ارتبطت ب�ض ر‪.‬‬ ‫عد إ‬ ‫وبهذا ّ‬ ‫الرسار ف� السالم بكث� من أ‬ ‫اح�ام أ‬ ‫ويرتبط عدم ت‬ ‫الفعال المنكرة‬ ‫ي إ‬ ‫ي‬ ‫والممنوعة مثل التجسس الذي يرتكز عىل كشف أرسار آ‬ ‫الخرين من‬

‫عورات وكشف أرسار الدول والمجتمعات ونقلها أ‬ ‫للعداء‪ ،‬ومثل الغيبة‬ ‫ال� ال تكون إال بكشف أرسار الناس أمام آ‬ ‫ت‬ ‫الخرين سواء أكانت هذه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الرسار والمعلومات صحيحة أم خاطئة‪ ،‬مثلما يقول الجاحظ ف ي� هذا‬ ‫ف أ‬ ‫خ� عن إنسان‪ ،‬وطوي عن إنسان‪،‬‬ ‫الشأن‪« :‬كل رس ي� الرض إنما هو ب‬ ‫فله ف� الغيبة ث‬ ‫أك� الحظ‪ ،‬وجلها كلفة ال �ض ورة»‪.‬‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ومن الممنوعات المرتبطة بعدم اح�ام أرسار الخرين النميمة‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫الفساد‪ ،‬ويُعد بعض العلماء النميمة إفشا ًء‬ ‫تع� نقل الكالم بقصد إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫المام الغز يال الذي يقول‪« :‬حقيقة النميمة‬ ‫حد ذاتها مثل إ‬ ‫للرس ي� ِّ‬

‫مبنى البنتاغون‬ ‫في أمريكا‬

‫أضخم مخازن األسرار‬ ‫أضاب�ها المظلمة خرجت لنا أختام «رسي للغاية» و«رسي جداً»‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫لتصبح كليشيهات قريبة إىل حياتنا؛ فأجهزة المخابرات العسكرية أ‬ ‫والمنية �ف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وأك� مخازنها أيضاً‪.‬‬ ‫أك� أجهزة البحث عن الرسار ب‬ ‫العالم هي ب‬ ‫ومن أقدم ما وصلنا من كتابات تتناول رسية‬ ‫عمل المخابرات العسكرية‪ ،‬هو الفصل الثالث‬ ‫الصي� صن تزو «فن الحرب» �ف‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ع� من كتاب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫القرن الخامس قبل الميالد‪ ،‬والمخصص لعمل‬ ‫المخابرات وأنماطه وأهمية االستطالعات الرسية‪.‬‬ ‫فالرسية تغ ّلف كافة مناحي االستطالعات العسكرية‬ ‫أ‬ ‫والمنية‪ ،‬بدءاً بالرسية ت‬ ‫ال� يجب أن يتصف بها‬ ‫ي‬ ‫العاملون فيها‪ ،‬وصوال إىل البقاء عىل أ‬ ‫الرسار طي‬ ‫ً‬ ‫إ‬ ‫ش‬ ‫الكتمان بعد إحالتهم عىل التقاعد‪ ،‬عمال ً ب�ف‬ ‫المهنة والعهد الذي يكونون قد قطعوه عىل‬ ‫أنفسهم‪ .‬ويعد جمع أ‬ ‫الرسار وتنظيمها واالستفادة‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫النسان ف ي�‬ ‫اولها‬ ‫ز‬ ‫ال�‬ ‫النشاطات‬ ‫أقدم‬ ‫منها من‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫تاريخه‪ ،‬وما أجهزة ووكاالت المخابرات الحالية ‪-‬‬ ‫بأنظمتها وأساليبها وأدواتها الجديدة ‪ -‬إال شكال ً‬ ‫حديثاً ومتطوراً لمهنة قديمة مارستها ش‬ ‫الب�ية بع� أجيالها المتعاقبة‪ ،‬حماية‬ ‫لمجتمعاتها وحدودها السياسية والجغرافية‪.‬‬


‫‪95 | 94‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫إفشاء الرس وهتك ت‬ ‫ين‬ ‫المسلم�‬ ‫الس� عما يكره كشفه»‪ ،‬ومن العلماء‬ ‫المام الماوردي الذي قال كلمته‬ ‫الذين أشاروا إىل ارتباط الرس بالنميمة إ‬ ‫أ‬ ‫الحكيمة‪« :‬إظهار الرجل رس يغ�ه أقبح من إظهار رس نفسه؛ لنه يبوء‬ ‫ين‬ ‫مستخ�اً»‪.‬‬ ‫وصمت�‪ :‬الخيانة إن كان مؤتمناً‪ ،‬والنميمة إن كان‬ ‫بإحدى‬ ‫ب‬

‫تطور التعامل معه‬

‫يحفظ التاريخ ي ن‬ ‫كث�اً من النهايات المؤلمة ألشخاص قضوا‬ ‫ب� دفتيه ي‬ ‫حتفهم عىل وقع أرسار ائ ُت ِمنوا عليها ثم كشفوها‪ .‬وكان إفشاء الرس‬ ‫يسمى «الخيانة»‪ ،‬وكانت العقوبة تصل إىل القتل‪ .‬وبتطور أ‬ ‫العمال‬ ‫والمهن صار الكشف عن الرس ن‬ ‫المه� جريمة يعاقب عليها القانون‪،‬‬ ‫ي‬ ‫بعد أن كانت ف� أ‬ ‫الساس ت ز‬ ‫ال�اماً أخالقياً‪ ،‬حيث حفظت لنا كتب الطب‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ممارس الطب عدم إفشاء أرسار مرضاهم‪،‬‬ ‫القديمة وجوب ال�ام‬ ‫ي‬

‫كث� من خريجي كليات‬ ‫وما زال ق َ​َسم أبقراط الذي يؤديه اليوم ي‬ ‫أ‬ ‫االل�ام أ‬ ‫ال ق‬ ‫الطب شاهداً عىل هذا ت ز‬ ‫كث�‬ ‫خال� تجاه الرسار‪ .‬وتقول ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫من المصادر التاريخية إن أول النصوص العقابية لكشف الرسار‬ ‫المهنية كانت عىل عهد الم�اطور الفرنس نابليون أ‬ ‫الول ف ي� القرن‬ ‫إ ب‬ ‫ي‬ ‫التاسع ش‬ ‫ع�‪ .‬وقد واجه تعريف مفهوم الرس من الناحية القانونية‬ ‫كث�اً من المصاعب وعدم االتفاق‬ ‫وكيفية التحقق من وقع الجريمة ي‬ ‫عىل نتائج موحدة‪،‬‬ ‫�ض‬ ‫فهل الرس مثال ً هو كل ما ي إفشاؤه بالسمعة أو الكرامة‪ ،‬أم هو‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫ال�اماً ي ن‬ ‫عالقة تتطلب ت ز‬ ‫يطال‪ ،‬أو يمكن‬ ‫ال‬ ‫ب�‬ ‫شخص� كما ي� القانون إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫اعتبار أ‬ ‫ف‬ ‫نس؟ وقد وجدت الرسار‬ ‫الخبار أرساراً كما ي�‬ ‫القانون الفر ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫المهنية طريقاً‬ ‫كث� من الدول‪ ،‬وربما ترتبت‬ ‫للقوان� الجنائية ي� ي‬ ‫أ‬ ‫عىل جريمة كشف الرسار عقوبات مدنية أو مالية‪ .‬وقد تجلت هذه‬ ‫القوان� بصورة خاصة فيما يتع َّلق أ‬ ‫ين‬ ‫بالرسار الطبية والقانونية والمالية‬ ‫وأرسار الدولة‪.‬‬ ‫لقد توسع المجال الذي يتحرك فيه الرس‪ .‬ولم يعد عالقة ي ن‬ ‫النسان‬ ‫ب� إ‬ ‫َّ‬ ‫ونفسه‪ ،‬أو بينه ي ن‬ ‫وب� من يبوح لهم بأرساره‪ .‬كما لم يعد الحفاظ‬ ‫تحول الرس إىل من ّظم‬ ‫عليه مجرد ُخلق ضمن فضائل المروءة‪ .‬فقد َّ‬ ‫كث�‬ ‫لكث� من العالقات الجماعية‪ .‬وأصبحت الرسيّة مبدأ يرتكز عليه ي‬ ‫ي‬ ‫من المهن والوظائف مثل الطب والخدمات االجتماعية‪ ،‬والقانون‪،‬‬ ‫والصحافة‪ ،‬واالستخبارات‪ ،‬والمعلوماتية‪ ،‬والمصارف‪ ،‬وال�ض ائب‪،‬‬ ‫ال�يد والمراسالت‪ .‬واستقوى مبدأ الرسية مع تطور الوظائف المرتبطة‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ويعرض حياة الفراد‬ ‫به‪ ،‬وأصبح إ‬ ‫الخالل به ِّ‬ ‫يهدد مستقبل المهن‪ّ ،‬‬ ‫الشخصية لل�ض ر‪.‬‬ ‫الك�ى ف ي� تاريخ الرس هي ف ي� ما هو قائم من حولنا‬ ‫يغ� أن المفارقة ب‬ ‫اليوم‪ .‬ففي عرص يتباهى بالعولمة وانتشار وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫ون� المعارف‪« ،‬كل المعارف»‪ ،‬نشهد من وسائل حفظ أ‬ ‫ش‬ ‫الرسار التقنية‬ ‫�ض‬ ‫والقانونية ما لم يشهده أي عرص م ‪ .‬أال يكفي هذا للتأكيد عىل أن‬ ‫ازدياد التواصل ال يقلل من أ‬ ‫تز‬ ‫المخ�نة بل يزيدها؟‬ ‫الرسار‬

‫أبقراط وحماية‬ ‫أسرار المرضى‬


‫كلمة السر‬

‫ت‬ ‫ال� لوالها ألصبحت أرسارنا ف ي� مهب االنكشاف‪،‬‬ ‫للرس كلمته ي‬ ‫ين‬ ‫والساع�‬ ‫إال أن كلمات الرس لم تلجم بشكل كامل اللصوص‬ ‫إىل نهب أمالك آ‬ ‫الخرين وكشف أرسارهم‪ ،‬منذ االستخدام يغ�‬ ‫ش‬ ‫عل بابا ف ي� حكايتهم‬ ‫الم�وع لقاسم بابا لكلمة رس شقيقه ي‬ ‫المشهورة ت‬ ‫ال� روتها قصص ألف ليلة وليلة‪ ،‬وإىل يومنا هذا‬ ‫ي‬ ‫الذي ت ز‬ ‫ي�ايد فيه وقوع نفوسنا ف ي� ش� نسيانها‪ ،‬ويتبارى فيه‬ ‫أيضاً قراصنة المعلومات و(الهاكرز) بقدراتهم التقنية عىل‬ ‫أ‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪.‬‬ ‫الوصول إىل هذه الرسار بع� كلمات المرور إ‬

‫علم التعمية ف ي� عرص المعلوماتية‬

‫أحالت أ‬ ‫الرسار ت‬ ‫ال� ي ز‬ ‫معت�‪ ،‬بعد أن كان قديماً‬ ‫م� أو‬ ‫علم ب‬ ‫ي‬ ‫التشف� إىل ٍ‬ ‫مجرد فن يضفي الرسية عىل المعلومات ويخفي البيانات‪ .‬ويعد‬ ‫ت‬ ‫كث�‬ ‫«علم‬ ‫ال� تقاطعت مع ي‬ ‫التعمية» من العلوم الحديثة نسبياً‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫وال�امج الحاسوبية‪،‬‬ ‫مع العلوم الخرى كالرياضيات والهندسة ب‬ ‫بكث� من التطبيقات التقنية المعارصة‪،‬‬ ‫وازدادت أهميته بعد ارتباطه ي‬ ‫بعدما كان قديماً يستخدم ف ي� مجاالت محددة كحفظ المعلومات‬ ‫العسكرية من التجسس المضاد‪ ،‬وحماية مراسالت أ‬ ‫الجهزة الحكومية‪.‬‬ ‫فهذا العلم ينفتح اليوم عىل مجاالت جديدة كاالتصاالت والتجارة‬ ‫الدولية‪ ،‬ليندرج ف ي� منع التجسس والقرصنة‪ ،‬وليساعد عىل تسهيل‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪.‬‬ ‫التجارة إ‬ ‫بالتشف�‪ ،‬بتحويل المعلومات المفهومة إىل رموز‬ ‫بدأ علم التعمية‬ ‫ي‬ ‫يصعب فهمها عىل من ال يعرف رسها‪ ،‬واشتهر العرب‬ ‫والمسلمون قديماً بهذا النوع من تعمية أ‬ ‫الرسار‬ ‫فكتبوا فيه المؤلفات‪ ،‬وكانوا يسمونها طرق‬ ‫عمى؛ ولم يتوقف هذا العلم‬ ‫الم َّ‬ ‫استخراج ُ‬ ‫عن التطور‪ ،‬ومن أحدث تطبيقاته الحديثة‬ ‫تقنيات التصويت إ ت ن‬ ‫و� والتوقيع الرقمي‬ ‫اللك� ي‬ ‫وغ�ها من التطبيقات المرتبطة بعالم‬ ‫ي‬ ‫المعلوماتية‪.‬‬ ‫كث�اً من أدوات المراسلة‪ ،‬والتواصل‬ ‫ورغم أن ي‬ ‫أ‬ ‫لك� ن‬ ‫ت‬ ‫ال ت‬ ‫و� قد بُنيت عىل عدم اخ�اق الرسار‪،‬‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫إال أنها باتت هي الخرى وسيلة لن� أرسار الشخاص‬ ‫تهدد السالمة االجتماعية واستقرار‬ ‫والمجتمعات‪ ،‬إىل درجة أصبحت ِّ‬ ‫حياة أ‬ ‫الفراد‪.‬‬

‫لقد أحاطت بنا أ‬ ‫الرسار من كل جانب‪ ،‬ولم تعد مجموعة من‬ ‫كلمات الرس كافية للوفاء بمتطلبات الحياة الحديثة‪ ،‬حيث‬ ‫آ‬ ‫ال� ت‬ ‫ت‬ ‫نخ�عها لراحتنا باتت تطالبنا بكلمات رس قوية‬ ‫الالت أي‬ ‫ت‬ ‫بأمان‬ ‫ومغايرة لي كلمات أخرى‪ ،‬ح� تستطيع أن تخدمنا ٍ‬ ‫كث�ون ف ي� مجيء اليوم الذي نستطيع‬ ‫كامل‪ .‬ولهذا يأمل ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أن نستبدل به كلمات الرس ذات الحرف والرقام والرموز‪،‬‬ ‫أك� حماية أ‬ ‫بأدوات أخرى ث‬ ‫للرسار‪ ،‬وأقل إرهاقاً للذاكرة‪ ،‬مثل‬ ‫بصمات ن أ‬ ‫ون�ات الصوت‪.‬‬ ‫الع� والصابع ب‬ ‫ي‬


‫‪97 | 96‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫الس ّر في الرواية‬

‫حيث للغموض معنى‬

‫لكل رواية رسها الذي يتط َّلب من القارئ الوصول إليه خالل عملية‬ ‫القراءة‪ .‬وقد يتع َّلق هذا الرس بشخصية الكاتب الحقيقية أو‬ ‫بشخصيات الرواية المتخيلة؛ وبعد الفراغ من القراءة يتضح أك�ث‬ ‫ئ‬ ‫رس النجاح أو الفشل الذي تحق َ​َّق للكاتب ف ي� ش‬ ‫الروا�‪ .‬ولهذا‪،‬‬ ‫م�وعه‬ ‫ي‬ ‫ال تفلت الروايات عموماً من دورانها ف� فلك أ‬ ‫الرسار‪ .‬فالكتابة مهمة‬ ‫ي‬ ‫أع� آ‬ ‫خاصة تبدأ بعيداً عن ي ن‬ ‫ً‬ ‫لرس يُراد لكشفه‬ ‫ا‬ ‫إنتاج‬ ‫بوصفها‬ ‫الخرين‬ ‫ٍّ‬ ‫أن يكون مهمة عامة للجمهور‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� أدب الرعب‪.‬‬ ‫وللرسار حضورها القوي ي� أدب الغموض عموماً‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫يعد أدب الخيال العلمي حاضنة‬ ‫والدب‬ ‫البوليس خصوصاً‪ .‬كما ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫تحولت‬ ‫كث�ة ي‬ ‫لعشاق الرسار‪ ،‬ومنتجاً ي� أحيان ي‬ ‫ال� ّ‬ ‫لكث� من الرسار ي‬ ‫فيما بعد إىل حقائق ومكتشفات ت‬ ‫واخ�اعات استفادت منها ش‬ ‫الب�ية‪.‬‬ ‫وقد نب� هذا النوع من أ‬ ‫الدب شهرته وجاذبيته عىل الشغف إ ن‬ ‫نسا�‬ ‫ال ي‬ ‫باستكشاف أ‬ ‫الرسار والمجهوالت‪.‬‬ ‫أما استخدام الرس كموضوع ئ‬ ‫روا�‪ ،‬أو استعماله كمدخل للبناء‬ ‫ي‬ ‫الروا� من خالل اسم الرواية وعنوانها أ‬ ‫ئ‬ ‫ال ّو يل‪ ،‬فما زال تقليداً فنياً‬ ‫ي‬ ‫طيعاً ومؤثراً عند روائ� أ‬ ‫المس واليوم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يي‬ ‫ال� برع فيها الكاتب ن‬ ‫ت‬ ‫ال�ويجي‬ ‫«أرسار» هي إحدى هذه‬ ‫الروايات ي‬ ‫آ‬ ‫كنوت هامسون‪ ،‬الحائز نوبل للداب عام ‪1920‬م‪ ،‬وقد كانت‬ ‫قراء اللغة العربية قبل أن‬ ‫هذه الرواية نفسها رساً مخفياً عن َّ‬ ‫تت�جم إىل اللغة العربية خالل العام الجاري ‪2016‬م‪ ،‬أسوة‬ ‫الشه�ة «جوع»‪ .‬وبنفس االسم «أرسار» كتبت الروائية‬ ‫بروايته‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫المريكية المعارصة دانيال ستيل روايتها بلمستها الرومانسية‬ ‫ت‬ ‫ال� اشتهرت بها‪ .‬وبروايته «رس» المنشورة ف ي� العام‬ ‫والبسيطة ي‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫اليابا� كيغو هيغاشينو بجائزة اليابان لكتاب‬ ‫الروا�‬ ‫‪1999‬م فاز‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫نجل�ية بعنوان «ناوكو» وهو اسم‬ ‫الغموض‪ ،‬لت�جم بعدها إىل إ‬ ‫ال ي‬ ‫أحد شخصيات الرواية‪.‬‬ ‫الرسار ف� أعمالهم أ‬ ‫ومن الكتاب الذين وظفوا أ‬ ‫الدبية شكال ً ومضموناً‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ال� ن‬ ‫يطا� بول سوسمان خصوصاً ف ي� روايته «آخر أرسار‬ ‫ثار‬ ‫عالم ال ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ئ‬ ‫الهيكل» ت‬ ‫ال� تتخذ من ش‬ ‫الروا�‪.‬‬ ‫ال�ق الوسط وتعقيداته مادة لبنائها ف ي‬ ‫ي‬ ‫ومنذ روايته أ‬ ‫الوىل «الشارع الرسي لمكان االختباء» المنشورة ي�‬ ‫عام ‪1989‬م وإىل عام ‪2008‬م حيث شن� روايته «باب أ‬ ‫الرسار»‪،‬‬ ‫للرسار أ‬ ‫ال�ك أحمد أوميت وفياً أ‬ ‫ئ ت‬ ‫ولدب الغموض الذي‬ ‫يظل‬ ‫ي‬ ‫الروا� ي‬ ‫اشتهرت به أعماله‪.‬‬

‫مدة‬ ‫صالحية‬ ‫األسرار‬ ‫الرسار ال تستطيع العيش ف� الخفاء إىل أ‬ ‫كث� من أ‬ ‫البد‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ومنها الرسار السياسية والعسكرية‪ ،‬فبعضها تتكفل‬ ‫الحداث أ‬ ‫أ‬ ‫واليام بكشفها‪ ،‬وبعضها تُفرج عنه الدول‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫بموجب عملية رفع الرسية عن الوثائق التاريخية ي‬ ‫تتجاوز عدداً محدداً من السنوات تختلف من دولة إىل‬ ‫ين‬ ‫بقوان� الوثائق الرسية‬ ‫أخرى‪ ،‬وتكون غالباً مسنودة‬ ‫ين‬ ‫وقوان� حرية الوصول إىل المعلومات الحكومية‪..‬‬ ‫ويقوم عديد من المؤسسات الدولية ‪ -‬كالبنك‬ ‫الدول ‪ -‬باتباع سياسة رفع الرسية عن وثائقها بعد‬ ‫ي‬ ‫انقضاء ش‬ ‫ع�ين عاماً‪.‬‬ ‫وبسبب شغف الناس الفطري بمعرفة أقىص ما يمكن‬ ‫معرفته عن آ‬ ‫الخرين‪ ،‬يبذل البعض جهداً ف ي� التنقيب عن‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ث ف‬ ‫و� بعض‬ ‫الرسار‪ ،‬إرضا ًء لناس يريدون أن يعرفوا أك�‪ .‬ي‬ ‫الحاالت‪ ،‬يشكِّل ذلك جزءاً مهماً من عمل الصحافة‪،‬‬ ‫ويكون محموداً إذا كان ف ي� «فضح» الرس منفعة عامة‪.‬‬ ‫ولكنه ف� أحيان أخرى‪ ،‬يبقى مذموماً‪ ،‬ت‬ ‫ح� ولو تمكن‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الجراء‪ .‬فالصحف‬ ‫من االلتفاف عىل‬ ‫القوان� المرعية إ‬ ‫ت‬ ‫ال� تصب اهتمامها عىل شن� أرسار‬ ‫ب‬ ‫ال�يطانية مثال ً ي‬ ‫المشاه�‪،‬‬ ‫وغ�ها من‬ ‫ي‬ ‫الحياة الشخصية للعائلة المالكة ي‬ ‫تعرف باسم «الصحف الصفراء»‪ ،‬وهذه التسمية باتت‬ ‫تد� مستوى أ‬ ‫ن‬ ‫الداء الصحفي‪.‬‬ ‫ذات نكهة سلبية ي‬ ‫تش� إىل ي‬ ‫وتم�ض ي ف ي� ذات الطريق الروائية اللبنانية نجوى بركات ف ي� روايتها‬ ‫الخ�ة «لغة الرس» المنشورة ف� عام ‪2004‬م‪ .‬أ‬ ‫أ‬ ‫وللديب الجزائري‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الدكتور محمد مرتاض رواية بعنوان‪« :‬وادي أ‬ ‫الرسار» نُ ش�ت ف ي� عام‬ ‫يكتف من الرس فيها بالعنوان فقط‪ ،‬بل ذيّل غالفها‬ ‫‪2013‬م لم َ‬ ‫بعبارة لمحمد أبو سليم عن الرس قال فيها‪« :‬للرس رس ال ينكشف‬ ‫وتحك هذه الرواية عن يوميات الثوار‬ ‫إال ف ي� بقائه محجوباً متمنعاً»‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ضد االستعمار الفرنس إبان الثورة الجزائرية‪ .‬ومن عمالقة أ‬ ‫الدب‬ ‫ي‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وصاحب‬ ‫كاتم‬ ‫وللسر‪:‬‬ ‫وأمين‬ ‫صاحب الرس‬ ‫هو كل شخص أوكلت إليه مهمة حفظ رس ما‪ .‬وقد اشتهر بهذا‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ر� هللا عنه‪،‬‬ ‫السالم‬ ‫اللقب ي� إ‬ ‫بي‬ ‫الصحا� الجليل حذيفة بن اليمان‪ ،‬ي‬ ‫بعد أن أودعه الرسول‪ ،‬صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬أرساراً ومعلومات‬ ‫ين‬ ‫لغ�ه من‬ ‫تتع َّلق بأسماء‬ ‫المنافق� حينها‪ ،‬وهي أرسار لم يكشفها ي‬ ‫الصحابة‪.‬‬

‫غيض من فيض «السر» في أ‬ ‫الدب‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬

‫العر� الذين وظفوا أ‬ ‫الرسار ف ي� أعمالهم توفيق الحكيم ف ي� مرسحياته‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫باكث� ي� مرسحياته «رس شهرزاد»‪،‬‬ ‫وعل أحمد ي‬ ‫«رس المنتحرة»‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫و«رس الحاكم بأمر هللا»‪ ،‬ونجيب محفوظ ي� مجموعته القصصية‬ ‫«التنظيم الرسي»‪.‬‬ ‫المريك دان براون بكاتب أ‬ ‫الروا� أ‬ ‫ئ‬ ‫الرسار‪ .‬فأغلب‬ ‫ويمكننا أن نصف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫كث�ا من الضجة تتحدث عن عوالم رسية وشفرات‬ ‫ال� أثارت ي‬ ‫رواياته ي‬ ‫ورموز‪ ،‬وحركات باطنية‪ ،‬ففي كل أعماله وهي الحصن الرقمي‪،‬‬ ‫ين‬ ‫وشياط�‪ ،‬والرمز المفقود‪ ،‬وشيفرة‬ ‫وحقيقة الخديعة‪ ،‬ومالئكة‬ ‫ن‬ ‫دا ش‬ ‫يب� دان بروان معمار الرواية لتتحرك تحت‬ ‫ي‬ ‫فين�‪ ،‬والجحيم‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ال�وفيسور‬ ‫أسقفها شخصيته‬ ‫ال� ابتكرها من خياله ب‬ ‫المركزية ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫«روبرت النغدون» الستاذ الجامعي المتخصص ي� الرموز الدينية‬ ‫ويع�ف دان براون نفسه بسطوة أ‬ ‫والمجتمعات الباطنية‪ ..‬ت‬ ‫الرسار‬ ‫ف‬ ‫ال�يطانية ي� العام ‪2004‬م‬ ‫عىل الناس‪ ،‬حيث نقلت له هيئة إ‬ ‫الذاعة ب‬ ‫قوله‪« :‬إن أ‬ ‫ً‬ ‫القراء‬ ‫الرسار تجذب اهتمامنا جميعا»‪،‬‬ ‫ي‬ ‫كتفس� إلقبال َّ‬ ‫عىل ش�اء رواياته‪.‬‬

‫كاتم الرس‬ ‫ف‬ ‫أما كاتم الرس فهو القائم بوظيفة نشأت ي� بالط الخالفة العباسية‪،‬‬ ‫المقرب� من الخليفة ويعهد إليه بكتابة أ‬ ‫ين‬ ‫الوامر‬ ‫كان يقوم بها أحد‬ ‫ُ‬ ‫الدارية‪ .‬وبحكم الوظيفة والقرب من دوائر‬ ‫والرسائل والمدونات إ‬ ‫القرار‪ ،‬كان المسؤول عن هذه الوظيفة قريباً من أرسار الحكم‬ ‫والحكام‪ ،‬ولهذا وصف بكاتم الرس‪ .‬وتطورت وظيفة كاتم الرس �ف‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫السالمية‪ ،‬وأصبحت‬ ‫دواوين إ‬ ‫ال� تطورت بدورها ي� الممالك إ‬ ‫النشاء ي‬ ‫كث�اً من المهارات مثل تعدد اللغات الالزم للمراسالت‬ ‫تتطلب ي‬ ‫السالمية حينها عىل تخوم أوروبا وآسيا‪.‬‬ ‫الخارجية‪ ،‬والنفتاح الممالك إ‬ ‫ت‬ ‫ح� إن كاتب الرس كان يلقب أحياناً بـ «لسان الممالك» و«لسان‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ملوك المصار»‪ .‬فقد كانت وظيفته مشابهة ي� العرص الحديث‬ ‫ين‬ ‫والناطق� باسم الحكومات‪.‬‬ ‫العالم والخارجية‬ ‫لوظيفة وزراء إ‬ ‫ين‬ ‫أم� الرس‬ ‫ما زالت وظيفة «أمانة الرس» وظيفة إدارية موجودة ت‬ ‫ح� عرصنا‬ ‫ف‬ ‫كث� من الدول العربية عىل السلك‬ ‫الحال‪ .‬لكنها تقترص ي� ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫فأم� الرس‪ ،‬أو ي ن‬ ‫القضا�‪ ،‬ي ن‬ ‫المكمل‬ ‫«أم� رس التحقيق» هو الشخص ّ‬ ‫ي‬ ‫يز‬ ‫بتجه�‬ ‫للهيئة القضائية والمكلف بمساعدة عمل النيابات العامة‬ ‫محا�ض التحقيق ف ي� القضايا والقرارات والجلسات وإعداد اليوميات‬ ‫وتحرير العالنات‪ ،‬والقيام أ‬ ‫بالعمال الكتابية المتطلبة ف ي� الدعاوى‬ ‫إ‬ ‫القضائية‪ ،‬وكل ما يتعلق بالمساعدة القضائية‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫وقد تخرج وظيفة ي ن‬ ‫لتع� إىل الفضاء‬ ‫القضا�‪ ،‬ب‬ ‫أم� الرس عن السلك أ ي‬ ‫تول العمال الكتابية من حفظ‬ ‫إ‬ ‫الداري العام‪ ،‬حيث تصبح مهمة ي‬ ‫�ض‬ ‫الشعارات‪،‬‬ ‫محا االجتماعات‪ ،‬وإعداد المراسالت‪ ،‬وكتابة إ‬ ‫وغ�ها من أعمال‬ ‫ومتابعة التكاليف إ‬ ‫الدارية‪ ،‬وحفظ سجالت العمل ي‬ ‫«السكرتارية»‪...‬‬


‫‪99 | 98‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫ِّ‬ ‫السر‬

‫في التلفزيون والسينما‬ ‫تطول قائمة أ‬ ‫العمال التلفزيونية والسينمائية التي كان السر أبرز‬ ‫تحول من‬ ‫موضوعاتها‪ .‬نذكر منها ِ‬ ‫الفلم الوثائقي «السر» الذي َّ‬ ‫مصور أشهر يتحدث عن قانون‬ ‫كتاب شهير لروندا بايرن إلى ِفلم َّ‬ ‫الجذب‪ ،‬ويُنتظر أن يصدر ِكفلم سينمائي من إنتاج هوليوود هذا‬ ‫النترنت‪.‬‬ ‫للفلم على إ‬ ‫العام حسبما أفاد الموقع الرسمي ِ‬ ‫ومن أ‬ ‫الفالم العربية القديمة «أسرار الناس» ‪1951‬م‪ ،‬من بطولة‬ ‫فاتن حمامة‪ ،‬فريد شوقي‪ ،‬شكري سرحان وغيرهم‪ِ .‬وفلم «شاطئ‬ ‫أ‬ ‫السرار» عام ‪1958‬م‪ ،‬من إخراج عاطف سالم وبطولة عمر‬ ‫الشريف وماجدة‪ِ .‬وفلم «كلمة السر» ‪1968‬م‪ِ ،‬وفلم «أسرار‬ ‫البنات» ‪1969‬م‪ِ ،‬وفلم «البيوت أسرار» ‪1971‬م‪ِ ،‬وفلم «أسرار‬ ‫عائلية» ‪2013‬م‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الفلم الدرامي الكوميدي «جزيرة‬ ‫ومن السينما المريكية شاهدنا ِ‬ ‫المدينة» ‪2009‬م الذي يؤدي بطولته كل من أندى جارسيا وجوليانا‬ ‫الفلم حول أسرة‬ ‫مارجوليز وستيفن ستريت حيث تدور أحداث ِ‬ ‫رب‬ ‫يخفي كل عضو فيها سره عن بقية‬ ‫العائلة‪ ،‬إلى أن يكتشف ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يغير حياته‪ .‬ومن الفالم القديمة ِفلم «سر‬ ‫السرة السر الذي ِّ‬ ‫الصحراء» للمخرج بن كينغسلي الذي ُص ِّور في المغرب وأُنتج في‬ ‫العام ‪1988‬م‪ ،‬ولم يخرج عن عادة الكثير من أ‬ ‫الفالم الغربية‬ ‫تصور العرب بدواً ّرحال ً ال يجيدون التأقلم مع‬ ‫التي كانت وما زالت ّ‬ ‫أ‬ ‫النجليزي «العميل‬ ‫الفلم إ‬ ‫الحياة العصرية‪ .‬ومن الفالم كذلك ِ‬ ‫أ‬ ‫السري» ‪1996‬م للمخرج كريستوفر هامبتون‪ .‬ومن الفالم‬ ‫الشهيرة فلم «نحن نسرق أ‬ ‫السرار‪ :‬قصة ويكيليس» ‪2013‬م‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫للمخرج أليكس جيبني‪ِ ،‬وفلم «مفتاح السرار» ‪2005‬م للمخرج‬ ‫إيان سوفتلي وبطولة كيت هيدسون‪ِ ،‬وفلم «أسرار أخوية يايا»‬ ‫‪2002‬م للمخرج كالي خوري وبطولة ساندرا بولوك؛ وال ننسى‬ ‫سلسلة أفالم هاري بوتر ومنها فلم «هاري بوتر وحجرة أ‬ ‫السرار»‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫‪2002‬م للمخرج كريس كولومبوس‪ .‬ومن الفالم الجديدة التي‬ ‫تناولت موضوع السر ِفلم «السر في أعينهم» ‪2015‬م للمخرج‬ ‫بيلي راي‪ ،‬وبطولة جوليا روبرتس‪ ،‬نيكول كيدمان‪ ،‬وشيوتيل‬ ‫إيجيوفور‪.‬‬ ‫أما المسلسالت‪ ،‬فقد اشتهر منها مسلسل «الصندوق أ‬ ‫السود»‬ ‫الذي عرض في عام ‪2010‬م والمسلسل الدرامي «سر علني» الذي‬ ‫عرض في عام ‪2012‬م‪.‬‬


‫أقفال السر عبر التاريخ‬ ‫ •الشمع‬ ‫ •الوشم‬ ‫الح� الرسي‬ ‫ • ب‬ ‫ •الخوارزميات‬ ‫ • ت ز‬ ‫االخ�ال‬

‫ •الشفرة‬ ‫ •الكود‬ ‫ •كلمة المرور‬ ‫ • تعديل صدى‬ ‫الصوت‬

‫ • توحيد لون الكتابة‬ ‫مع الخلفية‬ ‫ •السودوكو‬ ‫ • تطبيقات‬ ‫الستيغانوغرا�ف‬ ‫ي‬

‫اللغات السرية‬

‫ف‬ ‫محددة‬ ‫أحياناً‪ ،‬يرغب حامل الرس ي� البوح به إىل ش�يحة َّ‬ ‫من محيطه‪ ،‬دون أن يتمكن آ‬ ‫الخرون ف ي� المحيط نفسه من‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫معرفة كنه هذا الرس‪ ،‬فتظهر عندها اللغات الرسية‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫كث�ة هدفها ي ن‬ ‫تأم� مكاسب يغ� ش�عية‬ ‫يخ�عها البعض‬ ‫لدواع ي‬ ‫ٍ‬ ‫ف ي� الغالب دون أن تكون عرضة للمساءلة‪ .‬فاللغات الرسية‬ ‫المس�ي هي «لهجات ورطانات‬ ‫يعرفها د‪.‬عبدالوهاب‬ ‫ي‬ ‫كما ِّ‬ ‫خاصة‪ ،‬بل أحياناً لغات‪ ،‬يستخدمها أعضاء الجماعات‬ ‫الوظيفية‪ .‬فالعوالم والنشالون‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬لهم‬ ‫لغاتهم الرسية‪ ،‬وهي ف ي� الغالب رطانة‪ ،‬تركيبها هو تركيب‬ ‫اللغة الشائعة ف ي� المجتمع مع إضافة مفردات لغوية ال‬ ‫ش‬ ‫المبا�ة تسهيل‬ ‫يعرفها إال عضو الجماعة الوظيفية‪ ،‬فائدتها‬ ‫أداء الوظيفة‪ ،‬وهي وظيفة مشينة ف ي� العادة‪ ،‬ومن ثم تصبح‬ ‫اللغة الرسية من عالمات الهامشية»‪.‬‬ ‫وقد تظهر مثل هذه اللغات ف ي� بعض المجتمعات الشبابية‬ ‫كتعب�‬ ‫أك�‪ ،‬أو‬ ‫ي‬ ‫اهقة» لجيل عمري ب‬ ‫كنوع من «المقاومة المر ِ‬ ‫أ‬ ‫عن مطالب يغ� مسموعة من طرف الغلبية؛ وقد تكون موجة‬ ‫مرتبطة بظروف سياسية واقتصادية معينة ال تلبث أن تزول‪.‬‬ ‫الشبا� ف ي�‬ ‫وقد ظهرت مثل هذه اللغات الرسية ف ي� المجتمع‬ ‫بي‬ ‫السودان ف� بداية التسعينيات من القرن الميالدي ض‬ ‫الما�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وكانت تعرف بلغة «الراندوك» وانتقلت من مجتمعات‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫لكث� من‬ ‫الم�دين إىل الوساط الشبابية والطالبية‪ ،‬وخضعت ي‬ ‫ّ‬ ‫الدراسات االجتماعية واللغوية‪ ،‬منها دراسة فرنسية حاولت‬ ‫ت‬ ‫«الف�ا»‪.‬‬ ‫ال� تُسمى ي‬ ‫مقارنتها بلغة المدن الفرنسية ي‬


‫‪101 | 100‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫ُّ‬ ‫السر في الفن التشكيلي ‪..‬‬ ‫وفي الغموض حياة‬

‫«السر» للفنان المفاهيمي ميل رامسون‬ ‫ِّ‬

‫بالمكان تحديد أضالع لعملية الرس عند كتمانه أو إفشائه‪،‬‬ ‫لو كان إ‬ ‫لرسمناه عىل شكل قلب ولسان وأذن‪ .‬فحفظ الرس يقت�ض ي قلباً كتوما‪ً،‬‬ ‫ت‬ ‫الفشاء فحسبه اللسان‬ ‫أذن‪ ،‬أما إ‬ ‫لسان من ٍ‬ ‫والبوح به يتطلب اق�اب ٍ‬ ‫الشكل لعملية الرس يشيع ف ي�‬ ‫التعب�‬ ‫فقط‪ .‬فال عجب إذاً أن نجد هذا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ع�ت عن موضوع الرس‪.‬‬ ‫ال� ب ّ‬ ‫اللوحات الفنية ي‬ ‫ش‬ ‫ل�ء من الغموض مشابهاً لحاجة الجمال للروح‪،‬‬ ‫يبدو احتياج الفن ي‬ ‫لك يتحقق فيه ن‬ ‫مع� الحياة‪ ،‬فلكل غموض فاتن قدرة متجددة عىل‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫التشكيل‬ ‫الف� وحمايته من (العادية) والملل‪ .‬والفن‬ ‫ي‬ ‫إطالة المنتج ي‬ ‫خصوصاً يؤكد هذه الحقيقة‪ ،‬بل ويستمد قوته منها منذ عصور ضاربة‬ ‫ح� عرصنا الحال‪ ،‬حيث ما زال كث� من أ‬ ‫ف‬ ‫القدم ت‬ ‫العمال الفنية‬ ‫ي‬ ‫ي� ِ‬ ‫ي‬ ‫كب� من الناس بفعل ما نز‬ ‫تكت�ه‬ ‫تفرض سيطرتها ومهابتها عىل جمهور ي‬ ‫ن‬ ‫الفنان� تُحافظ عىل ألغازها‪ ،‬من‬ ‫من أرسار‪ ،‬وما زالت أعمال بعض كبار‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تطور مع كل لحظة أداة جديدة الستكشاف المجهول‪.‬‬ ‫ال� ّ‬ ‫نهب اليام ي‬ ‫ش ت‬ ‫ال� راحت‬ ‫ومنها عىل سبيل المثال ال الحرص لوحات ليوناردو‬ ‫دافن� ي‬ ‫ي‬ ‫أرسارها تتناقص مع تقادم أ‬ ‫اليام دون أن تنفد‪ ،‬كما هو حال تحفته‬ ‫ت‬ ‫يز‬ ‫بكث� من أرسارها‪ ،‬وأولها‬ ‫الخالدة‬ ‫ال� ال تزال تحتفظ ي‬ ‫«المونال�ا»‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تمثلها‪..‬‬ ‫الهوية الحقيقية للمرأة ي‬

‫«الهمس»‪ ..‬الصورة‬ ‫المرئية للمفهوم التجريدي‬ ‫«السر»‪..‬‬ ‫ِّ‬

‫هذا الغموض العام الذي يحيط بالفن عموماً‪ ،‬لم يمنع عديداً من‬ ‫ين‬ ‫الفنان� من االفتتان بالرس كوحدة موضوعية ف ي� لوحاتهم‪ .‬ويحفظ‬ ‫كث�ة حملت اسم «الرس»‬ ‫لنا التاريخ عىل سبيل المثال لوحات فنية ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫فنان�‪ ،‬منهم الفنان‬ ‫كعنوان واحد متشابه لعمال تعود إىل عدة ي‬ ‫البولندي آدم ستيكا الذي اشتهر بولعه بطبيعة الحياة ش‬ ‫ال�قية‬ ‫ولوحاته الزاخرة بتفاصيل قبائل شمال إفريقيا ولوحة «الرس» هي‬ ‫ت‬ ‫يصور فيها رجال ً يهمس ف ي� أذن امرأة‪.‬‬ ‫ال� ِّ‬ ‫إحدى هذه اللوحات ي‬ ‫ال ي ز‬ ‫نجل�ي إدموند‬ ‫وهناك لوحة أخرى باالسم نفسه «الرس»‪ ،‬للفنان إ‬ ‫ف‬ ‫المتو� ف ي� العام ‪1922‬م‪ .‬وهناك أيضاً «الرس» للفنان‬ ‫بل� اليتون‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المفاهيمي ميل رامسدن الذي يُعد أحد رواد الفن المفاهيمي والذي‬


‫الحائط ومشربية‬ ‫األرابيسك‪ :‬حلول معمارية‬ ‫لمشكلة األسرار‬

‫كانت الجدران أ‬ ‫والبواب والنوافذ وما زالت من أساسيات العمارة ف ي�‬ ‫تصور كذلك‬ ‫تصور وجود شب�ي دون أرسار‪ ،‬ال يُ َّ‬ ‫العالم‪ .‬فمثلما ال يُ َّ‬ ‫وجود بناء دون أن يحتاج إىل جدار أو باب أو نافذة‪ .‬هذه الصلة‬ ‫وب� أ‬ ‫ب� �ض ورات العمارة ي ن‬ ‫الوثيقة ي ن‬ ‫الرسار والخصوصيات أعطت‬ ‫للحوائط والواجهات والشبابيك أهمية فائقة ف ي� الفن المعماري‬ ‫والسالمي خصوصاً‪ ،‬حيث تتطلب القيم االجتماعية‬ ‫عموماً‪،‬‬ ‫والعر� إ‬ ‫بي‬ ‫من العمارة ما يضمن حرية مستخدمي المساكن وحرصهم عىل‬ ‫خصوصياتهم وأرسارهم من ي ن‬ ‫زواراً أم من‬ ‫أع� الغرباء سواء أكانوا ّ‬ ‫الج�ان‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وبفعل هذا االهتمام بالنواحي الجمالية والوظيفية‪ ،‬ظهرت فكرة‬ ‫ش‬ ‫الضاءة والتهوية‬ ‫(الم�بيات) الخشبية المزخرفة فح َّلت مشكالت إ‬ ‫خصوصاً ف ي� البيئات الحارة‪ ،‬وحافظت عىل أرسار البيوت وحرية‬ ‫ف‬ ‫الطاللة عىل الفضاء‬ ‫ساكنيها‪ ،‬إذ إنها تسمح لمن ي� الداخل من إ‬ ‫الخارجي العام‪ ،‬ولكنها تحجب عن الفضاء العام ما ف ي� الداخل من‬ ‫خصوصيات وأرسار‪.‬‬ ‫الم�بيات ف ي� مرص‪ ،‬ش‬ ‫ومثلما ازدهرت ش‬ ‫انت�ت بعدها ف ي� بقية النواحي‬ ‫ين‬ ‫وفلسط�‪ ،‬ودول الخليج‬ ‫العربية كالحجاز‪ ،‬واليمن‪ ،‬والسودان‪ ،‬ولبنان‪،‬‬ ‫ين‬ ‫المعماري� العرب أن الحاجة باتت اليوم‬ ‫كث� من‬ ‫العر�‪ .‬ويرى ي‬ ‫بي‬ ‫ت‬ ‫ماسة إلعادة االعتبار لهذا ال�اث المعماري‪ ،‬بما يتوافق مع التطور‬ ‫لك تستطيع العمارة الحديثة حل المشكالت الجمالية‬ ‫المعارص‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫الكث� من المجتمعات العربية‪ ،‬فقد فقد‬ ‫تعا� منها ي‬ ‫ال� ي‬ ‫والوظيفية ي‬ ‫ف‬ ‫الجمال ي� عديد من البيئات العربية بسبب الحاجة‬ ‫الجدار معناه‬ ‫ي‬ ‫وتغول‬ ‫الملحة ت ّ‬ ‫للتس� ولحفظ أرسار وممتلكات البيت من فضول ّ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫الكث� من البيوت‬ ‫الخرين‪ ،‬فتطاولت عليه السالك الشائكة‪ ،‬وأصبحت ي‬ ‫مثال‪ ،‬أو‬ ‫مثل صناديق حديدية عمالقة‪ ،‬وباتت تفتقر بشدة لحائط ي ّ‬ ‫ش‬ ‫م� ّبية معارصة‪.‬‬

‫ت‬ ‫ال� تحاول‬ ‫يسمى أيضاً بالفن التصوري‪ ،‬وأحد أعضاء جماعة فن ولغة ي‬ ‫ظهر عمله «الرس» العائد إىل عام ‪1967‬م‪،‬‬ ‫ربط اللغة بالفن‪ ،‬حيث يُ ِ‬ ‫إطاراً مربعاً أسود‪ ،‬وبجانبه إطار أبيض كُتب عليه‪« :‬مضمون هذه‬ ‫ئ‬ ‫والبعد ف ي� المحتوى صمم ليبقى رسياً‬ ‫مر�‪ ،‬الشخصية ُ‬ ‫اللوحة يغ� ي‬ ‫وغ� معروف إال للفنان»‪.‬‬ ‫وبشكل دائم‪ ،‬ي‬ ‫وتواصل الفنانة الكوبية إلسا مورا المولودة ف ي� العام ‪1971‬م والمقيمة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ي� مدينة نيويورك ي‬ ‫مس�ة اختيار مسمى «الرس» إلحدى لوحاتها ي‬ ‫تظهر فيها عصفورة تبوح برس لطفلة يبدو عليها الحزن‪ .‬ومن الفنانات‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�يطانية‬ ‫اللوا� اهتممن بالرس ي� أعمالهن الفنية الفنانة ب‬ ‫المعارصات ف ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يعود تاريخها إىل عام ‪2010‬م‪.‬‬ ‫«رسنا» ي‬ ‫أنجيال ليون ي� لوحتها ّ‬


‫‪103 | 102‬‬

‫السر في شعر أ‬ ‫القدمين والمعاصرين‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫ش� أ‬ ‫تزخز دواوين العرب ‪ -‬أقدمها وأحدثها‪ -‬بأشعار من ت‬ ‫الصناف‬ ‫والطبقات والجماليات‪ ،‬تعكس كلها مكانة الرس ف ي� حياتهم‬ ‫وخطورة التهاون ف ي� حفظه‪ .‬وهنا مقتطفات منها مثاال ً ال حرصاً‪:‬‬ ‫يقول البغدادي‪:‬‬ ‫غبـه‬ ‫السر‬ ‫ُص ِـن‬ ‫ِ‬ ‫بالكتمـان يُرضيـك ُّ‬ ‫َّ‬ ‫فينـدم‬ ‫يـع‬ ‫فقـد‬ ‫ُ‬ ‫المض َ‬ ‫يظهـر المـر ُء ِ‬ ‫ُ‬ ‫ئن‬ ‫حـرزه‬ ‫غر‬ ‫ِ‬ ‫رسا إىل ي ِ‬ ‫فلا تلج ْ ًّ‬ ‫تكتم‬ ‫حـرز‬ ‫ظهـر َ‬ ‫السـوء ما َ‬ ‫ِ‬ ‫كنـت ُ‬ ‫ُفي َ‬ ‫خ�ته يقول أنس بن أسيد‪:‬‬ ‫ومن واقع ب‬ ‫وال تفـش رسك إال إليك فإن لكل نصيح نصيحـا‬ ‫ن‬ ‫فإ� رأيت وشـاة الرجال ال تي�كون أديماً صحيحا‬ ‫ي‬ ‫وكان جرير يقول‪:‬‬ ‫الخليـل ِف َر َاشـها‬ ‫كانـت إذا َه َجـر َ‬ ‫أ‬ ‫يـث وعفَّـت الرس ِار‬ ‫الح ِد ُ‬ ‫ُخ ِـز َن َ‬ ‫وينعى الحالج أخالق هاتك أ‬ ‫الرسار‪:‬‬ ‫ي‬ ‫َمن ســارروه فأبـدى ك ّلما ت‬ ‫س�وا ولم يراع اتّصــاال ً كان غ ََّشــاشـا‬ ‫رس ما علمت فكل ما خـــلت من عقلها حاشـا‬ ‫إذا النفوس أذاعت ّ‬ ‫أ‬ ‫وســيده لم يأمنوه عىل الرسار ما عاشـا‬ ‫رس مواله‬ ‫ّ‬ ‫من لم يصن ّ‬ ‫ويقول بعض الشعراء‪:‬‬ ‫ورسك ما كان عند امرئ ورس الثالثـة يغ� الخفي‬ ‫للغ�‪:‬‬ ‫ويقول آخر عن قرار البوح بالرس ي‬ ‫ن‬ ‫االثن� فاشـــــي‬ ‫فال تنــطـق بســرك‪ ،‬كـل ٍّ ‬ ‫ســر إذا ما جـــاوز ي‬ ‫ويصور أبو الطيب‬ ‫المتن� احتفاظه برس يغ�ه بعقل ال يصل‬ ‫بي‬ ‫السكر ولو ش�ب الخمر‪:‬‬ ‫إليه ُّ‬ ‫�ض‬ ‫ن‬ ‫اب‬ ‫م� موضـــع ال ينــاله أ نديــم‪ ،‬وال يفـ ي فإليه شـر ُ‬ ‫وللســر ي‬ ‫ويستكشف أبو العتاهية وجوه الرسار عندما تنطوي ي� القلوب‪:‬‬ ‫الســرار منها أ‬ ‫إن القلـوب إذا َطــوت أرسارها أبدت لكَ أ‬ ‫ال ْو ُج ُه‬ ‫ّ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫الغ�‬ ‫عبد‬ ‫ويحك‬ ‫والفشاء قائالً‪:‬‬ ‫ار‬ ‫رس‬ ‫ال‬ ‫مفارقة‬ ‫النابلس‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫الرس بإفشــــائه كالموج منسوب إىل مائه‬ ‫تســ�‬ ‫ّ‬ ‫ليس كالم القــوم رمزاً وال إشـارة منهم بإيمائه‬ ‫ويمكننا البدء بعل الجارم لنصل ي ن‬ ‫ب� جيل الشعراء العرب‬ ‫أ ي‬ ‫أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫وال ي ن‬ ‫حدث� الذين ترسبل الرس بأحرف قصائدهم‪.‬‬ ‫قدم�‬ ‫يقول الجارم‪:‬‬ ‫أ‬ ‫وخ� ما يحـــفَظ الرس َار كتمان‬ ‫ردوس نَ ْب َع ُت ُ ه‬ ‫ي‬ ‫الف ِ‬ ‫س من ِ‬ ‫ُّ‬ ‫والحب ِ ٌّ‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ما� فيتجىل انبهاره بأرسار الكون ي� قصيدته‬ ‫أبو‬ ‫إيليا‬ ‫أما‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫«الرسار» حيث ينتهي به مقام الجمال‪:‬‬ ‫ت‬ ‫وفتنــ� بالظاهر المتواري!‬ ‫باد ويعجز خاطري إدراكـه ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫وأحمد مطر ف� ت‬ ‫ش‬ ‫اح�اساته السياسية المتواصلة يخ� عىل الرس‬ ‫ي‬ ‫من الرس‪:‬‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫وأخ� أن يبوح الرس بالرس‬ ‫التعب� ي� رسي ‬ ‫أمارس دائماً حرية ي‬

‫ويرسم عبدالوهاب ت‬ ‫البيا� ف ي� رسالته إىل أرنست همنجواي‬ ‫ي‬ ‫النهاية لحياة الرس‪:‬‬ ‫يأتون‬ ‫الحب فالناس يمضون وال َ‬ ‫ال تسأل عن ُ‬ ‫والرس عىل شفاهنا انتحر‬

‫قالوا في السر‬

‫«يُقاس حجم الرس بقيمة الشخص الذي نخفيه عنه»‪.‬‬ ‫كارلوس زافون‬ ‫سك من دمك‪ ،‬فانظر أين تريقه»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫«إن ِ َّ‬ ‫صيفي‬ ‫أكثم بن‬ ‫ّ‬ ‫عل فلمته‪ ،‬فأنا كنت أضيق به‬ ‫«ما وضعت ّ‬ ‫رسي عند أحد أفشاه ي ّ‬ ‫ين‬ ‫ح� استودعته إيّاه»‪.‬‬ ‫عمرو بن العاص‬ ‫امتلت قلوبهم أ‬ ‫«ال يدرك أرسار قلوبنا إال من أ‬ ‫بالرسار»‪.‬‬ ‫ج�ان‬ ‫ج�ان خليل ب‬ ‫ب‬ ‫«كشف المرء رسه حماقة‪ ،‬وكشفه رس آ‬ ‫الخرين خيانة»‪.‬‬ ‫فولت�‬ ‫ي‬ ‫الرسار‪ ،‬والشفاه أقفالها‪ ،‬أ‬ ‫«الصدور خزائن أ‬ ‫واللسن مفاتيحها‪،‬‬ ‫فليحفظ كل امرئ مفتاح رسه»‪.‬‬ ‫عمر بن عبدالعزيز‬ ‫النسان هو رأيه الخاص ف ي� نفسه»‪.‬‬ ‫«إن أصعب رس يحتفظ به إ‬ ‫مارسيل بانول‬

‫أمثال وحكم في السر‬

‫إذا تجاوز الرس ثالث آذان ش‬ ‫انت�‪.‬‬ ‫حفظك لرسك أوجب من حفظ يغ�ك له‪.‬‬

‫باسك‬ ‫مثل‬ ‫ي‬

‫عر�‬ ‫مثل ب ي‬ ‫تجنب الذين يأتمنونك عىل أ‬ ‫الصغ�ة‪ ،‬فهم يريدون منك‬ ‫الرسار‬ ‫ي‬ ‫الكب�ة‪.‬‬ ‫اجتذاب ي‬ ‫فرنس‬ ‫مثل‬ ‫ي‬ ‫ما قيل عىل المائدة ينبغي أن يبقى تحت غطائها‪.‬‬ ‫باسك‬ ‫مثل‬ ‫ي‬ ‫من يحبل ف ي� الرس يلد ف ي� العالنية‪.‬‬ ‫ترك‬ ‫مثل ي‬ ‫الرس أمانة‪.‬‬ ‫عر�‬ ‫مثل ب ي‬ ‫رس الثالثة‪ ،‬رس الجميع‪.‬‬ ‫فرنس‬ ‫مثل‬ ‫ي‬ ‫صدرك أوسع لرسك‪.‬‬ ‫عر�‬ ‫مثل ب ي‬ ‫من ال يعرف الكتمان ال يعرف الحكم‪.‬‬ ‫مثل التي�ن‬ ‫ي‬


‫ٌ‬ ‫ولسان وشفتان‬ ‫وللسر‪ :‬تاج‪ ،‬ختم‪،‬‬ ‫سيبدو من الغريب أن يقف (الرس) أمامك‬ ‫ت‬ ‫ال� تجعل منه كائناً‬ ‫متمتعاً بكل‬ ‫ّ‬ ‫المقومات في‬ ‫شب�ياً‪ ،‬لكنه أمر اعتيادي ي� بلد مثل السودان؛‬ ‫ف‬ ‫العر� الذي يحظى‬ ‫فهو البلد الوحيد ي� العالم ب ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� يحرص‬ ‫فيه الرس باهتمام واح�ام للدرجة ي‬ ‫ين‬ ‫السوداني� عىل تسمية مواليدهم‬ ‫كث� من‬ ‫فيها ي‬ ‫ن‬ ‫السوداني� بالتسمية بالرس‪،‬‬ ‫به‪ .‬يعود شغف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت وما زالت تؤثر‬ ‫إىل الجواء الصوفية في‬ ‫عىل الحياة االجتماعية ي� السودان‪ ،‬وينبع اسم‬ ‫ف‬ ‫الصو� الذي ث‬ ‫يك� فيه مدح‬ ‫الرس من الموروث‬ ‫ي‬ ‫المتصوفة بعلمهم بأرسار المعرفة‪ ،‬ومع انتقال‬ ‫الرس من المعرفة إىل العارف به‪ ،‬أصبح الرس‬ ‫لقباً ألعالم المتصوفة‪ ،‬ثم وجد االسم طريقه‬ ‫الكث� من العائالت السودانية حباً ألولئك‬ ‫إىل ي‬ ‫ن‬ ‫يتسمى السودانيون‬ ‫ي‬ ‫الصالح� وصالحهم‪ .‬وال ّ‬ ‫بالرس فقط‪ ،‬بل يزيدون عليه صفات أخرى‪،‬‬ ‫أ‬ ‫كتاج الرس‪ ،‬ورس الختم الذي كان ف ي� بادئ المر‬ ‫(الختم) لقباً اشتهر به مؤسس الطريقة الختمية‬ ‫ف� السودان الشيخ محمد عثمان ي ن‬ ‫غ�‪ ،‬ثم‬ ‫ي‬ ‫الم� ي‬ ‫يز‬ ‫للتمي�‬ ‫ظهر اسم (تاج الرس) لقباً أيضاً وأداة‬ ‫ب� أ‬ ‫ين‬ ‫السماء المتشابهة ف ي� االسم الواحد‪ ،‬كانت‬ ‫ين‬ ‫الديني� إىل أن‬ ‫ف ي� البداية مجرد ألقاب للزعماء‬ ‫أصبحت ف� حد ذاتها من أ‬ ‫السماء الشائعة ف ي�‬ ‫ي‬ ‫السودان‪.‬‬ ‫أ‬ ‫كث� من الزعماء‬ ‫وقد اشتهر بهذه السماء ي‬ ‫والفنان� أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫والدباء ف ي� السودان‪ ،‬منهم‬ ‫والسياسي�‬ ‫من زعماء الختمية الشيخ محمد عثمان تاج الرس‬ ‫غ�‪ ،‬والشيخ محمد رس الختم ي ن‬ ‫ي ن‬ ‫غ�‪،‬‬ ‫الم� ي‬ ‫الم� ي‬ ‫ورئيس الوزراء السابق رس الختم الخليفة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫والصحا� الرس سيد أحمد‪ ،‬والشاعران الغنائيان‬ ‫ي‬ ‫الرس قدور‪ ،‬وتاج الرس عثمان‪ ،‬والشاعر تاج الرس‬ ‫الحسن الملقب بشاعر «آسيا وإفريقيا»‪ ،‬والفنان‬ ‫التشكيل تاج الرس حسن المعروف بعميد‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫‪،‬‬ ‫السوداني�‬ ‫الخطاط�‬ ‫أم� تاج الرس‬ ‫والروا� ي‬ ‫ي‬ ‫ال�قات» الرواية ت‬ ‫ال� وصلت‬ ‫صاحب «صائد ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫القص�ة لجائرة البوكر العربية ي� العام‬ ‫للقائمة‬ ‫ي‬ ‫‪2011‬م‪.‬‬

‫الخطاط تاج السر حسن‬

‫الروائي أمير تاج السر‬

‫الشاعر تاج السر الحسن‬

‫الصحافي السر سيد أحمد‬

‫رئيس الوزراء السابق سر الختم الخليفة‬


‫ويكيليكس ثم بنما‬ ‫أ‬

‫‪| 104‬‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫أضخم تسريب للسرار في التاريخ‬

‫بمراهقة ت ز‬ ‫ام�جت بحب القرصنة‪ ،‬بدأت رحلة أشهر ترسيب مستمر‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والم�مج ال ت‬ ‫س� يال جوليان‬ ‫للوثائق شهدها العالم مع‬ ‫الصحا� ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أسانج‪ .‬فبفضله‪ ،‬أصبح «ويكيليكس» عنواناً لشهر القضايا‬ ‫بالرسار والمعلومات أ‬ ‫المتصلة أ‬ ‫والمن القومي ف ي� ش‬ ‫ع�ات من دول‬ ‫العالم‪ ،‬نظراً لضخامة الوثائق الرسية المعلنة ‪ -‬ث‬ ‫أك� من مليون‬ ‫الكب�ة‪.‬‬ ‫وتأث�اتها ي‬ ‫وثيقة منذ البداية ‪ -‬ولحساسيتها ي‬ ‫ش‬ ‫ويبدو أن «وثائق بنما» المرسبة من �كة موساك فونيسكا‬ ‫للخدمات القانونية ف� بنما‪ ،‬سوف تتفوق عىل «ويكيليكس» �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ضخامة عدد الوثائق الرسية الذي يقارب ‪ 11‬مليون وثيقة مرسبة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫العالمية‬ ‫تختلف وثائق بنما عن ويكيليكس ي� عدد المؤسسات إ‬ ‫ت‬ ‫ال� شاركت ف ي� هذه المهمة الترسيبية‪ ،‬حيث تمت العملية بعد‬ ‫ي‬ ‫تحقيق دام عاماً كامال ً شاركت فيه ث‬ ‫أك� من مئة مؤسسة إعالمية‪،‬‬ ‫لتخرج بعدها بمعلومات رسية حول غسيل أموال وتهربات‬ ‫الك�ى ف ي� مشارق‬ ‫كب� من أصحاب الرساميل ب‬ ‫�ض يبية تتعلق بعدد ي‬ ‫أ‬ ‫الرض ومغاربها‪.‬‬ ‫أما صدقية محتويات هذه الوثائق من أرسار‪ ،‬فتبقى بدورها رساً‪،‬‬ ‫ف‬ ‫كث� منها‪ .‬وتم تفنيد‬ ‫كث� حول صحة ما ورد ي� ي‬ ‫إذ حامت شكوك ي‬ ‫أ‬ ‫بعضها تماماً‪ .‬ت‬ ‫إن الدافع الحقيقي إلفشاء هذه الرسار‪ ،‬هو‬ ‫ح� ّ‬ ‫آ‬ ‫بدوره رس لم يكشف عنه ت‬ ‫ح� الن‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫أ‬ ‫الصندوق السود‬ ‫ُ‬ ‫كاشف أسر ٍار ‪ 30‬يوماً فقط‬

‫يتأزم الحديث عن تحطم أي طائرة بشكل مفاجئ بالحديث عن الصندوق‬ ‫أ‬ ‫السود الذي ت‬ ‫يف�ض أن يحتوي عىل رس سبب التحطم‪ .‬وكما أن الصندوق‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫تقال اللون‬ ‫السود الموجود ي� فكل أنواع الطائرات هو ي� الحقيقة بر ي‬ ‫ليسهل العثور عليه ي� حال تحطم الطائرة‪ ،‬فإن البيانات المسجلة‬ ‫عليه ليست مجرد معلومات‪ ،‬ولكنها ف ي� الحقيقة أيضاً أرسار‬ ‫الط�ان‬ ‫كث� من حوادث ي‬ ‫يُ َرجى منها الكشف عن غموض ي‬ ‫ت‬ ‫ال� لم يتم التأكد من أسبابها‪ .‬وللعثور المبكر عىل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يص�‬ ‫الصندوق السود أهمية قصوى لنه ي‬ ‫بال فائدة إذا تجاوز البحث عنه ي ن‬ ‫ثالث�‬ ‫يوماً‪ ،‬حيث تنتهي مدة صالحيته‬ ‫ككاشف أ‬ ‫للرسار‪ ،‬ويضيع رس‬ ‫الكارثة إىل أ‬ ‫البد‪.‬‬


‫دليل المعلِّمين لمحتوى القافلة‬

‫هذه الصفحة هي للتفاعل مع قطاع المعلِّمين والمعلِّمات ومساعدتهم على‬ ‫تلخيص أبرز موضوعات القافلة في إصدارها الجديد‪ ،‬وتقريبها إلى مفهوم وأذهان‬ ‫الفئات العمرية المختلفة للطالب والطالبات‪.‬‬

‫أدب وفنون‬

‫بداية كالم‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫‪15 | 14‬‬

‫‪61 | 60‬‬ ‫في ذكرى مرور‬ ‫أربعة قرون على وفاة الشاعر‬ ‫والمسرحي ا‬ ‫إلنجليزي الكبير وليم شكسبير‪،‬‬ ‫انطلقت في شتى‬ ‫البقاع‪ ،‬وباألخص في موطنه‪،‬‬ ‫مهرجانات تحتفل‬ ‫بالذكرى األربعمائة لوفاة واحد‬ ‫من أعظم َّ‬ ‫الكتاب‬ ‫المسرحيين على اإلطالق‪.‬‬ ‫وتشمل تلك الم‬ ‫ً‬ ‫هرجانات عروضا ومسرحيات‬ ‫ً‬ ‫وأسواقا وجوالت‬ ‫وندوات وغيرها‪ ،‬تهدف جميعها‬ ‫إلى احتفاءٍ يليق باإلرث‬ ‫األدبي الخالد الذي تركه‬ ‫شكسبير من أعمال‬ ‫شعرية ومسرحية كالسيكية‬ ‫تربّ ع‬ ‫بسببها على عرش األدب‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫أكثر إثارة ربما‪ ،‬أعادت هذه‬ ‫المناسبة إلى‬ ‫الواجهة من جديد أسئلة حول‬ ‫حقيقة شكسبير‪،‬‬ ‫يصل‬ ‫بعضها‬ ‫في‬ ‫شكوكه‬ ‫إلى‬ ‫اعتباره شخصية ُم َ‬ ‫ختل‬ ‫قة وال وجود لها على أرض‬ ‫الواقع‪ .‬وقد ُطرح هذا‬ ‫السؤال من ِقبل مجموعة‬ ‫من الباحثين‪ُ ،‬‬ ‫وات‬ ‫خذت في سبيل اإلجابة عنه‬ ‫خطوات تراوحت بين‬ ‫الجدية‬ ‫العلمية‬ ‫ومحض‬ ‫االفتراض‪ .‬إضافة إلى‬ ‫ِّ‬ ‫أنه‪،‬‬ ‫ومنذ‬ ‫وقت‬ ‫مبكر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ارتفعت‬ ‫شكوك‬ ‫حول‬ ‫عدد‬ ‫من‬ ‫ال‬ ‫نصوص التي‬ ‫ُنسبت إلى‬ ‫شكسبير‪ ،‬وبعض تلك النصوص‬ ‫ً‬ ‫ال يزال الخالف حول‬ ‫مؤلفها قائما حتى اليوم‪.‬‬

‫ِّ‬ ‫تفضل‪..‬‬ ‫أيهما‬ ‫قراءة رواية أم كتاب آخر؟‬

‫علي المجنوني‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫في ذكرى مرور‬ ‫أ‬

‫ربعمائة عام على وفاته‬

‫وجهان لعملة واحدة‬

‫الغموض حول‬ ‫شكسبير لم‬ ‫يت َّ‬ ‫بدد تما ً‬ ‫ما‬

‫ق‬ ‫عبدالبا� ‪ -‬صحفي مرصي‬ ‫إبراهيم‬ ‫ي‬

‫الرواية والكتاب وجهان لعملة واحدة‪ .‬إنهما طرفا‬ ‫معادلة ال يستقيم الحال بأحدهما دون آ‬ ‫االخر‪ ،‬وذلك‬ ‫عند مَ ن يقرأ ومَ ن يسعى إىل إدراك ما يدور حوله‪.‬‬ ‫فمن ت‬ ‫تجرب�‪ ،‬أعتقد أن الرواية عالم رحب يضعك ن ي� قالب الحكاية‪ ،‬تقرأ‬ ‫ي‬ ‫وتفهم وتتوقّع وتفس بمفردك؛ تُسقط أحكامك عىل أبطالها بت�ر وتدافع وتهاجم وتضع الحلول؛ ت‬ ‫وح�‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حركه فيك كاتبها‪ ،‬لتخرج بنفسك بالمغزى وتسقطه عىل واقعك أحياناً‬ ‫النهايات أحياناً؛ وفق خيال رحب َّ‬ ‫أو تبحث عنه أحياناً أخرى‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫أما الكتاب؛ سواء أكان علمياً أو فكرياً؛ فهو بم�لة المعادلة والنظرية والقانون؛ وضعه الكاتب بعد‬ ‫االرقام والحقائق‪ .‬إذاً فأنت لزم آ‬ ‫تجارب ال تنقصها أ‬ ‫االن تب�ك أفق الخيال الرحب الذي وضعك فيه‬ ‫مُ‬ ‫ت‬ ‫نن‬ ‫ليأ� الكتاب‬ ‫كاتب الرواية وال�ول إىل أرض الواقع وفق معادالت وأرقام وأدلَّة‪ .‬فالرواية تصنع الخيال ي‬ ‫بالعلم والقانون ويكمّ ل الصورة‪ ،‬فكم من ت‬ ‫اخ�اع بدأ بخيال وانتهى بواقع‪.‬‬ ‫ت ن‬ ‫الع ب� من أبطالها ونسعى‬ ‫بقي أن‬ ‫ا�‪ ،‬نعيش فيه لبعض الوقت لنستلهم ِ‬ ‫أقول إن الرواية عالم اف� ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫وقوان� ليست مجاال ً للرأي والرد‬ ‫وخ�ات‬ ‫للتغي� للفضل وفق مضمونها‪ ،‬أما الكتاب فيظل معلومات ب‬ ‫ي‬ ‫ت ت‬ ‫يأ� العلم بجديد يثبت العكس‪.‬‬ ‫فقط‪ .‬إنه الحقيقة‪ ،‬والمطلوب أن تقرأها وتعتقد بها ح� ي‬

‫شكسبير‬

‫لمناسبة مرور أ‬ ‫الأديب الن ربعمائة سنة على وفاة‬ ‫إ جليز‬ ‫في القسم الأ ي وليم شكسبير‪ ،‬مقالة‬ ‫دبي تت َّ‬ ‫طرق إلى الشكوك‬ ‫التي تحيط بحي‬ ‫والشاعر الع اة هذا الكاتب المسرحي‬ ‫ظيم‪،‬‬ ‫كاتب كل هذه ا وما إذا كان هو فعال ً‬ ‫لمسرحيات الخالدة‪.‬‬

‫الكتاب ث‬ ‫أك� تخصصاً‪ ،‬ولكن الرواية ثت�ي أيضاً‬

‫الرواي‬ ‫«هل تفضة أم كتاب آخر؟‬

‫مشاعل الغامدي ‪ -‬باحثة دكتوراة‬

‫ن‬ ‫واحد هو فكر صاحبها الذي قد يتفق أو يختلف مع فكر‬ ‫فكر ٍ‬ ‫غالباً ما تُب� الرواية عىل ٍ‬ ‫طاغ عىل الرواية من وجهة نظري ويصعب تجاوزه‪ .‬فالرواية القائمة عىل آراء شخصية‬ ‫القارئ‪ .‬وهو أمر ٍ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتأثر باهتمامات الكاتب وظروفه وحياته‪ ،‬مقارنة‬ ‫مرتبطة بتجارب نفردية غالباً‪ ،‬ممزوجة ببعض المعلومات ي‬ ‫ت‬ ‫علم مؤصل بعيد عن الخياالت‪.‬‬ ‫ال� ت نُب� ي� معظمها عىل علوم متفق عىل ي‬ ‫كث� من تفاصيلها‪ٌ ،‬‬ ‫بالكتب ي‬ ‫أ‬ ‫ثم إن الكتاب ث‬ ‫أك�‪ ،‬النه يتناول موضوعات‬ ‫أك� تخصصاً من الرواية‪ ،‬وتحصيل المنفعة العلمية من قراءته ب‬ ‫تدور ن� فلك واحد‪ .‬وهذا ما يجعل جمهوره أقل‪ ،‬عىل عكس الرواية الجذابة بقدرتها عىل إثارة الفضول �ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫معظم أ‬ ‫االحيان‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬وللإنصاف‪ ،‬فإن الرواية ث‬ ‫يتعرف عىل واقع لم يعايشه ن ي� حياته اليومية‪.‬‬ ‫وتجعله‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫أيض‬ ‫القارئ‬ ‫ي‬ ‫ت�‬ ‫َّ‬ ‫فاختلف البيئات والعصور والثقافات يفتح عالماً جديداً للقارئ‪ ،‬ومجاال ً جديداً ليقارن ويحلل ويناقش‪.‬‬ ‫فالرواية تعطي التوازن للباحث‪ ،‬والكتب تعطي الثقافة للهاوي‪ .‬ولكل ذلك‪ ،‬تفعل الرواية ما ال يفعله‬ ‫ن‬ ‫تغ� عنه‪.‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬لكنها ال ي‬

‫ل قراءة‬ ‫هو السؤال الم رواية أم كتاب آخر؟»‬ ‫كالم»‪ ،‬متج طروح في زاوية «بداية‬ ‫اوزاً‬ ‫االختيارات الف أزمة القراءة ليغوص في‬ ‫ردية‬ ‫ومكانة الرواية عند المهتمين بالقراءة‬ ‫عندهم‪.‬‬

‫خدمة بلمسة‬ ‫غير شخصية‬

‫حياتنا اليوم‬

‫مطاعم‬ ‫المستقبل‬

‫ً‬ ‫قريبا؟ إذا ما‬ ‫هل ستنقرض وظيفة النادل‬ ‫قمنا بزيارة لبعض المطاعم التي بدأت تفتح‬ ‫ِّ‬ ‫متعددة من العالم فقد‬ ‫أبوابها في أنحاء‬ ‫ً‬ ‫فعال‪ .‬ومن المطاعم الجديدة‬ ‫نعتقد ذلك‬ ‫التي ِّ‬ ‫تعزز ذلك مطعم «إيستا» في سان‬ ‫فرانسيسكو في الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫ومطعم «باغرز» في ألمانيا وسلسلة‬ ‫المقاهي والمطاعم المعروفة «فيتوبنا»‬ ‫في جمهورية تشيكيا ومطعم «فوا مين»‬ ‫في اليابان وغيرها‪ ..‬وكل هذه المطاعم‬ ‫َّ‬ ‫يتسلم الطلبات أو‬ ‫خالية من النوادل أو ممن‬ ‫المحاسبين أو أي عنصر بشري آخر‪ ،‬باستثناء‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن أنظار‬ ‫طاقم الطباخين الذي يعمل‬ ‫الزبائن‪.‬‬

‫مهى قمر الدين‬

‫الملف‪:‬‬

‫ال ِّسر‬ ‫َم ْن ّ‬ ‫منا ال أسرار في‬ ‫ال‬ ‫يعرف أن محيطه‬ ‫األسرار؟‬

‫حياته؟ َ‬ ‫وم ْن ّ‬ ‫منا‬

‫ً‬ ‫يكتم عنه‬ ‫كثيرا من‬

‫فكل الم‬ ‫عارف والمشاعر‬ ‫ّ‬ ‫ومكونات وعي‬ ‫اإلنسان تنقسم‬ ‫إلى قسمين‪ :‬قسم‬ ‫م‬ ‫تبادل مع محيطه‪ ،‬و‬ ‫قسم يحتفظ به‬ ‫لن‬ ‫فسه أو ضمن دائرة‬ ‫مغلقة‪ .‬إن السر‬ ‫درع ي‬ ‫حمي به اإلنسان ن‬ ‫فسه أو مصالحه‬ ‫من اآلخرين‪.‬‬ ‫وألن‬ ‫«الح‬ ‫ماية»‬ ‫من‬ ‫مستلزمات ال‬ ‫حياة‪،‬‬ ‫ومن‬ ‫شروط البقاء‪،‬‬ ‫ال‬ ‫عجب في أن تنطوي‬ ‫هذه الحياة على‬ ‫س‬ ‫لسلة من األسرار‬ ‫تمتد من أعماق‬ ‫نفس الطفل‪،‬‬ ‫وحتى قيادات الدول‬ ‫وال‬ ‫مجتم‬ ‫عات‪.‬‬ ‫قد يكون االح‬ ‫ًتفاظ ببعض األسرار‬ ‫ً‬ ‫م‬ ‫رهقا‬ ‫ومكلفا‪ ،‬ولكنه يبقى ّ‬ ‫أقل‬ ‫ت‬ ‫كلفة من إفشائه‪.‬‬ ‫ولذا‪ ،‬يبدو السر‬ ‫أشبه‬ ‫بملكية خاصة‪،‬‬ ‫تحميها األعراف‬ ‫األخالقية‪،‬‬ ‫ومنها ما هو م‬ ‫حمي قانونا‪ً.‬‬ ‫ّ‬ ‫وكي‬ ‫ً‬ ‫ال يبقى مفهوم‬ ‫السر سرا يستطلع‬ ‫حسام‬ ‫الدين صالح في‬ ‫هذا الملف تاريخ‬ ‫السر‪ ،‬وحضوره في‬ ‫ًحياتنا اليومية وأثره‬ ‫ً‬ ‫فيها‬ ‫ماضيا‬ ‫و‬ ‫حاضرا‬ ‫‪،‬‬ ‫كما ينقلنا إلى أبرز‬ ‫مواقع تجمع األسرار‬ ‫من حولنا في هذا‬ ‫العالم‪.‬‬

‫مطا‬ ‫في قس عم المستقبل‬

‫م الحي‬ ‫للخيال بعن اة اليومية موضوع مثير‬ ‫وا‬ ‫خدمة من ن «مطاعم المستقبل‪:‬‬ ‫دون‬ ‫التغيرات المر لمسة شخصية»‪ ،‬يتناول‬ ‫بفعل االع تقبة في عالم ا آلمطاعم‬ ‫تماد المتزايد على اللة‪.‬‬

‫الس ّر‬

‫هو موضوع مل‬ ‫عرضاً لماهية أف هذا العدد‪ ،‬ويتضمن‬ ‫السر‬ ‫حياة كل منا‪ ،‬وت ار وحتمية وجودها في‬ ‫ركي ً‬ ‫ترتبط بحسن ا زا على جوانب أ آخالقية‬ ‫لتع‬ ‫وغير ذلك الكث امل مع أسرار الخرين‪،‬‬ ‫محور نقا ير مما يمكنه أن يكون‬ ‫ش‪.‬‬


Saudi Aramco website

Qafilah website

Al-Qafilah Bi-Monthly Cultural Magazine A Saudi Aramco Publication July - August 2016 Volume 65 - Issue 4 P. O. Box 1389 Dhahran 31311 Kingdom of Saudi Arabia www.saudiaramco.com


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.