Qafilah nov dec 2015

Page 1

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 6‬مجلد ‪ . 64‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫الملف‬

‫الصفر‬

‫الورشة‪:‬‬ ‫مهارات التفاوض الناجح‬ ‫علوم‪ :‬اقتصاد «أوبر»‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫مريك‬ ‫يع� وعدسة‪ :‬المتحف ال ي‬ ‫للتاريخ الطبيعي‬ ‫حياتنا اليوم‪ :‬كبار السن‪..‬‬ ‫ما لهم وما علينا‬


‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين‬

‫العدد ‪ . 6‬مجلد ‪64‬‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫الناشر‬ ‫شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)‪،‬‬ ‫الظهران‬ ‫رئيس الشركة‪ ،‬كبير إدارييها التنفيذيين‬ ‫أمين بن حسن الناصر‬

‫ت‬ ‫للمش� ي ن‬ ‫توزع مجاناً‬ ‫ك�‬ ‫• العنوان‪ :‬أرامكو السعودية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬

‫نائب الرئيس لشؤون أرامكو السعودية‬ ‫ناصر بن عبدالرزاق النفيسي‬

‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫• ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪alqafilah@aramco.com.sa‬‬

‫مدير عام دائرة الشؤون العامة‬ ‫عبدالله بن عيسى العيسى‬

‫• الموقع إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫• الهواتف‪:‬‬ ‫ فريق التحرير‪+966 13 876 0175 :‬‬ ‫ت‬ ‫االش�اكات‪+966 13 876 0477 :‬‬ ‫فاكس‪+966 13 876 0303 :‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫محمد الدميني‬ ‫تصميم وتحرير‬

‫‪www.mohtaraf.com‬‬

‫صورة الغالف‬ ‫هذا الغالف | الصفر هو موضوع‬ ‫ملف العدد‪ .‬وتصميم الغالف يمسك‬ ‫بفرادة الصفر من بين أ‬ ‫الرقام وهو‬ ‫الذي‪ ،‬على عظم دوره بينها‪ ،‬ولد متأخراً‬ ‫واكتشف وحده بعدها بقرون‪.‬‬ ‫والصفر الذي هو الال شيء وضعفه‪،‬‬ ‫يظهر هنا كمحور اللغز الرقمي‪ ..‬تدور‬ ‫حوله أ‬ ‫الرقام جميعها‪.‬‬ ‫تصميم الغالف‪ :‬فهد القثامي‬

‫طباعة‬ ‫شركة مطابع التريكي‬ ‫‪www.altraiki.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬ ‫• جميع المراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫يعبر بالضرورة عن رأيها‪.‬‬ ‫• ما ينشر فـي القافلة ال ِّ‬ ‫• ال يجوز إعادة نشر أي من موضوعات أو صور‬ ‫«القافلة» إال بإذن خطي من إدارة التحرير‪.‬‬ ‫• ال تقبل «القافلة» إال أصول الموضوعات التي لم يسبق‬ ‫نشرها‪.‬‬


‫محتوى العدد‬

‫ً‬ ‫معا‬ ‫الرحلة‬ ‫ِم ْن رئيس التحرير ‬ ‫القراء ‬ ‫مع َّ‬ ‫أكثر من رسالة ‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫المحطة األولى‬ ‫ورشة عمل‪ :‬مهارات التفاوض الناج ح‬ ‫بداية كالم‪ :‬ما أجمل أحالم طفولتك؟ ‬ ‫كتب عربية‪ ..‬كتب من العالم ‬ ‫قول في مقال‪ :‬في عصر السرعة‪ :‬فكِّر‬ ‫بتأن‪ ..‬وانتج بجودة! ‬ ‫ٍ‬

‫‪7‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪20‬‬

‫علوم وطاقة‬ ‫علوم‪ :‬اقتصاد «أوبر» (‪ ..)Uber‬لرفع قيمة‬ ‫االستهالك عبر مشاركته ‬ ‫كيف يعمل؟‪ :‬مكيف الفريون ‬ ‫تحولت من أدوات‬ ‫‪ 10‬اختراعات ّ‬ ‫خير إلى سالح للشر ‬ ‫السليكون؟ ‬ ‫العلم خيال‪ :‬حياة من ِّ‬ ‫الرمز «أوميغا» ‬ ‫منتج‪« :‬سيري» (‪ ..)Siri‬وأخواتها ‬ ‫طاقة‪ :‬الشبكة الكهربائية الذكية‪..‬‬ ‫وتحديات المستقبل القريب ‬ ‫من المختبر ‬ ‫االسم المعياري‪ :‬نيوتن ‬ ‫ماذا لو‪ :‬كان الغالف الجوي أكثر كثافة؟ ‬

‫‪21‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪41‬‬ ‫عصر البيانات الضخمة ‬ ‫‪45‬‬ ‫كبار السن‪ ..‬ما لهم وما علينا ‬ ‫‪50‬‬ ‫تخصص جديد‪ :‬التدريس عن بُعد ‬ ‫عين وعدسة‪ :‬المتحف أ‬ ‫المريكي للتاريخ الطبيعي ‪51‬‬ ‫‪56‬‬ ‫فكرة‪ :‬خارطة من نوع آخر ‬ ‫أدب وفنون‬ ‫أدب‪ :‬أعالم مسلمون في أوروبا ما بين‬ ‫الحربين العالميتين ‬ ‫«حكايا»‪ ..‬الطفل يصنع حكايته ‬ ‫بواعث اليوتوبيا في شعر الصعاليك ‬ ‫فنان ومكان‪ :‬أوجين ديالكروا والمغرب العربي ‬ ‫أقول شعراً‪ :‬محمد أبو عبدهللا‪ :‬ما حاجتي‬ ‫للشعر‪ ،‬وهو دوائي! ‬ ‫ذاكرة القافلة‪ :‬الجوف قبل ‪ 45‬عام اً‬ ‫لغويات‪ :‬الفصحى بين إزميل العولمة‬ ‫ومفاتيح الكيبورد ‬ ‫فرشاة وإزميل‪ :‬عصام جميل‪ ..‬‬ ‫بيت الرواية‪ :‬جون فانتي‪ ..‬اسأل الغبار ‬ ‫رأي أدبي‪ :‬غفلة المسؤولية الثقافية ‬

‫‪72‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪80‬‬

‫التقرير‬ ‫أ‬ ‫مية في الوطن العربي ‬ ‫محو ال ّ‬

‫‪81‬‬

‫‪68‬‬ ‫‪70‬‬

‫الملف‬ ‫الصفر‪ ..‬الالشيء وأضعافه ‬

‫‪Qafilah App available at‬‬

‫‪57‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪@QafilahMagazine‬‬

‫‪89‬‬


‫‪3|2‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫القافلة أونالين‬

‫—‪www.qafilah.com‬‬

‫ورشة عمل | التفاوض هو نشاط إنساني‬ ‫نمارسه بشكل دائم وأحياناً دون إدراك م َّنا‬ ‫لذلك‪ ،‬كأن نتفق مع أصدقائنا حول موعد‬ ‫ومكان لقاء لتناول العشاء أو نساوم البائع‬ ‫على سعر سلعة ما أو نناقش مع أفراد‬ ‫أ‬ ‫السرة تدبير أمور المنزل أو كيفية تقاسم‬ ‫المسؤوليات اليومية أو حتى التفاوض في‬ ‫صفقات بماليين الدوالرات‪.‬‬

‫فرشاة وإزميل | تنطوي زيارة أي محترف‬ ‫فني على شيء من المتعة‪ ،‬التي قد تكبر‬ ‫عندما يجد المرء نفسه أمام أعمال شهيرة‬ ‫ومعروفة‪ ،‬ولكنها ال تصل أبداً إلى تلك‬ ‫المتعة التي يشعر بها الزائر عندما يقف‬ ‫أمام أعمال فنية يجهلها‪ ،‬وتتميز بمستوى‬ ‫والتقان أعلى‬ ‫من الجمال والجدية إ‬ ‫بكثير مما كان يعلم أو يتوقع‪ .‬وكان هذا‬ ‫بالضبط شعورنا خالل زيارة محترف الفنان‬ ‫عصام جميل واستكشافه‪.‬‬

‫ين‬ ‫ع� وعدسة | إنه واحد من أكبر المتاحف‬ ‫العلمية في العالم‪ ،‬يتألف من ‪ 27‬مبنى‬ ‫متصال ً على مساحة ‪ 150‬ألف متر مربع‪،‬‬ ‫ويحتضن ‪ 45‬معرضاً دائماً‪ ،‬تعجز رغم‬ ‫ضخامتها عن أن تعرض في وقت واحد‬ ‫أكثر من كمية محدودة من مقتنياتها التي‬ ‫عينة‪ ،‬يشرف عليها‬ ‫يبلغ عددها ‪ 32‬مليون ِّ‬ ‫‪ 220‬عالم أحياء وأحافير‪.‬‬

‫حياتنا | يكثر الحديث عن «البيانات‬ ‫الضخمة» وتأثيرها على العالم‪ ،‬وأصبحت‬ ‫محاوالت االستفادة من تحليالت البيانات‬ ‫الضخمة عامال ً مشتركاً بين الشركات‬ ‫الكبيرة والناشئة وحتى الجامعات والمراكز‬ ‫البحثية‪ .‬كما فتحت فرصاً عديدة أمام‬ ‫رواد أ‬ ‫العمال إلنشاء مشروعات تساعد‬ ‫الحكومات والمؤسسات التي تختزن‬ ‫محتويات رقمية هائلة في تنظيم بياناتها‬ ‫وتحليلها‪.‬‬

‫طاقة | هناك تحديات في قطاع الطاقة‬ ‫الكهربائية مرتبطة بأنماط إدارة أنظمتها‬ ‫الحالية ومدى استدامتها على المديين‬ ‫تحد يتعلَّق‬ ‫المتوسط والبعيد‪ .‬وهناك ٍّ‬ ‫بتقادم أعمار الشبكات في الدول المتقدمة‪،‬‬ ‫والحاجة إلى ترقيتها بما يتماشى مع ما توفره‬ ‫الثورة الرقمية من فوائد في مجاالت أنظمة‬ ‫االتصاالت والقياس‪ ،‬والبرمجيات الذكية‪.‬‬

‫الملف | الصفر هو «الالشيء»‪ ..‬ولكن‬ ‫هذا «الالشيء» حاضر أينما كان من‬ ‫حولنا‪ .‬ويدخل في قياس كل القيم ما‬ ‫عدا تسعة منها‪ ،‬وكلما ازداد حضوره زادت‬ ‫القيمة‪ .‬ظهر قبل قرون‪ ،‬وكانت إطاللته‬ ‫على العالم من نافذة علم الحساب‬ ‫يوسع دائرة حضوره‬ ‫البسيط‪ ،‬ولكنه راح ِّ‬ ‫النساني إلى‬ ‫الذي بات يمتد من الوجدان إ‬ ‫آ‬ ‫الالت الرقمية التي ما كانت لتكون من‬ ‫دونه‪ ،‬وكل ما بينهما من علوم وفلسفات‪.‬‬


‫تحية وبعد‬

‫عام ‪1901‬م‪ ،‬عام ش�وق جوائز نوبل‪ ،‬وفيما كان العالَم‬ ‫تي�قب منح الجائزة أ‬ ‫الشه� ليو تولستوي‪،‬‬ ‫الروس‬ ‫للديب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ملحم� «الحرب والسالم» و«آنا كارنينا»‪ ،‬خالفت‬ ‫صاحب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫نس‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫شاعر‬ ‫إىل‬ ‫لتمنحها‬ ‫التوقعات‬ ‫كل‬ ‫السويدية‬ ‫كاديمية‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫سول برودوم‪ ،‬الذي ال نعرف أين موقعه اليوم ي� طابور‬ ‫مغمور هو‪ :‬رينيه ي‬ ‫الدبية أ‬ ‫وال�ي بكل المباهج أ‬ ‫أدباء فرنسا الطويل ث‬ ‫الصيلة‪ .‬كان ذلك خطأ وربما‬ ‫تمهيداً لما ستتخذه الجائزة الحقاً من قرارات يغ� صائبة‪.‬‬

‫الرحلة معاً‬ ‫ِمن رئيس التحرير‬

‫في انتظار نوبل ‪!..‬‬

‫ت‬ ‫ال� تنشأ حول عدالة هذه الجائزة ومدى‬ ‫وعىل الرغم من الخالفات الموسمية ي‬ ‫تمثيلها لثقافات العالم‪ ،‬فإنه يمكن النظر إليها كمناسبة سنوية تذكِّر ش‬ ‫الب�ية‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتواصل ف ي� بقاع‬ ‫بأن فصول العنف والدمار‬ ‫واستباحة الدماء والوطان ي‬ ‫عديدة من العالم‪ ،‬لن يقف ف ي� وجهها سوى إشهار سالح المعرفة والعلوم‬ ‫آ‬ ‫والداب‪ ،‬وتقديم المنجزات الالمعة للعقل ش‬ ‫الب�ي واالحتفاء به صانعاً للحياة‬ ‫وضم�اً للمستقبل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وإذا كانت تنبؤاتنا العربية‪ ،‬خصوصاً‪ ،‬تذهب باتجاه َم ْن سيحصل عليها ف ي� حقل‬ ‫أ‬ ‫الدب‪ ،‬فإنه الحقل الذي نراهن أن لنا فيه بعض الثمار الناضجة‪ ،‬وهي ثمار‬ ‫أ‬ ‫تنتمي إىل أشجار إبداعية وفكرية وفلسفية راسخة وعميقة الجذور والثر ف�‬ ‫آداب العالم‪ .‬وعىل الرغم من هذا‪ ،‬فإن أدباً بمثل تلك القامة لم يحصد ي �ف‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ذهبت إىل‬ ‫ال� تجاوزت القرن سوى تلك الجائزة اليتيمة ي‬ ‫عمر هذه الجائزة ي‬ ‫أ‬ ‫الديب الراحل نجيب محفوظ عام ‪1988‬م‪.‬‬ ‫لقد أوصلتنا القطيعة المزمنة مع العلم ونظرياته إىل موقع ال نُحسد عليه‪،‬‬ ‫بل إن عقولنا الالمعة قد غادرتنا إىل عواصم العالم بال ندم‪ .‬وهكذا وجدنا‬ ‫ين‬ ‫وغ�ها من العرب ال يُنظر إليهم َّإل‬ ‫أن أغلب‬ ‫الحاصل� عىل جوائز نوبل ي‬ ‫مخت�ات الغرب ومراكزه العلمية‪ ،‬كما أن اكتشافاتهم‬ ‫باعتبارهم علماء يمثلون ب‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫تصب ي� خزائن بالدهم بل‬ ‫الفريدة وما أعقبها من استثمارات تُدر ذهبا لم ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� منحتهم فرص العمل والبحث‬ ‫تذهب إىل الدورة االقتصادية لتلك الدول ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المرة‪ ،‬فقد عصف ب ي� اللم لن التغطيات‬ ‫واالبتكار‪ ،‬ورغم هذه الحقيقة ّ‬ ‫مساحة يس�ة ف� إعالمنا ق‬ ‫الور�‬ ‫سوى‬ ‫تحتل‬ ‫الصحفية لجوائز نوبل العلمية ال‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫ن‬ ‫المرشح� للجوائز‪ ،‬وال‬ ‫ومختصينا حول‬ ‫والرقمي‪ ،‬فال يجري استفتاء علمائنا‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫لك يُ ْحدثوا الثر‬ ‫تُستعرض جهود الفائزين وابتكاراتهم‪ ،‬وال يُ َّ‬ ‫قدمون كما ينبغي ي‬ ‫الجماه�ي العام‪.‬‬ ‫المنشود ف ي� الوعي‬ ‫ي‬ ‫وبمقارنات بسيطة ي ن‬ ‫ب� صحافتنا وصحافة العالَم‪ ،‬فإن َمن ترسو عليهم الجائزة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫مفصل لبحاثهم‬ ‫َّ‬ ‫يتصدرون الصفحات الوىل‪ ،‬وتن� حواراتهم مصحوبة برسد َّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ورواد العلوم ي� نظرياتهم وكيف خدمت الب�ية‬ ‫ومخ�عاتهم وآراء‬ ‫ي‬ ‫الباحث� َّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫وأسهمت ي� حل معضالتها‪ .‬هذه الثقافة العلمية مفقودة ي� منشوراتنا العربية‪،‬‬ ‫لذا فإننا نسهم دون قصد ف ي� قطيعة أجيالنا عن المناخات العلمية والتقنية‬ ‫ت‬ ‫ال� يراهن عليها العالم اليوم‪.‬‬ ‫واالستكشافية ي‬ ‫ين‬ ‫المرشح� كل عام‪ ،‬علينا‬ ‫أظن أننا‪ ،‬فيما نفخر بأن عدداً من أدبائنا عىل قائمة‬ ‫ت‬ ‫ال� يراد سجننا فيها‪ ،‬عباءة أن العرب أهل أدب ولغة‬ ‫أن نخرج من العباءة ي‬ ‫أ‬ ‫فلك‬ ‫وشعر وفلسفة‪ ،‬وأن فأقىص طموحهم هو الجوائز الدبية أو اللغوية‪ .‬ي‬ ‫يكون لنا موطئ قدم ي� هذا العالم‪ ،‬فإن صناعة أرض صالحة لالستثمارين‬ ‫العلمي واالبتكاري‪ ،‬ودعم البحوث العلمية وتطبيقاتها‪ ،‬وبناء المراكز‬ ‫والمخت�ات المتخصصة بمقاييس عالمية‪ ،‬هو ما سيهيء لنا االحتفال يوماً‬ ‫ب‬ ‫بجوائز نوبل العلمية‪.‬‬


‫‪5|4‬‬

‫مع القرَّ اء‬ ‫تحية وبعد‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫جاءنا من القارئ سليمان موسى من جدة تعليقاً‬ ‫على ملف الفندق‬ ‫الذي نشرته القافلة‬ ‫الفندق‬ ‫في عددها لشهري‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس‪ ،‬ومما‬ ‫جاء فيه‪« :‬يا ليت الملف‬ ‫تطرق بتفصيل أكبر‬ ‫َّ‬ ‫إلى الوظائف والمهن‬ ‫الفندقية‪ ،‬ليعرف الجيل‬ ‫الصاعد أن العمل في القطاع الفندقي ليس‬ ‫وضيعاً كما يمكن أن يعتقد بعضهم‪ ،‬حتى في‬ ‫مجال الخدمة التي أشرتم إلى أنها صارت تتطلَّب‬ ‫سنوات أربع من الدراسة في المدارس المتخصصة‪.‬‬ ‫فقد آن أ‬ ‫الوان ألن نتخلص من النظرة البائدة إلى‬ ‫بعض المهن بأنها غير الئقة‪ .‬خاصة أن القطاع‬ ‫الفندقي في بالدنا ضخم للغاية‪ ،‬ويمكنه أن يشكِّل‬ ‫مجال عمل آلالف الشبان السعوديين»‪.‬‬ ‫الملف‪:‬‬

‫كلنا‬ ‫اختبرنا اإلقامة في الفندق‪.‬‬ ‫ولدى كل منَّ ا‬ ‫أحكامه الخاصة على‬ ‫الفنادق‬ ‫التي أقام بها‪ .‬وما من‬ ‫مسافر إال‬ ‫وفي جعبته عند العودة‬ ‫إلى وطنه‬ ‫حديث عن الفندق الذي‬ ‫أقام فيه‪.‬‬ ‫وفي جوارنا‪ ،‬في المدينة‬ ‫التي‬ ‫دائماً نقطنها فنادق عديدة‪ ،‬هي‬ ‫من‬ ‫معالم المدينة‪ ،‬ونقاط‬ ‫الداللة‬ ‫على أحيائها‪ .‬ومن خالل‬ ‫تنوعها‬ ‫بتنوع البشر المحتاجين‬ ‫إلى‬ ‫خدماتها‪ ،‬وسعيها إلى تلبية‬ ‫الطلب‬ ‫المتزايد عليها بتزايد سكان‬ ‫العالم‬ ‫وتحركاتهم‪ ،‬أصبح قطاع‬ ‫الفنادق‬ ‫صناعة عمالقة‪ .‬صناعة‬ ‫قوامها‬ ‫الثقافة اإلنسانية المتلونة‬ ‫إلى‬ ‫أقصى حد في مفاهيمها‬ ‫ومقاييسها للجيد والسيئ‪،‬‬ ‫للضرورة‬ ‫وللترف‪ ،‬والالزم وما يمكن‬ ‫االستغناء‬ ‫عنه‪ .‬فإلى عوالم الفنادق‬ ‫مع فريق‬ ‫القافلة في هذا الملف‪.‬‬

‫ونحن‪ ،‬مع تقديرنا لهذا الرأي السليم‪ ،‬نقول أ‬ ‫للخ‬ ‫تطرق إلى هذا الجانب‬ ‫سليمان إن الملف المذكور َّ‬ ‫في بعض المواضع وبالقدر الذي يتيحه المجال‪.‬‬ ‫فأحياناً‪ ،‬قد يكون الهمس بالموضوع أبلغ أثراً من‬ ‫الخطاب المباشر‪.‬‬ ‫عمان كتبت رقية العلمي تقول‪« :‬اليوم كنت‬ ‫ومن َّ‬ ‫في مكتبة كلية وادي السير‪ ،‬وهي مركز تدريب‬ ‫مهني تابع لوكالة الغوث الدولية أ‬ ‫(الونروا) في‬ ‫عمان ‪ -‬أ‬ ‫الردن‪ ،‬ووقعت بين يدي أعداد من مجلة‬ ‫َّ‬ ‫«القافلة»‪ ،‬التي لم أطلع عليها من قبل‪ .‬وقد‬ ‫أعجبت بها‪ ،‬وبشكل خاص بملفاتها‪ ،‬مثل ملف‬ ‫الفندق‪.‬‬ ‫ومن القصيم كتب علي عبدالرحمن القزالن‪« :‬أنا‬ ‫الغراء وبما تقوم‬ ‫من المعجبين بمجلتكم الثقافية َّ‬ ‫به من دور كبير في نشر الثقافة وتوعية المجتمع‪،‬‬ ‫انطالقاً من الدور الريادي الذي تقوم به شركتنا‬

‫الرائدة في جميع المجاالت‪ ،‬ومن ضمنها الخدمات‬ ‫تقدمها في إطار مسؤوليتها االجتماعية‪ .‬فلكم‬ ‫التي ِّ‬ ‫أ‬ ‫جزيل الشكر واالمتنان»‪ .‬ويطلب الخ علي في‬ ‫رسالته إضافته إلى قائمة المشتركين‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي‬ ‫يسرنا أن نلبيه‪.‬‬ ‫ومن القصيم أيضاً كتب الدكتور عبدالعزيز عبدالله‬ ‫أعبر عن خالص سعادتي‬ ‫عبدالخالق‪« :‬يطيب لي أن ِّ‬ ‫وتقديري للجهد المبذول من قبل أعضاء هيئة التحرير‬ ‫في مجلة «القافلة» المرموقة (مجلة كل مثقف عربي)‪.‬‬ ‫فقد اطلعت صدفة على العدد أ‬ ‫الخير منها عن‬ ‫وسرني ما وجدت من تنوع‬ ‫طريق بعض زمالء العمل‪َّ ،‬‬ ‫في الطرح ودقة في االختيار‪ ،‬وتغطية للموضوعات‬ ‫بأسلوب ر ٍاق (دون إطناب ممل أو إيجاز مخل)‪ ،‬فضال ً‬ ‫عن إالخراج الفني المتميز والطباعة الفاخرة‪ .‬كل هذا‬ ‫جعل منها منظومة ثقافية شاملة‪ ،‬وليس فقط مجرد‬ ‫مجلة‪ .‬سائال ً المولى لكم شخصياً ولكل القائمين عليها‬ ‫القراء»‪.‬‬ ‫مزيداً من ُّ‬ ‫التقدم لخدمة َّ‬ ‫ونحن يا دكتور عبدالعزيز نفخر بمثل هذه العاطفة‬ ‫التي تكنونها للقافلة‪ ،‬ويسرنا إدراج اسمكم الكريم‬ ‫على قائمة المشتركين‪ ،‬آملين أن تصلكم أعدادها‬ ‫تباعاً إن شاء الله‪.‬‬ ‫وجاءنا من أمير عبدالله المدن من القطيف‪:‬‬ ‫«كنت أعمل قبل التقاعد مديراً إلحدى دوائر‬ ‫الخطوط السعودية بالمنطقة الشرقية‪ ،‬وكنا‬

‫نحصل على المطبوعات اليومية والشهرية الصادرة‬ ‫في المنطقة‪ ،‬ومن ضمنها مجلة «القافلة» التي‬ ‫فقدت شخصياً متعة قراءتها آنذاك‪ .‬ولكن‪ ،‬صدفة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت في أحد المكاتب الخاصة مؤخراً حيث رأيت‬ ‫تغيرت شكال ً ومضموناً‪،‬‬ ‫أحد أعداد المجلة التي َّ‬ ‫وهذا بكل تأكيد وراءه جهد القائمين عليها ورئيس‬ ‫تحريرها‪ .‬فأود آ‬ ‫الن معاودة الحصول عليها»‪ .‬ولك‬ ‫يا أخ أمير ما تريد‪.‬‬ ‫اللكترونية‬ ‫وأبدى بسكمار التهامي في رسالته إ‬ ‫أ‬ ‫حرصه على تسلُّم المجلة الورقية‪ ،‬لنه يفضلها على‬ ‫اللكترونية‪ .‬ويطلب بعض أ‬ ‫العداد القديمة التي‬ ‫إ‬ ‫يؤسفنا أن نبلغه بأنها لم تعد متوافرة لدينا للتوزيع‪.‬‬

‫ردود خاصة‬ ‫• أ‬ ‫ الديب صباح محسن الجاسم من بابل في‬ ‫العراق‪ ،‬وصلتنا رسالتك الرقيقة وتمنياتك بحلول‬ ‫عيد أ‬ ‫الضحى المبارك‪ ،‬أعاده الله عليك وعلى‬ ‫واليمن والبركة‪.‬‬ ‫الجميع بالخير ُ‬ ‫• المهندس خالد العنانزة‪ ،‬فكرة الموضوع تبدو‬ ‫جيدة‪ ،‬ولكن نأمل َّأل تكون شديدة التخصص‪.‬‬ ‫اليضاح حول المحتوى إلعطاء‬ ‫نرجو مزيداً من إ‬ ‫الموافقة النهائية عليها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫السكندرية‪،‬‬ ‫• الديب مالك ميخائيل شنودة‪ ،‬إ‬ ‫وصلتنا التهنئة‪ .‬نشكرك عليها‪ ،‬ونقلنا تحياتك إلى‬ ‫أسرة التحرير‪.‬‬ ‫• أ‬ ‫ الخ عادل عبدالله البشراوي‪ ،‬نرجو إرسال مزيد‬ ‫من التفاصيل والعناوين المقترحة لكي نتمكن‬ ‫من إبداء الرأي‪.‬‬ ‫• أ‬ ‫ الخ محمد فرج أحمد‪ ،‬ليبيا‪ ،‬إذا استؤنفت‬ ‫حركة الطيران والبريد إلى ليبيا‪ ،‬ونرجو أن‬ ‫يحصل ذلك قريباً‪ ،‬فستصلك أعداد المجلة‬ ‫بإذن الله‪.‬‬


‫تحية وبعد‬

‫أكثر من رسالة‬

‫االستشفاء باللون كنز عالجي‬ ‫لم يسبر أغواره بعد‬

‫لو تتبعنا تاريخ العالج أ‬ ‫باللوان‪ ،‬لوجدنا أنه كان‬ ‫معروفاً منذ عصور سحيقة‪ ،‬لدى أصحاب الحضارات‬ ‫القديمة‪ ،‬ال سيما في الشرق أ‬ ‫القصى والهند والصين‪،‬‬ ‫والشرق أ‬ ‫الوسط في بالد الرافدين‪ ،‬ولدى القدماء‬ ‫أ‬ ‫المصريين الذين استخدموا اللون فوق الخضر‪،‬‬ ‫داخل أ‬ ‫الهرامات لمقاومة الجراثيم وقتل البكتيريا‬ ‫بهدف الحفاظ على المومياوات‪ ،‬كما لم يجهل‬ ‫العرب أيام حضارتهم الزاهرة آثار أ‬ ‫اللوان العالجية‪،‬‬ ‫فقد جاء في كتاب القانون في الطب البن سينا إشارة‬ ‫اللوان الرئيسة على الفرد‪ ،‬فوجد أن أ‬ ‫إلى تأثير أ‬ ‫الحمر‬ ‫أ‬ ‫على سبيل المثال يثير الدم بينما الزرق يهدئه‪.‬‬

‫قسم العا ِلم «دونالد واطسون» في‬ ‫مختلفة‪ .‬وقد َّ‬ ‫العقل والبدن‪ ،‬تأثيرات أ‬ ‫اللوان العالجية‬ ‫كتابه قاموس‬ ‫إلى مجموعتين‪ ،‬موجبة وتمتاز بتفاعلها الحمضي‬ ‫وإشعاعاتها المنشطة‪ ،‬أ‬ ‫كالحمر في عالج فقر الدم‬ ‫أ‬ ‫والكزيما‪ ،‬وتحت أ‬ ‫أ‬ ‫الحمر في عالج السل‪ ،‬والسود‬ ‫الحساس باالكتئاب‪ ،‬ومثبط للشهية‪،‬‬ ‫الذي يعطي إ‬ ‫أ‬ ‫والصفر في عالج أمراض الجهاز التنفسي والكبد‪ ،‬أما‬ ‫المجموعة السالبة فتمتاز بتفاعلها القلوي‪ ،‬وتأثيرها‬ ‫المهدئ‪ ،‬أ‬ ‫كالزرق فإنه يخفض ضغط الدم‪ ،‬وتصلب‬ ‫ينشط الذاكرة‪ ،‬والبنفسجي يمنع‬ ‫الشرايين‪ ،‬والنيلي ِّ‬ ‫العدوى‪ ،‬لذا يستخدم في غرف النوم‪ ،‬كما أنه‬ ‫يستخدم في مراكز عالج الدمان‪ ،‬أ‬ ‫والبيض يستخدم‬ ‫إ‬ ‫في عالج صفراء حديثي الوالدة‪.‬‬ ‫وقد أحرز العالج أ‬ ‫باللوان تقدماً كبيراً‪ ،‬لم يكن في‬ ‫الدوية أ‬ ‫المكان تحقيقه باستعمال أ‬ ‫الخرى التي كانت‬ ‫إ‬ ‫تستخدم من قبل في عالج مثل هذه الحاالت‪ ،‬حيث‬ ‫البحاث الطبية والعلمية الحديثة‪ ،‬أن أ‬ ‫تؤكد أ‬ ‫اللوان‬ ‫أ‬ ‫قادرة على عالج كثير من المراض‪ ،‬سوا ًء كانت عضوية‬ ‫أو نفسية‪ .‬هذه حقيقة أكدتها أ‬ ‫البحاث الحديثة‪.‬‬

‫الحمر يمنع وصول أ‬ ‫اللون أ‬ ‫الشعة فوق البنفسجية‬ ‫إلى الجلد المصاب‪ ،‬كما يمنع حدوث التشوهات‪.‬‬ ‫وكشف اختصاصي أ‬ ‫المراض الجلدية في مركز بوسطن‬ ‫أ‬ ‫الطبي في الواليات المتحدة المريكية النقاب عن‬ ‫استخدام حزمة من الضوء أ‬ ‫الزرق‪ ،‬تعيد نضارة الشباب‬ ‫إلى البشرة‪ ،‬وتزيد الوجه تألقاً وجماالً‪ ،‬وقد وجد أن‬ ‫العالج بالضوء أ‬ ‫الزرق الذي صدق عليه أصال ً لمعالجة‬ ‫آ‬ ‫الفات الجلدية السرطانية في الوجه‪ ،‬يزيل التجاعيد‬ ‫والخطوط الخفيفة والبقع البنية الداكنة من الوجه‪.‬‬ ‫وأوضح أن الضوء أ‬ ‫الزرق يتفاعل مع محلول خاص‪،‬‬ ‫يوضع على الوجه خالل ‪ 16‬دقيقة‪ ،‬وبعد أسبوع واحد‬ ‫من النقاهة يتم الحصول على الهدف المطلوب‪ ،‬وقد‬ ‫فسر علماء مركز بوسطن ذلك أن الخاليا التالفة تخضع‬ ‫َّ‬ ‫لهذا التفاعل الذي يسبب انفصالها‪ ،‬وتساقطها لمدة‬ ‫أسبوع لتحل محلها خاليا جديدة سليمة‪.‬‬

‫لقد بدأ االهتمام بالتداوي باللون في أوروبا والواليات‬ ‫المتحدة أ‬ ‫المريكية‪ ،‬في النصف الثاني من القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬أما أول كتاب غربي طرح استخدام‬ ‫اللوان ألغراض عالجية‪ ،‬فقد كان كتاب «الضوء أ‬ ‫أ‬ ‫الحمر‬ ‫أ‬ ‫والزرق أو الضوء وأشعته كدواء» لمؤلفه الدكتور‬ ‫س‪ .‬بانكوست‪ ،‬وقد نشر الكتاب عام ‪1877‬م‪،‬‬ ‫وركَّز فيه المؤلف على تأثير أ‬ ‫الشعة الحمراء المنبهة‬ ‫والزرقاء المسكنة على جسم إالنسان‪ .‬ثم أعقبه في‬ ‫عام ‪1887‬م صدور كتاب آخر للدكتور «أيدوين‬ ‫باببت» حمل عنوان مبادئ الضوء واللون‪ ،‬قدم خالله‬ ‫توصيات باتباع عدة تقنيات وأساليب الستخدام اللون‬ ‫بغرض العالج‪َّ ،‬إل أن الحدث المهم الذي أحدث ثورة‬ ‫عامرة في مجال العالج أ‬ ‫باللوان‪ ،‬كان في عام ‪1933‬م‪،‬‬ ‫على يد العا ِلم الهندسي بنشاه غاديالي بظهور كتابه‬ ‫المهم موسوعة قياس ألوان الطيف‪ ،‬الذي فسر خالله‬ ‫معين أن يؤثر‬ ‫الكيفية التي يستطيع بها لون ضوئي َّ‬ ‫بشكل عالجي على الكائن الحي‪.‬‬

‫وأظهرت دراسة أجريت عام ‪1990‬م‪ ،‬تم فيها تسليط‬ ‫أضواء حمراء على عيون مجموعة من المرضى يعانون‬ ‫من الصداع النصفي في بداية ظهور النوبة‪ ،‬فتعافى‬ ‫نحو ‪ %93‬منهم بشكل جزئي نتيجة هذا العالج‪ ،‬وأرجع‬ ‫المعالجون السبب في ذلك إلى أن اللون أ‬ ‫الحمر يزيد‬ ‫ضغط الدم الشرياني‪ ،‬ويوسع أ‬ ‫الوعية الدموية‪.‬‬

‫وتوصلت دراسة إلى أن أ‬ ‫الشخاص الذين يميلون‬ ‫إلى العنف في غرفة مطلية باللون الوردي الفاتح‬ ‫لفترة قصيرة‪ ،‬يجعلهم أكثر هدوءاً واسترخا ًء‪،‬‬ ‫والسبب هو التأثير الفسيولوجي الذي تحدثه الطاقة‬ ‫الكهرومغناطيسية لهذا اللون على إفراز الغدد التي تؤثر‬ ‫مباشرة على االنفعاالت العاطفية المحتملة‪ .‬كما أكدت‬ ‫دراسة علمية أخرى أن طالء حجرات الدراسة باللون‬ ‫أ‬ ‫الزرق الفاتح مع وضع مصابيح إضاءة عادية يجعل‬ ‫التالميذ أكثر انتباهاً‪ ،‬ويقلل من سلوكهم العدواني‪ ،‬أما‬ ‫طالء الجدران باللون البرتقالي‪ ،‬مع إالضاءة بالفلورست‬ ‫فيحدث أثراً عكسياً لسلوك التالميذ‪.‬‬

‫البحاث العلمية الحديثة‪ ،‬أن أ‬ ‫أظهرت أ‬ ‫اللوان تؤثر‬ ‫على الجهاز العصبي للإنسان بإحداث تأثيرات‬

‫كما قام العا ِلم الدانمركي «نيل فتسين» باستعمال‬ ‫الضوء أ‬ ‫الحمر في عالج الجدري‪ ،‬حيث أثبت أن‬

‫خلف أبوزيد‬ ‫محافظة سوهاج ‪ -‬مصر‬

‫ففي دراسة أجريت عام ‪1982‬م‪ ،‬في كلية التمريض‬ ‫في سان دييغو‪ ،‬تم فيها تعرض ‪ 60‬امرأة في متوسط‬ ‫العمر يعانين من التهاب المفاصل الروماتيزمي‪ ،‬للون‬ ‫أ‬ ‫الزرق لمدة ‪ 15‬دقيقة‪ ،‬فشهدن تحسناً ملحوظاً في‬ ‫شدة أ‬ ‫اللم‪ ،‬الذي َخ َّف بدرجة كبيرة عن ذي قبل‪.‬‬

‫الطباء باستخدام اللون أ‬ ‫كما قام فريق من أ‬ ‫الخضر‬ ‫في عالج الحروق‪ ،‬وذلك بوضع المنطقة المصابة‪،‬‬ ‫تحت ضوء ملون باللون أ‬ ‫الخضر‪ ،‬وكانت النتيجة لدى‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫كثير من المرضى أن اللم قد َخ َّف بصورة أسرع‪.‬‬


‫‪7|6‬‬

‫أكثر من رسالة‬

‫ريادة العرب في مجال علم‬ ‫الحيوان والبيطرة‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫برع العرب والمسلمون في مجال تربية الحيوان‬ ‫براعة عظيمة‪ ،‬مكنتهم من استنباط الخيول‬ ‫العربية ‪ -‬في واقع أ‬ ‫المر تم استنباط ساللة الخيول‬ ‫السالم‪ ،‬لكن التحسين فيها‬ ‫العربية قبل ظهور إ‬ ‫تواصل بعده بدأب عظيم حتى تحقق لهذه‬ ‫الخيول التفوق الذي اشتهرت به‪ .‬ونجحوا أيضاً‬ ‫إبان وجودهم في أ‬ ‫الندلس في استنباط ساللة‬ ‫أغنام «المرينو» (‪ )Merino‬التي يعتمد عليها إنتاج‬ ‫الصوف في العالم آ‬ ‫الن‪ .‬وإذا علمنا أن تحسين‬ ‫الحيوان واستنباط السالالت الحيوانية الممتازة‬ ‫هي ممارسات صعبة مركبة تستلزم خبرات دقيقة‪،‬‬ ‫ويحتاج تحقيق أي إنجاز فيها ألجيال طويلة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫النجازات التي حققها العرب في‬ ‫لدركنا أن هذه إ‬ ‫مجال تحسين الحيوان هي في حقيقة أ‬ ‫المر بين‬ ‫أكبر إنجازات العرب الحضارية‪.‬‬ ‫ومن شهادات االختصاصيين الغربيين في هذا‬ ‫المجال‪ ،‬يمكننا أن نذكر قول المؤرخ البيطري‬ ‫سميث‪« :‬إن كتاب الفالحة البن العوام (أبو زكريا‬ ‫الشبيلي‬ ‫العوام إ‬ ‫يحيى بن محمد بن أحمد بن َّ‬ ‫أ‬ ‫الندلسي عالم بالنبات والفالحة‪ ،‬ومهندس ري)‬

‫هو من أفضل وأجود آ‬ ‫الثار العلمية التي كتبت في‬ ‫القرن الثاني عشر في مجال طب الحيوان‪ .‬ويشير‬ ‫العالم بروكلمان في كتابه تاريخ أ‬ ‫الدب العربي إلى‬ ‫أن أفكار ابن العوام متطورة عن أفكار اليونانيين‬ ‫القدماء في هذا المجال‪ .‬ويذكر المؤرخ أ‬ ‫اللماني‬ ‫فرويهنر‪« :‬أن ابن العوام وإن لم يستفد من‬ ‫المصادر اليونانية والرومانية والعربية القديمة إلَّ‬ ‫القيمة التي وفَّق بينها وبين‬ ‫أن له آراءه وبحوثه ِّ‬ ‫أفكار العلماء الذين سبقوه‪ .‬كما أن كتاب حياة‬ ‫الحيوان للدميري (أبو البقاء كمال الدين محمد‬ ‫بن موسي بن عيسي بن علي الملقب بالدميري‬ ‫‪808 - 742‬هـ ‪1405 - 1341/‬م) لعب دوراً مهماً‬ ‫في الثقافة الغربية‪ .‬فكثيراً ما اقتبس منه العالمة‬ ‫لين في معجمه العربي المشهور‪ ،‬كما اقتبس عنه‬ ‫المستشرق أ‬ ‫اللماني هنري فرديناند وستنفلد‪ .‬كما‬ ‫استعان به العالمة بوكارت في مؤلفه المعجمي عن‬ ‫أمراض الحيوان‪ ،‬وأخذ عنه العالمة هازل بعض ما‬ ‫ورد عن مادة الجراد‪ ،‬ومواد أخرى نقال ً عن مخطوط‬ ‫في كوبنهاجن‪ .‬وقد أورد العالمة سلفستر دي ساس‬ ‫مقتطفات مطولة من كتاب حياة الحيوان للدميري‬ ‫في كتابه تاريخ الحيوان‪ .‬وعالوة على ذلك فقد‬

‫تضمنت مؤلفات كثير من علماء أوروبا مقتبسات‬ ‫من كتاب الدميري‪ ،‬أمثال كرامر وهومل وتكسن‬ ‫وبريم وسواهم‪.‬‬ ‫ويقول المستشرق جاكار‪« :‬لقد جاء كتاب حياة‬ ‫السالمية‬ ‫الحيوان للدميري نبعاً فياضاً من الحكمة إ‬ ‫أ‬ ‫والعربية‪ ،‬زاخراً بقواعد الفقه والتشريع والحاديث‬ ‫الدبية أ‬ ‫النبوية والفنون أ‬ ‫والمثال‪ ،‬تدفقت كلها من‬ ‫مناهل متعددة ومصادر مختلفة‪ ،‬وتجمعت كلها في‬ ‫صعيد واحد ينهل منه القارئ المسلم في العالم‬ ‫اللمام به في‬ ‫العربي فيضاً ال ينضب مما يعوزه إ‬ ‫شؤونه الدينية والدنيوية»‪.‬‬ ‫ويقول المستشرق الفرنسي لوكلير‪« :‬إذا أسقط من‬ ‫الحساب ما ورد في كتاب الدميري من الخرافات‬ ‫والقصص وتراجم أ‬ ‫الشخاص‪ ،‬فإن الكتاب يُعد‬ ‫مجموعة فريدة قيمة من الحقائق المتصلة بتاريخ‬ ‫وعلم الحيوان»‪.‬‬ ‫صالح الشهاوي‬ ‫مصر‬

‫لسالمة الحداثة أ‬ ‫الدبية‬ ‫االنطباع الذي يخرج به متصفح الكثير من الدوريات‬ ‫الثقافية العربية‪ ،‬خاصة الصفحات الثقافية في‬ ‫الصحف اليومية‪ ،‬يلحظ بمرور الوقت غياباً يكاد أن‬ ‫العمال أ‬ ‫يكون كامال الستعراض أ‬ ‫الدبية التي تعود‬ ‫ً‬ ‫إلى جيل مضى وما قبل‪ .‬حتى ليكاد القارىء يظن‬ ‫أنه يعيش عصر والدة الشعر‪ ،‬وأن الرواية تُخترع‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫إنني ال أثير هنا مسألة أ‬ ‫الصالة في الحداثة‪ ،‬ولكنني‬ ‫أتطلع إليها وحتى إلى أرقى ما فيها‪ ،‬من زاوية‬ ‫القارىء المستهلك‪.‬‬ ‫فهذا التغييب للتراث أ‬ ‫الدبي وخاصة العالمي منه‪،‬‬ ‫يصبح أمراً مؤسفاً بشكل خاص‪ ،‬عندما نالحظ أن‬

‫الجيل الصاعد‪ ،‬حتى بمن فيه من المهتمين عن‬ ‫كثب بعالم أ‬ ‫الدب‪ ،‬يجهل الكثير عن عمالقة ما‬ ‫أ‬ ‫قبل القرن العشرين‪ .‬علماً أن الفهم العميق لرقى‬ ‫العمال أ‬ ‫أ‬ ‫الدبية المعاصرة‪ ،‬حتى تلك التي تحوز‬ ‫جوائز نوبل‪ ،‬يشترط فهماً أعمق لروايات القرن‬ ‫التاسع عشر‪.‬‬ ‫فاطالع شخص ما على روايات هذا أ‬ ‫الديب المعاصر‬ ‫العالم سيبقى مجرد‬ ‫الذي تتحدث عنه وسائل إ‬ ‫«معلومة»‪ ،‬ولن يصبح ثقافة إال إذا صارت قراءته‬ ‫على ضوء المسار الذي خطه سابقوه‪ .‬بعبارة أخرى‪،‬‬ ‫أن تحفظ بضعة أبيات شعرية لمحمود درويش ال‬ ‫يجعلك مثقفاً‪ ،‬إال إذا كان في مخزون ذاكرتك أبيات‬ ‫أخرى للمعري والمتنبي وأحمد شوقي‪..‬‬

‫فمتى كانت آخر مرة قرأ فيها أحدكم مقاال ً عن أحمد‬ ‫شوقي أو المعري؟‬ ‫تؤمن هذا االطالع‬ ‫لو أن المناهج الدراسية كانت ِّ‬ ‫الالزم‪( ،‬وال نعرف إن كانت تتسع له)‪ ،‬لكانت‬ ‫العالم‬ ‫يعول على إ‬ ‫المشكلة أقل حدةً‪ .‬من هنا ّ‬ ‫الواعي سد هذا النقص‪ ،‬ليس فقط من باب خدمة‬ ‫القارئ‪ ،‬بل أيضاً من باب خدمة نفسه‪ ،‬إذ عندها‬ ‫فقط ستصبح الحداثة التي يروج لها مفهومة‬ ‫ومقبولة ورائجة فعالً‪.‬‬ ‫البراك‬ ‫نيازي ّ‬ ‫حلب‪ ،‬سورية‬


‫تغطية‪ :‬نبيل الخشن‬

‫مهارات التفاوض‬ ‫الناجح‬

‫أدار الورشة المهندس لورانس خير هللا‪ ،‬رئيس شركة‬ ‫«دايناميك ريكروت»‪ ،‬بحضور عدد من الشبان والشابات‬ ‫العاملين في القطاع الخاص‪ .‬وشهدت الورشة تفاعال ً‬ ‫مفيداً بين المحاضر والمشاركين من جهة وبين المشاركين‬ ‫أنفسهم من جهة ثانية‪ ،‬وتخللتها تدريبات عملية على‬ ‫مهارات التفاوض‪.‬‬

‫ورشة عمل‬

‫التفاوض مهارة تختلف تماماً عن مهارة الحوار‪ ،‬ألنها تفترض وجود‬ ‫تباين يسعى واحد من طرفين إلى حسمه لصالحه في مواجهة‬ ‫الطرف آ‬ ‫الخر‪ .‬وكثيراً ما يحضر التفاوض في حياتنا اليومية حول‬ ‫أمور متفاوتة أ‬ ‫الهمية‪ ،‬ولكن هذه المهارة تُصبح من مفاتيح‬ ‫الساسية في الحياة المهنية ومجاالت أ‬ ‫النجاح أ‬ ‫العمال‪ .‬فإتقان‬ ‫التفاوض يعني تحقيق الكسب المنشود‪ ،‬والتعثر فيه منزلق يؤدي‬ ‫إلى التراجع والخسارة‪.‬‬ ‫فما هي مقومات التفاوض الجيد؟ وما هي تقنيات تطوير هذه‬ ‫المهارة كي يتمكن المفاوض من تحقيق أفضل النتائج؟‬


‫‪9|8‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫أ‬ ‫اليوم الول‬

‫مجريات الورشة‬

‫أنواع التفاوض‬

‫تحديد المكاسب‬ ‫المتبادلة‬ ‫تقنيات‬ ‫المساومة‬

‫مجريات الورشة‬

‫حدد المحاضر أربعة مواضيع لورشة العمل‪:‬‬ ‫أنواع التفاوض‬ ‫آ‬ ‫ ما يجوز أو ال يجوز كشفه من معلومات للطرف الخر في‬ ‫عملية التفاوض‬ ‫تقنيات المساومة‬ ‫تحديد المكاسب المتبادلة‬ ‫قد تكون المفاوضات من النوع التكاملي‪ ،‬حيث يتعلَّق أ‬ ‫المر‬ ‫بمواضيع وأطراف متعددة مما يتطلب «بناء الجسور» للتوصل إلى‬ ‫بوتقة مشتركة‪ ،‬ومن ثم إلى حل يراعي مصالح أ‬ ‫الطراف التي قد‬ ‫تبدو متناقضة للوهلة أ‬ ‫الولى‪ ،‬وذلك عبر تنازالت متبادلة‪ .‬وقد يكون‬ ‫التفاوض محصوراً بموضوع واحد مثل طلب زيادة الراتب‪ ،‬حيث‬ ‫يتم التفاوض بين طرفين (الموظف وصاحب العمل أو من يمثله)‪.‬‬

‫أية معلومات‬ ‫نشارك‬

‫من النوع‬ ‫قد تكون‬ ‫المفاوضاتق أ‬ ‫المر بمواضيع‬ ‫التكاملي‪ ،‬حيث يتع َّل‬ ‫وأطراف متعددة مما يتطلب «بناء‬ ‫الجسور» للتوصل إلى بوتقة مشتركة‬

‫الطراف أ‬ ‫الحوال عدم إعطاء الطرف أو أ‬ ‫علينا في جميع أ‬ ‫الخرى‬ ‫معلومات تُضعف موقفنا التفاوضي‪ ،‬وأن نسعى بدال ً من ذلك إلى‬ ‫استدراج معلومات من الطرف آ‬ ‫الخر تساعدنا على تقوية موقفنا‪.‬‬ ‫أما كيف يكون ذلك؟ فيقول المحاضر إن التعامل المثالي مع‬ ‫كشف أو حجب المعلومات سيتضح من خالل مهارات االستعداد‬ ‫واالستماع التي سيأتي تفصيلها الحقاً‪.‬‬

‫مراحل التفاوض‬

‫تنقسم عملية التفاوض إلى ثالث مراحل‪:‬‬ ‫تبادل المعلومات‬ ‫المساومة‬ ‫إبرام الصفقة‬


‫ويجب في كل واحدة من المراحل الثالث ممارسة أكبر قدر ممكن‬ ‫من مهارات التفاوض الخمس التالية‪ )1 :‬إجادة التحدث ‪ )2‬إجادة‬ ‫االستماع ‪ )3‬إبداء الثقة بالنفس ‪ )4‬التحلي بالصبر ‪ )5‬احترام الطرف‬ ‫آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫وحول مهارة االستماع‪ ،‬أوضح المحاضر أن المستمع الجيد يضرب‬ ‫عصفورين بحجر واحد‪:‬‬ ‫ ترك الطرف آ‬ ‫الخر يتحدث دون مقاطعة تحاشياً لخلق جو من‬ ‫الجدل العقيم والتوتر‪.‬‬ ‫ ترك الطرف آ‬ ‫الخر يستفيض في الحديث بحيث يكشف بقصد‬ ‫آ‬ ‫أو بدون قصد عن معلومات قد تفيد الطرف الخر‪ .‬بل إن‬ ‫المستمع الذكي قد يستنتج معلومة ما من خالل محاولة‬ ‫المتحدث إخفاءها‪.‬‬

‫االستعداد‬

‫كما هو الحال في مباشرة أية مهمة تتسم بالتحدي‪ ،‬فإن التفاوض‬ ‫الناجح يتطلَّب استعداداً وتحضيراً مسبقاً‪ .‬علينا قبل الشروع في‬ ‫نحدد النتيجة المرجوة من العملية‪ ،‬والحد‬ ‫عملية التفاوض أن ِّ‬ ‫أ‬ ‫الدنى الذي سنوافق عليه‪ ،‬وما هو مقبول أو غير مقبول بالنسبة‬ ‫لنا‪ .‬إذا كنا ال نعرف وجهتنا‪ ،‬فإننا سنجد أنفسنا في مكان ال نريده‪.‬‬ ‫كما أن علينا أن نكون مستعدين على المستوى الشخصي (مظهرنا‬ ‫وملبسنا)‪ ،‬أ‬ ‫والهم في هذا أن تكون مقاربتنا لعملية التفاوض‬ ‫متسمة بالثقة وبموقف إيجابي ينشد حال ً مقبوال ً للطرفين‪.‬‬

‫السوأ واالحتمال أ‬ ‫علينا أيضاً أن نحدد االحتمال أ‬ ‫الفضل اللذين قد‬ ‫تسفر عنهما االتفاقية الناتجة عن عملية التفاوض‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫المثال‪ ،‬حين نكون الجانب المشتري في مفاوضات حول سعر‬ ‫نحدد‪ ،‬بنا ًء على معطيات ومعلومات‪ ،‬أعلى سعر‬ ‫سلعة ما‪ ،‬علينا أن ِّ‬ ‫نكون مستعدين لدفعه وإال تخلينا عن الصفقة إذا أصر البائع على‬ ‫سعر أعلى من ذلك‪ .‬من المهم جداً هنا َّأل نكشف للبائع السعر‬ ‫أ‬ ‫العلى الذي حددناه‪ ،‬ألننا قد نحصل بنتيجة التفاوض على سعر‬ ‫أقل منه‪ ،‬وأن نظل ثابتين على موقفنا وأن نكون مستعدين للتخلي‬ ‫عن شراء السلعة إذا فشلنا في الوصول إلى مبتغانا‪ .‬وعلينا‪ ،‬بنا ًء‬ ‫نحدد «نطاق االتفاق‬ ‫على معرفتنا بسعر السلعة الواقعي‪ ،‬أن ِّ‬ ‫الممكن» (‪ )ZOPA‬بحيث ال نوافق على أي سعر يزيد على هذا‬ ‫النطاق‪ .‬ونؤكد هنا ثانية ضرورة عدم تمكين البائع من معرفة‬ ‫السعر أ‬ ‫العلى الذي نكون مستعدين لدفعه‪.‬‬

‫التفاوض الناجح يتط َّلب استعداداً وتحضير ًا‬ ‫مسبقاً‪ .‬علينا قبل الشروع في عملية التفاوض أن‬ ‫نحدد النتيجة المرجوة من العملية‬

‫االحترام‬

‫النصات بانتباه‬ ‫إ‬

‫التحضير‬

‫ وضح االلتزامات‬ ‫• ِّ‬ ‫الرئيسة لديك‬ ‫• خ ِّطط الستراتيجيتك‬ ‫التفاوضية‬

‫تبادل المعلومات‬ ‫المساومة‬ ‫إبرام الصفقة‬

‫نصيحة‪:‬‬

‫المهارات الالزمة للتفاوض الناجح‬ ‫الصبر‬

‫مراحل التفاوض‬

‫الثقة بالنفس‬

‫لن يكشف لك أحد جميع أوراقه‪.‬‬ ‫عليك أن تستشف ما يريده الطرف‬ ‫الخر‪ ،‬أ‬ ‫آ‬ ‫ولن السبب الذي يعطيه ال‬ ‫يكون أبداً السبب الحقيقي‪ ،‬فإنك‬ ‫المعطى‪.‬‬ ‫تستطيع استبعاد السبب ُ‬

‫الكالم المؤثر‬

‫التموضع أ‬ ‫الولي‬ ‫أ‬

‫ حدد موقفك الولي‬ ‫• ِّ‬ ‫الواقعي‬ ‫• اسمح للحركة انطالقاً‬ ‫من موقفك أ‬ ‫الولي‬ ‫• تأكد من مراجعة كل‬ ‫مواقفك أ‬ ‫الخرى‬

‫العملية التفاوضية‬ ‫المساومة‬

‫• ناقش وافحص‬ ‫آ‬ ‫التزامات الطرف الخر‬ ‫• اكتشف إشارات التنازل‬ ‫المحتملة‬ ‫• حدد أ‬ ‫الرضية المشتركة‬ ‫ِّ‬

‫تقريب المواقف‬

‫• كُن مستعداً للتنازل‬ ‫الج َدل المشروط‬ ‫• استخدم َ‬ ‫يقرب موقفك‬ ‫• تنازل بما ِّ‬ ‫آ‬ ‫من موقف الطرف الخر‬ ‫لكن دون التخلي عن‬ ‫التزاماتك أ‬ ‫الساسية‬

‫إبرام الصفقة‬

‫ شدد على أهمية‬ ‫• ِّ‬ ‫المنفعة المشتركة‬ ‫ توخ الحذر في عرضك‬ ‫• َّ‬ ‫النهائي‬ ‫• ضع مسودة االتفاق‬ ‫وضمان موافقة الطرفين‬


‫‪11 | 10‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫نأتي هنا إلى االستعداد الشخصي‪ .‬يجب أن نلتزم دائماً أدبيات‬ ‫التخاطب‪ ،‬فانتقاء العبارات المهذبة واللطيفة ال ينتقص أبداً من‬ ‫قوة الحجة التي نسوقها‪ ،‬بينما العبارات النابية أو الجارحة ستؤدي‬ ‫إلى تصلب الطرف آ‬ ‫الخر وإفشال التفاوض‪ .‬لكن اللياقة ال تعني‬ ‫عدم الثبات على الموقف‪ ،‬إذ يجب أن نبدي صالبة تمنع الطرف‬ ‫آ‬ ‫الخر من أن يستشف أي ضعف في موقفنا‪َّ ،‬‬ ‫وأل نفقد أبداً أعصابنا‬ ‫أ‬ ‫القناع والتوصل إلى اتفاق‬ ‫ونظل هادئين‪ ،‬لن الهدوء يسهل إ‬ ‫مقبول‪ .‬كما أن المفاوض المتمرس والناجح ال يأخذ أ‬ ‫المور بشكل‬ ‫شخصي‪ ،‬فيتحسس مثال من تصلب الطرف آ‬ ‫الخر ويَعد ذلك تحدياً‬ ‫ً‬ ‫شخصياً له‪ ،‬بل يحاول دائماً تصحيح مسار التفاوض من خالل‬ ‫الرجوع إلى معطيات موضوعية ومعلومات تجبر الطرف آ‬ ‫الخر على‬ ‫التخلي عن تصلبه‪.‬‬

‫عامل الزمان والمكان‬

‫يحرص المفاوض الناجح على انتقاء توقيت التفاوض‪ ،‬وذلك بنا ًء‬ ‫على أنسب وقت له وبناء على معلومات عن المفاوض آ‬ ‫الخر بحيث‬ ‫ً‬ ‫ال يكون الموعد مصدر مضايقة أو إزعاج لذلك الطرف‪ ،‬مما قد‬ ‫يجعله أقل استعداداً لتقديم تنازالت‪ .‬كما أن المكان يتسم بأهمية‬ ‫كبيرة لجهة العوامل النفسية لدى المفاوضين‪ :‬فالتفاوض مع‬ ‫الطرف آ‬ ‫الخر داخل «عرينه» وهو يجلس وراء مكتبه كأسد زمانه قد‬ ‫يؤدي إلى اختالل توازن الثقة بالنفس بين الطرفين‪ .‬ولذا‪ ،‬يجب قدر‬ ‫الصرار على التفاوض في مكان محايد ال يعطي أفضلية‬ ‫المكان إ‬ ‫إ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫يخلو المكان‬ ‫مسبقة لحد الطرفين على حساب الخر‪ .‬كما يجب أن َ‬ ‫والزعاج (مثل مطعم‪ ،‬يأتي فيه النادل كل‬ ‫من فرصة المقاطعة إ‬ ‫ً‬ ‫خمس دقائق للسؤال عن ما إذا كنت تريد شيئا أو يقف دون سبب‬ ‫قرب الطاولة)‪.‬‬

‫التوصل إلى أرضية مشتركة‬

‫من أجل حسن سير عملية التفاوض‪ ،‬يجب على المفاوضين التوصل‬ ‫أوال إلى أرضية مشتركة تكون أ‬ ‫الساس الذي سيتم عليه بناء التقدم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الالحق‪ ،‬بحيث تكتسب عملية التفاوض زخما ذاتيا يس ِّهل التوصل‬ ‫إلى االتفاق المنشود بين الطرفين‪ .‬وتسهل أ‬ ‫الرضية المشتركة وضع‬ ‫إطار لعملية التفاوض واالتفاق على ما يتم التفاوض حوله وما هو‬ ‫غير قابل للتفاوض‪ ،‬وذلك بناء على القيم أ‬ ‫والهداف التي يتبناها‬ ‫ً‬ ‫كل طرف‪.‬‬

‫المرحلة أ‬ ‫الولى‪ :‬تبادل المعلومات‬

‫‪1‬‬

‫تتضمن المرحلة أ‬ ‫الولى من عملية التفاوض تبادل المعلومات‬ ‫يوضح كل طرف موقفه من المسائل المطروحة‬ ‫بين الطرفين‪ِّ .‬‬ ‫للتفاوض‪ ،‬وذلك بطريقة غير تصادمية تحاشياً لعدم استفزاز‬ ‫الطرف آ‬ ‫الخر‪ .‬الجزء الصعب الذي يتطلَّب ذكا ًء في هذه‬ ‫آ‬ ‫طي‬ ‫المرحلة هو تحديد ما سنكشفه للطرف الخر وما سنبقيه ّ‬ ‫الكتمان‪ .‬يجب أن يكون المنطلق صحيحاً‪ ،‬فنتطرق أوال ً إلى‬ ‫النساني‬ ‫مسائل عامة وجانبية مع الحرص على إظهار جانبنا إ‬ ‫وعدم إغفال أهمية المعارف أو االهتمامات المشتركة التي‬ ‫تخلق جواً من التقارب‪ .‬علينا في إطار تبادل المعلومات‬ ‫نحدد مواضيع التفاوض‬ ‫أن نوضح موقفنا بالتفصيل‪ ،‬وأن ِّ‬ ‫والمسائل التي سيتم نقاشها‪.‬‬

‫نصيحة‪:‬‬

‫كن لطيفاً‪ ،‬ولكن‪ ،‬إذا شعرت أنك غير‬ ‫قادر على المحافظة على لطفك‪ ،‬فاطلب‬ ‫من شخص آخر متابعة التفاوض بدال ً‬ ‫منك حتى ال تفسد العملية‪.‬‬

‫كيفية تجاوز «الطريق المسدود»‬

‫عندئذ؟ إذا‬ ‫قد تصل المفاوضات إلى طريق مسدود‪ .‬ما العمل‬ ‫ٍ‬ ‫كان الطريق المسدود يتعلَّق بدفع مبلغ من المال‪ ،‬فإنه يمكننا‬ ‫حينئذ أن نحاول تجاوزه بأن نزيد مثال ً قيمة المبلغ المتفق على‬ ‫ٍ‬ ‫دفعه مقدماً مع تقصير مدة تقسيط باقي المبلغ‪ .‬وقد تنشأ‬ ‫جو عدائي بين أحد أعضاء الفريق‬ ‫حالة الطريق المسدود بسبب ٍّ‬ ‫المفاوض والطرف آ‬ ‫الخر‪ ،‬وفي هذه الحالة‪ ،‬على هذا الفريق تغيير‬ ‫هذا العضو لمحاولة تحسين جو المفاوضات ورأب الصدع‪ .‬ومن‬ ‫المستحسن أن نسعى إلى االتفاق على المسائل السهلة بينما نترك‬ ‫المسائل الصعبة لمرحلة الحقة‪.‬‬


‫تطبيق عملي‪:‬‬

‫الدور أ‬ ‫الول‪:‬‬ ‫البائع‬

‫السعر في بلد المشتري‪ 140 :‬دوالراً‬ ‫تكلفة السترة على البائع‪ 30 :‬دوالراً‬ ‫أعلى سعر حصل عليه البائع‪ 100 :‬دوالر‬ ‫سعر الصفقات النهائية‪ 75 :‬و‪ 80‬دوالراً‬

‫سبق لك بيع ‪ 8‬سترات جلدية لغرباء خالل‬ ‫أ‬ ‫اليام القليلة الماضية‪ .‬أقل ثمن حصلت‬ ‫عليه كان ‪ 40‬دوالراً وأعلى ثمن كان ‪100‬‬ ‫دوالر للسترة الواحدة‪ .‬معظم الغرباء‬ ‫لم يساوموك على السعر‪ .‬وتكلفة السترة‬ ‫عليك ‪ 30‬دوالراً‪ .‬أنت مصمم على تحقيق‬ ‫ربح جيد‪..‬‬

‫الدور الثاني‪:‬‬ ‫المشتري‬ ‫أنت تحاول شراء سترة جلدية من بائع في بلد أجنبي‪ .‬السترة‬ ‫حازت إعجابك من حيث تصميمها وتناسبها مع الموضة‪ .‬لكنك‬ ‫ترى أن البائع يطلب سعراً عالياً‪ ،‬فهل تستطيع التفاوض على‬ ‫سعر مقبول للطرفين‪ .‬أقصى سعر يمكنك دفعه هو ‪ 80‬دوالراً‪.‬‬ ‫كما أنك تعرف أن ثمن هذه السترة في هذا البلد هو تقريباً‬ ‫النصف مقارنة بثمنها في بلدك‪ .‬قرر ما هو المبلغ الذي تريد‬ ‫دفعه وما هي التكتيكات التي ستستخدمها للحصول على‬ ‫تنازالت‪ .‬ثمن السترة المماثلة في بلدك حوالي ‪ 140‬دوالراً‪.‬‬

‫أهمية التطلع إلى المكاسب المتبادلة‬

‫كثيراً ما تتعثر المفاوضات أو تفشل بسبب تركيز المفاوضين على‬ ‫تأكيد مواقفهم وميلهم إلى المجادلة بدال ً من البحث عن مكاسب‬ ‫متبادلة‪ ،‬أي ما يمكن الحصول عليه من المفاوضات لمنفعة الطرفين‬ ‫وخدمة مصالحهم‪ .‬لذا‪ ،‬فإن المفاوض الناجح يركِّز على المصالح‬ ‫جو من االحترام المتبادل مع‬ ‫بدال ً من المواقف ويسعى إلى خلق ٍّ‬ ‫العقَد التي قد تعترض التوصل‬ ‫احتفاظه ببدائل متعددة لتجاوز ُ‬ ‫إلى حل‪ .‬ويكون الحل القائم على المكاسب المتبادلة مبنياً على‬ ‫تبادل أ‬ ‫الفكار المفيدة‪ ،‬والتعرف على القيم المشتركة بين الطرفين‪،‬‬ ‫وتوسيع أو تضييق نطاق االتفاق حسب الضرورة مع تحديد‬ ‫المسائل التي يمكن وضعها جانباً من أجل التفاوض حولها الحقاً‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬المساومة‬

‫‪2‬‬

‫ببلوغ هذه المرحلة‪ ،‬نكون قد وصلنا إلى لب عملية التفاوض‪.‬‬ ‫هذه المرحلة‪ ،‬أي المساومة‪ ،‬هو ما يعنيه الناس عادة حين‬ ‫يتحدثون عن عملية التفاوض‪ .‬تكون المساومة حول أمور‬ ‫مادية محسوسة ومحددة‪ ،‬مثل ثمن السلعة أو الراتب الذي‬ ‫يطلبه الموظف‪ .‬ما الذي يمكننا توقعه في هذه المرحلة؟ هل‬ ‫نرى الطرف آ‬ ‫الخر يطرح أوال ً عرضاً غير معقول؟ أو هل يحاول‬ ‫تسريع المفاوضات بأكثر مما ينبغي للقفز فوق بعض المسائل‬ ‫التي طلبناها أو قد نطلبها؟ أم هو يحاول وضع المسائل في‬ ‫إطار يضمن له أفضلية على حسابنا؟‬

‫التطبيق العملي‬

‫انتهى اليوم أ‬ ‫الول من الورشة بتطبيق عملي لمهارات التفاوض‬ ‫في مجال البيع والشراء‪ .‬فتطوع ثالثة من المشاركين للقيام بدور‬ ‫وزود‬ ‫البائعين‪ ،‬وتطوع ثالثة آخرون للقيام بدور المشترين‪َّ .‬‬ ‫المحاضر الفريق البائع بمعلومات منها تكلفة السترة الجلدية (‪30‬‬ ‫دوالراً أمريكياً للواحدة) التي سيحاولون إقناع المشترين بدفع أعلى‬ ‫زود المشترين بمعلومات‪ ،‬منها أن ثمن السترة‬ ‫ثمن ممكن لها‪ ،‬بينما َّ‬ ‫في بلدهم حوالي ‪ 140‬دوالراً أمريكياً بينما يمكنهم في البلد الذي‬ ‫هم موجودون فيه حالياً الحصول عليها بحوالي نصف الثمن أو‬ ‫الول من إقناع المشتري أ‬ ‫أقل‪ .‬تمكن البائع أ‬ ‫الول بدفع ‪ 80‬دوالراً‬ ‫أمريكياً ثمناً للسترة‪ ،‬بينما حصل البائع الثاني على ‪ 75‬دوالراً والبائع‬ ‫الثالث على ‪ 80‬دوالراً‪ .‬مارس المشاركون في هذا التطبيق العملي‬ ‫ما تعلموه في يوم الورشة أ‬ ‫الول‪ ،‬وال سيما مهارات كتم أو كشف‬ ‫المعلومات بما يع ِّزز موقفهم التفاوضي‪ ،‬وإبداء أو عدم إبداء‬ ‫االهتمام بشراء السلعة‪ ،‬ومهارة االستماع وإشاعة جو من أ‬ ‫اللفة بين‬ ‫ٍّ‬ ‫الجانبين‪.‬‬ ‫كان المشترون يعرفون أن ثمن السترة في بلدهم هو حوالي ‪140‬‬ ‫دوالراً‪ ،‬فاعتقدوا أنهم توصلوا إلى صفقة مثالية‪ ،‬ولكنهم كانوا‬ ‫يجهلون المعلومة أ‬ ‫الهم‪ :‬تكلفة السترة على البائع ال تتجاوز ‪30‬‬ ‫دوالراً‪ .‬ولو كانوا على دراية بالمعلومة الثانية‪ ،‬فإنهم كانوا سيتمكنون‬ ‫من شراء السترة بثمن أقل مما دفعوه‪.‬‬


‫‪13 | 12‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫اليوم الثاني‬ ‫بدأت مجريات اليوم الثاني من الورشة بالسؤالين التاليين‪:‬‬ ‫ما الذي أريده؟ وما الذي يريده خصمي في المفاوضات؟‬ ‫أحدد ما أريده بوضوح‪ ،‬وأن أكون مدركاً ما‬ ‫يجب أن ِّ‬ ‫هو الحل المثالي مقابل الحل الواقعي‪ ،‬وما هي رغباتي‬ ‫علي أن أعرف ما هي احتياجات‬ ‫مقابل احتياجاتي‪ .‬ثم َّ‬ ‫الهم أ‬ ‫هو أ‬ ‫والقل أهمية بالنسبة‬ ‫خصمي الحقيقية‪ ،‬وما‬ ‫له‪ .‬تلك هي المعطيات التي سأسترشد بها في إدارة عملية‬ ‫التفاوض‪.‬‬

‫من مهارات التفاوض‬

‫كيفية التعامل مع الصعوبات‬ ‫بحسن نية وبهدف‬ ‫مع أن معظم الناس يتفاوضون عادة ُ‬ ‫التوصل إلى اتفاق يحقق المصلحة المشتركة‪ ،‬ولذلك فإنهم‬ ‫ال يلجأون إلى الخداع والحيل أو محاولة التهويل على الطرف‬ ‫آ‬ ‫الخر‪ ،‬إال أننا قد نجد أنفسنا أحياناً في مواجهة مفاوض‬ ‫ال يلتزم أخالقيات التفاوض‪ ،‬ويسعى إلى استفزازنا باعتماد‬ ‫أسلوب التهجم الشخصي‪ .‬علينا أن نظل مؤدبين وهادئين‪،‬‬

‫بناء التفاهم وإبرام الصفقة‬ ‫ترجمة‬ ‫العموميات إلى‬ ‫مسائل محددة‬

‫إدراك أن مرحلة‬ ‫المساومة قد‬ ‫انتهت‬

‫في التوصل إلى تفاهم‪ :‬ضرورة التزام ما سبق تقريره وعدم‬ ‫محاولة االلتفاف على ذلك‪ ،‬وإدراك أن الشيء نفسه قد تكون له‬ ‫معان مختلفة باختالف أ‬ ‫الشخاص‪ ،‬و أنه ال يمكن ألي حل أو اتفاق‬ ‫ٍ‬ ‫أن يرضي جميع الناس‪ ،‬و أن الحصول على ‪ %50‬من شيء ما أفضل‬ ‫من الحصول على ال شيء‪.‬‬ ‫في وضع صيغة االتفاق‪ :‬ترجمة العموميات إلى مسائل محددة‪،‬‬ ‫وإدراك أن مرحلة المساومة قد انتهت‪ ،‬وتفسير التفاهم‪ ،‬ووضع‬ ‫خطي يتضمن‬ ‫مسودة االتفاق‪ .‬وتنتهي العملية بصياغة اتفاق ّ‬ ‫شروط وآلية التنفيذ مع كافة التفاصيل الضرورية‪ .‬ويستحسن‪،‬‬ ‫ال سيما في الصفقات الكبيرة‪ ،‬االستعانة بمحامين متخصصين في‬ ‫صياغة العقود‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬إبرام الصفقة‬

‫المرحلة الثالثة من عملية التفاوض هي وقت التوصل إلى‬ ‫تفاهم ووضع صيغة االتفاق‪ .‬تتطلب هذه المرحلة قدراً من‬ ‫العمل الجاد من أجل ضمان توصل المفاوضات إلى النتائج‬ ‫المرجوة‪.‬‬

‫تفسير التفاهم‬ ‫بالجماع مع‬ ‫إ‬ ‫كاف من‬ ‫قدر ٍ‬ ‫التفصيل‬

‫وضع مسودة‬ ‫االتفاق مع‬ ‫الشروط بأوضح‬ ‫صورة ممكنة‬

‫وأن نحاول إعادة النقاش إلى مساره الصحيح‪ ،‬أي إلى المسائل‬ ‫موضوع التفاوض‪ ،‬وأن نقترح استراحة قصيرة من أجل تنقية‬ ‫أ‬ ‫الجواء‪ .‬وإذا لم ينجح ذلك كله‪ ،‬فإنه يجدر بنا أن نطلب‬ ‫تعليق المفاوضات‪ .‬يجب أن نحتفظ دائماً بخيار تعليق‬ ‫المفاوضات إذا شعرنا بأننا مهددون‪ ،‬أو معرضون لمضايقة‬ ‫ال تحتمل بسبب لجوء الطرف آ‬ ‫الخر إلى تكتيكات تجعل‬ ‫التفاوض مستحيالً‪.‬‬ ‫التفاوض عبر الهاتف‬ ‫يجب‪ ،‬في حال التفاوض عبر الهاتف‪ ،‬أن نركِّز اهتمامنا على مسائل‬ ‫محددة‪ ،‬وأن نصغي بانتباه إلى ما يقوله المفاوض آ‬ ‫الخر‪َّ ،‬‬ ‫وأل نشعر‬ ‫بأننا مرغمون على التسرع في قراراتنا وأن نطلب إعطاءنا مزيداً من‬ ‫الوقت‪ .‬وأن يتم تأكيد ما تم االتفاق عليه خطياً‪.‬‬ ‫التفاوض عبر رسائل إلكترونية (إيميل)‪:‬‬ ‫من المناسب استخدام هذه الطريقة في عملية تفاوض‪ :‬يكون‬ ‫موضوعها محدداً بوضوح؛ ال يتطلَّب موضوعها نقاشاً مستفيضاً؛ إذا‬ ‫كان الجواب المتوقع بسيطاً نسبياً؛ إذا كانت إمكانية سوء التفاهم‬ ‫محدودة‪.‬‬


‫نصيحة‪:‬‬

‫يمكن دائماً التوصل إلى إبرام‬ ‫صفقة حين يدرك الطرفان‬ ‫وجود منفعة مشتركة فيها‬

‫من مهارات التفاوض‬ ‫كيفية التعامل مع الصعوبات‬ ‫التفاوض عبر الهاتف‬ ‫اللكترونية‬ ‫التفاوض عبر الرسائل إ‬ ‫اختيار الفريق المفاوض‬ ‫تذكير كل عضو بأهداف الفريق‬ ‫التحقق من أن كل عضو يفهم جيداً ما هو دوره في المفاوضات‬ ‫وضع «قواعد اللعبة» التي ستحكم المفاوضات‬ ‫ على كل عضو أن يعرف ما هي مسؤولياته وما هي حدود‬ ‫استقالليته‪ ،‬وما الذي يجوز أو ال يجوز له عرضه على الفريق‬ ‫آ‬ ‫الخر‬ ‫التعامل مع أ‬ ‫السئلة الصعبة‬ ‫ قل بلهجة ودية إن السؤال في غير موضعه أو على غير صلة‬ ‫بالموضوع‬ ‫قل إنك ال تعرف الجواب‬ ‫الجابة عن هذا السؤال‬ ‫قل إنك تريد أن تتريث قبل إ‬ ‫أجب عن السؤال بسؤال‬ ‫قراءة لغة الجسد‬ ‫ومعبرة عن المشاعر‪ ،‬وهي تع ِّزز مهارات‬ ‫صادقة‬ ‫لغة الجسد‬ ‫ِّ‬ ‫التواصل‪ ،‬كما أنها أبلغ من الكالم‪ .‬من إشاراتها مدى القرب من‬ ‫الشخص آ‬ ‫الخر‪ ،‬وطريقة التنفس التي تدل على ارتياح أو توتر‪،‬‬ ‫وتعابير الوجه التي تنم عن انزعاج أو عكس ذلك‪.‬‬

‫ضرورة التنبه للخصائص الثقافية‬ ‫يدرك المفاوض الناجح ضرورة معرفة الخصائص الثقافية للشعب‬ ‫الذي ينتمي إليه الطرف آ‬ ‫الخر في عملية التفاوض‪ ،‬ولذلك فإنه‬ ‫المكان على عادات وتقاليد ذلك الشعب‪،‬‬ ‫يحرص على االطالع قدر إ‬ ‫آ‬ ‫سيعدها الطرف الخر الئقة أو غير‬ ‫لكي يعرف ما هي تصرفاته التي ُ‬ ‫الئقة‪ ،‬وما هي حركات الجسد أو الكلمات التي تنم عن احترام أو‬ ‫عدم احترام بالنسبة للطرف آ‬ ‫الخر‪ ،‬بحيث يتفادى النطق بكلمات أو‬ ‫القيام بحركات أو إشارات يعتبرها الطرف آ‬ ‫الخر أمراً مشيناً قد يؤدي‬ ‫إلى إفشال المفاوضات‪.‬‬ ‫خاتمة عملية‬ ‫وفي ختام اليوم الثاني من الورشة‪ ،‬طلب المحاضر ثالثة متطوعين‬ ‫للقيام بالتفاوض حول مسألة واقعية عايشها المحاضر‪ .‬كان‬ ‫عال ويرغب‬ ‫الموضوع يتعلق بموظف يعمل في بلد أجنبي بمرتب ٍ‬ ‫في العودة إلى بلده والحصول على وظيفة مماثلة لدى شركة محلية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الطراف‪ )1 :‬الموظف طالب العمل ‪ )2‬شركة التوظيف ‪ )3‬الشركة‬ ‫المحلية‪.‬‬ ‫معطيات يعرفها الموظف‪ :‬الشركة التي يعمل لحسابها في البلد‬ ‫أ‬ ‫الجنبي تمر بفترة عدم استقرار وتقوم بتقليص عدد موظفيها‪ .‬تكاليف‬ ‫المعيشة في بلد الموظف أقل مما هي في بلد االغتراب‪ .‬يتمتع حسب‬ ‫تقييم شركة التوظيف بكافة المؤهالت المطلوبة للوظيفة‪.‬‬ ‫معطيات تعرفها ممثلة شركة التوظيف‪ :‬راتب الموظف في بلد‬ ‫االغتراب ‪ 13,000‬دوالر في الشهر‪ .‬الموظف مؤهل تماماً للوظيفة‬ ‫المعروضة‪ ،‬وهو الوحيد الذي استوفى كافة الشروط بنتيجة المقابالت‬ ‫التي أجريت‪ .‬الموظف يطلب كحد أدنى ‪ 7,000‬دوالر كراتب شهري‬ ‫في بلده‪ ،‬بينما صاحب العمل يعرض راتباً قدره ‪ 4,500‬دوالر‪.‬‬ ‫معطيات يعرفها صاحب العمل‪ :‬راتب الموظف في بلد االغتراب‬ ‫‪ 13,000‬دوالر في الشهر‪ .‬الموظف مؤهل تماماً للوظيفة المعروضة‪،‬‬ ‫وهو الوحيد الذي استوفى كافة الشروط بنتيجة المقابالت التي‬ ‫أجريت‪ ،‬كما أنه نجح بتميز في اختبار أخضعه له صاحب العمل‪.‬‬

‫كمثال على لغة الجسد‪ ،‬فإن رفع الرأس إلى أ‬ ‫العلى يدل على‬ ‫االستماع بعناية ودون تحيز‪ ،‬بينما إمالة الرأس يمنة أو يسرة يدل‬ ‫على التفكير بما يقال‪ ،‬أما إمالة الرأس إلى أ‬ ‫المام ُفيعد إشارة‬ ‫إيجابية تدل على االهتمام بينما قد تعني إمالة الرأس نحو أ‬ ‫السفل‬ ‫التحفظ على ما يُقال‪.‬‬

‫نتيجة المفاوضات‪ :‬بعد عدة جوالت من التفاوض بين صاحب‬ ‫العمل والموظف‪ ،‬وصاحب العمل وشركة التوظيف‪ ،‬والموظف‬ ‫وشركة التوظيف‪ ،‬وبعد سلسلة من الحجج والحجج المقابلة‪ ،‬تم‬ ‫االتفاق على أن يكون مرتب الموظف ‪ 6,000‬دوالر في الشهر‪.‬‬

‫قد يجلس الشخص أو يقف أحياناً بطريقة توحي باالرتباك أو عدم‬ ‫الثقة بالنفس‪ ،‬إال أنه ال يجب أن نتسرع بتفسير ذلك على أنه عالمة‬ ‫ضعف‪ .‬كما أن الحركات السريعة قد تدل على العصبية وربما‬ ‫تفضح االهتمام بمعلومة محددة ذكرها الطرف آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫َّ‬

‫الناحية الالفتة في هذا االتفاق‪ :‬المبلغ المتفق عليه هو نفسه‬ ‫الذي اتفق عليه في الحالة الواقعية التي عايشها المحاضر‪ .‬إن‬ ‫دل هذا على شيء‪ ،‬فإنه يدل على حسن استيعاب المشاركين‬ ‫لمجريات الورشة‪.‬‬


‫‪15 | 14‬‬

‫بداية كالم‬

‫ما أجمل أحالم‬ ‫طفولتك؟‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ض‬ ‫مر� عبدالعزيز ‪ -‬فنان مفاهيمي‬ ‫ي‬

‫ككل أطفال العالم‪ ،‬كان حلمي أن أكون العب كرة قدم‬ ‫الجماه�‪ ،‬وتهتف باسمه مريم‪ ،‬ابنة جارتنا‬ ‫تصفِّق له‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫لك� تمنيت‬ ‫جميلة‪ ،‬لم تكن مريم بنفس ُحسن‬ ‫أمها‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫أهدا� ش‬ ‫الع�ين‪ ،‬بل‬ ‫أن تقف خلف عائلتها تصفِّق عىل‬ ‫ي‬ ‫وع�ين‪ ،‬وكلما أعجبت بنفس ركلت الكرة من جمجم�ت‬ ‫وع�ين‪ ،‬ي ن‬ ‫اثن� ش‬ ‫واحد ش‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫حينئذ‬ ‫بقل�‪ .‬هذا الحلم كاد أن يتحقق لوال أن جسمي الذي كان‬ ‫ٍ‬ ‫لتستقر ب ي‬ ‫يأ� االختيار‪ ،‬سأختار ملء معد�ت‬ ‫قد تجاوز المئة باوند وقف عائقاً‪ ،‬أمام تحقيق ذلك الحلم‪ .‬فعندما ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وقل� ومريم وأمها والتصفيق للجميع‪ ،‬ال‪ ..‬لم تكن تلك الباوندات وحدها‬ ‫بالتأكيد‪ ،‬ولتذهب أحالمي ب ي‬ ‫ت‬ ‫العائق‪ ،‬أذكر ن ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تعاندك دائماً‪ ،‬تركلها نحو المرمى‬ ‫أن� اش�يت كرة بع�ة رياالت‪ ،‬كانت من تلك الكرات ي‬ ‫أ ي‬ ‫بالشياء المجاورة وتحطمها‪ .‬إنها حقيقة ُمرة‪ ،‬أقسم نأ� لم أكن غشيماً لكنها الكرة البلهاء‪ ،‬ال�ت‬ ‫فتصطدم‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ال تعرف طريق المرمى‪.‬‬ ‫وأذ� ف� يده أ‬ ‫ف� أحد أ‬ ‫الم�ل‪ ،‬وأخذ الكرة بيده اليرسى ن‬ ‫اليام‪ ،‬دخل بأ� إىل نز‬ ‫الخرى‪ ،‬وساقنا سوقاً للمطبخ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫أخ�اً‪،‬‬ ‫السك�‬ ‫قل�‪ ،‬لكن‬ ‫استقرت ي� الكرة‪ .‬ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أوقف� بجانب الثالجة وأح� سكيناً‪ ،‬وضعت يدي عىل ب ي‬ ‫ت‬ ‫أنفاس‪ ،‬وحمدت هللا‪ ،‬وخرج كل الهواء من الكرة ومعه كل أحالمي‪.‬‬ ‫اس�جعت‬ ‫ي‬

‫تسديداتي تخطئ‬ ‫مرمى أحالمي‬

‫الجوهرة منور ‪ -‬فنانة تشكيلية‬

‫موطني كوكب غير‬ ‫األرض‬

‫ف‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫طفول�‬ ‫«أن أعود إىل الكوكب‬ ‫ي‬ ‫الفضا� الذي أجئت منه»‪ .‬ي� أ ي‬ ‫ن‬ ‫بأ� أنتمي لحد الكواكب الخرى‬ ‫كنت أعتقد بإيمان عميق ي‬ ‫كوكب أ‬ ‫الرض‪ .‬وما دعم هذا‬ ‫بالمجموعة الشمسية يغ�‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الكث�ة‬ ‫كو� ولدت ي� بداية الشهر السابع‪ ،‬والصور ي‬ ‫االعتقاد ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫يساعد� عىل التنفس (الحاضنة الصناعية)‬ ‫نفس ف ي� صندوق زجاجي‬ ‫ي‬ ‫ال� أرى فيها ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ئ� تتنفس أفضل ي� كوكب آخر‪ ،‬تخيلته مختلفاً عن كوكب‬ ‫ّ‬ ‫كونت لدي اعتقاد أن ر ي‬ ‫أ‬ ‫الرض‪ ،‬منظَّماً دون ُحكم أشخاص‪ ،‬بل بحكم مهام ومسؤوليات‪ ،‬لكل مجموعة مهام تقوم بتنفيذها لحفظ‬ ‫نظام الكوكب!‬ ‫ألصل إليه‪ ،‬كنت أستمر بصناعة مركبة فضائية من الكرتون وأزخرفها‪ ،‬أضعها عىل سطح نز‬ ‫الم�ل بانتظار أن يحل‬ ‫ن‬ ‫وتأخذ� إىل هناك‪ .‬ولكن كل مرة كانت ظروف الطقس‬ ‫فتتحول إىل حقيقة‬ ‫سحر ما من طاقة ذلك الكوكب‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫عليها ٌ‬ ‫المركبة ألصنع أخرى بعدها بقليل مع أ‬ ‫المل نفسه ت‬ ‫ح� عامي ش‬ ‫العا�‪ .‬وما زلت أحلم بذلك العالم‬ ‫تدمر‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫والخ� للجميع يسود بعيدا عن الرصاعات والنا المدمرة‪.‬‬ ‫المسالم حيث النظام وحس المسؤولية ي‬


‫حلمي على مقعد‬ ‫َّ‬ ‫دراجة‬

‫سم� خميس ‪ُ -‬مع ِّلم‬ ‫ي‬

‫طفول�‪ ،‬أتذكر َّ ت‬ ‫ت‬ ‫اج� دائماً‪..‬‬ ‫عندما أفكِّر ف ي� أجمل أحالم‬ ‫در ي‬ ‫ي‬ ‫أتذكر تلك «العرصيات» البعيدة بنسماتها الصيفية اللطيفة‪،‬‬ ‫ال�اري الشاسعة‬ ‫أتذكر تلك الطرق الخالية من الناس‪ ،‬تلك ب‬ ‫الغىل من الذهب‪ ،‬ذلك أ‬ ‫تب�ابها أ‬ ‫الفق الالمنتهي الذي ال يمل‬ ‫من موعده المعتاد مع غروب الشمس عند نهاية كل يوم‪ ..‬مع انتصاف العمر بكل‬ ‫أزماته‪ ،‬تستيقظ فينا كل أحالم طفولتنا‪ ،‬أحالم تحققت‪ ،‬أحالم وئدت‪ ،‬وأخرى‬ ‫ابتلعتها أحالم أ‬ ‫اليام التالية‪..‬‬ ‫ف‬ ‫ف� العام ض‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال�ء إلحياء حلمي القديم‪.‬‬ ‫الما� استيقظ حلم َّ‬ ‫الدراجة ي‬ ‫ي‬ ‫الغا�‪ .‬اخ�ت واحدة كانت مناسبة بعض ي‬ ‫ي‬ ‫الدراجة هو‬ ‫وضعت‬ ‫عندما‬ ‫الدراجات ي‬ ‫كث�اً‪ ،‬فمقعدنا عىل َّ‬ ‫قدمي عىل دواستيها‪ ،‬اكتشفت أن حيواتنا تشبه َّ‬ ‫ّ‬ ‫تضيه ألنفسنا‪ ،‬وعجالتها هي أ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫المكان الذي نر‬ ‫ال� نعيشها‪ ،‬ودواستاهما هما جهدنا الذي سيصل بنا‬ ‫يام ي‬ ‫حيثما نبتغي‪ ،‬ومقودها هو قرارنا غ� المؤجل‪ .‬ف‬ ‫و� اللحظة ت‬ ‫ال� نختار أن ندوس عىل مكابحها‪ ،‬نكون قد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫اكتفينا من الحياة‪.‬‬

‫أحالم اليقظة‬ ‫نايف كريري ‪ -‬إعالمي‬

‫ذات طفولة بريئة كوردة بيضاء‪ ،‬لم يكن اللعب وشقاوته كل ما أفعله فيها‪ ،‬فقد‬ ‫كنت متحفزاً لما سيكون بعد هذه المرحلة‪ ،‬الرتباطها بأحالم مؤجلة‪ .‬ولم يكن من‬ ‫سبيل إىل ذلك َّإل بمزاولة أحالم (اليقظة)‪ ،‬فقبل أن تستسلم عيناي لنوم طويل‪،‬‬ ‫لخيال‬ ‫بعد مشوار يوم حافل بكل مهارات الطفولة‪ ،‬كان ال بد من أن أطلق العنان‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ليذهب بعيداً‬ ‫رسق� النعاس‪.‬‬ ‫بعيداً‪ ،‬وتارة يعود وأنا مستيقظ أنتظره‪ ،‬وتارات يعود وقد آ ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ال أذكر َّإل طيفها‪ ،‬وبعضها تحقق‪ ،‬والبعض الخر ليس بعد‪ ..‬فمنذ‬ ‫ي‬ ‫كث�ة كانت تلك الحالم ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� أغادر‬ ‫أن غادرنا ابن ّ‬ ‫عم أي (إبراهيم) لمواصلة دراسته الجامعية ي� الرياض‪ ،‬وأنا أنتظر اللحظة ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫سيار�‬ ‫أقود‬ ‫أن‬ ‫أحلم‬ ‫كنت‬ ‫الطفولة‬ ‫ومنذ‬ ‫الغربة‪.‬‬ ‫وحياة‬ ‫بالطائرة‪،‬‬ ‫السفر‬ ‫حياة‬ ‫ب‬ ‫جر‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫اس� الجامعية أيضاً‪ِّ ،‬‬ ‫قري� إلكمال در أ ي‬ ‫فيها ي‬ ‫ن‬ ‫ساعد� هو عىل تحقيقه وأنا عىل مقاعد الدراسة الجامعية‪.‬‬ ‫الخاصة مثلما كانت لب ي� سيارته‪ ،‬وظل الحلم قائماً إىل أن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫اود� حلم جديد أن أصبح ذلك المعلِّم الذي كان أقىص‬ ‫حينما‬ ‫عاد ابن أعمي بعد سنوات أربع دراسية ومن ثم أصبح معلِّماً‪ ،‬ر ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫غايات الم والب‪ ،‬وقبلهما الجد والجدة أن يكونوا ي� وظيفة كهذه‪.‬‬ ‫الف�ة‪ ،‬كان الحلم أ‬ ‫وكما كانت الحياة شحيحة عىل من كان حول ف� تلك ت‬ ‫ال بك� أن أصبح صاحب ثروة عظيمة‪ ،‬وصاحب أموال طائلة‪،‬‬ ‫ي ي‬ ‫م�ل ورصف عىل ت‬ ‫ت‬ ‫ح� أحقق كل ما أريده من سفر وترحال وتعلم وبناء نز‬ ‫مش�يات متعددة‪ ..‬وأن أكف أيضاً عوز الحاجة لكل من كان‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫عما يصنع يل ولهم السعادة‬ ‫معي ي� تلك المرحلة‪ ،‬أشاهد احتياجه للمال وعجزه عن الحصول عليه‪ .‬ولكنها الحياة تم ي وأنا أبحث ّ‬ ‫ف ي� هذه الحياة‪.‬‬


‫‪17 | 16‬‬

‫كتب عربية‬

‫اقتصاديات وسائل‬ ‫اإلعالم‬ ‫تأليف‪ :‬جيليان دويل‬ ‫الناشر‪ :‬دار الفجر للنشر والتوزيع‬ ‫(‪)2015‬‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫العالم‪ ،‬ويأخذ بعين االعتبار‬ ‫يتناول هذا الكتاب اقتصاديات وسائل إ‬ ‫التعقيد الكامل للموضوع في سياق التحوالت الهيكلية والتكنولوجية‬ ‫العالم الرقمية في بداية القرن الحادي‬ ‫والبداعية التي تميز وسائل إ‬ ‫إ‬ ‫يقدم‪ ،‬ليس فقط لمحة أو نظرة واضحة إلى‬ ‫والعشرين‪ .‬فهو ِّ‬ ‫المفاهيم االقتصادية‪ ،‬ولكنه يُظهر كيف أن هذه المفاهيم ال تزال‬ ‫العالم‪ .‬وفي هذا الكتاب‬ ‫مهمة ومفيدة لفهم كيفية عمل وسائل إ‬ ‫تجمع المؤلفة خبرتها في النظرية االقتصادية إلى القضايا المعاصرة‬ ‫العالم المعاصرة‪ ،‬وإلقاء نظرة على التحديات‬ ‫لشرح هيكل صناعة إ‬ ‫والخالفات الكبيرة التي تواجه هذا القطاع‪ .‬إنه مرجع ذو قيمة كبيرة‬ ‫العالمي الرقمي سريع التطور‪.‬‬ ‫للمشهد إ‬ ‫يستمد هذا الكتاب أهميته من مناقشة مواضيع مثل االبتكار‪،‬‬ ‫وتطورات البرامج الرقمية المتعددة‪ ،‬أ‬ ‫والهمية المتزايدة للشبكات‪،‬‬ ‫وتقسيم الطلب في السوق‪ ،‬واستراتيجيات انتشار الخطر‪ ،‬وتعظيم‬ ‫والعالن‪.‬‬ ‫الدارة‪ ،‬وتوسع الشركات إ‬ ‫قيمة المحتوى‪ ،‬والوساطة وحقوق إ‬ ‫إنه من الكتب أ‬ ‫الساسية لجميع الدارسين والمشتغلين بوسائل‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫إ‬

‫على قيد الحياة‪ ..‬أغنيات‬ ‫الصين الحزينة‬ ‫تأليف‪ :‬يو هو‬ ‫ترجمة‪ :‬عبدالعزيز حمدي‬ ‫الناشر‪ :‬المجلس الوطني للثقافة‬ ‫والفنون آ‬ ‫والداب في الكويت (‪)2015‬‬

‫ّ‬ ‫قراء العربية‪ ،‬عبر رواية «على‬ ‫أطل‬ ‫الروائي الصيني ذائع الصيت يو هوا على ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫قيد الحياة» التي صدرت بترجمة عبدالعزيز حمدي‪ .‬فطبيب السنان المولود‬ ‫في هانتشو الصينية‪ ،‬كتب أكثر من عشر روايات‪ ،‬أبرزها «مسافر في الثامنة‬ ‫المطار»‪ ،‬أ‬ ‫عشرة من عمره»‪ ،‬و«هتاف وسط أ‬ ‫و«الشقّاء»‪ ،‬و«اليوم السابع»‪.‬‬ ‫وتُرجمت أعماله إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية‪ ،‬كما حصل على عديد من‬ ‫الجوائز في إيطاليا وفرنسا‪ ،‬إضافة إلى موطنه الصين‪.‬‬ ‫الرياف لجمع أ‬ ‫تحكي هذه الرواية قصة شاب يجول أ‬ ‫الغاني الشعبية‪ ،‬لكنه‬ ‫يفوت رصد كل التفاصيل المهملة التي تعترض طريقه‪ ،‬دون‬ ‫في أثناء ذلك ال ّ‬ ‫أن يتنبه لها آ‬ ‫الخرون‪ .‬فهو يلتقط كل شاردة وواردة تمر في أفواه القرويين‬ ‫يسمى‬ ‫ليسجل معاناة الصينيين في فترة ستينيات القرن الماضي‪ ،‬إبّان ما كان َّ‬ ‫«الثورة الثقافية»‪ ،‬التي دفع ثمنها المعدمون والمسحوقون من أعمارهم‬ ‫وأحالمهم‪.‬‬ ‫«على قيد الحياة»‪ ،‬رواية ال تشذّ عن معظم أعمال يو هوا التي تحضر فيها‬ ‫النسانية بقوة‪ ،‬لكنها في الوقت نفسه تغدو البيئة الخصبة النبالج‬ ‫المعاناة إ‬ ‫الحياة‪ .‬وهي لعبة بات يُتقنها هوا لفرط تكرارها‪ ،‬ومع هذا‪ ،‬فهو في الوقت‬ ‫عينه‪ ،‬ال يزال قادراً على أن يفاجىء قارئه في كل مرة‪.‬‬

‫‪ 10000‬ساعة‪ ،‬رحلة في فضاء اإليجابية والمثابرة والنجاح والسعادة‬ ‫تأليف‪ :‬عبدالرحيم إسماعيل الزرعوني‬ ‫الناشر‪ :‬الدار العربية للعلوم ناشرون ( أغسطس ‪)2015‬‬

‫ال شك في أن المواهب كثيرة ولم تكن يوماً قليلة‬ ‫ونادرة‪ ،‬كما يقول البعض‪ .‬ولكن الصعوبة تكمن‬ ‫في اكتشاف تلك القدرات والمواهب‪ ،‬وتنميتها‬ ‫واستثمارها بشكل صحيح‪ .‬ومن الدروس التي‬ ‫يعلمنا إياها مؤلف هذا الكتاب للنجاح‪ :‬التركيز‪،‬‬ ‫والبدء فوراً‪ ،‬والمثابرة حتى النهاية‪ .‬وبهذا المعنى‬ ‫يكون كتاب «‪ 10000‬ساعة» رحلة في فضاء‬ ‫اليجابية والمثابرة والنجاح‪ ،‬وبهذا الزخم يقول إن‬ ‫إ‬ ‫رحلة النجاح تبدأ بخطوة‪.‬‬ ‫يثير المؤلف في هذا الكتاب عديداً من أ‬ ‫السئلة‬ ‫عن الطريق أ‬ ‫المثل للنجاح‪ ،‬وكيف السبيل إلى‬ ‫النيات‬ ‫ذلك؟ مثل‪ :‬هل النجاح يعتمد على َّ‬

‫الحسنة وصفاء القلوب؟ كيف السبيل إلى إسعاد‬ ‫البشرية؟ وما هي مواصفات السعداء؟ هل‬ ‫للإ نجاز قواعد وقوانين يمكن تعلُّمها والسير‬ ‫عليها؟ هل للتغيير مبادئ وخطوات وأدوات‬ ‫البداع واالبتكار والتفكير‪،‬‬ ‫ومراحل؟ ماذا عن إ‬ ‫النجازات؟‬ ‫وكيف يمكنها مساعدتنا في تحقيق إ‬ ‫أ‬ ‫الجابة عنها في‬ ‫هذه السئلة وغيرها كثير يتم إ‬ ‫هذا الكتاب الذي يعتمد على مبادئ واضحة‬ ‫تساعدنا على االستمرار والمثابرة‪ .‬وقد حمل هذا‬ ‫الكتاب أفكاراً مبسطة يمكن للقارئ تحويلها‪ ،‬كل‬ ‫حسب موقعه وإمكاناته‪ ،‬إلى مراحل وخطوات‬ ‫ممكنة التعلم والتطبيق‪.‬‬


‫الراء أ‬ ‫يتناول هذا الكتاب النوم وفلسفته وأسراره انطالقاً من آ‬ ‫والفكار‬ ‫المثال أ‬ ‫عنه الواردة في أ‬ ‫الشعبية والكتب والتجارب‬ ‫والشعار والروايات‬ ‫ّ‬ ‫والغاني‪ ،‬وخصوصاً لدى أ‬ ‫الشخصية أ‬ ‫الخوين رحباني‪ .‬تبدأ «سيرة النوم»‬ ‫ّ‬ ‫غامضة منذ طفولة الكاتب‪ ،‬إذ لم يكن يفهم «ونحن صغار‪ ،‬سبب‬ ‫االنقطاع السريع لنزهة يوم أ‬ ‫الحد مباشرة بعد الغداء‪ ،‬أو بعد اللقمة‬ ‫أ‬ ‫والجابة عن سؤال عن أعظم اختراع في الكون‪ :‬النوم»‪ .‬وكبر‬ ‫الخيرة إ‬ ‫حدة حين سألته ابنته‪« :‬شو‬ ‫الكاتب وأصابته العادة نفسها بشكل أكثر ّ‬ ‫أ‬ ‫مرة منكفّي نهار الحد؟» فكانت فكرة تأليف‬ ‫ّ‬ ‫قصة هالنوم معك‪ ،‬ما في ّ‬ ‫كتاب عن ّكل ما قرأه وسمعه عنه‪ ،‬وأجابها‪« :‬على سيرة النوم»‪.‬‬ ‫للوالد ليحلموا ويناموا‪ ،‬تهز أ‬ ‫في رأي الكاتب‪ ،‬إن النوم أ‬ ‫الم السرير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أدبيات ما قبل نوم‬ ‫ة‬ ‫وثم‬ ‫ها‪.‬‬ ‫أم‬ ‫الطفلة‬ ‫م‬ ‫تنو‬ ‫أن‬ ‫تلبث‬ ‫وال‬ ‫لطفلتها لتنام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫وأغان ُس ّميت بـ «ه ّزات السرير» أو «غنغونة»‬ ‫الطفال‪ :‬قصص وأشعار ٍ‬ ‫يسميها الشاعر موريس عواد‪.‬‬ ‫كما ّ‬ ‫عبود‬ ‫في «سيرة النوم»‪ ،‬أورد المؤلّف آراء كثيرة لسليمان الحكيم ومارون ّ‬ ‫ومحمد مهدي الجواهري ومعروف الرصافي‪ ،‬إلى وصف‬ ‫اليازجي‬ ‫وإبرهيم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫عواد وكمال نشأت والخطل الصغير وبدوي‬ ‫النائم عند توفيق يوسف ّ‬ ‫خاصة به‪ .‬وذكر‬ ‫فلسفة‬ ‫للنوم‬ ‫الكاتب‬ ‫ووضع‬ ‫الجبل وميشال طراد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫المثال الخاصة به‪ ،‬كما وضع له مراسم‪ .‬فهناك الذين ال ينامون إل على‬ ‫عدة نومهم أينما ذهبوا لكيال‬ ‫أسرتهم وعلى وساداتهم‪ ،‬يحملون معهم ّ‬ ‫الرحالة والمسافرون المتنقّلون أبداً‪ ،‬وغيرهم‪،‬‬ ‫يغيروا نومتهم‪ .‬وهنالك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولكل منهم عاداته وطقوسه الخاصة به‪.‬‬

‫كتاب جديد من نوعه بالنسبة للكتب الصادرة في اللغة العربية‪ ،‬حيث يتناول‬ ‫في دراسة ثقافية‪ ،‬رحلة الحقيبة النسائية في التاريخ‪ ،‬وقصتها وهي تتحول من‬ ‫وعاء للحاجة إلى عالمة ثقافية أنثوية تبث رسائل خارجية تتعلق بالذوق والمكانة‬ ‫االجتماعية ومفاتيح عن طبيعة عمل المرأة‪.‬‬ ‫يقع هذا الكتاب المصور في ‪ 409‬صفحات‪ ،‬وهو حصيلة رحلة الكاتب مع الحقيبة‬ ‫النسائية‪ ،‬التي تعامل معها كعمل فني يجمع بين التشكيل والنحت والعمارة‪،‬‬ ‫لتشكل فناً فريداً قائماً بذاته‪ .‬إذ تسيطر على الكتاب روح الفن التشكيلي المتأصلة‬ ‫في خالد مطلك حيث غلب الجانب الجمالي في الحقيبة النسائية على أي شيء‬ ‫آخر‪ ،‬أي إن الكاتب لم ينزل النقد إلى منطق الحقائب بقدر ما نقل الحقائب‬ ‫إلى عالم الفن التشكيلي‪ .‬واحد وخمسون فصال ً متنوعاً‪ ،‬غنياً بتفاصيل تاريخية‪،‬‬ ‫بعضها نادر‪ ،‬وجلّها غير مألوف؛ غير أنه ضروري لتكوين صورة شاملة عن هذا‬ ‫يمس‪ ،‬في الصميم‪ ،‬النساء جميعاً دون استثناء‪.‬‬ ‫الموضوع‬ ‫ّ‬ ‫المشوق الذي ّ‬ ‫«الحقيبة النسائية»‪ ،‬كما جاء في المقدمة‪ ،‬عمل فني مكتمل العناصر‪ ،‬وينتمي‬ ‫إلى الفنون الجميلة بجدارة‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬ثمة مصطلحات في الكتاب هي في‬ ‫أ‬ ‫الصل مقتبسة من حقول الفنون؛ إضافة إلى أسماء فنانين في الرسم والنحت‬ ‫أ‬ ‫والعمارة‪ .‬فهي‪ ،‬في حقيقة المر‪ ،‬عمارة مصغّ رة‪ ،‬أو تمثال مختزل‪ ،‬أو لوحة غير‬ ‫مسطحة‪ .‬لعلها هي كل ذلك وأكثر‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن آ‬ ‫الراء الجمالية التي أطلقها‬ ‫تذوق شخصي لمفهوم الحقيبة‪ ،‬ال عالقة له‬ ‫تعبر عن ّ‬ ‫الكاتب في الكتاب‪ّ ،‬‬ ‫معينة دون أخرى‪ .‬يقول الكاتب‪ ،‬إنها انطباعات شخصية نابعة‬ ‫بالترويج لحقيبة َّ‬ ‫من تجربة بصرية خاصة ومديدة‪ ،‬على الرغم من االطالع على بضع عشرات من‬ ‫المؤلفات التي اعتنت بهذه الممارسة الفنية المهمة‪.‬‬

‫جيفرسون والقرآن‬ ‫تأليف‪ :‬دينيس أ‪.‬سبيلبيرغ | ترجمة‪ :‬فؤاد عبد المطلب‬ ‫الناشر‪ :‬دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع ‪2015‬‬

‫تُظهر دينيس أ‪ .‬سبلبيرغ في هذا الكتاب جانباً غير‬ ‫معروف كثيراً‪ ،‬لكنه ُمهم فيما يتعلق بقصة الحرية‬ ‫أ‬ ‫السالم‬ ‫الدينية المريكية‪ ،‬وهي قصة مثيرة اضطلع إ‬ ‫فيها بدور مدهش‪ .‬ففي العام ‪1765‬م‪ ،‬أي قبل‬ ‫أحد عشر عاماً من كتابة «بيان االستقالل» اقتنى‬ ‫توماس جيفرسون نسخة من القرآن الكريم‪ ،‬فكان‬ ‫أ‬ ‫بالسالم‬ ‫الشارة الولى إلى اهتمامه إ‬ ‫ذلك بمنزلة إ‬ ‫الذي استمر طوال حياته‪ .‬كما تابع الحصول على‬

‫مزيد من الكتب حول لغات الشرق أ‬ ‫الوسط وتاريخه‬ ‫أ‬ ‫والسفار إلى المنطقة‪ ،‬مدونًا مالحظات كثيرة حول‬ ‫السالم وال سيما أ‬ ‫المور التي يمكن ربطها بالقانون‬ ‫إ‬ ‫العرف والعادة‪.‬‬ ‫إ‬ ‫النجليزي العام‪ ،‬المبني على ُ‬ ‫السالم‪ ،‬وتمكن‬ ‫فقد سعى جيفرسون إلى فهم إ‬ ‫في العام ‪1776‬م من تصور المسلمين بوصفهم‬ ‫مواطنين مستقبليين في بالده الجديدة‪ .‬كما يتناول‬ ‫بالسالم في عصر‬ ‫هذا الكتاب موضوع عالقة أمريكا إ‬ ‫مفصلة‬ ‫استكشاف‬ ‫التنوير‪ ،‬ويشكل بذلك محاولة‬ ‫َّ‬ ‫في الموقع الذي كان ينطلق منه الغرب خالل عصر‬ ‫النهضة‪ ،‬وتوج في النهاية بنظرات آ‬ ‫الباء المؤسسين‬ ‫ُ ِّ‬ ‫للحرية الدينية‪.‬‬

‫كتب عربية‬

‫على سيرة النوم‬ ‫تأليف‪ :‬فالح أبو جودة‬ ‫الناشر‪ :‬دار النهار (‪)2015‬‬

‫الحقيبة النسائية‬ ‫تاليف‪ :‬خالد مطلك‬ ‫الناشر‪ :‬دار الحكمة ودار بابل‬ ‫(‪)2015‬‬


‫‪19 | 18‬‬

‫كتب من العالم‬

‫معبد الكمال‪ :‬تاريخ الجمنازيوم‬ ‫‪The Temple of Perfection: a History of‬‬ ‫‪the Gym‬‬ ‫تأليف‪ :‬إريك شالين‬ ‫الناشر‪ - Reaktion Books :‬مايو (‪)2015‬‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫معنى المكتبة‪ :‬تاريخ ثقافي‬ ‫‪The Meaning of the Library: A Cultural‬‬ ‫‪History‬‬ ‫تحرير‪ :‬أليس كروفرد‬ ‫الناشر‪Princeton University Press :‬‬ ‫يونيو (‪)2015‬‬

‫اختراع العلوم‪ :‬تاريخ جديد للثورة‬ ‫العلمية‬ ‫‪The Invention of Science: A New‬‬ ‫‪History of the Scientific Revolution‬‬ ‫تأليف‪ :‬ديفيد وتون‬ ‫الناشر‪ - Harper :‬ديسمبر (‪)2014‬‬

‫كوسموس‬ ‫‪Cosmos‬‬ ‫تأليف‪ :‬ميشال أونفري‬ ‫الناشر‪ - Flammarion :‬مارس (‪)2014‬‬

‫المور أ‬ ‫باتت اللياقة البدنية من أ‬ ‫الساسية في الحياة‬ ‫المعاصرة‪ ،‬وأصبح «الجمنازيوم» ينبض بأصوات آ‬ ‫الالت‬ ‫النسان المعاصر‬ ‫الرياضية والموسيقى والحيوية‪ .‬ولكن إ‬ ‫لم يكن أ‬ ‫الول الذي سعى إلى اكتساب اللياقة البدنية‬ ‫الكاملة‪ ،‬إذ يعود تاريخ «الجمنازيوم» إلى ‪ 2800‬سنة إلى‬ ‫الوراء‪ ،‬أي إلى بدايات الحضارة الغربية‪.‬‬ ‫يقدم إريك شالين أول‬ ‫في كتابه «معبد الكمال»‪ِّ ،‬‬ ‫استكشاف حقيقي للتاريخ المركب للجمنازيوم‬ ‫والتأثير الذي كان له على تطور «الفردانية» الغربية‬ ‫والمجتمع والتعليم والسياسة‪ .‬يقول شالين إنه طالما‬ ‫ارتكزت الطريقة التي نعتني بها بأجسامنا على مزيج‬

‫من المعتقدات الروحية واالنضباط أ‬ ‫الخالقي والمثل‬ ‫الجمالية‪ ،‬وطالما كان لصالة أ‬ ‫اللعاب الرياضية أو‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الجمنازيوم دور في تحضير الشخاص لهداف محددة‬ ‫اختلفت باختالف العصور‪.‬‬ ‫يُسلط الكتاب الضوء على عديد من أشكال الجمنازيوم‬ ‫عبر التاريخ وعلى الطريقة التي تقاطعت بها الدولة‬ ‫العالم والشركات العالمية في قاعاتها‪.‬‬ ‫القومية ووسائل إ‬ ‫ويُظهر كيف أن الجمنازيوم هو أكثر من مركز للسطحية‬ ‫والهوس بالذات‪ ،‬بل هو واحد من الميادين التي تُخاض‬ ‫بها الصراعات البشرية االجتماعية والثقافية والنفسية‪.‬‬

‫والغريقي إلى العصر الرقمي‪،‬‬ ‫من العصرين الروماني إ‬ ‫ً‬ ‫بقي وجود المكتبة أمراً أساسيا للمعرفة والفكر والخيال‪.‬‬ ‫يستكشف كتاب «معنى المكتبة‪ :‬تاريخ ثقافي» هذه‬ ‫أ‬ ‫يقدم‬ ‫المؤسسة الساسية في الثقافة العالمية‪ ،‬حيث ِّ‬ ‫المساهمون في إعداده‪ ،‬بمن فيهم أمين عام مكتبة‬ ‫الكونغرس والمدير التنفيذي السابق لمكتبة «‪»Hathitrust‬‬ ‫الرقمية‪ ،‬تاريخاً ثقافياً للمكتبة من خالل العودة إلى ما كانت‬ ‫عليه في بداياتها وكيفية تحول أهميتها مع الزمن‪ ،‬والتأمل‬ ‫في مدى جدوى وجودها في القرن الحادي والعشرين‪.‬‬ ‫يتضمن الكتاب مسحاً جذاباً للمكتبة عبر الزمن من مكتبة‬ ‫السكندرية العريقة إلى ما كان يُعرف بمكتبات محطات‬ ‫إ‬

‫القطار أ‬ ‫النيقة في القرن التاسع عشر في إنجلترا‪ ،‬كما‬ ‫يتطرق إلى المكتبات المذكورة في قصص الخيال العلمي‬ ‫والشعر والسينما‪ ،‬من قصص شهرزاد إلى الرواية البوليسية‬ ‫الكالسيكية «اسم الوردة» وما أبعد من ذلك‪.‬‬ ‫حددت أليس كروفرد الغرض منه‬ ‫في مقدمة الكتاب‪َّ ،‬‬ ‫قدم المساهمون‪ ،‬من‬ ‫والنطاق المرسوم له‪ .‬ومن ثم ّ‬ ‫المفكرين والقيمين على المكتبات والك ّتاب والنقاد‪ ،‬آراء‬ ‫ِّقيمة عن المكتبة من خالل نطاق عملهم كما تناولوا أهمية‬ ‫المكتبة المادية واالفتراضية في الماضي والحاضر‪ .‬إنه كتاب‬ ‫للقراء وأمناء المكتبات وكل المهتمين بتراث هذه‬ ‫مهم َّ‬ ‫المؤسسة الحيوية وإرثها المستمر‪.‬‬

‫ال شك في أننا نعيش في عالم صنعته العلوم‪ .‬يروي‬ ‫هذا الكتاب قصة الثورة الفكرية والثقافية التي ولدت‬ ‫ويقدم نموذجاً جديداً حول نشأتها‬ ‫العلوم الحديثة‪ِّ ،‬‬ ‫التاريخية‪.‬‬ ‫قبل عام ‪1492‬م‪ ،‬كان االفتراض السائد بأن كل المعرفة‬ ‫المهمة كانت متوافرة‪ ،‬وبذلك لم يكن هناك مفهوم‬ ‫للتطور واالكتشافات الجديدة‪ ،‬وبأنه من أجل الحصول‬ ‫على المعرفة‪ ،‬جل ما يتطلبه أ‬ ‫المر النظر إلى الوراء‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫غير‬ ‫وليس إلى المام‪ .‬ولكن اكتشاف القارة المريكية ّ‬ ‫كل ذلك وأظهر بأن معرفة أمور جديدة ممكنة‪ ،‬مما أدى‬ ‫إلى إدخال مفهوم االكتشافات الجديدة وفتح الباب‬

‫أمام العلوم الحديثة‪ .‬ولم تتكون العلوم الحديثة من‬ ‫اكتشافات جديدة فقط وإنما اعتمدت على مفاهيم‬ ‫جديدة لما يمكن أن تكون عليه المعرفة‪ .‬ومع هذه‬ ‫المفاهيم الجديدة دخلت كلمات حديثة مثل الفرضيات‬ ‫والنظريات واالختبارات وقوانين الطبيعة التي أصبحت‬ ‫تكون لغة العلوم الجديدة‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫«كوسموس» (الكون)‪ ،‬هو الكتاب أ‬ ‫الول ألونفري من‬ ‫ثالثية تحمل عنوان «موسوعة موجزة عن العالم»‪.‬‬ ‫يبدأ أونفري مؤلفه الضخم هذا بأحاديث من سيرته‬ ‫الذاتية‪ .‬وهو ما دأب عليه في معظم كتبه السابقة‪،‬‬ ‫مؤكداً العالقة الوثيقة بين الفكر وصاحبه‪ ،‬ومتحدياً ذلك‬ ‫الفص َل المميت والعقيم بين النص ومبتدعه‪ ،‬في إصرار‬ ‫ْ‬ ‫على النظرة النيتشوية التي ربطت ألول مرة في تاريخ‬ ‫الفلسفة بين الفلسفة والجسد كمعين أوحد لها‪.‬‬ ‫يتحدث أونفري هذه المرة عن والده‪ ،‬عن موته بين‬ ‫ذراعيه في ليلة غائمة‪ ،‬مستعيداً دروس الحياة والحكمة‬ ‫والصمت التي أنشأه عليها والده بين حقول النورماندي‪،‬‬

‫حيث كان يعمل فالحاً بسيطاً‪.‬‬ ‫ومن ثم يصلنا بالخيط الذي انقطع في بدايات القرن‬ ‫العشرين مع جمهرة الفيزيائيين الفالسفة‪ .‬فنجده يربط‬ ‫الفلسفة من جديد بالفلك وعلم الحشرات والبيولوجيا‪.‬‬ ‫هذا كتاب أشبه بكتاب «فلسفة طبيعية» على النموذج‬ ‫اليوناني‪ ،‬نموذج الحكيم الذي كان يقف في باحة المدينة‬ ‫متحدثاً بكالم يفهمه الجميع‪ ،‬نموذج طالما نادى به‬ ‫الصدق‪ ،‬أ‬ ‫«القرب‪ ،‬أ‬ ‫أونفري ألنه أ‬ ‫والجمل»‪.‬‬


‫تأليف‪ :‬ماريو فارغاس يوسا‬ ‫الناشر‪Farrar, Staus and Giroux :‬‬ ‫أغسطس (‪)2015‬‬

‫بين كتابين‬

‫الطب الغرافيكي‬

‫(‪ )1‬كتاب‪ :‬الطبيب السيئ‪ :‬الحياة أ‬ ‫والوقات المضطربة للدكتور إيوان‬ ‫جيمس‪ .‬تأليف‪ :‬إيان ويليامز‬ ‫‪The Bad Doctor: The Troubled Life and Times of Dr. Iwan‬‬ ‫‪James. by Ian Williams‬‬ ‫الناشر‪ - Myriad Editions :‬يونيو (‪)2014‬‬ ‫(‪ )2‬كتاب‪ :‬بيان الطب الغرافيكي‪ .‬تأليف‪ :‬م‪.‬ك‪ .‬كزرويك‪ ،‬إيان ويليامز‪ ،‬سوزان‬ ‫ميريل سكواير‪ ،‬مايكل غرين‪ ،‬كيمبرلي مايرز‪ ،‬سكوت ت‪ .‬سميث‬ ‫‪Graphic Medicine Manifesto by MK Czerweic, Ian Williams, Susan‬‬ ‫‪Merill Squier, Michael Green, Kimberly Myers, Scott T. Smith‬‬ ‫الناشر‪ - Penn State University Press :‬مايو (‪)2015‬‬ ‫«عندما التقى الرسم الكاريكاتوري والطب‪ ،‬برز شيء مميز ومغاير للعبة‬ ‫يعمق‬ ‫تماماً‪ .‬أصبح من الواضح أنه بإمكان هذا النوع من السرد التصويري أن ِّ‬ ‫الفهم بين المرضى وأسرهم والعاملين في القطاع الطبي إجماالً‪ .‬حيث يمكن‬ ‫القول إن جرعة من الكوميديا تساعد على ابتالع الدواء بطريقة أسهل»‪ .‬هكذا‬ ‫وصف بول غرافيت‪ ،‬صاحب كتاب «فن الرسوم التصويرية» ما يسمى بالطب‬ ‫الغرافيكي‪ .‬وقد صدر مؤخراً كتابان حديثان حاوال التطرق إلى عالم الطب من‬ ‫خالل ما أخذ يُعرف بالطب الغرافيكي أو الطب من خالل الرسوم التصويرية‪.‬‬

‫في كتاب «الطبيب السيئ» يُدخلنا الدكتور إيان ويليامز إلى عالم الطبيب‬ ‫إيوان جيمس الذي يعاين مرضاه في قريته الصغيرة في مقاطعة ويلز‬ ‫النجليزية‪ .‬هناك على مكتب الدكتور جيمس في عيادته المتواضعة ساعة‬ ‫إ‬ ‫رملية صغيرة إلى جانب جهاز الكمبيوتر الخاص به‪ .‬والهدف من هذه الساعة‬ ‫الشارة إلى مدة أي‬ ‫التي هي عبارة عن مؤقت لسلق البيض لعشر دقائق‪ ،‬هو إ‬ ‫موعد معتاد يستغرقه الطبيب في معاينة عادية‪ .‬وكان أحد مرضاه قد أهداها‬ ‫له خصيصاً إلحراجه عندما شعر بالضيق من قصر فترة معاينته له‪ .‬وكانت‬ ‫لدى الطبيب جيمس عادة اللعب بهذه الساعة وقلبها تكراراً ومراراً أثناء أية‬ ‫مقابلة مطولة مع أحد مرضاه‪ ،‬إذ تحولت إلى ما يذكره بقصر الحياة البشرية‬ ‫على الرغم من كل االنتصارات الصغيرة وخيبات أ‬ ‫المل التي تواجهه في عيادته‬ ‫المتواضعة‪.‬‬ ‫والدكتور ويليامز واحد من مجموعة كبيرة من أ‬ ‫الطباء والعاملين في المجال‬ ‫الطبي الذين شكَّل انجذابهم إلى التصوير الغرافيكي للطب حقال ً علمياً‬ ‫جديداً‪ .‬في كتاب «بيان الطب الغرافيكي»‪ ،‬قام ستة أطباء بوصف النظرية‬ ‫خلف نشأة هذا المجال العلمي من خالل مقاالت سهلة وسلسة من المقاالت‬ ‫الدراسية المعتادة‪ ،‬وذلك بفضل مجموعة غنية من الرسوم المصورة‬ ‫التوضيحية‪.‬‬ ‫يعبر الكُ ّتاب الستة عن أنفسهم بالكلمات والصور على حد سواء‪ ،‬وقد حددوا‬ ‫أ ِّ‬ ‫السباب التي جذبتهم إلى عالم الطب الغرافيكي كما قاموا بإلحاق مقتطفات‬ ‫العمال المفضلة لديهم في هذا المجال‪ .‬ومن أهم أ‬ ‫من أ‬ ‫المور التي يقترحها‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫هؤالء الطباء إيجاد دور للطب الغرافيكي في مجال التخصص الطبي‪.‬‬ ‫العينات من أعمال الطلبة للتأكيد على‬ ‫ِّ‬ ‫يقدم بعض المؤلفين مجموعة من ّ‬ ‫أهمية الموضوع الذي يطرحونه‪ .‬في إحدى الرسومات تصور إحدى الطالبات‬ ‫نفسها وهي ترتدي ثوباً يشبه مالبس سوبرمان‪ ،‬وتعلن بطريقة متعجرفة‪« :‬ال‬ ‫تخافوا! طالبة الطب ها هنا! مع قوتي وتفاؤلي الساذج سأستطيع التواصل‬ ‫يتحدى كل ما تفاخرت‬ ‫عاطفياً مع جميع المرضى!»‪ .‬وبعدها مباشرة تقابل من ّ‬ ‫به‪ ،‬فتاة صغيرة غاضبة منتظرة في جناح أ‬ ‫الطفال‪.‬‬ ‫وفي مجموعة أخرى من الرسوم تتأمل إحدى الطالبات في العطلة الصيفية‬ ‫التي أمضتها وهي تعمل كطبيبة مساعدة في إفريقيا‪ ،‬حيث شعرت بالذنب‬ ‫أ‬ ‫وصورت‬ ‫القتصار دورها على المراقبة في جو مثقل بالمشكالت والمراض‪ّ ،‬‬ ‫نفسها كالطائر المفترس «الكامن الرابض الذي لم يتحرك للقيام بأي شيء‬ ‫ُيذكر»‪.‬‬ ‫وبغض النظر عن جودة هذه الرسوم من الناحية الفنية‪ ،‬فإن مجاال ً جديداً‬ ‫النساني في عالم الطب والتعامل مع‬ ‫ليشدد على الجانب إ‬ ‫بدأ بالظهور ِّ‬ ‫الجانب المؤلم من الحياة بنوع من الكوميديا وروح الدعابة‪.‬‬

‫كتب من العالم‬

‫«مالحظات حول موت الثقافة» كتاب مهم للروائي‬ ‫والكاتب البيروفي الحائز جائزة نوبل آ‬ ‫للداب لعام‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬يتحدث فيه عن انحدار الحياة الفكرية في‬ ‫تحولت الثقافة‪ ،‬التي كانت بمنزلة الوعي‬ ‫العالم‪ .‬حيث َّ‬ ‫يحدد ويحيي الواقع اليومي‪ ،‬إلى وسيلة‬ ‫الضروري الذي ِّ‬ ‫للتسلية واللهو‪.‬‬ ‫في هذا الكتاب يتتبع يوسا انحدار الفكر في العالم‬ ‫مالحظات حول موت الثقافة‪:‬‬ ‫مقاالت حول االستعراض والمجتمع وآثاره السلبية التي بدأت للتو‪ ،‬وأكثر ما يرثي هي صورة‬ ‫‪ Notes on the Death of Culture: Essays on‬المثقف الذي اختفى اليوم من المشهد العام بعدما‬ ‫‪.Spectacle and Society‬‬ ‫يحدد السياسات‬ ‫كان على مدى القرن العشرين هو من ِّ‬

‫الطر أ‬ ‫ويرسم أ‬ ‫الخالقية والجمالية‪.‬‬ ‫ولكن يوسا يرفض بشدة هذا االنحدار ويدعو إلى تحديد‬ ‫معينة تتركز في النخبة للتعاطي مع الثقافة كي‬ ‫«طبقية» َّ‬ ‫تحافظ على جديتها وقدرتها على التغيير‪.‬‬


‫‪21 | 20‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫قول في مقال‬

‫في عصر‬ ‫السرعة‪ِّ :‬‬ ‫فكر‬ ‫ٍّ‬ ‫بتأن‪ ..‬وانتج‬ ‫بجودة!‬ ‫عمر المضواحي‬ ‫ت‬ ‫ح� وقت الفراغ يم�ض ي رسيعاً‪ .‬لذلك‬ ‫ف‬ ‫النسان دوماً ي� رصاع أبدي‬ ‫يبقى إ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫مع الوقت‪ .‬وكلما استبق وتحرك أك� ي� إنتاج‬ ‫يق�ب ث‬ ‫تخ�ل زمنه‪ ،‬فإنه ت‬ ‫أدوات ت ز‬ ‫أك� من التحكم‬ ‫به وإخضاعه لمشيئته‪ .‬ومن دون القدرة عىل‬ ‫االستباق‪ ،‬وبالرسعة المستحقة‪ ،‬فإنه لن يحصد‬ ‫بغ� حا�ض أو‬ ‫لماض ي‬ ‫يغ� التخلف والبقاء رهينة ٍ‬ ‫مستقبل‪.‬‬ ‫ن‬ ‫لفت� ف ي� زاوية «بداية كالم» (العدد السابق من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫سبتم� ‪ /‬أكتوبر‬ ‫مجلتنا الغراء رقم ‪ 5‬ي� شهر‬ ‫ب‬ ‫‪2015‬م) تنوع الطرح الذي عقَّب فيه عدد من‬ ‫الخوة أ‬ ‫والخوات عىل القول إننا إذا كنا ف ي� عرص‬ ‫إ‬ ‫الرسعة‪ ،‬فإن ذلك يستلزم أن يكون لدينا وقت‬ ‫فائض ث‬ ‫أك�‪ .‬واتفق الجميع ‪ٌ -‬كل من زاويته ورؤيته ‪-‬‬ ‫أ‬ ‫أن ذلك لم يحدث مع السف الشديد!‪.‬‬ ‫النسان‬ ‫عالم اليوم متسارع‪ ،‬بفضل تطور قدرات إ‬ ‫بشكل هائل عىل صناعة وسائل وأدوات قادرة عىل‬ ‫ف‬ ‫تز‬ ‫لتوف� الكفاءة‬ ‫اخ�ال الزمن ي� أضيق نطاق ممكن ي‬ ‫الالزمة للمعاش والحياة فيه‪ .‬لكننا يجب َّأل نغفل‬ ‫عن حقيقة أن مفهوم الرسعة؛ ليست مسطرة‬ ‫موحدة تخضع لها كل أ‬ ‫الشياء ف ي� حياتنا‪ .‬هي‬ ‫تفصيل صغ�؛ لكنه شديد أ‬ ‫الهمية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫النتاج‪ .‬لكن‬ ‫الرسعة دائماً �ض ورة ي� عمليات زيادة إ‬ ‫ال قيمة تذكر للرسعة إن أفرزت عمال ً يغ� متقن‪.‬‬ ‫والتقان ‪ -‬وبالرسعة الالزمة ‪ -‬هي سنام‬ ‫فالجودة إ‬

‫هذه المعادلة برمتها‪ .‬ومن دونها تبدو رسعة الزمن‬ ‫كتوقفه‪.‬‬

‫العمل‪ ،‬وأن وقت الفراغ هو الذي أكون فيه خارج‬ ‫العمل»‪.‬‬

‫التفك� والتخطيط وإعطاء وقت‬ ‫البطء حتمي ف ي�‬ ‫ي‬ ‫كاف تحتاجه لضمان جودة المنتج‪ .‬وأتفق تماماً‬ ‫ٍ‬ ‫التشكيل فهد القثامي ف ي� قوله‬ ‫الفنان‬ ‫طرح‬ ‫مع‬ ‫ي‬ ‫يقدم لنا هذا العرص من رفاهية مجبولة‬ ‫«بقدر ما ِّ‬ ‫والتقان بأقل مجهود ن‬ ‫بد�‪ ،‬تجده يطالبنا‬ ‫بالرسعة إ‬ ‫ي‬ ‫بإلحاح بأعمال وإجهاد مضاعف للذهن»‪ .‬نعم؛‬ ‫النسان‬ ‫لهذا التسارع �ض يبة هائلة تنعكس عىل إ‬ ‫يغ� المواكب لحركة الوقت بالسلب والعواقب‬ ‫الوخيمة‪ .‬ليس أقلها هدر الموارد‪ ،‬وبطالة للطاقات‬ ‫والفالس والتخلف ف ي�‬ ‫المنتجة‪ ،‬وتنكباً لطرق العجز إ‬ ‫السباق عن آ‬ ‫الخرين‪.‬‬

‫الشياء ف� حياتنا أ‬ ‫ما زالت أثمن أ‬ ‫بالمس واليوم‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال� تأخذ وقتا كافيا من المهارة‬ ‫والغد هي تلك ي‬ ‫والص� لوصولها إىل درجة الكمال‪ ،‬لتحقيق أجود‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ما يمكن ي� أقل وقت ممكن‪ .‬وهو تماما ما ذكره‬ ‫أ‬ ‫الستاذ الخطاط مأمون أحمد ف ي� رأيه المنشور «لو‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫كانت الرسعة‬ ‫قيمة حقاً أفهي ي� جعلها العمال ي‬ ‫تنجز بتأن هي أ‬ ‫العىل والغىل»‪ .‬وبنا ًء عليه‪ ،‬فإن‬ ‫ٍ‬ ‫فهمنا لعامل الرسعة يجب أن يؤطر ف ي� أنه جهد‬ ‫وتوف�‬ ‫النتاج‪،‬‬ ‫مجد ودؤوب لضغط زمن عملية إ‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� تحقق ذلك بكفاءة وبدون أي احتمال‬ ‫الليات ي‬ ‫للخطأ‪ .‬تماماً كما يحدث مع المنتجات الصناعية‪.‬‬ ‫بالتال‬ ‫النتاج بالرسعة‪ ،‬فإنها‬ ‫فكلما ارتبطت عملية إ‬ ‫ي‬ ‫ترتبط بعامل تلبية الحاجة الماسة واالستهالك‬ ‫الرسيع‪.‬‬

‫أ‬ ‫العر� فهم‬ ‫مع السف‪ ،‬يغلب عىل العالم ب ي‬ ‫الرسعة بأنها مجرد «إنجاز عاجل» دون أي أطر‬ ‫أو ضوابط محددة‪ ،‬وليس كما ينبغي أن تفهم‬ ‫ن‬ ‫تع� الحصول عىل أفضل نوعية ف ي� أقل زمن‬ ‫بأنها ي‬ ‫ممكن‪.‬‬ ‫العالم أ‬ ‫الول لم يكن أوال ً لوال مواكبته لحركة‬ ‫ف‬ ‫التسارع‪ ،‬بل ربما تَق َُّدمه تقنياً وتحكُمه ي� صناعة‬ ‫مزيد من أ‬ ‫تز‬ ‫المخ�لة للزمن‪ ،‬إلنتاج ما يكفي‬ ‫الدوات‬ ‫احتياج مجتمعاتها للعيش الرغيد بسالسة وتصالح‬ ‫مع معطيات حياته العرصية‪ .‬وهنا أستطيع تماماً‬ ‫فهم ما طرحته أ‬ ‫الستاذة يم�نا ت‬ ‫زعي� ف ي� قولها «إن‬ ‫عرص الرسعة بالنسبة يل هو الوقت الذي أمضيه ف ي�‬

‫النسان عجوالً‪ ،‬ذلك ف ي� رسعة ر ّد الفعل بال‬ ‫ُخلق إ‬ ‫وتأن لمعرفة الصواب‪ .‬الصواب‬ ‫وتمحيص‬ ‫تفك�‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫للتأ� وأخذ الوقت‬ ‫ كالجودة ‪ -‬ي� حاجة دائمة ي‬‫الالزم لدراسة أي قرار قبل الم�ض ي فيه‪ ،‬بعدها‬ ‫ت‬ ‫أك� فائدة من‬ ‫تأ� الرسعة كقيمة مضافة لحصاد ب‬ ‫ي‬ ‫التفك�‬ ‫استثمار كل ذلك الوقت الذي اس ُتهلك ف ي�‬ ‫ي‬ ‫والتخطيط الجيد للوقوف عىل مربع الصواب‪.‬‬ ‫الرسعة بال جودة‪ ،‬هي تماماً كوقت الفراغ‪ ..‬الذي‬ ‫يم�ض ي رسيعاً أيضاً!‪.‬‬


‫«أوبر»‬ ‫(‪)uber‬‬

‫لرفع قيمة االستهالك‬ ‫عبر مشاركته‬

‫هادي فقيهي‬

‫علوم‬

‫اقتصاد‬

‫في عام ‪1965‬م توقعت لجنة فرعية تابعة‬ ‫لمجلس الشيوخ في الواليات المتحدة‬ ‫األمريكية‪ّ ،‬‬ ‫أن التطور المتسارع في معدالت‬ ‫اإلنتاجية سيجعل الفرد األمريكي بحلول‬ ‫األلفية الثالثة بحاجة إلى ما بين ‪ 14‬إلى‬ ‫ً‬ ‫أسبوعيا ليتمكن من ّ‬ ‫سد‬ ‫‪ 22‬ساعة عمل‬ ‫احتياجاته‪ .‬واليوم وبعد مرور خمسة عقود‬ ‫على ذلك التقرير‪ ،‬ما زال الفرد األمريكي يعمل‬ ‫ً‬ ‫أسبوعيا دون ّ‬ ‫حق‬ ‫ما يزيد على ‪ 40‬ساعة‬ ‫الحصول على إجازة مرضية مدفوعة‪ ،‬أو إجازة‬ ‫حمل ووالدة للعامالت‪ .‬وال تتوقف المفارقة‬ ‫عند ذلك فحسب‪ ،‬بل ّ‬ ‫إن أحد مرشحي الرئاسة‬ ‫األمريكية لعام ‪2016‬م يطالب بزيادة عدد‬ ‫ً‬ ‫مدعيا بأن أفراد‬ ‫فرص العمل في االقتصاد‬ ‫شعبه ما زالوا بحاجة إلى مزيد من ساعات‬ ‫العمل‪.‬‬


‫‪23 | 22‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫النصاف‪ ،‬فإن اللجنة‬ ‫من باب إ‬ ‫المذكورة ف ي� المقدمة ربطت‬ ‫توقعها باستمرار معدالت‬ ‫االستهالك عىل ما هي عليه‪.‬‬ ‫وهو ش‬ ‫ال�ط الذي ربما سيحمي‬ ‫ين‬ ‫يجدي نفعاً‬ ‫حصائي�‪ .‬إال أنّه لن‬ ‫ال‬ ‫اللجنة من تندر إ‬ ‫َ‬ ‫أمام مختص أ‬ ‫ن‬ ‫والمهتم� بقراءة تاريخ‬ ‫ال ثن�وبولوجيا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الب�ية‪ .‬فالشواهد عىل تطور ش‬ ‫الحضارة ش‬ ‫الب�‬ ‫ونشأتهم ّ‬ ‫تدل عىل أن الرغبة المضطردة ف ي� االستهالك‬ ‫ف‬ ‫هي فطرة شب�ية ترسي ي� مختلف طبقات المجتمع‪،‬‬ ‫وال تنحرص ف ي� فئة دون أخرى وال تتوقف عند حدود‬ ‫ت‬ ‫ال� يقوم عليها بقاء‬ ‫ّ‬ ‫سد االحتياجات المعيشية ي‬ ‫ش‬ ‫النسان‪ ،‬بل تستمر ما دامت هناك �عية للتملك‬ ‫إ‬ ‫وفرصة لالقتناء‪ .‬ففي عام ‪ 55‬ق‪ .‬م‪ .‬كان النقاش‬ ‫محتدماً ف ي� مجلس الشيوخ ف ي� روما حول سبل حماية‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫تعا�‬ ‫المدينة من إ‬ ‫الفالس‪ ،‬ي� وقت كانت المدينة ي‬ ‫ف‬ ‫است�اد الحرير والتوابل‬ ‫عجزاً تجارياً بسبب إ‬ ‫الفراط ي� ي‬ ‫من ي ن‬ ‫الص�‪.‬‬ ‫ين‬ ‫للناقم� عىل الرأسمالية تحميل آدم‬ ‫وإذا كان يحلو‬ ‫ش‬ ‫تف� المادية واالستهالكية‬ ‫فسميث وأتباعه نتائج ي‬ ‫ي� سلوك وقيم ش‬ ‫الب�‪ ،‬فإن الرغبة ف ي� التملك‬ ‫النسان‪،‬‬ ‫واالستهالك كانت سلوكاً مالزماً لحضارة إ‬ ‫أعاد ت‬ ‫اخ�اع أدواته مرات عديدة باختالف حقب‬ ‫هذه الحضارة وأساليب تنظيم عالقات ش‬ ‫الب� مع‬ ‫بعضهم‪.‬‬ ‫فالذهب الذي لم يكن يسد أي حاجة ش‬ ‫مبا�ة‬ ‫للبقاء‪ ،‬ش‬ ‫انت� استخدامه ف ي� مرص كسلعة ملكية‬ ‫لعقود سبقت أول استخدام نفعي له كعملة وأداة‬ ‫لتخزين ث‬ ‫ال�وة ومقايضة الممتلكات‪ .‬والحروب‬ ‫ال� كانت تشن لغايات نبيلة معلنة‪ ،‬كانت �ف‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫باطنها أداة لزيادة ثراء الغازي عىل حساب نهب‬ ‫ممتلكات المغلوب عىل أمره‪ .‬والحركات االستعمارية‬ ‫استطاعت أن تمتد لقرون وتبلغ مشارق أ‬ ‫الرض‬ ‫ومغاربها ألنها فتحت أسواقاً جديدة أمام سلع‬ ‫الدولة المحتلّة‪ ،‬وضمنت إمدادها بالمواد الخام‬ ‫الالزمة إلنتاج مزيد‪ .‬ت‬ ‫وح� العبودية‪ ،‬لم تصبح‬ ‫صفحة خالدة ف ي� تاريخ ش‬ ‫الب� بسبب استعالء لون‬ ‫عىل آخر فحسب‪ ،‬ولكنها كانت مصدراً رخيصاً‬ ‫إلنتاج القطن‪ ،‬وقصب السكر الالزم لصناعة بعض‬ ‫ش‬ ‫الم�وبات بكميات تجارية‪.‬‬

‫االستهالكية والرأسمالية‬

‫ال تعدو الرأسمألية كونها محصلة تجربة شب�ية وأداة‬ ‫أخرى لتنظيم عالقات ش‬ ‫الب� االقتصادية واالستجابة‬ ‫نز‬ ‫النسان‪ .‬فعىل سبيل‬ ‫ل�عة االستهالك والتملك عند إ‬ ‫المثال تم استخدام مصطلح «‪ ،»shoplift‬الذي‬ ‫يدل عىل جريمة اختالس البضائع من المتاجر أثناء‬ ‫التسوق‪ ،‬ألول مرة ف ي� عام ‪1685‬م‪ ،‬وهو التاريخ‬

‫الذي سبق ظهور كتاب «ثروة أ‬ ‫المم»‪ ،‬الذي يُعد‬ ‫أ‬ ‫أسمال الحديث‪ ،‬بتسعة‬ ‫حجر الساس لالقتصاد الر ي‬ ‫عقود‪ .‬وعىل الرغم من ذلك فإن مدرسة آدم سميث‪،‬‬ ‫الذي كان مفكراً أخالقياً بالدرجة أ‬ ‫الوىل قبل أن‬ ‫أ‬ ‫يُعرف بنظرياته االقتصادية‪ ،‬تحظى بالنصيب ال بك�‬ ‫ح� يكون الحديث عن آ‬ ‫من اللوم ي ن‬ ‫الثار السلبية‬ ‫ف‬ ‫لالستهالك‪ .‬وربما يعود السبب ي� ذلك إىل انحيازنا‬ ‫إىل ت‬ ‫ال� ي ز‬ ‫ك� عىل التاريخ الحديث أو بسبب التوثيق‬ ‫واق�انها �ف‬ ‫الدقيق الذي حظيت به هذه المدرسة ت‬ ‫ي‬ ‫متالزمة ثنائية بالمدرسة الماركسية‪ .‬ولكن الواقع الذي‬ ‫ال يمكن تجاهله هو أن الرأسمالية ركزت عىل رغبات‬ ‫المستهلك بشكل ش‬ ‫مبا�‪ ،‬وجعلتها حجر الزاوية ف ي� كل‬ ‫التعامالت االقتصادية‪.‬‬

‫« االستهالك هو النهاية الوحيدة‬ ‫النتاج‪،‬‬ ‫والغاية من كل عمليات إ‬ ‫المنتج ال يجب االلتفات‬ ‫ورخاء ُ‬ ‫إليه إال إذا كان الزماً لتحقيق‬ ‫رخاء المستهلك»‪..‬‬

‫يقول سميث ف� كتابه ثروة أ‬ ‫المم‪« :‬االستهالك هو‬ ‫ي‬ ‫النتاج‪،‬‬ ‫النهاية الوحيدة والغاية من كل عمليات إ‬ ‫المنتج ال يجب االلتفات إليه إال إذا كان الزماً‬ ‫ورخاء ُ‬ ‫لتحقيق رخاء المستهلك»‪ .‬وتمثل هذه الفكرة ما‬ ‫يُعرف بمصطلح «سيادة المستهلك» الذي يدل عىل‬ ‫أ‬ ‫ساس‬ ‫أن تلبية رغبة المستهلك تشكِّل الغرض ال ي‬ ‫للعملية االقتصادية كاملة‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫الجز� سيجد ف ي�‬ ‫وم ْن يطالع كتب االقتصاد‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫الصفحات أ‬ ‫الوىل مصطلح المحدودية «‪»Scarcity‬‬ ‫ين‬ ‫المستهلك� يواجهون معضلة‬ ‫الذي ينص عىل أن‬ ‫دائمة تتعلَّق بمحدودية المصادر المادية‪،‬‬ ‫والوقت‪ ،‬والقدرة عىل االستهالك ف ي� كل مرة يقررون‬ ‫فيها ش�اء سلعة ما‪ .‬ونتيجة لهذه المعضلة يجد‬ ‫المستهلك نفسه أمام حتمية اختيار سلعة‪،‬‬ ‫والتضحية بأخرى كفرصة بديلة يشكل االستغناء‬ ‫عنها ثمناً للحصول عىل السلعة المختارة‪.‬‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� يقرر بها‬ ‫وتفرس النظرية االقتصادية اللية ي‬ ‫المستهلك اختيار سلعة دون أخرى‪ ،‬بأنه اختيار‬ ‫ن‬ ‫مب� عىل تقييم المستهلك لسلعة‬ ‫عاقل ومنطقي ي‬ ‫بأك� نفع متوقع‪ ،‬مقارنة‬ ‫ما عىل أنها تعود عليه ب‬ ‫بالثمن الذي ّتمت التضحية به للحصول عليها‪.‬‬ ‫وتبعاً لهذا المنطق‪ ،‬ولسيادة المستهلك كمحور‬ ‫ف‬ ‫المنتج أن‬ ‫رئيس ي� العملية االقتصادية فإن عىل ُ‬ ‫ت‬ ‫الذا� للمنفعة‬ ‫يخضع لرغبة المستهلك وتقييمه ي‬ ‫المرجوة من أي سلعة‪ ،‬وهو التقييم الذي يتم‬ ‫االستدالل عليه ع� معرفة السعر أ‬ ‫القىص الذي‬ ‫ب‬ ‫يقبل المستهلك بدفعه‪ ،‬وأن يستطرد ف ي� إنتاج‬ ‫الضافية تقل‬ ‫تلك السلعة ما دامت تكلفة إنتاجها إ‬ ‫عن ‪ -‬أو تساوي ‪ -‬المنفعة المرجوة‪ .‬هذه آ‬ ‫اللية‬ ‫ت‬ ‫ينص‬ ‫ال� تعرف بقانون التكلفة إ‬ ‫الضافية الذي ّ‬ ‫ي‬ ‫المثال هو ذلك المعدل‬ ‫النتاج‬ ‫عىل أن معدل إ‬ ‫ي‬ ‫الضافية إلنتاج سلعة‬ ‫الذي تتساوى عنده التكلفة إ‬ ‫ف‬ ‫ضا� المتوقع من بيعها‪ .‬ونظراً ألن‬ ‫ما مع الربح إ‬ ‫ال ي‬ ‫الفائدة المرجوة من االستهالك تتناقص بزيادة‬ ‫الكمية المستهلكة فإن عىل المنتج أن يواجه سقفاً‬

‫مص� الرأسمالية‬ ‫غالف مجلة «تايم» يتساءل عن ي‬ ‫وفرص بقائها‬


‫غ�‬ ‫أعىل لما يمكن إنتاجه قبل أن تصبح سلعة ي‬ ‫ذات نفع‪.‬‬

‫االستهالكية‬ ‫االستهالك إىل‬ ‫من‬ ‫أ‬ ‫آ‬

‫إن هذه اللية المنطقية الستهالك الفراد القائمة عىل‬ ‫محدودية الموارد لم تؤ ِّد إىل محدودية ف ي� االستهالك‪،‬‬ ‫ين‬ ‫المنتج� وجدوا ف ي� سيادة المستهلك وفطرة‬ ‫بل إن‬ ‫التملك‪ ،‬ذريعة لجعل االستهالك منفذاً يتجاوز تلبية‬ ‫الحاجات أ‬ ‫الساسية إىل تحقيق جملة من الرغبات‬ ‫النفسية واالجتماعية يعرف من خاللها المرء نفسه‬ ‫وموقعه من المجتمع أو ما يعرف لدينا اليوم‬ ‫باالستهالكية‪.‬‬ ‫لقد أسهمت التحوالت السياسية واالجتماعية والتقنية‬ ‫ت‬ ‫ال� تلت الثورة الصناعية ف ي� القرن الثامن ش‬ ‫ع�‪ ،‬ف ي�‬ ‫ي‬ ‫إعالء قيمة السوق كمنفذ تتم بع�ه معظم التعامالت‬ ‫االجتماعية ويكتسب من خالله أ‬ ‫ين‬ ‫مستهلك�‬ ‫الفراد‬ ‫ين‬ ‫منتج� موقعهم االجتماعي‪ .‬وتشمل هذه‬ ‫كانوا أو‬ ‫القطاعي‪،‬‬ ‫التحوالت الحرية الفردية وانتهاء العرص إ‬ ‫ونشوء ما يُعرف بالطبقة الوسطى وهو المصطلح‬ ‫الذي جرى استخدامه للمرة أ‬ ‫الوىل ف ي� عام ‪1745‬م‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تملك‬ ‫ليدل عىل الطبقة العاملة من المجتمع ي‬ ‫رأس المال وتستعيض عنه بتحويل وقتها ومهاراتها‬ ‫إىل أدوات للكسب‪.‬‬ ‫وقد أفرزت هذه التحوالت فرداً يشبه أ‬ ‫الغلبية ف ي�‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� يضطلع‬ ‫ال� يتمتع بها‪ ،‬والواجبات ي‬ ‫الحقوق ي‬ ‫ف‬ ‫و� الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة الفرد‬ ‫بها‪ .‬ي‬ ‫وأصبح دور الدولة مجرد ضامن لحقوقه ورفاهيته‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� يمارس بع�ها‬ ‫فقد انحرصت فضاءات التمرد ف ي‬ ‫ذاته المستقلة‪ ،‬وأصبح الرجال ي� ُعرف النظام‬ ‫االقتصادي الحديث مكائن للكسب يؤدون أعمالهم‬ ‫الدارة‬ ‫نصت نظرية إ‬ ‫وفقاً لكتيب إرشادات ‪ -‬كما ّ‬ ‫بحق العيش‬ ‫العلمية لفريدريك تايلور ‪ -‬ليفوزوا ّ‬ ‫آ‬ ‫الكريم ف ي� نهاية المطاف‪ .‬ومع تضخم اللة‬

‫اقتصاد المشاركة ت ز‬ ‫ي�امن مع حلول تقنية وتشغيلية‬ ‫ن‬ ‫وتقن� االستهالك‬ ‫تسعى إىل زيادة كفاءة إ‬ ‫النتاج ي‬

‫الصفحة أ‬ ‫الوىل من صحيفة ف ي� نيويورك بعنوان «الثالثاء‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫السود» تتحدث عن الزمة المالية العالمية عام ‪1929‬م‬

‫الرأسمالية واضطرار غالبية أ‬ ‫الفراد إىل االنضمام إىل‬ ‫مؤسساتها‪ ،‬تنامى دور االستهالك والسوق كمنفذ‬ ‫يحاول أفراد المجتمع من خالله ش�اء مكانتهم‬ ‫ف‬ ‫و� ي ن‬ ‫ح� كان االستهالك فعال ً يصف‬ ‫االجتماعية‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫يل� بها الشخاص متطلباتهم الحياتية‬ ‫الطريقة ي‬ ‫ال� ب ي‬ ‫بع� مقايضة ثرواتهم‪ ،‬فإن االستهالكية تصف‬ ‫ال� يعرف بها أ‬ ‫ت‬ ‫الفراد أنفسهم بتضمينها‬ ‫الطريقة ي ُ ّ‬ ‫داخل ممتلكاتهم الماديّة‪.‬‬

‫توف� مزيد من الخيارات‪ ،‬ف ي� كل مرة‬ ‫جاءت بع� ي‬ ‫يبحث فيها متسوق ما عن ملبس أو سيارة تعكس‬ ‫شخصيته المستقلة عن الجميع‪ .‬فإذا كان القصد من‬ ‫التفرد وتعريف الذات‪ ،‬فإن كل سلعة‬ ‫التسوق هو ّ‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫تفقد قيمتها بمجرد أن تصبح ي� أيدي الخرين أيضاً‪،‬‬ ‫ف‬ ‫لسد‬ ‫ومعها تولد حاجة أبدية إىل وفرة ي� الخيارات ّ‬ ‫هذا النقص وإشباع رغبات تتجاوز الفائدة الوظيفية‬ ‫ألي منتج‪.‬‬

‫أثر االستهالك عىل النظام‬ ‫االقتصادي‬ ‫أ‬

‫فقد أصبحت الوفرة وصفاً مالزماً لالستهالكية‬ ‫أن أفرادها ما زالوا‬ ‫والرأسمالية‪ ،‬عىل الرغم من ّ‬ ‫يقعون تحت معضلة المحدودية وحتمية االختيار‪.‬‬ ‫كنت تبحث عن ّ‬ ‫فإن‬ ‫حل لهذه المفارقة ّ‬ ‫وإذا َ‬ ‫الجواب يكمن ف ي� قدرة أدوات الدعاية والتحوالت‬ ‫ين‬ ‫تغي� المنفعة المرجوة‬ ‫ف ي� سلوك‬ ‫المستهلك� عىل ي‬ ‫من االستهالك والثمن المبذول من أجل الحصول‬ ‫عليها‪.‬‬

‫يمتد أثر االستهالك من مكانة الفراد إىل بنية أ‬ ‫النظمة‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� لم يعد بمقدروها‬ ‫االقتصادية‪ .‬ففي االقتصادات ي‬ ‫القطاعية المكتفية بذاتها أو‬ ‫االعتماد عىل الوحدات إ‬ ‫الموارد الطبيعية أو الحروب كمورد اقتصادي‪ ،‬أصبح‬ ‫ين‬ ‫محرك� للعجلة االقتصادية‬ ‫والنفاق‬ ‫االستهالك إ‬ ‫ث‬ ‫برمتها بع� مضاعفة ال�وة الناتجة عنه‪ ،‬وإعادة‬ ‫ّ‬ ‫والنتاج ي ن‬ ‫ب�‬ ‫تدويرها من خالل تبادل أدوار االستهالك إ‬ ‫أفراد ومؤسسات المجتمع‪.‬‬ ‫ففي الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية يمثل االستهالك‬ ‫ما حجمه ي ن‬ ‫إجمال الناتج القومي‬ ‫سبع� ف ي� المائة من‬ ‫ي‬ ‫العام‪ .‬وخالل ش‬ ‫ع�ينيات القرن الفائت‪ ،‬أ ّدى إحجام‬ ‫أفراد المجتمع عن االستهالك نتيجة تشاؤمهم من‬ ‫مستقبل السوق إىل تحويل أزمة اقتصادية عابرة إىل‬ ‫ما يعرف آ‬ ‫الن بالكساد العظيم‪ ،‬الذي لم يحدث‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫نتيجة لنضوب المواد الخام أو اكتفاء ي� الطلب بل‬ ‫النفاق‪ ،‬تطلّب حلها‬ ‫كانت أزمة توقعات وإحجام عن إ‬ ‫تدخل الدولة لتشجع االستهالك من جديد وإعادة‬ ‫دفع العجلة االقتصادية‪.‬‬

‫فريدريك تايلور‬

‫ف‬ ‫و� ظل تنامي الحاجة الملحة إىل االستهالكية‬ ‫ي‬ ‫كأداء لتعريف أفراد المجتمع ولضمان بناء النظام‬ ‫االقتصادي‪ ،‬فإن استجابة السوق لهذه الحاجة‬

‫وكنتيجة مبطنة القتصاد الوفرة‪ ،‬أصبحت الخيارات‬ ‫ت‬ ‫تحاك كل منفعة ممكنة يبحث عنها المستهلك‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫متاحة ي� شكل عبوة أو خدمة‪ ،‬ليجد من خاللها ما‬ ‫ين� آ‬ ‫ب ئ‬ ‫الخرين عن ذاته أو ما يمنحه شعوراً بصفات‬ ‫مختصة بفئات أخرى من المجتمع‪.‬‬ ‫هكذا تنامى الحرص عىل الملكية الشخصية‪ ،‬وزاد‬ ‫االرتباط ي ن‬ ‫ب� الذات وممتلكاتها‪ ،‬وأصبح تراث التسويق‬ ‫يعج بمصطلحات مثل «شخصية المنتج» الذي‬ ‫ّ‬ ‫المسو ي ن‬ ‫ق� إىل سبل «أنسنة» منتجاتهم وإضفاء‬ ‫يرشد‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫صفات شخصية عليها‪ ،‬لتطابق تلك الصفات ي‬ ‫يتمتع بها أو يطمح إىل اكتسابها مستهلكوه‪ .‬وتذهب‬ ‫ت‬ ‫نزل يختص‬ ‫ال� قد تعرض مجرد منظف م ف� ي‬ ‫الدعايات ي‬ ‫ن‬ ‫تضم� فكرة الوفرة ي� عرضها‬ ‫بوظيفة معروفة‪ ،‬إىل ي‬ ‫المنتج‪ ،‬حيث تجادل هذه الرسائل بأن أثر هذا‬ ‫المنتج يتجاوز التنظيف إىل تلبية مختلف الحاجات‬


‫‪25 | 24‬‬

‫يّ ز‬ ‫والتم�‬ ‫النفسية لمستخدمه كفكرة القبول االجتماعي‬ ‫وسط أ‬ ‫القران‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫المشاركة‬ ‫من الوفرة إىل‬ ‫ف‬ ‫ف‬

‫هل يمكننا االستمرار ي� العيش ي� نظام اقتصادي‬ ‫توف� كل ما يرغب المستهلك ف ي� تملكه‪،‬‬ ‫يقوم عىل ي‬ ‫وثقافة استهالكية تجعل التملك المادي أسلوباً‬ ‫لتعريف الذات؟‬ ‫ربما يكون الكساد االقتصادي أ‬ ‫ال بك� ف ي� تاريخ ش‬ ‫الب�‬ ‫قد حصل بسبب توقفهم عن االستهالك‪ ،‬ولكن‬ ‫ئ‬ ‫البي� والحيوي ينذران بأن االستهالك‬ ‫الشاهدين ي‬ ‫ليس وحده المحرك لعجلة الرفاهية واالستدامة‪.‬‬ ‫فقد شكَّلت االستهالكية فكرة اجتماعية إلشباع رغبات‬ ‫ش‬ ‫المبا�ة من المنتج‬ ‫ال عالقة لها بالفائدة الوظيفية‬ ‫توف� منتج يستجيب لكل فكرة قد‬ ‫وقدرة تقنية عىل ي‬ ‫تخطر ف ي� بال المنتج أو المستهلك عىل حد سواء‪.‬‬ ‫ففي عالم اليوم يستهلك الـ ‪ %5‬أ‬ ‫ال ن‬ ‫غ� من سكانه‬ ‫ين‬ ‫المستهلك� فيه‬ ‫قرابة ‪ %25‬من موارده‪ ،‬ويزداد عدد‬ ‫يوماً بعد يوم بفضل تراجع معدالت الفقر‪ ،‬وزيادة‬ ‫االنفتاح التجاري‪ .‬وتنفق نساء الدولة أ‬ ‫ال ن‬ ‫غ� فيه يومياً‬ ‫ض‬ ‫مستح�ات التجميل ما يُعد دخال ً يومياً ألفراد‬ ‫عىل‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الدول الفقر‪ ،‬وتبلغ نسبة إهدار الطعام ما يب� ‪30‬‬ ‫ف‬ ‫و� هذا‬ ‫إىل ‪ %40‬من‬ ‫إجمال ناتج الغذاء العالمي‪ .‬ي‬ ‫ي‬ ‫االستهالك‬ ‫العالم‪ ،‬يرزح عديد من دول االقتصاد‬ ‫ي‬ ‫يش� إىل الدول‬ ‫بالدين الحيوي‪ ،‬الذي ي‬ ‫تحت ما يُعرف َ‬ ‫ت‬ ‫ال� يتجاوز استهالكها من المواد الخام ما يفوق‬ ‫ي‬ ‫االست�اد من دول أخرى‪ ،‬أو بع�‬ ‫طاقتها الحيوية بع�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫استهالك موارد كان يجب ادخارها لجيال قادمة‪.‬‬

‫اطلب توصيلة بكبسة زر‬

‫تدرك كث� من أ‬ ‫ين‬ ‫والمستهلك�‬ ‫النظمة االقتصادية‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫والمنتج� أن ليس بمقدور النظام الحيوي االستمرار‬ ‫ف ي� إمداد السوق بكل ما يرغبه المستهلك ما دام‬ ‫الضافية‬ ‫الثمن الذي‬ ‫يستعد لدفعه يتجاوز التكلفة إ‬ ‫ّ‬ ‫لتقديم ذلك المنتج‪ .‬وإن كانت المدرسة الرأسمالية‬ ‫التقليدية ترى أن السوق سيصحح نفسه بع� رفع‬ ‫السعار ف� حال ندرة المعروض‪ ،‬فإن هذه آ‬ ‫أ‬ ‫اللية ال‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫تقدم حال ً دائماً يجمع ي ن‬ ‫المستهلك� واستدامة‬ ‫ب� رفاه‬ ‫االستهالك‪ .‬وعىل الرغم من هذا الوعي فإن الدعوات‬ ‫والتخل عن المادية ال‬ ‫المجردة إىل ترشيد االستهالك‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫تبدو حال ً يستوعب الحاجة الب�ية إىل االستهالك‪،‬‬ ‫ويضمنها ف ي� قالب آخر من أشكال التبادل االقتصادي‪.‬‬ ‫ف ي� المقابل‪ ،‬تشهد المرحلة والدة ما يُعرف‬ ‫الضافية‬ ‫بـ «اقتصاد المشاركة» أو «اقتصاد التكلفة إ‬ ‫الصفرية» ت ز‬ ‫م�امناً مع تطبيقات تجارية واسعة‬ ‫ف‬ ‫والخ�ات ي ن‬ ‫ب�‬ ‫تهدف ي� مجموعها إىل مشاركة الموارد ب‬ ‫والمنتج� بشكل يضمن ي ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫تقن� االستهالك‬ ‫المستهلك�‬ ‫وجعله ث‬ ‫أك� استجابة لحاجات المستهلك الحقيقية‬ ‫والتقليل من الفائض المهمل المالزم لعملية‬ ‫االستهالك‪.‬‬

‫التاكس‬ ‫تطبيق «أوبر» يمكِّن الراكب من الوصول إىل‬ ‫ي‬ ‫بأرسع وقت وأقل تكلفة‬

‫اقتصاد يلجم االستهالك‬

‫يقوم اقتصاد المشاركة عىل استثمار تقنيات التواصل‬ ‫ت ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫منتج�‬ ‫التقليدي� إىل‬ ‫المستهلك�‬ ‫و� لتحويل‬ ‫إاللك� ي‬ ‫ين‬ ‫مستهلك� آخرين دون‬ ‫بع� إعادة مشاركة مواردهم مع‬ ‫الحاجة إىل استثمار جديد أو تكلفة إنتاج إضافية‪ .‬ومن‬ ‫أبرز تطبيقات هذا االقتصاد خدمة «أوبر» لسيارات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يستخدم عمالؤها سياراتهم الخاصة‬ ‫الجرة ي‬

‫ادفع بواسطة جوالك‬ ‫ال حاجة للنقود‬

‫شاهد كيف يصل السائق‬ ‫في دقائق‬


‫أ‬ ‫تأج� مساكنهم الخاصة ت‬ ‫لف�ات محدودة ف ي� ‪ 190‬دولة حول العالم‬ ‫موقع «آير ب ي� آند ب ي�» يمكِّن الفراد من ي‬

‫لتوصيل الركاب‪ ،‬وموقع «آير ب ي� آند ب ي�» (‪)AirBnB‬‬ ‫أ‬ ‫تأج� مساكنهم الخاصة ت‬ ‫لف�ات‬ ‫الذي يمكِّن الفراد من ي‬ ‫وغ�ها من‬ ‫زمنية محدودة كحل بديل عن الفنادق‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫التقليدي� من‬ ‫المستهلك�‬ ‫ال� تمكِّن‬ ‫التطبيقات ي‬ ‫ين‬ ‫مستهلك� آخرين دون الحاجة‬ ‫مشاركة ممتلكاتهم مع‬ ‫إىل وسيط‪ ،‬سواء كانت هذه الممتلكات وحدات‬ ‫خ�ات إرشادية‪.‬‬ ‫تخزينية‪ ،‬أو مواقف سيارات‪ ،‬أو ب‬ ‫ويمتد أثر هذا االقتصاد لتهديد صناعات ث‬ ‫أك� استقراراً‬ ‫ّ‬ ‫مثل إنتاج الكهرباء بع� مشاركة الطاقة الكهربائية من‬ ‫خالل شبكة متصلة بوحدات طاقة شمسية نز‬ ‫م�لية دون‬ ‫الحاجة إىل وحدة إنتاج مركزية‪.‬‬ ‫يعد اقتصاد المشاركة حالة تُعارض فطرة‬ ‫وال ّ‬ ‫االستهالك أو تحقيق الربح بع� التعامالت‬ ‫االقتصادية‪ ،‬فوسيط هذه التعامالت ف ي� كل حال هو‬ ‫المقايضة النقدية‪ ،‬وما يتم مشاركته ف� نهاية أ‬ ‫المر‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� كان يُنظر إليها سابقاً كممتلكات‬ ‫هو الموارد ي‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫ويجادل االقتصاديون المنحازون إىل اقتصاد المشاركة‬ ‫بأن تطبيقاته تمثل تهديداً لفكرة الملكية الشخصية‬ ‫الفكار أ‬ ‫ال� كانت وال تزال إحدى أ‬ ‫ت‬ ‫الساسية ف ي� الثقافة‬ ‫ي‬ ‫أسمال‪ .‬فهذه التطبيقات‬ ‫االستهالكية والنظام الر ي‬ ‫تزيد المنفعة المرجوة من الممتلكات الشخصية بع�‬ ‫العائد المكتسب من مشاركتها‪ ،‬كما تزيد من التكلفة‬ ‫ت‬ ‫ال� ال ينوي أصحابها توظيفها‬ ‫فالنسبية للممتلكات ي‬ ‫ي� اقتصاد المشاركة‪ .‬وبجانب الفائدة االقتصادية‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫منتج� أثراً نفسياً‬ ‫المستهلك� إىل‬ ‫لتحول‬ ‫هذه‪ ،‬فإن ُّ‬ ‫واجتماعياً يعادل ذلك الذي يحاول أفراد الطبقة‬ ‫للتعب�‬ ‫الوسطى تحقيقه بع� االستهالكية كوسيلة‬ ‫ي‬ ‫عن الذات‪ .‬ففي ي ن‬ ‫ح� قلَّصت الوظائف المكتبية‬ ‫التقليدية من دور هذا الفرد إىل مجرد مورد رزق بع�‬ ‫ما يكسبه نتيجة تقديم خدمته وموهبته إىل موظَّف‬ ‫ما‪ ،‬وساهمت آ‬ ‫اللة التسويقية إىل تحويله إىل مستهلك‬

‫النتاج يبحث عن تعريفه بع�‬ ‫سل� غائب عن عملية إ‬ ‫بي‬ ‫ما يقتنيه‪ ،‬فإن اقتصاد المشاركة يمنح أفراد هذه‬ ‫الطبقة فرصة التحكم ف� الطريقة ت‬ ‫ال� يكسبون‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫المعي� ف ي� النظام‬ ‫وموقعهم‬ ‫من خاللها دخلهم‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� قد تقلل من أهمية‬ ‫االقتصادي‪ .‬وهي الفرصة ي‬ ‫االستهالكية ف ي� بناء العالقات االجتماعية وتعريف‬ ‫أفراد المجتمع ببعضهم‪.‬‬ ‫ت‬ ‫تأ� هذه الضوضاء المحيطة بفكرة اقتصاد‬ ‫وال ي‬ ‫الحال ‪-‬‬ ‫المشاركة ‪ -‬رغم الجدل حول أثره الحقيقي‬ ‫ي‬ ‫وانتقاله من دائرة النقاشات أ‬ ‫الكاديمية إىل مهاترات‬ ‫السياسي� وتحليالت مقدمي شن�ات أ‬ ‫ين‬ ‫الخبار‪ ،‬دون‬ ‫أ‬ ‫استشعار حقيقي لهمية هذا النمط من التعامل‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تواجه عملية‬ ‫االقتصادي ي� تلبية التحديات ي‬ ‫ت‬ ‫والنتاج بنمطها الحال‪ .‬بل يأ� ت ز‬ ‫م�امناً‬ ‫االستهالك إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مع حلول تقنية وتشغيلية تسعى إىل الهدف نفسه‪:‬‬ ‫النتاج ي ن‬ ‫وتقن� االستهالك‪ .‬فعىل سبيل‬ ‫زيادة كفاءة إ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� ّتم إنجازها ي� مجال‬ ‫الخطوات‬ ‫المثال‪ ،‬تُعد‬ ‫ف ي‬ ‫المستهلك�‪،‬ن‬ ‫التسويق‬ ‫العص� ثورة ي� فهم سلوك‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ين‬ ‫أك� ي ن‬ ‫المستهلك�‬ ‫ب� رغبات‬ ‫وبالتال تحقق مواءمة ب‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫المستهلك�‬ ‫ونفقاتهم‪ ،‬وهذا ما قد يزيد من وعي‬ ‫للفائدة الحقيقية لما يستهلكون‪ ،‬وتركز جهود‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال� تحقق أعىل نفع ممكن‬ ‫المنتج� عىل المنتجات ي‬ ‫للمستهلك‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الكب�ة (‪Big‬‬ ‫وتُعد التطورات ي� مجال البيانات ي‬ ‫‪ )Data‬من الممكِّ نات القتصاد المشاركة‪ ،‬وزيادة‬ ‫كفاءة العملية االستهالكية‪ .‬فالمشاركة ليست‬ ‫فكرة جديدة بل كانت أ‬ ‫الساس الذي بنيت عليه‬ ‫الب�ية أ‬ ‫الوىل ي ن‬ ‫االقتصادات ش‬ ‫ح� مكنت أفراد‬ ‫ف‬ ‫سد‬ ‫المجتمع من االعتماد عىل بعضهم ي� ّ‬ ‫احتياجاتهم‪ .‬ولكن وفرة البيانات ستتيح ألفراد‬ ‫ين‬ ‫مستهلك� جدد خارج‬ ‫هذا االقتصاد الوصول إىل‬ ‫إطارهم الجغر ف يا� والتعرف عىل أسواق وفرص‬

‫ف‬ ‫ح� ت‬ ‫و� ي ن‬ ‫يق�ن‬ ‫جديدة بفضل هذه‬ ‫البيانات‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫الحديث عن ت‬ ‫الكب�ة‪ ،‬فإن‬ ‫إن�نت الشياء والبيانات ي‬ ‫اقتصاد المشاركة يمثل مجاال ً واعداً لزيادة كفاءة‬ ‫المجال�‪ .‬أ‬ ‫ين‬ ‫فالشياء‬ ‫االستهالك بع� تطبيقات هذين‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫الن�نت والبيانات‬ ‫ال� يجري توصيلها بع� هذا إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الناتجة عنه هي ممتلكات ي� حوزة المستهلك‪ .‬ومن‬ ‫أجل الحصول عليها تواجه المؤسسات التقليدية‬ ‫حتمية شإ�اك المستهلك ف ي� بنائها ومشاركته‬ ‫نتائجها‪ .‬فعىل سبيل المثال‪ ،‬يحاول منتجو‬ ‫أ‬ ‫الدوات نز‬ ‫الم�لية زيادة كفاءة استخدامها بع� ربطها‬ ‫بال تن�نت وتحليل بيانات هذا االستخدام وتقديم‬ ‫إ‬ ‫إرشادات فورية لتحسينه وهي العملية ت‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫تستوجب تحويل المستخدم إىل مستهلك مشارك‬ ‫ف‬ ‫النتاج!‬ ‫ي� عملية إ‬ ‫لقد استطاعت االستهالكية إعادة ت‬ ‫اخ�اع أدواتها‬ ‫مرات عديدة باختالف الظروف االقتصادية‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تواجه اقتصاد‬ ‫ومحدودية الموارد الحيوية ي‬ ‫االستهالك ستدفع‬ ‫الوفرة وترفع من تكلفة نمطه‬ ‫ي‬ ‫إىل والدة نظام اقتصادي جديد يستجيب لهذه‬ ‫ت‬ ‫ال� ظلّت‬ ‫ويل� فطرة االستهالك ي‬ ‫التحديات‪ ،‬ب ي‬ ‫مالزمة للحضارة ش‬ ‫ويعد اقتصاد المشاركة‬ ‫الب�ية‪ّ .‬‬ ‫الذي يرفع من كفاءة االستهالك ويزيد من الفائدة‬ ‫ت‬ ‫ال� يلوح‬ ‫المرجوة من‬ ‫التملك أحد الحلول ي‬ ‫أ‬ ‫مستقبلها ف ي� الفق‪ ،‬وبدأت تطبيقاتها بالتحول إىل‬ ‫أدوات ربحية‪ ،‬مكتفية بذاتها‪ ،‬وأثبتت مواءمتها‬ ‫ين‬ ‫المستهلك� وفعاليتها ف ي� استغالل الظروف‬ ‫لرغبات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تشكِّل تهديداً لنماط‬ ‫والبيئية‬ ‫االجتماعية‬ ‫ي‬ ‫االقتصاد التقليدي‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪27 | 26‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫كيف يعمل‪...‬‬

‫مكيف‬ ‫الفريون‬ ‫كلمة «فريون» هي دارجة شعبية‪ ،‬مشتقة عن المصطلح «كلورو‪-‬فلورو‪-‬كربون»‪ ،‬وهو اسم الجزيء العضوي‬ ‫المركَّب من ذرات الكلور والفلور والكربون‪ ،‬ويُعد من أكثر وسائط التبريد شيوعاً‪.‬‬ ‫مكيف الفريون على واحد من أسس الديناميكا الحرارية وهو أن المادة خالل تبخرها وانتقالها من الحالة‬ ‫تقوم فكرة ِّ‬ ‫تبرد ‪ -‬الهواء المحيط بها‪.‬‬ ‫السائلة إلى الحالة الغازية‪ ،‬فإنها تسحب الحرارة ‪ -‬أو ِّ‬ ‫تبخر الماء يأخذ‬ ‫المارون بـ «الطراوة»‪ .‬لكن ّ‬ ‫قديماً كان الناس يرشون الماء أمام البيوت ليتبخر فيبرد الجو قليال ً وينعم ُّ‬ ‫يبرد مكاتبنا وغرفنا آنياً من دون أن يبللها‪.‬‬ ‫وقتاً طويالً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والمكيف الحديث أريد منه أن ِّ‬ ‫هنا كان دور مادة «الفريون» التي تتحول سريعاً جداً بين الحالتين الغازية والسائلة بشرط توفير فرق ملحوظ في درجات‬ ‫الحرارة‪ .‬لذا نجد أن مكيفات الفريون تركَّب بحيث يكون نصفها داخل الغرفة‪ ،‬ونصفها خارجها‪.‬‬

‫ يدخل هواء الغرفة إلى المكيف ‪،‬ويتم‬ ‫تمريره بمشعاع التبريد الذي يحتوي‬ ‫على الفريون السائل والمركَّب في‬ ‫واجهة المكيف‪.‬‬ ‫ بمالمسة الهواء لمشعاع التبريد‬ ‫يتحول الفريون من‬ ‫يحصل أمران‪َّ :‬‬ ‫سائل إلى غاز‪ ،‬وبالتالي يسحب الحرارة‬ ‫فيبرده‪ ،‬ثم يدفعه لنا‬ ‫من الهواء ّ‬ ‫(المنفاخ) لننعم به‪.‬‬ ‫آ‬ ‫ يواصل الفريون ‪ -‬الغازي الن ‪ -‬رحلته‬ ‫في أنابيب المشعاع الملتوية‪ ،‬حتى‬ ‫يصل إلى الضاغط «الكومبريسور»‬ ‫يحوله إلى سائل مجدداً‪،‬‬ ‫الذي ِّ‬ ‫ويصاحب ذلك ارتفاع في درجة الحرارة‬ ‫تصرفها المروحة عبر الفتحة أ‬ ‫الخرى‬ ‫ّ‬ ‫للمكيف المواجهة للشارع‪.‬‬ ‫ تعاد الدورة مجدداً مع الفريون‬ ‫السائل‪.‬‬


‫د‪ .‬فكتور سحاب‬

‫التكنولوجيا‬ ‫سالح ذو حدين‬

‫‪ 10‬اختراعات ّ‬ ‫تحولت من أدوات‬ ‫سالح للشر‬ ‫خير إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫علوم‬

‫ثمة قول شائع‪ ،‬إن التكنولوجيا ليست جيدة‬ ‫وال سيئة في ذاتها‪ ،‬وإن األمر يتوقف على‪:‬‬ ‫كيف يستخدمها الناس‪ .‬فالتكنولوجيا التي‬ ‫ً‬ ‫مثال‪ ،‬هي‬ ‫تضمن حماية خصوصية الناس‬ ‫التكنولوجيا نفسها التي يمكن استخدامها‬ ‫ألعمال غير شرعية‪ .‬والمعلومات التي يحتاج‬ ‫إليها العلماء من أجل االستعداد لمواجهة‬ ‫الموجة اآلتية من اإلنفلونزا‪ ،‬يمكن أن‬ ‫يحولها البعض إلى سالح َّ‬ ‫ّ‬ ‫فتاك‪.‬‬


‫‪29 | 28‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫يقول مارك غودمان‪ ،‬الخبير أ‬ ‫المني ومؤسس‬ ‫«معهد جرائم الغد» (‪:)Future Crimes Institute‬‬ ‫«إن التكنولوجيا أ‬ ‫الولى التي امتلكها البشر‪،‬‬ ‫تطهو طعامك‪،‬‬ ‫قد تكون النار‪ ،‬التي يمكنها أن َ‬ ‫ويمكنها أيضاً أن تحرق القرية التي في الجوار»‪ .‬ويضيف قوله‪« :‬الفرق‬ ‫آ‬ ‫الن‪ ،‬هو أن وتيرة المبتكرات التكنولوجية سريعة إلى حد أنه أصبح‬ ‫أسهل على الناس أن يستخدموها للخير أو للشر على السواء»‪.‬‬ ‫وفيما يأتي قائمة لمبتكرات ومخترعات اب ُت ِدعت من أجل عالم أفضل‪،‬‬ ‫القل من أجل تسهيل العيش‪ ،‬ثم حولت إلى أدوات أ‬ ‫أو على أ‬ ‫للذية‪.‬‬ ‫ُ ِّ‬

‫الزيكلون (ب)‬

‫هذا السم الذي اش ُتهر باستعماله في معسكرات الموت النازية‪،‬‬ ‫كان في البداية مبيداً للحشرات ومطهراً‪ .‬المادة الفاعلة في الزيكلون‬ ‫(ب)‪ ،‬هي سيانيد الهيدروجين‪ ،‬التي فشل استخدامها سالحاً كيميائياً‬ ‫في الحرب العالمية أ‬ ‫الولى‪ .‬وحين جرى تطويره في عشرينيات‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬اكتسب رائحة‪ ،‬ولذا صار َآمناً في االستخدام‪.‬‬ ‫ثم صار وسيلة منتشرة في مكافحة آفات زراعية في بساتين‬ ‫الحمضيات‪ ،‬وإزالة القمل من المالبس والشراشف‪ .‬وكانت السلطات‬ ‫أ‬ ‫المريكية تستخدمه من أجل إزالة القمل من مالبس المهاجرين‬ ‫القادمين‪ ،‬في ثالثينيات القرن العشرين‪ ،‬حين استبد بالبالد الخوف‬ ‫الحمى النمشية (التيفوس)‪ .‬وال تزال بعض أنواع الزيكلون‬ ‫من وباء ّ‬ ‫(ب)‪ ،‬تباع في بالد أوروبية‪.‬‬

‫الطباعة الثالثية أ‬ ‫البعاد‬

‫هذه التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬التي ُدعيت بالثورة الصناعية الثانية‪،‬‬ ‫قادرة على صنع أي شيء أ‬ ‫بالبعاد الثالثية‪ ،‬ويكفي لذلك أن تكون‬ ‫لديك صورة رقمية ثالثية أ‬ ‫البعاد للشيء المزمع صنعه‪ .‬وقد‬

‫ُ‬ ‫استخدمت الطباعة الثالثية‬ ‫األبعاد لصنع أعضاء طبية‬ ‫بديلة‪ ،‬مثل عظمة الفك‪ ،‬أو عظم‬ ‫الجمجمة‪ ،‬أو حتى اآلذان‪..‬‬ ‫استخدمت الطباعة الثالثية أ‬ ‫البعاد لصنع أعضاء طبية بديلة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مثل عظمة الفك‪ ،‬أو عظم الجمجمة‪ ،‬أو حتى آ‬ ‫الذان‪ .‬لكن هذه‬ ‫التكنولوجيا نفسها التي يمكن االستفادة منها للطب‪ ،‬أو لصنع‬ ‫تماثيل صغيرة أو أي شيء آخر‪ ،‬اس ُتخدمت أيضاً لصنع سالح‪ .‬فقد‬ ‫أ‬ ‫مسدس‬ ‫نشرت منظمة تدعى «ديفنس دستربيوتد» فيديو لول ّ‬ ‫مصنوع بالطباعة الثالثية أ‬ ‫البعاد‪ .‬وقد تع ّهدت المنظمة أن تلتزم‬ ‫أ‬ ‫القوانين أ‬ ‫المريكية التي تحكم صنع السلحة وبيعها‪ .‬لكن من يضمن‬ ‫أال يفعل أحدهم الشيء نفسه‪ ،‬فيصنع سالحاً يمكن أن يستخدمه‬ ‫في السطو على مصرف‪ ،‬مثالً؟‬

‫الديناميت‬

‫مفجر قوي‪،‬‬ ‫اخترع ألفرد نوبل الديناميت أصالً‪ ،‬للحصول على ّ‬ ‫يستخدم في التعدين والحفائر‪ ،‬فجعل حفر أ‬ ‫النفاق لخطوط‬ ‫ُ َ‬ ‫السكة الحديد فجأة أسهل بكثير مما كان في الماضي‪ .‬واالبتكار‬ ‫الذي صنعه نوبل‪ ،‬هو أنه وجد وسيلة لجعل النيتروغليسيرين‬ ‫المتفجرة‪ ،‬مادة مستقرة‪ ،‬بعدما كان تداولها خطراً جداً‪ .‬لكن سهولة‬ ‫ّ‬ ‫التداول هذه‪ ،‬إضافة إلى كثرة انتشار المادة التي سميت ديناميت‪،‬‬ ‫مفضلة لدى «الفوضويين»‪ ،‬إرهابيي ذلك‬ ‫جعلت منها أسلحة ّ‬ ‫العصر‪ .‬ومن أولى الحوادث التي اس ُتخدم فيها الديناميت‪ ،‬تفجير‬ ‫وول ستريت‪ ،‬سنة ‪1920‬م‪ ،‬الذي قُتل فيه ‪ 38‬شخصاً‪ ،‬وأصيب‬ ‫‪ 143‬آخرون‪ .‬وقد حاول بعضهم كذلك في سنة ‪1924‬م‪ ،‬تفجير‬ ‫جسر في كاليفورنيا بالديناميت‪.‬‬

‫برنامج «تور» الرقمي‬

‫ط ُِّور برنامج «تور» (‪ )The Onion Router‬الرقمي سنة ‪2002‬م‪،‬‬ ‫النترنت‪ ،‬ويحمي خصوصية‬ ‫يشوش السكك في الشبكة الدولية إ‬ ‫وهو ّ‬ ‫مستخدميه إلى حد بعيد‪ .‬ذلك أنه يزيل البصمات الرقمية من على‬ ‫يسمون‬ ‫الشبكة‪ .‬ولقد كان «تور» نعمة هبطت على متمردين ممن ّ‬ ‫النمامين (‪ .)whistleblowers‬ومن هؤالء ناشطون في الصين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك إدوارد سنودن‪ .‬وفي عامي ‪ 2004‬و‪2005‬م‪ ،‬ساندت مؤسسة‬ ‫«إلكترونيك فرونتير» برنامج «تور»‪ ،‬وفعلت مثلها مؤسسة الفارس‬ ‫(‪ .)Knight‬غير أن البرنامج يستطيع التستر على نشاط إجرامي‬ ‫أيضاً‪ ،‬ذلك أن الموقع المسمى‪ :‬سوق طريق الحرير الرقمي (‪Silk‬‬ ‫‪ ،)Road online marketplace‬الذي أقفله مكتب التحقيقات‬


‫االتحادي أ‬ ‫المريكي «إف بي آي» في أول أكتوبر ‪2013‬م‪ ،‬كان وسيلة‬ ‫مخدرات واسعة النطاق‪ .‬وثمة مواقع يمكن دخولها بواسطة‬ ‫لتجارة ّ‬ ‫أ‬ ‫«تور»‪ ،‬تتاجر بالسلحة وممنوعات أخرى‪.‬‬

‫الكمبيوتر‬

‫اخترع هرمان هوليريث سنة ‪1884‬م آلة الجدولة (‪Tabulating‬‬ ‫‪ .)Machine‬وقد أتاحت هذه المجدولة لمكتب الحصاء أ‬ ‫المريكي‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫الحصاء‬ ‫إنجاز إحصاء سنة ‪1890‬م في غضون سنة‪ ،‬فيما كان إ‬ ‫يستغرق ثماني سنوات إلنجازه‪ .‬وقد أحدثت آلة هوليريث العاملة‬ ‫بالبطاقات المثقبة التي تحوي معلومات‪ ،‬ثورة حقيقية في خزن‬ ‫المعلومات وكانت بداية عصر الكمبيوتر الحديث‪ .‬وقد أسس‬ ‫هوليريث شركة آلة الجدولة (‪)Tabulating Machine Company‬‬ ‫التي صارت فيما بعد‪ :‬آي بي إم‪.‬‬ ‫في سنة ‪1930‬م‪ ،‬نقلت «آي بي إم»‪ ،‬بواسطة فرعها أ‬ ‫اللماني‪،‬‬ ‫مجدوالت‪ ،‬إلى الرايخ الثالث‪ ،‬الذي أتاح‬ ‫أحدث ما كان لديها من‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫للدولة النازية حفظ معلومات عن المواطنين اللمان‪ .‬كان يمكن‬ ‫للمحرقة أن تقع في أي حال‪ .‬لكن المجدولة سهلت عمل أ‬ ‫الجهزة‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫وال شك‪ ،‬مثلما جاء في كتاب إدوين بالك‪ :‬آي بي إم والمحرقة‪.‬‬

‫صبغة الفوسجين‬

‫كان الفوسجين‪ ،‬وهو غاز عديم اللون‪ ،‬كريه الرائحة‪ ،‬مادة لصنع‬ ‫الصبغات‪ ،‬في البدء‪ ،‬أي في القرن التاسع عشر‪ .‬وهو ال يزال إلى‬ ‫آ‬ ‫الن من المواد المهمة المستخدمة في الصناعة‪ .‬وقد سبق بذلك‬ ‫أ‬ ‫البوليريتين‪ .‬وفي الحرب العالمية الولى‪ ،‬اس ُتخدم على نطاق‬ ‫واسع‪ ،‬غازاً ساماً‪.‬‬

‫«غوغل إيرث»‬

‫َم ْن م َّنا لم يستخدم خريطة «غوغل» من أجل العثور على عنوان‬ ‫ما‪ ،‬أو للقاء نظرة من أعلى‪ ،‬على مكان مألوف لديه من أ‬ ‫الرض‪ .‬لكن‬ ‫إ‬ ‫المشكلة أن هذه الخرائط الجوية‪ ،‬يمكن أن تفيد إرهابيين أيضاً‪.‬‬ ‫فقد استخدمت في هجمات مومباي‪ ،‬سنة ‪2008‬م‪ ،‬ولذا طلبت‬ ‫تشوه صور عدد من المواضع‬ ‫الحكومة الهندية من «غوغل» أن ّ‬ ‫فيها‪ .‬بل إن دعاوى قضائية ُرفعت على «غوغل»‪ ،‬بسبب ذلك‪ .‬وفي‬ ‫إنجلترا‪ ،‬استخدم لصوص صور «غوغل إيرث» الكتشاف الكنائس‬

‫استخدم لصوص خريطة «غوغل‬ ‫إيرث» من أجل اكتشاف الكنائس‬ ‫التي سقفها مصنوع من معدن‪،‬‬ ‫من أجل سرقة تلك المعادن‬ ‫وبيعها في السوق السوداء‪..‬‬ ‫التي سقفها مصنوع من معدن‪ ،‬من أجل سرقة تلك المعادن وبيعها‬ ‫في السوق السوداء‪.‬‬

‫البرمجيات الحاسوبية‬

‫اخ ُت ِرعت البرمجيات الحاسوبية من أجل المساعدة في تنظيم‬ ‫الملفات والتسريع في الحساب وما إلى ذلك من أوجه االستخدام‬ ‫التقنيين من أن‬ ‫المتطورة مكّ نت‬ ‫التقنيات‬ ‫المتعددة‪ .‬لكن بعض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتسللوا إلى أي كمبيوتر‪ ،‬وهم جالسون في مكاتبهم‪ ،‬دونما حاجة‬ ‫إلى أن يكون حاسوبك أمامهم‪ .‬وقد صارت تقنيات التسلل هذه أداة‬ ‫شغل لقراصنة الكمبيوتر‪ ،‬الذين ال يكتفون بالدخول إلى الملفات‪،‬‬ ‫بل يتحكّمون حتى بالعدسات والميكروفونات المتصلة بالكمبيوتر‪.‬‬

‫التخليق البيولوجي‬

‫يقول غودمان‪ ،‬إن أدوات «التخليق البيولوجي»‪ ،‬لم تعد حكراً على‬ ‫المختبرات الكبرى‪ .‬إذ يمكن تركيب مواد بيولوجية وتجارب في مرآب‬ ‫بسيط‪ ،‬أما أسعار المركبات البيولوجية‪ ،‬فقد هبطت هبوطاً عمودياً‪.‬‬ ‫للمتحمسين‬ ‫وتوفر منظمات مثل‪ »Genspace« :‬أو «‪،»Biocurious‬‬ ‫ّ‬ ‫مجال العمل على حسابهم الخاص في هذا المجال‪.‬‬ ‫لكن القدرة على «التخليق البيولوجي» في المنزل‪ ،‬تعني أيضاً‬ ‫القدرة مثال على شن هجمات‪ ،‬مثل هجمات أ‬ ‫«النتراكس» الشهيرة‬ ‫ً‬ ‫سنة ‪2001‬م‪ ،‬التي أدت إلى وفاة خمسة أشخاص‪ .‬هذه الهجمات‬ ‫يمكن أن تحدث من جديد بسهولة‪ .‬وقد جرى نقاش حاد في مسألة‬ ‫النفلونزا‪ .‬فدراسات «غين‬ ‫معالجة هذه المشكلة‪ ،‬أثناء انتشار وباء إ‬ ‫أوف فانكشن» (‪ )Gain of Function‬التي تهتم بصنع لقاحات‬ ‫تتحول بسهولة‪ ،‬إلى صنع فيروس أشد فتكاً وقدرة‬ ‫جديدة‪ ،‬يمكن أن ّ‬ ‫على االنتشار‪.‬‬

‫الطائرات بال طيار‬

‫يتصورون يوماً تخدم فيه‬ ‫الخيالية‬ ‫منذ عقود‪ ،‬كان ك ّتاب القصص‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الروبوتات البشر‪ .‬فالروبوتات تصنع كل شيء‪ ،‬من السيارات إلى‬ ‫الكمبيوترات‪ .‬لكن الروبوتات‪ ،‬وال سيما الطائرات بال طيار (المسماة‬ ‫تحولت كذلك إلى أسلحة فتاكة‪ ،‬تقتل البشر‪ .‬وتسعى دول‬ ‫درون) ّ‬ ‫عديدة في تطوير هذا السالح‪ ،‬حتى إن أ‬ ‫المم المتحدة دعت إلى‬ ‫حظره‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪31 | 30‬‬

‫العلم خيال‬

‫ذهب العلماء إلى احتمال وجود حياة خارج‬ ‫كوكب األرض نتيجة االتساع الكوني‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى اكتشاف عدة كواكب ذات ظروف مشابهة‬ ‫لألرض‪ .‬ولما كانت الحياة على كوكبنا تعتمد‬ ‫على عنصر أساسي هو الكربون‪ ،‬فقد َّ‬ ‫حق لنا أن‬ ‫نتساءل‪ :‬هل ينطبق ذلك على أشكال الحياة‬ ‫على كواكب أخرى‪ ،‬كما هي الفكرة السائدة‬ ‫في األوساط العلمية؟ أو أن الحياة ستختلف‬ ‫ً‬ ‫كيميائيا‪ ،‬كما صورتها أفالم الخيال العلمي؟‬

‫حسن الخاطر‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫السليكون؟‬ ‫حياة من ِّ‬ ‫يقول عالم الكيمياء أ‬ ‫والستاذ‬ ‫بونامب�وما‪:‬‬ ‫س�يل‬ ‫ي‬ ‫بجامعة يم�يالند ي‬ ‫ف‬ ‫«إذا كانت هناك حياة ي� مكان آخر‬ ‫ف ي� الكون فستكون مماثلة لحياتنا‬ ‫عىل أ‬ ‫الرض من الناحية الكيميائية»‪،‬‬ ‫وهذه النظرة تقوم عىل تعميم كيمياء الحياة الكربونية‬ ‫ف� كوكب أ‬ ‫الرض عىل الكون بأكمله‪ .‬هذا الكربون موجود‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� الهواء من حولنا‪ ،‬وهو أساس‬ ‫و� طعامنا ي‬ ‫ي� أجسامنا ي‬ ‫ويكون روابط فردية أو زوجية أو ثالثية‪،‬‬ ‫الكيمياء العضوية‪ّ ،‬‬ ‫وله القدرة عىل االتحاد بسهولة مع نفسه‪ ،‬لتشكيل سالسل‬ ‫كربونية طويلة‪ ،‬ومع عدد كب� من العنارص أ‬ ‫الخرى‪ ،‬إلنتاج‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫المالي� من المركبات المهمة ف ي� بناء الكائنات الحية‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬كان أول من ت‬ ‫اف�ض وجود حياة يغ� قائمة‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫عىل عنرص الكربون هو ي ز ئ‬ ‫لما� يوليوس‬ ‫الفلك ال ي‬ ‫الف� ي‬ ‫يا� ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫شاي� عام ‪1891‬م‪ ،‬حيث ناقش ي� مقال علمي فكرة وجود‬ ‫حياة خارج كوكب أ‬ ‫الرض قائمة عىل عنرص السليكون‪ .‬و�ف‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يطا� جيمس إيمرسون‬ ‫عام ‪1893‬م‪ ،‬ألقى‬ ‫الصيدل بال� ي‬ ‫ي‬ ‫رينولدز كلمة أمام جمعية العلوم بال�يطانية‪ ،‬ذكر فيها‬ ‫ف‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫أن السليكون قد يشكّل الحياة ي� درجة حرارة عالية ًّ‬ ‫حيث إن عديداً من مركبات السليكون مستقرة ف ي� درجة‬

‫ف‬ ‫ئ‬ ‫الروا�‬ ‫الحرارة العالية‪ .‬وبعد ذلك ي� عام ‪1894‬م‪ ،‬كتب ي‬ ‫إتش جي ويلز‪ ،‬ف ي� خياالته العلمية المبكرة‪« :‬مما يذهلك‬ ‫هذه التصورات الخيالية الرائعة لكائنات من السليكون‬ ‫أ‬ ‫الك�يت‬ ‫واللومنيوم‪ ،‬تجول خالل غالف جوي من ب‬ ‫الغازي‪ ،‬وعىل مقربة من شواطئ بحر من الحديد السائل‪،‬‬ ‫تبلغ حرارته ألف درجة مئوية»‪ ،‬وأخذت فكرة وجود أشكال‬ ‫من الحياة تعتمد ف ي� أساسها عىل عنرص السليكون تحوز‬ ‫عىل اهتمام وانبهار العلماء وأدباء الخيال العلمي‪ ،‬وما‬ ‫زالت ت‬ ‫ح� هذه اللحظة‪.‬‬

‫لماذا السليكون بدل الكربون؟‬

‫إن فكرة وجود مخلوقات ذات قاعدة سليكونية تقوم‬ ‫عىل أسس علمية‪ ،‬فعنرص السليكون هو المرشح أ‬ ‫الول‬ ‫ألن يكون ً‬ ‫بديل عن الكربون للتشابه بينهما‪ .‬فكالهما‬ ‫ش ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫يقع ي� المجموعة الرابعة ع�ة ي� الجدول الدوري ي‬ ‫تضم الكربون‪ ،‬والسليكون‪ ،‬والجرمانيوم‪ ،‬والقصدير‪،‬‬ ‫والرصاص‪.‬‬ ‫وإذا كان السليكون يحتل المرتبة الثامنة ي ن‬ ‫ب� العنارص‬ ‫الع�ة أ‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫(الهيدروج�‪ ،‬والهيليوم‪،‬‬ ‫ال ثك� وفرة ف ي� الكون‪:‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫وج�‪،‬ن‬ ‫ن‬ ‫كسج�‪ ،‬والكربون‪ ،‬والنيون‪ ،‬والحديد‪ ،‬والني� ي‬ ‫وال ي‬

‫والسليكون‪ ،‬والمغنيسيوم‪ ،‬والك�يت)‪ ،‬فإنه أ‬ ‫الوفر‬ ‫ب‬ ‫ق�تنا أ‬ ‫بعد أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫كسج� ف ي� ش‬ ‫الرضية‪ ،‬وعىل الرغم من هذه‬ ‫الوفرة‪ ،‬إال أن الحياة ف� أ‬ ‫الرض ذات أساس ن‬ ‫كربو�‪ ،‬نتيجة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫تم�ه وتجعله مناسباً ث‬ ‫ال� ي ز‬ ‫وأك�‬ ‫الخصائص الكيميائية ي‬ ‫مرونة ألن يكون صديقًا للحياة عىل كوكبنا‪ ،‬حيث تحتاج‬ ‫الكائنات السليكونية ت‬ ‫المف�ضة إىل ظروف قاسية من ضغط‬ ‫َ‬ ‫وحرارة يك تشق طريقها إىل الحياة‪.‬‬ ‫ومن أمثلة تشابه كيمياء السليكون والكربون‪ ،‬كون الكربون‬ ‫ين‬ ‫هيدروج� لتكوين غاز الميثان‪ ،‬بينما‬ ‫يرتبط مع أربع ذرات‬ ‫يتشكل غاز السيالن نتيجة ارتباط السليكون بأربع ذرات‬ ‫هيدروج�‪ .‬لكن ي ّ ن‬ ‫ين‬ ‫يتب� لنا االختالف الجوهري بينهما عند‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫كسج�‪ ،‬فعندما يتفاعل الكربون مع‬ ‫ارتباطهما بعنرص ال ي‬ ‫أ‬ ‫كسج� أثناء عملية التنفس لينتج ن‬ ‫ال ي ن‬ ‫ثا� أكسيد الكربون‬ ‫ي‬ ‫(‪ ،)CO2‬الذي يسهل تخلص الجسم منه‪ .‬أما ف ي� حالة‬ ‫تفاعل السليكون مع أ‬ ‫ن‬ ‫ال ي ن‬ ‫ثا� أكسيد‬ ‫كسج� فإنه ينتج ي‬ ‫السليكون ( ‪ )SiO‬الذي يكون صلباً ت‬ ‫ح� ف ي� درجة الحرارة‬ ‫‪2‬‬ ‫المرتفعة‪ ،‬ما يشكل تحدياً للجهاز التنفس ت‬ ‫المف�ض‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ثا� أكسيد الكربون‪ ،‬سوف يتم‬ ‫فبدل أن يتم طرح غاز ي‬ ‫ن‬ ‫ثا� أكسيد السليكون المعروف باسم (الرمل)‪ ،‬وهو‬ ‫طرح ي‬ ‫مركب صلب يغ� قابل للذوبان ف ي� الماء‪.‬‬


‫‪Ω‬‬

‫الرمز أوميغا (‪ )Ω‬هو الحرف الرابع‬ ‫وال ف أ‬ ‫والع�ون أ‬ ‫ش‬ ‫الغريقية‪.‬‬ ‫خ� ي� البجدية إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الحر� للفظة «أوميغا» هو‬ ‫المع�‬ ‫ي‬ ‫«عظيم»‪ ،‬وهذه اللفظة ال تزال تستخدم‬ ‫ن ف‬ ‫ال ي ز‬ ‫نجل�ية‬ ‫لتخدم ذات‬ ‫المع� ي� اللغة إ‬ ‫لليوم «‪.»Mega‬‬

‫‪http://www.cubithealthcare.net‬‬

‫وعىل الرغم من أن الكيمياء الحيوية‬ ‫السليكونية تتعامل مع مواد‬ ‫صلبة‪ ،‬عىل عكس الكيمياء‬ ‫ت‬ ‫ال� تستمد‬ ‫الحيوية الكربونية ي‬ ‫طاقتها من الكربوهيدرات‪،‬‬ ‫ويمكن التخلص من مخلفاتها‬ ‫السائلة والغازية بسهولة‪ ،‬إال‬ ‫أن الحياة السليكونية قد تجد‬ ‫طريقها للتعامل مع المخلفات الصلبة‪ ،‬باستخدام‬ ‫مذيبات تقوم بدورها بدل الماء‪ ،‬وهذه الفكرة حازت‬ ‫عىل قبول العديد من العلماء‪ ،‬وهي أن الحياة خارج‬ ‫كوكب أ‬ ‫الرض ليست ض‬ ‫بال�ورة قائمة عىل الماء‪.‬‬

‫كائنات شت�ب أ‬ ‫المونيا‬ ‫ف‬

‫ن‬ ‫يطا� جي ب ي� أس‬ ‫ي� عام ‪1954‬م‪ ،‬وضع عالم الوراثة بال� ي‬ ‫هالدين أ‬ ‫المونيا بديال ً للماء ف ي� ندوة علمية حول أصل‬ ‫الحياة‪ .‬كما ت‬ ‫اق�ح عالم الفلك كارل ساغان أن الحياة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الغريبة خارج كوكب الرض قد تستخدم المونيا‪،‬‬ ‫ين‬ ‫الهيدروج�‪ً ،‬‬ ‫بدل من الماء‪.‬‬ ‫والهيدروكربونات‪ ،‬وفلوريد‬ ‫جدا‬ ‫الصعب‬ ‫«من‬ ‫الغريبة‪:‬‬ ‫ويقول ساغان حول الحياة‬ ‫ًّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أن نكون عىل ي ن‬ ‫يق� أن صورة الحياة ي� الرض تنطبق عىل‬

‫إذا كانت هناك‬ ‫حياة في مكان آخر‬ ‫في الكون فستكون‬ ‫مماثلة لحياتنا على‬ ‫األرض من الناحية‬ ‫الكيميائية‬ ‫جميع أشكال الحياة ف ي� جميع أنحاء الكون»‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن‬ ‫البيئات الصديقة للحياة السليكونية‪ ،‬يجب أن تكون غنية‬ ‫بهذه المذيبات‪ ،‬ككوكب ال ُّزهرة ً‬ ‫مثل من الممكن أن يكون‬ ‫مناسباً للحياة السليكونية‪ ،‬لدرجة حرارته المرتفعة ت‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫الك�يتيك ف ي�‬ ‫تزيد عن ‪ 450‬درجة مئوية‪ ،‬ووجود حامض ب‬ ‫العال جداً يعادل تقريباً‬ ‫غالفه الجوي‪ ،‬وضغطه الجوي ي‬ ‫‪ 100‬مرة من ضغط أ‬ ‫الرض!‬ ‫إن وجود شكل من الحياة يرتكز عىل السليكون يبقى ممكناً‬ ‫ت‬ ‫ال� يبحث عنها العلماء‬ ‫وليس مستحيالً‪ .‬وقد تكون الحياة ي‬ ‫ف ي� كواكب أخرى تختلف عن حياتنا الكربونية المعتمدة عىل‬ ‫ت‬ ‫وال� تستمد طاقتها من الكربوهيدرات‪ .‬وإذا كانت‬ ‫الماء ي‬ ‫هذه الحياة ذات القاعدة السليكونية‪ ،‬موجودة بالفعل‪،‬‬ ‫فستكون الكيمياء الحيوية (السليكونية) مختلفة عن‬ ‫الكيمياء المعروفة لدينا‪ ،‬لتتماهى مع ظروف كوكبها يغ�‬ ‫المالئمة أبداً ش‬ ‫للب�‪ .‬وستكون النتيجة مخلوقات غريبة ال‬ ‫يمكن تصورها إال بالجهد الجهيد‪ ،‬ذلك أننا سوف نتخيلها‬ ‫ف ي� محيط حياتنا الكربونية المعروفة لدينا!‬ ‫ت ت‬ ‫يأ� اليوم الذي نكتشف فيه أن الحياة‬ ‫لن نعرف ح� ي‬ ‫ليست ض‬ ‫بال�ورة مبنية عىل الكربون حقاً‪.‬‬

‫و«الميغا» ف ي� الرياضيات وعلم الحاسوب‬ ‫اليوم‪ ،‬هي ش‬ ‫الع�ة مرفوعة للقوى ‪ ،6‬فنقول‬ ‫ميغابايت لنقصد مليوناً من البايتات‪.‬‬ ‫للرمز أوميغا حضور ف ي� عديد من مجاالت‬ ‫العلوم‪ .‬ففي الكيمياء يستخدم الرمز‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫النظ� المستقر‬ ‫لل‬ ‫وكسج� ‪ -18‬وهو ي‬ ‫لعنرص أ‬ ‫ف‬ ‫و� ي ز‬ ‫ين‬ ‫الف�ياء‬ ‫ال‬ ‫وكسج� ‪ .O‬ي‬ ‫للتعب� عن المقاومة الكهربائية‬ ‫يستخدم‬ ‫ي‬ ‫ووحدتها المعيارية (أوم – ‪.)Ohm‬‬ ‫أما ف� علم الكون ي ز ئ‬ ‫يا�‪ ،‬فالرمز أوميغا‬ ‫الف� ي‬ ‫ي‬ ‫يع� به عن كثافة الكون‪ .‬وهذه القيمة‬ ‫ب َّ‬ ‫النظرية الهائلة بت�ر استخدام (‪ )Ω‬ف ي�‬ ‫للتعب� عن النتائج المحتملة‬ ‫الحصاء كذلك‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ألي تجربة عشوائية‪ .‬ففضاء العينة لنتيجة‬ ‫مباراة كرة قدم يحتمل ثالث نتائج‪ :‬فوز‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الثا�‪ ،‬وتعادل‬ ‫الفريق الول‪ ،‬فوز الفريق ي‬ ‫ين‬ ‫الفريق�‪.‬‬ ‫تجارياً‪ ،‬يمثل الرمز أوميغا عالمة لماركة‬ ‫ت‬ ‫يز‬ ‫ال� تم‬ ‫مم�ة من الساعات السويرسية أ ي‬ ‫اعتمادها من قبل وكالة الفضاء المريكية‬ ‫(ناسا) خالل رحالت برنامج (أبوللو) إىل‬ ‫القمر‪ .‬كما أنها معتمدة ل�تديها البطل �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أفالم (جيمس بوند) منذ العام ‪1995‬م‪.‬‬ ‫ب� ت‬ ‫وهذا التضافر ي ن‬ ‫ال�ويج التجاري والقيمة‬ ‫العجاب‪ ..‬لمن‬ ‫العظمى يمثل لفتة تستحق إ‬ ‫أدرك ن‬ ‫مع� هذا الرمز‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫منتج‬

‫‪33 | 32‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫«سيري»‪..‬‬ ‫الشخص ف ي�‬ ‫«س�ي ‪ »Siri‬هي خدمة المساعد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أجهزة آ‬ ‫الشخص‬ ‫المساعد‬ ‫ليست‬ ‫وهي‬ ‫يفون‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫الذك الوحيد‪ ،‬بل هناك حزمة من بال�مجيات المنافسة ي‬ ‫تطورها مختلف ش‬ ‫ال�كات عىل رأسها غوغل (غوغل ناو)‬ ‫ومايكروسوفت (كورتانا) وغ�ها من الخدمات الخاصة أ‬ ‫القل‬ ‫ي‬ ‫شهرة‪ .‬لكن السؤال الذي نود مناقشته هنا‪ ،‬هو‪ :‬هل وصلت‬ ‫هذه المساعدات الشخصية إىل مستوى الذكاء؟‬ ‫ف ي� عام ‪2010‬م استحوذت ش�كة آبل عىل «‪ ،»Siri‬وهو‬ ‫م�وع بدأ بدعم من وكالة أ‬ ‫ش‬ ‫البحاث ف ي� وزارة الدفاع‬ ‫أ‬ ‫س�ي كما تصفه آبل «مساعد‬ ‫المريكية «داربا» (‪ .)DARPA‬ي‬ ‫ذك» يستطيع فهم أوامر اللغة الطبيعية ألداء‬ ‫شخص ي‬ ‫ي‬ ‫وظائف مختلفة مثل إنشاء المواعيد وكتابة الرسائل أو‬ ‫ف‬ ‫س�ي مساعداً‬ ‫البحث ي� الويب‪ .‬لم تشأ آبل أن تجعل من ي‬ ‫يبدو كما لو كان إنساناً طبيعياً‪ ،‬إال أنه من الصعوبة بمكان‬ ‫أن نتجنب استخدام صيغة المؤنث حينما نصفها‪ .‬وبالطبع‬ ‫س�ي مشهورة بـ «شخصية مرحة» تتجىل ف ي� ردودها البارعة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أنت ذكية؟»‬ ‫كث� من السئلة‪ .‬سألنا ي‬ ‫عىل ي‬ ‫س�ي «هل ِ‬ ‫فأجابت‪« :‬بالطبع ذكية بما فيه الكفاية ألتجنب إالجابة عن‬ ‫هذا السؤال»‪.‬‬ ‫س�ي‪ ،‬قامت غوغل بإطالق خدمة‬ ‫بعد عام من إطالق ي‬ ‫الشخص الخاص بها «غوغل ناو»‪ ،‬الذي يختلف‬ ‫المساعد‬ ‫ي‬ ‫س�ي بأنه ال يوجد فيه شخصية تتحدث معها‪ ،‬بل‬ ‫عن ي‬ ‫مساعد تنفيذي فقط قادر عىل إالجابة عن أسئلتك العامة‬ ‫وتلبية طلباتك‪ .‬كما أنه ي ز‬ ‫يتم� بالقدرة عىل استخدام‬ ‫المعلومات من تاريخك ف� البحث وتنقالتك ت‬ ‫وح�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫لك� ن‬ ‫ت‬ ‫و� (إن تمت كلها بع� خدمات‬ ‫رسائلك ي� بال�يد إال ي‬ ‫غوغل) إضافة إىل المعلومات العامة متمثلة بما يسمى‬ ‫ت‬ ‫ال� بنتها غوغل‪.‬‬ ‫بـ «الخريطة المعرفية» ي‬ ‫«س�ي» و«غوغل ناو» يص َّنفان ضمن توصيف أعم‬ ‫ي‬ ‫الحاسو� للمعرفة‪.‬‬ ‫للتطبيقات الذكية‪ ،‬وهي التمثيل‬ ‫بي‬ ‫وتقع ف ي� هذا التصنيف برامج أخرى عديدة منها كليفربوت‬ ‫وواتسون‪ .‬كليفربوت عىل سبيل المثال‪ ،‬هو برنامج محادثة‬ ‫متقدم جداً (حيث صنف ف ي� إحدى المسابقات الحاسوبية‬ ‫بالهند بأنه شب�ي بنسبة ‪ .)%59.3‬يعتمد «كليفربوت»‬ ‫ف� الجابة عن أ‬ ‫السئلة عىل أرشيف ضخم يشمل جميع‬ ‫ي إ‬ ‫المحادثات السابقة تال� يجريها الناس معه سواء �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫لك� ن‬ ‫المعامل أو ف� الموقع إال ت‬ ‫و�‪ .‬وتتطلب هذه العملية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫معالجات جبارة لتحليل المحادثات السابقة وبناء الرد‬ ‫عليها‪ .‬لهذا يبدو «كليفربوت» شب�ي جداً فهو يسخر من‬ ‫الناس‪ ،‬ويتأثر ويتعاطف ويلمح وما إىل ذلك من مستويات‬ ‫معقدة من التواصل ش ف‬ ‫شه� باليوتيوب‬ ‫الب�ي‪ .‬ي� مقطع ي‬

‫(‪)siri‬‬

‫وأخواتها‬ ‫فهد الحازمي‬

‫ين‬ ‫ين‬ ‫ولغوي� وك َّتاب وما إىل ذلك‪ .‬وعىل‬ ‫محكم� فالسفة وأدباء‬ ‫ث‬ ‫الرغم من ك�ة التطبيقات وبرامج المحادثة المشاركة إال‬ ‫أننا نرى أن الذكاء الصناعي وفق زاوية اختبار «تيورنق»‬ ‫بدأ نن‬ ‫يتف� ف ي� استخدام تقنيات خداعية (مثال ً حينما يقوم‬ ‫أ‬ ‫الكمبيوتر بإخبار الحكم بأنه ال يتقن إال ي ز‬ ‫نجل�ية لنه طفل‬ ‫وبالتال يغطي عىل عيوبه وأخطائه‪ .‬لم تظهر‬ ‫مهاجر حديثاً)‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫فعال ً تطبيقات أو برامج «تفهم» و «تفكر» كما يفعل الب�‪.‬‬ ‫وهنا بالضبط ت‬ ‫تف�ق النظرة الحديثة عن النظرة الكالسيكية‬ ‫ف ي� الذكاء الصناعي‪.‬‬

‫النظرة الحديثة والنظرة الكالسيكية للذكاء‬ ‫الصناعي‬

‫حاز ث‬ ‫أك� من ‪ 4‬ي ن‬ ‫مالي� مشاهدة‪ ،‬نرى «كليفربوت» تتحدث‬ ‫مع «كليفربوت» أخرى‪ .‬المحادثة غريبة إىل درجة أنه من‬ ‫الصعوبة بمكان أن تصدق أن هذه محادثة تجري ي ن‬ ‫ب�‬ ‫واليمان باهلل‬ ‫آالت‪ .‬فقد احتوت عىل أسئلة عن الذات إ‬ ‫وغ� ذلك‪ ،‬وليس هذا فحسب بل إن أسلوب التواصل يكاد‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫يكون فريدا من نوعه‪.‬‬ ‫ف‬ ‫كث�ة‬ ‫لن نسهب ي� رسد كل المساعدات الذكية‪ ،‬فهي اليوم ي‬ ‫ودخلت عالم ش‬ ‫ال�كات منذ سنوات‪ .‬ما نحن بصدده ف ي�‬ ‫هذه المقالة هو التساؤل عما إن كانت هذه المساعدات‬ ‫الشخصية ذكية‪.‬‬ ‫آلن تيورنق (‪1954-1912‬م)‪ ،‬أو أبو علم الحواسيب كما‬ ‫يسمى اليوم وعراب الذكاء الصناعي‪ ،‬ت‬ ‫اق�ح اختباراً سمي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫فيما بعد باسمه «اختبار تيورنق»‪ .‬هدف هذا االختبار هو‬ ‫معرفة ما إذا وصلت آ‬ ‫اللة إىل مستوى الذكاء أم ال‪ .‬تجاوز‬ ‫ف‬ ‫ليحول‬ ‫تيورنق ي� اختباره سؤال ماهية الذكاء أو ي‬ ‫التفك� ّ‬ ‫االختبار إىل لعبة‪ :‬شخص يتحدث مع ي ن‬ ‫اثن� من خلف ستار‪،‬‬ ‫أحدهما إنسان و آ‬ ‫الخر كمبيوتر‪ .‬هذا الشخص (الحكم)‬ ‫خلف الستار ال يعرف أيهما إالنسان وأيهما الكمبيوتر‪ .‬تبدأ‬ ‫المحادثة بالكتابة‪ ،‬ويستمر الحكم بالحديث مع ي ن‬ ‫االثن�‪ .‬إذا‬ ‫يم� فيها أيهما آ‬ ‫وصل الحكم لمرحلة ال ي ز‬ ‫اللة وأيهما إالنسان‪،‬‬ ‫هنا نستطيع االدعاء أن آ‬ ‫اللة تجاوزت اختبار تيورنق‬ ‫ومعاي�ه للذكاء آ‬ ‫ال يل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫إنجل�ا‪ ،‬تُعقد سنوياً حفلة لجائرة ن‬ ‫ف� ت‬ ‫«ليوب�»‪ ،‬وهي جائزة‬ ‫يمخصصة آ‬ ‫للالت ت‬ ‫ال� تجتاز اختبار «تيورنق» باستخدام‬ ‫ي‬

‫هناك نظرتان للذكاء الصناعي اليوم‪ ،‬واحدة كالسيكية‬ ‫يقل المؤمنون بها يوماً بعد يوم‪ ،‬وأخرى حديثة‪ .‬النظرة‬ ‫ت‬ ‫يع� عنها دوغالس هوفستادر تنص‬ ‫ال� ب ِّ‬ ‫الكالسيكية ي‬ ‫عىل أن الذكاء الصناعي يبدأ من إالدراك‪ .‬فتطبيقات‬ ‫س�ي ت‬ ‫وغ�ها ليست ذكية ألنها ال‬ ‫وم�جم غوغل ي‬ ‫مثل ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫تفهم النصوص كما يفهمه الب�‪ .‬هي بارعة ي� استدعاء‬ ‫ردود أو نصوص أخرى بناء عىل مدخالت نصية وبطرق‬ ‫ت‬ ‫(ال� تقوم عليها‬ ‫إحصائية فقط‪ .‬أما النظرة الحديثة ي‬ ‫تطبيقات الذكاء الصناعي الحديثة مثل تطبيقات غوغل‬ ‫تبال‬ ‫المختلفة ي‬ ‫وغ�ها) فتقوم عىل مبادئ إحصائية وال ي‬ ‫آ‬ ‫س�ي‪ ،‬ال‬ ‫بفهم اللة أو استيعابها‪ .‬حينما تتحدث مع ي‬ ‫س�ي ما تقوله فعال ً قدر ما يهم أن‬ ‫يهم إن فهمت ي‬ ‫يل� احتياجك‪ .‬ينتقد هوفستادر هذه‬ ‫ترد عليك بما ب ي‬ ‫التوجهات بأنها تطوير منتجات وال تمت للذكاء بصلة‪.‬‬ ‫ولهذا يؤمن الكالسيكيون بأن هناك مشكلة جذرية ف ي�‬ ‫س�ي أو يغ�ها من المساعدات‬ ‫التوجهات الحديثة‪ ،‬وأن ي‬ ‫والتطبيقات الذكية القائمة عىل هذا التوجه لن تصل‬ ‫أبداً إىل مستوى الذكاء الصناعي‪ .‬صحيح أن هذه‬ ‫التطبيقات مبهرة ف ي� فعاليتها اليومية ولكنها ف ي� جوهرها‬ ‫مجرد نماذج إحصائية وتنبؤية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫قد ال ينتهي الجدال قريباً‪ ،‬ولن تنتهي التطبيقات العملية‬ ‫لها كذلك‪ .‬مستقبال ً ‪ -‬وربما ليس بالبعيد ‪ -‬ستكون قادراً‬ ‫عىل الحديث مع تلفازك ‪ -‬بالطبع إن بقي التلفاز إىل‬ ‫أ‬ ‫ذلك الوقت ‪ -‬ومع مطبخك ومع بيتك‪ ،‬وكل هذه الشياء‬ ‫س�ي‪ .‬ال تهتم‬ ‫ستتبادل الحديث معك تماماً كما تفعل ي‬ ‫غالبية الناس ‪ -‬بمن فيهم مهندسو بال�مجيات والمنتجات‬ ‫ف ي� غوغل وآبل ‪ -‬بما إذا كانت منتجاتهم «تفكر» فعال ً‬ ‫وتمارس الذكاء‪ ،‬قدر اهتمامهم بمقدرة هذه آ‬ ‫الالت عىل‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫المستهلك� والعمالء‪ .‬ولهذا ‪ -‬كما‬ ‫المالي� من جيوب‬ ‫در‬ ‫ً‬ ‫يؤمن هوفستادر ‪ -‬ربما لن نصل قريبا إىل الذكاء الصناعي‬ ‫الحقيقي مهما كانت المنتجات مبهرة ومذهلة‪.‬‬


‫نظمي محمد الخميس‬ ‫وإيمان عبداهلل أمان‬

‫الشبكة‬ ‫الكهربائية‬ ‫الذكية‬

‫وتحديات‬ ‫المستقبل القريب‬

‫طاقة‬

‫ُيعد قطاع الطاقة الكهربائية من أسرع‬ ‫ً‬ ‫نموا‪ .‬ويرجع ذلك بشكل‬ ‫قطاعات الطاقة‬ ‫أساسي إلى اقتصاديات الدول األسرع‬ ‫ً‬ ‫نموا كالصين والهند‪ ،‬وذلك بسبب زيادة‬ ‫استهالك الكهرباء في الصناعة‪ ،‬ونمو الطبقة‬ ‫المتوسطة فيها‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬هناك‬ ‫تحديات أخرى مرتبطة بأنماط إدارة أنظمة‬ ‫الطاقة الكهربائية الحالية ومدى استدامتها‬ ‫َّ‬ ‫تشكلت‬ ‫على المديين المتوسط والبعيد‪ ،‬التي‬ ‫مع بداية القرن الحالي‪ .‬فقد أسهم تغير‬ ‫أنماط االستهالك للطاقة الكهربائية في‬ ‫الدول المتقدمة في تعاظم االستهالك في‬ ‫ً‬ ‫تحديا في‬ ‫أوقات الذروة‪ ،‬األمر الذي يطرح‬ ‫كيفية استجابة محطات التوليد له‪ .‬وهناك‬ ‫ٍّ‬ ‫تحد آخر يتعلق بتقادم أعمار الشبكات في‬ ‫الدول المتقدمة‪ .‬والحاجة إلى ترقيتها بما‬ ‫يتماشى مع ما توفره الثورة الرقمية من فوائد‬ ‫في مجاالت أنظمة االتصاالت والقياس‪،‬‬ ‫تقنيا قادما‪ً.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تحديا‬ ‫والبرمجيات الذكية‪ ،‬تمثل‬


‫‪35 | 34‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫الشبكات الكهربائية السليمة ذات‬ ‫مواصفات يمكن إجمالها في أربع‬ ‫نقاط‪ :‬أ‬ ‫الولى هي المرونة أو قدرة‬ ‫الشبكة على االستجابة للطلب‬ ‫المتزايد على الطاقة الكهربائية‬ ‫عندما تكون هناك تغيرات وتحديات متعلقة‬ ‫بالمستقبل‪ .‬والثانية تتمثل في قدرة الشبكة على‬ ‫الربط الكهربائي بين جميع المستهلكين والمنتجين‪.‬‬ ‫والثالثة هي الموثوقية‪ ،‬أي أن تكون الطاقة الكهربائية‬ ‫مستمرة وغير متقطعة‪ ،‬وذات جودة وقدرة على‬ ‫التكيف مع أ‬ ‫الحداث غير المتوقعة‪ .‬وأخيراً‪ ،‬أن يكون‬ ‫تشغيل هذه الشبكة اقتصادياً‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يبرز هنا‪ ،‬هل تستطيع الشبكات‬ ‫الكهربائية القائمة على مجابهة تحديات القرن الحالي‬ ‫والبقاء في وضع سليم؟ الجواب إنه من الصعب‬ ‫على الشبكة القائمة االستجابة لهذه التحديات‪.‬‬ ‫فأنظمة التحكم والقياس والبرمجيات في الشبكات‬ ‫القائمة لن تستطيع مثال ً استيعاب مصادر توليد‬ ‫متغيرة ال يمكن التنبؤ بحجم توليدها‪ ،‬كمصادر‬ ‫الطاقة المتجددة‪ ،‬أو حتى استيعابها دون مصادر‬ ‫تخزين كهربائية؟ وثمة تساؤل آخر‪ ،‬كيف يمكن‬ ‫لها التعامل مع أنماط استهالك الطاقة الكهربائية‬ ‫المستجدة كشحن السيارات الكهربائية دون إعمال‬ ‫أنظمة قادرة على التنبؤ ووضع حلول لالستهالك‬ ‫المتزامن؟ فكيف يمكن ترقية الشبكات الكهربائية‬ ‫القائمة لكي تستطيع التغلب على تحديات القرن‬ ‫الواحد والعشرين؟‬

‫مفاهيم الشبكة الذكية‬

‫• ثنائية االتجاه في ٍكل من االتصال وتدفق الطاقة‪:‬‬ ‫إن نظاماً تتدفق فيه الطاقة الكهربائية في كال‬ ‫أ‬ ‫االتجاهين وفي الوقت نفسه‪ ،‬هو المفهوم الهم‬ ‫أ‬ ‫والكثر تقدماً‪ .‬ويترتب على هذا المفهوم عدد‬ ‫من الخصائص أهمها‪ :‬الطلب المتفاعل‪ ،‬وقابلية‬ ‫التشغيل البيني‪ ،‬والمستهلك المنتج‪.‬‬ ‫الطلب المتفاعل‬ ‫يُعد الطلب المتفاعل من خصائص الشبكة الكهربائية‬ ‫الذكية‪ .‬إذ من خاللها‪ ،‬يستطيع المستهلك أن يضبط‬ ‫استهالكه تفاعلياً مع السعر الديناميكي‪ ،‬الذي يتغير‬ ‫كل ساعة‪ ،‬عن طريقين‪ :‬إما أن يكبح استهالكه طوعاً‬ ‫عن طريق آلية محددة سلفاً‪ ،‬أو عن طريق منح‬ ‫الجازة على التحكم في‬ ‫الشبكة الكهربائية الذكية إ‬ ‫هامش محدد من االستهالك‪ ،‬كما في أ‬ ‫الجهزة المنزلية‬ ‫الذكية‪ .‬فقد كانت الطريقة التقليدية لالستجابة لذروة‬ ‫الطلب هي في زيادة النتاج‪ .‬أما آ‬ ‫الن‪ ،‬فعن طريق‬ ‫إ‬ ‫الشبكة الكهربائية الذكية‪ ،‬تستطيع البرمجيات التنبؤ‬ ‫بالطلب وقت الذروة‪ ،‬عن طريق تفاعل المستهلك‬ ‫مع السعر وكذلك فهم سلوكياته‪ .‬لذلك يعتقد بأن‬ ‫الكثر فاعلية في المستقبل لتقليل أ‬ ‫الطريقة أ‬ ‫الحمال‬ ‫سوف تكون عن طريق تغير سلوك الفرد‪.‬‬ ‫قابلية التشغيل البيني‬ ‫تفتح الشبكة الكهربائية الذكية آفاقاً أرحب لتبادل‬ ‫المعلومات والسيطرة البينية‪ .‬وذلك ضمن أطر متفق‬ ‫عليها بين مجموعة من مشغلي الشبكات الكهربائية‬

‫تغير أنماط االستهالك‬ ‫للطاقة الكهربائية في‬ ‫الدول المتقدمة أسهم‬ ‫في تعاظم االستهالك في‬ ‫أوقات الذروة على األخص‬ ‫ً‬ ‫تحديا في‬ ‫والذي يطرح‬ ‫كيفية استجابة محطات‬ ‫التوليد له‬ ‫المرتبطين ببعضهم‪ .‬فاالستجابة لحدث ما كزيادة‬ ‫في أ‬ ‫الحمال في شبكة أخرى مرتبطة‪ ،‬يمكن اكتشافها‬ ‫ومعالجتها آنياً عن طريق نظام الرصد لشبكة‬ ‫االتصال الممتدة‪ .‬كذلك تستطيع البرمجيات الذكية‬ ‫أن تجد حلوال ً أكثر فاعلية لالستجابة‪ ،‬بما يجنب‬ ‫إقفال الشبكة الجزئي أو الكامل‪.‬‬ ‫المستهلك المنتج‬ ‫بسب قدرة الشبكة على تبادل الطاقة الكهربائية‬ ‫والمعلومات في كال االتجاهين‪ ،‬أصبح المستهلك‬ ‫الذي يملك مصدر توليد للطاقة قادراً على بيع الجزء‬ ‫الفائض على عموم الشبكة‪ .‬وهذا ما يمكن تسميته‬ ‫«المستهلك المنتج»‪ .‬وهو على أ‬ ‫الغلب‪ ،‬يملك ألواحاً‬ ‫شمسية وبطارية لخزن الطاقة الكهربائية‪ .‬وبغض‬ ‫النظر عن دافع «المستهلك المنتج»‪ ،‬يمثل بيع‬

‫الشبكة الكهربائية الذكية‬

‫محطة الطاقة الحرارية‬

‫محطة الطاقة النووية‬ ‫المصانع‬

‫المدينة والمباني‬

‫محطة الطاقةالشمسية‬

‫مركز التحكم‬

‫المباني الذكية‬

‫المركبة الكهربائية‬

‫محطة طاقة الرياح‬


‫الطاقة الكهربائية وقت الذروة فرصة له لتحقيق عائد‬ ‫أفضل على استثماره‪.‬‬ ‫• أ‬ ‫التمتة والبرمجيات الذكية‪:‬‬ ‫أ‬ ‫التمتة موجودة‪ ،‬أساساً‪ ،‬في الشبكة القائمة تحت‬ ‫نظام التحكم وجمع البيانات‪ .‬وتعتمد الشبكة الذكية‬ ‫أ‬ ‫التمتة على نطاق أوسع وأكثر فاعلية‪ ،‬خصوصاً في‬ ‫مجال التوزيع‪ ،‬ومن خالل ذلك تستطيع الشبكة‬ ‫القيام بالمعالجة الذاتية والتعظيم الذاتي‪.‬‬ ‫المعالجة الذاتية‬ ‫تُعد القدرة على االستجابة الضطرابات الشبكة‬ ‫ومعالجتها ذاتياً تطوراً جوهرياً في عمل الشبكة‪ .‬إذ‬ ‫تعتمد الشبكة القائمة على االستجابة للمتغيرات عن‬ ‫طريق التحكم في حجم التوليد أو إقفال بعض‬ ‫أ‬ ‫الحمال الكبيرة‪ .‬فما يميز عمل الشبكة الكهربائية‬ ‫الذكية هو قدرتها على التنبؤ بالمخاطر‪ ،‬وإيجاد أكثر‬ ‫الحلول مناسبة وتنفيذها الفوري‪ .‬ويتم ذلك على‬ ‫مستويات عدة‪ ،‬من التحكم بالمولدات الكهربائية‬ ‫إلى أ‬ ‫الجهزة المنزلية الذكية‪ ،‬عن طريق تحرك ممنهج‪،‬‬ ‫وإشارات كابحة لالستهالك‪ ،‬مما يجنب الشبكة‬ ‫القفال التام‪.‬‬ ‫القفال المتقطع أو إ‬ ‫إ‬ ‫التعظيم العشوائي الذاتي‬ ‫ً‬ ‫إن القدرة على تشغيل الشبكة اقتصاديا عن طريق‬ ‫التحكم في تشغيل المولدات وتقليل خسارة الطاقة‬ ‫الكهربائية آنياً‪ ،‬هي منفذة في الشبكات القائمة‪.‬‬ ‫ويذكر أن الشبكة الكهربائية الذكية تتبنى هذا المبدأ‪،‬‬ ‫ولكنها تأخذ التعظيم على أساس ما سيحدث في‬ ‫الفترات المقبلة‪ .‬إن التنبؤ بما سيحدث الحقاً على‬ ‫صعيد العالقة بين التسعير الديناميكي وسلوك‬ ‫المستهلكين بإيجاد النماذج التي تحاكي الواقع يساعد‬ ‫على تعظيم التشغيل اقتصادياً‪.‬‬ ‫توجه أكبر نحو توازن قوى العرض والطلب‬ ‫تتيح نوعية المعلومات وحجمها المتوافرة في‬ ‫نظام الشبكة الكهربائية الذكية إمكانية التسعير‬

‫السبب الجوهري للترقية‬ ‫إلى الشبكة الكهربائية‬ ‫الذكية هو بناء شبكة قادرة‬ ‫على مواجهة تحديات‬ ‫القرن الواحد والعشرين‬ ‫وفي الوقت نفسه الحفاظ‬ ‫على خصائص الشبكة‬ ‫الكهربائية الصحية‬

‫آ‬ ‫الني الديناميكي‪ .‬ويتم احتساب السعر بالطريقة‬ ‫التقليدية‪ ،‬حيث يتحمل المستهلكون في وقت الذروة‬ ‫تبعات استخدامهم لسعة توليد أكبر‪ .‬من جانب‬ ‫آخر‪ ،‬تظهر هذه الميزة في أن التسعير ديناميكي‬ ‫وآني‪ .‬وتتكامل هذه الميزة مع الطلب المتفاعل‬ ‫لتشغيل أكفأ اقتصادياً وأجدى لالستثمارات في مجال‬ ‫سعة التوليد‪.‬‬ ‫ومن هذا يظهر أن الهدف الرئيس للتسعير‬ ‫الديناميكي هو إزاحة أ‬ ‫الحمال عن وقت الذروة مع‬ ‫الحفاظ على إجمالي االستهالك‪ ،‬ويتم ذلك عن‬ ‫طريق استخدام سعر أكبر وقت الذروة وأسعار أقل‬ ‫في الحاالت االعتيادية‪ ،‬مع محفزات مالية لضمان‬ ‫استجابة المستهلك‪ .‬فنظام المحفزات والمكافآت‬ ‫المالية ذو أهمية كبيرة في تغيير السلوك‪ ،‬إذ يالحظ‬ ‫أن انخفاض أ‬ ‫السعار وحده ذو فاعلية متفاوتة‬ ‫وليست كبيرة‪ .‬وتستطيع البرمجيات الذكية تحديد‬ ‫حزمة المحفزات أ‬ ‫والسعار لكل مستهلك على حدة‪.‬‬ ‫ترجح أن تكون‬ ‫كما أن بعض التقديرات المستقبلية ِّ‬ ‫فائدة التسعير الديناميكي أكبر عند تطبيق التعظيم‬ ‫العشوائي الذاتي على أ‬ ‫الجهزة المنزلية الذكية‬ ‫والسيارات الكهربائية‪ ،‬على وجه الخصوص‪.‬‬

‫العوامل المساعدة للترقية‬ ‫للشبكة الكهربائية الذكية‬

‫بالضافة إلى السبب الجوهري للترقية إلى الشبكة‬ ‫إ‬ ‫الكهربائية الذكية القادرة على مواجهة تحديات‬ ‫القرن الواحد والعشرين‪ ،‬هناك عوامل مساعدة‬

‫تسهم في نزوع المشغلين والمنتفعين إلى تبنيها‪.‬‬ ‫من بينها عوامل بنيوية كالتقدم التكنولوجي في‬ ‫مجاالت االتصال‪ ،‬أ‬ ‫والتمتة‪ ،‬والبرمجيات‪ ،‬والتخزين‬ ‫الكهربائي‪ ،‬والحاجة إلى ترقية الشبكات المتقادمة‪،‬‬ ‫وإضافة الشبكات الصغيرة إلى الشبكة الكبيرة‪،‬‬ ‫لتشمل عوامل تتعلق برغبة المنتفعين فيما يتعلق‬ ‫بتحرير أسعار الطاقة‪ ،‬والرغبة في إدخال مصادر‬ ‫الطاقة المتجددة للشبكة باقتصاداتها الواعدة‪،‬‬ ‫وكهربة قطاع النقل‪.‬‬ ‫• التقدم التقني في مجاالت االتصال‪ ،‬أ‬ ‫والتمتة‪،‬‬ ‫والبرمجيات‪:‬‬ ‫إن التقدم التقني في الشبكة الكهربائية الذكية‬ ‫ال يعد مساراً تقنياً واحداً‪ ،‬بل هو حزمة من التقنيات‬ ‫في مجاالت مختلفة كثيرة تعمل معاً لتبلور مفهوم‬ ‫الشبكة الكهربائية الذكية‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬يبذل‬ ‫عدد كبير من المهندسين جهداً حثيثاً لتضمين‬ ‫أحدث االبتكارات في مجاالت االتصال‪ ،‬أ‬ ‫والتمتة‪،‬‬ ‫والبرمجيات الذكية‪ ،‬لتكاملها في الشبكة الكهربائية‬ ‫الذكية‪ .‬أ‬ ‫فالهمية الحقيقية لهذه االبتكارات تكمن‬ ‫في القيمة المضافة عند استخدامها معاً‪ .‬والقدرات‬ ‫التخزينية للبيانات الكبيرة وسرعة معالجتها آ‬ ‫الني‪،‬‬ ‫واالنخفاض السريع ألسعار الحساسات والمرحالت‬ ‫وتحسن كفاءة أدائهما‪ ،‬والتطور في مجاالت‬ ‫االتصاالت الالسلكية‪ ،‬والتطور الحاصل في مجال‬ ‫البرمجيات الذكية القادرة على التكيف ومحاكاة‬ ‫الواقع‪ ،‬كلها عوامل ستؤدي إلى جعل ترقية الشبكة‬ ‫الكهربائية الذكية ذات جدوى اقتصادية‪.‬‬


‫‪37 | 36‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫الكهربائية بفصل القطاعات الرئيسة عن بعضها‪:‬‬ ‫التوليد‪ ،‬ونقل الجهد العالي‪ ،‬والتوزيع‪ .‬وهذا ما فتح‬ ‫أبواب المنافسة في مجالي التوليد والتوزيع لتطوير‬ ‫أدائهما‪ .‬واستكملت بعض هذه الدول تشريعاتها في‬ ‫تحرير سعر الطاقة‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬وجد أصحاب‬ ‫القرار في هذه الدول أن ترقية الشبكة هو خيار‬ ‫استراتيجي‪ ،‬وأن الحاجة هي إلى نظام حديث يعتمد‬ ‫مفاهيم الشبكة الكهربائية الذكية‪.‬‬

‫• التقدم التقني في مجال تخزين الطاقة الكهربائية‪:‬‬ ‫إن تقنية تخزين الطاقة الكهربائية ذات السعات‬ ‫الكبيرة ال تزال في مرحلة أولية‪ ،‬وال توجد تقنية في‬ ‫مجال التخزين يتركز عليها البحث التقني حالياً‪ ،‬ولكن‬ ‫ثمة حرص على استخدام التخزين أكثر فأكثر‪ .‬وهذا‬ ‫ما ستكون له ثالث فوائد‪ :‬خزن الطاقة الستخدامها‬ ‫وقت الذروة‪ ،‬وزيادة موثوقية الشبكة باستخدامها‬ ‫وقت االضطراب في الشبكة‪ ،‬واستخدامها كذلك‬ ‫في تعزيز كفاءة الطاقة الكهربائية المقدمة من‬ ‫حيث المحافظة على فرق الجهد القياسي والتردد‬ ‫ثابتين‪ ،‬كما أن التخزين عنصر مكمل لمصادر الطاقة‬ ‫المتجددة المتغيرة النتاج بين أ‬ ‫الوقات المختلفة‬ ‫إ‬ ‫وكذلك عندما يصعب بالتنبؤ بقدراتها التوليدية‪.‬‬ ‫إن االستثمار أ‬ ‫الفضل لتخزين الطاقة الكهربائية لن‬ ‫يتم إال عن طريق تقنية الشبكة الكهربائية الذكية‪،‬‬ ‫فيما توفره من ثنائية االتجاه في كل من االتصال‬ ‫بالضافة إلى البرمجيات الذكية‪ .‬أيضاً‪،‬‬ ‫وتدفق الطاقة إ‬ ‫يقدمه التخزين من تعزيز كفاءة وموثوقية‬ ‫ما يمكن أن ِّ‬

‫َّ‬ ‫المعقدة‬ ‫من المسائل‬ ‫التي يجب أن تتعامل معها‬ ‫البرمجيات‪ :‬المعالجة‬ ‫الذاتية‪ ،‬والطلب المتفاعل‬ ‫والسعر الديناميكي‪،‬‬ ‫والتعظيم الذاتي‪ ،‬والتنبؤ‬ ‫بقدرة مصادر الطاقة‬ ‫الشمسية وطاقة الرياح‬ ‫على التوليد‬

‫الطاقة الكهربائية لن يتم بصورة مجدية إال إذا تحقق‬ ‫االتصال السريع والموثوق‪.‬‬ ‫وهناك دور آخر ممكن أن تلعبه الشبكة الكهربائية‬ ‫الذكية في مجال تخزين الطاقة الكهربائية ذات‬ ‫السعات المتوسطة والصغيرة‪ ،‬وغالباً ما يكون من‬ ‫«المستهلك المنتج»‪ .‬إذ إن قدرتها على التنبؤ بمقدار‬ ‫حجم التخزين آ‬ ‫الني وكذلك التحكم الذاتي‪ ،‬وفق‬ ‫ضوابط متفق عليها‪ ،‬يع ِّزز فوائد التخزين المشار إليها‪.‬‬ ‫• الحاجة إلى ترقية الشبكات المتقادمة‪:‬‬ ‫إن عمر معظم الشبكات الكهربائية في كثير من‬ ‫الدول‪ ،‬وخصوصاً‬ ‫المتقدمة‪ ،‬على وشك االنتهاء‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وكذلك‪ ،‬فإن االستثمار في تجديد عمر الشبكة أمر‬ ‫الجدى اقتصادياً‪ ،‬بعد آ‬ ‫محتم‪ .‬ولن يكون من أ‬ ‫الن‪،‬‬ ‫ترقية الشبكات المتقادمة إلى معدات ليست متوافقة‬ ‫مع الشبكة الكهربائية الذكية‪.‬‬ ‫• انتشار الشبكات الكهربائية الصغيرة‪:‬‬ ‫عندما يكون إنشاء محطة توليد خاصة كبيرة نسبياً‬ ‫على ما يستهلكه صاحبها‪ ،‬يستطيع هذا المستهلك‬ ‫أن يستقل أو أن يربطها بالشبكة العامة‪ .‬ويستطيع‬ ‫أيضاً عندها بيع الفائض من التوليد للشبكة العامة‪،‬‬ ‫أو شراء الطاقة الكهربائية في حال حدوث عطل في‬ ‫محطة التوليد أو أثناء صيانتها‪ .‬إن ثنائية االتجاه‬ ‫في االتصال وتدفق الطاقة تعزز إمكانية وجود‬ ‫«المستهلك المنتج»‪ ،‬أيضاً‪.‬‬ ‫• هيكلة قطاع الكهرباء وتحرير سعر الطاقة‪:‬‬ ‫لتعزيز كفاءة تشغيل الشبكات الكهربائية‪ ،‬لجأ‬ ‫المنتفعون وصانعو القرار في كثير من الدول‪ ،‬خالل‬ ‫العقدين الماضيين‪ ،‬إلى سن تشريعات هدفت إلى‬ ‫فض التكامل العمودي في شركات تشغيل الطاقة‬

‫المتجددة للشبكة‪:‬‬ ‫• إضافة مصادر الطاقة‬ ‫ِّ‬ ‫إن إضافة مصادر مثل الطاقة الشمسية وطاقة‬ ‫الرياح إلى الشبكة عامل مساعد لتسريع الترقية إلى‬ ‫الشبكة الكهربائية الذكية‪ ،‬ومن دون الشبكة الكهربائية‬ ‫الذكية‪ ،‬لن يكون هناك اختراق كبير لهذه المصادر‬ ‫في الشبكة الكهربائية‪ .‬ويبدو أن السبب في أهميتها‬ ‫يرجع إلى تغير كمية إنتاج هذه المصادر من الطاقة‬ ‫الكهربائية على مدى اليوم وكذلك على مدى السنة‪.‬‬ ‫فالبرمجيات الذكية ستكون قادرة على الحد من التأثير‬ ‫السلبي للتغير والعشوائية‪ .‬وتُعد رغبة البعض في‬ ‫التحول إلى «المستهلك المنتج» بتبني توليد الطاقة‬ ‫الكهربائية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من‬ ‫العوامل المساعدة لتبني الشبكة الكهربائية الذكية‪.‬‬ ‫• كهربة قطاع النقل‪:‬‬ ‫تتوقع منظمة الطاقة الدولية أن تبلغ نسبة استهالك‬ ‫السيارات الكهربائية والمهجنة من الطاقة الكهربائية‬ ‫‪ %10‬من مجمل الطلب عليها‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن سلوك‬ ‫مالكي هذه السيارات سوف يؤثر على منحنى الطلب‬ ‫اليومي للطاقة الكهربائية‪ ،‬كأن تلجأ مجموعة كبيرة‬ ‫للشحن في وقت واحد حيث تتكون من خاللها ذروة‬ ‫طلب خاصة بالسيارات الكهربائية‪.‬‬

‫عناصر الشبكة الكهربائية الذكية‬

‫يمكن تقسيم عناصر الشبكة الكهربائية الذكية إلى‪:‬‬ ‫أجهزة القياس وأنظمة إدارة المعلومات‪ ،‬والبرمجيات‬ ‫الذكية‪.‬‬ ‫أجهزة القياس وأنظمة إدارة المعلومات‪:‬‬ ‫تنقسم أجهزة القياس وأنظمة إدارة المعلومات إلى‬ ‫قسمين‪ :‬قسم يعنى بخطوط الضغط العالي كوحدات‬ ‫قياس الطور ونظام الرصد لشبكة االتصال الممتدة‪،‬‬ ‫وقسم يعنى بالمستهلك والتوزيع كالحساسات‬ ‫الذكية‪ ،‬أ‬ ‫والجهزة المنزلية الذكية وغير ذلك‪.‬‬ ‫وحدات قياس الطور‬ ‫ويعد جهاز «قياس الطور» من أهم أ‬ ‫الجهزة‬ ‫المتطورة في منظومة الشبكة الكهربائية الذكية‪ .‬وهو‬ ‫نظام مطور لجهاز قياس فرق الجهد في الشبكة‬ ‫التقليدية مع بعض الفروقات الجوهرية‪ .‬فبينما‬ ‫يقاس فقط فرق الجهد في الشبكة التقليدية‪ ،‬يقيس‬


‫الجهاز المطور منحنى الطور‪ ،‬أيضاً‪ .‬هذا التطور‬ ‫المالحظ جاء لقدرة الجهاز المطور على إجراء‬ ‫قياسات بنسبة تصل إلى ‪ 60‬قراءة في الثانية‪ ،‬بينما‬ ‫الجهاز التقليدي ال تتعدى هذه القدرة ‪ 4‬قراءات‬ ‫بالثانية‪ .‬كذلك يرتبط هذا الجهاز أ‬ ‫بالقمار الصناعية‬ ‫لتحقيق القياس المتزامن بين مجموعة من أجهزة‬ ‫قياس الطور المتصلة تحت بنية نظام الرصد لشبكة‬ ‫االتصال الممتدة‪.‬‬ ‫نظام الرصد لشبكة االتصال الممتدة‬ ‫يُعرف نظام الرصد لشبكة االتصال الممتدة بأنه بنية‬ ‫إدارة وتحليل المعلومات المتزامنة القادمة من أجهزة‬ ‫قياس الطور الموجودة في أماكن مختلفة من الشبكة‬ ‫والمتصلة عبر أ‬ ‫القمار الصناعية‪ .‬ويعمل كنظام‬ ‫إنذار مبكر عند وجود اضطراب في الشبكة قد يؤدي‬ ‫إلى القفل التام لها‪ .‬إن سرعة استكشاف الخطر‬ ‫التي يوفرها نظام الرصد لشبكة االتصال الممتدة‬ ‫يؤدي إلى اتخاد قرارات سريعة غير مرتبكة لمعالجة‬ ‫اضطراب الشبكة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الجهزة المنزلية الذكية‬ ‫وسوف يكون للمستهلك الخيار النتقاء نمط عمل‬ ‫أ‬ ‫الجهزة المنزلية الذكية المرتبطة مع الشبكة الكهربائية‬ ‫الذكية‪ .‬فمن الممكن تنميط عملها لتعمل تحت إدارة‬ ‫تامة من الشبكة مما يحقق تشغيال ً اقتصادياً‪ ،‬أو انتقاء‬ ‫نمط تشغيلها لتعظيم المنفعة للمستهلك وعملها‬ ‫بما يالئم أسلوب حياته‪ .‬فلو فرضنا أن المستهلك‬ ‫يملك جهاز تكييف‪ ،‬وجهاز تسخين‪ ،‬وثالجة‪ ،‬وغسالة‬ ‫مالبس‪ ،‬ونشافة‪ ،‬تستطيع الشبكة بواسطة الحساس‬ ‫الذكي التحكم في أوقات عملها والتحكم في جهاز‬ ‫منظم الحرارة المبرمج بالموازنة بين نمط حياة‬ ‫المستهلك والتشغيل االقتصادي‪ ،‬وتجنب التشغيل‬ ‫المكلف في وقت الذروة‪.‬‬ ‫الحساسات الذكية‬ ‫وهي أجهزة لقياس كمية الكهرباء المستهلكة‪،‬‬ ‫وبعثها إلى بنية القياس المتقدمة بغرض تحليل‬ ‫المعلومات والفوترة وبعثها إلى المستهلك بغرض‬ ‫الحاطة وإمكانية تعديل السلوك االستهالكي‪ .‬كذلك‬ ‫إ‬ ‫من وظائفها إخطار المستهلك بالسعر الديناميكي‬ ‫وإيصال معلومات إلى أ‬ ‫الجهزة المنزلية الذكية لغرض‬ ‫تعظيم فائدة المستهلك االقتصادية‪ .‬فهي أجهزة‬ ‫ثنائية االتصال‪ ،‬حيث يتم االتصال عن طريقها‬ ‫النترنت المنزلية وتصل‬ ‫بالمستهلك بواسطة شبكة إ‬ ‫المعلومات للمستهلك في جهاز الحاسب أو الهواتف‬ ‫الذكية التي يستطيع من خاللها التحكم في نمط‬ ‫عمل هذه أ‬ ‫الجهزة المنزلية‪.‬‬ ‫المتقدمة‬ ‫بنية القياس‬ ‫ِّ‬ ‫وهي نظام اتصال ثنائي االتجاه ما بين مشغل‬

‫الشبكة والمستهلك‪ ،‬لجمع وتحليل البيانات على‬ ‫مستوى مجموعة من المستهلكين‪ .‬يعمل هذا‬ ‫النظام كوسيط بين البرمجيات عند مشغل الشبكة‬ ‫والحساسات الذكية‪ .‬كما أنه يستطيع اكتشاف انقطاع‬ ‫الشبكة عن المستهلك‪ ،‬حتى قبل قيامه باالتصال‬ ‫للإبالغ عن شكوى‪ .‬أما التحدي فهو في التكلفة‬ ‫الباهظة لبنية القياس هذه‪ ،‬وكيف يستطيع التطور‬ ‫في التقنيات المختلفة تخفيضها‪.‬‬ ‫• البرمجيات الذكية‪:‬‬ ‫أ‬ ‫يمكن تعريف البرمجة الذكية على أنها النظمة‬ ‫البرمجية القادرة على التعامل مع مسائل معقَّدة‪،‬‬ ‫وعشوائية‪ ،‬ومتغيرة البيئة‪ .‬ومن المسائل المعقَّدة‬ ‫التي يجب أن تتعامل معها البرمجيات‪ :‬المعالجة‬ ‫الذاتية‪ ،‬والطلب المتفاعل والسعر الديناميكي‪،‬‬ ‫والتعظيم الذاتي‪ ،‬والتنبؤ بقدرة مصادر الطاقة‬ ‫الشمسية وطاقة الرياح على التوليد‪ ،‬والتعامل مع‬ ‫التنبؤ بشحن السيارة الكهربائية‪ .‬ويجب على أنظمة‬ ‫تشمل المراقبة‪ ،‬والتعظيم‪ ،‬والتنبؤ‪ ،‬وصناعة القرار‪،‬‬ ‫والتحكم والسيطرة‪ ،‬أن تتكامل فيما بينها‪ ،‬وهذا هو‬ ‫التحدي أ‬ ‫الكبر لتطويرها‪.‬‬ ‫ومما سبق ذكره يمكن إجمال مجموعة من فوائد‬ ‫الشبكة الكهربائية الذكية المتوقعة التي ذكرت في‬ ‫السياق والتي تعزز خصائص الشبكة الصحية‪ .‬فهناك‬ ‫فوائد تتعلق بكفاءة تشغيل الشبكة كزيادة الموثوقية‬ ‫من المعالجة الذاتية‪ .‬وإمكانية إضافة مصادر لتوليد‬ ‫الطاقة وتعزيز خاصية المرونة وإمكانية الربط‪ .‬ومما‬

‫يذكر‪ ،‬أن المعالجة الذاتية‪ ،‬والتعظيم الذاتي‪،‬‬ ‫والتسعير الديناميكي كلها أمور تؤدي إلى تحسين‬ ‫الجدوى االقتصادية للشبكة‪.‬‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬تواجه الترقية في الشبكة الكهربائية‬ ‫الذكية بعض التحديات‪ ،‬منها كبر حجم البيانات‪،‬‬ ‫تحد في‬ ‫وتعقُّد معالجتها‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬هناك ٍّ‬ ‫تعزيز أ‬ ‫المان المعلوماتي والمحافظة على خصوصية‬ ‫المستهلكين‪ .‬ومنها أيضاً‪ ،‬تحدي توحيد المواصفات‬ ‫أ‬ ‫والمور التقنية للترقية للشبكة الكهربائية الذكية من‬ ‫الشبكة التقليدية المتعددة المواصفات أصالً‪.‬‬ ‫نتيجة لهذه التحديات العديدة‪ ،‬فإن قوى السوق‬ ‫لن تكون قادرة وحدها على الدفع بالترقية للشبكة‬ ‫الكهربائية الذكية‪ ،‬وحزمة من الدعم والتشريعات‬ ‫ستكون ضرورية‪ .‬كذلك سيكون دعم أ‬ ‫البحاث في‬ ‫مجال البرمجيات الذكية وتوحيد المواصفات أمراً‬ ‫ضرورياً‪ ،‬لتسريع بلوغ الشبكة الكهربائية الذكية‬ ‫مرحلة الرشد‪.‬‬ ‫وختاماً‪ ،‬فإن الشبكة الكهربائية الذكية مفهوم مرن‪،‬‬ ‫قابل للتطور والتأقلم‪ ،‬بما يتناسب وحاجات العصر‪،‬‬ ‫ومواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪39 | 38‬‬

‫من المختبر‬

‫اللوح الحائم‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫آخر ابتكارات ش�كة «لكزيس» اليابانية التابعة شل�كة‬ ‫السيارات أ‬ ‫الم «تويوتا» هو لوح تزلج حائم‪ .‬وقد‬ ‫ف‬ ‫فعل أمام العامة‪ ،‬حيث صعد‬ ‫كشفت عنه ي� اختبار ي‬ ‫ت‬ ‫تز‬ ‫المح�ف روس ماغوران عىل لوح يشبه لوح‬ ‫الم�لج‬ ‫تز‬ ‫ال�لج المعروف‪ ،‬ولكن دون عجالت‪ ،‬وحام فوق‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫مت�ه ت ز‬ ‫الرض � نز‬ ‫دقيقت�‬ ‫لل�لج ي� برشلونة‪ ،‬لمدة‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫كاملت�‪ .‬والحظ المشاهدون انبثاق بعض الغازات‬ ‫الغريبة من خلفية اللوح‪.‬‬ ‫هل هو عالء الدين وبساط الريح؟ يجيب رئيس‬ ‫ين‬ ‫ال�كة هاروشيكو ش‬ ‫المهندس� ف ي� ش‬ ‫تانا� عن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫�ء‬ ‫سؤال آخر بهذا المع�‪« ،‬ليس هناك من ي‬ ‫مستحيل»‪.‬‬ ‫اللوح الحائم ال يزال ف ي� بدايات التجربة‪ .‬إنه ال‬ ‫أ‬ ‫الخيال‪ ،‬بل‬ ‫يعلو ي‬ ‫كث�اً عن الرض كما بساط الريح أ ي‬ ‫ت‬ ‫لسنتيم�ات قليلة كافية لعدم مالمسة الرض‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يقول ماغوران‪ :‬قضيت ‪ 20‬عاماً � ت ز‬ ‫ال�لج عىل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫اللواح العادية‪ ،‬ولكن ت ز‬ ‫ال�لج دون االحتكاك‬ ‫أ‬ ‫يج�نا عىل‬ ‫بالرض‪ ،‬كما هو حال اللوح الحائم‪ ،‬ب‬ ‫التعلم من جديد‪ ،‬ال سيما ما يتعلق بالوضعية‬ ‫والتوازن اللذين يختلفان جداً عما اعتدنا عليه‪ .‬إنها‬ ‫تجربة جديدة تماماً‪.‬‬ ‫يتضمن اللوح خز ي ن‬ ‫ان� يحتويان عىل موصالت فائقة‬ ‫َّ‬

‫للكهرباء‪ ،‬مصنوعة من أكسيد النحاس‪ .‬ويتم بت�يد‬ ‫هذا المركب إىل ما دون ‪ 181‬درجة مئوية تحت‬ ‫الصفر بواسطة ت‬ ‫الني� ي ن‬ ‫وج� السائل‪ .‬وهذا ما يؤدي‬ ‫إىل انبعاث الغاز‪ .‬وعندما بي�د الغاز‪ ،‬يستطيع‬ ‫مغناطيس يولد من المسار‬ ‫المركَّب تخزين حقل‬ ‫ي‬ ‫المغناطيس الذي يبلغ طوله ‪ 200‬تم� والممتد ف ي�‬ ‫ي‬ ‫مت�ه ت ز‬ ‫صلب نز‬ ‫ال�لج المذكور أعاله‪ .‬وهذا ما يجعل‬

‫اللوح يحوم فوق أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫المفاجأة ف ي� هذا العمل ليست ف ي� أن اللوح يستطيع‬ ‫التحليق فوق أ‬ ‫الرض فقط‪ ،‬بل ف ي� قدرته عىل أن‬ ‫يحمل وزن شخص خالل التحليق‪.‬‬ ‫‪http://www.iflscience.com/physics/‬‬ ‫‪heres-lexus-hoverboard-finally-action‬‬

‫ثياب مكيفة للهواء‬ ‫يطور باحثون من جامعة كاليفورنيا – سان دييغو‬ ‫ِّ‬ ‫نسيجاً ذكياً لصناعة أ‬ ‫اللبسة‪ ،‬تجعل من يرتديها قادراً‬ ‫عىل االحتفاظ بحرارة مريحة ف ي� أي مكان يوجد فيه‪.‬‬ ‫بالضافة إىل الراحة الشخصية‪ ،‬اقتصادي‬ ‫وهدفها‪ ،‬إ‬ ‫بالدرجة أ‬ ‫الوىل‪ :‬تقليل الحاجة إىل تكييف الهواء عىل‬ ‫مستوى ن‬ ‫المب� بأكمله‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫فوفقاً لوزارة الطاقة المريكية‪ ،‬يستهلك المريكيون‬

‫المنتجة‬ ‫خمسة بالمائة من مجمل الطاقة الكهربائية‬ ‫َ‬ ‫ف ي� الواليات المتحدة‪ ،‬ف ي� تكييف الهواء‪.‬‬ ‫وهذا ال ينعكس فقط عىل إنفاق مليارات من‬ ‫مالي�ن‬ ‫الدوالرات‪ ،‬بل ينتج عن ذلك انبعاث مئات ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ثا� أكسيد الكربون الضار‪ .‬والحال‬ ‫الطنان سنوياً من ي‬ ‫كث� من بلدان العالم‪.‬‬ ‫نفسها تنطبق عىل ي‬ ‫وعىل الرغم من أن التطوير ت ز‬ ‫الم�ايد لمكيفات‬ ‫الهواء االقتصادية‪ ،‬وبناء منازل ومكاتب صديقة‬ ‫للبيئة‪ ،‬يمكن أن يساعد ف ي� خفض تكاليف الطاقة‬ ‫الذك المخصص‬ ‫والحد من التلوث‪ ،‬والنسيج ي‬ ‫لالستعمال ف ي� الهواء الطلق‪ ،‬فإن التصميم الجديد‬ ‫يمكن استعماله أيضاً ف� أ‬ ‫الماكن المغلقة‪ ،‬حيث‬ ‫ي‬ ‫تُراوح الحرارة ي ن‬ ‫ب� ‪ 19‬و‪ 26‬درجة مئوية‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن‬ ‫إيجاد سبل للعيش والعمل دون مكيفات للهواء‬ ‫أك� عىل المدى‬ ‫تأث� اقتصادي ب‬ ‫يمكن أن يكون له ي‬ ‫الطويل‪.‬‬ ‫ويقول «رانكون ي ن‬ ‫ش�» أحد أعضاء الفريق الباحث‪،‬‬

‫إن هذه التقنية تعتمد عىل منسوجات تتكيف تلقائياً‬ ‫بتغي� قيمة‬ ‫مع زيادة أو نقصان حرارة الجو المحيط‪ ،‬ي‬ ‫تغي� مساميتها أو سماكتها)‬ ‫العزل لديها (من خالل ي‬ ‫بتأث� من الحرارة الخارجية‪ .‬وهذا الجزء من العملية‬ ‫ي‬ ‫بالضافة إىل ذلك‪،‬‬ ‫الطالق‪ .‬إ‬ ‫ال يتطلب أية طاقة عىل إ‬ ‫يخطط الفريق الباحث لجعل هذه العملية تتكامل‬ ‫الت�يد والتدفئة الصناعية‬ ‫مع عنارص مضافة من ب‬ ‫من أجهزة وبطاريات حرارية مطبوعة‪ .‬لهذا يبحث‬ ‫الفريق عن طرق مبتكرة لتشغيل هذه أ‬ ‫الجهزة‪ ،‬بينها‬ ‫خلية وقود حيوية مرنة سبق لبعض أعضاء الفريق‬ ‫اكتشافها باالعتماد عىل عرق الجسم كمصدر للوقود‪.‬‬ ‫وتوقع الفريق أن تصبح هذه الثياب جاهزة‬ ‫لالستعمال ف ي� غضون سنوات ثالث‪.‬‬ ‫‪http://spectrum.ieee.org/energywise/‬‬ ‫‪energy/environment/project-will-make‬‬‫‪clothes-cool-so-you-dont-need-the-ac‬‬


‫االسم المعياري‬ ‫تلفزيون بمرونة وسماكة الورقة‬

‫ف ي� حفل أقيم ف ي� مدينة «سول» عاصمة كوريا الجنوبية‪ ،‬عرضت ش�كة «إل جي‬ ‫ديسبالي» الكورية‪ ،‬حديثاً‪ ،‬آخر منتجاتها من الشاشات المرنة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫يبلغ عرض الشاشة الجديدة ‪ 55‬إنشاً‪ ،‬وسماكتها أقل من ملليم� واحد‪ ،‬أو ‪0.97‬‬ ‫ت‬ ‫الميللم�‪ ،‬وتزن ‪ 1.9‬كيلوغراماً‪ .‬كما يمكن طي هذه الشاشة لتصبح بشكل لفافة‬ ‫من‬ ‫�ض‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تحافظ عىل صورة عالية الجودة‪.‬‬ ‫شعاعها ‪ 3‬سنتيم�ات‬ ‫دون ر للشاشة ي‬ ‫أ‬ ‫حص�ة مغناطيسية‪ ،‬ت‬ ‫ح� وإن كان الجدار‬ ‫كما يمكن تعليقها عىل السطح بواسطة ي‬ ‫منحنياً‪.‬‬ ‫وتعتمد الشاشة ف� وظائفها هذه عىل تقنية أ‬ ‫«الوليد» أو الصمام العضوي (أساسه‬ ‫ي‬ ‫وغ�ها كما‬ ‫الكربون) الباعث للضوء عند إدخال الكهرباء إليه دون الحاجة إىل فالتر ي‬ ‫ف‬ ‫أك� ومرنة‪،‬‬ ‫س دي» المعروفة‪ ،‬مما يجعلها أخف وأرق وفعاليتها ب‬ ‫ي� شاشات «إل ي‬ ‫كما أن صناعتها أسهل‪.‬‬ ‫الخ� يغ� السار ف� هذا الشأن فهو أن هذا التلفزيون الجديد لن نز‬ ‫ي�ل إىل‬ ‫أما ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫السواق ي� الوقت القريب‪ .‬وذلك لن تكلفته عالية جدا ال تتحملها السوق ب�وطها‬ ‫الحالية‪ .‬لكن هذا ت‬ ‫االخ�اع المذهل ش‬ ‫يؤ� إىل أين تتجه أجهزة التلفزة ف ي� المستقبل‪.‬‬ ‫ولكن ف ي� نهاية المطاف‪ ،‬فإن هذه التكنولوجيا مفيدة ليس فقط للتلفزيون‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� عندما تكون بهذه المرونة‪،‬‬ ‫بل أيضاً للهواتف الذكية والحواسيب أاللوحية‪ ،‬ي‬ ‫تصبح سهلة النقل دون أن تتعرض لي تلف‪ .‬وكانت ش�كات أخرى مثل «آبل»‬ ‫ح� النآ‬ ‫و«سامسونغ» قد وعدت بإنتاج وتطوير تكنولوجيا مرنة مشابهة‪ ،‬لكنها ت‬ ‫لم تفرج عن أي منها‪.‬‬ ‫‪http://www.iflscience.com/technology/lg-display-unveil-new‬‬‫‪flexible-technology‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫نيوتن‬

‫إذا عرفنا «القوة» ي ز‬ ‫ف�يائياً عىل أنها‬ ‫ّ‬ ‫التأث� الذي لو طبقناه عىل جسم‬ ‫ي‬ ‫تبلغ كتلته ‪ 1‬كيلوغرام فإنه سيكتسب‬ ‫تسارعاً مقداره ‪ 1‬تم�‪/‬ثانية‪ ،2‬فإن وحدة‬ ‫قياس هذه القوة ستكون بـ «النيوتن»‪.‬‬ ‫وهي وحدة معيارية دولية منسوبة‬ ‫للريا� ي ز ئ‬ ‫ض‬ ‫الس�‬ ‫يا�‬ ‫الشه� ي‬ ‫ي‬ ‫والف� ي‬ ‫ي‬ ‫إسحق نيوتن‪.‬‬ ‫العلم مشهورون‬ ‫أعالم‬ ‫لعل قلة من‬ ‫ِ‬ ‫ومعروفون كما هو إسحق نيوتن‪ .‬وهي‬ ‫إسحق نيوتن‬ ‫شهرة صنعتها إنجازات هذا العا ِلم‬ ‫وحرص هو عىل تكريسها أثناء حياته شب�استه ف ي� نسبة ‪ -‬أو انتحال كما يعتقد‬ ‫أ‬ ‫البعض ‪ -‬أ‬ ‫ح� لو اقت�ض‬ ‫الفكار العلمية وتسجيلها باسمه‪ ،‬ت‬ ‫المر اللجوء إىل‬ ‫ت‬ ‫ال� هو نفسه كان رئيسها كذلك‪.‬‬ ‫القضاء‪ ،‬أأو لحكم الجمعية الملكية ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� يقال‬ ‫القصة الشهر ي‬ ‫ال� ننسبها اليوم لنيوتن هي قصته مع التفاحة ي‬ ‫إنها كانت وراء سعيه الستنتاج معادالت الجاذبية‪ .‬والواقع أن نيوتن قد‬ ‫ت‬ ‫ال� أسست ي ز‬ ‫القوان� أشهرها ي ن‬ ‫ين‬ ‫للف�ياء‬ ‫صاغ عديداً من‬ ‫قوان� الحركة الثالثة ي‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬يظل الجسم عىل حالته من سكون أو حركة ف ي� خط مستقيم ما لم تؤثر‬ ‫تغ� من حالته‪.‬‬ ‫عليه قوة ي ِّ‬ ‫‪ - 2‬إذا أثرت قوة عىل جسم ما فإنها تكسبه تسارعاً يتناسب مع محصلة‬ ‫ت‬ ‫الذا� للجسم‪.‬‬ ‫القوى المؤثرة‪ ،‬ومعامل التناسب هو‬ ‫كتلة القصور ي‬ ‫ومعاكسة لها �ف‬ ‫‪ - 3‬لكل قوة فعل قوة رد فعل مساوية لها ف‬ ‫المقدار‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫االتجاه‪.‬‬ ‫جاء نيوتن ف ي� زمن زاخر باالكتشافات ونجوم العلم‪ .‬فقد كان من زمالئه‬ ‫ال ي ز‬ ‫نجل�ي روبرت هوك‪ ،‬والفيلسوف‬ ‫هال‪ ،‬والعالم إ‬ ‫كل من ي‬ ‫الفلك إدموند ي‬ ‫ف‬ ‫أ ن‬ ‫لما� ت ز‬ ‫اليبن�‪ .‬ولم تكن عالقة نيوتن بمجايليه سلسة دوماً‪ ،‬فدخل ي� نزاعات‬ ‫ال ي‬ ‫مريرة مع ث‬ ‫أك�هم‪ .‬من أشهرها نزاعه مع ت ز‬ ‫اليبن� حول‪ :‬أيهما مبتكر علم‬ ‫التفاضل والتكامل؟‬ ‫لكن نيوتن‪ ،‬فضال ً عن كونه رياضياً ي ز‬ ‫وف�يائياً فذاً‪ ،‬كان كذلك مهتماً‬ ‫وبتفس� النصوص المقدسة وفقاً للمعادالت الرياضية‪.‬‬ ‫بالماورائيات‬ ‫ي‬ ‫وكان قد تنبأ وفقاً لذلك بوقوع نهاية العالم ف ي� عام ‪2005‬م! أخطأ نيوتن‬ ‫ف‬ ‫تفس� الحركة وقوى الجاذبية ووضع ي ن‬ ‫قوان�‬ ‫لحسن حظنا‪ ،‬لكن معادالته ي� ي‬ ‫االشتقاق وحساب الحدود عند الماالنهاية قد حددت مسار العلم الحديث‪،‬‬ ‫ين ت‬ ‫آل�ت آينشتاين‪ ،‬وعارضها‬ ‫ألنها‬ ‫ال� نب� عليها آخرون‪ ،‬وأشهرهم ب‬ ‫القوان� ي‬ ‫الكمية للكون‪ .‬وثمة دراسات اليوم‬ ‫آخرون أشهرهم ماكس پالنك بنظرته ّ‬ ‫تعيد النظر ف ي� أفكار نيوتن بخصوص الجاذبية كلياً بل وتذهب بعيداً لدرجة‬ ‫نفي وجود قوى الجاذبية!‬ ‫بالعودة لوحدة قياس القوة «نيوتن» فيمكننا أن نقول‪:‬‬ ‫ال� تزاولها الجاذبية أ‬ ‫ت‬ ‫الرضية عىل جسم وزنه ‪102‬‬ ‫‪ 1‬نيوتن هو مقدار القوة ي‬ ‫صغ�ة)‪.‬‬ ‫غرام (أي وزن تفاحة ي‬ ‫وهذه الوحدة قد دخلت ف ي� تعريف وحدات أخرى منها (الشغل)‪ .‬إذ تقول‬ ‫التغ� ف ي� طاقة‬ ‫نظرية الشغل ‪ -‬طاقة أن الشغل المزاول عىل جسم يساوي ي‬ ‫الجسم‪ .‬أي إن‪:‬‬ ‫‪ 1‬نيوتن ‪ .‬تم� = ‪ 1‬جول‪ .‬فيكون الـ (جول) هو وحدة قياس الطاقة‪.‬‬ ‫كما تستخدم وحدة (نيوتن) ف� ي ن‬ ‫تعي� الضغط الجوي‪ .‬وتعرف وحدة‬ ‫ي‬ ‫الضغط (باسكال) بالمعادلة‪:‬‬ ‫‪ 1‬باسكال = ‪ 1‬نيوتن عىل ‪ 1‬تم� مربع‬ ‫ولعلنا نتطرق للوحدات (جول) و(باسكال) ف� أ‬ ‫العداد التالية‪.‬‬ ‫ي‬


‫‪41 | 40‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ماذا لو؟‬

‫كان الغالف‬ ‫الجوي أكثر‬ ‫كثافة؟‬ ‫ُعمير طيبة‬

‫ت‬ ‫لنف�ض أن كثافة الغالف الجوي‬ ‫أ‬ ‫المحيط بالكرة الرضية باتت ِضعفي‬ ‫ما هي عليه آ‬ ‫الن‪ .‬ت‬ ‫ولنف�ض أن نسب مكوناته ال‬ ‫آ‬ ‫تختلف عما هو عليه الن‪ .‬ت‬ ‫ولنف�ض أيضاً أن ش‬ ‫الب�‬ ‫التغ�ات‪ .‬فما هي‬ ‫قد تكيفوا بيولوجياً مع هذه ي‬ ‫ت‬ ‫وتأث�ه عىل مختلف‬ ‫ال� ستطرأ عىل الجو ي‬ ‫ي‬ ‫التغ�ات ي‬ ‫نواحي الحياة‪.‬‬ ‫بما أن الغالف الجوي صار بضعف كثافته‪ ،‬فستكون‬ ‫حركته أبطأ‪ ،‬ألن الطاقة الالزمة لتحريكه أعىل‪.‬‬ ‫ن‬ ‫يع� أنه إذا بقيت رسعة الرياح مساوية ف ي�‬ ‫هذا ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫ا� ‪ -‬لما هي عليه ي� عالمنا‪،‬‬ ‫هذا العالم ‪ -‬االف� ي‬ ‫أ‬ ‫بكث� لن كتلة‬ ‫فستكون قدرتها‬ ‫التدم�ية أعىل ي‬ ‫ي‬ ‫الرياح المتحركة أعىل‪ .‬ش‬ ‫والب� لن يستطيعوا بناء‬ ‫أبراج شاهقة‪ ،‬كما أن الشجر سيكون أقرص مما‬ ‫هو عليه حالياً‪ .‬ومن المرجح أن الجبال ستكون‬

‫أقرص أيضاً جراء عمليات التعرية أ‬ ‫القىس عىل مر‬ ‫َّ‬ ‫العصور‪.‬‬ ‫بالضافة إىل ذلك‪ ،‬فستتأثر عمليات تبخر مياه‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫سيصعب‬ ‫المحيطات والبحار لن الضغط الجوي‬ ‫ِّ‬ ‫من عملية التبخر ولو أن الجو سيصبح ث‬ ‫أك� قدرة‬ ‫عىل حمل بخار الماء‪ .‬ومما يجب مالحظته أن كمية‬ ‫أ‬ ‫ن ف‬ ‫تتغ� ألنها تتناسب‬ ‫كسج� ي� المحيطات لن ي‬ ‫ال ي‬ ‫ف‬ ‫وبالتال تركيبة الكائنات الحية‬ ‫مع نسبته ي� الهواء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كث�اً‪ ،‬فيما عدا قدرتها عىل‬ ‫تتغ� ي‬ ‫ي� المحيطات لن ي‬ ‫تحمل كميات أعىل من الضغط‪.‬‬ ‫المر آ‬ ‫أ‬ ‫الخر هو أن الغالف الجوي المكثف سيكون‬ ‫أقدر عىل حمل الحرارة‪ .‬فمن المعروف أن الغالف‬ ‫الجوي لكوكب الزهرة ث‬ ‫أك� كثافة من كوكبنا‪ .‬وهذا ما‬ ‫أدى إىل ما يعرف بـ «االحتباس الحراري الهارب» �ف‬ ‫ي‬ ‫كوكب الزهرة‪.‬‬

‫واالحتباس الحراري الهارب هو ظاهرة ناتجة عن‬ ‫حد ي َّ ن‬ ‫مع�‪ ،‬مما‬ ‫زيادة نسبة االحتباس الحراري عن ٍّ‬ ‫يؤدي إىل ظواهر تؤدي إىل زيادة أثره‪ ،‬ف ي� عملية‬ ‫إيجا� (‪ .)Positive feedback‬سيكون كوكبنا‬ ‫ارتجاع ب ي‬ ‫أك� من أخطار االحتباس الحراري‪.‬‬ ‫تحت تهديد ب‬ ‫اليجابية‪ ،‬سيسهل عىل الطائرات‬ ‫من الناحية إ‬ ‫الط�ان ث‬ ‫أك� مما هو حاصل حالياً‪ .‬ذلك‬ ‫والطيور ي‬ ‫ً‬ ‫ألن قوة الرفع تتناسب طرديا مع كثافة الهواء‬ ‫المحيط ولو أن قوة الممانعة ستكون أيضاً أعىل‪.‬‬ ‫ف‬ ‫كث� من الدالئل إىل أن كثافة الهواء‬ ‫تش� ي‬ ‫و� الواقع ي‬ ‫ي‬ ‫ف ي� الحقبة الجيولوجية الوسطى كانت أعىل مما‬ ‫هي عليه اليوم‪ .‬ومن ذلك اختالف تركيبة أجساد‬ ‫ف‬ ‫الحساس‬ ‫الكائنات الحية ي� تلك الحقبة‪ .‬وإذا أردت إ‬ ‫بضعف الضغط الجوي عىل جسدك كل ما عليك‬ ‫هو الغوص ف ي� البحر لعمق ‪ 10‬أمتار‪.‬‬


‫رائد الشيخ‬

‫عصر البيانات‬ ‫الضخمة‬

‫كيف استفاد العالم منها‬ ‫وما هي محاذيرها‬

‫حياتنا اليوم‬

‫يكثر الحديث عن «البيانات الضخمة» (أو ما‬ ‫يعرف باإلنجليزية ‪ )Big Data‬وتأثيرها على‬ ‫العالم‪ ،‬وأصبحت محاوالت االستفادة من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشتركا‬ ‫عامال‬ ‫تحليالت البيانات الضخمة‬ ‫بين الشركات الكبيرة والناشئة وحتى‬ ‫الجامعات والمراكز البحثية‪ .‬كما فتحت‬ ‫ً‬ ‫فرصا عديدة أمام َّ‬ ‫رواد األعمال إلنشاء‬ ‫مشروعات تساعد الحكومات والمؤسسات‬ ‫التي تختزن محتويات رقمية هائلة في‬ ‫تنظيم بياناتها وتحليلها‪.‬‬


‫‪43 | 42‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ال يوجد تعريف واحد متفق عليه‬ ‫لمصطلح «البيانات الضخمة»‪،‬‬ ‫ولكن من أبسط تعريفاتها أنها‬ ‫بيانات تولدت من خالل استخدامنا‬ ‫المضطرد أ‬ ‫للجهزة الرقمية‪،‬‬ ‫والحاسبات‪ ،‬وكل ما هو متصل بشبكة إالنترنت‪ .‬ففي‬ ‫أي لحظة معينة‪ ،‬هناك عشرات الماليين من أ‬ ‫الفراد‬ ‫َّ‬ ‫في أنحاء العالم يستخدمون الهواتف المحمولة ‪ -‬التي‬ ‫يقدر عددها بأكثر من ثمانية مليارات هاتف ‪ -‬إلجراء‬ ‫َّ‬ ‫مكالمات‪ ،‬أو إلرسال رسائل نصية أو بريد إلكتروني‪،‬‬ ‫أو مشاهدة محتوى رقمي على الشبكة‪ .‬ويمكن أن‬ ‫تستحدث البيانات أيضاً عند إجراء عمليات اعتيادية‬ ‫في ظاهرها‪ ،‬ولكنها تستخدم التقنية لتسهيل سيرها‪،‬‬ ‫كعمليات تحويل أ‬ ‫الموال‪ ،‬أو شراء قطعة مالبس‪ ،‬أو‬ ‫عند استخدام الالقط لمشاهدة القنوات الفضائية‪ ،‬أو‬ ‫عبور جسر ما‪ ،‬أو حتى عند زيارة أحد المطاعم وطلب‬ ‫نوع معين من أ‬ ‫الطباق‪ .‬كل هذه النشاطات تترك أثراً‬ ‫َّ‬ ‫رقمياً‪ ،‬ومن ثم تشكِّل هذه المعلومات في مجموعها ما‬ ‫يُعرف بـ «البيانات الضخمة»‪.‬‬ ‫وبسبب تلك النشاطات وغيرها الكثير‪ ،‬ينتج العالم‬ ‫من حولنا حالياً أكثر من ‪ 1.7‬ترليون بايت من البيانات‬ ‫في الدقيقة الواحدة‪ ،‬منها ما تقوم بعض مراكز‬ ‫البيانات بتخزينه وتحليله‪ ،‬ومنها ما يتم مسحه‬ ‫لعدم أهميته‪ .‬وبحسب شركة «إنتل»‪ ،‬فإن حجم‬ ‫النترنت‬ ‫البيانات التي أنتجها العالم منذ بداية عصر إ‬ ‫وحتى عام ‪2003‬م يقدر بأكثر من ‪ 5‬إكسابايت‬ ‫(الكسابايت تعادل البليون جيجابايت)‪ ،‬وتضاعف‬ ‫إ‬ ‫هذا الرقم أكثر من ‪ 500‬مرة خالل عام ‪2012‬م‪،‬‬

‫ليصل إلى ‪ 2.7‬زيتابايت (الزيتابايت يعادل أ‬ ‫اللف‬ ‫بليون جيجابايت)‪ ،‬ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم‬ ‫ثالث مرات بنهاية عام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫وبسبب هذا الحجم الهائل من البيانات المستحدثة‪،‬‬ ‫بدأ مصطلح «البيانات الضخمة» باالنتشار‪ ،‬وزاد‬ ‫حجمها بحيث إنه من الصعب معالجتها آ‬ ‫الن‬ ‫باستخدام برنامج واحد أو جهاز مستقل‪ ،‬أو‬ ‫باستخدام تطبيقات معالجة البيانات التقليدية‪ .‬وهنا‬ ‫بدأت شركات التقنية بتطوير برامج مساعدة وعتاد‬ ‫جديد يمكن من خالله المساعدة في تحليل تلك‬ ‫البيانات الضخمة‪.‬‬ ‫عمن يمتلك تلك المعلومات‬ ‫وإن كنت تتساءل َّ‬ ‫أ‬ ‫ويهتم بتحليلها‪ ،‬فإليك هذه المثلة‪ :‬تقوم شركة‬ ‫«أمازون» بتحليل ومعالجة ماليين العمليات‬ ‫بالضافة إلى الرد على‬ ‫يومياً لتلبية رغبات زبائنها‪ ،‬إ‬ ‫استفسارات أكثر من نصف مليون بائع يومياً‪ ،‬ولذلك‬ ‫تمتلك أمازون أكبر ‪ 3‬قواعد بيانات في العالم‪ .‬ومن‬ ‫ناحية أخرى‪ ،‬يعمل متجر «وول مارت» على معالجة‬ ‫أكثر من مليون عملية تجارية في الساعة‪ ،‬التي يتم‬ ‫تخزينها في قواعد بيانات تحتوي على أكثر من ‪2.5‬‬ ‫بيتابايت (‪ 2500‬تيرابايت) من البيانات ‪ -‬وهو ما‬ ‫يعادل ‪ 167‬ضعف محتوى الكتب الموجودة في‬ ‫مكتبة الكونغرس في الواليات المتحدة‪ .‬أما موقع‬ ‫«فايسبوك» فيعالج ‪ 50‬مليار صورة مرفوعة من‬ ‫قبل مستخدميه‪ .‬كما أن لدى برنامج المحادثات‬ ‫الفورية «واتس آب» أكثر من ‪ 450‬مليون مستخدم‪،‬‬ ‫يتداولون أكثر من ‪ 10‬مليارات رسالة و‪ 400‬مليون‬ ‫صورة يومياً‪ ،‬وفي ‪ 31‬ديسمبر ‪2013‬م‪ ،‬وصل عدد‬ ‫الرسائل عبر الواتس آب إلى ‪ 18‬مليار رسالة في يوم‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الحصاءات‪ ،‬فإن حجم البيانات‬ ‫ووفقاً لحدث إ‬ ‫التجارية في جميع أنحاء العالم‪ ،‬عبر جميع‬ ‫الشركات‪ ،‬يتضاعف كل ‪ 1.2‬سنة‪.‬‬

‫خصائص البيانات الضخمة‬

‫بالضافة إلى الحجم الهائل من البيانات‬ ‫إ‬ ‫التي يتم إنتاجها وتخزينها وإتاحتها‬ ‫تحت مظلة «البيانات الضخمة»‪ ،‬تتسم‬ ‫طرق معالجه تلك البيانات بخصائص‬ ‫أخرى تختلف عن البيانات التقليدية‪ ،‬أو‬ ‫التي تخزن مرتبة ومنسقة‪ ،‬كقواعد البيانات‬ ‫مثالً‪ .‬ويرى الخبراء أن من أهم خصائص تلك‬ ‫البيانات‪:‬‬ ‫الحجم‪ :‬يقدر الخبراء أنه بحلول العام ‪2020‬م‬ ‫النترنت على ما يقرب من‬ ‫ستحتوي إ‬ ‫‪ 40,000‬زيتابايت من البيانات الجاهزة‬ ‫للتحليل واستخالص المعلومات‪.‬‬

‫السرعة‪ :‬لمعالجة مجموعة صغيرة من البيانات‬ ‫المخزنة فى قواعد البيانات‪ ،‬أو ملف «أكسل»‪ ،‬كانت‬ ‫الشركات تقوم بتحليل كل مجموعة بيانات على حدة‬ ‫وبشكل متسلسل إلى أن يتم االنتهاء منها جميعاً‪.‬‬ ‫ولكن مع تضخم حجم البيانات‪ ،‬أصبحت الحاجة‬ ‫ُم ِل َّحة إلى إيجاد نظم خاصة تضمن سرعة تحليل‬ ‫البيانات الضخمة وقت وصولها «‪ ،»Real Time‬وأدت‬ ‫تلك الحاجة إلى ابتكار تقنيات خاصة لمعالجة تلك‬ ‫البيانات مثل برامج «‪.»Apache Hadoop‬‬ ‫تنوع الملفات‪ :‬مع ازدياد أعداد مستخدمي‬ ‫النترنت والهواتف النقالة وشبكات التواصل‬ ‫إ‬ ‫االجتماعي المختلفة‪ ،‬تغيرت طريقة تخزين البيانات‬ ‫من وجودها في قواعد بيانات تقليدية إلى بيانات‬ ‫مخزنة عشوائياً وبامتدادات متنوعة (مثل الصور‬ ‫ومقاطع الصوت والفيديو والرسائل القصيرة)‪.‬‬

‫كيف استفاد العا َلم من البيانات‬ ‫الضخمة؟‬

‫تقدم البيانات الضخمة ميزة تنافسية للشركات إذا‬ ‫ِّ‬ ‫تم تحليلها واالستفادة منها لفهم عمالئها وطرق‬ ‫تفكيرهم ورغباتهم‪ ،‬ومن ثم اتخاذ القرارات بصورة‬ ‫أكثر فعالية‪.‬‬ ‫واستوعبت الشركات العالمية والدول المتقدمة أهمية‬ ‫االستفادة من تلك البيانات‪ ،‬حيث قامت بوضع‬ ‫خطط مستقبلية وبناء مراكز بيانات متخصصة (‪Data‬‬ ‫‪ )Centers‬لالستفادة من تلك البيانات‪ ،‬مثل مشروع‬ ‫وكالة أ‬ ‫المن القومي (‪ )NSA‬لتطوير قاعدة بيانات‬ ‫وطنية أطلق عليه مشروع (‪،)Utah Data Center‬‬ ‫وهو يهدف إلى تحليل بيانات مستخدمي شبكات‬ ‫النترنت واالتصاالت في العالم لفهم سلوكياتهم‬ ‫إ‬ ‫ونشاطاتهم‪ .‬ولكن بسبب زيادة حجم تلك البيانات‬ ‫في كل عام وبشكل مضطرد‪ ،‬يظل البحث عن أفضل‬ ‫السبل لتحليلها واستثمارها قيد الدراسة والبحث‪.‬‬ ‫وال يقتصر تأثير البيانات الضخمة على الشركات‬ ‫الضخمة أو الشركات التقنية‪ ،‬بل هناك عديد من‬ ‫القطاعات التقليدية والحكومات‪ ،‬وشركات خدمة‬ ‫المستهلكين وشركات التوريد والتصنيع التي تستفيد‬ ‫من مخرجات تحليل هذه البيانات‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬ ‫تطوير الخدمات الحكومية‪ :‬أصبح بإمكان‬ ‫المختصين بتطوير الخدمات الحكومية رصد مدى‬ ‫المقدمة‬ ‫رضا المواطنين عن الخدمات الحكومية َّ‬ ‫لهم‪ ،‬وعلى ضوء النتائج المحللة يمكن استنتاج ما‬ ‫يلزم عمله للتطوير والتحسين‪ ،‬حيث بات مسح آراء‬ ‫الجمهور عن طريق االستبيانات التقليدية مكلفاً وغير‬ ‫مجد في كثير من أ‬ ‫الحيان‪ ،‬وذلك نظراً لتنوع البيانات‬ ‫ٍ‬ ‫الديموغرافية وثقافات المتعاملين‪ ،‬وحتى المساحات‬ ‫الشاسعة المراد مسحها واستقصاؤها‪ .‬ومن أكبر‬


‫تقوم شركة أمازون‬ ‫‪ Amazon.com‬بتحليل‬ ‫ومعالجة ماليين العمليات‬ ‫ً‬ ‫يوميا لتلبية رغبات زبائنها‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى الرد على‬ ‫استفسارات أكثر من نصف‬ ‫ً‬ ‫يوميا‬ ‫مليون بائع‬

‫المصادر لتلك البيانات الضخمة هي البيانات‬ ‫المسجلة من خالل عمليات التعداد السكاني‬ ‫والتسجيل في قواعد البيانات الحكومية‪ ،‬حيث يمكن‬ ‫أن تستنتج الحكومات معلومات ثمينة جداً من خالل‬ ‫تحليل تلك البيانات المخزنة‪.‬‬ ‫زيادة أرباح الشركات وتقديم خدمات أفضل‬ ‫للزبائن‪ :‬أتاحت البيانات الضخمة لمؤسسات أ‬ ‫العمال‬ ‫زيادة أرباحها بشكل كبير وتعزيز وضعها التنافسي‪.‬‬ ‫فمعرفة رغبات الزبائن وميولهم ونفسياتهم يتيح‬ ‫للشركات الربحية توفير منتجات وخدمات بنا ًء على‬ ‫تلك الرغبات والميول‪ ،‬وبذلك‪ ،‬تضمن تلك الشركات‬ ‫رضا عمالئها مما يؤدي إلى زيادة مبيعاتها من دون أن‬ ‫تخمن تلك الشركات وتجازف بما يرغب زبائنها من‬ ‫منتجات وخدمات‪.‬‬ ‫ومن أبرز أ‬ ‫الدلة على استخدام شركات التجزئة‬ ‫والخدمات لتلك البيانات الضخمة لزيادة أرباحها‪،‬‬ ‫العالنات الترويجية التي تالحق متصفحي‬ ‫هو توجيه إ‬ ‫اللكترونية‪ .‬فهناك تطبيقات‬ ‫النترنت والمواقع إ‬ ‫إ‬ ‫ومواقع متخصصة بتحليل تلك البيانات‪ ،‬مثل خدمة‬ ‫قوقل «‪ ،»AdSense‬التي تحلل رغبات المستخدم‬ ‫من خالل المدخالت التي يقوم بإدخالها سابقاً في‬ ‫محركات البحث‪ ،‬فتقوم تلك المواقع برصد الكلمات‬ ‫وتخزينها في قواعد بيانات خاصة‪ ،‬ليتم تحليلها‬ ‫وتوجيه الدعايات التي تتناسب مع هذه االهتمامات‬ ‫والرغبات‪ ،‬بصرف النظر عن الموقع الذي تتم زيارته‪.‬‬ ‫ومن أ‬ ‫المثلة أيضاً استغالل شركات البيع بالتجزئة‬ ‫لتلك المعلومات بحيث إنها أصبحت قادرة على‬ ‫اكتشاف أ‬ ‫اليام التي يتوافد المستهلكون فيها بغزارة‬ ‫إلى المحالت التجارية‪ ،‬وتحليل كيفية إنفاق الناس‬ ‫على البضائع‪ ،‬وذلك بهدف زيادة الربحية واتباع‬ ‫الطرق أ‬ ‫المثل للتسويق المستهدف (‪Targeted‬‬ ‫‪.)Marketing‬‬

‫مليون مستخدم‬ ‫مليارات رسالة‬ ‫مليون صورة‬

‫تطوير الطب والمجاالت الصحية‪ :‬تساعد‬ ‫البيانات الضخمة قطاع الصحة عبر تحليل البيانات‬ ‫المتعلقة بالوجهات المفضلة للسفر وسلوكيات‬ ‫الشراء والتسوق والنشاطات الرياضية‪ ،‬لتكون أحد‬ ‫المصادر المهمة التي تمكِّن أ‬ ‫الطباء من معرفة أسباب‬ ‫وسلوكيات كثير من أ‬ ‫المراض التي تكون قد انتشرت‬ ‫بسبب زيارة المصابين لتلك البلدان‪ ،‬أو بسبب‬ ‫معينة‪ .‬فمع وجود تلك‬ ‫القيام بنشاطات رياضية َّ‬ ‫البيانات الضخمة‪ ،‬أصبحت عملية تحليل معلومات‬ ‫المراكز الطبية وربط نتائجها بما هو حاصل بالواقع‬ ‫الطباء معرفة البيانات أ‬ ‫أسهل نظراً لمقدرة أ‬ ‫الولية‬ ‫للمريض‪ ،‬حتى وإن لم يقم المريض بزيارة المركز‬ ‫الصحي من قبل‪.‬‬ ‫الونة أ‬ ‫وفي آ‬ ‫الخيرة‪ ،‬ظهر مصدر آخر من مصادر‬ ‫البيانات الصحية‪ ،‬وهو ما توفره أجهزة االرتداء‬ ‫أ‬ ‫النترنت‪،‬‬ ‫كالساعات والساور الذكية المرتبطة بشبكة إ‬ ‫والتي يتم من خاللها رفع ومشاركة النشاطات البدنية‬ ‫والتمارين الرياضية على الشبكة العنكبوتية‪.‬‬ ‫التنبؤ بالكوارث الطبيعية‪ :‬بات بإمكان مراكز‬ ‫وحدات االستجابة للكوارث من استخدام البيانات‬

‫يرى فريق من المختصين‬ ‫أن التطور التقني المبني‬ ‫على هذا المفهوم قد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫كثيرا‬ ‫يهدد‬ ‫خطرا‬ ‫يشكل‬ ‫ً‬ ‫مستقبال‪،‬‬ ‫من الوظائف‬ ‫وخاصة التي تعتمد‬ ‫على أذواق العاملين أو‬ ‫نظرتهم الفنية‬

‫المتعلِّقة بالجيولوجيا الطبيعية والبيانات الجغرافية‬ ‫للتنبؤء بالكوارث المحتملة‪ ،‬من خالل تحليل البيانات‬ ‫السابقة ومن ثم مقارنة تلك البيانات بما هو حاصل‬ ‫حالياً‪ .‬وبذلك‪ ،‬تعزز هذه النتائج من تنبؤات تلك‬ ‫المراكز ومن ثم اتخاذ إجراءات احترازية قبل حدوث‬ ‫الكوارث أ‬ ‫والزمات الطبيعية‪ ،‬ووضع استراتيجيات‬ ‫الغاثة والخالء قبل فوات أ‬ ‫الوان‪.‬‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫شركات التقنية‪ :‬تقوم شبكة «لينكد إن»‬ ‫(‪ )LinkedIn‬االجتماعية المتخصصة فى العمل‬ ‫والوظائف باستخدام نتائج البيانات الضخمة لتوليد‬ ‫مليار اقتراح كل شهر لزوار موقعها‪ .‬أما شركة‬ ‫«سيسكو» لمعدات الشبكات فترى أن البيانات‬ ‫الضخمة هي بمنزلة «النفط الجديد» في االقتصاد‬ ‫العالمي‪ ،‬لما لها من قدرة على تحويل االقتصاديات‪،‬‬ ‫وجعل الشركات أكثر كفاءة‪ ،‬وتحسين الحياة اليومية‬ ‫للمستهلكين‪.‬‬

‫أثرها في الوظائف التقنية؟‬

‫على الرغم من كل إيجابيات البيانات الضخمة‪،‬‬ ‫والفوائد المحتملة التي قد تنتج عن تحليل مزيد‬ ‫من تلك البيانات‪ ،‬يرى فريق من المختصين أن‬ ‫التطور التقني المبني على هذا المفهوم قد يشكِّل‬ ‫يهدد كثيراً من الوظائف مستقبالً‪ ،‬وخاصة‬ ‫خطراً ِّ‬ ‫التي تعتمد على أذواق العاملين أو نظرتهم الفنية‪.‬‬ ‫فأصبح الحاسب بتحليله للبيانات أدق في التعرف‬ ‫على أذواق ورغبات الجمهور‪ .‬وبذلك‪ ،‬ال حاجة لمن‬ ‫يحاور الجمهور عن قرب‪ ،‬أو يحلل رغباته بالطرق‬ ‫التقليدية‪ .‬ويزيد المتشائمون على تلك الرؤية‪،‬‬ ‫فيرون أنه لن تكون هناك حاجة لالبتكار أو إيجاد‬ ‫نظريات أو مفاهيم جديدة تُعنى بسلوكيات الناس‬ ‫وتحليل نفسياتهم مستقبالً‪ ،‬ألنه‪ ،‬وببساطة‪ ،‬هذا ما‬ ‫سيعمله الحاسب من خالل تحليل تلك البيانات وفي‬ ‫أجزاء من الثانية‪ .‬والناتج هو االستغناء عن مزيد من‬ ‫العاملين‪.‬‬


‫‪45 | 44‬‬

‫حجم البيانات ‪2012‬م‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫هناك من يرى أن التقنية‬ ‫وسهولة الحصول على‬ ‫األجوبة من اآلالت لن يغني‬ ‫عن أصحاب الخبرة‪ ،‬أو‬ ‫المتفانين في أعمالهم‪ ،‬أو‬ ‫َم ْن لديهم روح المبادرة أو‬ ‫التطوير‬ ‫ولذلك‪ ،‬ينادي مديرو أ‬ ‫العمال بتوجيه الموظفين‬ ‫الراغبين بالتمسك بأعمالهم وحرفهم أن يجيدوا‬ ‫االبتكار والبداع‪ ،‬ألنه الفارق الوحيد بين آ‬ ‫الالت‬ ‫إ‬ ‫والبشر‪ .‬ولتوضيح مدى قلق المختصين من انتشار‬ ‫البطالة وخصوصاً بين العاملين في المجاالت‬ ‫تبين دراسة أجريت مؤخراً أن أكثر من ثلث‬ ‫الفنية‪ِّ ،‬‬ ‫آ‬ ‫البريطانيين يتخوفون من أن يكون الرجل اللي‬ ‫«الروبوت» هو البديل المستقبلي ليحل مكانهم في‬ ‫الوظائف‪ ،‬مشيرين إلى أن التطور التقني وسهولة‬ ‫إيجاد أ‬ ‫الجوبة بواسطة تحليل البيانات ومن ثم‬ ‫آ‬ ‫تمريرها للإنسان اللي بات يشكِّل خطراً فعلياً‪ .‬وتوقع‬ ‫أكثر من ربع الذين خضعوا لالستطالع في بريطانيا‬ ‫أن يصبح الرجل آ‬ ‫اللي قادراً في المستقبل على‬ ‫قراءة أفكار البشر والتفاعل معها‪ ،‬وستصبح لدى‬ ‫أ‬ ‫الجهزة القدرة على التعامل مع الناس من خالل‬ ‫تغذيتها بالمعلومات ومن ثم تحليلها تلقائياً لترد‬ ‫على استفسارات البشر‪ ،‬بما في ذلك خدمات الزبائن‬ ‫ومتابعة شؤون العمالء‪ ،‬وغير ذلك من الوظائف التي‬ ‫تتضمن بُعداً إنسانياً أو فنياً بشكل أو بآخر‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫وفي المقابل‪ ،‬هناك َم ْن يرى أن التقنية وسهولة‬ ‫الجوبة من آ‬ ‫الحصول على أ‬ ‫الالت لن يغني عن‬ ‫أصحاب الخبرة‪ ،‬أو المتفانين في أعمالهم‪ ،‬أو‬ ‫َم ْن لديهم روح المبادرة أو التطوير‪ .‬يقول الخبير‬ ‫الداري المتخصص في مجاالت التنمية البشرية‬ ‫إ‬ ‫«عدنان حميدان»‪« :‬إن آ‬ ‫اللة يصعب أن تحل‬ ‫مكان الموظف العادي في كثير من أ‬ ‫الحيان‪ ،‬لكن‬ ‫شريطة أن يكون الموظف نفسه مؤهال ً بأن يحافظ‬ ‫على عمله‪ ،‬وأن يظهر تميزه عن الكمبيوتر آ‬ ‫واللة‬ ‫والروبوت»‪ .‬ويضيف‪« :‬أن هناك عدداً من العوامل‬ ‫قد تجعل الشركة أو صاحب العمل غير قادر على‬ ‫التخلي عن الموظف لصالح كمبيوتر أو روبوت‪،‬‬ ‫كأن يكون لدى الموظف القدرة على العمل بدماغه‬ ‫آ‬ ‫تعوض‬ ‫وليس فقط بجسمه‪ ،‬حيث إن اللة يمكن أن ِّ‬ ‫الجسم‪ ،‬لكنها ال يمكن أن تعمل بدال ً من الدماغ»‪.‬‬ ‫ومن ثم يتابع ليؤكد أن على الموظف أيضاً أن يمتلك‬ ‫البداع في عمله ويسعى إلى تطويره‪ ،‬ألنه هو‬ ‫روح إ‬ ‫من صنع آ‬ ‫اللة وهو من سيطورها‪ ،‬وهو أمر ال يمكن‬ ‫للتقنية عمله ألنها وببساطة ليس لديها القدرة على‬ ‫التفكير في كيفية التطوير‪ ،‬فالمستقبل لن يسع َّإل‬ ‫للمبدعين‪.‬‬ ‫ولدعم تلك الرؤية‪ ،‬ال توجد أدلة موثقة حتى آ‬ ‫الن‬ ‫تفيد بأن ثورة المعلومات والصناعة التقنية قد‬ ‫أسهمت في ارتفاع نسب البطالة بين الحرفيين‬ ‫أو التقنيين‪ ،‬بل هناك ما قد يشير إلى أنه لثورة‬ ‫المعلومات الفضل في استحداث وظائف جديدة‬ ‫لم تكن موجودة في السابق‪ ،‬وتسببت بتطوير أعمال‬ ‫ماليين الشركات بمختلف أحجامها حول العالم‪ ،‬ومن‬ ‫تلك أ‬ ‫الدلة هبوط نسبة البطالة في الواليات المتحدة‬ ‫أ‬ ‫المريكية إلى أدنى مستوياتها قبل الهزة االقتصادية‬ ‫في سنة ‪2008‬م‪ ،‬على الرغم من التطور التقني‬ ‫المدعوم من شركات التقنية أ‬ ‫المريكية الكبرى‪.‬‬ ‫ومهما كانت نظرتنا إلى تلك البيانات‬ ‫الضخمة وأثرها على الوظائف‪ ،‬يجب‬

‫أن نعي أن توفر هذا الكم الضخم من البيانات‬ ‫ال يعني تحولها تلقائياً إلى «معرفة صحيحة»‪،‬‬ ‫بل قد تؤدي تلك البيانات إلى استنتاجات خاطئة‬ ‫واكتشافات مغلوطة‪ ،‬أو ما يسميه الخبراء‬ ‫«موجبات كاذبة»‪ ،‬وهو ما أشار إليه الكاتب نيت‬ ‫«الشارة والضجيج»‪ ،‬ليوضح‬ ‫سيلفر في كتابه إ‬ ‫من خالل عرضه أمثلة واقعية كيف يمكن لعلم‬ ‫الحصاء واالحتماالت ومعالجة الكم الهائل من‬ ‫إ‬ ‫البيانات أن تقودنا إلى استنتاجات وأحكام خاطئة‪.‬‬ ‫ولهذا يجب التأكيد أن تحليل البيانات يتطلب فهماً‬ ‫دقيقاً ومتطوراً‪ ،‬حتى ال نقع في فخ االستنتاجات‬ ‫المغلوطة‪.‬‬ ‫وما يتفق عليه المتشائمون والمتفائلون على حد‬ ‫سواء‪ ،‬هو أن ثورة المعلومات المتسارعة هذه‬ ‫تتطلب إيجاد وظائف جديدة مبتكرة‪ ،‬كخبراء في‬ ‫تحليل البيانات‪ ،‬ومبرمجين متخصصين في علوم‬ ‫البيانات الضخمة والمعالجة الموزعة ‪distributed‬‬ ‫‪ .computing‬وكذلك مناهج‬ ‫جديدة ومحدثة لتوائم هذه‬ ‫الثورة‪ .‬وهذا ما أشار إليه‬ ‫االقتصادي «مارك لوتمان»‬ ‫في قوله «إن ثمانين بالمئة‬ ‫من وظائف المستقبل ليست‬ ‫موجودة بعد‪ ،‬ويجب علينا‬ ‫إعداد طالبنا لوظائف وأشكال‬ ‫حياة الغد ال اليوم»‪.‬‬

‫زيادة أرباح الشركات‬


‫فريق القافلة‬

‫كبار‬ ‫السن‪..‬‬

‫‪Majed Almalki‬‬

‫ما لهم وما علينا‬

‫حياتنا اليوم‬

‫فيما تكتفي الدراسات السكانية بالنظر إلى‬ ‫الشيخوخة وكأنها مجرد مشكلة اقتصادية‪،‬‬ ‫وهو ما نتلمسه عادة في التقارير التي ال‬ ‫ترى في كبار السن إال مستهلكين ال ينتجون‪،‬‬ ‫اعتمدت األمم المتحدة اليوم األول من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عالميا‬ ‫يوما‬ ‫أكتوبر من كل عام ليكون‬ ‫ّ‬ ‫السن‪ ،‬وذلك في مبادرة‬ ‫لالحتفال بكبار‬ ‫يغلب فيها ُ‬ ‫البعد األخالقي على االعتبارات‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وترتقي بهذه القضية إلى‬ ‫مستوى يضعها ضمن حقوق اإلنسان التي‬ ‫ً‬ ‫قانونا حيثما يكون هناك‬ ‫يتوجب حمايتها‬ ‫تقصير في ذلك‪.‬‬


‫السن‪..‬‬ ‫تكاثر كبار‬ ‫ّ‬ ‫وتعاظم المسؤوليات‬ ‫تجاههم‬

‫‪47 | 46‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫المس ّنون على تكاثر‪ ،‬وواجبهم‬ ‫على تعاظم‪ .‬وليس من شك‬ ‫لتقدم الخدمات‬ ‫في أن من حق البشرية أن تغتبط ّ‬ ‫الصحية وعلوم الطب والجراحة وصناعة الدواء‪ ،‬إذ كان‬ ‫معدالت عمر إالنسان‬ ‫من ثمار هذا التقدم أن ارتفعت ّ‬ ‫ارتفاعاً مطّرداً‪ ،‬حتى في البلدان الفقيرة من العالم‪.‬‬ ‫فقديماً‪ ،‬كان الرجل متى تخطّى أ‬ ‫الربعين من عمره‪،‬‬ ‫ُص ِّنف في الجيل الثالث‪ ،‬جيل الشيوخ الذين قد‬ ‫يستفاد في أحسن أ‬ ‫الحوال من حكمتهم وحلمهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لكن أمر االستفادة من عملهم ونشاطهم المهني‬ ‫وخبرتهم العملية وقدراتهم الجسدية أمر آخر‪.‬‬ ‫وفي أواسط القرن العشرين‪ ،‬اتُّ ِفق في كثير من‬ ‫دول العالم على أن سن التقاعد في الوظائف‪ ،‬هي‬ ‫الس ّتون‪ .‬أما اليوم فقد رفعت كثير من الدول سن‬ ‫التقاعد إلى الخامسة والستين‪ ،‬فيما أُعفيت بعض‬ ‫المهن‪ ،‬كالفنون والبحث العلمي والتعليم الجامعي‪،‬‬ ‫الحد العمري‪ .‬وصار بلوغ سن الثمانين أمراً‬ ‫من هذا ّ‬

‫ال يثير الدهشة واالستغراب‪ ،‬بل إن في بعض البلدان‬ ‫المتقدمة أعداداً متزايدة‪ ،‬ممن تخطوا المئة عام‪،‬‬ ‫يكونون شريحة متعاظمة من شرائح هرم أ‬ ‫العمار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لكن المشكلة هي في أن المرء‪ ،‬مهما كان سليم‬ ‫البنية مكتمل الصحة‪ ،‬سيتوقف يوماً ما عن العمل‪،‬‬ ‫ليرتزق من صناديق الشيخوخة أو راتب تقاعده أو‬ ‫تعويض نهاية خدمته‪ ،‬أو قد يصبح «عالة» اقتصادية‬ ‫همل‬ ‫واجتماعية على أوالده‪ ،‬أو مجتمعه‪ ،‬وربّما يُ َ‬ ‫تماماً فيبلغ من البؤس منتهاه‪ .‬وقد ظهرت في الدول‬ ‫المتقدمة‪ ،‬وحتى في عدد من الدول النامية‪ ،‬مشكلة‬ ‫ِّ‬ ‫عدم التوازن بين مداخيل صناديق الشيخوخة‬ ‫ومدخرات التقاعد‪ ،‬وبين النفقات المتزايدة بفعل‬ ‫ّ‬ ‫المعمرين‪ ،‬وحاجتهم المتعاظمة إلى‬ ‫تزايد عدد‬ ‫َّ‬ ‫فتحولت نعمة التطور‬ ‫الخدمات الطبية وغيرها‪ّ .‬‬ ‫الطبي‪ ،‬إلى مصدر لمتاعب اقتصادية‪ ،‬ال تنذر فقط‬ ‫بحدوث اضطراب في معايير المحاسبة المالية‪،‬‬ ‫بل قد تفضي في كثير الحاالت إلى تقليص الموارد‬ ‫الضرورية للإنفاق على المس ّنين‪ ،‬في آخر مراحل‬ ‫فيتحول طول العمر من سبب لالغتباط‬ ‫عمرهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والسعادة‪ ،‬إلى مصدر للبؤس والمتاعب‪.‬‬

‫اليوم العالمي لكبار السن‪ 1 :‬أكتوبر‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬أثبتت دراسات متخصصة في‬ ‫العلوم االجتماعية‪ ،‬أن التقاعد يؤثر في التوافق‬ ‫االجتماعي لدى المس ّنين‪ ،‬ما لم يتمكنوا من تعويض‬ ‫متنوع يتناسب وحالهم‬ ‫انتهاء خدمتهم بنشاط عملي ّ‬ ‫الفكرية والثقافية واالجتماعية ومؤهالتهم المهنية‪.‬‬ ‫فهذا النشاط الذي يمارسونه في أوقات فراغهم‪،‬‬ ‫الحساس‬ ‫وهي وفيرة بعد التقاعد‪ ،‬يساعدهم على إ‬ ‫بأن قيمتهم مصونة‪ ،‬ما دام ثمة حاجة إليهم‪ ،‬ضمن‬ ‫العائلة أو المجتمع‪.‬‬ ‫وليس من شك‪ ،‬كما يدل علم االجتماع‪ ،‬في أن‬ ‫المسن‪ ،‬قبل‬ ‫المنزل والمجتمع الذي عاش فيه‬ ‫ّ‬ ‫التقاعد‪ ،‬هو المكان أ‬ ‫النسب لعيشه في تقاعده‪.‬‬ ‫ولذا ينبغي أن تتضافر جميع الجهود العائلية‬ ‫والرسمية والتطوعية‪ ،‬في المؤسسات العامة‬ ‫أ‬ ‫والهلية على السواء‪ ،‬من أجل إبقاء المس ّنين أطول‬ ‫أ‬ ‫مدة ممكنة في منزلهم الول‪ ،‬وفي المجتمع الذي‬ ‫ّ‬ ‫شاخوا في كنفه‪.‬‬ ‫فمن أ‬ ‫الخطاء الشائعة في التفكير العام عند‬ ‫حصر‬ ‫الحديث عن‬ ‫ّ‬ ‫المتقدمين في ّ‬ ‫السن‪ ،‬أن تُ َ‬ ‫مشكلتهم بالنواحي الصحية الخالصة‪ .‬صحيح أنهم‬ ‫معرضون أكثر من الشبان أ‬ ‫للمراض المزمنة والمتاعب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تقدمها‪ ،‬تثبت‬ ‫الصحية المختلفة‪ ،‬لكن العلوم‪ ،‬مع ُّ‬

‫‪Abdulaziz AlBagshi‬‬

‫إن األب واألم اللذين أفنيا‬ ‫ً‬ ‫عمرا في تربية أوالدهما‪،‬‬ ‫حتى بلغا سن الرشد‪،‬‬ ‫واشتد ساعدهما في‬ ‫تحصيل العيش‪ ،‬حين‬ ‫يبلغان سن الشيخوخة‪،‬‬ ‫يتعرضان لمشكالت صحية‬ ‫ونفسية ومالية‪ ،‬ال ُتحصى‪،‬‬ ‫وال بد من حقوق لهما‪..‬‬


‫هرم أ‬ ‫العمار وأهميته‬ ‫أ‬

‫‪Majed Almalki‬‬

‫هرم العمار هو رسم بياني يمثل توزيع السكان حسب الجنس‬ ‫العمار (في شرائح متصاعدة‪ ،‬أ‬ ‫وحسب فئات أ‬ ‫فالطفال في قاعدة‬ ‫الهرم‪ ،‬والشيوخ في أعاله)‪.‬‬ ‫يتميز هرم أ‬ ‫العمار في الدول النامية بقاعدة عريضة تمثل غلبة‬ ‫فئة ّ أ‬ ‫الطفال والشباب على فئات المتقدمين في السن‪ ،‬بفعل‬ ‫حسب هذه الوتيرة بالفرق بين عدد‬ ‫ارتفاع وتيرة التكاثر الطبيعي‪ .‬وتُ َ‬ ‫الوف َِّيات‪ ،‬في كل ألف شخص من السكان‪.‬‬ ‫الوالدات وعدد َ‬ ‫أما هرم أ‬ ‫فيتميز بكبر حجم‬ ‫مة‬ ‫المتقد‬ ‫الصناعية‬ ‫الدول‬ ‫في‬ ‫العمار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فئة أ‬ ‫العمار المتوسطة وارتفاع نسبة الشيوخ‪ .‬وسبب ذلك انخفاض‬ ‫نسبة التكاثر الطبيعي بفعل اعتماد سياسة تحديد النسل‪.‬‬ ‫وال تكتفي الدول عادة في إحصاءاتها االقتصادية بهرم أ‬ ‫العمار‬ ‫وحده‪ ،‬لتعيين وضعها السكاني (الديموغرافي) بل تستند أيضاً إلى‬ ‫احتساب الفئات الناشطة والفئات غير الناشطة في المجتمع‪ .‬ففي‬ ‫الحصاءات‪ ،‬تشمل الفئات الناشطة أ‬ ‫الفراد البالغين سن العمل‬ ‫إ‬ ‫(بين ‪ 15‬سنة‪ ،‬و‪ 60‬أو ‪ 65‬سنة)‪ .‬وتنقسم فئة السكان الناشطين‬ ‫إلى سكان ناشطين يعملون‪ ،‬وسكان ناشطين عاطلين عن العمل‪.‬‬ ‫أما الفئة غير الناشطة‪ ،‬فتشمل أ‬ ‫الطفال والتالميذ والطالب وربات‬ ‫البيوت والمتقاعدين المس ّنين وذوي الحاجات الخاصة‪.‬‬ ‫إن نسبة النشاط في الدول الصناعية المتقدمة (ال سيما دول‬ ‫الشمال والغرب) أعلى من النسبة في الدول النامية (دول الجنوب‬ ‫والعالم الثالث)‪ ،‬ألن في دول الجنوب نسبة أكبر من أ‬ ‫الطفال‬ ‫وربّات البيوت‪.‬‬ ‫وتهتم أ‬ ‫البحاث االقتصادية والتنموية في البالد المتطورة بهرم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يبين بصورة مبسطة ونظرة واحدة‪ ،‬إذا كانت‬ ‫العمار‪ ،‬لنه ّ‬ ‫البالد «فتية» أم أنها «تشيخ»‪ .‬فلهذا الشأن عالقة بوتيرة النمو‬ ‫الشبان‪ ،‬حين‬ ‫االقتصادي‪ .‬ولذا يشجعون الهجرة الوافدة‪ ،‬وال سيما ّ‬ ‫يخشون هذه «الشيخوخة»‪.‬‬ ‫أكثر فأكثر‪ ،‬أن الحالة النفسية السيئة التي قد‬ ‫يعانيها المسن‪ ،‬إنما تفاقم هذه أ‬ ‫المراض‪ ،‬إن لم‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫تكن من أهم أسبابها‪.‬‬

‫جاء في دراسة للّجنة االقتصادية واالجتماعية لغرب‬ ‫(السكوا)‪ ،‬أن نمط التوازن الديموغرافي التقليدي‬ ‫آسيا إ‬ ‫تغير في العقود الماضية‪ .‬وتم ّثلت‬ ‫العربية‬ ‫البالد‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫معدالت‬ ‫إحدى نتائج‬ ‫التحول الديموغرافي من ارتفاع ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوف َ​َيات‬ ‫الخصوبة إلى انخفاضها‪ ،‬ومن ارتفاع ّ‬ ‫معدل َ‬ ‫إلى انخفاضه في تطور الهيكل العمري للسكان (هرم‬ ‫أ‬ ‫العمار)‪ .‬وأدى تراجع الخصوبة في البلدان العربية‬ ‫مهمة في هذا الهيكل‪ .‬وتتم ّثل التغييرات‬ ‫إلى تغييرات ّ‬ ‫في ارتفاع حاد لنسبة السكان بسن العمل (‪ 25‬إلى‬ ‫‪ 64‬عاماً) وانخفاض نسبة السكان في فئة أ‬ ‫الطفال‬ ‫(إلى سن ‪ 14‬عاماً) وارتفاع بطيء وإن كان تدريجياً في‬ ‫نسبة المس ّنين (‪ 65‬عاماً وأكثر)‪.‬‬ ‫وعملية الشيخوخة هي أيضاً في مراحلها أ‬ ‫الولى في‬ ‫المنطقة العربية حيث تشكل بداية تراجع الخصوبة‬

‫‪Yousef A. Al Masoud‬‬

‫الشيخوخة عددياً‬ ‫في البالد العربية اليوم‬

‫اتجاهاً حديثاً نسبياً‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وفي أعقاب التغير‬ ‫السريع للوضع الديموغرافي في المنطقة‪ ،‬ال يمكن‬ ‫التقليل من أهمية الحاجة إلى مواجهة التحديات‬ ‫الكامنة في ارتفاع نسبة السكان المس ّنين‪ ،‬نظراً إلى‬ ‫أن العدد المطلق أ‬ ‫للشخاص البالغين من العمر‬ ‫‪ 65‬عاماً وأكثر قد تضاعف من ‪ 5.7‬مليون نسمة‬ ‫في عام ‪1980‬م إلى ‪ 10.4‬مليون نسمة في عام‬ ‫‪2000‬م‪ ،‬وإلى ‪ 14‬مليون نسمة عام ‪2010‬م‪،‬‬ ‫ويتوقّع أن يبلغ ‪ 21.3‬مليون نسمة بحلول عام‬ ‫‪2020‬م‪.‬‬

‫العالم بأسره يزداد شيخوخة‬

‫خمسينيات القرن العشرين‪ ،‬كانت الفئة العمرية‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫من ‪ 65‬سنة فما فوق في اليابان مثالً‪ ،‬تشكِّل نسبة‬ ‫‪ %5‬من مجمل تعداد السكان‪ .‬وقد استقرت النسبة‬ ‫على حالها بعض الوقت‪ ،‬لكنها أخذت تتسارع في‬ ‫نموها في العقود التالية من السنوات‪ .‬وفي العام‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،1989‬بلغت نسبة السكان فوق ‪ 65‬سنة في اليابان‬ ‫‪ %11.6‬من مجمل السكان‪ ،‬وفي سنة ‪2000‬م بلغت‬ ‫هذه النسبة ‪ .%16.9‬ويتوقّع أن تبلغ في سنة‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬نسبة ‪.%25.2‬‬


‫‪49 | 48‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫أبرز ما في هذه أ‬ ‫الرقام‪ ،‬أن اليابان هي أسرع‬ ‫الدول الصناعية نمواً في فئة الشيوخ‪ .‬فإذا قورنت‬ ‫مثال ً بالواليات المتحدة‪ ،‬فإننا نالحظ أن نسبة الفئة‬ ‫العمرية من الشيوخ أ‬ ‫المريكيين استغرقت لتنمو من‬ ‫‪ 7‬إلى ‪ ،%14‬ما يقرب من ‪ 75‬سنة‪ .‬أما فئة الشيوخ‬ ‫من سن ‪ 65‬سنة وما فوق في ألمانيا وبريطانيا‪،‬‬ ‫فنمت نسبتها من ‪ 7‬إلى ‪ %14‬في مدى ‪ 45‬سنة‪ .‬ولم‬ ‫يستغرق هذا النمو في اليابان غير ‪ 24.5‬سنة فقط‪،‬‬ ‫من سنة ‪1970‬م إلى سنة ‪1995‬م‪ .‬ولكن رغم تفاوت‬ ‫النسب هنا وهناك‪ ،‬فإنها تؤكد أن العالم بأسره‬ ‫يشيخ أكثر فأكثر‪ ،‬وبوتيرة أسرع من أي وقت مضى‪.‬‬

‫مواقف الثقافات المختلفة‬ ‫من الشيخوخة‬

‫يتعدى‬ ‫في روما القديمة‪ ،‬كان معدل عيش الفرد ال ّ‬ ‫‪ 25‬سنة تقريباً‪ ،‬لكن بعض أ‬ ‫الفراد كانوا يبلغون سن‬ ‫السبعين‪ ،‬وكانوا يحظون باالحترام‪ ،‬لحكمتهم‪.‬‬ ‫تقول د‪ .‬كارين كوكاين‪ ،‬من جامعة ريدينغ‪« :‬كان‬ ‫الرومان يستفيدون من مس ّنيهم‪ ،‬ويؤمنون بحكمتهم‬ ‫سبت إلى الخطيب الروماني‬ ‫وتجربتهم»‪ .‬وقد نَ َ‬ ‫النسان من الحكمة‪.‬‬ ‫شيشرون قوله‪« :‬ليس أعز عند إ‬ ‫ومع أن التقدم في السن يأخذ م ّنا كل شيء‪ ،‬إال أنه‬ ‫للمسن من‬ ‫يعطينا الحكمة»‪ .‬أما الشرط الذي ال بد‬ ‫ّ‬ ‫أن يتحلّى به ليستحق االحترام‪ ،‬فهو أن يعيش حياة‬ ‫فاضلة‪ .‬تقول كوكاين‪« :‬كان على المتقدمين في السن‬ ‫أن يكونوا مثاال ً أعلى للشبان‪ ،‬ألن هؤالء سيتعلّمون‬ ‫منهم السلوك الحسن»‪.‬‬ ‫أما في اليونان‪ ،‬فإن عبارة «الرجل العجوز» ليست‬ ‫سلبية‪ ،‬بل إن الشيخوخة ّ‬ ‫محل احتفال وتكريم‬ ‫والمسن يحتل مكانة المركز في العائلة‪.‬‬ ‫واحترام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وينظر سكان أمريكا أ‬ ‫الصليون بتبجيل كبير إلى‬ ‫كبارهم‪ ،‬لحكمتهم وخبرتهم في الحياة‪ .‬وتالحظ‬

‫البر بالوالدين الذي أمرنا‬ ‫به اهلل في القرآن الكريم‪،‬‬ ‫ومتانة الروابط العائلية‬ ‫التقليدية ضمن البيت‬ ‫الواحد‪ ،‬وغير ذلك من‬ ‫االعتبارات االجتماعية‪،‬‬ ‫حفظت لكبار السن مكانتهم‬ ‫الالئقة بهم على وجه‬ ‫العموم‪ ،‬ولم تؤثر المدنية‬ ‫ً‬ ‫كثيرا في ذلك‬ ‫الحديثة‬

‫دراسة في جامعة ميسوري‪ ،‬في كنساس سيتي‪ ،‬أن‬ ‫الشيوخ منهم يحرصون على نقل معارفهم وخبرتهم‬ ‫إلى أ‬ ‫الجيال الطالعة‪.‬‬ ‫المسن مبدأً من مبادئ‬ ‫وفي كوريا‪ ،‬يُعد تبجيل‬ ‫ّ‬ ‫تعاليم كونفوشيوس الحكيم الصيني‪ ،‬واحترام‬ ‫بالمسن في‬ ‫الوالدين واجب‪ .‬بل إن العناية‬ ‫ّ‬ ‫الطار العائلي‪،‬‬ ‫العائلة واجب أيضاً‪ .‬وفي خارج إ‬ ‫يبدي الكوريّون عموماً احترامهم للمس ّنين‪ .‬يقول‬ ‫كونفوشيوس في تعاليمه‪« :‬خشوع أ‬ ‫البناء واحترام‬ ‫النسانية»‪ .‬وفي كوريا تقاليد‬ ‫الخوة هما أساس إ‬ ‫إ‬ ‫تقضي االحتفال ببلوغ الرجل أو المرأة الستين‪ ،‬ثم‬ ‫السبعين من العمر‪ ،‬ذلك أن بلوغ هاتين الس ّنين‬ ‫مدعاة لفرح العائلة‪ ،‬ألن السابقين في الماضي نادراً‬ ‫ما كانوا يبلغونهما‪.‬‬ ‫وفي الصين‪ ،‬كما في كوريا‪ ،‬ينظَر إلى خشوع أ‬ ‫البناء‬ ‫ُ‬ ‫للوالدين على أنه أسمى الفضائل‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫بعض التغريب وسياسة الولد الواحد أضعفا نوعاً ما‬ ‫هذا التقليد‪ ،‬إال أن البالغ الصيني في العموم‪ ،‬يُبدي‬ ‫يودع‬ ‫احتراماً كبيراً لوالديه وللمس ّنين‪ .‬ويُنظَر إلى َمن ِ‬ ‫والديه في مأوى‪ ،‬على أنه عاق‪.‬‬ ‫والمسن في الهند هو رأس العائلة‪ .‬فكثير من الهنود‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫الجدين والوالد‬ ‫يعيشون ضمن عائلتهم التي تضم ّ‬ ‫أ‬ ‫الجد هو رأس العائلة‪ .‬ويلعب‬ ‫والحفاد‪ ،‬ويكون ّ‬ ‫أ‬ ‫الجدان دوراً فاعال ً في تنشئة الحفاد‪ .‬وكلمتهما ال تُر ّد‬ ‫ّ‬ ‫المور أ‬ ‫عند استشارتهما في أ‬ ‫الساسية‪ .‬وعدم احترام‬ ‫المسن أو إيداعه في مأوى‪ ،‬أمر معيب لدى الهنود‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وفي البلدان العربية‪ ،‬فإن البر بالوالدين الذي أمرنا‬ ‫به هللا في القرآن الكريم‪ ،‬ومتانة الروابط العائلية‬ ‫التقليدية ضمن البيت الواحد‪ ،‬وغير ذلك من‬ ‫االعتبارات االجتماعية‪ ،‬حفظت لكبار السن مكانتهم‬ ‫الالئقة بهم على وجه العموم‪ ،‬ولم تؤثر المدنية‬ ‫النسان العربي‬ ‫الحديثة كثيراً في ذلك‪ .‬إذ ال يزال إ‬ ‫يشعر‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬بحرج من إيداع أهله‬ ‫المسنين في مأوى للعجزة ويمتنع عن ذلك‪ ،‬في حين‬ ‫أن فعل ذلك في المجتمعات الغربية‪ ،‬وخاصة أمريكا‬ ‫المعاصرة‪ ،‬يُعد أمراً شبه مقبول‪ .‬وفي هذا الصدد‪،‬‬ ‫يقول المفكر كوشين باليه إليسون من نيويورك‪« :‬ثمة‬ ‫السن والموت‪ .‬وحين‬ ‫خجل في ثقافتنا من التقدم في ّ‬ ‫ً‬ ‫السن يشعرون بأن بهم خطبا ما‪،‬‬ ‫يتقدم الناس في ّ‬ ‫وأنهم فقدوا قيمتهم»‪ .‬ويقول عالم الفيزيولوجيا‬ ‫إريك إريكسون‪« :‬إن افتقارنا إلى النظرة المثالية إلى‬ ‫الشيخوخة يحرمنا من تكوين نظرة شاملة إلى الحياة»‪.‬‬

‫أ‬ ‫المم المتحدة‪ :‬أبعاد القضية‬ ‫أخالقية واقتصادية وحقوقية‬

‫أ‬ ‫السن‪ ،‬ال‬ ‫إن إعالن الول من أكتوبر يوماً دولياً لكبار ّ‬


‫ينم عن اهتمام جديد بهذه المسألة‪ .‬فقد اهتمت‬ ‫أ‬ ‫المم المتحدة‪ ،‬منذ العام ‪1982‬م على الخصوص‬ ‫بحقوق كبار السن‪.‬‬ ‫وص ّنفت المنظمة الدولية سوء معاملة كبار السن‬ ‫وأقرت ما يلي‪:‬‬ ‫على أنه مسألة حقوق إنسان‪ّ ،‬‬ ‫• توجيه االنتباه إلى المسائل السياسية التي ينطوي‬ ‫ضدهم‪.‬‬ ‫السن والتمييز ّ‬ ‫عليها سوء معاملة كبار ّ‬ ‫السن‬ ‫•‬ ‫ّ‬ ‫ التصدي لسوء المعاملة فيما يتصل بحق كبار ّ‬ ‫في الحصول على المنافع االجتماعية وغيرها من‬ ‫االستحقاقات‪.‬‬ ‫التصدي بفاعلية لسوء المعاملة والعنف‪.‬‬ ‫•‬ ‫ّ‬ ‫وأجملت خطة العمل الدولية للشيخوخة التي‬ ‫اعتمدتها الجمعية العالمية أ‬ ‫الولى للشيخوخة في‬ ‫وبينت‬ ‫فيينا في عام ‪1982‬م‪ ،‬حقوق كبار ّ‬ ‫السن‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫السن حقوقهم‬ ‫مبادئ المم المتحدة المتعلِّقة بكبار ّ‬ ‫في مجاالت االستقاللية والمشاركة والرعاية وتحقيق‬ ‫وجهت اللجنة‬ ‫الذات والكرامة‪ .‬وفي عام ‪1995‬م ّ‬ ‫المعنية بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬ ‫في تعليقها المتعلق بتنفيذ العهد الدولي الخاص‬ ‫بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية انتباه‬ ‫أ‬ ‫السن‪ ،‬ووضعت مبادئ‬ ‫الدول العضاء إلى حالة كبار ّ‬ ‫توجيهية لتسترشد بها الدول أ‬ ‫الطراف في تعميق فهمها‬ ‫ّ‬ ‫السن في تنفيذ أحكام العهد‪.‬‬ ‫اللتزاماتها إزاء كبار ّ‬

‫واعتمدت مؤتمرات القمة التي عقدتها أ‬ ‫المم‬ ‫تشدد‬ ‫المتحدة أيضاً التزامات ومبادئ توجيهية‪ِّ ،‬‬ ‫السن‪ ،‬منها إعالن‬ ‫بالخصوص على تعزيز حقوق كبار ّ‬ ‫وبرنامج عمل كوبنهاغن اللذان اعتمدهما مؤتمر‬ ‫القمة العالمي للتنمية االجتماعية في عام ‪1995‬م‬ ‫وإعالن ومنهاج عمل بيجين اللذان اعتمدهما المؤتمر‬ ‫العالمي الرابع المعني بالمرأة في عام ‪1995‬م‪،‬‬ ‫والمبادرات أ‬ ‫الخرى من أجل التنمية االجتماعية التي‬ ‫اتخذتها دورة الجمعية العامة االستثنائية الرابعة‬ ‫المم المتحدة أ‬ ‫والعشرون‪ ،‬وإعالن أ‬ ‫لللفية الذي‬ ‫أ‬ ‫اعتمده مؤتمر قمة أ‬ ‫اللفية بالمم المتحدة في عام‬ ‫‪2000‬م‪.‬‬ ‫وترى المواثيق الدولية في هذا الشأن‪ ،‬أن الفقر‬ ‫يزيد حدة الحرمان من حقوق النسان أ‬ ‫الساسية‬ ‫إ‬ ‫ويقلل الخيارات والفرص المتاحة لحياة مقبولة‪ .‬وفي‬ ‫السن نسبة‬ ‫عديد من المجتمعات توجد بين كبار ّ‬ ‫غير متناسبة من الفقراء وفقراء الفقراء‪ .‬ولذلك فإن‬ ‫مكمالن‬ ‫القضاء على الفقر والحد من العنف هدفان ّ‬ ‫النسان في عديد من المناطق‪ ،‬وعناصر‬ ‫لحقوق إ‬ ‫مهمة من عناصر التنمية البشرية‪.‬‬ ‫حرم كبار‬ ‫والشيخوخة هي إحدى الوسائل التي يُ َ‬ ‫النسان‪ ،‬أو تُن َتهك عن‬ ‫السن بواسطتها من حقوق إ‬ ‫ّ‬ ‫تتحول الصور‬ ‫طريقها تلك الحقوق‪ .‬ويحدث أن ّ‬

‫‪Abdulaziz AlBagshi‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫السن وإساءة معاملتهم‬ ‫النمطية السلبية لكبار ّ‬ ‫إلى قلة اهتمام المجتمع بهم‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫خطر التهميش والحرمان من تساوي الفرص ومن‬ ‫الموارد ومن الحقوق‪ .‬ويؤدي التمييز في العمل‬ ‫العمال المس ّنين‬ ‫السن إلى استبعاد ّ‬ ‫على أساس ّ‬ ‫من العمالة النظامية‪ .‬وتؤثّر القيم الثقافية فيما‬ ‫يتصل بالسن ونوع الجنس على درجة التمييز‬ ‫ضد المس ّنين في الحياة االجتماعية واالقتصادية‬ ‫ّ‬ ‫والسياسية‪ .‬وقد تنجح النظم القانونية أو تفشل‬ ‫في مقاومة الضغوط التعويضية لحماية حقوق‬ ‫النسان‪.‬‬ ‫إ‬

‫«لن ننساهم ولو نسونا»‬

‫فمهما تنوعت احتياجات المسنين وأحوالهم ما بين‬ ‫القدرة على االستمرار في العطاء ولو بشكل محدود‬ ‫بعد تجاوز سن العمل‪ ،‬وفقدان كل قدرة على‬ ‫العطاء غير ما يكتنزه القلب من عاطفة أو العقل‬ ‫من حكمة‪ ،‬فإن ما هو مشترك بين كل كبار السن‬ ‫يتمثل في حاجتهم إلى من يتكئون عليه‪ ،‬في مواجهة‬ ‫ضعفهم‪ .‬ضعف يتطلب يد العون من الجيل الالحق‬ ‫لرفع تبعاته‪ .‬ولعل من أجمل ما يلخص واجباتنا‬ ‫تجاه المسنين‪ ،‬وهم في أضعف أحوالهم‪ ،‬الشعار‬ ‫الذي ترفعه إحدى الجمعيات العربية للعناية‬ ‫بالعجزة فاقدي الذاكرة‪ ،‬ويقول ‪« :‬لن ننساهم ولو‬ ‫نسونا»‪.‬‬


‫‪51 | 50‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫تخصص جديد‬

‫التدريس‬ ‫عن ُبعد‬

‫مع التقدم التكنولوجي ورواج التعلم عن‬ ‫بُعد‪ ،‬برزت حاجة لمتخصصين كفوئين‬ ‫النترنت بكل‬ ‫إلدارة عملية التعليم على إ‬ ‫متطلباتها الجديدة‪.‬‬ ‫يتطلب هذا التخصص‪ ،‬الذي يمنح‬ ‫شهادة ماجستير في التعليم عن بُعد‪ ،‬شهادة بكالوريوس‬ ‫ويقدم المقررات المختلفة التي تُكسب‬ ‫في التعليم العام‪ِّ ،‬‬ ‫الطالب مهارات تعليمية للتعليم عن بُعد باستخدام الوسائل‬ ‫التكنولوجية المختلفة‪ .‬ومن أبرز هذه المهارات معرفة‬ ‫التقنيات المستخدمة في التعليم عن بُعد وتقديم النص‬ ‫والصوت والصور والفيديوهات والتطبيقات المتعددة‪.‬‬ ‫ومن المهارات المطلوبة أيضاً‪ ،‬معرفة كبيرة بتجميع وتنظيم‬ ‫البيانات (مثل جداول البيانات والجداول المحورية) واالطالع‬ ‫على نظريات التعليم المختلفة وعلم النفس التربوي‪،‬‬ ‫لتحفيز الطالب للتعويض عن كل ما يوفره التفاعل الصفي‬ ‫المباشر‪ ،‬وذلك من خالل التدخل االستباقي واستخدام كثير‬

‫من أ‬ ‫الساليب المبتكرة‪ .‬وبما أن وصول الطالب إلى مقرراتهم‬ ‫متواصل ليال ً ونهاراً‪ ،‬هناك ضرورة للتحلي بمهارة إدارة‬ ‫الوقت بشكل سليم‪ .‬كما أن جميع المتخرجين سيصبحون‬ ‫النترنت التي تلتزم‬ ‫مؤهلين لتطوير المناهج التعليمية على إ‬ ‫معايير الجودة وتقييم البرامج المختلفة المتوافرة باستخدام‬ ‫استراتيجيات تقييم متعددة‪.‬‬ ‫وال شك في أن الطلب على المتخصصين في التدريس عن‬ ‫بُعد أصبح في تزايد مع هذا العال َْم الرقمي الذي نعيش فيه‪،‬‬ ‫سواء أكان ذلك في المدارس أو الجامعات وحتى الشركات التي‬ ‫تطلب من موظفيها تطوير أنفسهم في مجاالت تخصصية‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫لمزيد من المعلومات انظر الرابط التالي‪:‬‬ ‫‪http://www.nu.edu/OurPrograms/SchoolOfEducation/‬‬ ‫‪TeacherEducation/Specializations/Specialization-E‬‬‫‪Teaching-Learning.html‬‬


‫يعوض ما تفقده الذاكرة ويحيي‬ ‫ّ‬ ‫ما تدفنه األرض‬

‫القاعات واألروقة‪ ،‬تعجز رغم ضخامتها‬ ‫عن أن تعرض في وقت واحد أكثر من‬ ‫كمية محدودة من مقتنياتها التي يبلغ‬ ‫عددها ‪ 32‬مليون عيِّ نة من النباتات‬ ‫والحيوانات واألحافير والمعادن والنيازك‬ ‫والمشغوالت اليدوية من مشارق األرض‬ ‫ومغاربها‪ ،‬بعضها أصلي وبعضها اآلخر‬ ‫ً‬ ‫طبقا لألصل‪ ،‬يشرف عليها ‪220‬‬ ‫مجسم‬ ‫عالم أحياء وأحافير‪ .‬وبالتالي ال يمكننا‪ ،‬كما‬ ‫ال يمكن ألي زائر‪ ،‬الزعم أن زيارتنا إلى هذا‬ ‫المتحف تجاوزت ما يشبه اإلطاللة على‬ ‫ما هو عائم من جبل الجليد‪.‬‬

‫محمد أبو المكارم وفايز البيشي‬ ‫تصوير‪ :‬فايز البيشي‬

‫قد تبدو هذه الواجهة‬ ‫على أنها مدخل‬ ‫المتحف‪ ،‬إال أنها في‬ ‫مكرسة لخروج‬ ‫الواقع َّ‬ ‫الزوار بعد أن ملؤوا‬ ‫عيابهم بالذكريات‬ ‫والهدايا‬

‫وعدسة‬ ‫عين‬ ‫وعدسة‬ ‫عين‬

‫المتحف‬ ‫األمريكي للتاريخ‬ ‫الطبيعي‬

‫إنه واحد من أكبر المتاحف العلمية في‬ ‫ً‬ ‫متصال على‬ ‫العالم‪ ،‬يتألف من ‪ 27‬مبنى‬ ‫مساحة ‪ 150‬ألف متر مربع‪ ،‬ويحتضن ‪45‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دائما‪ ،‬في متاهة عمالقة من‬ ‫معرضا‬


‫‪53 | 52‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫واجهة المتحف أ‬ ‫المامية‬ ‫ومدخله‬

‫من صخب اليوم إلى أعماق الماضي‬

‫نتخيل أننا سنجد أنفسنا محاصرين‪ ،‬كشوارع المدينة‬ ‫لم نكن َّ‬ ‫المغلقة حينذاك في وجه السيارات‪ ،‬بسباق الماراثون السنوي‪ .‬فلم‬ ‫نجد ّبداً من الترجل من التاكسي والمضي باتجاه ميدان تايم سكوير‬ ‫مشياً على أ‬ ‫القدام‪ ،‬لنواجه درجة الحرارة التي تقترب من الصفر‪،‬‬ ‫بوجوه عارية إال من العزيمة على نيل متعة أكبر بمشاهدة ما يجري‪.‬‬

‫الباروصور «السحلية‬ ‫الضخمة» هو ديناصور‬ ‫آكل للنباتات‪ ،‬عاش في‬ ‫أواخر العصر الجوراسي‬ ‫ منذ حوالي ‪ 150‬مليون‬‫سنة ‪ -‬ويبلغ طول هذا‬ ‫الديناصور حوالي ‪20‬‬ ‫متر‪ ،‬ويبلغ ارتفاعه ‪6‬‬ ‫أمتار ويزن حوالي ‪10‬‬ ‫أطنان (ويكيبيديا)‬

‫وعلى الرغم من البرد الشديد‪ ،‬واصلنا السير نحو المتحف‪ ،‬عبر‬ ‫الميدان الشهير بالمحالت والمجمعات التجارية التي تضم أشهر‬ ‫بمبان شهيرة كمبنى الراديو سيتي‪ ،‬ومحطة‬ ‫الماركات العالمية‪ ،‬مروراً ٍ‬ ‫أي بي سي‪ ،‬وعبر شارع البرودواي باتجاه منطقة كولومبوس سيركل‪،‬‬ ‫ثم إلى ميدان لينكولن في جادة كولومبوس‪ ،‬حتى بدأ المبنى‬ ‫الضخم يتراءى لنا شيئاً فشيئاً‪ ،‬إلى أن وصلناه بعد أن قطعنا‬ ‫ميال ً ونصف الميل تقريباً في ‪ 50‬دقيقة‪ ،‬تخللتها وقفات لمشاهدة‬ ‫الماراثون السنوي في مانهاتن والتقاط الصور واقتناء التحف‬ ‫التذكارية‪.‬‬

‫أي «السحلية الضخمة»‪ ،‬وهو ديناصور آكل للنباتات‪ .‬وبجوارهما‬ ‫تناغم يوحي وكأن الديناصورين الضخمين‬ ‫ديناصور صغير في ٍ‬ ‫يحميان صغيرهما‪ ،‬الضخم قياساً بشاحنة عادية‪.‬‬

‫استوقفتنا بعض المشاهدات في الطريق إلى التاريخ‪ ،‬فأحد‬ ‫الرجال الذي وهن العظم منه واشتعل الرأس والوجه شيباً أثار فينا‬ ‫العجاب وهو يجري مع متسابقي الماراثون‪ ،‬والعربة التي يجرها‬ ‫إ‬ ‫الحصان جعلتنا نظن لوهلة أننا في أحد حواري دمشق أو القاهرة‬ ‫القديمة‪ ،‬أو كأننا دخلنا التاريخ قبل دخول المتحف‪.‬‬

‫في قاعة االستقبال شعرنا وكأننا نسير مع الحشود في إحدى‬ ‫المحاط بالمشغوالت‬ ‫ال ُثريَّات العمالقة ذات التصميم الباذخ ُ‬ ‫اليدوية عالية الدقة ‪ ..‬اشترينا تذكرة الدخول إلى جناح التاريخ‬ ‫الطبيعي وكأننا نشتري آلة الزمن للدخول إلى العالم الذي ال يشبهه‬ ‫آخر على وجه الكوكب‪.‬‬

‫روزفلت في الواجهة‬

‫قاعة الثدييات‬

‫أول ما استقبلنا عند مدخل المتحف‪ ،‬نُ ْصب تذكاري للرئيس‬ ‫أ‬ ‫المريكي الراحل روزفلت وهو يمتطي حصانه‪ ،‬وطابور طويل من‬ ‫الزوار ينتظرون دورهم للدخول‪ ،‬حتى هممنا بالرجوع من حيث‬ ‫أتينا‪ .‬لك ّنا ما إن التقطنا الصور التذكارية مع روزفلت‪ ،‬حتى اكتشفنا‬ ‫أن هذا الطابور يمضي بسالسة‪ ،‬فانضممنا إليه‪ ،‬لنجد أنفسنا خالل‬ ‫دقائق في قاعة االستقبال الرئيسة‪.‬‬ ‫كان أمامنا هيكالن عظيمان ضخمان؛ أحدهما أ‬ ‫لـ(اللوصور)‪،‬‬ ‫أحد أضخم الديناصورات آكلة اللحوم‪ ،‬التي ظهرت على كوكب‬ ‫الرض وعاشت منذ نحو ‪ 145‬مليون عام‪ ،‬آ‬ ‫أ‬ ‫والخر لـ(الباروصور)‬

‫هذه القاعة هي أ‬ ‫القرب مكاناً وإلهاماً للزائر إذا أراد أن يبدأ رحلته‬ ‫تميز قاعات الثدييات بإبراز‬ ‫في اكتشاف التاريخ الطبيعي‪ .‬ولعل ُّ‬ ‫تشريح عالي‬ ‫صورة دقيقة للمواقع الجغرافية التي تنتمي إليها‪ ،‬مع‬ ‫ٍ‬ ‫الدقة للعينات‪ ،‬هو ما يجعلها أ‬ ‫الكثر شهرة في العالم‪ .‬وسيكون‬ ‫أ‬ ‫على الزائر أن يجدول وقته وفقاً للجنحة التي سيزورها‪ ،‬وإال فإنه‬ ‫سيفجع بالوقت الذي قضاه في قاعة واحدة! لذا‪ ،‬من المهم أن‬ ‫ُ‬ ‫يتم التنسيق لزيارة جميع عينات الثدييات الموزعة في‪ :‬جناح‬ ‫عائلة برنارد لثدييات أمريكا الشمالية‪ ،‬وجناح أكيلي لثدييات القارة‬ ‫الفريقية‪ ،‬وجناح الثدييات آ‬ ‫السيوية‪ ،‬وجناح ثدييات والية نيويورك‪،‬‬ ‫إ‬ ‫وجناح الثدييات الصغيرة‪ ،‬وجناح القرود‪.‬‬


‫تتميز قاعة الثدييات‬ ‫بالتشريح عالي الدقة‬ ‫للعينات المعروضة حتى‬ ‫يكاد الزائر يظنها عينات‬ ‫مح َّنطة‬ ‫ت َُع ُّد الغوريال الجبلية‬ ‫نوعاً مهدداً باالنقراض‬ ‫بحسب االتحاد العالمي‬ ‫للمحافظة على الطبيعة‪،‬‬ ‫إذ تُص َّنف ضمن قائمته‬ ‫الحمراء تحت أعلى‬ ‫درجات الخطر‪ ،‬ويعود‬ ‫ذلك إلى صيدها غير‬ ‫القانوني الجائر وتدمير‬ ‫بيئتها الطبيعية في‬ ‫غابات إفريقيا (ويكيبيديا)‬

‫قاعة الثقافات وأصول البشر تعطي الزائر صورة عن تنوع‬ ‫الثقافات عبر الزمان والمكان‬

‫قاعة أ‬ ‫ال أحافير‬

‫تُعد قاعة الحافير في المتحف من أهم مناطق الجذب الرئيسة‬ ‫أشدها‪ ،‬ويظهر ذلك في‬ ‫في مدينة نيويورك على إ‬ ‫الطالق‪ ،‬بل هي ّ‬ ‫الحشد الكبير من زائري جناح ديفيد كوخ للديناصورات‪ ،‬وجناح‬ ‫ليال أشيسون للثدييات وأجزائها المنقرضة‪ .‬وتعرض تلك أ‬ ‫الحافير‬ ‫ُ َ‬ ‫في أجنحة كبيرة تناسب ضخامة العينات المعروضة‪ ،‬في جناح‬ ‫باول آند إيرما ميلستين‪ ،‬وجناح طيريَّات الورك أو طيريات الحوض‬ ‫أ‬ ‫سحليات الورك أو‬ ‫(الورنيثيسكيا)‪ ،‬وجناح الثدييات البدائية‪ ،‬وجناح‬ ‫َّ‬ ‫سحليات الحوض (السوريشكيا)‪ ،‬وجناح أصول الفقاريات‪ .‬وسيتمنى‬ ‫تزود بأنواع إضافية من عدسات الكاميرا التي تتميز‬ ‫الزائر لو أنه ّ‬ ‫بالتصوير العرضي مثل عدسة (عين السمكة) حتى يتمكن من التقاط‬ ‫العينات الضخمة‪.‬‬

‫الثقافات وأصول البشر‬

‫وسيكون الزائر محظوظاً إن تمكّن من زيارة قاعات الثقافات وأصول‬ ‫حدب‬ ‫البشر بسبب اكتظاظها بمئات الزائرين الذين جاؤوا من كل ٍ‬

‫شعور حميم من‬ ‫الزائرين تجاه هذا‬ ‫الديناصور (المبتسم)‬ ‫وال يُد َرك إن كانت‬ ‫ابتسامة الشبع أم‬ ‫ابتسامة نحو صيد‬ ‫ثمين‪..‬‬

‫النسانية‪ ،‬وليقتربوا من قصة‬ ‫وصوب للبحث واكتشاف أصولهم إ‬ ‫تطور أ‬ ‫السرة البشرية في أجنحة هذه القاعة التي تُبرز مختلف‬ ‫ّ‬ ‫الثقافات في آسيا وإفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية‪ ،‬والمحيط‬ ‫الهادي‪ .‬ويجدر بالزائر أن يكمل زيارته لتسعة أجنحة تضيء ثقافات‬ ‫وحياة البشر في المكسيك وأمريكا الوسطى‪ ،‬وفي إفريقيا‪ ،‬وآسيا‪،‬‬ ‫وفي مناطق غابات الهنود الشرقية‪ ،‬والهنود الذين يعيشون في‬ ‫السهول‪ ،‬وهنود الساحل الشمالي الغربي‪ ،‬والبشر في الباسفيك‪،‬‬ ‫وسكان أمريكا الجنوبية‪ .‬ونظراً لدقة التصوير والتجسيم والتشريح‪،‬‬ ‫متيم بالتاريخ الطبيعي إلى‬ ‫ال يعود من المستغرب أن يتحدث زائر َّ‬ ‫هذه المعروضات‪.‬‬

‫مركز «روز» لعلوم أ‬ ‫الرض والفضاء‬

‫يسيطر هذا المركز على خيال الزائر ويأخذه عبر مجال «هايدن»‬ ‫في مسار تاريخي الكتشاف ‪ 13‬بليون عام من عمر الكون‪ ،‬وطبيعة‬ ‫المجرات والنجوم‪ ،‬والكواكب‪ ،‬وميزات ديناميكية في كوكب أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫ويأخذ المركز الزائر في جولة كونية عبر قبة «هايدن» السماوية‬ ‫توضح بجالء‬ ‫ومسار هاريت وروبرت الكوني‪ ،‬والموازين الكونية التي ِّ‬ ‫مجموعة واسعة من أ‬ ‫الحجام في الكون‪ ،‬بدءاً من الجسيمات دون‬ ‫أ‬ ‫النسان إلى أكبر الجسام‬ ‫الذرية ومروراً بالكائنات المشابهة لحجم إ‬ ‫في الكون يمكن مالحظتها‪.‬‬

‫النصب التذكاري لـ ثيودور روزفلت‬

‫خالل تجولنا بين جنبات المتحف‪ ،‬اكتشفنا أنه هو موطن ال ُن ْصب‬ ‫التذكاري الرسمي لـ ثيودور روزفلت‪ ،‬الحاكم الثالث والثالثين لوالية‬ ‫نيويورك والرئيس السادس والعشرين للواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‪.‬‬ ‫فمررنا بمعروضات تحكي إنجازات روزفلت عندما كان حاكماً للوالية‬ ‫وكذلك عندما كان رئيساً للواليات المتحدة‪ .‬وهو تكريم له نظير‬ ‫الرث الذي خلّفه حرصه في المحافظة على الطبيعة عندما أسهم‬ ‫إ‬


‫‪55 | 54‬‬

‫قاعة الثقافات تؤكد التنوع والثراء الثقافي لبني البشر‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫يستقبلك عند‬ ‫مدخل المتحف‬ ‫نصب تذكاري‬ ‫للرئيس أ‬ ‫المريكي‬ ‫روزفلت‪ ..‬صاحب‬ ‫الدور أ‬ ‫الكبر في‬ ‫نشوء المتحف‬

‫يفوت الزائر فرصة الجلوس على‬ ‫في تأسيس هذا المتحف‪ .‬ولن ّ‬ ‫الكرسي مالصقاً ل ُن ْصب روزفلت اللتقاط صورة تذكارية تاريخية‪.‬‬

‫التنوع البيولوجي وقاعات البيئة‬

‫وللتنوع البيولوجي والبيئة أربع قاعات تقدم رؤية حية وملهمة‬ ‫للجمال ومشاهدة واقع الحياة على أ‬ ‫الرض‪ ،‬كالغابات الشهيرة‬ ‫في أمريكا الشمالية‪ ،‬والحياة في المحيطات‪ .‬وسيشتعل حماس‬ ‫الزائر مرة أخرى في هذه القاعات لتصوير مجموعة واسعة من‬ ‫حياة الطيور في العالم‪ ،‬وقاعة الزواحف والبرمائيات‪ ،‬وستعجبه‬ ‫أساليب التشريح والسلوك والتعديالت المختلفة لهذه الفقاريات‬ ‫بأسلوب دقيق ومتنوع‪ .‬وقد خصص المتحف أربع قاعات‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫قاعة طيور العالم‪ ،‬وقاعة طيور مدينة نيويورك‪ ،‬وقاعة ليونارد‬ ‫سانفورد لطيور أمريكا الشمالية‪ ،‬وقاعة مخصصة للزواحف‬ ‫والبرمائيات‪.‬‬

‫(ديسكفري)‬ ‫قاعة االكتشاف‬ ‫أ‬ ‫أ‬

‫تقدم قاعة ديسكفري للسر‪ ،‬وخاصة الطفال الذين تتراوح‬ ‫ِّ‬ ‫أعمارهم بين ‪ 12-5‬عاماً‪ ،‬بوابة تفاعلية لعجائب المتحف‪ ،‬وتدريباً‬ ‫عملياً على كواليس العلوم‪ .‬ويكفي أن يصحب الوالد ابنه في رحلة‬ ‫إلى هذا المتحف ليلقنه ألف درس ودرس أدناها ما يتعلق بالعلوم‬ ‫والحياء‪ ،‬وهذا ما شاهدنا بعضه حيث رأينا بعض أ‬ ‫أ‬ ‫الطفال مع‬ ‫آبائهم يشرحون لهم محتويات المتحف‪ ،‬بينما كانت الدهشة‬ ‫والمرح باديين على محياهم‪.‬‬

‫ركن التاريخ العربي!‬

‫تحولت الدهشة‬ ‫ونحن نجول في زوايا المتحف ونستطلع خباياه‪ّ ،‬‬ ‫إلى أمر عادي لتكرارها في كل خطوة نخطوها‪ ،‬غير أنها لم تكن‬ ‫والسالمي‪ .‬لقد وجدناه‬ ‫كذلك عندما وصلنا إلى ركن التاريخ العربي إ‬

‫والسالمي الذي اتسم‬ ‫جانب من ركن التاريخ العربي إ‬ ‫بالضآلة والفقر!‬

‫أقرب إلى العدم منه إلى الوجود‪ ،‬وإلى التشويه أقرب منه إلى‬ ‫العرض‪ ،‬إذ ال يعدو كونه ركناً جانبياً صغيراً‪ ،‬عرضت فيه بعض‬ ‫السلحة أ‬ ‫أ‬ ‫والدوات القديمة وكتاب مخطوط مطوي في جلدته وآخر‬ ‫مفتوح على إحدى صفحاته حيث يبدو المضمون جلياً للقارئ بأنه‬ ‫على عالقة بالطالسم والسحر‪.‬‬ ‫والسالمية‪ ،‬هل‬ ‫ولسنا نعلم السبب وراء فقر المعروضات العربية إ‬ ‫هو التقصير من قبل إدارة المتحف‪ ،‬أو عدم المبادرة من الجاليات‬ ‫العربية والمسلمة بدعم هذا الركن ورفده باالقتراحات والقطع‬ ‫الثرية؟‬

‫العودة إلى الزمن الحقيقي‬

‫ونتجول في ردهاته‪ ،‬كانت‬ ‫عندما ك ّنا نتنقل في صاالت المتحف‬ ‫َّ‬ ‫دهشتنا تنتقل من أعماق التاريخ أ‬ ‫والدغال التي نمر بها إلى أهلينا‬ ‫في المملكة عبر وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬فقد كانت الصور‬ ‫المنتقاة التي نلتقطها ونرسلها إليهم مباشرة تدهشهم فيظنون‬ ‫أننا نزور إحدى الغابات أو أننا نستخدم آلة الزمن التي تركض بنا‬ ‫إلى الماضي السحيق‪ ،‬فقد كانت الصور تضج بالحياة من واقع‬ ‫تميز‬ ‫المجسمات التي نحتت بعناية مجسدة الطبيعة‪ ،‬حتى ال تكاد ّ‬ ‫بينها وبين الحيوانات المحنطة‪ ،‬أو حتى تلك الحقيقية التي يمكن‬ ‫أن تلتقطها آلة تصوير فوتوغرافي عالية الدقة‪.‬‬ ‫لم يكن الوقت كافياً أبداً لكي نستقصي كل القاعات ونقف عند‬ ‫مفاصل التاريخ‪ ،‬وكان ال بد لنا أن نسلك طريقاً يعود بنا إلى‬ ‫الواقع‪ ،‬فاتخذنا من سوق الهدايا جسر عبور‪ ،‬حيث ولجناه لنلتقط‬ ‫بعض التذكارات ومنها بعض لعب أ‬ ‫الطفال ذات العالقة بمحتوى‬ ‫المتحف‪ ،‬ونماذج عن عقود من المعادن يعود عمرها إلى ماليين‬ ‫السنين في هذه المعمورة‪.‬‬


‫الخط الزمني لتاريخ المتحف‬

‫‪ :1869‬ألبرت سميث‪ ،‬طالب متخصص في عالم الحيوان في جامعة‬ ‫هارفارد‪ ،‬ينجح في تقديم اقتراحه إلنشاء متحف للتاريخ الطبيعي‬ ‫في مدينة نيويورك‪ .‬وقد تم توقيع قانون تأسيسه في السادس‬ ‫من أبريل في العام نفسه من ِق َبل حاكم نيويورك آنذاك‪ ،‬جون‬ ‫هوفمان‪.‬‬ ‫يقدم أول مجموعة من المعروضات ألول مرة في حديقة‬ ‫‪ :1871‬المتحف ِّ‬ ‫أرسنال الوسطى‪ ،‬المقر أ‬ ‫الصلي للمتحف على الجانب الشرقي من‬ ‫سنترال بارك‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫‪ :1872‬نمو المتحف يبلغ حدا استدعى من إدارته تأمين مساحة من الرض‬ ‫على ميدان مانهاتن لبناء منشأة أكبر‪.‬‬ ‫أ‬ ‫‪ :1874‬الرئيس أ‬ ‫المريكي يوليسيس غرانت يضع حجر الساس لبناء المتحف‬ ‫أ‬ ‫الول‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫كبير‬ ‫حفل ٍ‬ ‫‪ :1877‬الرئيس المريكي روثرفورد هايز يفتتح المبنى الول وسط ٍ‬ ‫في المدينة‪.‬‬ ‫‪ :1880‬تطوير أول برنامج تعليمي رسمي لمدارس نيويورك‪.‬‬ ‫‪ :1881‬منذ هذا التاريخ‪ ،‬شهد المتحف أيامه الذهبية‪ ،‬إذ شارك في حمالت‬ ‫اكتشاف القطب الشمالي‪ ،‬واستكشاف مناطق جديدة في سيبيريا‪،‬‬ ‫واجتياز منغوليا وصحراء جوبي‪ ،‬وكذلك اختراق أكثف غابات‬ ‫الكونغو‪ ،‬ومناطق متفرقة في كل القارات على الكرة أ‬ ‫الرضية‪.‬‬ ‫‪ :1896‬افتتاح قاعة هنود الساحل الشمالي الغربي في الطابق أ‬ ‫الول‪.‬‬

‫«ليلة في المتحف»‬ ‫الذين شاهدوا ِفلم «ليلة في المتحف» (‪2006‬م)‪ ،‬وقد عرضته الفضائيات‬ ‫العربية أكثر من مرة‪ ،‬اطلعوا عرضاً على حفنة صغيرة من معروضات المتحف‬ ‫أ‬ ‫المريكي للتاريخ الطبيعي‪.‬‬ ‫فالفلم الذي يروي قصة حارس ليلي في المتحف يفاجأ بأن الحياة تدب ليال ً‬ ‫ِ‬ ‫في المعروضات الجامدة من مجسمات وكائنات محنطة‪ ،‬وقام ببطولته بن‬ ‫ستيلر‪ ،‬وتم تصوير كثير من مشاهده في أروقة هذا المتحف‪ .‬كما أُسند إلى‬ ‫الممثل المعروف روبن وليامز دور مجسم الرئيس روزفلت الذي تدب فيه‬ ‫الحياة ليالً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لقيت هذه الكوميديا نجاحا عالميا كبيرا دفع إلى إنتاج ِفلمين آخرين على‬ ‫غراره تقريباً‪ ،‬هما «ليلة في المتحف‪ ،‬معركة سميثونيان» (‪2009‬م) و«ليلة في‬ ‫المتحف‪ ،‬سر القبر» (‪2014‬م)‪.‬‬

‫ويقدم دورات بقروض قصيرة‬ ‫‪ :1903‬المتحف يستجيب لمدارس نيويورك ِّ‬ ‫أ‬ ‫الجل لدراسة عينات الالفقاريات والطيور‪.‬‬ ‫‪ :1935‬تم افتتاح القبة السماوية لمجال (هايدن) الكوني‪.‬‬ ‫‪ :1954‬البدء بتوفير أجهزة الشرح الصوتية في المتحف‪.‬‬ ‫‪ :1957‬توثيق أكثر من ‪ 7.6‬مليون قطعة وعينة في المتحف‪ ،‬ليحقق رقماً‬ ‫قياسياً عالمياً كأكبر عدد من آ‬ ‫الثار تحت سقف واحد‪.‬‬ ‫ أس َس المتحف معهداً لدراسات علم الجينوم المقارن (أحد فروع‬ ‫‪َّ :2001‬‬ ‫علم الوراثة)‪ ،‬وكذلك التدريب على علم الجينوم المقارن غير‬ ‫البشري‪.‬‬ ‫يثبت محطة رصد زالزل جديدة في قاعة غوتسمان لكوكب‬ ‫‪:2004‬‬ ‫ المتحف ِّ‬ ‫أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫‪ :2006‬المرة أ‬ ‫الولى التي يحصل فيها متحف أمريكي على صالحية لمنح‬ ‫درجة الدكتوراة‪.‬‬ ‫‪ :2009‬إكمال المشروع الكبير لتجديد وترميم المتحف‪.‬‬ ‫‪ :2010‬المتحف يقدم برنامج «مستكشف المتحف»‪ ،‬وهو برنامج أ‬ ‫للجهزة‬ ‫ِّ‬ ‫الذكية يوفر للزائرين معرفة االتجاهات خطوة بخطوة داخل‬ ‫القاعات‪.‬‬ ‫‪ :2013‬باحثون في المتحف ينضمون إلى فريق دولي يستخدم أكبر‬ ‫مجموعة بيانات في العالم من الصفات الوراثية والمادية إلعادة بناء‬ ‫جيل من الثدييات المشيمية‪.‬‬


‫‪57 | 56‬‬

‫فكرة‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫خارطة من نوع آخر‬ ‫بالنسبة لقاطنيها وحتى زوارها‪ ،‬فإن أية‬ ‫مدينة هي أكثر من مجموعة الشوارع أ‬ ‫والبنية‬ ‫والتضاريس الجغرافية بكل أبعادها ومساحاتها‬ ‫الدقيقة‪ ،‬إنها مجموعة من الذكريات والروابط‬ ‫العاطفية التي ال يمكن مشاهدتها على أية خارطة‪ ،‬أو على أ‬ ‫القل‬ ‫على معظمها‪ .‬ولذا قام الفنان البريطاني غاريث فولير برسم‬ ‫خارطة لمدينة لندن‪ ،‬أراد أن يوثق فيها عالقته بالمدينة على مدى‬ ‫سنوات عشر‪.‬‬ ‫يقول فولير إنه ليس لوجودنا أهمية كبيرة في المشهد أ‬ ‫الوسع‬ ‫للحياة وبأنه عابر وسريع‪ ،‬لذلك شعر بالحاجة لتوثيق وجوده في‬ ‫مدينته لندن من خالل رسم خارطة للمدينة من نوع آخر‪ .‬فعلى‬ ‫مدى سنوات عشر امتدت من سن الخامسة والعشرين إلى آ‬ ‫الن‬ ‫عندما بلغ الخامسة والثالثين‪ ،‬قام باستكشاف المدينة سيراً على‬ ‫أ‬ ‫القدام وعلى دراجته الهوائية‪ ،‬ونجح بالتقاط آالف الصور‪ ،‬كما‬ ‫سجل مئات المالحظات قبل أن يرسم خارطته الفريدة‪ .‬وكانت‬ ‫أ‬ ‫النتيجة خارطة مرسومة باليد لم يستخدم فيها سوى الحبر السود‬

‫يمكن عنونتها بـ «الجغرافيا السيكولوجية» ألنها أعطت أ‬ ‫الهمية‬ ‫الشخصية والثقافية لمواقع وأماكن المدينة المختلفة‪.‬‬ ‫إنها خارطة معقَّدة ومتداخلة‪ ،‬مملوءة بالرموز الخفية والتفاصيل‬ ‫التاريخية والذكريات الخاصة‪ .‬فهناك عالمة استفهام مكان عقارب‬ ‫ساعة «بيغ بن» الشهيرة وكأنه يتعجب بأن حتى ساعة «بيغ بن»‬ ‫ال تعرف الوقت الحقيقي في هذا الزمن المعقد‪ .‬وهناك رسومات‬ ‫معينة ولكنها غابت عن هذه‬ ‫لوجوه ارتبطت في ذاكرته بأماكن َّ‬ ‫الدنيا‪ .‬وهناك النوتات الموسيقية المتصاعدة من المسارح‬ ‫والمقاهي التي تُضفي على المدينة حيويتها ونبضها الخاص هذا‪،‬‬ ‫بالضافة إلى أ‬ ‫الوراق النقدية التي تطايرت من مبنى جيركين في‬ ‫إ‬ ‫الحي المالي للمدينة‪ .‬وإذا نظرنا بدقة نرى المتشردين الذين‬ ‫ينامون تحت الجسور في شورديتش شرقي لندن‪ ،‬وغيرها الكثير من‬ ‫التفاصيل التي تعكس فوضى المدينة الساحرة‪.‬‬ ‫هي خارطة تعكس شخصية المدينة‪ ،‬كما يمكن تلخيصها بالتجربة‬ ‫العاطفية التي يمكن االطالع عليها واختبارها وحتى المشاركة فيها‪.‬‬


‫أسامة أمين‬

‫أكاديمي عربي يكتشفهم‬

‫أعالم مسلمون في‬ ‫أوروبا ما بين الحربين‬ ‫العالميتين‬

‫أدب وفنون‬

‫ما الذي يدفع أوروبا للموافقة على تمويل‬ ‫مشروع بأكثر من مليون يورو‪ ،‬يبحث أوضاع‬ ‫المسلمين على أراضيها في فترة ما بين‬ ‫الحربين العالميتين؟ وهل قبول مجلس‬ ‫البحث العلمي األوروبي أن يترأس عربي هذا‬ ‫المشروع هو دليل على أن الوسط األكاديمي‬ ‫األوروبي ال يعرف العنصرية؟‬ ‫لإلجابة عن هذا السؤال التقينا الدكتور‬ ‫عمرو رياض‪ ،‬األستاذ المشارك في جامعة‬ ‫أوتريخت الهولندية‪ ،‬ورئيس هذا المشروع‪،‬‬ ‫الذي وضعنا في أجواء الجالية اإلسالمية‬ ‫في أوروبا قبل مئة عام‪ ،‬وأطلعنا على‬ ‫الخطابات المتبادلة بينهم‪ ،‬وعلى أوراقها‬ ‫األصلية الصفراء‪ ،‬وعلى صور فوتوغرافية‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫جزءا ال يتجزأ من‬ ‫تشكل‬ ‫نادرة‪ ،‬ووثائق باتت‬ ‫التاريخ األوروبي‪.‬‬


‫‪59 | 58‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ال يبالغ عمرو رياض حين يقول إن زكي كرام‬ ‫ً‬ ‫بطال لفلم‪ ،‬فحياته مملوءة‬ ‫يصلح أن يكون‬ ‫باألحداث‪ ..‬بل يمكن الحديث عن أكثر من‬ ‫حياة عاشها‪..‬‬

‫صورة لزكي كرام مع زوجته جرترود وابنهما هارون الرشيد‬

‫زكي كرام يطل من نافذة مكتبة زوجته التي تقف على الباب‬

‫حينما يتحدث عمرو رياض عن هذا الشخص‬ ‫المدعو (زكي حشمت بك كرام)‪ ،‬تشعر‬ ‫بالخجل أنك ال تعرفه‪ ،‬ألن ما يعطيه المتحدث‬ ‫من اهتمام ودراسة‪ ،‬يجعلك تظن أنه زعيم‬ ‫كبير أو أديب مرموق أو قائد عسكري حقق‬ ‫انتصارات باهرة‪ ،‬وحينما تعترف بجهلك بهذه الشخصية‪ ،‬وتسأله‬ ‫عمن يكون هذا الشخص‪ ،‬تجده ال يستغرب ذلك‪ ،‬بل تكون هذه‬ ‫هي حيلته‪ ،‬التي يستدرجك بها‪ ،‬لكي تكون أنت من يسأل‪ ،‬ولذلك‬ ‫ال تلومه عندما يخوض في تفاصيل حياة شخص‪ ،‬كادت تختفي‬ ‫ذكراه من الوجود‪ ،‬قبل أن يعيد اكتشافه‪ ،‬بل ويجعل منه ومن‬ ‫أمثاله شخصيات تاريخية بارزة‪.‬‬ ‫الشارة إلى أن المنهج‬ ‫قبل الخوض في حياة زكي كرام‪ ،‬تجدر إ‬ ‫الجديد الذي يتبعه المشروع‪ ،‬يقوم على أنه ال ينبغي التوقف عند‬ ‫حدود الدول عند كتابة التاريخ‪ ،‬ألن أ‬ ‫الحداث التاريخية في دولة‬ ‫ما‪ ،‬ليست بمعزل عن بقية دول العالم‪ .‬ويضرب رياض على ذلك‬ ‫مثال ً بأن انتقال الفالحين من قراهم إلى المدن في مصر وغيرها من‬ ‫الدول التي كانت خاضعة لالستعمار البريطاني‪ ،‬له عالقة بما أصاب‬ ‫بريطانيا من أزمة مالية خانقة في عام ‪1929‬م‪ ،‬بسبب النفقات‬ ‫الباهظة للحرب العالمية أ‬ ‫الولى‪.‬‬ ‫والطريف في أ‬ ‫المر أن هذا المنهج الذي يتبنى رؤية كونية للتاريخ‪،‬‬ ‫ال ينطلق من فوق إلى أسفل‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬تجده يبدأ‬ ‫من الفرد‪ ،‬ويبحث عالقاته داخل المجتمع المحيط‪ ،‬وفي مختلف‬ ‫القليمية‪ ،‬ليرى شبكات‬ ‫دول العالم‪ .‬وهنا يتخلص من الحدود إ‬ ‫العالقات بين أ‬ ‫الفراد‪ ،‬وكيف انعكست على الدولة‪ ،‬ثم القارة‪ ،‬ثم‬ ‫الكون‪ .‬هذه العالقات الفردية تصبح خطاً يتداخل مع خطوط‬

‫أخرى‪ ،‬لرسم لوحة كبيرة للتاريخ‪ ،‬وال بد أن ندرك أن للتاريخ‬ ‫لوحات كثيرة‪ ،‬وليست لوحة واحدة يرسمها من يملك الغلبة‪ ،‬كما‬ ‫كان في الماضي‪.‬‬ ‫هذه هي إذاً الفكرة المبتكرة‪ ،‬التي جعلت االتحاد أ‬ ‫الوروبي يرحب‬ ‫بتمويل هذا المشروع أ‬ ‫الكاديمي‪ ،‬إنه تصور جديد للتاريخ‪ ،‬ال‬ ‫يدور حول شخصية الزعيم‪ ،‬سواء أكان اسمه نابليون بونابرت‬ ‫أو أدولف هتلر أو وينستون تشرشل‪ ،‬وال يقتصر اهتمامه على‬ ‫الغلبية‪ ،‬إنه تاريخ يصنعه البسطاء أ‬ ‫مجتمع أ‬ ‫والقليات‪ ،‬تاريخ‬ ‫بلمسة إنسانية‪ ،‬بدال ً من تاريخ بصبغة سياسية‪ ،‬السياسات الحربية‬ ‫واالقتصادية أ‬ ‫والمنية‪.‬‬

‫زكي كرام ‪ ..‬بطال ً لفلم‬

‫ال يبالغ عمرو رياض حين يقول إن زكي كرام يصلح أن يكون‬ ‫بطال لفلم‪ ،‬فحياته مملوءة أ‬ ‫بالحداث‪ .‬بل يمكن الحديث عن أكثر‬ ‫ً‬ ‫أ‬ ‫من حياة عاشها‪ ،‬حياته الولى بدأت بمولده في سوريا في عام‬ ‫‪1886‬م‪ ،‬لكنه ليس عربي أ‬ ‫الصل‪ ،‬فعائلته فارسية انتقلت للعيش‬ ‫هناك منذ قرون‪ ،‬بعد أن كان جده الطبيب الخاص لشاه إيران فتح‬ ‫علي شاه‪ .‬ويبدو أن أ‬ ‫القدار لم تكتف بأن يكون هذا الشخص عربي‬ ‫المولد‪ ،‬فارسي أ‬ ‫الصل‪ ،‬بل قادته دراسته التي بدأها في موطنه‪ ،‬إلى‬ ‫اسطنبول ليكملها في أ‬ ‫الكاديمية العسكرية هناك‪.‬‬ ‫وبعد ذلك التحق بالعمل ضابطاً في الجيش العثماني ابتدا ًء من‬ ‫عام ‪1904‬م‪ ،‬أي وهو في الثامنة عشرة من عمره‪ ،‬ليقود كتيبة من‬ ‫‪ 800‬جندي‪ ،‬لمحاربة الميليشيات الصربية في البلقان‪ ،‬وفي الحرب‬ ‫العالمية أ‬ ‫الولى أصبح قائداً لقوات البدو في العريش بشبه جزيرة‬ ‫سيناء‪ ،‬وفي عام ‪1916‬م أصيب بشظية في رجله اليسرى بالقرب‬


‫من قناة السويس‪ ،‬وجرى نقله إلى القدس‪ ،‬ليتلقى العالج هناك‪.‬‬ ‫ولكن العمليات الجراحية باءت كلها بالفشل‪ ،‬فتقرر سفره في عام‬ ‫‪1917‬م إلى العاصمة أ‬ ‫اللمانية برلين ليتلقى العالج في مستشفى‬ ‫«الشارتيه» المرموق عالمياً‪ ،‬ويخضع هناك للعالج لمدة عامين‪ ،‬قرر‬ ‫أ‬ ‫الطباء بعدها أنه ال مفر من بتر قدمه اليسرى حتى الركبة‪ ،‬وإبدالها‬ ‫بساق صناعية‪.‬‬ ‫في برلين بدأت حياته الثانية‪ ،‬في عالم مختلف تماماً عن حياة‬ ‫العسكرية والمعارك‪ .‬وحتى يكتمل قطع عالقته بحياته أ‬ ‫الولى‪،‬‬ ‫طلبت منه زوجته التركية واسمها جمنية‪ ،‬الطالق‪ ،‬بعد أن أصبح‬ ‫تحول من قائد عسكري شاب‪ ،‬إلى‬ ‫معاقاً‪ .‬فقرر زكي كرام الذي َّ‬ ‫شخص على المعاش المبكر‪ ،‬أن يكتب مذكراته الخاصة ‪ -‬دون أن‬ ‫يعرف بالطبع أن أستاذاً عربياً بجامعة هولندية سيقرأ محتوياتها‬ ‫بدقة بعد حوالي مئة عام من كتابتها ‪ -‬ويتكلم فيها عن حياته في‬ ‫المستشفى‪ ،‬وانطباعاته عن برلين‪ ،‬أ‬ ‫والحوال العسكرية ألوروبا‪،‬‬ ‫والحالة االجتماعية والسياسية للعرب والمسلمين القاطنين‬ ‫في ألمانيا آنذاك‪ .‬لكنه في الوقت نفسه حافظ على اهتمامه‬ ‫أ‬ ‫تعرف إلى جمعية الطالب‬ ‫بالوضاع في العالم العربي‪ ،‬كما َّ‬ ‫العرب في برلين‪.‬‬ ‫على الجهة أ‬ ‫الخرى من الشارع‪ ،‬الذي يقع فيه المستشفى‪ ،‬كان‬ ‫هناك متجر لبيع الكتب‪ ،‬وكانت تعمل فيه سيدة اسمها جرترود‬ ‫نويندورف‪ ،‬تعمل متطوعة في التمريض في «شارتيه»‪ ،‬وهي‬ ‫السيدة التي سيتزوجها زكي كرام في عام ‪1920‬م‪ ،‬وستضطر‬ ‫للتخلي عن جنسيتها أ‬ ‫اللمانية‪ ،‬لتصبح تركية مثله‪ ،‬ولن تتمكن من‬ ‫استرداد هذه الجنسية لها إال بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية‬ ‫بسنوات عشر كاملة‪.‬‬

‫زكي كرام شخص عادي‪ ،‬قصته تشبه‬ ‫حكايات كثير من المهاجرين‪ ،‬حتى‬ ‫ً‬ ‫حروبا‪ ،‬لكن القدر جمع‬ ‫وإن كان خاض‬ ‫بينه وبين شخصيتين مرموقتين َّ‬ ‫غيرتا‬ ‫مسار حياته‪ ،‬وهما‪ :‬األمير شكيب‬ ‫أرسالن والشيخ رشيد رضا‬ ‫في عام ‪1921‬م قرر زكي كرام أن يدرس طب أ‬ ‫السنان في جامعة‬ ‫برلين‪ ،‬وينهيها بنجاح خالل سنوات أربع‪ ،‬وكان موضوع أطروحته‬ ‫أ‬ ‫السالمية»‪ ،‬ولكنه لم يتمكن‬ ‫«عناية الفم والسنان عند الشعوب إ‬ ‫من ممارسة الطب‪ ،‬لعدم حصوله على الجنسية أ‬ ‫اللمانية‪ ،‬فأسس‬ ‫مكتبة لبيع الكتب‪ ،‬ودار نشر صغيرة‪ ،‬تحمل اسما كبيراً هو «دار‬ ‫نشر الشرق والغرب»‪.‬‬

‫االتصال بالتاريخ هاتفياً‬

‫حتى آنذاك‪ ،‬بقي زكي كرام شخصاً عادياً‪ ،‬قصته تشبه حكايات‬ ‫كثيرين من المهاجرين‪ ،‬حتى وإن كان خاض حروباً‪ .‬لكن القدر‬ ‫غيرتا مسار حياته‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫جمع بينه وبين شخصيتين مرموقتين َّ‬ ‫أ‬ ‫المير شكيب أرسالن (‪1946 – 1869‬م)‪ ،‬والشيخ رشيد رضا (‪1865‬‬ ‫أ‬ ‫ومفكر‪،‬‬ ‫وأديب‬ ‫سياسي‬ ‫– ‪1935‬م)‪ .‬الول كان ملقباً بأمير البيان‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الصالح‬ ‫السالمية‪ ،‬والثاني كان َعلَماً من أعالم إ‬ ‫وأحد دعاة الوحدة إ‬ ‫السالمي‪ ،‬انتقل من لبنان إلى مصر‪ ،‬وتتلمذ على يد الشيخ محمد‬ ‫إ‬ ‫عبده‪ ،‬وأسس مجلة «المنار»‪ .‬وفي عام ‪1898‬م‪ ،‬حضر االثنان في‬ ‫وتعرفا إلى زكي كرام الذي استطاع أن يستفيد من شبكة‬ ‫برلين‪َّ ،‬‬ ‫عالقتهما المتشعبة‪.‬‬ ‫الشارة إلى أن الدكتور عمرو رياض‪ ،‬كان قد تناول أعمال‬ ‫هنا‪ ،‬تجدر إ‬ ‫قدمها في جامعة «اليدن»‪ ،‬ولم‬ ‫رشيد رضا في رسالة الدكتوراة التي َّ‬ ‫يكتف بالمراجع الكثيرة الموجودة عنه‪ ،‬بل حرص على أن يتعرف إلى‬ ‫أسرته‪ ،‬ليحصل منها على أكبر قدر من المعلومات‪ ،‬فأتاح له الحفيد‬ ‫فؤاد فرصة االطالع على أ‬ ‫الرشيف الخاص بالشيخ‪ ،‬المحفوظ في‬ ‫ثمانية صناديق في شقة في القاهرة‪ ،‬وعثر فيها على أكثر من ‪5000‬‬ ‫وثيقة‪ ،‬منها ‪ 1500‬رسالة‪ ،‬من شتى بقاع العالم‪ .‬ومن ضمن هذه‬ ‫الرسائل‪ ،‬وجد ‪ 13‬خطاباً من شخص يدعى زكي حشمت بك كرام‪،‬‬ ‫يقيم في برلين‪ ،‬في شارع كارل‪ ،‬منزل رقم ‪.10‬‬

‫بطاقة عن فلسطين أصدزتها مطبعة الشرق والغرب التي يملكها زكي كرام‬ ‫عام ‪1919‬م‬

‫ما أثار اهتمام الباحث أ‬ ‫الكاديمي القادم من جامعة اليدن‪ ،‬هو‬ ‫أن الرسائل تدل على وجود عالقة قوية‪ ،‬تسمح لهذا الشخص‪،‬‬ ‫الذي ال يعرفه أحد‪ ،‬بأن يطلب من الشيخ أن يتوسط له عند الملك‬ ‫عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود‪ ،‬ويذكر له تفاصيل زيارة أ‬ ‫المير‬ ‫فيصل ‪ -‬آنذاك ‪ -‬إلى بيته في برلين‪ .‬وتساءل عمرو رياض عن سبب‬ ‫زيارة نائب الملك ووزير خارجية الدولة السعودية‪ ،‬لهذا الشخص‬ ‫بالذات‪ .‬ثم وجد الباحث رسالة أخرى تتحدث عن عالقة تربط بين‬ ‫زكي كرام وحكومة اليمن أيام ما كان يُعرف بالمملكة المتوكلية‪ ،‬بل‬ ‫وبالمام يحيى حميد الدين المتوكل شخصياً‪.‬‬ ‫إ‬


‫‪61 | 60‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫في عام ‪1921‬م ِّ‬ ‫يقرر زكي كرام أن‬ ‫يدرس طب األسنان في جامعة‬ ‫برلين‪ ،‬وينهيها بنجاح خالل سنوات‬ ‫أربع‪ ،‬وكان موضوع أطروحته‬ ‫(عناية الفم واألسنان عند الشعوب‬ ‫اإلسالمية)‬ ‫عاد عمرو رياض إلى هولندا‪ ،‬ولم يفارق فكره اسم زكي كرام‪،‬‬ ‫الذي حصل على رسائله أ‬ ‫الصلية من عائلة الشيخ رشيد رضا‪،‬‬ ‫والذي ال يعرف كيف يستدل عليه‪ .‬لكن خطرت على باله فكرة‬ ‫عجيبة‪ ،‬أال وهي أن يبحث في دليل الهاتف أ‬ ‫اللماني عن شخص‬ ‫يحمل اسم العائلة كرام‪ ،‬ألنه اسم نادر‪ .‬وفعال ً عثر على شخص‬ ‫اسمه هارون الرشيد زكي كرام‪ ،‬فاتصل به‪ ،‬يسأله عما إذا كانت‬ ‫ثمة عالقة بينه وبين زكي كرام‪ ،‬الذي كان يقيم في برلين في‬ ‫عشرينيات القرن الماضي‪ ،‬في شارع كارل‪ ،‬منزل رقم ‪ ،10‬فرد‬ ‫عليه قائالً‪« :‬نعم إنه‪ ،‬أبي»‪.‬‬ ‫كانت هذه الفكرة مثار إعجاب علماء التاريخ في االتحاد‬ ‫الوروبي‪ ،‬الذين وافقوا على مشروعه أ‬ ‫أ‬ ‫الكاديمي‪ ،‬ألنه أضاف إلى‬ ‫مصادر البحث التاريخي‪ ،‬مصدراً جديداً وهو دليل الهاتف‪،‬‬ ‫إلى جانب المصادر التقليدية مثل الحفريات آ‬ ‫والثار والمراجع‬ ‫أ‬ ‫والرشيفات والمخطوطات‪ ،‬وهو مصدر على غرابته‪ ،‬أثبت‬ ‫جدواه في هذه الحالة‪.‬‬

‫خطاب شكر على ُحسن االستقبال في برلين من فؤاد حمزة‬

‫معرفة الدور الذي قاموا به في رسم معالم العالقة بين أوروبا‬ ‫السالمي من ناحية‪ ،‬وكيف أسهموا في صناعة تاريخ أوروبا‬ ‫والعالم إ‬ ‫من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫اقترح الدكتور عمرو رياض‪ ،‬أن نلتقي أحد أفراد فريق البحث‪ ،‬وهو‬ ‫الدكتور مهدي ساجد‪ ،‬الذي حصل على رسالة الدكتوراة من جامعة‬ ‫بون‪ ،‬التي تناول فيها أ‬ ‫المير شكيب أرسالن‪ ،‬كما شارك من قبل في‬ ‫مشروع «رؤية أوروبا من الخارج»‪ ،‬ويشارك في المشروع الحالي‬ ‫الذي يسعى لـ «رؤية أوروبا من الداخل»‪ ،‬باعتبار أن المسلمين‬ ‫المقيمين فيها‪ ،‬هم جزء من أوروبا‪.‬‬

‫سافر عمرو من اليدن إلى قرية في جنوب ألمانيا‪ ،‬بالقرب من‬ ‫شتوتجارت‪ ،‬والتقى وجهاً لوجه َم ْن فتح له سرداباً إلى الماضي‪،‬‬ ‫فأطلعه على الخطابات التي تسلمها زكي كرام من أعالم عصره‬ ‫(رسائله مع رضا وأرسالن ضاعت)‪ .‬وشكَّلت هذه الخطابات كنزاً‬ ‫تاريخياً‪ .‬فهناك مكاتبات مع الحكومتين اليمنية والسعودية‪ ،‬ومع‬ ‫أمير الكويت أحمد الجابر الصباح‪ ،‬ومع ما كان يُعرف باسم‬ ‫المملكة العراقية‪ ،‬والحكومة أ‬ ‫الفغانية‪ ،‬وثوار من المغرب‪ ،‬عالوة‬ ‫على ما يثبت وجود عالقات له مع وزارة الخارجية أ‬ ‫اللمانية‪ ،‬وكذلك‬ ‫الحكومة التركية‪.‬‬

‫وكما حرص الدكتور رياض على االنطالق من شخصية زكي كرام‪،‬‬ ‫الكاديمي المغربي أ‬ ‫الكاديمي‪ ،‬تحدث أ‬ ‫ليصل إلى الطار أ‬ ‫الصل‪،‬‬ ‫إ‬ ‫عن أ‬ ‫المير شكيب أرسالن‪ ،‬وأفكاره التي وردت في ‪ 120‬مقاالً‪،‬‬ ‫نشرتها له مجلة الفتح‪ ،‬لصاحبها ومديرها السوري أ‬ ‫الصل محب‬ ‫وشدد فيها على رفضه لفكرة تغريب المجتمعات‬ ‫الدين الخطيب‪َّ ،‬‬ ‫السالمية‪ ،‬التي تبناها كمال الدين أتاتورك‪ ،‬واقتدت به دول أخرى‬ ‫إ‬ ‫مثل إيران وأفغانستان آنذاك‪.‬‬

‫في أ‬ ‫الرشيف الذي عثر عليه الباحث كثير من الجوانب التي يمكن‬ ‫التعليق عليها ودراستها‪ .‬لكن الجانب الذي يعنينا في هذا المقام‪،‬‬ ‫معينة عن ألمانيا وأوضاع‬ ‫هو أن زكي كرام‪ ،‬كان يقوم بنقل صورة َّ‬ ‫المسلمين فيها للشخصيات التي يتواصل معها في العالم العربي‪،‬‬ ‫والتي تقوم بدورها بنشر هذه الصورة في كتاباتها ومحاضراتها‬ ‫ونقاشاتها‪ .‬كما كان يكتب في الصحف أ‬ ‫اللمانية ويلقي محاضرات‪،‬‬ ‫وينشر كتباً باللغة أ‬ ‫اللمانية‪ ،‬ليلعب بذلك دور الجسر الواصل بين‬ ‫أطراف متعددة‪.‬‬

‫يؤكد الدكتور ساجد على أن كثيراً من العرب والمسلمين الذين‬ ‫يأتون إلى الغرب‪ ،‬سواء استقروا فيه أو كانت إقامتهم مؤقتة‪،‬‬ ‫فإنهم يأتون ولديهم أفكار مسبقة ‪ -‬أو ما يطلق عليه مهدي ساجد‬ ‫(سوفت وير) مبرمج في بالدنا قبل الحضور إلى الغرب ‪ -‬ويبحثون‬ ‫الفكار‪ ،‬ويعيدون تكرار هذه أ‬ ‫دوماً عما يؤكد صحة هذه أ‬ ‫الحكام‬ ‫المسبقة في وسائل إعالم أوطانهم أ‬ ‫الصلية‪ .‬ويوضح أن أرسالن‬ ‫أ‬ ‫كان ماهراً في ذلك‪ ،‬فقد كان يفتش في أقوال الوروبيين وكتاباتهم‬ ‫ما يؤيد رأيه‪ ،‬وعندها ال يمكن اتهامه بالتحيز لرأي مسبق‪ ،‬ولم يكن‬ ‫هناك من يناقشه في كيفية اختيار هذه أ‬ ‫العمال دون غيرها‪.‬‬

‫والقضية آ‬ ‫الن هي حول إمكانية العثور على أرشيفات لكثير من‬ ‫أمثاله‪ ،‬من المسلمين الذين عاشوا في أوروبا‪ ،‬يمكن من خاللها‬

‫ويوضح دوره في المشروع الحالي الجاري في إطار أبحاث‬ ‫أ‬ ‫الستاذية‪ ،‬بأنه سيبحث عن أكبر عدد من المصادر توضح دور‬

‫استنتاجات‬


‫ويشير مهدي ساجد إلى أن زكي كرام كان أيضاً أحد العاملين في‬ ‫الذاعة الموجهة‪ ،‬وقد أتاح لنا عمرو رياض االستماع إلى‬ ‫هذه إ‬ ‫الذاعة‪ ،‬وهو يقوم بالدعاية لشركة‬ ‫تسجيل صوتي له‪ ،‬من هذه إ‬ ‫«سيمنز» أ‬ ‫اللمانية‪ ،‬من خالل تقرير طويل عن العالقة بين العالمين‬ ‫والسالمي‪ ،‬وكيف يمكن االستفادة من التقنيات التي وصل‬ ‫الغربي إ‬ ‫إليها الغرب‪.‬‬

‫صورة أ‬ ‫المير فيصل بن عبدالعزيز أثناء رحلته إلى أوروبا التي زار فيها زكي كرام في برلين عام ‪1932‬م‬

‫ً‬ ‫ضابطا في الجيش العثماني وهو‬ ‫التحق بالعمل‬ ‫في الثامنة عشرة من عمره‪ ،‬ليقود كتيبة من ‪800‬‬ ‫جندي‪ ،‬لمحاربة الميليشيات الصربية في البلقان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قائدا لقوات‬ ‫وفي الحرب العالمية األولى أصبح‬ ‫البدو في العريش بشبه جزيرة سيناء‬ ‫المسلمين في أوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين‪ ،‬وتأثيرهم‬ ‫السالمية‪ ،‬في نقل صور ومفاهيم متعلقة‬ ‫الفكري على المجتمعات إ‬ ‫بالنظرة العصرية‪.‬‬ ‫يركز أ‬ ‫الكاديمي المغربي على قضية محورية‪ ،‬وهي أن ما فعله‬ ‫أرسالن من اختيار المصادر‪ ،‬هو نفس ما يفعله كل من يتعامل مع‬ ‫تتعرض دوماً «للمصفاة»‪،‬‬ ‫أي أرشيف‪ ،‬فالوثائق التي نطلع أعليها َّ‬ ‫والهداف المطلوب تحقيقها من خالل‬ ‫بنا ًء على القناعات السياسية‬ ‫هذا أ‬ ‫الرشيف‪ ،‬وهو ما ينبغي أن يراعيه الباحث‪ ،‬ويسعى الستكمال‬ ‫الصورة‪.‬‬

‫سالمي في أوروبا‬ ‫ال‬ ‫الوجود إ‬ ‫أ‬

‫السالمي‬ ‫في كثير من الدول الوروبية هناك قناعة بأن الوجود إ‬ ‫في أوروبا عامة وفي ألمانيا بصورة خاصة‪ ،‬بدأ بعد نهاية الحرب‬ ‫العالمية الثانية‪ ،‬في فترة الستينيات‪ ،‬حينما جرى استقدام عمال‬ ‫لسد العجز من اليد العاملة‪ ،‬في ظل فقدان كثير من الرجال في‬ ‫الحرب‪ ،‬أو عودتهم مصابين‪ ،‬عالوة على االنتعاش االقتصادي الذي‬ ‫شهدته ألمانيا‪.‬‬ ‫السالمي في ألمانيا باتفاق المصالح‬ ‫وهناك رأي آخر يربط الوجود إ‬ ‫أ‬ ‫بين مفتي القدس‪ ،‬الشيخ أمين الحسيني‪ ،‬والزعيم اللماني أدولف‬ ‫هتلر‪ ،‬وهو أ‬ ‫المر الذي يتضح في توفير الحكم النازي كثيراً من‬ ‫التسهيالت للعرب القائمين بعمل دعاية له‪ ،‬من خالل إذاعة‬ ‫عربية موجهة من برلين إلى المستمعين العرب‪ ،‬تجعلهم يؤمنون‬ ‫بأن ألمانيا تريد الخير لهم‪ ،‬وتسعى لتحريرهم من المستعمر‬ ‫البريطاني والفرنسي‪.‬‬

‫المهم أن هذا المشروع سيؤكد بالوثائق أن هناك من يسعى لنشر‬ ‫الكذوبة‪ ،‬حتى يظل الذهن أ‬ ‫هذه أ‬ ‫الوروبي مستحضراً لوجود عالقة‬ ‫بين الحكم النازي‪ ،‬الذي يمثل إليهم الشر المطلق‪ ،‬وبين العرب‬ ‫السالمي منذ‬ ‫والمسلمين‪ ،‬المعادين للسامية‪ ،‬رغم أن الوجود إ‬ ‫الحرب العالمية أ‬ ‫الولى كان مؤكداً ومثبتاً‪ ،‬ومسجد برلين الذي أقيم‬ ‫في عشرينيات القرن الماضي‪ ،‬خير دليل على ذلك‪.‬‬

‫رسالة إلى العالم العربي‬

‫في حديثه عن المشروع والحياة أ‬ ‫الكاديمية والبحث العلمي في‬ ‫أوروبا‪ ،‬يطالب الدكتور ساجد العالم العربي بأن يهتم بشدة‬ ‫النسانية‪ ،‬وال يتجاهلها بزعم أن العصر الحديث يحتاج‬ ‫بالدراسات إ‬ ‫ً‬ ‫النسانية‪،‬‬ ‫إلى العلوم الطبيعية وحدها‪ ،‬منبها إلى أن هذه العلوم إ‬ ‫هي التي تحدد مسار أ‬ ‫المم ومستقبلها‪ ،‬ويطالب باحترام التخصص‬ ‫أ‬ ‫العلمي في هذه العلوم‪ ،‬كما ال يُسمح لحد أن يتحدث في الطب‬ ‫أو الهندسة أو الصيدلة بدون معرفة متعمقة‪.‬‬ ‫أما الدكتور رياض فيتمنى أن يجد في العالم العربي من‬ ‫أ‬ ‫الكاديميين من يستطيع أن يسهم في المشروع‪ ،‬الهادف إلى دراسة‬ ‫أوضاع المسلمين في أوروبا في الفترة بين الحربين العالميتين‪،‬‬ ‫النجليزية‪ ،‬حتى يتمكن من عرض أفكاره على‬ ‫مشترطاً أن يتقن اللغة إ‬ ‫أ‬ ‫الوروبيين المشاركين في فريق البحث‪.‬‬ ‫ويلخص رياض هدف المشروع بأنه يسعى لرد االعتبار للمسلمين‬ ‫في أوروبا‪ ،‬الذين أهملتهم الدراسات أ‬ ‫الوروبية باعتبارهم‪ ،‬فئة‬ ‫محدودة العدد‪ ،‬قليلة التأثير‪ ،‬وجودها مؤقت‪ ،‬أو كأنها لم تكن‬ ‫الطالق‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬أهملتهم الدراسات العربية‬ ‫موجودة على إ‬ ‫والسالمية‪ ،‬باعتبارهم قد انفصلوا عن أ‬ ‫المة‪ ،‬وأداروا ظهورهم‬ ‫إ‬ ‫لبلدانهم‪ ،‬والروابط التي استمرت بينهم وبين أوطانهم‪ ،‬إنما كانت‬ ‫السرة أ‬ ‫في إطار محدود للغاية‪ ،‬مع أ‬ ‫والصدقاء‪ ،‬دون أن يكون لهم‬ ‫القدرة على التأثير على العالقة بين الجانبين‪ ،‬وهي التي تحكمها‬ ‫العالقات على مستوى القيادة السياسية‪.‬‬ ‫ختاماً‪ ،‬هناك نقطة ال ينبغي إغفالها‪ ،‬وهي أن مشروع الدكتور‬ ‫عمرو رياض‪ ،‬خاض المنافسة مع ‪ 3700‬مشروع من مختلف‬ ‫الجامعات ومعاهد البحث العلمي أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬ليصل إلى التصفية‬ ‫أ‬ ‫الخيرة‪ ،‬ويفوز في النهاية‪ ،‬ويحصل في النهاية على تقارير اللجان‬ ‫المختصة‪ ،‬التي تشير إلى أنه ضمن أفضل ‪ 10‬في المائة في مجاله‪،‬‬ ‫فهل يستفيد عالمنا العربي من أمثاله‪ ،‬الذين لم يسافروا إلى اليدن‬ ‫أو أوترخت؟‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪63 | 62‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫«حكايا»‪..‬‬ ‫الطفل يصنع‬ ‫حكايته‬ ‫بقلم‬ ‫فايز الغامدي‬ ‫كافةً بالقراءة‪ ،‬خصوصا فئة أ‬ ‫يز‬ ‫بتحف�ها عىل‬ ‫الطفال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التخيل واالبتكار ف ي� صناعة القصة‪ ،‬وتعلم كتابتها‪،‬‬ ‫وتصور مشاهدها‪ ،‬واالستمتاع‬ ‫ورسم لوحاتها‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫البداع‬ ‫بمتابعتها‪ ،‬يستهدف اكتشاف المواهب ودعم إ‬ ‫ف ي� الكتابة القصصية التفاعلية‪ ،‬وتنمية روح الحوار‬ ‫والتواصل‪ ،‬والتعريف ت‬ ‫المحل‬ ‫القصص‬ ‫بال�اث‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والعالمي‪ ،‬وتدريب أ‬ ‫التعب� عن أنفسهم‬ ‫الطفال عىل‬ ‫ي‬ ‫من خالل كتابة القصص‪ ،‬واالستفادة من التقنية‬ ‫ب� ض‬ ‫الحديثة ف� المزج ي ن‬ ‫الما� والحا�ض وإعداد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫القصص التفاعلية المفيدة وتطوير آليات عرضها‪.‬‬

‫موضوعة‪ ،‬وإن كتب أ‬ ‫الطفال بدأت ش‬ ‫تنت� انتشاراً‬ ‫واسعاً ف ي� العالم‪ .‬وهذه ظاهرة تلفت النظر‪،‬‬ ‫وال سيما إذا أضيفت إىل كتب أدب أ‬ ‫الطفال‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫المجالت الجميلة الخاصة بالصغار‪،‬‬ ‫والزوايا ف ي‬ ‫أ‬ ‫تخصصها لهم صحافة الكبار‪ ،‬وركن الطفال ي�‬ ‫الذاعة والشاشة الصغ�ة أ‬ ‫والفالم السينمائية‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫توجه إليهم‪ ،‬ومرسح الطفال‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ال� ّ‬ ‫الكث�ة ي‬ ‫العرائس والدمى المتحركة‪ ،‬أ‬ ‫واللعاب‬ ‫ومرسح‬ ‫وال ن أ‬ ‫ال� تصنع لهم‪ ،‬أ‬ ‫ت‬ ‫ي ت‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫غا� والناشيد ي‬ ‫الكث�ة ي‬ ‫تنظم وتلحن لهم‪.‬‬

‫واحتوى المهرجان أيضاً عىل أجنحة متنوعة للطفولة‬ ‫ضمت فعاليات ترفيهية تعليمية لمن تقل أعمارهم‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتيح‬ ‫عن ‪ 6‬سنوات‪ ،‬مثل «حكايا الطفال»‪ ،‬ي‬ ‫للطفل صناعة قصته بالربط ي ن‬ ‫ب� الصور والنصوص‬ ‫بطريقة مسلية وجذابة‪ ،‬باستخدام أجهزة الحاسب‬ ‫اللوحية‪ .‬فيما أقيمت ورش تفاعلية لمن تت�اوح‬ ‫أعمارهم ي ن‬ ‫ب� ‪ 6‬و‪ 13‬عاماً تحت عنوان «مصنع‬ ‫الحكايا»‪ ،‬يتم فيها تعليم الطفل فن كتابة الحكاية‬ ‫ف ي� ورشة «نكتب»‪ ،‬وفن رسم شخصيات الحكاية‬ ‫ف ي� ورشة «نرسم»‪ ،‬ومهارة تحريك الحكاية ف ي� ورشة‬ ‫"نحرك"‪ ،‬وفن إلقاء الحكاية ف ي� ورشة «نروي»‪.‬‬

‫ويُعد الدخول ف ي� تجربة ثقافية تربوية من هذا‬ ‫القبيل مغامر ًة شيقة ومعلومة النتائج مسبقاً‪ ،‬إذ إن‬ ‫الغوص ف ي� عالم الطفولة‪ ،‬والتنقيب عن أرسارها‬ ‫الغائرة‪ ،‬وإفساح المجال لهذه المكنونات أن تظهر‬ ‫عىل السطح‪ ،‬لهي عملية حضارية نشأت ف ي� القرن‬ ‫السابع ش‬ ‫ع� ف ي� أوروبا‪ ،‬وأخذت تزدهر ف ي� منتصف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫تحس� أنظمة التعليم ي� جميع‬ ‫القرن الع�ين مع‬ ‫ي‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬ما زاد من طلب المؤلفات المخصصة‬ ‫أ‬ ‫للطفال بلغات مختلفة‪ ،‬ومع ظهور أدباء يكرسون‬ ‫أ‬ ‫معظم وقتهم لكتابة مؤلفات للطفال‪.‬‬

‫ف‬ ‫العر� هناك رواد ف ي� مجال أدب الطفولة‬ ‫و� العالم ب ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫برزوا � هذا الفن واتجهوا بأدبهم إىل الطفل‪ ،‬مر ي ن‬ ‫اع�‬ ‫ي‬ ‫حاجاتهم النفسية والفروق الفردية لكل مرحلة‬ ‫كيال� الكاتب أ‬ ‫عمرية‪ ،‬ومن أبرزهم كامل ن‬ ‫والديب‬ ‫ي‬ ‫المرصي الذي اشتهر بأعماله الموجهة أ‬ ‫للطفال‬ ‫وأطلق عليه النقاد «رائد أدب الطفل» وقد ترجمت‬ ‫قصصه إىل عدد من اللغات‪ .‬وأيضاً من الرواد العرب‬ ‫ف ي� هذا المجال أحمد شفيق وأحمد نجيب ومحمود‬ ‫ن‬ ‫ويح� علوي فريد‪...‬‬ ‫مفلح ويعقوب‬ ‫الشارو� ي‬ ‫ي‬ ‫كث�‪.‬‬ ‫وغ�هم ي‬ ‫ي‬

‫ت‬ ‫وقد شهد القرن الثامن ش‬ ‫اع�ف‬ ‫ع�‬ ‫ال� ت ُ‬ ‫اللحظات ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� التعلم معاً‪.‬‬ ‫فيها للوالد بحقهم ي� التسلية ي‬ ‫وعرفت خصائص الطفولة الفردية‪ ،‬وأخذت قابليات‬ ‫الطفل واهتماماته بالحسبان‪ .‬ولقي كتاب «إميل»‬ ‫الذي كتبه الفرنس جان جاك روسو عن ت‬ ‫ال�بية‬ ‫ي‬ ‫اهتماماً واسعاً‪ .‬وجاءت بعده عدة كتب أخرى‪ .‬ثم‬ ‫بدأ الكتاب يؤلفون قصصاً خاصة أ‬ ‫بالطفال والفتيان‬ ‫ّ‬ ‫ذات أهداف محددة مثل اكتساب المعارف وتعلم‬ ‫ن‬ ‫وتب� السلوك الحسن‪.‬‬ ‫شؤون الحياة والمعيشة ي‬

‫ولكن تبقى تجربة «حكايا» ف ي� الرياض فريدة من‬ ‫منصة خاصة به‪ ،‬يكون هو‬ ‫حيث إعطاء الطفل ّ‬ ‫الحاك ال المستهدف من الحكاية‪ ،‬يحرك شخصياته‬ ‫ي‬ ‫ب� أ‬ ‫كيفما شاء‪ ،‬ينتقل ي ن‬ ‫الحداث بحرية كاملة‪،‬‬ ‫ويصعد أ‬ ‫بالحداث نز‬ ‫وت�ة تتالءم مع‬ ‫وي�ل بها وفق ي‬ ‫عالمه الخاص‪.‬‬

‫إن هذا المهرجان‪ ،‬الذي يعد أ‬ ‫الول من نوعه ف ي�‬ ‫ُ‬ ‫ال�ق أ‬ ‫ش‬ ‫الوسط ويسعى إىل ربط ش�ائح المجتمع‬

‫ومهما يكن من أمر أدب أ‬ ‫الطفال‪ ،‬فإن الطفل أخذ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة قصصاً تم�جمة وأخرى‬ ‫يقرأ ي� السنوات ال ي‬

‫ين‬ ‫المؤلف� الذين يمكن أن‬ ‫«إن‬ ‫الحقيقي�ن‬ ‫يسموا «الكُ َّتاب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫للطفال» هم أولئك الذين‬ ‫يتقنون معرفة أ‬ ‫الطفال‪،‬‬ ‫ويعرفون كيف يفاجئونهم ف ي� لعبهم‪ ،‬ويصغون‬ ‫تدخل أو‬ ‫غ� ّ‬ ‫إليهم‪ ،‬ويراقبونهم عن كثب‪ ،‬من ي‬ ‫ولكن منح الطفل الفرصة ليكتب‬ ‫طرح أسئلة»‪ّ ،‬‬ ‫لنفسه وما حوله بنفسه‪ ،‬ويقوم بتحريك كل‬ ‫ما ت ز‬ ‫تخ�له ذاكرته من شخوص وأحداث جامدة‬ ‫ف‬ ‫عىل مرسح الواقع‪ ،‬لهو الكمال ي� التعاطي مع‬ ‫الطفولة‪ ،‬وإعادة أ‬ ‫يع�‬ ‫الدوات‬ ‫الفنية للطفل يك ب ِّ‬ ‫عن نفسه بدال من أن يقوم آ‬ ‫الخرون بالتحدث‬ ‫ً‬ ‫نيابةً عنه‪.‬‬ ‫ذلك ما لفت نظري ف ي� مهرجان «حكايا» الذي أقيم‬ ‫سبتم� ض‬ ‫الما�‪ ،‬ومنح زائريه‬ ‫ف ي� الرياض مطلع شهر‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الطفال مجاال ً واسعاً يك يجولوا بخيالهم الواسع‬ ‫ويبدعوا ف ي� صناعة القصة وتعلم كتابتها‪ ،‬ورسم‬ ‫لوحاتها‪ ،‬وتصور مشاهدها‪ ،‬واالستمتاع بمتابعتها‪.‬‬

‫االق�اب ث‬ ‫ما صنعه مهرجان «حكايا» هو ت‬ ‫أك� من‬ ‫أ‬ ‫الطفولة‪ ،‬أو أ‬ ‫بالصح إعادة صياغة «أدب الطفال»‬ ‫معاي� جديدة‪ ،‬أبرزها‪ :‬إعادة الورقة والقلم‬ ‫وفق ي‬ ‫للطفل ليكتب ما يحلو له‪ ،‬ويقوم بصناعة حكايته‬ ‫بنفسه وبأدواته الخاصة به‪.‬‬


‫أدب وفنون‬

‫بواعث اليوتوبيا‬ ‫في شعر الصعاليك‬ ‫المثال اسمان مختلفان لمسمى واحد وهو‬ ‫البحث عن المدينة الفاضلة أو البحث عن المجتمع‬ ‫ي‬ ‫طو�‪ ،‬وأتفق مع هذه‬ ‫اليوتوبيا (‪ .)Utopia‬ترجم العرب كلمة يوتوبيا إىل طوباوية‪ ،‬نسبة إىل ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫كث� من النقاد‬ ‫طو� ي� هذه الحياة الدنيا‪ .‬ويعتقد ي‬ ‫ال�جمة لن من المستحيل الحصول عىل ب‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫الغربي� أن من المستحيل الحصول عىل اليوتوبيا ي� واقعنا المعيش ال ي�‪ .‬فكلمة يوتوبيا‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫تتكون ف ي� أصلها‬ ‫يع�‬ ‫مستحيل‬ ‫اليونا� من ي‬ ‫ي‬ ‫شق�‪ :‬الول ي‬ ‫يع� المكان الفاضل‪ ،‬والشق الخر ي‬ ‫غ� الموجود‪.‬‬ ‫الوجود‪ ،‬أي المكان ي‬

‫محمد اللويش‬

‫‪illustration of article: Omar Subair - Almohtaraf Alsaudi‬‬


‫‪65 | 64‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫في أدبيات النقد الغربي تكون اليوتوبيا مضادة للإيديولوجيا‪.‬‬ ‫أي إن اليوتوبيا هي النظرة اليجابية التي يتضمنها النص أ‬ ‫الدبي‬ ‫إ‬ ‫َّ‬ ‫تتضمن الجانب السلبي‬ ‫أو العمل الثقافي‪ ،‬بينما إ‬ ‫اليديولوجيا َّ‬ ‫الذي يعمل على تأطير وإغالق أي آفاق في العمل الثقافي‬ ‫معين‪ .‬كذلك يعتقد النقاد الغربيون‬ ‫بحيث تجعله أسيراً لفكر َّ‬ ‫بأن الحصول على اليوتوبيا أو المجتمع المثالي يتطلب تغييراً جذرياً للمجتمعات‬ ‫اليديولوجيا التي تولد كل المشكالت االجتماعية‪ ،‬مما‬ ‫البشرية وكسر كل قوى إ‬ ‫المنية صعبة المنال في وقتنا الحالي‪ ،‬لكنهم يرون بأن أ‬ ‫يجعل هذه أ‬ ‫العمال‬ ‫أ‬ ‫الدبية والثقافية تعمل على نشر بواعث أو دوافع اليوتوبيا التي تحث الناس‬ ‫على استلهام فكرة اليوتوبيا في الواقع المعيش‪ .‬ويرى هؤالء النقاد ‪ -‬ومن‬ ‫اللماني آرنست بلوخ ‪ -‬أن اليوتوبيا تفتح آ‬ ‫أهمهم الفيلسوف أ‬ ‫الفاق التي تسعى‬ ‫اليديولوجيا إلى إغالقها‪ .‬وهذا ما فعلته العنصرية القبلية في العصر الجاهلي‪،‬‬ ‫إ‬ ‫التي سعت إلى إغالق آمال البشر وجعلتهم رهائن لفكر سبب فوضى اجتماعية‬ ‫تبدد عندما فتح الشعراء‬ ‫وحروباً بين القبائل‪ .‬بيد أن هذا الفكر العنصري المدمر َّ‬ ‫الصعاليك آ‬ ‫الفاق من خالل بث دوافع طوباوية تحث الناس على رفض تلك‬ ‫أ‬ ‫الفكار والممارسات العنصرية‪ .‬من أهم تلك الدوافع هو الخروج على القبيلة‪،‬‬ ‫ورفض الظلم االجتماعي الذي يقع على أفراد القبيلة بسببها‪.‬‬

‫بحث الصعاليك عن المجتمع المثالي‬

‫يفرق أ‬ ‫المريكي فريدريك جيمسون ‪ -‬ناقد ما بعد الحداثة ‪ -‬بين النص الطوباوي‬ ‫ّ‬ ‫الذي يحلم فيه كاتبه بتصوير مجتمع مثالي خيالي‪ ،‬وبين مالمح اليوتوبيا التي يمكن‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫اكتشافها من خالل عملية التأويل للعمال الدبية والثقافية‪ .‬أي إن هناك عمال ً‬

‫اد َل ْم ُ‬ ‫إن ُم َّـد ِت األيْ ِدي إلى َّ‬ ‫أك ْ‬ ‫َو ْ‬ ‫ـن ***‬ ‫الز ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إذ أ ْج َش ُع َ‬ ‫َب َأ ْع َجلِ ه ْـم ْ‬ ‫الق ْو ِم أ ْع َج ُل‬ ‫ِ‬

‫طوباوياً ككتاب «الجمهورية» ألفالطون‪ ،‬وهناك بواعث اليوتوبيا التي تظهر في‬ ‫ممارسة الناس لحياتهم الواقعية كممارسة الكرم وقول الصدق‪ .‬يرى جيمسون بأن‬ ‫بواعث اليوتوبيا هي التي تحث البشر على البحث عن مجتمع مثالي‪ ،‬ويركز في أبحاثه‬ ‫على نقد الرأسمالية وكيفية فقدان الناس ألي دافع يحثهم على استلهام مجتمع‬ ‫مثالي في مرحلة الرأسمالية المتأخرة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يدل حضور اليوتوبيا والسعي للحصول عليها في أي عمل أدبي وثقافي في‬ ‫أي مرحلة من التاريخ على حركة تاريخية توحي بتحول في حركة التاريخ سواء‬ ‫إيجابية أو سلبية‪ .‬على هذا أ‬ ‫الساس‪ ،‬تُعد جهود شعراء الصعاليك في البحث‬ ‫عن مجتمع مثالي وخروجهم على قبائلهم بشائر معبر ًة عن تحول تاريخي‬ ‫السالمي في عهد النبوة‪ .‬لكن فقدان أي‬ ‫إيجابي ظهر في بروز المجتمع المثالي إ‬ ‫باعث أو دافع لليوتوبيا في مرحلة الحداثة في ثالثينيات القرن الماضي سبب‬ ‫اليمان‬ ‫ظهور ما بعد الحداثة كمرحلة تاريخية من أهم مميزاتها التشظي وعدم إ‬ ‫بالمسلّمات‪.‬‬ ‫ثورة الصعاليك ضد مجتمعاتهم وضد الظلم وغياب العدالة االجتماعية في‬ ‫المجتمع البشري لم يكن عمال ً طوباوياً حالماً بل ممارسة واقعية اعتمدت على‬ ‫صورت‬ ‫دوافع اليوتوبيا‪ .‬ولم َ‬ ‫تسع تلك الثورة إلى رسم مجتمع مثالي خيالي بل َّ‬ ‫اليوتوبيا باعتبارها ممارسة واقعية‪ .‬ظهرت بواعث اليوتوبيا في شعر الصعاليك‬ ‫جلية في ممارستهم للخروج على القبيلة‪ .‬ذلك الخروج وتبني فكرة رفض الظلم‬ ‫االجتماعي أهم دافع يعتمد عليه الشاعر الصعلوك‪ .‬ولذا نجد الشنفرى يقول‪:‬‬

‫ـرئ‬ ‫َل َع ْمـ ُـر َك‪ ،‬مــا بــاألرض ضيـ ٌـق علــى امـ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َس َ‬ ‫يعقـــل‬ ‫راهبـــا‪ ،‬وهـــو‬ ‫راغبـــا أو‬ ‫ـــرى‬ ‫ولهذا يمكن اعتبار حث الشعراء الصعاليك على الخروج من قبائلهم‪ ،‬وكذلك‬ ‫ممارستهم للخروج كممارسة يومية‪ ،‬باعثاً يحث الناس على البحث عن اليوتوبيا‪.‬‬ ‫أضف إلى ذلك أن رفضهم لغياب العدالة االجتماعية والثورة ضد قبائلهم‬ ‫أو مجتمعهم يجعل أعمالهم الشعرية تحمل طاقة إيجابية تفتح ما أغلقته‬ ‫اليديولوجيا‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬يكون الظلم االجتماعي والتفرقة بين أفراد القبيلة‬ ‫إ‬ ‫إيديولوجيةً‬ ‫ممارسةً‬ ‫تسعى إلى إغالق المجتمع‪ ،‬لكن خروج الصعاليك على‬ ‫البداعية طاقة‬ ‫قبائلهم وحثهم على تلك الممارسة في شعرهم يعطي نصوصهم إ‬ ‫(اليديولوجيا) التي تتحكم في المجتمع‪.‬‬ ‫إيجابية تكافح الطاقة السلبية إ‬

‫السالم‬ ‫من الجاهلية إلى إ‬

‫وصل مهدت‬ ‫جاءت حركة الصعاليك وثورتهم ضد ظلم المجتمع الجاهلي كحلقة ٍ‬ ‫السالمي المثالي في عهد النبوة‪ .‬لقد حرك شعراء‬ ‫الطريق لظهور المجتمع إ‬ ‫ليتقدم نحو ظهور مجتمع يتميز بالعدل والمساواة‬ ‫الصعاليك عجلة التاريخ َّ‬ ‫فليس هناك مجتمع إنساني عدل بين جميع الناس غير مجتمع النبوة‪ .‬أ‬ ‫ولن العدل‬ ‫والمساواة أهم مطالب شعراء الصعاليك‪ ،‬فإننا ننظر إلى تلك المطالب باعتبارها‬ ‫دوافع نحو مجتمع طوباوي يحقق شروط الحياة المثالية‪ .‬تلك المثالية التي ظهرت‬ ‫في مجتمع النبوة تُظهر حركة التاريخ العربي من المجتمع الجاهلي التي تحكمت‬ ‫مجتمع انفتح فيه ذلك االنغالق‬ ‫فيه إيديولوجيا العنصرية والتخلف االجتماعي إلى‬ ‫ٍ‬ ‫النساني المثالي‪.‬‬ ‫اليديولوجي لتبرز بواعث اليوتوبيا والمجتمع إ‬ ‫إ‬ ‫بشروط لعل‬ ‫لن تتحقق اليوتوبيا ‪ -‬حسب الرؤية التي تؤمن بإمكانية تحققها ‪ -‬إال‬ ‫ٍ‬ ‫اليثار‬ ‫من أهمها التكافل االجتماعي بين أفراد المجتمع‪ .‬وفي شعر الصعاليك ظهر إ‬ ‫اليثار‬ ‫كباعث أو دافع للحصول على مجتمع مثالي‪ ،‬حيث أكد الشعراء على أهمية إ‬ ‫في نتاجهم‪ .‬وعمل تصويرهم الشعري للإيثار كدافع للناس نحو العيش في‬ ‫مجتمع مثالي‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬يقول الشنفرى‪:‬‬


‫إن ُمـ ـ َّـد ِت ْ‬ ‫َو ْ‬ ‫األي ـ ِـدي إل ــى ال ـ َّـز ِاد َل ـ ْـم ُأكـ ـ ْـن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـــوم أ ْع َج ُ‬ ‫ــــم ْإذ أ ْج َش ُ َ‬ ‫َبأ ْع َجلِ ِه ْ‬ ‫ـــل‬ ‫ـــع الق ْ ِ‬ ‫اليثار في بناء المجتمع البشري‬ ‫السالم على أهمية إ‬ ‫وفي السياق نفسه يأتي تأكيد إ‬ ‫السالمي‬ ‫دليال ً على تأثير بواعث اليوتوبيا في شعر الصعاليك على ظهور المجتمع إ‬ ‫المثالي الذي كفل حق الفقير قبل الغني وحق الضعيف قبل القوي‪.‬‬ ‫على المستوى الفني‪ ،‬يمكن اعتبار البناء الشعري عند الشعراء الصعاليك باعثاً‬ ‫طوباوياً يوحي بتوحيد المجتمع وبث روح التكافل االجتماعي بين أفراده‪ .‬وكأن‬ ‫ُ‬ ‫الحصول على‬ ‫الشعراء الصعاليك يقولون إنه بالوحدة االجتماعية يمكن للناس‬ ‫يقدمون نموذجاً للوحدة ظهر في البنية الشعرية‪ .‬ولسان‬ ‫مجتمع مثالي‪ .‬ولذا ِّ‬ ‫السالف أ‬ ‫حالهم يقول بأن الثورة على شعر أ‬ ‫والجداد الذي لم يتسم بالوحدة‬ ‫العضوية إنما هو نموذج يمكن محاكاته في التغيير االجتماعي‪.‬‬

‫النص وظروفه االجتماعية‬

‫ويحمل البناء الشعري في داخله أيضاً عملية توسطية بين النص وبين ظروفه‬ ‫الثقافية واالجتماعية‪ .‬تلك العملية التوسطية تتضمن عند أغلب الشعراء‬ ‫الصعاليك سمة شبه سردية‪ ،‬ساعدت في بث بواعث بين أفراد المجتمع للسعي‬ ‫نحو مجتمع مثالي‪ .‬أي إن الروح السردية عند الشعراء الصعاليك عكست العالقة‬ ‫بين النص والظروف االجتماعية التي نشأ فيها النص‪ .‬كذلك يمكن اعتبار الروح‬ ‫السردية دافعاً طوباوياً للحصول على مجتمع مثالي‪ ،‬إذ يظهر تأثير ذلك البناء‬ ‫الشعري غير المألوف عند الجاهليين في شعر الصعاليك كداللة توحي بتطور‬ ‫التاريخ من المجتمع الجاهلي الذي يهتم بالشعر كثيراً إلى مجتمع إسالمي أهم‬ ‫دعائمه السرد أو النثر الذي ظهر في أ‬ ‫الحاديث النبوية الشريفة‪.‬‬ ‫والعمال أ‬ ‫أخيراً‪ ،‬فإن الحصول على مجتمع مثالي أشبه ما يكون مستحيال‪ .‬أ‬ ‫الدبية‬ ‫ً‬ ‫والثقافية التي تسعى لتصوير ذلك المجتمع اختلفت في نهجها وتباينت في‬ ‫صور مجتمعاً مثالياً خالياً ال يمت للواقع بصلة‪ ،‬ويمكن أن‬ ‫تناولها‪ ،‬فمنها ما ّ‬

‫يأتي تأكيد اإلسالم على أهمية اإليثار في‬ ‫ً‬ ‫دليال على تأثير بواعث‬ ‫بناء المجتمع البشري‬ ‫اليوتوبيا في شعر الصعاليك على ظهور‬ ‫المجتمع اإلسالمي المثالي الذي كفل حق‬ ‫الفقير قبل الغني وحق الضعيف قبل القوي‬ ‫نسمي تلك أ‬ ‫العمال أعماال ً طوباوية‪ .‬لكن هناك أعماال ً أدبية وثقافية عملت على‬ ‫تصوير دوافع وحوافز تحث البشر نحو الحصول على مجتمع مثالي يكون بديال ً‬ ‫للمجتمعات آ‬ ‫النية‪ ،‬وهذه الحوافز أو الدوافع تمثل النقطة الرئيسة عند نقاد‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الدب والثقافة‪ ،‬لن تلك الدوافع الطوباوية تسعى لتحرير المجتمعات من ُعقد‬ ‫عرفها الناقد الفرنسي ألتوسير‬ ‫إ‬ ‫اليديولوجيا التي تسعى للتحكم بالبشر أو كما َّ‬ ‫«اليديولوجيا هي تلك التصورات التي تسعى لتشكيل الذات البشرية»‪،‬‬ ‫بقوله إن إ‬ ‫اليديولوجيا تمنح الفرد صفته الشخصية‪.‬‬ ‫أي إن إ‬ ‫الدوافع والحوافز التي ظهرت في شعر الصعاليك جعلتهم يسعون للحصول‬ ‫على مجتمع بديل للمجتمع الجاهلي الذي كان يعاني الظلم االجتماعي‪ .‬لذا نجد‬ ‫حافز للإنسان العربي في عصر الجاهلية‬ ‫أن الخروج على القبيلة ‪ -‬في حد ذاته ‪ٌ -‬‬ ‫صور الشعراء‬ ‫نحو الحصول على مجتمع يكفل العدالة االجتماعية‪ .‬أيضاً‪ّ ،‬‬ ‫اليديولوجية‬ ‫الصعاليك دوافع طوباوية للبشر تجعلهم يتخلصون من العقدة إ‬ ‫والخذ من أ‬ ‫في المجتمع الجاهلي‪ ،‬كان من أهمها اليثار‪ ،‬أ‬ ‫الغنياء إلعطاء الفقراء‪،‬‬ ‫إ‬ ‫والعمل الجماعي‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪67 | 66‬‬

‫فنان ومكان‬

‫أوجين ديالكروا‬ ‫والمغرب العربي‬ ‫عبدالرحمن الجوهري‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫لوحة «طنجة» (‪1838‬م)‬


‫أوجين ديالكروا‬

‫كان الرسام الرومنطيقي الفرنسي أوجين ديالكروا‬ ‫(‪1863 - 1798‬م) في العشرينيات من عمره عندما‬ ‫تفتقت عبقريته عن مجموعة لوحات تُعد رائدة في‬ ‫التيار الرومنطيقي ومؤسسة له‪ ،‬ومن مفاخر متحف‬ ‫«اللوفر» اليوم‪ ،‬مثل لوحته العمالقة «موت ساردا‬ ‫نابالوس» و«ومذبحة كيوس»‪ ،‬إضافة إلى تحفته‬ ‫الشهيرة «الحرية تقود الشعب» التي رسمها وهو في‬ ‫الثانية والثالثين من عمره عام ‪1830‬م‪ ،‬وتُعد صورة‬ ‫للروح الوطنية والثورية في فرنسا ورمزاً لها‪.‬‬

‫رحلته إلى المغرب‬

‫في عام ‪1832‬م‪ ،‬سافر ديالكروا برفقة دبلوماسي‬ ‫يُدعى لوكونت دي مورناي إلى المغرب‪ ،‬لمقابلة‬ ‫سلطانها وبحث بعض المستجدات التي طرأت غداة‬ ‫احتالل فرنسا للجزائر‪ .‬ووصلت البعثة الدبلوماسية‬ ‫هذه إلى طنجة في أواخر يناير من ذلك العام‪ ،‬ومنها‬ ‫انتقلت إلى مكناس لمقابلة السلطان وكان ذلك خالل‬ ‫شهري مارس وأبريل‪ ،‬قبل أن تعود أدراجها إلى فرنسا‬ ‫عبر وهران في الجزائر في يونيو ‪ -‬يوليو من ذلك‬ ‫العام‪.‬‬ ‫ستة أشهر أمضاها ديالكروا في المغرب العربي‪،‬‬ ‫لم تشغل المهمة الدبلوماسية إال بضعة أيام منها‪.‬‬ ‫فتس َّنى له أن يشبع فضوله وعطشه إلى استكشاف‬ ‫عالم يختلف كل االختالف عن المدينة الباريسية التي‬ ‫أراد الهروب منها وكأنه يكرهها‪ ،‬لالطالع على غيرها‪.‬‬ ‫رسم ديالكروا في هذه الرحلة مئات وربما آالف‬ ‫الرسوم ومن دون توقف‪ ،‬معظمها بالقلم الفحمي‪،‬‬

‫لوحة «صيد أ‬ ‫السود» (‪1855‬م)‬

‫باللوان المائية‪ ،‬أ‬ ‫وبعضها أ‬ ‫ومل دفاتر كاملة‬ ‫بالمالحظات التشكيلية حول مشاهداته‪ .‬أ‬ ‫المر الذي‬ ‫وفَّر له مخزوناً لرسم مئة لوحة ذات مواضيع شرقية‪،‬‬ ‫ظلت تشغله حتى وفاته في باريس بعد تلك الرحلة‬ ‫بعد ‪ 31‬سنة على تلك الرحلة‪.‬‬ ‫كان ديالكروا قد رسم بعض المواضيع االستشراقية‬ ‫قبل أن يزور المغرب‪ ،‬ولكن تلك التي أنتجها بعد‬ ‫المتخيل الذي ظهر‬ ‫الزيارة جاءت مختلفة عن الشرق‬ ‫َّ‬ ‫في لوحاته قبلها‪ ،‬فباتت تشكَّل مجتمعة فصال ً رئيساً‬ ‫من فصول سيرته الفنية‪ ،‬ومنها على سبيل المثال‬ ‫ال الحصر‪« :‬طنجة» (‪1838‬م) و«صيد أ‬ ‫السود»‬ ‫(‪1855‬م)‪« ،‬خيول عربية تتصارع في أ‬ ‫السطبل»‬ ‫(‪1860‬م)‪ ،‬و«مغربي يسرج حصانه» (‪1855‬م)‬ ‫وغيرها‪.‬‬

‫َّ‬ ‫تميزت هذه اللوحات ببلوغ‬ ‫لغة ديالكروا الفنية ذروتها‬ ‫من حيث قدرتها على التعبير‬ ‫عن الحركة المشحونة‬ ‫بالعواطف‪ ،‬األمر الذي‬ ‫وضعه على رأس المدرسة‬ ‫الرومنطيقية في فرنسا‬ ‫دون منافس قريب‪..‬‬

‫تميزت هذه اللوحات ببلوغ لغة ديالكروا‬ ‫جمالياً‪َّ ،‬‬ ‫الفنية ذروتها في القدرة على التعبير عن الحركة‬ ‫المشحونة بالعواطف‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي وضعه على رأس‬ ‫المدرسة الرومنطيقية في فرنسا دون منافس قريب‪.‬‬ ‫صب ديالكروا بأعماله هذه الزيت على نار‬ ‫وسياسياً‪َّ ،‬‬ ‫االستشراق‪ ،‬فاندفع عشرات الفنانين الفرنسيين إلى‬ ‫الشرق يبحثون عن مصادر إلهام مختلفة مشابهة‬ ‫لتلك التي ألهمت ديالكروا‪ ،‬خاصة بعدما ذاع قوله‬ ‫الشهير في وصف المغرب‪« :‬عند كل خطوة‪ ،‬هناك‬ ‫لوحات جاهزة للرسم يمكنها أن تُشغل عشرين جيال ً‬ ‫من الفنانين»‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪69 | 68‬‬

‫ً‬ ‫شعرا‬ ‫أقول‬

‫محمد أبو عبداهلل‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ما حاجتي للشعر‪ ،‬وهو دوائي!‬ ‫يف�ض ف� الشعر بمفهومه إ ن‬ ‫ال ت‬ ‫نسا� أن ينفصل أبداً عن ذات‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫بغ�ه ارتباطاً وثيقاً‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫الشاعر إ‬ ‫النسان‪ ،‬ح� وإن ارتبط ي‬ ‫ت‬ ‫لحة تمنع الشاعر من اق�اف ما يريده محيطه‪،‬‬ ‫فهو حاجة ُم َّ‬ ‫وتمنحه أن يتنفس ما يريد كما يريد هو‪ ،‬ي ن‬ ‫فب� الشعر والشاعر‬ ‫تندب الالمسافة ضيقها‪ ،‬ويرتبك الزمن ي ن‬ ‫ب� وجوده وال وجوده!‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تتقن إال أن تت�جم عاطفة الشاعر‪ ،‬وال‬ ‫فالشعر مرآة الروح ي‬ ‫يهمها إن كانت متناقضةً مع الواقع‪ .‬فالكائن الذي يبتكره الشاعر‬ ‫من حيث ال ينفك عن مجاورة الواقع ليس إال نظماً ال يصلح –‬ ‫ين‬ ‫التلح� والغناء!‬ ‫ربما ‪ -‬إال للتعليم أو‬ ‫فهمت من الشعر ف ي� أول لقاء بيننا أن مزاجه ال يستجيب‬ ‫بال�ورة ‪ -‬للمعطيات‪ ،‬فرفقته مساحةٌ واسعة من أ‬ ‫ ض‬‫اللم‬ ‫عنيد يحب أن يلح عليه حبيبه (الشاعر) مراراً‬ ‫الشهي‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫شحه‪ ،‬بعد هذا قد يفيض عليه دون‬ ‫ب‬ ‫ويص� عليه ويتحمل ّ‬ ‫توقف‪.‬‬ ‫المقل أو ث‬ ‫ّ‬ ‫المك� ‪ -‬عالقته‬ ‫ومن الظلم أن يخترص الشاعر ‪ -‬سواء‬ ‫ت‬ ‫ال� ال‬ ‫‬‫النصوص‬ ‫بعض‬ ‫بالشعر ف ي� مجموعاته الشعرية‪ .‬ففي‬ ‫ي‬ ‫تصلح ش‬ ‫مفاتيح رسمت فتوحات الشاعر عىل‬ ‫للن� لسبب ما ‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫ت‬ ‫خرائط أخرى لم يكن ح� ليلتفت لها لوال هذه النصوص‪،‬‬ ‫استمع للقصائد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫بكث� من مجرد مجموعة شعرية!‬ ‫أك� ي‬ ‫فالشعر والشاعر منظومة ب‬ ‫المنصة أو من‬ ‫ع�‬ ‫إال‬ ‫للمتلقي‬ ‫تظهر‬ ‫صحيح أن هوية الشاعر ال‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫خالل طبع مجموعة شعرية‪ ،‬وال تخلد ‪ -‬ربما ‪ -‬إال إذا حكم عليها‬ ‫الوقت أن تُكتب‪ ،‬لكن المجموعات الشعرية قد ال تكون إال نتاج‬ ‫نصوص أخرى لم يحكم عليها الوقت أو الشاعر بأن تُكتب!‬ ‫يُقال إن الشعر هو وسيلة الشاعر لمراودة ذاته‪ ،‬أما أنا فما زلت‬ ‫ع� عاماً‪ ،‬أتنفسه وهو ن‬ ‫ن‬ ‫اث� ش‬ ‫يكتب�‪ ،‬لم‬ ‫ي‬ ‫أتنفس الشعر منذ ي‬ ‫أكتب قصيدة واحدة‪ ،‬لكن مجموعة كاملة ن‬ ‫كتبت�‪ ،‬فأنا أؤمن بأن‬ ‫ي‬ ‫الشاعر ال يكتب النص وإنما الشاعر هو النص والشعر يكتبه‪.‬‬ ‫نصوص من العتمة‪ .‬الحلكة كانت‬ ‫كث�اً ف ي� تخليص‬ ‫عانيت ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫لكن� كلما‬ ‫ن� أال أرى من فخاللها شيئاً! ي‬ ‫تعطي� شعورا بالمان ل ي‬ ‫ي‬ ‫نصوص‬ ‫قررت أن أخطو خطوة إىل المام‪ ،‬أتردد ي� إطالق رساح‬ ‫ي‬ ‫ال� ما زالت ف� المعتقل‪ ،‬حيث ن‬ ‫ت‬ ‫ينتاب� شعور بالقلق حيال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ن� أراها أقل مما أريد!‬ ‫ن�ها ي� أول شهقة للضوء ل ي‬ ‫المرأة ‪ -‬بالنسبة يل كرجل ‪ -‬هي بوصلة الحياة وحياة الشعر‪،‬‬ ‫تش� باتجاهها ف ي� كل الظروف‪ ..‬ولذلك‪ ،‬فإن االنطالق‬ ‫الحياة ي‬ ‫من خاللها يشكِّل هاجساً مثالياً يوجه العاطفة بشكل صحيح‪،‬‬ ‫فالمعاناة والخوف والقلق الذي تحمله المرأة ف ي� حياتها تجاه‬ ‫عائلتها شبيه بمعاناة وخوف وقلق الشاعر تجاه مجتمعه ووطنه‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تكتبها‬ ‫ولهذا‪ ،‬فإن المرأة بالنسبة يل هي شاعرة الحياة ي‬ ‫قصائدها‪.‬‬


‫هجرة ف ي� موسم السقوط‬ ‫ن‬ ‫ماذا ت‬ ‫اطمئنا�؟‬ ‫لترسق‬ ‫فت‬ ‫َ‬ ‫اق� َ‬ ‫ي‬ ‫لتكون أنت رؤاي ي ن ن‬ ‫أعا�؟!‬ ‫ح� ي‬ ‫أ‬ ‫ما زلت أ‬ ‫شياء‬ ‫بالذنوب‬ ‫أمل‬ ‫ُ‬ ‫هواجس ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫منكَ‬ ‫فأربكت ي ز‬ ‫م� ن يا�‬ ‫ْ‬ ‫للغياب‪،‬‬ ‫أنا ما ادخرتُكَ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫فكيف‬ ‫تسلب� الظما‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫وشهيةَ الغفر ِان؟!‬ ‫ّ‬ ‫أحالم‬ ‫يل فيكَ‬ ‫ٌ‬ ‫تسافر بيننا‬ ‫ُ‬ ‫قد هاجرتكَ‬ ‫ن‬ ‫عنوا�!‬ ‫عت‬ ‫وضي ْ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫فبحثت ف ي� عمر المسافة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لم أجد‬ ‫غ� الخطى‬ ‫يَ‬ ‫والشك‬ ‫والنسيان‬ ‫ِ‬ ‫أولست من ن‬ ‫علمت� يوماً‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫بأن الشك‬ ‫َّ‬ ‫يقدح نشو َة الف ّن ِان؟!‬ ‫أ‬ ‫يام فيكَ تساقطت‬ ‫ما بالها ال ُ‬ ‫ف‬ ‫التيه‬ ‫تف�كتها ي� ِ‬ ‫مكان؟‬ ‫َ‬ ‫دون ِ‬ ‫هل أدمنتكَ ِغوايةُ ض‬ ‫الما�‬ ‫ي‬ ‫دمان؟!‬ ‫بعد براء ُة إ‬ ‫فلم تُ ْش ِبعكَ ُ‬ ‫ال ِ‬ ‫تؤمن بالقصيدة‬ ‫أم َ‬ ‫كنت ُ‬ ‫يمان؟!‬ ‫ريثما خذلتك منها رعشةُ إ‬ ‫ال ِ‬

‫افتح جنونك‪،‬‬ ‫يفتض صوت الروح‬ ‫ال تدع للعقل أن َّ‬ ‫والتحنان‬ ‫درب حالكٌ‬ ‫فالعقل ٌ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫لوان؟!‬ ‫ّأ� ُله أن يشتهي حريّةَ ال ِ‬ ‫ف‬ ‫مفرد‬ ‫مدار ٍ‬ ‫العقل يسبح ي� ٍ‬ ‫ف‬ ‫مدار‬ ‫وأنا أريدكَ ي� ٍ‬ ‫ثان‬ ‫ِ‬ ‫وجعا ً‬ ‫بديل عنكَ‬ ‫ال تنتخب ً‬ ‫أ‬ ‫فالحالم ال تمتد‬ ‫رهان‬ ‫َ‬ ‫دون ِ‬ ‫ُعد ب ي� لذاتكَ‬ ‫حيث ك ّنا‬ ‫ُ‬ ‫ح� أسقط‬ ‫ي نَ‬ ‫ن‬ ‫ال تفرط لحظةً‬ ‫بحصا�‬ ‫ي‬ ‫فلربّما كان السقوط‬ ‫�ض يبةً تكفي‬ ‫الفرسان‬ ‫مخاوف‬ ‫لفهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫هذا ت‬ ‫ال�د ُد‬ ‫ليس إال جرأ ًة‬ ‫َ‬ ‫نحتاجها‬ ‫الوجدان‬ ‫لفضيحة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ينضج بالفضيحة‬ ‫فالشعر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫طالما لم يلتفت‬ ‫آ‬ ‫ذان‬ ‫لسذاجة ال ِ‬ ‫خذ ما تبقى منكَ‬ ‫وابدأ رحلةً أخرى‬ ‫النسا�ن‬ ‫ّ‬ ‫ترم ُم طبعكَ إ ي‬ ‫اكب تشتهيكَ‬ ‫كل المر ِ‬ ‫بدت‬ ‫وإن ْ‬ ‫الشطآن‬ ‫مأخوذ ًة بطفولة‬ ‫ِ‬ ‫والبحر إن جافاكَ‬ ‫فهي ُسجية أ‬ ‫شواق‬ ‫ال‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫البحر‬ ‫ي نَ‬ ‫ب� ِ‬ ‫والربّ ِان‬


‫‪71 | 70‬‬

‫ذاكرة القافلة‬

‫الجوف‬

‫تاريخ عريق ومستقبل زاهر‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ضمن استطالعاتها‬ ‫َّ‬ ‫المصورة حول‬ ‫مناطق المملكة‪،‬‬ ‫نشرت «القافلة»‬ ‫في عددها لشهر شوال ‪1389‬هـ‬ ‫(ديسمبر ‪ / 1969‬يناير ‪1970‬م)‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مصورا حول منطقة‬ ‫استطالعا‬ ‫الجوف‪ ،‬أجراه عصام العماد‪ ،‬وفيما‬ ‫يأتي مقتطفات مما جاء فيه‪:‬‬ ‫الجوف عبارة عن واحة خصبة جيدة الزراعة غزيرة‬ ‫المياه‪ ،‬تحيط بها صحراء شاسعة‪ ،‬يحدها من‬ ‫الشرق والشمال الشرقي إمارة الحدود الشمالية‪،‬‬ ‫ومن الشمال الغربي منطقة القريات‪ ،‬ومن الغرب‬ ‫إمارة المقاطعة الشمالية (تبوك)‪ ،‬ومن الجنوب‬ ‫منطقة حائل‪ .‬وكانت الجوف في السابق تتمتع‬ ‫بموقع جغرافي كبير أ‬ ‫الهمية‪ ،‬وذلك لوقوعها في‬ ‫وسط الطريق الذي يربط بين الجزيرة العربية وبالد‬ ‫ممر قوافل التجار‪ ،‬والواحة الوحيدة‬ ‫الشام‪ ،‬فكانت َّ‬

‫صاحب السمو الملكي األمير أحمد بن عبدالعزيز ومعالي األمير عبدالرحمن األحمد السديري أثناء زيارتهما لمكتبة الثقافة في سكاكا‬

‫سوق للبيع‬ ‫بين العقبة والعراق‪ ،‬وكان للعرب فيها ٌ‬ ‫والشراء‪ ،‬يقيمونها في غرة ربيع أ‬ ‫الول من كل عام‪.‬‬

‫تاريخ المنطقة‬

‫ُعرفت الجوف عبر التاريخ باسم «دومة الجندل»‪،‬‬

‫بقايا مدينة دومة الجندل األثرية وقد بدت المنازل فيها متراصة مزدحمة‪ ،‬وتبدو في مقدمة الصورة مئذنة الجامع األثري الذي ينسب‬ ‫بناؤه إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‬

‫وهو االسم الذي تحمله إحدى قرى الجوف‬ ‫العريقة التاريخية‪ .‬ويقال إن باني هذه القرية هو‬ ‫«دوماء بن إسماعيل»‪ .‬وقد ورد في معجم البلدان‪:‬‬ ‫«لما كثر ولد إسماعيل ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬بتهامة‪،‬‬ ‫خرج «دوماء بن إسماعيل» حتى نزل في موضع‬ ‫دومة‪ ،‬وبنى به حصناً‪ ،‬فقيل دوماء‪ ،‬ونُسب الحصن‬ ‫إليه»‪ .‬وورد في بعض المراجع التاريخية أن دومة‬ ‫الجندل كانت فيما مضى مملكة مستقلة تحكمها‬ ‫ملكة تدعى «تلعخومة» قامت بينها وبين آ‬ ‫الشوريين‬ ‫ُ‬ ‫معارك دامية وذلك عام ‪ 750‬ق‪.‬م‪ .‬ويعتقد بعض‬ ‫المؤرخين أن الجوف خضعت فترة من الزمن للحكم‬ ‫الروماني‪ ،‬وهناك من آ‬ ‫الثار الرومانية الباقية ما يثبت‬ ‫صحة ذلك‪.‬‬ ‫السالمية‪ ،‬كانت الجوف تخضع‬ ‫وفي عهد الفتوح إ‬ ‫لـ «أكيدر بن عبدالملك بن أعيا بن الحارث بن‬ ‫معاوية السكوني الكندي» الذي اتخذها حصناً‬ ‫منيعاً داخل أسوار دومة الجندل ال تزال آثاره قائمة‬ ‫حتى اليوم‪ ،‬ويعرف باسم «حصن أكيدر»‪ ،‬فوجه‬ ‫إليه النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬خالد بن الوليد‬


‫إثر احتالل تبوك‪ ،‬فحاصر الحصن (‪ .)...‬وافتتح‬ ‫دومة الجندل‪ ،‬وذلك في السنة التاسعة للهجرة‪.‬‬ ‫واقتاد خالد بن الوليد «أكيدر» إلى النبي ‪ -‬صلى هللا‬ ‫عليه وسلم ‪ ،-‬فأكرم النبي وفادته‪ ،‬وصالحه‪ ،‬وأقره‬ ‫على ما في يده‪ .‬وجاء في كتاب «الفتوح» ألحمد‬ ‫بن جابر‪ ،‬أن «أكيدر» أسلم بعد صلحه مع النبي‬ ‫ عليه السالم ‪ .-‬وفي عهد الخلفاء الراشدين نقض‬‫«أكيدر» الصلح‪ ،‬فغزاه عمر بن الخطاب وأجاله‬ ‫عن دومة الجندل إلى الحيرة‪ .‬وقد قال الشاعر في‬ ‫وصف إجالء عمر بن الخطاب ألكيدر عن دومة‬ ‫الجندل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫تحمل غدو ًة‬ ‫ا‬ ‫ظعن‬ ‫أى‬ ‫يا من ر‬ ‫ّ‬ ‫شجوه يعنيني‬ ‫من آل أكدر‬ ‫ُ‬ ‫قد َّبدلت ظعناً بدار إقامة‬ ‫أشم حصين‬ ‫والسير من‬ ‫حصن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وقد شهدت دومة الجندل التحكيم بين علي بن أبي‬ ‫كرم هللا وجهه ‪ -‬ومعاوية بن أبي سفيان‪،‬‬ ‫طالب ‪َّ -‬‬ ‫على قول بعض الرواة‪ ،‬وذهب أكثرهم إلى أنه كان‬ ‫في أذرح‪.‬‬

‫سكان المنطقة وعاداتهم‬

‫يبلغ عدد سكان منطقة الجوف حوالي مئة ألف‬ ‫نسمة‪ ،‬نصفهم تقريباً من البدو الرحل‪ ،‬أما‬ ‫الحضر منهم فينتمون إلى «بني خالد» و«عيبة»‬ ‫و«السرحان» و«شمر»‪ .‬ويقيمون في بلدتي الجوف‬ ‫وسكاكا الرئيستين وفي اثنتي عشرة قرية‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫الطوير‪ ،‬وقارا‪ ،‬واللقائط‪ ،‬والشويحطية‪ ،‬والطويل‪،‬‬ ‫ومغيرا‪ ،‬والمرير‪ ،‬والعيساوية‪ ،‬والنبك أبو قصر‪،‬‬ ‫واللحاوية‪ ،‬والتنبة‪ ،‬وخوعاء‪ .‬وينتمي البدو إلى قبائل‪:‬‬ ‫الروالة‪ ،‬والحازم‪ ،‬والهميزات‪ ،‬والشرارات‪ ،‬وعنزة‪،‬‬ ‫وشمر‪ .‬وتغلب على سكان المنطقة روح البداوة بما‬ ‫تتصف به من شجاعة ونخوة وإكرام الضيف‪.‬‬

‫سباق الجمال يقام سنوياً في الجوف‪ ..‬حتى الجمال يسترعيها السباق‬

‫النشاط الزراعي‬

‫يعتمد غالبية سكان منطقة الجوف في حياتهم على‬ ‫الزراعة وتربية الماشية وتجارتها‪ ،‬وتتوفر لديهم‬ ‫أ‬ ‫السباب الحافزة للنجاح وهي التربة الجيدة والمياه‬ ‫الغزيرة‪ ،‬والمناخ المعتدل‪ .‬وإلى جانب ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫الوحدة الزراعية هناك تسعى جاهدة إلى تنشيط‬ ‫الحركة الزراعية‪ .‬وقد قامت في المنطقة حديثاً مزارع‬ ‫ناجحة أعطت محاصيل جيدة عادت على أصحابها‬ ‫بدخل جيد‪ .‬ومن منتجات المنطقة الرئيسة التمور‪،‬‬ ‫والعنب‪ ،‬والخوخ‪ ،‬والمشمش‪ ،‬والرمان‪ ،‬والبطيخ‪،‬‬ ‫والشمام‪ ،‬والخضراوات بأنواعها‪ ،‬وكذلك القمح‬ ‫والشعير والبرسيم‪.‬‬

‫النشاط الفكري‬

‫مع أن الحركة الفكرية هناك تسير سيراً وئيداً‪ ،‬إال أن‬ ‫يبشر بمستقبل‬ ‫إقبال الجيل الصاعد على تلقي العلم ِّ‬ ‫أدبي زاهر‪ .‬ويوجد في المنطقة حالياً ‪ 28‬مدرسة‬ ‫ابتدائية للبنين‪ ،‬وست مدارس متوسطة وثانوية‪،‬‬ ‫وخمس مدارس ابتدائية للبنات‪ ،‬ومعهد إلعداد‬

‫المعلمات‪ ،‬عدا عدد من المدارس التي ما زالت قيد‬ ‫النشاء‪ ،‬وتشجيعاً للناشئة على العلم والتحصيل‪،‬‬ ‫إ‬ ‫وتعميماً للفائدة أنشأ معالي أ‬ ‫المير عبدالرحمن‬ ‫أ‬ ‫الحمد السديري في سكاكا مكتبة ثقافية عامة على‬ ‫نفقته الخاصة‪ ،‬بعد أن زودها بحوالي ‪ 2500‬كتاب‬ ‫تبحث في مختلف العلوم‪.‬‬

‫الحركة العمرانية‬

‫تبدو في الجوف تباشير حركة عمرانية ناشطة يسهم‬ ‫في إنعاشها كل من الحكومة أ‬ ‫والهلين‪ .‬فالحكومة‬ ‫تشق الشوارع الرئيسة التي تربط قرى الجوف بعضها‬ ‫ببعض‪ ،‬وتنشئ المدارس والمستشفيات وغيرها من‬ ‫وتعبد الشوارع داخل القرى الرئيسة‬ ‫المرافق العامة‪ِّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫وتنيرها بالكهرباء‪ ،‬والهلون يتطلعون إلى إقامة‬ ‫العمائر والمنازل الصحية الحديثة‪.‬‬

‫الصناعات المحلية‬

‫أما الصناعة في منطقة الجوف فتقتصر على إنتاج‬ ‫الحرف اليدوية المحلية‪،‬‬ ‫مواد البناء الضرورية وعلى ِ‬ ‫كصناعة الخناجر والسيوف وصياغة المجوهرات‪.‬‬ ‫وكانت الجوف لمدة طويلة خلت‪ ،‬مشهورة بصناعة‬ ‫العبي‪ ،‬إال أن هذه الصناعة أخذت تضمحل تدريجياً‬ ‫حيث لم يعد لها أثر يُذكر‪.‬‬ ‫وتوجد في الجوف ثالثة مستوصفات وثالثة مراكز‬ ‫بالضافة إلى مستشفى سكاكا الذي يتسع‬ ‫صحية‪ ،‬إ‬ ‫لعشرين سريراً‪ .‬ونظراً لطيب مناخ المنطقة يجري‬ ‫حالياً إنشاء مستشفى أ‬ ‫للمراض الصدرية هناك يتسع‬ ‫لمئتين وخمسين سريراً‪.‬‬

‫في سكاكا مزارع ناجحة تنتج مختلف أنواع الفاكهة والخضار وخاصة الحمضيات‬

‫تصوير‪:‬‬ ‫عبداللطيف‬ ‫يوسف‬

‫اقرأ المزيد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫عثرت عليها في قاموس المنهل (فرنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫للفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫مكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد المدلوالت التــي نحتاجها في علوم الحيوان‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫لمختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫العولمة َوتَجاويفهَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫ُوف والمَغَ ارَات‬ ‫في ال ُكه‬ ‫يعيش‬ ‫الفصحى ُ‬ ‫صفة للحيوان الذي‬ ‫إزميل‬ ‫بين‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في الأرض والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫الكيبورد‬ ‫للحيوان الذي يعيش فــي الأحْ رَاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫ومفاتيحَرِجٌ ‪ :‬صفة‬ ‫عيش في الجبال‪ ¯.‬مُحْ ت‬ ‫ل‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫ــب‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ ٌ‬ ‫مخْ ت َِش ٌ‬ ‫لذي يعيش في ال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫مصطَ ِح ٌر (أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في َّ‬ ‫ْ‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ من َك ِل َمت ْ‬ ‫لمَاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪ُ .‬م ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ال َمنَاقِ ع والمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫عثرت عليها في قاموس المنهل (فرنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫للفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫مكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد المدلوالت التــي نحتاجها في علوم الحيوان‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫لمختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫يعيش في ال ُكهُوف والمَغَ ارَات َوتَجاويفهَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫صفة للحيوان الذي ُ‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في الأرض والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫عيش في الجبال‪ ¯.‬مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش فــي الأحْ رَاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫ل‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫ــب‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ ٌ‬ ‫مخْ ت َِش ٌ‬ ‫لذي يعيش في ال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫مصطَ ِح ٌر (أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في َّ‬ ‫ْ‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ من َك ِل َمت ْ‬ ‫لمَاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪ُ .‬م ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ال َمنَاقِ ع والمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫عثرت عليها في قاموس المنهل (فرنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫للفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫مكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد المدلوالت التــي نحتاجها في علوم الحيوان‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫لمختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫يعيش في ال ُكهُوف والمَغَ ارَات َوتَجاويفهَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫صفة للحيوان الذي ُ‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في الأرض والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫عيش في الجبال‪ ¯.‬مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش فــي الأحْ رَاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫ل‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫ــب‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ ٌ‬ ‫مخْ ت َِش ٌ‬ ‫لذي يعيش في ال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫مصطَ ِح ٌر (أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في َّ‬ ‫ْ‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ من َك ِل َمت ْ‬ ‫لمَاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪ُ .‬م ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ال َمنَاقِ ع والمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫‪73 | 72‬‬

‫لغويات‬

‫نزار قبيالت‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫عقود َخلت‬ ‫مر الكيان العربي عبر ٍ‬ ‫َّ‬ ‫قادته إلى‬ ‫بعديد‬ ‫حادة ُ‬ ‫تحوالت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫حالة انفصام وتوهان‪ ،‬وأبعدته‬ ‫كثيراً عن مرابضه أ‬ ‫الولى؛ فضاع‬ ‫ِ‬ ‫في ِتيه الرقمية الجديدة بعد أن‬ ‫تخلّى عن القافلة والعيس‪ ،‬ولذا فهو اليوم بحاجة‬ ‫ِلمن يعيد له ثوبَه الذي خلعه وارتدى بدال ً منه شيئاً ال‬ ‫يُناسب قيافَته البتة؛ فبعد هدير التحوالت المتتابعة‬ ‫لم يعد لدينا شي ٌء نبرزه للجيل القادم الذي جاءت‬ ‫محاصيل قطافه أ‬ ‫الولى غير مطمئنة‪ٌ ،‬‬ ‫جيل يمسك‬ ‫ِ‬ ‫بـ آ‬ ‫«اليباد» كأنه اليراع‪ ،‬ويجلس طويال ً أمام قنوات‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫جداته‪،‬‬ ‫الفالم الجنبية أكثر ما يجلس في أحضان ّ‬ ‫إنه جيل الوجبة الجاهزة الذي ينتمي آ‬ ‫للخر بدعوى‬ ‫الرفعة‪ ،‬ويمارس مع ماضيه وحاضره قطيعة شنعاء‪.‬‬ ‫بعد من مكونات هويته العربية‬ ‫يتثبت ُ‬ ‫هذا الجيل لم ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مقدمتها اللغة العربية‪ .‬إنه جيل قف َز إلى‬ ‫التي في ّ‬ ‫يمر بمرحلة التأسيس والتأصيل‪،‬‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫السارية‬ ‫أعلى‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫فلُغتنا اليوم لم تعد تعني أحدا وإن شا َع بأنّها من‬ ‫الُممية المثبتة في نواميس منظمات أ‬ ‫اللغات أ‬ ‫المم‬ ‫ُ َ‬ ‫أ‬ ‫المتحدة‪ ،‬وبأنها لغةٌ‬ ‫نجمها ستنجو من الفول‬ ‫ٌ‬ ‫ساطع ُ‬ ‫القادم‪ ،‬غير أن عدداً من سدنتها ُومدركيها باتوا‬ ‫الخطر المحدق‪ ،‬فقد ُصنفت العربيةُ‬ ‫يستشعرون َ‬ ‫ورسمها يختفيان بين‬ ‫مر ٍات ومرات وراحت إيقاعاتها ُ‬ ‫تالفيف اللهجات والدارجة؛ فمر ًة على أُسس عرقية‬ ‫متحدثيها شرقاً وغرباً‪،‬‬ ‫ومناطقية تتبع لخصوصية ّ‬ ‫ً‬ ‫سهال ً ووادياً‪ ،‬ومرة أخرى بشكل عمودي تبعا للطبقة‬ ‫االقتصادية‪ ،‬إذ لهجة المترفين غير تلك اللهجة التي‬ ‫تُبتسر وتضيق على ألسنة أصحابها كلما ضاق الشارع‬ ‫وازدحم بقاطنيه‪.‬‬

‫ومما ال شكّ فيه أن المعطيات االجتماعية الحديثة قد‬ ‫تغيرت وأن مساحة البون بين أ‬ ‫الصيل والمعاصر قد‬ ‫تفاقمت وما تلبث تتسع وتتسع‪.‬‬ ‫لقد َر ّخصت وزارات التربية والتعليم في العالم‬ ‫العربي َ‬ ‫عمل المدارس الخاصة‪ ،‬وكان ذلك أمراً غير‬ ‫مصادر‬ ‫تنويع‬ ‫أساس من‬ ‫مرفوض بل يُ َقبل على ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُسية وتباين أساليب التعلّم‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫التعليم والتناف ّ‬ ‫ضع ُخططها‬ ‫مضي الوقت راحت تلك المدارس تَ ُ‬ ‫وبعد ِّ‬ ‫اسية خاليةً من مناهج العربية‪ ،‬وتعدها مساقاً‬ ‫الدر ّ‬ ‫من مساقات الثقافات أو مهارات التواصل‪ ،‬وكانت‬ ‫دعوى القائمين على هذه المدارس هي أن ملتحقي‬ ‫هذا البرنامج هم ِممن لم يدرسوا العربية أبداً أو‬ ‫ِممن و ِلدوا في بيئات غير عربية‪ ،‬وهو ما يطلق عليهم‬ ‫بالجيل «الهجين»‪ ،‬غير ّأن الغلو في هذا ال ّتوجه‬ ‫سيحطم أشيا َء ثمينةً يدركها العارفون؛ فأمر تيسير‬ ‫حد السذاجة ال يستأهل‬ ‫اللغة العربية وتبسيطها إلى ّ‬ ‫أن تُلغى العربية من المناهج المدرسية‪ ،‬إذ اللغة وعا ُء‬ ‫فكر وتاريخ وجغرافيا وفلسفة ومنطق ومهارات تواصل‬ ‫ٍ‬ ‫الولى والالفتة أ‬ ‫وتداول‪ ،‬فاللغة بمنزلة «السيما» أ‬ ‫البرز‬ ‫أ‬ ‫كيان بشري‪ ،‬واالبتعاد عنها يعني تعويم التربية‬ ‫لي ٍ‬ ‫الثقافية باعتبارها شكال ً أصيال ً من‬ ‫وإلغاء خصوصيتنا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أشكال الوجود العالمي وجزءا إنسانيا حاضرا وفاعال ً في‬ ‫أ‬ ‫الوساط العالمية‪.‬‬ ‫يكاد حضور العربية أن ينحصر اليوم على ألسنة‬ ‫الخطباء والمؤرخين وأهل أ‬ ‫الدب‪ ،‬ففضال ً عن اللغات‬ ‫المحكية وما تحطّمه هذه المحكيات من الفصحى‪،‬‬ ‫فإن العربية تعاني أيضاً ازدواجاً ي َتم ّثل بتداول‬ ‫إالنجليزية والفرنسية بشكل جلي يكاد يطغى عليها‪.‬‬ ‫ال سيما في أ‬ ‫السواق وعلى اليافطات وفي «الموالت»‬

‫ذوقي مفا ُده أن‬ ‫بصرك‪ ،‬فالتر ُ‬ ‫وأين يقع ُ‬ ‫اجع هنا ّ‬ ‫شهيته‬ ‫إالنجليزية تُلهب حماس‬ ‫ّ‬ ‫المتسوق العربي وتثير ّ‬ ‫بدرجة أكبر من العربية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الذّ‬ ‫الحالة‬ ‫جلد ات والتباكي على‬ ‫ِ‬ ‫ولكي نتجاوز مربّع ِ‬ ‫التي وصلت إليها العربية ال بد لنا بدايةً من تهيئة‬ ‫ستنقذ ما تبقى من‬ ‫بعض الحلول الجادة التي ِ‬ ‫العربية بعد أن َع ِملت بها لغة «الشات» البالستيكية‬ ‫ثنائية لُغويّة وازدواجية؛ إذ إن لغة‬ ‫ّ‬ ‫المكونة من ّ‬ ‫والحوار بين أبناء عصر آ‬ ‫«اليباد» هذا‪ ،‬هي‬ ‫التخاطب‬ ‫بشيء من إالنجليزية والفرنسية‪،‬‬ ‫المم ُزوجة‬ ‫ٍ‬ ‫العاميات َ‬ ‫ّ‬ ‫لغةٌ التقطت َعدوى السرعة والخفة في التواصل‬ ‫روح العربية وأفقدتها‬ ‫والتوصيل‪ ،‬لغةٌ أ نَالت من ِ‬ ‫بريقَها‪ ،‬وفي الثناء يرى لغويّون وتربويّون أن ثمة‬ ‫المنجز الرقمي لصالح تعليم العربية‬ ‫أمال ً في تطويع ُ‬ ‫اللعاب الرقمية التي تستهدف أ‬ ‫للناشئة‪ ،‬فج ّل أ‬ ‫الطفال‬ ‫ُ‬ ‫والشراف عليها‪ ،‬كما ويُمكن اقتصار‬ ‫تعريبها إ‬ ‫يمكن ِ‬ ‫التخاطب في مواقع التواصل االجتماعي على العربية‪،‬‬ ‫لمؤسسة عربية تتولى مسؤولية هذا‬ ‫غير أن حاجتنا‬ ‫ٍ‬ ‫المشروع ومراقبته وإنجاحه هي ما نفتقر إليه اليوم‪.‬‬ ‫ناقوس الخطر وعقد مزيد من‬ ‫إذاً‪ ،‬هناك حاجةٌ ِّ‬ ‫لدق ِ‬ ‫الملتقيات والمؤتمرات التي تُعنى بهذا الشأن‪ ،‬ذلك‬ ‫التئاد‬ ‫بعد أن تطورت أداة العصر رقمياً ولم تلتفت ِ‬ ‫العربي وبدأت تخطف منه أبناءه‪ ،‬ويبقى التساؤل إلى‬ ‫شيء ويستهلك حتى‬ ‫متى نبقى مجتمعاً يستورد ّكل ٍ‬ ‫اللغة من آ‬ ‫الخر؟‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫عبود عطية‬

‫عصام جميل‬

‫تجريد مقروء ولمسة من‬ ‫الرمزية وكثير من الشغف‬

‫فرشاة وإزميل‬

‫تنطوي زيارة أي محترف فني على شيء‬ ‫من المتعة‪ ،‬التي قد تكبر عندما يجد المرء‬ ‫نفسه أمام أعمال شهيرة ومعروفة‪ ،‬ولكنها‬ ‫ال تصل ً‬ ‫أبدا إلى تلك المتعة التي يشعر بها‬ ‫الزائر عندما يقف أمام أعمال فنية يجهلها‪،‬‬ ‫وتتميز بمستوى من الجمال والجدية‬ ‫واإلتقان أعلى بكثير مما كان يعلم أو يتوقع‪.‬‬ ‫فمتعة االكتشاف تنطوي على ذلك الشعور‬ ‫ِّ‬ ‫المتولد عن «معرفة ما ال‬ ‫الغامض واللذيذ‬ ‫يعرفه كثيرون»‪ .‬وكان هذا بالضبط شعورنا‬ ‫خالل زيارة محترف الفنان عصام جميل‬ ‫واستكشافه‪.‬‬


‫‪75 | 74‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ليس في محترف الفنان عصام جميل بحد ذاته‬ ‫ما يُدهش‪ .‬فهو يشبه إلى حد بعيد محترفات‬ ‫النحاتين المعاصرين بغلبة أدوات القطع‬ ‫والنشر والصقل الكهربائية منها واليدوية‪ ،‬وكثير‬ ‫من الغبار أينما كان‪.‬‬ ‫وقد يكون هذا المحترف أكثر تواضعاً من غيره من جهة الحجم‪،‬‬ ‫ولوال تلك الصخرة أمام الباب وثالث منحوتات في الداخل‪ ،‬لبدا‬ ‫أشبه بتلك الورش الصناعية الصغيرة في حي الثقبة‪ ،‬علماً أن‬ ‫محترف عصام جميل يقع في واحدة من أرقى نواحي الظهران‪،‬‬ ‫قرب فرع وزارة البترول والثروة المعدنية في المنطقة الشرقية‪.‬‬ ‫الداري في‬ ‫يقول الفنان إنه اختار هذا الموقع لقربه من مكان عمله إ‬ ‫فرع الوزارة‪ .‬فما إن ينتهي الدوام حتى يهرع إلى صخوره وحجارته‬ ‫ليعمل عليها‪.‬‬ ‫المنحوتات الثالث في المحترف كانت ال تزال غير مكتملة‪ .‬وعندما‬ ‫رآنا نَ ُه ُّم بالتقاط صورة إلحداها عرض علينا غسلها من الغبار‬ ‫المتكدس عليها لتظهر مادتها الحجرية على حقيقتها‪ .‬وهناك عرفنا‬ ‫ِّ‬ ‫أن الحجر الغالب على المواد التي يستخدمها هو الحجر الرسوبي‬ ‫المعروف باسم حجر الرياض‪ ،‬وهو حجر أصفر اللون‪ ،‬الحظنا من‬ ‫خالل مقارنة السطح أ‬ ‫الملس إلحدى المنحوتات هناك بالصخرة‬ ‫الخام أمام الباب‪ ،‬أن لون هذا الحجر يصبح فاتحاً أكثر بعد‬ ‫التلميع‪ .‬وبجوار حجر الرياض‪ ،‬أو حتى معه‪ ،‬يستخدم عصام‬ ‫جميل الخشب كما هو الحال في منحوتة «الغجرية» التي تجتمع‬ ‫فيها المادتان‪ ،‬وأيضاً الحجر الرسوبي المستخرج من المنطقة‬ ‫الشرقية ورخام نجران كما عرفنا الحقاً‪.‬‬ ‫ويلفتنا الفنان إلى أنه ينفِّذ في هذا المحترف أ‬ ‫العمال الصغيرة‬ ‫الحجم فقط‪ .‬أما أ‬ ‫العمال الكبيرة‪ ،‬فينفذها على الموقع الذي‬ ‫ستقام وتبقى فيه‪.‬‬

‫أعماله على الشاشة الصغيرة‬

‫أ‬ ‫العمال الثالثة التي شاهدناها في الورشة كانت كافية إلعطائنا‬ ‫أ‬ ‫مجرد لمحة موجزة عن اتجاهه الفني‪ ،‬ولن االطالع على الحقيقة‬ ‫الكاملة ألعماله يتطلب رؤية المزيد‪ ،‬دعانا عصام جميل إلى مكتبه‬ ‫لمشاهدة هذه أ‬ ‫العمال على شاشة الكمبيوتر‪ .‬وما إن فتح الملف‬ ‫أ‬ ‫تبدد ما ساورنا من شكوك في أن يكون ذلك كافياً‪.‬‬ ‫الول‪ ،‬حتى َّ‬ ‫فالفنان يوثِّق بالصور الفوتوغرافية مراحل عمله على كل منحوتة من‬ ‫أ‬ ‫اللف إلى الياء‪ ،‬ومن مختلف الزوايا‪ .‬حيث إن لكل منحوتة عشرات‬ ‫الصور الفوتوغرافية التي تُظهر تحولها من حالة الحجر الخام إلى‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يتكشف عن كثير‬ ‫ما هي عليه بسطحها الملس اللماع‪ .‬المر الذي َّ‬ ‫من شغف الفنان بعمله‪ ،‬ولكنه دفعنا إلى طرح السؤال حول ما إذا‬ ‫تقدم العمل على المنحوتة يؤدي إلى تغيرها كثيراً عن تصوره‬ ‫كان ُّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫الولي لها‪ ،‬فأجاب‪« :‬قليال ً جدا فقط‪ ..‬التغييرات التي أجريها خالل‬ ‫تقدم العمل ال تتجاوز الخمسة في المئة‪ .‬ألنني أرسم المنحوتة‬ ‫ُّ‬ ‫قبل الشروع في تنفيذها‪ .‬ولكن‪ ،‬خالل التنفيذ‪ ،‬يحصل بينك وبين‬ ‫الحجر حوار‪ ،‬كأن يقول لك الحجر‪ :‬احذف من هنا‪ ،‬اترك هناك‪،‬‬ ‫افعل كذا‪ ..‬وال تفعل كذا‪ ..‬أ‬ ‫المر الذي يؤدي إلى بعض التغييرات‬ ‫المحدودة»‪.‬‬

‫النحات عصام جميل في محترفه مع بعض أعماله‬ ‫َّ‬

‫منحوتة «منازل القمر»‬

‫منحوتة «المتعبدة»‬


‫عصام يوسف جميل‬

‫ً‬ ‫َّ‬ ‫منهمكا في عمله على منحوتة «ذكريات بحار»‬ ‫النحات‬

‫• حاصل على بكالوريوس في علم النفس ودبلوم سكرتير تنفيذي‪.‬‬ ‫المشاركات الفنية‪:‬‬ ‫ مسابقة شعار أ‬‫المير سلمان بن عبدالعزيز لتحفيظ القرآن الكريم‬ ‫‪1419‬هـ‪.‬‬ ‫ المعرض العام للفنون التشكيلية بالشرقية ‪1421/1420‬هـ‪.‬‬‫ مسابقة المعرض العام للمنطقة للفنون التشكيلية السعودي بالدمام‬‫‪1422/1421‬هـ‪.‬‬ ‫ مسابقة ملون السعودية (الخطوط العربية السعودية) الخامسة ‪1421‬هـ‪.‬‬‫ معرض المسابقة أ‬‫الولى للفنون التشكيلية بالدمام ‪1422‬هـ‪.‬‬ ‫ المعرض العام السابع عشر للفن السعودي المعاصر في الفنون الجميلة‬‫بالرياض ‪1421‬هـ‪.‬‬ ‫ مسابقة متحف الفن التشكيلي السعودي المعاصر بالرياض ‪1422‬هـ‪.‬‬‫ المشاركة في شهر التسوق والتراث العربي في مجمع الراشد التجاري‬‫بالخبر عام ‪1424‬هـ‪.‬‬ ‫ المشاركة في المعرض التشكيلي بدولة البحرين ‪1425‬هـ‪.‬‬‫للعمال ثالثية أ‬ ‫الول أ‬ ‫ المشاركة في المعرض السعودي أ‬‫البعاد بالرياض في‬ ‫‪1427/4/20‬هـ‪.‬‬ ‫ المشاركة في مسابقة تصميم معالم وميادين أمانة المنطقة الشرقية‬‫‪1428‬هـ‪.‬‬ ‫ مهرجان صيف شركة أرامكو السعودية ‪ 31‬في ‪2010‬م‪.‬‬‫ معرض الفنون التشكيلية بوزارة التعليم العالي ‪2011‬م‪.‬‬‫ معرض مركز أ‬‫المير سلطان (سايتك) ‪ 2011‬و‪ 2012‬و‪2013‬م‪.‬‬ ‫ معرض الفنون التشكيلية لجمعية الثقافة والفنون بالدمام ‪ -‬الشراع مول‬‫‪2011‬م‪.‬‬ ‫ مسابقة السفير بوزارة الخارجية ‪2011‬م‪.‬‬‫ مهرجان صيف شركة أرامكو السعودية ‪2011‬م‪.‬‬‫ الملتقى التشكيلي العربي السادس بالدوادمي ‪.2011‬‬‫ سمبوزيوم النحت أ‬‫الول بالدوادمي ‪2012‬م‪.‬‬ ‫ معرض المركز السعودي بجدة ‪2011‬م‪.‬‬‫ معرض مشكاة جالري (رؤى معاصرة) ‪2013‬م‪.‬‬‫‪ -‬معرض أمجاد وطن ‪ 3‬بالدمام ‪2013‬م‪.‬‬


‫‪77 | 76‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫خالل التنفيذ‪ ،‬يجري‬ ‫بينك وبين الحجر حوار‪،‬‬ ‫كأن يقول لك الحجر‪:‬‬ ‫احذف من هنا‪ ،‬اترك‬ ‫هناك‪ ،‬افعل كذا‪..‬‬ ‫وال تفعل كذا… األمر‬ ‫الذي يؤدي إلى بعض‬ ‫التغييرات المحدودة‬ ‫تجريد ال يعصى كثيراً على القراءة‬

‫حد كبير بحضور‬ ‫مقيدة إلى ِّ‬ ‫لغة عصام جميل الفنية تجريدية َّ‬ ‫الموضوع‪ .‬ولربما كان من وصفها بأنها تشبه اللغة الشكلية التي‬ ‫الساتذة أ‬ ‫ظهرت عند بعض أ‬ ‫الوروبيين عندما حاولوا االنتقال من‬ ‫أ‬ ‫التكعيب ذي الموضوع الواضح والقائم على تفكيك الحجام‬ ‫وإعادة جمعها‪ ،‬إلى التجريد الهندسي المتميز بنقاء الخطوط‬ ‫وخلوه من الزخارف والتعقيد‪ .‬ولعل أبرز ما يمكن‬ ‫والمساحات ّ‬ ‫يوضح ما نعنيه هنا‪ ،‬مقارنة منحوتته «قصة كمان» بأي من‬ ‫أن ِّ‬ ‫«الكمانات» التي رسمها أستاذ التكعيبية في فرنسا جورج براك خالل‬ ‫العقد أ‬ ‫الول من القرن العشرين‪ .‬فالكمان هناك مرئي من خالل‬ ‫المتكدسة فوق بعضها‪ ،‬وهنا أيضاً‬ ‫عشرات المساحات الصغيرة‬ ‫ِّ‬ ‫مرئي ولكن من خالل بضعة خطوط منحنية ولولبية‪.‬‬

‫أ‬ ‫المر نفسه نلحظه أيضاً في منحوتة «مملكتي» التي استوحاها من‬ ‫المكونة من ثالثة أوالد وأمهم‪ .‬وهي عبارة عن خمسة أحجام‬ ‫عائلته‬ ‫َّ‬ ‫تتكسر في بعض المواضع‬ ‫مستطيلة الشكل ومتفاوتة االرتفاع‪َّ ،‬‬ ‫عليها‪ ،‬ولعل التكسر أ‬ ‫البرز‬ ‫إلضفاء شيء من الحركة والحيوية‬ ‫ُّ‬ ‫هو في أعلى المستطيل أ‬ ‫الكبر الذي ينحني جزؤه العلوي فوق‬ ‫الب الذي يشبه المظلة فوق أ‬ ‫المجموعة في رمزية إلى حنو أ‬ ‫الوالد‪.‬‬ ‫وال بد للرمزية من الحضور في أعمال نادراً ما تستمد مواضيعها من‬ ‫مستمدة من صور ذهنية مثل‬ ‫أشياء مرئية‪ ..‬فمعظم هذه المواضيع‬ ‫َّ‬ ‫بحار»‪( ،‬وال غرابة في ذلك طالما‬ ‫«اعتذار» أو «افترقنا» أو «ذكريات َّ‬ ‫تخصص في دراسته الجامعية بعلم النفس)… ومن‬ ‫أن الفنان َّ‬ ‫أعماله التي تطغى عليها الرمزية منحوتته الكبيرة «الربيع العربي»‪.‬‬ ‫نفَّذ الفنان هذه المنحوتة خالل مشاركته في سمبوزيوم النحت‬ ‫أ‬ ‫الول بالدوادمي عام ‪2012‬م‪ ،‬حيث ال تزال قائمة هناك حتى‬ ‫اليوم‪ .‬وتتألف هذه المنحوتة الرخامية من مكعب ضخم يرمز إلى‬ ‫العالم العربي‪ ،‬نقش على إحدى جهاته مربعات طاولة الشطرنج‬ ‫(في رمزيتها لما تحتويه من فرسان وقالع وحكام)‪ ،‬وفوقه طبقة‬ ‫غير مصقولة الحواف ترمز إلى حراك الناس‪ ،‬وفوقها مستطيالت‬ ‫مخططة الحواف تشبه الكتب في رمزيتها للدساتير‪ ،‬وفي أ‬ ‫العلى كرة‬ ‫يهدد بدحرجتها‪.‬‬ ‫ترمز إلى العالم فوق سطح غير أفقي ِّ‬ ‫والمفارقة الخاصة في شخصية المنحوتة عند عصام جميل‪ ،‬هو أن‬ ‫قراءة مثل هذه أ‬ ‫العمال الحافلة بالرمزية تتطلب شيئاً من المساعدة‬ ‫غير الضرورية لقراءة غيرها‪ ،‬حتى حين يبلغ التجريد حدوده القصوى‪.‬‬ ‫الطالق‪ ،‬مجرد‬ ‫ففي منحوتته «حلم» ال نرى شيئاً واضحاً على إ‬ ‫يتوسط‬ ‫تجاويف ملساء ومساحات من الحجر بحالته الخام وثقب َّ‬

‫نقاء الخطوط عند حدوده القصوى‬

‫ويصل نقاء الخطوط إلى حدوده القصوى في منحوتته الرخامية‬ ‫الطار‬ ‫البيضاء‬ ‫«المتعبدة» التي تقتصر عملياً على تجسيد شكل إ‬ ‫ِّ‬ ‫الذي تتخذه عباءة امرأة راكعة‪ ،‬والخط الرفيع الذي يؤطر الشكل‬ ‫العام ينتهي في أ‬ ‫السفل بمستطيلين صغيرين هما اليدان‪ ،‬أما‬ ‫الطار فمستمد من تحوالت الشهيق‬ ‫تجويف الجسد داخل خط إ‬ ‫والزفير عند شخص تَ ِعب‪.‬‬

‫منحوتة «غموض»‬

‫منحوتة «متحررة»‬


‫الخطوط المنحنية‪ ..‬غير أن فيها شيئاً من غموض أ‬ ‫الحالم وحركتها‬ ‫وأيضاً نسيانها عندما يصبح الحلم شيئاً نعرف أنه حدث ولكننا لم‬ ‫نعد نذكر مالمحه‪.‬‬

‫أهمية الضوء‬

‫في عالم النحت المعاصر‪ ،‬يركز كثير من الفنانين والنقَّاد على‬ ‫أهمية الخطوط أ‬ ‫والحجام والمقاييس‪ ،‬ويسقطون من حساباتهم‬ ‫الضوء والدور الخطير الذي يمكن أن يلعبه في تكملة شخصية‬ ‫قدمه لنا عصام جميل فبدأ‬ ‫المنحوتة‪ .‬أما العرض‬ ‫المصور الذي َّ‬ ‫َّ‬ ‫منذ الوهلة أ‬ ‫الولى عرضاً «للنحت والضوء»‪ .‬فقد حرص على تصوير‬ ‫منحوتاته المنجزة تحت ضوء النهار الطبيعي‪ .‬ولكنه التقط عشرات‬ ‫الصور للمنحوتة تحت أ‬ ‫الضواء الصناعية من زوايا مختلفة‪ ،‬حيث‬ ‫يزداد التناقض ما بين أ‬ ‫السطح اللماعة والتجاويف التي تصبح داكنة‬ ‫حتى السواد في بعض أ‬ ‫الحيان‪ .‬وفي هذا دليل على احترافية عالية‪،‬‬ ‫ألن معظم هذه أ‬ ‫العمال صغيرة الحجم‪ ،‬وستستقر في أماكن‬ ‫داخلية‪ ،‬وستتبدل خطاباتها الجمالية بتبدل الضوء المسلَّط عليها‪.‬‬

‫الشغف خير مع ِّلم‬

‫يتلق أية تربية فنية‬ ‫حول نشأته الفنية‪ ،‬يقول عصام جميل إنه لم َّ‬ ‫في معهد متخصص‪ .‬فدراسته الجامعية كانت في مجال علم‬ ‫النفس‪ .‬غير أن ميله للفنون يعود إلى أيام فتوته‪ .‬ويروي أنه‬ ‫عندما كان على مقاعد الدراسة الثانوية رسم صورة شخصية ألحد‬ ‫مدرسيه‪ ،‬فقام زمالؤه بتصويرها وكتابة تعليق ساخر من أ‬ ‫الستاذ في‬ ‫أسفلها‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي دفع المشرف على المدرسة إلى منع عصام من‬ ‫الرسم بتاتاً في المدرسة‪ ..‬ويضيف أن مسيرته الفنية الحالية هي‬ ‫وليدة اختالط ميله الدائم إلى الفنون بعلم النفس الذي درسه‪.‬‬ ‫ولربما كان تواضعه هو ما منعه من سرد الجهد الذي بذله باالتكال‬ ‫على نفسه للوصول بأعماله إلى ما هي عليه اليوم‪.‬‬ ‫صحيح أن عصاماً أشار في حديثه إلينا إلى افتقاد المنطقة الشرقية‬ ‫لمعهد جامعي متخصص في الفنون‪ ،‬كما أشار إلى تدني االهتمام‬ ‫العام بالنحت مقارنة مع االهتمام الذي يحظى به الرسم في‬ ‫المملكة بوجه عام‪ ،‬ولكن لهجته كانت مختلفة وتشي بالكثير‬ ‫بطريقة غير مباشرة‪.‬‬ ‫ففي حين أن كثيراً من الفنانين عندما يتحدثون عن أ‬ ‫الحوال العامة‬ ‫التي ال تفي الفن (أو فنهم) حقه من االهتمام‪ ،‬يغلب عليهم‬ ‫التذمر وكأنهم يعيشون ظلماً ومعاناة هم غير مسؤولين عنهما‬ ‫فيبعثرون التهم بكآبة شماال ً ويميناً‪ .‬عصام جميل لم يكن أبداً‬ ‫كذلك‪ ..‬فالغالب على مزاجه خالل لقائنا معه الذي استمر ساعتين‪،‬‬ ‫كان الحبور والفرح بما يعرضه أمامنا‪ .‬فهو يحب الحجر ويحب‬ ‫لمسه وحمله ونقله والعمل عليه وتحويله إلى شكل جمالي‪ ..‬وبكثير‬ ‫من الثقة يتطلع إلى أعماله‪ ،‬ويحدثنا عنها مبتسماً دائماً وكأنه يريد‬ ‫أن يقول لنا كم أنه يحبها‪ .‬إنه مزاج فنان عرف ويعرف تماماً ما‬ ‫يريد‪ ،‬ومرتاح تماماً إلى ما وصل إليه‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫َّ‬ ‫النحات يعمل على منحوتة «رومبا»‬


‫‪79 | 78‬‬

‫بيت الرواية‬

‫ِّ‬ ‫يصنفه‬ ‫جون فانتي روائي أمريكي‪ ،‬هكذا‬ ‫المخضرمون من أساتذة الرواية األمريكية‬ ‫الحديثة‪ ،‬فيما احتاج جيل الشبَّ ان اليوم‬ ‫َّ‬ ‫مصورة‬ ‫إلى مشاهدة روايته «اسأل الغبار»‬ ‫ً‬ ‫(فلم «اسأل الغبار»‬ ‫سينمائيا لكي يكتشفوه‪ِ .‬‬ ‫قام ببطولته كولن فاريل وسلمى حايك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وعرضته إحدى الفضائيات العربية مؤخرا)‪.‬‬ ‫و«اسأل الغبار» هي واحدة من رباعية روائية‬ ‫ً‬ ‫أيضا بقصصه‬ ‫كتبها فانتي الذي ُعرف‬ ‫القصيرة وكتابته للسيناريوهات السينمائية‪،‬‬ ‫ويتميز أسلوبه بالجمل القصيرة والسالسة‬ ‫القادرة على أسر ذائقة القارئ‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫محمد الضبع‬

‫جون فانتي‪..‬‬

‫اسأل الغبار‬


‫تقع رواية فانتي «اسأل الغبار»‬ ‫في ‪ 165‬صفحة‪ .‬وينطلق‬ ‫المشهد أ‬ ‫الول فيها من على‬ ‫سرير بطل الرواية الشجاع‬ ‫والتعيس في الوقت نفسه‬ ‫أرتورو بانديني‪ ،‬في قلب لوس أنجلس‪ .‬ليكون أمام‬ ‫قرار كبير في حياته‪ ،‬هل يدفع إيجار ليلة إضافية‬ ‫في الفندق‪ ،‬أم يغادر؟ نعم بهذه الطريقة يفكر‬ ‫ويعيش بانديني‪ ،‬ومن هنا بالذات يالحظ القارئ‬ ‫اتصاله وتماهيه مع هذا البطل‪ .‬حياته دائماً على‬ ‫المحك‪ ،‬حتى لو كان هذا المحك هو مجرد تناول‬ ‫شطيرة جبن‪ ،‬أو نوم ليلة واحدة‪ .‬هذه البساطة‬ ‫القاتلة التي يتمكن من خاللها فانتي من إمدادنا‬ ‫أ‬ ‫بالكاذيب الصادقة‪ ،‬والمبالغات الجميلة‪ ،‬مبهرة‬ ‫ومثيرة وتجعلك تنهض من سرير بانديني لتحاول‬ ‫التدخل في المشهد‪ ،‬وربما فعل شيء لمساعدته‪.‬‬

‫يدرك بانديني حياة‬ ‫الكاتب التي طالما تخيل‬ ‫وحلم بها‪ ،‬لتصاب كاميال‬ ‫لوبيز عندها بانهيار‬ ‫ً‬ ‫تماما‬ ‫عصبي وتختفي‬ ‫من حياته‪ ..‬ليجن جنونه‬ ‫ويعود ليرفض حياة‬ ‫الكاتب التي حارب طوال‬ ‫عمره للوصول إليها‪...‬‬

‫بعد المشهد أ‬ ‫الول هذا‪ ،‬ينطلق بانديني للتجول في‬ ‫أرجاء مدينته لوس أنجلس التي يحبها ويخاطبها بأرق‬ ‫طريقة ممكنة ً‬ ‫قائل‪« :‬لوس أنجلس‪ ،‬أعطيني قليال ً‬ ‫إلي بالطريقة نفسها التي‬ ‫منك! لوس أنجلس سيري َّ‬ ‫أنت أيتها‬ ‫أسير إليك فيها‪ ،‬أقدامي على شوارعك‪ِ ،‬‬ ‫أنت أيتها الوردة‬ ‫المدينة الجميلة التي أحببتها كثيراً‪ِ ،‬‬ ‫أنت أيتها المدينة الجميلة»‪ .‬إنها‬ ‫الحزينة في الرمال‪ِ ،‬‬ ‫مغامرة الكاتب المغوار في قلب المدينة الكبيرة التي‬ ‫ال ترحم‪ .‬يتودد إليها‪ ،‬ويؤمن بقواه الخارقة للتواصل‬ ‫معها‪ ،‬ألنه كاتب‪ ،‬يعيش في مجازاته ويخلق ما يريد‪،‬‬ ‫ثم يتحدث مع أناسه‪ ،‬وينشئ حياة كاملة معهم‪.‬‬

‫القدرة على بعث المنسي فينا‬

‫الطريقة التي يستطيع بها فانتي خلق مونولوج‬ ‫بانديني‪ ،‬تفتنني في كل مرة‪ ،‬وكأن العالم يتوقف‬ ‫عندما يتحدث بانديني إلى نفسه‪ .‬يصبح هو الملك‪،‬‬ ‫وهو المسيطر‪ ،‬وكل أ‬ ‫الشياء تصغي إليه‪ ،‬ها هي‬ ‫رسالته الجميلة وصلت إلى بريده من ناقد إيطالي‬ ‫يدعى ليوناردو‪ ،‬يكتب إلى بانديني ليمتدح قصته‬ ‫القصيرة «ضحكَ الكلب الصغير» ولكن هذا الناقد‬ ‫كان قد توفي عندما وصلت رسالته إلى بانديني‪ ،‬وكان‬ ‫آخر ما قام به هو كتابة هذه الرسالة‪ .‬يكمل بانديني‬ ‫حديثه الحالم عن قصته‪ ،‬وكيف أنه جعل كل من في‬ ‫الفندق يطلع عليها‪.‬‬ ‫وفي خضم صراعه إلثبات ذاته ككاتب‪ ،‬يضربه الحب‬ ‫على رأسه ويلتقي بانديني نادلة المطعم المكسيكية‬ ‫كاميال لوبيز‪ ،‬التي تصارع ألجل البقاء‪ .‬ويتصاعد‬ ‫االثنان في لحظات من الشغف المتبادل‪ ،‬حتى يصل‬ ‫بانديني إلى نجاحه وينشر روايته أ‬ ‫الولى‪ ،‬ويدرك‬ ‫حياة الكاتب التي طالما تخيل وحلم بها‪ ،‬لتصاب‬ ‫كاميال لوبيز عندها بانهيار عصبي وتختفي تماماً من‬ ‫فيجن جنون بانديني ويعود ليرفض حياة‬ ‫حياته‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫الكاتب التي حارب طوال عمره للوصول إليها‪.‬‬

‫حين نقف ونصرخ في منتصف رواية ما‪ ،‬نعم هذا‬ ‫ما أردت قوله بالضبط‪ ،‬لقد أوشكت على قولها ولكن‬ ‫هذا الكاتب سبقني إليها‪ ،‬إنه يفهمني تماماً‪ ،‬إنه‬ ‫شقيقي في عالم آخر لم أجربه بعد‪.‬‬ ‫هنا نعرف تماماً قوة المجاز وقوة اللغة‪ .‬ال يمكن‬ ‫ألحد االستهانة بها‪ ،‬وال يمكن ألحد االستهانة‬ ‫ببانديني الرجل الحالم‪ ،‬والقوي أيضاً‪ ،‬الذي بإمكانه‬ ‫أن يقضي نهاراً كامال ً للتخطيط لعملية سرقة عدة‬ ‫عبوات حليب من صاحب الشاحنة التي تقف يومياً‬ ‫بالقرب منه‪ ،‬والذي بإمكانه أيضاً أن يقضي نهاره‬ ‫يجوب أطراف المدينة ويخبر الجميع عن قصته‬ ‫اليطالي قبل‬ ‫ذائعة الصيت التي كتب عنها الناقد إ‬ ‫أن يموت‪.‬‬

‫الخطأ المؤدي إلى الصواب‬

‫ينجح جون فانتي في هذه الرواية في نقل كل شيء‬ ‫عبر شعور بانديني به‪ ،‬ال نعلم إن كان هذا حقيقياً‪،‬‬ ‫أم متخيال ً ال يعدو كونه حلماً داخل عقل بانديني‪،‬‬ ‫ولكننا نعلم أنه الرجل الوحيد الذي بإمكانه أن‬ ‫ينقل إلينا القصة كاملة‪ ،‬بخوفها ورعشتها‪ ،‬بكبريائها‬ ‫وخيباتها أيضاً‪ .‬من الممكن لهذه القصة العظيمة‬ ‫الواقعة بين الكفاح والحب‪ ،‬والغرور‪ ،‬أ‬ ‫واللم‪ ،‬أال‬ ‫مستلق على‬ ‫جربها بانديني وهو‬ ‫تكون سوى خياالت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سريره في الفندق الذي لم يقرر دفع إيجاره بعد‪.‬‬ ‫جون فانتي كاتب بارع إلى هذه الدرجة‪ ،‬التي تمكنه‬ ‫من فعل كل هذا بنا‪ ،‬من دون أن نحس ومن دون أن‬ ‫نكتشف خطأً واحداً في سرد هذه الكذبة الجميلة‪.‬‬ ‫ولكن هذا ال يهم‪ .‬آرتور بانديني هو أ‬ ‫العظم على‬ ‫الطالق‪ ،‬إنه مجنون وغير قابل ألن يتوقع أحد‬ ‫إ‬ ‫تصرفاته‪ .‬ربما ألنه الرجل الوحيد المتبقي على وجه‬ ‫أ‬ ‫الرض‪ ،‬وما نحن سوى ظالل عابرة‪ ،‬أو أرواح ضائعة‬ ‫لم تجد طريقها للحياة من جديد‪.‬‬ ‫قراءتك لهذه الرواية تجعلك تثور للحظات‪ ،‬حتى‬ ‫تتمكن من تذوق الدم في فمك‪ ،‬أو تحاول تجربة‬ ‫العواء كذئب‪ .‬بانديني يصرخ في الكون ليتمكن‬ ‫من جعله يقرأ قصصه وكتاباته‪ ،‬إنه الذي يبعث‬ ‫ويعبر عن كل‬ ‫كل القيم الروحية في هذه أالرواية‪ِّ ،‬‬ ‫الحنين الذي بداخلنا تجاه الشياء التي نحن بأمس‬ ‫الحاجة إليها حتى لو لم نستطع تسميتها‪.‬‬

‫لطالما كان الك َّتاب يملكون هذه القدرة على بعث‬ ‫المنسي فينا‪ ،‬ألننا نشتاق إلى ما ال نعرف‪ ..‬وعمل‬ ‫الكاتب اليومي هو أن يبحث في هذا المجهول‪.‬‬ ‫ويدونه على صفحاته وعلى ألسنة أبطاله‪.‬‬ ‫يطارده ِّ‬ ‫ً‬ ‫كقراء‬ ‫ا‬ ‫جميع‬ ‫بيننا‬ ‫المشتركة‬ ‫اللحظة‬ ‫تلك‬ ‫ولذلك تجد‬ ‫َّ‬

‫وتنتقل بنا كاميرا جون فانتي إلى المشهد الذي يزور‬ ‫فيه بانديني كاميال في المستشفى وال تسمح له‬ ‫الموظفة بزيارتها‪ ،‬ألن يوم الزيارة هو يوم أ‬ ‫الربعاء‪.‬‬ ‫على بانديني أن ينتظر آ‬ ‫الن أربعة أيام‪ ،‬ماذا سيفعل‬ ‫هذا المسكين؟ يخرج خارج المستشفى الضخم‬ ‫ليتجول قربه‪ ،‬وينظر إلى شارع «هل» و«بنكر هل»‪،‬‬ ‫ذهب في يوم الثالثاء لشراء بعض أ‬ ‫الشياء لكاميال‪،‬‬ ‫اشترى لها راديو وعلبة حلوى‪ ،‬وبعض كريمات‬ ‫الوجه‪ ،‬وأشياء أخرى‪ .‬ووصل إلى المستشفى في‬ ‫ظهيرة أ‬ ‫الربعاء‪ .‬توجه إلى الموظفة نفسها وطرح‬ ‫الهدايا أمامها‪ ،‬ثم سألها عن غرفة كاميال‪ ،‬فردت عليه‬ ‫قائلة إن كاميال غادرت المستشفى‪ .‬يسأل بانديني‬ ‫المتعب من االنتظار‪ ،‬أين أجدها إذاً؟ فتجيبه‬ ‫الموظفة بأنها ال تستطيع الرد‪ .‬فيجن جنون بانديني‬ ‫حينها ويستمر بالسؤال والبحث عنها حتى يجدها‬ ‫أخيراً بعد تلك الحادثة بعدة أيام‪.‬‬ ‫ضمير المتكلم هو ما يستخدمه فانتي على مدار‬ ‫الرواية‪ ،‬والحكَّاء بانديني ال يُعد طرفاً محايداً‪ ،‬على‬ ‫الرغم من كل مبالغاته ومحاوالته إلنكار الواقع‬ ‫وفرض الحلم‪ ،‬إال أنه يصل إلى قلب الحقيقة في‬ ‫كثير من أ‬ ‫الحيان‪ ،‬إنه الخطأ المؤدي إلى الصواب‪.‬‬ ‫كل ما أستطيع قوله هو إن القارئ ال بد وأن يقف‬ ‫طويال ً عند شخصية بانديني‪ ،‬وأن يحاول أن يتلمس‬ ‫من خاللها حقيقة شخصية فانتي نفسه‪ ،‬بعدما يكون‬ ‫قد لحظ أو تأكد أنه أمام «شبه سيرة ذاتية» أ‬ ‫للديب‬ ‫أ‬ ‫المريكي نفسه‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪81 | 80‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫غفلة‬ ‫المسؤولية‬ ‫الثقافية‬ ‫بقلم‬ ‫عبداهلل السفر‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫د�‬ ‫لزمن طويل ساد ي� عالم إ‬ ‫ال أنتاج ال ب ي‬ ‫ٍ‬ ‫العر� مصطلح «المراكز والطراف»‪.‬‬ ‫بي‬ ‫المراكز هي أ‬ ‫الصل ت ن‬ ‫والم� والمؤثّر‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والطراف هي الفرع والهامش والمتأثر‪.‬‬ ‫ف‬ ‫عد‬ ‫وتكاد هذه المراكز تنحرص ي� ثالث أو أربع عواصم عربية‪ ،‬تُ ّ‬ ‫هي حا�ض ة الثقافة العربية وموطن أنوارها الساطعة الشاملة؛‬ ‫الكب�؛ من الماء إىل‬ ‫فيما تغطي المساحة المتبقية من الوطن ي‬ ‫الماء؛ أ‬ ‫الطراف‪.‬‬ ‫يسوغه ف� تف�ٍة من ت‬ ‫الف�ات‪ ،‬وواقع‬ ‫وربما كان لهذا المصطلح ما ّ ي‬ ‫يصدقه ويصادق عليه‪ .‬فالمراكز هي الموئل وبؤرة‬ ‫الحال ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الثقا� وطيفه الواسع الممتد‬ ‫النتاج‬ ‫الشعاع ي� جميع ألوان إ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫حركة تكاد‬ ‫الذي استمر وقتاً ليس‬ ‫ي‬ ‫بالقص� يغذي الطراف ي� ٍ‬ ‫تكون ذات اتجاه واحد ببعده االستهالك المحض‪ .‬وقبل ث‬ ‫أك�‬ ‫ي‬ ‫من عقدين وربما ثالثة‪ ،‬أخذ هذا المصطلح ت ز‬ ‫ي�حزح ويتخلخل‬ ‫من داخل المراكز نفسها‪ ،‬فأقطاب الحركة أ‬ ‫الدبية الرئيسة نالها‬ ‫كث� من المياه تحت جرسها ت‬ ‫لت�اجع إىل الوراء‬ ‫إ‬ ‫العياء وجرت ي‬ ‫بخطوات ليست معدودة‪ .‬إنما هي مسافة أنجزها جيل يُعد من‬ ‫ٍ‬ ‫الهامش «الحر ش‬ ‫ليتقدم وينسف مركز المركز إذا ساغ لنا‬ ‫افي�» ّ‬ ‫ي‬ ‫التعب�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫التحول قد جرى ف ي� المراكز نفسها؛ فأحرى أن‬ ‫وإذا كان هذا‬ ‫ّ‬ ‫يصبح ف� أ‬ ‫الطراف عىل وت�ة أرسع ف‬ ‫و� فعل تراكمي ت‬ ‫ح� غدا‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ي ٍ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫انفجارياً ف ي� السنوات ش‬ ‫خ�ة‪ ،‬بما يذيب إىل البد تلك‬ ‫الع� ال ي‬ ‫ت‬ ‫توزع حركة الثقافة العربية إىل ت ن‬ ‫ش‬ ‫�ء‬ ‫ال� ّ‬ ‫ٍ‬ ‫التقسيمة ي‬ ‫م� هو كل ي‬ ‫هامش حظ ُ​ُّه الفتات‪ ،‬وكان من الطبيعي أن نشهد أسما ًء‬ ‫وإىل ٍ‬ ‫ين‬ ‫الجانب� ‪ -‬بتقسيمتهما‬ ‫صلبة وأعماال ً إبداعية وفكريّة تصدر من‬ ‫التاريخية ‪ -‬عىل مستوى واحد من النضج والتمكن من أ‬ ‫الدوات‬ ‫ٍ‬ ‫دون استدعاء المنظور السابق أو االحتكام إليه‪.‬‬

‫الجميع يبدع‪.‬‬ ‫الجميع يصنع الثقافة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫تأث�اً وتأثّراً‪.‬‬ ‫الجميع ي� حركة تنافذ وتعالق؛ ي‬ ‫وتبدده‪ .‬كما قلنا قبل‬ ‫وعىل الرغم من انهدام هذا المصطلح ّ‬ ‫قليل‪ ،‬إال أن هناك من يريد تأبيده‪.‬‬ ‫يهم من يخلص لذاكرته‪ ،‬ويعىص عليه النسيان رغم شواهد‬ ‫وال ّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫التغي�‪ ،‬من جهة ما ُس ِّمي يوما بالمراكز‪ ،‬ولكن مع السف الشديد‬ ‫ي‬ ‫والمرارة البالغة يعصفان بنا عندما نبرص من كان ف� أ‬ ‫«الطراف»‬ ‫أي‬ ‫ف‬ ‫التشط�ي‪.‬‬ ‫الرس‬ ‫تفك�ه وتقييمه من هذا‬ ‫ي‬ ‫يوماً؛ ال يزال يصدر ي� ي‬ ‫فالمركز هو المركز والطرف هو الطرف‪.‬‬ ‫وكأنما هي عقدة نقص تظل تعمل ف ي� الالشعور وتظهر‬ ‫يع� عنها ليس ف ي� فلتات اللسان وزالت القول‪.‬‬ ‫دالالتها وما ب ّ‬ ‫إنما ف� العمل وعجلة النتاج ف‬ ‫و� النظرة إىل الذات وإىل تقييم‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الساحة‪ .‬ثمة مركز يُفزع إليه‪ .‬ثمة مركز يقاس عليه‪ .‬ومن يراقب‬ ‫ترصف المسؤول ف‬ ‫الثقا�‪ ،‬خليجياً‪ ،‬وأرباب المؤسسات الثقافية‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫والعالمية؛ يلحظ ذلك االبتسار الذي يق ّزم الذات الثقافية‬ ‫إ‬ ‫وكأنها ال تزال ف ي� المهد ال يعتمد عليها‪.‬‬ ‫وربما بالغ هذا المسؤول مبالغة فاقعة ف ي� تلك النظرة التبخيسية‬ ‫يس� له الشأن‬ ‫ب‬ ‫فاعت� ‪ -‬تلك الذات ‪ -‬يغ� موجودة مستنجداً بمن ي ّ‬ ‫ف‬ ‫الثقا� ش‬ ‫ويكون له لجانه‪،‬‬ ‫وي�ف عىل مناسباته وفعالياته وإصداراته ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ح� المثقف الخليجي صاحب الدار‪ ،‬فإنه ض‬ ‫و� هذا كله‪ ،‬إن ض‬ ‫يح�‬ ‫ي‬ ‫عىل استحياء وربما مجرد رقم ينتمي إىل الوظيفة أو الحظوة ث‬ ‫أك�‬ ‫ش‬ ‫المس�ين‬ ‫أحد من أولئك‬ ‫�ء آخر‪ .‬والذنب هنا ال يقع عىل ٍ‬ ‫يّ‬ ‫من أي ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫وغ�هم‪ْ ،‬إن ي� الن� إالبداعي والفكري‬ ‫والم� يف� وأعضاء اللجان ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الن� الصحا� إ ت‬ ‫أو ت‬ ‫ح� ي� ش‬ ‫و� الرسمي‪ .‬ليس ثمة من ذنب‬ ‫واللك� ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الثقا� ومن‬ ‫يتحملوا وزره‪ .‬إنما اللوم يقع عىل المسؤول‬ ‫يمكن أن ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الثقا� ونشاطاته وهم يعانون أزمة ثقة مع‬ ‫تولَّوا زمام العمل‬ ‫ي‬ ‫الكادر ف‬ ‫منتجهم ف‬ ‫الثقا� ن‬ ‫الوط�‪.‬‬ ‫ومع‬ ‫الثقا�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫تقرير القافلة‬

‫ّ‬ ‫األمية في‬ ‫محو‬ ‫الوطن العربي‬


‫‪83 | 82‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫تختلف تحديدات األمية ومقاييسها اختالفات كبيرة بين كونها العجز عن القراءة والكتابة‪ ،‬وآخر‬ ‫تحديداتها القائلة إنها العجز عن استخدام الكمبيوتر‪ .‬ولكن ما ال خالف عليه هو أن األمية بكل‬ ‫ً‬ ‫مرادفا للتخلف والفقر‪ ،‬وأن مكافحتها شأن تعيه معظم دول العالم التي‬ ‫أشكالها تكاد أن تكون‬ ‫تعاني منها بنسبة أو أخرى‪.‬‬ ‫فأين تقف الدول العربية بين دول العالم في هذا المجال؟ وما هي العوامل التي تحول دون‬ ‫القضاء على األمية فيها؟ وكيف يمكننا أن نقرأ هذا التفاوت الكبير ما بين نجاحات ملحوظة في‬ ‫مكافحة األمية في بعض هذه الدول ومراوحتها عند مستويات مختلفة في دول أخرى؟‬

‫فريق القافلة‬

‫مصادر أ‬ ‫الم ّية‬

‫يكون المرء أمياً أو ال يكون‪ ،‬طبقاً لظروف‬ ‫مختلفة‪ .‬فمن أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫مي� من لم يَرتَ ْد مدرسة ابتدائية‬ ‫لتعلّم القراءة والكتابة‪ ،‬ف ي� قواعدها البسيطة‪،‬‬ ‫ن‬ ‫المجا�‬ ‫توف� التعليم‬ ‫بسبب الفقر وعدم ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫يترسبون من‬ ‫إ‬ ‫واللزامي ي� بلده‪ .‬ومنهم من ّ‬ ‫ً‬ ‫المدرسة االبتدائية باكرا فال يصيبون من العلم‬ ‫أ‬ ‫مية‪ .‬وتقول‬ ‫نصيباً مقبوال ً يُخرجهم من أتصنيف ال ّ‬ ‫الدراسات إن ثمة فئة من ال ي ن‬ ‫مي� تضم الذين‬ ‫أنهوا المرحلة االبتدائية من الدراسة‪ ،‬لكنهم لم‬ ‫يمارسوا قدرتهم عىل الكتابة والقراءة‪ ،‬ففقدوها‬ ‫أمي ي ن�‪.‬‬ ‫وعادوا ّ‬ ‫مبا�ة ي ن‬ ‫وال شك ف ي� أن ثمة عالقة ش‬ ‫ب� الفقر‬ ‫أ‬ ‫والمية‪ ،‬ذلك أن العائالت ي ت‬ ‫ال� ال‬ ‫ّ‬ ‫الفق�ة ي‬ ‫تستطيع إعالة نفسها تلجأ إىل تشغيل أوالدها‬ ‫فيما نسميه عمالة أ‬ ‫الطفال‪ ،‬وتحرم بذلك‬ ‫ّ‬ ‫أطفالها من ارتياد المدرسة وكسب نصيب من‬ ‫قدرت دراسة‬ ‫العلم‪ .‬ففي منطقتنا العربية‪ّ ،‬‬ ‫«لليونيسيف» سنة ‪ ،2011‬أن نسبة أ‬ ‫الطفال‬ ‫الذين يعملون‪ ،‬ي ن‬ ‫ب� سن الخامسة والرابعة ش‬ ‫ع�ة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف ي� منطقة ش‬ ‫ال�ق الوسط وشمال إفريقيا‪ ،‬بنحو‬

‫‪ .%9‬صحيح أن هذه النسبة تقل عن النسبة ف ي�‬ ‫جنوب آسيا (‪ )%12‬أو إفريقيا جنوب الصحراء‬ ‫(‪ )%27‬أو النسبة العالمية (‪ ،)%15‬إال أن‬ ‫الدراسة تنسب انخفاض النسبة ف ي� منطقتنا إىل‬ ‫أن بالداً عربية عديدة ال تجمع أرقاماً وبيانات عن‬ ‫عمالة أ‬ ‫الطفال‪ ،‬أو تجمع بيانات يغ� دقيقة أو‬ ‫وافية‪ .‬والمؤكد أن عمالة أ‬ ‫الطفال ش‬ ‫منت�ة بكثافة‬ ‫ف� مرص والمغرب واليمن عىل أ‬ ‫القل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الوضاع‪ ،‬نحو أ‬ ‫ومنذ العام ‪ ،2011‬تغ�ت أ‬ ‫السوأ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فقد أضافت االضطرابات ت‬ ‫ال� نشبت ف ي� عدد من‬ ‫ي‬ ‫البلدان العربية (ليبيا وسوريا والعراق واليمن‬ ‫والصومال) منذ العام ‪ 2011‬عىل الخصوص‪ ،‬إىل‬ ‫المية بسبب عمالة أ‬ ‫عوامل انتشار أ‬ ‫الطفال‪ ،‬سبباً‬ ‫ّ‬ ‫قوياً‪ ،‬ال يمكن قياس اتساع أثره ف� هذه أ‬ ‫الوضاع‬ ‫ي‬ ‫المضطربة‪ .‬لكن ت‬ ‫ح� قبل ذلك‪ ،‬وعىل سبيل‬ ‫المثال ليس الحرص‪ ،‬أدت الحرب عىل قطاع غزة‬ ‫تدم� ‪ 18‬مدرسة‪ ،‬ض‬ ‫وت�ر‬ ‫ف ي�‬ ‫ديسم� ‪ ،2008‬إىل ي‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫و� اليمن‪ ،‬أدت اضطرابات‬ ‫‪ 262‬مدرسة أخرى‪ .‬ي‬ ‫عامي ‪ 2009‬و‪ ،2010‬إىل إغالق ث‬ ‫أك� من ‪700‬‬ ‫مدرسة ف ي� خمسة أشهر‪.‬‬


‫جودة التعليم‬

‫إذا كان االلتحاق بالمدرسة االبتدائية �ض ورياً‬ ‫ليتعلّم أ‬ ‫الطفال مبادئ القراءة والكتابة‪ ،‬فإن‬ ‫هذا االلتحاق ليس كافياً بالطبع‪ ،‬إذ ال بد لهذا‬ ‫التعليم من أن يكون عىل مستوى من الجودة‪،‬‬ ‫الترسب والرسوب عالية‪.‬‬ ‫وإال كانت نسبة‬ ‫ّ‬ ‫ولمستوى جودة التعليم أو عدم جودته عالقة‬ ‫بنوع� من أنواع أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫مبا�ة ي ن‬ ‫ش‬ ‫المترسبون من‬ ‫مي�‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫مية بعد المدرسة‪.‬‬ ‫المدارس‪ ،‬والعائدون إىل ال ّ‬ ‫العر� لعام ‪– 2010‬‬ ‫وال ّ‬ ‫يصور تقرير أالمعرفة ب ي‬ ‫ئ‬ ‫نما�‪)UNDP ،‬‬ ‫‪( 2011‬برنامج المم المتحدة إ‬ ‫ال ي‬ ‫ئ‬ ‫االبتدا� ف ي� عديد من الدول‬ ‫مستوى التعليم‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫العربية ف ي� صورة زاهية‪ ،‬ال سيما ي� القراءة‬ ‫والعلوم والرياضيات‪ ،‬وهي عنارص أساسية‬ ‫ف ي� التعليم‪ .‬وثمة «تفاوت حاد» ف ي� مستويات‬ ‫ئ‬ ‫االبتدا� وجودته‪ ،‬ي ن‬ ‫ب� البلدان العربية‪.‬‬ ‫التعليم‬ ‫ي‬ ‫كث�اً‬ ‫وهذه مسألة مرتبطة بالفقر‪ ،‬ذلك أن ي‬ ‫تول مدارسها االبتدائية‬ ‫من البلدان العربية ال ي‬ ‫المجانية‪ ،‬ما تحظى به المدارس الخاصة‪،‬‬ ‫المدفوعة الرسوم‪ ،‬من اهتمام بمستوى‬ ‫التعليم وجودته‪ .‬والعائالت الميسورة تستطيع‬ ‫أن تدفع رسوماً لتعليم أوالدها ف ي� المدارس‬ ‫ت‬ ‫ال� قد توفر تعليماً أفضل‪ .‬ناهيك‬ ‫الخاصة‪ ،‬ي‬ ‫توف� حصص‬ ‫عن القدرة لدى الميسورين عىل ي‬ ‫الدروس الخصوصية‪ ،‬ف ي� المنازل‪ .‬وهذا ما ال‬ ‫الفق�ة‪ .‬بل إن ثمة فروقاً‬ ‫تستطيعه العائالت ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫ين‬ ‫االبتدا� ي� المناطق‬ ‫ب� مستوى التعليم‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫الح�ية‪ ،‬والمناطق الريفية‪ ،‬ي� تسع بلدان‬ ‫عربية‪.‬‬ ‫يع� أن ثمة حاجة إىل تعليم الكبار‪ ،‬ت‬ ‫ن‬ ‫ح�‬ ‫فوهذا ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تعتمد التعليم‬ ‫ي� بعض الدول‬ ‫العربية ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫االبتدا� للطفال‪ ،‬لن بعض التعليم‬ ‫المجا�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ال يبلغ مستوى يسمح بتصنيف المتعلم عىل أنه‬ ‫يغ� أمي‪.‬‬

‫التعريف الدقيق أ‬ ‫للم ّية‬

‫ت‬ ‫ال� تخطط حكوماتها لمكافحة‬ ‫ال أ تستطيع الدول ي‬ ‫مية من أجل محوها‪ ،‬أن تضع الخطط السليمة‬ ‫ال ّ‬ ‫والشاملة‪ ،‬إذا لم تستند إىل تعريف دقيق أ‬ ‫مية‪.‬‬ ‫لل‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫مية‪ ،‬هو أنها عدم‬ ‫ذلك أن التعريف الشائع لل ّ‬ ‫معرفة القراءة والكتابة والحساب‪ ،‬وهو عىل أي‬ ‫حال تعريف صحيح‪ ،‬لكنه ناقص‪ .‬فثمة غموض‬ ‫ف� رسم الخط الفاصل ي ن‬ ‫ب� معرفة الكتابة وعدم‬ ‫ي‬

‫معرفتها‪ .‬وهل معرفة القراءة دون الكتابة يُص َّنف‬ ‫أمية أم ال؟ وأي مستوى من المهارات مطلوب‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ح� يُقال إن المرء يغ� أمي؟‬ ‫لقد تطور تعريف أ‬ ‫مية‪ ،‬فصارت له ثالث‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صيغ‪ .‬ف� العام ‪ ،1958‬وضعت منظمة أ‬ ‫المم‬ ‫ي‬ ‫المتحدة ت‬ ‫لل�بية والعلم والثقافة «اليونسكو»‪،‬‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫عد الشخص‬ ‫مية عىل النحو ال ت ي�‪« :‬يُ ّ‬ ‫تعريف ال ّ‬ ‫يغ� أمي عندما يستطيع ‪ -‬بفهم ‪ -‬قراءة وكتابة‬ ‫قص�ة وبسيطة تتعلّق بالحياة اليومية»‪.‬‬ ‫عبارة ي‬ ‫وترجمت عبارة ‪ ،Literacy‬أي عدم أ‬ ‫المية �ف‬ ‫ُ‬ ‫ّ ي‬ ‫أ‬ ‫الدبيات العربية العلمية‪ ،‬بكلمة‪ :‬القرائية‪ .‬وبذلك‬ ‫ال�جمة ت‬ ‫أوحت ت‬ ‫بال� ي ز‬ ‫ك� عىل القراءة ف ي� التعريف‪،‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مية مقترص عىل الجانب البجدي‬ ‫أي إن محو ال ّ‬ ‫ف ي� المعرفة‪.‬‬

‫أ‬ ‫الوظيفية‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫أ‬

‫تطور فيما بعد‪،‬‬ ‫يغ� أن تعريف ال ّمية (‪ّ )Illiteracy‬‬ ‫المية أ‬ ‫أ‬ ‫البجدية‪ ،‬أي معرفة‬ ‫ولم يعد مقترصاً عىل ّ‬ ‫القراءة والكتابة فقط‪ .‬ففي العام ‪ ،1978‬لم‬ ‫يعد التعريف التقليدي أ‬ ‫لل ّمية كافياً‪ ،‬وبدأ تطويره‬ ‫ين‬ ‫ح� ي ّ ن‬ ‫ين‬ ‫للدارس� أن القيمة الحقيقية لمهارة‬ ‫تب�‬ ‫القراءة والكتابة‪ ،‬ال تكتمل ف ي� غرضها‪ ،‬إذا لم‬ ‫تحقق القدرة عىل توظيفها من أجل فائدة الفرد‬ ‫التمي� عىل هذا أ‬ ‫الساس‪ ،‬ي ن‬ ‫والمجتمع‪ .‬وبدأ ي ز‬ ‫ب�‬ ‫المية أ‬ ‫أ‬ ‫البجدية‪ ،‬أي عدم معرفة القراءة والكتابة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وما سمي أ‬ ‫«ال ّمية الوظيفية»‪ ،‬أي عدم القدرة عىل‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫توظيف معرفة القراءة والكتابة ي� أداء المهام‬ ‫ض‬ ‫ال�ورية ف ي� الحياة‪ .‬فالقراءة والكتابة ليستا هدفاً‬ ‫ف ي� ذاته‪ ،‬بل يجب أن تكونا وسيلة للدور االجتماعي‬ ‫واالقتصادي الذي يلعبه الشخص المتعلم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مية‬ ‫عىل هذا الساس‪ ،‬وعىل الرغم من أن «ال ّ‬ ‫أ‬ ‫البجدية» لم تعد موجودة ف ي� معظم الدول‬ ‫أ‬ ‫مية‬ ‫المتقدمة تقريباً‪ ،‬إال أن تعريف «ال ّ‬ ‫أ‬ ‫الوظيفية»‪ ،‬بمعناه الواسع المناسب للوضاع‬ ‫االجتماعية واالقتصادية ف ي� المجتمعات‬ ‫أ‬ ‫المي ي ن� ت‬ ‫ح�‬ ‫المتقدمة‪ ،‬ي‬ ‫يش� إىل وجود نسبة من ّ‬ ‫ف ي� هذه المجتمعات‪ .‬إذ يقدر تقرير اليونسكو‪:‬‬ ‫«التعليم للجميع» ‪ ،2006‬أن ف ي� المملكة‬ ‫ب� ‪ 6‬و‪ 8‬ي ن‬ ‫المتحدة ي ن‬ ‫مالي� ّأمي‪ ،‬بالتعريف‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مية‪ .‬وهذا المر يكلِّف االقتصاد‬ ‫الوظيفي لل ّ‬ ‫ب ن‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫لي� كل سنة‪.‬‬ ‫ال� ي‬ ‫يطا� ‪ 81‬مليار جنيه اس� ي‬

‫أ‬ ‫الم ّية «المعرفية»‬

‫دخل العالم ف ي� أواخر القرن ش‬ ‫الع�ين وأوائل‬

‫ش‬ ‫والع�ين مرحلة جديدة ف ي�‬ ‫القرن الحادي‬ ‫يسميها البعض «العرص الرقمي»‪،‬‬ ‫تاريخه‪ّ ،‬‬ ‫والبعض آ‬ ‫ف‬ ‫المعر�»‪ .‬وكان‬ ‫الخر «العرص‬ ‫ي‬ ‫العامل أ‬ ‫ف‬ ‫التحول التاريخي‪ ،‬هو‬ ‫الول ي� هذا‬ ‫ّ‬ ‫المبتكرات الحديثة والخدمات العامة القائمة‬ ‫«ال تن�نت» والكمبيوتر‬ ‫عىل الشبكة الدولية إ‬ ‫الشخص والهاتف الجوال‪ ،‬وما إليها من وسائل‬ ‫ي‬ ‫االتصال والمعرفة‪ .‬وقد أصبح اكتساب مهارات‬ ‫االستفادة من هذه أ‬ ‫الدوات الرقمية وتوظيفاتها‬ ‫لحة‪ ،‬جعلت الذين لم‬ ‫البسيطة‪� ،‬ض ورة ُم َّ‬ ‫«أم�‬ ‫يكتسبوا‬ ‫هذه المهارات جزءاً من ي ّ ي‬ ‫ف‬ ‫المعرفة»‪ ،‬ي� عرصنا الحديث‪ .‬ففي المجتمع‬ ‫الحديث‪ ،‬ال بد من تطوير نوع التعليم‬ ‫أ‬ ‫مية‪ ،‬من أجل‬ ‫وأساليبه‪ ،‬ومحتوى برامج محو ال ّ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫«المتعلم�» التالميذ‪ ،‬صغاراً وكباراً‪ ،‬من‬ ‫تمك�‬

‫يقدر تقرير اليونسكو‪:‬‬ ‫«التعليم للجميع» ‪،2006‬‬ ‫أن في المملكة المتحدة‬ ‫ما بين ‪ 6‬و‪ 8‬ماليين‬ ‫ّ‬ ‫أمي‪ ،‬بالتعريف الوظيفي‬ ‫ّ‬ ‫لألمية‪..‬‬ ‫نسبة أ‬ ‫الطفال الذين يعملون ي ن‬ ‫ب�‬ ‫سن ‪ 5‬و‪ 14‬سنة‬

‫ال�ق أ‬ ‫ش‬ ‫الوسط‬ ‫وشمال إفريقيا‬

‫جنوب إفريقيا‬

‫جنوب آسيا‬

‫النسبة العالمية‬

‫دراسة لليونسيف سنة ‪2011‬‬


‫‪85 | 84‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫محو أ‬ ‫الم ّية في المملكة‬ ‫بعد توحيد المملكة العربية السعودية‪ ،‬التفتت‬ ‫الحكومة باكراً إىل �ض ورة بذل جهد ف ي� محو‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مية‬ ‫مية‪ ،‬فكان إنشاء إدارة مختصة بمحو ال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫وتعليم الكبار ُس ّميت‪ :‬إدارة الثقافة الشعبية ف ي�‬ ‫عام ‪1374‬هـ (‪1954‬م)‪.‬‬

‫ف� نظام محو أ‬ ‫مية‪ ،‬إذ جاء فيها‪« :‬العمل‬ ‫ال ّ‬ ‫يمن أجل محو أ‬ ‫ين‬ ‫مية ي ن‬ ‫المواطن� واجب‬ ‫ب�‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫عىل كل مواطن حسب قدراته‪ ،‬وعىل أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫مي�‬ ‫أ‬ ‫مية ف ي� حدود الوسائل‬ ‫واجب التخلص من ال ّ‬ ‫المتاحة»‪.‬‬

‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تؤكد‬ ‫وقد توالت التنظيمات والت�يعات ي‬ ‫ال�نامج بصفته حقاً من حقوق‬ ‫أهمية هذا ب‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫المواطن وواجباً ال�مته الدولة‪ ،‬فصدر نظام‬ ‫أ‬ ‫مية وتعليم الكبار ووثيقة سياسة‬ ‫محو‪ ‬ال‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫وغ�ها من‬ ‫ساس للحكم ي‬ ‫التعليم والنظام ال ي‬ ‫ش‬ ‫الت�يعات‪.‬‬

‫واليوم تنفق وزارة التعليم عىل هذا النوع من‬ ‫التعليم نحو ‪ 190‬مليون ريال كل سنة‪.‬‬

‫لم تشدد تلك ش‬ ‫الت�يعات عىل حقوق‬ ‫ف‬ ‫المواطن والمواطنة ي� التعلم فقط‪ ،‬بل جعلته‬ ‫واجباً وطنياً كما نصت المادة الثالثة ش‬ ‫ع�ة‬

‫أ‬ ‫ف‬ ‫مية لتصبح‬ ‫و� النتيجة تقلصت نسبة ال ّ‬ ‫ي‬ ‫ب� الذكور و‪ %19.8‬ي ن‬ ‫‪ %7‬ي ن‬ ‫الناث‬ ‫ب� إ‬ ‫الجمالية ‪ %13.4‬خالل العام‬ ‫والنسبة إ‬ ‫أ‬ ‫‪1429‬هـ‪ ،‬وفقاً لرقام وزارة التعليم‪،‬‬ ‫كب�اً من الجوائز‬ ‫وحازت المملكة عدداً ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫مية‪ ،‬نظرا لرسعة‬ ‫الدولية ي� مجال محو ال ّ‬ ‫تقدمها ف ي� هذا المجال‪ .‬‬

‫نسبة أ‬ ‫المية في الوطن العربي‬ ‫السنة‬

‫‪ %‬أ‬ ‫المية في الوطن‬ ‫العربي‬

‫عدد أ‬ ‫الميين في‬ ‫الوطن العربي‬

‫‪ % ‬أ‬ ‫المية بالدول‬ ‫النامية‬

‫‪ % ‬أ‬ ‫المية المتوسطة‬ ‫بالعالم‬

‫‪1970‬‬

‫‪%73 - 70.7‬‬

‫‪ 50‬مليون نسمة‬

‫‪%51.9‬‬

‫‪%37‬‬

‫‪1980‬‬

‫‪%60‬‬

‫‪%41.8‬‬

‫‪%30.6‬‬

‫‪1990‬‬

‫‪%48.8‬‬

‫‪%32.6‬‬

‫‪%24.6‬‬

‫‪1995‬‬

‫‪%43.8‬‬

‫‪%23.6‬‬

‫‪%22.7‬‬

‫‪2000‬‬

‫‪%38.8‬‬

‫‪%26.3‬‬

‫‪%20.6‬‬

‫‪2008‬‬

‫‪%29.7‬‬

‫‪ 75‬مليون نسمة‬

‫‪2013‬‬

‫‪%27.1‬‬

‫‪ 70‬مليون نسمة‬

‫‪ 61‬مليون نسمة‬

‫‪%19‬‬ ‫‪%35‬‬

‫استخدام الوسائط الرقمية لالتصال والمعرفة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مية‬ ‫مية‪ ،‬هو «ال ّ‬ ‫وهذا يضيف تعريفاً جديداً لل ّ‬ ‫المعرفية» لمن ال يحسنون استخدام الوسائط‬ ‫الحديثة هذه‪.‬‬

‫الحالة في البلدان العرب ّية‬ ‫أ‬

‫الحصائية عىل أن معظم البالد‬ ‫تدل الرقام إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مية‪.‬‬ ‫العربية أحرزت‬ ‫تقدماً ملموساً ي� محو ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫العر� الذي‬ ‫إذ انخفض عدد ال ي‬ ‫مي� ي� الوطن ب ي ّ‬ ‫كان سنة ‪1990‬م نحو ‪ 52‬مليون أمي‪ ،‬إىل نحو‬ ‫‪ 48‬مليوناً سنة ‪ ،2011‬عىل الرغم من زيادة عدد‬ ‫النجاز متواضعاً‪،‬‬ ‫عد هذا إ‬ ‫السكان‪ .‬ومع ذلك يُ ّ‬ ‫ف‬ ‫إذا ما قارنّاه مع التطور الذي حدث ي� العالم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مي ي ن� ف ي�‬ ‫مي ي ن� العرب من ال ّ‬ ‫وال تزال نسبة ال ّ‬ ‫العالم تبلغ ‪ %6.2‬سنة ‪ ،2011‬وهي تزيد عىل‬ ‫ت‬ ‫ال� بلغت ‪ %5.9‬سنة ‪ .1990‬كذلك‬ ‫النسبة ي‬ ‫أ‬ ‫العربيات بالمقارنة مع‬ ‫ميات‬ ‫ّ‬ ‫ار أتفعت نسبة ال ّ‬ ‫مي ي ن�‪ ،‬عن نسبتهن منهم ف ي� العالم‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫تحتل مرص المكانة أ‬ ‫الوىل ي ن‬ ‫العربية‪،‬‬ ‫ب� الدول‬ ‫ّ‬ ‫ف� عدد أ‬ ‫مي ي ن� لديها‪ ،‬إذ يبلغ عددهم ‪15.6‬‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫يمليوناً‪ ،‬أو ‪ %31‬من عدد أ‬ ‫مي ي ن� العرب‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫وهي تحتل ف ي� العالم المكانة السابعة ف ي� هذا‬ ‫ف أ‬ ‫الحصائية‪ ،‬أن‬ ‫المجال‪ .‬ويالحظ ي� الرقام إ‬ ‫عربية‪ ،‬هي مرص والمغرب والسودان‬ ‫ست دول ّ‬ ‫والجزائر واليمن والعراق‪ ،‬كانت سنة ‪2010‬‬ ‫أ‬ ‫مي ي ن� العرب‪ .‬وهي‬ ‫تضم ‪ %96.2‬من مجموع ال ّ‬ ‫ف� الوقت نفسه ث‬ ‫العربية اكتظاظاً‬ ‫أك� الدول‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫العربية القليلة السكان‬ ‫بالسكان‪ .‬أما الدول‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫وفلسط�‬ ‫والمارات‬ ‫نسبياً‪ ،‬قطر والبحرين إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫مي ي� ي� كل منها عىل‬ ‫والردن‪ ،‬فال يزيد عدد ال ّ‬ ‫بضع مئات فقط‪.‬‬ ‫لكن ثمة أسلوباً آخر للمقارنة ي ن‬ ‫ب� الدول ف ي� مجال‬ ‫َّ‬ ‫المية والقرائية‪ ،‬هو نسبة أ‬ ‫أ‬ ‫مي ي ن� أو المتعل ي ن‬ ‫ِّم�‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المعنية‪ .‬وثمة بلدان‬ ‫من مجموع سكان الدولة‬ ‫ّ‬ ‫ائية‪ ،‬نسبة تزيد عىل‬ ‫عربية أحرزت ف ي� مجال القر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النسبة العالمية أو تساويها‪ .‬وتحتل قطر أ‬ ‫والردن‬ ‫ن ت‬ ‫القمة ي ن‬ ‫ين‬ ‫ال�‬ ‫العربية‬ ‫ب� الدول‬ ‫وفلسط� ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الثما� ي‬ ‫ائية تزيد عىل ‪ ،%95‬أي تزيد عىل‬ ‫أحرزت نسبة قر ّ‬ ‫ائية ف ي� العالم‪.‬‬ ‫نسبة القر ّ‬ ‫ائية ف ي� المغرب واليمن وموريتانيا‬ ‫أما نسبة القر ّ‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫فتقل عن ‪ ،%70‬أي إن نسبة ال ّمية فيها تزيد عىل‬ ‫ائية ‪%58.6‬‬ ‫‪ .%30‬ففي موريتانيا أتبلغ نسبة القر ّ‬ ‫ال ّمية فيها تبلغ ‪.%41.4‬‬ ‫فقط‪ ،‬أي إن نسبة‬


‫نسبة التعليم في البالد العربية‬ ‫عدد السكان الكلي‬

‫نسبة التعليم‬ ‫(الجميع)‬

‫جامعة الدول العربية‬

‫‪ 350‬مليوناً‬

‫‪%79.0‬‬

‫الدولة‬

‫تعليم الذكور‬

‫تعليم المرأة‬

‫المعيار المحدد‬

‫الجزائر‬

‫‪ 37‬مليوناً‬

‫‪%72.6‬‬

‫‪%81.3‬‬

‫‪%63.9‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪)2010‬‬

‫البحرين‬

‫‪ 1.5‬مليون‬

‫‪%94.6‬‬

‫‪%96.1‬‬

‫‪%91.6‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2010‬إحصاء)‬

‫‪ 0.7‬مليون‬

‫‪%75.5‬‬

‫‪%80.5‬‬

‫‪%70.6‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2011‬تقدير)‬

‫جيبوتي‬

‫‪ 0.8‬مليون‬

‫‪%70‬‬

‫‪N/A‬‬

‫‪N/A‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2012‬تقدير)‬

‫مصر‬

‫‪ 84‬مليوناً‬

‫‪%73.9‬‬

‫‪%81.7‬‬

‫‪%65.8‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 10‬سنين يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2012‬تقدير)‬

‫‪ 5.4‬مليون‬

‫‪%96.0‬‬

‫‪%98.3‬‬

‫‪%94.3‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2012‬تقدير)‬

‫العراق‬

‫‪ 31‬مليوناً‬

‫‪%78.2‬‬

‫‪%86‬‬

‫‪%70.6‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2010‬تقدير)‬

‫أ‬ ‫الردن‬

‫‪ 6.5‬مليون‬

‫‪%93.4‬‬

‫‪%96.6‬‬

‫‪%90.2‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2011‬تقدير)‬

‫الكويت‬

‫‪ 3‬ماليين‬

‫‪%94‬‬

‫‪%94.4‬‬

‫‪%97‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2011-2007‬إحصاء)‬

‫لبنان‬

‫‪ 4‬ماليين‬

‫‪%89.6‬‬

‫‪%93.4‬‬

‫‪%86‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2003‬تقدير)‬

‫ليبيا‬

‫‪ 6.5‬مليون‬

‫‪%89.2‬‬

‫‪%95.6‬‬

‫‪%82.7‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2010‬تقدير)‬

‫موريتانيا‬

‫‪ 3.5‬مليون‬

‫‪%58‬‬

‫‪%64.9‬‬

‫‪%51.2‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2010‬تقدير)‬

‫المغرب‬

‫‪ 32‬مليوناً‬

‫‪%67.1‬‬

‫‪%76.1‬‬

‫‪%57.6‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2011‬تقدير)‬

‫‪ 3‬ماليين‬

‫‪%81.4‬‬

‫‪%86.8‬‬

‫‪%73.5‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2003‬إحصاء)‬

‫قطر‬

‫‪ 1.5‬مليون‬

‫‪%96.3‬‬

‫‪%96.5‬‬

‫‪%95.4‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2010‬تقدير)‬

‫السعودية‬

‫‪ 26‬مليوناً‬

‫‪%86.6‬‬

‫‪%90.4‬‬

‫‪%81.3‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2010‬تقدير)‬

‫الصومال‬

‫‪ 10.5‬مليون‬

‫‪%37.8‬‬

‫‪%49.7‬‬

‫‪%25.8‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2011‬تقدير)‬

‫السودان‬

‫‪ 30‬مليوناً‬

‫‪%71.9‬‬

‫‪%80.7‬‬

‫‪%63.2‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة‬

‫سوريا‬

‫‪ 22.5‬مليون‬

‫‪%79.6‬‬

‫‪%86‬‬

‫‪%73.6‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2004‬إحصاء)‬

‫تونس‬

‫‪ 10.5‬مليون‬

‫‪%89.3‬‬

‫‪%83.4‬‬

‫‪%65.3‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2004‬إحصاء)‬

‫المارات‬ ‫إ‬

‫‪ 9‬ماليين‬

‫‪%77.9‬‬

‫‪%76.1‬‬

‫‪%81.7‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2003‬تقدير)‬

‫اليمن‬

‫‪ 24‬مليوناً‬

‫‪%63.9‬‬

‫‪%81.2‬‬

‫‪%46.8‬‬

‫أشخاص من عمر ‪ 15‬عاماً يمكنهم القراءة والكتابة (‪ 2010‬تقدير)‬

‫جزر القمر‬

‫فلسطين‬

‫سلطنة عمان‬


‫‪87 | 86‬‬

‫الجهود العربية لمحو أ‬ ‫الم ّية‬ ‫ّ‬ ‫أ‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ت‬ ‫ال� تشاء‬ ‫إن محو ال ّ‬ ‫مية يكرس الحلقة أ المفرغة‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫مية‬ ‫مية‪ ،‬وانتشار ال ّ‬ ‫أن يؤدي الفقر إىل انتشار ال ّ‬ ‫ش‬ ‫تف� حالة الفقر ف ي� المجتمعات‪ .‬وال شك ف ي�‬ ‫إىل ّ ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الفق�‪ ،‬أعىل وأفدح‬ ‫مية ي� المجتمع ي‬ ‫أن تكلفة ال ّ‬ ‫من تكلفة الجهد الذي يمكن بذله لمحوها‪ .‬ففي‬ ‫أ‬ ‫مية كل سنة بما يبلغ‬ ‫المغرب مثال ً ق ُّد َرت تكلفة ال ّ‬ ‫مغر�‪ ،‬أي بما يوازي ‪ %1.3‬من‬ ‫نحو مليار درهم ب ي‬ ‫جمال‪ .‬وال بد من بذل الجهود‬ ‫الناتج‬ ‫المحل إ‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫الحثيثة من أجل الخروج من حال التخلّف‪،‬‬ ‫وإال ظلت الحلقة المفرغة مستحكمة ف� حا�ض‬ ‫ي‬ ‫الشعوب ومستقبلها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫مية‪ ،‬ف ي�‬ ‫لهذا السبب‪ّ ،‬‬ ‫تحولت مشاريع محو ال ّ‬ ‫الدارة والحكم‪ ،‬إىل أمر ال يناقَش‪ ،‬من‬ ‫أدبيات إ‬ ‫ّ‬ ‫حيث الحاجة إليها‪ .‬وقد بدأ التنبه إىل هذا أ‬ ‫المر‬ ‫ّ‬ ‫باكراً ف� البلدان العربية‪ ،‬وإن كانت الجهود ت‬ ‫ال�‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫النها�‪:‬‬ ‫الهدف‬ ‫بلوغ‬ ‫عن‬ ‫قارصة‬ ‫ال‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫بُذلت‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫مية‪.‬‬ ‫محو ال ّ‬ ‫ففي المؤتمر إالقليمي الذي ُعقد ف ي� إالسكندرية‪ ،‬ف ي�‬ ‫أكتوبر ‪ ،1964‬ف ي� شأن تخطيط وتنظيم برامج محو‬ ‫أ‬ ‫سمي «ميثاق إالسكندرية»‪ ،‬الذي‬ ‫ال ّمية‪ ،‬صدر ما ّ‬ ‫تقرر بموجبه إنشاء جهاز خاص لمحو أ‬ ‫ال ّمية‪ ،‬ف ي�‬ ‫المنظمة العربية ت‬ ‫لل�بية والثقافة والعلوم «ألكسو»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عر� لهذا الغرض‪ ،‬تتناسب‬ ‫واس ُت ِ‬ ‫حدث صندوق ي ّب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الحصص فيه مع حال ال ّمية ي� كل بلد من البلدان‬ ‫أ‬ ‫والمكانات فيه‪.‬‬ ‫العربية‪ ،‬وعدد ال ّمي ي ن� والحاجة إ‬ ‫ّ‬ ‫وقرر المؤتمر ف‬ ‫عربية شاملة‬ ‫حملة‬ ‫بدء‬ ‫سنة‬ ‫غضون‬ ‫�‬ ‫أّ‬ ‫ي‬ ‫لمحو أ‬ ‫ال ّمية تماماً‬ ‫ال ّمية‪ ،‬عىل أن يكون الهدف محو‬ ‫أ ث ف‬ ‫ف‬ ‫و�‬ ‫ف ي� البلدان‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ ،‬ي� خالل ‪ 15‬عاماً عىل الك�‪ .‬ي‬ ‫العربية يوم ‪8‬‬ ‫عام ‪ ،1970‬أعلنت جامعة الدول‬ ‫ّ‬ ‫يناير‪ ،‬يوماً عربياً لمحو أ‬ ‫ال ّمية‪ ،‬أسوة باليوم العالمي‬ ‫ّ‬ ‫العربية عام ‪1976‬‬ ‫الدول‬ ‫أصدرت‬ ‫ثم‬ ‫سبتم�‪.‬‬ ‫ف ي� ‪8‬‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫اس�اتيجية محو أ‬ ‫ت‬ ‫العربية لتعميم‬ ‫ال ّمية‪ ،‬ثم الخطة‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫العربية‬ ‫ساس عام ‪ ،1990‬واالس�اتيجية‬ ‫ّ‬ ‫التعليم ال ي‬ ‫لتعليم الكبار‪ ،‬عام ‪.2000‬‬ ‫يغ� أن الزيادة المطّردة لعدد السكان‪ ،‬وانتشار‬ ‫الفقر‪ ،‬وانعدام التخطيط ف ي� عدد من البلدان‪،‬‬ ‫ثم حدوث حروب متالحقة‪ ،‬حالت دون بلوغ‬ ‫الهداف الواحد بعد آ‬ ‫أ‬ ‫الخر‪.‬‬

‫إذاً‪ ...‬ما العمل؟‬

‫والرقام أ‬ ‫ال بد من العودة إىل بعض المبادئ أ‬ ‫والصول‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫العر� مصمماً عىل محو ال ّمية‪.‬‬ ‫إذا كان الوطن ب ي ّ‬

‫والبداية هي تعديل التعريف الذي ال يزال شائعاً‬ ‫«المية أ‬ ‫للمية‪ ،‬أي أ‬ ‫أ‬ ‫البجدية»‪ .‬فهو لم يعد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مالئماً لعرصنا هذا‪ .‬ولم يعد مقبوال ً اعتماده‬ ‫ف� إحصاء أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫يزود‬ ‫مي�‪ .‬فالتعليم ينبغي له أن ّ‬ ‫ي‬ ‫التلميذ بالمعرفة ت‬ ‫ال� تؤهله ألداء دوره ولو ف ي�‬ ‫ي‬ ‫الحدود الدنيا‪ ،‬داخل المجتمع‪.‬‬ ‫ويستتبع هذا التعديل ف� تعريف أ‬ ‫ال ّمية‪ ،‬تطوير‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الساليب المعتمدة ف� جمع البيانات‪ ،‬ت‬ ‫ح� ال‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫تكون هذه البيانات غطاء ل ّمية مبطّنة‪ ،‬ي ن‬ ‫ح�‬ ‫يصنف أ‬ ‫المي متعلماً‪ ،‬بسبب عدم اعتماد التعريف‬ ‫َّ‬ ‫وظيفية»‬ ‫ة‬ ‫و«أمي‬ ‫ة»‬ ‫ي‬ ‫أبجد‬ ‫ة‬ ‫«أمي‬ ‫فهناك‬ ‫المالئم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معرفية»‪ ،‬وال بد من ي ز‬ ‫التمي� بينها‪.‬‬ ‫و«أمية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫المش�ك‪ ،‬فال شك ف ي� أن‬ ‫العر�‬ ‫أما عن العمل ب ي ّ‬ ‫ف‬ ‫تقدماً ملحوظاً ي� خفض‬ ‫أحرزت‬ ‫العربية‬ ‫ّ‬ ‫البلدان أ ّ‬ ‫ف‬ ‫نسب ال ّمية فيها‪ ،‬ي� العقود الماضية‪ .‬إال أن نسبة‬ ‫أ ف‬ ‫العر� اليوم تفوق النسبة ف ي�‬ ‫ال ّمية ي� الوطن ب ي‬ ‫تقدماً‪ .‬وقد‬ ‫العالم النامي‪ ،‬باستثناء أقل الدول ّ‬ ‫ت‬ ‫المش�ك مفتاحاً ف ي� متناول‬ ‫العر�‬ ‫يكون العمل ب ي ّ‬ ‫اليد لمعالجة هذه الحال‪ .‬وليس من حاجة إىل‬ ‫عربية لهذا الغرض‪ ،‬بل الحاجة‬ ‫إنشاء مؤسسات ّ‬ ‫ف‬ ‫العر�‬ ‫إىل‬ ‫تنشيط المشاريع ي� «ألكسو» والجهاز ب ي‬ ‫لمحو أ‬ ‫وغ�هما‪.‬‬ ‫الكبار‪،‬‬ ‫وتعليم‬ ‫مية‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التقدم‬ ‫و� النهاية يبقى العلم وانتشاره باباً إىل ّ‬ ‫ي‬ ‫واالزدهار‪ ،‬وصنع المستقبل المنشود‪.‬‬

‫تحتل قطر واألردن‬ ‫ّ‬ ‫القمة بين‬ ‫وفلسطين‬ ‫ّ‬ ‫العربية الثمان‬ ‫الدول‬ ‫ّ‬ ‫قرائية‬ ‫التي أحرزت نسبة‬ ‫تزيد على ‪%95‬‬ ‫‪1990‬م‬ ‫‪ 52‬مليون أمي‬

‫‪2011‬م‬ ‫‪ 48‬مليون أمي‬

‫اليونسكو‪ :‬مراوحة في‬ ‫مشروع العلم للجميع‬

‫تش� إحصاءات منظمة أ‬ ‫المم المتحدة ت‬ ‫لل�بية‬ ‫ي‬ ‫والعلم والثقافة «اليونسكو»‪ ،‬إىل أن ش‬ ‫م�وع‬ ‫العلم للجميع‪ ،‬الذي يرمي إىل خفض عدد‬ ‫أ‬ ‫الطفال الذين ال يرتادون مدارس للتعلّم‪،‬‬ ‫تب� أن عدد أ‬ ‫يراوح مكانه‪ .‬فقد ي ن‬ ‫الطفال ف ي�‬ ‫سن المدرسة االبتدائية سنة ‪ ،2012‬قد بلغ‬ ‫‪ 58‬مليون طفل ف� العالم‪ ،‬وعدد أ‬ ‫الطفال‬ ‫ي‬ ‫الذين ف ي� سن بداية المدرسة الثانوية‪ ،‬وهو ‪63‬‬ ‫مليون طفل‪ ،‬لم يتناقص‪ .‬وأشارت المنظمة‬ ‫ئ‬ ‫االبتدا�‬ ‫إىل أن التقدم باتجاه تعميم التعليم‬ ‫ي‬ ‫يتباطأ‪ ،‬وأن الهدف الذي ُوضع لتحقيقه قبل‬ ‫نهاية العام ‪ ،2015‬لن يتحقق‪ ،‬إذا ظلت‬ ‫أ‬ ‫الحال‪.‬‬ ‫المور عىل اتجاهها ي‬ ‫للحصاء (‪)UIS‬‬ ‫ويعمل معهد اليونسكو إ‬ ‫أ‬ ‫ومنظمة اليونيسف الدولية للطفال‬ ‫(‪ ،)UNICEF‬منذ سنوات‪ ،‬لخفض عدد‬ ‫أ‬ ‫الطفال ف ي� العالم‪ ،‬الذين ال يرتادون المدرسة‪.‬‬ ‫وعزت اليونسكو عدم تحقيق الهدف إىل أن‬ ‫وال�امج لمعالجة مشكلة عدم ارتياد‬ ‫السياسات ب‬ ‫ن‬ ‫المدرسة‪ ،‬ولتضييق الفروق يب� أطفال العالم‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫كب� من‬ ‫ي� هذا المجال‪ ،‬ليست مناسبة ي� عدد ي‬ ‫البلدان‪ .‬وفوق هذا لم يكن ثمة تحليل منهجي‬ ‫لتشخيص «عنق الزجاجة» الذي ت‬ ‫يع�ض طريق‬ ‫ئ‬ ‫االبتدا� للجميع‪ ،‬أو شل�ح‬ ‫تحقيق التعليم‬ ‫ي‬ ‫السبب الذي جعل بعض السياسات «الحسنة‬ ‫النية»‪ ،‬ال تحرز نتائج جيدة‪.‬‬ ‫وسبب قصور السياسات عادة‪ ،‬هو نقص‬ ‫المعلومات وأدوات إالحصاء والمناهج‬ ‫لتعريف أ‬ ‫الطفال الذين ال يرتادون المدرسة‪،‬‬ ‫ووسائل رصد التقدم ف ي� ش‬ ‫م�وع المدرسة‬ ‫للجميع‪ ،‬وقياس مدى عدم االرتياد‪ ،‬وتحديد‬ ‫أسبابه‪ ،‬إىل جانب قصور ف ي� تبليغ المعلومات‬ ‫والتخطيط‪.‬‬ ‫ش‬ ‫�ء‪ ،‬ال بد من االتفاق عىل‬ ‫وقبل كل ي‬ ‫أ‬ ‫تقديرات دقيقة لعدد الطفال الذين هم‬ ‫خارج المدارس‪ .‬ويتطلب هذا أ‬ ‫المر تحسيناً‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫جمع ف ي�‬ ‫ال� تُ َ‬ ‫للجودة ولالتساق‪ ،‬ي� المعلومات ي‬ ‫البيانات إالدارية‪ ،‬أو المسوح الفردية‪.‬‬


‫ألكسو‪ :‬أ‬ ‫الميون‬ ‫العرب ‪ 97‬مليوناً‬

‫نسبة «القرائية» في البالد العربية‬ ‫بين السكان فوق ‪ 15‬سنة‬ ‫الدولة‬

‫يتعذّ ر ف� أ‬ ‫الوضاع العربية الراهنة حساب عدد‬ ‫أ ي‬ ‫الطفال الذين يرتادون المدارس االبتدائية‬ ‫والثانوية‪ ،‬وعدد الذين يحجمون عن التعلم‪،‬‬ ‫بسبب الحروب ف ي� عدد من البلدان‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال‪،‬‬ ‫بالضافة إىل أن عدداً من الدول العربية ال�ت‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ال تشهد نزاعاً‪ ،‬إال أنها قلما تنظّم إحصاءات‬ ‫ومعاي� سليمة‪ ،‬فال‬ ‫دورية بأساليب علمية‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫تن� أرقاماً يمكن الركون إليها تماماً‪.‬‬

‫نسبة القرائية ‪%‬‬

‫السنة‬

‫قطر‬

‫‪96,3‬‬

‫‪2010‬‬

‫أ‬ ‫الردن‬

‫‪95,6‬‬

‫‪2011‬‬

‫فلسطين‬

‫‪95,3‬‬

‫‪2008‬‬

‫البحرين‬

‫‪94,6‬‬

‫‪2010‬‬

‫الكويت‬

‫‪93,9‬‬

‫‪2008‬‬

‫لبنان‬

‫‪89,6‬‬

‫‪2007‬‬

‫ليبيا‬

‫‪89,5‬‬

‫‪2011‬‬

‫النسبة العالمية‬

‫‪89,5‬‬

‫‪2011‬‬

‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� شن�ت سنة ‪ 2011‬أقرب‬ ‫لذا كانت الرقام ي‬ ‫التعب� عن واقع الحال آنذاك‪ ،‬من أية‬ ‫إىل‬ ‫ي‬ ‫أرقام قد نجدها ف ي� التداول اليوم‪.‬‬

‫السعودية‬

‫‪87,2‬‬

‫‪2011‬‬

‫عمان‬

‫‪86,9‬‬

‫‪2010‬‬

‫سوريا‬

‫‪84,1‬‬

‫‪2011‬‬

‫تونس‬

‫‪97,0‬‬

‫‪2010‬‬

‫العراق‬

‫‪87,5‬‬

‫‪2011‬‬

‫العر� لمنظمة‬ ‫لكن منظمة أليكسو‪ ،‬ي‬ ‫النظ� ب‬ ‫اليونسكو‪ ،‬تقدر أن نسبة أ‬ ‫المية ياليوم �ف‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫البلدان العربية‪ ،‬تزيد عىل ‪ ،%19‬أي إن عدد‬ ‫أ‬ ‫ال ن ف‬ ‫العر� يبلغ نحو ‪ 97‬مليون‬ ‫ي‬ ‫مي� ي� الوطن ب ي‬ ‫أمي‪ .‬ولذا تدعو المنظمة الحكومات العربية‬ ‫إىل بذل جهد أك� لمكافحة أ‬ ‫المية‪ ،‬وتعزيز‬ ‫ب‬ ‫ين‬ ‫البالغ�‪.‬‬ ‫برامج تعليم‬

‫الجزائر‬

‫‪72,6‬‬

‫‪2006‬‬

‫مصر‬

‫‪71,9‬‬

‫‪2012‬‬

‫المغرب‬

‫‪76,1‬‬

‫‪2011‬‬

‫اليمن‬

‫‪65,3‬‬

‫‪2011‬‬

‫موريتانيا‬

‫‪58,6‬‬

‫‪2011‬‬

‫تس� برسعة‬ ‫جدير بالذكر أن المملكة ي‬ ‫كب�ة نحو تحقيق محو أ‬ ‫المية‪ ،‬وقد‬ ‫ي‬ ‫انخفضت نسبة أ‬ ‫المية فيها إىل ‪ %7‬يب�ن‬ ‫الذكور‪ ،‬حسب آخر أرقام وزارة التعليم‪.‬‬ ‫والمعروف أن جهوداً مثابرة قلّصت نسبة‬ ‫أ‬ ‫مية ي ن‬ ‫الناث أيضاً‪.‬‬ ‫ب� إ‬ ‫ال ّ‬

‫المصدر‪UNESCO Institute for Statistics (May 2013( :‬‬ ‫‪http://www.uis.unesco.org‬‬

‫‪http://www.sharethis.com‬‬


‫‪89 | 88‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫الرافد الكبير أ‬ ‫للمية‪ ..‬التسرب المدرسي‬ ‫عرفت منظمة أ‬ ‫المم المتحدة للطفولة‬ ‫ّ‬ ‫المدرس عىل أنه عدم‬ ‫ب‬ ‫الترس‬ ‫«اليونيسيف»‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫التحاق أ‬ ‫الطفال الذين هم ف ي� سن الدراسة‬ ‫ئ‬ ‫االبتدا� بمدرستهم‪ ،‬أو‬ ‫ف ي� مرحلة التعليم‬ ‫ي‬ ‫ترك المدرسة ف ي� ساعات التدريس‪ ،‬لعدم‬ ‫االنتظام وضعف الرقابة أو لعدم الرغبة أو‬ ‫عدم القدرة‪ ،‬ال سيما ف ي� حاالت الفقر الشديد‪.‬‬ ‫المدرس هو امتناع‬ ‫بعبارات أخرى‪ ،‬الترسب‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫الطفل عن الدراسة‪ ،‬فيما يُف�ض أو يُظَن أنه‬ ‫يرتاد المدرسة‪.‬‬

‫• أ‬ ‫ف‬ ‫السباب ت‬ ‫كث� من بلدان العالم‬ ‫ال�بوية‪ :‬ي� ي‬ ‫الثالث يفتقر النظام تال�بوي إىل رياض أ‬ ‫الطفال‪،‬‬ ‫وهي مخصصة للسن قبل المدرسية‪ ،‬فال توفر‬ ‫للطفل مواد تعليمية مثل القراءة أو الكتابة‪ ،‬بل‬ ‫وغ�ها‪،‬‬ ‫غالباً ما يتضمن منهاجها ألعاباً اجتماعية‪ ،‬ي‬ ‫وتحببه بالمدرسة‬ ‫ّ‬ ‫تعود الطفل عىل روح أ الجماعة‪ّ ،‬‬ ‫اللعاب وأسباب التسلية ت‬ ‫والمدر ي ن‬ ‫ال�‬ ‫بفضل‬ ‫‪،‬‬ ‫س�‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫تتوافر له‪ ،‬فال يدخل مرحلة المدرسة االبتدائية إال‬ ‫وقد صار يألف جماعة أقرانه التالميذ‪ ،‬ويأنس لكل‬ ‫ت‬ ‫ال� يبدأ ف ي� تعلّمها‪.‬‬ ‫المواد التعليمية ي‬

‫ف ي� عام ‪2012‬م‪ ،‬كشفت تقارير اليونيسيف أن‬ ‫نسبة الترسب ف ي� مرحلة التعليم العام تصل إىل‬ ‫العر�‪ .‬ومما ال شك‬ ‫حوال ‪ %30‬عىل المستوى ب ي‬ ‫ي‬ ‫فيه أن هذه النسبة ارتفعت خالل السنوات القليلة‬ ‫الماضية بفعل االضطرابات واالقتتال الذي عصف‬ ‫ث‬ ‫بأك� من دولة عربية‪ .‬ونذكر عىل سبيل المثال‬ ‫التونس السابق إىل أن عدد‬ ‫إعالن وزير تال�بية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الطفال ف ي� شوارع تونس‪ ،‬خارج المدارس‪ ،‬بلغ نحو‬ ‫‪ 50‬ألف طفل عام ‪2015‬م‪.‬‬

‫ومن أ‬ ‫السباب تال�بوية أيضاً االفتقار إىل النشاطات‬ ‫المسماة «ال صف ّ​ّية» ف ي� المرحلة االبتدائية‪ ،‬وانقطاع‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫الصلة يب� إدارة المدرسة وذوي التالميذ‪ ،‬فال‬ ‫ين‬ ‫يحدث أي تعاون ي ن‬ ‫الفريق� لتف ّهم حال الطفل‪،‬‬ ‫ب�‬ ‫إذا كان يشكو مشكلة ما يمكن حلها بالتعاون‪ .‬و�ف‬ ‫ي‬ ‫المدر ي ن‬ ‫س� عىل‬ ‫ي‬ ‫كث� من الحاالت قد تؤدي قسوة ّ‬ ‫أ‬ ‫الطفال‪ ،‬إىل جعلهم يكرهون المدرسة‪ .‬وقد تجد‬ ‫حاالت تكون فيها العائلة يغ� ت‬ ‫مك�ثة بمواظبة‬ ‫الطفل عىل االلتحاق بمدرسته‪ ،‬ألسباب متباينة‪،‬‬ ‫ث‬ ‫أك�ها شيوعاً هو الفقر‪.‬‬

‫المدرس رافداً رئيساً من روافد‬ ‫ويُعد الترسب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫المية‪ .‬ألن تلميذ المرحلة االبتدائية مثالً‪ ،‬وإن‬ ‫تعلَّم القراءة والكتابة‪ ،‬فال بد وأن يفقد مهارتيهما‬ ‫بمرور الوقت لقلة استعمالهما‪ ،‬فيلتحق بذلك‬ ‫بصفوف أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫مي� الذين لم يطأوا مدرسة يوماً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و�‬ ‫ّ‬ ‫الترسب يب� البلدان‪ ،‬ي‬ ‫تتعدد وتتفاوت أسباب ّ‬ ‫ن‬ ‫البلد الواحد يب� مجتمعات الريف ومجتمعات‬ ‫المدينة‪ ،‬ت‬ ‫وح� باختالف الجنس ي ن‬ ‫ب� الصبية‬ ‫ف‬ ‫والبنات‪ .‬وقد تتضافر ي� بعض الحاالت أسباب‬ ‫متعددة معاً‪.‬‬

‫كث� من البلدان العربية‪ ،‬ال يستطيع ذوو‬ ‫ففي ي‬ ‫أ‬ ‫الطفال‪ ،‬بسبب الفقر المدقع‪ ،‬أن يوفروا عىل‬ ‫الدوام المبالغ المطلوبة رسوماً لتعليم أبنائهم‪ ،‬أو‬ ‫شل�اء حوائج التعليم أو الكتب واللوازم والنفقات‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ .‬ت‬ ‫وح� ي ن‬ ‫ح� يكون التعليم إلزامياً ومجانياً‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ترسب‬ ‫تجد ي‬ ‫كث�اً من الهل يغضون الطرف عن ّ‬ ‫أطفالهم‪ ،‬من أجل العمل‪.‬‬

‫التسرب المدرسي‬ ‫نتائج‬ ‫ّ‬

‫المترسب من الدراسة‪ ،‬مشكالت‬ ‫تنشأ عند الطفل‬ ‫ّ‬

‫نفسية لشعوره باالبتعاد عن رفاقه ف ي� المدرسة‪،‬‬ ‫لعدم قدرته عىل مجاراتهم ف ي� دراستهم‪ .‬وقد‬ ‫بالدونية وإمكان ظهور عقدة‬ ‫يؤدي هذا إىل شعوره‬ ‫أّ‬ ‫ت‬ ‫ال� يظن أنه‬ ‫نقص لديه‪ ،‬قد يعوضها بال‬ ‫عمال ي‬ ‫أ‬ ‫يقدر عليها‪ ،‬وقد ال تكون من العمال المحمودة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ترسبه بتأنيب ال يعالج سبب‬ ‫ال سيما إذا اق�ن ّ‬ ‫المشكلة‪.‬‬ ‫ترسب الطفل من المدرسة‪ ،‬فما الذي يفعله؟‬ ‫وإذا ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫منهم من ينخرط ي� عمالة الطفال‪ ،‬وقد تكون‬ ‫ين‬ ‫هذه أهون ش‬ ‫المترسب� قد‬ ‫ال�ور‪ ،‬ألن البعض من‬ ‫تدرجاً ف� أعمال االنحراف والجنح أو ح�ت‬ ‫ينخرط ّ ي‬ ‫ف‬ ‫إالجرام‪ .‬وهذا أمر ممكن ي� بيئة سيئة‪.‬‬

‫التسرب‬ ‫معالجة حاالت ن ّ‬

‫إذا كانت الصلة مفقودة يب� المدرسة وذوي‬ ‫التالميذ‪ ،‬أو إذا كان موقف أ‬ ‫ن‬ ‫والمدرس� يغ�‬ ‫الهل‬ ‫ي‬ ‫مبال بما يحدث للتالميذ‪ ،‬فإن معالجة حاالت‬ ‫ٍ‬ ‫الترسب تصبح صعبة للغاية‪ .‬وال بد ف ي� البداية‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫من إنشاء عالقة تنسيق وتفاهم ي ن‬ ‫الفريق�‪،‬‬ ‫ب�‬ ‫ت‬ ‫ح� يشعر التلميذ باالهتمام‪ ،‬وبأن ثمة سلوكاً‬ ‫ف‬ ‫مطلوباً منه‪ ،‬وأنه ليس حراً ي� التفلّت من النظام‬ ‫المتفق عليه ي ن‬ ‫ب� عائلته ومدرسته‪ .‬وعليه إذاً أن‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫يم�ض ي وقته‪ ،‬إما ي� البيت‪ ،‬أو ي� المدرسة‪ .‬وإذا‬ ‫تغيب عن المدرسة‪ ،‬فال بد من أن يعرف ذووه‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ترسب‪.‬‬ ‫أين‬ ‫وإىل‬ ‫ولماذا‬ ‫وكيف‬ ‫م�‬ ‫ّ‬ ‫كذلك يحسن بالمدرسة أن تراقب سلوك التالميذ‬ ‫الذين «يقودون» آ‬ ‫الترسب‪ ،‬لتعزلهم‬ ‫الخرين إىل‬ ‫ّ‬ ‫عن التالميذ‪ ،‬ت‬ ‫ح� ال ش‬ ‫ينت� «الوباء»‪ ،‬وتعالج‬ ‫�ض‬ ‫قضيتهم بما يُقت من معالجة نفسية وتربوية‬ ‫وإدارية‪.‬‬

‫المصادر‪:‬‬ ‫أ‬

‫مدرسة‬

‫ف‬ ‫محيا زيتون‪،‬‬ ‫العر�‪ ،‬الدكتورة ّ‬ ‫• المية ي� الوطن ب ي‬ ‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬يب�وت‪.2015 ،‬‬ ‫سلسلة شؤون ثقافية (‪.)7‬‬ ‫‪• http://www.education-ksa.com/t14597/‬‬ ‫‪• http://www.uis.unesco.org/Education/‬‬ ‫‪Pages/out-of-school-children.aspx‬‬ ‫‪• http://www.wikipedia.com‬‬


‫الملف‪:‬‬

‫الصفر‬

‫الالشيء وأضعافه‬ ‫الصفر هو «الالشيء»‪..‬‬ ‫ولكن هذا «الالشيء» حاضر أينما كان من‬ ‫حولنا‪ .‬كمقياس بحد ذاته‪ ،‬قد يكون تعبيراً‬ ‫عن انعدام القيمة‪ .‬ولكنه يدخل في قياس‬ ‫كل القيم ما عدا تسعة منها‪ ،‬وكلما ازداد‬ ‫حضوره زادت القيمة‪.‬‬ ‫ظهر قبل قرون‪ ،‬وكانت إطاللته على العالم‬ ‫من نافذة علم الحساب البسيط‪ ،‬ولكنه راح‬ ‫ِّ‬ ‫يوسع دائرة حضوره الذي بات يمتد من‬ ‫الوجدان اإلنساني إلى اآلالت الرقمية التي‬ ‫ما كانت لتكون من دونه‪ ،‬وكل ما بينهما‬ ‫من علوم وفلسفات‪.‬‬ ‫في هذا الملف‪ ،‬يغوص بنا الدكتور أشرف‬ ‫فقيه في أعماق التحديات التي واجهها‬ ‫العقل‪ ،‬وما كان له أن يرفعها لوال ابتكاره‬ ‫للصفر‪ ..‬هذا الصفر الذي هو أقرب بكثير‬ ‫ً‬ ‫رقما‪.‬‬ ‫إلى أن يكون فكرة منه إلى أن يكون‬


‫‪91 | 90‬‬

‫«من الذي اخترع الصفر؟»‪..‬‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫يث� السؤال من جدل ‪ -‬حد استفزاز النعرة‬ ‫بقدر ما ي‬ ‫القومية ‪ -‬فإنه يضع يده عىل جوهر عظمة هذا‬ ‫الال�ء‪ ..‬هو من أ‬ ‫الرمز‪ .‬فالصفر‪ ..‬شعار ش‬ ‫الهمية‬ ‫ي‬ ‫القصوى اليوم بحيث تفاخر ث‬ ‫أك� من حضارة بدعوى اكتشافه‬ ‫ش‬ ‫«الال�ء» مدعاة للفخر؟ تلك هي سمة‬ ‫وابتكار شكله‪ .‬تم� كان‬ ‫ي‬ ‫الصفر الباهرة‪.‬‬ ‫فهذا الرقم الذي يُرمز للخواء والفراغ والعدم‪ .‬هذا العنرص المحايد‬ ‫ف� الجمع والطرح‪ ،‬ذو أ‬ ‫التدم�ي ف� ض‬ ‫ال�ب والقسمة‪ ،‬هذا الرقم‬ ‫الثر‬ ‫ي أي‬ ‫ي‬ ‫الذي يحتل ‪ -‬نظرياً ‪ -‬منتصف خط العداد الممتد من الالنهاية إىل‬ ‫المقسم إىل أربعة‬ ‫الهندس‬ ‫الالنهاية‪ ،‬والذي هو أيضاً قلب المستوى‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أرباع‪ ،‬هذا الرقم الذي يم ِّثل اليوم نصف أبجدية لغة الحواسيب ال�ت‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫المكون من أصفار وآحاد‪ ،‬هذا الصفر البسيط‬ ‫الثنا�‬ ‫َّ‬ ‫فيشغِّ لها المنطق ف ي‬ ‫مر برحلة طويلة قبل أن يفرض ذاته وينال‬ ‫ي� بنيته العظيم ي� أثره‪ّ ،‬‬ ‫المكانة الالئقة به‪ .‬ولعله من المدهش أن ندرك بأن الصفر قد تعرض‬ ‫اعت�وه رمزاً ش‬ ‫ومن تجاهلوه‬ ‫لحرب شعواء ش َّنها عليه َمن ب‬ ‫لل� المحض‪َ ،‬‬ ‫ف‬ ‫عمداً وعن سبق إرصار لقرون ألنهم عجزوا عن إدراجه ي� تصورهم‬

‫للعالم «المثال» وفق النصوص المقدسة ووفق المنطق أ‬ ‫الرسطي‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الذي كانت جنايته عىل العلم ‪ -‬وعىل الصفر ‪ -‬موازية لهميته ي� تطور‬ ‫العقلية العلمية ف ي� أوروبا تحديداً‪.‬‬ ‫لم يكن الصفر مكروهاً ف ي� ش‬ ‫ال�ق‪ .‬كما أن حضارات أخرى ف ي� آسيا‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫مريكت� تعاملت معه بو ٍّد ملحوظ‪ .‬ويمكن القول بثقة إن الصلح‬ ‫وال‬ ‫أ‬ ‫المتعرس ي ن‬ ‫خ� من‬ ‫ب� الصفر والحضارة الغربية يخترص الفصل ال ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫قصة تطور العلوم‪ ،‬بدءاً من إدراكنا لطبيعة موقع الرض ي� الكون‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� قادت لوضع النظرية النسبية‪ .‬كل هذا‬ ‫إىل صياغتنا فللمعادالت ي‬ ‫ف‬ ‫التاريخ هو ي� جوهره تاريخ لعالقتنا بالصفر الذي يحمل ي� تعريفه‬ ‫دالالت فلسفية عميقة قبل أن يكون مجرد رقم أو خانة ف ي� سلسال‬ ‫أ‬ ‫العس� سيظل ابتكار‬ ‫العداد‪ .‬ومهما تعددت بم�رات هذا المخاض‬ ‫ي‬ ‫الصفر كقيمة‪ ،‬والتصالح مع معناه‪ ،‬أحد أبرز إنجازات الجنس ش‬ ‫الب�ي‬ ‫مر التاريخ‪.‬‬ ‫عىل ّ‬

‫من أين جاء الصفر؟‬

‫هناك روايات عدة ألصل الصفر‪ .‬لكن قبل أن نخوض ف ي� تلك الروايات‬ ‫لنعرف من حظي بأفضلية هذا االكتشاف الباهر‪ ،‬علينا أن نواجه‬ ‫الشكالية ف ي� القبول‬ ‫تعرض الصفر بالذات لهذه إ‬ ‫أنفسنا بالسؤال‪ :‬لماذا َّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تتعرض سائر العداد الخرى ‪ -‬الواحد والسبعة‬ ‫به كعدد‪ ،‬فيما لم َّ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫التفك�‬ ‫الشكالية وتم اعتمادها مبكرا ي� نظم‬ ‫والع�ة ‪..‬إلخ ‪ -‬لهذه إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫والتدوين للحضارات الوىل؟‬ ‫أ‬ ‫للعد كان‬ ‫إ‬ ‫الم�ر الول ّ‬ ‫للجابة عن السؤال‪ ،‬ينبغي لنا أن نعي أن ب‬ ‫أ‬ ‫إحصاء ما يمتلكه المرء‪ ،‬من ذرية وماشية وثمار‪ .‬هذه العنارص الوىل‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت بسيطة‬ ‫لالقتصاد كانت محور عمليات المقايضة الوىل‪ ،‬ي‬ ‫جداً ف ي� مجملها‪ .‬وقد اكتشف المؤرخون أن بعض الحضارات البدائية‬ ‫لم تكن تعرف من أ‬ ‫و«كث�»‪.‬‬ ‫العداد إال ثالث قيم‪ :‬واحد‪ ،‬اثنان‪،‬‬ ‫ي‬ ‫هكذا كان كل ما يفوق ي ن‬ ‫عد‬ ‫كث�اً‪ .‬بالنسبة لنظام ّ‬ ‫االثن� عدداً يُعد ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫معت�اً لنه لم‬ ‫بهذه البدائية فإن الصفر أو‬ ‫«الال�ء» لم يكن رقماً ب‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫يكن ذا قيمة أصالً‪ .‬ال أحد يخرج من بيته صباحاً ليش�ي «صفراً» من‬ ‫أ‬ ‫السماك‪ .‬والرجل الذي عنده «صفر» من رؤوس الماشية لم يكن‬ ‫يحق له أصال ً أن يدخل ف ي� أية عملية مقايضة‪ ،‬بل لم يكن ذا اعتبار‬

‫أحد نُظم العد البدائية‪ ..‬ال وجود للصفر!‬


‫أرقام بابلية‬

‫ف� ذلك العالم أ‬ ‫ري طولها‬ ‫ال‬ ‫ول‪ .‬كما أنه لم تكن هناك أية قناة ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫«صفر» ذراعاً أو أرض مساحتها «صفر»! ولذا‪ ،‬لم بت�ز الحاجة ف ي�‬ ‫ف‬ ‫حسا� معتمد بالكلية عىل‬ ‫البدء إلدراج قيمة يغ� محسوسة ي� نظام ب ي‬ ‫والمعت�‪ .‬لكن الحقاً‪ ،‬ومع ظهور الكتابة والتدوين‬ ‫إحصاء الموجود‬ ‫ب‬ ‫للتعب�‬ ‫وتطور العمليات الحسابية‪ ،‬توصل البعض إىل ابتكار رموز‬ ‫ي‬ ‫عن هذا ش‬ ‫الال�ء‪ .‬وبدأ الصفر ‪ -‬أو ما يقوم مقامه ‪ -‬ف ي� الظهور‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫لحجز خانة‬ ‫العد‪ .‬وهذا‬ ‫ي‬ ‫وللتعب� عن تضاعف القيمة ي� نُظم ّ‬ ‫ن‬ ‫الظهور لم يكن بشكل موحد وبالتوازي يب� الحضارات القديمة‪ ،‬بل‬ ‫ح� ظل بعضها آ‬ ‫اهتدى إليه بعضها ف� ي ن‬ ‫الخر جاهالً‪ ،‬أو متجاهالً‪،‬‬ ‫ي‬ ‫للقيمة الصفرية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫�ء» قد‬ ‫يُعتقد عىل نطاق واسع أن‬ ‫ي‬ ‫التعب� الول عن القيمة «ال ي‬ ‫ظهر ف� بالد ما ي ن‬ ‫ب� النهرين قبل نحو أربعة آالف سنة‪ .‬ويعتقد كذلك‬ ‫ي‬ ‫السومري� أ‬ ‫وال ي ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫كادي�‪ ،‬ومن‬ ‫البابلي� قد ورثوا هذا الفهم عن‬ ‫أن‬ ‫ن‬ ‫المؤرخ� بأن الهنود‬ ‫ورثوه بدورهم للهنود‪ .‬فيما يجادل بعض‬ ‫ي‬ ‫ثم َّ‬ ‫ن‬ ‫ابتكروا قبل يغ�هم رموزاً منفصلة‬ ‫والصين� القدماء‬ ‫ي‬ ‫للصفر كرقم مستقل بذاته‪.‬‬ ‫تش� دالئل أخرى إىل أن‬ ‫كما ي‬ ‫شعب المايا فيما يعرف اليوم‬ ‫طور فهمه‬ ‫بأمريكا الوسطى قد َّ‬ ‫الخاص للصفر كذلك واستعان به �ف‬ ‫أ ي‬ ‫حساباته الفلكية المتقدمة‪ .‬لكن ولن‬ ‫حضارات أ‬ ‫ين‬ ‫مريكت� قد ازدهرت بمعزل‬ ‫ال‬ ‫عن ق‬ ‫با� العالم ف ي� آسيا وأوروبا‬ ‫ي‬ ‫بسبب موقعها الجغر ف يا�‪ ،‬ونظراً‬ ‫النغالق الحضارة الصينية عىل‬

‫البابلي� يحظى بالقيمة أ‬ ‫ذاتها ت‬ ‫ين‬ ‫ال بك� عند دراسة‬ ‫لف�ة طويلة‪ ،‬فإن دور‬ ‫التاريخ العالمي للصفر‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬وقبل الميالد بثالثة قرون‪ ،‬استخدم البابليون رمز‬ ‫ش‬ ‫«الال�ء» عىل نحو مقارب جداً لما يفعل تالميذ المرحلة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫االبتدائية اليوم‪ .‬هذا الرمز ذو الهيئة المسمارية ‪ -‬نسبة للبجدية‬ ‫ش‬ ‫�ء ف ي� خانة‬ ‫المسمارية ف ‪ -‬كان يستخدم لتبيان أنه ال يوجد ي‬ ‫ن‬ ‫الع�ات � القيمة ‪ .309‬وللتفريق ي ن‬ ‫ش‬ ‫القيمت� ‪ 70‬و‪ .700‬لكن‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الصفر كما نعرفه ي� هيئته الحالية كرقم مستقل انتظر ثمانية‬ ‫قرون أخرى قبل أن يسفر عن ذاته‪.‬‬

‫الصفر‪ :‬شرقي بامتياز‬

‫الرسمة أ‬ ‫الوىل ت‬ ‫ع�ت عن القيمة «صفر» ربما جاءت من آسيا‪ ،‬إذ‬ ‫ال� ب‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ب� ي ن‬ ‫اش�كت عدة حضارات تنتمي للرقعة الممتدة ي ن‬ ‫الص� والهند ف ي�‬ ‫ت‬ ‫اق�اح شكل لهذا الصفر‪ ،‬وتعريف خصائصه خالل القرون الميالدية‬ ‫أ‬ ‫الوىل‪ .‬سيظل الموضوع مثار جدل‪ ،‬بما ف ي� ذلك تحديد تاريخ الظهور‬ ‫أ‬ ‫الول للصفر المستقل ف ي� ش‬ ‫ال�ق بهنده أو صينه‪ .‬لكن هناك شبه‬ ‫ين‬ ‫اتفاق ي ن‬ ‫المؤرخ� عىل اعتبار الحضارة الهندية أول من أدرج الصفر‬ ‫ب�‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� حل المسائل‪ .‬كانت الرياضيات الهندية قائمة‬ ‫ي� المعادالت ي‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫عىل ما يشبه القصائد‬ ‫الشعرية‪ .‬وتعود أقدم الوثائق الهندية ي‬ ‫ف‬ ‫تكرس الصفر كرقم مستقل ي� السلسلة ‪ 0,9,8,7,6,5,4,3,2,1‬إىل القرن‬ ‫ِّ‬ ‫الخامس الميالدي‪ .‬تلك السلسلة ت‬ ‫ال� نتعامل معها اليوم تلقائياً‬ ‫ي‬ ‫وتطالعنا ف ي� عديد من االستخدامات االعتيادية بعد ألف وخمسمئة‬ ‫عام من ذلك التاريخ‪ .‬ف ي� تلك الوثائق الهندية القديمة‪ ،‬يسمى الصفر‬ ‫(سونيا)‪ ،‬وهي لفظة سنسكريتية مرادفة لـ «فراغ» أو «فضاء»‪ .‬وهناك‬ ‫رسمات مختلفة لهذا الرقم تتدرج ي ن‬ ‫الصغ�ة المفرغة‬ ‫ب� الدائرة‬ ‫ي‬


‫‪93 | 92‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫أ‬ ‫السهام الهندي‬ ‫والنقطة الواقعة أسفل السطر‪ .‬أياً يكن المر‪ ،‬فإن إ‬ ‫ف ي� هذا المجال يتجاوز عملية إعطاء الصفر استقالليته كرقم إىل‬ ‫إدراك فرادة قيمته عىل خط أ‬ ‫ب� ي ن‬ ‫العداد‪ ،‬كفاصل برزخي ي ن‬ ‫عالم�؛‬ ‫العداد الموجبة‪ ،‬وعالم أ‬ ‫عالم أ‬ ‫العداد السالبة‪ .‬وتُعد القدرة عىل‬ ‫تصور المقادير السالبة أ‬ ‫(القل من الصفر) والتعامل معها كمعطيات‬ ‫ف ي� العمليات الحسابية قفزة نوعية ف ي� تطور العلوم ش‬ ‫الب�ية‪ ،‬ولعل‬ ‫أ‬ ‫الدراك للقيم الموجبة والسالبة ولموقع الصفر‬ ‫الدافع الول لهذا إ‬ ‫بينهما كان استيعاب مفاهيم «الربح» و«الخسارة» ف ي� التعامالت‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫طور الهنود علم‬ ‫كث�اً منذ أيام‬ ‫ال� تطورت ي‬ ‫البابلي�‪ّ .‬‬ ‫التجارية ي‬ ‫عد رؤوس الماشية فكانوا‬ ‫كب� إذاً‪ ،‬وتجاوزوا به حدود ّ‬ ‫الحساب بشكل ي‬ ‫ض‬ ‫الريا�‬ ‫من أوائل من أدرك الخصائص الفريدة للصفر كما حددها‬ ‫ي‬ ‫الهندي (براهماغوبتا) ف ي� القرن السابع الميالدي من خالل القواعد‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫• حاصل جمع الصفر وعدد سالب هو عدد سالب‬ ‫• حاصل جمع الصفر وعدد موجب هو عدد موجب‬ ‫• الصفر مضافاً إىل صفر يعطي صفراً‬ ‫• حاصل قسمة عدد موجب أو سالب عىل الصفر تعطي‬ ‫نسبة ش‬ ‫ع�ية‬ ‫• الصفر مقسوماً عىل صفر يعطي صفراً‬

‫‪9 10‬‬

‫‪8‬‬

‫‪7‬‬

‫‪6‬‬

‫‪5‬‬

‫‪4‬‬

‫عرف العرب الصفر لغوياً وكفكرة منذ القدم‪ .‬يغ� أنهم لم يبتكروا‬ ‫ن‬ ‫(الثا�‬ ‫نظاماً عددياً خاصاً بهم إال بحلول القرن التاسع الميالدي أ ي‬ ‫الهجري)‪ ،‬ي ن‬ ‫العباس المأمون الموئل الول‬ ‫ح�‬ ‫بات بالط الخليفة ف أ ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫لل�جمة والبحث ي� العالم‪ .‬وقابله ي� الهمية والثر بالط الخلفاء‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال ي ن‬ ‫موي� ي� الندلس‪.‬‬ ‫ف ي� بغداد ازدهرت مدارس من قبيل (دار الحكمة) حيث اشتغل محمد‬ ‫المم أ‬ ‫بن موىس الخوارزمي عىل تطوير علوم أ‬ ‫الخرى والبناء عليها‪.‬‬ ‫الج�‬ ‫وبفضل ترجمة أعمال الهنود وسواهم‪ ،‬ابتكر الخوارزمي علم ب‬ ‫الذي يقوم ‪ -‬كما يوحي االسم ‪ -‬عىل حل المعادالت ذات المجاهيل‬ ‫ن ف‬ ‫طور الخوارزمي طريقة‬ ‫بع� ب‬ ‫طر� المعادلة‪ .‬كما َّ‬ ‫ج� النقص يب� ي‬ ‫ً‬ ‫متسلسلة لحل المعضالت الرياضية ‪ -‬كانت موجهة أساسا لمسائل‬ ‫المواريث ‪ -‬وال يزال هذا أ‬ ‫السلوب منسوباً له ت‬ ‫ح� اليوم ويعرف‬ ‫بالخوارزميات‪.‬‬

‫للخم� الحمر ف ي� كمبوديا يعود‬ ‫العدد ‪ 605‬بحسب نقش منسوب‬ ‫ي‬ ‫للقرن السابع الميالدي‬

‫براهماغوبتا‬

‫‪3‬‬

‫بين بغداد وقرطبة‪ :‬الصفر يولد من جديد‬

‫قد تكون النسخ أ‬ ‫الوىل من مؤلفات (براهماغوبتا) وصلت إىل العرب‬ ‫زمن الخليفة المنصور‪ .‬والثابت أن الخوارزمي قد استوعب معارف‬ ‫ين‬ ‫وعدل فيها‪ .‬من ذلك اعتماده لشكل‬ ‫الهنود‬ ‫فحسنها ّ‬ ‫والبابلي� أ ّ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫الصفر ولسلسلة الرقام الهندية كلها‪ ،‬وتحديد دور الصفر ي� حل‬

‫علتها ‪ -‬م ّثلت تطوراً مدهشاً‬ ‫هذه القواعد عىل بدائيتها ‪ -‬وعىل ّ‬ ‫الحسا�‪ .‬وتُعد من المقدمات لثورة‬ ‫وتأث�ه‬ ‫لفهمنا لقيمة الصفر ي‬ ‫بي‬

‫‪2‬‬

‫ف ي� علم الرياضيات حمل لواءها العلماء المسلمون خالل القرون‬ ‫التالية‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪-10 -9 -8 -7 -6 -5 -4 -3 -2 -1 0‬‬


‫أ‬ ‫الرقام العربية ‪ -‬الهندية كما صاغها الخوارزمي‬

‫المعادالت الخطية ومن الدرجة الثانية‪ .‬بحيث توضع دائرة أو نقطة‬ ‫مصمتة ف� خانة الناتج إذا كان حاصل العملية صفراً ك ال يلتبس أ‬ ‫المر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عىل القارئ‪.‬‬ ‫السالمية‪ ،‬هو مثل نفخ‬ ‫إن الدور الذي قام به علماء الحضارة إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تزال حية ومعتمدة عالمياً‬ ‫الروح ي� الصفر وسواه من الرقام ي‬ ‫والج�‬ ‫إىل اليوم بفضلهم‪ .‬إضافة لتكريسهم لقواعد الحساب‬ ‫ب‬ ‫الحالية ولنظام الفاصلة ش‬ ‫الع�ية‪ّ ،‬ثبت العلماء المسلمون أشكال‬ ‫أ‬ ‫الرقام‪ ،‬وقرروا أن الصفر عىل شمال العدد ليست له قيمة عكس‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫الصفر عىل يمينه‪ .‬كما يُعتقد أنهم قد طوروا رسم الرقام ‪ -‬ي‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال�‬ ‫باتت تُعرف بالعربية ‪-‬‬ ‫مستوح� رسمة كل رقم من عدد الزوايا ي‬ ‫تحملها‪ .‬والالفت أن الصفر كان برسمتيه الدائرية والمنقوطة خلواً‬ ‫من أية زوايا‪.‬‬ ‫إن االنتشار الواسع لهذه أ‬ ‫الرقام ف ي� الثقافة العربية آنذاك‪ ،‬بما‬ ‫ف ي� ذلك االعتماد الرصيح للصفر كرقم مستقل‪ ،‬واعتماد قيم‬ ‫الخانات من آحاد ش‬ ‫وع�ات وسواها‪ ،‬إضافة لتطوير طرق الحساب‬

‫ف‬ ‫الج� وعلوم الرياضيات‪ ،‬كل ذلك أتاح‬ ‫السهلة والتفوق ي� ب‬ ‫للحضارة العربية مجاال ً للتفوق واالزدهار ف ي� العلوم المختلفة‬ ‫من فلك وطب‪ .‬فضال ً عن تطوير التطبيقات الهندسية من أعمال‬ ‫البناء والري‪ .‬أ‬ ‫والهم من ذلك أن التجارة قد انتعشت بفضل‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫انتشار المعرفة بالحساب يب� الناس‪ .‬وانعكس كل ذلك إيجاباً‬ ‫ولن أ‬ ‫عىل المنظومة الحضارية ككل‪ .‬أ‬ ‫الندلس كانت جزءاً فاعال ً �ف‬ ‫ي‬ ‫تلك المنظومة‪ ،‬فرسعان ما انتقلت العدوى الحميدة إىل أوروبا‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تلقتها أوروبا من‬ ‫وكان الصفر‬ ‫َّ‬ ‫المطور واحداً من أهم المنح ي‬ ‫عرب أ‬ ‫الندلس‪.‬‬

‫أصل الكلمة‬

‫وصفر‪.‬‬ ‫صافر ِ‬ ‫وصفوراً‪ ،‬فهو ِ‬ ‫ِ‬ ‫صف َر يَصفَر‪َ ،‬ص َفراً ُ‬ ‫ش‬ ‫النا ُء من ال�اب‪،‬‬ ‫البيت من‬ ‫وص ِف َر إ‬ ‫َص ِف َر ‪َ :‬خ َل‪ ،‬يقال َص ِف َر ُ‬ ‫المتاع‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫سمي‬ ‫وص ِف ْ‬ ‫و� شهر (صفَر) قيل‪ِّ :‬‬ ‫َ‬ ‫رت يَ ُد ُه من المال أي خ َلت وفرغت‪ .‬ي‬ ‫خلوها) من أهلها إذا سافروا فيه‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫بذلك إلصفار مكَّة (أي ّ‬ ‫َس َّموا الشهر َص َفراً ألنهم كانوا يح ّلونه ّ‬ ‫محل الشهر الحرام (المحرم)‬ ‫فيغزون فيه ت‬ ‫في�كون من لقوا ِص ْفراً من المتاع‪.‬‬


‫‪95 | 94‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫أرخميدس‬

‫أرسطو‬

‫الصفر وأوروبا‪ :‬عداوة تلتها مح ّبة‬

‫لم تكن أوروبا العصور الوسطى جاهلة بالصفر‪ ،‬لكن العالقة ي ن‬ ‫ب�‬ ‫أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫وروبي� وهذا المفهوم بقيت موغلة ف ي� التعقيد ألسباب فلسفية‬ ‫والهوتية ف� المقام أ‬ ‫الول‪ .‬والحقيقة أن أوروبا قد تجاهلت الصفر‬ ‫ي‬ ‫عنوة إىل القرن ن‬ ‫الثا� ش‬ ‫ع� الميالدي‪ ،‬حيث أدى التأثر بالحضارة‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫تغي� حقيقي ف ي� البنية الفكرية‬ ‫تب� هذه الفكرة وتبع ذلك ي‬ ‫العربية إىل ي‬ ‫أ‬ ‫الوروبية‪.‬‬ ‫الغريق ومن ثم‬ ‫كث�اً بفكر إ‬ ‫إن حضارة أوروبا وفكرها مرتهنان ي‬ ‫ف‬ ‫الرومان‪ .‬وبتتبعنا لتاريخ الصفر سنجد ي� البداية أنه شكّل معضلة‬ ‫بالنسبة للمخيلة ش‬ ‫النسان للعالم من حوله‪ .‬هذه‬ ‫الب�ية ولفهم إ‬ ‫ين‬ ‫المرصي� القدماء‪،‬‬ ‫الغريق‪ ،‬الذين ورثوا حضارة‬ ‫المعضلة دفعت إ‬ ‫ف‬ ‫إىل أن يق ِّلدوهم ف ي� تجاهل الصفر وال يخصصوا له رمزاً ي� نظام‬

‫أ‬ ‫الرقام الرومانية من ‪ 1‬إىل ‪ .10‬وال وجود للصفر‬


‫أعدادهم الذي ال ت‬ ‫يع�ف أصال ً بالخانات ش‬ ‫الع�ية‪ .‬ألن الصفر كان‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� كانت‬ ‫�ء‪ .‬وبحسب مدرسة‬ ‫التفك� إ‬ ‫ي‬ ‫الغريقية وفلسفتها ف ي‬ ‫رديفاً ّلل ي‬ ‫تز‬ ‫ش‬ ‫فالال�ء ليس له وجود ي� العالم‬ ‫حد التماهي‪،‬‬ ‫مم�جة بالرياضيات ّ‬ ‫ي‬ ‫المحسوس‪.‬‬ ‫الغريق أن هذا العالم الذي نعيش فيه يحكمه النظام‪،‬‬ ‫قرر فالسفة إ‬ ‫ض‬ ‫وأنه قبل خلق العالم لم تكن إال الفو� والعدم‪ .‬كما قرروا بأن‬ ‫نهاية العالم لن تكون إال عودة ض‬ ‫للفو�‪ .‬هذا الخوف من النهاية‬ ‫ش‬ ‫«الال�ء»‪ ..‬الذي هو رديف العدم‪.‬‬ ‫دفعهم لرفض وجود‬ ‫ي‬ ‫الغريق القدماء إننا ‪ -‬بحكم وجودنا ف ي� عالم يحكمه النظام ‪-‬‬ ‫قال إ‬ ‫ش‬ ‫مرصين عىل أن لكل موجود‬ ‫حتماً يوجد ي‬ ‫«�ء» ما حولنا عىل الدوام! ّ‬ ‫الغريق أنه من قبيل الجنون‬ ‫واعت� إ‬ ‫جوهراً ‪ -‬سماه العرب «الهيوىل» ‪ .-‬ب‬ ‫تفك� ‪ -‬بأن هناك ي ز‬ ‫ح�اً مشغوال ً بالعدم أو الفراغ‬ ‫أن نفكر ‪ -‬مجرد ي‬ ‫حولنا هذه النظرة إىل أرقام‪ ،‬فال مكان للصفر‪ .‬ال مكان‬ ‫المطلق‪ .‬وإذا َّ‬ ‫لقيمة ال جدوى من جمعها إىل أو طرحها من قيمة أخرى حقيقية‪ .‬ما‬ ‫ن‬ ‫مع� أن ضت�ب رقماً ف ي� صفر ليكون الناتج صفراً؟ كما أن القسمة عىل‬ ‫الغريق وهكذا نفوا‬ ‫الصفر ُع َّدت كتجديف وكارثة ماحقة‪ .‬هكذا فكّر إ‬ ‫ت‬ ‫الهندس‬ ‫كرست للجمال والكمال‬ ‫ال� ّ‬ ‫ي‬ ‫الصفر من أفكارهم ودراساتهم ي‬ ‫بع� نسب رقمية هي عبارة عن نواتج قسمة واضحة‪ ..‬منها (النسبة‬ ‫أساط� شعبية من عدة‬ ‫الذهبية) عىل سبيل المثال‪ .‬ف ي� الواقع فإن‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫�ء العدمي‪ .‬وقد دفع‬ ‫حضارات حذَّ رت من انهيار الكون وعودته ّلل ي‬ ‫الصفر ثمن هذا الخوف القديم‪.‬‬ ‫أرخميدس والرياضيون القدماء المهتمون بحساب المساحات‬ ‫اتفقوا عىل بديهية مفادها أن أي رقم إذا أضيف إىل نفسه مرات‬ ‫أك� من‬ ‫كب�اً جداً ب‬ ‫ومرات‪ ،‬فإن المحصلة ستكون بالنتيجة رقماً ي‬ ‫سواه من أ‬ ‫الرقام‪ .‬هذه البديهية البسيطة لم تنطبق عىل الصفر‪،‬‬ ‫ألن صفر ‪ +‬صفر = صفر‪ .‬كما أن الصفر مضافاً ألية قيمة‬ ‫يغ� شيئاً‪ .‬لماذا نتجشم عناء تنفيذ عملية‬ ‫أخرى ال ي‬ ‫ش‬ ‫الغريق‪،‬‬ ‫«الال�ء»؟ تساءل إ‬ ‫أحد أطرافها هو ف ي‬ ‫ُم ي ن‬ ‫تخل� عن الصفر ي� نظام عدهم وحسابهم‪.‬‬ ‫تضارب الصفر بقسوة مع تصور الكون‬ ‫ُ‬ ‫الغريق الكبار؛‬ ‫الذي وضعه فالسفة إ‬ ‫أرسطو وبطليموس وفيثاغورس‪،‬‬ ‫والذي ال مكان فيه للعدم‪ ،‬أدى‬ ‫إىل رفض الصفر كمبدأ‪ .‬وورثت‬ ‫الحضارة الغربية هذا الرفض‬ ‫لقرون طويلة ودفع الثمن غالياً‬ ‫معدل‬ ‫جداً‪ ،‬إذ تم تقبل تصور ّ‬ ‫للعالم تعايشت معه أوروبا‬ ‫عىل مضض‪ ،‬إىل أن جاء‬ ‫العرب‪.‬‬

‫من «صفر» إلى «زيرو»‬

‫النجليزية الكلمة ‪ Zero‬حتى منتصف‬ ‫لم تعرف اللغة إ‬ ‫القرن السادس عشر الميالدي‪ .‬هذه اللفظة جاءت من‬ ‫اليطالية ‪ .Zefiro‬وأصل اللفظ‬ ‫اللغة الفرنسية نقال ً عن إ‬ ‫عربي من «الصفر»‪.‬‬ ‫تعامل أ‬ ‫الوروبيون ابتدا ًء مع الصفر العربي كلغز سحري‪.‬‬ ‫وفي بدايات استخدام أ‬ ‫الرقام العربية في السجالت‬ ‫التجارية أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬كانت المعرفة بهذه الرموز محدودة‬ ‫لدرجة أنها ُعدت وسيلة مثالية لتمرير المعلومات السرية‪.‬‬ ‫من هنا كذلك تطورت عبارة ‪ Cypher‬التي أعيد تعريبها إلى‬ ‫«شفرة» وهي في أ‬ ‫الصل منحوتة من «الصفر» وإخوته من‬ ‫الرقام العربية المبهمة المعنى على أ‬ ‫أ‬ ‫الوروبيين آنذاك‪.‬‬

‫الصفر رديفاً للشيطان‬

‫كث� من‬ ‫مع تحول أوروبا للمسيحية خالل القرن الرابع الميالدي بقيت ي‬ ‫ت‬ ‫الرياضيا� القديم‪،‬‬ ‫رواسب الفلسفات القديمة‪ .‬وتم تطبيق الفهم‬ ‫ي‬ ‫لتفس� النصوص المقدسة ولدراسة‬ ‫يغ� المتصالح مع الصفر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الظواهر الطبيعية‪ .‬هنا صار الصفر رديفاً للشيطان‪ ،‬كمضاد للقيمة‬ ‫ت‬ ‫ال� ُرمز بها للحقيقة المطلقة ولسلطة النظام‪ .‬هكذا ظل‬ ‫«واحد» ي‬ ‫ع� عنه برمز مستقل‪ .‬وظل عصياً‬ ‫وغ� ُم ب‬ ‫الصفر مقصياً عن الرياضيات ي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫عب� ي� عمليات الجمع‬ ‫التفس�‬ ‫عىل‬ ‫ي‬ ‫«المنطقي» كمعامل ذي أثر ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫والطرح‪ ،‬وأثر‬ ‫تخري� ي� عمليات ال�ب والقسمة‪.‬‬ ‫بي‬

‫ش‬ ‫فيبونات�‬ ‫ي‬


‫‪97 | 96‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫غوتفريد ت ز‬ ‫اليبن�‬

‫إسحق نيوتن‬

‫لكن هذه النظرة أ‬ ‫الرسطوية الرافضة للصفر‪ ،‬وما يمثله من عدمية ف‬ ‫تتنا�‬ ‫مع جوهر المادة لم تلبث أن اصطدمت بفكر الكنيسة‪ .‬فإذا لم يكن‬ ‫هناك عدم‪ ،‬فما الذي سبق الوجود؟ ال ش�ء! لكن نفي وجود ش‬ ‫الال�ء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والقول بوجود الكون دوماً ومنذ أ‬ ‫اع�اف ن‬ ‫الزل هو ت‬ ‫ضم� بمفهوم آخر‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ورو� آنذاك أال وهو مفهوم «الالنهائية»؛‬ ‫ال يقل شيطانية ي� الفكر ال ب ي‬ ‫ال نهائية بداية الزمن‪ .‬واالعتقاد بالنهائية الكون زلزل ثوابت الكنيسة‬ ‫ألنه ن‬ ‫ع� أنه ليس ثمة مركز للكون الالمتناهي ف ي� وقت كان نفي مركزية‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫عد هرطقة وكفراً بواحاً!‬ ‫الرض للكون ودوران كل الجرام حولها يُ ّ‬ ‫تجسدت المعضلة التالية أمام‬ ‫رياض� أوروبا‪ :‬إذا كانت هناك كمية‬ ‫يي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫يع� أن الالمحدود موجود‪.‬‬ ‫تع� عن‬ ‫أمحددة ‪ -‬الصفر ‪ -‬ب ِّ‬ ‫الال�ء‪ ،‬فهذا ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫الال�ء ‪ -‬ناتجاً عن محدودية المادة‪ ،‬فإن‬ ‫لنه إذا كان وجود العدم ‪-‬‬ ‫ي‬ ‫ضمان نفي ش‬ ‫الال�ء يقت�ض ي وجود كمية المتناهية من المادة!‬ ‫ي‬ ‫هذه العالقة ت‬ ‫ال�ابطية ي ن‬ ‫ب� ش‬ ‫الال�ء والالنهائية شكّلت تحدياً سافر ًا‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫واالع�اف به ي� أوروبا‪.‬‬ ‫وكرست لحتمية اعتماد الصفر‬ ‫للفكر القديم ّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� جاء بها‬ ‫لقد كانت كل النظريات الفلكية المضادة لفكار‬ ‫الكنيسة ي‬ ‫ف‬ ‫تنويريون أمثال كوبرنيكوس وكبلر وغاليليو معتمدة ي� جوهرها عىل‬ ‫القرار بالصفر‪ :‬كحقيقة وجودية وكقيمة رياضية‪ .‬ومحاربة الكنيسة‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫لهذه الفكار كانت ي� الحقيقة رفضاً ضمنياً للصفر وتبعاته‪.‬‬ ‫يعان العرب أو الهنود من هذه إالشكالية الوجودية مع الصفر‪ .‬وجرؤ‬ ‫لم ِ‬ ‫أ‬ ‫العرب عىل فعل ما لم يفعله الوروبيون‪ ،‬إذ إنهم هجروا المنظور‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫الرسطوي للعالم باكراً‬ ‫الذه�‬ ‫مدفوع� بسجاالت أعالم عرصهم ب ي‬ ‫أمثال ي ن‬ ‫وأ� حامد الغ ّزال‪ .‬قبل العرب بوجود ش‬ ‫الال�ء‪،‬‬ ‫و� وابن رشد ب ي‬ ‫الب� ي‬ ‫ي‬ ‫بتكون ِالمادة من ذرات متناهيةي �ف‬ ‫قبلوا بوجود الفراغ‪ .‬ومع الفراغ قبلوا ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الصغر وقبلوا مفهوم الالنهائية‪ .‬كان لذلك كله أثر بالغ ي� تطور الفكر‬ ‫أخ�اً لمواجهة فلسفات‬ ‫الغر� الذي اضطر ي‬ ‫العر� إالسالمي مقابل الفكر ب ي‬ ‫بي‬ ‫أرسطو مدفوعاً بتقليده للعرب إبان أوج حضارات بغداد وقرطبة‪.‬‬ ‫ن ن‬ ‫ن‬ ‫الثا� ش‬ ‫ع� والخامس‬ ‫لكن قبول أوروبا التدرجي للصفر يب� القر ين� ي‬ ‫ش‬ ‫ع� للميالد لم يتحقق بدوافع فلسفية أو علمية وحسب‪ ،‬إذ‬

‫رينيه ديكارت‬

‫نيول‬ ‫يوهان يب� ي‬

‫‪y‬‬

‫)‪(2, 3‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫)‪(-3, 1‬‬

‫‪1‬‬ ‫)‪(0, 0‬‬

‫‪x‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪-3‬‬

‫‪-1‬‬

‫‪-2‬‬

‫‪-3‬‬

‫‪-2‬‬ ‫‪-1‬‬

‫رقم السنترال‬

‫)‪(-1.5, -2.5‬‬

‫«للمساعدة ف ي� أي وقت اضغط صفر»‪ .‬هذه الرسالة‬ ‫ت‬ ‫ال� تتلقانا بها أرقام الخدمات تحمل‬ ‫المسجلة ي‬ ‫انتصاراً ضمنياً للصفر بعد قرون وموروث من‬ ‫التجاهل والتهميش‪ .‬الصفر هو نقطة البدء ف ي� رحلة‬ ‫ت‬ ‫السن�ال أو عامل البدالة‪.‬‬ ‫البحث الهاتفية‪ .‬إنه رقم‬ ‫الصفر هو رقم المساعدة‪.‬‬


‫الصفر رمز دولي‬

‫يذكر المؤرخون أن أ‬ ‫الرقام العربية‪ ،‬ف‬ ‫و� مجملها الصفر‪ ،‬قد‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫العر�‬ ‫ُحملت إىل أوروبا بواسطة شاب‬ ‫إيطال ُولد ي� المغرب ب ي‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ش‬ ‫الريا� الفذ له‬ ‫فيبونات�‪ .‬هذا العا ِلم‬ ‫وعرف الحقاً باسم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫إسهامات علمية باهرة ال نزال ننعم بنتائجها إىل اليوم‪ ،‬وقد‬ ‫ش‬ ‫العر� بكل حماسة ف ي� متوالياته الهندسية‬ ‫تب�‬ ‫نّ‬ ‫فيبونات� الصفر ب ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الشه�ة‪ .‬من إيطاليا ش‬ ‫انت� استخدام الصفر والرقام العربية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫بكث� من نظم العد‬ ‫ال� اكتشف ال ّتجار الوروبيون أنها أفضل ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫القديمة وأدعى للدقة ي� ضبط الدفاتر وتوثيق حسابات الربح‬ ‫مد‬ ‫والخسارة‪ .‬عبثاً حاولت الكنيسة وحاول المحافظون مكافحة ّ‬ ‫ال� كانت الشهوة للمال هي الدافع أ‬ ‫هذه أ‬ ‫الرقام العربية ت‬ ‫ال بك�‬ ‫ي‬ ‫لقبولها لدى ال ّتجار والمر ي ن‬ ‫اب� أوالً‪ ،‬فضال ً عن دورها الحاسم ف ي�‬ ‫بلورة أفكار النخب المتعلمة‪.‬‬

‫الصفر والالنهاية‪ :‬قرينان متالزمان‬

‫نعرف اليوم أن قسمة أي عدد عىل الصفر تعطي قيمة ال نهائية‪.‬‬ ‫كما أن قسمة أي عدد عىل الالنهاية تعطي ‪ -‬نظرياً ‪ -‬صفراً‪.‬‬ ‫ت‬ ‫رياضيا� هو علم‬ ‫هذا الفهم استغرق قروناً من تطوير فرع‬ ‫ي‬ ‫التفاضل والتكامل عىل يدي علماء تلقفوا أعمال الحسن بن الهيثم‬ ‫والخوارزمي وأبرزهم غوتفريد ت ز‬ ‫اليبن� وإسحق نيوتن ويوهان‬ ‫يب�نيول خالل القرن السابع ش‬ ‫ع�‪.‬‬ ‫ي‬

‫مر زمان كان الصفر فيه رمزاً لرفاه غير متاح للجميع‪ .‬كان‬ ‫ّ‬ ‫النترنت‬ ‫شبكات‬ ‫وقبل‬ ‫المحمول‬ ‫الهاتف‬ ‫أيام‬ ‫قبل‬ ‫ذلك‬ ‫إ‬ ‫الالسلكية‪ .‬حينذاك كان خط الهاتف أ‬ ‫الرضي هو وسيلة‬ ‫التواصل أ‬ ‫السرع عبر الحدود وبين القارات‪ .‬لكن ليس‬ ‫لكل الناس‪ .‬فالخط (الدولي) الذي يستلزم أن تستفتح‬ ‫مكالمتك بـ (صفر) باذخ لم يكن ألي من مشتركي خدمة‬ ‫الهاتف‪ .‬كان ذلك الصفر يتطلب وساطة للحصول عليه‬ ‫أوالً‪ ،‬كما لم يكن الكل مستعداً لتحمل نفقات استخدامه‬ ‫الباهظة مقارنة بالرقم المح ّلي‪ ..‬الذي ال يبدأ بصفر‪.‬‬ ‫ذلك الصفر الدولي تحول لعالمة فارقة بين الطبقات في‬ ‫الحي‬ ‫بعض المجتمعات‪ .‬غالباً ما كان شيخ القرية أو كبير ّ‬ ‫مستحوذاً على الصفر في هاتفه (الحكومي) الذي قد‬ ‫يتاح لذوي الحظوة بين فينة وأخرى‪ .‬أ‬ ‫الحياء المحظوظة‬ ‫نعمت بوجود هاتف عمومي قد يتيح الصفر إن سمحت‬ ‫المقسم‪ .‬تم ُّنع الصفر الدولي على عموم الشعب‬ ‫ظروف‬ ‫ّ‬ ‫فتح الباب أمام فرص التكسب‪ .‬مضى زمن كانت فيه‬ ‫(كابينة الهاتف) مثل «البزنس» المربح‪ ،‬حيث يمكنك‬ ‫كزبون مقابل مبلغ ما أن تشتري دقائق لتتحدث مع َم ْن‬ ‫تحب أو من تحن إلى صوته‪ ،‬أو أن تجزي وقتك في مكالمة‬ ‫خارج مدينتك أو دولتك مستمتعاً بنعمة الصفر الدولي‬ ‫متجاوزاً الحدود!‬ ‫أ‬ ‫جاء الهاتف الجوال وجاءت اللياف البصرية فأطيح‬ ‫بالصفر الدولي من على عرشه‪ .‬بل وبات خط الهاتف‬ ‫أ‬ ‫الرضي مهدداً باالنقراض‪ .‬صحيح أن أرقام جواالتنا كلها‬ ‫تبدأ بالصفر آ‬ ‫الن‪ ..‬معظمنا ال تلفته هذه الملحوظة‪..‬‬ ‫لكنها عند البعض نفحة من ذكرى غير بعيدة‪.‬‬


‫‪99 | 98‬‬

‫الصفر نقطة أ‬ ‫الصل‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ض‬ ‫نس اسمه‬ ‫قبل نيوتن ورفاقه‪ ،‬ظهر فيلسوف‬ ‫وريا� فر ي‬ ‫ي‬ ‫رينيه ديكارت‪ .‬نُسب إليه القول‪ :‬أنا أفكِّر إذاً أنا موجود‪.‬‬ ‫تفك� ديكارت لتعزيز مكانة الصفر بل ولجعله‬ ‫وقد قاد ي‬ ‫ث‬ ‫حدا� الذي ينسب إليه‬ ‫نقطة المركز والقلب للنظام إ‬ ‫ال ي‬ ‫ث‬ ‫حدا�)‪ .‬يعتمد‬ ‫اليوم فيما يعرف بـ (مستوى ديكارت إ‬ ‫ال أ ي‬ ‫ئ‬ ‫ثنا� البعاد إىل أربع‬ ‫مستوى ديكارت عىل تقسيم العالم ي‬ ‫أرباع تخيلية بواسطة محورين أحدهما أفقي (المحور‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫أس (المحور الصادي)‪ .‬وبواسطة تقسيم‬ ‫السي�) والخر ر ي‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الخط� إىل وحدات متساوية يسعنا‬ ‫هذين المحورين أو‬ ‫ين‬ ‫ع� معرفة إحداثياتها‬ ‫تعي� موقع أية نقطة عىل المستوى ب‬ ‫السينية والصادية‪ .‬بطبيعة الحال فإن كال المحورين‬ ‫يمتدان من الماالنهاية إىل الماالنهاية ابتدا ًء من نقطة‬ ‫أ‬ ‫الصل ذاتها‪ ..‬أال وهي النقطة (‪.)0 ,0‬‬


‫هذه النقطة الصفرية هي أ‬ ‫الصل النظري لكل الظواهر‬ ‫ت‬ ‫ال� نعرفها اليوم‪ .‬عليها نب� نيوتن‬ ‫والمعادالت الرياضية ي‬ ‫واليبن� ي ن‬ ‫تز‬ ‫ح� رسما دوال االشتقاق الخاصة بهما‪ .‬كما‬ ‫ف‬ ‫س�سم دوال الـ‬ ‫أن أي دارس لعلم المثلثات ي� زماننا ي‬ ‫ت‬ ‫ال� هي‬ ‫(جا‪ ،‬جتا‪ ،‬ظا‪ ،‬ظتا)‪ ،‬وسيطبق معادالت دوائره ي‬ ‫أساس الهندسة االبتدائية وفقاً لهذا المستوى‪ ،‬حيث‬ ‫سيختار غالباً مركز الدائرة ف ي� النقطة (‪ .)0 ,0‬وبعد نيوتن‬ ‫ت‬ ‫ن� ت أ ن‬ ‫بقر ي ن‬ ‫الديكار�‬ ‫ه�تز ويستخدم المستوى‬ ‫لما� ي‬ ‫ي‬ ‫سيأ� ال ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� عىل أساسها فهمت طبيعة الضوء‬ ‫يل�سم موجاته ي‬ ‫والكهرومغناطيسية وحلت معادالت النظرية النسبية‪.‬‬

‫الحرارة صفر‪ ..‬لكن وفق أي ميزان؟‬

‫ئ‬ ‫الثنا�‬ ‫الصفر‪ :‬نصف أبجدية المنطق‬ ‫ي‬ ‫أ ن‬ ‫ض‬ ‫تز‬

‫لما� اليبن� مع الصفر عىل‬ ‫لم تقترص عالقة‬ ‫الريا� ال ي‬ ‫ي‬

‫بالضافة إىل كونه رياضياً‪ ،‬فإن‬ ‫علوم التفاضل والتكامل‪ .‬إ‬ ‫ض‬ ‫تز‬ ‫ش‬ ‫ريا� ي�ح‬ ‫اليبن� كان فيلسوفاً اهتم بصياغة نظام‬ ‫ي‬ ‫الكون بأرسه‪ .‬ومن نظرته الفلسفية للوجود ت‬ ‫اق�ح ت ز‬ ‫اليبن�‬ ‫ين‬ ‫القيمت� ‪ 1‬و ‪ - 0‬أو‬ ‫نظاماً رياضياً متكامال ً مبنياً عىل‬ ‫«صواب» و«خطأ» ف ي� العرف المنطقي ش‬ ‫الب�ي ‪ -‬بحيث‬ ‫ين‬ ‫القيمت�‪.‬‬ ‫التعب� عن أي قيمة وجودية بإحدى‬ ‫يمكن‬ ‫ي‬ ‫لنأخذ العبارة‪« :‬الرياض هي عاصمة المملكة العربية‬ ‫السعودية»‪ ،‬هذه عبارة لها قيمة منطقية تساوي ‪ .1‬أما‬ ‫عبارة‪« :‬الشكل المربع له ثالث زوايا»‪ ،‬فهي عبارة تستحق‬ ‫القيمة المنطقية ‪ 0‬أو «خطأ»‪.‬‬ ‫بكليته من أصفار وآحاد يُعرف اليوم‬ ‫هذا النظام المكون ّ‬ ‫بالنظام ئ‬ ‫الثنا� أو الـ ‪ Binary System‬الذي وإن لم تكن‬ ‫ي‬ ‫فائدته أو تطبيقاته واضحة تماماً زمن ت ز‬ ‫اليبن�‪ ،‬إال أنه يُعد‬ ‫أ‬ ‫سميت «رقمية» لنها‬ ‫اليوم عماد تقنيتنا الرقمية بأرسها‪ّ .‬‬ ‫ين‬ ‫الرقم� ‪ 0‬و‪ 1‬لتمثيل جميع أشكال البيانات‬ ‫تعتمد عىل‬ ‫ت‬ ‫ال� نتبادلها من صور ونصوص وفيديوهات‪ .‬ولهذا نجد‬ ‫ي‬ ‫أن الرمزين «صفر» و«واحد» معتمدان كشعار للحضارة‬ ‫الرقمية عموماً‪.‬‬

‫لسكان المناطق الحارة‪ ،‬تبدو درجة الصفر المئوي مرعبة‬ ‫لكونها ت‬ ‫مق�نة بالتجمد‪ .‬وهذه المعلومة صحيحة طالما‬ ‫استخدمنا المعيار الذي وضعه السويدي (أنديرس‬ ‫مقسماً طيف الدرجات إىل مئة‬ ‫ِسلسيوس) عام ‪1742‬م‪ِّ ،‬‬ ‫متساو‪ .‬تبدأ بالصفر حيث درجة تجمد الماء‪ ،‬وتنتهي‬ ‫قسم‬ ‫ٍ‬ ‫بالدرجة ‪ 100‬مئوية حيث درجة غليان الماء‪ .‬لكن هناك‬ ‫موازين أخرى تختلف معها قيمة الصفر‪ .‬ففي الواليات‬ ‫المتحدة مثالً‪ ،‬حيث يعتمد مقياس (فهرنهايت) عوضاً عن‬ ‫ت‬ ‫نهاي�‬ ‫ِ(سلسيوس) لقياس حرارة الطقس‪ ،‬فإن الصفر الفهر ي‬ ‫يعادل ‪ 17‬درجة تحت الصفر وفق معيار ِسلسيوس‪ .‬وهذا‬ ‫الصفر تم اختياره وفقاً لدرجة تجمد مزيج الماء والثلج‬ ‫والملح ن‬ ‫كأد� درجة حرارة تمكن صاحب هذا المعيار (دانيال‬ ‫فهرنهايت) من الحفاظ عليها ف ي� معمله‪.‬‬ ‫الدول لقياس درجة الحرارة‬ ‫عىل صعيد آخر‪ ،‬فإن المعيار‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫يسمى (الكَلڤن)‪ .‬يُستخدم الكَلڤن عادة ي� التجارب‬ ‫العلمية كمقياس لدرجة نشاط الجزيئات ف ي� المادة وفق‬ ‫علم الديناميكا الحرارية‪ .‬وتمثل درجة صفر كَلڤن ‪ -‬تسمى‬ ‫بالصفر المطلق ‪ -‬المستوى الذي تتوقف عنده حركة‬ ‫حوال ‪ 273‬درجة تحت الصفر‬ ‫الجزيئات تماماً‪ ،‬وهي تعادل‬ ‫ي‬ ‫المئوي‪.‬‬


‫‪101 | 100‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ين‬ ‫بقيت أفكار ت ز‬ ‫وخمس� عاماً من بعده إىل أن جاء‬ ‫اليبن� مع ّلقة لمئة‬ ‫ن‬ ‫ض‬ ‫بريطا� اسمه جورج بُول ف ي� القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪ ،‬وقدم‬ ‫ريا�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫البوليا�‪ ،‬الذي يختلف‬ ‫بالج�‬ ‫للعالم أساسيات ما يعرف اليوم ب‬ ‫ي‬ ‫الج� التقليدي أو الخوارزمي ف� أنه يعتمد عىل نظام ت‬ ‫اليبن�ز‬ ‫عن ب‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫القيمت� ‪ 1‬و‪ ،0‬وال يقترص عىل العمليات‬ ‫الثنا� والمكون من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الحسابية التقليدية مثل الجمع والطرح والقسمة فقط‪ ،‬بل‬ ‫يقدم عمليات تسمى الروابط المنطقية أ‬ ‫الخرى‪ ،‬لخصها (بول) �ف‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫العمليات «و»‪« ،‬أو» َو«ليس»‪.‬‬

‫جورج بول‬

‫ت‬ ‫ال� قدمها جورج بُول ف ي� القرن التاسع ش‬ ‫ع�‬ ‫إن هذه المقاربة ي‬ ‫كث�ون بعده هي القوة الدافعة ت‬ ‫ن‬ ‫ال� يستند‬ ‫وب� عليها علماء ي‬ ‫ي‬ ‫عليها المنطق إ ت ن‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية ف ي�‬ ‫و� اليوم‪ .‬ذلك أن الحواسيب إ‬ ‫اللك� ي‬ ‫صيغتها أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫للتعب�‬ ‫المنطقيت� ‪ 0‬و‪1‬‬ ‫الحالت�‬ ‫الوىل قد استلهمت‬ ‫ي‬ ‫عن التيار الذي يمر ف ي� الدارة الكهربائية‪ .‬وبالمثل فقد تم تصميم‬ ‫ت‬ ‫ال� تزخر بها حواسيبنا وهواتفنا الجوالة اليوم من هذا‬ ‫الرقائق ي‬ ‫المنطلق‪.‬‬

‫«صفر عىل الشمال»‬

‫ال�اهماغوبتا وال الخوارزمي‬ ‫ربما لم يخطر ببال ب‬ ‫ت‬ ‫ال� وضعاها لهامشية الصفر عىل‬ ‫أن القاعدة ي‬ ‫أ‬ ‫تعب� دارج عىل اللسن‬ ‫شمال الرقم ستتحول إىل ي‬ ‫آ‬ ‫ز‬ ‫لتحف� الخرين‬ ‫الهانات‪ ،‬أو‬ ‫يُستخدم لتوجيه إ‬ ‫ي‬ ‫مدر� تطوير الذات‪.‬‬ ‫من قبل ب ي‬ ‫أ‬ ‫«ال تكن صفراً عىل الشمال» عبارة يوجهها الب‬ ‫البنه والمعلم لتلميذه‪ .‬إنها دعوة ألن تكون‬ ‫ألحدنا قيمة يحددها هو باختياره لموقعه من‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫غ� ش‬ ‫مبا�ة ألن‬ ‫الخرين ي� هذا العالم‪ .‬إنها دعوة ي‬ ‫نكون أصفاراً عىل ي ن‬ ‫اليم�‪ ،‬أو بكالم آخر‪ ،‬بأن نكون‬ ‫تأث� مضاعف وحقيقي‪.‬‬ ‫بوجودنا وبجهودنا ذوي ي‬ ‫كما ينقل الصفر عىل ي ن‬ ‫يم� الرقم القيمة من خانة‬ ‫إىل خانة أعىل ويضاعفه ش‬ ‫ع� مرات‪.‬‬

‫ت‬ ‫وبالمقابل‪ ،‬فإن حضارة إ ت‬ ‫ال� نعيشها اليوم مبنية عىل‬ ‫الن�نت ي‬ ‫تحويل كافة أشكال التواصل ش‬ ‫الب�ي من لغات وأرقام وصور إىل‬ ‫مقابالت ثنائية (ب ّتات) مكونة من أصفار وآحاد يسع المعالجات‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية أن تحولها إىل نبضات كهربائية وأن تتبادلها وتعالجها‬ ‫إ‬ ‫آ‬ ‫ع� أبجدية‬ ‫ثم تعيد تحويلها إىل مادة صالحة لالستهالك الدمي ب‬ ‫ونظ�ه الواحد‪.‬‬ ‫ثنائية قائمة عىل الصفر‪ ..‬ي‬

‫‪+5v‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪IDLE‬‬

‫‪0v‬‬


‫في األدب والسينما‪..‬‬

‫ِصفران = تصريح بالقتل!‬ ‫صفر‪ ..‬صفر‪ ..‬سبعة‪ .‬هذه الكلمات الثالث كفيلة ببث‬ ‫الثارة ف� عروق ي ن‬ ‫مح� أدب وأفالم الجاسوسية‪ .‬هي‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫مالي� ب ي‬ ‫شعار عالمي يندر أن تجد من يجهل داللته‪ 007 .‬هو رمز‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫يطا� بوند‪ ..‬جيمس بوند‪ ،‬الذي‬ ‫العميل‬ ‫االستخبارا� ب‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫ال يزال ذا حظوة عند محبيه ممن تتابعت أجيالهم منذ‬ ‫أبدعته مخيلة إيان فليمينغ عام ‪1953‬م‪.‬‬ ‫التخيل متكامال ً بكل تفاصيله‪.‬‬ ‫يبدو عالم جيمس بوند‬ ‫يّ‬ ‫ال غرو‪ ،‬فمبدعه فليمينغ عمل لصالح القوات الملكية‬ ‫ال�يطانية خالل الحرب العالمية الثانية واختلط بشخصيات‬ ‫ب‬ ‫عسكرية واستخباراتية حقيقية‪ ،‬ذكر فيما بعد أن كال ً منها‬ ‫ت‬ ‫ال� صبها هو ف ي� النهاية ف ي�‬ ‫قد ألهمه شيئاً من الخلطة ي‬ ‫الشخصية ت‬ ‫ال� ابتكرها الحقاً‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يع� الصفران اللذان يسبقان السبعة ف ي� الرقم‬ ‫ماذا ي‬ ‫الخاص بجيمس بوند؟ إنه ترصيح مفتوح بالقتل‪ .‬فبحسب‬ ‫ما قرر المؤلف إيان فليمينغ‪ ،‬فإن مكتب االستخبارات‬ ‫ال ي ز‬ ‫نجل�ي ‪ MI6‬قد أتاح لنخبة منتقاة من عمالئه أن يمارسوا‬ ‫إ‬ ‫التصفية الجسدية بحق خصومهم‪ ،‬وفقاً لتقديرهم‬ ‫الشخص‪ ،‬طالما سيؤدي ذلك لنجاح المهمة قيد التنفيذ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وهؤالء العمالء المنتقون كلهم بعناية والمتمتعون بكفاءة‬ ‫عالية تبدأ أرقام تعريفهم بصفرين ي ن‬ ‫اثن�‪.‬‬ ‫كم عميال ً من هؤالء‪ ،‬من طراز جيمس بوند‪ ،‬تم منحه رمز‬ ‫الكث� ف ي� الواقع‪ .‬وعىل الرغم من أنه تصنيف‬ ‫الصفرين؟ ي‬ ‫تخيل لم يعتمد رسمياً‪ ،‬إال أن إيان فليمينغ وسواه من‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المؤلف� الذين استغلوا حبكة عوالم جيمس بوند ليقدموا‬ ‫ي‬ ‫أعماال ً إضافية تحت مظلة ‪ MI6‬قد اختلقوا ما ال يقل عن‬ ‫ن‬ ‫اث� ش‬ ‫ع� عميال ً وعميلة لديهم ترصيح مفتوح بالقتل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن هذين الصفرين هما أ‬ ‫ودموية ي ن‬ ‫ً‬ ‫ال ثك� إرعاباً‬ ‫ب�‬ ‫تقدم ف ي� هذا الملف!‬ ‫كل ما َّ‬


‫‪103 | 102‬‬

‫لحظة الصفر‪ ..‬لحظة الذروة‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫استفتح العلم فصال جديداً بتفج� القنبلة الذرية أ‬ ‫الوىل ف ي�‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫صحراء (نيو ميكسيكو) صيف عام ‪1945‬م‪ .‬لقطات الفيديو ال�ت‬ ‫ي‬ ‫تنازل‪ .‬وعندما‬ ‫خلدت تلك اللحظة الرهيبة تبدأ المشهد بعد ي‬ ‫يعلن الصوت‪« :‬صفر»‪ ..‬تتبدد ظلمة الليل بوهج االنفجار‬ ‫المروع‪ ،‬ونتذكر أن ش‬ ‫الب�ية قد ابتكرت طوعاً سالحاً قد يبيدها!‬ ‫بع�ين عاماً يستفتح العلم وتستفتح ش‬ ‫بعد ذلك ش‬ ‫الب�ية معه‬ ‫مث�اً آخر هو فصل غزو الفضاء‪ .‬ومجدداً نتابع الصوت‬ ‫فصال ً ي‬

‫ين‬ ‫الرص� الذي يُعد تنازلياً من ش‬ ‫الع�ة إىل الصفر‪ .‬دائماً تكون لحظة‬ ‫الصفر ت‬ ‫مق�نة بانفجار عظيم يحدث بعده أمر جلل‪ .‬هذه المرة‬ ‫يؤدي االنفجار الندفاع الصاروخ المحمل برواد الفضاء إىل أ‬ ‫العىل‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫كيلوم� ف ي� الساعة‪ ،‬رسعة لم‬ ‫بتسارع مريع‪ .‬من الصفر إىل ‪ 29‬ألف‬ ‫يكن الذين ابتكروا الصفر ليحلموا بها‪.‬‬ ‫التعب�‬ ‫الصفر يقت�ض ي االنطالق‪« .‬حانت ساعة الصفر»‪ ..‬هذا‬ ‫ي‬ ‫والنجاز‪ .‬يقت�ض ي نفاد وقت االنتظار‬ ‫الذي يقت�ض ي الحسم إ‬ ‫وال�وع ف� التنفيذ والعمل‪ِ .‬ل َم كان ت‬ ‫ش‬ ‫االق�ان بالصفر تحديداً؟‬ ‫ي‬


‫‪ ..‬وقد تكون اللحظة أ‬ ‫الوىل‪ ..‬أو ما قبلها!‬

‫المتخصص� ف� علوم الحاسب آ‬ ‫ن‬ ‫ال يل‬ ‫يتندر المهندسون عموماً من‬ ‫ي ي‬ ‫ن‬ ‫مج� يبدأون‬ ‫الم� ي‬ ‫لكونهم يبدأون العد من الصفر‪ .‬الواقع أن ب‬ ‫ترقيم المحتويات ف ي� المصفوفات الرياضية بالصفر‪ ،‬أما المحتوى‬ ‫ب� أ‬ ‫ن‬ ‫الثا� فيكون رقمه «‪ ..»1‬وهكذا دواليك! لكن‪ ..‬ي ن‬ ‫الرقام‬ ‫ي‬ ‫الع�ة أ‬ ‫ش‬ ‫الوىل عىل قرص الهاتف القديم‪ ،‬ما هو موقع الصفر‬ ‫ت‬ ‫يأ� بعد التسعة؟ أم قبل الواحد؟ أنصار الخيار‬ ‫حقاً؟ هل ي‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫الف� ي ن‬ ‫الثا� ليسوا بأقلية‪ ،‬نذكر منهم ي ز‬ ‫والمهتم� جداً‬ ‫يائي� كذلك‬ ‫ي‬ ‫بدراسة تفاصيل حالة الجسم عند اللحظة صفر ‪ time=0‬وهي‬ ‫لحظة بتنا نعرف أنها موغلة ف ي� التمدد نظراً ألن الصفر والماالنهاية‬ ‫قرينان تم�ابطان يؤدي كل منهما آ‬ ‫للخر كما ذكرنا سابقاً‪.‬‬

‫ذلك الرقم الذي استغرق قروناً عدة ك يتم ت‬ ‫االع�اف شب�عيته‪ِ .‬ل َم‬ ‫ي‬ ‫ال يكون العد تصاعدياً؟‬ ‫ف‬ ‫الثارة ثمة الزمة مكررة‪ ..‬لكنها ال تخيب أبداً ف ي� أرس انتباه‬ ‫ي� أفالم إ‬ ‫المشاهدين‪ .‬الزمة العداد الذي تتسارع أ‬ ‫الرقام عىل شاشته ف ي�‬ ‫ّ‬ ‫الطريق نحو الصفر‪ .‬ليس عىل البطل إال أن ينقذ المشهد لكن‬ ‫�ض‬ ‫نز‬ ‫قبل حلول اللحظة صفر‪ .‬عىل البطل أن ي�ع الفتيل‪ ،‬أو يق ي‬ ‫عىل الوغد ش‬ ‫ال�ير‪ ،‬عليه أن يركض وأن يقفز وأن يغالب آالمه‬ ‫ومخاوفه لينترص‪ .‬واالنتصار ليس إال عىل الساعة‪ .‬ف� كل أ‬ ‫الفالم‬ ‫ي‬ ‫يفوز البطل ويسبق اللحظة صفر‪ .‬نعرف أنه سيفعلها‪ .‬لكننا‬ ‫ين‬ ‫متمتع� بانتصار‬ ‫نستمر ف ي� التوتر وتتسمر أعيننا عىل الشاشات‬ ‫البطل‪ ،‬ألننا نعرف أنه ف ي� واقع الحياة‪ ،‬فإن اللحظة صفر تسبقنا‬ ‫بدون ت‬ ‫ح� أن تعلن عنها أرقام تتسارع متهاوية نحو الرقم‬ ‫المحتوم‪.‬‬

‫صفر ي ئ‬ ‫س�‪ ..‬وآخر ج ّيد‬ ‫ٌ‬

‫يع� عن ش‬ ‫الال�ء‪ ،‬فإنه ليس‬ ‫عىل الرغم من أن الصفر ب ِّ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫بال�ورة ت‬ ‫مق�ناً بالخسارة‪ .‬صحيح أننا نقول إن فالناً قد‬ ‫عاد «صفر اليدين» للداللة عىل الخيبة‪ .‬كما أن الدرجة‬ ‫«صفر» ف� االمتحان هي أ‬ ‫السوأ إطالقاً‪ .‬لكن لنتفكر ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يجلبها احتمال ‪ %0‬لوقوع حادثة لطائرتك‪،‬‬ ‫الر فاحة ي‬ ‫ط� مهم‪ .‬ماذا عن‬ ‫أو ي� نتيجة صفرية لتحليل ب ي‬ ‫خسارتك لصفر من الرياالت؟ إن الظفر برأس المال لهو‬ ‫الخ� بعينه أحياناً! ماذا عن التعادل بنتيجة «سلبية»؛‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫النها�‪ ،‬فيما انتهت‬ ‫صفر مقابل صفر‪ ،‬ي� إياب مباراة‬ ‫ي‬ ‫مباراة الذهاب عىل أرض الخصم بتقدمك ‪0-1‬؟ هذا‬ ‫صفر مكلل بالفرحة!‬ ‫ٌ‬

‫هل لحظة الصفر شارة بداية أم نهاية؟ إننا ف ي� مجمل الكالم‬ ‫العداد» كناية عن البدايات الجديدة‪ ،‬وعن‬ ‫نقول إننا «سنصفّر ّ‬ ‫أ‬ ‫طي صفحة ض‬ ‫الما�‪ .‬كما أن الصفار المتوالية تعطي إحساساً‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫بالجدة المتناهية‪ .‬لنتذكر أن قفل الحقيبة الجديدة دائماً‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫عميق‬ ‫ّ‬ ‫عداد السيارة ت‬ ‫ً‬ ‫ال� لم‬ ‫عن‬ ‫وماذا‬ ‫اختيارك‪.‬‬ ‫بانتظار‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫مصف‬ ‫ما يكون‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ترس بعد؟‬

‫يسعنا أن نمدد السؤال حول موقع الصفر من خط الزمن ونسقطه‬ ‫عىل التواريخ وأرقام أ‬ ‫ض‬ ‫فلنستح� ما حصل قبل خمسة‬ ‫العوام‪.‬‬ ‫ش‬ ‫ع� عاماً‪ .‬هل كان العام ‪2000‬م هو بداية القرن الحادي‬ ‫والع�ين؟ أم نهاية القرن ش‬ ‫ش‬ ‫الع�ين؟ هذه الذكريات ستجرنا‬ ‫لمعضلة أ‬ ‫اللفية الثانية ‪ -‬الثالثة؟ ‪ -‬أو ما ُعرف بـ «‪»Y2K Bug‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫عدادات‬ ‫ح� عاش العالم رعباً ‪ -‬مختلقاً ‪ -‬لن أرقام العوام ي� ّ‬ ‫ذاكرات الحواسيب كانت ستنتقل مع رأس سنة العام ‪ 2000‬من‬ ‫الرمز ‪( 99‬اختصار العام ‪ )1999‬إىل الرمز ‪ .00‬أنا وأنت نعرف‬ ‫أن ذاك كان اختصاراً للعام ‪ ،2000‬لكن ماذا عن الحاسب الذي‬ ‫سيعت�ها عودة للعام ‪1900‬؟ تلك كانت لحظة مفعمة بالسخرية‬ ‫ب‬ ‫ح� بالنسبة للحواسيب‪ ،‬كان ت‬ ‫الشاعرية‪ .‬ألن الصفر‪ ،‬ت‬ ‫مف�ق طرق‬ ‫عالم�‪ ..‬كما هو حاله عىل خط أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫العداد الممتد من الالنهاية‪،‬‬ ‫ب�‬ ‫إىل الالنهاية‪ ،‬وبينهما الصفر‪.‬‬

‫تأمل‪ ،x0=1 :‬بحيث‪x≠0 :‬‬


‫‪| 104‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫أصفار على الخارطة‬ ‫ثمة صفران مهمان جداً‪ ،‬ووهميان عىل‬ ‫خارطة أ‬ ‫الرض؛ هما الخاصان بدائرة‬ ‫العرض ‪( 0‬خط االستواء)‪ ،‬وخط الطول‬ ‫‪( 0‬خط غرينتش)‪.‬‬ ‫هذا الخطان المتخيالن يقسمان خارطة‬ ‫كوكبنا إىل مربعات تس ّهل علينا تحديد‬ ‫الحداثيات‬ ‫المواقع‪ ،‬كما هو الحال مع إ‬ ‫الديكارتية عىل الورق‪.‬‬ ‫دائرة العرض ‪ 0‬تقسم الكرة أ‬ ‫الرضية إىل‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫ع�‬ ‫شمال‬ ‫متساوي�‪،‬‬ ‫نصف�‬ ‫وجنو�‪ ،‬ب‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫خط االستواء‪ .‬أما خط الزوال أو الطول‬ ‫‪ 0‬فقد تم اعتماده عام ‪1884‬م وفقاً‬ ‫ال�يطانية ليمر ف ي�‬ ‫لنفوذ إ‬ ‫م�اطورية ب‬ ‫ال ب‬ ‫ضاحية غرينتش‪.‬‬ ‫يتقاطع الخطان الصفريان ف ي� المحيط‬ ‫أ‬ ‫الطلس جنوب ساحل غانا ش‬ ‫مبا�ة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أك� تتم‬ ‫ولتحديد الموقع بدقة ب‬ ‫االستعانة بنقطة صفرية ثالثة مرجعها‬ ‫االرتفاع عن مستوى سطح البحر‪.‬‬


‫دليل المعلِّمين لمحتوى القافلة‬

‫هذه الصفحة هي للتفاعل مع قطاع المعلِّمين والمعلِّمات ومساعدتهم على‬ ‫تلخيص أبرز موضوعات القافلة في إصدارها الجديد‪ ،‬وتقريبها إلى مفهوم وأذهان‬ ‫الفئات العمرية المختلفة للطالب والطالبات‪.‬‬

‫العلم خيال‬

‫حسن الخاطر‬

‫ورشة عمل‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫التفاوض مهارة تختلف تماماً عن مهارة الحوار‪ ،‬ألنها تفترض وجود‬ ‫تباين يسعى واحد من طرفين إلى حسمه لصالحه في مواجهة‬ ‫الطرف آ‬ ‫الخر‪ .‬وكثيراً ما يحضر التفاوض في حياتنا اليومية حول‬ ‫أمور متفاوتة أ‬ ‫الهمية‪ ،‬ولكن هذه المهارة تُصبح من مفاتيح‬ ‫الساسية في الحياة المهنية ومجالت أ‬ ‫النجاح أ‬ ‫العمال‪ .‬فإتقان‬ ‫التفاوض يعني تحقيق الكسب المنشود‪ ،‬والتعثر فيه منزلق يؤدي‬ ‫إلى التراجع والخسارة‪.‬‬ ‫فما هي مقومات التفاوض الجيد؟ وما هي تقنيات تطوير هذه‬ ‫المهارة كي يتمكن المفاوض من تحقيق أفضل النتائج؟‬

‫‪31 | 30‬‬

‫حياة من ال ِّسليكون؟‬

‫أ‬ ‫يقول عالم الكيمياء والستاذ‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫الحرارة العالية‪ .‬وبعد ذلك ي� عام‬ ‫الروا�‬ ‫س�يل‬ ‫بجامعة يم�يالند ي‬ ‫‪1894‬م‪ ،‬كتب ي‬ ‫ي‬ ‫بونامب�وما‪ :‬إتش جي ويلز‪ ،‬ف�‬ ‫ف‬ ‫ي خيالته العلمية المبكرة‪« :‬مما يذهلك‬ ‫ف«إذا كانت هناك حياة ي� مكان آخر‬ ‫هذه التصورات‬ ‫والأ‬ ‫الخيالية الرائعة لكائنات من السليكون‬ ‫ي� الكون فستكون‬ ‫مماثلة‬ ‫لحياتنا‬ ‫لومنيوم‪،‬‬ ‫أ‬ ‫الك�يت‬ ‫تجول خالل غالف جوي من ب‬ ‫عىل الرض من الناحية‬ ‫الكيميائية»‪،‬‬ ‫الغازي‪،‬‬ ‫وعىل‬ ‫مقربة‬ ‫من‬ ‫وهذه النظرة تقوم‬ ‫شواطئ بحر من الحديد السائل‪،‬‬ ‫ف‬ ‫عىل تعميم كيمياء الحياة الكربونية‬ ‫أ‬ ‫تبلغ حرارته ألف درجة‬ ‫ف ي� كوكب الرض عىل‬ ‫ف مئوية»‪ ،‬وأخذت فكرة وجود أشكال‬ ‫الكون بأكمله‪ .‬هذا الكربون موجود‬ ‫ف‬ ‫من الحياة‬ ‫ف‬ ‫تعتمد‬ ‫�‬ ‫أساسها‬ ‫عىل‬ ‫ي‬ ‫عنرص‬ ‫ي� أجسامنا ي‬ ‫السليكون تحوز‬ ‫و� طعامنا ي‬ ‫و� الهواء من حولنا‪ ،‬وهو أساس‬ ‫عىل اهتمام وانبهار‬ ‫العلماء‬ ‫وأدباء‬ ‫الخيال‬ ‫الكيمياء العضوية‪ ،‬ويكوّن‬ ‫روابط‬ ‫العلمي‪،‬‬ ‫وما‬ ‫ت‬ ‫فردية أو زوجية أو‬ ‫ثالثية‪ ،‬زالت ح� هذه اللحظة‪.‬‬ ‫وله القدرة عىل‬ ‫التحاد‬ ‫بسهولة‬ ‫مع‬ ‫نفسه‪،‬‬ ‫لتشكيل سالسل‬ ‫كب� من العنارص أ‬ ‫كربونية طويلة‪ ،‬ومع عدد ي‬ ‫يف‬ ‫الكائناتالخرى‪ ،‬لإنتاج لماذا ال‬ ‫ف‬ ‫وجودسليكون بدل الكربون؟‬ ‫المالي� من المركبات المهمة ي� بناء‬ ‫الحية‪.‬‬ ‫إن فكرة‬ ‫مخلوقات ذات قاعدة سليكونية تقوم‬ ‫عىل أسس علمية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬كان أول‬ ‫لأ‬ ‫فعنرص السليكون هو المرشح الول‬ ‫من أاف�ض وجود حياة يغ� قائمة‬ ‫ن‬ ‫يكون‬ ‫ً‬ ‫بديال‬ ‫عن‬ ‫عىل عنرص الكربون هو ي ف‬ ‫الكربون‬ ‫يا� ي أ ف‬ ‫للتشابه بينهما‪ .‬فكالهما‬ ‫يقع ف‬ ‫الف� ي‬ ‫لما� يوليوس‬ ‫الفلك ال ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫المجموعة‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫شاي�‬ ‫ابعة‬ ‫عام‬ ‫ع�‬ ‫ة‬ ‫ت‬ ‫�‬ ‫ال�‬ ‫‪1891‬م‪ ،‬أ حيث ناقش ي� مقال علمي فكرة‬ ‫ي الجدول الدوري ي‬ ‫وجود تضم الكربون‪،‬‬ ‫ف‬ ‫حياة خارج كوكب الرض قائمة عىل‬ ‫والسليكون‪ ،‬والجرمانيوم‪ ،‬والقصدير‪،‬‬ ‫و�‬ ‫فعنرص السليكون‪ .‬ي‬ ‫والرصاص‪.‬‬ ‫عام ‪1893‬م‪ ،‬ألقى‬ ‫ي‬ ‫الصيدل بال� ي‬ ‫يطا� جيمس إيمرسون‬ ‫رينولدز‬ ‫كلمة‬ ‫أمام‬ ‫جمعية‬ ‫العلوم‬ ‫ال�‬ ‫ب‬ ‫يطانية‪ ،‬ذكر فيها‬ ‫ف‬ ‫وإذا كان السليكون يحتل المرتبة الثامنة ي ف‬ ‫أن السليكون قد يشك‬ ‫ب� العنارص‬ ‫ف‬ ‫ش أ ش‬ ‫ّل الحياة ي� درجة حرارة عالية جدًّ ا‪،‬‬ ‫يف‬ ‫الع�ة الك� وفرة ي� الكون‪( :‬‬ ‫ف‬ ‫حيث إن عديداً من‬ ‫الهيدروج�‪ ،‬والهيليوم‪،‬‬ ‫مركبات السليكون مستقرة ي� درجة‬ ‫والأ ي ف‬ ‫كسج�‪ ،‬والكربون‪ ،‬والنيون‪ ،‬والحديد‪ ،‬ت‬ ‫والني� ي ف‬ ‫وج�‪،‬‬

‫تغطية‪ :‬نبيل الخشن‬

‫مهارات التفاوض‬ ‫الناجح‬

‫أدار الورشة المهندس لورانس خير هللا‪ ،‬رئيس شركة‬ ‫«دايناميك ريكروت»‪ ،‬بحضور عدد من الشبان والشابات‬ ‫العاملين في القطاع الخاص‪ .‬وشهدت الورشة تفاعال ً‬ ‫مفيداً بين المحاضر والمشاركين من جهة وبين المشاركين‬ ‫أنفسهم من جهة ثانية‪ ،‬وتخللتها تدريبات عملية على‬ ‫مهارات التفاوض‪.‬‬

‫الحيا‬ ‫موضوع ة خارج األرض‬

‫أ‬ ‫والسليكون‪ ،‬وال فمغنيسيوم‪ ،‬ب‬ ‫والك�يت)‪ ،‬فإنه الوفر‬ ‫بعد الأ ي ف‬ ‫أ‬ ‫كسج� ي� ش‬ ‫ق�تنا أالرضية‪ ،‬وعىل الرغم من هذه‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الوفرة‪ ،‬إل أن الحياة ي� ال‬ ‫كربو�‪ ،‬نتيجة‬ ‫رض ذات أساس ي‬ ‫ت‬ ‫ال� ي ف‬ ‫تم�ه وتجعله مناسباً ش‬ ‫الخصائص الكيميائية ي‬ ‫وأك�‬ ‫أ‬ ‫مرونة لن يكون صدي‬ ‫ق‬ ‫ًا‬ ‫للحياة‬ ‫عىل‬ ‫كوكبنا‪،‬‬ ‫حيث‬ ‫تحتاج‬ ‫الكائنات السليكونية ت‬ ‫َ‬ ‫المف�ضة إل ظروف قاسية من ضغط‬ ‫وحرارة يك تشق طريقها إل الحياة‪.‬‬ ‫ومن أمثلة تشابه كيمياء‬ ‫السليكون والكربون‪ ،‬كون الكربون‬ ‫يف‬ ‫يرتبط مع أربع ذرات‬ ‫هيدروج� لتكوين غاز الميثان‪ ،‬بينما‬ ‫يتشكل غاز السيالن‬ ‫فنتيجة ارتباط السليكون بأربع ذرات‬ ‫يف‬ ‫هيدروج�‪ .‬لكن يتب�‬ ‫أ ي ّ لنا فالختالف الجوهري بينهما عند‬ ‫ار أتباطهما بعنرص ال‬ ‫كسج�‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫فعندما‬ ‫يتفاعل الكربون مع‬ ‫ال ي ف‬ ‫كسج� أثناء عملية التنفس لينتج ف‬ ‫ثا�‬ ‫أكسيد‬ ‫ي‬ ‫الكربون‬ ‫ف‬ ‫(‪ ،)CO2‬الذي يسهل‬ ‫تخلص الجسم منه‪ .‬أما ي� حالة‬ ‫تفاعل السليكون مع الأ ي ف‬ ‫ف‬ ‫ثا� أكسيد‬ ‫كسج� فإنه ينتج ي‬ ‫ت ف‬ ‫السليكون ( ‪)SiO‬‬ ‫‪ 2‬الذي يكون صلباً ح� ي� درجة الحرارة‬ ‫التنفس ت‬ ‫المرتفعة‪ ،‬ما يشكل تحدياً للجهاز‬ ‫المف�ض‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫فبدل‬ ‫فأن يتم طرح غاز ي‬ ‫ثا� أكسيد الكربون‪ ،‬سوف يتم‬ ‫طرح ي‬ ‫ثا� أكسيد السليكون‬ ‫المعروف باسم (الرمل)‪ ،‬وهو‬ ‫ف‬ ‫مركب‬ ‫صلب يغ� قابل للذوبان ي� الماء‪.‬‬

‫علم‬ ‫حدوده ا ي يشطح بالخيال حتى‬ ‫لقصوى‪،‬‬ ‫ظهور حياة عل من خالل بحث إمكانية‬ ‫ىك‬ ‫على السيليكون وكب آخر‪ ،‬تكو أن قائمة‬ ‫بدل الكربون‪ ،‬والمونيا‬ ‫بدل الماء‪.‬‬

‫مهارات الت‬ ‫فا‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫ح‬ ‫تبدأ مهارة التف‬

‫الطفولة ليل اوض بالظهور في سن‬ ‫عب‬ ‫المهنية‪ .‬وه دوراً حاسماً في الحياة‬ ‫ذه الم‬ ‫كثير من الأمو هارة التي يتوقف عليها‬ ‫ر‪،‬‬ ‫هي محور ور وحتى النجاح والفشل‪،‬‬ ‫شة‬ ‫العمل في هذا العدد‪.‬‬ ‫تقرير القافلة‬

‫ّ‬ ‫األمية في‬ ‫محو‬ ‫الوطن العربي‬

‫ذهب العلماء إلى‬ ‫احتمال وجود حياة خارج‬ ‫كوكب األرض نتيجة‬ ‫االتساع الكوني‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى اكتشاف عدة‬ ‫كواكب ذات ظروف مشابهة‬ ‫لألرض‪ .‬ولما كانت‬ ‫الحياة‬ ‫على‬ ‫كوكبنا‬ ‫تعتمد‬ ‫على‬ ‫عنصر أساسي هو الكربون‪ ،‬فقد َّ‬ ‫حق لنا أن‬ ‫نتساءل‪ :‬هل ينطبق‬ ‫ذلك‬ ‫على‬ ‫أشكال‬ ‫الحياة‬ ‫على كواكب أخرى‪،‬‬ ‫كما هي الفكرة السائدة‬ ‫في األوساط ال‬ ‫علمية؟‬ ‫أو‬ ‫أن‬ ‫الحياة‬ ‫ستختلف‬ ‫ً‬ ‫كيميائيا‪ ،‬كما‬ ‫صورتها أفالم الخيال العلمي؟‬

‫الملف‪:‬‬

‫الصفر‬

‫ال‬

‫الشيء وأضعافه‬

‫الصفر‬ ‫هو «الالشيء»‪..‬‬ ‫ولكن‬ ‫هذا «الالشيء»‬ ‫حاضر أينما كان من‬ ‫حولنا‪ .‬كمقياس بحد‬ ‫ً‬ ‫ذاته‪ ،‬قد يكون ت‬ ‫عبيرا‬ ‫عن ان‬ ‫عدام‬ ‫ال‬ ‫قيمة‪.‬‬ ‫ولكنه ي‬ ‫دخل في قياس‬ ‫كل‬ ‫القيم‬ ‫ما‬ ‫عدا‬ ‫ت‬ ‫سعة‬ ‫منها‪ ،‬وكلما ازداد‬ ‫ح‬ ‫ضوره زادت القيمة‪.‬‬ ‫ظهر‬ ‫قبل‬ ‫قرون‪،‬‬ ‫و‬ ‫كانت إط‬ ‫اللته على العالم‬ ‫من‬ ‫نافذة‬ ‫علم‬ ‫الح‬ ‫ساب الب‬ ‫ِّ‬ ‫سيط‪ ،‬ولكنه راح‬ ‫يوس‬ ‫ع‬ ‫دائرة‬ ‫ح‬ ‫ضوره‬ ‫الذي بات يمتد من‬ ‫الو‬ ‫جدان اإلنساني إلى ا‬ ‫آلالت الرقمية التي‬ ‫ما‬ ‫كانت لتكون من‬ ‫دونه‪ ،‬وكل ما بينهما‬ ‫من‬ ‫علوم وفلسفات‪.‬‬ ‫في‬ ‫هذا‬ ‫ال‬ ‫ملف‪،‬‬ ‫يغوص‬ ‫بنا الدكتور أشرف‬ ‫فقيه‬ ‫في‬ ‫أ‬ ‫عماق التح‬ ‫ديات التي واجهها‬ ‫العقل‪،‬‬ ‫وما كان له أن ير‬ ‫فعها لوال ابتكاره‬ ‫لل‬ ‫صفر‪ ..‬هذا الصفر‬ ‫الذي هو أقرب بكثير‬ ‫إلى أن يكون فكرة‬ ‫ً‬ ‫منه إلى أن يكون‬ ‫رقما‪.‬‬

‫محو األمية‬

‫التقرير في‬ ‫الأمية في هذا العدد خاص بمحو‬ ‫العالم‬ ‫دول العالم ف العربي‪ ،‬وأين هي بين‬ ‫ي‬ ‫العوامل الت هذا المجال؟ وما هي‬ ‫يت‬ ‫الأمية فيها؟ حول دون القضاء على‬

‫الصفر‬

‫ملف هذا العدد‬ ‫كان في بعض مخصص للأصفر‪ ..‬وإن‬ ‫جوان‬ ‫حول أهمية هذا به الفتاً لنظار الجميع‬ ‫العدد الذ أي هو‬ ‫«الال شيء‬ ‫يحظى با »‪ ،‬فإن القسم الكبر قد‬ ‫المدار هتمام خاص من طالب‬ ‫س أكثر من غيرهم‪.‬‬


Saudi Aramco website

Qafilah website

Al-Qafilah Bi-Monthly Cultural Magazine A Saudi Aramco Publication November - December 2015 Volume 64 - Issue 6 P. O. Box 1389 Dhahran 31311 Kingdom of Saudi Arabia www.saudiaramco.com


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.