Qafilah may jun 2016

Page 1

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 3‬مجلد ‪ . 65‬مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫نقاش مفتوح‪..‬‬ ‫ف‬ ‫المنعطف الجديد ي� االٔفالم‬ ‫السعودية‬ ‫طاقة‪ :‬أربعة أجيال من الوقود‬ ‫الحيوي‬ ‫حياتنا اليوم‪ :‬بروتينات‬ ‫ين‬ ‫الرياضي� هل هي آمنة؟‬ ‫ين‬ ‫ع� وعدسة‪ :‬متحف رسسق‬

‫الملف‬

‫غرفة العمليات‬


‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين‬

‫العدد ‪ . 3‬مجلد ‪65‬‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫الناشر‬ ‫شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)‪،‬‬ ‫الظهران‬ ‫رئيس الشركة‪ ،‬كبير إدارييها التنفيذيين‬ ‫أمين بن حسن الناصر‬

‫ت‬ ‫للمش� ي ن‬ ‫توزع مجاناً‬ ‫ك�‬ ‫• العنوان‪ :‬أرامكو السعودية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬

‫نائب الرئيس لشؤون أرامكو السعودية‬ ‫ناصر بن عبدالرزاق النفيسي‬

‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫• ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪alqafilah@aramco.com.sa‬‬

‫مدير عام دائرة الشؤون العامة‬ ‫عبدالله بن عيسى العيسى‬

‫• الموقع إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫• الهواتف‪:‬‬ ‫ فريق التحرير‪+966 13 876 0175 :‬‬ ‫ت‬ ‫االش�اكات‪+966 13 876 0477 :‬‬ ‫فاكس‪+966 13 873 1700 :‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫محمد الدميني‬ ‫تصميم وتحرير‬

‫‪www.mohtaraf.com‬‬

‫صورة الغالف‬ ‫هذا الغالف | يرى البعض أن إطالق‬ ‫كلمة «سينما» على المنتج من أ‬ ‫الفالم‬ ‫الداللية‬ ‫الشارة‬ ‫السعوديَّة‪ ،‬هو من باب إ‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫أن هناك صناعة‬ ‫فقط‪ .‬فحقيقة المر تؤكد َّ‬ ‫أفالم سعوديَّة تنمو بسرعة‪ ،‬ولكن كثيرين‬ ‫يتحفظون على وصفها بالسينما‪ ..‬في‬ ‫هذا الشأن‪ ،‬وعلى هامش مهرجان أفالم‬ ‫السعوديَّة الثالث‪ ،‬استضافت «القافلة»‬ ‫لقا ًء ناقش المنعطف الجديد في صناعة‬ ‫أ‬ ‫التطورات‬ ‫الفالم السعوديَّة على ضوء‬ ‫ُّ‬ ‫المتالحقة في هذا المجال‪.‬‬ ‫تصميم الغالف‪ :‬حنين جمال‬

‫طباعة‬ ‫شركة مطابع التريكي‬ ‫‪www.altraiki.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬ ‫• جميع المراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫يعبر بالضرورة عن رأيها‪.‬‬ ‫• ما ينشر فـي القافلة ال ِّ‬ ‫• ال يجوز إعادة نشر أي من موضوعات أو صور‬ ‫«القافلة» إال بإذن خطي من إدارة التحرير‪.‬‬ ‫• ال تقبل «القافلة» إال أصول الموضوعات التي لم يسبق‬ ‫نشرها‪.‬‬


‫محتوى العدد‬

‫ً‬ ‫معا‬ ‫الرحلة‬ ‫ِم ْن رئيس التحرير ‬ ‫القراء ‬ ‫مع َّ‬ ‫أكثر من رسالة ‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫المحطة األولى‬ ‫نقاش مفتوح‪ :‬المنعطف الجديد في‬ ‫أ‬ ‫الفالم السعوديَّة ‬ ‫تحبذ استخدام الكلمات‬ ‫بداية كالم‪ :‬هل ِّ‬ ‫أ‬ ‫الجنبية في الحديث اليومي؟ ‬ ‫كتب عربية‪ ..‬كتب من العالم ‬ ‫ليست‬ ‫قول في مقال‪ :‬الثقافة‬ ‫مجرد عنوان ‬ ‫َّ‬

‫‪7‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪20‬‬

‫علوم وطاقة‬ ‫علوم‪ :‬موجات في نسيج الكو ن‬ ‫كيف تعمل؟‪ :‬رشاشات إطفاء الحريق ‬ ‫مفتاح الخلية ‬ ‫العلم خيال‪ :‬الثقوب الدودية ‬ ‫اللكتروني ‬ ‫منتج‪ :‬الكتاب إ‬ ‫طاقة‪ :‬أربعة أجيال من الوقود الحيوي‪..‬‬ ‫والتحديات ال تزال ضخمة ‬ ‫من المختبر ‬ ‫االسم المعياري‪ :‬كولوم ‬ ‫يطف الجليد على الماء؟ ‬ ‫ماذا لو‪ :‬ماذا لو لم ُ‬

‫‪21‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪41‬‬ ‫بروتينات الرياضيين‪ ..‬هل هي حقاً آمنة؟ ‬ ‫‪45‬‬ ‫الشعور العميق بالرضا في شهر الصوم ‬ ‫المدني والحضري ‪48‬‬ ‫تخصص جديد‪ :‬التخطيط ُ‬ ‫‪49‬‬ ‫عين وعدسة‪ :‬إطاللة على متحف سرسق ‬ ‫‪54‬‬ ‫فكرة‪ :‬العناكب أهم مهندسي الطبيعة ‬ ‫أدب وفنون‬ ‫أدب‪ :‬أبو تمام في ضيافة جامعة اليدن ‬ ‫الذين خرجوا من المعطف أ‬ ‫البيض ‬ ‫أ‬ ‫النص القصير وتداخل أ‬ ‫الجناس الدبية ‬ ‫فنان ومكان‪ :‬بوسعادة الجزائرية‬ ‫تأسر ألفونس دينيه ‬ ‫أقول شعراً‪ :‬الشاعر سلمان الشثري ‬ ‫الخ َبر ‬ ‫ذاكرة القافلة‪ُ :‬‬ ‫لغويات‪ :‬النسبة دائماً للمفرد ‬ ‫فرشاة وإزميل‪ :‬سيد حسن الساري‪..‬‬ ‫وضوح الخطاب والتمكن من التعبير عنه ‬ ‫بيت الرواية‪ :‬رواية «مخمل» لحزامة حبايب‪ ..‬‬ ‫رأي أدبي‪ :‬القصيدة ليست في عزلة ‬

‫‪66‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪80‬‬

‫التقرير‬ ‫الهجرات الكبرى في التاريخ ‬

‫‪81‬‬

‫الملف‬ ‫غرفة العمليات ‬

‫‪Qafilah App available at‬‬

‫‪55‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪63‬‬

‫‪@QafilahMagazine‬‬

‫‪89‬‬


‫‪3|2‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫القافلة أونالين‬

‫—‪www.qafilah.com‬‬

‫ورشة عمل | ضمن مهرجان أفالم‬ ‫السعوديَّة الثالث‪ ،‬استضافت «القافلة»‬ ‫لقا ًء ضم مدير المهرجان أحمد المال‬ ‫وعدداً من المخرجين والنقَّاد لمناقشة‬ ‫المنعطف الجديد في صناعة أ‬ ‫الفالم‬ ‫التطورات المتالحقة‬ ‫السعوديَّة على ضوء‬ ‫ُّ‬ ‫في هذا المجال‪ ،‬سواء محلياً أو في‬ ‫الخارج‪..‬‬

‫فرشاة وإزميل | مرسمه ليس بيتاً طينياً‬ ‫وال محال ً تجارياً يطل على ثالثة شوارع‪،‬‬ ‫وال توجد له إطاللة على حديقة خضراء‬ ‫كي يعطي للفنان بعداً بصرياً جميال ً ‪..‬‬ ‫لقد كان محترف الفنان التشكيلي سيد‬ ‫حسن الساري عبارة عن محل شبه تجاري‬ ‫في الدور الثاني من عمارة مركز صاحبات‬ ‫أ‬ ‫العمال والمهن‪..‬‬

‫ين‬ ‫ع� وعدسة | بعد العمل على تجديده‬ ‫وتوسعته لنحو سبع سنوات‪ ،‬أعيد مؤخراً‬ ‫افتتاح متحف سرسق في بيروت‪ ،‬ليشكِّل‬ ‫من جديد واحداً من أبرز المعالم في‬ ‫الوجه الحضاري للعاصمة اللبنانية‪،‬‬ ‫وأقوى نقاط الجذب فيها على المستوى‬ ‫الثقافي‪..‬‬

‫أدب | تقف البروفيسورة أ‬ ‫اللمانية بياتريس‬ ‫جروندلر على منصة تحمل شعار جامعة‬ ‫اليدن الهولندية‪ ،‬وتقرأ بلغة عربية رصينة‪،‬‬ ‫على جمهور غالبيته من أ‬ ‫الوروبيين‪ ،‬جاء‬ ‫من أجل أن يستمع إلى أستاذة اللغة‬ ‫العربية التي جاءت إلى هولندا لتتحدث‬ ‫عن كتاب «أخبار أبي تمام» تأليف أبي بكر‬ ‫محمد بن يحيى الصولي‪ ،‬في محاضرة هي‬ ‫الرابعة في سلسلة المحاضرات التي ترعاها‬ ‫شركة أرامكو فيما وراء البحار وتتعاون على‬ ‫إقامتها مع جامعة اليدن الهولندية‪..‬‬

‫طاقة | منذ فجر التاريخ‪ ،‬استخدم‬ ‫النسان الطاقة الحيوية في أبسط‬ ‫إ‬ ‫صورها وأشكالها‪ .‬إذ كان يحرق أ‬ ‫الخشاب‬ ‫والمخلفات الحيوانية وأوراق أ‬ ‫الشجار‬ ‫لطهي طعامه وتسخين مائه وتدفئة منزله‪،‬‬ ‫وللإضاءة ليال ً وإخافة الحيوانات الكاسرة‪..‬‬ ‫ومع التقدم التقني‪ ،‬بقيت الطاقة الحيوية‬ ‫محافظة على مكانتها‪.‬‬

‫الملف | بسبب تعدد أنماطها‪ ،‬تكاد غرف‬ ‫العمليات أن تكون مفهوماً تجريدياً‪ ،‬رغم‬ ‫أنها ليست كذلك بتاتاً‪ .‬في هذا الملف‪،‬‬ ‫الضاءة على ماهية غرفة العمليات‬ ‫نحاول إ‬ ‫في العمق‪ ،‬انطالقاً من أمثلة محددة‬ ‫كتلك التي نراها في بعض الحاالت أشبه‬ ‫بمؤسسة فرعية صغيرة ضمن المؤسسة‬ ‫الكبيرة الحاضنة لها‪ ،‬وأيضاً تلك التي تطل‬ ‫علينا لتلعب دوراً بالغ أ‬ ‫الهمية في ظرف‬ ‫معين ثم تختفي‪..‬‬ ‫ّ‬


‫تحية وبعد‬

‫أ‬ ‫ن‬ ‫لك تعيد‬ ‫من شأن المم ّ‬ ‫زمن وآخر‪ ،‬ي‬ ‫الحية أن تتوقَّف يب� ٍ‬ ‫وتتفحص منجزاتها وتتلَّمس إخفاقاتها عىل‬ ‫قراءة تاريخها‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫أصعدة االقتصاد والمجتمع‪ ،‬وتُعيد النظر ي� أولوياتها‪،‬‬ ‫لتتمكَّن من استثمار معطيات المستقبل لصالحها‪ ،‬وتتج ّنب‬ ‫عنارص الفشل أو ث ُّ ت‬ ‫كث�ة‪ ،‬فلم تخلِّف سوى الحرسات‬ ‫ال� واجهتها دول ي‬ ‫التع� ي‬ ‫ماض كان أجمل ث‬ ‫وأك� رحمة بشعوب تلك البالد‪.‬‬ ‫عىل ٍ‬

‫الرحلة معاً‬ ‫ِمن رئيس التحرير‬

‫ت‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال� تُ ي ِّ ز‬ ‫الحرم�‬ ‫ال� أطلقها خادم‬ ‫م� «رؤية المملكة ‪ »2030‬ي‬ ‫لعل الصفة ي‬ ‫ض‬ ‫ال�ش ي ن‬ ‫الما�‪ ،‬هي‬ ‫يف�‪ ،‬الملك سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬حفظه هللا‪ ،‬أواخر أبريل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تواجهها المملكة‪ .‬كما‬ ‫واقعيتها الشديدة ورصاحتها ي� تشخيص التحديات ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ارتبطت بعرص الطفرة‬ ‫أن هذه الرؤية ي‬ ‫تأ� بديال ً للخطط ف الخمسية التنموية‪ ،‬ي‬ ‫النفطية المفصلية‪ .‬ودون إفراط ي� كيل المديح لتلك الخطط أو نقدها‪ ،‬فقد‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫أنجبت‬ ‫الصناعيت�‪ ،‬وجعلت أرامكو �ش كة سعودية مملوكة‬ ‫مدين� الجبيل وينبع‬ ‫ي‬ ‫بالكامل للحكومة‪ ،‬واستكملت خاللها أغلب مكونات البنية التحتية‪ ،‬وحقَّقت نمواً‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫وتأ� الرؤية الجديدة الستثمار الطاقة‬ ‫ف ي� المستوى‬ ‫المعي� لسكان المملكة‪ .‬ي‬ ‫ي‬ ‫الكامنة ف ي� المجتمع ورفع كفاءة المؤسسات بع� بناء منظومة تعليمية تتواءم‬ ‫مع حاجات سوق العمل‪ ،‬ورفع جودة الخدمات والتنمية االقتصادية وإطالق‬ ‫ن‬ ‫الوط� وال�ش اكات‬ ‫التحول‬ ‫ال�امج‪ ،‬بينها إعادة هيكلة الحكومة وبرامج‬ ‫حزمة من ب‬ ‫ُّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫�ش‬ ‫االس�اتيجية ورأس المال الب ي‪.‬‬ ‫ين‬ ‫االقتصادي� وك َّتاب الرأي وال ُنخب الثقافية‬ ‫لكن السؤال المركزي الذي كان يساور‬ ‫ث‬ ‫منذ عقود‪ ،‬وناقشوه ف ي� كتاباتهم وحلقاتهم الخاصة‪ ،‬هو لماذا نرتهن لل�وة‬ ‫النفطية وحدها؟ وإىل أي مدى يمكن أن نتعايش مع تقلبات أ‬ ‫السعار ارتفاعاً‬ ‫أ‬ ‫تتحول ثروتنا‬ ‫وانخفاضاً؟ وكيف سنصنع مستقبال ً آمناً لجيالنا المقبلة؟ ولماذا ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تشغِّ ل مصانع العالم وترساناته االقتصادية أحياناً إىل سيف مصلَّت علينا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫كث�ة ال‬ ‫بمجرد حدوث اه�از للسوق‪ ،‬أو ّ‬ ‫تكدر ي� الجواء السياسية؟ والسئلة ي‬ ‫تتسع لها هذه المساحة‪.‬‬ ‫الرؤية تضعنا أمام حقائق جديدة‪ ،‬وبعضها يبدو عاصفاً‪ ،‬فقد أعلنت رصاحة‬ ‫وحيد للدخل‪ ،‬وتحويل‬ ‫أن عىل المملكة أن تفكّ اعتمادها عىل النفط‬ ‫كمصدر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫وأن عىل مصادر الدخل‬ ‫أرامكو إىل عمالق صناعي‪ ،‬يعمل ي� أنحاء العالم‪َّ ،‬‬ ‫ن‬ ‫المتجددة كالذهب‬ ‫تتعدد وتتسع‪ ،‬وأن الوفرة من بدائل الطاقة‬ ‫ِّ‬ ‫الوط� أن َّ‬ ‫ي‬ ‫والفوسفات واليورانيوم‪ ،‬فضال ً عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح‪ ،‬ينبغي أن‬ ‫اع�افاً بأن الفرص الثقافية ت‬ ‫تضمنت ت‬ ‫وال�فيهية‬ ‫تكون رافداً ِّ‬ ‫يعزز اقتصادنا‪ .‬كما َّ‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫وال�مت بتخصيص‬ ‫المواطن�‬ ‫المتوافرة ال ترتقي إىل تطلعات‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والمقيم�‪َ ،‬‬ ‫أ‬ ‫الر ضا� إلقامة المشاريع الثقافية ت‬ ‫وال�فيهية من مكتبات ومتاحف ومسارح‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والفنان�‪ ،‬ورفع عدد المواقع أ‬ ‫الثرية المسجلة �ف‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الموهوب� من الك َّتاب‬ ‫ودعم‬ ‫َّ ي‬ ‫اليونيسكو إىل الضعف‪.‬‬ ‫ويبقى أن هذه الخارطة من الطموحات والرؤى لن ينجزها ف� المقام أ‬ ‫الول‬ ‫ي‬ ‫ال�وة الباقية‪ ،‬ولذا فإن وضع ت‬ ‫سوى أبناء وبنات البالد‪ ،‬فهم ث‬ ‫اس�اتيجية وطنية‬ ‫ف‬ ‫بك�ى لتحويل هذه ث‬ ‫ال�وة الب�ش ية إىل قوة حيوية مؤثِّرة ي� المشاريع والمصانع‬ ‫المتخصصة ذات‬ ‫والمؤسسات‪ ،‬بعد تأهيلها من خالل الجامعات والمعاهد‬ ‫ِّ‬ ‫تعد أولوية قصوى‪ ،‬وال بد أن تتضافر لتحقيقه مجموعة‬ ‫المواصفات العالمية ّ‬ ‫المعنية بهذا الشأن‪.‬‬ ‫من الوزارات وال�ش كات والمؤسسات المالية‬ ‫ّ‬

‫رأس المال الجديد‬

‫هذه الرؤية جديرة بأن تنمو أيضاً ي ن‬ ‫ب� أيدي طالبنا وطالباتنا منذ المراحل‬ ‫الدراسية المبكِّرة ت‬ ‫وح� المرحلة الجامعية‪ ،‬بعد تحويرها بما يتناسب مع كل‬ ‫متشبع بقيم العمل ومنفتح‬ ‫ماهر‬ ‫مرحلة‪ ،‬ففي ضوئها ننتظر والدة‬ ‫ومبتكر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫جيل ٍ‬ ‫ٍأ‬ ‫الك�ى‪!..‬‬ ‫عىل ثقافات العالم ومتخلّص من الوهام ب‬


‫‪5|4‬‬

‫مع القرَّ اء‬ ‫تحية وبعد‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫من ضمن طلبات االشتراك الكثيرة التي تلقتها‬ ‫القافلة خالل الشهرين الماضيين‪ ،‬واحد من مركز‬ ‫الموهوبين في ينبع النخل يطلب االشتراك‬ ‫بنسختين من كل عدد‪ .‬وقد أرفق الطلب برسالة‬ ‫البداعية في‬ ‫جاء فيها‪« :‬نشكر لكم جهودكم إ‬ ‫خدمة هذا الوطن المعطاء‪ ،‬وتميزكم في طرح‬ ‫أ‬ ‫الفكار َّ‬ ‫الخلقة والمبدعة‪ .‬ونظراً لحاجتنا الحقيقية‬ ‫لخدماتكم وما توفرونه من أعمال إبداعية‪ ،‬فإننا‬ ‫نرغب في االستفادة من جهودكم المتميزة في مجلة‬ ‫القافلة‪ .‬فنحن أحد المراكز المهتمة بتعليم الطلبة‬ ‫الموهوبين ورعايتهم‪ ،‬ولدينا منهم حالياً ‪ 25‬طالباً‪،‬‬ ‫نرى فيهم أمال ً مشرقاً بإذن الله‪ .‬ولكنهم بحاجة‬ ‫تجدد شغفهم المعرفي‪ ،‬وتدفع‬ ‫إلى أعمال نوعية ِّ‬ ‫بهم إلى رياض المعرفة الفاعلة‪ .‬ونحن نرى أنكم‬ ‫تقدمون عمال ً نوعياً يمكن أن يكون له وقع مهم على‬ ‫ِّ‬ ‫الطالب الموهوب»‪.‬‬ ‫وغني عن القول إن استجابتنا لهذا الطلب هي من‬ ‫واجباتنا‪.‬‬ ‫وجاءنا من حبيب الشمري‪ ،‬مسؤول موقع «الحوار‬ ‫بوست» ما يأتي‪« :‬تصلني مجلة القافلة‪ ،‬وأحرص‬ ‫على قراءتها‪ ،‬وتعجبني موضوعاتها التي تتناول‬ ‫الحوار ومهارات التواصل والتفاوض‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫تقاريرها وموضوعات أخرى كثيرة‪ .‬لذلك نرغب في‬ ‫«الحوار بوست» بإعادة نشر بعض الموضوعات مع‬ ‫الشارة إلى المجلة على أنها مصدرها‪ .‬إذ إن «الحوار‬ ‫إ‬ ‫بوست» منصة إعالمية غير ربحية‪ ،‬تهدف إلى نشر‬ ‫ثقافة الحوار ومهارات االتصال والتواصل‪ ...‬آملين‬ ‫موافقتكم‪ ،‬ولكم جزيل الشكر»‪.‬‬ ‫وجوابنا أ‬ ‫للخ حبيب‪ ،‬هو أن ال مانع لدينا من إعادة‬ ‫نشر المواد التي تظهر في القافلة‪ ،‬شرط ذكر‬ ‫مصدرها أينما يُعاد النشر‪ ،‬مع تقديرنا لجهوده في‬ ‫نشر ثقافة الحوار‪.‬‬

‫ومن جدة كتب خالد محمد العتيبي يقترح تخصيص‬ ‫صفحة أسرية تتناول المراكز العالجية‪ .‬أ‬ ‫وللخ خالد‬ ‫نقول إن قسم الحياة اليومية مفتوح لتناول مثل‬ ‫هذه الموضوعات‪ .‬ولكن تخصيص صفحة ثابتة لذلك‬ ‫غير ممكن ألسباب مهنية‪.‬‬ ‫وعلى موقع المجلة‪ ،‬سأل سعد صالح الموسى‬ ‫ما إذا كان ممكناً الحصول على عدد قديم بصيغة‬ ‫ورقية‪ .‬والجواب هو أن أ‬ ‫المر قد يكون ممكناً إذا كان‬ ‫هذا العدد متوفراً‪ ،‬ألن كثيراً من أ‬ ‫العداد القديمة لم‬ ‫تَ ُعد كذلك‪.‬‬ ‫كما وردتنا العناوين الجديدة وطلبات اشتراك‪:‬‬ ‫عمرو بن حمود الشهري‪ ،‬مكة المكرمة؛ سلطان‬

‫فهاد القحطاني‪ ،‬الخبر؛ علي بن أحمد العامري‪،‬‬ ‫الجبيل الصناعية؛ شاشو عبدالقادر‪ ،‬الجزائر؛ منصور‬ ‫العساف‪ ،‬أ‬ ‫الحساء؛ وقد أحلنا عناوينهم إلى قسم‬ ‫االشتراكات‪.‬‬ ‫قراء القافلة لالشتراك‬ ‫وفي رسالتين تدالن على تقدير َّ‬ ‫التحول الذي‬ ‫بالنسخة الورقية ولقيمتها‪ ،‬ولبعض‬ ‫ُّ‬ ‫طرأ على متابعتها‪ ،‬كتب طارق معيض المالكي في‬ ‫واحدة منهما‪« :‬أرغب في إنهاء اشتراكي في أ‬ ‫العداد‬ ‫الورقية نظراً لعدم ثبات عنواني واستقراري‪ ،‬وتحولي‬ ‫إلى قراءة المجلة إلكترونياً»‪.‬‬ ‫وفي المقابل كتبت القارئة بيان على الموقع‬ ‫اللكتروني تسأل عن سبيل الحصول على النسخة‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫تلبي حاجتها‬ ‫الورقية‪ ،‬لن النسخة إ‬ ‫اللكترونية ال ِّ‬ ‫على ما يبدو‪ .‬أ‬ ‫وللخت بيان نقول إن عليها تعبئة‬ ‫اللكتروني‪ ،‬لتصلها‬ ‫طلب االشتراك في موقع المجلة إ‬ ‫النسخة الورقية بإذن الله‪.‬‬ ‫ويبدو أن النسخة الورقية من القافلة ال تزال هي‬ ‫أ‬ ‫القراء‪ ،‬إذ كتب عمر بوعماز‬ ‫العز على قلوب بعض َّ‬ ‫محتجاً على انقطاع النسخة الورقية عنه‪ ،‬قائال ً إنه‬ ‫النترنت‪ ،‬ويطالب بإعادة‬ ‫«يضطر» إلى قراءتها عبر إ‬ ‫إدراج اسمه على الئحة االشتراكات‪.‬‬


‫تحية وبعد‬

‫أكثر من رسالة‬

‫(المعارك أ‬ ‫الدبية) بين الهجاء‬ ‫والدعابة والسخرية!‬ ‫الدبية في توجيه أ‬ ‫أسهمت المجالت أ‬ ‫الدب العربي‬ ‫الحديث نحو بعض االتجاهات الفكرية العامة‪ ،‬وكان‬ ‫لهذه االتجاهات أثرها البارز في حركة أ‬ ‫الدب وتطوره‬ ‫خالل النصف أ‬ ‫الول من القرن العشرين‪ ،‬فقد طرحت‬ ‫تلك الفترة على المجالت قضايا ثقافية وفكرية‬ ‫وسياسية عديدة‪.‬‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫لقد احتضنت المجالت الدبية هذه المذاهب والراء‬ ‫وعبرت عنها‪ ،‬وأتاحت لها منابر‬ ‫باختالف مشاربها‪ّ ،‬‬ ‫مؤثرة في جمهورها المؤثر بدوره ‪ ..‬وهو جمهور‬ ‫أ‬ ‫الدباء والمثقفين!‬ ‫والالفت للنظر هو أن هذه المذاهب المتباينة‬ ‫والمتنازعة تعايشت جنباً إلى جنب في المجلة‬ ‫الواحدة أحياناً‪ْ ،‬بل وفي إنتاج أ‬ ‫الديب الواحد في أكثر‬ ‫أ‬ ‫الحيان!‬ ‫وامتازت هذه المعارك بطابع الهجاء والدعابة‬ ‫والسخرية‪ ،‬لكنه هجاء رفيع‪ ،‬ودعابة فكهة‪ ،‬وسخرية‬ ‫حلوة ‪ ..‬تجلّت في مناقشات أدبائنا و ُك ّتابنا المشاهير‪،‬‬ ‫أمثال‪ :‬الدكتور هيكل باشا‪ ،‬والمازني‪ ،‬والعقاد‪ ،‬وزكي‬ ‫مبارك‪ ،‬وأحمد أمين‪ ،‬والرافعي‪ ،‬والمنفلوطي‪ ،‬ولطفي‬ ‫السيد‪ ،‬وعبدالعزيز جاويش‪ ،‬وشكيب أرسالن‪،‬‬ ‫الدباء الذين ملواأ‬ ‫ومحمد كُرد علي‪ ،‬وغيرهم من أ‬ ‫الدنيا وشغلوا الناس!‬

‫حلبة الصراع أ‬ ‫الدبي‬

‫كانت معاركهم أ‬ ‫الدبية والفكرية أشبه بحلبة تتقاذف‬ ‫فيها الكرة بين أيدي وأرجل الالعبين على غير هدى‪،‬‬ ‫محدد للمرمى!‬ ‫ودون وجود مكان َّ‬ ‫فال عجب أن نجد أديباً منهم يخوض معركة طاحنة‬ ‫مع أديب آخر‪ ،‬ثم نراهما يتحالفان معاً في معركة‬ ‫أخرى ضد كاتب آخر! فطبيعة المعركة وأهدافها هي‬ ‫التي كانت تتحكم في سير وتوجهات أ‬ ‫الدباء! فمثالً‪،‬‬ ‫التقى العقاد مع طه حسين ضد (أحمد شوقي)‪ .‬لكن‬ ‫سرعان ما نراهما يخوضان معركة ضد بعضهما‪ .‬كما‬ ‫تصارع الرافعي وزكي مبارك ضد (طه حسين) لكن‬ ‫سرعان ما نراهما في أتون معركة حامية الوطيس!‬ ‫وإذا بحثنا في دوافع المعارك أ‬ ‫الدبية‪ ،‬لم نجدها‬

‫عباس محمود العقاد‬ ‫خالصة لوجه الفكر‪ ،‬وإنما وقع أغلبها تحت سيطرة‬ ‫دافعين كبيرين‪ :‬الخصومات السياسية‪ ،‬والخالفات‬ ‫الشخصية‪.‬‬ ‫ذلك أن الخالف بين المعسكرات السياسية قد جعل‬ ‫طائفة من الكُ ّتاب تنحاز إلى هذا الجانب‪ ،‬وطائفة‬ ‫تنحاز إلى الجانب آ‬ ‫الخر ‪ ..‬ولذلك كانت أغلب أحكام‬ ‫مقيد‬ ‫هذه المعارك تدل على التناقض! فالرأي هنا ّ‬ ‫معين؛ فإذا اختلف هذا الظرف‬ ‫بوجهة نظر وظرف َّ‬ ‫تغير الرأي!‬ ‫ّ‬ ‫فإن هذه المعارك‪ ،‬كانت خيراً‬ ‫وعلى الرغم من ذلك؛ ّ‬ ‫أ‬ ‫وميزت الخبيث‬ ‫للدب‪ ،‬فقد ح ّثت على التجويد‪ّ ،‬‬ ‫الطيب‪ ،‬وفتحت باب السجال والنقد‪ ،‬ومعارضة‬ ‫من ّ‬ ‫آ‬ ‫الراء على نحو شيق وجذّ اب‪ ،‬وكشفت عن حقيقة‬ ‫النفوس وطبائعها!‬

‫أعنف معارك القرن العشرين!‬

‫لعل من أعنف المعارك أ‬ ‫َّ‬ ‫الدبية التي شهدها القرن‬ ‫العشرون؛ تلك التي دارت رحاها بين العقاد والرافعي‬ ‫وكان آخر كلماتها هي قول العقاد للرافعي‪« :‬إيه يا‬ ‫خفافيش أ‬ ‫الدب‪ :‬أغثيتم نفوسنا أغثى هللا نفوسكم‬ ‫الضئيلة‪ ،‬ال هوادة بعد اليوم‪ ،‬السوط في أيدينا‪،‬‬ ‫قت‪ ،‬وسنفر ُغ لكم‬ ‫وجلودكم لمثل هذا السوط قد ُخ ِل ْ‬ ‫أيها الثقالن»‪.‬‬ ‫َّبت‬ ‫كما هاجم العقاد الدكتورة بنت الشاطئ التي عق ْ‬ ‫على كتابه «المرأة في القرآن» ور َّد عليها بمقالة قوية‪،‬‬ ‫عنوانها‪ :‬اسكتي يا امرأة!‬ ‫فردت بنت الشاطئ بمقال طويل ‪ -‬وكان ذلك في‬ ‫«اللهم إني صائمة»!‬ ‫شهر رمضان ‪ -‬بعنوان‬ ‫َّ‬ ‫وهاجم العقاد ‪ -‬أيضاً ‪ -‬دعاة الشعر الحر وقصيدة‬

‫طه حسين‬ ‫النثر هجوماً عنيفاً‪ ،‬أمثال‪ :‬صالح عبدالصبور‪،‬‬ ‫لن أر ّد بعد اليوم على‬ ‫وعبدالمعطي حجازي‪ ،‬وقال‪ْ :‬‬ ‫أدعياء الشعر!‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وانتقد ‪ -‬العقاد ‪ -‬أحمد شوقي نقدا ُمرا الذعاً‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬إنه ال يصلح إال أن يكون شاعراً أ‬ ‫للمراء وأروقة‬ ‫َّ‬ ‫القصور‪ ،‬وأنه استطاع أن يقحم اسمه على الناس‬ ‫بالتهليل والتكبير والطبول والزمور في مناسبة وبغير‬ ‫مناسبة وبحق أو بغير حق!‬ ‫كما يفتح العقاد النار بضراوة على سالمة موسى‬ ‫فيقول‪ :‬سالمة موسى يكتب ليحقد ويحقد ليكتب‪،‬‬ ‫ويدين بالمذاهب ليربح منها‪ ..‬ويشتري أ‬ ‫الرض‬ ‫ويسخر العمال ويتكلم عن‬ ‫ويتاجر بتربية الخنازير‬ ‫ّ‬ ‫االشتراكية التي تحرم الملك وتحارب سلطان رأس‬ ‫المال ‪!..‬‬ ‫وعلى الرغم من إعجاب طه حسين بكتابات‬ ‫المنفلوطي إال َّ أنه أعلن عليه الحرب بال هوادة في‬ ‫سلسلة مقاالت شهيرة بعنوان «نظرات في النظرات»؛‬ ‫اتهم المنفلوطي بالجهل والسرقة أ‬ ‫الدبية‪ ،‬والتغرير‬ ‫بالناس وتضليل القراء‪ ،‬وكثرة أ‬ ‫النانية في أقواله‪ ،‬وأنه‬ ‫ّ‬ ‫توخي الحقيقة‪ ،‬وأحبهم الصطناع‬ ‫أبعد الناس عن ّ‬ ‫الخيال سبيال ً إلى غايته ‪!...‬‬ ‫محمد عبدالشَّ افي القوصي‬ ‫َّ‬ ‫مصر‬ ‫ً‬ ‫كامال‬ ‫اقرأ المقال‬ ‫على الموقع‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪7|6‬‬

‫أكثر من رسالة‬

‫تحية وبعد‬

‫أ‬ ‫اللعاب كوسيط تعليمي‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫تعقيباً على مقال «دور ألعاب الفيديو في تعلُّم‬ ‫اللغات» المنشور في زاوية «لغويات» في عدد‬ ‫القافلة ‪ .4‬مجلد ‪ .64‬يوليو‪ /‬أغسطس ‪2015‬م‪.‬‬ ‫عند الحديث عن ألعاب الفيديو‪ ،‬ال يمكننا إغفال‬ ‫المبيعات الكبيرة التي تحققها معظم الشركات‬ ‫المصنعة أ‬ ‫لللعاب‪ ،‬والنجاح واالنتشار الفائقين‬ ‫ِّ‬ ‫اللذين حققتهما منتجاتها‪ .‬وهذا ما لفت أنظار‬ ‫أ‬ ‫الكاديميين المتخصصين للتوجه إلى منحى تعليمي‬ ‫أ‬ ‫جديد‪ ،‬وهو استخدام هذه اللعاب كوسيط تعليمي‪.‬‬ ‫فكان من المبادرات أ‬ ‫الولى في هذا المجال مشروع‬ ‫«ألعاب للتعليم» (‪ )Games – to – Teach‬الذي‬ ‫دشن عام ‪2001‬م‪ ،‬ثم مبادرة (‪Education‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ .)Arcade‬وكان هدف المشروع تطوير ألعاب فيديو‬ ‫تعليمية بمستوى يقارن بألعاب الفيديو التجارية‬ ‫الرائجة‪.‬‬ ‫وكان من نتاج هذا المشروع أن وضع باحثوه‬ ‫الخطوط العريضة لتصميمات ‪ 15‬لعبة تعليمية‪،‬‬ ‫موجهة للمفاهيم الدراسية المختلفة‪ .‬ومن ثم انتهوا‬ ‫َّ‬ ‫إلى التطوير الكامل للعبتين واختبارهما في إحدى‬

‫المدارس الثانوية بوالية بوسطن أ‬ ‫المريكية‪.‬‬ ‫اللعبتان هما‪« :‬فائق الشحنة» (!‪)Supercharged‬‬ ‫و«المخبر البيئي» (‪.)Environmental Detective‬‬ ‫وبحسب مجلة تكنولوجي ريفيو الصادرة عن معهد‬ ‫تدربوا على هاتين‬ ‫تبين أن الطلبة الذين َّ‬ ‫(‪َّ )MIT‬‬ ‫اللعبتين كان أداؤهم أفضل من أقرانهم الذين لم‬ ‫يتمرسوا على «اللعبتين»‪.‬‬ ‫الشارة إلى أن لعبة «حضارة» وهي إحدى‬ ‫وتجدر إ‬ ‫أ‬ ‫اللعاب التجارية الرائجة‪ ،‬ذات منحى تعليمي ال‬ ‫يُخطَأ‪ .‬إذ إنها تتبع ‪ 6‬آالف عام من تاريخ العالم‪،‬‬ ‫وتتيح لالعبيها أن يتابعوا السيناريوهات التاريخية‬ ‫التي كان يمكن أن تحدث‪ ،‬وذلك باستخدام اللعبة‬ ‫ألسلوب «ماذا لو؟»‪.‬‬ ‫ولقد جذب التوجه التعليمي للعبة «حضارة»‬ ‫الباحث في مشروع «ألعاب للتعليم»؛ فدمجها في‬ ‫مقرر دراسة التاريخ بإحدى المدارس الثانوية بوالية‬ ‫بوسطن‪ .‬ووجد أن الطلبة الذين لم تكن تجذبهم‬ ‫دراسة مادة التاريخ أقبلوا بشدة على ممارسة اللعبة‬ ‫بسيناريوهاتها المختلفة‪ ،‬كما أنهم تمكنوا من تحقيق‬

‫فهم عام جيد ألثر العوامل الجغرافية والتقنية (ذات‬ ‫العالقة بتصنيع أ‬ ‫الدوات) على تطور الحضارات‪.‬‬ ‫وفي السعودية في أواخر عام ‪2015‬م‪ ،‬تم إطالق‬ ‫لعبة «عالم أريب» أول لعبة تعليمية ترفيهية تم‬ ‫وتعد‬ ‫بأيد سعودية موجهة للطالب الصغار‪ُّ ،‬‬ ‫برمجتها ٍ‬ ‫أ‬ ‫الضخم في عالم إنتاج أ‬ ‫اللعاب التعليمية العربية‪.‬‬ ‫فيما ستصدر شركة «المفكرون الصغار» قريباً؛‬ ‫وهي شركة حرصت منذ تأسيسها على إصدار برامج‬ ‫تعليمية ترفيهية ناطقة باللغة العربية ذات محتوى‬ ‫سمعي – بصري أ‬ ‫للطفال؛ تطبيق لعبة القراءة‬ ‫أ‬ ‫المبكرة الستخدامها في تعليم الطفال في المنزل‬ ‫والمدرسة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ففي الترفيه‪ ،‬حققت ألعاب الفيديو نجاحا هائالً‪.‬‬ ‫وفي التعليم‪ ،‬حققت نجاحاً مماثالً‪.‬‬ ‫أريج المحفوظ‬ ‫القطيف‬

‫حول غزو الحمقى‬ ‫بعدما قرأت بدقة مقالة الدكتور حمد بن ناصر‬ ‫الموسى «أهو غزو الحمقى كما يقول أمبرتو إيكو؟»‬ ‫المنشورة في عدد مارس ‪ /‬أبريل ‪2016‬م‪ ،‬لم يكن‬ ‫بإمكاني إال أن أثني على كل حرف ورد فيها‪ ،‬وأن‬ ‫أجيب عن السؤال المطروح في العنوان‪« :‬نعم‪ ،‬إنه‬ ‫بالفعل غزو الحمقى»‪.‬‬ ‫ففتح أبواب النشر أمام كل من يمتلك هاتفاً ذكياً‪،‬‬ ‫دون أن يكون عقله كذلك‪ ،‬أغرق وسائل التواصل‬ ‫االجتماعي بكميات عمالقة من «القمامة الثقافية»‪،‬‬ ‫حتى إن الثمين القليل جداً‪ ،‬بات يحتاج إلى‬ ‫«هاشتاغ» للفت النظر إلى وجوده هنا أو هناك‪.‬‬ ‫فقبل نحو سنوات ست‪ ،‬عندما أسست صفحتي على‬ ‫«فيسبوك»‪ ،‬كنت أعتقد أنها ستكون منبراً لتبادل‬ ‫أ‬ ‫أروج‬ ‫الفكار حول شؤون مهنية تهمني‪ ،‬ويهمني أن ِّ‬ ‫لها‪ ،‬كما يهمني االطالع على ما يمت إليها بصلة أو‬ ‫بأخرى‪ .‬وانهالت طلبات الصداقة من أناس أعرفهم‬ ‫في الحياة الواقعية‪ ،‬وأحرجني رفضها‪ ،‬فقبلتها مرغماً‪.‬‬

‫والنتيجة؟‬ ‫أ‬ ‫طوفان من الصور الفوتوغرافية لناس‪ ،‬وأين تناولوا‬ ‫طعامهم أمس‪ ،‬وصور ألطفال مرضى مشفوعة‬ ‫بطلب الدعاء لشفائهم‪ ،‬وصور أخرى ميلودرامية‬ ‫لبؤساء العالم‪ ،‬وغيرها لمشاهير ال يعنينا أمرهم‬ ‫في شيء‪ .‬حتى باتت أ‬ ‫القوال المأثورة التي كنا نقرأها‬ ‫قديماً على أوراق الروزنامات‪ ،‬أفضل الموجود‪.‬‬ ‫فكلمة «النشر» التي كانت تعني إقدام مثقف أو‬ ‫مفكر على توزيع عصارة فكره على عدد كبير من‬ ‫الناس‪ ،‬صارت تستخدم «لنشر» صورة طفل تعبيراً‬ ‫عن إعجاب أمه به‪ .‬أ‬ ‫والمر يبقى أفضل و«أرقى» من‬ ‫إطالق أ‬ ‫الخبار الكاذبة والرخيصة والشائعات والترويج‬ ‫لها عمداً أو جهالً‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬باتت عالقتي بـ «فيسبوك» كما وصفها‬ ‫أحدهم‪ ،‬بأنها تشبه العالقة بالثالجة‪ .‬نذهب إليها‬ ‫في أوقات الملل لعلنا نجد فيها شيئاً طيباً‪ .‬وفي‬ ‫معظم أ‬ ‫الحيان‪ ،‬ال نجد شيئاً يهمنا‪ ،‬فنبحث عن‬

‫تسلية أخرى‪.‬‬ ‫لقد آن أ‬ ‫الوان إلنهاء االحتفاء بعظمة وسائل التواصل‬ ‫أ‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وآن الوان إلى التطلع بشكل واقعي‬ ‫إلى ما تنطوي عليه وإلى حقيقتها‪ ،‬بعيداً عن دهشة‬ ‫بسطاء العالم الثالث بكل ابتكار تقني جديد‪.‬‬ ‫عثمان رأفت‬ ‫الإسكندرية‬


‫فريق القافلة‬

‫نقاش مفتوح‬

‫المنعطف‬ ‫الجديد في‬ ‫األفالم‬ ‫السعوديَّ ة‬

‫ضمن مهرجان أفالم السعوديَّ ة الثالث‪،‬‬ ‫الذي انعقد من الفترة بين ‪ 24‬و‪ 28‬مارس‬ ‫‪ 2016‬بتنظيم من الجمعيَّ ة العربيَّ ة‬ ‫السعوديَّ ة للثقافة والفنون في مدينة‬ ‫ً‬ ‫لقاء ضم مدير‬ ‫الدمام‪ ،‬استضافت «القافلة»‬ ‫المهرجان أحمد المال والمخرجين محمد‬ ‫سلمان وشهد أمين ومجتبى سعيد‪ ،‬والناقد‬ ‫واالستشاري في الطب النفسي الدكتور‬ ‫فهد اليحيا لمناقشة المنعطف الجديد‬ ‫في صناعة األفالم السعوديَّ ة على ضوء‬ ‫ُّ‬ ‫التطورات المتالحقة في هذا المجال‪ ،‬سواء‬ ‫ً‬ ‫محليا أو في الخارج‪ ،‬وأدار جلسة النقاش‬ ‫هذه الناقد واإلعالمي طارق الخواجي‪.‬‬


‫‪9|8‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫يرى البعض أن إطالق كلمة‬ ‫«سينما» على المنتج من أ‬ ‫الفالم‬ ‫الشارة‬ ‫السعوديَّة‪ ،‬هو من باب إ‬ ‫الداللية فقط‪ .‬فحقيقة أ‬ ‫المر‬ ‫َّ‬ ‫أن ثمة صناعة أفالم‬ ‫تؤكد َّ‬ ‫سعوديَّة تنمو بسرعة‪ ،‬ولكن كثيرين يتحفظون‬ ‫على وصفها بالسينما‪ .‬فهي أنتجت بشروط وآليات‬ ‫خاصة بها‪ ،‬أما السينما فهي تراكم أ‬ ‫للفالم الطويلة‬ ‫وتاريخ واتجاهات وصناعة متكاملة بكل مدخالتها‬ ‫كماً من الكُ َّتاب‪،‬‬ ‫ووسائطها ومخرجاتها‪ ،‬وتشمل َّ‬ ‫والمسوقين‪،‬‬ ‫والفنيين‪ ،‬والممثلين‪ ،‬و«الكومبارس»‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫والمنتجين في وسط ف ِّني متكامل‪ ،‬كما هو الحال‬ ‫في أمريكا أو الهند أو مصر‪ ،‬ومعاهد‪ ،‬وكليات‪ ،‬ولها‬ ‫رسمية في نظام الدولة‪ ،‬وكذلك‬ ‫مرجعية‬ ‫تنظيمية َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫قانونية‪ ،‬وهيئات تم ِّثل المشتغلين فيها‪..‬‬ ‫مرجعية أ َّ‬ ‫َّ‬ ‫إلخ‪ ،‬والهم من ذلك‪ ،‬أنَّها ثقافة متجذِّ رة وفاعلة‬ ‫ومؤثرة‪ ،‬ولديها جمهور يتابع ويستهلك‪ ،‬ولها تأثير‬ ‫ومتجدد‪ ،‬ناهيك عن وجود‬ ‫اجتماعي ثقافي راسخ‬ ‫ِّ‬ ‫الجماعية‪ ،‬والنقد‬ ‫ُدور للعرض وثقافة المشاهدة‬ ‫َّ‬ ‫والمتخصص‪ ..‬وغياب كل ذلك يدفع‬ ‫الجماهيري‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫البعض إلى وصف الحال الراهن بحراك «الفالم‬ ‫السعوديَّة»‪.‬‬

‫ما بين أ‬ ‫المس القريب واليوم‬

‫توجه الخواجي إلى‬ ‫في مستهل هذه الجلسة‪َّ ،‬‬ ‫الحاضرين بسؤال حول طبيعة المنعطف في‬ ‫صناعة أ‬ ‫الفالم السعودية بشكل عام‪ ،‬اعتماداً على‬ ‫ما الحظوه في دورة هذا العام‪ ،‬فأجاب الدكتور‬ ‫اليحيا بقوله‪ :‬من خالل ما تابعت من أعمال بين‬ ‫آ أ‬ ‫أن‬ ‫السنة الماضية والن للشخاص أنفسهم‪ ،‬أجد َّ‬ ‫الص َّناع عملوا‬ ‫هناك تقدماً واضحاً‪ ،‬مفاده َّ‬ ‫أن هؤالء ُ‬ ‫على تطوير أنفسهم‪ ،‬لكن ال أقول إنَّهم وصلوا‬ ‫أ‬ ‫للفن‪ .‬وأذكر منهم‬ ‫إلى النهاية؛ لنَّه أصال ً ال نهاية ِّ‬ ‫على سبيل المثال المخرج محمد العليوي‪ ،‬وكذلك‬ ‫المخرجة جواهر العامري‪ ،‬التي شاركت ِبفلم‬ ‫والفلم الوثائقي الذي‬ ‫«الخادمة» السنة الماضية‪ِ ،‬‬ ‫وأظن‬ ‫ُعرض باسمها‪ ،‬والفرق بين االثنين كبير وواضح‪ُّ ،‬‬ ‫منهجية في‬ ‫الفن السينمائي بصورة‬ ‫السبب أنَّها تدرس َّ‬ ‫َّ‬ ‫جامعة عفت‪.‬‬ ‫وأضاف اليحيا‪ :‬آ‬ ‫الن نجد تمكُّ ناً من الصورة أكثر من‬ ‫السنة الماضية‪ ،‬إذ كان الص َّناع يهتمون بنقاء الصورة‬ ‫وزاويتها فقط‪ ،‬أما آ‬ ‫الن فاالهتمام يأتي بوصفه‬ ‫مكوناً أساسياً ضمن ثيمة المشهد ككل‪ .‬وفي الجانب‬ ‫ِّ‬ ‫المقابل هناك قصور كبير ونقص في موضوع‬

‫أحمد المال‪:‬‬ ‫الحالة السينمائ َّية السعوديَّة تعاني ما يعاني‬ ‫منه باقي أنواع الفنون في المملكة‪ ،‬سواء في‬ ‫المسرح أو التشكيل أو الموسيقى أو الفنون‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ ،‬وبهذا نتماهى مع معاناة الحالة‬ ‫الثقاف َّية العا َّمة‪ ،‬لكن هناك أيضاً صعوبات‬ ‫ومشكالت خاصة بصناعة السينما السعوديَّة‪،‬‬ ‫ونحن نتمنى أن تتطور وتصبح لدينا على‬ ‫النتاج‬ ‫سبيل المثال صاالت تجاريَّة تعرض إ‬ ‫السينمائي‪،‬لكن هذا موضوع آخر‪.‬‬ ‫نحن إذاً يهمنا المشترك لمشكالتنا في الحالة‬ ‫الثقاف َّية‪ ،‬إذ نتمنى التطور في كامل المشهد‪،‬‬

‫النص‪ ،‬الذي يحتاج إلى كثير من العمل واالنتباه في‬ ‫ِّ‬ ‫المستقبل‪.‬‬ ‫أما مدير المهرجان‪ ،‬أحمد المال‪ ،‬فقارن بين‬ ‫تقدماً‬ ‫الدورتين‪ ،‬موضحاً أن الدورة الثانية شهدت ُّ‬ ‫في عدد المشتركين‪ ،‬فمن أصل ‪ 104‬أفالم‪ ،‬اختير‬ ‫‪ 66‬عمال ً للمنافسة في المهرجان لعام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫أما في دورة هذا العام فقد شهد عدداً أكبر بقليل‬ ‫من المشاركين‪ ،‬فمن بين ‪ 112‬عمال ً اختير ‪ 70‬منها‬ ‫للمنافسة في التصفيات‪ ،‬وكان أول المؤشرات‬ ‫اليجابية الالفتة أن ‪ 45‬منها عرض للمرة أ‬ ‫الولى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫إ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫وكان معيار الجودة للترشح مرتفعاً نوعاً ما عن العام‬ ‫الماضي‪.‬‬ ‫أن الجانب ال ِّتقني أصبح‬ ‫ومن أهم مالحظات المال َّ‬ ‫أجود من الدورة السابقة‪ ،‬أما السيناريو فكان أقل‬ ‫المشجع في هذا العام أنَّه‬ ‫عدداً وجودة‪ .‬لكن‬ ‫ِّ‬ ‫وبعد أن اس ُتحدثت ورشة عمل خاصة بالسيناريو‬ ‫في الدورة السابقة‪ ،‬لمسنا كيف كان تأثيرها على‬ ‫المقدمة هذا العام‪،‬‬ ‫جودة وعدد السيناريوهات َّ‬ ‫تقدم إلينا ‪ 78‬سيناريو غير منفّذ‪ ،‬فاضطرت‬ ‫إذ َّ‬ ‫لجنة تقييم السيناريو إلى اختيار ‪ 15‬سيناريو فقط‬

‫لكن هل هذا المنعطف‪ ،‬الذي نتكلم عنه‬ ‫الفالم السعودية آ‬ ‫ونتصوره في أ‬ ‫الن سيأتي‬ ‫َّ‬ ‫ومن خالل ماذا؟ هل المهرجان والنشاطات‬ ‫أ‬ ‫التقدم التقني الواضح‬ ‫الخرى كافية؟ هل ُّ‬ ‫الحاصل هو المنعطف؟‬

‫مجتبى سعيد‪:‬‬ ‫وجود المنتج الذكي هو ما ينقصنا‬ ‫ً‬ ‫فعال لتسريع حركة التواصل الجادة‪،‬‬ ‫وتحقيق فاعلية أكبر في تنفيذ‬ ‫األعمال‪.‬‬


‫شهد أمين‪:‬‬ ‫الفلم السعودي متفرد ومبدع‬ ‫صانع ِ‬ ‫وذو خبرة مختلفة‪ ،‬ولكن علينا أن‬ ‫نتقن القواعد األساسية قبل أن‬ ‫ننطلق نحو تجديد أو اختراق‪.‬‬

‫المتقدمين‬ ‫لتقييمها‪ ،‬وأمام هذا العدد المفاجئ من‬ ‫ِّ‬ ‫وقررت اختيار ‪6‬‬ ‫أوصت اللجنة برفع عدد الجوائز‪َّ ،‬‬ ‫سيناريوهات قابلة للتنفيذ‪.‬‬ ‫أن إحدى النتائج المباشرة لهذا الجهد كان ارتفاع‬ ‫غير َّ‬ ‫متوسط العاملين في كل ِفلم‪ ،‬من ‪ 6‬أسماء في‬ ‫الدورة الثانية إلى ‪ 15‬اسماً في الدورة الثالثة‪ ،‬وهذا‬ ‫دليل على المشاركة الجماعية في إنتاج أ‬ ‫الفالم بعيداً‬ ‫َّ‬ ‫تغيراً‬ ‫عن الفرديَّة واالعتماد الذاتي‪ ،‬كما َّ‬ ‫أن هناك ُّ‬ ‫واضحاً في إسهامات الطلبة عن السابق‪.‬‬

‫قفزة أ‬ ‫الفالم الوثائق َّية والتقن َّية‬

‫وعقَّب اليحيا معلِّقاً على هذا الطرح بقوله إن أ‬ ‫الفالم‬ ‫الروائية تحسنت هذا العام‪ ،‬لكن أ‬ ‫الوثائقية‬ ‫الفالم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫تفوقت عليها في جودتها بشكل كبير‪ .‬وبالمقارنة مع‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫الوثائقية‪ ،‬التي عرضت في الدورة الثانية‪ ،‬في‬ ‫فالم‬ ‫ال‬ ‫َّ‬ ‫يصور أناساً وأماكن وفكرة‬ ‫السابق كان ِ‬ ‫الفلم الوثائقي ِّ‬ ‫معينة‪ ،‬أما آ‬ ‫متطوراً‬ ‫الن فنجد بنا ًء درامياً قصصياً‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫جيد‪.‬‬ ‫بشكل ِّ‬ ‫وهنا طرح الخواجي سؤاالً‪ :‬لو كان لكم اختيار أحد‬ ‫العناصر الموجودة في المهرجان‪ ،‬سواء من أ‬ ‫الفالم‬ ‫أو المخرجين‪ ،‬باعتباره المنعطف الجديد في أفالم‬ ‫المهرجان‪ ،‬أو في أ‬ ‫الفالم السعوديَّة بشكل عام‪،‬‬

‫عامة عن المشهد‬ ‫الذي يمكِّ ننا من تشكيل رؤية َّ‬ ‫الحالي؛ فما هو هذا العنصر؟‬

‫السينمائية‪،‬‬ ‫بمعنى آخر لدينا نقص في الثقافة‬ ‫َّ‬ ‫وكيفية توظيف مختلف التقنيات بما يخدم القصة‪.‬‬ ‫َّ‬

‫أن‬ ‫فأجابت المخرجة شهد أمين‪ :‬المالحظة الرئيسة َّ‬ ‫تقنية أ‬ ‫الفالم المشاركة كانت كلها ‪ -‬تقريباً ‪ -‬ذات‬ ‫جودة ال بأس بها‪ ،‬لكن السؤال الجوهري‪ ،‬هو‪ :‬هل‬ ‫هذه التقنية هي التي تصنع ِفلماً جيداً؟ هل الصورة‬ ‫الجميلة بكاميرا ذات تقنية عالية هي عنصر نجاح‬ ‫الفلم؟‬ ‫ِ‬

‫عبر المخرج مجتبى عن موافقته على ما أبداه‬ ‫ّ‬ ‫المشاركون من انطباعات وآراء‪ ،‬ولكنه أضاف‪:‬‬ ‫ويحدد‬ ‫يجرب ِّ‬ ‫المخرج كغيره من الفنانين‪ ،‬يجب أن ِّ‬ ‫جيد يقوم‬ ‫كيفية السرد بطرق جديدة‪ ،‬وهذا أمر ِّ‬ ‫َّ‬ ‫به المخرجون السعوديون‪ .‬إنهم يدخلون إلى‬ ‫مناطق للتجريب ال يستطيع أحد غيرهم دخولها‪،‬‬ ‫ربما نتيجة لطبيعة المجتمع السعودي‪ .‬في حين‬ ‫أن قوانين السرد‪ ،‬وإنتاج ِفلم‬ ‫أنه من المعروف َّ‬ ‫ناجح‪ ،‬أصبحت من أ‬ ‫المور المتعارف عليها عالمياً‬ ‫طبقها‬ ‫كصناعة أي منتج آخر‪ ،‬بحيث لو َّ‬ ‫أن أي مخرج َّ‬ ‫سيحصل على نتيجة ُمرضية ولكن ليست بالضرورة‬ ‫فريدة‪.‬‬

‫وتابعت شهد‪ :‬الصورة الجميلة ال تؤدي الغرض‬ ‫الفلم‪ ،‬فهناك بعض السينمائيين‬ ‫الرئيس من إنتاج ِ‬ ‫أن الصورة‬ ‫الجادين يقولون بعكس ذلك‪ ،‬ويعتقدون َّ‬ ‫بالقصة وبالموضوع أحياناً‪.‬‬ ‫تضر َّ‬ ‫الجميلة ُّ‬ ‫تقدم‬ ‫وعندما حاول الخواجي أن يستخلص وجود ُّ‬ ‫الفلم‪ ،‬لكن ثمة أزمة في‬ ‫تقني واضح في إنتاج ِ‬ ‫النص‪ ،‬وفي أ‬ ‫الفكار‪ ،‬وفي كتابة السيناريو ومعالجة‬ ‫ِّ‬ ‫النصوص‪ .‬قالت المخرجة شهد أمين‪ :‬وأيضاً لدينا‬ ‫أ‬ ‫وكيفية‬ ‫امية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أزمة في معرفة وفهم الساسيات الدر َّ‬ ‫معين‪ ،‬فعندما‬ ‫توظيف تقنيات الصورة لنقل إحساس َّ‬ ‫لمية قريبة‪،‬‬ ‫تريد عمل (كلوز أب)‪ ،‬أي تصوير لقطة ِف َّ‬ ‫نفسية حا َّدة‬ ‫فهذا يجب أن يتم لكي يعكس حالة َّ‬ ‫والقصة‪.‬‬ ‫تريدها بما يخدم اللحظة‬ ‫َّ‬

‫فعقَّبت شهد على ذلك بقولها‪ :‬أوافق على هذا‪ ،‬لكن‬ ‫أ‬ ‫ساسية‬ ‫علينا أن نعرف ونتقن القوانين‬ ‫السينمائية ال َّ‬ ‫َّ‬ ‫نطور أسلوباً‬ ‫حتى يمكننا اختراقها بمعرفة‪ ،‬ومن َّثم ِّ‬ ‫خاصاً بنا‪ .‬فإذا أردت أن تنتج عمال ً مبتكراً فعليك‬ ‫اللمام أ‬ ‫بالساسيات‪ ،‬الفنان بيكاسو‪ ،‬مثالً‪ ،‬كان يتقن‬ ‫إ‬ ‫التكعيبية‪،‬‬ ‫في‬ ‫أسلوبه‬ ‫يبتكر‬ ‫أن‬ ‫قبل‬ ‫الكالسيكي‬ ‫الرسم‬ ‫َّ‬ ‫ونحن في كتابة السيناريو علينا أن نتقن القواعد قبل‬ ‫أن ننطلق نحو التجديد أو االختراق‪.‬‬


‫‪11 | 10‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫بين النص والصورة‬ ‫العالقة الشائكة بين السيناريست‬ ‫والمخرج‬ ‫ُ‬

‫بعد هذا التقييم العام‪ ،‬قاد مدير الجلسة النقاش‬ ‫محدد أكثر‪ ،‬وهو العالقة بين النص‬ ‫إلى مجال َّ‬ ‫وجهه إلى‬ ‫المكتوب وتصويره‪ ،‬انطالقاً من سؤال َّ‬ ‫المخرج سلمان واختياره القالب الوثائقي لتصوير‬ ‫ِفلم «أصفر» مع أنَّه كان يمكن العمل عليه روائياً؟‬ ‫فقال سلمان‪ :‬بدأت كتابة نص ِفلم «أصفر» منذ‬ ‫سنوات خمس بعد مشاهدة رجل كبير في السن‬ ‫حار جداً وهو‬ ‫ينتظر داخل سيارة التاكسي في ٍّ‬ ‫جو ٍّ‬ ‫يجلس دون مكيف للهواء‪ ،‬ونوافذ سيارته مفتوحة‪،‬‬ ‫فكان تساؤلي‪ :‬لماذا يكلِّف هذا الرجل نفسه كل هذا‬ ‫العناء؟‬ ‫ذهبت ألُناس يملكون «تكاسي» صفراء‪ ،‬وذهبت‬ ‫كذلك إلى مكان المحطة‪ ،‬حيث السيارات وتحدثت‬ ‫إلى أصحابها‪ ،‬ودخلت في تفاصيل بعيدة وأعماق‬ ‫جديدة‪ ،‬وكنت سعيداً بالنتيجة‪ .‬لكن بعد ذلك‬ ‫أن المعالجة تكون بعمل ِفلم وثائقي‬ ‫أحسست َّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫كتأبين للتاكسي الصفر‪ .‬فكان سؤالي الساسي‪ :‬لماذا‬ ‫باق؟‬ ‫هذا التاكسي ٍ‬

‫شهد أمين بقوله إنه فيما يتعلق بالنص والنقلة‬ ‫معينة‬ ‫المرجوة‪ ،‬فهذان العمالن ارتبطا بمهارات َّ‬ ‫لصانعيهما‪ :‬جانب أكاديمي ودراسة وتدريب‪ ،‬وهو‬ ‫أمر مطلوب‪ ،‬وشبابنا مهتم بهذا الجانب‪ .‬ولكن على‬ ‫النوعية ممكنة؟ هل‬ ‫نعول لنجعل هذه النقلة‬ ‫ماذا ّ‬ ‫َّ‬ ‫الشخصية؟‬ ‫المهارة‬ ‫أم‬ ‫الصدفة‬ ‫على‬ ‫نعتمد‬ ‫َّ‬ ‫وأضاف المال‪ :‬تجربة «حور وعين» تعطينا انطباعاً‬ ‫الفلم مدروس ومنظم‪ ،‬إضافة إلى الصدفة‬ ‫َّ‬ ‫بأن ِ‬ ‫والمهارة‪ .‬وفي مسألة النص‪ ،‬لدينا فكرة إجراء‬ ‫تجربة سوق إنتاج مصغّ رة مع شركة متخصصة‪،‬‬ ‫وعقد رسمي إلنتاج ثالثة سيناريوهات من أصل‬ ‫خمسة عشر‪ ،‬وتم استدعاء عدد من الك َّتاب‬ ‫والمخرجين مع ثالث شركات إنتاج والتقوا بعضهم‬ ‫بعضاً‪ ،‬كانوا نحو ‪ 35‬شخصاً‪ ،‬فعلّق اليحيا على‬ ‫ذلك بقوله‪ :‬هذا هو المنعطف‪.‬‬

‫وجواباً عن سؤال طرحه مجتبى عن العالقة بين‬ ‫الفلم النهائي والرواية التي كتبها سلمان أجاب‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫الخير‪ :‬ليست ثمة أي عالقة‪ ،‬والعمل يختلف كلياً عن‬ ‫أن الرابط يمكن أن يكون التعلّق‬ ‫الرواية‪ ،‬لك َّنني أزعم َّ‬ ‫والشغف أ‬ ‫بالشياء‪.‬‬

‫وعقّب بإشارته إلى أن الهوة كبيرة بين ك َّتاب السيناريو‬ ‫وصناع أ‬ ‫الفالم فلكل مزاجه الخاص‪ ،‬والكل يشكو من‬ ‫َّ‬ ‫نقص في النصوص والسيناريو‪ .‬وإليه أضافت شهد‪:‬‬ ‫وضحه مدير مهرجان الخليج السينمائي‬ ‫هذا أمر َّ‬ ‫أ‬ ‫أن َّ‬ ‫الكل متمسك‬ ‫الستاذ مسعود أمر هللا‪ ،‬وهو َّ‬ ‫بعمله‪ ،‬فك َّتاب السيناريو متمسكون بنصوصهم‪،‬‬ ‫يصعب‬ ‫الفلم متمسكون بأفكارهم‪ ،‬وهذا ما ِّ‬ ‫وص َّناع ِ‬ ‫أ‬ ‫التعاون بين الطرفين‪ .‬فالمر يتطلب ثقة تُبنى بينهما‪،‬‬ ‫ألن أ‬ ‫الفالم الجا َّدة والناجحة هي في الحقيقة عمل‬ ‫َّ‬ ‫جماعي تعاوني‪ ،‬من ك َّتاب السيناريو إلى المخرج إلى‬ ‫المنتج وغيرهم‪.‬‬

‫وشكَّل الحديث عن ِفلم «أصفر» مناسبة للمال‬ ‫للتعقيب عليه وعلى ِفلم «حور وعين» للمخرجة‬

‫وهنا روى سلمان أنه قبل أن يخرج ِفلمي «قاري»‪،‬‬ ‫و«مخيال» طلب من الكاتبتين أن تثقا في قدراته‬

‫طارق الخواجي‬ ‫ُيطالب السينمائيون السعوديون‬ ‫الشباب بالنقد‪ ،‬ولكنهم في الوقت‬ ‫َّ‬ ‫الموجه إلى‬ ‫نفسه ال يتقبلون النقد‬ ‫أفالمهم‪.‬‬ ‫الفلمين‪ ،‬فكان ال بد من‬ ‫للتعاون في إنتاج هذين ِ‬ ‫النتاج بما يرضي‬ ‫التنازل قليال ً من الطرفين حتى يتم إ‬ ‫الجميع‪ .‬ولكن بعد البدء كان لزاماً عليه عمل ورشة‬ ‫عمل لدراسة التقديم والتأخير في بعض المشاهد‪،‬‬ ‫وتعديل بعض التفاصيل فكان يستجيب وكانوا‬ ‫وعملية‬ ‫مضن‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يستجيبون‪ ،‬وهذا أمر ِّ‬ ‫جيد‪ ،‬لك َّنه ٍ‬ ‫طويلة‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بفكرة بسيطة كفكرة ِفلم‬ ‫«مخيال»‪ ،‬فهو دراما بسيطة‪ ،‬وتكثيفها لتقديمها‬ ‫للشاشة كان أمراً صعباً‪.‬‬ ‫وأوضح مجتبى في هذا الشأن أن هذا ممارس في‬ ‫الجنبية‪ .‬فهناك مثال بعض أ‬ ‫الفالم أ‬ ‫أ‬ ‫الفالم التي‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫أن الكاتب يعترض على هذا‬ ‫توضح في ِّ‬ ‫مقدمتها‪َّ ،‬‬ ‫الفلم إذا ما قام المخرج بتعديالت كثيرة تحور‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وروبية‪.‬‬ ‫النص الصلي‪ ،‬خاصة في الفالم ال َّ‬ ‫وتطرق المال إلى جانب آخر من جوانب أهمية النص‬ ‫َّ‬ ‫بتشديده على أن النص هو مربط الفرس‪ .‬نحن لم‬ ‫النص يجب أن يحول إلى‬ ‫نعط انطباعاً واضحاً َّ‬ ‫ِ‬ ‫بأن َّ‬ ‫ورشة لكي يتم تجهيزه للعمل السينمائي‪ .‬فكثيرون‬ ‫يعتقدون أنَّه بمجرد االنتهاء من النص والسيناريو‬ ‫فإن العمل يصبح جاهزاً للتصوير‪ .‬أما أنجح أ‬ ‫العمال‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫يحول إلى ورشة‪ ،‬وهنا‬ ‫فتدل على َّ‬ ‫أن النص يجب أن َّ‬ ‫السينمائية‪.‬‬ ‫الثقافة‬ ‫أهمية‬ ‫َّ‬ ‫تكمن َّ‬ ‫وأضاف أن فهمنا للتعامل مع النص يحتاج إلى‬ ‫يطور‪ .‬ومن‬ ‫توضيح للك ّتاب َّ‬ ‫أن النص يجب أن ّ‬ ‫إحدى آ‬ ‫الليات التي عملنا عليها خالل هذا المهرجان‬ ‫أن لجنة تحكيم السيناريو ستكون مستمرة للسنة‬ ‫َّ‬ ‫المقبلة‪ ،‬حتى بداية المهرجان المقبل‪ ،‬وستعمل مع‬ ‫تقدموا‬ ‫عدد من ك َّتاب السيناريوهات الـ ‪ 55‬الذين َّ‬ ‫بأعمالهم إلى المهرجان‪.‬‬


‫«متوسط العاملين في كل ِفلم ارتفع في‬ ‫البداية من ‪ 6‬أسماء في الدورة السابقة‬ ‫ً‬ ‫اسما في الدورة الحالية‪ ،‬وهذا‬ ‫إلى ‪15‬‬ ‫َّ‬ ‫الجماعية في إنتاج‬ ‫دليل على المشاركة‬ ‫ً‬ ‫الفردية‪ ،‬كما َّ‬ ‫َّ‬ ‫أن هناك‬ ‫بعيدا عن‬ ‫األفالم‬ ‫ً‬ ‫تغي ً‬ ‫ُّ‬ ‫واضحا في إسهامات الطلبة عن‬ ‫را‬ ‫السابق»‪.‬‬

‫ثالثة عناصر شكَّلت المنعطف‬

‫أ أ‬ ‫بحد ذاته وانعقاده‪ ،‬هو أحد أوجه المنعطف الجديد‪.‬‬ ‫المر الول‪ :‬المهرجان ِّ‬ ‫وشجعت‪.‬‬ ‫فهو بمنزلة حاضنة استقبلت وعرضت َّ‬ ‫أ‬ ‫التقدم ال ِّتقني مع التمني أمنية لو كان النص ونوعيته هو المنعطف‬ ‫المر الثاني‪ُّ :‬‬ ‫المحدد والفارق أ‬ ‫الساس‪.‬‬ ‫أ‬ ‫النتاج‪ ،‬فمجرد وجوده سيخدم مهمات كثيرة‪ ،‬ويحل‬ ‫المر الثالث‪ :‬سوق إ‬ ‫مشكالت كثيرة‪.‬‬

‫الخلط في العالم العربي‬ ‫النتاج‬ ‫بين المنتج ومدير إ‬

‫وإلى مسألة تضارب الصالحيات والمهمات‪ ،‬أضاف‬ ‫أ‬ ‫النتاج‪ ،‬فهناك‬ ‫اليحيا أن المسألة الخرى هي إ‬ ‫النتاج‪.‬‬ ‫خلط في العالم العربي بين المنتج ومدير إ‬ ‫أن هناك فرقاً بين المنتج والمستثمر‪،‬‬ ‫والحقيقة َّ‬ ‫فكثيرون يخلطون بين االثنين‪ ..‬وهناك تجربة محمد‬

‫تحول إلى‬ ‫السندي‪ ،‬الذي بدأ مخرجاً‪ ،‬لكنه سرعان ما َّ‬ ‫أن هذا هو توجهه ‪-‬‬ ‫إ‬ ‫النتاج‪ .‬فقد عرف نفسه وأدرك َّ‬ ‫الخراج ‪ -‬وربحنا بذلك تجربة فريدة‬ ‫ليس الكل يتقن إ‬ ‫في النتاج من خالل فلم «حورية وعين»‪ ،‬وهو آ‬ ‫الن‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫أن أحد‬ ‫يعطي دروساً في إ‬ ‫النتاج‪ .‬كما كان من الالفت َّ‬ ‫يقدمها في المهرجان‬ ‫المحاور للورشة‬ ‫التدريبية‪ ،‬التي ِّ‬ ‫َّ‬ ‫أن‬ ‫كيفية بيع الفكرة للمستثمرين‪ ،‬وكيف َّ‬ ‫هو َّ‬

‫المخاطبة تختلف مع المنتجين عنها مع المستثمرين‪.‬‬ ‫هذا أيضاً من المنعطفات الجديدة‪.‬‬ ‫وأضاف اليحيا‪ :‬على هذا أستطيع القول إنَّه يجب‬ ‫عند البدء في أي عمل سينمائي عمل مؤتمر مصغّ ر‬ ‫بين المخرج والمنتج والسيناريست والكاتب ومدير‬ ‫التصوير لعمل خطة للدفع بالعمل إلى أ‬ ‫المام‪.‬‬ ‫المنتج الذكي هو ما ينقص‬ ‫ورأى مجتبى َّ‬ ‫أن وجود ُ‬ ‫فعال ً لتسريع الحركة الجادة وتحقيق اتصال أكثر‬ ‫فاعلية في تنفيذ أ‬ ‫العمال تعقيباً على العالقة الشائكة‬ ‫بين كاتب السيناريو والمخرج‪ .‬فالمنتج هو الذي‬ ‫يصل بين أ‬ ‫الطراف‪ ،‬ويربط بين الخيوط المختلفة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولكي يصل بين هذه الطراف‪ ،‬فإنه يحتاج إلى قاعدة‬ ‫بيانات تس ِّهل عمله في الوصل والتواصل‪ ،‬خاصة مع‬ ‫عودة عدد كبير من المخرجين والك َّتاب والمنتجين من‬ ‫الخارج‪.‬‬


‫‪13 | 12‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫أ‬ ‫الفالم السعودية‬ ‫إما «يتيوب» وإما المهرجانات‬

‫أ‬ ‫ولن موقع «يوتيوب» يبدو جذَّ اباً بشكل خاص‬ ‫لصانعي أ‬ ‫الفالم السعودية من الشباب‪ ،‬كما هو‬ ‫حال التلفزيون‪ ،‬كان ال بد لمدير الجلسة من طرح‬ ‫هذه النقطة على الحاضرين‪ ،‬وسؤالهم عن حسناته‬ ‫وسلبياته‪ .‬وفي هذا المجال‪ ،‬قال اليحيا‪ :‬على الرغم‬ ‫أن سوق الـ «يوتيوب» كبير‪ ،‬وله مردود‪ ،‬لكن‬ ‫من َّ‬ ‫أ‬ ‫أن العمال الجديدة إذا عرضت عبر مثل‬ ‫إ‬ ‫الشكال هو َّ‬ ‫هذه القنوات تفقد حقَّها بالمشاركة في المهرجانات‪.‬‬ ‫ومعظم من يصنع تلك أ‬ ‫الفالم يريد أن يشارك في‬ ‫مثل هذه النشاطات‪ .‬هنا يكون االختيار الصعب بين‬ ‫الفلم عرضه في المهرجان‪ ،‬أو ينشره‬ ‫أن ينتظر صانع ِ‬ ‫على «يوتيوب» للحصول على مردود مباشر‪.‬‬ ‫وقال مجتبى إن أ‬ ‫السلم هو أن تكون هناك صاالت‬ ‫محدداً‪ ،‬وهو‬ ‫عرض تجاريَّة‪ .‬فالتلفزيون يفرض واقعاً َّ‬ ‫أن المحطات مثال ً ال تقبل بأعمال تقل عن ثالثين‬ ‫َّ‬ ‫حلقة‪ ،‬وهذا ما يخيف الص َّناع الشباب ويدفعهم نحو‬ ‫«يوتيوب»‪ ،‬الذي أعتقد أنَّه يشكِّل حالً‪ .‬وعلينا التفريق‬ ‫والفلم السينمائي الكالسيكي‪.‬‬ ‫بين «الفديو آرت» ِ‬ ‫أن «يوتيوب» مهم جداً‪ ،‬فهناك صناعة أفالم‬ ‫وأعتقد َّ‬ ‫أن الجمهور أخذ يعزف عن‬ ‫للإنترنت تتطور‪ ،‬في حين َّ‬ ‫النترنت من خيارات أوسع‬ ‫تقدمه إ‬ ‫صاالت السينما لما ِّ‬ ‫أ‬ ‫وسهولة في مشاهدة عدد كبير من الفالم وأنت‬ ‫جالس في البيت أو المقهى أو غيره‪.‬‬

‫أما سلمان فرأى أنه «ليس لدينا أساساً وعي ف ِّني‬ ‫لمشروع سينمائي‪ ،‬فكيف نذهب إلى «يوتيوب»؟‬ ‫فلو ذهبنا مباشرة إلى «يوتيوب» دون أن‬ ‫تكون لدينا سينما‪ ،‬ولم ننتج سينما‪ ،‬فسنهيئ‬ ‫سينمائية‪ .‬فأين صناعة‬ ‫لجيل جديد دون ذاكرة‬ ‫َّ‬ ‫السينما؟»‪.‬‬ ‫السينمائية‪،‬‬ ‫هذا يحتم علينا أن نفكِّر في الصناعة‬ ‫َّ‬ ‫نقرر أن يكون هذا للسينما وذاك لموقع‬ ‫وبعد ذلك ِّ‬ ‫«يوتيوب»‪.‬‬ ‫إشكالية خاصة بموضوع‬ ‫أضاف الخواجي‪ :‬هناك‬ ‫َّ‬ ‫«يوتيوب»‪ ،‬آ‬ ‫اتفاقية بين «نيتفليكس»‬ ‫فالن هناك‬ ‫َّ‬ ‫مع «يوتيوب» إلنتاج مسلسالت خاصة بالـ‬ ‫«يوتيوب»‪ .‬والسؤال هنا‪ :‬هل هذه المسلسالت‬ ‫هي مسلسالت «يوتيوبية» أم تلفزيونية؟ أ‬ ‫المر‬ ‫َّ‬ ‫الذي ر ّدت عليه المخرجة شهد بقولها‪ :‬ال أعتبر أن‬ ‫«اليوتيوبيين»‪ ،‬الذين نفَّذوا أفالماً هم سينمائيون‪،‬‬ ‫بل أعتبرهم «يوتيوبيين» فقط‪ ،‬بكل شروط هذه‬ ‫عالمية‪ ،‬وهذا ليس تقليال ً من شأنهم‬ ‫الوسيلة إ‬ ‫ال َّ‬ ‫أبداً‪ .‬فالتلفزيون مثالً‪ ،‬في أمريكا وسيلة رائعة‪،‬‬ ‫وهناك مخرجون مختصون بالتلفزيون‪ ،‬وهم ليسوا‬ ‫سينمائيين أيضاً‪.‬‬

‫االستمرار واالنسحاب‬

‫وأثار الخواجي ظاهرة اختفاء بعض أ‬ ‫السماء مع أنَّها‬

‫شاركت في السابق بأعمال ال بأس بها‪ ،‬وليس فقط‬ ‫بعمل واحد أو اثنين‪ ،‬بل بأكثر من ذلك‪ ،‬متسائال ً عن‬ ‫سبب ذلك؟ أ‬ ‫المر الذي حاولت شهد أن تفسره بقولها‬ ‫عامة والسينما خاصة يتطلب‬ ‫إن العمل في الفن َّ‬ ‫كثيراً من الشجاعة والمرونة وطول البال والمثابرة‬ ‫واالستمراريَّة‪ .‬وهو عمل يومي جاد وليس سهالً‪.‬‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬هناك تردد عند الكثيرين‪ ،‬خاصة‬ ‫في صفوف المبتدئات من المخرجات‪ .‬فالسؤال‪:‬‬ ‫هل أنت مستعد للتضحية لسنوات عشر مقبلة؟‪.‬‬ ‫عليك النهوض يومياً وأن تذكر نفسك بأنك تريد‬ ‫أن تنجح‪ ،‬وهذا يتطلب تعاوناً مع آ‬ ‫الخرين وانتظاراً‬ ‫للمهرجانات‪ ،‬وقبوال ً للنقد‪ ،‬إنه أمر صعب جداً‪ .‬لكنه‬ ‫في الوقت نفسه ممتع للذي يفهم تلك الصعوبات‪،‬‬ ‫ويقبل عليها دون تردد‪ .‬وأخيراً هذا أمر شخصي على‬ ‫كل مخرج أو صانع أ‬ ‫للفالم أن يقرره بنفسه لنفسه‪.‬‬ ‫ورأى سلمان أن السؤال أ‬ ‫الساسي هنا‪ ،‬هو‪ :‬هل‬ ‫المخرج فنان أم مجرد مخرج؟ «فعند مشاهدتي‬ ‫لبعض أ‬ ‫الفالم لم يفارقني تساؤل‪ :‬ماذا كان يعمل‬ ‫النسان طوال السنة الماضية لكي يكون العمل‬ ‫هذا إ‬ ‫ً‬ ‫غير ناضج بهذا الشكل؟ هل شاهد أفالما أو قرأ أو‬ ‫تمرن على تقنيات جديدة‪ ،‬هل كان‬ ‫ثقَّف نفسه أو ّ‬ ‫بأن بعض‬ ‫يطور من أدواته؟ هناك إحساس َّ‬ ‫يسمع أو ِّ‬ ‫المشاركين بدأوا العمل قبل المهرجان بفترة قصيرة‬ ‫ولجأوا إلى طلب الذن بتمديد فترة تقديم أ‬ ‫العمال‪.‬‬ ‫إ‬ ‫فهل أ‬ ‫المر إذاً فقاعة وتختفي؟»‪.‬‬


‫المالحظة بقولها‪ :‬عملية النقد وجلسات أ‬ ‫السئلة‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫والجوبة يجب أن تدار بشكل مختلف قليالً‪ .‬ففي‬ ‫توزع على الحضور قائمة‬ ‫المهرجانات‬ ‫الدولية َّ‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫بالسئلة التي ال يجب أن تُسأل‪ ،‬بحيث ال يصبح‬ ‫الشخصية بشكل‬ ‫مكاناً للمنافسين لطرح آرائهم‬ ‫َّ‬ ‫يحرج المخرج‪ .‬فالمخرجون يريدون االحتفال‬ ‫بعرض أعمالهم بعد كل هذا التعب المضني‪،‬‬ ‫وسيكون هناك وقت آخر للنقد‪.‬‬

‫محمد سلمان‪ :‬لو‬ ‫ذهبنا مباشرة إلى «يوتيوب»‬ ‫دون أن تكون لدينا سينما‪،‬‬ ‫فسنهيئ لجيل جديد دون‬ ‫ذاكرة سينمائ َّية‪ .‬فأين صناعة‬ ‫السينما؟ هذا يحتم علينا أن‬ ‫نفكر في الصناعة السينمائ َّية‪.‬‬

‫وأضافت‪ :‬النقد مهم جداً للتطوير‪ ،‬لكن المسألة‬ ‫هنا هي توقيت النقد‪ ،‬إذ يجب أن يكون ب ّنا ًء‪ ،‬وأن‬ ‫يأتي بعد مرور بعض الوقت من عرض العمل وليس‬ ‫مباشرة بعد العرض أثناء المهرجان‪ .‬ومن الممكن أن‬ ‫السينمائية لدينا‪.‬‬ ‫يكون ذلك أحد نواقص الثقافة‬ ‫َّ‬

‫الفلم العربي‬ ‫المقارنة بحال ِ‬

‫د‪ .‬فهد اليحيا‬ ‫مصطلح (صناعة السينما)‬ ‫مصطلح كبير جداً وعلينا‬ ‫الحذر عند استخدامه‪ .‬ففي‬ ‫كثير من الدول العرب َّية مثل‪:‬‬ ‫لبنان والمغرب‪ ،‬ورغم وجود‬ ‫مخرجين كثيرين ينتجون عدداً‬ ‫كبيراً من أ‬ ‫الفالم الطويلة في‬ ‫السنة‪ ،‬إال أننا ال نستطيع أن‬ ‫نقول إن لديهم صناعة سينما‪.‬‬

‫وجه مديرها الخواجي سؤاال ً‬ ‫وفي ختام الجلسة‪َّ ،‬‬ ‫إلى الجميع‪ ،‬حول حال «السينما» السعودية‬ ‫مقارنة بنظيراتها في العالم العربي‪ .‬فأجاب اليحيا‪:‬‬ ‫«كلمة صناعة السينما كبيرة جداً وعلينا الحذر عند‬ ‫العربية كلبنان‬ ‫استخدامها‪ .‬ففي كثير من الدول‬ ‫َّ‬ ‫والمغرب‪ ،‬ورغم وجود مخرجين كثيرين ينتجون‬ ‫عدداً كبيراً من أ‬ ‫الفالم الطويلة في السنة‪ ،‬إال أننا ال‬ ‫نستطيع الحديث عن صناعة سينما‪ ،‬بل صناعة أفالم‬ ‫معينة‪ .‬والدولة العربية الوحيدة التي‬ ‫بمواصفات َّ‬ ‫يمكن أن نقول إن لديها صناعة سينما هي مصر»‪.‬‬

‫وعندما قال الخواجي إن هناك َم ْن عمل على أفالم‬ ‫عديدة‪ ،‬وليس على ِفلم واحد فقط‪ ،‬حتى إنَّه نال‬ ‫جائزة‪ ،‬لك َّنه اختفى تماماً عن المشهد‪ ،‬عقّب سلمان‬ ‫بقوله‪ :‬لو كان المخرج فناناً حقيقياً لما تخلَّى عن ف ِّنه‬ ‫وعمله‪.‬‬ ‫وكانت هذه النقطة منطلق مدير الجلسة إلى‬ ‫التطرق لقضية النقد ودوره‪ ،‬بقوله‪« :‬إن أغلب‬ ‫الحضور في المهرجانات هم ممن يحصلون على‬ ‫النترنت‪ ،‬ويسجلون أسماءهم‬ ‫التذاكر من خالل إ‬ ‫باكراً وهم متحمسون للمشاهدة‪ ،‬وحريصون على‬ ‫الحضور والتصفيق‪ ،‬وهذا من باب دعم أعمال‬ ‫أن السينمائيين‬ ‫أصدقائهم‪ ،‬ومن المالحظ أيضاً َّ‬ ‫السعوديين الشباب يطالبون بالنقد‪ ،‬ويقابله‬ ‫الموجه‬ ‫من ناحية أخرى عدم تقبلهم للنقد‬ ‫َّ‬ ‫إلى أعمالهم‪ .»..‬وقد علّقت شهد على هذه‬

‫ورأت المخرجة شهد أن المقارنة تجوز مع الحاصل‬ ‫في دول الجوار الخليجي‪« ،‬فمن الصعب المقارنة‬ ‫العربية لعراقة صناعة السينما في‬ ‫بغيرها من الدول‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫بعضها ولمستوياتها المتطورة‪ .‬لكن صانع الفالم‬ ‫السعودي‪ ،‬لديه تفرد وإبداع وتجربته جديدة‪ ،‬وخبرة‬ ‫النسان السعودي لم يرها أحد‪ .‬وهذه فرصة ثمينة‬ ‫إ‬ ‫لدى صناع أ‬ ‫الفالم السعوديَّة تجعلهم قادرين على‬ ‫ّ‬ ‫النسان السعودي في حياته وتجربته‬ ‫نقل خبرة إ‬ ‫لينافسوا بها حتى عالمياً‪ ،‬فهنالك تعطش عالمي‬ ‫النسان السعودي»‪.‬‬ ‫لمعرفة كيف يفكر إ‬ ‫أما المخرج سلمان فقال إن هذا يحتم وجود دائرة‬ ‫إنتاج متكاملة حتى يمكننا الحديث عن صناعة‬ ‫سينما‪ ،‬و«أعجبني ما ذكرته شهد بخصوص التجربة‬ ‫السعودية في صناعة أ‬ ‫الفالم‪ ،‬فأنت تصنع ما تعرفه‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫إن المنتج‬ ‫وما تهتم به ومن بيئة خاصة جدا بحيث َّ‬ ‫إذا ذهب إلى الخارج نكون أمام صورة وقصة‬ ‫مختلفة وأشكال مختلفة ونتاج مختلف»‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪15 | 14‬‬

‫بداية كالم‬

‫هل ِّ‬ ‫تحبذ استخدام‬ ‫الكلمات األجنبية في‬ ‫الحديث اليومي؟‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫ض‬ ‫ال�وري منها مقبول‬ ‫ن‬ ‫ها� بازي ‪ -‬مدير مبيعات‬ ‫ي‬

‫ف� بيئة العمل يصبح أ‬ ‫المر عادة‬ ‫ي‬ ‫متداولة ومقبولة‪ ،‬بحكم وجود‬ ‫ين‬ ‫موظف� من دول أجنبية‪ ،‬وبحكم أسلوب العمل‬ ‫ز‬ ‫إنجل�ية‪ .‬ولكن يغ�‬ ‫والتعامل مع منتجات ذات أسماء ي‬ ‫زج الكلمات لالستعراض بأن المتحدث يعرف لغة‬ ‫المقبول ي‬ ‫وغ� المستساغ هو ّ‬ ‫يز‬ ‫العرب�ي‪ ،‬وهذا من «مبتكرات» جيل الشباب‬ ‫أجنبية‪ ،‬وأيضاً الكتابة بما يسمى‬ ‫الحال‪ ،‬ث ف‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية والتعليقات‪ ،‬ويدخل فيما يطلقون عليه‬ ‫ويك� ي� الدردشة إ‬ ‫ي‬ ‫«الكياتة» المأخوذة من كلمة‪ )cute( :‬وأيضاً «الكولنة» المأخوذة من‪.)cool( :‬‬ ‫ن‬ ‫كث�اً‪ ،‬وال أحبذ انتشارها ي ن‬ ‫ب� الناس‪ .‬وبكل صدق‪ ،‬فأنا ال‬ ‫أن� أستسخفها ي‬ ‫والحقيقة ي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫أستخدم كلمات أجنبية ي�‬ ‫حدي�‪.‬‬ ‫ي‬

‫الفراط مرادف للتص ّنع‬ ‫إ‬

‫خب� تواصل‬ ‫إبراهيم ابو مطر ‪ -‬ي‬

‫قل يل «بونجور»‪ ،‬أقول لك «صباح‬ ‫ت‬ ‫عل التحية بلغة‬ ‫النور»‪ .‬لطالما كنت أع�ض عىل من يلقي ي ّ‬ ‫الخ� ال‬ ‫أجنبية بالرد عليه باللغة العربية‪ .‬فكلمة صباح ي‬ ‫تقترص عىل كونها تحية فحسب‪ ،‬إنما هي دعوة إىل بدء‬ ‫ت‬ ‫الخ�‪ .‬ولعل أفضل رد عىل‬ ‫وتمن أن تحمل‬ ‫تل التحية ي‬ ‫اليوم بإيجابية ٍّ‬ ‫ال� ي‬ ‫الساعات ي‬ ‫ف‬ ‫الخ� والنور ترسم‬ ‫الخ� هو الدعاء إىل النور ي� قول صباح النور‪ .‬ففي اجتماع ي‬ ‫إيجابية ي‬ ‫المعالم لحياة أفضل‪.‬‬ ‫مج�ين ف ي� عالمنا اليوم عىل استعمال كلمات أجنبية‬ ‫بعيداً عن التحية‪ ،‬نكاد أن نكون ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫للتعب�‪ ،‬وخصوصاً ف ي� مجال العمل‪ ،‬حيث يصعب ي� بعض الوقات أن أجد كلمة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫للتعب� عن مسألة تقنية‪ ،‬ولربما كان استعمال الكلمة الجنبية يس ّهل التعامل‬ ‫عربية‬ ‫ي‬ ‫وفهم الموضوعات‪ .‬ولكن الفراط ف� استخدام التعاب� أ‬ ‫الجنبية يتجاوز ف ي� بعض‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ح� وإن كانت الكلمات أ‬ ‫أ‬ ‫مش�كة ويصبح تصنعاً‪ .‬ت‬ ‫الحيان البحث عن أرضية ت‬ ‫الجنبية‬ ‫أسهل وألطف ف� بعض أ‬ ‫الحيان‪ ،‬إال أن الستخدام اللغة العربية خصوصية وجمالية‬ ‫ي‬ ‫تتعدى كونها كالماً عابراً‪.‬‬


‫جاء وأعان‬

‫منال حميدان ‪ -‬صحافية‬ ‫ف‬ ‫تعل من شأنها‪ ،‬وتَ ُع ُّد‬ ‫كعاشقة للغة العربية‪ ،‬نشأت ي� ٍ‬ ‫عائلة ي‬ ‫المطالعة ف ي� آدابها الرفيعة طقساً يومياً يمارسه أفرادها للمتعة‬ ‫مجتمع� ومنفردين‪ ،‬ال ن‬ ‫ين‬ ‫يمكن� إال أن أنحاز إليها‪ ،‬وأن أختار‬ ‫والرياضة الذهنية‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ومحبةً‬ ‫ورغبةً‬ ‫‪.‬‬ ‫استخدام مفرداتها ورموزها طوعا‬ ‫جرس الحروف العربية نغم موسيقي يجعل روحي تزهر‪ ،‬وأساريري تتهلل‪ .‬ف‬ ‫و� الوقت نفسه‪ ،‬ال ن‬ ‫النكار‬ ‫يمكن� إ‬ ‫ي‬ ‫ال يشياء عىل أ‬ ‫الجنبية لوصف أ‬ ‫م�متة كث�اً ف� أمر استخدام بعض المفردات أ‬ ‫ن‬ ‫بأن� لست ت ز‬ ‫الغلب‪ .‬يغ� ن يأ� نادراً جداً‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ألم بها – للتواصل‪ ،‬إال مع‬ ‫المتحدث� بها‪.‬‬ ‫ما أستخدم كلمات اللغة إ‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫ال� َّ‬ ‫نجل�ية – اللغة الجنبية آالوحيدة ي‬ ‫ً‬ ‫كمثال عىل ذلك‪ ،‬ال أجد استخدام كلمة «الحاسب ال يل» مستساغاً‪ ،‬وعوضا عن ذلك فإن كلمة «الكمبيوتر» أقل‬ ‫ٍ‬ ‫وأك� عفوية‪ .‬قد يعود ذلك إىل أن هذا ت‬ ‫تكلفاً ث‬ ‫االخ�اع جاء إلينا بهذا االسم من جهة صانعيه‪ ،‬وال �ض ر ف ي� نظري‬ ‫من تسميته باسمه‪ ،‬وال �ض ورة قصوى لتعريبه بلفظة مركبة ال تبدو طبيعية‪.‬‬ ‫لغة أخرى بكل تأكيد سبباً لهجر العربية‪ ،‬إذ تعلمت مبكراً قبل أن أبلغ السابعة من عمري بعضاً من‬ ‫وليس تعلم ٍ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تستخدم بعض اللفاظ الفرنسية‬ ‫جاهل وإسالمي وما تال ذلك من‬ ‫العر�‪ ،‬من‬ ‫أجمل قصائد الشعر ب ي‬ ‫ي‬ ‫ٍي‬ ‫والد� ي‬ ‫ف� حديثها ولهجتها العامية ت‬ ‫ح� يومنا هذا‪.‬‬ ‫ي‬

‫واقع طبيعي لتداخل عالمي‬

‫منال يحيىى ‪ -‬موظفة قطاع خاص‬

‫أ ن‬ ‫أن� معها أو ضدها بقدر ما أنها الواقع الطبيعي للتداخل العالمي الذي نشهده‬ ‫ليس المر ي‬ ‫اليوم‪ ،‬خصوصاً مع وسائل التواصل االجتماعي وينبغي التعايش معه‪ .‬فمن الطبيعي‬ ‫أن تتداخل قواميس اللغة‪ ،‬وأن تح�ض كلمة أجنبية ف ي� سياق لغة أخرى‪ ،‬سواء عربية أو أجنبية‪ .‬هذا التداخل‬ ‫حاصل ف� شكل طبيعي‪ ،‬بل هو أمر ن‬ ‫إنسا� حا�ض ‪ ،‬مثالً‪ :‬ف ي� مجتمع المدينة المنورة‪ ،‬بحكم حضور عديد من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫أفراده من خارج جزيرة العرب‪ .‬فالهوية اليوم كونية ث‬ ‫أك� من كونها محددة الجغرافيا‪.‬‬

‫تعب� عن تصور‬ ‫مجرد ي‬ ‫بالنقص‬ ‫بسام أديب ‪ -‬ش‬ ‫نا� مجلة‬ ‫متخصصة ف ي� السيارات‬

‫الشخص الذي يح�ش كلمات ف ي� حديثه إما يريد‬ ‫االستعراض وإيهام الناس بأنه متعلم ومثقف‪ ،‬وإما‬ ‫أنه تأثر بمن حوله وأصبح يستعمل هذه الطريقة بحكم‬ ‫الحالت�‪ ،‬ال يخلو أ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫المر من محاولة‬ ‫و�‬ ‫التعود والمجاراة‪ .‬ي‬ ‫تعويض شعور بالنقص‪ .‬وأعتقد أن مواقع التواصل‬ ‫االجتماعية أسهمت ف ي� انتشار هذه الظاهرة‪ ،‬فأصبحت‬ ‫ال ي ز‬ ‫نجل�ية‪ ،‬مثل‪ :‬شات‬ ‫معظم مصطلحاتها باللغة إ‬ ‫كث�‪ .‬من ناحية ثانية‪ ،‬إنها‬ ‫وغ� ذلك ي‬ ‫وبوست وبروفايل ي‬ ‫اع�از باللغة العربية‪ .‬ولو قارنا أ‬ ‫مسألة عدم ت ز‬ ‫المر بما هو‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫عند شعوب أخرى‪ ،‬كالتراك واللمان مثالً‪ ،‬فإننا نجدهم‬ ‫تز‬ ‫يع�ون بلغتهم وال يدخلون عليها كلمات من لغات أخرى‪.‬‬


‫‪17 | 16‬‬

‫كتب عربية‬

‫تاريخ الكذب‬ ‫تأليف‪ :‬جاك دريدا‬ ‫ترجمة‪ :‬رشيد بازي‬ ‫الناشر‪ :‬المركز الثقافي العربي‬ ‫للنشر ‪ -‬يناير ‪2016‬‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫الكتاب عبارة عن دراسة كرسها الكاتب والفيلسوف الفرنسي الجزائري‬ ‫جاك دريدا لمفهوم الكذب‪ ،‬وهي صياغة مختصرة للدروس التي ألقاها‬ ‫في مدرسة الدراسات العليا للعلوم االجتماعية بباريس‪ ،‬حيث يُلقي‬ ‫الضوء على ضرورة التمييز بين تاريخ الكذب كمفهوم وتاريخه في حد‬ ‫ذاته‪ ،‬وعلى العوامل التاريخية والثقافية التي تسهم في بلورة الممارسات‬ ‫أ‬ ‫والساليب والدوافع التي تتعلَّق بالكذب‪ ،‬والتي تختلف من حضارة إلى‬ ‫أخرى‪ ،‬بل وحتى داخل الحضارة الواحدة نفسها‪.‬‬ ‫ويعتمد المؤلف على مقاربة سيميو ‪ -‬لغوية‪ ،‬إذ يالحظ أن ألفاظاً‬ ‫عدة التبست بالكذب‪ ،‬مثل الخطأ والحماقة والخبث‬ ‫ومفاهيم ّ‬ ‫واليديولوجيا وحتى الشعر‪ ،‬وكلها عناصر تصنع فضا ًء ضبابياً حول‬ ‫إ‬ ‫الكلمة‪ .‬ويسأل الكاتب‪ :‬هل نحن إزاء مدلول ثابت للكذب‪ ،‬وبالتالي هل‬ ‫نحن قادرون على كتابة تاريخه؟ هنا ضرورة التمييز بين تاريخ الكذب‬ ‫كمفهوم وتاريخ الكذب كظاهرة‪.‬‬ ‫والساطير كانت هي أ‬ ‫فالكاذيب ليست سوى محاكاة للحقيقة‪ ،‬أ‬ ‫أ‬ ‫الخرى‬ ‫النسان كلما كانت لديه تم ّثالت‬ ‫محاكاة‪ ،‬أي إن هذه العملية يستدعيها إ‬ ‫ذهنية ونفسية ال تُصاغ منطقياً‪.‬‬ ‫أي منا‪ ،‬يتغلغل في كل‬ ‫فالكذب‪ ،‬كما يالحظ‪ ،‬ليس دريدا وحده‪ ،‬بل ٌّ‬ ‫مظاهر الحياة البشرية‪ ،‬من أ‬ ‫السرة إلى‬ ‫العالمية‪،‬‬ ‫المؤسسة السياسية أو إ‬ ‫ّ‬ ‫النسان‪،‬‬ ‫طورها إ‬ ‫ال شيء ينأى بنفسه عنه‪ .‬بل إن أكبر السرديات التي ّ‬ ‫كالعلم والتاريخ‪ ،‬مست َف ّزة دائماً بتهمة الكذب‪ .‬وبالتالي ثمة سؤال قد يُثار‬ ‫هنا‪ :‬لماذا كتب دريدا هذا العمل؟ لعل سبب كتابة «تاريخ الكذب» لم‬ ‫يكن سوى كذب التاريخ‪.‬‬

‫أغاني نساء مراكش‬ ‫تأليف‪ :‬جميلة العاصي‬ ‫الناشر‪ :‬مؤسسة آفاق للدراسات والنشر‬ ‫واالتصال (مارس ‪)2016‬‬

‫تواصل الكاتبة جميلة العاصمي اهتمامها بالتراث الغنائي الشفوي النسائي‬ ‫المراكشي‪ ،‬جمعاً وتوثيقاً وتعريفاً‪ .‬وهذا الكتاب هو الجزء الثاني من سلسلة‬ ‫التراث الشفوي لنساء مراكش‪ ،‬ويحمل عنوان «أغاني نساء مراكش‪ :‬الحضرة‬ ‫المداح ‪ -‬النشاد ‪ -‬أ‬ ‫ تاكناويت ‪ -‬أ‬‫الناشيد»‪ ،‬وذلك بعد إصدارها سنة ‪2012‬م‬ ‫إ‬ ‫الجزء أ‬ ‫الول من هذه السلسة‪.‬‬ ‫مختلف أ‬ ‫النواع الغنائية الواردة فيه هي ذات منزع ديني‪ ،‬على عكس الجزء‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الول الذي تضمن أنواعاً غنائية وأهازيج ارتبطت بالعراس واالحتفاالت التي‬ ‫تنظمها أ‬ ‫السر المغربية بمختلف المناسبات‪ ،‬والتي تعكس غنى التراث الشفوي‬ ‫النسائي المغربي‪.‬‬ ‫وبالضافة إلى المجهود البحثي الذي يتضمنه هذا المصنف‪ ،‬الذي يقدم‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫معلومات مهمة عن محترفات هذه النواع الغنائية أفرادا أو مجموعات‬ ‫والتعريف بهن‪ ،‬فإن هذا العمل يحتوي على أرشيف غنائي شفوي متنوع‪،‬‬ ‫ويوثق ألربعة أنواع غنائية‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫الول‪ :‬ويشتمل على المدائح أ‬ ‫النوع أ‬ ‫والذكار‪.‬‬ ‫النوع الثاني‪ :‬وهو تحضارات النسائية‪ ،‬وتقام جلساتها بمناسبة ذكرى الوفاة‪،‬‬ ‫أو بمناسبات العقيقة أ‬ ‫والعراس أو مناسبات النقش بالحناء‪.‬‬ ‫النوع الثالث‪ :‬وهو تاكناويت النسائية‪ ،‬وهي التي تقام لها ليالي دردبة خالل‬ ‫المواسم‪.‬‬ ‫النشاد الذي ظهر حديثاً‪،‬‬ ‫النوع الرابع‪ :‬وهو إ‬ ‫النشاد الديني‪ ،‬وفيه نوعان‪ :‬إ‬ ‫الغاني العصرية المغربية والمشرقية‪ ،‬ثم أ‬ ‫وهو يستلهم ويقلد إيقاع أ‬ ‫الناشيد‬ ‫وهي مرتبطة بالمحفوظات أ‬ ‫والغاني التي كان يحفظها ويرددها التالميذ في‬ ‫المدارس والمخيمات‪.‬‬

‫القصر األحمر‬ ‫تأليف‪ :‬عبدهللا اليامي‬ ‫الناشر‪ :‬دار جداول للنشر ‪ -‬فبراير ‪2016‬‬

‫يسلِّط هذا الكتاب الضوء على تاريخ الرياض الحديث‪ ،‬إذ‬ ‫عد الملك عبدالعزيز ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬هو أول من بدأ عملية‬ ‫يُ ُّ‬ ‫تطوير المدينة عندما أمر ببناء قصور المربع خارج السور‬ ‫القديم للمدينة‪ .‬وقصة بناء القصر أ‬ ‫الحمر تحكي ُحب‬ ‫أ‬ ‫الب البنه‪ ،‬وتفاني االبن في ُحب والده‪ ،‬حيث أمر الملك‬ ‫عبدالعزيز آل سعود ببنائه في عام ‪1362‬هـ‪ ،‬الموافق‬ ‫‪1942‬م‪ ،‬ليكون قصراً البنه وولي عهده أ‬ ‫المير (الملك)‬ ‫سعود بن عبدالعزيز‪ .‬وتاريخ هذا القصر جزء من تاريخ‬

‫الرياض الحديثة‪ ،‬وهو تحفة معمارية من حيث مساحته‬ ‫سير أمور الدولة‪،‬‬ ‫وتصاميمه الفريدة‬ ‫والمتميزة‪ ،‬وفيه كانت تُ َّ‬ ‫ّ‬ ‫كما يستقبل فيه الملوك ورؤساء الدول والحكومات‪ ،‬مثل‬ ‫جمال عبدالناصر وشكري القوتلي وأنور السادات وجواهر‬ ‫الل نهرو والملك طالل بن عبدهللا وغيرهم‪.‬‬ ‫وكان القصر شاهداً على قرارات مهمة مثل قطع العالقات‬ ‫مع كل من فرنسا وبريطانيا عام ‪1956‬م‪ ،‬ووقف تصدير‬ ‫النفط وغيرها من المواقف التي كان لها تأثير بمجريات‬ ‫أ‬ ‫الحداث حينها‪ .‬كما كان القصر مجلساً للوزراء في عهد‬ ‫الملك فيصل والملك خالد وسنوات من عهد الملك فهد‬ ‫‪ -‬يرحمهم هللا ‪.-‬‬


‫متنوعة للكاتب درج على نشرها في‬ ‫هذا الكتاب هو عبارة عن مقاالت ِّ‬ ‫نواح شتى‪.‬‬ ‫من‬ ‫بداع‬ ‫ال‬ ‫لظاهرة‬ ‫ض‬ ‫يتعر‬ ‫إ‬ ‫بعض الصحف والمواقع وفيها َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫البداع نفسه والمبدعين‪ ،‬ويستعرض كتبا قرأها وأفادته في‬ ‫يكتب عن إ‬ ‫ً‬ ‫كما‬ ‫بشيء‪،‬‬ ‫تمده‬ ‫لم‬ ‫ا‬ ‫وكتب‬ ‫الخاصة‪،‬‬ ‫تجربته‬ ‫يتعرض لظواهر الكتابة‬ ‫َّ‬ ‫وللكتب التي تنتشر بسرعة ومبررات انتشارها من وجهة نظره‪.‬‬ ‫يحتوي الكتاب على حوالي أربعين مقاالً‪ ،‬منها مقاالت عن ساحر الكتابة‬ ‫بورخيس بحسب شهادة الكاتب أ‬ ‫الرجنتيني ألبرتو مانغويل الذي كان‬ ‫يقرأ لبورخيس بعد إصابته بالعمى‪ ،‬بورخيس الكبير‪ ،‬كما وصفه‪ ،‬لكن‬ ‫المتواضع الذي يستفيد حتى من آراء المبتدئين في الكتابة‪ .‬كما تعرض‬ ‫تاج السر في كتابه للقارئ باعتباره الهدف أ‬ ‫الساسي الذي تسعى الكتابة‬ ‫السترضائه‪ ،‬ويتحدث عن مواقع القراءة التي أضحت مشنقة للكتب التي‬ ‫ربما يكتب عنها من لم يقرأها أصالً‪ ،‬وسمع عنها فقط وسماها الكاتب‬ ‫بالضافة إلى تناول الكاتب لمواضيع وقضايا الكتابة‬ ‫النترنت‪ .‬إ‬ ‫بحماقات إ‬ ‫الخاصة بمعظم ك ّتاب العالم الثالث‪ ،‬مثل قضية التهميش والفقر‬ ‫واللجوء‪ ،‬والهجرات غير المشروعة‪ ،‬وتحطم أ‬ ‫الحالم‪ ،‬وكذلك عن كثير‬ ‫والبداع عموماً‪.‬‬ ‫من القضايا إ‬ ‫النسانية‪ ،‬وارتباطها بالثقافة إ‬

‫في هذا الكتاب يحاول الباحث والشاعر المغربي التعريف‬ ‫بالمتحف باعتباره مؤسسة ثقافية عريقة تنهض بواجب حماية‬ ‫النسانية‪ .‬وهو دعوة للوقوف عند‬ ‫جزء كبير من الحضارة إ‬ ‫جذور المتحف واكتشاف مظاهره ووظائفه ومهامه وأدواره‬ ‫المتعددة‪.‬‬ ‫يقول المؤلف في غالف الكتاب أ‬ ‫الخير‪« :‬الكتاب بداية تأمل من‬ ‫داخل الثقافة العربية‪ ،‬في القضايا التي تندرج ضمن المعرفة‬ ‫المتحفية‪ ،‬مثل‪ :‬هندسة المتاحف‪ ،‬والوظائف المجتمعية‬ ‫والتربوية‪ ،‬وسؤال العالقة بين الفلسفة والمتحفية»‪.‬‬ ‫ويشير إلى العناصر التي دفعته الختيار موضوع المتحف‬ ‫والمتحفية والمكتسبات أ‬ ‫النثروبولوجية والميدانية والتكوينية‬ ‫والتاريخية‪ .‬وكل هذه العناصر ساعدته في البحث للإجابة عن‬ ‫الشكالية المحورية التي دفعته إلى الغوص في دهاليز علم‬ ‫إ‬ ‫المتاحف المتمثلة في السؤال التالي‪ :‬هل من الممكن الحديث‬ ‫عن متحف دون وجود مؤسسة متحفية؟‬

‫مجاز العلم‪ :‬دراسات في أدب الخيال‬ ‫العلمي‬ ‫تأليف‪ :‬د‪ .‬سمر الديوب‬ ‫الناشر‪ :‬الهيئة العامة السورية للكتاب (مارس ‪)2016‬‬

‫تحاول الكاتبة أن تقرأ أدب الخيال العلمي برؤية مختلفة‪،‬‬ ‫انطالقاً من جملة فرضيات‪ ،‬منها‪ :‬أن بالغة العلم تقابل‬ ‫بالغة أ‬ ‫الدب‪ ،‬وأن الخيال هو الذي يصنع العلم‪ ،‬والمجاز‬ ‫أ‬ ‫طريقة تفكير‪ ،‬فالعا ِلم والديب يفكران بالمجاز لكن‬ ‫أ‬ ‫الديب يجدد آفاق البحث العلمي ويوسعها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وقد تقاربت المسافة بين العلمي والدبي في عصرنا‬ ‫الحالي‪ ،‬وتغير مفهوم العلم‪ ،‬وأصبح لزاماً علينا إعادة‬ ‫تأسيس مفهوم الشعرية انطالقاً من روح العصر‪ ،‬فكان‬ ‫اختيار عنوان مجاز العلم توسيعاً لهذا المفهوم‪ ،‬وتأكيداً‬ ‫للغاء فكرة الحد العلمي الصارم‪ ،‬والحد أ‬ ‫الدبي‪ ،‬ودمجاً‬ ‫إ‬ ‫للحقول العلمية بالحقول الفنية؛ وإزالة للفجوة المعرفية‬ ‫والجمالية بين العلم أ‬ ‫والدب؛ ألن كليهما يمثل تصوراً‬

‫تخييلياً منزاحاً عن العالقات المعهودة سابقاً‪.‬‬ ‫فالدب والعلم رياضيات‪ ،‬أ‬ ‫أ‬ ‫الول رياضيات وجدانية‪،‬‬ ‫والثاني رياضيات تجريبية‪ ،‬مما يعني أن الميدان الذي‬ ‫يعمل فيه العلماء أ‬ ‫والدباء ظاهره العلم‪ ،‬وباطنه الخيال؛‬ ‫لذا نحن في حاجة إلى تأسيس مجاز علم‪ ،‬ونظرة جديدة‬ ‫إلى الخيال‪ ،‬تستوعب الوعيين أ‬ ‫الدبي والعلمي على حد‬ ‫سواء‪.‬‬ ‫واختيار مجاز العلم لمقاربة أدب الخيال العلمي ينجم‬ ‫عن فرضية حاول البحث إثباتها‪ ،‬تقوم على أن تمازج‬ ‫الخطاب العلمي بالخطاب أ‬ ‫الدبي في أدب الخيال العلمي‬ ‫أ ّدى إلى تكامل المتضادين‪ ،‬فاتسمت الرواية العلمية‬ ‫بالمجاز‪ ،‬فالعلم قائم في أساسه على المجاز‪.‬‬

‫كتب عربية‬

‫تحت ظل الكتابة‬ ‫تأليف‪ :‬أمير تاج السر‬ ‫الناشر‪ :‬المؤسسة العربية‬ ‫للدراسات والنشر ‪ -‬يناير‬ ‫‪2016‬‬

‫المتحف والمتحفية‪:‬‬ ‫بدايات وامتدادات‬ ‫ثقافية‬ ‫تأليف‪ :‬رضوان خديد‬ ‫الناشر‪ :‬دار إفريقيا الشرق ‪-‬‬ ‫أكتوبر ‪2015‬‬


‫‪19 | 18‬‬

‫كتب من العالم‬

‫االنتهازي‬ ‫‪Der Opportunist By Jonas Helbig‬‬ ‫تأليف‪ :‬جوناس هيلبيغ‬ ‫الناشر‪Wilhelm Fink Verlag :‬‬ ‫سبتمبر ‪2015‬‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫ٌ‬ ‫عيش أفضل مع النقد‪ :‬كيف تفكر في‬ ‫الفن والمتعة والجمال والحقيقة‬ ‫‪Better Living Through Criticism: How to Think About‬‬ ‫‪Art, Pleasure, Beauty and Truth by A. O. Scott‬‬ ‫تأليف‪ :‬أ‪ .‬و‪ .‬سكوت‬ ‫الناشر‪ - Penguin Press :‬فبراير ‪2016‬‬

‫«االنتهازي» هو عنوان كتاب الباحث أ‬ ‫اللماني في مجال‬ ‫علم االجتماع «جوناس هيلبيغ»‪ ،‬وهو عبارة عن عمل‬ ‫مطّور انطالقاً من نص أطروحته التي دافع عنها بعد‬ ‫سنوات عديدة من البحث والتنقيب حول تاريخ مفهوم‬ ‫«االنتهازية» منذ العصور القديمة حتى المجتمعات‬ ‫الحديثة‪.‬‬ ‫يشير الكاتب إلى أنه منذ البداية عرف توصيف «االنتهازي»‬ ‫تحوالت كبيرة حسب الحقب التاريخية المتتالية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عدة ّ‬ ‫فقد استخدمها اليونانيون بمعنى «الجرعة المناسبة» في‬ ‫مختلف الميادين بما في ذلك «الحبكة المناسبة في عملية‬ ‫تغيرت دالالتها لدى الالتينيين وغيرهم‬ ‫النسج»‪ ،‬ومن ثم ّ‬ ‫أ‬ ‫من الحضارات التي عرفتها أوروبا وصوال ً إلى حديث اللمان‬

‫سموه «السياسة الواقعية» في‬ ‫عما ّ‬ ‫في القرن العشرين ّ‬ ‫التعامل «المالئم» مع المعسكر الشرقي السابق بكثير من‬ ‫المرونة مقابل «التشدد»‪ ...‬وبهدف «النجاح» و«تحقيق‬ ‫المرجوة‪.‬‬ ‫النتائج»‬ ‫ّ‬ ‫لكن مضمون «االنتهازية» تغير جذرياً في العصر الحديث‬ ‫اعتباراً من نهايات القرن التاسع عشر‪ ،‬حيث ارتبطت «ثقافة‬ ‫الحداثة» الغربية القائمة على إمكانية «فعل كل شيء‬ ‫دون ضرورة القناعة بذلك»‪ .‬ومن ّثم يصل المؤلف إلى‬ ‫القول إن واقع «التعقيد» الذي يعرفه العالم اليوم‪ ،‬وما‬ ‫ينجم عن ذلك من ضغوط‪ ،‬يجعل من الصعب التفريق‬ ‫بين «االنتهازية» وبين تب ّني «سياسة فيها جرعة من الحس‬ ‫العملي ‪ -‬البراغماتي»‪.‬‬

‫ال يوجد سوى قلة قليلة من الناس يمكنها تفسير مهنة‬ ‫النقد‪ .‬ولكن أ‪ .‬و‪ .‬سكوت يُظهر في كتابه «عيش أفضل‬ ‫مع النقد» أننا في الواقع كلّنا نقّاد‪ ،‬وذلك أل ّن التفكير‬ ‫البداع الفني‬ ‫النقدي يتحكّم في كل جانب من جوانب إ‬ ‫الشخصية‪ .‬فمن خالل‬ ‫والعمل المدني وحتى في الحياة‬ ‫ّ‬ ‫البصيرة النافذة وروح الفكاهة يُظهر سكوت أنّه على‬ ‫الرغم من أن بعض النقاد‪ ،‬بمن فيهم هو شخصياً‪،‬‬ ‫يمكنهم أن يخطئوا أو يضيئوا على عيوب في غير محلها‪،‬‬ ‫إال أن النقد هو واحد من أنبل النشاطات وأكثرها إبداعاً‬ ‫في الحياة المعاصرة‪.‬‬ ‫وباالستناد إلى تقليد طويل من النقد‪ ،‬من أرسطو إلى‬

‫المريكية وصانعة أ‬ ‫الكاتبة أ‬ ‫الفالم سوزان سونتاغ‪ ،‬يُظهر‬ ‫سكوت أن النقد الحقيقي كان وال يزال نسمة من الهواء‬ ‫المنعش تسمح للإ بداع الفعلي أن يزدهر‪ .‬ويوضح أن‬ ‫آ أ‬ ‫حتمية التفكير بوضوح‬ ‫«وقت النقد هو دائماً الن‪ ،‬ل ّن ّ‬ ‫والصرار على التوازن الضروري بين العقل والعاطفة‬ ‫إ‬ ‫سيبقى دائماً»‪.‬‬

‫ماذا يقول الكبار في عالمهم وهم في اللحظات أ‬ ‫الخيرة من‬ ‫الجابة عن مثل هذا السؤال هي موضوع كتاب‬ ‫حياتهم؟ إ‬ ‫أ‬ ‫فيليب ناصيف‪ ،‬الذي يحمل عنوان «الكلمات الخيرة‪ :‬ما قاله‬ ‫الكبار قبل رحيلهم»‪.‬‬ ‫يضم هذا العمل أقوال سبعين من «الشخصيات الشهيرة»‬ ‫في التاريخ‪ ،‬من الفيلسوف اليوناني الشهير «سقراط» وحتى‬ ‫الروائي الفرنسي «مارسيل بروست»‪ ،‬صاحب الرائعة أ‬ ‫الدبية‬ ‫الكلمات األخيرة‪ :‬ما قاله الكبار قبل رحيلهم‬ ‫‪ Ultimes: Ce Que Les Plus Grands Ont Dit‬التي تحمل عنوان «البحث عن الزمن الضائع»‪.‬‬ ‫ومن تلك الكلمات أ‬ ‫الخيرة نقرأ قول لويس الرابع عشر لمن‬ ‫‪Juste avant de Mourir‬‬ ‫تأليف‪ :‬فيليب ناصيف‬ ‫حوله «لماذا تبكون؟ هل تعتقدون أنني من الخالدين؟»‬ ‫‪2015‬‬ ‫نوفمبر‬ ‫الناشر‪- Allary :‬‬ ‫وقول الشاعر راسين لمن كانوا حوله «أنا سعيد لرحيلي‬

‫الخصوصية‪ ،‬األمن والمساءلة‪:‬‬ ‫األخالق‪ ،‬القانون والسياسة‬ ‫‪Privacy, Security and Accountability: Ethics,‬‬ ‫‪Law and Policy Edited by A.D.Moore‬‬ ‫تحرير‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬مور‬ ‫الناشر‪Rowman and Littlefield :‬‬ ‫‪ - International‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫ما هو التوازن المناسب بين الخصوصية أ‬ ‫والمن‬ ‫والمساءلة؟ ماذا ندين لبعضنا بعضاً من حيث تبادل‬ ‫المعلومات والوصول إليها؟ لماذا هناك أهمية‬ ‫للخصوصية؟ وهل للخصوصية قيمة أكثر أو أقل من‬ ‫الخرى مثل أ‬ ‫القيم أ‬ ‫المن وحرية التعبير؟ هل إن إدوارد‬ ‫سنودن بطل أم شرير؟‬ ‫ضمن المجتمعات الديمقراطية يُنظر إلى الخصوصية‬ ‫أ‬ ‫والمن والمساءلة كقيم كبيرة يجب أن تكون متوازنة‬ ‫بشكل مناسب‪ .‬فإذا كان هناك كثير من الخصوصية‪،‬‬ ‫قد يكون هناك القليل من المساءلة ‪ -‬وأكثر ما يزعج‬ ‫أن يكون هناك القليل من أ‬ ‫المن‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬حيث‬ ‫يوجد القليل من الخصوصية أيضاً‪ ،‬قد ال تكون أ‬ ‫للفراد‬

‫قبلكم»‪ .‬و«كم هو مثير للقلق» الذي جاء على لسان‬ ‫ونستون تشرشل‪ ،‬في حين اكتفى الشاعر فكتور هوغو‬ ‫بالقول في كلمته أ‬ ‫الخيرة «إنه الفراق»‪.‬‬

‫مساحة للنمو واالختبار‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬قد يُشكّل‬ ‫السماح بوجود سيطرة محدودة على الوصول إلى‬ ‫المعلومات الخاصة تهديداً أ‬ ‫للمن‪.‬‬ ‫السس أ‬ ‫من خالل توضيح أ‬ ‫الخالقية والقانونية‬ ‫أ‬ ‫واالجتماعية المتعلقة بالخصوصية والمن والمساءلة‬ ‫يساعد هذا الكتاب‪ ،‬الذي يحتوي على اثنتي عشرة مقالة‬ ‫متخصصة‪ ،‬على تحديد التوازن المناسب بين هذه القيم‬ ‫المتنازع عليها‪.‬‬ ‫ُ‬


‫بين كتابين‬

‫ما هو دور الجامعة؟‬

‫(‪ )1‬ورشة عمل الحكمة‪ :‬نشوء الجامعة الحديثة‪ .‬تأليف‪ :‬جيمس أكستل‬ ‫‪Wisdom’s Workshop: The Rise of the Modern University By‬‬ ‫‪James Axtell‬‬ ‫الناشر‪ - Princeton University Press :‬مارس (‪)2016‬‬ ‫(‪ )2‬نحو جامعة أكمل‪ .‬تأليف‪ :‬جوناثان ر‪ .‬كول‬ ‫‪Toward a More Perfect University By Jonathan R. Cole‬‬ ‫الناشر‪ - Public Affairs :‬يناير (‪)2016‬‬ ‫الخيرة موجة من آ‬ ‫ظهرت في السنوات أ‬ ‫الراء تشكِّك في مستقبل الكليات‬ ‫والجامعات من حيث قيمة النتائج التعليمية‪ ،‬وأحقية مكانتها االجتماعية‬ ‫تقدمها كمؤسسات تجارية ناجحة‪.‬‬ ‫واستدامة النماذج التي ِّ‬ ‫فقد صدر حديثاً كتابان بعنواني «ورشة عمل الحكمة‪ :‬نشوء الجامعة‬ ‫النسانية في كلية وليام وماري‪،‬‬ ‫الحديثة» لجيمس أكستل‪ ،‬أستاذ العلوم إ‬ ‫والمؤرخ الرسمي لجامعة برينستون‪ ،‬و«نحو جامعة أكمل» لجوناثان ر‪ .‬كول‪،‬‬ ‫الداري في جامعة كولومبيا في نيويورك‪ ،‬يشيران إلى وجهة‬ ‫المسؤول إ‬ ‫نظر مختلفة في ما يتعلق بمكانة التعليم العالي اليوم ودوره االجتماعي‪.‬‬ ‫ويعتقد المؤلفان أن هناك إمكانية كبيرة لتحسين التعليم العالي في الواليات‬

‫المتحدة أ‬ ‫المريكية وغيرها من الدول‪ ،‬لكنهما واثقان من أن هذا التحسين لن‬ ‫يحدث إال من خالل تطور قدرة الجامعات على إنتاج معارف جديدة ونشرها‪.‬‬ ‫في كتابه «ورشة عمل الحكمة» ينظر أكستل إلى الموضوع من أ‬ ‫الفق البعيد‬ ‫ليبين لنا أصول الجامعة في القرون الوسطى‪ .‬ويشير إلى أنه في القرن الثاني‬ ‫ِّ‬ ‫عشر الميالدي قام العلماء العرب في إسبانيا بإعادة النظر في االفتراضات‬ ‫التفسيرية‪ ،‬مما أدى إلى تخصصات جديدة‪ ،‬وإلى نشوء مؤسسات يمكن‬ ‫اعتبارها النماذج التي م َّهدت للكليات والجامعات التي نعرفها اليوم‪ .‬ومع‬ ‫الوقت‪ ،‬أعادت الجامعات التي ولدت في العصور الوسطى تعريف التميز‬ ‫معينة من المعرفة‪.‬‬ ‫الفكري وأضفت الشرعية على أشكال َّ‬ ‫ومن ثم يصف الكتاب كيف أصبحت جامعتا أكسفورد وكامبريدج النموذجين‬ ‫البريطانيين اللذين ألهما المدارس المتقدمة في الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وبحلول منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬كانت الواليات المتحدة قد أصبحت‬ ‫«أرض الكليات»‪ .‬ويرفض أكستل التصوير الكاريكاتوري الذي ساد في تلك‬ ‫الفترة أ‬ ‫للكاديميين وهم يضعون رؤوسهم في الغيوم‪ ،‬ويصر أن أساتذة‬ ‫تلك الجامعات كانوا يدركون جيداً التغييرات التي كانت تحدث في العالم‬ ‫من حولهم ويحرصون على معالجتها بطريقة مسؤولة من خالل التدريس‬ ‫أ‬ ‫والبحاث‪.‬‬ ‫أما في كتابه «نحو جامعة أكمل»‪ ،‬فيقول جوناثان كول إنه يجب علينا‬ ‫استعادة الثقة بين الحكومة والجمهور والتعليم العالي‪ .‬إذ إنه بعد أن درس‬ ‫القوانين التي تفرضها الحكومة أ‬ ‫المريكية على الجامعات‪ ،‬رأى أن معظمها‬ ‫يعكس انعدام الثقة بين الجمهور وأولئك الذين يقدرون أ‬ ‫البحاث الحرة‬ ‫في قلب المؤسسة أ‬ ‫الكاديمية‪ .‬كما تخلت جامعات كثيرة عن تقليد التعليم‬ ‫الليبرالي العملي‪ ،‬وفشلت في تحقيق مهمتها أ‬ ‫الكاديمية المتمثلة بالمصلحة‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬كما يكتب كول «تحتاج الحكومة االتحادية إلى خطة جريئة‬ ‫وطموحة»‪ ،‬ويقترح تنسيق الجهود أ‬ ‫الكاديمية بين الجامعات المرموقة للحد‬ ‫من تكرار أ‬ ‫البحاث نفسها وتسهيل وصول أفضل الطالب إلى أهم الباحثين‬ ‫في أبرز الجامعات‪.‬‬ ‫ويأمل كول من الجامعات الكبرى الحد من عدد برامج الدراسات العليا في‬ ‫المجاالت التي ال يتوفر لها سوى عدد قليل من الوظائف‪ ،‬وتحسين المناهج‬ ‫والتدريس في المدارس المهنية‪ .‬وتماشياً مع أ‬ ‫البحاث التي قام بها العالم‬ ‫االقتصادي في جامعة كولومبيا جوزيف ستيغليتز‪ ،‬يؤكد كول أن أكبر تهديد‬ ‫للجامعات اليوم‪ ،‬هو انعدام المساواة المتفشي في مجتمعاتنا‪ .‬ودون دعم‬ ‫من الطبقة الوسطى‪ ،‬لن يتم بناء الثقة مع الجمهور‪.‬‬

‫كتب من العالم‬

‫َّ‬ ‫نتعلم أن‬ ‫القضمة األولى‪ :‬كيف‬ ‫نأكل‬ ‫‪First Bite: How We Learn to Eat by Bee‬‬ ‫‪Wilson‬‬ ‫تأليف‪ :‬بي ولسون‬ ‫الناشر‪ - Basic Books :‬ديسمبر ‪2015‬‬

‫يتعين علينا ككائنات آكلة اللحوم اكتساب مهارة تناول‬ ‫َّ‬ ‫الطعام بأنفسنا‪ .‬من الطفولة فصاعداً‪ ،‬نتعلَّم مدى كبر‬ ‫مر‪ ،‬وكيف نتذوق‬ ‫الوجبة وحجمها وما هو حلو وما هو ّ‬ ‫الخضار وغيرها الكثير من مهارات تناول الطعام‪ .‬ولكن كيف‬ ‫يمكن اكتساب هذه المهارات؟ وما هي أصول الذوق؟‬ ‫في كتابها «القضمة أ‬ ‫الولى»‪ ،‬ترتكز الكاتبة بي ويلسون على‬ ‫أحدث البحوث التي قام بها المختصون بعلم نفس التغذية‬ ‫وأطباء أ‬ ‫العصاب‪ ،‬لتكشف أن عاداتنا الغذائية تتشكل من‬ ‫أ‬ ‫خالل مجموعة كاملة من العوامل‪ :‬السرة والثقافة والذاكرة‬ ‫والجوع والحب‪ .‬يأخذنا هذا الكتاب في رحلة إلى جميع‬ ‫أنحاء العالم‪ ،‬تعرفنا فيها ويلسون على أ‬ ‫الشخاص الذين‬ ‫معين فقط‪ ،‬وعلى‬ ‫ال يمكنهم سوى تناول أطعمة من ألون َّ‬ ‫العمق إلى فطيرة تفاح‬ ‫أسرى الحرب الذين يكمن توقهم‬

‫من صنع والدتهم‪ ،‬وعلى أشخاص يعانون من انعدام‬ ‫رائحة الشم‪ ،‬وعلى أ‬ ‫الطفال الصغار الذين ال يتناولون‬ ‫سوى المقانق المقلية وساندويتشات الجبن المشوي‪ ،‬وعلى‬ ‫مختلف الباحثين أ‬ ‫والطباء الذين كان لهم السبق في وضع‬ ‫نظريات جديدة وطرق فاعلة لقناع أ‬ ‫الطفال بتذوق الخضار‬ ‫إ‬ ‫الجديدة‪ .‬تحاول ولسون استكشاف جذور النظام الغذائي‬ ‫الصحي لدى اليابانيين‪ ،‬وتسعى إلى تسليط الضوء على‬ ‫أسباب انتشار البدانة في عديد من البلدان في العالم‪.‬‬ ‫وتؤكد ولسون أن الطريقة التي نتعلَّم بها تناول الطعام‬ ‫هي المفتاح الذي يمكننا من خالله أن نفسر أسباب العادات‬ ‫الغذائية الخاطئة لدى عديد من أ‬ ‫الشخاص ولكنها تُعطي‬ ‫االنطباع بأن أ‬ ‫الذواق الغذائية ليست ثابتة‪ ،‬وإنما يمكن‬ ‫تغييرها لنعيش حياة أسلم وأسعد‪.‬‬


‫‪21 | 20‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫قول في مقال‬

‫الثقافة‬ ‫ليست مجرد‬ ‫عنوان‬ ‫د‪ .‬زيد بن علي الفضيل‬

‫ن‬ ‫من ث‬ ‫يشغل� وبات يؤرق ُسهادي‪،‬‬ ‫أك� ما‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ما أصبحنا نعيشه من تسارع ي� والدة‬ ‫ين‬ ‫والمثقف� ف ي� محيطنا المجتمعي بشكل‬ ‫�ش يحة الك َّتاب‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫غريب ومهول‪ ،‬ح� يإ� رصت أستشعر بأننا قريباً‬ ‫س�فع لوحة ت‬ ‫ن‬ ‫إلك�ونية تُرصد فيها والدة عدد الك َّتاب‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫والمثقف� ي� الدقيقة الواحدة‪ ،‬ولعمري فإن‬ ‫والروائي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ذلك سيكون من المضحكات المبكيات‪ ،‬كما يقال‪.‬‬

‫ف‬ ‫الير ن يا�‬ ‫ي� هذا الصدد المس فكري منهج المفكر إ‬ ‫عبدالكريم رسوش‪ ،‬الذي أشار ف ي� عدد من أبحاثه‬ ‫التفك� ف ي� مسارات العبور من أجل‬ ‫إىل أهمية‬ ‫ي‬ ‫تحقيق النهضة ت‬ ‫ال� نصبو إليها‪ُ ،‬مبيناً أننا كمشهد‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫عر� أخذنا ف ي� الحديث عن عالم‬ ‫ثقا� م�ش ي� ب ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫نع�‬ ‫الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬ي� الوقت الذي لم ب‬ ‫فيه بعد‪.‬‬

‫رصد الكاتب حسن المصطفى ف ي� مقاله الجميل حول‬ ‫الدول بالرياض قائالً‪« :‬لقد أصبح‬ ‫معرض الكتاب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الحال‬ ‫بكث� ي� وقتنا‬ ‫تأليف كتاب أو رواية أسهل ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ص�‪،‬‬ ‫من قراءة كتاب‪ ،‬لن القراءة فعل يحتاج إىل ب‬ ‫وتفك�‪ ،‬وترويض للنفس عىل التعلم‪ ،‬وكبح لجماح‬ ‫ي‬ ‫الغرور واالدعاء‪ .‬فيما الكتابة تُ ض‬ ‫ر� غرورنا‪ ،‬تصنع لنا‬ ‫ي‬ ‫صورة براقة‪ ،‬تجعل أسماءنا إىل جوار ي ن‬ ‫مؤلف� وك َّتاب‬ ‫كبار‪ ،‬فما الفرق بيننا ي ن‬ ‫وب� مارتن هايدغر ومحمد‬ ‫أركون ي ن‬ ‫وأم� معلوف‪.»..‬‬

‫حقاً‪ ،‬كم هي جديرة فكرته بالتأمل والنقاش‪ .‬فنحن‬ ‫ال نزال نراوح مكاننا عىل الرغم من مختلف الكتابات‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والفكار ت‬ ‫المعر�‪.‬‬ ‫ال� طرحتها النخبة ف ي� محيطنا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫�ء حقيقي ف ي�‬ ‫غ�‬ ‫ولم تُ ي‬ ‫تلك الكتب المتدفقة أي ي‬ ‫ف‬ ‫المعر�‪ ،‬بل إن أحدنا ليتفاجأ بنمطية منهج‬ ‫مسارنا‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫المحسوب� عىل المشهد بأنهم‬ ‫المثقف�‬ ‫عديد من‬ ‫من الكبار‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� يتم التعاطي الفكري مع قضية ال‬ ‫تتالمس مع توجهاتهم وآرائهم‪ ،‬وهو ما يزيد من‬ ‫ف‬ ‫نتغ� ولن‬ ‫الشكال‬ ‫عمق إ‬ ‫المعر�‪ ،‬ويؤكد أننا لم ي َّ‬ ‫ي‬ ‫نع�‪.‬‬ ‫نتغ� ما دمنا لم ب‬ ‫ي َّ‬

‫ف‬ ‫الثقا� المعارص‪،‬‬ ‫متجردة لواقع مشهدنا‬ ‫ي‬ ‫إنها صورة ِّ‬ ‫الذي بات الزيف فيه غالباً‪ ،‬وأصبح الوهم ث‬ ‫أك�‬ ‫وضوحاً وحضوراً من الحقيقة‪ .‬ألسنا مجتمعاً‬ ‫يتباهى فيه أفراده المزيفون بشهاداتهم الوهمية!‬ ‫أال يتماهى كث� منا مع تلك أ‬ ‫اللقاب تأييداً أو‬ ‫ي‬ ‫مجاملة! بل بلغ بنا الحال أن أخذ أولئك الوهميون‬ ‫ف‬ ‫الثقا� من واقع ترؤسهم لعديد‬ ‫يتصدرون المشهد‬ ‫أي‬ ‫من مؤسساته الرسمية والهلية‪ ،‬فكيف نرجو أن‬ ‫ف‬ ‫الثقا� جيداً ومتطوراً عىل أقل تقدير‬ ‫يكون مشهدنا‬ ‫ي‬ ‫والحال كذلك!‬

‫إنها مسألة شائكة حقاً‪ .‬ولست هنا كفرد ف ي� مجال‬ ‫ن‬ ‫لكن�‬ ‫ي‬ ‫التنظ� لحلها‪ ،‬فذلك أمر له بابه وميدانه‪ ،‬ي‬ ‫أش� ف ي� هذه العجالة إىل بعض زوايا المشهد‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫تعزز ترسخ معرفة كهذه ي� أذهاننا‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ي‬ ‫الثقا� ي‬ ‫وطبيعة تكوين معارفنا‪ .‬وأؤمن أن أحد موجبات‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫والمعر� المست�ش ي‬ ‫الثقا�‬ ‫ذلك هو حالة الوهم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف� داخلنا‪ ،‬ذلك الذي بات واضحاً ف� تلك أ‬ ‫الوراق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المطبوعة‪ ،‬المنشورة بوصفها كتباً معرفية‪،‬‬ ‫ف‬ ‫تستو�‬ ‫وروايات أدبية‪ ،‬وإبداعاً شعرياً‪ ،‬دون أن‬ ‫ي‬

‫ف‬ ‫ف‬ ‫المعر�‬ ‫الطار‬ ‫أبسط القواعد المنهجية ي� إ‬ ‫ي‬ ‫البداعية ف ي� إطار السياق‬ ‫الفكري‪ ،‬واللوازم إ‬ ‫أ‬ ‫د�‪.‬‬ ‫ال ب ي‬ ‫لكنها ـ وعىل الرغم من ذلك ـ وبفذلكة إعالمية‪،‬‬ ‫ونجومية خاصة لكاتب خربشاتها‪ ،‬تصبح ذات‬ ‫قيمة تسويقية ف ي� عالم الكتاب‪ ،‬ويتكالب عليها‬ ‫الشباب من هنا وهناك‪ .‬ي ن‬ ‫وح� يرفع أحدهم‬ ‫والبداعية‪،‬‬ ‫صوته متسائال ً حول قيمتها المعرفية إ‬ ‫يلفحك البعض بجعجعتهم واتهاماتهم‬ ‫ت‬ ‫يأ� من‬ ‫الشخصية‪ .‬والعجيب أن بعد ذلك كله‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫يُعلن‬ ‫استغرابه من حالة ال�دي الحضاري ي‬ ‫نعيشها ف� مجتمعنا‪ ،‬وكأننا بعدد الكتب ال�ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫طبعناها‪ ،‬وعدد الكتب ت‬ ‫ال� ت‬ ‫اش�يناها‪ ،‬نكون قد‬ ‫ي‬ ‫حققنا �ش وط النهضة!؟‬ ‫ما أحوجنا اليوم ألن ندرك أن الثقافة عنوان‪ ،‬فإن‬ ‫كانت ثقافتنا هشة‪ ،‬فعنوان حياتنا سيكون هشاً‪،‬‬ ‫وإن كانت ثقافتنا متينة مستوفية ل�ش وطها وأدواتها‪،‬‬ ‫فعنوان حياتنا سيكون متيناً صلباً قائماً عىل أصولها‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يجب أن نسأل فيه أنفسنا بصدق‪،‬‬ ‫هو‪ :‬هل حياتنا المعرفية وسلوكنا الحضاري يعكسان‬ ‫ق‬ ‫ور�؟ إن لم يكن‪،‬‬ ‫ما نصبو إليه ونريده من ّ‬ ‫تقدم ي‬ ‫ف‬ ‫المعر�‪ ،‬كفى للوهم‬ ‫فلنعلنها صدقاً‪ :‬كفى للزيف‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الثقا�‪ ،‬ولنطهر مؤسساتنا الثقافية من كل زيف‬ ‫ي‬ ‫ولنسع إىل تأكيد المعرفة وفق أسسها ابتدا ًء‬ ‫ووهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الدول»‪ .‬فهل إىل‬ ‫من كرنفال الثقافة «معرض الكتاب‬ ‫ي‬ ‫ذلك من سبيل؟‬


‫د‪ .‬حنان الشرقي‬

‫موجات في‬ ‫نسيج الكون‬

‫علوم‬

‫في سبتمبر ‪2015‬م‪ ،‬اهتز المجتمع العلمي‬ ‫بنبأ رصد ما ُيعرف بـ «موجات الجاذبية» من‬ ‫قبل مختبر «اليغو» الذي ِّ‬ ‫تموله الحكومة‬ ‫األمريكية وجامعتا «كالتك» و«أم‪ .‬آي‪ .‬تي‪.».‬‬ ‫وقيل في حيثيات اإلعالن عن االكتشاف‬ ‫ً‬ ‫الحقا بأنه يعد أحد أهم ما توصلنا إليه‬ ‫كبشر‪ ،‬وأنه يؤكد ما ّ‬ ‫نصت عليه نظرية‬ ‫النسبية العامة‪ ،‬ما من شأنه أن يعيد‬ ‫صياغة فهمنا للكون‪.‬‬ ‫ما هي «موجات الجاذبية» تلك؟ َ‬ ‫ولم هي‬ ‫مهمة لدرجة إعادة كتابة قوانين الفيزياء؟‬ ‫ولماذا لم يتم التحقق من وجودها إال بعد‬ ‫مرور قرن كامل على نشر أفكار أينشتاين‬ ‫عن النسبية التي لم تزل تشغل العالم حتى‬ ‫يومنا هذا؟‬


‫‪23 | 22‬‬

‫قوة اسمها الجاذبية‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫النسان التساؤل‬ ‫منذ آالف السنين‪ ،‬بدأ إ‬ ‫عن طبيعة حركة أ‬ ‫الجسام سواء تلك التي‬ ‫على سطح أ‬ ‫الرض أو السابحة في السماء‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الفالت‬ ‫لماذا يسقط الحجر على الرض عند إ‬ ‫به؟ ولماذا تتحرك أ‬ ‫الجرام السماوية على هذا النحو المنتظم؟‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫فسر حركة الجسام بأنها تعتمد على‬ ‫فالفيلسوف إ‬ ‫الغريقي أرسطو َّ‬ ‫المكونة لها ‪ -‬التراب‪ ،‬الماء‪ ،‬الهواء‪ ،‬والنار ‪ -‬وأنها جميعاً‬ ‫العناصر‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫لديها «ميل طبيعي» لن تنجذب إلى الجسام التي تماثلها في‬ ‫تكوينها‪ :‬فالحجر يميل إلى أن يكون ملتصقاً أ‬ ‫بالرض‪ ،‬لذلك فإنه‬ ‫يعود ليسقط على أ‬ ‫الرض عندما تفلت به‪ ،‬والدخان يرتفع نحو‬ ‫السماء ألنه بطبيعته يميل إلى االنجذاب نحو الهواء الذي هو من‬ ‫أ‬ ‫مكونة من عنصر خامس‬ ‫نفس عنصره‪ .‬أما الجرام السماوية فإنها َّ‬ ‫«اليثر»‪ ،‬والميل الطبيعي لهذا‬ ‫مختلف أطلق أرسطو عليه اسم إ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫العنصر هو الحركة في مسار دائري تماما لن الدائرة هي أتم‬ ‫أ‬ ‫الشكال كماالً‪.‬‬ ‫ظلت هذه النظرية‪ ،‬على سذاجتها‪ ،‬شائعة طويال ً دون منازع لفترة‬ ‫امتدت قرابة أ‬ ‫اللفي عام‪ .‬لكنها بدأت تتزعزع في القرن السادس‬ ‫عشر الميالدي بعد دحض نيكوالس كوبرنيكوس للفكرة القائلة إن‬ ‫أ‬ ‫الرض هي مركز الكون ومن ثم أعقبه عالم الفلك يوهانز كيبلر‬ ‫الذي اكتشف أن مدارات أ‬ ‫الجرام السماوية ليست دائرية تماماً‪،‬‬ ‫بل عند دورانها حول الشمس تتخذ مسارات بيضاوية‪ .‬وكان هذا‬ ‫تحدياً كبيراً ألحد القوانين الطبيعية التي كانت معروفة منذ قرون‪،‬‬ ‫الغريق أن المسار المستقيم والدائري هما المساران‬ ‫حيث اعتقد إ‬ ‫الوحيدان الممكنان في الطبيعة‪ .‬وفي الفترة نفسها كان غاليليو‬ ‫غاليلي مشغوال ً بتجاربه الشهيرة التي أزاحت مسلَّمات أرسطو‬ ‫أ‬ ‫للبد‪ ،‬حيث أثبت بالدليل القاطع أن القوة التي تجذب أ‬ ‫الجسام‬ ‫المكونة للجسم‪ .‬كما أثبت أيضاً‬ ‫واحدة وال تتأثر بطبيعة المادة‬ ‫ِّ‬ ‫بالدلة نظرية كوبرنيكوس أن أ‬ ‫أ‬ ‫الرض هي كوكب آخر ضمن مجموعة‬ ‫الكواكب التي تدور حول الشمس‪.‬‬ ‫لم يكن كيبلر وال غاليليو يعلمان أنهما يدرسان وجهين لظاهرة‬ ‫واحدة‪ .‬فكيبلر كان يدرس مدارات الكواكب حول الشمس‬ ‫الجسام على أ‬ ‫وغاليليو كان يدرس حركة وتسارع أ‬ ‫الرض‪ .‬لكنهما‬ ‫ومن دون قصد‪ ،‬ساهما في وضع أ‬ ‫السس التي جعلت اكتشاف‬ ‫قوانين الجاذبية ممكناً وذلك في نهايات القرن السابع عشر‬ ‫حين جمع إسحاق نيوتن نتائج هذه المالحظات والتجارب‬ ‫ودرسها في سياق واحد‪ .‬وتوصل إلى أن القوانين التي تحكم‬ ‫الجسام على أ‬ ‫حركة أ‬ ‫الرض هي نفسها التي تتحكم في مسارات‬ ‫أ‬ ‫الجرام السماوية‪ ،‬ففسرها ووضع لها قوانين‪ ،‬وأطلق على هذه‬ ‫القوة المكتشفة اسم «الجاذبية» التي حتى ذلك الوقت لم تكن‬ ‫معروفة بعد‪.‬‬ ‫وحسب قانون نيوتن للجذب الكوني فإن هذه القوة التي تُدعى‬ ‫الجاذبية «تعيش» في الفضاء بين أ‬ ‫الجسام‪ ،‬وتولد قوة جذب بين‬ ‫أي جسمين فيه تتناسب طردياً مع كتلتيهما وعكسياً مع المسافة‬ ‫التي تفصل بينهما‪ .‬وعليه فإن حركة أ‬ ‫الجسام وسقوطها وانطالقها‬ ‫إلى الفضاء‪ ،‬وحتى مسارات الكواكب في مداراتها حول الشمس كلها‬ ‫محكومة بقوانين الجاذبية‪.‬‬

‫نيوتن‬

‫أرسطو‬

‫أينشتاين‬

‫هذا «الزمكان» هو عبارة عن‬ ‫نسيج مرن تتأثر طوبولوجيته‬ ‫ِّ‬ ‫المتحركة‬ ‫بكتلة األجسام‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سطحا‬ ‫تقريبا يشبه‬ ‫فيه‪ ،‬فهو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشدودا تناثرت على‬ ‫مطاطيا‬ ‫سطحه أجسام ذات كتل‬ ‫مختلفة‪...‬‬

‫جاذبية نيوتن وجاذبية أينشتاين‬

‫بالنسبة لنيوتن فإن الجاذبية هي قوة «تعمل عن بُعد»‪ ،‬وتؤثر على‬ ‫حركة أ‬ ‫الجسام تبعاً لكتلتها والمسافة بينها‪ .‬لكن‪ ،‬وفي بدايات القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬قلب أينشتاين بنظريته للنسبية العامة معرفتنا بطبيعة‬ ‫الجاذبية رأساً على عقب‪.‬‬ ‫فبحسب معادالت أينشتاين فإن الجاذبية ليست قوة سحرية‬ ‫تعمل عن بُعد‪ ،‬بل هي ناتجة ببساطة عن طوبولوجية الفضاء‬ ‫نفسه‪ .‬ولنحاول تبسيط الفكرة‪ :‬بدايةً ‪ ،‬أضاف أينشتاين الزمن كبعد‬ ‫أ‬ ‫وسماه بـ «الزمكان»‪.‬‬ ‫رابع للبعاد التي وصف بها نيوتن الفضاء َّ‬ ‫هذا «الزمكان» هو عبارة عن نسيج مرن تتأثر طوبولوجيته بكتلة‬ ‫أ‬ ‫الجسام المتحركة فيه‪ ،‬فهو تقريباً يشبه سطحاً مطاطياً مشدوداً‬ ‫تناثرت على سطحه أجسام ذات كتل مختلفة‪ .‬فإذا قمنا مثال ً‬ ‫بوضع جسم ذي كتلة كبيرة (ثقيل) على هذا السطح المطاطي‬ ‫فإن المنطقة حول هذا الجسم ستنبعج وتميل للداخل من تأثير‬ ‫هذه الكتلة‪ ،‬عليه فإن أي أجسام تتواجد أو تمر بجانب هذا‬ ‫الجسم الثقيل سيتأثر مسارها وستنحرف حركتها باتجاهه لتبدو‬ ‫وكأنها «منجذبة» نحوه‪ ،‬بينما هي في الحقيقة فقط تتابع حركتها‬ ‫وفقاً لهذا السطح المائل‪ .‬باختصار‪ ،‬وبحسب النسبية العامة‪ ،‬فإن‬ ‫أ‬ ‫تحدد جغرافية المكان‪،‬‬ ‫الجاذبية عالقة تفاعلية‪ :‬كتلة الجسام ِّ‬ ‫أ‬ ‫تحدد مسار تلك الجسام‪.‬‬ ‫وجغرافية المكان ِّ‬

‫الفضاء المرن وموجات الجاذبية‬

‫نُشرت أفكار أينشتاين هذه تحت «نظرية النسبية العامة» في العام‬


‫على الرغم من أن مقدار االنضغاط‬ ‫والتمطط الذي يقع على الجسم الذي‬ ‫َّ‬ ‫مر خالل موجات جاذبية مسافرة في‬ ‫ٍ‬ ‫متناه في الصغر ‪ -‬فهو‬ ‫الفضاء مقدار‬

‫أقل من قطر ذرة واحدة ‪ -‬إال أن ذلك لم‬ ‫يثن الفيزيائيين عن محاولة رصد هذه‬ ‫ِ‬ ‫الموجات‪..‬‬

‫تأثير الكتل الثقيلة على انحناء نسيج الكون‬

‫‪1915‬م‪ ،‬وأحدثت انقالباً في مفاهيمنا عن الكون‪ .‬لكن تفسير‬ ‫يلغ قوانين جاذبية نيوتن تماماً‪ .‬فقوانين‬ ‫أينشتاين للجاذبية لم ِ‬ ‫نيوتن كانت كل ما نحتاجه لنتمكن من إرسال مكوك الفضاء إلى‬ ‫القمار الصناعية في مسارات ثابتة حول أ‬ ‫القمر وتثبيت أ‬ ‫الرض‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫وكما فسرت قوانين نيوتن للجاذبية مشاهدات كيبلر عن بيضاوية‬ ‫مسارات الكواكب حول الشمس‪ ،‬فإن نسبية أينشتاين فسرت أيضاً‬ ‫بعض الظواهر التي شذّ ت عن القاعدة‪ ،‬ولم تستطع قوانين‬ ‫نيوتن تفسيرها بالكامل‪ .‬لكن عبقرية أينشتاين لم تكن في تمكنه‬ ‫من التوصل لنظريات فيزيائية فائقة التعقيد فقط‪ ،‬بل إن فرادته‬ ‫كعا ِلم فذّ كانت تكمن في قدرته الفائقة على الغوص في أعماق‬ ‫عما تعنيه وما سيترتب‬ ‫تلك النظريات ليرسم صورة ذهنية كاملة َّ‬ ‫عليها من تبعات‪.‬‬ ‫بعد عام من نشر نظرية النسبية‪ ،‬أي في العام ‪1916‬م‪ ،‬تنبأ‬ ‫أينشتاين بوجود ظاهرة يمكن أن تثبت صحة نظريته عن انبعاج‬ ‫نسيج الكون تحت تأثير كتل أ‬ ‫الجسام‪ ،‬وهي كالتالي‪ :‬إن وجود‬ ‫متحركة في الفضاء تتسم حركتها بالتسارع‪،‬‬ ‫أجرام ذات كتلة هائلة ِّ‬ ‫يمكنه أن يتسبب في إحداث أثر واضح في نسيج الكون تجعله‬ ‫للسفل) ويتمطط (في االتجاه أ‬ ‫العلى أ‬ ‫ينضغط (عمودياً من أ‬ ‫الفقي)‬ ‫السفنج وضغطتها‬ ‫مثلما يحدث إذا أمسكت بيديك قطعة مرنة من إ‬

‫وجذبتها من الطرفين‪ .‬هذا التغيير ال يبقى في موضعه بل ينتشر‬ ‫يكون «موجات» تشبه تلك‬ ‫في الفضاء المحيط‪ ،‬وبانتشاره فإنه ّ‬ ‫التي تنتج عن إلقاء حجر في بركة ماء‪ .‬أطلق أينشتاين على هذه‬ ‫االنبعاجات التي تسافر عبر الفضاء الكوني اسم موجات الجاذبية‪.‬‬ ‫فمثالً‪ ،‬عند دوران ثقبين أسودين حول بعضهما بعضاً ‪ -‬والثقوب‬ ‫السوداء معروفة بكتلها الهائلة ‪ -‬فإن حركتهما هذه تتسم بالتسارع‬ ‫إلى أن يصطدما ببعضهما فيتحدان في ثقب واحد‪ ،‬والطاقة‬ ‫الناتجة عن هذا الحدث الضخم تسبب اهتزازات عنيفة في نسيج‬ ‫الكون المحيط‪ ،‬تنتشر على هيئة موجات جاذبية‪ .‬وأي جسم يمر‬ ‫في مسار هذه الموجات سيتأثر بها وستتسبب في ضغط ومن ثم‬ ‫تمطط متناهي الصغر للذرات المكونة لذلك الجسم‪.‬‬

‫مالحقة الموجات‬

‫على الرغم من أن مقدار االنضغاط والتمطط الذي يقع على‬ ‫الجسم خالل مروره في موجات جاذبية مسافرة في الفضاء‪ ،‬هو‬ ‫يثن‬ ‫ٍ‬ ‫متناه في الصغر ‪ -‬أقل من قطر ذرة واحدة ‪ -‬إال أن ذلك لم ِ‬ ‫الفيزيائيين عن محاولة رصد هذه الموجات‪ .‬وجاءت أول محاولة‬ ‫جادة لتصميم جهاز يستطيع رصد الموجات على يد فيزيائي في‬ ‫جامعة ميريالند اسمه جوزيف ويبر في العام ‪1968‬م‪ .‬لم تكن‬ ‫التقنية حينها ناضجة بما فيه الكفاية لنجاح تجربة مثل هذه‪،‬‬


‫‪25 | 24‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫لكنها تسببت في انطالق شرارة نشاط محموم في أكثر من معهد‬ ‫أبحاث وجامعة لمحاولة تصميم تجارب مماثلة‪ .‬من أشهر تلك‬ ‫موله معهد ماكس بالنك وعدد‬ ‫التجارب مرصد (‪ )GEO600‬الذي َّ‬ ‫اللمانية والبريطانية‪ .‬لكن الجهد أ‬ ‫من الجامعات أ‬ ‫الكبر انطلق في‬ ‫الثمانينيات نتيجة تعاون بحثي بين جامعتي كالتيك وأم‪ .‬آي‪ .‬تي‪.‬‬ ‫ومولته مؤسسة العلوم الوطنية أ‬ ‫المريكية ‪ NSF‬وتم االعتماد على‬ ‫نتائج ‪ GEO600‬لتصميم وتشييد مرصد اليغو الذي فشل في رصد‬ ‫أي موجات‪ ،‬قبل أن يتم تحديثه مرة أخرى وتسميته بمرصد اليغو‬ ‫المحدث ‪.Advanced LIGO‬‬ ‫بدأ المرصد الجديد العمل في العام ‪2014‬م‪ ،‬حين تم تشييد‬ ‫مرصدين متماثلين في واليتين مختلفتين في الواليات المتحدة‬ ‫الول في الجنوب في والية لويزيانا آ‬ ‫المريكية‪ ،‬أ‬ ‫أ‬ ‫والخر في أقصى‬ ‫الشمال الغربي في والية واشنطن‪ .‬وتشييد مرصدين متماثلين‬ ‫ومتباعدين يخدم فكرة إطالق شعاع ليزر‪ ،‬ثم شطره إلى نصفين‬ ‫ليسافر كل منهما في نفقين متعامدين مفرغين من الهواء‪ ،‬يمتد كل‬ ‫منهما بطول أربعة كيلومترات ومعلَّق في نهاية كل نفق مرآة تتدلى‬ ‫بخيوط من السقف‪ ،‬حين وصول كل من الشعاعين إلى المرآة في‬ ‫فيعودان إلى النقطة حيث تم شطرهما‪،‬‬ ‫آخر النفق ينعكسان عليها ُ‬ ‫الشعاعان مصممان بحيث يلغي أحدهما آ‬ ‫الخر عند تداخل‬ ‫موجاتهما بطريقة محسوبة بسبب تساوي المسافة بين المرآتين‪،‬‬ ‫أما في حال مرور موجة جاذبية على هذا المرصد فإنها ستتسبب‬ ‫في ضغط إحدى الذراعين وم ّط أ‬ ‫الخرى ‪ -‬ألنهما متعامدتان ‪ -‬ثم‬ ‫العكس‪ ،‬ثم تتكرر هذه العملية عدة مرات‪ ،‬حتى تمر الموجة عبر‬ ‫المرصد‪ .‬ونظراً للحساسية الفائقة لهذا التصميم‪ ،‬فإن المسافة بين‬ ‫المرآتين ستتغير‪ ،‬مما سيؤثر على التداخل بين موجات شعاع الليزر‬ ‫وبالتالي لن يلغي أحدهما آ‬ ‫الخر فيعود أحد الشعاعين أو كالهما‬ ‫إلى نقطة البداية داللة على مرور موجة جاذبية‪.‬‬

‫مرآة‬

‫مرآة‬ ‫ذراع كاشفة‬

‫ذراع كاشفة‬ ‫مج ِّزأ الشعاع‬ ‫كاشف ضوء‬

‫مصدر الليزر‬

‫صورة النفقين المتعامدين وانعكاس الليزر على المرآة في مرصد اليغو (‪)LIGO‬‬ ‫إن تصميم وتشييد تجربة مثل هذه على حد قول أحد العلماء‬ ‫النسانية في القدرة على القياس‪ ،‬لقد‬ ‫هو أقصى ما توصلت إليه إ‬ ‫وصلنا إلى تخوم القياس الممكنة‪ .‬وهو على حق‪ ،‬فحساسية‬ ‫اليغو قادرة على قياس مقدار التغير في المسافة بين مجموعتنا‬ ‫الشمسية ونجم يبعد أربع سنوات ضوئية عنها‪ ،‬بدقة تبلغ قطر‬ ‫شعرة إنسان واحدة! وال غرابة إذا علمنا أن التغيير في المسافة‬ ‫الذي يتحتم على المرآة مالحظته يقل عن جزء من أ‬ ‫اللف من قطر‬ ‫جسيم البروتون!‬

‫كم ستستغرق رحلتنا؟‬

‫قبل ‪ 1.3‬بليون سنة وفي الفضاء القريب من كوكب أ‬ ‫الرض ازداد‬ ‫تسارع دوران ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما‪ ،‬مما أدى‬ ‫إلى اقترابهما من بعض أكثر فأكثر حتى اصطدما واندمجا في‬ ‫ثقب أسود واحد مهول‪ .‬أدى اصطدام هذين الجسمين الهائلين‬


‫أداة تأذن بانطالق حقبة فلكية جديدة‬

‫سيغير اكتشاف موجات الجاذبية طريقة رؤيتنا للكون من حولنا‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫فكل تقنياتنا المتوافرة اليوم من المراقيب الضخمة التي نوجهها‬ ‫نحو السماء إلى تلك المثبتة على أذرع مركبات فضائية تحلق في‬ ‫الفضاء‪ ،‬جميعها ال تستطيع أن ترصد سوى أقل من عشرة بالمئة‬ ‫فقط من المادة الموجودة في الكون‪ .‬وبحسب النظريات الفيزيائية‬ ‫مكونات الكون هي من‬ ‫السائدة‪ ،‬فإن أكثر من تسعين بالمئة من ّ‬ ‫المادة والطاقة المظلمة‪ .‬وهذه ما زالت تمثل عالمة استفهام كبرى‬ ‫لدى علماء الفلك والفيزيائيين‪.‬‬

‫أزواج الثقوب السوداء تدور حول بعضها‬ ‫ً‬ ‫بعضا ويزداد تسارع هذا الدوران حتى‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا اندماجها لتكون‬ ‫يؤدي لتصادمها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا‬ ‫ثقبا‬ ‫اللذين تبلغ كتلتيهما ‪ 29‬و‪ 36‬ضعف كتلة الشمس إلى إطالق‬ ‫تحول‬ ‫طاقة تعادل ثالث مرات كتلة الشمس ‪ -‬حسب قانون ُّ‬ ‫المادة إلى طاقة والعكس ‪ -‬وقد انطلقت كل هذه الطاقة في أقل‬ ‫من جزء من الثانية‪ ،‬وأثرت في الفضاء المحيط وانتشرت سابحة‬ ‫في الفضاء على هيئة موجات جاذبية‪ .‬في الرابع عشر من شهر‬ ‫سبتمبر ‪2015‬م عبرت هذه الموجة كوكب أ‬ ‫الرض والتقطها مرصد‬ ‫اليغو في لويزيانا‪ ،‬ثم بعد سبعة أجزاء من أ‬ ‫اللف من الثانية‬ ‫التقطها مرصد اليغو التوأم في واشنطن‪ .‬أي بعد خمسين عاماً‬ ‫من محاوالت رصد موجات الجاذبية ومئة عام على وضع نظرية‬ ‫النسبية العامة التي تنبأت بها‪ ،‬تم وللمرة أ‬ ‫الولى رصد إحدى هذه‬ ‫الموجات‪.‬‬ ‫ومن الطريف‪ ،‬أن ألينشتاين مساهمة مهمة في اكتشاف موجات‬ ‫الجاذبية غير كونها أحد تنبؤات نظريته في النسبية العامة‪ .‬ففي‬ ‫العام ‪1916‬م‪ ،‬وبعدما انصرف عن أبحاثه المتعلِّقة بالنسبية‬ ‫والجاذبية‪ ،‬وجه تفكيره إلى فيزياء الكم‪ ،‬وخالل دراسته لطبيعة‬ ‫والشعاع‪ ،‬توصل إلى فكرة يمكن من خاللها‬ ‫العالقة بين المادة إ‬ ‫إنتاج شعاع ضوئي عالي الثبات والكثافة بمواصفات خاصة جداً‪،‬‬ ‫وبنا ًء على هذه الفكرة‪ ،‬وبعد عدد من التجارب تم اختراع أشعة‬ ‫الليزر‪ ،‬تلك أ‬ ‫الشعة التي كانت جوهرية في تصميم وعمل مراصد‬ ‫موجات الجاذبية‪.‬‬

‫فلنأخذ الثقوب السوداء على سبيل المثال‪ ،‬لقد تم رصدها بطريق‬ ‫غير مباشر حيث إنها ولشدة الجاذبية في باطنها تمنع الضوء من‬ ‫أن ينعكس عليها‪ ،‬لذلك كانت الطريقة الوحيدة لرصدها هي عن‬ ‫طريق الرصد غير المباشر ألشعة إكس من حولها‪ .‬إال أن هذه‬ ‫التجربة التي توجت جهود خمسين عاماً من البحث عن موجات‬ ‫الجاذبية أثبتت أيضاً للعلماء وجود توائم الثقوب السوداء التي‬ ‫تدور حول بعضها‪ ،‬والتي كانت حتى آ‬ ‫الن مجرد فرضية ما من سبيل‬ ‫إلى إثباتها‪ .‬إال أن هذا االكتشاف التاريخي لموجات الجاذبية أثبت‬ ‫وللمرة أ‬ ‫الولى بالدليل صحة الفرضية التي تقول بوجود نوع آخر من‬ ‫الثقوب السوداء تأتي على شكل أزواج‪ .‬أزواج الثقوب السوداء هذه‬ ‫تدور حول بعضها بعضاً ويزداد تسارع هذا الدوران حتى يؤدي إلى‬ ‫تصادمها‪ ،‬وأخيراً اندماجها لتكون ثقباً واحداً‪ .‬فقبل هذا االكتشاف‪،‬‬ ‫لم يكن هناك من دليل على أن هذه أ‬ ‫الزواج موجودة فعالً‪ .‬وعليه‪،‬‬ ‫فإن هذا االكتشاف يُعد كشفاً مهماً جداً لعلماء الفلك إال أنه لم‬ ‫ينل نصيبه من االهتمام نظراً لكونه جاء في ظل الرصد التاريخي‬ ‫لموجات الجاذبية‪.‬‬ ‫ال يخفي الفلكيون والفيزيائيون حماستهم الستخدام هذه المراصد‬ ‫الفلكية الجديدة التي تأذن اليوم بفتح آفاق جديدة لسبر أغوار‬ ‫العالن أنه ستنضم‬ ‫الفضاء‪ .‬فبعد إعالن نجاح تجربة اليغو‪ ،‬تم إ‬ ‫لتكون معاً‬ ‫إليه مجموعة من المراصد المشابهة في أوروبا والهند‪ّ ،‬‬ ‫شبكة من المراصد حول العالم‪ .‬وفي اليابان‪ ،‬يتم حالياً بناء مرصد‬ ‫جديد تحت أ‬ ‫الرض يدعى «كاجرا»‪ ،‬يطمح إلى الوصول إلى حساسية‬ ‫استشعار أعلى من تلك التي توصل إليها اليغو‪ .‬ومع هذا الزخم‬ ‫الوساط الفيزيائية‪ ،‬يبشر الفلكيون هذه أ‬ ‫والدوي في أ‬ ‫اليام بوالدة‬ ‫ِّ‬ ‫سموه بـ «‪Gravitational Wave‬‬ ‫فرع جديد من الفيزياء الفلكية ّ‬ ‫‪ »Astronomy‬أو «علم فلك موجات الجاذبية»‪ ،‬وسنتمكن من‬ ‫خالله من الوصول إلى أبعد مما وصلنا إليه عبر التقنيات الحالية‪.‬‬ ‫فحسب قول أحد الفيزيائيين لن يكون اعتمادنا بعد آ‬ ‫الن على‬ ‫أ‬ ‫الضوء فقط‪ ،‬فقد منعنا الضوء من الوصول إلى اللحظات الولى‬ ‫من عمر الكون‪ ،‬لحظة االنفجار العظيم حين لم يكن هناك ضوء‪،‬‬ ‫مراصد موجات الجاذبية ستمكننا من الرؤية إلى أبعد نقطة‪ ،‬وأول‬ ‫لحظة من لحظات الكون‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪27 | 26‬‬

‫كيف تعمل‪...‬‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫رشاشات‬ ‫إطفاء الحريق‬ ‫تتكون نظم إطفاء الحريق‬ ‫من سلسلة من قنوات المياه‬ ‫المخفية‪ ،‬تتوزع بع�ها مجموعة من‬ ‫الرشَّ اشات الظاهرة ف ي� أسقف الوحدات‬ ‫السكنية والمكتبية‪ .‬وخالفاً للشائع‪ ،‬فهذه‬ ‫النظم ليست مصممة الستشعار الدخان‪.‬‬ ‫ولو كان الحال كذلك لكان ت‬ ‫اح�اق قطعة‬ ‫بز‬ ‫صغ�ة ف ي� المطبخ كفيال ً بإغراق البيت‬ ‫خ� ي‬ ‫الطفاء هذه ال‬ ‫بالمياه‪ .‬كما أن نظم إ‬ ‫تعمل كلها دفعة واحدة‪ .‬بل هي مصممة‬ ‫بحيث يستشعر كل رأس رشاش الحرارة‬ ‫ف ي� منطقة محددة‪ ،‬تفادياً إلغراق كامل‬ ‫مساحة نز‬ ‫الم�ل أو المكتب بال لزوم ف ي�‬ ‫قدر هللا‪.‬‬ ‫حالة الحرائق المحدودة ال ّ‬

‫سدادة‬

‫فقاعة هواء تسمح بتمدد السائل‬ ‫أنبوب زجاجي مفرغ‬ ‫قرص توزيع الماء‬

‫‪1‬‬

‫يتكون رشاش الماء التقليدي من سدادة‬ ‫معدنية تمنع تسرب الماء المضغوط من‬ ‫الطفاء‪ .‬وهذه السدادة‬ ‫شبكة قنوات إ‬ ‫مثبتة في مكانها بأنبوبة زجاجية صغيرة‬ ‫يبلغ قطرها ‪ 5‬ملليمترات‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫تحوي أ‬ ‫النبوبة الزجاجية مادة غليسرينية‬ ‫تتمدد بالحرارة‪ .‬وإذا وصلت حرارة هذه‬ ‫حد حرج معين (ما بين ‪ 68‬و‪200‬‬ ‫المادة إلى ّ‬ ‫الطفاء)‪،‬‬ ‫درجة مئوية بحسب نوعية نظام إ‬ ‫فإن تمدد المادة سيؤدي إلى انكسار أ‬ ‫النبوبة‬ ‫الزجاجية‪ ،‬وبالتالي سقوط السدادة المعدنية‬ ‫واندفاع الماء من رأس الرشاش‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫يستغرق انكسار أ‬ ‫النبوبة ما بين ‪ 60‬و‪ 90‬ثانية‪.‬‬ ‫وعندما يندفع الماء المضغوط‪ ،‬يتلقاه قرص‬ ‫دائري مهمته توزيع المياه بالتساوي عبر‬ ‫المساحة المخصصة للرشاش‪ .‬وبطبيعة الحال‬ ‫يتم توزيع الرشاشات على مسافات متساوية‬ ‫لضمان تغطية كامل مساحة الحجرة‪.‬‬


‫ريم خوجة‬

‫علوم‬

‫مفتاح الخلية‬

‫إذا كانت الخلية هي الحجر األساس‬ ‫في بناء جسم الكائن الحي‪ ،‬فما هي‬ ‫المادة الداعمة التي تربط أغشية الخاليا‬ ‫ببعضها لتكوين أنسجة ثم أعضاء وصوالً‬ ‫إلى كامل جسم الكائن الحي‪ ،‬وكيف‬ ‫َّ‬ ‫تتغذى الخلية لتبقى على قيد الحياة‪ ،‬وما‬ ‫هي طبيعة بعض العالقات التبادلية بين‬ ‫الخاليا؟‬


‫‪29 | 28‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫توجد على غشاء الخلية‬ ‫مستقبالت مختلفة بأعداد هائلة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قد تصل إلى المليارات حسب‬ ‫نوع الخلية‪ .‬وقياساً على أ‬ ‫الحجام‬ ‫الفضائية‪ ،‬يمكننا تخيل الخلية‬ ‫أ‬ ‫رضية والمستقبالت كأعمدة بارتفاع جبل‬ ‫مثل الكرة ال ّ‬ ‫تتحرك وتنتشر على سطح‬ ‫إفرست‪ .‬أغلب المستقبالت َّ‬ ‫الغشاء السيتوبالزمي للخلية‪ ،‬ولها أشكال مختلفة‬ ‫تحفِّز خواصها الوظيفية‪ .‬وتستطيع مستقبالت الخلية‬ ‫التعرف إلى مستقبالت خلية أخرى والربط معها إن‬ ‫توافقت‪( ،‬مثل مكعبات الليغو) وشحناتها الكهربائية‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬نجد أن خاليا المعدة ال تستطيع الربط مع‬ ‫مستقبالتها ال تتوافق مع بعض‪.‬‬ ‫خاليا الجلد‪ ،‬ألن‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫مستقبالت نفس نوع النسجة تختلف من‬ ‫كما أن‬ ‫ِ‬ ‫شخص آلخر‪ .‬ولذلك يجب فحص نوع مستقبالت‬ ‫واهب العضو قبل زراعته في شخص آخر‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫للمستقبالت الغريبة‬ ‫يكون أجساماً مضادة‬ ‫الجسم ّ‬ ‫ِ‬ ‫في خاليا واهب العضو‪ .‬ففصائل الدم المختلفة‬ ‫على سبيل المثال «ألف» و«باء»‪ ،‬هي عبارة عن‬ ‫مركبات سكرية على سطح خاليا الدم الحمراء‪ .‬فإذا‬ ‫وجد لديك المركبان تكون فصيلة الدم «ألف ‪ /‬باء»‪،‬‬ ‫وإن لم يوجد أي من المركّبين تكون الفصيلة «أو»‪.‬‬

‫بوابات الخلية الالزمة لحياتها‬

‫إضافة إلى امتالكها لخواص تماسكية وتالصقية‪،‬‬ ‫المستقبالت كبوابات للخلية بالنسبة إلى المواد‬ ‫تعمل‬ ‫ِ‬ ‫حولها‪ .‬فهي التي تدخل السكر أ‬ ‫والمالح‬ ‫الموجودة‬ ‫ُ‬ ‫لتتحكم في تغذية الخلية‪ ،‬وتحافظ على كمية الماء‬ ‫المستقبالت‬ ‫المناسبة في السيتوبالزم‪ .‬وهناك بعض أ ِ‬ ‫التي ترتبط وتُدخل بعض الفيروسات مع السف‪،‬‬ ‫مثل مستقبل الـ (‪ )cd4‬في الخلية الليمفاوية الذي‬ ‫يمكِّن فيروس نقص المناعة المكتسبة من الدخول‬ ‫إلى داخل الخلية‪.‬‬ ‫المستقبالت التي‬ ‫ولكل خلية مجموعة خاصة من‬ ‫ِ‬ ‫تميزها عن الخاليا أ‬ ‫المستقبالت في‬ ‫وتتغير‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫حياة الخلية عندما تمر بمراحل نضج مختلفة‪ .‬ولهذا‬ ‫محددة من‬ ‫من الصعب جداً التعرف على طبقات َّ‬ ‫نفس نوع الخلية عن طريق المجهر‪ .‬إذ إن أشكالها‬ ‫المستقبالت‬ ‫حد كبير وحجم‬ ‫تكون متطابقة إلى ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫اللكتروني‪ ،‬تماماً‬ ‫صغير جداً‪ ،‬وال تُرى حتى بالمجهر إ‬ ‫كما يصعب تحديد قمة إفرست عن قمم الجبال‬ ‫أ‬ ‫الخرى من محطة الفضاء الدولية‪ .‬ولذلك‪ ،‬فيمكن‬ ‫التعرف إليها باستخدام أجسام مضادة مرتبطة‬ ‫بمادة فسفورية كما هو موضح في الصورة‪ .‬كما‬ ‫المستقبالت على الخاليا‬ ‫معين من‬ ‫أن وجود نوع َّ‬ ‫ِ‬ ‫السرطانية يس ِّهل هجرتها إلى أعضاء أخرى غير‬ ‫مصابة‪ .‬وبذلك يختلف تشخيص وعالج السرطان كلياً‬ ‫المستقبالت‪ .‬ولهذا يطلب‬ ‫بحضور أو غياب هذه‬ ‫ِ‬

‫الطبيب خزعة طبية من المريض المصاب للتمييز‬ ‫بين الورم الحميد والخبيث‪ ،‬عن طريق أشكال‬ ‫ومستقبالت الخاليا‪.‬‬

‫مفاتيح وظائف خلوية مختلفة‬

‫تعمل المستقبالت أيضاً كمفاتيح لتشغيل أو‬ ‫متنوعة‪ .‬فحين تركض بسرعة‬ ‫تثبيط وظائف خلوية ِّ‬ ‫أ‬ ‫لمدة ‪ 5‬دقائق‪ ،‬ستفرز مادة الدرينالين التي ترتبط‬ ‫بمستقبالت تحفِّز العملية أ‬ ‫اليضية في الخلية‬ ‫ِ‬ ‫كتفكيك المواد الغذائية إلى طاقة‪ .‬واشرب كوباً من‬ ‫القهوة لتصل مادة الكافيين إلى مستقبالت خاصة‬ ‫في خاليا المخ‪ ،‬حيث تتنافس مع مواد أخرى تجعلنا‬ ‫بالرهاق والتعب‪ ،‬ومن ثم تمنع ارتباطها‪.‬‬ ‫نحس إ‬ ‫تتغير المستقبالت‬ ‫ولذلك نكون نشيطين إلى أن َّ‬ ‫المرتبطة بالكافيين بمستقبالت جديدة‪ .‬انظر إلى‬ ‫هذه الصفحة جيداً‪ ،‬أشعة الضوء المنعكسة تتفاعل‬ ‫المستقبالت الضوئية في العين لتنقل إشارات‬ ‫مع‬ ‫ِ‬ ‫تفسر من خاللها خطوط وأشكال وألوان هذه‬ ‫عصبية‬ ‫الصفحة‪ِّ .‬وهناك عديد من أ‬ ‫المثلة عن التحوالت‬

‫مستقبالت‬ ‫تستطيع‬ ‫ِ‬ ‫الخلية التعرف إلى‬ ‫مستقبالت خلية أخرى‬ ‫ِ‬ ‫والربط معها إن توافقت‬ ‫أشكالها (مثل مكعبات‬ ‫الليغو) وشحناتها‬ ‫الكهربائية‪...‬‬


‫الوظيفية على مستوى الخلية التي نمر بها خالل‬ ‫هذه اللحظة وال نشعر بها‪.‬‬ ‫من هنا نجد أن عالم أ‬ ‫الدوية والصيدلة قائم على‬ ‫معرفة نوع التفاعالت البيوكيميائية (الكيمياء الحيوية)‬ ‫مستقبالت الخلية‪ ،‬البتكار وتركيب مواد تنتج‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫التفاعل نفسه‪ .‬وبهذا يقوم الباحثون في مجال‬ ‫الهندسة الحيوية بتطوير عالج عن طريق تفاعل‬ ‫مستقبالت لتحفيز أو تثبيط وظائف خلوية‬ ‫الدواء مع‬ ‫ِ‬ ‫مستقبالت‬ ‫مختارة‪ .‬فماذا لو نجحنا في التحكم في‬ ‫ِ‬ ‫الخلية متى نشاء وكيف نشاء؟‬ ‫هناك عديد من التطلعات المستقبلية الستخدام‬ ‫بمستقبالت الخلية‪.‬‬ ‫التكنولوجيا الحالية في التالعب‬ ‫ِ‬ ‫وقد نستطيع تشغيل بعض الوظائف في الخاليا‬ ‫المناعية لتقوم بمهاجمة الخاليا السرطانية فقط‪.‬‬ ‫مستقبالت الخاليا السرطانية لنثبط‬ ‫أو نستهدف‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫العمليات اليضية بشكل تام يدفع الخلية إلى‬ ‫االنفجار بتفكيك نفسها بنفسها‪.‬‬

‫تندرج هذه التطبيقات الطبية في إطار ما صار‬ ‫يُعرف باسم (طب النانو)‪ ،‬الذي يعمل على تطوير‬ ‫أجهزة استشعار إلكترونية في جسيمات نانوية تسمى‬ ‫بـ «النانو بوت» أو «روبوتات النانو»‪ .‬ومن هنا‬ ‫معينة عن‬ ‫نستطيع السيطرة على‬ ‫مستقبالت خلية َّ‬ ‫ِ‬ ‫طريق التحكم بواسطة هذه الروبوتات بفرز جزيئات‬ ‫محددة على سطح الخلية المستهدفة‪ .‬فنستطيع‬ ‫َّ‬ ‫التعرف إلى أول خلية مصابة‬ ‫على سبيل المثال ُّ‬ ‫بالنفلونزا‪ ،‬ومنع الفايروس من التكاثر‪ ،‬ومن ثم‬ ‫إ‬ ‫االنتشار إلى الخاليا المجاورة‪ .‬ومن هنا نستنتج أن‬ ‫مفتاحنا لفهم وهندسة ما يجري داخل أو حول عالم‬ ‫مستقبالتها‪.‬‬ ‫الخلية هو في فهم طريقة عمل‬ ‫ِ‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪31 | 30‬‬

‫العلم خيال‬

‫نحن البشر كائنات فضولية‪ ،‬وقد قادنا‬ ‫هذا الفضول إلى اكتشاف مجاهل كوكبنا‪،‬‬ ‫وال يزال يدفعنا إلى التطلع خارج نطاقه‪.‬‬ ‫الحلم بالسفر في أرجاء الفضاء الخارجي ُم ّ‬ ‫لح‬ ‫وحاضر في كتابات وأفالم الخيال العلمي‪.‬‬ ‫الفلم الهوليودي «بين النجوم»‪ ،‬يسافر‬ ‫وفي ِ‬ ‫األبطال عبر المجرَّ ات بواسطة وسائل تتجاوز‬ ‫الزمان والمكان وفق نظريات تستعصي على‬ ‫التطبيق‪ .‬فكيف نستطيع أن نجوب المجرَّ ات‬ ‫ً‬ ‫أجياال من البشر؟‬ ‫دون أن تستغرق كل رحلة‬ ‫أحد الحلول االفتراضية المقترحة واألكثر‬ ‫شعبية هو «الثقوب الدودية»‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫د‪ .‬فايز مليباري‬

‫الثقوب الدودية‬ ‫نظرياً‪ ،‬الثقب الدودي هو اتصال يشبه النفق يصل ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫متفرقت� ف ي� الزمان والمكان (الزمكان)‪ ،‬مخترصاً‬ ‫نقطت�‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫نقطت�‬ ‫المسافة يب�‬ ‫بعيدت� جداً ي� الكون‪ .‬والفكرة هنا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫رواد الفضاء من استخدام هذه النفاق للسفر‬ ‫تكمن ي� تمكن َّ‬ ‫ئ‬ ‫الفضا� الختصار المسافات بآالف ي ن‬ ‫السن�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫تعود هذه الفكرة مجدداً لنا ف� ِفلم ي ن‬ ‫رواد‬ ‫«ب� النجوم»‪ ،‬حيث تقوم مجموعة من َّ‬ ‫ي‬ ‫متباعدت� �ف‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫الفضاء بالسفر بع� ثقب دودي ُمكتشف حديثاً‪ ،‬يربط ي ن‬ ‫منطقت�‬ ‫ب�‬ ‫ي ي‬ ‫الزمكان‪ ،‬ف ي� رحلة للبحث عن كوكب جديد‪ ،‬ليكون مسكناً للجنس الب�ش ي‪ ،‬محققاً‬ ‫الهدف الذي بُذلت فيه مليارات الدوالرات ف ي� دراسة إمكانيته‪ .‬ولكن‪ ،‬هل هذا‬ ‫بالفعل ممكن؟ هل سيستطيع الب�ش يوماً ما استخدام الثقوب الدودية للسفر إىل‬ ‫ئ‬ ‫المر�؟‬ ‫مجرات أخرى وإىل ما وراء الفضاء ي‬ ‫َّ‬

‫كل جسم وجد ف ي� الكون يتسبب ف ي� اعوجاج المكان والزمان المحيط به‪ ،‬دامغاً‬ ‫الكون من حوله‪.‬‬ ‫نل�بط ذلك مع الثقب الدودي‪ ،‬فبحسب أينشتاين وزميله ث ن‬ ‫ني� روزن‪ ،‬فإن الثقب‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫نقطت� ف ي� الفضاء الفسيح‬ ‫تسبب ف ي� اتصال‬ ‫زمكا� َّ‬ ‫الدودي حقيقةً هو اعوجاج ي‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫معوجاً يصل ي ن‬ ‫البعيدت� جداً عن بعضهما‪.‬‬ ‫النقطت�‬ ‫هات�‬ ‫مكوناً نفقاً مستقيماً أو‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫مستو‪ .‬فإذا أخذنا‬ ‫مسطح‬ ‫بشكل‬ ‫هو‬ ‫الكون‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫جزء‬ ‫أن‬ ‫ل‬ ‫لنتخي‬ ‫الفكرة‪،‬‬ ‫ولتبسيط‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫متقارب� آ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الن‪.‬‬ ‫سيص�ان‬ ‫الطرف�‬ ‫هذا المسطح وثنيناه عىل شكل حرف ‪ C‬فإن‬ ‫ي‬ ‫وسيكون الممر المتشكِّل بينهما هو الثقب الدودي الذي سيخترص لنا الرحلة ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫النقطت�‪.‬‬ ‫هات�‬

‫ت‬ ‫ين‬ ‫القوان�‬ ‫ح� بدايات القرن الع�ش ين‪ ،‬ظلت نظرية نيوتن للجاذبية عىل عرش‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫يز‬ ‫الف�يائية‪ ،‬وهي تقول إن كل الجسام ي� هذا الكون‪ ،‬بما فيها أنا وأنت‪ ،‬بداخلها قوة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫فطرية تجذب الجسام الخرى نحوها‪ .‬وكلما زاد حجم هذا الجسم‪ ،‬زادت القوة‬ ‫الجاذبة إليه‪ .‬وهو ما يفس التصاقنا أ‬ ‫بالرض وعدم اندفاعنا نحو الفضاء‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫ف‬ ‫و� شهر أغسطس من العام ض‬ ‫الما� ‪2015‬م‪ ،‬ن�ش ت مجلة «اليف ساينس»‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المخت�‪ ،‬يختفي فيه‬ ‫تقريراً كشف أن العلماء تمكنوا من صناعة ثقب دودي ف ي�‬ ‫ب‬ ‫الحقل المغناطيس‪ .‬ونقلت المجلة عن عا ِلم ي ز‬ ‫الف�ياء جوردي برات ‪ -‬كامبس‬ ‫ي‬ ‫المشارك ف ي� هذا الم�ش وع ف ي� جامعة برشلونة بإسبانيا قوله‪« :‬إن هذا الجهاز يمكنه‬ ‫المغناطيس من مكان إىل آخر بع� الفضاء‪ ،‬من خالل ممر يغ�‬ ‫أن ينقل الحقل‬ ‫ي‬ ‫ملحوظ مغناطيسياً‪ .‬أي إن هذا الجهاز يعمل كثقب دودي‪ ،‬كما ولو أن الحقل‬ ‫المغناطيس َّتم نقله جزءاً جزءاً من مكان إىل آخر»‪.‬‬ ‫ي‬

‫آل�ت أينشتاين وحطم تلك الفكرة‪ ،‬حيث أنشأ‬ ‫ولكن بحلول عام ‪1915‬م‪ ،‬تأ� ب‬ ‫فرضية تدل عىل أن الجاذبية هي ف� الواقع نتيجة العوجاج ف� الزمكان‪ ،‬ن‬ ‫بمع� أن‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫وبواقعيته الشديدة‪ ،‬أضاف برات‪« :‬إننا ال نملك وسيلة للتأكد من وجود الثقوب‬ ‫الدودية المغناطيسية ف ي� الفضاء‪ .‬ولكن هذه التقنية قد تكون ذات تطبيقات‬

‫ما هو الثقب الدودي؟‬


‫مث�ة للفضول تسمى «المادة الغريبة» (‪Exotic‬‬ ‫ولنحقق ذلك‪ ،‬فإننا نحتاج إىل مادة ي‬ ‫‪.)Matter‬‬ ‫نتحدث عن المادة االعتيادية أوالً‪ ،‬فالمادة‬ ‫لنفهم ما هي المادة الغريبة‪ ،‬دعنا َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تحمل كثافة طاقة موجبة وضغطاً موجباً‪ ،‬يقول‬ ‫االعتيادية ف ي� الكون هي‬ ‫تلك ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫المتقدمة � ت ن‬ ‫أوس� تكساس «إن المادة الغريبة‬ ‫إيرك ديڤيس من معهد البحاث‬ ‫ِّ ي‬ ‫مختلفة قليالً‪ ،‬فهي تحمل كثافة طاقة سلبية وضغطاً سلبياً‪ ،‬ويمكنك أيضاً أن تجد‬ ‫مادة تحمل طاقة سلبية بضغط موجب أو العكس»‪.‬‬ ‫الخصائص السلبية للمادة الغريبة قد تمكننا من دفع جوانب الثقب الدودي إىل‬ ‫كب�ة ‪ -‬ومستقرة ‪ -‬بما يكفي لعبور شخص أو مركبة بع�ها‪ ،‬ولكن‬ ‫الخارج‪ ،‬مما يجعلها ي‬ ‫مع أ‬ ‫السف فهذه المادة الغريبة ليست سهلة للحصول‪ ،‬بل ال توجد إال نظرياً‪ ،‬وال‬ ‫يعلم الجنس الب�ش ي كيف يكون مظهرها ي ن‬ ‫للع�‪ ،‬وال أين من الممكن أن نجدها‪.‬‬ ‫عملية كث�ة عىل أ‬ ‫الرض‪ .‬و�ض ب مثاال ً عىل ذلك جهاز التصوير بالر ي ن‬ ‫المغناطيس‬ ‫ن�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الذي يستخدم حاليا مغناطيسا ضخما ويتطلَّب وجود المريض ي� أنبوب مركزي‬ ‫يتوسطه‪ .‬أما التقنية الجديدة فتسمح بإبقاء المغناطيس بعيداً عن المريض الذي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫بالمكان نقل‬ ‫ضيق‪ ،‬لنه سيكون إ‬ ‫يُصبح حراً ي� فضاء واسع بدال ً من ِّزجه ي� أنبوب ِّ‬ ‫المغناطيس من بعيد إىل حيث يوجد المريض»‪.‬‬ ‫الحقل‬ ‫ي‬

‫المعضلة مع الثقوب الدودية‬

‫ت آ‬ ‫تكون الثقوب الدودية طبيعياً ف ي�‬ ‫ح� الن‪ ،‬لم يستطع العلماء تحديد طريقة ُّ‬ ‫الكون‪ ،‬ولكن ي ز ئ‬ ‫يا� جون ويلر يقول إن الثقوب الدودية تظهر وتختفي بشكل‬ ‫الف� ي‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫ال� تنص عىل أن الجسيمات‬ ‫عشوا�‪ ،‬بحسب نظرية‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫«الكمية الرغوية» الخاصة به‪ ،‬ي‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫عشوا� طوال الوقت‪.‬‬ ‫االف�اضية تظهر وتختفي من الوجود حولنا بشكل‬ ‫ي‬ ‫مع أ‬ ‫السف‪ ،‬ت‬ ‫صغ�ة‬ ‫اف�ض ويلر بع� نظريته أن هذه الثقوب الدودية‬ ‫اللحظية ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫جداً‪ ،‬ي ن‬ ‫سنتيم�اً فقط‪ ،‬مما يجعل فرصة اكتشافها ي� الفضاء الشاسع‬ ‫ب� ‪ 10‬و‪33‬‬ ‫أمراً مستحيالً‪.‬‬ ‫يغ� أن البعض ت‬ ‫كب�ة الحجم بما يكفي‬ ‫اق�ح طريقة للعثور عىل ثقوب دودية ي‬ ‫لتمرير مركبة فضائية خاللها‪ ،‬وذلك بع� مراقبة درجة سطوع النجم خالل حركته‬ ‫يتسبب ف ي� تذبذب‬ ‫مكوناً ما يسمى بالتصوير‬ ‫أمام نفق الثقب‪ِّ ،‬‬ ‫التجاذ� الذي َّ‬ ‫بي‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫مم�‪ .‬ولكن‪ ،‬لنف�ض جدال ً أنه من الممكن لنا أن نلتقط‬ ‫سطوع النجم عىل نحو ي َّ‬ ‫نوسع حجمها‪.‬‬ ‫أن‬ ‫عندها‬ ‫نستطيع‬ ‫فقد‬ ‫حدوثها‪،‬‬ ‫لحظة‬ ‫هذه الثقوب الدودية‬ ‫ِّ‬

‫ت‬ ‫لنف�ض جدال ً ‪ -‬مرة أخرى ‪ -‬أننا حصلنا عليها‪ ،‬ووجدنا أيضاً ثقباً دودياً‪ ،‬وتمك ّنا‬ ‫ئ‬ ‫من زيادة حجم الثقب بما يكفي لمرور مركبة فضائية‪ ،‬ي ز‬ ‫يا� ريتشارد هولمان‬ ‫فالف� ي‬ ‫يتوقَّع أن يسبب دخول أي مادة غ� المادة الغربية إىل هذا الثقب اضطراباً فورياً �ف‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫يتسبب ف ي� الموت الفوري لرائد الفضاء وتحطم المركبة الفضائية‪.‬‬ ‫توازنه‪ ،‬مما قد َّ‬

‫العبور إىل كون يجهله ش‬ ‫الب�‬

‫الثقوب الدودية ال تزال وجهة وعرة للب�ش ية حالياً‪ .‬ولكن هناك ما هو ث‬ ‫أك� رعباً من‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫مختلفت�‬ ‫منطقت�‬ ‫كونها يغ� مستقرة للسفر خاللها‪ ،‬أال وهي كونها قادرة عىل ربط‬ ‫تماماً من الزمكان‪ ،‬فقد تدخل من بوابة الثقب لتخرج إىل حقبة زمنية مختلفة تماماً‬ ‫ن‬ ‫يع� أنه من الممكن أن تجد نفسك ف ي� منطقة نائية من‬ ‫عن نقطة‬ ‫انطالقك‪ ،‬مما ي‬ ‫ف‬ ‫ح� ف‬ ‫التاريخ‪ ،‬أو ت‬ ‫�ش‬ ‫و� ذلك تأمل!‬ ‫وجوده‪،‬‬ ‫الب‬ ‫يجهل‬ ‫آخر‬ ‫كون‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫فيما يتعلَّق باحتمال السفر بع� الثقب الدودي‪ ،‬يزيد تفاؤل إيرك دايڤس عىل ريتشارد‬ ‫فعالة‬ ‫هولمان‪ ،‬والسبب هو إيمانه بأن كل ما ينقص الب�ش ية هو إيجاد طريقة ّ‬ ‫الستحواذ المادة الغريبة‪ ،‬وهي كل ما نحتاجه لنخلق ثقباً دودياً من العدم وهو‬ ‫ف‬ ‫الحال ف ي� تورتنو‪ ...‬وهللا أعلم!‬ ‫يعمل بشكل دؤوب لتحقيق ذلك ي� معمله ي‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪33 | 32‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫منتج‬

‫الكتاب‬ ‫اإللكتروني‬ ‫وفاء خالد‬

‫اللكتروني قبل عقد‬ ‫حين جاء الكتاب إ‬ ‫تقريباً‪ ،‬ظننا أنه سيفشل وال أحد سيقرأ‬ ‫كتاباً من الشاشة‪ .‬لكن سهولة الوصول‬ ‫مستلق على‬ ‫للكتاب بنقرة على بضعة أزرار وأنت‬ ‫ٍ‬ ‫سريرك أصبحت مغرية للكثيرين‪ .‬خاصة مع زيادة‬ ‫النترنت والمكتبات‬ ‫اللكترونية على إ‬ ‫عدد الكتب إ‬ ‫المجانية العمالقة التي تقول لكل من يبحث عن كتاب‬ ‫«هيت لك»‪.‬‬ ‫اللكترونية مبيعات الكتب‬ ‫تخطت مبيعات الكتب إ‬ ‫المطبوعة ألول مرة عام ‪2011‬م بنسبة ‪ %61‬لصالح‬ ‫اللكترونية‪ ،‬بعد سنوات أربع فقط من ظهور القارئ‬ ‫إ‬ ‫اللكتروني‪ .‬وبدأت الشكوك بانقراض الكتب الورقية‬ ‫إ‬ ‫حينئذ‪.‬‬ ‫بالظهور‬ ‫ٍ‬ ‫سهولة الوصول ووجود الكتب في أ‬ ‫الجهزة المحمولة‬ ‫بأنواعها وكثرة الكتب المجانية ‪ -‬يوجد منها ‪101,505‬‬ ‫في متجر كندل وحده‪ ،‬ومليون أخرى في مكتبة‬ ‫كوبو ‪ -‬شجعت مزيداً من القراءة خاصة للشباب‬ ‫الذين يستثقلون حمل كتاب ورقي ينسونه في السيارة‬ ‫أو المقهى‪ .‬وفكرة حمل كتب الجامعة والمدرسة‬ ‫يتعدى وزنه ‪ 700‬جرام مغرية جداً‬ ‫معك في جهاز ال َّ‬ ‫َّ‬ ‫اللكترونية وقل شراء الكتب‬ ‫أيضاً‪ .‬فزاد انتشار الكتب إ‬ ‫الورقية‪.‬‬ ‫دور النشر غيرت تكتيكها الستقطاب الشباب‬ ‫وتغيرت صناعة النشر‬ ‫بتطبيقاتها للكتب إ‬ ‫اللكترونية‪َّ .‬‬ ‫والتأليف بالكامل‪ .‬أصبح الكاتب يستطيع نشر كتابه‬ ‫وبيعه مباشرة بال تكاليف كبيرة‪ .‬مما جعل عملية‬ ‫النشر حرة أكثر وساعدت النتشار كتب رائعة ما كانت‬ ‫لتظهر بسبب تردد دور النشر كرواية «المريخي» التي‬ ‫النترنت من ِقبل‬ ‫كانت في بدايتها منشورة كلياً على إ‬ ‫كاتبها مباشرة‪.‬‬ ‫ونعود لذكر أمازون التي بدأت حركة جديدة‬ ‫بإلغاء دور النشر الوسيطة بين البائعين ‪ -‬مثل‬ ‫أمازون ‪ -‬والكُ ّتاب‪ .‬ووضعت نظاماً بسيطاً يمكّن‬ ‫الكاتب من بيع كتابه مباشرة عبر متجر كندل‬ ‫القراء في‬ ‫إ‬ ‫اللكتروني‪ .‬والمفاجأة أن ‪ %20‬مما يصرفه ّ‬ ‫متجر كندل يذهب إلى هؤالء الك ّتاب المستقلين‪.‬‬

‫اللكتروني أتى‬ ‫ويظن بعض الباحثين أن وجود الكتاب إ‬ ‫بثورة ضد احتكار العلم لمن يملك المال‪ .‬والمبادرات‬ ‫للمكتبات المجانية العمالقة كالتي سبق ذكرها‬ ‫ساعدت بنشر الكتاب والعلم لكل من يحتاجه بأقل‬ ‫التكاليف‪.‬‬ ‫نشأت نقاشات عديدة بين محبي القراءة عن‬ ‫الفروقات بين القراءة من الشاشة والقراءة من الكتاب‬ ‫الورقي‪ .‬ومهما تغزل محبو الكتب الورقية برائحة‬ ‫الورق وإحساسه وجمال منظرها وهي مصفوفة على‬ ‫رفوف المكتبة وقلة التنبيهات التي تقاطع القراءة‬ ‫والقدرة على االستعارة والهداء بين أ‬ ‫الصدقاء‪.‬‬ ‫إ‬ ‫النجاز حين يرون الكم المادي للصفحات‬ ‫وإحساس إ‬ ‫التي قرأوها‪ .‬إال أن المبيعات ظلت تخذلهم لفترة من‬ ‫اللكتروني ينتشر‪.‬‬ ‫الزمن وتؤكد لهم أن الكتاب إ‬ ‫يتحيز محبو الكتاب إاللكتروني‬ ‫وفي الجهة المقابلة‬ ‫ضد القراء الورقيين بأن ّهدفهم أ‬ ‫الول من حمل الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫الورقي هو التبجح بمنظر الكتاب بين أيديهم‪ .‬وأن‬ ‫كثيراً من الكتب المطبوعة ال تستحق قطع أ‬ ‫الشجار من‬ ‫أ‬ ‫محبو‬ ‫أجلها‪ .‬ورغم أن السباب البيئية التي ّ‬ ‫يروج لها ُّ‬ ‫الكتب إاللكترونية تبدو مقنعة إال أنهم ال يفكرون كثيراً‬ ‫بالمعادن وهدر الطاقة والتلوث الذي يقتضي صنع‬ ‫الجهاز الذي يقرؤون منه كتابهم ويتناسون أن أ‬ ‫الشجار‬ ‫متجدد ويمكن إعادة زرعها مرة أخرى‪ ،‬عكس‬ ‫مصدر ِّ‬ ‫الطاقة أ‬ ‫الحفورية التي يستهلكونها‪.‬‬

‫فما الفرق بين القراءة من الشاشة والقراءة من الورقة؟‬ ‫بعض الدراسات خلصت إلى أن الكتب الورقية أفضل‬ ‫للقراءة الدراسية والكتب التي تريد تذكر معلوماتها‬ ‫بشكل أفضل ألسباب منها ربط المعلومة في الذاكرة‬ ‫بمكانها في الكتاب ولقلة التنبيهات التي تشتت‬ ‫التركيز‪.‬‬ ‫أ‬ ‫البداعية أو الترفيهية فالقراءة من كتاب‬ ‫أما العمال إ‬ ‫إلكتروني جيدة ألن القارئ سيستطيع حملها معه‬ ‫وقراءتها بشكل عابر في أوقات الفراغ وأثناء السفر‬ ‫دون حمل وزن إضافي كبير‪ .‬إلى جانب وجود‬ ‫الضاءة في أغلب شاشات أ‬ ‫الجهزة التي تيسر القراءة‬ ‫إ‬ ‫في السرير في الظالم‪.‬‬ ‫اللكترونية التي تواجه محبي‬ ‫المشكلة في الكتب إ‬ ‫العلوم والقراءة ليست في سهولة الحمل والتنقل‬ ‫والضاءة‪ .‬لكن في استرجاع المعلومات بعد عقود من‬ ‫إ‬ ‫القراءة‪.‬‬ ‫فإن استغنى الناس عن الكتب الورقية‪ .‬فلن تستمر‬ ‫دور النشر في طباعتها‪ .‬وإن توقَّفت الكتب الورقية‬ ‫اللكترونية‪ ،‬فما الذي يضمن لنا‬ ‫واعتمدنا على إ‬ ‫استطاعتنا نقل كل الكتب إلى التقنيات الجديدة؟‬ ‫الكتب الورقية قبل يوم أو قبل مئة عام ال تحتاج‬ ‫كاف‪ .‬لكن‬ ‫لتقنية من أجل قراءتها‪ .‬معرفتك باللغة ٍ‬ ‫ومتجددة‪.‬‬ ‫اللكترونية تحكمها التقنية وهي متطورة‬ ‫إ‬ ‫ِّ‬ ‫يعني‬ ‫د‬ ‫والتجد‬ ‫التطور‬ ‫وهذا‬ ‫تغير الوسيط الذي‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫يحمل لنا الكتب‪ .‬وال نضمن أن تستمر التقنية في‬ ‫حمل التقنيات القديمة معها‪.‬‬ ‫ارتفاع مبيعات الكتاب الورقي مرة أخرى هذا‬ ‫العام والعام الماضي بنسب طفيفة وتوقّع بعض‬ ‫المختصين أن هذا االرتفاع سيستمر في المستقبل‬ ‫القريب‪ .‬يؤكد لنا أنه ما زال للكتاب المطبوع على‬ ‫القراء‪ .‬بسبب انتشار‬ ‫الورق قيمة واهتمام بين ّ‬ ‫الدراسات سابقة الذكر إلى جانب حب جمع الكتب‬ ‫الموقَّعة من الكُ ّتاب ونوستالجيا ملمس الورق وال‬ ‫يمكننا إغفال جمال المباهاة بمجموع الكتب التي‬ ‫ترتاح على رفوف المكتبة الخاصة بك واالنطباع الذي‬ ‫تتركه لدى من يراها‪.‬‬


‫المهندس أمجد قاسم‬

‫أربعة أجيال من‬ ‫الوقود الحيوي ‪..‬‬ ‫والتحديات ال تزال‬ ‫ضخمة‬

‫طاقة‬

‫منذ فجر التاريخ‪ ،‬استخدم اإلنسان الطاقة‬ ‫الحيوية في أبسط صورها وأشكالها‪ .‬إذ كان يحرق‬ ‫األخشاب والمخلفات الحيوانية وأوراق األشجار‬ ‫لطهي طعامه وتسخين مائه وتدفئة منزله‪،‬‬ ‫ولإلضاءة ً‬ ‫ليال وإخافة الحيوانات الكاسرة‪ ..‬ومع‬ ‫التقدم التقني‪ ،‬بقيت الطاقة الحيوية محافظة‬ ‫ً‬ ‫كثيرا من المجتمعات الريفية‬ ‫على مكانتها‪ .‬إذ إن‬ ‫في البالد النامية ال تزال تعتمد على الطاقة‬ ‫الحيوية بشكل مباشر كما كان يفعل اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫قديما‪ .‬فالكتلة الحيوية تنتج ‪ 36‬بالمئة من‬ ‫الطاقة المستخدمة في بعض البالد النامية‪ ،‬كما‬ ‫ً‬ ‫كثيرا من سكان المناطق الريفية في الدول‬ ‫أن‬ ‫الصناعية ما زالوا يعتمدون على هذا المصدر من‬ ‫الطاقة لتدفئة منازلهم وغيرها من االستخدامات‬ ‫المهمة‪ .‬وشهد القرن الماضي محاوالت تطوير‬ ‫أنواع جديدة من الوقود الحيوي كان يفترض فيها‬ ‫أن تكون قابلة للحلول محل الوقود األحفوري‪،‬‬ ‫غير أن التحديات العملية التي يواجهها هذا‬ ‫الطموح ال تزال كثيرة وضخمة‪.‬‬


‫‪35 | 34‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫عملية إنتاج الوقود الحيوي‬

‫تُعد الطاقة الحيوية من‬ ‫مصادر الطاقة المتجددة‪ ،‬إذ‬ ‫يتم الحصول عليها من الكتل‬ ‫الحيوية أ‬ ‫كالخشاب والمحاصيل‬ ‫الزراعية ومخلفات النباتات‬ ‫وغ�ها‪ ،‬واستخدام تلك‬ ‫وفضالت الحيوانات ي‬ ‫للمجمعات الشمسية‬ ‫المواد هو ف ي� الواقع استغالل‬ ‫ِّ‬ ‫الضخمة الموجودة عىل أ‬ ‫الرض إلنتاج الطاقة‪ ،‬وهذه‬ ‫ت‬ ‫تحول طاقة‬ ‫ِّ‬ ‫ال� ِّ‬ ‫المجمعات الشمسية هي النباتات ي‬ ‫ضوء الشمس وبعض العنارص الكيميائية‪ ،‬عن طريق‬ ‫ئ‬ ‫الضو�‪ ،‬إىل جزيئات كربوهيدراتية‬ ‫عملية التخليق‬ ‫ي‬ ‫تشكل أساس الكتلة الحيوية عىل اختالف أشكالها‪.‬‬

‫ثالثة أنواع‬

‫يستخدم الوقود الحيوي إما بشكل مبا�ش كالحرق‬ ‫لنتاج الطاقة‪ ،‬فعند حرق أ‬ ‫الخشاب ‪ -‬مثال ً ‪ -‬تتولد‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫والضاءة‬ ‫طاقة حرارية تستعمل للطهي‬ ‫والتسخ� إ‬ ‫ي‬ ‫والتدفئة‪ ،‬وإما بشكل يغ� مبا�ش ‪ ،‬إذ تتم معالجة‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫الكتلة الحيوية إلنتاج أنواع متعددة من الوقود ي‬ ‫تستعمل لتشغيل محركات السيارات والحافالت‬ ‫ مثال ً ‪ -‬أو لتوليد الطاقة الكهربائية‪.‬‬‫وينقسم الوقود الحيوي من ناحية الشكل إىل ثالثة‬ ‫أنواع رئيسة‪ ،‬هي‪:‬‬

‫الوقود الحيوي الصلب‬

‫وقد استخدم هذا النوع منذ القدم‪ ،‬وهو يشمل‬ ‫أ‬ ‫الخشاب والقش والنباتات الجافة والفحم‬

‫والمخلفات النباتية ومخلفات مصانع قصب السكر‬ ‫وغ�ها‪ ،‬كما‬ ‫وعص� الفواكه ومعارص زيت الزيتون ي‬ ‫ي‬ ‫يشمل فضالت الحيوانات (سماد وروث) وكذلك‬ ‫القمامة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� الواقع‪ ،‬فإن وقود الكتلة الحيوية الصلب‪ ،‬يمكن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫أن يستعمل بشكل مبا�ش كما هو ي� الطبيعة‪ ،‬إال‬ ‫أنه ف� كث� من أ‬ ‫الحيان تتم معالجته لرفع قيمته‬ ‫ي ي‬ ‫يحول إىل فحم بإزالة الماء منه‬ ‫الحرارية‪ .‬فالخشب ّ‬ ‫وكذلك المواد المتطايرة والمواد العضوية أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫والفحم ذو اللون أ‬ ‫السود يكون محتواه من الكربون‬ ‫ب� ‪ 85‬و‪ 95‬بالمئة‪ ،‬وهو ت‬ ‫مرتفعاً ت‬ ‫وي�اوح ي ن‬ ‫يح�ق‬ ‫بحرارة عالية وكفاءة أعىل من الخشب‪ ،‬وقد استعمله‬ ‫الحدادون قديماً لصهر المعادن كما استعمل وقوداً‬ ‫لصهر الزجاج والتدفئة‪.‬‬

‫الوقود الحيوي السائل‬

‫عد الوقود السائل من أفضل أنواع الوقود‪ ،‬إذ يسهل‬ ‫يُ ُّ‬ ‫أ‬ ‫كث� من‬ ‫نقله بالنابيب وتخزينه‪ ،‬ويتم استخراجه من ي‬ ‫المواد الحيوية ويستخدم ف ي� محركات وسائط النقل‬ ‫ف‬ ‫و� تشغيل مولدات الطاقة الكهربائية‬ ‫المختلفة ي‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ومن أهم المحاصيل الزراعية المنتجة للوقود‬ ‫الحيوي السائل‪ ،‬تلك المحاصيل المحتوية عىل‬ ‫سكريات أو نشويات كالذرة والقمح وقصب‬ ‫السكر‪ .‬كما تستخدم بعض المحاصيل أ‬ ‫الخرى‬ ‫ت‬ ‫ودوار‬ ‫ال� تحتوي عىل زيوت‪ ،‬كفول الصويا ّ‬ ‫ي‬

‫الوقود بدال ً من الغذاء‬

‫وغ�ها‪ .‬ويتضمن الوقود الحيوي السائل‬ ‫الشمس ي‬ ‫أ‬ ‫النواع التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬وقود الديزل الحيوي‬ ‫ئ‬ ‫الكيميا� ي ن‬ ‫ب�‬ ‫التفاعل‬ ‫ينتج الديزل الحيوي من‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الزيوت النباتية والكحول‪ ،‬ومن خالل تفاعل الس�ة‬ ‫النسان‬ ‫يتم إنتاج هذا النوع من الوقود‪ .‬وقد عرف إ‬ ‫ألول مرة تفاعل أ‬ ‫ال ت‬ ‫س�ة ف ي� عام ‪1853‬م عندما أجرى‬ ‫ف‬ ‫«دا�» و«باتريك» أول تفاعل ت‬ ‫أس�ة لزيوت‬ ‫العالمان ي‬ ‫ف‬ ‫و� ‪ 10‬أغسطس ‪1893‬م تم تشغيل أول‬ ‫نباتية‪ ،‬ي‬ ‫محرك ديزل بزيوت نباتية ساخنة منتجة من حبوب‬ ‫ن‬ ‫السودا� من قبل ت‬ ‫مخ�ع محرك الديزل‪.‬‬ ‫الفول‬ ‫ي‬ ‫وتخليداً لهذه المناسبة‪ ،‬يحتفل العالم ف ي� العا�ش من‬ ‫شهر أغسطس من كل عام باليوم العالمي للديزل‬ ‫الحيوي‪.‬‬ ‫أما تسجيل إنتاج الديزل الحيوي بك�اءة ت‬ ‫اخ�اع‬ ‫فيعود إىل ‪ 31‬أغسطس ‪1930‬م‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� قام الباحث‬ ‫«شافان» من جامعة بروكسيل ف ي� بلجيكا‪ ،‬بوصف‬


‫تحض� الديزل الحيوي‪ ،‬الذي يستعمل كبديل‬ ‫كيفية‬ ‫ي‬ ‫مبا�ش لوقود الديزل التقليدي المصنوع من النفط‪،‬‬ ‫كما يمكن أن يخلط مع الديزل النفطي ضمن نسب‬ ‫ف‬ ‫و� هذه الحالة يستعمل الحرف ‪ B‬متبوعاً‬ ‫محددة‪ .‬ي‬ ‫برقم ي ن‬ ‫يب� نسبة الخلط‪ .‬فمثال ‪ B40‬تدل عىل أن‬ ‫وقود الديزل يحتوي عىل ‪ 40‬بالمئة وقود ديزل‬ ‫ن‬ ‫يع� أن كل الوقود عبارة عن‬ ‫حيوي‪ ،‬والرمز ‪ B100‬ي‬ ‫ديزل حيوي‪.‬‬ ‫منشأة إلنتاج الديزل الحيوي‬

‫يتسبب الوقود الحيوي في‬ ‫ارتفاع مستوى تلوث المياه‬ ‫والهواء الناجم عن الكميات‬ ‫الكبيرة من المبيدات‬ ‫الزراعية واألسمدة التي‬ ‫تتطلبها زراعة محاصيل‬ ‫ِّ‬ ‫سيؤثر على‬ ‫الطاقة‪ ،‬كما‬ ‫جودة التربة وينهكها‬

‫ويصنع الديزل الحيوي من بعض الزيوت النباتية‬ ‫مثل زيت بذور اللفت وزيت النخيل والخردل‬ ‫أ‬ ‫خ� يستخدم عىل‬ ‫والجاتروفا وحب الصويا وهذا ال ي‬ ‫يعت� المصدر الرئيس إلنتاج الديزل‬ ‫نطاق واسع‪ ،‬إذ ب‬ ‫يعت�‬ ‫الحيوي نظراً لرسعة نمو هذا النبات‪ ،‬لكنه ال ب‬ ‫المصدر أ‬ ‫الفضل إلنتاج الديزل الحيوي حيث تتفوق‬ ‫عليه بذور اللفت والخردل بثالث مرات‪ ،‬وتجرى حالياً‬ ‫تجارب الستخدام الطحالب إلنتاج الديزل الحيوي‪.‬‬ ‫اليثانول الحيوي‬ ‫‪ .2‬كحول إ‬ ‫كث� من المواد العضوية بما‬ ‫يصنع إ‬ ‫اليثانول من ي‬ ‫أ‬ ‫فيها الذرة والقمح وقصب السكر والعشاب البحرية‬ ‫والسليلوز المكون الرئيس لكث� من أ‬ ‫الجزاء النباتية‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫والذي يتم الحصول عليه من المخلفات الزراعية‬ ‫ومن بقايا تصنيع الورق‪ .‬لكن أفضل مصدر لصناعة‬ ‫اليثانول هو قصب السكر نظراً الحتوائه عىل‬ ‫إ‬ ‫السكريات ت‬ ‫تخم�ها لتتحول إىل كحول‪.‬‬ ‫ال� يتم ي‬ ‫ي‬ ‫أجريت أول محاولة لتصنيع اليثانول من أ‬ ‫الخشاب‬ ‫إ‬ ‫ف ي� ألمانيا ف ي� عام ‪1898‬م‪ .‬واستخدم حامض مخفف‬ ‫لتحويل السليلوز إىل مركب الجلوكوز‪ ،‬وقد تم‬ ‫إنتاج ‪ 7.6‬تل� منه من ‪ 100‬كيلوغرام من مخلفات‬ ‫أ‬ ‫الخشاب‪ ،‬ثم تم تطوير هذه الطريقة لتنتج ‪200‬‬ ‫تل� من كل طن واحد من الخشب‪ .‬وانتقلت بعد‬ ‫ذلك هذه الصناعة إىل أمريكا‪ ،‬وأقيم خالل الحرب‬ ‫أ‬ ‫يثيل من‬ ‫العالمية الوىل مصنعان إلنتاج الكحول إ‬ ‫ال ي‬

‫محطة وقود لتزويد السيارات بالديزل الحيوي‬

‫وطورت تقنية خاصة بهذه الصناعة عرفت‬ ‫الخشب‪ّ ،‬‬ ‫بـ «العملية أ‬ ‫المريكية»‪ ،‬ويستخدم فيها حامض‬ ‫الك�يتيك المخفف إلسالة الخشب‪.‬‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫اليثانول يعد من مصادر الطاقة المتجددة‬ ‫ونظراً لن إ‬ ‫والنظيفة‪ ،‬أعلنت الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية ف ي�‬ ‫مطلع عام ‪2001‬م عن خطتها إلنتاج نحو ‪150‬‬ ‫اليثانول بحلول عام ‪2017‬م‪،‬‬ ‫بليون تل� من كحول إ‬ ‫أ‬ ‫باستخدام القمح وبعض النباتات والخشاب‪،‬‬ ‫ورصدت ‪ 3.6‬بليون دوالر لتطوير هذه الصناعة‪.‬‬ ‫يثيل‬ ‫اليثانول الذي يُعرف بالكحول إ‬ ‫ويستخدم إ‬ ‫ال ي‬ ‫بالغازول�‪.‬ن‬ ‫ً‬ ‫لتشغيل المحركات‪ ،‬إما وحده أو ممزوجا‬ ‫ي‬ ‫ويتم ي ز‬ ‫يش� إىل نسبة‬ ‫تمي�ه بالحرف ‪ E‬متبوعاً برقم ي‬ ‫ين‬ ‫الغازول�‪ .‬وقد بينت التجارب أن‬ ‫الكحول إىل‬ ‫ن‬ ‫الغازول� ال تواجه‬ ‫محركات السيارات العاملة عىل‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الغازول� المحتوي عىل‬ ‫مشكلة ف ي� استخدام وقود‬ ‫اليثانول بنسب قليلة‪.‬‬ ‫كحول إ‬ ‫كذلك‪ ،‬تم تصنيع شاحنات نقل خفيفة ذات محركات‬ ‫معدلة قادرة عىل حرق أنواع مختلفة من الوقود‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ين‬ ‫الجازول� ‪ -‬إيثانول وبنسب مرتفعة‬ ‫ومنها وقود‬ ‫اليثانول وحده‬ ‫للكحول‪ .‬ولكن من النادر استخدام إ‬ ‫كوقود‪ .‬إذ يستلزم ف ي� هذه الحالة إدخال تعديالت‬ ‫ين‬ ‫جوهرية عىل محركات‬ ‫الغازول� نظراً ألن أوكتان‬ ‫ن‬ ‫الغازول�‪ ،‬مما يستلزم‬ ‫اليثانول يختلف عن أوكتان‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫�ش‬ ‫إجراء تعديالت عىل توقيت ارة االح�اق ونفاثات‬ ‫ت‬ ‫وغ�ها من التعديالت‪ ،‬كذلك يستخدم‬ ‫الكاربوري� ي‬ ‫ف‬ ‫اليثانول كوقود ي� خاليا الوقود إلنتاج الطاقة‬ ‫وقود إ‬ ‫الكهربائية‪.‬‬ ‫‪ .3‬وقود الزيوت النباتية‬ ‫ف ي� أواخر القرن التاسع ع�ش استخدم زيت حبوب‬ ‫ن‬ ‫الفول‬ ‫السودا� بشكل مبا�ش لتشغيل أول محرك‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ديزل‪ ،‬قبل أن يتم استعمال الوقود الحفوري‬

‫اليثانول الحيوي‬ ‫حافلة عاملة على وقود إ‬


‫‪37 | 36‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫ف‬ ‫و� الواقع‪ ،‬يلزم‬ ‫التقليدي لتشغيل المحركات‪ .‬ي‬ ‫لك‬ ‫إجراء تعديالت عىل محركات الديزل التقليدية ي‬ ‫ت‬ ‫النبا�‪ .‬ويمكن‬ ‫تعمل بشكل مبا�ش عىل وقود الزيت ي‬ ‫ت‬ ‫ال� استعملت‬ ‫أاستخدام الزيوت الطازجة أو الزيوت ي‬ ‫لغراض الطبخ بعد إجراء معالجة بسيطة لها‪ ،‬كما‬ ‫يمكن خلط تلك الزيوت مع الديزل أو النفط أ‬ ‫البيض‪.‬‬

‫الوقود الحيوي الغازي‬

‫ينتج الغاز الحيوي من تخمر الفضالت العضوية‬ ‫ال هوائياً‪ ،‬وهو يحتوي عىل خليط من عدة غازات‪،‬‬ ‫ن‬ ‫وثا� أكسيد الكربون ونسب قليلة‬ ‫أهمها أ الميثان ي‬ ‫ين ن‬ ‫من المونيا ت‬ ‫والني� ي ن‬ ‫وثا� أكسيد‬ ‫وج�‬ ‫والهيدروج� ي‬ ‫الك�يت‪ .‬ويستعمل هذا الغاز عىل نطاق واسع �ف‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫المجتمعات الريفية ف ي� الهند وباكستان ويعرف باسم‬ ‫غاز «جوبار»‪ ،‬حيث يتم إنتاجه من روث الحيوانات‬ ‫ويعت� بديال ً للغاز الطبيعي‪،‬‬ ‫والمخلفات العضوية‬ ‫ب‬ ‫ويستخدم لغايات الطهي وإنتاج الطاقة الكهربائية‬ ‫وتشغيل المحركات‪ .‬كما يمكن استعماله للحصول‬ ‫ين‬ ‫الهيدروج� المستخدم ف ي� خاليا الوقود‪.‬‬ ‫عىل‬

‫أجيال الوقود الحيوي‬

‫كب�ة خالل‬ ‫شهدت صناعة الوقود الحيوي تطورات ي‬ ‫القرن ض‬ ‫الما�‪ ،‬كما تطورت مصادر إنتاجه‪ ،‬ويمكن‬ ‫ي‬ ‫تحديد أربعة أجيال لهذا الوقود‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الجيل أ‬ ‫الول‬ ‫حيث اس ُتخدمت بذور وحبوب النباتات إلنتاج الوقود‬ ‫الحيوي‪ ،‬ومنها الذرة والقمح وفول الصويا وقصب‬ ‫وغ�ها‪ .‬وقد قوبل استخدام‬ ‫السكر واللفت‬ ‫والشع� ي‬ ‫ي‬ ‫المحاصيل الزراعية إلنتاج الوقود باحتجاجات‬ ‫عالمية ت‬ ‫واع�اضات واسعة‪ ،‬نظراً ألن إنتاجه يكون‬ ‫ف‬ ‫عىل حساب سلة الغذاء العالمية‪ ،‬وتسببه ي� تحويل‬

‫أ ض‬ ‫ا� الزراعية المخصصة إلنتاج الغذاء‬ ‫ي‬ ‫كث� من الر ي‬ ‫إىل محاصيل وقود حيوي عىل حساب قوت الفقراء‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫كب� ف ي� أسعار‬ ‫ي� العالم‪ .‬وقد تسبب ذلك ي� ارتفاع ي‬ ‫الحبوب والزيوت النباتية‪.‬‬ ‫ن‬ ‫الثا�‬ ‫‪ - 2‬الجيل ي‬ ‫يعتمد عىل المخلفات النباتية‪ ،‬كسيقان القمح والذرة‬ ‫ونشارة الخشب ب ن‬ ‫وغ�ها‪ ،‬حيث يتم الحصول‬ ‫والت� ي‬ ‫واليثانول والميثانول الحيوي‬ ‫عىل الوقود السليلوزي إ‬ ‫ين‬ ‫والهيدروج� الحيوي‪ .‬وبالرغم من أهمية استخدام‬ ‫المخلفات الزراعية إلنتاج الوقود‪ ،‬إال أنه يعاب عليها‬ ‫أنها تحرم الماشية من العلف‪ ،‬ت‬ ‫وال�بة الزراعية من‬ ‫ت‬ ‫ال� هي سماد عضوي يخصبها‪.‬‬ ‫المخلفات النباتية ي‬ ‫‪ - 3‬الجيل الثالث‬ ‫يستخدم الطحالب إلنتاج الوقود الحيوي‪ ،‬الحتوائها‬ ‫عىل نسبة جيدة من الزيوت تصل إىل ‪ 60‬بالمئة‬ ‫من وزنها‪ .‬وقد تزايد االهتمام العالمي بالطحالب‬ ‫ألنها ال تنافس الزيوت النباتية والمحاصيل الزراعية‬ ‫المخصصة لالستهالك الب�ش ي‪ .‬كما أن الطحالب ال‬ ‫ن‬ ‫ثا� أكسيد الكربون إىل‬ ‫تتسبب بإضافة مزيد من غاز ي‬ ‫الهواء‪ ،‬حيث إن ما تستهلكه أثناء زراعتها ونموها‬ ‫يعادل تقريباً ما ينبعث منها عند ت‬ ‫اح�اق الوقود‬ ‫بالضافة إىل أن زراعة الطحالب‬ ‫الحيوي المنتج منها‪ .‬إ‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ا� الزراعية‪ ،‬كما ال‬ ‫لن تكون عىل حساب الر ي‬ ‫تؤثر عىل مصادر المياه العذبة‪ ،‬إذ يمكن زراعتها‬ ‫باستخدام مياه البحار أو المياه العادمة المعالجة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الجيل الرابع‬ ‫عد هذا الجيل أحدث اتجاه عالمي إلنتاج الوقود‬ ‫يُ ُّ‬ ‫ف‬ ‫تغي� ي� جينوم أحد‬ ‫الحيوي‪ ،‬ويعتمد عىل إجراء ي‬ ‫بكت�يا أطلق عليها اسم‬ ‫الكائنات الدقيقة‪ ،‬وهو ي‬

‫«‪ ،»Mycoplasma Laboratorium‬بحيث تصبح‬ ‫ن‬ ‫ثا� أكسيد الكربون‪.‬‬ ‫قادرة عىل إنتاج الوقود من غاز ي‬

‫فقراء العالم يدفعون الثمن‬

‫أدى االهتمام العالمي بالوقود الحيوي إىل إنشاء‬ ‫كث� من ال�ش كات المتخصصة ف� ت‬ ‫ش� أنحاء‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫العالم‪ ،‬روجت لهذا الوقود عىل اعتبار أنه‬ ‫سيخلِّص العالم من آ‬ ‫الثار السلبية الناجمة عن‬ ‫ت‬ ‫ال� يتسبب بها الوقود‬ ‫االنبعاثات الغازية الضارة ي‬ ‫أ‬ ‫الحفوري التقليدي‪.‬‬ ‫وتعتمد الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية ف ي� إنتاجها من‬ ‫النتاج‬ ‫اليثانول عىل الذرة وهي تنتج ‪ 45‬بالمئة من إ‬ ‫إ‬ ‫ال�ازيل ت‬ ‫ال� تعتمد عىل قصب السكر‬ ‫تليها‬ ‫العالمي‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫النتاج العالمي‪ ،‬بينما‬ ‫وتنتج ‪ 36‬بالمئة من‬ ‫إجمال إ‬ ‫ي ف‬ ‫اليثانول عىل‬ ‫تعتمد فرنسا وإسبانيا وألمانيا ي� إنتاج إ‬ ‫وال�ازيل‬ ‫القمح‪ ،‬أما إنتاج الديزل الحيوي‪ ،‬فإن أمريكا ب‬ ‫أ‬ ‫ورو� من‬ ‫تنتجانه من فول الصويا‪ ،‬ودول االتحاد ال ب ي‬ ‫بذور اللفت‪.‬‬ ‫لقد أدى هذا االهتمام والسباق المحموم إلنتاج‬ ‫الوقود الحيوي إىل تخصيص مساحات شاسعة من‬ ‫أ‬ ‫الر ض‬ ‫ا� الزراعية إلنتاجه‪ ،‬كما استغلت بعض الدول‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫فق�ة لزراعة محاصيل الطاقة‪،‬‬ ‫ا� زراعية ي� دول ي‬ ‫أر ي‬ ‫النسان ومياه‬ ‫وبالطبع كان ذلك عىل حساب قوت إ‬ ‫�ش به‪ ،‬حيث شهدت أسعار المواد الغذائية خالل‬ ‫أ‬ ‫كب�اً وتعالت‬ ‫العقد الول من هذا القرن ارتفاعاً ي‬ ‫أ‬ ‫الصوات المحذرة من العواقب الوخيمة الستخدام‬ ‫الغذاء كوقود‪.‬‬ ‫إن التوسع يغ� المدروس إلنتاج الوقود الحيوي‬ ‫يتهدد أ‬ ‫ئ‬ ‫الغذا� ألشد سكان العالم فقراً‪ ،‬إذ‬ ‫المن‬ ‫ي‬ ‫كث� منهم ث‬ ‫أك� من نصف مداخيل أرسهم عىل‬ ‫ينفق ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫توف� الغذاء‪ ،‬ف‬ ‫كث� من الماكن ي� العالم يموت‬ ‫ي‬ ‫و� ي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫الالف سنوياً بسبب الجوع وسوء التغذية‪ ،‬ونظراً‬ ‫الكب� ف ي� أسعار الزيوت النباتية عالية الجودة‬ ‫لالرتفاع ي‬ ‫أ‬ ‫ف� ت‬ ‫ش� أنحاء العالم‪ ،‬اتجهت النظار نحو إنتاج‬ ‫ي‬ ‫الوقود الحيوي من محاصيل من يغ� حبوب الزيوت‬ ‫النباتية كزيت الجاتروفا يغ� الصالح لالستهالك‬ ‫كث�اً من المز ي ن‬ ‫ارع� ف ي�‬ ‫الب�ش ي‪ .‬إال أن ما حدث هو أن ي‬ ‫كث� من دول العالم يتوقفون عن زراعة المحاصيل‬ ‫ي‬ ‫الالزمة إلنتاج الغذاء ويتجهون لزراعة المحاصيل‬ ‫يغ� الغذائية المخصصة إلنتاج الوقود طبقاً لنظام‬ ‫ف‬ ‫وف�ة‪.‬‬ ‫العرض والطلب وطمعاً ي� تحقيق أرباح ي‬

‫اعتبارات بيئية تتصدى له‬

‫محاصيل نباتية يتم حصادها إلنتاج الوقود الحيوي‬

‫ن‬ ‫ثا� أكسيد‬ ‫للوقود الحيوي ي‬ ‫تأث�ات عىل انبعاثات ي‬ ‫الكربون خالل ت‬ ‫عملي� إنتاجه وحرقه‪ ،‬وهي ف ي� مجملها‬ ‫أقل من تأث� الوقود ي أ‬ ‫الحفوري‪ ،‬إذ إن الكربون الذي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫جو‬ ‫تكون مؤخراً ي� ِّ‬ ‫يتم إطالقه ي� الهواء كان قد ّ‬


‫زراعة الطحالب إلنتاج الوقود الحيوي‬

‫إن التوسع غير المدروس‬ ‫إلنتاج الوقود الحيوي‬ ‫يتهدد األمن الغذائي ألشد‬ ‫ً‬ ‫فقرا‪ ،‬إذ ينفق‬ ‫سكان العالم‬ ‫كثير منهم أكثر من نصف‬ ‫مداخيل أسرهم على توفير‬ ‫الغذاء‪..‬‬

‫النسان‬ ‫وقود للسيارات على حساب قوت إ‬

‫أ‬ ‫الرض‪ ،‬أما الكربون الذي يتم إطالقه من الوقود‬ ‫أ‬ ‫الجو منذ ي ن‬ ‫مالي�‬ ‫الحفوري فقد تمت إزالته من ِّ‬ ‫ين‬ ‫السن�‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� أجريت عىل الديزل الحيوي‬ ‫وقد بينت التجارب ي‬ ‫احتواءه عىل كميات أقل من المركبات العطرية عند‬ ‫«ب�وفلور ي ن‬ ‫كمرك� ن ز‬ ‫انث�»‬ ‫مقارنته بالديزل التقليدي‪ ،‬ب ي‬ ‫نز‬ ‫وب�ين»‪ .‬كما لوحظ انخفاض بنسبة ‪ 20‬بالمئة‬ ‫و«ب� ي‬ ‫ف ي� الجزيئات الدقيقة العالقة المنبعثة من الديزل‬ ‫الحيوي وانخفاض ف ي� انبعاث المركبات العضوية‬ ‫الك�يت مع زيادة ف ي� انبعاث‬ ‫المتطايرة وأكاسيد ب‬ ‫أكاسيد ت‬ ‫الني� ي ن‬ ‫وج� بنسبة ‪ 10‬بالمئة لوقود الديزل‬ ‫‪.B100‬‬ ‫ن‬ ‫ثا� أكسيد الكربون الناجمة عن‬ ‫وتعتمد انبعاثات ي‬ ‫كث� من العوامل‪ ،‬من أهمها‬ ‫الوقود الحيوي عىل ي‬ ‫طريقة تصنيعه ومصادر الخامات وكيفية نقلها إىل‬ ‫الكب�ة من الوقود التقليدي‬ ‫مصانع إ‬ ‫النتاج والكميات ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫بالضافة إىل‬ ‫ال� سوف تستهلك ي� مزارع إنتاجه‪ ،‬إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫أنواع المخصبات الزراعية المستخدمة ي� إنتاجه‪،‬‬ ‫فمثال ينبعث من أ‬ ‫السمدة ت‬ ‫الني�وجينة غاز أكسيد‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ثا� أكسيد‬ ‫الني�وز‪ ،‬وهذا الغاز يفوق ي‬ ‫تأث� غاز ي‬ ‫ف‬ ‫الكربون ي� االحتباس الحراري بنحو ‪ 300‬مرة‪.‬‬ ‫أ ض‬ ‫ا� لزراعة محاصيل الطاقة‪،‬‬ ‫إن استغالل الر ي‬ ‫والهرولة نحو تحويل الحقول الزراعية المنتجة‬ ‫للمحاصيل الغذائية المخصصة لالستهالك آ‬ ‫الدمي‬

‫مساحات شاسعة من أ‬ ‫الراضي الزراعية تم تخصيصها لزراعة محاصيل الطاقة‬

‫ن‬ ‫الحيوا� إىل حقول إلنتاج الوقود الحيوي‪ ،‬يتسبب‬ ‫أو‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫كث� من‬ ‫ي� خلل ي� التنوع الزراعي العالمي‪ ،‬واجتثاث ي‬ ‫الغابات والمحميات الطبيعية‪ ،‬وزيادة ف ي� معدالت‬ ‫انجراف ت‬ ‫ال�بة‪ ،‬واستهالك لكميات هائلة من المياه‬ ‫ت‬ ‫العذبة‪ ،‬وتقدر بعض الدراسات أن إنتاج ل� واحد‬ ‫من الوقود الحيوي يحتاج إىل ‪ 5000‬تل� ماء‪ ،‬وأن‬ ‫اليثانول يحتاج ‪ -‬مثال ً ‪ -‬إىل ‪231‬‬ ‫إنتاج ‪ 13‬تل�اً من إ‬ ‫كيلوغراماً من الذرة‪.‬‬ ‫كما يتسبب الوقود الحيوي ف ي� ارتفاع مستوى تلوث‬ ‫الكب�ة من‬ ‫المياه والهواء الناجم عن الكميات ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تتطلبها زراعة‬ ‫المبيدات الزراعية والسمدة ي‬ ‫محاصيل الطاقة‪ ،‬كما سيؤثِّر عىل جودة ت‬ ‫ال�بة‬ ‫وينهكها‪ ،‬بينما زراعة أ‬ ‫الشجار المعمرة يحسن من‬ ‫جودة ت‬ ‫كب�ة‬ ‫ال�بة ويساعد عىل امتصاص كميات ي‬ ‫من الكربون من الهواء‪ .‬ويختلف هذا عن زراعة‬ ‫وغ�ها ت‬ ‫ال� يتم‬ ‫المحاصيل الموسمية كالذرة‬ ‫والشع� ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫حصادها بشكل دوري الستخالص الوقود منها‪ .‬أضف‬ ‫إىل ذلك أن إزالة بقايا النباتات من ت‬ ‫ال�بة الستخدامها‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الثا� من الوقود الحيوي يؤدي إىل‬ ‫ي� إنتاج الجيل ي‬ ‫تراجع خصوبة ت‬ ‫كب�‪.‬‬ ‫ال�بة بشكل ي‬

‫كث� من الدراسات عىل أن مساهمة الوقود‬ ‫وتجمع ي‬ ‫ف‬ ‫وتش�‬ ‫الحيوي السائل ي� قطاع النقل ستظل محدودة‪ .‬ي‬ ‫بيانات وكالة الطاقة الدولية إىل أن الكتلة الحيوية قد‬ ‫أسهمت بنسبة ‪ 10‬بالمئة من الوقود إلنتاج الطاقة عىل‬ ‫الصعيد العالمي ف ي� عام ‪2012‬م‪ ،‬كما أسهمت بقية‬ ‫مصادر الطاقة المتجددة أ‬ ‫الخرى بنسبة ‪ 3.4‬بالمئة‪.‬‬ ‫أما ف ي� بلدان منظمة التعاون والتنمية االقتصادية‪ ،‬فإن‬ ‫حصة وقود الكتلة الحيوية بلغت ‪ 5.3‬بالمئة‪ ،‬وجميع‬ ‫مصادر الطاقة المتجددة أ‬ ‫الخرى بلغت ‪ 4‬بالمئة‬ ‫ف ي� عام ‪2013‬م‪ .‬ومع استثناء إاليثانول الذي تنتجه‬ ‫تعت� تكاليف إنتاجه‬ ‫بال�ازيل من قصب السكر الذي ب‬ ‫هي أ‬ ‫ال ن‬ ‫د� ي ن‬ ‫ب� بلدان العالم المنتجة للوقود الحيوي‪،‬‬ ‫فإن هذا النوع من الوقود حالياً ال يستطيع أن ينافس‬ ‫الوقود أ‬ ‫الحفوري من دون الحصول عىل إعانات‬ ‫حكومية وتسهيالت خاصة‪ ،‬وحوافز �ض يبية مكَّ نته من‬ ‫ف‬ ‫كث� من الحاالت‪.‬‬ ‫الصمود التجاري ي� ي‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪39 | 38‬‬

‫من المختبر‬

‫ً‬ ‫تلقائيا‬ ‫أحذية رياضية أربطتها ُتعقد‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫التطورات الرائدة في مجال الذكاء الصناعي لن تبقى قابعة في المختبرات‪ ،‬بل‬ ‫ستصبح حاضرة بين أيدينا في ما نلبس أو نستعمل من أدوات‪.‬‬ ‫هكذا ستطلق شركة «نايكي» أ‬ ‫للدوات الرياضية أحذية رياضية ذكية‪ ،‬لها أربطة‬ ‫أ‬ ‫تعمل بطريقة تلقائية لحظة انتعالها والخطو على الرض‪ .‬فقد أعلنت الشركة أنها‬ ‫أ‬ ‫سمته «نايكي هايبر أدابت‬ ‫ستنزل إلى السواق‪ ،‬بنهاية هذا العام‪ ،‬منتجاً جديداً َّ‬ ‫‪ ،»1.0‬شبيه بذلك الذي ظهر في ِفلم الخيال العلمي سنة ‪1989‬م «العودة إلى‬ ‫المستقبل ‪ -‬الجزء الثاني»‪ .‬وكان العمل على تصميم هذا الحذاء الذكي قد بدأ منذ‬ ‫عام ‪2013‬م‪.‬‬ ‫ويوضح «ستيفاني بيرز»‪ ،‬كبير المبتكرين في الشركة أنه «في اللحظة التي تخطو‬ ‫فيها بالحذاء‪ ،‬فإن كعبك يصيب جهاز استشعار يجعل بدوره النظام يشد‬ ‫أ‬ ‫زران على الجانب لتشديد الرباط أو تخفيفه يدوياً‪ .‬ويمكنك‬ ‫الربطة‪ ،‬وهناك َّ‬ ‫تعديله ليصبح مثالياً»‪.‬‬ ‫وستكون أ‬ ‫الحذية متوافرة بثالثة ألوان فضال ً عن ميزة بعض النعال المضيئة‬ ‫والخيوط المتوهجة على الجوانب‪.‬‬ ‫اللكترونية التي تعمل‬ ‫وتقوم عملية الربط التلقائي على نظام من البكرات إ‬ ‫ببطاريات مصغرة تستمر لمدة أسبوعين بعد شحنها‪.‬‬ ‫وليس هناك من كلمة حول سعر الحذاء الذكي حتى آ‬ ‫الن‪ ،‬لكنه سيكون متاحاً فقط‬ ‫لمستخدمي تطبيق «نايكي ‪ .»+‬وتأمل الشركة المص ّنعة أن يكون الحذاء متوفراً‬ ‫على الرفوف االفتراضية بحلول نهاية هذا العام‪.‬‬

‫الصق ذكي من‬ ‫َّ‬ ‫يتحكم‬ ‫األنسولين‬ ‫بمستويات السكر‬ ‫في الدم‬

‫‪http://www.iflscience.com/technology/nike-will-release-self‬‬‫‪lacing-shoes-end-year‬‬

‫يتعين على أ‬ ‫الشخاص الذين يعانون مرض السكري‬ ‫َّ‬ ‫الرصد الدائم لما يتناولونه من السكر‪ ،‬وكذلك لحقن‬ ‫أنفسهم أ‬ ‫بالنسولين بشكل منتظم لتعديل مستويات‬ ‫السكر في الدم‪ .‬وغالباً ما تكون هذه العملية مؤلمة‬ ‫وغير دقيقة‪ .‬ويقول «جون بوز» أستاذ الطب في‬ ‫جامعة كارولينا الشمالية «إن التحكم بمستويات‬ ‫السكر أمر صعب على المرضى‪ ،‬ألن عليهم التفكير‬ ‫به ‪ 24‬ساعة في اليوم‪ ،‬سبعة أيام في أ‬ ‫السبوع‪ ،‬لبقية‬ ‫حياتهم»‪ .‬ومعروف أن هناك ‪ 387‬مليون مريض بداء‬ ‫السكري على مستوى العالم‪ .‬وأمام هؤالء فرصة‬ ‫واعدة بمنحهم بعض الوقت للراحة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فقد طور باحثون من الجامعة المذكورة نوعا من‬

‫مكون من مربع البوليمر‪ ،‬تتو َّزع على‬ ‫الصق ذكي ّ‬ ‫سطحه مجموعة من إالبر الصغيرة‪ .‬ويحتوي هذا‬ ‫البوليمر الحيوي على خاليا «بيتا» حية‪ ،‬وهي‬ ‫المسؤولة عن إنتاج أ‬ ‫النسولين‪.‬‬ ‫والواقع أن محاولة زرع خاليا «بيتا» قديمة‪ .‬وتعود‬ ‫إلى السبعينيات من القرن الماضي‪ .‬وأول محاولة‬ ‫ناجحة كانت في عام ‪1990‬م‪ ،‬لكن ولسوء الحظ‪ ،‬فإن‬ ‫معدل رفض الجسم لهذه الخاليا كان مرتفعاً جداً‪.‬‬ ‫واالكتشاف الجديد يوفر إمكانية حل هذه المشكلة كما‬ ‫يقول ذهين غو‪ ،‬أ‬ ‫الستاذ المساعد في قسم الهندسة‬ ‫الطبية الحيوية في الجامعة‪ ،‬الذي أوضح «أن بإمكاننا‬ ‫بناء جسر بين إالشارات الفيزيولوجية داخل الجسم‬ ‫وهذه الخاليا العالجية خارجه‪ ،‬لتقوم بالمهمة‬ ‫المتوخاة»‪.‬‬ ‫كبسولة خاليا «بيتا» ليست هي التطوير الوحيد في‬ ‫فالبر مغطاة بثالث مواد كيميائية‬ ‫هذا الالصق الذكي‪ .‬إ‬ ‫تعمل كمكبرات إلشارات الغلوكوز‪ ،‬بحيث تضمن أن‬ ‫خاليا «بيتا» تعرف أن مستوى السكر في الدم يرتفع‪،‬‬ ‫فتبدأ بإنتاج أ‬ ‫النسولين‪.‬‬ ‫إنه اكتشاف واعد‪ ،‬لكن ال يزال عليه أن يمر بتعديالت‬ ‫إضافية‪ ،‬وبتجارب ما قبل العالج‪ ،‬وفي نهاية المطاف‪،‬‬ ‫بتجارب على إالنسان‪.‬‬ ‫‪http://www.iflscience.com/health-and‬‬‫‪medicine/new-advancement-insulin‬‬‫‪smart-patch‬‬


‫االسم المعياري‬ ‫الروبوت‪..‬أرخص عامل نظافة‬

‫باتت أسعار المنتجات التقنية المتطورة ذات مسار معروف‪ .‬فهي باهظة جداً عند‬ ‫ظهورها‪ ،‬ومن ثم تروح تتدنى شيئاً فشيئاً‪ ،‬حتى تصبح في متناول الجميع‪ .‬وينطبق‬ ‫ذلك كما نعرف‪ ،‬على كل شيء من حولنا‪ ،‬من أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية‬ ‫والن جاء زمن شيوع الرجال آ‬ ‫إلى آالت التصوير واللكترونيات المنزلية‪ .‬آ‬ ‫الليين‪.‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫فالمفاجأة الجديدة في روبوت «برافا» من شركة «آي روبوت» المريكية ال تقتصر‬ ‫على التكنولوجيا‪ ،‬إنما في السعر‪ 200 :‬دوالر أمريكي فقط‪.‬‬ ‫وهذا الروبوت مخصص لتنظيف ومسح أ‬ ‫الرضية الصلبة كالحمامات والمطابخ‪.‬‬ ‫والستخدامه‪ ،‬علينا فقط إضافة الماء إلى خزان في أعاله‪ ،‬وتعليق ممسحة في‬ ‫عندئذ برش الماء أمامه ثم ينظف‬ ‫أسفله والضغط على زر «نظِّف»‪ .‬فيبدأ الروبوت‬ ‫ٍ‬ ‫البقعة الرطبة بالممسحة‪ .‬ويمكن تزويده بثالثة أنواع من المماسح‪ :‬رطبة‪ ،‬مبللة‪،‬‬ ‫وجافة‪ .‬وبإمكانه التمييز بينها ليقوم بالتنظيف المناسب‪.‬‬ ‫وبعدما اشتكى المستهلكون سابقاً من أن عليهم دائماً «تنظيف روبوت التنظيف»‪،‬‬ ‫فإن ميزة «برافا» هي أيضاً في سهولة تنظيفه‪ .‬فعند انتهاء التنظيف‪ ،‬ليس عليك‬ ‫لمس الممسحة الوسخة‪ ،‬فحجمه الصغير ووزنه الخفيف يخولك حمله فوق سلة‬ ‫المهمالت والضغط على زر لتسقط الممسحة فيها‪ .‬كما أنه ال يحتوي على خزان‬ ‫للمياه المستعملة يتطلب التنظيف بدوره‪ .‬ويعمل الروبوت بواسطة بطارية ليثيوم‬ ‫أيون قابلة للشحن في الجدار‪ .‬وهكذا تتخلص من فوضى ومتاعب أ‬ ‫السالك‪.‬‬ ‫وتقول شركة «آي روبوت» إن «برافا» يبدو بسيطاً للغاية‪ ،‬لكن الشركة حشرت كثيراً‬ ‫فعال‪ .‬فرأس‬ ‫من الهندسة الذكية في داخله‪ ،‬للتأكد من التحرك والتنظيف بشكل َّ‬ ‫الماسح‪ ،‬حيث نعلِّق الممسحة‪ ،‬يرتج لتسهيل إزالة الوسخ والبقع بالكامل‪.‬‬ ‫عداد المسافات في العجالت‬ ‫وللتحرك‪ ،‬يستخدم برافا طريقة جديدة تستعمل ّ‬ ‫ونوعاً من البوصلة لوضع خريطة لما حوله‪ ،‬تغطي حوالي ‪ 14‬متراً مربعاً‪ ،‬أو‬ ‫معين‪ ،‬فعليك أن تضع‬ ‫مساحة غرفة نوم عادية‪ .‬وإذا أردت َّأل يتحرك في اتجاه َّ‬ ‫خلفيته مقابلها‪ .‬فيقوم الروبوت عند ذلك بوضع جدار افتراضي في خريطته لئال‬ ‫يعبرها‪.‬‬ ‫الثاث وسالل النفايات وغيرها من أ‬ ‫ويتمتع «برافا» بفن المناورة حول أ‬ ‫الدوات‬ ‫المنزلية لتنظيف كل بقعة‪.‬‬ ‫مع هذا الروبوت الجديد‪ ،‬يبدو واضحاً أن شركة «آي روبوت» تستهدف أوسع‬ ‫شريحة من المستهلكين المتوسطي الحال الذين سيكون «برافا» أول روبوت تنظيف‬ ‫يستعملونه‪.‬‬ ‫‪http://spectrum.ieee.org/automaton/robotics/home-robots/‬‬ ‫‪irobot-braava-jet-mopping-robot‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫كولوم‬

‫شارل ‪ -‬أوغستان دو كولوم‬

‫نس متعدد االهتمامات‪ ،‬درس‬ ‫شارل ‪ -‬أوغستان دو أكولوم عالم فر ي‬ ‫ف‬ ‫القوى الفاعلة ي ن‬ ‫ً‬ ‫وفصلها ي� قانون يُنسب‬ ‫ب� الجسام المشحونة كهربيا ّ‬ ‫إليه (قانون كولوم)‪ .‬كما أن اسمه هو الوحدة المعيارية العالمية لقياس‬ ‫الشحنة الكهربية‪.‬‬ ‫عاش كولوم ي ن‬ ‫ب� عامي ‪ 1736‬و‪1806‬م‪ .‬وأتاح له انتماؤه ألرسة أرستقراطية‬ ‫ف‬ ‫نافذة تعليماً ممتازاً فانغمس ي� دراسة الرياضيات قبل أن يلتحق بالسلك‬ ‫العسكري كمهندس إنشاءات‪ .‬وبعد عودته مريضاً من المستعمرات‬ ‫الفرنسية ف ي�‬ ‫الكاري�‪ ،‬واصل تعزيز سمعته ف ي� فرنسا كمتخصص ال يُشق‬ ‫بي‬ ‫له غبار ف ي� خواص مواد البناء‪ .‬لكن التكريم العريض الذي حظي به جلب‬ ‫كث�اً من العداوات ي ن‬ ‫ب� المتنفذين ف ي� الجهاز الحكومي‪ .‬هكذا‬ ‫له كذلك ي‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ين‬ ‫قرر كولوم ف ي�‬ ‫ووجه اهتمامه‬ ‫الثالث� من عمره أن يع�ل مجال تخصصه ّ‬ ‫صوب ي ز‬ ‫الف�ياء‪ ..‬وتحديداً إىل الخواص الكهربية والمغناطيسية للمواد‪.‬‬ ‫ب� عامي ‪ 1785‬و‪1791‬م‪ ،‬ن�ش كولوم سبع أوراق بحثية مهمة �ف‬ ‫ين‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫المغناطيسية والكهرباء‪ .‬وهذا ما قاده ي� النهاية إىل صياغة قانونه الخاص‬ ‫ين‬ ‫الذي ينص عىل أن «قوة التجاذب أو التنافر ي ن‬ ‫شحنت� ف ي� الفراغ‬ ‫ب�‬ ‫تتناسب طردياً مع القيمة المطلقة لحاصل �ض ب شحنتيهما‪ ،‬وعكسياً‬ ‫مع مربع المسافة بينهما»‪ .‬وقد أدى هذا الفهم إىل فتوحات عديدة ف ي�‬ ‫وح� أ‬ ‫ب� الجسيمات الذرية ت‬ ‫دراسات قوى الجذب ي ن‬ ‫الجرام الكونية‪.‬‬ ‫مع قيام الثورة الفرنسية‪ُ ،‬ج ّرد كولوم من معظم امتيازات الطبقة‬ ‫أ‬ ‫وأج� عىل االستقالة من الجيش‪ .‬ض‬ ‫فق� المرحلة التالية من‬ ‫الرستقراطية ب‬ ‫حياته متفرغاً للبحث العلمي ليدرس الهندسة الميكانيكية ولزوجة السوائل‬ ‫ف‬ ‫و� العام ‪1806‬م‬ ‫ي‬ ‫وتأث� المناخ والغذاء عىل الوظائف الحيوية للإنسان‪ .‬ي‬ ‫تعاظم عليه أثر المرض الذي طارده منذ أيام خدمته ف ي� الهند الغربية‬ ‫ف‬ ‫بالبحر‬ ‫أخ�اً مخلفاً إرثاً علمياً حافالً‪.‬‬ ‫الكاري� ليتو� ي‬ ‫بي‬ ‫يغ� أن إعادة االعتبار لكولوم تحققت بعد نحو قرن‪ .‬ي ن‬ ‫فح� صمم‬ ‫ال�ج‬ ‫الشه� ف ي� باريس‪ ،‬نقش أسماء ‪َ 72‬علَماً �ش ّفوا فرنسا‬ ‫ي‬ ‫غوستاف إيفل ب‬ ‫ب� عامي ‪ 1789‬و‪1889‬م بأحرف ذهبية عىل حافة سياج الطابق أ‬ ‫ين‬ ‫الول‬ ‫ف‬ ‫لل�ج‪ ،‬وكان من بينهم كولوم الذي اع ُتمد اسمه � النظام ت‬ ‫الم�ي معياراً‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫لقياس الشحنة الكهربائية ت‬ ‫(أمب�) واحد ي� ثانية‬ ‫ال� يحملها تيار مقداره ي‬ ‫ي‬ ‫واحدة‪.‬‬


‫‪41 | 40‬‬

‫ماذا لو؟‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫ماذا لو لم‬ ‫ُ‬ ‫يطف الجليد‬ ‫على الماء؟‬ ‫ُعمير طيبة‬

‫‪4‬‬

‫كلنا يعلم أن الجليد يطفو عىل الماء‪.‬‬ ‫وقد استنتج أرخميدس قبل قرون أن‬ ‫المواد الصلبة أ‬ ‫القل كثافة من المادة‬ ‫ن‬ ‫يع� أن الثلج‬ ‫المائعة تطفو والعكس صحيح‪ .‬ما ي‬ ‫أقل كثافة من الماء‪.‬‬ ‫تتمدد‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬نعلم أن أحجام المواد َّ‬ ‫تحولت المادة من‬ ‫بالحرارة وتتقلَّص ب‬ ‫بال�ودة‪ .‬وإذا َّ‬ ‫تتغ�‬ ‫صفة سائلة إىل صفة صلبة‪ ،‬فإن كتلتها ال ي‬ ‫�ض‬ ‫تحول الماء إىل جليد‪ ،‬فإن تقلّص‬ ‫بال ورة‪ .‬وعند ّ‬ ‫ن‬ ‫يع� ببساطة‬ ‫حجم الجسم مع‬ ‫عدم نقص كتلته ي‬ ‫أن كثافته قد زادت‪ .‬ألن الكثافة هي معدل كتلة‬ ‫الجسم بالنسبة لحجمه‪.‬‬ ‫إذاً لماذا يطفو الجليد البارد عىل الماء؟ الواقع‬ ‫أنه ولحسن الحظ‪ ،‬فإن الماء وبعض المواد‬ ‫أ‬ ‫الخرى ‪ -‬كحمض الخل والسيليكون ‪ -‬تشكِّل استثنا ًء‬ ‫للقاعدة‪ ،‬وال ينطبق عليها قانون التمدد والتقلص‪.‬‬ ‫الماء بالذات يصل أل بك� كثافة (أقل حجم) عند‬ ‫درجة حرارة ‪ 4‬مئوية‪ .‬ومن المعلوم أن درجة تجمد‬ ‫الماء هي صفر مئوية‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫فلو أن كثافة الماء واصلت االزدياد لما دون أ‬ ‫الربع‬ ‫درجات مئوية ت‬ ‫وح� درجة التجمد‪ ،‬فإنه وبحسب‬ ‫ين‬ ‫قوان� أرخميدس‪ ،‬لن يطفو‪ ..‬وسيغرق! وسيكون‬ ‫ف‬ ‫كب� وجذري عىل الحياة ي� الكرة‬ ‫تأث� ي‬ ‫لذلك ي‬ ‫أ‬ ‫الرضية‪ .‬ببساطة سيغطي الثلج كامل سطح الكرة‬ ‫أ‬ ‫الرضية‪ .‬كيف‪ ،‬وقد قلنا للتو إن الجليد سيغرق‬ ‫نتخيل‬ ‫معظمه تحت الماء؟ يك نفهم ذلك دعونا ّ‬ ‫ستتغ� خصائصه بدءاً من‬ ‫أن الجليد كما نعرفه‬ ‫ي‬ ‫الشتاء القادم‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تغطي‬ ‫ابتدا ًء‪ ،‬ستغرق كتلة الجليد الهائلة ي‬ ‫الشمال بأرسه‪ .‬وبما أن المحيط‬ ‫المحيط المتجمد‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫كث�ا وسيغطي قاع‬ ‫بارد شتا ًء‪ ،‬فلن يذوب الثلج ي‬ ‫المحيط‪ .‬وعىل مر فصل الشتاء‪ ،‬ت‬ ‫سي�اكم الثلج‬ ‫الهاطل عىل المحيط ف ي� قاعه‪ .‬وبالنسبة للقطب‬ ‫الجنو� ستحصل عملية مشابهة مع فرق كون ما‬ ‫بي‬ ‫تحت الثلج هناك هو قارة يابسة بدال ً من محيط‪.‬‬ ‫عموماً‪ ،‬عندما ّ‬ ‫يحل فصل الصيف فلن يذوب‬ ‫أ‬ ‫الجليد المركوم ف ي� القاع‪ ،‬لن حرارة الشمس‬ ‫ال تصل إىل أعماق المحيط‪ .‬وهكذا سيظل الثلج ف ي�‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫تراكم إىل أن يتجمد معظم المحيط ما عدا طبقة‬ ‫ضحلة قريبة من السطح‪ .‬هذه الطبقة الضحلة‬ ‫سيتغ� عمقها بحسب فصول السنة‪ .‬وسيكون هذا‬ ‫ي َّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ست�د كوكبنا‬ ‫ال� ب ّ‬ ‫المحيط المتجمد بم�لة الثالجة ي‬ ‫كله بما ّ‬ ‫يخل بتوازن الحياة عليه‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ولكننا هنا أهملنا التيارات ي� المحيطات‪ .‬هذه‬ ‫التيارات مهمة ف� نقل الحرارة حول أ‬ ‫الرض‪ .‬من‬ ‫ي‬ ‫المرجح أنها ستخلق أودية تجري فيها أنهار بحرية‬ ‫ال� ي ن‬ ‫اك� الموجودة ف ي� قيعان‬ ‫ستكون منابعها حول ب‬ ‫أ‬ ‫المحيطات‪ .‬وستشكّل هذه النهار شكل الجليد‬ ‫الناتج كما تشكل الرياح أشكال الجبال عىل سطح‬ ‫أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫المحصلة النهائية هي موت الغالبية العظمى من‬ ‫الكائنات الحية البحرية بسبب الجليد والكائنات‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تتحمل الدرجات المنخفضة‪.‬‬ ‫ب‬ ‫ال�ية ي‬ ‫أ‬ ‫سيتغ� المناخ العام للكرة الرضية‬ ‫وبطبيعة الحال‬ ‫ي‬ ‫جذرياً بما فيه حركة ّالرياح ومستوى أ‬ ‫المطار لقلة‬ ‫تبخر الماء من عىل سطح المحيطات‪ .‬كل ذلك ألن‬ ‫يطف‪.‬‬ ‫الجليد غرق‪ ..‬ولم ُ‬


‫د‪ .‬محمد آل محروس‬

‫بروتينات‬ ‫الرياضيين‪..‬‬ ‫ً‬ ‫حقا آمنة؟‬ ‫هل هي‬

‫حياتنا اليوم‬

‫يزداد اإلقبال على المنتجات البروتينية‬ ‫واألحماض األمينية من قبل الشباب‬ ‫الم ِّ‬ ‫اليافع ُ‬ ‫تأثر بأجواء صاالت كمال األجسام‬ ‫ُ‬ ‫والم َ‬ ‫نجرف مع موجة «زيادة كتلة الجسم‬ ‫العضلية»‪ .‬إذ يعمد كثير من هؤالء إلى‬ ‫استخدام بروتينات تجارية جاهزة وأحماض‬ ‫أمينية ُم َع َّلبة بحجة َّأنها آمنة وال ُتسبب‬ ‫أي أضرار كتلك الناتجة عن استخدام‬ ‫األسترويدات والهرمونات المنشطة (على‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫فعال آمنة؟‬ ‫حد قولهم)‪ .‬فهل هذه المنتجات‬ ‫حينما يعتقد البعض َّ‬ ‫أن استهالك المنتجات‬ ‫البروتينية أمر صحي‪ ،‬فإننا في الطرف اآلخر‬ ‫أن يتم مسك العصاة‬ ‫نلفت االنتباه (من أجل ْ‬ ‫من الوسط) إلى توفر دالئل طبية تدل على‬ ‫َّ‬ ‫أن هذا االستخدام كفيل بالتسبب في آثار‬ ‫جانبية سلبية ترتبط باضطراب أعضاء حيوية‬ ‫رئيسة في جسم اإلنسان‪.‬‬


‫‪43 | 42‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫عند الحديث اقتصادياً عن‬ ‫والحماض أ‬ ‫البروتينات أ‬ ‫المينية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫نُالحظ ضخامة الرقام المرتبطة‬ ‫بتجارتها وكيف أنَّها تُ َشكِّل رافداً‬ ‫للمستفيدين‬ ‫اقتصادياً ُمربحاً ُ‬ ‫بالشارة إلى ما وثَّقه ديفيد ماجنين‬ ‫منها؛ وهنا نكتفي إ‬ ‫في «غلوب إند ميل» من أرقام خيالية ترتبط بهذه‬ ‫الصناعة التي تبلغ ‪ 2.7‬مليار دوالر أمريكي سنوياً‪.‬‬ ‫المرجح أن الثقل االقتصادي لهذه الصناعة هو‬ ‫ومن ّ‬ ‫ما يجعل الترويج لمنتجاتها أكبر من التحذير من‬ ‫استهالكها‪.‬‬ ‫إن البروتين مطلوب لبناء أ‬ ‫اللياف العضلية‪ ،‬كما أنه‬ ‫َّ‬ ‫مهم أيضاً لعديد من الوظائف الرئيسة في جسم‬ ‫النسان‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال بد من التشديد على محدودية‬ ‫إ‬ ‫نمو العضالت المتوقع‪ ،‬عندما تتجاوز كمية‬ ‫البروتينات المستهلكة من قبل العب كمال أ‬ ‫الجسام‬ ‫ِ‬ ‫حدها الطبيعي‪ .‬فالدراسات تؤكِّد غياب الدالئل‬ ‫أ‬ ‫فإن‬ ‫العلمية المتفق عليها بشأن هذا المر؛ وعليه‪َّ ،‬‬ ‫دغدغة لفكر اليافعين‬ ‫إ‬ ‫الم ِ‬ ‫الصرار على تكرار العبارة ُ‬ ‫أ‬ ‫والمهووسين من الشباب بلعبة كمال الجسام التي‬ ‫«أن تجاوز الحد الطبيعي في استهالك‬ ‫تنص على‪َّ :‬‬ ‫البروتين يُساعد على زيادة الحجم العضلي» هو أمر‬ ‫عار عن الصحة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن استهالك وحدات‬ ‫وال بد أيضاً من إ‬ ‫الشارة إلى َّ‬ ‫تعددة المصادر وحدها (بغض النظر‬ ‫الم ِّ‬ ‫البروتين ُ‬ ‫عن نقصها أو زيادتها)‪ ،‬ال يؤدي إلى زيادة حجم‬ ‫العضالت أيضاً‪ .‬إذ يعتقد بعض الشبان أنَّه بمجرد‬ ‫تقليله لمنسوب النشويات وتركيزه على البروتينات‬ ‫سيبني نسيجه العضلي تلقائياً‪ .‬وما يجب توضيحه‬ ‫هنا هو أن أول ما تطلبه عملية بناء أ‬ ‫اللياف العضلية‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫الجهد الحركي من خالل وضع الحمال عليها ودفعها‬ ‫للقيام ببقية تمارين المقاومة القادرة على إحداث‬ ‫جروح مجهرية في خيوطها‪ ،‬يترتب عليها سعي‬ ‫الجسم لترميمها‪ ،‬فينتج عن ُم ْج َمل عملية الترميم‬ ‫(هذه) استقطاب كميات مضاعفة من أ‬ ‫الغذية‬ ‫ُ‬ ‫والسوائل والتفاعالت أ‬ ‫اليضية في نطاق جغرافيتها‬ ‫العضلية‪ ،‬فينجم عن ذلك زيادة حجم النسيج‬ ‫فإن‬ ‫العضلي في تلك المنطقة الجسدية‪ .‬وعليه‪َّ ،‬‬ ‫استهالك البروتينات من أجل زيادة الكتلة العضلية‬ ‫دون نشاط بدني لن يجدي نفعاً‪.‬‬

‫الغذاء الطبيعي ٍ‬ ‫كاف لبناء‬ ‫عضالت جسم اإلنسان‪ ،‬دون‬ ‫الحاجة إلى أية مكمالت‬ ‫بروتينية تجارية‬

‫أن نمو العضالت يحتاج لدعم بروتيني مستمر‪،‬‬ ‫ومع َّ‬ ‫فهذا ال يعني أيضاً حتمية التوجه للمنتجات التجارية‬ ‫الم َت َم ِّثلة في الحبوب أو المساحيق وما شابهها؛‬ ‫ُ‬ ‫إذ يمكن أن يتحقق ذلك بكل سهولة من خالل‬ ‫الغذاء الطبيعي ومن دون الحاجة إلى أية مكمالت‬ ‫أن‬ ‫بروتينية تجارية‪ .‬وما يمكن إ‬ ‫الشارة إليه هنا هو َّ‬ ‫معظم أ‬ ‫الغذية في المطابخ العربية التقليدية غنية‬ ‫بالبروتينات‪ ،‬وقد يفوق محتوى بعض وجباتها ما‬ ‫فإن إضافة بروتينات‬ ‫يحتاجه إ‬ ‫النسان يومياً‪ .‬وعليه‪َّ ،‬‬ ‫تجارية في أغذية ُمرتادي الصاالت الرياضية ممن‬ ‫يتمتعون بغذاء متوازن لن تُجدي نفعاً‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن تكلفتها المادية الباهظة ومصادرها المجهولة‬ ‫وتأثيراتها الجانبية المتداخلة مع بقية أ‬ ‫الغذية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تقدم‪ ،‬فإنَّه في حال زادت نسبة‬ ‫وعلى أساس ما َّ‬ ‫المناسب لوزن‬ ‫البروتينات عن المعدل المطلوب ُ‬ ‫النسان‪ ،‬فال بد من حرق الزائد منها‬ ‫جسم إ‬ ‫واستخدامه كوقود (وهي عملية ُمجهدة مقارنةً بحرق‬ ‫عدة أساساً إلنتاج الطاقة في الجسم‬ ‫الم َّ‬ ‫النشويات ُ‬ ‫البشري) أثناء العملية الحيوية البنيوية‪ ،‬كي ال تتراكم‬ ‫في هيئة دهون زائدة في أ‬ ‫النسجة المختلفة؛ وهو‬ ‫أ‬ ‫السلوب المتوازن الذي يقوم به الجسم الصحيح‬ ‫أ‬ ‫أثناء التمارين الرياضية عند بنائه للياف عضلية‬ ‫جديدة خالصة من الشحوم‪ .‬فإذا كانت هذه هي‬ ‫حصلة‪ ،‬فما فائدة استهالك كميات زائدة من‬ ‫ُ‬ ‫الم ِّ‬ ‫البروتين إذاً؟‬

‫هل ما تحتويه المنتجات البروتينية‬ ‫من نسب صحيحة؟‬ ‫إن ما يُكتب على عبوات المنتجات البروتينية من‬ ‫َّ‬ ‫بيانات فيه كثير من التالعب والتغيير‪ .‬ونكتفي‬

‫بالشارة إلى ما أكَّدته بروفيسورة سالمة وأمن أ‬ ‫الغذية‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫أن أكثر‬ ‫مارينا هنون من جامعة هلسنكي‪ ،‬التي أثبتت َّ‬ ‫أ‬ ‫المسماة بالداعمة لبناء‬ ‫من ‪ %90‬من تركيبات الغذية ُ‬ ‫العضالت في الصاالت الرياضية هي تركيبات غير‬ ‫صحيحة‪ ،‬أي غير ُمعتمدة على أُ ُسس علمية واضحة‬ ‫تتوافق والنظم البيوكيميائية‪.‬‬ ‫أن المكونات المكتوبة على‬ ‫وأكثر من ذلك‪ ،‬تَ َب َّي َن أيضاً َّ‬ ‫قائمة عبوات المنتجات البروتينية التجارية المختلفة‬ ‫(بغض النظر عن عدم صحتها)‪ ،‬هي غير ُمطابقة‬ ‫لحقيقة ما هو موجود في داخلها؛ حيث كشفت‬ ‫أن بعض المكتوب على قائمة‬ ‫التحاليل المخبرية َّ‬ ‫عبواتها هو غير موجود حقيقة ضمن محتوياتها‪،‬‬ ‫أن بعض المحتويات غير مكتوب على قائمة‬ ‫كما َّ‬ ‫مكونات تلك العبوات (بسبب المحاذير المأخوذة‬ ‫عليه) إال أنه ‪ -‬في واقع أ‬ ‫المر ‪ -‬موجود داخلها دون‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫علم مستخدميها من العبي كمال الجسام‪ .‬ومن‬ ‫المستهلكين في‬ ‫أمثلة ذلك‪ ،‬ما كشفته هيئة تقارير ُ‬ ‫عام ‪2015‬م‪ ،‬حول وجود نسب غير آمنة من الزرنيخ‬ ‫والكادميوم والرصاص والزئبق في عديد من ماركات‬ ‫بودرة البروتين المفحوصة وغير ُم َس َّجلة عليها رسمياً‪.‬‬ ‫أن ثلث المنتجات البروتينية التجارية‬ ‫يُضاف إلى ذلك َّ‬ ‫المخصصة لكمال أ‬ ‫الجسام تحتوي على أسترويدات‬ ‫سجلة عليها‪ ،‬حيث‬ ‫ُم َبطَّنة بين محتوياتها وغير ُم َّ‬ ‫الضافات في «نيويورك تايمز» في‬ ‫تم فضح هذه إ‬ ‫عام ‪2013‬م؛ وهو أمر في غاية الخطورة‪ ،‬ال ِس َّي َما‬ ‫المنشطات الهرمونية‪،‬‬ ‫عند من يعتقد أنَّه بعيد عن ُ‬ ‫بينما هو يستهلكها من حيث ال يعلم‪ .‬وهنا نؤكِّد‬ ‫أن الوثائق في هذا الجانب كثيرة وال يسع المجال‬ ‫َّ‬ ‫لذكرها جميعاً‪ ،‬إال أننا نختتم هذا الجانب من‬


‫استهالك كميات كبيرة‬ ‫من البروتينات التجارية‬ ‫كفيل بالتسبب بكثير من‬ ‫االضطرابات الفسيولوجية‬ ‫في جسم العب كمال‬ ‫ً‬ ‫سلبا على‬ ‫األجسام والتأثير‬ ‫الكتلة العظمية والكليتين‪،‬‬ ‫والكبد‪..‬‬

‫الموضوع بالتقرير الذي تم نشره في عام ‪2015‬‬ ‫«إن موضوع‬ ‫من قبل (‪ )CBC‬الذي أفاد بما فحواه‪َّ :‬‬ ‫المضافة إلى العبوات‬ ‫التالعب في كمية البروتينات ُ‬ ‫هو أمر شائع بين الشركات»‪.‬‬

‫أ‬ ‫العراض الجانبية للمنتجات البروتينية‬

‫إن استهالك كميات كبيرة من البروتينات التجارية‬ ‫َّ‬ ‫(أو حتى في صيغتها الطبيعية من خالل مصادرها‬ ‫الغذائية المختلفة كاللحوم والبيض والفول وغيرها)‬ ‫كفيل بالتسبب بكثير من المشكالت الصحية عند‬ ‫الشارة إليه في هذا‬ ‫النسان؛ ومن أهم ما يجب إ‬ ‫إ‬ ‫الشأن‪ ،‬التالي‪:‬‬

‫زيادة الدهون في الجسم‬

‫كلما زادت كمية البروتينات في غذاء العب كمال‬ ‫أ‬ ‫الجسام فوق معدل حاجته اليومية (أي فوق الحد‬ ‫المناسب لوزنه)‪ ،‬زادت فرصة تراكم نسبة السعرات‬ ‫الحرارية في جسمه‪ .‬وما يجب توضيحه هنا هو‬ ‫هيأ لتخزين البروتينات‬ ‫َّ‬ ‫أن الجسم البشري غير ُم َّ‬ ‫الزائدة عن احتياجه الفعلي في أنسجته الحيوية؛‬ ‫فإن لم يتم حرق ذلك التراكم البروتيني الزائد من‬ ‫ْ‬ ‫خالل زيادة النشاط البدني أو من خالل زيادة حركة‬ ‫أ‬ ‫اللياف العضلية‪ ،‬ومن ثم تَصييرها طاقة داعمة‬ ‫في هيئة سعرات حرارية داخلة في عملية البناء‪،‬‬ ‫ستتم َّثل في تحويل تلك‬ ‫َّ‬ ‫فإن النتيجة الحتمية حينئذ َ‬ ‫ً‬ ‫الزيادة البروتينية تدريجيا إلى دهون يتم تخزينها‬ ‫في أ‬ ‫النسجة صفاً بصف مع أ‬ ‫اللياف العضلية؛ وهو‬ ‫أ‬ ‫المر الذي يمكننا مالحظته في مجموعة يُع َتد بها من‬ ‫ُمرتادي الصاالت الرياضية‪.‬‬

‫تأثُّر الكتلة العظمية والكليتين‬

‫إن االستهالك العالي للمنتجات البروتينية يرتبط‬ ‫َّ‬ ‫طردياً مع الناتج النهائي المتراكم من أ‬ ‫الحماض في‬ ‫ُ‬ ‫الجسم؛ وعند الرجوع إلى أصل حكاية تلك الزيادة‬ ‫البروتينية‪ ،‬س ُنالحظ أنَّها تؤدي في أساسها إلى زيادة‬

‫‪ 190‬باوند‬ ‫أولية في إنتاج مادتي السلفيت والفوسفيت؛ أ‬ ‫المر‬ ‫الذي يدفع الكليتين إلى العمل على محاولة تحقيق‬ ‫توازن في أ‬ ‫الحماض من خالل إخراج كمية أكبر منها‬ ‫(وهي نقطة ترتبط بشكل مباشر بعمل الكليتين‬ ‫ووضع جهد ُمضاعف عليهما) بسبب زيادة عملها في‬ ‫إخراج المنتجات السمية المسماة بالكيتونات التي‬ ‫تتراكم طردياً مع ارتفاع كمية استهالك أ‬ ‫الحماض‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المينية البروتينية‪ .‬وقد َركَّزت على هذا المر‬ ‫مؤسسات علمية عديدة‪ ،‬تأتي على رأس قائمتها‬ ‫الهيئة البريطانية للنظم الغذائية (‪The British‬‬ ‫الشارة لنتائجها‬ ‫‪ )Dietetic Association‬التي َّتمت إ‬ ‫في كثير من الصحف والمجالت العلمية‪.‬‬ ‫أما النقطة أ‬ ‫الخرى المهمة‪ ،‬فتكمن في تحرك الجهاز‬ ‫َّ‬ ‫العظمي نحو تحرير محتواه من الكالسيوم‪ ،‬الذي‬ ‫يتم خسارته في البول (أو من خالل امتصاص‬ ‫الكالسيوم بواسطة البروتين في أ‬ ‫المعاء) من أجل‬ ‫تحقيق توازن فسيولوجي مع تلك الزيادة الحاصلة‬ ‫الحماض المتراكمة؛ أ‬ ‫في كمية أ‬ ‫المر الذي يترتب عليه‬ ‫ُ‬ ‫الصابة بهشاشة العظام على المدى‬ ‫زيادة خطر إ‬ ‫البعيد‪.‬‬

‫الجفاف‬

‫إن الكمية العالية من بودرة البروتين (خصوصاً‬ ‫َّ‬ ‫عند قلة النشويات) تؤدي إلى زيادة تراكم سموم‬ ‫الكيتون في الجسم‪ .‬وعليه‪ ،‬يزداد عمل الكليتين‬ ‫طردياً من أجل التخلص من تلك المواد الكيتونية‬ ‫السامة من خالل سحب كمية مضاعفة من المياه من‬ ‫الجسم التي تخرج منه بوال؛ أ‬ ‫المر الذي يتسبب في‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الصابة بالجفاف خصوصا عند القيام‬ ‫زيادة خطر إ‬ ‫للتعرق‪.‬‬ ‫المحفزة‬ ‫البدنية‬ ‫بالنشاطات‬ ‫ّ‬ ‫ال يتسبب هذا الجفاف فقط في إجهاد الكليتين‪ ،‬بل‬ ‫هو قادر أيضاً على التأثير في القلب عند وصوله‬ ‫إلى مراحل متقدمة‪ .‬كما أن هناك آثاراً جانبية أخرى‬

‫ً‬ ‫جراما‬ ‫‪68‬‬ ‫مصاحبة غير مرغوب فيها تُرافق حالة الجفاف تشمل‬ ‫الشعور بالدوار والفتور والنفس الكريه وغيرها من‬ ‫آثار جانبية سلبية‪.‬‬

‫تأثُّر الكبد‬

‫تضاعفت في العقد أ‬ ‫الخير مشكالت الكبد الناتجة‬ ‫والحماض أ‬ ‫عن استهالك هذه البروتينات أ‬ ‫المينية‬ ‫بمعدل ثالث مرات؛ وكانت أغلبية هذه الحاالت‬ ‫الجسام‪ .‬وقد وصل أ‬ ‫ترتبط برياضة كمال أ‬ ‫المر بكثير‬ ‫من هذه الحاالت إلى الخضوع لعملية زراعة كبد‪،‬‬ ‫وفي حاالت أخرى كانت النتيجة هي الوفاة بسبب‬ ‫أ‬ ‫المرتَ ِبطَة بالكبد‪.‬‬ ‫تأثُّر بقية الجهزة ُ‬

‫كشف مواد خطرة في المنتجات‬ ‫البروتينية‬

‫أعلنت هيئة الغذاء والدواء أ‬ ‫المريكية في تقرير‬ ‫نشرته عام ‪2002‬م أنه يتم تسجيل ما يُعادل ‪50000‬‬ ‫مشكلة صحية في كل عام بسبب المنتجات البروتينية‬ ‫في الصاالت الرياضية على اختالف أنواعها‪ .‬وقد‬ ‫تمت الشارة إلى هذا أ‬ ‫المر في أكثر من نشرة طبية؛‬ ‫إ‬ ‫أن النسبة‬ ‫كما تم الكشف بعد الدراسة والتنقيب‪َّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫الكبر من هذه الحاالت تقع ضمن إطار ما يُسمى‬ ‫الجسام من أ‬ ‫بدعامات لعبة كمال أ‬ ‫الحماض أ‬ ‫المينية‬ ‫فإن‬ ‫الم َت ِّ‬ ‫عددة الصور والهيئات‪ .‬فعلى سبيل المثال‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫المسماة بـ «الطبيعية» أ‬ ‫والكثر مبيعاً في العالم‬ ‫التي يُطلق عليها (‪ )Craze‬التي تم تسويقها تحت‬ ‫شعار «الداعم الغذائي الجديد لعام ‪»2012‬‬ ‫(‪ )New Supplement of the Year 2012‬بواسطة‬ ‫(‪ )Bodybuilding.com‬في وولمارت وأمازون وسائر‬ ‫أ‬ ‫السواق المختلفة‪ ،‬كانت من ضمن المنتجات‬ ‫التي تم وضعها على القائمة السوداء الحتوائها‬ ‫الم َخ ِّد َرة المعروفة‬ ‫على مركبات ُمطابقة للمواد ُ‬ ‫أ‬ ‫بالمفيتامين‪ .‬ولم تقتصر القائمة على منتجات‬ ‫إن منتجات أخرى يتم تصنيعها‬ ‫(‪ ،)Craze‬بل َّ‬ ‫وتوزيعها بواسطة شركة (‪ )Matt Cahill‬المشهورة في‬


‫‪45 | 44‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫عالم البروتينات كانت أيضاً على القائمة السوداء‪،‬‬ ‫حيث ُوجد أنَّها تحتوي على مواد تسبب مشكالت في‬ ‫العين والكبد‪ ،‬وهي من الشركات المقدمة للخبرات‬ ‫والتوصيات في طرق صناعة البروتينات‪.‬‬

‫غياب التأثير الفعلي للبروتينات‬ ‫التجارية‬

‫إضافة للتحقيقات والدراسات التي تُ َب ِّين حقيقة‬ ‫الغش في المكونات الموجودة في المزودات‬ ‫الغذائية المستخدمة في لعبة كمال أ‬ ‫الجسام‬ ‫والحقائق الموثَّقة بشأن وجود أ‬ ‫الضرار المختلفة‬ ‫َُ‬ ‫فإن بعض‬ ‫لبودرة البروتين والمنتجات المشابهة‪َّ ،‬‬ ‫الهيئات تؤكِّد عدم جدوى هذه المنتجات عند‬ ‫االستخدام؛ ومن أمثلة الجهات الداعمة لهذا القول‬ ‫أن العب كمال‬ ‫(‪ )IOC‬التي تُفيد أنَّه قد ثبت لديها َّ‬ ‫الجسام المستخدم لهذه المنتجات أ‬ ‫أ‬ ‫والحماض‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫المينية المتباينة في طبيعتها ومصادرها وأصالتها‬ ‫التركيبية ال يستفيد في حقيقة أ‬ ‫المر منها‪.‬‬

‫النسان اليومي للبروتين‬ ‫احتياج إ‬

‫إن التوازن الحقيقي بين المجموعات الغذائية‬ ‫مزودات‬ ‫المختلفة‪ ،‬التي تأتي في أعلى قائمتها ِّ‬ ‫الطاقة الطبيعية من نشويات ُم َعق َ​َّدة وبسيطة‬ ‫مختلفة من أجل دعم العمليات أ‬ ‫اليضية عند‬ ‫توظيف البروتين في بناء أ‬ ‫اللياف العضلية‪ ،‬وغيرها‬ ‫من مجموعات غذائية ُمتعددة كالخضراوات‬ ‫والزيوت الباردة والسوائل وشبيهاتها من أغذية‬ ‫أساسية‪ ،‬يبقى هو أ‬ ‫الهم‪ .‬فكمية البروتين التي‬ ‫يوميا هي ‪ 0.63‬جرام لكل باوند من وزن‬ ‫يُنصح بها ً‬ ‫أن‬ ‫إ‬ ‫النسان (‪ 1‬باوند = ‪ 0.453592‬كيلو)‪ .‬فلو فرضنا َّ‬ ‫النسان هو ‪ 190‬باوند (أي‪ 86.1826 :‬كيلو)‪،‬‬ ‫وزن إ‬ ‫فهذا يعني أنَّه يحتاج إلى ‪ 68‬جراماً من البروتين‬ ‫يومياً كحد أقصى (على اختالف النشاطات التي‬ ‫يقوم بها‪ ،‬أل َّن أصل مصدر طاقة النشاطات هي‬ ‫فإن تناول‬ ‫النشويات وليس البروتينات)‪ .‬ومن هنا‪َّ ،‬‬

‫هيئة الغذاء والدواء‬ ‫األمريكية‪ :‬تسجيل‬ ‫ما ُيعادل ‪50000‬‬ ‫ً‬ ‫سنويا‬ ‫مشكلة صحية‬ ‫بسبب المنتجات‬ ‫البروتينية في‬ ‫الصاالت الرياضية‬

‫قطعة صغيرة من اللحم (في حدود ‪ 42‬جراماً)‬ ‫كفيلة بالقيام بالواجب الوظيفي الحيوي اليومي‬ ‫الداخل في ترميم أ‬ ‫اللياف العضلية في جسم‬ ‫النسان الممارس للنشاط الطبيعي‪ ،‬بل وقد تزيد‬ ‫إ‬ ‫بأن مصادر‬ ‫عن احتياجه حال عدم الحركة؛ علماً َّ‬ ‫البروتين تشمل البيض والفول وبقية البقوليات‬ ‫ومشتقات الحليب وغيرها الكثير‪ .‬ومن ُهنا يَ َت َب َّين لنا‬ ‫حجم البروتينات الداخلة في أغذيتنا اليومية وال‬ ‫تستدعي أي إضافات تجارية‪.‬‬

‫وقفة تحذيرية‬

‫والكلينيكية‬ ‫يتبين من الحقائق البحثية إ‬ ‫باختصار‪َّ ،‬‬ ‫المحكمة‬ ‫المؤكَّدة والموثقة في المجالت العلمية ُ‬ ‫أن منتجات البروتين‬ ‫والدور الطبية المرجعية َّ‬ ‫التجارية المختلفة أ‬ ‫السماء والسمات كفيلة بالتسبب‬ ‫بالكثير من االضطرابات الفسيولوجية في جسم‬ ‫العب كمال أ‬ ‫الجسام تشمل زيادة الشحوم والتأثِّير‬ ‫السلبي على العظام والكليتين والكبد والتسبب في‬ ‫الجفاف النسيجي؛ ً‬ ‫فضل عن الوثائق الدالة على‬ ‫عدم تناغم محتوى تلك العبوات مع المنظور‬

‫العلمي المعتمد بيوكيميائياً‪ ،‬يُضاف إليه الغش في‬ ‫محتوى تركيبها الداخلي‪.‬‬ ‫وحتى في حال الحصول على المنتج ذي التركيبة‬ ‫فإن غياب تأثيره العضلي الفعلي أمر موثق‬ ‫الصحيحة َّ‬ ‫من قبل الجهات الغذائية المعتمدة؛ كما َّأن وجود‬ ‫مواد مشبوهة في بعض تلك المنتجات الشاملة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المنشطة تم ضبطه رسمياً‬ ‫للمفيتامين والسترويدات ُ‬ ‫وتدوينه أيضاً على قائمة إالشكاالت العويصة الداخلة‬ ‫في التركيبة الخفية لهذه المنتجات؛ أ‬ ‫المر الذي‬ ‫يستدعي من الجهات التثقيفية والتوعوية والرقابية‬ ‫القيام بدور ُمكَ َّثف تجاه هذا النشاط التجاري الضار‪،‬‬ ‫بل وحث مؤسسات المجتمع المدني على تفعيل‬ ‫نشاطاتها التوعوية بشأن خطورة استخدام البروتينات‬ ‫تقدم) ْأن‬ ‫التجارية‪ .‬وعليه‪ ،‬ال يفوتنا (بعد كل ما َّ‬ ‫نؤكِّد لمستهلكي هذه المنتجات البروتينية التجارية‬ ‫ضرورة مراجعة موقفهم والتوقف فوراً عن إالضرار‬ ‫بأجسامهم دونما دراية‪ ،‬والعمل على ضوء الحقائق‬ ‫الثابتة علمياً‪ ،‬ليحققوا بذلك ما يصبون إليه ِم ْن تألق‬ ‫رياضي وجسم سليم وصحة مستدامة‪.‬‬

‫على الجهات التثقيفية والرقابية‬ ‫القيام بدور ُم َك َّثف تجاه هذا النشاط‬ ‫التجاري الضار‪ ،‬والتوعية بخطورة‬ ‫استخدام البروتينات التجارية‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫مهى قمر الدين‬

‫ِّ‬ ‫تفسره‪..‬‬ ‫الدراسات العلمية‬

‫الشعور العميق‬ ‫بالرضا في شهر‬ ‫الصوم‬

‫حياتنا اليوم‬

‫إضافة إلى كونه ً‬ ‫ركنا من أركان الدين‪ ،‬فإن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبيرا على‬ ‫وقعا‬ ‫لصوم شهر رمضان المبارك‬ ‫الحياة اليومية بكل ما فيها من تفاصيل‪ ،‬وقعاً‬ ‫تتأكد إيجابيته بتبادل التهنئات بحلول الشهر‬ ‫الفضيل‪ ،‬مصحوبة بإحساس عميق بالبهجة‪.‬‬ ‫فما هو سر هذا الشعور بالرضا الذي يطغى‬ ‫ُّ‬ ‫التحوالت التي تطرأ على‬ ‫على الصائم وسط‬ ‫نمط حياته اليومية؟‬ ‫ً‬ ‫الدراسات العلمية الحديثة ِّ‬ ‫تفسر كثيرا من‬ ‫ِّ‬ ‫وتؤكد حقيقتها وعمقها‪.‬‬ ‫أسباب هذه البهجة‬


‫‪47 | 46‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫أ‬ ‫ن‬ ‫يع� االمتناع عن‬ ‫ل أن الصوم ي‬ ‫الكل وال�ش ب وملذات حسية‬ ‫أخرى‪ ،‬وهي ما يسميها علم‬ ‫النفس الحديث بالدوافع أ‬ ‫الولية‬ ‫للسلوك (‪ ،)Primary Drives‬أي‬ ‫ف‬ ‫النسان‬ ‫إنها دوافع قويّة ومؤثّرة جداً ي� توجيه سلوك إ‬ ‫بحيث يصعب مقاومتها‪ ،‬فقد يعتقد البعض �ف‬ ‫ي‬ ‫النظرة السطحية أ‬ ‫للمور أن هذا الحرمان سيصبح‬ ‫سل�‪ ،‬ولكن‬ ‫عبئاً عىل الفرد‪ ،‬ي ِّ‬ ‫ويغ� من سلوكه بشكل ب ي‬ ‫ما يحدث فعلياً هو العكس تماماً‪.‬‬ ‫الوط� أ‬ ‫ن‬ ‫للبحاث‬ ‫فقد أظهرت دراسة أجراها «المكتب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫االقتصادية» ف ي� الواليات المتحدة المريكية‪ ،‬حول‬ ‫الممارسات الدينية للشعوب‪ ،‬واستناداً إىل بيانات‬ ‫«المسح العالمي للقيم» أو (‪World Values‬‬ ‫‪ ،)Survey‬وجود عالقة فريدة ي ن‬ ‫ب� صوم رمضان‬ ‫ين‬ ‫المسلم�‪.‬‬ ‫ومستوى الشعور بالسعادة والرضا عند‬ ‫ين‬ ‫المسلم� عن سعادتهم وارتياحهم‬ ‫إذ أعرب أغلب‬ ‫نفسياً خالل صوم شهر رمضان المبارك‪ .‬ويعود‬ ‫ذلك إىل عدة عوامل تحدث خالل هذا الشهر بكل ما‬ ‫يحمله من شعائر دينية وصفاء روحي‪ ،‬إضافة إىل ما‬ ‫والنسانية‪.‬‬ ‫يطبع به العالقات االجتماعية إ‬

‫دور التواصل االجتماعي‬

‫فمن الناحية النفسية االجتماعية‪ ،‬يمكن اعتبار صيام‬ ‫لتغي� رتابة النمط اليومي للحياة‬ ‫شهر رمضان مجاال ً ي‬ ‫�ش‬ ‫تعود عليه الناس لمدة أحد ع شهراً‪ .‬إذ‬ ‫الذي ّ‬ ‫كب�اً ف ي� أسلوب حياة الفرد‬ ‫تغي�اً ي‬ ‫إن الصوم يم ِّثل ي‬ ‫ّ‬ ‫نشط روح التواصل‬ ‫والمجتمع‪ .‬فشهر رمضان يُ ِّ‬ ‫الرس أ‬ ‫ب� أ‬ ‫االجتماعي ي ن‬ ‫والصدقاء عىل الخصوص‪،‬‬ ‫تمت� الروابط االجتماعية ي ن‬ ‫ومن ّثم يساعد عىل ي ن‬ ‫ب�‬ ‫الصائم�‪ .‬ففيه يزداد تبادل الزيارات والدعوات يب�ن‬ ‫ين‬ ‫أ‬ ‫الفطار والسحور‪.‬‬ ‫العائالت والصدقاء إىل موائد إ‬ ‫فيأكل الضيوف ومضيفوهم نفس الطعام وي�ش بون‬

‫نفس ال�ش اب‪ .‬كما أنهم غالباً ما يقيمون الصالة‬ ‫جماعة ويسهرون مع بعضهم بعضاً‪ .‬أ‬ ‫فالمسيات‬ ‫والليال تصبح هي زمن التفاعل االجتماعي المك ّثف‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والقيام بالشعائر الدينية واالحتفاالت العائلية‬ ‫ين‬ ‫الصائم� ف ي�‬ ‫والمجتمعية‪ ،‬بينما يميل نمط حياة‬ ‫النهار إىل الهدوء‪.‬‬ ‫أ ف‬ ‫كث� من المجتمعات المعارصة‪،‬‬ ‫وكما هو المر ي� ي‬ ‫ف‬ ‫فإن العائالت المسلمة ال تفلح دائماً ي� جمع شمل‬ ‫كل أفرادها لتناول الطعام عىل مائدة واحدة‪ .‬أما �ف‬ ‫ي‬ ‫شهر رمضان فيصبح لقاء كل أفراد أ‬ ‫الرسة حول مائدة‬ ‫�ش‬ ‫العائل‬ ‫أكل و ب واحدة حقيقة يومية‪ .‬فهذا اللقاء أ ي‬ ‫يقوي وحدة الرسة‪،‬‬ ‫الكامل‬ ‫المتكرر ال بد له من أن ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ويدعم روح التضامن والتقارب واالنسجام ي ن‬ ‫ب�‬ ‫تأث�اً إيجابياً يعيد رتق العالقات‬ ‫أفرادها‪َ .‬أولَيس ذلك ي‬ ‫ت‬ ‫كث� من التمزق بفعل‬ ‫ال� أصابها ي‬ ‫العائلية الحديثة ي‬ ‫الحياة الحديثة؟‬ ‫إن لهذه الزيادة ف ي� التفاعل االجتماعي‪ ،‬إن كان عىل‬ ‫أ‬ ‫الضيق أو عىل المستوى المجتمعي‬ ‫المستوى الرسي ِّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الحساس بالرضا والسعادة‪ ،‬ت‬ ‫وح�‬ ‫الوسع‪ ،‬دوراً ي� إ‬ ‫عىل مستوى الصحة البدنية‪ .‬فقد أكدت الدراسات‬ ‫أك� مصدر للرضا‬ ‫النفسية أن الحياة العائلية هي ب‬ ‫والسعادة‪ ،‬وأن رأس المال االجتماعي هو التآلف‬ ‫والتكاتف أ‬ ‫الرسي‪ ،‬وأن أساس السعادة النفسية هي‬ ‫إحساس الفرد بانتمائه إىل أرسة‪ .‬كما أن التفاعل‬ ‫يعزز الشعور باالنتماء إىل المجموعة‬ ‫االجتماعي ِّ‬ ‫أ‬ ‫الوسع‪ ،‬ويوفر الجذور ت‬ ‫ال� تساعد عىل تحديد‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الهوية الفردية‪ ،‬المر الكفيل بتبديل نظرة المرء إىل‬ ‫الحياة لتصبح ث‬ ‫أك� إيجابية وإ�ش اقاً‪ .‬كما أن االختالط‬ ‫االجتماعي وممارسة الفرائض الدينية كصالة ت‬ ‫ال�اويح‪،‬‬ ‫ال� ث‬ ‫ت‬ ‫تك� ف ي� هذا الشهر الفضيل توفر مجاال ً‬ ‫مثالً‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ال� فرضتها علينا‬ ‫للخروج من العزلة االجتماعية ي‬ ‫التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬وفرصة لالبتعاد عن شاشة هذا‬

‫معظم البلدان اإلسالمية‬ ‫ّ‬ ‫تعدل أوقات العمل اليومي‬ ‫بشكل يبقي على التوازن‬ ‫بين ما يستهلكه الجسم‬ ‫ً‬ ‫نهارا من طاقته المختزنة‬ ‫وقدرته على أداء األعمال‬ ‫المختلفة‬

‫الكمبيوتر المحمول أو ذلك الهاتف الخليوي الذي‬ ‫أصبح ال يفارق أعيننا‪.‬‬

‫الصدقة تسعد مانحها‬

‫وشهر رمضان هو شهر الصدقات وإخراج الزكاة‬ ‫والرحمة بالفقراء‪ ،‬ث‬ ‫الخ� ومساعدة‬ ‫يك� فيه عمل ي‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫وت�ز فيه مظاهر التكافل وال�احم‪،‬‬ ‫المحتاج�‪ .‬ب‬ ‫ف‬ ‫الخ� ليصبحوا‬ ‫تف�ى الناس وهم يتسابقون ي� فعل ي‬ ‫ث‬ ‫أك� تقارباً ومودة ورحمة‪ .‬وينت�ش هذا الفعل الكريم‬ ‫ف‬ ‫تطور إىل أن صار‬ ‫ي� معظم الدول إ‬ ‫السالمية‪ ،‬وقد َّ‬ ‫هناك ما يسمى بحقائب ي ت‬ ‫ال� تحتوي مواد‬ ‫الخ� ي‬ ‫غذائية تكفي أ‬ ‫الرس طوال الشهر‪ ،‬وتصل إىل بيوت‬ ‫الرس الفق�ة المتعفِّفة ودور أ‬ ‫أ‬ ‫اليتام عن طريق‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫متطوع�‪ .‬كما تشهد المؤسسات المختلفة‪،‬‬ ‫شباب‬ ‫وعىل وجه الخصوص المستشفيات ودور العناية‬ ‫ين‬ ‫المحسن�‪.‬‬ ‫نشاطاً يغ� اعتيادي وهي تتلقى بت�عات‬ ‫فالكل يُخرج من أمواله قدر االستطاعة‪ ،‬والكل‬ ‫الخ� عىل الناس‪.‬‬ ‫يتسابق لينضم إىل فرق توزيع ي‬ ‫والتكافل هنا يخرج من دائرة الحسابات االقتصادية‬ ‫إىل القيمة المعنوية والروحية‪ ،‬ويعيد صياغة العالقة‬ ‫ين‬ ‫ب� الناس‪ ،‬ميسورين وفقراء‪.‬‬ ‫إن هذا وحده كفيل بتعزيز التضامن والتكافل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ون�ش الفرحة ف ي� القلوب‪ ،‬وليس فقط‬ ‫قدمت‬ ‫جانب من المساعدة‪ .‬إذ َّ‬ ‫قلوب من وصله ٌ‬ ‫البحوث ف� علم أ‬ ‫العصاب وعلم النفس دليال ً علمياً‬ ‫ي‬ ‫عىل أن مساعدة آ‬ ‫قاطعاً‬ ‫الخرين تحقِّق السعادة‪.‬‬ ‫فوفق بحث بعنوان «مسح رأس المال االجتماعي»‪،‬‬ ‫أ�ش ف عليه باحثون من جامعة هارفارد‪ ،‬ي َّ ن‬ ‫تب� أن‬ ‫أولئك الذين قدموا مساعدات إىل آ‬ ‫الخرين‪ ،‬سوا ًء‬ ‫َّ‬ ‫بالوقت أو الجهد أو المال‪ ،‬ازداد لديهم احتمال‬ ‫الشعور بالسعادة ث‬ ‫أك� بـ ‪ 42‬ف ي� المئة من أولئك‬ ‫ش‬ ‫حدد علماء النفس‬ ‫�ء‪ .‬وقد َّ‬ ‫الذين لم يعطوا أي ي‬ ‫ت‬ ‫ال� أبلغ عنها أولئك‬ ‫حالة نموذجية فمن النشوة ي‬ ‫الخ�ي‪ ،‬أطلقوا عليها اسم‬ ‫الذين يعملون ي� النشاط ي‬


‫النفسية أو الجسدية‪ .‬فالصوم يسمح للجسم بتنقية‬ ‫نفسه من بقايا أ‬ ‫الكل وال�ش ب أثناء راحة المعدة ف ي�‬ ‫النهار‪ .‬ويستجيب الدماغ للصيام من خالل ما يسمى‬ ‫ت‬ ‫تش� إىل عملية مهمة‬ ‫الذا�‪ .‬وهي ي‬ ‫بعملية االلتهام ي‬ ‫تمكّن الجسم من التخلص من السموم وإزالتها من‬ ‫ت‬ ‫ال� أجريت‬ ‫الخاليا العصبية‪ .‬وقد‬ ‫أظهرت البحوث ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ئ‬ ‫الذا� ي� الف�ان بعد تقييد‬ ‫مؤخراً زيادة االلتهام ي‬ ‫ت‬ ‫القص�‪.‬‬ ‫ال� تصل إليها عىل المدى‬ ‫ي‬ ‫المواد الغذائية ي‬ ‫أ‬ ‫وهذا أمر ذو أهمية بك�ى بالنسبة لعلم العصاب‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الذا� مع زيادة‬ ‫إذ ترتبط مستويات أد� من االلتهام ي‬ ‫التنكس العص�‪ ،‬وبالتال فإن زيادة االلتهام الذا�ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫من خالل الصوم قد تبطئ تطور االضطرابات‬ ‫العصبية‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬أظهرت دراسة أمريكية أجريت ف ي�‬ ‫عام ‪2009‬م أن الصيام يخفِّف أعراض االكتئاب‪،‬‬ ‫ويخفِّف درجات القلق ف ي� نسبة تصل إىل ‪ %80‬من‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫كب� ف ي� نوعية النوم‪.‬‬ ‫المر�‪ .‬كما يسهم ي� تحسن ي‬ ‫فعندما ننقطع عن الطعام‪ ،‬تطلق أجسامنا المواد‬ ‫الكيميائية المساعدة عىل حماية أدمغتنا من أي آثار‬ ‫سلبية‪ .‬كما يمكن لهذه المواد الكيميائية أن تضعنا‪،‬‬ ‫عىل المدى الطويل ف ي� مزاج جيد‪ .‬فخالل تف�ة‬ ‫الصوم‪ ،‬يبدأ الجسم بالتكيف مع الجوع عن طريق‬ ‫الفراج عن كميات هائلة من الكاتيكوالمينات بما ف ي�‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الست�ويد‬ ‫درينال�‬ ‫ذلك ال‬ ‫والدوبام�‪ ،‬وهرمونات ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المسؤولة عن تنظيم الجهاز المناعي وأيض‬ ‫النسان بكمية‬ ‫الجلوكوز‪ .‬وكل ذلك كفيل بأن يُشعر إ‬ ‫أك� من السعادة والنشاط‪.‬‬ ‫ب‬

‫أظهرت دراسة أجراها‬ ‫«المكتب الوطني لألبحاث‬ ‫االقتصادية» في الواليات‬ ‫المتحدة األمريكية وجود‬ ‫عالقة فريدة بين صوم‬ ‫رمضان ومستوى الشعور‬ ‫بالسعادة والرضا عند‬ ‫المسلمين‬

‫ت‬ ‫ال� تقوم‬ ‫«نشوة المساعد» أو «‪s High‬‬ ‫’‪ ،»Helper‬ي‬ ‫عىل النظرية القائلة إن العطاء ينتج أ‬ ‫ندورف� �ف‬ ‫ين‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫الدماغ‪ ،‬وهو الهرمون المسؤول عن إعطاء الشعور‬ ‫بالسعادة‪ .‬وقد أظهرت أ‬ ‫البحاث ف ي� المعاهد الوطنية‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫للصحة العامة أن المنطقة نفسها من الدماغ ي‬ ‫يتم تفعيلها استجابةً إىل الطعام (أو أي نوع آخر من‬ ‫المتعة) أظهرت حركة ناشطة‪ ،‬عندما فكَّر المشاركون‬ ‫ف‬ ‫الخ�ية‪.‬‬ ‫ي� الدراسة بإعطاء المال إلحدى الجمعيات ي‬ ‫وقد تطابقت هذه النتائج مع دراسة أخرى أُجريت‬ ‫ف� جامعة إيموري أ‬ ‫المريكية‪ ،‬كشفت أن المساعدة‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫فعلت الجزء نفسه من الدماغ‪،‬‬ ‫المعنوية للخرين ّ‬ ‫مثل تقديم المساعدات المادية‪.‬‬

‫وفي الصحة السعادة‬

‫ومن الناحية الصحية‪ ،‬يؤكد الطب الحديث بأدلة‬ ‫كث�ة‪ ،‬إن كان عىل الصحة‬ ‫قاطعة أن للصوم منافع ي‬

‫ف‬ ‫الشارة إىل أن معظم البلدان‬ ‫الطار‪ ،‬تجدر إ‬ ‫و� هذا إ‬ ‫ي‬ ‫تعدل أوقات العمل اليومي بشكل يبقي‬ ‫إ‬ ‫السالمية ّ‬ ‫عىل التوازن ي ن‬ ‫ب� ما يستهلكه الجسم نهاراً من طاقته‬ ‫المخ�نة وقدرته عىل أداء أ‬ ‫تز‬ ‫العمال المختلفة‪ ،‬وخاصة‬ ‫الجسمانية المتعبة منها‪ .‬وإضافة إىل هذا الدور‬ ‫الصحي المهم‪ ،‬يلعب تغ� أوقات العمل دوراً �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫اليقاع‬ ‫الحساس بالنضارة الناجمة عن كرس إ‬ ‫ن�ش إ‬ ‫ق‬ ‫با� أشهر السنة‪.‬‬ ‫الرتيب المتكرر عىل مدى ي‬ ‫ومعان‬ ‫ومع كل ما يحمله هذا الشهر من مفاهيم‬ ‫ٍ‬ ‫الخ� والتسامح والمحبة‪ ،‬ومع‬ ‫نبيلة ترسم ثقافة ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يحدثها‬ ‫كل هذه الفوائد‬ ‫والتغي�ات إ‬ ‫ي‬ ‫اليجابية ي‬ ‫ف‬ ‫يع� المسلمون عن فرحتهم‬ ‫ي� حياتنا ال عجب أن ِّب‬ ‫بقدوم هذا الشهر الفضيل وال بد من أن يتشوقوا‬ ‫ض‬ ‫لقدومه كل سنة ي ن‬ ‫ي�ء حياتهم بمزيد من‬ ‫آمل� أن ي‬ ‫السعادة والرحمة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪49 | 48‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫تخصص جديد‬

‫التخطيط‬ ‫ُ‬ ‫المدني‬ ‫والحضري‬

‫المدني والحضري في العصر‬ ‫يحتل التخطيط ُ‬ ‫الحاضر مكاناً بارزاً بين الموضوعات التي‬ ‫المم في أ‬ ‫تتسابق أ‬ ‫الخذ بأساليبها‪ ،‬للنهوض‬ ‫أ‬ ‫والسير قدماً وفقاً لهداف محددة واضحة‬ ‫المعالم للتطور في شتى مجاالت الحياة‬ ‫االقتصادية واالجتماعية والعمرانية‪ .‬وتوفر شهادة الماجستير في‬ ‫الدراسات الحضرية والتخطيط المهارات أ‬ ‫الساسية في علم وفن‬ ‫الراضي وإسقاط أ‬ ‫أ‬ ‫تنظيم استعمال أ‬ ‫البنية وتحديد صفات البنية‬ ‫والفضاءات الحضرية (أبنية‪ ،‬طرق‪ ،‬ساحات) بشكل يضمن أعلى‬ ‫درجة من االقتصاد وسالسة العيش والجمال‪.‬‬ ‫يستغرق برنامج الماجستير هذا مدة عامين‪ ،‬ويرتكز على‬ ‫مقررات تعرف الطالب على أساسيات تاريخ وقوانين وأدوات‬ ‫ومعوقات وهندسة التخطيط المدني والحضري‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫ّ‬ ‫دراسة الجهات الفاعلة في التخطيط والمنطق واالستراتيجيات‬

‫أ‬ ‫ويتضمن‬ ‫والدوات المختلفة في صناعة القرارات المتعلقة به‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫البرنامج المناهج الموضوعية وورش العمل والرسالة النهائية‬ ‫يقدمها الطالب‪ .‬وتشمل الموضوعات مجموعة متنوعة‬ ‫التي ِّ‬ ‫من القطاعات‪ ،‬من السياحي إلى البيئي‪ ،‬ومن قطاع النقل إلى‬ ‫القطاع العقاري‪ .‬في حين تتناول الموضوعات المتخصصة‬ ‫قضايا التمويل والمخاطر والسياسات المحلية والتجديد‬ ‫والتراث‪ .‬ويتبوأ الخريجون مناصب التخطيط في المؤسسات‬ ‫العامة والخاصة‪ ،‬والمنظمات غير الربحية‪ ،‬والشركات‪،‬‬ ‫والمؤسسات الدولية‪ .‬كما يمكنهم العمل في مجموعة واسعة‬ ‫من أ‬ ‫الدوار‪ ،‬من تخطيط المدن التقليدية إلى التخطيط‬ ‫االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.‬‬ ‫لمزيد من المعلومات راجع الرابط التالي‪:‬‬ ‫‪https://www.mcgill.ca/urbanplanning/school‬‬‫‪urban-planning‬‬


‫إطاللة على‬ ‫متحف سرسق في بيروت‬

‫رنين حمصي ‪ /‬لونا صفوان‬ ‫تصوير‪ :‬جو كسرواني ‪ /‬رجا طويل‬

‫عين وعدسة‬

‫مزيج فريد من‬ ‫الق َدم والحداثة‬ ‫ِ‬

‫بعد العمل على تجديده وتوسعته لنحو‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا افتتاح متحف‬ ‫سبع سنوات‪ ،‬أعيد‬ ‫ِّ‬ ‫ليشكل من جديد واحداً‬ ‫سرسق في بيروت‪،‬‬ ‫من أبرز المعالم في الوجه الحضاري‬ ‫للعاصمة اللبنانية‪ ،‬وأقوى نقاط الجذب‬ ‫فيها على المستوى الثقافي‪ ،‬فبمجموعاته‬ ‫من األعمال الفنية‪ ،‬القديمة منها‬ ‫والمعاصرة‪ ،‬وبحيوية برامجه ونشاطاته‬ ‫التفاعلية‪ ،‬يتفرَّ د هذا المتحف بمكانة‬ ‫تضعه بجوار مكانة المتحف الوطني‪ ،‬دون‬ ‫منافس قريب إليهما‪.‬‬


‫‪51 | 50‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫يقع هذا المتحف‪ ،‬واسمه‬ ‫الرسمي «متحف نقوال إبراهيم‬ ‫سرسق»‪ ،‬في الشارع المعروف‬ ‫في بيروت باسم «حي‬ ‫أ‬ ‫السراسقة»‪ .‬وإن كان ال َّبد لي‬ ‫زائر أمام أي متحف من أن يبدأ زيارته باستطالع‬ ‫مبناه وتاريخه والسؤال عنه‪ ،‬فإن هذا السؤال يصبح‬ ‫أمام هذا المتحف بالذات أشد إلحاحاً‪ .‬فمبناه أ‬ ‫النيق‬ ‫ذي المعمار الذي تختلط فيه المالمح العثمانية‬ ‫باليطالية‪ ،‬يختلف كل االختالف عن أ‬ ‫البنية الحديثة‬ ‫إ‬ ‫والشاهقة التي تكاد تُطبق عليه من ثالث جهات‪.‬‬

‫تاريخ المتحف‬

‫خالل القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين‪،‬‬ ‫راح بعض وجهاء بيروت يبنون منازل فخمة على‬ ‫اليطالية‪ ،‬عند ما كان الطرف الشرقي‬ ‫نمط الفلل إ‬ ‫أ‬ ‫ميز‬ ‫لمدينة بيروت آنذاك‪ .‬وبسبب طابع البهة الذي َّ‬ ‫هذه العمائر‪ ،‬أطلق عليها العامة اسم «قصور حي‬ ‫السراسقة»‪ ،‬ومن هؤالء الوجهاء كان نقوال إبراهيم‬ ‫سرسق‪ ،‬باني هذا القصر عام ‪1912‬م‪.‬‬ ‫لم يكن نقوال سرسق رجل أعمال وتاجراً ناجحاً‬ ‫فحسب‪ ،‬بل كان ذواقة ومحباً للفنون‪ .‬فأوصى بنقل‬ ‫ملكية قصره ومحتوياته إلى مدينة بيروت‪ ،‬شرط أن‬ ‫تحوله إلى متحف للفنون الوطنية والعالمية‪ ،‬يساعد‬ ‫ِّ‬ ‫على نشر المعارف الفنية‪ ،‬ويدعم الفنانين اللبنانيين‬ ‫ويروج لها‪ .‬وبالفعل‪ ،‬انتقلت‬ ‫ويعرض أعمالهم ِّ‬ ‫ملكية القصر إلى بلدية بيروت بعد وفاة صاحبه‬ ‫عام ‪1952‬م‪ .‬غير أن وصيته لم تُحترم في بادئ‬ ‫أ‬ ‫المر‪ .‬إذ أمر رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون‬ ‫بتحويل القصر إلى مضافة رسمية الستقبال الملوك‬

‫ورؤساء الدول الذين يزورون لبنان‪ .‬وكان على القصر‬ ‫أن ينتظر حتى عام ‪1961‬م‪ ،‬ليصبح متحفاً‪ ،‬افتتح‬ ‫بـ «معرض الخريف» الذي أصبح تقليداً سنوياً بعد‬ ‫ذلك‪ .‬وتوالت فيه المعارض الكبرى المحلية منها‬ ‫السالمي في المجموعات‬ ‫والعالمية‪ ،‬من «الفن إ‬ ‫اللبنانية الخاصة»‪ ،‬إلى «الفن البلجيكي المعاصر»‪،‬‬ ‫مروراً بـ «السجاد الشرقي» وغير ذلك مما يصعب‬ ‫إحصاؤه‪ .‬وراح المتحف يبني شيئاً فشيئاً مجموعاته‬ ‫الخاصة‪ ..‬واستمر نشاطه حتى خالل سنوات الحرب‬ ‫أ‬ ‫الهلية الحالكة‪ ..‬إلى أن كان عام ‪2008‬م‪ ،‬عندما‬ ‫تقرر إقفاله مؤقتاً لتجديده وتوسعته‪.‬‬

‫توسعته خمسة أضعاف!‬

‫أوكلت إدارة المتحف أعمال التجديد والتوسعة إلى‬ ‫المعماريين ميشال فيلموت الفرنسي وجاك أبو خالد‬ ‫وتضمنت أعمال التوسعة بناء أربعة أدوار‬ ‫اللبناني‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫المس به‪ ،‬المر الذي‬ ‫تحت المبنى القائم دون ّ‬ ‫شكَّل تحدياً هندسياً بالغ الصعوبة‪ ،‬ولكنه ضاعف‬ ‫مرات‪ ،‬من ‪ 1500‬إلى‬ ‫مساحة المتحف أكثر من خمس َّ‬ ‫‪ 8500‬متر مربع‪ .‬ومن المرافق الجديدة التي أتت بها‬ ‫التوسعة‪ ،‬قاعة للمعارض المؤقتة تبلغ مساحتها ‪800‬‬ ‫متر مربع‪ ،‬وقاعة محاضرات تتسع لنحو ‪ 160‬شخصاً‪،‬‬ ‫ومخزن للمجموعات الدائمة‪ ،‬ومكتبة‪ ،‬وورشة‬ ‫للترميم‪ ،‬وأيضاً متجر ومطعم‪.‬‬



‫‪53 | 52‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫سبيل المثال عمر أنسي‪ ،‬منى صحناوي‪ ،‬جوليانا‬ ‫سيرافيم‪ ،‬عارف الريِّس‪ ،‬سلوى روضة شقير‪،‬‬ ‫رواس‪ ،‬بول غيراغوسيان‪،‬‬ ‫شفيق عبود‪ ،‬محمد َّ‬ ‫حليم جرداق‪ ،‬خليل زغيب‪ ...‬وغيرهم العشرات‪.‬‬ ‫ومن أ‬ ‫العمال الشهيرة التي تضمها هذه المجموعة‬ ‫أ‬ ‫نحات‬ ‫على سبيل المثال‪ ،‬تمثال «الباكيتان» لول َّ‬ ‫لبناني محترف هو يوسف الحويك‪ ،‬الذي كان‬ ‫معروضاً في ما مضى في ساحة الشهداء في وسط‬ ‫بيروت‪.‬‬

‫مجموعاته الخمس‬

‫يمتلك متحف سرسق اليوم خمس مجموعات مختلفة‬ ‫يعرض منها بشكل دائم ما تسمح به المساحات‬ ‫المخصصة للمعارض الدائمة في أدواره العليا (فوق‬ ‫سطح أ‬ ‫الرض)‪ ،‬وهذه المجموعات‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫• مجموعة نقوال سرسق‪ ،‬الذي ترك إضافة إلى‬ ‫القصر مجموعة من المفروشات أ‬ ‫والدوات التزيينية‬ ‫أ‬ ‫والعمال الفنية التي اقتناها في حياته‪ ،‬أو تلقاها‬ ‫كهدايا‪.‬‬

‫• المجموعة الشرقية‪ ،‬التي تضم تحفاً من الفن‬ ‫السالمي القديم‪ ،‬وصوال ً إلى العثماني المتأخر‪،‬‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫إضافة إلى اليقونات البيزنطية‪.‬‬ ‫• مجموعة فؤاد دباس‪ ،‬التي تتألف من نحو ‪ 30‬ألف‬ ‫صورة فوتوغرافية للشرق أ‬ ‫الوسط تعود إلى ما بين‬ ‫عام ‪ 1830‬وستينيات القرن العشرين‪.‬‬ ‫• مجموعة الفن الحديث والمعاصر‪ ،‬وتضم أعماال ً‬ ‫لفنانين عالميين ولبنانيين‪ ،‬ومن بينهم على‬

‫تقدم‪ ،‬يمتلك المتحف ما يُعرف‬ ‫وإضافة إلى ما َّ‬ ‫باسم «المجموعات الخاصة» التي تضم من جملة ما‬ ‫تضم مجموعة من أعمال الطباعة الحفرية اليابانية‪،‬‬ ‫قدمتها سفارة اليابان هدية للمتحف بعد إقامته‬ ‫التي َّ‬ ‫معرضاً خاصاً لهذا الفن‪.‬‬

‫مجموعاته الصغيرة‪ ..‬كبيرة‬

‫السالمي‬ ‫بتنوع مقتنيات متحف سرسق ما بين الفن إ‬ ‫القديم والفن التشكيلي المعاصر مروراً بالكثير‬ ‫غيرهما‪ ،‬يخرج هذا المتحف عن صفة التخصص‬ ‫التي تطبع بعض المتاحف‪ ،‬كمتاحف الفن الحديث‪،‬‬ ‫أو متاحف آ‬ ‫الثار‪ .‬ولكن هذه المجموعات تبقى أقل‬ ‫تميز‬ ‫تنوعاً وكماً من أن تصفه بـ «الموسوعية» التي ِّ‬ ‫المتاحف الكبرى التي تزعم عن وجه حق‪ ،‬أو غيره‪،‬‬ ‫إحاطة محتوياتها بأبرز ما في ثقافات العالم‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن مساحته رغم التوسعة‪ ،‬ال تزال أصغر‬ ‫بكثير من أن تستوعب ما يتجاوز الجزء اليسير من‬ ‫هذه المجموعات‪.‬‬ ‫ففي الدورين أ‬ ‫الول والثاني‪ ،‬يعرض المتحف بشكل‬ ‫دائم مجرد «مختارات» من مجموعته من أ‬ ‫العمال‬ ‫الفنية المعاصرة‪ .‬وحالياً‪ ،‬فإن معرض «السماع من‬ ‫خالل العدسة» المقام في الدور أ‬ ‫الول حتى ‪18‬‬ ‫أبريل ويضم مختارات من مجموعة فؤاد دباس‬ ‫الفوتوغرافية‪ ،‬يأتي بعد معرض تحت موضوع‬


‫مختلف هو «تصوير الهوية» المستمد من المجموعة‬ ‫نفسها‪ .‬أ‬ ‫المر الذي يضفي على هذا المتحف حيوية‪،‬‬ ‫تعززها النشاطات الدورية من محاضرات وجلسات‬ ‫نقاش وورش عمل‪.‬‬

‫توليفة تختزل شخصية بيروت‬

‫خالل زيارتنا لهذا المتحف قبل أسابيع قليلة‪،‬‬ ‫شاهدنا إضافة إلى معارضه الدائمة‪ ،‬معرضاً‬ ‫بعنوان «نظرات على بيروت‪ 160 :‬سنة من الرسوم‬ ‫‪ ،»1960 - 1800‬الذي أقيم في القاعة الكبرى تحت‬ ‫وضم هذا المعرض أكثر من ‪200‬‬ ‫المبنى القديم‪َّ .‬‬ ‫ً‬ ‫صورة فوتوغرافية ورسما ولوحة زيتية حول تاريخ‬ ‫بيروت المعماري بتلونه الشديد‪ .‬وما بين حداثة‬ ‫القاعة الحاوية للمعرض‪ِ ،‬وق َدم محتويات هذه‬ ‫يتكون في ذهن الزائر «المزاج» نفسه‬ ‫المعروضات َّ‬ ‫الذي يتضح أكثر فأكثر بمتابعته جولته على أرجاء‬ ‫المتحف‪.‬‬ ‫فواحدة من أكثر قاعات هذا المتحف جذباً‬ ‫النتباه الزائرين هي «الصالة العربية» التي تقع‬ ‫في الدور أ‬ ‫الول من مبنى المتحف‪ ،‬والمميزة‬

‫بالكسوة الخشبية المزخرفة التي تغطي جدرانها‬ ‫وسقفها والمستقدمة من دمشق في عشرينيات‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬وقد يتماشى الذهاب بوجداننا‬ ‫الحرفية والتصميم‬ ‫إلى ما كانت عليه الفنون ِ‬ ‫الداخلي آنذاك‪ ،‬مع الذهاب إلى ما كانت عليه‬ ‫الحياة اليومية لرجل أعمال من خالل المكتب‬ ‫الشخصي لصاحب القصر المجاور لهذه‬ ‫الصالة‪ ،‬الذي حافظ على ما كان عليه بكل ما‬ ‫فيه من مفروشات ومحتويات حتى بالط أرضه‪.‬‬ ‫ولكن على بعد أمتار نقف أمام أكثر أ‬ ‫الشكال‬ ‫ُ‬ ‫حداثة في الفن التشكيلي أو أمام تحف تعود‬ ‫إلى مئات السنين‪.‬‬ ‫إنه القليل من كل شيء‪ ..‬في مقتنياته كما في‬ ‫مبناه‪ ..‬القديم يجاور الجديد‪ ،‬والعثماني يجاور‬ ‫اللبناني‪ ،‬كما يحضر أ‬ ‫الوروبي قليال ً في الفنون‬ ‫المعاصرة‪ ،‬وال بأس في استقبال شيء من اليابان‪،‬‬ ‫والصور الفوتوغرافية «تكمل» المجموعة الشرقية‪..‬‬ ‫وفي هذه التوليفة الفريدة من نوعها ما يختزل‬ ‫شخصية بيروت‪ .‬فبيروت هي هكذا‪ ..‬مثل هذا‬ ‫المتحف‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪55 | 54‬‬

‫فكرة‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫العناكب‬ ‫قد يعتقد البعض أن بيوت العنكبوت مجرد أوساخ يجب‬ ‫إزالتها واالبتعاد عنها‪ .‬لكن أ‬ ‫المر لم يكن كذلك بالنسبة‬ ‫للفنان أ‬ ‫الرجنتيني توماس سارسينو الذي لطالما كان مأخوذاً‬ ‫ببيوت العنكبوت وأشكالها المتعددة‪ ،‬المسطحة منها‬ ‫والمركبة ذات أ‬ ‫البعاد الثالثة‪ ،‬وتلك التي تُحاك من قبل مجموعة من العناكب‬ ‫حيث تنسج آ‬ ‫الالف من الخيوط بشكل بساط يرتفع في الفضاء لينقل العناكب‬ ‫مسافات طويلة وكأنها تطير على بساط الريح‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن شبكات العنكبوت كانت موجودة منذ ‪ 140‬مليون سنة على‬ ‫القل‪ ،‬لم ينجح أحد في الحفاظ على هذه الشبكات في شكلها الثالثي أ‬ ‫أ‬ ‫البعاد‪.‬‬ ‫ولكن سارسينو قام بوضع مجموعة من العناكب في مكعبات زجاجية شفافة‬ ‫وتركها تحيك بيوتها في أشكال هندسية َّأخاذة‪ .‬وكل ما كان يقوم به هو قلب‬ ‫هذه المكعبات بين الحين آ‬ ‫والخر من أجل تغيير اتجاه الجاذبية وإثارة الحيرة‬ ‫والضياع لدى العناكب‪ .‬والحظ أن العناكب أبقت على نوع من التحكم بجمالية‬

‫أهم مهندسي الطبيعة‬

‫التصميم الذي كان ينبثق من إفرازات الغدد الموجودة في بطونها‪ .‬وكانت‬ ‫النتيجة هذه الشبكات المتداخلة الساحرة التي لم تكن من صنع العناكب‬ ‫النسان وحده ولكنها كانت مزيجاً من االثنين‪.‬‬ ‫وحدها وال من صنع إ‬ ‫أثارت شبكات سارسينو اهتمام كثير من العلماء‪ ،‬ال سيما في معهد‬ ‫تقدم أية دروس حول‬ ‫ماستشوستس للتكنولوجيا‪ .‬إذ‪ ،‬على الرغم من أنها ال ِّ‬ ‫الهندسة المعمارية اليوم وال عما يجب أن تكون عليه في المستقبل‪ ،‬فإنها‬ ‫تطرح تساؤالت وتم ِّهد لدراسات مقارنة مع الهندسة المعمارية وعلوم‬ ‫الرياضيات‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫أسامة أمين‬

‫أبو تمام‬

‫في ضيافة جامعة اليدن‬

‫أدب وفنون‬

‫تقف البروفيسورة األلمانية على منصة‬ ‫تحمل شعار جامعة اليدن الهولندية‪ ،‬وتقرأ‬ ‫على جمهور غالبيته من األوروبيين‪ ،‬بلغة‬ ‫عربية رصينة البيت التالي‪:‬‬ ‫ان َ‬ ‫كأن بَ ِني َنبْ َه َ‬ ‫َّ‬ ‫فاته‬ ‫يوم َو ِ‬ ‫ُن ُ‬ ‫جوم َس ٍ‬ ‫ماء َخرَّ ِم ْن بَ يْ نها البَ ْد ُر‬ ‫الكل منصت لها‪ ،‬فهذا الجمهور خرج من بيته‬ ‫في هذا اليوم الممطر البارد‪ ،‬وسار في الظالم‬ ‫في شوارع هذه المدينة الهولندية العريقة‪،‬‬ ‫من أجل أن يستمع إلى أستاذة اللغة العربية‬ ‫بجامعة برلين الحرة‪ ،‬البروفيسورة بياتريس‬ ‫جروندلر‪ ،‬التي جاءت إلى هولندا لتتحدث عن‬ ‫كتاب «أخبار أبي تمام» تأليف أبي بكر محمد‬ ‫ابن يحيى الصولي‪ ،‬في محاضرة هي الرابعة‬ ‫في سلسلة المحاضرات التي ترعاها شركة‬ ‫أرامكو فيما وراء البحار وتتعاون على إقامتها‬ ‫مع جامعة اليدن الهولندية‪.‬‬


‫‪57 | 56‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫ألن الجمهور المستهدف بهذه المحاضرة هو‬ ‫في المقام أ‬ ‫الول الجمهور الغربي‪ ،‬بدأت‬ ‫البروفيسورة جروندلر محاضرتها بمقولة‪:‬‬ ‫(الشعر العربي هو موسيقى الكلمات)‪.‬‬ ‫فتحدثت عن كيفية التعرف على الشعر‬ ‫النسان متمكناً‬ ‫المكتوب في اللغة العربية‪ ،‬حتى لو لم يكن إ‬ ‫النسان بسهولة في نهاية‬ ‫منها‪ ،‬فأوضحت أن هناك قافية‪ ،‬يراها إ‬ ‫البيت‪ ،‬وكيف يتيح الخط العربي إمكانية مد الحرف‪ ،‬حتى تبقى‬ ‫أ‬ ‫البيات متساوية الطول‪ .‬كانت هذه البداية قادرة على إزالة أي‬ ‫حاجز بين غير المتخصصين من الجمهور الحاضر‪ ،‬وبين الموضوع‬ ‫المتخصص‪.‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬ربطت بين العالمين الغربي والعربي‪ ،‬بقولها إن‬ ‫االختالف بين الحداثة في العصر العباسي في القرن التاسع‬ ‫الميالدي‪ ،‬والحداثة التي شهدتها أوروبا خصوصاً في القرن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬ال يعني عدم وجود مظاهر مشتركة بينهما‪ .‬وركزت على‬ ‫ما تعنيه هذه الحداثة في العصر العباسي من قدرة فائقة للغة‬ ‫العربية على استيعاب الثقافات أ‬ ‫الخرى‪ ،‬مثل اليونانية والفارسية‪،‬‬ ‫فحدثت نهضة ثقافية وأدبية‪ ،‬احتل الشعر فيها مكانة عالية‪ ،‬وكان‬ ‫شعر أبي تمام من أفضل ما جادت به هذه الفترة‪.‬‬ ‫بعدها انتقلت أ‬ ‫الستاذة أ‬ ‫اللمانية إلى النقاشات التي كانت دائرة‬ ‫آنذاك‪ ،‬حول مكانة أبي تمام‪ ،‬والمشككين في تفوقه على غيره‪،‬‬ ‫وكيف رد عليهم الصولي‪ .‬ورغم تحيز هذا أ‬ ‫الخير إلى أبي تمام‪،‬‬ ‫فقد كان يعتمد أسلوباً علمياً‪ ،‬حيث يأتي أ‬ ‫بالبيات التي كتبها‬ ‫أبو تمام‪ ،‬ثم يأتي بأبيات آ‬ ‫الخرين‪ ،‬ويوضح للقارئ أسباب ريادة‬ ‫أبي تمام‪ .‬وتضرب على ذلك المثال التالي‪:‬‬

‫جانب من الحضور‬

‫قال أبو تمام‪:‬‬ ‫إذا القصائـد كانـت مـن مدائحهـم‬ ‫يومـاً‬ ‫فأنـت لعمـري ِمـن مدائحهـا‬ ‫َ‬ ‫وقال البحتري‪:‬‬ ‫فاخـرا بالشـعر يُذكر في‬ ‫ومـن يك ُْن‬ ‫ً‬ ‫أصنافـه َفبـكَ أ‬ ‫تفتخـر‬ ‫ر‬ ‫شـعا‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬

‫والقدم‬ ‫إشكالية القوامة ِ‬

‫وأطلعت البروفيسورة جروندلر جمهور المحاضرة‪ ،‬على القضية‬ ‫التي شغلت أذهان الناس آنذاك‪ ،‬وحجج الصولي بأن القوامة في‬ ‫القدم فحسب‪ ،‬أي إن السبق الزمني لشاعر‬ ‫الشعر ال تعتمد على ِ‬ ‫ال يعني بالضرورة التفوق على شاعر يأتي بعده‪ ،‬ألن المتأخرين‬ ‫ويطورونها‪ ،‬ويبدعون في صياغتها‪ ،‬حتى‬ ‫يأخذون الفكرة السابقة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫تصبح أكثر إمتاعاً‪ ،‬وبالغة مما كانت عليه‪.‬‬


‫ثم تنهي المحاضرة بقصة إصدار كتاب الصولي أثناء الحرب‬ ‫العالمية الثانية‪ ،‬على يد عربيين هما محمد عبده عزام‪ ،‬وخليل‬ ‫محمود عساكر‪ ،‬اللذان تتلمذا على يد المستشرق أ‬ ‫اللماني الشهير‬ ‫جوتهيلف بيرجشترسر‪ ،‬أثناء تدريسه لهما في جامعة القاهرة‪،‬‬ ‫السالم الهندي‪ ،‬كان يعمل‬ ‫بالتعاون مع طالب ثالث اسمه نظير إ‬ ‫على الموضوع نفسه في جامعة بريسالو‪ ،‬التي كانت آنذاك تابعة‬ ‫أللمانيا‪ ،‬ثم أصبحت بعد الحرب العالمية بولندية‪ .‬فاشترك الثالثة‬ ‫المحاضرة إعجابها البالغ بهذا‬ ‫في إصدار كتاب الصولي‪ .‬وتبدي‬ ‫ِ‬ ‫الجهد المشترك‪ ،‬الذي لم تعرقله الحواجز الجغرافية أو الثقافية‪.‬‬ ‫الالفت في المحاضرة أنها خاطبت في البداية جمهوراً‪ ،‬أكثره ربما ال‬ ‫يعرف الكثير‪ ،‬أو حتى ال شيء عن الشعر العربي‪ ،‬ثم أخذت بيده‪،‬‬ ‫وأوجدت له جسراً يربط بين الثقافتين‪ ،‬من خالل مفهوم الحداثة‪،‬‬ ‫حتى يجد ما يتكئ عليه في فهم ما تقوله‪ .‬وخالل ثلث الساعة‪،‬‬ ‫كانت تنتقل من الحديث مع مبتدئين‪ ،‬لتخوض معهم في نقاشات‬ ‫المثال‪ ،‬وال تتوانى عن ذكر أ‬ ‫أكاديمية‪ ،‬وتضرب أ‬ ‫البيات العربية‪،‬‬ ‫لتخلص إلى وجود نماذج رائعة للتعاون بين العالمين العربي‬ ‫والغربي‪ ،‬وتختتم أ‬ ‫بالمل في مستقبل يشهد مزيداً من التعاون‪.‬‬

‫أبو تمام يرفع لها (عمامته)‬

‫وقته كانوا يعرفون المقصود‪ ،‬وال يحتاجون إلى أن يقوله الشاعر‬ ‫صراحة‪ ،‬إضافة إلى حرصها البالغ على أال تضع في القصيدة ما‬ ‫ليس فيها‪ .‬أما القارئ العربي فإنه سمع عن أبي تمام منذ التحق‬ ‫بالمدرسة‪ ،‬وترن كلمات قصائده في أذنه‪ ،‬ما يجعله يعتقد أنه‬ ‫يفهم النص وما فيه بصورة كاملة‪ ،‬وأنه ليس بحاجة إلى أن يغوص‬ ‫في أعماقه‪ ،‬ألنه لن يصل إلى شيء جديد‪ ،‬بل يمكنه أن يربط بين‬ ‫هذا الشعر وبين عناصر خارجية‪ ،‬مثل نظرية التحليل النفسي‪،‬‬ ‫وبذلك يصل إلى أشياء مختلفة عنها‪.‬‬

‫«أتحدث مثل البدو»‬

‫وتورد البروفيسورة أثناء حديثها النظري عن أبي تمام وشعره‪،‬‬ ‫بعض المواقف من حياته‪ ،‬مثل ما فعله الفيلسوف أبو إسحاق‬ ‫الكندي‪ ،‬حين مدح أبو تمام الخليفة المعتصم‪ ،‬قائالً‪:‬‬ ‫ـماحة َحا ِت ٍـم‬ ‫ُ‬ ‫إقـدام َع ْم ٍـرو فـي َس ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـاس‬ ‫ي‬ ‫إ‬ ‫كاء‬ ‫ذ‬ ‫فـي‬ ‫ـف‬ ‫ن‬ ‫أح‬ ‫لـم‬ ‫ح‬ ‫فـي‬ ‫َ‬ ‫ِ َِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫واعتراض الكندي على تشبيه الخليفة بهؤالء‪ ،‬قائال إن أ‬ ‫المير فوق‬ ‫ً‬ ‫من شبهه بهم‪ ،‬لكن أبا تمام استطاع أن يفحمه‪ ،‬حين أنشد أبياتاً‪،‬‬ ‫استشهد فيها بالقرآن الكريم‪ ،‬حيث وصف هللا نوره بالمشكاة‪ ،‬التي‬ ‫هي بالتأكيد أقل شأناً من نور هللا ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬حيث قال‪:‬‬ ‫ـن دونـهُ‬ ‫ال تنكـروا ضربـي لـهُ َم ْ‬ ‫ـاس‬ ‫َم َثلا ً شَ ُـروداً فـي ال َّنـدى وال َب ِ‬ ‫فال َّلـهُ قـد َضـرب أ‬ ‫ال َّ‬ ‫ــور ِه‬ ‫َ​َ‬ ‫قـل ِل ُن ِ‬ ‫المشْ ـك َِاة والن ْب َـر ِاس‬ ‫َم َثلا ً ِم َ‬ ‫ـن ِ‬

‫وعلى هامش المحاضرة‪ ،‬التقينا البروفيسورة جروندلر‪ ،‬وسألناها عما‬ ‫كان سيفعله أبو تمام لو كان حاضراً بيننا واستمع لما تقوله عنه‪،‬‬ ‫فقالت إنها تحاول دوماً أن ترى أبا تمام بعينه هو‪ .‬لذلك قرأت‬ ‫كثيراً من أ‬ ‫الخبار عنه‪ ،‬لتعرف كيف كان الناس يتصرفون في ذلك‬ ‫الوقت‪ .‬تتخيل أبا تمام وهو يقرأ من شعره‪ ،‬وكيف يكافئه الممدوح‪،‬‬ ‫وكيف يلقي عليه الجالسون عمائمهم وكوفياتهم من فرط إعجابهم‬ ‫به‪ ،‬المهم أنها تسعى أن تفهم النص من داخله‪ ،‬دون أن تضيف‬ ‫إليه ما ليس فيه‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فهي تعتقد أن أبا تمام كان سيرى نفسه‬ ‫فيما تقوله عنه‪ ،‬ثم تضحك وتقول مازحة إنها ال تستبعد أن يلقى‬ ‫لها بعمامته‪ ،‬لو كان سمعها أ‬ ‫بالمس‪.‬‬

‫اللمانية إلى أن حياتها أ‬ ‫الستاذة أ‬ ‫وتشير أ‬ ‫الكاديمية الطويلة نسبياً في‬ ‫الواليات المتحدة‪ ،‬جعلتها تميل إلى كتابة أبحاثها بأسلوب مباشر‪،‬‬ ‫وتختار دوماً لغة واضحة‪ ،‬دون تكلف وال تصنع‪ .‬ثم تضيف مازحة‬ ‫بأنها تشعر أنها تتحدث بإيجاز مثل البدو في مرحلة ما قبل إالسالم‪،‬‬ ‫وترى أن مخاطبة القارئ بأسلوب مباشر وواضح يعني احترامه‪.‬‬

‫سألناها عن الفرق بين تعاملها مع شعر أبي تمام وما يفعله القارئ‬ ‫العربي‪ ،‬فقالت بتواضع جم إنها تنطلق من قناعة بأنها ال تعرف‬ ‫كثيراً‪ ،‬وتحتاج إلى جهد كبير لفهمه‪ ،‬وأن هناك إلى جانب كلمات‬ ‫القصيدة‪ ،‬كلمات أخرى لم يبح بها الشاعر‪ ،‬ربما ألن الناس في‬

‫وتضيف أنها اهتمت بالدور الذي كان يلعبه الشعر في العصر‬ ‫العباسي‪ ،‬وكيف أن الشاعر كان يحصل على المال الكثير مقابل‬ ‫قصيدة‪ ،‬وتسعى القتفاء أثر الشعر في حياة العرب اليوم‪ ،‬وتشير‬ ‫إلى البرامج التلفزيونية‪ ،‬خاصة الخليجية‪ ،‬التي تمنح جوائز باهظة‬

‫الدكتورة بياتريس جروندلر‬

‫أ‬ ‫العر�‬ ‫• من مواليد عام ‪1964‬م‪ ،‬أستاذة اللغة العربية والدب ب ي‬ ‫بجامعة ي ن‬ ‫برل� الحرة‪ ،‬منذ عام ‪2014‬م‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫• درست ف ي� جامعات س�اسبورج (الفرنسية)‪ ،‬وتوبنجن (اللمانية)‪،‬‬ ‫وهارفارد أ‬ ‫(المريكية)‪.‬‬ ‫• حصلت عىل الدكتوراة من قسم لغات ال�ش ق أ‬ ‫ال ن‬ ‫د� وحضاراته‬ ‫بجامعة هارفارد عام ‪1995‬م‪.‬‬ ‫• عملت أستاذة مساعدة (من ‪ 1996‬ت‬ ‫ح� ‪2002‬م)‪ ،‬ثم أستاذة‬ ‫أ‬ ‫العر� بجامعة ييل من ‪ 2002‬إىل ‪2014‬م‪.‬‬ ‫الدب ب‬ ‫ي‬ ‫• ألَّفت وأصدرت عديداً من الكتب أ‬ ‫والبحاث العلمية‪ ،‬آخرها‪:‬‬ ‫تحقيق وترجمة كتاب (أخبار ب يأ� تمام‪ :‬تأليف ب يأ� بكر محمد بن‬ ‫الصول)‪ ،‬المكتبة العربية‪ ،‬عام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫يح�‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫‪59 | 58‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫مقابل الشعر الجيد‪ ،‬وكيف أن الشعر قادر على التأثير على الجماهير‬ ‫الن‪ ،‬أ‬ ‫حتى آ‬ ‫المر الذي دفع بعض المرشحين السياسيين لالستعانة‬ ‫بالشعراء‪ ،‬في حمالت االنتخابات البلدية في دول خليجية‪.‬‬

‫العباسي كانت منفتحة على العالم‪ ،‬تمتص ما تستطيع الوصول‬ ‫إليه من ثقافات وعلوم‪ ،‬ثم تضيف إليها وترتقي بها‪ .‬هذه الروح‬ ‫هي التي كانت سائدة في المجتمع‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي يوضح قصور فكرة‬ ‫اعتماد موهبة أبي تمام على فكر المعتزلة فحسب‪.‬‬

‫حين تسأل البروفيسورة جروندلر عما إذا كان كتابها الصادر باللغة‬ ‫إالنجليزية‪ ،‬قد شق طريقه إلى أقسام دراسة اللغة العربية والعلوم‬ ‫االستشراقية في جامعات العالم‪ ،‬تقول إنه من المفترض َّأل يتحدث‬ ‫شخص عن الكتاب الذي قام بتأليفه أو ترجمته‪ ،‬لكنها ترى أنه يتيح‬ ‫المجال لمن يتقن العربية بدرجة محدودة أن يتمكن من فهم الكثير‬ ‫واالستمتاع بهذه أ‬ ‫الشعار‪ ،‬دون بحث مستمر عن معاني المفردات‪،‬‬ ‫وكيفية فهم المفردات في داخل البيت الشعري‪ ،‬من خالل االطالع‬ ‫على الصفحة المقابلة‪ ،‬التي تحتوي ترجمة أمينة‪ ،‬وقريبة إلى أقصى‬ ‫الصلي‪ .‬وال يقتصر أ‬ ‫درجة من النص أ‬ ‫المر على الطالب فحسب‪،‬‬ ‫أ‬ ‫بل أيضاً يمكن ألساتذة اللغة العربية الوروبيين المتخصصين في‬ ‫مجاالت أخرى غير الشعر‪ ،‬أن يقرأوه دون عناء‪ .‬وفوق كل ذلك فإن‬ ‫الكتاب يفتح نافذة على الثقافة العربية لشريحة من القراء من غير‬ ‫المتخصصين‪ ،‬في ظل رغبة الكثيرين أن يفهموا الخلفيات الحضارية‬ ‫لهؤالء الالجئين القادمين من العالم العربي‪.‬‬

‫وتتحدث بأسف عن ارتباط العالم العربي في أذهان كثيرين‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫في الغرب بالزمات والمشكالت‪ ،‬واختزال صورتهم في الحروب‬ ‫والرهاب وأنظمة الحكم الشمولية‪ ،‬والمشكالت االجتماعية‪ ،‬وترى‬ ‫إ‬ ‫أن من أسباب ترجمتها لهذا الكتاب‪ ،‬الرغبة في إظهار أبعاد أخرى‬ ‫في صورة العرب‪ ،‬في ظل جهل الكثيرين في الغرب بأدب العرب‬ ‫وثقافتهم‪ ،‬اعتقاداً منهم بأنه يكفي ما تعلَّموه عن اليونانيين‬ ‫والرومان القدماء بوصفهم جذور الحضارة الغربية الحديثة‪.‬‬

‫أ‬ ‫الدب وصورة العرب في الغرب‬

‫الستاذة أ‬ ‫وترى أ‬ ‫اللمانية أن أبا تمام قد وجد مناخاً إيجابياً في‬ ‫َ‬ ‫والبداع‪ .‬فالثقافة العربية في العصر‬ ‫عصره‪ ،‬أتاح له البروز إ‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫إيجابيا‬ ‫مناخا‬ ‫وجد أبو تمام‬ ‫في عصره‪ ،‬أتاح له البروز‬ ‫واإلبداع‪ .‬فالثقافة العربية‬ ‫في العصر العباسي كانت‬ ‫منفتحة على العالم‪..‬‬

‫وتكشف عن مشروعها القادم في إصدار كتاب يحتوي ترجمة أبيات‬ ‫للمتنبي أصبحت مضرب أ‬ ‫المثال في اللغة العربية‪ ،‬وذلك بالتعاون‬ ‫مع الشاعر السعودي حاتم الزهراني‪ ،‬الذي كان طالباً عندها في‬ ‫جامعة ييل‪.‬‬

‫النسان‬ ‫أبو تمام إ‬

‫النسان‪ ،‬بعد أن قضت مع أشعاره عقدين‬ ‫وعن رأيها في أبي تمام إ‬ ‫من الزمان‪ ،‬قالت إن أحد الشعراء في عصر أبي تمام‪ ،‬قال ما معناه‬ ‫إنه طالما كان أبو تمام على قيد الحياة‪ ،‬فلن يمكن لشاعر آخر أن‬ ‫يكسب المال‪ .‬لكنه على العكس من ذلك‪ ،‬فقد كان يساعد غيره‬ ‫ويقدم لهم النصح ويرشدهم على من يكافئهم على‬ ‫من الشعراء‪ِّ ،‬‬ ‫أشعارهم‪ ،‬رغم ما كان يعرفه من حقد البعض عليه‪ ،‬وحياكتهم‬ ‫للمكائد له‪ ،‬لكنه كان إنساناً عظيم الخلق‪ ،‬كريم الطباع‪ ،‬ذكياً‬ ‫يفهم محدثه حتى قبل أن ينتهي أ‬ ‫الخير من كالمه‪ ،‬فيرد على ما‬ ‫يقوله مباشرة‪ .‬وكان أيضاً سريع البديهة كما ورد سابقاً في رده على‬ ‫االنتقادات لشعره‪ ،‬وكانت شخصيته قوية‪ ،‬وكان صادقاً مع نفسه‪،‬‬ ‫فقد جرب صنوفاً من أ‬ ‫الدب غير الشعر‪ ،‬لكنه توقف عنها معترفاً‬ ‫بأنه غير قادر على كتابتها‪.‬‬


‫دور مثل هذه المحاضرات‬

‫إذابة الجليد بين الغرب والثقافة العربية‬

‫من ي ن‬ ‫وال�وفيسورة‬ ‫اليم�‪:‬‬ ‫المهندس فهد العبدالكريم ب‬ ‫سبست� أ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫والستاذة الدكتورة بياتريس جروندلر‬ ‫بي�ا‬

‫بال�وفيسورة ت‬ ‫ين‬ ‫سبست�‪ ،‬أستاذة اللغة العربية بجامعة اليدن‪ ،‬والم�ش فة عىل‬ ‫بي�ا‬ ‫ف‬ ‫برنامج التعاون مع أرامكو فيما وراء البحار‪ ،‬أوضحت ي� كلمة خاصة بالقافلة أن‬ ‫هذا التعاون بدأ قبل سنوات ثالث‪ ،‬ت ز‬ ‫بال�امن مع احتفال الجامعة بمرور ‪ 400‬سنة‬ ‫كث�ة تخاطب‬ ‫عىل إنشاء قسم للدراسات العربية بالجامعة‪ ،‬وشمل نشاطات ي‬ ‫مكونات المجتمع‪ ،‬من أطفال مدارس إىل رجل الشارع العادي وصوال ً إىل‬ ‫مختلف ّ‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫والمثقف�‪ ،‬وشملت معارض وحفالت وإصدار كتب‪ ،‬إىل جانب هذه‬ ‫كاديمي�‬ ‫ال‬ ‫�ض‬ ‫ت‬ ‫كب� من داخل الجامعة وخارجها‪.‬‬ ‫ال� تحظى بإقبال ي‬ ‫المحا ات‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تخرج عن‬ ‫وذكرت أن ما من جامعة يمكنها أن ّ‬ ‫تمول مثل هذه النشاطات‪ ،‬ي‬ ‫الطبيعة أ‬ ‫ف‬ ‫بالمع� الضيق‪ .‬وبرصاحة ث‬ ‫ن‬ ‫أك�‪ ،‬فإن الجامعات ي� الغرب‬ ‫الكاديمية‬ ‫أ‬ ‫مستعدة فوراً لتمويل دراسات تتناول الوضاع الراهنة مثل إالرهاب وكيفية‬ ‫المسلم�‪ ،‬لكنها لن تتحمس لتخصيص ي ز‬ ‫ين‬ ‫م�انيات لن�ش‬ ‫التعامل مع المهاجرين‬ ‫تقدمه أرامكو‬ ‫العر� أو بالثقافة العربية عموماً‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن ما ِّ‬ ‫الوعي بالشعر ب ي‬ ‫كب�ة‪ .‬علماً بأن هناك خططاً مستقبلية للتوسع ف ي�‬ ‫فيما وراء البحار‪ ،‬يسد ثغرة ي‬ ‫أك� من الناس‪ ،‬مثل ن�ش أفالم توثيقية لهذه المحا�ض ات‬ ‫التعاون ليخاطب �ش ائح ب‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫أك� من الحا ين‪.‬‬ ‫ي� يوتيوب‪ ،‬لتصل إىل جمهور ب‬ ‫ين‬ ‫تقدم دورة لطالب المرحلة‬ ‫وأشارت بال�فيسورة‬ ‫سبست� إىل أن جامعة اليدن كانت ِّ‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫تتضمن خمس محا ات‪ ،‬يحصل‬ ‫الثانوية ي� تخصصات العلوم الطبيعية‪َّ ،‬‬ ‫الطالب بعدها عىل شهادة حضور ف ي� الجامعة‪ ،‬وتهدف إىل اجتذاب الطالب‬ ‫لهذه التخصصات‪ .‬ولكنها تمكنت من خالل التعاون مع أرامكو فيما وراء البحار‪،‬‬ ‫باستحداث برنامج جديد باسم (ألف رس ورس) يتناول العلوم إالنسانية ألول مرة‪،‬‬ ‫وهو مخصص للطالب ف ي� المرحلة العمرية ‪ 18 – 17‬سنة‪ ،‬ويشمل تعريف الطالب‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫للمسلم� ف ي� تخصصات علوم الطب‬ ‫واالخ�اعات العلمية‬ ‫بالفن إالسالمي‪،‬‬ ‫والفلك والرياضيات‪ ،‬كما يسعى بال�نامج لزيادة معارفهم عن إالسالم‪.‬‬ ‫ن‬ ‫«إن� ال أنتظر أن يعرف‬ ‫ورداً عىل سؤال حول أثر كل هذه النشاطات‪ ،‬قالت‪ :‬ي‬ ‫كث�اً عن بأ� تمام أو الجاحظ‪ ،‬بل ن‬ ‫وب�ن‬ ‫يكفي� أن يذوب الجليد بينهم ي‬ ‫الناس ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫هذه الثقافة العربية‪ ،‬وأن يعرفوا أن العرب أناس يتمتعون بخفة الظل‪ ،‬ولهم‬

‫ض‬ ‫ملصق إعالن‬ ‫المحا�ة‬

‫العر� يحتوي‬ ‫نفس االهتمامات والطموح والهموم‪ .‬وأن يدركوا أن الشعر ب ي‬ ‫أفكاراً جميلة‪ ،‬ولذلك يستحق أن يقرأه إالنسان‪ .‬وإذا جاء ف ي� كل محا�ض ة خمسة‬ ‫الكاديمي‪ ،‬فإنهم سيتحدثون عن هذه أ‬ ‫أشخاص فقط من خارج الوسط أ‬ ‫المسية‬ ‫العائل واالجتماعي‪ ،‬ويصبح الحديث عن العرب وثقافتهم ف ي� إطار‬ ‫ف ي� محيطهم‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫مختلف تماماً عما ت‬ ‫يق�ن بالمشكالت والزمات»‪ .‬وأضافت قائلة إن هذه النشاطات‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫التال‪ ،‬وال تسعى لن يخرج الناس من المحا ة أو هذا‬ ‫ال تحقق نتائج ي� اليوم ي‬ ‫ف‬ ‫كب�اً ي� تال�اث‬ ‫النشاط أو ذاك‪ ،‬ليقولوا إن الثقافة العربية ثرية وتمثل إسهاماً ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫مش�ة إىل أنهم يعملون ت‬ ‫باس�اتيجية متوسطة وطويلة الجل‪ ،‬تحتاج‬ ‫نسا�‪ ،‬ي‬ ‫إال ي‬ ‫تأث�ها يكون أعمق وأطول عمراً‪.‬‬ ‫بعض الوقت‪ ،‬لكن ي‬ ‫ين‬ ‫وكب� إال ي ن‬ ‫داري�‬ ‫التنفيذي� ف ي� �ش كة أرامكو‬ ‫أما المهندس فهد العبدالكريم الرئيس ي‬ ‫ت‬ ‫يأ� ف ي� سياق إحدى أهم قيم أرامكو‬ ‫فيما وراء البحار‪ ،‬يف�ى أن هذا التعاون ي‬ ‫ف‬ ‫وهي المواطنة‪ ،‬كما أكد أن ال�ش كة تسعى إىل تفعيل هذه القيمة ي� البيئة الغربية‬ ‫الغر�‪ ،‬من خالل ال�ش اكة ت‬ ‫االس�اتيجية مع جامعة اليدن العريقة‪ ،‬وقد‬ ‫والمجتمع ب ي‬ ‫�ش‬ ‫حوال‬ ‫أمكن تحقيق العديد من الم وعات‪ ،‬من بينها معرض الحج‪ ،‬الذي اجتذب ي‬ ‫‪ 100‬ألف زائر من داخل هولندا وخارجها‪ ،‬أما هذه المحا�ض ات فتقام بمعدل‬ ‫ب� الحضار ي ن‬ ‫مرة كل ثالثة أشهر‪ ،‬وتسهم ف� التقارب ي ن‬ ‫ت� العربية والغربية‪ ،‬وهو‬ ‫ي‬ ‫من أهم أهداف ال�ش كة أيضاً‪ ،‬ومن المأمول مخاطبة جمهور أوسع ف ي� المرحلة‬ ‫القادمة‪ ،‬من خالل برامج مرئية أو ف ي� صورة معارض‪.‬‬ ‫وأوضح العبدالكريم أن أرامكو فيما وراء البحار أسهمت من خالل هذا التعاون‬ ‫ب� الجامعة ي ن‬ ‫مع جامعة اليدن ف� تعزيز العالقة ي ن‬ ‫وب� الملحقية الثقافية السعودية‬ ‫ي‬ ‫ف� الهاي‪ ،‬كما شاركت ال�ش كة ف� اليوم ن‬ ‫الوط� السعودي‪ ،‬الذي أقامته سفارة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الحرم� ال�ش ي ن‬ ‫ين‬ ‫يف� ف ي� مملكة هولندا‪ ،‬وكذلك تتعاون مع وزارة الثقافة‬ ‫خادم‬ ‫والعالم السعودية ف ي� أي برامج ثقافية تتقاطع مع برامج ال�ش كة‪ ،‬مؤكداً أن أرامكو‬ ‫إ‬ ‫فيما وراء البحار مستعدة دوماً للتعاون ف ي� أي نشاط يخدم المملكة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪61 | 60‬‬

‫أدب وفنون‬

‫ثمة عبارة شهيرة لألديب الروسي الكبير‬ ‫دوستويفسكي ينسب فيها الريادة بين‬ ‫األدباء الروس إلى نيكوالي غوغول صاحب‬ ‫رواية «المعطف»‪ ،‬يقول فيها «لقد خرجنا‬ ‫ً‬ ‫جميعا من معطف غوغول»‪ .‬وإذا كان‬

‫لمعطف غوغول هذا األثر الكبير على األدباء‬ ‫الروس الذين أبهرونا بروائعهم الخالدة‪ ،‬فإن‬ ‫ً‬ ‫معطفا آخر كان له أثرٌ بالغ كذلك على‬ ‫ثمة‬ ‫َّ‬ ‫كتاب من مختلف الجنسيات والثقافات‬ ‫القدم بنمط كتابتهم‬ ‫أدهشونا منذ ِ‬ ‫المختلف وما زالوا يفعلون حتى اليوم‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫فراس عالم‬

‫الذين خرجوا من‬

‫المعطف األبيض‬

‫الس� آرثر‬ ‫ي‬ ‫كونان دويل‬


‫المعطف المقصود هنا هو المعطف أ‬ ‫البيض‬ ‫ت‬ ‫يكتف ممارسوها‬ ‫ال� لم ِ‬ ‫الذي يرمز لمهنة الطب‪ ،‬ي‬ ‫بمداواة ض‬ ‫المر�‪ ،‬بل إن فريقاً منهم تجاوز ذلك‬ ‫أ‬ ‫المر ليمسك بالقلم بدال ً من الم�ش ط الجراحي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫د� بدال ً من أن يكتب‬ ‫وليخ ّط سطوراً من إ‬ ‫البداع ال ب ي‬ ‫وصفة الدواء لمرضاه‪.‬‬ ‫الدباء أ‬ ‫تناول كث� من الكتاب ظاهر َة أ‬ ‫الطباء بالدراسة‪ ،‬بل إن‬ ‫ّ‬ ‫يٌ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫المهنت�‪،‬‬ ‫بعض أولئك الطباء أنفسهم علَّق عىل جمعه يب�‬ ‫ي‬ ‫الجمع ي ن‬ ‫ب�‬ ‫يشبه‬ ‫َ‬ ‫فنجد الكاتب والطبيب أنطون تشيخوف ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫زوج� والدب‬ ‫الدب والطب بالزوجة والحبيبة قائالً‪« :‬الطب‬ ‫ي‬ ‫الطباء أ‬ ‫ح� تتفق معظم آراء أ‬ ‫ت‬ ‫حبيب�»‪ .‬ف� ي ن‬ ‫الدباء عىل أن‬ ‫ي ي‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫النسانية‬ ‫سبب ممارستهم للكتابة هو المواقف إ‬ ‫الصادمة ي‬ ‫يعايشونها يومياً‪ ،‬ومواجهة الموت بشكل متكرر أ‬ ‫والحداث‬ ‫المصاحبة له‪ ،‬ما يجعلهم ف ي� حالة استثارة عاطفية وأمام‬ ‫أ‬ ‫النسانية الصادقة‬ ‫معرض حي للصور والشخصيات والحداث إ‬ ‫والمؤثرة ف ي� الوقت نفسه‪.‬‬

‫نكهة خلط‬ ‫العلمي والرسد أ‬ ‫ال‬ ‫د�‬ ‫التفك�‬ ‫ي‬ ‫بي‬

‫لكن بعيداً عن المسار العاطفي والتقليدي ف ي� تناول الظاهرة‪،‬‬ ‫عينة من الك َّتاب‬ ‫فإن ثمة نوعاً خاصاً من التجديد نجده لدى ّ‬ ‫أ‬ ‫الطباء‪ ،‬خصوصاً أولئك الذين تمسكوا بمهنتهم ومارسوها‬ ‫اح�افهم للكتابة أ‬ ‫بشكل جدي إىل جوار ت‬ ‫الدبية ي ّ ز‬ ‫وتم�هم فيها‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ثمة نكهةٌ خاصةٌ وجديدة يمكن ي ز‬ ‫تمي�ها ي� تلك الكتابات دون‬ ‫�ش‬ ‫كب�‪ ،‬فهي إىل جوار نزوعها إىل اللغة السلسة والمبا ة‪،‬‬ ‫عناء ي‬ ‫ف‬ ‫كب� منها‬ ‫وبُعدها عن التعقيد اللغوي والشعري‪ ،‬فإنها ي� ٍ‬ ‫جزء ي ٍ‬ ‫التفك� العلمي الذي يختلط بالرسد‬ ‫كث�اً من أسلوب‬ ‫ي‬ ‫تحمل ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ال� تأخذ الكتابة إىل أرض‬ ‫د� فينتج تلك النكهة ي‬ ‫ال ب ي‬ ‫المم�ة ي‬ ‫والتفك� العلمي المقصود هنا‬ ‫غ� مطروقة ف ي� كل مرة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫جديدة ي‬ ‫�ض‬ ‫ن‬ ‫يع� بال ورة أدب الخيال العلمي بشكله المعروف بل هو‬ ‫ال ي‬ ‫ث‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫مع� أوسع وأك� شموالً‪ ،‬ولتقريب الفكرة أك� فال بأس من‬ ‫أ‬ ‫�ض ب المثلة‪.‬‬ ‫أحد أ‬ ‫توضح ن‬ ‫ت‬ ‫التفك� العلمي ف ي�‬ ‫مع�‬ ‫المثلة‬ ‫ال� ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫المفضلة ي‬ ‫أ‬ ‫الس� آرثر كونان دويل (‪1859‬‬ ‫د� هي كتابات ي‬ ‫قالب الرسد ال ب ي‬ ‫وسياس وصاحب عدة‬ ‫فالس� آرثر طبيب وباحث‬ ‫ ‪1930‬م)‪.‬‬‫ي‬ ‫ال� يطبقت آ‬ ‫مؤلفات ف� مجاالت متعددة‪ ،‬لكن شهرته ت‬ ‫الفاق كانت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مدينةً‬ ‫شخصية خرجت من رواياته‬ ‫خيالية من ابتكاره‪،‬‬ ‫لشخصية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ت‬ ‫القص�ة وتمردت عليه ح� باتت لها هويتها المستقلة‬ ‫وقصصه‬ ‫ي‬ ‫عن مؤلفها ومعجبيها الذين أ‬ ‫يملون أركان المعمورة‪ .‬إنها شخصيةُ‬ ‫دقيق المالحظة‪ ،‬المغرور والساخر والمستفز‬ ‫الذك ِ‬ ‫ِ‬ ‫المحقق ي ِّ‬ ‫ز‬ ‫تم�ت‬ ‫المث�ة للجدل ي‬ ‫ش�لوك هولمز‪ .‬هذه الشخصية ي‬ ‫دائماً‪ :‬ي‬ ‫فوق كل تلك الصفات بالقدرة عىل التحليل والمالحظة والبحث‬ ‫الدقيق وجمع الصور المتناثرة‪ ،‬مهما كانت بسيطة وتافهة‬ ‫لتكوين صورة نهائية تفكك العقدة وتحل لغز الجريمة الذي‬ ‫عجز الجميع عن حله‪ ،‬بطريقة بسيطة مدهشة وفاتنة ف ي� الوقت‬ ‫ت‬ ‫ال� يصفها هولمز لصديقه واطسن بقوله‪:‬‬ ‫نفسه‪ ،‬تلك الطريقة ي‬ ‫«يا صديقي‪ ،‬استبعد الخرافة‪ ،‬استبعد المستحيل‪ ،‬ومهما بدا لك‬ ‫ق‬ ‫البا� غريباً فهو الحقيقة»‪.‬‬ ‫ي‬

‫تلك الطريقة ي ز ت‬ ‫ال� يستخدمها هولمز هي نفسها الطريقة‬ ‫المم�ة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� يستخدمها الطباء ي� تشخيص مرضاهم‪ ،‬فهم‬ ‫العلمية ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يشاهدونها عىل المريض‪ ،‬ويُجرون‬ ‫يجمعون المالحظات ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� يب� أيديهم‬ ‫التحاليل ويستبعدون كل ما هو ٍ‬ ‫مناف للحقائق ي‬ ‫ت‬ ‫الس� آرثر هو أنه‬ ‫ح� ينتهوا إىل التشخيص المناسب‪ .‬وما فعله ي‬ ‫أ‬ ‫نقل تلك الطريقة من ردهات المستشفيات إىل عالم الدب‪ ،‬بل‬ ‫ش�لوك هولمز من أحد أساتذته‬ ‫رصح بأنه استوحى شخصيةَ ي‬ ‫إنه َّ‬ ‫ف‬ ‫ف ي� كلية الطب‪ ،‬وكتب له رسالة شخصية ينسب له الفضل ي� ابتكاره‬ ‫الشه�‪.‬‬ ‫لشخصية المحقق‬ ‫ي‬

‫ومن دويل إىل كرايتون‬

‫السلوب العلمي ف� الكتابة أ‬ ‫أك� معارص ًة مارس أ‬ ‫مثال آخر ث‬ ‫ٌ‬ ‫الدبية‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫ً‬ ‫ونقل عالم الرسد إىل أرضية جديدة تماما وأك� تعقيداً‪ ،‬هو الكاتب‬ ‫والطبيب مايكل كرايتون (‪2008 - 1942‬م)‪.‬‬ ‫ف‬ ‫كث�اً من المؤلفات بأسماء‬ ‫بدأ كرايتون الكتابة ي� سن مبكرة ون�ش ي‬ ‫مستعارة قبل أن ينال حظه من الشهرة والمال مع ذيوع رواياته‬ ‫ذات الطابع الغريب والمعقَّد ف ي� الحبكة والصياغة‪ .‬معظم روايات‬ ‫علمية ال ينقصها الخيال والخيال‬ ‫كرايتون أشبه ما تكون‬ ‫بأحجية ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الجامح جداً ف� معظم أ‬ ‫الوقات‪.‬‬ ‫ي‬


‫‪63 | 62‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫معظم روايات كرايتون أشبه ما تكون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫علمية الينقصها الخيال‬ ‫بأحجية‬ ‫والخيال الجامح ً‬ ‫جدا في معظم‬ ‫األوقات‬

‫بكت�يا قادمة من الفضاء الخارجي كما ف ي� رواية «ساللة‬ ‫فمن ساللة ي‬ ‫�ش‬ ‫أندروميدا» إىل كائن ير تخلّص منه أهل المستقبل بإرساله‬ ‫إلينا ف ي� ماضيهم كما ف ي� «الجسم الكروي»‪ ،‬مروراً بإحياء عالم‬ ‫الديناصورات ف ي� «الحديقة الجوراسية»‪ ،‬أو مواجهة خطر جيل‬ ‫ي ت‬ ‫ال� لها القدرة عىل التكاثر والتطور‬ ‫جديد من الروبوتات‬ ‫الصغ�ة ي‬ ‫استخالصها من ال�وتينات الحيوانية �ف‬ ‫وشحن نفسها بالطاقة بع�‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وغ�ها ال يتخىل كرايتون‬ ‫روايته «الفريسة»‪ .‬ي� كل تلك الروايات ي‬ ‫عن الحبكة التقليدية ورسم الشخصيات ووصف المواقع ومرسح‬ ‫أ‬ ‫الحداث وال عن البعد الفلسفي إ ن‬ ‫نسا�‪ ،‬لكنه يضعه وسط‬ ‫ُ‬ ‫وال ي‬ ‫كم هائل من المعلومات والنظريات‪ ،‬بل والرسومات التوضيحية‬ ‫ٍّ‬ ‫والمراجع العلمية كذلك‪ .‬فيجعلك ومن خالل القراءة تستنبط‬

‫ت‬ ‫ال� وضعها ي ن‬ ‫ب� يديك‪ ،‬وكأنما‬ ‫الحدث ي‬ ‫التال بمنطقية المعطيات ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫تقرأ ورقة بحثية متخصصة‪ .‬ومهما بدا المر غريبا وجامحاً‪ ،‬فإنك‬ ‫الشه� نفسه ف ي�‬ ‫ستجده منطقياً وستجد نفسك تتساءل السؤال‬ ‫ي‬ ‫كل مرة‪ :‬ماذا لو حدث هذا بالفعل ف ي� المستقبل القريب؟ أي‬ ‫وولعها‬ ‫جشعها المستمر َ‬ ‫مص� ستواجهه الب�ش ية ما لم تُوقف َ‬ ‫يٍ‬ ‫بتدم� الذات؟‬ ‫ي‬ ‫سواء أكان المنطق العلمي الذي يمارسه أ‬ ‫الطباء يترسب ف ي� كتاباتهم‬ ‫ً‬ ‫عىل شكل مهارات بسيطة ف ي� االستنتاج والبحث أو بع� نمط معقد‬ ‫ف� كتابة رواية أقرب إىل البحث العمل الصارم‪ ،‬إال أن ما يجمع ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫االثن� هو احتفاظهما ز أ ي أ‬ ‫ين‬ ‫المتاع‪.‬‬ ‫بالم�ة الساسية للدب وهي إ‬ ‫ي‬ ‫فمعظم روايات أ‬ ‫التعب�‪،‬‬ ‫الطباء ذات «المنطق العلمي»‪ ،‬إن صح‬ ‫ي‬ ‫يز‬ ‫المتاع ربما بفضل ما تحويه‬ ‫تتم� بتلك السالسة والقدرة عىل إ‬ ‫أ‬ ‫تحد واستفز ٍاز لقدرات القارئ الذهنية أو للجواء والمناخات‬ ‫من ٍّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تطرقها‪.‬‬ ‫الجديدة ي‬ ‫جذب لص ّناع السينما‬ ‫المتاع جعلتها‬ ‫تلك القدرة عىل إ‬ ‫َ‬ ‫موضع ٍ‬ ‫والمسلسالت‪ ،‬إذ َّ‬ ‫قل أن تجد رواية من هذا الطراز إال وتحولت إىل‬ ‫منتج برصي ناجح يسهم ف ي� ن�ش البهجة إىل آفاق أرحب‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫مايكل كرايتون‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫عبد الوهاب أبو زيد‬

‫النص القصير‬

‫وتداخل األجناس األدبية‬

‫أدب وفنون‬

‫إن تصنيف النصوص المكتوبة وتقسيمها‬ ‫وفق أنواع وأجناس أدبية ذات خصائص‬ ‫َّ‬ ‫يأت إال في‬ ‫محددة وسمات متباينة‪ ،‬لم ِ‬ ‫مرحلة متأخرة من عمر الكتابة‪ .‬وقد دار‪،‬‬ ‫وال يزال‪ ،‬جدل طويل حول تداخل األجناس‬ ‫األدبية وتماهيها وسقوط الحواجز والجدران‬ ‫المتوهمة فيما بينها‪ ،‬إما لصعوبة تصنيف‬ ‫النصوص أو لروح التمرد الطاغية لدى كثير‬ ‫من َّ‬ ‫الكتاب الذين ال يأبهون عادة بتصنيف‬ ‫وتأطير ما يكتبونه من نصوص‪.‬‬


‫‪65 | 64‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫وغني عن الذكر أن هناك أجناساً كتابية ال تحتمل اللبس‬ ‫الجناس أ‬ ‫مع غيرها من أ‬ ‫الخرى‪ .‬فالحدود‪ ،‬من حيث الشكل‬ ‫على أقل تقدير‪ ،‬ما بين الشعر الذي يراعي أصول كتابة‬ ‫النص الشعري من حيث الوزن والتقفية‪ ،‬وبين النص‬ ‫النثري التقريري التقليدي أو النص المسرحي واضحة‪ .‬ولكن‬ ‫مثل هذه الحدود ال تكون عادة بمثل هذا الوضوح حين يتطرق الحديث إلى‬ ‫قصيدة النثر والقصة القصيرة جداً أو المقالة الشخصية والشذرة‪« .‬فدراسة‬ ‫أ‬ ‫الشكال القصيرة ‪ -‬التي تغطي قروناً ولغات عدة ‪ -‬تكشف أن مفهوم الجنس‬ ‫أ‬ ‫الدبي غامض‪ ،‬ومتغ ِّير الشكل‪ ،‬وأحياناً غير موجود»‪.‬‬ ‫هذا ما يقوله الكاتب والمحرر آلن زيجلر‪ ،‬وهو ما دفع به إلى أن يصدر مختارات‬ ‫تضم قصائد نثر ومقاالت موجزة‪ ،‬وأشكاال أخرى من أ‬ ‫الشكال النثرية في‬ ‫ً‬ ‫أنطولوجيا ضخمة تغطي مساحة زمنية تصل إلى خمسة قرون‪ ،‬تحت عنوان‬ ‫حاول فيه أن يجمع بين كل أشكال الكتابة المتشابهة في خصائصها وسماتها وهو‬ ‫‪ ،Short‬أو ما يمكننا ترجمته بالنص القصير‪.‬‬ ‫إن تصنيف النصوص النثرية القصيرة يبدو محيراً بالفعل في كثير من أ‬ ‫الحيان؛‬ ‫فما قد يكون قصيدة نثر عند كاتب ما قد يكون ومضة قصصية أو مقالة موجزة‬ ‫عند كاتب آخر‪ .‬كما أن محرر أي أنطولوجيا سيقف حائراً في تصنيف النصوص‬ ‫النثرية القصيرة التي تركها ك َّتابها غفال ً من التصنيف‪.‬‬ ‫الحل الذي يقترحه معد هذه أ‬ ‫النطولوجيا التي بين أيدينا هو أن يضعها جميعاً‬ ‫ّ‬ ‫في مكان واحد وتحت سقف وعنوان واحد جامع لشتاتها ومقرب بين سماتها؛‬ ‫فهنا سنجد قصائد نثر لستيفان ماالرمي وهارييت موالن‪ ،‬إلى جانب قصص‬ ‫قصيرة جداً للويزا فالينزويال وديان ويليامز‪ ،‬ومقاالت موجزة إلدغار آلن بو وجو‬ ‫ويندروث‪ ،‬وشذرات لفريدريك شليجل وسيوران‪ ،‬ومقطوعات غير مصنفة لروبرت‬ ‫موزيل و دبليو‪ .‬إس‪ .‬ميروين‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ولن إيراد كلمة ‪( Short‬النص القصير) وحدها على غالف الكتاب كان سيبدو غير‬ ‫كاف إلعطاء فكرة للقارئ عن محتواه‪ ،‬فقد فضل محرر الكتاب أن يضع عنواناً‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فرعيا مساندا يوضح الرؤية ويرفع اللبس المحتمل‪ .‬فماذا جاء في ذلك العنوان‬ ‫الفرعي؟ «أنطولوجيا عالمية لخمسة قرون من القصص القصيرة جداً‪ ،‬وقصائد‬ ‫النثر‪ ،‬والمقاالت الموجزة‪ ،‬وأشكال أخرى من النثر»‪ .‬هذا ما جاء في العنوان‬ ‫الفرعي الذي كان يمكن أن يمتد ليشمل الحكايات أ‬ ‫والقوال المأثورة وقصة الومضة‬ ‫وقصة اللمحة والقصص المصغرة والنانوقصة والقصة السريعة والحاالت‬ ‫والسكيتشات‪ ،‬إلخ‪.‬‬ ‫محدد من حيث‬ ‫ولكي يضع النصوص المختارة في إطار َّ‬ ‫معد المختارات أال يتجاوز عدد كلمات‬ ‫الحجم‪ ،‬فقد آثر ّ‬ ‫النصوص المختارة ‪ 1250‬كلمة‪ .‬أما الثقافات التي تنتمي‬ ‫لها تلك النصوص فهي الثقافات الغربية‪ ،‬أو آ‬ ‫الداب‬ ‫الغربية‪ ،‬مع إقرار الكاتب في مقدمته أن هناك‬ ‫نصوصاً كثيرة رائعة تنتمي لثقافات أخرى غير‬ ‫غربية لم يشتمل عليها الكتاب‪ ،‬خاصة‬ ‫آ‬ ‫ويبرر استبعاد‬ ‫الداب‬ ‫المشرقية‪ِّ .‬‬ ‫نصوص تلك آ‬ ‫الداب من‬ ‫هذه أ‬ ‫النطولوجيا‪ ،‬بأنه‬ ‫من غير الممكن ضم‬ ‫كل ثقافات العالم‬

‫أوسكار وايلد‬

‫روبرت بالي‬

‫مارك ستراند‬

‫في أنطولوجيا واحدة‪ ،‬وهو تبرير يمكن تفهمه وتقديره‪ .‬ولكن السؤال هنا هو‬ ‫لماذا لم يستخدم مفردة «غربية» بدال ً من «عالمية» في عنوان الكتاب‪ ،‬ليكون‬ ‫التوصيف أكثر دقة وموضوعية؟‬

‫نماذج من النصوص القصيرة‬ ‫• الفنان‬

‫ألحت عليه رغبةٌ لصنع تمثال السعادة التي تدوم للحظة‪،‬‬ ‫في إحدى الليالي َّ‬ ‫ولكن البرون َز‬ ‫فخرج باحثاً عن البرونز‪ ،‬حيث لم يكن بإمكانه التفكير إال بالبرونز‪َّ .‬‬ ‫العثور على البرونز في أي‬ ‫الموجو َد في العالم تالشى تماماً‪ ،‬ولم يكن من الممكن‬ ‫ُ‬ ‫مكان‪ ،‬ما عدا البرونز الذي يشكّل تمثال الحزن الذي يدوم إلى أ‬ ‫البد‪.‬‬ ‫لقد صنع هذا التمثال بنفسه‪ .‬بيده صنعه ووضعه على قبر الشيء الوحيد الذي‬ ‫أحبه في الحياة‪ .‬على قبر الشيء الميت الذي أحبه وضع هذا التمثال الذي صنعه‬ ‫النسان‬ ‫النسان الذي ال يموت‪ ،‬ورمزاً لحزن إ‬ ‫بنفسه لكي يبقى عالمة على حب إ‬ ‫الذي يبقى إلى أ‬ ‫البد‪ .‬وفي كل أرجاء العالم لم يكن هناك من برونز سوى البرونز‬ ‫الذي صنع منه هذا التمثال‪.‬‬ ‫كبير‪ ،‬وأطعمه‬ ‫أتون‬ ‫في‬ ‫ووضعه‬ ‫صنعه‪،‬‬ ‫الذي‬ ‫التمثال‬ ‫فما كان منه إال أن أخذ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫أ‬ ‫للنار‪ .‬وهكذا من تمثال الحزن الذي يدوم إلى البد صنع تمثال السعادة التي‬ ‫تدوم للحظة‪.‬‬ ‫أوسكار وايلد‬

‫• عجل البحر الميت‬

‫(‪)1‬‬

‫أصادف َ‬ ‫ُ‬ ‫بحر ميتاً‪ .‬على بعد عدة أقدام‬ ‫ماشياً صوب الشمال باتجاه المكان‪،‬‬ ‫عجل ٍ‬ ‫مستلق على ظهره‪ ،‬ميتاً منذ عدة ساعات فقط‪.‬‬ ‫الجسد‬ ‫يبدو مثل جذع بني اللون‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أقف وأنظر إليه‪ .‬هنالك رعشة في اللحم الميت‪ :‬يا إلهي‪ ،‬إنه ال يزال حياً‪ .‬وتنتابني‬ ‫صدمة‪ ،‬كما لو أن أحد جدران غرفتي قد تهاوى‪.‬‬ ‫متقوس إلى الوراء‪ ،‬العينان الصغيرتان مغمضتان؛ شعر شاربه يرتفع‬ ‫رأسه ِّ‬ ‫الزيت الذي‬ ‫الزيت‪ .‬هنا فوق ظهره‬ ‫وينخفض أحياناً‪ .‬إنه يُحتضر‪ .‬هذا هو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تعصف بالرمل الناعم باتجاه المحيط‪ .‬الزعنفةُ‬ ‫يدفئ منازلنا بكفاءة بالغة‪ .‬الريح‬ ‫ُ‬ ‫مزججة‬ ‫مكتملة‪،‬‬ ‫وتلوح مثل ذر ٍاع غير‬ ‫البطن‪،‬‬ ‫القريبةُ مني تظل مطوية فوق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الزعنفةُ‬ ‫وجلد‬ ‫بالرمل على حوافها‪.‬‬ ‫طفيف‬ ‫بشكل‬ ‫باق في السفل‪ُ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الخرى نصفها ٍ‬ ‫عجل البحر يبدو مثل معطف قديم‪ ،‬مخدوش هنا وهناك ‪ -‬من قبل قواقع بلح‬ ‫البحر ربما‪.‬‬ ‫وأمسه‪ .‬فجأ ًة ينتصب قائماً‬ ‫ويلتفت‪ .‬يصدر ثالث صرخات‪ :‬أورك! أورك!‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫أمد يدي ّ‬ ‫أورك! ‪ -‬مثل الصرخات التي تصدرها ألعاب الكريسماس‪ .‬يندفع بقوة باتجاهي؛‬ ‫أصاب بالذعر وأقف ُز إلى الوراء ‪ ،‬بالرغم من معرفتي أنه ليس هنالك من أسنان في‬ ‫ُ‬ ‫يريد‬ ‫يخر فوق وجهه‪ .‬إنه ال ُ‬ ‫ذلك الفك‪ .‬يأخذ في التخبط باتجاه البحر‪ .‬ولكنه ُّ‬ ‫الرجوع مرة أخرى إلى البحر‪ .‬ينظر عالياً باتجاه السماء‪ ،‬ويبدو مثل سيدة عجوز‬ ‫فقدت شعرها‪ .‬يضع ذقنه مرة أخرى فوق الرمل‪ ،‬ويعيد ترتيب زعنفتيه‪ ،‬وينتظر‬ ‫لكي أرحل‪ .‬فأرحل‪.‬‬


‫(‪)2‬‬

‫في اليوم التالي أعود ألودعه‪ .‬إنه ميت آ‬ ‫الن‪ .‬ولكنه ليس ميتاً‪ .‬لقد كان على مسافة‬ ‫ربع ميل من الشاطئ‪ .‬اليوم أصبح أشد نحافة‪ ،‬جاثماً فوق بطنه‪ ،‬ورأسه مرتفع‪.‬‬ ‫أضالعه أصبحت أكثر وضوحاً‪ :‬كل فقرة في ظهره تحت المعطف أصبحت مرئية‪،‬‬ ‫وملتمعة‪ .‬إنه يشهق ويزفر‪.‬‬ ‫إلي ‪ -‬عيناه مائلتان؛ قمة رأسه تبدو مثل‬ ‫وينظر‬ ‫يلتفت‬ ‫وتمس أنفه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تجيء موجةٌ ‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ببطء‪ .‬الشاربان‬ ‫سترة صبي جلدية مثنية فوق قضبان دراجة هوائية‪ .‬إنه ُ‬ ‫يموت ٍ‬ ‫أبيضان مثل شوكات الشيهم‪ ،‬والجبهة تميل‪...‬؟‬ ‫وداعاً‪ ،‬يا أخي‪ ،‬لتمت في صوت أ‬ ‫المواج‪ .‬اغفر لنا إن كنا قد قتلناك‪ .‬لتعش‬ ‫ْ‬ ‫الطار الداخلي‪ ،‬التي ال تستقر على البر‪ ،‬والتي تجد راحتها‬ ‫ساللتك طويالً‪ ،‬ساللة إ‬ ‫في المحيط‪ .‬لتنعم بالراحة في الموت إذاً‪ ،‬حين سيخرج الرمل من منخريك‪،‬‬ ‫ويكون بوسعك أن تسبح في حلقات طويلة خالل الموت المطلق‪ ،‬غاطساً إلى‬ ‫أ‬ ‫السفل في الوقت الذي تندلع فيه االغتياالت فوقنا‪ .‬ال تريد مني أن ألمسك‪.‬‬ ‫أتسلق السفح وأعود إلى المنزل من الجهة أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫روبرت بالي‬

‫دراسة األشكال القصيرة ‪ -‬التي تغطي‬ ‫ً‬ ‫قرونا ولغات عدة ‪ -‬تكشف أن مفهوم‬ ‫ِّ‬ ‫ومتغير الشكل‪،‬‬ ‫الجنس األدبي غامض‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا غير موجود‬

‫• الفأرة‬

‫أكتب صفحتي اليومية‪ ،‬تناهى إلى سمعي‬ ‫بينما كنت جالساً تحت ضوء المصباح‪ُ ،‬‬ ‫توقفت‪ ،‬فإنه يتوقف أيضاً‪ .‬ويبدأ مرة أخرى‪ ،‬ما إن أشرع في‬ ‫واه‪ .‬وكنت كلما‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫صوت ٍ‬ ‫خربشة طريقي عبر الصفحة‪ .‬إنها فأرة تستيقظ‪.‬‬ ‫أشعر بمجيئها وذهابها حول الزاوية المعتمة حيث تضع الخادمة ِخ َرقَها ومكانسها‪.‬‬ ‫تقفز الفأرة إلى السطح وتهرول عبر بالطات المطبخ‪ .‬تمر بالقرب من الموقد‪،‬‬ ‫أسفل المغسلة‪ ،‬وتختفي بين الصحون‪ ،‬وعبر سلسلة من مهمات االستطالع التي‬ ‫تتوسع فيها شيئاً فشيئاً‪ ،‬تقترب مني‪.‬‬ ‫في كل مرة أضع فيها قلمي‪ ،‬يزعجها الصمت‪ .‬وفي كل مرة أستخدمه‪ ،‬تحسب‪ ،‬كما‬ ‫أفترض‪ ،‬أن هناك فأرة أخرى‪ ،‬وهذا ما يبعث فيها الطمأنينة‪.‬‬ ‫قدمي‪.‬‬ ‫وبعد ذلك تغيب عن بصري‪ .‬ثم ال تلبث أن تظهر أسفل طاولتي‪ ،‬وعند‬ ‫ّ‬ ‫تدور حول ساق الكرسي هذه وتنتقل منها إلى تلك‪ .‬تمس فردتي حذائي‪ ،‬وتقضم‬ ‫النعل‪ ،‬أو بشيء من الجرأة ترتقيهما!‬ ‫آ‬ ‫علي أال أحرك ساقي‪ ،‬وأال أتنفس بشكل عميق وإال فستختفي‪.‬‬ ‫والن سيكون َّ‬ ‫علي أن أواصل الكتابة‪ ،‬وإال فإنها ستنصرف عني تاركة إياي في‬ ‫ولكن يتوجب َّ‬ ‫وحدتي ‪ -‬أكتب‪ ،‬وأخربش أشياء صغيرة‪ ،‬بالغة الصغر‪ ،‬أنيقة‪ ،‬تماماً كما تقضم‬ ‫هي نعل حذائي‪.‬‬ ‫جول برنار‬

‫• الوصول الغريب للرسالة الغريبة‬

‫كنت‬ ‫الشقة‬ ‫العمل ورحلةً طويلةً رجوعاً إلى‬ ‫كان يوماً طويال ً في‬ ‫الصغيرة ُ‬ ‫حيث ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُتب‬ ‫فوق‬ ‫وصلت إلى هناك‬ ‫أقيم‪ .‬حين‬ ‫أيت َ‬ ‫النور ور ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أشعلت َ‬ ‫الطاولة مظروفًا ك َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ساعةُ‬ ‫الحائط؟ أين كانت الروزنامة؟ كان الخط خط أبي‪،‬‬ ‫اسمي عليه‪ .‬أين كانت‬ ‫ِ‬ ‫أفكر أنه ربما‪ ،‬فقط ربما‪،‬‬ ‫رحت‬ ‫‪،‬‬ ‫ء‬ ‫المر‬ ‫يخمن‬ ‫قد‬ ‫وكما‬ ‫ً‪.‬‬ ‫ا‬ ‫عام‬ ‫أربعين‬ ‫مي ٌت منذ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لكنه ّ‬ ‫ُ‬ ‫ةً‬ ‫تفسير وجود‬ ‫يمكن‬ ‫حياً‪ُ ،‬‬ ‫قريب‪ .‬وإال كيف ُ‬ ‫يعيش حيا ًة سريّ في ٍ‬ ‫ال يزال ّ‬ ‫مكان ما ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وأخرجت الرسالةَ ‪« .‬ولدي‬ ‫جلست‪ ،‬وفتحته‪،‬‬ ‫أستعيد توازني‪،‬‬ ‫المظروف؟ ولكي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫العزيز» هكذا بدأت الرسالة‪« .‬ولدي العزيز» ثم ال شي َء بعد ذلك‪.‬‬ ‫مارك ستراند‬

‫• برعم الزنبق‬

‫أبصر ُ‬ ‫وردي اللون‪ ،‬وكلما تف ّت َح‬ ‫يده‪ .‬كان‬ ‫احة ِ‬ ‫زهرة في ر ِ‬ ‫برعم ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الرجل َ‬ ‫البرعم راسخاً ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫يبتسم له‪ ،‬وكان‬ ‫الوجه ولم‬ ‫يتحدث إليه‬ ‫الصغر‪ .‬لم‬ ‫خجول‬ ‫وجه‬ ‫منه‬ ‫بزغ‬ ‫بالغُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫شيء‬ ‫بالتحديق‬ ‫يكتفي‬ ‫أي ٍ‬ ‫بطريقة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غريبة ملؤها التساؤل‪ .‬لم يكن الرجل يعرف َّ‬ ‫ِ‬ ‫ويحرص على حمايته‪.‬‬ ‫يرعاه‬ ‫فصار‬ ‫تجاهه‬ ‫غامرة‬ ‫بعاطفة‬ ‫أحس‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ولك‬ ‫‪،‬‬ ‫الوجه‬ ‫عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫ذات الوجه؛ وكان يبقيها إلى جانبه في‬ ‫وأصبح ال‬ ‫ُ‬ ‫يستخدم َ‬ ‫تضم الزهر َة َ‬ ‫اليد التي ُّ‬ ‫يضع يده‬ ‫يخي ُم‬ ‫وحين‬ ‫أحد‪.‬‬ ‫لوجودها‬ ‫يتنبه‬ ‫ال‬ ‫حتى‬ ‫ة‪،‬‬ ‫مرخي‬ ‫ُ‬ ‫الظالم كان ُ‬ ‫ّ‬ ‫قبضة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدندنة‬ ‫النوم كان الوجه يشر ُع في‬ ‫ِ‬ ‫مقربة من خده‪ .‬وإذ يغط في ِ‬ ‫المبسوطةَ على ٍ‬ ‫أ‬ ‫الرجل ُ‬ ‫تنتاب َ‬ ‫خافت َ‬ ‫حالم وأعذبُها‪.‬‬ ‫أجمل ال ِ‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫طوال الليل‪ ،‬وكانت ُ‬ ‫كيم وايت‬

‫• الذئاب‬

‫الغابة‪ .‬لقد أطاحت بمن كانوا مهيمنين عليها من قبل‪،‬‬ ‫تهيمن على هذه‬ ‫الذئاب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫آ‬ ‫ً‬ ‫الغابةُ‬ ‫الن ملكا لها‪.‬‬ ‫وبسطت سيطرتها على كل المخلوقات فيها‪ ،‬وباتت هذه‬ ‫ولكن ال تدع الخوف يتسلل إليك إن مررت من هذه الناحية‪ .‬فما من شيء هنا‬ ‫أ‬ ‫شيء أقل من الهواء‪.‬‬ ‫يمكن له أن يؤذيك‪ ،‬لن الذئاب‪ ،‬بالطبع‪ ،‬قد ُجبلت من ٍ‬ ‫عضتها تشبه النسيم‪ .‬وحين تركض فإن بضعة أوراق تهتز‪ .‬وربما تنحني زهر ٌة‬ ‫حين يعوي‪.‬‬ ‫اعبر الغابة متى ما شئت‪ ،‬فما ينبغي لك أن تخشاه ليس موجوداً في الغابة‪.‬‬ ‫كريغ مورجان تيشر‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪67 | 66‬‬

‫فنان ومكان‬

‫بوسعادة‬ ‫الجزائرية‬

‫تأسر ألفونس دينيه‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫هشام بنشاوي‬

‫الفنان التشكيلي الفرنسي ألفونس إيتيان‬ ‫ً‬ ‫طويال‬ ‫دينيه (‪ 1861‬ـ ‪1929‬م) مستشرق أقام‬ ‫في مدينة «بوسعادة» في جنوب الجزائر‪،‬‬ ‫وهي المدينة التي منحته المجد والشهرة‪،‬‬ ‫بينما فشلت مصر في اجتذابه‪ ،‬عندما زارها في عام‬ ‫‪1889‬م برفقة صديقه الرسام لوروا‪.‬‬ ‫وقد ّ‬ ‫خلد دينيه البوسعاديين في تراث تشكيلي باذخ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫يصور مختلف مظاهر الحياة االجتماعية والدينية‪.‬‬ ‫ولم يكن دينيه مجرد فنان تشكيلي‪ ،‬بل اشتهر بكتاباته‬ ‫المناصرة لإلسالم والرسول الكريم ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫عليه وسلم ‪ ،-‬وولعه باألدب العربي‪ ،‬وكذلك تصديه‬ ‫لمغالطات المستشرقين‪ ،‬وتنديده باالستعمار الذي كان‬ ‫ً‬ ‫سائدا آنذاك‪.‬‬

‫أصوله‬

‫يتحدر ألفونس إيتيان دينيه من وسط بورجوازي‪ .‬ودرس الفنون في مدرسة الفنون‬ ‫َّ‬ ‫الجميلة بباريس‪ .‬وبعد تخرجه‪ ،‬لفت أ‬ ‫النظار إلى موهبته الفنية بأولى لوحاته‬ ‫المسماة أ‬ ‫«الم كلوتيد»‪ ،‬وهي لوحة لفالحة مس َّنة من الريف الفرنسي تعتمر‬ ‫َّ‬ ‫فعرضت هذه اللوحة في معرض باريس في‬ ‫قبعتها البيضاء الخاصة بنساء الريف‪ُ .‬‬ ‫‪1882‬م‪.‬‬ ‫وفي عام ‪1884‬م‪ ،‬حاز وسام «صالون قصر الصناعة»‪ ،‬وعلى منحة للسفر إلى‬ ‫الجزائر‪ ،‬التي أغرم بصحرائها‪ .‬وشكلت رحلته العلمية أ‬ ‫الولى هذه منعطفاً في‬ ‫حياته الفنية والشخصية‪ ،‬بعدما رسم «سطوح أ‬ ‫الغواط»‪ ،‬وتعمق في دراسة مناظر‬ ‫فنياً‪.‬‬ ‫الجنوب الجزائري ّ‬

‫بوتريه للفنان‬

‫استقراره ف ي� بوسعادة‬

‫في عام ‪1885‬م‪ ،‬زار ألفونس إيتيان دينيه الصحراء الجزائرية مرة أخرى‪ ،‬وتعلق‬ ‫بمدينة بوسعادة وبواحاتها الغ َّناء‪ .‬بعد ذلك بتسع سنوات‪ ،‬و ّدع باريس وجذوره‬ ‫البرجوازية‪ ،‬وقرر االستقرار في مدينة بوسعادة‪ .‬وأوصى أن يدفن عند سطح‬ ‫السالمية‪.‬‬ ‫هضبتها بعد أن يصلى عليه وفق التعاليم إ‬ ‫وعاش هذا الفنان في بيت متواضع‪ ،‬صار متحفاً أطلق عليه اسمه‪« :‬متحف ناصر‬ ‫الدين دينيه»‪.‬‬ ‫تأثر الفنان ألفونس إتيان دينيه بعادات وتقاليد بوسعادة وأخالق أهاليها العرب‬ ‫والمسلمين‪ .‬وبعد تأمل وتمحيص للإسالم‪ ،‬أشهر إسالمه أمام مفتي الجزائر في‬ ‫أ‬ ‫حد‬ ‫‪1913‬م‪ ،‬بعد «دراسة تاريخية عميقة طويلة المد لجميع الديانات» على ّ‬ ‫وغير اسمه من ألفونس إتيان دينيه إلى ناصر الدين دينيه‪ .‬لكن إسالمه قوبل‬ ‫قوله‪ّ .‬‬ ‫أ‬ ‫فنياً‪ .‬وفي‬ ‫بانتقادات واسعة‪ ،‬حيث وصفه الوربيون بخائن الغرب‪ ،‬وتم تهميشه ّ‬ ‫عام ‪1929‬م‪ّ ،‬يمم ناصر الدين وجهه شطر بيت هللا الحرام ألداء فريضة الحج‪،‬‬ ‫وهو في سن الثامنة والستين‪.‬‬

‫لوحاته‬

‫برعت لوحات الحاج ناصر الدين‪ ،‬كما أطلق عليه فيما بعد‪ ،‬في رسم تفاصيل‬ ‫فعبر عن ولعه بالصحراء‪ ،‬موثقاً بساطة‬ ‫الحياة اليومية في الجنوب الجزائري‪َّ .‬‬ ‫الحياة وزهد الناس‪ ،‬وإصرار البدو على الحياة وتمسكهم بها‪ .‬وبدت سرمدية‬ ‫سر أعماله الفنية‪ ،‬متجسدة في مشاهد الشفق‪ ،‬والغسق‪ ،‬والتالل‪.‬‬ ‫الصحراء ّ‬ ‫وعبرت لوحاته بدقة عن مختلف الحاالت النفسية واالجتماعية كالبؤس والفرح‬ ‫ّ‬


‫لعبة الكورة‬

‫وراء النافذة‬

‫متسابق في مهاري‬

‫«ليس ّ‬ ‫أدل على تنديده باالستعمار من لوحاته التي‬ ‫ساند بها القضية الجزائرية‪ ،‬مثل لوحات‪ :‬العماء‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫تصور‬ ‫وعهود الفقر‪ ،‬واألهالي المحتقرون‪ ..‬التي‬ ‫ظلم االستعمار الفرنسي‪ ،‬وتصرخ فيها الخطوط‬ ‫واأللوان في وجه الممارسات االستعمارية»‪..‬‬ ‫أ‬ ‫والمومة‪ .‬ورغم طغيان تعابير الشجن والبؤس على مالمح شخصياتها‪ ،‬فهي‬ ‫مفعمة بالحياة‪ ،‬تحتفي بالعاطفة والبهجة‪.‬‬ ‫تبدو لوحاته الفنية وكأنها صور حية ناطقة‪ ،‬وهي توظف ‪ -‬في بذخ شعري‪ -‬أ‬ ‫اللوان‬ ‫أ‬ ‫والضواء والظالل‪ ،‬من خالل رسم مفردات الصحراء وتفاصيلها الساحرة‪.‬‬ ‫سر خلود أعمال ناصر الدين فهو في براعته في تصوير نساء بوسعادة‪ ،‬أو‬ ‫أما ّ‬ ‫ً‬ ‫«النايليات» ‪ -‬نسبة إلى شخصية تاريخية تُعرف محليا باسم الولي الصالح سيدي‬ ‫نائل ‪ ،-‬واللواتي يأسرن بصر الناظر إليهن ببهائهن الصحرواي‪ ،‬وهو يلتحف الخفر‬ ‫والجمال المستتر‪.‬‬ ‫ويرى الباحث المصري د‪ .‬سيد علي إسماعيل أن لوحات الحاج ناصر الدين شكلت‬ ‫بداية فنية للحركة التشكيلية في الجزائر‪ ،‬بفضل صدق تعبيرها الفني‪ ،‬وقدرتها‬ ‫النسان في الصحراء‪ ،‬وموهبته الكبيرة في التعامل مع اللون‬ ‫على تجسيدها لحياة إ‬ ‫والضوء والظالل‪.‬‬

‫على المدرجات في يوم عطلة‪h‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪69 | 68‬‬

‫ً‬ ‫شعرا‬ ‫أقول‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ولك‬ ‫إن� أهرب إىل اللغة‪ ،‬لرصف الدنيا مراراً وتكراراً‪ ،‬ي‬ ‫ي� البداية أحتاج أن أقول ي‬ ‫أعيد تشكيل الطبيعة كما أحب لها أن تكون‪.‬‬ ‫أب� من الكلمات قمراً وأحمله ف� ت‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫دف�ي رساجاً أل ش‬ ‫م�‬ ‫ي‬ ‫أ ي‬ ‫ح� يصبح الدرب معتماً‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫فأص� ي ن‬ ‫حروف لحاول‬ ‫اثن� ي� مدينة من‬ ‫نفس وأنا معي‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بص�اً‪ .‬وأحياناً أرسم ي‬ ‫المحيط والصحراء‪.‬‬ ‫إدراك‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫عالم من المشاهد التصويرية‪ ،‬كنت‬ ‫ح�‬ ‫ُ‬ ‫آخري معي ي� ٍ‬ ‫نفس ورسمت َ‬ ‫تناولت ي‬ ‫أبحث عن ثالثنا الذي لم يصل بعد‪.‬‬ ‫تأخر عن موعده ألن‬ ‫يحلم وأنا أكتب رؤا ُه من ذكريات ثالثنا الذي ّ‬ ‫فصار آخري ُ‬ ‫الليل أطال التمدد والبقاء‪.‬‬ ‫صار الليل محطة انتظار مربكة‪ ،‬وصار الحلم أغنية وصارت أ‬ ‫الغنية رسالةً للبعيد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ت‬ ‫موعد‬ ‫ناديت آخري الذي تأ� صدفة‪ ،‬وأخذت صدفته‬ ‫م ّنا ع ّنا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وصدف� إليجاد ٍ‬ ‫ي‬ ‫ح� ت‬ ‫موعد لثالثنا ت‬ ‫واحد ن‬ ‫ين‬ ‫يأ� صباحاً‪.‬‬ ‫‪،‬‬ ‫صدفت�‬ ‫عىل‬ ‫مب�‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫يّ‬ ‫ت‬ ‫الطويل ُ آ ن‬ ‫ُ‬ ‫فكان ُ‬ ‫وأغني�؛ كلها كانت رسالة واحدة لتكرس الليل‬ ‫م�‬ ‫الليل‬ ‫ي‬ ‫وحلم الخر ّ ي‬ ‫الطويل‪ ،‬ومحاولة للوصول إىل المجهول بالنسبة لنا والمعلوم لثالثنا‪.‬‬ ‫لهذا‬ ‫«هات المداد ليبدأ الليل الطويل» و«واحلم ألكتب ما تراه»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫رصخت‪ِ :‬‬


‫استمع للقصائد‬

www.qafilah.com


‫ُ‬ ‫الخ َبر‪..‬‬

‫‪71 | 70‬‬

‫ذاكرة القافلة‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫في عددها لشهر‬ ‫جمادى اآلخرة‬ ‫‪1390‬هـ (أغسطس‬ ‫ سبتمبر ‪1970‬م)‪،‬‬‫استطالعا مصوراً‬ ‫ً‬ ‫نشرت القافلة‬ ‫ُ‬ ‫حول مدينة الخبَ ر بقلم نسيم‬ ‫مدانات‪ ،‬استعرضت فيه أحوال‬ ‫المدينة الفتيَّ ة آنذاك‪ .‬وفيما يأتي‬ ‫مقتطفات منه‪:‬‬ ‫الخ َبر (بضم الخاء وفتح الباء) مدينة فتية تربض‬ ‫ُ‬ ‫على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫مناخها شبيه بمناخ معظم بلدان الخليج العربي‪،‬‬ ‫تهب فيه الرياح الخفيفة طوال‬ ‫فهو شديد الرطوبة ّ‬ ‫العام تقريباً‪ ،‬ويعتدل الجو ويصبح لطيفاً في الفترة‬ ‫الممتدة من سبتمبر إلى مايو‪.‬‬ ‫َّ‬

‫تسميتها ونشأتها‬

‫لم يرد ذكر في أي من المراجع حول تسمية مدينة‬

‫منظر ليلي لشارع األمير خالد‪ ..‬القلب التجاري لمدينة الخبر‬

‫يرجح أن لهذه‬ ‫الخبر بهذا االسم‪ ،‬غير أن البعض ِّ‬ ‫التسمية عالقة بكلمة «خبرة» وجمعها «خبور» وهي‬ ‫منقع الماء في الجبل والمكان الذي تلتقي فيه مياه‬ ‫السيول أ‬ ‫والمطار وتتجمع‪ ،‬كما أنها أيضاً شجرة‬ ‫السدر أ‬ ‫والراك وما حولهما من العشب‪ ،‬والثابت أن‬ ‫بعضاً من أبناء الدواسر الذين نزحوا من البحرين‬

‫عام ‪1342‬هـ (‪1923‬م) قد جاءوا إلى الخبر واستقروا‬ ‫فيها‪ ،‬وإذَّاك لم تكن الخبر سوى مجموعة من بيوت‬ ‫الشعر أ‬ ‫المبنية من الجريد‪ ،‬أقيمت بالقرب‬ ‫والكواخ‬ ‫َّ‬ ‫من البحر‪ ،‬حيث لجأ أصحابها إلى البحث عن قوتهم‬ ‫في مياه الخليج يصطادون أ‬ ‫السماك ويغوصون بحثاً‬ ‫عن اللؤلؤ الثمين‪.‬‬ ‫وظلت هذه الحال عقداً أو عقدين من الزمن‪ ..‬حتى‬ ‫كان يناير عام ‪1935‬م‪ ،‬أي في الوقت الذي كانت‬ ‫فيه أعمال التنقيب عن الزيت ال تزال جارية في‬ ‫هذا الجزء من المملكة العربية السعودية‪ ..‬في ذلك‬ ‫الوقت وقع االختيار على الخبر لبناء أول رصيف من‬ ‫صخور البحر والحجارة فيها يكفي الستيعاب المراكب‬ ‫الصغيرة التي كانت تنقل المواد أ‬ ‫والغذية والمعدات‬ ‫أ‬ ‫مخيم التنقيب الصغير‬ ‫الخرى من البحرين إلى َّ‬ ‫الذي كان مقاماً في منطقة جبل الظهران‪.‬‬

‫جانب من مساكن «الفردوس» الحديثة في مدينة‬ ‫الخبر وقد اتسمت بالنظافة ُ‬ ‫وحسن التنسيق‬

‫يزود معظم‬ ‫منظر ليلي لبرج خزان المياه الذي ِّ‬ ‫أجزاء المدينة بحاجتها من الماء‪ ،‬وهو جزء من‬ ‫مشروع شبكة المياه الذي أنجزته بلدية الخبر‬

‫كان بناء الرصيف الصخري والمرافق القريبة منه‬ ‫أول عملية إنشاء تُجرى في الخبر‪ ..‬إذ بعد ذلك‬ ‫بقليل أخذت بعض المباني البسيطة المصنوعة‬


‫إحدى العيادات الحديثة لطب العيون‬ ‫وجراحتها في مدينة الخبر‬

‫من الصخور البحرية والجص وبعض أ‬ ‫الخشاب في‬ ‫الظهور إلى جانب أ‬ ‫الكواخ‪ ..‬وكانت مياه الشرب‬ ‫تُجلب على ظهور الدواب من بئر في «الثقبة» التي‬ ‫تبعد عن الخبر بنحو أربعة كيلومترات‪.‬‬ ‫وفي الخامس عشر من صفر ‪1361‬هـ (‪1942‬م)‬ ‫أصدر المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود أمر ًا‬ ‫بإنشاء بلدية الخبر بفرعيها الدمام والظهران‪ ،‬وكان‬ ‫أول رئيس لها آنذاك السيد لطفي ناجي الحداد‪.‬‬ ‫وقد جاء إنشاء البلدية إيذاناً باالنطالق في مسيرة‬ ‫عمرانية متواصلة شملت مختلف الجوانب‪.‬‬

‫صناعة األلبان من الصناعات الحديثة في الخبر‬

‫وافتتحت أول مدرسة ابتدائية للبنين في الخبر عام‬ ‫‪1361‬هـ (‪1942‬م)‪ ،‬وكان اسمها آنذاك «معاذ بن‬ ‫جبل»‪ ،‬وكانت تضم ‪ 74‬طالباً تجمعهم ثالثة فصول‪.‬‬ ‫أما أول مدرسة لتعليم البنات فقد افتتحت رسمياً‬ ‫عام ‪1381‬هـ (‪1961‬م)‪.‬‬ ‫عد الصناعة في الخبر وليداً ما زال يحبو إذا ما‬ ‫وتُ ُّ‬ ‫قيست بالحركة التجارية النشطة‪ ..‬بيد أن هناك‬ ‫صناعات محدودة كصناعة الغازات الصناعية‪،‬‬ ‫وصناعة أ‬ ‫اللبان والبوظة‪ ،‬ومناديل الورق (الكلينكس)‬ ‫وصناعة المرطبات والمياه الغازية‪..‬‬ ‫وتعد الخبر من الناحية الصحية مركزاً بالغ أ‬ ‫الهمية إذ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫يقوم فيها عدد من المستشفيات الحديثة المج َّهزة‬ ‫بأحدث المعدات الطبية ومن أكبرها مستشفى‬ ‫أسرة‬ ‫السالمة ومستشفى الشرق‪ .‬ويبلغ مجموع َّ‬ ‫هذين المستشفيين حوالي ‪ 280‬سريراً‪.‬‬

‫المجتمع والنشاط أ‬ ‫الدبي والرياضي‬

‫منظر جوي لمدينة الخبر حيث‬ ‫المنسقة‬ ‫َّ‬ ‫الشوارع الفسيحة‬

‫مبنى بلدية الخبر وتوابعها‬

‫مجتمع الخبر هو مجتمع الجاليات الوافدة‪ ،‬إذا‬ ‫استثنينا القليل من العائالت التي كانت تقطن المكان‬ ‫قبل اتساع المدينة ودخولها مرحلة التطور السريع‪،‬‬ ‫قدموا‬ ‫وهذا المجتمع يحفل بروافد السكان الذين ِ‬ ‫من مختلف أنحاء المملكة ومن البلدان المجاورة‬ ‫والغربية للعمل في شتى ميادين أ‬ ‫العمال‪ .‬وشوارع‬ ‫َّ‬ ‫الخبر معرض نادر‪ ..‬تطالعك فيها مختلف الوجوه‬ ‫أ‬ ‫والزياء‪ ..‬فمن اللباس العربي المعروف إلى الزي‬ ‫أ‬ ‫المتعددة‬ ‫الباكستاني والهندي‪ ،‬فالزياء الغربية‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫بالضافة إلى العربية‬ ‫الشكال واللوان‪ .‬ومن اللغات إ‬ ‫تتجول‬ ‫بلهجاتها‬ ‫ِّ‬ ‫المتعددة يصافح سمعك وأنت َّ‬ ‫النجليزية‬ ‫متعدد من اللغات إ‬ ‫في شوارعها خليط ِّ‬ ‫واليطالية والهندية والفرنسية والهولندية وغيرها‪..‬‬ ‫إ‬ ‫كل هذه أ‬ ‫الزياء واللكنات واللغات تعكس أبعاد‬ ‫المجتمع الذي تعيشه مدينة الخبر الفتية الناشئة‪،‬‬

‫تكثر في الخبر محالت بيع الصحف والمجالت‬ ‫والكتب العربية واألجنبية‬

‫إال أنه وعلى الرغم من هذا التنافر العجيب في‬ ‫تكوينه مجتمع يمتاز بالجد والعمل‪ ،‬طابعه السرعة‬ ‫النتاج‪ ،‬يدرك كل فرد فيه أنه ُوجد هنا ليعمل‬ ‫وحب إ‬ ‫ُ‬ ‫ويسهم في عملية بناء له فيها دور أساسي‪.‬‬ ‫ماض ثقافي‬ ‫ولحداثة عهد الخبر أثر في عدم وجود ٍ‬ ‫أو أدبي لها‪ ..‬بيد أن أفواج القادمين إلى المجتمع‬ ‫الجديد حملت بين ثناياها بذور حركة أدبية ورياضية‬ ‫ساعد على نموها وازدهارها وجود عديد من المكتبات‬ ‫ودور الطباعة والصحافة‪ ،‬وانتشار المدارس ودور‬ ‫العالم أ‬ ‫العلم‪ .‬ومن بين أ‬ ‫الدبية التي ظهرت في‬ ‫مدينة الخبر أحمد الراشد المبارك‪ ،‬وهو شاعر وكاتب‬ ‫وصاحب دراسات وبحوث تاريخية‪ ،‬وسعد البواردي‬ ‫«الشعاع» التي كانت تصدر في‬ ‫وهو صاحب مجلة إ‬ ‫الخبر‪ ..‬وغيرهما كثيرون‪.‬‬

‫اقرأ المزيد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪73 | 72‬‬

‫لغويات‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫النسبة دائماً‬ ‫للمفرد‬ ‫بالرغم من أن الق‬ ‫وا‬ ‫عد‬ ‫ال‬ ‫سلي‬ ‫مة‬ ‫ت‬ ‫ُوج‬ ‫ب‬ ‫الن‬ ‫س‬ ‫أ‬ ‫بة دائماً ل‬ ‫لمفرد‪ِ ،‬إال أ َّن بعض السماء‪،‬‬ ‫التي درجت فيها‬ ‫الن‬ ‫س‬ ‫بة‬ ‫لل‬ ‫جم‬ ‫ع‪،‬‬ ‫يأت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫قع‬ ‫ها‬ ‫هجيناً إ‬ ‫ذا ما نُسبت للمفرد‪ .‬شيء ما‪،‬‬ ‫يتجاوز م َّ‬ ‫جرد الت ُّ‬ ‫عود‪ ،‬يجعلها غير مستساغة‪.‬‬ ‫مثال الحركة العم‬ ‫الي‬ ‫ة‬ ‫إ‬ ‫ذا‬ ‫ما‬ ‫َّ‬ ‫صو‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫لت‬ ‫ِّ‬ ‫صب‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫حركة العاملية‪،‬‬ ‫البية‬ ‫َّ أو الهيئة الط َّ‬ ‫لتصبح الهيئة الطال َّبية‪.‬‬ ‫ويبدو أ َّن َّأول من ا‬ ‫ست‬ ‫خد‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ذه‬ ‫الت‬ ‫عاب‬ ‫ير‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫بدايات ا‬ ‫لعصر الحديث ‪ -‬وهي تعابير‬ ‫معاصرة بالضرورة ‪-‬‬ ‫ن‬ ‫سب‬ ‫ها‬ ‫ت‬ ‫لق‬ ‫ً‬ ‫ائي‬ ‫ا‬ ‫إل‬ ‫ى‬ ‫ال‬ ‫ج‬ ‫مع‬ ‫ب‬ ‫سبب أن‬ ‫ال َّ‬ ‫َّ طبيعة ما نُسبت إليه جماعة‪:‬‬ ‫عمال والطالب‪.‬‬ ‫وقد دار النقاش واح‬ ‫تد‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ول‬ ‫ه‬ ‫ذا‬ ‫ال‬ ‫مو‬ ‫ضو‬ ‫ع‪.‬‬ ‫و‬ ‫لكن حي‬ ‫ن ُطلب من ع َّلمة في اللغة‬ ‫أن يُبدي رأيه‪ ،‬أ ّكد ج‬ ‫واز‬ ‫الن‬ ‫س‬ ‫بة‬ ‫لل‬ ‫ج‬ ‫مع‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫اال‬ ‫ت كثي‬ ‫رة‪ .‬وذكر على سبيل المثال كتاباً‬ ‫للجاحظ عنوانه‪ :‬الكتا‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫مل‬ ‫وك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫بة‬ ‫ل‬ ‫لم‬ ‫لو‬ ‫ك‪.‬‬ ‫و‬ ‫طبعاً‬ ‫في بعض الحاالت يستحيل‬ ‫النسبة للمفرد‪ ،‬مثل ال‬ ‫جم‬ ‫عي‬ ‫ة‬ ‫الن‬ ‫س‬ ‫ائي‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫أو‬ ‫حت‬ ‫ى‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫الف ِّن كالمدرسة الحرو َّفية‪.‬‬


‫عبدالوهاب العريض‬

‫سيد حسن الساري‬

‫وضوح الخطاب‬ ‫والتمكن من لغة‬ ‫التعبير عنه‬

‫فرشاة وإزميل‬

‫كان سيّ د حسن الساري في الثالثة عشرة‬ ‫من عمره عندما عرض باكورة عمله الفني‬ ‫في معرض مدرسة عبدالرحمن كانو‬ ‫الدولية في البحرين‪ .‬واليوم‪ ،‬وهو في‬ ‫ً‬ ‫واحدا من‬ ‫العقد الرابع من عمره‪ ،‬أصبح‬ ‫ألمع األسماء على الساحة التشكيلية في‬ ‫البحرين‪ ،‬يقرّ كل من عرفه بنضج شخصيته‬ ‫الفنية واستقرارها على صيغة وخطاب‬ ‫ّ‬ ‫خاصين به‪.‬‬


‫‪75 | 74‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫أحتفظ بما يزيد على ‪ 700‬لوحة‬ ‫في مساحة ‪ 35‬متراً‬

‫ت‬ ‫مح�فه ليس بيتاً طينياً‪ ،‬وال صالة تطل عىل ثالثة شوارع‪ ،‬وال‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫ت‬ ‫حديقة خ اء ي� جواره تضفي عىل المح�ف لمسة شاعرية‬ ‫الكث�ين‪ .‬إنه أشبه بمحل تجاري يقع ف ي�‬ ‫غالية عىل قلوب ي‬ ‫الثا� من عمارة «مركز صاحبات أ‬ ‫ن‬ ‫العمال والمهن» ف ي�‬ ‫الدور ي‬ ‫قرية الجرسة ف� مملكة البحرين‪ .‬ن‬ ‫المب� حديث وله من العمر خمس سنوات‪ .‬وكل‬ ‫ي‬ ‫الممرات فيه تقودك إىل ت‬ ‫مح�ف الساري الذي ال تزيد مساحته عىل خمسة ي ن‬ ‫وثالث�‬ ‫تم�اً مربعاً‪ ،‬إضافة إىل مخزن يحتوي عىل ع�ش ات أو مئات اللوحات‪.‬‬ ‫المح�ف ليس أ‬ ‫ت‬ ‫الول‪ ،‬بل سبق له أن عمل ف ي� عدة أماكن‬ ‫يقول الساري إن هذا‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫أخرى‪ ،‬كان أولها مرسماً قرب الم�ل ي� قرية سار عمل فيه لثالثة أشهر فقط‪،‬‬ ‫المح�ف أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫الهم ف ي�‬ ‫ب� جمرة‪ .‬ويبقى‬ ‫ثم انتقل بعدها إىل مح�ف آخر ي� قرية ي‬ ‫ت‬ ‫نز‬ ‫الم�ل‪ ،‬رغم انتقاله إىل هذا المركز الحديث‪ ،‬حيث يبدو مح�فه أقرب إىل قاعة‬ ‫ن‬ ‫العرض الدائمة‪ ،‬ت ت ز‬ ‫حد تقديره‪.‬‬ ‫ف� عىل ِّ‬ ‫ال� تخ�ن نحو سبعمائة عمل ي‬ ‫ي‬

‫تعم المكان‬ ‫حيوية ّ‬

‫ت‬ ‫المح�ف‪،‬‬ ‫بتجوال النظر رسيعاً عىل لوحات الساري المنت�ش ة أينما كان ف ي� هذا‬ ‫يتولد ف� النفس شعور بالحيوية ت‬ ‫ال� تالمس حد الصخب‪ .‬الخطوط المنحنية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الشخاص أ‬ ‫ال� يرسم بها أ‬ ‫الكث�ة ف� اللوحة الواحدة ت‬ ‫والشياء‪ ،‬والمساحات‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬

‫اللو� أعىل مستوياته‪ .‬وبتجاور أ‬ ‫الغ� ن‬ ‫الهندسية ف� الخلفيات حيث يبلغ ن‬ ‫اللوان‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫والحمر أ‬ ‫ح� السواد مع أخرى زاهية تشمل الوردي أ‬ ‫الداكنة ت‬ ‫والخ�ض الفستقي‬ ‫ين‬ ‫متالزم�‪ :‬الجدية‪،‬‬ ‫ف ي� اللوحة الواحدة‪ ،‬تصبح هذه الحيوية جامعة لشعورين‬ ‫ش‬ ‫تفس� هذا‬ ‫و�ء يشبه البهجة‪ .‬وبقليل من التأمل‪ ،‬يصبح بإمكان المشاهد ي‬ ‫ي‬ ‫الشعور‪.‬‬

‫ثنائية الظالم والضوء‬

‫ويكرر‪ .‬ويفرس لغته الفنية بأنها‬ ‫«كنت شغوفاً برسم الطبيعة»‪ ،‬يقول الساري أ ِّ‬ ‫ن‬ ‫الصيل‪ ،‬اللذين صاغ منهما أسلوباً‬ ‫البحري�‬ ‫الغر� والفن‬ ‫مزيج من وعيه للفن ب ي‬ ‫ي‬ ‫خاصاً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والظل‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫فقد قاده شغفه برسم الطبيعة إىل التوقف أمام لعبة الضوء‬ ‫ال� ترمي فيها الشمس بظالل أ‬ ‫«كنت أختار أ‬ ‫الوقات ت‬ ‫الشياء عىل مساحات واسعة‬ ‫ي‬ ‫المر أشبه بانبثاق الضوء من أ‬ ‫الرض‪ .‬وكان أ‬ ‫من أ‬ ‫الرض نفسها‪ .‬وهذا الجانب‬ ‫البحري�‪ ،‬لكنه ظهر بالفعل �ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫من الطبيعة لم يتبلور بشكل واضح ي� الفن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الفنون أ‬ ‫ين‬ ‫الرسام� الروس بشكل خاص‪ ،‬حيث نرى أن‬ ‫الوروبية الكالسيكية‪ ،‬وعند‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫صغ�ة‪،‬‬ ‫استخدام اللوان الداكنة جداً‪،‬‬ ‫والمخ�قة بالضوء المسلّط عىل كتل ي‬ ‫يولد انطباعاً درامياً قوياً»‪.‬‬


‫شخصية اللوحة عنده‬

‫يضمه ت‬ ‫قر� ي ن‬ ‫مح�ف الساري من‬ ‫ب� كل ما ّ‬ ‫وبرسعة‪ ،‬يلحظ الزائر وجود صلة ب‬ ‫ن‬ ‫يع� ذلك أن كل لوحة‬ ‫لوحات‪ .‬صلة ب‬ ‫قر� تصل إىل حد التآخي‪ ،‬من دون أن ي‬ ‫هي تطوير ألخرى‪ ،‬أو مشتقة عنها‪ ،‬كما هو الحال عند بعض ن‬ ‫فنا� الحداثة وما‬ ‫ي‬ ‫بعد الحداثة‪ .‬فاللوحة عند الساري ال تولد من لوحة أخرى‪ ،‬بل من نقطة مركزية‬ ‫ت‬ ‫ومش�كة واحدة‪ ،‬هي شخصية الفنان‪ .‬ومن الواضح أن شخصية الساري الفنية‬ ‫قد بلغت مرحلة متقدمة من االستقرار‪ ،‬بحيث يسهل عىل أي ناقد أن يعرف‬ ‫هوية أي من لوحات هذا الفنان ت‬ ‫ح� لو ُعرضت منفردة ومن دون توقيع‪.‬‬ ‫فلوحة الساري ليست تجريدية بالكامل‪ ،‬وإن أعطت القسم أ‬ ‫ال بك� من مساحتها‬ ‫للتجريد‪ ،‬خاصة الخلفيات المؤلفة من مساحات شبه هندسية تغلب عليها‬ ‫أ‬ ‫اللوان الداكنة ت‬ ‫فالنسان يح�ض ف ي� معظم لوحاته‪ ،‬وأحياناً‬ ‫للتعب�‬ ‫ح� السواد‪ .‬إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫عن خطاب ي� غاية الوضوح‬ ‫ال� بي�ز فيها‬ ‫ي‬ ‫التعب�ي‪ .‬وواحدة من هذه اللوحات ي‬ ‫أ‬ ‫«سميتها «المتسلقون»‪ ..‬إنهم أولئك‬ ‫الشخاص بشكل منتفخ‪ ،‬يقول الساري‪َّ :‬‬

‫ً‬ ‫صورا للطبيعة‪ ،‬تعبِّ ر‬ ‫يرسم الفنان‬ ‫عن المزارع والبساتين‪ ،‬بعضها‬ ‫جاهز للبيع وأخرى جاهزة للحفظ‬ ‫َّ‬ ‫معلقة على جدران المبنى‪..‬‬ ‫أو‬

‫سيد حسن الساري‬

‫تشكيل وخطاط‪ ،‬من مواليد البحرين ‪1978‬م‬ ‫• فنان‬ ‫ي‬ ‫• ‪2007 - 2006‬م رئيس نادي الفنون الجميلة بجامعة البحرين‬ ‫• ‪2002‬م دبلوم تصميم بتقدير امتياز ‪ -‬جامعة البحرين‬ ‫• ‪2010‬م بكالوريوس تاريخ (جامعة البحرين)‬ ‫• عضو بجمعية البحرين للفن المعارص‬ ‫• مدير العالقات العامة ومنظِّم المعارض بجمعية البحرين للفن المعارص ‪- 2007‬‬ ‫‪2013‬م‬ ‫جال�ي‬ ‫• صاحب ومدير الساري آرت ي‬ ‫• المعارض الشخصية‪:‬‬ ‫ ‪ 2015‬معرض ف� جال�ي أكوستك‪ ،‬الرياض أ‬‫(السفار)‬ ‫ي ي‬ ‫ف‬ ‫(جال�ي تالل)‬ ‫ ‪ 2014‬معرض ي� الكويت ي‬‫ف‬ ‫ ‪ 2010‬معرض (العذراء) ي� صالة كورت يارد‬‫ن‬ ‫الثا� (عشتار) جامعة البحرين‬ ‫ ‪ 2009‬المعرض ي‬‫ ‪ 2006‬معرض (قلق المسافة) جامعة البحرين‬‫‪ -‬إضافة إىل أربعة معارض ثنائية مع محمد المهدي‬

‫• المعارض الجماعية‬ ‫ ‪ 2014‬ملتقى د‪ .‬سعاد الصباح التشكيل الخليجي (الجائزة أ‬‫الوىل)‬ ‫ي‬ ‫ ‪ 2013‬مسابقة مقامات الدولية بالرياض (جائزة اقتناء)‬‫ ‪ 2013‬ملتقى دول الخليج بالرياض (جائزة لجنة التحكيم)‬‫ ‪ 2012‬مهرجان أصلية ف‬‫الثقا� (المغرب)‬ ‫ي‬ ‫ ‪ 2011‬سمبوزيوم قطر البحري (جائزة لجنة التحكيم)‬‫ ‪ 2011‬معرض البحرين السنوي (جائزة تقديرية)‬‫ ‪ 2011‬ورشة الحفر بجمعية البحرين للفن المعارص بإ�ش اف الفنان رافع النارصي‬‫ ‪ 2011‬معرض «آرت يف�» إسبانيا ‪ -‬غرناطة‬‫ن‬ ‫يز‬ ‫الوط�‬ ‫البحرين‬ ‫متحف‬ ‫‬‫انيا‬ ‫ر‬ ‫الخ�ي برعاية الملكة‬ ‫ ‪ 2010‬مزاد‬‫كريست� ي‬ ‫ي‬ ‫ ‪ 2010‬معرض دول الخليج بالكويت ‪ -‬جائزة الدكتورة سعاد الصباح (الجائزة التقديرية)‬‫د�‪ -‬جدة)‬ ‫ ‪ 2010‬المعرض الرباعي تقاسيم (البحرين‪ -‬ب ي‬‫(الجائزتان أ‬ ‫الوىل والثانية)‬ ‫التشكيل الثالث بمسقط‬ ‫ ‪ 2010‬المعرض‬‫ي‬ ‫ ‪ - 2008‬م�ش وع النكبة الفلسطينية ‪ -‬لبنان‬‫الدول الثالث ‪ -‬المغرب‬ ‫ ‪ 2008‬الماراثون‬‫ي‬ ‫ ‪ 2008‬أ‬‫اليام الثقافية البحرينية ‪ -‬سوريا‬ ‫ ‪ 2007‬معرض البحرين السنوي ‪ -‬جائزة تقديرية‬‫ ‪ 2007‬الملتقى ف‬‫بالمارات (الجائزة‬ ‫الثقا� السادس لجامعات دول مجلس التعاون إ‬ ‫ي‬ ‫الثانية)‬ ‫أ‬ ‫المارات‬ ‫ ‪( 2006‬اليام الثقافية البحرينية) إ‬‫ن‬ ‫الحسي� (الجائزة الثانية)‬ ‫ ‪ 2005‬مسابقة المرسم ن ي‬‫النسان ‪ -‬سويرسا‬ ‫الثا� لحقوق إ‬ ‫ ‪ 2004‬المؤتمر أالعالمي ي‬‫الوىل ف� معرض الذكر الحكيم (الجائزتان الثالثة والثانية ف� ض‬ ‫معر�‬ ‫ ‪ 2005‬الجائزة‬‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪)2004 - 2002‬‬


‫‪77 | 76‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫الذين يصعدون عىل أكتاف آ‬ ‫الخرين‪ ،‬ويستطيعون االستفادة من‬ ‫الفراغ حولهم لتسويق أنفسهم»‪ .‬وأضاف‪« :‬إننا ف ي� الساحة الفنية‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫المنتفخ� الذين يحصلون عىل فرص تسويقية‬ ‫نعا� ثك�ة هؤالء‬ ‫ي‬ ‫ويحصدون الجوائز الفنية‪ .‬إنهم يصلون برسعة‪ ،‬ولكنهم يسقطون‬ ‫رسيعاً ف ي� ما بعد»‪.‬‬

‫أناقة برصية‬

‫يغ� أن أهم ما هو ت‬ ‫َّ‬ ‫ويتجل برسعة‬ ‫مش�ك ف ي� كل أعمال الساري‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ووضوح أمام ي ن‬ ‫الحساس الفائق بالناقة ت ز‬ ‫ال�يينية‪.‬‬ ‫الع�‪ ،‬هو إ‬ ‫فالمساحات الداكنة تتوازن بشكل رائع عىل اللوحة‪ ،‬وما ت‬ ‫يخ�قها‬ ‫من ألوان زاهية قليلة‪ ،‬يتوزع عليها أ‬ ‫كالحجار الكريمة ف ي� حلية‪ ،‬مما‬ ‫كب�ة‪ .‬ومهما كان‬ ‫يعزز أناقتها وجمالها‪ ،‬ويضفي عليها قيمة تزيينية ي‬ ‫موضوعها سوداوياً‪ ،‬فإنها تبقى مصدر متعة ي ن‬ ‫للع�‪.‬‬ ‫ومن المرجح أن إيالء أ‬ ‫الناقة البرصية مثل هذا االهتمام‪ ،‬يعود إىل دراسة‬ ‫ف‬ ‫الساري للتصميم ف ي� جامعة البحرين‪ ،‬وحيازته عىل دبلوم بامتياز ي� هذا‬ ‫التخصص عام ‪2002‬م‪ ،‬قبل أن ينتقل إىل دراسة التاريخ‪ ،‬ويحوز بكالوريوس‬ ‫فيها عام ‪2010‬م‪.‬‬ ‫وإىل دور دراسة التصميم‪ ،‬ال بد من إضافة تمكّن الساري من التعامل مع اللون‪.‬‬ ‫فمن الواضح أن معظم ألوان اللوحة تم خلطه عىل القماش خالل العمل‪،‬‬ ‫ب� أ‬ ‫وليس عىل خشبة مزج أ‬ ‫اللوان‪ .‬ورغم التناقض العنيف ما ي ن‬ ‫اللوان الداكنة‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫خ�ة وكأنها تذوب عند بعض أطرافها بما‬ ‫واللوان الزاهية القليلة‪ ،‬تبدو هذه ال ي‬ ‫أ‬ ‫هو من حولها‪ .‬والمر يتطلب عمال ً طويال ً وطويال ً جداً‪..‬‬

‫منهجه الخاص ف ي� العمل‬

‫ين‬ ‫الفنان� المعارصين‪،‬‬ ‫يختلف منهج الساري ف ي� العمل عما هو مألوف عند معظم‬ ‫الذين يعملون عىل كل لوحة عىل حدة‪ ،‬وال ينتقلون إىل لوحة جديدة إال بعد‬ ‫أ‬ ‫خ�ة‪ .‬فالساري يعمل عىل عدة لوحات ف ي� وقت‬ ‫إتمام ما بدأوه عىل اللوحة ال ي‬ ‫ويغ� هناك‪،‬‬ ‫واحد‪ .‬ينتقل من واحدة إىل أخرى‪ ،‬يوازن‪ ،‬يضفي لمسة هنا‪ ،‬ي ّ‬ ‫ويؤسس للوحة الواحدة نحو خمس مرات ف ي� بعض الحاالت‪ ..‬ولهذه الغاية‬ ‫فإنه ض‬ ‫يم� نحو خمس ع�ش ة ساعة يومياً ف� ت‬ ‫مح�فه‪ .‬ويرى أن أي لوحة جديرة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫بالعرض تتطلب نحو ثالثة أشهر من العمل عليها‪.‬‬

‫المتسلقون هم األكثر وصوالً‬ ‫للجوائز من الفنانين‪ ..‬وقد رسمتهم‬ ‫في عدد من األعمال الفنية‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة من تشكيلها‪ ،‬وكانت تم ّثل شخصية الفنان‬ ‫وأمام لوحة كانت ي� المرحلة ال ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الف�‪ ،‬روى لنا إنها «محاولة الستنساخ لوحة رسمها لنفسه‪،‬‬ ‫تغ�‬ ‫ي� ي‬ ‫اته ومزاجه ي‬ ‫وعرضها ف ي� أحد المعارض بسعر مرتفع جداً يك ال تباع‪ .‬فهناك أعمال يرسمها‬ ‫التخل عنها ألنها تم ِّثل جزءاً من روحه‪ .‬وكانت تلك اللوحة‬ ‫الفنان لنفسه وال يريد‬ ‫ي‬ ‫من هذا النوع»‪.‬‬ ‫ويضيف‪« :‬ولكن سيدة رغبت ف ي� اقتناء تلك اللوحة رغم ارتفاع سعرها‪ .‬وكلما‬ ‫وجدت� تم�دداً‪ ،‬أصبحت ث‬ ‫ن‬ ‫أك� إلحاحاً عىل �ش ائها‪ ،‬ت‬ ‫ح� كان لها ما أرادت‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� كل يوم كنت أعيد تكوينها بكافة‬ ‫مرات‪ ،‬ي‬ ‫فحاولت إعادة رسم اللوحة عدة َّ‬ ‫ً‬ ‫ألوانها‪ .‬ولكن العمل فقد روحه القديمة‪ ،‬واكتسب روحا جديدة‪ .»..‬إنه بعبارة‬ ‫أخرى‪ٌ ،‬‬ ‫عمل أصيل آخر‪ ،‬لفنان يعرف ما يريد‪ ،‬ومتمكن من اللغة الالزمة إليصال‬ ‫الخطاب الذي يريد‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫عمر شبانة‬

‫رواية «مخمل»‬ ‫لـ حزامة حبايب‬

‫توهج‬ ‫الحواس‬ ‫الخمس‬

‫بيت الرواية‬

‫«كانت في المخمل رائحة الحياة‪ ،‬بدء‬ ‫الحياة أو العودة إليها» (الرواية)‪.‬‬ ‫بهذه العبارة‪ ،‬وبغيرها الكثير‬ ‫من العبارات ذات الطابع الرمزي‬ ‫ّ‬ ‫المضمخ في الشاعرية‪ ،‬والمشغول‬ ‫بلغة راقية‪ ،‬وأسلوب سردي رشيق‬ ‫وممتع‪ ،‬يمكن اختزال دالالت عنوان‬ ‫رواية الكاتبة الفلسطينية حزامة‬ ‫حبايب «مخمل»‪.‬‬


‫‪79 | 78‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫تشكِّل هذه الرواية مختبراً‬ ‫الحواس‬ ‫حقيقياً لدراسة حضور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في هذا العمل‪ ،‬وتأثير هذا‬ ‫الحضور ودوره في بناء‬ ‫الشخصيات الروائية‪ ،‬والكشف‬ ‫عن البنية السردية‪ ،‬من أدوات السرد وتقنياته إلى‬ ‫ثماره‪ .‬ويمكن لهذا االختبار أن يتم عبر االستحضار‬ ‫العميق والمك ّثف للمكان الذي تنبثق منه عناصر‬ ‫الرواية ومكوناتها أ‬ ‫الساسية‪ ،‬خصوصاً في ما يتعلّق‬ ‫ّ‬ ‫بالمادة الرئيسة المتمثلة في المخمل‪ ،‬ال بوصفه‬ ‫شخصية روائية بامتياز؛‬ ‫قماشاً وحسب‪ ،‬بل هو هنا‬ ‫ّ‬ ‫نفسي على‬ ‫شخصية ذات رائحة وملمس وحركة وتأثير‬ ‫ّ‬ ‫«حوا» و«ست قمر»‪،‬‬ ‫باقي الشخصيات‪ ،‬وخصوصاً ّ‬ ‫أ‬ ‫الرواية‪.‬‬ ‫المرأتين صاحبتي الحضور ال ّ‬ ‫شد تميزاً في ّ‬ ‫يقوم عالم المخمل هنا ضمن إطارين؛ فثمة مخمل‬ ‫يجيء في إطار اللغة االستعارية والمجازية‪ ،‬بل‬ ‫الشاعرية الرومانسية‪ ،‬أو بوصفه رمزاً واستعارة‬ ‫لحاالت نفسية عاطفية وجسدية‪ ،‬تؤشر على حالة‬ ‫البطلة حوا‪ ،‬وهو ما يبرز في أ‬ ‫الوصاف التي تضفيها‬ ‫ّ‬ ‫الطار الواقعي والحقيقي‬ ‫الكاتبة عليه؛ حيناً‪ .‬وهناك إ‬ ‫الذي يظهر فيه المخمل بوصفه قماشاً واقعي‬ ‫الحضور والكينونة‪ ،‬بكل مواصفات المخمل التي‬ ‫سنوردها الحقاً‪.‬‬ ‫«الحواس» هذا‪ ،‬نستطيع الكشف عن‬ ‫في مختبر‬ ‫ّ‬ ‫مهمة من رواية حزامة حبايب‪ ،‬حيث هي‬ ‫مالمح ّ‬ ‫رواية روائح في المقام أ‬ ‫الول‪ ،‬روائح المكان والبشر‪،‬‬ ‫وليست رائحة المخمل هنا سوى منطلق وذريعة‬ ‫للمقارنة مع ما يتناقض معها من روائح‪ ،‬ما يجعلنا‬ ‫نبحث عن أصل هذه الرائحة‪ ،‬والباعث على انبثاقها‬ ‫بهذه القوة التي نجدها في الرواية‪ .‬ويأتي اللون‪ ،‬بما‬ ‫يجسده من ذاكرة بصرية‪ ،‬عنصراً ثانياً في شخصية‬ ‫ّ‬ ‫المخمل‪ ،‬بينما يشكِّل الملمس عنصراً ثالثاً‪.‬‬ ‫وأهمية هذه العناصر هي في ما تعكسه من‬ ‫تناقضات الواقع «المعيش»‪ ،‬كما سنرى في هذه‬ ‫الحواس‪ ،‬إذ‬ ‫القراءة‪ ،‬من خالل نماذج محدودة من‬ ‫ّ‬ ‫يصعب حصرها كلها بدقّة‪ .‬ولكن يجب أن نلتفت‬ ‫حوا ينطوي هنا على «خياالت‬ ‫أيضاً إلى أن خيال ّ‬ ‫بأصوات وألوان وروائح‪.»..‬‬ ‫ال يحتاج قارئ الرواية إلى جهد كبير ليكتشف‬ ‫«حوا»‪ ،‬ما‬ ‫المساحة التي تتحرك فيها بطلة الرواية ّ‬ ‫بين قطبين وعالمين‪ ،‬في ما يشكِّل عالقة التناقض‬ ‫بين «المخمل»‪ ،‬بما يجسده من رائحة ولون وملمس‪،‬‬ ‫«حوا»‪ ،‬والمكان الذي‬ ‫وبين الواقع الذي تعيشه ّ‬ ‫تجري فيه حوادث الرواية (مخيم البقعة في أطراف‬ ‫أ‬ ‫عمان)‪ ،‬من جهة‪ ،‬وعالقة التناغم‬ ‫العاصمة الردنية ّ‬ ‫بينه وبين عناصر أخرى في الرواية‪ ،‬من جهة ثانية‪.‬‬

‫هي عالقة مركبة ومعقَّدة ربما‪ ،‬تسهم في خلق‬ ‫«حوا» في أبعادها المتعددة‪ ،‬وبالتحديد‬ ‫شخصية ّ‬ ‫العاطفي‬ ‫المأسوي أوالً‪ ،‬والبعد‬ ‫عديها‪ ،‬الواقعي‬ ‫في بُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذي تحلم به ثانياً‪.‬‬ ‫«حوا» بين‬ ‫تجدر إ‬ ‫الشارة إلى االنقسام في حياة ّ‬ ‫معيشيين‪ ،‬عالم البؤس في البيت الذي‬ ‫عالمين‬ ‫ّ‬ ‫يجسده بيت‬ ‫الذي‬ ‫النعيم‬ ‫وعالم‬ ‫فيه‪،‬‬ ‫وعاشت‬ ‫نشأت‬ ‫ّ‬ ‫«ست قمر»‪ ،‬وما بين العالمين من فجوة‪ ،‬بل مساحة‬ ‫ّ‬ ‫تبين الفروق بين‬ ‫على‬ ‫التقسيم‬ ‫هذا‬ ‫ويساعد‬ ‫واسعة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الحواس هنا‪ ،‬وهناك‪ .‬فنحن حيال‬ ‫الصور التي تنتجها‬ ‫ّ‬ ‫اختالفات جذرية بينهما‪ ،‬اختالفات تظهر‪ ،‬على سبيل‬ ‫حاسة الذوق‪ ،‬والفرق بين «طعم»‬ ‫المثال‪ ،‬ابتدا ًء من ّ‬ ‫أ‬ ‫ست قمر‪ ،‬ونكهتها وشكلها وألوانها‬ ‫الشياء في بيت ّ‬ ‫الحاسة نفسها في ما يتعلّق‬ ‫المحببة‪ ،‬وبين‬ ‫الجذّ ابة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫حاسة‬ ‫بالشياء في بيت ّ‬ ‫«حوا» وأسرتها‪ .‬وكما هو حال ّ‬ ‫أشد‬ ‫بقية‬ ‫الحواس‪ ،‬وعلى نحو ّ‬ ‫الذوق‪ ،‬نجد أحوال ّ‬ ‫ّ‬ ‫وضوحاً‪ ،‬وأعمق حضوراً‪.‬‬

‫رائحة مسقط الرأس‬

‫في محاولة للكشف عن بواعث هذا الحضور‬ ‫للحواس‪ ،‬وماهيته وطبيعة تأثيره في بناء شخصيات‬ ‫ّ‬ ‫«حوا»‪ ،‬نتوقف عند‬ ‫الرواية‪ ،‬وخصوصاً في شخصية ّ‬ ‫ولحاسة‬ ‫للحواس عموماً‪،‬‬ ‫الحضور الفاعل والمؤثر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشم (الرائحة) خصوصاً‪ .‬وبالوقوف على الرائحة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫القوى حضوراً أ‬ ‫بوصفها الحاسة أ‬ ‫والشد تأثيراً في‬ ‫ّ‬ ‫الضروري االلتفات إلى ما جاء في‬ ‫الرواية‪ ،‬يبدو من‬ ‫ّ‬ ‫شهادة حزامة حبايب عنها‪ ،‬إذ قالت في كلمة خالل‬ ‫«كنت نائمة في الغرفة‬ ‫عمان‪ُ :‬‬ ‫حفل توقيع روايتها في َّ‬ ‫المتفرقة‬ ‫اتي‬ ‫ر‬ ‫زيا‬ ‫في‬ ‫لي‬ ‫ي‬ ‫تؤثرها ّأم‬ ‫ّ‬ ‫الصغيرة‪ ،‬التي ُ‬ ‫فتحت حواسي ذات صباح‬ ‫بيت العائلة‪ ،‬حين‬ ‫ُ‬ ‫إلى ِ‬ ‫إلي من النافذة المشقوقة‪.‬‬ ‫بت‬ ‫تسر‬ ‫ّاذة‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ائحة‬ ‫على ر‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫أشم هذه الرائحة أو‬ ‫سنوات كثيرة انقضت دون أن َّ‬ ‫فاعتقدت بأنّني نسي ُتها‪ ،‬أو لعلّها لم توجد‬ ‫أعبها؛‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫علي فجأة‪...‬‬ ‫من الساس‪ ،‬إلى أن حاصرتني‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وانقضت ّ‬ ‫كانت تلك رائحة عناق أ‬ ‫الرض مع ماء السماء‪ ،‬في‬ ‫وأول االشتهاء‪.‬‬ ‫ّأول المطر؛ ّأول البلَل‪ ،‬وأول الطين‪ّ ،‬‬ ‫ضاجة‪ ،‬صاخبة‪،‬‬ ‫هي رائحة ال ُ‬ ‫أي رائحة أخرى‪ّ :‬‬ ‫تشبه ّ‬ ‫حسية جداً‪ .‬هي‬ ‫عنيفة‪ِ ،‬‬ ‫مقتحمة‪ ،‬لجوجة‪ ،‬ملحاحة‪ّ ،‬‬ ‫بحق رائحة اشتياق جارف وعميم»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فإن تلك الرائحة‪ ،‬في «الغرفة الصغيرة»‬ ‫لحزامة‪ ،‬تستدعي روائح شبيهة بها حيناً‪ ،‬ونقيضاً‬ ‫لها في أحيان أخرى‪ ،‬روائح تبدأ في رواية «مخمل»‬ ‫بمشاهد تمثل لقاء المطر أ‬ ‫والرض ‪ /‬التراب‪ ،‬وتنتهي‬ ‫َ‬ ‫بمشاهد عاصفة رملية تعصف بكل شيء‪ ،‬وما بينهما‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫«النسان يبحث‬ ‫روائح الزقة والبيوت وما فيها‪ .‬ول ّن إ‬ ‫النسانية للمكان»‪ ،‬فنحن هنا‬ ‫دائماً عن تحديد القيمة إ‬ ‫حيال رواية تشتغل على المكان وما ينطوي عليه‪ ،‬في‬ ‫بمكوناته‪.‬‬ ‫عالقته مع إ‬ ‫النسان ّ‬

‫يشكل عالقة‬ ‫التناقض بين‬ ‫«المخمل»‪ ،‬بما‬ ‫يجسده من رائحة‬ ‫ولون وملمس‪،‬‬ ‫وبين الواقع الذي‬ ‫«حوا»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعيشه‬ ‫والمكان الذي‬ ‫تجري فيه حوادث‬ ‫الرواية‬

‫والحواس ودالالتها عموماً‪ ،‬بهذا المعنى‪،‬‬ ‫الروائح‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫«حوا» في انقسامها بين مرحلتين‪،‬‬ ‫تختصر شخصية ّ‬ ‫أو في بعدين‪ ،‬البعد أ‬ ‫المأسوي الذي تمثله‬ ‫الول‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫حياتها في أسرتها ُ مع والدها ثم زوجها آ‬ ‫والخرين‪،‬‬ ‫«المخملية»‬ ‫والبعد الثاني المتمثل في الظروف‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫التي تعيشها في بيت «ست قمر» أوالً‪ ،‬خارج حدود‬ ‫المخيم‪ ،‬وفي عالقة عاطفية تعيشها الحقاً‪ .‬أي إننا‬ ‫«حوا» مجتمعة‪ ،‬من خالل‬ ‫أمام استعادة لعوالم ّ‬ ‫أ‬ ‫لحظة في طفولتها‪ ،‬حيث الماكن هي روح هذه‬ ‫الشخصية‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫«حوا»‬ ‫تتوغل‬ ‫حين‬ ‫في المكان‪ ،‬نلتفت‬ ‫إلى مشهد تتداخل‬ ‫حواس ّ‬ ‫ّ‬ ‫عدة‪،‬‬ ‫فيه‬ ‫ً‬ ‫بصريا «تدير ّ‬ ‫حوا‬ ‫إذ‬ ‫بصرها بين َّ‬ ‫اللفات‬ ‫المرتبة وفق نوع‬ ‫الخامة»‪ ،‬وتتصاعد‬ ‫الحالة «حين تقع‬ ‫على قسم المخمل‪،‬‬ ‫تسري فيها تلك‬ ‫اإلثارة التي خبرتها‬ ‫مرات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومرات»‪.‬‬

‫المخمل‪ :‬ألوان وروائح وملمس‬

‫ثمة الكثير من المشاهد التي يمكن من خاللها رصد‬ ‫مالمح «شخصية» هذا القماش‪ .‬وربما يجدر الوقوف‬ ‫ أوال ً ‪ -‬على مصدر المخمل في مكان بيعه‪ّ ،‬‬‫محل‬ ‫أ‬ ‫«حوا» الهثة‪ ،‬بعد جولة في‬ ‫القمشة الذي تصل إليه ّ‬ ‫ّ‬ ‫المحل وهي «تطوي روحها‬ ‫السوق‪ .‬فعندما تصل‬ ‫أن بهجة من‬ ‫المبتهجة في داخلها وتتماسك‪ .‬تعرف ّ‬ ‫ّ‬ ‫المحل‪« ،‬تلفح عينيها‬ ‫نوع آخر تنتظرها»‪ .‬ففي داخل‬ ‫الغزارة اللونية ألثواب أ‬ ‫تصطف عمودياً‪،‬‬ ‫القمشة التي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫تمتد من الرض إلى السقف‪.»..‬‬ ‫في ثالث طبقات‪ّ ،‬‬ ‫«حوا» في المكان‪ ،‬يستوقفنا مشهد‬ ‫وحين تتوغّل ّ‬ ‫حوا بصرها‬ ‫حواس ّ‬ ‫عدة‪ ،‬إذ بصرياً «تدير ّ‬ ‫تتداخل فيه ّ‬ ‫بين اللفَّات المرتّبة وفق نوع الخامة»‪ ،‬وتتصاعد‬ ‫الحالة «حين تقع على قسم المخمل‪ ،‬تسري فيها‬ ‫ومرات»‪.‬‬ ‫تلك إ‬ ‫مرات ّ‬ ‫الثارة التي خبرتها ّ‬ ‫تفصيلي حيث «يتداخل‬ ‫ويغتني المشهد بوصف‬ ‫ّ‬ ‫والمطبع والمنقوش‬ ‫ّر‬ ‫ف‬ ‫المح‬ ‫المخمل السادة مع‬ ‫ّ‬ ‫والمطعم‬ ‫بالشيفون والمنكّه بالساتان‬ ‫والموشى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حوا‬ ‫بالخرز‬ ‫والمطرز بالبرق وغير ذلك‪ّ ...‬‬ ‫لكن ّ‬ ‫ّ‬

‫تعرف مخملها الذي تريد‪ .‬يجب أن يكون المخمل‬ ‫يجسد روح المخمل‪ ،‬فال يسمح‬ ‫أمخمالً‪ ،‬خالصاً‪ّ ،‬‬ ‫ل ّي إضافة بأن تفسد نسيجه أو ملمسه أو نكهته‬ ‫الرحيقية»‪ .‬وكذلك فإن لـ«ست قمر» طريقتها في‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقي العميق‪ ،‬فهي «تدفن أنفها‬ ‫معرفة المخمل‬ ‫ّ‬ ‫بقطعة المخمل‪ ،‬ثم تدعك عنقها ووجهها بالقماشة‬ ‫أ‬ ‫معشقة‬ ‫المقصوصة حديثاً‪ ،‬ل ّن رائحتها تكون ال تزال ّ‬ ‫فيها‪ ..‬كانت في المخمل رائحة الحياة‪ ،‬بدء الحياة أو‬ ‫العودة إليها»‪.‬‬ ‫الشم نقتبس عن رائحة‬ ‫وللغوص أعمق في حاسة ّ‬ ‫المخمل أنها‪ ،‬كما تقول ست قمر «رائحة الدفء‪،‬‬ ‫وهي رائحة السخونة الهاجعة‪ ،‬وهي رائحة العمق‪،‬‬ ‫وهي رائحة المدى‪ ،‬وهي رائحة التم ّني والتش ّهي‪،‬‬ ‫وهي رائحة أ‬ ‫النفة والتم ّنع‪ ،‬وهي رائحة النضج‪ :‬نضج‬ ‫الحب ونضج العمر‪.‬‬ ‫ثم تتداخل أ‬ ‫اللوان مع الملمس في فقرات متفرقة‪،‬‬ ‫الحساس والمكتنز بالمعنى‬ ‫منها هذا الوصف ّ‬ ‫والدالالت «حين تمسح يدها موجة مخملية‬ ‫حوا أنها بلغت غايتها»‪ ،‬ومع اللون‬ ‫بنفسجية‪ ،‬تعرف ّ‬ ‫حوا‬ ‫والملمس تتداخل «تلك الرائحة التي تعرفها ّ‬ ‫فتتنشقها مستبقية ذرور شذاها فيها»‪.‬‬ ‫وتتوقّعها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحاسة البصرية‪« ،‬انحازت‬ ‫أي‬ ‫باللون‪،‬‬ ‫ّق‬ ‫ل‬ ‫يتع‬ ‫وفي ما‬ ‫ّ‬ ‫ست قمر أ‬ ‫لللوان الغامقة من المخمل‪ ،‬وتحديداً‬ ‫للدرجات التي تبدأ من الغروب‪ ،‬في نزعه أ‬ ‫الخير‪،‬‬ ‫أ‬ ‫تتسرب‬ ‫وحتى آخر الليل‪ ،‬لنّها ّ‬ ‫تشع حرارة أكبر‪ّ ،‬‬ ‫الحمر القاني‪ ،‬أ‬ ‫من أ‬ ‫فالليلكي‪،‬‬ ‫والكرزي‪،‬‬ ‫والرجواني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫السواد»‪.‬‬ ‫والبنفسجي‪ ..‬فالسود الفاحم بالغ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزكية‬ ‫وفي مواجهة الملمس الناعم والرقيق والروائح ّ‬ ‫أ‬ ‫حوا تقدم‬ ‫للشياء في بيت ّ‬ ‫«ست قمر»‪ ،‬حيث ّ‬ ‫الوصف الدقيق للشقة وأثاثها (مع تركيز على طقوس‬ ‫حفل تنظيف طقم روميو وجولييت)‪ ،‬تواجهنا‬ ‫مشاهد البؤس في خشونة أ‬ ‫المخيم‬ ‫الشياء في أزقّة‬ ‫ّ‬ ‫وبيوته‪ ،‬بدءاً من «الزقاق الجعد»‪ ،‬وزقاق جعد «أكثر‬ ‫حوا تحفظها «ببثورها‪ ،..‬بدماملها‬ ‫انكماشاً»‪ ،‬حتى إن ّ‬ ‫الرملية‪.»..‬‬ ‫ّ‬

‫حاسة السمع‬ ‫ّ‬

‫تفتتح الكاتبة روايتها بمقطع من أغنية فيروز «رجعت‬ ‫الشتوية»‪ ،‬ثم تبدأ الفصل أ‬ ‫الول بأجواء المطر‬ ‫في لقائه مع أ‬ ‫طبيعي‬ ‫الرض‪ /‬التراب‪ ،‬أجواء عشق‬ ‫ّ‬ ‫«حوا» وهي تتلقّى رسالة على موبايلها‬ ‫تعيشها ّ‬ ‫«يسعد صباحك»‪ ،‬وتستمتع وتكمل أغنية فيروز‬ ‫«ونَ َد ْهلي حبيبي‪ ،»..‬ثم تنتقل إلى أغنية الطفولة‬ ‫سرها‪،‬‬ ‫طيارة طيري‪ ،»..‬و«تبتسم ّ‬ ‫«طيري يا ّ‬ ‫حوا في ّ‬ ‫طيارة فيروز الورقية‪ ،‬لك ّنها‪ّ ،‬‬ ‫بكل تأكيد‪ ،‬ال تريد‬ ‫ّ‬ ‫تحب ّ‬ ‫ً‬ ‫تعبر عنها‬ ‫أن ترجع بنتا صغيرة»‪ ،‬فهي في حالة حب ّ‬ ‫أ‬ ‫الغنية وحالة الطقس معاً‪.‬‬

‫وفي مقابل أ‬ ‫الصوات ذات الطبيعة الرومانسية‪،‬‬ ‫في أ‬ ‫الغنية وفي الطبيعة‪ ،‬ومنذ بدايات الفصل‬ ‫أ‬ ‫الول‪ ،‬نرى كيف تجتمع مجموعة أصوات مع اللون‬ ‫والرائحة المزعجة‪ ،‬بل المقرفة‪ ،‬التي تجسد نقيض‬ ‫والحي‬ ‫هذه الرومانسية‪ ،‬أصوات تنطلق من البيت‬ ‫ّ‬ ‫أجش ينادي على والدها بعد الفجر‪ ،‬مقروناً‬ ‫«صوت ّ‬ ‫تقشعر معه‬ ‫الحديدي‪،‬‬ ‫بط َْرق غليظ على باب بيتهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحيطان‪.»..‬‬ ‫يتجسد الحضور الطاغي للوالد‬ ‫وفي داخل البيت‪َّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫في «أصوات تصدر عن الب»‪ ،‬من لحظة نهوضه من‬ ‫المرخرخ‪ ،‬فير ّتج إطار السرير‬ ‫السرير «جامعاً بدنه ُ‬ ‫المعدني بعنف‪ ،‬مم ّزقاً بصليله سكون العتمة»‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحمام «يسبقه سعاله المتواصل‬ ‫ثم ذهابه إلى ّ‬ ‫بخنخنة وغرغرة من أثر بلغم داكن‬ ‫المشوب َ‬ ‫مستوطن في حنجرته»‪ ،‬ثم «بصاقه الطالع من بئر‬ ‫الحمام»‪،‬‬ ‫حنجرته الغميقة ّ‬ ‫يشق بضجيجه فضاء ّ‬ ‫وفي لحظات خروجه من البيت تختلط الرائحة‬ ‫الكريهة بالصوت الكريه لدى زوجته وأبنائه‪ ،‬حتى‬ ‫إنهم «يحتاجون إلى وقت قبل أن يستوعبوا أنه غادر‬ ‫أخيراً‪ ،‬وأن هواء البيت خال من صوته ورائحته»‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫فمن هذه القراءة‪ ،‬يمكننا التوصل إلى أن الكاتبة‬ ‫استطاعت توظيف الحواس الخمس على نحو شديد‬ ‫الدقّة‪ ،‬في ما يخدم البناء أ‬ ‫للشخصيتين‬ ‫الساسي‬ ‫ّ‬ ‫حوا وست قمر‪ ،‬من‬ ‫النسائيتين الرئيستين في روايتها‪ّ ،‬‬ ‫خالل عالقتهما الوثيقة مع المخمل أوالً‪ ،‬ومع البيئة‬ ‫المحيطة ثانياً‪.‬‬ ‫وإذا كان هذا التوظيف الناجح ّ‬ ‫عدة‪،‬‬ ‫يدل على أمور ّ‬ ‫فإن أبرز ما يقودنا إليه هو هذه الثقافة العميقة‬ ‫والدقيقة والمتميزة في المجال الذي تشتغل عليه‪،‬‬ ‫المجردة‪،‬‬ ‫ثقافة يبدو أنها ال تقتصر على المعلومات‬ ‫ّ‬ ‫عملية عاشتها‬ ‫بل تتجاوزها إلى ما يقارب تجربة ّ‬ ‫الكاتبة‪ ،‬فجعلتها تتعامل مع ما ّدة روايتها بكل هذه‬ ‫«مخملها»‪ ،‬من جهة‪،‬‬ ‫الحميمية التي تُعامل بها ُ‬ ‫ّ‬ ‫وتُعامل بها الشخصية الروائية من جوانبها النفسية‬ ‫والعاطفية من جهة أخرى‪ .‬وهذه تفاصيل قلّما‬ ‫التفتت الرواية العربية إليها على هذا النحو من‬ ‫الدقّة‪.‬‬ ‫ «مخمل»‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر ‪ -‬بيروت‪،‬‬ ‫• ُ‬ ‫بالتعاون مع «مكتبة كل شيء ‪ /‬حيفا»‪ 362 ،‬صفحة‬ ‫قطع وسط‪2016 ،‬م‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪81 | 80‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫القصيدة ليست‬ ‫في عزلة‬ ‫بقلم‬ ‫إبراهيم زولي‬ ‫ما فتئت القصيدة‪ ،‬هي الصوت الذي ال يهدأ ف ي�‬ ‫العر�‪ ،‬صوت تخفق له حقول الذرة‪ ،‬وعناقيد‬ ‫قلب ب ي‬ ‫الكروم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫خ�ة‪ ،‬أن يعلن بعض مثقفينا‬ ‫ليست هي الخيبة الوىل‪ ،‬أو النكسة ال ي‬ ‫عن موت الشعر‪ ،‬ونشوء زمن الرواية‪ .‬هكذا‪ ،‬دون أي منطق نقدي‪ ،‬أو‬ ‫رأي حصيف‪.‬‬ ‫السيدة ف ي� مقوالت‬ ‫مجانية المانشيت وغواية إ‬ ‫ّ‬ ‫الثارة وحدها هي ّ‬ ‫كهذه‪.‬‬ ‫ف‬ ‫العر�‪ ،‬ال يمكن لها‬ ‫تلك القرون الضاربة بصالبة ي� التاريخ من شعرنا ب ي‬ ‫أن تذهب أدراج الرياح‪.‬‬ ‫مدونة الرسد ف ي� الغرب بدأت قبل الميالد يغ� أن أحداً من منظّريهم‬ ‫ف‬ ‫العر� كفن‬ ‫لم يقل بموت الشعر‪ ،‬فيما نحن‪ ،‬لم تظهر الرواية ي أ� أدبنا ب ي‬ ‫متكامل ب�ش وطه إال قبل قرن ونصف القرن ف� ث‬ ‫أك� القوال تفاؤالً‪ ،‬ومع‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫محموم� إىل فكرة القتل أو «موت الشعر»‪.‬‬ ‫هذا نسعى‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� ّيدعيها بعض المفكرين‪ ،‬إذا ضاق بها‬ ‫فكرة التعايش‪ ،‬وقبول آ الخر ي‬ ‫أفقهم ي ن‬ ‫فهم فيما سواها أضيق‪.‬‬ ‫ب� الفنون والداب‪ْ ،‬‬ ‫ف‬ ‫والفادة‬ ‫يحدث هذا ي� عالم تسعى فيه الفنون إىل تداخل أجناسها‪ ،‬إ‬ ‫أ‬ ‫نص‬ ‫من ّكل الشكال إ‬ ‫البداعية‪ ،‬سينما ومرسح وشعر ورواية‪ ،‬بغية خلق ّ‬ ‫أ‬ ‫مفتوح ومنفتح عىل ّكل النواع‪.‬‬ ‫هذا الضجيج المفتعل‪ ،‬لم يمنح الشعر إال مزيداً من ال�ش ف والزهو‪،‬‬ ‫وتناسل شعراء آخرين من فم العاصفة‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫الروا� ‪ -‬ظلت بمنأى عن هذا‬ ‫ما يالحظ؛ أن القصيدة ‪ -‬ف ي� زمن الهوس‬ ‫ي‬ ‫تسول القارئ‪ ،‬واستجدائه‪ ،‬تحت أسماء‬ ‫اللغط‪ ،‬بعيدة كل البعد عن ّ‬ ‫جمة‪ ،‬تارة باسم «فضح المكبوت» وتارة أخرى‪ ،‬تحت عنوان «خرق‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫يتم ‪ -‬ي� أغلب حاالته ‪ -‬بمنأى‬ ‫التابوهات‪ :‬ي� المجتمع»‪ .‬كل ذلك كان ّ‬ ‫عن الفن‪ ،‬واللغة أ‬ ‫الدبية‪ .‬وما يؤسف عليه أن المتلقّي خارج حدود‬ ‫ين‬ ‫كب� لفنيته‪.‬‬ ‫الوطن‪ ،‬يقرأ ذلك المنجز‬ ‫كمضام�‪ ،‬دون اعتبار ي‬ ‫وذلك الحراك الملتبس أ ّدى بعدد يغ� قليل إىل كتابة الرواية‪ ،‬بعضهم‬ ‫ف‬ ‫أد�‪ ،‬ال يدعوهم‬ ‫لم يسبق له الن�ش ‪ ،‬ولم تكن له بدايات ي� ّ‬ ‫أي جنس ب ي‬

‫ين‬ ‫السنت�‬ ‫حد بعيد ف ي�‬ ‫إال نداء السوق‪ .‬بيد أن هذا الهوس خفت إىل ٍّ‬ ‫أ‬ ‫خ� ي ن‬ ‫ت�‪.‬‬ ‫ال ي‬ ‫فقد أصدر الروائيون السعوديون منذ العام ‪2001‬م ولمدة خمس‬ ‫ئ‬ ‫معدله تقريباً‪ ،‬نصف ما أنتجوه ف ي� تاريخهم‬ ‫الروا�‬ ‫سنوات تالية‪ ،‬ما ّ‬ ‫ي‬ ‫منذ صدور «التوأمان» لعبد القدوس أ‬ ‫النصاري عام ‪1930‬م‪ .‬عقب‬ ‫ف‬ ‫الصدارات الروائية‪ .‬ما‬ ‫ذلك الحظ المهتمون بالشأن‬ ‫الثقا� تراجع إ‬ ‫ي‬ ‫يع� أن أ‬ ‫ن‬ ‫المر كان أشبه بحالة عابرة‪ ،‬حالة استجابت لمتطلبات السوق‪،‬‬ ‫ي‬ ‫كأي سلعة استهالكية‪ ،‬وكيفما اتفق‪ ،‬دون‬ ‫ولرغبة النا�ش ين العرب‪ّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫تتفرس ي� مالمحها‪،‬‬ ‫اعتبار لقيم الدب العليا‪ ،‬فيما كانت القصيدة ّ‬ ‫دون أن تساوم عىل فتنتها وجمالها‪.‬‬ ‫أجل‪ ،‬لم يعد الشاعر يملك ن‬ ‫لقرائه‪،‬‬ ‫مع�‬ ‫جاهزاً‪ ،‬يسعى إليصاله ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تريد‬ ‫وبالتال لم يعد يغويه سؤال المتلقي ي�‬ ‫ي‬ ‫الذهنية التقليدية ي‬ ‫آ‬ ‫منه أن يخرج تلك العصا السحريّة‪ ،‬ليمنح الخرين معرفة يجهلونها من‬ ‫الرث الذي‬ ‫مفس أحالم‪ ،‬ذلك إ‬ ‫قبل‪ .‬الشاعر ليس العب ي‬ ‫س�ك‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫«الن�» صار محض ذكرى‪ .‬ومع كل هذا‪،‬‬ ‫نحمله عن الشاعر الحاوي ب ي ّ‬ ‫فالقصيدة ليست ف ي� عزلة عن عالمها‪ ،‬إنها مشتبكة معه‪ّ ،‬‬ ‫بكل سياقاته‬ ‫التحدي‬ ‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬والشاعر يواجه هذا‬ ‫ّ‬ ‫مدججاً برؤية تمعن ف ي� نظرتها الجسورة للحياة‪ ،‬بعيون حا ّدة‪ ،‬وأصابع‬ ‫ّ‬ ‫ال ترتعش أوان الكتابة‪.‬‬ ‫ما فتئت الينابيع والمطر الذي يبلّل ثيابنا‪،‬‬ ‫تحدق ف ي�‬ ‫الرسية ّ‬ ‫والرغبات ّ‬ ‫الشاعر طويال ك يكتب عنها‪ ،‬ويخلع عليها أ‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫ً ي‬ ‫ين‬ ‫حامل� مصابيح القلق والنور‪ ،‬تحلّق أرواحهم‬ ‫تحية للشعراء فرداً فرداً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف ي� هودج الريح الفاخر‪ ،‬يحرثون ي� سماواتنا حدائق الدهشة والبهاء‪،‬‬ ‫يغ� ت‬ ‫مك� ي ن‬ ‫ث� بما يُكاد لهم‪.‬‬ ‫ت‬ ‫والثبي�‪ ،‬وسالماً‬ ‫تلويحة‪ ،‬لطرفة‬ ‫والمتن� ولوركا ورامبو ودرويش‬ ‫أي‬ ‫بي‬ ‫الذين يحملون آ‬ ‫الن قصائدهم الوىل‬ ‫للشعراء والشاعرات‬ ‫للمطبعة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫تقرير القافلة‬

‫الهجرات الكبرى‬ ‫في التاريخ‬


‫‪83 | 82‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫تحدث الهجرات البشرية عندما تتحرَّ ك مجموعة أو أكثر من الناس من منطقة في العالم إلى‬ ‫أخرى‪ ،‬ألسباب مشتركة‪ .‬والهجرات نوعان‪ ،‬إما اختيارية وإما اضطرارية‪ ،‬وتكون ضمن البلد الواحد‬ ‫من منطقة إلى أخرى‪ ،‬أو من األرياف إلى المدن‪ ،‬أو ضمن القارة من ٍ‬ ‫بلد إلى آخر‪ ،‬أو من قارة إلى‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫وللهجرة تأثير كبير على اإلنسان والحضارة البشرية والكرة األرضية‪ .‬وبإلقاء الضوء على الهجرات‬ ‫الكبرى يصبح بإمكاننا أن نفهم بشكل أفضل ماهية الجغرافيا السكانية للكرة األرضية اآلن‪،‬‬ ‫والعوامل التي أسهمت في إرسائها على ما هي عليه‪.‬‬

‫أسباب الهجرات‬

‫ثمة أسباب عديدة تدفع المجموعات الب�ش ية‬ ‫ين‬ ‫تصنيف�‬ ‫للهجرة‪ ،‬لكن بإمكاننا جمعها ضمن‬ ‫السباب الدافعة أ‬ ‫مختلف�‪ :‬أ‬ ‫ين‬ ‫والسباب الجاذبة‪.‬‬ ‫‪ –1‬أ‬ ‫السباب الدافعة‬ ‫وغ�ها‬ ‫ •العوامل الجيولوجية والمناخية ي‬ ‫من الكوارث الطبيعية والمجاعات ال�ت‬ ‫ي‬ ‫تجعل الحياة ف ي� بعض المناطق الجغرافية‬ ‫ت‬ ‫ال� جرت ما‬ ‫مستحيلة‪ .‬فمعظم الهجرات ي‬ ‫قبل التاريخ‪ ،‬ت‬ ‫وح� خالل التاريخ المكتوب‪،‬‬ ‫عندما لم تكن المعلومات الجغرافية قد‬ ‫تكونت‪ ،‬هي أسباب دافعة للهجرة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ • ن ز‬ ‫ال�اعات والحروب‪.‬‬ ‫ •الفقر والمداخيل المنخفضة‪.‬‬ ‫ •البطالة وفقدان العمل‪.‬‬ ‫ •غياب آفاق التقدم‪.‬‬

‫النسان‪.‬‬ ‫ •االضطهاد وغياب حقوق إ‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ •العنرصية (تجارة الرقيق واست�اف القارة‬ ‫الفريقية من سكانها عىل سبيل المثال)‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ •مرافقة بعض السكان للجيوش أثناء‬ ‫الك�ى‪.‬‬ ‫الفتوحات ب‬

‫‪ –2‬أ‬ ‫السباب الجاذبة‬ ‫أ‬ ‫ •المن واالستقرار ت‬ ‫واح�ام الحريات وحقوق‬ ‫النسان واالطمئنان إىل المستقبل‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ •المدن الصناعية ف‬ ‫المتقدمة الجاذبة‬ ‫الدول‬ ‫�‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫لليدي العاملة والسكان‪( .‬كانت السبب ف ي�‬ ‫أ‬ ‫كب�ة من الرياف إىل المدن)‪.‬‬ ‫هجرات ي‬ ‫ •النمو االقتصادي الرسيع الذي يتطلَّب‬ ‫ومستهلك� ث‬ ‫ين‬ ‫أك�‪.‬‬ ‫عماال ً‬ ‫ف‬ ‫النجاب ي� الدول الصناعية‬ ‫ •تراجع معدالت إ‬ ‫الذي أدى إىل نقص ف� العمالة وثغرات �ف‬ ‫ي‬ ‫ي ف‬ ‫كب�ة من‬ ‫المهارات‪ ،‬وكان السبب ي� هجرات ي‬ ‫بلدان إىل أخرى‪.‬‬ ‫متطورة تمتلك مساحات‬ ‫ •نشوء دول حديثة‬ ‫ِّ‬ ‫كب�ة وعدد سكان قليل نسبياً‪،‬‬ ‫جغرافية ي‬

‫منذ حوالي مليوني سنة‪ ،‬خرج‬ ‫اإلنسان من موطنه األصلي‬

‫في إفريقيا‪ ،‬باتجاه الشمال عبر‬

‫القرن اإلفريقي إلى الجزيرة‬ ‫العربية ومنها إلى أوراسيا‬


‫وتحتاج إىل زيادته‪ ،‬مثل الواليات المتحدة‬ ‫أ‬ ‫المريكية وكندا‪.‬‬ ‫ •االستعمار‪ ،‬الذي جذب‪ ،‬عىل سبيل المثال‪،‬‬ ‫وال ي ز‬ ‫نجل�‬ ‫السبان إىل أمريكا الجنوبية إ‬ ‫إ‬ ‫إىل الواليات أ‬ ‫المريكية المتحدة ت‬ ‫وأس�اليا‬ ‫والفر ي ن‬ ‫نسي� إىل كندا‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ •هجرة الشباب من الدول القل تطوراً إىل‬ ‫ين‬ ‫وتحس�‬ ‫الدول المتطورة طلباً للعلم‬ ‫المؤهالت والمهارات‪.‬‬

‫هجرات ما قبل التاريخ‬

‫يقول الرأي السائد ي ن‬ ‫ب� العلماء من مختلف‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫والن�وبولوجية‬ ‫االختصاصات‪ ،‬الركيولوجية إ‬ ‫أ‬ ‫للنسان بدأت من‬ ‫وغ�ها‪ ،‬إن الهجرات الوىل إ‬ ‫ي‬ ‫إفريقيا عىل دفعات بأوقات متباعدة‪ .‬وتنقسم‬ ‫ين‬ ‫كب� ي ن‬ ‫إىل هجر ي ن‬ ‫مختلفت�‪:‬‬ ‫ت�‬ ‫ت� ي‬ ‫أ ‪ -‬الهجرة أ‬ ‫الوىل‬ ‫ن‬ ‫النسان من موطنه‬ ‫حوال‬ ‫مليو� سنة‪ ،‬خرج إ‬ ‫ي‬ ‫منذ ف ي‬ ‫أ‬ ‫صل ي� إفريقيا‪ ،‬باتجاه الشمال بع� القرن‬ ‫ال ي‬ ‫الفريقي إىل الجزيرة العربية ومنها إىل أوراسيا‪.‬‬ ‫إ‬ ‫الكب�ة ف ي�‬ ‫وذلك بسبب التطورات الجيولوجية ي‬ ‫ذلك ي ن‬ ‫الح�‪ ،‬وكانت نتيجتها تضخم الصحراء‬

‫الفريقية‪ ،‬ما أدى حسب بعض النظريات‬ ‫إ‬ ‫كب� ف ي� مجرى نهر النيل‪ .‬ونتيجة‬ ‫تغ� ي‬ ‫العلمية إىل ي‬ ‫ذلك تفرق هؤالء ف ي� كافة أنحاء العالم القديم‬ ‫وصوال ً إىل جنوب �ش ق آسيا‪.‬‬ ‫وقد ُوجدت آثار أحفورية تدل عىل وصول‬ ‫هذا النوع من الب�ش إىل �ش ق آسيا‪ ،‬ف ي� ريوات‪،‬‬ ‫ن‬ ‫مليو� سنة‪ .‬كما‬ ‫باكستان‪ ،‬تعود إىل ما يقرب من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ط�يا ف ي�‬ ‫ة‬ ‫بح�‬ ‫وجدت آثار ي� تل عبيدية قرب ي ب‬ ‫ين‬ ‫حوال ‪ 1.5‬مليون سنة‪ .‬وأيضاً‬ ‫فلسط�‬ ‫تعود إىل ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫دمانيس ي� القوقاز تعود إىل ‪1.81‬‬ ‫وجدت آثار ي�‬ ‫ي‬ ‫مليون سنة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� ي ن‬ ‫الص� وجدت آثار ألدوات حجرية‪،‬‬ ‫ف ي‬ ‫النسان منذ‬ ‫� حوض نيهيفان‪ ،‬استعملها إ‬ ‫يحوال ‪ 1.66‬مليون سنة‪ .‬وقد وجدت �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الموقع أ‬ ‫الثري ف ي� خينهودو ف ي� مقاطعة‬ ‫شانغي أول عالمة عىل استعمال للنار منذ‬ ‫‪ 1.27‬مليون سنة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� وجدت ف ي�‬ ‫ي‬ ‫وتش� أقدم ال فثار الحفورية ي‬ ‫الفريقية إىل أن‬ ‫«أومو كيبيش» ي� إثيوبيا بالقارة إ‬ ‫أجدادنا عاشوا هناك منذ ‪ 200000‬سنة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الهجرة الثانية‬ ‫تساعد الدراسات الحديثة المتعلِّقة بخارطة‬ ‫الجي� عىل مستوى الكرة أ‬ ‫التوزع ن‬ ‫الرضية‪ ،‬إىل‬ ‫ي‬ ‫تكوين صورة واضحة حول من أين ت‬ ‫وم� وإىل‬ ‫أين هاجر أجدادنا خالل المراحل التاريخية‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫النسان إفريقيا قبل ما ي ن‬ ‫ب� ‪60000‬‬ ‫فقد ترك إ‬ ‫ن‬ ‫السابق�‪،‬‬ ‫أسالفه‬ ‫كما‬ ‫واتجه‪،‬‬ ‫سنة‬ ‫و‪70000‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التغ�ات‬ ‫شماالً‪ .‬وسبب الهجرة هذه هو ي� ي‬ ‫ت‬ ‫ال� حصلت آنذاك‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� دخلت‬ ‫المناخية ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أخ�ة جلبت‬ ‫الرض فجأة ي� تف�ة جليدية ي‬ ‫وتش�‬ ‫معها ظروفاً قاسية جداً للعيش‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫الدلة الوراثية إىل حدوث انخفاض حاد‬ ‫ف� عدد السكان آنذاك‪ ،‬ت‬ ‫ح� وصل إىل ما‬ ‫ي‬ ‫شف�‬ ‫يقارب ‪ 10000‬فرد فقط‪ :‬لقد كنا عىل ي‬ ‫االندثار‪ ،‬والهجرة إىل أمكنة أخرى كانت طوق‬ ‫النجاة‪.‬‬ ‫ال�ق أ‬ ‫ال ن‬ ‫ج ‪ -‬من إفريقيا إىل ش‬ ‫د�‬ ‫حوال ‪ 70000‬سنة بع�وا مضيق باب المندب‬ ‫منذ ي‬ ‫ت‬ ‫الذي يفصل اليمن عن‬ ‫جيبو� واتجهوا شماال ً‬ ‫ي‬ ‫نحو ال�ش ق أ‬ ‫ال ن‬ ‫د�‪.‬‬

‫‪16K‬‬

‫‪40K‬‬

‫‪50K‬‬ ‫‪60K‬‬

‫‪65K‬‬

‫علم الجينات‬ ‫أ‬ ‫والركيولوجيا يساعدنا‬ ‫ف ي� رسم خريطة طرق‬ ‫النسان (الرقم‬ ‫هجرة إ‬ ‫يش�‬ ‫الدوائر‬ ‫داخل‬ ‫ي‬ ‫إىل الهجرة منذ آالف‬ ‫ين‬ ‫السن�)‬

‫‪15K‬‬

‫‪50K‬‬


‫‪85 | 84‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫ال�ق أ‬ ‫ال ن‬ ‫د ‪ -‬من ش‬ ‫د� إىل آسيا‬ ‫اتجه الناس منذ ‪ 50000‬سنة إىل جنوب آسيا‪،‬‬ ‫وإىل �ش قها منذ ‪ 30000‬سنة‪ .‬ووصلوا إىل ت‬ ‫أس�اليا‬ ‫منذ ‪ 46000‬سنة للمرة أ‬ ‫الوىل ي ن‬ ‫ح� لم تكن قد‬ ‫وطأتها أقدام أي نوع من الب�ش قبلهم‪.‬‬

‫ز ‪ -‬من القطب الشمال إىل القارة أ‬ ‫المريكية‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫الشمال بعد ذلك‬ ‫القطب‬ ‫واخ�ق المهاجرون إىل‬ ‫ي‬ ‫حوال‬ ‫اليابسة جنوب فالمناطق الجليدية منذ ي‬ ‫و� غضون ألف سنة بعد ذلك‪،‬‬ ‫‪ 15000‬سنة‪ .‬ي‬ ‫أي منذ ‪ 14000‬سنة انت�ش وا ف ي� كافة أنحاء القارة‬ ‫أ‬ ‫المريكية‪ .‬وكان عبور هذا الجرس من ِقبل هؤالء‬ ‫الك�ى لرحلة‬ ‫الصيادين الجسورين القفزة النهائية ب‬ ‫النسان ما قبل التاريخ‪.‬‬ ‫إ‬

‫الشمال‬ ‫و ‪ -‬الهجرة من آسيا إىل القطب‬ ‫ي‬ ‫توجهت مجموعة‬ ‫حوال ‪ 20000‬سنة ّ‬ ‫وقبل ي‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫سيوي� صوب القطب‬ ‫صغ�ة من الصيادين ال ي‬ ‫ي‬ ‫الشمال آلسيا ال�ش قية خالل العرص الجليدي‬ ‫أ ي أ‬ ‫خ�‪ .‬ففي ذلك الوقت‪ ،‬كانت الصفائح‬ ‫العظم ال ي‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تغطي أقىص‬ ‫الجليدية ب‬ ‫الك�ى‪ ،‬ي‬ ‫الشمال‪ ،‬قد امتصت المياه من اليابسة حولها‬ ‫لمسافات شاسعة جداً‪ .‬وأدى هذا إىل انخفاض‬ ‫حوال ‪ 300‬قدم‪،‬‬ ‫مستويات سطح البحار ي‬ ‫ف‬ ‫فشكَّلت هذه الظاهرة جرساً‪ ،‬ي� أقىص الشمال‪،‬‬ ‫ب� العالم القديم والعالم الجديد‪ ،‬أي ي ن‬ ‫ين‬ ‫ب�‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫القارة المريكية والقارة السيوية‪.‬‬

‫التاريخ المعروف‬ ‫الهجرات خالل‬ ‫أ‬

‫ال�ق أ‬ ‫ال ن‬ ‫هـ ‪ -‬من ش‬ ‫د� إىل أوروبا‬ ‫النسان إىل أوروبا منذ ‪ 43000‬سنة‪.‬‬ ‫وهاجر إ‬

‫خ�‪ ،‬ودخول‬ ‫بعد انتهاء العرص الجليدي ال ي‬ ‫الكرة أ‬ ‫فئ‬ ‫الرضية ف ي� عرص المناخ الدا� والمعتدل‪،‬‬ ‫ازدهرت الزراعة‪ .‬وأدت الثورة الزراعية إىل ازدياد‬ ‫كب� ف ي� عدد السكَّان‪ ،‬وإىل نشوء الدول وصعود‬ ‫ي‬ ‫ال بم�اطوريات وحدثت الرحالت المذهلة العابرة‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ال� بدأها البولي�يون ي� المحيط‬ ‫للمحيطات ي‬ ‫الهادئ‪.‬‬ ‫‪ – 1‬القبائل السامية‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الكب�ة ي� تلك الف�ة هي للقبائل‬ ‫إن أول الهجرات ي‬ ‫السامية ف� ال�ش ق أ‬ ‫ال ن‬ ‫د� ت‬ ‫ال� كانت تربطها اللغة‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫ت‬ ‫�ش‬ ‫حوال ‪ 5000‬سنة‬ ‫المش�كة‪.‬‬ ‫وبدأت تنت منذ ي‬ ‫من موطنها‪ ،‬ف ي� جنوب شبه الجزيرة العربية‬ ‫واليمن‪ ،‬عىل طول طرق القوافل الصحراوية بع�‬ ‫صحراء سيناء إىل البادية السورية‪ .‬واندمج هؤالء‬ ‫المهاجرون خالل ‪ 500‬سنة‪ ،‬من هجرتهم أ‬ ‫الوىل‪،‬‬ ‫مع ثقافة بالد ما ي ن‬ ‫ب� النهرين‪ .‬وهذا الخليط هو‬ ‫الساحل ل�ش ق‬ ‫ما جلب الحضارة إىل ال�ش يط‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫كث�اً من الهجرات‬ ‫البحر‬ ‫ال� حفَّزت ي‬ ‫المتوسط‪ ،‬ي‬ ‫الالحقة ف ي� اتجاهات عدة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الهندية‪-‬الوروبية‬ ‫‪ – 2‬القبائل‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� تجمعها‬ ‫أك� الهجرات ي� هذه الحقبة‬ ‫ثا� ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الهندية‪-‬الوروبية‪.‬‬ ‫المش�كة‪ ،‬هي القبائل‬ ‫اللغة‬ ‫ف‬ ‫وكانت هذه القبائل من الرعاة تعيش ي� السهول‬ ‫الممتدة من أوكرانيا الحالية �ش قاً ت‬ ‫ح� البحر‬ ‫أ‬ ‫السود وبحر قزوين‪ .‬وبدأت هذه القبائل‬ ‫باالنتشار جنوباً وغرباً باتجاه شبه القارة الهندية‬ ‫منذ حوال ‪ 4000‬سنة بحثاً عن مناطق ث‬ ‫أك�‬ ‫ي‬ ‫التمدد نوع من‬ ‫جاذبية للرعي‪ .‬وقد رافق هذا ُّ‬ ‫العنف‪ ،‬أو ما نعرفه اليوم بالحرب‪ .‬لكنه كان‬ ‫تدريجياً بع� مئات من ي ن‬ ‫السن�‪ ،‬وال يشبه حروبنا‬ ‫الحالية‪ .‬وهذا بدوره أدى ن ز‬ ‫ل�وح مجموعات‬ ‫منافسة إىل أماكن أخرى‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫والفارسي�‬ ‫الحثي�‬ ‫‪ - 3‬هجرة‬ ‫أ‬ ‫الحثي�ن‬ ‫من هذه القبائل الهندية‪-‬الوروبية نذكر‬ ‫ي‬ ‫الذين استوطنوا أ‬ ‫الناضول ف ي� تركيا الحالية‪،‬‬ ‫اليرانية‪ ،‬ثم‬ ‫والفرس الذين استوطنوا السهول إ‬ ‫أكملوا هجرتهم إىل الهند ت‬ ‫وح� رسيالنكا منذ‬ ‫حوال‪ 3600‬سنة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الغريق والجرمان والسلت والسالف‬ ‫‪ – 4‬هجرة إ‬ ‫أ‬ ‫الهندية‪-‬الوروبية إىل‬ ‫هاجر بعض هذه القبائل‬ ‫الغريق ف ي�‬ ‫أوروبا منذ ‪ 3800‬سنة‪ ،‬فاستوطن إ‬ ‫والسلتي�ن‬ ‫جنوب القارة‪ ،‬والجرمان ف ي� الشمال‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫وإنجل�ا‪.‬‬ ‫إىل الغرب ف ي� فرنسا الحالية وإسبانيا‬ ‫ومنذ ‪ 3500‬سنة بدأت القبائل السالفية الهجرة‬ ‫إىل بولندا وغرب روسيا‪.‬‬

‫هجرة القبائل الهندية ‪ -‬أ‬ ‫الوروبية‬

‫‪ – 5‬الهجرة الثانية للقبائل الجرمانية‬ ‫ت‬ ‫ال� تنتمي إىل مجموعة‬ ‫والقبائل‬ ‫الجرمانية‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫القبائل الهندية‪-‬الوروبية‪ ،‬واستوطنت المناطق‬ ‫الشمالية من أوروبا ف ي� إسكندينافيا‪ ،‬بدأت منذ‬ ‫ف‬ ‫و�‬ ‫حوال ‪ 2200‬سنة تهاجر جنوباً وشماالً‪ .‬ي‬ ‫ي‬ ‫غضون مئة عام‪ ،‬كان هؤالء قد وصلوا إىل نهري‬ ‫الدانوب والراين‪ .‬ت‬ ‫ال بم�اطورية‬ ‫ح� إنهم هددوا إ‬


‫الرومانية ف ي� أقىص جنوب القارة وخاصة جنوب‬ ‫فرنسا وشمال إيطاليا‪ ،‬وأحياناً حارصوا روما نفسها‬ ‫وفرضوا عليها �ش وطهم‪.‬‬ ‫واستمرت هذه الهجرات والهجمات للقبائل‬ ‫الجرمانية ت‬ ‫ح� القر ي ن‬ ‫ن� الرابع والخامس الميالدي‪.‬‬ ‫أ‬ ‫تغ�‬ ‫الكب� عىل أوروبا‪ ،‬حيث ي‬ ‫وكان لها الثر ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫المؤرخ� أن‬ ‫كث� من‬ ‫وجهها إىل البد‪ .‬ويعتقد ي‬ ‫هجرة هذه القبائل كانت السبب الرئيس ف ي� انهيار‬ ‫ال بم�اطورية الرومانية الغربية‪ ،‬بدليل استمرار‬ ‫إ‬ ‫ز‬ ‫�ش‬ ‫الب�نطية ال قية بعد ذلك‬ ‫شقيقتها إ‬ ‫ال بم�اطورية ي‬ ‫لنحو ألف عام‪ ،‬إذ إن هجرة هذه القبائل لم‬ ‫تصل إليها‪ .‬ولم تستقر حال القارة ت‬ ‫ح� أسست‬ ‫ت‬ ‫تعب�‬ ‫(ال� كان يطلق عليها الرومان ي‬ ‫هذه القبائل ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� نعرفها اليوم ي� وسط أوروبا‪.‬‬ ‫ب‬ ‫ال�ابرة) الدول ي‬ ‫‪ – 6‬الهجرة الثانية للقبائل السالفية‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت قد هاجرت‬ ‫استغلت القبائل السالفية‪ ،‬ي‬ ‫إىل غرب روسيا وبولندا منذ تف�ة طويلة‪ ،‬انهيار‬ ‫ال بم�اطورية الرومانية ف ي� القرن الخامس الميالدي‬ ‫إ‬ ‫ح� البحر أ‬ ‫وبدأت تنت�ش غرباً وجنوباً ت‬ ‫البيض‬ ‫المتوسط وأسست ما يعرف اليوم بمعظم دول‬ ‫البلطيق وأوروبا ال�ش قية‪.‬‬ ‫‪ – 7‬هجرة أ‬ ‫النكلوسكسون‬ ‫أ‬ ‫ال بم�اطورية‬ ‫واستغل النكلوسكسون أيضاً انهيار إ‬ ‫الرومانية وتراجعها‪ ،‬وقدموا من الدانمارك وشمال‬ ‫غرب ألمانيا واستوطنوا وأسسوا‪ ،‬بحلول القرن‬ ‫ت‬ ‫بإنجل�ا‪.‬‬ ‫السابع الميالدي‪ ،‬ما يُعرف اليوم‬

‫أسس العرب الوافدون‬ ‫أول مدينة فيما بين‬ ‫النهرين وهي الحيرة‬ ‫في جنوب العراق‬

‫الهجرات العربية‬

‫السالم‬ ‫أ – قبل إ‬ ‫ن‬ ‫المؤرخ� أن الهجرات السامية‬ ‫كث� من‬ ‫ي‬ ‫يعتقد ي‬ ‫ت‬ ‫ال� بدأت كما أسلفنا سابقاً من جنوب‬ ‫ي‬ ‫الجزيرة العربية ومن اليمن إىل منطقة �ش �ق‬ ‫ي‬ ‫المتوسط وبالد ما ي ن‬ ‫ب� النهرين بموجات من‬ ‫السومري�‪.‬ن‬ ‫الهجرات المتتالية‪ ،‬حلّت محل‬ ‫ي‬ ‫وكان هؤالء مستقرين عىل الزراعة‪ .‬ولذلك‬ ‫أطلق عليهم اسم النبط‪ ،‬مقارنة بالعرب‬ ‫الذين كانوا من الرعاة‪.‬‬ ‫وبمرور الوقت‪ ،‬واستمرار الهجرات المتتالية‪،‬‬ ‫اندثرت حضارة النبط وسادت العربية ولغتها‪.‬‬ ‫وقد أسس العرب الوافدون أول مدينة فيما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫الح�ة ف ي� جنوب العراق‪ .‬وشهد‬ ‫النهرين وهي ي‬ ‫ن‬ ‫تاريخ المنطقة رصاعاً مستمراً يب� الهجرات من‬ ‫ين‬ ‫المحلي� المستقرين ف ي� أعمال‬ ‫الجنوب والسكان‬ ‫الزراعة‪.‬‬ ‫السالم‬ ‫ب – بعد إ‬ ‫السالمي‬ ‫استمرت الهجرات العربية مع الفتح إ‬ ‫وخاصة ف� بدايته إىل الشام وبالد ما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫السالم فقط بل‬ ‫النهرين‪ .‬ولم تعتنق المنطقة إ‬ ‫السالمي‬ ‫تكرس استعرابها‪ .‬ومع توسع الفتح إ‬ ‫�ش قاً وغرباً‪ ،‬اعتنقت الشعوب �ش ق ي� بالد ما‬ ‫ب� النهرين ت‬ ‫ح� ي ن‬ ‫ين‬ ‫السالم ديناً‪ ،‬لكنها‬ ‫الص� إ‬ ‫ف‬ ‫لم تستعرب‪ .‬والسبب ي� ذلك واضح‪ ،‬وهو‬ ‫أن الهجرات العربية السابقة لم تصل إليها‪.‬‬ ‫وهكذا استطاعت مقاومة االستعراب‪ .‬ت‬ ‫ح� إن‬

‫السالمي ف ي� هذه‬ ‫العرب الذين استقروا مع الفتح إ‬ ‫ف‬ ‫المناطق‪ ،‬اندمجوا مع مرور الوقت‪ ،‬ي� حضارات‬ ‫هذه الشعوب‪.‬‬ ‫السالمي لشمال إفريقيا فكانت‬ ‫أما نتيجة الفتح إ‬ ‫ف‬ ‫تكريس استعرابها بشكل شبه كامل‪ .‬بما ي� ذلك‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تُعد مدينة يونانية‪ .‬فبعد‬ ‫إ‬ ‫السكندرية ي‬ ‫أ‬ ‫�ش‬ ‫توصل‬ ‫محارصتها سنة ‪640‬م لربعة ع شهراً‪َّ ،‬‬ ‫الجانبان إىل اتفاقية سلمية‪ ،‬فأعطى العرب‬ ‫سكانها سنة كاملة ن ز‬ ‫لل�وح سلمياً بشكل كامل‬ ‫ف‬ ‫و� سنة ‪ 642‬تسلَّم العرب المدينة تماماً‬ ‫عنها‪ .‬ي‬ ‫وهجرها اليونانيون دون عودة‪ .‬وهكذا تكون ن‬ ‫أغ�‬ ‫مدينة ي ز‬ ‫ب�نطية‪ ،‬ف ي� ذلك الوقت‪ ،‬قد أصبحت‬ ‫عربية دون قتال‪.‬‬ ‫وبعدما فتح العرب ف ي� سنة ‪711‬م معظم‬ ‫أنحاء إسبانيا وسموها أ‬ ‫الندلس تدفق عىل البالد‬ ‫كث� من المهاجرين العرب‪.‬‬ ‫الجديدة ي‬

‫الهجرات التركية والمغولية‬

‫تُعد منغوليا ف ي� شمال �ش ق ي� آسيا‪ ،‬نقطة‬ ‫انطالق مثالية لحركة القبائل البدوية بحثاً‬ ‫اع جديدة‪ .‬فهي تقع ف ي� أقىص طرف‬ ‫عن مر ٍ‬ ‫من مجموعة متواصلة من المراعي المفتوحة‬ ‫ت‬ ‫ال� تصل عىل طول الطريق‬ ‫والسهوب ي‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫إىل أوروبا‪ .‬وهي مثالية لحركة الفرسان ي‬ ‫تتقنها تماماً هذه القبائل‪ .‬وعىل جنوب‬ ‫طريق البدو هذه‪ ،‬تعيش تجمعات سكانية‬ ‫غنية ومستقرة‪.‬‬

‫ت‬ ‫تش� إىل أن معظم‬ ‫ال� ي‬ ‫خارطة الهجرات خالل ‪ 500‬سنة الماضية ي‬ ‫السكان هم من المهاجرين‬

‫هجرة أ‬ ‫ين‬ ‫وروبي�‬ ‫ال‬ ‫أ‬ ‫هجرة الفارقة‬ ‫هجرة الهنود‬ ‫ين‬ ‫الصيني�‬ ‫هجرة‬ ‫ين‬ ‫الياباني�‬ ‫هجرة‬


‫‪87 | 86‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫أكبر تحرك بشري من منطقة إلى‬ ‫أخرى كان في الهجرة من األرياف إلى‬ ‫المدن في كافة أنحاء العالم‬

‫وال�تغاليون يغ� مواطنيهم من‬ ‫وقد منع إ‬ ‫السبان ب‬ ‫الهجرة إىل أمريكا الجنوبية‪ .‬واستمر هذا المنع‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫و�‬ ‫ح� حصلت هذه الدول عىل‬ ‫استقاللها‪ .‬ي‬ ‫وروبي� آ‬ ‫المر فإن الهجرة من أ‬ ‫واقع أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫الخرين لم‬ ‫تبدأ بشكل فعل إال ي ن‬ ‫ب� ‪ 1870‬و‪1930‬م‪.‬‬ ‫ي‬

‫أ – هجرة أ‬ ‫التراك مع الغزوات‬ ‫وابتدا ًء من القرن السادس الميالدي‪ ،‬شكَّلت‬ ‫التجمعات السكانية المستقرة ف ي� الجنوب‪ ،‬هدفاً‬ ‫لموجات متتالية من الغزوات والهجرات ت‬ ‫ح�‬ ‫ن‬ ‫الثا� ع�ش ‪ .‬وكلما استحوذ المهاجرون‬ ‫القرن ي‬ ‫عىل منطقة جديدة‪ ،‬امتلكوا حافزاً أقوى للتوسع‬ ‫واالنتشار إىل أخرى‪.‬‬ ‫ونتيجة هذه الغزوات استوطن أ‬ ‫التراك معظم‬ ‫آسيا الوسطى‪ ،‬وأسسوا دوال ً ال تزال قائمة ت‬ ‫ح�‬ ‫اليوم مثل يق� ي ز‬ ‫غ�ستان‪ ،‬تركمانستان‪ ،‬أوزبكستان‪،‬‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫كزخستان‪ .‬وشكلوا جيوباً ي� بعضها الخر مثل‬ ‫تشوفاشيا ف� روسيا‪ .‬بينما أسس أيضاً أ‬ ‫التراك‬ ‫ي‬ ‫السالجقة‪ ،‬دولة استيطانية وساللة حاكمة ف ي�‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تحولت‬ ‫ال‬ ‫ال� َّ‬ ‫ناضول‪ ،‬حيث هي تركيا الحديثة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫إم�اطورية‬ ‫ب� عثمان إىل ب‬ ‫ي� عهد التراك من ي‬ ‫ال بم�اطورية إىل وسط‬ ‫كب�ة‪ .‬وقد توسعت هذه إ‬ ‫ي‬ ‫أوروبا حيث َّاستوطن وهاجر كث� من أ‬ ‫التراك إىل‬ ‫ي‬ ‫بعض دول البلطيق واستوطنوها إىل يومنا هذا‪.‬‬ ‫ب – المغول‪ :‬غزوات بك�ى دون هجرة‬ ‫وبعكس أ‬ ‫التراك‪ ،‬فإن المغول الذين انطلقوا‬ ‫أيضاً من منغوليا‪ ،‬وأسسوا بعد غزوات عدة ف ي�‬ ‫أك�‬ ‫القرن الثالث ع�ش الميالدي‪ ،‬واحدة من ب‬ ‫ف‬ ‫يبق لهم أثر سكا�ن‬ ‫إ‬ ‫ال بم�اطوريات ي� التاريخ‪ ،‬لم َ‬ ‫ي‬ ‫كب�‪ ،‬باستثناء بعض أ‬ ‫القليات ف ي� الهند وبعض‬ ‫ي‬ ‫المناطق ف� ي ن‬ ‫الص� وروسيا‪.‬‬ ‫ي‬

‫شعوب وموارد جنوب أمريكا ابتدا ًء من سنة‬ ‫‪1530‬م‪ .‬وتعرض السكان أ‬ ‫الصليون لنفس ما‬ ‫َّ‬ ‫سكان الشمال أ‬ ‫تعرض له‬ ‫مريك من عمليات‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫إبادة بطرق مختلفة‪ .‬وحل محل هؤالء السكان‬ ‫المهاجرون أ‬ ‫الوروبيون‪.‬‬

‫البادة الجماعية للسكان‬ ‫وللتحقق من عمليات إ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال ي ن‬ ‫ال� حلَّت‬ ‫صلي� وحجم الهجرات ي‬ ‫الكب�ة ي‬ ‫مكانهم‪ ،‬يكفي إلقاء نظرة عىل ت‬ ‫الثنية‬ ‫ال�كيبة إ‬ ‫لهذه الدول اليوم‪.‬‬

‫الهجرات إلى أمريكا‬

‫أ – الهجرة إىل أمريكا الشمالية‬ ‫بعد اكتشاف القارة أ‬ ‫المريكية من ِقبل‬ ‫ف‬ ‫وال� ي ن‬ ‫تغالي� ي� بداية القرن‬ ‫المستعمرين إ‬ ‫السبان ب‬ ‫تغ�ت‬ ‫الكب�ة إليها‪ ،‬ي‬ ‫السادس ع�ش ‪ ،‬والهجرات ي‬ ‫القارة كلياً‪ .‬فالسكان أ‬ ‫الصليون الذين سبقوا هؤالء‬ ‫المستعمرين الجدد بأربعة ع�ش ألف سنة‪ ،‬كما‬ ‫رأينا سابقاً‪ ،‬تمت تصفية معظمهم‪ .‬واستبدلوا‬ ‫بمهاجرين جدد من أوروبا وبعدها من كافة‬ ‫أ‬ ‫كب�ة‬ ‫أصقاع الرض‪ .‬كما استبدلوا أيضاً بأعداد ي‬ ‫من الناس معظمهم من إفريقيا بواسطة تجارة‬ ‫الرقيق ف� القر ي ن‬ ‫ن� السابع ع�ش والثامن ع�ش ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫المؤرخ� أن تعداد هؤالء وصل‪،‬‬ ‫ويعتقد بعض‬ ‫ف ي� ذلك الوقت‪ ،‬إىل ‪ 12‬مليوناً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫و� تف�ة‬ ‫ي‬ ‫الحقة‪ ،‬وبسبب الظروف القاسية ي‬ ‫أ‬ ‫كب�ة‬ ‫ألمت بالقارة الوروبية‪ ،‬هاجرت أعداد ي‬ ‫َّ‬ ‫إىل أمريكا‪ .‬فع�ت المحيط أ‬ ‫طلس مجموعات‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫وغ�ها‪.‬‬ ‫كب�ة من إيرلندا وإيطاليا وبولندا وألمانيا ي‬ ‫ي‬ ‫وللشارة إىل حجم هذه الهجرات الهائلة يكفي‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫ال� يبلغ تعداد‬ ‫مثال ً إلقاء نظرة عىل إيرلندا ي‬ ‫سكانها اليوم ‪ 6.5‬مليون نسمة‪ ،‬بينما يبلغ عدد‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و�‬ ‫حوال ‪ 80‬مليوناً‪ .‬ي‬ ‫المتحدرين منها ي� العالم أ ي‬ ‫الحصاءات المريكية أن هناك ‪36‬‬ ‫تعداد لدائرة إ‬ ‫أمريك من أصل إيرلندي‪.‬‬ ‫مليون مواطن‬ ‫ي‬ ‫ب – الهجرة إىل أمريكا الجنوبية‬ ‫ال�تغاليون باستغالل‬ ‫بدأ إ‬ ‫السبان وبعدهم ب‬

‫الهجرة إلى أستراليا وجنوب‬ ‫إفريقيا‬ ‫أ‬

‫ت‬ ‫ال� سادت‬ ‫نتيجة فالحوال االقتصادية السيئة ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫إنجل�ا ي� القرن الثامن ع�ش‬ ‫وال� رافقت الثورة‬ ‫ي‬ ‫ب� أ‬ ‫كث�اً ي ن‬ ‫الغنياء‬ ‫الصناعية‪ ،‬اتسعت الهوة ي‬ ‫والفقراء‪ .‬وعندما ازدادت نتيجة ذلك الرسقات‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫قوان�ن‬ ‫والعمال المخلة بالمن‪ ،‬أصدرت الحكومة ي‬ ‫أ‬ ‫ح� ألتفه أ‬ ‫شديدة القسوة ت‬ ‫فامتلت‬ ‫السباب‪،‬‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫القوان�‬ ‫اعت�ت هذه‬ ‫السجون‬ ‫ولما ب‬ ‫بالمحكوم�‪َّ .‬‬ ‫ز‬ ‫نجل�ية‬ ‫مجحفة‪ ،‬كان الحل هو قرار الحكومة إ‬ ‫ال ي‬ ‫تب�حيل هؤالء إىل الخارج‪ ،‬وكانت ت‬ ‫أس�اليا هي‬ ‫المكان المناسب‪ .‬وبدأ ت‬ ‫ال�حيل ف ي� أواخر القرن‬ ‫الثامن ع�ش ‪.‬‬ ‫ف� غضون القرن التاسع ع�ش تأسست ف� ت‬ ‫أس�اليا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫توحدت سنة ‪1901‬م لتؤسس‬ ‫ات‪،‬‬ ‫ر‬ ‫مستعم‬ ‫عدة‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫أ ت‬ ‫ال� انضمت إىل الكومنولث‬ ‫الدولة الس�الية ي‬


‫الهجرة من أ‬ ‫الرياف إىل المدن‬

‫ب ن‬ ‫يطا�‪ .‬وهاجر بعد ذلك ‪ 7‬ي ن‬ ‫أورو�‬ ‫مالي� ب ي‬ ‫ال� ي‬ ‫ت‬ ‫إىل الدولة الجديدة ح� سنة ‪1945‬م‪ .‬والهجرة‬ ‫الكب�ة إىل هناك حصلت بعد الحرب العالمية‬ ‫ي‬ ‫الثانية‪ ،‬خاصة من قبل أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫وروبي� الذين أصبحوا‬ ‫دون مأوى بسبب الدمار‪.‬‬ ‫إنجل�ا‪ ،‬انطلقت ف� ت‬ ‫ومن ت‬ ‫الف�ة نفسها موجة‬ ‫ي‬ ‫أخرى من المهاجرين صوب جنوب إفريقيا‬ ‫بفعل اكتشاف مناجم الذهب والماس فيها �ف‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الثا� من القرن التاسع ع�ش ‪ .‬وانضم‬ ‫النصف ي‬ ‫ال ي ز‬ ‫كث�ون يغ�هم من‬ ‫إىل المهاجرين إ‬ ‫نجل� ي‬ ‫ال�يطانية‪ ،‬وبشكل خاص من‬ ‫المستعمرات ب‬ ‫يكتف هؤالء المهاجرون بتشكيل‬ ‫الهند‪ .‬ولم ِ‬ ‫ن‬ ‫السكا� ف ي� موطنهم الجديد‪،‬‬ ‫جزء من النسيج‬ ‫ي‬ ‫عنرصياً سحق السكان الأ‬ ‫صلي�ن‬ ‫بل أقاموا نظاماً‬ ‫ي‬ ‫أل ثك� من قرن من الزمن كما يعرف الجميع‪.‬‬

‫الهجرة من الريف إلى المدينة‬

‫أ – حجمها‬ ‫�ش‬ ‫أك� تحرك ب ي من منطقة إىل أخرى هو‬ ‫إن ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف ي� الهجرة من الرياف إىل المدن ي� كافة أنحاء‬ ‫العالم‪ .‬ففي مطلع القرن الع�ش ين كان ‪ %15‬من‬ ‫سكان الكرة أ‬ ‫الرضية يعيشون ف ي� المدن‪ ،‬فارتفعت‬ ‫أ‬ ‫النسبة‪ ،‬حسب إحصاءات المم المتحدة إىل‬ ‫ت‬ ‫اعت�ت سنة مفصلية‪،‬‬ ‫ال� ب‬ ‫‪ %50‬سنة ‪2007‬م ي‬ ‫أ‬ ‫وذلك بسبب الهجرة الكثيفة من الرياف إىل‬

‫المدن‪ .‬ويتوقع أن تستمر هذه الهجرة لتصل‬ ‫سنة ‪2050‬م إىل ‪.%70‬‬ ‫ب ‪ -‬أسبابها‬ ‫الحداثة والتصنيع والنمو االقتصادي وتوفر‬ ‫ن‬ ‫العقال�‪.‬‬ ‫الخدمات وانتشار الفكر‬ ‫ي‬ ‫ج ‪ -‬تاريخها‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫عند نشوء المدن الوىل ي� بالد ما يب� النهرين‬ ‫ومرص‪ ،‬ت‬ ‫وح� القرن الثامن ع�ش ‪ ،‬لم تكن هناك‬ ‫ب� الريف والمدينة‪ .‬ت‬ ‫كب�ة ي ن‬ ‫ح� إن‬ ‫هجرات ي‬ ‫ن‬ ‫بإمكاننا القول إن توازناً معيناً كان قائماً يب� حجم‬ ‫القاطن� ف� أ‬ ‫ن‬ ‫الرياف وأولئك المستقرين‬ ‫السكان‬ ‫ي ي‬ ‫ف ي� المدن‪.‬‬ ‫د – الهجرة ف ي� الدول الصناعية‬ ‫ابتدا ًء من مطلع القرن الثامن ع�ش وبفعل‬ ‫أ‬ ‫السباب الواردة أعاله بدأت المدن تتضخم‪.‬‬ ‫ففي ت‬ ‫ين‬ ‫القاطن�‬ ‫إنجل�ا‪ ،‬ارتفعت نسبة السكان‬ ‫ف ي� المدن من ‪ %17‬سنة ‪1801‬م إىل ‪ %27‬سنة‬ ‫و� فرنسا ارتفعت النسبة إىل ‪ ،%37‬و�ف‬ ‫‪1891‬م‪ .‬ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� الواليات المتحدة‬ ‫بروسيا ارتفعت إىل ‪ %41‬في‬ ‫أ‬ ‫المريكية ارتفعت إىل ‪ � %28‬ت‬ ‫الف�ة نفسها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ه – الهجرة ف� الدول أ‬ ‫القل تطور ًا‬ ‫ي‬ ‫أما بقية دول العالم ت‬ ‫ال� لم تلحق بالتطور‬ ‫ي‬

‫ث‬ ‫كب�ة من‬ ‫الصناعي‬ ‫والحدا�‪ ،‬فلم تشهد هجرة ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الرياف إىل المدن ح� الخمسينيات من القرن‬ ‫الع�ش ين‪ .‬ت‬ ‫فح� سنة ‪1980‬م كانت نسبة السكان‬ ‫ت‬ ‫ال� تعيش ف� المدن ف� ي ن‬ ‫الص� ال تتعدى ‪%20‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وارتفعت سنة ‪2006‬م إىل ‪ .%41‬أما ي� الهند‬ ‫التوال‪.‬‬ ‫فكانت النسبة ‪ %23‬و ‪ %29‬عىل‬ ‫ي‬ ‫البلد‬

‫النسبة المئوية للسكان‬ ‫وروبي� أ‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫الصل‬ ‫ال‬

‫أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫رجنت�‬ ‫أ‬ ‫الوروغواي‬

‫‪90‬‬

‫ال�ازيل‬ ‫ب‬

‫‪50‬‬

‫تشيل‬ ‫ي‬ ‫باراغواي‬ ‫نز‬ ‫ف�ويال‬

‫‪25‬‬ ‫‪20‬‬

‫كولومبيا‬

‫‪20‬‬

‫إكوادور‬

‫‪15‬‬

‫بوليفيا‬

‫‪14‬‬

‫يب�و‬

‫‪12‬‬

‫‪97‬‬

‫‪20‬‬

‫نسبة السكان الباقية تشمل أيضاً مهاجرين أفارقة‬ ‫ين‬ ‫ش‬ ‫وغ�هم‪.‬‬ ‫و�ق‬ ‫أوسطي� ي‬


• • • • • • • •

http://encyclopedia2.thefreedictionary.com/ Great+Migration+of+Peoples http://itsallaboutculture.com/great-migrations-lecture-and-maps/ http://www.smithsonianmag.com/history/the-great-human-migration13561/?no-ist http://www.nationalgeographic.com/xpeditions/lessons/09/g35/ migrationguidestudent.pdf https://genographic.nationalgeographic.com/human-journey/ http://www.historyworld.net/wrldhis/PlainTextHistories. asp?ParagraphID=bbv http://www.sociologyguide.com/migration/ https://www.embraceni.org/migration/why-do-people-migrate/ http://www.nytimes.com/201421/08//science/neanderthals-in-europedied-out-thousands-of-years-sooner-than-some-thought-study-says. html?_r=0 http://www.arabnews.com/news/527851 http://www.everyculture.com/South-America/Europeans-in-SouthAmerica.html http://www.unfpa.org/publications/state-world-population-2007 http://www2.lawrence.edu/fast/finklerm/chapter1urban.pdf

‫مدن الصفيح أو أ‬ ‫الحياء الفقيرة‬ ‫نتيجة الهجرة من الريف‬

‫ف‬ ‫حوال‬ ‫حوال ثلث سكان‬ ‫المدن ي� دول العالم الثالث – أي ي‬ ‫ • ي‬ ‫ف‬ .‫مليار نسمة يعيشون ي� أكواخ حول المدن‬ .%70 ‫ •ترتفع هذه النسبة ف ي� إفريقيا إىل‬ ‫ •أعمار هؤالء أ‬ ‫الفارقة تت�اوح ي ن‬ .‫ سنة‬24‫ و‬15 �‫ب‬ ‫أ‬ ،‫الفق�ة‬ ‫ •عىل الرغم من هذا الوضع المأساوي فإن هذه الحياء ي‬ ‫ من فرص العمل الجديدة‬%85 ‫فحوال‬ ‫جاذبة اقتصادياً؛‬ ‫ي‬ .‫تحصل خارج االقتصاد الرسمي‬ ‫ف‬ ‫ • ث‬ ‫�ش‬ ‫ ي� جنوب‬%40‫ من هؤالء ف ي� جنوب ق آسيا و‬%50 ‫أك� من‬ ‫ف‬ ‫الك�ى ي� إفريقيا يفتقرون إىل خدمات الرصف‬ ‫الصحراء ب‬ .‫الصحي‬ ‫أ‬ ‫ •ُقدر نمو سكان هذه الحياء إىل مليار ونصف المليار بحلول‬ .‫م‬2020

‫النسبة المئوية لتعداد السكان ف ي� المدن حسب المنطقة‬

%100 %90 %80 %70 %60 %50 %40 %30 %20 %10 %0 1950 1955 1960 1965 1970 1975 1980 1985 1990 1995 2000 2005 2010 2015 2020 2025 2030 2035 2040 2045 2050

‫الدول الصناعية‬ ‫أمريكا الالتينية‬ ‫النسبة المئوية لسكان العالم‬ ‫ين‬ ‫ين‬ �‫السن‬ �‫القاطن� ف ي� المدن بع‬ ‫آسيا‬ ‫إفريقيا‬

‫القافلة‬ 2016 ‫ يونيو‬/ ‫مايو‬

• • • • • • • • • • • • • • • • •

89 | 88

‫المصادر‬


‫غرفة العمليات‬

‫الملف‪:‬‬ ‫بسبب تعدد أنماطها‪ ،‬تكاد‬ ‫غرف العمليات أن تكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تجريديا‪ ،‬رغم أنها‬ ‫مفهوما‬ ‫ً‬ ‫بتاتا‪ .‬وتزداد‬ ‫ليست كذلك‬ ‫صورتها ضبابية بفعل‬ ‫اختالف طبيعة المهمات‬ ‫الملقاة على عاتق هذه‬ ‫الغرفة أو تلك‪.‬‬ ‫فحضور «غرف العمليات»‬ ‫يمتد من قيادة الجيوش في‬ ‫الحروب إلى إدارة األلعاب‬ ‫األولمبية‪ ،‬وما بينهما غرف‬ ‫العمليات الدائمة كما هو‬ ‫الحال في المستشفيات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫والمؤقتة منها التي تتشكل‬ ‫لمعالجة ذيول الكوارث‬ ‫الطارئة‪ ،‬أو إلدارة بعض‬ ‫المناسبات الكبرى وغير ذلك‬ ‫مما يصعب تعداده‪.‬‬ ‫في هذا الملف‪ ،‬يحاول‬ ‫فيديل سبيتي إلقاء الضوء‬ ‫على ماهية غرفة العمليات‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من‬ ‫في العمق‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫محددة كتلك التي‬ ‫أمثلة‬ ‫نراها في بعض الحاالت‬ ‫أشبه بمؤسسة فرعية‬ ‫صغيرة ضمن المؤسسة‬ ‫الكبيرة الحاضنة لها‪ ،‬وأيضاً‬ ‫تلك التي تطل علينا لتلعب‬ ‫ً‬ ‫دورا بالغ األهمية في ظرف‬ ‫معيَّ ن ثم تختفي‪.‬‬


‫‪91 | 90‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫لو كان ممكناً اختصار ماهية «غرفة العمليات»‪،‬‬ ‫نسق فيه جهود متعددة‬ ‫لقلنا إنها المكان الذي تُ ّ‬ ‫لتحقيق غاية مرجوة واحدة ومتعددة الجوانب‪ .‬وإن‬ ‫ال ثك� شيوعاً ف� أ‬ ‫كانت صورها أ‬ ‫الذهان تربطها إما‬ ‫ي‬ ‫بالعمال الحربية بفعل ثك�ة ما شاهدناها ف� أ‬ ‫بالمستشفيات أو أ‬ ‫الفالم‬ ‫ي‬ ‫السينمائية‪ ،‬لكن غرف العمليات هي ف� الواقع ث‬ ‫بكث�‪ .‬إنها‬ ‫أك� من ذلك ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫نمط حديث من إدارة العمل والجهد ي� مواجهة ظرف خاص يت َّطلب‬ ‫تعاوناً وتنسيقاً من عدة جهات‪ ،‬سواء أكان هذا الظرف الخاص احتفاال ً‬ ‫كب�اً أم كارثة طبيعية أم يغ� ذلك‪ .‬وإذا كان من الممكن إدارة معركة‬ ‫ي‬ ‫س� مناسبة احتفالية‬ ‫حربية من خالل غرفة عمليات واحدة‪ ،‬فإن ُحسن ي‬ ‫اللعاب أ‬ ‫ذات جماه�ية كب�ة مثل أ‬ ‫الولمبية‪ ،‬يتط َّلب إنشاء عدة غرف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫�ش‬ ‫عمليات ربما وصل عددها إىل الع ات‪.‬‬ ‫ظهرت غرف العمليات بمفهومها الحديث بفعل ما شهده القرن‬ ‫ت‬ ‫المؤسسا�‪ ،‬واستقاللية‬ ‫الع�ش ون من تطور عىل صعيد العمل‬ ‫ي‬ ‫التخصصات المختلفة‪ ،‬وتطور وسائل االتصال‪ ،‬وأيضاً تنامي الوعي‬ ‫ت‬ ‫المش�ك والتعاون‪ .‬لقد استشعرت المجتمعات الحديثة‬ ‫ألهمية العمل‬ ‫الحاجة إىل التنسيق ي ن‬ ‫ب� مختلف المجموعات والتنظيمات والمؤسسات‬ ‫ومقسم عىل كل مؤسسة‪ٌ ،‬كل وفق مهماتها‬ ‫لتأدية دور واحد َّ‬ ‫محدد َّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الك�ى والكوارث‬ ‫وقدراتها‪ ،‬وخاصة ي� حاالت الطوارئ والحداث ب‬

‫االتصاالت‪ ..‬العامود الفقري لغرفة العمليات‬

‫أ‬ ‫والزمات والحروب‪ .‬وهذا التنسيق المستجد أوجد ما يسمى بـ «غرفة‬ ‫العمليات»‪.‬‬

‫صورتها النمطية ونشأتها‬

‫أ‬ ‫كب�ة ُم َّدت عليها‬ ‫يقف القائد العىل للقوات المسلحة أمام طاولة ي‬ ‫خريطة العالم‪ ،‬ويتح ّلق حوله ن‬ ‫ج�االت ومخططون ومح ِّللون‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫يش� عىل‬ ‫اس�اتيجيون‪ ،‬يف�وح ي‬ ‫الخريطة إىل خطته العسكرية ي‬ ‫ف‬ ‫يريد منهم تنفيذها يك تنترص بالده ي� الحرب‪ .‬هذه صورة طالما‬ ‫ف‬ ‫عسكري�ن‬ ‫مصورة وثائقية أو ف ي� أدوار تمثيلية لقادة‬ ‫ي‬ ‫رأيناها ي� لقطات ّ‬ ‫كث�ة‬ ‫يديرون الحروب من مكان ما‪ ،‬ف ي� غرفة تحتوي عىل‬ ‫معدات ي‬ ‫ٍ‬ ‫وخرائط وأشخاص يتحركون ذهاباً وإياباً كما لو أنهم خلية نحل‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يسمى «غرفة‬ ‫هذا التصوير لمخططي الحروب ي� تلك الغرفة هو ما َّ‬ ‫ت‬ ‫ال� يخوضونها‬ ‫العمليات‬ ‫العسكرية»‪ ،‬حيث يضع القادة خطط الحرب ي‬ ‫أ‬ ‫بعد موافقة القائد العىل الذي قد يكون رئيس الدولة‪ ،‬ومنها‬ ‫تهبط القرارات أ‬ ‫ين‬ ‫الميداني� الذين عليهم تلقينها‬ ‫والوامر إىل القادة‬ ‫لمرؤوسيهم ليعملوا عىل تنفيذها ِبحرفية تامة‪.‬‬ ‫كانت هذه الصورة هي التمثيل أ‬ ‫ال ثك� شيوعاً لـ «غرفة العمليات»‪،‬‬ ‫ف‬ ‫و� هذا الصدد‪ ،‬ير ُّد المؤرخون‬ ‫وتحديداً فيما يخص الحروب‪ .‬ي‬ ‫ين‬ ‫الحرب�‬ ‫العسكريون نشوء غرف العمليات العسكرية الحديثة إىل‬ ‫ين‬ ‫العالميت� ف ي� القرن الع�ش ين‪ ،‬عندما صارت الحروب الحديثة تتشكَّل‬ ‫م�امنة‪ ،‬ت‬ ‫من عدة معارك ت ز‬ ‫وتش�ك فيها أسلحة مختلفة متباعدة عن‬ ‫أ‬ ‫بعضها جغرافياً‪ .‬ومن هذا النموذج العسكري استوحت الحياة المدنية‬ ‫مفهوم غرفة العمليات بعدما تلمست جدوى العمل به ف ي� ظروف‬ ‫عديدة أخرى‪ .‬كما تطور «مفهوم العمليات» الذي هو ن ز‬ ‫بم�لة الروح‬ ‫ت‬ ‫ال� يجب عىل أصحاب‬ ‫من جسد غرفة العمليات‪ ،‬أو خريطة الطريق ي‬


‫باكورة «غرف العمليات» العسكرية ف ي�‬ ‫الحرب العالمية الثانية‬

‫الشأن أثناء العملية اتباعها للوصول إىل مبتغاهم‪ .‬ومفهوم العمليات‬ ‫(‪ )concept of operations‬أو اختصاراً (‪ ،)CONOPS‬هو وثيقة تصف‬ ‫خصائص خطط إدارة العمليات ت‬ ‫المق�حة من وجهة نظر واضعي‬ ‫هذه الخطط الذين سيعملون عىل تنفيذها داخل غرفة العمليات‪.‬‬ ‫ويُنقل «مفهوم العملية» أو العمليات‪ ،‬إىل جميع أصحاب الشأن‬ ‫ين‬ ‫المكلف� بتنفيذ العملية‪ .‬وبات يستخدم عىل نطاق واسع ف ي� الخدمات‬ ‫العسكرية والحكومية والمدنية‪ ،‬إذ يحدد كيفية توظيف مجموعة من‬ ‫محددة ف ي� وقت‬ ‫القدرات لتحقيق غايات معينة أو للوصول إىل حالة َّ‬ ‫ي َّ ن‬ ‫مع�‪.‬‬ ‫يع�«مفهوم‬ ‫ففي مجال فالعمليات العسكرية المتعددة الجوانب‪ ،‬ب ِّ‬ ‫العمليات» � مصطلحات «وزارة الدفاع» عما ت ز‬ ‫يع�م قائد القوات‬ ‫ي‬


‫‪93 | 92‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫مكونات غرفة العمليات‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫العضاء‬

‫طالما كان مبرر وجود غرفة العمليات هو تنسيق جهود أطراف‬ ‫مختلفة في إطار تنفيذ المهمة الرئيسة الواحدة‪ ،‬فهذا يستلزم حضور‬ ‫ممثل واحد على أ‬ ‫القل عن كل قطاع من القطاعات التي تنفذ هذه‬ ‫المهمة ميدانياً‪ .‬ويشكِّل هؤالء مجتمعون «أعضاء غرفة العمليات»‪.‬‬

‫مدير العمليات‬

‫هو القائد المسؤول عن إدارة الجهود وتوجيهها وعما يتخذ في الغرفة‬ ‫ينسق ما بين االقتراحات‪ ،‬وموافقته عليها شرط لتصبح‬ ‫من قرارات‪ّ .‬‬ ‫قرارات‪ .‬صفاته الرئيسة هي الدراية جيداً بما هو مستهدف من المهمة‬ ‫ومستلزماتها‪ ،‬وثقة كبار المسؤولين عن المهمة خارج الغرفة بكفاءته‪.‬‬

‫االتصاالت‬

‫رسمان يؤكدان أن غرف العمليات بمفهومها الحديث لم تكن معروفة ف ي� القرن‬ ‫التاسع ش‬ ‫ع�‬

‫ت‬ ‫ت‬ ‫المش�كة‪ ،‬وكيف يمكن‬ ‫المش�كة إنجازه مع مساعديه ف ي� غرفة العمليات‬ ‫يحدد «مفهوم‬ ‫إنجاز ذلك باستخدام الموارد المتاحة‪ .‬وينبغي أن ِّ‬ ‫ين‬ ‫المشارك� ف ي� جميع مراحل العملية‪.‬‬ ‫العمليات» أدوار أصحاب الشأن‬ ‫كب�اً‪ ،‬وظهرت‬ ‫تطورت غرفة العمليات منذ انتهاء الحرب الباردة تطوراً ي‬ ‫غرف عمليات لمواجهة أ‬ ‫الزمات والكوارث وحاالت الطوارئ عىل‬ ‫وتبدل شكلها ومحتوياتها مع تطور شبكة االتصاالت والتقنيات‬ ‫أنواعها‪ّ ،‬‬ ‫ال ت‬ ‫ن‬ ‫ممثل� عن‬ ‫إ‬ ‫لك�ونية وشاشات العرض‪ .‬وصارت غرف العمليات تضم ي‬ ‫مختلف المؤسسات والمنظمات الحكومية والمدنية‪ ،‬ت‬ ‫ال� يكون لكلٍّ‬ ‫ي‬ ‫منها دور تقوم به ف ي� الغرفة‪ ،‬وذلك بعد التنسيق بينها الذي ي�ش ف‬ ‫عليه مدير غرفة العمليات‪.‬‬ ‫ففي المشاهد الجديدة لغرف العمليات يجلس عدد من أ‬ ‫الشخاص‬ ‫المستنفرين حول طاولة مستديرة ويناقشون السبل الكفيلة بتقليل‬ ‫ت‬ ‫ال� وقعت ف ي� وقت قريب‪ .‬والكارثة هي إما‬ ‫حجم الكارثة المقبلة‪ ،‬أو ي‬ ‫العصار أو‬ ‫بالمكان التنبؤ بها‪ ،‬مثل الزلزال أو إ‬ ‫طبيعية‪ ،‬أي لم يكن إ‬ ‫�ش‬ ‫فيقدم‬ ‫الفيضان‪ ،‬أو من صنع الب ‪ ،‬أو هي خليط من هذا وذاك‪ِّ .‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تسهم ف ي� مواجهة الكارثة‪،‬‬ ‫كل شخص من الموجودين وجهة نظره ي‬ ‫والتخفيف من أ�ض ارها‪ ،‬عارضاً لما يمكن للمؤسسة أو المنظمة أو‬ ‫ت‬ ‫تقدمه ف ي� هذه الحالة االستثنائية‪ ،‬ودائماً ما‬ ‫ال� يمثلها أن ُّ‬ ‫الجماعة ي‬ ‫يكون هناك شخص يبدو قائداً للجماعة‪ ،‬وربما يكون رئيس البالد‪ ،‬أو‬

‫حيث إن العمليات غالباً ما تكون خارج الغرفة (إذا استثنينا غرف‬ ‫العمليات الجراحية في المستشفيات)‪ ،‬فهذا يعني ضرورة وجود‬ ‫وسائل اتصال لنقل القرارات والتوجيهات إلى العاملين ميدانياً‪.‬‬ ‫والواقع‪ ،‬أنه من دون وسائل اتصال تفقد غرف العمليات مبرر‬ ‫وجودها‪ .‬يمكن في بعض الحاالت القليلة االكتفاء بوسائل بطيئة‬ ‫نسبياً‪ ،‬مثل نشر التعميمات الحقاً‪ ،‬ولكن في حاالت العمليات‬ ‫الحربية‪ ،‬أو الكوارث الطبيعية‪ ،‬فإن كل جدوى غرفة العمليات تصبح‬ ‫مرتبطة بتوفر وسائل االتصاالت الفورية‪.‬‬ ‫قائداً لغرفة عمليات الطوارئ‪ ،‬يستمع إىل الجميع‪ ،‬ثم ف ي� النهاية يبدي‬ ‫تقدم به كل من الموجودين‬ ‫رأيه ويقرر ما يجب القيام به بنا ًء عىل ما َّ‬ ‫بحسب اختصاصه ومسؤوليته‪.‬‬ ‫ال�ش اف‬ ‫ثم هناك «غرف التحكّم»‪ ،‬وهي نوع من غرف العمليات يتوىل إ‬ ‫عىل حسن س� أ‬ ‫المور بنا ًء عىل تصور أو مخطط عمل مسبق‪ .‬وهذه‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫الغرف باتت موجودة ي� كل مكان‪ ،‬ي� السوبرماركت ومحطة القطارات‬ ‫وغرف االتصال بخدمات الطوارىء حيث يطلب المواطنون مساعدة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫مستعجلة‪ ،‬أو غرفة التحكم يأ� وكالة الفضاء المريكية «ناسا» ي‬ ‫س� عملها‪ ،‬إىل‬ ‫وحسن ي‬ ‫تراقب المركبات الفضائية والقمار الصناعية ُ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تعمل‬ ‫غرفة التحكم ف ي� االستديو أو ف ي�‬ ‫المصنع أو ي� المطارات ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫وغ�ها من غرف‬ ‫تط� ي� الوقت عينه‪ ،‬ي‬ ‫ال� ي‬ ‫عىل منع تصادم الطائرات ي‬ ‫ن‬ ‫التحكم ي ت‬ ‫الكب�ة‬ ‫ال� باتت تحتاجها‬ ‫المبا� الضخمة والمؤسسات ي‬ ‫ي‬ ‫الكث�ة ي‬ ‫ت‬ ‫كب� من الناس‪.‬‬ ‫تقدم الخدمات إىل عدد ي‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ي‬

‫تطورت «غرفة العمليات»؟‬ ‫كيف ّ‬

‫ال� تمثل مجموعة من أ‬ ‫الشخاص ف ي� قمة استنفارهم‬ ‫كل هذه الصور ت ي ّ‬ ‫لمواجهة حالة طارئة أو إلدارة حرب أو لمواجهة كارثة أو أزمة‪ ،‬أو‬


‫يمكن لمقرات القيادة أن‬ ‫تصبح غرف عمليات ف ي�‬ ‫ظروف استثنائية‪ ،‬تتطلب‬ ‫ش‬ ‫المبا� من ِقبل‬ ‫ال ش�اف‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫كبار القادة أو ح� رئيس‬ ‫الدولة نفسه‬

‫لمراقبة عملية تقنية ما‪ ،‬أو لمحاولة منع وقوع كارثة‪ ،‬هي تمثيل عىل‬ ‫ال� قد تسمى غرفة العمليات العسكرية‪ ،‬أو أ‬ ‫ت‬ ‫المنية‪،‬‬ ‫غرفة العمليات ي‬ ‫أو الجراحية أو غرفة عمليات الطوارئ‪ ،‬أو غرف التحكّم‪ .‬وهذه الغرف‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫ن‬ ‫التق� المتسارع‪.‬‬ ‫باتت ورية ي� العرص الحديث مع التطور ي‬ ‫ض‬ ‫�ش‬ ‫الغ� تجري‬ ‫ا� ي‬ ‫فقبل القرن الع ين‪ ،‬كانت الفتوحات واحتالل أر ي‬ ‫إم�اطوريات واختفت أخرى‪ ،‬وتشكّلت‬ ‫عىل قدم وساق‪ ،‬فظهرت ب‬ ‫الداري‬ ‫دول واختفت أخرى بسبب هذه الفتوحات‪ ،‬فبات التنظيم إ‬ ‫الالمركزي مع اتساع أ‬ ‫محلي�ن‬ ‫الر ضا� لدولة ما‪ ،‬يفرض ي ن‬ ‫تعي� حكّام‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ ض‬ ‫ث‬ ‫ا� الخاضعة‬ ‫عىل المناطق‬ ‫الجديدة‪ ،‬ومع ّ‬ ‫توسع حجم ال�وات والر ي‬ ‫ف‬ ‫ال بم�اطور أو رئيس الدولة أو الملك أو‬ ‫لحكم مركزي متمثل ي� إ‬ ‫الديكتاتور‪ ،‬كان ال بد من وجود مستشارين لهؤالء الحكَّام‪ ،‬ومستشارين‬ ‫للحاكم أ‬ ‫العىل أيضاً‪ .‬وهؤالء المستشارون يدلون بدلوهم ف ي� كافة‬ ‫ت‬ ‫ال� تحيط الكيانات السياسية الجديدة‪ ،‬ويساعدون الحاكم‬ ‫الشؤون ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫المطلق عىل اتخاذ قراراته ي� مختلف القضايا‪ ،‬والمر نفسه ينطبق‬ ‫عىل الحكَّام ف� أ‬ ‫المصار البعيدة‪ .‬فظهرت غرف العمليات دون أن‬ ‫ي‬ ‫فالحاكم‬ ‫االسم‪.‬‬ ‫تحمل هذا‬ ‫المحل يحتاج إىل استشارة مستشاريه من‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫العارف� بأحوال البالد الجديدة‪ ،‬والحاكم العىل يحتاج إىل استشارة‬ ‫أ‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫قسمها بينهم‪ ،‬وعىل الرغم من أن‬ ‫ال� ّ‬ ‫ا� ي‬ ‫والته ممن يحكمون الر ي‬ ‫ئ‬ ‫النها� يعود إليه وال يقارعه فيه أحد‪ ،‬إال أنه بصفته الحاكم‬ ‫القرار‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫النها� بدا وكأنه مدير غرفة العمليات أو رئيسها‪ ،‬وصار‬ ‫صاحب القرار ف ي‬ ‫يقدمون‬ ‫الوالة أعضاء ي� هذه الغرفة‪ ،‬والمستشارون مساعدون ِّ‬ ‫الميداني�‪ ،‬ف� العسكر أو �ف‬ ‫ن‬ ‫النصائح‪ ،‬ويقوم الوالة بربط القادة‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫الدارة بالحاكم أ‬ ‫العىل أو بالسلطات المركزية‪ ،‬وبات هؤالء صلة‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الوصل يب� رئيسهم ومرؤوسيهم‪ ،‬ينقلون القرارات ذات الهمية من‬

‫بحذاف�ها دون ت‬ ‫ين‬ ‫اع�اض‪.‬‬ ‫المرؤوس� يك يعملوا عىل تنفيذها‬ ‫الرئيس إىل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ول لغرفة العمليات‪.‬‬ ‫وكانت هذه العالقات الشكل ال ي‬ ‫فلنأخذ مثاال ً قرارات الحرب والسلم لدى الرومان‪ .‬ف ي� حال وقوع‬ ‫الوال أن ينفِّذ قرار‬ ‫هجوم مباغت عىل إ‬ ‫ال بم�اطورية كان عىل ي‬ ‫ت‬ ‫الوال أيضاً أن‬ ‫إ‬ ‫ال بم�اطور باالستسالم أو بالقتال ح� النهاية‪ .‬وعىل ي‬ ‫ينقل هذا القرار إىل قادة الجيش الذين عليهم تنفيذه دون تردد‪،‬‬ ‫وال بم�اطور نفسه‪ ،‬كان يتخذ قراره بناء عىل نصيحة مستشاريه‪ ،‬الذين‬ ‫إ‬ ‫ينصحونه بفائدة خوض الحرب‪ ،‬أو بفوائد عقد السلم ولو مؤقتاً‪ .‬هذه‬ ‫ت‬ ‫ال�اتبية كانت أشبه بغرفة عمليات فعلية‪ ،‬كتلك المنت�ش ة ف ي� بلدان‬ ‫ف‬ ‫المتقدم ي� العرص الحديث‪.‬‬ ‫العالم‬ ‫ِّ‬ ‫وما ينطبق عىل غرف عمليات إدارة الحروب‪ ،‬ينطبق أيضاً عىل الغرف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫بالمكان التنبؤ بها كالزالزل‬ ‫ال� لم يكن إ‬ ‫ال� تتعامل مع كوارث الطبيعة ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وال� ي ن‬ ‫كب�ة من القتىل‪،‬‬ ‫اك�‪ ،‬وكانت تلك الكوارث توقع أعداداً ي‬ ‫عاص� ب‬ ‫وال ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تطالها‪ ،‬والعمل الوحيد‬ ‫وتسبب خسائر ي‬ ‫كب�ة القتصاد البالد ي‬ ‫الذي كان يمكن تأديته خاللها هو انتظار انتهائها ومن ثم إحصاء‬ ‫الخسائر‪ ،‬لذا كان الحاكم أ‬ ‫العىل تي�ك لمؤسسات الحكم المحلية أن‬ ‫تقوم بما يمكنها ف ي� مواجهة الكارثة‪ ،‬وهو قليل‪ ،‬وهذا ما أسهم ف ي�‬ ‫إيجاد مؤسسات متخصصة لدراسة أ‬ ‫الوضاع ما بعد الكارثة أو إلحصاء‬ ‫ين‬ ‫للناج�‪ ،‬وكانت هذه المؤسسات ترفع‬ ‫الخسائر‪ ،‬أو تقديم المساعدة‬ ‫ت‬ ‫ال� تعلوها وتلك بدورها ترفعها إىل مؤسسة‬ ‫تقاريرها إىل ُّ‬ ‫السلطة ي‬ ‫ئ‬ ‫البدا� لغرفة العمليات يغ� المنظمة‬ ‫الحكم المركزية‪ .‬وهذا الشكل‬ ‫ي‬ ‫انطلقت منها مؤسسات تتخصص �ف‬ ‫بم�لة البذرة ال�ت‬ ‫والمرتبكة‪ ،‬كان ن ز‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المد�‪ ،‬ومن ثم الصليب‬ ‫أمور محددة خالل الكوارث‪ ،‬فظهر الدفاع‬ ‫ي‬


‫‪95 | 94‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫أ‬ ‫الغاثة ووزارات الصحة‬ ‫الحمر‪ ،‬أو إ‬ ‫الط� ومنظمات إ‬ ‫السعاف ب ي‬ ‫أ‬ ‫وغ�ها‪ .‬فكانت بدورها بذرة ستنمو ت ز‬ ‫ل�هر منها غرفة‬ ‫والشغال والبيئة ي‬ ‫ت‬ ‫كرست وجودها منذ منتصف القرن الع�ش ين‪.‬‬ ‫ال� َّ‬ ‫العمليات ي‬

‫غرفة عمليات الطوارئ‬

‫هي غرفة عمليات القيادة المركزية ومنشأة التحكّم المسؤولة عن‬ ‫تنفيذ مبادئ التأهب أ‬ ‫للزمة وإدارة الطوارئ أو الكوارث عىل المستوى‬ ‫ت‬ ‫االس�اتيجي‪ .‬فعند وقوع الكارثة تصبح غرفة عمليات الطوارئ المركز‬ ‫المسؤول عن «الصورة الكب�ة» للكارثة‪ ،‬وال يتم التحكم منها مبا�ش ة �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫التطورات الميدانية‪ ،‬بل تتخذ فيها القرارات التنفيذية وت�ك القرارات‬ ‫للعامل� عىل أ‬ ‫ين‬ ‫الرض‪ .‬ويقوم المشاركون ف ي� تشكيل‬ ‫التكتيكية الميدانية‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تحمي الرواح‬ ‫الغرفة بجمع وتحليل البيانات‪ ،‬واتخاذ القرارات ي‬ ‫ين‬ ‫القوان� المعمول بها‪ ،‬وتبليغ تلك القرارات‬ ‫والممتلكات‪ ،‬ضمن نطاق‬ ‫إىل جميع الوكاالت أ‬ ‫ن‬ ‫المعني�‪ .‬ويرأس غرفة العمليات شخص‬ ‫والفراد‬ ‫ي‬ ‫يسمى «مدير الطوارئ»‪.‬‬ ‫كانت غرف عمليات الطوارئ أو مواجهة أ‬ ‫الزمات والكوارث جزءاً من‬ ‫ن ف‬ ‫تتحول إىل مؤسسة أوسع‬ ‫الدفاع‬ ‫المد� ي� الواليات المتحدة‪ ،‬قبل أن ّ‬ ‫ي‬ ‫وتبدل أنواع الكوارث‪ ،‬فبات الدفاع‬ ‫مع تطور المجتمعات واتساعها ّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� تلعب دوراً‬ ‫المد� ممثال ً‬ ‫ي‬ ‫فيها مع يغ�ه أمن المؤسسات والمنظمات ي‬ ‫معيناً ومحدداً ف ي� مواجهة الزمة‪ ،‬أياً كان نوعها‪.‬‬

‫أدوار غرفة العمليات‬

‫ت‬ ‫�ش‬ ‫ال� تفرض عىل أعضاء‬ ‫خالل العقود القليلة الماضية‪ ،‬تطورت ال وط ي‬ ‫مدر ي ن‬ ‫ب� تدريباً مالئماً‪ ،‬ويملكون سلطة‬ ‫غرفة العمليات أن يكونوا َّ‬ ‫التفك� «خارج الصندوق»‪ ،‬وخلق‬ ‫مدربون عىل‬ ‫ي‬ ‫اتخاذ القرارات‪ .‬فهم َّ‬ ‫سيناريوهات مختلفة تساعدهم ف� مواجهة أية أحداث طارئة‪ .‬هذا �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫�ش‬ ‫التق� فباتت غرفة عمليات الطوارئ‬ ‫الجانب الب ي‪ ،‬أما ي� الجانب ي‬ ‫تتمتع بشبكة اتصال متطورة ومفهومة وواضحة‪ ،‬يعرفها جميع‬ ‫ين‬ ‫العامل� داخل غرفة العمليات أو ف ي� الميدان‪ ،‬ووسيلة االتصال‬ ‫قد تكون جملة بسيطة‪ ،‬أي عبارة عن محادثة مبا�ش ة‪ ،‬أو‬ ‫شبكات اتصاالت متطورة ومشفرة‪.‬‬ ‫ف� أ‬ ‫الزمنة الحديثة باتت الغرف ت‬ ‫المش�كة لمواجهة‬ ‫ي‬ ‫الكوارث تُشكّل قبل وقوع الكوارث‪ ،‬وتجتمع بشكل‬ ‫دائم استعداداً للمواجهة وتنسيق الجهود ي ن‬ ‫ب� كافة‬ ‫الجهات ذات العالقة‪ .‬ومن أولويات غرفة العمليات‬ ‫منع االزدواجية ف� تنفيذ المهمات ع� تحديد أ‬ ‫الدوار‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫والمسؤوليات المطلوب تنفيذها من كل جهة‬ ‫من الجهات المشاركة‪ ،‬منعاً لتضارب المهمات‬ ‫ت‬ ‫ال� قد‬ ‫وتراكم المعلومات المقبلة من الميدان ي‬ ‫ويحدد أعضاء غرفة‬ ‫تؤدي إىل االرتباك والبلبلة‪ِّ .‬‬ ‫والنقاذ‪،‬‬ ‫العمليات االحتياجات الحقيقية إ‬ ‫للغاثة إ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� نجمت‬ ‫بع� ي‬ ‫توف� البيانات العامة عن الخطار ي‬

‫عن الكارثة أ‬ ‫والخطار المحتمل حدوثها‪ .‬ولمدير الطوارئ أو الم�ش ف عىل‬ ‫كب�اً ويفوق‬ ‫غرفة العمليات ّ‬ ‫حق طلب المساندة إذا كان حجم الكارثة ي‬ ‫قدرة المؤسسات الحكومية عىل المجابهة‪ .‬وتقوم غرفة العمليات أثناء‬ ‫المعرضة للخطر‪ .‬وإبالغ الجهات‬ ‫بالنذار الفوري للمناطق‬ ‫وقوع الكارثة إ‬ ‫َّ‬ ‫ذات العالقة للتعامل مع الحدث حسب االختصاص‪ .‬وحرص إالمكانات‬ ‫ين‬ ‫المسؤول� عن‬ ‫المتوافرة‪ ،‬المادية والب�ش ية وتحديد حجمها‪ ،‬واستدعاء‬ ‫ت‬ ‫ال� سبق وضعها بمرونة تتالءم‬ ‫إدارة الموقف‪ ،‬وتنفيذ خطط الكوارث ي‬ ‫مع المستجدات‪ ،‬وإنشاء قيادة لمركز الحوادث يكون ن ز‬ ‫بم�لة غرفة عمليات‬ ‫مصغّ رة لتكون حلقة وصل ي ن‬ ‫ب� الميدان وغرفة عمليات الطوارئ‪.‬‬ ‫العالم‪،‬‬ ‫ومن �ش وط غرفة العمليات الناجحة التعامل بحذر مع وسائل إ‬ ‫للدالء بكافة الترصيحات عن الكارثة‪ ،‬يكون‬ ‫وتكليف متحدث رسمي إ‬ ‫مدرباً عىل كيفية التعامل مع الرأي العام‪ ،‬ورفع حالة الهلع عنه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أساس ذو رتبة عالية‬ ‫ويرأس غرفة عمليات الطوارئ مسؤول من قطاع‬ ‫ي‬ ‫يملك سلطة اتخاذ القرار دون أن يضطر إىل الرجوع لرؤسائه خصوصاً‬


‫ف‬ ‫ت‬ ‫التأخ�‪.‬‬ ‫ال� تتطلب قرارات رسيعة وآنية‪ ،‬وال تحتمل‬ ‫ي‬ ‫ي� الحاالت ي‬ ‫ويقوم هذا المسؤول بتوزيع المسؤوليات والصالحيات عىل جميع‬ ‫ين‬ ‫المشارك� ف ي� مواجهة الكارثة‪ ،‬ويكون صلة وصل غرفة العمليات مع‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫العامل� ي� الميدان‪ ،‬وكذلك مع رؤسائه ي� المؤسسات الحكومية‪.‬‬

‫القائد الميداني وعالقته بغرفة العمليات‬

‫ت‬ ‫ال� تواجه‬ ‫الدارة الميدانية للكوارث من أهم وأصعب‬ ‫إن إ‬ ‫الوظائف ف ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫غرفة العمليات‪ ،‬لن القائد ي� الميدان يتعامل مع الزمة ي� ظل‬ ‫ف‬ ‫المكانات‬ ‫الكب� ي� المعلومات‪ ،‬وعدم القدرة عىل تحديد إ‬ ‫النقص ي‬ ‫ت‬ ‫الب�ش ية والمادية الالزمة لمواجهتها‪ ،‬ويف�ض فيه التنبؤ بما ستؤول‬ ‫إليه هذه أ‬ ‫الحداث‪ .‬إضافة إىل عوامل ضيق الوقت المتاح والتوتر‬ ‫ت‬ ‫ال� غالباً ما تصاحب حاالت الكوارث‪ .‬وعليه أن يكون‬ ‫واالرتباك‪ ،‬ي‬ ‫صلة الوصل ي ن‬ ‫ب� غرفة العمليات‪ ،‬ومرؤوسيه الذين يقومون بتنفيذ‬ ‫أ‬ ‫ما يتم إقراره ف ي� غرفة العمليات‪ ،‬عىل وجه الرسعة وبأقل الخطاء‬ ‫الممكنة‪ .‬وإدارة الكوارث تستوجب مشاركة عديد من الجهات أ‬ ‫والجهزة‬

‫الحكومية‪ ،‬أ‬ ‫ن‬ ‫الميدا� جسيمة‪،‬‬ ‫المر الذي يجعل مسؤولية القائد‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫بأك� قدر‬ ‫وتت َّطلب منه االستخدام المثل للقدرات إ‬ ‫والمكانات المتاحة ب‬ ‫المتغ�ات‪ ،‬إضافةً إىل التنسيق ي ن‬ ‫ب� جهود‬ ‫والتكيف مع‬ ‫من المرونة‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الجهات المشاركة ي� مواجهة الكارثة‪ ،‬وتوزيع المهمات والدوار بينهم‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� قد‬ ‫والتفاوض مع الطراف المعنية‪ ،‬وإيجاد الحلول للعقبات ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫الميدا� باستدعاء الجهات المختصة‬ ‫تع�ض التنفيذ‪ .‬ويقوم القائد‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫حسبما يتطلبه الموقف والتنسيق ي ن‬ ‫العامل�‪ ،‬ويعمل عىل‬ ‫ب� جهود‬ ‫ين‬ ‫ُحسن توزيع المهمات ي ن‬ ‫وبالتال فإنه‬ ‫العامل� والجهات المشاركة‪،‬‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫يضطلع بدور محوري عند إدارته الميدانية للكوارث‪.‬‬

‫غرفة العمليات ضرورة ال بد منها‬

‫تؤكد أ‬ ‫ت‬ ‫ال� نقرأ ونسمع عنها‬ ‫والمتغ�ات‬ ‫الحداث المتالحقة‬ ‫ي‬ ‫المفاجئة ي‬ ‫ف‬ ‫العالم المختلفة أننا نعيش ف ي� عالم يسوده عديد من‬ ‫ي� وسائل إ‬ ‫الكوارث سوا ًء كانت طبيعية أو يغ� طبيعية مثل الفقر‪ ،‬والمجاعات‪،‬‬ ‫والمراض أ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫المبا�‪،‬‬ ‫والوبئة‪ ،‬والحروب‪ ،‬والقتل‪ ،‬والحرائق‪ ،‬وانهيار‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وال� ي ن‬ ‫عاص�‪ ،‬والفيضانات والسيول‪ .... ،‬إلخ‪ .‬كما‬ ‫اك�‪ ،‬والزالزل‪ ،‬وال ي‬ ‫ب‬ ‫الحصاءات إىل أن هناك ‪ 1.2‬بليون نسمة يعيشون دون مياه‬ ‫تش� إ‬ ‫ي‬ ‫نظيفة‪ ،‬و ‪ 35000‬طفل يموتون من الجوع يومياً‪ ،‬و ‪ 2.4‬بليون نسمة‬ ‫مهددون بمرض المالريا‪ ،‬و ‪ 1.2‬بليون نسمة م�ش دون (بال مأوى)‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫الدول فلن ينىس العالم الحداث العظيمة مثل‬ ‫وعىل الصعيد‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ه�وشيما بالقنبلة‬ ‫تش�نوبل ي� أوكرانيا‪ ،‬ودمار ي‬ ‫الترسب النووي لمفاعل ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫مالي� الضحايا عدا‬ ‫والحرب�‬ ‫النووية‪،‬‬ ‫العالميت� وما نتج عنهما من ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الثنية ي� راوندا حيث‬ ‫الخسائر الفادحة ي� الممتلكات‪ ،‬وح� الحرب إ‬ ‫ف‬ ‫كث�‪ ،‬مما ال‬ ‫وغ�ها ي‬ ‫سقط مليون قتيل ي� مئة يوم‪ .‬هذه الكوارث ي‬ ‫أ‬ ‫ال ف‬ ‫ف‬ ‫تغي�‬ ‫خ�ة ي� ي‬ ‫كب� ي� السنوات ي‬ ‫يتسع المجال لذكرها‪ ،‬أسهمت بشكل ي‬ ‫مفهوم مواجهة الكوارث عما كان عليه‪ ،‬وجعل من غرف العمليات‬ ‫حاجة واقعية �ض ورية‪ ،‬ال مهرب ألي دولة من تشكيلها‪.‬‬ ‫النسان‪ ،‬تشكِّل «غرفة‬ ‫أمام أي كارثة طبيعية أو من ُصنع إ‬ ‫العمليات» محور قيادة الجهود المبذولة لمعالجة ذيولها‬


‫‪97 | 96‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫نماذج من غرف العمليات‬

‫غرفة العمليات ف� أبسط مفاهيمها ث‬ ‫وأك�ها شيوعاً‬ ‫ي‬

‫غرفة العمليات الجراحية‬

‫ين‬ ‫ح� تذكر عبارة «غرفة العمليات» قد يتبادر إىل ذهن السامع‪ ،‬أول‬ ‫أ‬ ‫ما يتبادر‪ ،‬غرفة العمليات ف ي� المستشفى‪ ،‬فهي ال ثك� شهرة وتداوال ً‬ ‫من ي ن‬ ‫ب� غرف العمليات المختلفة‪ .‬وهي تختلف عن غرف العمليات‬ ‫أ‬ ‫العسكرية أو غرف مواجهة الكوارث والزمات بأن العمل يتم فيها‬ ‫مبا�ش ة‪ .‬أي إنها مكان اجتماع فريق العمل ومكان اتخاذ القرارات‬ ‫وميدان العمل ف ي� الوقت عينه‪ .‬ومدار عمل غرفة العمليات ف ي�‬ ‫المستشفى جسد فرد واحد‪ ،‬وكل إنسان يعرف عنها شيئاً ما‪ ،‬إما‬ ‫أ‬ ‫مر فيها أو ألنه يتوقع مروره فيها أو ألن قريباً له دخلها يوماً‬ ‫لنه ّ‬ ‫ما‪ .‬لذا فغرفة العمليات الجراحية ن ز‬ ‫بم�لة المكان الذي يعرفه كل‬ ‫أ‬ ‫فرد عىل أ‬ ‫الغلب‪ .‬وهي كقريناتها من غرف العمليات الخرى‪ ،‬تضم‬ ‫جراح‪ ،‬يتخذ القرارات النهائية‪ ،‬ويعطي لكل‬ ‫فريقاً فيرأسه طبيب َّ‬ ‫عضو ي� فريقه مهمة معينة يؤديها دون يغ�ه‪ .‬ولذا‪ ،‬ال بد من وصف‬ ‫غرفة العمليات الجراحية وتعداد أ‬ ‫الدوات المستخدمة فيها‪ ،‬و�ش ح‬ ‫مجريات أ‬ ‫المور ف ي� داخلها‪.‬‬ ‫أوالً‪ ،‬ال بد من أن تكون هذه الغرفة معقمة تعقيماً تاماً بمواد قادرة‬ ‫عىل قتل مختلف أشكال أ‬ ‫الحياء الدقيقة‪ .‬وهناك �ش وط ال بد منها‬

‫للدخول إليها‪ ،‬أهمها خلع االحذية وانتعال أحذية خاصة‪ .‬وكل ما‬ ‫يتع َّلق بغرفة العمليات يجب أن يكون محفوظاً ف ي� مكان خاص ف ي�‬ ‫المستشفى‪ ،‬كألبسة المريض وفريق أ‬ ‫ين‬ ‫والممرض� وعربات النقل‬ ‫الطباء‬ ‫أ‬ ‫والدوات المستعملة‪ .‬ويتألف جناح العمليات من صالة يتم الدخول‬ ‫إليها من غرفة تسبقها هي غرفة‬ ‫والنعاش‪.‬‬ ‫التحض� إ‬ ‫ي‬ ‫ويتألف فريق غرفة العمليات الجراحية من أطباء الجراحة ومساعدين‬ ‫يعملون ف ي� جناح العمليات‪ ،‬وعىل رأس هؤالء المساعدين طبيب‬ ‫ت‬ ‫يأ�‬ ‫التخدير أو البنج‪ .‬عىل رأس فريق غرفة العمليات الجراحية ي‬ ‫الطبيب الجراح المتخصص بنوع ي َّ ن‬ ‫مع� من أنواع الجراحة‪ .‬ثم يليه‬ ‫ّ‬ ‫ف� ت‬ ‫ال�اتبية الجراحون المساعدون وهؤالء بدورهم أطباء متخصصون‬ ‫ي‬ ‫ف� الجراحة‪ .‬بعدهم ت‬ ‫يأ� المساعدون الطبيون وهم ممرضون أو‬ ‫يممرضات يعملون عىل يتحض� أ‬ ‫الدوات الجراحية وترتيبها وفق نظام‬ ‫ي‬ ‫الجراح‬ ‫خاص‬ ‫يختلف بحسب نوع العملية‪ ،‬ويساعدون الطبيب ّ‬ ‫أ‬ ‫بمناولته الدوات وفق مراحل العملية أو بحسب طلبه‪ .‬أما رئيس جناح‬ ‫العمليات فهو غالباً ما يكون ممرضاً أو ممرضة‪ ،‬يعمل عىل تنظيم‬ ‫ال�نامج اليومي لجناح العمليات‪ ،‬والتنسيق مع أ‬ ‫الجنحة المختلفة �ف‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫المستشفى‪.‬‬


‫المتفق عليه عالمياً هو أن تكون هناك غرفة عمليات لكل ي ن‬ ‫ثالث� رسيراً‪.‬‬ ‫عىل أال يقل العدد عن ي ن‬ ‫غرفت� مهما صغر حجم المستشفى‪ .‬ويجب‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫أن تكون غرفة العلميات واسعة يك يسهل ترتيب الدوات والالت‬ ‫الجراحية أ‬ ‫والجهزة‪ ،‬ولتسهيل حركة أ‬ ‫الطباء والمساعدين داخلها من‬ ‫ش‬ ‫�ء معقم‪ .‬كما يجب أن تكون جدرانها مغطاة بالبالط‬ ‫دون لمس أي ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ح� السقف لتسهيل تنظيفها وتعقيمها‪ ،‬ومقوسة عند الركان والزوايا‬ ‫أ‬ ‫تفادياً لتجمع التربة والقاذورات‪ .‬ويجب أن تكون مضاءة بشكل جيد‪،‬‬ ‫وأثاثها مصنوع من المعدن أو الصاج أو الزجاج‪.‬‬

‫غرفة عمليات وكالة الفضاء أ‬ ‫المريكية «ناسا»‬

‫بالط�ان أو مركز العمليات‪ ،‬وهي منشأة‬ ‫تُعرف بمركز التحكم ي‬ ‫وغ� المأهولة إىل الفضاء‪ ،‬ابتدا ًء من نقطة‬ ‫تدير الرحالت المأهولة ي‬ ‫القالع ت‬ ‫المهمة‪ .‬يشغِّ ل مركز التحكم فريق‬ ‫ح� الهبوط أو انتهاء‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫كب� مؤ ّلف من مديرين ونواب وكالة «ناسا»‪ ،‬وهم الموظفون‬ ‫عمل ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫المسؤولون العىل مرتبة ي� وكاالت الفضاء المريكية‪ .‬ومدير الوكالة‬ ‫فيعد القيادي‬ ‫هو استشاري علوم الفضاء‪ .‬أما نائب مدير الوكالة ُ‬ ‫ن‬ ‫السياس‪،‬‬ ‫الثا� والمسؤول عن القيادة العامة والتخطيط والتوجيه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫بالتداب�‬ ‫وهو يم ّثل الوكالة‪ ،‬ويلتقي رؤساء الوكاالت الخرى‪ ،‬ويهتم‬ ‫ي‬ ‫الحكومية والمنظمات الداخلية والخارجية‪ ،‬وي�ش ف عىل العمل‬ ‫المال ومكتب‬ ‫اليومي داخل مكاتب الوكالة ومنها مكتب المدير ي‬ ‫المستشار العام‪.‬‬

‫يتكون‬ ‫اق� الرحلة‪ ،‬وهم مهندسون وباحثون‬ ‫كما ّ‬ ‫الفريق من مر ب ي‬ ‫ف‬ ‫متخصصون ي� علم الفضاء‪ .‬ويضم المركز وحدات التحكّم‪ّ ،‬‬ ‫وكل‬ ‫العمليات لفريق مراقبة‬ ‫وحدة تحكّم ف ي� غرفة المراقبة هي قاعدة‬ ‫ّ‬ ‫الرحلة‪ّ .‬‬ ‫محددة‪ ،‬كما يُطلق عليها إشارة اتصال‬ ‫مهمة ّ‬ ‫ولكل وحدة منها ّ‬ ‫اقب�ن‬ ‫مختصة عبارة عن اسم يستخدمه المراقبون عند التك ّلم مع المر ي‬ ‫ّ‬ ‫آ‬ ‫الهاتفية المختلفة‪.‬‬ ‫الخرين بع� شبكات االتصال‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫المقدمة‪ ،‬كما‬ ‫كب�تان ي� ّ‬ ‫داخل غرفة المح ّطة ترتفع شاشتا عرض ي‬ ‫كام�ات موصولة بشاشات تلفزيون يتم التحكّم بها عن‬ ‫عدة ي‬ ‫ترتفع ّ‬ ‫�ش‬ ‫الحداثيات‬ ‫لتوف� ّ‬ ‫البث المبا لكافّة النشاطات وعرض ّكل إ‬ ‫بُعد ي‬ ‫والتطورات المختلفة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫خاصة به‪..‬‬ ‫يعمل ّكل ّ‬ ‫موظف ضمن الفريق ي� وحدة تحكّم ّ‬ ‫ويخضع ّكل عامل ضمن فريق المراقبة إىل تدريب مك ّثف يشمل‬ ‫عادة تجارب واسعة وطويلة داخل مركز مراقبة البعثة‪ّ .‬‬ ‫فكل مراقب‬ ‫ومحدد‪ ،‬يتواصل باستمرار مع‬ ‫خب� ف ي� نطاق دقيق‬ ‫ّ‬ ‫هو عالم ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ويتحمل مدير مراقبة الرحلة‬ ‫الخلفية»‪.‬‬ ‫إضافي� ي� «الغرفة‬ ‫خ�اء‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫المهمة‪ ،‬وهو الشخص الذي‬ ‫المسؤولية الكاملة عن نجاح وسالمة‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫يقود فريق العمل ت‬ ‫ال� تصل إليه‬ ‫وي� ّصد النشاطات‬ ‫ّ‬ ‫المتنوعة كافّة ي‬ ‫عضو من‬ ‫تطور أو‬ ‫بواسطة تقارير حول ّكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫إحداثية يرسلها له ّكل ٍ‬ ‫أعضاء الفريق‪.‬‬


‫‪99 | 98‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫تم استكمال بناء وتشكيل غرفة السيطرة ف ي� العام ‪2011‬م وبلغت‬ ‫أمريك‪ .‬منذ ذلك الوقت اختصت‬ ‫تكاليفها ‪ 100‬مليار دوالر‬ ‫ي‬ ‫المحطة وعملها بالعلم فقط‪ .‬وتكتظ اليوم جدرانها وسقفها‬ ‫مخت�ات أمريكية وروسية وأوروبية ويابانية إلجراء‬ ‫وأرضيتها بأجهزة ب‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫والعامل� ي� غرفة العمليات عدد من‬ ‫اقب�‬ ‫ي‬ ‫التجارب‪ .‬ويشارك المر ي‬ ‫ت‬ ‫�ش‬ ‫ال اف عليها‬ ‫يتم إ‬ ‫ال� ّ‬ ‫العلماء تشمل ّ‬ ‫مهمتهم معظم العلوم ي‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫من غرفة السيطرة هذه الموجودة تحديدا ي� مدينة آالباما‪ ،‬وتتعلق‬ ‫تأث�ات الفضاء عىل الرواد أنفسهم‪ ،‬مثل اضمحالل‬ ‫بدراسة ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يعانون منها‪.‬‬ ‫النسجة (ضمور العضالت وهشاشة العظام) ي‬ ‫وهذه أبحاث مهمة جداً إذا ما أراد الب�ش أن تي�كوا كوكبهم ت‬ ‫لف�ة‬ ‫من الزمن‪.‬‬ ‫كما يدرس العلماء ف ي� غرفة عمليات المراقبة ف ي� «الناسا»‪ ،‬التحديات‬ ‫أ ض‬ ‫ر� ف ي� كبسولة معدنية معزولة‪،‬‬ ‫النفسية للعيش بعيداً عن عالمنا ال ي‬ ‫حيث يتناول رواد الفضاء طعاماً خاصاً أعيد إعداده‪ ،‬وي�ش بون بوال ً‬ ‫معالجاً ليعاد تناوله‪ ،‬وليس هناك رفقاء إال زمالء العمل‪.‬‬

‫غرفة مراقبة الحركة الجويّة‬

‫ف� أية لحظة من النهار أو الليل‪ ،‬هناك نحو ثالثة ي ن‬ ‫مالي� شخص عىل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫�ش‬ ‫ً‬ ‫م� الطائرات ي� الجو استنادا إىل مصادر كة «بوينغ»‪ .‬فما الذي‬ ‫يمنع آالف الطائرات هذه من التصادم؟ وكيف تحدث الحركة الجويّة‬ ‫وع� البالد؟‬ ‫من داخل إىل خارج المطار ب‬

‫الجوية قواعد‬ ‫طبق غرفة عمليات الحركة ّ‬ ‫ولمنع وقوع الحوادث‪ ،‬تُ ّ‬ ‫ن‬ ‫فصل المرور‪ ،‬ت‬ ‫ً‬ ‫ال� توفِّر ّ‬ ‫حدا أد� من المسافة الشاغرة‬ ‫لكل طائرة ّ‬ ‫ي‬ ‫الخاصة ف ي� ّكل‬ ‫من حولها‪ ،‬وتضمن محافظة ّكل واحدة عىل مساحتها‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫الوقات‪.‬‬

‫غرفة اتصاالت الطوارىء‬

‫هي غرفة عمليات يشغلها عاملون يستقبلون مكالمات هاتفية من‬ ‫ين‬ ‫متصل� بحاجة إىل مساعدة طارئة ورسيعة‪ .‬ومن أرقام هذه الغرف‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫المشهورة (‪ )999‬ي� بريطانيا‪ ،‬و (‪ )911‬ي� الواليات المتحدة المريكية‬ ‫ف‬ ‫ومدرب‬ ‫و(‪ )999‬ي� المملكة‪ .‬ويتلقَّى المكالمة موظف مسؤول متخصص ّ‬ ‫عىل التعامل مع الحاالت الطارئة‪ ،‬ويقوم بدوره بتحويل االتصال‬ ‫المختصة بالحالة الطارئة‪ ،‬الذي قد يكون مركز ال�ش طة أو‬ ‫إىل الجهة‬ ‫َّ‬ ‫ف‬ ‫السعاف أو خفر السواحل‪ ..‬لكن ي� الغالب يتلقى مركز‬ ‫الطفاء أو إ‬ ‫إ‬ ‫االتصاالت المساعدة المبا�ش ة من أقرب دورية �ش طة موجودة �ف‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يصل منها االتصال‪.‬‬ ‫محيط المنطقة ي‬ ‫ظهرت خدمة االتصاالت ف ي� حالة الطوارىء سنة ‪1937‬م ف ي� منطقة‬ ‫أساسية‬ ‫لندن‪ .‬فقبل ذلك‪ ،‬كانت هناك طرق تواصل مختلفة‬ ‫ّ‬

‫التفك�‬ ‫عندما يخطر ف ي� الذهن مراقبة الحركة الجوية‪ ،‬قد تغلب عىل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫لكن نظام‬ ‫صورة بسيطة لمجموعة من الرجال والنساء ي� برج المطار‪ّ .‬‬ ‫مراقبة الحركة الجوية هو ث‬ ‫أك� تعقيداً من ذلك‪.‬‬ ‫فغرف عمليات مراقبة الحركة الجوية هي موضع العمل الذي‬ ‫أ‬ ‫رضية‪.‬‬ ‫يقوم به مراقبون ف يوجهون الطائرات من وحدات التحكّم ال ّ‬ ‫ين‬ ‫توف� الخدمات االستشارية‬ ‫ويُمكن‬ ‫للعامل� ي� غرف المراقبة ي‬ ‫قة‪ .‬الغرض الرئيس من مراقبة الحركة الجوية �ف‬ ‫ّ‬ ‫للطائرات المحل‬ ‫ف ّ ي‬ ‫جميع أنحاء العالم هو منع تصادم الطائرات المحلقة ي� الوقت‬ ‫وتوف� المعلومات‬ ‫نفسه‪ ،‬وتنظيم وترسيع تدفّق الحركة الجوية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� بعض البلدان يؤدي مركز‬ ‫ي‬ ‫وغ�ها من أشكال الدعم للطيارين‪ .‬ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أمنيا أو دفاعيا‪ ،‬أو يقوم بتشغيله‬ ‫مراقبة الحركة الجويّة دورا ّ‬ ‫الجيش النظامي‪.‬‬ ‫يناسب موقع وشكل غرفة التحكم بالحركة الجوية المتمركزة ف ي� برج‬ ‫أ ف‬ ‫وال�ش اف عىل مهام‬ ‫المطار‪ ،‬القيام بالعمليات المنية ي� المطار إ‬ ‫وزودت بكامل أساليب الراحة وأحدث‬ ‫صممت ِّ‬ ‫بتأن ّ‬ ‫الرصد‪ .‬كما أنّها ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جوا من اليقظة خاليا من التوتّر‬ ‫لك توفِّر ّ‬ ‫وسائل التكنولوجيا ّ‬ ‫تطورا‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫والجهاد للمر ي ن‬ ‫مهمة الحفاظ‬ ‫اقب�‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫العامل� داخلها‪ ،‬إذ تقع عىل عاتقهم ّ‬ ‫أ‬ ‫كب�ة من الرواح‪.‬‬ ‫عىل سالمة أعداد ي‬

‫غرفة عمليات تنظيم‬ ‫الس�‪ ،‬وبرج‬ ‫حركة ي‬ ‫المراقبة ف ي� أي مطار‪،‬‬ ‫هما نمطان خاصان‬ ‫من أنماط غرف‬ ‫العمليات‬


‫ن‬ ‫تلفزيو�‬ ‫غرفة تحكم ف ي� أستوديو‬ ‫ي‬

‫مركز تنسيق أ‬ ‫العمال ف� أرامكو السعودية بالظهران الذي يراقب شبكة توزيع المنتجات ت‬ ‫الب�ولية التابعة ش‬ ‫لل�كة داخل المملكة وخارجها‪...‬‬ ‫ي‬

‫عمليات تحتوي عىل هواتف وخرائط وخطوط مبا�ش ة‬ ‫ّ‬ ‫تتضمن غرفة ّ‬ ‫�ش‬ ‫متصلة بصناديق االتصاالت وجهاز الراديو التابع لل طة‪ .‬ومع‬ ‫وتنوعت للتعامل مع‬ ‫ّ‬ ‫تطورت المعدات ّ‬ ‫تقدم الوقت والتكنولوجيا ّ‬ ‫االتصاالت‪ ،‬فباتت تستعمل التكنولوجيا الحديثة لتحديد نقطة‬ ‫وجود الم َّتصل‪ ،‬كما صارت تستعمل نظم تسجيل متطورة لتسجيل‬ ‫المكالمات الهاتفية أ‬ ‫والحداث كاملة‪ ،‬ف ي� حال استخدمت كدليل‬ ‫الحية‬ ‫عىل جريمة ما فيما بعد‪ ،‬وتبقي عىل جميع التسجيالت ّ‬ ‫الفعالة ي ن‬ ‫ب� مواقع جميع دوريات‬ ‫للمواقع لتنسيق مهام االستجابة ّ‬ ‫الوحدات العاملة‪.‬‬

‫غرفة تحكم االستديو (‪)Production Control Room‬‬

‫هي الغرفة الرئيسة ف� ن‬ ‫مب� التلفزيون حيث يجلس المخرج‬ ‫ي‬ ‫ومساعدوه‪ .‬وهي عادة تطل عىل االستديو ي ن‬ ‫لتمك� المخرج من رؤية‬ ‫ت‬ ‫ال� تتشكل من الشاشة‬ ‫ما يدور فيه‪ .‬وتنتصب أمامه شاشات المراقبة ي‬

‫ت‬ ‫ت‬ ‫الكام�ا الرئيسة الموجودة‬ ‫ال� تبثها ي‬ ‫ال� تظهر عليها الصورة ي‬ ‫الرئيسة ي‬ ‫تحض�ية‪ ،‬وهي الشاشة المرتبطة‬ ‫داخل االستديو‪ ،‬وإىل جانبها شاشة‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫كام�ا أخرى موجودة‬ ‫ال� سيختارها المخرج تالياً‪ ،‬وتبثها ي‬ ‫فباللقطة ي‬ ‫كام�ا‬ ‫ي� االستديو أيضاً‪ .‬كما توجد أمام المخرج شاشة مراقبة لكل ي‬ ‫بالضافة‬ ‫داخل االستوديو‪ .‬وأمامه جهاز اتصال بكامل فريقه أينما كان إ‬ ‫تجه�ات هاتفية تمكنه من التحدث مع فريق العمل ف� ن‬ ‫إىل ي ز‬ ‫مب�‬ ‫في‬ ‫التلفزيون‪ ،‬والتنسيق مع استوديوهات مرتبطة مع برنامجه ي� دول‬ ‫أخرى بع� االقمار الفضائية‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ف� مزج الصورة (‪ )Vision Mixer‬الذي‬ ‫وإىل جانب المخرج يجلس ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يريدها المخرج بالضغط عىل الزر المناسب‬ ‫فينفذ اختيار اللقطات ف ي‬ ‫ي� اللحظة المناسبة‪ ،‬ي� جهاز مازج الصورة‪ ،‬ي ئ‬ ‫ويه� للمخرج اللقطات‬ ‫التالية‪ .‬كما أنه عند انتقاله من صورة إىل أخرى يستخدم مؤثرات‬ ‫المزج المناسبة‪.‬‬


‫‪101 | 100‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫غرفة العمليات في السينما‬

‫إدارة أ‬ ‫الزمات‪ ..‬تخصص جامعي‬

‫ظهرت في العقود أ‬ ‫الخيرة اختصاصات جامعية‬ ‫تؤهل خريجيها االشتراك في غرف العمليات على‬ ‫أنواعها‪ .‬وبات علم إدارة أ‬ ‫الزمات‪ ،‬علماً مستقالً‪،‬‬ ‫يتضمن إضافة إلى الدراسة النظرية‪ ،‬تدريب‬ ‫المتخصصين فيه تدريباً عالياً‪ ،‬يتناول شخصياتهم‬ ‫وحاالتهم النفسية‪ ،‬وقدراتهم على اتخاذ القرارات‬ ‫في الحاالت الطارئة‪ ،‬ويتم تعليمهم كيفية‬ ‫التعامل مع الفرق المختلفة التي يعملون تحت‬ ‫إمرتها أو التي تعمل تحت إمرتهم‪ .‬إذ لم يعد‬ ‫بالمكان الطلب من الدفاع المدني مواجهة كارثة‬ ‫إ‬ ‫الطفاء مواجهة نتائج‬ ‫«تسونامي» وال من جهاز إ‬ ‫السعاف الطبي مداواة‬ ‫انفجار بركان‪ ،‬وال من إ‬ ‫ضحايا تسرب نووي وال من الجيش وحده إشعال‬ ‫حرب في بالد بعيدة ثم إنهاءها‪ ،‬وال من طبيب‬ ‫الجراحة أن يجري عملية وحده ويطبب مريضه‪.‬‬ ‫جرى في العصر الحديث جمع كل هؤالء في غرفة‬ ‫عمليات واحدة‪ ،‬يُتخذ فيها القرار بتوافق الجميع‪،‬‬ ‫ثم يطلب من كل فريق تأدية المهمة التي تد َّرب‬ ‫على تأديتها‪ ،‬على أن تكون غرفة العمليات تلك‬ ‫صلة الوصل بين العاملين الموجودين في الميدان‬ ‫وأصحاب القرار السياسي أو الداري‪ .‬أ‬ ‫ولن الكوارث‬ ‫إ‬ ‫على اختالف أنواعها تتطلب الشجاعة والجرأة‬ ‫والقدرة على اتخاذ القرارات ببديهية‪ ،‬من أجل‬ ‫الحد من الخسائر وإعادة أ‬ ‫المور إلى نصابها‪ ،‬بات‬ ‫لزاماً على هؤالء الذين يتخذون القرار أو الذين‬ ‫ينفِّذونه أن يكونوا على دراية بما يقومون به‪ ،‬وعليه‬ ‫أ‬ ‫ثان «االنتماء إلى‬ ‫باتت «إدارة الزمات» أو بمعنى ٍ‬ ‫غرفة العمليات» دروساً منهجية تدرس في أغلب‬ ‫جامعات العالم‪.‬‬

‫ئ‬ ‫سينما� يدور حول الحرب العالمية الثانية إال وتظهر‬ ‫ما من فلم‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� أُنتجت ي� ستينيات‬ ‫فيه غرفة عمليات القيادة‪ ،‬خاصة ي� الفالم ي‬ ‫وسبعينيات القرن ض‬ ‫الما�‪ ،‬عندما كانت غرفة العمليات العسكرية‬ ‫ي‬ ‫بشكلها الحديث‪ ،‬جديدة أمام ي ن‬ ‫الع� ومصدر رهبة ورمزاً للجدية ف ي�‬ ‫أعىل مستوياتها‪.‬‬ ‫تغ� منظر غرفة العمليات العسكرية فاختفت‬ ‫وبتطور التكنولوجيا ي َّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫والعص الخشبية ي� أيدي الج�االت‪ ،‬كما كان‬ ‫الخرائط الورقية‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫انكل� شاف� عام‬ ‫الحال ي� ِفلم «باتون» مثال ً الذي أخرجه فر ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الشه� خالل الحرب‬ ‫مريك‬ ‫‪1970‬م‪ ،‬يل�وي فيه ي‬ ‫ي‬ ‫س�ة الج�ال ال ي‬ ‫العالمية الثانية‪ ،‬لتحل محلها أجهزة الكمبيوتر والشاشات الرقمية �ف‬ ‫ي‬ ‫أفالم العقود التالية‪ ،‬كما هو الحال ف ي� ِفلم «يوم االستقالل» الذي‬ ‫أخرجه روالند إيمريك عام ‪1996‬م‪ ،‬وحاز جائزة أوسكار‪.‬‬ ‫أ‬ ‫خ�ة شهدت ظهور فئة جديدة من غرف العمليات‬ ‫يغ� أن العقود ال ي‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تمر أمام أعيننا مرور الكرام‪ ،‬بل يشكِّل‬ ‫«العلمية»‪ ،‬ي‬ ‫الفلم‪ ،‬بحيث تكون هي مرسح‬ ‫حضورها جزءاً أساسياً من حبكة ِ‬ ‫ف‬ ‫نصف أحداثه تقريباً‪ ،‬كما هو الحال ي� فلم «النواة»‪ ،‬الذي ظهر‬ ‫عام ‪2003‬م‪ ،‬ويروي قصة رحلة عدد من العلماء إىل باطن أ‬ ‫الرض‬ ‫لمعالجة خلل ف ي� دوران نواتها‪ ،‬فيما ينقسم العاملون ف ي� غرفة‬ ‫ف� عىل الرحلة من فوق أ‬ ‫ب� ن‬ ‫الرض ي ن‬ ‫الم� ي ن‬ ‫العمليات من ش‬ ‫ج�ال‬ ‫مص� الرحلة‪ ،‬وهاكر شاب يعمل عىل إنقاذها‪.‬‬ ‫يتخذ قرارات ِّ‬ ‫تهدد ي‬ ‫والمكانة السينمائية نفسها لغرفة العمليات العلمية يمكننا أن‬ ‫ف‬ ‫الكث�‪.‬‬ ‫وغ�هما ي‬ ‫نشاهدها ي� فلم «أبولو ‪ »13‬و«رحلة إىل المريخ» ي‬


‫لقطة من ِفلم أبولو ‪ 13‬تُظهر غرفة العمليات‬


‫‪103 | 102‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫«تش�نوبل» و«فوكوشيما»‬ ‫ي‬ ‫أسباب طبيعية وبشرية وراء الكارثـتـين‬

‫تش�نوبل ف ي� االتحاد‬ ‫ُّ‬ ‫تعد حادثـتا ي‬ ‫دايت� �ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫السوفيي� السابق وفوكوشيما أ ي ي‬ ‫ي‬ ‫اليابان من الكوارث ت‬ ‫ال� وقعت لسباب‬ ‫ي‬ ‫طبيعية وأخطاء ش‬ ‫ب�ية ف ي� ٍآن واحد‪ .‬ونتج‬ ‫عن كليهما مجموعة معقَّدة من المشكالت‬ ‫ف‬ ‫الب�ية ت‬ ‫ش‬ ‫كث�اً من سكان‬ ‫و� ‪ 11‬أبريل ‪2011‬م‪ ،‬ض�بت الفيضانات‬ ‫هجرت ي‬ ‫ال� َّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مالي� آخرين ي ن‬ ‫المدينت� وتركت ي ن‬ ‫ين‬ ‫عالق� ف ي� الناتجة عن الموجات البحرية الزلزالية‬ ‫مفاعل فوكوشيما ش‬ ‫المناطق الملوثة‪.‬‬ ‫دايت� النووي ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫اليابان‪ ،‬ما تسبب ي� وقوع ضأ�ار ِب ِس ِّت‬ ‫ففي ‪ 26‬أبريل ‪1986‬م‪ ،‬وقع انفجار ف ي�‬ ‫وحدات للطاقة وانتشار التلوث الذي غطى‬ ‫ف‬ ‫تش�نوبل ف ي�‬ ‫«مناطق ساخنة» وصلت مساحتها إىل‬ ‫محطة الطاقة النووية ي� ي‬ ‫كيلوم� مربع من أ‬ ‫أوكرانيا وتسبب ف‬ ‫ال ض‬ ‫ت‬ ‫استمر‬ ‫حريق‬ ‫اندالع‬ ‫�‬ ‫را�‪.‬‬ ‫‪1800‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫ش‬ ‫ع�ة أيام وانتشار حمم إشعاعية عىل‬ ‫ت‬ ‫الكيلوم�ات‪ .‬ووقت وقوع‬ ‫مساحة آالف‬ ‫أن ‪ 230‬ألف شخص تعرضوا‬ ‫الحادثة‪ُ ،‬ق ِّدر َّ‬ ‫ألشعة غاما‪.‬‬

‫تز‬ ‫«تش�نوبل»‪ ..‬المعالجة‬ ‫المج�أة فاقمت الكارثة‬ ‫مفاعل ي‬


‫إدارة أ‬ ‫الزمة‬

‫ف‬ ‫تش�نوبل لم تكن هناك «غرفة عمليات» مسبقة لمواجهة أي‬ ‫ي� ي‬ ‫ت‬ ‫ال� ينبغي‬ ‫أزمة محتملة‪ ،‬بل كانت هناك سياسات بشأن إ‬ ‫الجراءات ي‬ ‫الجراءات‬ ‫اتباعها ف ي� حالة وقوع تلوث إشعاعي‪.‬‬ ‫وتضمنت تلك إ‬ ‫َّ‬ ‫الصحي� حول ت‬ ‫ين‬ ‫م� ينبغي للحكومة المحلية‬ ‫الخ�اء‬ ‫تعليمات من ب‬ ‫والمركزية إخالء السكان المتأثرين حسب مستوى تعرضهم‬ ‫للشعاعات‪.‬‬ ‫إ‬ ‫وبعد وقوع الحادثة‪ ،‬أقيمت غرف عمليات مختلفة كانت كل منها‬ ‫ف‬ ‫والجراءات‪.‬‬ ‫تقوم بعملها عىل حدة‪ ،‬ما أدى إىل ارتباك ي� المعلومات إ‬ ‫خ�‬ ‫فأقيمت الحواجز لمنع السيارات الخاصة من المغادرة‪ .‬وأُ ِب‬ ‫أن عملية‬ ‫المسؤولون الحكوميون المحليون وزعماء الحزب الشيوعي َّ‬ ‫العالن الرسمي مقتضباً جداً‬ ‫الخالء ستكون لثالثة أيام فقط‪ .‬وكان إ‬ ‫إ‬ ‫للشعاع‪ .‬وأدى غياب‬ ‫وخال من أي معلومات عن مخاطر التعرض إ‬ ‫كث�ة حول‬ ‫المعلومات الواضحة حول إ‬ ‫الخالء إىل ظهور مشكالت ي‬ ‫المتعلقات الشخصية ت‬ ‫ال� تُركت بما فيها الوثائق الرسمية‪ .‬وبقي قرابة‬ ‫خمسة آالف شخص بعد ي الخالء‪ ،‬وتُرك بعضهم هناك للمساعدة �ف‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫نشاطات التنظيف‪ ،‬ف� ي ن‬ ‫ح� رفض يغ�هم المغادرة دون اصطحابهم‬ ‫ي‬ ‫لحيوانات مزارعهم وأدواتهم ومعداتهم‪.‬‬ ‫الشعاعية‬ ‫ولتخفيف الذعر العام‪ ،‬رفعت الحكومة سقف الجرعة إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الخالء‬ ‫السنوية المسموح بها ي� العاصمة الوكرانية كييف لتجنب إ‬ ‫المواطن�‪ .‬لكنها أرسلت أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الطفال من سن ‪ 8‬إىل ‪15‬‬ ‫لمالي�‬ ‫الجباري‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫عاماً إىل المخيمات الصيفية والنساء الحوامل والمهات ذوات الطفال‬ ‫الصغار والرضع إىل الفنادق وبيوت الراحة والمصحات والمرافق‬ ‫السياحية ما شتت كث�اً من أ‬ ‫الرس وضحى آ‬ ‫بالثار االجتماعية بعيدة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫المد‪.‬‬ ‫تش�نوبل‪ ،‬صممت اليابان نظاماً حاسوبياً لشبكة‬ ‫وبعد حادثة ي‬ ‫معلومات ف ي� حاالت الطوارئ البيئية والتنبؤ بها‪ ،‬بهدف توقع انتشار‬ ‫الشعاعية إما أنها‬ ‫لكن أجهزة رصد الجرعات إ‬ ‫الجزيئات إ‬ ‫الشعاعية‪َّ .‬‬ ‫ت�ض رت بفعل الزلزال البحري أو كانت خارج الخدمة بسبب انقطاع‬ ‫الكهرباء‪ .‬وإضافة إىل ذلك‪ ،‬لم تُدخل النماذج جميع‬ ‫المتغ�ات‬ ‫ي‬ ‫ال�ض ورية إلجراء حسابات التعرض الب�ش ي الخارجي واالستنشاق‪،‬‬ ‫ف‬ ‫كث�اً عليها ف ي� عملية‬ ‫ولذلك لم ترغب السلطات المحلية ي� االعتماد ي‬ ‫اتخاذ القرارات‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الخالء طوعاً أو البقاء داخل‬ ‫و� فوكوشيما طلب من قرابة ‪ 62‬ألفاً إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الخالء الطوعي لم‬ ‫لكن أوامر «المأوى ي� المكان» أو إ‬ ‫البيوت‪َّ .‬‬ ‫تكن واضحة‪ ،‬ما أدى ببعض الناس إىل االنتقال إىل مناطق ذات‬ ‫الجالء مرات متعددة‪ .‬ووفق لجنة‬ ‫مستويات إشعاعية عالية ثم إ‬ ‫التحقيق المستقلة ف� حادثة فوكوشيما النووية‪ ،‬كان هناك بطء �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫إشعار الحكومات البلدية والجمهور العام بوقوع الحادثة ومدى‬ ‫شدتها‪.‬‬

‫الدروس المستفادة‬

‫تش�نوبل وفعاليتها‪ ،‬لم يكن‬ ‫رغم رسعة إ‬ ‫الجالء المبا�ش بعد كارثة ي‬ ‫أ‬ ‫هناك فهم واضح للعواقب بعيدة المد‪ .‬ولم تكن هناك خطة‬ ‫مدروسة إلعادة االستيطان والتعامل مع تلك العواقب عىل المدى‬ ‫المتوسط والبعيد‪ .‬فتوف� مستلزمات الحماية أ‬ ‫ين‬ ‫المنتقل�‬ ‫للشخاص‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫السوفيي�‪،‬‬ ‫ليس سهالً‪ ،‬خاصة ف ي� سياق الهجرة ما بعد تفكك االتحاد‬ ‫ي‬ ‫يز‬ ‫ين‬ ‫التمي� ي ن‬ ‫الباحث� عن الفرص االقتصادية‬ ‫ب� المهاجرين‬ ‫حيث يصعب‬ ‫والفارين نتيجة المخاطر الصحية‪.‬‬ ‫وبعد مرور ‪ 25‬عاماً عىل الحادثة‪ ،‬أثارت حادثة فوكوشيما ش‬ ‫دايت�‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� لم يُستفد منها‬ ‫التساؤالت حول الدروس المستفادة والدروس ي‬ ‫تش�نوبل من ناحية االستعداد وخفض الكوارث النووية‬ ‫عد من ي‬ ‫بَ ُ‬ ‫بالضافة إىل التصدي للثغرات التقنية والتنفيذية عند التعامل مع‬ ‫إ‬ ‫عواقب كلتا الأ‬ ‫زمت�‪.‬ن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫تش�نوبل وفوكوشيما‪ ،‬أدى التخبط ف ي� اتخاذ‬ ‫و�‬ ‫الحالت�‪ ،‬أي ي� ي‬ ‫ي‬ ‫القرارات إىل زيادة حجم الخسائر‪ .‬وتمثلت إحدى العواقب الرئيسة‬ ‫غ� المتوقَّعة للكار ن ف آ‬ ‫ت‬ ‫ال� نتجت عن ضعف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ثت� ي� الثار النفسية ي‬ ‫موثوقية المعلومات وتضاربها‪ ،‬إضافة إىل مشاعر القلق الناتجة عن‬ ‫ضعف التخطيط النتقال السكان عىل المدى المتوسط والبعيد‪ ،‬وتمزق‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أن عدد الوفيات‬ ‫الوارص الرسية وديمومة المشكالت الصحية‪ ،‬علماً َّ‬ ‫الناتجة عن الضغط‬ ‫النفس بعد إخالء فوكوشيما بلغ ما يقدر بـ ‪1539‬‬ ‫ي‬ ‫شخصاً‪ ،‬رغم ا ِّدعاء البعض أنَّه كان من الممكن الحيلولة دون ذلك‬ ‫لو قُدمت المشورات المتكاملة وتم التواصل مع السكان المتأثرين �ف‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫وقت مبكر‪.‬‬

‫كارثة «فوكوشيما»‪..‬‬ ‫النسان ف ي� مواجهة‬ ‫إ‬ ‫الظواهر الطبيعية‬ ‫المدمرة‬ ‫ِّ‬


‫‪| 104‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫«إعصار ساندي» مثال عىل أهمية دور غرفة العمليات‬ ‫ف‬ ‫العصار «ساندي»‬ ‫«العمليات» ي� مواجهة إ‬ ‫والداري برمته‬ ‫شملت الهرم‬ ‫السياس إ‬ ‫ي‬

‫االنتخا� الرئاس محتدماً ف� أمريكا ي ن‬ ‫ب�‬ ‫بينما كان السباق‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫روم�‪ ،‬حبس المريكيون أنفاسهم بعد‬ ‫الرئيس أوباما ومنافسه ي‬ ‫العصار «ساندي» القادم من‬ ‫أن أفادت التقارير بقرب وصول إ‬ ‫أك� من ‪ 66‬شخصاً وهو �ف‬ ‫الكاري�‪ ،‬حيث حصد أرواح ث‬ ‫جزر‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫ق‬ ‫�ش‬ ‫طريقه للساحل ال ي� للواليات المتحدة‪.‬‬ ‫أوقف أوباما حملته االنتخابية وعقد اجتماعاً عاجال ً مع‬ ‫مسؤول مركز مجابهة العواصف التابع للحكومة االتحادية �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫خط�ة وضخمة»‪،‬‬ ‫واشنطن‪ ،‬ووصف إ‬ ‫العصار بأنه «عاصفة ي‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫�ش‬ ‫وأهاب بسكان الساحل ال ي� للواليات المتحدة مراعاة الوامر‬ ‫مسؤول الواليات لحماية أنفسهم من أخطاره‪.‬‬ ‫الصادرة من‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫مريك رسالة واضحة كقائد‬ ‫أرسل أوباما حينذاك للشعب ال ي‬ ‫أعىل للبالد مفادها أن سالمة أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫مريكي� وأرواحهم أهم من‬ ‫أي ش�ء‪ .‬ثم بدأت إدارة أ‬ ‫الزمة مبكراً انطالقاً من غرفة عمليات‬ ‫ي‬ ‫مركزية‪ ،‬فتم إجالء مئات آ‬ ‫ال� تقع �ف‬ ‫الالف من سكان المدن ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫العصار المتوقع‪.‬‬ ‫مسار إ‬

‫ن‬ ‫المد� ف ي� أنحاء أمريكا تعمل عىل‬ ‫راحت مؤسسات المجتمع‬ ‫ي‬ ‫والجراءات السليمة ال�ت‬ ‫ين‬ ‫توعية‬ ‫المواطن� بخطورة الحدث إ‬ ‫ي‬ ‫يجب عليهم اتباعها للخروج بأقل الخسائر‪.‬‬ ‫ثم أعلنت الواليات حالة الطوارئ وتم إعالن حالة «الكارثة‬ ‫الك�ى» ف ي� والية نيويورك بعد أن أحدث إعصار ساندي‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫أ�ض اراً بالغة ي� البنية الساسية والمرافق ي� الوالية‪.‬‬ ‫ثم عقدت اجتماعات طارئة لتنفيذ خطة الطوارئ‬ ‫والتعامل مع ذيول أ‬ ‫الزمة‪ ،‬وكان لكل إدارة دليل عمل‬ ‫محدد ومعروف تقوم بتنفيذه أثناء أ‬ ‫الزمة بدءاً من رجال‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫المسؤول� عن شبكات الكهرباء‬ ‫والسعاف إىل‬ ‫الطفاء إ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫والماء‪ ،‬وح� المفاعالت النووية‪ .‬وكان عىل كل إدارة أن‬ ‫تطبق الخطة المسبقة الموضوعة لمواجهة مثل هذه‬ ‫الكارثة‪ .‬وهكذا نجحت إدارة أ‬ ‫الزمة ف� إنقاذ أ‬ ‫ين‬ ‫مريكي�‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� لم‬ ‫من تداعيات أحد أقوى ال ي‬ ‫عاص� ي� تاريخ أمريكا ي‬ ‫يتجاوز عدد ضحاياها مئة شخص‪.‬‬


‫دليل المعلِّمين لمحتوى القافلة‬ ‫بداية كالم‬

‫هل ِّ‬ ‫تحبذ استخدام‬ ‫الكلمات األجنبية في‬ ‫الحديث اليومي؟‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2016‬‬

‫ض‬ ‫ال�وري منها مقبول‬ ‫ض‬ ‫ها� بازي ‪ -‬مدير مبيعات‬ ‫ي‬

‫ف� بيئة العمل يصبح أ‬ ‫المر عادة‬ ‫ي‬ ‫متداولة ومقبولة‪ ،‬بحكم وجود‬ ‫يف‬ ‫موظف� من دول أجنبية‪ ،‬وبحكم أسلوب العمل‬ ‫والتعامل مع منتجات ذات أسماء ي ف‬ ‫إنجل�ية‪ .‬ولكن يغ�‬ ‫وغ� المستساغ هو زجّ الكلمات لالستعراض بأن المتحدث يعرف لغة‬ ‫المقبول ي‬ ‫يف‬ ‫العرب�ي‪ ،‬وهذا من «مبتكرات» جيل الشباب‬ ‫أجنبية‪ ،‬وأيضاً الكتابة بما يسمى‬ ‫ويك� ف� الدردشة ت‬ ‫الحال‪ ،‬ث‬ ‫الإلك�ونية والتعليقات‪ ،‬ويدخل فيما يطلقون عليه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫«الكياتة» المأخوذة من كلمة‪ )cute( :‬وأيضاً «الكولنة» المأخوذة من‪.)cool( :‬‬ ‫ف‬ ‫كث�اً‪ ،‬ول أحبذ انتشارها ي ف‬ ‫ب� الناس‪ .‬وبكل صدق‪ ،‬فأنا ل‬ ‫أستسخفها‬ ‫أن�‬ ‫ي‬ ‫والحقيقة ي‬ ‫أستخدم كلمات أجنبية ف� ث‬ ‫حدي�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫الهجرات الكبرى‬ ‫في التاريخ‬

‫الهج‬ ‫رات الكبرى في‬ ‫التاريخ‬

‫الإ فراط مرادف للتصنّع‬

‫خب� تواصل‬ ‫إبراهيم ابو مطر ‪ -‬ي‬

‫قل يل «بونجور»‪ ،‬أقول لك «صباح‬ ‫ت‬ ‫عل التحية بلغة‬ ‫النور»‪ .‬لطالما كنت أع�ض عل من يلقي ي ّ‬ ‫الخ� ل‬ ‫أجنبية بالرد عليه باللغة العربية‪ .‬فكلمة صباح ي‬ ‫تقترص عل كونها تحية فحسب‪ ،‬إنما هي دعوة إل بدء‬ ‫ت‬ ‫الخ�‪ .‬ولعل أفضل رد عل‬ ‫اليوم بإيجابية وتمنٍّ أن تحمل‬ ‫تل التحية ي‬ ‫ال� ي‬ ‫الساعات ي‬ ‫ف‬ ‫الخ� والنور ترسم‬ ‫الخ� هو الدعاء إل النور ي� قول صباح النور‪ .‬ففي اجتماع ي‬ ‫إيجابية ي‬ ‫المعالم لحياة أفضل‪.‬‬ ‫مج�ين ف ي� عالمنا اليوم عل استعمال كلمات أجنبية‬ ‫بعيداً عن التحية‪ ،‬نكاد أن نكون ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫للتعب�‪ ،‬وخصوصاً ف ي� مجال العمل‪ ،‬حيث يصعب ي� بعض الوقات أن أجد كلمة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫للتعب� عن مسألة تقنية‪ ،‬ولربما كان استعمال الكلمة الجنبية يسهّل التعامل‬ ‫عربية‬ ‫ي‬ ‫وفهم الموضوعات‪ .‬ولكن الإفراط ف� استخدام التعاب� أ‬ ‫الجنبية يتجاوز ف ي� بعض‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ح� وإن كانت الكلمات أ‬ ‫أ‬ ‫مش�كة ويصبح تصنعاً‪ .‬ت‬ ‫الحيان البحث عن أرضية ت‬ ‫الجنبية‬ ‫أسهل وألطف ف� بعض أ‬ ‫الحيان‪ ،‬إل أن لستخدام اللغة العربية خصوصية وجمالية‬ ‫ي‬ ‫تتعدى كونها كالماً عابراً‪.‬‬

‫استخدا‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ية‬ ‫في الحديث‬

‫تقرير يتناول هجرا‬ ‫العصور‪ ،‬والدو ت ا إلنسان عبر مختلف‬ ‫افع إليها‪ ،‬ودورها في‬ ‫رس‬ ‫م خريطة العالم حالياً‪.‬‬

‫يطرح باب «بداية‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫م»‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ذا‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫دد‬ ‫ظاهرة تزايد ا‬ ‫في أحاديث ستخدام كلمات أ آجنبية‬ ‫نا اليو‬ ‫طبيعية أو تت مية‪ ،‬ويعرض لراء تراها‬ ‫فهمها‪ ،‬وأخرى تنتقدها‪.‬‬ ‫علوم‬

‫في سبتمبر ‪2015‬م‪ ،‬اهتز المجتمع العلمي‬ ‫بنبأ رصد ما يُ عرف بـ «موجات الجاذبية» من‬ ‫قبل مختبر «اليغو» الذي ِّ‬ ‫تموله الحكومة‬ ‫األمريكية وجامعتا «كالتك» و«أم‪ .‬آي‪ .‬تي‪.».‬‬ ‫وقيل في حيثيات اإلعالن عن االكتشاف‬ ‫ً‬ ‫الحقا بأنه يعد أحد أهم ما توصلنا إليه‬ ‫كبشر‪ ،‬وأنه يؤكد ما ّ‬ ‫نصت عليه نظرية‬ ‫النسبية العامة‪ ،‬ما من شأنه أن يعيد‬ ‫صياغة فهمنا للكون‪.‬‬ ‫ما هي «موجات الجاذبية» تلك؟ َ‬ ‫ولم هي‬ ‫مهمة لدرجة إعادة كتابة قوانين الفيزياء؟‬ ‫ولماذا لم يتم التحقق من وجودها إال بعد‬ ‫مرور قرن كامل على نشر أفكار أينشتاين‬ ‫عن النسبية التي لم تزل تشغل العالم حتى‬ ‫يومنا هذا؟‬

‫د‪ .‬حنان الشرقي‬

‫موجات في‬ ‫نسيج الكون‬ ‫موجات ف‬ ‫في قسم العلومي نسيج الكون‬

‫االكتشافات الع عرض لواحد من أحدث‬ ‫موجات الجاذب لمية الكبرى‪ ،‬وهو وجود‬ ‫يل َق في وس ية في الكون‪ ،‬الذي لم‬ ‫ائل‬ ‫أهميته العل ا إلعالم اهتماماً يعادل‬ ‫مية‪.‬‬

‫الملف‪:‬‬

‫غرفة العمليات‬

‫‪15 | 14‬‬

‫تقرير القافلة‬

‫هذه الصفحة هي للتفاعل مع قطاع المعلِّمين والمعلِّمات ومساعدتهم على‬ ‫تلخيص أبرز موضوعات القافلة في إصدارها الجديد‪ ،‬وتقريبها إلى مفهوم وأذهان‬ ‫الفئات العمرية المختلفة للطالب والطالبات‪.‬‬

‫بسبب‬ ‫تعدد أنماطها‪ ،‬تكاد‬ ‫غرف الع‬ ‫ً مليات أن تكون‬ ‫ً‬ ‫مفهوما ت‬ ‫جريديا‪ ،‬رغم أنها‬ ‫ليست‬ ‫ً‬ ‫كذلك بتاتا‪ .‬وتزداد‬ ‫ص‬ ‫ورتها ضبابية بفعل‬ ‫اختالف ط‬ ‫بيعة المهمات‬ ‫الملقاة‬ ‫على عاتق هذه‬ ‫الغرفة أو تلك‪.‬‬ ‫فحضور‬ ‫«غرف العمليات»‬ ‫يمتد من‬ ‫قيادة الجيوش في‬ ‫الحروب‬ ‫إلى إدارة األلعاب‬ ‫األولمبية‪،‬‬ ‫وما بينهما غرف‬ ‫العمليات‬ ‫الدائمة كما هو‬ ‫الحال في‬ ‫المستشفيات‪،‬‬ ‫والم‬ ‫َّ‬ ‫ؤقتة منها التي‬ ‫تتشكل‬ ‫لمع‬ ‫الجة ذيول الكوارث‬ ‫الطارئة‪،‬‬ ‫أو إلدارة بعض‬ ‫المناسبات ال‬ ‫كبرى‬ ‫وغير‬ ‫ذلك‬ ‫مما ي‬ ‫صعب تعداده‪.‬‬ ‫في هذا‬ ‫الملف‪ ،‬يحاول‬ ‫فيديل‬ ‫سبيتي إلقاء الضوء‬ ‫على ماهية‬ ‫غرفة العمليات‬ ‫ً‬ ‫في العمق‪ ،‬ان‬ ‫طالقا من‬ ‫أمثلة‬ ‫َّ‬ ‫محددة كتلك التي‬ ‫نراها في‬ ‫بعض الحاالت‬ ‫أشبه‬ ‫بمؤسسة فرعية‬ ‫صغيرة‬ ‫ضمن‬ ‫المؤ‬ ‫سسة‬ ‫الكبيرة‬ ‫ً‬ ‫الحاضنة لها‪ ،‬و‬ ‫أيضا‬ ‫تلك‬ ‫التي‬ ‫تطل‬ ‫علينا‬ ‫لتلعب‬ ‫ً‬ ‫دورا بالغ األ‬ ‫همية في ظرف‬ ‫معيَّ ن ثم تختفي‪.‬‬

‫غ‬ ‫مل رفة العمليات‬

‫ف هذا ال‬ ‫العمليا عدد حول مفهوم غرفة‬ ‫ت‪ ،‬التي‬ ‫تنسيق الأعما تتبلور من خاللها أهمية‬ ‫ل‬ ‫كلها ذات هد المتعددة‪ ،‬عندما تكون‬ ‫ف‬ ‫جهات ومهما مشترك يتطلب تضافر‬ ‫ت عديدة لتحقيقه‪.‬‬


Saudi Aramco website

Qafilah website

Al-Qafilah Bi-Monthly Cultural Magazine A Saudi Aramco Publication May - June 2016 Volume 65 - Issue 3 P. O. Box 1389 Dhahran 31311 Kingdom of Saudi Arabia www.saudiaramco.com


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.