Qafilah sep oct 2015

Page 1

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 5‬مجلد ‪ . 64‬سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫الورشة‬

‫وسائل التواصل‬ ‫االجتماعي‬

‫علوم‪ :‬المذاق السادس «كوكومي»‬ ‫ين‬ ‫ع� وعدسة‪ :‬متحف البوهاوس‬ ‫ش‬ ‫تم�‪ ..‬إذاً أنت تكتب‬ ‫أدب‪ :‬أنت ي‬ ‫الملف‬

‫الجار‬


‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين‬

‫العدد ‪ . 5‬مجلد ‪64‬‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫الناشر‬ ‫شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)‪،‬‬ ‫الظهران‬ ‫رئيس الشركة‪ ،‬كبير إدارييها التنفيذيين‬ ‫أمين بن حسن الناصر‬

‫ت‬ ‫للمش� ي ن‬ ‫توزع مجاناً‬ ‫ك�‬ ‫• العنوان‪ :‬أرامكو السعودية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬

‫نائب الرئيس لشؤون أرامكو السعودية‬ ‫ناصر بن عبدالرزاق النفيسي‬

‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫• ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪alqafilah@aramco.com.sa‬‬

‫مدير عام دائرة الشؤون العامة‬ ‫عبدالله عيسى العيسى‬

‫• الموقع إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫• الهواتف‪:‬‬ ‫ فريق التحرير‪+966 13 876 0175 :‬‬ ‫ت‬ ‫االش�اكات‪+966 13 876 0477 :‬‬ ‫فاكس‪+966 13 876 0303 :‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫محمد الدميني‬ ‫تصميم وتحرير‬

‫‪www.mohtaraf.com‬‬

‫صورة الغالف‬ ‫الغالف | َم ْن م ّنا ال تربطه رابطة‬ ‫بشبكة التواصل االجتماعي؟ يقال‬ ‫إنّه حتى الذي يرفض أن يتواجد على‬ ‫موقع من مواقع الشبكة المتكاثرة‪،‬‬ ‫ال بد أنه سيجد اسمه أو عمال ً قام به‬ ‫وارداً في إحداها‪ ،‬فيما لو أجرى بحثاً‬ ‫فيها‪ .‬إنها الشبكة التي باتت تربط ّ‬ ‫جل‬ ‫سكان العالم بخيوطها‪ ،‬مباشرة أو‬ ‫بطرق غير مباشرة‪.‬‬

‫طباعة‬ ‫شركة مطابع التريكي‬ ‫‪www.altraiki.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬ ‫• جميع المراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫يعبر بالضرورة عن رأيها‪.‬‬ ‫• ما ينشر فـي القافلة ال ِّ‬ ‫• ال يجوز إعادة نشر أي من موضوعات أو صور‬ ‫«القافلة» إال بإذن خطي من إدارة التحرير‪.‬‬ ‫• ال تقبل «القافلة» إال أصول الموضوعات التي لم يسبق‬ ‫نشرها‪.‬‬


‫محتوى العدد‬

‫ً‬ ‫معا‬ ‫الرحلة‬ ‫ِم ْن رئيس التحرير ‬ ‫القراء ‬ ‫مع َّ‬ ‫أكثر من رسالة ‬ ‫المحطة األولى‬ ‫ورشة عمل‪ :‬ألداء أفضل على شبكات‬

‫التواصل االجتماعي ‬ ‫بداية كالم‪ :‬في عصر السرعة هل‬ ‫ما زال لديك وقت فراغ؟ ‬ ‫كتب ‬ ‫الر ّ ‬ ‫ادي‬ ‫قول في مقال‪ :‬الصمم إ‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫تصاميم عمارة المحطات النووية ‬ ‫الليل والحياة االجتماعية ‬ ‫تخصص جديد‪ :‬تقديم تقديرات مشاريع‬ ‫البناء والتشييد ‬ ‫عين وعدسة‪ :‬متحف الباوهاوس البرليني ‬ ‫فكرة‪ :‬منجم الفحم والكون المتعدد ‬

‫‪7‬‬

‫أدب وفنون‬

‫‪14‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪20‬‬

‫علوم وطاقة‬

‫علوم‪ :‬الزراعة تحت أ‬ ‫الر ‬ ‫ض‬ ‫كيف تعمل؟‪ :‬مانعة الصواعق ‬ ‫نميز؟ ‬ ‫كم مذاقاً يمكننا أن ّ‬ ‫العلم خيال‪ :‬طاو َية الفضاء ‬ ‫الرمز «المدا» ‬ ‫منتج‪ :‬السيارات ذاتية التحكم ‬ ‫طاقة‪ :‬كهرباء من باطن أ‬ ‫الرض ‬ ‫من المختبر ‬ ‫االسم المعياري‪ِ :‬سلسيوس ‬ ‫أحمر؟ ‬ ‫ماذا لو‪ :‬كانت الشمس قزماً َ‬

‫‪21‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬

‫أدب‪ :‬أنت تمشي إذاً أنت تكت ‬ ‫ب‬ ‫لغويات‪ :‬ال َنف َْحةُ‬ ‫الموسيقية للك َِل َمات ‬ ‫ّ‬ ‫دراما ‪ 2015‬تستعيد شبابها ‬ ‫فنان ومكان‪ :‬صورة جانبية لباريس ‬ ‫حزين‪ ..‬مثل‬ ‫أقول شعراً‪ :‬عبدهللا بيال‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫تين الشوك ‬ ‫ذاكرة القافلة‪ :‬المدينة المنورة ‬ ‫فرشاة وإزميل‪ :‬محمود ُش ّبر‪ ..‬‬ ‫يتحدث بالعربية‪..‬‬ ‫بيت الرواية‪ :‬كيليطو َّ‬ ‫جميع اللغات! ‬ ‫رأي أدبي‪ :‬تعليقات حول مفهوم التلقي ‬

‫‪41‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪57‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪80‬‬

‫التقرير‬ ‫التوسعة السعودية الثالثة للحرم‬ ‫المكي الشريف ‬

‫‪81‬‬

‫الملف‬ ‫الجار ‬

‫‪Qafilah App available at‬‬

‫‪89‬‬

‫‪@QafilahMagazine‬‬


‫‪3|2‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫القافلة أونالين‬

‫—‪www.qafilah.com‬‬

‫ورشة عمل | من م ّنا ال تربطه رابطة‬ ‫بشبكة التواصل االجتماعي؟ يقال إنّه حتى‬ ‫الذي يرفض أن يتواجد على موقع من‬ ‫مواقع الشبكة المتكاثرة‪ ،‬ال بد أنه سيجد‬ ‫اسمه أو عمال ً قام به وارداً في إحداها‪،‬‬ ‫فيما لو أجرى بحثاً فيها‪ .‬إنها الشبكة التي‬ ‫باتت تربط ّ‬ ‫جل سكان العالم بخيوطها‪،‬‬ ‫مباشرة أو بطرق غير مباشرة‪.‬‬

‫أدب | نعرف أن تالميذ أرسطو ُعرفوا بـ‬ ‫«المشائين»‪ ،‬ألن معلمهم كان من عادته‬ ‫َّ‬ ‫أن يلقي عليهم دروسه ماشياً‪ .‬ونعرف‬ ‫أيضاً أن الرواقية جاءت تسميتها من‬ ‫الرواق‪ .‬وهو ممر طويل اعتاد الفالسفة‬ ‫الرواقيون المشي فيه أثناء مجادالتهم‬ ‫الفلسفية‪ .‬فكيف حين نعرف أن الفعل‬ ‫نفسه الذي يعني باليونانية القديمة‬ ‫المشي‪ ،‬يحيل أيضاً على محادثة بين‬ ‫شخصين يمشيان‪.‬‬

‫ين‬ ‫ع� وعدسة | ينتصب البناء أمام عينيك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جسما غريبا بزواياه القائمة وجدرانه‬ ‫تشعر‬ ‫الزجاجية ومسطّحاته الثالثة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بالمفاهيم الجديدة للعمارة‪ ،‬كالواجهات‬ ‫المعدنية والزجاجية التي تدلت كستائر‪،‬‬ ‫تالحظ غياب المسطحات المستمرة في‬ ‫النشائي للمبنى‪.‬‬ ‫الهيكل إ‬

‫علوم | يبدو أن مستقبل الزراعة محفوف‬ ‫بتساؤالت تطرحها تحديات الموارد والنمو‬ ‫السكاني والظروف البيئية‪ .‬ويناقش هذا‬ ‫المقال تحوال ً مدهشاً في مسيرة هذه‬ ‫المهنة العريقة‪ ،‬التي يوجهها البحث‬ ‫العلمي في اتجاهات لم تخطر يوماً ببال‬ ‫أي من أجيال المزارعين‪.‬‬

‫طاقة | يشكِّل توفير الطاقة على اختالف‬ ‫أشكالها‪ ،‬الشغل الشاغل للإنسان حالياً‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من إسهام الوقود أ‬ ‫الحفوري‬ ‫على اختالف أنواعه في تلبية معظم‬ ‫النسان اليومية من الطاقة‪،‬‬ ‫حاجات إ‬ ‫إال أن استغالل مصادر الطاقة البديلة‬ ‫والمتجددة أصبح يحتل حالياً جانباً كبيراً‬ ‫ِّ‬ ‫من اهتمامات الباحثين والعلماء‪.‬‬

‫الملف | يقف الجار في منتصف الطريق‬ ‫ما بين البيت والمجتمع الواسع‪ ..‬إنه ليس‬ ‫فرداً من العائلة‪ ،‬ولكنه ليس كأي عابر‬ ‫سبيل‪ .‬إنه في مرتبة وسطى ما بين االثنين‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولنه هناك‪ ..‬دائماً على مقربة منا‪ ..‬يمكن‬ ‫لجيرته أن تكون نعمة كما يمكنها أن تكون‬ ‫نقمة‪.‬‬ ‫«الجار قبل الدار» كانوا يقولون‪ .‬فهل‬ ‫ما زال أ‬ ‫المر كذلك؟‬


‫تحية وبعد‬ ‫حمل تلك أ‬ ‫الثقال‪.‬‬

‫الرحلة معاً‬ ‫ِمن رئيس التحرير‬

‫أ‬ ‫حقائب المل‬ ‫التعليمي‬

‫كنت أعتقد أن ظهور الشبكات المعلوماتية ووسائط الحفظ‬ ‫ت ن‬ ‫و� قد أحالت «الحقيبة المدرسية» إىل التقاعد‬ ‫والتواصل إاللك� ي‬ ‫ن‬ ‫أع� بالقرب من إحدى مدارسنا قبل أيام‪،‬‬ ‫لكن� وأنا ب‬ ‫أو الظل‪ ،‬ي‬ ‫يّ ن‬ ‫تب� يل أن الحقيبة باقية وأن ظهور التالميذ الطرية ستواصل‬

‫ت‬ ‫ال� أرفقتها المجلة مع عددها‬ ‫وال بد أن َّ‬ ‫قراء «القافلة» يتذكرون تلك المطويّة ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تطبعها وتوزعها‪،‬‬ ‫المناهج‬ ‫مع‬ ‫التعليم‬ ‫ارة‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ووزعتها‬ ‫‪2003‬م‪،‬‬ ‫أكتوبر‬ ‫سبتم�‪-‬‬ ‫ب‬ ‫وتضمنت معلومات وأرقام دقيقة عما تفعله الحقائب المملوءةي بأجسام صغارنا �ف‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫والرس آ‬ ‫محاولة لتنبيه الجهات التعليمية أ‬ ‫بالثار السلبية ت‬ ‫ال� تت�تب عىل تلك الوظيفة‬ ‫ي‬ ‫اليومية الشاقة‪ .‬واستطراداً فإننا يمكن أن نص ِّنف الحقيبة المدرسية ضمن أسباب‬ ‫النفور من المدارس‪ ،‬ف� الوقت الذي تتيح لنا فيه أ‬ ‫الدوات التقنية الحديثة إيجاد‬ ‫ي‬ ‫بدائل متكاملة للعملية التعليمية كلها‪ ،‬وهو ما يفعله منذ ث‬ ‫كث� من‬ ‫أك� من عقد ي‬ ‫المدارس ف ي� أوروبا والواليات المتحدة واليابان‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من ض�ورة إحالل تلك الوسائل كبديل عن المناهج والكراسات الورقية‬ ‫التقليدية‪ ،‬فإن السؤال أ‬ ‫ين‬ ‫مضام� تلك المناهج إىل‬ ‫ال ثك� أهمية يبقى‪ :‬هل تذهب‬ ‫عقول أ‬ ‫الطفال ومداركهم‪ ،‬فيصبحون أطفاال ً نجباء ي ن‬ ‫بارع� ف ي� تحصيلهم العلمي؟‬ ‫المبدع� ي ن‬ ‫ين‬ ‫ب� أطفالنا تصل إىل ‪ %90‬خالل السنوات‬ ‫تش� الدراسات إىل أن نسبة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫اس‪ ،‬لكنها تنحدر ي� السن السابعة لتصل إىل ‪،%10‬‬ ‫الخمس الوىل من عمرهم الدر ي‬ ‫ف‬ ‫و� السنة الثامنة ن‬ ‫تتد� النسبة إىل ‪ %2‬فقط‪ ،‬وهذا ن‬ ‫يع� باختصار أن المناهج وطرق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تال�بية والبيئة المدرسية ت‬ ‫وح� المناخ االجتماعي السائد تُسهم مجتمعة ي� تحويل‬ ‫ت‬ ‫يز‬ ‫المتم�ة إىل قدرات عادية أو نمطية ت�اجع فيها جذوة التفوق واالبتكار‪.‬‬ ‫المواهب‬ ‫تلميذ االبتدائية يتلقَّى شطراً من علومه ومعارفه وترفيهه من مصادر تقع خارج سلطة‬ ‫المعلِّم والمدرسة‪ ،‬وهذا يوجب عىل المنظومة الدراسية أن تدمج تلك المصادر‬ ‫اس أيضاً أن يفسح‬ ‫كشق حيوي ومتفاعل مع العملية‬ ‫التعليمية‪ ،‬وعىل النظام الدر ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يّ ز‬ ‫ح�اً أوسع للتعلُّم من خالل تلك الدوات والوسائل الرقمية‪ ،‬بل وجعل اللعاب‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ووسائل ال�فيه جزءاً من آلية تعليمه المبكر‪ ،‬آخذين ي� االعتبار أن المراحل التعليمية‬ ‫والجامعية المتقدمة‪ ،‬وصوال ً إىل بيئات العمل تزداد ارتباطاً بمنتجات العالم الرقمي‬ ‫وت�اجع فيه مالمح الحياة التقليدية وطبائعها ليحل محلها ما يدعى آ‬ ‫ت‬ ‫الن بالذكاء‬ ‫االجتماعي والعاطفي‪.‬‬ ‫والحقيقة أن أ‬ ‫الب الذي يود اقتناء هاتف جوال متفوقاً ال يذهب ش‬ ‫لل�اء دون استشارة‬ ‫أ ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تبحث عن‬ ‫ال� لم تتجاوز المرحلة المتوسطة أحياناً‪ ،‬وكذلك الم ي‬ ‫ابنه أو ابنته ي‬ ‫حاسوب أو تلفزيون بمواصفات معارصة فال ُم ي ن‬ ‫الصغ�ة‪،‬‬ ‫ع� لها أحياناً سوى ابنتها‬ ‫ي‬ ‫لط� العائلة والمدرسة تت�اجعان أمام الزحف المعر�ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫يع� ببساطة أن ُس ي‬ ‫وكل هذا ي‬ ‫ن‬ ‫التق�‪ ،‬الذي يترسب بع� الشبكات المتنوعة ويسيطر عىل عقول الصغار ووقتهم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫التذك� به‪ ،‬وهو أن عىل المدارس استحداث آلية لفحص‬ ‫وهناك بُعد تعليمي ينبغي‬ ‫ي‬ ‫نموها وتوجيهها الحقاً نحو‬ ‫القدرات والمهارات الفردية للتالميذ والتلميذات ومتابعة ّ‬ ‫التخصص الذي يالئم ميولها وشغفها‪ ،‬فهناك أطفال محبون للعلوم‪ ،‬وآخرون‬ ‫للداب والقراءة‪ ،‬وآخرون أ‬ ‫مولعون بالهواتف الذكية‪ ،‬وتالميذ محبون آ‬ ‫بالعمال‬ ‫ين‬ ‫متماثل� وأخفقنا‬ ‫اليدوية‪ ،‬وآخرون بصنع التصاميم‪ ..‬إلخ‪ ،‬فإذا ما نظرنا إليهم كأفراد‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� توجيهها الوجهة المناسبة‪ ،‬فإننا‬ ‫ي� فحص خصائصهم الذاتية واستعداداتهم ي‬ ‫نفقدهم كطاقات َّ‬ ‫خلقة ونطفئ مواهبهم‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و� رصامة االمتحانات‪،‬‬ ‫يع� أن ب‬ ‫الع�ة التعليمية ال تكمن ي� تكديس المناهج ي‬ ‫كل فهذا ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تجعل المدرسة ملعباً للخيال واالبتكار والتنوع‪.‬‬ ‫بل ي� صنع البيئة الحاضنة ي‬


‫‪5|4‬‬

‫مع القرَّ اء‬ ‫تحية وبعد‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫وردنا من الدكتور إياد بن سلمان الجردان‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫«أرغب في االشتراك في مجلة القافلة ألستزيد منها‪،‬‬ ‫ولتكون رابطاً لي أ‬ ‫ولفراد أسرتي باللغة العربية والتراث‬ ‫السعودي في غربتنا‪ .‬فقد كان آخر اطالع لي عليها‬ ‫قبل نحو سنوات عشر‪ ،‬عندما كنت أدرس الطب في‬ ‫المنطقة الشرقية‪ ،‬وبعدها افتقدت متابعتها بسبب‬ ‫انتقالي لمتابعة دراستي في ألمانيا‪ ،‬إلى أن صادفت‬ ‫مؤخراً على أحد مواقع التواصل االجتماعي ما أعاد‬ ‫إلي أ‬ ‫المل بإمكانية الحصول عليها»‪.‬‬ ‫َّ‬

‫على مختلف المواضيع‪ ،‬والالفت فيها أن بعضها‬ ‫يدور حول مواضيع نشرت قبل أكثر من سنة ونصف‬ ‫السنة‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي يشير إلى بقاء القافلة بين أيدي‬ ‫قرائها لمدد تتجاوز الشهرين بكثير‪.‬‬ ‫َّ‬

‫‪Ali Bin Shgeer‬‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫مذهب هو عادة‬ ‫(غصن) أ ٌ‬ ‫مطلع الغنية‪ .‬وهذا المر ينطبق‬ ‫على هذه الغنية‪ ،‬إذ إن‬ ‫أالمذهب‪ :‬أ يا ريم وادي ثقيف‪ ،‬يتكرر‬ ‫لحنا وغناء بعد كل من ال‬ ‫غصان الربعة‪ :‬إنت المنى‪ ،‬ويا ليت‬ ‫وصلك‪ ،‬وعبدك ضناه‪ ،‬وإيه‬ ‫أ مقصدك‪ .‬ويالحَ ظ عند التحليل‬ ‫اللحني‪ ،‬أن لحن العبارة ال‬ ‫ولى‪ :‬يا ريم وادي ثقيف‪ ،‬يتكرر مع‬ ‫العجز في هذا البيت‪ :‬لطيف‬ ‫جسمك لطيف‪ .‬أما لحن صدر‬ ‫البيت الثاني‪ :‬ما شفت انا لك‬ ‫وصيف‪ ،‬فلحن مختلف‪ ،‬فيما يقفل‬ ‫لحن العجز‪ :‬في الناس شكلك‬ ‫غريب‪ ،‬الجملة اللحنية بالنزول‬ ‫إلى قرار المقام‪.‬‬

‫كما جاءنا من النادي السعودي في جامعة‬ ‫أوكالهوما أ‬ ‫المريكية‪ ،‬أنه يرغب في إقامة جسر‬ ‫تواصل ما بين الطلبة في الجامعة ووطنهم‪ ،‬ويسأل‬ ‫إن كان من الممكن له أن يرسل قائمة أ‬ ‫بالشخاص‬ ‫الراغبين باالشتراك في المجلة‪ .‬وجوابنا هو طبعاً‪،‬‬ ‫يمكنكم إرسال هذه القائمة‪ .‬فما تطلبونه هو في‬ ‫صميم رسالة القافلة‪.‬‬

‫وكتبت أ‬ ‫الخت فاطمة حسين تقول‪« :‬أنا واحدة من‬ ‫قارئات المجلة‪ ،‬وابنة أحد الموظفين المتقاعدين من‬ ‫العمل في أرامكو السعودية‪ .‬وبانقطاع والدي عن‬ ‫العمل‪ ،‬لم أعد أستطيع الحصول على نسخة ورقية‬ ‫من المجلة‪ ،‬فكيف يمكنني أن أحصل عليها؟»‪.‬‬ ‫ونحن نشكر أ‬ ‫الخت فاطمة لحرصها على أن‬ ‫تستمر قارئة للقافلة‪ ،‬وقد أحلنا عنوانها إلى قسم‬ ‫االشتراكات‪ ،‬لتصلها أ‬ ‫العداد المقبلة إن شاء الله‪.‬‬

‫ومن مصر‪ ،‬عقَّب رمضان إبراهيم بشير على ما جاء‬ ‫في باب «فكرة» في عدد‬ ‫يوليو أغسطس ‪،2015‬‬ ‫المتمدد‪،‬‬ ‫حول الحذاء‬ ‫ِّ‬ ‫إبداعية‬ ‫فكرة‬ ‫ورأى أنها‬ ‫ال‬ ‫حذاء‬ ‫ِّ‬ ‫الم‬ ‫تمد‬ ‫د‬ ‫بالفعل‪ ،‬وإنسانية في‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬متمنياً على‬ ‫رجال أ‬ ‫العمال تبني هذا‬ ‫االختراع وتصنيعه لما فيه من‬ ‫فائدة‪ ،‬خصوصاً للفقراء‪.‬‬

‫قراء وك َّتاب يسألون عن‬ ‫ووردتنا رسائل كثيرة من َّ‬ ‫شروط الكتابة والنشر في المجلة‪ .‬ولهم نقول‬ ‫ال توجد شروط غير المتعارف عليها عموماً‪ .‬وهي‬ ‫أن تكون المادة المكتوبة غير منشورة سابقاً‪،‬‬ ‫وتتناول موضوعاً جديداً يندرج تماماً في أحد أبواب‬ ‫المجلة‪ ،‬وأن يكون بالحجم المالئم لهذا الباب‪.‬‬ ‫ويمكن للتنسيق المسبق مع فريق التحرير أن‬ ‫يجيب عن أي تساؤالت أخرى‪.‬‬

‫وجاءنا ضمن طلب اشتراك من علي خالد الرشيد من‬ ‫قراء المجلة عندما كنت طالباً منذ‬ ‫الرياض «كنت من َّ‬

‫وتلقينا خالل الشهرين الماضيين على الموقع‬ ‫اللكتروني للقافلة سيال ً من التعليقات والتعقيب‬ ‫إ‬

‫فكرة‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2015‬‬

‫بعد شهر من أ عمله متطوعاً في‬ ‫إحدى دور اليتام في نيروبي في‬ ‫كينيا‪ ،‬اكتشف كينتون لي حاجة‬ ‫ماسة لدى أطفال الميتم لأن‬ ‫تكون لديهم‬ ‫حفاة الأ أحذية‪ .‬إذ إنّ معظمهم كانوا يسيرون‬ ‫أ‬ ‫قدام‪.‬‬ ‫وبينما كان يسير في أحد اليام‪،‬‬ ‫شاهد إحدى‬ ‫أ‬ ‫الفتيات وقد قطعت الجزء المامي‬ ‫من حذائها‪ .‬وعندما سألها عن‬ ‫السبب‪ ،‬أجابته بأنها‬ ‫أ‬ ‫قامت بذلك‬ ‫لتسمح بمساحة أكبر لصابع قدميها‬ ‫بعد أن أصبح‬ ‫الحذاء ضيقاً عليها‪ .‬وعندما تحدث‬ ‫إلى مدير الميتم‪،‬‬ ‫أ‬ ‫علم كينتون أن هناك شحنة من‬ ‫الحذية كانت قد‬ ‫وصلت إلى الميتم كتبرع قبل سنة‬ ‫ولم يصل غيرها‬ ‫بعد ذلك‪ .‬ومع عدم وجود المال‬ ‫أ‬ ‫الكافي لشراء أي‬ ‫أحذية جديدة‪ ،‬كان على الطفال‬ ‫إما السير‬ ‫حفاة وإما ابتكار الطريقة التي‬ ‫أخبرته عنها تلك الفتاة‪ .‬وعندها‬ ‫خطرت له‬ ‫فكرة‬ ‫بدأت‬ ‫أ‬ ‫تتكون في ذهنه‪،‬‬ ‫ماذا لو كان لهؤلء الطفال حذاء‬ ‫يتمدَّ د؟‬

‫بعد تفكير‬ ‫أ طويل‪ ،‬خطرت له فكرة اختراع‬ ‫حذاء يتمدَّ د ويتعدل ليصاحب‬ ‫هؤلء الطفال كلما كبرت أقدامهم‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ ،‬صمَّ م «صندل ً» من الجلد‬ ‫الناعم نعله‬ ‫من المطاط المضغوط‪ ،‬وزوده‬ ‫بثالثة «إبزيمات» موضوعة في‬

‫أ‬ ‫أماكن محددة‬ ‫ومدروسة‪ ،‬واحد من المام يمكن‬ ‫تعديله ليسمح‬ ‫للحذاء أن يتمدَّ د بالطول‪ .‬وواحد‬ ‫على ّكل من جانبيه‬ ‫ليسمح للحذاء بالتمدد بالعرض‪.‬‬ ‫كما يمكن لهذا‬ ‫الحذاء أن يتعدَّ ل ليكبر خمسة‬ ‫مقاسات فيخدم‬ ‫الطفل من عمر السنتين إلى الست‬ ‫سنوات‪.‬‬

‫وتكمن أهمية‬ ‫هذا الحذاء بأنه يمكن مساعدة‬ ‫أكثر من ‪300‬‬ ‫مليون شخص في العالم‪ ،‬وتخفيف‬ ‫الضغوطات على الأ‬ ‫هالي في الدول الفقيرة النامية‪.‬‬ ‫وإنما‪ ،‬في‬ ‫أ‬ ‫أ إفريقيا‪ ،‬يمكنه حل مشكلة أكبر لنه‬ ‫يحمي الطفال‬ ‫من أمراض مختلفة قد تصيبهم‬ ‫وهم يمشون‬ ‫حفاة في أر ٍاض مملوءة بالمياه‬ ‫الملوثة‪ .‬فغالباً‬ ‫أ‬ ‫ما تتشقق أقدام هؤلء الطفال‬ ‫وهم يسيرون دون أي شيء يحمي‬ ‫أقدامهم‪ ،‬وبسرعة تنتقل الجراثيم‬ ‫الموجودة‬ ‫في المياه الملوثة من خالل هذه‬ ‫التشققات وتتسبب لهم بمشكالت‬ ‫صحية خطيرة‪.‬‬

‫قد يكون‬ ‫هذا الختراع البسيط أبرز مثال‬ ‫على القدرة على تحويل الدوافع‬ ‫الإ نسانية‬ ‫الصادقة‪ ،‬مع استخدام العقل‬ ‫النير وروح الريادة‪ ،‬إلى خطوات‬ ‫عملية‬ ‫فعَّ الة في مساعدة فقراء العالم‪.‬‬

‫كما أن في هذا التكوين اللحني‬ ‫أمرين متالزمين‪ :‬أنه بسيط ل تعقيد‬ ‫فيه‪ ،‬كما أن فيه لمعة من نوع‬ ‫تلك اللمعات التي ل تبرح السمع‪،‬‬ ‫بعدما يتوقف الغناء‪ ،‬فتظل الجملة‬ ‫اللحنية تتردد في الذهن‪ .‬وهذا‬ ‫سر بقائها في وجدان المستمع‪.‬‬

‫أ‬ ‫أما‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ لحن الغصن الول‪ ،‬فإنه يتكرر‬ ‫هو نفسه في الغصان الربعة‬ ‫الخرى‪ .‬وهذا إمعان في‬ ‫تبسيط اللحن الشعبي‪ .‬لكن لحن‬ ‫الغصن يختلف عن لحن‬ ‫المذهب‪ ،‬إل في عجز البيت الثاني‪،‬‬ ‫إذ يلتقي لحن‪ :‬ما ترحمون‬ ‫الحبيب‪ ،‬مع لحن‪ :‬في الناس شكلك‬ ‫غريب‪ ،‬تمهيداً للعودة إلى المذهب‪.‬‬ ‫وهذا أمر ل يمكننا أن نصفه‬ ‫أ‬ ‫بالبساطة‪ ،‬بل إنه مالط قوي يشد‬ ‫أجزاء الغنية بعضه إلى بعض‪،‬‬ ‫فيعطي المستمع هذا‬ ‫الإحساس البديل هو الإحساس بوحدة العمل الفني‪ ،‬وإل كان‬ ‫التفكك‬ ‫أوضعف البنيان‪ .‬وليس هذا من‬ ‫صفات‬ ‫هذا‬ ‫العمل الشعبي ال‬ ‫صيل‪ ،‬الذي ظل ول يزال يصدح‬ ‫في‬ ‫وجدان الناس‪ ،‬في كل‬ ‫آ‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬منذ خمسين سنة‪...‬‬ ‫إلى الن‪.‬‬

‫وأثار موضوع الفضة‬ ‫الغروية سؤاال عند أ‬ ‫الخت‬ ‫ً‬ ‫أحالم‪ ،‬وهو‪« :‬هل وضع‬ ‫الفضة‬ ‫َ‬ ‫وية‬ ‫الغ َر ِ‬ ‫جنيه فضة في الماء يُعد‬ ‫فضة غروية‪ ،‬وما خطورته‬ ‫على الجسم‪ .‬أرجو‬ ‫الجابة الدقيقة‪ ،‬جزاكم‬ ‫إ‬ ‫الله خيراً‪ ،‬ألني أريد البدء باستخدامه‬ ‫للتخلص من مشكالت في القولون»‪.‬‬ ‫بعضهم أخباراً حول العالج‬ ‫يتداول‬ ‫من وعاء ماء يحتوي على‬ ‫بالشرب‬ ‫فضة»؛ حيث أخذ الموضوع‬ ‫«جنيه‬ ‫مساحة إعالمية!‬ ‫حقيقة هذا االعتقاد؟‬ ‫فما هي‬ ‫عنصر الفضة وما عالقته‬ ‫وما هو‬ ‫الصحي؟ وماذا يقول الطب‬ ‫بالجانب‬ ‫بعدما قاله الطب قديماً ؟‬ ‫الحديث‬

‫علوم‬

‫ونحن نعتز برأيك يا دكتور وبثقتك في دور القافلة‬ ‫لتبقى رابطاً يجمعك وأسرتك إلى بالدك وتراثك‬ ‫ولغتك‪ ،‬وسيسرنا أن نوافيك بأعداد القافلة من النآ‬ ‫وصاعداً‪ ،‬إن شاء الله‪.‬‬

‫أكثر من ثالثين سنة‪ ،‬وأرجو التكرم بتزويدي بالمجلة‬ ‫أ‬ ‫الحب القديم هو الذي‬ ‫مجدداً لنني اكتشفت أن ُ‬ ‫يبقى»‪ .‬ولك ما تريد يا أخ علي مع تحياتنا وشكراً‬ ‫لرأيك في القافلة‪.‬‬

‫‪59 | 58‬‬

‫فقد علَّق خالد العتيبي‬ ‫في يوليو من العام‬ ‫الجاري على موضوع‬ ‫«طارق عبدالحكيم‬ ‫وحكايته مع ريم وادي‬ ‫ثقيف» الذي نُشر في‬ ‫مطلع العام الماضي‪،‬‬ ‫بقوله‪« :‬يرحمه الله‪ ،‬كان واحداً من الفنانين‬ ‫الذين أثَّروا في ثقافتنا‪ ،‬وال ننساهم ألن ذكراهم‬ ‫باقية في وجداننا»‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد آل محروس‬

‫العدوة الكبرى‬ ‫للميكروبات‬

‫أ‬ ‫وللخت أحالم نقول‪ :‬بالعودة إلى الشرح الوارد في‬ ‫متن التقرير‪ ،‬فإن وضع جنيه فضة في الماء ليس‬ ‫فضة غروية‪ .‬أما أ‬ ‫الهم من هذا التوضيح‪ ،‬هو أن‬ ‫التقارير أ‬ ‫والخبار العلمية عن مثل هذا الموضوع‪،‬‬ ‫تهدف إلى اطالع القارئ على ما يجري في العالم‬ ‫سجل من اكتشافات‪ ،‬وهي ليست‬ ‫من أبحاث وما يُ َّ‬ ‫أبداً بهدف تطبيقها على الذات‪ ،‬خاصة عندما يتعلَّق‬ ‫كنت تعانين متاعب صحية‪،‬‬ ‫الموضوع بالصحة‪ .‬فإذا ِ‬ ‫فعليك باستشارة طبيب اختصاصي‪ ،‬وعدم معالجة‬ ‫نفسك بنا ًء على أي تقرير مهما كان مصدره‪.‬‬


‫مع القرَّ اء‬

‫علوم‬

‫أسامة أمين‬

‫سنوات العلمية هي الحل؟‬

‫هل ال‬

‫حياتنا اليوم‬

‫أسامة إبراهيم‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2014‬‬ ‫‪shutterstock‬‬

‫اليوم‪ :‬عرض قدَّ مه رالف كوربماتشر‬ ‫البراندينغ‬ ‫العمل‪ :‬عرض قدَّ مته ماري سكر‬ ‫مراحل‬ ‫إلى مجموعات للعمل مع العمالء‬ ‫تقسيم الطالبات المشاركات‬ ‫عن شركاتهم والخدمات المقدَّ مة‬ ‫موجز يقدِّ مه العمالء‬ ‫الولى للطالبات‪ ..‬مرحلة البحث‬ ‫أ‬ ‫جلسة العمل‬

‫«البراندينغ» قدَّ مها‪ :‬كميل حوا‬ ‫مكانة الشعار في‬ ‫والمنتج قدَّ مها‪ :‬وليد أبو الريش‬ ‫العالقة الجدلية بين «البراندينغ»‬ ‫جلسة العمل الثانية‬ ‫تقديم العروض من قِ بل الطالبات‬

‫ورشة عمل‬

‫محاور ورشة العمل‬

‫ووصف تركي باكيتيان موضوع «هل عادت أ‬ ‫الم إلى‬ ‫بيتها» بأنه‪« :‬بحث جميل أكثر من كونه مقاالً‪ ..‬سلمت‬ ‫أيديكم»‪.‬‬ ‫وحول موضوع «دور‬ ‫دور ألعاب الفيديو في‬ ‫ألعاب الفيديو في تعلم‬ ‫تعلم اللغات‬ ‫اللغات»‪ ،‬كتب عامر‬ ‫الوافي‪« :‬مقال جميل‬ ‫ومنسق‬ ‫جداً وممتاز َّ‬ ‫بشكل رائع‪ .‬أشكر‬ ‫الدكتور على طرحه لهذا‬ ‫الموضوع الذي يدور حول‬ ‫معينة بطريقة استفدت منها كثيراً‪ ،‬وال‬ ‫إيصال فكرة َّ‬ ‫أزال أستفيد منها حتى اليوم‪.‬‬

‫نســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫عثرت عليها في قاموس‬ ‫اللفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫المنهل (ففيرعلوم الحيوان‬ ‫دلولت التــي نحتاجها‬ ‫يمكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫الم صغتُ من كلمات‬ ‫المختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫َا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫فيماهُوف والمَغَ ار‬ ‫يعيش في ال ُك‬ ‫َات ‪َ :‬وتَجاويفهلحيوان الذي‬ ‫ُ‬ ‫صفة للحيوان‬ ‫والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ‬ ‫الذييعيش في الأرض‬ ‫صفةللأحْ رَاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫صفة للحيوان‬ ‫ا‬ ‫فــي‬ ‫يعيش‬ ‫الذي‬ ‫لحيوان‬ ‫الذي مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة ل‬ ‫الخَ شَ ــب‪ُ .‬م ْرتَمِ لٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫يعيش الجبال‪¯.‬‬ ‫في‬ ‫يعيش‬ ‫الذي يعيش في‬ ‫في صفة للحيوان‬ ‫مُخْ ت َِش ٌب‪:‬‬ ‫الذيال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة‬ ‫للحيوانللحيوان الذي‬ ‫في‬ ‫يعيش‬ ‫صفة‬ ‫ر)‪:‬‬ ‫َح‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ُص‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫َا‬ ‫ا ألَشْ ــجَ ار‪.‬م ُْصطَ ِح ٌر (أصْ ُله‬ ‫ب‪ :‬صفة للحيــوان الذي يعيش في‬ ‫يعيش في َّ‬ ‫ب)‪.‬‬ ‫الصحْ رَاء‪.‬ت ُمَةٌ ْهتَذِمن َك ٌ ِل َمتَيْ ‪ :‬مَوَ ٌه (معناه المَاء)‪ +‬عَذْ ٌ‬ ‫المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ و‬ ‫ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫يعيش فــي ال َم‬ ‫ُم ْنتَقِ ــعٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫قاموسنَاقِ ــع والمُسْنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫في‬ ‫عليها‬ ‫عثرت‬ ‫ُ‬ ‫المنهل (ففيرعلوم الحيوان‬ ‫َةٍ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ُجَ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫اللفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُةالكلمة لتوليد المدلولت التــي نحتاجها‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫يمكن رَصْ دُ وزن هذه‬ ‫وْتُ على مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫َا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫المختلفة‪ .‬وقد ن‬ ‫ُوف والمَغَ ار‬ ‫لحيوانَحَالذي ُ ال ُكه‬ ‫َات َوتَجاويفهلحيوان الذي‬ ‫يعيش فيالمهارات‬ ‫تشملها ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ‬ ‫صفة‬ ‫أرضالتيوالوَحْ‬ ‫صفة لللحيوان الذي يعيش في ال‬ ‫يعيش‪ :‬صفة ل َاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫الذي‬ ‫يعيش في الجبال‪ ¯.‬مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة ل‬ ‫فــي ا ٌلأحْ رصفة للحيوان‬ ‫لحيوانفي الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ‬ ‫يعيش‬ ‫الذي‬ ‫ل‪:‬في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫ــب‪ :‬صفة للحيوانمُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش‬ ‫مُخْ ت َِش ٌ‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫َال‪¯.‬‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫َّ‬ ‫الذي يعيش‬ ‫في‬ ‫يعيش‬ ‫(أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ٌ‬ ‫من‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫طَ‬ ‫َةٌ‬ ‫م ُْص‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ْحُ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫(‬ ‫َة‬ ‫ب‬ ‫ذْ‬ ‫العَ‬ ‫المياه‬ ‫في‬ ‫مُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش‬ ‫الذي يعيش‬ ‫في ال َمنَاقِ ع والنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫صفة ل‬ ‫المَاء)‪ +‬عَذْ ٌب‬ ‫لحيوانعليها في قاموس‬ ‫عثرت‬ ‫ُولى)‪.‬ال ُمم ْنُعَتَقِ َّل َعٌم ُة‪ِ :‬بنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫المنهل (ففيرعلوم الحيوان‬ ‫دلولت التــي نحتاجها‬ ‫اللفظةر اَصْ ألدُ وزن هذه الكلمة لتوليد‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫يمكن‬ ‫الم صغتُ من كلمات‬ ‫فيما‬ ‫َا‬ ‫ه‬ ‫َال‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫على‬ ‫َات َوتَجاويفهَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫وْتُ‬ ‫َحَ‬ ‫ن‬ ‫وقد‬ ‫لمختلفة‪.‬‬ ‫يعيش في ال ُكهُوف والمَغَ ار‬ ‫لحيوان الذي‬ ‫ُ‬ ‫اصفة للحيوان‬ ‫والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ‬ ‫الذييعيش في الأرض‬ ‫يعيش‪ :‬صفة ل َاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫صفة للحيوان‬ ‫الذي‬ ‫الذي مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة ل‬ ‫فــي ا ٌلأحْ رصفة للحيوان‬ ‫يعيش في الجبال‪¯.‬‬ ‫لحيوانفي الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ‬ ‫يعيش‬ ‫للحيوان الذي‬ ‫ل‪:‬في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫لحيوان الذي يعيش‬ ‫ــب‪:‬‬ ‫مُخْ ت َِش ٌ‬ ‫حتى الكتابة‪..‬‬ ‫صفة ل‬ ‫صفةرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪:‬‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫الذي يعيش في ال ِّ‬ ‫لحيوان الذي يعيش في َّ‬ ‫ل‬ ‫صفة‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫ر)‪:‬‬ ‫َح‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ُص‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫َا‬ ‫ه‬ ‫م ُْصطَ ِح ٌر (أصْ ُل الذي يعيش في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ‬ ‫منمن َك ِلَاقِ َمتع ْوالمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫للحيوان‬ ‫الذي يعيش في ال َ‬ ‫صفة‬ ‫َاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪ُ .‬م ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫الم‬ ‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2015‬‬

‫وحظيت ورشة العمل‬ ‫صناعة العالمة التجارية‪..‬‬ ‫«براندينغ»‬ ‫التي كانت بعنوان‬ ‫«صناعة العالمة‬ ‫التجارية» باهتمام‬ ‫الدكتور أحمد الضبيبان‬ ‫يعبر عن‬ ‫الذي كتب ِّ‬ ‫رغبته في التواصل‬ ‫مع المشتركين‪ ،‬ويسأل ما إذا كان ذلك‬ ‫ممكناً‪ .‬وجوابنا هو «طبعاً‪ ،‬ممكن‪ .‬ولكن المشتركين‬ ‫كانوا كثيرين‪ .‬فنرجو تزويدنا بمن تريد االتصال‬ ‫تحديداً»‪.‬‬ ‫نجاح أي منتج أو مؤسسة‬ ‫التجارية على مستوى‬ ‫الوعي بأهميَّ ة العالمة‬ ‫الصناعة الحديثة‪ ،‬المعروفـة‬ ‫مواكبة لتعاظم‬ ‫عمل في جدة حول هذه‬ ‫نظمت «القافلة» ورشة‬ ‫خدمة‪َّ ،‬‬ ‫أو‬ ‫هذه الورشة التي استمرت‬ ‫عالمياً باسم «براندينغ»‪.‬‬ ‫االختصاص‪َّ ،‬‬ ‫شكلت‬ ‫إلى المحاضرين من ذوي‬ ‫الطالب من لقاء عمالء‬ ‫وإضافة‬ ‫تمكن خاللها حشد من‬ ‫نوعها‪َّ ،‬‬ ‫يومين مناسبة فريدة من‬ ‫َّ‬ ‫محددة‪.‬‬ ‫لمؤسسات أو منتجات‬ ‫باحثين عن عالمات تجارية‬ ‫حقيقيين‬

‫تغطية‪ :‬عبود عطية‬ ‫تصوير‪ :‬زكي غواص‬

‫‪71 | 70‬‬

‫أ‬ ‫وللخ مصعب نقول‪:‬‬ ‫كالمك صحيح‪ ،‬جزاك الله خيراً‪ ،‬ولكن التقرير‬ ‫ال يزعم استكشاف الغيب‪ ،‬بل يستشرف ما ستؤول‬ ‫والنجازات التي‬ ‫إليه أحوالنا إذا استمر تراكم القضايا إ‬ ‫تحيط بنا اليوم‪.‬‬

‫تغطية‪ :‬مشاعل العمري‬ ‫تصوير‪ :‬ماجد المالكي‬

‫للمهندسين‪ ،‬بحضور‬ ‫عدد من المهندسين‬ ‫والمستثمرين العقاريين‬ ‫والمهتمين‪.‬‬

‫لغويات‬

‫وعلَّق مصعب غاجي على‬ ‫موضوع «أحوال العالم‬ ‫في عام ‪ »2050‬بقوله‪:‬‬ ‫«شكراً‪ ،‬ولكن هذا الغيب‬ ‫ال يعلمه غير الله»‪.‬‬

‫‪49 | 48‬‬

‫يومياً‬ ‫‪ ،‬تطالعنا‬ ‫توقعات بتحوالت ما ستطرأ‬ ‫على جزئية ما من‬ ‫عالمنا خالل السنوات‬ ‫المقبلة‪ .‬ولكن‬ ‫الباحث أولريش إيبيرل‪،‬‬ ‫الذي يُ عد من‬ ‫كبار العلماء في مجال‬ ‫أبحاث المستقبل‬ ‫في ألمانيا‪ ،‬وضع نصب‬ ‫عينيه تاريخاً محدداً ‪:‬‬ ‫منتصف القرن‪ ،‬العام‬ ‫‪2050‬م‪ ،‬وما‬ ‫سيؤول إليه العالم بقضاياه‬ ‫الكبرى‬ ‫آنذاك‪،‬‬ ‫وجمع توقعاته في كتاب‬ ‫بعنوان‪« :‬المستقبل‬ ‫‪ .»2050‬فما أبرز ما جاء‬ ‫فيه؟‬

‫أحوال‬ ‫العالم في‬ ‫عام ‪2050‬‬

‫ِّ‬ ‫يشكل واحداً‬ ‫ألن بناء المسكن‬ ‫من تحديات العمر‬ ‫بالنسبة للفرد‪ ،‬وألن‬ ‫الرضا عن المسكن يرتبط‬ ‫بسلسلة الخطوات التي‬ ‫تسبق الشروع في تنفيذ‬ ‫البناء‪ ..‬عقدت القافلة‪ ،‬يوم‬ ‫‪ 7‬أغسطس في فندق‬ ‫الميريديان بالخبر‪ ،‬ورشة‬ ‫عمل بعنوان «أتبني بيتاً ‪..‬‬ ‫لحظة من فضلك‪ .‬كيف‬ ‫تقرأ المخطط المعماري‬ ‫الخاص بمنزلك»‪.‬‬ ‫أدارها المهندس المعماري‬ ‫الدكتور مشاري النعيم‪،‬‬ ‫وشاركه في إدارة جلستها‬ ‫األولى المهندس حمد‬ ‫الشقاوي‪ ،‬رئيس مجلس‬ ‫إدارة الهيئة السعودية‬

‫الخطوات األساسية‬ ‫قبل وضع حجر‬ ‫األساس‬

‫لحة‬ ‫يلبي حاجة اجتماعية ُم َّ‬ ‫لديك مشروع‬ ‫‪1‬‬ ‫الربح لضمان االستمرارية‬ ‫قادرٌ على تأمين‬ ‫‪2‬‬ ‫الستدامة ومتطلباتها‬ ‫متوافق مع شروط ا‬ ‫‪3‬‬ ‫رأسمالك الرئيس االبتكار‬ ‫‪4‬‬

‫ورشة عمل‬

‫عاماً هي عمر التجربة‬ ‫خمسة عشر‬ ‫مع سنوات العلوم‪ ،‬سنة‬ ‫األلمانية‬ ‫للفيزياء وأخرى لألحياء وثالثة‬ ‫األرض‪ ،‬ورابعة للكيمياء‪،‬‬ ‫لعلم‬ ‫للعلوم اإلنسانية‪ ،‬وفي‬ ‫وأخرى‬ ‫تقام عشرات بل مئات‬ ‫كل مرة‬ ‫يحضرها جمهور يصل‬ ‫الفعاليات‪،‬‬ ‫ميلون بل وإلى مليوني‬ ‫عدده إلى‬ ‫تهدف إلى تعزيز الحوار‬ ‫شخص‪،‬‬ ‫المؤسسات العلمية والمعاهد‬ ‫بين‬ ‫من جانب‪ ،‬والمواطنين‬ ‫البحثية‬ ‫جانب آخر‪ .‬فقد أدركت‬ ‫العاديين من‬ ‫التفوق العلمي‪ ،‬ال يعني‬ ‫ألمانيا أن‬ ‫العلماء في أبراجهم العاجية‪،‬‬ ‫بقاء‬ ‫أن ينزلوا إلى األسواق‪،‬‬ ‫بل يجب‬ ‫الناس على قدر عقولهم‪،‬‬ ‫ويخاطبوا‬ ‫ففعلوا ونجحت التجربة‪.‬‬

‫أنت رائد أعمال اجتماعي‬

‫بدر القبيسي‬

‫على جانب تفاعلي مع مستخدمي‬ ‫الإنترنت‪ ،‬يحتوي‬ ‫ألعاب من متحدثي اللغة من ثقافات‬ ‫هذه ال‬ ‫يضيف البُعد الجتماعي لالألعاب‪،‬‬ ‫مختلفة‪ .‬هذا‬ ‫التعلم اللغوي الفتراضي قريباً جد ًا‬ ‫جاعال من‬ ‫ً اللغة في المجتمعات التي تتحدث‬ ‫من تعلم‬ ‫مجموعة من الدراسات إلى أن هذه‬ ‫بها‪ .‬وتوصلت‬ ‫ألعاب لها دور كبير في اكتساب‬ ‫النوعية من ال‬ ‫على الجانب الثقافي والجتماعي‬ ‫اللغات لحتوائها‬ ‫جانب مهم لتعلم أي لغة‪ .‬إضافة‬ ‫التفاعلي وهو‬ ‫يساعد عديد من ألعاب الفيديو على‬ ‫إلى ذلك‪،‬‬ ‫الكتابة باللغة الأجنبية سوا ًء من خالل‬ ‫تنمية مهارة‬ ‫أو حتى من خالل الكتابة عنها‪.‬‬ ‫الألعاب مباشرة‬ ‫مدونات أو دليل للعبة أو مقالت‬ ‫ومثال ذلك كتابة‬ ‫النقاشات حولها‪ ،‬إضافة إلى الكتابة من‬ ‫أو من خالل‬ ‫المحادثة التي يوفرها كثيرٌ من الألعاب‬ ‫خالل غرف‬ ‫هذه الميزة متعلمي اللغة على‬ ‫للمتبارين‪ .‬وتساعد‬ ‫كبير من غير أن يشعروا بالحرج أو‬ ‫الكتابة لجمهور‬ ‫الذي يواجهه متعلم اللغة عند‬ ‫الضغط النفسي‬ ‫الكتابة لفصل أو جمهور ناقد‪.‬‬

‫أ‬ ‫الولى‪ ،‬وهي استخدام ألعاب‬ ‫يتم بثالث طرق‪:‬‬ ‫أ‬ ‫الحكام على ألعاب‬ ‫مثل الألعاب التي تهدف إلى تنمية‬ ‫تتنوع‬ ‫مخصصة للتعلم‬ ‫الفيديو بتنوع تأثيراتها على‬ ‫اءة‪ ،‬وهذه نادرة‪ .‬الطريقة الثانية‬ ‫مهارة محددة كالقر‬ ‫مستخدميها‪ ،‬ومنطلقاتها عديدة‬ ‫ألعاب مصممة ألغراض تجارية بحتة‬ ‫هي استخدام‬ ‫وتشمل علم النفس والتطور‬ ‫جانب المتعة في اللعب‪ ،‬وأي تعلم‬ ‫وتركز على‬ ‫الذهني واللغوي والعتبارات‬ ‫هو عارض ول يمكن التحكم به‪،‬‬ ‫يحصل من خاللها‬ ‫والثقافية المحلية وغير ذلك كثير‪ .‬ولكن‬ ‫تقع ضمن هذه الفئة‪ .‬والطريقة‬ ‫التربوية‬ ‫وأغلب الألعاب‬ ‫جوانب تأثيرات هذه الألعاب ل يزال‬ ‫الألعاب المصممة تجارياً كالفئة‬ ‫ثمة جانب من‬ ‫الثالثة تعتمد على‬ ‫آ‬ ‫الباء يلحظونه من خالل‬ ‫تصمم لجانب تعليمي‪ ،‬بل تستخدم‬ ‫في الظل‪ ،‬وإن كان بعض‬ ‫وهو دورها في الثانية التي لم‬ ‫تعاطي أبنائهم مع هذه الألعاب‪ ،‬أل‬ ‫لالستفادة من الجوانب اللغوية‬ ‫ضمن منهج محدد‬ ‫من خالل ما قد يظهر على ألسنة‬ ‫الستخدام‪ .‬لكن السؤال الذي يتبادر‬ ‫تعليم اللغات‪،‬‬ ‫بها وهي سهلة‬ ‫من مفردات آتية من عالم الفيديو‪.‬‬ ‫ماذا يمكن لألعاب الفيديو أن تنمّ ي‬ ‫هؤلء‬ ‫إلى الذهن هو‪:‬‬ ‫لغوياً؟‬ ‫الحديث عن ألعاب الفيديو‪ ،‬فإن أول‬ ‫عندما يدور‬ ‫آ‬ ‫الثا ُر السلبية التي‬ ‫ما قد يتبادر إلى ذهن العديد‬ ‫الصحافة أو الإعالم عموماً‪ ،‬أو حتى ما‬ ‫الفوائد لستخدام ألعاب الفيديو‬ ‫تتناقلها‬ ‫نذكر هذه هنالك عديد من‬ ‫به على المستوى الشخصي عندما‬ ‫اللغات‪ ،‬فهي تغطي مهارات عديدة‬ ‫نتحدث‬ ‫في تنمية تعلم‬ ‫يذكر أنها مضيعة للوقت‪ ،‬مثال ً‪،‬‬ ‫أو حتى جوانب ثقافية أو تداولية‬ ‫الألعاب‪ .‬فتجد من‬ ‫مهمة‪ ،‬وغير كالقراءة أو الكتابة‬ ‫أ‬ ‫الفراد عن مهارات معيشية‬ ‫ذلك‪ ،‬قيام باحثين بدراسة لعبة‬ ‫أو سبباً لعزل‬ ‫ّغة‪ .‬ومثال ً على‬ ‫أنها آثار سلبية لهذه الألعاب‪ ،‬التي‬ ‫لل مخصصة لتعليم الكلمات‪ ،‬وهذه تدخل‬ ‫نعتقد‬ ‫ذلك مما‬ ‫فيديو‬ ‫ذات الهدف التعليمي المباشر‪،‬‬ ‫هي محل خالف‪.‬‬ ‫ضمن إطار الألعاب‬ ‫المنتشرة بهدف ترفيهي أساسي‪.‬‬ ‫عكس الألعاب‬ ‫الجوانب التي نغفلها هو أن ألعاب‬ ‫نتائج هذا البحث أن فترة شهرين‬ ‫غير أن أحد أهم‬ ‫وتوضح إحدى‬ ‫بشكل كبير ولم تعد محصورة على‬ ‫اللعبة تساوت مع مكتسبات لغوية‬ ‫الفيديو انتشرت‬ ‫من اللعب بهذه‬ ‫على أجهزة معيَّنة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬هنالك‬ ‫عليها متعلمو اللغات في فترة ما‬ ‫سن معيَّنة أو حتى‬ ‫عادة ما يحصل‬ ‫منها‪ ،‬خاصة وأن الوصول إلى ألعاب‬ ‫سنتين‪ .‬بالإضافة إلى ذلك‪ ،‬توجد ميزة‬ ‫إمكانية لالستفادة‬ ‫وأجهزة متعددة‪ ،‬بين سنة إلى‬ ‫الفيديو أصبح ممكناً عن طريق أنظمة‬ ‫قلّما يستطيع المدرِّسون توفيرها‬ ‫لألعاب الفيديو‬ ‫أ‬ ‫اللعاب فقط‪ ،‬بل يمكن‬ ‫التعليم التقليدية‪ ،‬أل وهي ُ‬ ‫جعل‬ ‫إذ لم تعد حكر ًا على أجهزة‬ ‫من خالل فصول‬ ‫حتى عن طريق الهواتف الشخصية‪.‬‬ ‫ويتفاعل مع البيئة التي يتعلم من‬ ‫آ‬ ‫الن الوصول إليها‬ ‫المتعلم يعيش‬ ‫كيفية استخدام اللغة كما يستخدمها‬ ‫خاللها‪ ،‬كتعلم‬ ‫الدراسات التي نشرت في الوليات‬ ‫أصليون في مجتمعاتهم‪ ،‬مثل التحدث‬ ‫توضح إحدى‬ ‫‪ %63‬من السكان متحدثوها ال‬ ‫المتحدة الأمريكية عام ‪2007‬م بأن‬ ‫وفي الجتماعات التجارية أو حتى‬ ‫بها في الأسواق‪،‬‬ ‫الفيديو‪ .‬هذا العدد كبير طبعاً‪،‬‬ ‫يستخدمون ألعاب‬ ‫في المنزل‪.‬‬ ‫ازداد منذ ذلك الوقت‪ ،‬ليس فقط‬ ‫ومن المؤكد أنه‬ ‫المتحدة بل وحتى في بلداننا العربية‬ ‫المشكلة ألعاب الفيديو بإضافة محتوى‬ ‫في الوليات‬ ‫ُ‬ ‫تحل هذه‬ ‫ّ‬ ‫انتشار الهواتف الذكية‪ .‬ودفع هذا‬ ‫خالله المتعلم غمس نفسه به وكأنه‬ ‫وبشكل خاص بعد‬ ‫يستطيع من‬ ‫الفيديو عديد ًا من الباحثين لدراسة‬ ‫القصة بل وتدفعه أحياناً كثيرة إلى‬ ‫النتشار لألعاب‬ ‫جزء من اللعبة أو‬ ‫التعليمية لألعاب الفيديو التي ما زالت‬ ‫تقمص دور بعض شخصياتها‪.‬‬ ‫الجوانب‬ ‫خصبة لمزيد من البحث والدراسة‪.‬‬ ‫أرضاً‬ ‫الجوانب الإيجابية هو تعلم اللغات‬ ‫من هذه‬ ‫واحد ألعاب الفيديو‪ .‬والتعلم هنا يمكن أن‬ ‫عن طريق‬

‫آ‬ ‫الن‪ ،‬وخصوصاً مع انتشار‬ ‫كثير من الألعاب‬

‫متوفر في أغلب الألعاب أيضاً هو‬ ‫جانب آخر‬ ‫القراءة من غير أن يكون ذلك هو‬ ‫تطوير مهارة‬ ‫للعبة‪ .‬إذ يحتاج المستخدم إلى‬ ‫الهدف الأساسي‬ ‫الحوارات داخل اللعبة ويحاول‬ ‫أن يقرأ القصص أو‬ ‫سواء من خالل النص مباشرة أو من‬ ‫استيعابها ً‬ ‫الخرى في اللعبة‪ ،‬مثل الرسومات‬ ‫أ‬ ‫خالل الدلئل‬ ‫وتسلسل القصة ومقاطع الفيديو‪.‬‬ ‫والشخصيات‬ ‫ألن الشخص عندما يلعب يسعى‬ ‫وهذه ميزة رائعة‬ ‫داخل اللعبة وهو تجاوز مراحلها‬ ‫هدف‬ ‫لتحقيق ٍواستكشافها دون أن يعلم أنه في الوقت‬ ‫المختلفة‪،‬‬ ‫لغوية عديدة‪ .‬ويحاول الباحثون‬ ‫نفسه يطوِّر مهارات‬ ‫كسر فكرة أن اللعب والتعلم في‬ ‫في هذا المجال‬ ‫ل يجتمعان‪ ،‬في وقت تؤيد هذه‬ ‫مجال اللغات‬ ‫المبدئية لالأبحاث‪ .‬ولهذا نقول‪:‬‬ ‫الفكرة جميع الدلئل‬ ‫أن تخبر أحدهم بأنه يلعب ول‬ ‫فكّر جيد ًا قبل‬ ‫يخصص وقتاً للتعلم!‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫وحول الموضوع نفسه‪ ،‬كتب عادل العمري أنه‪:‬‬ ‫«لمحة مميزة وموجزة عن كيفية توجيه ما كان‬ ‫يُعرف بالترفيه البحت‪ ،‬ليصبح ترفيهاً مدمجاً‬ ‫بالتعليم‪ .‬أعجبني ما كتبت يا دكتور بدر‪ ،‬وفي‬ ‫انتظار المزيد»‪.‬‬ ‫وعقَّب رضوان محمد قريب من المغرب على‬ ‫ورشة عمل «ريادة أ‬ ‫«أتوجه بالشكر‬ ‫العمال» بقوله‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫والتقدير لقادة الفكر َّ‬ ‫والبداع الحر‪ .‬أعجبني‬ ‫الخلق إ‬

‫ورشة عمل‬

‫وعقَّب محمد مختار‬ ‫على موضوع «التجربة‬ ‫أ‬ ‫اللمانية في بناء مجتمع‬ ‫المعرفة»‪ ،‬قائالً‪« :‬إننا‬ ‫في أمس الحاجة لتبني‬ ‫التجربة األلمانية في‬ ‫بناء مجتمع المعرفة‬ ‫مثل هذه الفكرة‪ .‬ألن‬ ‫العالم العربي يعاني‬ ‫هوة ما بين تخصصات علمية‬ ‫وأخرى‪ ،‬وهوة ثانية ما بين النخبة المثقفة والمتعلمة‬ ‫وعامة المجتمع من جهة أخرى‪ .‬وتنفيذ ما يشبه هذه‬ ‫المبادرة أ‬ ‫اللمانية يساعد في ردم الهوتين‪ .‬وأتمنى أن‬ ‫نرى ذلك يحصل في بالدنا»‪.‬‬

‫وعلَّقت أ‬ ‫الخت مناير على ورشة عمل «أتبني بيتاً‪..‬‬ ‫لحظة من فضلك» بقولها‪ :‬إنها ورشة رائعة‪ ،‬وأرجو‬ ‫أن تخرج بحلول‪ .‬ألني‬ ‫أتبني بيتاً‪ ..‬لحظة‬ ‫أعاني غالء مكاتب‬ ‫من فضلك‬ ‫التصميم المتميزة‪ .‬أما‬ ‫مكاتب تصميم المنازل‬ ‫حيث التكلفة معقولة‪،‬‬ ‫فإني أراها تقلِّد بعضها‪.‬‬ ‫أتمنى أن أجد مبدعاً‬ ‫أ‬ ‫مميز لرضي‬ ‫قادراً على وضع تصميم َّ‬ ‫الصغيرة»‪.‬‬

‫ً‬ ‫متطوعا وال‬ ‫أنت لست‬

‫متبرعا وال مجرد رجل أعمال‬ ‫ً‬

‫بين إدراك ماهية «ريادة‬ ‫ما‬ ‫األعمال االجتماعية»‬ ‫وخوض غمارها ثمة‬ ‫مسافة يجب اجتيازها‪.‬‬ ‫وفي إطار مساعدة‬ ‫مجموعة من الشباب‬ ‫السعودي على اجتياز‬ ‫المسافة‪َّ ،‬‬ ‫نظمت‬ ‫هذه‬ ‫مجموعة «نقاء» في جدة‬ ‫ورشة عمل هدفت إلى‬ ‫مساعدة الطامحين إلى‬ ‫تنفيذ مشاريع اجتماعية‬ ‫تخدم بيئتهم المحلية‪،‬‬ ‫على رسم خريطة طريق‬ ‫واضحة تسمح لهم بتنفيذ‬ ‫مشاريعهم‪.‬‬ ‫تغطية‪ :‬مودة البارقي‬ ‫تصوير‪ :‬عمرو سنبل‬

‫جداً موضوع ريادة‬ ‫أ‬ ‫العمال واعتبرته نواة‬ ‫أطروحة علمية وبحثية‬ ‫متميزة‪ ،‬ومجاال ً خصباً‬ ‫لطاوالت مستديرة‪.‬‬ ‫إنه باختصار‪ ،‬ضالتي‬ ‫العلمية والبحثية‪.‬‬

‫وختاماً نشير إلى قراءة خلف أحمد أبو زيد لما نُشر‬ ‫في زاوية «أكثر من رسالة» حول وفاة الفنانة عايدة‬ ‫عبدالكريم‪ ،‬الذي رأى أن «الكلمات كانت بسيطة‬ ‫معبرة‪ ،‬والحس الجميل يطغى على السطور‪..‬‬ ‫ولكنها ِّ‬ ‫رحم الله الفنانة التشكيلية المصرية الراحلة عايدة‬ ‫عبدالكريم‪ ،‬وتغمدها بوافر رحمته»‪.‬‬

‫المشتركون الجدد‬

‫وردتنا طلبات اشتراك بالقافلة من ٍّكل من‬ ‫الخوة أ‬ ‫أ‬ ‫والخوات‪ :‬نورة التميم ‪ -‬الرياض‪ ،‬فهد‬ ‫ابن عبدالرحمن الماجد ‪ -‬الدمام‪ ،‬خالد فالح‬ ‫العوفي ‪ -‬جدة‪ ،‬محمد بن طالب ‪ -‬جدة‪ ،‬فايز‬ ‫محمد الحمام ‪ -‬أ‬ ‫الحساء‪ ،‬منى سليمان ناصر‬ ‫المارات العربية المتحدة‪ ،‬علي حسن‬ ‫البداعي ‪ -‬إ‬ ‫علي سبيل ‪ -‬البحرين‪ ،‬فيصل الشهري ‪ -‬الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬عمار علي أ‬ ‫السمري ‪ -‬جدة‪ ،‬عبدالله‬ ‫عبدالعزيز الرويتع ‪ -‬الرياض‪ ،‬روان عارف الحربي‬ ‫المارات‬ ‫ المدينة المنورة‪ ،‬آمنة مطر النيادي ‪ -‬إ‬‫العربية المتحدة‪ ،‬آرام ماهر الجبيلي ‪ -‬الرياض‪،‬‬ ‫عبدالرحمن صديق بخاري ‪ -‬مكة المكرمة‪ ،‬عبدالله‬ ‫صالح الرستم ‪ -‬أ‬ ‫الحساء‪ ،‬مياح عقيل الشمري‬ ‫ رفحاء‪ ،‬بيوش مصطفى ‪ -‬الجزائر‪ ،‬إبراهيم‬‫قهوايجي ‪ -‬المغرب‪ ،‬أحمد الجيزاني ‪ -‬المملكة‬ ‫المتحدة‪ ،‬هند إبراهيم القحطاني ‪ -‬جامعة‬ ‫الدمام‪ ،‬سارة العمران ‪ -‬الرياض؛ وقد أحلنا‬ ‫عناوينكم إلى قسم االشتراكات‪ ،‬وستصلكم‬ ‫المجلة تباعاً‪ ،‬إن شاء الله‪.‬‬


‫‪7|6‬‬

‫أكثر من رسالة‬

‫تحية وبعد‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫قرأت في عدد مايو‪/‬يونيو ‪ 2015‬من مجلة القافلة‬ ‫في باب «قول في مقال» حديثاً عن قيمة أ‬ ‫الستاذ‬ ‫الجامعي‪ .‬والهتمامي بشأن العلم والتعلم لكوني‬ ‫ما زلت في منظومة التعليم متلقياً له في مرحلة‬ ‫الدراسات العليا‪ ،‬وددت أن أعقِّب على هذا‬ ‫المقال‪.‬‬ ‫إن موضوع التعليم والمعلِّمين والمدارس هو‬ ‫أهم المواضيع في حياة المجتمعات‪ .‬أ‬ ‫والفكار‬ ‫أ‬ ‫والسئلة والقرارات التي تصب في طرق وأساليب‬ ‫التعليم هي التي تصنع قدر المجتمع في مستقبله‬ ‫وحاضره‪ .‬إن جوهر التعليم وال شك هو االرتقاء‬ ‫بالطالب‪ ،‬الطالب الذي هو عماد المستقبل ولبنة‬ ‫بناء أ‬ ‫المة‪ .‬وتحيط به عناصر تسهم في هذا الهدف‬ ‫ال تقل أهمية‪ ،‬كالمناهج والمرافق‪ ،‬والتدريب‬ ‫والخبرات والنشاطات الثقافية والالصفية‪ ،‬وتتوج‬ ‫كل تلك العناصر بالعنصر الذي يحكمها‪ ،‬أال وهو‬ ‫المعلِّم‪ .‬ولست بالخبير والمنظر في هذا المجال‪،‬‬ ‫لكنني وددت أن أدلي بدلوي من باب أنني خضت‬ ‫وال أزال‪ -‬مراحل التعليم بكل مستوياته في بالدنا‬‫العزيزة‪ ،‬ذلك بدءاً من المراحل أ‬ ‫الولية وصوال ً إلى‬ ‫الدراسات العليا‪.‬‬ ‫وحتى أقترب من إيضاح فكرتي حول أ‬ ‫المر‪،‬‬ ‫أستشهد بفكرة طريفة ذكرها أ‬ ‫الديب عباس محمود‬ ‫العقاد في معرض انتقاده للصورة النمطية‬ ‫للمعلِّم‪ .‬فعلى الرغم من أن المعلِّمين في فترات‬ ‫مضت‪ ،‬كانوا قادة أ‬ ‫المة ونبراس الحكمة والتربية‪،‬‬ ‫والدليل أن مدارسهم تلك التي درسوا فيها أنجبت‬ ‫لنا كل أولئك السراة الذين ال يصلح الناس إال‬ ‫بهم‪ ،‬يقول العقاد ألحد تالميذ صالونه‪« :‬ال‬ ‫النسان‬ ‫أنصحك أن تكون معلِّماً‪ ،‬إن المعلِّم هو إ‬ ‫الذي اختار أن ينفخ في قربة مقطوعة‪ .‬اختار أن‬

‫ورأيي في التعليم‪ ،‬أن المعلِّم‪ ،‬الذي هو المشرف‬ ‫على العملية التعليمية‪ ،‬إذا لم يمزج خبرته‬ ‫التربوية وعلمه بكل الشغف الالزم لثارة أ‬ ‫السئلة‬ ‫إ‬ ‫وتمكين الطالب من القدرات البحثية والتعبيرية‬ ‫وقدرات التواصل وإدارة الذات‪ ،‬فإنه يحكم‬ ‫على نفسه بالفشل من أوسع أبوابه‪ ،‬بوابة الملل‬ ‫وكراهية العلم‪ .‬فمعلوم أن أ‬ ‫السئلة أهم من‬ ‫الجوبة‪ .‬أ‬ ‫أ‬ ‫الجوبة في بطون الكتب وجدها من‬ ‫وجدها وجهلها من جهلها‪ .‬لكن أ‬ ‫السئلة هي أشياء‬ ‫لم تولد بعد‪ ،‬أ‬ ‫السئلة فيها مفاتيح المستقبل‪،‬‬ ‫وتحتاج لمهارات االستنباط والبحث‪ ،‬حتى تسهم‬ ‫أ‬ ‫والنسانية‬ ‫في رقي الذات والمجتمع والمم إ‬ ‫جمعاء‪ .‬أما أ‬ ‫الجوبة فهي فخاخ ومصائد توحي‬ ‫بأننا نعلم‪ ،‬والحقيقة هي إذا ظننا أننا نعلم فقد‬ ‫النسان متسائال ً متطلعاً باحثاً‪ ،‬وهذا‬ ‫جهلنا‪ُ ،‬خلق إ‬ ‫أ‬ ‫لحكمة فيها خير البشر‪ ،‬ذلك حتى يعمر الرض‬ ‫ويحمل أ‬ ‫المانة وينجز المهمة‪ .‬لذا فالرأي أن‬ ‫التعليم يحتاج إلى أن يثير شغف الطالب‪ ،‬وإال‬ ‫ومجوه َّ‬ ‫وقل احترامهم‬ ‫نبذوه وغضوا الطرف عنه ّ‬ ‫له أ‬ ‫ولثره في نفوسهم‪.‬‬ ‫م‪.‬علي عبدالرزاق الضويلع‬ ‫جامعة الملك سعود ‪ -‬الرياض‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2015‬‬

‫أ‬ ‫السئلة هي مفاتيح التع ُّلم‬

‫ينقش على الصخر وعلى الماء! واختار أن يعيش‬ ‫كريهاً بين تالمذته‪ ،‬وأن يموت تعيساً بين أوالده‬ ‫وزوجته‪ ،‬لقد جربت التدريس ‪-‬والقول للعقاد‪-‬‬ ‫النسان ممالً‪ ،‬وأن يدور‬ ‫وجربت كراهية أن يكون إ‬ ‫ً‬ ‫في حلقة مفرغة! وأن يكون بعد ذلك مظلوما ال‬ ‫يدري أنه يدور ويدور بالنهاية! وال أنصحك أن‬ ‫تكون مدرساً في الجامعة يا موالنا‪ ،‬قد تتوهم‬ ‫أن مدرس الجامعة أحسن حاالً‪ ،‬إنه يعيش الدور‬ ‫نفسه أيضاً‪ ،‬لكنه يدور في حلقة مفرغة كبيرة جداً‪،‬‬ ‫ومجال سيره أكبر بكثير من مدرس المدرسة حتى‬ ‫ليخيل إليه أنه يمشي في طريق مستقيم ولكنه في‬ ‫الحقيقة اختار مداراً واسعاً!»‪.‬‬

‫‪21 | 20‬‬

‫قول في مقال‬

‫أ‬ ‫قرأت‬ ‫أهذا االسبوع مقاال ً بعنوان‪« :‬ما‬ ‫قيمة اال‬ ‫فستاذ الجامعي؟» كتبه أستاذ‬ ‫أ‬ ‫جامعي‬ ‫ي� جامعة أموري االمريكية‪.‬‬ ‫أف‬ ‫وال ي‬ ‫أ‬ ‫ن� أستاذ جامعي‬ ‫أ‬ ‫اهتممت بقراءة المقال العرف‬ ‫ما قيمة االستاذ‬ ‫ت‬ ‫الجامعي‬ ‫وما‬ ‫قيم�‬ ‫ف‬ ‫ي أنا أيضاً باعتباري‬ ‫عضواً ي� هذه المهنة كذلك‪.‬‬ ‫يقول مارك بورالين‪،‬‬ ‫كاتب المقال‪ ،‬إن عديداً من‬ ‫الطالب يفرحون‬ ‫لدى حصولهم عىل الشهادة‬ ‫الجامعية‬ ‫وااللتحاق بسوق العمل أو متابعة‬ ‫در‬ ‫اساتهم العليا‪ .‬ولكن مع انتهاء هذا الفصل ي ف‬ ‫المم�‬ ‫من حياتهم‪،‬‬ ‫وعندما‬ ‫يحاولون‬ ‫استذكار‬ ‫تجربتهم‬ ‫الجامعية‪ ،‬غالباً‬ ‫ما يسقط جزء مهم من مرحلة‬ ‫تعليمهم العاىل‬ ‫ي إىل أسفل أ الدرجات عىل سلم‬ ‫الذكريات المهمة‪ :‬وهو االساتذة‪.‬‬

‫بين‬ ‫«التعليم»‬ ‫و«التربية‬ ‫والتعليم»‬ ‫محمود عثمان‬

‫أ‬ ‫الوقت انخفضت‬ ‫النسبة االوىل إىل ‪ %45‬وارتفعت‬ ‫النسبة الثانية إىل ‪.%82‬‬ ‫عندما تكون‬ ‫أ الجامعات ذات عالقة ب‬ ‫أك� بالمهنة‬ ‫ث‬ ‫أك� من االفكار‪ ،‬وعندما يكون الراتب ث‬ ‫أك� أهمية‬ ‫من‬ ‫أ‬ ‫اكتساب الحكمة‪ ،‬ي َّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يتغ� دور االساتذة‪ .‬قد يقف‬ ‫االساتذة ي� مقدّ مة صفوفهم‬ ‫وخلفهم عقود من‬ ‫أ‬ ‫القراءة‬ ‫أ‬ ‫وغ� والكتابة ومراجع االرشيف واالبحاث‬ ‫المخ�ية‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫المخ�ية باالإضافة إىل ب‬ ‫خ�ة طويلة ي� التعليم‪،‬‬ ‫أ‬ ‫تولكن الطالب ال يذهبون‬ ‫إىل فمنازلهم للتعمق باالفكار‬ ‫ال�‬ ‫طرحها‬ ‫ي‬ ‫عليهم‬ ‫أساتذتهم ي� الصف‪ ،‬إذ ليس‬ ‫لديهم‬ ‫الرغبة بأن يصبحوا «طالباً»‪.‬‬

‫أ‬ ‫أوسع‪ .‬وإذا ما تحددت‬ ‫سلطة االستاذ بمجرد إعطاء‬ ‫العالمات‪ ،‬فإنه ال يعود أ‬ ‫«االستاذ»‪ ،‬وال شعلة أخالقية‬ ‫وال قدوة وال مصدر‬ ‫إلهام‪،‬ث بل يتحول إىل من يعطي‬ ‫للطالب‬ ‫صك االعتماد ال أك� وال أقل‪.‬‬ ‫إن ث‬ ‫ت‬ ‫أك� فالظواهر ي‬ ‫ال� رصدها المقال أصبحت‬ ‫موجودة ي� ال‬ ‫الواليات مجتمعات العربية كما هي موجودة‬ ‫في�‬ ‫المتحدة‪.‬‬ ‫وربما يكون السبب أن فلسفة‬ ‫إنتاج ب‬ ‫أك� «كم»‬ ‫من‬ ‫الطالب‬ ‫سادت‬ ‫وانترصت عىل‬ ‫فلسفة إنتاج‬ ‫نخبوي ف «الكيف» الذي هو بطبيعته ذو بُعد‬ ‫متم�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫لذلك‪ ،‬تزايدت فأعداد الجامعات‬ ‫الحكومية‬ ‫يف‬ ‫والخاصة تزايداً الفتاً ي� العقدين‬ ‫الماضي�‬ ‫واختلفت‬ ‫مستوياتها اختالفاً ِّبيناً‪ .‬ومن المؤسف‬ ‫أنَّ‬ ‫مستوى تالتعليم العام قد ف َّ‬ ‫تد�‪ ،‬إذ إنَّ بعض‬ ‫ال� كانت‬ ‫الوظائف ي‬ ‫تستلزم شهادة ثانوية أصبحت‬ ‫تستلزم شهادة ب‬ ‫كالوريوس جامعية وهكذا دواليك‪.‬‬

‫ب ِّ‬ ‫يع� معظم الطالب‬ ‫عن رضاهم عن أساتذتهم‪،‬‬ ‫ف‬ ‫كث�ون‬ ‫إذ يتلقَّى ي‬ ‫المقررات ت منهم الثناء فالمطلق ي� معظم‬ ‫ومن ناحية أخرى‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ال�‬ ‫هناك رغبة مقابلة عند االساتذة‪،‬‬ ‫الما� ي يجلسون فيها‪ .‬ي� ستينيات القرن‬ ‫ف‬ ‫أما المسألة‬ ‫الذين‬ ‫يواجهون ضغوطاً الإيجاد وقت‬ ‫ي كانت العالمات بدرجة‬ ‫يُعرف بـ تالجوهرية فتتعلق بحقيقة أنَّ ما كان‬ ‫للقيام‬ ‫«ممتاز»‬ ‫ال‬ ‫تتجاوز‬ ‫ب‬ ‫«ال�بية‬ ‫أبحاثهم‪ ،‬بعدم ت‬ ‫الـ ‪ %15‬ولكنّها ارتفعت االآن‬ ‫والتعليم» أصبح مقترصاً عىل‬ ‫ال يعرف معظم شجيعهم عىل ذلك‪ .‬نتيجة لذلك‪،‬‬ ‫لتتخطى الـ ‪،%43‬‬ ‫مما يجعلها ث‬ ‫«التعليم» فحسب‪ ،‬أي‬ ‫ف‬ ‫أك�‬ ‫ت التأكد من أن الطالب يعرف‬ ‫المعلومات االأ‬ ‫الطالب تلك المرحلة من التطور‪،‬‬ ‫العالمات شيوعاً ي� معظم‬ ‫االمتحانات‪.‬‬ ‫حيث يُؤرسون بعقل‬ ‫كاديمية ي‬ ‫ال� تزوِّده بها الجامعة دون‬ ‫متنور‪ ،‬وحيث يكوِّنون هوية‬ ‫االهتمام باالإطار ت‬ ‫ال�‬ ‫ذاتية ناضجة من‬ ‫بوي الجامع لهذه المعلومات‬ ‫خالل التماهي بقدوة يمكنهم‬ ‫وتاريخها‬ ‫تغ� أيضاً هو سلوك االأ‬ ‫وما ي ّ‬ ‫التشبه بها والتفاعل معها‪.‬‬ ‫وفلسفتها‪ .‬أضف إىل ذلك أن المناهج‬ ‫ساتذة‬ ‫تجاه‬ ‫طالبهم‪ ،‬إذ‬ ‫أصبحوا ألطف ث‬ ‫الحديثة تركِّز عىل ف�ورة‬ ‫ي‬ ‫وأك� تفهماً‬ ‫ث‬ ‫لهم‪،‬‬ ‫لذلك‬ ‫التفك� الحر للطالب وليس‬ ‫ف‬ ‫يتخر‬ ‫ج‬ ‫أك�‬ ‫عىل‬ ‫َّ‬ ‫الحفظ‬ ‫ال شك ي� أن هناك ً‬ ‫من نصف الطالب‬ ‫إال أن لها والتحفيظ‪ .‬وهذه سياسة جيدة عموماً‪،‬‬ ‫أمورا عديدة تشتِّت الطالب أيام‬ ‫وهم يعتقدون أنهم مؤهلون‬ ‫الدراسة من ممارسة‬ ‫حدوداً علينا التنبه لها‪.‬‬ ‫بشكل جيد للكتابة واالإدارة‬ ‫ف‬ ‫فالحفظ ف�وري‬ ‫ي‬ ‫الرياضة والهوايات المختلفة ووسائل‬ ‫والتفك� النقدي وإيجاد‬ ‫ي� بعض المقررات مثل المقررات االأ‬ ‫التواصل‬ ‫ا‬ ‫الحلول‪.‬‬ ‫الجتماعي‪،‬‬ ‫دبية‪ .‬فالطالب‬ ‫إضافة إىل أن ثقافة الجامعة‬ ‫يف‬ ‫اليوم ال يحفظون أشعار القدماء‬ ‫ت‬ ‫تعاملهم كزبائن وليس كطالب‪ .‬وهي‬ ‫والمحدث� عىل‬ ‫أ‬ ‫ال�‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫الثقافة نفسها ي‬ ‫أ‬ ‫السواء‪ .‬وقد مر زمن‬ ‫ي‬ ‫يش� مسح‬ ‫ترسم االساتذة كمن‬ ‫أجري ي� الواليات المتحدة‪،‬‬ ‫الأيام العرب ب َّ كان فيه االباء واالجداد يؤرِّخون‬ ‫أ يقدِّ مون السلعة ال سيما من خالل‬ ‫وتتبع الطالب استبيانات‬ ‫منذ عام‬ ‫أ‬ ‫استحضار‬ ‫تقييم االساتذة من قبل طالبهم‪.‬‬ ‫‪1966‬م‪ ،‬إىل أنه فيما يتعلّق‬ ‫الشعر والمقطوعات االدبية‬ ‫البارزة‪ .‬وما �ف‬ ‫بأهداف‬ ‫ي ذلك إال ي‬ ‫الطالب من دخولهم‬ ‫خ� وثقافة عامة للجميع‪.‬‬ ‫الجامعة‪ ،‬بلغت نسبة الذين‬ ‫أ‬ ‫لن يستطيع أي أستاذ‬ ‫أشاروا إىل هدف «تطوير فلسفة ذات ف‬ ‫مع�‬ ‫أن يم فثِّل السلطة االخالقية إذا‬ ‫للحياة»‬ ‫عىل‬ ‫ث‬ ‫كل‬ ‫لم‬ ‫حال‪،‬‬ ‫ت‬ ‫يستطع‬ ‫‪،%86‬‬ ‫اقتنعت‬ ‫أك�‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫تحدّ الطالب ي� الصف ث‬ ‫ي‬ ‫أهمي� كأستاذ نقصت‬ ‫وإرساكهم أبعد‬ ‫ضعف نسبة الطالب الذين أشاروا‬ ‫يف ف‬ ‫من حدود‬ ‫وما زادت‪ ...‬وكذلك أهمية ا‬ ‫إىل هدف «تحقيق‬ ‫لمتخرج� ي� جامعاتنا‬ ‫أي در الصف‪ .‬وإذا لم يستطع ذلك‪ ،‬لن‬ ‫مستوى مادي مرتفع»‪ .‬ومنذ ذلك‬ ‫اسة جامعية ي ف‬ ‫تستطيع وجامعات العالم‬ ‫عىل وجه االإجمال‪ ،‬وإن لم يكن‬ ‫تحف� العقول ي‬ ‫لك تتوق إىل رؤية‬ ‫عىل وجه الخصوص‪.‬‬


‫ورشة عمل‬

‫ألداء أفضل على‬ ‫شبكات التواصل‬ ‫َم ْن م ّنا ال تربطه رابطة بشبكة التواصل االجتماعي؟ التي أصبحت جزءاً ال يتجزأ من‬ ‫جل سكان العالم‪ .‬ال سيما مع انتشار أ‬ ‫حياة ّ‬ ‫الجهزة الذكية‪ ،‬وتطبيقاتها التي تئن بها‬ ‫الهواتف «فائقة الذكاء»‪ .‬فباتت «الشبكات االجتماعية» أقرب وأقصر الطرق للوصول‬ ‫إلى الجمهور المستهدف ألي كيان أو جهة اعتبارية أو حتى أ‬ ‫الفراد‪.‬‬

‫مقدم الورشة‬ ‫ِّ‬

‫خالد فهد الذوادي‪ ،‬مستشار معتمد في‬ ‫اللكترونية‪ ،‬عضو لجنة‬ ‫التسويق والتجارة إ‬ ‫االتصال وتقنية المعلومات في الغرفة التجارية‪،‬‬ ‫مستثمر في عدة قطاعات تقنية وتدريبية‪ .‬وهو‬ ‫اللكتروني والشبكات‬ ‫متخصص في التسويق إ‬ ‫االجتماعية‪ ،‬محاضر في الجامعة العربية‬ ‫طور على مدى‬ ‫المفتوحة‪ ،‬مملكة البحرين‪ّ .‬‬ ‫سنوات مهاراته العلمية والعملية‪ ،‬وحقق‬ ‫خبرة في مجال تقنية المعلومات‪ ،‬ووظفها في‬ ‫الدارة الداخلية وخدمة العمالء‪ .‬وأسهم في‬ ‫إ‬ ‫صناعة إدارة التعليم والتعليم عن بُعد‪ ،‬عمل‬ ‫ضمن اللجنة االستشارية في الجامعة العربية‬ ‫المفتوحة فرع البحرين‪ ،‬وهو استشاري تطوير‬ ‫أعمال معتمد في التسويق والتجارة‪.‬‬


‫‪9|8‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫تتناول ورشة القافلة‪ ،‬لهذا العدد‪ ،‬وسائل‬ ‫التواصل االجتماعي‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬والفروق بينها‬ ‫أ‬ ‫والسباب التي تجعلها رائجة ومطلوبة إلى هذا‬ ‫تتضمن نصائح تساعد على إدارة‬ ‫الحد‪ .‬كما َّ‬ ‫أ‬ ‫المحتوى واستخدام هذه المواقع بالطرق الفضل‪ ،‬وزيادة التفاعل‬ ‫الهداف المختلفة أ‬ ‫لتحقيق أ‬ ‫للفراد أو الشركات‪.‬‬

‫من أين بدأنا لنصل إلى هنا؟‬ ‫من الرسالة النصية ‪ SMS‬والمنتديات‬ ‫العالم الجديد‬ ‫إلى إ‬

‫بدأ اليوم أ‬ ‫الول للورشة بوسيلة إيضاحية تستهدف تفاعل المشاركين‬ ‫وامتحان ذاكرتهم حول بدايات انطالق وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫عبر الرسائل الهاتفية‪ ،‬التي كانت قبل عقدين من الزمن فتحاً في‬ ‫عالم التواصل‪.‬‬ ‫عرض فيديو دعائي قصير تظهر فيه مجموعة من أ‬ ‫الشخاص يقومون‬ ‫ُ‬ ‫بتمرير الكرة بينهم عشوائياً‪ ،‬وكان سؤال المسابقة‪ :‬ما هو عدد‬ ‫التمريرات التي ظهرت في الفيديو؟‪ .‬وللإجابة عن السؤال «نرجو‬ ‫المبين في الشاشة»‪.‬‬ ‫إرسال رسالة نصية إلى الرقم َّ‬ ‫الجابات عبر الهاتف‪ ،‬فوصلت‬ ‫انهمك المشاركون في الورشة بإرسال إ‬ ‫إلى هاتفه عدة إجابات صحيحة وأخرى خاطئة‪ ،‬لكن هذا لم يكن‬ ‫هو هدف اللعبة‪ .‬بل هو إعادة تمثيل طرق استخدام وسائل‬ ‫التواصل االجتماعي في بدايتها أ‬ ‫الولى من قبل مستخدمي الهواتف‪،‬‬ ‫(المدرب‬ ‫التي لم تكن ذكية في حينه‪ .‬وبهذه الطريقة جمع السائل‬ ‫ِّ‬ ‫هنا ‪ -‬شركة الهاتف فيما مضى) مبلغاً من المال وجمع قاعدة بيانات‬ ‫بأرقام هواتف المشتركين‪ ،‬وكانت الشركات تستخدم هذه القاعدة‬ ‫في ترويج إعالناتها‪.‬‬ ‫إذاً رسائل الهاتف أو ‪ SMS‬كانت الخطوة أ‬ ‫الولى في رحلة وسائل‬ ‫التواصل االجتماعي التي وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور‬ ‫ستعرضه الورشة الحقاً‪.‬‬ ‫العالم التقليدية من راديو وتلفزيون وغيرها‬ ‫وبسرعة تب ّنت وسائل إ‬ ‫وسيلة التواصل الجديدة هذه وسمحت باستخدام الرسائل النصية‬ ‫جراء ذلك إعالم جديد بدأ بالتطور‪.‬‬ ‫للتفاعل مع جمهورها ونشأ َّ‬

‫العالم الجديد‬ ‫وسائل إ‬ ‫اللكتروني فانزوى التقليدي‬ ‫جاء إ‬

‫فلو كانت الرسائل النصية (‪ )SMS‬التي قد نعدها اليوم بدائية‪،‬‬ ‫وسيلة إعالم وإعالن عن مسابقة أو منتج أو خبر‪ ،‬فهي تُعلم‬ ‫المشترك بمعلومة ما‪ ،‬وهي رغم بدائيتها ما زالت تص ّنف من بين‬ ‫العالم التقليدي تبدأ من الصحف‬ ‫العالم الجديد‪ .‬فوسائل إ‬ ‫وسائل إ‬ ‫وكل ورقي مكتوب‪ ،‬وتمر بالراديو والتلفزيون‪ ،‬أما وسائل التواصل‬ ‫النترنت‪ .‬لذا كان ال بد من‬ ‫اللكتروني فهي كل ما يستخدم شبكة إ‬ ‫إ‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫التي‬ ‫الكثيرة‬ ‫الفروقات‬ ‫عرض‬ ‫تميز كل نوع من نوعي إ‬ ‫ّ‬ ‫العالم التقليدي يتأخر نشر المعلومة‪ ،‬ومساحة النشر‬ ‫ في إ‬ ‫محدودة‪ ،‬كما أن المعلومة تذهب في عالم الفقدان بعد‬ ‫نشرها‪ ،‬أي ال تعود في متناول طالبها ساعة يطلبها‪ .‬وفي‬

‫كم هو عدد التمريرات التي ظهرت‬ ‫في الفيديو؟؟‬ ‫العالم الجديد‬ ‫خصائص إ‬ ‫عالمية‪ ،‬تتخطى حواجز الزمان والمكان‬ ‫التفاعلية‪ :‬يتبادل القائم باالتصال‬ ‫والمتلقي أ‬ ‫الدوار‪ ،‬وتكون ممارسة االتصال‬ ‫والرقابة‪.‬‬ ‫ثنائية االتجاه وتبادلية‪ ،‬وليست في اتجاه‬ ‫تعدد الوسائط‪ :‬في إالعالم الجديد يتم‬ ‫استخدام كل وسائل االتصال مثل النصوص‬ ‫أحادي‪.‬‬ ‫والصوت والصورة الثابتة والصورة المتحركة‬ ‫التزامنية‪ :‬إمكانية التفاعل مع العملية‬ ‫والرسوم البيانية ثنائية وثالثية أ‬ ‫االتصالية في الوقت المناسب للفرد‪ ،‬سوا ًء‬ ‫البعاد‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫أكان مستقبال ً أو مرسالً‪.‬‬ ‫االنتباه والتركيز‪ :‬نظراً ألن المتلقي في‬ ‫وسائل إالعالم الجديد يقوم بعمل فاعل‬ ‫المشاركة واالنتشار‪ :‬يتيح إالعالم‬ ‫الجديد لكل شخص يمتلك أدوات بسيطة أن في اختيار المحتوى‪ ،‬والتفاعل معه‪ ،‬فإنه‬ ‫يكون ناشراً يرسل رسالته إلى آ‬ ‫الخرين‪.‬‬ ‫يتميز بدرجة عالية من االنتباه والتركيز‪،‬‬ ‫الحركة والمرونة‪ :‬يمكن نقل الوسائل‬ ‫بخالف التعرض لوسائل إالعالم التقليدي‬ ‫الجديدة بحيث تصاحب المتلقي والمرسل‪ ،‬الذي يكون عاد ًة سلبياً وسطحياً‪.‬‬ ‫أ‬ ‫مثل الحاسب المتنقل‪ ،‬وحاسب إالنترنت‪،‬‬ ‫الرشفة والتخزين والحفظ‪ :‬يسهل‬ ‫والهاتف الجوال‪ ،‬أ‬ ‫على المتلقي أرشفة وتخرين وحفظ الرسائل‬ ‫والجهزة الكفّية‪،‬‬ ‫االتصالية واسترجاعها‪ ،‬كجزء من قدرات‬ ‫واالستفادة من الشبكات الالسلكية‪.‬‬ ‫وخصائص الوسيلة بذاتها‪.‬‬ ‫العالمية‪ :‬أصبحت بيئة االتصال بيئة‬

‫الرسائل النصية كانت البداية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تطورت لتصبح وسيلة تواصل اجتماعي‬ ‫تستخدم للتسويق وترويج األخبار وخدمة‬ ‫األعمال‪..‬‬


‫العالم‬ ‫ماذا تحتاج لممارسة إ‬ ‫اللكتروني؟‬ ‫إ‬

‫ اللمام والمعرفة باستخدام‬ ‫‪ -1‬إ‬ ‫النترنت‬ ‫إ‬ ‫‪ - 2‬وجود بريد إلكتروني نشط‬ ‫بصورة دائمة ومنتظمة‬ ‫‪ - 3‬التفاعل مع الجمهور من خالل‬ ‫التعليقات وغيرها‬ ‫أ‬ ‫‪ - 4‬القدرة على نقل الخبار بسرعة‬ ‫‪ - 5‬حضور إلكتروني وتواجد على‬ ‫شبكات التواصل االجتماعي‬

‫أما تقنياً‪ ،‬فعلى الممارس أن يجيد‬ ‫استخدام التقنيات وأدوات شبكات‬ ‫التواصل االجتماعي ووسائل البحث‬ ‫يطور قدراته في‬ ‫واالتصال الجيد وأن ِّ‬ ‫استخدام الكمبيوتر خاصة برامج الكتابة‬ ‫واللمام ببعض‬ ‫ومعالجة النصوص إ‬ ‫التقنيات البسيطة في إدخال الصور مع‬ ‫النصوص وتعديلها من حيث الشكل‬ ‫والحجم المناسب القابل للنشر على‬ ‫النترنت‪.‬‬ ‫إ‬

‫العالم الجديد وأدواته‪ ،‬وهي تزداد‬ ‫تعددت وسائل إ‬ ‫تنوعاً ونمواً وتداخال ً مع مرور الوقت‪ ،‬ومن هذه الوسائل‪:‬‬

‫المحطات التلفزيونية التفاعلية‪ ،‬والتلفزيون أ‬ ‫الرضي الرقمي وتلفزيون‬ ‫آ‬ ‫اللكترونية‪،‬‬ ‫النترنت والفيديو عند الطلب‪ ،‬والصحافة إ‬ ‫الي بي وتلفزيون إ‬ ‫ومنتديات الحوار‪ ،‬والمدونات‪ ،‬والمواقع الشخصية والمؤسساتية والتجارية‪،‬‬ ‫والذاعات الرقمية‪ ،‬وشبكات‬ ‫ومواقع الشبكات االجتماعية‪ ،‬ومقاطع الفيديو‪ ،‬إ‬ ‫بالضافة إلى الهواتف‬ ‫المجتمع االفتراضية‪ ،‬والمجموعات البريدية‪ ،‬وغيرها‪ .‬إ‬ ‫الذاعات الرقمية‪ ،‬والبث التلفزيوني التفاعلي‪ ،‬ومواقع‬ ‫الجوالة التي تنقل إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫النترنت‪ ،‬والموسيقى‪ ،‬ومقاطع الفيديو‪ ،‬والمتاجرة بالسهم‪ ،‬والحوال‬ ‫إ‬ ‫الجوية‪ ،‬وحركة الطيران‪ ،‬والخرائط الرقمية‪ ،‬ومجموعات الرسائل النصية‬ ‫والوسائط المتعددة‪..‬‬ ‫العالم التقليدي تكون متطلبات النشر عالية التكلفة وتتطلب‬ ‫إ‬ ‫عدداً كبيراً من العاملين وتحتاج إلى خبرة في العمل‪.‬‬ ‫ في العالم اللكتروني أ‬ ‫المر معاكس تماماً‪ ،‬فهناك سهولة‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫وسرعة نشر‪ ،‬توصل المعلومات لكافة أنحاء العالم في وقت‬ ‫قصير جداً‪ ،‬ويتم الحفاظ على المعلومات ويمكن االطالع‬ ‫عليها في أي وقت عبر برامج البحث أ‬ ‫والرشفة‪ .‬والمتطلبات‬ ‫زهيدة التكلفة وال تحتاج إلى فريق عمل كبير‪.‬‬

‫تحديد الهدف ونوع‬ ‫الوسائل والمحتوى‬ ‫والتحليل وتقييم األداء من‬ ‫أهم عناصر االستراتيجية‬ ‫الناجحة للتواصل‬ ‫االجتماعي‪..‬‬

‫العالم الجديد إلى وسائل التواصل‬ ‫من إ‬ ‫االجتماعي‬

‫العالم الجديد‪،‬‬ ‫فبعد هذه اللمحة التاريخية عن تطور وسائل إ‬ ‫ولنه أصبح لزاماً على أ‬ ‫أ‬ ‫الفراد والشركات بالتواصل عبرها لسرعة‬ ‫انتشارها وتفاعليتها العالية‪ ،‬وأيضاً بسبب تكلفتها المتدنية مقارنة‬ ‫والعالنية التقليدية‪ ،‬وبسبب التطور الهائل‬ ‫العالمية إ‬ ‫بالحمالت إ‬ ‫لوسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬أخذت استراتيجيات وتطبيقات معقدة‬ ‫لتحسين أ‬ ‫الداء بالنمو سريعاً على هذه الشبكات الجديدة لتحقيق‬ ‫أ‬ ‫الهداف المختلفة من عملية التواصل‪ .‬القاسم المشترك لهذه‬ ‫االستراتيجيات يمكن حصره في عدة نقاط أساسية كالتالي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تحديد أ‬ ‫الهداف بدقة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تعريف بميزات وسائل التواصل المختلفة وتحديد أ‬ ‫النسب منها‬ ‫لنشاط المستخدم وكيفية إنشاء حسابات محترفة وموثوقة‬ ‫ومراجعة الوضع الحالي على وسائل التواصل االجتماعي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تطوير المحتوى وصوال ً إلى الجدول التحريري الكامل‪.‬‬ ‫‪ - 4‬استخدام التحليالت المختلفة لقياس وتقييم أ‬ ‫الداء‪.‬‬ ‫الداء للوصول إلى أ‬ ‫‪ - 5‬تعديل وتكييف أ‬ ‫الهداف‪.‬‬

‫مواقع التواصل والتجارب فيها‬

‫انتقلت ورشة العمل بعد ذلك إلى تعداد مواقع التواصل االجتماعي‬ ‫الشهر أ‬ ‫أ‬ ‫والكثر استخداماً‪ ،‬وتحديد سبب شهرتها وكيفية استخدامها‪،‬‬ ‫واستفادة المشترك االستفادة الفضلى‪ .‬وتناول التعداد مواقع‬ ‫«تويتر» و«إنستجرام» و«سناب شات» و«فيسبوك» و«لينكدان»‬ ‫و«غوغل بلس»‪.‬‬


‫‪11 | 10‬‬

‫وامش‬ ‫غرد ِ‬ ‫تويتر‪ّ ...‬‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫في ‪ 140‬حرفاً عليك أن تقول ما تريده في موقع تويتر‪ .‬وهذا ما‬ ‫جعل من تويتر منصة عالمية لتبادل المواقف آ‬ ‫والراء‪ .‬والموقع‬ ‫يعد أ‬ ‫الكثر شعبية في المملكة العربية السعودية والخليج العربي‬ ‫ُ‬ ‫منذ العام ‪( ،2013‬حيث كشفت إحصائية في ذلك الوقت‬ ‫من «‪ »bussines insider‬أن ‪ 41‬في المئة من عدد السكان في‬ ‫السعودية يستخدمون «تويتر» في نسبة اعتبرت ذلك العام أ‬ ‫العلى‬ ‫دولياً)‪ ،‬أوال ً بسبب الظروف االقتصادية‪ ،‬إذ نجد أن معدل امتالك‬ ‫الفرد السعودي أ‬ ‫للجهزة الذكية يتراوح بين جهازين إلى ثالثة أجهزة‬ ‫بما في ذلك أ‬ ‫الجهزة الكفية واللوحية‪ .‬وثانياً بسبب رغبة السعوديين‬ ‫وتفضيلهم الختصار المعلومة‪ .‬ثم هناك حضور أكبر عدد من‬ ‫أصحاب الرأي أو المؤثرين في صناعة الرأي والمشاهير في «تويتر»‬ ‫ما يدفع جمهورهم إلى متابعتهم في الموقع‪.‬‬

‫«الهاشتاق» (الوسم)‬

‫«النترنتية» المتداولة عالمياً‪ ،‬وخصوصاً‬ ‫بات هذا المصطلح من بين أكثر المصطلحات إ‬ ‫بين مستخدمي «تويتر»‪ .‬و«الهاشتاق» يشبه اختيار قناة راديو يستمع إليها الجميع‪ ،‬فلو‬ ‫اخترت هاشتاق يتناول ‪#‬السعودية مثالً‪ ،‬فستجد على الموقع كل هاشتاق وردت فيه كلمة‬ ‫السعودية‪ ،‬وهو ينقلك إلى هاشتاقات أخرى‪ ،‬مثال ً الرياض‪ ،‬ومنها تنتقل إلى كل هاشتاق‬ ‫وردت فيه كلمة الرياض‪ ،‬وهكذا دواليك‪ ،‬فالهاشتاق الواحد هو مفتاح السلسلة المترابطة‬ ‫ببعضها بعضاً‪ ،‬حتى قد تصل في البحث إلى كلمة مختلفة تماماً عن الكلمة البحثية‬ ‫أ‬ ‫الولى التي بدأت فيها‪ .‬الفرق بين موجة الراديو والهاشتاق أنه ثنائي االتجاه يمكن الفرد أو‬ ‫الشركة من نشر رسالته‪ ،‬وأيضاً يمكنهم من المشاركة والمشاهدة ما يكتبه آ‬ ‫الخرون وليس‬ ‫االستماع فقط‪.‬‬

‫كيف تستخدم «تويتر» بكفاءة عالية‪:‬‬

‫تأكد أن المحتوى هو أساس وجودك وتفاعل الناس معك‪.‬‬ ‫يجب أن يكون ملفك الشخصي واضحاً ومعرفاً لشخصيتك‬ ‫الحقيقية لزيادة الموثوقية‪.‬‬ ‫أضف «هاشتاق» يناسب موضوعاتك وتجنب إضافة أي شيء‬ ‫آخر يصنف من قبل متابعيك على أنه مزعج‪.‬‬ ‫إضافة صورة واحدة‪ ،‬وموضوعين يزيد من إعادة تغريد‬ ‫محتواك‪ ،‬فأكثر من ذلك قد يُعد رسائل مزعجة‪.‬‬ ‫أعد تغريدات المؤثرين في نفس تخصصك أو اهتماماتك‪.‬‬

‫إنستجرام‪ ...‬سيادة الصورة‬

‫من المنصات االجتماعية أ‬ ‫الكثر شعبية في العالم العربي مؤخراً‪.‬‬ ‫وذلك بسبب سحر الصورة وقدرتها على التعبير أفضل من الكلمات‬ ‫في كثير من أ‬ ‫الحيان‪ ،‬كما أن موقع إنستجرام يستخدم‬ ‫في العمليات التجارية الصغيرة‪ .‬وهناك أشخاص‬ ‫كثيرون ممن اكتشفوا في أنفسهم موهبة تصوير عالية‬ ‫المستوى بسبب هذا الموقع‪.‬‬

‫قواعد مهمة في استخدام إنستجرام‪:‬‬

‫الشارة إلى‬ ‫ضع ‪ 3‬صور إلى ‪ 6‬صور يومياً مع إ‬ ‫المؤثرين في نفس المجال‪.‬‬ ‫أضف روابط مختصرة عند الحاجة‪.‬‬ ‫وجه المستخدم إلى صفحتك الرسمية‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وعبر‬ ‫نة‪،‬‬ ‫معي‬ ‫فئة‬ ‫تجذب‬ ‫كي‬ ‫صورك‬ ‫نوعية‬ ‫د‬ ‫حد‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫عن إعجابك بصور آ‬ ‫الخرين كي تلقى إعجاباً‪.‬‬ ‫المالئية‪.‬‬ ‫اهتم بالقواعد إ‬ ‫أضف فيديو‪.‬‬

‫«سناب شات»‪ ..‬شبكة الشباب‬

‫خطفت «سناب شات» فئة الشباب من سن ‪ 40 – 18‬عاماً‪ ،‬وهي‬ ‫شبكة اجتماعية تنمو بشكل متسارع‪ ،‬وتعتمد على تسجيل مقاطع‬ ‫الفيديو والصور التي تتم إزالتها تلقائياً بعد مشاهدتها‪ .‬وهي‬ ‫تزول نهائياً بعد ‪ 24‬ساعة من وضعها‪ .‬فبمجرد لمسة واحدة يعمل‬ ‫مقطع الفيديو ويتم إيقافه بالسحب ألسفل وتمكن المستخدمين‬ ‫من إضافة أ‬ ‫الصدقاء الموجودين في الجوار‪ ،‬عبر استخدام الموقع‬ ‫الجغرافي‪.‬‬

‫أضف عدد ‪ 2‬هاشتاق في كل‬ ‫تغريدة‪ ،‬يزيد التفاعل بنسبة‬ ‫‪ .%21‬أما أكثر من ذلك فيقلل‬ ‫التفاعل‪..‬‬ ‫إن وضع بصمة خارجية من‬ ‫الهاشتاق على ملصق خارجي‬ ‫أو بطاقة تعريف أو إعالن‬ ‫ما‪ِّ ،‬‬ ‫يمكنك من معرفة مدى‬ ‫استجابة الجمهور للموضوع‬ ‫وتفاعله معه‪..‬‬

‫حاول أن يكون حسابك‬ ‫الشخصي على تويتر‬ ‫ذا تخصص واهتمام‬ ‫واضحين‪ ،‬وتج َّنب‬ ‫التشتت في مواضيع‬ ‫متفرقة‪..‬‬


‫إحصائية حديثة‬ ‫للسعوديين‬ ‫الموجودين في‬ ‫فيسبوك‬

‫‪5.5‬‬ ‫مليون‬

‫الرياض‬

‫‪2.2‬‬ ‫مليون‬

‫قواعد مهمة في استخدام «سناب شات»‬

‫ن ِّزل مقاطع يومية ال تتعدى ‪ 400‬ثانية‪.‬‬ ‫ضع هوية خاصة لحسابك ال سيما إذا كان متخصصاً‪.‬‬ ‫انشر مقاطع تسويقية لمنتجاتك‪.‬‬ ‫ابتكر مسابقات وعروضاً من خالل حسابك‪.‬‬

‫الكبر أ‬ ‫فيسبوك‪ ..‬أ‬ ‫والشهر عالمياً‬

‫ويقدم هذا الموقع خدمات عديدة للمشتركين فيه‪ ،‬فهو يوصلهم‬ ‫ِّ‬ ‫ويعرف المشترك إلى أشخاص يعملون في‬ ‫بأصدقائهم القدامى‪ّ ،‬‬ ‫يقدم له الموقع خيار‬ ‫نفس مجاله‪ .‬فلو كان المشترك كاتباً مثالً‪ِّ ،‬‬ ‫التعارف بك ّتاب من جميع أنحاء العالم‪ ..‬ويحدد الموقع بسبب‬ ‫فيقدم لهم العروض حسب‬ ‫تقنياته العالية رغبات مشتركيه‪ِّ ،‬‬ ‫يحدد أنواع‬ ‫أمزجتهم‪ ،‬وبما أنه مرتبط بموقع «اليوتيوب» فهو ِّ‬ ‫الموسيقى أو الفيديو أ‬ ‫والفالم التي يحبون مشاهدتها‪ ،‬فيعطيهم‬ ‫خيارات منها‪ .‬أ‬ ‫والمر نفسه بالنسبة للمنتجات التي يختارونها‪ ،‬إذ‬ ‫يضع لكل مشترك إعالنات عن بضائع يفضلها على غيرها‪.‬‬

‫قواعد مهمة لمستخدمي «فيسبوك»‬

‫أضف معلومات تهم القارئ المتابع‪.‬‬ ‫أضف روابط واستخدم الروابط المختصرة‪.‬‬ ‫أضف صورة بدقة ‪.800x600‬‬ ‫شارك التعليقات‪ ،‬رد على متابعيك وحاورهم‪.‬‬ ‫كن موجوداً أثناء وقت متابعيك ليس فقط أثناء أوقات‬ ‫العمل‪.‬‬

‫لينكدإن‪..‬الشبكة المهنية‬

‫من أفضل شبكات التواصل االجتماعية االحترافية‪ .‬فمن البحث‬ ‫عن الوظائف والدورات المهنية والتوجهات الجديدة في مختلف‬ ‫الصناعات إلى إمكانية االطالع على مساهمات الزمالء أو المنافسين‬ ‫وعروضهم المهنية ‪ .Presentations‬ويمكن أ‬ ‫للفراد نشر سيرهم‬

‫َّ‬ ‫تتميز خدمات فيسبوك للمشتركين‬ ‫فيه‪ ،‬بتعقبها ومراعاتها الهتمامات‬ ‫المشترك ومزاجه الشخصي‪..‬‬

‫جدة‬

‫‪1.2‬‬ ‫مليون‬

‫المنطقة‬ ‫الشرقية‬

‫الذاتية كاملة‪ ،‬كما يمكن للشركات البحث عن أفضل المرشحين‬ ‫للشواغر لديها وحسب المواصفات التي تحددها‪.‬‬

‫غوغل بلس‪ ..‬للبحث صلة‬

‫لدى غوغل بلس ميزة قوية‪ ،‬وهي أن ما يُنشر عبره من محتوى‬ ‫يؤرشف فوراً باستخدام خاصية تحسين محركات البحث لدى غوغل‪،‬‬ ‫بحيث يمكن البحث عنه بعد ساعة تقريباً من نشره كأي معلومة‬ ‫النترنت وهو يتيح أيضاً خاصية الوسم (الهاشتاق)‪.‬‬ ‫أخرى على إ‬ ‫أضف أصحاب الهويات التجارية وأصدقاءك والمؤثرين‪.‬‬ ‫أضف صورة بدقة ‪.800x600‬‬ ‫ابحث عن المجتمعات التي تناسب اهتمامك وشاركهم‪.‬‬ ‫شارك التعليقات‪ ،‬رد على متابعيك‪.‬‬

‫إنشاء الحساب والهوية الرسمية على وسائل‬ ‫الجتماعي‬ ‫التواصل إ‬

‫المحددة لكل موقع‬ ‫• ضع الصور بالمقاسات‬ ‫َّ‬ ‫المعدلة لوسائل‬ ‫• استخدم شعار العالمة التجارية‬ ‫ّ‬ ‫التواصل االجتماعي‬ ‫• ضع نبذة مختصرة حقيقية فهي تؤكد موثوقية الهوية‬ ‫• حاول دائماً تعديل الهوية حسب تحديثات المواقع‬ ‫المختلفة‬ ‫مقاسات الغالف الخارجي لوسائل التواصل االجتماعي المختلفة‬


‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫فيه‬ ‫تر‬

‫إ‬

‫مسابقات‬

‫توصيات المشاهير‬

‫منتديات‬

‫مراجعة‬

‫مناسبات‬ ‫دراسة الحاالت‬ ‫قائمة المراجعة‬

‫ورقة البيانات‬

‫وسائل إلكترونية‬ ‫فيديو‬ ‫مقاالت‬

‫أخبار إلكترونية‬

‫إ‬ ‫ناع‬ ‫ق‬

‫ندوات عبر‬ ‫النترنت‬ ‫إ‬

‫تقارير صحافية‬ ‫تقارير االتجاه‬

‫أدلَّة‬

‫عقالني‬

‫حسابات‬

‫عروض‬ ‫تفاعلية‬

‫مسابقات‬

‫ألعاب‬

‫عروض‬ ‫فيديوهات‬

‫عاطفي‬

‫له‬ ‫ام‬

‫• يجلب زواراً للموقع الرسمي‪.‬‬ ‫ يحول الزوار إلى سفراء‬ ‫• ّ‬ ‫يتحدثون ويكتبون‪.‬‬ ‫ يكون عالقة قوية مع الزوار أو‬ ‫• ِّ‬ ‫العمالء‪.‬‬ ‫• يجعل من الفرد أو الشركة‬ ‫مرجعاً في نفس مجال‬ ‫تخصصه‪.‬‬ ‫أ‬ ‫• يقلل من السئلة والشكاوى‬ ‫لكثرة المعلومات ووفرتها‪.‬‬

‫الشراء‬

‫توعية‬

‫تعل‬

‫ما الذي يفيده‬ ‫المحتوى‬ ‫اللكتروني الجيد‪..‬‬ ‫إ‬

‫يم‬

‫‪13 | 12‬‬

‫اللكتروني‬ ‫أنماط المحتوى إ‬

‫إدارة المحتوى والتحليل الرقمي للتواصل‬ ‫االجتماعي‬

‫وفي اليوم الثاني تناولت ورشة العمل عدة محاور مضمونها إتقان‬ ‫أدوات مراقبة وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬وسبل تحليل معلوماتها‪،‬‬ ‫لضمان تحقيق النجاح القابل للقياس‪ ،‬والقدرة على تقييم‬ ‫أ‬ ‫الداء بطريقة نقدية‪ ،‬ورؤية مدى تناسبها مع استراتيجية الشبكة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬والتعرف إلى أفضل الوسائل لالستماع والمراقبة‪ ،‬وإدارة‬ ‫المحتوى والتحليالت االجتماعية‪.‬‬

‫اللكتروني‬ ‫أنواع المحتوى إ‬

‫يقول المدرب الذوادي‪« :‬ال شك أن نوعية المحتوى الذي ينشر‬ ‫عبر وسائل التواصل االجتماعي هي ذات أهمية قصوى وتتنوع‬ ‫بتنوع المواضيع أ‬ ‫والهداف المسبقة لعملية التواصل والجمهور‬ ‫المستهدف‪ .‬ويجب تحديد النتائج المرجوة للقيام بقياس مدى‬ ‫نجاحها‪ .‬فهي بشكل عام تنقسم إلى أربعة أقسام‪ ،‬منها الترفيهي‬ ‫ومنها الملهم ومنها ما هو متخصص في التعليم ومنها ما يهدف‬ ‫القناع‪ .‬وتُراوح النتائج المرجوة بين التوعية وصوال ً إلى الحث‬ ‫إلى إ‬ ‫على الشراء وتستخدم لهجة عاطفية أو عقالنية»‪.‬‬

‫تخطيط المحتوى اللكتروني أ‬ ‫للعمال‬ ‫إ‬

‫ويضيف المدرب‪« :‬من المهم أن يتم تحديد أ‬ ‫الوقات المؤثرة أثناء‬ ‫كاف‬ ‫تخطيط وجدولة المحتوى إاللكتروني‪ ،‬وأن يكون هناك وقت ٍ‬ ‫للتخطيط‪ .‬أما الجدول أو التقويم فيجب أن يشمل السنة كاملة‪،‬‬ ‫تبين نوع المحتوى لكل وسيلة في كل‬ ‫مقسمة إلى أسابيع وأشهر ِّ‬ ‫يوم‪ ،‬وكذلك نظرة عامة إلى المحتوى لكل يوم‪ ،‬وثيمة المواضيع (إذا‬ ‫توفرت) وخانة للمالحظات‪ .‬ويجب أن يلحظ الجدول أيام أ‬ ‫العياد‬ ‫وأيام أ‬ ‫الحداث المهمة‪ ،‬كيوم المهنة على سبيل المثال أو يوم‬

‫محتوى إلكترونياً جيداً؟‬ ‫كيف تنتج‬ ‫ً‬ ‫• الكتابة بشغف‬ ‫• المختصر المفيد‬ ‫• قياس التفاعل‬ ‫• دعم الكتابة بالفيديو والصور‬

‫إذا فشلت في التخطيط‬ ‫فأنت تخطط لفشلك‬


‫التوعية بمرض السكري‪ ..‬إلخ»‪ .‬ولكي ال يكون تخصيص نوع المحتوى‬ ‫لكل وسيلة اعتباطياً‪ ،‬هناك توصيات وبديهيات يجب مالحظتها عند‬ ‫القيام بوضع الجدول أو المخطط‪ ،‬ومنها على سبيل المثال‪ ،‬حسب‬ ‫خبرة المدرب‪ ،‬عند استخدام تويتر يُفضل أن يكون المحتوى من نوع‬ ‫والقناع حيث إن ‪%20‬‬ ‫الملهم ومن ثم الترفيه‪ ،‬وبعد ذلك للتعليم إ‬ ‫فقط من المحتوى على تويتر يتناول هذين النوعين أ‬ ‫الخيرين‪ .‬ويكاد‬ ‫ينطبق نفس الترتيب على فيسبوك لكن نسب أ‬ ‫الهمية تكاد تتقارب‪ .‬أما‬ ‫على إنستغرام فهو للإلهام والترفيه بشكل أساسي‪ .‬ولكن المشكلة هنا‬ ‫أنه ال يمكن البحث عن هذا المحتوى حتى آ‬ ‫الن لكي يصار إلى تقييمه‪.‬‬ ‫بعد تخصيص أنواع المحتوى في كل وسيلة لكل يوم‪ ،‬يتحول‬ ‫المخطط‪ ،‬وبعد توقيعه من قبل المسؤول عن التواصل االجتماعي‬ ‫في الشركة إلى وثيقة‪ ،‬ويشكل خارطة طريق للفريق المنفذ للعمل‬ ‫بها ووضعها موضع التنفيذ‪.‬‬

‫إدارة المحتوى ‪ online‬وتقييم أ‬ ‫الداء‬

‫ولكيال يكون الحديث عن المحتوى وإدارته نظرياً‪ ،‬أشار المدرب‬ ‫اللكترونية التي تجدول وتراقب‬ ‫الذوادي إلى عدد من المواقع إ‬ ‫الحسابات المختلفة‪ .‬وطلب من المشاركين الدخول إلى المواقع من‬ ‫خالل الكمبيوتر المحمول‪ .‬ومن هذه المواقع‪:‬‬ ‫• بافر (‪ )Buffer.com‬الذي يتيح مشاركة محتويات المواقع وجدولتها‬ ‫وأيضاً قياس أ‬ ‫الداء وإدارة عدة حسابات‪ .‬ويُمكِّن هذا الموقع مستخدمه‬ ‫من الجدولة المسبقة لعدد مرات النشر لكل يوم‪ ،‬وفي أي وقت‪.‬‬ ‫• تويت داك (‪ )tweetDeck.com‬المتخصص في تويتر فقط‪.‬‬ ‫ويمكن باستخدامه إضافة عدة حسابات لجدولتها ومشاركتها‪.‬‬ ‫ويمكِّن مستخدمه أيضاً من إضافة عدد من الهاشتاقات التي تهمه‬ ‫لمراقبتها ومعرفة الجديد لحظة حدوثه‪.‬‬ ‫• هوت سويت (‪ ،)hootsuite.com‬يمكِّن المستخدم من جدولة‬ ‫ومشاركة المحتوى وتقييم أداء عدد من الحسابات دفعة واحدة‬ ‫التعرف إلى المؤثرين‬ ‫كتويتر وفيسبوك ولينكدإن وغيرها‪ ..‬وكذلك ُّ‬ ‫ومصادقة حسابات بعينها ومراقبة عدد من الهاشتاقات والمنافسين‬ ‫بحيث يمكن لمستخدمه عند مراقبة أداء منافسه لمدة أسبوع أو اثنين‬ ‫تحليالت تويتر تعطيك‬ ‫أن يكشف نشاطه اليومي‪ ،‬على وسائل التواصل االجتماعي ويكشف‬ ‫عدد التغريدات‬ ‫والمتابعين الجدد ونسبة أيضاً نقاط الضعف والقوة ويقدم تحليال ً وتقريراً كامال ً عن نشاطه‬ ‫بحيث يمكنه من تحديد استراتيجيته للتواصل االجتماعي كاملة‪.‬‬ ‫التفاعل‬

‫إحدى طرق تجميع الصور على برامج دعم المحتوى بالصور‬

‫قياس التفاعل‬

‫ولمعرفة قياس مدى تأثير شخص ما على موقع تويتر مثال ً يمكن‬ ‫استخدام برنامج كالوت (‪ )Klout.com‬الذي يكشف مؤشر التأثير‬ ‫من خالل قياس وتحليل درجات التفاعل (إعادة التغريد أو إعادة‬ ‫المشاركة‪ ..‬إلخ) والردود من ِقبل المتابعين‪ .‬فحتى لو كان عددهم‬ ‫قليال ً وتفاعلهم مع محتواك كبيراً فإن مؤشر التأثير لديك سيكون‬ ‫عالياً‪ ،‬في حين أنه من الممكن أن يكون العكس صحيحاً؛ إذا كان‬ ‫هناك عدد كبير من المتابعين لحساب ما ونسبة التفاعل متدنية‪،‬‬ ‫فإن مؤشر التأثير لصاحب الحساب ذلك سيكون متدنياً‪ .‬ويمكن أن‬ ‫يكون ذلك مؤشراً على وجود متابعين وهميين اس ُتجلبوا من خالل‬ ‫برامج روبوتية تفتح آالف الحسابات الوهمية آلياً‪ ،‬وتقوم آلياً بعملية‬ ‫طلب المتابعة لمرة واحدة‪ ،‬ولكنها بحكم أنها وهمية‪ ،‬فإنها ال‬ ‫تقوم بالتفاعل مع ما ينشره أو يشاركه صاحب الحساب‪.‬‬

‫دعم المحتوى المكتوب بالفيديو والصور‬

‫ولكي يرقى المحتوى إلى مستوى جيد‪ ،‬عليه أن يزيد من تفاعل‬ ‫الجمهور المستهدف أو المتابعين بشكل عام‪ .‬وأشار المدرب‬ ‫الذوادي إلى عدد من التطبيقات على أ‬ ‫الجهزة الذكية لدعم المحتوى‬ ‫بالصور والفيديو بشكل سريع وأنيق‪ .‬ومنها فوتو كوالج ميكر‬ ‫(‪ )PhotoCollage Maker‬و«بيك ستيتش» (‪ )PicStitch‬الذي يمكِّن‬ ‫المستخدم من دمج عدة صور وحتى أفالم فيديو في لوحة واحدة‪،‬‬ ‫وفور حفظها يمكن نشرها على تويتر أو فيسبوك أو إنستجرام‪ .‬ومن‬ ‫التطبيقات المختصة بالفيديو «فيديو كوالج» (‪)VideoCollage‬‬ ‫و«فيلميك برو» (‪ )Filmic Pro‬حيث يمكِّن مستخدمه من تعديل‬ ‫الفيديو وتقطيعه وإضافة نص أو صوت ونشره فوراً‪.‬‬

‫وفي الختام أنهى الذوادي ورشة العمل بتوقع مفاده أن المستقبل‬ ‫سيكون لمحتوى البث المباشر‪ ،‬خاصة مع تطوير سرعة إالنترنت‬ ‫وسعتها وكذلك إطالة عمر البطاريات أ‬ ‫للجهزة الذكية‪ ،‬حيث إن‬ ‫التوجهات الحالية كما تظهر خالل بعض التطبيقات أو المواقع‪.‬‬


‫‪15 | 14‬‬

‫بداية كالم‬

‫في عصر السرعة هل‬ ‫ما زال لديك وقت فراغ؟‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫تشكيل‬ ‫فهد القثامي ‪ -‬فنان‬ ‫ي‬

‫كتبت قبل سنوات بياناً فنياً ربما يجيب عن هذا التساؤل‪ .‬وذكرت فيه أنه كلما‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫المخ‪ ،‬أصبحت هناك حالة‬ ‫ال� تتلقاها مراكز االستقبال ف ي� ّ‬ ‫ّ‬ ‫تضخمت الوامر ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫وغ� مفهوم‬ ‫التكدس وال�اكم‬ ‫الالنها�‪ ،‬مما يسهم ي� صنع مزيج معقَّد ي‬ ‫من ّ‬ ‫ي‬ ‫يصعب ي ز‬ ‫تمي�ه‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫يع� استيعاب‬ ‫تفكيك مواقف الحياة وتحليل رموزها كلياً أصبح اليوم عملية شبه مستحيلة‪ ،‬لنه ي‬ ‫تفاصيلها بشمولية وموضوعية تامة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الكا� الذي نفتقده‬ ‫الخ�ة الشخصية مع الصفاء‬ ‫يأ� إال بتضافر ب‬ ‫كما أن التفكيك للرموز ال ي‬ ‫الذه� ي‬ ‫ي‬ ‫مع تقادم ي ن‬ ‫السن�‪.‬‬ ‫ن‬ ‫بد�‪ ،‬نجده يطالبنا بإلحاح بإعمال وإجهاد‬ ‫يقدم لنا هذا العرص من رفاهية‬ ‫فبقدر ما ِّ‬ ‫مجبولة الرسعة واالتقان بأقل مجهود ي‬ ‫الخ�ال أ‬ ‫الفكار الغزيرة المتناقضة ت ز‬ ‫متأهب� ت ز‬ ‫ين‬ ‫واخ�انها‪ .‬وهذا ما يبقينا ف ي� حالة من التأهب‬ ‫مضاعف للذهن‪ .‬حيث نعيش‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫يدفع�‬ ‫و«الفل�ة» والتقييم لما تستقبله عقولنا وحواسنا اليوم‪ .‬لذا لم يعد موضوع أوقات الفراغ هو ما‬ ‫المستمر لاللتقاط‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫يوميا� هو البطء‪.‬‬ ‫�‬ ‫عنه‬ ‫أبحث‬ ‫ما‬ ‫ء‪.‬‬ ‫�‬ ‫فعل‬ ‫حالة‬ ‫�‬ ‫تكون‬ ‫اغ‬ ‫ر‬ ‫الف‬ ‫وقت‬ ‫�‬ ‫ح�‬ ‫الحالية‬ ‫الرسعة‬ ‫عرص‬ ‫إىل التساؤل‪ .‬ففي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وأتساءل هل من الممكن أن يعود للبطء مجده ي� يوم ما؟‬

‫وقت فراغ؟ ماذا‬ ‫يعني وقت الفراغ؟‬

‫ّ‬ ‫تكدس وتراكم‬ ‫النهائي‪..‬‬

‫يم�نا ت‬ ‫زعي� ‪ -‬مديرة قسم االستقبال ف ي� أحد الفنادق‬

‫ن‬ ‫ن‬ ‫إن� ولدت ف ي� عرص الرسعة‪ ،‬وال أعرف ما كان قبله‪.‬‬ ‫يمكن� القول ي‬ ‫ي‬ ‫أعرف الرسعة فقط‪ ،‬وال أعرف ن‬ ‫مع� ما اتفق الذين عاشوا قبل عرص‬ ‫ال�يد الذي توضع‬ ‫الرسعة عىل تسميته بالبطء‪ .‬فأنا ال أعرف صندوق ب‬ ‫فيه رسالة مكتوبة عىل ورق داخل مظروف‪ ،‬ثم ترسل هذه الرسالة‬ ‫عي�‪ ،‬وأنا أرسل بريداً ت‬ ‫ن‬ ‫إلك�ونياً‬ ‫إىل شخص ما‪،‬‬ ‫فتصله بعد عدة أيام‪ .‬منذ أن فتحت ي‬ ‫ال� تحتفظ بها أمي وال�ت‬ ‫فيصل إىل صاحبه ف� لحظته‪ .‬ولم أعرف تسجيالت الكاسيت ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كانت ترسلها إىل أخوال ف� بالد ت‬ ‫ولتخ�هم عن حالها‪ .‬فأنا منذ البداية ألقي التحية عىل‬ ‫االغ�اب لتسألهم عن حالهم‬ ‫ب‬ ‫ي ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الثا� من المعمورة � الثانية نفسها ت‬ ‫ال� ير يا� فيها‪.‬‬ ‫شخص ي� النصف ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫وجلوس أمام شاشة‬ ‫عود� إىل نم� يزل‬ ‫ال وقت فراغ ف ي�‬ ‫يوميا�‪ .‬إال إذا ب‬ ‫عمل اليومي ي� الوظيفة‪ ،‬ثم ي‬ ‫اعت�نا أن ي‬ ‫ي‬ ‫إنها� ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫أصدقا� بع� عدة وسائل تواصلية‪ ،‬بعضها بالصوت‬ ‫الكمبيوتر وتصفح مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬والتواصل مع‬ ‫ي‬ ‫وبعضها بالصورة أو الفيديو‪ ،‬عبارة عن وقت فراغ‪ .‬حينها ن‬ ‫يمكن� القول إن عرص الرسعة بالنسبة يل هو الوقت الذي‬ ‫ي‬ ‫أمضيه ف ي� العمل‪ ،‬وأن وقت الفراغ هو الذي أكون فيه خارج العمل‪ ،‬لكن منشغلة بأموري الخاصة‪ ،‬وهي بع� وسائل‬ ‫كث�ة جداً‪ ،‬والفراغ منها ال يكون إال بالنوم‪ .‬رغم شعوري أن النوم نفسه بات‬ ‫التواصل االجتماعي وشبكة إ‬ ‫ال تن�نت ي‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫موصوال ً بعوالم الواقع وآالته وأساليبه‪ .‬فينام المرء بينما هو نصف نائم أو نصف واع يح ّ � رأسه المشاريع ال�ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫سينفذها ف� اليوم التال ف� الوقت آ‬ ‫ال ت ي�‪ ،‬وهو ليس وقت فراغ‪ ،‬بل وقتاً مملوءاً شب�ء ما ولو كان ال ش‬ ‫�ء‪.‬‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫وقتنا المسلوب‪..‬‬

‫سمر سكري ‪ -‬كاتبة سعودية‬

‫أتفق أن هذا عرص الرسعة‪ ،‬وأن أبناء هذا الجيل ولدوا‬ ‫ليستخدموا أصابعهم‪ ،‬ف ي� طي المسافات باستخدام التكنولوجيا‬ ‫وال تن�نت ف� جميع نشاطات حياتهم اليومية‪ .‬لكن‬ ‫الحديثة إ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫توف�‬ ‫المر الذي كان يف�ض حدوثه‪ ،‬أن تؤدي هذه الرسعة إىل ي‬ ‫الوقت‪ ،‬وهذا ما ال يحدث‪ ،‬ف ي� ظل تكاثر وسائل االتصال الرسيعة‪ ،‬والخدمات‬ ‫لك�ونية‪ ،‬معي عىل أ‬ ‫ال ت‬ ‫القل‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫نعم‪ ،‬استطعت أن ت‬ ‫أوصل� إىل نقطة تضييع الوقت‬ ‫التكاثر‬ ‫هذا‬ ‫لكن‬ ‫نت‪،‬‬ ‫ن�‬ ‫ال‬ ‫ع�‬ ‫اسل‬ ‫ر‬ ‫وأت‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫وأق‬ ‫وأسافر‬ ‫أش�ي‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫واالخ�ال ت‬ ‫ف� محاولة إدارة هذه المهام ت‬ ‫تز‬ ‫الوق� الذي نعيشه بسبب الرسعة أمىس «خطاطيف» تجر‬ ‫الم�اكمة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫يّ‬ ‫أوقاتنا لمتاهات ضائعة‪ .‬وإن كان عرص الرسعة هذا منحنا الفراغ الحقيقي‪ ،‬فهو أيضاً سلبنا الوقت ت‬ ‫اف�اضياً‪.‬‬

‫افيك‬ ‫باسم‬ ‫صباغ ‪ -‬مصمم غر ي‬ ‫ت‬

‫حقاً هل ي�ك لنا عرص الرسعة وقتاً للفراغ الستكمال أحالمنا؟ ليس من‬ ‫الصعب التقاط المفارقة القاسية ف ي� هذا الجانب‪ ،‬ذلك أن عرص الرسعة‬ ‫العتيد‪ ،‬بقدر ما ت ز‬ ‫اخ�ل من وقت ف ي� بعض من جوانب حياتنا‪ ،‬فقد رسق‬ ‫الكث� منه ف ي� جوانب أخرى‪.‬‬ ‫ي‬ ‫عندما هاجت الحرب ف� الشام كنت أعتقد ن‬ ‫لدي‬ ‫وسيصبح‬ ‫الرسم‪،‬‬ ‫بمتعة‬ ‫الوقت‬ ‫د‬ ‫سأبد‬ ‫أ�‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫أ ي‬ ‫ف‬ ‫أس‪ .‬ف ي� الحرب تصبح كأي قطعة‬ ‫فائض من الوقت لنجز مشاريع أُ ِّجلت لسنوات طويلة ي� ر ي‬ ‫أثاث رئيسة من ديكور ن ز‬ ‫الم�ل‪ .‬هكذا دون مقدمات‪ ،‬جهزت ‪ 10‬لوحات خام بيضاء قياس ‪ 120×120‬وسندتها عىل‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتطلب ال َّنفس الطويل واحتمال الجدران الربعة ومخزوناً‬ ‫لدي بحر من الوقت إل‬ ‫الحائط‪ .‬أصبح َّ‬ ‫نجاز مئات العمال ي‬ ‫ال بأس به ف ي� الذاكرة‪ .‬قبل أن تبدأ الحرب ف ي� الشام كان الفيسبوك يعلو صوته بقوة فوق أي وسيلة إعالم أخرى‪ .‬كان‬ ‫الحراك ينتقل رسيعاً‪ ،‬من تونس إىل مرص ثم ليبيا إىل اليمن‪ .‬الصفحات الزرقاء كانت تنقل أ‬ ‫الخبار ف ي� أقل من ثانية‪ .‬بدأت‬ ‫االس�خاء والكسل‪ ،‬تأمل الحرب أمام هذا الكائن العمالق أ‬ ‫متعة ت‬ ‫الزرق (الفيسبوك) الذي ُوجد الختصار الوقت وتلبية‬ ‫أ‬ ‫االحتياجات الرسيعة والتواصل االجتماعي الهادف‪ .‬أصبح لون اللوحات البيض يميل إىل الصفرة بعد سنة كاملة من‬ ‫ت‬ ‫الجلوس خلف الالبتوب‪ .‬الوقت رسيع والحرب تمر بطيئة تحت النافذة لدرجة ن يأ� أهملت‬ ‫هواي� للغرافيك الذي أساس‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أق� أمام الكائن أ‬ ‫أدواته الالبتوب‪ .‬كنت ض‬ ‫ع� ساعات يومياً وأنا أعتقد أنه ما زال لدي المجال لعمل عىل ش‬ ‫الزرق ش‬ ‫م�وع‬ ‫أي‬ ‫الرسم‪ ..‬وهكذا بدأ نزوح الصدقاء ولجوؤهم إىل دول العالم الشاسع‪ .‬العالم الذي اخترصته بشاشة زرقاء مساحتها ‪21‬‬ ‫ت‬ ‫مؤجلة منذ سنوات‪.‬‬ ‫ال� َجهزتها الحرب إلنهاء مشاريع َّ‬ ‫بوصة‪ ،‬قتلت فيها حلم الرسم ومساحة الفراغ ي‬

‫سرعة‬ ‫البطء‪ ..‬وبطء‬ ‫السرعة‪..‬‬

‫نحن الفقراء‬ ‫ضحايا‬ ‫التكنولوجيا‪..‬‬

‫ض‬ ‫ومحا�‬ ‫مأمون أحمد ‪ -‬خطاط ومصمم حروف طباعية‬

‫ق‬ ‫ئ‬ ‫تال�‬ ‫ف ي� صباي الباكر كان عدد‬ ‫أصدقا� محدداً‪ .‬بالطبع كانت صداقات رائعة َّ‬ ‫ي‬ ‫عمقها ي‬ ‫الهوايات والنشاطات وقد استغرق بناؤها زمناً‪ ،‬تم فيه التمحيص واالنتقاء ثم‬ ‫ف‬ ‫تأث�ها قوياً ت‬ ‫ح� اليوم‪.‬‬ ‫االلتقاء‪ .‬هذه الصداقات ال تزال ترن ي� خاطري وال يزال ي‬ ‫اليوم أستطيع بسهولة ورسعة تكوين شبكة من آالف أ‬ ‫الصدقاء‪ .‬وبرسعة الكهرباء‪.‬‬ ‫هذه الرسعة تجعل أ‬ ‫الصدقاء مثل سطح تم مسحه وعرفت كل مواصفاته وبرسعة الضوء‪ .‬ورسعان‬ ‫أ‬ ‫ما ن‬ ‫ت‬ ‫نز‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫تجد� وقد است�فت واستهلكت كل الصدقاء‪ ،‬فلم يعد فيهم ما يدهش‪ .‬انطفأت الجذوة ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫صداقا� القديمة البطيئة النمو‪ ،‬فكانت كمن يستكشف كوكباً‬ ‫�ء‪ .‬أما‬ ‫ي‬ ‫اشتعلت برسعة هائلة ثم ال ي‬ ‫بعيداً غنياً ال تنضب أرساره!‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫أن� أمتلك الرض وأدرك تنوعها‪ .‬اليوم أسافر برسعة الطائرة من نقطة إىل‬ ‫ف ي� بالدي كنت أسافر‬ ‫بالقطار آالف الكيلوم�ات‪ ،‬فأحس ي‬ ‫نقطة دون أي إحساس أ‬ ‫بالرض وما عليها‪ .‬وكانت الحكمة تقول‪ :‬من السهولة تعلّم القيادة برسعة‪ ،‬لكن من الصعوبة تعلّم القيادة‬ ‫بهدوء‪ .‬أ‬ ‫ف‬ ‫ولننا جميعاً مرسعون صباحاً ي� الوصول إىل العمل‪ ،‬يزدحم الشارع‪ ،‬فنتباطأ جميعاً‪.‬‬ ‫نقدم أعماال ً عاجلة باهتة بعد أن فقدت مثلث تعاون‬ ‫الرسعة جيدة فيما نحتاجه منها‪ ،‬لكنها تبطئ تقدمنا الحقيقي‪ .‬إنها تجعلنا ِّ‬ ‫أ‬ ‫الروح والذهن والوقت‪ .‬تذكرت حامد آ‬ ‫المدي خطاط القرن ش‬ ‫الع�ين الذي صورته الفالم وهو يغفو ويصحو داخل امتداد حرف‬ ‫أ‬ ‫لك� ف� ق‬ ‫اللف‪ .‬واليوم أرسم الحروف عىل الشاشة والزبون المتعجل ن ن‬ ‫أعما� أحس أن هناك خلال ً عظيماً أخجل منه‪ ،‬سببه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫دو�‪ .‬ي ي‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫محدد‪ ،‬المفهوم نفسه‪.‬‬ ‫ال� صنعناها‪ ،‬لدور َّ‬ ‫الرسعة‪ .‬وكأننا نستحيل إىل آالت تشارك الالت ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫بتأن هي العىل‬ ‫ال� تنجز ٍ‬ ‫الطبخة الجيدة تُطبخ عىل نار هادئة حقاً‪ .‬ولو كان لهذه الرسعة قيمة حقاً فهي ي� جعلها العمال ي‬ ‫أ‬ ‫والغىل!‬


‫‪17 | 16‬‬

‫كتب عربية‬

‫أشكال الوساطة بين‬ ‫الثقافات‪ :‬الترجمة التحريرية‬ ‫والشفوية في الخدمات‬ ‫العامة‪..‬‬ ‫تأليف‪ :‬كارمن باليرو غارثيس‬ ‫الناشر‪ :‬الدار العربية للعلوم ناشرون‬ ‫(يونيو ‪)2015‬‬

‫في قضايا الشعر والنقد‬ ‫والثقافة‪ ..‬حوارات خليل‬ ‫حاوي‬ ‫إعداد وتحرير وتقديم‪ :‬د‪ .‬ريتا عوض‬ ‫الناشر‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات‬ ‫والنشر (أغسطس ‪)2015‬‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫يضم هذا الكتاب الذي يقع في ‪ 455‬صفحة من القطع الكبير حوارات‬ ‫رواد حركة الشعر‬ ‫الشاعر اللبناني خليل حاوي (‪ ،)1982-1919‬أحد أبرز ّ‬ ‫العربي الحديث‪ ،‬المنشورة في صحف ومجالت صدرت بلبنان ودول عربية‬ ‫أخرى خالل عقدي الستينيات والسبعينيات وأوائل الثمانينيات كان الشاعر‬ ‫نفسه قد جمع قصاصاتها‪ .‬وتتضمن الصفحات الخمسون أ‬ ‫الولى منه‬ ‫ُ‬ ‫مقدمة ودراسة بعنوان‪« :‬خليل حاوي‪ :‬الشاعر‪-‬الناقد»‪ ،‬وضعتها المؤلفة‬ ‫وكانت تلميذة خليل حاوي لمدة اثنتي عشرة سنة في الجامعة أ‬ ‫المريكية‬ ‫في بيروت‪.‬‬ ‫حوارا‪ ،‬في ثالثة‬ ‫أدرجت المؤلفة الحوارات وعددها ثالثة وستون ً‬ ‫السبعينيات»‪،‬‬ ‫الستينيات»‪ ،‬و«حوارات‬ ‫أجزاء تحت عناوين‪« :‬حوارات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويضم ٌّكل من‬ ‫فكري»‪.‬‬ ‫وعطاء‬ ‫شعري‬ ‫إبداع‬ ‫و«الثمانينيات‪ :‬حصاد مسيرة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّأ‬ ‫مقسمة حسب السنوات التي نُشرت‬ ‫الجزأين الول والثاني‪ ،‬ستة فصول ّ‬ ‫فيها الحوارات‪ ،‬فيما يضم الجزء الثالث مداخالت حاوي في ندوة لمجلّة‬ ‫أعدها حول تجربته الشعريّة والفكريّة‬ ‫الفكر العربي عام ‪ ،1980‬ووثيقة ّ‬ ‫للمشاركة في ندوة عام ‪ 1981‬تستعرض خالصة ما انتهى إليه من موقف‬ ‫في قضايا الشعر والنقد والثقافة‪ .‬ووضعت في الهامش اسم الصحيفة أو‬ ‫المحاور ورقم العدد ورقم الصفحة‬ ‫المجلّة وتاريخ صدورها ومكانه واسم‬ ‫ِ‬ ‫وكذلك أسماء أ‬ ‫العالم الغربيين الوارد ذكرهم في الحوارات بالحرف‬ ‫الالتيني وتاريخ والدة ّكل منهم ووفاته لتحديد إالطار الزمني الذي عاشوا‬ ‫فيه‪ ،‬وأضافت هوامش بتفاصيل وجدت أنها توفّر معلومات ذات داللة‪،‬‬ ‫ووضعت في آخر الكتاب ثب ًتا بالمقابالت والندوات الواردة في الكتاب‪.‬‬

‫الترجمة نشاط لغوي تواصلي ومعرفي يكون فيه المترجم هو المسؤول عن عملية‬ ‫التوسط اللغوي والثقافي‪ ،‬مؤدياً دوراً تواصلياً معرفياً من خالل استخدام مجموعة‬ ‫أ‬ ‫المترجم‬ ‫من االصطالحات اللغوية والسلوبية والثقافية‪ ،‬تتعلق بلغة وثقافة النص َ‬ ‫أ‬ ‫إليه‪ .‬ولما كان أحد أهداف الترجمة يكمن في خدمة الجاليات الجنبية التي ال تتحدث‬ ‫لغة البلد المضيف ‪ -‬وفي كثير من أ‬ ‫الحيان تجهل أيضاً ثقافة هذا البلد ‪ -‬نشأ ما يُعرف‬ ‫ُِ‬ ‫بالترجمة التحريرية والشفوية في الخدمات العامة‪ ،‬وهي ما يُطلق عليها في ا إلنجليزية‬ ‫‪ ،Community Interpreting and Translation‬ويُقصد بها تلك الجهات الحكومية التي‬ ‫تقدم خدماتها أ‬ ‫للجانب ومنها مراكز الشرطة والمحاكم والمستشفيات والوحدات الصحية‬ ‫ُ‬ ‫ومراكز التعليم‪ ،‬وغيرها‪..‬‬ ‫تقدم كارمن باليرو غارثيس نموذجاً لتطبيق الترجمة التحريرية والشفوية‬ ‫في هذا الكتاب ِّ‬ ‫في الخدمات العامة‪ ،‬تتناول فيه كل الجوانب‪ ،‬سوا ًء اللغوية أو الثقافية المحضة إضافةً‬ ‫إلى الجوانب الخارجة عن نطاق اللغة‪ .‬وهذا الكتاب ليس كتاباً نظرياً أو تنظيمياً‪ ،‬بل هو‬ ‫عبارة عن آلية عمل تهدف إلى التفكير والممارسة‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي يتوفر للذين مارسوا وما زالوا‬ ‫يمارسون هذا العمل ‪ْ -‬أي دو َر الوساطة ‪ -‬نظراً لمعرفتهم باللغات والثقافات‪ ،‬أو أولئك‬ ‫الذين يعتقدون أن بإمكانهم القيام بهذا العمل لكنهم يحتاجون مزيداً من التأهيل‪.‬‬ ‫موجه إلى الذين يجيدون لغتين أو أكثر وبإمكانهم القيام بدور‬ ‫وبالتالي فإن هذا الكتاب َّ‬ ‫مهنيي المستقبل في‬ ‫إلى‬ ‫ه‬ ‫موج‬ ‫هو‬ ‫ولذا‬ ‫ومجتمعهم‪.‬‬ ‫المضيف‬ ‫الوسيط بين المجتمع‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية في الخدمات العامة‪ ،‬بهدف تزويدهم بالمعرفة‬ ‫النظرية والمهارات والقدرات و أ‬ ‫الدوات الالزمة للقيام بدور الوسيط اللغوي والتواصلي‬ ‫والثقافي بين موظفي المؤسسات الطبية والقضائية والتربوية أو ا إلدارية ومرتاديها الذين‬ ‫يجهلون أو ال يتكلمون لغة البلد المضيف أو ال يجيدون الحديث بها‪.‬‬

‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫األسماك تضيء‬ ‫تأليف‪ :‬محمد سامي البوهي‬ ‫الناشر‪ :‬نون للنشر والتوزيع (‪)2015‬‬

‫تطرق الكاتب إلى عوالم غريبة ومنسية‪ ،‬لطائفة‬ ‫َّ‬ ‫من طوائف المجتمع الذين آثروا ألنفسهم العزلة‬ ‫الموروثة‪ ،‬واكتفوا بأن تكون حياتهم بين الماء‬ ‫والسماء والطريق؛ حيث تناول حيوات الصيادين في‬ ‫البيئات المنعزلة‪ ،‬التي قد ال يعلم كثير عنها شيئاً‪،‬‬ ‫مثل صيادي جزيرة سنجار في البرلس‪ ،‬وصيادي عزبة‬ ‫البرج وجزيرة ابن سالم في المنزلة‪ ،‬وقرية الصيادين‬

‫في المكس‪ .‬وقد عاش الروائي في تلك البيئات‬ ‫ليقترب أكثر من طبائعهم وعاداتهم‪ ،‬ومشكالتهم‪،‬‬ ‫ففوجئ باصطدامه بواقع إنساني أقل ما يوصف‬ ‫به أنه مدهش ومحزن‪ .‬وكذلك تناولت الرواية حياة‬ ‫عمال الفنارات‪ ،‬والبحارة على سفن النقل الضخمة‪،‬‬ ‫واستطاع أن ينقل بكل دقة أسلوب الحياة في كل تلك‬ ‫البيئات وقوانينها‪.‬‬


‫يتعين على الفالسفة أن يهتموا بتاريخ الفلسفة؟ يعتقد البعض‬ ‫هل َّ‬ ‫أ‬ ‫أن الفلسفة ليس لها تاريخ‪ ،‬وأنها تمثل التعميق البدي لسؤال واحد‬ ‫لم يحظ أبداً بإجابة نهائية‪ ،‬ذلك أنه يتعين على أي فيلسوف أن يبدأ‬ ‫كل شيء انطالقاً من الصفر‪ .‬أ‬ ‫ولنه يعتقد أن المكانة التي تشغلها‬ ‫الفلسفة هي مكانة علم مستقل بذاته‪ ،‬ومحكوم عليه أن يتقدم‬ ‫بخطى بطيئة‪ ،‬لكنها ثابتة‪ ،‬فدراسة أخطائه الماضية ستكون أقل‬ ‫جدوى من البحث عن حقائق جديدة‪ .‬لذا حصر الكاتب حقل دراسته‬ ‫في الفلسفة بمعناها الدقيق‪ ،‬وذلك رغبة منه في الحفاظ على تماسك‬ ‫هذه الدراسة‪ .‬إذ ال يمكن للقارئ أن يعثر هنا على معلومات خاصة‬ ‫الحالة‬ ‫«النسانية» أو «االجتماعية» إال إذا بدت إ‬ ‫بما يسمى العلوم إ‬ ‫إليها ضرورية‪ :‬كاللسانيات والعلوم المعرفية وعلم أ‬ ‫الخالق وعلم‬ ‫النفس والتحليل النفسي وعلم االجتماع والعلوم السياسية والتاريخ‬ ‫والنثروبولوجيا‪ .‬وكان ملزماً‪ ،‬لنفس أ‬ ‫والتنولوجيا أ‬ ‫السباب‪ ،‬باالقتصار على‬ ‫إ‬ ‫«أهم» الفالسفة الذين أسهمت كتاباتُهم في تغيير شكل هذا «المجال‬ ‫بعض‬ ‫المشترك» تغييراً جوهرياً‪ .‬وإذ لم يستحضر بالقدر الكافي‪َ ،‬‬ ‫أ‬ ‫العمال الرائعة في هذا الكتاب‪ ،‬فإن ذلك ال يرجع إلى نسيان أو ال‬ ‫مباالة‪ ،‬بل إلى أنه ال يمكن أن يقحمها دون َمكْر وتصنع‪ .‬وباختصار‪ ،‬فإن‬ ‫مرد ذلك هو أنها ظلت‪ ،‬رغم أهميتها الجوهرية‪ ،‬هامشية أو محرومة‬ ‫من النسل‪.‬‬

‫جاء في مقدمة هذا الكتاب لمؤلفه الروائي العالمي وصاحب جائزة‬ ‫آ‬ ‫يضم‬ ‫نوبل للداب أورهان باموك‪« :‬هذا الكتاب هو ّكل متكامل ّ‬ ‫معظم أ‬ ‫الشياء المهمة التي عرفتها وتعلمتها عن الرواية»‪ .‬ولعله‬ ‫أ‬ ‫مصيب فيما ذهب إليه؛ بدليل أنه يجيب عن منظومة من السئلة‪،‬‬ ‫نحول‬ ‫من بينها‪ :‬ماذا يجري في عقلنا عندما نقرأ الروايات؟ كيف ّ‬ ‫الكلمات إلى صور ذهنية؟ لماذا نقرأ الروايات؟ من هو القارئ‬ ‫الساذج ومن هو القارئ الحساس؟ بماذا يفكر الروائي أثناء كتابة‬ ‫الرواية؟ ماذا يعتقد حول القارئ؟ كيف يخطط لروايته؟ ما العالقة‬ ‫بين المتحف والرواية؟ ما العالقة بين اللوحة والرواية؟ َم ْن هو‬ ‫وم ْن هو الروائي الحساس؟‬ ‫الروائي الساذج َ‬ ‫يقول باموك إن الجزء الصعب في فهم الرواية ليس معرفة‬ ‫نية الكاتب وردود فعل القارئ‪ ،‬بل تحقيق رؤية متوازنة لهذه‬ ‫المعلومات وتحديد ما يحاول النص أن يرويه‪ .‬ويجب أن نتذكر أن‬ ‫الروائي كتب نصه من خالل تقديم افتراضات متتالية حول تفسير‬ ‫ويخمن أن الكاتب كتب‬ ‫معقول للقارئ‪ ،‬وأن القارئ يقرأ الرواية‬ ‫ِّ‬ ‫يتخيلون أيضاً‬ ‫الرواية وهو يضع مثل هذا االفتراض‪ .‬الروائيون ّ‬ ‫القراء الذين سيقرأون رواياتهم يصدقون أنهم هم الك ّتاب‬ ‫أن ّ‬ ‫أنفسهم‪ ،‬أو يتصورون الكاتب مثل شخص حزين ومهمل‪ ،‬وقد كتب‬ ‫وفقاً لذلك‪.‬‬

‫الحرف العربي والتقنية‪:‬‬ ‫أبحاث في حوسبة العربية‬ ‫تأليف‪ :‬مجموعة مؤلفين‬ ‫الناشر‪ :‬مركز الملك عبدهللا الدولي لخدمة اللغة العربية‬ ‫(‪)2015‬‬

‫لطالما كان للغة العربية دورها الحضاري في العالم‪ ،‬كما‬ ‫كان لها تأثيرها في اللغات أ‬ ‫الخرى‪ ،‬وهذا ما يؤكده‪ ،‬على‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬كون النسبة الكبيرة من الكلمات العربية‬ ‫النجليزية كلمات علمية‪.‬‬ ‫الداخلة في اللغة إ‬ ‫ولكن اللغويين العرب في الفترة أ‬ ‫الخيرة اهتموا بالجانب‬ ‫المعياري للغة‪ ،‬وأهملوا الجانب االستعمالي لها‪ .‬ومن‬

‫أجل تصحيح ذلك‪ ،‬حاول الباحثون في هذا الكتاب أن‬ ‫يحفظوا للغة العربية مكانتها بين اللغات أ‬ ‫الخرى ال سيما‬ ‫إالنجليزية‪ ،‬وذلك باستثمار برامج التقنية الحاسوبية‬ ‫والنترنت‪ .‬وفي سبيل ذلك‪ ،‬سعى هؤالء إلى تطبيق أدوات‬ ‫إ‬ ‫تضمنت مجموعة من‬ ‫أُنشئت في جامعة ليدز إالنجليزية َّ‬ ‫المدونات العربية على شبكة إالنترنت‪ ،‬وقد صممت لها‬ ‫ّ‬ ‫مجموعة من أ‬ ‫الدوات الحاسوبية لتحليل النصوص العربية‪.‬‬ ‫كما اهتم الباحثون في مجال رقمنة المخطوطات حاسوبياً‬ ‫بتطوير البرمجيات المختلفة المعنية بخدمة المخطوطات‬ ‫والسالمية‪ ،‬إذ أصبح من الممكن استخدام قاعدة‬ ‫العربية إ‬ ‫البيانات في مجال التعرف آ‬ ‫اللي على نصوص المخطوطات‬ ‫والصور المتعلقة بها‪ ،‬وتحليلها ومعالجتها آلياً‪.‬‬

‫كتب عربية‬

‫تاريخ الفلسفة في القرن‬ ‫العشرين‬ ‫تأليف‪ :‬كريستيان دوالكومبان‪،‬‬ ‫ترجمة‪ :‬حسن أحجيج‬ ‫الناشر‪ :‬دار جداول للنشر والترجمة‬ ‫(‪)2015‬‬

‫الروائي الساذج‬ ‫والحساس‬ ‫تأليف‪ :‬أورهان باموك‬ ‫ترجمة‪ :‬ميادة خليل‬ ‫الناشر‪ :‬دار منشورات الجمل‬ ‫(‪)2015‬‬


‫‪19 | 18‬‬

‫كتب من العالم‬

‫مستقبل العمارة في ‪ 100‬بناية‬ ‫‪The Future of Architecture in 100 Buildings‬‬ ‫تأليف‪ :‬مارك كوشنير‬ ‫الناشر‪ Simon & Schuster / Ted :‬مارس‬ ‫(‪)2015‬‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫النقاء والقصة والثقافة‪ :‬المعاني‬ ‫المتعددة للماس‬ ‫‪Clarity, Cut, and Culture: The Many‬‬ ‫‪Meanings of Diamonds‬‬ ‫تأليف‪ :‬سوزان فولز‬ ‫الناشر‪New York University Press - 2104 :‬‬

‫استصالح السفر‬ ‫‪Reclaiming Travel‬‬ ‫تأليف‪ :‬إيالن ستافنز‬ ‫الناشر‪- Duke University Press Books :‬‬ ‫أبريل (‪)2015‬‬

‫مليون سنة من الموسيقى‪ :‬نشأة‬ ‫الحداثة البشرية‬ ‫‪A Million Years of Music: The Emergence‬‬ ‫‪of Human Modernity‬‬ ‫تأليف‪ :‬غاري توملينسون‬ ‫الناشر‪ ( Zone Books :‬فبراير ‪)2015‬‬

‫من أجنحة كاملة ألبنية مصنوعة من ورق إلى قاعات‬ ‫حفالت قابلة للنفخ إلى أبنية قادرة أن تجلي الضباب‬ ‫حولها‪ ،‬يلتقط كتاب «مستقبل العمارة في ‪ 100‬بناية»‬ ‫الثقة العالية بالنفس والذكاء العملي والعجائب‬ ‫المستقبلية‪ ،‬وفي بعض أ‬ ‫الحيان‪ ،‬مجرد نزوات أهم‬ ‫مهندسي العمارة في العالم‪ .‬وكما يقول الكاتب مارك‬ ‫معين واحد‪،‬‬ ‫كوشنير «ال يكمن مستقبل العمارة في نمط َّ‬ ‫وإنما في عالم من االختراعات والتجارب المستمرة»‪.‬‬ ‫ويُبرز هذا الكتاب التنوع العالمي في فن العمارة‬ ‫من أ‬ ‫البراج الشاهقة المصنوعة من الصلب إلى بيوت‬ ‫أ‬ ‫الخيزران الصغيرة إلى مالعب الطفال المبتكرة إلى‬

‫المعالم العالمية المتميزة أ‬ ‫الخرى‪ ،‬ويُقدم في كل صفحة‬ ‫من صفحاته نظرة على إمكانات فن العمارة‪ .‬ويقول‬ ‫كوشنير إنه في عصر سيادة التواصل االجتماعي يعلو‬ ‫«صوت» أ‬ ‫البنية إلى أعلى ما وصل إليه‪ ،‬حيث تحول‬ ‫كل شخص يحمل هاتفاً ذكياً إلى مصور «معماري»‬ ‫يمكنه التقاط صور ذاتية مع أجمل أ‬ ‫البنية في العالم‪،‬‬ ‫ويضمن هذا التدفق المتواصل للصور دخول فن العمارة‬ ‫في تواصل مستمر مع العالم‪ .‬وبالتالي اتخذ مستقبل‬ ‫العمارة أهمية أكبر لدى عديد من أ‬ ‫الشخاص أكثر من أي‬ ‫وقت مضى‪.‬‬

‫هذا الكتاب هو دراسة رائعة عن الرمزية والغموض‬ ‫المرتبط أ‬ ‫باللماس‪ ،‬فهناك القيمة والرومانسية والدوام‬ ‫واللمعان‪ ،‬وكلها جزء من لغة الماس‪ .‬أ‬ ‫فالشياء تتخذ‬ ‫معانيها من خالل تعاملنا معها‪ ،‬ولكن كيف تتطور هذه‬ ‫المعاني؟‬ ‫ما الذي يمكن أن نتعلمه من استخدام الماس في فهم‬ ‫أنفسنا وعالقاتنا االجتماعية؟‬ ‫أ‬ ‫وما هي الوسائل التي يتعامل فيها الشخاص في هذا‬ ‫العالنات التجارية‪ ،‬مع هذه‬ ‫العالم‪ ،‬الذي تتحكم فيه إ‬ ‫أ‬ ‫الحجار اللماعة؟‬ ‫يحاول هذا الكتاب الجابة عن كل هذه أ‬ ‫السئلة كما‬ ‫إ‬

‫يروي قصة بروز صناعة الماس الحديثة‪ ،‬حيث تدور أبرز‬ ‫أ‬ ‫الفريقية‪ .‬ومن خالل هذا الكتاب‬ ‫الحداث في القارة إ‬ ‫تقدم فولز نظرية تقول إن هذا الحجر الذي يُعد رمز‬ ‫الزواج حول العالم هو من أكثر الموارد الطبيعية التي‬ ‫الفريقية هو نقمة‬ ‫تسبب عدم االستقرار‪ .‬فبالنسبة للقارة إ‬ ‫أكثر من كونه نعمة‪.‬‬

‫يتضمن هذا الكتاب تأمالت حول معنى السفر منذ‬ ‫العهود القديمة وحتى القرن الواحد والعشرين‪ .‬ويسعى‬ ‫فيه الكاتب‪ ،‬إيالن ستافنز‪ ،‬إلى فهم أسباب سفرنا وما‬ ‫الذي أصبح مفقوداً في فهمنا المعاصر للسفر‪ .‬ومن‬ ‫خالل تسليط الضوء على النصوص القديمة والمعاصرة‬ ‫المتعلِّقة بالسفر‪ ،‬يحدد ستافنز الفرق بين السياحة‬ ‫والسفر‪ ،‬والعالقة بين السفر والذاكرة‪ ،‬وأدب الرحالت‪،‬‬ ‫وصناعة الخرائط‪ .‬كما يدعو إلى إعادة التفكير في فن‬ ‫يعرفه الكاتب على أنه سعي بشري إلى فهم‬ ‫السفر الذي ّ‬ ‫أعماقنا الذاتية‪.‬‬ ‫والسياحة‪ ،‬حسب ستافنز‪ ،‬زائفة وعقيمة وسطحية‬

‫ومتجذرة في االستعمار‪ .‬وهو ينتقد سياحة الفن الهابط‬ ‫السياح‬ ‫ومدن المالهي وفنادق مدن الصفيح‪ ،‬حيث يبقى َّ‬ ‫في أكواخ مصنوعة من الحديد والورق المقوى وينعمون‬ ‫بكل ما لذ وطاب من طعام وشراب‪ ،‬بينما ينتشر حولهم‬ ‫السياح هنا بالهروب من الواقع‬ ‫الفقر والعوز‪ .‬يكتفي َّ‬ ‫والسعي وراء التشويق والتقاط الصور‪ .‬بينما السفر فن‬ ‫نجد فيه سبل التعبير عن القلق الذي نعيشه والبحث‬ ‫عن سبب وجودنا ووجود آ‬ ‫الخرين من حولنا‪ ،‬إذ ال يتعلق‬ ‫بالمكان الذي نزوره أكثر من ارتباطه بتحديد الذات‬ ‫واالنفتاح على آ‬ ‫الخرين‪.‬‬

‫ما هي جذور الموسيقى؟ خالل العقود القليلة الماضية‪،‬‬ ‫عادت التساؤالت ونشطت البحوث إليجاد إجابة عن هذا‬ ‫حير الباحثين على فترات طويلة ال سيما‬ ‫التساؤل الذي َّ‬ ‫مع ظهور أدلة أثرية جديدة وتطورات في حقول العلوم‬ ‫المعرفية واللسانيات ونظريات النشوء‪.‬‬ ‫في هذا الكتاب القيم‪ ،‬يعتمد الموسيقي الشهير غاري‬ ‫توملينسون على هذه المجاالت جميعاً لبناء نظرية‬ ‫جديدة لنشأة الموسيقى‪ .‬ويؤكد أنه ال يوجد هناك‬ ‫مليون سنة من الموسيقى ولكننا إذا ما أردنا معرفة‬ ‫جذور نشأتها علينا العودة إلى ذلك الزمن السحيق‪.‬‬ ‫محددة بين‬ ‫ويضيف بأنه ال توجد لحظة زمنية انتقالية َّ‬

‫جراء‬ ‫عدم وجود الموسيقى وظهورها‪ ،‬وإنما تطورت َّ‬ ‫تفاعل وتداخل عوامل عدة مثل اللغة والرمزية والخيال‬ ‫والبنى االجتماعية المعقدة‬ ‫الميتافيزيقي والطقوس ُ‬ ‫واستخدام التكنولوجيا المتطورة‪ .‬ومن خالل كل ذلك‬ ‫يقدم توملينسون نموذجاً جديداً ومختلفاً لتطور‬ ‫النسانية عبر التاريخ‪.‬‬ ‫إ‬


‫تأليف‪ :‬فرانسواز فاكي‬ ‫الناشر‪( CNRS :‬أبريل ‪)2015‬‬

‫بين كتابين‬

‫التقاطع بين األدب والحياة‬

‫(‪ )1‬كتاب‪ :‬الفضول‪ .‬تأليف‪ :‬ألبيرتو مانغويل‬ ‫‪Curiosity by Alberto Manguel‬‬ ‫الناشر‪Yale University Press - 2015 :‬‬ ‫(‪ )2‬كتاب‪ :‬أقرب شيء إلى الحياة‪ .‬تأليف‪ :‬جيمس وود‬ ‫‪The Nearest Thing to Life by James Wood‬‬ ‫الناشر‪Brandies - 2015 :‬‬ ‫كتاب «الفضول» هو عبارة عن عمل واسع في النقد أ‬ ‫الدبي‪ ،‬حيث يتأمل‬ ‫كاتب المقاالت والمترجم ألبيرتو مانغويل‪ ،‬في كيفية تقاطع أ‬ ‫الدب والحياة‪،‬‬ ‫وتالقي أفكاره هذه صدى في المقاالت الحيوية أ‬ ‫الربع التي كتبها جيمس وود‬ ‫في كتابه «أقرب شيء إلى الحياة»‪ .‬فكال الكاتبين يفهمان الكتب على أنها‬ ‫حية وميتة في الوقت نفسه‪ ،‬قوية وضعيفة في ٍآن‪ .‬فالكلمات الموجودة في‬ ‫أ‬ ‫ومنته‪ ،‬كما أن قراءتنا ألي رواية يعني‬ ‫الكتب ال حياة فيها‪ ،‬لن وقتها محدود ٍ‬ ‫أن نشهد فترة زمنها المحددة‪ .‬ولكن‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فالكتب تتحدى‬ ‫الزمن‪ ،‬ألنها غالباً ما يتم بعثها وتجديدها‪ .‬فالقصص التي تنضوي عليها‬ ‫إن «من‬ ‫الكتب تتحمل إعادة السرد والتفسير‪ ،‬وكما يشير وود عندما يقول َّ‬ ‫أحد تعريفات الرواية هو أنها القصة التي يمكنها أن تولد قصصاً أخرى»‪.‬‬

‫بالحب البشري للفضول‪.‬‬ ‫يربط مانغويل الغريزة البشرية لرواية القصة ُ‬ ‫فالسؤال «لماذا» هو المحرك أ‬ ‫الساسي في رواية القصة‪ ،‬وفي كتابه‬ ‫أ‬ ‫«الفضول»‪ ،‬يدمج ما بين ُحب االستطالع والسرد‪ .‬فالدب‪ ،‬كما يقول‪ ،‬هو‬ ‫المولد ألسئلة أكثر وأفضل‪ّ ،‬أما الشعر فهو الذي «يعير الكلمات ألسئلتنا»‪.‬‬ ‫الساسية في أ‬ ‫يكتشف مانغويل أن مسألة الفضول أ‬ ‫الدب هي مصدر‬ ‫التحدي فيه‪ ،‬وهي طريقته الخاصة في مقاومة النهايات المحددة له‪ .‬يقول‬ ‫نحدد أهدافنا‪ ،‬ضمنياً‪ ،‬بما هو أبعد‬ ‫مانغويل‪« :‬أن نسأل (لماذا) هو أن ِّ‬ ‫أ‬ ‫ويعبر عن ذلك وود بقوله‪« :‬السؤال لماذا هو أن نرفض قبول‬ ‫من الفق»‪ّ ،‬‬ ‫الموت»‪.‬‬ ‫الدب على صناعة أ‬ ‫يؤكّد الروائي جون بونفيل على قدرة أ‬ ‫الشياء اليومية‪:‬‬ ‫قطعة الحصى على الطريق‪ ،‬الغبار في الجو‪ ...‬يجعلها تنبض بالحياة من‬ ‫خالل أفكار الكاتب الفضولية‪ .‬وبذلك يشير إلى حسية الوصف أ‬ ‫الدبي الذي‬ ‫يترجم جوهر أ‬ ‫الشياء إلى كلمات بأكبر قدر من الدقة‪.‬‬ ‫وفي إحدى مقاالته في كتابه «أقرب شيء إلى الحياة»‪ ،‬وهي بعنوان‬ ‫«المالحظة الجدية»‪ ،‬يقول وود إن الك ّتاب الكبار هم الذين يالحظون‬ ‫التفاصيل‪ .‬فعلى سبيل المثال إنها «عين الكاتب الكبير تشيكوف للتفاصيل‪،‬‬ ‫والقدرة على المالحظة الجيدة والجدية‪ ،‬وعبقرية االنتقاء» هي التي تلهم‬ ‫رواياته وتبعث فيها الحياة‪ .‬وينظر وود إلى التفاصيل على أنها «قطع‬ ‫الحساس به»‪ .‬وهو‬ ‫صغيرة من الحياة تنبثق من جماد الشكل وتدعونا إلى إ‬ ‫يالحظ هنا‪ ،‬الطريقة التي الحظ بها بعض الك َّتاب العالم‪ ،‬ويصفق لعبقرية‬ ‫د‪.‬ه‪ .‬لورنس عند وصفه للكانغارو وهو يقف بأكتاف «فيكتورية منحنية»‪،‬‬ ‫ويصف ذكرياته هو شخصياً عندما عاد من أمريكا إلى بلده أ‬ ‫الم إنجلترا وكان‬ ‫أ‬ ‫المر «بمنزلة إعادة ارتداء بدلة زفافه من جديد ليرى إذا ما كانت ما زالت‬ ‫مناسبة له»‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ومن المفارقات‪ ،‬وعلى الرغم من دعمهما لجدلية تحدي الدب للموت‪،‬‬ ‫النسانية غالباً ما‬ ‫بأن مقاربة نهاياتنا إ‬ ‫يعترف كال الكاتبين مانغويل ووود ّ‬ ‫تحول فترات حياتنا إلى روايات‪ .‬ففي أي مأتم‪ ،‬يشعر وود بأننا نجبر على‬ ‫ّ‬ ‫الحصول على «االمتياز الفظيع لرؤية حياة كاملة» تماماً مثل الرواية المتممة‬ ‫يحول مانغويل‬ ‫التي كتبت نهايتها‪ .‬وفي نقاشه حول التقدم في العمر ّ‬ ‫سنوات العمر إلى صفحات‪ .‬وعن كتاب حياته يقول‪« :‬من الصعب أن أكون‬ ‫متأكداً من دون الحصول على المجلد الكامل بين يدي‪ ،‬ولكنني على يقين‬ ‫بأنني في الفصل أ‬ ‫الخير»‪ .‬إنه يعطي الموت دوراً في توضيح الحياة‪ ،‬وهذا‬ ‫التناقض الغامض في مزايا السرد بين إعطاء الحياة والتعامل مع الموت‬ ‫القيمين‪.‬‬ ‫مغروس في هذين العملين ِّ‬

‫كتب من العالم‬

‫المواد‪ ،‬الرسوم البيانية‪ ،‬القلم والورقة والمشرط والمجهر‬ ‫والمرصد الفلكي والمختبرات والملصقات هي بعض‬ ‫أ‬ ‫الدوات العملية التي قامت فرانسواز فاكي بدراستها في‬ ‫كتاب «النظام المادي للمعرفة»‪.‬‬ ‫فجالت على المكتبات والمختبرات والمستشفيات وقاعات‬ ‫الدراسة وميادين عمل الجغرافيين أ‬ ‫والنثروبولوجيين‬ ‫وعلماء النبات وغيرهم‪ .‬كما اطلعت على المقاالت‬ ‫النظام المادي للمعرفة‪ :‬كيف يعمل‬ ‫والكتب والصور والرسوم والمعلقات والمجتمعات‬ ‫العلماء بين القرنين ‪ 16‬و‪21‬‬ ‫‪ L’ordre Materiel du Savoir: Comment Les‬ووسائل القياس والمالحظة واالختبار العلمي‪ .‬ومن خالل‬ ‫‪.Savants Travaillent XV1e-XX1e siècle‬‬ ‫ذلك استطاعت فاكي التطرق إلى عالم العلوم من ناحية‬

‫أدواته العملية ونظرت في إشكالية العالقة بين التقني‬ ‫والفكري وأثر الوسائل المادية في إنتاج المعرفة وتبليغها‪.‬‬ ‫باختصار نجحت فاكي في إخراج أدوات المعرفة من‬ ‫هامشيتها وأظهرت تالزم التطور العلمي وتجديد أدواته‪.‬‬


‫‪21 | 20‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫قول في مقال‬

‫الصمم‬ ‫ّ‬ ‫اإلرادي‬ ‫عبدالعزيز البرتاوي‬

‫«كانت له م َلكَة عجيبة‪ ،‬ف ي� أن يغدو‬ ‫أصم‪ ،‬ت‬ ‫م� ما أراد»‪ .‬بهذه الجملة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ئ‬ ‫الشه�‪ :‬جان رينوار‪ ،‬والده‬ ‫السينما�‬ ‫ي‬ ‫يصف أ ي‬ ‫الشهر‪ :‬أوغست رينوار‪ ،‬ف ي� كتابه‬ ‫الرسام‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫«اليقونة البوية الخالدة‪ :‬ب يأ�‪ ..‬رينوار»‪.‬‬ ‫ضمن ث‬ ‫أك� من ‪ِ 40‬فلماً‪ ،‬ألَّفها وأخرجها رينوار‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ً‬ ‫االبن‪ ،‬كان أبوه الفنان‪ ،‬حا�اً‪ ،‬مج�أ حيناً‪،‬‬ ‫وبحضور كامل‪ ،‬لتفاصيل ممتدة أحياناً‪600 .‬‬ ‫صفحة خطّها رينوار‪ ،‬ليخلِّد أباه‪ ،‬الذي جمعته‬ ‫إليه البنوة والجراح‪ .‬وكان تقاربهما أ‬ ‫ال بك� عندما‬ ‫عاد رينوار من الحرب جريحاً‪ ،‬واستقر ف ي� بيت‬ ‫الوالد الرسام‪ ،‬يشاهد عن قُرب اللوحات‬ ‫وراسمها المبدع‪.‬‬ ‫الجملة أعاله‪ ،‬مدرسة كاملة يك تغدو روح‬ ‫المرء فنانة أيضاً‪ ،‬ال يشغلها‪ ،‬سوى ما يستحق‬ ‫والشعال‪ .‬وقيل قديماً‪« :‬ليس سيد‬ ‫الشغال إ‬ ‫إ‬ ‫المتغا�»‪ ،‬ويُقصد بذلك الذي‬ ‫الغ�‪ ،‬بل‬ ‫بي‬ ‫قومه ب ي‬ ‫وأبكم وأعمى ت‬ ‫م� ما أراد‪،‬‬ ‫أصم‬ ‫َ‬ ‫بإمكانه أن يغدو َّ‬ ‫يك ال يأخذه حضيض اللحظة العابرة‪ ،‬وتفاهة‬ ‫الموقف الذي ينبغي تجاوزه إىل ما هو أرفع‪.‬‬ ‫كث�ة عن كبار رجاالت‬ ‫وقد وردت قصص ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫موصوف� بالصفة أعاله‪ ،‬نتذكر الحنف‬ ‫العالم‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ح�ن‬ ‫لم‬ ‫الح‬ ‫سيد‬ ‫قيس‪،‬‬ ‫ابن‬ ‫العر� النيق‪ ،‬ي‬ ‫ِ‬ ‫بي‬ ‫جاءه من يقول له‪« ،‬لم ال توقف هذا الشامت‬ ‫الرادي‬ ‫خلفك»‪ ،‬بينما كان هو يمارس «صمته» إ‬

‫ماشياً‪ ،‬نحو أمر‪ ،‬ال يستحق هذا «الشامت»‬ ‫خلفه أن يُوقفه عنه‪ .‬وكان رده مدرسة ف ي� الحلم‬ ‫والناة والتعامل مع تفاهة أ‬ ‫أ‬ ‫الصغ�ة‪.‬‬ ‫المور‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫المر نفسه نُقل عن الخليفة الراشدي الخامس‬ ‫ف‬ ‫عمر بن عبدالعزيز‪ .‬وتكرر ي� عبارة أحد النبالء‬ ‫ين‬ ‫ح� قال لشاتمه‪« :‬إن قلت ش‬ ‫ع�اً‪ ،‬لم تسمع‬ ‫واحدةً»‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يحرض عىل مثل‬ ‫ي‬ ‫و� السلوك النبوي أيضاً‪ ،‬ما ِّ‬ ‫هذا‪ ،‬وعىل ترك «الرغي» الذي ال يؤول َّإل إىل‬ ‫التشاحن أو إضاعة ما يحسن استخدامه فيما هو‬ ‫أبقى وأوىل‪.‬‬ ‫أ‬ ‫المر نفسه‪ ،‬ينطبق عىل كل ما ال يحسن من‬ ‫القول والشجارات والجدل‪ ،‬إىل أن يعتاده المرء‪،‬‬ ‫مع سيل التفاهة اليومي‪ ،‬المتمثل ف� أ‬ ‫الخبار‬ ‫ي‬ ‫الرسيعة عن الموضة والمال ث‬ ‫وال�اء وقصص‬ ‫المشاه�‪ ،‬وليغدو‬ ‫المراد قرساً إدراجهم ضمن‬ ‫ي‬ ‫المرء آخر النهار‪ ،‬جعبة كاملة من تفاهات أخبار‬ ‫طالق النجمات وخصوماتهن وردودهن المفتعلة‬ ‫أو الحقيقية مع كل ما يلحق بذلك من صور‬ ‫ولك تصبح ذاكرة المرء‪،‬‬ ‫وومضات واقتباسات‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫خزان تفاهة‪ ،‬ال يذكر معها‪ ،‬م� حفظ آخر مرة‪،‬‬ ‫بيت شعر رفيع‪ ،‬أو مقطع ثن� بليغ‪.‬‬ ‫الرادي‪ ،‬يتجاوز المسموع‪ ،‬ليبلغ‬ ‫إن «الصمم» إ‬ ‫ئ‬ ‫أصم عن‬ ‫المر� أيضاً‪،‬‬ ‫والمحك‪ .‬أن تكون َّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫مطالعة ما يتفّه روحك‪ ،‬يسلّعها‪ ،‬يهلكها ف ي� سوق‬

‫االستهالك الرخيص‪ ،‬يجعلها شبيهة آالف أ‬ ‫الرواح‬ ‫ف ي� المدينة‪ ،‬نفس المشاهد‪ ،‬نفس الرؤى‪ ،‬نفس‬ ‫االنفعاالت‪ ،‬ونفس القطيعية أيضاً‪ .‬ويصبح‬ ‫حديثك الشاغل‪ ،‬ومنتهى جداالتك‪ ،‬مسلسل‬ ‫أ‬ ‫المس‪ ،‬بكل هبوطه‪ ،‬أو دمعة النجم الوسيم‬ ‫عىل رحيل طليقته‪ .‬إنه تمثيل‪ ،‬وأنت حقيقة‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫السينما� المذهل‪ - ،‬وال‬ ‫صور رينوار‬ ‫لقد ّ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫العظيم�‪« :‬الوهم العظيم»‪،‬‬ ‫ننىس ِفلميه‬ ‫ي‬ ‫المدر َج ي ن� ضمن أفضل‬ ‫اللعبة»‪،‬‬ ‫و«قواعد‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫الطالق ي� السينما الفرنسية‬ ‫ع�ة أفالم عىل إ‬ ‫ف‬ ‫كث�ة عن أبيه‪ ،‬ي� كتابه هذا‪ .‬وقد‬ ‫ تفاصيل ي‬‫كب�‪ ،‬ت‬ ‫ح� غدا تم� َجماً‬ ‫قوبل الكتاب‪ ،‬باحتفاء ي‬ ‫إىل أغلب لغات العالم‪ ،‬ومنها العربية‪ ،‬خالل‬ ‫سنوات قليلة‪ ،‬نظراً لشهرة أ‬ ‫الب الذي بيعت‬ ‫إحدى لوحاته عام ‪ 1990‬ث‬ ‫بأك� من ‪ 78‬مليون‬ ‫ف‬ ‫دوالر‪ ،‬وهنالك ثالثة متاحف باسمه ي� فرنسا‬ ‫وحدها‪ .‬ونظراً لنبوغ االبن الكاتب الذي ُص ِّنف‬ ‫ن‬ ‫ف� ت‬ ‫يطا� كأفضل‬ ‫اق�اع أجراه معهد السينما ب‬ ‫ال� ي‬ ‫يرابع مخرج عىل الطالق‪ ،‬كان أ‬ ‫الب واالبن‪،‬‬ ‫إ‬ ‫رافدين ي ن‬ ‫مهم�‪ ،‬ليكون الكتاب تحفة خالدة‪ ،‬من‬ ‫المزايا التوصيفية‪ ،‬لما كان‪ ،‬ويجب أن يكون عليه‬ ‫النبوغ الحقيقي‪ ،‬لينتج إبداعاً وفناً خالداً كهذا‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫وبالنسبة إىل ي‬ ‫كث�ين‪ ،‬فإن الجملة أعاله‪ ،‬ي‬ ‫الرادي»‪ ،‬تعطي‬ ‫تتحدث عن فضيلة «الصمم إ‬ ‫انطباعاً واضحاً لما كان‪ ،‬وينبغي أن يكون عليه‪،‬‬ ‫يحب أن تكون حياته‪ ،‬ث‬ ‫أك� من مجرد‬ ‫كل إنسان ّ‬ ‫«حك» عابر‪.‬‬ ‫ي‬


‫العمار‬ ‫َّ‬ ‫إبراهيم عبداهلل‬

‫الزراعة تحت األرض‬

‫علوم‬

‫أدى نشوء الزراعة قبل نحو ‪ 10‬آالف سنة إلى تخلي‬ ‫الجماعات البشرية عن االعتماد الكلي على الصيد‬ ‫وااللتقاط العشوائي للثمار البريّ ة‪ ،‬وبدء االستقرار‪،‬‬ ‫حيث الموارد التي تصلح لزراعة محاصيل معينة‪،‬‬ ‫ومن َثم إلى تدجين حيوانات معيَّ نة‪ .‬هكذا ّ‬ ‫تجمع‬ ‫الناس حيث الزرع والضرع‪ ،‬فظهرت المدن األولى‪.‬‬ ‫لكن يبدو أن مستقبل الزراعة محفوف بتساؤالت‬ ‫تطرحها تحديات الموارد والنمو السكاني والظروف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مدهشا في‬ ‫تحوال‬ ‫البيئية‪ .‬ويناقش هذا المقال‬ ‫مسيرة هذه المهنة العريقة‪ ،‬التي يوجهها البحث‬ ‫ً‬ ‫يوما ببال ٍّ‬ ‫أي من أجيال‬ ‫العلمي في اتجاهات لم تخطر‬ ‫المزارعين‪.‬‬


‫‪23 | 22‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫بالعلم وتطوير التقنيات‬ ‫ِ‬ ‫الب� بع� آالف ي ن‬ ‫تمكَّن ش‬ ‫السن�‬ ‫من اكتشاف حدود قدرتهم‬ ‫عىل ترويض الطبيعة‪ ،‬ي ز‬ ‫ل�رعوا‬ ‫نباتات تثمر محاصيل نافعة‬ ‫لهم‪ .‬العلم نفسه هو الذي صنع المصانع أ‬ ‫ومل‬ ‫ِ‬ ‫بها أ‬ ‫ح� خنقها‪ ،‬فتوسعت رقاع المدنية ح�ت‬ ‫الرض ت‬ ‫َّ‬ ‫احمت أماكن الزراعة‪ .‬وزاد تطور الرعاية الصحية من‬ ‫ز ْ‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫ش‬ ‫معدالت العمار فكَ ُ� الب� عىل سطح البسيطة‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬اكتسحت المدن المتمددة المساحات‬

‫ت‬ ‫ال� كانت تفيض‬ ‫الزراعية عموماً‪ .‬وصارت الموارد ي‬ ‫بها أطراف الكوكب ال تستوعب هذا العدد‪ ،‬ما شكل‬ ‫تحدياً يغ� مسبوق لقدرة الزراعة عىل إطعام ما يربو‬ ‫عىل السبعة مليارات إنسان‪.‬‬ ‫المفارقة أن العلم الذي كان أساس البدء بالزراعة‬ ‫وهدد مستقبلها‪ ،‬يظهر للمرة الثالثة ف ي� هذا الخط‬ ‫ّ‬ ‫الزم� لينقذها‪ .‬إذ ظهرت ت‬ ‫ن‬ ‫اق�احات حديثة لتطوير‬ ‫ي‬ ‫يسمى بالزراعة العمودية‪ ،‬وهذا‬ ‫الزراعة‪ ،‬منها ما َّ‬ ‫ن‬ ‫الفادة من المساحات الفارغة ف ي�‬ ‫يع� إ‬ ‫المصطلح ي‬ ‫الكب�ة وناطحات السحاب وإحالل الرقاع‬ ‫العمائر ي‬ ‫الزراعية فيها‪ .‬كما ظهرت فكرة الزراعة الذكية ‪/‬‬ ‫ال� تستخدم أ‬ ‫القمار الصناعية لتنظيم‬ ‫الدقيقة‪ ،‬ت ي َ‬ ‫ف‬ ‫معينة لتحقيق أعىل‬ ‫عملية الزراعة ي� رقعة زراعية َّ‬ ‫أ‬ ‫ناتج بأقل قدر من التكاليف‪ .‬ومن الفكار المدهشة‬ ‫ت‬ ‫ال� بدأ ينادي بها البعض كذلك استخدام مساحة‬ ‫أي‬ ‫ف‬ ‫الرض نفسها مر ي ن‬ ‫ت� ي� ٍآن معاً لزيادة الرقعة‬ ‫أ‬ ‫الزراعية‪ ،‬وذلك بأن نقوم بالزراعة فوق الرض‪..‬‬ ‫وتحتها كذلك!‬

‫زراعة تحت أ‬ ‫الرض؟ لماذا؟‬

‫الغر�‪« :‬ال تُصلح ما ليس معطوباً»‪،‬‬ ‫يقول المثل ب ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ال�ء يعمل فالجدى أن ن�كه‬ ‫بمع� أنه طالما كان ي‬ ‫ن‬ ‫تحس�‪ .‬ويبدو أن هذا ما‬ ‫وشأنه‪ِ ،‬بال أي تطوير أو‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫طبقه ش‬ ‫الب� مع الزراعة‪ .‬فظلت تمارس ي� القالب‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫تتغ� طريقتها‪ ،‬لنها ‪-‬‬ ‫السن� ال تكاد ي‬ ‫نفسه لالف ي‬ ‫ت‬ ‫تؤ� أُكُلها بالشكل المطلوب‪.‬‬ ‫كانت إىل عهد قريب ‪ -‬ي‬ ‫أما اليوم فقد زادت النداءات ت‬ ‫ال� تحث عىل تطوير‬ ‫ي‬ ‫الزراعة وإخراجها من قالبها التقليدي‪ ،‬ولهذا أسبابه‬ ‫العديدة‪:‬‬

‫• االنفجار السكاني‪:‬‬

‫يقطن كوكبنا حالياً ‪ 7‬مليارات إنسان‪ ،‬وبينما يزداد‬ ‫عدد الناس فإن الموارد الغذائية ال تزداد بما ش‬ ‫يتما�‬ ‫مع العدد‪ .‬ويتوقع العلماء أن يصل تعداد ش‬ ‫الب�‬ ‫ين‬ ‫الثالث� سنة‬ ‫إىل تسعة مليارات ونصف المليار ف ي�‬ ‫توف�‬ ‫المقبلة‪ ،‬ما سيؤدي إىل وقوع أزمة عىل صعيد ي‬ ‫ف‬ ‫الكا� لهذا العدد‪.‬‬ ‫الغذاء ي‬

‫• تق ُّلص أ‬ ‫الراضي الزراعية‪:‬‬

‫أ‬ ‫أ ض‬ ‫وغ�‬ ‫ا� الخصبة ي‬ ‫كانت الرض عذراء‪ ،‬مملوءة بالر ي‬ ‫الخصبة‪ ،‬أما اليوم فإن المصانع والبيوت والمنشآت‬ ‫أ ض‬ ‫تنت� وتتوسع ض‬ ‫الب�ية ش‬ ‫ش‬ ‫ا�‪.‬‬ ‫وتق� عىل ي‬ ‫كث� من الر ي‬ ‫ي‬ ‫ويومياً تقل المساحات الزراعية‪ ،‬وتزداد المساحات‬ ‫الصناعية‪.‬‬

‫• تغ ُّير الطقس‪:‬‬

‫بغض النظر عن‬ ‫االحتباس الحراري الحاصل حالياً ِّ‬ ‫ث‬ ‫غ� مناخ الكوكب الذي أصبح أك� تقلباً‬ ‫مسبباته‪ ،‬ي َّ‬ ‫(أعاص�‪ ،‬فيضانات‪ ،‬جفاف‪... ،‬إلخ) ت�ض‬ ‫وأقىس‬ ‫ي‬ ‫ح� بعض أ‬ ‫بالمحاصيل الزراعية وتجعل ت‬ ‫الماكن‬ ‫الخصبة يغ� مضمونة وخطرة‪ .‬فمثالً‪ ،‬ف ي� عام‬ ‫‪2008‬م فاض نهر‬ ‫المسيسي� ف ي� الواليات المتحدة‬ ‫بي‬ ‫ً‬ ‫قبل موسم الحصاد مخلفا خسارة مالية ق ُِّدرت‬ ‫أمريك‪ .‬كذلك‪ ،‬زيادة الحرارة‬ ‫بثمانية مليارات دوالر‬ ‫ي‬ ‫عىل سطح أ‬ ‫الرض جعلت بعض أعداء المحاصيل‬ ‫كالعشاب الضارة آ‬ ‫أ‬ ‫والفات والفطريات تنتعش‪ ،‬ألنها‬ ‫تفضل الدفء‪.‬‬ ‫ّ‬

‫• توفير الماء‪:‬‬

‫للشح ويمكن أن تتصارع عليها‬ ‫معرضة ُّ‬ ‫الموارد المائية َّ‬


‫ش‬ ‫محطة تم�و‪ ،‬الناس ش‬ ‫�ء‬ ‫تم� لحاجاتها‪ ،‬ال ي‬ ‫ي‬ ‫بثالث�ن‬ ‫خارج المعتاد‪ .‬لكن أسفل هذا الشارع ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫غ� متوقع‪ :‬مزرعة! اف ُت ِت َحت أول‬ ‫� ٌء ي‬ ‫م�اً هناك ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫مزرعة تحت الرض ي� لندن ي� منتصف عام‬ ‫‪2015‬م‪ ،‬واختارت ش�كة «غروينغ أندرغراوند»‬ ‫كب�اً قديماً‬ ‫(‪ )Growing Underground‬ملجأً ي‬ ‫من أيام الحرب العالمية الثانية‪ ،‬فاتخذته‬ ‫مزرعة تحت أرضية‪ .‬تبلغ مساحة هذه المزرعة‬ ‫‪ 167‬تم�اً مربعاً ومن الطبيعي َّأل تصل أشعة‬ ‫الشمس إىل هذا المكان‪ .‬وهذه من العقبات‬ ‫ت‬ ‫ال� اجتازها العلم بأن جعل النباتات هناك‬ ‫ي‬ ‫ضوء صناعي‪ .‬والطريف هنا أن من‬ ‫تعيش عىل ٍ‬ ‫ش‬ ‫أسباب العمل عىل هذا الم�وع‪ ،‬هو أن أحد‬ ‫ين‬ ‫المؤسس� طباخ‪ ،‬وقصد أصال ً من ش‬ ‫الم�وع أن‬ ‫يزود مطعمه بالمحاصيل الطازجة! والجيد �ف‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫المر أن موقع المزرعة يتيح له أن يحصل عىل‬ ‫الخضار المطلوبة برسعة‪ ،‬فتخرج من المزرعة إىل‬ ‫المطعم ش‬ ‫مبا�ة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫المم مستقبالً‪ ،‬فضال ً عن أن ‪ %70‬من االستهالك‬ ‫ش‬ ‫رقم‬ ‫الب�ي للماء العذب يذهب للزراعة‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ين‬ ‫ضعف� عن استخدام الصناعة له (‪)%23‬‬ ‫هائل يزيد‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫وأك� من استخدامنا البلدي له ‪ -‬أي ي� المنازل ‪-‬‬ ‫كث� من هذا الماء يضيع‬ ‫بسبعة أضعاف (‪ .)%8‬ي‬ ‫بال طائل مترسباً من أنابيب شبكات النقل‪ .‬والماء‬ ‫وك�ى الدول المنتجة للطعام مثل‬ ‫العذب محدود‪ ،‬ب‬ ‫ين‬ ‫الص� والواليات المتحدة والهند وباكستان وإسبانيا‬ ‫ت‬ ‫وأس�اليا وصلت مخزوناتها من المياه الجوفية إىل‬ ‫مستويات متدنية مقلقة‪.‬‬

‫• حماية البيئة‪:‬‬

‫ملوثة للبيئة‪ ،‬بما فيها‬ ‫الزراعة بطريقتها الحالية ِّ‬ ‫ومخصبات‪ ،‬ووقود للشاحنات‬ ‫من مبيدات للزرع‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫والت�يد‬ ‫والمولدات والجهزة‪ ،‬وكهرباء للإنارة ب‬

‫‪%8‬‬ ‫‪%24‬‬ ‫‪%70‬‬

‫ن‬ ‫وثا�‬ ‫والتدفئة‪ ،‬وانبعاثات الغازات مثل الميثان ي‬ ‫ش‬ ‫�ها‪.‬‬ ‫أكسيد الكربون‪ ،‬وهو ُّ‬

‫• القدرة‪:‬‬

‫أ‬ ‫آ‬ ‫نطور الزراعة لتدخل عرصاً‬ ‫لدينا الن القدرة لن ِّ‬ ‫جديداً لم يكن أ‬ ‫السبقون يقدرون عليه‪ ،‬فالزراعة‬ ‫تحت أ‬ ‫الرض تتطلب تقنيات متخصصة ومتطورة‪.‬‬ ‫وبنا ًء عىل ما سبق‪ ،‬فقد أضحت هذه القدرة‬ ‫أدا ًة ض�ورية نحافظ بها عىل استمرارية الغذاء‬ ‫والمحاصيل الزراعية‪.‬‬

‫قبو ض‬ ‫الما� يحوي ِعلم‬ ‫ي‬ ‫فالمستقبل‬ ‫ف‬

‫ي� أحد الشوارع ي� جنوب لندن قريباً من قلب‬ ‫العاصمة‪ ،‬يبدو المشهد عادياً‪ :‬شارع صاخب‪،‬‬

‫لم تكن هذه أول تجربة للزراعة تحت أ‬ ‫الرضية‪،‬‬ ‫فالفكرة كانت تجول ف ي� الخواطر من قبل‪ ،‬لكن‬ ‫تحويلها إىل حقيقة احتاج وقتاً‪ .‬فقد ط ُِّبقَت ف ي� اليابان‬ ‫أ‬ ‫وز ِرع‬ ‫ف ي� عام ‪2005‬م ف ي� قبو كان خزانة لحد البنوك ُ‬ ‫فيه الخس والطماطم والفراولة أ‬ ‫والرز‪ .‬ومن التجارب‬ ‫ت‬ ‫ال� سبقت ش‬ ‫م�وع لندن‪ ،‬ما فعله علماء من جامعة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫بوردو ي� والية إنديانا المريكية‪ ،‬الذين زرعوا الذرة‬ ‫ت‬ ‫ال� تشتهر بها والية إنديانا‪ ،‬لكن هذه المرة ف ي� منجم‬ ‫ي‬ ‫مهجور أسفل أ‬ ‫الرض‪ ،‬واكتمل زرع وحصاد الذرة �ف‬ ‫ي‬ ‫أك�‪ ،‬وكانت النتيجة‬ ‫وقت أقل من المعتاد وبكمية ب‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ُزرعت ف ي� مشاتل ومحميات‬ ‫أفضل ح� من الذرة ي‬ ‫الجامعة‪.‬‬

‫زراعة تحت أ‬ ‫الرض؟ كيف؟!‬

‫اعتدنا أن نُ َعرف الزراعة أنها قائمة عىل ت‬ ‫ال�بة‬ ‫ِّ‬ ‫والماء‪ .‬لكن الزراعة تحت أ‬ ‫الرض‬ ‫والشمس‬


‫‪25 | 24‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫بعض النباتات التي‬ ‫َّ‬ ‫تعرضت للضوء األحمر‬ ‫ً‬ ‫نموا من‬ ‫فقط صارت أسرع‬ ‫النباتات التي ُع ِّر َضت أللوان‬ ‫أخرى‬ ‫تستغ� عن العنرصين أ‬ ‫ن‬ ‫ال ي ن‬ ‫ول�‪،‬‬ ‫استطاعت أن‬ ‫ي‬ ‫واستطاع العلم إحالل بدائل مكانهما‪ .‬أما‬ ‫ت‬ ‫ال�اب فيمكن استخدام أساليب الزراعة ف ي� الماء‬ ‫(‪ )Hydroponics‬حيث تُزرع النباتات بدون تربة‬ ‫ف ي� مياه أذيبت فيها بعض المواد المغذية‪ .‬وضوء‬ ‫الشمس يُستبدل به الضوء الصناعي الذي يمكن‬ ‫ّ‬ ‫تأث�‪،‬‬ ‫تغي� لونه وقوته‪ ،‬وهذان عنرصان لهما ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫تعرضت‬ ‫فقد‬ ‫ال� َّ‬ ‫لوحظ مثال ً أن بعض النباتات ي‬ ‫للضوء أ‬ ‫الحمر فقط صارت أرسع نمواً من النباتات‬ ‫ت‬ ‫ولتغي� قوة الضوء‬ ‫ال� ُع ِّر َضت أللوان أخرى‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تأث� أيضاً عىل نمو واكتمال عمر المحاصيل‪ .‬أما‬ ‫ي‬ ‫الماء فهو أصل الحياة وال بديل له‪ ،‬إنما يمكن‬ ‫تطوير استخدامه ت‬ ‫بال�شيد وكذلك بمعالجة المياه‬ ‫المستعملة‪.‬‬

‫ال مشكلة! ال مشكالت!‬

‫أ‬ ‫كث�اً من المشكالت‬ ‫إن الزراعة تحت الرض تحل ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫تعا� منها الزراعة التقليدية وكذلك المشكالت‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تتسبب بها تلك الزراعة‪ ،‬كما أنها تتمتع بمزاياها‬ ‫ي‬ ‫الخاصة‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫• االستمرارية‪:‬‬

‫لموسمية الزراعة العادية‪ ،‬بل يمكن‬ ‫فهي ال تخضع‬ ‫ّ‬ ‫تنمية المحاصيل طوال السنة بال توقف وبغض‬ ‫النظر عن الفصول وأحوال الطقس‪.‬‬

‫• المساحة‪:‬‬

‫كث�ة يغ� مستغلة حالياً‪،‬‬ ‫توفر مساحات جوفية ي‬ ‫وقابلية استحداث مزيد منها بتكلفة معقولة‪.‬‬

‫• التحكم والثبات‪:‬‬

‫ش‬ ‫�ء عىل ظاهر الكوكب يخضع للعوامل‬ ‫كل ي‬ ‫الطبيعية‪ ،‬فالشمس والماء والهواء من العوامل‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫�ء باستمرار‪ ،‬سوا ًء أكان طالء‬ ‫ال� ي ِّ‬ ‫تغ� كل ي‬ ‫ي‬ ‫السيارة أو جدار البيت أو حياة الغابة أو ح�ت‬ ‫شب�ة الناس‪ .‬لكن أسفل أ‬ ‫الرض هو بمنأى إىل‬ ‫كب�ة عن هذه العوامل القاهرة‪ ،‬ومن‬ ‫درجة ي‬ ‫الممكن السيطرة عىل العوامل المؤثرة فيه كالضوء‬ ‫والغازات ال�ض ورية والحرارة الثابتة المناسبة‪ .‬كما‬ ‫يمكن التحكم وراثياً بالمحاصيل‪ ،‬وهذا ما حصل‬ ‫ف� تجربة جامعة بوردو المذكورة أ‬ ‫بالعىل‪ ،‬ذلك أن‬ ‫ي‬ ‫مورثاً ينتج بروتيناً يقتل‬ ‫محصولها من الذرة حوى ّ‬ ‫الوروبية‪ ،‬وهي من آ‬ ‫ح�ة النقّابة أ‬ ‫يرقات ش‬ ‫الفات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ت�ض محاصيل الذرة‪ .‬فباطن الرض يحتضن‬ ‫ي‬ ‫الالجئ إليه أفضل من السطح‪ ،‬وعند حصول‬ ‫أ‬ ‫اك� أو ح�ت‬ ‫ال� ي ن‬ ‫عاص� ورماد ب‬ ‫كوارث طبيعية كال ي‬ ‫مؤثرات كالعواصف الرملية‪ ،‬فإن أسفل أ‬ ‫الرض‬ ‫يحمي منها‪ .‬ويمكن للمزرعة تحت أ‬ ‫الرضية أن تظل‬ ‫طول ي ن‬ ‫سن� ف ي� حرارة ثابتة وتروية مستمرة وضوء‬ ‫أ‬ ‫محسوب بدقة مهما جرى عىل سطح الرض من‬ ‫تقلبات واضطرابات طبيعية أو شب�ية‪.‬‬

‫• مراعاة البيئة والصحة‪:‬‬

‫ركّزت تجربة جامعة بوردو عىل النتيجة ث‬ ‫أك� من‬ ‫أ‬ ‫العملية كاملة‪ ،‬لذلك لم يكن هناك ي ز‬ ‫ترك� عىل الثر‬ ‫ئ‬ ‫م�وع لندن بعدها ش‬ ‫البي� كما حصل ف ي� ش‬ ‫بع�‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫سن�‪ .‬ف�كة «غروينغ أندرغراوند» جعلت من‬ ‫ي‬ ‫ال�نامج الحفاظ عىل البيئة واستخدام مصادر‬ ‫أُسس ب‬ ‫ش‬ ‫طاقة نظيفة‪ ،‬ففي هذا الم�وع كانت البيئة خالية‬ ‫تماماً من آ‬ ‫وبالتال لم تكن هناك‬ ‫الفات الزراعية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫حاجة الستخدام المبيدات‪ .‬ومعلوم أن المحاصيل‬ ‫ت‬ ‫تتسبب بمشكلة حقيقية‪،‬‬ ‫ال� تتلوث بالمبيدات َّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫خاصة ي� الدول النامية‪ .‬ويزداد خطرها عىل من‬ ‫يتعاملون ش‬ ‫مبا�ة مع المحاصيل‪ ،‬مسببةً أمراضاً‬ ‫ت‬ ‫للمناعة‪ ،‬وأخرى عقلية وتناسلية وح� رسطانية‪،‬‬ ‫بل إن المبيدات تؤثر ليس عىل ش‬ ‫الب� فقط بل عىل‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫الجز� واالختالل‬ ‫ال� حولها كلها‪ ،‬فاالنقراض‬ ‫ي‬ ‫فالحياة ي‬ ‫� التوازن ي ن‬ ‫ب� الكائنات الفطرية بسبب تعرضها‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫للمبيدات ظاهرة معروفة‪ .‬فضال ً عن تشبع ال�بة‬ ‫والماء بالسموم لسنوات طويلة ت‬ ‫ح� بعد التوقف عن‬ ‫زراعة أ‬ ‫الرض‪.‬‬

‫• الماء‪:‬‬

‫كما َسلَف فإن استهالك الماء هائل ف ي� الزراعة‪ ،‬لكن‬ ‫الواعد أن ش‬ ‫م�وع لندن استطاع إنتاج محاصيله بكمية‬ ‫بسبع� ف� المائة من الكمية المستخدمة �ف‬ ‫ن‬ ‫ماء أقل‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫العادة!‬


‫من أسباب العمل على‬ ‫هذا المشروع هو أن‬ ‫أحد المؤسسين طباخ‪،‬‬ ‫وقصد أن ّ‬ ‫يزود مطعمه‬ ‫بالمحاصيل‬

‫الزراعة واالقتصاد‬

‫أ‬ ‫آ‬ ‫كب�ة‬ ‫الثار االقتصادية للزراعة تحت الرض ي‬ ‫ملحوظة‪ .‬فقد صار من الممكن تقليل التكاليف‬ ‫ين‬ ‫تحس� استخدام الماء‪ .‬فقد أظهر‬ ‫ع�‬ ‫الزراعية ب‬ ‫ش‬ ‫م�وع لندن أن بإمكاننا تقليل استخدام الماء‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫الضعف� عىل القل‪ .‬وربما يجد‬ ‫العذب بنسبة‬ ‫ث‬ ‫العلم طرقاً لتقليل هذه النسبة أك� مستقبالً‪.‬‬ ‫متجددة مثل مياه‬ ‫أيضاً يمكن استخدام مصادر‬ ‫ِّ‬ ‫الرصف المعالجة دون المساس بالماء العذب‬ ‫يوجه ش‬ ‫غ�‬ ‫لل�ب وأغراض أخرى ي‬ ‫الذي يمكن أن ّ‬ ‫زراعية‪.‬‬ ‫كما أن تقليل المبيدات يظل هاجساً‪ .‬فسوق‬ ‫ف‬ ‫و� عام ‪2011‬م ق ُِّد َر حجم‬ ‫المبيدات ضخم‪ .‬ي‬ ‫السوق العالمي بسبعة ي ن‬ ‫وثالث� مليار دوالر‪ ،‬وهو‬ ‫ال يزداد إال نمواً‪ ،‬ويتوقع الباحثون أن يفوق حجم‬ ‫السوق ‪ 65‬مليار دوالر بحلول عام ‪2017‬م‪ .‬والزراعة‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫تحت الرض ستوفر ي‬ ‫الكث� عىل المجتمعات ي‬ ‫تنفق عىل المبيدات‪.‬‬ ‫ومن المهم كذلك أن نلتفت إىل ض�ورة الحفاظ عىل‬ ‫ال�بة‪ .‬أ‬ ‫ت‬ ‫فالر ضا� الطبيعية مورد ي ن‬ ‫ثم�‪ ،‬لكن استبعاد‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�اب واستخدام مواد أخرى سيحفظ ال�بة ويوفر‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ال� يتطلبها استصالح الرا� ت‬ ‫ت‬ ‫ال�ابية‬ ‫ي‬ ‫ثمن الجهزة ي‬ ‫كأنظمة الري الضخمة‪.‬‬

‫ت‬ ‫ال� ال تحظى بأر ٍاض زراعية‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬فإن الدول ي‬ ‫خصبة‪ ،‬فستتمكن بفضل هذا التوجه من إنشاء‬ ‫رقاع تم�امية أ‬ ‫الطراف صالحة للزراعة باستخدام‬ ‫أ‬ ‫تقنيات الزراعة تحت الرض‪ ،‬ولو طَبقت هذه الدول‬ ‫الزراعة تحت أ‬ ‫الرضية عىل نطاق واسع فستتمكن من‬ ‫أن تجعل الزراعة من مصادر الدخل القتصادها‪،‬‬ ‫وسيمكّ نها هذا من تقليل واردات المحاصيل الزراعية‬ ‫واالعتماد عىل نفسها لمحاولة الوصول إىل درجة من‬ ‫ت‬ ‫الذا�‪.‬‬ ‫االكتفاء ي‬ ‫ش‬ ‫م�وع لندن تحديداً بدأ بأهداف متواضعة‪،‬‬ ‫تحول إىل ش�كة تجارية تبيع‬ ‫لكنه رسعان ما َّ‬ ‫المحاصيل المزروعة تحت أرض لندن ش‬ ‫مبا�ة‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫سيغ� وجهاً ظل‬ ‫والمستهلك�‪ .‬وهذا‬ ‫للسواق‬ ‫يّ‬ ‫ثابتاً تف�ة طويلة وهو إمكانية االستغناء عن‬ ‫وسيط النقل والتغليف والشحن والتوزيع ي ن‬ ‫ب�‬ ‫المزارع والمستهلك‪ ،‬فيمكن تبسيط العملية‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتسلسل ي ن‬ ‫ب� بداية‬ ‫الن وتقليل الخطوات ي‬ ‫(زر ُع المزارع البذرة) وصوال ً إىل أكل‬ ‫العملية ْ‬ ‫المستهلك لطبق السلطة‪ .‬ولعل الزراعة تحت‬ ‫أ‬ ‫الرض تفتح باباً جديداً للتجارة الزراعية بحيث‬ ‫أ‬ ‫ال تظل حكراً عىل ش‬ ‫ال�كات أو السواق‪ ،‬خاصة‬ ‫مر الزمن وبُ ّسطت‬ ‫إذا قلّت تكاليف التأسيس عىل ِّ‬ ‫أ‬ ‫العملية للشخص العادي‪ ،‬فيقدر الفراد أن‬ ‫يزرعوا ف� أقبيتهم وبيوتهم بالمبادئ نفسها ت‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫تعتمد عليها الزراعة تحت أ‬ ‫الرضية وي ّتخذوا من‬ ‫وغ� متوقع‪ ،‬أو ت‬ ‫ح�‬ ‫دخل جديد ي‬ ‫الزراعة مصدر ٍ‬ ‫أن يتناول المرء ما تزرعه يده فيقلل تكاليف ش�اء‬ ‫الخضار والفواكه‪.‬‬ ‫أخ�اً جدير بالذكر أن الزراعة المستمرة خالل السنة‬ ‫ي‬ ‫يمكن أن تحمي المستهلك من تقلبات السوق‬ ‫وأسعارها‪.‬‬ ‫فهل الزراعة تحت أ‬ ‫الرض هي المستقبل؟ ما زالت‬ ‫ف‬ ‫طبق عىل نطاق واسع‪ .‬يغ�‬ ‫التقنية ي� مهدها ولم تُ ّ‬ ‫أن النداءات بدأت تعلو وتزيد العتماد طرق زراعية‬ ‫بديلة ومنها الزراعة تحت أ‬ ‫الرض‪ .‬وإذا استطاعت‬ ‫الزراعة تحت أ‬ ‫ف‬ ‫الرض أن تتال� مشكالت الزراعة‬ ‫التقليدية المذكورة ومخاطر التعديل الور ث يا� فإن‬ ‫يب� بتطويرها عىل نطاق واسع وإدخالها عرصاً‬ ‫هذا ش ّ‬ ‫ويحسن الحياة‬ ‫كث�ة‬ ‫جديداً ينعش اقتصاد أمم ي‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫الب�ية‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪27 | 26‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫كيف تعمل‪...‬‬

‫مانعة‬ ‫الصواعق‬ ‫أحياناً يكون جسمك مشحوناً كهربائياً‪ ،‬فإذا لمست شيئاً معدنياً‬ ‫حصل تفريغ ي ن‬ ‫ب� يدك والمعدن‪ ،‬تحسه عىل شكل لسعة خفيفة‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫لكنها مزعجة‪ .‬المبدأ نفسه موجود ي� الطبيعة‪ ،‬ونعاينه ي� هيئة‬ ‫ال�ق‪ .‬فالسحب ف ي� السماء مشحونة كهربائياً (غالباً بشحنات‬ ‫ظاهرة مهيبة هي ب‬ ‫سالبة)‪ ..‬وهذه الشحنات تهرع عىل نحو طبيعي لالنتقال إىل أي جسم قريب‬ ‫ين‬ ‫يحمل شحنة موجبة‪ .‬أحياناً يحصل التفريغ ي ن‬ ‫سحابت� ونشاهده نحن عىل‬ ‫ب�‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الرض كوميض مصحوب بصوت الرعد‪ .‬وأحياناً يتم التفريغ يب� السحابة‬ ‫أ‬ ‫ح� ن‬ ‫وشجرة عىل الرض أو ت‬ ‫مب� مرتفع‪.‬‬ ‫الكهر� الناتج قد يصل إىل ‪ 100‬مليون فولت‪.‬‬ ‫خط�ة ألن فرق الجهد‬ ‫ال�ق ظاهرة ي‬ ‫ب‬ ‫بي‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�ات وتصل حرارة الهواء حولها إىل ‪ 25‬ألف‬ ‫ال�ق بع� ‪10‬‬ ‫وتمتد ش�ارة ب‬ ‫درجة مئوية‪.‬‬

‫الهوائي‬ ‫مانع الصواعق‬

‫كابل نحاسي‬

‫ •تقوم فكرة مانعة الصواعق عىل تسلّم هذه الشحنة الرهيبة بع� «إغرائها»‬ ‫الجسام أ‬ ‫هوا� عال أقرب للسحب من سواه من أ‬ ‫ئ‬ ‫الرضية‪.‬‬ ‫بواسطة ي ٍ‬ ‫ئ‬ ‫الهوا� عىل قمة مئذنة أو برج‪ .‬تكون قاعدته من النحاس أو أي مادة‬ ‫يثبت هذا‬ ‫ • َّ‬ ‫ي‬ ‫موصلة للتيار‪.‬‬ ‫الهوا� إىل أ‬ ‫ئ‬ ‫الرض‬ ‫ال�ق من‬ ‫ •من هذه القاعدة يمتد كابل وظيفته نقل شحنة ب‬ ‫ي‬ ‫بسالم ف� عملية تسمى «التأريض»‪ ،‬بدال ً من أن تنتقل بع� ن‬ ‫المب� المأهول‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫بالب� فيحصل ما ال تُحمد عقباه‪.‬‬ ‫ •ينتهي الكابل بقضيب من مادة موصلة مزروع ف� عمق أ‬ ‫الرض لضمان‬ ‫ي‬ ‫تشتت الشحنة‪.‬‬

‫نقطة االتصال أ‬ ‫بالرضي‬

‫مادة محيطة‬ ‫بقضيب التأريض‬

‫قضيب التأريض‬


‫ّ‬ ‫مر‬ ‫مالح‬

‫مالح‬

‫أومامي‬ ‫حام‬

‫حا‬ ‫مض‬

‫ً‬ ‫مذاقا‬ ‫كم‬ ‫يمكننا أن ّ‬ ‫نميز؟‬

‫د‪ .‬فكتور سحاب‬

‫ض‬

‫حلو‬

‫علوم‬ ‫علوم‬

‫حامض‪،‬‬ ‫حلو‪ ،‬مالح‪،‬‬ ‫أومامي‬ ‫وكوكومي‬

‫الذوق إحدى الحواس الخمس‪ ،‬إلى جانب‬ ‫البصر والشم واللمس والسمع‪ .‬وأداة حاسة‬ ‫الذوق عند اإلنسان‪ ،‬هي اللسان‪ ،‬وحتى بعض‬ ‫أجزاء الفم والبلعوم‪ .‬لكن الدراسات العلمية‬ ‫الحديثة أخذت ّ‬ ‫توسع مجال معرفتنا لحاسة‬ ‫الذوق‪ ،‬من أجل الرد على مسائل عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫لماذا يفترق ذوق شخص عن شخص‪ ،‬أو كيف‬ ‫يمكن استثمار معرفة األذواق في صناعة‬ ‫الطعام‪ ،‬أو حتى‪ ،‬هل يمكن أن تكون لمعرفتنا‬ ‫َّ‬ ‫المحسنة للذوق وأسلوب عمله فائدة ما في‬ ‫المجال الطبي والصحي؟ أو قد تكون األبحاث‬ ‫ّ‬ ‫يستحب بعضنا‬ ‫مجرّ د استجابة لفضولنا‪ :‬لماذا‬ ‫ً‬ ‫إفطارا من البيض ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ويفضل آخرون‬ ‫واللحم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شيئا من الجبن والمربّ ى؟‬


‫‪29 | 28‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تعارف عليها‬ ‫كانت المذاقات الساسية ي‬ ‫الناس منذ القدم أربعة‪ :‬الحامض والحلو‬ ‫والمالح والمر‪ .‬لكن هذه المعرفة أ‬ ‫الساسية‬ ‫ّ‬ ‫طورنا‬ ‫تظل قابلة للتطوير‪ ،‬عىل النحو الذي ّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتكون منها المادة‬ ‫به اعتقاد إ‬ ‫الغريق بأن العنارص الساسية ي‬ ‫هي أربعة‪ :‬النار والهواء والماء ت‬ ‫وال�اب‪ .‬أما ألوان قوس قزح‬ ‫ت‬ ‫ال� اع ُتمدت ألواناً أساسية مدة من الزمن‪ ،‬فقد ي َّ ن‬ ‫تب� أنها‬ ‫السبعة ي‬ ‫الحمر أ‬ ‫يمكن إعادة تكوينها من ثالثة ألوان‪ ،‬هي‪ :‬أ‬ ‫والخ�ض‬ ‫جميعاً‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والزرق‪ ،‬وهي اللوان الساسية المستخدمة ي� الطباعة‪.‬‬ ‫تب� أن طعم المأكوالت عىل اختالفها‪ ،‬ن‬ ‫هكذا‪ ،‬ي ّ ن‬ ‫بكث� من‬ ‫أغ� ي‬ ‫ال�كيب الكيميا�ئ‬ ‫أن تحرصه أربعة مذاقات أساسية‪ .‬ذلك أن ت‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫للطعمة ن‬ ‫نسب مختلفة من هذه‬ ‫أغ� من أن ّ‬ ‫يتكون من ٍ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫عرف اليابانيون مذاقاً‬ ‫المذاقات الساسية الربعة وحدها‪ .‬وقد ّ‬ ‫أساسياً خامساً‪ ،‬بات ت‬ ‫سموه‪:‬‬ ‫مع�فاً به من الناحية العلمية‪ّ ،‬‬ ‫«أومامي»‪ ،‬وهم ف ي� صدد تثبيت الحقيقة العلمية للمذاق‬ ‫سموه‪« :‬كوكومي»‪ ،‬فنكون بذلك أمام ستة‬ ‫السادس‪ ،‬وقد ّ‬ ‫تتكون منها أنواع الط َّْعم والنكهة المختلفة‪ ،‬ف ي�‬ ‫مذاقات أساسية‪ّ ،‬‬ ‫خليط نسب تتباين‪ ،‬ي ن‬ ‫ب� طعام وطعام‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إن اكتشاف المذاق السادس وكل أرساره‪ ،‬يفتح المجال أمام‬ ‫ف‬ ‫نواح عديدة‪ ،‬منها تطوير صناعة‬ ‫استثمار هذا المذاق ي� ٍ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مطيبات الطعام‪ ،‬وتسويقها ي� التجارة‪ .‬لكن الهم من ذلك‪ ،‬أن‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫المجال� الصحي‬ ‫االكتشاف يفتح المجال أيضاً أمام استثماره ف ي�‬ ‫والط�‪ ،‬ال سيما عند الشيوخ الذين يفقدون حس المذاق‬ ‫بي‬ ‫الشهية إىل الطعام‪ ،‬ويفقدون معها القوة والصحة‪.‬‬ ‫وبالتال‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫فهل يكون ف ي� المذاق السادس رس تستفيد منه ش‬ ‫الب�ية لمقاومة‬ ‫ٌّ‬ ‫الشيخوخة؟‬

‫نتذوق وماذا ن ُحب؟‬ ‫كيف ّ‬

‫تذوق‪ ،‬ش‬ ‫منت�ة عىل‬ ‫عند كل إنسان بالغ نحو ‪ 10‬آالف بُر ُعم ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫وال�اعم‬ ‫و� نواحي الفم والبلعوم‪ .‬ب‬ ‫الجانب العىل من اللّسان ي‬ ‫ت‬ ‫موزعة عىل نحو‬ ‫ال� تجعل اللسان خشن الملمس‪ّ ،‬‬ ‫هذه‪ ،‬ي‬

‫طعم المسام‬ ‫الخاليا‬ ‫مستقبالت‬ ‫التذوق‬

‫تجويف الفم‬ ‫نسيج ِّ‬ ‫يبطن‬ ‫جوف اللسان‬

‫الخاليا القاعدية‬ ‫عصب وارد‬

‫النسيج الضام‬

‫‪ 100‬نوع‪ ،‬كل نوع مختلف عن آ‬ ‫الخر ف ي� تلقي المذاق‪ .‬وهي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تستجيب لمختلف المواد‬ ‫ال� نتناولها‪ .‬ولكل‬ ‫ّ‬ ‫المكونة للطعمة ي‬ ‫و«تفس�»‬ ‫تركيبة كيميائية من الطعام رد فعل واستجابة خاصة‬ ‫ي‬ ‫ولل�اعم ف ي� جذورها أعصاب تنقل‬ ‫مختلف لمذاق الطعام‪ .‬ب‬ ‫المذاق إىل الدماغ‪ ،‬ت‬ ‫ح� تكتمل دورة معرفتنا لهذا المذاق‪ .‬وإذا‬ ‫كانت المذاقات أ‬ ‫الساسية أربعة‪ ،‬فإن مذاق «أومامي» الخامس‬ ‫الذي اكتشف منذ نحو قرن‪ ،‬يختص بمذاق أ‬ ‫الطعمة الدسمة‬ ‫ُ‬ ‫كاللحوم‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يطور ذوقه ف ي�‬ ‫غ� أن إ‬ ‫النسان تعلّم ي� ي‬ ‫ي‬ ‫كث� من الحاالت أن ّ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫المر هو‬ ‫المذاق‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫الرغم‬ ‫فعىل‬ ‫وبات‪،‬‬ ‫الم�‬ ‫أو‬ ‫طعمة‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫الذي علينا أن نتجنبه ف� أ‬ ‫الصل‪ ،‬مخافة ابتالع مواد سامة أو‬ ‫ي‬ ‫ضارة‪ ،‬إال أن ش‬ ‫غ� السام‬ ‫بعض‬ ‫يستطيبوا‬ ‫أن‬ ‫ّموا‬ ‫ل‬ ‫الب� تع‬ ‫المر ي‬ ‫ّ‬ ‫المرة‪ ،‬والفلفل‬ ‫أو الضار‪ ،‬من طعام أو ش�اب‪ ،‬مثل‬ ‫القهوة ف ّ‬ ‫أ‬ ‫ينشط خاليا اللم ي� اللسان والفم‪،‬‬ ‫الحار‪ .‬فمع أن هذا الفلفل ّ‬ ‫إال أن نحو ثلث ش‬ ‫ويش�‬ ‫الب�ية يأكلون الفلفل الحار كل يوم‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫النسان بالتجربة‪ ،‬مستنداً‬ ‫هذا المر إىل أن الذوق «أمر يتعلّمه» إ‬ ‫إىل االستكشاف الذي يستخدم فيه براعم لسانه وفمه‪.‬‬

‫أ‬ ‫البحاث اليابانية‬

‫ّ‬ ‫مر‬

‫مالح‬

‫حامض‬

‫حلو‬

‫ال ي ن‬‫ين‬ ‫ضافي�‪ -‬اللذين اكتشفهما اليابانيون؟‬ ‫ما هي قصة‬ ‫المذاق� إ‬ ‫ُس ّمي «أومامي» (‪ )Umami‬بالمذاق الخامس‪ ،‬بعدما اكتشفه‬ ‫العالم كيكوناي إيكادا (من جامعة طوكيو الم�اطورية‪ ،‬آ‬ ‫الن‪:‬‬ ‫إ ب‬ ‫ِْ‬ ‫جامعة طوكيو) سنة ‪1908‬م‪ .‬فقد اكتشف هذا العالم �ف‬ ‫ِ ي‬ ‫شوربة ش‬ ‫المكونة من تونا وأعشاب بحرية‪ ،‬طعماً ليس‬ ‫«دا�»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫له تصنيف مع المذاقات الساسية الربعة‪ .‬ي َّ ن‬ ‫وتب� له ي� التحليل‬ ‫أ‬ ‫ئ‬ ‫الكيميا�‪ ،‬أن مصدر هذا الطعم‪ ،‬هو الغلوتامات الحادية‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الصوديوم‪ ،‬فأعطاها اسماً يدمج ي ن‬ ‫يابانيت�‪ ،‬تعنيان‪ :‬لذيذ‪،‬‬ ‫كلمت�‬ ‫ت‬ ‫وطَعم‪ .‬وقد حظي هذا االكتشاف بعد شكوك‪ ،‬باع�اف العلماء‬ ‫ف ي� العالم‪.‬‬ ‫أما «كوكومي» (‪ )Kokumi‬الذي يواصل العلماء أبحاثاً حوله منذ‬ ‫‪1980‬م‪ ،‬فثمة بَ ْع ُد شك ف ي� أنه قد ال يكون ظاهرة فيسيولوجية‪.‬‬


‫واسمه مركب من ت ن‬ ‫ويوصف بالسماكة وأنه‬ ‫غ�‪ ،‬وطعم‪َ ،‬‬ ‫كلم�‪ :‬ي‬ ‫أي‬ ‫و«يمل» الفم‪ ،‬ومن مصادره الثوم والبصل‪ .‬وقد‬ ‫يث� الحماسة‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تعطينا هذا المذاق‪،‬‬ ‫أثبتت التحاليل الكيميائية أن المواد أ ي‬ ‫البحاث ال تزال تدرس عالقة‬ ‫هي «ببتيدات غلوتاميل غاما»‪ .‬لكن‬ ‫بعض خاليا الذوق ف ي� اللسان‪ ،‬أو أي جزء آخر من الفم‪ ،‬تلتقط‬ ‫و«تفسها» مذاقاً خاصاً‪.‬‬ ‫هذه الكيمياء‬ ‫ّ‬ ‫وإذا كان ثمة شك ال يزال قائماً ف ي� شأن «كوكومي»‪ ،‬فإن هذا‬ ‫الشك ظل أيضاً قائماً حيال «أومامي» بعض الوقت‪ ،‬ت‬ ‫ح�‬ ‫اكتشف العلماء الخاليا المتلقية للغلوتامات ف ي� اللسان والقناة‬ ‫الهضمية‪ .‬لكن سنوات الشك هذه‪ ،‬لم تمنع النجاح التجاري‬ ‫الذي أحرزته هذه النظرية‪ ،‬إذ ازدهرت صناعة الغلوتامات‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫الحادية الصوديوم وبيعها‪ ،‬بعدما تأسست لهذا الغرض �كة‬ ‫صناعية سنة ‪1909‬م‪ ،‬أخذت تصنع وتبيع مطيبات الطعام‬ ‫المصنوعة من هذه المواد الكيميائية‪.‬‬

‫الفائدة التجارية والصحية‬

‫ين‬ ‫اكتشف ش‬ ‫المسن�‬ ‫تاكا� ساسانو (من جامعة توهوكو) أن فقدان‬ ‫ي‬ ‫تذوق «أومامي»‪ ،‬عىل عالقة بسوء التغذية لديهم‪.‬‬ ‫القدرة عىل ّ‬ ‫متطوع� ي ن‬ ‫ين‬ ‫مسن�‪،‬‬ ‫فما كان منه إال أن أضاف إىل وجبات طعام‬ ‫ف‬ ‫شهيتهم ووزنهم‬ ‫مواد غنية بمذاق «أومامي»‪ ،‬والحظ تحسناً ي� ّ‬ ‫وصحتهم عموماً‪ .‬لكن دراسات أخرى وجدت العكس‪ ،‬إذ إنها‬ ‫الشهية‪.‬‬ ‫وبالتال تلجم‬ ‫الحظت أن «أومامي» تؤدي إىل الشبع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫والواقع أن كال أ‬ ‫المرين يمكن أن يكون صحيحاً‪ ،‬فقليل من الملح‬ ‫آ‬ ‫كث�ه فمنفّر للكل‪ .‬وإذا كان «أومامي» حافزاً‬ ‫يفتح‬ ‫الشهية‪ ،‬أما ي‬ ‫ّ‬ ‫للشبع‪ ،‬فيمكن إذاً أن يكون مفيداً لتخفيف السمنة بالحمية‬ ‫الغذائية‪.‬‬

‫«كوكومي» واحتماالته‬

‫ين‬ ‫الباحث� أن «كوكومي» قد يكون ف ي� مثل نجاح‬ ‫يظن بعض‬ ‫يخت�ه لمعرفة‬ ‫«أومامي»‪ .‬فقد حاول دكتور موتوناكا كورودا أن ب‬ ‫كيف يؤثر هذا المذاق ف ي� الطعام الذي تضاف إليه «ببتيدات‬ ‫ين‬ ‫غاليس�»‪ .‬فمزج بعض‬ ‫غلوتاميل غاما» مع مادة «فاليل‬ ‫هذه المواد بشوربة دجاج وزبدة فستق قليلة الدسم‪ .‬فوجد‬ ‫المتطوعون ف ي� االختبار‪ ،‬أن الطعام أدسم من المعتاد‪ .‬لذلك‬ ‫اق�ح كورودا أن تستخدم هذه الطريقة لجعل أ‬ ‫ت‬ ‫الطعمة القليلة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫الدسم أطيب مذاقاً‪ ،‬تماماً مثلما أدت «الغلوتامات الحادية‬ ‫تحس� الشهية‪ ،‬أ‬ ‫ين‬ ‫للطعمة القليلة الملح‪.‬‬ ‫الصوديوم» إىل‬

‫الذوق‬

‫ن‬ ‫ش‬ ‫ال�ء واستكشاف‬ ‫أصل مع� كلمة الذوق‪ ،‬تحسس فطعم ي‬ ‫نكهته ومذاقه بلساننا‪ .‬ونستخدم ي� أحيان كلمة التذوق‬ ‫ومشتقاتها‪ ،‬ف ي� حاالت المبالغة‪ ،‬فنقول عن أحدهم‪ ،‬إنه‬ ‫لم يذق طعم أ‬ ‫الكل‪ ،‬أي إنه لم يأكل شيئاً البتة‪ ،‬ت‬ ‫ح� إنه‬ ‫تعب�اً عن‬ ‫لم يذقه‪ .‬ونقول أحياناً‪ :‬لم أذق طعم النوم‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫الرق‪.‬‬ ‫ال� أداتها أ‬ ‫ت‬ ‫الساسية اللسان‪ ،‬نقول إن‬ ‫ومن حاسة الذوق ي‬ ‫ذواقة‪ ،‬أي إن حاسة «الذوق» لديه رفيعة مرهفة‪،‬‬ ‫فالناً ّ‬ ‫يمكن االستدالل الصحيح بها والوثوق بحكمها‪ .‬أما صنعة‬ ‫ف‬ ‫الك�ى ومصانع‬ ‫المتذوق‪ ،‬الذي وظيفته ي� المطاعم ب‬ ‫وال�اب‪ ،‬فهي أن ّ ش‬ ‫الطعام ش‬ ‫ال�ء بعد إعداده‬ ‫يتذوق ي‬ ‫يز‬ ‫ليج�ه أو يحجبه‪ ،‬ويكون حكمه بم�ماً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ال�ء‪ ،‬والمذاق‬ ‫ي‬ ‫و� لسان العرب‪ :‬الذوق مصدر ذاق ي‬ ‫ش‬ ‫خ�تُه‪.‬‬ ‫ُقت ما عنده‪ ،‬أي ب‬ ‫ُقت فالناً وذ ُ‬ ‫ال�ء‪ .‬وتقول‪ :‬ذ ُ‬ ‫طعم ي‬ ‫ش‬ ‫مستذاق‬ ‫وأمر‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫�ء‪ٌ ،‬‬ ‫وتذوقت الطعام‪ ،‬أي ذُق ُته شيئاً بعد ي‬ ‫حمد‪ .‬قال هللا‬ ‫ي‬ ‫فيما‬ ‫يكون‬ ‫والذوق‬ ‫معلوم‪.‬‬ ‫ب‬ ‫مجر‬ ‫ُ‬ ‫كره ويُ َ‬ ‫أي َّ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وع َوال َْخ ْو ِف ‪( }...‬سورة‬ ‫تعاىل‪ ...{ :‬فأذَاق َها الل َُّه ِل َب َاس ال ُْج ِ‬ ‫النحل‪ :‬آية ‪ ،)112‬أي ابتالها بسوء ما ُخ ب�ت من عقاب‬ ‫الجوع والخوف‪.‬‬ ‫يشتق‬ ‫وبذلك أسبغ القرآن الكريم عىل كلمة الذوق‪ ،‬وما ّ‬ ‫ن‬ ‫معا� مجازية ال تتعلق بحاسة اللسان‪.‬‬ ‫منها‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫و� هذا أيضاً نقول ف ي� المرء‪ ،‬إنه صاحب ذوق‪ ،‬إي إنه ذو‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� نمر‬ ‫وترصف الئق‪ .‬ومن‬ ‫ي‬ ‫المعا� المجازية ي‬ ‫رهافة حس ّ‬ ‫مر العذاب‪ .‬لكن اللفظ‬ ‫أذاقه‬ ‫عبارة‪:‬‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫أحيان‬ ‫بها ف ي� قراءاتنا‬ ‫ّ‬ ‫قد يتخذ ن‬ ‫مع� إيجابياً طيباً ي ن‬ ‫ح� نقول‪ :‬إن فالناً يتذوق‬ ‫مختلف الفنون‪ ،‬من موسيقى وشعر ورسم‪...‬‬ ‫وقد يكون الذوق ف� حسن اختيار ألوان المالبس أو أ‬ ‫الثاث‬ ‫ي‬ ‫ف� ن ز‬ ‫الم�ل‪.‬‬ ‫ي‬

‫فهل يمكن مع «كوكومي» أن تتكرر قصة نجاح «أومامي»‬ ‫التجارية والصحية؟ المسألة ال تزال قيد البحث‪ ،‬لكن الثابت‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫غ� بمادة «ببتيدات‬ ‫الن هو أن الطعمة‪ ،‬إذا أضيف لها غذاء ي‬ ‫غلوتاميل غاما»‪ ،‬فإن المذاق يصبح ألذ طعماً‪ .‬لكن كورودا ال‬ ‫أ‬ ‫ساس السادس‪ ،‬ويرى الباحث‬ ‫يظن أن «كوكومي» هو المذاق ال ي‬ ‫الدانمارك أول موريتسن أنه قد يكون و«أومامي» ي ن‬ ‫وجه� لعملة‬ ‫ي ي‬ ‫بيولوجية واحدة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫‪Taste in High Life, 1742, by William Hogarth‬‬


‫‪31 | 30‬‬

‫العلم خيال‬

‫شهد صيف ‪ 2015‬حدثين علميين شيقين‪،‬‬ ‫كالهما مرتبطان بوكالة الفضاء األمريكية‬ ‫(ناسا)‪ .‬الحدث األول هو وصول مركبة‬ ‫«نيوهورايزن» (األفق الجديد) إلى الكوكب‬ ‫القزم بلوتو‪ ،‬في رحلة استغرقت سنوات تسع!‬ ‫والثاني هو اكتشاف كوكب شبيه باألرض‬ ‫يبعد عن مجموعتنا الشمسية حوالي ‪1400‬‬ ‫سنة ضوئية‪ ،‬اسمه العلمي (كبلر ‪ ،)452‬أما‬ ‫ُّ‬ ‫فسموه (األرض ‪.)2 -‬‬ ‫المهتمون من الجمهور‬ ‫يتمدد‬ ‫‪ - 1‬الفضاء َّ‬ ‫‪ - 2‬الفقاعة‬ ‫‪ - 3‬الفضاء يتقلَّص‬

‫د‪َ .‬معين يحيى بن جنيد‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫طاويَ ة الفضاء‬ ‫النسان ت‬ ‫بال�حال ف ي� رحاب‬ ‫يتجدد حلم إ‬ ‫مع هذه المنجزات‪َّ ،‬‬ ‫الكون‪ .‬ولكن‪ ،‬بالتقنية الحالية‪ ،‬فإن مركبة نيوهورايزن تحتاج‬ ‫يق�ب من ‪ 26‬مليون سنة للوصول إىل تلك أ‬ ‫لما ت‬ ‫الرض الثانية‪.‬‬ ‫ولك أن تتصور الزمن المهول الذي قد تستغرقه إذا ما‬ ‫ت‬ ‫حوال ‪ 2.5‬مليون سنة ضوئية!‬ ‫ال� تبعد ع َّنا ي‬ ‫أرسلناها إىل أقرب مجرة لنا‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫للس� برسعات قريبة من‬ ‫ح� لو تمكنا من الوصول إىل تقنيات تؤهل المركبات ي‬ ‫رسعة الضوء‪ ،‬وهي الرسعة القصوى لالنتقال بع� الفضاء حسب النظرية النسبية‬ ‫ن ف‬ ‫طر� مجرتنا ستتطلب ‪ 100‬ألف سنة!‬ ‫الخاصة‪ ،‬فإن رحلة يب� ي ّ‬

‫حسب النظرية النسبية العامة‪ ،‬هناك عالقة وطيدة ي ن‬ ‫ب� توزيع المادة ف ي� الفضاء‬ ‫وشكل الفضاء حول تلك المادة‪ .‬فما تُعلمنا إياه هذه النظرية هو أن الفضاء‬ ‫له كينونة ديناميكية‪ .‬مثال ً فضاء كوننا المرصود يتمدد! ولكن بطريقة خارجة عن‬ ‫المألوف ف ي� حياتنا اليومية‪ .‬فأحد التشبيهات الشائعة لتمدد الكون يتمثل ف ي� انتفاخ‬ ‫البالون‪ .‬وهو وإن كان تشبيهاً مناسباً كوسيلة تعليمية‪ ،‬يغ� أنه يفتقر للدقة ألن‬ ‫البالون يتمزق بعد تجاوز حد ما من التمدد‪ .‬أما الفضاء فإنه يستحيل أن يتمزق‬ ‫مهما تمدد‪ ،‬وكأن فضا ًء جديداً يُخلق أثناء التمدد‪.‬‬

‫الخيال العلمي‬

‫لوال أن الخيال أهم من المعرفة كما يُنقل عن آينشتاين‪ ،‬النتهت هذه المقالة هنا‪.‬‬ ‫ت ض‬ ‫ا� جديد‪.‬‬ ‫ولكن عقل إ‬ ‫النسان قادر عىل الخروج عن قيود الواقع ّ‬ ‫وتخيل عالم اف� ي‬ ‫ف‬ ‫فهناك عدة طرق ي� أدبيات الخيال العلمي لقطع المسافات الكونية برسعات تفوق‬ ‫رسعة الضوء‪.‬‬ ‫مثالً‪ ،‬لو ُوجدت ما تسمى بالثقوب الدودية (‪ )Wormholes‬وكان بمقدورنا‬ ‫ع�ها‪ ،‬فإن الوصول إىل مجرة بعيدة قد يستغرق بضع ساعات‬ ‫االنتقال ب‬ ‫ين‬ ‫وليس ي ن‬ ‫السن�! ولو كانت مركباتنا قادرة عىل فتح نافذة إىل فضاء آخر‬ ‫مالي�‬ ‫أو بُعد جديد ‪-‬يعرف بـ «‪ -»Hyperdrive‬فقد نخترص المسافات الشاسعة‬ ‫ف ي� فضائنا العادي‪ .‬وهناك طرق أخرى‪ ،‬ولكن معظمها يتناقض تماماً مع‬ ‫ين‬ ‫قوان� الطبيعة ولذلك يصعب تخيل انتقالها من عالم الخيال إىل عالم‬ ‫الواقع‪.‬‬

‫آلكوباي�‬ ‫آلة طي الفضاء أو آلة‬ ‫ي‬

‫ولكن هل توجد طريقة لالنتقال برسعات تتجاوز رسعة الضوء وال تتناقض مع‬ ‫قوان� ي ز‬ ‫ين‬ ‫الف�ياء؟ الجواب هو نعم!‬

‫تأ� قصة ي ز ئ‬ ‫ت‬ ‫آلكوباي� الذي كان ف ي� عام ‪1994‬م ف ي�‬ ‫المكسيك ميجيل‬ ‫يا�‬ ‫ي‬ ‫الف� ي‬ ‫وهنا ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة من مرحلة الدكتوراة بجامعة ويلز ي� بريطانيا‪ ،‬ومجال اختصاصه هو‬ ‫السنة ال ي‬ ‫النسبية العامة‪ .‬ف‬ ‫و� الوقت نفسه‪ ،‬كان من مح� الخيال العلمي‪ .‬ف‬ ‫و� يوم ما‪ ،‬بعد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫التال‪ :‬هل‬ ‫مشاهدة إحدى حلقات مسلسل «‪»Star Trec‬‬ ‫ي‬ ‫الشه�‪ ،‬فكّر ي� السؤال ي‬ ‫نغ� شكل الفضاء حول مركبة فضائية بحيث ننقلها من مكان إىل آخر‬ ‫إ‬ ‫بالمكان أن ي‬ ‫ف‬ ‫و� الوقت نفسه ال نخالف مبادئ النسبية العامة؟‬ ‫برسعة تتجاوز رسعة الضوء‪ ،‬ي‬ ‫بعد جهد‪ ،‬توصل إىل معادلة تصف هندسة خاصة لـ «الزمكان» ال تخالف‬ ‫ت‬ ‫«لف» الفضاء بطريقة تمكِّن من الوصول‬ ‫«طي» أو ّ‬ ‫النظرية‪ ،‬وتف�ض السماح بـ ّ‬ ‫بكث� من ذاك‬ ‫إىل أهداف عىل مسافات كونية خالل أيام أو أشهر‪ .‬وهذا زمن أقرص ي‬ ‫الذي يستغرقه الضوء نفسه‪.‬‬ ‫آلكوباي� أو آلة طي الفضاء (‪ )Space Wrap Drive‬تعتمد عىل جعل‬ ‫فكرة آلة‬ ‫ي‬ ‫الفضاء يتمدد خلف المركبة ويتقلص أمامها‪ .‬أما الفضاء الذي تقع فيه المركبة‬ ‫نفسها فإنه يظل فضا ًء مسطحاً وتسمى هذه المنطقة بالفقاعة‪.‬‬


‫إن هذا ت‬ ‫ال�تيب الخاص يؤدي لنشوء موجة ف ي� «الزمكان»‪ .‬يتمدد الفضاء من وراء‬ ‫ف‬ ‫و� الوقت نفسه‬ ‫الفقاعة فيدفعها بعيداً عن محطة االنطالق ونحو وجهتها‪ ،‬ي‬ ‫ً‬ ‫ليج َّرها نحو نقطة الوصول وبعيدا عن محطة‬ ‫يتقلص الفضاء أمام الفقاعة ُ‬ ‫االنطالق‪ .‬أ‬ ‫ولن الفضاء نفسه هو الذي يتمدد أو يتقلص فإن رسعة الضوء ليست‬ ‫أ‬ ‫وبالتال يمكن للتمدد والتقلص أن‬ ‫تخ�نا النسبية العامة‪.‬‬ ‫هي الحد القىص كما ب‬ ‫ي‬ ‫يحصل برسعة تتجاوز رسعة الضوء‪.‬‬ ‫أما داخل الفقاعة‪ ،‬فال يمكن شل�ء التنقل ي ن‬ ‫ب� جنباتها برسعة تتجاوز الضوء‪ ،‬بل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تقف المركبة ثابتة‪ ،‬فيما تأخذها موجة «الزمكان» إىل المكان المطلوب ي� زمن‬ ‫قياس!‬ ‫ي‬

‫مصاعب وآمال متجددة‬

‫لكن ما كُل ما يتمناه المرء يدركه! ألن إيجاد تلك الظروف يتطلب توزيعاً خاصاً‬ ‫لنوع غريب من المادة حول المركبة‪ .‬فالمطلوب هو مادة ذات كتلة سالبة! وال‬ ‫يوجد ت‬ ‫ح� اليوم دليل يؤكد وجودها‪ .‬فضال ً عن ذلك‪ ،‬فإن الكتلة المطلوبة تتجاوز‬ ‫ف‬ ‫بالضافة إلشكاالت أخرى‪ .‬ولوال سعة خيالنا‬ ‫ما يمكن أن نتخيله ي� الكون كله! إ‬ ‫النتهى المقال هنا أيضاً!‬ ‫لحسن الحظ‪ ،‬فإن أحد ث‬ ‫الف� ي ن‬ ‫أك� ي ز‬ ‫يائي� تحمساً آللة طي الفضاء يعمل ف ي� وكالة‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫تب� أن‬ ‫و� العام ‪2011‬م‪ ،‬قام وايت بحسابات ي‬ ‫ناسا‪ ،‬واسمه هارولد وايت‪ .‬ي‬ ‫ت‬ ‫الطاقة‪/‬الكتلة الالزمة لتشغيل طاوية الفضاء يمكن خفضها إىل ما يق�ب من ‪700‬‬ ‫كيلوجرام فقط‪ .‬ت‬ ‫آلكوباي� بحيث تتحول الفقاعة إىل‬ ‫واق�ح تعديالت عىل معادلة‬ ‫ي‬ ‫وأخ�اً فإنه يقوم حالياً وفريق عمله عىل‬ ‫شكل يشبه الطارة أو قطعة (الدونات)‪ .‬ي‬ ‫صغ�ة‪ ،‬وما زال عملهم قيد البحث‬ ‫دراسة الختبار أثر طي الفضاء بآلة نموذجية ي‬ ‫ت‬ ‫ح� اليوم ف ي� معامل وكالة ناسا‪.‬‬ ‫هل ستنجح التجربة ويتم تأكيد مبدأ عمل آلة طي الفضاء؟ ستبدي لنا أ‬ ‫اليام‬ ‫ذلك! ولكن ت‬ ‫ح� وإن لم تنجح فلن يتوقف شغفنا ش‬ ‫كب� بالخيال والحلم بمغامرات‬ ‫جديدة‪ ،‬وال طموحنا العلمي الستكشاف الكون الذي يضمنا!‬

‫الرمز المدا ( ) هو الحرف الحادي ش‬ ‫ع� ف ي�‬ ‫أ‬ ‫الغريقية‪ ،‬ووفقاً للنظام الرقمي‬ ‫البجدية إ‬ ‫الغريقي القديم فإن هذا الرمز يحمل القيمة‬ ‫إ‬ ‫الرقمية ‪.30‬‬ ‫ولهذا الحرف الذي يقوم مقام الالم ف ي�‬ ‫العربية أهمية بالغة ف ي� عوالم الميثولوجيا‬ ‫أ‬ ‫الك�ى ( ) نُقش‬ ‫ساط�‪ .‬فهو بصيغته ب‬ ‫وال ي‬ ‫عىل دروع محار� أس�طة أ‬ ‫الشاوس تخليداً‬ ‫بي ب‬ ‫لذكرى (الكديمون بن زيوس) الذي أسس‬ ‫أ‬ ‫ساط�‪ .‬وال تزال‬ ‫هذه المملكة‬ ‫الحربية وفقاً لل ي‬ ‫ّ‬ ‫الك�ى ‪-‬المعروفة كذلك بـ (شيڤرون)‪-‬‬ ‫المدا ب‬ ‫تُرسم عىل متون المركبات العسكرية لقوات‬ ‫حلف الناتو‪ ،‬ويحدد عددها عىل أ‬ ‫الكتاف رتب‬ ‫ِّ‬ ‫الضباط ف ي� الجيش‪.‬‬ ‫الك�ى ( )‬ ‫فيما يتعلق بالعلوم‪ ،‬فإن المدا ب‬ ‫ترمز إىل نوعية خاصة من الجزيئات دون‬ ‫الذرية ف� ي ز‬ ‫الف�ياء‪ .‬ويستخدم الرمز نفسه‬ ‫ي‬ ‫ف ي� المنطق كاسم لمجموعة من البديهيات‬ ‫المنطقية ف� أسلوب الدرجة أ‬ ‫الوىل من‬ ‫االستنتاج يالمنطقي‪ .‬ف‬ ‫و� علوم الكمبيوتر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الك�ى ترمز للنافذة الزمنية الالزمة‬ ‫فإن المدا ب‬ ‫ت‬ ‫لقياس وتحديد فعالية الذاكرة االف�اضية‬ ‫للحاسوب‪.‬‬ ‫ف� ي ز‬ ‫الك�ى احتمال‬ ‫الف�ياء الفلكية‪ ،‬تمثل المدا ب‬ ‫ف‬ ‫ي ق‬ ‫تال� جسيم بكوكب أو كويكب ي� الفضاء‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫مما ض‬ ‫خ� عىل مدار‬ ‫يقت� حصول هذا ال ي‬ ‫ي‬ ‫مستقل ال يتقاطع مع أي جسم آخر ويحدد‬ ‫ما إذا كان يستحق لقب «كوكب»‪.‬‬ ‫كب� ف ي�‬ ‫حضور‬ ‫أما المدا الصغرى ( ) فلها‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ز‬ ‫الف�ياء‬ ‫ش� مجاالت العلوم‪ .‬أشهرها ي� ي‬ ‫ت َّ‬ ‫حيث ترمز للطول الموجي للموجة وهي‬ ‫متتاليت� أو ي ن‬ ‫ين‬ ‫ب� ي ن‬ ‫المسافة ي ن‬ ‫قاع�‬ ‫قمت�‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫متتالي�‪ .‬وتستخدم المدا كذلك ي� حساب‬ ‫ف‬ ‫الج�‬ ‫(القيمة الذاتية – ‪ )Eigenvalue‬ي� ب‬ ‫ف‬ ‫الحصاء لحساب تكرارية الوقوع‬ ‫و� إ‬ ‫الخطي‪ ،‬ي‬ ‫خالل تف�ة زمنية‪ ،‬فضال ً عن استخدامات أخرى‬ ‫متعددة ف ي� علوم االتصاالت والبيئة‪ ،‬واعتماد‬ ‫ض‬ ‫الريا� فيثاغورس لها رمزاً لمتوالية عددية‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫مرفوع� لقوى ثابتة‪.‬‬ ‫الرقم� ‪ 2‬و‪3‬‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪33 | 32‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫منتج‬

‫السيارات‬ ‫ذاتية‬ ‫التحكم‬ ‫د‪ .‬محمد خلف الغامدي‬ ‫نسمع اليوم أن ش�كة «غوغل» تنفِّذ تجارب‬ ‫تس� نفسها آلياً بال‬ ‫واعدة عىل سيارات ي ِّ‬ ‫سائق� ي ن‬ ‫ين‬ ‫آدمي�‪ ،‬بالتعاون مع ش�كات بك�ى‬ ‫مثل تويوتا وأودي وسواهما‪ .‬فضال ً عن نماذج عدة‬ ‫مرسيدس‪-‬ب� ن‬ ‫نز‬ ‫أنتجتها‬ ‫وج�ال موتورز ونيسان‪ .‬لكن تاريخ‬ ‫السيارة الذاتية التحكم يمكن تعقّبه إىل العام ‪1926‬م‪.‬‬ ‫«ميلووك سانتينال» كان من المقرر أن‬ ‫فوفقاً لصحيفة‬ ‫ي‬ ‫تقوم «السيارة الشبح» ‪ -‬كما أطلق عليها المحرر آنذاك‬ ‫أ‬ ‫الخ�‬ ‫ بجولة ف ي� شوارع مدينة‬‫ميلووك المريكية‪ .‬يذكر ب‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫أن سيارة بدون سائق ستعمل ذاتياً من اللف إىل الياء‪،‬‬ ‫حيث سيبدأ المحرك وتبدل الرسعات تلقائياً وتنطلق من‬ ‫نقطة البداية إىل النهاية متتبعة عالمات المرور‪ ،‬وذلك‬ ‫عن طريق التحكم عن بُعد بإشارات الراديو الالسلكية‬ ‫س� السيارة‬ ‫الخ� بذكر خط ي‬ ‫من مركبة أخرى‪ .‬ويستطرد ب‬ ‫القراء بوجوب االبتعاد عن تلك الشوارع‬ ‫الشبح محذراً َّ‬ ‫وقت القيام بتلك التجربة‪.‬‬ ‫يتضح لنا مما سبق أن السيارة الموصوفة كانت سيارة‬ ‫يتم التحكم بها عن بُعد ث‬ ‫أك� من كونها ذاتية التحكم‬ ‫ن‬ ‫بالمع� المتعارف عليه اليوم‪.‬‬ ‫آ‬ ‫لكن «السيارة اللية» كما نتخيلها اليوم‪ ،‬شهدت تطوراً‬ ‫نوعياً ف� الثمانينيات وظهرت عام ‪2013‬م فقط‪ ،‬ي ن‬ ‫ح�‬ ‫ي‬ ‫اليطالية ف ي� تسجيل أول‬ ‫نجح فريق من جامعة بارما إ‬ ‫رحلة بسيارة ذاتية التحكم بدون سائق ف ي� بيئة مرور‬ ‫عام ومسار مختلط (طريق زراعي مزدوج‪ ،‬طريق رسيع‬ ‫ن‬ ‫سك�) بعيداً عن مسارات التجارب المغلقة‪ ،‬ف ي�‬ ‫وطريق ي‬ ‫تسجل‬ ‫وجود سيارات أخرى ومشاة وعوائق طبيعية لم َّ‬ ‫مسبقاً ف ي� أجهزة التحكم والمراقبة عىل السيارة‪ .‬لم‬ ‫يتم التحكم شب�ياً عن بُعد بالسيارة‪ ،‬وكل قرار اتخذته‬ ‫هذه المركبة كان نابعاً ذاتياً من وحدة التحكم الرئيسة‬ ‫والشارات المرورية‬ ‫الخاصة بها تبعاً لمعطيات الطريق إ‬ ‫ش‬ ‫والمستجدات المحيطة‪ ،‬من دون أي تدخل ب�ي‪ .‬الجزء‬ ‫أ‬ ‫ال ثك� تعقيداً من هذه التجربة هو التعامل مع حركة‬ ‫المرور الحقيقية ف ي� محيط الطريق الرسيع والمناطق‬ ‫ت‬ ‫ال� زادت بشكل‬ ‫السكنية (وسط المدينة)‪ .‬أحد العنارص ي‬ ‫كب� التعقيد هو الحاجة التخاذ القرار لدخول الدوارات‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫والنفاق‪ ،‬ومعابر المشاة‪ ،‬والمطبات الصناعية‪ ،‬وإشارات‬

‫التفس�‬ ‫المرور‪ ،‬ألن هذه الحاالت مفصلية تتطلب‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫البي� العميق من قبل النظام عىل ت ن‬ ‫م� السيارة‪ .‬نجحت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫السيارة ي� إتمام المهمة‪ ،‬وقطعت مسافة الرحلة بكفاءة‬ ‫كث� من ش‬ ‫الب�!‬ ‫وسالمة يحسدها عليها ي‬ ‫عند ي ن‬ ‫تعي� الوجهة للسيارة‪ ،‬تبدأ بتحديد الطريق استناداً‬ ‫إىل الخريطة المحفوظة مسبقاً ف ي� وحدة الذاكرة الدائمة‬ ‫مع إمكانية تحديثها استناداً إىل نظام «‪ »GPS‬والبيانات‬ ‫الالسلك‬ ‫المحدثة المدخلة عن طريق نظام االتصال‬ ‫ي‬ ‫لتعريف أو تفادي أي مستجدات كالحوادث أو إصالحات‬ ‫وغ�ها من الطوارئ‪ .‬كما يتم تحديد الرسعة‬ ‫الطرق ي‬ ‫المالئمة لكل منطقة ف ي� الطريق‪ .‬وعملية تحديد الطريق‬ ‫وكل ما يتطلبه من معلومات ومطابقتها مع إحداثيات‬ ‫نظام المالحة ومدخالت حساسات ي ز‬ ‫والكام�ات‬ ‫الل�ر‬ ‫ي‬ ‫الخلفية أ‬ ‫والمامية هي عملية معالجة بيانات ضخمة‬ ‫تتطلب خوارزميات دقيقة ومعقدة ورسعة معالجة‬ ‫وتحديث عالية‪.‬‬ ‫اعتماد السيارة الذكية ذاتية التحكم عىل دقة الخرائط‬ ‫لخ�ة واسعة ف ي� تقنيات رسعة‬ ‫ورسعة تحديثها وتطلبها ب‬ ‫ودقة معالجة البيانات الضخمة دفع عمالق الحوسبة‬ ‫«غوغل» إىل اقتحام هذا المجال‪ ،‬باالتكال عىل التفوق‬ ‫الكب� ف ي� ش‬ ‫م�وع «خرائط غوغل»‪ .‬ف ي� عام ‪2005‬م‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫ابتكر مهندسو غوغل ماسح ي ز‬ ‫ثال� البعاد الذي‬ ‫الل�ر ي‬ ‫يسمح لجهاز التحكم المركزي عىل المركبة بتوليد خرائط‬ ‫مفصلة عالية الدقة للبيئة المحيطة‪ .‬فصارت عندنا‬ ‫سيارة آلية ذكية خاضت تجارب الشارع وسط بيئة مرورية‬ ‫مفتوحة ف� عام ‪2014‬م‪ ،‬بعد أن حصلت عىل ت‬ ‫ال�اخيص‬ ‫ي‬ ‫المحلية الالزمة‪.‬‬ ‫يمثل نموذجا السيارة الذاتية التحكم من جامعة بارما‬ ‫ش‬ ‫و�كة غوغل خطوة مهمة نحو سيارات قادرة عىل أن‬ ‫تكون مستقلة تماماً عن العنرص ش‬ ‫الب�ي ف ي� أي حالة‪.‬‬ ‫ليس لهذه السيارات حالياً القدرة بالفعل عىل التعامل‬ ‫مع بعض الحاالت الشائعة بطريقة مثىل‪ ،‬كالدخول ف ي�‬ ‫الكب�ة واالندماج ف ي� الطرق الرسيعة والتجاوب‬ ‫الدوارات ي‬ ‫مع إشارات المرور المتعددة ف ي� آن واحد‪ ،‬وتجاوز أعمال‬ ‫الطرق بسالسة‪ .‬فالنماذج الحالية من تلك السيارات‬ ‫تتعامل مع دخول الدوارات والطريق الرسيعة المزدحمة‬

‫بطريقة متحفظة جداً‪ ،‬حيث تتوقف السيارة تماماً قبل‬ ‫اتخاذ الخطوة المقبلة وهو ما قد يؤدي إىل إشكاالت‬ ‫وحوادث محتملة ف ي� ظل مشاركة السيارة الطريق مع‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� غالباً ما تكون يغ� ذكية وتحت‬ ‫السيارات الخرى ي‬ ‫تحكم ش‬ ‫الب�‪.‬‬ ‫ف� عام ‪2013‬م‪ ،‬ف‬ ‫تو� ما يزيد عىل ‪ 14‬ألفاً وأصيب ثالثة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أضعافهم ف ي� حوادث السيارات ف ي� أوروبا وحدها‪ .‬أما‬ ‫ف‬ ‫معدله‬ ‫فتش� إحصاءات ‪2014‬م إىل أن ما َّ‬ ‫ي� المملكة ي‬ ‫‪ 17‬شخصاً يتوفون يومياً بسبب حوادث المرور! و‪%93‬‬ ‫من تلك الحوادث هي نتيجة ألخطاء شب�ية بحتة‬ ‫مثل‪ :‬االنشغال أ‬ ‫بالجهزة الشخصية‪ ،‬والرسعة الزائدة‪،‬‬ ‫الجهاد‪ .‬وينظر المهتمون إىل‬ ‫والضعف العام بسبب إ‬ ‫السيارات الذاتية التحكم عىل أنها الحل المخلص‬ ‫من هذه أ‬ ‫الرقام المفزعة‪ ،‬إن أخذنا ف ي� االعتبار أن‬ ‫كل السيارات ستكون ذاتية التحكم مع إتاحة إمكانية‬ ‫ب� المركبات لتعزيز أ‬ ‫التواصل ي ن‬ ‫المن والسالمة عىل‬ ‫الطرق‪.‬‬ ‫فتخيل عالماً ال تمتلك فيه سيارة خاصة‪ ،‬ستطلب سيارة‬ ‫التال‬ ‫ذكية لتقلك إىل عملك ثم تنطلق لتقل الراكب ي‬ ‫لصف السيارة عىل جوانب‬ ‫إىل وجهته تلقائياً‪ .‬ال حاجة ّ‬ ‫الطرقات أو تخصيص مواقف خاصة لها ف‬ ‫ن‬ ‫المبا� ألن‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫السيارة إن لم تكن مشغولة ف ي� توصيل راكب أو بضائع‬ ‫فهي ستقود نفسها إىل مساحة الوقوف المخصصة‬ ‫البعيدة‪ .‬ال مزيد من إشارات المرور‪ ،‬فالسيارات‬ ‫ستتواصل فيما بينها وتحدد أولوية المرور حسب‬ ‫الطريق أو حسب الحاجة ف ي� حال وجود طارئ‪ .‬وهذا‬ ‫التواصل ي ن‬ ‫ب� السيارات سيقلل من االختناقات المرورية‬ ‫واالزدحامات كما سيمكّن السيارة من التواصل مع شبكة‬ ‫المواصالت الذكية الختيار الطريق أ‬ ‫الرسع‪ .‬ستتمكن من‬ ‫ركوب السيارة واالنطالق‪ ،‬إن كنت رجال ً أو سيدة‪ ،‬معا�ف‬ ‫أو معاقاً وبدون رخصة قيادة‪ .‬كل ذلك سيؤدي حتماً‬ ‫إىل أن تكون الطرق ث‬ ‫أك� أمناً‪ ،‬بيئة خالية من الحوادث‬ ‫والصابات‪ .‬أ‬ ‫فالرقام الحالية المرعبة ستكون شيئاً من‬ ‫إ‬ ‫الما�‪ .‬أ‬ ‫ض‬ ‫والهم من هذا كله‪ ،‬ستتمكن من العبث‬ ‫ي‬ ‫بهاتفك المحمول أو إتمام عملك قبل بلوغ وجهتك دون‬ ‫أن تتسبب ف� إزهاق روحك أو غ�ك من أ‬ ‫البرياء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫المهندس أمجد قاسم‬

‫كهرباء من‬ ‫باطن األرض‬

‫طاقة‬

‫ِّ‬ ‫يشكل توفير الطاقة على اختالف أشكالها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حاليا‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫الشغل الشاغل لإلنسان‬ ‫من إسهام الوقود األحفوري على اختالف‬ ‫أنواعه في تلبية معظم حاجات اإلنسان‬ ‫اليومية من الطاقة‪ ،‬إال أن استثمار مصادر‬ ‫ِّ‬ ‫والمتجددة أصبح يحتل‬ ‫الطاقة البديلة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جانبا كبيرا من اهتمامات الباحثين‬ ‫حاليا‬ ‫والعلماء‪ ،‬وحتى اهتمام شركات النفط‬ ‫العمالقة التي أصبحت تستثمر في هذا‬ ‫القطاع‪ ،‬وتدعم األبحاث الخاصة بتطوير‬ ‫تقنيات جديدة للطاقة المتجددة وتسهم‬ ‫في شركات الطاقة البديلة‪ .‬ومن مصادر‬ ‫الطاقة البديلة المثيرة لالهتمام والبحث‬ ‫في قابليتها لالستثمار‪ ،‬الطاقة الحرارية في‬ ‫باطن األرض‪.‬‬


‫‪35 | 34‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫استرعت المياه الساخنة المتدفقة‬ ‫من باطن أ‬ ‫الرض والبخار المندفع‬ ‫من بين الصخور على اهتمام‬ ‫النسان منذ آالف السنين‪،‬‬ ‫إ‬ ‫واستخدمت لغايات االستحمام‬ ‫والطهي وتدفئة المنازل وإذابة الثلوج في المناطق‬ ‫الباردة وفي تدفئة البيوت البالستيكية الزراعية ومزارع‬ ‫أ‬ ‫السماك وفي بعض الصناعات المختلفة‪ ،‬كصناعة‬ ‫أ‬ ‫الورق والمنسوجات والسيراميك‪ ،‬وتجفيف الخشاب‬ ‫والمحاصيل الزراعية‪ ،‬كما استثمرت ألغراض عالجية‪،‬‬ ‫وما زال كثير من المناطق في شتى أنحاء العالم التي‬ ‫تتدفق فيها مياه الينابيع الحارة يستقطب أعداداً‬ ‫كبيرة من الناس الساعين إلى العالج واالستشفاء أو‬ ‫إلى االسترخاء والترويح عن النفس‪.‬‬ ‫النسان‬ ‫إال أنه ومع التقدم التكنولوجي الذي حققه إ‬ ‫في العصر الحديث‪ ،‬وزيادة الطلب العالمي على‬ ‫الطاقة الكهربائية‪ ،‬توجهت أ‬ ‫النظار نحو الطاقة‬ ‫الجيوحرارية (‪ )Geothermal‬الستثمارها في توفير‬ ‫النسان المتزايدة من الطاقة جنباً إلى‬ ‫بعض حاجات إ‬ ‫جنب مع بقية مصادر الطاقة المتجددة والتقليدية‪.‬‬ ‫وازدهرت هذه التكنولوجيا في الدول التي تتوفر‬ ‫فيها منابع للمياه الساخنة والبخار وتكون في العادة‬ ‫بالقرب من مناطق الزالزل والبراكين‪.‬‬

‫تاريخ يعود إلى قرن من الزمن‬

‫تنتشر في القشرة أ‬ ‫الرضية مناطق ساخنة تتدفق‬ ‫منها ينابيع المياه الساخنة والبخار‪ .‬وفي ‪ 4‬يوليو‪/‬‬ ‫تموز ‪1904‬م تم استخدام هذا المصدر المهم من‬ ‫الطاقة لتوليد الكهرباء‪ ،‬حيث أجرى بيرو جينوري‬ ‫تجربة لتشغيل مولد كهرباء باستخدام الطاقة‬ ‫الحرارية الجوفية في حقل «الرديلو» (‪ )Lardello‬في‬ ‫إيطاليا‪ ،‬إذ استعمل البخار المندفع من جوف أ‬ ‫الرض‬ ‫لتشغيل توربين لتوليد الكهرباء بقدرة ‪ 15‬كيلوواط‪،‬‬ ‫وقد أدخلت الحقاً كثير من التحسينات على هذه‬ ‫المحطة التي ما زالت تعمل لغاية آ‬ ‫الن‪.‬‬ ‫وأعقب ذلك في عشرينيات القرن الماضي تشغيل‬ ‫محطة «جيزيري» في أمريكا‪ ،‬باستخدام الطاقة‬ ‫الحرارية أ‬ ‫للرض بقدرة ‪ 250‬كيلوواط‪ ،‬ومحطة أخرى‬ ‫في جزر «كيوسيو» في اليابان‪ .‬وفي خمسينيات‬ ‫القرن الماضي تم إنشاء محطة لتوليد الكهرباء‬ ‫بواسطة الطاقة الحرارية لباطن أ‬ ‫الرض في منطقة‬ ‫«واراكاي» في نيوزيلندة‪ .‬وفي عام ‪1960‬م‪ ،‬افتتحت‬ ‫محطة مشابهة في كاليفورنيا في أمريكا‪ .‬وفي عام‬ ‫‪1967‬م لجأ االتحاد السوفيتي السابق إلى تشغيل‬ ‫محطة لتوليد الكهرباء باستخدام غاز الفريون‬ ‫إلدارة التوربينات‪ .‬وهذا الغاز يتم تسخينه بواسطة‬ ‫المياه الجوفية متوسطة درجة الحرارة‪ ،‬حيث يتحول‬ ‫الفريون إلى بخار مرتفع الضغط قادر على تشغيل‬

‫بعض أ‬ ‫الغراض التي استعملت‬ ‫من أجلها المياه الجوفية‬

‫توربينات التوليد‪ .‬وأعقب ذلك افتتاح عدد آخر من‬ ‫محطات توليد الكهرباء باستخدام حرارة أ‬ ‫الرض‬ ‫كمحطة «سيررو – بيرتو» في المكسيك بقدرة ‪75‬‬ ‫ميجاواط‪ ،‬ومحطة «كاكوندا» في اليابان بقدرة ‪50‬‬ ‫ميجاواط ومحطة «كرافال» في إسبانيا بقدرة ‪30‬‬ ‫ميجاواط ومحطة «آواتشابان» في السلفادور بقدرة‬ ‫‪ 60‬ميغاواط ومحطة «فايراكسي» في نيوزلندا بقدرة‬ ‫‪ 192‬ميجاواط وغيرها‪.‬‬

‫مستودع ضخم من الطاقة‬

‫تحتوي أ‬ ‫الرض على كميات هائلة من الطاقة الحرارية‬ ‫في جوفها التي اختزنت فيها منذ مئات ماليين‬ ‫السنين‪ .‬فنواة أ‬ ‫الرض تحتوي على مواد منصهرة ذات‬ ‫درجات حرارة مرتفعة جداً تبلغ نحو ‪ 6000‬درجة‬ ‫مئوية‪ ،‬أما القشرة أ‬ ‫الرضية التي يتراوح سمكها ما‬ ‫بين ‪ 5‬و‪ 60‬كيلومتراً فتراوح درجة الحرارة في أعماقها‬ ‫ما بين ‪ 500‬و‪ 1000‬درجة مئوية‪ .‬وهذا المصدر من‬ ‫الطاقة الحرارية هو ما تسعى تكنولوجيا الطاقة‬ ‫الجيوحرارية إلى استغالله حالياً لغايات توليد الطاقة‬ ‫الكهربائية والتدفئة‪.‬‬ ‫فمن المعروف أن درجة حرارة الكرة أ‬ ‫الرضية ترتفع‬ ‫كلما انتقلنا إلى أ‬ ‫السفل‪ .‬فمنطقة الوشاح التي تلي‬ ‫القشرة أ‬ ‫الرضية والتي تمتد إلى عمق ‪ 2900‬كيلومتر‬ ‫تقريباً تبلغ درجة حرارتها نحو ‪ 2500‬درجة مئوية‪ .‬أما‬ ‫طبقة اللب الداخلي التي تلي طبقة اللب الخارجي‬ ‫فإن حرارتها تبلغ حوالي ‪ 3900‬درجة مئوية وهي‬ ‫تتركب من مواد منصهرة في حالة سيولة‪ ،‬ودرجات‬

‫مصادر الطاقة الجيوحرارية‬ ‫ثالثة‪ :‬حقول المياه الساخنة‪،‬‬ ‫وحقول البخار الجاف‪ ،‬وحقول‬ ‫الصخور الحارة‪..‬‬ ‫الحرارة المرتفعة تنتقل من تلك الطبقات الداخلية‬ ‫إلى الطبقات الخارجية وحتى تصل إلى القشرة‬ ‫الرضية ثم إلى الغالف الغازي أ‬ ‫أ‬ ‫للرض‪ .‬إال أن تلك‬ ‫الكميات من الحرارة المنطلقة نحو الجو تكون قليلة‪.‬‬ ‫أما أسباب ارتفاع درجة الحرارة لطبقات أ‬ ‫الرض‪،‬‬ ‫فيعزى إلى عدة أسباب‪ ،‬فلب أ‬ ‫الرض منصهر يحتوي‬ ‫على كثير من الطاقة الحرارية التي تتدفق نحو‬ ‫الطبقات أ‬ ‫العلى‪ .‬كما أن قوى الجاذبية واحتكاك‬ ‫طبقات أ‬ ‫الرض ببعضها بعضاً ينتج عنه ارتفاع كبير‬ ‫في درجة حرارة تلك الصخور والمياه الموجودة فيها‪.‬‬ ‫كذلك فإن تحلل المواد المشعة الموجودة في باطن‬ ‫الرض يتسبب في ارتفاع درجة حرارة جوف أ‬ ‫أ‬ ‫الرض‪،‬‬ ‫كانحالل الراديوم واليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم‬ ‫الشعاعي‪ .‬وهذا ما‬ ‫وغيرها من العناصر ذات النشاط إ‬ ‫أ‬ ‫يجعل جانباً كبيراً من الطاقة الحرارية للرض يتجدد‬ ‫الشعاعي الطبيعي وقوة الجاذبية‬ ‫بفعل النشاط إ‬ ‫واالحتكاك‪.‬‬

‫الحقول الجيوحرارية‬

‫تبين الدراسات الجيولوجية أن درجة الحرارة للقشرة‬ ‫ِّ‬


‫الرضية تزداد كلما انتقلنا نحو أ‬ ‫أ‬ ‫السفل وبمعدل يبلغ‬ ‫ثالث درجات مئوية لكل مائة متر تقريباً‪ ،‬حسب‬ ‫قياسات كثيرة أجريت في عدد من المناطق على‬ ‫سطح أ‬ ‫الرض‪ .‬إال أنه في المناطق الزلزالية والبركانية‬ ‫فإن ازدياد معدالت درجات الحرارة في القشرة‬ ‫أ‬ ‫الرضية يكون بدرجة أكبر‪.‬‬ ‫وتعتمد تكنولوجيا إنتاج الطاقة الكهربائية من جوف‬ ‫أ‬ ‫الرض على استغالل الحرارة العالية المتراكمة‬ ‫في بعض المناطق إلدارة توربينات توليد الطاقة‬ ‫الكهربائية‪ ،‬وهذه الحرارة يمكن الحصول عليها من‬ ‫ثالثة أنواع رئيسة من الحقول الجيوحرارية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫من مميزات حرارة باطن‬ ‫األرض عدم ارتباطها باألحوال‬ ‫الجوية مثل الطاقة الشمسية‬ ‫وطاقة الرياح‪ ،‬كما أن مردودها‬ ‫عال‪..‬‬ ‫من الطاقة ٍ‬

‫حقول المياه الساخنة‬ ‫‪ 1‬‬ ‫يمكن أن تحتوي بعض التكوينات الجيولوجية في باطن أ‬ ‫الرض على كميات كبيرة من المياه الساخنة‬ ‫والمضغوطة التي قد تبلغ درجة حرارتها أكثر من مائة درجة مئوية دون أن تغلي‪ .‬وعندما يتم استخراج‬ ‫تتحول إلى بخار يتم استخدامه إلدارة توربينات إنتاج‬ ‫تلك المياه وتخفيف الضغط الواقع عليها‪ ،‬فإنها َّ‬ ‫ً‬ ‫الطاقة الكهربائية‪ .‬كما تتم االستفادة من الماء المتكاثف عندما يكون آمنا في كثير من االستخدامات‬ ‫المهمة كري المزروعات‪ ،‬أ‬ ‫ولغراض طبية وعالجية وغيرها‪.‬‬ ‫أما عندما تكون درجة حرارة الماء أقل من مائة درجة مئوية يستخدم سائل متطاير يغلي على درجة‬ ‫حرارة أقل من مائة كالفريون‪ ،‬وللعلم فالفريون أكثر من نوع‪ ،‬بعضها يغلي عند درجة ‪ 23.7‬درجة‬ ‫مئوية وبعضها عند درجات حرارة أقل‪ ،‬الهدف هنا عملية استغالل حرارة المياه لتسخين وتبخير‬ ‫الفريون أو أ‬ ‫اليزوبيوتين ومن ثم استخدام البخار المتكون إلدارة التوربينات ومن ثم تكثيفه إلعادة‬ ‫استخدامه من جديد‪.‬‬ ‫حقول البخار الجاف‬ ‫‪ 2‬‬ ‫هذه الحقول توجد في أعماق متفاوتة في باطن أ‬ ‫الرض تُراوح بين ‪ 100‬و‪ 4500‬متر وتبلغ درجة حرارة‬ ‫البخار في العادة ما بين ‪ 150‬و‪ 200‬درجة مئوية وهي تتكون نتيجة وجود كميات كبيرة من المياه في‬ ‫طبقات صخرية ساخنة‪ ،‬مما يؤدي إلى ارتفاع حرارتها‪ .‬وتكون تحت ضغط مرتفع‪ ،‬وعند تحرير البخار‬ ‫من مكمنه يندفع بقوة كبيرة تكون كافية لتشغيل توربينات توليد الطاقة الكهربائية‪.‬‬ ‫حقول الصخور الحارة‬ ‫‪ 3‬‬ ‫تُعد هذه الحقول من الناحية النظرية من أهم مصادر الطاقة الجيوحرارية‪ ،‬على الرغم من عدم‬ ‫استغاللها حالياً‪ .‬فهذه الصخور الحارة موجودة في كثير من مناطق العالم وخصوصاً في مناطق‬ ‫النشاط البركاني‪ .‬فعلى بعد بضعة كيلومترات في باطن أ‬ ‫الرض ترتفع درجة الحرارة بشكل كبير‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫المتقدمة التي تحققت في مجال حفر آبار النفط والغاز‬ ‫وبالتالي‪ ،‬يمكن اللجوء إلى التكنولوجيا‬ ‫ِّ‬ ‫الطبيعي في حفر آبار عميقة للوصول إلى تلك الطبقات من أ‬ ‫الرض ذات درجات الحرارة العالية‪ ،‬ثم‬ ‫ضخ المياه فيها لتسخينها وتبخيرها‪ ،‬وبعد أن تعود إلى سطح أ‬ ‫الرض يتم استغاللها لتوليد الطاقة‬ ‫الكهربائية ثم يعاد ضخها من جديد‪.‬‬ ‫ويبين الباحثون أن هذه الحقول تُعد حالياً مصدراً واعداً للطاقة لم يتم استغاللها على الرغم من توفر‬ ‫ِّ‬ ‫المكانات التكنولوجية‪ ،‬إذ إنها تحتوي على مخزون ضخم من الطاقة الحرارية التي يمكن استخدامها‬ ‫إ‬ ‫لتشغيل توربينات توليد الطاقة الكهربائية‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ - 1‬نواة أ‬ ‫الرض ‪ 6000‬درجة مئوية‬ ‫‪ - 2‬اللب الداخلي ‪ 3900‬درجة مئوية‬ ‫‪ - 3‬الوشاح ‪ 2900‬درجة مئوية‬ ‫‪ - 4‬القشرة ‪ 1000 - 500‬درجة مئوية‬

‫درجة حرارة الكرة أ‬ ‫الرضية‬ ‫ترتفع كلما اقتربنا من باطن‬ ‫أ‬ ‫الرض‬


‫‪37 | 36‬‬

‫دول تنتج الكهرباء من حرارة أ‬ ‫الرض‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫يستثمر عدد من دول العالم الطاقة الحرارية‬ ‫الجوفية لتوليد الطاقة الكهربائية‪ ،‬حيثما تتوفر آبار‬ ‫تصل درجة حرارة مياهها إلى ما فوق درجة الغليان‪.‬‬ ‫ومن هذه الدول‪ :‬إيطاليا والفلبين واليابان ونيوزيلندا‬ ‫وأالسكا والواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية وفرنسا وألمانيا‬ ‫وأيسلندا والسويد والصين وإندونيسيا‪ .‬وقد بلغ‬ ‫مجمل ما تم إنتاجه من الطاقة الكهربائية من‬ ‫الطاقة الحرارية أ‬ ‫للرض في عام ‪2005‬م ما يعادل‬ ‫‪ 8900‬ميغاواط في ‪ 24‬دولة في العالم‪ ،‬ثلث‬ ‫هذه الكمية من الطاقة تم إنتاجها في الواليات‬ ‫المتحدة أ‬ ‫المريكية‪ .‬وارتفع إنتاج الكهرباء من الطاقة‬ ‫الجيوحرارية في عام ‪2013‬م ليصل إلى ‪11,700‬‬ ‫ميغاواط‪ ،‬إضافة إلى ‪ 28,000‬ميغاواط من الطاقة‬ ‫على شكل حرارة مباشرة‪ ،‬استخدمت لغايات تدفئة‬ ‫المجمعات السكنية والمنازل والمتاجر وفي العمليات‬ ‫الصناعية والتطبيقات الزراعية المختلفة‪.‬‬ ‫وتعد حالياً الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية رائدة في‬ ‫مجال توليد الطاقة من الطاقة الجيوحرارية‪ .‬ففي‬ ‫عام ‪2012‬م بلغ عدد الواليات التي فيها محطات‬ ‫إلنتاج الكهرباء من هذا المصدر ست واليات‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫كاليفورنيا‪ ،‬حيث يوجد ‪ 36‬محطة طاقة حرارية‬ ‫أرضية‪ ،‬وحيث تمكنت مدينة «سانتا مونيكا» من‬ ‫توفير معظم حاجتها من الطاقة الكهربائية من‬ ‫الطاقة الجيوحرارية‪ ،‬أما والية نيفادا فتوجد فيها ‪21‬‬ ‫محطة‪ ،‬ووالية يوتا وفيها محطتان‪ ،‬وكل من هاواي‬ ‫وآيداهو وأوريغون ويوجد في كل منها محطة‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫ويلي الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية في مجال استغالل‬ ‫الطاقة الجيوحرارية لتوليد الكهرباء‪ ،‬دولة الفلبين‬ ‫التي تنتج ‪ 27‬بالمائة من احتياجاتها من الطاقة من‬ ‫هذا المصدر‪.‬‬ ‫كما استطاعت عدة دول أخرى استغالل الطاقة‬ ‫الجيوحرارية بشكل جيد‪ ،‬ومنها دولة السلفادور‬ ‫التي تغطي حالياً نحو ‪ 20‬بالمائة من احتياجاتها من‬ ‫الكهرباء من الحرارة أ‬ ‫الرضية‪ ،‬وإيسلندا التي تنتج ‪30‬‬ ‫بالمائة من حاجاتها من الكهرباء من هذا المصدر‪.‬‬ ‫كما تسعى بعض الدول في شرق إفريقيا إلى تدريب‬ ‫كوادر بشرية وتأهيلها الستثمار هذا المصدر من‬ ‫الطاقة نظراً للجدوى االقتصادية التي تتحقق من‬ ‫مشاريع توليد الكهرباء من حرارة أ‬ ‫الرض‪.‬‬

‫الغازات السامة المنبعثة‬ ‫من أعماق أ‬ ‫الرض‬

‫‪CO‬‬

‫‪NH3‬‬

‫‪H2S‬‬

‫أما في المملكة‪ ،‬واستناداً إلى موقع مدينة الملك‬ ‫عبدهللا للطاقة‪ ،‬فإن الطاقة الجيوحرارية ال تُعد‬ ‫حالياً من المصادر الرئيسة لتوليد الكهرباء في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬لكن تشير الدراسات‬ ‫أ‬ ‫الولية إلى إمكانية استغالل بعض المناطق البركانية‬ ‫التي تحتوي على ينابيع ساخنة وصخور حارة في‬ ‫البالد لتوليد الطاقة في المستقبل‪ ،‬وخصوصاً في‬ ‫منطقة الدرع العربي وبعض البقع الساخنة في‬ ‫جنوب المملكة‪.‬‬

‫ليست آمنة تماماً‬

‫يصعب تقدير احتياطات الطاقة الجيوحرارية‬ ‫نظراً لنقص المعلومات المتوفرة حالياً‪ ،‬وارتباط‬ ‫توليد الطاقة الكهربائية من حرارة أ‬ ‫الرض بالقدرات‬ ‫النسان ومدى قدرته على‬ ‫التكنولوجية التي يمتلكها إ‬ ‫استخراج المياه الساخنة أو البخار واستغاللهما أو‬ ‫الوصول إلى الطبقات الصخرية الحارة القادرة على‬ ‫رفع درجة حرارة المياه أو أية سوائل أخرى يتم‬ ‫ضخها نحو تلك المناطق الساخنة‪.‬‬ ‫وتثير هذه التقنية كثيراً من المخاوف والقلق‪ ،‬حيث‬ ‫يمكن أن تتسبب في زعزعة استقرار القشرة أ‬ ‫الرضية‬ ‫في أ‬ ‫الماكن التي يتم الحفر فيها ألعماق سحيقة‬ ‫وضخ المياه الساخنة منها‪ .‬ففي نيوزيلندا ‪ -‬مثال ً‬ ‫ تسبب حقل «ويراكي» المستغل لتوليد الطاقة‬‫الكهربائية من حرارة أ‬ ‫الرض بحدوث انخفاض في‬ ‫أ‬ ‫الرض بعمق ‪ 13‬متراً‪ ،‬ولتفادي وقوع مثل هذه‬ ‫المشكلة الخطيرة يتم حالياً ضخ المياه الباردة بشكل‬ ‫سريع في تلك آ‬ ‫البار للمحافظة على ضغط الماء‬ ‫في الخزان تحت أ‬ ‫الرض‪ .‬كما أن المهتمين بهذه‬ ‫بالجراءات‬ ‫التقنية يحرصون حالياً على االلتزام التام إ‬ ‫الهندسية في عمليات الحفر لتفادي وقوع هزات‬ ‫جراء عمليات الحفر العميقة التي‬ ‫أرضية أو زالزل َّ‬ ‫التركيبات الصخرية المستقرة في أ‬ ‫الرض‬ ‫قد تصدع‬ ‫بسبب الحفر أو بسبب ضخ المياه الباردة تحت‬ ‫ضغط مرتفع جداً‪.‬‬ ‫لقد استفادت تكنولوجيا إنتاج الكهرباء من الطاقة‬ ‫الجيوحرارية من التطورات التي تحققت في‬ ‫مجال حفر آ‬ ‫البار للتنقيب عن النفط الخام والغاز‬ ‫الطبيعي‪ .‬إال أن المشكلة التي تواجه معدات الحفر‬ ‫في أ‬ ‫العماق تتمثل في الحرارة العالية في طبقات‬ ‫أ‬ ‫الرض العميقة والضغط المرتفع واندفاع الماء‬ ‫الساخن والبخار خالل عملية الحفر الذي يمكن أن‬ ‫يحتوي على بعض المواد الكيميائية آالكلة التي تتلف‬ ‫معدات الحفر‪ .‬وهذا يستلزم تطوير معدات قادرة‬ ‫على مقاومة مثل هذه الظروف القاسية‪.‬‬


‫محطة توليد‬

‫توليد الطاقة الكهربائية‬

‫بخار ومياه ساخنة‬

‫المياه الباردة التي يتم‬ ‫ضخها إلى أسفل‬

‫يخشى أن تكون المياه‬ ‫الحارة المستخرجة‬ ‫من باطن األرض‬ ‫ملوثة ببعض العناصر‬ ‫الكيميائية السامة‬ ‫والمشعة والخطيرة‬

‫كذلك فإن تطوير هذه التقنية مرهون بمدى‬ ‫توفر معلومات مؤكدة حول حركة المياه الساخنة‬ ‫الجوفية ومدى توفرها وطرق انتقال الحرارة من تلك‬ ‫التيارات المائية في جوف أ‬ ‫الرض وأماكن وجودها‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫والعماق الموجودة فيها‪ .‬وهذا يحدد طبيعة البار‬ ‫المزمع حفرها للوصول إلى تلك الخزانات الحرارية‬ ‫فعال وبكفاءة عالية تضمن‬ ‫الستغاللها بشكل َّ‬ ‫استدامة الحصول على الطاقة منها لفترات زمنية‬ ‫طويلة نسبياً‪.‬‬

‫مرتفع جداً وعلى أعماق تُراوح ما بين ‪ 3‬و‪ 6‬كيلومترات‬ ‫وبدرجة حرارة تبلغ ‪ 200‬درجة مئوية‪ ،‬ومن أشهر تلك‬ ‫الحقول‪ ،‬الحقل الذي يقع في شمال خليج المكسيك‬ ‫الذي تبلغ مساحته ‪ 160‬ألف كيلومتر مربع‪ .‬كما‬ ‫يخشى من تلوث مياه الحقن ببعض المواد الكيميائية‬ ‫السامة والعناصر الثقيلة والمشعة‪ ،‬وهذا يستلزم‬ ‫إجراء تحاليل مخبرية كيميائية دورياً للتعرف على‬ ‫مدى سالمتها وكذلك عدم تلويثها للمياه الجوفية‬ ‫القريبة منها‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن عمليات الحفر ألعماق كبيرة‬ ‫في أ‬ ‫الرض‪ ،‬يمكن أن تتسبب في انبعاث عدد من‬ ‫الغازات السامة والخطيرة‪ ،‬كأول أكسيد الكربون‬ ‫أ‬ ‫والمونيا وكبريتيد الهيدروجين الخطير ذي الرائحة‬ ‫النسان وعلى‬ ‫الكريهة والسام الذي يشكِّل خطراً على إ‬ ‫بقية الكائنات الحية والنباتات‪ .‬وهذا يستلزم إيجاد‬ ‫طرق للسيطرة على تلك الغازات ومنع انطالقها إلى‬ ‫الغالف الجوي أ‬ ‫للرض مما يتسبب في رفع تكلفة‬ ‫أ‬ ‫تكنولوجيا توليد الطاقة الكهربائية من حرارة الرض‪.‬‬

‫مميزات تذلل العقبات‬

‫ويُخشى أيضاً أن تكون المياه الحارة المستخرجة من‬ ‫باطن أ‬ ‫الرض ملوثة ببعض العناصر الكيميائية السامة‬ ‫والمشعة والخطيرة‪ .‬إذ َّبينت المسوح الجيولوجية‬ ‫التي أجريت في بعض المناطق من العالم احتواء‬ ‫بعض حقول الماء الساخن على غاز الميثان‬ ‫المشتعل‪ ،‬وهذه المياه تكون واقعة تحت ضغط‬

‫على الرغم من كل هذه المعوقات التي تواجه‬ ‫تكنولوجيا توليد الطاقة الكهربائية من الحرارة‬ ‫الجوفية إال أنها في الواقع تتمتع بعدد من المميزات‬ ‫المهمة‪ ،‬فهي غير مرتبطة بتقلبات الحالة الجوية‬ ‫كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح‪ ،‬فإنتاجها من‬ ‫الطاقة يكون على مدار الساعة وطوال العام‪ .‬وهذا‬ ‫النتاج‪ ،‬كما أنها‬ ‫يسهم كثيراً في تغطية تكاليف إ‬ ‫من مصادر الطاقة النظيفة في حال تمت السيطرة‬ ‫على الغازات الضارة التي يمكن أن تصاحب المياه‬ ‫الساخنة أو البخار المتدفق من جوف أ‬ ‫الرض‪ ،‬كما‬ ‫عال‪.‬‬ ‫أن مردودها من الطاقة ٍ‬

‫إن استثمار هذا المصدر المهم من الطاقة يتطلب‬ ‫في البداية القيام بكثير من عمليات حفر آبار‬ ‫االستكشاف في المناطق التي يعتقد أنها تصلح‬

‫إلقامة مشاريع الطاقة الجيوحرارية‪ ،‬مع إجراء‬ ‫االختبارات للتأكد من مدى ثبات تدفق المياه‬ ‫الساخنة أو البخار‪ .‬وعلى الرغم من أن الطاقة‬ ‫الجيوحرارية مجانية ومتوافرة في كثير من أصقاع‬ ‫أ‬ ‫الرض‪َّ ،‬إل أن الحصول عليها صعب للغاية ويتطلب‬ ‫متقدمة الستخراج الطاقة واستثمارات مالية‬ ‫تقنيات ِّ‬ ‫عالية في البداية‪.‬‬ ‫وفي سياق متصل‪ ،‬فإن نظرة سريعة على وضع‬ ‫تبين أنه ينبغي استثمار‬ ‫الطاقة في العالم مستقبال ً ِّ‬ ‫كافة مصادر الطاقة المتاحة لتحقيق إمدادات‬ ‫مستمرة منها‪ .‬فبجانب الطاقة الجيوحرارية يجب‬ ‫استثمار الطاقة الشمسية حتى أقصى مدى متاح‬ ‫وكذلك طاقة الرياح والكتلة الحيوية (التي هي بقايا‬ ‫المخلفات النباتية والحيوانية والنفايات) وغيرها من‬ ‫المصادر جنباً إلى جنب مع بقية المصادر التقليدية‬ ‫للطاقة المعروفة حالياً التي ينبغي استثمارها بشكل‬ ‫أفضل وبكفاءة عالية مع المحافظة على بيئة كوكب‬ ‫الرض ولتحقيق التنمية المستدامة أ‬ ‫أ‬ ‫للجيال المقبلة‬ ‫وبما يضمن استمرار التقدم واالزدهار الذي حققته‬ ‫البشرية آ‬ ‫الن‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪39 | 38‬‬

‫من المختبر‬

‫اختراع أنحف ضوء لمبة بالغرافين‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫شع�ات عنرص‬ ‫سيغ� الضوء المنبعث من ي‬ ‫هل ي ِّ‬ ‫(الغر ي ن‬ ‫اف�) طريقة إضاءتنا للمنازل والشوارع‪ ،‬وكذلك‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الجهزة إ ت‬ ‫ال� نحملها ي ن‬ ‫ب� أيدينا باستمرار؟‬ ‫اللك�ونية ي‬ ‫هذا ما يؤكده «يونغ داك كيم» من جامعة كولومبيا‪.‬‬ ‫ح� تمكَّن الباحثون من إدخال كث� من أ‬ ‫ففي ي ن‬ ‫الجهزة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الصغ�ة إىل رقائق الكمبيوتر‪ ،‬أخفقوا ي� استعمال‬ ‫ي‬ ‫�ض‬ ‫اللمبات لتكوين الضوء ال وري لعملها‪ .‬والسبب‬ ‫ح� آ‬ ‫الرئيس لذلك هو أن اللمبة‪ ،‬المتوافرة ت‬ ‫الن‪،‬‬

‫َّ‬ ‫الشفافة‬ ‫الشاحنة‬

‫تحتاج إىل آالف الدرجات الحرارية لينبعث منها‬ ‫الضوء‪ ،‬وهذا ما يؤدي إىل تلف محيط الرقاقة‪.‬‬ ‫لمعالجة هذه المعضلة‪ ،‬تلجأ مثالً‪ ،‬ش�كة «إنتل»‪،‬‬ ‫أك� ش‬ ‫ال�كات المنتجة لرقائق الكمبيوتر‪ ،‬إىل توصيالت‬ ‫ب‬ ‫نحاسية معقَّدة ومكلفة‪.‬‬ ‫تخطى الباحثون كل هذه المعضالت باستعمالهم‬ ‫شع�ات من مادة مدهشة متغلغلة ف ي� حياتنا هي‬ ‫ي‬ ‫الغر ي ن‬ ‫الشع�ات متناهية الصغر إىل حدود‬ ‫اف�‪ .‬وهذه‬ ‫ي‬

‫سماكة الذرة الواحدة‪ ،‬وتستطيع االندماج بسهولة ف ي�‬ ‫الرقاقة‪ .‬ويقول «يونغ داك كينغ» من جامعة كولومبيا‬ ‫الباحث� الر ي ن‬ ‫ين‬ ‫ئيس�‪ ،‬إن العمل مع هذه السماكة‬ ‫وأحد‬ ‫الطالق ويحتاج‬ ‫الذرة ليس عمال ً سهال ً عىل إ‬ ‫بمستوى َّ‬ ‫إىل عديد من التقنيات الخاصة‪.‬‬ ‫ئ ف‬ ‫شع�ات الغر ي ن‬ ‫اف�‪،‬‬ ‫وعندما يمر التيار‬ ‫الكهربا� ي� ي‬ ‫ي‬ ‫ترتفع حرارتها بما يكفي النبعاث الضوء‪ .‬لكن هذه‬ ‫الحرارة ال تتلف محيط الرقاقة ألن لمادة الغر ي ن‬ ‫اف�‬ ‫خاصية فريدة هي أنها عندما ترتفع حرارتها تصبح‬ ‫الشع�ات نفسها‬ ‫موصال ً رديئاً للحرارة‪ .‬وهكذا تحتوي‬ ‫ي‬ ‫الحرارة الصادرة عنها دون إيذاء محيط الرقاقة‪.‬‬ ‫وعند سؤاله عما إذا كان بامكاننا توقع استعمال‬ ‫ضوء الغر ي ن‬ ‫اف� ف ي� منازلنا قريباً جداً‪ ،‬أجاب «كيم»‪:‬‬ ‫إن تلك مسألة سهلة‪ ،‬ويمكن تعليقها عىل الحيطان‬ ‫والنوافذ‪ .‬وأضاف أن أ‬ ‫الهم من ذلك هو أن بإمكاننا‬ ‫أ‬ ‫استعمال ضوء الغر ي ن‬ ‫كث� من الجهزة‬ ‫اف� لتطوير ي‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية مثل الهواتف الذكية لجعلها مرنة‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫سيغ� الرقائق ي� كل أنواع‬ ‫اف� ي‬ ‫وشفافة‪ .‬إن ضوء الغر ي‬ ‫أجهزة الكمبيوتر والهواتف لتتعامل مع المعلومات‬ ‫يع� أنها ستكون أرسع ث‬ ‫ن‬ ‫وأك�‬ ‫بالضوء‪ ،‬وهذا ي‬ ‫إحكاماً‪ ،‬مع استهالك قليل من الطاقة‪ .‬وهذا يمكن‬ ‫حدوثه ف ي� القريب العاجل‪.‬‬ ‫‪http://www.iflscience.com/technology/‬‬ ‫‪thinnest-graphene-light‬‬

‫عند قيادتنا السيارة نعلَق ف� بعض أ‬ ‫الحيان‪ ،‬خلف شاحنة ما‪ ،‬ت‬ ‫فيع�ينا الخوف‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫من تجاوزها ألنها تحجب عن أعيننا رؤية الطريق أمامها‪ .‬وللتغلب عىل هذا‬ ‫الموقف الذي يكتنفه الخطر‪ ،‬كشفت ش�كة «سامسونغ» النقاب عن «شاحنة‬ ‫ت‬ ‫ال� تسمح لنا رؤية حركة المرور أمامها ومن خاللها‪.‬‬ ‫السالمة» ي‬ ‫ف‬ ‫بكام�ا ي� مقدمتها تعرض لقطاتها عىل أربع لوحات‬ ‫شاحنة السالمة هذه مجهزة ي‬ ‫ن‬ ‫ف ي� مؤخرتها‪ .‬وهكذا يصبح بإمكان‬ ‫السائق� رؤية الطريق أمامهم‪ ،‬مما يتيح لهم‬ ‫ي‬ ‫تجاوز الشاحنة بأمان دون االصطدام بسيارة مقبلة من االتجاه آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫وال� تحول دون استعمال هذه‬ ‫ال� تواجهها «سامسونغ» ي‬ ‫لكن العقبة الرئيسة ي‬ ‫أ‬ ‫الكام�ا المامية رخيصة‬ ‫التقنية عىل نطاق واسع هو التكلفة‪ .‬فبينما تكلفة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫بالنسبة إىل معظم ش‬ ‫ال�كات‪ ،‬فإن تثبيت أربع شاشات ي� المؤخرة ترفع التكلفة‬ ‫كب�ة‪ .‬ويبقى عىل «سامسونغ» حل هذه‬ ‫مما يؤدي إىل بروز حاجة إىل استثمارات ي‬ ‫المعضلة‪ ،‬بالضافة إىل بعض المعضالت القانونية أ‬ ‫والذونات ال�ض ورية �ف‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫بلدان مختلفة‪.‬‬ ‫‪http://www.iflscience.com/technology/samsung-unveils-see-through‬‬‫‪safety-trucks‬‬


‫االسم المعياري‬ ‫يد صناعية تماثل اليد‬ ‫الطبيعية‬

‫ربما هي ليست معقَّدة ومتطورة َكيد «لوك سكاي ووكر» ف ي� ِفلم الخيال العلمي‬ ‫ت‬ ‫ال� توصل العلماء إىل‬ ‫«حرب النجوم»‬ ‫ي‬ ‫الشه�‪ ،‬لكن ِ‬ ‫الفلم يظل خياالً‪ ،‬أما هذه اليد ي‬ ‫ت‬ ‫مث�ة للإعجاب‪.‬‬ ‫اخ�اعها فهي حقيقة ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� أنتجتها �كة أجهزة الطراف الصناعية‬ ‫هذه اليد إاللك�و‪-‬حيوية هي فآخر النماذج ي‬ ‫بعد سنوات سبع من أ‬ ‫البحاث‪ ،‬الدمج يب�ن‬ ‫«ستي�»‪ .‬وتوسلوا ي� صناعتها‪،‬‬ ‫بال�يطانية‬ ‫ب‬ ‫التكنولوجيا العسكرية والتكنولوجيا ت‬ ‫ال� يتبعها مهندسو «الفورميال ‪ .»1‬كما استخدم‬ ‫ي‬ ‫الفريق العامل عىل هذه اليد الصناعية مغناطيسيات نادرة ف ي� جهاز تحكم إالصبع‬ ‫وسبائك خاصة من أ‬ ‫اللومينيوم تستعمل عادة ف ي� صناعة الطائرات لخفة وزنها‪.‬‬ ‫ف‬ ‫صمم الفريق البنية الهندسية‬ ‫وبعكس الطريقة التقليدية المتبعة ي� هذا الخصوص‪َّ ،‬‬ ‫الخارجية لليد الصغ�ة أوال‪ ،‬ثم الءموا القطع آ‬ ‫اللية فيها مما يسمح لهم بمواءمتها‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫فارل» المدير‬ ‫مع‬ ‫الخصائص الت�يحية الدقيقة لليد الطبيعية‪ .‬هذا ما �حه «تيد ي‬ ‫ن‬ ‫التق� ف ي� ش‬ ‫ال�كة‪ .‬وبموازاة شبهها الخارجي لليد الطبيعية‪ ،‬فإنها تماثلها أيضاً بعملها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫هذا بفضل تمكنها من الحركة ‪ 14‬وضعية وقبضة‪ .‬واستعمل ف ي� هذا الصدد ‪337‬‬ ‫قطعة ميكانيكية تم تصغ�ها لتناسب أيدي النساء أ‬ ‫والطفال‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الكب� من القطع‪ ،‬فإن وزنها ال يتجاوز ‪ 400‬غرام‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من كل هذا العدد ي‬ ‫ن‬ ‫يع� أن هناك مساومة عىل القوة‪ :‬بإمكانها حمل ‪ 45‬كيلوغراماً‪ .‬فمعظم الوزن‬ ‫هذا ال ي‬ ‫يتوزع عىل مجمل المعصم‪.‬‬ ‫وكيف تعمل هذه اليد الجديدة؟ إنها تضم أجهزة استشعار مختلفة تلتقط حركة‬ ‫ت‬ ‫ال� تراقب‬ ‫العضالت للمستخدم وترسلها إىل المحركات والمعالجات الدقيقة ي‬ ‫القبضات آ‬ ‫اللية ال�ت‬ ‫باستمرار وضع إالصبع‪ .‬وهذا يتوافق مع وظيفة أخرى لبعض‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫وتعدل وضع اليد للحفاظ عليه‪.‬‬ ‫�ء عىل وشك االنزالق ِّ‬ ‫تلتقط تلقائياً أي ي‬ ‫ن‬ ‫وتم تطبيق هذا الجهاز عىل سيدة بريطانية عمرها ‪ 29‬سنة ولدت دون اليد اليم�‪.‬‬ ‫«نيك‬ ‫وعىل الرغم من صعوبة االعتياد عىل جهاز كهذا منذ البداية‪َّ ،‬إل أن السيدة ي‬ ‫أشويل» تقول‪ :‬إنه أضاف تحسيناً رئيساً عىل حياتها‪ ،‬حيث مكَّ نها من القيام بأعمال‬ ‫لم تكن ممكنة ف ي� السابق‪.‬‬ ‫‪http://www.iflscience.com/technology/worlds-most-lifelike-bionic‬‬‫‪hand-developed‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫ِسلسيوس‬ ‫خالل فصل الصيف الالهب‪ ،‬تتعلَّق‬ ‫أعيننا بأرقام ش‬ ‫مؤ� الحرارة‪ .‬نعرف أن‬ ‫ف‬ ‫‪ 45‬درجة مئوية تُعد مقبولة ي� بيئتنا‪،‬‬ ‫ونعرف أن الماء يتجمد عند الصفر‬ ‫ويغل عند درجة ‪،100‬‬ ‫المئوي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫وذلك وفق معيار اق�حه السويدي‬ ‫(أنديرس ِسلسيوس) عام ‪1742‬م‬ ‫وما زال يُنسب إليه إىل اليوم‪.‬‬ ‫لم يكن ِسلسيوس أول من ت‬ ‫اخ�ع‬ ‫يز‬ ‫م�ان الحرارة‪ ،‬فقد سبقه إىل ذلك‬ ‫أنديرس ِسلسيوس‬ ‫أ‬ ‫غال)‪.‬‬ ‫إ‬ ‫يطال الشهر (غاليليو ي‬ ‫ال ي‬ ‫كما أن آخرين أمثال (فهرنهايت) و(كالڤن) قرنوا أسماءهم مع وحدات‬ ‫معيارية أخرى لقياس الحرارة‪ .‬لكن وحدة ِسلسيوس هي المعتمدة رسمياً‬ ‫بع� معظم دول العالم حالياً‪.‬‬ ‫ُولد ِسلسيوس ف ي� أوبساال بالسويد عام ‪1701‬م ف ي� مرحلة شهدت غلياناً‬ ‫من نوع مختلف‪ .‬فالمنهجية العلمية كانت تخضع إلعادة تقييم بع�‬ ‫أوروبا‪ .‬وباتت التجربة سبيل توثيق الحقيقة‪ .‬وقد كان تحديد الظروف‬ ‫ت‬ ‫يز‬ ‫ال� تُجرى التجارب تحتها‪ ،‬من ضغط ورطوبة ودرجة حرارة‪ ،‬ذا‬ ‫الف�يائية ي‬ ‫أهمية قصوى لضمان الموثوقية العلمية‪.‬‬ ‫ُعرف ِسلسيوس أساساً‬ ‫كفلك‪ .‬راقب السماء وكانت له أسبقية ف ي� الربط‬ ‫ظاهرة الشفق القط� يوالمجال المغناطيس أ‬ ‫ين‬ ‫ب�‬ ‫للرض‪ .‬واستمر هذا‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ن‬ ‫فلك‬ ‫االهتمام معه إىل نهاية عمره ي‬ ‫ح� أسس عام ‪1741‬م أول مرصد ي‬ ‫بالسويد ُعرف كذلك بـ (مرصد ِسلسيوس)‪.‬‬ ‫لم�ان الحرارة‪ ،‬فإن ارتفاع درجة حرارة المادة يُفس ي ز‬ ‫بالعودة ي ز‬ ‫ف�يائياً‬ ‫ّ‬ ‫عىل أنه طاقة ناجمة عن تسارع حركة جزيئات هذه المادة‪ .‬ما فكّر به‬ ‫ِسلسيوس وسواه كان إيجاد معيار دقيق لقياس هذه «الرسعة» ف ي� حركة‬ ‫الجزيئات‪ ،‬إذ كلما زادت الرسعة‪ ،‬ارتفعت الحرارة‪.‬‬ ‫ببساطة‪ ،‬قامت تجربة ِسلسيوس عىل اعتماد عنرص (الزئبق) كمادة‬ ‫معيارية لقياس ارتفاع حرارة ‪ -‬رسعة ‪ -‬الجزيئات‪ .‬كما اعتمد ف ي� هذه‬ ‫المسألة عىل ي ز‬ ‫م�ان سلفه اللدود (فهرنهايت)‪.‬‬ ‫ف‬ ‫وضع ِسلسيوس أنبوباً من الزئبق ي� إناء ماء متجمد‪ ،‬الحظ انكماش‬ ‫مستوى الزئبق ف� أ‬ ‫النبوب وحدد هذا المستوى كنقطة البدء ف ي� معياره‪،‬‬ ‫أ ي‬ ‫ف‬ ‫يغل وحدد مستوى ارتفاع الزئبق كحد‬ ‫ثم‬ ‫وضع النبوب نفسه ي� ماء ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫النقطت� إىل مئة درجة‪.‬‬ ‫قسم المسافة يب�‬ ‫ي‬ ‫أعىل ي� يم�انه الجديد‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ف ي� البداية‪ ،‬اعتمد ِسلسيوس درجة الصفر المئوية لغليان الماء ودرجة‬ ‫(جان‪-‬بي�‬ ‫نس‬ ‫ي‬ ‫‪ 100‬لتجمده‪ .‬الحقاً وبعد وفاته بقليل عكس الفر ي‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫المؤ� المئوي إىل النحو الذي نستخدمه نحن‬ ‫كريست�) عام ‪1745‬م‬ ‫ش‬ ‫المؤ� الحراري الجديد بالـ «سنتيغريد» أو الدرجة‬ ‫وسمى‬ ‫اليوم‪ّ .‬‬ ‫آ‬ ‫المئوية وهي تسمية معتمدة للن‪ .‬ويجادل منارصو الدرجة المئوية بأنها‬ ‫ت‬ ‫تقرر درجة تجمد‬ ‫ال� ِّ‬ ‫أيرس استخداماً من منافستها العتيدة (الفهرنهايت) ي‬ ‫الماء عند ‪ 32‬ودرجة غليانه عند ‪ 212‬فهرنهايت! ولم يتم اعتماد هذا‬ ‫االق�اح بشكل حقيقي ت‬ ‫ت‬ ‫ح� ُعرف حينها بـ ي ز‬ ‫ح� العام ‪1746‬م ي ن‬ ‫«الم�ان‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫السويدي»‪ .‬ثم وبعد قر ين� من الزمان ‪ -‬ي� العام ‪1948‬م ‪ -‬تم اعتماده‬ ‫بع� دول العالم‪.‬‬ ‫عاش ِسلسيوس ‪ 42‬عاماً فقط إذ قتله السل ف ي� ‪1744‬م‪ .‬لكن فكرته‬ ‫وغ�ت من فهمنا للعالم‪ .‬وبفضل‬ ‫حظيت بالتطوير والقبول بعد وفاته ي ّ‬ ‫النسان‬ ‫المقياس المئوي بتنا نعرف مثال ً أن معدل درجة حرارة جسم إ‬ ‫هو ‪ 37‬مئوية‪ .‬هذه المعلومة البسيطة كانت محورية ف ي� فهم آلية عمل‬ ‫أجسادنا وتطوير أساليب الرعاية الصحية بشكل باهر‪.‬‬


‫‪41 | 40‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫ماذا لو؟‬

‫كانت الشمس‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أحمر؟‬ ‫قزما‬ ‫ُعمير طيبة‬

‫للنجوم أحجام مختلفة‪ ،‬وبحسب‬ ‫أحجام النجوم تختلف بنيتها وأعمارها‬ ‫الصغ�ة تميل للحمرة والنجوم‬ ‫وألوانها‪ .‬النجوم‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫الكب�ة تميل للزرقة‪ .‬شمسنا حاليا بيضاء يميل لونها‬ ‫ي‬ ‫سيتغ�‬ ‫لالصفرار‪ ،‬ولو كانت شمسنا بنصف حجمها‬ ‫ي‬ ‫ب� النجوم إىل ما يعرف بالقزم أ‬ ‫تصنيفها ي ن‬ ‫الحمر‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فهل يمكن لقزمنا الحمر أن يدعم الحياة عىل‬ ‫أ‬ ‫الرض كما تفعل شمسنا؟‬ ‫تصدر النجوم كلها طاقاتها الهائلة عن طريق‬ ‫عملية االندماج النووي‪ .‬وبطبيعة الحال فالنجوم‬ ‫وبالتال‪ ،‬فإن ما يعرف‬ ‫الصغ�ة تنتج طاقات أقل‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫بـ (النطاقات الدافئة) للقزام الحمراء تقع ي� مدار‬ ‫الكب�ة‪.‬‬ ‫أصغر من مدار النطاقات الدافئة للنجوم ي‬ ‫فما هو هذا النطاق فئ‬ ‫الدا�؟ هي منطقة حول‬

‫كل نجم بحيث لو وجد فيها كوكب عىل سطحه‬ ‫ماء فسيظل هذا الماء عىل هيئة سائلة معظم‬ ‫سنة هذا الكوكب‪ .‬وهو ما ينطبق عىل كوكبنا‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تقع ف ي� النطاق فئ‬ ‫الدا� لشمسنا البيضاء‬ ‫الرض ي‬ ‫الجميلة‪ .‬ولو كانت شمسنا قزماً أحمر‪ ،‬ففي الغالب‬ ‫سيخرج موقع كوكب أ‬ ‫الحال من النطاق‬ ‫الرض‬ ‫ي‬ ‫فئ‬ ‫الدا�‪ ،‬وسيتجمد تماماً‪.‬‬ ‫رجح العلماء أن المنطقة الدافئة لقزم أحمر تكون‬ ‫يُ ِّ‬ ‫عىل بُعد يقارب بُعد كوكب عطارد من شمسنا‪ ،‬أي‬ ‫عىل ثلث بعد كوكب أ‬ ‫الرض من الشمس حالياً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫فلنف�ض أن كوكبنا عىل بُعد مناسب‪ ،‬ستظهر‬ ‫مشكلتان رئيستان تهددان وجود الحياة‪ .‬المشكلة‬ ‫أ‬ ‫الوىل هي أن الكوكب سيكون قريباً جداً من شمسه‬ ‫ف‬ ‫و� مدى انفجارات الشمس‪ .‬ومن المعلوم أن‬ ‫ي‬

‫أ‬ ‫أك�‬ ‫القزام الحمراء لديها معدل انفجارات شمسية ب‬ ‫أ‬ ‫بكث� من شمسنا البيضاء لسباب متعلقة بالبنية‬ ‫ي‬ ‫الذرية للنجم‪ .‬ما سي�ض بأي نوع من أنواع الحياة‬ ‫عىل الكوكب‪ .‬المشكلة أ‬ ‫الخرى هي أن احتمال‬ ‫أك�‪.‬‬ ‫المدي) للكواكب القريبة سيكون ب‬ ‫(التقييد ّ‬ ‫المدي مفهوم متعلِّق بكون أي كوكب يدور‬ ‫والتقييد ّ‬ ‫حول نفسه وحول نجمه عدداً متناسباً من المرات‪.‬‬ ‫عىل سبيل المثال القمر يدور حول نفسه مرة واحدة‬ ‫ف ي� كل شهر قمري‪ .‬عطارد يدور حول نفسه ثالث‬ ‫مرات ف� كل دور ي ن‬ ‫المدي‬ ‫ت� حول الشمس‪ .‬التقييد ّ‬ ‫ي‬ ‫لشمسنا الحمراء سيجعل طول اليوم عىل كوكبنا‬ ‫ث‬ ‫ثل� السنة‪ ،‬وهو سيناريو قريب لما‬ ‫مساوياً لطول ي‬ ‫ت‬ ‫اف�ضناه ي ن‬ ‫عما يمكن أن‬ ‫ح� تساءلنا قبل شهرين َّ‬ ‫أ‬ ‫يحصل لو توقفت الرض عن الدوران فجأة‪.‬‬


‫مهى قمر الدين‬

‫تعكس تغير موقفنا منها‪..‬‬

‫تصاميم عمارة‬ ‫المحطات النووية‬ ‫مشروع ‪( Iter‬المفاعل الحراري النووي‬ ‫العالمي) في مقاطعة بروفانس حيث يدور‬ ‫النشاط النووي الفعلي في فرنسا‬

‫حياتنا اليوم‬

‫بسبب الخطورة التي تطبع محتواها‬ ‫ووظيفتها‪ ،‬يعتقد المرء أن عمارة المحطات‬ ‫ً‬ ‫تتحدد ً‬ ‫َّ‬ ‫وأخيرا وفق معطيات‬ ‫أوال‬ ‫النووية‬ ‫تقنية وتشريعات خاصة بهذه الصناعة‪.‬‬ ‫ولكن جولة على ّ‬ ‫تبدل الطرز المعمارية‬ ‫للمحطات النووية خالل العقود األخيرة‪،‬‬ ‫تؤكد أن عوامل عديدة كانت ِّ‬ ‫تحدد التحوالت‬ ‫في تصاميمها بما يتالءم مع التحوالت في‬ ‫مواقف الرأي العام من هذه الصناعة‪.‬‬


‫‪43 | 42‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫طالما ارتبطت المحطات‬ ‫النووية‪ ،‬في الوعي الشعبي‪،‬‬ ‫بالغموض والخوف والكوارث‬ ‫الكبرى‪ .‬وإذا كان أحدنا يذكر أياً‬ ‫من أسماء محطات الطاقة هذه‬ ‫يكون ذلك في إطار ذكرى سيئة‪ .‬فمن منا ال يتذكر‬ ‫حادثة تشرنوبيل في أوكرانيا في ‪1986‬م‪ ،‬التي تُعد‬ ‫أكبر الكوارث النووية من هذا النوع في العالم‪،‬‬ ‫وحادثة مفاعل فوكوشيما في اليابان في ‪2011‬م‪،‬‬ ‫وحادثة ثري ميل أيالند في بنسلفانيا في الواليات‬ ‫المتحدة أ‬ ‫المريكية في ‪1979‬م‪ .‬وقد دخل الخوف‬ ‫من الحوادث النووية في الثقافة العامة‪ ،‬إذ سجل‬ ‫عديد من أ‬ ‫الفالم هذه النظرة للمحطات النووية‪،‬‬ ‫بدءاً ِبفلم «‪ »The China Syndrome‬حول طاقم‬ ‫من الصحافيين استطاع تصوير كارثة نووية وقت‬ ‫حدوثها‪ ،‬وغيره من أ‬ ‫الفالم‪ ،‬وصوال ً إلى مسلسالت‬ ‫الكرتون منها‪.‬‬ ‫وبالتالي لم يكن من المستغرب أن يكون االتجاه‬ ‫نحو بناء محطات الطاقة البعيدة تماماً عن الزخرفة‬ ‫وكل ما يلفت النظر إليها والحرص على إخفائها‬ ‫المكان‪ .‬وهكذا كان الحال ال سيما‬ ‫بأكبر قدر من إ‬ ‫بعد حادثة تشرنوبيل وحتى وقت قريب‪َّ .‬أما ما‬ ‫قبل ذلك فكان بناء محطات الطاقة النووية موضع‬ ‫فخر للدول والشاهد على تقدمها وقوتها‪ .‬ففي عام‬ ‫‪1954‬م‪ ،‬قبل ثالثة عقود من حادثة تشرنوبيل‪،‬‬ ‫قام السوفيات بإنشاء أول محطة طاقة نووية في‬ ‫أوبنينسك على بُعد ‪ 100‬كيلومتر من موسكو‪ ،‬إذ كان‬ ‫السوفيات يعتقدون بأن الطاقة النووية ستحول‬ ‫االتحاد السوفياتي إلى أكبر قوة في العالم‪ .‬وكانت‬ ‫محطة أوبنينسك إنجازاً ضخماً حتى لو كانت كمية‬ ‫الطاقة الكهربائية المطلوبة لتشغيلها أكثر من الطاقة‬ ‫التي كانت تنتجها‪ .‬ومع ذلك ُص ِّمم لها بنا ٌء ضخم‬ ‫جداً‪ ،‬ولكي يُظهر السوفيات تطورهم قاموا ببناء‬ ‫جناح خاص بالطاقة النووية في أحد المعارض في‬ ‫موسكو‪ .‬وقد جرى افتتاح هذا الجناح في السنة‬ ‫نفسها إلنشاء محطة أوبنينسك‪ .‬وهو عبارة عن بناء‬ ‫من الغرانيت يُشبه كعكة الزفاف البيضاء المثلجة‬ ‫يعكس بشكل رائع حداثة التكنولوجيا التي تكمن في‬ ‫أن لدى شركة «‪ »EDF SA‬للطاقة‪ ،‬وهي‬ ‫داخله‪ .‬كما ّ‬ ‫الشركة الفرنسية الكبرى المملوكة من الدولة‪ ،‬تاريخ‬ ‫طويل في الهندسة المعمارية النووية‪ .‬ففي ستينيات‬ ‫وسبعينيات القرن الماضي‪ ،‬لم يقم الفرنسيون‬ ‫باالستثمارات الكبيرة في البرامج النووية فقط‪ ،‬وإنما‬ ‫لجأوا إلى أهم المهندسين الرائدين لتصميم مبانيها‪.‬‬ ‫وكان أهم هؤالء المهندسين المعماريين كلود بارون‬ ‫صاحب أ‬ ‫الفكار الراديكالية حيث اختبر في تصاميمه‬ ‫للمحطات النووية منذ ستينيات القرن العشرين‬ ‫مبادىء «العمارة المائلة»‪ .‬وصمم الطوابق والساللم‬ ‫المائلة إلضفاء الحركة والدينامية على المباني‪.‬‬

‫محطة تشيرنوبيل بعد انفجارها المروع‬

‫وفي بريطانيا موطن أول برنامج للطاقة النووية‬ ‫المدنية في العالم‪ ،‬تم تكليف المهندس المعماري‬ ‫بيزل سبينس لتصميم واحدة من المحطات النووية‬ ‫أ‬ ‫الولى التي بدأت عملها في ‪1959‬م في مقاطعة‬ ‫وايلز‪ .‬ويُعد سبينس‪ ،‬أبرز المهندسين المعماريين في‬ ‫الطالق‪ .‬وعندما شعر سبينس برفض‬ ‫بريطانيا على إ‬ ‫السكان المحليين إلقامة المحطة‪ ،‬حاول ومن خالل‬ ‫تصميمه‪ ،‬تبديد مخاوف السكان المحليين وإعطاء‬ ‫المبنى نوعاً من الحضور أ‬ ‫والناقة‪.‬‬

‫مبـان تحافظ على السرية‬ ‫ٍ‬ ‫والغموض‬

‫ولكن مع قدوم فترة السبعينيات من القرن الماضي‬ ‫ومع ازدياد الجدل حول الصناعة النووية وازدهار‬ ‫النشاطات المنادية بالحفاظ على البيئة‪ ،‬ازدادت رغبة‬ ‫المصممين في المحافظة على السرية والغموض‪.‬‬ ‫ولم تعد المحطات النووية‪ ،‬من حيث تصميمها‬ ‫الخارجي‪ ،‬أكثر من مربعات كبيرة من أ‬ ‫السمنت‬ ‫مغطاة بصفائح معدنية مموجة أصبحت فيما بعد‬ ‫اللغة االفتراضية للصناعات المموهة‪ .‬كما صارت‬ ‫تعبر عن‬ ‫تشبه المنشآت الصناعية القاتمة التي ال ِّ‬ ‫قيمة التكنولوجيا المثيرة في داخلها‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫العنصر البشري من القوة العاملة الماهرة‪.‬‬

‫هندسة لمحطات نووية‬ ‫مندمجة بالبيئة‬

‫الدراك بأن‬ ‫بالوصول إلى التسعينيات‪ ،‬ترسخ إ‬ ‫المحطات النووية هي هنا لتبقى‪ ،‬وبأن هناك‬

‫ملصق ِفلم «‪»The China Syndrome‬‬


‫النشاء في جميع أنحاء العالم‬ ‫العشرات منها قيد إ‬ ‫في الوقت الحالي‪ .‬وكما يبدو فإن انتشارها يأتي من‬ ‫مفارقة غريبة بأن هذه المحطات التي كانت تُعد‬ ‫نذيراً للكوارث الكبرى أخذت تعتمد آ‬ ‫الن باعتبارها‬ ‫ُ‬ ‫أفضل وسيلة للحد من انبعاثات الغازات المسببة‬ ‫لالحتباس الحراري‪ .‬وهذا ما أدى إلى تغيير القيود‬ ‫الموضوعة على تصميم المحطات النووية‪ .‬ويقول‬ ‫جون ريتش‪ ،‬رئيس الرابطة النووية العالمية‪ ،‬إن‬ ‫الصناعة النووية «ستبقى تواجه قدراً من القلق العام‬ ‫ألنها تنضوي على قوى غامضة شديدة الفعالية‬ ‫وغير مرئية‪ .‬ولكن ما يمكن للصناعة أن تسيطر عليه‬ ‫بالتأكيد هو ما يراه الجمهور من الخارج‪ .‬ومن خالل‬ ‫التعبير عن حداثة ودقة الصناعة النووية اليوم‪،‬‬ ‫يمكن للفن المعماري‪ ،‬من دون تغيير بالتكاليف أو‬ ‫بتغيير ضئيل فيها‪ ،‬أن يساعد على تقدير الجمهور‬ ‫لنوع من التكنولوجيا‪ ،‬ال تتميز بكونها مثيرة للإعجاب‬ ‫فقط‪ ،‬وإنما بكونها ضرورة لمستقبل العالم»‪.‬‬ ‫ومن أهم أ‬ ‫المور التي يجب أن تتميز بها التصاميم‬ ‫الحديثة‪ ،‬احتواؤها على خصائص مندمجة بالبيئة‬ ‫المحيطة بها‪ .‬عندما ُسئل إيان براينتن‪ ،‬رئيس قسم‬ ‫التخطيط في «‪ ،»EDF Energy‬عن المدى الذي كان‬ ‫يُسمح فيه للمهندسين المعماريين بالتحرك في تصميم‬ ‫محطات الطاقة النووية الجديدة مع وجود الكم‬ ‫الهائل من القوانين والتشريعات التي تخضع لها‪ ،‬أجاب‬ ‫بأنه «كان يمكنهم التأكيد على أنها ستتالءم مع البيئة‬ ‫المحيطة بها‪ ،‬حيث يمكن أ‬ ‫لللوان أن تلعب دوراً»‪.‬‬ ‫تقع معظم محطات الطاقة النووية في مناطق‬ ‫ساحلية نائية‪ ،‬ليس فقط من أجل ضمان الحد‬ ‫أ‬ ‫الدنى من الضرر على السكان في المناطق المجاورة‬ ‫في حال حدوث أي تسرب نووي‪ ،‬وإنما أيضاً ألن‬ ‫المحطات بحاجة للوصول إلى مياه البحر التي‬ ‫المبرد الرئيس في التصاميم الحديثة‪ .‬على‬ ‫تُشكّل ّ‬ ‫هذا النحو تقع معظم محطات الطاقة البريطانية‬ ‫في المحميات الطبيعية أو الحدائق العامة‪ ،‬وهذه‬ ‫آخر المواقع التي نتوقع أن نرى فيها مثل هذه‬ ‫الصناعات‪ .‬لذلك‪ ،‬من الصعب التفكير في المباني‬

‫وال تزال الطاقة النووية‪،‬‬ ‫على الرغم من التحفظات‬ ‫على وسائل التخلص من‬ ‫النفايات المشعة التي‬ ‫تنتج عنها‪ ،‬أكثر نظافة‬ ‫من الطاقة التي تنتجها‬ ‫محطات الغاز والفحم‬

‫بداية إضفاء اللمسات الفنية‪ ..‬محطة سيزويل البريطانية‬

‫التي يمكن أن تشغل مثل هذه المواقع دون‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫مواصفات جمالية َّ‬ ‫وفي جولة على أحدث محطة للطاقة النووية في‬ ‫بريطانيا‪ ،‬محطة ‪ Sizewell B‬التي تم إنجازها في‬ ‫‪1995‬م والتي تشبه المربع الكهربائي أ‬ ‫الزرق المموج‬ ‫والمحاطة بأسوار حمراء تعلوها قبة بيضاء رائعة‪،‬‬ ‫نرى بوضوح التغير في تصميم المحطات الحديثة‪.‬‬

‫فمن الخارج هي تشبه مبنى برلمان فخم أو قصر ًا‬ ‫للمؤتمرات على الطراز الحديث لوال إشارات التحذير‬ ‫أ‬ ‫والسالك الشائكة وكاميرات المراقبة ودوريات الشرطة‬ ‫حولها‪ .‬وأكثر ما يبرز حداثة تصميمها هو من خالل‬ ‫مقارنتها مع سابقتها «‪ ،»Sizewell A‬المحطة التي‬ ‫أصبحت خارج الخدمة‪ ،‬والتي هي تشبه مبنى قاتماً‬ ‫من ستينيات القرن الماضي يشبه الخرسانة إالسمنتية‬ ‫والمجمعات الصناعية من القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫صورة للمحطات النووية‬ ‫التقليدية كما كانت‬ ‫تصمم في أواسط القرن‬ ‫الماضي‬

‫مشروع محطة إيثار في بروفانس‬ ‫في فرنسا‬

‫وفي فرنسا‪ ،‬تزدهر روح االبتكار‬ ‫في التصاميم النووية أكثر‬ ‫من أي مكان آخر‪ .‬ومن أكثر‬ ‫المشاريع النووية إثارة هناك‪،‬‬ ‫مشروع «‪( »Iter‬المفاعل الحراري‬ ‫النووي العالمي) وهو حرم علمي‬ ‫في مقاطعة بروفانس‪ ،‬حيث‬ ‫يدور النشاط النووي الفعلي‪.‬‬ ‫و«‪ »Iter‬مشروع عالمي على غرار‬ ‫«‪ ،»Cern‬المنظمة أ‬ ‫الوروبية‬ ‫أ‬ ‫للبحاث النووية‪ ،‬ويضم أكبر‬ ‫مفاعل نووي في العالم‪ .‬من‬ ‫حيث التصميم الهندسي يبدو‬ ‫المفاعل وكأنه مستوحى من أفالم‬ ‫الخيال العلمي ويشبه نبتة الفطر‬ ‫العمالقة المصنوعة من الفوالذ‬ ‫المقاوم للصدأ‪.‬‬ ‫ال بد من إالشارة إلى أن هناك‬ ‫مسابقات تُجرى حول العالم‬ ‫ألفضل التصاميم النووية مثل‬ ‫المسابقة التي قامت بها وكالة‬ ‫الطاقة الروسية «‪ »Rosatom‬في‬ ‫‪ 2014‬ألفضل تصميم لجناح نووي‬


‫‪45 | 44‬‬

‫أحد التصاميم لمسابقة ‪ Rosatom‬في ‪ 2014‬لجناح نووي‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫استخداماتها بعد نفاد‬ ‫صالحيتها‬ ‫بعد الجناح الذي تم تصميمه في ‪1954‬م‪ .‬وتقول‬ ‫إيرينا كيريفا من الوكالة إن السبب وراء هذه المسابقة‬ ‫هو ّأن «هذا البلد (أي روسيا) بحاجة إلى ما يمكن أن‬ ‫يفخر به‪ ،‬ولروسيا إنجازات فعلية في هذا المجال»‪.‬‬ ‫وتعتقد كيريفا بأن هذه المسابقة تقدم للمهندسين‬ ‫المعماريين الفرصة لالحتفاء بهذه التكنولوجيا الخارقة‪.‬‬ ‫«على الجناح النووي أن يتحدث عن نفسه» كما تقول‬ ‫«ويجب أن يكون فذاً ويمتلك القدرة على التواصل»‪.‬‬

‫حتى لو وصل الجيل القادم من العمارة النووية‬ ‫إلى مستويات جمالية جديدة واستطاعت توفير‬ ‫طاقة نظيفة وآمنة للجميع‪ ،‬لن يكون ذلك‪ ،‬بأي‬ ‫شكل من أ‬ ‫الشكال‪ ،‬نهاية القصة‪ .‬إذ إنه لفترة‬ ‫النتاجي وانتهاء صالحيتها‬ ‫طويلة بعد نفاد عمرها إ‬ ‫ستبقى محطات الطاقة النووية قائمة‪ .‬وقد استطاع‬ ‫المصمم بيزل سبينس التنبؤ بهذا الموضوع منذ‬ ‫ستينيات القرن الماضي عندما كان يصمم محطة‬ ‫«‪ »Trawsfynydd‬في مقاطعة وايلز وطرح السؤال‬ ‫تتحول إلى‬ ‫التالي‪« :‬هل يمكن لهذه المحطة أن َّ‬ ‫معلم أثري جميل؟» ال تزال هناك حيرة بالنسبة‬

‫لهذه المسألة‪ ،‬وسيبقى أ‬ ‫المر كذلك لفترة طويلة‪.‬‬ ‫وعندما أُغلقت هذه المحطة في عام ‪1991‬م‬ ‫برزت هناك عدة اقتراحات إلعادة استخدامها في‬ ‫مجاالت أخرى‪ .‬وفي تسعينيات القرن الماضى وجه‬ ‫الذاعة البريطانية دعوة لتقديم‬ ‫أحد البرامج في إ‬ ‫اقتراحات من المهندسين والمصممين الستخدامات‬ ‫أخرى للمحطة‪ ،‬وكان من بينها تحويلها الستوديو‬ ‫لتصوير أ‬ ‫الفالم أو مجرد تحويلها إلى ركام‪ .‬ويجري‬ ‫العمل حالياً على تقصير أبنية المحطة المرتفعة‬ ‫إلى الثلث‪ ،‬وتغطيتها بالصخور المستخرجة محلياً‬ ‫لتحويلها إلى معلم جميل مصمم بطريقة فريدة‬ ‫من المتوقع أن ينتهي العمل فيه في ‪2018‬م‪ .‬أما‬ ‫من حيث استخدامه من الداخل فلن يجري تفكيك‬ ‫المفاعالت النووية في الداخل قبل عام ‪2088‬م‪.‬‬ ‫وحتى ذلك الوقت سيبقى المبنى هكذا من دون أي‬ ‫استخدام عملي‪.‬‬ ‫على المدى الطويل‪ ،‬تبدو الهندسة المعمارية‬ ‫للمحطات النووية وكأنها قضية عابرة‪ .‬وستبقى هناك‬ ‫النفايات المشعة آلالف السنوات في المستقبل‬ ‫أكثر مما سيبقى أي اسم شهير في عالم تصميم‬ ‫المحطات النووية إن كان بيزل سبينس أو كلود بارون‬ ‫أو غيره‪.‬‬

‫يقرب مظهرها من أية منشأة عادية‬ ‫تصميم معماري لمحطة «تراوسفينيد»‪ِّ ..‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫أمين نجيب‬

‫الليل‬ ‫والحياة‬ ‫االجتماعية‬

‫حياتنا اليوم‬

‫ً‬ ‫مختلفا عن‬ ‫كان ليل طفولتنا نحن الكبار‬ ‫ليل أطفال اليوم‪ ،‬كتلك الطفلة الصينية‬ ‫التي ظهرت على وسائل اإلعالم‪ ،‬وقد‬ ‫حجب التلوث الكثيف عينيها‪ ،‬فقالت‬ ‫إنها سمعت عن القمر والنجوم ولكنها‬ ‫لم ترها مرة واحدة‪ .‬ليلنا كانت نجومه‬ ‫ً‬ ‫ساطعا‪ ،‬وملجؤنا الوحيد‬ ‫مشرقة وقمره‬ ‫فيه حضن العائلة ودفئها‪ .‬وملجأ أطفال‬ ‫اليوم الشاشات على أنواعها‪ ،‬وحضن‬ ‫شبابه األماكن الليلية العامة للتسلية‪.‬‬ ‫كيف يعيش اإلنسان دون ذلك الليل؟‬ ‫دون حميميته وإيحاءاته ورهبته وظالمه‬ ‫الدامس؟‬


‫‪47 | 46‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫لم يكن الليل ملكاً عاماً كما هو‬ ‫النهار‪ .‬كان فضا ًء خاصاً حميماً‬ ‫لكل فرد‪ ،‬ألحالمه ومشاعره‬ ‫وخوفه‪ .‬كان الليل خارج الزمن‬ ‫االجتماعي‪ ،‬خال زمن بعض‬ ‫المغامرين والشعراء والرومانسيين‪ ،‬وكذلك بعض‬ ‫النسان على‬ ‫المتسكعين‪ .‬كما كان خارج تأثير إ‬ ‫الطبيعة وتشويهها‪ .‬والحضارة الحديثة أدخلته‬ ‫متاهات الحياة اليومية وأخضعته لقيمها ومقتضياتها‬ ‫ومفاهيمها المادية‪.‬‬ ‫والجيل الجديد الذي لم يحجب التلوث عنه رؤية‬ ‫السماء الصافية بعد‪ ،‬حجبته أ‬ ‫الجهزة الحديثة‪.‬‬ ‫فالشاشة‪ ،‬التي يقضي معظم أوقاته قبالتها‪ ،‬وإن‬ ‫كانت تمثيال ً للعالم الواقعي في الخارج‪ ،‬فإنه واقع‬ ‫خاو من إيقاع الطبيعة ونبضها الحي‬ ‫افتراضي ٍ‬ ‫المتغير في الليل والنهار‪.‬‬

‫نتيجة التحديق الخائف في الليل باستمرار‪ .‬وهذا‬ ‫يدل على أنهم كانوا كباقي الحيوانات التي تختفي في‬ ‫النهار وتنشط في الليل‪.‬‬ ‫كانت حياة الليل تقيهم من خطر الحيوانات‬ ‫المفترسة وخاصة النسور الجائعة‪ ،‬لكنها صعبة‬ ‫جداً فيما يتعلق بتأمين المأكل والمشرب‪ .‬وربما كان‬ ‫هذا هو من الدوافع التي حفزتهم للظهور والحركة‬ ‫المحدودة في النهار‪ .‬وحالما تكاثرت فترات الظهور‬ ‫النهاري‪ ،‬أخذ أجدادنا يتجمعون في مجموعات‬ ‫كبيرة‪ .‬وتقول شولتز إن العدد يوحي أ‬ ‫بالمان‪ .‬هذه‬ ‫كانت بداية تكون المجتمع‪.‬‬

‫اليوم‪ .‬كان جزءاً حيوياً من إيقاع الحياة المنقطعة‬ ‫إلى زمنين مختلفين‪ .‬ومصابيح الزيت والغاز أ‬ ‫الولى‬ ‫الوروبية أ‬ ‫التي علقت في شوارع المدن أ‬ ‫والمريكية‬ ‫في ستينيات القرن السابع عشر‪َّ ،‬أشرت إلى مرحلة‬ ‫النسان‪ .‬هي مرحلة استيالء النهار‬ ‫جديدة في تاريخ إ‬ ‫على الليل‪.‬‬

‫لكن بعيداً عن رومانسيتنا الجميلة المستبدة بنا نحن‬ ‫ْ‬ ‫الذين نعيش في عصر الرفاهية والحياة السهلة‪،‬‬ ‫علينا أن نتساءل‪ :‬لماذا استمر أجدادنا بالتخلي عن‬ ‫هذا الليل الحلم منذ عشرات ماليين السنين؟‬ ‫يفيدنا العلم الحديث أن بقاء الجنس البشري‬ ‫النسان للمجتمع‬ ‫واستمراره كان وقفاً على تشكيل إ‬ ‫وعلى امتالكه عقال ً مفكراً‪ .‬والليل كان عائقاً أمام ذلك‪.‬‬ ‫وبديهي أن الخوف من الليل وما يكتنفه من مخاطر‬ ‫عديدة في العصور السابقة‪ ،‬كان السبب أ‬ ‫الساسي‬ ‫لالعتقادات بالقوى الغيبية والشر‪ .‬كانت هناك‬ ‫اعتقادات واسعة‪ ،‬في أكثر من مكان‪ ،‬حول أن الليل كان‬ ‫تحت سيطرة القوى الشيطانية والساحرات أ‬ ‫والشباح‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والصابات والعاهات والحروب هي‬ ‫وكانت المراض إ‬ ‫من أعمال قوى الشر الليلية هذه‪ .‬وانحسار هذه‬ ‫الخرافات‪ ،‬وصعود الفكر العقالني وصوال ً إلى العلم‬ ‫الحديث‪ ،‬اقترن مع امتداد النهار‪ .‬كما اقترن معه تكون‬ ‫المجتمع وصوال ً إلى الدولة الحديثة‪.‬‬

‫الليل في عصور ما قبل التاريخ‬

‫في بحث علمي من جامعة «أكسفورد» بقيادة سوزان‬ ‫تبين‬ ‫شولتز عن إ‬ ‫النسان في عصور ما قبل التاريخ‪َّ ،‬‬ ‫أنه أصبح مخلوقاً اجتماعياً عندما تخلَّى عن الحياة‬ ‫النسان‪ ،‬وبعض‬ ‫الليلية‪ .‬وكشفت الدراسة أن إ‬ ‫الثدييات أ‬ ‫الخرى‪ ،‬كانوا حيوانات ليلية‪ ،‬وحياتهم‬ ‫وتغير ذلك حين‬ ‫انفرادية حتى ‪ 52‬مليون سنة خلت‪َّ .‬‬ ‫بدأ بعض الذكور يعيش مع عدة إناث‪ ،‬فكان هذا‬ ‫هو الشكل االجتماعي أ‬ ‫الول‪.‬‬

‫وتضيف شولتز أن أجدادنا كانوا حتى ‪ 52‬مليون سنة‪،‬‬ ‫صغار القامة يعيشون في الغابات وعيونهم كبيرة‬

‫ال يسع أي حديث أو‬ ‫مقالة عن الليل إال‬ ‫ويكون كتاب ألف‬ ‫ليلة وليلة هاجسه‪.‬‬ ‫ويطلق على هذا‬ ‫الكتاب في الغرب‬ ‫«الليالي العربية»‪..‬‬

‫ليالي الشرق‬

‫ال يسع أي حديث أو مقالة عن الليل إال ويكون كتاب‬ ‫ألف ليلة وليلة هاجسه‪ .‬ويُطلق على هذا الكتاب في‬ ‫الغرب «الليالي العربية»‪ .‬وهو عمل ضخم تعاقب‬ ‫على جمعه وترجمته‪ ،‬على مدى مئات السنين‪ ،‬عدد‬ ‫من المؤلفين والمترجمين من عدة لغات من الشرق‬ ‫والوسط أ‬ ‫الدنى أ‬ ‫أ‬ ‫والقصى‪ .‬وقد تُليت قصص هذا‬ ‫الكتاب الليلية على مسامع شعوب هذه المناطق‬ ‫الواسعة عبر القرون‪ .‬وظهر في قصصها كثير من‬ ‫مخلوقات الليل الخرافية وأخبارها‪ ،‬التي كانت منتشرة‬ ‫في أماكن كثيرة من التاريخ‪ ،‬كالجن والعفاريت‬ ‫والمساخيط والموتى أ‬ ‫الحياء والمسوخ وغيره‪.‬‬ ‫بعكس ليالي الغرب الكئيبة في الفترة نفسها‪ ،‬كانت‬ ‫بعض ليالي الشرق عامرة وزاهية‪ .‬وأخبارها أ‬ ‫ملت‬ ‫الدنيا ودخلت إلى أ‬ ‫العمال الفنية العالمية الكبيرة‬ ‫أ‬ ‫في الموسيقى والمسرح والرسم والرقص والدب‬ ‫والشعر‪.‬‬

‫الحياة الليلية في العصور‬ ‫الوسطى‬

‫لم يكن شروق الشمس ومغيبها حدثاً عادياً كما هو‬

‫كان الخروج من المنزل يكتنفه كثير من المخاطر في‬ ‫الليل‪ .‬ويقول روجر إيكرش في كتابه «عند انتهاء‬ ‫النهار» عن حياة الليل في أوروبا وأمريكا في الفترة‬ ‫بين القرنين السادس عشر والثامن عشر‪ ،‬إن الليل كان‬ ‫ينتمي إلى الشيطان والسحر أ‬ ‫والرواح الشريرة‪ .‬وكانت‬ ‫تكثر حوادث الحرائق الناتجة عن وضع الشموع أو‬ ‫السروج بال مباالة‪ .‬وكانت السلطات الدينية‪ ،‬كما‬ ‫السلطات المدنية توصي بعدم الخروج من المنزل‬ ‫في الليل واالهتمام بالعائالت وبالصالة‪ .‬وفي المدن‬ ‫كان حكامها يغلقون أبوابها وأحياناً يفرضون عدم‬ ‫التجول‪.‬‬ ‫أولئك الذين يخرجون هم من أصحاب التجاوزات‬ ‫على أنواعها‪ ،‬وهم من يرتادون أ‬ ‫الماكن السيئة‬ ‫السمعة‪ .‬والناس ينظرون إليهم بكثير من الريبة‬ ‫والحذر‪ .‬وقد وصف إدموند سبنسر الليل قائالً‪:‬‬ ‫«أيها الليل يا والد الضجر الثقيل ‪ /‬يا شقيق الموت‬ ‫ووطأته‪ ،‬ومرعى الوجع»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن النوم كان يتم بشكل جماعي في‬ ‫غرف صغيرة‪ ،‬يقول إيكرش‪ ،‬فإن هذه الفترة كانت‬ ‫وقت الخلوة بالذات والتأمل العميق بها‪ .‬والحال أن‬ ‫الناس العاديين كانوا يهجعون إلى النوم مبكراً حوالي‬ ‫الساعة التاسعة مسا ًء ويستيقظون عند الخامسة‬ ‫صباحاً‪ .‬في البيت‪ ،‬وقبل النوم هناك أعمال كثيرة‬ ‫يجب القيام بها‪ :‬تحضير الجبن‪ ،‬وضع الحيوانات‬ ‫في الزريبة‪ ،‬التحطيب‪ ،‬تصليح أ‬ ‫الدوات‪ ،‬حرق‬ ‫أعشاش الدبابير‪ ،‬قص الحكايات الشعبية حول النار‪،‬‬


‫التسلية ببعض أ‬ ‫اللعاب أو غيرها‪ ،‬عزف الموسيقى‬ ‫بما تيسر من أ‬ ‫الدوات‪..‬‬ ‫واقتضى توسع النهار‪ ،‬استعادة الليل من أصحابه‬ ‫السابقين‪ .‬وهم المتشردون وشذاذ آ‬ ‫الفاق واللصوص‬ ‫وغيرهم‪ ،‬الذين كانوا يرتعون بحرية شبه تامة‪.‬‬ ‫أداة القمع أ‬ ‫الساسية في هذه العملية هي تعليق‬ ‫مصابيح الزيت في الشوارع‪ .‬فعلقت أ‬ ‫الولى منها‬ ‫على العواميد في باريس سنة ‪1667‬م‪ ،‬وأمستردام‬ ‫‪1669‬م‪ ،‬وهامبورغ ‪1673‬م‪ ،‬وتورينو ‪1675‬م‪،‬‬ ‫وبرلين ‪1682‬م‪ ،‬وكوبنهاغن ولندن ‪1684‬م‪ .‬وكان رد‬ ‫المتشردين على ذلك تكسير المصابيح وتحطيمها‪.‬‬ ‫وردت محاكم باريس على ذلك بسن قوانين ضد‬ ‫بالشغال الشاقة‪ .‬وبقطع أ‬ ‫هؤالء المرتكبين أ‬ ‫اليادي‬ ‫في فيينا‪.‬‬

‫الحفالت تنتقل إلى الليل‬

‫في ذلك الوقت بدأت االحتفاالت العامة تنتقل من‬ ‫الطرق والساحات في النهار إلى الليل‪ .‬وفي عهد‬ ‫لويس الرابع عشر ملك فرنسا‪ ،‬تحولت كل الحفالت‬ ‫من رقص الباليه والموسيقى والمسرح أ‬ ‫والوبرا‬ ‫وحفالت أ‬ ‫القنعة إلى الليل‪.‬‬ ‫ويقول تيم بالننغ في مقالة له في «تايمز ليتراري‬ ‫سابليمنت»‪ ،‬ترجمته جريدة الحياة‪ ،‬إن الناس‬ ‫أصبحوا يتجولون في الليل دون خوف‪ .‬وفي أحد‬

‫لم يكن باستطاعة‬ ‫ليوناردو دافينشي أن‬ ‫يقيم أعماله المنجزة‬ ‫إال في جوف الليل‪.‬‬ ‫وجون ميلتون كان‬ ‫نظم الشعر في الليل‬ ‫َي ِ‬ ‫شفاهية دون كتابته‪..‬‬ ‫مشاهد مسرحية «جون فانبروك»‪ ،1720 ،‬ترد الليدي‬ ‫أرابيال على زوجها اللورد لوفيرول المنزعج من سهراتها‬ ‫الطويلة قائلة‪« :‬ساعتي الثانية بعد منتصف الليل‬ ‫هي مرآة الحياة والنشاط والهمة‪ ،‬أما أنت في الحادية‬ ‫عشرة فتصدر أصواتاً كئيبة ومضجرة وغبية ال جدوى‬ ‫منها»‪ ،‬وحين يرد بأن النوم الباكر جيد للصحة‪،‬‬ ‫تبادره «هكذا هي صحة الحيوانات»‪.‬‬

‫ليوناردو دافينشي‬

‫نظرة إيجابية إلى حياة الليل‬

‫على الرغم من الصورة السوداء في ذلك الزمن‪،‬‬ ‫عد الليل‪ ،‬من بعض نخب ذلك الزمن‪،‬‬ ‫كان يُ ُّ‬ ‫بطريقة مختلفة مماثلة لصورته عند أبي العالء‬ ‫المعري‪:‬‬ ‫رب ليل كأنه الصبح في الحسن‬ ‫َّ‬ ‫وإن كان أسود الطيلسان‬

‫جون ميلتون‬

‫فأعظم الكتب‪ ،‬حتى ذلك الوقت‪ ،‬طرحاً لما‬ ‫يتعلَّق بعلم السياسة‪ :‬أ‬ ‫«المير»‪ ،‬بدأ نيكولو‬ ‫ماكيافيللي كتابته في الليل‪ .‬حيث يقول في إحدى‬ ‫رسائله‪« :‬في الجزء أ‬ ‫الول من الليل‪ ،‬وعلى مدى‬ ‫أربع ساعات نسيت العالم‪ ،‬نسيت كل مضايقة‪،‬‬ ‫لم أعد أخاف الفقر أو أرتعش من الموت‪ ،‬كنت‬ ‫مستغرقاً كلياً بما أكتب»‪.‬‬ ‫ولم يكن باستطاعة ليوناردو دافينشي أن يقيم‬ ‫أعماله المنجزة إال في جوف الليل‪ .‬وجون ميلتون‬ ‫كان يَ ْن ِظم الشعر في الليل شفاهية دون كتابته‪.‬‬ ‫يصف كريغ كوسلوفسكي المؤرخ أ‬ ‫المريكي من جامعة‬ ‫إلينوي انتقال بعض النشاطات االجتماعية ونشاطات‬


‫‪49 | 48‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫التسلية والسهر‪ ،‬إلى فترة الليل بالثورة‪ ،‬ويتحدث‬ ‫عن «استعمار» النهار لليل‪ .‬كما يعد يورغن هابرماس‬ ‫الفيلسوف أ‬ ‫اللماني المعاصر أنه بتوسع النهار إلى‬ ‫الليل‪ ،‬توسع «الحيز العام»‪ ،‬أي أ‬ ‫الماكن التي يلتقي‬ ‫أ‬ ‫فيها الناس عشوائياً للدردشة والتسلية وتناقل الخبار‬ ‫والنقاش‪ .‬وهابرماس هو من صك هذا المفهوم‬ ‫الذي يعده الوسيط أ‬ ‫الساسي لكل حركات التغيير‬ ‫االجتماعية‪ .‬ويورد كوسلوفسكي أن بعض تقارير‬ ‫تعبر عن قلق قيادتها‬ ‫الشرطة الباريسية سنة ‪ِّ 1729‬‬ ‫اليمان الديني الذي تحفزه المناقشات إلى‬ ‫من ضعف إ‬ ‫وقت متأخر من الليل في المقاهي‪ ،‬وهي مناقشات‬ ‫«ميتافيزيقية» خطرة جداً‪.‬‬

‫الثورة الصناعية والليل‬

‫بعيد الثورة الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر‪،‬‬ ‫نشأ ما يعرف باقتصاد الليل‪ .‬لم تعد مسألة الحياة‬ ‫الليلية تتعلق بشؤون القانون والنظام فقط كما كانت‬ ‫سابقاً‪ .‬ألن الليل في مدينة ما بعد الثورة هذه بدأ‬ ‫النتاج‬ ‫يتعلق بحركة االقتصاد الجديد المتجه نحو إ‬ ‫واالستهالك‪ .‬وهكذا أخذ مفهوم القانون والنظام‬ ‫والسلطة االجتماعية يتغير باالرتباط بتحفيز وتطوير‬ ‫والبداعية وامتدادها من‬ ‫الحركة االقتصادية والعلمية إ‬ ‫النهار إلى الليل‪.‬‬

‫‪www.bossip.com‬‬

‫إذ ذاك أصبحت المدينة في الليل تضم عدداً‬ ‫كبيراً من المجموعات المتضاربة المصالح مثل‬ ‫الحكام المحليين‪ ،‬الشرطة‪ ،‬القضاة‪ ،‬السكان‬ ‫المتنافري االنتماءات االجتماعية والتقاليد الريفية‪،‬‬ ‫العمال والمستهلكين‪ .‬وقد وجد هؤالء جميعاً‬ ‫أنفسهم بمواجهة مسألة جديدة كل الجدة‪ :‬تنظيم‬ ‫وحوكمة حياة الليل‪ .‬ومع الوقت‪ ،‬تطور نوع من‬ ‫الجماع تمحور في البدء حول مصالح كبار المالك‬ ‫إ‬ ‫وأصحاب المصانع الناشئة وتكتالت الترفيه التي‬ ‫بدأت في االتساع‪.‬‬

‫الليل والمدينة الحديثة‬

‫وكما شكَّل اقتصاد الليل فرصاً لبعض الفئات‪ ،‬أوجد‬ ‫مشكالت كبيرة للبعض آ‬ ‫الخر في عصرنا الحالي‪.‬‬ ‫فازدياد ما بات يُعرف بالتلوث الضوضائي في المدن‬ ‫جعل بعضها من أسوأ أ‬ ‫الماكن للنوم كمدينة نيويورك‬ ‫وغيرها كثير‪.‬‬

‫لذلك السبب‪ ،‬ظهرت مؤخراً دعوات لتأسيس‬ ‫فرع في علوم التخطيط المدني تتعلق بالحياة‬ ‫الليلية‪ .‬فاضطر عالم التخطيط المدني أ‬ ‫اللماني‬ ‫ِ‬ ‫جاكوب شميدت القيام بنفسه بمشروع بحث‬ ‫عنوانه «المدينة بعد الساعة الثامنة مساء» للتعرف‬ ‫إلى ماهية هذه الحياة‪ .‬حيث قال إن المعلومات‬ ‫أ‬ ‫والبحاث حول هذا الموضوع قليلة بل منعدمة‬ ‫بشكل مذهل عند مهندسي التخطيط المدني وحتى‬ ‫النسانية المختلفة‪.‬‬ ‫عند أهل االختصاص في العلوم إ‬ ‫أماكن اللهو الليلية في برلين مثال ً ليست محصورة في‬ ‫بقعة بعينها بل منتشرة على مساحة المدينة وتشكل‬ ‫تحدياً لمعظم سكانها‪ .‬بينما في بعض المدن أ‬ ‫الخرى‬ ‫يتركز النشاط الليلي في مركزها الوسطي‪.‬‬ ‫يعطي شميدت بعض أ‬ ‫المثال على مخاطر عدم‬ ‫معرفة تفاصيل الحياة الليلية وهو ما حدث في‬ ‫المملكة المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي‪،‬‬ ‫عندما بدأ االهتمام بالتخطيط المدني‪ .‬توسعت‬ ‫المدن إلى ما يعرف بسكن الضواحي التي بلغت‬ ‫ذروتها في أواخر العقد‪ .‬فكانت نتيجة ذلك ازدهار‬ ‫هذه الضواحي في الليل بينما ماتت الحركة في‬ ‫مراكز المدن بعد انتهاء العمل‪ .‬وأحدث هذا مشكلة‬ ‫اقتصادية كبيرة لبعض الفئات المدينية العريقة‪.‬‬

‫مواقع التواصل االجتماعي والليل‬

‫كثير من مدن العالم اليوم ال ينام في الليل‪ .‬تتغير‬ ‫فقط طبيعة الحركة بينه وبين النهار‪ .‬لهذا أطلق على‬ ‫مجتمعنا المعاصر‪ ،‬مجتمع الـ «‪ »7/24‬أي امتداد‬ ‫النهار ‪ 24‬ساعة على مدى سبعة أيام‪ .‬فمعظم‬ ‫المدن أصبحت تعج بالمطاعم والمقاهي والمالهي‬ ‫والحانات الليلية وغيرها كثير‪.‬‬ ‫في دراسة مشتركة قامت بها جامعتا «موناش»‬ ‫أ‬ ‫السترالية و«سانت غالنت» السويسرية حول عالقة‬ ‫تبين أن هناك رابطاً‬ ‫الناتج القومي إ‬ ‫بالضاءة الليلية‪َّ ،‬‬ ‫قوياً بين االثنين‪ .‬هذا يعني أنه كلما اختفى الليل‬ ‫قوي االقتصاد‪.‬‬ ‫ومع انتشار مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬لم يعد‬ ‫على الزائر أو السائح إزعاج نفسه بالتفتيش عما‬

‫‪www.thejetlife.com‬‬

‫ازدياد ما بات ُيعرف بالتلوث‬ ‫الضوضائي في المدن جعل‬ ‫بعضها من أسوأ األماكن للنوم‬ ‫كمدينة نيويورك وغيرها كثير‪..‬‬


‫مع انتشار مواقع‬ ‫التواصل االجتماعي‬ ‫لم يعد على الزائر أو‬ ‫السائح إزعاج نفسه‬ ‫بالتفتيش عما يريد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مثال بعض‬ ‫هناك‬ ‫المواقع التي ِّ‬ ‫تؤمن‬ ‫ً‬ ‫فورا‪.‬‬ ‫له ما يحتاجه‬

‫تؤمن له‬ ‫يريد‪ .‬هناك مثال ً بعض المواقع التي ِّ‬ ‫ما يحتاجه فوراً‪ .‬فأينما يوجد الشخص حول‬ ‫الكرة أ‬ ‫الرضية يدلّه الموقع على ما يستحسنه أو‬ ‫يرغبه بواسطة نظام التموضع العالمي (‪.)GPS‬‬ ‫وتضم هذه المواقع مئات ماليين المشتركين‪.‬‬ ‫فإذا كان الزائر يحب المتنزهات أو المقاهي أو‬ ‫الرواد‪ ،‬يؤشر له الموقع المكان‬ ‫معينة من َّ‬ ‫نوعية َّ‬ ‫والطريق الذي يجب أن يسلكه دون استشارة‬ ‫الطالق‪ .‬والموقع باستطاعته من خالل‬ ‫أحد على إ‬ ‫المزودة له‪ ،‬ومن خالل تحليل نشاط‬ ‫المعلومات‬ ‫َّ‬ ‫الفرد السابق‪ ،‬أن يستنتج ما يرغب فيه المشترك‪،‬‬ ‫ويدله ماذا يتوافر حوله من ذلك‪ .‬ويشمل هذا‬ ‫الصدقاء الفعليين أ‬ ‫أ‬ ‫والصدقاء المحتملين الذين‬ ‫يحدد أماكن وجودهم‪.‬‬ ‫باستطاعة الموقع أن ِّ‬ ‫هكذا يصبح بإمكان الفرد أن يجتمع مع َم ْن يريد‬ ‫ويتجنب َم ْن يريد‪.‬‬ ‫ويذهب بعض العلماء إلى االستنتاج أن هذه‬ ‫المواقع بدأت تحل محل الجمعيات أ‬ ‫والندية‬ ‫أ‬ ‫والحزاب وغيرها من التجمعات التي أصبحت تنتمي‬ ‫إلى الماضي‪ .‬لكن هذه المواقع منفتحة إلى درجة‬

‫لم يعد باستطاعة أي كان أن يجتمع في الليل بغفلة‬ ‫عن أعين آ‬ ‫الخرين‪ ،‬مثلما نشأ في الماضي كثير من‬ ‫التنظيمات والحركات السرية‪.‬‬

‫الليل والتمييز بين الفئات‬

‫مع بداية الثورة الصناعية‪ ،‬وتوسع المدن بواسطة‬ ‫الهجرة من الريف للعمل في المصانع‪ ،‬التي بدأت‬ ‫تعمل في الليل والنهار‪ ،‬أضيئت المصابيح أ‬ ‫الولى في‬ ‫الشوارع‪ .‬فكان باستطاعة المرء أن يرى‪ ،‬وقبل انبالج‬ ‫الصبح‪ ،‬عربات الخيل تنقل أفراد الفئة أ‬ ‫الرستقراطية‬ ‫العائدين من حفالت البالطات الليلية وهي تلتقي‬ ‫المبكرين مشياً إلى العمل‪.‬‬ ‫العمال ُ‬ ‫ومع أن الفوارق الطبقية والتمايز بين الجنسين في‬ ‫السلوك والحياة الليلية آخذة في االنخفاض منذ ذلك‬ ‫الثنية والعرقية والدينية آخذة‬ ‫الوقت‪ ،‬فإن الفوارق إ‬ ‫باالزدياد‪ .‬ففي كتابه «الحياة الليلية‪ :‬العرق‪ ،‬الطبقة‪،‬‬ ‫الثقافة والتسلية في الحيز العام»‪2014 ،‬م يستنتج‬ ‫روبن ماي‪ ،‬أستاذ علم االجتماع في جامعة تكساس‪،‬‬ ‫أن التمييز العرقي والثقافي يتحدى االنفتاح المتزايد‬ ‫بفعل العولمة‪.‬‬

‫ويكشف ماي أن كل فريق ينظر إلى أ‬ ‫الماكن العامة‬ ‫المتوفرة في الليل من زاويته الخاصة‪ .‬وتعكس‬ ‫أ‬ ‫وماله‬ ‫اجتماعاتهم داخل هذه الماكن‪ ،‬من مطاعم ٍ‬ ‫وغيرها‪ ،‬خالفاتهم في الشارع‪ .‬هكذا يصل إلى‬ ‫مفهوم «العزل المتكامل»‪ .‬وهو أن الجميع يعيشون‬ ‫جسدياً بعضهم مع البعض آ‬ ‫الخر‪ ،‬لكنهم نادراً ما‬ ‫يتفاعلون سوياً كأعراق‪.‬‬ ‫ومع امتداد النهار إلى الليل كله‪ ،‬وضمور الخرافات‬ ‫وانتشار العلم وسيادته‪ ،‬وتوسع المجتمع إلى زوايا‬ ‫الرضية أ‬ ‫الكرة أ‬ ‫الربع بما أصبح يعرف بـ «بالقرية‬ ‫الكونية»‪( ،‬على رأي فيلسوف التكنولوجيا الكندي‬ ‫«مارشال ماكلوهان» الذي أطلق هذا التعبير)‪ ،‬وبعد‬ ‫التضحية بالرومانسية والطوباوية لصالح البقاء‪ ،‬هل‬ ‫الجداد أ‬ ‫حقق النسان المعاصر حلم أ‬ ‫بالمان الكامل؟‬ ‫إ‬ ‫من الواضح أن هناك أجوبة متعددة ومختلفة على‬ ‫ذلك‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪51 | 50‬‬

‫تخصص جديد‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫تقديم تقديرات‬ ‫مشاريع البناء‬ ‫والتشييد‬

‫تتطلب القدرة على تقديم التقديرات‬ ‫المالية في مشاريع البناء والتشييد فهماً‬ ‫لعملية البناء وتقنياته ومختلف أ‬ ‫العمال‬ ‫التجارية والعالقات داخل هذه الصناعة‪.‬‬ ‫وتتمحور مسؤوليات الشخص الذي يقوم بالتقديرات حول‬ ‫إعداد حزم المناقصات للحصول على عقود البناء للشركة التي‬ ‫يعمل لحسابها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫قدم الشهادة في تخصص «تقدير البناء» المهارات الساسية‬ ‫تُ ِّ‬ ‫كمقدر بناء في أي شركة إنشاءات‪ ،‬وذلك من‬ ‫الضرورية للعمل ِّ‬ ‫خالل ‪ 17‬مقرراً في مواد مختلفة مثل الهندسة والرياضيات‬ ‫والمحاسبة وغيرها‪ .‬كما أن هذا البرنامج متوفر بجدول زمني‬

‫مرن ليتمكن أ‬ ‫الشخاص ذوو االلتزامات المهنية أو أي التزامات‬ ‫أخرى من االلتحاق به‪.‬‬ ‫مع هذا أ‬ ‫الساس‪ ،‬سيتمكن الخريجون من تلبية الطلب المتزايد‬ ‫عل مقدري البناء المهرة‪ .‬ويناسب هذا التخصص أ‬ ‫الشخاص‬ ‫ِّ‬ ‫الذين يبحثون عن وظيفة في صناعة البناء بعيداً عن وظيفة‬ ‫المصمم أو مدير المشروع أو المشرف على الموقع أو غيره‪،‬‬ ‫أو أي شخص يريد أن ينتقل من العمل في مواقع البناء‬ ‫كمقدر ولكنه يريد‬ ‫إلى البيئة المكتبية أو أي شخص يعمل ِّ‬ ‫الحصول على تسمية مهنية معترف بها‪.‬‬ ‫بالمكان االطالع على الرابط التالي‪:‬‬ ‫لمزيد من المعلومات إ‬ ‫‪http://www.bcit.ca/study/programs/6530cert‬‬


‫تعميق ُ‬ ‫البعد االجتماعي‬ ‫الواقعي للفن‬

‫عين وعدسة‬

‫متحف‬ ‫الباوهاوس‬ ‫البرليني‬

‫«الباوهاوس» مدرسة ألمانية للفنون‬ ‫َّ‬ ‫تطور فيها مذهب جمالي‬ ‫والحرف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يحمل اسمها‪ ،‬كان له تأثير كبير على‬ ‫مسار الفنون الحديثة والمعاصرة في‬ ‫العالم بأسره طوال القرن العشرين‪،‬‬ ‫على الرغم من العمر القصير لهذه‬ ‫المدرسة‪ ،‬التي تأسست عام ‪1919‬م‪،‬‬ ‫وأقفلت بقرار من السلطات النازية عام‬ ‫‪1933‬م‪ ،‬ولم َ‬ ‫يبق منها إلى يومنا هذا غير‬ ‫متحف‪.‬‬


‫‪53 | 52‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫نرى الفنون الجميلة في جميع‬ ‫ما نستخدمه أو نتذوقه في‬ ‫فالنسان بطبيعته يميل‬ ‫الحياة‪ ،‬إ‬ ‫إلى كل ما هو جميل ومتناسق‬ ‫ومنسجم‪ ،‬وعلى سبيل المثال ال الحصر‪ :‬تصميم‬ ‫وطباعة المنسوجات‪ ،‬وأغلفة المنتجات الصناعية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والثاث المنزلي‪ ،‬وفن العمارة‪ ،‬والزخرفة‪ ،‬وتصميم‬ ‫العالن‪ ،‬وغيرها من‬ ‫المجوهرات والحلي‪ ،‬وفن إ‬ ‫الفنون الجميلة أ‬ ‫الخرى‪ ،‬التي من الممكن أن ننظِّمها‬ ‫بحيث تنقسم إلى عدة فروع‪ ،‬من نحت‪ ،‬وتصوير‪،‬‬ ‫وزخرفة‪ ،‬وفنون تطبيقية‪ .‬فما الرابط بين الفنون‬ ‫الجميلة والفنون التطبيقية‪ ،‬وكيف يتم ّثل الجمال‬ ‫واقعياً‪ ،‬إنها فكرة مدرسة «الباوهاوس»‪ ،‬من هنا تبدأ‬ ‫الحكاية‪.‬‬ ‫ينتصب البناء أمام عينك جسماً غريباً بزواياه‬ ‫القائمة وجدرانه الزجاجية ومسطّحاته الثالثة‪.‬‬ ‫تشعر بالمفاهيم الجديدة للعمارة‪ ،‬كالواجهات‬ ‫ُ‬ ‫المعدنية والزجاجية التي تدلت كستائر‪ ،‬تالحظ‬ ‫النشائي‬ ‫غياب المسطحات المستمرة في الهيكل إ‬ ‫للمبنى‪.‬‬ ‫تحف‬ ‫الالفت من ّأول نظرة عامة من الخارج إلى ُم َ‬ ‫أ‬ ‫لمانية برلين‪ ،‬هو‬ ‫«الباوهاوس» في العاصمة ال َّ‬ ‫جدلية االرتباط بين «البناء ‪ -‬الفكرة»‪ ،‬بين أداة‬ ‫َّ‬ ‫إن تصميم المبنى‬ ‫العرض وموضوع العرض‪ُ .‬‬ ‫حيث َّ‬ ‫الخارجي للمتحف‪ ،‬يرتب ُط ارتباطاً وثيقاً بمضمون‬ ‫إن البنا َء الخارجي للمتحف عالو ًة‬ ‫المتحف نفسه‪ ،‬إ ْذ َّ‬ ‫على أنَّه مكان للعرض‪ ،‬فهو في نفس الوقت‪ ،‬تحفة‬ ‫العارض‬ ‫َّ‬ ‫فنية معروضة‪ .‬ومر ُّد هذا التقارب بين ِ‬ ‫فنية‬ ‫والمعروض‪ ،‬هو َّ‬ ‫أن الباوهاوس مدرسة بناء َّ‬ ‫شهيرة‪ .‬ومن هنا تبدأ الحكاية‪.‬‬

‫مسيرة متقطعة‬

‫تأسست مدرسة «الباوهاوس ‪( »BAUHAUS‬الـ‬ ‫َّ‬ ‫‪ Bau‬تعني أ‬ ‫باللمانية «بناء»‪ Haus ،‬تعني «بيت»)‬ ‫أ‬ ‫لمانية عام ‪1919‬م‪ ،‬من قبل‬ ‫في مدينة فايمر ال أ َّ‬ ‫هندس المعماري اللماني والتر غروبيوس‪.‬‬ ‫الم ِ‬ ‫ُ‬ ‫المدرسةُ‬ ‫إلى مدينة «ديساو» عام‬ ‫وانتقلت‬ ‫‪1925‬م‪َّ ،‬ثم عادت ل ُتف َتتح في برلين عام ‪1932‬م‪.‬‬ ‫المدرسة من قبل قائد‬ ‫ولكن ما لبث أن َّتم إغالق‬ ‫ِ‬ ‫الحزب القومي االشتراكي أ‬ ‫اللماني النازي أدولف‬ ‫هتلر‪ ،‬بحجة أنها تضيع الثقافة أ‬ ‫المحلية‬ ‫اللمانية‬ ‫ّ َّ‬ ‫َّ‬ ‫العالمية‪ .‬وتُعد هذه المدرسة من‬ ‫على حساب‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫التعليمية الكثر حداثة في القرن‬ ‫المؤسسات‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العشرين‪.‬‬ ‫جروبيوس نفسه ولد في برلين عام ‪1883‬م‪،‬‬ ‫وكان والده مهندساً معمارياً حكومياً‪ .‬أما عمه‬ ‫مارتين جروبيوس‪ ،‬تلميذ المهندس المعماري‬


‫الشهير كارل فريدريش شينكل‪ ،‬فهو الذي صمم‬ ‫المتحف المشهور الذي يحمل اسمه في برلين‪.‬‬ ‫ولكن قبل تأسيسه لمدرسة الباوهاوس بزمن‬ ‫طويل رسم جروبيوس الخطوط العامة للفن‬ ‫المعماري وكان آنذاك واحداً من أبرز المهندسين‬ ‫المعماريين‪ ،‬أو كما يطلق عليه بلغة اليوم‬ ‫«مهندس المشاهير»‪.‬‬ ‫عند الدخول إلى المتحف‪ ،‬تجد مقولة مؤسس‬ ‫المدرسة والتر غروبيوس مكتوبة باللغتين أ‬ ‫اللمانية‬ ‫والنجليزية‪« :‬المعماريون والمثاليون والرسامون‪،‬‬ ‫إ‬ ‫الحرف التقليدية‪،‬‬ ‫يجب أن يعودوا إلى أصالة ِ‬ ‫ويبحثوا عن المعنى الفني المطلق من خالل تلك‬ ‫الح َرف‪ ،‬الحرفة‬ ‫الروائع الفنية التي تركتها هذه ِ‬ ‫صيرورة المبدع‪ ،‬والمبدع صيرورة الحرفة‪ ،‬وعلينا‬ ‫جميعاً أن نعمل لبناء المستقبل الذي يجمع العمارة‬ ‫والفنون في لُحمة واحدة …»‪.‬‬

‫َّ‬ ‫المدرسة‬ ‫تم إغالق‬ ‫ِ‬ ‫من قبل قائد الحزب‬ ‫القومي االشتراكي‬ ‫األلماني النازي أدولف‬ ‫ّ‬ ‫بحجة َّأنها تضيع‬ ‫هتلر‪،‬‬ ‫الثقافة األلمانية‬ ‫َّ‬ ‫المحلية على حساب‬ ‫َّ‬ ‫العالمية‬

‫أساسية‪:‬‬ ‫كما نجد تحقيب المدرسة إلى أربع فترات‬ ‫َّ‬ ‫• المرحلة أ‬ ‫الولى ‪1923 - 1919‬م‬ ‫• المرحلة الثانية ‪1924 - 1923‬م‬ ‫• المرحلة الثالثة ‪1928 - 1926‬م‬ ‫• المرحلة الرابعة ‪1933 - 1928‬م‬ ‫يتأَّلف المتحف من طابقين‪ .‬في الطابق أ‬ ‫ال َّول ثالثة‬ ‫ُ َ‬ ‫أقسام رئيسة‪ ،‬القسم الخاص بالباوهاوس كاتجاه في‬ ‫الفن تشكيلي‪ ،‬والقسم الخاص بالباوهاوس كمدرسة‬ ‫وصناعية‪ ،‬والقسم الخاص بأرشيف‬ ‫بناء معماريّة‬ ‫َّ‬ ‫الباوهاوس من فنانين تشكيليين ومهندسي عمارة‪ .‬في‬ ‫الطابق الثاني هناك المقهى والمكتبة والمتجر‪ ،‬الذي‬ ‫يتم من خالله شراء بعض القطع التذكارية أ‬ ‫والفالم‬ ‫ّ‬ ‫الوثائقية والكتب‪.‬‬ ‫َّ‬

‫الفن للجميع ولليوميات‬

‫نالح ُ‬ ‫بشكل واضح الرسالة‬ ‫ظ‬ ‫في هذا القسم‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اجتماعية‬ ‫كمؤسسة‬ ‫االجتماعية الواضحة للمدرسة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫لحظة انطالقها في مدينة فايمر‪ ،‬أال وهي المزج‬ ‫بين الفنون الجمالية المجردة‪ ،‬وبين الواقع العياني‬ ‫والنتاج!‪ ،‬أي جعل‬ ‫المباشر للناس‪ ،‬بين التعليم إ‬ ‫الفن مفيداً بشكل ملموس للناس‪ ،‬وربط المعرفة‬ ‫اليومية‪.‬‬ ‫االجتماعية واالقتصادية‬ ‫الجمالية بالفائدة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إن الطالب الداخلين‬ ‫وهذا أمر مفهوم‪ ،‬حيث َّ‬ ‫إلى مدرسة الباوهاوس‪ ،‬كانوا يتعلَّمون إلى جانب‬ ‫الفنون الجميلية‪ِ ،‬حرفاً يدويَّة كالتجارة والطباعة‬ ‫السجاد‪،‬‬ ‫والدهان وتعشيق الزجاج‪ ،‬وحياكة ّ‬ ‫والتعامل مع المعادن …‪ ،‬وذلك في محاولة‬ ‫الح ْرفة والفن‪ .‬فنجد مثال ً‬ ‫لكسر جدار الغرور بين ِ‬ ‫في هذا القسم من المتحف‪ ،‬تصاميم لغرف‬ ‫نوم منزلية‪ ،‬وصاالت جلوس‪ ،‬أ‬ ‫ولبنية كبيرة‪،‬‬ ‫َّ‬


‫‪55 | 54‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫« اإلنصات إلى اللون‬ ‫بواسطة العين»‬

‫منزلية (مقاعد جلوس بكافّة أشكالها‪،‬‬ ‫ولقطع أثاث أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫منزلية‪،‬‬ ‫ولمصابيح‬ ‫ة‪،‬‬ ‫مطبخي‬ ‫وان‬ ‫ول‬ ‫طاوالت‪،)..‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بُ َنيت على طراز مدرسة الباوهاوس‪ ،‬حيث الخلط‬ ‫بين الفن والهندسة المعماريَّة والديكور الخارجي‬ ‫وتتميز التصاميم هذه بالصراحة‬ ‫والتصميم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والوضوح وسهولة الفهم‪ ،‬وبالمراعاة الدقيقة‬ ‫لوقت البناء‪ ،‬والتكلفة االقتصادية‪ ،‬ونفقات‬ ‫اليد العاملة‪ ،‬والدقة في استخدام مواد البناء‬

‫المستخدمة‪ ،‬واقتصاد الفراغ المأخوذ من الفضاء‪،‬‬ ‫كـ «كرسي برشلونة» للمعماري والمصمم فان دير‬ ‫روهي (آخر مديري الباوهاوس)‪َّ .‬أما المفروشات‬ ‫والعملية‪.‬‬ ‫والتجهيزات‪ ،‬فتتميز بالجمال والمتانة‬ ‫ّ‬ ‫السكنية يالحظ فيها التشابه‬ ‫في حين المباني‬ ‫َّ‬ ‫والتوحد‪ ،‬وغياب السطوح المستمرة والمتصلة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫أن مدرسة‬ ‫وعدم وجود محور واحد للبناء‪ ،‬علما َّ‬ ‫الباوهاوس هي أول من ابتكر فكرة البناء مسبق‬ ‫الصنع‪ ،‬والنماذج السكنية الموحدة‪ ،‬وذلك‬ ‫موحدة‪،‬‬ ‫من أجل تشكيل لغة معمارية عالمية َّ‬ ‫والتأسيس لعمل معماري إنساني جماعي يتميز‬ ‫بالعطاء الديمقراطي المتجدد‪ .‬ونالحظ في هذا‬ ‫تعرض الكيفية التي‬ ‫القسم أيضاً‪ ،‬فيديوهات ِ‬ ‫يتم فيها تعليم الطالب في مدرسة الباوهاوس‬ ‫على االسترخاء الجسدي والهدوء النفسي‪ ،‬وذلك‬ ‫النفسية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫من أجل التحرير من الضغوط‬ ‫َّ‬ ‫البداع‪.‬‬ ‫الدراك الحسي وتفجير إ‬ ‫تعميق إ‬

‫عقالنية صناعية فنية‬

‫الفنية في مدرسة الباوهاوس تعتمد على‬ ‫الوجهة َّ‬ ‫أساسية كما نستشف من الصور‪ :‬التكلفة‬ ‫ثالثة أمور‬ ‫َّ‬ ‫االقتصادية المعقولة‪ ،‬والفائدة االجتماعية القصوى‪،‬‬ ‫والقيمة الفنية الجمالية‪ .‬وهذا هو أساس العقالنية‬ ‫الصناعية أ‬ ‫الوروبية الحديثة‪ ،‬هنا يصبح الفن ليس‬ ‫فقط في متناول الجميع كما تقول المقولة الشهيرة‪،‬‬ ‫بل مفيداً للجميع‪.‬‬


‫لـ ألبرز آني‪ ،‬جوزيف ألبيرز‪ ،‬وباير لهربرت‪ ،‬غوتل‬ ‫هيرمان‪ ،‬والتر غروبيوس‪ ،‬أدولف ماير‪ ،‬ديكمان إريك‪،‬‬ ‫لينديغ أوتو‪ ،‬سلوتزكي نعوم وغيرهم‪.‬‬

‫الغالق والهجرة‬ ‫عن إ‬

‫في قسم أ‬ ‫الرشيف‪ ،‬نجد ِفلماً وثائقياً عن بداية‬ ‫تشكيل المدرسة‪ ،‬وكيفية إغالقها من قبل السلطات‬ ‫النازية آنذاك‪ ،‬وهجرة غالبية مؤسسيها إلى الواليات‬ ‫أ‬ ‫مريكية‪ ،‬وخصوصاً مؤسس المدرسة والتر‬ ‫المتحدة ال َّ‬ ‫غروبيوس‪ ،‬الذي ساهم في تشييد كثير من المباني‬ ‫في الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‪ ،‬كبرجي التجارة‬ ‫العالمية‪.‬‬

‫ويستخلص الزائر في القسم التشكيلي من‬ ‫عامة عن بعض المالمح‬ ‫المعرض‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مالحظات َّ‬ ‫أ‬ ‫الفنية‪ ،‬وهي بشكل‬ ‫ساسية في مدرسة الباوهاوس َّ‬ ‫ال َّ‬ ‫أساسي التبسيط الهندسي للوجود‪ ،‬واالعتماد على‬ ‫المركزية في اللوحة‪ ،‬وتوظيف الفراغ‪ ،‬أي إعادة‬ ‫الهندسية‬ ‫كل مخلوقات الطبيعة إلى العناصر‬ ‫َّ‬ ‫الولية‪ ،‬بحيث يكون تراكب هذه أ‬ ‫أ‬ ‫الهندسية‪،‬‬ ‫الشكال‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وتشابكها مع بعضها بعضاً‪ ،‬وهي المربع والمثلث‬ ‫والمستطيل والدائرة‪ ،‬قادراً على إيصال معنى‬ ‫الواقعية للشيء الموصوف‪،‬‬ ‫الداللة الوجوديّة‬ ‫َّ‬ ‫فالفراشة مثال ً يُ َع َّبر عنها بتشابك هندسي دقيق‬ ‫بين المستطيالت والمربّعات والدوائر والخطوط‪،‬‬ ‫الساسية وهي أ‬ ‫اللوان أ‬ ‫طبعاً مع استخدام أ‬ ‫الصفر‬ ‫والزرق‪ ،‬أ‬ ‫والحمر أ‬ ‫أ‬ ‫اللوان قبل حالة المزج‪ .‬كما‬ ‫يشاهد االتكاء على الخط الهندسي المستقيم‪،‬‬ ‫وهذا الخط يقوم بمهمة حجز المساحات الهندسية‬ ‫المتناظرة والالمتناظرة التي ستحمل السمات‬ ‫اللونية‪ ،‬والحوارات الداخلية للعمل التشكيلي‪،‬‬ ‫أحيان‬ ‫المؤلفة بتناغم أحياناً‪ ،‬والمتناقضة في‬ ‫ٍ‬ ‫أخرى‪ .‬وهذا التبسيط التجريدي هو تطوير‬ ‫ويصب أيضاً في‬ ‫التكعيبية والتعبيريَّة‪.‬‬ ‫للمدرستين‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫فلن أ‬ ‫أ‬ ‫الشكال‬ ‫مساعي الربط بين الشكل والوظيفة‪َّ .‬‬ ‫فإن إعادة‬ ‫الهندسية لها وظيفة في الحياة‬ ‫اليومية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫أي «شكل» إلى عناصره الهندسية هو محاولة إيجاد‬ ‫«وظيفة» له‪.‬‬ ‫ونجد أعمال المؤسسين أ‬ ‫الوائل في المدرسة‪ ،‬وهم‬ ‫مثالً‪ ،‬الرسام الروسي فاسيلي كاندينسكي‪ ،‬والرسام‬ ‫الفرنسي بول كلي‪ ،‬صاحب المقولة الشهيرة‪:‬‬ ‫«النصات إلى اللون بواسطة العين»‪ ،‬ومصمم‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫المسارح اللماني أوسكار شاليمر‪ ،‬والفنان والمصور‬ ‫المجري موهولي ناجي‪ .‬كما نجد أيضاً أعماال ً مختلفة‬

‫أحالم جروبيوس هذه تحطمت على يد النازيين‪،‬‬ ‫الذين كانت تستهويهم قيم القوة والضخامة‬ ‫والجبروت‪ ،‬معتبرين أن المزج الذي يقوم به‬ ‫جروبيوس وزمالؤه من الفنانين‪ ،‬ليس أكثر من مجرد‬ ‫ميوعة اجتماعية‪ .‬وكانوا يرون أن هذه الميوعة تؤدي‬ ‫إلى استنزاف المجتمع أ‬ ‫اللماني في صناعات سخيفة‬ ‫ال طائل منها‪ ،‬وال تقود إلى أي انتصار‪ .‬لذا فقد‬ ‫قرروا إغالق مدرسة الباوهاوس‪ .‬وفي عام ‪1928‬م‬ ‫مديرا لكلية باوهاوس‬ ‫استقال جروبيوس من منصبه ً‬ ‫وعاد لممارسة العمل الخاص في برلين‪ ،‬ثم هرب‬ ‫إلى إنجلترا عندما استولى النازيون على السلطة في‬ ‫ألمانيا عام ‪1934‬م‪ .‬واستقر في الواليات المتحدة‬ ‫ئيسا لشعبة المعمار بجامعة‬ ‫عام ‪1937‬م‪ ،‬وعمل ر ً‬ ‫هارفارد عام ‪1938‬م وحتى عام ‪1952‬م‪ .‬ومن خالل‬ ‫عديدا من النظريات‬ ‫هذا المنصب نشر جروبيوس ً‬ ‫حول المعمار أ‬ ‫الوروبي الحديث في جميع أنحاء‬ ‫الواليات المتحدة‪.‬‬ ‫البعد االجتماعي الواقعي للفن‪،‬‬ ‫فقد كان تعميق ُ‬ ‫والدمج بين الدادائية والتكعيبية‪ ،‬وتفضيل العقل‬ ‫الجماعي على المركزية الفرديَّة‪ ،‬من أهم ثمار مدرسة‬ ‫الباوهاوس‪ .‬وال يزال لهذه المدرسة تأثير قوي على‬ ‫كثير‬ ‫كل مدارس الفن المعاصر‪ ،‬ونشاهد ذلك عند ٍ‬ ‫الحرف اليدويَّة‬ ‫من الفنانين الذين يحاولون إتقان ِ‬ ‫تماشياً مع اتجاه هذه المدرسة‪.‬‬ ‫بعد الخروج من المتحف‪ ،‬والمشي في شوارع برلين‪،‬‬ ‫تحس بتأثير مدرسة الباوهاوس على ّكل مكان‪ ،‬تدرك‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫معاني البنية وأسباب الشكال المعماريّة‪ ،‬إنّها فعال ً‬ ‫غيرت‬ ‫الفكرة التي ن ّزلت على الواقع‪ ،‬الفكرة التي ّ‬ ‫العالم‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪57 | 56‬‬

‫فكرة‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫منجم الفحم‬ ‫والكون المتعدد‬ ‫ماذا لو كان هناك «ندب قبيح في الطبيعة؟»‪.‬‬ ‫و«الندب القبيح» هو الوصف الذي استخدمه‬ ‫ملكي أ‬ ‫ريتشارد سكوت‪ ،‬أحد كبار َّ‬ ‫الراضي في‬ ‫بريطانيا‪ ،‬لمنجم الفحم المهجور الذي يمتلكه‬ ‫في منطقة دامفرايز وغالواي جنوبي أسكتلندا‪ .‬استعان سكوت‬ ‫بمصمم الحدائق الشهير تشارلز جينكس لتحويل هذا المنجم‬ ‫إلى موقع آخر أكثر جاذبية‪ .‬ولم يكن الجمال العنصر الوحيد‬ ‫الذي دخل في حسابات سكوت وجينكس في رحلة بحثهما عن‬ ‫أفكار مستحدثة لهذا المنجم‪ ،‬إذ أرادا في الوقت نفسه إيجاد‬ ‫ما يعيد إحياء االقتصاد المحلي الذي تراجع كثيراً في منطقة‬ ‫دامفريز وغالواي بعد اندثار صناعة التعدين فيها‪.‬‬ ‫الربع أ‬ ‫وعلى مدى السنوات أ‬ ‫الخيرة‪ ،‬نجح جينكس في تحويل‬ ‫المنجم المهجور إلى متنزه يمثل أبعد ما توصلت إليه نظريات‬ ‫المتعدد الذي يترجم‬ ‫علوم الفيزياء الحديثة‪ .‬وبالتحديد الكون‬ ‫ِّ‬ ‫النظرية الحديثة التي أخذت تالقي رواجاً مؤخراً‪ ،‬وتقول إننا‬ ‫نعيش في أكوان متعددة إلى جانب الكون الذي نعرفه‪.‬‬ ‫بين المروج الخضراء الرائعة حيث ترعى المواشي والهضاب‬ ‫العالية‪ ،‬وعلى مساحة ‪ 55‬فداناً‪ ،‬تم إنشاء مجموعة من أ‬ ‫الشكال‬ ‫الغريبة مستمدة من العناصر الطبيعية في تلك المنطقة‪ ،‬وكان‬ ‫من ضمنها أكثر من ‪ 2000‬صخرة كانت مدفونة تحت أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫فقد تشكلت هناك تلّتان عشبيتان بارتفاع عشرين متراً متوجتان‬ ‫بقطع من الصخور البارزة‪ .‬تدور حولهما‪ ،‬وبشكل حلزوني‪،‬‬ ‫محددة للمشاة‪ .‬وتم ِّثل هاتان التلَّتان مجرة درب التبانة‬ ‫ممرات َّ‬

‫ومجرة المرأة المسلسلة اللتين من المتوقع أن تتصادما بعد أربع‬ ‫مليارات سنة‪ .‬وإلى جانبهما هناك شكل يشبه كعكة من العصر‬ ‫الحجري الحديث محددة بدوائر من الصخور المسطحة تمثل‬ ‫أ‬ ‫الكوان المتعددة‪ .‬كما أن هناك طريقاً بطول ‪ 400‬متر‪ ،‬محدداً‬ ‫بالصخور‪ ،‬ويمتد على طول الموقع ويشطر المدرج المنخفض‬ ‫الفريد من نوعه المصنوع من أ‬ ‫الحجار المحلية السوداء اللون‪.‬‬ ‫وهذا المتنزه الذي ُعرف باسم «‪»Crawick Multiuniverse‬‬ ‫والذي يعكس النظرية العلمية العالمية هو واحد من مشاريع‬ ‫جينكس العديدة التي باتت تُعرف بفن الطبيعة‪ .‬وقد تحول إلى‬ ‫معلم سياحي مهم ونقطة جذب لعشاق الفن والعلماء ومختلف‬ ‫السياح من جميع أنحاء العالم‪.‬‬


‫فادي توفيق‬

‫أنت‬ ‫تمشي‬ ‫ً‬ ‫إذا أنت‬ ‫تكتب‬

‫يقدر لي قط أن أكون أكثر تفكيراً‪ ،‬وأكثر‬ ‫«لم َّ‬ ‫استمرا ًء لوجودي وحياتي‪ ،‬وأكثر قرباً من‬ ‫حقيقتي مما كنت في تلك الرحالت التي كنت‬ ‫أقوم بها سيراً على قدمي‪ ،‬ففي المشي شيء‬ ‫ينعش نشاطي ويسمو بأفكاري‪ .‬وأنا ال أكاد‬ ‫أفكِّر عندما أكون ساكناً‪ ،‬ال َّبد لجسمي من أن يكون في حركة‬ ‫حتى يتحرك عقلي»‪.‬‬ ‫هذا قليل من كثير خطه المفكِّر العالمي جان جاك روسو في‬ ‫كتابه «اعترافات»‪ ،‬قبل أكثر من قرنين ونيف‪ ،‬متحدثاً عن مركزية‬ ‫أ‬ ‫لكثير من بيننا‬ ‫المشي في نتاجه الفكري والدبي‪ .‬قد تبدو غريبة ٍ‬ ‫هذه الصلة التي يعقدها روسو بين جسده وفكره‪ ،‬بين حركة قدميه‬ ‫وحركة عقله‪ .‬بيد أن ما يبدو لنا غريباً لن يظل كذلك‪ ،‬متى عرفنا‬ ‫بأن االعتقاد بالترابط بين الجسد المتحرك والفكر يرجع إلى زمن‬ ‫الغريقية‪ .‬هذا ّ‬ ‫يبينه التنقيب في تاريخ الفلسفة‪.‬‬ ‫الحضارة إ‬ ‫أقل ما ِّ‬ ‫أ‬ ‫«المشائين»‪ ،‬لن معلمهم‬ ‫من هذا نعرف أن تالميذ أرسطو ُعرفوا بـ‬ ‫َّ‬ ‫كان من عادته أن يلقي عليهم دروسه ماشياً‪ .‬ليس هذا فقط‪ ،‬نعرف‬ ‫أيضاً أن الرواقية‪ ،‬المدرسة الفلسفية المقابلة والمعاصرة لمدرسة‬ ‫أرسطو‪ ،‬جاءت تسميتها من الرواق‪ .‬وهو ممر طويل اعتاد الفالسفة‬ ‫الرواقيون المشي فيه أثناء مجادالتهم الفلسفية‪ .‬فكيف حين نعرف‬ ‫أن الفعل نفسه الذي يعني باليونانية القديمة المشي‪ ،‬يحيل أيضاً‬ ‫على محادثة بين شخصين يمشيان‪.‬‬ ‫الغريق كثيراً وفكروا‬ ‫قبل روسو بزمن طويل‪ ،‬مشى الفالسفة إ‬ ‫وتفلسفوا‪ .‬لكنهم تعاملوا مع تالزم المشي والتفكير تعاملهم مع‬ ‫طبيعة أ‬ ‫المور‪ ،‬فلم يتركوا لنا قوال ً فلسفياً مخصوصاً عن صلة‬ ‫أ‬ ‫المشي بالتفكير‪ .‬وإن كانت الكتابات الدبية عن المشي تبدأ مع‬ ‫روسو‪ ،‬فليس ألنه كان أول من اكتشف هذه الصلة‪ ،‬بل ألنه أول‬ ‫البداعية‬ ‫من كتب بدقة وإسهاب عن المشي ومحله من العملية إ‬ ‫خاصته‪ .‬فعل ذلك في أكثر من كتاب له‪ ،‬من «اعترافات» إلى‬ ‫مشاء منعزل»‪ ،‬إلى غيرها من الكتب والمقاالت‬ ‫«أحالم يقظة َّ‬ ‫والخطابات‪.‬‬

‫أدب وفنون‬

‫ما بين المشي من جهة والنشاط‬ ‫الذهني وما يمكن أن يتمخض عنه‬ ‫من إبداعات فنية أو أدبية ذات عالقة‬ ‫غامضة قد يصعب تفسيرها‪ ،‬كما‬ ‫يصعب تعميمها‪ ،‬ألنها ليست قاعدة‬ ‫ً‬ ‫شرطا‪ .‬ولكنها موجودة‪ ،‬وبوضوح‬ ‫وال‬ ‫عند عدد من كبار المبدعين في األدب‬ ‫والموسيقى وحتى الفلسفة‪.‬‬


‫‪59 | 58‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫أروسو‪ :‬من دون المشي ما كنت‬ ‫لستطيع الكتابة‬

‫يتبدى له‬ ‫من يقرأ «اعترافات» روسو‪ ،‬ال سيما كالمه عن المشي‪َّ ،‬‬ ‫التناغم الغريب الذي يعقده هذا الفيلسوف‪ ،‬بين التجوال في‬ ‫دروب الطبيعة من جهة‪ ،‬والتجوال في دروب العقل من جهة‬ ‫أخرى‪ .‬تناغم يصل معه روسو إلى القول إن العقل هو أيضاً «حقل‬ ‫وفضاء مملوء أ‬ ‫بالفكار التي لم نكتشفها بعد‪ ،‬وأن المشي في دروب‬ ‫الطبيعة الخارجية هو السبيل الوحيد للتجوال في دروب وشعاب‬ ‫العقل الداخلية»‪ .‬وينسحب اعتقاد روسو بهذا الترابط الوثيق بين‬ ‫المشي في دروب الطبيعة والتجوال في دروب العقل إلى حد‬ ‫والبداع ما لم‬ ‫القرار أكثر من مرة بعجزه عن التفكير والتأليف إ‬ ‫إ‬ ‫يكن ماشياً‪ .‬مشهد المكتب والكرسي والورقة البيضاء كان يسلبه أي‬ ‫شجاعة على التفكير‪« :‬علي أن أمشي لتحفيز وتنشيط نفسي‪ ،‬أ‬ ‫ولبقى‬ ‫َّ‬ ‫على صلة مع العالم‪ .‬من دون المشي ما كنت ألستطيع الكتابة‬ ‫ولو حتى كلمة واحدة‪ ،‬أو قصيدة‪ ،‬أو قصة‪ ،‬أو مقالة‪ .‬من دون‬ ‫المشي سأكون قد أجبرت على التخلي عن حرفتي التي أحبها كثيراً»‪.‬‬ ‫فالتفكير والكتابة بالنسبة لروسو سفر مجاله الطبيعة ومتنه جسد‬ ‫المفكر المتحرك‪ ،‬أكثر منه صنعة يستعان عليها بارتياد المكتبات‬ ‫واالنعزال فيها والجلوس لساعات طويلة على طاوالت القراءة‪.‬‬ ‫وهو الذي خالل مشيه الطويل‪ ،‬الذي كان يستغرق أياماً متواصلة‪،‬‬ ‫تأتَّى له أن «يكتشف ما ليس موجوداً في الكتب‪ ،‬بل ما يوجد في‬ ‫الطبيعة التي يمشيها رجل وحيد على غير هدى»‪.‬‬

‫جان جاك روسو‬

‫كل شيء بدأ مع جان جاك روسو بالمشي‪ .‬مشى الرجل كثيراً في‬ ‫حياته‪ .‬بل قل إنه أمضى حياته كلها ماشياً‪ ،‬ولم يجلس سوى بين‬ ‫المشية أ‬ ‫والخرى‪ .‬حين باشر حياة االرتحال الطويل مشياً على‬ ‫أ‬ ‫القدام في أرجاء أوروبا‪ ،‬كان ال يزال في الخامسة عشرة من عمره‪.‬‬ ‫حصل ذلك دون تخطيط مسبق‪ .‬في مساء يوم أحد‪ ،‬كان الفتى‬ ‫روسو عائداً من نزهة في أ‬ ‫الرياف المحيطة بجنيف حين وصل إلى‬ ‫مدخل المدينة ليجد بوابتها مقفلة‪ .‬وصل متأخراً عن موعد إقفال‬ ‫البوابة ورفض حرس المدينة إدخاله‪ .‬شيء ما في بؤس حياته داخل‬ ‫هذه المدينة يتيماً‪ ،‬وفي منظر بوابتها الضخمة المقفلة‪ ،‬أوحى‬ ‫له بأن يشيح بنظره عن البوابة وعن المدينة أيضاً‪ .‬أدار وجهه إلى‬ ‫الجهة أ‬ ‫الخرى‪ ،‬ناحية الحقول المتمادية‪ ،‬لم يصطدم نظره بشيء‬ ‫سوى بمنظر «الطبيعة بال أبواب وال أغالل»‪ .‬ال نعرف ِب َم وعد‬ ‫الصبي نفسه قبل أن يدير ظهره لجنيف وبوابتها المقفلة‪ ،‬ويقرر‬ ‫الرحيل ماشياً على غير هدى‪ .‬لكن حين أدار ظهره وبدأ المسير لم‬ ‫سيدشن روسو حياة طويلة من الترحال‬ ‫يعد‪ .‬ومنذ تلك اللحظة‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫تنقل خاللها سيراً على القدام بين عديد من المدن والبلدات‬ ‫أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬من تورين إلى أنيسي إلى لوزان إلى ليون إلى باريس‬

‫وغيرها كثير من المدن أ‬ ‫الوروبية‪ .‬ظل روسو يمشي ويمشي ويمشي‬ ‫لعقد ونيف دون توقف‪ ،‬وفي أثناء ذلك َّبدل بلداناً كثيرة‪ ،‬وعمل‬ ‫في مهن كثيرة فكان خادماً في إحداها ومعلم موسيقى في أخرى‪،‬‬ ‫ومحاسباً في ثالثة‪ ،‬وسكرتيراً في رابعة‪ ..‬وظلت حياته على حالها‬ ‫من انعدام الوجهة والهدف حتى وقعت له المصادفة التي كان لها‬ ‫الول أ‬ ‫الفضل أ‬ ‫والخير في صنع روسو الكاتب والمفكر الذي نعرفه‪.‬‬ ‫فكيف حين تكون المصادفة هذه قد وقعت له أيضاً خالل المشي‪.‬‬

‫« حقل وفضاء مملوء باألفكار التي لم‬ ‫نكتشفها بعد‪ ،‬وأن المشي في دروب‬ ‫الطبيعة الخارجية هو السبيل الوحيد‬ ‫للتجوال في دروب وشعاب العقل‬ ‫الداخلية»‪.‬‬ ‫روسو‬

‫تقول القصة إن روسو‪ ،‬كان من عادته حين يخرج للمشي أن‬ ‫يصطحب معه كتاباً ليقرأه على الطريق‪ .‬وفي واحدة من هذه‬ ‫المرات وبينما كان يطالع مجلة أدبية ماشياً وقع نظره على إعالن‬ ‫أ‬ ‫نص يجيب عن‬ ‫نشرته أكاديمية ديجون الفرنسية عن جائزة لفضل ّ‬ ‫النسانية‬ ‫واليجابية على إ‬ ‫سؤال حول التقدم العلمي ومآالته السلبية إ‬ ‫جمعاء‪ .‬عن هذه الحادثة المفصلية في حياته‪ ،‬سيقول روسو إنه‬ ‫في اللحظة التي قرأ السؤال انفتح أمامه مشهد عالم آخر سيكون‬ ‫هو نفسه فيه شخصاً آخر‪ ،‬غير ذاك المتسكع الذي ال يعرف له‬ ‫سينكب روسو على كتابة نصه‪ ،‬وكان وقتها‬ ‫مركزاً وال مهنة‪ .‬وبالفعل‬ ‫ُّ‬


‫ِّ‬ ‫تصدق أي فكرة لم‬ ‫« اجلس قليالً ‪ .‬وال‬ ‫تولد في الهواء الطلق‪».‬‬ ‫نيتشه‬

‫فريديريك نيتشه‬

‫مجرد نكرة‪ ،‬لم يكن قد نُشر له أو عنه من قبل ولو سطر واحد في‬ ‫كتاب أو مجلة‪ ،‬وسيفوز النص الذي سيكتبه بالجائزة إياها‪ ،‬والذي‬ ‫المشاء‬ ‫عنونه روسو بـ «خطاب حول الفنون والعلوم»‪ .‬وسيتحول َّ‬ ‫التائه بسبب هذا النص ونصوص أخرى تلتها‪ ،‬إلى روسو الكاتب‬ ‫والمفكر الذي نعرفه اليوم وعرفه كثير قبلنا‪ .‬أيكون بعد ذلك من‬ ‫المبالغة القول إن كل شيء بدأ مع روسو بالمشي وكل شيء صاره‬ ‫هذا الرجل صار له بالمشي؟‪.‬‬

‫نيتشه‪ :‬الكتابة أ‬ ‫بالقدام‬

‫تصدق أي فكرة لم تولد في الهواء الطلق»‪.‬‬ ‫«اجلس قليالً‪ .‬وال ِّ‬ ‫أ‬ ‫هكذا كان يقول الفيلسوف اللماني فريدريك نيتشه‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫الساس كان يحكم على أ‬ ‫أ‬ ‫الفكار‪ .‬كان صاحب «هكذا تكلم زرادشت»‬ ‫مشا ًء كبيراً‪ .‬مشى يومياً لساعات طويلة في الطبيعة‪ ،‬وعلى مدى‬ ‫َّ‬ ‫أكثر من ثالثة عقود‪ .‬ومثله مثل روسو‪ ،‬نظر إلى المشي‪ ،‬نظرته إلى‬ ‫العنصر الطبيعي في نتاجه الفكري‪ ،‬والرفيق الدائم لكتاباته‪.‬‬ ‫في العام ‪1878‬م‪ ،‬بدأت رحلة نيتشه الطويلة مع المشي‪ .‬وفي‬ ‫صيف ذاك العام‪ ،‬انتقل للعيش في قرية صغيرة تدعى سيلس‬ ‫ ماريا‪ .‬ومن هناك كتب لشقيقته رسالة يذكر فيها بأنه يبدأ نهاره‬‫«بالمشي لثماني ساعات يومياً‪ .‬وفي أ‬ ‫الثناء أؤلف أفكاري»‪ .‬في‬ ‫المشاء الكبير الذي عرفه تاريخ‬ ‫تحول نيتشه إلى َّ‬ ‫هذه القرية‪ّ ،‬‬ ‫مشاء ال مثيل له بين الفالسفة سوى روسو‪ .‬في‬ ‫الفلسفة فيما بعد‪َّ .‬‬ ‫سيلسماريا‪ ،‬مشى نيتشه كما كان يعمل آ‬ ‫الخرون‪ .‬وكان يعمل‪ ،‬يفكر‬ ‫ويؤلف الكتب ماشياً‪ .‬وفي خريف العام نفسه‪ ،‬أنجز «المسافر‬ ‫وظله»‪ ،‬الكتاب الذي يشير في مقدمته‪ ،‬إلى أن كل ما يحويه من‬ ‫ودونها وسط الطبيعة البكر‬ ‫أفكار باستثناء سطور قليلة‪ ،‬فكر بها َّ‬ ‫وأثناء المشي‪ .‬هكذا‪ ،‬ماشياً في الغالب على هضاب ساحلية‪ ،‬كان‬ ‫نيتشه يؤلف فكره في الهواء الطلق‪ .‬وخالل عقدين قضاهما ماشياً‪،‬‬ ‫كتب أعظم كتبه‪« :‬هكذا تكلم زرادشت» و«ما بعد الخير والشر»‬ ‫و«إنسان أكثر إنسانية» وسواها‪..‬‬

‫لم تولد أفكار نيتشه داخل مكتبة وال مكتب‪ .‬المكتبات رمادية‬ ‫وكئيبة‪ ،‬هكذا كان يجدها‪ .‬و«رمادية وباهتة هي الكتب التي تكتب‬ ‫بداخلها» على ما وجدها روسو أيضاً‪ .‬الكتب المحملة باالستشهادات‬ ‫والمراجع والمالحظات والتعقيبات والشروح التي يكتبها مؤلفون‬ ‫حبيسو المكتبات‪ ،‬عادة ما تكون ثقيلة القراءة وعسيرة على الهضم‪.‬‬ ‫أما كتب نيتشه المولودة من المشي وفي أثنائه‪ ،‬فإنها تبدو من نوع‬ ‫آخر‪ ،‬كتب تتنفس هوا ًء منعشاً كما أرادها صاحبها‪ ،‬كتب مكتوبة‬ ‫أ‬ ‫بالقدام‪ ،‬على ما كان يقول‪ ،‬مشيراً إلى شرط الكتابة الجيدة‪« :‬نكتب‬ ‫بأيدينا‪ .‬لكننا ال نكتب جيداً إال حين نكتب بأقدامنا»‪.‬‬ ‫الفيلسوف إيمانويل كانط‪ ،‬كان هو آ‬ ‫الخر يمشي‪ .‬وكان معروفاً عنه‬ ‫المشي يومياً في مدينة كونغسبرغ أ‬ ‫اللمانية في ساعة محددة‪ ،‬حتى‬ ‫إن جيرانه كانوا يضبطون ساعاتهم على موعد خروجه الدقيق‪.‬‬ ‫لكن المشي كان لكانْط وقتاً مستقطعاً من العمل‪ ،‬وراحة للجسد‬ ‫من ساعات الجلوس الطويلة في الكتابة والقراءة على مكتبه‪ .‬على‬ ‫النقيض تماماً مما كانه وقت المشي بالنسبة لنيتشه‪ .‬هذا الذي كان‬ ‫هو نفسه وقت العمل والتأليف والبحث والتفكير‪ .‬بعبارة موجزة‪:‬‬ ‫كان المشي بالنسبة لنيتشه ما كانه لروسو‪ :‬الشرط أ‬ ‫الول إلمكانية أي‬ ‫تفكير وكتابة‪.‬‬

‫رامبو‪ :‬العابر بنعلين من ريح‬

‫«ال أقدر على تزويدك بعنوان للرد على رسالتي هذه‪ .‬أجهل إلى‬ ‫أين يمكن أن تحملني قدماي‪ .‬وعلى أي درب‪ ،‬أو طريق‪ ،‬ولماذا‬ ‫وكيف»‪ .‬يختصر هذا المقطع أ‬ ‫الخير من رسالة كتبها رامبو في‬ ‫العام ‪1884‬م لوالدته‪ ،‬سيرة هذا الرجل النزق والشريد الذي عاش‬ ‫بال عنوان‪ .‬وهو الذي نعته الشاعر الفرنسي بول فرلين بـ «العابر‬ ‫بنعلين من ريح»‪ .‬أما رامبو حين تأتى له التعريف بنفسه فقد قال‪:‬‬ ‫مشاء‪ .‬وال شيء أكثر»‪.‬‬ ‫«أنا َّ‬ ‫في بلدة فرنسية صغيرة تدعى شارلفيل ولد أرتور رامبو عام‬ ‫‪1854‬م‪ .‬وكان في السادسة عشرة من عمره حين بدأ أولى محاوالت‬ ‫المشاء‬ ‫الهروب من منزل العائلة والوصول إلى باريس‪ .‬مبكراً‪ ،‬فهم َّ‬ ‫الشريد الذي كانه رامبو‪ ،‬بأن البلدة الصغيرة أضيق من أن تتسع‬ ‫ألقدامه العجولة ولتوقه إلى مالقاة العالم‪ .‬لعام ونيف سيتحول‬ ‫الوصول إلى هذه المدينة شغله الشاغل والوحيد‪ .‬وفي مجرى‬ ‫ذلك‪ ،‬سيحاول الوصول مرات وسيفشل أكثر من مرة قبل أن ينجح‬ ‫أخيراً‪ .‬في المحاولة أ‬ ‫الولى‪ :‬لن يشاهد من باريس سوى جدران‬ ‫سجنها الداخلي‪ .‬سيوضع في السجن بعد أن عثرت عليه الشرطة‬ ‫مستقال ً القطار دون تذكرة سفر صالحة‪ .‬في الثانية‪ ،‬سيهرب من‬ ‫المنزل العائلي لكن ليس إلى باريس هذه المرة‪ ،‬التي كانت واقعة‬ ‫تحت الحصار أ‬ ‫اللماني‪ ،‬بل إلى بلجيكا‪ .‬مشى هذه المرة أليام‬ ‫متنقال ً على غير هدى من قرية إلى قرية في الريف البلجيكي‪ .‬وعن‬ ‫هذه الرحلة نعرف أنه حين وصل بعد أيام إلى مدينة شارلو‪ ،‬قصد‬ ‫صحيفة محلية هناك‪ ،‬وحاول الحصول على عمل فيها‪ ،‬ولما لم‬ ‫ينجح استراح لبعض الوقت وتابع المشي صوب مدينة بروكسل‬ ‫باحثاً عن منقذه في الملمات إيزامبار‪ .‬وحين وصل وعرف أن أ‬ ‫الخير‬ ‫غادر قبل يوم عائداً إلى بلدته ديوي في فرنسا‪ ،‬لحق به إلى هناك‪.‬‬ ‫وحين التقاه سلمه قصائد‪ ،‬وأخبره أنها ولدت على الطريق‪ ،‬ونعرف‬ ‫أن «حلم من أجل الشتاء»‪ ،‬و«الحانة الخضراء» كانت من بين هذه‬ ‫القصائد‪ .‬كتب أ‬ ‫الولى على متن القطار الذي حمله من بلدته إلى‬


‫‪61 | 60‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫فاماي‪ .‬وكتب الثانية خالل تجواله بالريف البلجيكي‪ .‬من بين هذه‬ ‫القصائد أيضاً‪ ،‬كانت رائعته «بوهيماي»‪ ،‬التي يصور فيها حياة‬ ‫التسكع في العراء بتكثيف شعري َّأخاذ‪ ،‬حين يقول‪« :‬وانطلقت‬ ‫سائراً‪ ،‬قبضاتي في جيوبي المفتقة‪ ،‬ومعطفي هو آ‬ ‫الخر صار محض‬ ‫فكرة»‪ .‬أو «مزقت حذائي على حصباء الدروب»‪ .‬قصائد الطريق‬ ‫هذه التي سلمها رامبو إليزامبار‪ ،‬هي نفسها القصائد التي سيسميها‬ ‫النقاد الحقاً بـ «قصائد الهروب المنزلي»‪ .‬والتي سيجدون فيها‬ ‫يقدم لنا شعراً يكتبه قائله ماشياً‪ .‬شعراً يوائم بين إيقاع‬ ‫أن رامبو ِّ‬ ‫المشاء وإيقاع الحياة‪.‬‬ ‫الجسد َّ‬ ‫في منزل معلمه إيزامبار في ديوي‪ ،‬مكث رامبو بعض الوقت‪،‬‬ ‫وأكمل هناك نسخ بعض القصائد التي ألفها على الطريق‪ .‬وفي‬ ‫أيلول من العام نفسه وصلته رسالة من الشاعر بول فرلين‪ .‬يدعوه‬ ‫فيها أ‬ ‫الخير‪ ،‬بعد أن قرأ قصائده‪ ،‬للمجيء إلى باريس‪« :‬تعالي أيتها‬ ‫الروح العزيزة الكبيرة…إننا ننتظرك وندعوك»‪ .‬والحقاً‪ ،‬سنعرف‬ ‫خمن أن كاتبها ال بد‬ ‫من فرلين أنه حين قرأ قصائد المدعو رامبو‪َّ ،‬‬ ‫أن يكون شاعراً مجهوال ً في منتصف العمر‪ .‬إذ إن القصائد التي‬ ‫تنبىء بشاعر على معرفة واطالع واسعين بالشعر في عصره‬ ‫وصلته ِ‬ ‫والعصور السابقة‪ ،‬وأن معرفة كهذه ال يمكن أن تتحصل سوى‬ ‫لمن بلغوا من العمر عتياً‪ .‬وسنعرف أيضاً أن فرلين سيتفاجأ حين‬ ‫استقبله في محطة القطار واكتشف أنه «بالكاد أكثر من طفل»‪.‬‬

‫امتناع الوصول ودوام إرجائه‬

‫في باريس قدم فرلين صديقه رامبو للمجتمع أ‬ ‫الدبي‪ ،‬وسيغدو‬ ‫َّ‬ ‫«الصبي الفظ والنزق»‪ ،‬كما وجده أكثر من شاعر معاصر آنذاك‪،‬‬ ‫عضواً مكرساً بين شعراء باريس‪ .‬هكذا‪ ،‬وبسرعة حقق رامبو ما‬ ‫كان يصبو إليه يوم كان ال يزال فتى شريداً في بلدته شارلفيل‪.‬‬ ‫لكنه حين وصل إلى باريس واكتشف «محدودية» شعرائها‪ ،‬ووجد‬ ‫أنهم «يراوحون في أمكنة شعرية غادرها من زمن طويل»‪ ،‬هزأ‬ ‫وجرهم جراً‬ ‫من شعرهم وأحرجهم‪ ،‬وتعمد أن يكون فظاً معهم‪َّ ،‬‬

‫لينبذوه‪ .‬وكان له ما أراد‪ .‬وصل إلى باريس‪ ،‬لكنه لن يكمل عامه‬ ‫أ‬ ‫الول هناك‪ ،‬حتى كان غادرها صحبة فرلين إلى لندن‪ .‬كأن الوصول‬ ‫إلى باريس لم يكن للصبي الشريد‪ ،‬الذي كانه رامبو في شارلفيل‪،‬‬ ‫سوى كناية عن وجوب المغادرة‪ ،‬لكن ليس البلدة الصغيرة وحسب‪،‬‬ ‫بل المغادرة بإطالق‪ :‬مغادرة كل محل فكري أو فعلي يبلغه‪ .‬وعلى‬ ‫هذا النحو سارت حياته شاعراً وإنساناً‪.‬‬ ‫بين الشعر ودوام الترحال انحاز رامبو أ‬ ‫للخير‪ .‬غادر الشعر كأنما‬ ‫الشعر لم يكن له سوى متعة تعويضية عن متعة أصيلة‪ ،‬لم‬ ‫يجدها‪ ،‬كما سيتبدى في الفصل أ‬ ‫الخيرة من حياته‪ ،‬سوى في دوام‬ ‫«علي أن أمضي ما بقي لي من العمر شارداً»‪.‬‬ ‫الترحال‪َّ :‬‬

‫مشَّ اء الطرقات الكبيرة‬

‫معروفة قصة السنوات الخمس التي أمضاها رامبو‪ ،‬بعد هجره‬ ‫الشعر‪ ،‬في االنتقال مشياً وبما تيسر له من وسائل النقل بين المدن‬ ‫أ‬ ‫الوروبية من شتوتغارت إلى ميالنو إلى فيينا إلى جنوة إلى مرسيليا‬ ‫السكندرية‪ ،‬ومنها إلى قبرص التي سيعمل فيها مشرفاً‬ ‫وصوال ً إلى إ‬ ‫على العمال في ورش بناء‪ .‬قبل أن يتركها ليمضي العقد أ‬ ‫الخير من‬ ‫الثيوبية‪ ،‬متنقالً‪ ،‬ماشياً في الغالب‪،‬‬ ‫حياته بين عدن اليمنية وهراري إ‬ ‫على رأس قوافل تجارية اشتغل في تسييرها بين المدينتين‪ .‬لكنه‪،‬‬ ‫وخيل للبعض أن الشاعر انتقل من نقد‬ ‫حتى حين عمل في التجارة ّ‬ ‫همه تمكين نفسه من «مال يغنيني‬ ‫الجشع إلى ممارسته‪ ،‬ظل كل ّ‬ ‫عن حياة العوز ويتيح لي دوام السفر واالرتحال والمشي في بقاع‬ ‫قصية ومجهولة»‪.‬‬ ‫في السنوات أ‬ ‫الخيرة من حياته‪ ،‬حتى حين كان ال يزال يعمل‬ ‫في التجارة‪ ،‬بدا واضحاً أن الشاعر السابق كان يريد أن يصبح‬ ‫مستكشفاً يجوب العالم‪ .‬وسيكون هذا سبباً لعودته إلى‬ ‫الكتابة‪ .‬لكن ليس إلى الكتابة الشعرية من جديد‪ ،‬بل إلى‬ ‫الكتابة الجغرافية‪ .‬من مراسالته مع شقيقته نعرف أنه أرسل لها‬

‫أرتور رامبو‬


‫« ال أقدر على تزويدك بعنوان للرد على‬ ‫رسالتي هذه‪ .‬أجهل إلى أين يمكن أن‬ ‫تحملني قدماي‪ .‬وعلى أي درب‪ ،‬أو‬ ‫طريق‪ ،‬ولماذا وكيف»‪.‬‬ ‫رامبو‬ ‫معينة‬ ‫المال‪ ،‬وطلب منها شراء آلة تصوير وآالت مساحة وقياس َّ‬ ‫يستخدمها الجغرافيون‪ .‬وأخبرها أنه يفكِّر بوضع كتاب جغرافي‬ ‫عن هراري وبالد الغال‪ .‬وأنه ينوي «عرضه على الجمعية الجغرافية‬ ‫الفرنسية أمال ً بالحصول منها على تكليفات في رحالت أخرى»‪.‬‬ ‫«رحالت أخرى» إلى بالد أخرى وعناوين أخرى‪ ،‬هذا كل ما أراده‬ ‫هذا الشاعر الشريد وسعى إليه في حياته‪ .‬كان يريد الوصول إلى‬ ‫أمكنة قصية‪ ،‬كتلك التي خبرها في عدن أو هراري‪ .‬أمكنة تتيح‬ ‫للمرء القطع مع ماضيه‪ ،‬واستيالد نفسه من جديد باسم جديد‪،‬‬ ‫ولسان جديد‪ .‬وهو عين ما تأتى له فعله خالل إقامته هناك‪ :‬تكلم‬ ‫وتطوع لتعليمها للصغار أحياناً‪ُ .‬عرف بين السكان وفي‬ ‫العربية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫معاملته التجارية باسم «عبدو رانبو»‪ ،‬وكان يتنكر لماضيه الشعري‬ ‫حين يسأل عنه‪ ،‬ويقول إنه محض هراء‪.‬‬

‫لودفيج فان بيتهوفن‬

‫وحتى حين صار بساق واحدة وعكازين‪ ،‬بعد أن بترت ساقه اليمنى‪،‬‬ ‫اليام أ‬ ‫ظل على توقه لمواصلة االرتحال‪ .‬في أ‬ ‫الخيرة من حياته‪ ،‬لم‬ ‫يشغله سوى انتظاره لساق خشبية كان أوصى عليها‪ ،‬وكان يم ِّني‬ ‫نفسه بالعودة إلى المشي بمساعدتها‪ .‬وهو الذي قبل يومين من‬ ‫وفاته فقط‪ ،‬أملى على شقيقته إيزابيل رسالة توجه فيها إلى وكالة‬ ‫سفر يشرح فيها ظروف إعاقته الجسدية‪ ،‬ويستفسر عن تكاليف‬

‫وإمكانية سفره إلى إفريقيا‪ .‬وحين مات بعد يومين‪ ،‬كان من المفارقة‬ ‫بمكان َّأل يجد محرر شهادة وفاته في المشفى المرسيلي من صفة‬ ‫له سوى‪« :‬العابر»‪ .‬فكتب‪« :‬أرتور رامبو‪ .‬مولود في شارلفيل عام‬ ‫‪1854‬م‪ .‬عابر في مرسيليا‪ .‬توفي في العاشر من نوفمبر عام‬ ‫‪1891‬م»‪ .‬وكان عليه أن يضيف مع فرلين «بنعلين من ريح»‪.‬‬

‫المشَّ اء بإطالق‬

‫قبل رامبو مشى روسو‪ .‬وقبل نيتشه مشى الفيلسوف الدانماركي‬ ‫سورين كيركغارد‪ ،‬لكنه‪ ،‬كان مشا ًء مدينياً‪ .‬اختار كريغارد مدينته‬ ‫كوبنهاغن‪ ،‬التي لم يغادرها طيلة حياته‪ ،‬كمكان لمشيه ولدراسة‬ ‫النسانية‪ .‬وعلى خالف روسو ونيتشه‪ ،‬اللذين فضال‬ ‫موضوعاته إ‬ ‫المشي في الغابات والطبيعة البكر‪ ،‬كان كريغارد االنطوائي‬ ‫والمكتئب منذ الوالدة‪ ،‬يحتاج إلى بعض الضوضاء‪ ،‬إلى بعض‬ ‫الضجة المدينية لكي ينسى حزنه الشخصي ويستعيد مقدرته على‬ ‫التفكير والكتابة‪ .‬وهذا ما وجده في كوبنهاغن التي كان المشي في‬ ‫شوارعها وسيلته الوحيدة لالحتكاك آ‬ ‫بالخر‪ ،‬ألن يكون بين الناس‪،‬‬ ‫وهو العاجز عن مخالطتهم ونسج صداقات معهم‪.‬‬ ‫وقبل كريغارد مشى بيتهوفن أيضاً‪ .‬كان يؤلف الموسيقى في أثناء‬ ‫مسيره اليومي الطويل في غابات فيينا‪ ،‬مسلياً نفسه بين الحين‬ ‫آ‬ ‫والخر بمطابقة النغمات في رأسه مع إيقاع خطو قدميه على‬ ‫أ‬ ‫الرض‪ .‬ومن قراءة سيرته نعرف‪ ،‬أن صاحب «السمفونية الخامسة»‬ ‫وغيرها كثير من روائع التأليف الموسيقي‪ ،‬كان حريصاً على‬ ‫اصطحاب دفتر مالحظات عند خروجه للمشي‪ ،‬وأنه بين الحين‬ ‫والخر كان يتوقف لتدوين بعض أ‬ ‫آ‬ ‫الفكار الموسيقية التي كثيراً ما‬ ‫كانت تدركه أثناء المشي‪ .‬وأن «الرعاة» وسواها من سمفونيات‬ ‫ومعزوفات بيتهوفن ولدت أثناء مشاويره اليومية في الغابات‪.‬‬ ‫وبعد بيتهوفن‪ ،‬مشى تشايكوفسكي وألَّف الموسيقى في العراء‪.‬‬ ‫حتى إن التطابق المذهل لجهة موقع المشي العضوي والمركزي‬ ‫البداعي‪ ،‬دفع بعض مؤرخي الموسيقى إلى االعتقاد‬ ‫من نتاجهما إ‬ ‫بأن تشايكوفسكي قد التقط فكرة التأليف الموسيقي خالل المشي‬ ‫عن بيتهوفن‪.‬‬ ‫كل هذا قبل أن يظهر «مشاء الطرقات الكبيرة»‪ ،‬رامبو‪ .‬فلئن‬ ‫نجح روسو ونيتشه وكريغارد وبيتهوفن كل على طريقته وبأسلوبه‬ ‫والبداع‪ ،‬وجعل واحدهم يمشي ليفكر‬ ‫في المواءمة بين المشي إ‬ ‫ويؤلف موسيقاه أو كتبه‪ ،‬فإن رامبو الذي كتب الشعر لفترة‬ ‫وجيزة من حياته‪ ،‬بدا غير راغب في تدجين المشاء الذي بداخله‬ ‫المشائين الكبار‬ ‫لخدمة الشاعر الذي كانه‪ .‬وهذا عين ما يفرقه عن َّ‬ ‫في تاريخ الفلسلفة والموسيقى أ‬ ‫والدب‪ .‬ويجعل من سيرته سيرة‬ ‫المشاء بإطالق‪ .‬هكذا‪ ،‬وعلى خالف نيتشه الذي اكتشف أن «الكتابة‬ ‫أ‬ ‫بالقدام» شرط الكتابة الجيدة‪ ،‬وظل يكتب حتى منعه مرضه من‬ ‫ذلك‪ ،‬توقف رامبو طوعاً عن الكتابة في العشرين من عمره‪ ،‬وترك‬ ‫ألقدامه أن تكتبه وتكتب مصائره‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫عثرت عليها في قاموس المنهل (فرنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫للفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫مكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد المدلوالت التــي نحتاجها في علوم الحيوان‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫لمختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫ةَات َوتَجاويفهَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫الموسيقيَّغَ ار‬ ‫يعيش في ال ُكهُوف والم‬ ‫ح ُة ُ‬ ‫الذي‬ ‫صفة‬ ‫للحيوان ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫الن‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في الأرض والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫الجبال‪َ ¯.‬مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش فــي الأحْ رَاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫عيش في‬ ‫َ‬ ‫صفةلم‬ ‫للك ِ‬ ‫ل‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫اتالذي يعيش في الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ ٌ‬ ‫للحيوان‬ ‫ــب‪:‬‬ ‫مخْ ت َِش ٌ‬ ‫لذي يعيش في ال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫مصطَ ِح ٌر (أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في َّ‬ ‫ْ‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ من َك ِل َمت ْ‬ ‫لمَاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪ُ .‬م ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ال َمنَاقِ ع والمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫عثرت عليها في قاموس المنهل (فرنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫للفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫مكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد المدلوالت التــي نحتاجها في علوم الحيوان‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫لمختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫يعيش في ال ُكهُوف والمَغَ ارَات َوتَجاويفهَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫صفة للحيوان الذي ُ‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في الأرض والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫عيش في الجبال‪ ¯.‬مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش فــي الأحْ رَاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫ل‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫ــب‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ ٌ‬ ‫مخْ ت َِش ٌ‬ ‫لذي يعيش في ال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫مصطَ ِح ٌر (أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في َّ‬ ‫ْ‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ من َك ِل َمت ْ‬ ‫لمَاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪ُ .‬م ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ال َمنَاقِ ع والمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫عثرت عليها في قاموس المنهل (فرنســي‪ -‬عربي)‪،‬‬ ‫للفظة ا ألُولى المُعَ َّل َم ُة ِبنُجَ ْيمَةٍ ُ‬ ‫مكن رَصْ دُ وزن هذه الكلمة لتوليد المدلوالت التــي نحتاجها في علوم الحيوان‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫لمختلفة‪ .‬وقد نَحَ وْتُ على مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات مذكورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫َرِض‪:‬‬ ‫يعيش في ال ُكهُوف والمَغَ ارَات َوتَجاويفهَا‪ .‬مُؤْ ت ٌ‬ ‫صفة للحيوان الذي ُ‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في الأرض والوَحْ ل‪ ¯.‬مُجْ َتبِلٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي‬ ‫عيش في الجبال‪ ¯.‬مُحْ تَرِجٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش فــي الأحْ رَاج والغَ ابَات‪.‬‬ ‫ل‪ :‬صفة للحيوان‬ ‫ــب‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في الخَ شَ ب‪ُ .‬م ْرتَمِ ٌ‬ ‫مخْ ت َِش ٌ‬ ‫لذي يعيش في ال ِّرمَال‪ ¯.‬مُشْ ت َِجرٌ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ا ألَشْ جَ ار‪.‬‬ ‫ب‪:‬‬ ‫الصحْ رَاء‪ُ .‬م ْهتَذِ ٌ‬ ‫مصطَ ِح ٌر (أصْ ُلهَا م ُْصت َِحر)‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في َّ‬ ‫ْ‬ ‫َي‪ :‬مَوَ ٌه (معناه‬ ‫صفة للحيوان الذي يعيش في المياه العَ ذْ بَة ( َمنْحُ وتَةٌ من َك ِل َمت ْ‬ ‫لمَاء)‪ +‬عَذْ ٌب)‪ُ .‬م ْنتَقِ عٌ ‪ :‬صفة للحيوان الذي يعيش في ال َمنَاقِ ع والمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫‪63 | 62‬‬

‫لغويات‬

‫عماد الدين موسى‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫أن ما قال َُه والتر باتر ذات‬ ‫يبدو َّ‬ ‫أن الفنون كلها تصبو‬ ‫مرٍة من َّ‬ ‫ّ‬ ‫فيه‬ ‫بثبات إلى شرط الموسيقى‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫همية والحقيقة‬ ‫ق َ​َد ٌر كبير من ال ّ‬ ‫بداعية‪ .‬فلو أسقطنا ذلكَ على‬ ‫إ‬ ‫ال ّ‬ ‫أرق الفنون‬ ‫الشعر‪،‬‬ ‫بوصفه ّ‬ ‫ِ‬ ‫فن ِ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫مر العصور‪،‬‬ ‫على‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫البشر‬ ‫فس‬ ‫والكثر نقاو ًة وقرباً لل َن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫موسيقي ٍة لتكتمل‬ ‫لمسة‬ ‫لوجدنا أنَّ ُه ال َّبد من ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ودون هذه اللمسة السحريّة تبقى ناقصةً ‪،‬‬ ‫القصيدةُ‪َ ،‬‬ ‫ّقت فيها باقي الشروط‬ ‫كجسد ال روح فيه‪ ،‬مهما تحق ْ‬ ‫ٍ‬ ‫بداعية‪.‬‬ ‫وال‬ ‫الفنية‬ ‫إ‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫تضيفه الموسيقى إلى القصيدة‪ ،‬تلك‬ ‫لعل ّأول ما‬ ‫ُ‬ ‫ال َنفحة الحميمة‪ ،‬سواء من جهة الربط السلس‬ ‫والحميم بين الكلمات ضمن الجملة أو العبارة‬ ‫الج َمل داخل القصيدة‬ ‫الواحدة‪ ،‬ومن ّثم الربط بين ُ‬ ‫َككُل‪ ،‬وح ّتى بين قصائد الكتاب الواحد أيضاً‪ .‬أو من‬ ‫حيث إنها تقولب نظرتنا للقصيدة من كونها نصاً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫تشكيلية أو قطعة‬ ‫بلوحة‬ ‫أشبه‬ ‫اعتبارها‬ ‫إلى‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫مدو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫غنائية‪ ،‬في إثارتها لحواس أخرى كالنظر والسمع‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫جهة ثانية‪ .‬ومن دون‬ ‫الحواس الخمس مجتمعةً ‪ ،‬من ٍ‬ ‫هذه الموسيقى‪ ،‬تفقد القصيد ُة أحد أبرز شروط‬ ‫الحقيقي‬ ‫المتلقّي‪ ،‬ونقصد به القارئ‬ ‫وصولها إلى ُ‬ ‫ّ‬ ‫الجمالي ِة‬ ‫جوانبه‬ ‫حيث‬ ‫والم ّلم به من ُ‬ ‫المتذوق ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫للشعر ُ‬ ‫ّ‬ ‫اليقاع الموسيقي‬ ‫أن نُف َِّرق بين إ‬ ‫كافّة‪ .‬ما ينبغي ْ‬

‫اليقاع التفعيلي على سبيل‬ ‫الخارجي الصاخب عادةً‪ ،‬إ‬ ‫المثال ال الحصر؛ وبين الموسيقى الداخلية للكلمات‪،‬‬ ‫آ‬ ‫أعنيه‬ ‫تلك «الصامتة‪ -‬الصائتة» في الن معاً؛ ما ِ‬ ‫ُ‬ ‫وأميل إليه هو الثاني بكل تأكيد‪.‬‬

‫فالموسيقى تماماً‬ ‫كاللغة‪ ،‬لم تنبثق من المكتبات‬ ‫ِ‬ ‫ كما يقول بورخيس ‪ -‬وإنما من الحقول‪ ،‬من البحار‪،‬‬‫من أ‬ ‫النهار‪ ،‬من الليل‪ ،‬من الفجر‪ .‬أي إلى الطبيعة‬ ‫بوحشيتها‬ ‫نفسها يعو ُد منبتها الحقيقي‪ ،‬الطبيعةُ ال‬ ‫ّ‬ ‫ووحشتها‪ ،‬بل إلى البراءة والعفويّة الكامنتين فيها‪.‬‬ ‫الشعريّة داخل‬ ‫وهو ما يجعلنا نُدهش للومضة ِّ‬ ‫المطوالت أكثر من تأثّرنا بالجمل والعبارات‬ ‫بعض‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫النص نفسه‪ ،‬لتكون أشبه بتلك الرعشة‬ ‫داخل‬ ‫خرى‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫دمر‬ ‫التي تجتاحنا كالطوفان‪ ،‬ته ُّز وجداننا وأفئدتنا‪ ،‬وتُ ّ‬ ‫مفاهيمنا المسبقة‪ ،‬ومن ّثم ُليعاد تشكيلها من‬ ‫جديد‪ ،‬ال كما نرغب بل بحسب رؤية ونبوءة النص‬ ‫ٍ‬ ‫ومبدعه‪.‬‬ ‫إلى جانب الموسيقى‪ّ ،‬ثمة الفكرة أيضاً‪ ،‬وإذا اعتبرنا‬ ‫فإن الموسيقى ‪ -‬آنفة‬ ‫الفكرة بوصفها المحمول َّ‬ ‫الذكر ‪ -‬هي الحامل الوحيد لها‪ ،‬دون شكّ ‪ .‬يقول‬ ‫البري عند متن ّزه كول)‪:‬‬ ‫ييتس في قصيدة (البجع ّ‬ ‫«على سطح الماء المترع بين الحصى ‪ّ /‬ثمة تسع‬ ‫وخمسون بجعة»‪ ،‬ويتابع في مكان آخر من القصيدة‬ ‫نظرت إلى هذه المخلوقات الرائعة‪،‬‬ ‫نفسها‪« :‬لطالما‬ ‫ُ‬

‫آ‬ ‫تغير كل شيء‬ ‫‪ /‬والن أشعر بالوجع في قلبي‪ / .‬لقد ّ‬ ‫أن وطأت قدماي‪ / ،‬وأنا أسمع عند الشفق‪ ،‬قرع‬ ‫منذ ْ‬ ‫أجراس أجنحتها فوق رأسي‪ / ،‬أرض هذا الشاطئ‬ ‫ويشدنا‬ ‫ألول مرة»‪ ،‬ما يثيرنا في هذه القصيدة‬ ‫ّ‬ ‫«الموسيقية‪/‬‬ ‫الذكية‬ ‫أكثر من ّ‬ ‫ّ‬ ‫أي شيء‪ ،‬تلك اللعبة ّ‬ ‫حيث الدقّة في‬ ‫الشعريّة» الكامنة فيها‪ ،‬سواء من ُ‬ ‫ِّ‬ ‫سرب من البجعات‬ ‫انتقاء‬ ‫ووصفه‪،‬‬ ‫المشهد‬ ‫التقاط‬ ‫ٍ‬ ‫تحديداً دون غيرها‪ ،‬والداللة في اختيار الرقم (تسع‬ ‫وخمسون) أيضاً؛ أو من جهة التناغم بين المفردات‬ ‫بإتقان؛ وكذلك تقطيع القصيدة إلى‬ ‫الم َم ْوسقة‬ ‫ُ‬ ‫مقاطع غايةً في ٍ البراعة وعلى غرار أ‬ ‫الغاني (القصائد)‬ ‫ِ‬ ‫المغ ّناة‪ ،‬فيها من التواتر والمباغتة أثناء االنتقال‬ ‫ُ‬ ‫الدهاش أو‬ ‫من مقطع إلى آخر‪ ،‬لنصل إلى ذروة إ‬ ‫يسمى ببؤرة التوتّر في النهاية؛ إضافةً‬ ‫لجمالية‬ ‫ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫التصوير لدى الشاعر‪ ،‬وهو ما يجعل القصيدة تصل‬ ‫إلى المتلقّي ُبي ْس ٍر‪.‬‬

‫لكن ماذا لو كانت‬ ‫للموسيقى ِف ْع ُل السحر في ال َنف ِْس‪ْ ،‬‬ ‫سؤال يرسم النآ‬ ‫مترافقةً مع الجميل من الكلمات؟ ٌ‬ ‫أ‬ ‫الوقت عينه‪.‬‬ ‫والزل‪ ،‬في‬ ‫ِ‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫أدب وفنون‬

‫موسم آخر للمبدعين العرب في عالم‬ ‫الدراما‪ ،‬الذين اعتادوا تقديم أعمالهم في‬ ‫ً‬ ‫شهر رمضان الكريم‪ ،‬حتى بات ُع ً‬ ‫سنويا‬ ‫رفا‬ ‫عند المنتجين والجمهور الذي يتابع هذه‬ ‫األعمال لغايات مختلفة‪ ،‬منهم الباحث‬ ‫عن التسلية والضحك‪ ،‬ومنهم من يرغب‬ ‫بمشاهدة المآسي ليعيد تدويرها كحقيقة‬ ‫ثابتة‪ ،‬وجزء آخر تجذبه األعمال ذات الطابع‬ ‫البطولي أو التراثي الفنتازي‪ ،‬وآخرون‬ ‫تأخذهم الرومانسية الخارجة عن المألوف‬ ‫مهما كان شكلها ومسارها‪.‬‬

‫جميل ظاهر‬

‫دراما ‪2015‬‬

‫تستعيد شبابها‬


‫المراقبون لسير أ‬ ‫العمال الدرامية الحظوا هذا العام بعض‬ ‫التحوالت في الصناعة الدرامية المصرية‪ ،‬حيث أخفي عدد من‬ ‫الوجوه التي دأبت على المشاركة كل عام في مسلسل كُتب خصيصاً‬ ‫لها‪ ،‬وغالباً ما كانت هذه أ‬ ‫العمال تسعى لتلميع هذه الوجوه‬ ‫وصبغها بتصرفات (مالئكية) بعيدة عن الخطأ‪ ،‬وتلعب دائماً دوراً‬ ‫إصالحياً في المجتمع‪ .‬لكن جيل الشباب المصري الجديد خرج من‬ ‫هذه المعادلة‪ ،‬وقرر المنافسة الفعلية محلياً في مصر وعربياً مع‬ ‫باقي أ‬ ‫العمال التي تشكِّل خطراً فعلياً على سمعة الدراما المصرية‪،‬‬ ‫وهي التي احتلت الشاشات العربية سنوات طويلة بأعمال ذات‬ ‫قيمة وأخرى كانت تحمل صفات تجارية ال قيمة فنية لها‪.‬‬

‫‪65 | 64‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫أسماء الممثلين أوال ً‬

‫المسلسالت‬ ‫الجمهور متس ّيد‬ ‫أ‬

‫يدخل المنتجون في سباق لمئات العمال‬ ‫الدرامية‪ ،‬آملين أن تحقق مسلسالتهم نجاحاً‬ ‫يعيد إليهم بعضاً من أموالهم المرهونة عند‬ ‫ذوق أصحاب المحطات بالدرجة أ‬ ‫الولى‪ ،‬وعند‬ ‫الجمهور الذي ال رقابة حقيقية على ذوقه أو ماذا يريد فعالً‪ .‬لكن‬ ‫تفرد بعض الشاشات بأكبر نسب مشاهدة‪ ،‬أو تحقيق‬ ‫هذا ال أيمنع ّ‬ ‫ً‬ ‫بعض العمال نجاحا على حساب أخرى‪ ،‬وإن كانت الدراسات‬ ‫العلمية ال تعطي جواباً محدداً وال تعرض أسباباً منطقية خلف‬ ‫معين‪.‬‬ ‫نجاح أو فشل عمل َّ‬ ‫تقوم المحطات بعملية ترويج لبرامجها‪ ،‬وكل شاشة حسب قدراتها‪،‬‬ ‫لجعل مسلسلها أ‬ ‫الكثر مشاهدة من خالل التشويق وإبراز مشاهد‬ ‫مؤثرة تشي بأن هناك مسلسال ً ذا قيمة فنية يحتوي على أفكار‬ ‫جديدة وطرق معالجة درامية غاية في الدقة واالحترافية‪ .‬لكن هذا‬ ‫ال يمنع من انجذاب المشاهدين إلى محطات لم تكن بالحسبان‪،‬‬ ‫وغالباً ما تكون هذه المحطات أكثرها غرقاً بالمحلية‪.‬‬

‫لكن جيل الشباب‬ ‫المصري الجديد خرج‬ ‫من هذه المعادلة وقرر‬ ‫ً‬ ‫محليا‬ ‫المنافسة الفعلية‬ ‫ً‬ ‫وعربيا‬ ‫في مصر‬

‫َّ‬ ‫لكن لهذا الرجل‬ ‫أطل عادل إمام هذا العام مترهال ً بحكم الزمن‪َّ ،‬‬ ‫تاريخاً طويال ً مع الجمهور الذي أحبه من خالل بعض أعماله‬ ‫الكوميدية التي كرسته نجماً طوال سنين‪ ،‬وأخرجته من معادلة‬ ‫المحاسبة التي يخضع لها بعض الفنانين بعد عرض نتاجهم‪ ،‬فظل‬ ‫إمام بعيداً عن النقد الالذع محمياً بجماهيرية منقطعة النظير‪.‬‬ ‫ومن الوجوه النسائية‪ ،‬كانت غادة عبدالرازق تحاول أن تلحق بقطار‬ ‫الصورة والعمل الجدي‪ ،‬الذي يظهر إمكانيتها كممثلة محترفة‬ ‫ال تتكل على جمال حضورها على الشاشة من خالل ما تلبس‬ ‫كاف‬ ‫أو كيفية تصويرها كسيدة جميلة أنيقة وثرية‪ .‬وهذا سبب ٍ‬ ‫لفشل الممثل‪ ،‬حين ال يستطيع أن يقنع الجمهور بأنه شخص‬ ‫آخر يتذكرون اسمه كما حصل في أ‬ ‫العمال التي رسخت في ذاكرة‬ ‫المشاهد العربي سابقاً‪.‬‬ ‫استحقت الفنانة نيللي كريم الثناء على مشاركتها في مسلسل‬ ‫«تحت السيطرة» الذي أكد على قدرات هذه الممثلة كما في أعمالها‬ ‫السابقة التي حملتها إلى ثقة الجمهور‪ ..‬فهي فنانة محترفة تلبس‬ ‫شخصياتها بجرأة وحرفية دونما ابتذال أو استعراض‪.‬‬ ‫ومسلسل «بين السرايات» لم يحظ بمشاهدة عالية رغم أنه كان من‬ ‫أ‬ ‫العمال التي تستحق المتابعة‪ ،‬خاصة أن المخرج سامح عبدالعزيز‬ ‫أشرف عليه بحرص وحرفية شديدة كما هي عادته‪.‬‬


‫الهادف اجتماعياً في الخليج‬

‫وتجلَّى البحث عن قضايا اجتماعية تمس المواطن الخليجي‬ ‫في بعض أ‬ ‫العمال المحلية‪ ،‬التي سعت أن تسجل حضوراً مع‬ ‫منافساتها المصرية والسورية بمسلسالت وجدت لها جمهوراً واسعاً‬ ‫في منطقة الخليج‪ ،‬وفي بعض البالد العربية التي تتابع نجوم هذه‬ ‫الدراما المرتبطة بالعائلة الخليجية والعربية مراعية حرمة الشهر‬ ‫الكريم‪ ،‬مما يحولها إلى دراما اجتماعية هادفة بامتياز‪.‬‬ ‫سجل مسلسل «أمنا رويحة الجنة» مع الفنانة سعاد العبدهللا‬ ‫حضوراً جيداً على الرغم من الطابع التقليدي الذي عانى منه هذا‬ ‫العمل‪ ،‬إلى جانب مسلسل «ذاكرة من ورق»‪ ،‬الذي بحث في‬ ‫حياة الشباب المهاجرين للدراسة بعيداً عن مجتمعهم الخليجي‬ ‫المحافظ‪ ،‬وهي فكرة تحمل كثيراً من الطروحات الجريئة‪.‬‬ ‫كما تربع الممثل السعودي ناصر القصبي على عرش الكوميديا‬ ‫الهادفة من تجربته الجديدة بعيداً عن شريكه التقليدي عبدهللا‬ ‫السدحان ضمن برنامج «سلفي» الذي تناول قضايا وصفت بالجريئة‬ ‫مما تسبب له ببعض االنتقادات والمضايقات حسبما يُروى‪.‬‬ ‫ولم تغفل الدراما السورية هذا العام ما يدور في سوريا‪ ،‬ولم‬ ‫تجمل هذه الدراما المأساة التي يعاني منها المواطن السوري‪،‬‬ ‫فكانت بعض أ‬ ‫العمال بمنزلة توثيق وصل حد الحقيقة المؤلمة لما‬ ‫والنسان السوري‪ ،‬الذي يسعى جاهداً للخروج‬ ‫يعاني منه المهجر إ‬ ‫من الجحيم ملتمساً رحمة البحار وغالظة الغربة وتداعياتها على‬ ‫إنسانيته‪ .‬ظهر هذا المواطن في أكثر من عمل‪ ،‬كان أكثرها حقيقة‬ ‫في نص إياد أبو الشامات وإخراج رامي حنا «غداً نلتقي» إلى جانب‬ ‫فريق من الفنانين المحترفين‪ :‬عبدالمنعم عمايري وكاريس بشار‬ ‫ومكسيم خليل‪...‬‬ ‫وفيما تابع السوريون مآسيهم في مسلسل آخر «عودة الياسمين»‬ ‫إلى جانب بعض المسلسالت التي حاولت أن تقحم شعارات‬

‫تقوم المحطات بعملية‬ ‫ترويج لبرامجها وكل‬ ‫شاشة حسب قدراتها‬ ‫لجعل مسلسلها األكثر‬ ‫مشاهدة من خالل‬ ‫التشويق وإبراز مشاهد‬ ‫مؤثرة‬ ‫لخدمات سياسية وافتعال استعراضات لمواجهة االستعمار التركي‬ ‫والفرنسي بطريقة غير مقنعة في كثير من أ‬ ‫الحيان‪ ،‬فيما تبقى‬ ‫الفلم العالمي »‪The‬‬ ‫المنافسة بين «العرابين» المأخوذة عن نص ِ‬ ‫‪ »Godfather‬الثالثية الهوليوودية التاريخية (العراب) للكاتب‬ ‫العالمي ماريو بوزو‪ ،‬التي ربح فيها عراب جمال سليمان وحاتم علي‬ ‫بالضربة القاضية على عراب سلوم حداد والمخرج المثنى صبح‬ ‫وعاصي الحالني الذي دخل تجربة الدراما وكأنه لم يدخلها‪ .‬فيما‬ ‫سجل جمال سليمان حضوراً مميزاً في شخصية أبو عليا‪ ،‬واحدة من‬ ‫الشخصيات (المافياوية) التي ازدهرت في زمن التحوالت السورية‪.‬‬ ‫كعادتها دخلت الدراما اللبنانية إلى الشاشات من خالل مشاركات‬ ‫بعض نجومها إلى جانب الممثلين السوريين‪ ،‬محققة خرقاً ال بأس‬ ‫به في مسلسل «تشيلو» للمخرج سامر برقاوي بطولة تيم حسن‬ ‫وندين نجيم ويوسف الخال في قصة مقتبسة عن ِفلم هوليودي‪.‬‬ ‫فيما أعاد النجم عابد فهد تجربة كان حقق بها نجاحاً منذ عامين‬ ‫إلى جانب النجمة اللبنانية سيرين عبد النور‪ ،‬وإن استغلت ثنائية‬ ‫هذا العام لترويج ماغي أبو غصن زوجة المنتج‪.‬‬ ‫ويبقى هذا النشاط الدرامي محط اهتمام طالما أراد أن يكون شريكاً‬ ‫في هموم الناس‪ ،‬يعمل على تسليتهم أو يدفعهم نحو نسيان ثقل‬ ‫الحياة التي تبدو اليوم أثقل من أي وقت مضى‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪67 | 66‬‬

‫فنان ومكان‬

‫صورة جانبية‬

‫لباريس‬

‫ ‬

‫مهدي عبده‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫ين ت‬ ‫يأ� الحديث عن فينسانت‬ ‫ح� ي‬ ‫ڤان جوخ عىل ذكر عالقته‬ ‫بباريس‪ ،‬ال تح�ض باريس عىل‬ ‫ت‬ ‫ال� شكلت إلهاماً‬ ‫هيئة المدينة ي‬ ‫ن‬ ‫وبالتال‬ ‫الفنان�‬ ‫لكث� من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫موضوعاً للوحاتهم‪ .‬تح�ض‬ ‫باريس أخرى ال ينغمس فيها الفنان بقدر ما يبتعد‬ ‫ٌ‬ ‫ويع� عنها بجسارة ف ي�‬ ‫عنها قليال ً ليتأملها بخشوع ب ّ‬ ‫لوحاته ي ن‬ ‫ب� عامي ‪ 1886‬و‪1887‬م‪.‬‬ ‫ف ي� مطلع عام ‪1886‬م أخذ ڤان جوخ يراسل أخاه‬ ‫ثيو ف ي� محاولة إلقناعه باالنتقال إىل باريس‪ .‬إذ كان‬ ‫ن‬ ‫الف� الذي تزخر به هذه المدينة الجميلة‬ ‫المناخ ي‬ ‫ين‬ ‫الواقعة عىل ضفاف نهر ي ن‬ ‫الفنان�‬ ‫الس� يجتذب‬ ‫ف‬ ‫من أوروبا والعالم‪ ،‬وكان فينسانت يرى ي� باريس‬ ‫الفضاء البداعي أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫التالي�‬ ‫العام�‬ ‫المثل‪ .‬وخالل‬ ‫إ‬ ‫نشأت عالقة فريدة بينه ي ن‬ ‫وب� المكان‪ ،‬وأصبح ڤان‬ ‫جوخ فناناً متغ�اً يملك عديداً من أ‬ ‫الساليب الفنية‬ ‫ي‬ ‫المختلفة‪ .‬هكذا أنتج خالل تلك ت‬ ‫الف�ة أجمل‬ ‫لوحاته‪ ،‬وصقل أسلوبه الفريد ف ي� ض�ب الفرشاة‬ ‫واكتشاف اللون والتقاط اللحظة الهاربة‪.‬‬

‫«ڤان جوخ ‪-‬‬ ‫صورة ذاتية»‪،‬‬ ‫‪1888‬م‬

‫ين‬ ‫العام� أن تتوقف رسائل‬ ‫لكن المحزن حقاً ف ي� هذين‬ ‫فينسانت ألخيه الجميلة بسبب انتقالهما معاً إىل‬ ‫باريس‪ ،‬لكنه كان متشوقاً لتجربة جديدة تجعل منه‬ ‫تجول بروح ش‬ ‫م�قة ف ي�‬ ‫الفنان الذي يطمح أن يكون‪ّ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫أنحاء باريس‪ ،‬وتردد عىل عديد من المعارض المبكرة‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫االنطباعي�‪ ،‬حيث ُعرضت ُ‬ ‫أعمال ديغاس‬ ‫للفنان�‬ ‫ومونيه ورينوار‪.‬‬


‫طاحونة «بلوت»‪1886 ،‬م‬

‫«مشهد باريس من مونمارتر»‪1886 ،‬م‬

‫«ال أعرف معنى لكلمة‬ ‫الفن أفضل من اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫مضافا إلى الطبيعة والواقع‬ ‫ً‬ ‫مصحوبا بمغزى‬ ‫والحقيقة‪،‬‬ ‫وبمفهوم وشخصية‪ ،‬هذا ما‬ ‫يعمل الفنان على استخراجه‬ ‫ً‬ ‫مانحا إياه قدرة‬ ‫إلى حيز النور‪،‬‬ ‫التعبير الالزمة»‪.‬‬

‫أ‬ ‫يكرس طاقته وتوهجه‬ ‫واللوان الشاحبة‪ ،‬وراح ّ‬ ‫�ض‬ ‫اللتقاط ضواحي باريس بدال ً من المناطق الح ية‪.‬‬ ‫رسم ف� السنة أ‬ ‫الوىل إطالالت مختلفة وواسعة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫لمدينة باريس بقليل من الحزن والهدوء واللوان‬ ‫الداكنة‪ .‬لم يبدأ بإسقاط الضوء عىل لوحاته‪ ،‬بل‬ ‫ن‬ ‫الب� والرمادي‪ ،‬هذا االختيار الذي ال يزال‬ ‫اختار ّ ي‬ ‫موضوعه‪.‬‬ ‫ويع� عن وحدة الفنان وربما وحدة‬ ‫قلقاً ب‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ثم يختار المنظر المطل من شقته‪ ،‬يرسمه مراراً‪،‬‬ ‫لكن بانتباه لحياة البيوت وتعدد ألوانها وباستخدام‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تحتاج‬ ‫أسلوب التنقيط ي� المساحات اللونية ي‬ ‫إىل تفاصيل ث‬ ‫أك�‪ ،‬كأنه يريد أن يلتقط صورة جانبية‬ ‫للمدينة المذهلة‪.‬‬

‫ف‬ ‫و� تلك ت‬ ‫الف�ة فتحت اليابان موانئها للدول الغربية‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫سحر‬ ‫بعد دهر من الحصار‬ ‫الثقا�‪ .‬كان طبيعياً أن يُ َ‬ ‫ي‬ ‫الغر� بالثقافة اليابانية‪ .‬ومن جانبه‪ ،‬ظل‬ ‫العالم ب ي‬ ‫ن‬ ‫اليابا�‪ ،‬حيث نجده يكتب‬ ‫بالفن‬ ‫ال‬ ‫مذهو‬ ‫ڤان جوخ‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫اليابا� سوف‬ ‫ف ي� إحدى رسائله لثيو‪« :‬إذا درسنا الفن‬ ‫ي‬ ‫نرى إنساناً حكيماً‪ ،‬فيلسوفاً ذكياً دون شك‪ ،‬إنه‬ ‫يق� وقته ف� دراسة نبتة واحدة من أ‬ ‫ض‬ ‫العشاب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وحيدة من أوراق النبات‪ ،‬ولكن هذه الورقة‬ ‫ورقة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫تقوده ي� النهاية إىل أن يرسم كل النباتات ثم‬ ‫الفصول والجوانب المتسعة الفسيحة للريف‪ ،‬هكذا‬ ‫ن‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫الياباني�‬ ‫إن� أحسد‬ ‫م� الفنان‬ ‫ي‬ ‫اليابا� فحياته‪ .‬ي‬ ‫يُ ي‬ ‫عىل الوضوح الشديد ي� كل أعمالهم‪ ،‬إنها ليست‬ ‫نجزت عىل عجل‪ .‬إن‬ ‫مرهقة أو مملة‪ ،‬ال تبدو وكأنها أُ ْ‬ ‫أعمالهم بسيطة كعملية التنفس‪ ،‬يرسمون أشكالها‬ ‫ن‬ ‫إن� أحاول إنجاز‬ ‫بلمسات قليلة واثقة بالفرشاة‪ .‬ي‬ ‫ن‬ ‫يجعل� مشغوال ً طيلة‬ ‫بلمسات قليلة‪ ،‬وهذا‬ ‫الشكل‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫الشتاء»‪.‬‬

‫الطبيعة‬ ‫من مونمارتر إلى‬ ‫ف‬

‫ن‬ ‫اليابا� وألوان اللوحة‬ ‫بتوليف رائع من أسلوب الفن‬ ‫ي‬ ‫االنطباعية‪ ،‬تجاوز ڤان جوخ عتمة حقول البطاطا‬

‫تجلَّت تلك الصورة الجانبية إذاً ي� مجموعة‬ ‫لوحات صورت مشاهد مونمارتر‪ .‬ويمكن القول‬ ‫إن التقاط مشهد الشارع كان موضوعاً ت‬ ‫مش�كاً لدى‬ ‫ين‬ ‫االنطباعي�‪ ،‬لكن ڤينسانت استطاع أن يقبض‬ ‫تعد لوحة شارع‬ ‫عىل المشهد بأسلوبه الفريد‪ .‬إذ ّ‬ ‫مونمارتر‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬واحدة من أجمل‬ ‫لوحاته ف ي� مرحلة باريس‪ ،‬فمن خاللها نعرف أن‬ ‫الرجل أصبح فناناً شغوفاً بفنه وبدأ يكتشف أسلوبه‬ ‫الشخص ويوثقه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫تتك محافظة مونمارتر عىل ٍّتل يطل عىل باريس‪،‬‬ ‫أ‬ ‫وتشتهر بالمقاهي وقاعات الرقص‪ .‬ولنها كانت تقع‬ ‫آنذاك عىل حافة الريف‪ ،‬فقد أتاحت لڤان جوخ أن‬ ‫يجدد حبه للطبيعة‪ .‬بدأ يستخدم أ‬ ‫اللوان بحيوية‬ ‫ث‬ ‫أك� ف ي� رسم الحدائق النباتية والحقول المزهرة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ح� كانت لوحاته تعكس العاطفة المتقدة داخله‪،‬‬ ‫كث�اً‬ ‫وألوانه تعكس شخصية قوية وجسورة‪ ،‬تحمل ي‬ ‫أ‬ ‫تقال‬ ‫من التفاؤل‪ ،‬حيث أخذ يجرب الحمر ب‬ ‫وال� ي‬ ‫أ‬ ‫والصفر بحدة ووضوح شديدين‪ .‬يتجىل ف ي� لوحات‬

‫ت‬ ‫ال� شكلت مساحةَ‬ ‫موضوع لو موالن دو الغاليت ي‬ ‫كب�ة للفنان باعتبارها كانت ال تزال تحافظ‬ ‫إلهام ي‬ ‫ٍ‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫المنت�ة‬ ‫وطواح� الهواء‬ ‫عىل طبيعتها الريفية‬ ‫فوقها‪ .‬لقد كان الفنان سعيداً بعمله عىل تلك‬ ‫اللوحات‪« ،‬يتنفس الهواء النقي والفرح الصيفي»‬ ‫يع�‪ ،‬وكان التقاطه للمراعي والحقول مهماً‪،‬‬ ‫كما كان ب ّ‬ ‫ويشكل توثيقاً تاريخياً فنياً لما كان عليه ُّتل مونمارتر‪،‬‬ ‫ِلكون كل تلك المساحات اختفت مع توسع باريس‬ ‫شيئاً فشيئاً‪.‬‬ ‫ظل محيط مونمارتر والضفة أ‬ ‫الخرى من نهر‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫الس� يشكِّل مساحة موضوعية ي� لوحات ڤان‬ ‫ش‬ ‫كث�اً‬ ‫جوخ‪ ،‬كما هو حال شارع‬ ‫كلي� الذي صوره ي‬ ‫ي‬ ‫بمحالته ومقاهيه‪ ،‬حيث كان يلتقي أصدقاءه من‬ ‫ن‬ ‫فنا� باريس‪ ،‬مثل بيسارو ولوتريك وبول غوغان‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كان يوثق الضوء والحركة ي� المكان‪ ،‬يصور صمت‬ ‫اس ونهايات الشوارع‪ .‬يخرج كل يوم بغليونه‬ ‫الكر ي‬ ‫جريئة‪ ،‬ويرسم بعاطفة حادة وانفعال‪ ،‬كان‬ ‫ورغبة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يرى أن أ‬ ‫اللوان إنما تستيقظ ف ي� روحه‪.‬‬ ‫و� أحد أ‬ ‫ف‬ ‫اليام‪ ،‬أحس الفنان بأشياء أمام عينيه‬ ‫ي‬ ‫المساك بها‪ .‬كانت سماء باريس تتلون‬ ‫ال يستطيع إ‬ ‫تك� باضطراد وتصبح ث‬ ‫أك�‬ ‫بالرمادي‪ ،‬والمدينة ب‬ ‫صخباً‪ ،‬فاختار أن يغادر مجدداً نحو آرل جنوباً‪.‬‬ ‫لقد يغ�ت تجربة باريس حياة ڤان جوخ لكنه ظل‬ ‫يستلهم من الطبيعة والمكان الذي منحه لمحة من‬ ‫ت‬ ‫واالح�ام‪.‬‬ ‫الهيبة‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪69 | 68‬‬

‫ً‬ ‫شعرا‬ ‫أقول‬

‫عبداهلل بيال‪:‬‬

‫ٌ‬ ‫حزين‪ ..‬مثل‬ ‫تين الشوك‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫ين‬ ‫والضيق وربما‬ ‫عياء‬ ‫لحظة وأخرى تصاب‬ ‫ب� كل‬ ‫الروح إ‬ ‫بال ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫صاحبها بالرعاية والعناية‬ ‫أوشكت عىل العطَب إن لم يتداركها‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫تهدم منها‪ ،‬وهذا ما يمكن أن يُطلق‬ ‫إحياء وترميم ما َّ‬ ‫ومحاولة ِ‬ ‫للروح أن تمر به كلما‬ ‫التطه� الروحي الذي ال بد‬ ‫عليه مصطلح‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫وح�‬ ‫والعدمية‪.‬‬ ‫روح‬ ‫واليأس‬ ‫بالضيق‬ ‫الشعور‬ ‫أثقل عليها‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫تتعب ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫تعيد فيه إعادة تكوين نفسها من‬ ‫الشاعر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ملجأ لها ُ‬ ‫وتبحث عن ٍ‬ ‫جديد‪ ،‬ت‬ ‫والبكاء واللوعة‪ ،‬ت‬ ‫ال� تعمل‬ ‫بالحزن‬ ‫ال‬ ‫محم‬ ‫الشعر‬ ‫يأ�‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫أِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المل ف� جذورها ت‬ ‫المه�ئة‪ ،‬أل ّن‬ ‫تطه� الروح وإعادة ِّ‬ ‫عىل ي‬ ‫بث ِ ي‬ ‫المطر الذي يغسل كل‬ ‫ذلك‬ ‫هي‬ ‫الروح‬ ‫هذه‬ ‫من‬ ‫النازفة‬ ‫الدموع‬ ‫ُ‬ ‫ويعيد إليها بهجتها ونضارتها‪.‬‬ ‫رواسب الحياة‬ ‫ُ‬ ‫الرهيب مهما حاول‬ ‫الحزن‬ ‫وال يمكن للشاعر أن ينفكَّ عن قيد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الثيمة أ‬ ‫الصيلة لهذا‬ ‫الحزن هو‬ ‫بخالف ذلك‪ ،‬ربما أل ّن‬ ‫التظاهر‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الكو�‪ ،‬نعم ال يمكن لفهامنا أن تدرك تلك المراحل‬ ‫الوجود‬ ‫ي‬ ‫الغيبية السحيقة ف‬ ‫ال ن‬ ‫نتعرف من خاللها‬ ‫ك‬ ‫‪،‬‬ ‫نسا�‬ ‫التاريخ‬ ‫عمق‬ ‫�‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ي ي‬ ‫ّ‬ ‫ي أ ِ‬ ‫الحزان الكائنة ف ي� تلك المناطق الزمنية المعتمة‬ ‫عىل صور ومراحل‬ ‫ت‬ ‫الحزن الذي رافق أبانا آدم منذ أن برأته ُيد الله‬ ‫ولكن‬ ‫َ‬ ‫ال� سبقته‪ّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫حوادث‬ ‫مروراً بخروجه من الجنة هو وحواء‪ ،‬وما أعقب ذلك من‬ ‫َ‬ ‫للحزن صور ًة‬ ‫تاريخية إىل لحظتنا الدموية الراهنة‪ ،‬كلها تجعل‬ ‫ِ‬ ‫استمع للقصائد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫يتس� خلف أ‬ ‫القنعة البشوشة‪،‬‬ ‫ووجهاً حقيقياً مرعباً‪ ،‬ال يمكن أن ت َّ‬ ‫مهما حاولنا ذلك واحتلنا له‪.‬‬ ‫م� أ‬ ‫الحزن هو الوجه أ‬ ‫ال ت ن‬ ‫وال ثك� أصالةً‬ ‫الفرح الزائف‪،‬‬ ‫لمعدن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحزن الرهيبة‪ .‬ربما لذلك‬ ‫جذب‬ ‫قوة‬ ‫أمام‬ ‫يصمد‬ ‫يكاد‬ ‫ال‬ ‫الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫أن البكاء من مظاهر الحزن المادية‪،‬‬ ‫نبك أحيانا من الفرح مع ّ‬ ‫ي‬ ‫مظهر يوحي لنا بأنّنا لن نتخلَّص من أحزاننا الوجودية‬ ‫ولكنه‬ ‫ٌ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫البدية‪ ،‬ت‬ ‫والنشوة والسعادة ‪..‬‬ ‫الفرح‬ ‫قمة‬ ‫ح�‬ ‫ِ‬ ‫ونحن ي� ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫يع� هذا بأن الحزن هو أ‬ ‫ن‬ ‫الصل والفرح ليس َّإل لحظة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫هل ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الوجود‬ ‫خ�نا مع�‬ ‫طارئة خافتة رسيعة الذبول؟ وهل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫نحزن لننا ب َ‬ ‫الحقيقي فلم يعد بإمكاننا الضحك عىل ذواتنا؟ وهل يمكن‬ ‫ن‬ ‫للحظة واحدة عن أحزانه الوجودية‬ ‫يستغ� ولو‬ ‫العالم أن‬ ‫لهذا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الم�اكمة منذ الزل؟‬ ‫ُ‬ ‫الحزن‬ ‫شاعر ما إننا يجب علينا أن نحزن‪ ،‬ليس من أجل‬ ‫ِ‬ ‫يقول ٌ‬ ‫أ‬ ‫نحتفي به ‪..‬‬ ‫جدير بأن‬ ‫الحزن‬ ‫وحسب‪ ،‬ولكن ل ّن‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫سوداوي‬ ‫بمنظار‬ ‫نحزن ليس ألننا نرى العالم‬ ‫حري بنا أن‬ ‫َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أ‬ ‫كائنات جميلة وفية‪ ،‬نستطيع المراهنة‬ ‫ولكن ل ّن أحزاننا‬ ‫ٌ‬ ‫متشائم‪ْ ،‬‬ ‫حزن ف ي� الوجود‪.‬‬ ‫آخر‬ ‫ِ‬ ‫لحظة ٍ‬ ‫عليها إىل ِ‬


‫وجه الفرحة اآلخر‪..‬‬ ‫أبك‪..‬‬ ‫نعم ي‬ ‫أن‬ ‫تطهرت‬ ‫أبك‬ ‫ُ‬ ‫ل ي� ك ّلما ي‬ ‫ش‬ ‫وحي‬ ‫وأ� َق‬ ‫ي‬ ‫داخل ٌ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫بيت‬ ‫وطاف‬ ‫بمهج� ُ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫قنديل السنا‬ ‫الحزن‬ ‫أل ّن‬ ‫َ‬ ‫الزيت!‬ ‫ودموعي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حزين‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ن‬ ‫أفرح!‬ ‫الحزن‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫رغم ّ‬ ‫يوصي� بأن ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫قدار‬ ‫نومن ُسخريِّ ِة ال ِ‬ ‫ّأ� للهوى شأ� ْح!‬ ‫يوأضحكُ ملء أحزا�ن‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫يفضح‬ ‫غادر ‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫ودمعي ٌ‬ ‫الحزن؟‬ ‫لماذا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫الحزن‬ ‫دت‬ ‫ْ‬ ‫ولك� ِعه ُ‬ ‫ال أدري‪�..‬ض ّ ي‬ ‫والرس ِاء‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫صديق ال ُ ِّ‬ ‫أ‬ ‫من‬ ‫حضن مواجعي‪ ،‬وال ْ‬ ‫َ‬ ‫فؤادي الصحرا ُء قاحلةٌ‬ ‫كأن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫زن‬ ‫الم ْ‬ ‫ز� ُ‬ ‫ُ‬ ‫وح ي‬ ‫حزين ‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ن‬ ‫ح� و َّدع بهجةَ الجنةْ‬ ‫مثل َ‬ ‫آدم ي‬ ‫الخ ِلد‬ ‫وقب َل‬ ‫ذكريات ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬

‫وال ش� ِاق‬ ‫إ‬ ‫والفتنةْ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫هائم ي� ال ِرض‬ ‫وهاهو ٌ‬ ‫يُ ِتب ُع زفر ًة ‪ ..‬أنّةْ‬

‫ت‬ ‫ال� أودى بها نحو الردى آ َد ْم‬ ‫كحوا َء ي‬ ‫وأخرجها (وكانت ُد ّرةً) ِمن ج ّن ِة الحا ِل ْم‬ ‫فظ ّل ْت َ‬ ‫طول غُربتها‬ ‫العالم!‬ ‫أدمع‬ ‫تُ ُ‬ ‫هدهد َ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫قل�‬ ‫وتُ ِوق ُد جذو َة الحز ِان ي� ب ي‬ ‫يدا ْ‬ ‫قابيل‬ ‫ِّ ن‬ ‫المو َار‬ ‫ث� َ‬ ‫الدم َّ‬ ‫تور ي‬ ‫ينضح من ثرى ْ‬ ‫هابيل‬ ‫ُ‬ ‫ويرصخ ب ي�‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ُّ‬ ‫نجب قاتال ً ْ‬ ‫وقتيل‬ ‫تظل ال ُ‬ ‫رض تُ ُ‬ ‫حزين ‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ن‬ ‫ت�‬ ‫الشوك‬ ‫ِ‬ ‫مثل ي ِ‬ ‫يذر ُع َوحشةَ الصحرا ْء‬ ‫َ‬ ‫المحموم‬ ‫يفس رم َل َها‬ ‫َ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫دروب الما ْء‬ ‫يستقص‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫تاهت‬ ‫ولكن الخطى ْ‬ ‫َّ‬ ‫أرض ‪ ..‬وليس سما ْء‬ ‫فال ُ‬

‫ن‬ ‫ويسأل�‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫أتبرص ي� الدياجي دمعةَ النجمةْ ؟‬ ‫ُ‬ ‫ي� منها‪..‬‬ ‫أتصغي‬ ‫للنشيج ن ز ُّ‬ ‫ِ‬ ‫يصبغُ العتمة؟‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ويسأل� ‪..‬‬ ‫ويسأل� ‪..‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ورق ي� فمي بسمةْ !‬ ‫ف ُت ُ‬ ‫السماء‪..‬‬ ‫كأفالك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكون السديميةْ‬ ‫مجرِة ِ‬ ‫َّ‬ ‫حزن روحي النآ‬ ‫تُ ُ‬ ‫َ‬ ‫عانق َ‬ ‫ان بدائيةْ‬ ‫أحز ٌ‬ ‫ن‬ ‫الحزن ُدنيا ال نهائيةْ‬ ‫بأن‬ ‫َ‬ ‫م� ّ‬ ‫تع ِّل ي‬ ‫الجندي ‪..‬‬ ‫أنا ف ُ‬ ‫ت‬ ‫حبيب� قُبلةْ‬ ‫خيال‬ ‫ُ‬ ‫أطبع ي� ف ِ‬ ‫ي‬ ‫غد سأعو ُد‬ ‫قس ُم ‪ ..‬ي� ٍ‬ ‫وأُ ِ‬ ‫حروبنا السهلةْ !!‬ ‫بعد ِ‬ ‫غد‬ ‫يموت ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الحزن‬ ‫ويبقى‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫يغرس ي� دمي نص َل ْه‬ ‫ُ‬ ‫َ ف ن‬ ‫عي�‬ ‫أل ّن‬ ‫الحزن ي� آ ي َّ‬ ‫الفرحة ال َخ ْر‬ ‫وجه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الوجود‬ ‫أقد ُس َّكل أحز ِان‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الناظ ْر‬ ‫بهج ِ‬ ‫وأُ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫مالمح الدنيا‬ ‫بكل‬ ‫ِ‬ ‫الساخ ْر‬ ‫وقسوة دهرنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫‪71 | 70‬‬

‫ذاكرة القافلة‬

‫المدينة المنورة‬ ‫حاضرها كما كان قبل نصف قرن‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫في عددها لشهر‬ ‫رمضان عام ‪1387‬هـ‬ ‫(ديسمبر ‪1967‬م)‪،‬‬ ‫نشرت القافلة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مصورا حول «المدينة‬ ‫استطالعا‬ ‫المنورة‪ ،‬ماضيها وحاضرها»‬ ‫بقلم األستاذ حكمت حسن‪.‬‬ ‫وفيما يأتي مقتطفات منه‪:‬‬

‫مدينة حديثة متطورة‬

‫كانت تنتشر حول المدينة حصون وآطام كثيرة‬ ‫بنيت بحجارة ضخمة هائلة‪ ،‬ولكن معظمها قد‬ ‫اندثر‪ .‬وحتى سورها الذي بني عام ‪263‬هـ وجدد‬ ‫عام ‪946‬هـ قد أزيل التساع رقعة المدينة بازدياد‬ ‫الحركة العمرانية فيها‪ ،‬فقد اتصلت أو كادت تتصل‬ ‫بضواحيها بفضل ما شيد فيها من عمارات وبيوت‬ ‫وفنادق ومدارس جديدة‪ .‬وزائر المدينة لن يفوته أن‬ ‫يرى القديم والجديد يتعانقان في محالت المدينة‬ ‫وشوارعها‪ ،‬فيؤخذ بذلك على الرغم من أن فلوال ً‬ ‫من القديم بقيت حتى آ‬ ‫الن‪ ،‬وهي تتعرض كل‬ ‫يوم ألن تحل محلها العمارات الشامخة أ‬ ‫والبنية‬ ‫الحديثة والشوارع الواسعة والميادين الفسيحة التي‬ ‫تزدان أرصفتها أ‬ ‫بالشجار‪ ،‬وجنباتها بالزهور‪ .‬وفي‬ ‫المدينة استعدادات سياحية جيدة إذ إن فيها عدداً‬ ‫من فنادق الدرجة أ‬ ‫الولى والثانية واالستراحات‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ومعظم فنادقها مكيفة الهواء ومجهزة بالثاث‬ ‫الحديث‪ ،‬مما يجعل إقامة الغريب فيها مريحة‬ ‫وممتعة‪.‬‬ ‫وتتمتع المدينة بنظام إدارة مركزي ممتاز‪ ،‬فقد‬ ‫جمعت معظم دوائر الحكومة فيها في بناية واحدة‬ ‫(مجمع) وذلك تسهيال ً للمواطنين عندما يتتبعون‬ ‫َّ‬ ‫معامالتهم‪ .‬ويحوي المجمع الحالي ثالث عشرة‬ ‫دائرة على رأسها إمارة المنطقة‪ .‬وهو يقع في مدخل‬

‫منظر شامل لمسجد قباء‪ ..‬أول مسجد بُ ني على التقوى‬

‫حي قباء‪ ،‬إال أنه قد بوشر ببناء مجمع أكبر في‬ ‫مدخل العنبرية يتسع لكل الدوائر الحكومية هناك‪.‬‬ ‫وفي الليل‪ ،‬تلبس المدينة حلة زاهية من أ‬ ‫النوار‬ ‫الكهربائية‪ ،‬وتملك امتياز تزويد المدينة بالطاقة‬ ‫الكهربائية شركة أهلية‪ .‬ونظراً لتوفر الكهرباء‬ ‫وانتشارها‪ ،‬فقد تولد عديد من الصناعات التي‬ ‫ساعدت على تطوير الحياة في المدينة وتحسينها‬ ‫بشكل ملحوظ‪.‬‬ ‫ومن أهم تلك الصناعات‪ ،‬صناعة التمور‪ ،‬وقد كانت‬ ‫هذه الصناعة فيما مضى بدائية‪ ،‬فكان محصول‬ ‫التمور الكبير‪ ،‬تبعاً لذلك‪ ،‬ال يستغل استغالال ً صحياً‬ ‫تاماً‪ .‬وفي عام ‪1372‬هـ أسست وزارة الزراعة‪ ،‬في‬ ‫المدينة محطة نموذجية ألبحاث التمور ومنتجاتها‪،‬‬ ‫أصبح ينتفع بفضلها بمحصول التمور انتفاعاً كامال ً‬ ‫وعلى مستوى رفيع‪ .‬وتتألف المحطة من آالت‬ ‫ومعدات تستعمل في فرز أنواع التمور وتعقيمها‬ ‫بالمكسرات أو‬ ‫وغسلها وإخراج النوى منها وحشوها‬ ‫َّ‬ ‫مختلفة أ‬ ‫الوزان‬ ‫هرسها وخلطها وتعبئتها في عبوات‬ ‫لعرضها في أ‬ ‫السواق بصورة صحية وجذابة‪ .‬وظلت‬

‫المحطة تعمل لحساب وزارة الزراعة مدة أربع‬ ‫سنوات فازداد الطلب على منتجاتها‪ .‬لذلك أقبل‬ ‫المزارعون وتجار التمور عليها لتصنيع محصوالتهم‬ ‫فيها بأجرة رمزية‪ ،‬فكان لهم ذلك وأصبحت المحطة‬ ‫تعمل في الموسم ليل نهار بطاقة إنتاجية تبلغ‬ ‫(‪ )60‬كيلوغراماً في الدقيقة‪ .‬وفي انتظار حلول‬ ‫النتاج التالي تقوم المحطة بإجراء تجارب‬ ‫موسم إ‬ ‫كثيرة لتطوير صناعة التمور وإنتاج منتجات أخرى‬ ‫متنوعة‪.‬‬ ‫وتحقيقاً للغرض الذي أنشئت المحطة من أجله‬ ‫أنشئ في المدينة مصنعا تعبئة متشابهان‪ ،‬هما‬ ‫مصنع السيد محمود أحمد‪ ،‬ومصنع السيد‬ ‫عبدالمعين عبدالرحمن‪ ،‬وهما يقومان مع مصنع‬ ‫النتاج في كل موسم‪،‬‬ ‫المحطة النموذجية بتصنيع إ‬ ‫ويتعاون الفنيون فيهما مع فنيي المحطة لرفع‬ ‫النتاج‪.‬‬ ‫مستوى إ‬ ‫وبالضافة إلى صناعة التمور‪ ،‬توجد في المدينة‬ ‫إ‬ ‫صناعات أخرى صغيرة متعددة منها ثالثة مصانع‬


‫للثلج‪ ،‬ومصنع لتعبئة المياه الغازية‪ .‬وفيها عدد كبير‬ ‫من العطارين الذين يصنعون عطورهم محلياً‪.‬‬

‫حركة ثقافية زاهرة‬

‫للمدينة المنورة تاريخ ثقافي حافل‪ .‬فهي‪ ،‬ابتدا ًء‬ ‫بحلقات الدرس التي كانت وال تزال تُعقد في أروقة‬ ‫الحرم الشريف على أيدي كبار العلماء والمتفقهين‬ ‫منذ ظهور السالم حتى آ‬ ‫الن‪ ،‬وانتهاء بالجامعة‬ ‫إ‬ ‫السالمية ‪ ،‬أضخم مركز تعليمي في الحجاز‪ ،‬تُعد‬ ‫إ‬ ‫بحق منارة علم ومعرفة‪ .‬وقد عرفت من العلماء‬ ‫والئمة أ‬ ‫أ‬ ‫والدباء خلقاً كثيراً‪ ،‬ورفدت تراثنا العربي‬ ‫القيمة وجهودهم الكريمة‬ ‫بفحول أغنوه بمؤلفاتهم ِّ‬ ‫المثمرة‪.‬‬ ‫وبانتشار التعليم في أنحاء المملكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬بنيت في منطقة المدينة المنورة عشرات‬ ‫المدارس االبتدائية والمتوسطة والثانوية للبنين‬ ‫فتخرج منهم‬ ‫والبنات يتلقَّى العلم فيها آالف الطلبة ِّ‬ ‫كل عام جيال ً من الشباب المتعلم الواعي الذي‬ ‫ينخرط في خدمة مجتمعه بكفاءة وإخالص‪.‬‬ ‫وفي المدينة المنورة مركز إدارة تعليم المنطقة‪،‬‬ ‫وهي تشمل المدينة ونواحيها والمدن والقرى التي‬ ‫تتبعها إدارياً‪ .‬ويبلغ عدد مدارس البنين في هذه‬ ‫المنطقة ‪ 103‬مدارس تضم ‪ 19,332‬طالباً يقوم‬ ‫بتدريسهم ‪ 925‬مدرساً‪ .‬كما أن هنالك عشرات‬ ‫من مدارس البنات ومعاهد المعلمين والمدارس‬ ‫الصناعية والزراعية وغيرها من دور العلم‪ .‬وبديهي‬ ‫َّأل تعنى هذه المدارس بتدريس تالميذها المواد‬ ‫الدراسية فحسب بل إنها تمارس مختلف أنواع‬ ‫النشاط الثقافي والرياضي والكشفي والمكتبي‪ ،‬مما‬ ‫أ‬ ‫يمل وقت فراغ الجيل الصاعد ويعود عليه بالنفع‪.‬‬ ‫لذلك نجد هذه المدارس مزودة بمالعب ومختبرات‬ ‫ومكتبات لممارسة ضروب النشاط المختلفة‪ ،‬كما‬ ‫نجد أنها تنظِّم الرحالت الجماعية الكشفية وغير‬ ‫الكشفية‪ ،‬والمباريات الرياضية داخل المنطقة‬ ‫وخارجها والمهرجانات الرياضية والثقافية أ‬ ‫والدبية‪،‬‬

‫خبير زراعي من موظفي المديرية يشرح ألحد المزارعين طريقة مكافحة اآلفات التي تتعرَّ ض لها بعض األشجار في مزرعته‬

‫مما يساعد على بناء شخصية التلميذ ثقافياً واجتماعياً‬ ‫وخلقياً أيضاً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وتبعاً لتعميم التعليم الصناعي في مختلف مناطق‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬افتتحت عام ‪1376‬هـ‬ ‫مدرسة صناعية كبرى في المدينة المنورة يلتحق بها‬ ‫الطالب فور إنهاء المرحلة الثانوية المتوسطة بنجاح‪.‬‬ ‫ومدة الدراسة فيها سنوات ثالث يتخرج الطالب بعدها‬ ‫بدبلوم مهني يخوله ممارسة العمل ضمن حقل‬ ‫اختصاصه‪ ،‬بينما يبتعث المتفوقون إلى الخارج إلتمام‬ ‫دراساتهم المهنية‪ .‬وتضم أقسام المدرسة الثالثة عشر‬ ‫آ‬ ‫الن حوالي ‪ 250‬طالباً ويبلغ عدد أعضاء الهيئة إالدارية‬ ‫والتدريسية حوالي ‪ 70‬مدرساً وموظفاً‪ ،‬بينهم ‪ 14‬مهندساً‬ ‫عدا الجامعيين المتخصصين في مختلف المجاالت‬ ‫العلمية والمهنية‪ .‬وقد أقامت المدرسة هذا العام‬ ‫معرضاً حافال ً لما أنجزه الطالب من نماذج في مختلف‬ ‫أ‬ ‫القسام‪ ،‬كان لها أجمل الوقع في نفوس الزائرين لما‬ ‫كانت عليه من دقة في الصنع وجمال في التصميم‪.‬‬ ‫أما على الصعيد أ‬ ‫الهلي‪ ،‬فال توجد في المدينة‬ ‫المنورة إال روضتان نموذجيتان أ‬ ‫للطفال تشرف‬ ‫أ‬ ‫عليهما وزارة المعارف‪ ،‬كلتاهما تقبالن الطفال الذين‬ ‫تُراوح أعمارهم بين سنتين ونصف وست سنوات‪،‬‬ ‫فتهيئهم لدخول المدارس االبتدائية‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬كانت المدينة المنورة وال تزال من‬ ‫أعرق المدن من الناحية أ‬ ‫الدبية‪ ،‬وقد كان ذلك نتيجة‬ ‫لوجود عديد من المكتبات الخاصة والعامة فيها‪،‬‬ ‫ولما حوته تلك المكتبات من عيون الكتب المخطوطة‬ ‫والمطبوعة مما ألفه السلف الصالح في شتى ميادين‬ ‫المعارف والعلوم‪.‬‬

‫صناعة السجاد تحتاج إلى خبرة ومهارة‪ ..‬ويُ رى هنا أحد طالب‬ ‫المدرسة الصناعية الثانوية في المدينة المنورة منهمكاً في‬ ‫صنع هذه السجادة الجميلة‬

‫(…) وبعد‪ ،‬فالمدينة المنورة تمر هذه أ‬ ‫اليام بمرحلة‬ ‫أ‬ ‫عمران وتقدم زاهرة نأمل أن تؤتي أكلها في العوام‬

‫بعد كل صالة ينتشر المصلون من كل جنس في ساحة الحرم‬ ‫الشريف المبلطة حيث عشرات الدكاكين فيبتاعون ما يحتاجون‬ ‫من صنوف البضائع والمعروضات‬

‫القليلة المقبلة‪ ،‬فنرى المدينة تزدان بأبهى الحلل‬ ‫وتظهر بأجمل المظاهر مما يليق بها كمنارة هدي‬ ‫وإشراق‪ ،‬ومعرض لتاريخ أمجد حضارة انتشرت منها‬ ‫إلى ربوع العالم‪ ،‬أ‬ ‫فملتها عدال ً وسالماً‪.‬‬ ‫تصوير‪:‬‬ ‫عبداللطيف‬ ‫يوسف‬

‫شاهد المزيد‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪73 | 72‬‬

‫فرشاة وإزميل‬

‫لم تكن تجربة االنتقال من مدينة مثل بابل‬ ‫إلى عاصمة ال تشبه إال نفسها بضجيجها‬ ‫و جنونها وثقافتها وعمقها‪ ،‬على فنان‬ ‫نشأ وترعرع في كنف عائلة فنية وفي بالد‬ ‫يحمل ساكنوها إرث حضارات عمرها‬ ‫آالف السنين بالتجربة العادية‪ .‬فالغربة‬ ‫واالنسالخ عن الوطن بالنسبة للشخص‬ ‫العادي هي ُي ْت ٌم‪ ..‬فكيف إذا حدثت لفنان‬ ‫ُ‬ ‫أساس إبداعه!‬ ‫إحساسه هو‬

‫سجا العبدلي‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫ُ‬ ‫محمود ش ّبر‬

‫الطير البابلي ُ‬ ‫المهاجر‬


‫من محترفه الواسع في بابل و ّدع أسدها مغادراً إلى بيروت‬ ‫تاركاً وراءه كل ما قد يعيده للحنين إلى أرض أغنت تجربته‬ ‫الفنية وكانت أساسها‪ .‬لم يأخذ الفنان العراقي محمود ُش ّبر‬ ‫من بالده سوى حقيبة لم تتسع كثيراً ألحالمه وذكرياته‪ .‬ليقرر‬ ‫مر بها مرة وسحرته كما سحرت‬ ‫االستقرار في بيروت بعد أن ّ‬ ‫غيره من فنانين وشعراء ومبدعين في مجاالت عديدة‪.‬‬ ‫محترفه يشبهه كثيراً‪ ،‬وهذا لن يفاجئك حين تزوره نظراً لذلك التقارب ما بين‬ ‫مرحباً بوجه بشوش وابتسامة لم تكد‬ ‫شخصية ُش ّبر وتفاصيل المكان‪ .‬دعانا للزيارة ِّ‬ ‫تعود َّأل يكتمل‬ ‫تفارق محياه‪ .‬ما ك َّنا نتوقعه وجدناه هناك‪ .‬فكيف لفنان عراقي َّ‬ ‫صباحه ومساؤه دون أن يرى النخلة‪ ،‬الرمز الذي طالما استخدمه في عدد كبير‬ ‫من أعماله‪ ،‬أن يمر دونها؟ وعلى الرغم من أن بيروت مدينة ال تحتضن كثيراً من‬ ‫مما يذكِّره بوطنه‪.‬‬ ‫النخل‪ ،‬إال أن النخلة بدت وكأنها لم تشأ أن تفارقه ولم تحرمه َّ‬ ‫فكانت تنتصب هناك على مدخل البناية التي يقع فيها محترفه‪ .‬وال ندري أهي‬ ‫الصدفة أم أن الغُ ربة أرادت الرأفة به؟‬ ‫يقول «في بيتنا في بابل ثالث نخالت‪ ،‬والنخلة هي رمز استعملته كمفردة في‬ ‫كثير من لوحاتي‪ .‬رغم أن النخيل هنا في بيروت دون ثمر إال أنه يكفيني ألستمتع‬ ‫بمشاهدته»‪.‬‬ ‫في هذا المحترف الذي يشغل الدور أ‬ ‫الرضي من عمارة كبيرة‪ ،‬وفي حي هادئ‬ ‫بعيد عن صخب المدينة‪ ،‬حديقة صغيرة جميلة‪ ،‬يوليها اهتماماً خاصاً كلوحاته‪،‬‬ ‫وهي أول ما يستقبلك‪ ،‬وأجمل ما فيها شجرتا «الغاردينيا» و«الياسمين» بعطرهما‬ ‫الفواح‪.‬‬ ‫أول ما يمكن مالحظته هناك النوافذ الكبيرة التي تسمح للضوء بسيادة‬ ‫المكان نهاراً‪ ،‬وتضفي بهجة على المكان الذي سادته فوضى الفنان وجنونه‪.‬‬ ‫ألوان هنا‪ ،‬فرشاة هناك‪ ،‬ولوحات اكتملت وأخرى تنتظر بصبر يكاد ينفد أن‬ ‫تحتضنها أنامله‪.‬‬

‫البداع‬ ‫الفوضى سر إ‬

‫سألناه‪ :‬ما كل هذه الفوضى؟ أجاب‪« :‬هكذا أرسم وبهذه الفوضى أجدني أنغمس‬ ‫أكثر في لوحتي‪ .‬أحب الترتيب والنظام ولكن ليس حينما أبدأ بالرسم‪ .‬ال أحب‬ ‫المركزية في ترتيب أ‬ ‫الشياء‪ ،‬أكره الحسابات والرياضيات‪ .‬حتى عندما أرسم‬ ‫أ‬ ‫الخطوط في اللوحة فإني أرسمها بطريقة مائلة ال أعرف إذا كان هذا المر سلبياً‬ ‫أم إيجابياً‪ ..‬أميل أحياناً إلى ترتيب أشيائي وحين أرتبها أشعر بالضياع‪ .‬هذه‬ ‫الفوضى التي ترينها هي جزء من كينونة العمل وصيرورة أ‬ ‫الشياء‪ ،‬والتي من خاللها‬ ‫أستطيع التواصل مع لوحتي‪ .‬أتعامل مع اللوحة بعاطفة‪ ،‬والفوضى تمنحني هذه‬ ‫الخصوصية»‪.‬‬

‫مملكة الضوء‬

‫لكن كيف يصف محمود ُش ّبر مكانه هذا وعالقته به؟ «هنا مملكتي‪ ،‬هنا أقضي‬ ‫ساعات طويلة من يومي تكاد تقارب ‪ 13‬ساعة‪ ،‬الضوء يجب أن يسود المكان‪ .‬أنا‬ ‫إنسان أعشق النهار وال أحب العتمة أبداً‪ .‬لذا‪ ،‬حين رأيت كل هذه النوافذ قررت‬ ‫على الفور أن هذا المكان هو ما أبحث عنه‪ ،‬وال أستطيع التعامل مع مكان دون‬ ‫وجود الشعور أ‬ ‫باللفة بيني وبينه‪ .‬أحياناً أتأمل الجدار ألوقات طويلة ألرى كم هو‬ ‫قريب إلى نفسيتي‪ .‬هناك عالقة جدلية ما بين الزمان والمكان وهي التي من شأنها‬ ‫أن يكون داخل إطارها عملية التدوين لممارستنا اليومية‪ .‬هناك عالقة خفية ما بين‬ ‫المكان وما بين منجزي‪ ،‬وهي عالقة مبطنة وغامضة وغير ملموسة إال أنها مركزية‬ ‫ومهمة»‪.‬‬

‫أ‬ ‫الوقات الطويلة التي يقضيها في محترفه وتمتد أحياناً حتى ساعات الفجر‪ ،‬جعلته‬ ‫يفكر في تحويل جزء منه إلى مكان ليعيش فيه‪ .‬فيمكنك رؤية سريرين يشغالن‬ ‫جزءاً من المحترف‪ ،‬لكنه تراجع عن هذا القرار لينتقل إلى شقته التي يستطيع رؤية‬ ‫البحر من نافذتها‪ ،‬كما يقول‪ ،‬فكانت اللوحات فقط هي سيدة المحترف‪.‬‬ ‫الجدران في محترفه بيضاء كما يحب‪ ،‬ما عدا جداراً واحداً صبغ باللون أ‬ ‫الرجواني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وهناك َشغلت بعض أعماله جزءا من أرضية المكان وجدرانه‪ .‬الزاوية التي يرسم‬ ‫فاللوان على أ‬ ‫فيها تشعرك لوهلة وكأن انفجاراً كونياً مر بها‪ .‬أ‬ ‫الرضية التي يقف‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫تحتها مباشرة بتدرجاتها‪ ،‬شكلت لوحة لم يقرر رسمها فهي من رسمت نفسها‬ ‫بنفسها‪ .‬والطاولة الخشبية المالصقة لمكان الرسم وأدواته تتميز ببساطتها ولونها‬ ‫أ‬ ‫بعض من بقايا‬ ‫الخشبي الفاتح وال مكان فوقها سوى لدوات الرسم‪ .‬وعلى الطاولة ٌ‬ ‫العملة العراقية التي‪ ،‬وإن لم يفصح عنها‪ ،‬هي جزء من حنينه إلى الوطن‪ ،‬سمح‬ ‫لها أن تتوسط فوضى ألوانه‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من المساحة الكبيرة لمحترف ُش ّبر‪ ،‬إال أنه اكتفى بشغل زاوية‬ ‫نصيب من بقية المكان‪.‬‬ ‫منه احتضنت كل جنون فنه‪ ،‬بينما كان لبعض أعماله‬ ‫ٌ‬ ‫أ‬ ‫فبعضها اتكأ على جدرانها آ‬ ‫والخر ينتظر إلى أي فضاء سينتقل‪ .‬لكن المر‬ ‫لم ُ‬ ‫يخل من زاوية بسيطة خاصة‪ ،‬وفيها من الحميمية كثير على الرغم من‬ ‫بساطتها المفرطة‪ .‬وبمجرد النظر لها يمكنك معرفة أين يستريح هذا الفنان‬ ‫البابلي‪ .‬ال شيء‪ ،‬سوى كرسيين ال يشبهان بعضهما‪ ،‬وطاولة صغيرة كانت‬ ‫المنفضة أول ما تراه فيها‪ .‬ولم نعرف السبب الذي جعله يغطي نصف‬ ‫أصر على عدم حجب‬ ‫النوافذ بأوراق تشبه أوراق الصحف إال حين أخبرنا أنه َّ‬ ‫الضوء تماماً عن المكان فغطى نصفها ليحظى بقليل من الخصوصية التي‬ ‫تعزله عن فضول المارة‪ .‬ويعزو ذلك كما أسلفنا إلى عالقته بالضوء وارتباط‬ ‫مزاجه أثناء الرسم بوجوده‪ ،‬على الرغم من أنه ال يتوقف عن الرسم حتى حين‬ ‫ُّ‬ ‫يحل الظالم‪.‬‬


‫‪75 | 74‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫المكان مهم‪ ،‬وحميميته من أهم العناصر المطلوبة إلنتاج اللوحة عند محمود‬ ‫النتاج‪ .‬يقول‪« :‬أحب سعة المكان‬ ‫ُش ّبر فمن دونهما يؤكد على عدم مقدرته على إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫فهي التي تشعرني بالحرية‪ .‬أحياناً أتأمل العمل لساعة كاملة وأحيانا ليام لني‬ ‫أشعر أن اللوحة هي التي تطلب أن أُضيف وألغي بعضاً من أجزائها في حالة من‬ ‫الحوار ما بيني وبينها‪ .‬بالنسبة لي‪ ،‬سعة المكان تعطيني مجاال ً للتأمل‪ ،‬فالفضاء‬ ‫الكبير يسمح لي بحرية الحركة وتأمل أعمالي دون الشعور بالضيق‪ ،‬فالمكان‬ ‫الضيق يشعرني وكأني في السجن»‪.‬‬ ‫أعمال محمود ُش ّبر على امتداد مسيرته الفنية التي بدأت في الثمانينيات حتى‬ ‫لحظة مغادرته العراق في العام ‪ 2013‬لم تغادر محترفه ما عدا ما بيع منها‪ .‬بينما‬ ‫والمارات‬ ‫جميع أعماله التي تم عرضها بعد هجرته‪ ،‬في معارض فنية في الكويت إ‬ ‫وبيروت وغيرها من العواصم هي من إنجاز مرحلة ما بعد االغتراب‪.‬‬

‫البداع المتوارث‬ ‫ابن بابل وجدلية إ‬

‫سألناه‪ :‬ما معنى أن يكون الفنان ابن مدينة مثل بابل؟ يقول ُش ّبر‪« :‬أنا أؤمن بأن‬ ‫الجمال والفن أمران متوارثان‪ ،‬فهما في جيناتنا‪ .‬عندما كنت طفال ً وأذهب مع‬ ‫أهلي لزيارة آثار بابل التي ال تبعد كثيراً عن منزلنا وندخل شارع «الموكب» وهو‬ ‫من أهم شوارع المدينة ونكون أمام بوابة «عشتار» التي لم أكن أعي حينها‬ ‫أ‬ ‫الجالل والرهبة‪ .‬تفاصيل‬ ‫أنها ليست البوابة الصلية‪ ،‬كنت أشعر بكثير من إ‬ ‫المدينة وأزقتها ورسومات الجدران كانت تدهشني وتصيبني بالذهول‪ ،‬فكل‬

‫هذه الغرائبية الموجودة في بابل وتفاصيل مكنوناتها ودقة صياغتها هي أمر‬ ‫في عميقاً‪ ،‬فانتقل هذا التأثر كإرث ومخزون أسهم في‬ ‫استفزني كطفل وحفر َّ‬ ‫في كفنان وفي أعمالي‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬من الصعب أن تمر هذه الحضارة أمام‬ ‫التأثير َّ‬ ‫عيني مرور الكرام‪ .‬فالقوس‪ ،‬والمربع‪ ،‬والوحدات الهندسية للشكل البابلي‬ ‫والرموز التي لها عالقة بأسالفنا قد ال تجدونها داخل لوحاتي‪ .‬لكن انعكاسها‬ ‫أضمن هذه المفاهيم والرموز‬ ‫على عقلي الباطني ينعكس على لوحاتي‪ .‬وكنت ِّ‬ ‫في أعمالي»‪.‬‬

‫ذاكرة المكان ومحترف البدايات‬

‫تتلمذ محمود ُش ّبر في كنف والده الفنان شاكر نعمة وتأثر به كثيراً‪ .‬ومن محترف‬ ‫والده بدأت الحكاية‪ ،‬فيقول‪« :‬انشغلت منذ صغري بمحترف والدي بكل تفاصيله‬ ‫ومواده االحترافية‪ ،‬واللوحات التي تشغل المكان‪ ،‬والتي كنت أشرف على تعليقها‬ ‫وترتيبها‪ .‬وهناك سمح لي بالرسم في محترفه الذي شغل مساحة غرفتين تجاوران‬ ‫بعضهما‪ .‬ذاك المكان كان البداية لقراري حول ما أريد أن أصبح عليه مستقبالً‪.‬‬ ‫كنت أتحسس كل تفاصيل المكان الذي توليت مسؤولية ترتيبه بعد أن أعطاني‬ ‫والدي كل الصالحية في المساحة التي كانت تعني له ولي كثيراً‪ .‬هناك كان يخبئ‬ ‫ألوانه في حقائب خاصة‪ .‬أذكر المواد والخامات أ‬ ‫واللوان وجميع مستلزمات‬ ‫الرسم الباهظة الثمن التي جلبها معه من إيطاليا بعد عودته منها متخصصاً‬ ‫في النحت على المرمر‪ .‬كنت أحب أن أشم رائحة المكان والعبث بهذه أ‬ ‫اللوان‬ ‫ّ‬ ‫واكتشافها‪ .‬أتذكر أ‬ ‫الجواء التي كان يبتكرها والدي خالل الرسم حين كان يستمع‬

‫ً‬ ‫طفال‬ ‫عندما كنت‬ ‫وأذهب مع أهلي‬ ‫لزيارة آثار بابل التي‬ ‫ً‬ ‫كثيرا عن‬ ‫ال تبعد‬ ‫منزلنا وندخل شارع‬ ‫«الموكب»‪ ،‬ونكون‬ ‫أمام بوابة «عشتار»‪،‬‬ ‫كنت أشعر بكثير من‬ ‫اإلجالل والرهبة‪..‬‬


‫أحذو حذوه‬ ‫ألغاني عبدالحليم حافظ‪ .‬كل هذه التفاصيل أشعرتني أنني أريد أن‬ ‫َ‬ ‫وأن أحترف الفن التشكيلي‪ ،‬فعالقتي بمحترف والدي كانت البوصلة التي حددت‬ ‫اتجاهي الحقاً»‪.‬‬

‫الشاي والموسيقى وأخبار الموت‬

‫عادة ما يبدأ شبر نهاره بتحضير أ‬ ‫اللوان وخلطها ومن ثم التخطيط لتفاصيل‬ ‫ُّ‬ ‫اللوحة‪ .‬يحتسي «شايه» العراقي النكهة الذي ال يكتمل نهاره دونه‪ .‬فهو رفيقه‬ ‫الخبارية والموسيقى‪.‬‬ ‫حتى عندما يشر ُع بالرسم‪ .‬إضافة إلى النشرات إ‬ ‫الخبارية يقول‪:‬‬ ‫وعن ولعه واالرتباط الوثيق ما بين الرسم واالستماع للنشرات إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الخبارية وأنا أرسم‪ .‬المر الذي أثّر‬ ‫أحياناً كثيرة أفتح التلفاز لستمع للنشرات إ‬ ‫بطريقة غير مباشرة في أعمالي‪ .‬فقصص لوحاتي مستوحاة من مأساة العراق‪،‬‬ ‫ونشرة أ‬ ‫الخبار هي جزء من كيانها‪ .‬وهي من تحفزني على البدء بالرسم‪ .‬وللموسيقى‬ ‫حظ من طقوسي‪ ،‬أحب السمفونيات والمقامات العراقية‪.‬‬

‫ما بين محترف الوطن والغربة‬

‫«مرسمي في العراق يقع داخل منزلي‪ ،‬وهو عبارة عن غرفتين وصالة كبيرة‪،‬‬ ‫فالمساحة هناك أكبر‪ .‬هنا أحاول المقاربة ما بين محترفي في العراق ومحترفي‬ ‫الحالي»‪ ،‬يقول ُش ّبر الذي من الصعب أن يعتاد على مكان ويشعر فيه بالحميمية‬ ‫بسهولة‪.‬‬ ‫عم الخراب العراق بدءاً من العام ‪2003‬م وكان نصيب‬ ‫اضطراره للهجرة جاء بعد أن ّ‬ ‫الثقافة والفن كبيراً منه‪ ،‬فلم تعد للمحترفات ثقلها المطلوب‪ ،‬وحتى عدد مقتني‬ ‫العمال الفنية بدأ بالتناقص‪ ،‬أ‬ ‫ومتذوقي أ‬ ‫المر الذي دفع بكثير من الفنانين إلى الهجرة‪.‬‬ ‫محمود ُش ّبر فنان ال يعمل على اللوحات التزيينية‪ ،‬بل على ثيمة أساسها الجانب‬ ‫الفكري والتأثيث المعرفي الذي يطغى على الجانب الجمالي للّوحة‪ ،‬كما يعمل‬ ‫أيضاً على الجانب السردي الذي يخص الحياة اليومية المثقلة بالهموم التي تحتاج‬ ‫إلى توثيق لحقبة زمنية‪.‬‬


‫‪77 | 76‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫قرر الهجرة حين انعدم االهتمام بالفن‪ .‬فتوجه إلى دبي‪ ،‬ولكنه لم يشعر فيها‬ ‫أ‬ ‫باللفة‪ ،‬فكانت زيارته لبيروت التي أقام بها معرضه الشخصي عام ‪2011‬م‪ ،‬سبباً‬ ‫آ‬ ‫في قرار انتقاله الذي ُيعده موفقاً‪ .‬وعن هذا االختيار يقول‪« :‬الفاق هنا أوسع‬ ‫ومتذوقو الفن في كل مكان‪ .‬بيروت مدينة بال سقف‪ ،‬رحيمة‪ ،‬ال تحاسبك على‬ ‫تغص بالجمال والثقافة‪ ،‬مدينة ال‬ ‫لونك أو شكلك وإنما على إنسانيتك‪ .‬هي مدينة ُّ‬ ‫تهدأ وال تنام»‪.‬‬ ‫وعن تأثير بيروت على أعماله يؤكد أن البيئة‬ ‫والمناخ والطقس والحالة النفسية للفنان هي‬ ‫من أكثر أ‬ ‫المور التي تؤثر على مزاجه‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫أ‬ ‫«في العراق وسط زحمة الحداث المحبطة‬ ‫والموت المحيط بنا والدمار‪ ،‬وحيث العتمة‬ ‫طاغية على الضوء‪ .‬كانت أعمالي تنتج وكأنها‬ ‫لم تكتمل‪ .‬في بيروت خرجت أعمالي أمتن من‬ ‫ناحية عفويتها وعبثها وفوضويتها‪ .‬فطبيعة‬ ‫بيروت ببحرها وجبالها أ‬ ‫واللوان الزاهية التي‬ ‫تلون المدينة وكل ما فيها‪ ،‬انعكست على‬ ‫ِّ‬ ‫لوحاتي خاصة في «معرض حكايا» الذي بدأ‬ ‫هذا التأثر بالمدينة وما يحيط بها واضحاً»‪.‬‬ ‫ويضيف في السياق نفسه «مشاهداتي اليومية‬ ‫لشوارع بيروت وللمعارض التي حضرتها فيها‬ ‫أغنت تجربتي الفنية‪ ،‬بدأت أرى تقنيات‪،‬‬ ‫وأساليب مختلفة‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي أعطاني فسحة‬ ‫أكبر وسعة في الرؤية والتصور»‪.‬‬ ‫القاعدة أ‬ ‫الساسية التي ينطلق منها محمود ُش ّبر‬ ‫في أعماله وهويته الخاصة تتمثل في انتمائه‬ ‫للمدرسة التعبيرية‪ .‬فهو يرى أن الفن يكون‬ ‫أكثر تأثيراً ومخاطبة للوجدان من خاللها حيث‬ ‫الجانب الذاتي غير مقيد‪.‬‬

‫بصمة خاصة‬

‫يُعد الفنان محمود ُش ّبر من أوائل الفنانين‬ ‫العراقيين الذين وثَّقوا لمرحلة جيل كامل‪،‬‬ ‫وهو جيل الحرب منذ الثمانينيات وصوال ً إلى‬ ‫الوضع الحالي الذي يعيشه العراق‪ .‬وهنا‬ ‫تتركز بصمته الخاصة حيث اختزلت أعماله‬ ‫الذاكرة العراقية‪ .‬كما أنه واحد من الفنانين الذين أحالوا مفاهيم القبح إلى‬ ‫خطاب جمالي‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي لم يكن موجوداً إال من خالل بعض المحاوالت هنا‬ ‫وهناك في الفن التشكيلي العراقي‪ ،‬وهو ما اعتمده كسياق عام في أعماله‪.‬‬ ‫أما مرجعياته فهي لم تخضع ألحد‪ ،‬فحتى المدرسة التعبيرية التي يتبعها‬ ‫فإنه يتبعها بنهجه الخاص‪ ،‬حيث طغى عليها الموروث التاريخي لمدينة بابل‬ ‫والحقبة الزمنية الزاخرة بالحروب التي عاشها شخصياً‪ .‬ومما يُحسب له كبصمة‬ ‫أيضاً هو نقد الواقع والسخرية منه في أعماله‪ .‬وعن هذا الجانب يقول‪:‬‬ ‫في كإنسان وفنان‪ ،‬الواقع الذي يمكن‬ ‫«أعتمد صياغة الواقع بطريقة خاصة ّ‬ ‫أن يتراكم في مخيلتي وذاكرتي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬أحاول صياغة هذه التراكمات وفق‬ ‫مفاهيمي الخاصة»‪.‬‬ ‫هذا ما نقرأه في لوحة «المهرج» وغيرها من أ‬ ‫العمال التي صور فيها‬ ‫بعض القيادات التي توالت على العراق بالمهرجين‪ .‬وأيضاً في لوحة‬

‫«البسطار»‪ ،‬أي الحذاء العسكري‪ .‬وهنا يظهر اشتغاله على ثيمة الحرب‪،‬‬ ‫فهو من أوائل الفنانين الذين عملوا عليها بكل تفاصيلها‪ .‬حتى إن‬ ‫عناوين معارضه تشمل الجانب السردي الذي نراه في أ‬ ‫الختام البابلية‬ ‫والجداريات التي تروي كثيراً من قصص المدينة‪ .‬فلوحته شاشة سينمائية‬ ‫يضمنها لهذه التفاصيل التي من شأنها ملء مخيلة المتلقي أ‬ ‫بالفكار التي‬ ‫يريد إيصالها له‪.‬‬

‫الحنين إلى المكان أ‬ ‫الول‬

‫الحنين حالة تكاد تكون مستمرة عند محمود ُش ّبر وبحسرة حاول إخفاءها‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫«جذوري ال تزال هناك‪ ،‬أتمنى أن تعود الحياة في بغداد إلى سابق عهدها وتعود‬ ‫بغداد ِقبلة لجميع الفنانين والنخب المتذوقة للفن‪ .‬بغداد كانت محطة الحتراف‬ ‫الفنان‪ .‬محترفي ال يزال يحتضن لوحاتي وهو آ‬ ‫الن مقفل‪ ،‬أتمنى أن أعود لمكاني‬ ‫وأرضي ومحترفي»‪.‬‬


‫الفنان في سطور‪:‬‬

‫شبر ‪ -‬من مواليد عام ‪1965‬م في بابل‪ ،‬حاصل على دبلوم رسم‬ ‫محمود ّ‬ ‫من معهد الفنون الجميلة في بغداد عام ‪1985‬م‪ ،‬وبكالوريوس رسم‬ ‫‪1995‬م‪ ،‬وماجستير فنون تشكيلية ‪2006‬م‪ ،‬ودكتوراة فلسفة جماليات‬ ‫الفن ‪2013‬م‪.‬‬ ‫عضو جمعية التشكيليين العراقيين‪ ،‬وعضو نقابة الفنانين العراقيين‪،‬‬ ‫ومشارك بأغلب معارض الجمعية والنقابة بالعراق‪ :‬معرض ‪..1×5‬‬ ‫لخمسة فنانين ‪ /‬دمشق ‪1999‬م‪ ،‬معرض مشترك تراتيل بابلية ‪ /‬دبي ‪/‬‬ ‫مؤسسة العويس الثقافية ‪2013‬م‪ ،‬معرض رسالة سالم ‪ /‬إيطاليا ‪/‬جمعية‬ ‫فردريكو سكوندة ‪2012‬م‪ ،‬معرض مشترك بمناسبة افتتاح المركز الثقافي العراقي ‪/‬لبنان ‪2011 /‬م‪،‬‬ ‫حائز على الجائزة أ‬ ‫الولى لمهرجان الجامعات العالمي للفنون الجميلة ‪ /‬مصر‪ .‬ولعامين متتاليين‬ ‫‪ 2000‬و‪2001‬م‪.‬‬

‫المعارض الشخصية‬

‫• معرض جماليات ‪ /‬قاعة معهد الفنون الجميلة ‪ /‬بغداد ‪1985‬م‬ ‫• معرض مصفوفات متراكبة ‪ /‬صالة ود ‪2005 /‬م‬ ‫• معرض مذكرات رجل من مواليد ‪1965‬م ‪ /‬غاليري حوار ‪ /‬بغداد ‪2011‬م‬ ‫• معرض ذاكرة عراقية ‪ /‬جمعية الفنانين اللبنانيين للنحت والرسم ‪ /‬بيروت ‪2011‬م‬ ‫• معرض حكايا ‪ /‬فا غاليري ‪ /‬الكويت ‪2014‬م‬ ‫• سمبوزيوم تبادل ‪ /‬ساليرنو ‪ /‬إيطاليا ‪2013‬م‬ ‫• يعمل حالياً مديراً لصالة آرت سبيس حمرا غاليري في بيروت‬


‫‪79 | 78‬‬

‫بيت الرواية‬

‫َّ‬ ‫يتحدث‬ ‫كيليطو‬ ‫بالعربية‪..‬‬ ‫جميع اللغات!‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫كتاب «أتكلم جميع اللغات‪،‬‬ ‫لكن بالعربية» للباحث المغربي‬ ‫عبدالفتاح كيليطو‪ ،‬والذي ترجمه‬ ‫عن الفرنسية عبدالسالم بنعبد‬ ‫العالي‪ ،‬يضم بين دفتيه نصوصاً‬ ‫تقارب تلك العالقة الملتبسة بين‬ ‫لغة الضاد‪ ،‬واللغات أ‬ ‫الجنبية‬ ‫في الحياة اليومية وبين ضفاف‬ ‫الكتب‪ ،‬وتؤكد تأمالت كيليطو‬ ‫أ‬ ‫استحالة تحرر المرء من لغته الم‬ ‫أثناء تعامله مع لغات أخرى‪ ،‬مثلما يستحيل عليه أن يكون‬ ‫أحادي اللغة‪/‬اللسان‪ ،‬حتى لو كان يجيد لغة يتيمة‪.‬‬

‫ ‬

‫عن عالقته باللغة المحكية‪،‬‬ ‫يؤكد دكتور كيليطو أنه يتكلم‬ ‫الدارجة في حياته اليومية‪،‬‬ ‫ويقرأ الفصحى‪« .‬عودني‬ ‫التكوين الذي تلقيته على‬ ‫أال أقرأ إال النصوص التي كُ تبت بالفرنسية أو‬ ‫بالفصحى‪ .‬صحيح أن هناك أشعاراً وحكايات‬ ‫إلي مرتبطة‬ ‫وأمثاال ً بالدارجة‪ ،‬إال أنها تظل بالنسبة َّ‬ ‫أساساً بالشفوي‪ .‬عندما يحصل لي أن أقرأها‪،‬‬ ‫أحس بانطباع غريب‪ :‬فبسبب النقص في التعود‪،‬‬ ‫آخذ في تهجئتها كما لو كانت مكتوبة بلغة أجنبية‪.‬‬

‫هشام بنشاوي‬

‫بقدر ما يكون التكلم بالدارجة يسيراً‪ ،‬بقدر ما‬ ‫تكون قراءتها شاقة مملوءة بالفخاخ‪ .‬مما يدل‬ ‫على أن للغتين الفرنسية والفصحى نقطة مشتركة‬ ‫وهي كونهما لغتي التدوين‪ ،‬وبالتالي لغتي أ‬ ‫الدب‪.‬‬ ‫عن طريقهما تمكنت من االستمتاع بلذة قراءة‬ ‫النصوص أ‬ ‫الدبية»‪.‬‬ ‫ويشير عبدالفتاح كيليطو إلى أن اللغة أ‬ ‫الجنبية‬ ‫التي نتقنها ترفد لغتنا أ‬ ‫الم بعبارات أو مفردات‬ ‫أو صياغات نحوية حين ال تمنح ك ّتابنا نماذجها‬ ‫أ‬ ‫الدبية‪ ،‬وهو ما حصل في القرن التاسع عشر مع‬

‫أ‬ ‫الدب العربي الذي أنقذته عملية الترجمة‪ ،‬التي‬ ‫انطلقت آنذاك وساهمت في تجديده عبر إجباره‬ ‫على استيعاب أجناس أدبية جديدة وتب ّني أشكال‬ ‫كتابية لم تكن معروفة عندنا‪ ،‬في الوقت الذي‬ ‫كان فيه أدبنا العربي متعباً‪ ،‬خائر القوى‪ ،‬يحتضر‬ ‫في عزلة مضنية‪ ،‬ويستشهد بالشاعر أ‬ ‫اللماني غوته‬ ‫القائل‪« :‬ينتهي كل أدب بأن ّ‬ ‫يمل نفسه‪ ،‬ما لم‬ ‫ينعشه إسهام أجنبي»‪.‬‬ ‫ويسترسل الباحث المغربي في تأمالته الماتعة‪،‬‬ ‫ويتحدث عن المفكر الفرنسي جاك دريدا‪ ،‬الذي‬


‫يَ ُعده من بين الك َّتاب القالئل‪ ،‬إن لم يكن الكاتب‬ ‫«المغاربي» الوحيد الذي ال يكشف في كتابته أنه‬ ‫منحدر من خارج‪ ،‬من بلد بعيد عن «المركز»‪« :‬ال‬ ‫أظن‪ ،‬في هذه اللحظة وإلى أن يثبت العكس‪،‬‬ ‫أن بإمكان القارئ أن يكشف عن طريق القراءة‬ ‫أنني «فرنسي من الجزائر»‪ ،‬هذا إن لم أعلن أنا‬ ‫نفسي عن ذلك»‪ .‬ولكن‪ ،‬عند الحديث الشفهي‬ ‫ال يكون جاك دريدا بمثل هذا اليقين‪« :‬ال أعتقد‬ ‫أنني أضعت نبرتي‪ ،‬وأنني فقدت كل ما يميز لهجة‬ ‫«فرنسي الجزائر»‪ .‬يتجلى ذلك بحدة في بعض‬ ‫المواقف «اليومية» (عند الغضب أو الدهشة‬ ‫والتعجب‪ ،‬وهذا بين أعضاء أسرتي ومن آلفهم‪،‬‬ ‫فهو يتجلى أكثر في المجاالت الخصوصية أكثر‬ ‫مما يظهر في العمومية‪ ،‬وهذا معيار يمكن‬ ‫الثقة فيه لخوض تجربة هذا التمييز المتذبذب‬ ‫الغريب)»‪.‬‬

‫النطق بلغة أخرى‬

‫ويجزم صاحب «الكتابة والتناسخ» أنه مهما‬ ‫حاول أ‬ ‫الجنبي أن يعدل من حاله‪« ،‬ال بد وأن يقع‬ ‫في لحظة أو أخرى على الحرف الذي يعجز عن‬ ‫نطقه‪ ،‬بحيث يُفتضح أمره كأجنبي‪ .‬هل بإمكانه‬ ‫أن يتجنب استعماله؟ وهل ذلك في متناوله؟ في‬ ‫بعض الحاالت قد يصدق ذلك‪ ،‬شريطة إتقان‬ ‫أ‬ ‫التقان‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫اللغة الجنبية تمام إ‬ ‫التقان المفترض من شأنه أن‬ ‫ذلك‪ ،‬فحتى هذا إ‬ ‫أ‬ ‫يثير الشبهات ويفضح الصل‪ .‬فيما يخصني‪ ،‬فإن‬ ‫الحرف الذي يفضحني ويشي بي هو حرف الراء‪.‬‬ ‫لن أتمكن ق ّ‬ ‫ط من النطق بحرف الراء الباريسي‪،‬‬ ‫وال سبيل إلى االستغناء عنه‪ ،‬فهو موجود في كل‬ ‫كلمة‪ .‬لهذا طالما أعجبت بشخص كان يشكو من‬ ‫لثغة في الراء‪ :‬يتعلَّق أ‬ ‫المر بعالم الكالم المعتزلي‬ ‫واصل بن عطاء‪ .‬يعتقد عادة أن علماء الكالم‬ ‫أهل جدة وصرامة‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬إال أننا عندما‬ ‫نطلع على ترجماتهم‪ ،‬ندرك أن البعض منهم‬ ‫ال يفكر إال في التسلي (يصدق هذا أيضاً على‬ ‫النحاة‪ ،‬الذين يضاهون تالمذة صغاراً في ساحة‬ ‫مدرسة)‪ .‬لم يكن واصل إذاً‪ ،‬وهو من أصل غير‬ ‫عربي‪ ،‬لم يكن قادراً على النطق بحرف الراء‪ ،‬ولما‬ ‫تعب‪ ،‬كل مرة يفتح فيها فاه‪ ،‬من أن يكون محط‬ ‫سخرية من طرف أقرانه‪ ،‬تمكن من حل لمعضلته‬ ‫بأن أسقط من حديثه جميع الكلمات التي تشمل‬ ‫الحرف المشكلة‪ .‬لكي يتقن التكلم بلغة‪ ،‬كان عليه‬ ‫أن يفقرها‪ ،‬ويحرمها من مكون أساس ألبجديتها‬ ‫وألفاظها‪ .‬بهذه العملية‪ ،‬لم يُعد غريباً عن العربية‬ ‫أجنبياً عنها»‪.‬‬ ‫ويعد صاحب «من شرفة ابن رشد» أ‬ ‫الدب نسخة‬ ‫ُ‬ ‫من عقد االزدياد‪ ،‬وسجال ً للحالة المدنية‪ ،‬إذ‬ ‫ليس من الصدفة أن الروايات المغربية أ‬ ‫الولى‬

‫تتحدث عن الطفولة‪ ،‬معلنة ذلك أحياناً في‬ ‫أ‬ ‫عنوانها‪« :‬صندوق العجائب» (بالفرنسية) لحمد‬ ‫الصفريوي (‪« ،)1954‬في الطفولة» لعبدالمجيد‬ ‫بنجلون (‪ .)1957‬فالنصوص العربية القديمة ال‬ ‫تكاد تشير إلى الطفل‪ ،‬و«حي بن يقظان» استثناء‬ ‫نادر‪ .‬منذ ‪ ،1954‬أخذ المغاربة يكتبون بالدرجة‬ ‫أ‬ ‫الولى عن طفولتهم‪ ،‬عن مجيئهم إلى العالم‪.‬‬ ‫لم يوجد أدب مغربي إال منذ اليوم الذي قامت‬ ‫فيه أمنا‪« ،‬مجنونة المسكن» تلك‪ ،‬بوضعنا‬ ‫لليم‪ ،‬للمجهول‪ ،‬ألخطار‬ ‫في تابوت وتسليمنا ِّ‬ ‫المدرسة وفتنة تعلم لغة أخرى‪ ،‬لغات أخرى‪،‬‬ ‫لجزيرة تصدر فيها حيوانات غريبة وكائنات‬ ‫خرافية أصواتاً غير مألوفة‪ .‬دعونا أنفسنا عند تلك‬ ‫المخلوقات لتدارك تأخر ثقافي كان كل واحد‬ ‫منا واعياً له‪ ،‬انتقلنا إلى جزر بعيدة‪ :‬باريس‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬وعرضياً دمشق وبيروت‪ ،‬لنقلِّد بحذق‬ ‫ومهارة أصوات الكائنات التي تقطنها‪ .‬بحثنا عن‬ ‫أسرة بديلة‪ ،‬عن لغة كتابة‪ ،‬عن شمس‪ ،‬عن غزالة‬ ‫أو ظبية‪ .‬من هذه الزاوية‪ ،‬يبدو أ‬ ‫الدب المغربي‬ ‫كصدى وظل وانعكاس قمري‪.‬‬

‫هل تضفي ت‬ ‫ال�جمة قيمة؟‬

‫لن نغالي إن اعتبرنا التهميش صناعة عربية بامتياز‪،‬‬ ‫ويستشهد الباحث المغربي بحالة د‪ .‬عبد الله‬ ‫العروي‪ ،‬منوهاً باالعتبار المرتبط باللغة الفرنسية‬ ‫اليجابي الذي خلفه كتاب العروي‬ ‫والصدى إ‬ ‫عند مثقفين فرنسيين مشهورين‪ ،‬وهو ما يفسر‬ ‫االهتمام الكبير الذي أثاره في الشرق‪« .‬أن تمر عبر‬ ‫البعيد لتعرف القريب وتعترف به‪ :‬لعنة تثقل كاهل‬ ‫العرب منذ وقت طويل على ما يظهر‪ ،‬منذ أكثر‬ ‫من قرن‪ ،»..‬ثم يخلص إلى أنه في الظروف الحالية‬ ‫وبصفة عامة‪ ،‬ليس هناك حظ كبير للكتاب العربي‬ ‫أن ينقل إلى الفرنسية‪ .‬لكن‪ ،‬ال ينبغي أن يفوتنا أن‬ ‫الترجمة إلى لغة أوروبية تشكِّل حدثاً يستحق الذكر‬ ‫ويثير البهجة في العالم العربي‪ ،‬فيتم االحتفاء‬ ‫به‪ ،‬وتتحدث عنه الصحف والمجالت‪ ،‬وتعرض‬ ‫مترجم‪،‬‬ ‫صورة غالف للكتاب بافتخار ٍ‬ ‫وتباه‪« ...‬أنا َ‬ ‫فأنا إذن موجود»‪ .‬أمر ال يتصور في فرنسا أو‬ ‫الواليات المتحدة‪ ،‬حيث ال يولي أحد كبير أهمية‬ ‫للترجمة‪ ،‬وحيث ال تستمد المؤلفات قيمتها من‬ ‫نقلها إلى لغة أجنبية‪.‬‬

‫فهل هناك من يتصدى ت‬ ‫لل�جمة؟‬

‫عندما تغدو ثقافة أجنبية ثقافة مهيمنة‪ ،‬غالباً ما‬ ‫ينظر إليها على أنها نوع من التهديد‪ .‬فيتم السعي‬ ‫لتفادي ضررها‪ ،‬وفي أقصى أ‬ ‫الحوال تتم مقاومتها‬ ‫مقاومة منتظمة‪ .‬تمدنا أ‬ ‫الخبار الراهنة بأمثلة عديدة‬ ‫على موقف االنكماش هذا (يكفي استحضار موقف‬ ‫النابذين للغرب)‪ .‬أ‬ ‫المثلة على ذلك ذلك متوفرة‬ ‫أيضاً فيما مضى من أ‬ ‫الزمنة‪.‬‬

‫هذا النفور من الترجمة ال يالحظ فحسب عندما‬ ‫يتعلق أ‬ ‫المر بالنصوص الدينية‪ ،‬وإنما حتى‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بالنصوص الحكمية أو الدبية في بعض الحيان‪،‬‬ ‫ويتذكر كيليطو أن كتاب «كليلة ودمنة» كاد َّأل‬ ‫يترجم‪ ،‬بما أن رغبة مؤلفه‪ ،‬الفيلسوف الهندي‬ ‫بيدبا‪ ،‬كانت هي الوقوف ضد نقله خارج الهند‪،‬‬ ‫الصرار الذي أبان عنه الفرس للتعرف إليه‬ ‫ولوال إ‬ ‫وتملكه‪ ،‬لما صار واحداً من أكثر الكتب ترجمة في‬ ‫العالم‪ ...‬في معظم أ‬ ‫الحيان‪ ،‬يكون الوقوف ضد‬ ‫ذيوع الثقافة الخاصة في الوقت نفسه وقوفاً ضد‬ ‫ذيوع الثقافة أ‬ ‫الجنبية‪« .‬لن تقرأني‪ ،‬ولن أقرأك‪ .‬لن‬ ‫تترجمني‪ ،‬ولن أترجمك»‪.‬‬ ‫ويعد د‪ .‬عبدالفتاح أن أ‬ ‫الدب العربي إذا كان‬ ‫ُ‬ ‫يكتب اليوم على نحو مخالف‪ ،‬فذلك راجع إلى‬ ‫تغيير نمط القراءة‪ .‬فنحن اليوم نقرأ النصوص‬ ‫العربية وذهننا منصرف إلى النصوص أ‬ ‫الوروبية‪.‬‬ ‫ونحن ال نقارن بين َّندين‪ ،‬وإنما نقيس في كثير‬ ‫من أ‬ ‫الحيان تالمذة على معلمين‪ ،‬ويستشهد بقول‬ ‫إرنست رينان‪« : ‬العمل الذي لم يترجم‪ ،‬لم ينشر‬ ‫إال نصف نشر»‪.‬‬ ‫لالقتراب من ثيمة اللسان المشطور أو االزدواجية‬ ‫اللغوية‪ ،‬يقارب كيليطو إحدى روايات التونسي‬ ‫عبدالوهاب مؤدب معتبراً االزدواجية اللغوية‬ ‫هي أكثر التجليات حدة لتأمل البديل‪ ،‬وليس‬ ‫من قبيل الصدفة أن تظهر الحية في الرواية‪،‬‬ ‫ويستشهد بالجاحظ الذي يرى أن الحية تعيش‬ ‫عمراً طويالً‪ ،‬وتسكن جحر حيوانات أخرى‪ ،‬وتبدل‬ ‫جلدها‪ ،‬وفضال ً عن ذلك فهي ذات لسانين‪« .‬هذه‬ ‫الخاصية أ‬ ‫الخيرة هي العقاب الذي تلقته لكونها‬ ‫أغرت آدم وحواء‪ .‬أتكون االزدواجية إذن لعنة؟»‪،‬‬ ‫وينوه بالغنى االستثنائي للكتاب‪ ،‬وهو ينظر إلى‬ ‫الثقافة العربية بموازاة مع سلسلة من الثقافات‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ ،‬ويُعد هذا الكتاب كيليطو أول من‬ ‫سعى ‪ ،‬ضمن ما يعرف أ‬ ‫المعبر‬ ‫بالدب المغاربي‬ ‫َّ‬ ‫عنه بالفرنسية‪ .‬ذلك السعي الجريء‪ ،‬بعيداً‬ ‫عن مقولة االستالب الثقافي المبتذلة‪ ،‬ويحلم‬ ‫موجه إلى العرب كي‬ ‫بكائن كوني‪ ،‬وهو نداء َّ‬ ‫يتجاوزوا «الجهل بالتركيب الذي حققته حقبتهم‬ ‫الكالسيكية»‪ ،‬مواصال ً بذلك الطموح العميق‬ ‫للجاحظ والتوحيدي والغزالي وابن رشد‪ ،‬وهو‬ ‫منبهر باللقاءات المتعددة الالمتوقعة‪ ،‬باستعارة‬ ‫ملتقى الطرق‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪81 | 80‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫َّ‬ ‫النص وقارئه‪:‬‬ ‫تعليقات حول‬ ‫مفهوم التلقي‬ ‫بقلم‬ ‫رشيد الخديري‬ ‫البداعي بمحطات متشعبة‬ ‫يمر النص إ‬ ‫غالباً ما ف ُّ‬ ‫والبداع بوصفه‬ ‫ليصل ي� النهاية إىل القارئ‪ ،‬إ‬ ‫عملية كيميائية مركبة يحتاج إىل قراءة فاحصة‪،‬‬ ‫متأنية ت‬ ‫ح� نتمكن من إيالئه ما يستحق من‬ ‫ف‬ ‫تتبع وتأويل‪ ،‬فالقارئ راهناً‪ ،‬لم يعد محايداً بل مشاركاً ي� العمل‬ ‫البداعي‪ ،‬ن‬ ‫ونع� بذلك «القارئ ف ي� النص»‪ ،‬وليس «قارئ النص»‪ ،‬ثمةَ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫فرق شاسع بينهما‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تتضمن منهجاً‬ ‫تقودنا معادلة القراءات العاشقة والمقاربات ي‬ ‫أكاديمياً‪ ،‬علمياً رصيناً‪ ،‬إىل التمثالت الجمالية والداللية والمعجمية‬ ‫البداعي‪ .‬من المؤكد‪ ،‬أن ممكنات النقد بتعدد أوجهها وأنساقها‬ ‫للنص إ‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫«تغتال» بشكل مبا� خصوصية النص‪ ،‬بمع� آخر‪ ،‬هناك «تشويه»‬ ‫لجمالية النص وهدم لهويته أ‬ ‫الوىل‪ ،‬لكن ال مناص ف ي� ظل هذه‬ ‫البداعي أن يتحرك معول النقد وتتحرك معه‬ ‫المخاضات‬ ‫العس�ة للنص إ‬ ‫ي‬ ‫تلك المياه الراكدة ت‬ ‫ال� يخلفها أي نص إبداعي مهما كان جنسه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ب� به عربياً الناقد عبدهللا‬ ‫نحن هنا نتحدث عن «النقد‬ ‫الثقا�» كما ش َّ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ويأ� بديال ً لفشل المناهج النقدية الجديدة ي� قراءة النص‬ ‫الغذامي‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الك�ى‬ ‫«النقد‬ ‫أن‬ ‫صحيح‪،‬‬ ‫د�‪.‬‬ ‫الثقا�» جاء ي� سياق التحوالت ب‬ ‫ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫د�‪ ،‬ورفع راية «العصيان» ي� وجه البنيوية‬ ‫والمتسارعة للنص ال ب ي‬ ‫ف‬ ‫يمكن‬ ‫والتفكيكية ي‬ ‫وغ�هما ي� استجالء سمات النص ومرجآته‪ ،‬هل ُ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫د� نقدياً؟ وهل يمكنه أن يغطي‬ ‫للنقد‬ ‫الثقا� أن يلم شتات النص ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫ثغرات هذه المناهج المستحدثة؟ وكيف يمكننا استنباته ف ي� تربة عربية‬ ‫ت ث‬ ‫العر�؟ ثم‪ ،‬ما هي درجات‬ ‫ُّ‬ ‫تعد النقد ال� يا� «توقيعاً شخصياً» أللنقد ب ي‬ ‫ف‬ ‫الثقا�‪،‬‬ ‫النقد‬ ‫عىل‬ ‫تكاز‬ ‫ر‬ ‫باال‬ ‫د�‬ ‫ال‬ ‫النص‬ ‫مع‬ ‫المتلقي‬ ‫‪/‬‬ ‫القارئ‬ ‫تفاعل‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وغ�ها ن‬ ‫تنب� عىل «نية» مبيتة ف ي� فهم أساسات‬ ‫التكامل؟ هذه السئلة ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫هذا ت‬ ‫المق�ح النقدي الجديد‪ ،‬وإن كان السابق ألوانه إصدار «أحكام‬ ‫مسبقة» حول هذا التوجه النقدي الجديد‪ ،‬لكن‪ ،‬إبداالته النقدية‬ ‫والنصية ب ئ‬ ‫تن� بـ «موت» النظريات النقدية الغربية‪ ،‬ألنها لم تعد قادرة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� يعرفها‬ ‫عىل استيعاب مرجآت النص وأوفاقه‪ ،‬ي� ظل تلك ي‬ ‫الس�ورة ي‬ ‫البداعي‪.‬‬ ‫النهر إ‬

‫ف‬ ‫الثقا� يرتبط ضمنياً بالقارئ ‪ /‬المتلقي بوصفه فاعال ً أساسياً‬ ‫النقد‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫البداعي‪ ،‬ال بد له تراكمات معرفية وثقافية تعينه عىل‬ ‫ي� العمل إ‬ ‫مخ�اً عنه‪ ،‬وال يتوقف‬ ‫تلمس طريق النص ويصبح‬ ‫خب�اً فيه ب‬ ‫بالتال ي‬ ‫ي‬ ‫عىل نسج أ‬ ‫السئلة حول مداراته المختلفة‪ ،‬بدال ً من أن يبقى قارئاً‬ ‫ف‬ ‫مخت� الكتابة وأو ِل َّياتها‬ ‫وغ� قادر عىل االنخراط ي� ب‬ ‫«مستهلكاً»‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫التفاعل يب� المؤلف والقارئ‬ ‫السحيقة‪ ،‬وال بد ي� هذا السياق‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يز‬ ‫التمي�‬ ‫وتوحد لدرجة يصعب معها‬ ‫أن يتبادال الدوار ي� انصهار ُّ‬ ‫بينهما‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الس�ورة‪ ،‬وتتحقق معه‬ ‫إن وجود القارئ ي� النص هو الذي يحقق ي‬ ‫تلك التفاعلية ي ن‬ ‫ب� ف ي� تلقي النص تلقياً جمالياً وداللياً ومعرفياً‪ ،‬وهذه‬ ‫ككتلة‪ ،‬بل تشكل عىل امتداد حاله‬ ‫التحققات النصية ال تلغي النص ٍ‬ ‫ومآله فعل القراءة‪ ،‬بما يستضمره من إمكانات للتأويل والنقد‪ ،‬ن‬ ‫وظ�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أن هذه العملية التفاعلية ي ن‬ ‫ب� كاتب النص وقارئه‪ ،‬تخوض ف ي� مجهول‬ ‫الكتابة ومعلومها‪ ،‬بما فيه فتح قنوات للتهوية‪ ،‬بعيداً عن استغالقات‬ ‫النص ومرجآته‪.‬‬ ‫ت‬ ‫االس�سال ف ي� القراءة‪ ،‬وتقليب النص عىل وجوه عدة‪ ،‬أمر جوهري‬ ‫ف‬ ‫كنوع من استعادة حصة القارئ ي� الكتابة‪ ،‬صحيح‪ ،‬أن عملية‬ ‫ي‬ ‫ومفصل ٍ‬ ‫ف‬ ‫الكتابة ف ي� مجملها‪ ،‬ال تستدعي القارئ ي� راهنية الكتابة‪ ،‬وليست هناك‬ ‫ت ض‬ ‫ا�‪ ،‬لكن ال بد‬ ‫تمثالت حدسية وذهنية لوجوده المحتمل أو االف� ي‬ ‫من وجود «ميثاق معنوي» لدى الكاتب بوجود قارئ ينتظر هناك عند‬ ‫الضفة أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫ن‬ ‫أحسب� مغالياً‪ ،‬إن قلت إن التصورات المغلوطة حول القارئ لم‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫البداعية‪،‬‬ ‫تعد مقبولة اليوم‪ ،‬بل حضوره بوعي أو بدونه ي� العملية إ‬ ‫ين‬ ‫بجناح�‪ :‬جناح الكاتب‪،‬‬ ‫تكامل‬ ‫ض�ورة ُم ِلحة ف ي� أفق إنتاج نص‬ ‫ي‬ ‫المنتج‪ ،‬المؤلف لخيوط النص‪ ،‬ثم جناح‪ ،‬المتلقي‪ ،‬القارئ‪ ،‬المفتت‪،‬‬ ‫الستشكاالت النص‪ ،‬وصفوة القول‪ ،‬إن قارئ النص يتحول إىل قارئ ف ي�‬ ‫ف‬ ‫البداعية‪ ،‬وال مناص من استحضاره ف ي� كل‬ ‫النص‪،‬‬ ‫مشارك ي� العملية إ‬ ‫ٍ‬ ‫إقبال عىل الكتابة‪.‬‬


‫تقرير القافلة‬

‫التوسعة السعودية الثالثة‬ ‫للحرم المكي الشريف‬


‫‪83 | 82‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫مساحة‪:‬‬ ‫ت‬ ‫مليون م� مربع‬

‫‪ٍّ 3,000,000‬‬ ‫مصل‬ ‫الكعبة‬

‫‪ 105,000‬طائف‬ ‫في شهر يوليو من العام الجاري‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫دشن خادم الحرمين الشريفين الملك‬ ‫سلمان بن عبدالعزيز خمسة مشاريع‬ ‫من ضمن المشاريع المختلفة التي‬ ‫َّ‬ ‫تتضمنها التوسعة السعودية الثالثة للحرم‬ ‫المكي‪ ،‬ويتوقع انتهاؤها بالكامل في نهاية العام‬ ‫الجاري ‪1436‬هـ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫عرض ألعمال هذه التوسعة‬ ‫في هذا التقرير‬ ‫التي بدأت مرحلتها األولى عام ‪1434‬هـ‪ ،‬وتصل‬ ‫مساحتها اإلجمالية إلى نحو مليون متر مربع‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قادرا على استيعاب ثالثة‬ ‫لتجعل المسجد الحرام‬ ‫ٍّ‬ ‫ِّ‬ ‫وتسهل الطواف لـ ‪ 105‬آالف طائف‬ ‫مصل‪،‬‬ ‫ماليين‬ ‫حول الكعبة الشريفة في الساعة‪ .‬كما يعرج التقرير‬ ‫على التوسعتين السعوديتين السابقتين‪ ،‬اللتين‬ ‫تشكالن األسس التي قامت عليها التوسعة‬ ‫الحالية‪.‬‬ ‫د‪ .‬زيد بن علي الفضيل‬

‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف� الملك عبدهللا‬ ‫ف ي� عام ‪1434‬هـ‪ ،‬وبنا ًء عىل أمر من خادم‬ ‫ابن عبدالعزيز‪ ،‬يرحمه هللا‪ ،‬انطلقت أعمال ش‬ ‫المك‬ ‫م�وع توسعة الحرم ي‬ ‫ش‬ ‫ال�يف‪ ،‬ليشارف اليوم عىل االنتهاء بالكامل بعدما وصل إىل مرحلة‬ ‫التشطيبات النهائية‪ .‬ش‬ ‫والم�وع الذي بات يعرف باسم «التوسعة السعودية‬ ‫الثالثة»‪ ،‬هو أ‬ ‫ف‬ ‫ال بك� تاريخياً‪ ،‬ويتناول تطوير الحرم ي� مختلف النواحي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫العمرانية والفنية والمنية‪ ،‬انطالقاً من ت ز‬ ‫ال�ايد المستمر ي� أعداد زوار بيت‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫هللا الحرام‪ ،‬ت ز‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف� ورعاية ضيوف الرحمن‬ ‫وال�اماً بنهج إيالء‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المسلم� منذ عرص‬ ‫الالزم�‪ ،‬الذي شغل والة أمر‬ ‫االهتمام والعناية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫الخلفاء الراشدين‪ ،‬وح� اليوم‪ ،‬وبشكل خاص منذ توحيد المملكة عىل يد‬ ‫الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود‪ ،‬يرحمه هللا‪.‬‬ ‫فقد أسس الملك عبدالعزيز ‪ -‬يرحمه هللا ‪ -‬قاعدة رئيسة ش‬ ‫م� عليها كل‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫كب� عنايته واهتمامه‪،‬‬ ‫حكام المملكة من بعده‪ ،‬حيث أوىل‬ ‫يف� ي‬ ‫وكان حريصاً كل الحرص عىل راحة ضيوف الرحمن من حجاج بيت هللا وزوار‬ ‫مسجد نبيه ‪ -‬صىل هللا عليه وسلم ‪ ،-‬حيث أصدر توجيهه الرصيح ف ي� حينه‬ ‫إىل مجلس الشورى‪ ،‬آنذاك‪ ،‬يأمره بتكوين لجنة خاصة تعمل عىل‪:‬‬ ‫ف‬ ‫«العناية بشأن الحج والحجاج ألن السعي لخدمة مصالح الحجاج ي� هذه‬ ‫البالد المقدسة من أسباب القرب إىل هللا‪ ،‬إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬ومن الواجب‬ ‫لمصلحة هذه البالد العناية بهم‪ ،‬والسهر عىل راحتهم»‪.‬‬ ‫المك ش‬ ‫ال�يف ِّ‬ ‫بجل اهتمامه منذ‬ ‫ولهذا‬ ‫الغرض السامي حظي الحرم ي‬ ‫أ‬ ‫اللحظة الوىل لدخوله إىل الحجاز عام ‪1344‬هـ‪ ،‬حيث أصدر أمره بعمل‬ ‫ت‬ ‫والصالحات الالزمة لجدرانه‪ ،‬وأعمدته‪ ،‬وممراته‪ ،‬وحاشية مطافه‪،‬‬ ‫ال�ميمات إ‬ ‫أ‬ ‫ومنائره‪ .‬واهتم براحة ضيوف بيت هللا وحمايتهم من الذى‪ ،‬فكان أول من‬ ‫ف‬ ‫يل الساحات الداخلية للمسجد من‬ ‫نصب المظالت ي� نهاية كل رواق‪ ،‬مما ي‬


‫أسس الملك عبدالعزيز بأعماله قاعدة‬ ‫لمن بعده من الملوك من أبنائه‪ ،‬الذين‬ ‫ساروا على نهجه‪ ،‬فاهتموا برعاية‬ ‫الحرمين الشريفين‪،‬‬ ‫الجهات أ‬ ‫الربع‪ ،‬ت‬ ‫ح� يحتمي تحتها المصلون من حر الشمس‪ ،‬حيث ُعملت‬ ‫أ‬ ‫من الخشب الجاوي‪ ،‬وكُسيت بالقماش ي ن‬ ‫الثخ� البيض‪.‬‬ ‫كما أصلح ف ي� عهده مظلة مقام سيدنا إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وقبة زمزم‪،‬‬ ‫وشاذروان الكعبة المعظمة‪ .‬وكان كذلك أول من رصف أرض المسعى‬ ‫أ‬ ‫بالبالط الحجري المربع‪ ،‬بعد أن ن‬ ‫عا� الحجاج لقرون طويلة من أثر التربة‬ ‫والغبار‪ ،‬وظلل منطقة المسعى من الصفا إىل المروة‪ ،‬وزاد عىل ذلك أنه كان‬ ‫أول من توسع ف ي� إضاءة المسجد الحرام‪ ،‬حيث أمر ‪ -‬يرحمه هللا ‪ -‬ف ي� عام‬ ‫‪1346‬هـ تب�كيب ماكينة الكهرباء الجديدة وتركيب مصابيح كهربائية حديثة‪.‬‬ ‫وبذلك أسس الملك عبدالعزيز بأعماله قاعدة لمن بعده من الملوك من‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف�‪ ،‬وكان‬ ‫أبنائه‪ ،‬الذين ساروا عىل نهجه‪ ،‬فاهتموا برعاية‬ ‫ف‬ ‫أك� توسعة لهما ي� التاريخ‬ ‫المك والمسجد النبوي ب‬ ‫بذلك أن عاش الحرم ي‬ ‫عىل عهد كل من الملك سعود ثم الملك فيصل ثم الملك خالد ثم الملك‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫للحرم� ش‬ ‫يف� إجماالً‪ ،‬وصوال ً إىل‬ ‫فهد الذي م َّثلت توسعته نقلة نوعية‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف� الملك عبدهللا بن عبدالعزيز‪ ،‬يرحمه هللا‪،‬‬ ‫عهد خادم‬ ‫ش‬ ‫المك ال�يف‪ ،‬واستمر‬ ‫فالذي أسس للتوسعة الحالية وهي الثالثة للحرم ي‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف� الملك سلمان بن‬ ‫ي� السهر عىل ُحسن تنفيذها خادم‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬يحفظه هللا‪.‬‬

‫التوسعة السعودية الثالثة‬

‫المك ش‬ ‫يتضمن ش‬ ‫ال�يف‬ ‫َّ‬ ‫الم�وع الشامل للتوسعة السعودية الثالثة للحرم ي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫التال‪:‬‬ ‫اث� ع� ّ‬ ‫مكوناً رئيساً عىل النحو ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫توسعة المب� الرئيس للمسجد الحرام‬ ‫توسعة المسعى‬ ‫توسعة المطاف‬ ‫توسعة الساحات الخارجية وزيادة عدد الجسور‬ ‫زيادة عدد المساطب‬

‫ن‬ ‫مبا� الخدمات المركزية ونفق الخدمات‬ ‫إنشاء مجمع أ ي‬ ‫ن‬ ‫المبا� المنية‬ ‫إنشاء‬ ‫ي‬ ‫إنشاء مستشفى مركزي‬ ‫عمل عدد من أنفاق المشاة‬ ‫إنشاء محطات النقل والجسور المؤدية إىل الحرم‬ ‫عمل الطريق الدائري أ‬ ‫الول المحيط بمنطقة المسجد الحرام‬ ‫االنتهاء من أعمال البنية التحتية وتشمل محطات الكهرباء وخزانات المياه‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف� الملك سلمان بن عبدالعزيز ف ي� ليلة‬ ‫دشن خادم‬ ‫وقد َّ‬ ‫‪ 25‬من شهر رمضان المبارك من عام ‪1436‬هـ خمسة مشاريع رئيسة ضمن‬ ‫ش‬ ‫الم�وع الشامل للتوسعة‪ ،‬الذي شت�ف عىل تنفيذه وزارة المالية‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫م�وع مب� التوسعة الرئيس‬ ‫ش‬ ‫م�وع الساحات‬ ‫ش‬ ‫م�وع أنفاق المشاة‬ ‫ش‬ ‫م�وع محطة الخدمات المركزية للحرم‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫م�وع الطريق الدائري الول‬ ‫ن‬ ‫مليو�‬ ‫لحوال‬ ‫المك‪ ،‬ليتسع‬ ‫ي‬ ‫وهكذا‪ ،‬فقد استهدفت هذه التوسعة الحرم ي‬ ‫ي‬ ‫ٍّ‬ ‫مصل‪ ،‬كما اهتمت بزيادة مساحات الساحات الخارجية وتظليلها بـ ‪250‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الكا� من دورات المياه والممرات والنفاق‬ ‫مظلة‪ ،‬مع أاحتوائها عىل العدد ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تعمل عىل انسيابية الحركة ي� دخول‬ ‫والمرافق الخرى المساندة‪ ،‬ي‬ ‫ين‬ ‫المصل� وخروجهم‪.‬‬ ‫وشملت التوسعة أيضاً منطقة الخدمات والتكييف ومحطات الكهرباء‬ ‫وغ�ها‪ .‬وبذلك فمن ت‬ ‫المف�ض أن تغطي أعمال التوسعة‬ ‫ومحطات المياه ي‬ ‫ش‬ ‫مساحة ‪ 750,000‬تم� مربع‪ .‬كما يشتمل الم�وع عىل توسعة ساحات الحرم‬ ‫من جهة الشامية‪ ،‬ابتدا ًء من باب المروة وانتها ًء بحارة الباب وجبل هندي‬ ‫من جهة الشامية‪ ،‬وعند طلعة الحفائر من جهة باب الملك فهد‪.‬‬ ‫تقدم‪ ،‬تشمل هذه التوسعة زيادة مساحة صحن المطاف‪.‬‬ ‫وإضافة إىل ما َّ‬ ‫ن‬ ‫العثما�‪ ،‬وتوسيع الحرم من الجهات الثالث وقوفاً عند‬ ‫البناء‬ ‫فقد تم هدم‬ ‫ي‬

‫جرس المطاف‬ ‫الكعبة‬

‫ن‬ ‫الثا�‬ ‫الطريق الدائري ي‬ ‫الطريق الدائري أ‬ ‫الول‬

‫عمل الطريق الدائري أ‬ ‫الول المحيط‬ ‫بمنطقة المسجد الحرام‬


‫‪85 | 84‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫تظليل المساحات الخارجية بـ ‪250‬‬

‫المسعى‪ ،‬الذي زيد عرضه ليبلغ ‪ 40‬تم�اً‪ .‬ويقوم ش‬ ‫الم�وع عىل إعادة ترتيب‬ ‫أ‬ ‫الحرم القديم والتوسعة السعودية أ‬ ‫ش‬ ‫ليتما� مع توزيع العمدة‬ ‫الوىل‪،‬‬ ‫أ ض‬ ‫ت‬ ‫ر�‬ ‫المق�ح لتوسعة‬ ‫المطاف‪ ،‬وذلك بتخفيض عدد أعمدة الدور أال ي‬ ‫والبدروم بنسبة ‪ 30‬ف ي� المائة‪ ،‬وتخفيض عدد أعمدة الدور الول بنسبة ‪75‬‬ ‫ف ي� المائة‪ ،‬ليكون‬ ‫إجمال تخفيض عدد أعمدة الحرم بنسبة ‪ 44‬ف ي� المائة‪ ،‬وهو‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الطائف� شعوراً واضحاً بالسعة والراحة أثناء تأدية الطواف‪.‬‬ ‫ما يمنح‬ ‫كما يتضمن ش‬ ‫الم�وع إعادة إنشاء الحرم القديم والتوسعة السعودية‬ ‫أ‬ ‫الوىل وتوسعة المنطقة المحاذية للمسعى لتصبح بعرض ‪ 50‬تم�اً بدال ً من‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� كان يواجهها الطائفون ف ي�‬ ‫‪ 20‬م�اً‪ ،‬وبذلك يتم حل مشكلة االختناق ي‬ ‫تلك المنطقة‪.‬‬ ‫الم�وع إعادة تأهيل المنطقة ي ن‬ ‫ويتضمن ش‬ ‫الحال والتوسعة‬ ‫ب� الحرم‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫السعودية الثالثة مع إنشاء جسور للربط بينهما ي� مناسيب الدور الول‬ ‫الحال ف ي� مناسيب الحرم‪،‬‬ ‫والسطح‪ .‬وقد روعي ف ي� التصميم االختالف‬ ‫ي‬ ‫وصحن المطاف‪ ،‬وذلك بتخفيض منسوب الحرم القديم ليصبح بمنسوب‬ ‫ش‬ ‫المبا� لبدروم التوسعة الثانية‪ ،‬وكذلك‬ ‫صحن المطاف‪ ،‬وتحقيق االرتباط‬ ‫المسعى ليصبح بكامل عرض ن‬ ‫المب� الجديد‪ ،‬مما يحقق االرتباط واالتصال‬ ‫البرصي بالكعبة ش‬ ‫الم�فة‪.‬‬ ‫الرث التاريخي لعمارة الحرم ش‬ ‫ال�يف فقد اهتم القائمون‬ ‫وللحفاظ عىل إ‬ ‫بأعمال التوثيق بكافة أشكاله باستخدام أحدث التقنيات لتوثيق أدق‬ ‫التفاصيل‪ ،‬تمهيداً لعادة بناء أ‬ ‫الروقة القديمة‪ ،‬باستخدام العنارص‬ ‫إ‬ ‫المعمارية التاريخية نفسها بشكل يتناسب مع التخطيط الجديد‪.‬‬

‫مراحله الثالث‬

‫ونظراً لضخامته‪ ،‬تم تنفيذ ش‬ ‫الم�وع عىل ثالث مراحل خالل سنوات ثالث‪.‬‬ ‫أ‬ ‫حيث بدأ العمل ف ي� شهر محرم من عام ‪1434‬هـ بإزالة الجزء الول من‬ ‫ن‬ ‫النشاء لهذه المرحلة‪ ،‬وهو ما أدى إىل انخفاض‬ ‫المبا� وتنفيذ أعمال إ‬ ‫ي‬

‫التوسعة الحالية استهدفت تعلية أدوار‬ ‫الحرم المكي لتصبح أربعة أدوار بالتوازي مع‬ ‫مسطحات المسعى كذلك‪..‬‬

‫مظلة‬

‫تغطي أعمال‬ ‫حوال‬ ‫التوسعة ي‬ ‫‪ 750,000‬تم�‬ ‫مربع‬

‫ملحوظ بالطاقة االستيعابية للمطاف من ‪ 48‬ألفاً‪ ،‬إىل ‪ 22‬ألف طائف ف ي�‬ ‫الساعة‪ .‬ولحل هذا أ‬ ‫المر‪ ،‬ش ئ‬ ‫أن� جرس الطواف المؤقت بعرض ‪ 12‬تم�اً‪،‬‬ ‫ين‬ ‫الطائف� ف ي� الحرم إىل ‪ 35‬ألف طائف ف ي�‬ ‫تل�تفع الطاقة االستيعابية لعدد‬ ‫أ‬ ‫الساعة‪ .‬وشمل ش‬ ‫الم�وع تركيب الجسور الرابطة للدور الول للمسجد‬ ‫ين‬ ‫مدخل�‪ ،‬رئيس وفرعي‪ ،‬إضافة‬ ‫الحرام بصحن الطواف المعلَّق‪ ،‬المكون من‬ ‫إىل مخرج طوارئ يُستخدم عند الحاجة‪ ،‬ويحتوي عىل مخارج ش‬ ‫مبا�ة إىل‬ ‫البوابات ف� اتجاه باب الملك عبدالعزيز وباب العمرة‪ ،‬أ‬ ‫والخرى تؤدي ش‬ ‫مبا�ة‬ ‫ي‬ ‫إىل ساحة المسعى‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المبا�‬ ‫الثا� من‬ ‫ي‬ ‫ومع ابتداء العام ‪1435‬هـ‪ ،‬استؤنف العمل بإزالة الجزء ي‬ ‫وانتقال حركة الطواف إىل الجزء المتاح من الصحن والمطاف المؤقت‬ ‫أ‬ ‫بدوريه أ‬ ‫الول ن‬ ‫النشائية للمرحلة الثانية‬ ‫والثا�‪ ،‬وابتدأت معها العمال إ‬ ‫ي‬ ‫السوار العازلة لمنطقة العمل مع البقاء عىل بعض أ‬ ‫بعد تركيب أ‬ ‫السوار‬ ‫إ‬ ‫الجزئية للمرحلة أ‬ ‫ئ‬ ‫النها� ت‬ ‫ح� نهاية شهر شعبان‬ ‫الوىل ألغراض التشطيب‬ ‫ي‬ ‫من هذا العام ‪1436‬هـ‪ .‬بحيث ال ينتهي العام الجاري إال وتكون كافة‬ ‫أ‬ ‫السوار المؤقتة قد أزيلت مع المطاف المؤقت‪ .‬وبذلك يكتمل رفع الطاقة‬ ‫الطائف� ف� ن‬ ‫ن‬ ‫المب� بدون الطواف المؤقت‬ ‫االستيعابية للمطاف ليصبح عدد‬ ‫ي ي‬ ‫حوال ‪ 105‬آالف طائف ف ي� الساعة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المك‬ ‫تجدر إالشارة إىل أن التوسعة الحالية استهدفت تعلية أدوار الحرم ي‬ ‫لتصبح أربعة أدوار بالتوازي مع مسطحات المسعى كذلك‪ .‬وهكذا فمع االنتهاء‬ ‫من أعمال التوسعة الحالية يكون بمقدور الحرم استيعاب ث‬ ‫أك� من ثالثة ي ن‬ ‫مالي�‬ ‫ين‬ ‫ٍّ‬ ‫متمتع� بمنظومة‬ ‫مصل‪ ،‬و‪ 105‬آالف طائف حول الكعبة ف ي� الساعة الواحدة‪.‬‬ ‫متكاملة من عنارص الحركة الرأسية‪ ،‬حيث تشمل التوسعة الثالثة ساللم متحركة‬ ‫توف�‬ ‫معاي� االستدامة‪ ،‬من خالل ي‬ ‫وثابتة ومصاعد متطورة‪ ،‬روعيت فيها أدق ي‬ ‫استهالك الطاقة والموارد الطبيعية‪ ،‬كذلك اعتماد أفضل أنظمة التكييف‬ ‫والضاءة‪ .‬كما عملت عىل تهيئة الساحة الخارجية الواقعة ي ن‬ ‫ب� باب الفتح‬ ‫إ‬ ‫ش‬ ‫وباب العمرة لتنفيذ البنية التحتية والخدمات لصالح الم�وع ليكون امتداداً‬ ‫للتوسعة واتصالها مع الجهة الشمالية للمسجد الحرام‪.‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬فقد حوى ش‬ ‫الم�وع أنظمة متطورة‪ ،‬كنظام الصوت‪ ،‬حيث‬ ‫إجمال عدد سماعات الحرم قرابة ‪ 4524‬سماعة‪ ،‬كذلك نظام إنذار‬ ‫بلغ‬ ‫ي‬ ‫الكام�ات قرابة ‪6635‬‬ ‫كام�ات المراقبة حيث بلغ‬ ‫إجمال عدد ي‬ ‫الحريق ونظام ي‬ ‫ي‬


‫الطول للمسعى‬ ‫القطاع‬ ‫ي‬

‫زيادة عرض المسعى‬ ‫إىل ‪ 40‬تم�اً‬

‫وغ� ذلك‪.‬‬ ‫كام�ا‪ ،‬عالوة عىل أنظمة النظافة كنظام شفط الغبار المركزي‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫كب�ة من مشارب زمزم ضمن منظومة عمل‬ ‫مجموعة‬ ‫الحرم‬ ‫مب�‬ ‫حوى‬ ‫كما‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫الم�دة قرابة ‪ 2528‬م�بية‪.‬‬ ‫دقيقة‪ ،‬حيث بلغ عدد مشارب مياه زمزم ب‬

‫التوسعتان أالسعوديتان السابقتان‬ ‫التوسعة الوىل‬ ‫أ‬

‫المك ش‬ ‫ال�يف قد مرت بأربع‬ ‫الشارة إىل أن‬ ‫تجدر إ‬ ‫التوسعة الوىل للحرم ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫مراحل متتالية‪ ،‬كانت الوىل يب� عامي ‪ 1375‬و‪1381‬هـ‪ ،‬وشملت بناء المسعى‬ ‫بطابقيه‪ ،‬بعرض ‪ 20‬تم�اً وارتفاع ‪ 12‬تم�اً للطابق أ‬ ‫الول‪ ،‬و‪ 9‬أمتار للطابق‬ ‫الثا�‪ .‬وجعل للطابق أ‬ ‫ن‬ ‫الول من المسعى ثمانية أبواب عىل الواجهة ش‬ ‫ال�قية‬ ‫ي‬ ‫للشارع العام للدخول منها إىل المسجد الحرام‪ ،‬وجعل للطبقة الثانية منه‬ ‫مدخالن من خارج الحرم‪ ،‬أحدهما عند الصفا‪ ،‬آ‬ ‫والخر عند المروة‪ ،‬كما جعل‬ ‫لهما مصعدان‪ ،‬أحدهما عند باب السالم آ‬ ‫والخر عند باب الصفا‪.‬‬ ‫أما المرحلة الثانية فقد كانت ي ن‬ ‫ب� عامي ‪ 1381‬و‪1389‬هـ وتضمنت أعمال‬ ‫عمارة المسجد الحرام والجزء الخارجي من ن‬ ‫المب� الجديد‪ .‬كما شملت هذه‬ ‫المرحلة توسعة منطقة المطاف‪ ،‬وعمل ساللم ئ‬ ‫لب� زمزم‪.‬‬

‫حوى المشروع أنظمة متطورة‪ ،‬كنظام‬ ‫الصوت‪ ،‬حيث بلغ إجمالي عدد سماعات الحرم‬ ‫قرابة ‪ 4524‬سماعة‪..‬‬

‫وكانت المرحلة الثالثة للتوسعة أ‬ ‫الوىل ي ن‬ ‫ب� عامي ‪ 1389‬و‪1392‬هـ وفيها تم‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ك�ية‪ ،‬وإنشاء الميادين حول الحرم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫بناء ُ‬ ‫الم ب َّ‬ ‫وتضمنت المرحلة أالرابعة ي‬ ‫ن‬ ‫كانت يب� عامي ‪ 1393‬و‪1396‬هـ تجديد الحرم القديم بأركانه الربعة إلنشاء‬ ‫البوابات الثالث الرئيسة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫موزعة عىل‬ ‫وهكذا أصبح للحرم مع نهاية التوسعة السعودية الوىل ‪ 64‬باباً َّ‬ ‫أك�ها باب الملك عبدالعزيز الواقع ف ي� الجهة الجنوبية‬ ‫مختلف جهاته‪ ،‬ب‬ ‫ف‬ ‫للمسجد ف ي� اتجاه أجياد‪ ،‬وباب العمرة الواقع ي� الجهة الغربية من المسجد‬ ‫الحرام‪ ،‬وباب السالم ويوجد ف ي� الجهة الشمالية من المسجد الحرام‪ .‬كما‬ ‫أنشئت ف ي� هذه التوسعة سبع منارات ارتفع كل منها ‪ 89‬تم�اً‪ ،‬موزعة عىل‬ ‫أبواب الصفا‪ ،‬وباب الملك عبدالعزيز‪ ،‬وباب العمرة‪ ،‬وباب السالم‪.‬‬

‫التوسعة الثانية‬

‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف�‬ ‫ثم كانت أعمال التوسعة السعودية الثانية ف ي� عهد خادم‬ ‫الملك فهد بن عبدالعزيز‪ ،‬يرحمه هللا‪ ،‬حيث أمر ف� عام ‪1403‬هـ ن ز‬ ‫ب�ع‬ ‫ي‬ ‫الصغ� غرب المسجد الحرام‪ ،‬تهيئة لتوسعته‬ ‫ملكيات عقارات السوق‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� عام ‪1406‬هـ أمر بتبليط سطح التوسعة السعودية الوىل‬ ‫ب‬ ‫الك�ى‪ .‬ي‬ ‫بالرخام البارد المقاوم للحرارة‪ ،‬وقبل ذلك لم يكن يُستفاد من السطح إال‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫المنت�ة ف ي� مواضع متفرقة من السطح‬ ‫ال� كانت شبكاتها‬ ‫لعمال الكهرباء‪ ،‬ي‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف� الملك فهد أن تُجمع جميع‬ ‫المصل�‪ ،‬فأمر خادم‬ ‫تعيق‬ ‫ف‬ ‫شبكات الكهرباء � قباب جميلة‪ .‬وقد بلغت مساحة السطح ‪ 61,000‬م�ت‬ ‫ي‬


‫‪87 | 86‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫ين‬ ‫لتسع� ألف ٍّ‬ ‫مصل‪ .‬كما أنشئت خمسة ساللم‬ ‫مربع‪ ،‬بحيث بات يتسع‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫كهربائية لتسهيل الصعود وال�ول‪ ،‬وبُنيت خمسة جسور علوية للدخول إىل‬ ‫الطابق أ‬ ‫الول والخروج منه من جهة الشمال‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� ن‬ ‫الثا� من شهر صفر عام ‪1409‬هـ وضع الملك فهد بن عبدالعزيز‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫اخت�‬ ‫ال� ي‬ ‫ يرحمه هللا ‪ -‬حجر الساس للبدء ي� التوسعة السعودية الثانية‪ ،‬ي‬‫ت‬ ‫ال� كانت تعرف بالسوق‬ ‫لها الناحية الغربية من المسجد الحرام‪ ،‬بالمنطقة ي‬ ‫الصغ�‪ ،‬الواقعة ي ن‬ ‫ب� باب العمرة وباب الملك عبدالعزيز‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وقد شملت التوسعة قبو الحرم والطابق أ‬ ‫ال ض‬ ‫وروعي‬ ‫ر� والطابق الول منه‪ُ .‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫للت�يد أنشئت ف ي� أجياد‪ ،‬كما روعي ف ي� القبية‬ ‫تكييفه بالكامل بع� محطة ب‬ ‫عمل فتحات ف� قواعد أ‬ ‫العمدة المستديرة المتصاص الهواء الساخن‪،‬‬ ‫ي‬ ‫للت�يد أسلوب ضخ الهواء والماء البارد معاً من المحطة المركزية‬ ‫واستخدم ب‬ ‫ش‬ ‫للتكييف ف ي� أجياد‪ ،‬وأضيف إىل التوسعة أربعة ع� باباً‪ ،‬ليصبح عدد أبواب‬ ‫الحرم ‪ 112‬باباً‪ ،‬مصنوعة من أجود أنواع الخشب‪ ،‬ومكسوة بمعدن مصقول‬ ‫اللمنيوم أ‬ ‫بحليات نحاسية‪ ،‬كما صنعت النوافذ من أ‬ ‫الصفر المخروط‬ ‫ُ‬ ‫ومعدن مصقول بحليات نحاسية‪.‬‬ ‫و ُعمل لهذه التوسعة مبنيان للساللم الكهربائية ف ي� شماله وجنوبه‪ ،‬وسلَّمان‬ ‫داخليان‪ ،‬وبذلك يصبح مجموع الساللم الكهربائية ف ي� المسجد الحرام تسعة‬ ‫ساللم‪ ،‬هذا عدا الساللم الثابتة الموزعة ف� أنحاء ن‬ ‫مب� المسجد الحرام‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ال� انتهت ف� عام ‪1413‬هـ بالتوسعة أ‬ ‫ت‬ ‫الوىل‬ ‫ي‬ ‫وقد تم ربط التوسعة الثانية ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت قبل‬ ‫عن طريق‬ ‫فتحات واسعة‪ .‬وذلك بعد نقل مواقع البواب ي‬ ‫التوسعة الثانية ف‬ ‫الصغ� مع المحافظة عىل العنارص‬ ‫السوق‬ ‫جهة‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫للتوسعة أ‬ ‫الوىل‪.‬‬ ‫النشائية‬ ‫إ‬ ‫التوسعة السعودية‬ ‫أ‬ ‫الوىل‬

‫البوابات‬

‫الحرم‬ ‫القديم‬

‫يحتوي ش‬ ‫الحال عىل‪:‬‬ ‫الم�وع‬ ‫ي‬

‫‪2528‬‬

‫ش‬ ‫م�بية‬

‫‪6635‬‬ ‫كام�ا‬ ‫ي‬

‫‪4524‬‬ ‫سماعة‬

‫وخالل هذه ت‬ ‫أك� ترميم للكعبة ش‬ ‫الم�فة منذ إنشائها‪ .‬حيث‪،‬‬ ‫الف�ة جرى عمل ب‬ ‫حوال ‪ 375‬عاماً من آخر ترميم لها عام ‪1040‬هـ‪ ،‬ظهرت قشور‬ ‫وبعد مرور ي‬ ‫الم�فة‪ ،‬وشقوق �ف‬ ‫ش‬ ‫وفجوات عىل سطح الحجارة الخارجية لجدار الكعبة‬ ‫ي‬ ‫ب� الحجارة أ‬ ‫مونة الفواصل ي ن‬ ‫للجزاء العليا والسفىل من حائطها‪.‬‬ ‫فكان أ‬ ‫المر ف ي� أوائل شهر ذي الحجة من عام ‪1414‬هـ بإصالح الفواصل‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� ظهرت عىل الحجارة‪ ،‬وما يحتاجه جدار‬ ‫الخارجية والتق�ات والفجوات ي‬ ‫أ‬ ‫الكعبة ش‬ ‫الم�فة الخارجي من إصالح‪ ،‬ثم كان المر بإجراء ترميم شامل للكعبة‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫الم�فة ابتدأ العمل به ي� العا� من شهر محرم من عام ‪1417‬هـ‪.‬‬

‫ش‬ ‫م�وع توسعة المطاف‬

‫‪ 1000‬تم� مربع‬

‫ثالث مراحل بمساحة مبنية إجمالية تبلغ ‪ 210‬آالف‬ ‫تم� مربع‪:‬‬

‫‪76‬‬

‫‪100‬‬

‫‪86‬‬

‫‪90‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪48‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪1436‬هـ‬

‫‪1435‬هـ‬

‫‪1434‬هـ‬


‫جرس المطاف المؤقت‪:‬‬

‫تم استحداث فكرة المطاف المؤقت ليكون من جملة الحلول الب َّناءة لرفع‬ ‫الطاقة االستيعابية للمطاف أثناء مراحل تنفيذ ش‬ ‫م�وع توسعة صحن‬ ‫المطاف بمستوياته المتكررة المقرر االنتهاء منها ف ي� نهاية العام الهجري‬ ‫ف‬ ‫لتوف�‬ ‫الجاري‪ ،‬لضمان طاقة استيعابية كافية (‪ 150‬ألف طائف ي� الساعة) ي‬ ‫خدمة كاملة لضيوف الرحمن خاصة ف ي� موسمي الحج والعمرة‪.‬‬

‫المطاف لـ‬ ‫يتسع جرس‬ ‫ف‬ ‫‪ 150,000‬طائف ي� الساعة‬


‫‪89 | 88‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫بعض أ‬ ‫الرقام والمعطيات‬ ‫أ‬ ‫البواب‪:‬‬

‫الكهرباء‪:‬‬

‫يبلغ إجمال عدد أبواب ن‬ ‫مب� التوسعة السعودية الثالثة ‪ 188‬باباً‪ ،‬ويبلغ‬ ‫ي‬ ‫جمال حواىل ‪ 8300‬طن‪ .‬منها بوابتان رئيستان و‪ 8‬بوابات ثانوية‪،‬‬ ‫وزنها إ‬ ‫ال ي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫إجمال عدد مداخل م�وع مب� التوسعة وحده‬ ‫و‪ 68‬بوابة فرعية‪ ،‬ليبلغ‬ ‫ي‬ ‫‪ 78‬بوابة‪.‬‬

‫ئ‬ ‫أك�ها الرئيسة بطاقة ‪،110 / 380‬‬ ‫أنشئت ‪ 5‬محطات توليد للتيار‬ ‫الكهربا�‪ ،‬ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وتم ربطها آلياً بحيث إنه لو خرجت أية محطة عن الخدمة ولي سبب‬ ‫الربع أ‬ ‫كان‪ ،‬يتم تحميل دورها عىل بقية المحطات أ‬ ‫الخرى لضمان استمرار‬ ‫التغذية الكهربائية للمسجد الحرام‪.‬‬

‫البواب الخارجية بكل أ‬ ‫أما أ‬ ‫الدوار فتبلغ ‪ 238‬باباً‪ ،‬منها ‪ 60‬باباً برونزياً‬ ‫ف‬ ‫ف ي� الواجهة الشمالية‪ ،‬بوزن يبلغ ‪ 50‬طناً للباب ش‬ ‫و� الواجهة‬ ‫والم�بية‪ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫الجنوبية ‪ 93‬باباً برونزياً يبلغ وزن كل باب ‪ 40‬طناً مع ش‬ ‫و� الواجهة‬ ‫الم�بية‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫ال�قية ‪ 68‬باباً والواجهة الغربية ‪ 17‬باباً‪ ،‬وكل من هذه البواب يزن ‪ 45‬طناً‬ ‫ش‬ ‫مع الم�بية‪.‬‬

‫ويتوافر ف ي� المحطة المركزية ‪ 14‬مولداً كهربائياً احتياطياً بقوة ‪ 5.5‬ميغا‬ ‫أمب�‪ ،‬تعمل لمدة ‪ 8‬ساعات بال انقطاع وبكامل طاقتها‪.‬‬ ‫فولت ي‬

‫القباب‪:‬‬

‫يشمل ش‬ ‫م�وع التوسعة السعودية الثالثة للمسجد الحرام إنشاء مجموعة‬ ‫وأك�ها القبة الرئيسة‬ ‫تتكون من ‪ 6‬قباب بعضها متحرك وبعضها ثابت‪ .‬ب‬ ‫ن‬ ‫الداخل لباب الملك عبدهللا‪ .‬وهي قبة متحركة‬ ‫لمب� التوسعة فوق البهو‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫تبلغ أبعاد محيطها ‪ 36.5‬تم�اً وارتفاعها ‪ 21‬تم�اً ومن الرض إىل سقف القبة‬ ‫جمال ‪ 860‬طناً‪.‬‬ ‫‪ 80‬تم�اً‪ ،‬ويبلغ وزنها إ‬ ‫ال ي‬

‫الضاءة‪:‬‬ ‫إ‬

‫ف� ن‬ ‫مب� التوسعة الجديد هناك ‪ 1020‬نجفة بأحجام وطرز مختلفة‪ .‬إىل‬ ‫ي‬ ‫الضاءة الخارجية‬ ‫وحدات‬ ‫عدد‬ ‫ويبلغ‬ ‫حائطية‪.‬‬ ‫إضاءة‬ ‫وحدة‬ ‫‪3600‬‬ ‫جانب‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫للمب� ‪ 1144‬وحدة‪ ،‬وجميعها من نوع (‪.)LED Light‬‬

‫الت�يد‪:‬‬ ‫محطة ب‬

‫المك ش‬ ‫أك� محطة بت�يد مركزي ف ي� العالم‪.‬‬ ‫ال�يف ب‬ ‫تُعد محطة بت�يد الحرم ي‬ ‫إذ إنها تحتوي عىل ‪ 16‬جهاز بت�يد‪ ،‬تبلغ قوة كل واحد منها ‪ 5‬آالف طن‪.‬‬ ‫أ‬ ‫للت�يد ت‬ ‫ح� اليوم‪.‬‬ ‫ويعد الجهاز ال بك� ب‬

‫الساللم الكهربائية‪:‬‬

‫إجمال الساللم الكهربائية المستخدمة ف ي� مشاريع التوسعة ‪ 680‬سلماً‪،‬‬ ‫يبلغ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المخصص منها لمب� التوسعة ‪ 242‬سلماً‪ ،‬بطاقة تشغيلية للسلم الواحد‬ ‫تبلغ ‪ 9‬آالف شخص ف ي� الساعة الواحدة‪.‬‬

‫المصاعد‪:‬‬

‫خصص ‪ 158‬مصعداً لمشاريع التوسعة‪ .‬ت‬ ‫وت�اوح حموالت المصاعد ي ن‬ ‫ب�‬ ‫‪ 1600‬كغ ُخصصت للزائرين‪ ،‬و‪ 2500‬كغ لمصاعد الخدمات‪ ،‬و‪ 7000‬كغ‬ ‫لبعض مصاعد خدمات ن‬ ‫مب� التوسعة‪.‬‬

‫أ‬ ‫النفاق‪:‬‬

‫لتسهيل عبور المشاة من المناطق المختلفة للوصول إىل ش‬ ‫م�وع التوسعة‬ ‫ف‬ ‫الثالثة‪ ،‬تم عمل أول منظومة ألنفاق المشاة بعرض ‪ 16‬تم�اً ي� الجهة‬ ‫نفق� للمشاة بعمق ‪ 200‬تم�‪ ،‬أ‬ ‫الشمالية للمسجد الحرام‪ ،‬وتتكون من ي ن‬ ‫الول‬ ‫آ‬ ‫يتجه إىل منطقة الحجون بطول ‪ 1100‬تم�‪ ،‬والخر يتجه إىل حي جرول‬ ‫والضاءة‪.‬‬ ‫بطول ‪ 1000‬تم� تتوافر فيها أفضل أنظمة التهوية ومنع التلوث إ‬ ‫مكيفة ومنفَّذة وفق‬ ‫وداخل كل نفق تتوافر ‪ 80‬دورة مياه للرجال والنساء َّ‬ ‫أفضل التصاميم‪.‬‬

‫عدد أبواب ن‬ ‫مب�‬ ‫التوسعة السعودية‬ ‫الثالثة ‪ 188‬باباً‬


‫الملف‪:‬‬

‫الجار‬ ‫يقف الجار في منتصف الطريق ما بين‬ ‫البيت والمجتمع الواسع‪..‬‬ ‫ً‬ ‫فردا من العائلة‪ ،‬ولكنه ليس‬ ‫إنه ليس‬ ‫كأي عابر سبيل‪ .‬إنه في مرتبة وسطى‬ ‫ً‬ ‫دائما على‬ ‫ما بين االثنين‪ .‬وألنه هناك‪..‬‬ ‫مقربة منا‪ ..‬يمكن لجيرته أن تكون‬ ‫نعمة كما يمكنها أن تكون نقمة‪.‬‬ ‫قد يصل التفاعل معه إلى حدود‬ ‫ً‬ ‫شكليا يقتصر على‬ ‫الصداقة‪ ،‬وقد يبقى‬ ‫ً‬ ‫التحية‪ ،‬كما يمكنه أن ينعدم تماما‪ ،‬أو‬ ‫يتحول إلى مصدر للمتاعب‪.‬‬ ‫«الجار قبل الدار» كانوا يقولون‪ .‬فهل‬ ‫ما زال األمر كذلك؟‬ ‫في هذا الملف‪ ،‬وبمشاركة محدودة‬ ‫من فريق التحرير‪ ،‬يطل عمر شبانة‬ ‫على الجيرة والجار ومكانتهما‬ ‫التاريخية وما طرأ عليها من تغيرات‬ ‫في العصر الحديث‪.‬‬


‫‪91 | 90‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫ين‬ ‫ح� نسمع عبارة «الجار قبل الدار»‪ ،‬فنحن غالباً‬ ‫ونمر عليها كما لو كانت‬ ‫ال نتوقف ّ‬ ‫لنتأمل عمقَها‪ّ ،‬‬ ‫محملة بشحنة‬ ‫شعاراً أو مادة‬ ‫إعالنية‪ ،‬فيما هي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫المهمة جداً‪ ،‬سواء‬ ‫المعا� والدالالت‬ ‫عالية من‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫والحيا� والواقعي‬ ‫المعي�‬ ‫عىل مستوى المفهوم أو المستوى‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫االجتماعي‪ .‬فعىل صعيد المفهوم‪ ،‬تنتمي العبارة إىل عالم من‬ ‫العالقات هي من الدرجة الثانية بعد عالقة الدم والقرابة‪ .‬لك ّنها‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫المع� ودالالته‪،‬‬ ‫الواقعي‪ ،‬قد تتجاوز هذا‬ ‫الحيا�‬ ‫عىل المستوى‬ ‫أ ّ‬ ‫يّ‬ ‫ن‬ ‫تتقدم عىل‬ ‫الج�ان‪ ،‬أي إنّها ّ‬ ‫لتغدو عالقة من الدرجة الوىل يب� ي‬ ‫الدم‪.‬‬ ‫قرابة ّ‬ ‫فكيف نرى هذه العبارة آ‬ ‫الن؟ أما تزال سارية المفعول ت‬ ‫ح� وقتنا‬ ‫ف‬ ‫«تحوالت» ف ي�‬ ‫الراهن‪ ،‬أم أنها باتت بال قيمة ي� ظل ما نشهده من ّ‬ ‫الب� عموماً‪ ،‬ي ن‬ ‫العالقات ي ن‬ ‫ب� ش‬ ‫خاص؟‬ ‫وب� الجار وجاره عىل نحو ّ‬ ‫من لم يفكّر عميقاً بكون «الجار قبل الدار»‪ ،‬ولم يعرف‬ ‫معرضاً‬ ‫كيف ي‬ ‫يس� عىل هدي هذا القول‪ ،‬فسوف يكون ّ‬ ‫الج�ة»‪ ،‬يحدث هذا‬ ‫إىل ما يمكن اعتباره «جحيم ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ح� ف ي� زمن ضعف العالقة يب� الجار والجار‪،‬‬ ‫وربما يكون هذا الضعف سبباً لمفاقمة‬ ‫تأث�ه وآثاره الجانبية‪.‬‬ ‫الجحيم وزيادة ي‬ ‫فصحيح أن العالقات باتت أضعف‬ ‫تغ�ت حياة‬ ‫مما كانت عليه سابقاً‪ ،‬إذ ي‬ ‫تغ�اً جذرياً ف ي� بعض جوانبها‪،‬‬ ‫الناس ي‬ ‫الج�ة ال تزال قائمة‪ ،‬ولربما‬ ‫تأث�ات ي‬ ‫لكن ي‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� طرأت‬ ‫ازدادت سوءاًف مع التحوالت ي‬ ‫عىل الحياة ي� العرص الحديث‪ ،‬خاصة‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫المد�‪ ،‬الذي شهد ويشهد‬ ‫ي� شقها أ ي‬ ‫زحفاً من الرياف إىل المدن‪ ،‬وحضوراً‬ ‫ضخماً شل�ائح وافدة من بيئات‬ ‫مختلفة ثقافياً كل االختالف عن‬

‫الجيرة الطيبة‪ ..‬تقاسم الخبز‬


‫ال� كانت سائدة ف� المدن ت‬ ‫ت‬ ‫ح�‬ ‫ي‬ ‫الطابع التقليدي للثقافة االجتماعية ي‬ ‫قبل قرن أو نصف قرن ض‬ ‫م�‪.‬‬ ‫ف‬ ‫مع�اً باختصار عن ثمن عدم‬ ‫وهنا ال بأس ي� رسد ما يرويه أحدهم ب‬ ‫ِّ‬ ‫االك�اث للجار قبل الدار‪ ،‬إذ يقول إنه ن‬ ‫ت‬ ‫اقت� شقة ف ي� بناية من شقق‬ ‫ف‬ ‫ج�انها‪ ،‬وال عن ش�كائه ي� العمارة‬ ‫عدة‪ ،‬دون أن يسأل أو‬ ‫يستقص عن ي‬ ‫ي‬ ‫الج�ة مؤلفة من عنارص شديدة‬ ‫نفسها‪ ،‬ليكتشف الحقاً أن هذه ي‬ ‫يقدر مدى ما يمكن أن يسببه من قلق‬ ‫إ‬ ‫الزعاج‪ ،‬واحد منها مشفى‪ ،‬لم َّ‬ ‫أ‬ ‫وتوتر‪ ،‬بدءاً بساعات الصباح الوىل‪ ،‬حيث ضجيج أسطوانات الغاز‬ ‫أ‬ ‫ح� نهاية الليل حيث رصاخ ض‬ ‫وكسج�‪ ،‬ت‬ ‫المر�‪ ،‬وما ي ن‬ ‫ين‬ ‫وال‬ ‫ب� الصباح‬ ‫السعاف وحاالت الطوارئ‪.‬‬ ‫والليل أبواق سيارات إ‬ ‫ولكن ماذا عن الجار أ‬ ‫القرب‪ ،‬الذي يسكن ف ي� عمارتنا أو ف ي� هذا البيت‬ ‫الذي يكاد أن يكون مالصقاً لبيتنا؟‬

‫من التعارف إلى الحسنات والسيئات‬

‫أ‬ ‫الج�ان الذين‬ ‫السينما المريكية نقلت إلينا مرات ومرات صورة ي‬ ‫ج�انهم الجدد ت‬ ‫لل�حيب بهم‪ .‬وال نعرف‬ ‫يحملون قالب حلوى إىل ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫إن كانت هذه الصورة موجودة إىل الن أم ال‪ ،‬ما نعرفه أن ي� مدننا‬ ‫العربية ال أحد يحمل قالب حلوى للتعرف إىل جاره‪ ،‬فالتعارف تم�وك‬ ‫وغ� المنتظمة إما ف ي� مصعد العمارة‬ ‫للصدف‪ ،‬للقاءات يغ� المتوقعة ي‬ ‫أو عند مدخلها‪ ،‬وإما خالل ظرف طارئ يؤدي اىل تعارف الجارين‪.‬‬ ‫ويمكن للقاءات أ‬ ‫الوىل ما ي ن‬ ‫ب� جارين أن تكون حاسمة عىل صعيد‬ ‫ت‬ ‫ال� ستقوم بينهما وستستمر طويالً‪ .‬فمن ال‬ ‫تحديد طبيعة العالقة ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يشكلها من‬ ‫يعرف جاره الجديد‪ ،‬ال يملك يغ� انطباعاته الوىل عنه ي‬ ‫صغ�ة خالل مراقبته العفوية أو المتعمدة‬ ‫خالل مجموعة مالحظات ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫االثن� أن تقف‬ ‫للج�ة يب� ي‬ ‫لهذا الجار‪ .‬ومن هذه االنطباعات‪ ،‬يمكن ي‬ ‫مفر منها‪ ،‬وإما تتطور‬ ‫عند حدود تبادل التحية عندما ال يكون هناك ّ‬ ‫وصوال ً اىل شكل من الصداقة المتينة‪ .‬ولكن أياً كان شكل هذه العالقة‪،‬‬ ‫فالجار‪ ،‬حسناً كان أم سيئاً‪ ،‬سيبقى ف ي� الجوار بحسناته ومتاعبه‪.‬‬


‫‪93 | 92‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫والج�ان يتفاوتون من حيث مراتبهم‪ ،‬فهناك الجار‬ ‫الجوار فهو الجار‪ .‬ي‬ ‫المسلم ذو الرحم‪ ،‬وهناك الجار المسلم‪ ،‬والجار يغ� المسلم ذو‬ ‫الرحم‪ ،‬والجار يغ� المسلم الذي ليس برحم‪ ،‬وهؤالء جميعاً ت‬ ‫يش�كون‬ ‫ف‬ ‫كث� من الحقوق ويختص بعضهم بمزيد منها بحسب حاله ورتبته‪.‬‬ ‫ي� ي‬ ‫ف‬ ‫و� ي ن‬ ‫ح� يظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره ف ي� السكن‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وال شكّ ف ي� أن هذه الصورة هي واحدة من أبرز صور الجوار‪،‬‬ ‫وقد تكون أعظمها وقد ال تكون‪ ،‬لكن من المؤكد أن هناك صوراً‬ ‫أخرى تدخل ف ي� مفهوم الجوار‪ ،‬فهناك الجار ف ي� العمل‪ ،‬والسوق‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫والمزرعة‪ ،‬ومقعد الدراسة‪ ...‬ي‬ ‫وغ� ذلك من صور الجوار ي‬ ‫ومما يطبع هذه العالقة‪ ،‬أنه ليس ُح ْس ُن‬ ‫سن المعاملة‪ّ .‬‬ ‫تتطلب ُح َ‬ ‫أ‬ ‫الص�‬ ‫مجرد ّ‬ ‫كف الذى عن الجار‪ ،‬بل إن ُحسن الجوار هو ب‬ ‫الجوار أ ّ‬ ‫عىل الذى‪.‬‬

‫السالم‪ ..‬إلى الشعر‬ ‫العرب قبل إ‬

‫للج�ة الحسنة أن تصل اىل حد ائتمان الجار عىل البيت‬ ‫وفيما يمكن ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الج�ة السيئة ي� معظم الحيان‪ ،‬باالنزعاج‬ ‫والطفال‪ ،‬تنحرص متاعب ي‬ ‫من ضوضاء الجار آ‬ ‫ت‬ ‫المش�ك ما ي ن‬ ‫الج�ان‬ ‫الخر‪ ،‬أو استهتاره بالفضاء‬ ‫ب� ي‬ ‫ب� المزاحمة عىل موقف السيارة أمام ن‬ ‫الذي قد تي�اوح ما ي ن‬ ‫المب�‬ ‫ش‬ ‫الج�ة إىل حد يتطلب‬ ‫�ء يمنع وصول متاعب ي‬ ‫وإهمال النظافة‪ ..‬وال ي‬ ‫استدعاء ش‬ ‫ال�طة لفضها‪.‬‬ ‫ولكن المالحظ أينما كان ف ي� العالم‪ ،‬هو أننا عندما نكون عىل عالقة‬ ‫بج�اننا‪ ،‬فإننا نتحمل الضوضاء الصادرة عن بيوتهم بشكل‬ ‫حسنة ي‬ ‫أفضل‪ ،‬كما نتحمل اعتداءات أوالدهم عىل بيوتنا وحدائقنا‪ ،‬ونجد‬ ‫أ‬ ‫الج�ة السيئة فتبقي المزاج رسيع‬ ‫لهم العذار المخففة‪ ..‬أما ي‬ ‫االشتعال‪..‬‬

‫«الج�ة»‪ ،‬عىل مستوى‬ ‫كانت تلك مقدمات فيما يتعلق بصور وأشكال‬ ‫ي‬ ‫دوامها واستمراريّتها أو كونها عابرة بال أي أثر‪ ،‬وهي صور من عالقات‬ ‫ومستجداته‪.‬‬ ‫«الج�ة» الحديثة والمعارصة‪ ،‬وترتبط بمعطيات العرص‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� الوسائط الثقافية المختلفة‪،‬‬ ‫أما فيما يتعلق بالعالقة بع� التاريخ‪ ،‬ي‬ ‫فسوف نجد أنفسنا أمام عوالم أخرى بعيدة عن عالمنا كل البعد‪،‬‬ ‫من حيث اللغة والمناخات والعنارص ت‬ ‫ال� تتكون منها‪ .‬لذا سنقسمها‬ ‫ي‬ ‫إىل أقسام عدة‪ ،‬بحسب المراحل الزمنية حيناً‪ ،‬وبحسب الوعاء ف‬ ‫الثقا�‬ ‫ي‬ ‫الذي يستح�ض ها أو يحتضنها‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� هذا المسعى‪ ،‬نفتح الباب عىل الشعر ابتدا ًء‪ ،‬ونبدأ من الشعر‬ ‫ي‬ ‫للج�ة حضورها ف ي� صور وأشكال عدة‪ ،‬وربما كان من‬ ‫الجاهل‪ ،‬حيث ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أبرزها ما يتعلق بالجارة المرأة‪ ،‬وهنا نجد أنفسنا حيال قيمة من القيم‬

‫في المفهوم والمراتب‬

‫اختلفت آ‬ ‫الراء‪ ،‬وتباينت المذاهب ف ي� تحديد مفهوم الجار‬ ‫والج�ة‪ ،‬كما ف ي� تحديد مراتبه وطبيعة العالقة به‪ ،‬هذا‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� تختلف من مكان لخر‪،‬‬ ‫المفهوم وهذه المراتب ي‬ ‫ومن ثقافة إىل أخرى‪ ،‬كيف يمكننا االتفاق عىل‬ ‫ت‬ ‫ال� تبدو أوسع من التحديدات‬ ‫ّ‬ ‫محددات لها‪ ،‬وهي ي‬ ‫ف‬ ‫ك ّلها؟ نحاول هنا تقديم بعض المحددات ي� الثقافة‬ ‫السالمية‪ ،‬كما وردت ف ي� القرآن الكريم‬ ‫العربية إ‬ ‫أ‬ ‫والحاديث النبويّة وبعض المأثورات من قصص وحكايات‬ ‫ذات مغزى ودالالت محددة‪.‬‬ ‫ف ي� ثقافتنا وموروثنا‪ ،‬أن الجار هو َمن جاورك‪ ،‬سوا ٌء أكان مسلماً‬ ‫أم يغ� مسلم‪ ،‬وأما حد الجوار فقد تعددت أقوال أهل العلم‬ ‫ف� بيانه‪ ،‬ولعل أ‬ ‫القرب أن ما تعارف عليه الناس أنه يدخل ف ي� حدود‬ ‫ي‬

‫ت‬ ‫شداد‬ ‫عن� ُة بن ّ‬


‫ً‬ ‫لغويا‬ ‫الجار والجيرة‬ ‫ث‬ ‫الما� «جرى»‪ ،‬والرباعي ض‬ ‫الثال� ض‬ ‫الحا�‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫تنتسب المفردة «جار» إىل الفعل ي ّ‬ ‫«يجري»‪ ،‬وعليه فهي اسم فاعل من هذا الفعل‪ ،‬والجاري (الجار) هو‬ ‫ولك نعرض له بقدر من البساطة‪ ،‬نسأل‪ :‬ما شأن هذا االسم‬ ‫الذي يجري‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫المعا� الجامع»‪ :‬الجمع‪ِ :‬ج ي�ةٌ‪،‬‬ ‫(الجار) بالجري‪ /‬الركض؟ نجد ي� «معجم‬ ‫ي‬ ‫جار‪ :‬أي إنه‬ ‫وج ي� ٌان‪ ،‬وأَ ْج ٌ‬ ‫ِ‬ ‫جرى لـ ‪ٌ /‬‬ ‫جرى إىل ‪َ /‬‬ ‫جرى ‪َ /‬‬ ‫وار اسم فاعل من َ‬ ‫نهر ٍ‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ج�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫جار‬ ‫أ‬ ‫‪.‬‬ ‫الحا�‬ ‫أو‬ ‫الحال‬ ‫الشهر‬ ‫هو‬ ‫الجاري‪:‬‬ ‫هر‬ ‫والش‬ ‫‪،‬‬ ‫يجف‬ ‫ال‬ ‫سائل‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ ي‬ ‫َّ ُ‬ ‫ي‬ ‫حماه منه‬ ‫العذاب‪:‬‬ ‫من‬ ‫هللا‬ ‫ُ‬ ‫وأجاره‬ ‫‪،‬‬ ‫جار‬ ‫م‬ ‫والمفعول‬ ‫‪،‬‬ ‫ج�‬ ‫م‬ ‫فهو‬ ‫َ‬ ‫ُ ٌ‬ ‫ِأج ْر‪ ،‬إجارةً‪ ،‬ف ُ ي ٌ‬ ‫َ‬ ‫المجاور‬ ‫الغر َيق ‪ :‬أغاث َُه‪.‬‬ ‫والجار هو ُ‬ ‫ُ‬ ‫فوأنقذه‪ ،‬وجعله ي� جواره وحمايته‪ .‬وأ َج َار ِ‬ ‫الجار‪:‬‬ ‫جار‪،‬‬ ‫المستج�‪،‬‬ ‫الجار‬ ‫ي‬ ‫والجار‪ُ :‬‬ ‫والجار‪ :‬هو ال َّزوج‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الم ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي� المسكن‪ُ ،‬‬ ‫والجار‪ :‬هو الحليف‪ ،‬والنارص‪.‬‬ ‫الزوجة‪.‬‬ ‫ُ‬


‫‪95 | 94‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫الجيرة في الفنون واألدب‪ ..‬والغناء‬

‫في الفن أ‬ ‫والدب‬

‫الج�ة عىل جمع شخصيات من طباع‬ ‫بسبب قدرة ي‬ ‫تقدم نفسها‬ ‫واهتمامات مختلفة‪ ،‬كان من الطبيعي أن ِّ‬ ‫بيئة صالحة لحبك القصص االجتماعية‪ ،‬والفكاهية‬ ‫والبوليسية‪ ،‬ت‬ ‫وح� قصص الرعب‪.‬‬ ‫ال تن�نت أن ث‬ ‫يع� عىل قائمة طويلة جداً‬ ‫ويمكن لمتصفح إ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تدخل مفردة‬ ‫بعناوين الروايات وال ففالم السينمائية ي‬ ‫«الج�ة» أو «الجار» ي� عناوينها‪ .‬ويتضاعف طول الالئحة‬ ‫ي‬ ‫عندما يبحث المتصفح عن أ‬ ‫الفالم والروايات ت‬ ‫ال� تدور‬ ‫ي‬ ‫وبالتال‪،‬‬ ‫الج�ة تحت عنوان مختلف‪.‬‬ ‫بشكل أو بآخر حول ي‬ ‫ي‬ ‫وبدال ً من تقديم جرد طويل بهذه العناوين‪ ،‬ارتأينا‬ ‫ش‬ ‫ب�ء من التفصيل أمام حفنة معدودة منها‪.‬‬ ‫التوقف ي‬ ‫«زقاق المدق»‪ ،‬هو عنوان واحدة من أشهر روايات نجيب‬ ‫المام‪ ،‬واستبدل‬ ‫محفوظ‪ ،‬نقلها إىل السينما المخرج حسن إ‬ ‫الفلم‪.‬‬ ‫عنوان الرواية باسم بطلتها «حميدة» ليكون اسم ِ‬ ‫فقد رسم نجيب محفوظ ف ي� روايته هذه صورة لزقاق‬ ‫شع� يتجمع فيه عدد من الشخصيات المتناقضة‪ ،‬ويشكِّل‬ ‫بي‬ ‫مجموعها صورة بانورامية اجتماعية وسياسية وعاطفية‬

‫مشاهد من ِفلم «زقاق المدق»‬

‫ونفسية لقاهرة أ‬ ‫الربعينيات خالل الحرب العالمية الثانية‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن الفلم المقتبس عنها يبقى من أ‬ ‫الفالم‬ ‫ِ‬ ‫الجديرة بالمشاهدة لما فيه من فكر وإنسانية ونقد‬ ‫الفلم بالنقد‪ ،‬ومن هؤالء‬ ‫اجتماعي‪ ،‬تناول البعض هذا ِ‬ ‫عل الذي رأى أن اختيار المخرج‬ ‫الناقد بدر الدين حسن ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫للفلم كان أول أخطائه‪ ،‬لنه‬ ‫اسم البطلة «حميدة» عنوانا ِ‬ ‫يسلط الضوء عىل شخصية واحدة (وإن كانت رئيسة) من‬ ‫ب� مجموعة شخصيات متضاربة أ‬ ‫ين‬ ‫الهواء والسلوكيات‬ ‫ف‬ ‫الج�ة ي� هذا الزقاق‪.‬‬ ‫تجمعها ي‬ ‫ف‬ ‫تنوع الشخصيات ي� زقاق المدق‪ ،‬بتنوع‬ ‫ويذكرنا ّ‬ ‫ف‬ ‫ال�يطا�ن‬ ‫الشخصيات ي� حي بغدادي أثناء االحتالل ب‬ ‫ي‬ ‫للعراق ف ي� أربعينيات القرن ش‬ ‫الع�ين أيضاً‪ ،‬كما يتجلَّ‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تحمل‬ ‫ي� رواية الديب العر يا� غائب طعمة فرمان‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫اخت�ت من ي ن‬ ‫ب� أفضل مائة‬ ‫ال� ي‬ ‫عنوان «النخلة ي‬ ‫والج�ان»‪ ،‬ي‬ ‫رواية عربية ف ي� القرن الفائت‪ ،‬وجرى تقديمها عىل المرسح‬ ‫العر ق يا�‪ ،‬وعىل شاشات السينما‪ ،‬وأعيد طبعها مرات عدة‪،‬‬ ‫لقدرتها عىل تجسيد حياة فئات واسعة من الشعب العر ق يا�‬

‫والج�ان»‬ ‫مشاهد من مرسحية «النخلة‬ ‫ي‬


‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� تف�ة تاريخية يمكن‬ ‫ي� بقعة جغرافية ي‬ ‫صغ�ة جداً‪ ،‬ي‬ ‫اعتبارها أنموذجاً شديد القدرة عىل تمثيل تلك الحياة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� عام ‪2006‬م‪ ،‬عرضت التلفزيونات العربية الجزء‬ ‫أي‬ ‫الول من مسلسل «باب الحارة» الذي لقي نجاحاً مدوياً‬ ‫عند المشاهدين من الخليج العر� إىل المغرب‪ .‬أ‬ ‫المر‬ ‫بي‬ ‫الذي دفع بمنتجيه إىل إنتاج ستة أجزاء أخرى‪ُ ،‬عرض‬ ‫آخرها خالل شهر رمضان من العام الجاري‪ ،‬وبدأت‬ ‫االستعدادات ف ي� الوقت نفسه إلنتاج جزء ثامن‪.‬‬ ‫المسلسل الذي تناوب عىل كتابته مروان قاووق وكمال مرة‬ ‫وعثمان جحا وسليمان عبدالعزيز‪ ،‬وانطلق ف� حلقته أ‬ ‫الوىل‬ ‫ي‬ ‫من عقدة شبه بوليسية تتمثل ف ي� رسقة ذهب أحد سكان‬ ‫س� الطباع أ‬ ‫والخالق‪ ،‬يدين ي ز‬ ‫الحارة عىل يد شخص ي ئ‬ ‫بح�‬ ‫كب� من شهرته‪ ،‬للمناخ االجتماعي الذي يصوره‪ ،‬وبأمانة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫لما كانت عليه الحارة الشامية ي� النصف الول من القرن‬ ‫ش‬ ‫الثارة والتشويق الذي يغذيه هذا‬ ‫الع�ين‪ ،‬ولعامل إ‬ ‫ف‬ ‫تسمى‬ ‫التنوع ي� شخصيات ي‬ ‫الج�ان ضمن بيئة شبه مغلقة َّ‬ ‫حارة الضبع‪.‬‬

‫يف�وز‬

‫‪..‬وفي الغناء‬

‫وكما هو حال أ‬ ‫الفالم السينمائية‬ ‫كب�اً‬ ‫والروايات‪ ،‬يمكننا أن نجد عدداً ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تدور حول‬ ‫جداً من الغنيات ي‬ ‫والج�ة‪ .‬ولكن‪ ،‬مقابل التنوع‬ ‫الجار ي‬ ‫ف‬ ‫ف ي� المواضيع ي� السينما والرواية‪ ،‬تكاد‬ ‫أ‬ ‫الج�ة تقترص عىل الطابع‬ ‫الغنيات عن ي‬ ‫الرومنس‪ ،‬سواء أكانت أغنية يف�وز‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫«كيف حالك يا جار؟»‪ ،‬أو أغنيتها الخرى‬ ‫ج�ان»‪ ،‬أو أغنية صباح‬ ‫«نحن والقمر ي‬ ‫«جاري أنا جاري والباب جنب الباب»‪،‬‬ ‫يلل‬ ‫أو أغنية أحمد عدوية «يا أهل هللا ي‬ ‫أ‬ ‫خ�ة يمكن قراءتها‬ ‫الل تحت»‪ ،‬وهذه ال ي‬ ‫فوق َم تبصوا ع ي‬ ‫الرومنس‪ ،‬كما عىل المستوى‬ ‫عىل المستوى الواقعي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الغ� (فوق) نظرة‬ ‫الرمزي حيث ي‬ ‫الفق� (تحت) يطلب من ي‬ ‫شفقة وإحسان‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫شو� مدينة زحلة ي� ش‬ ‫ع�ينيات القرن‬ ‫وعندما زار أحمد ي‬ ‫ض‬ ‫الما�‪ ،‬وشاء أن ينظم فيها قصيدة مدح‪ ،‬اختار تسمية‬ ‫ي‬ ‫ج�تها الجغرافية قرب وادي العرائش‪ ،‬فناداها‬ ‫المدينة من ي‬ ‫ولحن عبدالوهاب هذه القصيدة‬ ‫«يا جارة الوادي»‪َّ ،‬‬ ‫وف�وز‪.‬‬ ‫الشه�ة وغ َّناها‪ ،‬كما غنتها بعده نور الهدى ي‬ ‫ي‬

‫عبدالوهاب‬

‫ق‬ ‫شو�‬ ‫أحمد ي‬

‫نور الهدى‬


‫‪97 | 96‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫الجيرة في أقوال مأثورة‬ ‫• «المروءات أربع‪ :‬العفاف وإصالح‬ ‫الخوان وإعانة‬ ‫الحال وحفظ إ‬ ‫الج�ان» ‪ -‬معاوية بن ب يأ� سفيان‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر� هللا عنه‬ ‫ي‬ ‫• «ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه‬ ‫وصاحب أ‬ ‫ال ن‬ ‫د� عىل القرب والبعد‬ ‫يعش سيداً يستعذب الناس ذكره‬ ‫وإن نابه حق أتوه عىل قصد»‬ ‫المام الشافعي‬ ‫ إ‬‫ت‬ ‫ال� تخاف عىل نفسها من‬ ‫• «الثقافة ي‬ ‫الج�ان هي ثقافة ئف�ان»‬ ‫هجمة قط ي‬ ‫ن‬ ‫قبا�‬ ‫ نزار ي‬‫ن‬ ‫ «يلومون� إن بعت بالرخص نم� يزل‬ ‫•‬ ‫ي‬ ‫ولم يعلموا جاراً هناك ينغص‬

‫إلياس فرحات‬

‫ماركوس أوريليوس‬

‫فقلت لهم كفوا المالم فإنما‬ ‫بج�انها تحلو الديار وترخص»‬ ‫ي‬ ‫ إلياس فرحات‬‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� سالم‬ ‫• «كن ي� حرب مع عيوبك‪ ،‬ي‬ ‫بنيام� فر ي ن‬ ‫ين‬ ‫انكل�‬ ‫ج�انك‪- »..‬‬ ‫مع ي‬ ‫ج�انك‬ ‫• «افعل لنفسك كما يفعل ي‬ ‫ألنفسهم وأظهر رسورك» ‪ -‬جورج إيد‬ ‫بج�ة من‬ ‫• «كل شخص محاط ي‬ ‫ج� ت‬ ‫أوس�ن‬ ‫الطوعي�» ‪ -‬ي ن‬ ‫ين‬ ‫الجواسيس‬ ‫• «أحب جارك لكن ال تحن له رأسك» ‪-‬‬ ‫ه�برت‬ ‫جورج ي‬ ‫ت‬ ‫• «الفضيلة لم ت�ك لتكون وحدها‪،‬‬ ‫ج�ان» ‪-‬‬ ‫فمن يمارسها سيكون له ي‬ ‫كونفوشيوس‬

‫جورج هربرت‬

‫الحاملة ألخالقيات الرجولة والنبل والفروسية‪ ،‬وليس أبلغ وال أشهر‪ ،‬ف ي�‬ ‫هذا السياق مما قاله ت‬ ‫شداد‪:‬‬ ‫عن� ُة بن ّ‬ ‫ف‬ ‫ـار ت ي�»‬ ‫وأَ ُغـ ُّ‬ ‫ـر� مــا بـ َـد ْت يل «جـ َ‬ ‫ـض طـ ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫«جــار�» مأْواهــا‬ ‫حــى يُــواري‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫المتواضع�‪ ،‬ها‬ ‫وبرصف النظر عن المستوى البالغي وف ّنية الصورة‬ ‫نحن إذاً حيال عالقة ت‬ ‫والج�ة‪ ،‬وتمنح الجارة حرية‬ ‫تح�م ّ‬ ‫حق الجارة ي‬ ‫ف‬ ‫الحركة ف� مملكتها السعيدة‪ � ،‬ي ن‬ ‫ح� يتلصص البعض عىل جارته مع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫العالم�‪ ،‬من ت‬ ‫الرصار ت‬ ‫ين‬ ‫فأي فارق ي ن‬ ‫يح�م «حرمة»‬ ‫ب�‬ ‫سبق إ‬ ‫وال� ّصد‪ّ ،‬‬ ‫الج�ة ومن ينتهكها‪ ،‬وأيّة أخالق تسمح بهذا‪ ،‬وهل يمكن أن تتعايش‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� يف�ض أن تقوم‬ ‫هذه الخالق مع مفهوم ي‬ ‫الج�ة والعالقة الطيبة ي‬ ‫ين‬ ‫وج�انه؟!‬ ‫ب� إ‬ ‫النسان ي‬ ‫ف‬ ‫ح�‬ ‫و� صدد العالقة مع نسوة ي‬ ‫الج�ان‪ ،‬كان عروة بن الورد يتغافل ت ّ‬ ‫ي‬ ‫تلج جارته بيتها‪:‬‬

‫ين‬ ‫ج� ت ن‬ ‫أوس�‬

‫الحسان ف ي� البيت‪ ،‬وتبدأ العدالة‬ ‫• «يبدأ إ‬ ‫عند الجار» ‪ -‬تشارلز ن‬ ‫ديك�ز‬ ‫• «الركود االقتصادي هو عندما يفقد‬ ‫جارك وظيفته‪ ،‬أما الكساد فهو عندما‬ ‫أ‬ ‫مريك‬ ‫تفقد وظيفتك» ‪ -‬الرئيس ال ي‬ ‫أ‬ ‫السبق رونالد ريغان‬ ‫• «كم من الوقت يحفظ من الضياع‬ ‫من ال يتطلع إىل معرفة ما يقوله جاره‬ ‫أو يفعله أو يفكر فيه؟!» ‪ -‬ماركوس‬ ‫أوريليوس‬ ‫• «أحب جارك‪ ،‬ولكن ال تهدم الجدار‬ ‫الفاصل بينكما» ‪ -‬حكمة نرويجية‬ ‫• «من يرمي الشوك عند جاره‪ ،‬يراه ينبت‬ ‫ف ي� حديقته» ‪ -‬حكمة روسية‬

‫بنيام� فر ي ن‬ ‫ين‬ ‫انكل�‬

‫كونفوشيوس‬

‫ت‬ ‫ريــاح بيتهــا‬ ‫ألــوت‬ ‫جــار�‬ ‫وإن‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ـت جانبــه‬ ‫ـر البيـ ُ‬ ‫تغا َف ْلـ ُ‬ ‫ـت حـ ّـى يسـ َ‬ ‫أ‬ ‫العر�‪ ،‬شعراً وقصصاً وحكايات‪ ،‬علىى أمثلة ف ي� حسن‬ ‫ويشتمل أالدب ف ب ي‬ ‫النسانية‪ ،‬ال نستوعبها ث‬ ‫لك�تها‪ ،‬وأحياناً لكون قائلها‬ ‫الجوار والخوة ي� إ‬ ‫الخ� والتعاون عىل‬ ‫مجهوال ً لدينا‪ ،‬وهي عالقة أساسها إ‬ ‫وحب ي‬ ‫اليمان ُ‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ب� الناس‪.‬‬ ‫ب‬ ‫وكان العرب ي�ض بون المثل بجار يبدو وكأنه ف ي� عالم الخيال‪،‬‬ ‫عوضه عنه)‪،‬‬ ‫جار كان إذا مات لجاره ي‬ ‫بع� أو شاة «أخ َلفَه» (أي ّ‬ ‫«وداه» (دفع ديَته)‪ .‬ويُروى عن بعض رجاالت‬ ‫وإذا مات له قريب َ‬ ‫ف‬ ‫بأ� دلف‪ ،‬أنّه كان له جار ي� بغداد‪ ،‬أدركته‬ ‫العرب المعروف ب ي‬ ‫ت‬ ‫حاجة‪ ،‬وركبه دين ُمبهظ‪ ،‬ح� احتاج إىل بيع داره‪ ،‬فساوموه فيها‬ ‫فسمى ألف دينار‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن دارك تساوي خمسمائة دينار‬ ‫َّ‬ ‫فقط‪ ،‬فقال‪ :‬أبيع داري بخمسمائة‪ ،‬وجوار ب يأ� دلف بخمسمائة‪،‬‬


‫جماعات «حراسة الجيرة»‬

‫ف‬ ‫و� مقابل هذه الصورة واالنطباعات‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تُشيعها‪ ،‬ثمة صور تشيع‬ ‫السالبة ي‬ ‫متقدمة‪،‬‬ ‫التفاؤل بعالقات إنسانية ّ‬ ‫أ‬ ‫هال ف ي� منطقة ما‬ ‫تقوم عىل تعاون ال ي‬ ‫مهمات خارج قدرات المؤسسات‬ ‫إلنجاز ّ‬ ‫الرسمية أ‬ ‫والفراد‪ ،‬كما هو الحال‪� ،‬ف‬ ‫ي‬ ‫أمريكا‪ ،‬مع مجاميع شب�ية هائلة تقوم‬ ‫وتعمل عىل مبدأ «اخدم نفسك»‪،‬‬ ‫حوال ‪ 15‬مليون‬ ‫إذ يُفاجأ الباحث أن ي‬ ‫أمريك ينتمون إىل ‪ 500‬ألف‬ ‫مواطن‬ ‫ي‬ ‫جماعة من جماعات «الخدمة الذاتية»‪.‬‬ ‫وهي جماعات تضم الذين تواجههم‬ ‫معيناً‪،‬‬ ‫مشكلة بعينها‪ ،‬أو يعانون وضعاً ّ‬ ‫وقرروا‬ ‫تف�اهم وقد ّ‬ ‫تجمعوا تلقائياً‪ّ ،‬‬ ‫أن يتعاونوا عىل ّ‬ ‫حل هذه المشكلة‪،‬‬ ‫بالنسبة ّ‬ ‫لكل منهم‪ ،‬مستفيدين من‬ ‫ف‬ ‫الخ�ات ي� مجالها‪ .‬وهناك‬ ‫تبادل ب‬ ‫ذاتية لكل غرض يمكن‬ ‫جمعيات خدمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحالة‬ ‫مشكالت‪:‬‬ ‫لحل‬ ‫ره‪،‬‬ ‫تتصو‬ ‫أن‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫إىل المعاش‪ ،‬ال� ّمل‪ ،‬المعاناة من‬ ‫المخدرات‪،‬‬ ‫السمنة‪ ،‬إدمان الكحول أو‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫والعقلية‪ ،‬الطالق‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫الجسد‬ ‫عاقة‬ ‫ال‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إساءة معاملة الصغار‪ ..‬يغ� أن أشهرها‬ ‫الج�ة»‪.‬‬ ‫«حراسة ي‬

‫الج�ة» ف ي� أمريكا ف ي� أواخر‬ ‫ظهرت «حراسة ي‬ ‫الستينيات كردة فعل عىل جريمة قتل‬ ‫ت‬ ‫جينوف�ز‬ ‫كي�‬ ‫ي‬ ‫فذهبت ضحيتها امرأة تُدعى ي‬ ‫� منطقة ن ز‬ ‫كوي� بمدينة نيويورك‪ .‬فقد‬ ‫ي‬ ‫ثار الرأي العام عندما أفادت التقارير أن‬ ‫ش‬ ‫ع�ات الشهود كانوا ف ي� موقع الجريمة‪،‬‬ ‫ولم يتحرك أحدهم إلنقاذ المرأة وال‬ ‫للمساك بالقاتل‪ .‬فبدأ بعض السكان �ف‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫أحياء معينة من المدينة بتشكيل فرق‬ ‫لحراسة أحيائهم ليالً‪ .‬ومنذ العام ‪1972‬م‪،‬‬ ‫بدأت جهود منظمة لتعزيز الحراسات‬ ‫الذاتية عىل مستوى البالد بأرسها‪.‬‬ ‫الج�ة» إىل توعية سكان‬ ‫وتهدف «حراسة ي‬ ‫أ‬ ‫تداب� السالمة‪ ،‬وتحقيق المن‬ ‫الحي حول ي‬ ‫ف‬ ‫و� حالة الشك بوجود‬ ‫االجتماعي‬ ‫فيه‪ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫الج�ة»‬ ‫نشاط جرمي ي� الحي‪ ،‬فإن «حراسة ي‬ ‫ليست مطالبة بالتدخل‪ ،‬بل بإبالغ ش‬ ‫ال�طة‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫ف ي� شهر بف�اير عام ‪2012‬م‪ ،‬تعرضت‬ ‫الج�ة» ف ي� أمريكا‪ ،‬للشك ف ي� سالمة‬ ‫«حراسة ي‬ ‫الج�ة‪،‬‬ ‫مفهومها‪ ،‬عندما قام أحد حراس ي‬ ‫وهو رجل أبيض‪ ،‬يدعى جورج زيمرمان‬

‫بقتل شاب أسود بنا ًء عىل االشتباه به‬ ‫وت�ئته‬ ‫فقط‪ .‬وأدى إطالق رساح القاتل ب‬ ‫ت‬ ‫ح� من جريمة قتل من الدرجة الثانية‬ ‫إىل اندالع موجة اضطرابات عنرصية ف ي�‬ ‫التفك�‬ ‫أرجاء عديدة من البالد‪ ،‬وبدء‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫سن ضوابط قانونية تحدد عمل‬ ‫ي� ّ‬ ‫ين‬ ‫المنتسب�‬ ‫الج�ة» ومواصفات‬ ‫«حراسات ي‬ ‫إليها‪ ،‬ووجوب عملها وفق تراخيص‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� شهر يونيو من العام نفسه‪ ،‬كتبت‬ ‫ي‬ ‫صحيفة «نيويورك تايمز» أن حراسات‬ ‫الج�ة عادت تنشط بقوة ف ي� مدينة‬ ‫ي‬ ‫نيويورك‪ ،‬بعدما كان هذا الدور قد‬ ‫ين‬ ‫الماضي� بسبب‬ ‫تراجع خالل العقدين‬ ‫ن‬ ‫تد� معدالت الجرائم‪.‬‬ ‫ي‬


‫‪99 | 98‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫الخ�‪ ،‬فأمر بقضاء دينه‪ ،‬ووصله‪ ،‬وقال‪ :‬ال تنتقل‬ ‫فبلغ أبا دلف ب ُ‬ ‫غ� المألوف‪ ،‬نستطيع أن ندرك‬ ‫أبداً من جوارنا‪ .‬وبهذا السلوك ي‬ ‫أ‬ ‫الج�ان من رفاهية الرسة وسعادتها‪ ،‬وما‬ ‫ما يمكن أن يؤ ّديه ِب ُّر ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫يعقبه التطاول عليهم والظلم لهم من ف� ومحن ال‬ ‫يمكن أن‬ ‫ُ‬ ‫تطيب معها الحياة‪.‬‬

‫روابط اجتماعية بديلة‬

‫السلوكيات‪ ،‬فيذهب فيه‬ ‫ّأما تعليل هذا الفهم للعالقة‪ ،‬وهذه‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� عاش فيها «أهل‬ ‫الباحثون إىل البيئة الطبيعية واالجتماعية ي‬ ‫الجاهلية» حياتهم وعالقاتهم‪ ،‬بل إن بعضهم يرى أن «الجانب‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫إ ن‬ ‫ج�انه‬ ‫خاص ي� عالقاته مع ي‬ ‫العر� بشكل ّ‬ ‫نسا� بي�ز ي� نفس ب ي ّ‬ ‫ال ي ّ‬ ‫الصواب إذا ُق ْلنا‪ :‬لم تعرف أُ ّمة‬ ‫ي‬ ‫والمستج�ين به‪ ،‬ولع ّلنا ال نجانب ّ‬ ‫من أ‬ ‫ت‬ ‫للج�ة‪.‬‬ ‫الُمم ‪ -‬دونما استثناء ‪ُ -‬حرمةً ‪،‬‬ ‫ال� عرفها العرب ي‬ ‫كالحرمة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫مصاف‬ ‫الج� َة إىل‬ ‫أن ليس ي� أدب أُ ّمة من المم ما يرفع ي‬ ‫إل ْ‬ ‫ّ‬ ‫ويخيل ي ّ‬ ‫أ‬ ‫العر�‪ .‬وليس غريباً أن يكون هذا‬ ‫المآثر العظام مثلما رفعها الدب‬ ‫ي ّب‬

‫الضعيف من بطش‬ ‫النظام ‪ -‬الجوار ‪ّ -‬أول ما نشأ ف ي� سبيل حماية ّ‬ ‫حد‬ ‫القوي‪ ،‬وإنصاف المظلوم من ال ّظالم‪ ،‬فاستطاع هذا ال ّنظام أن يَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫من شهوة البطش‪ ،‬وغريزة االنتقام»‪.‬‬

‫السالم‬ ‫في ظالل إ‬

‫السالم‪ ،‬سوف نشهد ما يشبه «ثورة» ف ي�‬ ‫باالنتقال من الجاهلية إىل إ‬ ‫ت‬ ‫السالم‪،‬‬ ‫هذه العالقة‪ ،‬إذ كان نظام الجوار من ال ّن‬ ‫أقرها إ‬ ‫ال� ّ‬ ‫ظم ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫كث� من اليات الكريمة‪،‬‬ ‫وحث‬ ‫ّ‬ ‫المسلم� عىل المحافظة عىل الجار ي� ي‬ ‫منها قوله تعاىل‪{َ :‬وا ْع ُب ُدوا ال َّل َه َو َل تُ ْش‬ ‫�كُوا ِب ِه َش ْيئاً َو ِبا ْل َوا ِل َديْ ِن ِإ ْح َساناً‬ ‫ِ‬ ‫َو ِب ِذي ا ْلق ُْرب َ� َوا ْل َي َت َامى َوا ْل َم َس ِاك ي ِن� َوا ْل َج ِار ِذي ا ْلق ُْرب َ� َوا ْل َج ِار ا ْل ُج ُن ِب‬ ‫الس ِب ِيل َو َما َم َلك َْت أَيْ َمانُك ُْم ِإ َّن ال َّل َه َل يُ ِح ُّب َم ْن‬ ‫َو َّ‬ ‫الص ِاح ِب ِبا ْل َج ْن ِب َوابْ ِن َّ‬ ‫ً‬ ‫َان ُم ْخ َتاال ً ف َُخورا} (سورة النساء ‪ -‬آية ‪.)36‬‬ ‫ك َ‬ ‫ين‬ ‫المسلم� عىل الجار‪ ،‬فيقول‬ ‫الرسول ‪ -‬صىل هللا عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫ويحث ّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫سيورثه»‪ .‬ويقول‬ ‫ح�‬ ‫ج�يل‬ ‫«ما زال ب‬ ‫يوصي� بالجار‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ظننت أنّه ّ‬ ‫ي‬

‫الج�ة الحسنة‪ ..‬صداقة مدى العمر‬ ‫ي‬


‫«وهللاِ ال يؤمن‪ ،‬وهللاِ ال يؤمن‪ ،‬وهللا ال يؤمن! قيل‪َ :‬م ْن يا رسول هللا؟‬ ‫قال‪ :‬الذي ال يأمن جاره بوائقه»‪.‬‬ ‫وب� بأ� سفيان‪ ،‬ي ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ح�‬ ‫ومن‬ ‫هرقل ي ي‬ ‫المأثور ما دار من حديث يب� الملك َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫«بم يأمركم؟»‪ ،‬فقال أبو سفيان‪:‬‬ ‫الن� الجديد َ‬ ‫سأل الول ي‬ ‫الثا� عن ب ي ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫«يأمرنا بصدق الحديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وصلة الرحام‪ ،‬وحسن الجوار‪،‬‬ ‫والكف عن المحارم والدماء…»‪.‬‬

‫تحوالت الجيرة في العصر الحديث‬ ‫ّ‬

‫«الج�ة»‪ ،‬أي عالقة الجار بالجار‪ ،‬ي ّ ز‬ ‫ح�اً واسعاً ف ي� جدل‬ ‫شغلت عالقة‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫كث�اً‬ ‫ال� طرأت عىل الحياة المعارصة‪ .‬حيث اكتسبنا ي‬ ‫ّ‬ ‫التحوالت ي‬ ‫زمت أمام‬ ‫والسلوكيات‪ ،‬عىل حساب عادات ُه ْ‬ ‫من العادات والقيم ّ‬ ‫ش‬ ‫«الج�ة» مجموعة‬ ‫ولما كانت‬ ‫ي‬ ‫الم�وع المعارص للحياة الجديدة‪ّ .‬‬ ‫ف‬ ‫من العالقات المتشابكة ي� عالقة واحدة مركّبة‪ ،‬فربما كانت عالقات‬ ‫أ‬ ‫تحوالت‪.‬‬ ‫ي‬ ‫«الج�ة» هذه هي الشد تأثّراً بما جرى من ّ‬

‫فإضافة إىل ما تشهده مدننا الحديثة من ازدياد تلون ش‬ ‫ال�ائح‬ ‫االجتماعية بثقافاتها المختلفة‪ ،‬ومجاورتها لبعضها بعضاً‪ ،‬جاءت‬ ‫تقنيات التواصل االجتماعي لتصب الزيت عىل النار‪ ،‬ولتؤسس ألشكال‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ال تن�نت‬ ‫جديدة من العالقات عىل شبكة إ‬ ‫قد تكون أقوى ف من تلك ي‬ ‫ف‬ ‫يتمتع بها مع أقرب الناس إليه ف ي� البيت أو ي� البناية أو ي� الشارع‬ ‫ف‬ ‫الخ� يا جاري‪ ،‬أنت‬ ‫ي� (الحارة)‪ ،‬وعىل الرغم من أن عبارة «صباح ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫مر‬ ‫حال»‪ ،‬هي عبارة تُر ّددها المثال الشعبية عىل ِّ‬ ‫ي� حالك وأنا ي� ي‬ ‫أشد‬ ‫معان ودالالت مختلفة‪ ،‬إال أنّها باتت اليوم ّ‬ ‫العصور‪ ،‬وهي ذات ٍ‬ ‫ً‬ ‫أشد عزلة وابتعادا عن أقرب الناس‬ ‫رسوخاً وواقعية‪ ،‬فقد بات إ‬ ‫النسان ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫إليه‪ ،‬ت‬ ‫ممن يعيشون معه � ز‬ ‫الم�ل نفسه‪ ،‬عزلة تفرضها ظروف‬ ‫ح� ّ‬ ‫ي‬ ‫الحياة الجديدة‪ ،‬وأدوات التواصل الحديثة‪ ...‬فما عاد البعض ت‬ ‫يك�ث‬ ‫ت‬ ‫ح� بإمكانية التعرف إىل جاره‪.‬‬ ‫فما الذي جرى ت‬ ‫تتغ� العالقات‪ ،‬وتتخذ هذه الصور من القطيعة‬ ‫ح� ي‬ ‫َّ‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫تغي�ات‬ ‫والعزلة والرغبة ي� االنفصال واالبتعاد عن الخرين؟ هل هي ي‬


‫‪101 | 100‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫ف� الوعي والحاجات‪ ،‬أم إنها تجديد أ‬ ‫للولويات ف ي� حياة ّكل م ّنا بحسب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ما تفرضه المتطلبات؟‬ ‫التاكس أو‬ ‫فح� جار الحافلة أو‬ ‫وال ترتبط ي‬ ‫الج�ة بزمن المجاورة‪ ،‬ت ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫تأث�‬ ‫لكن له أثرا ي� جاره قد يفوق ي‬ ‫القطار‪ ،‬هو الجار الموقّت صحيح‪ّ ،‬‬ ‫جار مقيم ودائم‪ ،‬فكم من عالقة صداقة تبدأ من هذه المجاورات‬ ‫العابرة ف� الزمن‪ ،‬وال تنتهي ت‬ ‫باالف�اق‪ ،‬بل تمتد ما طال العمر‪.‬‬ ‫ي‬

‫بعض ما في الغرب‬ ‫بعض ما عندنا‬

‫أ‬ ‫أ‬ ‫ال نقول ما ي ز‬ ‫مريك ك ّله‪ ،‬فهذا‬ ‫ورو� وال ي ّ‬ ‫يج� التعميم عىل الغرب ال ب ي ّ‬ ‫محددة‪،‬‬ ‫سيكون مجافاة للواقع والحقيقة‪ ،‬لك ّننا ننقل «وقائع» ّ‬ ‫ف ي� بريطانيا‪:‬‬

‫‪%60‬‬

‫وقد ال يجوز القياس عليها تماماً‪ ،‬بل هي نماذج شائعة ربما‪،‬‬ ‫أو هي باتت مألوفة لشيوعها‪ ،‬وربما أيضاً بات بعضها مألوفاً �ف‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫مجتمعاتنا العربية‪ ،‬إذ هي تنتقل مع أنماط العيش الغربية ي‬ ‫الغر� الذي بتنا نستهلكه ث‬ ‫بك�ة‪ّ ،‬‬ ‫ولكل‬ ‫تنتقل إلينا مع ُ‬ ‫المن َتج ب ي ّ‬ ‫ف‬ ‫إنتاج محموالته و«آثاره الجانبية»‪ ،‬السلبية ي� الغالب‪ ،‬إىل جانب‬ ‫إيجابياتها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال� ي ن‬ ‫يطاني� «الدار قبل الجار»‪،‬‬ ‫كث�ون من ب‬ ‫فعىل سبيل المثال‪ ،‬يَ ُعد ي‬ ‫أ‬ ‫كث�ة‪ ،‬عىل رأسها ضجيج‬ ‫ج�انهم لسباب ي‬ ‫بسبب صعوبة التأقلم مع ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يقيمونها وتمتد إىل ساعات متأخرة‬ ‫أطفالهم وصخب الحفالت ي‬ ‫ن‬ ‫يطاني� يكرهون‬ ‫ال� ي‬ ‫من الليل‪ ،‬وقد أظهرت دراسة أن ‪ %60‬من ب‬ ‫ت‬ ‫ج�انهم بسبب الضجيج المنبعث من منازلهم‪ ،‬فيما اع�ف ‪%28‬‬ ‫ي‬

‫‪10 3‬‬ ‫من‬

‫ج�انهم بسبب‬ ‫يكرهون ي‬ ‫الضجيج المنبعث من‬ ‫منازلهم‬

‫يقيمون عالقة سيئة مع‬ ‫ين‬ ‫ج�انهم‬ ‫اثن� من ي‬

‫‪%28‬‬

‫‪%50‬‬

‫‪%10‬‬

‫‪10 ١‬‬

‫يرمي جاره بنظرة فاترة‬

‫‪10 6‬‬

‫‪10%‬‬

‫لن يقيموا معهم أي‬ ‫عالقات اجتماعية‬

‫يتناحرون معهم‬ ‫باستمرار‬

‫من‬

‫ال يتأقلمون مع‬ ‫عائلة عىل أ‬ ‫القل من‬ ‫ج�انهم‬ ‫ي‬

‫أقروا بأنهم ينظرون ف ي� االتجاه‬ ‫ّ‬ ‫المعاكس إذا ما صادفوا‬ ‫ج�انهم ف ي� الشارع‬ ‫ي‬

‫من‬

‫مستمر‬ ‫لديهم عدا ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫الج�ان منذ‬ ‫مع أحد ي‬ ‫تف�ة طويلة‬


‫الجيرة في الفن التشكيلي‬ ‫عىل قلة ما نجد ف� أ‬ ‫العمال التشكيلية نحتاً ورسماً‪ ،‬من‬ ‫ي‬ ‫العناية بالمجاميع ت‬ ‫ج�ة ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ال� يمكن أن تحيلنا إىل عالقة ي‬ ‫ف ي‬ ‫ج�ة حقيقية‬ ‫شخوصها‪ ،‬نجد ي� تاريخ الفن المعارص‪ ،‬ي‬ ‫الج�ة مثيال ً له ف ي� كل تاريخ‬ ‫لعبت دوراً تاريخياً لم تلعب ي‬ ‫الثقافة‪.‬‬ ‫ففي بدايات القرن ش‬ ‫الع�ين‬ ‫ين‬ ‫الفنان�‬ ‫أقام عدد من كبار‬ ‫ف� ن‬ ‫مب� واحد ف ي� حي مونمارتر‬ ‫ي‬ ‫عند طرف العاصمة باريس‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولن هذا ن‬ ‫المب� كان قديماً‬ ‫ت‬ ‫وم�هال ً تترسب منه مياه‬ ‫أ‬ ‫المطار‪ ،‬أطلق عليه الرسام‬ ‫نس ماكس جاكوب اسم «لوباتو ال فوار» (أي المركب‬ ‫الفر ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتوىل غسل‬ ‫الغسالة‪ ،‬لنه كان يذكِّره بالمر‬ ‫اكب ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫المالبس ف� نهر ي ن‬ ‫الس�)‪ .‬المهم ي� هذا المب� هو أنه ضم‬ ‫ي‬ ‫سكانه كال ً من بيكاسو (من ‪ 1900‬إىل ‪1904‬م)‪ ،‬ف‬ ‫من ي ن‬ ‫و�‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫الوقت نفسه ضم أيضاً كيس فان دونجن‪ ،‬وجورج براك‪،‬‬ ‫ف‬ ‫دو�‬ ‫وخوان غري‪ ،‬وماكس جاكوب وأندريه دوران وراؤل ي‬ ‫ن‬ ‫موديغليا� ونحو ش‬ ‫ع�ة يغ�هم‬ ‫وموريس أوتريو وأماديو‬ ‫ف ي‬ ‫ش‬ ‫التشكيل ي� القرن الع�ين‪ .‬ومن‬ ‫من كبار أساتذة الفن‬ ‫ي‬ ‫ال� جمعت بيكاسو بجورج براك ف� هذا المب�ن‬ ‫الصداقة ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫انطلق االثنان ف ي� تجربة فن التكعيب‪ ،‬الذي فتح الباب‬ ‫عىل مرصاعيه أمام التجريد ومن ثم العديد من التيارات‬ ‫الفنية المعارصة‪.‬‬

‫ومن الذين كانوا تي�ددون عىل هذا ن‬ ‫المب� من الك َّتاب‪،‬‬ ‫وج�ترود شتاين‪ ،‬إضافة‬ ‫نذكر غيوم‬ ‫أبولين� وجان كوكتو ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫إىل عدد من كبار تجار الفن المعارص‪ .‬ومن أهم الحداث‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� أقامها بيكاسو تكريماً‬ ‫ي‬ ‫ال� شهدها هذا المب�‪ ،‬الوليمة ي‬ ‫ن‬ ‫للفنان ن‬ ‫موديغليا� قام ذات‬ ‫ه�ي روسو‪ .‬كما يُروى أن‬ ‫ي‬ ‫تأث� الكحول‪ ،‬بتمزيق عدد‬ ‫ليلة‪ ،‬وسط فورة غضب تحت ي‬ ‫ين‬ ‫الفنان�‪.‬‬ ‫ج�انه‬ ‫من لوحات ي‬ ‫ف� عام ‪1970‬م‪ ،‬التهم حريق ن‬ ‫مب� «لوباتو ال فوار»‪ ،‬ولم‬ ‫ي‬ ‫يبق منه يغ� واجهته‪ ،‬ولكن ف ي� العام ‪1978‬م‪ ،‬أعيد بناؤه‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫مب� تاريخياً‪.‬‬ ‫بالكامل‪ ،‬وتم تصنيفه ً‬


‫‪103 | 102‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫منهم بأنهم لن يقيموا معهم أي عالقات اجتماعية‪ ،‬و‪ %10‬بأنهم‬ ‫يتناحرون معهم بصورة مستمرة‪ .‬ووجدت الدراسة أن ‪ 6‬من كل ‪10‬‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫ج�انهم‪ ،‬وأن ‪ 3‬من‬ ‫بريطاني� ال يتأقلمون مع عائلة عىل القل من ي‬ ‫أ‬ ‫كل ‪ 10‬منهم يقيمون عالقة سيئة مع ي ن‬ ‫ج�انهم لسباب تُراوح‬ ‫اثن� من ي‬ ‫ين‬ ‫ب� صخب أطفالهم‪ ،‬وضجيج حفالتهم‪ ،‬وإغراق حاويات القمامة‬ ‫ت‬ ‫المش�كة أمام منازلهم بمواد ال يمكن وضعها فيها‪ .‬وقالت دراسة‬ ‫ف‬ ‫ال� ي ن‬ ‫أقروا بأنهم ينظرون ي� االتجاه المعاكس‬ ‫أخرى إن نصف ب‬ ‫يطاني� ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ج�انهم ي� الشارع‪ ،‬فيما اع�ف واحد من كل ع�ة‬ ‫إذا ما صادفوا ي‬ ‫منهم بأنه يرمي جاره بنظرة فاترة‪ ،‬و‪ %10‬بأن لديهم عدا ًء مستمراً‬ ‫الج�ان منذ تف�ة طويلة‪.‬‬ ‫مع أحد ي‬

‫الجيرة وأثرها على تخطيط المدن وفن العمارة‬

‫عندما يقرر المرء السكن ف� عمارة ما‪ ،‬أو بناء ن ز‬ ‫م�له الخاص ف ي� منطقة‬ ‫ي‬ ‫الجابة‬ ‫الج�ة كسؤال‬ ‫أساس عليه أن يحصل عىل إ‬ ‫ما‪ ،‬تح�ض قضية ي‬ ‫ي‬ ‫الج�ة عىل هذا الصعيد ف� ي ن‬ ‫جانب�‬ ‫المرضية عنه‪ .‬وتتمثل قضية ي‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أساسي�‪:‬ن‬ ‫ي‬ ‫أوالً‪ :‬الجانب الطبقي‪ .‬ت‬ ‫فح� أواسط القرن التاسع ش‬ ‫ع� ف ي� أوروبا‪،‬‬ ‫ف‬ ‫وبدايات القرن ش‬ ‫للبعد الطبقي‬ ‫الع�ين ي� البالد العربية‪ ،‬فلم يكن ُ‬ ‫ف‬ ‫بالج�ة‪ .‬فقصور النبالء ي� أوروبا كانت تتوسط‬ ‫دور ي� ربط العمارة ي‬ ‫أكواخ الفقراء وبيوتهم المتواضعة‪ .‬تماماً كما نرى عىل سبيل المثال‬ ‫أن باشاوات دمشق والقاهرة ووجهائها بنوا قصورهم ف ي� حارات‬ ‫الح ي ن‬ ‫ال�جوازية‬ ‫رفي� والتجار‪ .‬ولكن مع انتصار الثورة ب‬ ‫محاطة بصغار ِ‬ ‫ف ي� أوروبا (انطالقاً من الثورة الفرنسية)‪ ،‬بدأ الفرز الطبقي‪ ،‬وبدأ‬ ‫ت‬ ‫االش�اط يغ� المعلن رسمياً ف ي� أن يكون «الجار عىل مقام جاره»‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫أك� إعادة تخطيط للمدينة ي� عملية‬ ‫وهذا ما أدى ي� باريس مثال ً إىل ب‬ ‫أ‬ ‫استمرت من عام ‪ 1853‬ت‬ ‫وح� ‪1870‬م‪ ،‬بُنيت فيها آالف البنية‬

‫الجديدة‪ ،‬عىل جوانب جادات جديدة‪ ،‬وبمقاييس مختلفة‪ ،‬عىل أن‬ ‫أك� قدر ممكن من التقارب الطبقي‬ ‫يتوىل تحديد إ‬ ‫اليجارات تحقيق ب‬ ‫ين‬ ‫ب� سكان الحي الواحد‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� القرن ش‬ ‫الع�ين‪ ،‬تفشت هذه الظاهرة أينما كان ف ي� العالم‪ .‬فقامت‬ ‫ي‬ ‫وضواح شبه مخصصة إليواء ش�ائح متقاربة فيما بينها عىل‬ ‫أحياء‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫صعيد االهتمامات والمكانة االجتماعية‪ .‬ومن أشهرها عالميا‪ ،‬ضاحية‬ ‫بفرل هيلز قرب مدينة لوس أنجلوس أ‬ ‫المريكية‪ ،‬حيث يتجاور كبار‬ ‫أ ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫العامل� ي� مجال السينما‪ .‬ومن‬ ‫الثرياء ي� المنطقة وغالبيتهم من‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� نلحظها ف ي� كل مدننا‪ ،‬هو وجود أحياء (مثل‬ ‫أقرب المثلة إلينا ف ي‬ ‫«الحزام‬ ‫الخ�) حيث تدل العمارة بشكل واضح‬ ‫الذه�» ي� مدينة ب‬ ‫بي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫الج�ان‪ ،‬يصعب عىل المنتمي إىل �يحة‬ ‫عىل تجانس طبقي ما يب� ي‬ ‫يخ�قه‪ .‬ويجد هذا الفرز االجتماعي المب َّطن �ف‬ ‫اجتماعية مختلفة أن ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫أماكن عديدة‪ ،‬دعماً من الجهات المسؤولة عن التنظيم‬ ‫ي‬ ‫المد�‪ ،‬ي‬


‫القوان� للحفاظ عىل الطوابع المحددة لشخصيات هذه أ‬ ‫ين‬ ‫الحياء‬ ‫تسن‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫وبالتال لل�ائح االجتماعية المرحب بها فيها‪.‬‬ ‫السكنية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ثانياً‪ :‬جانب العالقات االجتماعية‪ ،‬وهو الجانب أ‬ ‫ال ثك� تعقيداً‪ ،‬وال‬ ‫الج�ة الحسنة‪،‬‬ ‫الج�ة السيئة واالرتياح إىل ي‬ ‫يقترص عىل النفور من ي‬ ‫بل يمتد إىل إشكالية الحفاظ عىل الخصوصية من جهة واالنفتاح‬ ‫الج�ة من جهة أخرى‪ ،‬وفق اعتبارات تختلف باختالف الثقافات‬ ‫عىل ي‬ ‫ف‬ ‫أساس ي� تطوير فن العمارة‬ ‫والتقاليد االجتماعية‪ .‬ولهذا الجانب دور‬ ‫ي‬ ‫ف ي� اتجاهات مختلفة‪.‬‬ ‫ح� أننا نرى ف� بعض المدن أ‬ ‫ففي ي ن‬ ‫الصغ�ة أن البيوت‬ ‫المريكية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تُرصف عىل جانب الشارع قرب بعضها بعضاً‪ ،‬ال يفصل بينها يغ� خط‬ ‫الشج�ات أو سور من خشب ال يعلو أل ثك� من نصف تم�‪،‬‬ ‫صغ� من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫الطالق‪ ،‬نجد أن حماية الخصوصية‬ ‫�ء يفصل بينها عىل إ‬ ‫وأحياناً ال ي‬ ‫ف‬ ‫تبلغ أحياناً حدودها القصوى ي� بالدنا‪ ،‬بشكل ينعكس بوضوح عىل‬ ‫تصميم العمارة ليعزل البيت تماماً عن محيطه‪ .‬وهذا ما نراه بوضوح‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تقام دفعة واحدة ف ي� منطقة ما‪ ،‬وكأنها تعرض‬ ‫ي� مجمعات الفلل ي‬ ‫الج�ة‪ .‬والمؤكد أن‬ ‫مع البيت خصوصية مطلقة واستقالال ً تاماً عن ي‬ ‫كث�ين أيضاً يتمنون لو أن‬ ‫كث�ين يرتاحون إىل مثل هذه العزلة‪ .‬ولكن ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ج�انهم‪ ،‬ولوالدهم أن‬ ‫تخطيط هذه الحياء يسمح لهم بالتعرف إىل ي‬ ‫الج�ان‪.‬‬ ‫يتعرفوا إىل أوالد ي‬

‫أدى الحرص الشديد عىل الخصوصية إىل‬ ‫الج�ان تماماً عن‬ ‫ظهور نمط أعمارة تعزل ي‬ ‫المر الذي يرتاح إليه البعض‪،‬‬ ‫بعضهم‪.‬‬ ‫ويأسف له البعض آ‬ ‫الخر‪..‬‬


‫‪| 104‬‬ ‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2015‬‬

‫الجيرة على مستوى الدول‬ ‫«الج�ة» ليصل إىل العالقات‬ ‫يمتد مفهوم‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫القائمة ما يب� دول العالم‪ .‬ولربما كان لهذا‬ ‫البعد للج�ة الوقع أ‬ ‫ال بك� عىل رسم حياة‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫بكث� من مفاعيل‬ ‫أك�‬ ‫ومصائرها‪،‬‬ ‫الشعوب‬ ‫ي‬ ‫الج�ة عىل مستوى أ‬ ‫الفراد‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الج�ة الدولية يمكننا أن نشهد كافة‬ ‫و� ي‬ ‫ي‬ ‫النواع أ‬ ‫أ‬ ‫واللوان‪ .‬من أسوئها كما هو الحال‬

‫ين‬ ‫ين‬ ‫الكوريت� الشمالية والجنوبية‪ ،‬وباكستان‬ ‫ب�‬ ‫أ‬ ‫كث�ة‪.‬‬ ‫والهند إىل أفضلها‪ ،‬والمثلة عىل ذلك ي‬ ‫ففي حال عدم وجود سبب للخالف ي ن‬ ‫ب�‬ ‫الدول تك�سيم الحدود أو ما شابه ذلك‪،‬‬ ‫نجد أن هذه الدول تنتقل فوراً إىل ي ز‬ ‫تمي�‬ ‫ق‬ ‫ببا�‬ ‫عالقاتها بالدول المجاورة عن عالقاتها ي‬ ‫دول العالم‪ ،‬فتخفف من قيود الحركة‬ ‫العابرة لحدودها معها‪ ،‬ش ئ‬ ‫وتن� سلسلة من‬ ‫الروابط والتفاهمات معها ف� إطار ي ز‬ ‫تمي�‬ ‫ي‬ ‫عالقاتها بها‪.‬‬ ‫من أشهر أ‬ ‫المثلة عىل سياسة ُحسن الجوار‬ ‫الدولية هذه‪ ،‬نعرف كلنا «مجلس التعاون‬ ‫الخليجي» الذي تأسس عام ‪1981‬م‪،‬‬ ‫ليجمع ف� إطار عالقات ي ز‬ ‫مم�ة ست دول‬ ‫ي‬ ‫العر�‪ ،‬وهي إضافة إىل‬ ‫الخليج‬ ‫عىل‬ ‫تطل‬ ‫بي‬

‫المارات العربية المتحدة‪،‬‬ ‫المملكة‪ ،‬دولة إ‬ ‫وقطر‪ ،‬والبحرين‪ ،‬وسلطنة ُعمان‪ ،‬والكويت‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ورو�» فهو بال شك‬ ‫أما «االتحاد ال ب ي‬ ‫أك� صيغة لتعزيز ُحسن الجوار ما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ب‬ ‫عدة دول‪.‬‬ ‫إذ إن هذا االتحاد الذي تأسس بنا ًء عىل‬ ‫معاهدة ت‬ ‫ماس�يخت عام ‪ ،1992‬بات يضم‬ ‫‪ 28‬دولة من دول القارة أ‬ ‫الوروبية‪ .‬ث‬ ‫وأك� من‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد أنشأ هذا االتحاد ما يُعرف باسم‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� عمدت منذ‬ ‫«سياسة فالجوار الوروبية» ي‬ ‫نص عليها‬ ‫إطالقها ي� عام ‪2004‬م‪ ،‬وحسبما َّ‬ ‫أ‬ ‫ورو�‬ ‫ميثاقها‪ ،‬إىل تعزيز عالقات االتحاد ال ب ي‬ ‫بمجموعة مختارة ومحددة من الدول‬ ‫المجاورة ف ي� شمال إفريقيا ش‬ ‫العر�‬ ‫والم�ق ب ي‬ ‫ت‬ ‫وح� أوروبا ش‬ ‫ال�قية وآسيا الوسطى‪.‬‬

‫أ‬ ‫ورو�»‬ ‫بلدان «االتحاد ال ب ي‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫دليل المعلِّمين لمحتوى القافلة‬ ‫أدب وفنون‬

‫هذه الصفحة هي للتفاعل مع قطاع المعلِّمين والمعلِّمات ومساعدتهم على‬ ‫تلخيص أبرز موضوعات القافلة في إصدارها الجديد‪ ،‬وتقريبها إلى مفهوم وأذهان‬ ‫الفئات العمرية المختلفة للطالب والطالبات‪.‬‬

‫ما بين‬ ‫المشي من جهة والنشاط‬ ‫الذهني وما‬ ‫يمكن أن يتمخض عنه‬ ‫من إبداعات‬ ‫فنية أو أدبية ذات عالقة‬ ‫غامضة‬ ‫قد‬ ‫يصعب‬ ‫تف‬ ‫سيرها‪ ،‬كما‬ ‫يصعب تع‬ ‫ً ميمها‪ ،‬ألنها ليست قاعدة‬ ‫وال شرطا‪.‬‬ ‫ولكنها موجودة‪ ،‬وبوضوح‬ ‫عند عدد من‬ ‫كبار المبدعين في األدب‬ ‫والم‬ ‫وسيقى‬ ‫وحتى‬ ‫ال‬ ‫فلسفة‪.‬‬

‫فادي توفيق‬

‫ورشة عمل‬

‫ألداء أفضل على‬ ‫شبكات التواصل‬

‫أنت‬ ‫تمشي‬ ‫إ ً‬ ‫ذا أنت‬ ‫كتشب‬ ‫األدباء وتالم‬ ‫ي‬

‫مَ نْ منّا ال تربطه رابطة بشبكة التواصل االجتماعي؟ التي أصبحت جزءاً ال يتجزأ من‬ ‫جل سكان العالم‪ .‬ال سيما مع انتشار أ‬ ‫حياة ّ‬ ‫االجهزة الذكية‪ ،‬وتطبيقاتها التي تئن بها‬ ‫الهواتف «فائقة الذكاء»‪ .‬فباتت «الشبكات االجتماعية» أقرب وأقصر الطرق للوصول‬ ‫إلى الجمهور المستهدف أالي كيان أو جهة اعتبارية أو حتى أ‬ ‫االفراد‪.‬‬

‫مقدِّ م الورشة‬

‫خالد فهد الذوادي‪ ،‬مستشار معتمد في‬ ‫التسويق والتجارة الإلكترونية‪ ،‬عضو لجنة‬ ‫التصال وتقنية المعلومات في الغرفة التجارية‪،‬‬ ‫مستثمر في عدة قطاعات تقنية وتدريبية‪ .‬وهو‬ ‫متخصص في التسويق الإلكتروني والشبكات‬ ‫الجتماعية‪ ،‬محاضر في الجامعة العربية‬ ‫المفتوحة‪ ،‬مملكة البحرين‪ .‬طوّر على مدى‬ ‫سنوات مهاراته العلمية والعملية‪ ،‬وحقق‬ ‫خبرة في مجال تقنية المعلومات‪ ،‬ووظفها في‬ ‫الإدارة الداخلية وخدمة العمالء‪ .‬وأسهم في‬ ‫صناعة إدارة التعليم والتعليم عن بُعد‪ ،‬عمل‬ ‫ضمن اللجنة الستشارية في الجامعة العربية‬ ‫المفتوحة فرع البحرين‪ ،‬وهو استشاري تطوير‬ ‫أعمال معتمد في التسويق والتجارة‪.‬‬

‫بسبب التطور ا‬ ‫لم‬ ‫ست‬ ‫مر‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ائ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لت‬ ‫واصل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬بات‬ ‫ع‬ ‫لي‬ ‫نا‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫طو‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫عا‬ ‫ِّ‬ ‫مل‬ ‫نا‬ ‫معها لالستفا‬ ‫ممكن‪ ،‬وه دة منها حتى أقصى ح ٍّد‬ ‫ذا هو‬ ‫محور ورشة العمل في‬ ‫هذا العدد‪.‬‬ ‫علوم‬

‫العمار‬ ‫َّ‬ ‫إبراهيم عبداهلل‬

‫الزراعة تحت األرض‬

‫الزراع‬ ‫ة تحت األرض‬ ‫ان‬

‫أ‬ ‫طالقاً من بدء تج‬ ‫تحت الأرض‪ ،‬ي ارب الزراعة في النفاق‬ ‫مك‬ ‫جدواها من ع ن للكثيرين أن يناقشوا‬ ‫الأرض قد ا دمه‪ ،‬وما إذا كان سطح‬ ‫س‬ ‫اللجوء إلى ُتنفد بالكامل حتى يتم‬ ‫باطنها‪.‬‬

‫هذا قليل من كثير خطه المف‬ ‫كِّر العالمي جان جاك روسو في‬ ‫كتابه «اعترافات»‪ ،‬قبل أكثر من‬ ‫أ قرنين ونيف‪ ،‬متحدثاً عن مركزية‬ ‫المشي في نتاجه الفكري والدبي‪ .‬قد‬ ‫لكثير من بيننا‬ ‫تبدو غريبة ٍ‬ ‫هذه الصلة التي يعقدها روسو بين‬ ‫جسده وفكره‪ ،‬بين حركة قدميه‬ ‫وحركة عقله‪ .‬بيد أن ما يبدو‬ ‫لنا‬ ‫ً‬ ‫غريب‬ ‫ا‬ ‫لن يظل كذلك‪ ،‬متى عرفنا‬ ‫بأن العتقاد بالترابط بين‬ ‫الجسد المتحرك والفكر يرجع إلى زمن‬ ‫الحضارة الإغريقية‪ .‬هذا ّ‬ ‫أقل ما ِّ‬ ‫يبينه التنقيب في تاريخ الفلسفة‪.‬‬ ‫من هذا نعرف أن تالميذ أرسطو عُرفوا بـ «المشَّ ائين»‪ ،‬لأ‬ ‫ن‬ ‫معلمهم‬ ‫كان من عادته أن يلقي عليهم‬ ‫دروسه ماشياً‪ .‬ليس هذا فقط‪ ،‬نعرف‬ ‫أيضاً أن الرواقية‪ ،‬المدرسة‬ ‫الفلسفية المقابلة والمعاصرة لمدرسة‬ ‫أرسطو‪ ،‬جاءت تسميتها من الرواق‪.‬‬ ‫وهو ممر طويل اعتاد الفالسفة‬ ‫الرواقيون المشي فيه أثناء‬ ‫أن الفعل نفسه الذي مجادلتهم الفلسفية‪ .‬فكيف حين نعرف‬ ‫يعني‬ ‫باليونانية القديمة المشي‪ ،‬يحيل أيضاً‬ ‫على محادثة بين شخصين يمشيان‪.‬‬ ‫قبل روسو بزمن طويل‪،‬‬ ‫مشى الفالسفة الإغريق كثيراً وفكروا‬ ‫وتفلسفوا‪ .‬لكنهم تعاملوا مع‬ ‫أ‬ ‫تالزم المشي والتفكير تعاملهم مع‬ ‫طبيعة المور‪ ،‬فلم يتركوا لنا قول ً‬ ‫فلسفياً مخصوصاً عن صلة‬ ‫أ‬ ‫المشي بالتفكير‪ .‬وإن كانت‬ ‫أ‬ ‫الكتابات الدبية عن المشي تبدأ مع‬ ‫أ‬ ‫روسو‪ ،‬فليس لنه كان أول من‬ ‫اكتشف هذه الصلة‪ ،‬بل لنه أول‬ ‫من كتب‬ ‫بدقة‬ ‫وإسهاب عن‬ ‫المشي ومحله من العملية الإبداعية‬ ‫خاصته‪ .‬فعل ذلك في أكثر‬ ‫من كتاب له‪ ،‬من «اعترافات» إلى‬ ‫«أحالم يقظة مشَّ اء منعزل»‪،‬‬ ‫إلى غيرها من الكتب والمقالت‬ ‫والخطابات‪.‬‬

‫ثمة شعراء وأ‬ ‫أنتجوه ل دباء ما كانوا لينتجوا ما‬ ‫وال حاجته‬ ‫عالقة بين المش م الما َّسة للمشي‪ .‬فأي‬ ‫ي‬ ‫عنه أحد موضو وا إلبداع‪ .‬هذا ما يُجيب‬ ‫عات القسم الثقافي‪.‬‬

‫إتقان و‬ ‫سائل التواصل‬ ‫االجتماعي‬

‫أدى نشوء الزراعة قبل نحو ‪ 10‬آالف سنة إلى تخلي‬ ‫الجماعات البشرية عن االعتماد الكلي على الصيد‬ ‫وااللتقاط العشوائي للثمار البريّ ة‪ ،‬وبدء االستقرار‪،‬‬ ‫حيث الموارد التي تصلح لزراعة محاصيل معينة‪،‬‬ ‫ومن َثم إلى تدجين حيوانات معيَّ نة‪ .‬هكذا ّ‬ ‫تجمع‬ ‫الناس حيث الزرع والضرع‪ ،‬فظهرت المدن األولى‪.‬‬ ‫لكن يبدو أن مستقبل الزراعة محفوف بتساؤالت‬ ‫تطرحها تحديات الموارد والنمو السكاني والظروف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مدهشا في‬ ‫تحوال‬ ‫البيئية‪ .‬ويناقش هذا المقال‬ ‫مسيرة هذه المهنة العريقة‪ ،‬التي يوجهها البحث‬ ‫ً‬ ‫يوما ببال ٍّ‬ ‫أي من أجيال‬ ‫العلمي في اتجاهات لم تخطر‬ ‫المزارعين‪.‬‬

‫«لم يقدَّ ر لي‬ ‫قط أن أكون أكثر تفكيراً‪ ،‬وأكثر‬ ‫استمراء‬ ‫ً لوجودي وحياتي‪ ،‬وأكثر قرباً من‬ ‫حقيقتي مما‬ ‫كنت في تلك الرحالت التي كنت‬ ‫أقوم بها سير ً‬ ‫ا على قدمي‪ ،‬ففي المشي شيء‬ ‫ينعش‬ ‫نشاطي‬ ‫ويسمو‬ ‫بأفكاري‪ .‬وأنا ال أكاد‬ ‫أفكِّر عندما أكون ساكناً‪ ،‬ال‬ ‫بدَّ‬ ‫لجسمي‬ ‫من‬ ‫أن‬ ‫يكون‬ ‫في‬ ‫حركة‬ ‫حتى يتحرك عقلي»‪.‬‬

‫الملف‪:‬‬

‫الجار‬ ‫يقف الجار في منت‬ ‫صف الطريق ما بين‬ ‫البيت‬ ‫والمجتمع الواسع‪..‬‬ ‫إنه‬ ‫ً‬ ‫ليس فردا من ال‬ ‫عائلة‪ ،‬ولكنه ليس‬ ‫كأي عابر سبيل‪.‬‬ ‫إنه‬ ‫في‬ ‫مرتبة‬ ‫وسطى‬ ‫ما بين االثنين‪.‬‬ ‫وألنه‬ ‫ه‬ ‫ً‬ ‫ناك‪..‬‬ ‫دائما على‬ ‫مقربة منا‪ ..‬يمكن‬ ‫ل‬ ‫جيرته‬ ‫أن‬ ‫تكون‬ ‫نعمة كما يمكنها‬ ‫أن تكون نقمة‪.‬‬ ‫قد يصل التفاعل‬ ‫معه إلى حدود‬ ‫الص‬ ‫ً‬ ‫داقة‪ ،‬وقد يبقى‬ ‫شكليا يقتصر على‬ ‫ال‬ ‫تحية‪ ،‬كما يمكنه‬ ‫أن‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫نعدم تماما‪ ،‬أو‬ ‫ي‬ ‫تحول إلى مصدر‬ ‫للمت‬ ‫اعب‪.‬‬ ‫«الجار قبل‬ ‫الدار»‬ ‫كانوا‬ ‫يق‬ ‫ولون‪ .‬فهل‬ ‫ما‬ ‫زال األمر كذلك؟‬ ‫في هذا ال‬ ‫ملف‪،‬‬ ‫وبم‬ ‫شاركة محدودة‬ ‫من فريق التحرير‪،‬‬ ‫يطل عمر شبانة‬ ‫على الجيرة‬ ‫والجار ومكانتهما‬ ‫التاريخية وما طرأ‬ ‫عليها من تغيرات‬ ‫في‬ ‫العصر الحديث‪.‬‬

‫الجار‬

‫يجمع مل‬ ‫المعط ف هذا العدد كثيراً من‬ ‫يات حول ال‬ ‫الزمان وحتى ال جيرة والجار منذ قديم‬ ‫التحوالت ا يوم‪ ،‬ويت َّ‬ ‫طرق إلى بعض‬ ‫لت‬ ‫االجتماعية ي شهدتها هذه الرابطة‬ ‫في‬ ‫الرغم من أ العصر الحديث‪ ،‬على‬ ‫ن ال‬ ‫سوا ًء أكان و جار با ٍق وسيبقى بقربنا‬ ‫جوده نعمة أم نقمة‪.‬‬


Saudi Aramco website

Qafilah website

Al-Qafilah Bi-Monthly Cultural Magazine A Saudi Aramco Publication September - October 2015 Volume 64 - Issue 5 P. O. Box 1389 Dhahran 31311 Kingdom of Saudi Arabia www.saudiaramco.com


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.