Qafilah jan feb 2017

Page 1

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 1‬مجلد ‪ . 66‬يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫الملف‪ :‬مركز الملك عبدالعزيز‬ ‫ف‬ ‫الثقا� العالمي‬ ‫ي‬

‫التشكيل‬ ‫الفن‬ ‫نقاش مفتوح‪ :‬سوق ِّ‬ ‫ي‬ ‫ف ي� المملكة‬ ‫علوم‪ :‬االحتباس الحراري حقيقة ‬ ‫أم خيال!!‬ ‫ع� وعدسة‪ :‬قبة السالم �ف‬ ‫ين‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ه�وشيما‬ ‫ي‬ ‫التقرير‪ :‬الذكاء االصطناعي‬


‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين‬

‫العدد ‪ . 1‬مجلد ‪66‬‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫الناشر‬ ‫شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)‬ ‫الظهران‬ ‫رئيس الشركة‪ ،‬كبير إدارييها التنفيذيين‬ ‫أمين بن حسن الناصر‬

‫ت‬ ‫للمش� ي ن‬ ‫توزع مجاناً‬ ‫ك�‬ ‫• العنوان‪ :‬أرامكو السعودية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬

‫نائب الرئيس لشؤون أرامكو السعودية‬ ‫ناصر بن عبدالرزاق النفيسي‬

‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫• ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪alqafilah@aramco.com.sa‬‬

‫مدير عام دائرة الشؤون العامة‬ ‫عبدالله بن عيسى العيسى‬

‫• الموقع إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫• الهواتف‪:‬‬ ‫ فريق التحرير‪+966 13 876 0175 :‬‬ ‫ت‬ ‫االش�اكات‪+966 13 876 0477 :‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫محمد الدميني‬ ‫تصميم وتحرير‬

‫‪www.mohtaraf.com‬‬

‫صورة الغالف‬ ‫هذا الغالف | هذا المبنى ذو الهندسة‬ ‫التي تمزج العراقة بما بعد الحداثة‪،‬‬ ‫هو أيضاً مركز آلفاق ثقافية مستقبلية‬ ‫متميزة‬ ‫عبر مشاريع كبيرة وأفكار ّ‬ ‫وإبداعات متبناة‪ .‬شكل ومضمون‬ ‫يمضيان نحو المستقبل بعزيمة وإرادة‬ ‫إلثراء المعرفة‪.‬‬

‫طباعة‬ ‫شركة مطابع التريكي‬ ‫‪www.altraiki.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬ ‫• جميع المراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫يعبر بالضرورة عن رأيها‪.‬‬ ‫• ما ينشر فـي القافلة ال ِّ‬ ‫• ال يجوز إعادة نشر أي من موضوعات أو صور «القافلة» إال‬ ‫بإذن خطي من إدارة التحرير‪.‬‬ ‫• ال تقبل «القافلة» إال أصول الموضوعات التي لم يسبق‬ ‫نشرها‪.‬‬


‫محتوى العدد‬

‫ً‬ ‫معا‬ ‫الرحلة‬ ‫ِم ْن رئيس التحرير ‬ ‫القراء ‬ ‫مع َّ‬ ‫أكثر من رسالة ‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫المحطة األولى‬ ‫الفن التشكيلي في المملكة ‪7‬‬ ‫نقاش مفتوح‪ :‬سوق ِّ‬ ‫ ‬ ‫بداية كالم‪ :‬ما شعورك بعد قراءة‬ ‫‪14‬‬ ‫رواية أو كتاب معرفي؟ ‬ ‫‪16‬‬ ‫كتب عربية‪ ..‬كتب من العالم ‬ ‫‪20‬‬ ‫قول في مقال‪ :‬مدرسة اليوتيوب ‬ ‫علوم وطاقة‬ ‫علوم‪ :‬االحتباس الحراري حقيقة أم خيال!! ‪21‬‬ ‫‪27‬‬ ‫الشفرة الخطّية ‬ ‫كيف يعمل؟ قارئ َّ‬ ‫علوم‪ :‬قانونا الثورة المعلوماتية ُمور وكرايد ر ‪28‬‬ ‫‪32‬‬ ‫منتج‪ :‬الرابط ‬ ‫النارة وجدواها االقتصادي ة ‪33‬‬ ‫طاقة‪ :‬مصابيح إ‬ ‫العلم خيال‪ :‬سالح من ضوء‪ ...‬هل ممكن‬ ‫‪38‬‬ ‫التحقيق؟ ‬ ‫‪40‬‬ ‫من المختبر ‬ ‫ُ‬ ‫‪41‬‬ ‫االسم المعياري‪ :‬أوم ‬ ‫ماذا لو‪ :‬أحاطت أ‬ ‫بالرض حلقات مثل زحل؟ ‪42‬‬

‫ ‬

‫اللكتروني‬ ‫هل أدخل البريد إ‬ ‫ثقافة عملية جديدة؟ ‬ ‫ميادين مدن العالم‪ ...‬قلبها النابض ‬ ‫تخصص جديد‪ :‬أ‬ ‫ النظمة الهندسية‬ ‫غير المأهولة ‬ ‫عين وعدسة‪َّ :‬قبة السالم في هيروشيما ‬ ‫فكرة‪ :‬ملعب كرة القدم غير العادي ‬

‫ ‬

‫‪43‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪58‬‬

‫أدب وفنون‬ ‫أدب‪ :‬االقتباس‪ ...‬رحلة الكلمة بعيداً عن قائلها ‪59‬‬ ‫التاريخ يستنطق أ‬ ‫‪63‬‬ ‫الدب ‬ ‫‪66‬‬ ‫فنان ومكان‪ :‬ميخائيل نعيمة والشخروب ‬ ‫‪68‬‬ ‫أقول شعراً‪ :‬مهند طهبوب ‬ ‫ذاكرة القافلة‪ :‬دمشق‪ ..‬أقدم مدينة في العالم‪70‬‬ ‫لغويات‪ :‬أهمية حروف المد في اللغة العربية ‪72‬‬ ‫فرشاة وإزميل‪ :‬في مرسم تغريد البقشي‪ ..‬‬ ‫واللوان أ‬ ‫بياض المكان أ‬ ‫والفكار ‪73‬‬ ‫‪78‬‬ ‫بيت الرواية‪ :‬ط َْع ُم الذئب ‬ ‫‪80‬‬ ‫رأي أدبي‪ :‬الحقيقة والرواية ‬ ‫التقرير‬ ‫الذكاء االصطناعي‪ ..‬تقنيات تطويره ‬ ‫ووعودها ومحاذيرها ‬

‫‪81‬‬

‫الملف‬ ‫مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي ‬

‫‪Qafilah App available at‬‬

‫‪@QafilahMagazine‬‬

‫‪89‬‬


‫دليل المعلِّمين لمحتوى القافلة‬

‫هذه الصفحة هي للتفاعل مع قطاع المعلِّمين والمعلِّمات ومساعدتهم على‬ ‫تلخيص أبرز موضوعات القافلة في إصدارها الجديد‪ ،‬وتقريبها إلى مفهوم وأذهان‬ ‫الفئات العمرية المختلفة للطالب والطالبات‪.‬‬

‫‪53 | 52‬‬

‫عين وعدسة‬

‫‪15 | 14‬‬

‫بداية كالم‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ما شعورك بعد قراءة‬ ‫رواية أو كتاب معرفي؟‬

‫"كان االنفجار م‬ ‫ُ ريعاً لدرجة أن كل فرد في‬ ‫هيروشيما قد‬ ‫َّ‬ ‫أحس وكأنه قد َّ‬ ‫تلقى قنبلته‬ ‫في صدره"‪.‬‬ ‫هذه‬ ‫واحدة‬ ‫من الشهادات‬ ‫الحية الم‬ ‫ّ‬ ‫عروضة في "متحف السالم‬ ‫التذكاري"‪ ،‬قريباً‬ ‫من‬ ‫القب‬ ‫ة‬ ‫الم‬ ‫تداعية‬ ‫ّ‬ ‫في‬ ‫قلب هير‬ ‫وشيما‬ ‫ال‬ ‫يابانية‪ ،‬والقائمة كمعلم‬ ‫مهيب ِّ‬ ‫يذكرنا بالحدث‬ ‫المريع‪ ،‬كما‬ ‫التاريخي ُ‬ ‫عاينتها القافلة‬ ‫ّ‬ ‫وصورتها الصيف الماضي‪.‬‬ ‫أشرف فقيه‬

‫إعداد‪ :‬خالد ربيع‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بعيدا في الخيال‬ ‫أحلق‬

‫هوازن باداود ـ معدة برامج تلفزيونية‬

‫أصاب مع السف بعد فراغي من قراءة بعض الروايات؛ ألنها تكون قد انتهت‪ .‬أشعر‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال� خضتها مع شخصيات الرواية بما فيها من أفراح وآلم‪ .‬بعض‬ ‫بالحن� لتلك الرحلة ي‬ ‫ن‬ ‫والخ�ة‪ ،‬فغالباً ما أقوم بعمل بحث عن معلومة جديدة‬ ‫الروايات‬ ‫تكسب� المعرفة ب‬ ‫ي‬ ‫وخ�ات‪.‬‬ ‫وجدتها‪ ،‬ول أكتفي بما‬ ‫عىل الكاتب من معلومات ب‬ ‫جاد به ي َّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫بمخيل� بعيداً‪ .‬فما أجمل تلك‬ ‫ال� تحلِّق‬ ‫أك� ما‬ ‫تستهوي� كتب ال ي‬ ‫ي‬ ‫ساط� القديمة ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫مواز لعالمنا‪ ،‬مختلف‪ ،‬لكن يعيش فيه‬ ‫ال� يأخذنا فيها الكاتب إىل عالم ٍ‬ ‫اللحظات ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫اء� كتاباً‬ ‫ال� يواجهونها‪ .‬أما عند قر ي‬ ‫أشخاص يشبهوننا‪ ،‬فنتعلَّم ونستفيد من المواقف ي‬ ‫ت‬ ‫ال� أقرأها‪ ،‬فغالباً ما يكون ذلك ألمر يتعلق بأبحاث‬ ‫جديداً مختلفاً عن نوعية الكتب ي‬ ‫عمىل ن ي� الصحافة والكتابة التلفزيونية‪.‬‬ ‫تخص‬ ‫ي‬

‫ق َّبة ال قبَّ‬ ‫سة‬ ‫الال‬ ‫مسفاليم في‬

‫أعيش في العوالم الجديدة‬

‫هيروشي‬ ‫هدمايسةرزياورةشيما‬ ‫في باب عين وع‬

‫محمد القثمي ـ موظف حكومي‬

‫ن‬ ‫يدفع� الكتاب العلمي إىل محاولة تطبيق ما جاء فيه وفق‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يتحدَّ ث عنها‪ ،‬كالتجارب ي ن‬ ‫الف�يائية‬ ‫استيعا� للنظرية‬ ‫بي‬ ‫العلمية ي‬ ‫الكيميائية‪ ،‬أو عىل أ‬ ‫القل مراقبة ما ن ي� النظرية عىل أرض‬ ‫أو‬ ‫الواقع‪ ،‬أو مشاهدة فِ لم وثائقي عن الموضوع‪ .‬كما أن كتب‬ ‫ن‬ ‫تستهوي� لعالقتها بالتطور التكنولوجي وما‬ ‫العلمي‬ ‫الخيال‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫خياىل مع هذه‬ ‫يحققه من إنجا نزات مهمة للب�‪ ،‬لذلك يسبح ي‬ ‫الكتب وأصبح � حالة نهم ت ن‬ ‫لالس�ادة من هذه الكتب‪ ،‬وكل كتاب‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يقود� إىل تحليق جديد‪.‬‬ ‫ي‬ ‫من ناحية ثانية‪ ،‬ت ن‬ ‫ُشعر� كتب التاريخ بالشوق إىل ن‬ ‫الما�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وتخيلها حسب ظروف العرص الذي تجري‬ ‫لمعايشة الحداث ّ‬ ‫ن‬ ‫كب�ة‪ .‬وأحياناً‪ ،‬أحاول التعرف إىل‬ ‫التخيل متعة ي‬ ‫فيه‪ ،‬وأجد ي� هذا ّ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تركها الب� الذين تدور حولهم الكتب‪ ،‬لق�ب نوعا‬ ‫الثار ي‬ ‫ما من الدللة التاريخية‪.‬‬ ‫أما الرواية أ‬ ‫الدبية‪ ،‬فإن كانت تتحدَّ ث عن حالة إنسانية فيكون‬ ‫عىل عميقاً‪ ،‬خاصة إذا كانت رواية مقتبسة من حوادث‬ ‫ي‬ ‫تأث�ها ّي‬ ‫تأث�ها أحياناً لعدة أيام‪ ،‬إما سلباً وإما إيجاباً‪.‬‬ ‫حقيقية‪ .‬ويستمر ي‬

‫بين قراء‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫اي‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫في باب بدا‬

‫ميدانية‬ ‫جديدة إلى موقع‬ ‫أحداث الحرب تاريخي شهد أحد أبرز‬ ‫ال‬ ‫علمية حول مفا عالمية الثانية‪ ،‬وتفاصيل‬ ‫عيل القنبلة الذرية‪.‬‬

‫ية‬ ‫الأثر الذي ت كالم سؤال يدور حول‬ ‫تركه‬ ‫واختالفه عن في النفس قراءة رواية‪،‬‬ ‫ذل‬ ‫قراءة كتاب ك الشعور الذي تتركه‬ ‫معرف‬ ‫للنقاش الطالب ي مختلف‪ .‬مادة صالحة‬ ‫ي‪.‬‬

‫الملف‪:‬‬

‫تقرير القافلة‬

‫الذكاء‬ ‫االصطناعي‬ ‫تقنيات تطويره‬ ‫ووعودها ومحاذيرها‬

‫الذ‬ ‫يستعركاء االصطناعي‬

‫ضه‬ ‫في تطوير ذا التقرير جهود العلماء‬ ‫ال‬ ‫المستقبلية‪ .‬ذكاء االصطناعي‪ ،‬وآفاقه‬

‫مركز الملك‬ ‫عبدالعزيز‬ ‫الثقافي‬ ‫العالمي‬ ‫منذ أن‬ ‫راح بناؤه يعلو في‬ ‫سماء الظهران‪،‬‬ ‫أدرك‬ ‫كل من شاهده‬ ‫ولو من بعيد أنه‬ ‫أمام‬ ‫منجز فريد من نوعه‪.‬‬ ‫إنه مركز الملك‬ ‫عبدا‬ ‫لعزيز‬ ‫الث‬ ‫قافي الع‬ ‫المي‪ ،‬هدية أرامكو‬ ‫السع‬ ‫ودية‬ ‫إلى‬ ‫َّ‬ ‫المجتمع‪،‬‬ ‫الذي دشنه خادم‬ ‫الح‬ ‫رمين‬ ‫الشر‬ ‫يفين ا‬ ‫لملك سلمان بن‬ ‫عبدا‬ ‫لعزيز‬ ‫آل‬ ‫سعود‪ ،‬يحفظه‬ ‫اهلل‪ ،‬في مطلع‬ ‫ديسمبر الماضي‪.‬‬ ‫فمن المهمة التي َّ‬ ‫له أ‬ ‫حددتها‬ ‫رامكو‬ ‫السعودية‪،‬‬ ‫إلى أدق تفاصيل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مكوناته وبرامجه‪،‬‬ ‫مرورا ب‬ ‫مبناه المدهش‬ ‫في تص‬ ‫ميمه الطليعي على‬ ‫مستوى العالم‪،‬‬ ‫يمثل‬ ‫هذا‬ ‫ا‬ ‫لمركز نقلة ع‬ ‫في‬ ‫مالقة وغير مسبوقة‬ ‫ال‬ ‫عمل‬ ‫على نشر الث‬ ‫قافة والمعارف‬ ‫في الم‬ ‫ملكة‪ .‬وليس من‬ ‫المبالغة القــــول‬ ‫بأال مثيل له في ال‬ ‫ً‬ ‫عالم‪ ،‬فهو متفرد‬ ‫شكال‬ ‫ً‬ ‫ومضمونا‪.‬‬ ‫في هذا الملف‬ ‫يصطحب فريق‬ ‫التحرير ال‬ ‫قارئ في إطاللة‬ ‫بانورامية على هذا‬ ‫الصرح الث‬ ‫قافي‪ ،‬لمعرفة ب‬ ‫عض خصائصه‬ ‫ّ‬ ‫ومكوناته‪،‬‬ ‫وما يكشف عنه‬ ‫من تطور طرأ على‬ ‫العمل الث‬ ‫قافي وحتى على‬ ‫مفهوم الثقافــة‬ ‫في عصرنا‪.‬‬

‫مركز ال‬ ‫ملك عبدالعزيز‬ ‫الث‬ ‫قافي العالمي‬

‫ملف هذا الع‬ ‫الثقافي ال دد هو حول هذا المركز‬ ‫عم‬ ‫مؤخراً‪ ،‬وك الق الذي جرى تدشينه‬ ‫انت أرامكو الس‬ ‫قررت‬ ‫إنشاؤه في الظهران لي عودية قد َّ‬ ‫كون هديتها إلى‬ ‫وطنها لمناسبة مر‬ ‫على تأسيسها‪ .‬ور خمس وسبعين سنة‬


‫تحية وبعد‬

‫يتنبهون إىل‬ ‫بات القيا ِّديون الذين يغادرون مناصبهم اليوم َّ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ُتب تتعلَّم‬ ‫أهمية أتوثيق تجاربهم العملية ال�ية فوتدوينها ي� ك ٍ‬ ‫منها الجيال الجديدة دروساً ميدانية ي� القيادة والتخطيط‬ ‫وإدارة المؤسسات‪ ،‬وتقدم لهم ع� التجارب أ‬ ‫والمثلة‬ ‫ب‬ ‫ِّ‬ ‫الملموسة مفاتيح لصناعة المستقبل‪ .‬وهكذا أصابت لجنة شباب أ‬ ‫العمال �ف‬ ‫ي‬ ‫ال�قية‪ ،‬ي ن‬ ‫غرفة ش‬ ‫ليتحدث عن‬ ‫عل النعيمي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ح� استضافت ي‬ ‫معال الوزير السابق ي‬ ‫حياته وكتابه وتجربته العملية الفارقة ورسائله إىل الجيل الجديد‪ ،‬الذي احتشد‬ ‫ت‬ ‫ال� أعطت بال َكل ٍَل طيلة سبعة‬ ‫ف ي� القاعة‪ ،‬متطلعاً إىل أرسار هذه‬ ‫ي‬ ‫المس�ة الرائدة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫عقود ‪ ..‬وما زالت‪ُ .‬ك َّنا جميعاً ننتظر مثل هذا الكتاب‪ ،‬ل َّن النفط ي� حياتنا لم‬ ‫وح�ن‬ ‫يكن سلعةً عابر ًة بل كان الطوق الذي نقل سكان المملكة من زمن إىل آخر‪ .‬ي‬ ‫كس�ة لشخصية قيادية‪ ،‬ولكننا نستكشف فيه‬ ‫نقرأ هذا الكتاب فإننا ال نقرأه فقط ي‬ ‫تضاريس حياتنا االجتماعية‪ ،‬وفصول تاريخنا‪ ،‬ومالمح إنسان هذه البالد‪ .‬كتاب‬ ‫النعيمي "من البادية إىل عالم النفط" الصادر عن دار بنغوين العريقة‪ ،‬هو ث‬ ‫أك�‬ ‫الكتب شفافية ال عن صناعة النفط‪ ،‬ولكن عن الحياة الشاقَّة ألحد أبناء البدو‬ ‫الذي قاده شظف الحياة إىل التعلُّق بأية وظيفة تمنحه وعائلته ب ز‬ ‫الخ�‪ ،‬وأدرك‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت‬ ‫العل َْم وحده هو َم ْن سيصنع أحالمه‪،‬‬ ‫أن ِ‬ ‫فالتحق أوال ً بمدرسة الجبل ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫صغ�ة ي� الظهران‪ ،‬ثم غادر ي� بعثة تعليمية إىل لبنان‪ ،‬ليقطف‬ ‫أشبه بأكاديمية ي‬ ‫بالماجست� من جامعة ستانفورد‪ ،‬أعرق‬ ‫بعد ذلك شهادته الجامعية ثم يلحقها‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� ث‬ ‫أك� التخصصات ض�ورة شل�كته ومجتمعه‪ .‬إذا كان‬ ‫جامعات العالم‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫مس�ة النفط‬ ‫ع� عن إعجابه وتأثره العميق‬ ‫بشخصيت� سبقتاه ي� ي‬ ‫النعيمي قد ب َّ‬ ‫ستاينك وخميس بن رمثان‪ ،‬فربما لم يدر بخلده أنه قد‬ ‫ف ي� المملكة هما‪ :‬ماكس‬ ‫ي‬ ‫تم�اً‪ ،‬فقد أخذ عن أ‬ ‫الشخصيت� أشد خصالهما ي ّ ز‬ ‫ين‬ ‫جمع من ي ن‬ ‫الول حدسه‬ ‫هات�‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� آمنت بوجود النفط ي� القيعان السحيقة‪ ،‬وكافح‬ ‫الصائب‪،‬‬ ‫وكفاءته العلمية ي‬ ‫ت‬ ‫بعناد لالستمرار ف ي� التنقيب والعمل ح� وصوله فعال ً إىل النتيجة المرجوة‬ ‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� قادت الفرق بع� الفضاء‬ ‫الثا�‬ ‫ال� نعرفها‪ ،‬وأخذ عن ي‬ ‫"البوصلة الفطرية" ي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫الصحراوي الهائل إىل مواقع البار والحقول وطبقات الصخور والرواسب‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تحيط‬ ‫وكيفية تلمس الطريق واتخاذ القرارات الصحيحة وسط العواصف ي‬ ‫بهذا المنتج المحرك للعالم واقتصاده‪.‬‬ ‫كان هذا ت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫القادم من الصحراء طموحا ومغامرا ومنفتحا منذ أن بدأ‬ ‫الف�‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫الدراسة ي� معاهد الغرب وجامعاته‪ .‬فقد راح يستكشف ثقافات‬ ‫العالم �ش قاً وغرباً وينفتح عليها‪ ،‬من دون أن يجعل من عاداته‬ ‫وتقاليده أسواراً تعيق تواصله إ ن‬ ‫نسا�‪ ،‬ونسج صداقات س ّهلت‬ ‫ال ي‬ ‫عليه أطر التفاهم والتعاون مع َم ْن يمثلون تلك الثقافات‪ .‬لعل سحر‬ ‫تنفد طبعاته تباعاً‪ ،‬هو ف ي� تطعيمه بوقائع حياتية‬ ‫هذا الكتاب الذي ُ‬ ‫وأحداث شخصية وآراء نقدية تجاه أحداث أو مفاوضات أو مواقف لم‬ ‫يغلّب فيها النعيمي لغة المجامالت أو أسلوب كتم أ‬ ‫الرسار‪ ،‬بل كان جريئاً‬ ‫العالم‪ .‬فهو ت‬ ‫يع�ف أن التقلّب هو‬ ‫وشفِّافاً وهو المعروف بتحفّظه تجاه إ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تحتضن هذه‬ ‫ال� تُ َّ‬ ‫سمى النفط‪ ،‬وأن البيئة ي‬ ‫جوهر هذه السلعة أ العالمية ي‬ ‫السلعة ّ‬ ‫يقل فيها الصدقاء‪ .‬وبعض فصول الكتاب هي كشوف لما جرى خلف‬ ‫الكواليس من نقاشات حامية وصدامات بينها مثالً‪ :‬رفضه تسليم أرسار حقل‬ ‫ال�كات العالمية‪ ،‬ووقوفه ضد استحواذ تب� ي ن‬ ‫الغوار إىل إحدى ش‬ ‫وم� عىل أرامكو‪،‬‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� اندلعت إثر الغزو العر يا� للكويت‪،‬‬ ‫وكيف واجهت ال�كة ذيول الحرب ي‬ ‫ين‬ ‫وتعي� من يخ ُلفُه عىل هرم أرامكو السعودية‪ ،‬والتصميم عىل غزو حقل الشيبة‬ ‫ف‬ ‫سيب�يا‪،‬‬ ‫ف ي� الربع‬ ‫قرين سوى حقول إ‬ ‫النتاج ي� مجاهل ي‬ ‫الخال الذي لم يكن له ٌ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫عد أندر قالع العلم واالبتكار‬ ‫ال� تُ ّ‬ ‫فوبناء جامعة الملك عبدهللا للعلوم والتقنية ي‬ ‫العر�‪.‬‬ ‫ي� العالم ب ي‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫نجل�ية عامر يت� بالهوامش‬ ‫تمنيت فقط أن تكون النسختان العربية إ‬ ‫وال ي‬ ‫التعريفية للشخصيات والمواقع أ‬ ‫والحداث‪ ،‬فقارئ اليوم ال يمتلك الوقت‬ ‫ف‬ ‫م�راً لبعض نواقص النسخة العربية‬ ‫للبحث عنها ي� مصادر أخرى‪ ،‬ولم أجد ب ّ‬ ‫ئ‬ ‫نصاً وصوراً وعناوين‪ ،‬ولغياب خطة إعالمية متماسكة ت‬ ‫استثنا�‬ ‫لل�ويج لكتاب‬ ‫ي‬ ‫كهذا ويحمل بذور نجاحه المؤكد‪.‬‬

‫الرحلة معاً‬ ‫ِمن رئيس التحرير‬

‫علي النعيمي‪،‬‬

‫الملهم‬ ‫الحصاد ُ‬


‫‪5|4‬‬

‫مع القرَّ اء‬

‫تحية وبعد‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ففي الفقرة السابقة تلقَّت القافلة سيال ً من طلبات‬ ‫االشتراك‪ ،‬جاء كثير منها مشفوعاً بعبارات التقدير‬ ‫للمجلة‪ .‬وقد أحلنا كل هذه الطلبات إلى قسم‬ ‫االشتراكات‪ ،‬وستصل أ‬ ‫العداد المقبلة إلى الراغبين بها‪،‬‬ ‫بإذن الله‪ .‬كما نشكر بشكل خاص الذين أولوا تحديث‬ ‫بياناتهم العناية الالزمة لتصلهم المجلة بانتظام‪.‬‬ ‫القراء‬ ‫أما‬ ‫الطائفة الثانية من الرسائل فقد طلب فيها َّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫بعض العداد الورقية القديمة‪ ،‬وأحيانا كلها‪ .‬وكنا نو ُّد‬ ‫نكرر ما سبق وقلناه‬ ‫تلبيتها لو كان ذلك ممكناً‪ .‬ولكننا ِّ‬ ‫الخوة القراء إن أ‬ ‫لكثير من أ‬ ‫العداد الورقية القديمة لم‬ ‫ّ‬ ‫تعد متوفرة للتوزيع‪ ،‬غير أنه من الممكن االطالع عليها‬ ‫كلها على موقع المجلة‪.‬‬ ‫الخرى وردتنا رسالة من أ‬ ‫ومن الرسائل أ‬ ‫الخ خليل‬ ‫محمود الصمادي يعقِّب فيها على موضوع ندوة‬ ‫العربية للتحديث) المنشورة‬ ‫(قابلية اللغة‬ ‫َّ‬ ‫القافلة َّ‬ ‫العربية‬ ‫للغتنا‬ ‫أن‬ ‫إلى‬ ‫فيها‬ ‫أشار‬ ‫السابق‪،‬‬ ‫في العدد‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اثية ارتبطت ارتباطاً‬ ‫متفردة‪ ،‬فهي لغة تر َّ‬ ‫َّ‬ ‫خصوصية ِّ‬ ‫نجدد أساليب تعليم‬ ‫وثيقاً بالقرآن الكريم‪ ،‬ويمكن أن ِّ‬ ‫اللغة أو تبسيطها أو إدخال بعض أ‬ ‫اللفاظ المستحدثة‬ ‫وهذا ليس بدعاً أ‬ ‫فالقدمون فعلوا ذلك‪.‬‬

‫مواكبة لتعاظم‬ ‫َّ الوعي بأهميَّ ة العالمة‬ ‫التجارية على مستوى‬ ‫أو خدمة‪،‬‬ ‫نجاح أي منتج أو مؤسسة‬ ‫ً نظمت «القافلة» ورشة‬ ‫عمل في جدة حول هذه‬ ‫عالميا باسم «براندينغ»‪.‬‬ ‫الصناعة الحديثة‪ ،‬المعروفـة‬ ‫وإضافة إلى ال‬ ‫محاضرين من ذوي االختصاص‪َّ ،‬‬ ‫شكلت‬ ‫يومين‬ ‫مناسبة‬ ‫فريدة‬ ‫هذه الورشة التي استمرت‬ ‫َّ‬ ‫من‬ ‫نوعها‪،‬‬ ‫تمكن خاللها حشد من‬ ‫حقيقيين‬ ‫الطالب من لقاء عمالء‬ ‫باحثين عن عالمات تجارية‬ ‫لمؤسسات‬ ‫أو‬ ‫منتجات‬ ‫َّ‬ ‫محددة‪.‬‬

‫ورشة عمل‬

‫صناعة العالمة التجارية‪..‬‬ ‫«براندينغ»‬ ‫تغطية‪ :‬مشاعل العمري‬ ‫تصوير‪ :‬ماجد المالكي‬

‫البراندينغ‬ ‫اليوم‪ :‬عرض قدَّ مه رالف كوربماتشر‬ ‫مراحل‬ ‫العمل‪ :‬عرض قدَّ مته ماري سكر‬ ‫تقسيم الطالبات المشاركات‬ ‫إلى مجموعات للعمل مع العمالء‬ ‫موجز يقدِّ مه العمالء‬ ‫أ عن شركاتهم والخدمات المقدَّ مة‬ ‫جلسة‬ ‫العمل‬ ‫الولى للطالبات‪ ..‬مرحلة البحث‬ ‫مكانة الشعار في‬ ‫«البراندينغ» قدَّ مها‪ :‬كميل حوا‬ ‫العالقة الجدلية بين «البراندينغ»‬ ‫جلسة العمل الثانية‬ ‫تقديم العروض من قِ بل الطالبات‬

‫والمنتج قدَّ مها‪ :‬وليد أبو الريش‬

‫ومن كيرال في الهند‪ ،‬وصلتنا رسالة من الدكتور ‬ ‫شر ُف على الطلبة‬ ‫أبو بكر محمد يقول فيها إنَّه يُ ِ‬ ‫بكلية فاروق بجامعة‬ ‫وآدابها‬ ‫العربية‬ ‫الباحثين في اللغة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫فكل المعارف والمشاعر‬ ‫ّ‬ ‫ومكونات وعي‬ ‫اإلنسان‬ ‫تنقسم إلى قسمين‪ :‬قسم‬ ‫متبادل مع‬ ‫محيطه‪ ،‬وقسم يحتفظ به‬ ‫لنفسه أو ضمن‬ ‫دائرة مغلقة‪ .‬إن السر‬ ‫درع يحمي به‬ ‫اإلنسان نفسه أو مصالحه‬ ‫من‬ ‫اآلخرين‪ .‬وألن «الحماية» من‬ ‫مستلزمات‬ ‫الحياة‪ ،‬ومن شروط البقاء‪،‬‬ ‫ال عجب في أن‬ ‫تنطوي هذه الحياة على‬ ‫سلسلة من‬ ‫األسرار تمتد من أعماق‬ ‫نفس‬ ‫الطفل‪ ،‬وحتى قيادات الدول‬ ‫والمجتمعات‪.‬‬ ‫قد يكون‬ ‫ً االحتفاظ ببعض األسرار‬ ‫ً‬ ‫مرهقا‬ ‫ومكلفا‪ ،‬ولكنه يبقى ّ‬ ‫أقل‬ ‫تكلفة من‬ ‫إفشائه‪ .‬ولذا‪ ،‬يبدو السر‬ ‫أشبه بملكية‬ ‫خاصة‪ ،‬تحميها األعراف‬ ‫األخالقية‪ ،‬ومنها ما هو‬ ‫ً‬ ‫محمي‬ ‫ّ‬ ‫قانونا‪.‬‬ ‫وكي ال يبقى‬ ‫ً‬ ‫مفهوم السر سرا يستطلع‬ ‫حسام الدين‬ ‫صالح في هذا الملف تاريخ‬ ‫السر‪ ،‬وحضوره‬ ‫في حياتنا اليومية وأثره‬ ‫ً‬ ‫فيها‬ ‫ً‬ ‫ماضيا‬ ‫وحاضرا‪ ،‬كما ينقلنا إلى أبرز‬ ‫مواقع تجمع‬ ‫األسرار من حولنا في هذا‬ ‫العالم‪.‬‬

‫القراء المتابعين للقافلة‪،‬‬ ‫كاليكوت الهنديَّة‪ ،‬وهو من َّ‬ ‫سنوات‬ ‫وحريص على قراءتها بانتظام منذ أكثر من‬ ‫ٍ‬ ‫خمس‪ .‬وأضاف َّأن معظم المقاالت الواردة في المجلة‬ ‫والسيما تلك التي ترد في قسم أ‬ ‫الدب والفنون‪ ،‬وكذلك‬ ‫تقارير القافلة‪ ،‬تحظى بمتابعة الطلبة الباحثين‪ ،‬وأنه‬ ‫يقدم للباحثين‬ ‫خالل السنتين الماضيتين استطاع أن ِّ‬ ‫ـ تحت إشرافه ـ تسعة أعداد من المجلة فيها مقاالت‬ ‫ودراسات مختلفة تختص بموضوعاتهم‪.‬‬ ‫وللدكتور محمد نقول إن القافلة تعتز بشهادته هذه‪،‬‬ ‫ألن خدمة الطالب من أهم أهدافها‪ ،‬ويسعدنا أن‬ ‫تصل ثمار جهودنا إلى طالب اللغة العربية وآدابـها‬ ‫في الهند‪.‬‬ ‫ومن أ‬ ‫الردن كتب سعدالدين بوطاقان‪ ،‬يبدي إعجابه‬ ‫بالمواضيع التي تنشرها القافلة‪ ،‬ال سيما في القسم‬ ‫العلمي‪ ،‬وتوقف بشكل خاص أمام ملفات القافلة‪،‬‬ ‫واصفاً إياها بأنها «إبداع فريد ليس له ما يشبهه في‬ ‫حيز‬ ‫الصحافة العربية‬ ‫والعالمية»‪ ،‬متمنياً تخصيص ّ‬ ‫أوسع لمادة الملف‪ ،‬أ‬ ‫«لن بعض الملفات تبدو في‬ ‫والضافــات أكثر‬ ‫نظره مضغوطـة‪ ،‬وتقبل التوسـع إ‬ ‫مما تنشر»‪.‬‬

‫أدب‬ ‫ط‬ ‫األ فال‬

‫د‪ .‬أروى داود خميّ س‬

‫هل الصغار وحدهم‬ ‫يرهفون السمع؟‬

‫والواقع يا أخ سعدالدين أن عدد صفحات الملف وهو‬ ‫‪ 16‬صفحة‪ ،‬هو الحد أ‬ ‫القصى الذي يمكننا تخصيصه‬ ‫للملف‪ ،‬من بين عدد صفحات المجلة‪ .‬وفي حال رأيتم‬ ‫نقصاً في تغطية جانب من موضوع الملف أو غيره‪،‬‬ ‫نرحب بمالحظتك وبإضافاتك إليه‪.‬‬ ‫فإننا ِّ‬ ‫وعلى الموقع إاللكتروني للمجلة‪ ،‬كتبت أمينة‪ ،‬من‬ ‫تقدمونه‬ ‫الجزائر«يسرني ويسعدني أن أهنئكم بما ِّ‬ ‫وجدكم في ذلك‪.‬‬ ‫من موضوعات في مجلة القافلة ّ‬ ‫فقد رأيتها عند إحدى صديقاتي وقرأتها فأعجبتني‬ ‫أ‬ ‫دبية الرصينة‪ ،‬السيما مقال أدب‬ ‫محتوياتها ومقاالتها ال َّ‬ ‫أ‬ ‫الطفال «هل الصغار وحدهم يرهفون السمع؟»‬ ‫للدكتورة أروى داود خميس‪.‬‬ ‫وأبدى ُم َح َّم ْد شَ َم ْص إعجابه بموضوع «مطاعم‬ ‫شخصية» المنشور في‬ ‫المستقبل خدمة بلمسة غير‬ ‫َّ‬ ‫عدد القافلة يوليو ـ أغسطس ‪2016‬م مشيداً بكاتبته‪،‬‬ ‫ومتمنياً للقافلة وأسرة تحريرها التوفيق والسداد في‬ ‫نشر العلم والثقافة‪.‬‬ ‫مطاعم‬ ‫المستقبل‬

‫خدمة بلمسة‬ ‫غير شخصية‬

‫هل‬ ‫ً‬ ‫ستنقرض وظيفة النادل‬ ‫قريبا؟ إذا ما‬ ‫قمنا بزيارة لبعض‬ ‫المطاعم التي بدأت تفتح‬ ‫أبوابها في أنحاء‬ ‫ِّ‬ ‫ً متعددة من العالم فقد‬ ‫نعتقد ذلك فعال‪.‬‬ ‫ومن المطاعم الجديدة‬ ‫التي ِّ‬ ‫تعزز‬ ‫ذلك‬ ‫مطعم‬ ‫«إيستا»‬ ‫في سان‬ ‫فرانسيسكو في‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫ومطعم‬ ‫«باغرز» في ألمانيا وسلسلة‬ ‫المقاهي‬ ‫والمطاعم المعروفة «فيتوبنا»‬ ‫في جمهورية‬ ‫تشيكيا ومطعم «فوا مين»‬ ‫في اليابان‬ ‫وغيرها‪ ..‬وكل هذه المطاعم‬ ‫َّ‬ ‫خالية من النوادل أو‬ ‫ممن يتسلم الطلبات أو‬ ‫المحاسبين أو أي‬ ‫عنصر‬ ‫بشري‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫باستثناء‬ ‫ً‬ ‫طاقم الطباخين الذي‬ ‫يعمل بعيدا عن أنظار‬ ‫الزبائن‪.‬‬

‫مهى قمر الدين‬

‫حياتنا اليوم‬

‫محاور ورشة العمل‬

‫ا ِّ‬ ‫لسر‬ ‫َم ْن منّ‬ ‫ا ال أسرار في حياته؟ َ‬ ‫وم ْن منّ ا‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫يعرف أن محيطه يكتم عنه‬ ‫كثيرا من‬ ‫األسرار؟‬

‫أدب وفنون‬

‫بداية‪ ،‬نو ُّد إالشارة إلى طائفتين من الرسائـل التي‬ ‫تلقَّيـنا كثيراً من كل منها خالل الشهرين الماضيين‪،‬‬ ‫ونعتذر عن الرد على كل منها على حدة لضيق مجال‬ ‫هذه الصفحة‪.‬‬

‫الملف‪:‬‬

‫«سأحكي لك‬ ‫ٌ‬ ‫حكاية»‪ ،‬عبارة كأنها مفتاح‬ ‫سحري لباب على‬ ‫عالم ال ترسمه حدود‪ .‬هو‬ ‫فقط أفق‬ ‫ال نهاية له‪ ،‬فيه أشجار‬ ‫َّ‬ ‫تتحدث‬ ‫وحيوانات تحتسي‬ ‫الشاي وبشر يمتلكون‬ ‫أجنحة وأسماك من‬ ‫سالالت األمراء وبيوت‬ ‫مصنوعة من‬ ‫الحلوى وزمردة ترى فيها‬ ‫المستقبل وبساط‬ ‫طائر‬ ‫من‬ ‫كلمات‬ ‫تطير‬ ‫عبرها حول هذه‬ ‫العوالم‪ ،‬عوالم مفاتيحها‬ ‫حكايات صاغتها‬ ‫قلوب األمهات والجدات‬ ‫وفلسفة‬ ‫الحكماء ورؤى المجتمعات‬ ‫القديمة‪ ،‬فكيف‬ ‫صارت اليوم صناعة أدبية‬ ‫وفنية متكاملة؟‬


‫تحية وبعد‬ ‫ال مجال هنا إللقاء موعظة حول «وظيفة اللوحة»‪،‬‬ ‫الشارة‬ ‫التي تختلف تماماً عن التزيين‪ .‬ولكن ال بد من إ‬ ‫إلى أن «اللوحة» هذا الفن الذي ظهر في أوروبا قبل‬ ‫سبعة قرون‪ ،‬ووصل إلينا قبل نحو قرن واحد من‬ ‫الزمن‪ ،‬هو فن الرسم الذي يستمد قيمته أوال ً من‬ ‫النساني الذي يتضمنه‪ ،‬بأوسع معنى لكلمة‬ ‫الخطاب إ‬ ‫خطاب‪ ،‬وليس من قوته الجمالية أو قدرته التزيينية‪،‬‬

‫بداية كالم‬

‫حسناً فعل بعض المجيبين عندما تحدث عن عمل‬ ‫فني تزييني‪ ،‬أي مجرد شيء جميل يضفي مزيداً من‬ ‫الجمال على المحيط المسكون‪ .‬أما اللوحــة فهي‬ ‫شأن مختلف‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫إعداد‪ :‬نوف السماري‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫قرأت في آخر عدد من القافلة وصلني‪ ،‬وتحديداً‬ ‫في باب «بداية كالم» أجوبة عديدة عن سؤال‬ ‫حول كيفية اختيار عمل فني للمنزل أو المكتب‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن السؤال كان عاماً‪ ،‬فقد بدا من‬ ‫أ‬ ‫الجوبة أنها كانت بشكل شبه حصري حول فن‬ ‫أ‬ ‫اللوحة‪ .‬وبغض النظر عن طبيعة الجوبة الواردة في‬ ‫المقال‪ ،‬ومع احترامنا لكل آ‬ ‫الراء‪ ،‬فإن المنشور على‬ ‫الصفحتين‪ ،‬بما فيه السؤال الرئيس المطروح‪ ،‬يشير‬ ‫إلى سوء تفاهم عميق ما بين المواطن العربي عموماً‬ ‫من جهة وفن اللوحة من جهة أخرى‪.‬‬

‫عمال ً‬ ‫ً‬ ‫فنيا‪،‬‬ ‫كيف تنتقي‬ ‫وأين تحتفظ به؟‬

‫‪3‬‬

‫تشكيل‬ ‫عبدهللا العثمان ‪ :‬فنان‬ ‫ي‬

‫ن‬ ‫ن‬ ‫ف� هو أن تكون‬ ‫ما‬ ‫يدفع� إىل اقتناء عمل ي‬ ‫ي‬ ‫مع� ن‬ ‫مع�اً عن ن‬ ‫يصل�‬ ‫للعمل قيمة‪ ،‬وأن يكون ب ّ‬ ‫ي‬ ‫به‪ ،‬ويشدّ ن� ث‬ ‫أك� من مجرد شكلياته الجمالية‪..‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ِّز� عىل االحتفاظ به‪ ،‬إنه ذلك‬ ‫هذا ما يحف ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المع� الذي أتطلع إليه دائماً ي� عمقه‪ .‬وغالباً‪،‬‬ ‫ن‬ ‫عمىل أياً كانت‪.‬‬ ‫أحتفظ به ي� مساحة ي‬

‫‪1‬‬

‫خطوات ال َّ‬ ‫بد منها الختيار عمل فني تزييني‬ ‫ن‬ ‫ضحى‬ ‫الحسي� ‪ -‬مستشارة موارد شب�ية‬ ‫ي‬

‫‪5‬‬

‫تغريد ش‬ ‫البق� ‪ :‬فنانة تشكيلية‬ ‫ي‬

‫ذائق� الفنية‪ ،‬ومدى ت‬ ‫أقت� العمل القريب وفق ت‬ ‫ن‬ ‫قناع� بالفكرة وما‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أراد الفنان أن يتضمنه عمله‪ ،‬وأيضاً مدى وجود طاقة روحية داخل‬ ‫ن‬ ‫م�‪ .‬وغالباً أعرض ما أقتنيه‬ ‫العمل تالمس‬ ‫إحساس أو تكون قريبة ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫كتجربة فنية وتاريخ‪ ،‬إىل جانب مجموعة المقتنيات ي� مرسمي‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬ما يجب أن يدركه كل من يقتني لوحة ذات‬ ‫قيمة‪ ،‬أنها عمل فني يستمد قيمته مما في داخله‬ ‫وليس مما هو حوله‪ .‬فمن خصوصيات اللوحة‬ ‫التي تميزها عن الرسم الجداري‪ ،‬قابلية نقلها من‬

‫يروق لي العمل البسيط والمؤثر‬ ‫في النفس‬

‫ماجد ت‬ ‫نف�‬ ‫الثبي� ‪ -‬ممرض ي‬ ‫ي‬

‫ن‬ ‫ف� لغرفة الجلوس يغ� موجودة إطالقاً عند غالبية‬ ‫ثقافة اختيار عمل ي‬ ‫كب� ومؤثر ن ي� الثقافة الغربية‪ ،‬وتحديداً‬ ‫العر�‪ ،‬فهي جزء ي‬ ‫الشعب ب ي‬ ‫الثقافة المعارصة‪.‬‬ ‫ولالمر جانبان‪ :‬أ‬ ‫أ‬ ‫االول يتعلَّق بمفهوم وأصالة هذه الفكرة ‪ /‬االإجراء‪ .‬ن‬ ‫والثا�‬ ‫ي‬ ‫يتعلَّق بأسلوب الديكور الحديث وفنياته ت‬ ‫ال� شاعت مؤخراً‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ف� واختياره وتعليقه ن ي� منازلنا‪ ،‬مرهونة‬ ‫ولعل أهم نقطة ي� اقتناء عمل ي‬ ‫بجانب مهم جداً ن ي� هذه الثقافة الجديدة لدينا‪ ،‬وهي سالمة العمل من‬ ‫تن‬ ‫ال�وير وكونه أصلياً أم نسخة‪ ،‬والمحافظة عىل روح الفن دون تشويه‬ ‫تجاري مخل‪.‬‬ ‫نإ� ال أجد ما يتطابق مع ت‬ ‫ثقاف� الخاصة ن ي� دوائري االجتماعية المحلية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الخاضعة لثقافة ال ترى ن ي� الفن وقيمته أي ثقل‪ ،‬عدا اعتباره مجرد عبث‬ ‫ن‬ ‫أو كماليات سطحية‪ .‬وهذه وجهة نظر يمكن تفهمها ي� ظل تكاليف مادية‬ ‫ال يحتملها أحدهم مقابل نرصوريات حياتيه أخرى‪.‬‬ ‫الف� البسيط والمؤثر‪ ،‬ذلك الذي تلمس �ن‬ ‫يروق ىل شخصياً‪ ،‬العمل ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� تجمّ د‬ ‫روحه ووجوده ي� مكانك‪ .‬وأميل ي‬ ‫كث�اً إىل االعمال الفوتوغرافية ي‬ ‫داخلها الزمن واالإيماءة والحياة‪ .‬أو تلك المحملة بإرث تاريخي عتيق‪،‬‬ ‫كلوحات عرص النهضة أ‬ ‫االوروبية‪ ،‬ت‬ ‫ال� تسلِّط ضوء العبقرية والفن عىل‬ ‫االجساد االإنسانية والتعاب� الدقيقة يالملهمة والمث�ة أ‬ ‫أ‬ ‫لالسئلة والتوقف‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫الطاقة الروحية داخل العمل‬ ‫هي األهم‬

‫وإن كان وجود الجمال شرطاً ضرورياً إليصال‬ ‫الخطاب في كثير من المدارس الفنية‪.‬‬

‫ن‬ ‫ش‬ ‫الف�‬ ‫سلطان الغنيم ‪:‬مدير �كة للإنتاج ي‬

‫شخصياً‪ ،‬ال أميل إىل اقتناء أ‬ ‫االعمال الفنية وذلك أالسباب مختلفة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫أن� مؤخراً رصت أرى أعماال ً جميلة‪ .‬وعىل الرغم من أن ث�اءها‬ ‫إال ي‬ ‫أ‬ ‫سهل‪ ،‬ن ت آ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫فإ� ح� االن لم ِ‬ ‫اش� منها شيئاً‪ .‬كل االعمال التشكيلية ي‬ ‫ن‬ ‫أن� عندما أبتاع عمال ً ما‪ ،‬فإنه‬ ‫أملكها هي هدايا‪ ،‬وأنا متعلِّق بها‪ .‬إال ي‬ ‫سيكون من أصدقاء أعرفهم ت‬ ‫ح� يصبح ارتباطي باللوحة مصدر‬ ‫شخص ومختلف‪.‬‬ ‫شعور‬ ‫ي‬ ‫ت ن‬ ‫ث‬ ‫فأفضل دائماً أن تكون‬ ‫س أقتنيه‪ِّ .‬‬ ‫عادة‪ ،‬هناك قاسم مش�ك ي� كل ي‬ ‫وراءه قصة أو أمر لم أنتبه إليه إال عن قرب‪ .‬فالفن جزء من الفكر‪ ،‬وإن‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� أمتلكها‪،‬‬ ‫لم تكن وراءه‬ ‫قصة ما‪ ،‬أعتقد أنك ال ترتبط آبه‪ .‬نواالعمال ن ي‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫مكت� ي� ال�كة‪.‬‬ ‫أحتفظ ببعضها ي� مجلس البيت وببعضها االخر ي� ب ي‬

‫خُ لق العقل ث‬ ‫الب�ي ليقدِّ ر الجمال والتناسق‪ ،‬وذلك من صنع هللا سبحانه ن ي� كل مخلوقاته‪ .‬فنجد القاعدة‬ ‫ن‬ ‫كب�اً‪ .‬من المؤكد أنه قد سبق لك‬ ‫صغ�اً كان أو ي‬ ‫الذهبية‪ ،‬وهي أساس التناسق‪ ،‬ي� كل تفاصيل الكون وما فيه ي‬ ‫دخول غرف أشعرتك بالضيق وإن كانت واسعة‪ .‬قد تكون ألوانها متنافرة أو صارخة‪ ،‬قد يكون لون السقف داكناً‬ ‫فتشعر بالحزن‪ ،‬أو تكون الغرفة مملوءة أ‬ ‫أ‬ ‫عشوا�‪ ،‬مما يسبب إحساساً يغ� مريح‪ .‬أغمض‬ ‫باالثاث والتحف بشكل‬ ‫ي‬ ‫عينيك للحظة‪ ،‬وتذكَّر غرفة جلوس سبق لك دخولها وأحسست بالراحة والجمال‪ ،‬كيف كانت؟ أهم صفات غرف‬ ‫واالعمال الفنية‪ .‬كما أن توزيع قطع أ‬ ‫واالثاث أ‬ ‫الجلوس المريحة تعتمد عىل البساطة وتناسق ألوان الجدران أ‬ ‫االثاث‬ ‫أ‬ ‫واالعمال الفنية ن ي� الغرفة‪ ،‬وتوازن المسافات بينهم يسهم ن ي� تناسقها أو ما يسمى بالـ «‪.»feng shui‬‬ ‫ن‬ ‫الف� المناسب لغرفة جلوسك عليك بالخطوات التالية‪:‬‬ ‫الختيار العمل ي‬ ‫ن‬ ‫الف�‪ ،‬فتقوم بالوقوف ن ي� منتصف مساحة المكان وتستطلع محتويات‬ ‫• أن تكتشف المكان المناسب للعمل ي‬ ‫ً‬ ‫فتغ� هذا‬ ‫الغرفة لتستشعر مدى تناسقها‪ .‬فربما يحتل الكنب جانبا من المكان ويبقى الطرف المقابل خاوياً‪ ،‬ي ّ‬ ‫ن‬ ‫الالتوازن‪ ،‬وتعيد توزيع الكنب بحيث يصبح عىل ي ن‬ ‫ف� مناسب‪.‬‬ ‫جانب� توبينهما مكان لعمل ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫با� أثاث الغرفة‪ .‬فمثال ً تضع لوحة مناسبة حجماً عىل‬ ‫الف� مع ي‬ ‫• الخطوة الثانية تتمثل ي� اختيار توازن العمل ي‬ ‫حجماً‪ ،‬لتحيطا بمكتبتك أو قطعة متفردة أ‬ ‫ين‬ ‫قطعت� ي ن‬ ‫ين‬ ‫لتمال زاوية‬ ‫مناسبت�‬ ‫فنيت�‬ ‫الجدار المقابل للتلفاز‪ ،‬أو‬ ‫مهجورة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫الف� ليتناسب مع ألوان الغرفة‪ .‬فإن كانت الغرفة ذات ألوان محايدة‪،‬‬ ‫• الخطوة الثالثة أن تختار ألوان العمل ي‬ ‫ن‬ ‫الف� يتناسب معها‪ .‬وقد تختار درجة أغمق أو أفتح من ألوانها‪ .‬فإن‬ ‫فمن الممكن أن تختار لوناً قوياً للعمل ي‬ ‫كالذه� وال�تقاىل أ‬ ‫ت‬ ‫واالصفر ن‬ ‫اخ�ت لغرفة الجلوس ألوان الخريف‬ ‫والب� ذات السحنة الدافئة‪ ،‬فيمكن للعمل‬ ‫بي ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الف� أن يكون منحوتة نحاسية أو لوحة ذات لون مختلف كالبنفسجي ن أ‬ ‫الدا�‪.‬‬ ‫ن ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫وأخ�اً عىل مدى راحة برصك وروحك ي ن‬ ‫ال�‬ ‫و� نهاية االمر‪ ،‬قرارك يعتمد أوال ً ي‬ ‫ي‬ ‫ح� تدخل هذه الغرفة ي‬ ‫تُعد قلب ن ن‬ ‫م�لك‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫ِّ‬ ‫أفضل أن أقتني‬ ‫لوحات من فنانين أصدقاء‬

‫مكان إلى آخر من دون أن تخسر شيئاً من جمالها‬ ‫وقيمتها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن اللوحة القيمة غير مرتبطة ال‬ ‫بطراز أ‬ ‫الثاث وال ألوان الغرفة‪ ،‬وال حتى بتقلب مزاج‬ ‫مقتنيها‪ ،‬بل بمستواه الثقافي فقط‪.‬‬ ‫منذر الزيني‬ ‫باريس‬

‫حياة طويلة أ‬ ‫الجل مع «الحصافة»‬ ‫بعد سنين من الدراسة والبحث في المجموعات‬ ‫أن المؤشر‬ ‫تبين له َّ‬ ‫التي اختارها العا ِل ُم ترومان‪َّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫الول لطول العمر في فترة الطفولة والشباب‬ ‫هو «الحصافة»‪ ،‬أو بمعنى أوضح الشخص الذي‬ ‫غالباً ما ينجز وفقاً لما يمليه الضمير‪ .‬حيث يقال‬ ‫تحتك ُم‬ ‫أحكامه‪ :‬كانت‬ ‫َح ُص َف في‬ ‫عادلَةً ِ‬ ‫أحكام ُه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫إن الشخص المتعقل اللبيب الذي‬ ‫قل‪ .‬أي َّ‬ ‫إلَى َ‬ ‫الع ِ‬ ‫أ‬ ‫يعيش حياته باستقرار واجتهاد‪ ،‬ويدرس السباب‬ ‫والنتائج قبل أي عمل يقوم به‪ ،‬غالباً ما يعيش‬ ‫حياة أطول من غيره‪ .‬فالذين عاشوا حياتهم‬ ‫موجهة وممركزة عاشوا‬ ‫باقتصاد وتعقل‬ ‫ومسؤولية ِّ‬ ‫َّ‬

‫الحياة أ‬ ‫الطول‪ .‬وبنا ًء على هذه النتائج‪ ،‬هناك‬ ‫توضـح لماذا عاش هؤالء حياة‬ ‫ثالثة أسبـاب ِّ‬ ‫صحية طويلة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫أن الحصيفين أو المتعقلين‬ ‫• السبب الول‪ :‬هو َّ‬ ‫يميلون ويتوجهون إلى حماية أنفسهم من الولوج‬ ‫والمشاركة في غالبية أ‬ ‫والمسببة‬ ‫النشطة الخطرة‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫للذى‪ ،‬حيث إنهم يدرسون كل عمل أو خطة قبل‬ ‫المشاركة‪ .‬ولذا‪ ،‬فهم غالباً ما يستشيرون آ‬ ‫الخرين‬ ‫ويأخذون المشورة بتعقُّل ودراسة عالية للغاية‪.‬‬ ‫ميالون إلى االبتعاد عن‬ ‫• السبب الثاني‪ :‬هو أنَّهم َّ‬

‫مسببات أ‬ ‫المراض ويهتمون بالغذاء وبساعات‬ ‫نومهم على حد سواء‪.‬‬ ‫• السبب الثالث‪ :‬وهو السبب أ‬ ‫الكثر إثارة لالهتمام‬ ‫أ‬ ‫يكونون‬ ‫أن هذه‬ ‫هو َّ‬ ‫النوعية من الشخاص غالباً ما ّ‬ ‫َّ‬ ‫صحية لهم ولغيرهم‪ .‬لذلك دائماً ما‬ ‫عالقات‬ ‫َّ‬ ‫نجدهم في تفكيرهم وآرائهــم وعالقاتهــم‬ ‫صحية طويلة‬ ‫يُك َّونون طرقاً وعادات مالئمة لحياة َّ‬ ‫يتمتعون بها‪.‬؟‬ ‫ماجد نزار القطري‬ ‫مبتعث سعودي‬

‫أكثر من رسالة‬

‫عن أي لوحة فنية تتحدثون؟‬

‫‪15 | 14‬‬

‫أقتنيه لمعناه ال لمجرد شكله الجمالي‬


‫أكثر من رسالة‬

‫تحية وبعد‬

‫‪7|6‬‬

‫اللغة العربية في البرازيل‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫كانت هجرة العرب إلى أمريكا الجنوبية متأخرة‪،‬‬ ‫مقارنة مع هجرتهم إلى أمريكا الشمالية بنحو عقدين‬ ‫من الزمن‪ ،‬أي في الربع أ‬ ‫الخير من القرن التاسع‬ ‫عشر‪.‬وتعزو بعض الدراسات ارتفاع نسبة المهاجرين‬ ‫العرب إلى البرازيل بشكل رئيس إلى زيارة إمبراطور‬ ‫البرازيل إلى لبنان وسوريا وفلسطين وتوقيـع‬ ‫معاهدة الهجرة بين الحكومتين البرازيلية والعثمانية‬ ‫عام ‪1906‬م‪.‬‬

‫أما اليوم‪ ،‬فالتحدي بات أكبر‬

‫واجه المهاجرون العرب إلى أمريكا الجنوبية‬ ‫أ‬ ‫وبالخص البرازيل‪ ،‬مشكالت كثيرة في التأقلم‪،‬‬ ‫إضافة إلى جهلهم باللغة والعادات‪ .‬ولكنهم جيال ً‬ ‫بعد جيل‪ ،‬نجحوا في ترسيخ أقدامهم‪ ،‬وأخذوا‬ ‫يبنون ألنفسهم مكانة مرموقة‪ .‬وشارك الجيل الثاني‬ ‫(أبناء المهاجرين) أكثر فأكثر في مختلف مناحي‬ ‫الحياة الثقافية والفنية والسياسية واالقتصادية‪،‬‬ ‫فظهر في البرازيل شعراء المهجر‪ ،‬أمثال إلياس‬ ‫فرحات ورياض معلوف ورشيد سليم الخوري‬ ‫أ‬ ‫(الشاعر القروي)‪ ،‬وانتشرت أ‬ ‫الندية والروابط الدبية‬ ‫والثقافية‪ ،‬مثل‪ :‬رواق المعري الذي كان أول رابطة‬ ‫أدبية أنشئت في ساو باولو‪ ،‬ثم تلتها جمعية‬ ‫الخريجين التي ما زالت تمارس أنشطتها إلى اليوم‪،‬‬ ‫ثم أسست رابطة أدبية جديدة أطلق عليها اسم‬ ‫جامعة القلم التي تضم معظم أ‬ ‫الدباء والشعراء‬ ‫في البرازيل وأقامت برامج ثنائية مع دار «ندوة‬ ‫الدب العربي» في أ‬ ‫أ‬ ‫الرجنتين‪.‬‬

‫إن الحكومة البرازيلية تبدو حريصة على تلبية هذه‬ ‫االحتياجات‪ .‬وقد دعا وزير خارجيتها ماورو فييرا‪،‬‬ ‫في القمة العربية الالتينية التي ُعقدت في الرياض‬ ‫السنة الماضية‪ ،‬إلى تعزيز تعليم اللغة العربية في‬ ‫البرازيل والقارة الالتينية‪ ،‬وأشار إلى أن هناك مصالح‬ ‫البعد‬ ‫مشتركة بين دول القارة والدول العربية رغم ُ‬ ‫الجغرافي‪ ،‬مؤكداً أن برامج تعليم اللغة العربية‬ ‫فى بلدان أمريكا الجنوبية يجب أن تكون أحد أهم‬ ‫أ‬ ‫الهداف المشتركة‪.‬‬

‫من التأقلم إلى النبوغ‬

‫يتضح من كل هذا مدى حرص المهاجرين العرب‬ ‫على الحفاظ على لغتهم في وطنهم الجديد‪ .‬وقد‬ ‫استمر الحال على المنوال نفسه حتى اليوم‪ .‬غير أن‬ ‫تدفق موجات جديدة من المهاجرين العرب بفعل‬ ‫االضطرابات العنيفة في أوطانهم بات يشكِّل تحدياً‬ ‫على صعيد تأمين التعليم الالزم لهم‪ ،‬وتحديداً‬ ‫تعليمهم اللغة العربية التي يحرص أ‬ ‫الهالي على‬ ‫حية في ثقافة أوالدهم‪.‬‬ ‫إبقائها ّ‬

‫وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة حول‬ ‫درس العربية‪ ،‬فإن المالحظة‬ ‫عدد المدارس التي تُ ِّ‬ ‫العامة تقول إن معظمها أنشىء في ستينيات من‬ ‫القرن المنصرم‪ ،‬ويعود الفضل في إنشائها إلى‬ ‫السالمية التي كان شعارها الحفاظ على‬ ‫الجمعيات إ‬ ‫أبناء أ‬ ‫القلية المسلمة الذين كانوا سيخسرون دينهم‬ ‫وثقافتهم ولغتهم‪ ،‬لو لم يدرك آباؤهم أهمية‬

‫إلياس فرحات‬

‫أ‬ ‫السالم والحفاظ‬ ‫تربية الجيال الناشئة على مبادئ إ‬ ‫على هويتهم وتفهم واجباتهم كمسلمين وافدين‬ ‫ومواطنين في البالد‪.‬‬ ‫تقدم‪ ،‬ال يعني أن االهتمام بدراسة العربية‬ ‫إال أن ما ّ‬ ‫هو حكر على أبناء الجالية العربية فقط‪ .‬فالالفت أن‬ ‫الشباب البرازيلي المنتمي إلى أصول غير عربية يُبدي‬ ‫اهتماماً متزايداً بدراسة اللغة العربية وآدابها على‬ ‫المستوى الجامعي‪.‬‬ ‫ففي جامعة ساو باولو على سبيل المثال‪ ،‬تم افتتاح‬ ‫قسم اللغة العربية في كلية الفلسفة آ‬ ‫والداب والعلوم‬ ‫النسانية عام‪1960‬م‪ ،‬وتتولى آ‬ ‫الن الباحثة والمترجمة‬ ‫إ‬ ‫وأستاذة علم اللغة الدكتورة صفاء جبران أبي شهال‬ ‫رئاسته‪ ،‬يعاونها خمسة أساتذة آخرين‪ ،‬أغلبهم من‬ ‫أصول عربية‪ .‬ويشهد هذا القسم نشاطاً وحماساً‬ ‫الفتين للنظر‪ .‬وال يختلف أ‬ ‫المر كثيراً في جامعة ريو‬ ‫دي جانيرو الفيدرالي‪ ،‬حيث تم تأسيس قسم اللغة‬ ‫الداب الشرقية في كلية آ‬ ‫العربية ضمن قسم آ‬ ‫الداب‬ ‫عام ‪1968‬م‪ ،‬وباشر أعماله في العام التالي‪ ،‬ويتولَّى‬ ‫التدريس فيه آ‬ ‫الن خمسة أساتذة من أصول عربية‪،‬‬ ‫وتخرج منه عشرات الطالب‪ .‬ويشار إلى أن من بين‬ ‫أ َّ‬ ‫العمال التي أنجزها القسم إصدار قاموس من وإلى‬ ‫البرتغالية والعربية وترجمات لبعض المؤلفات القديمة‪.‬‬ ‫ثائر عبد اللطيف حجات‬ ‫البرازيل‬ ‫رشيد سليم الخوري‬

‫رياض معلوف‬


‫تحدياته الحاضرة والمستقبلية‬ ‫إلى‬ ‫ِّ‬

‫الفن‬ ‫سوق‬ ‫ِّ‬ ‫التشكيلي في‬ ‫المملكة‬

‫نقاش مفتوح‬

‫كيف هو حال سوق الفن في المملكة؟ وبماذا يختلف عن أسواق‬ ‫الفن في أوروبا مثال ً؟ وهل ما نسمعه عن المبالغ الطائلة التي‬ ‫تُدفع ألعمال بعض الفنانين هو مؤشر حقيقي عن ازدهار هذا‬ ‫السوق؟ وما هي أشكال االقتناء التي راجت في بالدنا خالل السنوات‬ ‫الخيرة‪...‬؟ هذه بعض أ‬ ‫أ‬ ‫السئلة التي طرحتها القافلة خالل جلسة‬ ‫الفن‬ ‫نقاش عقدتها في ‪ 25‬مارس ‪ ،2017‬تحت عنوان "مستقبل سوق ِّ‬ ‫التشكيلي في المملكة ـ الواقع واالقتناء واالستثمار"‪ ،‬وشارك فيها كل‬ ‫من مدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) فرع جدة‬ ‫أ‬ ‫الفن التشكيلي‬ ‫هشام بنجابي‪ ،‬والدكتور والباحث الكاديمي في ِّ‬ ‫السعودي عصام عسيري‪ ،‬والفنان ومدير صالة داما آرت أحمد‬ ‫بالفن التشكيلي حسين باجابر‪ ،‬والفنان‬ ‫حسين‪ ،‬إ‬ ‫والعالمي المهتم ِّ‬ ‫جدة‬ ‫ومدير جاليري نسما آرت محمد العبالن‪ ،‬ومدير جاليري أتيليه َّ‬ ‫هشام قنديل‪ ،‬والفنان التشكيلي المعاصر أيمن يسري‪ ،‬وأدارها‬ ‫وحرر وقائعها الزميل خالد ربيع‬

‫من نشأته في جدة قبل سنوات‬


‫الفن في‬ ‫بدأت الجلسة بكلمة ترحيب جاء فيها‪ :‬ال نعرف إن كان موضوع سوق ِّ‬ ‫المملكة قد طرح من قبل أم ال‪ ،‬وإذا لم يطرح فستكون مجلة القافلة س َّباقة‬ ‫في ذلك‪ ،‬علماً بأن مجلة القافلة في مرحلة أولى من صيغتها الحديثة ركَّزت على‬ ‫اهتمت بالفن التشكيلي‬ ‫التصوير الفوتوغرافي فقط‪ ،‬ولكن في المرحلة الجديدة َّ‬ ‫مهم باعتبار أنَّه في السنوات العشر‬ ‫من خالل باب "فرشاة وأزميل"‪ .‬لعل ذلك ٌ‬ ‫أ‬ ‫الفن التشكيلي السعودي‪،‬‬ ‫الخيرة استجدت بعض الظواهر التي سلطت على ِّ‬ ‫وحدث ذلك فجأة وبدون سابق إنذار‪ ،‬وربما قيام معرض "إيدج أوف آرابيا"‬ ‫الفن السعودي"‪ ،‬ثم نشوء عدة جاليريات‪ ،‬وتبعها قيام‬ ‫ثم ظهور "مجلس ِّ‬ ‫أ‬ ‫الفـن التشكيلي‪،‬‬ ‫معارض بشكل مكثَّف‪ ،‬المر الذي أحـدث انقالباً كامــال ً في‬ ‫ِّ‬ ‫الهمية‪ ،‬بغض النظر عن تحقيق آ‬ ‫كل ذلك أكَّد تلك أ‬ ‫المال‪ ،‬لذا بات من الجدير‬ ‫آ‬ ‫الن مناقشة سوق الفن ومستقبله‪.‬‬

‫يصورون الملوك والنبالء أ‬ ‫الوروبيين إلبراز عظمتهم‪ .‬ولذلك لم‬ ‫يكن هناك سوق بالمعنى المعروف حالياً‪ ،‬بل كانت تدفع مكافآت‬ ‫الحكَّام‪.‬‬ ‫للفنانين من ِقبل دولهم أو من ِقبل ُ‬ ‫وكان رامبرانت أول فنان قام بتسعير لوحاته‪ .‬وعندما قامت‬ ‫والرسامين‪،‬‬ ‫إ‬ ‫نسية‪َّ ،‬‬ ‫المبراطوريَّة الفر َّ‬ ‫اهتم نابليون بونابرت بالفنانين َّ‬ ‫فصار هناك بيع وشراء ومزادات‪ .‬لك َّننا هنا في المملكة دخلنا هذا‬ ‫الميدان متأخرين كثيراً‪ .‬فأول معرض أقيم في أوروبا كَّان في القرن‬ ‫السابع عشر‪ ،‬وأول معرض أقيم في السعوديَّة كان في عهد الملك‬ ‫سعود‪ ،‬وعندما حسبت الفارق الزمني وجدته ‪ 303‬سنوات‪ .‬لكن‬ ‫فنية سعوديَّة بيعت لفنان سعودي كانت لمحمد السليم‬ ‫أول لوحة َّ‬ ‫محدد وقتها"‪.‬‬ ‫بمبلغ مليون ريال‪ ،‬وكانت بمثابة دعم لمشروع َّ‬ ‫وأضاف‪" :‬ثم كان أن عمل محمد سعيد فارسي‪ ،‬أمين مدينة جدة‬ ‫أ‬ ‫السبق‪ ،‬على جمع الفنان السعودي إلى العربي والعالمي‪ ،‬وهنا‬ ‫بدأنا ندخل في العولمــة‪ .‬وفي وقتنا الحاضــر بيعــت أول لوحــة‬ ‫للفنان مهدي الجريبي بمبلغ مليون دوالر‪ ،‬ثم تبعه عبدالناصر‬ ‫غارم وأحمد ماطر‪.‬‬

‫هل يوجد فعال ً سوق للفن التشكيلي في المملكة؟ وهل هناك عرض‬ ‫الفنية ما ينطبق على أي سلعة؟‬ ‫وطلب؟ وهل ينطبق على اللوحة َّ‬

‫أ‬ ‫الفنية في قصر الحمراء وفي‬ ‫وبشكل عام‪ ،‬فإننا لو‬ ‫تتبعنا العمال َّ‬ ‫أ‬ ‫السالمية في الندلس مثال ً لوجدنا دالئل على أنَّه كانت‬ ‫الحضارة إ‬ ‫هناك تجارة وشراء وبيع وسوق لتلك أ‬ ‫العمال‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لثقافة المزادات فقد بدأت قبل نحو ‪ 500‬سنة قبل‬ ‫رومانية تسمى بابيلون‪ .‬وفي القرن الثالث عشر‬ ‫الميالد في بلدة‬ ‫َّ‬ ‫النجليز في مقهى وقرروا أن تكون هناك‬ ‫اجتمع بائعو اللوحات إ‬ ‫صفقات واتفاقات فيما بينهم‪ .‬وبعد مائة سنة قامت دار "سوثبيز"‬ ‫في عام ‪1744‬م‪ ،‬و"كريستيز في عام" ‪1766‬م‪ ،‬بتنظيم مزادات‬ ‫الفنية فقط‪ ،‬إذ شملت أيضاً‬ ‫لم تكن محصورة على اللوحات َّ‬ ‫المجوهرات والتحف على أنواعها‪."..‬‬

‫نبذة تاريخ َّية؟‬

‫نتحدث عن‬ ‫أجاب أوال ً الدكتور عصام عسيري قائالً‪ :‬أود قبل أن َّ‬ ‫الفن في‬ ‫الفن السعودي أن أعطي نبذة‬ ‫تاريخية عن سوق ِّ‬ ‫سوق ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الفن في العالم‬ ‫العالم بشكل عام‪ .‬فقد بدأت تظهر أسواق ّ‬ ‫مع ظهور الطبقة البورجوازية في أوروبا‪ .‬وقبل ذلك‪ ،‬لم يكن‬ ‫هناك تصوير فوتوغرافي‪ ،‬فكان الفنانون يرافقون الجيوش لتوثيق‬ ‫المعارك والحروب‪ ،‬وكان المستشرقون ينقلون مظاهر الحياة في‬ ‫الرسامون‬ ‫الشرق بغرض معرفة الدول التي ينوون استعمارها‪ ،‬وكان َّ‬

‫مقتن يعشق األعمال‬ ‫هناك‬ ‫ٍ‬ ‫الفنية وال يستثمر فيها‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫مقتن‬ ‫وفي المقابل هناك‬ ‫ٍ‬ ‫مستثمر‪ ،‬وهو يراهن‬ ‫المادية‬ ‫على تزايد القيمة‬ ‫َّ‬ ‫لألعمال مع مرور الزمن‪،‬‬ ‫يسوقها في األسواق‬ ‫وقد‬ ‫ِّ‬ ‫العالمية مثل لندن وباريس‬ ‫َّ‬

‫حسين باجابر‬


‫سعودية‬ ‫فنية‬ ‫َّ‬ ‫أول لوحة َّ‬ ‫بيعت لفنان سعودي كانت‬ ‫لمحمد السليم بمبلغ مليون‬ ‫ريال‪ ،‬وكانت بمثابة دعم‬ ‫محدد وقتها‬ ‫لمشروع‬ ‫َّ‬

‫هشام بنجابي‬

‫التشكيل‬ ‫صاالت العرض نواة سوق الفن‬ ‫ي‬

‫بدايات السوق السعودي‬

‫وحول نشأة صاالت العرض التجارية في المملكة قال عسيري‪" :‬في‬ ‫جدة‪ ،‬وصالة "رضا‬ ‫عام ‪ 1990‬أو ‪ 1991‬أنشئت صالة "روشان" في َّ‬ ‫جاليري"‪ .‬وقبل ذلك‪ ،‬أي في بدايات الثمانينيات‪ ،‬كان قد بدأ إشراك‬ ‫أ‬ ‫جدة للفنون بجهود هشام‬ ‫الجانب والعرب في معارض‬ ‫جمعية َّ‬ ‫َّ‬ ‫بنجابي وسلمى الكثيري‪ ،‬وأقيمت حينذاك أربعة معارض‪.‬‬ ‫وهنا تولَّى هشام بنجابي تقديم مزيد من التفاصيل عن المرحلة‬ ‫التأسيسية تلك بقوله‪ :‬في تلك الفترة‪،‬عرض فنانون من مصر‬ ‫جدة للفنون‪ ،‬وكان محمد سعيد‬ ‫والسودان والعراق في جمعية َّ‬ ‫فارسي يحضر ويشتري عشر َّات أ‬ ‫العمال‪ ،‬ويعمل على توزيعها‬ ‫أ‬ ‫الحكومية كإدارة الجوازات والمطاعم‬ ‫العامة والدوائر‬ ‫على الماكن َّ‬ ‫َّ‬ ‫وغيرها‪ .‬وكان يكرر دائماً‪ :‬دعونا ننشر الفن في أ‬ ‫السواق وليس‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫في البيوت‪ .‬وكان هناك أيضاً "تاج آرت" ألكرم العجة‪ ،‬ويساعده‬ ‫فيصل أبوالعينين وعبدالعزيز أبوالعينين‪ ،‬وبعض المهندسين‬ ‫والفوتوغرافيين الذين كانت لهم مشروعات مع الدولة‪ ،‬ومع شركة‬ ‫أرامكو على وجه التحديد‪ .‬ثم انتقل هؤالء مع سمو أ‬ ‫المير خالد‬ ‫الفيصل إلى أبها‪ ،‬وأقاموا هناك قاعة عرض للصور التي التقطوها‬ ‫لمنطقة عسير‪ .‬وكان معهم فنان أمريكي يدعى كالدير‪ ،‬نفَّذ مجسماً‬ ‫وعرضه بمبلغ مليون ريال‪ ،‬ولكن محمد سعيد فارسي اشتراه فيما‬ ‫جدة"‪.‬‬ ‫بعد بـ‪ 400‬ألف ريال ونصبه في أحد ميادين َّ‬ ‫وأضاف‪" :‬إن ما أقصده من سرد هذه القصة هو التأكيد على أنَّه‬

‫د‪.‬عصام عسيري‬

‫المعارض أهم وسائل تسويق الفنون‬

‫جدة‪ .‬والدليل ذلك الكم الكبير‬ ‫للفن التشكيلي في َّ‬ ‫كان هناك رواج ِّ‬ ‫من صاالت العرض التي بدأت تنشأ الواحدة تلو أ‬ ‫الخرى‪ ،‬حتى‬ ‫الن نحو ‪ 16‬أو ‪ 18‬صالة عرض‪ ،‬أ‬ ‫بلغت آ‬ ‫والسبوع الماضي أفتتحت‬ ‫يأت‬ ‫في َّ‬ ‫جدة خمسة معارض في يوم واحد‪ .‬وهذا النشاط لم ِ‬ ‫جدة‪ ،‬وتزايد أعداد‬ ‫من فراغ‪ ،‬فبسبب الذائقة الفنية الكبيرة لسكان َّ‬ ‫الجيدة الختيار‬ ‫المقتنين‪ ،‬أصبحت هناك فئة تبحث عن الصاالت َّ‬ ‫أ‬ ‫جدة‪ ،‬وعديد من الجهات‬ ‫الفنية‪.‬ومحبو الفن يأتون إلى َّ‬ ‫العمال َّ‬ ‫جدة‪.‬‬ ‫الحكومية أيضاً يأتي إلى هنا لالقتناء من صاالت َّ‬ ‫َّ‬ ‫وأدى التطرق إلى االقتناء إلى طرح سؤال حول الفرق بين المقتني‬ ‫والمستثمر‪ ،‬فأجاب حسين باجابر‪ :‬هناك مقتن يعشق أ‬ ‫العمال‬ ‫ٍ‬ ‫الفنية ويقتني عمال ً ما ألنه يحبه‪ .‬وفي المقابل هناك المستثمر‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وهو الذي يقتني مراهناً على تزايد القيمة المادية أ‬ ‫للعمال مع مرور‬ ‫َّ‬ ‫الزمن‪ ،‬وقد يسوقها في أ‬ ‫العالمية مثل لندن وباريس‪،‬‬ ‫السواق‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫وهناك من يسوقها في أ‬ ‫المحلية‪ ،‬مثل الفنادق‪ ،‬والشقق‬ ‫سواق‬ ‫ال‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫المفروشة‪ ،‬والمستشفيات والمؤسسات الخاصة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وبذلك‬ ‫أ‬ ‫ومستقبلية‪.‬‬ ‫آنية‬ ‫َّ‬ ‫الفنية قيمة َّ‬ ‫أصبح للعمال َّ‬ ‫أما الفنان يسري فقد رأى أنه ال بد من أن يكون المستثمر عارفاً بحركة‬ ‫العالمية‪ ،‬ومتأكداً من أنَّه اشترى العمل الذي سوف يرتفع‬ ‫السوق‬ ‫َّ‬ ‫يحدد المؤشرات الالزمة‪ ،‬ال بد له من أن يراجع سيرة‬ ‫ولكي‬ ‫ثمنه‪.‬‬ ‫ِّ‬


‫‪11 | 10‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫رامبرانت هو أول فنان قام بتسعير‬ ‫اإلمبراطورية‬ ‫لوحاته‪ ،‬وعندما قامت‬ ‫َّ‬ ‫الفرنسية‪ ،‬اهتم نابليون بونابارت‬ ‫َّ‬ ‫بالفنانين والرسامين‪ ،‬فصار هناك بيع‬ ‫وشراء ومزادات‬

‫الفنان ويتحقّق منها ويتأكد من العناصر القويَّة فيها مثل المتاحف‬ ‫التي اشترت أعماله‪ ،‬والقاعات التي عرضتها ‪ ..‬كل تلك أ‬ ‫المور تجعل‬ ‫يسوقها‪ .‬وإذا استثمر في عمل‬ ‫المستثمر قوياً وواثقاً من مقتنياته التي ِّ‬ ‫ضعيف‪ ،‬فسوف يمارس كل أساليب الدعاية حتى يعلي من شأنه‪.‬‬ ‫معين‪ .‬فهنا على‬ ‫وهناك جز َّئية تتعلَّق بتنافس عدة مقتنين على عمل َّ‬ ‫الجاليري أن يدرس من هم هؤالء المقتنون ويختار أحدهم بنا ًء‬ ‫على مؤشرات عديدة‪ ،‬من أهمها شهرة ومكانة المقتني التي سترتفع‬ ‫حقيقية"‪.‬‬ ‫عملية التقييم والتسعير‬ ‫َّ‬ ‫بالعمل‪ ،‬وبالتالي تجعل َّ‬ ‫ً‬ ‫وعقَّب على ذلك هشام بنجابي بقوله‪ :‬تصديقا لحديثك أستاذ‬ ‫أيمن‪ ،‬وكما أعرف‪ ،‬يوجد في بريطانيا ما يسمى عرض خاص أو‬ ‫مشاهدة خاصة‪ ،‬يدعى لها مستثمرون اختصاصيون من دول‬ ‫مختلفة‪ ،‬ومن شأن هؤالء المستثمرين أن يرفعوا قيمة أي عمل إذا‬ ‫اقتنوه‪ ،‬فخبرتهم ومكانتهم تزيد الثقة في العمل"‪.‬‬

‫فقاعات صابون‬

‫وهنا كانت مداخلة لهشام قنديل علّق فيها على حديث الدكتور‬ ‫عصام حول أ‬ ‫السعار الباهظة التي بيعت بها بعض اللوحات‪،‬‬ ‫أن هذا الفنان أو ذاك باع عمال ً له بمبلغ‬ ‫قائالً‪" :‬إن ما يدور حول َّ‬ ‫أ‬ ‫مليون دوالر هو مجرد فقاعات صابون‪ .‬وإن صدقت هذه القوال‪،‬‬ ‫فهي ليست مقياساً لسعر هذا الفنان‪ .‬والدليل على ذلك هو‬ ‫أ‬ ‫متمرسين فلن يدفعوا‬ ‫أنك لو عرضت هذه العمال على مقتنين ِّ‬ ‫ثمناً لها أكثر من خمسة آالف ريال‪ ..‬فالحقيقة هي أن أعلى سعر‬ ‫حقيقي وصلت إليه أعمال فنان سعودي هي أعمال الراحل عبد‬ ‫الحليم رضوي‪ ،‬وكذلك أعمال محمد السليم‪ .‬هما فنانان حقيقيان‬ ‫أ‬ ‫حقيقية‪ .‬أما إن سمعنا أن أحد‬ ‫والسعار التي تباع بها أعمالهما‬ ‫َّ‬ ‫الفنانين باع بمبالغ كبيرة جداً فذلك ممكن جداً‪ ،‬ولكن هذا ال يعني‬ ‫أن أسعار أعمال هذا الفنان هي بهذه المبالغ ‪ ..‬وكذلك‪ ،‬أن يكون‬ ‫َّ‬ ‫أن هذا‬ ‫أحد الفنانين قد باع في أحد المزادات فذلك ال يعني َّ‬ ‫الحقيقية يختلف عن ذلك‬ ‫مقياس ألسعار أعماله‪ ،‬فسعر السوق‬ ‫َّ‬ ‫وتتحكم فيه جوانب عديدة"‪.‬‬

‫هل نجحت حقاً تجربة "الفن للجميع"؟‬

‫وقال قنديل‪" :‬منذ سنوات عشر‪ ،‬عملنا على تطوير فكرة "الفن‬ ‫للجميع" التي أطلقتها أ‬ ‫الميرة جواهر بنت ماجد‪ .‬واشتغلنا على‬ ‫فكرة "لوحة في كل بيت"‪ ،‬التي اختتمنا دورتها التاسعة قبل أشهر‪.‬‬ ‫الفن إلى بيوت الفئة التي ال‬ ‫عملية إدخال ِّ‬ ‫لقد أخذنا على عاتقنا َّ‬ ‫تستطيع دفع مبالغ كبيرة‪ ،‬وعملنا على جلب مقتنين جدد‪ .‬فبدأ‬ ‫البعض يشتري بألفي ريال‪ ،‬وفي السنة التالية قد يشتري بثالثة‬ ‫آالف او أربعة وهكذا‪ .‬والحقيقة أن معرض "لوحة في كل بيت"‬ ‫عمل على تشجيع ثقافة االقتناء"‪.‬‬ ‫غير أن الفنان محمد العبالن عقَّب على ذلك فوراً بحديثه عن‬ ‫الفن في فوضى‪،‬‬ ‫الفوضى التي تعم هذا السوق‪ .‬وقال إن سوق ِّ‬ ‫"الفن للجميع" لم تكتمل‪ .‬فالفنانون المشاركون‬ ‫حتى َّ‬ ‫أن فكرة ِّ‬ ‫بأعمالهم تعمدوا عرض أعمال صغيرة‪ ،‬ولم يعرضوا أعمالهم‬ ‫أ‬ ‫يتغير المقتنون‪،‬‬ ‫القيمة لكي تناسب السعار الموضوعة مسبقاً‪ ،‬أولم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫المهمة يتم‬ ‫فهم نفسهم الذين نراهم في كل معرض‪ ،‬والعمال‬ ‫َّ‬ ‫حجزها قبل افتتاح المعرض‪ .‬وبالتالي لم يحقق المعرض هدفه في‬ ‫أن يكون الفن للجميع‪ .‬كانت فكرة أ‬ ‫الميرة فكرة راقية وجميلة‪ ،‬وهي‬ ‫فنية بمبالغ مقدور عليها‪ .‬ولك َّنها لم‬ ‫أن يمتلك الفرد العادي أعماال ً َّ‬ ‫فعل بالشكل المطلوب‪.‬‬ ‫تُ ّ‬ ‫وواصل العبالن حديثه بالحماسة نفسها التي بدأ بها‪" :‬ليست‬ ‫أن السوق نفسها فوضى وال يوجد‬ ‫المشكلة في ماذا نعمل‪ ،‬المشكلة َّ‬ ‫فنانون محترفون‪ ،‬أنت تتعامل مع فنانين هواة‪ .‬قد تأتي وتشتري‬ ‫عمال ً من فنان بمبلغ ‪ 50‬ألفاً‪ ،‬وفي اليوم التالي تأتي وتشتري منه‬ ‫بمبلغ ‪ 20‬ألفاً‪ .‬هناك فوضى في أ‬ ‫السعار وفي التقييم‪ .‬ال بل ليس‬ ‫هناك من يقيم أصال‪ .‬ولكن المجلس السعودي للفن يعكف النآ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫جيد‪.‬‬ ‫بشكل‬ ‫ة‬ ‫العملي‬ ‫على تنظيم‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬


‫ماذا يعني "سعر الفنان"‬ ‫يتحدد؟‬ ‫وكيف َّ‬

‫وكان على الفنان أيمن يسري أن يُطلع الحاضرين على تجربته في‬ ‫تحديد أسعار أعماله‪ ،‬فقال‪" :‬عندما جهزت معرضي أ‬ ‫الول بإشراف‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫الفنان هشام بنجابي‪ ،‬وقبل افتتاح المعرض كان ربع العمال‬ ‫محجوزاً سلفاً‪ .‬بدأت ببيع أعمالي بألفي ريال أوثالثة آالف‪ .‬فقد رأى‬ ‫أ‬ ‫الستاذ بنجابي أنني فنان مبتدئ وال بد من أن أبني سعري‪ ..‬وكان‬ ‫ذلك أول درس لي‪ .‬ولطالما تساءلت‪ :‬كيف يبني الفنان سعره؟"‪.‬‬ ‫نوعية‬ ‫غيرت َّ‬ ‫وروى يسري أن فترة الكساد ما بين عامي ‪ 2003‬و‪َّ 2008‬‬ ‫المقتنين‪" .‬فقد انسحب المقتنون المعتبرون من السوق‪ .‬وأثناء‬ ‫تحررت من تنفيذ‬ ‫تحررت من سطوة فكرة البيع‪َّ ،‬‬ ‫ذلك شعرت بأنَّني َّ‬ ‫عمل فني بهدف البيع‪ .‬لذلك اتجهت للتجريب وأخذت أعمل على‬ ‫أعبر عن أفكاري ورؤاي‪ .‬إلى أن جاءت مرحلة‬ ‫ِّ‬ ‫الفن من أجل الفن‪ِّ .‬‬ ‫مرة أخرى مع معرض "إيدج أوف آرابيا"‪ .‬هي‬ ‫والسوق‬ ‫التسعير‬ ‫َّ‬ ‫تجربة ممتازة‪ ،‬ألنَّها أوجدت سياقاً جديداً مقارنة بالسياق الموجود‪.‬‬ ‫فقد قام "إيدج أوف آرابيا" على مفهوم الفن المعاصر‪ ،‬وأحدث‬ ‫نقلة في التفكير‪ ،‬وفي ما هو أصيل‪ ،‬وما هو مقلَّد‪ ،‬وما هو الفكر‬ ‫الضافة التي أسسها "إيدج أوف‬ ‫أن إ‬ ‫الذي ينطلق منه الفنان‪ .‬غير َّ‬ ‫آرابيا" في سوق الفن هي في المقتنين الجدد‪ ،‬أي الشباب أبناء‬ ‫المقتنين القدامى‪ .‬وهؤالء المقتنون مع الشباب الذين أنشأوا‬ ‫كونوا سوقاً‪ ،‬وهم يمتلكون ثقافة السوق‬ ‫الجاليريات الجديدة ّ‬ ‫العالمية‪ .‬لقد عاشوا فترات من حياتهم في الغرب‪ ،‬وهم يعرفون‬ ‫َّ‬ ‫أن دعم هذا السوق يأتي من الخارج وليس من الداخل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وهنا كانت مداخلة لحسين باجابر قال فيها‪" :‬أو ُّد أن أضيف إلى هذا‬

‫َّأن هؤالء المقتنين وأصحاب الصاالت الجديدة أطلقوا إشارة البدء‬ ‫للبحث عن أعمال سعوديين في الداخل‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬جلبوا‬ ‫مقتنين من الخارج ليبحثوا عن أعمال سعوديَّة بعينها"‪.‬‬ ‫آ‬ ‫ولكن كيف يمكن تفسير وصول بعض أ‬ ‫السعار إلى مئات الالف‬ ‫والماليين؟ سؤال طرحه مدير الجلسة على يسري الذي روى أن‬ ‫مسؤولين من دار المزاد العلني "كريستيز" شاهدوا بعض أ‬ ‫العمال‬ ‫السعودية إلى جانب غيرها من إيرانية وتركية في معرض "أرت دبي"‬ ‫عام ‪ ،2010‬وعرضوا على الفنانين نقل هذه أ‬ ‫العمال إلى لندن مقابل‬ ‫سخية‪ ،‬حيث هناك "جمهور متعطش لمشاهدة مثل هذه‬ ‫مبالغ َّ‬ ‫أ‬ ‫العمال"‪ ،‬وكان من بينهم عمله هو "المحارم" الذي تَ َّم تقييمه‬ ‫بعشرة آالف دوالر‪ ،‬وفي المزاد وصل ثمنه إلى خمسة وعشرين ألفاً‪..‬‬ ‫ويقول يسري‪" :‬تفاجأت‪ ..‬إنَّه ثمن باهظ‪ .‬ولكني أجريت بعد ذلك‬ ‫عملية تقييم مع بعض الزمالء‪ ،‬ورأينا أن أ‬ ‫المر وهم‪ ،‬فهذا سعر غير‬ ‫َّ‬ ‫حقيقي‪ ،‬وهذا مزاد غير حقيقي‪ ،‬ألننا ال نعلم من الذي اشتراه‪ .‬قد‬ ‫يكون أحد أصدقائنا من اشتراه‪ ،‬هناك تالعب‪ ،‬انتبهوا لذلك‪."..‬‬ ‫وهنا أضاف هشام بنجابي‪ :‬عرفت في بداية شبابي معلومة أثّرت‬ ‫أ‬ ‫الفنية‬ ‫في حياتي كلها‪ ،‬وهي َّ‬ ‫أن هناك مافيا ألتقييم أسعار العمال َّ‬ ‫في العالم‪ ،‬وهي لم تنشأ اعتباطاً‪ ،‬ل َّن هناك تصنيفاً ومعايير‬ ‫وتقسيماً للفنانين ومدارسهم المختلفة‪ ،‬وعندما تم تقسيم هذه‬ ‫معينة في نيويورك‬ ‫المدارس أصبح لها سوق تتحكم فيها فئات َّ‬ ‫العالمية‪.‬‬ ‫وأوروبا‪ ،‬كما تتحكَّم في السوق‬ ‫َّ‬

‫المتمرسين‬ ‫متاعب ثقافة المقتنين‬ ‫ِّ‬

‫"تدرج‬ ‫ثم َّ‬ ‫تحدث أحمد حسين عن الدور الذي أداه قنديل قائال ً إنه َّ‬ ‫في أ‬ ‫السعار مع المقتنين‪ ،‬وأنه عمل على تثقيف المقتنين وأقنعهم‬

‫الفنان لديه تحفظ‬ ‫وحساسية على الطريقة‬ ‫َّ‬ ‫تسعر بها أعماله‪ ،‬ربما‬ ‫التي‬ ‫ّ‬ ‫يتحاشى أن يدخل فيها أو‬ ‫أن يساوم في سعر عمله‬

‫هشام قنديل‬

‫أيمن يسري‬


‫‪13 | 12‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫بأن للوحة التشكيلية قيمة استثمارية مثلها مثل أ‬ ‫الراضي والعقار‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫حد كبير جداً في ذلك‪ .‬ولكن هؤالء محدودون‪،‬‬ ‫وأعتقد أنَّه نجح إلى ٍّ‬ ‫وربما كانت عالقتهم بهشام قنديل أقوى من عالقتهم بأي مدير‬ ‫جدة"‪.‬‬ ‫صالة في َّ‬ ‫وأضاف حسين إن بموازاة هؤالء المقتنين الذين يهمهم أن تكون‬ ‫التشكيلية استثماراً‪ ،‬هناك مجموعة أخرى من المقتنين‬ ‫اللوحة‬ ‫َّ‬ ‫يعتقدون في قرارة أنفسهم أنَّهم يتفضلون عليك في افتتاح المعرض‪،‬‬ ‫ومن ثم يأتي أحدهم ويقول لك إنَّني أريد هذا العمل وذاك وتلك‪،‬‬ ‫ويحدد مجموعة‪ ،‬ثم ينتهي حفل االفتتاح ويذهب هذا المفتتح وال‬ ‫ِّ‬ ‫يأخذ منها أي عمل‪ .‬وتظل تطارده سنة وسنتين من دون فائدة‪.‬‬ ‫هذه جزئية من ثقافة المقتنين‪ .‬أما الجزء آ‬ ‫الخر‪ ،‬فإنَّه إذا وافق أن‬ ‫يشتري َّفعلياً فإنه يطالب الصالة بتخفيض ‪ %50‬من قيمة أ‬ ‫العمال‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وهنا إما أن توافق أو ترفض‪ ،‬ما يوقع مدير الصالة في مشكلة بين‬ ‫نوعية من المفتتحين‪ ،‬يأتون‪،‬‬ ‫الفنان وبين المفتتح المقتني‪ .‬وهناك َّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لك َّنهم ال يقتنون أي عمل‪ ،‬وهذا النوع مريح‪ ،‬لنَّه واضح من الساس"‪.‬‬ ‫وعلى إشارة حسين إلى الدور الذي لعبه قنديل‪ ،‬عقّب بنجابي‬ ‫بقوله‪" :‬استطاع قنديل في فترة ما أن يحتوي السوق بفكره‪ .‬ثم‬ ‫انتقل إلى مصر‪ ،‬حيث توجد حركة لفنانين كبار‪ ،‬ولكن القدرة‬ ‫الشرائية فيها ضعيفة جداً‪ .‬فعمل على جلب أعمال فنانين مصريين‬ ‫وتسويقها في المملكة بأسعار متوسطة ما أدى إلى شيء من‬ ‫حد ما‪ .‬فلماذا‬ ‫التذوق‪ ،‬لكنه قد يكون أضر بالسوق السعوديَّة إلى ٍّ‬ ‫لم يعرض لفنان سعودي؟"‪.‬‬

‫تفسير النشاط في زمن الكساد‬

‫وتوجه مدير الجلسة إلى حسين بسؤاله عن المفارقة في الحديث‬ ‫َّ‬ ‫عن وجود كساد في السوق من جهة‪ ،‬وازدياد عدد المعارض من‬ ‫جهة‪ ،‬فأجاب‪" :‬لو تمت مقارنة بين المبيعات المحققة قبل سنوات‬

‫الفن في‬ ‫بدأت تظهر أسواق‬ ‫ِّ‬ ‫العالم مع ظهور الطبقة‬ ‫البورجوازية في أوروبا‪ ،‬وقبل ذلك‬ ‫لم يكن هناك تصوير فوتوغرافي‪،‬‬ ‫فكان الفنانون يرافقون الجيوش‬ ‫لتوثيق المعارك والحروب‬

‫الن‪ ،‬ستجدها أن أ‬ ‫قليلة مع المبيعات آ‬ ‫الخيرة ال تتجاوز الـ‪ %5‬وفي‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫أحسن أ‬ ‫الحوال ‪ %10‬من حجم الولى‪ .‬وبعض الصاالت يعجز‬ ‫حالياًعن تغطية مصاريفه‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬فالمعارض قائمة‪ ،‬أل َّن‬ ‫صاحب الصالة قد يكون مضطراً إلى ذلك لسبب ما‪ ،‬وأحياناً من‬ ‫باب الهواية‪ ،‬أو من باب الدعاية لصالته‪.‬‬ ‫وفسر قنديل هذه المفارقة بقوله إن جزءاً من رواج سوق الفن‬ ‫ّ‬ ‫يعود إلى انتشار القاعات‪ .‬قال‪" :‬نعم هناك كساد في الوقت‬ ‫مرة أخرى وتزدهر"‪.‬‬ ‫الراهن‪ .‬لكن من المتوقع أن تًنهض السوق َّ‬ ‫وأعطى عسيري صورة أدق لحجم الكساد في السوق العالمي قائال ً‬ ‫الفن‬ ‫عالمية في سوق ِّ‬ ‫بحثية َّ‬ ‫إن التقارير الواردة أخيراً من جهات َّ‬ ‫أن جميع أسواق العواصم الكبرى تتجه إلى التراجع في العام‬ ‫تفيد َّ‬ ‫أن مؤشر في أمريكا منخفض‬ ‫الجاري ‪ .2017‬الخريطة تشير إلى َّ‬ ‫الجنوبية ‪ %27‬منخفض‪ ،‬وفي أوروبا‬ ‫بنسبة ‪ ،%30‬وفي أمريكا‬ ‫َّ‬ ‫الشرقية ‪ %20‬منخفض‪ ،‬وفي‬ ‫الغربية ‪ %41‬منخفض‪ ،‬وفي أوروبا‬ ‫شرق َّآسيا ‪ %40‬مرتفع‪ ،‬وفي مناطق أخرى َّ من الشرق أ‬ ‫الوسط ‪%12‬‬

‫السراج‪ :‬الجيل المقبل من المقتنين سيكون أدرى‬ ‫تعذّ ر على إالعالمية المهتمة بشؤون الفن التشكيلي مها السراج حضور‬ ‫عبرت فيها عن رأيها بأن‬ ‫الجلسة‪ ،‬غير أنها بعثت إلى المشاركين بورقة َّ‬ ‫سوق الفن في المملكة "ال يزال يعيش حالة عدم استقرار‪ .‬فعلى الرغم‬ ‫الرواد‪ ،‬إال أن المشهد يتخبط بوجود أسواق‬ ‫من وجود عدد كبير من َّ‬ ‫أ‬ ‫تتحرك على الهامش‪ .‬ففي السواق التجارية يظهر فنانون مجهولون‬ ‫َّ‬ ‫يغرقون المشهد بأعمال منقولة ومستنسخة ورديئة‪ ،‬ما يضعف الثقة لدى الجمهور المثقف في‬ ‫متانة السوق الفني وقدرته على التميز بهوية مستقلة‪ .‬وعلى الجانب آ‬ ‫المتميز‬ ‫الخر نجد الفنان‬ ‫ِّ‬ ‫والمبدع يعتمد اعتماداً كلياً على طريقة حمل أعماله واالنتقال بها من بلد إلى آخر لتسويقها"‪.‬‬ ‫وترى السراج أن اقتناء العمل الفني في وقتنا الحاضر يُعد مغامرة واستكشافاً‪ .‬وهو أيضاً وبلغة‬ ‫التجارة أ‬ ‫القل استثماراً‪ .‬بينما سيكون الجيل المقبل من المقتنين من أصحاب الشهادات الجامعية‪،‬‬ ‫ويعيشون ثقافة عالمية‪ ،‬وبهذا سيكونون مستهلكين مثقفين وأدرى من الجيل السابق‪ .‬وبالتالي‪،‬‬ ‫منصباً على جودة التصميم وإبداعه‪ .‬وهذا االستنتاج المستقبلي هو‬ ‫فإن اهتمامهم بالفن سيكون‬ ‫َّ‬ ‫البداعية‪.‬‬ ‫مفهوم‪ ،‬ال بد من أن يعيه الفنان السعودي الذي يتطلّع إلى االستثمار في طاقاته إ‬


‫مرتفع‪ ..‬وعندما نجري متوسطاً حسابياً لسوق الفن في العالم‪،‬‬ ‫أن هناك تراجعاً عالمياً بمقدار ‪ ..%4‬نعم هناك كساد عالمي‪،‬‬ ‫نجد َّ‬ ‫ونحن في المملكة لسنا بعيدين عنه‪.‬‬ ‫وفي البحث عن سبل الخروج من أ‬ ‫الزمة الحالية قال محمد العبالن‪:‬‬ ‫لكي نتجاوز حالة الكساد الراهنة التي قد تطول‪ ،‬ينبغي علينا‬ ‫االتجاه إلى فكرة اللوحة المطبوعة‪ .‬فلو اتبعنا هذا النهج فسوف‬ ‫يروج للفنان‪ ،‬وسوف يقتني اللوحة عدد كبير من الهواة‪ ،‬وتحتفظ‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫صلية بقيمتها‪.‬‬ ‫في الوقت نفسه اللوحة ال َّ‬

‫مستقبل السوق السعوديَّة‬

‫توجه مديرها إلى المشاركين بالسؤال حول‬ ‫وفي ختام الجلسة‪َّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫نظرتهم إلى مستقبل سوق الفن في المملكة‪ ،‬وجاءت الجوبة‬ ‫والرؤى على الوجه آ‬ ‫التي‪:‬‬ ‫هشام بنجابي‪ :‬إن مفاهيم التنمية المستدامة سوف تتحقِّق في‬ ‫أ‬ ‫أن‬ ‫سوق الفن التشكيلي‪ ،‬إذا تحكمت به النظمة والمعايير‪ .‬وأرى َّ‬ ‫زمنية حتى ينضج نضجاً كامالً‪.‬‬ ‫الجاد من الفن بحاجة إلى مساحة َّ‬ ‫رسمية تستعين بخبرات المختصين‬ ‫ولذا‪ ،‬أطالب بوجود جهة َّ‬ ‫الفن السعودي‪ .‬وعند تنفيذ‬ ‫لتأسيس المعايير والنظم لسوق ِّ‬ ‫السعار وجودة أ‬ ‫المعايير التي تضبط أ‬ ‫العمـال ومــدى فنيتـها‪،‬‬ ‫سوف يرتقي سوق الفن بشكل مطرد وسنصل إلى مرحلة رفيعة من‬ ‫االتقان واالنتظام‪.‬‬ ‫عملية الشراء‬ ‫أحمد حسين‪ :‬سوق الفن مزدهر في دبي‪ .‬ولكن َّ‬ ‫من دبي محفوفة بالمخاطر‪ .‬فعندما يحدث أي خالف بين البائع‬ ‫فإن الصالة هي المرجع‪ ،‬يستطيع المشتري الرجوع‬ ‫والمشتري َّ‬ ‫وأخذ حقه منها‪ .‬أما عندنا في المملكة فال يوجد حكم بين البائع‬ ‫والمشتري‪ .‬ولربما أدى ذلك أيضاً إلى ضياع الحق بينهما‪.‬‬ ‫الفن‬ ‫أيمن يسري‪ :‬هناك حقيقة جديدة بدأت تترسخ في سوق ِّ‬ ‫وأن الفنان أصبح جزءاً‬ ‫السعودي‪ ،‬وهي دخول المؤسسات على الخط‪َّ ،‬‬

‫بسيطاً من هذه المؤسسة‪ .‬فالمؤسسات تؤدي دور الوسيط‪ ،‬وتنظِّم‬ ‫والتسويقية كلها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬عند حدوث مقاضاة أو‬ ‫نتاجية‬ ‫ّ‬ ‫العملية إال َّ‬ ‫َّ‬ ‫فإن المؤسسة هي التي تقاضي المؤسسة‬ ‫ظهور إشكاليات‬ ‫قانونية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن مستقبل سوق الفن مرهون بتنظيم المؤسسات‪.‬‬ ‫هشام قنديل‪ :‬مستقبل سوق الفن مرتبط بالبحث عن مقتنين‬ ‫إن‬ ‫أن الواقع يقول لنا َّ‬ ‫جدد‪ .‬وللغرابة أنَّنا نبحث عنهم في حين َّ‬ ‫نسبة كبيرة من المقتنين أ‬ ‫للعمال التي بيعت عند "كريستيز" هم‬ ‫من السعوديين‪ ،‬وهم غير موجودين في المشهد السعودي‪ .‬ولذا‬ ‫فالسؤال هو‪ :‬كيف نصل إلى هؤالء المقتنين؟‬ ‫طورنا نحن أدواتنا وثقافتنا‬ ‫حسين باجابر‪ :‬سوق الفن في ٍ‬ ‫تنام إذا َّ‬ ‫العالمية في ظل الظروف‬ ‫والتسويقية‪ .‬ومستقبل المزادات‬ ‫ائية‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الشر َّ‬ ‫تحدده سوق الفن بشكل كبير‪ .‬ومع اقتراب‬ ‫ة‬ ‫الحالي‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫االقتصاد‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الفن‬ ‫أول مواسم المزادات الكبرى لعام ‪ 2017‬من االنتهاء‪ ،‬أثبت ُّ‬ ‫أن سوق المزادات ما زال قوياً‪ .‬فقد شهد مزاد الفن االنطباعي‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫والسريالي المسائي بلندن في ‪ 1‬مارس الماضي أعلى إجمالي لي‬ ‫تجمع مزاد في لندن‪.‬‬ ‫الفن السعودي‪،‬‬ ‫عصام عسيري‪ :‬هناك صعوبات سيواجهها سوق ِّ‬ ‫وتتمثل في مواجهة الكساد والمصروفات‪ ،‬واستمرار استيراد‬ ‫أ‬ ‫الصينية المقلَّدة‪ .‬ولكن سيتحقق تنويع في مصادر الدخل‬ ‫العمال‬ ‫َّ‬ ‫واالستثمار في االقتصاد السعودي‪ ،‬وذلك حسب رؤية ‪2030‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬فسوف يستمر سوق الفن‪ .‬وسوف تستمر الضرائب‬ ‫الحالية‪ ،‬أي أنَّها لن ترهق السوق‪ .‬وسوف‬ ‫والجمارك بنفس معدالتها‬ ‫َّ‬ ‫تكون المنافسة قويَّة بين الجهات العاملة في سوق الفن‪ ،‬رغم أنَّه‬ ‫لن تحدث اندماجات بين المؤسسات‪ .‬ولعلنا شهدنا اندماجات‬ ‫جدة‪ ،‬مثل اندماج "جاليري حافظ" و"جاليري‬ ‫طفيفة أخيراً في َّ‬ ‫أيام"‪ ،‬ونشوء مجلس الفن السعودي‪ ..‬ولكن بشكل عام‪ ،‬ال توجد‬ ‫اندماجات مستقبلية في السوق‪ .‬وعلى هذا أ‬ ‫الساس‪ ،‬يبدو مستقبل‬ ‫َّ‬ ‫سوق الفن في المملكة واعداً‪.‬‬


‫‪15 | 14‬‬

‫بداية كالم‬

‫ما شعورك بعد قراءة‬ ‫رواية أو كتاب معرفي؟‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫إعداد‪ :‬خالد ربيع‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بعيدا في الخيال‬ ‫أحلق‬

‫هوازن باداود ـ معدة برامج تلفزيونية‬

‫أصاب أ‬ ‫بالسف بعد فراغي من قراءة بعض الروايات؛ ألنها تكون قد انتهت‪ .‬أشعر‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال� خضتها مع شخصيات الرواية بما فيها من أفراح وآالم‪ .‬بعض‬ ‫بالحن� لتلك الرحلة ي‬ ‫ن‬ ‫والخ�ة‪ ،‬فغالباً ما أقوم بعمل بحث عن معلومة جديدة‬ ‫الروايات‬ ‫تكسب� المعرفة ب‬ ‫ي‬ ‫وخ�ات‪.‬‬ ‫به‬ ‫جاد‬ ‫بما‬ ‫أكتفي‬ ‫وال‬ ‫وجدتها‪،‬‬ ‫عل الكاتب من معلومات ب‬ ‫ي َّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫بمخيل� بعيداً‪ .‬فما أجمل تلك‬ ‫ال� تحلِّق‬ ‫أك� ما‬ ‫تستهوي� كتب ال ي‬ ‫ي‬ ‫ساط� القديمة ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫مواز لعالمنا‪ ،‬مختلف‪ ،‬لكن يعيش فيه‬ ‫ال� يأخذنا فيها الكاتب إىل عالم ٍ‬ ‫اللحظات ي‬ ‫ال� يواجهونها‪ .‬أما عند قر ت‬ ‫أشخاص يشبهوننا‪ ،‬فنتعلَّم ونستفيد من المواقف ت‬ ‫اء� كتاباً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� أقرأها‪ ،‬فغالباً ما يكون ذلك ألمر يتعلق بأبحاث‬ ‫جديداً مختلف فاً عن نوعية الكتب ي‬ ‫عمل ي� الصحافة والكتابة التلفزيونية‪.‬‬ ‫تخص ي‬

‫أعيش في العوالم الجديدة‬

‫محمد القثمي ـ موظف حكومي‬

‫ن‬ ‫يدفع� الكتاب العلمي إىل محاولة تطبيق ما جاء فيه وفق‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫الف�يائية‬ ‫استيعا� للنظرية‬ ‫يتحدث عنها‪ ،‬كالتجارب ي‬ ‫ال� َّ‬ ‫بي‬ ‫العلمية ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أو الكيميائية‪ ،‬أو عىل القل مراقبة ما ي� النظرية عىل أرض‬ ‫الواقع‪ ،‬أو مشاهدة ِفلم وثائقي عن الموضوع‪ .‬كما أن كتب‬ ‫ن‬ ‫تستهوي� لعالقتها بالتطور التكنولوجي وما‬ ‫الخيال العلمي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫خيال مع هذه‬ ‫يسبح‬ ‫لذلك‬ ‫‪،‬‬ ‫للب�‬ ‫مهمة‬ ‫ات‬ ‫ز‬ ‫إنجا‬ ‫يحققه من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫الكتب وأصبح ي� حالة نهم لالس�ادة من هذه الكتب‪ ،‬وكل كتاب‬ ‫ن‬ ‫يقود� إىل تحليق جديد‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ض‬ ‫الما�‬ ‫شعر� كتب التاريخ بالشوق إىل‬ ‫من ناحية ثانية‪ ،‬تُ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫لمعايشة أ‬ ‫وتخيلها حسب ظروف العرص الذي تجري‬ ‫حداث‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫كب�ة‪ .‬وأحياناً‪ ،‬أحاول التعرف إىل‬ ‫التخيل متعة ي‬ ‫فيه‪ ،‬وأجد ي� هذا ّ‬ ‫آ ت‬ ‫ال� تركها ش‬ ‫الب� الذين تدور حولهم الكتب‪ ،‬أل تق�ب نوعاً‬ ‫الثار ي‬ ‫ما من الداللة التاريخية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫تتحدث عن حالة إنسانية فيكون‬ ‫أما الرواية الدبية‪ ،‬فإن كانت َّ‬ ‫عل عميقاً‪ ،‬خاصة إذا كانت رواية مقتبسة من حوادث‬ ‫ي‬ ‫تأث�ها ي ّ‬ ‫تأث�ها أحياناً لعدة أيام‪ ،‬إما سلباً وإما إيجاباً‪.‬‬ ‫حقيقية‪ .‬ويستمر ي‬


‫‪3‬‬

‫أمران أحالهما ُم ّر‬ ‫نور عطرجي ـ أعمال المقاوالت‬

‫كريس� جعلت نم� محقّقة فعلية ف� مجريات الحياة الغامضة‪ ،‬فال تمر أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫الحداث ب ي�‬ ‫اء� للروايات البوليسية للكاتبة أجاثا‬ ‫قر ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كث�اً بعد االنتهاء من كل رواية أقرأها‪ .‬فأفكِّر ي� مالبسات‬ ‫تفك�ي ي‬ ‫مرور الكرام دون معرفة أساسها وحقيقتها‪ ،‬لذلك ينشغل ي‬ ‫و� تورط ن ف‬ ‫ف‬ ‫الفالت من العدالة‪.‬‬ ‫و� السيناريو الذي يمكِّ نه من إ‬ ‫الجريمة ي ّ‬ ‫ي‬ ‫الجا� ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫يضع� ي ن‬ ‫كث� من‬ ‫أما ف ي� الروايات العاطفية فموت البطل أو العكس‬ ‫ب� أمرين أحالهما ُم ّر‪ .‬المر الول‪ :‬موت البطل بعد ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الثا�‪ :‬إذا عاش البطل بعد‬ ‫ال‬ ‫ن� جداًّ‪ ،‬ولكن الجمل عندما أستشف أنَّه عاش قوياًّ ولم يستسلم‪ .‬المر ي‬ ‫حداث والرصاعات يحز ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫شعر� بأن هناك ما يسمى بالخوف اللذيذ‪،‬‬ ‫كل الحداث والرصاعات فستكون جروحه دائماً دامية وذكرياته موجعة‪ .‬وهذا يُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يحفز� عىل قراءة مزيد من هذه الروايات‪.‬‬ ‫وهو الذي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫بأ� عشبة‬ ‫تجعل� أشعر أ ي‬ ‫ال� لها عالقة بالطب‪ .‬إذ ف ي‬ ‫ي� الكتب العلمية أو المعرفية أهم ما قرأته من الكتب العلمية كانت تلك ي‬ ‫ب� التالل وينبغي المحافظة عليها‪ .‬ومع ذلك ال أشتغل جدياًّ بالحفاظ عىل ت‬ ‫برية نادرة تعيش ي ن‬ ‫كث� من الحيان‪.‬‬ ‫صح� ي� ي‬ ‫ي‬

‫‪4‬‬

‫‪5‬‬

‫أعيش حياة أبطالها‬

‫مشاعل العمري ـ مدونة وصحافية‬

‫عند االنتهاء من قراءة رواية ن‬ ‫ينتاب� شعور شبيه باالمتالء من جميع‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ذه�‪ ،‬وأستطيع‬ ‫تتجسد يل الحقائق بصور‬ ‫النواحي‪َّ ،‬‬ ‫الشخصيات ي� ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫أتخيل البطال‬ ‫ترتيبها ف ي�‬ ‫ذاكر� ي� أماكن قابلة لالستدعاء ي� أي وقت‪َّ .‬‬ ‫أي‬ ‫ت‬ ‫ال� يؤدونها‪ .‬أتعاطف مع الشخصيات المظلومة‬ ‫بكل تفاصيل الدوار ي‬ ‫وأحب الشخصيات المؤثرة بقوتها وعدلها وإنجازها‪.‬‬ ‫أما عند االنتهاء من قراءة كتاب علمي‪ ،‬فغالباً ما يتبع ذلك حالة من‬ ‫ن‬ ‫الذه�‪ ،‬فأتوقف وأدخل ف ي� مرحلة التأمل‪ ،‬أعمل خاللها عىل‬ ‫إ‬ ‫الرهاق أ ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� وردت ي� الكتاب‪ ،‬وربما أعمل عىل تلخيصها والعودة‬ ‫فكار‬ ‫ال‬ ‫تيب‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫تحدد‬ ‫إىل قراءة عدد من الفصول مرة أخرى‪ .‬أشعر أن القراءة العلمية ال ّ‬ ‫بالكمية وإنما بقيمة ما تقرأه‪ ،‬لذلك آخذ متسعاً من الوقت الستيعاب‬ ‫عقل ف ي� حالة انشغال تام‪.‬‬ ‫تفاصيل ما قرأته‪ ،‬وأثناء ذلك يكون ي‬

‫أختار أدباء بعينهم‬ ‫ف‬ ‫صحا�‬ ‫أحمد عزوز ـ محرر‬ ‫ي‬ ‫أ‬

‫كث�اً بالعمال الكالسيكية الجادة‪ .‬فعىل سبيل المثال‪ ،‬كان شعوري‬ ‫أتأثر ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫"ب� القرصين والسكرية‬ ‫اء� لثالثية نجيب محفوظ ي‬ ‫ال يوصف بعد قر ي‬ ‫حيث أعجبت أ‬ ‫بالب "السيد أحمد عبد الجواد"‬ ‫وقرص الشوق"‪.‬‬ ‫وشخصيته المتناقضة الجادة والحازمة ف� البيت‪ ،‬والهازلة المعربدة يب�ن‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الصدقاء‪ ،‬وابنه ي ن‬ ‫ال�جوازية‪ ،‬فقد‬ ‫"ياس�"‪ ،‬وابنه الصغر كمال وشلّته ب‬ ‫ن‬ ‫أخذت� هذه الشخصيات إىل عوالم بعيدة‪ ،‬وموقفي من الشخصيات‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الثالث ي�اوح يب� الرثاء والشعور بالمرح والتعاطف‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� اطلعت عليها‪ ،‬وأثرت ف ي َّ� هو كتاب "موىس بن ميمون"‬ ‫آخر الكتب ي‬ ‫شد�ن‬ ‫للكاتب تمار‬ ‫رودافسك‪ ،‬وترجمه إىل العربية د‪.‬جمال الرفاعي‪ .‬فقد َّ ي‬ ‫ي‬ ‫رودافسك أعماق شخصية ابن ميمون (‪ 1135‬ـ‬ ‫س�‬ ‫هذا إ‬ ‫الصدار‪ ،‬حيث ب‬ ‫ي‬ ‫‪ ،)1204‬الذي كان يهودياً‪ ،‬إال أنه عاش بعقلية المسلم الوسطي المحب‬ ‫للخيـــر والســـالم‪ ،‬ت‬ ‫عـــده الشيخ مصطفى عبد الــرازق أحد‬ ‫ح� ّ‬ ‫ين‬ ‫المسلم�‪.‬‬ ‫فالسفة‬


‫‪17 | 16‬‬

‫كتب عربية‬

‫اإلقتصاد‬ ‫تأليف‪ :‬دافيد أوريل مع بورين‬ ‫فان لون‬ ‫ترجمة‪ :‬هديل أبو زهرا‬ ‫الناشر‪ :‬منشورات المتوسط ‪-‬‬ ‫‪2016‬‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫يقو ُد تقديم العالمة التجارية الجديدة إلى الموضوع الذي من شأنه حقاً‬ ‫وصف االقتصادي البريطاني‬ ‫أن يجعل العالم يستمر‪ .‬في عام ‪َ ،1935‬‬ ‫ليونيل روبينس علم االقتصاد بأنه «علم الندرة»‪ ،‬بيد أنه آ‬ ‫الن في كل‬ ‫ُ‬ ‫ويشهد على ذلك‬ ‫مكان‪ ،‬ولم يكن أكثر شيوعاً من قبل كحاله اليوم؛‬ ‫ُ‬ ‫كتاب ‪ Freakanomics‬الذي حقّق أعلى المبيعات‪ .‬ولكن‪ ،‬ما هو علم‬ ‫االقتصاد حقاً؟ بماذا يفكّر كبار االقتصاديين‪ ،‬وما الذي يستطيع علم‬ ‫يوضح ديفيد أوريل‪ ،‬مؤلف كتاب‬ ‫االقتصاد أن يفعله من أجلنا اليوم؟ ّ‬ ‫‪ ،Economyths‬كل ما يتعلّق بتقديم العالمة التجارية بصورة ذكية‬ ‫وبارعة‪ ،‬مصحوباً برسوم توضيحية عبقرية بيد أ‬ ‫السطورة بورين فان لون‪.‬‬ ‫حيث‬ ‫يعيش في أكسفورد؛ ُ‬ ‫أما ديفيد أوريل فهو عالم رياضيات كندي ُ‬ ‫أ‬ ‫المعقّدة على‬ ‫حاز على شهادة الدكتوراة‪ .‬وبرز عمله في تنبؤ النظمة ُ‬ ‫غرار الطقس وعلم الوراثة واالقتصاد في مجلة نيو ساينتست وصحيفة‬ ‫فايننشال تايمز وراديو بي بي سي وتلفزيون سي بي سي‪ .‬كتابه السابق‬ ‫هو ‪ Economyths‬والذي نشرته دار ‪ ICON‬في عام ‪ .2010‬بورين فان‬ ‫ُلون‪ :‬فنان سوريالي في الكاريكاتير والكوالج‪ ،‬وهذا هو الكتاب السادس‬ ‫عشر المصور له‪.‬‬

‫التنوع البيبليوغرافي‪ :‬بيان‬ ‫في النشر المستقل‬ ‫تأليف‪ :‬سوزان هاوثورن‬ ‫ترجمة‪ :‬بالل زعيتر‬ ‫الناشر‪ :‬دار الفارابي‪ ،‬مؤسسة االنتشار‬ ‫العربي‪2016 ،‬‬

‫تنوع النشر‬ ‫ِّ‬ ‫تقدم سوزان هاوثورن في هذا الكتاب استعراضاً وافياً لمفهوم ّ‬ ‫التنوع الثقافي‪ ،‬وتفضح فيه آلية تخريب صناعة النشر‬ ‫وانعكاسات ذلك على ّ‬ ‫وكيفية تحطيم الهوامش لمصلحة نوع واحد من الكتب‪ ،‬تلك التي تقع في‬ ‫باب أ‬ ‫"الكثر مبيعاً"‪ ،‬وإزاحة كل ما عدا ذلك من واجهات المكتبات‪ .‬وتضع‬ ‫المتعمد في مقام التخريب البيولوجي للطبيعة على‬ ‫هذا التخريب الثقافي‬ ‫ّ‬ ‫التنوع والتعددية‪.‬‬ ‫حساب ّ‬ ‫فدور النشر الكبرى ومتاجر الكتب تعنيها أ‬ ‫الرقام فقط‪ ،‬وال تعبأ بسماع‬ ‫أ‬ ‫تنوع الحاالت‬ ‫الصوات المختلفة‪ ،‬وال بتخصيب التربة الثقافية وتشجيع ّ‬ ‫التنوع في مواجهة خطر‬ ‫المعرفية‪ .‬ونقرأ في فصول الكتاب سبل وإيجابيات ّ‬ ‫سيطرة هذا اللون الواحد من النشر الذي تمليه المؤسسات العمالقة‪.‬‬ ‫عملية مشتركة تتضافر فيها كل الجهود‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫وتَ ُع ّد المؤلفة أن النشر َّ‬ ‫تنوع النشر وترويجه‪ .‬وتركِّز هاوثورن‬ ‫خيار القارئ الواعي الذي يتبنى مفهوم ّ‬ ‫على أهمية إسماع صوت المهمشين‪ ،‬ومن بينهم النساء والمجتمعات التي‬ ‫خضعت طويال ً لسيطرة النفوذ االستعماري بما يحملــه من تذويـــب‬ ‫للثقافات المحلية‪.‬‬

‫الرواية العربية في القرن العشرين‬ ‫التأسيس والتطوير والظهور واألنماط‬ ‫تأليف‪ :‬مجموعة مشتركة من الباحثين والنقَّاد العرب‬ ‫الناشر‪ :‬المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا)‪2016 ،‬‬

‫يُعد هذا الكتاب عمال ً مسحياًّ للخارطة الروائية العربية‬ ‫ويضم العمل خمسة أقسام‪.‬‬ ‫من المحيط إلى الخليج‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫الول بعنوان "الرواية العربية في مصر والسودان" كتبه‬ ‫أ‬ ‫الكاديمي المصري محمد الشحات‪ ،‬والثاني بعنوان‬ ‫أ‬ ‫"الرواية في بالد الشام" كتبه الدكتور الردني إبراهيم‬ ‫فخ ّصص للرواية في العراق وكتبه‬ ‫السعافين‪ ،‬أما الثالث ُ‬ ‫الباحث العراقي نجم عبدهللا كاظم‪ .‬وجاء القسم الرابع‬ ‫حول الرواية العربية في المغرب العربي بقلم الناقد‬ ‫تطور الرواية‬ ‫المغربي سعيد يقطين‪ ،‬بينما رصد الخامس ّ‬ ‫في الخليج والجزيرة العربية بقلم العراقي صالح هويدي‪.‬‬ ‫وفي الخاتمة‪ ،‬تم رصد أهم النتائج البحثية‪ ،‬ومنها أن‬

‫الوالدة التاريخية للرواية العربية بدأت في مصر والشام‬ ‫والعراق في العقدين أ‬ ‫الولين من القرن العشرين‪ .‬وأن‬ ‫الرواية العربية عموماً تأثرت‪ ،‬سواء في النشأة أو في‬ ‫التطور‪ ،‬بالرواية العالمية‪ ،‬خصوصاً من ناحيتي البناء‬ ‫والتقنيات‪ .‬وفيما يخص المذاهب واالتجاهات أ‬ ‫والنواع‪،‬‬ ‫جل أ‬ ‫القطار العربية تعليمية‪ ،‬وكثيراً‬ ‫فقد بدأت الرواية في ّ‬ ‫ما اقتربت من المقامة‪ ،‬ثم أصبحت عاطفية‪ .‬قبل أن‬ ‫تنتقل غالباً إلى الواقعية‪ ،‬واختلطت الواقعية باتجاهات‬ ‫أخرى مثل‪ :‬الرومانسية والوجودية والنفسية‪.‬‬ ‫ويرصد الكتاب البحثي بروز المرأة العربية في مجال‬ ‫الرواية‪ ،‬ويتابع التغييرات التي طرأت على الرواية في نهاية‬ ‫القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين‪ ،‬حيث‬ ‫حصل تناغم في واقعها وحجم إنتاجها في كل إقليم‬ ‫وقطر‪ ،‬وزوال التفاوت في مستوياتها الفنية الذي كان‬ ‫موجوداً قبل تسعينيات القرن الماضي‪.‬‬


‫المميز “من مكة إلى الس فيجاس‪ :‬أطروحات نقدية في‬ ‫بعد عمله َّ‬ ‫شيقة‬ ‫العمارة والقداسة”‪،‬‬ ‫يطوف بنا د‪.‬علي عبدالرؤوف في رحلة ِّ‬ ‫بين مدن العرب في أ‬ ‫الدب العربي الحديث؛ من دبي إلى الدار‬ ‫وعمان والقاهرة التراثية‬ ‫البيضاء مروراً بالرياض وبغداد ودمشق َّ‬ ‫والمعاصرة‪ ،‬وصوال ً إلى تونس والجزائر‪.‬‬ ‫يبني الكاتب عالقة مركَّبة بين أ‬ ‫الدب والعمارة‪ ،‬فيعيد رسم خريطة‬ ‫ذهنية للمدن وعمارتها كما نقلتها الروايات‪ ،‬وهو موضوع جديد‬ ‫على الدراسات أ‬ ‫الدبية العربية التي تمزج العمارة الفعلية بالعمارة‬ ‫المتخيلة أو تلك التوثيقية لمدن بعينها كما جاءت في الروايات‪.‬‬ ‫ويجول بنا الكتاب في أعمال كبار أ‬ ‫الدباء العرب المعاصرين التي‬ ‫صورت هذه المدن وشخوصها؛ لتصل أ‬ ‫الدب بالعمارة والعمران‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السمان وعبدالرحمن‬ ‫من خالل أعمال ح ّنا مينه وفواز حداد وغادة ّ‬ ‫منيف وغازي القصيبي وهاني النقشبندي وشاكر أ‬ ‫النباري والطيب‬ ‫صالح ومحمد أ‬ ‫الشعري وياسمينا خضرا ونجيب محفوظ والطاهر‬ ‫وطّار ويحيى حقي وجمال الغيطاني ورضوى عاشور ويوســف‬ ‫إدريس وإبراهيم أصالن وبهاء طاهر وفتحي غانم وأحمد خالد‬ ‫توفيق وغيرهم‪.‬‬

‫جدلية اللغة والسيميولوجيا ‬ ‫في السينما‬

‫تأليف‪ :‬عبدالكريم قادري‬ ‫الناشر‪ :‬منشورات المتوسط – ميالنو‪،‬‬ ‫‪2016‬‬

‫يلخص هذا الكتاب للناقد الجزائري عبدالكريم قادري نظريات‬ ‫البحث في مفهوم سينما الشعر‪ ،‬وتقريبها للمتلقّي؛ ليكون‬ ‫بمنزلة المرجع الذي يمكن العودة إليه كلما دعت الحاجة إلى‬ ‫ذلك‪ .‬وسيكون جامعاً شامال ً لجوانب اللغة في السينما‪ ،‬وشرحاً‬ ‫مستفيضاً لنظرية بيار باولو بازوليني‪ ،‬وبوصلة تؤشر للباحثين‬ ‫والنقّاد لتقديم كتب وبحوث أخرى‪ ،‬إلثراء المكتبة العربية بمزيد‬ ‫من الدراسات أ‬ ‫والبحاث التي تهم عشاق الفن السابع‪.‬‬ ‫ويعرفنا الكتاب على جوانب عديدة في سينما الشعر‪ ،‬وما يتصل‬ ‫بها‪ ،‬من فروع اللغة السينمائية‪ ،‬من سيميولوجيا ومذاهب أدبية‬ ‫والمقارنة التي‬ ‫ونقدية أخرى‪ ،‬ناهيك عن الدراسات التحليلية ُ‬ ‫قام بها الكاتب كجانب تطبيقي‪ ،‬لتسهيل عملية فهم الجانب‬ ‫المعقّد‪.‬‬ ‫النظري ُ‬ ‫ويحتوي الكتاب على جملة من التساؤالت حول قضايا إبداعية‬ ‫أ‬ ‫اليطالي‬ ‫متعلِّقة باللغة والسلوب السينمائيين في منجز المخرج إ‬ ‫بيار باولو بازوليني‪.‬‬

‫فجر العرب‪ :‬شبابه وعائده الديمغرافي‬ ‫تأليف‪ :‬بسمة المومني‬ ‫ترجمة‪ :‬فادي ملحم‬ ‫الناشر‪ :‬سلسلة ترجمان‬ ‫المركز العربي أ‬ ‫للبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة ‪2016‬‬

‫بحثت بسمة المومني في هذا الكتاب الذي وضعته أوال ً‬ ‫بالنجليزية شؤون الشباب العرب وشجونهم‪ ،‬وأحوال‬ ‫إ‬ ‫مجتمعاتهم‪ ،‬وطموحهم ورؤيتهم للمستقبل عشية ما‬ ‫يسمى "الربيع العربي" وخالله‪ .‬وتستند المؤلفة في بحثها‬ ‫أعدتها في عدد من الدول‪،‬‬ ‫إلى مجموعات مناقشة مركّزة ّ‬ ‫ومؤتمرات واجتماعات شاركت فيها‪ ،‬ومقابالت شخصية‬ ‫أجرتها‪ ،‬تتمحور كلها حول السؤال‪ :‬كيف يفكِّر الشباب العرب‬ ‫وماذا يريدون؟‬ ‫تتحدث المومني في الفصل المعنون بـ "الخبز‪ :‬الكرامة‬ ‫َّ‬ ‫االقتصادية والعمل المنتج"‪ ،‬عن طلب الشباب العرب‬

‫الخبز‪ ،‬مشيرة إلى الرغبة في الحصول على الكرامة‬ ‫االقتصادية والعمل المنتج‪ .‬وعلى الرغم من عدم‬ ‫وجود نقص في أعداد الشباب العرب المتعلّم‪ ،‬يواجه‬ ‫هؤالء تحديات كثيرة عندما يبحثـون عن فرص تتيح لهم‬ ‫االستفــادة من تعليمهم‪ ،‬فيبقى كثير من الشباب عاطال ً‬ ‫التخرج‪ .‬ولكن نسبة ريادة‬ ‫عن العمل كلياًّ أو جزئياًّ بعد ّ‬ ‫أ‬ ‫العمال ترتفع بشكل غير مسبوق في العالم العربي‪ ،‬مع‬ ‫تراجع الخيارات التقليدية‪ .‬وهي من الوسائل التي تعتمدها‬ ‫التحيز الجنسي في‬ ‫الشابات العربيات خصوصاً لمواجهة ّ‬ ‫مواقع العمل‪.‬‬

‫كتب عربية‬

‫مدن العرب في رواياتهم‬ ‫تأليف‪ :‬علي عبدالرؤوف‬ ‫الناشر‪ :‬دار مدارات للنشر والتوزيع‬ ‫بالقاهرة‪2017 ،‬‬

‫سينما الشعر‬


‫‪19 | 18‬‬

‫كتب من العالم‬

‫النسانية المستحيلة"؟‬ ‫هل يمكن وجود ما نسميه بـ "اللغة إ‬ ‫يمكن لعالم أ‬ ‫الحياء أن يصف الحيوان المستحيل‬ ‫كالمخلوق الذي يتعارض مع القوانين الفيزيائية للطبيعة‬ ‫الجاذبية)‪ ،‬ولكن هل هناك‬ ‫(الكون‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أو‬ ‫َّ‬ ‫تحد اللغات؟ في هذا الكتاب‪ ،‬يحقق أندريا مورو‪،‬‬ ‫قوانين ّ‬ ‫اللغوي المميز والمتخصص في علم أ‬ ‫العصاب‪ ،‬في إمكانية‬ ‫وجود اللغات المستحيلة‪ ،‬والبحث عن "بصمة" اللغة‬ ‫النسانية التي ال تمحى‪.‬‬ ‫إ‬ ‫يظهر مورو كيف أن فكرة اللغات المستحيلة ساعدت في‬ ‫تركيز أ‬ ‫البحاث على الهدف النهائي لعلم اللغويات‪ ،‬وهو‬ ‫تحديد فئة من اللغات البشرية الممكنة‪ .‬فيأخذنا أبعد من‬

‫حدود بابل‪ ،‬إلى مجموعة من الخصائص التي‪ ،‬على الرغم‬ ‫من المظاهر‪ ،‬تشترك فيها جميع اللغات‪ ،‬ويستكشف‬ ‫مصادر هذه الخصائص‪ ،‬باالعتماد على تجارب علمية قام‬ ‫الجمل ليكشف‬ ‫بتصميمها هو شخصياً‪ .‬ويقارن مورو تركيب ُ‬ ‫عن هيكلية خفية ومعقَّدة‪ ،‬ويصف الدماغ بالغربال‪،‬‬ ‫ويستمع لصوت الفكر عن طريق تسجيل النشاط الكهربائي‬ ‫والجمل هي مثل‬ ‫في الدماغ‪ .‬ويقول لنا إن الكلمات ُ‬ ‫السمفونيات ومجموعات النجوم‪ ،‬إذ ليس لديها محتوى‬ ‫بحد ذاتها‪ ،‬فهي موجودة ألننا نستمع لها وننظر إليها‪،‬‬ ‫وبذلك نصبح نحن كبشر جزءاً من البيانات‪.‬‬

‫الدب أ‬ ‫واحدة من أهم روايات أ‬ ‫الوروبي الحديث‪ ،‬من تأليف‬ ‫جيرارد كورنيلس فان هيت ريف الذي ولد في أمستردام‬ ‫عام ‪ ،1923‬وكان قد نشرها في عام ‪ ،1947‬قبل وقت‬ ‫قصير من عيد ميالده الرابع والعشرين‪ ،‬ولكنها لم تترجم‬ ‫النجليزيَّة إال في عام ‪ .2016‬وتتبع الرواية تحركات‬ ‫إلى إ‬ ‫ً‬ ‫فريتس فان إغترز البالغ من العمر ثالثة وعشرين عاما في‬ ‫العشرة أيام أ‬ ‫الخيرة من عام ‪ ،1946‬حيث كان يعيش مع‬ ‫والديه ويعاني من أحالم فظيعة عن الدمار والموت‪ .‬وكان‬ ‫المفضلة على شكل‬ ‫يتحدث مع لعبته‬ ‫َّ‬ ‫من وقت إلى آخر َّ‬ ‫أرنب‪ .‬وإذا كان العنوان يشير إلى المساء‪ ،‬فذلك ألن فريتس‬ ‫كان نهاراً في مكان عمله‪ ،‬حيث لم يكن يشعر بوجوده على‬

‫الطالق‪ .‬ماذا كان يعمل؟ يجيب هو بنفسه عن هذا السؤال‬ ‫إ‬ ‫عندما طرحه عليه أحد أ‬ ‫الصدقاء‪ ،‬فقال "أُخرج البطاقات‬ ‫من الملفات‪ ،‬وعندما أُخرجها أعيدها إلى الملف مرة أخرى"‪.‬‬ ‫ولكنه ال يتذمر من هذه الوظيفة أبداً‪ ،‬ألن ساعات النهار‬ ‫كانت معروفة ومحددة بالنسبة إليه‪ .‬ولكن أ‬ ‫المسيات هي‬ ‫َّ‬ ‫التي كانت تم ِّثل المشكلة‪ ،‬فكان يمضيها مع أصدقائه هائماً‬ ‫في المدينة الكئيبة بينما يحاول أن يجد معنى للدقائق‬ ‫والساعات أ‬ ‫واليام التي تمتد أمامه‪ .‬إنها رواية آسـرة‪،‬‬ ‫مضحكة ومحزنة حول االنتصارات والخيبات الصغيرة في‬ ‫حياتنا اليومية‪.‬‬

‫يحدد من خالل‬ ‫منذ وقت ليس ببعيد‪ ،‬كان توقيت حياتنا َّ‬ ‫حركة الشمس‪ .‬أما في عصرنا الحالي فأصبح الوقت يصل‬ ‫إلينا في كل ما يحيط بنا من شاشات الكمبيوتر والتلفزة‬ ‫ويدخل في أجهزة المحمول وساعات اليد والحائط‪ ،‬حتى‬ ‫إن حياتنا أصبحت مبنية على أساس أنه لن يكون لديـنا ما‬ ‫يكفي من هذا المورد الثمين الذي نتوق إليه أكثر من أي‬ ‫شيء آخر‪.‬‬ ‫كيف أصبح الوقت‪ ،‬هذا الشيء االعتباطي‪ ،‬يهيمن على‬ ‫حياتنا بهذا الشكل؟ تستكشف القصص المقنعة في هذا‬ ‫الكتاب الهواجس الموجودة لدينا المتعلِّقة بالوقت‪ .‬فهناك‬ ‫النجليزي الذي يصل من كالكوتا لكنه يرفض‬ ‫قصة الرجل إ‬ ‫النجليزي‪ .‬والقصة التي تخبرنا‬ ‫ضبط ساعته حسب التوقيت إ‬ ‫كيف وصل إلينا الجدول الزمني بالقطار البخاري‪ .‬وحكاية‬

‫تصميم إحدى السيدات ساعة على مدار عشر ساعات‬ ‫فقط‪ ،‬وكيف أعادت اختراع التقويم الزمني‪ .‬كما يوضح لنا‬ ‫العداء البريطاني روجر بانيستر عالقاً في‬ ‫الكتاب كيف بقي ّ‬ ‫توقيت الدقائق أ‬ ‫الربع‪ ،‬ويسرد حكاية نجاح ساعاتي بريطاني‬ ‫أ‬ ‫بالضافة إلى‬ ‫بالتنافس مع المنتجين القوياء في سويسرا‪ ،‬إ‬ ‫محاولة أحد أ‬ ‫المراء إيقاف الزمن‪.‬‬ ‫كتاب "الموقتون" استكشاف حي للطرق التي فهمنا بها‬ ‫الوقت‪ ،‬وحافظنا عليه وحاولنا التوفير فيه على مدى ‪250‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ومسل للغاية‪.‬‬ ‫سنة ماضية‪ .‬كلها معروضة في أسلوب مبتكر‬ ‫وعندما أصبحت إدارة الوقت التحدي أ‬ ‫الكبر الذي نواجهه‬ ‫في حياتنا‪ ،‬فإن هذا العرض التاريخي لمفهوم الوقت‬ ‫المتعدد الطبقات يساعدنا على فهم الوقت في ضـوء‬ ‫ِّ‬ ‫جديد مختلف‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫الفريقي‬ ‫يسترجع في هذا الكتاب الروائي والكاتب المسرحي إ‬ ‫البارز نغوجي وا ثيونغو الذي ولد في كينيا عام ‪.1938‬‬ ‫ويتحدث واثيونغو عن‬ ‫حولته كاتباً‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫التجارب المبكّرة التي َّ‬ ‫تشجعه باستمرار على القراءة‬ ‫امتنانه لوالدته التي كانت ِّ‬ ‫والكتابة‪ ،‬ويمضي في تسلسل زمني لطيف ليأخذنا إلى‬ ‫حياته العائلية وتعليمه المدرسي‪ ،‬واكتشافه لهوايته‬ ‫في الكتابة وموهبته الطبيعية لهذه الحرفة‪ .‬فقد كتب‬ ‫والدة ناسج األحالم‪ :‬صحوة كاتب‬ ‫المسرحيات في المدرسة وفاز في المسابقات أ‬ ‫الدبية‪ ،‬ثم‬ ‫‪Birth of a Dream Weaver: A Writer's Awakening by‬‬ ‫بدأ الكتابة للمطبوعات والمجالت المحلية‪ ،‬ومن ثم أدرك‬ ‫‪Ngugi Wa Thiong’o‬‬ ‫تأليف‪ :‬نغوجي وا ثيونغو‬ ‫في نهاية المطاف أن عواطفه تكمن في الكتابة الروائية‬ ‫الناشر‪The New Press, 2016 :‬‬ ‫والدراما‪ .‬وفي جميع محطات الكتاب هناك صور ألشخاص‬ ‫أ‬ ‫عرفهم وقصاصات من مؤلفاته المبكرة ومسرحياته الولى‪.‬‬ ‫وبين سطور الكتاب تطفو صور عن سياسة ذلك العصر‬

‫الشرسة وتلك التي ظهرت في نهاية االستعمار‪ ،‬وصعود‬ ‫الديكتاتوريات واالشتباكات العرقية التي ال تُعد وال تحصى‪.‬‬ ‫كما أنه يعترف‪ ،‬بالحظ الذي ساعده على تجنب المتاعب‬ ‫في وقت مبكِّر‪ ،‬لكنه يلمح أيضاً إلى سنوات الحقة أمضاها‬ ‫في السجن‪ ،‬والخبرات التي تعلمها هناك‪ ،‬والتي أشار إلى‬ ‫احتمال تناولها في مذكرات الحقة‪.‬‬ ‫وعلى مدى صفحات هذا الكتاب‪ ،‬يحرص واثيونغو على‬ ‫التعبير عن امتنانه‪ ،‬ليس فقط لوالدته‪ ،‬ولكن لبعض‬ ‫المعلمين أ‬ ‫والصدقاء‪ ،‬وأشخاص دعموه في مسيرة حياته‪،‬‬ ‫الدب والنظرية أ‬ ‫وبفضلهم كان قادراً على دراسة أ‬ ‫الدبية‬ ‫في جامعة ماكيريري في كمباال‪ ،‬والكونغو‪ ،‬وبعد ذلك في‬ ‫جامعة ليدز في المملكة المتحدة‪ .‬ومن خالل كل ذلك ظلت‬ ‫رغبته في نسج أ‬ ‫الحالم مشتعلة‪.‬‬

‫اللغات المستحيلة‬ ‫‪Impossible Languages by Andrea Moro‬‬ ‫تأليف‪ :‬أندريا مورو‬ ‫الناشر‪The MIT Press, 2016 :‬‬

‫األمسيات‪ :‬حكاية شتاء‬ ‫‪The Evenings: A Winter's Tale by Gerard‬‬ ‫‪Reve, Translated by Sam Garrett‬‬ ‫تأليف‪ :‬جيرارد ريف‪ ،‬ترجمة‪ :‬سام غاريت‬ ‫الناشر‪ - Pushkin Press :‬يناير ‪2017‬‬

‫الموقتون‪ :‬كيف أصبح العالم‬ ‫مهووساً بالوقت‬ ‫‪Timekeepers: How the World Became‬‬ ‫‪Obsessed With Time by Simon Garfield‬‬ ‫تأليف‪ :‬سيمون غارفيلد‬ ‫الناشر‪Canongate Books 2016 :‬‬


‫مقارنة بين كتابين‬

‫ألعاب الفديو‬ ‫ما لها وما عليها‬

‫(‪ )1‬العب أي شيء‪ :‬متعة الحدود واستخدامات الملل وسر أ‬ ‫اللعاب‬ ‫تأليف‪ :‬إيان بوغوست‬ ‫الناشر‪ - Basic Books :‬سبتمبر ‪2016‬‬ ‫‪PLAY ANYTHING, The Pleasure of Limits, the Uses of Boredom,‬‬ ‫‪and the Secret of Games by Ian Bogost‬‬ ‫(‪ )2‬الموت بلعبة الفديو‪ :‬الخطر والمتعة والهوس على الجبهة االفتراضية‬ ‫تأليف‪ :‬سيمون باركين‬ ‫الناشر‪ - Melville House :‬يونيو ‪2016‬‬ ‫‪DEATH BY VIDEO GAME, Danger, Pleasure, and Obsession on‬‬ ‫‪the Virtual Frontline by Simon Parkin‬‬ ‫ظهر مؤخراً كتابان يسلِّطان الضوء على جاذبية ألعاب الفديو والغرض منها‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والدمان عليها‪ ،‬وحتى الفوائد منها‪.‬‬ ‫ويحققان في أسباب رواج هذه اللعاب إ‬ ‫في كتابه "العب أي شيء " ينظر إيان بوغوست إلى الموضوع من زاويته أ‬ ‫الوسع‬ ‫تكونت لدينا حول مفاهيم‬ ‫واعداً بـ "زعزعة المعتقدات العميقة والبديهية التي َّ‬ ‫بسيطة في ظاهرها‪ ،‬مثل اللعب ونتيجته المفترضة‪ ،‬أي المتعة‪".‬‬

‫يقول بوغوست‪ ،‬الفيلسوف أ‬ ‫والمصمم‬ ‫والستاذ في معهد جورجيا للتكنولوجيا‬ ‫ِّ‬ ‫أللعاب الفديو‪ ،‬إن أ‬ ‫اللعاب تحارب مخاوف الحياة اليومية والشعور الذي ينتج‬ ‫عندما تتخبط عقولنا بين التزاماتنا المختلفة وقائمة من المصاعب والخيبات‪.‬‬ ‫ويتم َّثل انجذابنا أللعاب الفديو بنقطة أساسية مهمة وهي أنها تُقيم الحدود‪،‬‬ ‫وتفرض هذه أ‬ ‫اللعاب قوانينها التي علينا اتباعها من أجل اللعب بها‪ .‬لن تكون كرة‬ ‫القدم كما هي إذا لم تتألف من فريقين من أحد عشر العباً يستخدمون أقدامهم‪،‬‬ ‫ورؤوسهم‪ ،‬وأجسامهم لتسجيل أ‬ ‫الهداف‪.‬‬ ‫فإن القيود‬ ‫قد تبدو أن هذه القواعد تعسفية‪ ،‬ال داعي لها‪ ،‬وصعبة‪ .‬ومع ذلك‪َّ ،‬‬ ‫اللعاب ممتعة‪ ،‬تماماً كما أن أ‬ ‫هي التي تجعل أ‬ ‫المور الصعبة في الحياة هي التي‬ ‫تعطيها معنى‪.‬‬ ‫ويشكِّل السؤال المتعلِّق أ‬ ‫بالسباب التي تكمن وراء انجذابنا أللعاب الفديو أو حتى‬ ‫إدماننا عليها‪ ،‬المسألة الرئيسة في كتاب "الموت بلعبة الفديو"‪ ،‬حيث يستلهم‬ ‫سيمون باركين تحقيقه من الموت المروع لعدد من الالعبين المهووسين في تايوان‬ ‫وغيرها من البلدان‪ ،‬ويؤكد باركين أن ألعاب الفديو‪ ،‬كوسيلة للتسلية‪ ،‬مختلفة إلى‬ ‫الفالم أو الروايات‪ .‬ألن أ‬ ‫حد ما عن أ‬ ‫اللعاب تضعنا في حالة من الحيرة والضياع‬ ‫ٍّ‬ ‫وتجعلنا نحيا تجارب غريبة خارج الزمان والمكان‪.‬‬ ‫تتقسم الحجة المطروحة في كتاب "الموت بلعبة الفديو" إلى فصول بعناوين‬ ‫مختلفة من بينها‪" ،‬النجاح"‪" ،‬االنتماء"‪" ،‬الغموض"‪ ،‬و"الشفاء"‪ ،‬التي تبدو كالصفات‬ ‫التي يرسمها أي شخص للصورة الرمزية التي يعيشها من خالل أ‬ ‫اللعاب الرقمية‪.‬‬ ‫يقول باركين إن "ألعاب الفديو تعطي الشخص الفرصة لالزدهار ضمن نظام‬ ‫معين"‪ ،‬ولكنها توجد أيضاً "أماكن غير مألوفة مع آفاق غير مألوفة" حيث "يمكن‬ ‫َّ‬ ‫للناس أن ينتموا‪ ".‬وعديد من الشخصيات التي ترسمها ألعاب الفديو هي أوعية‬ ‫فارغة يمكن ملؤها بكل ما يبرز أفكارنا وصفاتنا الخاصة‪ .‬وقد تسمح لنا ألعاب أخرى‬ ‫استكشاف مواقع الظالم الخاصة بنا‪ .‬فلعبة "تتريس"‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬تعيد‬ ‫يتكون لدينا عندما تطغى علينا مشكالت الحياة ومطالبها بما‬ ‫إنتاج الشعور الذي َّ‬ ‫أ‬ ‫هو أكبر من قدرتنا على التعامل معها‪ .‬وتعطينا بعض اللعاب الشعور بالقوة‬ ‫عندما نشعر بصعوبة الحياة‪ .‬وبالنسبة لشخص يعيش حياة من الحزن تعطيه‬ ‫اللعبة الخيالية "سكيريم" ملجأ‪ ،‬أو عالماً من "المهام سهلة التنفيذ" تسمح له‪،‬‬ ‫حسب تعبير باركين‪ ،‬أن "يرسو"‪.‬‬ ‫يدل كل من هذين الكتابين بطريقته الخاصة‪ ،‬على أهمية النقد الجدي والعميق‬ ‫أللعاب الفديو‪ ،‬إذ أصبح الناس متعلقين بوسيلة التسلية الجديدة هذه التي على‬ ‫عكس أ‬ ‫الفالم والروايات والكتب‪ ،‬لم تتوفر لنا إال منذ عقود قليلة‪.‬‬

‫كتب من العالم‬

‫بال سائق‪ ..‬السيارات الذكية‬ ‫والمستقبل المفتوح‬ ‫‪Driverless: Intelligent Cars and the‬‬ ‫‪Road Ahead by Hod Lipson & Melba‬‬ ‫‪Kurman‬‬ ‫المؤلفان‪ :‬هود لبسون وميلبا كورمان‬ ‫الناشر‪ :‬معهد ‪ MIT‬للتكنولوجيا‪2016 ،‬‬

‫يشير عنوان الكتاب إلى أن أجياال ً متوقعة من سيارات‬ ‫المستقبل ستصل إلى شأن غير مسبوق من التطور‪ ،‬لدرجة أن‬ ‫تستغني عن قيادة السائق‪ .‬وينبه مؤلفا الكتاب إلى أن هذه‬ ‫النوعية المرتقبة من السيارات ال بد وأن تصاحب التوصل إليها‪،‬‬ ‫ومن ثم تواكب باستخدامها‪« ،‬من سنغافورة وإلى كاليفورنيا»‪،‬‬ ‫شروطاً أساسية ضرورية‪ .‬وفي مقدمة هذه الشروط ما يتعلّق‬ ‫المعبدة والمسالك النظيفة الممهدة‪ ،‬فضال ً‬ ‫بالطرق السليمة ّ‬ ‫الطقس المواتية‪ ،‬بعيداً عن أنواء أ‬ ‫المطار أو‬ ‫عن توافر ظروف‬ ‫أ‬ ‫العاصير أو الثلوج‪ ..‬وما في حكمها‪.‬‬ ‫يتطرق الكتاب إلى دور البشر في سيارة «القيادة‬ ‫وحين ّ‬ ‫يوضح المؤلفان أن هذا الطراز المستجد من المركبات‬ ‫الذاتية»‪ّ ،‬‬ ‫كفيل بإتاحة فسحة من الوقت وسعة من الجهد وجانب من‬ ‫ضرورات التركيز لصالح البشر راكبي هذه السيارات‪ ،‬إذ أصبح‬

‫بوسعهم‪ ،‬كما تضيف فصول الكتاب‪ ،‬أن يتابعوا القراءة من‬ ‫داخل السيارة في مجاالتهم‪ ،‬وأن يتواصلوا مع الغير عبر‬ ‫المكالمات الهاتفية المطولة‪ ،‬وأن يديروا كافة شؤونهم وهم‬ ‫مرتاحون في السيارة غير مسؤولين عن تشغيلها أو قيادتها‪..‬‬ ‫ويتحول الكتاب إلى مناقشة ما يطلق عليه‪« :‬اليوتوبيا‬ ‫َّ‬ ‫المتوقعة»‪ ،‬مبيناً أنه بديهي أن المقصود هنا أ‬ ‫الوضاع الموعودة‬ ‫المبشرة التي يمكن أن تتحقق في عالم المستقبل القريب‬ ‫أو ِّ‬ ‫بفضل انتشار وذيوع استخدام السيارات بغير سائقين‪:‬‬ ‫شوارع ال تكاد تضم سوى أساطيل من سيارات ذاتية القيادة‪.‬‬ ‫وبعد تعداد عديد من العقبات تساءل المؤلفان هل يمكن أن‬ ‫تتحول يوتوبيا سيارة المستقبل‪ ،‬من مدينة «فاضلة» إلى مدينة‬ ‫َّ‬ ‫معاكسة‪..‬على نحو ما يخشى منه المتخصصون؟‬


‫‪21 | 20‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫قول في مقال‬

‫مدرسة‬ ‫اليوتيوب‬ ‫تركي الشهري‬

‫ن‬ ‫ن‬ ‫االث� ش‬ ‫ع�‬ ‫بينما ُ‬ ‫اب� ذا ي‬ ‫كنت أرافق ي‬ ‫ت‬ ‫عاماً ف ي� يوم ممطر من أيام إنجل�ا‪،‬‬ ‫فاجأ� بمقولة هزت ق‬ ‫ن‬ ‫وحركت كوامن‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أعما�‪َّ ،‬‬ ‫فضول‪ ،‬قال‪" :‬يا ب يأ� يلزمنا أن نتواصل مع‬ ‫ي‬ ‫أس له‬ ‫َم ْن نحب قبل أن نفقدهم"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أومأت بر ي‬ ‫ن‬ ‫موافقاً‬ ‫استغربت‬ ‫لك�‬ ‫ُ‬ ‫ومؤكداً مقولته تلك‪ ،‬ي‬ ‫مناسبتها آ‬ ‫الن‪ ،‬فأردف بأنه شاهد حلقة �ف‬ ‫ي‬ ‫مشاه� ألعاب الفديو‬ ‫قناة (يوتيوب) ألحد‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫يحك حرس ًة عدم تواصله‬ ‫ي� السعودية‪ ،‬وكان ي‬ ‫ت‬ ‫ال� وافتها المنية مؤخراً‪ ،‬ناصحاً‬ ‫مع جدته ي‬ ‫متابعيه َّأل يتأخروا ف ي� االتصال بأجدادهم‬ ‫ن‬ ‫اب� يروي يل هذا الموقف متأثراً‬ ‫وأهلهم‪ .‬كان ي‬ ‫ف‬ ‫و�‬ ‫وعازماً عىل أخذ النصيحة مأخذ ِ‬ ‫الجد‪ ،‬ي‬ ‫كنت غارقاً ف ي� سؤال‪ :‬كيف يمكــن‬ ‫المقابل ُ‬ ‫لحلقــة يوتيوب واحــدة أن تؤثــر إيجــاباً �ف‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ابــ�‪ ،‬بينما لم تفعل ساعــات من التعليم‬ ‫ي‬ ‫والتوجيه؟‪.‬‬ ‫بنا� كل يوم بمشاهدة ما يرغبونه �ف‬ ‫أسمح أل ئ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫�ش‬ ‫أطفال‬ ‫زوج�‪.‬‬ ‫م� ومن‬ ‫اليوتيوب بإ ٍ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫اف ي‬ ‫ف‬ ‫�ش‬ ‫لت ي� أجهزتهم‬ ‫حم ُ‬ ‫الذين هم دون العا ة ّ‬ ‫نسخة اليوتيوب المخصصة للطفل‪ ،‬مع‬ ‫العدادات فيها وفق ما يناسب‬ ‫ضبط إ‬ ‫اهتماماتهم واحتياجاتهم العمرية‪ .‬أما اب�ن‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ال بك� فلديه نسخة اليوتيوب العامة‪ .‬و�ش وط‬ ‫استخدام أ‬ ‫الجهزة إ ت‬ ‫ونية ف� نز‬ ‫الم�ل‬ ‫اللك� َّ ي‬ ‫ئ‬ ‫ين‬ ‫الساعت�‬ ‫أبنا� جيداً‪ ،‬وهي ال تتعدى‬ ‫يعرفها ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� هذه الثناء أحاول مشاركتهم‬ ‫يومياً‪ .‬ي‬ ‫ئن‬ ‫ولك‬ ‫قل� من جهة‪ ،‬ي‬ ‫ما يشاهدونه‪ ،‬ليطم� ب ي‬

‫أنمي قدرة التقييم والنقد لديهم من جهة‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫أخرى‪ .‬ففي بعض الحيان أجد مقاطع تحوي‬ ‫ألفاظاً يغ� الئقة‪ ،‬أو مشاهد ت‬ ‫يع�يها عنف‪،‬‬ ‫أو ال يناسب مضمونها ثقافتنا‪ ،‬فأتناقش مع‬ ‫ن‬ ‫اب� حولها‪ ،‬وأقنعه بواحدة من ثالث‪ :‬إما أن‬ ‫ي‬ ‫يكتب تعليقاً لصاحب المقطع يوضح تذمره‪،‬‬ ‫للبالغ عن عدم‬ ‫(العلم) إ‬ ‫أو ينقر عىل شعار َ‬ ‫ت‬ ‫ال� يشاهدها‪.‬‬ ‫مالءمته‪ ،‬أو حظر القناة ي‬ ‫ت‬ ‫العالم‬ ‫تأث� إ‬ ‫ال� تتناول ي‬ ‫تركِّز الدراسات ي‬ ‫الجديد ووسائل التواصل االجتماعي عىل‬ ‫أ‬ ‫ال ض�ار المحتملة وتبعاتها السلبية عىل‬ ‫اب�از أ‬ ‫أ‬ ‫الجيال الناشئة‪ ،‬مثل ت ز‬ ‫الطفال بع�‬ ‫حسابات مشبوهة الستدراجهم عاطفياًّ‬ ‫نحو سلوكيات يغ� أخالقية‪ ،‬أو الحصول‬ ‫عىل معلومات السكن والبيانات الشخصية‬ ‫اليذاء‪ ،‬فضال ً عن احتمال‬ ‫بقصد االحتيال أو إ‬ ‫اهق� بأفكار ذات نز‬ ‫تغرير المر ي ن‬ ‫م�ع متطرف‬ ‫أو يتعارض مع قيم وثوابت المجتمع‪ .‬لذا‬ ‫ال�يطانية‬ ‫أدرجت المؤسسات التعليمية ب‬ ‫مناهج توعية جديدة ف ي� مدارسها تحت اسم‬ ‫أ‬ ‫"المان إ ت ن‬ ‫و� ‪ "E-Safety‬مع اعتماد‬ ‫اللك� ي‬ ‫تثقيف الوالدين ف ي� البيوت أيضاً‪ ،‬للتأكد من‬ ‫أ‬ ‫ال تن�نت‪.‬‬ ‫سالمة استخدام البناء لشبكة إ‬ ‫القرار بوجود آثار سلبية ف ي� التعاطي مع‬ ‫إن إ‬ ‫ن‬ ‫يع� العزلة عنه والفرار‬ ‫إ‬ ‫العالم الجديد ال ي‬ ‫منه‪ .‬بل عىل العكس‪ ،‬ينبغي التعامل معه‬ ‫بوعي عىل أنه ض�ورة اتصالية‪ ،‬ومصدراً لتلقي‬ ‫الخ�ات‪ ،‬وتكوين عالقات اجتماعية‪.‬‬ ‫ب‬

‫أبحاث أخرى الجيل النا�ش ء بأنه‬ ‫وتصف‬ ‫ٌ‬ ‫"الجيل الرقمي"‪ ،‬وتقول إنه يمكن توظيف‬ ‫وسائل التواصل االجتماعي إيجابياً لتعزيز‬ ‫الثقة ف ي� نفوس أبنائنا‪ .‬وهنا أستح�ض بعض‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫وابن� من خالل‬ ‫اب� ي‬ ‫ال� اكتسبها ي‬ ‫المهارات ي‬ ‫تطورت مهارة‬ ‫اليوتيوب‪ .‬فعىل سبيل المثال‪َّ ،‬‬ ‫ن‬ ‫كث�اً‪ .‬بينما الحظت تنامي‬ ‫إ‬ ‫اب� ي‬ ‫اللقاء لدى ي‬ ‫مهارة الوصف وتلمس مكامن الجمال �ف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ابن� ذات السنوات ش‬ ‫الع� عند‬ ‫الشياء ألدى ي‬ ‫ت‬ ‫�ش‬ ‫ال� تقوم‬ ‫حها لعمال الرسم والتشكيل ي‬ ‫أ‬ ‫تعجبت أنها عند وصفها لي شكل‬ ‫بها‪ .‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫تُ ب�ز نقاط القوة والضعف فيه‪ ،‬وكأنها تقنع‬ ‫ن‬ ‫فدفع�‬ ‫المتلقي بجدوى اقتناء أعمالها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الفضول ألعرف من أين اكتسبت هذه‬ ‫الملكة‪ ،‬فوجدت أنها تشاهد قنوات يوتيـوب‬ ‫أ‬ ‫نزل‬ ‫تعزز‬ ‫ي‬ ‫مخصصة للطفال ّ‬ ‫ّ‬ ‫التدب� الم� ي‬ ‫والفنون الجميلة‪.‬‬ ‫أعتقد أن وسائل التواصل االجتماعي بوسعها‬ ‫أن تكون أدوات بناءة لنا أ‬ ‫ولجيالنا‪ ،‬شب�ط‬ ‫ّ‬ ‫اليجابية ت‬ ‫ال� تتضمنها‪ ،‬ثم‬ ‫نعي الفرص إ‬ ‫ي‬ ‫أن َ‬ ‫نحتاط لتبعاتها وآثارها‪ ،‬لنق ِّلص الفجوة ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ت ض‬ ‫ا� والواقعي ولو من خالل مشاهدة‬ ‫االف� ي‬ ‫حلقة يوتيوب معاً‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫حقيقة أم خيال!!‬

‫د‪ .‬مازن عبدالعزيز‬

‫علوم‬

‫االحتباس‬ ‫الحراري‬

‫يتمثل في أنه‬ ‫أحد أكبر ألغاز علم المناخ اليوم َّ‬ ‫على الرغم من ضخ البشر مزيداً من غازات‬ ‫االحتباس الحراري عبر الغالف الجوي‪ ،‬إال أن‬ ‫درجات الحرارة لم ترتفع كثيراً منذ أكثر من‬ ‫تقدر لجنة تغير المناخ‬ ‫سنوات عشر‪ ،‬حيث ّ‬ ‫باألمم المتحدة أن مضاعفة مستويات غاز‬ ‫ثاني أكسيد الكربون (‪ )CO2‬بالغالف الجوي‬ ‫سترفع في النهاية حرارة األرض بين ‪ 2‬و ‪5.4‬‬ ‫درجة مئوية‪ .‬وهذا تقدير مدهش‪ ،‬ال سيما‬ ‫يتحدث عنه‬ ‫وأن "االحتباس الحراري" الذي‬ ‫َّ‬ ‫الجميع قد رفع حرارة العالم بمعدل ‪0.7‬‬ ‫درجة مئوية وحسب حتى اآلن‪.‬‬


‫‪23 | 22‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫الباحث� اليوم أن طقس العقد المنرصم كان ث‬ ‫ين‬ ‫أك� تطرفاً‪.‬‬ ‫كث� من‬ ‫يؤكد ي‬ ‫ففي عام ‪ 2003‬دهمت أوروبا موجة حارة فاقت أي صيف شهدته‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫و� عام ‪ 2007‬شهد بحر العرب‬ ‫منذ ‪ 500‬عام وأدت لوفاة الالف‪ ،‬ي‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫االستوا� فكان أقوى إعصار ُس ِّجل عىل إالطالق‪،‬‬ ‫الحلزو�‬ ‫إعصار جونو‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� عامي‬ ‫و� عام ‪ 2010‬عانت روسيا من ٍ‬ ‫طقس شديد الحرارة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫‪ 2010‬و‪ 2011‬نُكبت باكستان بفيضانات يغ� مسبوقة بسب العواصف‬ ‫ف‬ ‫الك�ى فقد غطَّت الثلوج شوارع‬ ‫المط�ة‪ .‬أما ي� شمال الصحراء ب‬ ‫ي‬ ‫العاصمة الليبية طرابلس!‬ ‫السؤال المهم هو‪ :‬هل هذا مجرد اضطراب عارض‪ ،‬أم أننا بمواجهة‬ ‫طقس ث‬ ‫أك� جموحاً بسبب تسارع معدالت االحتباس الحراري العالمي؟‬

‫الداخل‪ ،‬وتعمل الجدران عىل إبطاء نفاذ الحرارة للخارج فتمكث الحرارة‬ ‫هناك زمناً أطول‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الملوثة‬ ‫ثا� أكسيد الكربون يشكّل الكمية ال بك� َّ‬ ‫وعىل الرغم من أن غاز ي‬ ‫أ‬ ‫تأث�اً ف ي� االحتباس‬ ‫للجو إال أن كميات قليلة من الغازات الخرى أشد ي‬ ‫تأث� غازات (‪ )CFCs‬و(‪ )SF6‬أشد بـ ‪ 1300‬و‪ 23900‬مرة عىل‬ ‫الحراري‪ .‬فمثال ً ي‬ ‫التوال من كمية مماثلة لـ (‪ .)CO2‬ويمكن إجمال غازات االحتباس ف ي�‪:‬‬ ‫‪ ( .1‬ي‪ ،)CO‬المسبب أ‬ ‫الساس لظاهرة االحتباس الحراري‪ ،‬حيث ي ز‬ ‫ترك�ه‬ ‫ي‬ ‫‪2‬‬ ‫الحــال ‪ 380‬جزءاً بالمليــون‪( ،‬كان ي ز‬ ‫ترك�ه قبل الثــورة الصناعيـة ‪ 275‬‬ ‫جزءاً يبالمليون‪ ،‬ازداد بنحو ‪ .)%30‬ونسبة امتصاصــه أ‬ ‫للشعـة تحت‬ ‫الحمراء ‪.%55‬‬ ‫‪ .2‬الميثان‪ ،‬ومصدره مناجم الفحم وعند إنتاج الغاز الطبيعي وعند‬ ‫ترك�ه آ‬ ‫التخلص من القمامة‪ .‬ي ز‬ ‫الن ضعف ما كان عليه قبل الثورة الصناعية‬ ‫أ‬ ‫خالل القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪ .‬ونسبة امتصاصه للشعة تحت الحمراء ‪.%15‬‬ ‫‪ .3‬الكلوروفلوركاربون‪ ،‬الذي يزداد سنوياًّ بمقدار ‪ .%4‬ونسبة امتصاصه‬ ‫أ‬ ‫للشعة تحت الحمراء ‪.%24‬‬ ‫‪ ،)N O( .4‬أصبح ي ز‬ ‫ويتكون‬ ‫ترك�ه أعىل بنحو ‪ %18‬عن قبل الثورة الصناعية‪َّ .‬‬ ‫‪2‬‬ ‫أ‬ ‫بفعل المخصبات الزراعية ومنتجات النايلون‪ ،‬ونسبة امتصاصه للشعة‬ ‫تحت الحمراء ‪.%6‬‬

‫سنحاول ف ي� هذا المقال أن نلقي الضوء عىل االحتباس الحراري (أو ما‬ ‫يسمى الدفيئة أ‬ ‫رضية أو ظاهرة البيت الزجاجي)‪ ،‬فكلها عبارات شائعة‬ ‫ال‬ ‫َّ‬ ‫تع� تدفئة طبقة الجو المحاذية أ‬ ‫ن‬ ‫للرض‪.‬‬ ‫ي‬

‫وتدم� الغابات المدارية منذ بداية الثورة الصناعية‬ ‫سب َب حرق الوقود ي‬ ‫ّ‬ ‫ نحو سنة ‪ - 1750‬تزايد كمية (‪ )CO2‬وتفاقم ظاهرة االحتباس الحراري‬‫أك� مصدر النبعاثات ( ‪ ،))CO‬وقد ارتفع ي ز‬ ‫ترك�ه‬ ‫عد الواليات المتحدة ب‬ ‫(تُ ُّ‬ ‫‪2‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫بشدة ي� الف�ة يب� عامي ‪ 1960‬و‪ ،2010‬وترتّب عىل هذه الزيادة تفاعله‬ ‫مع الماء منتجاً أ‬ ‫المطار الحامضية المؤدية لهالك النباتات‪ .‬وأسهمت‬ ‫تأث�ه عىل المناخ وتعاظم‬ ‫غازات (‪ )CFCs‬والميثان و (‪ )N2O‬بمضاعفة ي‬ ‫ظاهرة البيت الزجاجي وزيادة متوسط حرارة سطح تال�بة ما ي ن‬ ‫ب� (‪)6.5-5.1‬‬ ‫درجات مئوية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وامتد تأث� االحتباس الحراري إىل طبقة أ‬ ‫الوزون (‪ ،)O3‬ويُعد أحد أهم‬ ‫ي‬ ‫أسباب ثقب هذه الطبقة‪ .‬حيث تبدأ العملية بتصاعد غازات الدفيئة‬ ‫ح� تبلغ طبقة أ‬ ‫أ‬ ‫الرضية ت‬ ‫الوزون‪ ،‬وعند اصطدامها بها تؤثر سلباً ف ي� اَلية‬ ‫أ‬ ‫عمل جزيئاته بعد انقسامها وتمنعها من إعادة التوحد فتبدأ كمية الوزون‬ ‫الشعة فوق البنفسجية أ‬ ‫بالتناقص ويزداد ترسب أ‬ ‫للرض مؤدية لزيادة‬ ‫بالتال من صعود‬ ‫حرارة الغالف الجوي واليابسة‪ّ ،‬‬ ‫فتعجل هذه الزيادة ي‬ ‫غازات الدفيئة أ‬ ‫الرضية عالياً لتصل إىل مدى أعىل وأعمق داخل طبقة‬ ‫أ‬ ‫الوزون‪ ..‬وهكذا‪.‬‬

‫ف‬ ‫تطرفها‬ ‫كانت هذه‬ ‫الظواهر تحدث ي� جميع أنحاء العالم‪ ،‬إال أن ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة أطلق نُذر التوجس‪ .‬إذ من الطبيعي أن تتحطَّم‬ ‫ي� السنوات ال ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫كب�؛ لكن الغريب أن يرتفع‬ ‫معينة بفارق ي‬ ‫الرقام القياسية ي� أيام َّ‬ ‫ف‬ ‫متوسط درجة الحرارة � فصل بأكمله ث‬ ‫بكث� من المعتاد‪ .‬وما يقلق‬ ‫أك� ي‬ ‫ي‬ ‫أن الطقس ال يزداد دفئاً فحسب ولكنه يزداد جموحاً أيضاً‪ .‬ولو أسقطنا‬ ‫هذا عىل المستقبل‪ ،‬بالتأكيد سيتجاوز قلقنا مجرد مسألة ارتفاع درجة‬ ‫بكث�‪.‬‬ ‫الحرارة ي‬

‫ما هو االحتباس الحراري؟‬ ‫يحدث االحتباس عندما تحتجز تال�بة حرارة الشمس ثم تعكسها‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫للعىل عىل شكل أشعة تحت الحمراء‪،‬‬ ‫فتنفذ إىل غازات الدفيئة ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ي َّ ز‬ ‫ثا�‬ ‫تتم� بقدرتها عىل امتصاص أغلب هذه الشعة‪ ،‬ومن أهمها غاز ي‬ ‫أوكسيد الكربون ( ‪ )CO‬وأوكسيد ت‬ ‫الني� ي ن‬ ‫وج� (‪ )N2O‬والميثان (‪)CH4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫أ‬ ‫ومركبات الكلوروفلوروكربون (‪ )CFCs‬وبخار الماء والوزون (‪ )O3‬عندما‬ ‫الشعة تحت الحمراء تجاه أ‬ ‫تسخن هذه الغازات تقوم بعكس أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫و� الليل تصد الغيوم الكثيفة الحرارة المنبعثة من سطح أ‬ ‫ف‬ ‫الرض وال‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ترسبها للجواء العليا أو الفضاء تف�تفع درجة الحرارة الصغرى ليالً‪.‬‬ ‫نُسبت هذه الظاهرة للبيت الزجاجي ألن الغازات تعمل مثل جدران‬ ‫سخن‬ ‫البيت الزجاجي‪ ،‬حيث تدخل أشعة الشمس بع� زجاج البيت وتُ ّ‬


‫درجات الحرارة وتقلبات المناخ‬

‫أ‬ ‫تأث� الحرارة عىل تقلباته‪ .‬فمثال ً‬ ‫يؤكد التاريخ الطويل لمناخ الرض ي‬ ‫عندما انخفضت درجة الحرارة ف ي� القرن السادس ش‬ ‫ع� نصف درجة‬ ‫مئوية اجتاحت موجة جليدية أوروبا أهلكت المحاصيل الزراعية‬ ‫وتسببت ف ي� مجاعة بك�ى‪ .‬ولو حصل العكس‪ ،‬ستطول الفصول الدافئة‬ ‫ث‬ ‫الكار� هنا هو تَضا ُعف‬ ‫وستتوفر المحاصيل الزراعية‪ ،‬لكن الجانب ي‬ ‫الب� ض‬ ‫الح�ات المعمرة‪ ،‬ف ُتهلك ما حرثه ش‬ ‫أعداد ش‬ ‫وتق� عىل المصدر‬ ‫ي‬ ‫سبب زيادة نسبة رطوبة‬ ‫سي ّ‬ ‫الرئيس لغذائنا‪ .‬فارتفاع الحرارة درجة واحدة ُ‬ ‫ع�ة من أصل خمسة ش‬ ‫الغالف الجوي بمقدار ‪ ،%7‬وهكذا نجد أن ش‬ ‫ع�‬ ‫من أشد فيضانات والية (نيو هامبشاير) أ‬ ‫ف‬ ‫المريكية حدثت ي� الـ ‪ 15‬سنة‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تحدث عادة كل ‪ 200‬عام‬ ‫الماضية‪ ،‬والمطار آ الغزيرة الجارفة ي‬ ‫أصبحت تحدث الن كل ‪ 25‬سنة‪ .‬وإذا لم تُخفَض االنبعاثات الغازية‬ ‫ستصبح هذه أ‬ ‫الحداث ث‬ ‫أك� شيوعاً ي ز‬ ‫وس�داد احتمال حدوث موجات َحر‬ ‫ف‬ ‫أربعة أضعاف مقارنة بما كان عليه ي� عرص ما قبل الثورة الصناعية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة زاد فعال ً معدل حرارة منطقة النيبال درجة مئوية‬ ‫و� العقود ال ي‬ ‫ي‬ ‫واحدة‪ ،‬فأدى هذا تل�اجع الغطاء الجليدي فوق مملكة بوتان بمعدل‬ ‫ف‬ ‫بح�ة‬ ‫‪ 40-30‬تم�اً ي� السنة وذاب جليد جبال الهيماليا مكوناً ‪ 20‬ي‬ ‫جليدية ف� النيبال و‪ 24‬ف� بوتان‪ ،‬بشكل قد يهدد بفيضانات مدمرة �ف‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫عد ذوبان الجليد أخطر عواقب االحتباس الحراري‬ ‫السن� المقبلة‪ .‬ويُ ّ‬ ‫ألنه سيؤدي الرتفاع مستوى البحر وغرق الجزر المنخفضة والمدن‬ ‫حدث االحتباس أيضاً موجات جفاف‬ ‫الساحلية‪ .‬ويتوقع العلماء أن يُ ِ‬ ‫وتصحر مساحات كب�ة من أ‬ ‫الرض وزيادة عدد وشدة العواصف‬ ‫ي‬ ‫والعاص� وانتشار أ‬ ‫أ‬ ‫المراض المعدية ف ي� العالم‪ ،‬وحدوث كوارث زراعية‬ ‫ي‬ ‫وزيادة حرائق الغابات‪.‬‬ ‫كان معدل تسارع ازدياد الحرارة قبل (‪ )15-7‬ألف عام ‪0.005°‬م‬ ‫ي�ايد بمعدل ‪0.6-0.2 °‬م لنفس ت‬ ‫العقد الواحد واليوم ت ز‬ ‫الف�ة‪.‬‬ ‫وخالل َ‬ ‫أ‬ ‫قدر ث‬ ‫أك� التوقعات تفاؤال ً أن تزيد حرارة الرض ‪2°‬م بنهاية القرن‬ ‫وتُ ِّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫مالي� عام‪ ،‬هذه الزيادة‬ ‫تخت�ه الرض منذ ‪ 3‬ي‬ ‫الحال‪ .‬المر الذي لم ب‬ ‫ي‬ ‫تغ� البيئة مقارنة ببطء‬ ‫كث� من الكائنات بسبب رسعة ي‬ ‫ستؤدي النقراض ي‬ ‫قدرة الكائنات عىل التأقلم معها‪ .‬وما تحقق فعال ً ف ي� يومنا هذا بسبب‬ ‫التال‪:‬‬ ‫االحتباس الحراري هو ي‬

‫ازداد الشتاء دفئاً وقرصت فصوله خالل‬ ‫أ‬ ‫خ�ة‪ ،‬وصار الربيع‬ ‫العقود الثالثة ال ي‬ ‫ت‬ ‫يأ� مبكراً‬ ‫ي‬

‫ارتفاع درجة الحرارة ما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫م خالل القرن ض‬ ‫الما�‬ ‫‪0.8-0.4°C‬‬ ‫ي‬

‫ين‬ ‫القطب� وفوق‬ ‫كب� من جليد‬ ‫ ذوبان جزء ي‬ ‫قمم الجبال أ‬ ‫ال ت‬ ‫س�الية والهماليا وانحسار‬ ‫أ‬ ‫أ ض‬ ‫ا� دائمة التجمد‬ ‫النهار الجليدية والر ي‬ ‫المتجمد‬ ‫والبحر‬ ‫ّ‬

‫غ�ت تيارات الماء مسالكها داخل المحيطات‬ ‫ي َّ‬ ‫مما أثّر عىل التوازن الحراري السائد سابقاً‪،‬‬ ‫أعاص� ف ي� اماكن‬ ‫ويُ ِرجع العلماء سبب نشوء‬ ‫ي‬ ‫لم تكن تظهر بها من قبل هذا السبب‬ ‫ ارتفاع مستوى مياه البحار‬

‫‪0.7-0.3‬‬

‫قدماً خالل القرن ض‬ ‫الما�‬ ‫ي‬

‫ ربط بعض العلماء زيادة حموضة البحار‬ ‫بتقلص أعداد حيوانات البالنكتون ف ي�‬ ‫البحار (الذي يقوم بتحليل غاز (‪))CO2‬‬ ‫النسان‬ ‫بسبب التلوث الذي يُحدثه إ‬

‫لم تسخن أ‬ ‫الرض؟‬

‫ت‬ ‫ال� تؤثر‬ ‫تحكم المناخ العالمي بمنظومة معقَّدة من‬ ‫ي‬ ‫المتغ�ات ي‬ ‫عىل ديناميكية الجو وحرارة أ‬ ‫الرض‪ .‬فالذي يكبح ارتفاع درجة حرارة‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫القطب�‪ ،‬وعىل قمم الجبال‪ ،‬ورطوبة‬ ‫الرض وجود الجليد ف ي�‬ ‫ت‬ ‫ال�بة ومياه المحيطات‪ .‬فالمياه تمتص معظم حرارة الشمس‬ ‫أ‬ ‫ولوالها لصبحت اليابسة جحمياً يهلك كل أشكال الحياة‪ .‬كما‬ ‫يلعب الجو دوراً رئيساً ف� تنظيم حرارة أ‬ ‫الرض‪ ،‬حيث يبلغ معدلها‬ ‫ي‬ ‫تنخفض إىل ‪-15°‬م‪ .‬وارتفاع حرارة سطح أ‬ ‫الرض‬ ‫‪+15°‬م وبدونه‬ ‫ت‬ ‫وت�ة تبخر مياه البحار والمحيطات وال�ب‪،‬‬ ‫س�فع من ي‬ ‫والجو ي‬ ‫وهذا سيفاقم من ظاهرة االحتباس الحراري ألن بخار الماء يحتفظ‬ ‫بالحرارة ثم يعكسها أ‬ ‫للرض‪.‬‬ ‫بي� فيدال‪ ،‬مصمم النماذج المناخية بجامعة ريدينج ف ي�‬ ‫ويرى ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كب�ا من حرارة الشمس‪،‬‬ ‫أن الغابات تمتص قدرا ي‬ ‫المملكة المتحدة َّ‬ ‫لكنها تبقى باردة وتحافظ عىل برودة أ‬ ‫الرض عن طريق امتصاص‬ ‫المياه والسماح بتبخرها من أوراقها‪ .‬لكن عندما تجف ت‬ ‫ال�بة ستغلق‬ ‫النباتات مسامها وتتوقَّف عن النتح‪ .‬وعندما ال تُستهلك حرارة‬ ‫الشمس ف� تبخر الماء فستتوجه بالكامل إىل أ‬ ‫الرض والهواء تف�فع‬ ‫ي‬ ‫كب�‪ .‬وأصبحت هذه الظاهرة ث‬ ‫أك� شيوعاً بسبب‬ ‫الحرارة بشكل ي‬ ‫تذبذب هطول أمطار الشتاء وامتداد تف�ة المواسم الزراعية‪.‬‬ ‫الخر لسخونة أ‬ ‫أما االحتمال آ‬ ‫الرض هو بطء هبوب الرياح النفاثة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫وهي رياح رسيعة هائلة الحجم تندفع ي� طبقات الجو العليا من‬ ‫ين‬ ‫فتحرك‬ ‫المناطق االستوائية نحو‬ ‫القطب� بسبب فرق الحرارة بينهما ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫تقرر أن‬ ‫ال� ِّ‬ ‫أنظمة الطقس ي� كل العالم‪ .‬وحركة هذه الرياح هي ي‬ ‫يكون الطقس متطرفاً أو بارداً قارساً أو حاراً جداً‪ .‬ونتيجة الرتفاع‬ ‫الشمال الذي يعكس ضوء الشمس‬ ‫درجة الحرارة‪ ،‬بدأ جليد القطب‬ ‫ي‬ ‫بالذوبان ليكشف عن البحر الذي يمتص حرارة الشمس ويخزنها‬ ‫ت‬ ‫ال� تطلقها الفوارق الحرارية‪.‬‬ ‫بشكل يبطئ ويكبح الرياح النفَّاثة ي‬ ‫ويُعد القطب الشمال ث‬ ‫الجنو�‪،‬‬ ‫أك� تأثراً باالحتباس من القطب‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫الشمال مرشح لمزيد من فو� الطقس‬ ‫ولهذا فنصف كوكبنا‬ ‫ي‬ ‫نتيجة زيادة دفء أ‬ ‫الرض وعلينا التهيؤ لفصول شتاء وربيع شديدة‬ ‫الجفاف ولفصول صيف مهلكة القيظ‪.‬‬ ‫االحتمال آ‬ ‫الخر هو ظاهرتا " النينا "و "إل نينو "‪ ،‬وهما نموذجان من‬ ‫ف‬ ‫تأث�هما الضخم إىل كل‬ ‫التيارات البحرية ي� المحيط الهادي يمتد ي‬ ‫مناطق العالم؛ فالنينو ف ئ‬ ‫يد� كوكبنا والنينا يُرطّب المناخ العالمي‪.‬‬


‫‪25 | 24‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫درجات الحرارة ترتفع بشكل عام‬ ‫الشعاع أ‬ ‫ال ن‬ ‫د� ينبعث‬ ‫مزيد من االنعكاس‬ ‫الشعاعي‬

‫عمل غازات االحتباس الحراري‬ ‫تأث� النينا قد يُسفر عن خفض درجة الحرارة عالمياًّ بمعدل‬ ‫وتزايد ي‬ ‫جزء من الدرجة المئوية‪ .‬أما تذبذب "إل نينو" فهو يَحكم تدفق‬ ‫المياه الدافئة عىل سطح المحيط الهادئ‪ .‬وأدى تقلُّب هذا التذبذب‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� حدثت‬ ‫لخلل فادح ي� الطقس كفيضانات أس�اليا وباكستان ي‬ ‫لت الهواء عىل يغ� المعتاد بكميات‬ ‫بسبب مياه سطحية دافئة َح ّم ْ‬ ‫وتسبب ي ن‬ ‫ب� عامي ‪ 2002-1992‬بكوارث أثَّرت عىل‬ ‫هائلة من الرطوبة‪ّ ،‬‬ ‫ف‬ ‫المز ي ن‬ ‫كث� من دول العالم‪ .‬ولهذا يُعد النينو‬ ‫ارع� و الصيادين ي� ي‬ ‫ف‬ ‫المدمر عىل الزراعة‪ .‬وقد‬ ‫لتأث�ه‬ ‫عالمياً سبباً ي� ارتفاع أسعار الغذاء ي‬ ‫ِّ‬ ‫تُسبب الحرارة ت ز‬ ‫وغ�ها من عوامل‬ ‫الم�ايدة مزيداً من جموح إل نينو ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫الطقس لت�ض ب الفو� أطنابها ي� مناخ المستقبل‪.‬‬

‫أ‬ ‫الشعة الكونية‬

‫اللمان بحوثاً أظهرت أن أ‬ ‫أجرى فريق من العلماء أ‬ ‫للشعة الكونية‬ ‫دوراً مؤثراً عىل مناخ العالم‪ .‬ي ّ ن‬ ‫وتب� أنَّها تولّد ف ي� الطبقات السفىل‬ ‫ت‬ ‫ال� تخلق أشكاال ً نووية‬ ‫للغالف الجوي كُتال ً من الشحنات الجزيئية ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫بتسخ� كوكب الرض‬ ‫تتحول إىل غيوم كثيفة يقوم بعضها‬ ‫ي‬ ‫مك َّثفة َّ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫بأن هذه الغيوم‬ ‫والبعض الخر يُ ب ِّ�ده؛ وتوصلوا لدلة قوية تفيد َّ‬ ‫ف‬ ‫تأث�ها عىل طبقات الجو‬ ‫التغ� المناخي حسب ي‬ ‫تلعب دوراً مهماً ي� ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بالتأث� عىل قدرة‬ ‫اليونية بشكل أكّد نظرية إسهام الشعة الكونية‬ ‫ي‬ ‫الغيوم عىل حجب أ‬ ‫الشعة‪ .‬فهذه الغيوم تمنع ت‬ ‫اخ�اق بعض‬ ‫أ‬ ‫القص�ة الوافدة للرض‪ ،‬كما تمتص إشعاعات‬ ‫إشعاعات الموجات‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫وتسخ�‬ ‫لت�يد‬ ‫الموجات الطويلة الصادرة عن الرض فيؤدي هذا ب‬ ‫ح� آ‬ ‫الغالف الجوي عىل التوال‪ ،‬لكن ت‬ ‫الن لم يُعرف بالضبط آلية‬ ‫ي‬ ‫تأث� هذه الغيوم‪ .‬وما زالت النظرية تفتقر لدليل يؤكد صحتها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فالف�ات الدافئة ال�ت‬ ‫أن ارتفاع الحرارة ليس سيئاً‪ ،‬ت‬ ‫ويرى البعض َّ‬ ‫ي‬ ‫مرت بها أ‬ ‫إيجا� عىل حياة ش‬ ‫الب�‪ ،‬بعكس‬ ‫تأث�‬ ‫ذات‬ ‫كانت‬ ‫الرض‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫َّ‬ ‫العصور الجليدية الصغرى المهلكة بصقيعها المفاجئ وتسببها �ف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫حد ما‪ ،‬ففي الزراعة يُعد‬ ‫انتشار الوبئة والمراض‪ .‬هذا صحيح إىل ٍّ‬ ‫ض‬ ‫وتغ�‬ ‫غاز (‪� )CO2‬ورياً بالتأكيد للنبات إال أنه ال زراعة بال ماء‪ ،‬ي‬

‫أ ض‬ ‫ا�‬ ‫المناخ‬ ‫ِّ‬ ‫سيسبب فيضانات أو جفافاً‪ .‬ويمكن أن تصبح الر ي‬ ‫ت‬ ‫ًّ‬ ‫هيأة زراعيا بسبب االح�ار العالمي‪ ،‬إال أن تربتها‬ ‫الشمالية‬ ‫ي‬ ‫كسيب�يا ُم ّ‬ ‫وستسبب زيادة‬ ‫شحيحة‪.‬‬ ‫هناك‬ ‫الشمس‬ ‫أشعة‬ ‫وكمية‬ ‫ورديئة‬ ‫فق�ة‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫االح�ار كوارث بالبلدان الحارة أصال ً مثل المناطق االستوائية أو‬ ‫وستدمر محاصيلها الزراعية أيضاً‪ .‬وفيما يتعلَّق‬ ‫شبة الصحراوية‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الدا� إىل خفض معدل الوفيات يب�ن‬ ‫بصحة الناس فسيؤدي الشتاء ف ئ‬ ‫ين‬ ‫والمسن�‪ ،‬لكنهم سيكونون عرضةَ للموت بسبب الحرارة‬ ‫الضعفاء‬ ‫الضافية صيفاً‪ ،‬فضحايا موجات الحر تفوق بخمس مرات ضحايا‬ ‫إ‬ ‫الدا� انتقال ش‬ ‫ال�ودة الزائدة‪ .‬كما سيشجع المناخ ف ئ‬ ‫الخط�ة‬ ‫الح�ات‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫وسيسبب فقدان‬ ‫كبعوض المالريا إىل مناطق جديد بالنسبة لها‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫لون الثلج أ‬ ‫البيض العاكس ألشعة الشمس وزيادة معدل ترسب‬ ‫ف‬ ‫مضار‬ ‫الشمال‬ ‫غاز الميثان من التندرا الجرداء من الجليد ي� القطب‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫جسمية‪ .‬واستيعاب مزيد من ( ‪ )CO‬ف� مياه المحيطات ي ز‬ ‫س�يد‬ ‫ي‬ ‫‪2‬‬ ‫من حموضتها أ‬ ‫المر الذي قد يزعزع استقرار السلسلة الغذائية‪...‬‬ ‫والقائمة تطول‪.‬‬

‫ليست ظاهرة فريدة‬

‫لكن هذه ليست أول مرة يتغ� فيها المناخ‪ ،‬فقد مرت أ‬ ‫الرض‬ ‫يّ‬ ‫َّ‬ ‫خالل الـ ‪ 700‬ألف سنة الماضية بدورات جليدية استمر بعضها‬ ‫لف�ة ‪ 10‬آالف سنة‪ ،‬كما حلّت عصور أدفأ من آ‬ ‫ت‬ ‫الن رغم عدم‬ ‫ش‬ ‫أن (‪)CO2‬‬ ‫ال�ء المؤكد هو َّ‬ ‫وجود انبعاثات ف غازات كربونية‪ .‬لكن ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� حدثت للرض‬ ‫والميثان شاركا ي� معظم ي‬ ‫التغ�ات المناخية ي‬ ‫ت‬ ‫سابقاً‪ ،‬وتزامنت ت‬ ‫الف�ات الدافئة مع زيادتهما و الف�ات الباردة مع‬ ‫ن‬ ‫يوس� مثال ً ارتفعت نسبة‬ ‫نقصانهما‪ .‬ففي العرصين‬ ‫الطباش�ي إ‬ ‫وال ي‬ ‫ي‬ ‫( ‪ )CO‬قليال ً لكن الحياة ازدهرت خاللهما لتوازن كربون الجو مع‬ ‫‪2‬كربون المحيطات والكربون الناتج عن تجوية الصخور‪ ،‬إال أن أ‬ ‫المر‬ ‫َّ‬ ‫السن� ت‬ ‫مالي� ي ن‬ ‫تطلّب ي ن‬ ‫ح� تكيفت غازات الجو مع الحياة بشكل‬ ‫عام‪ ،‬وكيمياء المحيطات بشكل خاص‪ .‬لكن اليوم قفزت معدالت‬ ‫(‪ )CO2‬إىل مستويات عالية برسعة يغ� طبيعية‪ ،‬مما سبب إرباكاً‬


‫تغ� المناخ من‬ ‫بانقراضات جماعية‪ .‬هذا بالتأكيد يدحض براءة دور ي ّ‬ ‫تدم� الحياة الطبيعية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫عاص�‬ ‫كل ما عرضناه من غزارة تساقط الثلوج والمطار والجفاف وال ي‬ ‫تغ� طويل‬ ‫هي أحداث طقس وليست مناخاً‪.‬‬ ‫فالتغ� المناخي هو ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لحقب زمنية طويلة‪ ،‬وكل‬ ‫المد وهو الهم لكونه وصفاً لتقلبات الجو ُ‬ ‫االح�ار ما زال جاثماّ عىل أ‬ ‫الرض بدليل أن ت‬ ‫المؤ�ش ات أكّدت أن ت‬ ‫الف�ة‬ ‫أ‬ ‫ب� عامي (‪ )2008-2000‬كانت الشد حرارة‪ .‬لكن ت‬ ‫ين‬ ‫االح�ار العالمي‬ ‫أ‬ ‫ال�ودة! الغريب أنَّه‬ ‫بعدها توقف فجأ ًة وأخذت الرض تتجه نحو ب‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫حاسو� مناخي توجه الرض‬ ‫ح� يومنا هذا لم يتوقَّع أي نموذج‬ ‫ب‬ ‫لل�ودة‪ ،‬بل عىل النقيض تماماً كل النماذج يتنبأت بالعكس‪ .‬ربما لنأ‬ ‫ب‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ستْهم مظاهر االحتباس الحراري فج ّندوا‬ ‫ي‬ ‫مؤسس هذه النماذج أ َ َ‬ ‫برامجهم‪ ،‬لتأكيد هذه الظاهرة وأغفلوا بعض آليات المناخ يغ�‬ ‫المتوقعة‪ .‬هذا التناقض يؤكد أن توقعات نماذج المناخ المستقبلية‬ ‫ال يمكن التعويل عليها‪ .‬ونحن نشهد آ‬ ‫الن هذه الظواهر المتطرفة‬ ‫بعدما بلغ االحتباس الحراري زيادة ‪0.7°‬م فقط‪ ،‬وإذا لم نفعل شيئاً‬ ‫وتركنا حرارة المناخ تزداد ‪ 5‬أو ‪ 6‬درجات ن‬ ‫فس�ى كوكبنا مختلفاً تماماً‪.‬‬

‫أين تذهب حرارة أ‬ ‫الرض؟‬

‫سنتكبد نتائج كارثية‬ ‫مناخياًّ وانقراضات حيوية أحياناً‪ .‬فهل يا ترى‬ ‫َّ‬ ‫وانقراضات جماعية كالسابق؟‬ ‫وما زاد ي ن‬ ‫أن ش‬ ‫غ�وا معالم البيئة العالمية شب�اسة‪،‬‬ ‫الط� بلّة َّ‬ ‫الب� ي ّ‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫مريكيت�‪،‬‬ ‫كب�ة من غابات أوروبا وآسيا وال‬ ‫فأزالوا مساحات ي‬ ‫وأخضعوا ‪ %83‬من مساحة اليابسة‪ ،‬وهيمنوا عىل ‪ %36‬من‬ ‫مساحاتها المنتجة ونصف المياه العذبة للعالم‪ .‬هذه السيادة عىل‬ ‫كوكبنا خلّفت آثارها المروعة عىل التنوع الحيوي‪ ،‬فقد تدهورت‬ ‫أ‬ ‫عما‬ ‫‪ %60‬من النظم البيئية ووصل معدل االنقراض للف ضعف ّ‬ ‫حدث طبيعياًّ ف ي� السابق خالل تف�ات جيولوجية طويلة‪ .‬وعىل الرغم‬ ‫بأل خطر يهدد أ‬ ‫من هذا فالبعض يؤمن ّ‬ ‫الحياء‪ ،‬لكن البحوث أكدت‬ ‫ِّ‬ ‫بحلول عام ‪ 2050‬ستكون ‪ %35 -18‬من الحياة النباتية والحيوانية‬ ‫شف� االنقراض‪.‬‬ ‫عىل ي‬ ‫و يؤكد هذا تاريخ أ‬ ‫فالتغ�ات المناخية العنيفة ف ي� الحقبة‬ ‫الرض‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الجيولوجية المبكرة ‪( Palaeozoic‬قبل ‪ 250‬مليون سنة) وعرص‬ ‫ال ي ن‬ ‫يوس� ‪( Eocene‬قبل ‪ 55‬مليون سنة) والدورات الجليدية خالل‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مدمرة عىل الحياء وارتبطت بقوة‬ ‫المليون سنة ال ي‬ ‫خ�ة خلّفت آثاراً ِّ‬

‫االح�ار العالمي بالتباطؤ‪ ،‬أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة بدأ ت‬ ‫المر الذي دفع‬ ‫ي� السنوات ال ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫تفس� أين تذهب حرارة الرض؟ يقول إدوارد‬ ‫الباحث� للبحث عن ي‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫نز‬ ‫هوك�‪ ،‬عالم المناخ بجامعة ريدنج‪،‬إن أك� الماكن ترجيحاً هي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫أن رماد‬ ‫الثا� هو َّ‬ ‫ال� تمتص معظم الحرارة‪ ،‬واالحتمال ي‬ ‫المحيطات ي‬ ‫أك� من طاقة‬ ‫ال�كانية والتلوث الصناعي قد عكسا كميات ب‬ ‫االنفجارات ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ� هو الهدوء الطويل ي� نشاطات‬ ‫الشمس إىل الفضاء‪ ،‬واالحتمال ال ي‬ ‫أ‬ ‫أن‬ ‫الشمس منذ بداية اللفية الحالية‪ .‬فيما يرى باحثون آخرون َّ‬ ‫ال�ايد المستمر النبعاثات غازات ت‬ ‫تز‬ ‫االح�ار وانخفاض حساسية المناخ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫سيؤجالن فقط االح�ار العالمي‪ ،‬ويتوقعون انفجار قنبلة االح�ار‬ ‫ح� آ‬ ‫ف� سنة ‪ .2050‬لكنهم ت‬ ‫الن لم يستطيعوا تقديم ما يثبت هذا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وبقيت المسألة بال حسم‪.‬‬ ‫المر الذي يدعو لالستغراب هو أن حرارة سطح أ‬ ‫أ‬ ‫الرض ف ي� منتصف‬ ‫َّ‬ ‫السبعينيات بدأت باالرتفاع‪ ،‬بينما حرارة طبقات الغالف الجوي‬ ‫أن ارتفاع‬ ‫السفىل لم ي‬ ‫يعزز احتمال َّ‬ ‫تتغ� بنفس النسبة‪ .‬ربما هذا ِّ‬ ‫التغ�ات ت‬ ‫النسان‬ ‫بسبب‬ ‫ليس‬ ‫العالمي‬ ‫المناخ‬ ‫درجة حرارة‬ ‫ال� سببها إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫س�فع حرارة الغالف الجوي كلّه من السفل للعىل‪،‬‬ ‫تأث�ها كان ي‬ ‫لن ي‬ ‫إال أن أ‬ ‫الدلة عىل هذا ما زالت ضعيفة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫بعض أن يكون سبب‬ ‫فرجح ٌ‬ ‫أمام هذا التضارب تباينت آراء العلماء‪ّ ،‬‬ ‫ت‬ ‫االح�ار هو زيادة التلوث الجوي ألسباب طبيعية كالملوثات العضوية‬ ‫أ‬ ‫وال� ي ن‬ ‫النسان بإزالته‬ ‫اك� وحرائق الغابات‪ ،‬والسباب الصناعية أن إ‬ ‫ب‬ ‫للغابات وحرق النفط والفحم والغاز الطبيعي والغازات السامة‬ ‫المنبعثة من المصانع‪.‬‬ ‫ثان هذا الرأي‪ ،‬ورأى أن ال �ش ي ء يؤكد ربط ارتفاع‬ ‫وعارض فريق ٍ‬ ‫أ‬ ‫الحرارة بظاهرة االحتباس الحراري‪ ،‬فالرض تخضع لدورات ارتفاع‬ ‫وانخفاض حرارية‪ ،‬ومناخها يشهد تف�ات ساخنة وأخرى باردة طبيعياًّ‪.‬‬ ‫الصغر المذكور آنفاً‪ ،‬وارتفاع حرارة أ‬ ‫كالعرص الجليدي أ‬ ‫الرض الذي‬ ‫ح� منتصف أ‬ ‫بدأ ف� سنة ‪ 1900‬واستمر ت‬ ‫الربعينيات وانخفض ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ي‬


‫‪27 | 26‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫درجة حرارة أ‬ ‫الرض مقابل النشاطات الشمسية‬ ‫‪0.5‬‬

‫درجة الحرارة السنوية‬ ‫معدل درجة الحرارة كل ‪ ١١‬سنة‬

‫‪1367.5‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1367‬‬

‫التغ�ات بدرجة الحرارة‬ ‫ي‬

‫‪-0.5‬‬ ‫‪1366‬‬

‫‪1365.5‬‬

‫‪-1‬‬

‫‪-1.5‬‬

‫ين‬ ‫السن�‬

‫الشمس‬ ‫الشعاع‬ ‫إجمال إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫‪1366.5‬‬

‫الشمس سنوياً‬ ‫الشعاع‬ ‫معدل‬ ‫إجمال إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الشمس كل ‪ ١١‬سنة‬ ‫شعاع‬ ‫ال‬ ‫إجمال‬ ‫معدل‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪2000‬‬

‫‪1980‬‬

‫‪1960‬‬

‫منتصفي أ‬ ‫الربعينيات والسبعينيات‪ ،‬ثم أخذ باالرتفاع مرة أخرى‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� الثمانينيات ظهرت فكرة ربط االحتباس الحراري بارتفاع حرارة‬ ‫أي‬ ‫تفس�‬ ‫أقروا بعجزهم عن تقديم ي‬ ‫الرض‪ .‬ولكن ي‬ ‫كث�اً أ من العلماء ّ‬ ‫كامل‪ ،‬ألن مناخ الرض نظام مركَّب يخضع لمؤثرات شديدة‬ ‫صعب‬ ‫التعقيد ومحاكاتها تفوق قدرة أرسع وأذىك الحواسيب مما يُ ّ‬ ‫(أو يستحيل) معه التنبؤ بالتغ�ات المناخية طويلة أ‬ ‫المد بدقة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أن السبب الرئيس الرتفاع حرارة الرض هو تزايد‬ ‫و يرى فريق ثالث َّ‬ ‫الشمس اللذان خفَّضا كمية‬ ‫المغناطيس‬ ‫والمجال‬ ‫الرياح الشمسية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تولّد باصطدامها بالهواء جزيئات‬ ‫الشعة الكونية عالية الطاقة‬ ‫ي‬ ‫جديدة ألنواع معينة من السحب تساعد عىل ت�يد أ‬ ‫الرض‪ .‬وعندما‬ ‫ب‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫الشمس المؤقت ستعود درجة حرارة الرض‬ ‫سينخفض النشاط‬ ‫ي‬ ‫إىل طبيعتها‪ ،‬ويرون َّأل طائل وراء وسائل تخفيض ِنسب انبعاث‬ ‫أ‬ ‫مستمراً‬ ‫الشمس‬ ‫يغ� شيئاً ما دام النشاط‬ ‫(‪)CO2‬؛ لن هذ لن ي ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫تأث� عىل النظام ن‬ ‫الكو� الهائل الذي‬ ‫وأنَّنا مهما عملنا فلن يكون ذا ي‬ ‫ي‬ ‫أ ض‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫كث�ا من ال�كات‬ ‫ر�‪ .‬هذا‬ ‫التفس� أراح ي‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫يتضمن نظام المناخ ال ي‬ ‫الملوثة ت‬ ‫ال� تحتج دائماً بهذا التعليل العلمي لتتهرب من مسؤوليتها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫التأث� عىل المناخ العالمي‪ ،‬فخالل الف�ة من عامي ‪2000-1965‬‬ ‫ي� ي‬ ‫أظهرت الشمس ميال طفيفاً لل�ودة بينما استمرت حرارة أ‬ ‫الرض‬ ‫ً‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫البيا� لمعهد جودارد التابع لناسا‬ ‫باالرتفاع‪ .‬وهذا ما أكده المخطط ي‬ ‫العالمي لدرجة حرارة أ‬ ‫الرض‪،‬‬ ‫التغ� السنوي‬ ‫(أعاله)‪ ،‬ب‬ ‫تقال) ي ُّ‬ ‫(ال� ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الشعاع‬ ‫وب� كذلك قوة إ‬ ‫و(الحمر) متوسط قيمها لكل ‪ 11‬سنة‪ .‬ي‬ ‫ّ‬ ‫(الزرق الفاتح) ومتوسط قيمها لكل ‪ 11‬سنة أ‬ ‫الشمس الكل أ‬ ‫(الزرق‬ ‫ي ي‬ ‫ين‬ ‫المدع� بأن الشمس هي السبب يزيفون هذا‬ ‫الغامق)‪ .‬لكن‬ ‫أ‬ ‫خ�ة منه‪.‬‬ ‫المخطط بحذف العقود ال ي‬

‫‪1940‬‬

‫‪1920‬‬

‫‪1900‬‬

‫‪1880‬‬

‫‪1365‬‬

‫ويؤيد حبيب هللا عبد الصمدوف‪ ،‬رئيس مركز بطرسبورغ للبحوث‬ ‫الفلكية‪ ،‬عدم ارتباط ارتفاع حرارة أ‬ ‫الرض ت ز‬ ‫ب�ايد كمية (‪ )CO2‬ف ي� الجو‪،‬‬ ‫ويقول‪" :‬رغم ارتفاع نسبة (‪ )CO2‬بالجو فالحرارة منذ عام ‪ 2008‬بدأت‬ ‫باالنخفاض بشكل أكده توسع مساحة الجليد ف ي� المنطقة القطبية‬ ‫ال� شهدتها أ‬ ‫ت‬ ‫الرض خالل مئات ألوف‬ ‫الشمالية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫والتغ�ات المناخية ي‬ ‫ين‬ ‫الشمس الذي يحدث‬ ‫للإشعاع‬ ‫السنوي‬ ‫المعدل‬ ‫تباين‬ ‫إىل‬ ‫تعود‬ ‫السن�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫مئ� سنة وليس الرتفاع نسبة (‪ )CO2‬ي� الجو‪ .‬فخالل الـ ‪ 7500‬سنة‬ ‫كل ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫قص�ة‪ ،‬ارتبطت كلها بتقلبات‬ ‫خ�ة شهدت الرض ‪ 18‬حقبة جليدية ي‬ ‫ال ي‬ ‫قوة سطوع الشمس‪ .‬أما العصور الجليدية الطويلة فسببها حركات‬ ‫طبيعية لكوكبنا تتكرر كل ‪ 100,000‬سنة‪ ،‬كتغ� حركة مدار أ‬ ‫الرض‬ ‫ي ُّ‬ ‫َّ‬ ‫الشمس الوارد‬ ‫الشعــاع‬ ‫وزاوية انحراف محورها بشكل يقلّص كمية إ‬ ‫ي‬ ‫إليها‬ ‫تغ�‬ ‫ي َّ‬ ‫فتتغ� عندها كميات بخار الماء و (‪ )CO2‬بالجو الذي يطلقه ي ُّ‬ ‫درجة الحرارة"‪.‬‬ ‫ويضيف حبيب هللا‪" :‬وبحلول عام ‪ 2040‬سينخفض سطوع الشمس‬ ‫لحده أ‬ ‫ال ن‬ ‫د�؛ وبعد ‪ 50‬أو ‪ 60‬عاماً سيهبط معدل درجة الحرارة ‪1°‬م‬ ‫فقط‪ ،‬وهذا ليس مقداراً تافهاً بل مؤثراً جداًّ‪ ،‬ولن يشعر سكان المناطق‬ ‫االستوائية بهذا‪ ،‬لكن الوضع سيكون كارثياً ف� شمال أ‬ ‫الرض وجنوبها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وسيتكرر ما شهدته أوروبا عندما حلّت حقبة "موندر" الجليدية ف� ت‬ ‫الف�ة‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫ب� عامي ‪ 1645‬و‪ 1715‬فتغطّت أنهارها بطبقة سميكة من الجليد‬ ‫وفقدت كل من فلندا والسويد نحو نصف سكانها جوعاً أو بالهجرة‪ .‬هذا‬ ‫ال�د هذه إىل‬ ‫االنخفاض أخطر من االحتباس الحراري‪ ،‬إذ ستؤدي موجة ب‬ ‫ن‬ ‫المبا�‬ ‫تكون‬ ‫تركّز الزراعة جنوباً‪ ،‬وستنقُص موارد الغذاء والطاقة‪ ،‬ولن‬ ‫ي‬ ‫السمنتية صالحة للسكن إطالقاً"‪.‬‬ ‫إ‬


‫كيف يعمل‪...‬‬

‫الشفرة‬ ‫قارئ َّ‬ ‫الخطية‬ ‫ّ‬

‫ظهرت فكرة الشفرة الخطّية (‪ )Bar Code‬ف ي� أربعينيات القرن‬ ‫الع�ين‪ ،‬لكن التقنية الحديثة لم تستوعبها ت‬ ‫ح� عام‪ ،1971‬ي ن‬ ‫ش‬ ‫ح�‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫سينسينا� المريكية‪ .‬ويمكن‬ ‫طُبقت ألول مرة ي� أحد متاجر "كروغر" ي� مدينة‬ ‫ي‬ ‫القول إن تطوير تقنيات التعامل مع الضوء ي ز‬ ‫(الل�ر) وربطها بالحاسبات‬ ‫الشخصية كانت حاسمة ف ي� انتشار الشَّ فرة الخطية كهوية تعريف لمختلف‬ ‫المنتجات التجارية‪.‬‬ ‫الشفرة؟‬ ‫إذاً‪ ،‬كيف يعمل قارىء َّ‬ ‫أ‬ ‫ الشفرة الخطية المعيارية‪ ،‬عبارة عن مساحة تحتوي ‪ 95‬خطاً‪ ،‬إما بالبيض‬‫أو أ‬ ‫بالسود‪ ،‬ت‬ ‫حاسو� (صفر وواحد)‬ ‫وت�جم هذه الخطوط إىل لغة منطق‬ ‫بي‬ ‫بالمنتج‪ ،‬وكذلك معلومات‬ ‫يمكننا بواسطتها أن نعرف معلومات متعلّقة ُ‬ ‫إرشادية للقارئ آ‬ ‫ال يل مثل من أين يبدأ الكــود وأين ينتهـي وهل هـو‬ ‫مقلوب مثالً‪.‬‬ ‫ يوجه القارئ آ‬‫الل حزمة ي ز‬ ‫الل�ر نحو الكود‪ ،‬ويتلقَّى االنعكاس الناتج عنه‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫وي�جم الضوء المنعكس عن الخط أ‬ ‫ت‬ ‫البيض إىل (واحد) منطقي‪ ،‬وال‬ ‫أ‬ ‫ينعكس عن الخط السود فيفرس هذا الغياب عىل أنه (صفر) منطقي‪.‬‬ ‫والحاد إىل الحاسوب المتصل بالقارئ آ‬ ‫الصفار آ‬ ‫ تنتقل هذه أ‬‫ال يل‪ ،‬وتتم‬ ‫ترجمتها إىل الرمز الخاص بالمنتج ف ي� قاعدة البيانات ومن ضمنها‪ :‬تاريخ‬ ‫الصالحية‪ ،‬وبلد المنشأ‪ ،‬والكمية المتبقية ف ي� المخازن‪ ،‬وكذلك السعر الذي‬ ‫ت‬ ‫للمش�ي آنياًّ‪.‬‬ ‫سيظهر‬

‫ا‬

‫الشفرة الخطية (‪)Bar Code‬‬

‫لض‬

‫وء ا‬

‫لمن‬

‫عك‬

‫سم‬

‫نا‬

‫رئ‬ ‫لقا‬

‫آل يل‬ ‫ا‬


‫‪29 | 28‬‬

‫علوم‬

‫الجوال اليوم‪،‬‬ ‫تخيل أن تشتري هاتفك‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وتضطر ألن تشتري معه قرصاً صلباً ‪ ،‬ألن‬ ‫ّ‬

‫للجوال هي "صفر"‪.‬‬ ‫القدرة التخزينية‬ ‫َّ‬ ‫بسبب أن القدرة على تخزين البيانات داخل‬ ‫أجهزة الحواسيب ‪-‬وما في حكمها‪ -‬كانت‬ ‫تطوراً تقنياً الحقاً سبقته وسائط تخزين‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫المثقبة والشريط‬ ‫بدائية مثل األوراق‬ ‫ّ‬ ‫الممغنط‪ .‬وكان يتوجب على المبرمجين‬ ‫األوائل كتابة البرامج على بطاقات من الورق‬ ‫المقوى‪ ،‬ثم تمرير شعاع ضوئي على هذه‬ ‫ّ‬ ‫البطاقات التي تحمل رموزاً شبيهة بتلك‬ ‫التي تكتب بها رسائل مورس‪ ،‬ومن ثم يقوم‬ ‫الحاسب بقراءة هذه التعليمات‪.‬‬

‫حنان الشرقي‬

‫قانونا الثورة‬ ‫المعلوماتية‬ ‫ُمور وكرايدر‬ ‫للسعة والسرعة‬ ‫حدود‬


‫تطورت التقنيات الحاسوبية بشكل مدهش خالل ي ن‬ ‫الست� سنة‬ ‫َّ‬ ‫الماضية‪ .‬وعند الحديث عن هذا التطور ال بد من أن يُذكر قانون‬ ‫س ش�كة إنتل للمعالجات‪ ،‬واسمه‬ ‫ُمور الذي ينسب إىل أحد ِّ‬ ‫مؤس ي‬ ‫متخصصة أجراها عام ‪1965‬‬ ‫مجلة‬ ‫غوردون ُمور‪ .‬ففي مقابلة مع‬ ‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫رصح‬ ‫حول ما ستكون عليه صناعة أشباه الموصالت ي� المستقبل‪ّ ،‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫المكونات إ ت‬ ‫ال� من الممكن‬ ‫ُمور بأن عدد‬ ‫ّ‬ ‫اللك�ونية (ال�انزستورات) ي‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫إضافتها عىل �يحة المعالج قد تضاعف تقريبا كل عام خالل‬ ‫السنوات ش‬ ‫الع� الماضية‪ ،‬وعليه فقد توقَّع أن يستمر هذا المعدل‬ ‫ف‬ ‫خالل السنوات ش‬ ‫الع� المقبلة أيضاً‪ ،‬لكن ُمور عاد ي� عام ‪1975‬‬ ‫وعدل توقعاته‪ ،‬وقال إنه يعتقد أن التضاعف سيتحقق كل ثمانية‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫اليقاع‬ ‫الوت�ة عىل هذا إ‬ ‫ع� شهراً‪ .‬وهذا ما كان بالفعل‪ ،‬واستمرت ي‬ ‫لمدة نصف قرن‪.‬‬

‫غوردون ُمور‬

‫ أول قرص تخزين صنع من قبل ش�كة (آي ب ي� إم) ف ي�‬ ‫عام ‪ 1980 ‬كان حجمه بحجم الثالجة نز‬ ‫الم�لية ويفوق‬ ‫وزنه ‪ 250‬كيلو جراماً‬

‫قيمة الرسعة من قيمة السعة‬

‫االرتباط ي ن‬ ‫ب� ازدياد قوة المعالجات والتقدم المذهل ف ي� عالم‬ ‫الحواسيب هو ارتباط واضح‪ ،‬لكن هناك ارتباطاً وثيقاً أيضاً بينها‬ ‫أ‬ ‫ال ت‬ ‫ين‬ ‫لك�ونية مع انخفاض‬ ‫وب� ازدياد السعة التخزينية للجهزة إ‬ ‫تكلفتها بشكل مذهل‪ ،‬فالقرص الصلب الممغنط (الهارديسك)‬ ‫كما نعرفه اليوم الذي تم ت‬ ‫اخ�اعه من قبل رينولد جونسون ف ي�‬ ‫ف‬ ‫ش�كة "آي ب ي� إم" عام ‪ ،1956‬كان ي� البدء يزن ط ّناً‪ ،‬إال أن سعته‬ ‫التخزينية كانت أقل من خمسة ميجابايت‪ ،‬ولكن عىل إثر هذا‬ ‫ت‬ ‫تقدر قيمتها ي ن‬ ‫ببالي� الدوالرات‪ ،‬حيث تلت‬ ‫االخ�اع انطلقت صناعة َّ‬ ‫هذا القرص أجيال متعددة خالل تف�ة الستينيات والسبعينيات‪ ،‬و�ف‬ ‫ي‬ ‫كل جيل كانت السعة التخزينية تتضاعف عن سابقتها‪.‬‬ ‫رواد تقنيات التخزين‬ ‫أحد أهم َّ‬ ‫ويدعى مارك كرايدر الذي بدأ حياته‬ ‫العملية ف ي� السبعينيات‪ ،‬ثم أصبح‬ ‫وموجهي صناعة‬ ‫أحد أبرز‬ ‫مهندس ِّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫القراص الصلبة عندما ترأس جهود‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫البحاث ي� ش�كة "سيغيت" ي� مجال‬ ‫أ‬ ‫وتوصل كرايدر‬ ‫القراص الممغنطة‪َّ .‬‬ ‫إىل قناعة مفادها أن زيادة رسعة‬ ‫مارك كرايدر‬ ‫المعالجات حسب قانون ُمور ال‬ ‫يمكن أن تتكفل وحدها بالتقدم المنشود ف ي� عالم الحوسبة‪ ،‬ما لم‬ ‫ف‬ ‫أك� من البيانات‬ ‫تقدم مماثل ي� القدرة عىل تخزين عدد ب‬ ‫يصاحبها ُّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� توقُّع مشابه لما سمي بقانون ُمور‪،‬‬ ‫ي� البوصة المربعة الواحدة‪ .‬ي‬ ‫توقَّع كرايدر أن السعة التخزينية للبوصة المربعة للقرص الصلب‬ ‫ستتضاعف كل ثالثة ش‬ ‫ع� شهراً‪ ،‬وسمي هذا التوقع بقانون كرايدر‪.‬‬ ‫هذا النمو ف ي� السعة التخزينية مع االنخفاض المهول ف ي� تكلفة‬ ‫تخزين البيانات‪ ،‬إضافة إىل االرتفاع ف ي� قدرة المعالجات‪ ،‬شكَّل‬ ‫قاعدة ثنائية اتكأت عليها انطالقة ثورة هائلة ف ي� الحوسبة عندما بات‬ ‫تخزين البيانات وتحليلها أمراً رتيباً وقليل التكلفة‪ .‬فعىل حد قول‬ ‫الخمس� أ‬ ‫ين‬ ‫الوىل‬ ‫رواد صناعة الحوسبة‪" :‬لقد قضينا السنوات‬ ‫أحد َّ‬ ‫من تاريخ الحوسبة الحديثة ف ي� إتقان عملية تجميع وتخزين البيانات‪.‬‬ ‫ويبدو أننا آ‬ ‫سنتفرغ للنظر ف ي� طرق االستفــادة منها"‪ .‬وهـذا هو‬ ‫الن‬ ‫َّ‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� نعيشها‬ ‫المشاهد الن مع ثورة البيانــات الزاخرة ‪ Big Data‬ي‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫فبعد أن انخفضت تكلفة تخزين البيانات‪ ،‬أصبحت بك�يات ش�كات‬ ‫االتصاالت والبيع بالتجزئة والشبكات االجتماعية ال ن‬ ‫تتوا� عن حفظ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫إن كل فرد منا يقوم‬ ‫ال� تحصل عليها‪ .‬إذ َّ‬ ‫ش� أنواع المعلومات ي‬ ‫كث� من البيانات حوله سواء بع� هاتفه‪ ،‬أو بع� تصفحه‬ ‫يومياً بتوليد ي‬ ‫للإن�نت أو ت‬ ‫ت‬ ‫ح� بمجرد مروره بمطار ما‪ ،‬أو دخوله إىل مطعم‬ ‫ما‪ .‬وباتت تلك ش‬ ‫ال�كات تمتلك "مزارع بيانات" تغذيها بكل أنواع‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� يحتمل أن‬ ‫المعلومات الستخدامها ي� ش� المجاالت ح� تلك ي‬ ‫ش‬ ‫س"‪،‬‬ ‫تطرأ مع الزمن‪ .‬وحسب ترصيح �كة البيانات الدولية "آي دي ي‬ ‫ت‬ ‫عام�‪،‬ن‬ ‫ال� يتم تسجيلها ونقلها يتضاعف كل ي‬ ‫فإن كمية البيانات ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� يولدها ش‬ ‫الب�‬ ‫ح� إنه من المتوقع أن تصل كمية البيانات ي‬ ‫المرتبطون رقمياًّ إىل نحو ‪ 44‬تريليون غيغابايت (أو ‪ 44‬زيتا بايت)‬ ‫بحلول عام ‪.2020‬‬


‫‪31 | 30‬‬

‫الكم أساس للذكاء االصطناعي‬ ‫ّ‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫إن القدرة عىل تخزين وحفظ هذا الكم الهائل من البيانات‬ ‫بتكلفة منخفضة نسبياً كان له أك� أ‬ ‫الثر ف ي� تطور مجال الذكاء‬ ‫ب‬ ‫االصطناعي وخوارزمات التعلم (‪ .)Machine Learning‬وأقرب‬ ‫مثال يوضح هذه المعلومة هو النجاح يغ� المسبوق ت‬ ‫لم�جم‬ ‫ف‬ ‫كث� من اللغات وخالل سنوات معدودة‬ ‫"غوغل" الذي تفوق ي� ي‬ ‫ال� ض‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫خ�اء الذكاء االصطناعي‬ ‫عىل كل‬ ‫ق� ب‬ ‫خوارزميات ال�جمة ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أعمارهم ي� محاوالت لتحسينها وجعلها أذىك‪ .‬ومن المثلة الخرى‬ ‫نذكر نوعاً جديداً من الحوسبة طورته ش�كة "آي ب ي� إم" يدعى‬ ‫التفك�‪.‬‬ ‫يحاك الكمبيوتر طريقة المخ ف ي�‬ ‫ي‬ ‫"الحوسبة الذهنية"‪ ،‬حيث ي‬ ‫فيقوم بالخوض ف ي� مخزون هائل من المعلومات ثم يربط ما بينها‬ ‫ت‬ ‫ال� اعتمد عليها‬ ‫ويستخلص معلومات جديدة منها‪ .‬وهي التقنية ي‬ ‫"واطسون" الحاسوب الفائق الذي اشتهر بأنه تغلَّب عىل أفضل‬ ‫ين‬ ‫العب� من ش‬ ‫الب� ف ي� لعبة ‪.Jeopardy‬‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ال� اعتمد‬ ‫يتضح إذن الدور الذي لعبه توفر البيانات؛ كونها ي‬ ‫الرك�ة ي‬ ‫عليها التطور المذهل ف ي� مجال الذكاء االصطناعي‪ ،‬مما حدا ببعض‬ ‫الخ�اء إىل تصنيف ش�كة "غوغل" بأنها الجهة الرائدة ف ي� العالم ف ي�‬ ‫ب‬ ‫خ�تها ضعفي إىل ثالثة أضعاف‬ ‫مجال الذكاء االصطناعي‪ ،‬وتفوق ب‬ ‫أقرب منافسيها‪ ،‬وبالطبع ما كانت لتحصل عىل هذه الريادة لوال‬ ‫الك� ي ن‬ ‫امتالكها هذا ن ز‬ ‫الثم� من المعلومات ف ي� مراكز تخزين البيانات‪.‬‬

‫حدو ٌد تفرضها ي ن‬ ‫قوان� الطبيعة‬

‫لكن إىل تم� يمكن أن يستمر هذا التسارع المطّرد ف ي� رسعة‬ ‫المعالجات وانخفاض تكلفة المساحات التخزينية؟ يبدو أنه ليس‬ ‫لوقت طويل‪ ،‬عىل أ‬ ‫القل ف ي� حال عدم ظهور تقنيات جديدة‬ ‫ين‬ ‫القوانـ� الحقيقية القائمة‬ ‫مختلفة كلياًّ عن الحالية‪ .‬فعىل عكس‬ ‫عىل مالحظات وقياسات تجريبية أو معادالت حسابية‪ ،‬فإن قانون‬ ‫كرايدر مثله مثل قانون مور ما هما إال مجرد توقعات ثبتــت‬ ‫صحتها مرة بعد مرة فأصبح ينظر لها وكأنها ي ن‬ ‫قوان� ال تخطئ‪.‬‬ ‫لكنها ف� النهاية تبقى توقعـات‪ .‬وبالفعـل‪ ،‬قد بدأت التقنيــات �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الوصول إىل مرحلة واجهت أو ستواجه فيها حدوداً قصوى تفرضها‬ ‫ين‬ ‫القوان� الطبيعية‪.‬‬

‫واطسون الحاسوب تغلب عىل أفضل ي ن‬ ‫العب� من ش‬ ‫الب�‬ ‫ف ي� لعبة ‪Jeopardy‬‬

‫ت‬ ‫فبعد االزدياد المطّرد ف� عدد الدوائر إ ت‬ ‫ال� يتم تصنيعها‬ ‫ي‬ ‫اللك�ونية ي‬ ‫بطرق مبتكرة ليمكن إضافة مزيد منها عىل ش�ائح المعالجات‪،‬‬ ‫حد أنها ف ي� بعض المعالجات‬ ‫أصبحت هذه الدوائر متالصقة إىل ّ‬ ‫المتطورة أصبحت تبعد عن بعضها بعضاً مسافة ال تزيد عىل ‪13‬‬ ‫ت‬ ‫الف�وسات المعروفة! ومن‬ ‫نانوم�اً‪ ،‬أي أقل من عرض عديد من ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫المتوقع أيضاً أن تتناقص هذه المسافة ح� تصل إىل ما يب� ‪2‬‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫يع� أنها ستكون عىل بعد ش‬ ‫ع� ذرات فقط‬ ‫إىل ‪ 3‬نانومي�ات مما ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫اللك�ونات برسعة عالية يب� هذه‬ ‫تتحرك إ‬ ‫من بعضها بعضاً‪ .‬ي‬ ‫وح� َّ‬ ‫ً‬ ‫الدوائر ونظراً لقربها من بعضها بعضا يضطرد ازدياد درجات الحرارة‬ ‫بالمكان التحكم ف ي� درجة الحرارة المنبعثة منها‪.‬‬ ‫فيها وال يعود إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� هذه البعاد المتناهية ي� الصغر‪ ،‬تبدأ‬ ‫وإضافة إىل ذلك‪ ،‬ي‬

‫القرص الصلب ن أ‬ ‫صغ� وسعة تخزينية هائلة اليوم‬ ‫ي‬ ‫ب� المس واليوم؛ حجم ضخم وسعة تخزينية متواضعة سابقاً وحجم ي‬


‫الف�ياء الكالسيكية ف� ت‬ ‫قوان� ي ز‬ ‫لتحل محلّها ي ن‬ ‫قوان� ي ز‬ ‫ين‬ ‫ال�اجع ّ‬ ‫الف�ياء‬ ‫ي‬ ‫بالمكان التنبؤ بدقة بحركة‬ ‫الكمية بكل فوضويتها‪ ،‬حيث ال يعود إ‬ ‫َّ‬ ‫ت آ‬ ‫ت‬ ‫إ ت‬ ‫ال� تمكِّ ننا من‬ ‫اللك�ونات‪ .‬وح� الن‪ ،‬ليس لدينا التقنيات ي‬ ‫تصميم أو تصنيع دوائر ت‬ ‫إلك�ونية تحت مثل هذه الظروف‪ ،‬وال‬ ‫لتحل َّ‬ ‫يبدو أن هناك أي تقنيات بديلة جاهزة ّ‬ ‫محل الحالية‪ .‬لهذه‬ ‫أ‬ ‫بالمكان إحراز التسارع الذي‬ ‫خ�اء المجال َّأل يعود إ‬ ‫السباب يتوقَّع ب‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫رصح ي� عام‬ ‫يتما� مع قانون مور‪ ،‬بل إن مور نفسه كان قد َّ‬ ‫‪ 2010‬بأن قانونه لن يصبح سارياً عىل المعالجات بعد جيل أو‬ ‫جيل� عىل أ‬ ‫ين‬ ‫ال ثك�‪.‬‬ ‫أ‬ ‫حده القىص‪ .‬وعىل‬ ‫أما بالنسبة لكريدر فإنه قد وصل بالفعل إىل ّ‬ ‫خ�اء مجال الوسائط التخزينية فإن القانون لم‬ ‫حد قول عديد من ب‬ ‫ّ‬ ‫إن توقعاته للوصول إىل‬ ‫يعد سارياً بالفعل منذ عدة أعوام‪ ،‬حيث َّ‬ ‫سعة ‪ 20‬يت�ابايت ف ي� ش�يحة بحجم ‪ 2.5‬بوصة لن يتم الوصول إليه‬ ‫ف� الوقت الذي يتنبأ به القانون‪ ،‬ألن ذلك يحتاج إىل تسارع ث‬ ‫أك� من‬ ‫يضعف المعدل الحاصل آ‬ ‫الن‪.‬‬ ‫ين‬ ‫القوان� ال تُقلِّل من شأنها‪ ،‬فأهميتها الحقيقية‬ ‫ولكن نهاية هذه‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫معاي� للنمو تشابه � دورها البوصلة ال�ت‬ ‫تكمن ي� كونها أصبحت ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يضعها القائمون عىل الصناعة لتوجيهها إىل المسار الصحيح‪،‬‬ ‫وللدفع بها لتحقيق أقىص درجات التطور‬ ‫المعاي� الطموحة‬ ‫الممكنة‪ .‬فلوال هذه‬ ‫ي‬ ‫لم تكن السعة التخزينية لمساحة‬ ‫القرص الصلب نفسها‬ ‫لتتضاعف من ألفي بت �ف‬ ‫ي‬ ‫البوصة المربعة ت‬ ‫ح� تجاوزت‬ ‫مؤخراً المئة مليون بت (جيجابت)‬ ‫ين‬ ‫خمس� ألف ضعف‪ ،‬وما كان أيضاً‬ ‫أي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� يمكن رصها‬ ‫لعدد "ال�انزستورز" ي‬ ‫عىل ش�يحة السيليكون أن يتضاعف‬ ‫من عدة مئات إىل عدة بليونات‪،‬‬ ‫ف‬ ‫حد ذاته إنجاز عظيم تصعب‬ ‫وهذا ي� ّ‬ ‫محاكاته‪.‬‬

‫ رينولد جونسون يقف جانب جهاز‬ ‫تصحيح أوراق االختبارات‬

‫ح� آ‬ ‫ت‬ ‫الن ليس لدينا التقنيات‬ ‫ت‬ ‫ال� تمكِّ ننا من تصميم أو تصنيع‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫دوائر إلك�ون َّية تعمل تحت مثل‬ ‫هذه الظروف‪ ،‬وال يبدو أن هناك‬ ‫أي تقنيات بديلة جاهزة َّ‬ ‫لتحل‬ ‫َّ‬ ‫محل الحالية‬ ‫س�ة قرص التخزين‬ ‫ي‬

‫• رينولد جونسون‪ :‬مدرس علوم ف ي� مدرسة ثانوية ف ي� والية‬ ‫اخ�ع ف� بداية الثالثينيات من القرن ض‬ ‫ميشيغان‪ ،‬ت‬ ‫الما� جهازاً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أتوماتيك‪-‬االختبارات‬ ‫الموحدة بشكل‬ ‫لتصحيح أوراق االختبارات‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫الجابة من يب� عدة خيارات‪ .‬وسمعت �كة‬ ‫ال� يختار الطالب إ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫وعينته‬ ‫(آي ب ي� أم) باخ�اعه فاش�ت منه حقوق ملكية االخ�اع‪َّ ،‬‬ ‫مهندساً ف ي� أحد معاملها‪ .‬ف ي� عام ‪ 1937‬باعت ش‬ ‫ال�كة الجهاز بشكل‬ ‫ق‬ ‫كب�اً‪.‬‬ ‫تجاري وال� رواجاً ي‬

‫• ف ي � عام ‪ 1956‬قاد رينولد جونسون فريقاً بحثياً ف ي� معامل ش�كة "آي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫و� ذلك العام باعت‬ ‫ب ي� إم" الخ�ع أول قرص صلب ي� العالم‪ .‬ي‬ ‫ش‬ ‫ال�كة أول قرص صلب بشكل تجاري كان وزنه طناً وسعته أقل‬ ‫من خمسة ميغابايت فقط ال يغ�‪.‬‬ ‫• أول قرص تخزين وصل لسعــة الجيجابايــت صنع من قبل ‬ ‫"آي ب� إم" ف� عام ‪ ،1980‬وكان حجمه بحجم الثالجة ن ز‬ ‫الم�لية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ويفوق وزنه ت‬ ‫وخمس� كيلو جراماً‪ ،‬وبيع بسعر ي ن‬ ‫ين‬ ‫أربع� ألف‬ ‫المئ�‬ ‫ي‬ ‫أمريك‪.‬‬ ‫دوالر‬ ‫ي‬ ‫• عند الحديث عن السعة االستيعابية لوسائط تخزين البيانات‬ ‫فإن مضاعفات وحدة القياس هي مضاعفات الرقم ش‬ ‫ع�ة ف ي�‬ ‫الع�ي‪ .‬فالكيلو هو ش‬ ‫النظام ش‬ ‫ع�ة مرفوعة للقوة الثالثة‪ ،‬والميغا‬ ‫ش‬ ‫ع�ة مرفوعة للقوة السادسة وهكذا‪ .‬بينما عند الحديث عن‬ ‫ئ‬ ‫الثنا� للرقم‬ ‫سعة الذاكرة فإن الوحدة تصبح مضاعفات النظام ي‬ ‫‪ 2‬فالغيغابايت ف ي� الذاكرة تعادل ‪ 1,073,741,824‬بايت وليس‬ ‫‪ 1,000,000,000‬بايت‪.‬‬


‫منتج‬

‫‪33 | 32‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫الرابط‬ ‫"اضغط هنا"‪ ..‬هذه الجملة‬ ‫باتت اليوم مرادفة لعبارة "افتح‬ ‫يا سمسم" التي أخذت علي بابا‬ ‫إلى عوالم وكنوز جديدة‪ .‬الفارق أن علي بابا‬ ‫عاش في عالم أسطوري‪ ،‬أما الضغط على‬ ‫صورة أو كلمة لالنتقال عبر المحتوى الرقمي‬ ‫للنترنت فواقع نعيشه يومياًّ‪ ،‬حيثما كانت‬ ‫إ‬ ‫غير "الرابط"‬ ‫هناك نصوص وأجهزة ذكية‪ .‬فقد َّ‬ ‫تعاملنا تماماً ليس مع الحواسيب فقط‪ ،‬وإنما‬ ‫مع طبيعة القراءة كممارسة وكفلسفة أيضاً‪.‬‬

‫النص الفائق‬

‫من المفارقة أن فكرة وجود نص مؤتمت‬ ‫معد‬ ‫نص آخر عبر جهاز ذكي ّ‬ ‫يأخذك ‪-‬آلياًّ‪ -‬إلى ٍّ‬ ‫للتعامل مع الوثائق عن بُعد‪ .‬سبقت ظهور‬ ‫الحاسب آ‬ ‫اللي كما نعرفه اليوم بعقود‪ .‬وقد‬ ‫بشر بها المفكر أ‬ ‫المريكي فانيفار بوش في‬ ‫ّ‬ ‫عد‬ ‫مقالة بعنوان " ‪ " As We May Think‬تُ ّ‬ ‫اليوم من كالسيكيات الفكر المستقبلي‪.‬‬ ‫في تلك المقالة التي نشرت عام ‪،1945‬‬ ‫سماه الـ" ‪ ،"Memex‬يقوم‬ ‫تصور بوش جهازاً ّ‬ ‫أساساً بوظيفة الكمبيوتر المكتبي الذي ظهر‬ ‫بعد ذلك بأربعة عقود‪ .‬ومع التسارع الكبير‬ ‫في تصنيع الحواسيب اللكترونية أ‬ ‫الولى‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫بأبعادها الديناصورية‪ ،‬توالت الفكار المتع ِّلقة‬ ‫بمستقبل هذا الجهاز وما يجب أن يكون عليه‪.‬‬ ‫وهكذا ظهرت عبارة "الرابط الفائق" ألول مرة‬ ‫في عام ‪ 1965‬لتعبر عن مستندين إلكترونيين‬ ‫يربط بينهما وثاق معلوماتي ما‪ .‬ومع ظهور‬ ‫عتاد وبرمجيات مساندة ساعدت على تجسد‬ ‫والنترنت‪ ،‬جاء عالم‬ ‫الفكرة‪ ،‬من قبيل الفأرة إ‬

‫ليقدم‬ ‫فيزياء بريطاني اسمه تيم برنارز ِلي ِّ‬ ‫للعالم عام ‪ 1994‬لغة برمجة لتصميم‬ ‫وتحرير صفحات المواد إاللكترونية المترابطة‬ ‫سماه بالـ "ويب" أو الشبكة‪ .‬وظهرت‬ ‫عبر ما ّ‬ ‫كذلك الصيغة المعيارية لعناوين الصفحات‬ ‫على إالنترنت التي تبدأ بـ ‪ www‬وتنتهي بـ‬ ‫"دوت كوم" مثالً‪ ،www.qafilah.com :‬وهكذا‬ ‫بتنا نعرف إالنترنت ونتعايش معها منذ ذلك‬ ‫الحين‪.‬‬

‫من التصفُّح إلى الضغط‬

‫كما نعرف‪ ،‬صارت النصوص التفاعلية اليوم‬ ‫عبارة عن مجموعة من الروابط التي تشكِّل‬ ‫النترنت الهائلة المؤ ّلفة‬ ‫في مجملها سحابة إ‬ ‫من نحو ‪ 5‬مليارات صفحة مفهرسة‪ .‬وبطبيعة‬ ‫"نص" في هذا السياق‬ ‫الحال فإن مصطلح ّ‬ ‫اللكتروني بصوته وصورته‬ ‫يشمل المحتوى إ‬ ‫ولقطات الفديو كذلك‪ .‬كما أن فلسفة‬ ‫الضغط تجاوزت فعل القراءة لتحكم عالقتنا‬ ‫بالهواتف والساعات الذكية‪ .‬لكن‪ ،‬بالعودة‬ ‫إلى قراءة النص المدون في هيئته الرقمية‪،‬‬ ‫نجد أن الرابط بفاعليته وشعبيته قد اختلق‬ ‫قدم لنا حلوالً‪.‬‬ ‫إشكالياته الخاصة بقدر ما َّ‬ ‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬تكفي زيارة عابرة إلحدى‬

‫أهم منصات المحتوى الرقمي‪ :‬موقع‬ ‫ويكيبيديا‪ ،‬لتكشف لنا كيف بات التقافز بين‬ ‫الروابط بمنزلة الكارثة التي قد تشتتنا بعيداً‬ ‫جداً عن الموضوع أ‬ ‫الصلي الذي نبحث فيه‪.‬‬ ‫للبحار عبر روابط‬ ‫هذه السالسة المدهشة إ‬ ‫غيرت طبيعة ممارستنا للقراءة‬ ‫الويكيبيديا ربما َّ‬ ‫وجعلتها أخف وأقل عمقاً كما يجادل البعض‪.‬‬ ‫وفي السياق نفسه‪ ،‬نجد أن االنتشار الكبير‬ ‫ني على‬ ‫لتطبيقات التواصل االجتماعية قد بُ َ‬ ‫سهولة تداول المادة المكبسلة عبر رابط‬ ‫يختزلها في هيئة صورة وعنوان‪ .‬هكذا صار‬ ‫من أسهل أ‬ ‫المور أن نتبادل عشرات ومئات‬ ‫العناوين يومياًّ‪.‬‬ ‫مع ذلك كله‪ ،‬يظل الرابط بتفريعاته وتحويراته‬ ‫عالمة فارقة في عصرنا الرقمي‪ ،‬وال يمكن‬ ‫نتخيل كتاباً أو تطبيقاً رقمياًّ بدون‬ ‫أن َّ‬ ‫وفعالة‪ .‬بل إن نضج‬ ‫روابط كثيرة متشابكة َّ‬ ‫تقنيات "إنترنت أ‬ ‫الشياء" بما تعد به من ربط‬ ‫الموجودات والمخلوقات كذلك عبر شبكة‬ ‫كبرى تتجاوز أبعاد النصوص والصور‪ ،‬هذا‬ ‫التصور سيفضي ألن يكون لكل منا ‪-‬يوماً ما‪-‬‬ ‫يحدد فضاء وجوده في‬ ‫رابط خاص بشخصه ِّ‬ ‫المستقبل الرقمي للعالم‪.‬‬


‫وزراء الطاقة في موازناتهم السنوية‪ ،‬وأرباب‬ ‫العائالت‪ ،‬عندما يحين وقت دفع فاتورة الكهرباء‬ ‫في كل شهر‪ .‬وبموازاة حمالت الترشيد لإلقالل‬ ‫ما أمكن من استهالك الطاقة الكهربائية‪،‬‬ ‫يسعى العلماء والصناعيون في تطوير مصابيح‬ ‫إنارة جديدة تستهلك طاقة أقل إلنتاج إضاءة‬ ‫بالقوة نفسها‪ .‬فأي الوسائل أكثر توفيراً للطاقة‪،‬‬ ‫وأي المصابيح أفضل من غيرها في هذا العالم‬ ‫المتغير الذي بات عليه أن ينظر في أجدى‬ ‫ّ‬ ‫استغالل للموارد المتاحة‪.‬‬ ‫فريق القافلة‬

‫مصابيح اإلنارة‬

‫وجدواها االقتصادية‬

‫طاقة‬

‫االقتصاد واإلنارة مرتبطان ارتباطاً متيناً في‬ ‫الحضارة البشرية المعاصرة‪ .‬يعرف هذا تماماً‬


‫‪35 | 34‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ئ‬ ‫الثنا�‬ ‫من الشمعة إىل مصباح الصمام ي‬

‫في البدء كان البرق والصواعق تُضيء للبشر ليلهم للحظات‬ ‫حت العود بالخشب إلشعال النار‪،‬‬ ‫خاطفة‪ .‬وحين اكتشفوا طريقة ّ‬ ‫صار الحطب أ‬ ‫والعشاب الجافة مصدرهم للنور‪ .‬وفي مراحل‬ ‫النارة‪ ،‬إذا‬ ‫متقدمة اكتشفوا خصائص الزيت وقدرته على إ‬ ‫حضارية ّ‬ ‫امتصه فتيل من القطن‪ .‬وبعد اكتشاف النفط‪ ،‬صارت القناديل هي‬ ‫ّ‬ ‫الوسيلة الشائعة لنارة البيوت أ‬ ‫والزقّة في القرى والمدن‪.‬‬ ‫إ‬ ‫كان القرن التاسع عشر‪ ،‬من بدايته حتى نهايته‪ ،‬القرن الذي‬ ‫المتنوعة التي استخدمت الكهرباء للإنارة‪،‬‬ ‫تطورت فيه المبتكرات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حتى وصل العلماء في أوائل القرن العشرين‪ ،‬إلى ابتكار المصباح‬ ‫كرت السبحة‪،‬‬ ‫الكهربائي القابل للتعميم واالنتشار‪ .‬ومنذئذ ّ‬ ‫الوهاج‬ ‫وظهرت أنواع وأشكال من المصابيح الكهربائية‪ :‬المصباح ّ‬ ‫(‪ ،)Incandescent‬ومصباح الهالوجين‪ ،‬و"الفلوريسنت"‪ ،‬والصمام‬ ‫الثنائي المضيء (‪ ،)LED‬ومصباح قوس الكربون‪ ،‬ومصباح التفريغ‬ ‫(‪ ،)Discharge‬ومصباح النيون‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫أما أكثر المصابيح انتشاراً في العالم اليوم‪ ،‬إلنارة‬ ‫الوهاج‪ ،‬الذي‬ ‫البيوت والمكاتب‪ ،‬فهو المصباح ّ‬ ‫يمرر التيار الكهربائي في خيط دقيق من معدن‬ ‫ّ‬ ‫متوهج‬ ‫التنجستن‪ ،‬يزداد حرارة فيصدر عنه ضوء‬ ‫ّ‬

‫في المصباح الوهَّ اج‬ ‫تتحول ‪ %20‬من الطاقة‬ ‫ّ‬ ‫الكهربائية إلى ضوء‬

‫أكثرها شيوعاً أق ُّلها جدوى!‬

‫لكن أجدى المصابيح الكهربائية‪ ،‬أي أكثرها إنارة باستهالك مقدار‬ ‫معين من الطاقة‪ ،‬هو مصباح الصوديوم المنخفض الضغط (‪low-‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ )pressure sodium‬الذي يُصدر ضوءاً برتقالياً‪/‬أصفر اللون‪ .‬وهو‬ ‫فعال جداً إلنارة الطرق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أما أكثر المصابيح انتشاراً في العالم اليوم‪ ،‬إلنارة البيوت‬ ‫يمرر التيار الكهربائي في‬ ‫والمكاتب‪ ،‬فهو المصباح ّ‬ ‫الوهاج‪ ،‬الذي ّ‬ ‫خيط دقيق من معدن التنجستن‪ ،‬يزداد حرارة فيصدر عنه ضوء‬ ‫متوهج‪ .‬وينسب ابتكاره أ‬ ‫للمريكي إديسون‪ .‬وتتجه بعض الدول إلى‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫منع استخدام هذا النوع من المصابيح‪ ،‬ألنه أقل جدوى من غيره‬ ‫في تحويل الكهرباء إلى ضوء‪ .‬وقد سبق ألستراليا أن منعته منذ‬ ‫عام ‪ .2010‬أما سريالنكا فقد منعت استيراده‪ ،‬سعياً في التوفير‬ ‫الخرى من المصابيح أ‬ ‫النواع أ‬ ‫باستخدام أ‬ ‫الجدى منه‪ .‬وإضافة‬ ‫تتحول ‪ %80‬من الطاقة‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬حين يُنار المصباح ّ‬ ‫الوهاج‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫يتسبب بزيادة الطلب على الكهرباء‬ ‫الكهربائية إلى حرارة‪ ،‬المر التي َّ‬ ‫الحارة‪ ،‬كما هو حال المملكة صيفاً‪ ،‬الشتداد الحاجة‬ ‫في البلدان ّ‬

‫تتحول ‪ %80‬من‬ ‫ّ‬ ‫الطاقة الكهربائية‬ ‫إلى حرارة‬


‫النارة‬ ‫آخر مبتكرات التوفير في إ‬ ‫"الصمام الثنائي المضيء"‬ ‫المسمى اختصاراً ‪LED‬‬ ‫إنه المصباح الكهربائي‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )light emitting diode‬أي "الصمام الثنائي المضيء"‪.‬‬ ‫معين‪ ،‬لكن الشركات تنتجه‬ ‫هذا المصباح ال يحتاج إلى شكل ّ‬ ‫بأشكال تناسب مقابس الكهرباء العادية‪ .‬وهو يحظى في هذه‬ ‫أ‬ ‫اليام بانتشار كبير‪ ،‬بسبب توفيره الطاقة الكهربائية‪ ،‬بنسبة‬ ‫النارة في أسواق اليوم‪ ،‬وهو ينافس‬ ‫كبيرة‪ .‬فهو أجدى وسائل إ‬ ‫بقوة مصابيح "الفلوريسنت" و"كومباكت"‪ .‬فكيف تعمل هذه المصابيح؟‬ ‫يمرران التيار الكهربائي إال في اتجاه واحد‪ .‬وعند مرور‬ ‫الصمام الثنائي جهاز كهربائي له قطبان ال ّ‬ ‫النارة‪،‬‬ ‫التيار‪ ،‬يُصدر المصباح ضوءاً ساطعاً من الكرة الزجاجية التي تحتويه‪ .‬وهو قبل استخدامه في إ‬ ‫ّ‬ ‫اس ُتخدم على نطاق واسع للتوصيل في صناعة الراديو والكمبيوتر والتلفزيون‪.‬‬ ‫اللكترونات في قطبي الصمام‪ ،‬فيصدران "فوتونات"‬ ‫عند وصل الصمام الثنائي بالكهرباء‪ ،‬تُستثار إ‬ ‫أ‬ ‫نراها نوراً ساطعاً‪ .‬ويستطيع الصمام الثنائي أن ينتج بسهولة طيفاً من اللوان الساطعة بمقدار قليل‬ ‫الموصل (‪ )semiconductor‬فيه‪.‬‬ ‫من الكهرباء‪ ،‬وفقاً لصنع شبه‬ ‫ّ‬ ‫النارة الكهربائية وأكثرها توفيراً للطاقة‪ .‬ويبلغ‬ ‫وسائل‬ ‫أجدى‬ ‫هو‬ ‫الثنائي‬ ‫الصمام‬ ‫وقد ثبت بالتجربة أن‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الوهاجة‪،‬‬ ‫هذا التوفير على القل ‪ %75‬من هذه الطاقة‪ ،‬عن الطاقة التي تستهلكها المصابيح العادية ّ‬ ‫الوهاجة‪ ،‬حسبما جاء في‬ ‫وتدوم مصابيح الصمام الثنائي‪ ،‬حسب عمرها االفتراضي‪ 25 ،‬مرة أكثر من ّ‬ ‫أ‬ ‫تتفوق حتى على مصابيح "الفلوريسنت" بالجدوى االقتصادية‪،‬‬ ‫بيان لوزارة الطاقة المريكية‪ .‬وهي ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تبدده في كل اتجاه‪،‬‬ ‫توجه‬ ‫معين‪ ،‬وال ّ‬ ‫لنها مرتين أطول عمراً‪ .‬وهي أجدى أيضاً لنها ّ‬ ‫ضوءها في اتجاه ّ‬ ‫كما أنها تصدر مقداراً أقل من الحرارة‪ ،‬فيما المصابيح أ‬ ‫الخرى (عدا "الفلوريسنت") تستهلك بين ‪80‬‬ ‫ُ‬ ‫و‪ %90‬من طاقتها في الحرارة‪.‬‬ ‫مشكلة مصابيح الصمام الثنائي الكبرى آ‬ ‫الن‪ ،‬هي سعرها المرتفع‪ .‬ذلك أن مصباح صمام ثنائي‬ ‫معينة يكلِّف بين مرتين وست مرات أكثر من مصباح "فلوريسنت" بشدة إنارة مساوية‪.‬‬ ‫بشدة إنارة ّ‬ ‫النارة في منزله أو مكتبه‪ ،‬يصطدم بالتكلفة العالية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫فعندما يعزم المرء على تبديل وسيلة إ‬ ‫تتحسن يوماً بعد يوم‪ ،‬وتزداد‬ ‫الثنائي‬ ‫الصمام‬ ‫مصابيح‬ ‫صناعة‬ ‫يكف كثيرون عن هذا التبديل‪ .‬لكن‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ويبشر هذان المران‪ ،‬بأن هذا النوع من المصابيح سيحتل مكانة الصــدارة في‬ ‫انتشاراً في السواق‪ّ ،‬‬ ‫المستقبل القريب‪.‬‬

‫إلى التكييف الكهربائي لمواجهة الحر في المكان المضاء‪ ،‬فيتضاعف‬ ‫يتحول إلى ضوء سوى ‪ %20‬من الكهرباء في هذا‬ ‫إ‬ ‫النفاق‪ ،‬فيما ال ّ‬ ‫النوع من المصابيح‪.‬‬ ‫ومن المصابيح المنتشرة نسبياً‪ ،‬مصباح الهالوجين‪ ،‬وهو عادة‬ ‫أ‬ ‫النارة تزداد إذا‬ ‫أصغر حجماً من المصباح ّ‬ ‫الوهاج‪ ،‬لن فعاليته في إ‬ ‫زادت درجة حرارته على ‪ 200‬درجة مئوية‪ ،‬وتصغير حجم المصباح‬ ‫يزيد تركيز الحرارة‪ .‬ولذا‪ ،‬فمعظم مصابيح الهالوجين مصنوعة من‬ ‫الكوارتز‪ ،‬يغلّفه من الخارج غالف من الزجاج لحمايته من الزيوت‬ ‫الناتجة من بصمات اليد البشرية‪ .‬لكن هذا المصباح يزيد خطر‬ ‫حدوث حرائق‪ ،‬لذا يمنع استخدامه في بعض أ‬ ‫الماكن المعرضة‬ ‫ُ َ‬

‫عد مصباح الصمام الثنائي المضيء‬ ‫ُي ّ‬ ‫توصلت‬ ‫ما‬ ‫أحدث‬ ‫من‬ ‫وهو‬ ‫(‪،)LED‬‬ ‫َّ‬ ‫إليه صناعة تطوير المصابيح وأجدى‬ ‫يحول أكبر نسبة‬ ‫وسائل اإلنارة‪ ،‬ألنه ّ‬ ‫من الكهرباء إلى ضوء‪ ،‬وال يصدر عنه‬ ‫إال القليل من الحرارة‬

‫بشدة لنشوب للحرائق‪ ،‬على الرغم من جدواه‬ ‫االقتصادية‪.‬‬ ‫وثمة نوع ثالث من المصابيح الكهربائية بات‬ ‫منتشراً على نطاق واسع في العالم‪ ،‬هو مصباح‬ ‫"الفلوريسنت"‪ .‬وهو في العموم أنبوب من زجاج‬ ‫يحتوي على بخار الزئبق أو غاز أ‬ ‫الرغون تحت ضغط‬ ‫أ‬ ‫يمر بينهما‬ ‫خفيف‪ ،‬وعلى طرفي النبوب قطبان ّ‬ ‫التيار الكهربائي‪ ،‬فينتج عن البخار أو الغاز طاقة‬ ‫فوق بنفسجية‪ .‬ويكون الجدار الداخلي في أ‬ ‫النبوب‬ ‫ّ‬ ‫مطلياً بالفوسفور الذي يشع نوراً بفعل الطاقة‬ ‫البنفسجية‪ .‬وفي مصابيح "الفلوريسنت" أنواع‬ ‫فوق‬ ‫ّ‬ ‫الوهاجة‪ ،‬أخذت تنتشر في المنازل‬ ‫بحجم المصابيح ّ‬ ‫والمكاتب‪ ،‬ألن المصابيح "الفلوريسنت" أجدى‬ ‫الوهاجة‪ ،‬فهي تنتج إنارة‬ ‫اقتصادياً بكثير من تلك ّ‬ ‫أقوى عدة مرات بطاقة كهربائية مساوية‪ .‬إال أنها‬ ‫أغلى ثمناً‪ .‬لكن االقتصاد في الكهرباء الذي تتيحه‪،‬‬ ‫يجعلها مساوية اقتصادياً على أ‬ ‫القل‪.‬‬ ‫ولما كانت مصابيح "الفلوريسنت" تحتوي غالباً على‬ ‫بخار الزئبق‪ ،‬فقد نصت القوانين أ‬ ‫المريكية على‬ ‫ضرورة فرزها عن النفايات أ‬ ‫الخرى‪ ،‬وثمة قوانين‬ ‫تنص حتى على إعادة تتويرها‪.‬‬ ‫ويعد مصباح الصمام الثنائي المضيء (‪ ،)LED‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫توصلت إليه صناعة تطوير المصابيح‬ ‫ما‬ ‫أحدث‬ ‫من‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫يحول أكبر نسبة من‬ ‫وأجدى وسائل إالنارة‪ ،‬لنه ّ‬ ‫الكهرباء إلى ضوء‪ ،‬وال يصدر عنه إال القليل من‬ ‫الحرارة‪ .‬إضافة إلى هذا‪ ،‬يمكن لمصباح الصمام‬ ‫الثنائي أن يعمل ‪ 100,000‬ساعة قبل أن يتعطّل‪ .‬غير‬ ‫أن صناعته دقيقة‪ ،‬وقد يزيد عمره أو ينقص‪ ،‬جراء فروق بسيطة‬ ‫في تصنيعه‪ ،‬على الرغم من أن إنتاجه زهيد التكلفة‪ .‬كذلك يمكن‬ ‫خدم في ظروف تزيد حرارته‪.‬‬ ‫لعمر هذا المصباح أن يقصر‪ ،‬إذا اس ُت ِ‬ ‫لذا تتباين أعمار هذا المصباح كثيراً بين شركة صانعة وأخرى‪ ،‬وبين‬ ‫مستهلك وآخر‪ .‬ومن خصائص هذا المصبــاح المثيــرة أنه يستطيع‬ ‫أن يضيء بمختلف أ‬ ‫اللوان‪ .‬وقد أخذ ينتشر استعماله في العالم‬ ‫شيئاً فشيئاً‪.‬‬

‫حجم االستهالك ل إلنارة‬ ‫والمليارات القابلة للتوفير‬

‫تشير أرقام إدارة معلومات الطاقة في الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‬ ‫(‪ ،)EIA‬إلى أن أ‬ ‫المريكيين استهلكوا عام ‪ 2016‬نحو ‪ 279‬مليار‬ ‫كيلوواط ساعة من الكهرباء لغرض إالنارة‪ ،‬في القطاعين المنزلي‬ ‫وقدرت إالدارة أن هذا يساوي نسبة ‪ %10‬من مجموع‬ ‫والتجاري‪ّ .‬‬ ‫الكهرباء المستخدمة في البالد في هذين القطاعين‪ ،‬أو نحو ‪ %7‬من‬ ‫مجموع استهالك الكهرباء في الواليات المتحدة‪.‬‬


‫‪37 | 36‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫أعمار المصابيح‬ ‫تحتسب شركات صنع المصابيح العمر االفتراضي‬ ‫المع َلن للمصابيح التي تنتجها‪ ،‬في معظم‬ ‫الحاالت‪ ،‬بأنه ‪ %50‬من عدد ساعات عمل مجموع‬ ‫معدل عمر هذه المصابيح‪،‬‬ ‫أالمصابيح‪ .‬وهو إذاً ّ‬ ‫لن عمر كل مصباح يختلف عن عمر غيره‪ ،‬ولو كانا‬ ‫النارة نفسها‪ ،‬أومن صناعة‬ ‫من الصنف نفسه وقدرة أ إ‬ ‫الشركة نفسها‪ .‬وتختلف العمار كثيراً‪ ،‬لن اختالفاً في الصناعة‬ ‫نسبته ‪ %1‬يمكن أن يَنتج منه اختالف في عمر المصباح يبلغ ‪ .%25‬هذا‬ ‫هو السبب الذي يجعل كثيراً من المستهلكين يالحظون أن المصباح لم‬ ‫يخدمهم عمره المع َلن‪ .‬وقد يالحظون أنه‪ ،‬على العكس‪ ،‬خدم مدة‬ ‫أطول من هذا العمر المع َلن‪.‬‬ ‫أما العمر االفتراضي المع َلن‪ ،‬لمصابيح الصمام الثنائي المضيء‪،‬‬ ‫فتحتسبه شركات الصناعة الكهربائية‪ ،‬بأنه ‪ %50‬من عدد الساعات التي‬ ‫النارة‬ ‫خدمتها المصابيح‪ ،‬قبل انخفاض قوة إنارتها إلى ‪ %70‬من قوة إ‬ ‫أ‬ ‫الصلية‪.‬‬ ‫وال بد من مالحظة أن بعض المصابيح يتأثر بوتيرة إشعالها وإطفائها‪.‬‬ ‫ذلك يحدث في الغرف التي ندخلها ونخرج منها كثيراً من المرات في‬ ‫يرجح أن يكون أقصر‬ ‫اليوم‪ .‬ولذا فالعمر الفعلي في مثل هذه الحاالت َّ‬ ‫من العمر االفتراضي الذي نقرأه على علبة المصباح عند شرائه‪ .‬وأكثر‬ ‫والطفاء‪ ،‬هي مصابيح "فلوريسنت"‪.‬‬ ‫الشعال إ‬ ‫المصابيح تأثراً بوتيرة إ‬

‫وبلغ استهالك الكهرباء للإنارة في‬ ‫المنازل‪ ،‬نحو ‪ 129‬مليار كيلوواط في‬ ‫الساعة‪ ،‬أي نحو ‪ %10‬من مجموع‬ ‫استهالك الكهرباء في القطاع المنزلي‬ ‫في عام ‪ .2016‬أما القطاع التجاري‪،‬‬ ‫يتضمن إنارة المباني التجارية‬ ‫الذي ّ‬ ‫ومباني المؤسسات والطرق العامة‬ ‫والطرق السريعة‪ ،‬فقد استهلك نحو ‪150‬‬ ‫النارة‪،‬‬ ‫مليار كيلوواط في الساعة لغرض إ‬ ‫أي نحو ‪ %11‬من مجموع استهالك الكهرباء‬ ‫في القطاع التجاري‪ ،‬أ‬ ‫للغراض كافة‪.‬‬ ‫أما في عام ‪ ،2010‬فقد بلغ استهالك‬ ‫الكهرباء للإنارة في مواقع الصناعة ‪52‬‬ ‫مليار كيلوواط في الساعة‪ ،‬أي نحو ‪%1,3‬‬ ‫من مجموع استهالك الكهرباء عام ‪.2010‬‬

‫ونجد نسباً مشابهة تقريباً لما تستهلكه‬ ‫النارة في المملكة‪ ،‬ففي ورشة عمل نظَّمتها‬ ‫إ‬ ‫"الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس"‬ ‫في الرياض خالل شهر يونيه من العام‬ ‫الماضي ‪ ،2016‬وكان محورها حول آلية‬ ‫النارة‪ ،‬جاء أن نحو ‪%80‬‬ ‫تسجيل منتجات إ‬ ‫من إنتاج الطاقة الكهربائية في المملكة‬ ‫يستهلك في المنازل‪ ،‬وأن نحو ‪ %9‬تذهب‬ ‫للإنارة‪ .‬صحيح أن هذه النسبة تبقى أقل‬ ‫بكثير مما تستهلكه مكيفات الهواء‪ ،‬ولكنها‬ ‫تبقى ضخمة جداً‪ ،‬إذ تبلغ قيمتها أكثر من خمسة مليارات ريال رغم‬ ‫الدعم الحكومي لها‪ .‬وخلصت الورشة آنذاك إلى أن هذه أ‬ ‫الرقام‬ ‫النارة كجزء مهم من مبادرات‬ ‫تفرض االلتفات فوراً إلى منتجات إ‬ ‫ترشيد استهالك الطاقة في المملكة‪.‬‬ ‫أما في مصر‪،‬فقد جاء في موقع "‪"http://www.auptde.org‬‬ ‫المصري‪ ،‬أن السلطات المسؤولة الحظت نجاح مساعي ترشيد‬ ‫استهالك الكهرباء للإنارة في المنازل‪ ،‬باستخدام المصابيح الموفّرة‬ ‫للطاقة‪ ،‬بعدما تيقّن أصحاب المنازل من جدوى هذا أ‬ ‫المر‪ ،‬فزاد‬ ‫إالقبال على شراء مصابيح "الفلوريسنت"‪.‬‬ ‫إن ترك مصباح واحد مضاء قد ال‬ ‫شجع هذا المسؤولين على التفكير‬ ‫َّ‬ ‫وقد ّ‬ ‫يكون أمراً خطيراً ‪ ،‬لكن التراكم الذي‬ ‫باعتماد الحلول الموفّرة للطاقة في‬ ‫تحدثه العادات السيئة أو الجيدة‪ ،‬قد‬ ‫إالنارة العامة‪ ،‬التي تستهلك ‪ %11‬من‬ ‫مجموع استهالك الطاقة في مصر‪ .‬وجاء يصنع فرقاً‬ ‫في الموقع نفسه‪ ،‬أن ‪ %80‬من الطاقة‬ ‫تتحول في المصابيح العادية إلى حرارة‪ ،‬ويبقى ‪ %20‬فقط‬ ‫الكهربائية ّ‬ ‫للإنارة‪ ،‬فيما تنقلب النسبــة مع مصابيح "فلوريسنـت"‪ ،‬لتصبــح‬ ‫‪ %20‬للحرارة‪ ،‬و‪ %80‬للإنارة‪ .‬وبذلك يبلغ التوفيــر ‪ %70‬من استهالك‬ ‫الكهرباء‪.‬‬ ‫أطفئوا أ‬ ‫النوار للتوفير‪...‬‬ ‫أ‬ ‫يعرف أ‬ ‫الطفال أن عليهم أن يطفئوا النوار عند الخروج من‬ ‫الغرفة‪ ...‬ذلك ما يقوله لهم الوالدان بإلحاح ال ّ‬ ‫يمل حتى بلوغ‬ ‫االلتزام‪ .‬فالطفل يعرف أن الوالدين سيغضبان إذا لم يمتثل‪،‬‬ ‫السيما عند الخروج من البيت لرحلة تستغرق يوماً أو اثنين‪ .‬وحتى‬


‫جزء من طاقة إالنارة يتحول إىل حرارة‬

‫حين يكبرون ويتزوجون‪ ،‬ال يخلو أ‬ ‫المر من أن يلفت الواحد نظر‬ ‫آ‬ ‫الخرين من أهل بيته إلى وجوب إطفاء المصباح هنا أو هناك حتى‬ ‫ولو كان الخروج من الغرفة أو البيت سيستغرق ساعتين ال أكثر‪.‬‬ ‫فهل يستحق أ‬ ‫المر كل هذا الجهد لتوفير الكهرباء أو المصابيح؟‬ ‫فلننظر في أ‬ ‫مستمد من أرقام‬ ‫الرقام لمعرفة الجواب‪ ،‬في مثال‬ ‫ّ‬ ‫أمريكية‪.‬‬ ‫ولنفترض أن التجوال في المنزل إلطفاء المصابيح المضاءة‪،‬‬ ‫يستغرق دقيقتين من الوقت‪ .‬وفي حين أن الكهرباء في الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬حيث غالباً ما تكون غير مدعومة‪ ،‬بل من إنتاج شركات‬ ‫خاصة‪ ،‬فإنها تكلّف ‪ 10‬سنتات‪ ،‬الكيلوواط في الساعة‪ .‬ولنفترض‬ ‫يعد‬ ‫أن البيت يستخدم مصابيح "فلوريسنت" ‪ 20‬شمعة‪ ،‬التي ّ‬ ‫مصروفها المالي من الكهرباء أقل بكثير من غيرها‪ .‬ولنفترض أن‬ ‫التجوال في البيت قبل الخروج سيطفئ ‪ 4‬مصابيح "فلوريسنت"‪،‬‬ ‫المعدل‪ .‬على هذا‪ ،‬لنقل إن أصحاب البيت سيغادرون المنزل‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫لرحلة نهاية أ‬ ‫السبوع‪ ،‬أي أربع مرات في الشهر‪ ،‬يصل التوفير عند‬ ‫إطفاء المصابيح "الفلوريسنت" أ‬ ‫الربعة‪ ،‬إلى ‪ 41.6‬سنت‪ ،‬هي ثمن‬ ‫أ‬ ‫‪ 4.160‬واط في الساعة من الطاقة‪ .‬وعلينا أن نضرب هذه الرقام بـ‬ ‫متوهجة وبقوة ‪ 20‬شمعة فقط‪ ،‬وبـ ‪ 35‬مرة‬ ‫‪3‬و‪ 5‬إذا كانت المصابيح ِّ‬ ‫أ‬ ‫موهجة بقوة مئة شمعة‪ .‬هنا يستحق المر جولة في البيت‬ ‫إذا كانت ّ‬ ‫تستغرق دقيقتين للإطفاء‪ .‬وفي هذه "الحسبة"‪ ،‬لم نفترض سوى‬ ‫درج في هذا الحساب التلفزيون‪،‬‬ ‫أن المصابيح تُركَت مضاءة‪ ،‬ولم يَ ُ‬ ‫المعدل‪ .‬فإذا تُ ِرك مضاء في‬ ‫الذي يستهلك تقريباً ‪ 150‬واط في‬ ‫ّ‬ ‫رحلة نهاية أ‬ ‫السبوع‪ ،‬التي تستغرق ربما ‪ 52‬ساعة‪ ،‬لبلغ االستهالك‬ ‫مبلغ ‪ 0,78‬دوالراً‪.‬‬ ‫تعني هذه أ‬ ‫الرقام‪ ،‬أن ترك مصباح واحد مضا ًء قد ال يكون أمر ًا‬ ‫خطيراً‪ ،‬لكن التراكم الذي تحدثه العادات السيئة أو الجيدة‪ ،‬قد‬ ‫يصنع فرقاً‪ .‬وقد يصل التوفير إلى مبالغ تستحق الجهد واالنتباه‬ ‫تبين‬ ‫الالزمين‪ .‬ففي دراسة نشرتها مجلة أ"العلم والحياة" الفرنسية‪َّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫اللكترونية مثل التلفزيون‬ ‫أن الضواء الحمراء الصغيرة في الجهزة إ‬ ‫وموزعات الكهرباء التي تشير إلى أنها موصولة بالشبكة وجاهزة‬ ‫للتشغيل‪ ،‬تستهلك مجتمعة في فرنسا ما يعادل إنتاج محطة نووية‬ ‫لتوليد الكهرباء‪.‬‬

‫إلى ذلك‪ ،‬ال ننسى أن ترك المصباح مضا ًء‪ ،‬يستهلك من عمره‪.‬‬ ‫هذا إذا نظرنا إلى المصروف الشخصي لصاحب المنزل‪ .‬أما في‬ ‫توفير الكهرباء على صعيد حي بأكمله أو مدينة أو بلد‪ ،‬فإن الفوارق‬ ‫تتراكم وتتضاعف‪ ،‬والسلوك السليم يوفّر كثيراً من استهالك الطاقة‬ ‫من مصادرها العامة‪.‬‬

‫في المكاتب والشركات‬

‫يختلف أ‬ ‫المر كثيراً في المكاتب والشركات والمؤسسات العامة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫عنه في المنازل‪ .‬فعدد المصابيح في هذه المكنة هو أوال ً أكبر‬ ‫بكثير من عددها في المنزل‪ .‬والسلوك العام‪ ،‬أحياناً كثيرة‪ ،‬أقل‬ ‫أ‬ ‫النفاق في المؤسسات العامة يكون‬ ‫حرصاً منه في المنزل‪ ،‬لن إ‬ ‫على حساب المؤسسة ال على الموظف‪ .‬ولذا ال يندر أن يخرج آخر‬ ‫موظف‪ ،‬إلى اليوم التالي‪ ،‬أو حتى إلى عطلة أ‬ ‫السبوع‪ ،‬تاركاً كل‬ ‫شيء مضا ًء‪ ،‬من مصابيح وحواسيب وأدوات كهربائية أخرى‪.‬‬ ‫ويضاف إلى استهالك الكهرباء في أ‬ ‫الماكن العامة‪ ،‬استهالك‬ ‫المصابيح‪ .‬فالمصباح له عمر افتراضي‪ ،‬وكلما استهلكناه قصر عمره‬ ‫في الخدمة‪ .‬ويذكر موقع ‪ fastcompany.com‬إن أ‬ ‫المريكيين أنفقوا‬ ‫عام ‪ ،2016‬نحو مليار دوالر لشراء ملياري مصباح كهربائي جديد‪.‬‬ ‫وبحساب سريع يعني هذا أنهم يشترون في كل يوم نحو ‪5,5‬‬ ‫مليون مصباح‪ ،‬لتبديل مصابيح انتهى عمرها‪.‬‬ ‫فيقدر عدد المصابيح العاملة كل يوم في‬ ‫أما موقع ‪ّ wsj.com‬‬ ‫الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية بنحو أربعة مليارات مصباح‪ ،‬في البيوت‬ ‫والشركات والمؤسسات العامة والطرق‪ ،‬وما إليها‪ .‬أما في العالم‬ ‫فقدر الموقع عدد المصابيح الكهربائية بنحو اثني عشر مليار‬ ‫كله ّ‬ ‫الوهاجة تحتل نحو ثلث سوق المصابيح‬ ‫المصابيح‬ ‫وأن‬ ‫مصباح‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الكهربائية في العالم‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي بات يتطلَّب التوقف أمامه‪.‬‬


‫‪39 | 38‬‬

‫العلم خيال‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ُيحكى في األساطير اإلغريقية أن‬ ‫طوع ضوء الشمس لحماية‬ ‫أرخميدس َّ‬ ‫سواحل مدينة سرقوسة اإلغريقية‪ ،‬إذ‬ ‫ابتكر منظومة من مرايا ضخمة مثبتة‬ ‫وموجهة بزوايا‬ ‫على طول الساحل‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تعكس ضوء الشمس‪ ،‬وتعمل على تركيزه‬ ‫نحو سفن األعداء ليحرقها‪.‬‬ ‫فإذا كانت الشمس قادرة على حرق‬ ‫سفينة كما في األسطورة‪ ،‬أو على حرق‬ ‫كنا نفعل في‬ ‫كبر كما َّ‬ ‫ورقة باستخدام ُ‬ ‫الم ِّ‬ ‫نتخيل‬ ‫الصفوف التعليمية األولى‪ .‬فلنا أن‬ ‫َّ‬ ‫نتحكم‬ ‫ما يمكن فعله‪ ،‬بعدما أصبحنا‬ ‫َّ‬ ‫في الضوء وإخوته في طيف األشعة‬ ‫الكهرومغناطيسية‪.‬‬ ‫فهل نحن على موعد مع مسدسات‬ ‫وسيوف ومقذوفات من الليزر‪ ،‬كما نرى‬ ‫في الخيال العلمي؟‬ ‫د‪َ .‬معين يحيى بن جنيد‬

‫مشهد من فلم حرب النجوم‬

‫سالح‬ ‫من‬ ‫ضوء‪...‬‬ ‫هل ممكن‬ ‫التحقيق؟‬


‫أسلحة الليزر‬

‫فكَّر إالنسان كثيراً في توجيه حزم ليزريّة‬ ‫نحو العدو‪ ،‬حتى أصبحت من أ‬ ‫السلحة‬ ‫المفضلة لدى مبدعي الخيال العلمي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ويُحكى أن أول من ابتدع هذه الفكرة هو‬ ‫كاتب الخيال العلمي ه‪ .‬ج‪ .‬ويلز في رواية‬ ‫"حرب العوالم" في عام ‪1898‬م‪ .‬وكان‬ ‫السالح الذي وصفه في كتابه يطلق حزمة‬ ‫من الضوء َو َس َمها بالشعاع الحراري‪ ،‬وكأنه‬ ‫نظر إلى المستقبل ورأى الليزر قبل أن‬ ‫يصبح حقيقة بستين سنة‪.‬‬ ‫وها قد مضت ستون سنة‬ ‫أخرى على اختراع الليزر‪،‬‬ ‫فلماذا ال نرى حتى آ‬ ‫الن‬ ‫مسدسات من الليزر تصحب‬ ‫قوات أ‬ ‫المن والجيش كما في‬ ‫أ‬ ‫الروايات والفالم؟‪.‬‬

‫الذرات النائمة‬

‫الليزر هو جيش من‬ ‫الفوتونات‪ ،‬أي زخات متقطعة‬ ‫من الضوء‪ ،‬تسير بنسق واحد‬ ‫يصدها سوى جسم قادر على‬ ‫وفي اتجاه واحد‪ ،‬وال ْ‬ ‫حذار‪ ،‬فقد‬ ‫طاقتها‪.‬‬ ‫امتصاص‬ ‫حرفها عن مسارها أو‬ ‫ِ‬ ‫تكون طاقة حارقة‪.‬‬ ‫بالذرة‪ .‬ففي الطبيعة‪ ،‬تحب‬ ‫وقصة الليزر مرتبطة ّ‬ ‫الذرة أن تكون في أدنى وضع من الطاقة‪ ،‬وكأنها‬ ‫ّ‬ ‫إنسان نائم‪ .‬ونشاطها يرتبط بمكوناتها‪ ،‬ومنها‬ ‫إاللكترونات‪ .‬فهذه إاللكترونات تعيش في منازل‬ ‫الذرة‪ .‬فإذا انتقل أحد إاللكترونات من‬ ‫خاصة في ّ‬ ‫منزله إلى مكان آخر ذي طاقة أعلى‪ ،‬فإن الذرة‬ ‫كالنسان‬ ‫تستيقظ وتدخل في حالة نشاط‪ .‬ولكن‪ ،‬إ‬ ‫المنهك من الجري‪ ،‬ما يلبث إاللكترون أن يعود إلى‬ ‫منزله في أجزاء من الثانية‪ ،‬لتلفظ الذرة الطاقة الزائدة‬ ‫على هيئة فوتون (ضوء) وتعود إلى الخمول‪.‬‬

‫كيف نصنع الليزر؟‬

‫الذرة‬ ‫ما اكتشفه أينشتاين في عام ‪1917‬م‪ ،‬هو أن ّ‬ ‫النشطة ‪ -‬بالمعنى المذكور آنفاً ‪ -‬حين تستقبل فوتوناً‬ ‫من الخارج فإنه يجبر إاللكترون على أن يعود إلى‬ ‫الذرة‪ ،‬فتلفظ‬ ‫منزله أو إلى مستوى آخر يقلل من طاقة ّ‬ ‫الطاقة الزائدة على هيئة فوتونين اثنين‪ .‬والمعنى أو‬ ‫الفائدة المستخلصة من هذه الفكرة هو أن الفوتونين‬ ‫الخارجين يكونان توأمين يسيران بالخطى نفسها وفي‬ ‫االتجاه نفسه‪ .‬وهذه العملية هي بذرة الليزر الذي‬ ‫تحقق واقعاً بين أ‬ ‫العوام ‪1950‬م و‪1960‬م‪.‬‬ ‫أ‬ ‫كاف‬ ‫ولنشرح المر بطريقة مختلفة‪ :‬إذا اجتمع عدد ٍ‬ ‫الذرات النشطة واستقبلت إحداها فوتوناً من‬ ‫من ّ‬

‫أنشتاين مكتشف طاقة فوتونات الضوء‬

‫تتكرر وتتضاعف‬ ‫الخارج‪ ،‬فإن عملية لفظ الطاقة ّ‬ ‫سريعاً حتى تنتهي بفيض عارم من الفوتونات‬ ‫المتماثلة‪ :‬أي الليزر‪.‬‬ ‫لكن تكوين حالة الليزر يعتمد على طبيعة المادة‪،‬‬ ‫والظروف الفيزيائية المناسبة‪ ،‬ووجود مصدر‬ ‫طاقة مستمر لتنشيط ذرات المواد المستخدمة‪.‬‬ ‫وهذا الجيش الفوتوني يمكن تسخيره في الخير‬ ‫أو في الشر‪.‬‬

‫سالح المستقبل‬

‫فعال‬ ‫إن تقنيات اليوم ال تسمح بوجود "مسدس ليزر" ّ‬ ‫وعملي‪ .‬فالطاقة الالزمة إلخراج الليزر من مسدس أو‬ ‫بندقية‪ ،‬كبيرة جداً وال يتسع لها المسدس الصغير‪.‬‬ ‫وإذا حملت مولداً لهذه الطاقة فإنه سيقصم ظهرك‬ ‫قبل أن تقصم ظهر العدو‪ .‬وإذا ارتبط سالحك الثقيل‬ ‫بأسالك تزوده بالطاقة‪ ،‬فإنها قد تعيق حركتك فتصبح‬ ‫هدفاً سهالً‪ .‬ولكننا لن نفاجأ في المستقبل القريب‬ ‫بصناعة مثل هذا السالح مع تطور تقنيات البطاريات‬ ‫وتخزين الطاقة‪ ،‬والتغلب على المصاعب الناتجة عن‬ ‫خصائص الضوء الفيزيائية‪.‬‬ ‫إن هذا ال يعني عدم وجود استخدامات حربية لليزر‪.‬‬ ‫فآخر ما استعرضه سالح البحرية أ‬ ‫المريكية قبل‬ ‫نصب في السفن‬ ‫عامين هو قاذف ليزري يُ َ‬ ‫الحربية ليسلط جرعة من الطاقة على هدفه‬ ‫ثوان‪ .‬ولكنها‬ ‫في البحر أو في الجو فيحرقه في ٍ‬ ‫أدوات كبيرة ال يمكن أن يحملها شخص‬ ‫بنفسه‪.‬‬

‫سيوف الليزر‬

‫دعونا نعود إلى عالم الخيال‪ ،‬ماذا‬ ‫عن السيوف الضوئية؟ كالسيف‬ ‫المشهور في روايات "حرب‬ ‫النجوم"؟ هل يمكن أن يكون‬

‫هناك سيف من ليزر؟‬ ‫من العجيب أن السيف هو سالح بدائي في الواقع‪،‬‬ ‫ولكن سيف الليزر هو تقنية خيالية التعقيد‪ ..‬ومن‬ ‫المرجح أن يظل عصياً على إالنسان ليظل حبيس‬ ‫الخيال العلمي إلى أ‬ ‫البد‪.‬‬ ‫فالضوء ال يمكن إيقافه في الهواء‪ ،‬وعليه فلن‬ ‫يستطيع إالنسان أن يصنع سيفاً ليزرياً طوله في‬ ‫حدود المتر‪ .‬والضوء ال يتفاعل مع نفسه‪ ،‬وهو‬ ‫عديم الكتلة‪ ،‬فلن يصطدم سيفان من ليزر‪ ،‬بل‬ ‫سيخترق أحدهما آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫ولكن سيف الليزر وإن كان مستحيالً‪ ،‬فإن فكرة‬ ‫متوهج حارق" ليست بالمستحيلة‪ .‬ولكنها‬ ‫"سيف ِّ‬ ‫تتطلَّب الدخول إلى نطاق فيزيائي يختلف عن الليزر‬ ‫وهو عالم البالزما‪ .‬وهي تقنية قد تكون قريبة من‬ ‫مستقبل إالنسان لتستغل في الحرب أو السلم‪.‬‬ ‫ولنترك قصة سيف البالزما إلى مبحث آخر‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪41 | 40‬‬

‫من المختبر‬

‫تحويل ِّ‬ ‫ملوثات الهواء‬ ‫إلى حبر للطباعة‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫تلوث‬ ‫تعمل "غرافينكي"‪ ،‬وهي مؤسسة بحثية هندية على تطوير جهاز لمعالجة ُّ‬ ‫الهواء بعدما بلغ مستويات مقلقة في كثير من المدن آ‬ ‫السيوية الكبرى‪ .‬يوضع‬ ‫هذا الجهاز‪ ،‬واسمه "كآلينك"‪ ،‬عند طرف أنابيب عوادم السيارات‪ ،‬التي تُعد‬ ‫الملوث أ‬ ‫الول للبيئة حول العالم‪.‬‬ ‫يعمل كآلينك على التقاط الكربون غير المحترق في المحرك‪ .‬أما كيفية عمله فال‬ ‫تزال سرية‪ .‬ويقول أنيرود شارما‪ ،‬أحد المؤسسين‪" :،‬إن تصميم الجهاز يقوم‬ ‫على دمج ذكي ألجهزة استشعار إلكترونية ومحركات ميكانيكية ونظام جمع"‪.‬‬ ‫وأظهرت االختبارات على كآلينك أن باستطاعته التقاط ما يصل إلى ‪ %93‬من‬ ‫التلوث المنبعث من المحرك‪ ،‬وأن ما يجمعه من عادم سيارة واحدة خالل ‪45‬‬ ‫دقيقة يكفي إلنتاج أوقية من الحبر عالي الجودة‪ ،‬الذي يمكن بيعه للمستهلكين‬ ‫والمؤسسات الصناعية‪.‬‬ ‫وحول كيفية استخدام هذه آ‬ ‫اللة الجديدة يقول شارما‪" :‬يتم تثبيت كآلينك‬ ‫يدوياً من قبل كل سائق‪ .‬وعندما يمتلىء خالل أُسبوعين من القيادة في المدينة‪،‬‬ ‫يتم تبديله في مختبرات غرافينكي الهندية‪ ،‬حيث يوجد مرآب خاص لتفريغ‬ ‫ما جمعه الجهاز‪ .‬ونحن نطلق آ‬ ‫الن حملة توعية‪ ،‬بالتعاون مع بعض الشركات‬ ‫آ‬ ‫السيوية‪ ،‬إلثبات صحة المشروع‪ .‬كما أنَّنا نزود‪ ،‬في الوقت الراهن‪ ،‬رسامي‬ ‫أ‬ ‫الفنون الجميلة ورسامي الشوارع بأقالم الحبر والقالم الرشاشة‪ .‬وباستطاعتنا‬ ‫الحقاً توسيع استخدامات هذا الجهاز إلى المداخن المنزلية والصناعية وغيرها‪،‬‬ ‫حيث تستطيع كل مركبة من أي نوع‪ ،‬أو أي منشأة صناعية التقاط الملوثات‬ ‫الخاصة بها وإعادة تدويرها‪.‬‬

‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.livescience.com/57802-device-turns-air-pollution-into‬‬‫‪printing-ink.html‬‬

‫جديد اإللكترونيات والجهاز الهضمي‬

‫معينة‬ ‫معلوم أنه بات بإمكان البشر هضم أنواع َّ‬ ‫اللكترونيات التي تكون داخل كبسوالت‪،‬‬ ‫من إ‬ ‫ويتم إدخالها في الجسم عبر أ‬ ‫المعاء‪ ،‬اللتقاط‬ ‫صور الفديو وضخ أ‬ ‫الدوية وتسجيل درجة الحرارة‬ ‫والحموضة‪ ،‬وغيرها من المؤشرات الصحية الحيوية‪.‬‬ ‫اللكترونيات يعتمد على‬ ‫غير أن معظم هذه إ‬ ‫بطاريات تقليدية‪ ،‬تحتوي على مواد ضارة‪.‬‬ ‫لكن دراسة جديدة في كلية الطب في جامعة‬ ‫هارفارد‪ ،‬نشرت في مجلة "نايتشر بيوميديكال‬

‫إنجينيريغ"‪ ،‬أظهرت أن هناك إمكانية لشحن هذه‬ ‫اللكترونيات بواسطة تفاعل السوائل الكيميائية‬ ‫إ‬ ‫داخل أ‬ ‫المعاء‪ ،‬حيث يصبح بإمكانها العمل لعدة‬ ‫أيام دون الحاجة ألي مواد صناعية أخرى‪ .‬وقال‬ ‫جيوفاني ترافيرسو أحد الباحثين في هذا المشروع‪:‬‬ ‫بالمكان حصاد الطاقة مدة‬ ‫"لقد أثبت نموذجنا أنه إ‬ ‫أسبوع بهذه الطريقة"‪.‬‬ ‫طورها العلماء‬ ‫وتعتمد "الخلية الغلفانية" التي ّ‬ ‫لحصد الطاقة‪ ،‬على سوائل أ‬ ‫المعاء كجسر من‬ ‫المحلول الكهربائي بين القطب الزنكي الموجب‬ ‫والقطب النحاسي السالب‪ .‬وعند تحلّل الزنك تتولَّد‬ ‫طاقة بمعدل ‪ 0.23‬مايكرواط في كل ملليمتر مربع‬ ‫من القطب الموجب‪.‬‬ ‫وفي إحدى التجارب‪ ،‬الحظ العلماء أن باستطاعة‬ ‫إحدى الكبسوالت المجهزة بهذه التقنية‪ ،‬استخدام‬ ‫جهاز إرسال بتردد ‪ 900‬ميغاهيرتز لنقل حزم بيانات‬ ‫درجات الحرارة‪ ،‬بمعدل مرة كل ‪ 12‬ثانية‪ ،‬إلى محطة‬ ‫أساسية تبعد مترين‪ .‬وأظهرت تجربة أخرى أن إحدى‬ ‫الكبسوالت استطاعــت بهذة الطاقــة المتولدة‪،‬‬

‫جعل غشاء الذهب يتآكل كهربائياً ليفرج عن أ‬ ‫الدوية‬ ‫إلى أ‬ ‫المعاء‪.‬‬ ‫أ‬ ‫والجهزة النموذجية الحالية هي إسطوانات بطول ‪40‬‬ ‫ملليمتراً‪ ،‬وقطر ‪ 12‬ملليمتراً‪ ،‬لكن العلماء يقولون إنَّه‬ ‫بالمكان ترقية هذا الجهاز ليصبح أصغر حجماً‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ً‬ ‫ويالحظ "ترافيرسو" أنه وزمالؤه طوروا حديثا أجهزة‬ ‫بإمكانها البقاء في أ‬ ‫المعاء ألسابيع‪ .‬وهي على شكل‬ ‫نجمي يمنعها من االنتقال والوصول إلى المعدة‪،‬‬ ‫في حين أن أذرعها رقيقة بما يكفي لكيال تتسبب بأي‬ ‫انسدادات ضارة‪.‬‬

‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://spectrum.ieee.org/the-human-os/‬‬ ‫‪biomedical/devices/powering-ingestible‬‬‫‪electronics-with-gut-fluids‬‬


‫االسم المعياري‬ ‫بطارية مرنة بإمكانها شحن‬ ‫األجهزة القابلة لالرتداء‬

‫على الرغم من أن هذه البطارية ما تزال في المراحل أ‬ ‫الولى من التطوير‪ ،‬فقد‬ ‫تحمل مختلف التشوهات‪ ،‬وقد‬ ‫تم اختبارها بنجاح من ناحية قدرتها على ُّ‬ ‫حافظت على طاقة الشحن نفسها عند ثنيها أو ّليها‪ .‬في حين أن البطارية العادية‬ ‫المستعملة اليوم في معظم أ‬ ‫الجهزة تتحلَّل كما هو معلوم‪ ،‬عند أي تشوه‬ ‫يحصل لها‪.‬‬ ‫وإضافة إلى استعماالتها المستقبلية العديدة‪ ،‬فإن البطارية الجديدة آمنة أكثر‬ ‫من العادية‪ .‬بسبب غالفها الخارجي المصفّح‪ ،‬وتركيبها الداخلي الذي يجعلها‬ ‫للتسرب أو الحرارة الزائدة‪ .‬فالبطارية العادية تصبح متطايرة جداً عند‬ ‫غير قابلة‬ ‫ّ‬ ‫أي تشوه‪ ،‬وقد تشتعل أو تنفجر إذا ما تم شحنها بإفراط‪ .‬إذ إن إيونات الليثيوم‬ ‫تتجمع في مكان واحد عند التواء البطارية العادية أو ثنيها‪ ،‬فتترسب كليثيوم‬ ‫الفراط في الشحن تتسبب‬ ‫معدني‪ .‬وإذا حصل ذلك‪ ،‬فالحرارة الصادرة عن إ‬ ‫بتشكيل فقاعات أوكسيجين شديدة التفاعل مع الليثيوم المعدني‪ .‬وعند جمع‬ ‫أ‬ ‫الكسجين مع الليثيوم يقع االنفجار‪.‬‬ ‫تبلغ سماكة هذه البطارية المرنة نحو نصف ملليمتر‪ ،‬ويمكن ّليها حتى تشكِّل‬ ‫دائرة شعاعها ‪ 25‬ملليمتراً‪ .‬كما يمكن ثنيها حتى ‪ 25‬درجة في االختبارات‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.livescience.com/56514-bendable-lithium-ion-battery.‬‬ ‫‪html‬‬

‫ُ‬ ‫أوم‬

‫غيورغ أوم هو الفيزيائي‬ ‫أ‬ ‫اللماني الذي تم اعتماد اسمه‬ ‫وحدة معيارية لقياس مقاومة‬ ‫موصل‪.‬‬ ‫التيار الكهربي في أي ّ‬ ‫فقد الحظ العلماء مبكراً أن‬ ‫الكهرباء إذا مرت في جسم ما‬ ‫تنتج عنها حرارة محسوسة وقد‬ ‫يتوهج الجسم الموصل بسببها‪.‬‬ ‫لكن لم يفهم أحد الرابط بين‬ ‫َّ‬ ‫ذلك كله حتى جاء أوم ورتّب‬ ‫غيورغ أوم‬ ‫مالحظاته بخصوص "مقاومة"‬ ‫ذرات أ‬ ‫الجسام لمرور التيار الكهربي بها‪ ،‬وعالقة هذه المقاومة بفرق الجهد‬ ‫ّ‬ ‫(ووحدته الفولت) وبشدة التيار الكهربي المار (ووحدته أ‬ ‫المبير)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولد غيورغ أوم ( ‪ )Georg Ohm‬قرب نيورنبورغ في ألمانيا في عام ‪1789‬‬ ‫ألب مهتم بالعلوم والرياضيات‪ .‬وفي سن السادسة عشرة التحق بالجامعة‬ ‫لدراسة الرياضيات والفيزياء والفلسفة‪ .‬تخرج وواصل دراسة الدكتوراة من‬ ‫دون أن ينشر أطروحة‪ .‬ثم عمل مدرساً للمرحلة المتوسطة‪ .‬وفي تلك الفترة‬ ‫بلب المجتمع العلمي آنذاك‪ :‬الكهرباء!‬ ‫ركَّز دراسته على الظاهرة التي أخذت ّ‬ ‫بشدة‬ ‫قرر أوم منذ البداية أن يخالف الرأي السائد بعدم ارتباط فرق الجهد ّ‬ ‫َّ‬ ‫أصر على اكتشاف قانون يربط بين‬ ‫التيار الكهربي المار في الجسم‪ ،‬بل َّ‬ ‫الممرر في مواد‬ ‫العاملين‪ .‬أفاستثمر أمواله الخاصة لقياس خصائص التيار ّ‬ ‫بمختلف الحجام والخامات‪ .‬والحظ أن فرض فرق كبير في درجة الحرارة بين‬ ‫طرفي أي سلك يؤدي إلى انتقال الحرارة من الطرف الساخن إلى البارد‪ ،‬ما‬ ‫يمكن تفسيره بانتقال أ‬ ‫اللكترونات بين الطرفين لخلق توازن‪ .‬أي إن فرق درجة‬ ‫الحرارة يصنع تياراً‪ .‬والمزيد من المالحظة قاد أوم إلى وضع المالحظات‬ ‫البدهية التي نعرفها اليوم بخصوص موصلية المواد‪ :‬التيار الكهربي يمر في‬ ‫َّ‬ ‫الموصالت السميكة أكثر منه في تلك الرقيقة‪ .‬والموصالت أ‬ ‫القصر تنقل‬ ‫الطول‪ .‬أ‬ ‫التيار بكفاءة أعلى من تلك ذات أ‬ ‫والهم من ذلك‪ ،‬أنه اكتشف أن كل‬ ‫مادة لها طبيعة موصلية مختلفة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قرر أوم أن يطلق صفة "المقاومة" على خاصية امتصاص التيار عوضا عن‬ ‫َّ‬ ‫نقله من قبل المادة الموصلة‪ ،‬وقادته أبحاثه إلى صياغة القانون الذي يربط‬ ‫العالقة الثابتة بين فرق الجهد والمقاومة وشدة التيار‪ :‬المقاومة تساوي فرق‬ ‫الجهد مقسوماً على شدة التيار‪.‬‬ ‫أ‬ ‫نشر أوم أبحاثه قبل أن يبلغ أ‬ ‫الربعين من العمر‪ ،‬لكن الجامعات اللمانية‬ ‫لم تعترف بها بسهولة بالنظر لتواضع درجته العلمية‪ .‬واستغرق أ‬ ‫المر أكثر‬ ‫من عشر سنين قبل أن يتنبه أ‬ ‫اللمان ألهمية اكتشافاته اعتماداً على االهتمام‬ ‫الذي نالته من قبل نظرائهم الفرنسيين!‬ ‫ُ‬ ‫قضى أوم الفترة التالية في دراسة الصوتيات هذه المرة‪ ،‬ونشر أبحاثا بالغة‬ ‫أ‬ ‫عين أخيراً أستاذاً في جامعة‬ ‫الهمية في هذا المجال كذلك‪ .‬وفي آخر حياته ّ‬ ‫ميونيخ‪ .‬وفي عام ‪ ،1881‬أي بعد وفاته بسبعة وعشرين عاماً‪ ،‬تم اعتماد‬ ‫أ‬ ‫القيمة‪.‬‬ ‫اسمه معياراً للمقاومة الكهربية تقديراً لبحاثه ِّ‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪43 | 42‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ماذا لو؟‬

‫أحاطت باألرض‬ ‫حلقات مثل‬ ‫زحل؟‬ ‫ُعمير طيبة‬

‫تلتف‬ ‫زحل ليس الكوكب الوحيد الذي ُّ‬ ‫ت‬ ‫المش�ي‬ ‫حوله حلقات‪ .‬فكل من‬ ‫وأورانوس ونبتون تحيط بهم الحلقات أيضاً‪ .‬وأن‬ ‫تحيط الحلقات بكوكب ما لهو أمر مقبول فلكياً وال‬ ‫كب�اً‪ .‬لكن بالنسبة لسكــان الكوكب‬ ‫عد استثناء ي‬ ‫يُ ّ‬ ‫–ونف�ض هنا أنه كوكبنا أ‬ ‫ت‬ ‫الرض‪ -‬فإن وجود‬ ‫نفسـه‬ ‫الحلقات سيضفي عىل عالمنا جواً إضافياً من‬ ‫الشاعرية والجمال‪.‬‬

‫تكون الحلقات‬ ‫مراحل ُّ‬

‫الحلقات ف� الواقع ليست إال ي ن‬ ‫بالي� الجسيمات‬ ‫ي‬ ‫الصغ�ة ت‬ ‫ال� تدور حول الكوكب‪ .‬فعىل سبيل المثال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫حلقات زحل هي عبارة عن نثار من الجليد‪ .‬ويعتقد‬ ‫تكون‬ ‫علماء الفلك أن هناك عدة أسباب تؤدي إىل ّ‬ ‫حلقات حول أي كوكب‪ .‬من هذه أ‬ ‫السباب اصطدام‬ ‫ئ‬ ‫كب� بالكوكب وتناثر حطام االصطدام‬ ‫جسم‬ ‫فضا� ي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ف ي� الفضاء عىل بُعد مناسب‪ .‬السبب الخر قد يكون‬ ‫تحطم قمر يدور حول الكوكب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫(وغ�هما من السباب) هو‬ ‫ما يجمع هذين‬ ‫السبب� ي‬ ‫ي‬ ‫أن المسافة الفاصلة ي ن‬ ‫المكون‬ ‫ب� الكوكب والحطام‬ ‫ّ‬ ‫للحلقات مناسبة يك تفعل جاذبية الكوكب فعلها‬ ‫بالحطام فتبقيه ف ي� مدارها‪ .‬هذه المسافة معروفة‬ ‫نس إدوارد روش‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بـ"حد روش" نسبة إىل العالم الفر ي‬ ‫"حد روش" ف ي� الفلك (‪)Roche limit‬‬ ‫إن ما يُعرف بـ ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� يتماسك فيها جرم سماوي بفعل‬ ‫هو المسافة ي‬ ‫جاذبيته‪ ،‬ويتحلل إذا أثرت عليه قوى المد الناشئة‬ ‫عن ت‬ ‫اق�اب جرم سماوي آخر أقوى جاذبية منه‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يتشوه الشكل الكروي للجرم‬ ‫ي� داخل ّ‬ ‫حد روش ِّ‬ ‫السماوي بسبب شدة تجاذب جزئه المواجه للجرم‬

‫الك� أ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫والقوى جاذبية (ما نشهده ف ي�‬ ‫السماوي الخر ب‬ ‫ظواهر المد والجزر)‪ ،‬وقد يتفتت فتدور حبيبات‬ ‫المادة ف� أفالك حول ذلك الجرم السماوي آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫ي‬

‫أ‬ ‫الرض وحلقاتها المتخ ّيلة‬

‫وعىل سبيل المثال‪ ،‬فإن جاذبية أ‬ ‫الرض ف ي� وجهها‬ ‫بكث� من جاذبيتها عىل الوجه‬ ‫أك� ي‬ ‫المقابل للقمر ب‬ ‫الخر‪ .‬ولو كان القمر واقعاً بالنسبة أ‬ ‫آ‬ ‫للرض داخل‬ ‫كب�اً بما يكفي‬ ‫مسافة روش‪ ،‬فإن ذلك الفرق سيكون ي‬ ‫ليطغى عىل قوة الجاذبية الداخلية للقمر‪ .‬ما سيؤدي‬ ‫تكس القمر‪ .‬هذا التكرس يتيح للقطع الناتجة‬ ‫إىل ّ‬ ‫مالي� ي ن‬ ‫التصادم وبالتال التفتت‪ .‬وعىل مر ي ن‬ ‫السن�‬ ‫ي‬ ‫يصل عدد نواتج االصطدامات إىل ي ن‬ ‫بالي� القطع‬ ‫الصغ�ة‪ .‬وبما أن القطع تقع داخل مسافة روش‪،‬‬ ‫ي‬ ‫لتكون القمر ثانية‪.‬‬ ‫ال يمكن لها أن تتجمع مرة أخرى ّ‬ ‫فتتحول إىل حلقات حول الكوكب أ‬ ‫ال بك�‪ ..‬الذي هو‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ل‪.‬‬ ‫الرض‪ ..‬وفقا لهذا أ السيناريو ّ‬ ‫التخي ي ّ‬ ‫ولو ت‬ ‫مكونة من جليد‪،‬‬ ‫اف�ضنا أن للرض حلقات ّ‬ ‫مثلما هو الحال مع زحل‪ ،‬فإن تلك الحلقات‬ ‫ستختفي فوراً وستتبخر بفعل أشعة الشمس أ‬ ‫الشد‬ ‫سطوعاً عىل أ‬ ‫الرض منها عىل زحل البعيد‪ .‬ولو‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫كان للرض حلقات َّ‬ ‫مكونة من الصخور‪ ،‬كتلك ي‬ ‫يتشكَّل منها القمر‪ ،‬فستعكس ضوء الشمس نحو‬ ‫أ‬ ‫أك� فوق‬ ‫الفضاء الخارجي‪ .‬وبما أن جاذبية الرض ب‬ ‫خط االستواء منها ف ي� أي نقطة أخرى‪ .‬فستدور حلقة‬ ‫الصخور حول كوكب أ‬ ‫الرض بموازاة خط االستواء‪.‬‬

‫ما الذي سيحدث بعدها؟‬

‫تأث�ات ش‬ ‫مبا�ة ستنتج عن وجود‬ ‫هناك عدة ي‬

‫أ ض‬ ‫ر�‪ .‬أولها سقوط‬ ‫الحلقات حول خط‬ ‫االستواء ال ي‬ ‫أ‬ ‫ّ‬ ‫ظل الحلقات عىل نصف الرض الذي يمر بفصل‬ ‫أ‬ ‫الشتاء كنتيجة لميالن محور الرض‪ ،‬ما سيؤدي إىل‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫انخفاض درجات الحرارة بشكل ب‬ ‫أك� ي� المناطق ي‬ ‫تغطيها ظالل الحلقات‪ .‬وسيؤدي سطوع الحلقات‬ ‫ف ي� الليل إىل صعوبة رؤية النجوم المختلفة‪ .‬النتيجة‬ ‫أ‬ ‫خ�ة هي شبه استحالة االنطالق ف ي� الفضاء‪ .‬إذ‬ ‫ال ي‬ ‫سيصعب عىل مركبات الفضاء أ‬ ‫والقمار الصناعية‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� ستتنــاثر عشوائياً من داخل‬ ‫تفادي الجسيمــات ي‬ ‫الحلقات الصخرية‪.‬‬ ‫ش‬ ‫أخ�ة عىل الثقافات الب�ية‪.‬‬ ‫يمكننا تخيل نتيجة ي‬ ‫ال� تأثرت أ‬ ‫ذلك أن الثقافات المختلفة ت‬ ‫بالجرام‬ ‫ي‬ ‫الخرافات كانت‬ ‫كث� من ُ‬ ‫والظواهر الفلكية وعزا إليها ي‬ ‫ستتفاعل بالطبع مع تلك الحلقات وكانت ستظهر‬ ‫وأساط� ث‬ ‫أك� تنوعاً بع� تاريخ ش‬ ‫الب�ية‪.‬‬ ‫لنا ُخرافات‬ ‫ي‬ ‫الكث� من القصص الخرافية ال�ت‬ ‫ويمكننا إذاً‬ ‫تخيل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تحك أصول هذا الطريق الالمع ي� السماء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المصادر‪:‬‬ ‫‪http://io9.gizmodo.com/if-earth-had-a-ring‬‬‫‪like-saturn-508750253‬‬ ‫‪http://blogs.discovermagazine.com/‬‬ ‫‪the-rings-of-/21/12/badastronomy/2009‬‬ ‫‪earth/#.WLtusFfatc9‬‬ ‫‪https://www.youtube.com/‬‬ ‫‪watch?v=CItDiuBWP5I‬‬


‫مهى قمر الدين‬

‫هل أدخل البريد‬ ‫اإللكتروني ثقافة‬ ‫عملية جديدة؟‬

‫حياتنا اليوم‬

‫توقف‬ ‫منذ انتشار استخدام البريد اإللكتروني‪َّ ،‬‬ ‫كثير عند "حسنات" هذا االبتكار‪ ،‬وجوانب‬ ‫انتصاره على البريد الورقي التقليدي‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫بمرور الوقت‪ ،‬وببلوغ االعتماد على البريد‬ ‫اإللكتروني مستوى الذروة‪ ،‬يتكشف للمراقبين‬ ‫اليوم‪ ،‬أن هذا النمط الجديد من التواصل‪،‬‬ ‫وخاصة في مجال األعمال‪ ،‬ال يخلو من جوانب‬ ‫مثيرة لالهتمام‪ ،‬كي ال نقول للقلق أو النقد‪ .‬إذ‬ ‫يتبين اليوم أن مفاعيل البريد اإللكتروني باتت‬ ‫َّ‬ ‫تتجاوز جوانب السرعة وتوفير الورق والتكلفة‬ ‫االقتصادية‪ ،‬لتطول ثقافة العمل في عمقها‪.‬‬


‫‪45 | 44‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫راي توملينسون‪ ،‬الخبير أ‬ ‫المريكي في‬ ‫برمجة الكمبيوتر‬

‫ال يتذكر راي توملينسون‪ ،‬الخبير أ‬ ‫المريكي في برمجة‬ ‫الكمبيوتر‪ ،‬ما كتبه عندما أرسل لنفسه أول بريد‬ ‫إلكتروني في العالم عام ‪ ،1971‬ولكن زميله جيري‬ ‫بيرشفيل يتذكر جيداً ما قاله له راي عندما أطلعه‬ ‫على ما استطاع القيام به‪" :‬ال تخبر أحداً! ألن ليس‬ ‫هذا الذي من المفترض أن نعمل عليه‪ ".‬حدث هذا‬ ‫االختراق التقني عندما كان هذان الخبيران يعمالن‬ ‫على "أربانيت" ‪ ،ARPANET‬شبكة وكالة مشاريع‬ ‫البحوث المتقدمة‪ ،‬التي كانت بمنزلة النواة الحقيقية‬ ‫النترنت‪ .‬ولكن البريد‬ ‫التي أدت إلى ظهور شبكة إ‬ ‫اللكتروني لم يصبح قيد االستعمال على نطاق‬ ‫إ‬ ‫واسع إال في تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬عندما‬ ‫أصبح أداة تواصل حيوية بالنسبة لكثير من الشركات‬ ‫والمؤسسات التجارية‪ .‬أما آ‬ ‫الن‪ ،‬في ‪ ،2016‬فتشير‬ ‫الحصاءات التي قامت بها شركة أبحاث السوق في‬ ‫إ‬ ‫قدر‬ ‫مجموعة "راديكاتي" إلى أننا أصبحنا نرسل ما يُ ّ‬ ‫بنحو ‪ 205‬مليارات رسالة بريد إلكتروني يومياً‪ ،‬بينما‬ ‫يتلقَّى موظف مكتب عادي نحو ‪ 121‬رسالة إلكترونية‬ ‫كل يوم‪.‬‬ ‫السرعة والقدرة على التحكم‬ ‫اللكتروني أدخل تغييرات‬ ‫ال شك في أن البريد إ‬ ‫كثيرة على بيئة العمل‪ ،‬أما النقاشات حول ما إذا‬

‫كانت هذه التغييرات إيجابية أو سلبية فما زالت‬ ‫مستمرة‪ .‬ولكن مهما كان أ‬ ‫المر‪ ،‬فقد أدخل البريد‬ ‫اللكتروني ثقافة عملية جديدة في مسار أ‬ ‫العمال‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫اليومية والروتينية‪ .‬ففي كثير من الحيان‪ ،‬بدا البريد‬ ‫اللكتروني وكأنه هبة من السماء‪ ،‬إذ أعطى الناس‬ ‫إ‬ ‫القدرة على السيطرة والتحكم في اختيار الوقت‬ ‫اللكتروني‪ ،‬والوقت‬ ‫المناسب لقراءة بريدهم إ‬ ‫المناسب للرد على الرسائل التي ترد إليهم‪ .‬أما‬ ‫أ‬ ‫يفضلون المراسالت السريعة‬ ‫بالنسبة لولئك الذين ِّ‬ ‫اللكتروني‬ ‫مع القليل من وقت االنتظار‪ ،‬فالبريد إ‬ ‫جعل حياتهم أسهل‪ ،‬إذ قبل اعتماد البريد‬ ‫اللكتروني‪ ،‬غالباً ما كان المديرون التنفيذيون يملون‬ ‫إ‬ ‫خطابات المراسالت على موظف يقوم بطباعتها‪،‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬كان المديرون يقومون بالتدقيق والتوقيع‬ ‫على النسخة الورقية لتأخذ طريقها إلى المرسل‬ ‫إليه عن طريق البريد التقليدي الذي ال قدرة لهم‬ ‫على التحكم بعمله لضمان وصول الرسالة في‬ ‫المحدد كما يشاؤون‪ .‬كما أعطت االتصاالت‬ ‫الوقت‬ ‫َّ‬ ‫اللكترونية الموظفين إحساساً باالستقاللية‪ ،‬فالبريد‬ ‫إ‬ ‫اللكتروني سمح للعاملين على كل المستويات بإرسال‬ ‫إ‬ ‫الرسائل بشكل مستقل‪ ،‬وأتاح لهم فرصة التواصل‬ ‫مع الزمالء والعمالء وقتما شاءوا‪ ،‬حتى لو لم تكن‬ ‫إمكانية لقائهم وجهاً لوجه متاحة‪.‬‬

‫بدا البريد اإللكتروني وكأنه هبة من‬ ‫السماء‪ ،‬إذ أعطى الناس القدرة على‬ ‫السيطرة والتحكم في اختيار الوقت‬ ‫المناسب لقراءة بريدهم اإللكتروني‪،‬‬ ‫والوقت المناسب للرد على الرسائل‬ ‫التي ترد إليهم‬


‫مكاتب خالية من الورق‬ ‫أما التغيير العملي البارز الذي أحدثه البريد‬ ‫إاللكتروني فهو ما أصبح يُعرف "بالمكاتب الخالية‬ ‫من الورق‪ ".‬ففي تعريف مناصري الحفاظ على‬ ‫البيئة أصبحت أمكنة العمل صديقة للبيئة من ناحية‬ ‫تخفيض استخدام الورق‪ .‬ولم يقتصر أ‬ ‫المر على‬ ‫وجود عدد أقل من الرسائل والوثائق المرسلة بواسطة‬ ‫النظام البريدي التقليدي‪ ،‬بل إن التخزين إاللكتروني‬ ‫س َّهل على الشركات الحفاظ على مختلف الملفات‬ ‫والوثائق دون اللجوء إلى الورق‪ .‬وبالنسبة لكثير‬ ‫من الشركات‪ ،‬أسهم البريد إاللكتروني في تخفيض‬ ‫النفقات بسبب الحد من استهالك الورق الذي يمكن‬ ‫أن يتجاوز التكاليف الالزمة لتثبيـت أجهزة الكمبيـوتر‬ ‫وتوصيلــها بشبكة إالنترنـت‪ .‬كما أنــه اختصــر إلى‬ ‫حد كبير الوقت الالزم للبحث عن الرسائل القديمة‬ ‫ٍّ‬ ‫أ‬ ‫في الرشيف‪.‬‬ ‫ال تكلفة مالية وال اجتماعية‬ ‫اللكتروني التكلفة‬ ‫وعلى صعيد آخر‪ ،‬أزال البريد إ‬ ‫المالية أو االجتماعية للمراسالت واالتصاالت العملية‬ ‫أ‬ ‫والشخصية‪ .‬فقبله‪ ،‬كان على الشخاص التفكير قليال ً‬ ‫أ‬ ‫قبل إجراء أي مكالمة هاتفية‪ ،‬وليس فقط لن العملية‬ ‫ستكلِّف بضعة دراهم‪ ،‬ولكن بسبب التردد والحذر‬ ‫من إمكانية إزعاج أو مقاطعة الطرف آ‬ ‫الخر عن عمل‬ ‫اللكتروني أزال تلك‬ ‫ما كان يقوم به‪ .‬فوجود البريد إ‬

‫اللحظة من التردد‪ .‬وأصبح كل شيء يستحق إرسال‬ ‫رسالة بريد إلكتروني (كما اكتشف المسوقون ومرسلو‬ ‫البريد المزعج أيضاً)‪ .‬كما أن وجود حقلي الـ "‪"CC‬‬ ‫أو النسخة الكربونية و “‪ ”BCC‬أو النسخة الكربونية‬ ‫العمياء‪ ،‬وحتى خيار "الرد على الكل" جعل أ‬ ‫المور‬ ‫أسهل وأسهل‪.‬‬ ‫عقد عملي جديد‬ ‫اللكتروني خدم غرضاً‬ ‫وعلى الرغم من أن البريد إ‬ ‫مهماً جداً في مكان العمل‪ ،‬وكان مساهماً فعاال ً في‬ ‫مجال االتصاالت وعالقات العمل االفتراضية‪ ،‬إال‬ ‫أنه أسس لعقد عملي غير مكتوب‪ ،‬يفترض توفر‬ ‫أ‬ ‫الشخاص للعمل طوال الوقت داخل مكان عملهم‬ ‫توجه لدى بعض‬ ‫وخارجه (على الرغم من وجود ُّ‬ ‫الدول أ‬ ‫الوروبية بضبط هذا الجانب‪ ،‬مثل فرنسا التي‬ ‫أصدرت قانوناً يعطي الموظفين خيار قطع اتصالهم‬ ‫اللكتروني خارج دوام العمل)‪ .‬فمع وجود‬ ‫بالبريد إ‬ ‫أ‬ ‫اللكتروني‪ ،‬أصبحت العمال تتجاوز مكان‬ ‫البريد إ‬ ‫العمل إلى بيوت الموظفين‪ ،‬وذلك ألن تقنيات‬ ‫االتصال الحديثة سهلت على أ‬ ‫الشخاص الوصول إلى‬ ‫ّ‬ ‫أعمالهم في فترات المساء وأيام العطل‪.‬‬


‫‪47 | 46‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫قلّ ل البريد اإللكتروني من العالقات‬ ‫الشخصية والتفاعل المباشر مع‬ ‫الزمالء والعمالء والمشرفين من خالل‬ ‫التواصل وجهاً لوجه‬ ‫أن ذلك له تأثير سلبي كبير على نوعية‬ ‫ال شك في َّ‬ ‫الحياة‪ .‬فكم مرة رأينا العائالت تتناول العشاء بينما‬ ‫يبحث الوالدان أ‬ ‫(والطفال) في هواتفهم النقالة‬ ‫اللكتروني‬ ‫عن الرسائل النصية أو رسائل البريد إ‬ ‫بدال ً من االستماع إلى بعضهم بعضاً؟ وإضافة‬ ‫إلى أن غياب التواصل داخل أ‬ ‫السرة يمكن أن يؤثر‬ ‫سلباً على العالقات أ‬ ‫السرية الداخلية‪ ،‬إال أنه يمكن‬ ‫أن يكون له امتداد سلبي أيضاً إلى مكان العمل‪.‬‬ ‫فهذا التواصل المستمر مع مهام العمل من خالل‬ ‫"الكثار من العمل"‬ ‫اللكترونية هو بالضبط إ‬ ‫الرسائل إ‬ ‫تحدث عنه جون راسكين‪ ،‬المصلح االجتماعي‬ ‫الذي َّ‬ ‫أ‬ ‫المريكي‪ ،‬عندما كتب في ‪" :1851‬من أجل أن يكون‬ ‫أ‬ ‫الناس سعداء في عملهم‪ ،‬هناك حاجة لمور ثالثة‪:‬‬ ‫أن يكون مناسباً لهم‪ ،‬وأال يكثروا منه‪ ،‬وأن يشعروا‬ ‫إن التواصل الدائم مع التيار‬ ‫بالنجاح فيه"‪ .‬إذ َّ‬ ‫يتحول‬ ‫الالمتناهي من الرسائل إ‬ ‫اللكترونية يمكن أن َّ‬ ‫إلى مصدر "للتوتر السام"‪ ،‬كما وصفه علماء النفس‪،‬‬ ‫ألنه يؤدي إلى القلق الدائم والتشتت الذهني وقلة‬ ‫التركيز‪.‬‬ ‫ففي دراسة قام بها الدكتور توم جاكسون‪،‬‬ ‫البروفيسور في إدارة المعلومات في جامعة لوبوروا‬ ‫البريطانية‪ ،‬وجد أن ‪ %70‬من أ‬ ‫الشخاص يمضون‬ ‫ثوان للرد على رسالة بريد إلكترونية واحدة‪،‬‬ ‫ست ٍ‬ ‫اللكتروني المعدة‬ ‫ومع معظم تطبيقات البريد إ‬ ‫للبحث عن الرسائل كل خمس دقائق يمكن أن يصل‬ ‫أ‬ ‫المر إلى ‪ 96‬مقاطعة عن العمل في يوم عمل واحد‬

‫من ثماني ساعات‪ .‬بحيث تضيف كل رسالة بريد‬ ‫إلكتروني تصل إلينا مهمة عملية أخرى‪ ،‬مما يؤدي إلى‬ ‫شعورنا بالتعب الشديد آخر النهار وانخفاض قدراتنا‬ ‫والنتاجية‪.‬‬ ‫البداعية إ‬ ‫إ‬ ‫بيئة عملية منفصلة عاطفياً‬ ‫اللكتروني من العالقات‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬قلّل البريد إ‬ ‫الشخصية والتفاعل المباشر مع الزمالء والعمالء‬ ‫والمشرفين من خالل التواصل وجهاً لوجه‪ ،‬أو‬ ‫من خالل الرسائل المكتوبة بخط اليد‪ .‬وقد أدى‬ ‫ذلك االنقطاع االجتماعي إلى بيئة عمل باردة وغير‬ ‫شخصية‪ ،‬أو بتعبير أدق بيئة عمل منفصلة عاطفياً‪.‬‬ ‫ويمكننا هنا استذكار قول ألبرت أينشتاين عندما‬ ‫أعرب عن قلقه فيما يتعلق بهذا الموضوع عندما‬ ‫قال "أخشى اليوم الذي ستتجاوز فيه التكنولوجيا‬ ‫يومئذ ٌ‬ ‫جيل‬ ‫تفاعلنا البشري ‪ ..‬فإنّه سيكون للعالم ٍ‬ ‫من البلهاء"‪.‬‬

‫النساني المباشر‬ ‫وعلى الرغم من أن عزل التفاعل إ‬ ‫لكترونية قد‬ ‫ال‬ ‫الذي يوفره التواصل من خالل الرسائل إ‬ ‫َّ‬ ‫يكون مريحاً كثيراً للبعض‪ ،‬إال أنَّه يحجب معلومات‬ ‫مهمة من أي محادثة كالمية مباشرة‪.‬‬ ‫فنحن نعتمد في التواصل وجهاً لوجه على معلومات‬ ‫غير لفظية مثل تعابير الوجه ولغة الجسد ونبرة‬ ‫الصوت لقراءة وتوقُّع تصرفات آ‬ ‫الخرين‪ .‬من دون‬ ‫هذه المفاتيح غير اللفظية المهمة‪ ،‬تلجأ مخيلتنا‬ ‫إلى إمالء الفراغ لمعرفة ما كان قصد مرسل الرسالة‬ ‫الفعلي‪ ،‬وما كان شعوره حول هذا التواصل‪ .‬وقلما‬ ‫أ‬ ‫اليجابية‪ .‬ويمكن أن يؤدي ذلك‬ ‫بالنيات إ‬ ‫نمل الفراغ َّ‬ ‫والضرار بالعالقات واتخاذ قرارات‬ ‫إلى سوء فهم إ‬ ‫عملية خاطئة‪ .‬كما أن علينا التنبه إلى أن رسائل‬ ‫البريد اللكتروني لها "نبرة"‪ ،‬حيث يتذكر أ‬ ‫الشخاص‬ ‫إ‬ ‫اللكترونية بوضوح أكبر‬ ‫النبرة العاطفية للرسالة إ‬ ‫ولفترة أطول من محتواها الفعلي‪ .‬وتنتقل هذه‬ ‫النبرة من خالل اختيار الكلمات االفتتاحية والختامية‬ ‫وتركيب الجمل وطريقة تركيبها والتشكيل ورموز‬ ‫اليموجي والرموز‬ ‫غرافيكية أخرى مثل رموز إ‬ ‫االنفعالية‪.‬‬ ‫مهمة‬ ‫ال شك أن البريد إ‬ ‫اللكتروني وسيلة عملية َّ‬ ‫أ‬ ‫النتاجية في كثير من‬ ‫س َّهلت العمال وزادت من إ‬ ‫المواضع‪ ،‬ولكن ال شك أيضاً أننا استخدمناه إلى‬ ‫أقصى الحدود المنطقية‪ .‬لذلك من المفيد التراجع‬ ‫خطوة إلى الوراء والحد من استخدامه‪ ،‬والتذكر أننا‬ ‫نحن كبشر مجبولون على التواصل بلغة الجسد‬ ‫والتعبير‪ ،‬وقبل أي شيء آخر‪ :‬الصوت‪.‬‬


‫أحمد مجدي يوسف‬

‫لألفراح واألتراح‬

‫ومنطلق التحوالت الكبرى‬

‫ميادين مدن العالم‪...‬‬

‫قلبها النابض‬

‫حياتنا اليوم‬

‫لطالما كانت للميادين أو الساحات العامة‬ ‫الم ُدن التقليدية أهمية‬ ‫المفتوحة التي‬ ‫ّ‬ ‫تتوسط ُ‬ ‫ثقافية وحيوية كبيرة‪ .‬أهمية تعود إلى بدايات‬ ‫تشكل المدن‪ ،‬ومن أقدم ما وصلنا منها يعود‬ ‫ّ‬ ‫إلى ما قبل قرون عديدة مضت‪ ،‬وتحديداً‬ ‫عندما كان "سقراط" َيهيم على وجهه في‬ ‫ساحات أثينا العامة‪ ،‬التي كانت ُتعرف وقتذاك‬ ‫متحدثاً في شتى المجاالت مع‬ ‫باسم "آغورا"‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫رفاقه وتالمذته ورافضي فلسفته على السواء‪.‬‬


‫‪49 | 48‬‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫مر الزمن ولم تفقد الميادين الرئيسة في المدن أهميتها بوصفها‬ ‫ّ‬ ‫"قلبها النابض"‪ ،‬كما ظلّت تلعب دوراً ثقافياًّ وسياسياًّ واجتماعياًّ‬ ‫كبيراً حتى وقتنا هذا‪ .‬كيف ال وقد باتت ملتقى المثقفين والشعراء‬ ‫والسياسيين والشباب المتحمسين والعاملين في شتى المجاالت‪،‬‬ ‫يلتقون في مقاهيها وزواياها وعلى أرصفتها‪ ،‬يَعرضون قضايا‬ ‫وهموم وأفكار جيلهم وشؤونهم العامة؟‪.‬‬

‫جاذبية الميادين‬

‫أ‬ ‫أنحاء عديدة حول العالم‬ ‫وإذا كان الكُ ّتاب والمفكِّرون والدباء من ٍ‬ ‫"حية"‬ ‫وفي ُحقب زمنية مختلفة‪ ،‬قد اجتمعوا على حقيقة أن ُ‬ ‫الم ُدن ّ‬ ‫حية ُمركّبة كبيرة" تَعكس‬ ‫و"مفعمة بالحيوية"‪ ،‬بوصفها "كائنات ّ‬ ‫الم ُدن ما هي ِّإل‬ ‫وتُشكّل شخصيات قاطنيها‪ ،‬فإن ميادين تلك ُ‬ ‫قلوبها النابضة التي تضخ فيها الحياة وتوزعها عبر شرايين الطرق‬ ‫أ‬ ‫والحياء على سائر أعضاء جسد المدينة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫المتخصص‬ ‫فبرأي الناقد والكاتب المريكي مايكل كيميلمان‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫في فنون العمارة في جريدة "نيويورك تايمز"‪ ،‬تكمن أهمية‬ ‫الميادين العامة في أنها تلعب دور "المغناطيس"‪ ،‬إذ تجذب‬ ‫الناس أ‬ ‫والشخاص بمختلف انتماءاتهم إليها‪ .‬وبخالف المتنزهات‬ ‫التي عادة ما يزورها الباحثون عن ُعزلة ما تزيح عن كاهلهم هموم‬ ‫الحياة الصاخبة في المدينة‪ ،‬فإن الميادين العامة تشهد اختالط‬ ‫الجميع في بوتقة واحدة‪ ،‬رغبة في إشباع روح المشاركة واالنصهار‬ ‫في قيم مجتمعية مشتركة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وقد اشتهرت ميادين كثيرة عبر العالم لسباب كثيرة‪ ،‬منها الثقافي‬ ‫والسياسي أو الحدثي الذي تأسس على حدث كان له تأثير كبير في‬ ‫حياة البالد التي يقع فيها الميدان‪ ،‬ومنها ساحات الكونكورد في‬

‫ميدان كونكورد‬

‫باريس‪ ،‬وسان ماركو في البندقية‪ ،‬وترافلغار في لندن‪ ،‬وتايمز‬ ‫سكوير في نيويورك‪ ،‬وتيانانمين في بكين‪ ،‬والتحرير في مصر‬ ‫والساحة الحمراء في موسكو‪.‬‬

‫الكونكورد ميدان الثورة الفرنسية‬

‫ال يمكن اختزال أ‬ ‫الهمية الثقافية لميدان الكونكورد الفرنسي في‬ ‫كونه فقط مقراً لالتحاد الفيدرالي للكواكب‪ ،‬كما تُشير روايات‬ ‫"ستار تراك" الشهيرة‪ ،‬وإنما تعود أهميته أ‬ ‫الساسية إلى زمن‬ ‫الثورة الفرنسية عندما جرى تحطيم تمثال لويس الخامس عشر‪،‬‬ ‫الثوار‬ ‫وإعادة تسميته ُليصبح "ميدان الثورة"‪ ،‬قبل أن ينصب ّ‬ ‫فيه المقصلة التي أطاحت في عام ‪ 1793‬بر َأسي الملك لويس‬ ‫السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت ومئات النبالء‪ ،‬وحتى كثير‬ ‫من الثوار الذين انقلبوا على بعضهم‪.‬‬ ‫وبعد أ‬ ‫الحداث التاريخية التي ارتبطت بميدان الكونكورد الذي‬ ‫صممه المعماري الفذّ "جاك آنج غابرييل" في عام ‪ ،1755‬بات‬ ‫ّ‬ ‫فيحده‬ ‫هذا الميدان يم ّثل اليوم قلب العاصمة الفرنسية باريس‪ّ .‬‬ ‫من الشرق شارع الشانزليزيه ومن الغرب حديقة التويلري‪ ،‬كما‬ ‫تزيّنه التماثيل والنوافير‪ ،‬بينما ترتفع في منتصف الميدان مسلّة‬ ‫مصرية عمالقة مزيّنة عليها كتابات هيروغليفية تعود إلى حقبة‬ ‫الملك رمسيس الثاني‪ ،‬كانت حكومة الخديوي إسماعيل قد‬ ‫أهدتها إلى فرنسا في عام ‪ ،1831‬تقديراً للجهود الفرنسية في‬ ‫الكشف عن أسرار الحضارة المصرية القديمة‪.‬‬

‫سان ماركو‪ ..‬قاعة استقبال القارة العجوز‬

‫وميدان سان ماركو هو الميدان الرئيس في مدينة البندقية‬ ‫اليطالية‪ .‬وتذكر كُتب التاريخ أن نابليون بونابرت قد وصفه‬ ‫إ‬ ‫ًّ‬ ‫ذات مرة بـ"قاعة استقبال أوروبا"‪ ،‬وهو ما يشير ضمنيا إلى كونه‬ ‫واحداً من أهم الميادين أ‬ ‫الوروبية وأجملها‪ ،‬إضافة إلى أهميته‬ ‫المستمدة من موقع البندقية ومينائها الذي كان تاريخياً بوابة‬ ‫أوروبا أ‬ ‫الولى على العالم‪ .‬وتعلو في هذا الميدان أصوات‬ ‫والزوار الكثيرين على أصوات السيارات والحافالت‪ .‬وفي‬ ‫السياح ّ‬ ‫الجهة الشرقية منه‪ ،‬تقوم كنيسة سان ماركو التي تُعد من أشهر‬ ‫معالم العمارة البيزنطية‪.‬‬ ‫السف الشديد‪ ،‬فإن ميدان سان ماركو يعد النقطة أ‬ ‫ومع أ‬ ‫الكثر‬ ‫ّ‬ ‫انخفاضاً في المدينة‪ ،‬وهو ما يعني أنه أول نقطة تغمرها المياه‬

‫سان ماركو‬

‫ترافالغار‬

‫تقبع كنيسة سان ماركو أو الكنيسة‬ ‫البطريركية بازيليكا القديس‬ ‫مرقس‪ ،‬بوصفها أحد أشهر كنائس‬ ‫ومثاال شهيراً على‬ ‫مدينة البندقية‬ ‫ً‬ ‫عظمة العمارة البيزنطية‬


‫تايمز سكوير‬

‫في أثناء هطول أ‬ ‫المطار خالل فصل الشتاء القارس البرودة‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫تتفوق بقعة في أوروبا جماال ً وصخباً وزحمة على تلك الساحة‬ ‫ال َّ‬ ‫الكبيرة في الهواء الطلق‪ ،‬ال سيما في أوقات الصيف الصاخبة‪.‬‬

‫ترافالغار واالحتفال برأس السنة‬

‫يقع ميدان ترافالغار أو "الطرف أ‬ ‫الغر" في قلب العاصمة البريطانية‬ ‫لندن‪ ،‬علماً بأن تسميته تعود إلى تخليد انتصار أ‬ ‫السطول البريطاني‬ ‫الدميرال هوراشيو نيلسون على أ‬ ‫بقيادة أ‬ ‫السطول الفرنسي لنابليون‬ ‫أ‬ ‫السبانية في‬ ‫بونابرت في معركة "رأس الطرف الغر" قبالة السواحل إ‬ ‫عام ‪ .1805‬وأبرز ما في الميدان هو "سارية نيلسون" الطويلة التي‬ ‫يعلوها تمثال لـنيلسون الذي لقي حتفه في المعركة يقف محدقاً‬ ‫بلندن‪ .‬وتحيط بالسارية أربعة تماثيل ضخمة منحوتة على هيئة‬ ‫أسد‪ ،‬وعدد من النوافير المميزة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وظل هذا الميدان شاهداً على عديد من الحركات االحتجاجية‬ ‫أ‬ ‫بما في ذلك حركة "الحد الدامي" في عام ‪ ،1887‬إال أن أبرز‬ ‫االجتماعية فيه تتم ّثل في كونه موضع االحتفال الرئيس في‬ ‫المظاهر‬ ‫َّ‬ ‫العاصمة البريطانية برأس السنة الميالدية كل عام منذ ‪.1947‬‬ ‫أ‬ ‫زواره‬ ‫واشتهر الميدان بالعداد الهائلة من طيور الحمام التي اعتاد ّ‬ ‫إطعامها بانتظام‪ ،‬ولكن لخطورتها على الصحة العامة‪ ،‬جرى حظر‬ ‫إطعامها منذ مطلع أ‬ ‫اللفية الجديدة‪.‬‬

‫ساحة تيانانمين‬

‫تايمز سكوير‪...‬ليس ميداناً‬

‫ميدان التايمز أو "تايمز سكوير" هو أ‬ ‫الشهر في مدينة نيويورك‬ ‫أ‬ ‫المريكية‪ ،‬علماً بأنه يقع في تقاطع شارع برودواي مع الجادة‬ ‫العالنات المضيئة‬ ‫السابعة‪ ،‬وهو يمتلئ بشاشات الفديو ولوحات إ‬ ‫والضخمة‪ ،‬كما جرى تسميته تيمناً بالمبنى الذي يحتوي على مكاتب‬ ‫جريدة نيويورك تايمز بوصفه المبنى رقم واحد في ميدان التايمز‪.‬‬ ‫قد يم ّثل هذا الميدان مقصداً سياحياً جذاباً أو كابوساً مزعجاً لمن‬ ‫يرتاده‪ ،‬حسب وجهة نظر كل شخص ورغباته وما يفضله في المدن‪.‬‬ ‫وأحياناً يتم وصفه بأنه "مفترق طرق هذا العالم‪ "،‬لكونه واحداً‬ ‫عد مركزاً رئيساً‬ ‫من أكثر تقاطعات المشاة ازدحاماً في العالم‪ ،‬كما يُ ّ‬ ‫لصناعة الترفيه‪.‬‬ ‫يعد‬ ‫يزور هذا الميدان سنوياً ما يقرب الخمسين مليون شخص‪ .‬وال ّ‬ ‫المتعارف عليه‪،‬‬ ‫ميدان التايمز ميداناً بالمعنى الهندسي المضلّع‬ ‫َ‬ ‫ولكنه أشبه بربطة العنق فراشية الشكل أو بمثلثين كبيرين‪.‬‬

‫تيانانمين ساحة البشر‬

‫تعود جذور ميدان تيانانمين الصيني إلى حقبة أسرة مينغ الحاكمة‬ ‫المقدسة"‪ .‬وفي أواخر‬ ‫في عام ‪ 1415‬بوصفه "بوابة السالم ّ‬ ‫الخمسينيات من القرن العشرين‪ ،‬قام الزعيم الصيني "ماو تسي‬ ‫تونغ" بتوسعة الميدان لكي يكون أ‬ ‫الكبر في العالم‪ .‬ويُحيط‬ ‫بالميدان بعض المباني الحكومية‪ .‬ولكن ال يمكن اختزال أهميته في‬ ‫اتساعه فقط‪ ،‬إذ يتذكّره الماليين حول العالم من خالل لقطات‬ ‫تلفزيونية قديمة تعود إلى عام ‪ ،1989‬تحديداً عندما اندلعت‬ ‫التظاهرات في البالد‪ ،‬وتمركزت في وسط الميدان‪.‬‬ ‫وهناك أربعة تماثيل رخامية على شكل أسود أمام بوابة ميدان‬ ‫تيانانمين‪ ،‬كما أن الحكومة الصينية تحرص على إقامة بعض‬ ‫العروض العسكرية االحتفالية فيه لمناسبات مختلفة‪.‬‬


‫‪51 | 50‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ساحة الفنا‬ ‫ساحة الفنا‪ :‬التراث الالمادي العالمي‬

‫من لم يزر مراكش في المغرب ولم يصل إلى ساحة جامع الفنا؟‬ ‫الم ْعل َْم السياحي هو فضاء شعبي للفرجة والترفيه للمغاربة‬ ‫فهذا َ‬ ‫وللسياح الذين يقصدونه في مراكش‪ .‬وهذه الساحة هي القلب‬ ‫النابض لمدينة مراكش حيث كانت وما زالت محجاً للزوار من‬ ‫كل أنحاء العالم لالستمتاع بمشاهدة عروض مشوقة لمروضي‬ ‫الفاعي ورواة أ‬ ‫أ‬ ‫الحاجي والقصص‪ ،‬والموسيقيين‪ ،‬وعارضي البضائع‬ ‫النواع أ‬ ‫من مختلف أ‬ ‫والشكال‪ ،‬ويمارسون الحلقة وهي فن وحرفة‬ ‫يُصر المغربيون على االستمرار في مزاولتها‪ ،‬حيث يقضون يومهم‬ ‫ينفخون المزامير‪ ،‬ويالعبون الحيوانات وينشدون أ‬ ‫الهازيج‪،‬‬ ‫ويقرعون الطبول خالل روايتهم لقصة أو أُحجية‪ ،‬كما يعرض‬ ‫الطبية‪ ،‬ويوجد أيضاً بعض سائقي الخيول‬ ‫العشابون نباتاتهم ّ‬ ‫السياح بين أرجاء الساحة‪.‬‬ ‫برفقة عرباتهم ينقلون َّ‬ ‫تعد أكبر خشبة‬ ‫لقات‬ ‫الح‬ ‫الشعبية بأنها ّ‬ ‫يصف بعض المؤرخين َ‬ ‫ّ‬ ‫المغربية‪ ،‬حيث يروي الممثلون‬ ‫اضية في المملكة‬ ‫ّ‬ ‫مسرحية استعر ّ‬ ‫ّ‬ ‫هزلية‪ ،‬ويتجمع‬ ‫بصورة‬ ‫دونها‬ ‫ويجس‬ ‫‪،‬‬ ‫عفوي‬ ‫بشكل‬ ‫حكاياتهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حولهم الجمهور بشكل تلقائي‪ ،‬فالراوي ينقل المشاهدين إلى زمن‬ ‫القصة‪ ،‬وبعد انتهاء العرض يُلقون قطعاً نقديّة؛ تشجيعاً لراوي‬ ‫الحلقة ومكافأة له على العرض‪.‬‬ ‫وتضم الساحة بين جنباتها تراثاً غنياً وفريداً أسهم في إدراجها في‬ ‫النساني‪ ،‬التي أعلنتها منظمة اليونيسكو في‬ ‫قائمة التراث الالمادي إ‬ ‫العام ‪.2001‬‬

‫تضم الساحة بين جنباتها تراثاً غنياً‬ ‫وفريداً أسهم في إدراجها في قائمة‬ ‫التراث الالمادي اإلنساني‪ ،‬التي أعلنتها‬ ‫منظمة اليونيسكو في العام ‪2001‬‬

‫الساحة الحمراء وأمجاد روسيا‬

‫الميدان أ‬ ‫الحمر في العاصمة الروسية هو أول وجهة يقصدها‬ ‫السائحون في موسكو‪ .‬ومن أشهر المباني التي تحيط به الكرملين‬ ‫ومتحف التاريخ الروسي‪ ،‬وبعض دور العبادة‪.‬‬ ‫الحمر" مشتقاً من اللون أ‬ ‫ولم يأت االسم "الميدان أ‬ ‫الحمر لطوب‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫المباني من حوله‪ ،‬أو حتى من الرابط بين اللون الحمر والشيوعية‪،‬‬ ‫وإنما جاء االسم مشتقاً من الكلمة الروسية "كراسنيا" التي تشير إلى‬ ‫كلمة "أحمر" أو "جميل"‪.‬‬ ‫وتعود جذور الميدان إلى القرن الثالث عشر‪ ،‬وهو ما جعل لجنة‬ ‫التراث العالمي في منظمة اليونيسكو تدرج الميدان أ‬ ‫الحمر وكذلك‬ ‫الكرملين ضمن مواقع التراث العالمي في عام ‪ ،1990‬بوصفهما‬ ‫شاهديْن على أمجاد روسيا الغابرة على مدار القرون الماضية‪.‬‬ ‫َ‬

‫الساحة الحمراء‬


‫تخصص جديد‬

‫األنظمة‬ ‫الهندسية‬ ‫غير المأهولة‬

‫"هندسة أ‬ ‫النظمة" فرع في الهندسة يدمج‬ ‫مبادئ من عدة علوم لدراسة كيفية تصميم‬ ‫وإدارة أ‬ ‫النظمة الهندسية المعقَّدة‪ ،‬وتغطي‬ ‫مجاالت مثل اللوجستيات والتنسيق‬ ‫بين الفرق العاملة والتحكم آ‬ ‫اللي‪ ،‬وهي‬ ‫مجاالت يصبح التعامل معها أمراً صعباً في حاالت المشاريع‬ ‫الهندسية الكبيرة والمعقَّدة‪ ،‬ألنها تقتضي عرض الصورة الكبيرة‬ ‫التي تمر بها كل مراحل المشروع من التكاليف آ‬ ‫والثار البيئية‪ ،‬إلى‬ ‫الخطوط الزمنية والعمر المتوقع للمعدات‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وينطبق اختصاص "النظم الهندسية" على كل شيء‪ ،‬من النظمة‬ ‫غير المأهولة إلى أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات‪ ،‬ويؤدي مهندسو‬ ‫أ‬ ‫النظمة غير المأهولة دوراً محورياً في تحقيق نجاحها‪ .‬وقد ارتفع‬ ‫الطلب عليهم من قبل الحكومات والصناعات المختلفة‪.‬‬ ‫يشمل برنامج الماجستير في أ‬ ‫"النظمة الهندسية غير المأهولة"‬ ‫المتعدد التخصصات‪ :‬النمذجة‪ ،‬والمحاكاة‪ ،‬والتصميم‪ ،‬والهندسة‬ ‫المعمارية‪ ،‬والتكامل‪ ،‬واختبار النظم غير المأهولة والعمليات‬

‫المعقَّدة‪ .‬بحيث يمكن للخريجين طلب عمل في مجال الهندسة‬ ‫والتصميم والتطوير والتكامل واختبار النظم الجوية والبرية‬ ‫والبحرية غير المأهولة‪.‬‬ ‫ومن بين أهم المقررات المطلوبة في برنامج الماجستير في‬ ‫أ‬ ‫"النظمة الهندسية غير المأهولة "‪" :‬مقدمة في نظم الهندسة"‪،‬‬ ‫"التحليل العددي"‪" ،‬االستشعار عن بُعد"‪" ،‬الديناميكا الهوائية"‪،‬‬ ‫أ‬ ‫"النظمة غير المأهولة ذاتية الحكم"‪" ،‬التصميم المفاهيمي"‪،‬‬ ‫"قوانين النظم غير المأهولة"‪" ،‬أنظمة الدفع"‪" ،‬مقدمة في‬ ‫والنسان"‪.‬‬ ‫الروبوتات"‪ ،‬و"التفاعل بين الروبوتات إ‬ ‫لمزيد من المعلومــات حــول هذا التخصص يمكــن مراجعة‬ ‫الرابط التالي‪:‬‬ ‫‪http://www.uxvuniversity.com/masters-degree/‬‬


‫‪53 | 52‬‬

‫عين وعدسة‬

‫"كان االنفجار ُمريعاً لدرجة أن كل فرد في‬ ‫تلقى قنبلته‬ ‫هيروشيما قد‬ ‫أحس وكأنه قد َّ‬ ‫َّ‬ ‫في صدره"‪ .‬هذه واحدة من الشهادات‬ ‫الحية المعروضة في "متحف السالم‬ ‫ّ‬ ‫القبة المتداعية في‬ ‫التذكاري"‪ ،‬قريباً من ّ‬ ‫قلب هيروشيما اليابانية‪ ،‬والقائمة كمعلم‬ ‫المريع‪،‬‬ ‫مهيب ِّ‬ ‫يذكرنا بالحدث التاريخي ُ‬ ‫وصورتها الصيف‬ ‫كما عاينتها "القافلة"‬ ‫ّ‬ ‫الماضي‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫أشرف فقيه‬

‫قبَّ ة السالم في‬

‫هيروشيما‬


‫تبلغ مساحة حديقة السالم التذكارية ‪ 120‬ألف تم� مربع‬

‫ففي صباح السادس من أغسطس ‪ ،1945‬تم استخدام السالح‬ ‫الذري ألول مرة من ِقبل الواليات المتحدة فوق هيروشيما أوالً‪..‬‬ ‫ثم فوق ناغازاكي بعدها بأيام‪ .‬القنبلة التي أعطيت االسم الحركي‬ ‫(الولد الصغير ‪ )Little Boy -‬في كاريكاتورية سوداء تختزل مأساة‬ ‫النساني‪.‬‬ ‫دشنت مرحلة جديدة في التاريخ إ‬ ‫المرحلة‪ ،‬كما أنها َّ‬ ‫والمأساة أ‬ ‫يعبر عنهما بعبقرية مشهد‬ ‫العهدان‬ ‫يمثلهما‬ ‫اللذان‬ ‫والمل‬ ‫ِّ‬ ‫القبة‪ .‬إنه مشهد سيرجع بك‬ ‫قضبان الصلب العارية في جثمان تلك ّ‬ ‫عبر الزمن ال محالة‪.‬‬ ‫ّقبة مركز هيروشيما للمعارض‪ ،‬التي صارت رمزاً لـ "السالم" على‬ ‫الرغم من مالمحها الناطقة بالشؤم‪ ،‬وإدراج اليونيسكو لها على‬ ‫النساني في عام ‪1996‬م‪ ،‬كانت تقع على‬ ‫قائمة معالم التراث إ‬ ‫مسافة ‪ 600‬متر تحت مركز االنفجار النووي الذي حصل في‬ ‫السماء‪ .‬والحرارة الناجمة عن االنشطار الذري لكيلوغرام اليورانيوم‬ ‫الوحيد الذي تفاعل ‪-‬من أصل ‪ 64‬كيلوغراماً حملتها القنبلة‪ -‬بلغت‬ ‫‪ 4‬آالف درجة مئوية‪ ،‬فيما تجاوزت سرعة الرياح الناجمة عنه متراً‬ ‫في الثانية‪ .‬فانصهر البشر والموجودات في دائرة نصف قطرها‬ ‫قدر عدد الذين‬ ‫كيلومتران‪ ،‬ومات ‪ 70‬ألفاً لحظة االنفجار‪ ،‬فيما يُ َّ‬ ‫الشعاعية للقنبلة بين ‪60‬‬ ‫ماتوا بين أغسطس وديسمبر من التبعات إ‬ ‫و ‪ 80‬ألفاً من سكان هيروشيما المنكوبة‪.‬‬ ‫يقولون إن (الولد الصغير) ما هو إال لعبة مقارنة بأسلحة اليوم‬ ‫النووية‪ .‬وهذه المعلومة كفيلة بمضاعفة خوفنا من هاجس الحرب‬ ‫النووية الذي يبدو أنه خفت كثيراً عما كان عليه قبل خمسين سنة‪.‬‬ ‫لكن "قبة غنباكو ‪ -‬القنبلة"‪ ،‬التي تعرف آ‬ ‫الن بـ "قبة السالم"‪ ،‬كفيلة‬ ‫ّ ِ‬ ‫باستحضار دروس الماضي ومحاذير المستقبل‪.‬‬

‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ألقيت عىل‬ ‫نسخة طبق الصل عن القنبلة الذرية ي‬ ‫الصغ� ‪)Little Boy -‬‬ ‫ه�وشيما‪ ،‬و تدعى (الولد‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫‪55 | 54‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫جرس السالم‬

‫نصب أطفال السالم‬

‫جمدها الزمن‬ ‫لحظة ّ‬

‫لوهلة‪ ،‬يبدو المنظر لمن يقف عليه كإطار صورة فوتوغرافية جامداً‪.‬‬ ‫الصمت المطبق والمحيط بالمكان يكاد يستولي حتى على مياه‬ ‫نهر "أوتا" الذي يعبر تحت القبة في شاعرية مخاتلة‪ .‬وفي صيف‬ ‫هيروشيما الحار دوماً‪ ،‬يكاد الزائر يستحضر نفحات من لحظة‬ ‫الحقيقة التي حلّت هنا قبل ستين عاماً‪ .‬ويكاد – مع شيء من‬ ‫عداد "جايغر" تخيلي‬ ‫الوسوسة‪ -‬أن يسمع بأذن خياله طقطقات ّ‬ ‫يقيس الشعاع الذري العالق في أ‬ ‫الجواء بعد عقود من الكارثة‪.‬‬ ‫إ‬ ‫حتى مع أفواج السياح والزوار الذين يتوافدون بال انقطاع على‬ ‫المساحة التي كانت مركز المدينة‪ ،‬ويتوزع عليها آ‬ ‫الن أكثر من َم ْعل ٍَم‬ ‫يخيم جو من الكآبة على‬ ‫ومبنى تاريخي وتذكاري ّ‬ ‫تتوجها بقايا القبة‪ّ ،‬‬ ‫المكان الذي تجاوز المأساة منذ عقود‪ ،‬وفق التعريف العمراني‪ .‬لكن‬ ‫المطّلع على التاريخ والمنقب في الذاكرة الجمعية‪ ،‬ال يسعه إال أن‬ ‫يستحضر أصوات وروائح الفجيعة‪ ،‬أ‬ ‫والرواح التي لم تُمنح الفرصة‬ ‫أ‬ ‫لتستوعب ما أصابها‪ ،‬وكيف احترقت مع الرض والهواء من حولها‪.‬‬

‫قبل ذلك اليوم المشهود‪ ،‬كان مبنى المعارض بقبته الشامخة‬ ‫مفخرة هيروشيما‪ .‬المبنى الذي صممه المعماري التشيكي جان‬ ‫ليتزل اف ُتتح للجمهور عام ‪ 1921‬مركزاً للمعارض الفنية والتعليمية‪.‬‬ ‫لكن الحظ جعله مسقطاً ‪-‬افتراضياً‪ -‬للقنبلة النووية أ‬ ‫الولى‪ ،‬ما يفسر‬ ‫بقاء هيكل المبنى‪ ،‬والقبة المعدنية التي تعلوه إلى اليوم‪ ،‬لكونهما‬ ‫لم يعترضا مسار الريح الكاسحة التي سوت أ‬ ‫الرض حول مركز‬ ‫أ‬ ‫االنفجار وأحالتها قاعاً صفصفاً‪ ،‬كما حفظت لنا الصور والفالم‪.‬‬ ‫حين لملمت هيروشيما أشالءها ببطء‪ ،‬كان التوجه قائماً نحو هدم‬ ‫أ‬ ‫المبني أسوة بكل النقاض ضمن عملية إعادة البناء‪ ،‬لكن جدال ً‬ ‫بالبقاء‬ ‫شعبياً قام حول الموضوع‪ .‬وفي النهاية فاز الرأي القائل إ‬ ‫على المبنى كتذكار مرير ليس لذل الهزيمة‪ ،‬وإنما إلرادة المقاومة‪،‬‬ ‫وللقدرة على االنبعاث من تحت الركام إلى الحياة بعناد ال ينكسر‪.‬‬ ‫وتم حشد حملة وطنية لجمع التبرعات ألجل ترميم ما بقي من‬ ‫المبنى وإبقائه قائماً‪ .‬وتدريجاً قامت بين عامي ‪ 1946‬و‪1964‬م‬ ‫معالم وبنايات عدة في مركز هيروشيما‪ ،‬جميعها مكرسة للذكرى‬ ‫البائسة والمعاناة التي تبعتها‪ .‬لكن ظلت ّقبة مركز المعارض أبرز‬ ‫تلك المعالم وعين االهتمام الشعبي والرسمي بتخليد قصة القنبلة‬ ‫النووية أ‬ ‫الولى‪.‬‬

‫ونصب تذكارية‬ ‫حديقة ومتاحف ُ‬

‫المتجه إلى موقع القبة سيسلك غالباً الطريق الذي يمر بـ "حديقة‬ ‫السالم التذكارية" التي تبلغ مساحتها ‪ 120‬ألف متر مربع‪ ،‬و تنتشر‬ ‫في أرجائها عدة معالم منها مبنى المتحف وقاعة المؤتمرات‬ ‫الخاصة به‪ ،‬لكننا سنقف حتماً عند قوس خرساني مميز ينحني فوق‬ ‫شعلة دائمة التوهج‪ .‬هذا النصب الذي صممه المعماري الياباني‬ ‫كنزو تانغي عام ‪ ،1953‬أريد له أن يحيي ذكرى الضحايا الذين‬ ‫قتلتهم القنبلة‪ .‬والموقع بأسره كان مركزاً تجارياً مكتظاً قبل أن‬ ‫فيكرس كساحة تذكارية يفد إليها قرابة المليون‬ ‫تمحو القنبلة معالمه ّ‬ ‫زائر سنوياً‪.‬‬


‫التوهج‬ ‫قوس يحمي شعلة دائمة ّ‬


‫‪57 | 56‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫مطويات أ‬ ‫الوريغامي ف ي� ساحة السالم‬

‫إذا كنت ستخترق الحديقة قادماً من الغرب‪ ،‬فستمر حتماً‬ ‫"بمتحف هيروشيما التذكاري للسالم" الذي أقيم إلحياء الذكرى‬ ‫ولتوعية العامة بمخاطر ‪-‬وميزات‪ -‬الطاقة النووية‪ .‬وفي جزء من‬ ‫المعرض‪ ،‬ستجد مصغراً للمدينة كما كانت وقت سقطت عليها‬ ‫القنبلة‪ ،‬ومساحة الدمار الذي حاق بها‪ .‬وستعاين عشرات أ‬ ‫الدلة‬ ‫والمحفوظات والوثائقيات التي ستقربك أكثر من الهول الذي عاشه‬ ‫الناس‪ .‬وثمة نماذج تحاكي الحقيقة للبيوت المدمرة ودمى شمعية‬ ‫تجسد حال الضحايا أ‬ ‫وسيلت‬ ‫الول الذين أحرقت القنبلة‬ ‫جلودهم ّ‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫أعضاءهم‪ ،‬فهاموا على وجوههم في الشوارع كالموتى الحياء‪،‬‬ ‫النقاذ اليائسة ألسابيع في مواجهة طامة لم‬ ‫فيما استمرت جهود إ‬ ‫يسبق للبشرية أن تعاملت معها من قبل‪ .‬ال شك بأن أ‬ ‫السى هو‬

‫ثيمة أساسية للمعرض‪ ،‬لكن الزائر سيالحظ كذلك أن المعروض‪،‬‬ ‫منتم بشدة‬ ‫في نمطه وفي طرازه‪ ،‬بما في ذلك طراز المبنى نفسه‪ٍ ،‬‬ ‫للستينيات والخمسينيات‪ ،‬وهي الفترة التي كان الرعب النووي فيها‬ ‫في أوجه‪ .‬هذه المالحظة مقلقة ألنها تعطي االنطباع بأن العالم‬ ‫إما بات متصالحاً أكثر مع القنبلة النووية‪ ،‬أو أنه تناساها بالتقادم‪.‬‬ ‫وكال االفتراضين غير مقبول وال مريح‪ .‬ويتعارض بشدة مع االجتماع‬ ‫السنوي الذي يحضره زعماء العالم عند ّقبة السالم في ذكرى‬ ‫ليحيوا أرواح الضحايا ويبدوا الندم على ما فات! ولعل‬ ‫القنبلة ّ‬ ‫السراف في نسبة المعالم هنا للسالم‬ ‫في هذا االنطباع ما يبرر إ‬ ‫العالمي‪ ،‬واالهتمام بتشييد مزيد منها كل عدة سنوات إلبقـاء‬ ‫الوعي حياً‪.‬‬

‫خارج المتحف‪ ،‬وبالعودة إلى الحديقة‪ ،‬يقوم على مرمى حجر من‬ ‫شعلة هيروشيما نصب آخر ال تخطئه عين الزائر بالنظر للمعلّقات‬ ‫الملونة التي تحيطه‪ .‬ذلك هو نصب "أطفال السالم" الذي أنشئ‬ ‫حس معاناة الطفلة اليابانية ساداكو ساساكي التي لم تقتلها‬ ‫على ّ‬ ‫القنبلة مباشرة‪ ،‬وإنما توفيت بعد عشر سنوات بسبب السرطـــان‬ ‫الذي حل كالوباء آ‬ ‫بالالف ممن تعرضوا للإشعــاع المميــت‪ .‬كانــت‬

‫ساداكو طفلة واحدة‪ ،‬لكنها ُجعلت رمزاً لمعاناة صغار هيروشــيما‬ ‫الذين لم تفرق القنبلة بينهم وبين أشكال الحياة أ‬ ‫الخرى‪ .‬وتقــول‬ ‫القصة الملهمة إن ساداكو أمضت أيامها أ‬ ‫الخيرة تصنع مطويـــات‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫(الوريغامي) اليابانية التقليدية‪ ،‬على هيئة طائر الكركي‪ ،‬عمال ً بالثر‬ ‫طي ألف مجسم أوريغامي كفيل بأن يحقـــق‬ ‫الياباني القائل بأن ّ‬ ‫لصاحبه أمنية وحيدة‪ .‬لم تتحقق أمنية ساداكو في الشفاء‪ .‬لكـن‬ ‫إلى اليوم‪ ،‬يرسل الناس مطوياتهم الزاهية إلى موقع النصب‪ .‬وتباع‬ ‫وريقات أ‬ ‫المجسمة على هيئة الطير في محال التذكارات‬ ‫الوريغامي‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫وتشاهد في الشوارع رمزاً للمل في وجه المأساة‪ .‬بل إن هناك‬ ‫جرساً معدنياً على شكل أوريغامي الكركي معلقاً في قمة النصب‪.‬‬ ‫الذي اليزال‪ ،‬بتماثيل الصبية الصغار التي تكلله والتذكارات الورقية‬ ‫الزاهية المعلَّقة به‪ ،‬معبراً بمرارة عن نزعة الحياة وغريزة البقاء التي‬ ‫نودعها في فلذات أكبادنا‪ ،‬الذين هم غير مسؤولين مباشرين عن‬ ‫يؤمل‬ ‫جنون الكبار‪ ،‬لكنهم شركاء في الثمن‪ ،‬ومؤتمنون على مستقبل ّ‬ ‫تتكرر فيه أخطاء الماضي‪.‬‬ ‫َّأل َّ‬


‫إىل اليوم‪ ،‬يرسل الناس مطوياتهم الزاهية إىل موقع النصب‬

‫تباع وريقات األوريغامي المجسمة‬ ‫على هيئة الطير في محال التذكارات‬ ‫ً‬ ‫رمزا لألمل في‬ ‫وتشاهد في الشوارع‬ ‫وجه المأساة‬

‫لم يكونوا كلهم يابانيين!‬

‫السائر في الحديقة متجهاً شرقاً إلى قبة السالم سيصادف مزيداً‬ ‫ومزيداً من المعالم المرتبطة بمأساة هيروشيما‪ ،‬بعضها قديم كـ‬ ‫"جرس السالم" المستوحى من الثقافة البوذية والمصبوب على‬ ‫القرب لنصب أ‬ ‫الطراز الياباني‪ .‬هذا الجرس أ‬ ‫الطفال هو أحد ثالثة‬ ‫أ‬ ‫بالقبة‪ .‬القدم منها قائم منذ ‪،1964‬‬ ‫أجراس أفي المنطقة المحيطة ّ‬ ‫ويمكن لي كان أن يسحب حبله ليقرعه في دوي يزيد من وقع‬ ‫الذكرى ويرسخ الدرس في الحواس‪ .‬وبعض المعالم حديثة العهد‬ ‫مثل البوابات العشر التي نصبت عام ‪ 2005‬بارتفاع تسعة أمتار لكل‬ ‫منها‪ ،‬وكتبت على جدرانها كلمة "السالم" بتسع وأربعين لغة‪.‬‬ ‫غير أنك لكي تصل إلى مبنى قبة ِغنباكو‪ ،‬وخالل عبورك للجسر‬ ‫الصغير فوق النهر‪ ،‬ستجد نصباً خرسانياً آخر على طراز الستينيات‬ ‫هو آ‬ ‫الخر‪ ،‬لكنه متعلِّق بوجه آخر للمأساة‪ .‬فكارثة أغسطس ‪1945‬‬ ‫لم يكن كل ضحاياها يابانيين‪ .‬بل كانت كذلك مأوى لجنود صينيين‬ ‫وكوريين بل وأمريكيين من عمال السخرة وأسرى الحرب الذين‬ ‫أوقعهم الحظ العاثر في معتقالت هيروشيما تحديداً‪ .‬أولئك أيضاً‬ ‫قتلتهم القنبلة‪ .‬ومعهم نحو ‪ 7000‬تلميذ متعددي الجنسيات‬ ‫كانوا مقيمين في هيروشيما إما برضاهم أو غصباً عنهم‪ ،‬في إطار‬ ‫إمبراطورية اليابان التي شملت وقتها دوال ً كثيرة ضمن جنوب‬ ‫المحيط الهادئ‪.‬‬

‫آ‬ ‫مكون من ‪ 5‬طوابق مميزة تعلوها ثماني حمائم‪.‬‬ ‫هذا النصب الخر َّ‬ ‫آ‬ ‫مكرس لرمز "السالم" الذي نالحظ الن تداوله المبالغ‬ ‫وهو كذلك َّ‬ ‫مفر‪ ،‬ال سيما وكل نصب يستحضر فاجعة من نوع‬ ‫فيه لكن بال ّ‬ ‫مختلف‪ .‬التالميذ الذين قتلهم القصف في هيروشيما وسواها‪،‬‬ ‫الطفال الذين قتلهم الشعاع المسرطن‪ ،‬مئات أ‬ ‫أ‬ ‫اللوف من الجنود‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫والجدات الذين لم يُعثر لجثثهم على أثر‬ ‫والطباء والفالحين‬ ‫ّ‬ ‫بفعل التفجير الرهيب الذي أحالهم إلى عدم‪ .‬كل أولئك تواجهك‬ ‫قصصهم مراراً وتكراراً عند أكثر من محطة عبر حديقة هيروشيما‬ ‫للسالم‪ ،‬إلى أن تقف قبال ّقبة مركز المعارض القديم‪ ،‬أو قبة‬ ‫القنبلة ‪-‬غنباكو بحسب االسم المحلّي أ‬ ‫الصدق‪ ،‬فتتطلع إلى السماء‬ ‫تتخيل النار التي اندلعت بين السحب ونزلت‬ ‫وتحاول ‪-‬عبثاً‪ -‬أن‬ ‫لتلتهم كل شيء على َّ أ‬ ‫الرض‪ .‬كل شيء من ذلك اليوم اختفى أو‬ ‫أزيل عنوة ليعاد بناؤه‪ ،‬إال هذه القبة الواقفة كالجثمان المصلوب‪.‬‬ ‫عظة وعبرة من قصة ال يمكن فصل الطيبين فيها عن أ‬ ‫الشرار‪.‬‬ ‫ماض عسكري عنيف لم تندمل كل‬ ‫ففريق يرى فيها كفارة عن ٍ‬ ‫دام يجادل كثيرون بأنه كان‬ ‫جراحاته‪ .‬وفريق يرى فيها تذكاراً لنصر ٍ‬ ‫سيأتي ال محالة لو بُذل مزيد من الصبر‪ ،‬مقابل ضحايا أقل‪ ،‬وإرث‬ ‫أخف فداحة‪.‬‬


‫‪59 | 58‬‬

‫فكرة‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ملعب كرة القدم‬ ‫غير العادي‬ ‫ف ي� منطقة "خلونج توي" ذات الكثافة السكانية العالية‬ ‫ف‬ ‫الشه�ة‬ ‫شيدت ش�كة التطوير العقاري‬ ‫ي‬ ‫ي� تايالند‪ّ ،‬‬ ‫س‪.‬جي‪.‬‬ ‫" آي‪ .‬ب ي�" بالتعاون مع الوكالة الرقمية ف" ي‬ ‫ركس" ما يعرف بأول ملعب كرة قدم ي� العالم يغ�‬ ‫عــادي‪ ،‬وذلك كجزء من ش‬ ‫م�وع إلنشاء سلسلـة من مساحات اللعب‬ ‫بع� بانكوك‪.‬‬ ‫ف‬ ‫لم تكن هناك أي مساحة متاحة ي� منطقة خلونج توي المكتظة‬ ‫بالسكان إلقامة منشأة رياضية بمساحة ملعب كرة القدم‪ .‬فما كان‬ ‫صغ�ة عديدة يغ� متماثلة ش‬ ‫منت�ة‬ ‫متوفراً اقترص عىل مساحات ي‬ ‫ف� جميع أنحاء المنطقة ن أ‬ ‫تحول إىل‬ ‫ي‬ ‫ب� البنية المرتفعة‪ ،‬معظمها َّ‬ ‫يمساحات مهدورة أو أصبح مكباً للقمامة أ‬ ‫والنقاض‪.‬‬ ‫تغ� الحياة"‪ ،‬رأى المصممون ف ي�‬ ‫وإيماناً منهم بأن "المساحة يمكن أن ي ِّ‬ ‫ش�كة " آي‪ .‬ب ي�‪ ".‬التايالندية أن هذه المساحات يغ� المستخدمة ذات‬ ‫كب�ة‪ ،‬ورأوا أن ش‬ ‫الم�وع الذي يستخدم هذه المساحات بطريقة‬ ‫قيمة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫جيدة يمكنه أن يسهم ي� تقوية المجتمع وتعزيز العالقات يب� الفراد‬ ‫الذين يعيشون فيه‪ .‬ومن خالل هذه القناعة ولد ش‬ ‫م�وع ملعب كرة‬

‫يتحدى حدود المساحات القائمة‪.‬‬ ‫القدم يغ� العادي الذي َّ‬ ‫يعيد ش‬ ‫الم�وع تصور المساحة المعيارية المستطيلة لملعب كرة‬ ‫ت‬ ‫القدم بطول ‪ 105‬أمتار وعرض ‪ 68‬م�اً‪ ،‬بإنشاء سلسلة مالعب يغ�‬ ‫منتظمة الشكل تأخذ شكل ‪ L‬أو ‪ U‬أو شكل شبه المنحرف‪ .‬وبينما تبدو‬ ‫ف‬ ‫معينة‬ ‫تلك المالعب يغ� عادية ي� المظهر‪ ،‬إال أنها مصممة بطريقة َّ‬ ‫ين‬ ‫يمكن فيها للفرق أن تلعب عليها لعبة عادلة وتتنافس وفقاً‬ ‫لقوان�‬ ‫لعبة كرة القدم التقليدية‪.‬‬ ‫يتحدى المفهوم الذي أسس لهذا ش‬ ‫الم�وع تماماً النظرية الشائعة‬ ‫َّ‬ ‫والقائلة إن مساحة المكان هي ت‬ ‫ال� تتحكَّم بالتصميم‪ ،‬ويثبت أن‬ ‫ي‬ ‫التصميم خارج الحدود التقليدية يمكنه أن يسهم ف ي� تعزيز هذا‬ ‫ف‬ ‫القيمة‪ .‬ويأمل‬ ‫النوع من إ‬ ‫البداع المطلوب ي� تطوير هذه المساحات أ ّ‬ ‫الم�وع أن يلهم ش‬ ‫مطورو هذا ش‬ ‫م�وعهم المجتمعات الخرى العتماد‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫مثل هذه المشاريع التنموية المهمة ال سيما ي� المناطق الح ية‬ ‫المتعطشة للمساحات‪.‬‬ ‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫علي المجنوني‬

‫االقتباس‬

‫رحلة الكلمة بعيداً عن قائلها‬

‫أدب وفنون‬

‫يقول التفسير الشائع لالقتباس إنه العودة إلى قول‬ ‫أو فكرة ظهرت في وقت سابق عند شخص آخر‪،‬‬ ‫معين‪ ،‬كأن يكون السعي في التأكيد‬ ‫وذلك لهدف َّ‬ ‫المقتبس رأيه‪ ،‬أو تبيان خطأ‬ ‫على وجود من يشارك‬ ‫ِ‬ ‫ارتكبه هذا اآلخر‪ ،‬أو غير ذلك‪ ..‬ولكن فعل االقتباس‬ ‫هو في جوهره أعمق من ذلك‪ ،‬وقد يتخذ أشكاالً‬ ‫غير كتابية‪ .‬وما هو أهم من ذلك‪ ،‬تفلّ ته في عصرنا‬ ‫هذا من كل الضوابط والمقاييس التي كانت تحيط‬ ‫والكتاب‬ ‫به‪ ،‬عندما كان شأناً من شؤون المفكرين‬ ‫ّ‬ ‫بشكل شبه حصري‪.‬‬


‫‪61 | 60‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ق َ​َدر الكلمات أن تسافر في ترحال ال ينتهي‪ .‬فهي‬ ‫الوسيلة تارة لمعنى منتقل‪ ،‬وهي الغاية تارة أخرى‬ ‫التي ال ّبد أن تصل‪ .‬لذا‪ ،‬كان من المستحيل أن تظل‬ ‫الكلمات لصيقة بقائلها أ‬ ‫الول وحبيسة وجوده‪ .‬فقد‬ ‫آ‬ ‫قيلت لكي تغادره‪ ،‬لكي تطوف في الفاق ما كُتب لها‬ ‫تتبدل‪،‬‬ ‫تتحول‪َّ ،‬‬ ‫أن تطوف‪ .‬وهي في تطوافها هذا َّ‬ ‫تأخذ أشكاال ً جديدة وال تظل على حال واحدة أبداً‪.‬‬ ‫اقتباس مقاطع نصية‬ ‫ومن أشكال ارتحال الكلمات‬ ‫ُ‬ ‫أو جمل أو عبارات قيلت في وقت ومكان سابقين‬ ‫للوقت والمكان اللذين اس ُتخدمت فيه‪.‬‬ ‫التصور هو ممارسة شائعة نعمد‬ ‫االقتباس بهذا‬ ‫ّ‬ ‫إليها ألسباب شتى‪ .‬أهمها أنه يستخدم لدعم كالم‬ ‫المقتبس بكالم قيل سابقاً‪ ،‬أو أنه يشكِّل مدخال ً‬ ‫للتحاور معه والتفاعل مع وجهة النظر التي يحملها‪.‬‬ ‫وفي المجال أ‬ ‫الكاديمي مثالً‪ ،‬ما يزال الحرص على‬ ‫أ‬ ‫التوثيق‪ ،‬بر ّد النص المقتبس إلى منتجه الول‪ ،‬قائماً‬ ‫أشده في سبيل حفظ الحقوق‪ .‬ومن أجل هذا‬ ‫على ّ‬ ‫متعددة لتقنين‬ ‫الغرض ُوضعت طرق وأساليب ِّ‬ ‫االقتباس والحفاظ على سالمة البحث أ‬ ‫الكاديمي‪،‬‬ ‫مما يُعد سرقة علمية‪ .‬إال أن االقتباس هو أحياناً‬ ‫أ‬ ‫تتغير‬ ‫مجرد محاولة لن نوهم أنفسنا أن الكلمات لم َّ‬

‫منذ أن قيلت أو كُتبت‪ ،‬أو محاولة إلضفاء نوع من‬ ‫الصدقية بر ّد القول إلى قائله‪.‬‬ ‫االقتباس أكبر مما نتوهَّ م‬ ‫تنبه الك ّتاب منذ وقت مبكر إلى هذه الممارسة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واتخذوا منها مواقف مختلفة ومتضادة في بعض‬ ‫أ‬ ‫بعض‬ ‫الحيان‪ .‬ففي حين دعا إليها بعضهم ذمها ٌ‬ ‫آخر‪ ،‬ووقف البعض آ‬ ‫الخر منها موقفاً محايداً‪ ،‬يدعو‬ ‫إلى االقتباس مع المالءمة والتكييف‪ ،‬عوضاً عن‬ ‫االقتباس المفرط‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬يقول الكاتب‬ ‫أ‬ ‫المريكي رالف والدو إيمرسن إننا نميل إلى تقدير‬ ‫التقليد المتراكم عبر القراءة والمحادثة أكثر من ميلنا‬ ‫نتحدث‬ ‫إلى تقدير إ‬ ‫الضافات الفردية‪ ،‬مما يجعلنا َّ‬ ‫باطمئنان عن أنه ال أصالة محضة‪ ،‬فكل العقول‬ ‫تقتبس‪ .‬ويضيف الكاتب نفسه‪" :‬بحكم الضرورة‪،‬‬ ‫بحكم الميل‪ ،‬بحكم المتعة‪ ،‬جميعنا نقتبس‪.‬‬ ‫ال نقتبس الكتب أ‬ ‫والمثال فحسب‪ ،‬وإنما الفنون‬ ‫والعلوم والتقاليد‪ ".‬ووفق هذا التصور ال تكون‬ ‫أ‬ ‫الصول أصوالً‪ ،‬بل إن كل كتاب يطغى فوق الثاني‪،‬‬ ‫فكرة موثوقة تعود إلى سابقتها وهكذا‪ ..‬وهذا‬ ‫وكل ٍ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫يقدم في نظر إيمرسن تفسيرا لنشوء الساطير التي‬ ‫ّ‬ ‫تنشأ من قصة يضيف إليها كل من يعيد كتابتها ما‬

‫إال أن االقتباس هو أحياناً مجرد‬ ‫محاولة ألن نوهم أنفسنا أن الكلمات‬ ‫لم تتغير منذ أن قيلت أو ُكتبت‪ ،‬أو‬ ‫برد‬ ‫محاولة إلضفاء نوع من الصدقية ّ‬ ‫القول إلى قائله‬ ‫يعيد تشكيلها‪ ،‬فتتخلص من عيوبها وتكتسب أشكاال ً‬ ‫جديدة‪ ،‬حتى تكتسب حقيقة مثالية ال تقبل الجدل‪.‬‬ ‫يقول إيمرسن إن كثيراً من أ‬ ‫المثال التاريخية هي‬ ‫ويقدم لدعم صحة‬ ‫ذات مصادر مشبوهة سابقة‪ِّ ،‬‬ ‫هذا الرأي أمثلةً من الشعر‪ .‬كما أن وجود الخرافات‬ ‫أ‬ ‫والساطير في كل اللغات مستعار من بعضها بعضاً‪،‬‬ ‫ويتفق على ذلك العقل البشري‪ .‬ويَ ُعد الطبيعة عالم‬ ‫النسان يشير إليه ويقتبس منه‬ ‫الحقيقة الذي أصبح إ‬ ‫بدال ً من أن يعيشه‪ .‬وبهذا يكون قد جعل من سكنه‬ ‫النسان‬ ‫منفى‪ .‬يحدث هذا عبر الكتب‪ ،‬حيث يقتبس إ‬ ‫أ‬ ‫الفكار‪ ،‬مما يعني أنه يتبرأ منها‪ ،‬وهنا "االقتباس‬ ‫اعتراف بالدونية" حسب وصفه‪.‬‬


‫إننا نميل إلى تقدير‬ ‫التقليد المتراكم عبر‬ ‫القراءة والمحادثة أكثر من‬ ‫ميلنا إلى تقدير اإلضافات‬ ‫نتحدث‬ ‫الفردية‪ ،‬مما يجعلنا‬ ‫َّ‬ ‫باطمئنان عن أنه ال أصالة‬ ‫محضة‪ ،‬فكل العقول‬ ‫تقتبس‬

‫ِّ‬ ‫ومحذر‬ ‫االقتباس بين مؤيد ومعارض‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬يقول كليفتون فاديمان في مقالته‬ ‫المعنونة "في مديح االقتباس" المليئة باالقتباسات‬ ‫والحاالت‪ ،‬إننا "في العموم نخالف الرجل الذي‬ ‫إ‬ ‫يتحدث إنجليزيةً‬ ‫يقتبس كما نخالف الرجل الذي َّ‬ ‫مثالية‪ ،‬على أساس أنه "متفوق"‪ .‬ويرى فاديمان أن‬ ‫النسان نفسه‬ ‫زي‬ ‫الرجل اقتباس‪ ،‬بل وربما كان إ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫"نفضل االعتقاد بأن غياب‬ ‫اقتباساً من اقتباس‪ّ .‬‬ ‫عالمتي تنصيص يضمن أصالة الفكرة‪ ،‬بينما يمكن‬ ‫أن يعود أ‬ ‫المر إلى أن قائلها أو كاتبها نسي مصدرها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ويضيف‪" :‬نحن قلقون بشأن االقتباس‪ ،‬ليس لننا‬ ‫نظن أن االقتباس قد يفشل في التأثير‪ ،‬بل ألننا‬ ‫نخشى أن يكون أثره سيئاً‪ .‬يُعرف المرء بقرينه‪،‬‬ ‫وقالئل هم الذين يحتملون اتهامهم بمصادقة‬ ‫الشعراء والحكماء الموتى‪ ".‬ثم أشار إلى أن أبرز‬ ‫آ‬ ‫الراء المدافعة عن االقتباس والمهاجمة له قالها‬ ‫رجل واحد‪ ،‬ويقصد إيمرسن الذي كتب مرة في‬ ‫مذكراته‪" :‬تخلص من االقتباسات‪ .‬قل لي ماذا‬ ‫تعرف؟"‬ ‫يفرق فاديمان بين شكلين من أشكال االقتباس‪ .‬أولهما‬ ‫ّ‬ ‫عام‪ ،‬حيث نقتبس طوال الوقت‪ ،‬مثل أن نغني‬

‫مع التلفزيون‪ ،‬وأن يكون معظم حديثنا‬ ‫اقتباساً لحديث آخرين‪ .‬هذا الشكل‬ ‫مقبول اجتماعياً‪ ،‬بل وإجباري أحياناً‪ ،‬مما‬ ‫يجعله شكال ً عابراً وتافهاً‪ .‬أما الشكل الثاني‬ ‫فهو تقليدي أكثر‪ ،‬وهو الذي نعني به اقتباس كالم‬ ‫شخص آخر ضمن كالمنا‪ .‬ودعا إلى تأثيث الكالم‬ ‫بقليل من أ‬ ‫الثاث الفكري الزائد عن الحاجة‪ ،‬بحسب‬ ‫تعبيره‪ ،‬والمأخوذ من مخازن العظماء‪ .‬ورأى أنه على‬ ‫الرغم من أن االقتباس ُزخرف‪ ،‬إال أن للزخرف قيمته‪،‬‬ ‫فهو يُذهب رتابة النثر ويجعله مثيراً لالهتمام‪.‬‬ ‫أما فرانك مور كولبي فقد تناول في مقالة "االقتباس‬ ‫استخدامات االقتباس‪ ،‬وقال إنه يعطي‬ ‫والحالة"‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫الكالم صبغة أدبية‪ ،‬ويع ِّزز ثقة القارئ بالنص‪ ،‬حيث‬ ‫الكاتب في‬ ‫المقتبس‪ ،‬ويُبدي‬ ‫تخذله كلمات الكاتب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫عد‬ ‫حلة القارئ واسع االطالع‪ ،‬بحيث إن كل اقتباس يُ ّ‬ ‫"تخرج من ذلك الكتاب"‪.‬‬ ‫بمنزلة "شهادة دبلوم" بأنه ّ‬ ‫ويضيف أنه في البدء كان أساتذة الجامعات يعيدون‬ ‫والكبار‬ ‫العجاب إ‬ ‫كل شيء إلى القدماء إلظهار إ‬ ‫بتعدد ألسنتهم‪ .‬لكنه حذَّ ر من اعتبار االقتباسات‬ ‫وشبهها بحفر‬ ‫القراء من القراءة‪ّ ،‬‬ ‫الثمرة التي يجنيها ّ‬ ‫بذور البطاطس‪ ،‬العقل الذي يُزرع في عقول أفضل‬ ‫المؤلفين‪ ،‬عليه أن ينتظر طويال ً حتى تنمو أفكاره‪.‬‬ ‫ويقول‪" :‬ال يعرف المرء عن أحدهم من مفاخر ذاكرته‬ ‫أ‬ ‫الدبية أكثر من مفاخر قناته الهضمية إال قليالً‪".‬‬ ‫االقتباس وقنوات التواصل الجديدة‬ ‫ضمن داخل‬ ‫لكن االقتباس قد ال يكون دائماً إضافة تُ َّ‬ ‫محددة‪ .‬اليوم‪ ،‬وبفضل‬ ‫المتن بحيث تخدم وظيفة َّ‬


‫‪63 | 62‬‬

‫أدب وفنون‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫التدوير الهائل للنصوص‪ ،‬وتكاثر‬ ‫اللكترونية المخصصة‬ ‫المواقع إ‬ ‫لالقتباسات حصرياً‪ ،‬ال يعني االقتباس‬ ‫بالضرورة رفقة الحكماء والقرب من‬ ‫أفكارهم‪ .‬بل على العكس‪ ،‬فقد ينبئ‬ ‫اجتزاء الجمل والعبارات من سياقها‬ ‫دون وضعها في سياق جديد عن انعدام‬ ‫الحساسية تجاه أ‬ ‫الفكار التي تولد في سياقاتها‪،‬‬ ‫وقد ال تدل هذه الممارسة بالضرورة على معرفة‬ ‫وال تنبئ عن حكمة‪ .‬إن العبارات المقتبسة بإفراط‬ ‫تحف صماء يرمى بها في الفراغ كل‬ ‫تبدو أحياناً وكأنها ٌ‬ ‫حين‪ ،‬دون أن تنال حظها من االهتمام والتقدير‪.‬‬ ‫هنالك ما يصف اقتباس عبارة أو أكثر باقتالعها من‬ ‫سياقها الذي ولدت فيه‪ ،‬والذي من دونه قد تعني‬ ‫العكس‪ .‬وهذه ممارسة تكون في الغالب مقصودة‪،‬‬ ‫وإن كانت تحدث عن غير عمد أحياناً‪ .‬في المرات‬ ‫المقتبس منها‬ ‫التي تكون فيها مقصودة‪ ،‬يكون غرض‬ ‫ِ‬ ‫أن يظهر كاتب النص أ‬ ‫الصلي في موقف ضعيف‬ ‫وربما متناقض‪ ،‬وفي المرات التي ال تكون فيها‬ ‫المقتبس قد أخطأ التقدير في‬ ‫مقصودة‪ ،‬يكون‬ ‫ِ‬ ‫ترك ما هو مهم أو ضروري واقتباس ما هو عكس‬ ‫عد‬ ‫ذلك‪ .‬وهذا هو السبب الذي جعل هناك من ّ‬ ‫هذه الممارسة فناًّ ألنها‪ ،‬بغض النظر عن شرعيتها‪،‬‬ ‫المقتبس وقدرة على‬ ‫تنم عن براعة في قراءة النص‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫المقتبس منه‪.‬‬ ‫تحريف المعنى الصلي‬ ‫َ‬ ‫االقتباس أسهل من أي وقت مضى‬ ‫مع القيود المساحية التي تقوم عليها وسائل‬ ‫تغير االقتباس باعتباره ممارسة‬ ‫التواصل االجتماعي َّ‬ ‫نصية‪ ،‬تقلَّصت فرص االستفاضة في التعبير‬ ‫واالستطراد التي تتيحها أشكال الكتابة العادية‪،‬‬ ‫واختلفت الظروف التي كانت تحيط بممارسة‬ ‫االقتباس التقليدي اختالفاً جذرياً‪ .‬وقد ترك هذا‬ ‫التغير تأثيراً في الطريقة التي يقتبس بها مستخدمو‬ ‫اللغة إضافة إلى مغزى االقتباس‪ .‬فمثالً‪ ،‬لم يعد‬ ‫والجمل والفقرات‪،‬‬ ‫هناك سياق تُقتلَع منه العبارات ُ‬ ‫المقتبسة هي السياق‬ ‫والجمل‬ ‫بل أضحت العبارات ُ‬ ‫َ‬ ‫في حد ذاتها‪ .‬لقد أصبحت تتمتع باستقالل فريد‬

‫تحقق من خالله وجودها وقابليتها لالستهالك‬ ‫العريض‪.‬‬ ‫في البدء أصبح كثير من مستخدمي هذه الوسائل‬ ‫يشعر بأنه مضطر إلى تبيان موقفه مما يقتبس‪.‬‬ ‫ولذا بحث عما يوفره التنصل من المسؤولية حيال‬ ‫ما يعيد الفرد تدويره من أقوال‪ .‬والنتيجة أن أمست‬ ‫عبارة "إعادة التدوير (التغريد) ال تعني الموافقة"‬ ‫شعاراً يتمثله كثيرون‪ .‬لكن مع الوقت‪ ،‬لم تعد هناك‬ ‫مناسبة مواتية ألن يقتبس الفرد‪ .‬كذلك لم يعد‬ ‫شرطاً أن تكون العبارة المقتبسة ذات قيمة خاصة‬ ‫تستلزم لفت االنتباه إليها باعتبارها وعا ًء مملوءاً‬ ‫حكمة أو قوال ً نابهاً أو أثراً فذاً استحق أن ينتقل من‬ ‫نصي إلى آخر‪ .‬وأصبح االقتباس المفرط شيئاً‬ ‫جسد ّ‬ ‫المقتبس كاليتيم الذي فقد أهله‬ ‫مقبوالً‪ ،‬وغدا القول‬ ‫َ‬ ‫واغترب حتى لم يعد أحد يسأله عن أصله ومن أين‬

‫"في العموم نخالف الرجل الذي‬ ‫يقتبس كما نخالف الرجل الذي‬ ‫إنجليزية مثالية‪ ،‬على أساس‬ ‫يتحدث‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫أنه "متفوق"‬ ‫مهماً أن يتأكد المرء من حقيقة‬ ‫جاء‪ .‬ولذا لم يعد ّ‬ ‫القول وقائله‪ .‬والشيء نفسه ينطبق على الصوت‬ ‫بسهولة اقتباس‬ ‫والصورة والفديو‪ .‬صار اقتباسها‬ ‫ِ‬ ‫الكلمات وتدويرها مسألة ضغطة زر‪ ،‬مما جعل كل‬ ‫أشكال المحتوى الرقمي تسافر بسرعة هائلة‪ .‬وهنا‬ ‫يحق للمرء التساؤل‪ :‬هل تفقد الكلمات والصور في‬ ‫ترحالها السريع قيمتها؟ هل يعدم المرء وهو يقابل‬ ‫هذه الكلمات والصور المرتحلة فرصةَ التأمل والتدبّر‬ ‫الذي تسمح به فضيلة البطء؟‪.‬‬


‫حسين اإلسماعيل‬

‫التاريخ‬ ‫يستنطق‬ ‫األدب‬

‫أدب وفنون‬

‫في إطار العالقات الوثيقة ما بين مختلف‬ ‫العلوم اإلنسانية‪ّ ،‬ثمة عالقة خاصة ما بين األدب‬ ‫والتاريخ‪ .‬فقد قيل "إن التاريخ هو الرواية التي‬ ‫حصلت‪ ،‬والرواية هي التاريخ الذي كان يمكن أن‬ ‫يحصل‪ ."..‬وفي دراسة التاريخ ال ّبد من استنطاق‬ ‫األدب بمعناه الواسع الذي ال يقتصر على‬ ‫الرواية والشعر‪ ،‬بل يمتد إلى كل ما أنتجه الفكر‬ ‫معينة‪ ،‬لفهم أوسع لما شهدته من‬ ‫في مرحلة َّ‬ ‫حوادث وتحوالت‪.‬‬


‫‪65 | 64‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫قبل ثالثة أعوام‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� كنت عىل مقاعد الدراسة ف ي� مرحلة‬ ‫البكالوريوس‪ ،‬تابعت مادة "تاريخ الواليات المتحدة" كجزء من‬ ‫بتخصص‪ .‬وعىل الرغم من أنها مادة التاريخ الثانية‬ ‫المقرر الخاص‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أن� كنت ما أزال حينها أعيش الفكرة التقليدية عن‬ ‫ف ي� المقرر‪ ،‬إال‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� وقعت ف ي� زمن يغ�‬ ‫التاريخ‪ ،‬بوصفه مجموعة من الحداث ي‬ ‫ض‬ ‫ن‬ ‫المقررة‪:‬‬ ‫لكن� فوجئت بأن هناك رواية ضمن الكتب‬ ‫َّ‬ ‫الحا�‪ .‬ي‬ ‫ئ‬ ‫للروا� إدغار لورنس دوكتورو‪.‬‬ ‫"الراغتايم"‬ ‫ي‬ ‫بدا أ‬ ‫المر غريباً بالنسبة يل‪ ،‬فما عالقة الروايات بالتاريخ؟ وبمرور‬ ‫أ‬ ‫ح� ت ز‬ ‫اليام‪ ،‬تكشفت ل أهميتها شيئاً فشيئاً‪ .‬ولذلك ي ن‬ ‫اع�مت أخذ‬ ‫في‬ ‫مزيد من المواد � التاريخ‪ ،‬لم ن‬ ‫يصب� العجب ي ن‬ ‫ح� احتوت مناهج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أغلبيتها عىل رواية أو ي ن‬ ‫اثنت�‪ .‬وشكّلت تلك المواد بوابة جديدة لفهم‬ ‫الب�ية‪ .‬أ‬ ‫بتغ� المجتمعات ش‬ ‫ولن المجتمعات‬ ‫التاريخ كعلم متعلِّق ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫التغي� فيها ي(� أي جانب كان)‬ ‫الب�ية بالغة التعقيد‪ ،‬فال شك أن‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫سيكون معقداً هو الخر‪ .‬ونظراً الهتمامي الم�ايد بتاريخ الفكر‬ ‫ش‬ ‫وقع عظيم‪.‬‬ ‫الب�ي‪ ،‬فقد كان لذلك االكتشاف ٌ‬ ‫استشهادات إدوارد سعيد مثال ً‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� معرض حديثه عن الدور‬ ‫ي� كتابه" المثقف والسلطة"‪ ،‬ي‬ ‫االجتماعي للمفكر أو المثقف تحديداً‪ ،‬ال يجد إدوارد سعيد بداً من‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تمكنت من تحديد مالمح‬ ‫االستشهاد ببعض العمال الدبية ي‬ ‫آ‬ ‫تعب�ه‪ .‬فيورد سعيد مثال ً رواية "الباء‬ ‫ذلك الدور بنجاح عىل حد ي‬ ‫أ‬ ‫والبناء" لتورجينيف و"صورة الفنان ف ي� شبابه" لجويس لما تحتويان‬ ‫أ‬ ‫تجسد رؤية كاتبيها حول المر‪ .‬ففي رواية‬ ‫عليه من شخصيات ِّ‬ ‫اليمان المطلق بالعقل والعلم‬ ‫اروف‬ ‫ز‬ ‫با‬ ‫شخصية‬ ‫تورجينيف‪ ،‬تم ِّثل‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت مهيمنة‬ ‫فواالنكسار مع القيمف البوية‪ ،‬وهي من الهواجس ي‬ ‫ي� بيئة توريجينيف ي� أواخر القرن التاسع ش‬ ‫كث�اً‬ ‫تختلف‬ ‫ع�‪ .‬وال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫س�ة هذا‬ ‫عن ذلك شخصية ستيفن ي� رواية جويس‪ .‬فالرواية تتبع ي‬ ‫الشاب الذي ينشأ ف ي� بيئة مليئة باالضطرابات عىل جميع الصعد‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تنتهي‬ ‫وترصد تحوالته الفكرية واختالجاته النفسية ي� رحلته ي‬ ‫بمغادرة البالد يك يصبح فناناً‪.‬‬ ‫ش‬ ‫"االست�اق" من إشارات مشابهة‬ ‫وال يخلو كتاب إدوارد سعيد‬ ‫ز‬ ‫للإنجل�ي كبلنغ‪ ،‬أو أدباء‬ ‫لروايات مثل "الرجل الذي سيصبح ملكاً"‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ت‬ ‫وفورس�‪ .‬ويكمن الفارق الجوهري ف ي� أنه ال يستشهد‬ ‫فلوب�‬ ‫مثل ي‬ ‫هذه المرة بالنص ذاته بقدر ما يتجاوزه ليكشف‬ ‫ش ق‬ ‫ا� الكامن فيها‬ ‫النفس االست� ي ّ‬

‫إدوارد سعيد‬ ‫مزج الرواية بالتحليل‬

‫بطريقة أو بأخرى‪ .‬ويمكن أن تُعزى هذه االستشهادات لكون إدوارد‬ ‫ف أ‬ ‫ال ي ز‬ ‫نجل�ي وحسب‪ ،‬أي إن ضلوعه ف ي� هذا‬ ‫سعيد متخصصاً ي� الدب إ‬ ‫المجال جعله يستح�ض ما اعتاد عليه من النصوص والك ّتاب الذين‬ ‫يكملون وجهة نظره‪ .‬ولكن‪ ،‬بر ي يأ�‪ ،‬ما فعله إدوارد سعيد يتجاوز ذلك‬ ‫العمال عملية واعية من استنطاق أ‬ ‫بكث�‪ .‬فاستشهاده بتلك أ‬ ‫الدب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ومرحلة أساسية ف ي� أي قراءة تاريخية‪.‬‬ ‫تشكِّل القراءة التاريخية خطوة البداية لفهم أي منظومة فكرية‬ ‫ولفهم أي تعاقب ن أ‬ ‫ن‬ ‫أع� بالقراءة التاريخية القدرة‬ ‫زم� للفكار‪ .‬ال ي‬ ‫ٍ ي‬ ‫عىل استذكار نقاط االنعطاف الفكري ووضعها ضمن خط ن‬ ‫زم�‬ ‫ي‬ ‫فارق ي ن‬ ‫ب� الفكر‬ ‫وحسب‪ ،‬فهذا ال يعدو كونه عمال ً موسوعياًّ‪ .‬هناك ٌ‬ ‫وتاريخ الفكر‪ ،‬كما أن هناك فارقاً ي ن‬ ‫ب� الفلسفة وتاريخ الفلسفة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫مرهون برصد‬ ‫بالتغ�‪ ،‬أي إن تأريخ الفكار‬ ‫عملية التأريخ مرتبطة‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫ث‬ ‫تغ�ها‪ .‬أما الفكر نفسه فهو أك� تعقيداً‪ ،‬ويتطلَّب معرفة عميقة‬ ‫ي‬ ‫بالنسان وما يحيط به‪ .‬وما القراءة التاريخية إال مقاربة لهذه‬ ‫إ‬ ‫المعرفة؛ والقدرة عىل قراءة أ‬ ‫ن‬ ‫الفكار ف� سياقيها ن‬ ‫والمكا�‪.‬‬ ‫الزم�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� أنتجت‬ ‫بعبارة أخرى‪ ،‬القراءة التاريخية هي إ‬ ‫ٍ‬ ‫اللمام بالظروف ي‬ ‫فكراً ما من أجل أ‬ ‫الخذ بملكة ذلك الفكر والقدرة عىل البناء عليه أو‬ ‫بشكل حقيقي‪ .‬إذاً‪ ،‬الغاية من القراءة التاريخية‬ ‫تفكيكه أو تقويضه ٍ‬ ‫ف‬ ‫هي جعل الفرد محيطاً بالفكر كما لو كان يعيشه ي� زمنه‪.‬‬ ‫السؤال الذي يمكن طرحه هنا‪ :‬كيف يمكن لمن يعيش ف ي� القرن‬ ‫والع�ين أن يعيش ظروف عرص النهضة ف� القر ي ن‬ ‫ش‬ ‫ن� الرابع‬ ‫الواحد‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تسببت فيها الثورات العلمية‪،‬‬ ‫والخامس ع� مثالً؟ ومع‬ ‫الهوة ي‬ ‫ألي حد يمكن االرتباط بتلك أ‬ ‫الفكار؟‬ ‫ٍّ‬

‫استشهاد إدوارد سعيد باألعمال‬ ‫األدبية عملية واعية من استنطاق‬ ‫األدب‪ ،‬ومرحلة أساسية في أي‬ ‫قراءة تاريخية‬


‫بات من الضرورة اليوم‬ ‫استكشاف دور األدب كحلقة‬ ‫وصل فكرية‪ ،‬كرابط بين‬ ‫واقعنا وواقع الماضين من‬ ‫البشر‬

‫استنطاق النص إلدراك روح العرص‬ ‫نزعم أن بإمكان أ‬ ‫الدب أن ي ن‬ ‫يع� عىل إدراك ما يُعرف بروح العرص‬ ‫الشكال ف ي� تكوين أسس‬ ‫وقتما يتم استنطاقه كما يجب‪ .‬ويكمن إ‬ ‫أ‬ ‫هذا االستنطاق‪ .‬فمن ال�ض وري التنويه بأن مفردة الدب تشمل هنا‬ ‫ت‬ ‫ال� تتناول قضية إنسانية‪ ،‬وال تقترص عىل الرواية أو‬ ‫كل النصوص ي‬ ‫الشعر مثالً‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ال ف‬ ‫حد ذاته وثيقةٌ تاريخية‪ ،‬فمن البديهي أن‬ ‫د� ي� ّ‬ ‫وبما أن النص ب ي‬ ‫تكون عملية استنطاقه مرتبطة بالمنهج التاريخي‪ ،‬ومن المنطقي‬ ‫البدء بتحديد موقعها من هذا المنهج‪ .‬حسبما أشارت إليه المؤرخة‬ ‫نوع� ر ي ن‬ ‫ماري لن رامبوال‪ ،‬فإن المصادر التاريخية هي من ي ن‬ ‫ئيس�‪:‬‬ ‫حس من العرص المراد التأريخ له؛‬ ‫نتاج ّ ي‬ ‫مصادر أولية‪ ،‬وهي كل ٍ‬ ‫مب� عىل المصادر أ‬ ‫ومصادر ثانوية‪ ،‬وهي كل تأريخ ن‬ ‫الوىل‪ .‬و أسلفنا‬ ‫ي‬ ‫قبل قليل‪ ،‬فإن الغاية من استنطاق النص هي إدراك روح العرص‪،‬‬ ‫الحاطة بمنتجات العرص الفكرية‪ .‬وبنا ًء عىل ذلك‪ ،‬فإن النص‬ ‫أي إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫بعبارة أخرى‪،‬‬ ‫أول‪.‬‬ ‫د� ي� هذه الحالة يُعامل‬ ‫ٍ‬ ‫ال ب ي‬ ‫ٍ‬ ‫كمصدر تاريخي ي‬ ‫ال تكمن أهمية المصدر ف ي� النص نفسه وحسب‪ ،‬بل تتجاوزه‬ ‫ب� السطور‪ ،‬أ‬ ‫ف‬ ‫لتشمل ما ي ن‬ ‫المعر� للنص‪ ،‬وطبيعة المفردات‬ ‫كالفق‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫المستخدمة‪ ،‬والخلفية‬ ‫ال� نشأ فيها الكاتب ي‬ ‫االجتماعية ف ي‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫ا�‪ ،‬فيمكن‬ ‫وبحكم ذكر أعرص النهضة الوروبية ي� السؤال االف� ي‬ ‫ماكيافيلل كمثال‪.‬‬ ‫أخذ كتاب ال يم� لنيقوال‬ ‫ي‬ ‫كث�اً ما يقال إن ماكيافيلل أحد رواد تجريد السياسة من أ‬ ‫الخالق‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫بل بلغ الحد بالبعض أن أطلق عليه "ظل الشيطان ي� الرض"‬

‫عطفاً عىل كتابه‪ .‬وبغض النظر عن أ‬ ‫الحكام الشخصية حوله‪ ،‬ال‬ ‫النصاف إغفال الوقائع المتالزمة مع شن� الكتاب‪ .‬كتب‬ ‫أظن أن من إ‬ ‫ماكيافيلل أ‬ ‫الميديت� ت‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫ال�‬ ‫عائلة‬ ‫يد‬ ‫عىل‬ ‫ا‬ ‫منفي‬ ‫كان‬ ‫بينما‬ ‫"‬ ‫م�‬ ‫"ال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ ي ي‬ ‫للحكم ف‬ ‫"ال يم�" أن يثبت‬ ‫ماكيافيلل بع�‬ ‫وحاول‬ ‫نسا‪.‬‬ ‫ر‬ ‫فلو‬ ‫�‬ ‫عادت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بمنصب ف ي� الحكومة الجديدة‪ ،‬وهو ما أفصح‬ ‫يحظى‬ ‫وأن‬ ‫ته‬ ‫جدار‬ ‫ٍ‬ ‫عنه ف ي� رسالة لصديقه فرانشيسكو فيتوري (الكتاب نفسه مهدى‬ ‫نز‬ ‫ش‬ ‫ماكيافيلل يحاول‬ ‫بالضافة لذلك‪ ،‬لم يكن‬ ‫للوري�و دي‬ ‫ميديت�)‪ .‬إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫مثال‪ ،‬بل اتخذ فلسفةً‬ ‫إ‬ ‫الجابة عن سؤال ما يُف�ض أن يكون ٍ‬ ‫بشكل ي ّ‬ ‫أ‬ ‫التعب�‪ .‬فشخصية ال يم� نفسها‬ ‫صح‬ ‫إن‬ ‫الواقعية‬ ‫المدرسة‬ ‫إىل‬ ‫أقرب‬ ‫ي‬ ‫مبنية عىل ي ز‬ ‫س�ار دي بورجيا‪ ،‬ابن ألكسندر السادس الذي ان ُتخب‬ ‫ز‬ ‫إم�اطورية‬ ‫س�ار‪ ،‬تأسيس ب‬ ‫عام ‪1492‬م وحاول‪ ،‬بالتعاون مع ابنه ي‬ ‫ماكيافيلل هو تحليل‬ ‫ف ي� إيطاليا الوسطى‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬ما قام به‬ ‫ي‬ ‫ذلك الواقع الذي عارصه‪ .‬الشاهد من ذكر كل ذلك أن الزمن الذي‬ ‫أ‬ ‫ماكيافيلل‬ ‫ملء بالمحن السياسية‪ ،‬وقد حاول‬ ‫ي‬ ‫كُتب فيه "ال يم�" ي‬ ‫والتنظ� له‪ ،‬ومن المستحيل‬ ‫إثبات قدرته عىل قراءة ذلك الواقع‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الحاطة بظروفه‪.‬‬ ‫فهم "ال يم�" دون إ‬ ‫أ‬ ‫كمصدر تاريخي تتجاوز النص‬ ‫د�‬ ‫الجل إذاً أن معاملة النص ال ب ي‬ ‫ٍ‬ ‫من ي‬ ‫نفسه إىل ما هو ث‬ ‫الجل كذلك أن كتب التأريخ‬ ‫ومن‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫من‬ ‫أك�‬ ‫ي‬ ‫الرسدية التقليدية وحدها ال تعطي صورة كافية للحياة الفكرية ف ي� أي‬ ‫عرص‪ .‬فلن تُجدي قراءة تاريخ "حضارة النهضة ف ي� إيطاليا" لجاكوب‬ ‫"الديكام�ون" لبوكاشيو‪،‬‬ ‫بوركهاردت دون مقارنته بأدب النهضة‪ ،‬مثل‬ ‫ي‬ ‫اللهية‪ ،‬ورسائل ت‬ ‫ت‬ ‫وماكيافيلل‪ ،‬و"بيان عن‬ ‫بي�ارك‬ ‫دان� إ‬ ‫ي‬ ‫وكوميديا ي‬ ‫لم�اندوال‪ ،‬وإخضاع جميع هذه الكتب لعملية‬ ‫كرامة إ‬ ‫النسان" ي‬ ‫استنطاق تاريخي‪ .‬فمن أجل أن يُدرك الفرد أفكار النهضة‪ ،‬البد أن‬ ‫ن ف‬ ‫الطار الفكري‬ ‫الطار الفكري الذي يحتويها‪ .‬وكلما ازداد إ‬ ‫يب� ي� ذهنه إ‬ ‫ي‬ ‫تكامال ازداد عمق أ‬ ‫الفكار المتداولة ف ي� فضائه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فلو عدنا آ‬ ‫الن إلدوارد سعيد‪ ،‬نجد أنه قام بعملية استنطاق‬ ‫مزدوجة‪ .‬ففي كتابه "المثقف والسلطة"‪ ،‬يستشهد بدايدلوس‬ ‫ين‬ ‫شخصيت� تم ِّثالن القضية المطروحة‪،‬‬ ‫وبازاروف‪ ،‬بحكم كونهما‬ ‫ش‬ ‫االست�اق‪ ،‬فقد ُوضعت‬ ‫أي دور المثقف ف ي� عرصهما‪ .‬أما ف ي�‬ ‫ش‬ ‫لالست�اق‪ ،‬أي كونه أسلوباً‬ ‫استشهاداته ف ي� إطار تعريفه الثالث‬ ‫غربياً للهيمنة وإخضاع ش‬ ‫فلوب� تمثل‬ ‫الم�ق‪ .‬فكشك هانم عند ي‬ ‫ال�ق مقارب للمشهد االفتتاحي �ف‬ ‫ش‬ ‫ذلك ش‬ ‫كزوتيك"‪ ،‬وهذا‬ ‫"ال‬ ‫ال�ق إ‬ ‫أ ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المب� عىل رواية "الرجل الذي سيصبح ملكاً"‪ .‬فإحدى الفكار‬ ‫الفلم ف ي‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫المحورية ي� كتاب االست�اق هي أن الصورة المخيالية عن ال�ق‬ ‫أ‬ ‫المست� ي ن‬ ‫ش‬ ‫غر�‬ ‫ق� ال تتطابق والواقع‪ ،‬أي إنها‬ ‫عند‬ ‫هي الخرى نتاج ب ي‬ ‫أ‬ ‫بحد ذاتها‪ .‬استنطاق إدوارد سعيد للنصوص الدبية والتاريخيــة‬ ‫ت‬ ‫ال� تناولت ش‬ ‫الم�ق مكنته من إدراك هذه الظاهرة ووضعها ف ي�‬ ‫ي‬ ‫تنظ�ي‪.‬‬ ‫قالب ي‬ ‫لطالما لعب أ‬ ‫الدب دوراً محورياً ف ي� إخراج الفرد من قوقعته وجعله‬ ‫أ‬ ‫تعب� ماريو‬ ‫يرى العالم بمنظور إنسان آخر‪ .‬فالدب‪ ،‬بحسب ي‬ ‫وشكسب� ت‬ ‫فارغاس يوسا‪ ،‬هو ما يربط بيننا ي ن‬ ‫ودان�‬ ‫س�فانتس‬ ‫ي‬ ‫وب� ي‬ ‫ي‬ ‫�ض‬ ‫وتولستوي‪ ،‬أي إنه يجعلنا نستشعر إنسانيتنا‪ .‬وبات من ال ورة‬ ‫اليوم استكشاف دور أ‬ ‫الدب كحلقة وصل فكرية‪ ،‬كرابط ي ن‬ ‫ب� واقعنا‬ ‫ين‬ ‫الماض� من ش‬ ‫الب�‪ .‬وبما أنه ال بديل عن القراءة التاريخية‬ ‫وواقع‬ ‫أ‬ ‫لفهم أي منظومة فكرية‪ ،‬فمن البديهي أن يكون الدب أيضاً أحد‬ ‫دعائم بناء أي فكر حقيقي‪.‬‬


‫‪67 | 66‬‬

‫فنان ومكان‬

‫حين عاد األديب ميخائيل نعيمة إلى لبنان في‬ ‫عام ‪ 1932‬من هجرته األمريكية‪ ،‬إذ كان أحد أعمدة‬ ‫أدباء المهجر والرابطة القلمية‪ ،‬استقر قرب مسقط‬ ‫رأسه بلدة بسكنتا‪ ،‬وتحديداً على تلة خارجها تسمى‬ ‫"الشخروب"‪ .‬فبنى عرزاله هناك‪ ،‬واعتزل فيه قارئاً وكاتباً‬ ‫ً‬ ‫ومفكراً‬ ‫ومتأمال‪ .‬وهناك ألّ ف عدداً كبيراً من كتبه‪،‬‬ ‫فلُ ّقب "ناسك الشخروب"‪.‬‬

‫لوركا حيدر‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ميخائيل‬ ‫نعيمة‬ ‫والشخروب‬ ‫كانت عودة نعيمة من نيويورك بعد وفاة جبران خليل جبران‪ .‬وكتب حول عودته‬ ‫هذه‪" :‬عدت وفي أُذني ضجيج مدنيات ال تحصى‪ .‬وفي رأسي براكين من أ‬ ‫الفكار‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن أغرق في صمتها وسكونها وجمالها‪ .‬فأط ّه ِر‬ ‫وفي قلبي حنين إلى عزلة أستطيع ْ‬ ‫وأبرد بعض ما في قلبي‬ ‫اكين‪.‬‬ ‫ر‬ ‫الب‬ ‫من‬ ‫فيه‬ ‫ا‬ ‫مم‬ ‫وأفرج عن رأسي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أذني من الضجيج‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫علي‬ ‫من الشوق والحنين‪ .‬وكان الشخروب كريما معي إلى أقصى ّ‬ ‫حد‪ .‬فما ّ‬ ‫ضن ّ‬ ‫كنت أنشد‪ ،‬بل فتح لي قلبه وذراعيه‪ .‬فرحت أمضي معظم نهاراتي‬ ‫بالعزلة التي ُ‬ ‫للتأمل‪ ،‬وغربلة الماضي‪ ،‬وتعرية ال ّنفس‪ ،‬وفتح‬ ‫في كهف من كهوفه‪ .‬فساعات ّ‬ ‫الروح لنور هللا‪ .‬وساعات للتأليف‪ .‬وهل التأليف غير مكالمة الناس؟" وهذه‬ ‫كُوى‬ ‫الجملة ّ أ‬ ‫الخيرة‪ ،‬أي مكالمة الناس‪ ،‬كانت رداً على نقاده الذين اعتبروا اعتزاله هروباً‬ ‫من المجتمع ومواجهة الناس‪ ،‬حتى إن بعضهم اعتبره متشائماً أو كاتباً ينتمي إلى‬ ‫المدرسة التشاؤمية‪ .‬أما لقب "ناسك الشخروب" فقد خلعه عليه الكاتب توفيق‬ ‫يوسف عواد في مقالة كتبها عنه في صحيفة "البرق" عام ‪.1932‬‬

‫ولماذا الشخروب ؟‬

‫هل التأليف يغ� مكالمة الناس؟‬

‫الول من سيرته "سبعون" منطقة الشخروب أ‬ ‫وصف نعيمة في الجزء أ‬ ‫الثيرة على‬ ‫قلبه وصفاً دقيقاً‪ ،‬فهي تقع على بُعد خمسة كيلومترات إلى الشرق من بسكنتا‬ ‫تحده من الغرب والشرق ساقيتان‬ ‫وترتفع عنها ثالثمئة متر‪ .‬وشكلها شبه مثلث ّ‬ ‫تلتقيان إلى الجنوب في واديه‪ ،‬ومن الشمال سلسلة من الصخور الشاهقة تتخلَّلها‬ ‫بعض الفجوات‪.‬‬ ‫الحجام أ‬ ‫وتكثر في الشخروب الصخور من شتى أ‬ ‫والشكال‪ ،‬وكلها كلسي‪ ،‬رمادي‬ ‫اللون‪ ،‬صلب الفؤاد‪ ،‬منها الضخم المنبطح على أ‬ ‫الرض حتى إن ظهره ليتسع‬ ‫لبناية كبيرة‪ .‬ومنها المتدثر بالتراب فال يطل منه عليك غير قسم قد ال يجاوز‬ ‫حجم الرأس‪ .‬ولكنك إذا حاولت اقتالعه‪ ،‬وجدته يمتد تحت أ‬ ‫الرض إلى مسافات‬ ‫بعيدة‪ .‬ومنها المنتصب كالمارد بقامة يبلغ ارتفاعها مئة قدم وأكثر‪ ،‬كتلك الصخور‬ ‫التي تشكِّل حدود الشخروب الشمالية‪ ،‬والتي فتتت العناصر شيئاً من قواعدها‬ ‫فبرز بعض منها في شكل طنف بإمكانك أن تحتمي تحته من الشمس والمطر‪.‬‬ ‫"ماذا يجديك قولي إن الشخروب بقعة صغيرة في سفح صنين تكثر فيها الصخور‬ ‫والشجار أ‬ ‫أ‬ ‫والشواك والعصافير‪ ،‬وأنت لم تعاشر‪ ،‬مثلما عاشرت‪ ،‬تلك الصخور‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫والشجار والشواك والعصافير؟ ال عرفت‪ ،‬مثلما عرفت‪ ،‬أنها تزخر جميعها بالحياة‬ ‫والحركة ليل نهار؟ وال أنت تفيأت شجرة من شجرات الشخروب وسكرت بما يدور‬


‫ماذا يجديك قولي إن الشخروب بقعة‬ ‫صغيرة في سفح صنين تكثر فيها‬ ‫الصخور واألشجار واألشواك والعصافير‪،‬‬ ‫وأنت لم تعاشر‪ ،‬مثلما عاشرت‪ ،‬تلك‬ ‫الصخور واألشجار واألشواك والعصافير؟‬ ‫ال عرفت‪ ،‬مثلما عرفت‪َّ ،‬أنها تزخر جميعها‬ ‫بالحياة والحركة ليل نهار؟‬ ‫من وشوشات ما بين أوراقها والنسيم؟ وأخيراً ماذا يجديك قولي إن صنين يبدو‬ ‫كما لو كان على مرمى حجر من الشخروب؟ فال عيناك تشبعتا مثل عيني بمناظر‬ ‫أخاديده وأفاريزه ومنحدراته‪ ،‬وبرقصة أ‬ ‫النوار والظالل العجيبة على جبهته‪،‬‬ ‫وبجالل النسور تحلق في أجوائه‪ .‬وال رجالك تسلقتا مثل رجلي أضاليعه حتى‬ ‫قمته‪ .‬وال أنت أصغيت‪ ،‬مثلما أصغيت‪ ،‬إلى زمجرة أعاصيره وهيمنات نسماته‪ .‬وال‬ ‫َّ‬ ‫جلست‪ ،‬مثلما جلست‪ ،‬على الثلج في أعاليه والشمس من فوقك تكاد تشويك شياً‪.‬‬ ‫قمته وشعرت كأنك واقف على قمة الدنيا"‪.‬‬ ‫وال وقفت على َّ‬

‫سماها في خريف عام ‪1916‬م‪ ،‬كان في استقباله ٌّكل من‬ ‫الرهيب" كما ّ‬ ‫نسيب عريضة وميخائيل إسكندر وجبران خليل جبران وغيرهم‪ .‬وفي عام‬ ‫القلمية وكان جبران عميدها ونعيمة مستشارها ووليم‬ ‫‪ ،1920‬ولدت الرابطة‬ ‫ّ‬ ‫كاتسفليس خازنها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫وكتب نعيمة سيرته "سبعون" ظنا منه أنه يقترب من الرحيل البدي‪ .‬لكن‬ ‫العمر امتد به ما يقارب القرن ليرحل في عام ‪ .1988‬وتكريماً له‪ ،‬تم تحويل‬ ‫الشخروب إلى معلم سياحي‪ ،‬ونحت النحات اللبناني عساف عساف مجسماً‬ ‫تكريمياً لنعيمة في الصخر‪ ،‬ونَ َحت تَحته باباً مشقوقاً" على الحياة بحسب‬ ‫تعريفه‪ ،‬حيث دفن خلفه جثمان ميخائيل نعيمة‪ .‬فصار المكان الذي أمضى‬ ‫فيه ناسك الشخروب نصف عمره تقريباً‪ ،‬نقطة جذب سياحية لمحبيه من‬ ‫المثقفين أ‬ ‫والدباء وتالمذة المدارس وسط الطبيعة الساحرة‪ ،‬قبال ُته جبل صنين‬ ‫مقاعد للزوار‬ ‫ذات‬ ‫َ‬ ‫ِب َهيبته العالية‪ ،‬يُحيط به صمت يَليق به‪ ،‬وأمامه ساحةٌ ُ‬ ‫ويتأملون‪.‬‬ ‫يَجلسون عليها ّ‬

‫مر مديد‬ ‫ُع ٌ‬

‫من المعلوم أن نعيمة المولود في ‪ 17‬أكتوبر ‪ 1889‬م‪ .‬درس أوال ً في المدرسة‬ ‫أ‬ ‫تفوقاً حصل بفضله على منحة للدراسة في‬ ‫الرثوذكسية في قريته‪ ،‬حيث أظهر ّ‬ ‫دار المعل ِّمين في الناصرة في فلسطين‪ ،‬حيث أمضى أربع سنوات ما بين ‪1902‬‬ ‫و‪1906‬م‪ .‬وفي نهاية تلك المرحلة‪ ،‬فاز بمنحة أخرى أهلّته للدراسة في"السمنار"‬ ‫بمدينة "بولتافا " في روسيا ما بين ‪ 1906‬و‪1912‬م‪ .‬وقد نظم عام ‪1910‬م‬ ‫المتجمد" بالّلغة الروسية‪ .‬وعندما وصل إلى نيويورك‪" ،‬الدردور‬ ‫قصيدة "النهر‬ ‫ّ‬

‫اع�ل نعيمة ت‬ ‫صن� حيث ت ز‬ ‫منطقة الشخروب ف� سفح ي ن‬ ‫ح� وفاته‬ ‫ي‬

‫عساف‬ ‫عساف ّ‬ ‫ميخائيل نعيمة بإزميل ّ‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪69 | 68‬‬

‫ً‬ ‫شعرا‬ ‫أقول‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫يكشف مهند طهبوب في هذه القصيدة عن شاعر شاب ذي تجربة مستوفية الشروط‪ .‬ف"له احتمال" هي قصيدة االحتماالت‬ ‫المر‪ ،‬أو تحمل أ‬ ‫والتحمالت‪ .‬أي احتمال أن يحدث أ‬ ‫المر ألسباب يذكرها في القصيدة المناسبة كأنها مكتوبة لتغنى‪ ،‬هذا مع العلم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أغان‪.‬‬ ‫أن الشاعر كتب عددا من القصائد التي ّ‬ ‫تحولت إلى ٍ‬ ‫احتمالية المستحيل ترتبط بالمنادى في القصيدة‪ ،‬آ‬ ‫الخر الذي قد يكون الشاعر‬ ‫المستحيل له احتمال كما للقاعدة استثناء‪ .‬لكن‬ ‫نفسه أو أناه‪ ،‬أو صورته في عين القصيدة‪ ،‬وربما هو آخر في مكان خارج الشاعر‪ ،‬يظهر تارة أنه معه في نفس المكان‪ ،‬وتارة أخرى‬ ‫أنه هناك في أمكنة مختلفة يروح ويجيء إلى خياالت الشاعر عبر كلماته ومجازاته‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وقصيدة له احتمال هي قصيدة دائرية‪ ،‬أي بال بداية وال نهاية‪ ،‬يمكن قراءتها من العلى إلى السفل أو العكس من السفل إلى‬ ‫العلى‪ ،‬وستؤدي المعنى نفسه‪ ،‬ألن االحتماالت المرفوعة مشروطة بإجابات‪ ،‬بالجابة أ‬ ‫أ‬ ‫الولى يمكن أن تسبق الثانية والثالثة أن تحل‬ ‫إ‬ ‫يغير في المعنى‪.‬‬ ‫محل السادسة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهذا لن ّ‬ ‫ال يمكن إرجاع الصورة الشعرية في هذه القصيدة إلى قصائد ما أو سياق شعري أو الوقوع على تأثر بلغة ما‪ .‬هي خاصة وكأنها‬ ‫نابتة من الالمكان‪ ،‬أو من المكان اللصيق بصاحبها وحده‪ ،‬ذاك الذي حين يخلط جسده باالحتماليات وبآليتها التي تفرز مشاعر‬ ‫الداخل‪ ،‬بالحبيبة الغائبة والمدينة المنقوعة بآثامها‪ ،‬ينتج عن كل هذا الخليط عصير النص الخاص‪.‬‬


‫مهند طهبوب شاعر ومهندس‬ ‫أردني من مواليد مدينة الخبر‪،‬‬ ‫تخرج في جامعة الملك فهد‬ ‫للبترول والمعادن‪ ،‬وحصل‬ ‫على لقب شاعر الجامعة عام‬ ‫‪2010‬م‪ .‬له مشاركات في‬ ‫بعض أ‬ ‫المسيات الشعريَّة في‬ ‫والغربية‬ ‫الشرقية‬ ‫المنطقتين‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫آ‬ ‫من المملكة‪ ،‬وهو مهتم بالداب‬ ‫والفنون المختلفة‪.‬‬ ‫استمع للقصائد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫دمشق‬

‫‪71 | 70‬‬

‫ذاكرة القافلة‬

‫أقدم مدينة في العالم‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ً‬ ‫بدءا من السنة‬ ‫الثانية على‬ ‫صدورها‪ ،‬راحت‬ ‫القافلة تجوب البالد‬ ‫العربية وتنشر استطالعات‬ ‫ّ‬ ‫مصورة حول عواصمها‬ ‫ومعالمها الحضارية‪ .‬ومن‬ ‫أوائل هذه االستطالعات واحد‬ ‫بعنوان "دمشق‪،‬أقدم مدينة‬ ‫في العالم"‪ ،‬كتبه األستاذ نشأت‬ ‫التغلبي‪ُ ،‬‬ ‫ونشر في عدد شهر‬ ‫رجب ‪1374‬هـ (مارس ‪1955‬م)‪.‬‬ ‫وفيما يأتي مقتطفات منه‪:‬‬ ‫أ‬ ‫تحدث‬ ‫إنه لمن أشد المور مدعاة للغبطة‪ ،‬أن ِّ‬ ‫نفسك بأنك تسير في أقدم مدينة بالعالم‪ ،‬فتطأ‬ ‫نفس أ‬ ‫الرض التي وطأها مختلف أنواع البشر‪،‬‬ ‫أ‬ ‫متنوع أشكال‬ ‫وتشهد ذات المكنة التي شهدت ّ‬ ‫الحضارة‪ ،‬وهذه ميزة ال تتوفر إال في دمشق‪ ،‬وال‬ ‫غرو‪ ،‬هي أقدم مدينة مسكونة في التاريخ‪.‬‬ ‫متناه في القدم‪،‬‬ ‫يعود العهد ببناء دمشق إلى زمن ٍ‬ ‫إلى عهد إبراهيم الخليل‪ .‬ومنذ إنشائها وحتى‬ ‫اليوم ظلت مركز الثقل في مختلف شؤون الشرق‪،‬‬ ‫من حربية وسياسية واجتماعية واقتصادية وغير‬ ‫ذلك‪ .‬ولذا فإن من أ‬ ‫المور الطبيعية أن تصبح‬ ‫أ‬ ‫دمشق عاصمة سوريا منذ عهد المويين‪ ،‬وأن تلقَّب‬ ‫بـ"لؤلؤة الشرق"‪.‬‬ ‫بنى الوليد بن عبدالملك مسجدها المشهور‬ ‫المعروف بالمسجد أ‬ ‫الموي سنة ‪ 88‬للهجرة‪.‬‬ ‫واتسعت رقعتها خارج أسوارها القديمة فبنى حي‬ ‫الميدان في جنوبها والصالحية والمهاجرين في‬ ‫سفوح جبل قاسيون‪.‬‬

‫منظر عام لساحة المرجة المعروفة في دمشق‪ ،‬وقد ظهر في وسط الصورة العمارة البيضاء التي‬ ‫يشغلها فندق سمير اميس الذي يُ عد من أفخم فنادق مدينة دمشق‬

‫تشتهر دمشق بأبنيتها التاريخية ومساجدها‬ ‫أ‬ ‫المسجدالموي‪ ،‬المدرسة‬ ‫ومدارسها‪ ،‬ففيها عدا‬ ‫العادلية‪ ،‬والمكتبة الظاهرية وقبر صالح الدين‬ ‫أ‬ ‫اليوبي وقصر العظم والمتحف الحديث‪.‬‬ ‫ويحيط بالمدينة سور حجري بني في عهد اليونان‬ ‫والرومان‪ ،‬وأعيد تخطيطه وبناؤه في عهد أ‬ ‫التابكة‬ ‫واليوبيين‪ .‬وما يزال قســم منه قائمــاً حتى آ‬ ‫أ‬ ‫الن‪.‬‬ ‫كما أن أبـواب المدينة القديمة ما يزال بعضـها‬ ‫قائماً كباب توما والباب الشرقي وباب الســالم‬ ‫وباب الصغير‪.‬‬ ‫وبما أنها العاصمة‪ ،‬فقد ازدهرت من الناحية‬ ‫الدارة المركزية للدولة‬ ‫العمرانية فبنيت فيها دوائر إ‬ ‫وفتحت فيها الشوارع الواسعة وأنشيء فيها‬ ‫المجمع العلمي العربي والجامعة السورية ومدارس‬ ‫ثانوية راقية والقصر العدلي‪ .‬أما دمشق القديمة‬ ‫والحرف كسوق‬ ‫فإنها تحتوي على أحياء الصناعات ِ‬

‫إن من إحدى الصناعات اليدوية الفنية الجميلة في‬ ‫َّ‬ ‫دمشق هي صناعة النحاس وتطعيمه بالفضة وغيرها‬


‫منظر ألحد األحياء الجديدة في مدينة دمشق‬

‫الحرير وسوق النحاسين وأسواق الصباغة والحدادة‬ ‫ودباغة الجلود وغيرها‪.‬‬ ‫وفي دمشق اليوم معامل لحفظ الفواكه والخضار‬ ‫وصناعة الصابون والنشاء ومعامل الغزل آ‬ ‫اللي‪..‬‬ ‫ومحالت صناعة الموبيليا ومعمل أ‬ ‫السمنت في‬ ‫أ‬ ‫ضاحيتها ينتج تسعين ألف طن من السمنت سنوياً‪،‬‬ ‫إلى جانب دور الطباعة العديدة‪ .‬ومن صناعات‬ ‫دمشق المشهورة التي عرفت منذ القديم صناعة‬ ‫القماش الثمين المعروف بالداماسكو – نسبة‬ ‫إلى دمشق‪ -‬والبروكار الذي يقترن اسمه باسم‬ ‫المدينة‪...‬كما أن لها شهرة خاصة أيضاً في صنع‬ ‫أ‬ ‫الواني النحاسية التي تعم بالمعادن الثمينة‪،‬‬ ‫وبصناعة "الموزاييك" الذي يطعم أ‬ ‫بالصداف‬ ‫َّ‬ ‫بصورة فنية مدهشة‪.‬‬ ‫ويمكنك أن ترى في دمشق مختلف أنواع السيارات‬ ‫من "الفورد" القديمة التي مضى على إنتاجها ربع‬ ‫تمض‬ ‫قرن إلى "البويك" و"الكاديالك" التي لم ِ‬ ‫بضعة أشهر على إنتاجها‪ .‬وقد كانت المدينة تعتمد‬ ‫متعددة من وسائل النقل‪،‬‬ ‫في مواصالتها على أنواع ِّ‬ ‫تجرها‬ ‫كالسيارات والتر أاموايات والعربات التي َّ‬ ‫يبق‬ ‫الخيل‪ ،‬ولكن الخيرة كادت تضمحل ولم َ‬ ‫منها سوى عدد ضئيل جداً‪...‬أما عن طريق الجو‬ ‫فتتصل دمشق بأكثر مدن العالم‪ ،‬لوجود فروع‬ ‫أ‬ ‫والنجليزية والسويدية‬ ‫لشركات الطيران المريكية إ‬ ‫والهولندية والفرنسية والمصرية‪...‬‬ ‫والنجليزية‬ ‫وفي دمشق تسمع اللغتين الفرنسية إ‬ ‫ينطق بهما بعض السكان بطالقة أهل السين‬ ‫والتايمز‪ .‬كما تسمع لهجة عربية من الكلمات‬ ‫الفصيحة‪...‬‬ ‫وتتجلّى في دمشق الروح الدمشقية الحقيقية‪،‬‬ ‫الروح القائمة على طيبة القلب ومساعدة الجار‪،‬‬ ‫والمشاركة الوجدانية‪ ،‬وحب المرح والطرب والنكتة‪.‬‬ ‫فالدمشقي يحب أرضه ومدينته وبلده‪ ،‬وال يتر ِّدد‬ ‫في بذل روحه بكل بساطة في سبيلها‪.‬‬

‫تكية السلطان سليم والجامع الملحق بها في مدينة دمشق‪،‬‬ ‫وقد ظهرت فيهما بعض من آي فن البناء العربي وزخرفته‬

‫نهر بردى الذي يخترق مدينة دمشق‬

‫اقرأ المزيد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪73 | 72‬‬

‫لغويات‬

‫المد‬ ‫أهمية حروف‬ ‫ِّ‬ ‫في اللغة العربية‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫فعل "عال" وحرف الجر‬ ‫"على" المنتهي كل منهما‬ ‫بألف مد‪ ..‬فكيف يستطيع‬ ‫القارئ أن يميز بين‬ ‫الكلمتين؟!‬

‫كيف نميز بين الحرفين‬ ‫"إلى" و "إال" حين يكتبان‬ ‫مثل بعضهما هكذا"‬ ‫إال وإال" كما اقترح طه‬ ‫حسين؟‬

‫معلوم أن العربية ليست اللغة الوحيدة التي تثبت‬ ‫فيها حروف ال تقرأ‪ ،‬ال بل إذا أردنا الدقة العلمية‬ ‫والنصاف اللغوي المقارن‪ ،‬لوجدنا أن العربية أقل‬ ‫إ‬ ‫اللغات العالمية التي تلحق مفرداتها حروف تُكتب وال‬ ‫تُقرأ‪ ..‬إذ َّإن ّثمة حروفاً تدخل في صميم وتركيب الكلمة‬ ‫في لغات مثل الفرنسية أو إالنجليزية خاصة‪ ،‬تُكتب‬ ‫وال تُقرأ وما ذلك إال للتمييز بينها وبين ألفاظ أخرى أو‬ ‫لمساندة حرف آلخر أو الصطالح قديم الرسوخ‪.‬‬

‫لنأخذ هاتين الجملتين‪ ":‬عال الجبل" و" عال الجبل"‬ ‫فأيهما تدل على أنك ارتفعت على الجبل أو أنت‬ ‫فوقه؟‪ ..‬وأيهما فعله أو اسمه؟‪ ..‬وأي االسمين‬ ‫مفعول أو مجرور؟‪ .‬وكيف يستطيع القارئ العادي‬ ‫يفرق بين معنى‬ ‫أو المبتدئ أو حتى المثقف أن ِّ‬ ‫نميز بين الحرفيــن "إلى" و "إال"‬ ‫الجملتين؟ وكيف ِّ‬ ‫حين يكتبان مثل بعضهما هكذا" إال و إال" كما اقترح‬ ‫طه حسين؟‪.‬‬

‫هناك بعض أ‬ ‫الدباء والكُ َّتاب الذين كانت لديهم في‬ ‫القرن الماضي طروحات سموها "إصالحية" في مجال‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬إن كان في القواعد أو المصطلحات‪.‬‬ ‫فمنهم مثال ً من اقترح موضوع إثبات أحرف المد أثناء‬ ‫الكتابة‪ ،‬تبعاً للفظه ال لقاعدته‪ ..‬ولكن هذا االقتراح‬ ‫الذي تب َّناه الدكتور طه حسين القى معارضة من‬ ‫كثيرين من أدباء جيله ومنهم عباس محمود العقَّاد‬ ‫الذي أبان له خطل طريقته‪ .‬فضرب له أمثلة عديدة‪،‬‬ ‫منها‪ :‬فعل "عال" وحرف الجر "على" المنتهي كل‬ ‫منهما بألف مد‪ ..‬فكيـف يستطيــع القارئ أن يميز‬ ‫بين الكلمتين؟!‪..‬‬

‫نفرق بين الفعلين" قاس"‬ ‫ومثال آخر‪ :‬كيف ِّ‬ ‫وتجشم"؟ فإذا‬ ‫بمعنى"كال" و"قاسى" بمعنى"تحمل‬ ‫ّ‬ ‫يبق هذان الفعالن على حالهما الراهنة وهي‬ ‫لم َ‬ ‫راقية لغوياً فإننا نقحم أنفسنا باختالط جديد حين‬ ‫نكتب هذين الفعلين هكذا‪ :‬قاسا‪ ,‬قاسا‪...‬‬ ‫وحروف المد هذه ليست بمستصعبة الكتابة‬ ‫فلكل منها قاعدة إمالئية ثابتة يستعين بها القارئ‬ ‫والكاتب على رسمها رسماً صحيحاً‪ .‬فمثال ً هناك‬ ‫حروف وأسماء وأفعال تنتهي بحروف المد المذكورة‪،‬‬ ‫(تقابلها حروف متشابهة بوظيفتها في لغات أخرى)‪،‬‬ ‫ومن حسن حظ لغتنا أن هذه الحروف أ‬ ‫والسماء‬ ‫والفعال فيها‪ ،‬محدودة‪ ،‬معدودة‪ ،‬أما أ‬ ‫أ‬ ‫الفعال‬ ‫أ‬ ‫والسماء فثالثية ورباعية وخماسية وسداسية‪ ،‬وكل‬

‫كي‬ ‫ف نفرق بي‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫ين"‬ ‫س" بمع‬ ‫نى"كال"‬ ‫و"ق‬ ‫اسى" بم‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ى‬ ‫"‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫مل‬ ‫تج ّشم"؟‬

‫منهما ينتهي بقاعدة ثابتة‪ .‬الثالثية مما يسبق آخرها‬ ‫ياء مفتوحة تكتب بألف ممدودة‪ ":‬يحيا‪ ،‬استحيا‪"...‬‬ ‫وما ال يسبق بهذه الياء يرسم بألف لينة على صورة‬ ‫ياء غير منقطة‪ ":‬استولى‪ ،‬استوحى‪ ،‬اجتبى‪ّ "...‬أما‬ ‫أ‬ ‫الفعال الثالثية فسهلة الكتابة حين نعلم أن حرف‬ ‫المد منقلب عن حرف "ي" أو" و"‪ ،‬مثل سما – يسمو‘‬ ‫ورمى‪ -‬يرمي‪...‬‬ ‫والصفة في العربية تالزم الموصوف في كل حركاته‪،‬‬ ‫فيما نجد أن سائر اللغات تفتقر لهذه الخاصة التي هي‬ ‫من أسس محسنات العربية وسهولة كتابتها وإعرابها‪.‬‬ ‫فالفعل" كسر" مثال ً في العربية يكتب هكذا في‬ ‫حالتي البناء للمعلوم وللمجهول والمتعدي‪ ،‬وانكسر‬ ‫في الالزم‪ ,‬بينما تضاف إليه حروف وكلمات في‬ ‫النجليزيَّة حتى يؤدي نفس المعنى‪.‬‬ ‫إ‬ ‫قد أكون استطردت فيما أنا في صدده وهو أحرف‬ ‫المد‪ .‬وإنما قصدت من هذه المقارنة البسيطة‪،‬‬ ‫أبين أن ثمة مصاعب لغوية‬ ‫الحرفية والمعنوية‪ ،‬أن ّ‬ ‫موجودة في اللغات العالمية‪ ،‬وأن الحرف العربي في‬ ‫حالته الراهنة حرف له رونقه المضفى على الكتابة‬ ‫نتيجة قواعد ثابتة‪.‬‬


‫تغريد البقشي‬ ‫في الهفوف‬

‫بياض المكان واأللوان واألفكار‬

‫فيديل سبيتي‬

‫فرشاة وإزميل‬

‫في مرسم‬

‫تغريد البقشي من أكثر الفنانات التشكيليات‬ ‫السعوديات اللواتي تم تسليط الضوء على‬ ‫أعمالهن ومعارضهن‪ .‬فهي عدا عن كونها فنانة‬ ‫مغامرة على مستوى الخليج العربي‪ ،‬تمتلك خطاً‬ ‫تشكيلياً خاصاً بها‪ ،‬في الشكل وفي المضمون‪.‬‬ ‫فمن حيث الشكل تكتنز خطوطها المفعمة‬ ‫باأللوان "العفوية" كما تسميها‪ ،‬أما المضمون‬ ‫فيتناول المرأة وما يعتمل في دواخلها وما ترجوه‬ ‫وتأمله من المجتمع الذي تعيش فيه‪ .‬وقد باتت‬ ‫لوحتها معروفة لدى المهتمين والمتابعين‪،‬‬ ‫وبمجرد أن يراها الناظر سيعرف أنها لتغريد‬ ‫توقعها‪.‬‬ ‫البقشي‪ ،‬ولو لم‬ ‫ّ‬ ‫وهنا زيارة إلى مرسمها في مدينة الهفوف‪.‬‬


‫‪75 | 74‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ش‬ ‫�ء وأر ن يا� "‪ "150x45cm‬نيون‪2015 ،‬‬ ‫أطفو فوق كل ي‬

‫تحت السقف الذي غطى ما كان سطحاً للمنزل‪ ،‬يقع مرسم الفنانة‬ ‫تغريد البقشي‪ ،‬التي أرادت أن يكون مرسمها جزءاً من منزل أ‬ ‫السرة‪.‬‬ ‫فالعمل الفني يحتاج إلى استقرار مكاني تنصت فيه إلى فلسفة الروح‪.‬‬ ‫وفي الوقت نفسه تؤدي مهامها العائلية بروح امرأة تجد في التحديات‬ ‫وتجاوزها طريقاً لتكوينها‪ .‬لذا أوجدت توازناً بين مهامها دون أن‬ ‫تأخذ الواحدة اهتماماً إضافياً على حساب أ‬ ‫الخرى‪ .‬فتقول إن اتصال‬ ‫بالرسامة التي تكونها‪ .‬وهذا‬ ‫المرسم بالبيت‪ ،‬هو كاتصال هويتها كأم ٍ ّ‬ ‫ما يشعرها بالحميمية تجاه المنزل والمرسم معاً‪ ،‬وتجاه العائلة‬ ‫واللوحة أيضاً‪ ،‬وتضفي العائلة نوعاً من الطاقة إاليجابية والشعور‬ ‫أ‬ ‫تتجرد فيه من كل‬ ‫بالمان‪ .‬هكذا يكون تبدل المكان تبادال ً متوازياً َّ‬ ‫متعلقات اليوم وما يثقله‪ ،‬لتشعر أنه عالمها الممتد الصغير بمساحته‬ ‫تصبه فيه‪.‬‬ ‫والكبير بالخيال الذي ّ‬

‫بورتريه "‪ "30x30cm‬اكريلك عىل قماش‪2017 ،‬‬

‫القاعة البيضاء‬ ‫أ‬ ‫يمكن تسمية المرسم "القاعة البيضاء"‪ ،‬فهو مطلي بالبيض بكامله‪،‬‬ ‫تتوسطه‪ ،‬حيث بدا فنجان‬ ‫وكذلك خزائنه وأرضيته والطاولة التي ّ‬ ‫والضاءة‬ ‫القهوة فوقها أكثر سواداً مما يكون عليه في العادة‪ ،‬إ‬ ‫البيضاء المسلّطة على جوانب الجدران تزيد المكان بياضاً‪ ،‬فتبرز‬ ‫اللوان المرصوفة على أ‬ ‫علب أ‬ ‫الرفف البيضاء‪ ،‬وتبرز اللوحات بألوانها‬ ‫أ‬ ‫الكثيرة داخل البيض العميم‪ ،‬وكأنها معلّقة في الهواء‪ ،‬أو كأننا‬ ‫نراها في برنامج رباعي أ‬ ‫البعاد‪ ،‬على اعتبار أن المشهد الواقعي‬ ‫الطبيعي يجري في برنامج ثالثي أ‬ ‫البعاد‪.‬‬ ‫تقول‪" :‬أحب اللون أ‬ ‫البيض‪ ،‬ألني أعتقد أن من البياض يبدأ كل‬ ‫شيء‪ ،‬فمنه تخرج ألوان الطيف كلها‪ ،‬ومنه تبدأ الحياة حين يُ ْلف‬ ‫بالبيض‪ ،‬وترتدي العروس أ‬ ‫المولود الجديد أ‬ ‫البيض في ُعرسها‬


‫إنه قمر وليس برتقالة (‪)2014‬‬ ‫عندما يغير المعنى أ‬ ‫الشياء‬ ‫ِّ‬

‫ال يكفي أن تكون أنت في النور حتى ترى‪ ،‬بل يجب أن يغمر النور ما تنظر إليه‬ ‫عيناك حتى ترى‪( ..‬جالل الدين الرومي)‬

‫كالهواء الذي يتسرب إلى النور ‪ ..‬وينطلق حراً في فكره وتجلياته وبصيرته‪ ،‬بال ارتداد أفق ممتد‬ ‫ينكشف بالبصيرة ويتماهى إلى أبعد من ارتداد للبصر‪.‬‬ ‫تعدد المعنى‬ ‫لذا جاء هذا المعرض فلسفياً بداللة اسمه ( إنَّه قمر وليس برتقالة ) مستوحى من ّ‬ ‫اللفظي في اللغة العربية‪ ،‬واعتماده على السياق الذي ورد فيه ليتوقف عند محطات أعتبرها أنا‬ ‫تفاصيل ربما هي صغيرة بالنسبة للبعض وال يعيرها اهتماماً لتكرارها والتصاقها وقربها منه‪ .‬لكنها‬ ‫تعني للبعض آ‬ ‫الخر منا كثيراً‪ ،‬وتبنى عليها المعرفة لتأثرها بمواقف عديدة نصافحها مراراً في اليوم‬ ‫الواحد من (انتقال‪ ،‬تغريب‪ ،‬حضارة‪ ،‬عولمة‪ ،‬زمن‪ ،‬حرب‪ ،‬سالم‪ ،‬وسائل التواصل االجتماعي)‪.‬‬

‫لتنطلق في حياة جديدة‪،‬‬ ‫وكذلك حين يُلف الراحلون‬ ‫الخرى أ‬ ‫إلى الحياة أ‬ ‫بالبيض‪،‬‬ ‫إنه قمر وليس برتقالة "‪ "80x100cm‬اكريلك عىل قماش‪2013 ،‬‬ ‫وهذه نهاية لحياة وبداية‬ ‫لحياة جديدة‪ .‬كأن كل شيء يبدأ من أ‬ ‫البيض وينتهي إليه"‪.‬‬ ‫وإلى ذلك‪ ،‬يضاف ترتيب ونظافة ال يتناسبان مع الصورة النمطية‬ ‫الرسامين الذين يعيثون الفوضى في أماكن عملهم‪ ،‬ألنهم‬ ‫لمراسم ّ‬ ‫منشغلون بأفكارهم وعوالم خياالتهم وأنفاق الوعيهم‪ ،‬على ما‬ ‫تروج "التصنيفات المسبقة" لشخصيات الفنانين‪ .‬وقد يكون هذا‬ ‫ّ‬ ‫الترتيب الملموس من نتائج التكوين النفسي والفكري لتغريد‪.‬‬ ‫فهي ترى أن الفوضى والتضاد داخل روحها ناتج عن كم أ‬ ‫السئلة‬ ‫ّ‬ ‫التي تحتاج إلى تفسير‪ ،‬فيكون المحيط الهادىء والمنظم معاكساً‬ ‫للفوضى‪ .‬وكانت قد كتبت حول هذا‬ ‫إن رؤيتي هذه انبثقت من‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫المر‪":‬حلقة دائرية‪ ،‬أفكار مزدحمة‪،‬‬ ‫بأن الرسم كفن‬ ‫شعوري‬ ‫َّ‬ ‫علي في كل يوم‪ ،‬وال أتذكر‬ ‫وجوه تمر َّ‬ ‫تعبيري بمنزلة تنفس‬ ‫منها سوى وجهي‪ ،‬بداخلي فوضى من‬ ‫وإطالق قوة كامنة خفية‬ ‫الكلمات وتساؤالت أرميها خلفي بعد كل‬ ‫عبور‪ ،‬تناقضات تشكلني يوماً بعد يوم‪،‬‬ ‫أعرفني باندفاعات تطفو على سطح اللوحة‪ .‬أ‬ ‫فالشياء تتشكَّل كل‬ ‫يوم بوجودي المختلف ومزاجي المتغير‪ ...‬وإن لم أكن كذلك لن‬ ‫أحب ذاتي"‪.‬‬ ‫بدايات مسارها‬ ‫منذ طفولتها كانت تغريد البقشي ترسم أ‬ ‫باللوان التي يجلبها‬ ‫ليشجعها على الرسم‪ ،‬وكانت تحلم أن تصبح َّرسامة‬ ‫لها والدها ِّ‬ ‫أ‬ ‫مشهورة‪ ،‬وحين يسألها القارب أو المعلِّمة ماذا تريدين أن تكوني‬ ‫"رسامة"‪ .‬لم تكن الجامعات السعودية قد‬ ‫حين تكبرين‪ ،‬كانت ترد‪ّ :‬‬ ‫افتتحت فروعاً للفنون في أواسط التسعينيات من القرن الميالدي‬ ‫الماضي‪ ،‬فدرست اختصاص "علوم وتربية" الذي يضم من‬ ‫بين مواده التعليمية بعض الحصص الفنية‪ ،‬كالرسم والخياطة‪.‬‬ ‫لتنمي قدراتها‪ .‬ثم راحت تتلقّى دورات‬ ‫واستغلّت تلك الحصص ِّ‬ ‫ورسامات في السعودية‪ ،‬قبل أن تتوجه بعد‬ ‫خاصة على يد ِّ‬ ‫مدربات َّ‬ ‫إنهائها اختصاصها الجامعي إلى سوريا‪ ،‬حيث درست في جامعة‬ ‫دمشق‪ ،‬إضافة إلى التحاقها بدورات خاصة أخرى على يد أستاذتها‬ ‫في الجامعة‪ .‬وأنهتها بدراسة الماجستير في اختصاص مناهج‬ ‫وطرق تدريس الفنون من جامعة الملك سعود بالرياض‪.‬‬

‫عملت الفنانة تغريد البقشي بجدية على صقل قدراتها وموهبتها‪،‬‬ ‫ودأبت على تلقي وتعلّم كل أنواع الفنون التشكيلية طالما تمكّ نت‪،‬‬ ‫الشياء أ‬ ‫فأتقنت رسم أ‬ ‫والشكال الواقعية‪ ،‬أو ما يسمى بالرسم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫"الكاديمي"‪ .‬وهذا ما يبدو واضحاً في لوحات معارضها الولى على‬ ‫أ‬ ‫كاديمية‬ ‫عتبة القرن الحالي‪ .‬ولكن طوقها‬ ‫للتحرر من القواعد ال َّ‬ ‫ّ‬ ‫ومن رسم المناظر‪ ،‬وإصرارها على إخراج ما يعتمل في نفسها وال‬ ‫وعيها ‪-‬خاصة وأنها كتبت نصوصاً نثرية شاعرية مبكراً‪ -‬جعلها تبحث‬ ‫عن خطّها التشكيلي الخاص الذي سيميزها الحقاً عن آ‬ ‫الخرين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وسيتحول إلى داللة على هويتها الفنية‪ .‬فتقول "انبثقت رؤيتي هذه‬ ‫ّ‬ ‫من شعوري أن الرسم كفن تعبيري بمنزلة تنفُّس وإطالق قوة كامنة‬ ‫خفية‪ .‬وهو مصنع لخلق الجديد‪ .‬فالوقوف أمام اللوحة يشعل‬ ‫التحدي بأن تخلق شكال ً جديداً مختلفاً وال يتكرر‪ .‬وهذا ال يتم بوعي‬ ‫وإدراك لما ستمتلئ به صفحة اللوحة البيضاء فقط‪ ،‬بل يحتاج‬ ‫إلى لحظات من "التخلّي" وإلى ترك الالوعي يخرج على غاربه‪.‬‬ ‫أحدد هويتي الفنية شكالً‪،‬‬ ‫وبهذه الطريقة‪ ،‬رويداً رويداً‪ ،‬رحت ِّ‬ ‫يتبدل بحسب الموضوع الذي أرسمه أو بحسب‬ ‫تاركة للمضمون أن ّ‬ ‫الحالة النفسية التي أكون فيها حين أرسم‪.‬‬

‫الزوايا الناعمة "‪ "100x100cm‬اكريلك عىل قماش‪2017 ،‬‬


‫‪77 | 76‬‬

‫من التعريف بمعرض "طفو" (‪)2015‬‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ينص مبدأ أرخميدس على أن قوة الدفع المؤثرة‬ ‫في جسم داخل سائل تساوي وزن الماء الذي‬ ‫يزيحه هذا الجسم‪ .‬هذا في صورته الفيزيائية‬ ‫التي قد ال تصح لقياس ردات فعل أو نتائج طفو‬ ‫النسان فيها هو العنصر المؤثر‪ ،‬حيث تنتج‬ ‫يكون إ‬ ‫انزياحات تزيد أو تقل بحسب الفرد ومزاجيته في‬ ‫وقت ما وبحسب تفاعالت محيطة متغيرة قريبة‬ ‫أو بعيدة مكانياً وزمانياً‪.‬‬ ‫إذاً هي مجموعة من النتائج المادية المتغيرة‬ ‫الناتجة عن ردات فعل إنساني مشترك بين قوة‬ ‫واحدة تمثل الفرد نفسه‪ ،‬أحياناً في صورة أفكار‬ ‫متضادة ناتجة عن فعل مشترك لقوة أو لقوتين أو‬ ‫أكثر متعكاسة أو ذاهبة في االتجاه نفسه‪.‬‬ ‫ويتوسع مفهوم الطفو ليشمل كل ما هو ملموس‬ ‫ّ‬ ‫ويظهر على سطح ما‪ ،‬كالماء والهواء أ‬ ‫والرض‪ ،‬أو‬ ‫هو حاالت مختلفة القراءات مثل المشاعر على‬ ‫اختالفاتها‪.‬‬

‫ين‬ ‫ب� بومة وسمك "‪ "80x100cm‬من مجموعة المنصورية‪ ،‬باريس ‪2017‬‬

‫ماذا قال الناظر إلى اللوحة؟‬ ‫تتناول تغريد البقشي المرأة كموضوع رئيس في لوحاتها‪ .‬المرأة‬ ‫الوحيدة في غرفتها أو المجتمعة مع غيرها من النساء في عالمهن‬ ‫المغلق يصاحبهن أحياناً فنجان قهوة‪ .‬والمرأة التي تنشد الحرية‬ ‫والطيران والطفو فوق الهواء والماء أ‬ ‫والرض (كان معرضها في‬ ‫البحرين عام ‪ 2015‬بعنوان "طفو")‪ .‬وغالباً ما يحتمل طرق موضوع‬ ‫المرأة بعض المحاذير حتى لو تناولته امرأة‪ .‬فتقول البقشي إن في‬ ‫بدايات إطالقها هويتها التشكيلية الخاصة‪ ،‬ووجهت باالستهجان‬ ‫والتردد في آ‬ ‫الراء التي تتناول إنتاجها سواء سلباً أو إيجاباً‪ ،‬وعلى‬ ‫ّ‬ ‫حد سواء من النقُّاد أو المجتمع أو المهتمين والمتابعين "وهذا‬ ‫ٍّ‬ ‫طبيعي‪ ،‬فكل جديد أو محاولة لكسر صور نمطية ستلقى تم ّنعاً في‬ ‫البداية‪ .‬لكن سرعان ما انقلب أ‬ ‫المر إلى احتفاء فعلي بنتاجي‪ ،‬بدءاً‬ ‫المقربة التي تقيم لي معرضاً سنوياً احتفا ًء بابنة العائلة‬ ‫من العائلة ّ‬ ‫تشرفها في الوطن‪ ،‬وكذلك من ِقبل النقاد وزوار المعارض‬ ‫التي ّ‬ ‫والعالم‪.‬‬ ‫والصحافة إ‬ ‫ونسألها كيف حصل هذا االنقالب في استقبال أعمالها؟ فتقول‪:‬‬ ‫"أعتقد أن الناظر في اللوحة يرى نفسه فيها‪ ،‬كما لو قرأ أحدهم‬ ‫قصيدة فشعر أن الشاعر يكتب عنه أو كتب القصيدة التي يريد‬ ‫معينة‪ ،‬ولكنهم‬ ‫كتابتها هو نفسه‪ .‬هناك كثر يعيشون حاالت نفسية َّ‬ ‫ال يتمكنون من التعبير عما يدور في خلدهم فنياً أو مادياً‪ ،‬فيأتي‬ ‫الفنان ليقوم بهذا الدور‪ .‬يمكن القول إن اللوحة هي مرآة الناظر‬ ‫إليها‪ ،‬وهو سيحبها ويفتتن بها إذا ما أرته ما يعتمل بين جنبات‬ ‫روحه‪ .‬وهذا ما يحدث كثيراً مع النساء اللواتي يحضرن معارضي‪،‬‬ ‫إذ إن المرأة موجودة بقوة في لوحاتي‪ ،‬ليس لكوني امرأة‪ ،‬فقط‪،‬‬

‫طفو "‪ "90x100cm‬اكريلك عىل قماش‪2015 ،‬‬

‫بل ألن موضع المرأة يحتمل ترجمته بطرق كثيرة ومختلفة‪ .‬وأنا‬ ‫تحول‬ ‫أجد أن المرأة السعودية من أقوى نساء العالم‪ ،‬إذ تجدها ّ‬ ‫هذه الظروف لصالحها‪ ،‬أي ال تدع الصعوبات تحبطها‪ ،‬بل تقويها‬ ‫لتتمكن من الخروج إلى الضوء والتعبير عن نفسها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الرسامين؟‬ ‫وماذا عن أثر تغريد البقشي في الجيال الشابة من َّ‬ ‫أ‬ ‫الثر أجده في المحاكاة‪ ،‬وهذا يؤكد نجاح وصدق التجربة‪ .‬فبعض‬ ‫الفنانين الشباب يحاكي اللوحات أو أ‬ ‫السلوب الخاص الذي أنتهجه‬ ‫سواء أكان بسبب الميل إلى طبيعة اللوحات وحب موضوعاتها‪،‬‬ ‫ودراسة بعض النماذج بشكل إيجابي‪ ،‬أو ألنه يريد البدء بما انتهى‬ ‫آ‬ ‫أن هناك عدم وعي تجاه حقوق الفنان‬ ‫منه الخرون‪ .‬وأعتقد َّ‬ ‫أ‬ ‫البداعي الصيل والتفريق بين ما هو دراسة بعدم التوقيع‬ ‫وإنتاجه إ‬ ‫على العمل من جهة‪ ،‬وما هو انتهاك وسرقة أ‬ ‫للعمال الفنية من‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫ماذا عن النقُّاد؟‬ ‫اعتقد أن ال وجود لنقّاد حقيقيين للفن التشكيلي في المملكة‪.‬‬ ‫خصوصاً وأن هناك عالقات وتشابكات تقوم بين النقُّاد والفنانين‪.‬‬ ‫أ‬ ‫يضيق دائرة الفنانين الذين‬ ‫وربما يكون هذا المر طبيعياً‪ ،‬ولكنه ّ‬ ‫يسلط عليهم الضوء‪ ،‬ويتم ظلم بعض من يستحقون االهتمام‪.‬‬ ‫فكثير من نقّاد الصحف‪ ،‬غالباً ما يتناقلون أ‬ ‫الفكار النقدية من‬


‫"أساطير متغ ِّيرة " رحلة ‪ 2016‬باريس‬

‫اعتبر أن هذه التجربة كانت مهمة جداً في رحلتي الفنية‪ ،‬وأضافت كثيراً إلى رؤيتي‪.‬‬ ‫القامة الفنية في استديو المنصورية في مدينة‬ ‫كان ذلك في معرض فني في إ‬ ‫الفنون الباريسية‪ ،‬و تركَّزت فكرته على العالقة بين الفن والكتابة‪ ،‬فمنذ صغري أرى‬ ‫ويكبر المعنى ويزداد‬ ‫أكبر ُ‬ ‫العالم على أنه حكاية كبيرة‪ ،‬وأنا داخل كل الحكايات‪ُ .‬‬ ‫عمقاً يشف من الروح ما يستطيع العقل أن يحسه ويبنى عليه تصورات ذات أبعاد‬ ‫وجودية‪.‬‬ ‫يتجسد على شكل‬ ‫تامة‪،‬‬ ‫بفطرية‬ ‫يحضر‬ ‫الالوعي‬ ‫واستبطنه‬ ‫الذاكرة‬ ‫في‬ ‫كان‬ ‫كل ما‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫كائنات داخل العمل الفني‪ ،‬من "أسد ‪/‬تمساح ‪/‬سمك ‪ /‬بومة ‪/‬حوت‪ ...‬إلخ"‪،‬‬ ‫باعتبارها شريكة في هذا الكوكب‪ ،‬وباعتبارها موثقة في كتب التراث تتوالد معانيها‬ ‫ممتدة من حكايا "كليلة‬ ‫خاصا‪ ،‬يحمل مضامين أسطورية ّ‬ ‫وال تنتهي‪ ،‬تجري حديثاً ّ‬ ‫ودمنة" وما شابهها‪ ،‬مع منحوتات مبعثر ًة في أرجاء باريس تحكي قصصاً وتاريخ‬ ‫النسان والحيوان‪.‬‬ ‫حضارات معظمها بين إ‬ ‫بعضهم بعضاً حتى تبدو المقاالت مكررة ومتناسلة من بعضها‪.‬‬ ‫ليس هناك نقد بالمعنى المتخصص والعلمي والمحايد‪ .‬وما يثير‬ ‫استغرابي أكثر هو أن بعض الصحافيين يطلبون إجراء مقابلة‬ ‫لمناسبة معرض أو جائزة أو تكريم‪ ،‬ولكنهم يلجأون إلى إرسال‬ ‫أ‬ ‫السئلة الجاهزة‪ ،‬حتى يحصلوا على إجابات جاهزة‪ .‬وهذا النوع‬ ‫من المقابالت يفتقد للحياة وللتواصل المباشر بين الصحافي‬ ‫والناقد والفنان‪ ،‬وبالتالي بين الفنان والجمهور المتابع‪.‬‬ ‫وتضيف‪" :‬أعتقد أن على الناقد أن يكون على تماس مع الفنان‪،‬‬ ‫وأن يطّلع على المكان الذي يعمل فيه‪ ،‬ليتعرف عليه شخصياً‬ ‫واللوان أ‬ ‫ويحاول أن يفهم من أين تخرج الصور أ‬ ‫والفكار التي‬ ‫في لوحاته‪ ،‬كي يتمكن من كتابة مقالة نقدية أو دراسة صحافية‬ ‫أو قول رأي على أ‬ ‫القل‪ .‬لكني أعتقد أن تطوراً كبيراً في الذائقة‬ ‫الفنية لدى السعوديين يتجلّى في هذه المرحلة‪ ،‬وهذا ما يؤكده‬ ‫عدد زوار المعارض‪ ،‬والعدد الكبير للمعـــــارض التي تُقـــام في‬ ‫مناطق المملكة‪.‬‬ ‫متغ�ة "‪ "165x198cm‬اكريلك عىل قماش‪،‬باريس ‪2016‬‬ ‫أساط� ي‬ ‫ي‬

‫سيرة ذاتية‬

‫امرأة وكوب قهوة "‪ "30x30cm‬اكريلك عىل قماش‪2017 ،‬‬

‫تغريد البقشي فنانة تشكيلية سعودية‪ ،‬حصلت على شهادة ماجستير في مناهج التربية الفنية وتعمل‬ ‫مشرفة تربية فنية‪ .‬وهي عضو مؤسس في مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫البداع الحر لتصميم‬ ‫ُر ّشحت في عام ‪ 2002‬لوسكار الذهب العربي من خالل مشاركتها في مسابقة إ‬ ‫المجوهرات‪.‬‬ ‫أقامت البقشي أكثر من أربعة عشر معرضاً شخصياً وشاركت في أكثر من مئة معرض جماعي على‬ ‫المارات العربية‪ ،‬قطر‪ ،‬الكويت‪ ،‬دبي‪،‬‬ ‫المستوى المحلي والعالمي‪(.‬السعودية‪ ،‬مسقط‪ ،‬البحرين‪ ،‬إ‬ ‫المغرب‪ ،‬تونس‪ ،‬لبنان‪ ،‬مصر‪ ،‬الهند‪،‬النمسا‪ ،‬كوريا‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬أ‬ ‫الرجنتين‪ ،‬لندن‪ ،,‬الدانمارك‪ ،‬وباريس)‪.‬‬ ‫فازت بعديد من الجوائز على المستويين المحلي والخارجي‪ ،‬منها جائزة اقتناء المستوى أ‬ ‫الول في‬ ‫معرض الفنانات السعوديات‪ .‬وكانت أول امرأة سعودية تحصل على جائزة التميز التشكيلي ضمن‬ ‫فعاليات أ‬ ‫السبوع الثقافي لمهرجان هجر الثاني‪.‬‬ ‫ومن الجوائز أ‬ ‫الخرى التي حصلت عليها‪ :‬جائزة اقتناء المستوى الثاني في معرض الفنانات السعوديات‬ ‫الثالث‪ ،‬جائزة السعفة البرونزية في المعرض الدوري الثامن للفنون التشكيلية في مسقط‪ ،‬جائزة‬ ‫السفير للمركز الثاني في مركز الملك فهد الثقافي‪ ،‬جائزة المفتاحة للفنون التشكيلية‪ ،‬وجائزة الفن‬ ‫السعودي المعاصر‪.‬‬


‫‪79 | 78‬‬

‫بيت الرواية‬

‫تبدو الكتابة عن الصحراء مغامرة‪ ،‬وخاصة لكاتب من‬ ‫الجيل الجديد‪ ،‬الجيل الذي انعتق من الصحراء وصار ال‬ ‫يعود إليها إال مدججاً بسيارات الدفع الرباعي ووسائل‬ ‫التقنية التي تقيه من مخاطر الضياع والموت التي‬ ‫هددت أجداده آلالف السنين‪ ،‬كانت الصحراء أسلوب‬ ‫َّ‬ ‫حياة قاسياً ‪ ،‬مخاطر يومية وحالة مستمرة من إثبات‬ ‫الرجولة والتمسك بالتقاليد التي صيغت لتمنح اإلنسان‬ ‫فرصة أفضل في مواجهة كل ما ينتظره بين الكثبان‬ ‫الالمتناهية وضواريها‪ .‬وقد اختار الروائي الكويتي الشاب‬ ‫عبدالله البصيص هذه البيئة مسرحاً لروايته الجديدة‬ ‫"طعم الذئب"‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫فهد محمد الفهد‬

‫النسان للخوف‬ ‫مواجهة إ‬ ‫وثمنها ف ي� رواية البصيص‬


‫أ‬ ‫النسان‬ ‫النسان ذئب لخيه إ‬ ‫إ‬

‫جاءت هذه الرواية الصادرة حديثاً عن"المركز‬ ‫الثقافي العربي" في ‪ 222‬صفحة مقسمة على ثالثة‬ ‫فصول‪ ،‬وهي العمل الثاني للبصيص بعد روايته‬ ‫أ‬ ‫الولى "ذكريات ضالة" ( ‪ 2014‬م)‪.‬‬ ‫واستطاع البصيص بلغته الشاعرية‪ ،‬ومعرفته‬ ‫الجيدة بمفردات الصحراء وجغرافيتها وتقاليدها‪،‬‬ ‫إعادة بعث تلك أ‬ ‫الزمنة الضائعة‪ ،‬مقدماً لقارئه‬ ‫قصة صحراوية ممتزجة بصوت الربابة‪ ،‬وأبيات‬ ‫التشبيب‪ ،‬وصيحات الفرسان‪ ،‬وعواء الذئاب‪،‬‬ ‫وألوان الكثبان والنفود ونباتات الثندة والعرفج‬ ‫والرمث‪ ،‬مع رائحة الخزامى والهيل ومذاق الشيح‬ ‫والجثجاث والذئب‪.‬‬

‫‪ ‬صحراء الذئاب‬

‫تطالعنا على غالف الكتاب صورة نصفية‬ ‫لذئب‪ ،‬تتضافر مع العنوان الغريب "طعم‬ ‫الذئب"‪ ،‬وحقيقة أن بطل الرواية يحمل اسم‬ ‫ذيبان‪ ،‬وهو اسم يأتي في البيئة المحلية كصفة‬ ‫تعبر عن قوة ودهاء وشجاعة الشخص‬ ‫امتداحية ِّ‬ ‫الموصوف بها‪ ،‬رغم أن البطل هنا بعيد كل‬ ‫البعد عن هذه الصفات‪ .‬وال تقف رمزية الذئب‬ ‫الحد‪ ،‬بل يحضر الذئب فعال ً عندما‬ ‫عند هذا ّ‬ ‫يخوص البطل تجربة تطهرية مع ذئب يطارده‪.‬‬ ‫النسان‬ ‫ففيما يمثل الذئب أحد أعدى أعداء إ‬ ‫ضار شرس متحفز دوماً الفتراس‬ ‫الصحراوي‪،‬‬ ‫الغنام وراعيها ٍإن لزم أ‬ ‫أ‬ ‫المر‪ ،‬يستعيد البصيص‬ ‫هذا الكائن ليمنحه رمزية فلسفية في روايته‪.‬‬ ‫فالذئب الذي يطارد البطل ويكاد يفتك به لوال‬ ‫لجوؤه إلى جحر ضيق‪ ،‬يصبح الحقاً وفي أحداث‬ ‫تبدو كهلوسة غريبة‪ ،‬حكيماً يدل البطل إلى‬ ‫الطريق التي يتخلص من خاللها من المباالته‬ ‫وخوفه وإيثاره للسالمة‪ ،‬وهي الحال التي قادت‬ ‫ذيبان إلى الطرد من مجتمعه الصحراوي القاسي‪،‬‬ ‫حيث ال مكان إال للرجال الذين يتصرفون‬ ‫كذئاب ضارية‪.‬‬

‫نستعيد ونحن نتتبع قصة حياة ذيبان وعذاباته‬ ‫ولقائه الخاص مع الذئب مقولة الفيلسوف‬ ‫النجليزي توماس هوبز التي بنى عليها فلسفته‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫النسان‪ ،‬والكل في‬ ‫"النسان ذئب لخيه إ‬ ‫السياسية إ‬ ‫حرب ضد الكل‪ ،‬والواحد في حرب ضد المجموع"‪،‬‬ ‫النسان وطبيعته هو الشر‬ ‫إذ يرى هوبز أن أصل إ‬ ‫والكيد آ‬ ‫للخرين ومحاولة إيذائهم لتحقيق مصالحه‬ ‫الشخصية‪ .‬لقد واجه ذيبان الذئاب البشرية طيلة‬ ‫حياته‪ :‬واجهها في مجتمعه الصغير‪ ،‬فرغم إيثاره‬ ‫للسالمة وعدم استفزازه ألحد إال أنه لم يسلم‬ ‫من المضايقات والسخرية والضرب‪ ،‬وعاش مهدداً‬ ‫داخل خيمته من والدته التي لطالما الحقته‬ ‫بتأنيبها‪ ،‬وخيبة أملها في أن يخلف زوجها الميت‪،‬‬ ‫الفارس المهاب وشيخ القبيلة‪ ،‬ابن رعديد ساكت‬ ‫عن حقه‪ .‬لهذا نجدها في إحدى غضباتها تقول‬ ‫لذيبان "أريدك ذئباً أ‬ ‫تمل العين مثل أبيك"‪ .‬أما‬ ‫فيتحول اسم ذيبان إلى كوبان وهي‬ ‫خارج الخيمة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫كلمة احتقارية تظهر النظرة الدونية لهذا الشاب‬ ‫الذي يقضي وقته عند الغدير‪ ،‬مغنياً للفتيات على‬ ‫ربابته‪ .‬ويستكمل البصيص تشكيل الحالة الدونية‬ ‫لبطله عندما يكشف إصابته بعنة دائمة‪ ،‬سببتها‬ ‫تعرض لها في طفولته‪ .‬وال يغفر‬ ‫ثالثة حوادث َّ‬ ‫الرجال لذيبان ضعفه‪ ،‬فيحاولون إثبات رجولتهم‬ ‫الناث‪ ،‬وتحديداً أمام‬ ‫على حسابه وخاصة أمام إ‬ ‫غالية الفتاة التي فتنها شعر ذيبان وجرته للربابة‪،‬‬ ‫وفتنته هي بجمالها وضحكتها‪ ،‬الضحكة التي‬ ‫ستقلب الحقاً حياة ذيبان وتدفعه إلى قتل أحد‬ ‫أقرانه‪.‬‬

‫‪ ‬طعم الذئب‬

‫‪ ‬يطرد ذيبان من هذا المجتمع الذي كان يرفضه‬ ‫في كل يوم‪ .‬يطرد ألنه لم يستطع الصمود‪ .‬فبقتله‬ ‫متعب الغصاب ولجوئه إلى خاله ابن باتل يثير‬ ‫ذيبان حرباً انتقامية بين القبيلتين‪ ،‬يقتل فيها اثنان‬ ‫من أبناء خاله‪ ،‬وتتفق القبيلتان على ّ‬ ‫حل الصراع‬ ‫بمبارزة بين ذيبان وحميدان – أخ القتيل‪ ،-‬ولكن‬ ‫ذيبان يبول على نفسه وسط المبارزة التي كان‬ ‫يفترض فيه أن يدافع من خاللها عن نفسه أو‬ ‫يموت بشرف‪ .‬و هكذا يطرد ذيبان فيحاول الوصول‬ ‫إلى الكويت‪ ،‬قاطعاً الصحراء لاللتحاق بإحدى‬ ‫القوافل‪ ،‬ولكنه وقد و َّدع مجتمع الذئاب البشرية‪،‬‬ ‫تتمدد مواجهة‬ ‫يجد نفسه مطارداً من ذئب حقيقي‪َّ .‬‬ ‫ذيبان للذئب على طول الفصل الثاني‪ ،‬وتذكرنا‬ ‫النسان فيها‬ ‫النسانية التي واجه إ‬ ‫بكل الروائع إ‬ ‫مخاوفه وهواجسه وهمومه من خالل مواجهته‬ ‫للطبيعة وكائناتها‪ .‬نتذكر سانتياغو العجوز وصراعه‬ ‫مع السمكة الضخمة في رائعة إرنست هيمنغواي‬ ‫"العجوز والبحر"‪ ،‬ونتذكَّر القبطان آهاب وحوته‬ ‫في رائعة هرمان ملفيل "موبي ديك"‪ ،‬كما نتذكَّر‬

‫باي ونمره في رواية "حياة باي" ليان مارتل‪ ،‬وغير‬ ‫ذلك كثيراً من حكايات الحيوانات في خرافات‬ ‫إيسوب أو "كليلة ودمنة" لعبدالله بن المقفع‪.‬‬ ‫يحاول ذيبان النجاة من الذئب باللجوء إلى جحر‬ ‫صغير‪ ،‬يكمن فيه بطريقة جنينية تلمح إلى ما يشبه‬ ‫الوالدة الجديدة عندما يخرج ذيبان من الجحر‬ ‫الحقاً‪ ،‬يحاول الذئب إخراج ذيبان فينشب مخالبه‬ ‫في كتفه ويمزق يده‪ ،‬فيرد ذيبان عاضاً يد الذئب‬ ‫بقوة تجعله يتذوق طعم الذئب الغريب الذي‬ ‫تحول ذيبان‬ ‫تختلط فيه الحالوة بالمرارة‪ .‬نرصد ُّ‬ ‫الروحي عندما نالحظ تصميمه على النجاة‪ ،‬وهو‬ ‫من انطرح البارحة أمام خصمه الملوح بسيفه‪.‬‬ ‫التبول على نفسه‬ ‫نالحظ ذلك في إصراره على عدم ُّ‬ ‫مرة أخرى رغم انتفاخ مثانته في الجحر الذي حاصره‬ ‫الذئب فيه بتلك الوضعية المؤلمة لليلة كاملة‪.‬‬

‫أنا ذئب‬

‫يقدم لنا البصيص في الفصل الثالث من الرواية‬ ‫ِّ‬ ‫فر من الجحر‬ ‫الذي‬ ‫لبطله‬ ‫هذيانية‬ ‫روحية‬ ‫تجربة‬ ‫ّ‬ ‫إلى شجرة أثل‪ ،‬تسلَّقها وقضى فوقها ليلته الثانية‪.‬‬ ‫يعيش ذيبان خالل ما تبقى من الكتاب تجربة‬ ‫غريبة‪ ،‬يتحاور ويتصادق خاللها مع الذئب‪ ،‬بل‬ ‫يقضي معه ليلة ممتعة حول النار يعامله الذئب‬ ‫خاللها كصديق‪ ،‬ويفيض عليه من تجربته‪ .‬وخالل‬ ‫حياة ذيبان كلها‪ ،‬لم يعامله أحد بمثل هذا الحنو‬ ‫واللطف الذي عامله به الذئب‪ .‬فتبدو لنا مقولة‬ ‫توماس هوبز هنا معكوسة‪ ،‬فالذئب إنسان ألخيه‬ ‫الذئب‪ ،‬هكذا يهتف ذيبان متحمساً‪:‬‬ ‫ حسناً‪ ،‬أريد أن أصبح ذئباً‬‫ ال تقل أريد أن أكون ذئباً‪ ،‬أجزم‪ ،‬قل أنا ذئب‬‫ أنا ذئب‬‫ بصوت أعلى رفع ذيبان صوته‪:‬‬‫ أنا ذئب‬‫أووووووو‬ ‫ويختتم البصيص روايته بالعواء الذئبي الشهير‪،‬‬ ‫وببطله محاصراً في القرية التي لجأ إليها عندما‬ ‫تخلَّص من الذئب بعدما ذاق طعمه وتشرب‬ ‫حكمته‪ .‬هل كان على ذيبان أن يعود إلى المجتمع‬ ‫البشري الذئبي‪ ،‬حيث يترصد له الجميع ويحاولون‬ ‫النيل منه‪ ،‬أم كان عليه البقاء في الصحراء التي‬ ‫قدم له أحد ذئابها ليلة من أفضل ليالي حياته؟‬ ‫َّ‬ ‫عبرت عنه‬ ‫الذي‬ ‫الكبير‬ ‫الرواية‬ ‫سؤال‬ ‫هو‬ ‫هذا‬ ‫َّ‬ ‫صرختا ذيبان "أنا ذئب" و"أووووووو"‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪81 | 80‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫الحقيقة‬ ‫والرواية‬ ‫بقلم‬ ‫علي جازو‬

‫نسبيةٌ ‪ ،‬وإنها تبعاً لذلك‬ ‫يُقال لنا إن الحقيقة ّ‬ ‫متغ�ةٌ‪ ،‬كما أنها ربما تحمل نوعاً من تجريد‬ ‫يّ‬ ‫أ‬ ‫الوقائع وسلخها عن ظروف نشأتها الوىل‬ ‫أ‬ ‫غ�‬ ‫والساسية‪ .‬عىل هذا االعتبار السائد‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫غ�ه من االعتبارات‪ ،‬حول قوة‬ ‫المشكوك ي� صوابيته ورجحانه عىل ي‬ ‫وتغ�ها‪ ،‬سوا ٌء ف ي� إطارها االجتماعي أو‬ ‫الحقيقة وظرفيتها المتبدلة ي ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫منطقيةً‬ ‫حجةً‬ ‫‪ ،‬لها ما بي�رها‬ ‫د�‪ ،‬وهو االعتبار الذي يملك ي� ظاهره‬ ‫ال ب ي‬ ‫ئ‬ ‫اختيار الحقيقة سنداً لكتابة الرواية‪ ،‬وهل‬ ‫للروا�‬ ‫يمكن‬ ‫عقلياً‪ ،‬كيف ُ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫بحد ذاتها يك تشكِّل قيمة أدبية وإبداعية إضافية وجديدة؟‬ ‫هي كافية ّ‬ ‫تحمل الحقيقة ف ي� جوهرها طابع الكشف عما هو مستور‪ ،‬إنها عمل‬ ‫ضد الكذب وضد ما هو مزيَّف‪ ،‬كما أنها تحيل ضمناً عىل ما يتفادى‬ ‫غ� حقيقي‪ .‬ض‬ ‫يقت� الكشف هنا إزالة اللبس‬ ‫ويتجنب كل ما هو ي‬ ‫ي‬ ‫الكشف لغةً وأسلوباً‬ ‫محددة‪ ،‬وبذلك يحتاج‬ ‫ُ‬ ‫عن حادثة أو وقائع َّ‬ ‫إىل التوضيح ش‬ ‫والتفس�‪ .‬كما أن هذا الطابع الكشفي للكتابة‬ ‫وال�ح‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫الروائية ت‬ ‫الروا� واحداً من الذين يقفون داخل‬ ‫المف�ضة‪ ،‬يجعل من‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ثان هو القارئ والمتلقي الذي يعد‬ ‫فئة‬ ‫العارف� بالحقيقة‪ ،‬إزاء ٍ‬ ‫طرف ٍ‬ ‫ن‬ ‫الجاهل� بالحقيقة المروية‪ ،‬الذين ينبغي‬ ‫لذلك منضوياً داخل فئة‬ ‫ي‬ ‫نقلها إليهم ت‬ ‫ح� يتجاوزوا الجهل إىل المعرفة‪.‬‬ ‫عىل هذا أ‬ ‫الساس تحمل الرواية المعتمدة عىل الحقيقة وحدها‪،‬‬ ‫ئ‬ ‫ٌ‬ ‫الروا� ٌ‬ ‫جاهل‪ .‬ليس هذا‬ ‫عارف وأن القارئ‬ ‫رسالة مضمرة مفادها أن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫وحسب ما يُ ش‬ ‫خ� منه ف ي� هذا الصدد‪ ،‬بل إن العالقة يب� القارئ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫تابع‪،‬‬ ‫والروا� تحمل سمات العالقة يب� الستاذ والتلميذ‪ ،‬فال ي‬ ‫خ� ٌ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫فيما الول متبو ٌع‪ ،‬وعىل أساس هذه العالقة تُ نب� سلطةٌ معرفيةٌ‬ ‫كامنةٌ ‪ ،‬تكون فيها الغلبة للكاتب عىل حساب القارئ‪ ،‬أ‬ ‫فالول منتج‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الد�‪ ،‬فيما الثا�ن‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫الثا� مستهلك‪ ،‬كما أن للول حصانة المقام ب ي‬ ‫فيما ي‬

‫واحد من ي ن‬ ‫معرفة‪ .‬من جهة‬ ‫ذات‬ ‫ب� ي‬ ‫كث�ين‪ ،‬أي إنه ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ذات نكر ٌة أمام ٍ‬ ‫ت‬ ‫ال� تعتمد عىل الحقيقة وحدها‪ ،‬طابعاً‬ ‫ثانية تحمل لغة الرواية‪ ،‬ي‬ ‫لغةً‬ ‫تركي�‬ ‫مستوى‬ ‫ذات‬ ‫تعتمد‬ ‫تقريرياً توضيحياً‪ ،‬أي إنها‬ ‫ب ي واحد ال‬ ‫ئ‬ ‫ز‬ ‫يا� بما‬ ‫تخرج عنه‪ ،‬إال فيما ندر‪ ،‬عدا إخالصها للزمن التتابعي ي‬ ‫الف� ي‬ ‫النفس الذي قد يعكّر من‬ ‫توال منطقي ال يقيم حساباً للزمن‬ ‫هو ٍ‬ ‫ي‬ ‫النفس الذي‬ ‫الزمن‬ ‫إن‬ ‫إذ‬ ‫الرواية‪،‬‬ ‫صفحات‬ ‫عىل‬ ‫الحقيقة‬ ‫مياه‬ ‫جريان‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫يجا� طابع الحقيقة‬ ‫قد يكون عبارة عن‬ ‫ٍ‬ ‫تداعيات وتشققات وفراغات‪ ،‬ي‬ ‫ذات الكتلة النفسية الواحدة المتينة‪ ،‬ت‬ ‫ال� ال تقبل التقطع والتمزق‬ ‫ي‬ ‫والمفارقة‪ .‬كما أن الرواية عىل هذه الحال بالتأكيد تكون خارج الزمن‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تعتمد‬ ‫الذي ي�اكب وينقطع ويتداخل‪ ،‬كما هو الحال ي� الكتابة ي‬ ‫عىل طابع حلمي‪ ،‬حيث يمكن للحلم بما هو فسحة خيال ش‬ ‫م�عة أبداً‬ ‫ّ‬ ‫لكل ما هو خارج السيطرة واالنضباط والمنطق‪ ،‬أن بي�ز ويتشكَّل‪.‬‬ ‫هكذا ترتبط الرواية ذات المرجعية المنطقية‪ ،‬أي اعتمادها عىل مبدأ‬ ‫جهة‪ ،‬وبلغة ال تتجاوز ما هو‬ ‫الحقيقة هنا‪ ،‬بالسلطة والسطوة من ٍ‬ ‫ن‬ ‫تبعيةً مع القارئ يكون فيها‬ ‫عالقة‬ ‫تب�‬ ‫ّ‬ ‫مألوف من جهة ثانية‪ ،‬كما أنها ي‬ ‫ئ‬ ‫الروا� هو السيد والمسيطر‪ ،‬طالما أنه هو العارف بالحقيقة‪،‬‬ ‫الكاتب‬ ‫ي‬ ‫وهو الذي يقوم بنقلها إىل القارئ الجاهل‪.‬‬ ‫ما يجدر بنا التحذير منه ف ي� هذا المقام ليس الحقيقة بما هي جوهر‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫وإنسا�‪ .‬إنما ما يترسب تحت ثياب الحقيقة إىل‬ ‫أخال�‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫متعال ومبدأ أ ي‬ ‫غ�‬ ‫خ�ة تخرس فرصة كتابة مختلفة‪ ،‬وإبداع لغة ي‬ ‫لغة الرواية‪ ،‬فال ي‬ ‫مستهلكة‪ ،‬ليست ض‬ ‫بال�ورة ضد الحقيقة‪ .‬إنها تخرس ما هو مفاجئ‬ ‫تترسب‬ ‫وغريب لصالح ما هو شائع وأليف‪ ،‬فآلية المراقبة‬ ‫والدقة َّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تشكك ي� صواب نقل‬ ‫إىل السلوب‪ ،‬وهذا ما يعيدنا إىل البداية ي‬ ‫ع� الرواية‪.‬‬ ‫الحقيقة ب‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫تقنيات تطويره‬ ‫ووعودها ومحاذيرها‬

‫تقرير القافلة‬

‫الذكاء‬ ‫االصطناعي‬


‫‪83 | 82‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ً‬ ‫تقريبا‪ ،‬اخترع اإلنسان اآللة البخارية التي ّ‬ ‫تفوقت على القدرة العضلية‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫قبل ‪ 200‬عام‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ولكن كثيرا من‬ ‫تطورت فيه الصناعة وجلبت كثيرا من الخير للجنس البشري‪.‬‬ ‫بشيرا لعصر‬ ‫اآللة‬ ‫المفكرين ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫محله‪.‬‬ ‫ستحل‬ ‫حذروا في حينه من أنها ستسبّ ب بطالة كل من‬ ‫ّ‬ ‫التفوق على القدرة‬ ‫واليوم‪ ،‬يسعى العلماء إلى اختراع "الذكاء االصطناعي"‪ ،‬الذي ُيتوخى منه‬ ‫ّ‬ ‫يتحدث عنه الباحثون‪ ،‬يمتد نحو سنوات عشر‪ ،‬قبل أن يصل هذا‬ ‫البشرية العقلية‪ .‬واألفق الذي‬ ‫الذكاء االصطناعي إلى تفوقه هذا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التقدم المثير في صنع "آلة العقل" هذه‪ ،‬وكيف تطورت منذ عام ‪،1956‬‬ ‫فما هي قصة هذا‬ ‫ً‬ ‫واجتازت عتبة مهمة عام ‪2012‬؟ وهل ُيخشى فعال على العمالة البشرية منها؟‬

‫ظهرت عبارة "الذكاء االصطناعي" أوال ً ف ي� بحث‬ ‫كُتب عام ‪ ،1956‬ت‬ ‫تقدماً‬ ‫اق�ح فيه كاتبه أن ُّ‬ ‫آ‬ ‫كب�اً يُمكن تحقيقه‪ ،‬لو أمكن للالت "أن ّ‬ ‫تحل‬ ‫ي‬ ‫ال� ال يحلّها آ‬ ‫المسائل ت‬ ‫الن سوى ش‬ ‫الب�"‪ ،‬ورأى‬ ‫ي‬ ‫أن هذا ممكن فيما "لو َخ ّصصت مجموعة‬ ‫مختارة بعناية من العلماء‪ ،‬فصل صيف للعمل‬ ‫معاً"‪ .‬ي ّ ن‬ ‫وتب� فيما بعد أن هذا القول متفائل‬ ‫ث‬ ‫تقدم‬ ‫أك� من اللزوم‪ .‬فعىل الرغم من طفرات ّ‬ ‫موضعية من وقت آلخر‪ ،‬انتهى أ‬ ‫المر بالقول‬ ‫إن الذكاء االصطناعي يَ ِعد ث‬ ‫بكث� مما يمكنه‬ ‫أك� ي‬ ‫أن يحقق‪ .‬وخلص معظم العلماء إىل تج ّنب‬ ‫وفضلوا الحديث عن‬ ‫عبارة "الذكاء االصطناعي"‪ّ ،‬‬ ‫الخب�ة" أو "الشبكات العصبية"‪ .‬ولم يُ َر ّد‬ ‫"النظم ي‬ ‫يستعد‬ ‫االعتبار لعبارة "الذكاء االصطناعي"‪ ،‬ولم ِ‬ ‫العلماء الحماسة له‪ ،‬إال ف ي� عام ‪ ،2012‬مع ظهور‬ ‫"تحدي شبكة الصور" (‪Image Net‬‬ ‫يسمى ّ‬ ‫ما ّ‬ ‫‪.)Challenge‬‬

‫عتبة عامي ‪ 2012‬و‪2015‬‬

‫وشبكة الصور هذه هي قاعدة بيانات عىل‬ ‫الشبكة الدولية‪ ،‬تضم ي ن‬ ‫مالي� الصور‪ ،‬مع كالمها‬ ‫المكتوب باليد‪ .‬فلكل كلمة‪ ،‬تدخل الشبكة‪،‬‬ ‫مثل كلمة "كرة" أو "فراولة"‪ ،‬تحتوي الشبكة‬ ‫ت‬ ‫ال� تحمل هذا العنوان‪.‬‬ ‫عىل مئات الصور ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تجريها شبكة الصور‬ ‫والمباراة السنوية ي‬ ‫ين‬ ‫تقدمهم‬ ‫تشجع‬ ‫المشارك� عىل التباري وقياس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫تتعرف عىل الصور‪ ،‬وتضع‬ ‫ي� جعل الحواسيب ّ‬ ‫لها عنواناً‪ ،‬عىل نحو يآل‪ .‬ويجري تدريب نُظُم‬ ‫هذه المباراة أوال ً باستعمال مجموعة من الصور‬ ‫عليها العناوين الصحيحة‪ ،‬ثم يُسأل المتباري أن‬ ‫يضع آلياً بحاسوبه عناوين صحيحة لصور لم‬ ‫يرها من قبل‪ .‬وفيما بعـد‪ ،‬تنظَّــم ورش عمل‬ ‫يشـارك فيها الرابحون‪ ،‬ويتبادلون تقنياتهم ال�ت‬ ‫ي‬ ‫استخدموها ويناقشونها‪.‬‬

‫خلص معظم العلماء‬ ‫إلى ّ‬ ‫تجنب عبارة‬ ‫"الذكاء االصطناعي"‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وفضلوا الحديث عن‬ ‫"النظم الخبيرة" أو‬ ‫"الشبكات العصبية"‬


‫ف ي� عام ‪ ،2010‬تمكَّن النظام الرابح من عنونة‬ ‫‪ %72‬من الصور بشكل صحيح‪ ،‬ش‬ ‫(الب�‬ ‫ف‬ ‫و� سنة ‪،2012‬‬ ‫يستطيعون بلوغ نسبة ‪ .)%95‬ي‬ ‫استطاع فريق يرأسه جيف هنتون‪ ،‬من جامعة‬ ‫تورنتو‪ ،‬أن يحقق قفزة‪ ،‬بلغت نسبة الدقة فيها‬ ‫تسمى "ديب يل�ننغ"‬ ‫‪ ،%85‬بفضل تقنية جديدة‪ّ ،‬‬ ‫(‪ .)Deep Learning‬وقد أدت هذه التقنية إىل‬ ‫تقدم رسيع‪ ،‬وصل فيما بعد إىل نسبة دقة‬ ‫ّ‬ ‫بلغت ‪ ،%96‬ف ي� مباراة شبكة الصور‪ ،‬سنة ‪،2015‬‬ ‫وبذلك أمكن تجاوز القدرة ش‬ ‫الب�ية ألول مرة‪.‬‬ ‫أُ ِقر لنتائج سنة ‪ 2012‬بأنها حقَّقت ت‬ ‫اخ�اقاً‪ ،‬لكنها‬ ‫ّ‬ ‫اعتمدت ف ي� الواقع عىل "تنسيق عنارص كانت‬ ‫موجودة من قبل"‪ ،‬كما يقول يوشوا بنجيو‪ ،‬عالم‬ ‫الحواسيب ف� جامعة ت‬ ‫مون�يال‪ ،‬وهو إىل جانب‬ ‫ي‬ ‫هنتون وقلة آخرين‪ ،‬يُ َع ّدون رواداً ف ي� تقنية "ديب‬ ‫يل�ننغ"‪ .‬ف ي� الجوهر‪ ،‬تستخدم هذه التقنية‬ ‫مقادير هائلة من القدرة الحاسوبية وكميات وافرة‬ ‫من معلومات التدريب منذ بداية أبحاث الذكاء‬ ‫االصطناعي‪ .‬وهذه التقنية مستوحاة بيولوجياً من‬ ‫خاليا عصبية اصطناعية‪ ،‬أو خاليا دماغية‪.‬‬

‫دور دراسة الدماغ البشري‬

‫الب�ي البيولوجي‪ ،‬يمكن ي ز‬ ‫ف ي� الدماغ ش‬ ‫تحف� كل‬ ‫خلية عصبية بواسطة خلية عصبية أخرى‪ ،‬تنقل‬ ‫معينة‪ .‬ويمكن للخلية المتلقية‬ ‫إليها معلومة ّ‬ ‫ف‬ ‫عندئذ أن تحفّز خاليا عصبية أخرى‪ .‬ي� الشبكة‬ ‫ٍ‬ ‫ش‬ ‫العصبية االصطناعية البسيطة‪ ،‬توجد �يحة‬ ‫متلقّية تخزن المعلومات ف ي� الخاليا العصبية‪،‬‬

‫مشاريع الذكاء االصطناعي وتمويلها‬

‫ين‬ ‫(بمالي� الدوالرات)‬ ‫التمويل‬

‫عدد المشاريع‬ ‫‪30‬‬

‫‪200‬‬

‫‪24‬‬

‫‪160‬‬

‫‪18‬‬

‫‪120‬‬

‫‪12‬‬

‫‪80‬‬

‫‪6‬‬

‫‪40‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪2016‬‬

‫‪2015‬‬

‫‪2014‬‬

‫‪2013‬‬

‫‪2012‬‬

‫‪2011‬‬

‫المصدر‪CB Insights :‬‬

‫ش‬ ‫مرسلة تخرج منها المعلومات‪.‬‬ ‫و�يحة أخرى ِ‬ ‫وربما احتوت الشبكة العصبية االصطناعية‬ ‫ين‬ ‫يحت� ي ن‬ ‫ش� ي ن‬ ‫مختفيت� تجري فيهما معالجة‬ ‫أخري�‬ ‫ف‬ ‫المعلومات‪ .‬ولكل خلية عصبية ي� الشبكة "أوزان"‬ ‫و"وظيفة ي ز‬ ‫تحف�" تراقب إرسال مخزونها من‬ ‫ويتضمن تدريب الشبكة العصبية‪،‬‬ ‫المعلومات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫تعديل أوزان الخاليا العصبية‪ ،‬ح� يؤدي تلقي‬ ‫الرسال الصحيح‪.‬‬ ‫معينة‪ ،‬إىل إحداث إ‬ ‫معلومة ّ‬ ‫وقد بدأت "الشبكات العصبية االصطناعية"‬ ‫تسعينيات القرن‬ ‫تعطي نتائج مفيدة ف ي� بداية‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫التعـرف ‬ ‫الع�ين‪ ،‬عندما صارت قادرة عىل‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫عىل الرقام المكتوبة باليد مثــالً‪ .‬يغ� أن ‬ ‫محاولة جعلها تؤدي مهام ث‬ ‫أك� تعقيــداً‪ ،‬‬ ‫واجهت مشكالت‪.‬‬

‫ولكن ف� العقد ض‬ ‫الما�‪ ،‬تمكّ نت تقنيات جديدة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫من جعل تدريب الشبكات العميقة ممكناً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ال تن�نت‪،‬‬ ‫و� الوقت نفسه‪ ،‬أتاح اتّساع شبكة إ‬ ‫ي‬ ‫الحصول عىل مليارات المعلومات والوثائق‬ ‫والصور وأفالم الفديو‪ ،‬من أجل استخدامها‬ ‫ف ي� مهام التدريب‪ .‬ويحتاج كل هذا إىل قدرة‬ ‫ح� ي ّ ن‬ ‫كب�ة‪ ،‬صارت متاحة ي ن‬ ‫تب� ف ي� عام‬ ‫حاسوبية ي‬ ‫‪ 2009‬لعدد من فرق أ‬ ‫البحاث‪ ،‬أن وحدات‬ ‫المعالجة الغرافيكية‪ ،‬وهي ش‬ ‫ال�ائح المستخدمة‬ ‫ف ي� الحواسيب الشخصية وألعاب الفديو لرسم‬ ‫العد‬ ‫رسوم خيالية‪ ،‬تناسب أيضاً تشغيل نظم ّ‬ ‫ف ي� "ديب يل�ننغ"‪ .‬ووجد فريق أبحاث الذكاء‬ ‫االصطناعي ف ي� جامعة ستانفورد‪ ،‬يقوده أندرو‬ ‫إن جي‪ ،‬الذي انتقل فيما بعد إىل العمل مع‬ ‫"غوغل"‪ ،‬وهو آ‬ ‫الن يعمل مع "بايدو" عمالق‬ ‫ن‬ ‫الصي�‪ ،‬أن وحدات المعالجة‬ ‫ال تن�نت‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ترسع نظام "ديب يل�ننغ"‬ ‫أن‬ ‫يمكنها‬ ‫افيكية‬ ‫ر‬ ‫الغ‬ ‫ّ‬ ‫نحو مئة مرة‪ .‬وفجأة‪ ،‬صار تدريب شبكة عصبية‬ ‫من أربع ش�ائح‪ ،‬الذي كان يستغرق ف� ض‬ ‫الما�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عدة أسابيع‪ ،‬يستغرق آ‬ ‫الن أقل من يوم‪.‬‬


‫‪85 | 84‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫المتعددة الشرائح‬ ‫توسع الشبكات‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬

‫أظهرت نتائج شبكة الصور ما يمكن أن تقو به‬ ‫تقنية "ديب يل�ننغ"‪ .‬وأثارت اهتمام الكل‪ ،‬ال‬ ‫ين‬ ‫العامل� ف ي� الذكاء االصطناعي فقط‪،‬‬ ‫ف ي� محافل‬ ‫ين‬ ‫العامل� ف ي� التكنولوجيا‪ .‬ومنذئذ‪ ،‬صارت‬ ‫بل كل‬ ‫بكث�‪ :‬فالشبكات‬ ‫نظم "ديب يل�ننغ" أقوى ي‬ ‫المكونة من ‪ 20‬أو ‪ 30‬ش�يحة لم تعد نادرة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فصنع الباحثون ف‬ ‫مكونة‬ ‫شبكة‬ ‫"مايكروسوفت"‬ ‫�‬ ‫ّ‬ ‫من ‪ 152‬ش�يحة‪ .‬يوالشبكات أ‬ ‫العمق قادرة عىل‬ ‫أداء مستويات أعىل من التجريد وإيتاء نتائج‬ ‫أفضل‪ ،‬وقد أثبتت هذه الشبكات أنها قادرة عىل‬ ‫حل طيف واسع من المشكالت‪.‬‬ ‫آ‬ ‫يقول جون جيانندريا‪ ،‬رئيس فريق أبحاث اللة‬ ‫الذكية ف� "غوغل"‪ ،‬وهو مسؤول آ‬ ‫الن عن محرك‬ ‫ي‬ ‫متحمسون ف ي�‬ ‫بحث "غوغل" أيضاً‪" :‬إن الناس ّ‬ ‫هذا المجال‪ ،‬ألن تقنية التدريب "ديب يل�ننغ"‪،‬‬ ‫ف‬ ‫كث�ة"‪ .‬ذلك أن "غوغل"‬ ‫قابلة للتطبيق ي� ميادين ي‬ ‫تستخدم آ‬ ‫ين‬ ‫لتحس� جدوى‬ ‫الن "ديب يل�ننغ"‬ ‫نتائج البحث عىل الشبكة‪ ،‬وفهم أ‬ ‫المحكية‬ ‫الوامر‬ ‫ّ‬ ‫من الهواتف الذكية‪ ،‬ومساعدة الناس ف ي� العثور‬ ‫عىل صور معينة‪ ،‬ت‬ ‫واق�اح ردود آلية جاهزة للر ّد‬ ‫ّ‬ ‫ال ت‬ ‫ين‬ ‫وتحس� خدماتها‬ ‫لك�ونية‪،‬‬ ‫عىل الرسائل إ‬ ‫تل�جمة صفحات الشبكة من لغة إىل أخرى‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تقود نفسها من يغ� سائق‬ ‫فومساعدة سياراتها ي‬ ‫ي� فهم محيطها‪.‬‬

‫عليه"‬ ‫المش َرف‬ ‫تقنية "التع ّلم ُ‬ ‫أ‬

‫ف‬ ‫منوعة‪ .‬والسلوب‬ ‫تقنية "ديب يل�ننغ" أساليب ّ‬ ‫ي� أ ّ‬ ‫الوسع انتشاراً هو "التعلُّم ُ ش‬ ‫�ف عليه"‪.‬‬ ‫الم َ‬ ‫ويمكن استخدام هذه التقنية لتدريب نظام‬ ‫أ‬ ‫المؤ� عليها‪.‬‬ ‫بواسطة مجموعة من المثلة ش َّ‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية يغ� المرغوب فيها‪،‬‬ ‫فلغربلة الرسائل إ‬ ‫يمكن تجميع مقادير هائلة من المعلومات عن‬ ‫أمثلة الرسائل هذه‪ ،‬فتوضع عىل الرسائل إشارة‪:‬‬ ‫لغ� المرغوب فيها‪ ،‬أو‪)not spam( :‬‬ ‫(‪ )spam‬ي‬ ‫لغ�ها‪ .‬ويمكن تدريب نظام "ديب يل�ننغ" عىل‬ ‫ي‬ ‫رفع مستوى الدقة ف ي� تقييم الرسائل‪ ،‬أكانت‬ ‫مرغوباً فيها أم العكس‪ ،‬باستخدام قاعدة‬ ‫المعلومات هذه‪ ،‬وبتكرار العمل من خالل أمثلة‪،‬‬ ‫وتصحيح أ‬ ‫الوزان ف ي� الشبكة العصبية‪ .‬والحسنة‬ ‫الك�ى ف� هذا أ‬ ‫السلـوب‪ ،‬هي أن ال حاجــة‬ ‫ب ي‬ ‫لم�مج‬ ‫ي‬ ‫لخب� شب�ي يضع قائمة قواعد‪ ،‬أو ب ِ‬ ‫ش‬ ‫يطبقها؛ فالنظام يتعلّم مبا�ة من البيانات‬ ‫ّ‬ ‫َّش‬ ‫المؤ� عليها‪.‬‬

‫المحاذير‬ ‫والتوقعات‬

‫المخاوف من أن آ‬ ‫الالت الحديثة ض‬ ‫كث�ة‪ ،‬ولن تفيد سوى قلّة مختارة‪ ،‬أشعلت‬ ‫ستق� عىل وظائف ي‬ ‫ي‬ ‫ن�‪ ،‬ي ن‬ ‫جداال ً حاداً قبل قر ي ن‬ ‫ح� استحكم التصنيع ف ي� بريطانيا‪ .‬لم يكن الناس يتحدثون آنذاك عن‬ ‫آ‬ ‫"الثورة الصناعية"‪ ،‬بل عن "قضية الالت"‪ .‬وكان أول من طرح القضية االقتصادي ديفيد ريكاردو‬ ‫تحدث عن "أثر المكننة ف ي� مصالح طبقات المجتمع المختلفة"‪ ،‬وال سيما عن "الرأي‬ ‫سنة ‪ ،1821‬إذ ّ‬ ‫آ‬ ‫السائر ف ي� طبقة العمال‪ ،‬والقائل إن استخدام الالت غالباً ما يكون ضاراً بمصالحهم"‪ .‬وكتب‬ ‫كث� من العمال"‪.‬‬ ‫مندداً "بشيطان المكننة" الذي كان سبب "رصف ي‬ ‫توماس كاراليل سنة ‪ِّ ،1839‬‬ ‫اليوم‪ ،‬تعود قضية آ‬ ‫الالت لتثار‪ ،‬ف‬ ‫خ�اء التكنولوجيا واالقتصاد والفالسفة‪،‬‬ ‫ويتجادل‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫مظهر‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ف� شأن آثار الذكاء االصطناعي‪ ،‬وتمكّن آ‬ ‫الالت من أداء مهام لم يكن يستطيع القيام بها من قبل‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫سوى ش‬ ‫العامل� الذين كانت تبدو مكننة‬ ‫يهدد‬ ‫الب�‪ .‬وقد يكون أثر الذكاء االصطناعي عميقاً‪ .‬فهو ّ‬ ‫أ‬ ‫خ�اء القانون‪ .‬وقد وجدت دراسة معروفة عىل نطاق‬ ‫أطباء الشعة‪ ،‬أو ب‬ ‫أعمالهم مستحيلة‪ ،‬مثل ّ‬ ‫واسع‪ ،‬وضعها كارل بندكت فراي ومايكل أوزبورن‪ ،‬من جامعة أوكسفورد‪ ،‬ونُ ش�ت عام ‪ ،2013‬أن‬ ‫ف‬ ‫بشدة بأن "يقوم بها الحاسوب" قريباً‪ .‬وبعد هذه الدراسة‪،‬‬ ‫مهددة ّ‬ ‫‪ %47‬من الوظائف ي� أمريكا‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫مريك "أن يبلغ حجم أثر االختالل السنوي" الذي سينتج من تشغيل‬ ‫توقّع مرصف يم�يل لنش ال ي‬ ‫آالت الذكاء االصطناعي‪ ،‬ي ن‬ ‫ب� ‪ 14‬و‪ 33‬تريليون دوالر‪ ،‬منها ‪ 9‬تريليونات دوالر‪ ،‬من خفض تكاليف‬ ‫التوظيف؛ و‪ 8‬تريليونات دوالر من انخفاض تكلفة التصنيع والعناية الصحية؛ وتريليونا دوالر‬ ‫ت‬ ‫تس� آلياً‪ ،‬والطائرات بال طيار‬ ‫ال� ي‬ ‫من مكاسب الجدوى االقتصادية‪ ،‬بسبب استخدام السيارات ي‬ ‫"الدرون"‪.‬‬ ‫ف‬ ‫نز‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫ويرى معهد ماكي�ي غلوبال‪ ،‬أن الذكاء االصطناعي سيسهم ي� تطوير الب�ية "ع� مرات أرسع‪،‬‬ ‫و‪ 300‬مرة ث‬ ‫أك�" من أثر تطوير الثورة الصناعية‪.‬‬ ‫أك�‪ ،‬أي إن التطوير سيكون ‪ 3000‬مرة ب‬ ‫يخ� كث�ون من أن آ‬ ‫ين‬ ‫الالت ستجعل ي ن‬ ‫ومثلما فعل الناس منذ قر ي ن‬ ‫العامل� يغ� ذوي‬ ‫مالي�‬ ‫ن�‪ ،‬ش ي‬ ‫ويخ� مارتن فورد‪ ،‬وهو صاحب ي ن‬ ‫جراء هذا التفاوت‪ .‬ش‬ ‫كتاب� من‬ ‫فائدة‪ ،‬فينشأ تفاوت‪ ،‬واضطراب َّ‬ ‫ث‬ ‫ش‬ ‫أك� الكتب مبيعاً عن مخاطر المكننة‪ ،‬أن تختفي وظائف الطبقة الوسطى‪ ،‬وأن تتال� المرونة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وأن تتمكن قلة من الثرياء "من أن تنغلق عىل نفسها‪ ،‬ي� مجتمع مقفل‪ ،‬أو ي� مدن‬ ‫للنخبة من الناس‪ ،‬ربما تحرسها روبوتات عسكرية وطائرات درون"‪ .‬ش‬ ‫ويخ� آخرون من أن ينطوي‬ ‫للب�ية‪ ،‬ألن الحواسيب الفائقة الذكاء قد ال تشارك ش‬ ‫الذكاء االصطناعي‪ ،‬عىل خطر وجودي ش‬ ‫الب�ية‬ ‫ف‬ ‫ع� عنها مفكّرون‪ ،‬منهم ستيفان هوكينغ‬ ‫ي� مراميها‪ ،‬وقد تنقلب عىل صانعيها‪ .‬هذه المخاوف‪ ،‬ب ّ‬ ‫العا ِل ُم ي ز ئ‬ ‫يا�؛ وإيلون َمسك الملياردير المبتكر التكنولوجي الذي أسس "سبيس – إكس"‪ ،‬وهي‬ ‫الف� ي‬ ‫ش�كة صواريخ‪ ،‬ش‬ ‫و�كة "تسال"‪ ،‬صانعة السيارات الكهربائية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يصبون أموالهم ي� هذا الحقل‪.‬‬ ‫وحيثما يرى البعض مخاطر‪ ،‬يرى آخرون فرصاً‪ .‬والمستثمرون ّ‬ ‫ف�كات التكنولوجيا العمالقة ت‬ ‫تش�ي ش‬ ‫ش‬ ‫ال�كات الناشئة العاملة ف ي� الذكاء االصطناعي‪ ،‬وتتنافس‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الباحث� ي� هذا المجال من المحافل الكاديمية‪ .‬ففي عام ‪ ،2015‬أنفق رقم‬ ‫الجتذاب أفضل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ش‬ ‫قياس بلغ ‪ 8,5‬مليار دوالر ي� �كات الذكاء االصطناعي‪ ،‬أي نحو أربع مرات أك� مما أنفق سنة‬ ‫ي‬ ‫‪ ،2010‬حسبما تقول ش�كة "كويد" التكنولوجية‪.‬‬ ‫وتحاول "غوغل" و"فيسبوك" و"آي ب ي� إم" و"أمازون"‪ ،‬أن ش ئ‬ ‫تن� "نظماً بيئية" من حول خدمات الذكاء‬ ‫االصطناعي المتاحة ف� "كالود" (الغيمة إال ت‬ ‫لك�ونية)‪ .‬ويقول ريتشارد ش‬ ‫سوت�‪ ،‬مؤسس "ميتا مايند"‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ستطبق ف‬ ‫وسيعم الذكاء االصطناعي ف ي� كل مكان"‪.‬‬ ‫صناعة‪..‬‬ ‫كل‬ ‫�‬ ‫"هذه التكنولوجيا‬ ‫ّ‬ ‫َّ ي‬


‫المخاوف من أن‬ ‫اآلالت الحديثة‬ ‫ستقضي على وظائف‬ ‫كثيرة‪ ،‬ولن تفيد سوى‬ ‫ّ‬ ‫قلة مختارة‪ ،‬أشعلت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جداال حادا قبل قرنين‬

‫َّ ت‬ ‫ال� تستعمل الداتا‬ ‫ستخدم النظم‬ ‫وتُ َ‬ ‫المدربة ي‬ ‫المؤ� عليها‪ ،‬من أجل تصنيف الصور‪ ،‬والتعرف‬ ‫ش َّ‬ ‫عىل الكالم‪ ،‬والتعريف بعمليات بطاقات‬ ‫والتعرف عىل الرسائل‬ ‫االئتمان االحتيالية‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الف�وســـات‪،‬‬ ‫يغ� المرغــوب فيها أو عىل ي‬ ‫العالنات‪ ،‬وكل التطبيقات‬ ‫والتصـويب عىل إ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫كب� من‬ ‫ال� تكون فيها إ‬ ‫الجابة معروفة ي� عدد ي‬ ‫ي‬ ‫الحاالت السابقة‪.‬‬ ‫تتعرف عىل أصدقائك‬ ‫وتستطيع "فيسبوك" أن ّ‬ ‫وأقاربك‪ ،‬ووضع إشارة عليهم‪ ،‬لدى تحميل‬ ‫أخ�اً نظاماً يصف مضمون‬ ‫صورة‪ ،‬وقد أطلقت ي‬ ‫ين‬ ‫للمستخدم� العميان ("شخصان‪،‬‬ ‫الصور‪،‬‬ ‫ف‬ ‫يبتسم‪ ،‬نظّارات‪ ،‬ي� الخارج‪ ،‬مياه‪.)"...‬‬ ‫وقد أتاح اعتماد هذه التكنولوجيا لعدد من‬ ‫ش�كات الخدمات المالية‪ ،‬والحمايـة الرقميـة‪،‬‬ ‫والتسويق‪ ،‬أن تعيد وصف نفسها عىل أنها‬ ‫ش�كات "ذكاء اصطناعي"‪.‬‬

‫المش َرف عليه"‬ ‫تقنية‬ ‫"التع ُّلم غير ُ‬ ‫أ‬

‫أما التقنية الخرى‪ ،‬وهي "التعلُّم يغ� ُ ش‬ ‫�ف‬ ‫الم َ‬ ‫ض‬ ‫تق� تدريب شبكة‪ ،‬بتعريضها‬ ‫عليه"‪ ،‬فهي ي‬ ‫أ‬ ‫لعدد هائل من المثلة‪ ،‬لكن من دون أمرها بما‬ ‫ستبحث عنه‪ .‬وبدال ً من ذلك تتعلّم الشبكة‬ ‫ت‬ ‫ال� أمامها‪ ،‬فتجمع‬ ‫تتعرف إىل‬ ‫أن ّ‬ ‫العنارص ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫المثلة المتشابهة ي� مجموعات‪ ،‬وبذلك تكتشف‬ ‫ف‬ ‫خفية ي� البيانات‪.‬‬ ‫مجموعات وروابط ونماذج ّ‬ ‫ش‬ ‫الم�ف عليه"‬ ‫تقنية "التعلّم يغ�‬ ‫يمكن استخدام ّ‬ ‫َ‬

‫ف ي� البحث عن أشياء مجهولة الشكل‪ :‬مثال ً ف ي�‬ ‫مراقبة نماذج مرور عىل الشبكة لمظاهر شاذّة قد‬ ‫تفحص‬ ‫تكون ناتجة من "هجوم ب‬ ‫سي�ي" مثالً‪ ،‬أو ّ‬ ‫ن‬ ‫التأم�‪ ،‬لكشف أنماط‬ ‫كب� من مطالبات ي‬ ‫عدد ي‬ ‫جديدة من االحتيال‪.‬‬

‫التقنية التوفيقية الثالثة‬ ‫المدعم"‬ ‫تقن ّية "التع ُّلم‬ ‫ّ‬

‫التقني ي ن‬ ‫تقنية "التعلُّم المد ّعم" مرتبة ي ن‬ ‫ت�‬ ‫ب�‬ ‫ّ‬ ‫تحتل ّ‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫الم�ف عليه" و"التعلّم‬ ‫السابقت� "التعلّم‬ ‫َ‬ ‫ض‬ ‫يغ� ش‬ ‫تق� بتدريب شبكة‬ ‫الم�ف عليه"‪ .‬وهي ي‬ ‫َ‬ ‫عصبية عىل أن تتعامل مع بيئة ما‪ ،‬من دون‬ ‫ّ‬ ‫تغذيتها إال بتغذية ت‬ ‫اس�جاعية (‪ )feedback‬من‬ ‫آ‬ ‫الدعم‪.‬‬ ‫وقت لخر‪ ،‬عىل سبيل ّ‬ ‫ف‬ ‫يتضمن التدريب تصحيح أوزان‬ ‫ي� الجوهر‪ّ ،‬‬ ‫الشبكة‪ ،‬من أجل العثور عىل ت‬ ‫اس�اتيجية‪ ،‬تؤدي‬ ‫ف‬ ‫و� بف�اير‬ ‫باستمرار إىل الحصول عىل دعم أعىل‪ .‬ي‬ ‫‪ ،2015‬شن�ت مجلة ش‬ ‫"نيت�" بحثاً يصف نظام‬ ‫"تعلّم مد ّعم" قادر عىل لعب ‪ 49‬لعبة أتاري‬ ‫ش‬ ‫�ء سوى "البيكسل"‬ ‫معروفة‪ ،‬مستخدماً ال ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يفوز‬ ‫(‪ )pixels‬من عىل الشاشة‪ ،‬والنقاط ي‬ ‫ش‬ ‫خرجاته م ّتصلة ُبم�ف‬ ‫كم َ‬ ‫بها ُ‬ ‫دخالت‪ ،‬وتكون ُم َ‬ ‫ت ض‬ ‫ا�‪ .‬وقد تعلّم النظام أن يلعبها كلّها‪،‬‬ ‫اف� ي‬ ‫أ‬ ‫من منطلق بسيط‪ ،‬وحقّق نتيجة مساوية للداء‬ ‫ش‬ ‫الب�ي أو أفضل منه‪ ،‬ف ي� ‪ 29‬لعبة‪.‬‬

‫دور ألعاب الفديو المساعد‬

‫تشكِّل ألعاب الفديو ميدان تدريب مثالياً‬ ‫ألبحاث الذكاء االصطناعي‪ ،‬عىل ما يراه ديميس‬ ‫هاسابيس‪ ،‬من "ديب مايند"‪ ،‬أ‬ ‫"لنها مثل عالم‬ ‫حقيقي مصغّ ر‪ ،‬لكنها أنظف ث‬ ‫وأك� خضوعاً‬ ‫للقيود"‪ .‬وتستطيع محركات أ‬ ‫اللعاب أن تنتج‬ ‫ّ‬ ‫كب�ة من بينات التدريب بمنتهى السهولة‪.‬‬ ‫مقادير ي‬ ‫وكان هاسابيس قد عمل ف ي� صناعة ألعاب الفديو‬ ‫قبل حصوله عىل دكتوراة‪ ،‬ف ي� علم أعصاب‬ ‫الدراك‪ ،‬ثم تأسيسه "ديب مايند"‪ .‬وهذه ش‬ ‫ال�كة‬ ‫إ‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫هي الن القسم العامل ي� الذكاء االصطنــاعي‬ ‫ف ي� "غوغل"‪.‬‬ ‫احتلت "ديب مايند" ف� مارس ض‬ ‫الما�‪ ،‬عناوين‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الصحف‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� تمكّن نظامها "ألفاغو" من هزم‬ ‫ل سيدول‪ ،‬الذي هو أحد أفضل الع� "غو" �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫العالم‪ ،1-4 ،‬ف ي� مباراة من ‪ 5‬ألعاب‪ ،‬ف ي� سيول‪.‬‬ ‫و"ألفاغو" هو نظام "تعلّم مد َّعم"‪ ،‬يملك بعض‬ ‫المزايا يغ� العادية‪ .‬فهو يقوم عىل قطاعات‬ ‫عديدة م ّتصلة فيما بينها‪ ،‬منها شبكتان عميقتان‬ ‫متخصص ف ي�‬ ‫من الشبكات العصبية‪ ،‬كل منهما‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫أمور مختلفة‪ -‬تماماً مثل قطاعات الدماغ الب�ي‪.‬‬ ‫مالي� أ‬ ‫وقد ُد ِّربت إحداهما عىل تحليل ي ن‬ ‫اللعاب‪،‬‬ ‫لتش� بلعب حفنة من التحركات الواعدة‪ ،‬فتتوىل‬ ‫ي‬ ‫الشبكة أ‬ ‫الخرى تقييم هذه التحركات‪ ،‬مستندة‬ ‫العينات العشوائية‪.‬‬ ‫إىل تقنية تعمل باختيار ّ‬ ‫ف‬ ‫واحد بالتقنيات‬ ‫لذا يعمل هذا النظام ي� ٍآن ٍ‬ ‫المستوحاة من البيولوجيا‪ ،‬وبتلك يغ� المستوحاة‬ ‫منها‪ .‬وقد تجادل الباحثون ف ي� الذكاء االصطناعي‬ ‫التقني ي ن‬ ‫عقوداً من ي ن‬ ‫ت� هي‬ ‫السن�‪ ،‬ف ي� أي من‬ ‫ّ‬


‫‪87 | 86‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫المخرجات‬ ‫المدخالت‬ ‫الذاكرة‬

‫أ‬ ‫الفضل‪ ،‬لكن "ألفاغو" تستخدم كليهما‪ .‬ويقول‬ ‫أ‬ ‫السيد هاسابيس‪" :‬إنه نظام ي ن‬ ‫هج�‪ ،‬لننا نعتقد‬ ‫أننا سنحتاج إىل ث‬ ‫أك� من "ديب يل�ننغ" لحل‬ ‫مسألة الذكاء"‪.‬‬

‫تطوير تقنيات آتع ّلم أخرى‬

‫ينظر الباحثون منذ الن ف ي� الخطوة التالية‪،‬‬ ‫المسماة "تعلُّم النقل" (‪،)transfer learning‬‬ ‫ّ‬ ‫تقنية تتيح لتقنية "التعلُّم المد َّعم" أن‬ ‫وهي ّ‬ ‫ن‬ ‫تب� عىل أساس معرفة اك ُت ِسبت سابقاً‪ ،‬بدال ً من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التدرب من البداية ي� كل مرة‪ .‬ش‬ ‫فالب�‬ ‫الحاجة إىل ُّ‬ ‫يقومون بهذه المهمة‪ ،‬دون عناء‪.‬‬ ‫وتسعى ش�كة "ميتا مايند"‪ ،‬وهي ش�كة ناشئة‬ ‫ت‬ ‫أخ�اً ش�كة "سيلزفورس"‪،‬‬ ‫مسعى مماثال ً‬ ‫اش�تها ي‬ ‫ً‬ ‫ستخدم‬ ‫يُدعى‪" :‬التعلّم‬ ‫المتعدد المهم"‪ ،‬حيث تُ َ‬ ‫ِّ‬ ‫العصبية نفسها‪ ،‬ف ي� ّ‬ ‫حل عدة أنواع‬ ‫بنية الشبكة‬ ‫ّ‬ ‫مختلفة من المشكالت‪ ،‬عىل نحو أن تجعل‬ ‫التجربة أ‬ ‫المر أيرس ف ي� يغ�ها‪ .‬وعىل غرار "ديب‬ ‫مايند"‪ ،‬تستكشف "ميتا مايند" بنيات مختلفة؛‬ ‫إحداها تُدعى‪" :‬شبكة الذاكرة الدينامية"‪ ،‬وهي‬ ‫تستطيع القيام بأمور مثل هضم سلسلة من‬

‫والجابة باستنتاج منطقي عن‬ ‫الترصيحات‪ ،‬إ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫(ك�مت ضفدع؛‬ ‫ال� تُطرح بشأنها‪ ،‬ي‬ ‫السئلة ي‬ ‫أخ�؛ إذاً يك�مت ض‬ ‫الضفادع لونها ض‬ ‫أخ�)‪ .‬وقد‬ ‫زاوجت "ميتا مايند" اللغة الطبيعية مع شبكات‬ ‫ف‬ ‫الجابة‬ ‫التعرف عىل الصور‪ ،‬ي� نظام واحد يمكنه إ‬ ‫ّ‬ ‫عن أسئلة ف ي� شأن الصور ("ما هو لون السيارة؟)‪.‬‬

‫"الذكاء االصطناعي العام" بعد‬ ‫‪ 10‬سنوات؟‬

‫ف� ض‬ ‫الما�‪ ،‬كانت تقنيات الذكاء االصطناعي‬ ‫ي‬ ‫يأ‬ ‫الوىل تصل إىل حائط مسدود برسعة‪ .‬لكن‬ ‫"ديب يل�ننغ" مختلف‪ .‬ويقول ريتشارد ش‬ ‫سوت�‪،‬‬ ‫من "ميتامايند"‪" :‬هذه البضاعة تعمل جيداً �ف‬ ‫ي‬ ‫الواقع"‪ .‬فالناس يستخدمونها ف ي� كل يوم من‬ ‫دون أن يدروا‪ .‬والهدف البعيد المدى‪ ،‬الذي‬ ‫ش‬ ‫وغ�هما‪ ،‬هو بناء‬ ‫يعمل له هاسابيس‬ ‫وسوت� ي‬ ‫"الذكاء االصطناعي العام"‪ ،‬وهو نظام قادر‬ ‫عىل أداء طيف واسع من المهام‪ ،‬بدال ً من بناء‬ ‫نظام ذكاء اصطناعي جديد لكل مشكلة‪ .‬فقد‬ ‫ظلت أبحاث الذكاء االصطناعي سنوات طويلة‬ ‫معينة محدودة‪ ،‬كما يقول‬ ‫تركّز عىل حل مشكالت َّ‬

‫سوت�‪ .‬أما آ‬ ‫ش‬ ‫الن‪ ،‬فالباحثون "يُمسكون بقطع‬ ‫الليغو المتقدمة هذه‪ ،‬ويجمعونها معاً بطرق‬ ‫جديدة"‪ .‬ت‬ ‫يظن أننا بحاجة‬ ‫وح� ّ‬ ‫أشدهم تفاؤال ً ّ‬ ‫ن‬ ‫السن� لبلوغ المستوى ش‬ ‫الب�ي‬ ‫إىل عقد آخر من ي‬ ‫من "الذكاء االصطناعي العام"‪ .‬لكن هاسابيس‬ ‫الشياء أ‬ ‫يضيف‪" :‬نظن أننا نعرف أ‬ ‫ش‬ ‫الساسية الع�ة‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫أو ن ش‬ ‫�ء ما‬ ‫االث� ع�‪ ،‬المطلوبة لنق�ب من ي‬ ‫ي‬ ‫يشبه الذكاء االصطناعي العام"‪.‬‬ ‫وبانتظار ذلك‪ ،‬فالذكاء االصطناعي كما هو اليوم‬ ‫مفيد‪ ،‬ت ز‬ ‫وس�داد فائدته برسعة‪ .‬فنظام غوغل‬ ‫للردود الذكية (‪ ،)Smart Reply system‬الذي‬ ‫ت� ت‬ ‫عصبي ي ن‬ ‫ين‬ ‫الق�اح ردود عىل‬ ‫شبكت�‬ ‫يستخدم‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫اللك�ونية‪ ،‬كان ي� البدء جهداً ي� إطار‬ ‫الرسائل إ‬ ‫ش‬ ‫م�وع "ديب يل�ننغ"‪ ،‬فصار نتاجاً حياً خالل‬ ‫أربعة أشهر فقط‪.‬‬

‫ء‬ ‫االبحاث‬ ‫محاسن نشر‬

‫يقول السيد ش‬ ‫سوت�‪" :‬يمكنك شن� بحث ف ي� مجلة‬ ‫أبحاث‪ ،‬فتسارع ش�كة إىل استخدام بحثك �ف‬ ‫أ ي‬ ‫البحاث‬ ‫غضون شهر"‪ .‬وثمة سيل مستمر من‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫الكاديمية‪ ،‬عن الذكاء االصطناعي‪ ،‬من �كات‬ ‫ف‬ ‫وصغ�ها؛ وقد ُس ِمح‬ ‫كب�ها‬ ‫ي‬ ‫عاملة ي� القطاع‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫للباحث� بمواصلة ن� نتائج أبحاثهم ي� مجالت‬ ‫ت‬ ‫متخصصة‪ ،‬ح� لو استفادت منها‬ ‫علمية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫ش�كات أخرى‪ .‬ويفرس كريس ديكسون‪ ،‬من �كة‬ ‫هوروي� أ‬ ‫تز‬ ‫المر بقوله"‪" :‬إذا لم تدعهم‬ ‫"أندريسن‬ ‫ش‬ ‫ين�ون لك‪ ،‬فلن يعملوا لك"‪.‬‬ ‫وقد وضعت "غوغل" و"فيسبوك"‬ ‫و"مايكروسوفت" و"آي ب ي� إم" و"أمازون" و"بايدو"‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� طورتها‬ ‫و�كات أخرى‪ ،‬برامج "ديب يل�ننغ" ي‬ ‫ن‬ ‫المجا�‪ .‬وهذا يعود جزئياً إىل‬ ‫قيد االستعمال‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ال�كات يريدون أن ش‬ ‫الباحث� ف ي� هذه ش‬ ‫ين�وا‬ ‫أن‬ ‫ف‬ ‫نتيجة عملهم‪ ،‬وبذلك يساعدون ي� استجالب‬ ‫أبحاث آ‬ ‫الخرين‪ .‬لكن ثمة سبباً آخر‪ ،‬هو أن‬ ‫ال تن�نت العمالقة يمكنها أن تمنح مجاناً‬ ‫ش�كات إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫برامجها‪ ،‬لن لديها مكاسب ضخمة ي� مجاالت‬ ‫المستخد ي ن‬ ‫الطاللة عىل ي ن‬ ‫م�‬ ‫مالي�‬ ‫أخرى‪ ،‬مثل إ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫باحث� جدد منهم‪،‬‬ ‫للبيانات‪ ،‬من أجل استدراج ي‬ ‫أ‬ ‫كث� من‬ ‫لغراض التدريب‪ .‬ويمكن العثور عىل ي‬ ‫ال تن�نت‪ ،‬كما يقول سام‬ ‫بيانات التدريب‪ ،‬عىل إ‬ ‫ت‬ ‫ألتمان‪ ،‬رئيس ش�كة "واي كومبيني�"‪ .‬وهو يالحظ‬


‫أن ش‬ ‫الب� يمكنهم التعلّم من مقادير متواضعة‬ ‫من البيانات‪ ،‬وهذا "يوحي بأن الذكاء ممكن‪ ،‬من‬ ‫دون الحاجة إىل مقدار هائل من التدريب"‪ .‬لذا‪،‬‬ ‫ثمة ش�كات تعمل لحلول أقل نهماً للبيانات‪،‬‬ ‫ت‬ ‫و"جيوم�يك إنتلجنس"‪.‬‬ ‫ومنها ش�كتا "نومنتا"‬ ‫ف‬ ‫وتتسابق ش‬ ‫الت�ع "برفوش"‪ ،‬إىل‬ ‫ال�كات ي� ب ّ‬ ‫الباحث� المنق ي ن‬ ‫ين‬ ‫ّب� عن هذا "الذهب"‪ .‬واالسم‬ ‫أ‬ ‫الول الذي يخطر بالبال‪ ،‬هو اسم ش�كة‬ ‫"نفيديا"‪ .‬فكل ش�كات الذكاء االصطناعي الناشئة‪،‬‬ ‫تستخدم وحدات المعالجة الغرافيكية الخاصة‬ ‫العصبية‪ .‬ويمكن‬ ‫بها‪ ،‬من أجل تدريب الشبكات‬ ‫ّ‬ ‫افيكية أيضاً‪ ،‬من‬ ‫استعارة وحدات المعالجة أالغر ّ‬ ‫ف‬ ‫الثناء‪ ،‬ت‬ ‫تخ�ع "آي ب ي�‬ ‫و� هذه‬ ‫غيمة "أمازون"‪ .‬ي‬ ‫إم" و"غوغل" ش�ائح جديدة مصنوعة خصيصاً‬ ‫من أجل تشغيل برامج الذكاء االصطناعي‬ ‫أك�‪ .‬كذلك تتيح ش�كات "غوغل"‬ ‫برسعة وجدوى ب‬ ‫و"مايكروسوفت" و"آي ب ي� إم" خدمات الذكاء‬

‫التعرف عىل الكالم‪ ،‬وإعراب‬ ‫االصطناعي‪ ،‬مثل ّ‬ ‫مجاناً عىل الشبكة‬ ‫الجمل وتحليل الصور‪ّ ،‬‬ ‫الدولية‪ ،‬فتسمح بذلك ش‬ ‫لل�كات الناشئة بأن‬ ‫تجمع هذه اللّبنات‪ ،‬من أجل بناء منتجات‬ ‫وخدمات جديدة‪.‬‬ ‫ث‬ ‫يقول غورو بنافار‪ ،‬من "آي ب ي� إم"‪ ،‬إن أك� من‬ ‫‪ 300‬ش�كة قد اعتمدت تطبيقات تعمل بالذكاء‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫االصطناعي‪ ،‬مستخدمة منصة "واطسون" ي‬ ‫أتاحتها لهم "آي ب ي� إم"‪ ،‬وهذه التطبيقات تقوم‬ ‫بكل المهام‪ ،‬من غربلة طلبات الوظيفة‪ ،‬إىل‬ ‫انتقاء ش‬ ‫الم�وبات‪.‬‬

‫الذكاء االصطناعي كما هو اليوم‬ ‫مفيد‪ ،‬وستزداد فائدته بسرعة‪.‬‬

‫فنظام غوغل للردود الذكية (‪Smart‬‬

‫‪ ،)Reply system‬الذي يستخدم‬

‫شبكتين عصبيّ تين القتراح ردود على‬

‫الرسائل اإللكترونية‪ ،‬كان في البدء‬ ‫ً‬ ‫جهدا في إطار مشروع "ديب ليرننغ"‪،‬‬

‫نتاجا ً‬ ‫ً‬ ‫حيا في مدى أربعة أشهر‬ ‫فصار‬

‫الذكاء االصطناعي نعم‪ ...‬ولكن!‬

‫ف‬ ‫التقدم ف ي�‬ ‫ي� نظر معظم الناس‪ ،‬سيؤدي كل هذا ّ‬ ‫ين‬ ‫تحس� مرغوب فيه‬ ‫تطوير الذكاء االصطناعي‪ ،‬إىل‬ ‫ت‬ ‫ف� خدمات إ ت‬ ‫ال� يستخدمونها أصال ً‬ ‫"الن�نت"‪ ،‬ي‬ ‫يآ‬ ‫الن كل يوم‪ .‬فمحركات البحث سوف تعطي‬ ‫نتائج أفضل ث‬ ‫وأك�؛ والتوصيات ستكون أدق‪.‬‬ ‫وخالل بضع سنوات‪ ،‬سيكون الذكاء االصطناعي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫�ء‪ ،‬كما يتك ّهن هاسابيس‪.‬‬ ‫مستخدماً ي� كل ي‬ ‫وسيتيح للحواسيب أن تصبح حوارية وقادرة عىل‬ ‫التحدث إىل الحواسيب‪،‬‬ ‫التوقّع‪ .‬والقدرة عىل‬ ‫ّ‬ ‫ستجعلها مفيدة ت‬ ‫ح� للناس الذين ال يقرأون وال‬ ‫ال تن�نت‪.‬‬ ‫يكتبون‪ ،‬وال يستطيعون إذن استخدام إ‬ ‫ض‬ ‫تغ� مفاجئ‪،‬‬ ‫يف� إىل ي ّ‬ ‫عىل أن التطوير يمكن أن آ ي‬ ‫عند اجتياز عتبة ما‪ ،‬لتصبح الالت قادرة عىل‬ ‫أداء مهام كانت مقترصة عىل الجنس ش‬ ‫الب�ي‪.‬‬ ‫فالسيار ت‬ ‫تتحسن‬ ‫ّ‬ ‫ال� تقود نفسها بال سائق ّ‬ ‫ات ي‬ ‫ف‬ ‫و� وقت قريب عىل ما يبدو‪ ،‬ستكون‬ ‫برسعة؛ ي‬


‫‪89 | 88‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ُّ‬ ‫“تعلم النقل"وهي‬ ‫تقنيّ ة تتيح لفكرة‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫المدعم"‬ ‫“التعلم‬ ‫أن تبنى على أساس‬ ‫معرفة ُ‬ ‫اكت ِسبت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ ،‬بدال من‬ ‫الحاجة إلى التدرُّ ب من‬ ‫البداية في كل مرة‬

‫نظام السيطرة الهرمي‬ ‫مركز التحكّم أ‬ ‫العىل‬

‫المهام‪،‬‬ ‫أ‬ ‫الغراض‬

‫أ‬ ‫الحاسيس‪،‬‬ ‫النتائج‬

‫مركز تحكّم‬

‫عصب إحساس وحركة‬ ‫حركة‬

‫مركز تحكّم‬

‫عصب حركة‬

‫أحاسيس‬

‫حركة‬

‫عصب إحساس‬

‫أحاسيس‬

‫السائق�‪ ،‬عىل أ‬ ‫ين‬ ‫القل‬ ‫قادرة عىل االستغناء عن‬ ‫ف ي� مراكز المدن‪ .‬أما "درون" تسليم السلع إىل‬ ‫البيوت والمكاتب‪ ،‬أكانت سيارة عىل أ‬ ‫الرض أم‬ ‫ّ‬ ‫العامل�ن‬ ‫طائرة‪ ،‬فستكون أيضاً قادرة عىل منافسة‬ ‫ي‬ ‫ف ي� هذه المهمة‪ .‬وستتيح نظم الرؤية االصطناعية‬ ‫المحسنة‪ ،‬وتكنولوجيا "الروبوت"‪ ،‬إمكان ترتيب‬ ‫رفوف ّ المحالت الك�ى‪ ،‬وتحريك الموجودات �ف‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫المخازن‪ .‬آ‬ ‫والفاق واسعة للتقدم يغ� المتوقّع‪،‬‬ ‫كما يقول دكسون‪.‬‬ ‫عىل أن ثمة آخرين قلقون‪ ،‬إذ يخشون أن تقود‬ ‫مكننة زائدة مسلّحة بالذكاء االصطناعي‪ ،‬إىل‬ ‫كث� من الوظائف‪ ،‬مثلما حدث مع ظهور‬ ‫إلغاء ي‬ ‫آ‬ ‫اللة البخارية قبل ت‬ ‫مئ� عام‪ .‬ويقول روبرت‬ ‫ي‬ ‫نجل�ي‪" :‬لقد عجلت آ‬ ‫ال ي ز‬ ‫اللة‬ ‫سوثاي‪ ،‬الشاعر إ‬ ‫ّ‬ ‫البخارية مساراً كان قد بدأ أصالً‪ ،‬لكن برسعة‬ ‫بالغة"‪ .‬وهو ش‬ ‫يخ� من أن يكون "اكتشاف هذه‬ ‫الطاقة الجبارة" قد جاء "قبل أن ندرك كيفية‬ ‫وكث� من الناس‬ ‫استخدامها استخداماً صحيحاً"‪ .‬ي‬ ‫يرون رأيه ف ي� شأن الذكاء االصطناعي اليوم‪.‬‬

‫النظام المسيطَر عليه‪ ،‬الحركة المسيطَر عليها‪ ،‬أو البيئة المحيطة‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫الملف‪:‬‬

‫مركز الملك‬ ‫عبدالعزيز‬ ‫الثقافي‬ ‫العالمي‬ ‫منذ أن راح بناؤه يعلو في سماء الظهران‪،‬‬ ‫أدرك كل من شاهده ولو من بعيد أنه‬ ‫أمام منجز فريد من نوعه‪ .‬إنه مركز الملك‬ ‫عبدالعزيز الثقافي العالمي‪ ،‬هدية أرامكو‬ ‫السعودية إلى المجتمع‪ ،‬الذي َّ‬ ‫دشنه خادم‬ ‫الحرمين الشريفين الملك سلمان بن‬ ‫عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬يحفظه اهلل‪ ،‬في مطلع‬ ‫ديسمبر الماضي‪ .‬فمن المهمة التي َّ‬ ‫حددتها‬ ‫له أرامكو السعودية‪ ،‬إلى أدق تفاصيل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مرورا بمبناه المدهش‬ ‫مكوناته وبرامجه‪،‬‬ ‫في تصميمه الطليعي على مستوى العالم‪،‬‬ ‫يمثل هذا المركز نقلة عمالقة وغير مسبوقة‬ ‫في العمل على نشر الثقافة والمعارف‬ ‫في المملكة‪ .‬وليس من المبالغة القــــول‬ ‫ً‬ ‫شكال‬ ‫بأال مثيل له في العالم‪ ،‬فهو متفرد‬ ‫ً‬ ‫ومضمونا‪ .‬في هذا الملف يصطحب فريق‬ ‫التحرير القارئ في إطاللة بانورامية على هذا‬ ‫الصرح الثقافي‪ ،‬لمعرفة بعض خصائصه‬ ‫ّ‬ ‫ومكوناته‪ ،‬وما يكشف عنه من تطور طرأ على‬ ‫العمل الثقافي وحتى على مفهوم الثقافــة‬ ‫في عصرنا‪.‬‬


‫‪91 | 90‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ف‬ ‫الثقا� الوحيد الذي تُجاو ُر فيه معارض‬ ‫إنه الرصح‬ ‫ي‬ ‫الفن المعارص والفنون القديمة معرضاً مخصصاً‬ ‫لشؤون الطاقة وتقنياتها وآخر للصور التاريخية‪،‬‬ ‫كما تُجاو ُر مكتبته الضخمة مرسحاً للعروض الفنية‬ ‫ت‬ ‫ال� الحرص لها تجاور‬ ‫وآخر ِّ‬ ‫متعدد الوسائط‪ ،‬وورش العمل ي‬ ‫ت‬ ‫موقعاً إلك�ونياً للتع ُّلم‪ ،‬كما تجاور قاعة للعروض المستقدمة من‬ ‫أ‬ ‫مخت� الفكار وبرامجه الداعمة للمبتكرين‪..‬وصوال ً‬ ‫أرجاء العالم ب‬ ‫إىل متحف الطفل بأقسامه وفروعه العديدة‪ .‬وعندما نضيف إىل‬ ‫ال�امج ت‬ ‫ال�بوية والتعليمية والمنشورات‬ ‫ذلك مجموعة ضخمة من ب‬ ‫المتنوعة نصبح أمام صورة‪ ،‬تكاد تكون متكاملة عن ماهية مركز‬ ‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫الثقا� العالمي‪.‬‬ ‫الملك عبدالعزيز‬ ‫ي‬

‫أرامكو السعودية؟ لماذا؟‬

‫ين‬ ‫سكان المنطقة ش‬ ‫المواطن� ف ي� المملكة يعرفون الجواب‪.‬‬ ‫ال�قية وعموم‬ ‫ولكن‪ ،‬قد يكون من حق القارئ البعيد أن يتساءل‪ :‬ما الذي يدفع‬ ‫ف‬ ‫ثقا� عىل هذا المستوى‬ ‫عمالق صناعة الزيت والغاز إىل إنشاء رصح ي‬ ‫من الضخامة والتطور؟‪ .‬والجواب هو‪ :‬إنه الدافع نفسه الذي حمل‬ ‫ال�كة ف� ض‬ ‫ش‬ ‫الما� عىل إنشاء أول محطة تلفزيونية ف ي� منطقة الخليج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫العر�‪ ،‬وبناء المدارس � أواسط القرن ض‬ ‫الما�‪ ،‬وإصدار المجالت‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وال ي ز‬ ‫نجل�يَّة‪ ،‬وإطالق برامج التدريب واالبتعاث‬ ‫الثقافية بالعربية إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ثقا� سنوي‬ ‫الجامعي‪ ،‬ومسابقة وطنية لرسوم الطفال‪ ،‬ومهرجان ي‬ ‫كث�‪ ..‬فمنذ تأسيسها ت‬ ‫وح� اليوم‪ ،‬ت ز‬ ‫ال�مت أرامكو السعودية‬ ‫وغ� ذلك ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫تع� المساهمة والعمل عىل االرتقاء بمحيطها‬ ‫قيمة "المواطنة"‪ ،‬ي‬ ‫ال� ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫و� مقدمتها ن� المعارف والتعليم‪.‬‬ ‫عىل كافة المستويات الممكنة‪ ،‬ف ي‬ ‫وتتطور لتواكب‬ ‫تتبدل‬ ‫وقد كانت برامجها وتقديماتها ي� هذا المجال َّ‬ ‫َّ‬ ‫والمكانات المتوفرة‪ .‬إىل أن كان القرار بإنشاء هذا‬ ‫الحاجات المستجدة إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫المركز الذي يم ِّثل الحلقة ال بك� والوسع من سلسلة مبادراتها ي� مجال‬ ‫تنمية المعارف‪.‬‬

‫ ‬ ‫خادم الحرمين الشريفين‬ ‫يبارك انطالقة المركز‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يجتمع فيها ي ن‬ ‫تدش� مشاريع‬ ‫ربما كانت هذه هي المرة ف الوىل في‬ ‫ثقا� عالمي ي� يوم واحد‪ .‬فقد رعى‬ ‫صناعة الطاقة ورصح ي‬ ‫ال� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف� الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود‬ ‫خادم‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ديسم� ‪ ،)2016‬إطالق‬ ‫الثا� من ربيع الول ‪1438‬ه‪1( ،‬‬ ‫ف ي�‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫مجموعة من المشاريع العمالقة ف ي� منيفة وواسط وخريص‬ ‫بم�وع مركز الملك عبدالعزيز ف‬ ‫والشيبة‪ ،‬وختمها ش‬ ‫الثقا� العالمي‬ ‫ي‬ ‫بالقرب من ئب� ي ت‬ ‫ال� فاضت أوىل بشائرها ف ي� العام ‪1938‬م‬ ‫الخ� ي‬ ‫وانتقلت معها حياة المواطن السعودي إىل مرحلة تنموية‬ ‫جديدة‪.‬‬ ‫الحر�‬ ‫قدمت‬ ‫وخالل االفتتاح ّ‬ ‫الطفلتان راما الخالدي وريم ب ي‬ ‫ف‬ ‫البداع" للملك ليضعه ي� مجسم المركز إيذاناً بتدشينه‪.‬‬ ‫"حجر إ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫يف� هدية تذكارية‪ ،‬وهي عبارة‬ ‫ثم تس ّلم خادم‬ ‫الحرم� ال� ي‬ ‫ي‬ ‫عن قطعة فنية منحوتة من صخور أحفورية مستخرجة من‬ ‫الخ�‪ ،‬ترتكز عىل قاعدة مكسوة بأحجار الماالكيت‪ ،‬وتُم ّثل‬ ‫ئب� ي‬ ‫مجسماً لمركز الملك عبدالعزيز ف‬ ‫قدمها ٌّكل من‬ ‫الثقا� العالمي َّ‬ ‫ي‬ ‫معال وزير الطاقة والصناعة ث‬ ‫وال�وة المعدنية المهندس خالد‬ ‫ي‬ ‫كب� إدارييها‬ ‫السعودية‬ ‫امكو‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ئيس‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫الفالح‬ ‫عبدالعزيز‬ ‫ابن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫أم� النارص‪.‬‬ ‫التنفيذي� المهندس ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫البهار البرصي والجو البهيج حا ين بجالء ي� كل لحظة‬ ‫وكان إ‬ ‫ن‬ ‫الملك‪،‬‬ ‫التدش� الذي اخ ُتتم بعزف السالم‬ ‫من لحظات حفل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫يف� إثر ذلك مودعاً بمثل ما اس ُتقبل‬ ‫ليغادر خادم‬ ‫الحرم� ال� ي‬ ‫ي‬ ‫به من حفاوة وترحيب‪ ،‬بعد أن س ّطر فصال ً جديداً من فصول‬ ‫التنمية االقتصادية والمعرفية ف ي� تاريخ المملكة‪.‬‬


‫الفالح‪ :‬المركز لكافة‬ ‫مناطق المملكة‬ ‫والبداية برامج معرفية للمناطق الجنوبية‬ ‫أكد معال وزير الطاقة والصناعة ث‬ ‫وال�وة المعدنية خالد بن‬ ‫ي‬ ‫عبدالعزيز الفالح أن دور المركز لن يقترص عىل المنطقة‬ ‫ش‬ ‫ال�قية بل سيمتد إىل كافة مناطق المملكة‪ ،‬وأن باكورة برامجه‬ ‫الجنو� عربون‬ ‫المعرفية بعد تدشينه ستتوجه إىل مناطق الحد‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫توجه بها‬ ‫تقدير لصمودها‬ ‫ال� َّ‬ ‫الوط�‪ .‬جاء ذلك ي� الكلمة ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الحرم� ش‬ ‫يف� الملك سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫معاليه إىل خادم‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫التدش�‪.‬ن‬ ‫خالل حفل‬ ‫ي‬ ‫"إن رؤيتكم المباركة تُؤك ُّد عىل ريادة‬ ‫وقال الوزير الفالح‪ّ :‬‬ ‫العلمي‪ ،‬لتحقيق قفزة‬ ‫المملكة ف ي� العلوم والثقافة والبحث‬ ‫ّ‬ ‫السعودي المبدع‪ ،‬الذي‬ ‫المواطن‬ ‫محورها‬ ‫تنموية معرفية ك بُ�ى؛‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫أ‬ ‫يتواصل مع الثقافات الخرى بمسؤولية وو ْعي وإيجابية‪ ،‬متمسكاً‬ ‫ومع�اً بهويته‪.‬‬ ‫بعقيدته السمحة ت ز ّ‬ ‫لن يكون الدور الريادي والتنموي لهذا المركز مقصوراً عىل‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تفخر باحتضانه‪ ،‬وإنما ستمتد برامجه‬ ‫المنطقة ال�قية ي‬ ‫الطموحة‪ ،‬بإذن هللا‪ ،‬إىل كافّة أنحاء المملكة"‪.‬‬ ‫وأنظارنا جميعاً تتجه إىل مناطق‬ ‫وأضاف‪" :‬واليوم يا سيدي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ض‬ ‫الجنو�‪ ،‬لنقف مع أهلنا الذين ي�بون أروع‬ ‫الحد‬ ‫المملكة عىل ّ‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المثلة ف ي� الصمود‪ ،‬ومع رجال الوطن البطال الذين يذودون‬ ‫نسعد اليوم بحضور عدد منهم هذه المناسبة‬ ‫عن حياضه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الوطنية‪ ،‬وأدعوهم للوقوف لتحية مقامكم الكريم! بينما‬ ‫نحيهم جميعاً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وبهذه المناسبة ش‬ ‫ي�ف أرامكو السعودية‪ ،‬أن تعلن وبكل‬ ‫ّ‬ ‫أن ّأول مبادرة ستنطلق‪ ،‬بإذن هللا‪ ،‬من مركز الملك‬ ‫الفخر‪ ،‬عن ّ‬ ‫ف‬ ‫الثقا� العالمي‪ ،‬بعد تفضلكم‪ ،‬حفظكم هللا‪،‬‬ ‫عبدالعزيز‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫بتدشينه اليوم‪ ،‬ستكون إقامة برامج للتنمية المعرفية ي� مناطق‬ ‫العزاء ف� تلك أ‬ ‫الحد الجنو�‪ ،‬يستفيد منها أبناؤنا وبناتنا أ‬ ‫الجزاء‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫الغالية عىل قلوبنا"‪.‬‬


‫‪93 | 92‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫فخالل احتفال ش‬ ‫ال�كة بمرور ‪ 75‬سنة عىل تأسيسها‪ ،‬أعلنت عن‬ ‫ف‬ ‫يتما� مع ت‬ ‫ثقا� ش‬ ‫االس�اتيجية‬ ‫مبادرتها الوطنية الطموحة إنشاء ف مركز ي‬ ‫معر�‪ ،‬وأطلقت عليه اسم الملك‬ ‫للتحول إىل مجتمع‬ ‫الوطنية‬ ‫ُّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عبدالعزيز يرحمه هللا‪ ،‬ال�اما وامتنانا لدوره القيادي ي� نهضة المملكة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫وارتأت بناء هذا المركز بالقرب من ئب� ي‬ ‫الخ� ي� الظهران‪ ،‬الوىل ي‬ ‫تدفق منها الزيت بكميات تجارية‪ ،‬لما ف� ذلك من دالالت‪ .‬ئ‬ ‫فب� الزيت‬ ‫ي‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ويسعى هذا المركز الثقا�ف‬ ‫تلك كانت أول مصدر ث‬ ‫لل�وة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫النسان وتطوير الطاقات‬ ‫أك� يتمثل ي� بناء إ‬ ‫يطور مصدر ثروة ب‬ ‫إىل أن ِّ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫الخلقة الكامنة ي� المجتمع‪.‬‬

‫وظيفته والغاية من إنشائه‬

‫حدد المسؤولون ف ي� أرامكو السعودية مهمة المركز انطالقاً مما طرأ عىل‬ ‫َّ‬ ‫مفهوم المعرفة ودورها االجتماعي واالقتصادي من مستجدات خالل‬ ‫العقود القليلة الماضية‪ .‬فقد تعاظم دور االبتكار ف ي� تشكيل فرص‬ ‫اقتصادية جديدة ومجزية‪ ،‬تنعكس إيجاباً عىل أ‬ ‫الفراد والمجتمعات‬ ‫عىل نحو يغ� مسبوق‪ ،‬خاصة بعد تطور التكنولوجيا الحديثة‪ .‬وظهر‬ ‫ف‬ ‫يش� إىل االقتصاد‬ ‫مصطلح جديد هو " االقتصاد‬ ‫المعر�" الذي ي‬ ‫ي‬

‫البداع‪ ،‬حيث تلعب المعرفة دوراً أهم من‬ ‫القائم أساساً عىل إ‬ ‫أدوار رأس المال واليد العاملة والموارد الطبيعية كما هو الحال �ف‬ ‫ي‬ ‫االقتصادات التقليدية‪ .‬وتش� مصادر أ‬ ‫المم المتحدة إىل أن اقتصاد‬ ‫ي‬ ‫إجمال الناتج االقتصادي العالمي‪،‬‬ ‫المعرفة بات يشكِّل نحو ‪ %7‬من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫المتقدمة مثل‬ ‫و� بعض الدول‬ ‫ِّ‬ ‫وهو ينمو حالياً بمعدل ‪ %10‬سنويا‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫المعر� نصف حجم‬ ‫السكندنافية‪ ،‬قارب حجم االقتصاد‬ ‫الدول إ‬ ‫ي‬ ‫الدول‪.‬‬ ‫المحل العام منذ عام ‪ 2005‬حسب مصادر البنك‬ ‫الناتج‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫للتحول بالمجتمع السعودي إىل‬ ‫ولن المملكة وضعت اس�اتيجية‬ ‫ُّ‬ ‫مجتمع ف‬ ‫ن‬ ‫الوط�‪ ،‬ناهيك بما‬ ‫معر� يسهم ف ي� تنويع مصادر الدخل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫توف� فرص العمل وحياة الفرد والمجتمع‪،‬‬ ‫لذلك من آثار إيجابية عىل ي‬ ‫ف‬ ‫إيجا� ي� أفراد المجتمع من‬ ‫تقرر أن تكون مهمة المركز إحداث ي‬ ‫تأث� ب ي‬ ‫خالل االستثمار ف ي� ميلهم الفطري إىل االستطالع واالكتشاف‪ ،‬وذلك‬ ‫والبـداع وتعزيـز التواصـل الحضــاري‬ ‫بتغذية الشغـف بالمعرفــة إ‬ ‫مع العالم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫المعر� هي تلك ال�ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تقع ي� صميم االقتصاد أ ي‬ ‫ي‬ ‫ولن الصناعات ي‬ ‫تتقاطع فيها الفنون والعلوم والثقافة وإدارة العمال والتكنولوجيا‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� يفصل‬ ‫َّ‬ ‫تقرر أن يكون هذا المركز جرساً يب� الفنون والعلوم‪ ،‬ي‬

‫هدير عمله مسموع منذ فترة‬

‫يشكِّل االفتتاح الرسمي لمركز الملك عبدالعزيز ف‬ ‫الثقا� العالمي‬ ‫ي‬ ‫محطة مفصلية ف ي� تاريخه‪ ،‬ولكنه ليس إعالناً عن بدء العمل‬ ‫من الصفر‪ ،‬كما أنه عىل أ‬ ‫الرجح ليس إعالناً بوصول نشاطه إىل‬ ‫الذروة المرتقبة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫فغداة إقرار ش‬ ‫م�وع هذا المركز‪ ،‬وبموازاة ال�وع ي� بنائه‪،‬‬ ‫بدأت أرامكو السعودية بتشكيل الجهاز ش‬ ‫الب�ي الالزم إلدارته‬ ‫وتشغيله‪ .‬وبسبب توفر الكفاءات‪ ،‬تشكّل هذا الجهاز ف ي� وقت‬ ‫قص� نسبياً‪ ،‬واستقر ف� مكاتب مؤقتة بجوار ورشة ن‬ ‫المب�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ومن باب تطوير الطاقات الالزمة لتشغيله بعد االفتتاح‬ ‫ولن بعض أ‬ ‫وتأهيلها‪ ،‬أ‬ ‫النشطة المخطط لها يغ� مرتبطة بمبناه‬ ‫المنتظر‪ ،‬بدأ المركز نشاطه بالفعل منذ ذلك الوقت‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� مرحلة الوالدة هذه استطاع المركز أن ينفذ مجموعة‬ ‫ي‬ ‫محدد‪ ،‬وبعضها‬ ‫أنشطة‪ ،‬بعضها كان موجهاً إىل جمهور ّ‬ ‫ش‬ ‫كان مفتوحاً أمام الجميع‪ .‬ف ي� عام ‪2012‬م أطلقت ال�كة‬ ‫ن‬ ‫مليو� شاب وفتاة‬ ‫مبادرتها إلثراء الشباب‪ ،‬بهدف الوصول إىل‬ ‫ي‬

‫ال�امج مثل "أتألق"‬ ‫بحلول العام ‪2020‬م‪ ،‬فانطلق عديد من ب‬ ‫و"أكتشف" العلمي‪ ،‬ومسابقة القراءة الوطنية "أقرأ"‪ ،‬و"جائزة‬ ‫للعالم الجديد"‪ ،‬و"ملتقى إثراء الشباب"‪ .‬وبموازاة‬ ‫إثراء إ‬ ‫ت‬ ‫ال� عقدها المركز واستضاف فيها‬ ‫المنتديات المتخصصة ي‬ ‫ش‬ ‫ع�ات الشخصيات المرموقة محلياً وعالمياً‪ ،‬أطلق عدداً من‬ ‫ال�امج مثل "فاب الب الظهران"‪ ،‬و"برنامج إثراء للعروض‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫الدائية والمرسحية"‪ ،‬وصار هو من َّ‬ ‫يتول تقديم برنامج "إثراء‬ ‫المعرفة"‪ ،‬وهوالمهرجان ف‬ ‫الثقا� الصيفي الذي عودتنا أرامكو‬ ‫ي‬ ‫السعودية عىل إقامته ف ي� صيف كل عام ويعرفه ويقصده مئات‬ ‫آ‬ ‫الالف من مختلف فئات المجتمع‪.‬‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬أطلق المركز موقعه إ ت ن‬ ‫و� وصفحاته عىل مواقع‬ ‫اللك� ي‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫التواصل االجتماعي‪ ،‬وبدأ فعال ً بإصدار منشوراته الخاصة ي‬ ‫تت�اوح ف� عناوينها ما ي ن‬ ‫ب� "إمارة جازان" و "كلمات من علماء‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كث�‪..‬‬ ‫وغ�ها ي‬ ‫نوبل"‪ ،‬و "العربية ي� اللغات العالمية" ي‬


‫التعليم التقليدي ما بينهما‪ ،‬يعمل عىل إثارة الفضول وإتاحة الفرص‬ ‫حد‬ ‫وغ� التقليدية عىل ٍّ‬ ‫وتحدي العقول من خالل الموارد التقليدية ي‬ ‫مكوناته وعنارصه الرئيسة‪،‬‬ ‫سواء‪ .‬وانطالقاً من هذه الرؤية‪ّ ،‬‬ ‫تحددت ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تُ ت ز‬ ‫خ�ل الغاية منها ي� الشعار الذي‬ ‫وطبيعة برامجه وأنشطته‪ ،‬ي‬ ‫يرفعه المركز‪ ،‬أال وهو "إثراء الفكر وإلهام الخيال"‪.‬‬ ‫توف� بيئة تفاعلية تلهم كل من يزوره‪ ،‬سيتيح المركز‬ ‫فمن خالل ي‬ ‫غ� مسبوقة لزواره من طالب‬ ‫بجاذبيته واحتضانه الجميع‪ ،‬فرصاً ي َ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫وباحث�‬ ‫وفنان� وعلماء وأرس وشباب وأطفال وكبار‪ ،‬بصفته عامال ً‬ ‫مساعداً عىل تشكيل شخصياتهم أفراداً ومجتمعاً‪ ،‬وعىل استكشاف‬ ‫والبداعية‪ .‬فمهما كان هدف الزائر‪ ،‬فإن المركز‬ ‫طاقاتهم الفكرية إ‬ ‫وال�امج عىل نحو يضمن له الحصول عىل‬ ‫مصمم من حيث العمارة ب‬ ‫ف‬ ‫النسانية‪.‬‬ ‫المعرفة ي� الفنون والعلوم والمعارف إ‬ ‫والمركز ليس محدوداً بالمنطقة ش‬ ‫ال�قية من المملكة‪ ،‬بل لديه‬ ‫ال�امج التعليمية تطال كافة أرجائها‪ ،‬مثل مبادرة‬ ‫مجموعة واسعة من ب‬ ‫المتعددة‪ ،‬وبرنامج إثراء المعرفة‪ ،‬كما يوفر‬ ‫إثراء الشباب وبرامجها‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫كب�ة من‬ ‫فيضاً من المواد عىل موقعه إ‬ ‫و�‪ ،‬تشمل تشكيلة ي‬ ‫اللك� ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تتيح للشباب أن يخوضوا تجارب ثقافية اف�اضية‪،‬‬ ‫الموضوعات ي‬ ‫المث�ة للفضول‪.‬‬ ‫كث� من المتعة والمواد ي‬ ‫فيها ي‬

‫المكونات الرئيسة للمركز‬ ‫ّ‬

‫وتنوع مجاالت‬ ‫تعطي‬ ‫المكونات الرئيسة للمركز فكرة عامة عن حجمه‪ُّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫يل‪:‬‬ ‫ال� يسعى إىل تغذيتها‪ ،‬وتشمل هذه المكونات ما ي‬ ‫المعرفة ي‬

‫المكتبة‬

‫ف‬ ‫ثقا�‪ ،‬ولكن مكتبة هذا المركز هي ث‬ ‫أك� من مجرد‬ ‫من لوازم أي مركز ي‬ ‫ينصب االهتمام فيها‬ ‫سلسلة طويلة من الرفوف المليئة بالكتب‪ .‬إذ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫المتخصص� لمساعدة‬ ‫التفاعل‪ ،‬مع وجود طاقم من‬ ‫عىل التع ّلم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� يريدونها‪ .‬وهذه‬ ‫الزوار ي� الحصول عىل المعلومات والكتب ي‬ ‫المكتبة ت‬ ‫ال� تبلغ طاقتها االستيعابية نصف مليون كتاب تضم اليوم‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫وال ي ز‬ ‫نجل�ية‪ ،‬ودوريات ودراسات ف ي�‬ ‫أك� من ‪ 220,000‬كتاب بالعربية إ‬ ‫تتضمن أيضاً مرافق مخصصة للعمل ث‬ ‫البح�‬ ‫المحفوظات الرقمية‪ .‬كما َّ‬ ‫ي‬ ‫ف ي� مجاالت أكاديمية متخصصة‪ .‬وهي المكان الذي يحتضن المبادرات‬ ‫الثقافية ذات الصلة بالكتابة والقراءة كمسابقة القراءة الوطنية "أقرأ"‪،‬‬ ‫ين‬ ‫والمثقف�‪ .‬وستستمر مقتنيات المكتبة‬ ‫ومحا�ض ات وندوات الكتاب‬ ‫بالتطور والتجديد بما ينعكس إيجاباً عىل خدمة الجمهور عىل أفضل‬ ‫ت‬ ‫ال� توصلت إليها دراسة شاملة ألنماط القراءة‬ ‫وجه‪ ،‬استناداً إىل النتائج ي‬ ‫ين‬ ‫السعودي�‪ ،‬أجراها فريق المكتبة‪ ،‬واستطلع خاللها االهتمامات‬ ‫عند‬ ‫والعادات القرائية لنحو ‪ 18,000‬شخص من جميع أنحاء المملكة‪.‬‬

‫تبلغ طاقة المكتبة االستيعابية نصف‬ ‫مليون كتاب‪ ،‬وهي تضم اليوم ث‬ ‫أك� من‬ ‫وال ي ز‬ ‫نجل�ية‬ ‫‪ 220,000‬كتاب بالعربية إ‬

‫مجتمع المعرفة واقتصادها‬ ‫للشارة إىل المجتمع‬ ‫تعب� صاغه روبرت الين إ‬ ‫"مجتمع المعرفة" ي‬ ‫الذي يقوى فيه االعتماد عىل المعرفة وتكنولوجيا االتصال‬ ‫والمعلومات والتطوير ف ي� مجال البحوث العلمية‪ ،‬ويقوم عىل‬ ‫شن� المعرفة وتوظيفها بكفاءة ف ي� مختلف أوجه أنشطة المجتمع‪،‬‬ ‫أي أنه يشكِّل المرحلة التالية لما يسمى بمجتمع المعلومات‪.‬‬ ‫ف‬ ‫االمعر�" فقد ظهر أوال ً عىل يد ت‬ ‫بي� دروكر عام‬ ‫أما "االقتصاد‬ ‫ي‬ ‫م� ي ن‬ ‫‪ ،1966‬ف� كتابه "المدير الفاعل"‪ ،‬حيث ي ّ ز‬ ‫ب� "العامل اليدوي"‬ ‫ي‬ ‫المعر�"‪ .‬أ‬ ‫ف‬ ‫فالول يعمل بيديه إلنتاج سلع وخدمات‬ ‫و"العامل‬ ‫ي‬ ‫ملموسة‪ ،‬ن‬ ‫والثا� يعمل بعقله إلنتاج أفكار ومعارف ومعلومات‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫قد يكون بعضها ملموساً وبعضها يغ� ملموس‪ .‬ومن المثلة‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية عىل هواتفنا‬ ‫عن السلع يغ� الملموسة التطبيقات إ‬ ‫المحمولة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫خ�ين‬ ‫وبظهور تكنولوجيا المعلومات ورواجها منذ العقدين ال ي‬ ‫ف ي� القرن ش‬ ‫الع�ين‪ ،‬تلقى اقتصاد المعرفة دفعاً هائال ً إىل‬ ‫أ‬ ‫المام‪ .‬وبات من أعمدة االقتصادات ف ي� الدول المتقدمة‪ .‬فهذه‬ ‫التكنولوجيا شكّلت بحد ذاتها مصدراً جديداً ثل�وات عمالقة‬ ‫ف ي� "مجتمع المعلومات"‪ ،‬وأتاحت الفرصة ش‬ ‫لن� المعارف عىل‬ ‫مستويات يغ� مسبوقة ف ي� التاريخ لكافة ش�ائح المجتمع‪ ،‬الذي‬ ‫انفتحت أمام أفراده مجاالت بلورة أ‬ ‫الفكار واحتماالت تطبيقها‬ ‫كسلع مفيدة قابلة للبيع ش‬ ‫وال�اء‪.‬‬


‫‪95 | 94‬‬

‫برج المعرفة‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫توصل إليه العالم ف ي� مجاالت المعرفة‬ ‫ِّ‬ ‫يقدم برج المعرفة آخر ما َّ‬ ‫والفكر‪ .‬فهو يحتوي من القاعات المخصصة ما يكفي لعقد ‪2000‬‬ ‫ورشة عمل سنوياً ف ي� مجاالت العلوم والتكنولوجيا والهندسة‬ ‫والرياضيات أو ما يعرف اختصاًرا بالــ(‪ )STEM‬إضافة إىل الفنون‬ ‫المتعددة وبرامج بناء المهارات‪ .‬ويجري تطوير المحتوى‬ ‫والوسائط‬ ‫ِّ‬ ‫ش‬ ‫المقدم ف ي� هذه الورش بال�اكة مع أفضل المؤسسات التعليمية‬ ‫ت‬ ‫ال� تعمل جنباً إىل جنب مع المؤسسات المحلية‬ ‫العالمية ي‬ ‫المتخصصة‪ .‬ورغم أن ورش العمل هذه تستهدف الشباب عىل وجه‬ ‫الخصوص‪ ،‬إال أنها تقدم برامج لكافة أ‬ ‫العمار ومختلف المجاالت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال�امج إىل ‪ 80‬ألف متع ِّلم ومتع ِّلمة سنوياً من خالل‬ ‫وستصل هذه ب‬ ‫تقديم نصف مليون ساعة تعليمية تنمي الشغف وتشبع الفضول‬ ‫ف‬ ‫المعر�‪ .‬ويدار التع َّلم وتبادل المعارف بشكل ت‬ ‫يح�م التنوع ويحتفي‬ ‫ي‬ ‫ويعزز ثقافة التطوع‪ ،‬ويغذِّ ي الفضول وحب المعرفة‪ .‬وال يقف‬ ‫به‪ِّ ،‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫يقدمه ي� العالم الواقعي‪ ،‬بل إن حضوره يمتد إلك�ونياً‬ ‫المركز عند ما ِّ‬ ‫بالضافة إىل وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫من خالل صفحاته ومدوناته إ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تمكّن من هم خارج المنطقة ال�قية من التفاعل مع المركز‬ ‫ي‬ ‫واالستفادة من أنشطته الثقافية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫وتوف� مصادر‬ ‫العر�‪ ،‬ي‬ ‫وسيسهم المركز ي� تنمية المحتوى الرقمي ب‬ ‫ي‬ ‫اللعاب التفاعلية أ‬ ‫ذات جودة عالية للشباب عن طريق أ‬ ‫والفالم‬ ‫المتحركة المصممة لتالئم مختلف الفئات العمرية واالهتمامات‪.‬‬

‫مختبر االفكار‬

‫هذا المخت� هو مساحة للبداع وخلق أ‬ ‫الفكار الجديدة‪ ،‬والهدف‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ويتكون من معرض‬ ‫االبتكار‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫المب�‬ ‫االقتصاد‬ ‫وتنمية‬ ‫منه رعاية‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫البداع واالبتكار‪،‬‬ ‫يحك قصة إ‬ ‫للتصميم يحتوي عىل ‪ 60‬عمال ً إبداعياً ي‬ ‫ن‬ ‫الشغوف� عىل أن يصبحوا من‬ ‫يقدم بطريقة جذّ ابة لتشجيع الزوار‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫المبتكرين ف‬ ‫مخت� الفكار كذلك عىل مكتبة‬ ‫ويحتوي‬ ‫التصميم‪.‬‬ ‫مجال‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫تشجع وتسهم ف ي� إيجاد‬ ‫ابتكارية‪،‬‬ ‫ايا‬ ‫ز‬ ‫م‬ ‫ذات‬ ‫عة‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫مادة‬ ‫‪1600‬‬ ‫تعرض‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ال� يواجهها المبتكرون أثناء التصميم‪ ،‬وهذه هي‬ ‫حلول‬ ‫للتحديات ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫تقدم فيها هذه المكتبة خارج النطاق‬ ‫المرة الوىل ي�‬ ‫ال� ّ‬ ‫العالم ي‬ ‫ف‬ ‫المخت� ‪ 300‬ورشة عمل سنوياً ش‬ ‫لن� الوعي لدى‬ ‫الصناعي‪ .‬وتعقد ي�‬ ‫ب‬ ‫ين‬ ‫المهتم� ف ي� مجال االبتكار والتصميم‪ ،‬وذلك من خالل المنتجات‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫المتاحة ي� المعرض لدراستها واستخدامها كمرجع ي� توليد أفكارهم‬ ‫البداعية‪.‬‬ ‫الخاصة ومشاريعهم إ‬

‫متحف الطفل‬

‫يُعد متحف الطفل أول متحف من نوعه ف ي� المملكة العربية السعودية‬ ‫مخصص أ‬ ‫للطفال إىل سن الثانية ش‬ ‫ع�ة‪ ،‬ويهدف إىل تنمية قدرات‬ ‫أبنائنا الذهنية منذ بداية طفولتهم من خالل المعارض أ‬ ‫والنشطة‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� سينظمها المتحف‪ ،‬وال يقترص هدفه عىل بناء‬ ‫التفاعلية وال�فيهية ي‬ ‫عقول أ‬ ‫الطفال وتنمية معارفهم فحسب‪ ،‬بل يهدف أيضاً لمساعدتهم‬ ‫عىل اكتشاف ذواتهم وبناء ثقتهم وشخصياتهم من خالل أ‬ ‫النشطة‬ ‫ال� يمكنهم أن ت‬ ‫ت‬ ‫يش�كوا فيها جنباً إىل جنب مع ذويهم‪.‬‬ ‫ي‬

‫ولدى متحف الطفل أساليب متنوعة لتعريف أ‬ ‫الطفال بالثقافات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تضم‪:‬‬ ‫الخرى من خالل أقسامه أ ي‬ ‫يتعرفوا إىل شعوب مختلفة من‬ ‫‪ .‬كهف القصص‪ :‬يتيح للطفال أن َّ‬ ‫خالل الدراما‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫يقدم قصصا عن يوميات مجموعة من الطفال من‬ ‫‪ .‬معرض عالمنا‪ِّ :‬‬ ‫أنحاء العالم‪.‬‬ ‫‪ .‬معرض البيئة والحياة البحرية‪ :‬يحتوي عىل باقة منوعة من‬ ‫الحيوانات الحية والنباتات‪.‬‬

‫المتحف‬

‫يتكون متحف المركز من أربعة معارض دائمة‪ ،‬يركِّز كل منها عىل نطاق‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫التعب� والفهم‬ ‫مع� ويمنح إطاللة عىل أفكار وأشكال جديدة من‬ ‫ي‬ ‫يّ‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫الثقا�‪ .‬ولكل معرض برامجه ومحا اته وورش عمله وجوالت مع‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫مرشدين الستكشاف مواضيع العرض المقسمة زمنيا من المعارص إىل‬ ‫القديم‪ .‬إذ ينطلق الزائر ف ي� رحلة تاريخية بدءاً من الفن السعودي‬ ‫وال�اث السعودي‪ ،‬مروراً بالفن ت‬ ‫المعارص‪ ،‬ثم الهوية ت‬ ‫وال�اث‬ ‫السالمي‪ ،‬وانتها ًء بالتاريخ الطبيعي للجزيرة العربية‪ .‬إنها رحلة ممتدة‬ ‫إ‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫السن�‪ ،‬يكتشف فيها الزائر ي� كل مرة شيئاً جديداً‪.‬‬ ‫بع� الزمن لالف ي‬

‫القاعة الكبرى‬

‫قاعة ذات تصميم فريد‪ ،‬تقع بالقرب من مدخل المركز‪ ،‬وتستضيف‬ ‫المهرجانات والمعارض الزائرة من حول العالم‪ ،‬والمؤتمرات‪،‬‬ ‫واالحتفاالت والمنتديات السنوية‪.‬‬ ‫التنوع ف ي� المركز‪ .‬فهي تتيح للزوار فرصة‬ ‫وتؤكد هذ القاعة صفة ّ‬ ‫أ‬ ‫وتشجعهم عىل التوق الذه�ن‬ ‫تقدمه الثقافات الخرى‪،‬‬ ‫مشاهدة ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫إىل أفكار خالقة‪.‬‬


‫المسرح‬

‫يتسع لتسعمئة شخص‪ ،‬يعرض أعماال ً سعودية‪ ،‬إضافة إىل عروض‬ ‫فرق عالمية تكون معززة للقيم الثقافية واالجتماعية السعودية‪،‬‬ ‫وتوفر تدريباً ألصحاب المواهب المرسحية وصانعي أ‬ ‫الفالم والكتاب‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫ستخدم‬ ‫الروائي�‬ ‫والمهتم� بالفنون المختلفة‪ .‬ويمكن للمرسح أن يُ َ‬ ‫�ض‬ ‫متنوعة‪.‬‬ ‫لعروض ومحا ات ِّ‬

‫البداعية‬ ‫قاعة العروض إ‬

‫وتقدم العروض المتعددة‬ ‫تتسع هذه القاعة لثالثمئة شخص‪ِّ ،‬‬ ‫الوسائط‪ .‬وغرضها أ‬ ‫الول هو تقديم أعمال مبتكرة عىل الشاشة من‬ ‫السعودي�‪ ،‬وكذلك عرض أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الفالم الوثائقية الثقافية‬ ‫الموهوب�‬ ‫إنتاج‬ ‫والعلمية من مختلف أنحاء العالم‪.‬‬

‫معرض الرشيف‬

‫أ أ‬ ‫ف‬ ‫السهام ف ي� تنمية‬ ‫يقدم معرض الرشيف جهود أرامكو السعودية ي� إ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تُعد رافداً‬ ‫مجاالت‬ ‫الصحة والتعليم وتطوير الموارد الب�ية ي‬ ‫ف‬ ‫شيق‬ ‫أساساً للنهضة ي� المملكة‪ ،‬ويروي المعرض هذه القصة بأسلوب ِّ‬ ‫باستخدام أحدث التقنيات التفاعلية‪.‬‬

‫معرض الطاقة‬

‫صمم معرض الطاقة باستخدام التقنيات الحديثة والوسائط‬ ‫المتعددة لجذب مختلف الفئات العمرية‪ ،‬إذ يتناول موضوعات النفط‬ ‫والعلوم والطاقة والتكنولوجيا‪ ،‬وسيتمكن الزوار من االستمتاع برحلة‬ ‫الب�ول وتكونات الصخور تحت أ‬ ‫تأخذهم بع� بدايات ت‬ ‫الرض وعمليات‬ ‫الحفر ف ي� الصحراء‪ ،‬مروراً بمصانع التكرير وحلول الطاقة البديلة‬ ‫للمملكة‪.‬‬


‫‪97 | 96‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫مبناه‬ ‫الطليعي‬ ‫عما يصبو إليه محتواه‬ ‫صورة ّ‬

‫عندما وقف أمام ن‬ ‫مب� المركز معماري درس الهندسة ف ي� باريس‪ ،‬روى أن أحد‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫قدم تصميماً ش‬ ‫لم�وع‬ ‫زمالئه أيام الدراسة ي� أواخر سبعينيات القرن‬ ‫الما�‪ّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫صغ�اً من مب� المركز‪،‬‬ ‫وغ� متناسق‪ ،‬يشبه جزءاً ي‬ ‫بناء مؤلَّف من شكل بيضاوي حر ي‬ ‫فرفضته اللجنة الفاحصة آنذاك بحجة "إنه يغ� قابل للتنفيذ"‪ .‬وتمتم مضيفاً‪" :‬ال‬ ‫أكاد أصدق حجم التطور الذي حصل"‪.‬‬ ‫فمن عىل الطريق الرسيع الذي ت‬ ‫يسمر نظره‬ ‫يخ�ق الظهران‪ ،‬ال بد للعابر من أن ّ‬ ‫تسع� تم�اً ف� الفضاء‪ ،‬بملمح ال مثيل له‪ ،‬ال �ف‬ ‫عىل ن‬ ‫المب� الذي يرتفع هناك ي ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� نن‬ ‫تتف� ي� عرض درر العمارة الطليعية عىل‬ ‫الجوار وال ي� صور مجالت الهندسة ي‬ ‫مستوى العالم‪.‬‬ ‫فمنذ أن قرر المسؤولون ف ي� أرامكو السعودية البدء بتنفيذ ش‬ ‫م�وع بناء هذا‬ ‫مع�اً عن الطموحات الكامنة ف ي� جوهره‬ ‫المركز‪ ،‬حرصوا عىل أن يكون تصميم مقره ب ِّ‬ ‫ن‬ ‫ومهمته‪ ،‬وأن يكون مستقبلياً‬ ‫بالمع� الدقيق للكلمة‪ ،‬ليعكس صورة وظيفته ف ي�‬ ‫العداد لمستقبل أفضل ومختلف‪ .‬ولهذه الغاية‪ ،‬أطلقوا مسابقة عالمية‪ ،‬كان‬ ‫إ‬ ‫الفوز فيها من نصيب مكتب "سنوهيتا" ن‬ ‫ال�ويجي‪ ،‬الذي عرف ما كان يدور ف ي� خلد‬ ‫يتضمن توليفة فريدة من الشاعرية والتكنولوجيا الفائقة‬ ‫العميل‪ ،‬فوضع تصميماً َّ‬ ‫التطور‪ ،‬أوليس الجمع ما ي ن‬ ‫النسانية بفنونها والتكنولوجيا والعلوم‬ ‫ب� العلوم إ‬ ‫الدقيقة ف ي� صميم شخصية المركز؟‬ ‫استوحى المصممون ف� "سنوهيتا" الملمح العام ن‬ ‫لمب� المركز من الحىص‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫وتحولت‬ ‫حوافها‪،‬‬ ‫فاستدارت‬ ‫الطبيعية‪،‬‬ ‫التعرية‬ ‫لعوامل‬ ‫خضعت‬ ‫ال�‬ ‫َّ‬ ‫الصحراوية ي‬ ‫إىل أشكال شبه بيضاوية يغ� متناسقة‪ .‬فصمموا المركز عىل شكل تجمع خمسة أبنية‬ ‫شبه منفصلة ظاهرياً عن بعضها بعضاً‪ .‬ثالثة منها عىل مستوى السطح‪ ،‬ورابع‬ ‫ال�ج ن‬ ‫كال�ج ف� وسطها‪ ،‬وخامس شبه عالق عالياً ما ي ن‬ ‫ومب� آخر‪.‬‬ ‫ب� ب‬ ‫يرفتفع ب ي‬ ‫مكونات المركز عىل هذه الفضاءات‪ ،‬ارتأى المصممون صيغة رمزية‬ ‫و� توزيع ّ‬ ‫ي‬ ‫الكث�ة والمختلفة جداً عن بعضها بعضاً‪ ،‬ض‬ ‫تسمح ت‬ ‫وتق�‬ ‫نات‬ ‫المكو‬ ‫هذه‬ ‫تيب‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ال� تقع تحت سطح أ‬ ‫أ‬ ‫الرض ض‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� سبق‬ ‫للما� والمعارف ي‬ ‫ي‬ ‫بتخصيص الدوار ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تقع عند مستوى سطح‬ ‫اكتسابها‪ ،‬أي للمتاحف وال�اث والتاريخ‪ .‬والدوار ي‬ ‫أ‬ ‫الرض للحا�ض بما فيه من تقنيات واهتمامات مثل التفاعل والحوار والتبادل‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الثقا�‪ .‬والدوار العليا للمستقبل‪ ،‬وهذا يشمل ت‬ ‫ال�بية والتعليم واالستكشاف‬ ‫آ ي‬ ‫والفاق الجديدة ومجاالت االستثمار‪.‬‬

‫تحديات تقنية ال مثيل لها‬

‫واجهت أعمال بناء هذا المركز من التعقيدات والتحديات التقنية ما لم يواجهه‬ ‫ت‬ ‫أي ش‬ ‫ال� كانت متوافرة ف ي� العالم‬ ‫م�وع بناء‬ ‫نعرفه أو سمعنا به‪ .‬فأحدث التقنيات ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� أنجز بها‪.‬‬ ‫عند ال�وع ببنائه ي� عام ‪ ،2008‬لم تكن كافية إلنجازه بالصورة ي‬ ‫يغ� أنه استفاد ف ي� بعض الجوانب من تطورات تقنية حصلت ف ي� العالم خالل‬ ‫مواصلة أعمال البناء‪ ،‬وتطلب استنباط وسائل جديدة يغ� معروفة سابقاً لتنفيذ‬ ‫جوانب أخرى‪ .‬وإن كان يستحيل هنا تعداد هذه التحديات ت‬ ‫ال� شغلت ألمع‬ ‫العقول لسنوات‪ ،‬فال بأس ف� التوقف عىل سبيل المثال أمام يواحدة منها تتمثل �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كسوته الخارجية أ‬ ‫بالنابيب الفوالذية‪.‬فكأن إنشاء الهياكل الخرسانية وفق مالمح شبه‬ ‫ين‬ ‫المهندس� المنفِّذين‪،‬‬ ‫بيضاوية حرة‪ ،‬وما يتطلبه ذلك من حسابات ال يكفي إلرهاق‬ ‫جاء تصميم الكسوة الخارجية ن‬ ‫للمب� عىل سبيل المثال يل�فع التعقيدات‬ ‫ف‬ ‫والتحديات إىل مستويات يغ� مسبوقة‪ ،‬بت�ر الشك ي� قابليتها للتنفيذ‪.‬‬ ‫اق�ح المصممون كسوة كل واجهات ن‬ ‫فقد ت‬ ‫المب� بأنبوب من الفوالذ يلفها بالكامل‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ال� تشبه � ياي� الحياة االقتصادية ي� المملكة‪.‬‬ ‫استوحوه من أهمية أنابيب الزيت ي‬ ‫ت‬ ‫وب�ء من الحسابات‪ ،‬ي َّ ن‬ ‫ش‬ ‫كيلوم� من‬ ‫تب� لهم أن هذه الكسوة تتطلَّب نحو ‪400‬‬ ‫أ ي‬ ‫النابيب‪ ،‬أي ما يوازي المسافة ما ي ن‬ ‫ب� الظهران والرياض‪.‬‬


‫ولن هذا أ‬ ‫أ‬ ‫النبوب الذي يبلغ قطره ‪76‬ملم سيتألف من أجزاء تت�اوح أطوالها ما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫‪ 6‬و ‪ 12‬تم�اً يصار إىل وصلها ببعضها فوق مسطحات منحنية ومتقوسة بأشكال‬ ‫ن‬ ‫معينة ومختلفة‬ ‫يع� أن كل جزء منها يتطلَّب الطي بدرجة َّ‬ ‫يغ� متناسقة‪ ،‬فهذا ي‬ ‫عن الجزء الذي يتصل به والمطوي بدرجة مختلفة‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬لن يكون أي‬ ‫جزء من هذا أ‬ ‫النبوب مشابهاً تماماً ألي جزء آخر ف� تقوسه‪ .‬ث‬ ‫وأك� من ذلك‪ ،‬ولحل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مسألة مرور هذه النابيب أمام النوافذ‪ ،‬ت‬ ‫ليتحول‬ ‫المصممون كبس النبوب‬ ‫اق�ح‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫مقطعه الدائري يال بيضاوي‪ ،‬فيصبح أشبه بالشفرة المسطحة أمام النوافذ بحيث‬ ‫ال يحجب عن الداخل ث‬ ‫أك� من ‪ 16‬ف� المئة من الضوء الخارجي‪ ،‬ف� ي ن‬ ‫ح� أنه يحجب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ما نسبته ‪ 88‬ف ي� المئة من الضوء عن الجدران الكاتمة‪.‬‬ ‫ين‬ ‫المسؤول� عن ش‬ ‫الم�وع ف ي� أرامكو السعودية‪ ،‬ولكنها بدت‬ ‫أثارت الفكرة اهتمام‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫يهدد قابليتها للتنفيذ‪ ،‬فاش�طوا إلعطاء‬ ‫التعقيد‬ ‫من‬ ‫آنذاك عىل مستوى‬ ‫التق� ِّ‬ ‫موافقتهم عليها تنفيذ عينة تظهر ما يستكون عليه هذه أ‬ ‫النابيب ف‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫اوية‬ ‫ز‬ ‫�‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫البداع الذي عقده المركز قبل نحو سنوات ثالث‪ ،‬روى مهندس من‬ ‫و� منتدى إ‬ ‫ي‬ ‫ال� يمكنها طي أ‬ ‫آ ت‬ ‫النابيب بهذه المقاييس وبالدقة‬ ‫"بورو هابولد" قصة ابتكار اللة أ ي‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت متوافرة سابقاً ما كانت قادرة‬ ‫المطلوبة بتوجيه من الكمبيوتر‪ ،‬لن الالت ي‬ ‫عىل التعامل مع هذه المقاييس‪ .‬وكان أن تأ� المتعهد بنموذج عن تركيب هذه‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� نُفذت الحقاً بهامش خطأ وهدر بقي‬ ‫النابيب لتحصل الفكرة عىل الموافقة‪ ،‬ي‬ ‫عند الصفر‪ .‬لتضفي عىل المركز ما يبدو من بعيد لمعاناً حريرياً‪ ،‬وعن قرب مظهر‬ ‫مركبة فضائية حطت فوق الرمال الصحراوية‪.‬‬

‫تتط َّلب كسوة كل واجهات ن‬ ‫المب� بأنابيب من الفوالذ نحو ‪400‬‬ ‫كيلوم� من أ‬ ‫ت‬ ‫النابيب‪ ،‬أي ما يوازي المسافة ما ي ن‬ ‫ب� الظهران والرياض‬

‫الحرم� ال�ش ي ن‬ ‫ين‬ ‫يف�‪ ،‬حفظه هللا‪ ،‬يستمع إىل ش� ٍح عن مكونات‬ ‫خادم‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫بتدش� المركز‬ ‫الثقا� العالمي أثناء تفضله‬ ‫مركز الملك عبدالعزيز‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫‪99 | 98‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫البناء‬ ‫بالط�ن‬ ‫ي‬

‫تقنيات قديمة وحديثة‬

‫ت‬ ‫ال� تشكّل محور الحركة الداخلية ما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫بوصول الزائر إىل البالزا ي‬ ‫أقسام المركز‪ ،‬يواجهه واحد من ث‬ ‫أك� الجوانب المعمارية إثارة‬ ‫للدهشة‪ :‬وسط الجدران المبنية ي ن‬ ‫(مقوس)‬ ‫بالط�‪ ،‬نتأ غطاء شبه كروي َّ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫المبا� ‪ .‬فبدت‬ ‫ال� تكسو واجهات‬ ‫ي‬ ‫من النابيب الفوالذية المتوازية ي‬ ‫ن‬ ‫الهندس وسط الجدران الطينية‪ ،‬وكأنها جزء‬ ‫المعد� وتوازيها‬ ‫بلمعانها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫من مركبة فضائية ضخمة ح َّطت فوق مب� قديم واخ�قت جدرانه‪.‬‬ ‫ت‬ ‫فالقرار ببناء البالزا ي ن‬ ‫ال� تعود إىل نحو ثالثة آالف‬ ‫بالط�‪ ،‬هذه التقنية ي‬ ‫سنة خلت‪ ،‬ع ّزز فرادة التصميم المعماري ن‬ ‫لمب� المركز ككل‪ ،‬ت ز‬ ‫باخ�اله‬ ‫ال� تربط ض‬ ‫ت‬ ‫الما� وتقنياته بالمستقبل وتقنيات عرص الفضاء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الصالت ي‬ ‫يقول رئيس المكتب الذي نفَّذ أعمال ي ن‬ ‫الط� ف ي� بناء البالزا‪ :‬الستخدام‬ ‫ف‬ ‫الط�‪ ،‬ف� رصح معماري كهذا‪ ،‬بُعد ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫فالط� كان مادة‬ ‫وثقا� ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫إنسا� ي‬ ‫ي‬ ‫البناء التقليدية أ‬ ‫الوىل ف� السعودية قبل اكتشاف النفط‪ .‬وآخر ن‬ ‫مب�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫أن� ف� ت‬ ‫كب� بُ ن� ي ن‬ ‫الف�ة‬ ‫بالط� هو قرص‬ ‫المربع ي� الرياض‪ ،‬الذي ش ئ ي‬ ‫ي ي‬ ‫نفسها ت‬ ‫ال� اكتشف فيها النفط ف ي� المملكة‪ .‬وبانطالق عملية تحديث‬ ‫ي‬ ‫وتنميتها الرسيعة انترص أ‬ ‫السمنت والحديد عىل ي ن‬ ‫الط�‪ .‬إن‬ ‫البالد‬

‫الطين المدكوك‬


‫القسم ن‬ ‫ين‬ ‫المب� من ي ن‬ ‫المواطن�‬ ‫الط� ف ي� المركز سيسمح لزائريه من‬ ‫ي‬ ‫تلمس تراثهم المعماري الذي يكاد يغيب عن أبصارهم‬ ‫بالعودة إىل ّ‬ ‫نهائياً ف ي� المدن ومرافقها الحديثة‪ .‬وحول هذه التقنية يقول‪" :‬إن تقنية‬ ‫أربع� تقنية للبناء ي ن‬ ‫الط� هي واحدة من نحو ي ن‬ ‫ين‬ ‫بالط�‪ ،‬تطورت بع�‬ ‫ثالث� قرناً‪ ،‬واستخدمت ف� ي ن‬ ‫ين‬ ‫الص� والمغرب وفرنسا والهند‪ ..‬إال أن‬ ‫ي‬ ‫تطورها توقف منذ نحو ‪ 200‬سنة‪ .‬ومن ثم دخلت هذه التقنية طي‬ ‫الهمال والنسيان ف� عرص أ‬ ‫الماضي�ن‬ ‫السمنت والحديد‪ .‬فخالل القر ي ن‬ ‫ن�‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التصور العام يقول إن كل جديد هو أفضل من القديم‪ .‬واتخذ‬ ‫كان‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫الط� طابعاً ألصقه بصفة الفقر‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فإن ظهور قضايا بك�ى‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫توف� الطاقة‪ ،‬ومفهوم االستدامة ي� العمارة وأهمية‬ ‫مثل وجوب ي‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫كث�‬ ‫الط� بي�ز كمادة بناء ممتازة‪ ،‬تخلو من ي‬ ‫البي� لها‪ ،‬تجعل ي‬ ‫ُ‬ ‫البعد ي‬

‫ال� يتسبب بها أ‬ ‫من المتاعب ت‬ ‫ين‬ ‫فالط� هو أوال ً ذو دورة بيئية‬ ‫السمنت‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫سليمة‪ .‬يخرج من الرض ويدخل ف ي� البناء ثم يعود كما كان إىل حيثما‬ ‫الرض‪ .‬وهو عىل مستوى العزل الحراري أفضل من أ‬ ‫كان ف� أ‬ ‫السمنت‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫للت�يد والتدفئة"‪.‬‬ ‫وبالتال فإنه يوفر ي� استهالك الطاقة الالزمة ب‬ ‫ي‬ ‫ويكمل رئيس المكتب فكرته هذه بإشارة شبه فلسفية‪ ،‬فيقول‪" :‬إن‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال� تحمينا‪ .‬فهناك أوال ً بَ ش َ�تُنا‪ ،‬ثم المالبس‪،‬‬ ‫الط� هو الطبقة الثالثة ي‬ ‫ت‬ ‫ال� كلما كانت أقرب إىل‬ ‫ثم غالف محيطنا الخاص‪ ،‬أي جدران منازلنا‪ ،‬ي‬ ‫الطبيعة كانت أفضل"‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تطلب إنشاؤها ‪529‬‬ ‫وعندما ندقِّق قليال ً ي� هذه الجدران الطينية ي‬ ‫لوحاً‪ ،‬تبلغ مقاييس الواحد منها ‪ 54.2‬تم� طوال ً و‪ 40.1‬تم� عرضاً‪،‬‬ ‫ت‬ ‫سنتيم�اً‪ ،‬يدهشنا ملمسها الناعم جداً الذي يشبه ملمس‬ ‫وبسماكة ‪13‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الورق أو الخشب المصقول‪ ،‬المر الذي لم نألفه ي� جدران ما نعرفه‬ ‫عن أ‬ ‫ن‬ ‫الطحي� الداكن المائل إىل الوردي‪،‬‬ ‫البنية الطينية‪ .‬أما لونها‬ ‫ي‬ ‫يبد عند ت‬ ‫االق�اب منه واحداً كما هو حال الطالء مثالً‪ ،‬بل بدا‬ ‫فلم ُ‬ ‫أنه يتشكَّل من تفاعالت لونية عديدة ومتقاربة جداً‪ ،‬أما ما هو واضح‬ ‫فيه‪ ،‬فهو وجود خطوط أفقية متوازية‪ ،‬وتختلف لوناً‪ ،‬ال ملمساً‪ ،‬قليال ً‬ ‫ين‬ ‫المهندس� ذلك بقوله إن هذه‬ ‫ويفس أحد‬ ‫جداً عن بعضها بعضاً‪ِّ .‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الط� ي� القوالب عىل طبقات فوق بعضها‬ ‫الخطوط هي نتيجة دك ي‬ ‫بعضاً‪ ،‬حيث تحتفظ كل طبقة ببصمتها‪ ،‬أما الحدود الفاصلة يب�ن‬ ‫كل لوح وآخر‪ ،‬فيصعب رصدها بفعل التشطيبات إال ت‬ ‫باالق�اب منها‬ ‫والتدقيق بحثاً عنها‪.‬‬


‫‪101 | 100‬‬

‫ال� ي ن‬ ‫الدور يتجاوز ت ز‬ ‫ي�‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ف‬ ‫كث� من‬ ‫صحيح أن دمج مواد بناء مختلفة لم يعد مستغرباً ي� ي‬ ‫التصاميم المعمارية الحديثة‪ ،‬مثل واجهات ن‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫المبا� المكتبية ي‬ ‫كث�اً منها ف ي� مدن المملكة‪ ،‬حيث عىل سبيل المثال يحتل الحجر‬ ‫نرى ي‬ ‫التقليدي المصقول مساحات هندسية من إجمال مساحات المبا�ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يي� ال ث‬ ‫ال� ن‬ ‫الزجاجية‪ ،‬لغايات يغلب عليها الطابع الجمال أو ت ز‬ ‫أك�‪ .‬أما‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف� مركز الملك عبدالعزيز ف‬ ‫الثقا� العالمي‪ ،‬فإن تزاوج التقنيات يتجاوز‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫حد بعيد‪ .‬فالفارق ن‬ ‫الزم� هو أوال ً هائل‪ .‬إذ َّإن إنشاء هذا‬ ‫إىل‬ ‫ذلك‬ ‫ٍّ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يكتف باالعتماد عىل ما هو متوفر من أحدث التقنيات ف ي�‬ ‫المب� لم ِ‬ ‫العالم‪ ،‬بل استدعى استنباط تقنيات جديدة يك يصبح تنفيذ بعض‬ ‫جوانبه أمراً ممكناً‪ ،‬ف‬ ‫و� الوقت نفسه الذي انشغل فيه علماء وتقنيون‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و�‬ ‫عىل هذه العنارص الحديثة وما‬ ‫تتطلبه من أعمال حاسوبية مبتكرة ي‬ ‫ف‬ ‫غاية التعقيد‪ ،‬ض‬ ‫خت� فيها جودة مادة البناء‬ ‫القدم تُ ب‬ ‫تح� تقنية موغلة ي� ِ‬ ‫محددة أو ثابتة لها‪ ،‬وتدخل عىل ن‬ ‫المب� ال كعنرص‬ ‫يدوياً‪ ،‬وال مقاييس َّ‬ ‫ن‬ ‫تزيي�‪ ،‬بل كجزء أساس من نسيجه وشخصيته وتحتل واحداً من أك�ث‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أقسام ن‬ ‫المب� حيوية عىل صعيد حركة الزوار فيه‪ .‬وأمام هذا الفرق‬ ‫ن‬ ‫والجمال‪ ،‬ال يخطر عىل بالنا من‬ ‫الشكل‬ ‫الكب� وضخامة االختالف‬ ‫الزم� ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الحاالت المشابهة إال ش‬ ‫م�وع تطوير متحف اللوفر ف ي� فرنسا‪.‬‬ ‫فعندما أطلق الرئيس الفرنس الراحل فرانسوا ت‬ ‫مي�ان ش‬ ‫م�وع تطوير‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫يتضمن إنشاء أهرامات‬ ‫وع‬ ‫الم�‬ ‫أن‬ ‫بأرسه‬ ‫العالم‬ ‫متحف اللوفر‪ ،‬فوجئ‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تتوسط ذراعي القرص التاريخي‪ .‬وانقسم‬ ‫زجاجية ي� الباحة الرئيسة ي‬

‫العالم آنذاك ي ن‬ ‫وبتقدم ش‬ ‫الم�وع وإنجازه خفتت‬ ‫ب� مؤيد ومعارض‪ّ .‬‬ ‫ق‬ ‫ين‬ ‫كبا�‬ ‫أصوات‬ ‫المعارض�‪ .‬إ‬ ‫فالضافة الحديثة هي ابنة عرصها‪ ،‬تماماً ي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫أقسام القرص الذي بُ ي� عىل مراحل بدءاً من القرن الثالث ع�‪ ،‬وما‬ ‫من قرن بعده إال وشهد إضافات وتعديالت «حديثة»‪ ،‬أو كانت كذلك‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫مكمل‬ ‫ال� تبدو اليوم كجزء ِّ‬ ‫آنذاك‪ ،‬وآخرها الهرامات الزجاجية ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تحكمت‬ ‫فللمتحف ‪ -‬القرص‪ ،‬وليس كإضافة‪ .‬هذه الرؤية هي نفسها ي‬ ‫� تصميم البالزا ي ن‬ ‫بالط� المدكوك‪ ،‬وسط محيط يكاد يكون احتفا ًء‬ ‫ي‬ ‫بتطور أحدث ما ف ي� تقنيات البناء ف ي� العالم‪ .‬فإىل الطابع الوظيفي لكل‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� َّ‬ ‫يتجل فيها ما يمكن تنفيذه بواسطة‬ ‫أقسام المركز‪ ،‬وإىل العمال ي‬ ‫الكمبيوتر وتقنيات عرص الفضاء الباردة‪ ،‬يشكّل حضور ي ن‬ ‫الط� المدكوك‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ب�ء من‬ ‫ي� هذا الجانب من فالمب� إضافة إنسانية دافئة‪ ،‬تهمس ي‬ ‫الدفء والحميمية ي� وجدان زواره بحقيقة هويتهم الثقافية وتاريخها‪،‬‬ ‫تف�ض أبداً إدارة الظهر ض‬ ‫وبشكل أو بآخر‪ ،‬إن الحداثة ال ت‬ ‫للما�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� هذا ما يلخص بلغة معمارية رسالة المركز القائمة‬ ‫فكالهما يتكامل‪ .‬ي‬ ‫عىل شن� ما هو مالئم من ثقافات العالم وتطوراته وعلومه الحديثة‬ ‫بال�اث ف‬ ‫ف� صفوف مواطنيه‪ ،‬وعىل تعريف العالم ت‬ ‫الثقا� والحضاري‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بالط� أحد معالمه ت‬ ‫المحل‪ ،‬الذي شكَّلت العمارة ي ن‬ ‫ال�اثية البارزة‪.‬‬ ‫ي‬


‫المسجد‬

‫المل�م ت‬ ‫االبتكار ت ز‬ ‫بال�اث‬

‫حرص المسؤولون ف� أرامكو السعودية عىل أن يضم ن‬ ‫مب� المركز‬ ‫ي‬ ‫مسجداً مستقال ً عن المصىل داخل مبناه الرئيس‪ .‬ومن جملة ما‬ ‫تضمنته توجيهاتهم لمكتب التصميم المعماري “سنوهيتا” أمران‬ ‫رئيسان‪ :‬أولهما أن تكون هندسة المسجد مختلفة تماماً عن هندسة‬ ‫ن‬ ‫المب� الرئيس للمركز‪ ،‬وثانيهما أن ي َّ ز‬ ‫يتم� بالبساطة إىل أقىص حد ممكن‬ ‫وبقلة الزخارف ف‬ ‫لتال� تشتيت أذهان المص ّل ي ن� ومساعدتهم عىل ت‬ ‫ال� ي ز‬ ‫ك�‬ ‫في‬ ‫و� هذا ما يشبه العودة إىل الشخصية المعمارية‬ ‫عىل الصالة فقط‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫سالمية الوىل‪ .‬فكان هذا المسجد الذي هو أول ما يراه‬ ‫للمساجد إ‬ ‫ال َّ‬ ‫زائر المركز إىل يساره بعد اجتيازه بوابة الدخول‪.‬‬

‫مخططه واالنطباعات أ‬ ‫الوىل‬

‫أول ما يلفت نظر الزائر ف ي� هذا المسجد هو بياضه الذي يعزله‬ ‫ن‬ ‫عن ن‬ ‫المعد� اللون واللمعان‪ ،‬وأيضاً انتصار‬ ‫المجمع المجاور‬ ‫مب�‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫الخطوط المستقيمة والزوايا الحادة بخالف أ‬ ‫الشكال البيضاوية‬ ‫أ‬ ‫والقـواس ف� ن‬ ‫المجمــع‪ ،‬حيث ال نرى عىل واجهتــه خطـاً‬ ‫مب�‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫مستقيماً واحداً‪.‬‬ ‫مصد َري الهام‪:‬‬ ‫صمم المهندسون هذا المسجد انطالقاً من َ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫كث�اً من الصور الفوتوغرافية لمظاهره‬ ‫درسوا‬ ‫فقد‬ ‫الحج‪،‬‬ ‫هو‬ ‫ول‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫وللحجاج‪ .‬ومن صورة تمثل مسارات آ‬ ‫للالف منهم وتلتقي عند نقطة‬ ‫معينة‪ ،‬استوحوا مخططاً قائماً عىل شكل مثلث ليكون أساساً للمسجد‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فأنشأوا المئذنة عند قمة المثلث‪ ،‬ن‬ ‫ومب� المصىل عند قاعدته‪ ،‬وما‬ ‫ب� المئذنة والمصىل ساحة مثلثة تبدو وكأنها مركز تجمع آ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ين‬ ‫ت� من‬ ‫مختلف الجهات فتوجههم إىل نقطة واحدة هي قاعة المصىل‪ .‬أما‬ ‫اللهام ن‬ ‫الثا�‪ ،‬فهو حجر جوزة ‪ Geode‬ثع�وا عليه ف ي� الموقع‪.‬‬ ‫مصدر إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وبعد شن�ه من وسطه كشف ي� داخله عن بلورات من الكوارتز‪ ،‬كما هو‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ي ز‬ ‫تتم� ببساطة مظهرها الخارجي‪،‬‬ ‫حال كل هذا النوع من الحجار ي‬ ‫وبريق وجمال محتواها‪ .‬فكان القرار بإبقاء المظهر الخارجي للمسجد‬ ‫عند أقىص حد ممكن من البساطة‪ ،‬وتضمينه من الداخل بعنرص‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� اختاروا‬ ‫تزيي� رئيس وواحد‬ ‫مستوحى من عالم الحجار الكريمة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫من درجاتها اللونية اللون أ‬ ‫ال ض‬ ‫خ� الزمردي‪.‬‬ ‫أ‬ ‫يع� ض‬ ‫ن‬ ‫تز‬ ‫بال�ورة‬ ‫ولن البساطة إ‬ ‫والقالل من العنارص ال�يينية ال ي‬ ‫تقرر تلبيس الجدران الخارجية بألواح مستطيلة ومتفاوتة‬ ‫ُش َّحاً‪ ،‬فقد ّ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫�ء من خشونة الملمس عليه‪.‬‬ ‫السماكات من الرخام البيض أ إلضفاء ي‬ ‫واعتماد الموزاييك الزجاجي ال ض‬ ‫خ� الزمردي لكسوة الجدران الداخلية‬ ‫ف ي� المصىل‪.‬‬


‫‪103 | 102‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫ف‬ ‫و� خطوة إبداعية جميلة‪ ،‬تم إحالل ثريا ضخمة من “البليكسيغالس”‬ ‫ي‬ ‫محل القبة التقليدية المألوفة ف� سقف المسجد‪ .‬وهذه ث‬ ‫ال�يا المؤلفة‬ ‫ي‬ ‫من ‪ 1111‬قطعة عىل شكل مثلث و‪ 1703‬قطع من أشكال هندسية‬ ‫أخرى مجتمعة إىل بعضها لتؤلف أشكاال ً هندسية مختلفة تنسجم‬ ‫أ‬ ‫السالمي‪ ،‬ال تحوي أي مصابيح‪ .‬بل تضاء‬ ‫من بعيد مع “الرابيسك” إ‬ ‫من خالل انعكاس الضوء الموجه عىل الجدران‪ ،‬أ‬ ‫فتتل أل تحت السقف‬ ‫َّ‬ ‫ث‬ ‫كغيمة تعلو رؤوس المص ّل ي ن�‪ .‬وهذه ال�يا الفريدة من نوعها والجدار‬ ‫الزمردي بجوارها‪ ،‬هما عملياً العنرصان ت ز‬ ‫ال�يينيان الوحيدان داخل‬ ‫المصىل‪ ،‬إذا استثنينا سجادة الصالة‪.‬‬ ‫وما ي ن‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ب� ّ‬ ‫مصل الرجال الذي يتسع لنحو ‪ 350‬شخصا‪ ،‬ومصل النساء‬ ‫الذي يتسع لـ ‪ 155‬سيدة‪ ،‬يقوم حاجز مؤلف من ‪ 99‬عاموداً من‬ ‫ن‬ ‫“الستينلس ستيل” (والعدد مستوحى بدوره من أسماء هللا الحس�)‪،‬‬ ‫ش‬ ‫المبا�ة‪ .‬أما‬ ‫للضاءة الداخلية يغ�‬ ‫يحمل كل منها ف ي� أعاله مصباحاً إ‬ ‫الجدار المواجه للقبلة الذي يحل محل المحراب التقليدي فهو من‬ ‫زجاج حاجب للرؤية من الخارج‪.‬‬ ‫وبمناسبة الحديث عن الضوء‪ ،‬تجدر العودة إىل المئذنة الهرمية‬ ‫الشكل‪ ،‬المفتوحة إىل السماء عند قمتها‪ ،‬ويعلوها مجسم الهالل‪ .‬هذا‬ ‫الهالل مثبت عىل أعىل المئذنة وكأنها يغ� مرئية‪ ،‬وعندما تضاء المئذنة‬ ‫من الداخل بضوء موجه إىل أ‬ ‫العىل صوب السماء‪ ،‬يبدو هذا الهالل‬ ‫مضاء بقوة وطافياً ف� الفضاء‪ .‬أ‬ ‫المر الذي يشكِّل مثال ً واضحاً عما يمكن‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫ً‬ ‫إبداعه اعتمادا عىل الدراية التقنية والذوق المرهف والخيال‪ ،‬أك� من‬ ‫االعتماد عىل البهرجة المكلفة والمتك ّلفة‪.‬‬

‫الحالة إىل معالم من مساجد أخرى‬ ‫إ‬

‫مما ال شك فيه أن انطباع الزائر بأنه أمام مسجد يستقل ببعده‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫(وغ� عن‬ ‫المعماري عن كل ما هو مألوف وتقليدي ي� بناء المساجد ي‬ ‫يل�م ت ز‬ ‫القول بأنَّه ت ز‬ ‫ال�اماً كامال ً بالمقومات الخاصة ببناء المساجد)‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ب�ء من التدقيق ي� التفاصيل‬ ‫هو انطباع سليم وصحيح‪ .‬ولكن ي‬ ‫المعمارية والجمالية‪ ،‬يمكن للمرء أن يتذكر ولو من بعيد‪ ،‬بعض‬ ‫المالمح الجمالية والتشكيلية من مساجد أخرى‪ ،‬دون الزعم أنها كانت‬ ‫من مصادر إلهام مصممي هذا المسجد‪.‬‬

‫الموزاييك‬

‫يحيلنا استخدامه ف� هذا المسجد فوراً إىل الجامع أ‬ ‫الموي ف ي� دمشق‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الك�ى ت‬ ‫سالمية‪.‬‬ ‫ال‬ ‫العمارة‬ ‫تاريخ‬ ‫من‬ ‫وصلتنا‬ ‫ال�‬ ‫باكورة الجوامع‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تغطي الجدران المط َّلة عىل الفناء الخارجي‬ ‫فلوحات الموزاييك ي‬ ‫لذاك الجامع‪ ،‬ما تزال تشكِّل أروع مالمحه العمرانية‪.‬‬ ‫ومع أ‬ ‫السف‪ ،‬فقد شارف اعتماد هذا الفن ف ي� بناء المساجد عىل‬ ‫االنقراض ف ي� العصور الالحقة‪ .‬واستعادته هنا جميلة وعرصية وممتازة‬ ‫الصغ�ة َّتمت ف ي� واحد من أشهر‬ ‫تقنياً‪ .‬فصناعة المكعبات الزجاجية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫مصانعها ف ي� العالم‪ ،‬ووفق تركيبة كيميائية تجعلها أقرب إىل الحجار‬ ‫ن‬ ‫الف� فهو تجريدي خالص‪ ،‬ويقترص عىل‬ ‫الكريمة‪ ،‬أما استخدامها ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫خ� الفاتح وال ض‬ ‫ب� ال ض‬ ‫تالعب الدرجات اللونية ما ي ن‬ ‫خ� الداكن (كما هو‬ ‫الحال ف ي� أحجار الزمرد)‪.‬‬

‫يتسع ّ‬ ‫مصل الرجال لنحو ‪ 350‬شخصاً‪،‬‬ ‫ويتسع ّ‬ ‫مصل النساء لـ ‪ 155‬سيدة‬


‫غياب القبة‬

‫أن تكون ث‬ ‫ال�يا المضاءة بشكل يغ� ش‬ ‫مبا� محل القبة ف ي� سقف‬ ‫ش‬ ‫“�ء آخر” محل‬ ‫المسجد هي فكرة مبتكرة ُجملة‬ ‫وتفصيالً‪ ،‬فإن إحالل ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أمر آخر حصل سابقاً ي� العمارة الحديثة‪ .‬ومن المثلة‬ ‫القبة التقليدية ٌ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫نز‬ ‫اليابا� ك�و‬ ‫ال� يمكننا أن نذكرها‪ ،‬المسجد الذي صممه المعماري‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الخ�ية ف ي� الرياض‪ .‬ففي ذاك‬ ‫تانغي ي� مجمع مؤسسة الملك فيصل ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫سطوا�‬ ‫سطوا� الشكل‪ ،‬قطع المصمم أعىل الشكل ال‬ ‫المسجد ال‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بمسطح زجاجي مائل بيضاوي الشكل‪ ،‬ليحل محل القبة ويسمح لضوء‬ ‫ّ‬ ‫المصل‪.‬‬ ‫النهار بالدخول إىل قلب‬

‫المئذنة والجدران المائلة‬

‫ن‬ ‫مبا� المساجد ليست نادرة ف ي� تاريخ العمارة‬ ‫إن المآذن‬ ‫المنفصلة عن ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫السالمية‪ .‬ولكن‪ ،‬لك� من سبب‪ ،‬يحيلنا الحاصل ي� مسجد المركز‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫البج�ي بالدرعية‬ ‫إىل مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب ي� حي ي‬ ‫القديمة‪ .‬فذلك المسجد التاريخي الذي أعيد بناؤه وتحديثه مؤخراً‪،‬‬ ‫ي َّ ز‬ ‫ّ‬ ‫حد ما ف ي�‬ ‫يتم� بمئذنته المنفصلة عن‬ ‫المصل‪ .‬وهي سمة شائعة إىل ٍّ‬ ‫المساجد النجدية القديمة‪ .‬وكما أن مئذنة مسجد المركز مفتوحة عند‬ ‫أعالها إىل السماء‪ ،‬فإن مئذنة مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي‬ ‫كذلك‪ ،‬ويمكن رؤية السماء من عند قاعدتها القائمة ف ي� القاعة التذكارية‬ ‫داخل مجمع المؤسسة‪ .‬وتصبح أوجه الشبه ث‬ ‫أك� وضوحاً ما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫هذين المسجدين ف ي� الجدران المائلة عن االتجاه العامودي‪ .‬فجدران‬ ‫ف‬ ‫البج�ي‪ ،‬المواجهة لحي الطريف مائلة بزاوية تقارب‬ ‫المؤسسة ي� ي‬ ‫زاوية ميالن جدار المدخل ف ي� مسجد المركز‪ ،‬كما أن مئذنة المسجد‬ ‫ف‬ ‫حد ال‬ ‫البج�ي هي ذات ثالثة جدران عامودية وواحد مائل‪ ،‬إىل ٍّ‬ ‫ي� ي‬ ‫يمكن إبعاد صورتها عن الذهن عندما نتط َّلـع إىل المئذنــة الهرميــة ف ي�‬ ‫مسجد المركز‪.‬‬

‫ف‬ ‫البج�ي‬ ‫مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب المرمم ي� ي‬

‫من داخل المسجد‪ ،‬حيث ث‬ ‫ال�يا المضاءة بشكل يغ� ش‬ ‫مبا� والجدار الزمردي‬


‫‪105 | 104‬‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2017‬‬

‫بدأ من حيث انتهى مركز جورج بومبيدو‬ ‫أ‬ ‫القراء أن يبحثوا ف ي� ذاكرتهم عما يشبه‬ ‫لنه قد يعن عىل بال بعض ف ّ‬ ‫مركز الملك عبدالعزيز الثقا� العالمي من ي ن‬ ‫ب� الرصوح الثقافية‬ ‫ف� العالم‪ ،‬نوفِّر عليهم عناء ي البحث بالجزم أن ما من مركز ثقا�ف‬ ‫ف أ ي‬ ‫ييطابق ف‬ ‫القرب‬ ‫الثقا�‬ ‫المركز‬ ‫أما‬ ‫المركز‪.‬‬ ‫هذا‬ ‫ناته‬ ‫ومكو‬ ‫وظيفته‬ ‫�‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ال�امج فهو "مركز جورج‬ ‫االهتمامات‬ ‫تعدد‬ ‫لجهة‬ ‫إليه‬ ‫وتنوع ب‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الوط� للفن والثقافة" ي� باريس‪ .‬ولكن‪..‬‬ ‫بومبيدو‬ ‫ي‬ ‫تعود فكرة إنشاء مركز بومبيدو إىل ما قبل ظهور مفهوم مجتمع‬ ‫ف‬ ‫المعر�‪ ،‬وتحديداً إىل عام ‪ ،1968‬وكان ذلك‬ ‫المعرفة واالقتصاد‬ ‫في‬ ‫تلبية لحاجه رئيسة واحدة ي� البدء‪ ،‬أال وهي إيجاد مكتبة عامة‬ ‫مفتوحة بسهولة لعموم الناس‪ .‬وإىل هذه الحاجة‪ ،‬أضيفت‬ ‫حاجة ثانية الحقاً‪ ،‬وهي إيجاد مكان إليواء مجموعة الفن الحديث‬ ‫ت‬ ‫ال� باتت تضم ث‬ ‫ين‬ ‫خمس� ألف لوحة ومنحوتة‪.‬‬ ‫أك� من‬ ‫المتعاظمة ي‬ ‫وأثناء تطوير ش‬ ‫الم�وع‪ ،‬أضيف إليه "معهدالبحث والتنسيق‬ ‫السمعي‪ -‬الموسيقي"‪ .‬وبعد ‪ 15‬عاماً عىل افتتاحه عام ‪ ،1977‬أي‬ ‫ف‬ ‫البداع الصناعي"‪ ،‬وبتخصيص‬ ‫ي� عام ‪ ،1992‬أضيف إليه "مركز إ‬ ‫ن‬ ‫للقامة ف ي�‬ ‫لفنا� الشوارع وبعض المعارض القابلة إ‬ ‫ساحته الخارجية ي‬ ‫أ‬ ‫المتعددة‪ ،‬الكاديمية والتعليمية‬ ‫وب�امجه وفعالياته‬ ‫ِّ‬ ‫الهواء الطلق‪ ،‬ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫الثقا� الك� تكامال ً‬ ‫فوالتدريبية‪ ،‬أصبح هذا المركز بالفعل المركز ف ي‬ ‫ي� أوروبا‪ ،‬ونموذجاً حذت حذوه مدن عديدة ي� فرنسا وخارجها‪.‬‬ ‫وأثبتت هذه النظرة جدواها‪ ،‬فعدد زوار هذا المركز يومياً بلغ منذ‬

‫افتتاحه نحو ‪ 40000‬زائر‪ ،‬أي خمسة أضعاف العدد الذي ُص ّمم‬ ‫المركز عىل أساسه وهو ثمانية آالف زائر‪.‬‬ ‫نس تشكَّل عىل مراحل امتدت عىل مدى‬ ‫وهكذا‬ ‫نرى أن المركز الفر ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫مكونات مركز الملك عبدالعزيز تحددت دفعة‬ ‫ربع قرن‪ ،‬ي� ي‬ ‫ح� أن ّ‬ ‫صح‬ ‫واحدة وصاغت شخصيته الكاملة منذ ما قبل افتتاحه‪ .‬ولربما ّ‬ ‫الثا� يبدأ اليوم من حيث انتهى أ‬ ‫ن‬ ‫الول‪ ،‬عىل الرغم من‬ ‫القول إن ي‬ ‫ت‬ ‫ال� قد تكون لصالح هذا أو ذاك‪.‬‬ ‫وجود بعض االختالفات ي‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫ال تُهمل وسائل‬ ‫التواصل االجتماعي‪...‬‬ ‫وال ُتدمنها !!‬ ‫كثرة االنشغال بوسائل التواصل االجتماعي‬ ‫يف جوالك يتحوّل إلى‬

‫استنزاف لطاقتك‬ ‫عمن حولك‪..‬‬ ‫ويعزلك ّ‬


Saudi Aramco website

Qafilah website

Al-Qafilah Bi-Monthly Cultural Magazine A Saudi Aramco Publication January - February 2017 Volume 66 - Issue 1 P. O. Box 1389 Dhahran 31311 Kingdom of Saudi Arabia www.saudiaramco.com


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.