Qafilah may june 2014

Page 1

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 3‬مجلد ‪ . 63‬مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬ ‫ملف العدد‬

‫المركبة‬ ‫نالفضائية‬

‫يع� وعدسة‪ :‬كهف أم جرسان‬ ‫رمضان ض‬ ‫والملون‬ ‫الم�ء‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫الورشة‬ ‫واللقاء‬ ‫مهارات الخطابة إ‬ ‫وعروض التقديم‬


‫النـــــــاشر‬ ‫شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)‪،‬‬ ‫الظهران‬ ‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين‬

‫العدد ‪ . 3‬مجلد ‪63‬‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ت‬ ‫للمش� ي ن‬ ‫توزع مجاناً‬ ‫ك�‬ ‫• العنوان‪ :‬أرامكو السعودية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬ ‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫• ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪alqafilah@aramco.com.sa‬‬ ‫• الموقع إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫• الهواتف ‪:‬‬ ‫ فريق التحرير‪+966 13 876 0175 :‬‬ ‫ت‬ ‫االش�اكات‪+966 13 876 0477 :‬‬ ‫فاكس‪+966 13 876 0303 :‬‬

‫رئيس الشركة‪ ،‬كبير إدارييها التنفيذيين‬ ‫خالد بن عبدالعزيز الفالح‬ ‫المدير التنفيذي لشؤون أرامكو السعودية‬ ‫ناصر بن عبدالرزاق النفيسي‬ ‫مدير عام دائرة الشؤون العامة‬ ‫عصام زين العابدين توفيق‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫محمد العصيمي‬ ‫نائب رئيس التحرير‬ ‫محمد أبو المكارم‬ ‫مستشار التحرير‬ ‫محمد الدميني‬ ‫مشرفة وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫هيفـاء خالد‬ ‫تصميم‬

‫صورة الغالف‬ ‫الغالف | لمناسبة اقتراب تاريخ صدور‬ ‫هذا العدد مع حلول شهر رمضان‬ ‫المبارك‪ ،‬أعاده الله على الجميع‬ ‫يتضمن قسم بداية‬ ‫بالخير والبركة‪َّ ،‬‬ ‫كالم وقفة مع الذكريات الرمضانية‬ ‫الباقية من أيام الطفولة في أذهان‬ ‫البعض‪َّ ،‬‬ ‫عل في ذلك ما يثير ذاكرتنا‬ ‫جميعاً‪ ،‬ما كان عليه الشهر الفضيل‬ ‫بالنسبة إلينا عندما ك َّنا صغاراً‪.‬‬

‫‪www.mohtaraf.com‬‬ ‫طباعة‬ ‫شركة مطابع التريكي‬ ‫‪www.altraiki.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬ ‫• جميع المراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫يعبر بالضرورة عن رأيها‪.‬‬ ‫• ما ينشر فـي القافلة ال ِّ‬ ‫• ال يجوز إعادة نشر أي من موضوعات أو صور‬ ‫«القافلة» إال بإذن خطي من إدارة التحرير‪.‬‬ ‫• ال تقبل «القافلة» إال أصول الموضوعات التي لم يسبق‬ ‫نشرها‪.‬‬


‫محتوى العدد‬

‫ً‬ ‫معا‬ ‫الرحلة‬ ‫من رئيس التحرير ‬ ‫رسالة المحرر ‬ ‫القراء ‬ ‫مع َّ‬ ‫أكثر من رسالة ‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫المحطة األولى‬ ‫واللقاء‬ ‫ورشة عمل‪ :‬مهارات الخطابة إ‬ ‫وعروض التقديم ‬ ‫بداية كالم‪ :‬ما هي اللحظة الرمضانية‬ ‫المميزة التي كانت لك في طفولتك؟ ‬ ‫كتب ‬ ‫أ‬ ‫الجندة‪ :‬مواعيد ثقافية ‬ ‫قول في مقال‪ :‬إذا طبع توم! ‬

‫‪9‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪24‬‬

‫علوم وطاقة‬ ‫علوم‪ :‬ماذا نعرف عن السرطان؟ ‬ ‫النترنت؟ ‬ ‫َم ْن يملك مفاتيح إ‬ ‫الشيخوخة ليست كلها متاعب ‬ ‫العلم خيال‪ :‬المقتضى العلمي‬ ‫لخلقة سكّان المريخ ‬ ‫منتج‪ :‬الساعة الذكية ‬ ‫ذهب أخضر من الصحراء ‬ ‫(هوهوبا)‪ٌ ،‬‬ ‫من المختبر ‬ ‫ابتكار ومبتكر‪ :‬مبتكر ماكينة‬ ‫القهوة المنزلية‪ ..‬صاموئيل غليزر ‬ ‫رواد الفضاء‬ ‫ماذا لو‪ :‬سقط أحد َّ‬ ‫في ثقب أسود؟ ‬

‫‪26‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪42‬‬

‫بين الرقمنة والمراقبة‪ ..‬الحياة الشخصية‬ ‫في مهب رياح التكنولوجيا ‬ ‫التكنولوجيا والثقافة‪:‬‬ ‫ترابط وصلة قُربى أكبر مما نعتقد ‬ ‫تخصص جديد‪ :‬علم الحبوب وصناعتها ‬ ‫عين وعدسة‪ :‬كهف أم جرسان‪..‬‬ ‫حيث احتضنت الصحراء نقيضها ‬ ‫فكرة‪ :‬العود من أول ركزة‪ ..‬‬

‫‪46‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪62‬‬

‫أدب وفنون‬ ‫أدب وفنون‪ :‬هذا واقعي وذاك حلمي‪:‬‬ ‫قراءة في روايتي«رحلة الفتى النجدي» ليوسف‬ ‫و«الرسام شفيق» لطاهر أحمد ‪64‬‬ ‫المحيميد‬ ‫َّ‬ ‫‪68‬‬ ‫لغويات ‬ ‫الفلم السعودي‬ ‫سينما سعودية‪ِ :‬‬ ‫‪69‬‬ ‫ومرحلة جديدة ‬ ‫فنان ومكان‪ :‬إبراهيم الكوني‬ ‫‪70‬‬ ‫الفريقية الكبرى ‬ ‫والصحراء إ‬ ‫نعرب أو نُترجم؟‬ ‫ذاكرة أالقافلة‪ِّ :‬‬ ‫‪72‬‬ ‫الستاذ‪ :‬عباس محمود العقاد ‬ ‫بقلم‬ ‫‪74‬‬ ‫أقول شعراً‪ :‬سؤال‪ ..‬طالل الطويرقي ‬ ‫فرشاة وإزميل‪ :‬فاطمة أ‬ ‫اللمعي‪..‬‬ ‫‪75‬‬ ‫متعهدة فن «القط» في عسير ‬ ‫‪80‬‬ ‫الكونية ‬ ‫وألعابه‬ ‫زاوية رأي أدبي‪ :‬ماركيز‬ ‫ّ‬

‫‪43‬‬

‫التقرير‬

‫‪44‬‬

‫أعمدة التنافسية االثنا عشر ‬

‫‪81‬‬

‫الملف‬

‫المركبة الفضائية آ‬ ‫والفاق غير المنظورة ‬

‫‪89‬‬


‫تفاعلوا مع القافلة‬ ‫استمراراً تل�اث القافلة ف ي�‬ ‫القراء‬ ‫التفاعل الدائم مع َّ‬ ‫ومجاراة لعرص تضاعفت‬ ‫ف ي� إمكانات التفاعل وتعدد‬ ‫يتضمن‬ ‫وسائل التواصل‪َّ ،‬‬ ‫هذا العدد بنسختيه الورقية‬ ‫كث�اً من المواد‬ ‫والرقمية ي‬ ‫القابلة أ‬ ‫للخذ والرد والتعليق‬ ‫القراء الذين ندعوهم‬ ‫من قبل َّ‬ ‫إىل أن يشاركونا بآرائهم‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫واختياراتهم واق�احاتهم ي‬ ‫هي دائماً موضع ترحيب‪.‬‬

‫شاهد المزيد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫اقرأ المزيد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫استمع للقصائد‬ ‫بصوت الشاعر‬

‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫كامال‬ ‫تصفح المقال‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫وهذه بعض أدوات التفاعل بكم ومعكم‪:‬‬

‫‪@QafilahMagazine‬‬


‫تحية وبعد‬

‫يفاجئ� أن ث‬ ‫ن‬ ‫أك� من ‪ %82‬من‬ ‫لم‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫المشارك� � الدراسة االستطالعية ال�ت‬ ‫ين‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أجراها مؤخراً مركز الملك عبدالعزيز‬ ‫ن‬ ‫الوط�‪ ،‬أكدوا أن الرأي العام‬ ‫للحوار‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫يفاجئ� أن النصف فقط (‪)%50‬‬ ‫يتأثر بالشائعات‪ .‬كما لم ف ي‬ ‫ين‬ ‫المشارك� والمشاركات‪ ،‬ي� محور الدراسة الخاص‬ ‫من‬ ‫بمدى التحقق من الشائعات‪ ،‬حريصون عىل التأكد من‬ ‫المعلومات أو أ‬ ‫ال� تصل إليهم قبل ت‬ ‫الخبار ت‬ ‫ال�ويج لها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫يع� أن الشائعة ترعى لدى النصف آ‬ ‫ن‬ ‫الخر‪ ،‬كما يحلو‬ ‫وهذا ي‬ ‫السل�‬ ‫لها‪ ،‬بينما هم ربما ال يدركون خطورتها ي‬ ‫وتأث�ها ب‬ ‫ال�‪ ،‬ومن دواعي الوقوع ي �ف‬ ‫القوي باعتبارها من مفاتيح ش‬ ‫ي‬ ‫الخطأ‪ ،‬بل الوقوع ف ي� الخطيئة أحياناً‪.‬‬ ‫وللعلم فقط‪ ،‬حسب دراسة علمية‪ ،‬فإن المعلومة‬ ‫الصحيحة تفقد ‪ %70‬من تفاصيلها عند وصولها إىل‬ ‫الشخص الخامس أو السادس‪ ،‬مما يدل عىل أن الشائعة‬ ‫سهلة النشوء وسهلة ت‬ ‫ال�كيب‪ ،‬فبمجرد أن يحاول شخص‬ ‫تعويض الفاقد من هذه التفاصيل فإن المعلومة نفسها‪،‬‬ ‫تتحول إىل شائعة‪ .‬وهذا هو غالباً ما‬ ‫تب�كيباتها الجديدة‪َّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫يحدث ي ن‬ ‫ح� يحاول بعض الشخاص أن يصوروا أنفسهم‬ ‫أنهم أعرف أو أقرب من يغ�هم إىل مصدر المعلومة‪.‬‬ ‫أما خطر الشائعة عىل المجتمع ي ز‬ ‫ف�داد كلما كان هناك من‬ ‫يغذيها عمداً‪ ،‬ليصل إىل أهدافه ف ي� التخريب أو االنتقام‬ ‫أو تشويه سمعة جهة أو جماعة ما‪ .‬وتسمى الشائعة‬ ‫أ‬ ‫روج‬ ‫من هذا النوع الشائعة الزاحفة أو المتسللة‪ ،‬لنها تُ ُ‬ ‫ببطء ويتم تناقلها همساً إىل أن يعرفها الجميع‪ .‬ومروجو‬ ‫هذا النوع من الشائعات ال ت‬ ‫يف�ون عن نسخ سلسلة من‬ ‫القصص الوهمية‪ ،‬ويستمرون ف ي� تغذيتها ش‬ ‫ون�ها إىل أن‬ ‫يبلغوا الهدف الذي ينتظرون تحقيقه من ورائها‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الشخص أن الشائعة‪ ،‬زاحفة أو مرسعة‪ ،‬قد‬ ‫و� ر ي يأ�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وجدت لها مرتعاً خصباً ف ي� وسائل التواصل االجتماعي ف ي�‬ ‫أ‬ ‫خ�ة‪ ،‬باعتبار أن هذه الوسائل مفتوحة عىل‬ ‫السنوات ال ي‬ ‫مرصاعيها للجميع دون رقابة ش‬ ‫مبا�ة عىل ما يُ شن� فيها‪.‬‬ ‫ين‬ ‫القوان� الضابطة لما ش‬ ‫ين� عىل هذه الوسائل‬ ‫ولذلك تُعد‬ ‫المدمرة‪ ،‬لكن‬ ‫المخربة أو‬ ‫المصد الوحيد للشائعات‬ ‫هي‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫هذا المصد ال يمكن أن يكون عند المنبع كما هو الحال‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تملك زمام التأكد من‬ ‫ي� وسائل إ‬ ‫العالم التقليدية ف ي‬ ‫المعلومات وقتل الشائعات ي� مهدها‪.‬‬ ‫نز‬ ‫ولذلك ستبقى وسائل التواصل االجتماعي بم�لة حقل‬ ‫يك� الوعي المجتمعي‬ ‫واسع ومفتوح للشائعات‪ ،‬إىل أن ب‬ ‫ين‬ ‫القوان� المضادة للشائعات‬ ‫بخطورة الشائعة وتطبق‬ ‫بحسم‪ .‬عندها يمكننا القول إنه يمكن الحد من غلواء‬ ‫الشائعات ونتائجها المدمرة أو الضارة ف� أحسن أ‬ ‫الحوال‪.‬‬ ‫ي‬

‫الرحلة معاً‬

‫‪Thinkstock / miakievy‬‬

‫من رئيس التحرير‬

‫الشائعة‪ ..‬زاحفة‬ ‫ومسرعة‬


‫رسالة المحرر‬

‫هذا العدد‬

‫‪5|4‬‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ألن مهارات التحدث أمام جمهرة من الناس صارت من أ‬ ‫المور‬ ‫للقناع وللنجاح‬ ‫المطلوبة‪ ،‬حتى أن البعض يراها شرطاً إ‬ ‫المهني‪ ،‬يتضمن القسم أ‬ ‫الول من هذا العدد عرضاً لمجريات‬ ‫َّ‬ ‫ورشة العمل التي ن َّ‬ ‫ظمتها «القافلة» مؤخراً حول «مهارات‬ ‫القراء أهم‬ ‫الخطابة إ‬ ‫واللقاء وعروض التقديم»‪ .‬وقد حرصنا أن ننقل إلى َّ‬ ‫ماورد في هذه الورشة مما قد يكون ذا فائدة بالنسبة إلى القارئ الذي يعاني‬ ‫من بعض الصعوبات في هذا المجال ويرغب في تنمية مهاراته فيه‪.‬‬ ‫ولمناسبة اقتراب تاريخ صدور هذا العدد مع حلول شهر رمضان المبارك‪،‬‬ ‫يتضمن القسم نفسه وقفة مع‬ ‫أعاده الله على الجميع بالخير والبركة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الذكريات الرمضانية الباقية من أيام الطفولة في أذهان البعض‪َّ ،‬‬ ‫عل‬ ‫في ذلك ما يثير ذاكرتنا جميعاً‪ ،‬ما كان عليه الشهر الفضيل بالنسبة‬ ‫إلينا عندما ك َّنا صغاراً‪.‬‬ ‫وفي قسم العلوم والطاقة‪ ،‬وإضافة إلى زواياه الثابتة والكثيرة‪،‬‬ ‫يطالع القارئ ثالثة مواضيع رئيسة على مستوى كبير من التنوع‪،‬‬ ‫النترنت والعوامل التي تجعل اختراقها ممكناً‪ ،‬وما‬ ‫تتناول أمن شبكة إ‬ ‫نعرفه عن مرض السرطان‪ ،‬والمواصفات العلمية لشجرة «الهوهوبا»‪.‬‬ ‫وبالوصول إلى الحياة اليومية يبقى القارئ مع الرقمنة‪ ،‬ولكن من‬ ‫زاوية اجتماعية‪ ،‬تستعرض آثارها على الحريات الشخصية‪ .‬إذ إن المراقبة باتت‬ ‫تتجاوز في أهدافها وتقنياتها الكاميرات التقليدية التي تثبت في أ‬ ‫الماكن العامة‬ ‫ُ َّ‬ ‫تسجل كل نشاطاتنا‬ ‫لغايات أمنية‪ ،‬بل وصلت إلى تصميم برامج حاسوبية ِّ‬ ‫الرقمية من على جهاز الكمبيوتر والهاتف الذكي وصوال ً إلى أجهزة الصراف‬ ‫آ‬ ‫اللي‪ ،‬لتحقيق منافع ومآرب تجارية‪ .‬وإلى ذلك يطالع القارئ‬ ‫في القسم نفسه قراءة تربط التطور التكنولوجي الذي‬ ‫نشهده بالبيئة الثقافية المحيطة به‪ ،‬كما كان أ‬ ‫المر على‬ ‫الدوام‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وفي قسم الدب والفنون‪ ،‬زيارة إلى محترف الفنانة‬ ‫فاطمة أ‬ ‫اللمعي الجاهدة في الحفاظ على فن «القَط»‬ ‫(النقش) العسيري من االندثار‪ .‬وثمة وقفة الفتة في‬ ‫نعرب؟» كما‬ ‫هذا القسم مع السؤال «نترجم أم ِّ‬ ‫أجاب عنه أ‬ ‫الستاذ عباس محمود العقاد قبل أكثر من‬ ‫نصف قرن‪ ،‬ونعيد هنا نشره في «ذاكرة القافلة»‪.‬‬ ‫مطولة نسبياً أمام صفحات من‬ ‫وبعد وقفة َّ‬ ‫أعده رئيس المنتدى االقتصادي العالمي‬ ‫تقرير َّ‬ ‫بعنوان‪ :‬أعمدة التنافسية‪ ،‬هذا‬ ‫الشأن الذي يشغل معظم دول العالم‬ ‫واالقتصاديين فيها‪ ،‬يصل القارئ إلى ملف العدد المخصص هنا‬ ‫للمركبة الفضائية‪ ،‬هذا المنتج الذي قد يكون أ‬ ‫الكثر تعقيداً والمتمتع‬ ‫أ‬ ‫بالهداف أكثر طموحاً من بين كل ما أنتجته العلوم والصناعات في العصر‬ ‫الحديث‪.‬‬


‫مع القرَّ اء‬

‫تحية وبعد‬

‫المدرس المتقاعد‬ ‫ِّ‬ ‫والصديق القديم‬ ‫عبدالحي بن نعمة الله‬ ‫السمرقندي كتب إلينا‬ ‫يعرب عن إعجابه بملف‬ ‫أ‬ ‫«الزرق» المنشور في‬ ‫عدد شهري نوفمبر‪/‬‬ ‫المصور في العدد‬ ‫ديسمبر ‪2013‬م‪ ،‬والفاصل‬ ‫َّ‬ ‫نفسه‪ ،‬إضافة إلى االفتتاحية التي كانت بعنوان‬ ‫«في الثمانين بالقرب من الستين»‪ .‬ومما جاء في‬ ‫رسالته‪« :‬إنني أقرأ هذه المجلة الفاخرة وأطالعها‬ ‫ولدي مجموعات وأعداد‬ ‫منذ أربع وخمسين سنة‪َّ .‬‬ ‫كثيرة منذ ذلك الزمن‪ .‬إنها حقاً مرجع علمي‬ ‫وثقافي وأدبي وتاريخي‪ .‬وكانت أعدادها مساندة‬ ‫مدرساً‪ ،‬وقد اتخذتها ضمن وسائلي‬ ‫لي في عملي ِّ‬ ‫التعليمية في مجاالت كثيرة‪ .‬وكذلك استفدت من‬ ‫التحقيقات والصور عن بعض مناطق المملكة‪.‬‬ ‫وكل هذا يؤكد أنها أ َّدت واجبها ونجحت»‪ .‬وختم‬ ‫رسالته بتعبير مؤثر عن تمنياته للمجلة بمزيد‬ ‫من التقدم واالزدهار‪ .‬ونحن من جهتنا نعتز‬ ‫بمثل هذه المواكبة الطويلة والمشاعر الصادقة‪،‬‬ ‫ونعدها خير مكافأة على ما نبذله من جهود في‬ ‫القافلة‪.‬‬ ‫ومن البصرة في العراق كتب خالد الموسوي‪،‬‬ ‫معجباً بملف «الغراب» الذي نُشر في عدد‬ ‫شهري سبتمبر‪/‬أكتوبر من العام الماضي‪ ،‬واصفاً‬ ‫إياه بأنه «موضوع‬ ‫شيق وممتع ومفيد‬ ‫ِّ‬ ‫جداً‪ .‬والحقيقة أن‬ ‫المجلة لم تترك شاردة‬ ‫وال واردة إال وذكرتها‬ ‫فيه‪ .‬وقد أعجبني‬ ‫جداً الفصل الذي كان‬

‫بعنوان‪ :‬الغراب في ثقافة العرب أمثاال ً وشعراً‪،‬‬ ‫هجوه وما عرفوه»‪ .‬ويطلب أ‬ ‫الخ خالد تجديد‬ ‫نوضح‬ ‫اشتراكه في القافلة لعام ‪2014‬م‪ .‬ونحن ِّ‬ ‫له أن االشتراكات ليست بحاجة إلى تجديد‪ ،‬وإنما‬ ‫تبقى مستمرة إال إذا وردنا من المشترك ما يفيد‬ ‫برغبته في وقف االشتراك‪.‬‬

‫«أتقدم إليكم‬ ‫وكتبت فاطمة المزيدي تقول‪َّ :‬‬ ‫وإلى المجلة التي أثرت‪ ،‬وال تزال تُثري معارفي‬ ‫على مختلف أ‬ ‫الصعدة‪ ،‬بخالص الشكر والتقدير‪.‬‬ ‫متجدد وفيض من‬ ‫فهي حديقة غ َّناء وكنز ِّ‬ ‫العطاء‪ ..‬وأنا عشت وكبرت ونشأت وترعرعت مع‬ ‫القافلة»‪ .‬وأرفقت كلمتها هذه بطلب أ‬ ‫العداد‬ ‫القديمة من القافلة‪ ،‬واستفسار عن مجلة‬ ‫«أدوماتو» التي عرضت القافلة لها في أحد‬ ‫أعدادها القديمة‪.‬‬ ‫فيما يتعلَّق أ‬ ‫بالعداد نشير إلى أن معظمها أصبح‬ ‫نادراً وغير متوافر للتوزيع‪ .‬ولكن يمكنها االطالع‬ ‫النترنت‪.‬‬ ‫عليها على موقع المجلة على شبكة إ‬ ‫أما عن مجلة «أدوماتو» التي تستفر عنها‪ ،‬فهي‬ ‫مجلة علمية ُمحكمة تصدر في المملكة تُعنى‬ ‫بالدراسات أ‬ ‫الثرية في الوطن العربي‪ .‬وصدر‬ ‫العدد أ‬ ‫الول منها في يناير عام ‪2000‬م‪ ،‬وال تزال‬ ‫تصدر كل ستة أشهر في يناير ويوليو من كل‬ ‫عام‪ .‬ومن الممكن معرفة مزيد من خالل موقع‬ ‫المجلة المذكورة الذي يمكن الوصول إليه‬

‫بسهولة على محرك البحث غوغل من خالل اسم‬ ‫«مجلة أدوماتو»‪.‬‬ ‫وجاءنا من صالح بن عبدالعزيز سالمة‪ ،‬المدير‬ ‫العام لمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة أنه‬ ‫تلقَّى نسختين من مجلَّدي القافلة الثاني والستين‬ ‫والثالث والستين‪ ،‬وعلَّق عليهما بقوله‪« :‬سررنا‬ ‫واستفدنا بما فيهما من معلومات ِّقيمة ومفيدة‬ ‫في ش َّتى المجاالت االقتصادية والبيئية والثقافية‬ ‫راجين المولى ع َّز َّ‬ ‫وجل أن يبارك في جهودكم‬ ‫المبذولة وأن يجزيكم خير الجزاء»‪.‬‬ ‫وأرفق الدكتور سالمة رسالته ببعض إالصدارات‬ ‫القيمة الحديثة لمركز بحوث ودراسات المدينة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫منها‪ :‬المدينة المنورة مأزر إاليمان‪ ،‬والمجلة‬ ‫العلمية للمركز‪ ،‬وكتاب المدينة المنورة تاريخ‬ ‫والنجليزية‪ ،‬والدرة‬ ‫ومعالم باللغتين العربة إ‬ ‫الثمينة في أخبار المدينة‪ ..‬وغيرها‪ .‬ونحن نشكره‬ ‫القيمة‪.‬‬ ‫جزيل الشكر على هذه الهدية ِّ‬ ‫الجمعية الخيرية الصالحية في عنيزة‪ ،‬أهدتنا‬ ‫مشكورة اثنين من إصداراتها الحديثة‪ ،‬أحدهما‬ ‫بعنوان «مهرجان عنيزة الثالث للثقافة»‪ ،‬والثاني‬ ‫«ديوان تورقين في البأساء» للشاعر أحمد ابن‬ ‫صالح الناصر‪.‬‬

‫ومن الجامعة أ‬ ‫الردنية وصلتنا نسخة من المجلة‬ ‫القيمة «أقالم جديدة» التي تُصدرها الجامعة‪،‬‬ ‫مذ ِّيلة بتعبير رقيق عن أ‬ ‫«المل في استمرار‬ ‫َّ‬ ‫التعاون المثمر بين مؤسستينا»‪.‬‬


‫‪7|6‬‬

‫أكثر من رسالة‬

‫تحية وبعد‬

‫انتشار القافلة‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫مرة أخرى مجلتنا كنز ثمين‪ ،‬لكن بقاءها حبيسة‬ ‫في المتحف‪ ،‬ال يفيد إال القلة‪ ،‬فأجمل آ‬ ‫الثار‬ ‫العالمية معروضة في العراء‪ ،‬وأجمل أ‬ ‫اللحان‬ ‫تذاع على الماليين‪ ،‬وأرقى آ‬ ‫الداب تصدر في‬ ‫طبعات شعبية‪ ،‬ومجلة (القافلة) يجب أال تظل‬ ‫مجلة الصفوة دون غيرهم‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫منى إبراهيم‬ ‫ألمانيا‬

‫تكنولوجيا االتصال وتبعاتها‬ ‫ظل تقدم تكنولوجيا االتصال وعولمتها‬ ‫في ِ‬ ‫المتسارعة‪ ،‬أصبحت مواقع التواصل االجتماعي‬ ‫ال تحصى وال تعد‪ .‬أ‬ ‫بالمس كان الفيسبوك رائداً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وغدا اليوم تويتر مصدراً‪ ،‬ووجود الواتساب‬ ‫الزماً‪.‬‬ ‫أصبح‬ ‫مطلباً‪ ،‬والهاتف الذكي صار ِ‬ ‫أصبح أ‬ ‫المر ظاهرة‪ ،‬ال بد أن تُدرس وتُراعى ومن‬

‫‪shutterstock / bloomua‬‬

‫أثناء مشاركتي في احتفاالت اليونيسكو باليوم‬ ‫العالمي للغة العربية‪ ،‬التي أقيمت في باريس‬ ‫بتاريخ ‪ 18‬ديسمبر الماضي‪ ،‬وفي جلسة مع‬ ‫مجموعة من المثقفين العرب‪ ،‬أشرت إلى انبهاري‬ ‫وعددت مناقبها من تنوع في‬ ‫بمجلة (القافلة)‪َّ ،‬‬ ‫الموضوعات‪ ،‬وعمق في الطرح‪ ،‬إلى جانب‬ ‫الصياغة اللغوية العذبة‪ ،‬وجودة الطباعة‪،‬‬ ‫وجمال الصور‪ ،‬وإعالنات هادفة للحفاظ على‬ ‫البيئة‪ .‬ثم طرحت السؤال على المشاركين في‬ ‫الجلسة عن رأيهم فيها‪.‬‬ ‫وجدتهم يشاركوني الرأي في كل ما قلت‪،‬‬ ‫لكن أحدهم أضاف قائالً‪« :‬مشكلتها أنها غير‬ ‫وصدق آخر على قوله‪ .‬صدمتني هذه‬ ‫مقروءة»‪َّ ،‬‬ ‫العبارة‪ ،‬وتساءلت كيف تكون بهذا المحتوى‪ ،‬وال‬ ‫تحصل على ما تستحقه من انتشار وشهرة‪ ،‬وما‬ ‫القراء‪،‬‬ ‫الذي تفعله غيرها من المجالت‪ ،‬ليعرفها َّ‬ ‫وال أقصد هنا أبداً اللجوء إلى موضوعات فيها‬ ‫إثارة‪ ،‬لجذب القارئ بأي ثمن‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أني لست خبيرة في التسويق‪،‬‬ ‫الجراءات التي قد تسهم‬ ‫دعوني أقترح بعض إ‬ ‫في أال تظل القافلة متحفاً فيه كثير من الكنوز‪،‬‬ ‫زوار قليلون‪:‬‬ ‫ال يعرفه إال َّ‬ ‫اللكتروني للمجلة‪،‬‬ ‫بالموقع‬ ‫االكتفاء‬ ‫• عدم‬ ‫إ‬ ‫وخوض عالم الفيسبوك وتويتر وغيرها من‬ ‫قنوات التواصل مع الشباب خاصة‪.‬‬ ‫النترنت بصورة مختلفة‬ ‫• عرض الموضوعات في إ‬ ‫النترنت لن‬ ‫قارئ‬ ‫ن‬ ‫عن النسخة المطبوعة‪ ،‬أل‬ ‫إ‬ ‫يقرأ موضوعاً أكثر من ‪ 400‬كلمة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫القراء‪،‬‬ ‫• أن يكون الموقع تفاعلياً‪ ،‬لن كثيراً من َّ‬ ‫ال يكتفون بأن يكونوا مستقبلين سلبيين‪ ،‬بل‬ ‫يحبون أن يروا آراءهم منشورة‪ ،‬وأن يجدوا‬ ‫من يرد عليهم من التحرير‪ ،‬أو على أ‬ ‫القل من‬ ‫القراء‪ ،‬الذين يتبادلون معهم الرأي‪ ،‬حول‬ ‫بقية َّ‬

‫موضوعات المجلة‪.‬‬ ‫• أرى ضرورة دعوة مسؤولي الصفحات‬ ‫الثقافية في كبريات الصحف العربية‪ ،‬إلى ندوة‬ ‫متخصصة للتعرف إلى آرائهم في المجلة‪ ،‬وربما‬ ‫نشروا مقاالت يتناولون فيها وقائع هذه الندوة‪،‬‬ ‫قراء الصحف‪ ،‬الذين‬ ‫وبالتالي وصول ذلك إلى َّ‬ ‫لم يعرفوا عنها من قبل‪.‬‬ ‫• ربما يكون تحديد سعر رمزي للمجلة‪ ،‬أفضل‬ ‫من توزيعها مجاناً‪ ،‬ألن بعض الناس ال يشعرون‬ ‫بقيمة الشيء‪ ،‬إال إذا دفعوا مقابال ً مادياً له‪،‬‬ ‫ويخلطون بين ثمن الشيء وقيمته‪.‬‬ ‫• التخلص من المشكالت التي كانت تحدث عند‬ ‫طلب اشتراك‪ ،‬ثم ال تأتي المجلة‪ ،‬ويشعر من‬ ‫يطلبها بأنه ال يملك الحق في المطالبة بها‪ ،‬بل‬ ‫يتقدم بطلب إما أن تلبيه المجلة أو ال تلبيه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫• ربما كان من المفيد توزيع أقراص مدمجة أو‬ ‫بوسترات في مناسبات خاصة‪ ،‬تعرض مثالً‪:‬‬ ‫مجموعة الصور البديعة التي نشرتها المجلة‬ ‫خالل السنوات الماضية‪ ،‬أو قصة نشأة أرامكو‪،‬‬ ‫أو توثيق لمحاضرات مركز الملك عبدالعزيز‬ ‫الثقافي العالمي‪ ،‬أو صور آلثار المملكة‪.‬‬

‫ثم تُعالج‪ ،‬في البيت في المدرسة وفي الجامعة‬ ‫وحتى ميدان العمل‪ .‬فمن المسؤول عن كل‬ ‫ماين ُتج ويبدر؟!‪.‬‬ ‫في السابق كان الكتاب أنيساً لجليس االنتظار‬ ‫وتصدر‪ ،‬في الماضي كان‬ ‫وتبدل المحمول‬ ‫َّ‬ ‫التواصل أنقى قيمةً ‪ ،‬وأرقى معنى‪ ،‬ولكن‬ ‫النترنت‬ ‫تبدل بكلمات مختصرة من خالل إ‬ ‫َّ‬ ‫ومتصفحيه‪.‬‬ ‫تُعد تكنولوجيا االتصال وما أحدثته من تغييرات‬ ‫وتحوالت في المجتمعات واقعاً‪ ،‬ال بد أن يؤخذ‬ ‫بالحسبان‪ ،‬فمن المسؤول عن ِتبعاته وآثاره على‬ ‫التغير القيمي والسلوك االجتماعي؟‪.‬‬ ‫غير مستغرب آ‬ ‫الن أن ترى طفال ً يراسلك ويبعث‬ ‫ُستحسن وما استقبح‪ ،‬وشاباً أهدر وقتاً في‬ ‫ما ا ِ‬ ‫باب انفتح‬ ‫متابعة ٍ‬ ‫غث ال نفع من ورائه‪ ،‬وكم من ٍ‬ ‫على فتياتنا‪ ،‬فمن المسؤول عن ِتلك التبعات؟!‬ ‫ّ‬ ‫بعض من قيمنا‪،‬‬ ‫تبدل ٌ‬ ‫قل تواصلنا الفعلي‪َّ ،‬‬ ‫وتأخر جزء من حضارتنا‪ ،‬وطار شيء من هويتنا‪،‬‬ ‫كم من رواتبنا‪ ،‬فمن المسؤول ‪..‬أنا أم‬ ‫ونقص ٌ‬ ‫ومعلم ّي؟!!‬ ‫مجتمعي أم والداي‬ ‫ِ‬ ‫تقدماً‪ ،‬ونطلُب مجداً‪ ،‬فليظهر المسؤول‬ ‫نريد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ولينه المسألة!!!‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫هند إبراهيم عيد القحطاني‬ ‫طالبة في جامعة الدمام‬


‫المحطة األولى‬

‫للتعبير‪ ..‬وكيف؟‬

‫الفعال من المهارات المطلوبة للنجاح والتطور بصفة عامة ف ي�‬ ‫ي‬ ‫التعب� عن النفس والتواصل ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� نعيشها‪ ،‬وحيث يمكن ل ٍي كان أن يصبح نا�اً‬ ‫الحياة‪ .‬واليوم‪ ،‬ي� ظل ثورة االتصاالت ي‬ ‫ف‬ ‫ثوان معدودة‪ ،‬نعيش مفارقةً مفادها أن هذه‬ ‫بضغطة زر‪ ،‬وأن يوصل رأيه للعالم بأرسه ي� ٍ‬ ‫ت‬ ‫ال� نظنها‪ .‬وعىل وزن العبارة الدارجة المتداولة «أمة اقرأ‬ ‫المهارات بالذات ليست بالوفرة ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� قد نظنها بها ي� صفوف الشبان قياساً‬ ‫ال تقرأ»‪ ،‬نجد فأن مهارات الخطابة ليست بالوفرة ي‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪،‬‬ ‫لشهرة العرب ي� هذا الفن‪ .‬وهذا ما يدفعنا للتساؤل‪ :‬هل التقنية الحديثة بقولبتها إ‬ ‫وبخاصية التواصل المعزول الذي يمر ع� لوحات المفاتيح أ‬ ‫والجهزة الرقمية هي السبب‪،‬‬ ‫ب‬ ‫من باب أن قلة المران والممارسة قد تضعفان هذه المهارات‪ ،‬إن كانت موجودة أساساً؟ ال‬ ‫الجابة بشكل حاسم‪ .‬لكننا أقمنا ورشتنا لهذا العدد‪ ،‬ونقلناها لتضع ي ن‬ ‫ب� أيدي القارئ‬ ‫نستطيع إ‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫واللقاء‪ ،‬وتقديم العروض‪.‬‬ ‫ال� قد تساعده عىل‬ ‫تحس� مهاراته ي� الخطابة إ‬ ‫ي‬ ‫بعض المفاتيح ي‬ ‫أ‬ ‫بأسلوب َّ‬ ‫خل ٍق‪ ،‬نتصفح‬ ‫الن�ة وصياغتها‬ ‫وعن كيفية‬ ‫التعب� ببساطة عن إ‬ ‫ي‬ ‫البداع‪ ،‬والفكار ي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وأوقات رمضانيةً بامتياز‪ ،‬جادت بها ذاكرة من سألناهم‪ ،‬وحملت معها بعضاً من‬ ‫روائح‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫نع�ها لتصفح الكتب‬ ‫روحانية الشهر الفضيل وفلسفته مخ�لة ي�‬ ‫مع�ة‪ ،‬ب‬ ‫ٍ‬ ‫لقطات وصور ب ِّ‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫والجندة الثقافية‪ ،‬قبل أن نستعيد صوت اللة الطابعة ونقرها المحبب الذي ال يزال (توم)‬ ‫القل مخلصاً له عىل الرغم من تقاعد آ‬ ‫عىل أ‬ ‫اللة الطابعة وحلول عرص الحواسب الرقمية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والجهزة الذكية‪.‬‬ ‫المحرر‬

‫‪09‬‬

‫مهارات الخطابة واإللقاء‬ ‫وعروض التقديم‬

‫‪16‬‬

‫اللحظة الرمضانية‬ ‫المميزة‬

‫‪18‬‬

‫في المكتبة‬

‫‪22‬‬

‫األجندة الثقافية‬


‫‪9|8‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫القافلة أونالين‬

‫—‪www.qafilah.com‬‬

‫تصفّح القافلة أونالين بح َّلة جديدة وموضوعات‬ ‫موسعة لتشمل أ‬ ‫الفالم الوثائقية والمقابالت‬ ‫ّ‬ ‫المسجلة والشعر بالصوت والصورة بإلقاء الشاعر‪.‬‬

‫ورشة عمل | نظَّ مت القافلة مؤخرًا ورشة‬ ‫عمل حول «مهارات الخطابة والإلقاء‬ ‫وعروض التقديم»‪ ،‬ونقدِّ م للقارئ‬ ‫خالصات هذه الفقرات‪ ،‬التي إذا ما أعيرت‬ ‫االهتمام الكافي من قبله‪ ،‬لكانت له مفيدة‬ ‫في مجال تحسين قدراته على التحدث‬ ‫أمام جمع من الناس وإقناعهم بما عنده‬ ‫وبما يريد‪.‬‬

‫أدب وثقافة | نُ ش�ت خالل عام ‪2013‬م‬ ‫«الرسام شفيق»‬ ‫روايتان‪ ،‬هما رواية َّ‬ ‫«رحلة ت‬ ‫الف�‬ ‫لطاهر أحمد ورواية‬ ‫النجدي» ليوسف المحيميد‪ .‬وينحو مقال‬ ‫يقدم‬ ‫أدب وثقافة منحى احتفائياً وهو ِّ‬ ‫ين‬ ‫للعمل�‪ ،‬ويقرأهما عىل ضوء‬ ‫مراجعة‬ ‫أعراف أدب الناشئة‪.‬‬

‫ين‬ ‫ع� وعدسة | ما ي ن‬ ‫ب� كهف أم جرسان‬ ‫ومحيطه من التناقضات ما يستحيل‬ ‫تعداده‪ .‬ف ي� الخارج‪ ،‬سهل صحراوي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫و� الداخل‪،‬‬ ‫�ء‪ .‬ي‬ ‫وفضاء ال يرتفع فيه ي‬ ‫يهددك‬ ‫جدران وسقف صخري ثقيل ِّ‬ ‫بالطباق عليك كلما توغلت داخل الكهف‪.‬‬ ‫إ‬

‫فرشاة وإزميل | يختلف ت‬ ‫مح�ف الفنانة‬ ‫التشكيلية فاطمة أ‬ ‫اللمعي عن كل ما هو‬ ‫ض‬ ‫شائع ف� ت‬ ‫ن‬ ‫الفنان� حيث الفو�‬ ‫مح�فات‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تكون عادة سيدة الساحة‪ .‬فعند اللحظة‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تدخل فيها المكان‪ ،‬يباغتك‬ ‫الوىل ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫المنظر العام ب�تيبه‪ ،‬ح� لتظن أنك‬ ‫وصلت إىل معرض أو متحف يضم أعمال‬ ‫الفنانة‪.‬‬

‫بيئة | «هوهوبا»‪ ،‬شجرة تفيد ف ي� مكافحة‬ ‫والتلوث ومكافحة الجراد‪ .‬تجدد‬ ‫التصحر‬ ‫ّ‬ ‫يخصب‬ ‫ورقها باستمرارف والمتساقط منه ّ‬ ‫ت‬ ‫ال�بة‪ .‬تعيش ي� درجات حرارة عالية تصل‬ ‫خمس� درجة وتتحمل العطش ت‬ ‫ين‬ ‫لف�ة‬ ‫إىل‬ ‫زمنية طويلة تصل إىل سنة كاملة‪ ،‬معمرة‬ ‫ين‬ ‫وخمس� عاماً‪.‬‬ ‫أل ثك� من مائة‬

‫الملف | بدأت المركبة الفضائية رحالتها‬ ‫بخطوات تم�ددة‪ ،‬أفلم تبتعد إال أمياال ً‬ ‫قليلة عن أرضها الم‪ ،‬وهاهي اليوم بعد‬ ‫نصف قرن تخرج من مجموعتنا الشمسية‬ ‫متجاوزة أبعد كواكبها‪.‬‬


‫ورشة عمل‬

‫مهارات‬ ‫الخطابة‬ ‫واإللقاء‬ ‫وعروض‬ ‫التقديم‬

‫ً‬ ‫منبرا ليخاطب‬ ‫ما بين الخطيب الذي يعتلي‬ ‫الجمهور العريض في شأن عام‪ ،‬والطالب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دراسيا أمام لجنة‬ ‫مشروعا‬ ‫الجامعي الذي يعرض‬ ‫ً‬ ‫وأيضا رجل األعمال الذي يسعى إلى إقناع‬ ‫تحكيم‪،‬‬ ‫مستثمرين باالنضمام إلى مشروع يعتزم تنفيذه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وصوال إلى المؤتمرين والمنتدين على اختالف‬ ‫اهتماماتهم ومحاور مؤتمراتهم وندواتهم‪ ،‬ثمة‬ ‫نقطة رئيسة مشتركة‪ :‬إن النجاح في إقناع جمهور‬ ‫المستمعين بصوابية رأي أو موقف يتوقف على‬ ‫المهارة في عرض هذا الرأي أو الموقف‪ .‬ولذا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫مؤخرا ورشة عمل حول «مهارات‬ ‫نظمت القافلة‬ ‫الخطابة واإللقاء وعروض التقديم»‪ ،‬وسنتجاوز‬ ‫في الصفحات التالية سرد مجريات هذه الورشة‬ ‫ِّ‬ ‫لنقدم للقارئ خالصات هذه الفقرات‪،‬‬ ‫وفقراتها‪،‬‬ ‫التي إذا ما أعيرت االهتمام الكافي من قبله‪ ،‬فإنها‬ ‫ستكون له ‪-‬كما كانت للمشاركين في الورشة‪-‬‬ ‫مفيدة في مجال تحسين قدراته على التحدث أمام‬ ‫جمع من الناس وإقناعهم بما عنده وبما يريد‪.‬‬


‫‪11 | 10‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫كانت نقطة انطالق القافلة‬ ‫إلى تنظيم ورشة العمل هذه‪،‬‬ ‫ما تداوله فريق التحرير حول‬ ‫مالحظة هذا الكم الكبير من‬ ‫التلكؤ والتعثر في الكالم‬ ‫واالرتباك الذي يمكن ألي كان أن يلحظه مثال ً في‬ ‫البرامج الحوارية على شاشات التلفزيون العربية‪.‬‬ ‫ومن هذه المالحظة إنقاد التفكير إلى أهمية التحدث‬ ‫بطالقة وبشكل سليم في مجاالت عديدة‪ ،‬يتوقف‬ ‫النجاح فيها‪ ،‬حتى المهني منه‪ ،‬على مهارة المتحدث‬ ‫في عرض أفكاره‪ ،‬فكان أن تحدد محور ورشة العمل‬ ‫واللقاء وعروض التقديم»‪.‬‬ ‫بـ «مهارات الخطابة إ‬ ‫طبعاً‪ ،‬لم يكن من المتوقع أن تتمكن هذه الورشة‬ ‫خالل الساعات العشر التي استغرقتها على مدى‬ ‫يومين متتاليين‪ ،‬من تحويل المشاركين فيها إلى قس‬

‫ابن ساعدة أو حجاج بن يوسف آخر‪ ،‬ولكنها تمكنت‪،‬‬ ‫من خالل فقراتها العديدة والمتنوعة‪ ،‬التي برع في‬ ‫عرضها وتقديمها المدرب أ‬ ‫الستاذ وائل البسام‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من أن تضع بين أيدي المشاركين ترتيبا واضحا لكل‬ ‫تهدد سالمة‬ ‫العناصر الالزمة لتجاوز المحاذير التي ِّ‬ ‫هذه العملية المثيرة للقلق‪ :‬الوقوف أمام جمهور‬ ‫والتحدث إليه في شأن ما‪.‬‬

‫قضية الخوف الحاضر دائماً‬

‫عال أنه يشعر به‬ ‫الخوف‪ ..‬ال أحد يعترف بصوت ٍ‬ ‫عند الوقوف أمام جمهور كبير للتحدث إليه‪ .‬ولذا‪،‬‬ ‫البسام بتناول موضوع الخوف‬ ‫حسناً فعل‬ ‫ِّ‬ ‫المدرب ّ‬ ‫أ‬ ‫حيز كبير من برنامج اليوم الول‪ ،‬وبعض‬ ‫هذا خالل ّ‬ ‫أ‬ ‫شجع المشاركين‬ ‫من برنامج اليوم الثاني‪ ،‬المر الذي ّ‬ ‫القرار بوجود هذه المشكلة لديهم‪ ،‬وأن‬ ‫على إ‬ ‫المدرب في أفضل السبل لمواجهتها‪.‬‬ ‫يتداولوا مع‬ ‫ِّ‬ ‫والمدهش الذي كشفت عنه هذه الورشة هو أن‬ ‫الخوف هذا‪ ،‬هو أكبر مما ك ّنا نعتقد‪ ،‬وليس حكراً‬ ‫على «ضعاف الشخصية»‪ ،‬ال بل أن ال عالقة له‬ ‫تقريباً بضعف الشخصية أو قوتها‪.‬‬

‫الورشة والمدرب‬

‫النساني‬ ‫فاستناداً إلى البسام يقول خبراء االتصال إ‬ ‫أن من ال يشعر بجفاف حلق وتساقط حبات العرق‬ ‫من الجبين حين يتحدث ألول مرة أمام آ‬ ‫الخرين هو‬ ‫إنسان غير طبيعي‪.‬‬ ‫وجاء في نص كتبه أ‬ ‫الستاذ خالد الشهراني وجرى‬ ‫توزيعه على الحاضرين‪ ،‬أن ‪ %35‬من أ‬ ‫المريكيين‬ ‫يصابون بالهلع عند الطلب إليهم التحدث أمام‬ ‫آ‬ ‫الخرين‪ ،‬وأن ‪ %13‬منهم يرتبكون فعال ً أثناء‬ ‫الحديث‪ .‬وأن الخوف من الحديث أمام الناس‬ ‫يأتي في المرتبة الثانية عندهم بعد الخوف من‬ ‫الثعابين!‬ ‫يأخذ الخوف عند الخطيب أو المتحدث أمام‬ ‫جمهور عريض شكل المنحنى‪ .‬فهو يبدأ قبل‬ ‫إلقاء الكلمة ويتزايد إلى أن يصل إلى ذروته لحظة‬ ‫البدء ثم يتالشى بعد دقيقتين تقريباً في أ‬ ‫الوضاع‬ ‫الطبيعية‪ ،‬ولكنه قد يستمر أكثر من ذلك عند‬ ‫المتمرس‪ .‬أما أسباب الخوف فكثيرة‬ ‫المتحدث غير‬ ‫ِّ‬ ‫عدد المشاركون في الورشة‪:‬‬ ‫وتشمل‪ ،‬حسبما َّ‬

‫عقدت القافلة ورشة ّالعمل هذه يومي أ‬ ‫الربعاء والخميس ‪ 14‬و‪15‬‬ ‫البسام‬ ‫مايو‪ ،‬في فندق «ميركور» بالخبر‪ .‬وأدار الورشة‬ ‫ِّ‬ ‫المدرب وائل ّ‬ ‫الدارة‪ ،‬متخصصاً في الموارد‬ ‫الحاصل على شهادة الماجستير في إ‬ ‫البشرية من كلية البحرين الجامعية‪.‬‬ ‫البسام أن عمل أستاذاً «زائراً» في جامعة الدمام‬ ‫وسبق‬ ‫ِّ‬ ‫للمدرب ّ‬ ‫لتدريس مادة التواصل الشفهي لطالب كلية الهندسة‪ .‬كما انضم‬ ‫ناد باللغتين العربية‬ ‫للتوستماسترز منذ عام ‪2009‬م‪ ،‬ورأس أكثر من ٍ‬ ‫والنجليزية‪ .‬وهو حائز لعديد من أ‬ ‫اللقاب والجوائز في مجال الخطب‬ ‫إ‬ ‫العالمية والفكاهية وخطب التقييم‪.‬‬


‫لم يكن من المتوقع‬ ‫أن تتمكن هذه الورشة‬ ‫من تحويل المشاركين‬ ‫فيها إلى قس ابن‬ ‫ساعدة أو حجاج بن‬ ‫يوسف آخر‪ ..‬ولكنها‬ ‫تمكنت من أن تضع بين‬ ‫ً‬ ‫ترتيبا‬ ‫أيدي المشاركين‬ ‫ً‬ ‫ضحا لكل العناصر‬ ‫وا‬ ‫الالزمة لتجاوز المحاذير‬ ‫التي ِّ‬ ‫تهدد سالمة هذه‬ ‫العملية المثيرة للقلق‬

‫الخوف من ارتكاب خطأ‪ ،‬حصول حادث محرج‬ ‫وغير متوقع‪ ،‬عدم القدرة على إيصال الرسالة‪..‬‬ ‫الخ‪.‬‬

‫تقنيات للتخلص من الخوف‬

‫كث� من الخطباء ف ي� إخفاء إحساسهم بالخوف‪.‬‬ ‫ينجح ي‬ ‫أحسوا بالخوف فعالً‪،‬‬ ‫ين‬ ‫كث�‬ ‫عن‬ ‫ال‬ ‫مثا‬ ‫ب‬ ‫المدر‬ ‫وأورد‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مصورة‬ ‫ولكنهم عندما شاهدوا خطاباتهم الحقا َّ‬ ‫الداخل لم‬ ‫بواسطة الفديو‪ ،‬الحظوا أن خوفهم‬ ‫ي‬ ‫يظهر إىل العلن‪ .‬ولكن إخفاء الخوف ليس حالً‪ ،‬بل‬ ‫إن ما يجب عىل المتحدث أو الخطيب العمل عليه‬ ‫هو التخلص من الخوف‪ ،‬وإن كانت تقنيات إخفائه‬ ‫فقط ض�ورية ف ي� مرحلة أولية‪.‬‬

‫‪ .1‬التنفس الجيد‬

‫مساعدة كان أبرزها‬ ‫َّ‬ ‫عدد المدرب جملة تقنيات ِ‬ ‫وأكثرها إثارة الهتمام المشاركين هو دور التنفس‬ ‫العميق في مقاومة الخوف‪.‬‬ ‫فمعلوم أن الخوف يرفع منسوب أ‬ ‫الدرينالين في‬ ‫النسان عبر آالف‬ ‫الجسم كنتيجة لتطور جيني عند إ‬ ‫السنين عندما كان يضطره الخوف إىل الهرب من‬ ‫مواجهة المخاطر‪ .‬أ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫كث� من‬ ‫ولل‬ ‫دور ي� ضخ ي‬ ‫درينال� ٌ‬ ‫ين‬ ‫الساق� (للمساعدة عىل الركض والهرب)‬ ‫الدم إىل‬ ‫عىل حساب حصة المخ من الدم‪ .‬ولذا فإن الخوف‬ ‫يتسبب ف ي� ضعف أداء المخ وصوال ً إىل سقوط غشاوة‬ ‫الفكار‪ ،‬أ‬ ‫عىل أ‬ ‫المر الذي يؤدي بدوره إىل التلعثم‬ ‫أ‬ ‫واالرتباك ت‬ ‫وح� نسيان الفكار بشكل كامل‪ .‬أما‬ ‫التنفس الجيد فيساعد عىل تنشيط الدورة الدموية‬ ‫ويحافظ عىل وصول ما يكفي من الدم إىل المخ‬ ‫ف‬ ‫و� هذا المجال ينصح‬ ‫للإبقاء عىل يقظته كاملة‪ .‬ي‬ ‫المدرب بالتنفس عميقاً قبيل الوقوف أمام الجمهور‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫والمقصود بالتنفس العميق هو الشهيق ملء الر ي ن‬ ‫ئت�‬ ‫النف وحبس الهواء لثالث ثوان عىل أ‬ ‫من أ‬ ‫القل قبل‬ ‫ٍ‬ ‫الزف� من الفم‪ .‬وطبعاً يجب أن يقوم بذلك قبل‬ ‫ي‬

‫الوقوف أمام الجمهور وإال لكان أ‬ ‫المر إعالناً عن‬ ‫الحساس بالخوف‪.‬‬ ‫إ‬ ‫و� مداخلة عىل هامش هذا الجانب‪ ،‬قال أ‬ ‫ف‬ ‫الستاذ‬ ‫ي‬ ‫مشهور ش‬ ‫ال�يف إنه ح�ض دورة ف ي� جامعة الدمام‬ ‫حول التناغم ما ي ن‬ ‫ب� المخ والقلب جاء فيها أن قناة‬ ‫التواصل ي ن‬ ‫ب� القلب والمخ هي التنفس‪ ،‬وأن أفضل‬ ‫زف�‬ ‫ثوان ي‬ ‫ثوان شهيق و‪ٍ 5‬‬ ‫أشكال التنفس هي ‪ٍ 5‬‬ ‫(لمدة دقيقة قبل التحدث) وأن التنفس وقوفاً هو‬ ‫أ‬ ‫وأخ�اً ف ي� وضعية‬ ‫الفضل‪ ،‬يليه وضعية الجلوس‪ ،‬ي‬ ‫االستلقاء‪.‬‬ ‫وال تقترص أهمية التنفس الجيد عىل ما قبل‬ ‫التحدث‪ ،‬بل تشمل أيضاً حال المتحدث خالل إلقاء‬ ‫كلمته‪ .‬فمن عنارص التوتر إحساس المتحدث بأن‬ ‫عليه أن يقرأ كلمته بتواصل‪ ،‬فيمنع نفسه عن الشهيق‬ ‫والزف� مما يزيد توتره بشدة‪ .‬ولذا‪ ،‬من المفيد أن‬ ‫ي‬ ‫«ك ال‬ ‫يقول جملة ويتوقف اللتقاط نفس‪ ،‬ثم يواصل ي‬ ‫يشعر الجمهور أنه يقرأ عليهم صحيفة الصباح»‪.‬‬

‫‪ .2‬التحضير الجيد والتمرين‬

‫كب�ة من التوتر‪،‬‬ ‫يزيل‬ ‫التحض� الجيد نسبة ي‬ ‫ي‬ ‫ويعزز ثقة المتحدث أو الخطيب بنفسه‪ .‬ويشمل‬ ‫ِّ‬ ‫التحض� كتابة الكلمة عىل الورق وقراءتها عدة‬ ‫ي‬ ‫مرات‪.‬‬

‫فمعظم الذين يفشلون ف ي� الحديث أمام الناس‪،‬‬ ‫الجيد قبل ذلك‪ .‬إذ إن‬ ‫يفشلون عادة ف ي�‬ ‫ي‬ ‫التحض� ّ‬ ‫ف ش‬ ‫�ء إذا لم يكن هناك‬ ‫«الممثل الجيد ال يفيد ي� ي‬ ‫للفلم»‪.‬‬ ‫نص ِ‬ ‫ٌ‬ ‫التحض� الجيد يريح المتحدث من‬ ‫إىل ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫ي‬ ‫تسم� نظره عىل الورقة ألنه يكون قد حفظ غيباً‬ ‫ي‬ ‫أجزا ًء من الجمل وتتماتها‪ ،‬بما يساعده عىل أن يوظف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫سنأ� عىل ذكره الحقاً‪.‬‬ ‫نظره ي� مجال آخر ي‬


‫‪13 | 12‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ف‬ ‫المدرب‬ ‫و� التمرين عىل إلقاء الكلمة المكتوبة ينصح‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫مرات‪ .‬وتجربة ذلك أمام المرآة‪.‬‬ ‫بقراءتها عدة ّ‬ ‫الفديو ومشاهدة ش‬ ‫ال�يط‬ ‫وتصوير الذات ي‬ ‫بكام�ا ِ‬ ‫الحقاً‪ ،‬حيث هناك احتمال ألن يصاب بالرعب‬ ‫والصدمة ي ن‬ ‫ح� يرى نفسه يتحدث ألول مرة‪ .‬ولكن‬ ‫«ليس ف ي� هذا ما يقلق‪ .‬كل هذا طبيعي جداً»‪.‬‬

‫‪ .3‬حسن الظن بالجمهور‬

‫أ‬ ‫ولن الخوف من إثارة ردة فعل سلبية من الجمهور‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف ي� حال وقوع المتحدث ي� خطأ ما‪ ،‬أو تعرضه لمر‬ ‫أك� أسباب الخوف‪ ،‬فإن حسن الظن‬ ‫محرج هو من ب‬ ‫بالجمهور يُعد من العوامل المساعدة عىل تبديد هذا‬ ‫ين‬ ‫المشارك� ف ي� الورشة‬ ‫الخوف‪ .‬وهنا استح�ض بعض‬ ‫ف‬ ‫ما حصل للممثلة «جنيفر لورانس» ي� حفل جوائز‬ ‫أ‬ ‫الوسكار السينمائية العام ض‬ ‫الما�‪ ،‬عندما ث‬ ‫تع�ت‬ ‫ي‬ ‫بثوبها وسقطت فيما كانت تصعد الدرج إىل المرسح‬ ‫لتسلُّم جائزتها‪ .‬فقد وقف الجمهور وهو يصفق لها‬

‫بينما كانت تقوم من كبوتها‪ ،‬وتتابع طريقها إىل تسلُّم‬ ‫الجائزة وكأن شيئاً لم يكن لوال بدء خطابها بقولها‪:‬‬ ‫أن‬ ‫ن� سقطت‪ ،‬إنه أمر‬ ‫«أعرف أنكم تصفقون وقوفاً ل ي‬ ‫محرج‪ ،»..‬وتابعت دون أي توقف إلقاء الخطاب‬ ‫الذي كانت قد أعدته‪.‬‬ ‫تكبد عناء الحضور لالستماع‬ ‫فالجمهور الذي ّ‬ ‫إىل متحدث‪ ،‬هو عادة منفتح بإيجابية عىل هذا‬ ‫ض‬ ‫للتغا�‬ ‫المتحدث‪ ،‬وليس تم�بصاً به‪ .‬وعىل استعداد‬ ‫ي‬ ‫وبالتال‪ ،‬عىل المتحدث أن ينظر‬ ‫عن أي طارئ محرج‪.‬‬ ‫ي‬ ‫إىل جمهور مستمعيه عىل أنه صديق وليس كخصم‬ ‫أو منافس تم�بص به‪ ،‬ت‬ ‫ح� ولو كان هذا الجمهور‬ ‫محايداً أو متحفظاً تجاه موضوع الحديث‪.‬‬

‫المساك بالورقة‬ ‫‪ .4‬عدم إ‬

‫ش‬ ‫ب�ء من التوتر وهو يقف‬ ‫إن كان المتحدث يشعر ف ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يقرأ‬ ‫خلف المنصة‪ ،‬فعليه ي‬ ‫تال� إمساك الورقة ي‬

‫منها‪ .‬فالتوتر العال خالل الدقائق القليلة أ‬ ‫الوىل‬ ‫ي‬ ‫يسبب ارتجاف اليدين‪ .‬وحمل الورقة ف ي� هذه الحالة‬ ‫سيجعلها ت ز‬ ‫ته� بوضوح‪ .‬وسيالحظ المتحدث ذلك‪،‬‬ ‫يز‬ ‫ف�داد توتره‪ ،‬كما أن الجمهور إذا كان عىل مسافة‬ ‫أ‬ ‫قريبة منه سيالحظ المر أيضاً‪ .‬لذا‪ ،‬يجب االكتفاء‬ ‫بوضع الورقة عىل المنصة والتطلع إليها ي ن‬ ‫ب� الفينة‬ ‫أ‬ ‫والخرى‪ .‬كما يستحسن وضع اليدين عىل المنصة من‬ ‫آ‬ ‫ين‬ ‫ح� لخر لتثبيتهما وإخفاء االرتجاف إذا كان التوتر‬ ‫عالياً‪.‬‬


‫ما التوستماسترز؟‬

‫هي منظمة دولية تعليمية غير ربحية‪ ،‬مهمتها أ‬ ‫الساسية تعليم الناس مهارات التواصل والقيادة‬ ‫بناد واحد‪ ،‬ووصل عدد أنديتها اليوم إلى‬ ‫والحديث أمام الجمهور‪ ،‬تأسست في أمريكا عام ‪1924‬م ٍ‬ ‫أكثر من ‪ 13‬ألفاً في مختلف أنحاء العالم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تبلغ رسوم االنضمام إلى نادي التوستماسترز نحو ‪ 150‬دوالرا سنوياً‪ ،‬تشمل العضوية والكتب‬ ‫ناد في منطقته من خالل‬ ‫التعليمية ومجلة شهرية‪ .‬ويمكن للمهتم بالموضوع العثور على أقرب ٍ‬ ‫النترنت‪ ،‬عبر إدخال اسم المدينة‪ /‬الحي‪ ،‬مضافاً إليها كلمة نادي توستماسترز في محرك البحث‪.‬‬ ‫إ‬

‫‪ 38‬في المئة من وسائل‬ ‫االتصال الفعال تتشكل من‬ ‫نبرات الصوت‪ .‬والمفاجأة‬ ‫الكبرى هي أن ‪ 55‬في المئة‬ ‫تتوقف على لغة الجسد‬

‫ركائز الخطبة المتألقة‬

‫تقاس جودة خطبة ما (مهما كان موضوعها) وتألق‬ ‫ين‬ ‫أساسي�‪ :‬أولهما‬ ‫الخطيب أو المتحدث بأمرين‬ ‫المضمون وثانيهما أسلوب التقديم‪ .‬وأي خلل رئيس‬ ‫ف� واحد من هذين العنرصين يؤدي إىل فشل ي ن‬ ‫االثن�‬ ‫ي‬ ‫معاً‪.‬‬

‫• في المضمون‬

‫ت‬ ‫ال� ستلقى‬ ‫ترتبط صياغة الكلمة المكتوبة‬ ‫بالمناسبة ي‬ ‫أ‬ ‫فيها وبالغاية المتوخاة منها‪ .‬ولن ال حرص للمجاالت‬ ‫ت‬ ‫ال� يمكن أن يتوجه بها المتحدث‬ ‫وأهداف الكلمات ي‬ ‫إىل الجمهور‪ ،‬كان ال بد للورشة أن تتوقف عند بعض‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ال بد من توافرها ف ي� معظم‬ ‫الخطوط الساسية ي‬ ‫فئات الخطب‪ .‬وأهمها باختصار‪ :‬الهيكلية الواضحة‪.‬‬ ‫فعىل الخطبة أن تبدأ بمقدمة عامة تشد‬ ‫اهتمام الجمهور إىل الموضوع‪ .‬ومن مذاهب‬

‫المقدمات الجذابة البدء بسؤال موجه إىل‬ ‫ِّ‬ ‫ين‬ ‫المشارك�‪ .‬أو البدء‬ ‫الجمهور كما فعل أحد‬ ‫قص� كما فعل‬ ‫برواية قصة حصلت قبل وقت ي‬ ‫مشارك آخر‪ .‬وبعد المقدمة يبدأ المتحدث‬ ‫بعرض أفكاره تباعاً‪ ،‬ومن المفيد جداً أن يختم‬ ‫كل فكرة برابط يصلها بالفكرة التالية حفاظاً عىل‬ ‫يعزز‬ ‫وحدة المضمون‪ .‬وهنا عىل المتحدث أن ِّ‬ ‫هذه أ‬ ‫الفكار إما بشحنات عاطفية‪ ،‬وإما بأرقام‬ ‫ين‬ ‫باالثن� معاً‪ ،‬وفق طبيعة‬ ‫وإحصاءات باردة‪ ،‬أو‬ ‫الكلمة والغاية المتوخاة منها وطبيعة الجمهور‪.‬‬ ‫وأخ�اً عليه أن يختم كلمته بخالصة توضح تماماً‬ ‫ي‬ ‫وباختصار الغاية من كلمته والهدف الذي يسعى‬ ‫إليه‪.‬‬

‫• مقومات المتحدث المتألق‬

‫ف‬ ‫أل�ت مهر ي ن‬ ‫أمريك‬ ‫اب�‪ ،‬وهو باحث‬ ‫ي� دراسة أجراها ب‬ ‫ي‬ ‫من أصل هندي‪ ،‬حول أهم وسائل االتصال‪ ،‬ي َّ ن‬ ‫تب� له‬ ‫أن الكلمات تشكل ‪ 7‬ف ي� المئة فقط من وسائل االتصال‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫يع� أن الكلمة المكتوبة‪ ،‬ومهما‬ ‫ّ‬ ‫الفعال‪ .‬المر الذي ي‬ ‫كانت بليغة ومتقنة تبقى يغ� مضمونة النتائج‪ ،‬إذا لم‬ ‫تقدم أ‬ ‫بالسلوب الجيد الالئق بها‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فقد جاء ف� دراسة مهر ي ن‬ ‫اب� هذه‪ ،‬أن ‪ 38‬ف ي� المئة من‬ ‫ي‬ ‫وسائل االتصال الفعال تتشكل من بن�ات الصوت‪.‬‬ ‫الك�ى هي أن ‪ 55‬ف ي� المئة تتوقف عىل لغة‬ ‫والمفاجأة ب‬ ‫الجسد‪.‬‬

‫• لغة الجسد‬

‫من المعروف أن لغة الجسد صارت علماً قائماً بحد‬ ‫ذاته‪ ،‬ض‬ ‫التعب�ية‬ ‫المدرب مثاال ً عىل قدرتها‬ ‫و�ب‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تزال‬ ‫إ‬ ‫بالشارة إىل أفالم ي‬ ‫شارل شابلن الصامتة‪ ،‬ي‬ ‫قادرة عىل إضحاك الناس بعد عقود عىل ظهورها‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� التعليم تدخل لغة الجسد ف ي� أساسيات بعض‬ ‫ي‬ ‫و� تسويق أ‬ ‫ف‬ ‫الفكار من‬ ‫المهارات مثل التسويق‪ .‬ي‬ ‫ين‬ ‫خالل التحدث إىل جمهرة من‬ ‫المستمع� تلعب لغة‬ ‫الجسد دوراً حاسماً‪.‬‬ ‫وبعدما لفت المدرب إىل أ‬ ‫الشكال السلبية من لغة‬ ‫ّ‬ ‫والياب عىل المرسح وفق‬ ‫الجسد‪ ،‬مثل الذهاب إ‬ ‫إيقاع رتيب‪ ،‬أو فرك اليدين ببعضهما (ارتباكاً)‪.‬‬ ‫المع�ة عن المضمون‪.‬‬ ‫تطرق إىل أهمية الحركة‬ ‫ب ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫المستمع�‬ ‫وأيضاً عن انحناءة الجسد باتجاه بعض‬ ‫من ي ن‬ ‫إيجا�‪ .‬والنصيحة‬ ‫ح� إىل آخر لما لها من وقع ب ي‬ ‫أ‬ ‫ال� أعطاها فيما يتعلَّق بالحركة هي �ف‬ ‫البرز ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وجوب ارتباطها بمضمون الحديث‪ ،‬بحيث يأ�ت‬ ‫ي‬ ‫االنتقال من مكان إىل آخر ت ز‬ ‫م�امناً مع االنتقال من‬ ‫فكرة إىل أخرى‪.‬‬ ‫إيجا�‬ ‫والنتقال المتحدث من مكان إىل آخر وقع ب ي‬ ‫عىل الجمهور الذي يشعر برغبة المتحدث ف ي� التقرب‬


‫‪15 | 14‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫المتحدث يقف عىل خشبة مرسح‪،‬‬ ‫إليه‪ .‬وإذا كان‬ ‫ِّ‬ ‫خ�ة كافية‪ ،‬فيمكنه أن يقسم ف ي� ذهنه‬ ‫وكان صاحب ب‬ ‫ليتجول عليها‪.‬‬ ‫المساحة المعطاة له إىل ‪ 6‬مربعات‬ ‫َّ‬ ‫عىل أن يقف ف� وسط المربع أ‬ ‫المامي منها عندما‬ ‫ي‬ ‫يختتم كلمته‪ .‬تماماً كما أن البدء من منتصف المرسح‬ ‫يشكّل دليال ً عىل «مركزية» المتحدث وأهميته‪.‬‬

‫ومن التقنيات المتبعة ف ي� هذا المجال‪ ،‬عندما يكون‬ ‫كب� العدد‪ ،‬هو تراجع المتحدث قليال ً إىل‬ ‫الجمهور ي‬ ‫صغ�ة من بضعة‬ ‫الخلف‪ ،‬والتطلع إىل مجموعات ي‬ ‫أشخاص‪ .‬ففي هذه الحالة سيشعر كل واحد من‬ ‫هذه المجموعة أن المتحدث يتوجه إليه شخصياً‬ ‫بالكالم‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي يؤدي بدوره إىل تعزيز إصغائه‬ ‫للمتحدث‪.‬‬

‫ومن أهم عنارص لغة الجسد هو ما يسمى بـ‬ ‫«المسح البرصي»‪ ،‬أي أن يتطلع المتحدث إىل عيون‬ ‫أك� قدر ممكن من مستمعيه‪ ،‬ال إىل السقف أو‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫الرض‪ ،‬وال أن يركز برصه عىل جهة واحدة أو عىل‬ ‫مستمع واحد‪.‬‬

‫• نبرة الصوت‬

‫• أهمية المسح البصري‬

‫ترتبط بن�ة الصوت المطلوبة بطبيعة الخطبة أو‬ ‫الن�ة ض�وري إلضفاء‬ ‫مضمون الكلمة‪ .‬ولكن تنويع ب‬ ‫الحيوية عىل المضمون‪ .‬فمعلوم أن الحبال الصوتية‬ ‫اثنان‪ ،‬أما درجات الصوت فثمان‪ .‬وثمة نوعان من‬

‫الصو� خالل الحديث‪ :‬أ‬ ‫ت‬ ‫الول هو أفقي يقوم‬ ‫التنوع‬ ‫ي‬ ‫عىل تبدل الرسعات‪ .‬ن‬ ‫والثا� عمودي يقوم عىل ارتفاع‬ ‫ي‬ ‫الصوت وانخفاضه‪ .‬والتدرب عىل تنويع بن�ة الصوت‬ ‫سهل للغاية‪ .‬كما أن وقفات التنفس تدخل ضمن‬ ‫ت‬ ‫الصو�‪.‬‬ ‫التنوع‬ ‫ي‬

‫وماذا عن االرتجال؟‬

‫إذا كانت الخطب وعروض التقديم المكتوبة حظيت‬ ‫بالح� أ‬ ‫يّ ز‬ ‫ال بك� من أعمال الورشة‪ ،‬فإن موضوع‬ ‫االرتجال لم يغب عنها‪.‬‬ ‫المعدة سلفاً‪ .‬ولكن عدم‬ ‫فاالرتجال هو يغ� الكلمة‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫ث‬ ‫ي�ر الفو� والتع�‪ .‬وإن كان‬ ‫إ‬ ‫العداد المسبق ال ب ِّ‬ ‫كل ما سقناه سابقاً عن الخوف ووسائل التخلص منه‬ ‫أهمية‬ ‫ينطبق أيضاً عىل االرتجال‪ ،‬أشار‬ ‫ّ‬ ‫المدرب إىل َّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� ي ز‬ ‫الذه� خالل االرتجال‪ ،‬من خالل أربع نقاط‬ ‫ك�‬ ‫ي‬ ‫متتالية عىل الذهن أن يعمل عليها برسعة نسبية‪:‬‬ ‫ أ‬‫الوىل‪ :‬فهم الموضوع‪.‬‬ ‫ الثانية‪ :‬تحديد موقف من الموضوع‪.‬‬‫ الثالثة‪ :‬تدعيم الرأي والموقف باستشهاد أو بقصة‬‫أو بأرقام‪.‬‬ ‫ الرابعة‪ :‬تلخيص الموقف‪.‬‬‫أ‬ ‫قص�ة‪،‬‬ ‫ولن الخطب أو الكلمات المرتجلة هي عادة ي‬ ‫كث� من المهارات مثل لغة الجسد‬ ‫فإنها ال تحتاج إىل ي‬ ‫والحركة المدروسة عىل المرسح‪ .‬كما أن توقعات‬ ‫الجمهور هي عادة أقل مما هي عليه أمام الخطبة‬ ‫المكتوبة‪.‬‬

‫في العروض المرئية‬

‫وتطرقت الورشة إىل الدور الذي يمكن أن تلعبه‬ ‫َّ‬ ‫الصورة ف ي� العروض المرئية‪ ،‬عىل صعيد توضيح‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫المستمع� ‪ -‬المشاهدين بالكالم‬ ‫الفكار وتعزيز ثقة‬


‫آراء بعض المشاركين‬ ‫• حمزة السقاف‪ ،‬مهندس تنقيب وحفر‪:‬‬ ‫المر أ‬ ‫أ‬ ‫الساس الذي تعلمته من الورشة هو كيفية‬ ‫التغلب عىل الخوف أثناء الوقوف أمام جمهور‬ ‫كب�‪ .‬وكيفية التعامل مع هذا الجمهور ف ي� الندوات‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وأثناء التعامل مع أسئلته‪ .‬الورشة كانت ممتازة‬ ‫بشكل عام‪ ،‬وإن كنت ن‬ ‫أتم� إعطاء فرص للجميع‬ ‫ليلقوا خطباً‪.‬‬ ‫• عبدالمجيد الشمري‪ ،‬مسؤول تواصل‪:‬‬ ‫ف‬ ‫كث�ة لم تمر‬ ‫اطلعت ي� هذه الورشة عىل أمور ي‬

‫العداد المسبق‪.‬‬ ‫ب ي� سابقاً‪ ،‬وتعلَّمت منها أهمية إ‬ ‫ت‬ ‫وأق�ح إطالتها لمدة ثالثة أيام‪ ،‬ألن ي ن‬ ‫يوم� ال‬ ‫يكفيان‪.‬‬

‫ت‬ ‫تن‬ ‫ال� يجب أن تشد‬ ‫م� الخطبة‪ ،‬وأهمية الخاتمة ي‬ ‫ن‬ ‫المستمع� وتحمل إليهم الهدف من الخطبة‬ ‫ي‬ ‫باختصار ووضوح‪.‬‬

‫• فهد سعيد العمري‪ .‬مالحظ أعمال‪:‬‬ ‫كانت الورشة مفيدة‪ ،‬خاصة وأنها أ‬ ‫الوىل من نوعها‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫معلوما�‪،‬‬ ‫كث�اً إىل‬ ‫ال� أشارك فيها‪ .‬وقد أضافت ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫اللقاء وكرس‬ ‫كما استفدت من التمارين عىل طريقة إ‬ ‫الجمود والتخلص من التوتر ف ي� البداية‪ .‬كما لفتت‬ ‫انتباهي إىل أهمية االستشهادات والقصص ف ي�‬

‫• وليد عبدهللا الغامدي‪ ،‬موظف حكومي‪:‬‬ ‫أ‬ ‫المر الجديد الذي تعلمته هو كيفية كرس الجمود‬ ‫والخوف ولو جزئياً‪ .‬واستفدت من مناقشة‬ ‫جوانب الموضوع مع الزمالء‪ .‬ت‬ ‫وأق�ح االستمرار‬ ‫ف ي� إقامة ورش العمل المشابهة لها وزيادة المدة‬ ‫المخصصة لها‪.‬‬

‫وصوابيته‪ .‬فالكالم لوحده يخاطب حاسة السمع‬ ‫فقط‪ .‬ولذا‪ ،‬فإن إرفاقه بصورة داعمة أو موضحة‬ ‫يضيف حاسة البرص إىل حاسة السمع عند الجمهور‪،‬‬ ‫فيعزز تلقي الفكرة وترسيخها ف ي� الذهن‪.‬‬

‫• الحذر من إعطاء الكالم ألول طالبيه‪ ،‬إذا كان‬ ‫مث�اً للجدل العنيف‪ .‬ألنه غالباً ما يكون‬ ‫الموضوع ي‬ ‫ف‬ ‫ف ي� صفوف الجمهور ي� هذه الحالة من يريد أن‬ ‫يهاجم أو ينتقد بعنف‪.‬‬

‫الخ�ات ت‬ ‫المدرب أن‬ ‫الم�اكمة‪ ،‬يؤكد‬ ‫واستناداً إىل ب‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أفضل ش‬ ‫ال� تتضمن ما يب� ‪6‬‬ ‫ال�ائح‬ ‫َّ‬ ‫المصورة هي ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و‪ 8‬أسطر كحد أقىص وما يب� ‪ 6‬و‪ 8‬كلمات ي� السطر‬ ‫مع�ة إىل‬ ‫الواحد‪ .‬وأن يكون النص معززاً بصورة ب ّ‬ ‫جانبه‪ .‬وما تجاوز ذلك هو يغ� مريح ي ن‬ ‫للع�‪ ،‬وما َّ‬ ‫قل‬ ‫عن ذلك قد يوحي بالضحالة‪.‬‬

‫• سماع السؤال تب� ي ز‬ ‫ك� شديد‪ ،‬ألنه من يغ�‬ ‫الطالق الطلب إىل السائل أن‬ ‫المستحب عىل إ‬ ‫يعيد سؤاله‪.‬‬

‫وخالل حلقات النقاش‬

‫وقبيل اختتام الورشة وتوزيع شهاداتها عىل‬ ‫ض‬ ‫الحا�ين‪ ،‬خاض المشاركون تجربة إدارة حلقة‬ ‫ين‬ ‫المتحدث� عىل أسئلة‬ ‫نقاش‪ ،‬وما ينطوي عليه رد‬ ‫الجمهور من محاذير وما يتطلبه من مهارات‪.‬‬ ‫وليضاح النتائج والمالحظات المستخلصة من هذه‬ ‫إ‬ ‫المدرب تلخيصاً ألهم العنارص ت‬ ‫ال�‬ ‫م‬ ‫قد‬ ‫التجربة‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫يجب أخذها ف ي� الحسبان عند فتح باب الحوار مع‬ ‫الجمهور‪ .‬وأهمها‪:‬‬

‫• مجاملة السائل‪ ،‬ألنه عندما يطرح سؤاله ال يكون‬ ‫مجرد فرد‪ ،‬بل ممثال ً الجمهور ككل‪ .‬ومن التقنيات‬ ‫البسيطة المعتمدة ف ي� هذا المجال‪ ،‬تدوين اسم‬ ‫السائل فور إعالنه‪ ،‬يك يستخدمه المجيب عند‬ ‫إيجا� عند السائل الذي‬ ‫الرد‪ ،‬لما له من وقع ب ي‬ ‫يشعر ف ي� هذه الحالة أنه أخذ حقه من االهتمام‬ ‫ت‬ ‫واالح�ام‪.‬‬ ‫ختاماً‪ ،‬نعود إلى ما أشرنا إليه في البداية‪ ،‬وهو أن‬ ‫هذه الورشة‪ ،‬وبكل ما حفلت به من عرض نماذج‬ ‫مختلفة لخطب متنوعة المضامين‪ ،‬وأفالم وشرائح‬ ‫مصورة‪ ،‬وتمارين حية أداها المشاركون‪ ،‬تبقى‬ ‫البسام مجرد مدخل أو خارطة‬ ‫حسبما يقول‬ ‫ِّ‬ ‫المدرب ّ‬

‫طريق‪ ،‬تتطلب تدريباً وتمريناً كي تتجلى نتائجها على‬ ‫الخطيب أو المتحدث‪ .‬تماماً كما أن تعليم السباحة‬ ‫من خالل شرح تقنياتها ال يكفي لتحويل المرء إلى‬ ‫سباح ماهر‪ ،‬أ‬ ‫فالمر يتطلب تمارين وتدريبات عملية‬ ‫ّ‬ ‫ال بد منها‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪17 | 16‬‬

‫بداية كالم‬

‫ما هي اللحظة‬ ‫الرمضانية المميزة التي‬ ‫كانت لك في طفولتك؟‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫منتصف النهار في‬ ‫األحياء الشعبية ‪..‬‬

‫ف‬ ‫صحا� سعودي‬ ‫عمر المضواحي ‪/‬‬ ‫ي‬ ‫ف ن‬

‫ذه�‪ ،‬أو يذكر‪ ،‬تقفز عىل‬ ‫عندما يخطر الشهر الفضيل �‬ ‫مخيل� صورة جميلة ي وملو ينة لساعة العرص ف� أ‬ ‫ت‬ ‫الحياء‬ ‫الفور ف ي�‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تدب ي� أحياء جدة القديمة بدءاً من‬ ‫الشعبية‪ ،‬والحركة ي‬ ‫هذا الوقت تحديداً‪ .‬فمع انتهاء فرض صالة العرص يخرج الجميع إىل الشوارع‬ ‫للم�‪ ،‬وأحياناً للتسوق‪ .‬يتجولون ي ن‬ ‫ش‬ ‫ب� الباعة ويتنشقون روائح العطور‪ ،‬والفواكه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تبدو للصائم شهية ومكتملة النضج‪ ،‬وما لذّ وطاب من الطعمة الرمضانية كالسمبوسة‪ ،‬وحلوى اللقيمات‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫النسان بنفسه‪ ،‬واتخاذه للقرار‪ ،‬وإمساكه بزمام المور‪.‬‬ ‫ال� تتعلق بتحكم إ‬ ‫ي‬ ‫وغ�ها‪ .‬تتجىل يل فلسفة الصوم ي‬ ‫ف‬ ‫فهو ت‬ ‫يش�ي ما طاب له ساخناً شهياً‪ .‬الحياة االجتماعية أيضاً ي� رمضان هي قصة أخرى‪ .‬كنا صغاراً نسكن‬ ‫أ‬ ‫الج�ة‪ .‬كانت كل عائلة تتذوق عىل مائدة إفطارها ما تأكله‬ ‫الحارات الشعبية‪ ،‬ونتبادل الطباق الرمضانية مع ي‬ ‫الخرى‪ .‬وكان مسجد الحي عامراً بكل ذلك‪ ،‬حيث كانت الموائد الرمضانية تفرش وتمد‪ ،‬وت أ‬ ‫العائلة أ‬ ‫مل بما لذّ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫الفطار � نز‬ ‫والعمال الذين يقصدون‬ ‫الم�ل‪ ،‬لتسد جوع العابر‪ ،‬وابن السبيل‪،‬‬ ‫وطاب‪ ،‬وبكل ما تتضمنه مائدة إ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫المسجد للإفطار‪ .‬واليوم نقصد الحارات الشعبية ي� الجنوب بعد أن انتقلنا منها وتوسعنا شماال ً و�قاً وغرباً‬ ‫اللفة‪ ،‬ولنستمتع برس الحارة ودفء أ‬ ‫لنستعيد أجواء أ‬ ‫الجواء الرمضانية فيها‪ ،‬وإن كان ذلك بحجة التسوق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫المساك وصالة الفجر‪.‬‬ ‫وتزجية الوقت‪ .‬الوقت الخر الذي تت�كز فيه الجواء الرمضانية بالنسبة ل‪ ،‬هو بعد إ‬ ‫للت�ه عىل شاطئ البحر قليال ً قبل أن شت�يق الشمس تماماً وتنفث حرارتها �ف‬ ‫كث�ون وأنا منهم نز‬ ‫ين‬ ‫ح� يذهب ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الجواء‪.‬‬

‫حسام السيد ‪ /‬مخرج ‪ ..‬تلفاز ‪11‬‬

‫ت‬ ‫طفول� ف ي� ينبع‪ .‬بدأت الصيام ف ي� سن‬ ‫عشت رمضانيات‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫م� شهر رمضان وقتها كان عرض‬ ‫ي‬ ‫صغ�ة ال أتذكرها‪ .‬وأبرز ما ي َّ‬ ‫التلفزيون المرصي لفوازير ألف ليلة وليلة‪ ..‬بعضها كان يبدأ‬ ‫الفطار ي ز‬ ‫مم�ة بحضور أطباق‬ ‫برسوم متحركة‪ ،‬أذكر أنها كانت غريبة‪ .‬وكانت لحظات إ‬ ‫رمضانية خاصة كالسمبوسة وشوربة العدس‪ .‬أ‬ ‫ض‬ ‫الجواء الروحانية كانت حا�ة أيضاً‬ ‫من خالل ما أذكره عن صالة ت‬ ‫ين‬ ‫المصل� خارج المسجد‪.‬‬ ‫ال�اويح‪ .‬كان وقتها شتا ًء والنسمات الباردة تلفح صفوف‬ ‫ت‬ ‫وكث�اً ما كانت تتبعها ساعات من السهر ح� منتصف الليل أو الواحدة بعده‪ .‬كانت تلك حدود السهر وقتها!‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫أذكر أننا كنا نبكر بالخروج إىل الصالة ح� يتس� لنا المرور بسوق حي الشفا‬ ‫الشع�‪ .‬وكان لالجتماعات‬ ‫بي‬ ‫الكب�ة هناك وسط‬ ‫والزيارات العائلية نصيب حظيت به لدى زيارتنا المدينة المنورة‪ ،‬حيث اجتمعت العائلة ي‬ ‫أ‬ ‫القارب وأصدقاء العائلة الصغار‪.‬‬

‫ذاكرة تلفزيونية‬


‫مهرجان من‬ ‫الروائح الزكية‬ ‫وازدحام‬ ‫المتسوقين‬

‫رسي شعبان ‪ /‬مدير اتصاالت‬

‫ت‬ ‫ت‬ ‫اللحظة الرمضانية ي ز ت‬ ‫وذاكر�‪ ،‬ترتبط بازدحام‬ ‫مخيل�‬ ‫ال� ترتسم ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المم�ة ي‬ ‫أ‬ ‫العالن عن دخول الشهر الفضيل وثبوت‬ ‫السواق والمحال التجارية لحظة إ‬ ‫كغ�ه ت ز‬ ‫لل�ود‬ ‫صغ�اً عندما كان والدي يذهب ي‬ ‫رؤية هالله‪ .‬كنت ما أزال ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫جماعات بصحبة‬ ‫المتسوق� الذين يذهبون‬ ‫ذاكر� وجوه‬ ‫بالمؤونة لشهر رمضان‪ .‬وانطبعت ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫وغ�هم‪ .‬وبعد أن‬ ‫عائالتهم وأطفالهم إىل المحال‬ ‫الصغ�ة‪ :‬بقال الحي واللحام وبائع الحلوى ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫تز‬ ‫يع� بالنسبة يل حلول شهر الصيام‪ ،‬وإن كانت فكرة التسوق بحد‬ ‫بك�ت‪ ،‬ظلت الذاكرة تحتفظ بهذا المشهد المخ�ل‪ ،‬والذي ي‬ ‫ش‬ ‫«الهاي�ماركت‬ ‫جماعات وأفواجاً إىل‬ ‫ال�ء‪ .‬فاليوم‪ ،‬عوضاً عن الذهاب إىل بقَّال الحي‪ ،‬يذهب الناس‬ ‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫ذاتها اختلفت بعض ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫بالمتسوق�‪ .‬وتبدأ رفوف بضائعها باالختفاء ي� ساعات قليلة‪ .‬وتكاد ترى المنتجات بعينها ي� كل عربة‬ ‫ال� تكتظ‬ ‫ب‬ ‫الك�ى»‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫الحن�ن‬ ‫ش‬ ‫ال‬ ‫هذا‪،‬‬ ‫من‬ ‫الرغم‬ ‫وعىل‬ ‫السمبوسة‪.‬‬ ‫ولفائف‬ ‫«الفيمتو»‬ ‫اب‬ ‫و�‬ ‫‪،‬‬ ‫الل�‬ ‫من‬ ‫منها‬ ‫أي‬ ‫تخلو‬ ‫ال‬ ‫إذ‬ ‫يمكن� الخالص من ي‬ ‫ب‬ ‫ٌ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� تبيع الطعمة‬ ‫كث�ون عىل زيارة المحال‬ ‫إىل طعم التسوق‬ ‫ي‬ ‫صغ�اً‪ .‬لذا أحرص كما يحرص ي‬ ‫الرمضا� كما عرفته ي‬ ‫ي‬ ‫الصغ�ة ي‬ ‫والخ� الساخن «التميس»‪ ،‬أ‬ ‫ولن ال ن‬ ‫الشعبية المعتادة مثل الفول والفالفل‪ ،‬والحمص‪ ،‬ب ز‬ ‫غ� عن الكنافة للإفطار‪ ،‬أذهب‬ ‫الفطار بدقائق‪ .‬أما بعد صالة ت‬ ‫«ال�اويح» فزيارة جدة القديمة ومنطقة البلد‬ ‫إلحضارها يومياً من المحل نفسه قبل موعد إ‬ ‫أ‬ ‫الصغ�ة‬ ‫أمر واجب شل�اء حاجيات العيد والهدايا ألفراد العائلة‪ .‬رمضان هو شهر روائح الطعمة الزكية‪ ،‬والمحال التجارية‬ ‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫والشعبية‪ ،‬ممزوجة بوجوه آالف الناس‪ ،‬تختلط مع بعضها ببساطة وتسامح‪.‬‬

‫ن‬ ‫التلبا� ‪ /‬أم ‪ -‬ربة ن ز‬ ‫فدوى‬ ‫م�ل‬ ‫ي‬

‫والج�ان والتقارب الحميم بينهم هو ما ي ِّ ز‬ ‫يم� شهر‬ ‫الحارة‬ ‫ي‬ ‫رمضان‪ .‬وكانت هذه اللحمة االجتماعية أقوى وأوثق مما‬ ‫أك�‪ ،‬كنا نتداول فيما بيننا‬ ‫تبدو عليه اليوم‪ .‬كانت المشاركة ب‬ ‫الطباق أ‬ ‫أ‬ ‫والطعمة الرمضانية بشكل ال يتوقف ت‬ ‫ح� يصل إىل خامس أو سابع‬ ‫الج�ان ث‬ ‫نز‬ ‫أك� من صنع أهل البيت‪ .‬وكان‬ ‫م�ل‪ .‬وكانت الموائد تمتلئ بطعام ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫يقربنا أك�‪ .‬أذكر انتظارنا عىل البواب ح� انطالق المدفع‪ .‬فكل طفل أو‬ ‫تذوق تلك الصناف المتنوعة ِّ‬ ‫طفلة من كل بيت يقف عند باب بيته بانتظار سماع صوته ليجري مرسعاً نحو أهله معلناً بذلك حلول موعد‬ ‫الخوة والزيارات الرمضانية حالوة مثل أطباق الماسية والحلويات‬ ‫الفطار‪ .‬ولطعم االجتماعات العائلية مع إ‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ز‬ ‫ً‬ ‫وقت مبكر جزءا ال يتجزء من رمضان أيضاً‪ ،‬المر‬ ‫المتبادلة � تلك الزيارات الدافئة‪ .‬وكان‬ ‫ي‬ ‫التجه� للعيد ي� ٍ‬ ‫الذي كان ييقت�ض الذهاب لمرات عديدة إىل بعض أ‬ ‫الخياط�‪ ،‬ي ن‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫وتزي�‬ ‫فسات� العيد لدى‬ ‫السواق‪ ،‬شل�اء‬ ‫ي‬ ‫الكلونيا وضيافات العيد‪.‬‬

‫شهر رمضان‬ ‫خارج المملكة‬

‫شهد سمان ‪ /‬محامية‬

‫أطباق متنقلة‬

‫أ‬ ‫كث�اً‬ ‫بالنسبة يل‪ ،‬شهر رمضان كان وال يزال شهراً عائلياً بالدرجة الوىل‪ .‬ويرتبط ي‬ ‫تعدها ت‬ ‫ت‬ ‫الفطار‪.‬‬ ‫والد� بشكل خاص لما بعد إ‬ ‫ال� ّ‬ ‫ي‬ ‫بالجلوس لتناول فالحلوى ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫بخ�ة استثنائية ي� مجال الطهو وإعداد‬ ‫فوالد� معروفة ي� أوساطنا العائلية ب‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� شهر رمضان يبدو أنها تتلذَّ ذ وتستمتع بنجومية خاصة من خالل صنع‬ ‫الحلوى بشكل خاص‪ .‬ي‬ ‫الكب�ة‪ .‬اللقيمات‪ ،‬وكعك الجزر هي المفضلة‪.‬‬ ‫الحلوى بشكل يومي‪ ،‬وتقديمها لكل أفراد العائلة ي‬ ‫ف أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تقام بشكل يومي تقريباً‪،‬‬ ‫وثمة ذكرى أخرى ترتبط بشهر رمضان ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ذاكر� هي االزدحام ي� السواق‪ ،‬والبازارات النسائية ي‬ ‫وقد ازدادت هذه الظاهرة مع م�ض الوقت‪ ،‬حيث تجد السيدات فرصة ممتازة للتسوق‪ ،‬ش‬ ‫و�اء وبيع نوع خاص يرتبط بمظهر‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الرمضا� والعباءات‪ .‬وإن كان االزدحام المروري كارثياً ي� ساعات ما بعد صالة‬ ‫السيدة السعودية ي� رمضان وهو الثوب أ ي‬ ‫العشاء‪ ،‬وهو الوقت الذي تنشط فيه هذه السواق لكننا نحرص عىل ارتيادها‪ .‬وأيضاً أشعر أن الشهر الفضيل دخل ي ن‬ ‫ح�‬ ‫أستمع إىل الموسيقى ي ز‬ ‫المم�ة للدعايات الرمضانية‪ .‬فكلها تتخذ من عبارة «رمضان كريم» شعاراً‪ ،‬وتكثف دعايتها والموسيقى‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ذاكر�‪ .‬قبل أعوام قليلة قضيت شهر رمضان لول مرة خارج‬ ‫المصاحبة لتمنح جواً رمضانياً ال‬ ‫يمكن� الفكاك منه أو فصله عن أ ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ح�ن‬ ‫المملكة‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫ال� أقصدها والجو‬ ‫ال� ّ‬ ‫العائل‪ .‬كان ذلك ي‬ ‫ي‬ ‫تعدها أمي والبازارات والسواق النسائية ي‬ ‫أطباق الحلوى ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫سل�‪ .‬لكن المفاجأة أن أجواء‬ ‫أن� لن أسعد به ي‬ ‫صمت الشهر الفضيل ي� ب ي‬ ‫د�‪ ،‬وكنت أظن ي‬ ‫كث�اً وأنه سيكون مختلفاً بشكل ب ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ت� بالسعادة‪.‬‬ ‫ال� كانت ي� كل مكان وليس فقط داخل المنازل‪ ،‬أشعر ي‬ ‫الخيم الرمضانية واالحتفاء بالشهر ي‬


‫‪19 | 18‬‬

‫كتب عربية‬

‫ما بعد الثقافة‪ :‬التداوليات الالنهائية‬

‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2014‬‬

‫كتاب صادر عن المركز ف‬ ‫(ف�اير‬ ‫العر�‪ ،‬يب�وت ب‬ ‫الثقا� ب ي‬ ‫ي‬ ‫‪2014‬م)‪ ،‬من تأليف الكاتب والشاعر السعودي يارس‬ ‫عدة عىل رأسها الثقافة‬ ‫حجازي‪ ،‬يناقش مفاهيم ّ‬ ‫نفسها‪ ،‬وما يتداخل مع نشأتها من عالقة بالفرد‬ ‫والمجتمع والكيان ش‬ ‫تحوالتها ف ي�‬ ‫والت�يع‪ .‬كما يرصد ّ‬ ‫الواقع بعد تمهيد مفهوم «ما بعد الثقافة»‪ ،‬وعالقة‬ ‫بالتغي� عىل مستوى الحدث الواقع وعىل‬ ‫المفهوم‬ ‫ي‬ ‫مستوى الفكر الصادر عن الواقع‪.‬‬ ‫ين‬ ‫اتجاه�‬ ‫ويرك ّز حجازي عىل «ما بعد الثقافة» بع�‬ ‫ئيس�‪ :‬أحدهما عىل مستوى أ‬ ‫ر ين‬ ‫الفراد بع� الفردية‬ ‫ن‬ ‫الثا�‬ ‫الذكية الخارجة عن وصاية المجتمع‪ .‬واالتجاه ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تؤهل‬ ‫هو عىل مستوى الحالة إ‬ ‫النسانية الثقافية ي‬ ‫االنتقال من مفاهيم إىل أخرى من خالل الواقع‬ ‫وتحوالته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إنتاج الثقافة العربية واستدراكها عبر‬ ‫الفضاء الرقمي‬

‫العر� (‪2013‬م)‪ ،‬من‬ ‫كتاب صادر عن مؤسسة الفكر ب ي‬ ‫تأليف جمال غيطاس‪ ،‬يرصد مواطن الضعف والقوة‬ ‫ف‬ ‫النتاج واالستهالك‪.‬‬ ‫ي� الثقافة الرقمية العربية لجهة إ‬ ‫مستكشفاً البنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات‬ ‫ف‬ ‫العر�‪ ،‬وال سيما ي ن‬ ‫ب� فئاته االجتماعية‬ ‫ي� العالم ب ي‬ ‫المتنوعة عىل اختالف مستوياتها الثقافية الرقمية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يستخدمها‬ ‫كما يُطلع الكتاب القارئ عىل فالدوات ي‬ ‫العر� ي� قنوات االتصال‬ ‫جمهور الفضاء الرقمي ب ي‬ ‫والتفاعل ف ي� ميدان الثقافة الرقمية‪ .‬وتزداد أهمية‬ ‫ف‬ ‫تطور الثقافة‬ ‫هذا الرصد قوة ي� مرحلة حاسمة من ّ‬ ‫تأث� رياح التكنولوجيا‬ ‫الرقمية العربية ونموها تحت ي‬ ‫العاصفة‪.‬‬ ‫على حافة لوحة في المنعطف الموسيقي‬

‫كتاب شعري من تأليف الدكتور عبدالرحمن‬ ‫أ‬ ‫د� بالرياض‬ ‫الخميس‪ ،‬صادر عن النادي ال ب ي‬ ‫(‪2014‬م)‪ ،‬ينطوي ف ي� غالبية نصوصه‪ ،‬كما يدل‬ ‫العنوان‪ ،‬عىل «تقاطعات» تستدعي إىل الوجدان‬ ‫وإىل الذاكرة نوعاً من الكتابة أطلق عليه «المعارضات‬ ‫ت‬ ‫ال� تلتحم بأجمل القصائد‪ .‬وهذا‬ ‫الشعرية» ي‬ ‫االلتحام منفتح عىل نحو شديد الغزارة وفق صيغة‬ ‫العرص‪ ،‬وما أنجزه عالم االتصال من مساحة واسعة‬ ‫ال تن�نت بع� ما و ّفرته من وسائل‬ ‫فتحتها شبكة إ‬ ‫إلك�ونية تُع�ن‬ ‫التواصل االجتماعي ومن مواقع ت‬ ‫البداعي‪ ،‬وهذا‪ ،‬بالتحديد‪ ،‬ما تقاطع معه‬ ‫بالشأن إ‬ ‫الكتاب‪.‬‬

‫ماذا حدث‬ ‫للسعوديين؟‬ ‫المؤلف‪ :‬غسان حامد عمر‬ ‫الموضوع‪ :‬النقد االجتماعي‬ ‫عدد الصفحات‪ 270 :‬صفحة‬ ‫الناشر‪ :‬دار المناهل (‪)2014‬‬

‫هذا الكتاب هو مجموعة خواطر متفرقة ال يربطها‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ببعضها إال كونها كلها‬ ‫مستقاة من التحوالت ي‬ ‫ف‬ ‫طرأت عىل الحياة اليومية ي� المملكة خالل العقود‬ ‫ف ن‬ ‫اث�‬ ‫القليلة الماضية‪ .‬وقد ُجمعت هذه الخواطر ي� ف ي‬ ‫ش‬ ‫ع� فصالً‪ ،‬أولها «قصة وطن»‪ ،‬وآخرها «ضوء ي�‬ ‫كث� مثل «السعودة»‪« ،‬مشكالتنا‬ ‫النفق»‪ ،‬وما بينهما ي‬ ‫ومسبباتها» و«عن أخالقياتنا الحميدة»‪ ..‬الخ‪،‬‬ ‫ويقول المؤلف ف ي� المقدمة إن «بذرة هذا الكتاب‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الكب�‬ ‫اء� لكتاب الستاذ ي‬ ‫بدأت عام ‪2008‬م بعد قر ي‬ ‫ين‬ ‫جالل ي ن‬ ‫للمرصي�؟»‪ .‬فلقد لمست‬ ‫أم� «ماذا حدث‬ ‫ف‬ ‫المرصي�ن‬ ‫ن‬ ‫كب�اً ي� فصول الكتاب يب� حياة‬ ‫ي‬ ‫تشابهاً ي‬ ‫التغ�ات االجتماعية»‪.‬‬ ‫وحياتنا من ناحية ي‬ ‫ويضيف الكاتب ف ي� مكان آخر‪« :‬لقد بذلت كل‬ ‫ت‬ ‫ال� طرأت عىل المجتمع‬ ‫جهدي يك أصف‬ ‫ي‬ ‫المتغ�ات ي‬ ‫أ‬ ‫ز‬ ‫متح�اً‪ ،‬فأنا‬ ‫السعودي خالل ثالثة عقود‪ ،‬ال لكون ي‬ ‫عندما أتحدث عن موضوع‪ ،‬فليس بال�ض ورة أن‬ ‫أكون مع أو ضد؛ مثالً‪ :‬لو قلت إن صور النساء‬ ‫اختفت تماماً من الصحف لعقدين ت‬ ‫ح� منتصف عام‬ ‫ن‬ ‫فإن� أصف حال الصحف فقط‪ ..‬وليس‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬ي‬ ‫ث‬ ‫يتلمس‬ ‫أك�»‪ .‬ولكن رغم ذلك‪ ،‬يمكن للقارئ أن َّ‬ ‫ف‬ ‫مواقف المؤلف ي� مواضع عديدة‪ ،‬وإن كان بشكل‬ ‫يغ� ش‬ ‫مبا�‪ ،‬كما هو الحال من خالل االستشهادات‬ ‫ت‬ ‫كث�اً ما يختتم بها منفصلة تطرقه‬ ‫ال� ي‬ ‫واالقتباسات ي‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫مع�‪ .‬ولكن ما هو‬ ‫إىل فكرة معينة‪ ،‬أو توصيفه لمر أ ي َّ‬ ‫أهم من ذلك‪ ،‬هو ف ي� أن مجمل الفكار والمواضيع‬ ‫ت‬ ‫ال� تتطرق إليها هذه الخواطر‪ ،‬تكاد أن تكون‬ ‫ي‬ ‫«فهرسة» الهتمامات الناس من حوله‪ ،‬وتساؤالتهم‬ ‫وخواطرهم المستقاة من حياتهم اليومية وما طرأ‬ ‫ويطرأ عليها من تحوالت‪.‬‬


‫شواهد المرحلة‪ ...‬حوارات في الفكر واألدب‬

‫أ‬ ‫الد� ف‬ ‫الثقا� بالتعاون‬ ‫كتاب صادر عن نادي حائل ب ي‬ ‫ي‬ ‫مع دار المفردات بالرياض (مارس ‪ ،)2014‬من تأليف‬ ‫أن هناك جيال ً واجه أسئلة‬ ‫سالم التنيان‪ ،‬ي‬ ‫يش� إىل ّ‬ ‫أ‬ ‫حقيقية وسعى للبحث عن أجوبة لها‪ .‬ربما لنّه أدرك‬ ‫الجابة‪.‬‬ ‫أن السؤال هو الباعث عىل البحث عن إ‬ ‫مبكراً ّ‬ ‫وهذا الجيل نشأ ف� السعودية‪ ،‬وهو جيل فاعل �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫رصح الكاتب‪ ،‬أن‬ ‫كما‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫جدي‬ ‫وكان‬ ‫الثقافة المحلية‬ ‫ّ‬ ‫يقوم بمحاورته‪ .‬وقد اختار حوارات صحافية أجراها‬ ‫مع أسماء شابة أسهمت بفاعلية ف ي� الساحة الثقافية‬ ‫السعودية‪ .‬وتناولت أ‬ ‫السئلة مواضيع متنوعة من‬ ‫ال�اث إىل أ‬ ‫الحداثة إىل ت‬ ‫الزمة االقتصادية العالمية إىل‬ ‫الفلسفة والتفلسف والكون والفلك وثورة االتصاالت‬ ‫وغ�ها كث� من المواضيع المهمة أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫زرياب‬

‫رواية صدرت عن دار ق‬ ‫ئ‬ ‫والروا�‬ ‫السا� للقاص‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫السعودي مقبول العلوي‪ ،‬وزرياب هو اسم طائر‬ ‫الموصل‬ ‫أسود ذي صوت جميل‪ ،‬ولقَّب إسحاق‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫بأ�‬ ‫عل بن نافع‬ ‫ّ‬ ‫المك� ب ي‬ ‫تلميذه شجي الصوت ي‬ ‫الحسن بهذا االسم‪ ،‬فطابقه والزمه بامتداد عمره من‬ ‫ن‬ ‫الثا� ت‬ ‫ح� عام ‪230‬هـ‪.‬‬ ‫نهاية القرن ي‬ ‫أ‬ ‫تدور أحداث الرواية حول حياة هذه السطورة‬ ‫التاريخية الموسيقية الفذة‪ ،‬بإسهاماته الخالدة‬ ‫ف ي� عدد من جماليات الحياة البسيطة‪ ،‬انتقاال ً من‬ ‫أقاص العراق والمغرب العر� إىل قلب أ‬ ‫الندلس‪.‬‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ويعرض فيها المؤلف عدداً من قصص التحوالت‬ ‫الماكن أ‬ ‫ب� أ‬ ‫والتناقضات المتناقلة ي ن‬ ‫والزمان‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والحداث والتعقيدات بلغة أدبية سلسة غنية ن‬ ‫بغ�‬ ‫الس�ة والتاريخ‪.‬‬ ‫ي‬

‫يتساءل د‪ .‬عبدالواحد لؤلؤة ف ي� هذا الكتاب إن كان‬ ‫نجل�ي قد تأثر ف� مراحل ت‬ ‫ال ي ز‬ ‫ش� بشعر لغات‬ ‫الشعر إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تطور‬ ‫العر� من أثر ي� ّ‬ ‫أخرى‪ .‬فهل يا ترى كان للشعر ب ي‬ ‫اللغات أ‬ ‫الخرى ت‬ ‫ال ي ز‬ ‫ال� أثرت‬ ‫نجل�ي وشعر تلك‬ ‫الشعر إ‬ ‫ي‬ ‫فيه؟‬ ‫تعود فكرة هذا الكتاب إىل عام ‪1971‬م حينما حصل‬ ‫لؤلؤة عىل تفرغ علمي من جامعة بغداد‪ ،‬يك يجري‬ ‫ف‬ ‫كم�يدج عن الشعراء ت‬ ‫ال�وبادور‪،‬‬ ‫أبحاثاً ي� جامعة ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ورو� عىل اعتبار‬ ‫ويتتبع دور العرب ي� ّ‬ ‫تطور الشعر ال ب ي‬ ‫أن العرب أمة شعر‪ ،‬وال بد أن تكون لهم بصمة �ف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ال�وبادور الذي ظهر ف� أواسط القرن ن‬ ‫شعر ت‬ ‫الثا� ش‬ ‫ع�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الميالدي ف ي� إقليم بروفنس‪ ،‬وأخذ عن الموشح والزجل‬ ‫أ‬ ‫ندلس بصورة عامة شكل‬ ‫خاصة‪ ،‬والشعر ب ي‬ ‫العر� ال ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تحتفي بالحب الدنيوي‪.‬‬ ‫القصيدة وموضوعاتها ي‬ ‫يب�ية سنة ‪711‬م‪.‬‬ ‫أن فتح الجزيرة إ‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫يش� لؤلؤة إىل ّ‬ ‫المسلم� واستقرارهم ف� أ‬ ‫ين‬ ‫الندلس لثمانية‬ ‫قبل‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫قرون هو الذي أسهم بشكل أو بآخر‪ ،‬ي� تطور شعر‬ ‫محل ف ي� إقليم الباسك‪ ،‬يُطلق عىل ُص ّناعه ومبدعيه‬ ‫يّ‬ ‫اسم الشعراء ت‬ ‫«ال�وبادور» الذين نهلوا من الموشحات‬ ‫أ‬ ‫كث�اً‪ ،‬وازدهر شعرهم لمدة قر ي ن‬ ‫ن� من‬ ‫والزجال ي‬ ‫الزمان‪.‬‬ ‫شن البابا إنوسنت الثالث حملة عليهم‬ ‫وبعد أن ّ‬ ‫انت�وا ف‬ ‫ش‬ ‫شمال فرنسا وصقلية وإيطاليا‬ ‫�‬ ‫وفرقهم‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ال�يطانية‬ ‫يع� بعضهم إىل الجزر ب‬ ‫وألمانيا قبل أن ب‬ ‫مع شعراء البالط ف� القرن ن‬ ‫ع�‪ ،‬ت‬ ‫الثا� ش‬ ‫تأث�ه‬ ‫وي�ك ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ال� تي�دد فيها أصداء ت‬ ‫ت‬ ‫عىل سونيتات‬ ‫وف�‬ ‫ال� ي‬ ‫شكس�‪ ،‬ي‬ ‫بي‬ ‫ت‬ ‫الوش ي ن‬ ‫اح�‬ ‫وال�وبادور وما ورثوه عن أجدادهم ّ‬ ‫والزج ي ن‬ ‫ال�‪.‬‬ ‫ّ‬

‫كتب عربية‬

‫في عين العاصفة‬

‫للن� ت‬ ‫صدر عن دار جداول ش‬ ‫وال�جمة‪ ،‬ويقع ف ي� ‪385‬‬ ‫القصي�‬ ‫صفحة‪ُ ،‬جمعت فيه‬ ‫مقاالت الدكتور غازي أ ب ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� نُ ش�ت ي� صحيفة «ال�ق الوسط»‬ ‫رحمه هللا‪ -‬ي‬‫ن‬ ‫ماب� ‪ 20‬أغسطس ‪ 1990‬و‪14‬‬ ‫إبان حرب الخليج ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫«� يع� العاصفة»‪.‬‬ ‫يوليو ‪1991‬م‪ .‬ي� عمود بعنوان ي‬ ‫تغ� اسم العمود إىل «بعد هبوب‬ ‫والحقاً‪ ،‬ي َّ‬ ‫العاصفة»‪ ،‬ثم إىل «عىل نار هادئة»‪ .‬وهي عناوين‬ ‫ال� تناقش ت‬ ‫ت‬ ‫بال�تيب‬ ‫أبواب الكتاب الثالثة نفسها‪ ،‬ي‬ ‫القضايا السياسية فاالجتماعية‪ ،‬يتبعها عدد من‬ ‫ت‬ ‫ال� تناقش جوانب من الخلفيات الدينية‬ ‫المقاالت ي‬ ‫آنذاك ‪.‬‬

‫تطور‬ ‫ّ‬ ‫دور العرب في‬ ‫الشعر الغربي‬ ‫المؤلف‪ :‬عبد الواحد لؤلؤة‬ ‫الناشر‪ :‬المؤسسة العربية‬ ‫للدراسات والنشر (ديسمبر‬ ‫‪)2012‬‬


‫‪21 | 20‬‬

‫كتب من العالم‬ ‫القافلة‬ ‫يناير ‪ /‬فبراير ‪2014‬‬

‫إلى الرسالة‪:‬‬

‫احتفاء بفن كتابة الرسائل الضائع‬ ‫‪To the Letter: A Celebration of the lost Art of‬‬ ‫‪the Letter :by Simon Garfield‬‬

‫تأليف‪ :‬سيمون غارفيل‬

‫مذكرات سنجاب‬ ‫تأليف‪ :‬لميا شارلبوا‬

‫‪Memoires D’écureuil‬‬

‫ما الذي يجب أن‬ ‫يقلقنا؟‪:‬‬

‫سيناريوهات حقيقية تبقي‬ ‫العلماء في قلق دائم‬ ‫‪What Should We Be Worried About? Real‬‬ ‫‪Scenarios That keep Scientists Up at Night‬‬ ‫‪by John Brockman‬‬

‫تأليف‪ :‬جون بروكمان‬

‫يبدو أن فن كتابة الرسائل بدأ باالندثار مع ازدهار أساليب‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية والرسائل‬ ‫التواصل الحديثة مثل الرسائل إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫القص�ة والتغريدات‪ .‬ويمثل ت‬ ‫خ� ي� كتابة‬ ‫ال‬ ‫اجع‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كب�اً جداً إىل درجة أنّه بات من الممكن‬ ‫تحوال ً ثقافياً ي‬ ‫الرسائل ّ‬ ‫للمؤرخ� أن يقسموا التاريخ ي ن‬ ‫ين‬ ‫ب� ما قبل كتابة الرسائل‬ ‫وبعدها‪.‬‬ ‫ف ي� كتابه «إىل الرسالة»‪ ،‬يتابع غارفيلد مسار الرسائل عىل‬ ‫اختالف أنواعها بع� الزمن‪ .‬ويؤكد عىل دورها المهم ف ي�‬ ‫أ‬ ‫وغ�ها‪ ،‬ويطرح تساؤال ً‬ ‫مختلف المجاالت الدبية والعلمية ي‬ ‫حول ما يمكن القيام به إلعادة إحياء هذا الفن الذي لطالما‬ ‫النسانية عىل مدى العصور‪.‬‬ ‫ترافق وتحكم بمسار الحضارة إ‬ ‫ويقول المؤلف‪ :‬إن ف� وضع أ‬ ‫الفكار عىل الورق ما هو‬ ‫ي‬

‫متفوق عىل وضعها عىل الشبكة‪ .‬فمع الرسالة المكتوبة‪،‬‬ ‫أك�‪ ،‬وتكتب بشكل أبطأ‪ ،‬والنتيجة هي‬ ‫أن تفكِّر بعمق ب‬ ‫ش�ء أثمن»‪ .‬أ‬ ‫المر الذي علَّقت عليه صحيفة «الغارديان»‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ال�يطانية بالقول‪« :‬المر صحيح‪ .‬ولكن ما لم يتوقف‬ ‫ب‬ ‫واف هو أن كتابة الرسالة هي شكل‬ ‫عنده المؤلف بشكل ٍ‬ ‫من أشكال أ‬ ‫الداء‪ .‬فعندما نجلس لكتابة رسالة‪ ،‬فإننا نصنع‬ ‫آ‬ ‫من أنفسنا شخصيات جديدة إلظهارها إىل الخرين‪..‬‬ ‫شخصيات أذىك وأقوى وأكرم مما نحن عليه‪ .‬وهذا ما‬ ‫ن‬ ‫يع� أنها‬ ‫يجعل الرسائل ي ِّ‬ ‫مح�ة للقراءة‪ .‬ولكن هذا ال ي‬ ‫مبجلة‪.‬‬ ‫كتابات َّ‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪ ،‬جيدة‬ ‫الرسائل‬ ‫مثل‬ ‫هي‬ ‫المكتوبة‬ ‫إن الرسائل‬ ‫إ‬ ‫جيدون‪.‬‬ ‫بقدر ما ك َّتابها أناس ِّ‬

‫هذا الكتاب سلسلة من أ‬ ‫الفكار الممزوجة بروح الفكاهة‬ ‫المث� والتأمل الفلسفي‪ ،‬سبق أن ش‬ ‫ن�تها‬ ‫والذكاء ي‬ ‫كاتبتها لمياء شارلوبوا عىل صفحات «الفيسبوك»‪،‬‬ ‫وأعادت جمعها مؤخراً ف ي� كتاب بعنوان «مذكرات‬ ‫سنجاب»‪.‬‬ ‫ومصدر العنوان‪ ،‬كما تقول المؤلفة يعود إىل‬ ‫ما الحظته ف� السناجب ي ت‬ ‫ال� كانت تتأملها من‬ ‫ي‬ ‫الكث�ة ي‬ ‫ف‬ ‫نافذة غرفتها ف ي� كندا‪ ،‬وبدت لها منهمكة ي� شؤون‬ ‫ثانوية ال تحمل هماً وال غماً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ف ي� هذا الكتاب‪ ،‬تأخذنا الكاتبة ي� رحلة من كندا إىل‬

‫لبنان وأنحاء مختلفة من العالم‪ ،‬محاولة أال تحمل‬ ‫معها أي ذكريات أليمة‪ ،‬بل تبقى مركِّزة عىل السعادة‬ ‫وأسبابها‪ ،‬بما يتالءم مع حياة السنجاب وذاكرته‪ .‬ففي‬ ‫سياق الفقرات واالنطباعات الواردة ف ي� هذا الكتاب‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫اليجابية‬ ‫ال� تركِّز عىل إ‬ ‫يوجد ي‬ ‫كث� من الفكار الفلسفية ي‬ ‫ف ي� الحياة‪.‬‬ ‫ض‬ ‫ومحا�ة وصحافية كندية‬ ‫ولمياء شارلوبوا هي إعالمية‬ ‫ن‬ ‫لبنا�‪ ،‬تعيش ما ي ن‬ ‫ب� كندا ولبنان‪ ،‬عملت‬ ‫من أصل ف ي‬ ‫ت‬ ‫لف�ة معلِّقة ي� راديو ‪ -‬كندا‪ ،‬قبل أن تتفرغ مؤخراً‬ ‫للكتابة‪ .‬وكتابها هذا هو باكورة أعمالها‪.‬‬

‫يتناول هذا الكتاب ما يكشفه المفكرون البارزون‬ ‫ت‬ ‫يتعرض لها‬ ‫ال� قد َّ‬ ‫اليوم عن التهديدات الحقيقية ي‬ ‫العالم دون أن يتنبه إليها أحد‪.‬‬ ‫ما الذي يجب أن يقلقنا؟ هذا هو السؤال الذي‬ ‫طرحه جون بروكمان عىل عدد من أبرز المفكرين ف ي�‬ ‫العالم‪ .‬طلب إليهم الكشف عما يقلقهم من الناحية‬ ‫العلمية‪ .‬وكانت الحصيلة هي عدد كب� من أ‬ ‫الفكار‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� قد تقلب فهمنا للعالم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫فقد كشف ستيفن بينكر عن المخاطر الحقيقية‬ ‫للحرب‪ .‬وتأسف الحائز جائزة نوبل فرانك ويلزاك‬ ‫ت‬ ‫ال� ُهدرت لتجنب ظاهرة‬ ‫عىل الفرص الضائعة ي‬ ‫االحتباس الحراري‪ .‬واحتسب سيت لويد تهديد‬ ‫أ‬ ‫الزمة المالية العالمية‪ .‬ش‬ ‫و�ح نسيم طالب السبب‬ ‫الطفاء يفهمون المخاطر ث‬ ‫أك�‬ ‫الذي يجعل رجال إ‬

‫ين‬ ‫ريدل‬ ‫االقتصادي�‪ ،‬وتحدث مات‬ ‫الخ�اء‬ ‫بكث� من ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عن الصعود المتعاظم للخرافات‪ ،‬وتناول دنيال‬ ‫آ‬ ‫كب�‬ ‫دينيت وجورج دايسون الثار المحتملة النهيار ي‬ ‫الحجم ف� إ ت‬ ‫وع� دوغالس ريشكون عن‬ ‫الن�نت‪ ،‬ب َّ‬ ‫ي‬ ‫خوفه من «إنسانية تفقد روحها»‪ ،‬ونيكوالس كار‬ ‫ايل عودة لعرص‬ ‫عن «نفاد‬ ‫ب‬ ‫الص�»‪ ،‬وتوقَّع تيم أور ي‬ ‫ش�ي توركل ما الذي يخرسه‬ ‫واستكشف‬ ‫الظالم‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الوالد من خالل تواصلهم المستمر مع بعضهم‪،‬‬ ‫ن‬ ‫السكا� ف ي� العالم‬ ‫كيل من وصول النمو‬ ‫ي‬ ‫وحذَّ ر كيفن ي‬ ‫الك�ى‬ ‫المواجهة‬ ‫تستدعي‬ ‫قد‬ ‫ة‬ ‫خط�‬ ‫ب‬ ‫إىل مستويات ي‬ ‫لخفضه‪ ،‬فيما حذَّ رت سوزان بالكمور من «فقدان‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫وغ�ها ي‬ ‫المهارات اليدوية»‪ ،‬ي‬ ‫كث� من الفكار ي‬ ‫ز‬ ‫تت�اوح ي ن‬ ‫والف�ياء وعلم‬ ‫ب� عالم المال والفلسفة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الحياء الخ‪...‬‬


‫وسائل االتصال االجتماعي – األلفين‬ ‫سنة األولى‬ ‫‪Writing on the Wall: Social Media – The First‬‬ ‫‪2000 Years by Thomas Standage‬‬

‫تأليف‪ :‬توم ستاندج‬

‫بين كتابين‬

‫بين أولى روايات‬ ‫دان براون وآخرها‬

‫في العام ‪2000‬م‪ ،‬أصدر الروائي أ‬ ‫المريكي دان براون أولى رواياته بعنوان‬ ‫«مالئكة وشياطين»‪ .‬وخالل العام الماضي ‪2013‬م‪ ،‬نشر أحدث رواياته‪:‬‬ ‫القراء على موعد مع تحفته التي صنعت شهرته‬ ‫«الجحيم»‪ ،‬وما بينهما كان َّ‬ ‫«شيفرة دافنشي» في العام ‪2009‬م‪.‬‬ ‫الولى أ‬ ‫وما بين الرواية أ‬ ‫والخيرة‪ ،‬ال مجال بالمعنى الحرفي للمقارنة‪ ،‬ألن‬ ‫النقاط المشتركة أكثر من أن تُحصى‪ .‬فالروايتان تقومان على تحقيق بوليسي‬ ‫يجول بالقارئ على مواقع أثرية مهمة‪ ،‬وما تحويه من رموز غامضة‪ ،‬ال‬ ‫يستطيع أحد أن يقرأها ويفهمها غير البطل روبرت النغدون‪ ،‬أستاذ التاريخ‬ ‫والرموز في جامعة هارفرد‪ .‬والعقدة المتخيلة هي مشروع جريمة كبرى‪،‬‬ ‫يحبطه النغدون بمساعدة فتاة حسناء خالل أربع وعشرين ساعة فقط على‬ ‫بدء تشكّل العقدة‪.‬‬ ‫كانت قراءة «مالئكة وشياطين» ممتعة جداً‪ ،‬ألننا ك َّنا أمام نهج جديد في فن‬ ‫الرواية‪( ،‬و«شيفرة دافنشي» كانت بدورها كذلك أيضاً)‪ .‬ولكن بالوصول إلى‬ ‫روايته أ‬ ‫الخيرة «الجحيم»‪ ،‬لم يعد بإمكاننا أن نتحدث عن جديد مثير‪.‬‬ ‫فالعقدة غير مقنعة جداً‪ :‬مجرم ثري يريد وقف النمو السكاني في العالم‬ ‫عن طريق نشر فيروس يصيب ملياري رجل بالعقم! ومالحقته من قبل‬ ‫النغدون ومنظمة الصحة العالمية تشمل فلورنسا والبندقية وأسطنبول‬ ‫في سالسل من المطاردات المختلفة وجوالت وصوالت على أشهر المباني‬ ‫التاريخية في المدن الثالث ودهاليزها وأبرز كنوزها الفنية‪ .‬وكل ذلك في ‪24‬‬ ‫ساعة فقط كما يقتضي التقليد «الدان براوني»‪ .‬ناهيك عن حشو العقدة‬ ‫بتفاصيل تقود القارئ إلى ربطها ببعضها البعض‪ ،‬مثل كون أ‬ ‫البطال الثالثة‬ ‫في الرواية أ‬ ‫الخيرة من دون أوالد‪ .‬ولكن ال روابط تجمع هذه النقاط المشتركة‬ ‫وال دور لها‪ .‬الجديد الوحيد في «الجحيم» هو أن المجرم ينجح في تنفيذ‬ ‫يقربها إلى «الفانتازيا» أكثر من الرواية البوليسية ذات‬ ‫جريمته‪ .‬وهذا ما ِّ‬ ‫الخلفية التاريخية‪ .‬حتى هذه الخلفية التاريخية أصبحت في هذه الرواية‬ ‫مجرد ديكور مسرح‪ ،‬ولم تعد مصدر الفكرة أ‬ ‫الساسية كما كانت في «مالئكة‬ ‫جف الحبر في قلم دان براون؟‬ ‫وشياطين» و«شيفرة دافنشي»‪ .‬فهل َّ‬

‫كتب من العالم‬

‫الكتابة على الجدار‪:‬‬

‫ف ي� كل شهر يرصف مستخدمو «الفيسبوك» نحو ‪300‬‬ ‫مليار دقيقة عىل هذا الموقع‪ ،‬أي ما يُعادل مجموعه‬ ‫‪ 600,000‬سنة‪ .‬منتقدو وسيلة التواصل االجتماعي هذه‪،‬‬ ‫ت‬ ‫بالنسان‬ ‫يقولون إن رواجها‬ ‫ال� تحيط إ‬ ‫يعود إىل العزلة ي‬ ‫ف� الحياة المعارصة‪ ،‬ف� ي ن‬ ‫ح� أن منارصيها يرون أنها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وسيلة محفزة ثقافياً وإعالمياً وسياسياً‪ .‬ولكن هل إن‬ ‫وتأث�ات الخدمات المشابهة لـ «الفيسبوك» هي‬ ‫آليات ي‬ ‫جديدة فعالً؟‬ ‫ت‬ ‫المش�كة ي ن‬ ‫ال�دي‬ ‫كث� من النقاط‬ ‫ب� لفائف أوراق ب‬ ‫هناك ي‬ ‫ت‬ ‫أن كليهما يمثل وسيلة التواصل‬ ‫والفيسبوك‬ ‫وتوي�‪ ،‬بما ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و� الواقع‪ ،‬كما يظهر توم ستاندج ف ي� كتابه‬ ‫يب� الناس‪ .‬ي‬ ‫أن وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫«الكتابة عىل الجدار»‪ّ ،‬‬ ‫الطالق‪.‬‬ ‫ليست جديدة عىل إ‬

‫النسانية للتواصل االجتماعي‬ ‫يستكشف ستاندج الغريزة إ‬ ‫ال�دي إىل‬ ‫والتقنيات السابقة للتواصل من أوراق ب‬ ‫الطباعة‪ .‬فقد كان المراسلون والمسافرون ينقلون‬ ‫ال�دى ف ي� جميع أرجاء‬ ‫الرسائل المكتوبة عىل أوراق ب‬ ‫ال بم�اطورية الرومانية‪ ،‬وكانت أوىل الصحف تلك ت‬ ‫ال�‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫أسسها يوليوس قيرص‪ ،‬وكان عىل جميع من يقرأها أن‬ ‫ينقلها ش‬ ‫وين� أخبارها ف ي� حلقته االجتماعية الخاصة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الحال‪.‬‬ ‫وكانت أقراص الشمع تشبه الـ ‪ iPad‬ي� عرصنا‬ ‫ي‬ ‫ويلقي ستاندج الضوء عىل نقاط التشابه ي ن‬ ‫ب� مخطوطة‬ ‫ديفونشاير والفيسبوك‪ .‬ويتناول‪ ،‬من منظور تاريخي‪،‬‬ ‫بتطور وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫المخاوف المتعلقة ّ‬ ‫الحالية‪ ،‬من كونها مصدر إلهاء وعزلة تؤدي إىل تراجع‬ ‫المهارات االجتماعية‪.‬‬


‫‪23 | 22‬‬

‫األجندة‬

‫مواعيد‬ ‫ثقافية‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ودوليا‪،‬‬ ‫وعربيا‬ ‫خليجيا‬ ‫تضع أجندة القافلة بين أيديكم بعض أبرز النشاطات الثقافية‬ ‫للفترة الالحقة لتاريخ صدور العدد‪.‬‬ ‫أما على الموقع اإللكتروني‪ ،‬فتمتد األجندة إلى ما هو أبعد من ذلك‪.‬‬

‫معرض مسلة «إبر كليوباترا»‬ ‫المكان متحف «متروبوليتان»‪ ،‬نيويورك‬ ‫التاريخ من ‪ 1‬مايو حتى ‪ 8‬يونيو ‪2014‬م‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫المؤتمر ‪ 21‬للبترول‬

‫المكان موسكو‬ ‫التاريخ من ‪ 15‬حتى ‪ 19‬يونيو ‪2014‬م‬

‫معرض «ملوك وبيادق»‬ ‫السالمي‪ ،‬الدوحة‬ ‫المكان متحف الفن إ‬ ‫التاريخ من ‪ 15‬مايو حتى ‪ 21‬يونيو ‪2014‬م‬

‫معرض «تحت الشمس ذاتها»‬ ‫المكان متحف سولومون غوغننهايم‪ ،‬نيويورك‬ ‫التاريخ من ‪ 13‬يونيو حتى ‪ 1‬أكتوبر ‪2014‬م‬

‫مهرجان موزاين ‪-‬‬ ‫إيقاعات العالم‬

‫المكان المسرح الوطني محمد الخامس‬ ‫وبمنصة السويسي بالرباط‬ ‫التاريخ من ‪ 30‬مايو حتى ‪ 7‬يونيو ‪2014‬م‬

‫متحف أمير حسين الزنجالي‬ ‫للصلصال‬

‫األيام الثقافية السعودية‬ ‫في البرازيل‬

‫المكان دبي‬ ‫التاريخ من ‪ 17‬مارس حتى ‪ 17‬أغسطس ‪2014‬م‬

‫المكان البرازيل‬ ‫التاريخ من ‪ 5‬حتى ‪ 9‬يونيو ‪2014‬م‬

‫المعرض الفوتوغرافي‬ ‫«البعث» لـ جابر العظمة‬

‫المكان غاليري «غرين آرت»‪ ،‬دبي‬ ‫التاريخ من ‪ 10‬مايو حتى ‪ 26‬يونيو ‪2014‬م‬

‫معرض همسات الحب‬ ‫«رامين شيردل»‬ ‫المكان دبي‬ ‫التاريخ من ‪ 5‬مايو حتى ‪ 5‬يونيو ‪2014‬م‬

‫للفلم األلماني‬ ‫عرض ِ‬ ‫ً‬ ‫جدا»‬ ‫«الحلم الكبير‬

‫‪"Der ganz grosse‬‬ ‫"‪Traum‬‬ ‫أ‬ ‫المكان السفارة اللمانية بالرياض‬ ‫التاريخ ‪ 11‬يونيو ‪2014‬‬

‫مهرجان الطفل‬ ‫المسرحي‬

‫المكان جمعية الثقافة والفنون بالتعاون مع‬ ‫مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي‬ ‫التاريخ ‪ 13‬يونيو ‪2014‬م‪،‬‬


‫أخبار ثقافية‬ ‫ملتقى الخط العربي الثالث‬ ‫أعلنت لجنة الفنون التشكيلية‬ ‫والخط العربي بجمعية الثقافة‬ ‫والفنون في الدمام‪ ،‬عن ملتقى‬ ‫الخط العربي الثالث لخطاطي‬ ‫وخطاطات المنطقة الشرقية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يتضمن معرض‬ ‫الذي‬ ‫ً‬ ‫وورشا خطية‪ ،‬على‬ ‫ومسابقة‬ ‫أن َّ‬ ‫تسلم األعمال المشاركة‬ ‫لجمعية الثقافة والفنون في‬ ‫موعد أقصاه ‪2014/08/12‬م‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مسرحية «نهارات علول»‬ ‫تحصد الجوائز‬ ‫حصدت مسرحية «نهارات‬ ‫علول» لفرقة المسرح الحديث‬ ‫في الشارقة أربع جوائز على‬ ‫رأسها «جائزة الشارقة الكبرى‬ ‫لإلبداع المسرحي»‪ ،‬وذلك في‬ ‫ختام الدورة الثالثة عشرة من‬ ‫مهرجان المسرح الخليجي‬ ‫الذي نظمته وزارة الثقافة‬ ‫والشباب وتنمية المجتمع‬ ‫واحتضنه قصر الثقافة‬ ‫في الشارقة خالل الفترة‬ ‫من ‪ 17‬إلى ‪ 24‬مايو ‪2014‬م‪.‬‬ ‫والمسرحية من تأليف مرعي‬ ‫الحليان وإخراج حسن رجب‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫جائزة للعامية المصرية‬ ‫تم في ‪ 25‬مايو ‪2014‬م إطالق‬ ‫أول جائزة أدبية في العالم‬ ‫العربي تخصص للعامية‬ ‫المصرية‪ ،‬وتحمل الجائزة اسم‬ ‫الشاعر المصري أحمد فؤاد‬ ‫نجم‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫الترويج الثقافي لـ «إكسبو‬ ‫‪»2020‬‬ ‫قرر مجلس إدارة ندوة الثقافة‬ ‫والعلوم بدبي بدء التنسيق‬ ‫مع لجنة استضافة «إكسبو‬ ‫‪ »2020‬للترويج الثقافي‪ .‬كما‬ ‫قرر المجلس تنظيم احتفالية‬ ‫خاصة بمناسبة اليوبيل‬

‫شارع المعز لدين اهلل‬ ‫افتتحت وزارتا السياحة‬ ‫والثقافة بمصر في ‪ 23‬مايو‬ ‫‪2014‬م‪ ،‬شارع المعز لدين اهلل‬ ‫الفاطمي‪ ،‬ومسجد السلطان‬ ‫قالوون‪ ،‬والمنطقة المحيطة‪،‬‬ ‫وسط القاهرة‪ ،‬بعد أعمال‬ ‫ترميم وتجديد في الشارع‪،‬‬ ‫في إطار خطة إلحياء التراث‬ ‫المعماري اإلسالمي وذلك‬ ‫باعتباره أكبر متحف مفتوح في‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫سرقة كنز‬ ‫أعلن المعهد الوطني للتراث‬ ‫التونسي في ‪ 15‬مايو ‪2014‬م‬ ‫عن سرقة حوالي ‪ 200‬قطعة‬ ‫نقدية ذهبية‪ ،‬عمرها ‪ً 15‬‬ ‫قرنا‬ ‫وتعود للعهد البيزنطي وذلك‬ ‫من «متحف باردو» بالعاصمة‬ ‫تونس‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪..‬والعثور على كنز‬ ‫عثر فريق من الباحثين‬ ‫والعلماء األمريكيين برئاسة‬ ‫الباحث باري كليفورد في شهر‬ ‫مايو على ما ُيعتقد أنه حطام‬ ‫سفينة كولومبس «سانتا ماريا»‬ ‫التي قام كريستوفر كولومبس‬ ‫على متنها باكتشاف أمريكا‪.‬‬ ‫وذلك قرب سواحل هاييتي‪.‬‬ ‫ومعروف أن السفينة «سانتا‬ ‫ماريا» يبلغ طولها ‪ً 25‬‬ ‫مترا‪،‬‬ ‫وكانت قادرة على حمل ‪40‬‬ ‫ً‬ ‫شخصا على متنها‪ ،‬وغرقت‬ ‫قبالة سواحل هاييتي في ‪25‬‬ ‫ديسمبر عام ‪1492‬م‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫أبو الهول‪ ..‬صيني‬ ‫انتهت الصين قبل أسابيع من‬ ‫بناء نسخة طبق األصل عن‬ ‫تمثال أبي الهول‪ ،‬في أجواء‬ ‫مشابهة لمنطقة األهرامات‬ ‫بالجيزة‪.‬‬ ‫وأبوالهول الصيني‪ُ ،‬بني‬ ‫في مدينة شيجياتشوانج‬ ‫بمقاطعة خبي‪ ،‬ويبلغ طوله‬ ‫حوالي ‪ً 60‬‬ ‫مترا‪ ،‬وارتفاعه ‪20‬‬ ‫ً‬ ‫مترا‪ ،‬ويعد التمثال الثاني من‬ ‫نوعه‪ ،‬حيث توجد نسخة أخرى‬ ‫ً‬ ‫حجما بمدينة الس‬ ‫أصغر‬ ‫فيجاس األمريكية‪.‬‬

‫‪Photo by DAVID ILIFF /wikimedia commons‬‬

‫كتب من اإلمارات إلى‬ ‫فلسطين‬ ‫بدأت جمعية «البيارة» الثقافية‬ ‫في األسبوع األول من مايو من‬ ‫العام الجاري‪ ،‬ضمن مشروعها‬ ‫لدعم المكتبات العامة‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬بتوزيع نحو ‪25‬‬ ‫ألف كتاب‪ ،‬مقدمة من عشر‬ ‫مؤسسات ثقافية في اإلمارات‪،‬‬ ‫وتم نقلها إلى فلسطين بدعم‬ ‫ومساعدة من «مجلس العمل‬ ‫الفلسطيني» في أبوظبي‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفضي لتأسيس الندوة‬ ‫ومرور مائة عام على تأسيس‬ ‫المدرسة األحمدية بدبي‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬ ‫الكشاف‬

‫المتحف البريطاني‬ ‫والمراكز الثقافية في الخليج‬ ‫يُبدي المتحف البريطاني اهتماماً متزايداً بالتعاون‬ ‫مع المراكز الثقافية الكبرى في المملكة ودول‬ ‫الخليج‪ .‬فبعد معرض «كلمات وزخارف» الذي شارك‬ ‫في تنظيمه‪ ،‬وأقيم في المدينة المنورة ما بين‬ ‫فبراير ومايو من العام الجاري‪ ،‬كشف على موقعه‬ ‫اللكتروني أنه يخطط حالياً للمشاركة في تنظيم‬ ‫إ‬ ‫معرضين مقبلين في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي‬ ‫العالمي في الظهران‪ ،‬أحدهما حول الخط العربي‬ ‫آ‬ ‫والخر حول الثقافة السعودية‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أن للمتحف البريطاني حضوراً ونشاطاً‬ ‫المارت‬ ‫ملحوظاً في المنطقة‪ ،‬وبشكل خاص في دولة إ‬ ‫العربية المتحدة‪ ،‬حيث يلعب دوراً استشارياً مهماً في‬ ‫متحف الشيخ زايد الوطني‪.‬‬ ‫وقد كتبت صحيفة «آرت نيوزبايبر» أن انفتاح‬ ‫المتحف البريطاني على مزيد من التعاون مع‬ ‫الصروح الثقافية الكبرى في دول الخليج يهدف إلى‬ ‫يشجعه على ذلك‬ ‫تعزيز «الدبلوماسية الثقافية»‪ِّ ،‬‬ ‫نجاح تجربة التعاون التي قامت ما بين مركز الملك‬ ‫عبدالعزيز الثقافي العالمي ومركز جورج بومبيدو‬ ‫الفرنسي‪.‬‬


‫‪25 | 24‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫قول في مقال‬

‫إذا طبع‬ ‫توم!‬ ‫كميل ّ‬ ‫حوا‬ ‫«كل ما نطبعه عىل آ‬ ‫اللة الكاتبة القديمة‬ ‫صدى مهيب‪ ،‬وكأن الكلمات تُحدث‬ ‫له‬ ‫ً‬ ‫صغ�ة‪ :‬تشك‪-‬تشك‪-‬تشك‪ .‬كلمة شكر‬ ‫انفجارات ي‬ ‫صغ�ة‪ ،‬يكون لها وقع مذكّرة أدبية‬ ‫تطبعها عىل ورقة ي‬ ‫خالدة»‪.‬‬

‫وال شك ف ي� أن جمال صوت وإيقاع طباعة الكلمات‬ ‫عىل تلك آ‬ ‫الالت الطابعة معروف‪ .‬ونالحظ كم من‬ ‫أ‬ ‫الفالم يبدأ بمشهد الكلمات تطبع أمام المشاهد‬ ‫آ‬ ‫عىل الشاشة وكأنه يراها عىل اللة الكاتبة‪ .‬الكلمة حرف‬ ‫حرف‪ ،‬مع الصوت المتكرر إيّاه‪ .‬وال يقوم المشهد‬ ‫عىل وقع الصوت فقط بل كذلك عىل جمال الشكل‪،‬‬ ‫ت‬ ‫تأ� الحروف محفورة سوداء واضحة عىل الورقة‬ ‫إذ ي‬ ‫البيضاء وكأنها منحوتة عىل سطحها‪ .‬وربما يضاهيها‬ ‫ف‬ ‫الكب�ة‪ ،‬حيث نرى‬ ‫الكام�ا التقليدية ي‬ ‫ي� ذلك صوت ي‬ ‫الكام�ا الثابتة ومع كل‬ ‫الفلم يبدأ بعدد من لقطات ي‬ ‫صورة صوت المزالج‪ .‬تششك‪ -‬تششك ‪-‬تششك‪.‬‬ ‫الحسية لهذه‬ ‫والحقيقة أنه إىل جانب المتعة ّ‬ ‫االستخدامات‪ ،‬وربما طابعها «النوستلجي»‪ ،‬هناك‬ ‫ن‬ ‫التعرف إىل‬ ‫بال شك فائدة حقيقية تُج� من خالل ّ‬ ‫خصوصيات معدات خرجت من دائرة االستخدام إىل‬ ‫أ‬ ‫البد‪ ،‬بسبب الدخول الكاسح لالبتكارات التكنولوجية‬ ‫آ‬ ‫ال� م�ض‬ ‫ت‬ ‫الجديدة‪ .‬منها طبعاً هذه الالت الكاتبة ي‬ ‫آ‬ ‫الفلم‬ ‫الن أربعة عقود عىل توقف إنتاجها‪ .‬أما ي‬ ‫كام�ا ِ‬

‫‪shutterstock / Chin Kit Sen‬‬

‫جاء هذا ف ي� مقال كتبه الممثل المعروف توم هانكس‬ ‫لصحيفة النيويورك تايمز‪ ،‬يعلن فيه بفرح ت ز‬ ‫واع�از‬ ‫أنه ليس فقط هاوياً آ‬ ‫لللة الطابعة القديمة‪ ،‬ويجمع‬ ‫كب�ة من مختلف ماركاتها‪ ،‬بل إنه يستخدمها‬ ‫أعداداً ي‬ ‫الصغ�ة الخاصة‪ :‬قائمة مهام‬ ‫لكث� من حاجاته‬ ‫ي‬ ‫يومياً ي‬ ‫ت‬ ‫اليوم‪ ،‬مذكّرة شكر‪ ،‬محتويات صندوق‪ ،‬وح� مسو ّدة‬ ‫أ‬ ‫مريك ما زال‬ ‫هيكل عمل مرسحي‪ .‬ويبدو أن ب‬ ‫ال�يد ال ي‬ ‫مثل هانكس‪ -‬يستخدم هذه آ‬‫اللة لبعض المهام‪،‬‬ ‫وربما يكون ذلك كتابة العناوين ش‬ ‫مبا�ة عىل الظروف‪،‬‬ ‫إذ إنه مع الكمبيوتر‪ ،‬يطبع العنوان عىل عىل ورقة‬ ‫الصقة أوالً‪ ،‬ثم تُلصق الورقة عىل الظرف‪.‬‬

‫فكانت أفضل حظاً‪ ،‬عىل الرغم من أن استخدام‬ ‫الفلم للتصوير انتهى بشكل تام‪ ،‬مع استثناءات ال‬ ‫ِ‬ ‫النسانية‪ ،‬أنها‬ ‫تُذكر‪ .‬ومن طبيعة ترصف المجتمعات إ‬ ‫تنكب عىل استقبال االبتكار الجديد ي ز‬ ‫لم�اته العديدة‪،‬‬ ‫وترسع إىل إلقاء المعدات القديمة من النافذة‪،‬‬ ‫ال� كانت �ف‬ ‫ت‬ ‫ح� ي ز‬ ‫ك تعود وتستدرك بعد ي ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الم�ات ي‬ ‫عدة القديمة وقرص الجديد عنها‪.‬‬ ‫الم َّ‬ ‫ُ‬ ‫وج�ة‪ ،‬تحدثت أ‬ ‫منذ تف�ة ي ز‬ ‫الخبار عن عودة إنتاج‬ ‫أ‬ ‫السطوانة الموسيقية القديمة المستديرة السوداء‬ ‫ت‬ ‫وال� كانت وسيلة‬ ‫المصنوعة من مادة الفينيل‪ ،‬ي‬ ‫ال تن�نت‬ ‫سماع الموسيقى قبل ثالثة منتجات هي إ‬ ‫أ‬ ‫وال�يط الممغنط‪ ،‬ت‬ ‫والسطوانة المضغوطة ش‬ ‫وال�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫غدت أغلفتها منذ ي ن‬ ‫ال� يجمعها‬ ‫سن� من ال‬ ‫شياء ي‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫تب� أن هذه‬ ‫أصحاب هواية جمع التحف‪ .‬والن ي ّ‬ ‫أ‬ ‫السطوانات أصبحت ذات حصة ف ي� السوق عىل‬ ‫يرصون عىل أن‬ ‫صغرها ‪ .%1‬فبعض هواة‬ ‫الموسيقى ّ‬ ‫أ‬ ‫الصوت الذي يخرج من هذه السطوانات ال يضاهي‬ ‫ّ‬ ‫ف� جودته ما يخرج من أي من أ‬ ‫الدوات الجديدة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المصورين الفوتوغر ي ن‬ ‫افي�‬ ‫كث�اً من‬ ‫تماماً كما أن ي‬ ‫ِّ‬ ‫يرصون عىل أن جودة الصورة المأخوذة عىل‬ ‫ما زالوا ّ‬

‫ت‬ ‫ال� تؤخذ‬ ‫ش�يط ِ‬ ‫الفلم إيّاه ال تضاهيه بتاتاً الصور ي‬ ‫بالكام�ا الرقمية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫طبعاً مهما قيل‪ ،‬ال يستطيع أحد أن يعيد العجلة‬ ‫إىل الوراء‪ .‬ومهما قيل‪ ،‬ال شك ف ي� أن ال أحد يستطيع‬ ‫دحض ي ز‬ ‫م�ات االكتشافات واالبتكارات الجديدة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ال� خرسناها مع‬ ‫خالصة القول إن إدراك ي‬ ‫الم�ات ي‬ ‫التوقف عن استخدام أدوات قديمة‪ ،‬وإضافة إىل ما‬ ‫ف ي� ذلك من إغناء لمدارك الحس‪ ،‬إال أنه أيضاً يجعلنا‬ ‫ين‬ ‫يغ�‬ ‫مستسلم� لالبتكار الجديد‪ ،‬ونبحث ف ي� آفاق‬ ‫تطويره‪ ،‬ومن جملة ذلك أن يعود ويكتسب بعض ما‬ ‫كام�ا‬ ‫فقده إن لم يكن كله‪ .‬وبالمناسبة‪ ،‬كانت هناك ي‬ ‫شبه منقرضة‪ ،‬عىل طريقة البوالرويد عادت آ‬ ‫الن‬ ‫أ‬ ‫تقدمه‪ :‬ما‬ ‫وتجددت لنها أثبتت أن ما زال لديها ما ِّ‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية‪.‬‬ ‫قصت عنه الساحرة إ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫كث� من‬ ‫وال شك ي� أنَّنا نستطيع أن نجد ي� مخازن ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫الكث� من البيوت‬ ‫و� مستودعات ي‬ ‫ال�كات العريقة‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫كام�ا ي� صندوق مهمل‪.‬‬ ‫العريقة‪ ،‬آلة كاتبة قديمة أو ي‬ ‫وربما يكون ف ي� استعادتها إىل الحياة متعة أو فائدة‬ ‫بسيطة أو ث‬ ‫أك�‪.‬‬


‫علوم وطاقة‬

‫أسئلة من عوالم المعرفة‬

‫يستفتح كال ً منها ٌ‬ ‫سؤال‬ ‫السؤال هو باب المعرفة‪ ،‬ورحلتنا ف ي� هذا العدد ستأخذنا بع� عدة مسارات‬ ‫ُ‬ ‫الجابات الممكنة‪.‬‬ ‫وراءه رحاب من إ‬ ‫الكابوس الذي ليس إال «طفرة»‪ ،‬أو تمرداً للخلية الحية‬ ‫ماذا نعرف عن الرسطان؟ ذلك المرض‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫عىل الجسم الذي هي منه وإليه‪ ..‬يجيب عن هذا السؤال محمد الحمر يا� معطياً تفاصيل حول‬ ‫خصائص المرض وأبرز أ‬ ‫الساليب المتبعة لقمع خالياه المتمردة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫من يملك مفاتيح إ ت‬ ‫ال� تواجهها‬ ‫الن�نت؟ سؤال آخر سنطرحه فيما ي‬ ‫يل عىل وقع التهديدات ي‬ ‫خصوصية بياناتنا المتداولة بع� الشبكة العالمية‪ .‬إن أزمة «القلب النازف» لن تكون آخر ما نسمع‬ ‫عنه ف ي� هذا الصدد‪ ،‬خصوصاً وأن نهج «المصدر المفتوح» المعتمد ف ي� تطوير بعض أهم برمجيات‬ ‫ال تن�نت قد يحمل بذرة الخطر كما يقول البعض‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫تساؤل «العلم خيال» سيكون مبنياً عىل اف�اض وجود كائنات حية عىل سطح المريخ؛ كيف ستكون‬ ‫خلقتها عطفاً عىل الظروف المتطرفة للكوكب أ‬ ‫الحمر؟ سيجيب وليد شنواري عن هذا التساؤل‪،‬‬ ‫قبل أن يطلعنا صباح محسن جاسم عىل مواصفات «هوهوبا» المعروفة باسم النبتة ي ز‬ ‫المم�ة‪ .‬ف ي�‬ ‫زاوية ُ(منتج)‪ ،‬سنواجه موجة الساعات الرقمية ونسأل أنفسنا‪ :‬هل نحن بحاجة إليها فعالً؟‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�‬ ‫عم� طيبة سيأخذنا مجدداً بع� عوالم الـ «ماذا لو» ليجيب عن التساؤل ال ي‬ ‫و� النهاية فإن ي‬ ‫ي‬ ‫لهذا الباب‪ :‬ماذا لو سقط ٌ‬ ‫رجل ف ي� ثقب أسود؟‬ ‫مرحباً بكم معنا‪.‬‬ ‫د‪ .‬أشرف فقيه‬

‫‪26‬‬

‫ماذا نعرف عن السرطان؟‬

‫‪30‬‬

‫َم ْن يملك مفاتيح اإلنترنت؟‬

‫‪37‬‬

‫ٌ‬ ‫ذهب أخضر‬ ‫(هـوهوبا)‪،‬‬ ‫لصحارى قاحلة!‬


‫‪27 | 26‬‬

‫علوم‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ً‬ ‫تماما كالمجتمع‬ ‫يعمل جسم اإلنسان‬ ‫أو النظام البيئي‪ .‬فأفراده هم الخاليا‪،‬‬ ‫يتكاثرون باالنقسام‪ ،‬ويتعاونون فيما‬ ‫بينهم في تجمعات تسمى باألنسجة‪.‬‬ ‫ولكي نفهم كيف يقوم الجسد بتنظيم‬ ‫هذه األنسجة والعالقات فيما بينها‪ ،‬علينا‬ ‫أن ُنسقط العوامل نفسها التي تؤثر على‬ ‫ً‬ ‫اجتماعيا‪ ،‬مثل‬ ‫أفراد أي مجموعة منظمة‬ ‫دراسة والدة الخلية ووفاتها وموطنها‬ ‫في الجسد وحدودها الجغرافية والتغير‬ ‫في حجم األنسجة الخلوية داخل جسم‬ ‫اإلنسان‪ ،‬كما علينا أن نأخذ في الحسبان‬ ‫عامل التنافس فيما بينها بما يسمى‬ ‫«االنتخاب الطبيعي»‪ .‬وعادة‪ ،‬يغيب عن‬ ‫أذهاننا عامل التنافس بين الخاليا في‬ ‫النسيج الواحد؛ إذ إن القاعدة في التعامل‬ ‫بين خاليا النسيج الواحد هي التضحية‬ ‫وليس التنافس‪.‬‬

‫محمد علي الحمراني‬

‫حين تتمرد خاليا اإلنسان عليه!‬

‫‪shutterstock / Convit‬‬

‫ماذا نعرف عن‬ ‫السرطان؟‬


‫تقسم خاليا الجسم إلى نوعين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫خاليا جنسية‪ ،‬وهي أ‬ ‫المشاج التي‬ ‫تَدخل في عملية التلقيح لغرض‬ ‫التكاثر‪ ،‬وخاليا جسدية‪ ،‬وهي‬ ‫كل الخاليا أ‬ ‫الخرى سوى الخاليا‬ ‫الجنسية‪ .‬وهذه أ‬ ‫الخيرة ال تترك أي نسل‪ ،‬فهي تعيش‬ ‫وتتكاثر وتموت من أجل المحافظة على الخاليا‬ ‫الجنسية التي ستنتقل أ‬ ‫للجيال القادمة‪.‬‬ ‫متعددة الخاليا‪ ،‬تتعاون الخاليا لتبقى‬ ‫في الكائنات ِّ‬ ‫على قيد الحياة‪ .‬وهذا على عكس الكائنات أحادية‬ ‫النسان‪،‬‬ ‫الخلية التي تتنافس لتعيش‪ .‬وفي جسم إ‬ ‫يوجد ما يقارب ‪ 100‬تريليون خلية‪ ،‬الباليين منها‬ ‫تعاني يومياً من طفرات واختالالت على مستوى‬ ‫الجزئيات‪ .‬هذه االختالالت قد يؤدي تراكمها‬ ‫خالل السنوات إلى إنتاج خلية خارجة عن النظام‬ ‫االجتماعي‪ .‬وهذه ببساطة‪ ،‬هي الخلية السرطانية‪.‬‬ ‫عرف السرطان بأنه‪ :‬مجموعة من‬ ‫نستطيع أن نُ ِّ‬ ‫أ‬ ‫المراض التي تتميز خالياها بالعدائية (النمو‬ ‫واالنقسام من غير حدود على حساب خاليا أخرى)‪،‬‬ ‫وقدرة هذه الخاليا المنقسمة على غزو أنسجة‬ ‫مجاورة وتدميرها‪ ،‬أو االنتقال إلى أنسجة بعيدة في‬ ‫عملية نطلق عليها اسم «النقيلة»‪ .‬وهذه القدرات‬ ‫هي صفات الورم الخبيث‪ ،‬على عكس الورم الحميد‬ ‫الذي يتميز بنمو محدود وعدم القدرة على الغزو أو‬ ‫على االنتقال أو النقيلة‪.‬‬

‫خصائص المرض‬

‫النسجة أ‬ ‫‪ - 1‬العدائية‪ :‬التكاثر وغزو أ‬ ‫الخرى‬ ‫تحدد خطورة المرض هي‬ ‫من أهم العوامل التي ِّ‬ ‫قدرة الخلية السرطانية على التكاثر بشكل خارج عن‬

‫‪ - 2‬يحمل المرض آثاراً تدل على مكان نشأته‬ ‫بما أن الخلية السرطانية ليست إال خلية طبيعية‬ ‫ولكنها تعرضت الضطرابات جينية شديدة‪ ،‬فمن‬ ‫المتوقع أن نجد فيها بعض الخصائص التي تعود‬ ‫إلى شكلها أ‬ ‫الصلي الطبيعي‪ .‬فمثالً‪ ،‬إن خلية تحمل‬ ‫صفات الخاليا الصبغية تعود إلى الخاليا الصبغية‪،‬‬ ‫وخاليا غددية تعود إلى الغدد المخاطية‪ ،‬وهكذا‪..‬‬ ‫وبهذه الطريقة وغيرها يصنف أ‬ ‫الطباء درجة الورم‬ ‫ِّ‬ ‫السرطاني‪ .‬فمن المالحظ أن التشابه بين الخلية‬ ‫السرطانية والخاليا أ‬ ‫الصلية يتفاوت بدرجة كبيرة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫فبعضها يحافظ على قدر كبير من الخلية الصلية‪،‬‬ ‫وبعضها يفقده تماماً‪.‬‬ ‫‪ - 3‬معظم السرطانات تنشأ من خلية واحدة‬ ‫عادة ما يُكتشف الورم في مرحلة يكون فيها عدد‬ ‫الخاليا قد تجاوز الماليين‪ ،‬ولكن باستخدام تقنيات‬ ‫حديثة لتحليل الشيفرة الوراثية للورم‪ ،‬يجد العلماء‬ ‫أن الورم نشأ من خلية واحدة‪ ،‬كانت الطفرات‬ ‫الوراثية واالختالالت الجينية قد تراكمت فيها حتى‬ ‫اكتسبت القدرة على أن تظهر وتقاوم الخاليا في‬ ‫جوارها أو أن تقاوم الجهاز المناعي‪ ،‬وبعد أن قامت‬ ‫بالتكاثر حتى كونت الورم بحجمه القابل للمالحظة‪.‬‬

‫‪ - 5‬طفرة واحدة ال تكفي‬ ‫أ‬ ‫تتعرض لي عوامل‬ ‫لو افترضنا أننا نقوم بدراسة خلية ال َّ‬ ‫مسرطنة سوا ًء كانت إشعاعات أو كيماويات مسرطنة‪،‬‬ ‫فما هو معدل التطفر الذي نتوقعه في كائن متعدد‬ ‫الخاليا معقَّد مثل إالنسان (‪ 100‬تريليون خلية)؟‬ ‫يحصل االنقسام الخلوي بمعدل يقارب ‪100‬‬ ‫النسان‪ .‬وفي كل انقسام تكون‬ ‫تريليون مرة في حياة إ‬ ‫هنالك احتمالية ثابتة للتطفر الذي يحدث نتيجة‬ ‫السرعة الهائلة لنسخ الشيفرة الوراثية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫نقلها إلى نواة جديدة لتكون لدينا الخلية الجديدة‪.‬‬ ‫النسان إلى‬ ‫وتصل هذه االحتمالية خالل فترة حياة إ‬ ‫‪ 10‬مليارات طفرة لكل جين واحد! ومثل هذا الرقم‬ ‫الهائل يجعلنا نسأل السؤال بطريقة أخرى‪ :‬لماذا ال‬ ‫يحدث السرطان أكثر من المعدل الحالي؟‬ ‫الجابة أن طفرة واحدة ال تكفي‪ .‬ولكن‬ ‫البد أن تكون إ‬ ‫من المتوقع أنه بازدياد العمر تزيد نسبة حدوث‬ ‫السرطان‪ ،‬ألن الطفرات أصبحت أكثر‪ ،‬واقتربت‬ ‫من ‪ 10‬مليارات طفرة لكل جين! وهذا فعال ً ما تمت‬ ‫مالحظته بشكل متكرر في كثير من أنواع السرطانات‪.‬‬

‫‪shutterstock / Ron Kloberdanz‬‬

‫انقسام الخاليا في طبق بتري‬

‫النظام الذي يحكم جيرانها في النسيج‪ ،‬وقدرتها‬ ‫الحيز الذي توجد فيه بغزو مناطق أخرى‬ ‫على تجاوز ِّ‬ ‫وأنسجة أخرى‪ .‬فمثال ً قد تكون الخلية مضطربة‬ ‫يهدد النسيج‪ .‬فهذا‬ ‫جينياً‪ ،‬ولكنها ال تتكاثر بشكل ِّ‬ ‫ال يجعلها تشكِّل خطراً حقيقياً‪ .‬أو قد تتكاثر‪ ،‬ولكن‬ ‫الحيز المكاني لموطنها‪ .‬فهذا أيضاً يجعلها أقل‬ ‫ضمن ِّ‬ ‫الحيز الذي تعيش‬ ‫خطورة من تلك التي تنتشر خارج ِّ‬ ‫فيه بما يسمى بالنقائل‪ ،‬وفي هذه المرحلة يسمى‬ ‫الورم ورماً سرطانياً‪.‬‬

‫‪ - 4‬العامل الحقيقي في تحويل الخلية من طبيعية‬ ‫إلى سرطانية‪ :‬الطفرات الجينية‬ ‫إن االختالالت الجينية ليست إال طفرات طفيفة‬ ‫في الشيفرة الوراثية تنقلها الخلية بالتكاثر لعدد‬ ‫أكبر من الخاليا‪ .‬ونالحظ هذا في ظواهر محددة‬ ‫مثل االختالف الملحوظ في التركيب الجيني للورم‬ ‫عن باقي الخاليا الطبيعية‪ ،‬والعوامل المثبت أثرها‬ ‫الشعاعات المسرطنة‬ ‫في سرطنة الخاليا مثل إ‬ ‫والكيماويات المسرطنة التي تقوم بحذف أو تغيير‬ ‫مباشر في الحمض النووي‪.‬‬


‫‪29 | 28‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫الخلية السرطانية لتجاوزه وهذا يجعل منه وسيلة‬ ‫حماية‪ .‬والبعض آ‬ ‫الخر يقول إنه على العكس من‬ ‫السائد يزيد من ظهور الخلية السرطانية ويعطيها‬ ‫فرصة للنمو في نسيج يعاني شيخوخة‪ ،‬وهذا قد‬ ‫يضيف تفسيراً للزيادة الكبيرة في معدالت حدوث‬ ‫السرطان لدى كبار السن‪.‬‬

‫‪thinkstock / kukhunthod‬‬

‫إلى ذلك‪ ،‬هناك تعطيل التخلق والتمايز الخلوي‪.‬‬ ‫ومن أ‬ ‫المثلة على التخلق‪ ،‬العملية التي تقوم بها‬ ‫خاليا الجلد السفلى باستبدال خاليا الجلد العليا‬ ‫بعد أن تموت وتسقط الطبقة الخارجة للجلد‪ ،‬حيث‬

‫‪ - 8‬شيخوخة الخلية‬ ‫بإمكان خلية مثل خلية الجلد أن تتكاثر لمرات ومرات‬ ‫عديدة‪ ،‬ولكن يبدو أن هناك عدداً من االنقسامات‬ ‫إذا انتهت منها الخلية‪ ،‬فإنها تدخل في مرحلة‬ ‫الشيخوخة وال تستطيع أن تنقسم بسهولة بعدها‪.‬‬ ‫درس خارج جسم‬ ‫بينما الخاليا السرطانية عندما تُ َ‬ ‫النسان تتصرف كأنها «خاليا خالدة» طالما توافر لها‬ ‫إ‬ ‫الغذاء‪ ،‬فال تتوقف عن االنقسام بخالف المعتاد‪.‬‬ ‫إن دور شيخوخة الخلية في نشوء السرطان ليس‬ ‫واضحاً بعد‪ .‬فالبعض يقول إنه حاجز إضافي تحتاج‬

‫طرق العالج المتوافرة‬

‫العالج الجراحي‬ ‫إن التدخل الجراحي من أكثر الطرق استخداماً في‬ ‫مجد في حالة انتشار‬ ‫عالج السرطان‪ ،‬ولكنه يظل غير ٍ‬ ‫ويطور العلماء سبال ً جديدة لجعل التدخل‬ ‫المرض‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الجراحي أكثر دقة في استئصال الورم فقط دون‬ ‫إضرار بالمنطفة المجاورة له‪.‬‬ ‫الشعاعي‬ ‫العالج إ‬ ‫يخضع ما يقارب ‪ %40‬من مرضى السرطان للعالج‬ ‫الشعاعي في مرحلة ما من مرضهم‪ .‬إما للقضاء على‬ ‫إ‬ ‫الورم أو على الخاليا المتفلتة من الورم‪ ،‬والتي ال‬

‫الصابات لكل ‪ 100,000‬شخص‬ ‫عدد إ‬

‫‪ - 7‬فقد السيطرة على الموت الخلوي والتمايز‬ ‫الخلوي‬ ‫بنا ًء على النقطة السابقة‪ ،‬فإن عدداً أكبر من الخاليا‬ ‫سيوفر طفرات أكثر‪ ،‬وبالتالي فإن فرصة الوصول‬ ‫إلى طفرة تجعل الورم قادراً على التغلب على باقي‬ ‫الخاليا ستكون أكبر‪ .‬وهنا نجد أن من أهم خصائص‬ ‫مرض السرطان هو اكتساب طفرة لزيادة العدد الكلي‬ ‫أي منها‪ ،‬وهذه الطفرة‬ ‫لخاليا الورم‪ ،‬دون فقدان ٍّ‬ ‫تؤدي إلى تعطيل برنامج الموت الذاتي للخلية‪ :‬وهو‬ ‫برنامج ينطلق في حالة اكتشاف خلل كبير في المادة‬ ‫الوراثية للخلية‪ ،‬أو وجود فيروسات في الخلية‪،‬‬ ‫حيث تعمل الخلية مع الجهاز المناعي لتدمير كافة‬ ‫مكوناتها‪ .‬وبتعطيل هذا البرنامج تتسارع االنقسامات‬ ‫المكونة للورم‪.‬‬ ‫بشكل يزيد عدد الخاليا‬ ‫ِّ‬

‫‪thinkstock / Ugreen‬‬

‫‪ - 6‬جوالت من التطفر واالنتخاب الطبيعي‬ ‫بما أن الورم مكون من خاليا يصل عددها إلى‬ ‫الماليين في مرحلة اكتشافه‪ ،‬فعلينا أن ننظر بقليل‬ ‫من التفصيل في الفروقات بين الخاليا المكونة‬ ‫للورم‪ .‬وكما اتفقنا سابقاً بأن الورم يبدأ من خلية‬ ‫واحدة‪ ،‬فإن هذه الخلية تعد أ‬ ‫القدم ضمن ماليين‬ ‫ُ‬ ‫الخاليا أ‬ ‫الخرى في الورم‪ .‬ونالحظ أن مع كل‬ ‫انقسام خلوي يكتسب الجيل الجديد من الخاليا‬ ‫طفرات بتسارع أكبر من الخلية أ‬ ‫الولى‪ ،‬بسبب زيادة‬ ‫االضطراب الجيني في الخلية وضعف قدرتها على‬ ‫تصحيح الطفرات الجينية‪ .‬وهذا يجعل من خاليا‬ ‫الم أ‬ ‫الورم الجديدة النشوء ‪ -‬بخالف الخلية أ‬ ‫الولى‬ ‫ خاليا ذات عدائية أكبر تراكمت فيها طفرات نتجت‬‫عن تفاعل الجيل أ‬ ‫الول من الورم مع النسيج والجهاز‬ ‫المناعي‪ ،‬فهذه الطفرات تجعل الورم ال يهزم‪.‬‬

‫تتمايز الطبقات السفلى لتقوم مقام الخارجية‪.‬‬ ‫وبتعطيل هذه العملية تظل الخاليا محتفظة بشكل‬ ‫غير متخلق‪ ،‬وال يسهل التخلص منها مثل طبقة‬ ‫الجلد الخارجية‪ ،‬وتزيد من العدد الكلي للورم‪.‬‬ ‫بهاتين الخطوتين يكون السرطان قد اكتسب أدوات‬ ‫بالغة أ‬ ‫الهمية‪ ،‬للوصول إلى مرحلة الخطر الكاملة‪.‬‬

‫‪ - 9‬انتشار السرطان‬ ‫نتحدث آ‬ ‫ً‬ ‫الن عن أقل الخصائص فهما لدى العلماء‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والكثر إثارة للخوف عند الناس‪ .‬فلكي يقوم الورم‬ ‫باالنتشار‪ ،‬فإنه يحتاج إلى مجموعة معقَّدة من‬ ‫الخطوات‪ ،‬أولها أن يتفلَّت من مكان نشوئه‪ ،‬ثم‬ ‫يغزو باقي النسيج أ‬ ‫والوعية الدموية أو اللمفاوية‬ ‫المجاورة‪ ،‬لتأخذه إلى أماكن أبعد‪ ،‬حيث يستعمر‬ ‫أنسجة جديدة‪ .‬هذه الخطوات تكلف الخاليا ثمناً‬ ‫باهظاً‪ ،‬بحيث ال تستطيع إكمالها إال نسبة بسيطة‬ ‫جداً من الخاليا‪ ،‬تصل نسبتها إلى أقل من واحد على‬ ‫ألف مليون‪ .‬أ‬ ‫ولن الورم يحتاج أيضاً إلى أوعية دموية‬ ‫جديدة تغذيه‪ .‬والحظ العلماء أن الورم يفرز مواد‬ ‫تشكل أوعية دموية جديدة خاصة به‪.‬‬

‫العمر‬


‫لكي يقوم الورم باالنتشار‪،‬‬ ‫فإنه يحتاج إلى مجموعة‬ ‫َّ‬ ‫معقدة من الخطوات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يتفلت من مكان‬ ‫أولها أن‬ ‫نشوئه‪ ،‬ثم يغزو باقي‬ ‫النسيج واألوعية الدموية أو‬ ‫اللمفاوية المجاورة لتأخذه‬ ‫إلى أماكن أبعد‪ ،‬حيث‬ ‫يستعمر أنسجة جديدة‬

‫القدرة على استعمار أنسجة‬ ‫جديدة والتكاثر فيها‬

‫عدم االكتراث‬ ‫بأي من اإلشارات‬ ‫الداخلية‬ ‫والخارجية‬ ‫المنظمة للتكاثر‬ ‫والنمو‬

‫تعطيل الموت‬ ‫الخلوي‬ ‫المبرمج‬

‫السرطان‬

‫غزو األنسجة‬ ‫األخرى‬

‫قدرة غير محدودة‬ ‫على التكاثر‬

‫اضطراب جيني يسمح‬ ‫بتراكم الطفرات دون‬ ‫تصحيح‬

‫ً‬ ‫عدائيا بالشكل‬ ‫الخصائص الستة األساسية التي يكتسبها السرطان‪ ،‬ليصبح‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫خطرا على اإلنسان‬ ‫ليشكل‬ ‫الكافي‬

‫يمكن رؤيتها أو استئصالها جراحياً‪ ،‬أو لتخفيف آ‬ ‫الالم‬ ‫في الحاالت المستعصية‪.‬‬ ‫العالج الكيميائي‬ ‫الفكرة أ‬ ‫الساسية من العالج الكيميائي هي التدخل‬ ‫في عملية االنقسام الخلوي‪ ،‬ومنعه أو التأثير عليه‬ ‫بأدوية تؤثر على البروتينات المسؤولة عن االنقسام‪،‬‬ ‫أو بشكل مباشر على الحمض النووي‪ .‬ومن أكبر‬ ‫مشكالت العالج الكيميائي أنه يؤثر على الخاليا‬ ‫الطبيعية بجانب تدميره للخاليا السرطانية‪ ،‬مما يؤدي‬ ‫إلى ضعف عام وتقرحات في أ‬ ‫المعاء والجلد وتساقط‬ ‫للشعر‪ .‬ولهذا السبب يعمل العلماء على تطوير‬ ‫أدوية ذكية تؤثر على الخاليا السرطانية وحدها‪.‬‬ ‫‪thinkstock / Matej Kastelic‬‬ ‫‪thinkstock / semakokal‬‬

‫العالج الهرموني‬ ‫وتحتاج بعض أ‬ ‫الورام إلى الهرمونات‪ ،‬للحفاظ‬ ‫على حيويتها وقدرتها على التكاثر‪ ،‬مثل سرطان‬ ‫الثدي وهرمون أ‬ ‫الستروجين أو البروجيستيرون‬ ‫(هرمونات أ‬ ‫النوثة)‪ ،‬أو سرطان الخصيتين وهرمون‬ ‫التستوستيرون‪ .‬وعبر التالعب بمستويات الهرمونات‬ ‫بإمكاننا أن نؤثر على السرطان بشكل كبير‪ ،‬وقصة‬ ‫دواء «تاموكسيفين» الذي استخدم لعالج بعض‬ ‫أنواع سرطان الثدي‪ ،‬مثال على عالج هرموني أنقذ‬ ‫كثيرين من الموت‪.‬‬ ‫العالج المناعي‬ ‫يتحدث علماء المناعة عن دور كبير لخلية مناعية‬

‫تسمى «الخاليا المثبطة النخاعية» في فتح المجال‬ ‫أمام بعض السرطانات للتكاثر‪ .‬وتركز العالجات‬ ‫المناعية على تحفيز الجهاز المناعي الكتشاف الخاليا‬ ‫السرطانية في مرحلة مبكرة والقضاء عليها‪.‬‬ ‫العالج الجيني‬ ‫بما أن السرطان في أساسه هو اضطراب جيني‬ ‫وتراكم للطفرات‪ ،‬فالعالج الجيني يحمل آماال ً‬ ‫كبيرة في المستقبل‪ ،‬وقد يقوم العالج الجيني يوماً‬ ‫بزراعة جينات في الخاليا السرطانية للقضاء عليها‪،‬‬ ‫أو أن يزرع جينات تجعلها أكثر حساسية للعالجات‬ ‫بمختلف أشكالها‪ ،‬أو يحمي الخاليا الطبيعية من‬ ‫التأثر بالعالجات الكيميائية‪ ،‬مما يحسن نتيجة العالج‬ ‫ككل‪.‬‬

‫مستقبل العالج‬

‫يحمل المستقبل آماال ً واسعة في عالج السرطان‪،‬‬ ‫فلهذا المرض أنواع متعددة‪ ،‬وكل نوع يعالج بطريقة‬ ‫خاصة ومختلفة عن آ‬ ‫الخر‪ .‬وتركز أهم المجاالت‬ ‫الحديثة في عالج السرطان على العالج الفرداني‪،‬‬ ‫بحيث تصمم أ‬ ‫الدوية والتدخل العالجي بناء على‬ ‫آ‬ ‫التركيبة الجينية للمريض‪ ،‬حيث نقلل من الثار‬ ‫الجانبية ونزيد من كفاءة العالج‪ .‬وتمثل أ‬ ‫الدوية‬ ‫الذكية مجاال ً واعداً للدراسة أيضاً‪ ،‬فكلما فهمنا‬ ‫التركيبة الجينية للخاليا السرطانية أكثر وأكثر كلما‬ ‫ازداد عدد أ‬ ‫الدوية التي ال تؤثر إال على الورم وحده‬ ‫دون غيره‪.‬‬


‫‪31 | 30‬‬

‫علوم‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫مع توالي اختراقات أمن المعلومات‬ ‫التي تصيب حواسيبنا وأجهزتنا المتصلة‬ ‫باإلنترنت‪ّ ،‬‬ ‫يلح تساؤل كبير بخصوص‬ ‫هوية المسؤول عن إدارة هذه الشبكة‪،‬‬ ‫والمسؤول بالتبعية عن تأمين خصوصية‬ ‫اتصالنا بها واستمراريتها‪ .‬ويزداد هذا‬ ‫وحدة لو أدركنا أن كثيراً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫إلحاحا‬ ‫التساؤل‬ ‫من برمجيات اإلنترنت تتبع نهج (المصدر‬ ‫المفتوح) الذي يتيح ألي من الهواة‬ ‫والمهتمين أن يضيف أو ِّ‬ ‫يعدل على‬ ‫البروتوكوالت األمنية التي تحكم عمل‬ ‫أجهزة الماليين من البشر‪.‬‬

‫أشرف فقيه‬

‫هل ِّ‬ ‫تهدد ثقافة «المصدر‬ ‫المفتوح» أمن الشبكة؟‬

‫َم ْن يملك‬ ‫مفاتيح‬ ‫اإلنترنت؟‬


‫بعض المراجعات والتعديالت عىل نسخة من كود‬ ‫أ ن‬ ‫م�‪ ،‬بهدف التحقق من توافر موارد‬ ‫«‪ »OpenSSL‬ال ي‬ ‫االتصال ي ن‬ ‫ب� الحواسيب المرتبطة عىل الشبكة‪،‬‬ ‫بإرسال ما يشبه «النبضة» الدورية أو الـ ‪Heartbeat‬‬ ‫ف‬ ‫الحاسو�‪.‬‬ ‫العرف‬ ‫ي� ُ‬ ‫بي‬

‫تصدرت‬ ‫ثمة عبارة شاعرية ّ‬ ‫عناوين أ‬ ‫الخبار العالمية خالل‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الثا� من أبريل ‪2014‬م؛‬ ‫السبوع ي‬ ‫«نزيف الفؤاد»! البعض‬ ‫ترجمها بـ «القلب الدامي»‬ ‫أو «نزيف القلب»‪ ..‬وأياً تكن ت‬ ‫ال�جمة فإن العبارة‬ ‫ف‬ ‫كث�اً جداً‪ ،‬ليس ي� عيادات‬ ‫(‪ )Heartbleed‬تكررت ي‬ ‫أ‬ ‫المشكالت العاطفية وال مواقع أخبار الدب‪ ،‬بل‬ ‫ب ن‬ ‫أم�‪ ،‬اسمه «‪ ،»OpenSSL‬ينفذ‬ ‫ف ي� برنامج‬ ‫ي‬ ‫حاسو� ي‬ ‫تشف�ياً لحفظ خصوصية البيانات المرسلة‬ ‫بروتوكوال ً ي‬ ‫ع� ال تن�نت‪ .‬ف‬ ‫و� الواقع‪ ،‬فإن «‪ »OpenSSL‬يشتغل‬ ‫ب إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ت‬ ‫الن�نت ي� العالم!‬ ‫ُل� أجهزة خوادم إ‬ ‫عىل نحو ث ي‬ ‫وعليه‪ ،‬يمكننا أن نتصور حالة القلق ت‬ ‫ال� سيطرت ال‬ ‫ي‬ ‫المستخدم� أ‬ ‫ين‬ ‫الفراد وحسب‪ ،‬بل وعىل الهيئات‬ ‫عىل‬ ‫أ‬ ‫الهلية والعامة وعىل المصارف والمستشفيات‬ ‫وأجهزة الدولة ي ن‬ ‫العالن عن وجود ثغرة‬ ‫ح� تم إ‬ ‫ف‬ ‫التشف�‬ ‫ال�مجي الخاص بب�وتوكول‬ ‫ي‬ ‫النص ب‬ ‫ي� ّ‬ ‫ين‬ ‫للمتسلل� اقتناص كلمة الرس‬ ‫«‪ ،»OpenSSL‬تتيح‬ ‫الخاصة بك‪ ،‬أو بأي مستخدم آخر متصل بحاسوب‬ ‫يشغّ ل «‪.»OpenSSL‬‬

‫ت‬ ‫ال� أجراها ِسغلمان ف ي�‬ ‫كانت تلك المراجعات ي‬ ‫ش‬ ‫حينه تطوعية‪ .‬لم يكن ِسغلمان موظفاً لدى �كة‬ ‫«‪ ..»OpenSSL‬ألنه ال توجد ش�كة أو مؤسسة‬ ‫تجارية منتجة بل�نامج «‪ ،»OpenSSL‬أحد أهم‬ ‫بروتوكوالت التشف� أ‬ ‫المنية والجاري عىل ث‬ ‫أك� من‬ ‫ي‬ ‫ال تن�نت‬ ‫‪ 300‬ألف جهاز خادم (‪ )Server‬تربط أجزاء إ‬ ‫ببعضها البعض‪ »OpenSSL« .‬هو نتاج لنهج‬ ‫اقتصادي يتبع ثقافة تعاونية تحت مظلة اسمها‬ ‫«المصدر المفتوح» تقوم عىل إتاحة الفرصة لكل‬ ‫خ�ة أو مهارة يك يسهم‪ ،‬تطويراً وتحسيناً‪،‬‬ ‫صاحب ب‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� يبتكرها الخرون‪ ،‬وبدون‬ ‫ي� المنتجات ب‬ ‫ال�مجية ي‬ ‫تبعات أو مقابل مادي تقريباً‪ .‬وفكرة المصدر‬ ‫المفتوح هي مبادرة لمقاومة االحتكار التجاري‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� قد تسبب‬ ‫والمبالغة ي� تقدير حقوق الملكية ي‬ ‫الفادة من المنتج‪ .‬كما تهدف‬ ‫كث�ين من إ‬ ‫حرمان ي‬ ‫الحر‪.‬‬ ‫بداع‬ ‫ال‬ ‫تشجيع‬ ‫إىل‬ ‫المفتوح‬ ‫المصدر‬ ‫مبادرة‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫وقد نجحت هذه الفكرة بع� عقود ي� تقديم بعض‬ ‫ال�مجيات إطالقاً مثل نظام التشغيل‬ ‫أهم وأنجح ب‬ ‫(لينوكس ‪.)Linux -‬‬

‫ال�مجيات المختلفان‬ ‫نوعا ب‬

‫نوع� ر ي ن‬ ‫ب� ي ن‬ ‫عليه‪ ،‬ينبغي أن نفرق ي ن‬ ‫ئيس� من‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ال� هي محور حياتنا الرقمية اليوم‪:‬‬ ‫ب‬ ‫ال�مجيات ي‬ ‫‪ - 1‬برمجيات محمية (أو مغلقة) المصدر‪ .‬بمع�ن‬ ‫ال�مجيات محمي‪ ،‬وال يمكن‬ ‫أن الكود الخاص بهذه ب‬ ‫ين‬ ‫موظف�‬ ‫االطالع عليه وال تعديله‪ ،‬إال من قبل‬ ‫ين‬ ‫رسمي� ف ي� ش‬ ‫لل�نامج الذي يتم تقديمه‬ ‫ال�كة المنتجة ب‬

‫آ‬ ‫والن‪ ،‬بعد بضعة أشهر من الحدث‪ ،‬يسعنا أن‬ ‫نتأمل ف ي� نتائج مهرجان القلق ذاك وأن نسأل‪:‬‬ ‫هل كانت القضية بتلك الخطورة فعالً؟ وما الذي‬ ‫يضمن أال يتكرر أ‬ ‫ين‬ ‫االختصاصي�‬ ‫المر؟ خاصة وأن‬ ‫آ‬ ‫ال تن�نت‬ ‫يقولون إن اللية الحالية إلدارة برمجيات إ‬ ‫تت�ك المجال مفتوحاً ت‬ ‫الخ�اق مماثل‪ .‬أصالً‪ ..‬من‬ ‫ال تن�نت؟‬ ‫يكتب ويدير برمجيات إ‬

‫بداية الحكاية‬

‫قبل أن ندخل ف ي� التفاصيل سنستعرض حكاية‬ ‫حقيقية قد تعيننا عىل الفهم ث‬ ‫أك�‪.‬‬ ‫ديسم�) عام‬ ‫ففي ليلة رأس السنة (‪31‬‬ ‫ب‬ ‫‪2011‬م‪ ،‬قام طالب دكتوراة ن‬ ‫ألما�‬ ‫ي‬ ‫متخصص ف ي� أمن المعلومات وعلوم‬ ‫الحاسوب‪ ،‬اسمه روبن ِسغلمان بإجراء‬

‫روبن ِسغلمان ‪Robin Seggelmann‬‬

‫للمستهلك كوحدة مغلقة ف ي� وجه التالعب‪ ،‬مثل‬ ‫برامج ش�كة مايكروسوفت التجارية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬برمجيات مفتوحة المصدر‪ :‬ن‬ ‫بمع� أن الكود‬ ‫ال�مجيات متاح للعامة‪ .‬ولتقريب‬ ‫الخاص بهذه ب‬ ‫الصورة فلو تخيلنا أن برنامج مايكروسوفت أوفيس‬ ‫كم�مج سيسعك أن‬ ‫كان مفتوح المصدر‪ ،‬فإنك ب‬ ‫ال�نامج ونوعية الملفات ت‬ ‫ال�‬ ‫تعدل طريقة عمل ب‬ ‫ي‬ ‫ال�مجيات‬ ‫ينتجها وكأنك أحد أعضاء فريق التطوير‪ .‬ب‬ ‫مفتوحة المصدر يقوم عىل تطويرها غالباً فريق‬ ‫ين‬ ‫المتطوع� الذين يمتلكون المهارة ووقت الفراغ‬ ‫من‬ ‫�ض‬ ‫لكنهم ال يسعون بال ورة خلف المادة‪.‬‬ ‫لنعد آ‬ ‫الن إىل روبن ِسغلمان الذي كان أحد أولئك‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫المجهول�‪ ،‬الذين ينفذون‬ ‫المتطوع�‪ ،‬أو الجنود‬ ‫التشف� ذي‬ ‫عمليات تعديل ومراجعة كود بروتوكول‬ ‫ي‬ ‫المصدر المفتوح والمستخدم من قبل ‪ %66‬من‬ ‫خوادم إال تن�نت ف ي� العالم‪ .»OpenSSL« :‬تقول القصة‬ ‫إنه ف� تلك الليلة قبل ي ن‬ ‫عام� ونصف العام‪ ،‬قام‬ ‫ي‬ ‫ِسغلمان بالطقطقة عىل لوحة مفاتيحه ُليدخل تعديال ً‬ ‫دورياً عىل أداء عملية (نبضة القلب) ف ي� بال�وتوكول‬ ‫المذكور‪ .‬لكنه ارتكب غلطة برمجية بسيطة جداً تسمح‬ ‫بقراءة قيم مخزنة ف� الذاكرة ال ت‬ ‫يف�ض أن تنكشف‬ ‫ي‬ ‫عادة‪ .‬لم ينتبه ِسغلمان لتلك الغلطة ف ي� حينه‪ .‬البد‬ ‫يقدم خدمة عظيمة ش‬ ‫للب�ية ألنه‬ ‫أنه أحس وقتها بأنه ِّ‬ ‫يسهر مراجعاً ومتطوعاً وبدون مقابل برنامجاً حاسوبياً‪،‬‬ ‫ف� ي ن‬ ‫ح� يصخب العالم محتفال ً بالعام الجديد‪ .‬المهم‬ ‫ي‬ ‫أن ِسغلمان أرسل تعديالته عىل كود (نبضة القلب)‬ ‫لعضو آخر ف ي� فريق ش‬ ‫م�وع «‪ »OpenSSL‬هو د‪ .‬ستيفن‬ ‫هنسون‪ ،‬والذي فاتته كذلك غلطة ِسغلمان فاعتمدها‬ ‫ف‬ ‫لل�وتوكول‪.‬‬ ‫ي� النسخة الرسمية ب‬ ‫الخط� بع� شبكة‬ ‫ال�نامج بعيبه‬ ‫ي‬ ‫هكذا رسى ب‬ ‫ال تن�نت‪ ،‬كما يرسي الدم الملوث ف ي� العروق‪ ،‬إىل‬ ‫إ‬ ‫أجهزة ‪ 28‬مليون مستخدم حول العالم‪ .‬بل بقي‬ ‫هذا العيب مستوراً ومتوارثاً بع� كل التعديالت‬ ‫ت‬ ‫ال�وتوكول منذ ذلك التاريخ‪.‬‬ ‫ال� أجريت عىل ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ولم ينكشف المر للعموم ح� السابع من أبريل‬ ‫‪2014‬م ي ن‬ ‫العالن عن وجود ثغرة تقنية‬ ‫ح� تم إ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫للمتسلل� ومخ� ي� النظم قراءة‬ ‫خط�ة تتيح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تشغّ ل‬ ‫محتويات الذواكر الخاصة بالجهزة ي‬ ‫ين‬ ‫المتسلل�‬ ‫ال�وتوكول المعيوب‪ ،‬بحيث يمكن ألولئك‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ال� تحمي البيانات‬ ‫االطالع عىل مفاتيح‬ ‫ي‬ ‫التشف� ي‬ ‫ال تن�نت‪ ،‬ما ن‬ ‫يع� أن‬ ‫قنوات‬ ‫المتناقلة بع�‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫المتسلل الذي ينجح ي� االستفادة من هذه‬ ‫الثغرة سيسعه –نظرياً‪ -‬أن يتجسس عىل‬ ‫بريدك إ ت ن‬ ‫و� ويقرأ بياناتك من قرصك‬ ‫اللك� ي‬ ‫الصلب أو هاتفك المحمول بل وينتحل‬ ‫ف‬ ‫المرص� أو‬ ‫شخصيتك بع� حسابك‬ ‫ي‬ ‫الحكومي‪.‬‬


‫‪33 | 32‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫تم إصالح العيب فور اكتشافه وبمساعدة من‬ ‫سغلمان نفسه الذي صار آ‬ ‫الن دكتور ِسغلمان‪ .‬لكن‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الصالح تحقق متأخرا جدا وبعد سنوات من‬ ‫ذلك إ‬ ‫نزف البيانات‪ .‬أ‬ ‫ولن الخطأ حصل ف ي� كود عملية (نبضة‬ ‫القلب)‪ ..‬فقد نال العيب المكتشف تسمية (نزيف‬ ‫القلب)‪.‬‬

‫لكن برمجيات المصدر المفتوح تبقى ذات أهمية‬ ‫قصوى قد تزيد عىل أهمية برمجيات المصادر‬ ‫لتص� كما نعرفها‬ ‫المحمية‪ .‬بل إن إ‬ ‫ال تن�نت لم تكن ي‬ ‫اليوم لوال نهج المصدر المفتوح‪ .‬فكما أسلفنا‪ ،‬إن‬ ‫بروتوكوال ً مثل «‪ »OpenSSL‬يتم تطبيقه عىل ‪%66‬‬ ‫ت‬ ‫من خوادم إ ت‬ ‫ال� تشغلها نظم تشغيل‬ ‫الن�نت‪ ،‬أ ي‬ ‫ش‬ ‫«أبات�»‬ ‫مفتوحة المصدر هي الخرى‪ ،‬مثل نظم‬ ‫ي‬ ‫و«نجينكس»‪.‬‬

‫ال� تبلورت خالل الساعات أ‬ ‫ت‬ ‫الوىل‬ ‫أحد أهم السئلة ي‬ ‫أ‬ ‫ال تن�نت‪ :‬كيف يسمح‬ ‫للزمة كان بخصوص مجتمع إ‬ ‫هذا المجتمع لنفسه أن يعرضنا لهذا ت‬ ‫االخ�اق‬ ‫سنت� ّعىل أ‬ ‫الشنيع وعىل مدى ي ن‬ ‫القل؟ ومن هو‬ ‫المسؤول الذي تنبغي معاقبته عىل خسارة فادحة‬ ‫بات من المستحيل تداركها؟!‬

‫ال تن�نت نظام تشغيل‬ ‫لماذا ال تشغل غالبية خوادم إ‬ ‫ويندوز مثالً؟ الجواب‪ :‬ألن سعر ويندوز مرتفع‪.‬‬ ‫إن ش�كة ال تن�نت الناشئة ال تملك مئات آ‬ ‫الالف من‬ ‫إ‬ ‫الدوالرات لتنفقها عىل منتجات مايكروسوفت‪� ،‬ف‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ح� يسعها أن تحصل عىل برمجيات مصدر مفتوح‬ ‫ذات كفاءة عالية وبأسعار أقل‪ ،‬تساعدها عىل النمو‬ ‫الرسع عىل المدى الطويل‪ .‬بفضل نموذج أ‬ ‫أ‬ ‫العمال‬ ‫هذا ازدهرت أسماء مثل «غوغل» و«الفيسبوك»‪.‬‬

‫من المالم‪ ..‬الشخص أم‬ ‫النظام؟‬ ‫أ‬

‫ف� الواقع‪ ،‬إن التأمل ف� التفاصيل يوضح لنا أ‬ ‫الزمة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الحقيقية ت‬ ‫ال� يعانيها مجتمع إال تن�نت‪ ،‬وآلية عمله‬ ‫ال� قد تعد ي هي المذنب الحقيقي عوضاً عن أ‬ ‫ت‬ ‫الفراد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ت ض‬ ‫إ ت‬ ‫ا� هي امتداد لثقافة المصدر‬ ‫فالن�نت ككيان اف� ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫وال� تتمرد عىل القيمة‬ ‫ال� �حناها آنفاً ي‬ ‫المفتوح ي‬ ‫المؤسساتية وتحاول أن تطلق العنان للإبداع‬ ‫ت‬ ‫كث� من المؤسسات الربحية‬ ‫المش�ك‪ .‬ومع اعتماد ي‬ ‫الك�ى عىل برمجيات المصدر المفتوح‪ ،‬فإن هناك‬ ‫ب‬ ‫كيانات أخرى تعارض سياسة هذا المصدر بشدة‪،‬‬ ‫النتاج والتسويق والتطوير بشكل‬ ‫وتمارس دورة إ‬ ‫مغلق داخل أسوار ش‬ ‫ال�كة‪ ،‬دون أن تسمح لحفنة‬ ‫الدارة‪ .‬من‬ ‫من الهواة بالتعديل عىل قرار مجلس إ‬ ‫هذه الكيانات (مايكروسوفت) و(آبل) ت‬ ‫ال� كان تأثر‬ ‫ي‬ ‫وغ� ذي أثر‬ ‫منتجاتها بأزمة (نزيف القلب) هامشياً ي‬ ‫حقيقي‪.‬‬

‫لكن ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن تطوير برمجيات المصدر‬ ‫ين‬ ‫متطوع� بنظام الدوام‬ ‫المفتوح يقوم عىل جهود‬ ‫ئ‬ ‫الجز�‪ .‬ويجادل البعض أن هذه القيمة التطوعية‬ ‫ي‬ ‫النبيلة تحمل بذرة الدمار لكل الجهود المبنية عليها‪.‬‬ ‫الك�ى‬ ‫إن بروتوكول «‪ »OpenSSL‬مثالً‪ ،‬عىل أهميته ب‬ ‫ف‬ ‫ال تن�نت‪ ،‬يتم تطويره من قبل فريق من‬ ‫ي� عالم إ‬ ‫بالضافة إىل ستة آخرين أقل تطوعاً‬ ‫أربعة أشخاص‪ ،‬إ‬ ‫الربعة أ‬ ‫من أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ول�! ش‬ ‫تموله بت�عات ال‬ ‫والم�وع بأرسه ّ‬ ‫أ‬ ‫تتجاوز اللفي دوالر سنوياً!‬ ‫قد تبدو هذه أ‬ ‫الرقام صادمة‪ ،‬نظراً للدور المحوري‬ ‫ف‬ ‫ال تن�نت‬ ‫لمنتجات المصدر المفتوح ي� اقتصاديات إ‬ ‫ت‬ ‫تقدر بالمليارات سنوياً‪ .‬إن أحدنا قد يقرر عىل‬ ‫ال� ّ‬ ‫ي‬ ‫ضوء ما سلف أن المصدر المفتوح هو نموذج فاشل‬ ‫ينبغي أن يتم هجره فوراً‪ .‬لكننا قبال ً يجب أن نتذكر‬ ‫أمرين‪:‬‬ ‫‪ - 1‬إن برمجيات المصادر المحمية كذلك تتعرض‬ ‫ين ت‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫لالخ�اق والفشل بغض النظر عن‬ ‫المالي� ي‬ ‫ترصف لتطويرها وتسويقها‪ .‬بل إن بعض ش‬ ‫ال�كات‬ ‫الك�ى قد غدت أسماؤها رديفة إلحباط‬ ‫التجارية ب‬ ‫ين‬ ‫كث�‬ ‫المستخدم�‪ ،‬مقارنة باالعتمادية العالية عىل ي‬ ‫من برامج المصادر المفتوحة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬إن برمجيات المصادر المفتوحة‪ ،‬بالرغم من‬ ‫الفقر الذي تعانيه مشاريع تطويرها مادياً‪ ،‬قد رسخت‬ ‫وجودها بع� العقود الماضية‪ .‬كما وأن نجاحها لم‬ ‫يكن وفق مغامرة يغ� محسوبة العواقب‪ ،‬بل تم‬ ‫التقعيد له بع� ما يعرف بـ «قانون لينوس»‪.‬‬

‫شعار ‪Heartbleed‬‬

‫ينص قانون لينوس ‪-‬نسبة إىل (لينوس تورڤالد) أ‬ ‫الب‬ ‫الروحي لنظام التشغيل مفتوح المصدر «لينوكس»‪-‬‬ ‫الكا� من أ‬ ‫ف‬ ‫«ال ي ن‬ ‫ع�»‪ ،‬فإن كل‬ ‫عىل أنه بوجود العدد ي‬

‫الثغرات قابلة للكشف‪ .‬بكالم آخر‪ ،‬إن إتاحة برنامج‬ ‫هب‬ ‫المصدر المفتوح للمراجعة والتعديل لكل من ّ‬ ‫ال�مجة‬ ‫ودب كفيل بأن يوفِّر حلوال ً لكل إشكاليات ب‬ ‫ّ‬ ‫ال� قد يعجز فريق ت‬ ‫ت‬ ‫اح� ف يا� عن حلها‪ .‬ويجادل‬ ‫ي‬ ‫منارصو المصدر المفتوح بأن هذه الفلسفة قد‬ ‫كفلت استمرارية نهجهم طيلة ي ن‬ ‫السن�‪ ،‬بل وجعلت‬ ‫نظام تشغيلهم أ‬ ‫القوى عىل الساحة بشهادة‬ ‫الجميع‪ .‬لكن أزمة «نزيف القلب» شكلت صدمة‬ ‫أ‬ ‫أ ن ت‬ ‫ال� راقبت‬ ‫بك�ى لهذه القناعة‪ .‬لن عدد «ال يع�» ي‬ ‫«‪ »OpenSSL‬بكل أهميته ومكانته‪ ،‬كان –بعد ٍّكل‪-‬‬ ‫فعال كما اتضح‪ ..‬ت‬ ‫ح� مع حقيقة‬ ‫قليال ً جداً ي‬ ‫وغ� ّ‬ ‫كون الثغرة قد اكتشفت من قبل زوج آخر من أ‬ ‫ال يع�ن‬ ‫يمتلكه نيل ميتا الباحث لدى ش�كة «غوغل»‪.‬‬

‫ما الحل؟‬

‫من المدهش أن أزمة «نزيف القلب» لم تسفر عن‬ ‫أية دعاوى جادة لنقض فكرة المصدر المفتوح‪ .‬بل إن‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫المر ي ن‬ ‫يعا�‬ ‫ال� أ ي‬ ‫اقب� يكادون يجمعون عىل أن فالمشكلة ي‬ ‫منها مجتمع المصدر المفتوح‪ ،‬هي ي� المقام الول‬ ‫مشكلة نقص ف ي� التمويل‪ .‬إضافة إىل تعزيز آلية إال ش�اف‬ ‫ت‬ ‫وال� ال يُعقل أن تت�ك‬ ‫عىل مشاريع المصادر‬ ‫المفتوحة ي‬ ‫مهمة إدارتها لحفنة من أ‬ ‫ع� المتطوعة بدوام جز�ئ‬ ‫ال ي ن‬ ‫ي‬ ‫تسي� مصالح‬ ‫فيما بعض تلك المنتجات مسؤول عن ي‬ ‫مؤسسات ومجتمعات بأرسها‪.‬‬ ‫السخي ليس حال ً سحرياً وله تبعاته‬ ‫لكن التمويل‬ ‫ّ‬ ‫السلبية‪ .‬ألن من سيدفع سيطالب بنفوذ‪ ،‬وربما‬ ‫ئ‬ ‫النها�‪ ،‬وهذا ما يناقض أساس‬ ‫بأرباح من المنتج‬ ‫ي‬ ‫فكرة المصدر المفتوح وينحرف به عن مساره‪.‬‬ ‫بعض مالمح الحل المنتظر تكمن ف ي� مبادرة اسمها‬ ‫«‪ »Core Infrastructure‬أطلقتها ف ي� شهر مايو‬ ‫الك�ى بقيادة‬ ‫‪2014‬م مجموعة من ش�كات التقنية ب‬ ‫ال�مجيات مفتوحة‬ ‫«لينوكس» لدعم مشاريع ب‬ ‫وال� تعا�ن‬ ‫المصدر‪ ،‬المستخدمة عىل نطاق واسع ت‬ ‫ي ي‬ ‫ف‬ ‫أمريك‬ ‫بتوف� مائة ألف دوالر‬ ‫نقصاً ي� التمويل‪ ،‬وذلك ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫عىل القل سنوياً‪ ،‬لمدة ال تقل عن سنوات ثالث‪ .‬إن‬ ‫قائمة ش‬ ‫ال�كات المنضمة إىل هذه المبادرة يغ� الربحية‬ ‫تشمل غوغل وإنتل ومايكروسوفت والفيسبوك‬ ‫وسيسكو وآي ب ي� إم وفوجيتسو وأمازون وسواها‪ .‬وهي‬ ‫ف ي� مجملها ش�كات متعددة النشاطات تقنياً‪ ،‬ال تعتمد‬ ‫جميعها فلسفة المصدر المفتوح ف ي� منتجاتها‪ ..‬لكن‬ ‫القائم� عليها متفقون عىل تقدير أ‬ ‫ين‬ ‫الهمية القصوى‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫وتأم�ن‬ ‫لفكرة المصدر المفتوح ي� نمو إ‬ ‫الن�نت ي‬ ‫استمرارية وخصوصية اتصالنا بها‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫الشيخوخة‬ ‫ليست كلها‬ ‫متاعب‬ ‫)‪Zaki Ghawas (Mohtaraf Images‬‬

‫للشيخوخة في أذهان كثيرين صورة‬ ‫نمطية واحدة‪ ،‬أبرز عناصرها الوهن‬ ‫الجسدي‪ ،‬وضعف الذاكرة‪ ،‬وبطء الحركة‬ ‫النسان‬ ‫والتفكير‪ ،‬وقصور مختلف أعضاء جسم إ‬ ‫عن أداء وظائفها‪ .‬ولكن الباحث الهولندي‬ ‫أندريه أليمان‪ ،‬وهو أستاذ في علم النفس‬ ‫العصبي بجامعة خروننجن‪ ،‬يستخلص من‬ ‫يتقدم السن بالمخ‬ ‫بحث جديد بعنوان «عندما َّ‬ ‫ ما يخيفنا وما نعرفه وما نستطيع أن نفعله»‬‫صورة مختلفة عن الشيخوخة‪ .‬صورة تؤكد أن‬ ‫اليجابيات‪،‬‬ ‫هذه المرحلة العمرية ال تخلو من إ‬ ‫كما يمكنها أن تكون أفضل حاال ً إذا تجاوزت‬ ‫االستسالم للزمن‪.‬‬ ‫ال يُنكر أليمان أن الذين تزيد أعمارهم على‬ ‫الثمانين أو التسعين عاماً يعانون آثار الشيخوخة‬ ‫على المخ‪ ،‬فتتراجع القدرة على التركيز‪ ،‬وتكثر‬ ‫حاالت النسيان‪ ،‬وتصبح القدرة على التفكير أكثر‬ ‫بطئاً من ذي قبل‪.‬‬ ‫لكن موهبة العا ِلم الهولندي الفذة‪ ،‬تكمن في‬ ‫التوازن في عرض الحقائق‪ ،‬فهو ينبه إلى أن هذا‬ ‫التراجع في القدرات الذهنية‪ ،‬ترافقه جوانب‬ ‫إيجابية أخرى‪ ،‬تجعل الشيخوخة فترة ممتعة‬ ‫من الحياة أيضاً‪ ،‬فكبار السن غالباً ما يكونون‬ ‫أكثر سعادة من الشباب‪ ،‬وأقدر على التعامل مع‬ ‫االنفعاالت‪ ،‬وأقل تأثراً بضغوط الحياة‪ ،‬عالوة على‬ ‫مهارتهم الفائقة في اتخاذ قرارات معقَّدة‪.‬‬ ‫ويوضح أليمان أن أ‬ ‫الشخاص في مرحلة‬ ‫الشيخوخة‪ ،‬يتمتعون ببعض الالمباالة التي‬ ‫تأن وروية‪ ،‬كما أكسبتهم الحياة من‬ ‫تجعلهم أكثر ٍ‬

‫الخبرات‪ ،‬ما يجعلهم أكثر حكمة‪ ،‬وفوق كل ذلك‬ ‫فإن الدراسات الحديثة على المخ أثبتت أن أ‬ ‫الجزاء‬ ‫السليمة في المخ‪ ،‬تحاول تعويض مهام أ‬ ‫الجزاء‬ ‫التي تعرضت للضمور‪ ،‬مما يجعل المخ قادراً في‬ ‫الشيخوخة أيضاً على مواصلة وظائفه بصورة شبه‬ ‫طبيعية‪.‬‬

‫كيف تحافظ على شباب مخك؟‬

‫يقع البحث الذي أعده ليمان‪ ،‬في ثمانية فصول‪.‬‬ ‫النسان على‬ ‫ويتناول في جزء كبير منه كيفية حفاظ إ‬ ‫قدراته الذهنية والعقلية في شيخوخته‪ ،‬ويضرب‬ ‫مثاال ً بالسيدة تيودورا كالسن رووس‪ ،‬البالغة من‬ ‫العمر ‪ 103‬أعوام‪ ،‬والتي طلبت من (أطفالها)‪ ،‬الذين‬ ‫تراوح أعمارهم بين ‪ 65‬و‪ 78‬عاماً‪ ،‬أن يتوقفوا عن‬ ‫االحتفال بعيد ميالدها‪ .‬وقد أوضحت هذه السيدة‬ ‫في مقابلة مع صحيفة هولندية أن كل ما تفعله‬ ‫للحفاظ على صحتها هو أنها تبدأ يومها بالمشي‬ ‫لفترة قصيرة‪ ،‬تلتقي فيها بمعارفها من الجيران‪،‬‬ ‫وتتبادل معهم أطراف الحديث‪ ،‬ثم تعود لبيتها‬ ‫وتقرأ صحيفة محلية وأخرى عالمية‪ ،‬لكنها ال تقضي‬ ‫يومها في القراءة‪ ،‬ألن وقتها أثمن من أن تقضيه في‬ ‫ذلك فقط‪.‬‬ ‫ويشير العالم الهولندي إلى أن هذه السيدة‬ ‫وغيرها كثيرون من المسنين استطاعوا أن يحافظوا‬ ‫على اللياقة البدنية والعقلية من خالل اتباع نمط‬ ‫حياة صحيح‪ ،‬يعتمد على كثرة الحركة‪ ،‬التي تفيد‬ ‫المخ أيضاً‪ ،‬والحفاظ على شبكة من العالقات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬والقراءة‪ ،‬محذراً من أن هذه النشاطات‬ ‫النسان‬ ‫ال تأتي بالضرورة بالنتائج المرجوة‪ ،‬إذا كان إ‬ ‫متشائماً‪ ،‬يرى العالم بنظارة سوداء‪ ،‬يتوقَّع أن‬ ‫يفقد ذاكرته‪ ،‬وأن يعاني من المرض‪ ،‬وأن تكون‬

‫سنوات عمره في الشيخوخة سلسلة من العذاب‬ ‫والعناء‪.‬‬ ‫وحتى ال يبدو هذا الكالم سخيفاً‪ ،‬فإنه يوضح أن‬ ‫النسان الذي يتبنى توجهات إيجابية‪ ،‬ال يتعرض‬ ‫إ‬ ‫للضغوط النفسية التي تؤثر سلباً على إنجازاته‪،‬‬ ‫ويجد في داخله الحماس الشديد للقيام بكل ما‬ ‫النسان‬ ‫اليجابية‪ ،‬أما إ‬ ‫يساعده على تحقيق النتائج إ‬ ‫المتشائم فإنه يؤمن بأنه (ال فائدة من أي جهد‪،‬‬ ‫فالمصيبة قادمة ال محالة)‪ ،‬فال يجد في نفسه رغبة‬ ‫للمشي أو الحركة‪ ،‬وال يجهد نفسه بالقراءة والتفكير‬ ‫في أ‬ ‫المور المعقدة‪ ،‬وال يسعى إلى تعزيز عالقاته‬ ‫مع آ‬ ‫الخرين‪ ،‬خشية أن ينسى اسم أحدهم‪،‬‬ ‫فيتعرض للحرج‪ .‬وهكذا ينزوي في بيته‪ ،‬ويوقف‬ ‫كل النشاطات الذهنية‪ .‬وعندها تكون النتيجة‬ ‫الطبيعية حدوث ما كان يخاف حدوثه‪.‬‬

‫مرحبا بالشيخوخة‬

‫ينصح العالم الهولندي الراغبين في الحفاظ على‬ ‫قدراتهم الذهنية في شيخوختهم‪ ،‬أن يتمسكوا‬ ‫بنظرة متفائلة للحياة‪ ،‬وأن يكثروا من القراءة والكتابة‪،‬‬ ‫والتفكير والتأمل‪ ،‬وأن يواظبوا على المشي والحركة‪،‬‬ ‫وأن يشربوا كميات كبيرة من الماء‪ ،‬وأن يحافظوا على‬ ‫روح الفكاهة‪ ،‬وأن يوثقوا عالقاتهم االجتماعية‪ ،‬وأن‬ ‫يسعوا إلى الحفاظ على السعادة الزوجية‪ ،‬وأن يربوا‬ ‫أحد الحيوانات أ‬ ‫الليفة في بيوتهم‪.‬‬ ‫ويبشر أليمان من يفعل ذلك بأنه سيكتشف في‬ ‫الشيخوخة جوانب ممتعة‪ ،‬ومرحلة جديدة من‬ ‫العمر لها نكهتها الجميلة‪ ،‬مما يجعل المؤلف يقول‬ ‫إنه نفسه ال يخاف من هذه المرحلة‪ ،‬بل يقول من‬ ‫قلبه من آ‬ ‫الن «مرحباً بالشيخوخة»‪.‬‬


‫‪35 | 34‬‬

‫العلم خيال‬

‫طالما ّ‬ ‫صورت لنا أدبيات الخيال العلمي‬ ‫سكان المريخ ككائنات خضراء ‪-‬دوماً‬ ‫ّ‬ ‫خضراء!‪ -‬ذوات رؤوس كبيرة وخلق‬ ‫ً‬ ‫عموما من خلقنا‬ ‫شائهة لكنها قريبة‬ ‫نحن البشر‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫لنتمعن في حقائق المريخ‪ .‬ولنرَ‬ ‫ولكن‬ ‫إذا كان بوسع ذلك الكوكب أن يؤوي‬ ‫كائنات حية بأحجام وصفات تشبه البشر‪،‬‬ ‫أو بقدراتها الحركية‪ ،‬أو بتعقيد أجهزتها‬ ‫العصبيه والحسيّ ة‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد وليد شنواري‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫كتلة المريخ تعادل ع ش� كتلة كوكب أ‬ ‫الرض‬ ‫ُ‬ ‫تقريباً‪ .‬وتتفاوت درجات الحرارة عىل سطحه ما‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫والتسع� درجة مئوية تحت الصفر‪،‬‬ ‫ب� الصفر‬ ‫ين‬ ‫وتعادل سنة المريخ ي ن‬ ‫أرضيت� (‪687‬‬ ‫سنت�‬ ‫ن‬ ‫بثا� أكسيد الكربون‬ ‫يوماً)‪ ،‬وغالفه الجوي مشبع ي‬ ‫الكب� عن الشمس‬ ‫(بمعدل ‪ .)%95‬وبُعد المريخ ي‬ ‫الضاءة عىل الكوكب‪ .‬كما‬ ‫يؤثر سلباً عىل مستوى إ‬ ‫الكب� ف ي� درجات الحرارة يولد فروقاً‬ ‫وأن التفاوت ي‬ ‫كب�ة ف ي� الضغط الجوي تؤدي إىل عواصف دائمة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫تحمل معها أطنانا من التربة‪ ،‬مما يزيد من قدرة‬ ‫الغالف الجوي عىل حجب أشعة الشمس‪.‬‬ ‫يتوفر أ‬ ‫وكسج� عىل المريخ ث‬ ‫ين‬ ‫بك�ة‪ ،‬ولكن‬ ‫ال‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫وكسج� موجود كأكسيد حديد‬ ‫معظم هذا ال‬ ‫أ‬ ‫(صدأ الحديد) مما يعطي الكوكب لونه الحمر‪.‬‬ ‫تحت ش‬ ‫ق�ة المريخ توجد نواة معدنية مثل نواة‬ ‫أ‬ ‫كب�اً من حرارتها‬ ‫غ� أنها فقدت جزءاً ي‬ ‫الرض‪ ،‬ي‬

‫المقتضى‬ ‫العلمي لخلقة‬ ‫ّ‬ ‫سكان المريخ‬

‫ين‬ ‫الهيدروج� أن‬ ‫وأصبحت صلبة‪ .‬يكاد عنرص‬ ‫ينعدم عىل المريخ إال بكميات قليلة متمركزة �ف‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الباحث� عن‬ ‫غاز الميثان الذي أسعد اكتشافه‬ ‫أ‬ ‫الحياة ف ي� المريخ نظراً ألن المصدر العظم لهذا‬ ‫الغاز عىل أ‬ ‫الرض هو التفاعالت الكيميائية ف ي�‬ ‫أمعاء الكائنات الحية!‬ ‫ما يتبادر إىل الذهن بعد رسد كل تلك الحقائق‬ ‫هو أن مصادر الطاقة السهلة محدودة جداً عىل‬ ‫المريخ‪ .‬فالشمس هي مصدر الطاقة أ‬ ‫الساسية‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� نعرفها‬ ‫وال‬ ‫صل ي� كل مصادر الطاقة الخرى ي‬ ‫أ‬ ‫عىل الرض‪ .‬ولكن نصيب مساحة معينة عىل‬ ‫كوكب المريخ من هذا المصدر يعادل أقل من‬ ‫‪ %30‬من نصيب مساحة مماثلة من أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫وللنباتات عىل أ‬ ‫الرض قدرة فائقة عىل استخالص‬ ‫ف‬ ‫الطاقة الشمسيه ي ز‬ ‫وترك�ها ي� مركبات كيميائيه‬ ‫سهلة الهدم (السكريات والنشويات)‪ ،‬فيما‬

‫التستهلك هذه النباتات إال كمية ضئيلة من‬ ‫تلك الطاقة ألنها محدودة الحركة‪ .‬ولو لم تكن‬ ‫هناك طاقة مركزة ف ي� ثمار النباتات لما استطاع‬ ‫النسان (وال أي من الكائنات عديدة الخاليا) أن‬ ‫إ‬ ‫يطور قدرته الحركة‬ ‫لحجمه‬ ‫ينمو‬ ‫الحال‪ ،‬أو أن ّ‬ ‫ي‬ ‫والتفك�‪ .‬بالمقارنة مع كوكب المريخ‪ ،‬فمن‬ ‫ي‬ ‫الصعب أن يتمكن أي كائن حي عديد الخاليا‬ ‫من استخراج الطاقة الموجودة ف ي� أشعة الشمس‬ ‫فلك تتمكن النباتات عىل المريخ من‬ ‫الضئيلة‪ .‬ي‬ ‫استخراج ما يكفي من الطاقة من الشمس‪،‬‬ ‫سيتحتم عىل هذه النباتات أن تكون تم�امية‬ ‫أ‬ ‫الطراف وذات أوراق هائلة الحجم‪ .‬وكلما زاد‬ ‫حجم النبات فإن حاجتها للطاقة ت ز‬ ‫س�داد كذلك‬ ‫بطبيعة الحال‪.‬‬ ‫وهناك عائق مهم آخر يجعل الحياة‪ ،‬كما‬ ‫نعرفها‪ ،‬مستعصية عىل كوكب المريخ‪ ،‬وهو‬


‫المثال‬ ‫انعدام الماء السائل‪ .‬الماء هو المذيب‬ ‫ي‬ ‫لجميع المحاليل القطبية‪ .‬والتوجد أية عملية‬ ‫حيوية ألي كائن حي ال يلعب فيها الماء السائل‬ ‫دوراً أساسياً‪ .‬هناك قطبان متجمدان ف ي� المريخ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ثا�‬ ‫ولكن الجليد الم�اكم بهما ماهو أال غاز ي‬ ‫أكسيد الكربون المتجمد‪ .‬ت‬ ‫ثلج‬ ‫وح� لو ُوجد ٌ‬ ‫ئ‬ ‫ما� عىل سطح المريخ‪ ،‬فإنه سيتسامى (ينتقل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫من الحالة الصلبة إىل الغازية) ي� الحال لقلة‬ ‫و� غياب الماء أ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫وكسج�‬ ‫وال‬ ‫الضغط الجوي‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الحر فإن‬ ‫ال� تستخلص بها‬ ‫ُ‬ ‫الطريقة الساسية ي‬ ‫جميع الكائنات أ‬ ‫الرضية الطاقة من الغذاء بحرقه‬ ‫وتوزعها عىل الخاليا باستخدام الماء لن تكون‬ ‫ممكنة عىل المريخ‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تساعد عىل بقاء‬ ‫أحد أهم العوامل أي‬ ‫الكائنات الحية عىل الرض هو وجود المجال‬ ‫المغناطيس المحيط أ‬ ‫بالرض‪ ،‬الذي يقيها من‬ ‫ي‬ ‫هبوب الجزيئات المشحونة من الشمس (ما‬ ‫يعرف بالرياح الشمسية)‪ .‬هذه الجزيئات بإمكانها‬ ‫أن تفكِّك وتحلِّل جميع المركّبات الحيوية‪ ،‬بما‬ ‫وال�وتينات‪ .‬ومثل هذه‬ ‫فيها الحمض النووي ب‬

‫التفاعالت كفيلة بالفتك بالكائن الحي‪ .‬ومن لطف‬ ‫هللا تعاىل بنا أن نواة كوكبنا ال تزال مكونة من‬ ‫لتكون المجال‬ ‫معادن مصهورة يؤدي دورانها ُّ‬ ‫ن‬ ‫المغناطيس وحمايتنا من الشمس‪ .‬بينما اليتس�‬ ‫ي‬ ‫لكائن ف� المريخ أن يحمي نفسه ت‬ ‫لف�ة طويلة من‬ ‫ي‬ ‫التأث� المدمر لشمسنا‪.‬‬ ‫ذلك ي‬ ‫مع ذلك‪ ،‬يعتقد البعض باحتمال وجود أشكال‬ ‫من الحياة‪ ،‬قد ال تتفق مع ما تميل إليه مخيالتنا‬ ‫بخصوص المريخ‪ .‬أحد هذه االحتماالت يتمثل‬ ‫ف‬ ‫صغ�ة جداً (بحجم الكائنات‬ ‫ي� كائنات مريخية ي‬ ‫وحيدة الخلية) مستقرة تحت طبقات من ش‬ ‫ق�ة‬ ‫المريخ‪ ،‬حيث إن هذا الموقع سيخفف من‬ ‫تأث� الرياح الشمسية‪ .‬ثم إن الحجم المجهري‬ ‫ي‬ ‫للكائنات المريخية ت‬ ‫المف�ضة سيسمح لها‬ ‫بالتكاثر بمعدل أرسع من قدرة الشمس عىل‬ ‫الفتك بها‪ ،‬ما يضمن بقاء جنسها‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن‬ ‫الحجم الدقيق سيسمح لثمة كائنات باالعتماد‬ ‫عىل مصادر طاقة متواضعة‪ .‬لعل تلك الكائنات‬ ‫ستستخرج الطاقة من تحليل مركبات الحديد‬ ‫المتوافرة عىل الكوكب‪ ،‬مع أن هذا أ‬ ‫السلوب ف ي�‬ ‫التغذية سيتطلب أنزيمات شديدة التعقيد‪ .‬كما‬ ‫أن هذه أ‬ ‫النزيمات ال بد أن تتكون من عنارص‬ ‫متوافرة عىل المريخ‪ .‬ولذلك يسعنا أن نتخيل‬ ‫بكليتها من الحديد‬ ‫كائنات مريخية متشكلة ّ‬ ‫غ� العضوية (وإن كانت‬ ‫وبعض مركبات الكربون ي‬ ‫صح تخيلنا!)‪ .‬ولكن مع كل‬ ‫ستصبح عضوية لو ّ‬ ‫كب�اً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫هذه التكهنات‪،‬‬ ‫شح المذيب عائقا ي‬ ‫فسيظل ّ‬ ‫الصغ�ه‬ ‫يحول دون قدرة هذه (الروبوتات)‬ ‫ي‬ ‫عىل ممارسة عملياتها الحيوية‪.‬‬ ‫إن البحث عن آثار وجود حياة ماضية‬ ‫عىل المريخ ربما يكون أصعب‬ ‫بحث جيولوجي قام به‬ ‫النسان إطالقاً‪ .‬لكنه‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫يظل بحثا ي� غاية الهمية‬ ‫وال بد أن يستمر‪ .‬ولو حصل‬ ‫واكتشفنا بقايا كائن مريخي يتشابه‬ ‫ئ‬ ‫معنا ف� ت‬ ‫ال�كيب العضوي أو‬ ‫الكيميا�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫فلعله ينبغي علينا حينها أن ندرس‬ ‫بجديّة احتمالية كون هذا الكائن‬ ‫ض‬ ‫أر�‪ ..‬وتمكن من تطوير‬ ‫المريخي ذا أصل ي‬ ‫أ‬ ‫تقنية سمحت له بمغادرة الرض قبل أن يورثها‬ ‫هللا نب� ش‬ ‫الب�!‬ ‫ي‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫‪i‬‬

‫أ ف‬ ‫ال ي ز‬ ‫نجل�ية‬ ‫الرمز ‪ i‬هو الحرف الول ي� الكلمة إ‬ ‫«تخي يل»‪ .‬عليه‬ ‫«‪ »imaginary‬وترجمتها العربية ُّ‬ ‫العر� (ت)‬ ‫فإنه يسعنا أن نستخدم الحرف ب ي‬ ‫للتعب� عن نفس القيمة‪ .‬أية قيمة؟‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� سنحصل عليها لو أخذنا الجذر‬ ‫إنها تلك ي‬ ‫ت‬ ‫ال�بيعي للعدد السالب ‪ .1-‬وهذه جملة صادمة‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫كدارس� للرياضيات‪ -‬أن‬‫ف ي� ظاهرها لننا نعرف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫العدد السالب ليس له جذر تربيعي‪ .‬لن وجود‬ ‫جذر تربيعي لعدد ما يقت�ض ي أننا إذا ض�بنا هذا‬ ‫ف‬ ‫ربعناه‪ -‬فسنحصل عىل العدد‬ ‫الجذر ي� نفسه ‪-‬أي ّ‬ ‫السالب المزعوم‪ .‬وهذا يغ� ممكن ألن ض�ب أي‬ ‫عدد موجب ف ي� نفسه سيعطي دائماً قيمة موجبة‬ ‫ش‬ ‫ال�ء بالنسبة ل�ض ب أي عدد‬ ‫‪ .4=2×2‬ونفس ي‬ ‫سالب ف ي� نفسه ‪ .4= 2-×2-‬النتيجة دوماً ستكون‬ ‫ليغ� قواعد‬ ‫موجبة‪ .‬لكن الرقم‬ ‫التخيل ‪ i‬جاء ي ّ‬ ‫ي‬ ‫التال‪:‬‬ ‫يقول‬ ‫أن‬ ‫عىل‬ ‫أحدنا‬ ‫الرياضيات وليحفز‬ ‫ي‬ ‫«تخيل أنه يوجد رقم ‪ ،i‬بحيث أن‪."i-×i = 1 :‬‬ ‫ّ‬ ‫التخيل ليفتح أبواباً ف ي�‬ ‫هكذا جاء الرقم‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫مستغلقات الرياضيات النظرية‪ .‬لننا صار‬ ‫بوسعنا أن نجيب عن أسئلة كان طرحها ف ي� البدء‬ ‫يغ� ممكن‪ .‬صار يمكننا مثال ً أن نسأل‪ :‬ما الجذر‬ ‫ت‬ ‫ال�بيعي للرقم ‪9-‬؟ والجواب ‪-‬طبعاً‪ -‬هو أن‬ ‫ف‬ ‫�ض‬ ‫‪ 9‬ليست إال ‪ 9‬م وبة � ‪ .1-‬والجذر ت‬‫ال�بيعي‬ ‫ي‬ ‫لـ ‪ 9‬هو ‪ ،3‬أما الجذر ت‬ ‫ال�بيعي لـ ‪ 1-‬فليس إال ‪.i‬‬ ‫وهكذا فإن جواب سؤالنا هو ببساطة ‪.3i‬‬ ‫التخيل «‪ »i‬أو «ت» من رحم‬ ‫لقد خرج الرمز‬ ‫ي‬ ‫الخيال المحض وعوالم الـ «ماذا لو»‪ ،‬كفكرة‬ ‫(ه�و السكندري) ف ي� القرن‬ ‫داعبت خيال ي‬ ‫الميالدي أ‬ ‫الول إىل أن تم اعتمادها حسابياً ف ي�‬ ‫ش‬ ‫القرن السادس ع� كقيمة يستحيل تمثيلها‬ ‫مادياً‪ .‬إذ ال يمكنك أن تدفع مبلغاً يساوي «ت»‬ ‫من الرياالت وال أن تخرس «ت» كيلوغراماً من‬ ‫وزنك‪ .‬لكن أ‬ ‫الرقام التخيلية جاءت لتسد ثغرة ف ي�‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ليست بتخيلية‬ ‫الرياضيات ولتسم العداد ي‬ ‫أ‬ ‫بوسم نستخدمه كلنا اليوم‪( :‬العداد الحقيقية‬ ‫ن‬ ‫الالتي�‬ ‫– ‪ )Real Numbers‬وتلك أيضاً لها رمزها‬ ‫ي‬ ‫«‪ .»R‬أ‬ ‫ولن الرياضيات هي لغة الفكرة والعوالم‬ ‫الالمرئية‪ ،‬فإن القيمة المتخيلة ‪-‬أو المستحيلة‪-‬‬ ‫«ت» ما لبثت أن وجدت لها أهمية قصوى ف ي�‬ ‫عديد من التطبيقات النظرية المعارصة‪.‬‬ ‫ففي مجال الهندسة الكهربائية مثالً‪ ،‬فإن التيار‬ ‫ت‬ ‫الم�دد (‪ )AC‬يتذبذب ي ن‬ ‫اليجابية والسلبية‬ ‫ب� إ‬ ‫بشكل موجة جيبية‪ .‬وإذا تم الجمع ي ن‬ ‫ب� تيارين‬ ‫ت‬ ‫كل‪ ،‬وقد‬ ‫م�ددين فإنهما قد اليتطابقان بشكل ّ ي‬ ‫يص� من الصعب جداً تحديد القيمة الدقيقة‬ ‫ي‬ ‫للتيار الجديد عىل الورق‪ .‬ولكن باستخدام أرقام‬ ‫تخيلية جنباً إىل جنب مع أ‬ ‫الرقام الحقيقية‪ ،‬فإن‬ ‫مثل هذه الحسابات باتت ممكنة‪ ..‬والنتيجة قد‬ ‫تمثل تياراً «تخيلياً» ف ي� قيمته‪ ،‬لكنه يظل موجوداً‬ ‫وستحس به لو ت‬ ‫اع�ضت طريقه!‬


‫‪37 | 36‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫منتج‬

‫الساعة‬ ‫الذكية‬

‫لوهلة‪ ،‬تبدو الساعة الذكية وكأنها تجسيد لحلم‬ ‫طالما راود مخرجي الخيال العلمي‪ ..‬حلم البطل‬ ‫الذي يضغط زراً عىل إسوارة محيطة بمعصمه‪،‬‬ ‫أو يقربها من فمه ليهمس ببضع كلمات ليتحقق‬ ‫العجاز العلمي يطرق‬ ‫أمر‬ ‫سحري ما‪ .‬لكن هذا إ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ف‬ ‫الكا�‪ .‬إذ يبدو‬ ‫أبوابنا اليوم دون أن يبهرنا بالحد أ ي‬ ‫ن‬ ‫خ� بات متتالياً‬ ‫التق� خالل العقد ال ي‬ ‫أن التسارع ي‬ ‫والبهار‪ .‬ت‬ ‫ح� بات لسان‬ ‫لدرجة قتلت عامل المفاجأة إ‬ ‫ف‬ ‫تقدم لنا كل ما‬ ‫حالنا يتساءل‪ :‬ما المدهش ي� إسوارة ِّ‬ ‫تقدمه حفنة من أ‬ ‫ف‬ ‫الجهزة المنفصلة ي� ٍآن معاً؟!‬ ‫هذه قراءة للواقع ك نفهم طبيعة أ‬ ‫الرقام‬ ‫ي‬ ‫المخيبة‪ .‬فمنذ أن بدأ سباق الساعات الذكية يشتد‬ ‫منتصف العام ‪2013‬م باقتحام العمالق الكوري‬ ‫(سامسونغ) حلبة المنافسة‪ ،‬وتربص كل من (آبل)‬ ‫السماء أ‬ ‫و(مايكروسوفت)‪ ..‬ناهيكم عن أ‬ ‫الخرى مثل‬ ‫ن‬ ‫و(نايك) و(پيبل)‪ ،‬والكل يعلن أن الساعة‬ ‫(سو�)‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تفك� العالم‪،‬‬ ‫الذكية ستكون هي‬ ‫سيغ� ي‬ ‫المنتج الذي ي ّ‬ ‫آ‬ ‫الجوال مثالً‪.‬‬ ‫عىل النحو الذي كانه (اليبود) أو ي‬ ‫كام�ا ّ‬ ‫لكن إحصاءات مارس ‪2013‬م تقول إن ‪ %40‬فقط‬ ‫من زبائن سوق الهواتف الذكية متحمسون للساعات‬ ‫الذكية‪ .‬فهل بي�ر هذا االهتمام البارد ‪-‬أقل من نصف‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫النتاج‬ ‫المستهلك�‬ ‫المتوقع�‪ -‬كل تلك الفورة ي� إ‬ ‫والتسويق؟ ولماذا يرفض البعض ساعة تعد بتقديم‬ ‫كل ما يقدمه الحاسوب أو الهاتف الذك ث‬ ‫وأك�؟‬ ‫ي‬

‫‪shutterstock / Georgejmclittle‬‬

‫تتفش‬ ‫عىل الرغم من أن الساعة الذكية لم َ‬ ‫بعد كمنتج ن �ض‬ ‫ت‬ ‫تفشت‬ ‫ال� َّ‬ ‫تق� بال اوة نفسها ي‬ ‫ي‬ ‫الكام�ات الرقمية‪ ،‬إال أن السوق‬ ‫بها الهواتف الجوالة أو ي‬ ‫بكث� من تال�قب والحماسة‪.‬‬ ‫يعامل هذا المنتج الجديد ي‬ ‫َّ‬ ‫ذلك أن الساعة الذكية ماهي إل اختصار لكل ماهيتنا‬ ‫التقنية‪ .‬الساعة الذكية ستكون حاسوباً لالتصال‬ ‫وكام�ا‪ ،‬وهاتفاً جواالً‪ ،‬ومذياعاً ومستودعاً‬ ‫إ‬ ‫بال تن�نت‪ ،‬ي‬ ‫لملفاتك الرقمية كلها‪ :‬النصية والصوتية وسواها‪.‬‬ ‫ساعتك الرقمية الموعودة ستكون شاشة تلفازك‪ .‬كما أنها‬ ‫ستقيس لك نبضك وتحسب لك ساعات نومك ونشاطك‬ ‫وكم ُسعرة حرارية أحرقت‪ ،‬ستعلمك بمواعيدك وبحالة‬ ‫وأخ�اً وليس آخراً‪ ..‬بالوقت!‬ ‫الطقس‪ ..‬ي‬

‫ساعة لتعقيد الحياة‬

‫الجواب قد تخترصه مفردة واحدة‪« :‬البساطة»‪ .‬وهي‬ ‫بساطة غائبة ف� كث� من أ‬ ‫الحيان!‬ ‫ي ي‬ ‫ذلك أن الساعات الذكية المطروحة ف� أ‬ ‫السواق اليوم‬ ‫ي‬ ‫تذ ِّكرنا بمسجالت شأ�طة الفديو القديمة‪ .‬حيث كان‬ ‫تسجيل حدث ما من التلفاز عىل ش�يط (‪ )VHS‬يمثل‬ ‫تحدياً لفرط تعقيده‪ .‬نماذج ساعات اليوم الذكية‬ ‫برصف النظر عن كونها أقرب للمعجزات التقنية‪-‬‬‫تتحدانا اليوم بتقديم كل ما يخطر عىل البال عىل‬ ‫مساحة ضيقة فوق معصم أحدنا‪ ..‬وباعتماد شاشة‬ ‫لمس دقيقة وزر أو زرين ليس ث‬ ‫أك�‪ .‬وعليك أنت أيها‬ ‫المستخدم أن تتقن مجموعة من اللمسات والضغطات‬ ‫والسحبات والنقرات بطرف ظفرك يك تحصل عىل قيمة‬ ‫يوفرها لك ث‬ ‫أك� من جهاز آخر ف ي� جيبك أو معلَّق عىل‬ ‫الجدار أمامك‪ .‬وهذا هو نفس التعقيد المزعج الذي‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت ذكية‬ ‫نفَّر الناس من ساعات (كاسيو) الرقمية ي‬ ‫بمعاي� ثمانينيات القرن ض‬ ‫جداً‬ ‫الما�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ساع� الذكية س ُت ِ ن‬ ‫إذا كانت ت‬ ‫م� بوصول بريد‬ ‫عل ي‬ ‫ي‬ ‫أصدقا� يتصل‪ ..‬أو بأن والد�ت‬ ‫ئ‬ ‫ت ن‬ ‫و�‪ ..‬أو بأن أحد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫إلك� ي‬

‫ن‬ ‫ع�ت عن إعجابها بالصورة ت ش‬ ‫الب� عىل‬ ‫قد ب َّ‬ ‫ال� ن�تها ي‬ ‫ي‬ ‫عل أن أسارع اللتقاط هاتفي‬ ‫فلماذا‬ ‫الفيسبوك‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الذك أو جهازي اللوحي ألرد أو أتفاعل؟ فقط ألتلقى‬ ‫ي‬ ‫إشعاراً آخر بعد ثوان عىل ت‬ ‫ساع� الذكية وعىل هاتفي‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫الذك ف ي� اللحظة نفسها‬ ‫الذك وعىل جهازي اللوحي ي‬ ‫ي‬ ‫من الزمان؟ لماذا نحيط أنفسنا بكل هذا الكم من‬ ‫أ‬ ‫الجهزة ت‬ ‫ال� نسميها «ذكية» ف� ي ن‬ ‫ح� أنها ال تزيد عىل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كونها ملهيات أ‬ ‫تمل وقتنا بصفَّارات التنبيه ت ز‬ ‫الل�امات ال‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫كث� من الحيان؟!‬ ‫قيمة لها ي� ي‬

‫استهالك؟‬ ‫مجرد ُمنتج‬ ‫ي‬

‫يظل إغراء إيجاد منتج جديد واستدرار الربح بع�ه‪،‬‬ ‫ين‬ ‫المبدع� والتجار عىل المقاومة‪..‬‬ ‫أك� من قدرة‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫المستهلك� الذين يحبون‬ ‫كث� من‬ ‫ي‬ ‫وأك� من مقاومة ي‬ ‫ب‬ ‫تجريب كل جديد‪ .‬بعض نماذج الساعات الذكية‬ ‫الموجود ف� السوق آ‬ ‫ف‬ ‫الن‪ ،‬جذاب جداً‬ ‫و�‬ ‫وواعد‪ .‬ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫إطار الرؤية التقنية المعروفة بـ ت‬ ‫(إن�نت الشياء)‪،‬‬ ‫لن تلبث ساعاتنا أن ترتبط السلكياً بسياراتنا‪ ،‬وبنظم‬ ‫ف‬ ‫لتخ�‬ ‫الحراسة ي� بيوتنا‪ ،‬وبجداول دوامنا‪ ،‬وسفرنا‪ ،‬ب‬ ‫آ‬ ‫الخرين بالنيابة عنا أين نحن‪ ،‬ت‬ ‫وم� سنعود‪ ،‬وإىل أين‬ ‫�ض‬ ‫سنم ي غداً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫التكون كمنتجات‬ ‫الساعات الذكية ال تزال ي� طور ُّ‬ ‫باهرة‪ .‬هكذا يقول المراقبون أ‬ ‫للسواق الذين ينتظرون‬ ‫ت‬ ‫ما س ُتقدم عليه بعض بك� ش‬ ‫وال�‬ ‫يات �كات التقنية ي‬ ‫ح� آ‬ ‫عما لديها ت‬ ‫الن‪ .‬بعض هؤالء ينصح‬ ‫لم تكشف ّ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫سيان‪ .‬فمهما‬ ‫بال�وي‪ ..‬والبعض الخر قرر أن المر ّ‬ ‫انتظرت‪ ،‬فإن منتجي الساعات الذكية سيفاجئونك‬ ‫بالجديد دوماً‪ ..‬والمفاجأة لن تكون انبهاراً بتقنية‬ ‫جديدة عىل الدوام‪ ..‬بقدر ما ستكون مفاجأة دافعها‬ ‫الخيبة ألنك أنفقت ماال ً ف ي� طراز لن يلبث أن يظهر ما‬ ‫هو أحدث منه‪.‬‬ ‫المف�ض بالتقنية أن تجعل حياتنا أيرس ث‬ ‫من ت‬ ‫وأك�‬ ‫رفاهاً‪ ..‬لكن يبدو أن التقنية باتت قيمة استهالكية‬ ‫ش‬ ‫�ء آخر‪ ..‬ويبدو أن الساعة الذكية‬ ‫بك�ى قبل فأي ي‬ ‫ف‬ ‫محصورة ي� هذه الخانة االستهالكية ي� هذه اللحظة‬ ‫بالذات‪.‬‬


‫«هوهوبا» هو اسم نبتة صحراوية تحظى‬ ‫اليوم باهتمام متعاظم بفعل ما تكشفت‬ ‫عنه الدراسات التي أجريت على زراعتها‬ ‫والزيت المستخلص من بذورها‪ .‬وتشمل‬ ‫دائرة القطاعات المهتمة بها وباستزراعها‬ ‫الصناعة والصيدلة والتغذية والبيئة‪.‬‬ ‫وألن الئحة الفوائد المرجوة منها طويلة‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬خرجت هذه النبتة من موطنها‬ ‫األصلي في صحراء أمريكا الشمالية ليبدأ‬ ‫استزراعها في صحارى عديدة من العالم‪،‬‬ ‫بما فيها بعض صحارى البالد العربية‪.‬‬

‫صباح محسن جاسم‬

‫‪shutterstock‬‬

‫ذهب أخضر‬ ‫ٌ‬ ‫(هـوهوبا)‪،‬‬ ‫من الصحراء‬


‫‪39 | 38‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬ ‫‪shutterstock‬‬

‫ت‬ ‫ين‬ ‫من‬ ‫ال� قامت فوق الصحارى الرملية‬ ‫بسات� الهوهوبا ي‬

‫الهوهوبا؟‬

‫تكتب جوجوبا ‪ Jojoba‬وتُنطق‬ ‫بال ي ز‬ ‫شج�ة‬ ‫إ‬ ‫نجل�ية‪« :‬هوهوبا»‪ .‬ي‬ ‫صحراوية لها القابلية للنمو �ف‬ ‫ي‬ ‫عديد من المناطق شبه القاحلة‬ ‫من العالم‪ ،‬بما فيها صحارى الدول العربية‪.‬‬ ‫مستخلص زيتها يفيد كمواد للتشحيم‪ ،‬ومستح�ض ات‬ ‫ف‬ ‫و� تصنيع‬ ‫التجميل‪ ،‬وكبديل لزيت كبد الحوت ي‬ ‫أ‬ ‫الحبار والورنيش‪ ،‬والشمع‪ ،‬والمنظفات‪ ،‬والراتنجات‬ ‫واللدائن‪ ،‬إضافة اىل مراهم الشعر ش‬ ‫والب�ة وعالج‬ ‫ش‬ ‫الروماتويد وآالم المفاصل وتنعيم خشونة الب�ة‬ ‫وزيوت تدليك ت‬ ‫مع�ف بها دولياً‪.‬‬ ‫والتلوث ومكافحة الجراد‪.‬‬ ‫تفيد ف ي� مكافحة التصحر‬ ‫ّ‬ ‫يخصب‬ ‫تجدد أورقها باستمرار والمتساقط منه ّ‬ ‫ت‬ ‫ال�بة‪ .‬تعيش ف ي� درجات حرارة عالية تصل إىل‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫خمس� درجة وتتحمل العطش لف�ة زمنية طويلة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫وخمس�ن‬ ‫تصل إىل سنة كاملة‪ ،‬معمرة لك� من مائة‬ ‫ي‬ ‫عاماً‪ .‬تتحمل الحرارة المرتفعة والمنخفضة معاً‪،‬‬ ‫مقاومة للجفاف لطول جذرها الوتدي الذي يصل‬ ‫إىل حوال ‪ 9‬أمتار ف� عمق ت‬ ‫ال�بة‪ ،‬ويتكون مجموعها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الخ�ض ي من عدة سيقان كما يصل متوسط ارتفاعها‬ ‫الم� الواحد ت‬ ‫ب� ت‬ ‫ما ي ن‬ ‫والم�ين‪ ،‬ومن النادر أن يصل‬

‫نمو بعضها ت‬ ‫ح� أربعة أمتار‪ .‬أي أن قطف الثمار‬ ‫يدوياً يبقى سهال ً للغاية‪.‬‬ ‫أوراقها بيضاوية تشبه أوراق الزيتون لكنها سميكة‬ ‫جلدية الملمس عليها طبقة شمعية تعكس أشعة‬ ‫ئ‬ ‫ثنا� الجنس أحادي المسكن‪ ،‬ينتج‬ ‫الشمس‪ .‬نبات ي‬ ‫أزهار (حبوب لقاح) مذكرة وأخرى مؤنثة‪ ،‬تحمل‬ ‫الثمار بعد التلقيح الذي يتم بواسطة الرياح‬ ‫لمسافات قد تتجاوز كيلو تم�اً‪.‬‬ ‫كب� من‬ ‫العر� يمكن زراعة جزء ي‬ ‫عىل مستوى العالم ب ي‬ ‫صحرائه ش‬ ‫كم�وع يسهم ف ي� تنمية ثروة أخرى أو قد‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ز‬ ‫يتكامل معها‪ ،‬هي ال�وة السمكية من خالل االس�راع‬ ‫السمك المكثف ف� الصحراء باستخدام مياه آ‬ ‫البار‬ ‫ّ ي‬ ‫ي‬ ‫وتخزينها ف ي� أحواض خرسانية‪ ،‬ثم استعمال المياه‬ ‫الناتجة عن الرصف من هذه أ‬ ‫الحواض ف ي� الزراعة‪،‬‬ ‫حيث تكون محملة بعنارص غذائية مهمة كالبوتاسيوم‬ ‫ت‬ ‫والني� ي ن‬ ‫وج� والفوسفور‪ .‬وهي عنارص تتوافر ف ي�‬ ‫السماد عادة ويحتاجها النبات‪ .‬ومن هذا المنطلق‬ ‫ب� ت ز‬ ‫يحدث التكامل ي ن‬ ‫السمك والتنمية‬ ‫االس�راع‬ ‫ي‬ ‫الزراعية‪ .‬حيث يمكن زراعة الزيتون‪ ،‬والنخيل‪،‬‬ ‫والشع�‪ .‬وهذا يعطي‬ ‫والخ�ض اوات‪ ،‬والقمح‪،‬‬ ‫ي‬ ‫للمزارع فائدة مزدوجة ‪.‬‬

‫تستثمر زراعتها فى كل من‬ ‫تونس ومصر والسودان‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشروعا‬ ‫مؤخرا‬ ‫تبنت المغرب‬ ‫بهذا الخصوص بتسهيالت‬ ‫ً‬ ‫تماما‪..‬‬ ‫مشجعة‬


‫اكتشاف أن زيت بذرة الهوهوبا إضافة إىل دخوله ف�‬ ‫تصنيع مستح�ض ات التجميل وعدد من المنتجات‬ ‫الطبية‪ ،‬يتمتع بمواصفات تجعله صالحاً لالستخدام‬ ‫كبديل للشحوم االصطناعية ف ي� (زيوت المحركات)‬ ‫خاصة المحركات الثقيلة والمهمة مثل (الطائرات‪،‬‬ ‫الصواريخ‪ ،‬الدبابات‪ ،‬وكافة المحركات الثقيلة) لكونه‬ ‫يحتفظ بلزوجته ي ز‬ ‫الف�يائية تحت درجة حرارة مرتفعة‬ ‫تصل إىل ‪ 390‬درجة مئوية مما يطيل عمر المحرك‪،‬‬ ‫ويقلل الحاجة إىل تبديل الزيت‪ ،‬ويمكِّن العلماء من‬ ‫تنفيذ برامجهم الميكانيكية‪.‬‬

‫يدخل زيتها في صناعة‬ ‫المبيدات الزراعية وتدخل‬ ‫مخلفات العصر من هذه الثمار‬ ‫في صناعات متعددة مثل‬ ‫األعالف الحيوانية والداجنة‬ ‫والسمكية ألنها تحتوي على‬ ‫نسبة عالية من البروتين‪..‬‬

‫م�ات زراعة الهوهوبا أنها ال ت‬ ‫ومن ي ز‬ ‫تش�ط مستوى‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫عالياً من المهارات ي� اليدي العاملة‪ ،‬المر الذي‬ ‫ين‬ ‫العاطل� عن العمل‪ .‬كما أنها‬ ‫الكث� من‬ ‫يتيح تشغيل ي‬ ‫ذات عائد اقتصادي مرتفع‪.‬‬

‫الك�ى‬ ‫النسبة ب‬ ‫من زيتها تتجمع‬ ‫عند ش‬ ‫ق�تها‬ ‫الثمرة عند نضوجها‬

‫حالياً تستثمر زراعة هذه النبتة ف ي� كل من تونس‬ ‫ومرص والسودان‪ ،‬وقد تبنت المغرب مؤخراً ش‬ ‫م�وعاً‬ ‫بهذا الخصوص ودعمته بتقديم تسهيالت خاصة‬ ‫ارع�‪ .‬علماً بأن مرص ي ز‬ ‫للمز ي ن‬ ‫تم�ت بتأسيس ش�كة تمنح‬ ‫ت‬ ‫النتاج‪ ،‬ومن المفيد أن زيت الهوهوبا‬ ‫البذور وتش�ي إ‬ ‫يمكن تخزينه لمدة ‪ 25‬سنة دون أن يفسد‪.‬‬

‫فوائد النبتة‬

‫ت‬ ‫ذه� يتم فرزه بع�‬ ‫خالصة الهوهوبا‪ ،‬شمع ي‬ ‫زي� ب ي‬ ‫عملية فرز تخلو من التالمس ش‬ ‫الب�ي ودون مواد‬ ‫كيميائية‪.‬‬

‫يدخل زيتها ف ي� صناعة المبيدات الزراعية (فطري‪،‬‬ ‫ش‬ ‫ح�ي‪ ،‬عالج النيماتودا) وتدخل مخلفات العرص‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫من هذه الثمار ي� صناعات متعددة مثل العالف‬ ‫الحيوانية والداجنة والسمكية‪ ،‬حيث تحتوي مخلفات‬ ‫ال� ي ن‬ ‫وت�‪.‬‬ ‫العرص عىل نسبة عالية من ب‬ ‫‪shutterstock‬‬

‫وقد ثبت علمياً أن زيت الهوهوبا هو أقرب من‬ ‫حيث تركيبته إىل زيت كبد الحوت‪ ،‬مما جعل‬ ‫عدداً من الدول يوليها أهمية وعناية‪ ،‬خاصة بعد‬

‫بذورها تسقط عىل أ‬ ‫الرض بعد اكتمال النمو وتجمع‬ ‫يدوياً أو بواسطة ماكينات خاصة بالشفط‪ .‬وال تفسد‬ ‫إذا تركت دون جمع عىل أ‬ ‫الرض كما أنها تخزن‬ ‫لسنوات طويلة من دون أن تفقد أيّاً من خصائصها‪.‬‬ ‫تتحمل العطش عندما تتقدم ف� العمر ت‬ ‫لف�ة يمكن‬ ‫ي‬ ‫أن تصل إىل ث‬ ‫أك� من سنة كما تتحمل الملوحة لدرجة‬ ‫ف‬ ‫النتاج‪،‬‬ ‫‪ 3000‬جزء � المليون دون أن يؤثر ذلك عىل إ‬ ‫ف‬ ‫و‪ 10000‬جزء � المليون كحد أقىص ‪.‬‬

‫نبتة واعدة‬

‫يبدأ إنتاجها نهاية عامها الثالث‪ ،‬وتُعد عنرصاً حيوياً‬ ‫للطاقة ف ي� ش‬ ‫الع�ين سنة القادمة‪ .‬وتسهم ف� إنشاء‬ ‫مجتمعات زراعية صناعية ف� التجمعات الجديدة‬ ‫المزمع زراعتها بهذا النوع من النبات‪ .‬تحتوي‬ ‫البذور عىل ‪ %50‬من وزنها زيتاً شمعياً‪ .‬ويستخرج‬ ‫الزيت دون شوائب‪ ،‬يص َّنف زيتها عىل أنه شمع‬ ‫سائل ذو صفات ي ز‬ ‫متم�ة‪ ،‬رائحته جيدة خالية من‬ ‫وغ�‬ ‫رائحة السمك‪ .‬ال تتأثر لزوجته بدرجة الحرارة ي‬ ‫ت‬ ‫منظم� كيوتو والفاو‬ ‫قابل للتأكسد‪ .‬ولذا‪ ،‬فإن‬ ‫ي‬ ‫تشجعان عىل زراعته ألنه يدخل ضمن برنامجهما‬ ‫للقضاء عىل التلوث‪ ،‬فتمنح منظمة كيوتو من ‪600‬‬ ‫إىل ‪ 700‬يورو للهكتار الواحد ما أن ترسل لجنتها‬ ‫الشج�ات ثم تقوم‬ ‫المختصة للتأكد من وجود‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫برصف الدعم‪.‬‬ ‫متوسط إنتاجية الهكتار (‪ 2.4‬فدان ‪ 4 /‬دونمات)‬ ‫حوال ‪ 2‬طن ف ي� السنة الثالثة‪ ،‬ويصل للمرحلة‬ ‫ي‬ ‫القصوى من إنتاج البذور بعد السنة ش‬ ‫العا�ة‪ .‬حيث‬ ‫تصل إنتاجية الهكتار إىل ثمانية أطنان من البذور‬ ‫الستخالص أربعة أطنان من الزيت‪ .‬وحسب دراسة‬ ‫الجدوى‪ ،‬فسعر زيته العالمي يبلغ ‪ 8600‬دوالر‬ ‫يؤمن الهكتار الواحد‬ ‫للطن الواحد‪ ،‬وبحساب بسيط ّ‬ ‫بعد السنة الثالثة عتبة ربح دائم‪.‬‬


‫‪41 | 40‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ش‬ ‫انت�ت هذه النبتة عىل مستوى العالم‪ ،‬وهي تُزرع‬ ‫ف ي� عدة دول منها‪ :‬الواليات المتحدة‪ ،‬المكسيك‪،‬‬ ‫ب�و‪ ،‬شيل‪ ،‬ال�ازيل‪ ،‬أ‬ ‫رجنت�‪ ،‬ت‬ ‫ال ي ن‬ ‫أس�اليا‪ ،‬نيوزيالندا‪،‬‬ ‫ي ب‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫التصحر‪.‬‬ ‫والهند‪ ،‬حيث استخدمت أساسا لمكافحة‬ ‫ُّ‬ ‫الشج�ات بذوراً يتم عرصها عن طريق آالت‬ ‫وتنتج‬ ‫ي‬ ‫عرص اعتيادية‪ ،‬تليها عملية طرد مركزي ‪ -‬تابع هذا‬ ‫الفديو إلحدى ش�كات إنتاج زيت الهوهوبا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫‪http://www.youtube.com/watch?v=qdmKCl‬‬‫‪TRzDA‬‬

‫التسويق والمبيعات‬

‫حوال ‪- 200‬‬ ‫ف ي� السنة الرابعة‪ ،‬ينتج‬ ‫الهكتار الواحد ي‬ ‫أ‬ ‫‪ 300‬كغم‪ .‬وتباع البذور للغراض الصناعية بمعدل‬ ‫‪ 3‬إىل ‪ 4‬دوالرات للكيلوغرام الواحد‪ ،‬وبمعدل ‪600‬‬ ‫دوالراً للهكتار‪/‬سنة‪ .‬وبحلول العام الثامن‪ ،‬يصل‬ ‫النتاج إىل ‪ 800‬و‪ 1200‬كغم‪ ،‬حيث يصبح‬ ‫معدل إ‬ ‫ن‬ ‫العائد نحو ‪ 2500‬دوالر للهكتار‪ /‬سنة كحد أد�‪.‬‬ ‫الجدير بالذكر أن تكلفة زراعة الهوهوبا هي أقل‬ ‫بكث� من زراعة أي محصول مماثل كالقطن مثالً‪.‬‬ ‫ي‬ ‫صغ�ة كبداية بمساحة ش‬ ‫يمكن ش‬ ‫ع�ة‬ ‫ال�وع بمشاريع ي‬ ‫ف‬ ‫هكتارات تكلّف ‪ 8500‬دوالر تقريباً كرأسمال ي� تغطية‬ ‫التكاليف يمكن ت‬ ‫اس�دادها بعد خمسة أعوام‪ .‬وكل‬ ‫ف‬ ‫ز‬ ‫ويتم� هذا‬ ‫صا� ربح مضمون‪ .‬ي‬ ‫ما عداه سيكون ي‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫النبات بمقاومته العالية للمراض والفات واحتياجه‬ ‫وتكث�ه ف ي�‬ ‫القليل للماء‪ ،‬لذا يُعد نباتاً مثالياً لزراعته ي‬ ‫الكث�ة ف ي� البالد العربية لالستفادة من‬ ‫الصحارى ي‬ ‫إنتاجه من الزيوت بتحويلها إىل وقود ت‬ ‫نبا� رخيص‬ ‫ي‬ ‫إضافة إىل استعماالت أخرى ف ي� مجاالت صيدالنية‬ ‫متنوعة‪.‬‬

‫‪shutterstock‬‬

‫بدء إنتاج الشجرة بعد ثالث سنوات عىل زراعتها‬


‫دخول زيتها عىل صناعة أ‬ ‫الدوية ومواد التجميل‬

‫زيتها هو أ‬ ‫القرب إىل زيت كبد الحوت‬

‫ال�ازيل مثال ً ف ي� خطة نهضتها عىل‬ ‫اعتمدت دولة ب‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫زراعته والتوسع ي� استخدامه ي� مجال الوقود‬ ‫ف‬ ‫كب�ة‬ ‫الحيوي‪ ،‬وكان سبباً ي� إحداث نقلة اقتصادية ي‬ ‫لها‪ ،‬حيث وفر منه مصدراً للطاقة دون أن يدفعوا‬ ‫ال� كانوا يستوردون بها ت‬ ‫ت‬ ‫الب�ول‬ ‫بالعملة الصعبة ي‬ ‫من قبل‪ .‬تتحمل النبتة ملوحة المياه‪ ،‬مما يمكن‬ ‫ريها بمياه الرصف الصحي المعالجة‪ .‬كما أنها ال‬ ‫وبالتال يغ� مكلفة عىل‬ ‫تحتاج لتقنية ف ي� زراعتها‬ ‫ي‬ ‫الطالق‪.‬‬ ‫إ‬

‫يعرف النبات بـ (الذهب أ‬ ‫الخ�ض ) لفوائده العديدة‬ ‫ُ‬ ‫المال المرتفع‪ .‬كما ال يخفى أهمية الغطاء‬ ‫وعائده‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الخ�ض ف ي� صحرائنا الخالدة‪ ،‬من حيث إضفاء كميات‬ ‫وتحس� المناخ وزيادة أ‬ ‫ين‬ ‫المطار إضافة‬ ‫من الرطوبة‬ ‫إىل ما ستحققه من فائدة بيئية بع� استهالك كميات‬ ‫ن‬ ‫ثا� أوكسيد الكربون‪ ،‬فضال ً عن تهيئة‬ ‫هائلة من غاز ي‬ ‫محميات طبيعية لمختلف أنواع الطيور والحيوانات‬ ‫ال�ية‪.‬‬ ‫ب‬

‫الشج�ات يمكن ي ن‬ ‫تضم� غرس فسائل‬ ‫وبزراعة هذه‬ ‫ي‬ ‫النخيل بشكل صفوف متوازية وبذلك يمكن‬ ‫الكثار من النخيل‬ ‫ترسع من إ‬ ‫استحداث بيئة مالئمة ّ‬ ‫عىل مساحات واسعة فتتوسع الفائدة اقتصادياً‬ ‫ن‬ ‫ج� أفضل أنواع العسل‪.‬‬ ‫وتتعدى ذلك إىل ي‬

‫أ‬ ‫حوال ‪ 7-6‬كغم‬ ‫يحتاج الفدان ف الواحد من الرض إىل ي‬ ‫من البذور‪ ،‬و� حالة الزراعة بالشتالت فإنه يحتاج‬ ‫ق‬ ‫البا� ‪100‬جورة بالبذور‬ ‫إىل ‪ 700‬شتلة مؤنثة‪ ،‬ويزرع ي‬ ‫ف‬ ‫و� هذه‬ ‫إلنبات مائة ي‬ ‫شج�ة مذكرة لزوم التلقيح‪ ،‬ي‬ ‫الحالة يتطلب أ‬ ‫المر نحو كيلوغراماً واحداً من البذور‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪15‬‬

‫الوقت (السنة)‬

‫إنتاج ‪ /‬نبتة‬

‫السنة أ‬ ‫الوىل‬ ‫السنة الثانية‬ ‫السنة الثالثة‬ ‫السنة الرابعة‬ ‫السنة الخامسة‬ ‫السنة السادسة‬ ‫السنة السابعة‬ ‫السنة الثامنة‬ ‫السنة التاسعة‬ ‫السنة ش‬ ‫العا�ة‬ ‫السنة ‪11‬‬ ‫السنة ‪12‬‬ ‫السنة ‪13‬‬ ‫السنة ‪14‬‬ ‫السنة ‪15‬‬ ‫جمال‬ ‫إ‬ ‫ال ي‬

‫‬‫‬‫‪50‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪200‬‬ ‫‪350‬‬ ‫‪500‬‬ ‫‪750‬‬ ‫‪1,000‬‬ ‫‪1,500‬‬ ‫‪2,000‬‬ ‫‪2,500‬‬ ‫‪3,000‬‬ ‫‪4,000‬‬ ‫‪5,000‬‬ ‫‪20,950‬‬

‫إنتاج ‪ 2250‬نبتة‬ ‫‪ /‬هكتار‬ ‫‬‫‬‫‪112.5‬‬ ‫‪225.0‬‬ ‫‪450.0‬‬ ‫‪787.5‬‬ ‫‪1,125.0‬‬ ‫‪1,687.5‬‬ ‫‪2,250.0‬‬ ‫‪3,375.0‬‬ ‫‪4,500.0‬‬ ‫‪5,625.0‬‬ ‫‪6,750.0‬‬ ‫‪9,000.0‬‬ ‫‪11,250.0‬‬ ‫‪47,137.5‬‬

‫الداخل‬ ‫الثمرة وتكوينها‬ ‫ي‬

‫ذهب ض‬ ‫أخ�‬

‫تكلفة إنتاج‬ ‫المحصول عند‬ ‫‪ 3‬دوالرات ‪/‬‬ ‫كيلوغراماً‬ ‫‬‫‬‫‪338$‬‬ ‫‪675$‬‬ ‫‪1,350$‬‬ ‫‪2,363$‬‬ ‫‪3,375$‬‬ ‫‪5,063$‬‬ ‫‪6,750$‬‬ ‫‪10,125$‬‬ ‫‪13,500$‬‬ ‫‪16,875$‬‬ ‫‪20,250$‬‬ ‫‪27,000$‬‬ ‫‪33,750$‬‬ ‫‪141,413$‬‬

‫النتاج‬ ‫تكلفة إ‬ ‫بالدوالر‬ ‫‬‫‬‫‪2,000$‬‬ ‫‪140$‬‬ ‫‪100$‬‬ ‫‪100$‬‬ ‫‪200$‬‬ ‫‪250$‬‬ ‫‪300$‬‬ ‫‪350$‬‬ ‫‪400$‬‬ ‫‪450$‬‬ ‫‪500$‬‬ ‫‪500$‬‬ ‫‪500$‬‬ ‫‪5,790$‬‬

‫العائد‬

‫‬‫‬‫‪1,663$‬‬ ‫‪535$‬‬ ‫‪1,250$‬‬ ‫‪2,263$‬‬ ‫‪3,175$‬‬ ‫‪4,813$‬‬ ‫‪6,450$‬‬ ‫‪9,775$‬‬ ‫‪13,100$‬‬ ‫‪16,425$‬‬ ‫‪19,750$‬‬ ‫‪26,500$‬‬ ‫‪33,250$‬‬ ‫‪135,623$‬‬

‫الشج�ة الواحدة والهكتار والقيمة بالدوالر عىل ت‬ ‫اف�اض ‪ 2250‬نبتة ف ي� الهكتار الواحد‬ ‫النتاج السنوي لمحصول‬ ‫جدول يوضح إ‬ ‫ي‬ ‫وبقيمة ‪ 3‬دوالرات‪/‬كغم من البذور‪ .‬واحد هكتار = ‪ 10000‬تم� مربع = ‪ 4‬دونم‪.‬‬

‫وإجماال ً فإن غالبية الصحارى عىل محيط المدن ترقد‬ ‫عىل مياه جوفية قريبة نسبياً من سطح ت‬ ‫ال�بة‪ ،‬يمكن‬ ‫وبالتال‬ ‫االطمئنان إىل االستفادة منها واستثمارها‬ ‫ي‬ ‫التخطيط لبناء مجتمع معارص يضم تركيبة سكانية‬ ‫تجمع ي ن‬ ‫ب� الثقافة البدوية وثقافة الريف والح�ض ‪.‬‬

‫تجربة رائدة ف ي� أالمغرب‬

‫ضمن مخطط «المغرب الخ�ض للمحافظة عىل البيئة‬ ‫ومكافحة التصحر» الذي يسعى لتشجيع الزراعة‬ ‫ف ي� المغرب‪ ،‬تب ّنت الدولة خطة خمسية لتعزيز‬ ‫ش‬ ‫م�وعاتها القومية بدعم المشاريع الزراعية وذلك‬ ‫بإدخال نباتات ذات طابع ت‬ ‫اس�اتيجي وذات عائد‬ ‫مجز من خالل دعم الفالح أو الشباب‬ ‫اقتصادي ٍ‬ ‫ش‬ ‫الراغب ف ي� بدء الم�وع الزراعي‪ ،‬وبضمان سيادة‬ ‫الدولة عىل كل ش�ء من أول مرحلة ف ي� ش‬ ‫الم�وع إىل‬ ‫ي‬ ‫النتاج‪ .‬فهي تمنح أرضاً تبلغ مساحتها ‪50‬‬ ‫مرحلة إ‬ ‫هيكتاراً وفق اختيار أ‬ ‫الماكن الصحراوية القاحلة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫وال� ال يمكن زراعتها بالمحاصيل التقليدية بإيجار‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫عي� بسيط‪ .‬كما تدعم العنارص المادية للم�وع‬ ‫ي‬ ‫التال‪:‬‬ ‫عىل النحو ي‬ ‫‪ - 1‬تعويض ما نسبته ‪ %70‬من ثمن ش�اء شبكة الري‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تعويض ما نسبته ‪ %75‬من تكلفة حفر ئ‬ ‫الب�‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� أنفقت‬ ‫‪ - 3‬تعويض أما نسبته ‪ %90‬من التكاليف ي‬ ‫لتمهيد الرض‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫‪ - 4‬تعويض ما نسبته ‪ %90‬من ثمن الشجار المش�اة‬ ‫والمزروعة ف� أ‬ ‫الرض المنتخبة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ ض‬ ‫ا� الصحراوية المتوافرة‬ ‫فوبذلك يتم تفعيل دور الر ي‬ ‫ي� المغرب ووضع خطة مستقبلية لزراعة مليون‬ ‫هكتار من نبات الهوهوبا‪ .‬هكذا يتحقق اخ�ض ار‬ ‫المناطق القاحلة‪ .‬اخ�ض ار يتوقع له أن يدر دخال ً‬ ‫يقدر بمليارات الدوالرات‪.‬‬ ‫َّ‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪43 | 42‬‬

‫من المختبر‬

‫تقنية جديدة لرصد الحالة الصحية‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫من عالمات المرض أ‬ ‫الساسية حسب أهميتها‪:‬‬ ‫الحرارة‪ ،‬ضغط الدم‪ ،‬دقَّات القلب‪ ،‬التنفس‪،‬‬ ‫وكسج� ف� الدم‪ .‬لكن أ‬ ‫ومستوى أ‬ ‫ن‬ ‫الوساط الطبية‬ ‫ال‬ ‫ي ي‬ ‫المعنية أ‬ ‫بالمراض المزمنة بدأت تعتمد بشكل ت ز‬ ‫م�ايد‬ ‫عىل عالمة سادسة هي طريقة ش‬ ‫الم�‪ .‬لكن أجهزة‬ ‫ي‬ ‫الم� تقترص ت‬ ‫مراقبة ش‬ ‫ح� يومنا عىل التعداد البسيط‬ ‫ي‬ ‫التغ�‬ ‫للخطى‪ ،‬والذي ليس بإمكانه أن يرصد بدقة ي‬ ‫ف ي� نمط ش‬ ‫الم� الناتج عن مرض ما‪ ،‬خاصة بالنسبة‬ ‫ي‬ ‫المراض المزمنة‪ .‬وهو أصال معد أ‬ ‫ألصحاب أ‬ ‫للصحاء‬ ‫ً‬ ‫لمراقبة اللياقة البدنية‪.‬‬ ‫ين‬ ‫الباحث� ف ي� جامعة‬ ‫طور فريق من‬ ‫لملء هذا الفراغ‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫«إيلينوي – أربانا» و«إيلينوي – شيكاغو» تطبيقا يمكن‬ ‫تحميله عىل الهاتف الذك المحمول‪ ،‬ليكون نز‬ ‫بم�لة‬ ‫ي‬ ‫الط� يحمله المريض أينما تحرك‪ ،‬وهو‬ ‫الراصد ب ي‬ ‫تغ� جدي ف ي�‬ ‫موصول إىل طبيبه الذي ينبهه إىل أي ي‬ ‫حالة المريض الصحية‪.‬‬ ‫أطلق هؤالء الباحثون عىل التطبيق اسم‬ ‫«‪ »GaitTrack‬أو «مراقب ش‬ ‫الم�»‪ .‬ويعتمد هذا‬ ‫ي‬ ‫التطبيق عىل ثمانية معالم للحركة تقوم بإجراء‬ ‫ش‬ ‫لم� الشخص‪ ،‬أو نمط مشيه‬ ‫تحليل مفصل ي‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫اجة‪-‬الحوامة‬ ‫الدر‬ ‫قريبا‪:‬‬

‫ويستطيع أ‬ ‫الطباء بواسطتها تشخيص حالة المريض‬ ‫بدقة متناهية‪ ،‬وخاصة ما يتعلق بقلب المريض‬ ‫وصحة عضالته وجهازه‬ ‫العص�‪.‬‬ ‫بي‬ ‫ووفقاً لقائد فريق البحث «بروس شاتس» رئيس‬ ‫قسم المعلومات الطبية وأستاذ علم الحاسوب‬ ‫بجامعة إلينوي‪ ،‬فإن رسعة وإيقاع ش‬ ‫الم� تنطوي عىل‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� تعمل‬ ‫تنسيق كامل يب� عديد من أنظمة الجسم ي‬ ‫ف‬ ‫بالمكان التعرف‬ ‫معاً ي� الوقت نفسه‪ .‬هكذا يصبح إ‬ ‫تغ� ف ي� طريقة ش‬ ‫الم� إىل خلل ما ف ي�‬ ‫من خالل أي ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫مع� أو عدة أنظمة‪.‬‬ ‫نظام واحد ي َّ‬ ‫والختبار هذه الفكرة‪ ،‬استخدم فريق إلينوي التطبيق‬ ‫ين‬ ‫المذكور لمراقبة ي ن‬ ‫مصاب� بأمراض الرئة‬ ‫ثالث� رجال ً‬ ‫المزمنة‪ ،‬حيث مشوا لمدة ست دقائق‪ .‬فوجدوا أن‬ ‫هذه التقنية الجديدة رصدت بدقة حاالت ض‬ ‫المر�‬ ‫ح� آ‬ ‫أك� من أي جهاز متوافر ت‬ ‫ث‬ ‫الن‪ ،‬وبلغت دقتها‬ ‫‪ .%90‬كما أن تكلفتها بخسة بشكل ال يُضاهى‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬

‫‪http://www.sciencedaily.com/‬‬ ‫‪releases/2014140508141835/05/.htm‬‬

‫يُتوقع أن تشهد السنوات القليلة المقبلة تقديم وسيلة مواصالت‬ ‫جديدة‪ ،‬قد ال تغزو شوارعنا فوراً‪ ،‬لكنها حتماً ستقدم شكال ً جديداً‬ ‫ين‬ ‫للمهتم� وهواة المغامرة‪ ..‬ولعلها تكون وسيلة‬ ‫من أشكال الرياضة‬ ‫تنقل مثىل عىل الطرق يغ� المعبدة‪.‬‬ ‫فقد أعلنت ش�كة «‪ »AeroFex‬ومقرها كاليفرونيا‪ ،‬ف ي� مايو ‪2014‬م‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� هي ي ن‬ ‫الدراجة والحوامة‬ ‫هج� من َّ‬ ‫عن المركبة «‪ ،»Aero-X‬ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫الهوائية‪ ،‬بحيث تطفو براكبها الوحيد فوق سطح الرض ح� ارتفاع‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫هائلت� تكفيان لرفع حمل قدره‬ ‫مروحت�‬ ‫أقصاه ‪ 4‬أمتار‪ ،‬بفضل‬ ‫ف‬ ‫‪ 140‬كلغ واالنطالق برسعة ‪ 72‬كلم ي� الساعة‪.‬‬ ‫بدأت جهود تطوير هذه آ‬ ‫اللة منذ العام ‪2012‬م‪ .‬وقد واجهت‬ ‫بتأث�‬ ‫جمة‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بما يعرف ي‬ ‫فريق التطوير تحديات ّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫تعا� منه كل المركبات المروحية‬ ‫االق�ان «‪ »Coupling Effect‬الذي ي‬ ‫الواقعة تحت رحمة قوى الجذب المختلفة‪ ،‬والذي يفرس التدريب‬ ‫ت‬ ‫(الهيلوكب�) مثالً‪ ،‬ليجيدوا‬ ‫المكثف الذي يتلقاه طيارو مروحيات‬ ‫ف‬ ‫الدراجة ‪ -‬المروحية الجديدة‬ ‫التحكم ي� مسارات مروحياتهم‪ .‬لكن َّ‬ ‫يُراد لها أن تكون مركبة شخصية‪ ،‬يسع كل من يمتلك رخصة قيادة‬ ‫يص� ذلك ممكناً بحلول العام‬ ‫عادية أن يقتنيها‪ .‬ويُنتظر أن ي‬ ‫أ‬ ‫أمريك! وإن كان المر يهمك‪،‬‬ ‫‪2017‬م مقابل مبلغ ‪ 85‬ألف دوالر‬ ‫ي‬ ‫أوىل لها من آ‬ ‫الن إن أحببت!‬ ‫يمكنك أن تدفع ‪ 5‬آالف دوالر كدفعة‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.extremetech.com/extreme/182642-aero-x‬‬‫‪hoverbike-goes-on-sale-in-2017-star-wars-racing-in-your‬‬‫‪own-back-yard-for-just-85000‬‬


‫الكشف عن المتفجرات‬ ‫بواسطة الضوء‬

‫ابتكار ومبتكر‬ ‫مبتكر ماكينة القهوة المنزلية‪..‬‬

‫صاموئيل غليزر‬

‫تاريخ القهوة حول العالم حافل بالحكايا واالبتكارات‪ .‬لكن‬ ‫عالقتنا اليوم بالمشروب الساخن تكاد ترتهن بآلة التقطير‬ ‫الحاضرة في منازل كثيرين‪ ،‬والتي ظهرت ألول مرة تحت‬ ‫مسمى «مستر كوفي» (‪ )Mr. Coffee‬عام ‪1972‬م‪ ،‬بفضل‬ ‫المبتكر األمريكي صاموئيل غليزر وزميله فنسنت ماروتا‪.‬‬

‫تنطوي الطرق التقليدية للكشف عن‬ ‫المتفجرات‪ ،‬بشكل رئيس‪ ،‬عىل الكشف‬ ‫ت‬ ‫ال� تغلفها‪ .‬لكن لهذه‬ ‫عن المعادن ي‬ ‫بالمكان‬ ‫كث�ة‪ .‬فقد أصبح إ‬ ‫الطريقة عيوباً ي‬ ‫صنع المتفجرات ونقلها دون تغليفها بأي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫معدن‪ .‬أما طريقة الكشف الخرى ي‬ ‫تعتمد عىل تفاعل بعض المواد الكيميائية‬ ‫مع المتفجرات ت‬ ‫فتع�يها نواقص؛ إذ إن‬ ‫بعض المواد المتفجرة يمكن َّأل تتفاعل مع‬ ‫هذه المواد‪ .‬كما أن بعض أجهزة الكشف‬ ‫ت‬ ‫ال� تعمل كهربائياً يمكنها أن‬ ‫باالستشعار ي‬ ‫ف‬ ‫تفج� العبوات عن طريق الخطأ!‬ ‫تتسبب ي� ي‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫تق� بهذا‬ ‫لذلك برزت حاجة ماسة الخ�اق ي‬ ‫ين‬ ‫الباحث�‬ ‫الخصوص‪ .‬وهذا ما دفع فريق من‬ ‫من جامعة «أدياليد» أ‬ ‫ال ت‬ ‫س�الية البتكار جهاز‬ ‫استشعار يعمل بواسطة الضوء وبعض‬ ‫أنواع أ‬ ‫اللياف الزجاجية‪ ،‬بإمكانه الكشف عن‬

‫كميات ضئيلة جداً من المتفجرات تصل‬ ‫إىل جزء من المليون‪ .‬كما أن الوقت الالزم‬ ‫للكشف ال يتعدى الدقائق‪.‬‬ ‫يقول الدكتور «تسيمينيس» وهو زميل ف ي�‬ ‫«مجلس البحوث العلمية أ‬ ‫ال ت‬ ‫س� يال» أن‬ ‫مثال لتحقيقات الطب‬ ‫هذا االكتشاف هو ي‬ ‫ش‬ ‫ال�عي‪ ،‬لناحية تحديد ما إذا كانت هناك‬ ‫ف‬ ‫معينة تتعلق‬ ‫بقايا لمواد متفجرة ي� أمكنة َّ‬ ‫بجريمة ما‪.‬‬ ‫ويضيف أنها طريقة رخيصة‪ ،‬رسيعة وسهلة‬ ‫االستعمال ف ي� مرسح الجريمة‪ ،‬عىل الرغم‬ ‫من أن هذه التقنية تنطوي عىل ي ن‬ ‫قوان�‬ ‫يز‬ ‫ف�يائية معقَّدة‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.sciencedaily.com/‬‬ ‫‪releases/2014140508095207/05/.htm‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫غل�ر ف� كليفالند بوالية أوهايو أ‬ ‫ز‬ ‫المريكية ف ي� ‪24‬‬ ‫ولد صمويل لويس ي ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫تو� والده وهو ي� السادسة ليبدأ الطفل رحلة طويلة‬ ‫بف�اير ‪1923‬م‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫كمعيل لرسته‪ .‬فعمل موزعاً للصحف وبائعاً لطعام‬ ‫ب� مهن متعددة ُ‬ ‫أ‬ ‫الصلب ‪.‬‬ ‫الكالب الليفة وأحذية السالمة لعمال مصانع ُ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مريك خالل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬أسس‬ ‫وبعدما خدم ي� الجيش ال ي‬ ‫يز‬ ‫غل�ر ش�كة مع فنسنت ماروتا لتصنيع أبواب مرائب السيارات وبيعها‪.‬‬ ‫ش‬ ‫وما لبثت هذه ال�كة أن اتجهت إىل العقارات لبعض الوقت‪.‬‬ ‫ف ي� أواخر الستينيات‪ ،‬قرر ش‬ ‫ال�يكان االستثمار ف ي� مجال توريد القهوة‬ ‫للمطاعم والمقاهي حول كليفالند‪ .‬هكذا وجد االثنان نفسيهما يمتلكان‬ ‫موزعات ضخمة من الفوالذ المقاوم للصدأ يتم إعداد القهوة داخلها‬ ‫و� أحد أ‬ ‫ف‬ ‫اليام سأل أحد الزبائن إن‬ ‫وتنقلها شاحنات إىل مواقع التوريد‪ .‬ي‬ ‫كان يمكن أن تصنع موزعات مماثلة إنما أصغر حجماً‪ ،‬يمكن للواحد أن‬ ‫م�له‪ .‬وقد كان ذلك السؤال أ‬ ‫يحتفظ بها ف� نز‬ ‫القرب إىل الدعابة مصدر‬ ‫ي‬ ‫إلهام ي ز‬ ‫لغل�ر ورفيقه ماروتا اللذين قررا تصفية أعمالهما العقارية‬ ‫واالستثمار بكل ما يمتلكان لتحقيق هذه الفكرة‪ :‬إنتاج آلة إلعداد القهوة‬ ‫بالتقط� يمكن ألي أحد أن ت‬ ‫يش�يها ويستخدمها ف� مطبخ نز‬ ‫م�له آنياً‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� حملت اسم «‪ »Mr. Coffee‬وباعت مليون وحدة‬ ‫فظهرت اللة‬ ‫خالل السنوات يالثالث أ‬ ‫الوىل من ظهورها قبل أن تظهر مئات النسخ‬ ‫المتنوعة منها تحت مختلف أ‬ ‫السماء التجارية معتمدة جميعها المبدأ‬ ‫ين‬ ‫تسخ� الماء إىل درجة ‪ 200‬فهرنهايت (‪ 93‬درجة‬ ‫نفسه‪ ،‬والقائم عىل‬ ‫ف‬ ‫المالي�ن‬ ‫مئوية) وتنقيط القهوة المحمصة ي� وعاء زجاجي‪ ،‬مثلما بات‬ ‫ي‬ ‫يفعلون يومياً‪ ،‬منذ تاريخ ظهور ذلك الجهاز الذي أعاد تعريف عالقتنا‬ ‫بالقهوة ش‬ ‫التحض�‪.‬‬ ‫كم�وب رائج سهل‬ ‫ي‬


‫‪45 | 44‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ماذا لو؟‬

‫سقط أحد‬ ‫َّ‬ ‫رواد الفضاء‬ ‫في ثقب‬ ‫أسود؟‬ ‫عمير طيبة‬

‫ببساطة سيموت رائد الفضاء هذا‪.‬‬ ‫ولكن قبل أن نحلل كيف ولماذا دعونا‬ ‫نتعرف أكثر إلى الثقوب السوداء‪ .‬الثقب أ‬ ‫السود‬ ‫هو بقية ما تبقى من نجم كبير تتعدى كتلته عدة‬ ‫مرات كتلة الشمس‪ .‬فبعد أن يحرق النجم كل‬ ‫وقوده النووي سينهار تحت ثقل وزنه‪ ،‬وتصبح‬ ‫كتلته متركزة في حجم ضئيل جداً؛ مما يزيد من‬ ‫كثافة النجم كثيراً‪.‬‬ ‫وبحسب النظرية النسبية العامة‪ ،‬ستجبر هذه‬ ‫الظروف االستثنائية شعاع الضوء على االنحناء‬ ‫عندما يقترب من الثقب أ‬ ‫السود أو حتى يسقط‬ ‫هو آ‬ ‫الخر داخل الثقب إذا ما اقترب كثيراً منه‪.‬‬ ‫إن جاذبية الثقوب السوداء هي أعلى ما يكون‬ ‫في الكون‪ ،‬لدرجة أن الضوء (والذي تمثل سرعته‬ ‫سقف السرعات في الكون) لن يتمكن من الهروب‬ ‫من قوة جذب الثقب أ‬ ‫السود‪ .‬وأخيراً‪ ،‬فالحد حول‬

‫الثقب أ‬ ‫السود الذي لن يمكن ألي شيء الهروب‬ ‫منه يسمى «أفق الحدث»‪.‬‬ ‫آ‬ ‫والن‪ ..‬علينا أن نعرف الفرق بين ما يراه رائد‬ ‫الفضاء الذي يسقط في الثقب أ‬ ‫السود‪ ،‬وما يراه‬ ‫من يتابع من بعيد‪ .‬فكالهما سيرى الكون من‬ ‫منظور مختلف! هذا االختالف هو أحد ظواهر‬ ‫النظرية النسبية العامة‪ ،‬حيث يختلف ما يراه‬ ‫كل شخص حسب موقعه من الزمان والمكان‬ ‫(الزمكان)‪.‬‬ ‫سنبدأ برائد الفضاء الذي سيبدو له باقي الكون‬ ‫خارج الثقب شائهاً ومبعوجاً‪ ،‬كمن يتفرج عليه من‬ ‫خالل تليسكوب معطوب‪ .‬وسيزداد هذا المنظر‬ ‫تشوهاً كلما جذبه الثقب أكثر نظراً لتحور طبيعة‬ ‫الضوء الساقط على عينيه بفعل جاذبية الثقب‬ ‫أ‬ ‫السود الكبيرة جداً‪ .‬تلك الجاذبية ستفعل فعلها‬

‫في صاحبنا ذاته‪ ،‬بما يعني أن ِرجلي رائد الفضاء‬ ‫ستنجذبان بقوة أكبر كثيراً من رأسه ما سيؤدي‬ ‫إلى ظاهرة (السباغيتي)؛ يعني‪ ،‬أن رائد الفضاء‬ ‫سيستطيل بسرعة لكن أرجله ستقترب من الثقب‬ ‫بالضافة إلى أن عرض رائد‬ ‫أسرع بكثير من رأسه‪ .‬إ‬ ‫الفضاء سيقل كثيراً لموازنة تغيير الشكل الطولي‪..‬‬ ‫الرجل طويال ً جداً ونحيفاً جداً مثل‬ ‫سيصبح ُ‬ ‫السباغيتي!‬ ‫أما بالنسبة لمن يراقب من بعيد‪ ،‬فسيرى أن رائد‬ ‫الفضاء يقترب من الثقب أ‬ ‫السود بسرعة متناقصة‬ ‫إلى أن يصل إلى «أفق الحدث»‪ .‬وبما أنه ال‬ ‫يمكن للضوء أن يهرب من أفق الحدث‪ ،‬فالذي‬ ‫يراه المراقب أن رائد الفضاء يثبت في مكانه ولن‬ ‫يتعدى أفق الحدث إنما سينزاح لونه تدريجياً إلى‬ ‫أ‬ ‫الحمر إلى أن يختفي تماماً‪ .‬وتعرف هذه بظاهرة‬ ‫(االنزياح أ‬ ‫الحمر) أو (تأثير دوبلر)‪.‬‬


‫حياتنا اليوم‬

‫ً‬ ‫بعيدا عن المختبرات‬ ‫ما ي ن‬ ‫مخت�ات التقنيات الحديثة ومصانعها من جهة‪ ،‬وحياة الناس‬ ‫ب� ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫خ�ة‪ ،‬ت‬ ‫ح� ليمكننا القول إنها‬ ‫مسافة راحت تضيق باستمرار ي� السنوات ال ي‬ ‫الطالق أن يخرج التعاطي‬ ‫انعدمت أو تكاد‪ .‬ولذا‪ ،‬لم يعد مفاجئاً عىل إ‬ ‫العالمي بعالم التقنيات الحديثة‪ ،‬وخاصة الرقمية منها‪ ،‬من صفحات‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫تث�ها هذه‬ ‫العلوم إىل صفحات حياة الناس‪ ،‬والقضايا إ‬ ‫ال� ي‬ ‫النسانية ي‬ ‫التقنيات‪.‬‬ ‫ف‬ ‫تطور أجهزة المراقبة‪،‬‬ ‫ي� هذا القسم‪ ،‬ي‬ ‫يث� أسامة إبراهيم فرج قضية ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� صارت تُجريها عىل تحركاتنا وحياتنا الشخصية‪،‬‬ ‫والمسوحات الشاملة ي‬ ‫فتجاوزت ما هو ض�وري منها لغايات أمنية‪ ،‬لتصل إىل غايات تجارية‬ ‫بحتة‪ ،‬من خالل برامج حاسوبية صارت قادرة عىل أن تستكشف (بنجاح إىل‬ ‫كب�) احتياجاتنا وميولنا ومشاريعنا المستقبلية‪ ،‬من خالل استخدامنا‬ ‫حد ي‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫الذك إىل الرصاف ال يل‪.‬‬ ‫اليومي للجهزة الرقمية من الهاتف ي‬ ‫ولكن هذه التقنيات الحديثة لم تُفرض علينا فرضاً‪ ،‬ولم تهبط علينا من‬ ‫كوكب آخر‪ .‬بل هي وليدة ثقافة متكاملة أحاطت وتحيط بها وتجعلها‬ ‫ممكنة وتكتب لها النجاح‪ .‬وهذا ما يتناوله ي ن‬ ‫أم� نجيب ف ي� قراءته لتالزم‬ ‫التكنولوجيا والثقافة بمعناها الواسع والعالقة الجدلية القائمة بينهما‪.‬‬ ‫مهى قمر الدين‬

‫‪46‬‬

‫الحياة الشخصية في مهب‬ ‫رياح التكنولوجيا‬

‫‪50‬‬

‫التكنولوجيا والثقافة‬

‫‪55‬‬

‫كهف أم جرسان‪ ..‬حيث‬ ‫احتضنت الصحراء نقيضها‬


‫‪47 | 46‬‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫بين ما ينشره كثيرون بملء إرادتهم‬ ‫من معلومات ُيفترض أن تكون خاصة‬ ‫وشخصية‪ ،‬كما يحصل على وسائل‬ ‫ً‬ ‫مثال‪ ،‬وما تجمعه‬ ‫التواصل االجتماعي‬ ‫وسائل المراقبة التقنية األخرى من‬ ‫معلومات إضافية‪ ،‬يمكن القول إن‬ ‫تفاصيل حياتنا اليومية تتعرَّ ض إلى‬ ‫مزيد من االنكشاف بشكل متعاظم‪.‬‬ ‫خاصة وأن أدوات المراقبة لم تعد‬ ‫تقتصر على «الكاميرات» التقليدية التي‬ ‫لدواع أمنية‪ ،‬بل صارت‬ ‫تكتفي بالتصوير‬ ‫ٍ‬ ‫تشمل برامج كمبيوتر خاصة ُلت ِّ‬ ‫حلل‬ ‫وتتوقع أدق تصرفاتنا لغايات تسويقية‬ ‫وتجارية‪.‬‬

‫أسامة إبراهيم فرج‬

‫بين الرقمنة والمراقبة‬

‫الحياة الشخصية في مهب‬ ‫رياح التكنولوجيا‬


‫المراقبة ف ي� الكعبة ش‬ ‫الكام�ات‬ ‫الم�فة‪ ،‬ويتضح أن ي‬ ‫ال تت�ك أي زاوية ف ي� هذه المساحة الهائلة‪ ،‬وأن بإمكان‬ ‫ين‬ ‫المسوؤل� عن المراقبة أن يتابعوا الشخص طوال‬ ‫تغ� مكانه‪ .‬وهو أمر قد يستغربه‬ ‫الوقت‪ ،‬مهما ي َّ‬ ‫البعض‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� يتخيل أنه مراقب طوال الوقت‪ .‬لكن‬ ‫الكام�ات تضمن‬ ‫لو تفكر هذا الشخص‪ ،‬بأن هذه ي‬ ‫ك� �ف‬ ‫له معدالت أمان عالية‪ ،‬وبالتال تتيح له ت‬ ‫ال� ي ز‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫عبادته‪ ،‬لن أي لص أو شخص ش�ير‪ ،‬سيفكر طويال ً‬ ‫ف‬ ‫قبل أن يدخل الكعبة‪ ،‬إلدراكه أنه سيقع ي� يد‬ ‫السلطات أ‬ ‫المنية ال محالة‪.‬‬

‫أبناء الجيل الجديد محرومون‬ ‫من الخصوصية‪ ،‬حياتهم بجميع‬ ‫تفاصيلها منشورة عىل مواقع‬ ‫الفيسبوك ت‬ ‫وغ�ها‪ ،‬لكنهم‬ ‫وتوي� ي‬ ‫ال يشتكون من ذلك‪ ،‬ويعدونه‬ ‫ين� الصور أ‬ ‫أمراً طبيعياً‪ ،‬بل هم من ش‬ ‫والحداث‬ ‫اليومية وأسماء أ‬ ‫الصدقاء والميول المتعلقة بهم‪.‬‬ ‫كما اعتادوا عىل وجود كام�ات المراقبة ف� أ‬ ‫السواق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫التجارية‪ ،‬ف‬ ‫و� الميادين والشوارع‪ ،‬فال‬ ‫و� المطارات‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يأبهون بذلك‪ ،‬ويترصفون وكأن أ‬ ‫المر ال يعنيهم‪ ،‬فهل‬ ‫نعجب بعد ذلك من استهتارهم بنظرات الناس من‬ ‫حولهم؟ يبدو أن أ‬ ‫المر ف� حاجة إىل اتفاق جديد ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الجيال‪ ،‬أو إىل معرض يتناول هذا المر‪ ،‬وهذا ما‬ ‫فعله «متحف االتصاالت» ف� ي ن‬ ‫برل�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫مب� أثري ش�ق العاصمة أ‬ ‫ف� ن‬ ‫اللمانية‪ ،‬يوجد أقدم‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫لل�يد ي� العالم‪ ،‬تأسس ي� عام ‪1872‬م‪،‬‬ ‫متحف ب‬ ‫وبعد تطور وسائل االتصال‪ ،‬أصبح اسمه متحف‬ ‫االتصاالت‪ .‬وهو يقيم ف ي� بعض طوابقه الثالثة‬ ‫معارض تتناول قضايا عرصية‪ ،‬ووقع االختيار هذه‬ ‫المرة عىل قضية بعنوان «العيش تحت المراقبة‬ ‫الدائمة»‪.‬‬

‫بالكام�ا‬ ‫المراقبة التجارية ف ي‬

‫فإذا وقف الزائر ف ي� جهة الشخص الخاضع للمراقبة‪،‬‬ ‫يجد مثال ً واجهة محل‪ ،‬ويرى وراء الزجاج تمثاال ً‬ ‫خشبياً يرتدي المالبس المعروضة للبيع‪ ،‬ولكن‬ ‫إذا دقق الشخص النظر‪ ،‬وجد أن حدقة ي ن‬ ‫ع�‬ ‫كام�ا مراقبة‪ .‬وتطلب إلينا السيدة‬ ‫التمثال عبارة عن ي‬ ‫العالمي االنتقال إىل الجانب‬ ‫المسؤولة عن القسم إ‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� تراقب‪ .‬فرأينا‬ ‫الخر‪ ،‬ل�ى المر من جانب الجهة ي‬ ‫كث�ة‪،‬‬ ‫هناك شاشة كمبيوتر‪ ،‬تظهر عليها معلومات ي‬ ‫تتضمن عدد أ‬ ‫ين‬ ‫الواقف� أمام المحل‪ ،‬وعدد‬ ‫الشخاص‬ ‫أفراد كل جنس من الرجال والنساء‪ ،‬ت‬ ‫وف�ة بقاء كل‬ ‫واحد منهم‪ ،‬ومتوسط أعمارهم‪.‬‬ ‫توضح المرشدة أن هذه المعلومات مهمة جداً‬ ‫لمدير المحل‪ ،‬ألنه يستطيع عىل ضوئها تحديد عدد‬ ‫الالزم� لخدمة هذا العدد من أ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الشخاص‪.‬‬ ‫البائع�‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� يقفها كل شخص مدى‬ ‫ويظهر فمن الف�ة الزمنية ي‬ ‫جديته ي� ش‬ ‫ً‬ ‫وبالتال‪ ،‬يعرف المدير أيضا كم‬ ‫ال�اء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� يجب أن تكون مفتوحة ي� هذا‬ ‫عدد الخزائن ي‬ ‫الوقت‪ ،‬وكل ذلك من خالل برامج تقوم بتحليل كل‬ ‫المعلومات المتوافرة‪.‬‬ ‫هنا يمكن أن يقول الزبون إن هذه المعلومات أسهمت‬ ‫ف ي� تحقيق الرفاهية بالنسبة له‪ ،‬ألنه لن يضطر للوقوف‬ ‫طويالً‪ ،‬ت‬ ‫ين‬ ‫البائع� أو من‬ ‫ح� يجد من يخدمه من‬ ‫ولكن هناك زبوناً آخر قد‬ ‫يتسلَّم منه ثمن البضاعة‪ّ .‬‬ ‫يرفض ذلك تماماً‪ .‬ألن التصوير تم دون علمه‪ ،‬كما أنه‬ ‫ال يعرف من سيشاهد هذه الصور‪ ،‬وهل يقترص ذلك‬ ‫ين‬ ‫العامل� ف ي� المتجر‪ ،‬أم تنتقل بعد ذلك ش‬ ‫لل�طة‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫ثم ما هي مدة االحتفاظ بها؟‬

‫المراقبة أ‬ ‫منية‬ ‫ال‬ ‫ف‬

‫تبث قنوات التلفزيون ي� موسم الحج صوراً من غرفة‬

‫ح� كان أ‬ ‫ف‬ ‫اللمان يخرجون ف� المظاهرات ت‬ ‫و� ي ن‬ ‫ح�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عام ‪1983‬م ت‬ ‫اع�اضاً عىل عمليات تعداد السكان‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ويعدونها تدخال ً سافراً ي� خصوصياتهم‪ ،‬أصبح‬ ‫اليوم بديهياً أن يضع كل شخص بصمته عىل بطاقته‬ ‫الشخصية‪ ،‬وأن تتوزع معلومات كل شخص عىل كل‬ ‫أ‬ ‫ورو�‪ ،‬وأن تحصل عليها السلطات‬ ‫دول االتحاد ال ب‬ ‫ي‬ ‫المريكية من السلطات أ‬ ‫أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬إذا فكر الشخص‬ ‫ف ي� السفر إىل هناك‪ .‬عالوة عىل إضعاف مبدأ رسية‬ ‫كث�‪.‬‬ ‫وغ�ها ي‬ ‫المعامالت البنكية‪ ،‬ي‬ ‫وتنبهنا مرافقتنا ف ي� جولتنا إىل أن القضية لم تعد‬ ‫ين‬ ‫للمواطن�‪ .‬بل أدى‬ ‫تقترص عىل مراقبة السلطات‬

‫‪Picture from Author‬‬

‫بعد اجتياز الردهة الطويلة ي� مدخل المعرض‪،‬‬ ‫ت‬ ‫كث�ة‪ ،‬وصور توضيحية‪،‬‬ ‫ال� تحتوي عىل لوحات ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� جرى تقسيمها طولياً‪،‬‬ ‫ندخل قاعة‬ ‫المعرض‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫نصفها باللون أ‬ ‫البيض‪ ،‬والخر بالسود‪ .‬بحيث‬ ‫ت‬ ‫ال� لها عالقة‬ ‫يمكن للزائر أن يرى‬ ‫المعروضات ي‬ ‫آ‬ ‫ال� تقوم بالمراقبة‪ ،‬ف‬ ‫ت‬ ‫و� القسم الخر يرى‬ ‫ي‬ ‫بالجهة ي‬ ‫المعروضات ذات العالقة بالشخص الذي يتعرض‬ ‫للمراقبة‪.‬‬

‫‪Picture from Author‬‬

‫«متحف االتصاالت» في برلين‬

‫برل� هناك تذك� بالمراقبة أ‬ ‫ف� معرض ي ن‬ ‫المنية‬ ‫ي‬ ‫ي أ‬ ‫ف‬ ‫وبالوضاع قبل شن� المصابيح ي� الميادين والشوارع‪،‬‬ ‫المان منخفضة‪ .‬فكان أ‬ ‫وكيف كانت معدالت أ‬ ‫الطفال‬ ‫والنساء ممنوعون من مغادرة نز‬ ‫الم�ل‪ ،‬وكانت بوابات‬ ‫ف‬ ‫المدن تغلق‪ ،‬وال يسمح للغريب بالتواجد ي� شوارع‬ ‫ئ‬ ‫كهربا� ف ي� ميدان‬ ‫المدينة‪ .‬ومع وضع أول مصباح‬ ‫ي‬ ‫بوتسدام ف� ي ن‬ ‫تغ�ت سلوكيات‬ ‫برل� عام ‪1884‬م‪َّ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫السكان ألن الضوء أتاح مزيداً من الرقابة المنية‪،‬‬ ‫أ‬ ‫الجرامية‪.‬‬ ‫وبالتال تراجعت العمال إ‬ ‫ي‬

‫حدقة عين التمثال عبارة عن‬ ‫كاميرا مراقبة‬


‫‪49 | 48‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫َّ‬ ‫يتقدم للوظيفة‪ ،‬البد أن‬ ‫من‬ ‫يكون على يقين من أن قسم‬ ‫شؤون العاملين‪ ،‬سوف يفتش‬ ‫عنه في اإلنترنت‪ ،‬فإذا وجد أي‬ ‫تعليق يتناقض مع ميول جهة‬ ‫العمل‪ ،‬فسوف ُيرفض طلبه‬ ‫دون إبداء األسباب‬ ‫انتشار الهاتف الذك إىل قيام أ‬ ‫الشخاص بتصوير‬ ‫ي‬ ‫كل تحركات ش‬ ‫ال�طة‪ .‬فإذا قام ش�طي باعتداء عىل‬ ‫مواطن‪ ،‬مهما كان السبب‪ ،‬فإن هذا التوثيق للفعل‪،‬‬ ‫مع الرقم الذي يحمله ش‬ ‫ال�طي عىل مالبسه‪ ،‬يجعل‬ ‫الوصول إليه‪ ،‬ومحاسبته أمراً مؤكداً‪ .‬لذلك فإن‬ ‫تس� ف ي� اتجاه واحد‪.‬‬ ‫المراقبة لم تعد ي‬ ‫وإذا كانت السلطات ف� ض‬ ‫الما� تواجه صعوبات ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التجسس عىل االتصاالت الهاتفية‪ ،‬أو متابعة عالقات‬ ‫الشخص بآخرين‪ ،‬فإن التقنيات الحديثة جعلت هذا‬ ‫أ‬ ‫المر بسيطاً للغاية‪ .‬فبدال ً من وضع توصيلة عىل كل‬ ‫خط هاتفي‪ ،‬أصبح من الممكن تسجيل كل االتصاالت‬ ‫لمالي� أ‬ ‫ين‬ ‫الشخاص دفعة واحدة‪ ،‬وتحليل المضمون‪،‬‬ ‫والتوصل إىل نتائج متكاملة‪.‬‬

‫ال أ تن�نت‬ ‫المراقبة التجارية عىل إ‬

‫يم ِّثل هذا النوع من المراقبة المرحلة ال ثك� تطوراً ف ي�‬ ‫عالم المراقبة أ‬ ‫وال ثك� إثارة للجدل‪ .‬فهو سيمكِّن ش�كة‬

‫«أمازون» مثال ً من أن تُرسل طلبات العمالء قبل أن‬ ‫يطلبوها‪.‬‬

‫ب� يديك»‪ ،‬ت‬ ‫«شبيك لبيك‪ ،‬عبدك ي ن‬ ‫ح� أنك لم‬ ‫تعد ف� حاجة لتنطق برغبتك‪ ،‬ألنه يقرأ ما يدور �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� جعلت كل‬ ‫ذهنك ببساطة‪ ،‬بفضل الرقمنة في‬ ‫ش‬ ‫�ء موثقاً‪ ،‬وقابال ً للتحليل‪ ،‬ولكنها ي� الوقت نفسه‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تستخلص المعلومات ت‬ ‫ال� ترغب ي� إخفائها عن كل‬ ‫من حولك‪ ،‬وتعتقد أنها يرسية أو خاصة جداً‪� .‬ف‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ح� أنها أصبحت مسجلة ف ي� مئات الملفات حول‬ ‫العالم كله‪.‬‬

‫فال�كة حصلت بالفعل عىل براءة ت‬ ‫ش‬ ‫اخ�اع تحت رقم‬ ‫‪ ،US008615473‬لفكرة تعتمد عىل توقع ش‬ ‫ال�كة‬ ‫للطلبية المستقبلية من العميل‪ ،‬من خالل سلوكه‬ ‫االستهالك‪ .‬وإرسال طرد بهذه المحتويات إىل نقطة‬ ‫التوزيع ي أ‬ ‫القرب إىل مقر العميل‪ .‬بحيث تكون ت‬ ‫الف�ة‬ ‫ب� الطلبية الفعلية‪ ،‬ي ن‬ ‫الفاصلة ي ن‬ ‫وب� تسلمها محدودة‬ ‫للغاية‪.‬‬

‫الخ أ‬ ‫أ‬ ‫ال بك� يراقبك‬

‫النسان هذه الفكرة وجدها منطقية‪.‬‬ ‫وإذا تأمل إ‬ ‫ً‬ ‫كث�ا ما يفتح الموقع‪ ،‬ويتفرج عىل سلعة‪،‬‬ ‫فالعميل ي‬ ‫ت‬ ‫المش�يات‪ ،‬ثم تي�اجع عن‬ ‫ثم يضعها ف ي� سلة‬ ‫ال�كة تستطيع أن تعرف ت‬ ‫ذلك‪ .‬ولكن ش‬ ‫الف�ة الزمنية‬ ‫ت‬ ‫ال� أخذ العميل يراقب فيها هذه السلعة‪ ،‬ويقرأ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫تفاصيلها‪ ،‬وهو المر الذي يُعد ش‬ ‫مؤ�اً عىل حجم‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يضع فيها‬ ‫اهتمامه بها‪ .‬وهناك‬ ‫قائمة المنيات‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫العميل ما يفكر ف ي� ش�ائه ي� ف�ة الحقة‪ ،‬أو ما يمكن‬ ‫أن يقوم أصدقاؤه شب�ائه له كهدية‪ ،‬بدال ً من ش�اء‬ ‫ش�ء ال يرغب فيه‪ .‬فلماذا ال تستفيد ش‬ ‫ال�كة من هذه‬ ‫ي‬ ‫المعلومات؟‬

‫ت‬ ‫ندل بها ببساطة ف ي�‬ ‫ال� ي‬ ‫فلو كانت المعلومات ي‬ ‫ش‬ ‫ال تن�نت ال تهم أحداً‪ ،‬فلماذا إذاً تجد ال�كات من‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫بمالي� الدوالرات؟ ولماذا هذا التعاون‬ ‫يش�يها‬ ‫ي‬ ‫ب� أجهزة االستخبارات العمالقة ي ن‬ ‫الوثيق ي ن‬ ‫وب� مواقع‬ ‫ال�يد إ ت ن‬ ‫الشبكات االجتماعية‪ ،‬ش‬ ‫و�؟ لماذا‬ ‫و�كات ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫مارست الواليات المتحدة ضغوطاً هائلة عىل االتحاد‬ ‫أ‬ ‫ورو� للحصول عىل بيانات المسافرين إليها‪ ،‬مثل‬ ‫ال ب ي‬ ‫رقم بطاقة االئتمان؟‬

‫كث�ون ف ي� ذلك مزيداً من الرفاهية‪ ،‬بعد‬ ‫وإذا رأى ي‬ ‫ن‬ ‫الج� الذي يقول لك‬ ‫أن تحقق حلم امتالك ِّ ي‬

‫ث‬ ‫أك� الجمل سذاجة وانتشاراً‪ ،‬هي عبارة «ليس عندي‬ ‫ت‬ ‫وال� يقولها كل من تحذره من عواقب‬ ‫ما‬ ‫أخفيه»‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫التساهل ي� التعامل مع المعلومات الخاصة به‪.‬‬

‫أ‬ ‫بكث� مما يعتقد البعض‪ ،‬فمن‬ ‫إن المر أخطر ي‬ ‫يتقدم للوظيفة‪ ،‬البد أن يكون عىل ي ن‬ ‫يق� من‬ ‫العامل�‪ ،‬سوف يفتش عنه �ف‬ ‫ين‬ ‫أن قسم شؤون‬ ‫ي‬ ‫ال تن�نت‪ ،‬فإذا وجد أي تعليق يتناقض مع ميول‬ ‫إ‬ ‫جهة العمل‪ ،‬فسوف يُرفض طلبه دون إبداء‬ ‫أ‬ ‫السباب‪ ،‬بل إن هناك جهات تقوم بإنهاء عقود‬ ‫ين‬ ‫موظف� لديها منذ سنوات طويلة‪ ،‬ألنها وجدت عىل‬ ‫ف‬ ‫صفحاتهم ي� الفيسبوك ما ال يروق لها‪.‬‬ ‫قبل ث‬ ‫أك� من نصف قرن كتب جورج أوريل روايته‬ ‫ت‬ ‫ال� توقَّع فيها أن يكون هناك‬ ‫ي‬ ‫الشه�ة «‪ ،»1984‬ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫دوماً من يراقبك‪ ،‬وأن «الخ ال بك�» عىل اطالع بكل‬ ‫بكث�‪.‬‬ ‫ما تقوم به‪ .‬فإذا بالواقع اليوم يفوق ذلك ي‬ ‫فإذا تأخرت مرة عن دفع فاتورة ف ي� موعدها‪ ،‬فإن هذه‬ ‫المعلومة ستصل إىل جهة ما‪ ،‬وال تستغرب عندئذ أن‬ ‫تجد المرصف يرفض إعطاءك قرضاً‪ ،‬أو أن تجد ش�كة‬ ‫االتصاالت ت‬ ‫تش�ط الدفع المقدم‪ ،‬وصاحب البيت‬ ‫أ‬ ‫يرفض أن تسكن لديه‪ ،‬لنه ش‬ ‫اليجار‬ ‫يخ� أال تدفع إ‬ ‫ف ي� الموعد‪ .‬وكل ذلك بفضل الرقمنة‪ ،‬كل المعلومات‬ ‫مخزنة رقمياً‪ ،‬وكلها قابلة للتداول ي ن‬ ‫ب� الجهات‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫وحينما تتسبب المعلومات المتوافرة عنك ف ي�‬ ‫حصولك عىل إعالنات منتقاة تبعاً للهوية الرقمية‪ ،‬أو‬ ‫القرين الرقمي‪ ،‬الصادر لك‪ ،‬فتحصل عىل رسائل ف ي�‬ ‫لك� ن‬ ‫ال ت‬ ‫و� تتضمن عروضاً من ش�كات أدوية‪،‬‬ ‫بريدك إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ألنك بحثت قبل ذلك ي� جوجل عن هذه الدوية‪،‬‬


‫الرسوم؟‪ ..‬معلومات‬

‫ف ي� معرض «العيش تحت المراقبة» التقينا مسؤول‬ ‫العالقات العامة فيه‪ ،‬الدكتور أوليفر جوتسه‪ ،‬الذي‬ ‫قال إنه ليست هناك دراسات علمية دقيقة توضح‬ ‫تأث� هذه المراقبة الدائمة عىل سلوكيات أ‬ ‫الطفال‬ ‫ي‬ ‫والشباب‪ .‬وذلك ألن هذه الظاهرة لم تبلغ هذه‬ ‫الدرجة من الهيمنة إال ف ي� السنوات القليلة الماضية‪.‬‬ ‫وأوضح أن الوالدين ال يستطيعان ف� غالبية أ‬ ‫الحيان‬ ‫ي‬ ‫تقديم النصيحة ألطفالهم‪ ،‬ألنهما ال يملكان‬ ‫التجارب ف ي� هذا المجال‪ ،‬ولذلك فإن المتحف يرى‬ ‫أن إقامة مثل هذا المعرض يسد ثغرة مهمة‪ ،‬ألنه‬ ‫ين‬ ‫وتربوي�‬ ‫يتيح للشباب التحدث مع علماء االتصاالت‬ ‫ين‬ ‫متخصص� ف ي� التعامل مع هذه الظواهر الحديثة‪،‬‬ ‫ولذلك قرر المعرض أن يكون دخول التالميذ‬ ‫والطالب مجانياً‪.‬‬

‫القضية لم تعد تقتصر على‬ ‫مراقبة السلطات للمواطنين‪.‬‬ ‫بل أدى انتشار الهاتف الذكي‬ ‫إلى قيام األشخاص بتصوير‬ ‫كل تحركات الشرطة‪ .‬فإذا قام‬ ‫شرطي باعتداء على مواطن‬ ‫فإن هذا التوثيق للفعل‪ ،‬يجعل‬ ‫الوصول إليه‪ ،‬ومحاسبته ً‬ ‫أمرا‬ ‫ً‬ ‫مؤكدا‪..‬‬

‫‪Picture from Author‬‬

‫المعرض في برلين‬

‫أو عروضاً سياحية لقضاء عطلة ف ي� إيطاليا‪ ،‬أو يغ�‬ ‫تغي�ه‪ ،‬ال يمكنك أن شت�ح‬ ‫ذلك‪ ،‬مما ال تستطيع ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تصنع لك هويتك الرقمية‪ ،‬أن صديقاً‬ ‫للجهة ي‬ ‫لك استخدم جهازك‪ ،‬أو أنك تكتب مقاال ً عن أدوية‬ ‫الشيخوخة‪ ،‬أو أن والدك طلب منك البحث عن رحلة‬ ‫له ف ي� الصيف‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ورو� مار ي ن‬ ‫ت� شولتس يطرح‬ ‫رئيس ب‬ ‫ال�لمان ال ب ي‬ ‫ف‬ ‫سؤاال ً عن رأينا ي� أن يصبح كل واحد منا عبارة عن‬ ‫مجموعة معلومات‪ ،‬عندما تنظر ش�كات الشبكات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ألعضائها باعتبارهم سلعة تحقق من‬ ‫ورائها المكاسب‪ ،‬ت‬ ‫ح� ولو تضمنت هذه المعلومات‬ ‫خصوصيات دقيقة عن الشخص‪ ،‬ويحذر من أن‬ ‫النسان ف ي� طريقه ليصبح مجرد بند ف ي� فاتورة‪ ،‬أبعد‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫نسا�‪.‬‬ ‫ما تكون عن مراعاة البعد إ‬ ‫ال ي‬ ‫ويحذِّ ر شولتس من االعتقاد الساذج بأن ش‬ ‫ال�كات‬ ‫العمالقة وأجهزة المخابرات‪ ،‬ستتوقف عن مثل هذه‬ ‫الممارسات‪ ،‬ت ز‬ ‫واالل�ام بأخالقيات معينة‪ .‬إن ذلك لن‬ ‫يحدث ف ي� الثورة الرقمية‪ ،‬إال من خالل الكفاح من‬ ‫ت‬ ‫ال� ال يجوز أن‬ ‫أجل الحفاظ عىل هويتنا إ‬ ‫النسانية‪ ،‬ي‬ ‫تؤدي الرقمنة إىل النيل منها‪.‬‬ ‫أ ن‬ ‫لما� تمثل ض�بة ف ي� مقتل‬ ‫القضية ف ي� رأي‬ ‫السياس ال ي‬ ‫ي‬ ‫للحريات‪ ،‬وتهديداً بانعدام خصوصياتنا‪ ،‬وهي‬ ‫يتحول‬ ‫حقوق أساسية ال بد من الدفاع عنها‪ ،‬قبل أن َّ‬ ‫ش‬ ‫النسان‬ ‫القرن الحادي‬ ‫تحول إ‬ ‫والع�ين‪ ،‬إىل عرص ُّ‬ ‫ش‬ ‫�ء‪.‬‬ ‫إىل ي‬

‫وأضاف‪ :‬إن أي إنسان يمتلك قدراً ضئيال ً من االطالع‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تطلب‬ ‫يدرك منذ البداية أن كل الخدمات ي‬ ‫أ‬ ‫رسوم ت‬ ‫اش�اك مثل الفيسبوك‪ ،‬تحصل عىل الموال‬ ‫ت‬ ‫المش�ي من‬ ‫من خالل بيع المعلومات‪ .‬سوا ًء أكان‬ ‫الحكومات أو المؤسسات التجارية‪ .‬ولم يعد رساً أن‬ ‫المعلومات أصبحت وسيلة دفع مقبولة‪ ،‬والدليل‬ ‫كث�اً من التخفيضات لمن‬ ‫عىل ذلك أن هناك ي‬ ‫يستخدم بطاقات عضوية معينة‪ ،‬تجمع معلومات‬ ‫االستهالك‪.‬‬ ‫عن السلوك‬ ‫ي‬ ‫عما إذا كان المعرض قد استعان‬ ‫ورداً عىل سؤال َّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫وغ�ها من الجهزة المنية‬ ‫بأجهزة االستخبارات ي‬ ‫و�كات جمع المعلومات ت‬ ‫ش‬ ‫ح� يكون المعرض قريباً‬ ‫من الحقيقة‪ ،‬قال إن هناك تعاوناً مع عديد من‬ ‫أ‬ ‫الجهزة ف ي� هذا المجال‪.‬‬ ‫ن‬ ‫يع� أن هذه‬ ‫ولكننا لما سألنا ما إذا كان التعاون ف ي‬ ‫أ‬ ‫الجهزة‪ ،‬ستستخدم المعرض أيضاً ي� جمع‬ ‫معلومات عن الزوار‪ ،‬وميولهم واهتماماتهم‪ ،‬ضحك‬ ‫وقال إن هذا ليس هو الهدف من المعرض‪.‬‬ ‫ش‬ ‫�ء يكون دون رسوم‪،‬‬ ‫لكن ألم يقل ِّ‬ ‫لتوه إن أي ي‬ ‫يقت�ض ي أن يحصل عىل تكاليفه من بيع المعلومات؟‬ ‫عموماً من السذاجة أن يعتقد شخص اسمه أسامة‪،‬‬ ‫عر�‪ ،‬ويزور معرضاً عن المراقبة ف ي� عاصمة‬ ‫وأصله ب ي‬ ‫ً‬ ‫غربية‪ ،‬أنه ليس موضع اهتمام‪ ،‬وليس بعيدا أن تقرأ‬ ‫السلطات هذا التقرير‪ ،‬من بريده إ ت ن‬ ‫و� قبل أن‬ ‫اللك� ي‬ ‫تقرأه أرسة التحرير ف ي� المجلة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪51 | 50‬‬

‫حياتنا اليوم‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫يتعمق شعورنا برفاهية الحياة التي نعيشها‬ ‫ً‬ ‫قليال إلى الوراء‪ ،‬ونظرنا إلى ما‬ ‫إذا ما عدنا‬ ‫كان يكابده أجدادنا من مشقات للحصول‬ ‫على النذر القليل مما نتمتع به اليوم بفضل‬ ‫التكنولوجيا الحديثة‪ .‬لكن هذه التكنولوجيا‬ ‫لم تولد من فراغ‪ ،‬بل من رحم الثقافة نفسها‬ ‫التي كانت سائدة عند أجدادنا‪ .‬فالثقافة هي‬ ‫الذاكرة التي حفظت كافة نشاطات اإلنسان‬ ‫وراكمت خبراته‪ .‬من تكنولوجيا المجرفة‬ ‫التي أسهمت في تطور الثورة الزراعية‪ ،‬حيث‬ ‫شعر اإلنسان ألول مرة بنعيم االستقرار في‬ ‫العهود الغابرة؛ إلى الهاتف الذكي الذي‬ ‫نعيش بواسطته في تواصل مستمر مع‬ ‫أهلنا وأصدقائنا وأحبتنا‪ ،‬فما بين الثقافة‬ ‫والتكنولوجيا عالقة تكافلية‪.‬‬

‫أمين نجيب‬

‫التكنولوجيا‬ ‫والثقافة‬

‫ترابط وصلة ُقربى أكبر مما نعتقد‬


‫صحيح أن الحياة كانت قاسية‬ ‫قبل الكهرباء والسيارة والتلفون‬ ‫وقساطل المياه ووسائل‬ ‫الرصف الصحي داخل البيوت‬ ‫وتكنولوجيا المواصالت‪ .‬إذ كان‬ ‫ش‬ ‫�ء بنفسه؛ ابتدا ًء‬ ‫عىل الفرد أن يقوم‬ ‫ي‬ ‫بتحض� كل ي‬ ‫ز‬ ‫الخ�‪ .‬فهذه‬ ‫بتوف� المياه من الينابيع إىل صناعة ب‬ ‫ي‬ ‫الحياة تبدو لنا اليوم الشقاء بعينه‪ .‬لكن مهالً‪ ،‬كان‬ ‫يكتنف تلك الحياة ثقافة الروح االجتماعية التضامنية‬ ‫بديال ً عن التكنولوجيا‪.‬‬

‫إن نوعنا اإلنساني الحالي‬ ‫كان أقل قوة جسدية من‬ ‫األنواع األخرى‪ ،‬لكنه كان أذكى‪.‬‬ ‫إن حياتنا الحالية‪ ،‬بهذا المعنى‪،‬‬ ‫هي هبة التكنولوجيا‪ ،‬التي‬ ‫َّ‬ ‫تمكنا من البقاء‬ ‫بواسطتها‬ ‫واالستمرار‪..‬‬

‫ن أ‬ ‫ن‬ ‫يما�‪ ،‬وزير‬ ‫ف ي� حديث‬ ‫زك ي‬ ‫ي‬ ‫تلفزيو� للستاذ أحمد ي‬ ‫النفط السعودي السابق‪ ،‬تذكر وهو لما يزل يافعاً‪،‬‬ ‫كيف أن إحدى أ‬ ‫الرامل ف ي� مكة المكرمة لم تكن‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫تستطيع أن تت�ك أوالدها ب ز‬ ‫العج� ي� الفرن‪،‬‬ ‫لتخ�‬ ‫فكانت تضعه أمام الباب‪ ،‬ولم يكن الوقت ليطول‬ ‫ت‬ ‫ح� يكون أحدهم قد تطوع للقيام بذلك دون‬ ‫أن تعلم من هو‪ .‬كانت التكنولوجيا الحديثة غائبة‪.‬‬ ‫الهاتف لم يكن موجوداً‪ ،‬لكن ثقافة التعاضد الدافئة‬ ‫كانت بديال ً عنها‪.‬‬

‫محل الوظائف أ‬ ‫الساسية للجهاز‬ ‫العص� المركزي‬ ‫بي‬ ‫وهو استيعاب المعلومات وتخزينها وتحليلها‪ ،‬ثم‬ ‫تحويل القيم االجتماعية واالقتصادية والثقافية إىل‬ ‫مجرد معلومات‪.‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬اكتشف علماء أ‬ ‫ال ثن�وبولوجيا أن النوع‬ ‫ن‬ ‫الحال‪« ،‬الهومو سابيان» استطاع أن ينجو‬ ‫إال ي‬ ‫نسا� ي‬ ‫ع�ات ألوف ي ن‬ ‫من عصور جليدية قاسية منذ ش‬ ‫السن�‬ ‫باستعماله الحربون الصطياد السمك تحت الجليد‪،‬‬ ‫النواع أ‬ ‫بينما أخفقت أ‬ ‫الخرى مثل «الهومو نيندرتال»‬ ‫من فعل ذلك‪ .‬إذ إنها كانت تعتمد بشكل واسع عىل‬ ‫اصطياد الحيوانات ي ت‬ ‫ال� انقرضت بدورها نتيجة‬ ‫الكب�ة ي‬ ‫الجليد‪ ،‬مما أدى إىل انقراض «النياندرتال» أيضاً‪.‬‬ ‫ن‬ ‫الحال كان أقل قوة جسدية من‬ ‫إن نوعنا أ إال ي‬ ‫نسا� ي‬ ‫أ‬ ‫النواع الخرى‪ ،‬لكنه كان أذىك‪ .‬إن حياتنا الحالية‪ ،‬بهذا‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� بواسطتها تمك َّنا‬ ‫المع�‪ ،‬هي هبة التكنولوجيا‪ ،‬ي‬ ‫دان�» �ف‬ ‫من البقاء واالستمرار‪ .‬لذلك يقول «باتريك ي ن‬ ‫ي‬ ‫مجلة «نيو أتالنتيس» يجب أن نطلق عىل إالنسان‬ ‫الحال «هومو تكنولوجيا» بدل «هومو سابيان»‪.‬‬ ‫ي‬

‫التكنولوجيا امتداد للجسد‬

‫كما أن الثقافة تسكن عقلنا ووجداننا‪ ،‬فإن‬ ‫التكنولوجيا هي امتداد ألعضاء جسدنا‪ .‬المجرفة‬

‫هي امتداد لليدين‪ ،‬لكنها أقوى‪ ،‬الميكروسكوب هو‬ ‫للع�‪ ،‬نرى بواسطته ما ال نستطيع ي ن‬ ‫امتداد ي ن‬ ‫بالع�‬ ‫أ‬ ‫المجردة‪ ،‬السيارة هي امتداد للرجل‪ ،‬التلفون امتداد‬ ‫أ َّ‬ ‫لل ي ن‬ ‫ذن�‪ ..‬الخ‪ .‬لكن «مارشال ماكلوهان» فيلسوف‬ ‫تعب� «القرية‬ ‫التكنولوجيا والميديا الكندي‪ ،‬وصاحب ي‬ ‫ت‬ ‫ب� يصاحبه‬ ‫الكونية»‬ ‫الشه�‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫يش� إىل أن لكل امتداد ٌ‬ ‫ت‬ ‫من ناحية أخرى‪ .‬فمع اخ�اع البارود تم القضاء عىل‬ ‫مهارة الرماية بالقوس‪ .‬والسيارة قضت عىل تقاليد‬ ‫ت‬ ‫متطورة ف ي� ش‬ ‫ال� بدورها جعلت القرى والمدن‬ ‫الم�‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫تتطور بطريقة جديدة مناسبة‪.‬‬ ‫كث� من بلدات‬ ‫يح�ض إىل الذاكرة هنا حال ي‬ ‫االصطياف ف ي� جبال لبنان‪ ،‬مثال ً بلدة الشوير الضيعة‬ ‫ت‬ ‫ال� هي امتداد‬ ‫التاريخية القديمة وضهور الشوير‪ ،‬ي‬ ‫لها‪ ،‬تقع فوقها ت‬ ‫بمائ� تم�‪ .‬ولتسهيل التنقل بينهما‬ ‫ي‬ ‫ف ي� القرون الماضية تم بناء عدة أدراج‪ ،‬كل واحد‬ ‫يحتوي عىل مئات من الدرجات الحجرية الجميلة‪.‬‬ ‫وقد بُ ن� ف� ض‬ ‫كث� من البيوت الجميلة حولها‬ ‫الما� ي‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫انحدارها الشديد‪ .‬لكن مع التوسع �ف‬ ‫عىل الرغم من‬ ‫أ ي‬ ‫استعمال السيارات‪ ،‬تم االستغناء عن هذه الدراج‬ ‫فباتت معالمها يغ� واضحة والبيوت حولها خرباً يغ�‬ ‫ن‬ ‫المبا� الجديدة تتمحور حول طرق‬ ‫مسكونة‪ .‬وأخذت‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫السيارات‪ .‬للمرء أن يتخيل كيف كانت هذه الدراج‬ ‫عامرة بالمارة‪ ،‬وكيف كان الناس عىل تواصل وتماس‬ ‫فيما بينهم‪ ،‬وكيف أصبحوا آ‬ ‫الن يلقون التحية عىل‬ ‫بالزمام�‪ ،‬إذا ن‬ ‫تس� لهم‬ ‫بعضهم داخل السيارات‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ذلك‪ .‬ومن نتائج هذا االمتداد أيضا ضمور عضالت‬ ‫أرجلنا والهواء العليل الذي نستنشقه‪.‬‬ ‫إىل هذا الحد‪ ،‬يبدو االمتداد سهل االستيعاب‪.‬‬ ‫فبعد أن طرح «ماكلوهان» باكراً السؤال المقلق‪:‬‬ ‫«من يمتلك عيونك وآذانك الممتدة؟»‪ ،‬طُرحت الحقاً‬ ‫بالتأث� عىل الوعي‬ ‫كب�ة‪ ،‬خصوصاً فيما يتعلق‬ ‫ي‬ ‫أسئلة ي‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونية الحديثة تحل‬ ‫والفكر والثقافة‪ .‬فالوسائط إ‬

‫الثقافة تُم ِّهد للتكنولوجيا‬

‫قبل الثورة الصناعية واالنفجار التكنولوجي الذي‬ ‫ال يزال يتواىل فصوال ً إىل اليوم‪ ،‬مهدت النهضة‬ ‫الثقافية أ‬ ‫الوروبية ابتدا ًء من القرن الخامس ش‬ ‫ع�‬ ‫ت‬ ‫ح� السابع ش‬ ‫ع�‪ ،‬الطريق لها‪ .‬تلتها حركة التنوير‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫وال�‬ ‫ال� امتدت إىل منتصف القرن الثامن ع�‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫قامت عىل مناهضة الشعوذة والخرافات متحدية‬ ‫كث�اً من االعتقادات والتقاليد الراسخة منذ قرون‪.‬‬ ‫ي‬ ‫كما أكدت تحكيم العقل والنقد والتجربة بديال ً عن‬ ‫التفس�ات الماورائية‪ .‬وعملت عىل فصل العلم عن‬ ‫ي‬ ‫غ�ه من أ‬ ‫الفكار‪ ،‬حيث أطلق عليه العلم الحديث‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫الديكار� القائل‪« :‬أنا أفكِّر‬ ‫فكان أن ظهر المفهوم‬ ‫ي‬ ‫إذن أنا موجود»‪ ،‬وأصبح أساساً ف‬ ‫الغر�‪.‬‬ ‫الفكر‬ ‫�‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ويُفرس أحياناً بالقول «أنا أشك إذن أنا موجود»‪ .‬ففي‬ ‫جواب عن سؤال‪ :‬ما حركة التنوير؟‪ ،‬أجاب الفيلسوف‬ ‫الكب� «ايمانويل كانط» (‪« ،)1804-1724‬هي الحرية‬ ‫ي‬ ‫ف ي� استعمال عقلك»‪ .‬وظهرت ف ي� تلك المرحلة أسماء‬ ‫كب�ة مثل «باروخ سبينوزا» (‪« ،)1677-1632‬جون‬ ‫ي‬ ‫لوك» (‪« ،)1704-1632‬بيار بايل» (‪،)1706-1647‬‬


‫‪53 | 52‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬ ‫‪Mohtaraf Images‬‬

‫«فولت�» (‪« ،)1778-1694‬إسحاق نيوتن» (‪-1643‬‬ ‫ي‬ ‫وغ�هم‬ ‫‪« ،)1727‬توماس هوبس» (‪ )1679-1588‬ي‬ ‫الكث�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وكما سبقت الثورة الصناعية حركتا النهضة والتنوير‪،‬‬ ‫كذلك فإن الثورة العلمية والثقافية قبل منتصف‬ ‫القرن ش‬ ‫الع�ين‪ ،‬خصوصاً ما يتعلق بالعلوم والفنون‬ ‫والفلسفة‪ ،‬وفلسفة العلوم وما يعرف بفكر ما‬ ‫بعد الحداثة‪ ،‬تزامنت مع ثورة التكنولوجيا الرقمية‬ ‫الحالية‪ ،‬ومهدت لها‪.‬‬ ‫يقول «أرثر ميلر»‪ ،‬أستاذ تاريخ الفلسفة والعلوم‬ ‫والتكنولوجيا ف ي� جامعة لندن‪ ،‬إنه ف ي� وقت واحد‬ ‫«أل�ت آنشتاين» النظرية النسبية واكتشف‬ ‫اكتشف ب‬ ‫«بابلو بيكاسو» التكعيبية ف ي� الرسم‪ .‬كالهما كان يعالج‬ ‫خاصية المكان‪ ،‬أو الفضاء‪ ،‬وكيفية التطلع إليه بطرق‬ ‫ين‬ ‫مختلف�‪ .‬أراد القول إن‬ ‫مختلفة من قبل مشاهدين‬ ‫ين‬ ‫ب� العلم والتكنولوجيا والثقافة ترابط عضوي‪.‬‬ ‫الدانمارك‪،‬‬ ‫وكان «نيلز بوهر»‪ ،‬العالم والفيلسوف‬ ‫ي‬ ‫السهامات المهمة ف ي� فهم خصائص الذرة‬ ‫ذو إ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫واللك�ونيات‪ ،‬قد وصل إىل حالة اليأس ي� أبحاثه‬ ‫إ‬ ‫لك�ون ف� النصف أ‬ ‫ال ت‬ ‫الول من القرن‬ ‫طبيعة‬ ‫حول‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫الع�ين‪ .‬إذ لم يتوصل‪ ،‬بعد اختبارات مضنية‪ ،‬إال َّ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫إىل نتائج متناقضة‪ .‬فاتخذ لنفسه ف�ة للراحة وبا�‬

‫إن ما بين الثقافة‪ ،‬بما تختزنه‬ ‫من فنون وآداب ومعتقدات‬ ‫وتقاليد وبين التكنولوجيا‬ ‫والعلم ترابط يعود إلى فجر‬ ‫الحضارة اإلنسانية‪..‬‬

‫الثقافة تؤثر عىل التكنولوجيا‬

‫تطور تكنولوجياتها الخاصة‬ ‫والحال أن كل ثقافة ِّ‬ ‫أ‬ ‫بها‪ .‬فنظام النقل ف ي� الواليات المتحدة المريكية‬ ‫يختلف عنه ف ي� أوروبا أو يغ�ها‪ .‬إنه يعكس الشخصية‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مريك‪ .‬هكذا‬ ‫المريكية ب‬ ‫اللي�الية والمستقلة للفرد ال ي‬ ‫أساس عىل السيارات الخاصة ف ي�‬ ‫يعتمد بشكل‬ ‫ي‬ ‫المدن أ‬ ‫المريكية‪ .‬لذلك فإن وسائط النقل العام هي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫أضعف ي‬ ‫بكث� مما هو حالها ي� المدن الأوروبية ي‬ ‫تعتمد عىل وسائط النقل العامة فوق الرض وتحتها‬ ‫ف‬ ‫و� بحث لـ «كليف بونتينغ» حول‬ ‫بشكل كثيف‪ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫يز‬ ‫الباسيفيك‬ ‫البولين�ية ي� المحيط‬ ‫«أيس�»‬ ‫جزيرة‬ ‫ي‬ ‫تأث� الثقافة القوي عىل‬ ‫وانهيار حضارتها‪ ،‬يؤكد ي‬ ‫الكب� ف ي� الزراعة وتربية‬ ‫التكنولوجيا‪ .‬فبعد التقدم ي‬ ‫كب� عىل أحوال السكان‪ .‬مما‬ ‫الماشية‪ ،‬طرأ تحسن ي‬ ‫دفعهم إىل توجيه نشاطاتهم نحو إقامة التماثيل‬ ‫حوال ‪ 880‬تمثاال ً تُعد‬ ‫الدينية الضخمة‪ .‬وقد أقيم ي‬ ‫كب�ة‬ ‫من المآثر التاريخية‪ .‬لكن ذلك تطلب موارد ي‬ ‫وسبال لنقل أ‬ ‫الخشاب والحجارة إىل أماكن محددة‬ ‫ً‬ ‫وبعيدة‪ .‬فأدى ذلك إىل إزالة الغابات وتدهور البيئة‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت سبب ازدهارهم‪ .‬وبانقراض البيئة‬ ‫نفسها ي‬ ‫انقرض معها شعب تلك الجزر‪.‬‬ ‫الص� القديمة‪ ،‬كانت أ‬ ‫كذلك ف� ي ن‬ ‫اللعاب النارية جزءاً‬ ‫ي‬ ‫أساسياً من ثقافة االحتفاالت الدينية‪ .‬فتم اكتشاف‬ ‫البارود كتطوير تكنولوجي لهذه أ‬ ‫اللعاب‪ .‬ونتيجة‬ ‫الثقافة الدينية السائدة بقي استعماله محصوراً ف ي�‬ ‫هذا المجال لقرون‪ .‬إىل أن وجد طريقه إىل أوروبا‬ ‫فاستعمل فوراً كسىالح ف ي� الحرب‪ .‬وكان الدافع إىل‬

‫‪shutterstock / gary718‬‬

‫لوحة لبيكاسو‬

‫قراءة كتاب عن التكعيبية‪ ،‬لمجرد ت‬ ‫ال�فيه عن النفس‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� أشعلت مخيلته‬ ‫لكن هذا الكتاب كان ال�ارة ي‬ ‫ف‬ ‫للوصول إىل ما أصبح يُعد محطة مهمة ي� تاريخ‬ ‫العلوم‪ ،‬وهي نظرية «المتمم ف� ي ز‬ ‫ف�ياء الكم»‪ .‬إذ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ون‪ ،‬هي جزيئات‬ ‫إن بعض الشياء‪ ،‬ومنها إ‬ ‫َّ‬ ‫وتموجات ف ي� الوقت نفسه‪ .‬ولكن عند قياسها تكون‬ ‫إما هذه أو تلك‪ .‬كذلك التكعيبية التحليلية ف ي� الرسم‬ ‫تحاول أن تمثل مشهداً مرئياً من جوانب مختلفة عىل‬ ‫ت‬ ‫ال� توصل إليها‬ ‫فلوحة واحدة‪ .‬إن النتائج المتناقضة ي‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ون‪ .‬وكان الخيال ما‬ ‫ي� اختباراته تعكس حقيقة إ‬ ‫ينقص هذه النتائج‪ ،‬فكان له‪.‬‬

‫األلعاب النارية في الصين‬

‫ت‬ ‫تغي�ات‬ ‫ال� أدخلت ي‬ ‫صناعة المدافع وتكنولوجياتها ي‬ ‫ت‬ ‫وغ�ت مجرى‬ ‫جذرية عىل اس�اتيجيات الحروب ي َّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الص� حاجة ثقافية دينية‬ ‫التاريخ‪ .‬كان البارود ي� ي‬ ‫ف‬ ‫سلمية‪ .‬لكنه ف ي� الغرب أصبح حاجة ي� ثقافة فن‬ ‫الحروب‪ .‬هذا مع العلم أن ي ن‬ ‫الص� هي أقدم من‬ ‫طور فنون الحرب‪ .‬فما زال ت‬ ‫ح� اليوم كتاب «سان‬ ‫َّ‬ ‫تزو» وعنوانه «فن الحرب»‪ ،‬والذي كتب ألفي سنة‬ ‫قبل أن يضع أ‬ ‫ن‬ ‫الصي�‪،‬‬ ‫الوروبيون يدهم عىل البارود‬ ‫ي‬ ‫يُعد مرجعاً ف� علم ت‬ ‫االس�اتيجية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫من ناحيتهم‪ ،‬طور منتجو الهواتف النقالة منتجاتهم‬ ‫أ‬ ‫السالمية لتسهيل‬ ‫باستمرار لتتناسب مع السواق إ‬ ‫ين‬ ‫المستخدم� بأوقات الصالة وتوجيههم‬ ‫وتذك�‬ ‫ي‬ ‫نحو مكة المكرمة وإيقاف المكالمات الواردة لمدة‬ ‫الحوال أ‬ ‫ع�ين دقيقة‪ .‬كما أنها ف� بعض أ‬ ‫ش‬ ‫الخرى‬ ‫ي‬ ‫بتغي�ات أخرى تناسب بعض الثقافات‬ ‫تقوم ي‬ ‫والسيوية الخاصة بها‪ .‬أ‬ ‫الفريقية آ‬ ‫فالماكن ف ي� اليابان‬ ‫إ‬ ‫مثال ً ضيقة‪ ،‬خاصة أماكن السكن ووسائط النقل‪.‬‬ ‫وت�ز ف ي� هذه الحالة مسألة الخصوصية‪ .‬فالتكلم‬ ‫ب‬ ‫بصوت مرتفع عىل الهواتف هناك يصبح مشكلة‬ ‫مقلقة‪ .‬لذلك طور منتجو هذه الهواتف نظام‬ ‫الرسائل النصية ليستعاض به عن التكلم‪ .‬ولهذا‬ ‫تبدو أزرار الطباعة بارزة ث‬ ‫أك� من العادية‪ ،‬وشاشته‬ ‫أوسع لتستوعب رسائل أطول‪ ،‬كما أن أسعار الرسائل‬ ‫أرخص نسبياً‪.‬‬


‫طور منتجو الهواتف النقالة‬ ‫منتجاتهم باستمرار لتتناسب‬ ‫مع األسواق اإلسالمية‬ ‫لتسهيل وتذكير المستخدمين‬ ‫بأوقات الصالة وتوجيههم‬ ‫نحو مكة المكرمة وإيقاف‬ ‫المكالمات الواردة لمدة‬ ‫عشرين دقيقة‬

‫التكنولوجيا الحاكمة‬

‫إن لكل تكنولوجيا فلسفتها وتحاملها الخاص بها‪.‬‬ ‫تأث�ها عىل الثقافة من خالل‬ ‫وهكذا تحمل بذاتها ي‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫نظر‬ ‫وجهة‬ ‫وتقييم‬ ‫جعلنا عرضة لتفضيل‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫�ء مسماراً‪ .‬وحامل‬ ‫حامل المطرقة يبدو له أي ي‬ ‫ش‬ ‫كام�ا يبدو‬ ‫�ء جملة‪ .‬ولحامل ي‬ ‫القلم يبدو له أي ي‬ ‫ش‬ ‫ش‬ ‫�ء‬ ‫�ء صورة‪ .‬ولمن معه كمبيوتر يبدو أي ي‬ ‫أي ي‬ ‫معلومات‪ .‬وقيمة المعلومات‪ ،‬كما أصبح رائجاً‪ ،‬تعلو‬ ‫فوق قيمة المعرفة‪ ،‬وبالتأكيد فوق قيمة الحكمة‪.‬‬ ‫مع تقدم الوقت‪ ،‬تغيب الحكمة‪ ،‬وتصبح شيئاً من‬ ‫التاريخ‪ .‬وهل بقي لكبارنا قيمة يغ� الحكمة؟ لذلك‬ ‫يبدو كبار السن ضحايا هذا التقدم التكنولوجي‬ ‫ف‬ ‫كب�‪.‬‬ ‫ثقا� ي‬ ‫الهائل‪ .‬هذا بحد ذاته ي‬ ‫تغ� ي‬ ‫هذا الفيض من التكنولوجيا الحديثة أصبح يحكم‬ ‫حياتنا العرصية بكل أبعادها‪ .‬فهي ض‬ ‫حا�ة ف ي�‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫نز‬ ‫و� العمل‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫و� الطريق إىل العمل ي‬ ‫الم�ل‪ ،‬ي‬ ‫إزاء ذلك‪ ،‬طُرحت أسئلة مقلقة حول ما إذا كانت‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تنقلنا إليها‪ ،‬تعمل‬ ‫هذه العوالم االف�اضية ي‬

‫ت‬ ‫ال� رافقتنا كل العصور إىل‬ ‫ضد الثقافة القديمة ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫الما�‪.‬‬ ‫اليوم دون أن تكملها كما كان يحدث ي�‬ ‫ي‬ ‫إنها تضع حاجزاً بيننا ي ن‬ ‫وب� حركة الحياة اليومية‬ ‫وغناها وتنوعها‪.‬‬ ‫فيما م�ض ‪ ،‬كنا نقرأ الكتب‪ .‬كان النص مفتوحاً عىل‬ ‫ن‬ ‫غ�‬ ‫خيالنا الخاص وتجربتنا الفريدة‪ .‬كان الكتاب يُ ي‬ ‫خيالنا وتجاربنا‪ .‬وكنا نُغنيه بنبض حياتنا الحارة‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ب� الكتاب وبيننا كانت عالقات حب وتفاعل شفَّافة‬ ‫صافية‪ ،‬ال يشوبها أي زيف أو غرض‪ .‬كنا نقرأ‬ ‫سقط أحداثها‬ ‫الرواية ونتماهى مع أبطالها‪ .‬كنا نُ ِ‬ ‫عىل أنفسنا‪ ،‬ونسقط مشاعرنا وآمالنا عىل صفحاتها‪.‬‬ ‫كان كل قارئ «جان فالجان» خاص به عند قراءته‬ ‫«البؤساء» لفيكتور هوغو‪ .‬واليوم‪ ،‬ف ي� عرص الصورة‬ ‫ت‬ ‫المح�ف‪،‬‬ ‫والكام�ا والكمبيوتر اللوحي والتمثيل‬ ‫ي‬ ‫وسهولة الحصول عىل كل ذلك‪ ،‬يصلنا النص نفسه‬ ‫ت‬ ‫وتأ� االنفعاالت نفسها‬ ‫واالنطباع مع الصورة نفسها‪ .‬ي‬ ‫جاهزة لكل فرد‪ .‬فهل التكنولوجيا تق�ض ي عىل التنوع‬ ‫والتعدد؟‬

‫عالقة تكافلية‬

‫‪shutterstock / Jakub Krechowicz‬‬

‫ليوناردو دافنشي‬

‫ب� الثقافة‪ ،‬بما ت ز‬ ‫عىل الرغم من ذلك‪ ،‬فإن ما ي ن‬ ‫تخ�نه‬ ‫من فنون وآداب ومعتقدات وتقاليد ي ن‬ ‫وب� التكنولوجيا‬ ‫النسانية‪.‬‬ ‫والعلم ترابط يعود إىل فجر الحضارة إ‬ ‫واالنقطاع الذي نالحظه بينهما لم يحصل إال �ف‬ ‫ي‬ ‫بداية القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪ .‬وسببه هو المبالغة ف ي�‬ ‫آ‬ ‫الفصل ي ن‬ ‫ب� العمل عىل اللة‪ ،‬الذي كان قد بدأ ينظر‬ ‫إليه ف ي� ذلك الوقت بتفوق وإعجاب (كما ننظر اليوم‬ ‫رواد الفضاء)‪ ،‬ي ن‬ ‫وب� العمل اليدوي‪ .‬أخذ‬ ‫مثال ً إىل َّ‬ ‫العمل اليدوي ينحرص ف ي� الزراعة‪ ،‬وأصبح ينظر إليه‬ ‫بدونية‪ .‬وامتد ذلك إىل الفصل ي ن‬ ‫النتاج الصناعي‬ ‫ب� إ‬ ‫المنظم ن‬ ‫والغ�‪ ،‬ي ن‬ ‫النتاج الزراعي الفوضوي‬ ‫وب� إ‬ ‫ي‬ ‫والضعيف‪ .‬وينتج ذلك دوال ً منظمة وقوية اقتصادياً‬ ‫وعسكرياً آ‬ ‫والخر دوال ً ضعيفة وممزقة‪ .‬أخذ هذا‬ ‫التمايز يرتبط بشكل تعسفي بالتمايز القديم ي ن‬ ‫ب�‬ ‫المادة والروح‪ .‬وانتقلت هذه الثنائية إىل الفصل يب�ن‬

‫التكنولوجيا والعلم من جهة ي ن‬ ‫وب� الثقافة من الجهة‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ .‬وساد االعتقاد بالنظرة المادية المتفوقة من‬ ‫أ‬ ‫جهة‪ ،‬والروحية المتخلفة عنها من الجهة الخرى‪.‬‬ ‫التقدم التكنولوجي نفسه خاصة ف ي�‬ ‫لكن مع ُّ‬ ‫خيال‬ ‫تقدم‬ ‫من‬ ‫عنها‬ ‫نشأ‬ ‫وما‬ ‫مجيات‪،‬‬ ‫وال�‬ ‫الكمبيوتر‬ ‫ب‬ ‫أ ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫كث� من الفنون‪ ،‬وكذلك ي� علم الدماغ والعصاب‬ ‫ي� ي‬ ‫النفس‪-‬الجسدي‪ ،‬أو ف ي� المجال الموسيقي‬ ‫والتحليل‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫الف�ياء والرياضيات‬ ‫حيث يتداخل الكمبيوتر مع ي‬ ‫كث� من‬ ‫والتأليف إ‬ ‫وغ�ها ي‬ ‫والنتاج ونظريات الصوت‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫المجاالت المش�كة‪ ،‬بدأت هذه الحدود يب� الثقافة‬ ‫والتكنولوجيا تتهافت وتتآكل‪.‬‬ ‫ف ي� كتابه «انطالق الطبقة المبدعة» الصادر سنة‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬وهو دراسة أ‬ ‫للماكن المزدهرة ف ي� العالم‪،‬‬ ‫يش� ريتشارد فلوريدا إىل أن إالبداع العلمي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫والثقا� م�ابط إىل‬ ‫والف� واالقتصادي‬ ‫والتكنولوجي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أبعد الحدود‪ .‬ت‬ ‫ح� أن أماكن مشهورة جداً بتقدمها‬ ‫التكنولوجي مثل بنغالور ف ي� الهند أو شانغهاي ف ي�‬ ‫ين‬ ‫الص� ال تزال متخلفة جداً بالنسبة إىل مدن أخرى مثل‬ ‫وغ�ها‪..‬‬ ‫لندن‪ ،‬وباريس‪ ،‬وسان فرانسيسكو‪ ،‬ونيويورك ي‬ ‫بسبب تخلفها ف‬ ‫الثقا� ن‬ ‫والف�‪ .‬فجامعة كاليفورنيا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫اخ�اع ث‬ ‫وحدها سجلت براءات ت‬ ‫أك� من ي ن‬ ‫الص� والهند‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫بالضافة‬ ‫مجتمعت�‪ .‬إن أهم العوامل ي� هذه المراكز‪ ،‬إ‬ ‫أ‬ ‫إىل جامعات من الصف الول‪ ،‬كما يضيف فلوريدا‪ ،‬هو‬ ‫الجمال القوي‪.‬‬ ‫حماسة للفن ف ي� كل المجاالت وللحس‬ ‫ي‬ ‫تأكيداً عىل ذلك‪ ،‬يتخيل ي ن‬ ‫روب� شاندلر ف ي� كتابه‬ ‫البداعية المتوازية»‪ ،‬أن معلِّم المستقبل‬ ‫«المناطق إ‬ ‫اف� ض‬ ‫دافن�‪ ،‬ت‬ ‫ش‬ ‫ا� يعطي دروساً ف ي�‬ ‫ليوناردو‬ ‫وهو‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫صف سنة ‪2099‬م‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪55 | 54‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫تخصص جديد‬

‫علم الحبوب‬ ‫وصناعتها‬

‫‪shutterstock / Jenn Huls‬‬

‫كما هو معظم العلوم آ‬ ‫الخذة في‬ ‫التشعب إلى اختصاصات عديدة بفعل‬ ‫ُّ‬ ‫ما يطرأ عليها من تطور‪ ،‬سبق للهندسة‬ ‫توزعت على اختصاصات‬ ‫الزراعية أن َّ‬ ‫عديدة‪ ،‬وأحدثها تخصص جديد على‬ ‫تماس مع الزراعة والتغذية في ٍآن واحد‪« :‬علم الحبوب‬ ‫وصناعتها»‪.‬‬ ‫ظهر هذا التخصص الجديد مؤخراً في «جامعة والية‬ ‫كنساس» أ‬ ‫المريكية‪ ،‬ويهدف إلى تطوير القدرات على‬ ‫التعامل مع محاصيل الحبوب على مستويات الحصاد‬ ‫والحفاظ على المحاصيل‪ ،‬ومعالجة الحبوب لتحويلها إلى‬ ‫منتجات‪.‬‬ ‫يتألف برنامج هذا التخصص الجديد من مرحلتين أكاديميتين‪:‬‬ ‫أ‬ ‫الولى هي‪ :‬دراسة إدارة التغذية وعلومها وتقنيات الطحن‬ ‫وصناعة المخبوزات‪ ،‬والثانية هي‪ :‬مرحلة الدراسات العليا‬

‫المتخصصة في الحبوب‪ ،‬والتي تتوج بشهادة الماجستير‪،‬‬ ‫ومن بعدها الدكتوراة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من حداثة عهد هذا التخصص الجديد‪ ،‬يبدو‬ ‫أنه يلقى اهتماماً كبيراً من الشركات الزراعية والصناعات‬ ‫الغذائية التي بدأت بتمويله بسخاء ملحوظ‪ ،‬نظراً للدور الذي‬ ‫صار يلعبه التخصص في هذا المجال‪ ،‬على مستوى جودة‬ ‫المنتجات في أسواق تزداد تطلباً‪ ،‬وتكبر الئحة المواصفات‬ ‫المطلوبة فيها يوماً بعد يوم‪ ،‬عدا ما يمكن أن يعنيه تحسين‬ ‫ظروف صناعة الحبوب على صعيد التغذية في العالم بأسره‪.‬‬ ‫أما فرص العمل التي يوفرها هذا التخصص فتشمل‪ :‬صناعة‬ ‫المأكوالت والمخبوزات على اختالف أنواعها‪ ،‬الشركات‬ ‫الزراعية‪ ،‬مراكز أ‬ ‫البحاث والدراسات‪ ،‬الهيئات الدولية المعنية‬ ‫أ‬ ‫بالزراعة والتغذية والمن الغذائي‪.‬‬ ‫لمزيد من المعلومات‪grains@ksu.edu :‬‬


‫حيث احتضنت‬ ‫الصحراء نقيضها‬

‫فأحدث ما فيه كان يعود إلى بضعة آالف‬ ‫من السنين‪..‬‬

‫استطالع وتصوير‪:‬‬ ‫فريق الرحالت العربية‬

‫عين وعدسة‬

‫كهف أم‬ ‫جرسان‪..‬‬

‫ما بين كهف أم جرسان ومحيطه من‬ ‫التناقضات ما يستحيل تعداده‪ ،‬حتى‬ ‫ليشعر زائره أنه انتقل من كوكب إلى آخر‪.‬‬ ‫في الخارج‪ ،‬سهل صحراوي وفضاء ال يرتفع‬ ‫فيه شيء‪ ،‬ويمتد إلى ما بعد خطوط األفق‬ ‫التي تراها العين‪ .‬وفي الداخل‪ ،‬جدران‬ ‫وسقف صخري ثقيل ِّ‬ ‫يهددك باإلطباق‬ ‫عليك كلما توغلت داخل الكهف‪ .‬في‬ ‫الخارج‪ ،‬ضوء باهر تحتاج معه إلى نظارات‬ ‫شمسية‪ ،‬وفي الداخل ظالم تحتاج معه‬ ‫إلى المصباح الكهربائي‪ .‬وفي الخارج حرٌ‬ ‫شديد‪ ،‬وفي الداخل برودة منعشة‪ .‬وأكثر‬ ‫من ذلك‪ ،‬في الخارج كانت هناك الخيام‬ ‫َّ‬ ‫الملونة والسيارات الحديثة‪ ،‬أما في الداخل‬


‫‪57 | 56‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫الكهف القديم‬ ‫المكتشف حديثاً‬ ‫أ‬

‫مع بداية اللفية الجديدة‪ ،‬بدأت‬ ‫هيئة المساحة الجيولوجية ف ي�‬ ‫المملكة بتنفيذ برنامج علمي‬ ‫للكشف عن الكهوف ف ي� المملكة‪ ،‬وما تحتويه هذه‬ ‫الكهوف من كنوز أثرية وبقايا‪ ،‬تُسهم ف ي� إلقاء الضوء‬ ‫عىل ما استغلق عىل علماء آ‬ ‫الثار ث‬ ‫واالن�وبولوجيا من‬ ‫النسان والحضارة‪ ،‬إضافة إىل إبراز ما تتمتع‬ ‫قصة إ‬ ‫به هذه الكهوف عىل اختالف أشكالها وتكويناتها‬ ‫مقومات يمكن استغاللها كمناطق‬ ‫الجمالية من ِّ‬ ‫سياحية‪.‬‬ ‫ومن ي ن‬ ‫ب� نتائج ذلك ش‬ ‫الم�وع كان الكشف عن‬ ‫ف‬ ‫موجودات أثرية عالية القيمة ي� أحد هذه الكهوف‪،‬‬ ‫ف‬ ‫شمال‬ ‫حرة ب‬ ‫وهو كهف أم جرسان الذي يقع ي� َّ‬ ‫خي� ي‬ ‫ف‬ ‫أك� الكهوف ي� الوطن‬ ‫المدينة المنورة‪ ،‬ويُعد من ب‬ ‫العر�‪.‬‬ ‫بي‬ ‫يبلغ طول هذا الكهف ‪ 1500‬تم�‪ ،‬ويبلغ أقىص ارتفاع‬ ‫فيه ‪ 12‬تم�اً‪ ،‬وعرضه ‪ 45‬تم�اً‪ .‬وعىل امتداد مساحته‬ ‫الكب�ة‪ ،‬يوجد عدد من الفتحات‪ ،‬بعضها نافذ ت‬ ‫ح�‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫عمق يصل إىل ‪ 25‬م�ا تقريباً‪ .‬وكشفت التقارير‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ال� ثع� عليها‬ ‫الولية حينذاك أن من يب� الموجودات ي‬ ‫داخله جماجم شب�ية وعظام لحيوانات ت‬ ‫مف�سة‬ ‫وكتابات يعود تاريخها آلالف ي ن‬ ‫السن�‪.‬‬ ‫و� عام ‪2008‬م‪ ،‬قامت الهيئة بجمع هذه آ‬ ‫ف‬ ‫الثار‬ ‫ي‬ ‫وإرسالها إىل جامعة «سيليسان» للعلوم والتقنية‬ ‫ف ي� بولندا لتحليلها وتحديد أعمارها ونوعها‪ .‬وأكدت‬ ‫نتائج تحليل المواد المكتشفة هناك أن أعمار بعض‬ ‫هذه الموجودات تصل إىل ‪ 2300‬سنة‪ ،‬وذلك استناداً‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� كان يستخدمها ش‬ ‫الب� آنذاك‬ ‫لبعض الدوات ي‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تستخدم كأقواس‪،‬‬ ‫مثل العصا الخشبية ي‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تُستخدم للرسم والكتابة‬ ‫وبعض المواد ي‬ ‫عىل الجدران‪ .‬أما الجماجم المكتشفة داخل هذا‬ ‫الكهف‪ ،‬فقد اختلفت أعمارها من جمجمة إىل أخرى‪.‬‬ ‫إذ أظهرت نتائج الدراسة أن أعمار بعضها تصل إىل‬ ‫‪ 2150‬سنة‪ ،‬ف� ي ن‬ ‫ح� أن أعمار جماجم أخرى تتجاوز‬ ‫ي‬ ‫‪ 5400‬سنة‪ .‬ووصل عمر أقدم جمجمة مكتشفة‬ ‫بالضافة إىل‬ ‫داخل هذا الكهف إىل ‪ 6440‬سنة‪ .‬إ‬ ‫ت‬ ‫ال�جيح بأن أعمار بقايا العظام لحيوان الوحش‬ ‫أ‬ ‫البقري الذي كان ي ن‬ ‫ب� الموجودات الثرية تعود إىل‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫يع� أن هذا الكهف كان‬ ‫‪ 4285‬سنة‪ .‬ال أمر الذي ي‬ ‫ولك يكون‬ ‫مسكوناً منذ اللف السابع قبل الميالد‪ .‬ي‬ ‫المرجح أن محيطه كان مختلفاً عىل‬ ‫كذلك‪ ،‬فمن َّ‬ ‫ئ‬ ‫البي�‪.‬‬ ‫الصعيد ي‬ ‫االستكشاف العلمي الذي قادته هيئة المساحة‬ ‫الجيولوجية كان المقدمة لحر ٍاك سياحي نشط‪،‬‬

‫الشجرة الوحيدة ف ي� الطريق‬

‫ث‬ ‫تبدد وحشة المكان‬ ‫الك�ة ِّ‬

‫شهده الكهف المذكور‪ ،‬وعامال ً مهماً ف ي� صنع نجوميته‬ ‫ن‬ ‫مح� االستكشاف‪،‬‬ ‫وجاذبيته‪ ،‬وإذاعة صيته يب� ف ب ي‬ ‫وسياح الصحراء ي� المملكة‪ ،‬الذين بدأوا‬ ‫والمغامرين‪ّ ،‬‬ ‫يتوافدون عىل الكهف منذ العام ‪2010‬م بعيد انتهاء‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� قامت‬ ‫الدراسات الجيولوجية‪ ،‬والبحاث الثرية ي‬ ‫بها الجهات المختصة مثل الهيئة العامة للسياحة‬ ‫آ‬ ‫والثار ف ي� المملكة‪ ،‬فكان ال بد لنا من زيارته‪.‬‬

‫عملنا مع «فريق الرحالت العربية» عىل تنظيم رحلة‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫متعطش�‬ ‫سعودي�‬ ‫كب�اً من شبان‬ ‫شهدت إقباال ً ي‬ ‫بالتجه�ز‬ ‫للمغامرة واالستكشاف‪ .‬وبدأت الرحلة‬ ‫ي‬ ‫والتحض� لزيارة منطقة وعرة ف ي� عرض الصحراء‪،‬‬ ‫ي‬ ‫مجهزة ومدججة‬ ‫وانطلقت قافلة المغامرين‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تعينها عىل الوصول إىل‬ ‫بالتقنيات الحديثة ي‬ ‫الموقع‪ ،‬وبمعدات التسلق واالستكشاف‪.‬‬


‫تكون كهف‬ ‫يعتقد العلماء بأن ُّ‬ ‫أم جرسان كان نتيجة انفجار‬ ‫بركاني وسيالن الحمم البركانية‬ ‫المنصهرة‬

‫إحدى الفتحات ف ي� سقف الكهف‬

‫قراءة لتكوين الكهف ف ي� الظالم‬

‫تكوينات رسوبية بفعل مياه أ‬ ‫المطار‬


‫‪59 | 58‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫انطلقت قافلة المغامرين‬ ‫َّ‬ ‫مجهزة ومدججة بالتقنيات‬ ‫الحديثة التي تعينها على‬ ‫الوصول إلى الموقع‪ ،‬وبمعدات‬ ‫التسلق واالستكشاف‬

‫الطريق يصوغ المزاج أوال ً‬

‫للوصول إىل كهف أم جرسان‪ ،‬كان علينا أن‬ ‫المعبدة من المدينة المنورة‬ ‫نسلك الطريق‬ ‫َّ‬ ‫ش‬ ‫خي� ف ي� �قها‪ ،‬ثم أن نقطع الطريق‬ ‫إىل حرة ب‬ ‫المعبدة بأكملها‪ ،‬ونتوغل ش�قاً‪ ،‬حيث وصلنا إىل‬ ‫َّ‬ ‫«السفلت»‪ ،‬ليبدأ حوار عجالت‬ ‫نقطة فر ٍاق مع إ‬ ‫السيارات ذات الدفع الرباعي مع الصخور‬ ‫لمدة ال‬ ‫ال�كانية‪ ،‬والحجارة‪ ،‬عىل‬ ‫ب‬ ‫طريق وعرة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫تقل عن ثالثة أرباع الساعة‪ .‬كان علينا أن نحرص‬ ‫الحداثيات الدقيقة للموقع ونعتمد عليها‪،‬‬ ‫عىل إ‬ ‫ألننا إن لم نفعل‪ ،‬فقد نتجاوزه بسهولة لنتيه‬ ‫ف‬ ‫وأرض فضاء تتسع وتتسع‪ ،‬لكنها ال‬ ‫ي� صحراء ٍ‬ ‫تتغ� ف ي� معالمها الصخرية وال الرملية‪ ،‬وال تتباين‬ ‫ي‬

‫فيها مناظر االتجاهات عىل اختالفها‪ .‬فللكهف‬ ‫ثالث فتحات فقط تؤدي إليه‪ ،‬وجميعها تقع‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫أر� ال يمكن رؤيتها سوى عند‬ ‫ي� منخفض ي‬ ‫ت‬ ‫االق�اب منها‪.‬‬ ‫ف ي� البدء‪ ،‬لم تكن الطريق سيئة وال جيدة جداً‪ .‬شقتها‬ ‫مئات وربما آالف سيارات ش‬ ‫ال�كة المنفِّذة للخط‬ ‫الرابط ي ن‬ ‫خي� وصوال ً إىل‬ ‫ب� قرية الثمد عىل طريق ب‬ ‫قرية الحايط‪ .‬ولكن تدريجاً‪ ،‬راح حال الطريق يسوء‬ ‫شيئاً فشيئاً عندما وجدنا أنفسنا بمحاذاة طبقات‬ ‫ت‬ ‫ال� سالت من بركان جبل القدر‬ ‫الصهارة ب‬ ‫ال�كانية ي‬ ‫وتصخرت‪ ،‬ومن ثم فوق الحطام الحجرية المتناثرة‬ ‫َّ‬ ‫من هذه الصهارة‪.‬‬

‫لم يقطع الطريق الوعرة أي منظر سوى شجرة طلح‬ ‫واحدة‪ ،‬وبضع أشجار حمضية يابسة‪ ،‬والقليل جداً‬ ‫من أ‬ ‫الصغ�ة المتفرقة‪ .‬أما الحضور الطاغي‬ ‫العشاب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫فكان للفضاء الشاسع ولزرقة السماء‪ ،‬والفق الذي‬ ‫يتحدى البرص ف ي� الوصول إليه‪ .‬ولربما كان ف ي� ذلك ما‬ ‫َّ‬ ‫ع َّزز قوة وقع الكهف وما فيه عند وصولنا إليه‪.‬‬

‫أمام الكهف‬

‫يتكون كهف أم جرسان من ثالثة أنفاق طولية‪ ،‬يفصل‬ ‫تكونه كان‬ ‫بينها انكساران صخريان‪ .‬ويعتقد العلماء أن ّ‬ ‫ن‬ ‫كا�‪ .‬فسيالن الحمم المنصهرة يتم‬ ‫نتيجة انفجار ب أر ي‬ ‫ت‬ ‫بال ي ز‬ ‫نجل�ية باسم‬ ‫ال� تُعرف إ‬ ‫بع� ما يشبه السطوانات ي‬ ‫(‪ .)Lava Tube System‬وعندما وقفنا أمام فتحة‬


‫ين‬ ‫ب� رحب الصحراء والفضاء‪..‬‬

‫‪ ..‬وجدران تكاد تطبق عليك‬

‫الك�ى‪ ،‬كانت درجة الحرارة عالية والشمس‬ ‫الكهف ب‬ ‫صدق‪ .‬وكأن هذا الفضاء الرحب‬ ‫ساطعة بشكل ال يُ َّ‬ ‫والضوء الباهر‪ُ ،‬ض ٌد يح�ض نا للتعرف إىل ضده‪.‬‬

‫ف‬ ‫و� داخله‬ ‫ي‬

‫أ‬ ‫الك�ى‬ ‫بمجرد أن خطونا الخطوات الوىل إىل الفتحة ب‬ ‫ت‬ ‫حوال ‪ 45‬تم�اً ويقارب‬ ‫وال� يبلغ عرضها ي‬ ‫للكهف‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫ارتفاعها ‪ 20‬تم�اً‪ ،‬ت‬ ‫ح� الحظنا أن الجواء والمعطيات‬ ‫تتغ� بطريقة دراماتيكية‪.‬‬ ‫بدأت ي‬ ‫ت‬ ‫ال� نمت ي ن‬ ‫ب�‬ ‫انحرس الجفاف المحيط بالبوابة ي‬ ‫شج�ات خ�ض اء‪ .‬وانخفضت درجة‬ ‫صخورها ي‬ ‫الحرارة بشكل ملحوظ ومنعش‪ .‬أما الضوء الذي‬

‫يبدأ بالخفوت شيئاً فشيئاً عند المدخل‪ ،‬فإنه يصل‬ ‫العتام شبه الكامل عىل بُعد أمتار معدودة‪،‬‬ ‫إىل إ‬ ‫والعتام الكامل بعد ذلك بخطوات‪ .‬ولعل ما زاد‬ ‫إ‬ ‫هذا االنطباع حدة‪ ،‬هو اعتياد برصنا لساعات قبل‬ ‫ذلك عىل ضوء الشمس الباهر‪.‬‬

‫صارت صلبة‪ .‬وكذلك أصبح الظالم دامساً‪ ،‬مما‬ ‫ت‬ ‫ال� ك َّنا‬ ‫اضطرنا إىل استخدام َّ‬ ‫الكشافات الضوئية ي‬ ‫قد تسلَّحنا بها‪ .‬خاصة وأن الكهف الذي بدا شاسعاً‬ ‫أك� ث‬ ‫عند المدخل‪ ،‬راح يضيق ث‬ ‫فأك�‪ ،‬ومساره أصبح‬ ‫متعرجاً‪.‬‬

‫قيل لنا سابقاً إن درجة الحرارة داخل الكهف ثابتة‬ ‫صيفاً وشتا ًء‪ .‬وهي دائماً ف ي� حدود ‪ 24‬درجة مئوية‪.‬‬ ‫وهناك لمسنا صحة ذلك‪ .‬ولكن كان ف ي� الكهف ما‬ ‫ألهانا عن التفرغ لالستمتاع بهذا الجو المنعش‪.‬‬

‫كانت المصابيح ترسم دوائر من الضوء عىل‬ ‫الجدران الصخرية العالية حيناً‪ ،‬والمنخفضة‬ ‫أحياناً‪ .‬وعىل أ‬ ‫الرض‪ ،‬بدت تكوينات رسوبية‬ ‫الخ�اء إنها ناتجة‬ ‫عنقودية الشكل‪ ،‬قال لنا أحد ب‬ ‫ال� تحملها مياه أ‬ ‫ت‬ ‫المطار عندما‬ ‫عن تبلور المعادن ي‬ ‫ع� طبقات سقف الكهف‪ ،‬وتسقط عىل أرضه‪.‬‬ ‫تمر ب‬ ‫حيث تجف الحقاً تاركة هذه المعادن لتتشكَّل‪،‬‬

‫كانت أرض الكهف قرب المدخل مغطاة بالحجارة‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� حملتها الرياح‪ .‬ولكنها تدريجاً‬ ‫ي‬ ‫الصغ�ة والتربة ي‬


‫‪61 | 60‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ألن المجموعة كانت كبيرة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫متنوعة‪.‬‬ ‫كانت هناك اهتمامات‬ ‫ففيما كان كثيرون يلتقطون‬ ‫مئات الصور الفوتوغرافية‪ ،‬راح‬ ‫ّ‬ ‫التسلق ينثرون حبالهم‬ ‫هواة‬ ‫ّ‬ ‫وأدواتهم لتسلق جدرانه‬ ‫وفتحاته الكبيرة حتى هبوط‬ ‫الليل‪..‬‬ ‫ع� آالف وربما‬ ‫وتشكِّل هذه التكوينات الجميلة ب‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫السن�‪.‬‬ ‫مالي�‬ ‫حول نار المخ َّيم‬

‫وعىل جنبات الكهف‪ ،‬وإضافة إىل التشكيالت‬ ‫الصخرية المختلفة‪ ،‬الخشنة‪ ،‬والثقيلة‪ ،‬كانت‬ ‫أضواء المصابيح تكشف عن جحور للحيوانات‪،‬‬ ‫وبعض العظام الباقية مما نفق منها (حديثة‬ ‫بالطبع)‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� ذلك العالم المظلم والبارد‪ ،‬ال يكتفي الذهن بما‬ ‫ي‬ ‫تراه ي ن‬ ‫الع�‪ .‬فقد عاد إليه ما سبق أن سمعناه حول‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال� خرج بها علماء الثار من هنا‪ ،‬وتؤكد أن‬ ‫اللُّقى ي‬ ‫هذا الكهف كان مسكوناً منذ ث‬ ‫أك� من ستة آالف سنة‪..‬‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫فراح خيالنا يتأرجح ي ن‬ ‫تصور‬ ‫الع�‪ ،‬ي‬ ‫ب� ما تراه ي‬ ‫وب� ّ‬ ‫ف‬ ‫حياة أولئك الذين عاشوا هنا ي� ذلك الزمن الغابر‪.‬‬ ‫ش‬ ‫ب�ء من الوحشة‪ ،‬وحشة‬ ‫وقادنا ذلك إىل إ‬ ‫الحساس ي‬ ‫كب�اً‪ ،‬إذ تألَّف آنذاك من‬ ‫َّبددها جزئياً كون فريقنا ي‬ ‫ين‬ ‫أربعة‬ ‫مح� الرحالت والعلوم‬ ‫وخمس� شخصاً من ب ي‬ ‫والتخييم‪ ،‬ومن مختلف الجنسيات‪.‬‬

‫مدخل الكهف‬

‫وبعض الضوء قريباً من مدخله‬

‫أ‬ ‫كب�ة‪ ،‬كانت هناك اهتمامات‬ ‫ولن المجموعة كانت ي‬ ‫كث�ون يلتقطون مئات الصور‬ ‫متنوعة‪ .‬ففيما كان ي‬ ‫الفوتوغرافية لجنبات الكهف‪ ،‬راح هواة التسلّق‬ ‫ث‬ ‫ين�ون حبالهم وأدواتهم لتسلّق جدرانه وفتحاته‬ ‫الكب�ة ت‬ ‫ح� هبوط الليل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف ي� ذلك المساء‪ ،‬نصب المشاركون خيامهم‬ ‫ف‬ ‫الك�ى‪.‬‬ ‫البالستيكية ي� السهل المنخفض أمام البوابة ب‬ ‫وحول نار المخيم أسبغت السكينة مع منظر ي ن‬ ‫مالي�‬ ‫النجوم ف� السماء جواً غمر ض‬ ‫الحا�ين بغموضه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫كانت لدى الجميع انطباعاتهم وأفكارهم الخاصة‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� اختلفت تبعاً الختالف شخصياتهم واتجاهاتهم‬ ‫ف ي‬ ‫ض‬ ‫� التأمل‪ .‬ولكن ما كان ت‬ ‫مش�كاً ي ن‬ ‫ب� غالبية الحا�ين‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫الحساس ش‬ ‫�ء‪ ..‬ازدواجية‬ ‫كل‬ ‫ازدواجية‬ ‫من‬ ‫ء‬ ‫ب�‬ ‫هو‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫وال�ودة‪ ،‬ض‬ ‫الما�‬ ‫والحا�‪،‬‬ ‫الضوء والظالم‪ ،‬الحر ب‬ ‫ي‬ ‫الضيق‪ ..‬ولربما أيضاً شيئاً‬ ‫الفضاء الشاسع والكهف ِّ‬ ‫من الوحشة ف ي� هذه البيئة يغ� المألوفة واالستئناس‬ ‫برفاق الرحلة‪.‬‬



‫‪63 | 62‬‬

‫فكرة‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫العود من أول ركزة‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫مثل من البادية العربية عن غرس وتد الخيمة‪.‬‬ ‫يثبت ال بد أن يُضرب في‬ ‫فوتد الخيمة كي َّ‬ ‫أ‬ ‫«ملونة»‬ ‫معينة‪ .‬وهذه الزاوية «معقّدة» أو ّ‬ ‫الرض بزاوية ّ‬ ‫بمعنى أنها تقوم على مجموع االتجاهات وليس‬ ‫فقط زاوية اتجاه واحد‪ .‬وبالطبع حيث ال أجهزة‬ ‫حداثيات‬ ‫يسمى إ‬ ‫تقيس وال جوجل ِّ‬ ‫يحدد‪ ،‬فما ّ‬ ‫بال ّ‬ ‫الواع في نفس‬ ‫ّ‬ ‫تتكون عناصره في الحقيقة بشكل ٍ‬ ‫النسان الممارس‪ ،‬وحين يلمس رأس الوتد سطح‬ ‫إ‬ ‫ويهمم هو بالمطرقة ليضرب ضربة كي‬ ‫التراب ّ‬ ‫أ‬ ‫يحدد الزاوية بالسليقة‪.‬‬ ‫يُغرس في الرض‪ ،‬فهو يكاد ِّ‬ ‫وحين تخيب الضربة أ‬ ‫الولى وتفشل‪ ،‬يصبح أمام‬ ‫حالة مختلفة تماماً‪ ،‬وتحتاج إلى بحث وتفكير وتجارب‪.‬‬ ‫ضربة الغرسة أ‬ ‫الولى تستجمع مخزوناً نفسياً‬ ‫وطاقة متراكمة‪ ،‬لذلك تأتي بما يصعب تكراره‬ ‫مباشرة في ضربات الحقة‪.‬‬

‫تخص اليد أكثر من غيرها‪،‬‬ ‫تصرف البشر حركة جسديّة ّ‬ ‫في ّ‬ ‫أ‬ ‫العفوية الولى‪.‬‬ ‫هي الحركة‬ ‫ّ‬ ‫الرسام وإلى مع ّلم البناء‪،‬‬ ‫من ّ‬ ‫السياف‪ ،‬إلى الخطاط‪ ،‬إلى ّ‬ ‫وربما تشمل رمية الكرة باليد أو بالطبع القدم‪ .‬تجتمع كل‬ ‫إمكانات النفس والجسد‪ ،‬كي تصيب وال تخيب‪.‬‬


‫أدب وفنون‬

‫بين األمس القريب واليوم‬

‫عندما قررنا أن يتضمن قسم أ‬ ‫الدب والفنون زاوية نستعيد فيها بعض‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ما يحفل به أرشيف القافلة‪ ،‬ك َّنا نعي أن علينا تجاوز تلك المواضيع‬ ‫ت‬ ‫ال� صار دورها يقترص عىل إثارة ي ن‬ ‫الحن� إىل العالم كما كان‪ ،‬لصالح‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� ال تزال تحمل دالالت ذات قيمة‪ ،‬أو ال تزال تحمل قيمة‬ ‫تلك ي‬ ‫استعمال (ولو جزئياً) ت‬ ‫ح� اليوم‪ .‬وخالل بحثنا عن المادة الالزمة لهذا‬ ‫أ‬ ‫عباس محمود العقاد قبل‬ ‫العدد وقعنا عىل مقالة كتبها الستاذ ي‬ ‫الكب� َّ‬ ‫أك� من نصف قرن حول ت‬ ‫ث‬ ‫ال�جمة والتعريب‪ ،‬ولكن فحواها ال يزال‬ ‫للجابة عن سؤال ال يزال مطروحاً‪ ،‬فقررنا‬ ‫ن�ض اً وكأنها كُتبت اليوم إ‬ ‫شن�ها كاملة‪.‬‬ ‫ق‬ ‫الطوير�‪ ،‬والرواية السعودية‬ ‫وبموازاة الشعر المعارص مع طالل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫«الرسام‬ ‫المجنو�‬ ‫عل‬ ‫لرواي� َّ‬ ‫ي‬ ‫الحديثة الموجهة إىل الصغار ي� قراءة ي‬ ‫ي‬ ‫شفيق» لطاهر أحمد و«رحلة ت‬ ‫الف� النجدي» ليوسف المحيميد‪ ،‬ثمة‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ف� كان‪ ،‬ولربما‬ ‫وقفة الفتة ي� باب «فرشاة وإزميل» أمام قمذهب ي‬ ‫با� محتويات «صندوق‬ ‫ال يزال‪ ،‬مهدداً باالندثار واالنضمام إىل ف ي‬ ‫ت‬ ‫عس�‪ ،‬وجهود الفنانة‬ ‫ال�اث»‪ ،‬أال وهو فن «القَط» (النقش) ي� ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫فاطمة اللمعي � إنقاذ هذا الفن ت‬ ‫وال�ويج له‪.‬‬ ‫ي‬ ‫علي المجنوني‬

‫‪64‬‬

‫قراءة في روايتي«رحلة الفتى‬ ‫َّ‬ ‫و«الرسام شفيق»‬ ‫النجدي»‬

‫‪70‬‬

‫إبراهيم الكوني والصحراء‬ ‫اإلفريقية الكبرى‬

‫‪75‬‬

‫فاطمة األلمعي متعهدة‬ ‫فن «القط» في عسير‬


‫‪65 | 64‬‬

‫أدب وفنون‬

‫تشهد المدونة السردية العربية‪،‬‬ ‫والمحلية على وجه الخصوص‪ ،‬عوزاً‬ ‫َّ‬ ‫الموجه‬ ‫بيّ ًنا في أدب الناشئة واألدب‬ ‫ً‬ ‫عموما‪ .‬وعلى هذا‬ ‫إلى الفئات العمرية‬ ‫األساس يمكن اعتبار عام ‪2013‬م عاماً‬ ‫ً‬ ‫محظوظا إذ ُنشرت خالله روايتان في‬ ‫َّ‬ ‫«الرسام‬ ‫هذا الجنس األدبي‪ ،‬وهما رواية‬ ‫شفيق» لطاهر الزهراني ورواية «رحلة‬ ‫الفتى النجدي» ليوسف المحيميد‪،‬‬ ‫أوالهما عن النشر المشترك بين نادي‬ ‫الباحة األدبي ومؤسسة االنتشار العربي‪،‬‬ ‫والثانية عن الدار العربية للعلوم‪ .‬ولهذا‬ ‫ً‬ ‫تحديدا ينحو هذا المقال منحى‬ ‫السبب‬ ‫ً‬ ‫احتفائيا وهو ِّ‬ ‫يقدم مراجعة للعملين‬ ‫آنفي الذكر‪ ،‬ويقرأهما على ضوء أعراف‬ ‫أدب الناشئة‪ ،‬المكتوب عن فئة عمرية‬ ‫ُت َّ‬ ‫حدد بما بين الثانية عشرة والثامنة‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫عشرة‪ ،‬ولها‪.‬‬

‫علي المجنوني‬

‫هذا واقعي وذاك حلمي‪:‬‬

‫قراءة في روايتي‬ ‫«رحلة الفتى‬ ‫النجدي» ليوسف‬ ‫المحيميد‬ ‫َّ‬ ‫و«الرسام شفيق»‬ ‫لطاهر أحمد‬

‫يختلف أدب الناشئة جوهرياً عن‬ ‫أ‬ ‫«الكالسيك»‪،‬‬ ‫د�‬ ‫َ‬ ‫المعتمد ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫وإن كنا ال نستطيع الحديث‬ ‫أد� ف ي� العالم‬ ‫بثقة عن َ‬ ‫معتمد ب ي‬ ‫العر�‪ ،‬الذي كُتب معظمه‪ ،‬إن لم‬ ‫بي‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫البالغ�‪ ،‬وبذا ال يفي‬ ‫المتعلم�‬ ‫يكن كله‪ ،‬لمجتمع‬ ‫باحتياجات المر ي ن‬ ‫يقدم إجابات لتساؤالتهم‬ ‫اهق� وال ِّ‬ ‫وال يخاطبها عىل أقل تقدير‪ .‬ولعل أهم ما‬ ‫ف‬ ‫ي ِّ ز‬ ‫الطار أنه يستجيب‬ ‫يم� أدب الناشئة ي� هذا إ‬ ‫لثالثة عوامل متعلقة بفئته المستهدفة‪ ،‬هي أوال ً‬ ‫وأخ�اً قدراتهم‪ .‬وهذا‬ ‫احتياجاتهم ثم اهتماماتهم ي‬ ‫اس‬ ‫ما يؤكد عىل مناسبة تقديمه إىل الصف الدر ي‬ ‫وإدراجه ضمن مناهج التعليم المتوسط والثانوي‪.‬‬ ‫هذا السبب يجعله أيضاً دائم الصلة بالمدرسة‪،‬‬ ‫ال�بويون ث‬ ‫وقد يتناوله ت‬ ‫أك� مما يتناوله النقاد‬ ‫أ‬ ‫الدبيون‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪Illustration: almohtaraf assaudi / Omer Subair‬‬

‫خصوصية أدب الناشئة‬

‫خ� ي ن‬ ‫مع�‬ ‫تعود أهمية أدب الناشئة إىل كونه ي‬ ‫للمر ي ن‬ ‫اهق� ف ي� تلك المرحلة الحرجة من حياتهم‬ ‫�ض‬ ‫ت‬ ‫ال� تفرض بال ورة عدداً من المشكالت‬ ‫ي‬ ‫الفسيولوجية والعقلية واالجتماعية والعاطفية‪.‬‬ ‫ولذلك تسعى الروايات‪ ،‬وهي ث‬ ‫أك� أجناس هذا‬

‫أ‬ ‫الدب شيوعاً‪ ،‬إىل تقديم أحداث وشخصيات‬ ‫ين‬ ‫اليافع� التماهي معها بسهولة‪ .‬إذ توظف‬ ‫بوسع‬ ‫منظوراً ينظر من خالله البطل المراهق إىل نفسه‬ ‫القرا َء عىل‬ ‫وإىل العالم‪ .‬يساعد هذا‬ ‫ُ‬ ‫المنظور َّ‬ ‫إقامة صالت مع أحداث الرواية وشخصياتها‬ ‫تمكّ نهم من استيعاب العالم استيعاباً أعمق‪.‬‬ ‫كما يضع أدب الناشئة رهانه ف ي� مخاطبة جملة‬ ‫من المفاهيم وثيقة الصلة بمرحلة المراهقة‬ ‫ت‬ ‫ال� يتعرض لها‪ ،‬ويتفاعل‬ ‫منشأها التجارب ي‬ ‫معها‪ ،‬المراهقون‪ .‬من تلك التجارب‪ ،‬عىل سبيل‬ ‫المثال ال الحرص‪ ،‬تجربة االنسحاب من حماية‬ ‫ين‬ ‫البالغ�‪ ،‬وتجربة نشوء وعي جديد بالتفاعل مع‬ ‫آ‬ ‫الخرين‪ ،‬وتجربة إعادة تقييم القيم والمبادئ‪،‬‬ ‫وتجربة حس المغامرة والتجريب‪ .‬تعرضت لهذه‬ ‫المفاهيم روايتا «الرسام شفيق» و«رحلة ت‬ ‫الف�‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫نا�يها عىل توضيح‬ ‫النجدي»‪ ،‬ولعل ي� حرص َ‬ ‫ين‬ ‫موجهت� إىل الناشئة‪ ،‬من خالل كتابة عبارة‬ ‫أنهما‬ ‫«رواية للفتيان عىل غالفيهما‪ ،‬عىل خالف ما جرت‬ ‫أ‬ ‫د�‪.‬‬ ‫عليه العادة‪ ،‬تأكيداً عىل حضور جنسهما ال ب ي‬ ‫أث� اهتماماً وأعلِّق‬ ‫وما أطمح إليه هنا هو أن ي‬ ‫عىل عاتق المؤسسات المعنية مسؤوليةَ االهتمام‬ ‫أ‬ ‫بالدب الموجه للفئات العمرية كأدب الطفل‬ ‫وأدب الناشئة‪.‬‬


‫يوسف المحيميد‬

‫طاهر أحمد‬

‫بيـن الروايتين‬

‫يتبيَّ ن لنا من خالل النظر إلى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مهما‬ ‫تمايزا‬ ‫حبكتي العملين‬ ‫في محفزات الحدث السردي‪،‬‬ ‫حيث تنسج الرواية األولى‬ ‫أحداثها حول مغامرة تستند‬ ‫ً‬ ‫كثيرا إلى الخيال والسحر‪ ،‬بينما‬ ‫ُ‬ ‫الثانية أطنابها إلى أرضية‬ ‫وثق‬ ‫ُت ِ‬ ‫صلدة ترتهن إلى الواقع المادي‬ ‫بكل تناقضاته وصعوباته‬

‫الف� النجدي»‪ ،‬كما ت‬ ‫تصور رواية «رحلة ت‬ ‫يق�ح‬ ‫ِّ‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫عنوانها‪ ،‬رحلة صالح الخراز ذي الخمسة ع� عاما من‬ ‫المنس»‪ ،‬قرية ف ي� قلب نجد‪ ،‬ال يعرفها الناس‬ ‫«خب‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫بأبعد من رطبها القليل ومائها العذب‪ ،‬إىل الهند ثم‬ ‫عودته إليها‪ .‬لم يكن دافعه ف ي� تلك الرحلة سوى رؤيا‬ ‫ف‬ ‫تفس�ها‪ ،‬مهما‬ ‫وأرص عىل أن يجد ي‬ ‫رآها ي� أ المنام‪َّ ،‬‬ ‫مكتوب‬ ‫كلف المر‪ .‬منذ البدء نعلم أننا أمام حكاية‬ ‫ٌ‬ ‫الزمنة أ‬ ‫لها التنقل ع� أ‬ ‫والمكنة‪ ،‬ترسد كيف ترك صالح‬ ‫ب‬ ‫العمل ف� دكان أبيه المشتغل ف� صناعة أ‬ ‫الحذية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وسافر إىل الهند ف ي� رحلة طويلة اكتسب خاللها قدراً‬ ‫أهله ألن يعود‬ ‫كب�اً من المعرفة والحكمة والتجربة ّ‬ ‫ي‬ ‫محمال ً بالمغنم‪ .‬أما رواية «الرسام شفيق»‬ ‫إىل قريته ّ‬ ‫س�ة ذاتية لشفيق الذي يتمتع بشخصية‬ ‫فتقدم ي‬ ‫وتتتبع‬ ‫تتسم عالقتها بمجتمعها بالتوتر والنفور‪ّ .‬‬ ‫ب� ي ز‬ ‫الرواية تنقالت شفيق المتعددة ي ن‬ ‫مال�يا‪ ،‬حيث‬ ‫عر�‪ ،‬والسعودية‪،‬‬ ‫تقيم عائلته المنحدرة من أصل ب ي‬ ‫حيث يقيم خاله فريد‪ ،‬وترسد التجارب ت‬ ‫ال� يمر بها‬ ‫ي‬ ‫ف� البيت والمدرسة والعمل‪ .‬ي َّ ن‬ ‫ويتب� لنا من خالل‬ ‫ي‬ ‫النظر إىل ت‬ ‫ين‬ ‫العمل� تمايزاً مهماً ف ي� محفزات‬ ‫حبك�‬ ‫ي‬ ‫الرسدي‪ ،‬حيث تنسج الرواية أ‬ ‫الوىل أحداثها‬ ‫الحدث‬ ‫كث�اً إىل الخيال والسحر‪ ،‬يحادث‬ ‫حول مغامرة تستند ي‬ ‫البطل المخلوقات كال�ابيع أ‬ ‫فيها ُ‬ ‫والسماك‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫ِ ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫الما� تقريباً‪،‬‬ ‫أيضاً وضع أحداثها ي� منتصف القرن‬ ‫ي‬ ‫بينما تُو ِثق الثانيةُ أطنابها إىل أرضية صلدة ترتهن إىل‬ ‫الواقع المادي بكل تناقضاته وصعوباته‪.‬‬

‫ضميـر المتكلم‬ ‫دور‬ ‫ف‬

‫ضم�‬ ‫ركن طاهر أحمد ي� «الرسام شفيق» إىل ي‬ ‫ت‬ ‫ال� وقعت‬ ‫المتكلم لرسد البطل‬ ‫َ‬ ‫أحداث الرواية ي‬ ‫ً‬ ‫ف ي� البيت والمدرسة ومقر العمل‪ .‬ودائما ما بي�هن‬ ‫ضم� المتكلم ف ي� روايات الناشئة عىل‬ ‫استخدام ي‬

‫فاعليته‪ ،‬ألنه يوفر شخصية يمكن التعرف إليها‬ ‫بسهولة‪ ،‬وبإمكان القارئ الشاب‪ ،‬الذي هو مشغول‬ ‫ف� أ‬ ‫الساس بالبحث عن صوته وهويته الخاصة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫التماهي معها‪ .‬زد عىل ذلك أن استخدام السارد‬ ‫المنظور‪ ،‬عىل‬ ‫وبالتال‬ ‫يقص اللغةَ ‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ضم� المتكلم ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫تعب� البطل الشاب‪ ،‬مما يحقق مقروئية تالئم‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫السواد العظم من الناشئة‪ .‬لكن هذا بالطبع ال‬ ‫ن‬ ‫يع� أفضلية دائمة الستخدام هذا التكنيك‪ ،‬إذ إن‬ ‫ي‬ ‫تعب� ي ز‬ ‫إل�ابيث‬ ‫له‬ ‫«مواطن ضعف طبيعية» بحسب ي‬ ‫َ‬ ‫شومان‪ ،‬ت‬ ‫ضم� المتكلم‬ ‫ال� تعتقد أن استخدام ي‬ ‫ي‬ ‫ف ي� رواية الناشئة يفرض عدداً من القيود عىل تجربة‬ ‫القارئ‪ .‬هذه القيود تتعلق إما ببناء الشخصيات‬ ‫أو باللغة أو بالحبكة ف ي� الرواية‪ .‬إنه‪ ،‬أي استخدام‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ضم� المتكلم‪ّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫يحد أحياناً من فبناء الشخصية ي‬ ‫تعجز‪ ،‬وعىل الرغم من نباهتها ي� المالحظة والرصد‬ ‫مقارنة بسنها وتجربتها‪ ،‬عن إدراك حقيقة ما يدور ف ي�‬ ‫خلد الشخصيات أ‬ ‫الخرى‪ .‬وهكذا‪ ،‬إضافة إىل حرمان‬ ‫ُ‬ ‫القراء من فرصة معرفة أ‬ ‫الفكار الذاتية والمواقف ت‬ ‫ال�‬ ‫ي‬ ‫ب ئ‬ ‫تن� عما تشعر به تلك الشخصيات حيال أنفسها‪،‬‬ ‫فإنهم يُحرمون من رؤية كيف تشعر به الشخصيات‬ ‫حيال بعضها البعض رؤية ش‬ ‫مبا�ة‪ .‬نلمس هذا‬ ‫ف‬ ‫«الرسام شفيق»‪ ،‬إذ تنكشف للقارئ شخصية‬ ‫ي� َّ‬ ‫ق‬ ‫با� الشخصيات‬ ‫البطل بوضوح‪ ،‬فيما ال نتعرف إىل ي‬ ‫إال َّ من خالل شفيق الذي تبدي شخصيته انحيازاً‬ ‫ف‬ ‫كث�ة من الرواية‪ .‬أدى هذا االنحياز‬ ‫لذاتها ي� مواطن ي‬ ‫تز ق‬ ‫منمطة‬ ‫با� الشخصيات إىل شخصيات َّ‬ ‫إىل اخ�ال ي‬ ‫ت‬ ‫شخصي� زوجة الخال القاسية ورب‬ ‫غالباً‪ ،‬مثل‬ ‫َي‬ ‫المستغل‪ .‬هكذا إذن يجد القارئ نفسه أمام‬ ‫العمل‬ ‫ِ‬ ‫شخصية واحدة تتفرد بالعمق بسبب قصورها عن‬ ‫استكناه أفكار آ‬ ‫الخرين‪ ،‬ناهيك عن التعاطي معها‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ضم� المتكلم ي� رواية الناشئة‬ ‫يفرض استخدام ي‬ ‫أيضاً بعض القيود عىل اللغة‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� يحرم القارئ من‬


‫‪67 | 66‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫السجل اللغوي لشخصيات ربما تتمتع بتجارب أثرى‬ ‫من شخصية البطل‪ .‬وتشكل هذه النقطة تحديداً‬ ‫مأزقاً يواجهه كتاب أدب الناشئة‪ ،‬يدفع بعضهم إىل‬ ‫ت‬ ‫«ريجس�» لغوي عال يتطلب نمواً مفاجئاً‬ ‫استخدام‬ ‫ً‬ ‫ف ي� أفكار الشخصية مما يؤثر سلبا عىل مصداقيتها‪.‬‬ ‫ال�ء نفسه عىل الحبكة أيضاً ألنها ن‬ ‫ش‬ ‫ستب�‬ ‫ينطبق ي‬ ‫تبعاً لتحركات شخصية واحدة تروي القصة‪ .‬وعىل‬ ‫الرغم من أن «رحلة ت‬ ‫الف� النجدي» لم تذهب‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� يتيحها‬ ‫بعيداً ي� االستفادة من الفرص إ‬ ‫الضافية ي‬ ‫استخدام الراوي العليم إلثراء العمل والتجربة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫اوية نظر‬ ‫الدبية‪ ،‬إال َّ أن المحيميد نجح ي� استثمار ز ِ‬ ‫ث‬ ‫أك� موضوعية ينظر من خاللها بطله إىل نفسه‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ال� فرضتها‬ ‫وإىل العالم‪.‬‬ ‫وجهات النظر المختلفة ي‬ ‫المواجهات مع آ‬ ‫الخرين جادت بمستويات لغوية‬ ‫تفك� غنية‪ .‬فوالد صالح‪ ،‬مثالً‪ ،‬يتوقع أن‬ ‫وأنماط ي‬ ‫الزواج ربما كان حال ً للوساوس ت‬ ‫ال� يظن أن ابنه غدا‬ ‫ي‬ ‫ضحية لها‪ .‬يقول أ‬ ‫الب‪« :‬هل ترغب أن تكمل نصف‬ ‫يمده‬ ‫دينك؟ نشوف لك بنت الحالل؟» (‪ .)31‬وكذلك ّ‬ ‫بالحكمة والفلسفة الشيخ أ‬ ‫الشيب الذي لقيه عىل‬ ‫ف‬ ‫تكف�اً‬ ‫ضفة نهر ي� الهند يرمي الطعام إىل السمك ي‬ ‫عن كونه صياداً سابقاً‪« .‬ستموت يوماً ما»‪ ،‬يقول‬ ‫الشيخ‪« ،‬وستضطر أن تستيقظ من الموت كل فجر‬ ‫مثل‪ ،‬يك تكفّر عن سوأتك» (‪ .)77‬هذه السعة ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫توف�ها تحرير الرواية من‬ ‫النطاق اللغوي ساعد ي� ي‬ ‫التعب�ية لدى المراهق‪.‬‬ ‫قيود تفرضها المفردات‬ ‫ي‬

‫بيـن نقد القيم االجتماعية‬ ‫فوالوثوق بها‬

‫«الرسام شفيق» يجد شفيق نفسه أمام معضلة‬ ‫ي� َّ‬ ‫حقيقية‪ ،‬هي غياب تقدير المجتمع‪ ،‬بل ازدراؤه‬ ‫واستغالله‪ ،‬للفن‪ .‬شكلت هذه المعضلة مأزقاً لبطل‬ ‫أ‬ ‫مص�ية بينه‬ ‫الرواية‪ ،‬لنها حرضت عىل مواجهات ي‬ ‫وب� ت‬ ‫ين‬ ‫ش� مؤسسات المجتمع اتخذت تمظهرات‬ ‫مختلفة‪ ،‬كان لكل منها دوافعها ودالالتها الخاصة‪.‬‬ ‫فمثال ً لم يكن والد شفيق التاجر يريد البنه أن‬ ‫أ‬ ‫خ� يحلم‪ ،‬بل كان‬ ‫يصبح فناناً تشكيلياً كما كان ال ي‬ ‫يريده أن يعمل معه ف� التجارة‪ .‬ال ينطلق أ‬ ‫الب �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫هذه الرؤية من منطلق تجاري فحسب‪ ،‬ولكن من‬ ‫منطلق جندري‪ ،‬حيث يصف ممارسة الفن بأنها‬ ‫«اهتمامات تافهة ال تليق بالرجال» (‪ .)13‬ثم يعاقب‬ ‫ابنه لممارسته الفن بإجباره عىل العمل ف ي� مصنع‬ ‫أ‬ ‫الخشاب الذي يمتلكه‪ ،‬وهناك تحدث كارثة ت‬ ‫اح�اق‬ ‫ت‬ ‫ال� يدخنها شفيق‬ ‫مستودع الخشب بسبب‬ ‫السجائر ي‬ ‫مع هادي‪ ،‬مما أثار حنق أ‬ ‫الب ودفعه إىل تحطيم‬ ‫لوحات ابنه‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي علق عليه شفيق قائال ً إن‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫لوحا�‬ ‫«اح�اق المصنع كله يهون أمام تحطيم‬ ‫ي‬ ‫ورسومي» (‪ .)17‬المدرسة أيضاً كان لها نصيبها‬ ‫ف ي� احتقار الفن واستغالل الفنان‪ ،‬ففي آخر سنته‬ ‫حارس المدرسة يرمي جميع‬ ‫الدراسية رأى شفيق َ‬ ‫اللوحات ف ي� صندوق النفايات وي�ض م النار فيها‪.‬‬ ‫يعلق شفيق عىل هذه الحادثة قائالً‪« :‬أُحرقت‬

‫لشفيق شخصية مشاكسة‬ ‫تمتح من الفن قدرتها على‬ ‫المواجهة والتأثير‪ ،‬على‬ ‫عكس ما نجده في شخصية‬ ‫صالح الخراز في «رحلة الفتى‬ ‫النجدي» التي تميل إلى الهدوء‬ ‫والوثوق إلى القيم المجتمعية‬ ‫متمثلة في رؤية األب والحكيم‬ ‫ً‬ ‫مثال‬ ‫الهندي‬


‫َّ‬ ‫«الرسام شفيق»‬ ‫عملت روايتا‬ ‫لطاهر أحمد و«رحلة الفتى‬ ‫النجدي» ليوسف المحيميد‬ ‫على التأسيس لممارسة أدبية‬ ‫مهمة نرجو َّ‬ ‫أال تتوقف عند‬ ‫هذا الحد‬

‫بعض أجز ئ يا� وأصبح رماداً داخل برميل النفايات»‬ ‫(‪ .)38‬أما ف ي� موضع آخر فيقول إن «هذا المجتمع ال‬ ‫ين‬ ‫الفنان�‪ ،‬ويُعد نتاجهم مجرد عبث‬ ‫يقدر الفن وال‬ ‫ِّ‬ ‫ال فائدة فيه» (‪ .)39‬وأخال أن هذا الجانب يمثل‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫أع� قدرة الكاتب عىل‬ ‫أك� جوانب الرواية نجاحاً‪ ،‬ي‬ ‫والبداعي لشخصية شفيق بنا ًء‬ ‫بناء الملمح الواعي إ‬ ‫منطقياً وحيوياً‪ .‬إذ أظهر شفيق بمرور الوقت وعياً‬ ‫كب�اً فيما يخص موهبته الفنية ورؤيته‪ .‬ي ن‬ ‫فح� يفرس‬ ‫ي‬ ‫مدير المدرسة‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬إقدام المدرسة‬ ‫عىل إتالف أ‬ ‫العمال الفنية برغبة المدرسة ف ي� منع‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫التكدس‪ ،‬ت‬ ‫تع�‬ ‫يق�ح شفيق‬ ‫«إرجاعها لصحابها فهي ي‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫الكث�» (‪ .)41‬ولن هذا الوعي لم يتوفر‬ ‫ال�ء ي‬ ‫لهم ي‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫ين‬ ‫المشارك� ي� مسابقات الرسم استمرت‬ ‫لبا� الطالب‬ ‫ي‬ ‫المدرسة ف ي� حرق لوحاتهم‪ ،‬أما شفيق فيتساءل‬ ‫بحرقة‪« :‬هل يستحق الفن كل هذه القسوة؟» (‪.)44‬‬ ‫لشفيق شخصية مشاكسة تمتح من الفن قدرتها عىل‬ ‫والتأث�‪ ،‬عىل عكس ما نجده ف ي� شخصية‬ ‫المواجهة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تميل‬ ‫صالح الخراز ي� «رحلة الف� النجدي» ي‬ ‫إىل الهدوء والوثوق إىل القيم المجتمعية متمثلة ف ي�‬ ‫رؤية أ‬ ‫الب والحكيم الهندي مثالً‪ .‬وهنا نجد أنفسنا‬ ‫ين‬ ‫أمام تمايز آخر ي ن‬ ‫الروايت�‪ ،‬حيث تقابل الشخصيةَ‬ ‫ب�‬ ‫ال� تعتمد ف� هويتها عىل تنافرها مع المجتمع �ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الخ�‬ ‫(الرسام شفيق) شخصيةٌ مطبوعة عىل حب ي‬ ‫َّ‬ ‫تحقق ذاتها من خالل انسجامها بمحيطها وفعل‬ ‫الخ�‪ ،‬كما تسخر التجربة الفردية لصالح المجتمع‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ولذلك فإن صالح الخراز‪ ،‬إضافة إىل مساعدته للفقراء‬ ‫ين‬ ‫والمحتاج�‪ ،‬يكشف منذ وقت مبكر ف ي� الرواية‬ ‫ت‬ ‫ال� ربما كانت أحالمه أيضا‪ ،‬ويعقدها‬ ‫عن نواياه ي‬ ‫ت‬ ‫تفس� رؤياه‪ .‬لقد‬ ‫ال� يعده بها ي ُ‬ ‫باحتمالية المنفعة ي‬ ‫كان يريد أن يجعل قريته «من أجمل قرى العالم‪،‬‬ ‫ن‬ ‫سأب� فيها مدرسة وجامعاً‬ ‫بل سأجعلها مدينة‪ ،‬ي‬ ‫خ�ية‬ ‫ومستشفى ومركز ش�طة» (‪ .)39‬تلك النيات ي‬ ‫المنس إىل‬ ‫خب‬ ‫بالكامل‪ ،‬الهدف منها تطوير قرية ّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تضمن لسكانها حياة‬ ‫مدينة تتمتع بكافة المزايا ي‬ ‫رغيدة‪ ،‬ولربما كانت الرياض اليوم نموذجاً للمدينة‬ ‫ت‬ ‫للتذك� بأن‬ ‫ال� كان صالح يحلم ببنائها‪ .‬وال داعي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫صالح عمل مع أهل قريته عىل تحقيق تلك الحالم‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ال� نالها بعد عودته من رحلته‬ ‫مستعينا بال�وة ي‬ ‫ف‬ ‫الشاقة‪ .‬وكما كانت قراءته رحلة ي� الكتب من مثل‬ ‫أ‬ ‫س�ين وألف ليلة وليلة ثم‬ ‫تفس� الحالم البن ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫السفار الممتلئة بعوالم السحر والدهشة كملحمة‬ ‫أمدته رحلته إىل الهند بالتجربة والحكمة‬ ‫المهابهارتا‪ّ ،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� كان مهرها المغامرة والكدح‪ ،‬إذ فقد خاللها ي ن‬ ‫اثن�‬ ‫ي‬ ‫من أصابع يرساه‪.‬‬

‫أمام النقاط المفصلية‬ ‫في الحياة‬ ‫أ‬

‫يشكل البحث عن الذات الدافع ال ثك� صداماً ف ي�‬ ‫المراهقة‪ ،‬حيث االنتقال المضطرب من الطفولة‬

‫اهق القيم‬ ‫إىل البلوغ‪ ،‬الذي يسائل أثناءه المر َ‬ ‫ويستجيب النسجامها مع شخصيته من عدمه‪ .‬ويسم‬ ‫التوتر هذه المرحلة ألنه ف ي� الوقت الذي تكون لدى‬ ‫المر ي ن‬ ‫اهق� حاجة ماسة ف ي� االنتماء فإن لديهم رغبة‬ ‫أ‬ ‫متأصلة ف ي� التمحور حول ذواتهم بأنانية لنهم يرون‬ ‫ف ي� أنفسهم تفرداً‪ .‬وهنا تنشأ أزمة هوية يطور فيها‬ ‫المراهق مفاهيمه ويبحث عن استقالله عن كل أطواق‬ ‫ت‬ ‫وتأ� الشخصيات ف ي� روايات الناشئة مستقلة‬ ‫االعتماد‪ .‬ي‬ ‫ش‬ ‫ال�ء يغ� واقعي بالنسبة للكبار‬ ‫تماماً‪ْ ،‬‬ ‫وإن بدا هذا ي‬ ‫فإنه بالنسبة للمر ي ن‬ ‫تكرر‬ ‫ذلك‬ ‫من‬ ‫ً‪.‬‬ ‫ا‬ ‫جد‬ ‫واقعي‬ ‫اهق�‬ ‫ُّ‬ ‫ثيمة العمل والوظيفة فيها‪ ،‬ألن الوظيفة جزء من‬ ‫التحض� االجتماعي النخراط المر ي ن‬ ‫اهق� ف ي� عالم‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫«الرسام شفيق» يعمل البطل ي� مصنع‬ ‫ي‬ ‫البالغ�‪ .‬ي� َّ‬ ‫أ‬ ‫الخشاب حسب رغبة أبيه‪ ،‬ثم بعد الحريق يعمل‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫نادال ً ي� مطعم ي� بانكوك‪ ،‬ثم يعمل سائقاً لدى‬ ‫يتعرض شفيق لعدد من المواقف‬ ‫خاله‪ .‬أثناء عمله َّ‬ ‫صفع صاحب المطعم إياه أمام‬ ‫السيئة‪ ،‬منها ُ‬ ‫الزبائن‪ ،‬الحادثة ت‬ ‫ال� اقتص بسببها من رب عمله‬ ‫ي‬ ‫الح�ات ئ‬ ‫بأن أطلق ش‬ ‫والف�ان عىل زبائن المطعم‪.‬‬ ‫تنبع استجابته لتلك المواقف بالطبع من ذلك التوتر‬ ‫ب� االعتماد واالستقاللية‪ .‬ف� «رحلة ت‬ ‫القائم ي ن‬ ‫الف�‬ ‫ي‬ ‫النجدي» أيضاً يواجه صالح مشكلة تتعلق بعمله‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� كان يكرهها‪ .‬لما‬ ‫خرازاً ي� دكان أبيه‪ ،‬المهنة ي‬ ‫كان أبوه يدربه عىل استخدام المخرز كان صالح‬ ‫ح� يغرز المخرز ف� الجلد‪ ،‬لنأ‬ ‫يغمض عينيه ويبك ي ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫قشعريرة ترسي ف ي� حنكيه وأسنانه‪ .‬كرهه للوظيفة‬ ‫حسياً ف ي� سماعه ثغاء نعجة أثناء وجوده ف ي�‬ ‫تمثل ّ‬ ‫الدكان وحيداً‪ ،‬أُخذ بسببه إىل مطوع القرية‪ ،‬ثم‬ ‫توصل مع أبيه إىل تسوية عمل بمقتضاها دباغاً فقط‪.‬‬ ‫ف‬ ‫حماال ً ف ي� سوق السمك ثم عمل ف ي� قطع‬ ‫ي� الهند عمل َّ‬ ‫أ‬ ‫الخشاب وبيع الحطب وصيد السمك‪ ،‬واكتسب من‬ ‫تجربته المهنية فرصة يُسائل من خاللها تصوراته ذاته‪.‬‬ ‫بشكل عام يجب أن يكون البطل ف ي� روايات‬ ‫ش‬ ‫�ء ال يستطيع فعله‬ ‫الناشئة قادراً عىل فعل ي‬ ‫معظم القراء‪ .‬عليه أن ينشأ مستقال ً عن كافة الب�ن‬ ‫َّ‬ ‫المجتمعية كالعائلة والحي والقبيلة‪ ،‬وأن يفرض‬ ‫نفسه‪ ،‬وربما وجب عليه أن تي�ك تأث�ه عىل آ‬ ‫الخرين‬ ‫ي‬ ‫من حوله‪ .‬يجب أن يكون قادراً عىل التفاوض مع‬ ‫ت‬ ‫ال� تدعوه إىل االمتثال‪ ،‬وإقناعها‬ ‫تلك المؤسسات ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يقوم‬ ‫باستقالليته وقدرته عىل تحمل االختيارات ي‬ ‫المنس‪ ،‬عىل سبيل‬ ‫خب‬ ‫بها‪ .‬لم يصدق أهل قرية ّ‬ ‫ي‬ ‫المثال‪ ،‬ما رواه صالح لهم من رؤيته الحلم وسماعه‬ ‫ثغاء نعجة وظنوا أنها وساوس‪ ،‬فكان عليه أن‬ ‫يدافع عن موقفه‪« :‬أنا أرى ما ال ترون‪ ،‬وأسمع ما ال‬ ‫تسمعون» (‪ .)25‬كان مؤمناً بأنه أمام نقطة مفصلية‬ ‫كالط�‪،‬‬ ‫من حياته ّ‬ ‫وضحها محاوال ً إقناع أمه‪« :‬أنا ي‬ ‫أحمل الرؤيا عىل جناحي‪ ،‬ت‬ ‫ح� أجد من يفرسها‪،‬‬ ‫عندها ستسقط هذه الرؤيا من عىل جناحي‪ ،‬ساعتها‬ ‫الط�ان‪ ،‬وأعود» (‪ .)42‬كان شفيق أيضاً‬ ‫سأتوقف عن ي‬


‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫االنتهاء ببداية جديدة‬

‫تماهياً مع طبيعة المرحلة بالنسبة للبطل وللقارئ‪،‬‬ ‫تحتاج روايات الناشئة ف ي� الغالب إىل أن تنتهي ببداية‪.‬‬ ‫أ‬ ‫فالحداث عبارة عن بضع تجارب تخض البطل‬ ‫وتدفعه نحو النضج الذي يعده به المستقبل‪ .‬نجد‬ ‫ين‬ ‫موضوع المقال‪ ،‬وإن بشكل أوضح‬ ‫الروايت�‬ ‫هذا ف ي�‬ ‫ِ‬ ‫ف ي� «الرسام شفيق» إذ تنتهي الرواية بشفيق يشاهد‪،‬‬ ‫أثناء استجمامه ف ي� جزيرة بينانج‪ ،‬امرأة تنادي طفلها‬ ‫الذي استأنسه بـ «فيق»‪ ،‬االسم نفسه الذي كان‬ ‫يدعى به البطل ف ي� طفولته‪ .‬تلك المرأة ليست إال َّ‬ ‫رضية عشق الطفولة‪ .‬هنا تكتمل الدائرة وينفتح‬ ‫المشهد عىل وعي آخر محتمل‪ .‬عىل منوال آخر تنتهي‬ ‫(رحلة ت‬ ‫أحالمه‬ ‫الف� النجدي) بتحقيق صالح الخراز َ‬ ‫ببناء مدينة متطورة‪ .‬هذه النهاية تمد خيط الحكاية‪،‬‬ ‫وتتفوق عىل حكاية التاجر البغدادي الذي حلم نز‬ ‫بك�‬ ‫ف� القاهرة سافر من أجله ت‬ ‫ح� ثع� عىل نز‬ ‫الك� ف ي� بيته‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� اتخذها المحيميد إطارا لروايته‪.‬‬ ‫وهي الحكاية ي‬ ‫عملت روايتا «الرسام شفيق» لطاهر أحمد و«رحلة‬ ‫ت‬ ‫الف� النجدي» ليوسف المحيميد عىل التأسيس‬ ‫لممارسة أدبية مهمة نرجو َّأل تتوقف عند هذا‬ ‫الحد‪ .‬ألنه حري بالمؤسسات المعنية بهذا الجنس‬ ‫أ‬ ‫ال بد� عىل وجه الخصوص‪ ،‬ت‬ ‫ال�بوية منها والثقافية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫تلقف ي ن‬ ‫التجربت� وتناولهما بالنقد والدراسة‪.‬‬ ‫هات�‬ ‫أد� طالما أدار‬ ‫حري بها العمل عىل تأسيس تقليد ب ي‬ ‫ظهره للفئات العمرية المختلفة‪ ،‬وعمل عىل تهميش‬ ‫ش�يحة مجتمعية عريضة وحيوية‪ .‬إن الدور المناط‬ ‫بوزارة ت‬ ‫والعالم يتمثل‬ ‫ال�بية والتعليم ووزارة الثقافة إ‬ ‫ف‬ ‫اس‬ ‫ي� تشجيع أدب الناشئة بإدخاله إىل الصف الدر ي‬ ‫واالعتناء به‪ ،‬أما إشباع حاجات القراءة بتقديم‬ ‫يسته�ن‬ ‫أد� ناضج يوليهم اهتمامه دون أن‬ ‫ي‬ ‫منتج ب ي‬ ‫اتهم فتبقى مسؤولية أ‬ ‫الدباء وحدهم‪.‬‬ ‫بقدر‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬

‫لغويات‬

‫‪69 | 68‬‬

‫مكافحاً ومعتمداً عىل نفسه‪ .‬لقد استفاد من مشكلة‬ ‫المؤسسة ت‬ ‫ال�بوية والمؤسسة الخاصة والمجتمع معه‬ ‫كفنان ف ي� صقل وعيه‪ ،‬فإذا به يطرح تساؤالت عميقة‬ ‫من مثل‪« :‬هل أتعامل مع الحياة بشكل بارد وساخر‪،‬‬ ‫أم بحب وتغافل؟» (‪ .)55‬تأث�ه عىل آ‬ ‫الخرين كان‬ ‫ي‬ ‫الصغ�ة‬ ‫متمثال ً ف ي� تمرير شغفه بالرسم إىل أخته‬ ‫ي‬ ‫ملوك‪ .‬زد عىل ذلك أنه كان قادراً عىل مالحظة ظواهر‬ ‫يز‬ ‫كالتمي� الطبقي والتنمر والنفاق‬ ‫سيئة مختلفة‪،‬‬ ‫والعنف اللفظي وتسليع الفن وطغيان المادة‪ ،‬ثم‬ ‫نقدها‪ .‬ال عجب أن نعلم أنه‪ ،‬بعد مواجهات عديدة‬ ‫ت‬ ‫ال� تبدي استعداداً للتضحية‬ ‫مع القيم المتضاربة ي‬ ‫بالفن أن يتوقف شفيق عن ممارسة الفن «ح�ت‬ ‫يتوقف العالم عن نفاقه» (‪.)65‬‬

‫اللفظــة ا ألُولــى المُعَ َّل َم ُة‬ ‫عثرت عليها في‬ ‫ِبنُجَ ْيمَــةٍ ُ‬ ‫قاموس المنهل (فرنســي‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫عربي)‪ ،‬يمكن رَصْ دُ وزن هذه‬ ‫التي‬ ‫المدلوالت‬ ‫لتوليد‬ ‫الكلمة‬ ‫نحتاجها فــي علوم الحيوان‬ ‫وْت على‬ ‫المختلفة‪ .‬وقد نَحَ ُ‬ ‫مثَالهَا فيما صغتُ من كلمات‬ ‫َهف‪:‬‬ ‫مذكــورة أدناها ُم ْكت ٌ‬ ‫يعيش‬ ‫الذيارَاتُ‬ ‫للحيــوان‬ ‫صفة‬ ‫َغَ‬ ‫م‬ ‫وال‬ ‫ُوف‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫صفة‬ ‫‪:‬‬ ‫َرِض‬ ‫ٌ‬ ‫ت‬ ‫ُؤْ‬ ‫م‬ ‫َــا‪.‬‬ ‫ه‬ ‫َجاويف‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫‪2‬‬ ‫في‬ ‫يعيش‬ ‫الــذي‬ ‫للحيوان‬ ‫يعيش‪:‬‬ ‫الذيمُجْ َتبِلٌ‬ ‫للحيــوانل‪¯.‬‬ ‫أرض والوَحْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫صفة‬ ‫صفة‬ ‫‪:‬‬ ‫َرِجٌ‬ ‫ت‬ ‫ُحْ‬ ‫م‬ ‫الجبــال‪¯.‬‬ ‫في‬ ‫في‬ ‫يعيش‬ ‫الــذي‬ ‫للحيوان‬ ‫يعيش‪:‬‬ ‫الذيُخْ ت َِش ٌب‬ ‫للحيــوانَات‪ .‬م‬ ‫صفةرَاج والغَ اب‬ ‫الأحْ‬ ‫صفة‬ ‫‪:‬‬ ‫لٌ‬ ‫َمِ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ــب‪.‬‬ ‫شَ‬ ‫الخَ‬ ‫في‬ ‫للحيوان الــذي يعيش في‬ ‫صفة‬ ‫ٌ‪:‬‬ ‫ر‬ ‫َج‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ــ‬ ‫ُشْ‬ ‫م‬ ‫َــال‪¯.‬‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫يعيش‬ ‫الــذي‬ ‫للحيوان‬ ‫الذيَا‬ ‫للحيوان(أصْ ُله‬ ‫صفةطَ ِح ٌر‬ ‫ُصت َِحــجَر)‪:‬ار‪.‬م ُْص‬ ‫ام أل َْشْ‬ ‫يعيش‪:‬‬ ‫الذي ْهتَذِ ٌب‬ ‫للحيــوان رَاء‪ُ .‬م‬ ‫الصحْ‬ ‫يعيش في َّ‬ ‫صفة‬ ‫(معناهَةٌ‬ ‫العَ‪:‬ذْ بمَوَ​َة ٌه( َمنْحُ وت‬ ‫المياه‬ ‫في‬ ‫َي‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫من‬ ‫يعيش‪:‬‬ ‫الذي ُم ْنتَقِ عٌ‬ ‫ب)‪.‬‬ ‫للحيــوان ٌ‬ ‫َــاء)‪ +‬عَــذْ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫صفة‬ ‫في ال َمنَاقِ ع والمُسْ ــ َت ْنقَعَ ات‪.‬‬ ‫من وجوه الطرافة ف ي� االشتقاق ف ي� اللغة العربية‪،‬‬ ‫ش‬ ‫ال�ء‪ ،‬عىل‬ ‫أن العرب درجوا عند المبالغة بوصف ي‬ ‫اشتقاق صفة المبالغة من اسمه‪.‬‬ ‫فالليل إذا كان سواده مبالغاً فيه قيل إنه‪ :‬ليل أَ َليل‪،‬‬ ‫وليلة ليالء‪ .‬وقالوا ف ي� مثل ذلك‪ :‬يوم أَ َيوم‪ .‬وإذا بالغوا‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و�‬ ‫ي� أ وصف روض كثيف الشجر قالوا‪ :‬روض أريَض‪ .‬ي‬ ‫أسيد‪ .‬وعىل هذا القياس‪:‬‬ ‫السد القوي قالوا‪ٌ :‬‬ ‫أسد َ‬ ‫ٌ‬ ‫وظالل ظليلة‪ ،‬وإذا‬ ‫وصديق صدوق‪،‬‬ ‫لب َص ِلب‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُص ٌ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫كان المرء ي� حمى منيع‪ ،‬قالوا إنه ي� ِح ٍرز حريز‪ .‬وإذا‬ ‫كان الداء شديداً قالوا‪ :‬دا ٌء َد ِوي‪.‬‬

‫ف‬ ‫والسالم‪،‬‬ ‫كث�اً ما كانت أشعار العرب ي� الجاهلية إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫تذهب مثالً‪ ،‬ال سيما ي� الخالق والحث عىل حسن‬ ‫الس�ة‪ ،‬أو النصح بسلوك ي ّ ن‬ ‫مع�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ومن أجمل المثال العربية شكال ً ومضمونا‪ ،‬ذلك البيت‬ ‫من الشعر‪ ،‬الذي يجمع ي ن‬ ‫ب� الجناس اللفظي والتقابل‬ ‫المعنوي‪ ،‬إذ قال الشاعر‪:‬‬ ‫دارهـم‬ ‫مـت ف ي�‬ ‫ودار ِهـم مـا ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫دمـت ي� أرضهـم‬ ‫مـا‬ ‫ـم‬ ‫ه‬ ‫رض‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫البيت من قصيدة لمحمد بن سعيد بن أحمد بن ش�ف‬ ‫وا�‪ ،‬المعروف بابن ش�ف ي ن‬ ‫الجذامي ي ن‬ ‫وا�‪ ،‬ب يأ�‬ ‫الق� ي‬ ‫الق� ي‬ ‫عبد الله (‪ 460 - 390‬هـ‪1068 - 1000 /‬م) وهو كاتب‬ ‫ف‬ ‫الق�وان واتصل بالمعز بن‬ ‫وأديب وشاعر‪ ،‬ولد ي� ي‬ ‫أم� إفريقية (تونس) فألحقه بديوان الحاشية‪،‬‬ ‫باديس ي‬ ‫ثم جعله من ندمائه‪ .‬واستمر عىل هذا‪ ،‬إىل أن زحف‬ ‫أ ض‬ ‫ا� التونسية‬ ‫عرب البوادي واستولوا عىل معظم الر ي‬ ‫سنة ‪ 449‬هـ‪ ،‬فارتحل المعز إىل المهدية‪ ،‬ومعه ابن‬ ‫ش�ف‪ ،‬ثم رحل هذا إىل صقلية ومنها إىل أ‬ ‫الندلس‪،‬‬ ‫فمات بإشبيلية‪.‬‬ ‫وله ف ي� موته قبل حدوثه قوله‪:‬‬ ‫خطر‬ ‫عمـركَ مـا‬ ‫ُ‬ ‫َل ُ‬ ‫حصلـت على ي ٍ‬ ‫شـيا‬ ‫مـن الدنيـا وال‬ ‫ُ‬ ‫أدركـت ّ‬ ‫خـارج منهـا سـليباً‬ ‫وهـا أنـا‬ ‫ٌ‬ ‫ـب نادمـاً كلتـا يديّـا‬ ‫أُق ّل ُ‬ ‫المـوت لكـن‬ ‫لهـول‬ ‫ولـم أجـز ْع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عليـا‬ ‫البـاك‬ ‫بكيـت لق ّل ِـة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬


‫الفلم السعودي الذي يمتد‬ ‫عند رصدنا لتاريخ ِ‬ ‫أ‬ ‫قسمنا هذه المسيرة التاريخية‬ ‫لربعين سنة تقريباً‪َّ ،‬‬ ‫حضوراً وإنجازاً إلى ثالث مراحل‪.‬‬ ‫المرحلة أ‬ ‫الولى‪ ،‬وهي مرحلة «المخرج الوحيد»‪،‬‬ ‫ونعني به المخرج عبدالله المحيسن‪ ،‬الذي يمكن‬ ‫اعتباره أول مخرج سعودي‪ ،‬وكان من أهم أعماله‬ ‫في أواسط السبعينيات من القرن الماضي‪« :‬اغتيال‬ ‫مدينة»‪ ،‬وهو ِفلم وثائقي يتناول ما ألحقته الحرب‬ ‫أ‬ ‫الهلية اللبنانية من دمار في بيروت‪ ،‬و ُعرض في‬ ‫مهرجان القاهرة السينمائي عام ‪1977‬م‪ ،‬وحاز‬ ‫جائزة نفرتيتي ألفضل ِفلم قصير‪.‬‬ ‫والمرحلة الثانية هي أ‬ ‫الهم‪ ،‬ألن عجلتها‬ ‫ال تزال تدور حتى آ‬ ‫الن‪ ،‬وهي مرحلة «المهرجانات‬ ‫السينمائية»‪ ،‬ألن المهرجانات شكَّلت حافزاً أساسياً‬ ‫لصناع أ‬ ‫الفالم السعودية‪ ،‬الذين حققوا إنجازات‬ ‫ُ َّ‬ ‫مهمة‪ ،‬ربما كان أشهرها النجاح الكبير الذي حققه‬ ‫الفلم الروائي الطويل «وجدة» للمخرجة هيفاء‬ ‫ِ‬ ‫المنصور‪.‬‬ ‫أما المرحلة الثالثة‪ ،‬فهي امتداد طبيعي للمرحلة‬ ‫النتاج‪ ،‬ولكنها تتم َّثل فيما‬ ‫الثانية على مستوى إ‬ ‫شهدته الفترة الزمنية أ‬ ‫الخيرة من تطور تقني ووسائل‬

‫الفلم السعودي عىل قناة روتانا أهم أحداث‬ ‫شعار مهرجان ِ‬ ‫مرحلة القنوات الفضائية‬

‫فهد االسطاء‬

‫عبدهللا المحيسن أول مخرج سعودي‬

‫االتصال على الشبكة العنكبوتية‪ ،‬ونعني بذلك‬ ‫يجسد ِفلم المخرج‬ ‫مرحلة إ‬ ‫«العالم الجديد» التي ِّ‬ ‫بدر الحمود «مونوبولي» أبرز أفالمها‪ .‬لما حظي به‬ ‫من مشاهدة كبيرة‪ ،‬وللنقاش الكبير الذي أثاره‪.‬‬ ‫وإذا كان لنا آ‬ ‫الن أن نتحدث عن مرحلة رابعة‪،‬‬ ‫ألمكننا تسميتها مرحلة «القنوات الفضائية»‪ ،‬التي‬ ‫تشكِّل منعطفاً مهماً في هذه المسيرة من خالل‬ ‫أمرين‪ :‬أ‬ ‫الول وهو إتاحة الفرصة للمشاهدين‪،‬‬ ‫أ‬ ‫والسعوديين خاصة‪ ،‬لرؤية هذه الفالم والحديث‬ ‫عنها‪ ،‬عند تقديمها من قبل نقاد وفنانين ومحكمين‬ ‫في سابقة لم تحدث من قبل‪ .‬أما أ‬ ‫المر الثاني‪ ،‬الذي‬ ‫الفلم‬ ‫تبدو أهميته متجهة بشكل مباشر لصانع ِ‬ ‫نفسه‪ ،‬فيتم َّثل في دعم مجموعة من المخرجين‬ ‫بمبالغ مالية‪ ،‬تُعد كافية إلى حد كبير‪ ،‬من أجل‬ ‫إنجاز ِفلم قصير بمستوى جيد تقنياً ومن ثم عرض‬ ‫الفلم الحقاً للمشاهدة الجماهيرية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫في المر الول قامت شركة «روتانا» بتولي زمام‬ ‫هذه المهمة بشكل جيد‪ ،‬من خالل إقامة مهرجان‬ ‫للفلم السعودي يُعرض عبر القناة الفضائية‪،‬‬ ‫ِ‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫ِفلم «وجدة» أبرز أفالم مرحلة المهرجانات السينمائية‬

‫العالم الجديد‬ ‫ِفلم‬ ‫«مونوبول» أبرز أفالم مرحلة إ‬ ‫ي‬

‫‪www.qafilah.com‬‬

‫سينما سعودية‬

‫الفلم السعودي‬ ‫ِ‬ ‫ومرحلة جديدة‬

‫باعتبار أن المهرجانات السينمائية بصيغتها‬ ‫التقليدية توقفت منذ إلغاء مهرجان جدة أ‬ ‫للفالم‬ ‫عام ‪2009‬م‪ .‬ولذا‪ ،‬تبدو هذه الطريقة هي أ‬ ‫النسب‬ ‫حالياً‪ ،‬حيث يقوم المخرجون بتقديم أفالمهم‬ ‫للمهرجان‪ .‬وبعد اتفاق لجنة متخصصة على عدد‬ ‫أ‬ ‫الفالم التي يتم قبولها للدخول في مسابقة هذا‬ ‫المهرجان‪ ،‬قامت القناة بعرض برنامج المهرجان‬ ‫بشكل يومي في دورته أ‬ ‫الولى عام ‪2012‬م‪،‬‬ ‫وأسبوعي في دورته الثانية عام ‪2013‬م‪.‬‬ ‫وتقوم فكرة البرنامج ‪ /‬المهرجان على تقديم أكثر‬ ‫من عشر حلقات‪ ،‬لمدة تقارب الساعتين للحلقة‬ ‫الواحدة‪ ،‬يتم فيها عرض مجموعة معينة من‬ ‫أ‬ ‫الفالم المشاركة مع تعليق لجنة التحكيم بعد‬ ‫عرض كل ِفلم‪ .‬ومن ثم في نهاية المهرجان يتم‬ ‫توزيع الجوائز على الفائزين بناء على اختيار لجنة‬ ‫التحكيم وتصويت المشاهدين‪ .‬وبالتأكيد شكَّل هذا‬ ‫المهرجان‪ ،‬بصيغته الفضائية هذه‪ ،‬حافزاً جيداً‬ ‫لعدد من المخرجين لتحسين مستوى أفالمهم‬ ‫وتشجيعهم أيضاً على سماع آراء آ‬ ‫الخرين في‬ ‫أعمالهم وتقييمها‪ ،‬وهو ماينعكس في النهاية إيجابياً‬ ‫على الصناعة ككل‪.‬‬ ‫أما أ‬ ‫المر الثاني الذي تم َّثل بالدعم المالي المباشر‪،‬‬ ‫فقد تولته شركة «الهدف» كمنتج لقناة «ام بي‬ ‫سي»‪ ،‬ممثلة برئيسها الفنان ناصر القصبي الذي‬ ‫استعان بالخبير في مسيرة الفلم السعودي أ‬ ‫الستاذ‬ ‫ِ‬ ‫رجاء المطيري ليشرف على هذا المشروع الضخم‬ ‫وغير المسبوق‪ ،‬فتم اختيار خمسة عشر مخرجاً‬ ‫سعودياً من أجل تنفيذ ثالثين ِفلماً قصيراً‪ ،‬بمعدل‬ ‫ِفلمين لكل مخرج‪ ،‬وبتكلفة مادية تتجاوز مليونين‬ ‫ومائتي ألف ريال‪ .‬وهذا ما أثمر في النهاية ثالثين‬ ‫ِفلماً تقريباً‪ ،‬يمكننا أن نقول إن عشرة أفالم منها‬ ‫قد تكون من أفضل أ‬ ‫الفالم السعودية القصيرة‬ ‫أ‬ ‫بشكل مطلق‪ .‬وفي غيرها من الفالم يمكننا مالحظة‬ ‫مستوى من الجودة العالية تقنياً وبصرياً والجهد‬ ‫المبذول من المخرجين حينما يتوافر مثل هذا‬ ‫النتاج‪.‬‬ ‫الدعم المادي في إ‬ ‫الخطوة أ‬ ‫الخرى التي تشارك فيها «ام بي سي»‬ ‫«روتانا» في هذه المرحلة‪ ،‬كانت في تقديم هذه‬ ‫أ‬ ‫الفالم للعرض الفضائي أمام الجماهير‪ .‬فتم‬ ‫مؤخراً تسجيل برنامج «بعيون سعودية»‪ ،‬المؤلف‬ ‫من خمس وعشرين حلقة‪ ،‬ويعرض ِفلماً في‬ ‫كل حلقة‪ ،‬بحضور المخرج أمام لجنة تحكيم‬ ‫مكونة من عدد من كبار السينمائيين والنقَّاد‬ ‫َّ‬ ‫العرب‪ .‬ومن المتوقع أن يُعرض البرنامج على قناة‬ ‫«ام بي سي» قريباً‪.‬‬


‫إبراهيم الكوني‬ ‫والصحراء‬ ‫اإلفريقية الكبرى‬

‫‪71 | 70‬‬

‫فنان ومكان‬

‫مودة البارقي‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونثرا‬ ‫شعرا‬ ‫منذ ظهور الشعر الجاهلي وحتى اليوم‪ ،‬حضرت الصحراء في األدب العربي‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫المكونات الطبيعية‬ ‫تشكل أكبر‬ ‫بألف صيغة ولون‪ .‬واألمر طبيعي طالما أن الصحارى‬ ‫ً‬ ‫في البيئة التي أنجبت هذا التراث‪ .‬ولكن أكثر األدباء التحاما بالصحراء دون أي منافس‬ ‫ً‬ ‫فعال في الصحراء أكثر‬ ‫قريب‪ ،‬هو معاصرنا الروائي الليبي إبراهيم الكوني الذي لم يعش‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫يوما‪ .‬فألف حتى اليوم أكثر من‬ ‫من سنوات الطفولة االثنتي عشرة‪ ،‬ولكن شخصيته األدبية لم تغادرها‬ ‫ً‬ ‫كتابا‪ ،‬ثالثة أرباعها روايات مسرحها (وبطلتها) الصحراء‪ ..‬الصحراء اإلفريقية الكبرى‪.‬‬ ‫ستين‬

‫وما بين العامين ‪ 1970‬و‪1986‬م‪ ،‬اقتصرت مؤلفاته على بعض‬ ‫الكتابات السياسية ومجموعتين قصصيتين لم تثيرا اهتماماً كبيراً‪،‬‬ ‫ولم تتجاوزا حدود ليبيا إلى أن‪..‬‬

‫اللياذة الصحراوية‬ ‫رباعية الخسوف إ‬

‫في العام ‪1989‬م‪ ،‬نشر الكوني «خماسية الخسوف»‪ ،‬وكان وقعها‬ ‫مدوياً‪..‬‬

‫‪shutterstock / Patrick Poendl‬‬

‫ولد الكوني في غدامس بليبيا عام ‪1948‬م‪ ،‬وبعدما أنهى دراسته‬ ‫االبتدائية في مسقط رأسه‪ ،‬انتقل إلى سبها‪ ،‬ثم سافر إلى موسكو‬ ‫حيث حصل على الماجستير في العلوم أ‬ ‫الدبية والنقدية من معهد‬ ‫غوركي أ‬ ‫للدب عام ‪1977‬م‪.‬‬ ‫و«الخماسية» هي في الواقع «رباعية» ألنه لم يصدر منها إال أربع‬ ‫روايات هي‪« :‬البئر»‪« ،‬الواحة»‪« ،‬أخبار الطوفان الثاني»‪ ،‬و«نداء‬ ‫الوقواق»‪.‬‬ ‫تروي هذه الرباعية سيرة ثالثة أجيال من أناس ينتمون إلى قبيلة‬ ‫«الطوارق» (التي ينتمي إليها الكوني نفسه)‪ ،‬يعيشون ويموتون‬


‫ويحبون وينجبون ويحاربون على مسرح يمتد ما بين حدود مصر‬ ‫الغربية شرقاً وحتى موريتانيا غرباً‪ ،‬ومن ليبيا شماال ً حتى النيجر‬ ‫جنوباً‪ ..‬الصحراء الكبرى‪.‬‬ ‫وبتعاقب أ‬ ‫الجيال من أواخر العهد العثماني إلى فترة نشوء ليبيا‬ ‫اليطالي‪ ،‬يتبدل أبطال هذه‬ ‫الحديثة مروراً بالنضال ضد االستعمار إ‬ ‫الرباعية ومجريات أمورهم‪ .‬ولكن الصحراء تبقى هي نفسها‪ ،‬حتى‬ ‫ليمكن القول إنها هي بطلة هذه الرباعية‪ ،‬وليس تلك الحفنة من‬ ‫الرجال الملثمين الذين يعيشون فيها‪ ،‬وفيها يموتون‪.‬‬ ‫لم يترك الكوني شيئاً في هذه الصحراء إال وتطرق إليه‪ .‬وصف‬ ‫طبيعتها‪ ،‬الصخرية هنا والرملية هناك‪ ،‬اتساعها‪ ،‬زرقة السماء‪،‬‬ ‫مالبس الطوارق‪ ،‬زحف الرمال على القرى‪ ،‬طقوس الحب والزواج‬ ‫وتقاليدهما‪ ،‬المفاهيم االجتماعية وصوال ً إلى الخرافية مثل طريقة‬ ‫التآخي مع العقارب لتالفي لدغاتها‪ ،‬وظروف فك هذا التآخي‪،‬‬ ‫وحتى وصف الضياع والموت في الرملة‪ ..‬في حين أن نقل مسرح‬ ‫أ‬ ‫الحداث إلى المدن ال يحصل إال لماماً‪ ،‬حتى ليمكن القول إنه يكاد‬ ‫أن ينعدم تماماً‪.‬‬ ‫وكما ولو أن هذه الرباعية أثارت شيئاً من الحسد عند أساتذة الرواية‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫القراء‪،‬‬ ‫والنقد‪ ،‬اقتصر الترويج لها في الشهر الولى على صفوف ّ‬ ‫الذين عبر بهم الكوني بلغة جزلة وقدرة تصويرية عمالقة‪ ،‬إلى عالم‬ ‫الفريقية الكبرى بكل ما فيها‪ .‬وبتضخم كرة الثلج‪ ،‬استيقظ‬ ‫الصحراء إ‬ ‫العقد‬ ‫النقَّاد إ‬ ‫والعالميون متأخرين بعض الشيء ليصفِّقوا‪ .‬وبدءاً من ِ‬ ‫أ‬ ‫تتكدس عند الكوني من فرنسا‬ ‫التالي‪ ،‬راحت الجوائز الدبية العالمية َّ‬ ‫المارات ومصر وغيرها‪..‬‬ ‫وسويسرا واليابان‪ ،‬واليونيسكو ودولة إ‬

‫الصحراء الكبرى‪ ..‬أكبر من ذلك!‬

‫الفريقية الكبرى غير هذه‬ ‫لو لم يكتب الكوني عن الصحراء إ‬ ‫الرباعية‪ ،‬لبقي عمله هذا أكبر المالحم الروائية الصحراوية من‬ ‫دون أي منافس‪ ،‬تماماً كما هو حال إلياذة هوميروس الشعرية‬ ‫الغريقي وحروبه‪ .‬ولكن‪ ،‬كما ولو أن الكوني يريد‬ ‫بالنسبة للتاريخ إ‬ ‫إن الصحراء الكبرى أكبر وأغنى من أن تحوط بها‬ ‫أن يقول لنا َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كرت السبحة‪ .‬فكتب الحقا نحو خمسين كتابا (معظمها‬ ‫رباعية‪ّ ،‬‬ ‫روايات ومجموعات قصصية ومتون‪ :‬أنوبيس‪ ،‬صحف إبراهيم‪،‬‬ ‫بيت في الدنيا وبيت في الحنين‪ ،‬التبر‪ ..‬الخ)‪ ،‬وظلت الصحراء‬ ‫الفريقية الكبرى مسرح وموضوع غالبيتها الساحقة‪ .‬يكتب عنها‬ ‫إ‬ ‫الكوني بمنهج يجمع تصوير المسرح بواقعية دقيقة‪ ،‬إلى أحداث‬ ‫تجري عليه برومانسية «حديثة»‪ .‬ولربما كان اختالف النقَّاد في‬ ‫رصد واقعية الوصف واعتباره بدوره رومانسياً‪ ،‬يعود إلى أن‬ ‫حقيقته في الصحراء هي كذلك‪.‬‬ ‫فمن ثمانينيات القرن الميالدي الماضي وحتى اليوم‪ ،‬لم يتفلَّت‬ ‫الكوني‪ ،‬وبملء إرادته‪ ،‬من طغيان الصحراء الكبرى على نتاجه‬ ‫الدبي‪ .‬أ‬ ‫أ‬ ‫المر الذي جعل البعض ينتقده بالقول‪« :‬إنه أسير‬ ‫الرواية الصحراوية بعناصرها المتكررة إلى درجة الملل‪ ،‬وأنه‬ ‫انحاز إلى الصحراء وأهلها الطوارق إلى درجة نكران عناصر أخرى‬ ‫مهمة في حياته‪ .‬خاصة وأنه عاش بعيداً عن الصحراء أكثر مما‬ ‫عاش فيها»‪ .‬وسواء أكان في هذا النقد شيء من الموضوعية أم‬ ‫الفريقية‬ ‫ال‪ ،‬فإنه يتضمن عفوياً إعالناً غير مباشر أن الصحراء إ‬ ‫الكبرى حظيت أخيراً بأديبها ومؤرخها الذي لم تحظ به سابقاً‪.‬‬ ‫أ‬ ‫يلون‬ ‫والمر قد يكون أهم من أي تلوين آخر كان يمكن للكوني أن ّ‬ ‫به أدبه‪.‬‬


‫‪73 | 72‬‬

‫ذاكرة القافلة‬

‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫نعرب أو نترجم؟‬

‫َّ‬ ‫العقاد‬ ‫بقلم األستاذ‪ :‬عباس محمود‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫في عدد يناير من‬ ‫العام ‪1960‬م‪ ،‬كتب‬ ‫األستاذ الكبير عباس‬ ‫محمود العقاد مقالة‬ ‫من صفحتين في القافلة حول‬ ‫التعريب والترجمة‪ ،‬نعيد نشرها‬ ‫هنا كاملة ألهميتها‬ ‫مسألة الكلمات أ‬ ‫الجنبية‪ ،‬والسيما المصطلحات‬ ‫الخاصة‪ ،‬مسألة قديمة حديثة‪ ،‬لم يخل منها عصر‬ ‫من عصور اللغة العربية منذ نشأتها أ‬ ‫الولى قبل‬ ‫تفرع اللغات السامية‪.‬‬

‫الدوات والنباتات‪ ،‬ومن أ‬ ‫والمواد‪ ،‬ومن أ‬ ‫البازير‬ ‫أ‬ ‫والعطور‪ ،‬ومن الكيسة والمأكوالت والمشروبات‪،‬‬ ‫وال تقل عدتها عن ألوف‪.‬‬

‫فالناي نرم‪ ،‬وبالربط‪ ،‬والصنج‪ ،‬كلمات أعجمية‬ ‫عربها الشاعر ولم يترجمها‪ ،‬وربما استطاع‬ ‫بألفاظها َّ‬ ‫أن يترجمها بما يقاربها لو أنه أراد‪.‬‬

‫وقلما يخطر لنا اليوم أن نترجم اسم مدينة‬ ‫مشهورة ولو كان لهذا االسم معنى‪ ،‬وقلما يخطر‬ ‫لنا كذلك أن نترجم اسم إنسان مشهور وإن كان‬ ‫أ‬ ‫معان في اللغة كاسم جورج‬ ‫من السماء التي لها ٍ‬ ‫وميخائيل ومرجريت وفكتوريا‪ ،‬وإنما نعربها‬ ‫بألفاظها مع صقلها بالصيغة العربية‪.‬‬

‫وإنما صنع العربي ذلك في عصور اللغة أ‬ ‫الولى‬ ‫لثقته بلغته وخلو ذهنه من الخوف عليها من‬ ‫مزاحمة اللغات أ‬ ‫الخرى‪ ،‬ولعله لم يحسب قط‬ ‫أنها «لغات» تقارن لغته العتقاده أن المتكلمين بها‬ ‫أعجام ال يفصحون‪.‬‬

‫وعلى هذا النحو كان ينظر العربي إلى أسماء المواد‬ ‫أ‬ ‫والشياء التي وجدت في غير بالده‪ ،‬فإنه يعلم أن‬ ‫العربية هي لغة العرب وأن اللغة تركيب وسياق‬ ‫وليست مفردات ومقاطع حروف‪ ،‬وإنما تسمى‬ ‫الشياء بأسمائها في بالدها وتعرف بتلك أ‬ ‫أ‬ ‫السماء‬ ‫كما تعرف أسماء أ‬ ‫العاجم التي تلقوها من آبائهم‬ ‫وأمهاتهم بغير حاجة إلى تعريب‪ :‬كسرى وهرقل‬ ‫وسابور وفرعون وأشباه من أ‬ ‫السماء…‬

‫وحلّها كذلك حل قديم حديث‪ ،‬لم يخل منه عصر‬ ‫قديم وال حديث‪ :‬حلها التعريب والترجمة معاً‪ ،‬ال‬ ‫اختالف بين عصر وعصر فيهما غير االختالف في‬ ‫المعربة والكلمات‬ ‫المقدار أو النسبة بين الكلمات‬ ‫َّ‬ ‫المترجمة‪ .‬فقد تزيد كلمات التعريب أحياناً وتزيد‬ ‫كلمات الترجمة أحياناً أخرى‪ ،‬وتجري الزيادة في‬ ‫هذه أو تلك حسب العوامل النفسية قبل غيرها‪،‬‬ ‫وأهمها عوامل الثقة بالنفس واالطمئنان إلى‬ ‫سالمة اللغة وقلة الخوف عليها من طغيان اللغات‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪.‬‬

‫ولعلّهم لم يسألوا أنفسهم قط عن معنى كلمة‬ ‫دينار أو قنطار‪ ،‬ولو سألوا لعرفوا أن معنى الدينار‬ ‫«عشري» نسبة إلى عشرة‪ ،‬وأن القنطار «مئوي»‬ ‫نسبة إلى مائة‪ ،‬ولكنهم على هذا كانوا خليقين أن‬ ‫يعربوا الكلمتين وال يترجموهما‪ ،‬ألن الترجمة ال تدل‬ ‫ِّ‬ ‫عليهما كما يدل التعريب‪.‬‬

‫ففي عصر الجاهلية كان العرب يكثرون من التعريب‬ ‫وال يتوقفون عن تعريب كلمة أعجمية صادفتهم‬ ‫في بالدهم أو خارج بالدهم من شبه الجزيرة‪.‬‬ ‫فلو أحصينا الكلمات المعربة في اللغة لزاد ما‬ ‫عربه الجاهليون عن نصف هذه الكلمات في جميع‬ ‫العصور‪ ،‬إذ نحسب منه أسماء كثير من الجواهر‬

‫ولم يكن تعريبهم مقصوراً على أدوات المعيشية‬ ‫من اللوازم والضروريات‪ ،‬بل كان شاعرهم أ‬ ‫العشى‬ ‫يعرب آالت الطرب بألفاظها أ‬ ‫العجمية كما قال‬ ‫ّ‬ ‫بوصف مجلس غناء‪:‬‬ ‫والناي نرم وبربط ذي غنة‬ ‫والصنج يبكي شجوه ان يوضعا‬ ‫ ‬

‫هنا كانت نسبة التعريب أكبر من نسبة الترجمة‪،‬‬ ‫وكان باعثه الطبيعي أنه أقرب إلى العادة المألوفة‬ ‫وأنه شيء ال مانع له من الخوف على كيان اللغة وال‬ ‫على مصيرها‪ ،‬فما شعر العربي قط بتهديد لذلك‬ ‫المصير‪.‬‬ ‫السالم في بالد العالم‬ ‫ثم انتشر العرب بعد إ‬ ‫أ‬ ‫المعمور فاختلطوا بأبناء اللغات الجنبية في‬ ‫ديارهم وحادثوهم بألسنتهم أو سمعوهم‬ ‫أ‬ ‫يتحدثون إليهم بلسان عربي تشوبه اللكنة العجمية‬ ‫أ‬ ‫والخطاء الدخيلة على تراكيب اللغة وأبنيتها‬ ‫وقواعدها المصطلح عليها‪ ،‬فساورهم الخوف‬ ‫ألول مرة على سالمة اللغة في حاضرها ومصيرها‪،‬‬ ‫وأخذوا في ضبط قواعدها وتدوين مفرداتها‬ ‫وتمييز قديمها من الدخيل عليها‪ ،‬وتحفظوا في‬ ‫فرجحوا الترجمة على التعريب كلما‬ ‫النقل إليها ّ‬ ‫الخرى إلى أ‬ ‫تيسر نقل المعاني من اللغات أ‬ ‫اللفاظ‬ ‫العربية‪ ،‬لكنهم قصروا هذا التحفظ على شؤون‬ ‫الدين والبيان‪ ،‬ولم يلتزموه كثيراً في غير ذلك من‬ ‫الشؤون‪ ،‬حتى شؤون العلم ومراسم الدولة‪.‬‬ ‫فعربوا مثال ً كلمة «الموسيقى» بلفظها اليوناني‬ ‫َّ‬ ‫بغير تصرف‪ ،‬وكان في وسعهم أن يسموها «فن‬


‫وعربوا كلمة «االصطرالب» وكان في‬ ‫النغم»‪ّ .‬‬ ‫وسعهم أن يسموها «مقياس النجوم» أو «مقياس‬ ‫الفلك»‪ .‬وعربوا كلمة «ايساغوجي» في المنطق‬ ‫وكان في وسعهم أن يسموها «المدخل» أو‬ ‫«التمهيد»‪.‬‬ ‫وعربوا «النوروز» وكان في وسعهم أن يسموه‬ ‫ّ‬ ‫يعرب‬ ‫«اليوم الجديد»‪ .‬بل كان ابن سينا مثال ً ّ‬ ‫كلمة الـ «مانيا» بلفظها وال مندوحة بترجمتها إلى‬ ‫«الهوس» أو «النزوة» أو «الهاجسة» وما إليها‪،‬‬ ‫ألنهم حرصوا على تحديد المعنى العلمي بغير‬ ‫التباس بينه وبين أ‬ ‫اللفاظ التي تجري على ألسنة‬ ‫العامة والخاصة في البيوت أ‬ ‫والسواق‪.‬‬ ‫إال أن الحذر من التعريب لم يبلغ في أوائل العصر‬ ‫السالمي قط مثل ما بلغه في العصر الحديث‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫عم‬ ‫منذ مائة سنة أو نحو ذلك‪ ،‬لن الحذر هنا قد ّ‬ ‫واستفاض حتى شمل الحذر على كيان البالد العربية‬ ‫في وجودها القومي وحياتها السياسية وعقائدها‬ ‫الدينية وسائر مقوماتها في حاضرها ومصيرها‪،‬‬ ‫وكلها من المقومات التي تتصل باللغة وال تنفصل‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫ففي هذا العهد أ‬ ‫الخير تجمعت على البالد العربية‬ ‫الهدامة وأخطار‬ ‫أخطار االستعمار وأخطار المذاهب ّ‬ ‫الجهل واالستسهال‪ ،‬فاشتدت دعوة المحافظة على‬ ‫القديم حتى بلغت غايتها من الشدة وأوشكت أن‬ ‫الفراط‪ ،‬ثم آذنت بالتحول‬ ‫تخرج بالتطرف إلى إ‬ ‫يتحول كل شيء بلغ الغاية من مداه‪ ،‬واتفق‬ ‫كما َّ‬ ‫في الوقت نفسه أن كفة الحرية رجحت على كفة‬ ‫الخضوع والمهانة‪ ،‬فعادت الثقة إلى النفوس‬ ‫وعادت معها قدرة التصرف دون مغاالة في الحذر‬ ‫أو االطمئنان‪.‬‬

‫كان خصوم التعريب في إبان الحذر على كيان أ‬ ‫المة‬ ‫تعرب كلمة «الهيدروجين» ويقترحون‬ ‫ينكرون أن ّ‬ ‫فيما اقترحوه أن تترجم بكلمة «المميه» من‬ ‫أماه الشيء يميهه إماهة ‪-‬أي جعله ماء على هذا‬ ‫التصريف‪ ،‬وفاتهم أن الكلمة اليونانية لم يضعها‬ ‫أ‬ ‫الفرنج المحدثون‬ ‫اليونان القدمون وإنما استعارها إ‬ ‫لالصطالح العلمي‪ ،‬مع إمكانهم أن يؤدوا معناها‬ ‫بلغاتهم الحديثة‪ ،‬لوال اتقاء اللبس بين اسم‬ ‫العنصر وبين معنى الكلمة المطروقة على ألسنة‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫والذي نراه أن الحذر من التعريب كله يخف شيئاً‬ ‫فشيئاً على حسب نصيبنا من التقدم والثقة وحرية‬ ‫التصرف في جميع أ‬ ‫الحوال‪ ،‬ولكننا ال نريد أن نترك‬ ‫هذا الحذر مرة واحدة أو نفتح أبواب التعريب على‬ ‫تتحول‬ ‫جميع المصاريع‪ ،‬فإنما الخير كل الخير أن َّ‬ ‫الفراط في‬ ‫عن الحذر من التعريب إلى الحذر من إ‬ ‫نعرب من المصطلحات العلمية أو‬ ‫التعريب‪ ،‬فال‬ ‫الفنية إال ما كان ِّمن قبيل أ‬ ‫العالم التي ال تقبل‬ ‫الترجمة أو قبيل الرموز التي تنحت منها الكلمات‬ ‫وال تقبل النقل إلى حروفنا العربية‪ ،‬وهي كثيرة في‬ ‫علوم الطب والكيمياء على الخصوص‪ ،‬قليلة فيما‬ ‫عداها من العلوم وإن كانت قلة يحسب لها حسابها‬ ‫في جميع اللغات‪.‬‬ ‫نفضل الترجمة ما دامت‬ ‫والنهج السوي أن ّ‬ ‫مستطاعة سائغة‪ ،‬فإن تعذَّ رت فال حرج من‬ ‫التعريب على قدر الحاجة إليه‪ ،‬بغير إفراط وال‬ ‫استرسال‪.‬‬ ‫وال غنى لنا عن مالحظة التخصيص الالزم في‬ ‫الصالح يفقد‬ ‫مصطلحات العلوم والفنون‪ ،‬فإن إ‬ ‫معناه إذا وقع اللبس بين مدلوله ومدلول الكلمات‬

‫الشائعة‪ ،‬ولهذا يتجنب العلماء الكلمات المطروقة‬ ‫ويفضلون عليها الكلمات التي يمكن تخصيصها‬ ‫بمدلولها وال تلتبس بسواها‪.‬‬ ‫النجليزية‬ ‫مثال ذلك عنصر البوتاس‪ ،‬فإنه في إ‬ ‫مأخوذ من كلمتي «‪ »Pot-ash‬أي رماد القدر كما‬ ‫النجليز يفضلون‬ ‫يدل عليه لفظه وتحضيره‪ ،‬ولكن إ‬ ‫أن يطلقوا على هذا العنصر في لغة العلم كلمة‬ ‫«قليوم» ‪ Kalium‬وهي من أصلها العربي الذي‬ ‫يشمل القلويات‪.‬‬ ‫أما الفرنسيون فهم يفضلون كلمة البوتاس‬ ‫والبوتاسيوم ألن اللفظة ال توحي إلى السامع‬ ‫الفرنسي شيئاً عن رماد القدر في اللفظ‬ ‫المطروق‪.‬‬ ‫ونحسب أن بداهة اللغة العربية من قديمها‬ ‫إلى حديثها تملي علينا جواب هذا السؤال‪ :‬هل‬ ‫نعرب أو نكتفي بما عندنا فال ترجمة وال‬ ‫نترجم أو ّ‬ ‫تعريب؟‬ ‫وجواب اللغة بلسان بداهتها أ‬ ‫الصيلة أن المعاني‬ ‫أ‬ ‫تعرب‪،‬‬ ‫تترجم‪ ،‬وأن العالم وما هو من قبيلها ّ‬ ‫وأن التعريب ضرورة مالزمة قد الزمت اللغة‬ ‫العربية منذ نشأتها‪ ،‬وال خوف عليها منه في حدوده‬ ‫الصالحة‪ ،‬ألن البنية الحية هي التي تستطيع أن‬ ‫تُلحق بتركيبها المتين كل غذاء مفيد‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪75 | 74‬‬

‫ً‬ ‫شعرا‬ ‫أقول‬

‫سؤال‪..‬‬ ‫طالل الطويرقي‬

‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ال أعتقد أن ثمة تساؤل يمكن أن يحلق بالمبدع‬ ‫ف� سماوات أ‬ ‫اللق ما لم يكن سؤاال ً ذاتياً ووجودياً‬ ‫يبالدرجة أ‬ ‫الوىل‪ .‬وماهية الوجود ليست قيمة عالية‬ ‫ف ي� فضاءات الشاعر ما لم تكن الفرادة والخصوصية‬ ‫ف‬ ‫والتجل والتحليق‪.‬‬ ‫البداع‬ ‫بصمتها الفارقة ي� أفق إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ومن هنا ينطلق الشاعر بنصه ي� رحلة بحث‬ ‫ن‬ ‫المع� بقدر ماهي‬ ‫طويلة‪،‬ليست رحلة بحث عن‬ ‫ف‬ ‫رحلة بحث عن مالمح الشاعر ي� معناه الذي أراده‬ ‫ن‬ ‫وب� فكرته سؤال‪ .‬السؤال ثيمة تجدد ال تنتهي‪ ،‬فهي‬ ‫ش� ال ت‬ ‫مفتاح لعوالم ت‬ ‫تك�ث بالسائد والمهادن إجابة‬ ‫ف‬ ‫ضم� العالم‬ ‫باردة ي� ي‬

‫ُ‬ ‫ول� ْ‬ ‫تجل‬ ‫قل� ي‬ ‫سأسأل ب ي َ‬ ‫َ‬ ‫البوح وحد ْه‪.‬‬ ‫لغة‬ ‫ِ‬ ‫الروح رغبتها‬ ‫تطفر‬ ‫سأسألهُ حالما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫بهجة –‬ ‫حالما‬ ‫ُ‬ ‫–� ٍ‬ ‫تتباسق ي‬ ‫التجل‬ ‫من فضاء‬ ‫ي‬ ‫سأخل لها‬ ‫ي‬

‫ً‬ ‫نزعة‬ ‫ين‬ ‫نزعت�‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫اللون فيها‬ ‫يصهل‬ ‫وأربكها حالما‬ ‫ُ‬ ‫وأخل لها َّكل ما َ‬ ‫عزف‬ ‫يْ‬ ‫الحس‬ ‫وتر ِ‬ ‫الشعرا ُء عىل ِ‬ ‫اءاتهم‬ ‫دون‬ ‫َ‬ ‫اقتفاء بر ْ‬ ‫ِ‬ ‫وميل ‪.‬‬ ‫إن يل َّكل ي ْ‬ ‫عدل ي ْ‬ ‫ظل‬ ‫طائر ف ي�‬ ‫ِ‬ ‫أنا ٌ‬ ‫سماوات ي َ‬ ‫ُ‬ ‫لغة‬ ‫أسأل عن ٍ‬ ‫يجرجرها الشعرا ُء‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫التخل‬ ‫واضح ي�‬ ‫مبدأ‬ ‫وعن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يْ‬ ‫أ‬ ‫أنا صور ٌة غربتها ال ُ‬ ‫نامل‬ ‫ُ‬ ‫السنابل‬ ‫لوحة أشعلتها‬ ‫عن ٍ‬ ‫تصل‬ ‫َ‬ ‫آن ي ْ‬ ‫أنا ي ن‬ ‫قلت أنا‬ ‫ح� ُ‬ ‫البياض‬ ‫أن‬ ‫كنت‬ ‫َ‬ ‫أشعر َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يب ِّل ُل أحزانَهُ‬

‫احها‬ ‫والنوارس‬ ‫ُ‬ ‫تطفئ أفر َ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫رعشة‪-‬‬ ‫والمدى ال‬ ‫ُ‬ ‫يهادن – ي� ٍ‬ ‫ظل ‪.‬‬ ‫غياب‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬ ‫الحقيقة ي ْ‬ ‫كنت ً‬ ‫المصابيح‬ ‫أغنية رددتها‬ ‫أنا ُ‬ ‫ُ‬ ‫وردة‬ ‫ح�‬ ‫ي نَ‬ ‫ُ‬ ‫دخلت إىل ٍ‬ ‫بنفسج أقطفُها‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫السؤال عىل شف�ت‬ ‫ُ‬ ‫غاب‬ ‫ثم َ‬ ‫ي َّ‬ ‫لعل‬ ‫ُ‬ ‫وقلت ي ْ‬ ‫سؤال سنحم ُلهُ‬ ‫ُّ‬ ‫فأي ٍ‬ ‫جابات يقتلنا؟‬ ‫ف ي�‬ ‫صقيع إ‬ ‫ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫فليكن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال سؤال لنا‬ ‫ال فضا َء لنا‬ ‫جابات مأخوذ ٌة‬ ‫إ‬ ‫وال ُ‬ ‫الكثيفة‬ ‫بالشكوك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫العذب‬ ‫وال ِلق‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫الغريبة‬ ‫كعيون‬ ‫دافئة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدمع‬ ‫شي� ُقها‬ ‫ُ‬ ‫التسل‬ ‫دمع‬ ‫ُ‬ ‫يْ‬ ‫للسؤال‬ ‫فلتكن‬ ‫إذن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ساخنة‬ ‫شظاياه‬ ‫ولتكن يل أنا بعضها‬ ‫ْ‬ ‫آ‬ ‫َ‬ ‫خرين‬ ‫فأنا ُ‬ ‫بت نافذة ال َ‬ ‫أطل عىل صور�ت‬ ‫ُّ‬ ‫يْ‬ ‫ُ‬ ‫والنوافذ يغلقُها‬ ‫آ‬ ‫خرون ِل َذِ ي ْل ‪.‬‬ ‫ال َ‬ ‫استمع للقصائد‬ ‫بصوت الشاعر‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫إعداد وتصوير‪ :‬علي األلمعي‬

‫فاطمة األلمعي‬ ‫متعهدة فن «القط»‬ ‫في عسير‬

‫فرشاة وإزميل‬

‫يختلف محترف الفنانة التشكيلية‬ ‫فاطمة األلمعي عن كل ما هو شائع‬ ‫في محترفات الفنانين‪ ،‬حيث الفوضى‬ ‫تكون عادة سيدة الساحة‪ .‬فعند‬ ‫اللحظة األولى التي تدخل فيها المكان‪،‬‬ ‫يباغتك المنظر العام بترتيبه‪ ،‬حتى‬ ‫لتظن أنك أخطأت العنوان‪ ،‬ووصلت‬ ‫إلى معرض أو متحف يضم أعمال‬ ‫َّ‬ ‫تتقدم‬ ‫الفنانة‪ .‬وتزداد حيرتك عندما‬ ‫ً‬ ‫قليال لتكتشف أن النسوة في المكان‬ ‫لسن زائرات ومتذوقات عابرات للفن‪ .‬بل‬ ‫إن انحناءهن على اللوحات واألشغال‬ ‫اليدوية هو إلتمامها‪.‬‬


‫‪77 | 76‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫لفهم حقيقة المكان كان علينا‬ ‫أن نستمع إىل صاحبته الفنانة‬ ‫أ‬ ‫اللمعي تقول إن المكان هو‬ ‫مح�ف ومعرض ومتحف �ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫الوقت نفسه‪ .‬ولماذا هذا‬

‫الجمع؟‬ ‫ألن أ‬ ‫اللمعي ليست حريصة فقط عىل تدريب‬ ‫الراغبات عىل العمل‪ ،‬بل أيضاً عىل ت‬ ‫ال�ويج لهذا‬ ‫الفن الذي كاد أن يندثر‪ ،‬من خالل إظهار جمالياته‬ ‫وخصائصه للزائرين‪.‬‬

‫تلميذة الرائدة أبو قحاص‬

‫المحل المعروف‬ ‫حول بدايات اهتمامها بالفن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫المح�ف‬ ‫باسم «القط»‪ ،‬وما قادها إىل إنشاء هذا‬ ‫َ‬

‫ المتحف‪ ،‬تقول فاطمة أ‬‫اللمعي إنها كانت‬ ‫أ‬ ‫عس� الوىل‬ ‫مهتمة ومطلعة عىل أعمال فنانة ي‬ ‫عس� ف ي�‬ ‫فاطمة أبو قحاص‪ ،‬أشهر فنانات منطقة ي‬ ‫وبالتال‬ ‫مجال القط‪ .‬وكانت تالزمها للتعلم منها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المح�ف أ‬ ‫ت‬ ‫الول الذي ش‬ ‫با�ت فيه عملها‬ ‫كان‬ ‫ن‬ ‫نز‬ ‫الف� هو م�ل أبو قحاص‪ .‬وبُعيد وفاة الفنانة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الكب�ة قبل أربع سنوات‪ ،‬رأت اللمعي أن الوقت‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫قد حان لتأسيس مح�فها الخاص‪ .‬وخططت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫المح�ف بحيث يكون فيه متسع‬ ‫م�وعها لهذا‬ ‫والحرفيات‬ ‫الستقبال‬ ‫المتدربات من الفنانات ِ‬ ‫ِّ‬ ‫الراغبات ف� إتقان هذا الفن ت‬ ‫ال� ث يا� الخاص‬ ‫ي‬ ‫بالمنطقة‪ .‬وقد ساعدها زوجها المهتم ت‬ ‫بال�اث‬ ‫ف‬ ‫العداد‪،‬‬ ‫ي� مسعاها هذا‪ .‬وخالل أشهر قليلة من إ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫الفنان�‬ ‫المح�ف ‪ -‬المتحف جاهزاً الستقبال‬ ‫كان‬ ‫حد سواء‪،‬‬ ‫والزوار عىل ٍّ‬ ‫ت‬ ‫ال� قادتها أساساً إىل هذا الفن‬ ‫وتضيف إن الدوافع ي‬ ‫ف‬ ‫بالذات دون يغ�ه من الفنون‪ ،‬يكمن ي� أنها من جيل‬ ‫تر� وسط هذا ت‬ ‫العس�ية‬ ‫ال�اث‪ .‬فكانت المرأة‬ ‫ي‬ ‫ب َّ‬ ‫أ‬ ‫ال تزال متمسكة بثوبها التقليدي ومنديلها الصفر‪.‬‬

‫إلى القط‪ ،‬أضافت األلمعي‬ ‫إلى دائرة اهتمامها المالبس‬ ‫التقليدية التي كانت المرأة‬ ‫ترتديها في عسير‪ .‬فجمعت‬ ‫منها ما استطاعت‪ ،‬وها هي‬ ‫ً‬ ‫عددا يكفي‬ ‫اليوم تمتلك منها‬ ‫إلشغال جناح خاص في‬ ‫متحفها هذا‪..‬‬


‫وبمرور الزمن‪ ،‬تقول فاطمة إنها راحت تحس بأن‬ ‫ف‬ ‫عس� بدأ ينحرس‪.‬‬ ‫فن القط والمالبس التقليدية ي� ي‬ ‫ن‬ ‫المحل‬ ‫الف�‬ ‫كما أن المالبس لم تعد تم ِّثل ّ‬ ‫ي‬ ‫الحس ي‬ ‫ف ي� المنطقة‪ ،‬ولم تعد تمت إىل ذائقة المجتمع بأية‬ ‫ف‬ ‫كب�اً بالقط‬ ‫و� مقابل ذلك‪ ،‬الحظت احتفا ًء ي‬ ‫صلة‪ .‬ي‬ ‫والزوار الذين كانوا يتوافدون‬ ‫من قبل السياح َّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫عىل منطقة رجال ألمع‪ .‬ح� أن الجانب منهم‬ ‫يقدرون هذا الفن كقيمة ثقافية‪« .‬لذلك‬ ‫كانوا ِّ‬ ‫قررت العمل عىل إحياء هذا الفن الذي كان قد‬ ‫أوشك عىل االندثار»‪ .‬وإىل القط‪ ،‬أضافت إىل‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت المرأة‬ ‫دائرة‬ ‫اهتمامها المالبس التقليدية ي‬ ‫ف‬ ‫عس�‪ .‬فجمعت منها ما استطاعت‪ ،‬وها‬ ‫ترتديها ي� ي‬ ‫هي اليوم تمتلك منها عدداً يكفي إلشغال جناح‬ ‫خاص ف ي� متحفها هذا‪.‬‬

‫المتحف‬ ‫أقسام المحترف ‪-‬‬ ‫ف‬

‫إنه نموذج مصغَّ ر عن الطراز المعماري ي� منطقة‬ ‫عس� الذي يقوم عىل البناء بالحجر‪ .‬ويضم ثالثة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫أركان‪ .‬الول منها مخصص للقط ي� رجال ألمع‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫عس� الرساة وبالد قحطان‪ .‬أما‬ ‫والثا� للقط ي� ي‬ ‫ي‬ ‫الركن الثالث فهو خاص بالمالبس التقليدية �ف‬ ‫ي‬ ‫وج�ان وعس�‪ .‬وتمثل أ‬ ‫نجران ي ز‬ ‫الثواب المعروضة‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫مالبس الفالحة والرعي‪ ،‬إضافة إىل المصوغات‬ ‫والحل النسائية المشغولة من الفضة‪ .‬وإىل ذلك‪،‬‬ ‫ي‬ ‫يضم المتحف ركناً لبعض المؤلفات عن تراث‬ ‫عس�‪ .‬وتقول أ‬ ‫اللمعي إنه نواة لمعرض‪ ،‬تطمح إىل‬ ‫ي‬ ‫أن يكون أك� بكث� ويضم تفاصيل زينة المرأة �ف‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫كل مناطق المملكة‪.‬‬ ‫وال يخلو هذا المتحف ت‬ ‫ال� ث يا� من لمسة تقنية‬ ‫حديثة‪ .‬إذ تمك َّنت الفنانة‪ ،‬بمساعدة زوجها‪،‬‬ ‫ئ‬ ‫مر� يمكن للزائرين من خالله‬ ‫من إنتاج عرض ي‬

‫القط‪ ..‬محاولة قراءة‬

‫وكل البيوت كانت ت ز‬ ‫العس�ي الذي‬ ‫ت�يَّن بالقط‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫يع� عن ذائقة المرأة وعملها‪ .‬ت‬ ‫ح� كبار الثرياء‬ ‫ب ِّ‬ ‫ف ي� قرية رجال ألمع التاريخية كانوا يحرصون عىل‬ ‫ين‬ ‫تزي� بيوتهم من الداخل بنقوش القط‪ ،‬وإن كان‬ ‫الجمال الخاص بهم القائم عىل‬ ‫لهؤالء مذهبهم‬ ‫ي‬ ‫الخطوط المتوازية‪.‬‬

‫عس�ي المنشأ والهوية‪ ،‬ليس له ما يشبهه ف ي�‬ ‫فن ي‬ ‫مما ال شك فيه أن القط ٌ‬ ‫ال� تبقى �ف‬ ‫فنون العالم المعروفة‪ .‬وعىل الرغم من أنه يشكِّل أقوى الصور ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫كاف) من‬ ‫ذاكرة زائر ي‬ ‫عس�‪ ،‬المر الذي وفَّر له حداً معقوال ً (ولكنه يبقى يغ� ٍ‬ ‫ف‬ ‫وتفس�ه وتقدير‬ ‫الكا� لفهمه‬ ‫ي‬ ‫الشهرة‪ ،‬فإنه لم ينل حقه من القراءة بالعمق ي‬ ‫قيمته الثقافية‪.‬‬ ‫فهذا الفن هو أساس جداري‪ .‬يقوم عىل رسم خطوط رئيسة مستقيمة أفقياً‬ ‫ف‬ ‫و� داخلها خطوط ثانوية بزوايا من ‪ 30‬أو ‪ 45‬أو ‪60‬‬ ‫وعمودياً‪ ،‬تتقاطع معها‪ ،‬ي‬ ‫درجة‪ ،‬لتشكِّل مساحات هندسية متفاوتة المقاييس‪ ،‬ولكنها ذات إيقاع متكرر‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� ي ن‬ ‫ح� أن هذه الخطوط هي عادة أو دائماً سوداء‪ ،‬يتم تلوين المساحات‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫المتشكلة من تقاطعات الخطوط بألوان مختلفة يغلب عليها الحمر والزرق‬ ‫أ‬ ‫أ �ض‬ ‫الرمل‪ .‬بحيث يبقى الرسم ف ي� صيغته النهائية ذا بُعدين‪:‬‬ ‫والخ والصفر ي‬ ‫ف‬ ‫و� هذا صلة ق بُر� واضحة مع الزخارف‬ ‫طول وعرض‪ ،‬وال عمق وال بُعد ثالث‪ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫الكالسيك‪.‬‬ ‫السالمي‬ ‫الهندسية ي� الفن إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫النسا� التقليدي ي� المنطقة‪،‬‬ ‫صلة الق بُر� الثانية هي مع فن تطريز الثوب‬ ‫ي‬ ‫والذي يُ َّرجح أنه كان مصدر إلهام هذا الفن‪ .‬فالمربعات والتقاطعات هي من‬ ‫الهندس الذي نراه عند حافة خطوط‬ ‫« ُقط َْب» تطريز القماش‪ ،‬وكذلك الشكل‬ ‫ي‬ ‫الكث� من لوحات القط‪.‬‬ ‫التطريز‬ ‫والمسمى «أبراج»‪ ،‬الذي نراه أيضاً يعلو ي‬ ‫َّ‬ ‫عر� إسالمي‪ ،‬يمكننا أن‬ ‫وهذا النمط من «التطريز‬ ‫الهندس للخطوط» هو ب ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫عس� أيضاً‬ ‫الشه�‪.‬‬ ‫الفلسطي�‬ ‫النسا�‬ ‫الثوب‬ ‫إىل‬ ‫ال‬ ‫وصو‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫نلحظه خارج ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫فجة‪ .‬ولكن‬ ‫أما اللوان المعتمدة ي� القط‪ ،‬ي‬ ‫فكث�ا ما تُوصف بأنها صارخة أو َّ‬ ‫التدقيق فيها يؤكد عكس ذلك‪ .‬صحيح أنها كلها ألوان زاهية‪ .‬ولكن قوتها‬ ‫البرصية مستمدة بالدرجة أ‬ ‫الوىل من خلفياتها‪ ،‬وهي الجدران الكلسية البيضاء‪،‬‬ ‫صغ�ة‪.‬‬ ‫إضافة إىل ما يتخلَّل هذه الرسوم من مساحات بيضاء ي‬ ‫من المرجح جداً أن مصدر استلهام هذه أ‬ ‫اللوان الحية والزاهية هو الغطاء‬ ‫َّ‬ ‫ت ف‬ ‫عس� باخ�ض اره وما يحتويه من زهور وزرقة السماء الجبلية‪.‬‬ ‫النبا� ي� منطقة ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الك�ى‪ ،‬تكمن ي� استخدامها عىل الجدران الداخلية‬ ‫ولكن قيمة استعمالها ب‬ ‫البيضاء ف ي� تناقض مفاجئ مع المظهر الخارجي للجدران الخشنة المبنية‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫كا� المنشأ‪ .‬مما يضفي عىل الداخل‬ ‫من حجارة بنية ح� السواد‪ ،‬أمعظمها بر ي‬ ‫مستوى عالياً من الغنائية والناقة‪.‬‬ ‫ث‬ ‫بكث� من اللوحة‬ ‫تبقى إ‬ ‫الشارة إىل أن القط يندمج مع الجدران الداخلية أك� ي‬ ‫التقليدية ت‬ ‫ال� تعلَّق عىل الحائط من دون أي رابط مع محيطها‪ .‬فأجمل أنماط‬ ‫ي‬ ‫يس� أفقياً عىل الحائط ت‬ ‫ح� الباب‪ ،‬ثم عمودياً ليؤطِّر الباب من‬ ‫القط هو ما ي‬ ‫ال�ول ومتابعة مساره أ‬ ‫أ‬ ‫الفقي ت‬ ‫العىل‪ ،‬قبل أن يعود إىل نز‬ ‫ح� نهاية الجدار‪.‬‬ ‫إنه واحد من أوضح أشكال التعب� عن الحساس بأهمية أ‬ ‫الناقة الداخلية �ف‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تهمس أيضاً برهافة حس صاحبه أيضاً‪.‬‬ ‫البيت‪ ،‬ي‬


‫‪79 | 78‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫من عسير‪ ،‬تحاول األلمعي‬ ‫أن تحمل فن القط إلى خارج‬ ‫المنطقة للتعريف به‪ .‬فإضافة‬ ‫إلى الدورات التدريبية في‬ ‫المحترف للنساء والطالبات‪،‬‬ ‫كانت لها مشاركة مهمة‬ ‫كممثلة للمملكة في «األيام‬ ‫الثقافية» في الجزائر‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫عرضا للقط وللمالبس‬ ‫قدمت‬ ‫َّ‬ ‫التقليدية‪ ،‬كما مثلت المملكة‬ ‫في مناسبة ثقافية أقيمت قبل‬ ‫فترة في دولة اإلمارات‬


‫ف‬ ‫عس� ومالبس المرأة‬ ‫االطالع عىل تاريخ القط ي� ي‬ ‫التقليدية ف ي� المنطقة وتاريخها‪ ،‬ش‬ ‫و�اكة المرأة‬ ‫للرجل فيها‪.‬‬ ‫وبخصوص طريقة استحواذها عىل هذه‬ ‫المعروضات‪ ،‬تقول أ‬ ‫اللمعي إن معظمها هو ما‬ ‫تهدمت وأهملها أصحابها‪.‬‬ ‫جمعته من بيوت قديمة َّ‬

‫ونجاح المسعى‬

‫إن كانت الفنانة فاطمة أ‬ ‫اللمعي قبل أربع سنوات‬ ‫ش‬ ‫تخ� عىل فن القط من االندثار وتطمح إىل إنقاذه‬ ‫وضمان استمرار إنتاجه‪ ،‬فلربما كان بإمكانها اليوم أن‬ ‫تحتفل بنجاح مسعاها‪.‬‬ ‫ت‬ ‫الكب�ة‬ ‫فالمح�ف مملوء عن آخره باللوحات‪ ،‬ي‬ ‫والصغ�ة‪ .‬ما أنجز منها بات معلَّقاً عىل‬ ‫منها‬ ‫ي‬ ‫كث�ة ال تزال مثبتة عىل‬ ‫الجدران‪ ،‬وثمة لوحات ي‬ ‫أ‬ ‫الصغ�ة ت‬ ‫ح� تفرع‬ ‫الرض أو عىل المناضد‬ ‫ي‬ ‫الح َرفيات من العمل عليها‪ .‬كلها مزدانة بالقط‬ ‫ِ‬ ‫المؤلف من خطوط وتشكيالت هندسية ملونَّة‪،‬‬ ‫خ�ة ف ي� هذا‬ ‫تخطها وتلونها نساء ماهرات ذوات ب‬ ‫المجال‪.‬‬ ‫وتولِّد كل واحدة من هذه اللوحات إحساساً مختلفاً‬ ‫يحرك المزاج ف ي� اتجاه‬ ‫عند المشاهد‪ .‬وكل ألون فيها ِّ‬ ‫ف‬ ‫مختلف‪ .‬ومجموعة اللوان المستخدمة ي� القط‬ ‫المحل‪ ،‬ويحتاج‬ ‫مستوحاة مما يستسيغه المزاج‬ ‫ي‬ ‫تتحول‬ ‫اختيارها ودمجها ببعض إىل إتقان ي‬ ‫كب�‪ ،‬يك َّ‬ ‫بإضافتها إىل الخطوط السوداء‪ ،‬إىل مثل هذه‬

‫ت‬ ‫عس�‬ ‫ال� صارت من معالم ي‬ ‫اللوحات البديعة ي‬ ‫العمرانية والثقافية‪.‬‬ ‫أما أهم ما أنجزته أ‬ ‫ت‬ ‫المح�ف‪ ،‬فلم‬ ‫اللمعي ف ي� هذا‬ ‫يكن لوحة بحد ذاتها‪ ،‬بل ف ي� تطوير مهارات ‪140‬‬ ‫ت‬ ‫المح�ف للتدرب عىل يديها منذ‬ ‫سيدة قصدن هذا‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫افتتاحه قبل سنوات قليلة‪ ،‬ومن ثم انت�ن ي� أرجاء‬ ‫ويطبقن ما تعلَّمن‬ ‫ي‬ ‫عس� ليمارسن هذا الفن الجميل‪ِّ ،‬‬ ‫عىل جدران بيوت المنطقة‪.‬‬ ‫ومن عس�‪ ،‬تحاول أ‬ ‫اللمعي أن تحمل فن القط إىل‬ ‫ي‬ ‫خارج المنطقة للتعريف به‪ .‬فإضافة إىل الدورات‬ ‫ت‬ ‫المح�ف للنساء والطالبات‪ ،‬كانت لها‬ ‫التدريبية ف ي�‬ ‫مهمة كممثلة للمملكة ف� أ‬ ‫«اليام الثقافية» �ف‬ ‫مشاركة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫قدمت عرضاً للقط وللمالبس التقليدية‪،‬‬ ‫الجزائر‪ ،‬حيث َّ‬ ‫كث�اً عىل تحويل‬ ‫تصفه بأنه شكَّل لها «دفعاً ساعدها ي‬ ‫هذا الحلم إىل حقيقة»‪ .‬كما م َّثلت المملكة مرة أخرى‬ ‫ف ي� مناسبة ثقافية أقيمت قبل تف�ة ف ي� دولة إالمارات‪.‬‬ ‫تتكشف عنه من‬ ‫ولكن بموازاة هذه النجاحات وما َّ‬ ‫انتعاش االهتمام بفن القط‪ ،‬تقول أ‬ ‫اللمعي إن‬ ‫تسويق هذا الفن صعب‪ .‬والعامالت فيه ال يجدن‬ ‫الك�ى ف ي�‬ ‫دعماً يستحق الذكر‪ .‬يغ� أنها تجد مكافأتها ب‬ ‫نجاحها بإنقاذ هذا الفن من االندثار‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪81 | 80‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫ماركيز‬ ‫ّ‬ ‫الكونية‬ ‫وألعابه‬ ‫بقلم‬

‫محمد الدميني‬ ‫ال أظن أن هناك كاتباً عالمياً ق‬ ‫ال� عند رحيله كل هذا‬ ‫التبجيل واالحتفاء كما لقيهما‪ ،‬غابرييل غارسيا ي ز‬ ‫مارك�‪،‬‬ ‫الذي غادرنا ف� إبريل ض‬ ‫الما�‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫واتسعت مساحة التغطية‪ ،‬نز‬ ‫العالم االجتماعي إىل الميدان‪ ،‬فقد‬ ‫ب�ول وسائل إ‬ ‫أسهمت ف ي� تداول كل صغائر حياته وكبائرها‪ ،‬فلم يعد الحديث محصوراً‬ ‫الدبية أ‬ ‫داخل النخب أ‬ ‫والكاديمية‪ ،‬بل إن القارئ العام أصبح عىل منصة‬ ‫يقدم كتب ي ز‬ ‫مارك� ومقوالته وحواراته وصوره عىل هيئة هاشتاقات‬ ‫العرض ِّ‬ ‫(وسوم) لتصل إىل كل قارئ مهتم بأعمال هذا الكاتب السخي الذي جعل‬ ‫من قريته النائية «أراكاتاكا»‪ ،‬قرية عالمية نعيش معه ف ي� خرافاتها وطقوسها‬ ‫وعزلتها‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن الذاكرة العربية قد احتفظت بأسماء عريقة من هذه القارة‬ ‫وغ�هم‪ ،‬إال أن رباطاً‬ ‫ون�ودا‪ ،‬وآمادو‪ ،‬وفوينتس‪ ،‬وكويلهو ي‬ ‫مثل‪ :‬بورخس‪ ،‬ي‬ ‫سحرياً ظل يغذّ ي وجداننا وذاكرتنا ونحن نطارد أعمال هذا الكاتب‪.‬‬

‫العر� الذي تنكر ألدبه الخر ف يا�‬ ‫وأساط�ه ورسدياته‬ ‫والعجائ�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫رمزية لكاتبه ب ي‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ً‬ ‫أس�ا للمدارس الدبية الغربية ي� الكتابة والفكر‬ ‫ور� بالبقاء ي‬ ‫الشعبية‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫و� الرواية والقص خصوصاً‪.‬‬ ‫إجماال ً ي‬ ‫الحية بأدب ي ز‬ ‫مارك� وهي‪ :‬إقدام هذا‬ ‫لكن هناك سبباً آخر يختفي وراء عالقتنا ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ح�ن‬ ‫الكاتب عىل تعرية الحياة الرسية للديكتاتور ي� نموذجه‬ ‫الالتي�‪ ،‬وخاصة ي‬ ‫ي‬ ‫أس� نز‬ ‫الخال إال من بعض الطيور‬ ‫م�له‬ ‫يغادر وهج السلطة وبذخها‪ ،‬ليصبح ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تُركت لتؤنس وحدته‪ .‬وبما أن قارته قد عرفت نماذج للطغيان‬ ‫والحيوانات ي‬ ‫التاريخي الفريد‪ ،‬فقد خصص جملة من كتاباته لتفكيك هذه الشخصية‪،‬‬ ‫ب� أعماله ت‬ ‫لت�ز ي ن‬ ‫رواي� «خريف البطريرك» و«ليس لدى الكولونيل‬ ‫ومكوناتها ب‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫مارك� مالمح الزمن الرتيب والقاتم الذي يعيشه‬ ‫يسجل ي‬ ‫من يكاتبه»‪ ،‬وفيهما ّ‬ ‫ذلك السلطان الجائر بعد أن يغادر السلطة والمجد‪ ،‬أي «وحدة الطاغية‬ ‫الذي يدفعه تداعي نفوذه إىل الجنون» كما يقول ي ز‬ ‫مارك� ف ي� حديث معه‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫كان ي ز‬ ‫ال�‬ ‫مارك� أيضاً فنموذجاً للديب المتصل بروح مجتمعه وبالقضايا ي‬ ‫و� سبيل ذلك غادر وطنه كولومبيا مكرهاً‪ ،‬لكن دون‬ ‫تصطخب فيه‪ .‬ي‬ ‫الصالح وتعزيز المكاسب‬ ‫الكب� بدفع القارة نحو إ‬ ‫أن يتوقف عن حلمه ي‬ ‫الديمقراطية لشعوبها‪ ،‬وعاش ف ي� بالد عديدة من كوبا إىل فرنسا وإسبانيا‬ ‫والواليات المتحدة‪ ،‬لكن المكسيك بقيت الحاضنة أ‬ ‫الهم بعد وطنه‪ ،‬ي ن‬ ‫وح�‬ ‫ث‬ ‫ير� كاتباً عالمياً اختار وطنه مكاناً‬ ‫غادر الحياة هناك رثاه الرئيس‬ ‫المكسيك كما ي‬ ‫ي‬ ‫للعيش والكتابة والحلم‪ .‬وهو تقليد ال نعرف ما إذا كنا سنشهده ف ي� دولنا‬ ‫العربية يوماً ما‪ .‬وهكذا فقد كان تم ّثل الكاتب ألحالم مواطنيه والذود عنها‬ ‫عر� أو عالمي‪.‬‬ ‫يؤسس لعالقة حيوية تمس مشاعر أي مواطن ب ي‬

‫يعتقد ي ز‬ ‫مارك� أن قارته هي قارة الوحدة والعزلة‪ ،‬وهو يعنون كلمته ف ي� حفل‬ ‫ف‬ ‫تسليمه جائزة نوبل بـ «العزلة ي� أمريكا الالتينية»‪ ،‬ويرى أن أبناء قارته غرباء‬ ‫عن عالمنا وهم دائماً أقل حرية ث‬ ‫وأك� وحدة‪ ،‬بل إن روايته الخالدة‪« ،‬مائة‬ ‫ت‬ ‫يحل ش‬ ‫الكالسيك الذي ّ‬ ‫مبا�ة بعد ملحمة‬ ‫اعت�ت النص‬ ‫ال� ب‬ ‫ي‬ ‫عام من العزلة» ي‬ ‫ف‬ ‫لس�فانتس‪ ،‬هي نص الحياة ي� قريته الحقيقية‪ ،‬لكنه استعار‬ ‫«دون كيخوته» ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫لها اسماً هو «ماكوندو» ي� الرواية وهي قرية نائية ي� شمال كولومبيا تعيش‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ي� عزلة عن العالم وتصارع البقاء بع� ستة فأجيال متالحقة من العائلة ي‬ ‫العر� وجد ي� تلك القرية الخرافية نموذجاً‬ ‫أسسها خوسيه بوينديا‪ .‬القارئ ب ي‬ ‫يصلح للتماهي مع قريته‪ ،‬بل إن سيل الخرافات والوقائع الخيالية‪ ،‬وتلك‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الليال المظلمة‪ ،‬هي‬ ‫ال� ترسدها الجدات أو الجداد ي� ي‬ ‫الحكايات الغائمة ي‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫مارك� الذي‬ ‫عىل نحو ما أرض مش�كة لرسد ليالينا وحكاياتنا وخرافاتنا‪ .‬إن ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫د� سمعها من أمه وجدته‬ ‫بأن‬ ‫يع�ف ّ‬ ‫ال� أأسست تكوينه ال ب ي‬ ‫نصف الحكايات ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫نز‬ ‫ال� كانت تمل الم�ل بقصص الشباح‪ ،‬وتقص الحكايات الخيالية كما لو أنها‬ ‫ي‬ ‫حقائق طبيعية وحياتية‪ ،‬يتقدم هنا يل�فع أقفال الصمت والعيب والحرام‬ ‫والحياء‪.‬‬ ‫عنها‪ ،‬ويحيلها إىل مادة طازجة قابلة لالستلهام‬ ‫والحك إ‬ ‫ي‬

‫يبقى التأكيد أن ي ز‬ ‫مارك� هو أحد سادة الرواية الحديثة منذ نصف القرن‬ ‫ض‬ ‫الما� ت‬ ‫كث� من‬ ‫وح� اليوم‪ ،‬كان صانع أسلوب وطريقة‪ ،‬وهو عىل خالف ي‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫الروائي� الذين ُصقلت مواهبهم من خالل مرجعياتهم القصصية والشعرية‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫اعت�ها أفضل مهنة ي� العالم‬ ‫ال� ب‬ ‫فقد تبلورت موهبته بع� كواليس الصحافة ي‬ ‫وأتاحت له كتابة ما ال يحىص من التحقيقات الصحفية االستقصائية وأعاد‬ ‫بحار غريق» و«حادثة‬ ‫بناء بعضها ليصنع منها روايات المعة مثل «حكايات َّ‬ ‫اختطاف»‪.‬‬

‫ت‬ ‫العر� مع ي ز ن‬ ‫ال� تعطلت عن‬ ‫كان تماهي القارئ ب ي‬ ‫يع� أن خرافاتنا ي‬ ‫مارك� ي‬ ‫الحياة‪ ،‬قابلة‪ ،‬بعد الحفاظ عىل خصوصيتها الثقافية ومرجعيتها المكانية‪ ،‬أن‬ ‫تكون أدباً ساحراً يضيف إىل آداب العالم‪ ،‬بل لعل هذا القارئ يوجه إدانة‬

‫مارك� بصحبة أصوات ال تعد من إنعاش آ‬ ‫تمكن ي ز‬ ‫الداب والفنون ف ي� تلك القارة‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت غارقة ي� الفساد والمرض‪ ،‬ونجح ي� إخراجها من عزلتها الكونية‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫لتصبح العباً حقيقياً ي� العالم المعارص اليوم‪..‬‬


‫تقرير القافلة‬

‫أعمدة‬ ‫التنافسية‬ ‫االثنا عشر‬


‫‪83 | 82‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫أعمدة التنافسية االثنا عشر‬

‫من تقرير التنافسية العالمية ‪2014 - 2013‬‬ ‫تصدر عن منتدى‬ ‫االقتصاد العالمي‬ ‫الذي ُيعقد في‬ ‫دافوس (سويسرا)‬ ‫كل عام‪ ،‬تقارير‬ ‫تتناول االقتصاد في العالم وآخر‬ ‫مستجداته‪.‬‬ ‫وقد تناول تقرير العام ‪- 2013‬‬ ‫‪ ،2014‬بالتحليل والمناقشة‪،‬‬ ‫اقتصاد ‪ 148‬دولة‪ ،‬وهو بذلك‬ ‫ُيعد من أوسع التقارير والدراسات‬ ‫ً‬ ‫شموال‪ .‬ويشارك في‬ ‫االقتصادية‬ ‫وضعه بعض كبار الخبراء في دنيا‬ ‫المال واالقتصاد العاملين في‬

‫سويسرا‬

‫المؤسسات الدولية والحكومية‬ ‫والخاصة‪ ،‬وكذلك الجامعات‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أنه يتناول في‬ ‫بعض فصوله ما أمكن‪ ،‬اقتصاد‬ ‫كل دولة على حدة‪ ،‬وال سيما‬ ‫الدول االقتصادية الكبرى‪ ،‬إال أن‬ ‫رئيس المنتدى‪ ،‬كالوس شواب‪،‬‬ ‫تحليال عاماً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا‬ ‫أصدر في التقرير‬ ‫يشمل في نظرة واحدة‪ ،‬اقتصاد‬ ‫العالم‪ ،‬واستخلص مالحظات‬ ‫عامة‪ ،‬يمكن أن تكون‪ ،‬من وجهة‬ ‫ً‬ ‫تحليال لمجرى‬ ‫نظر المنتدى‪،‬‬ ‫األمور االقتصادية ومقترحات‬ ‫للحلول المطروحة‪ ،‬ال سيما في‬

‫ظل األزمة االقتصادية العالمية‬ ‫التي ال تزال تجرجر ذيولها‪ ،‬على‬ ‫الرغم من الجهود التي تبذل‬ ‫للخروج منها‪.‬‬ ‫فيما يلي‪ ،‬اقتطعنا من التقرير‪،‬‬ ‫فصل‪ :‬أعمدة التنافسية االثنا‬ ‫عشر‪ ،‬الذي يحلل العوامل‬ ‫المؤثرة في التنافسية‪ ،‬وزيادة‬ ‫اإلنتاجية‪ ،‬والتطور االقتصادي‬ ‫في بلد ما‪ ،‬ويقترح الحلول‬ ‫التي يراها‪ ،‬من أجل أن يحتفظ‬ ‫االقتصاد بقدرته على المنافسة‬ ‫والتجديد‪ ،‬في سوق اقتصادية‬ ‫معولمة‪.‬‬


‫دليل فرعي‪ :‬المتطلبات األساسية‬ ‫العمود ‪ :1‬المؤسسات‬ ‫العمود ‪ :2‬البنية التحتية‬ ‫العمود ‪ :3‬البيئة الماكرو اقتصادية‬ ‫العمود ‪ :4‬الصحة والتعليم األساسي‬ ‫مفتاح اقتصاد تقوده العوامل‬

‫دليل فرعي‪ :‬محفزات الجدوى‬

‫دليل التنافسية‬ ‫العالمي‬

‫العمود ‪ :5‬التعليم العالي والتدريب‬ ‫العمود ‪ :6‬فاعلية سوق السلع‬ ‫العمود ‪ :7‬جدوى سوق اليد العاملة‬ ‫تطور سوق المال‬ ‫ّ‬ ‫العمود ‪:8‬‬ ‫العمود ‪ :9‬الجاهزية التكنولوجية‬ ‫العمود العاشر‪ :‬حجم السوق‬ ‫مفتاح اقتصاد تقوده الجدوى‬

‫دليل فرعي‪ :‬عوامل التجديد والتطور‬ ‫العمود ‪ :11‬تطور األعمال‬ ‫العمود ‪ :21‬التجديد‬ ‫مفتاح اقتصاد يقوده التجديد‬

‫نعرف التنافسية على أنها مجموعة المؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫تحدد مستوى‬ ‫والسياسات والعوامل‪ ،‬التي ّ‬ ‫النتاجية بدوره‪،‬‬ ‫النتاجية في بلد ما‪ .‬ومستوى إ‬ ‫إ‬ ‫يحدد مدى االزدهار الذي يمكن‬ ‫الذي‬ ‫هو‬ ‫ّ‬ ‫يحدد أيضاً نسب‬ ‫أن يبلغه اقتصاد ما‪ .‬كما ّ‬ ‫العوائد التي تحصل عليها االستثمارات في هذا‬ ‫االقتصاد‪ .‬وهذه العوائد هي محركات أساسية‬ ‫لوتيرة النمو فيه‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬االقتصاد أ‬ ‫العلى‬ ‫تنافسية‪ ،‬ينمو مع الوقت بسرعة أكبر على‬ ‫أ‬ ‫الرجح‪.‬‬

‫في رأس المال المادي والبنية التحتية‪ ،‬إلى‬ ‫النظريات أ‬ ‫الحدث التي اهتمت بعوامل‬ ‫أخرى مثل التعليم والتدريب‪ ،‬والتطور‬ ‫التكنولوجي‪ ،‬واالستقرار الماكرو‪ -‬اقتصادي‪،‬‬ ‫وتطور الشركات‪ ،‬وجدوى‬ ‫الدارة‪،‬‬ ‫وكفاءة إ‬ ‫ّ‬ ‫السوق‪ ،‬وغيرها‪ .‬ومع كون كل هذه العوامل‬ ‫قد تكون مهمة للتنافسية والنمو‪ ،‬فإنها‬ ‫ال ينفي بعضها البعض آ‬ ‫الخر‪ ،‬فعامالن‬ ‫أو أكثر قد يكونان فاعلين في الوقت‬ ‫نفسه‪ .‬والحقيقة أن هذا ما بينته أ‬ ‫البحاث‬ ‫االقتصادية‪.‬‬

‫بمكونات‬ ‫ولذا‪ ،‬فإن مفهوم التنافسية يرتبط ّ‬ ‫ستاتيكية وديناميكية‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫تحدد قدرتَه على‬ ‫أن إ‬ ‫النتاجية في بلد ما ِّ‬ ‫عال من الدخل‪ ،‬فإنها أحد‬ ‫االحتفاظ أبمستوى ٍ‬ ‫الساسية لعوائد االستثمار‪ ،‬التي هي‬ ‫الحوافز‬ ‫أ‬ ‫بدورها من العوامل الساسية لقدرة االقتصاد‬ ‫على النمو‪.‬‬

‫حدد دليل التنافسية العالمي (‪Global‬‬ ‫لقد ّ‬ ‫أ‬ ‫‪ )Competitiveness Index GCI‬هذا الفق‬ ‫معدال ً مدروساً لمختلف‬ ‫المفتوح باحتوائه ّ‬ ‫العوامل‪ ،‬التي يقيس كل منها مظهراً مختلفاً من‬ ‫التنافسية‪ .‬هذه العوامل مجموعة في أعمدة‬ ‫التنافسية االثني عشر‪:‬‬

‫النتاجية‬ ‫تحدد إ‬ ‫كثير من العوامل ّ‬ ‫والتنافسية‪ .‬وقد شغل فهم العوامل التي‬ ‫تسير هذه العملية‪ ،‬عقول االقتصاديين‬ ‫ّ‬ ‫مئات السنين‪ ،‬فوضعوا نظريات تراوح من‬ ‫التخصص‬ ‫نظرية آدم سميث وتركيزه على‬ ‫ّ‬ ‫وتقاسم العمل‪ ،‬إلى نظريات االقتصاديين‬ ‫شددوا على االستثمار‬ ‫النيو كالسيكيين الذين ّ‬

‫الطار‬ ‫ترتسم حدود البيئة المؤسسية بواسطة إ‬ ‫القانوني والداري الذي يتعامل فيه أ‬ ‫الفراد‬ ‫إ‬ ‫والشركات مع الحكومات إلنتاج الثروة‪ .‬وقد‬ ‫زادت وضوحاً الحاجة إلى بيئة مؤسسية سليمة‬ ‫ومعافاة‪ ،‬خالل أ‬ ‫الزمة االقتصادية والمالية‬ ‫أ‬ ‫الخيرة‪ ،‬وهي حاجة ماسة‪ ،‬ال سيما لتعزيز‬

‫العمود أ‬ ‫الول‪ :‬المؤسسات‬

‫التعافي الهش‪ ،‬بالنظر إلى الدور المتعاظم‬ ‫الذي تلعبه الدولة‪ ،‬على المستوى الدولي وفي‬ ‫اقتصاد عديد من البلدان‪.‬‬ ‫إن لجودة المؤسسات أثراً كبيراً في التنافسية‬ ‫والنمو‪ .‬فهي تؤثر في قرارات االستثمار وتنظيم‬ ‫النتاج‪ ،‬وتلعب دوراً أساسياً في طرق توزيع‬ ‫إ‬ ‫تحملها تكلفة‬ ‫وفي‬ ‫الفوائد‪،‬‬ ‫المجتمعات‬ ‫ّ‬ ‫استراتيجيات التطوير وسياساته‪ .‬فمثالً‪ ،‬يرفض‬ ‫الرض‪ ،‬وحاملو أ‬ ‫مالكو أ‬ ‫السهم‪ ،‬وأصحاب‬ ‫الحقوق أ‬ ‫الدبية‪ ،‬االستثمار في تحسين‬ ‫ممتلكاتهم وصيانتها‪ ،‬إذا لم تكن حقوقهم‬ ‫محمية‪.‬‬ ‫كمالكين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الطار‬ ‫ويتجاوز دور المؤسسات مجرد إ‬ ‫القانوني‪ .‬وتتسم مواقف الحكومات من‬ ‫أ‬ ‫السواق والحريات بأهمية قصوى‪ ،‬وكذلك‬ ‫جدوى أعمالها‪ :‬فالبيروقراطية المفرطة‬ ‫والمعامالت المعرقلة والمبالغة في القيود‬ ‫والفساد وعدم النزاهة في التعامل بالعقود‬ ‫العامة‪ ،‬واالفتقار إلى الشفافية وفقدان الثقة‪،‬‬ ‫وعدم القدرة على أداء الخدمات المناسبة‬ ‫لقطاع أ‬ ‫العمال‪ ،‬وارتهان النظام القضائي‬ ‫للسياسة‪ ،‬كل هذه ترتب تكاليف اقتصادية‬ ‫كبيرة على بيئة أ‬ ‫العمال‪ ،‬وتبطئ سير تطور‬ ‫االقتصاد‪.‬‬


‫‪85 | 84‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫إضافة إلى هذا‪ ،‬فإن حسن إدارة المالية العامة‬ ‫مهم جداً في ضمان الثقة ببيئة أ‬ ‫العمال‬ ‫درجت هنا المؤشرات التي‬ ‫الوطنية‪ .‬لذلك أُ ِ‬ ‫الدارة الحكومية للمالية العامة‪ ،‬من‬ ‫تبين جودة إ‬ ‫ّ‬ ‫أجل اكتمال صورة إجراءات االستقرار الماكرو‬ ‫اقتصادي‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن أ‬ ‫الدبيات االقتصادية‬ ‫ركّزت خصوصاً على المؤسسات العامة‪،‬‬ ‫فإن المؤسسات الخاصة أيضاً عنصر مهم‬ ‫في عملية إنتاج الثروة‪ .‬لقد أبرزت أ‬ ‫الزمة‬ ‫المالية العالمية‪ ،‬وكذلك العديد من فضائح‬ ‫الشركات‪ ،‬دور المحاسبة ومعايير وضع‬ ‫التقارير والشفافية‪ ،‬في مكافحة الغش وسوء‬ ‫الدارة والحفاظ على‬ ‫الدارة‪ ،‬وضمان حسن إ‬ ‫إ‬ ‫ثقة المستثمر والمستهلك‪ .‬والخدمة الجيدة‬ ‫لالقتصاد تؤديها مؤسسات أ‬ ‫العمال التي‬ ‫تدار بنزاهة‪ ،‬والتي يلتزم فيها المديرون‬ ‫سلوكاً أخالقياً عالياً في التعامل مع الحكومة‬ ‫والشركات أ‬ ‫الخرى والجمهور عامة‪ .‬إن شفافية‬ ‫القطاع الخاص ضرورية أ‬ ‫للعمال‪ ،‬وهي ممكنة‬

‫التحقيق باعتماد المعايير وأساليب المحاسبة‬ ‫والتدقيق التي تضمن توفير المعلومات في‬ ‫الوقت المطلوب‪.‬‬

‫العمود الثاني‪ :‬البنية التحتية‬

‫والفعالة‪ ،‬أمر‬ ‫البنية التحتية المتطورة‬ ‫ّ‬ ‫ضروري لضمان عمل االقتصاد الناشط‪.‬‬ ‫وهي عامل أساسي في تعيين مواضع النشاط‬ ‫االقتصادي‪ ،‬وأنواع النشاط والقطاعات‬ ‫تتطور في بلد ما‪ .‬فالبنية‬ ‫التي يمكنها أن‬ ‫َّ‬ ‫تحد من أثر المسافات بين‬ ‫التحتية المتطورة ّ‬ ‫وتوحد السوق الوطنية وتصلها‬ ‫المناطق‪ّ ،‬‬ ‫بتكلفة منخفضة‪ ،‬مع البلدان والمناطق‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ .‬وفوق هذا‪ ،‬فإن جودة شبكة‬ ‫البنية التحتية وتطورها‪ ،‬يؤثران تأثيراً كبيراً‬ ‫على النمو ويقلصان فوارق الدخل والفقر‬ ‫بطرق متعددة‪ .‬إن تطور البنية التحتية في‬ ‫النقل واالتصاالت شرط ال بد منه اللتحاق‬ ‫المجتمعات أ‬ ‫القل تطوراً بصلب النشاطات‬ ‫والخدمات االقتصادية‪.‬‬ ‫وتتيح وسائل النقل المناسبة– ومنها الطرق‬ ‫الجيدة والسكك الحديدية والمرافئ والمطارات‪-‬‬ ‫للمقاولين أن يوفروا بضائعهم وخدماتهم‬ ‫في السوق‪ ،‬بطريقة آمنة وبال تأخير‪ ،‬وتس ّهل‬ ‫حركة العمال إلى مواقع عملهم‪ .‬كذلك يعتمد‬ ‫االقتصاد على توفير التيار الكهربائي بال انقطاع‪،‬‬ ‫حتى تعمل الشركات والمعامل بسالسة‪.‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬تتيح شبكة االتصاالت الالسلكية‬ ‫المتطورة والواسعة االنتشار‪ ،‬تدفقاً سريعاً وحراً‬ ‫للمعلومات‪ ،‬وتزيد الجدوى االقتصادية العامة‪،‬‬ ‫بضمانها االتصال بين المؤسسات والشركات‪،‬‬ ‫وتسهيل اتخاذ القرارات في مواقع القرار‬ ‫االقتصادي‪ ،‬استناداً إلى المعلومات المتوافرة‬ ‫لذلك‪.‬‬

‫العمود الثالث‪ :‬البيئة‬ ‫الماكرو اقتصادية‬

‫إن استقرار البيئة الماكرو اقتصادية مهم‬ ‫أ‬ ‫للعمال‪ ،‬ولذلك فهو مؤثر في التنافسية‬ ‫الجمالية لبلد ما‪ .‬ومع انه من المؤكد‪ ،‬أن‬ ‫إ‬ ‫االستقرار الماكرو اقتصادي وحده ال يستطيع‬ ‫أن يزيد إنتاجية شعب ما‪ ،‬إال أن المسلَّم به‪،‬‬ ‫هو أن عدم االستقرار الماكرو اقتصادي مضر‬ ‫باالقتصاد‪ ،‬كما شهدنا في السنوات أ‬ ‫الخيرة‪،‬‬ ‫ال سيما في الطار أ‬ ‫الوروبي‪.‬‬ ‫إ‬


‫فالحكومة ال تستطيع أن توفر الخدمات‬ ‫المجدية‪ ،‬إذا كان عليها أن تدفع فوائد‬ ‫مرتفعة على ديونها الماضية‪ .‬وعجز الموازنات‬ ‫يحد من قدرة الحكومة في المستقبل‪ ،‬على‬ ‫التعامل المناسب مع الدورات (‪ )cycles‬في‬ ‫بيئة أ‬ ‫العمال‪ .‬وال تستطيع الشركات أن تعمل‬ ‫بجدوى‪ ،‬حين تكون نسب التضخم فوق‬ ‫الجمال‪ ،‬ال يستطيع االقتصاد‬ ‫االحتمال‪ .‬وفي إ‬ ‫أن ينمو نمواً مستداماً إال إذا كانت البيئة‬ ‫الماكرو اقتصادية مستقرة‪ .‬وقد لفت االستقرار‬ ‫الماكرو اقتصادي أخيراً انتباه الجمهور‪ ،‬عندما‬ ‫احتاج اقتصاد بعض البلدان المتقدمة‪،‬‬ ‫ال سيما الواليات المتحدة‪ ،‬وبعض البلدان‬ ‫أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحيلولة‬ ‫دون اهتزاز االستقرار الماكرو اقتصادي‪،‬‬ ‫حين بلغت نسبة ديونها العامة مستوى غير‬ ‫مستدام‪ ،‬في إثر أ‬ ‫الزمة المالية العالمية‪.‬‬

‫العمود الرابع‪ :‬الصحة والتعليم‬ ‫أ‬ ‫الساس‬

‫إن صحة اليد العاملة حيوية لتنافسية بلد‬ ‫ما وإنتاجيته‪ .‬فالعمال المرضى ال يمكنهم‬ ‫أن يعملوا بكامل طاقتهم‪ ،‬إذ تنخفض‬ ‫إنتاجيتهم‪ .‬والمرض يرتب تكاليف كبيرة على‬ ‫الشركات‪ ،‬فالعمال المرضى يتغيبون عن‬ ‫العمل أو يعملون بمستوى منخفض من‬ ‫الجدوى‪ .‬ولذا فإن االستثمار في الخدمات‬ ‫الصحية ضروري في االقتصاد السليم‪،‬‬ ‫مثل االستثمار في الصحة المعنوية‬ ‫واعتباراتها‪.‬‬ ‫إضافة إلى الصحة‪ ،‬يأخذ هذا العمود في‬ ‫الحسبان مقدار التعليم أ‬ ‫الساس المتوافرة‬ ‫للشعب وجودته‪ ،‬وهو تعليم متعاظم‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الهمية في اقتصاد اليوم‪ .‬فالتعليم الساس‬ ‫يرفع مستوى إنتاجية العامل الفرد‪ .‬إضافة إلى‬ ‫هذا‪ ،‬فإن العمال الذين حصلوا على القليل‬ ‫من التعليم الرسمي‪ ،‬ال يقوون إال َّ على المهام‬ ‫اليدوية البسيطة‪ ،‬ويجدون صعوبة في‬ ‫النتاج المتطورة وتقنياتها‬ ‫التكيف مع وسائل إ‬ ‫المتقدمة‪ .‬ولذا فإن إسهامهم في االبتكار أقل‬ ‫من آ‬ ‫الخرين‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬يمكن النعدام‬ ‫أ‬ ‫التعليم الساس‪ ،‬أن يصبح عقبة في وجه‬ ‫تطوير الشركات‪ ،‬حين تصادف مصاعب في‬ ‫رفع مستوى العمل‪ ،‬وتعزيز جودة المنتجات‬ ‫وقيمتها‪.‬‬

‫العمود الخامس‪ :‬التعليم العالي‬ ‫والتدريب‬

‫التعليم العالي الجيد والتدريب ضروريان‬ ‫لالقتصاد الذي ينوي أن يرفع مستوى جودة‬ ‫النتاج البدائية‬ ‫المنتجات‪ ،‬متخطياً وسائل إ‬ ‫والمنتجات البسيطة‪ .‬فثمة صالت قائمة‬ ‫بين تعزيز معايير الجودة العابرة للحدود‪،‬‬ ‫والتنافسية‪ .‬وعلى الخصوص‪ ،‬تتطلّب عولمة‬ ‫تشجع‬ ‫االقتصاد من البلدان المختلفة‪ ،‬أن ِّ‬ ‫االتصال الفكري بين العاملين ذوي التعليم‬ ‫العالي‪ ،‬القادرين على أداء مهام معقدة‬ ‫المتبدلة ومع‬ ‫والتكيف بسرعة مع بيئتهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النتاج‪ .‬ويفرض هذا‬ ‫الحاجات المتطورة لنظام إ‬ ‫العمود قياس مستويي التوظيف الثاني والثالث‪،‬‬ ‫يحددها رؤساء‬ ‫وكذلك جودة التعليم كما ّ‬ ‫الشركات‪ ،‬وأيضاً مدى التدريب الالزم للعاملين‪،‬‬ ‫بسبب أهمية التدريب المهني المتواصل‪،‬‬ ‫في أثناء أداء العمل‪ -‬وهو أمر يهمله كثير من‬ ‫البلدان‪ -‬لضمان عدم التوقف عن تعزيز مهارة‬ ‫العاملين‪.‬‬

‫العمود السادس‪ :‬فاعلية سوق‬ ‫السلع‬

‫فعالة‪،‬‬ ‫تكون البلدان التي تتوافر لها سوق سلع ّ‬ ‫في وضع جيد إلنتاج المجموعة المناسبة من‬ ‫السلع والخدمات‪ ،‬نظراً إلى شروطها المتالئمة‬ ‫مع العرض والطلب‪ ،‬وإلى سعيها لضمان أن‬ ‫تكون هذه السلع قابلة للتسويق في االقتصاد‪.‬‬ ‫والمنافسة في السوق الصحية‪ ،‬المحلية‬ ‫والخارجية‪ ،‬هي منافسة مفيدة في السوق‬ ‫الفعالة‪ ،‬وبالتالي في إنتاجية الشركات‪ ،‬فهي‬ ‫ّ‬ ‫تضمن أن تصنع أجدر الشركات السلع التي‬ ‫تطلبها السوق‪ ،‬فتكون هذه أكثر الشركات‬ ‫ازدهاراً‪.‬‬ ‫إن أفضل بيئة ممكنة لتبادل السلع‪ ،‬تتطلب‬ ‫أدنى مستوى ممكن من تدخل الدولة الذي‬ ‫يعوق نشاط أ‬ ‫العمال‪ .‬فمثالً‪ ،‬تعاق التنافسية‬ ‫المثقلة‪ ،‬ومن جراء‬ ‫بفعل الضرائب‬ ‫المشوهة أو ِ‬ ‫ِّ‬ ‫القواعد التي تحد االستثمار أ‬ ‫الجنبي المباشر‬ ‫ّ‬ ‫تميز‬ ‫أو‬ ‫‪-)Foreign‬‬ ‫‪Direct‬‬ ‫‪Investment‬‬ ‫(‪FDI‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫حياله على نحو يحدد الملكية الجنبية‪ -‬أو‬ ‫من جراء القيود التي تقيد التجارة الدولية‪.‬‬ ‫الزمة االقتصادية أ‬ ‫لقد سلطت أ‬ ‫الخيرة الضوء‬ ‫على االرتباط القوي بين اقتصاد البلدان في‬ ‫العالم‪ ،‬ومدى عالقة النمو أ‬ ‫بالسواق المفتوحة‪.‬‬


‫‪87 | 86‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫بين الشبان‪ ،‬عالية أيضاً في عدد من الدول‬ ‫أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬حيث ال تزال تقوم حواجز مهمة‬ ‫تحول دون دخول سوق العمل‪.‬‬ ‫على أسواق اليد العاملة المجدية أيضاً أن‬ ‫توفّر حوافز واضحة وقوية للعاملين‪ ،‬وتبذل‬ ‫جهوداً لتعزيز فلسفة المكافأة في بيئة العمل‪،‬‬ ‫وأن تضمن حقوق المساواة في أ‬ ‫العمال بين‬ ‫المرأة والرجل‪ .‬فإذا أُخذت هذه العوامل معاً‬ ‫في الحسبان‪ ،‬فسيكون لها أثر إيجابي على أداء‬ ‫العامل وجاذبية البلد للمواهب‪ ،‬وهما مظهران‬ ‫متناميان في أ‬ ‫الهمية‪ ،‬نظراً إلى شح المواهب‬ ‫الذي يلوح في أ‬ ‫الفق‪.‬‬

‫تطور سوق المال‬ ‫العمود الثامن‪ّ :‬‬ ‫أ‬

‫وإجراءات الحماية مضرة ألنها تقلّص النشاط‬ ‫االقتصادي العام‪.‬‬ ‫وتتوقّف فعالية السوق أيضاً على شروط‬ ‫وتطور أساليب‬ ‫توجه المستهلك‬ ‫الطلب‪ ،‬مثل ّ‬ ‫ّ‬ ‫عمل البائع‪ .‬أ‬ ‫فلسباب ثقافية أو تاريخية‪ ،‬قد‬ ‫يكون الزبائن أكثر تطلباً في بعض البلدان‪،‬‬ ‫الخر‪ .‬وقد ينشئ هذا أ‬ ‫من بعضها آ‬ ‫المر ميزة‬ ‫تنافسية مهمة‪ ،‬ألنه يجبر الشركات على أن تكون‬ ‫وتوجهاً نحو المستهلك‪ ،‬وبذلك‬ ‫أكثر تجديداً ّ‬ ‫يَفرض السلوك الضروري لتحقيق الفعالية في‬ ‫السوق‪.‬‬

‫العمود السابع‪ :‬جدوى سوق اليد‬ ‫العاملة‬

‫تُعد جدوى سوق اليد العاملة ومرونتها حيوية‬ ‫في ضمان أن يعمل العامل في أجدى وظيفة‬ ‫له في االقتصاد‪ ،‬وأن يعطى الحوافز‪ ،‬حتى‬ ‫يؤدي أفضل أداء في عمله‪ .‬لذا ينبغي أن تكون‬ ‫سوق اليد العاملة مرنة‪ ،‬حتى ينتقل العامل من‬ ‫نشاط اقتصادي ما إلى آخر‪ ،‬وبتكلفة منخفضة‪،‬‬ ‫وأن تتيح حركة في أ‬ ‫الجور‪ ،‬من دون اضطراب‬ ‫اجتماعي‪ .‬لقد ظهرت أهمية هذا أ‬ ‫المر على نحو‬ ‫دراماتيكي في أحداث البلدان العربية‪ ،‬حيث‬ ‫كان تصلّب أسواق اليد العاملة سبباً مهماً في‬ ‫ارتفاع نسبة بطالة الشبان‪ ،‬وأدى إلى اشتعال‬ ‫االضطراب االجتماعي في تونس‪ .‬ونسبة البطالة‬

‫ألقت الزمة المالية واالقتصادية الضوء على‬ ‫الدور المركزي الذي يلعبه القطاع المالي‬ ‫السليم‪ ،‬في النشاط االقتصادي‪ .‬فالقطاع‬ ‫الفعال يوفّر الموارد التي ّيدخرها مواطنو‬ ‫المالي ّ‬ ‫بلد ما‪ ،‬وأولئك الذين يدخلون االقتصاد آتين من‬ ‫الخارج‪ ،‬من أجل أكثر أ‬ ‫الغراض إنتاجية‪ .‬إنه يمد‬ ‫بالموارد مشاريع المقاوالت أو االستثمارات التي‬ ‫تملك أعلى معايير الدخل المتوقّعة‪ ،‬ال تلك‬ ‫يعد تقدير‬ ‫التي تملك النفوذ السياسي‪ .‬ولذا ّ‬ ‫المخاطر الدقيق والسليم‪ ،‬شرطاً ضرورياً لسوق‬ ‫المال الجيدة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫للنتاجية‪.‬‬ ‫يعد ضرورياً إ‬ ‫واالستثمار في العمال ّ‬ ‫متطورة‪،‬‬ ‫لذا يحتاج االقتصاد إلى أسواق مال‬ ‫ّ‬ ‫تستطيع أن توفّر رأس المال الستثمار القطاع‬ ‫الخاص‪ ،‬من مصادر كالقروض من قطاع مصرفي‬ ‫الدارة‪ ،‬واستثمار‬ ‫سليم‪ ،‬وتبادل سندات جيدة إ‬ ‫رؤوس المال‪ ،‬والمنتجات المالية أ‬ ‫الخرى‪ .‬ومن‬ ‫أجل أداء كل هذه المهام‪ ،‬يحتاج القطاع‬ ‫المصرفي إلى أن يزرع الثقة وأن يكون شفافاً‪،‬‬ ‫وكما قيل أخيراً على نحو واضح‪ ،‬أن يكون‬ ‫ألسواق المال تنظيم جيد لحماية المستثمرين‬ ‫والالعبين آ‬ ‫الخرين في ميدان االقتصاد عموماً‪.‬‬

‫العمود التاسع‪ :‬الجاهزية‬ ‫التكنولوجية‬

‫في االقتصاد المعولم اليوم‪ ،‬يتعاظم دور‬ ‫التكنولوجيا في الشركات‪ ،‬حتى تتمكن من‬ ‫المنافسة واالزدهار‪ .‬ويتضمن عمود الجاهزية‬ ‫التكنولوجية قياس سرعة اعتماد اقتصاد ما‬ ‫النتاجية‬ ‫الوسائل التكنولوجية المتاحة لتعزيز إ‬


‫في الصناعة‪ ،‬مع تشديد خاص على قدرة هذا‬ ‫االقتصاد على االستفادة التامة من تكنولوجيا‬ ‫المعلومات واالتصاالت (‪Information and‬‬ ‫‪ )Communication Technologies ICT‬في‬ ‫النتاج‪ ،‬لتحسين‬ ‫النشاط اليومي وخطوط إ‬ ‫الجدوى والقدرة على التجديد من أجل‬ ‫التنافسية‪.‬‬ ‫تطورت تكنولوجيا المعلومات‬ ‫لقد ّ‬ ‫واالتصاالت‪ ،‬لتصبح "تكنولوجيا لكل‬ ‫أ‬ ‫الغراض" في زمننا هذا‪ ،‬نظراً إلى امتداد‬ ‫فوائدها إلى القطاعات االقتصادية أ‬ ‫الخرى‪،‬‬ ‫ودورها بصفتها بنية تحتية لتوسيع آفاق‬ ‫الصناعة‪ .‬لذا فإن اعتماد تكنولوجيا‬ ‫المعلومات واالتصاالت‪ ،‬واستخدامها‪،‬‬ ‫يشكالن مفتاحاً أساسياً لبلوغ البلدان‬ ‫الجاهزية التكنولوجية الشاملة‪.‬‬ ‫وسواء أكانت هذه التكنولوجيا المستخدمة‪،‬‬ ‫من نتاج وطني أم أجنبي‪ ،‬فال فرق في قدرتها‬ ‫النتاجية‪ .‬والنقطة المركزية هي أن‬ ‫على تعزيز إ‬ ‫الشركات العاملة في بالد ما‪ ،‬تحتاج إلى اعتماد‬ ‫منتجات أو تصاميم متطورة‪ ،‬وإلى القدرة‬ ‫على استيعابها واستخدامها‪ .‬ومن المصادر‬ ‫الرئيسة للتكنولوجيا أ‬ ‫الجنبية‪ ،‬يلعب االستثمار‬ ‫أ‬ ‫الجنبي المباشر عادة دوراً مركزياً‪ ،‬ال سيما في‬ ‫أ‬ ‫التطور التكنولوجي‪.‬‬ ‫البلدان القل تقدماً في‬ ‫ّ‬ ‫الشارة في هذا السياق‪ ،‬إلى أن‬ ‫وال بد من إ‬ ‫التكنولوجيا المتاحة للشركات في بلد ما‪،‬‬ ‫تحتاج إلى أن تكون متقدمة على مستوى قدرة‬ ‫هذا البلد على أ‬ ‫البحاث العديمة التطور‪ ،‬وأن‬ ‫يوسع‬ ‫تطور تكنولوجيا متقدمة للتجديد الذي ّ‬ ‫آفاق المعرفة‪ .‬لهذا نفصل بين الجاهزية‬ ‫التكنولوجية والتجديد‪ ،‬الذي يتناوله العمود‬ ‫الثاني عشر‪ ،‬أدناه‪.‬‬

‫العمود العاشر‪ :‬حجم السوق‬

‫النتاجية‪ ،‬ما دامت‬ ‫يؤثّر حجم السوق في إ‬ ‫أ‬ ‫السواق الكبيرة تتيح للشركات أن تستغل‬ ‫اقتصاد هذا الحجم‪ .‬لقد كانت أ‬ ‫السواق‬ ‫المتاحة للشركات‪ ،‬محدودة تقليدياً بالحدود‬ ‫الوطنية‪ .‬وفي عصر العولمة‪ ،‬حلت أ‬ ‫السواق‬ ‫الدولية محل أ‬ ‫السواق المحلية‪ ،‬ال سيما للبلدان‬ ‫الصغيرة‪ .‬ويشير المنطق الشائع إلى أن االنفتاح‬ ‫التجاري مرتبط ارتباطاً إيجابياً بالنمو‪ .‬وحتى لو‬ ‫البحاث أ‬ ‫كانت بعض أ‬ ‫الخيرة تثير الشكوك حول‬

‫صالبة هذه العالقة‪ ،‬إال أن ثمة إحساساً عاماً‪،‬‬ ‫بأن للتجارة أثراً إيجابياً في النمو‪ ،‬ال سيما في‬ ‫البلدان ذات السوق المحلية الصغيرة‪.‬‬ ‫لذلك يمكن النظر إلى الصادرات على أنها‬ ‫بديل عن الطلب المحلي‪ ،‬في تعيين حجم‬ ‫السوق للشركات في بلد ما‪ .‬وإذ نضم كال ً من‬ ‫السوق المحلية أ‬ ‫والسواق الخارجية معاً في‬ ‫قياسنا لحجم السوق‪ ،‬فإننا نأخذ في الحسبان‬ ‫االقتصاد الم ّتجه إلى التصدير‪ ،‬وكذلك‬ ‫المناطق الجغرافية (كاالتحاد أ‬ ‫الوروبي مثال ً)‬ ‫التي تضم بلداناً عديدة‪ ،‬لكن لها سوقاً مشتركة‬ ‫واحدة‪.‬‬

‫العمود الحادي عشر‪ :‬تطور‬ ‫أ‬ ‫العمال‬

‫ال شك في أن تطور (‪)sophistication‬‬ ‫أساليب إدارة شركات أ‬ ‫العمال‪ ،‬يؤدي إلى‬ ‫تعزيز الجدوى في إنتاج السلع والخدمات‪.‬‬ ‫ويختص تطور هذه أ‬ ‫الساليب بعنصرين‬ ‫مترابطين ترابطاً معقّداً‪ :‬جودة شبكات أ‬ ‫العمال‬ ‫العامة في بلد ما‪ ،‬وجودة أعمال كل شركة‬ ‫واستراتيجيتها منفردة‪ .‬هذه العوامل مهمة جداً‬ ‫للبلدان‪ ،‬في مراحل التطور المتقدمة‪ ،‬حين‬ ‫أ‬ ‫النتاجية قد‬ ‫تكون المصادر الولية لتحسين إ‬ ‫حد بعيد‪ .‬إن مستوى جودة‬ ‫نفدت‪ ،‬إلى ّ‬ ‫اس ُت َ‬ ‫أ‬ ‫شبكات العمال والصناعات المساندة في‬ ‫بلد ما‪ ،‬وهي جودة نقيسها بعدد المنتجين‬ ‫المحليين ومستواهم ومدى تعاونهم‪ ،‬مهمة‬ ‫ألسباب عديدة‪ .‬فعندما تكون الشركات ويكون‬ ‫المنتجون في قطاع ما على اتصال فيما بينهم‪،‬‬ ‫ضمن مدى جغرافي قريب‪ ،‬في شكل عنقود‬ ‫تتحسن الجدوى‪ ،‬وتتاح مجاالت‬ ‫(‪ّ )cluster‬‬ ‫أكبر للتجديد في أساليب العمل والمنتجات‪،‬‬ ‫وتتقلص الحدود لدخول شركات جديدة‪ .‬أما‬ ‫االستراتيجيات وأساليب العمل المتقدمة في‬ ‫شركات أ‬ ‫العمال الفردية (العالمة التجارية‪،‬‬ ‫النتاج المتطورة‪،‬‬ ‫والتسويق‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬ووسائل إ‬ ‫وإنتاج منتجات متقدمة) فتفيض على مجمل‬ ‫االقتصاد‪ ،‬وتستفيد منها الشركات أ‬ ‫الخرى‪،‬‬ ‫لتحسين أساليب عملها وتحديثها‪ ،‬في كل‬ ‫قطاعات أ‬ ‫العمال في البالد‪.‬‬

‫العمود الثاني عشر‪ :‬التجديد‬

‫يمكن أن يَنتج التجديد من المعرفة الجديدة‪،‬‬ ‫التكنولوجية وغير التكنولوجية‪ .‬التجديد غير‬


‫‪89 | 88‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫التكنولوجي مرتبط جداً بالمهارة والبراعة‬ ‫وظروف العمل التي توفرها النظم‪ ،‬ولذلك فإنه‬ ‫عولج إلى حد بعيد في العمود الحادي عشر‪.‬‬ ‫وأما عمود التنافسية أ‬ ‫الخير هذا فيركز على‬ ‫التجديد التكنولوجي‪ .‬على الرغم من المكاسب‬ ‫الكبيرة التي يمكن جنيها‪ ،‬بتحسين المؤسسات‪،‬‬ ‫وإنشاء البنية التحتية‪ ،‬وتقليص عدم االستقرار‬ ‫الماكرو اقتصادي‪ ،‬وتعزيز رأس المال البشري‪،‬‬ ‫فإن جميع هذه العوامل تُقتطَع من الدخل‪.‬‬ ‫ويقال الشيء نفسه في جدوى اليد العاملة‪،‬‬ ‫وأسواق المال والسلع‪ .‬وفي المدى البعيد‪،‬‬ ‫يحسن كثيراً‬ ‫يمكن للتجديد التكنولوجي أن ّ‬ ‫مستوى المعيشة‪.‬‬ ‫لقد كانت الثورة التكنولوجية سبباً في تقدم‬ ‫النتاجية في مجاالت كثيرة‪ ،‬في تاريخ‬ ‫إ‬ ‫اقتصادنا‪ .‬ويراوح هذا التقدم من الثورة‬ ‫الصناعية في القرن الثامن عشر‪ ،‬واختراع‬ ‫المحرك البخاري وتوليد الكهرباء‪ ،‬حتى الثورة‬ ‫أ‬ ‫تبدل فقط‬ ‫الرقمية الخيرة‪ .‬فهذه الثورة لم ّ‬ ‫أ‬ ‫أسلوب فعل الشياء‪ ،‬بل فتحت أيضاً مجاال ً‬ ‫أرحب الحتماالت جديدة في المنتجات‬ ‫والخدمات‪ .‬والتجديد مهم جداً لالقتصاد‬ ‫ال سيما في البلدان التي تقترب من حدود‬ ‫المعرفة‪ .‬والقدرة على إنتاج قيمة مضافة‪،‬‬ ‫باعتمادها فقط وتكييفها التكنولوجيا أ‬ ‫الجنبية‪،‬‬ ‫تتجه إلى االضمحالل‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن البلدان أ‬ ‫القل تقدماً‪ ،‬ال تزال‬ ‫قادرة على تحسين إنتاجيتها باعتماد التكنولوجيا‬

‫المتاحة‪ ،‬أو بتحسينها مكاسبها في مجاالت‬ ‫أخرى‪ ،‬فإن هذا أ‬ ‫المر لم يعد كافياً للبلدان التي‬ ‫بلغت مرحلة تجديد التطور‪ ،‬من أجل زيادة‬ ‫النتاجية‪ .‬وعلى الشركات في هذه البلدان‪ ،‬أن‬ ‫إ‬ ‫تصمم وتطور أحدث المنتجات أ‬ ‫والساليب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لحفظ تنافسيتها والتقدم نحو منتجات ذات‬ ‫قيمة مضافة أعلى‪ .‬ويتطلب هذا التقدم‪ ،‬بيئة‬ ‫مالئمة للنشاط التجديدي‪ ،‬يساندها القطاعان‬ ‫العام والخاص‪.‬‬ ‫وعلى وجه التخصيص‪ ،‬يعني هذا التقدم‬ ‫استثماراً كافياً في أ‬ ‫البحاث والتطوير‪ ،‬خصوصاً‬ ‫في القطاع الخاص؛ ووجود مؤسسات أبحاث‬ ‫علمية عالية المستوى‪ ،‬قادرة على إنتاج المعرفة‬ ‫الضرورية لبناء التكنولوجيا الجديدة؛ والتعاون‬ ‫الواسع في أ‬ ‫البحاث والتطوير التكنولوجي بين‬ ‫الجامعات والصناعة؛ وحماية الحقوق أ‬ ‫الدبية‪،‬‬ ‫إضافة إلى مستوى رفيع من التنافس‪ ،‬وإتاحة‬ ‫رأس المال والتمويل‪.‬‬ ‫وفي ضوء التعافي االقتصادي البطيء‪،‬‬ ‫وتعاظم ضغوط الموازنة في الدول ذات‬ ‫االقتصاد المتقدم‪ ،‬ال بد من أن يقاوم‬ ‫القطاعان العام والخاص الضغوط الرامية‬ ‫إلى االقتطاع من موازنات أ‬ ‫البحاث والتطوير‪،‬‬ ‫ألنها حيوية جداً لمواصلة النمو المستدام في‬ ‫المستقبل‪.‬‬

‫ترابط أ‬ ‫العمدة االثني عشر‬

‫على الرغم من أننا عالجنا مضمون أعمدة‬ ‫التنافسية االثني عشر‪ ،‬كال ً على حدة‪ ،‬إال أنه‬ ‫ال بد من أن نالحظ أنها ليست مستقلة واحدها‬ ‫عن آ‬ ‫الخر‪ .‬وهي تميل إلى مساندة بعضها‬ ‫بعضا‪ .‬وغالباً ما يُ ِلحق الضعف في أحدها‬ ‫الضرر أ‬ ‫بالخرى‪ .‬فمثالً‪ ،‬يصعب جداً بلوغ‬ ‫قدرة قوية على التجديد (العمود ‪ ،)12‬دون يد‬ ‫عاملة جيدة التعليم والتدريب (العمودان ‪4‬‬ ‫و‪ ،)5‬قادرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة‬ ‫كاف (العمود ‪)8‬‬ ‫(العمود ‪ )9‬ومن دون تمويل ٍ‬ ‫أ‬ ‫للبحاث والتطوير‪ ،‬أو من دون وجود سوق‬ ‫فعالة‪ ،‬تتيح تسويق السلع الجديدة‬ ‫سلع ّ‬ ‫أ‬ ‫(العمود ‪ .)6‬ومع أن العمدة االثني عشر‬ ‫درجت على دليل واحد‪ ،‬إال أن مؤشراتها يجب‬ ‫أُ ِ‬ ‫أ‬ ‫أن تقاس على انفراد‪ ،‬لن هذه المؤشرات تشير‬ ‫إلى النطاق الخاص الذي يحتاج فيه بلد ما إلى‬ ‫التحسين‪.‬‬


‫الملف‪:‬‬

‫المركبة‬ ‫الفضائية‬ ‫واآلفاق غير‬ ‫المنظورة‬

‫د‪ .‬فكتور سحاب‬

‫لم يكن لها أي حضور‪ ،‬وال حتى في األحالم منذ فجر الحضارة‬ ‫ً‬ ‫نسبيا‪.‬‬ ‫وحتى األمس القريب‬ ‫ظهرت ً‬ ‫أوال عند أدباء الخيال العلمي في القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫وفي القرن التالي أصبحت حقيقة ملموسة‪ ،‬كانت أخبارها‬ ‫تحبس أنفاس العالم‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فبات عليها أن تحقق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إنجازا غير مسبوق‪ ،‬لكي تستقطب بعض األضواء‬ ‫اكتشافا أو‬ ‫اإلعالمية وتسترعي انتباهنا‪.‬‬ ‫إنها المركبة الفضائية التي بدأت رحالتها بخطوات مترددة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أمياال قليلة عن أرضها األم‪ ،‬وهاهي اليوم بعد‬ ‫فلم تبتعد إال‬ ‫نصف قرن تخرج من مجموعتنا الشمسية متجاوزة أبعد‬ ‫كواكبها‪.‬‬ ‫وألن أي مركبة فضائية مهما صغر حجمها و«تواضعت»‬ ‫مهمتها تجمع في صناعتها من العلوم واالختصاصات ما‬ ‫يستحيل حتى تعداده في هذا الملف‪ ،‬ستقتصر رحلتنا هنا‬ ‫على استعراض مسيرتها بما تنطوي عليه من دالالت تختزل‬ ‫أضخم طموحات اإلنسان على اإلطالق‪ ،‬وتستشرف آفاق‬ ‫مستقبلها‪ ..‬إذا كانت أمامها أية آفاق‪.‬‬

‫‪shutterstock / Algol‬‬


‫‪91 | 90‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫مشهد من ِفلم‬ ‫«‪ :2001‬أوديسة الفضاء»‬

‫ثمة قراءتان مختلفتان لما آل إليه بناء المركبات‬ ‫الفضائية ومشاريع استكشاف الفضاء‪ .‬فالذين‬ ‫يقارنون واقع الحال اليوم بما كان عليه ف ي� ستينيات‬ ‫وسبعينيات القرن ض‬ ‫الما� استناداً إىل بريقه‬ ‫في‬ ‫العالمي‪ ،‬يقولون بوجود هدوء أو تباطؤ ي� برامج الفضاء وصناعة‬ ‫إ‬ ‫ِّ‬ ‫المركبات الالزمة الستكشافه ويدللون عىل وجهة نظرهم هذه‬ ‫ئ أ‬ ‫ش‬ ‫المؤ�ات‪.‬‬ ‫وغ�ه من‬ ‫بانتهاء برنامج المكوك‬ ‫مريك‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫الفضا� ال ي‬ ‫ف‬ ‫العالمي تأكيداً عىل أن‬ ‫ال�يق إ‬ ‫ولكن قراءة أخرى‪ ،‬ترى ي� فقدان ب‬ ‫مشاريع استكشاف الفضاء والصناعات الالزمة له‪ ،‬أصبحت من‬ ‫النسانية‪ .‬ولذا‪ ،‬فإنها فقدت بعضاً من قدرتها‬ ‫نسيج المعارف إ‬ ‫السابقة عىل الثارة‪ ،‬وأصبحت منجزاتها وأخبارها مثل منجزات با�ق‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫العلوم وأخبارها‪.‬‬ ‫ن‬ ‫الثا� ش‬ ‫سبتم� ‪2013‬م‪ ،‬أعلنت وكالة الفضاء‬ ‫ع� من‬ ‫ب‬ ‫ففي ي‬ ‫أ‬ ‫غ� المأهولة «فوياجر‬ ‫المريكية (ناسا) أن المركبة الفضائية ي‬ ‫‪ »1‬قد خرجت من نطاق مجموعتنا الشمسية ودخلت «الفراغ»‬ ‫الفاصل «البينجمي» منذ ‪ 25‬أغسطس ‪2012‬م‪ ،‬وأنها تتابع رحلتها‬ ‫كيلوم�اً ف� الثانية‪ ،‬وستستمر ف� مهمتها ت‬ ‫ت‬ ‫ح� العام‬ ‫برسعة ‪17‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫‪2025‬م‪ ،‬تاريخ نفاد ما عليها من طاقة‪ ..‬وكانت «فوياجر ‪»1‬‬ ‫المش�ي وأرسلت أول صور له أ‬ ‫ت‬ ‫ولقماره عام‬ ‫قد مرت بكوكب‬ ‫ف‬ ‫التال‪ .‬وإضافة إىل‬ ‫‪1979‬م‪ ،‬ومن ثم مرت بكوكب زحل ي� العام ي‬ ‫ئ‬ ‫الكيميا�‪ ،‬استعانت هذه المركبة بقوة‬ ‫اعتمادها جزئياً عىل الوقود‬ ‫ي‬

‫ت‬ ‫والمش�ي ونبتون‪،‬‬ ‫الك�ى‪ ،‬زحل‬ ‫جاذبية كواكب النظام‬ ‫الشمس ب‬ ‫ي‬ ‫الشمس‪.‬‬ ‫من أجل أن تزيد رسعتها وتفلت من جاذبية النظام‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫صغ� آخر‪ ،‬ذكرتنا «ناسا» أن هذه المركبة‬ ‫و� قراءة لتفصيل ي‬ ‫ي‬ ‫سبتم� عام ‪1977‬م‪ ،‬أي بعد ش‬ ‫ع�ين عاماً‬ ‫كانت قد أطلقت ف ي�‬ ‫ب‬ ‫من إطالق أول قمر صناعي‪ .‬وما ي ن‬ ‫النسان‬ ‫ب� هذا وذاك‪ ،‬هبط إ‬ ‫وس� عربات من صنعه عىل سطح المريخ تبحث‬ ‫عىل سطح القمر ي َّ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫اليوم عن الماء واحتماالت الحياة هناك‪ ،‬ون� آالف القمار‬ ‫الصناعية ف� مدارات حول أ‬ ‫الرض‪ ،‬لغايات تت�اوح ما ي ن‬ ‫ب� دراسة‬ ‫ي‬ ‫المجرات البعيدة وتاريخ الكون‪ ،‬وتمرير اتصاالتنا الهاتفية‪ .‬فكيف‬ ‫وت�ة تسارعت فصولها؟‪.‬‬ ‫بدأت هذه الملحمة‪ ،‬وبأي ي‬ ‫ف ي� تعريف المركبات الفضائية‪ ،‬أنها مركبات أو عربات أو‬ ‫كبسوالت‪ ،‬مصنوعة للتحليق ف ي� الفضاء الخارجي‪ ،‬أي خارج غالف‬ ‫أ‬ ‫الرض الجوي‪ .‬ويمكن للمركبة الفضائية أن تكون مأهولة أو‬ ‫خالية من أ‬ ‫الحياء‪ .‬وقد ال ينطوي غرضها عىل نقل شب�‪ ،‬بل يرمي‬ ‫القمار الصناعية حول أ‬ ‫الكو�‪ ،‬أو شن� أ‬ ‫ن‬ ‫الرض‪ .‬وقد‬ ‫إىل الرصد‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ً‬ ‫غ� المأهولة‪،‬‬ ‫يكون مفيدا‬ ‫التمي� يب� المركبات المأهولة وتلك ي‬ ‫ي‬ ‫بتسمية أ‬ ‫الوىل مركبات‪ ،‬والثانية أقماراً صناعية‪ .‬لكن ثمة نوعاً‬ ‫ثالثاً من المركبات الفضائية‪ ،‬غرضها نقل معدات أبحاث‪ ،‬إلنزالها‬ ‫غ�هما‪ ،‬من أجل إجراء أبحاث ف ي�‬ ‫عىل سطح القمر أو المريخ‪ ،‬أو ي‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫غ�ها بتسميتها‬ ‫م� عن ي‬ ‫الغالف الجوي أو ال�بة أو ما شابه‪ ،‬وتُ ي َّ‬ ‫اصطالحاً «عربات»‪.‬‬


‫مدوية‪ ،‬هو قمر «سبوتنيك» ن‬ ‫(يع� االسم‪ :‬رفيق‬ ‫مفاجأة دولية ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫السوفيا� ي� ‪ 4‬أكتوبر ‪1957‬م‪ ،‬ي� مدار‬ ‫السفر)‪ ،‬الذي أطلقه االتحاد‬ ‫ي‬ ‫للطالق ن‬ ‫سياس وعسكري وتكنولوجي‪ ،‬ال يقل‬ ‫مع�‬ ‫إهليلجي‪ .‬كان إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫عن مغزاه العلمي‪ ،‬ي� السباق الشامل آنذاك يب� الواليات المتحدة‬ ‫ت‬ ‫واالتحاد‬ ‫السوفيا�‪ .‬ومع أن إطالق «سبوتنيك» كان حدثاً معزوالً‪ ،‬إال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫أنه افتتح عرص الفضاء ي� هذا السباق‪.‬‬

‫‪Wernher_von_Braun @ NASA‬‬

‫ورنر فون براون‬

‫تاريخ المركبات الفضائية‬ ‫المحاوالت أ‬ ‫الوىل‬ ‫قلما يذكر التاريخ‪ ،‬أن أوىل المحاوالت إلطالق مصنوعات أرضية إىل‬ ‫الفضاء‪ ،‬كانت ألمانية‪ ،‬إبان الحرب العالمية الثانية‪ .‬فقد أطلق العلماء‬ ‫اللمان ف� أوائل أ‬ ‫أ‬ ‫الربعينيات من القرن الميالدي ض‬ ‫الما�‪ ،‬صواريخ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�‪ .‬والمعروف اصطالحاً لدى‬ ‫«� – ‪ ،»2‬إىل ارتفاع يزيد عىل ‪100‬‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫الفضا�‪ ،‬أن حدود الغالف الجوي المحيط‬ ‫الدول‬ ‫منظمة االتحاد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫يتعدى هذا االرتفاع‬ ‫بالكرة الرضية هي عند ارتفاع ‪ 100‬كيلوم�‪ ،‬وما ّ‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�‪ :‬خط كرمان‪ .‬لكن صواريخ‬ ‫ويسمى خط المئة‬ ‫يعد‪ :‬فضاء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫«� ‪ »2 -‬اللمانية هذه لم تكن تدور حول الرض‪ ،‬بل ترتفع ثم تعاود‬ ‫ي‬ ‫الهبوط إىل سطح أ‬ ‫الرض‪ .‬ولذا قد يجد مؤرخو الفضاء أن تسميتها‬ ‫بالصواريخ الفضائية‪ ،‬يغ� مستحق‬ ‫تماماً‪ ،‬عىل الرغم من تجاوزها خط‬ ‫كرمان‪.‬‬

‫‪Gregory R Todd/Wikimedia Commons‬‬

‫القمر «سبوتنيك»‪..‬‬ ‫رفيق السفر‬

‫ت‬ ‫ال� كانت جزءاً من االتحاد‬ ‫أطلق «سبوتنيك» من جمهورية كازاخستان‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫السوفيا�‪ ،‬من موقع اسمه بايكونور‪ ،‬ال تزال تُط َلق منه المركبات‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�‬ ‫الفضائية إىل يومنا هذا‪ .‬وكانت رسعة القمر الصناعي ‪ 29‬ألف‬ ‫ف� الساعة‪ ،‬واستغرق دورانه حول أ‬ ‫الرض ‪ 96,2‬دقيقة‪ .‬وكان يبث‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫إشاراته الالسلكية إىل الرض‪.‬‬ ‫المركبات المأهولة‬ ‫ت‬ ‫طلق إىل الفضاء مركبات مأهولة‪ ،‬سوى ثالث‬ ‫ح� يومنا هذا‪ ،‬لم يُ ِ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫والص�‪ .‬أما‬ ‫السوفيا� (روسيا) والواليات المتحدة‪،‬‬ ‫دول‪ :‬االتحاد‬ ‫ي‬ ‫الهند واليابان وأوروبا وإيران وكوريا الشمالية والدانمرك ورومانيا‪،‬‬ ‫فلديها مشاريع إلطالق مركبات مأهولة‪ ،‬لكن هذه‬ ‫المشاريع متفاوتة ف ي� مراحل تقدمها‪.‬‬ ‫كانت أول مركبة مأهولة سوفياتية أيضاً‪،‬‬ ‫وهي «فوستوك ‪ .»1‬وكلمة فوستوك الروسية‬ ‫ن‬ ‫تع�‪ :‬ش‬ ‫ال�ق‪ .‬وقد حملت ف ي� ‪ 12‬أبريل سنة‬ ‫ي‬

‫ومعروف أن ش‬ ‫الم�ف عىل صنع‬ ‫هذه الصواريخ أ‬ ‫اللمانية كان‬ ‫أ ن‬ ‫لما� ورنر فون براون‬ ‫العالم ال ي‬ ‫نفسه‪ ،‬الذي احتكرت الواليات‬ ‫المتحدة جهوده‪ ،‬بعد انتهاء‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪،‬‬ ‫من أجل تطوير برنامجها‬ ‫ئ‬ ‫الفضا�‪.‬‬ ‫ي‬

‫‪rin‬‬

‫سبوتنيك يفتتح عصر‬ ‫الفضاء‬ ‫كان أول جهاز صنعه‬ ‫ش‬ ‫الب�‪ ،‬وأُطلق إىل مدار‬ ‫حول الكرة أ‬ ‫الرضية‪،‬‬

‫‪a‬‬ ‫‪Yuri Gag‬‬

‫اليكا‪ ،‬أول حيوان ف ي� الفضاء‬

‫علمياً‪ ،‬تمكّن «سبوتنيك» من تحديد المدى الذي تصل إليه طبقات‬ ‫توزع‬ ‫الغالف الجوي العليا وكثافتها‪ ،‬وجمع معلومات مهمة عن ّ‬ ‫ف‬ ‫يونوسف�‪ ،‬ومعلومات أخرى عن‬ ‫ال‬ ‫الشارات الالسلكية‪ ،‬ي� طبقة إ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تخ�ق الفضاء المحيط بالرض‪.‬‬ ‫الجسام الدقيقة ي‬


‫‪93 | 92‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫«أبولو ‪ »11‬من إنزال أول إنسان‬ ‫عىل سطح القمر‪ ،‬أال وهو نيل‬ ‫ت‬ ‫أرمس�ونغ وتبعه رفيقه ف ي� الرحلة‬ ‫باز آلدرين‪ ،‬فيما بقي الرائد الثالث‬ ‫مايكل نز ف‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت‬ ‫كولي� ي� المركبة ي‬ ‫تنتظرهما ف ي� مدار حول القمر‪.‬‬ ‫قامت مركبات «أبولو» الحقاً بست‬ ‫رحالت أخرى إىل القمر (أجهضت‬ ‫واحدة منها ف ي� منتصف الطريق‬ ‫وهي رحلة «أبولو ‪ ،)»13‬وبفضل‬ ‫مجموع هذه الرحالت تمكن ‪12‬‬ ‫الروس بوران‬ ‫المكوك‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫الم� عىل سطح القمر‪،‬‬ ‫رجال ً من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� العام ‪1972‬م‪ ،‬انتهى برنامج أبولو وتوقفت الرحالت إىل القمر‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ليبدأ برنامج جديد لغايات مختلفة‪.‬‬ ‫وكان ي ن‬ ‫للص� قولها ف ي� الرحالت الفضائية المأهولة‪ ،‬سنة ‪2003‬م‪ ،‬عىل‬ ‫تن‬ ‫م� المركبة‪ :‬شنجو‪.‬‬

‫‪ 1961‬أول رائد فضاء ف ي� التاريخ‪ ،‬وهو يوري غاغارين‪ ،‬ودارت به دورة‬ ‫كاملة حول أ‬ ‫الرض‪ .‬وفيما بعد دارت مركبات «فوستوك» حاملة رواداً‬ ‫آخرين حول أ‬ ‫الرض ف ي� خمس رحالت أخرى‪.‬‬ ‫أما المركبة الفضائية المأهولة الثانية‪ ،‬فكانت أمريكية‪ ،‬هي "فريدوم‬ ‫ف‬ ‫«م�كوري»‪ ،‬وقد حملت الرائد أالن‬ ‫– ‪( "7‬الحرية – ‪ )7‬ي� إطار برنامج ي‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�اً ثم هبوط‪ ،‬من دون‬ ‫ش�د‪ ،‬ف ي� رحلة صعود إىل ارتفاع ‪187‬‬ ‫ب‬ ‫دوران حول أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫وتوالت الرحالت الفضائية‪ ،‬فكان للسوفيات مركبات أخرى من طراز‬ ‫فوشخود (أي ش‬ ‫ال�وق) وسايوز (االتحاد)‪ ،‬وأقمار صناعية عديدة منها‪:‬‬ ‫وم�‪.‬‬ ‫تسوند‪ ،‬ومحطات الفضاء المأهولة ساليوت‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫«م�كوري» الذي ح َّلقت‬ ‫أما من الجهة المريكية‪ ،‬فبعدما شكل برنامج ي‬ ‫منه خمس مركبات باكورة مشاريع الرحالت الفضائية‪ ،‬أعلن الرئيس‬ ‫أ‬ ‫مريك الراحل جون كينيدي ف ي� مايو من العام ‪1961‬م‪ ،‬عزم بالده‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫عىل «إنزال إنسان عىل سطح القمر والعودة به سالماً إىل أ‬ ‫الرض قبل‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫نهاية الستينيات»‪ .‬فبدأ العمل عىل بر ي ن‬ ‫«جيمي�»‬ ‫فضائي�‪:‬‬ ‫نامج�‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت مركباتها تحمل رائدي فضاء‪ ،‬وتكتفي‬ ‫(‪- 1962‬‬ ‫‪1966‬م) ي‬ ‫أ‬ ‫بالدوران حول الرض‪ ،‬ومن ثم برنامج «أبولو» الذي قامت أوىل رحالته‬ ‫ف‬ ‫التال‪ ،‬وتحديداً ف ي� ‪ 20‬يوليو ‪1969‬م‪ ،‬تمكنت‬ ‫عام ‪1968‬م‪ ،‬ي‬ ‫و� العام ي‬

‫طائرات الفضاء‬ ‫يمتاز مكوك الفضاء‪ ،‬وهو طائرة دون محركات‪ ،‬بأنه مركبة فضائية‬ ‫أ‬ ‫قابلة إلعادة االستعمال ف ي� عدد من الرحالت‪ .‬وقد أطلق المكوك الول‬ ‫«كولومبيا» ف ي� يوم الذكرى ش‬ ‫الع�ين لرحلة يوري غاغارين التاريخية‪،‬‬ ‫أي يوم ‪ 12‬أبريل ‪1981‬م‪.‬‬ ‫صنعت وكالة الط�ان والفضاء أ‬ ‫المريكية ‪ 7‬مكاكيك‪ُ ،‬خ ّصص اثنان منها‬ ‫ي‬ ‫للتجارب ف ي� الجو‪ ،‬فكانت طائرة عمالقة تحمل المكوك عىل ظهرها‪،‬‬ ‫وترتفع به ف� الجو‪ ،‬لتفلته‪ ،‬فيهبط إىل أ‬ ‫الرض‪ .‬أما المكاكيك الخمسة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫الخرى‪ ،‬فقد أطلقت إىل الفضاء‪ ،‬وانتهى منها اثنان نهاية مأساوية‪،‬‬ ‫أودت بحياة ‪ 14‬رائداً ورائدة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫مريك‬ ‫وقد صنع االتحاد‬ ‫ي‬ ‫السوفيا� مكوكاً فضائياً شبيهاً بالمكوك ال ي‬ ‫اسمه‪ :‬بوران (أي عاصفة الثلج)‪ ،‬ويمتاز عليه بأن له محركات تجعله‬ ‫نوفم�‬ ‫قادراً عىل التحليق‪ .‬وح َّلق بوران ف ي� الفضاء مرة واحدة‪ ،‬ف ي� ‪15‬‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫السوفيا� سنة‬ ‫‪1988‬م‪ .‬لكن شح التمويل ومن ثم تفكك االتحاد‬ ‫ي‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬أنهيا هذا ش‬ ‫الم�وع‪.‬‬ ‫أما المكاكيك أ‬ ‫المريكية فقد بدأت رحالتها ف ي� بف�اير ‪1977‬م‪ ،‬واستمرت‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫خ�ة‬ ‫ال�نامج‪ ،‬بانتهاء الرحلةال ي‬ ‫ح� يوليو ‪2011‬م‪ ،‬تاريخ إيقاف هذا ب‬ ‫ال�نامج هو من حمل‬ ‫للمكوك أتلنتيس‪ .‬الجدير بالذكر هنا أن هذا ب‬ ‫أول رائد فضاء عر� إىل الفضاء الخارجي‪ :‬أ‬ ‫ال يم� سلطان بن سلمان ابن‬ ‫بي‬ ‫م� المكوك ديسكوفري �ف‬ ‫عبدالعزيز الذي كان ف� عداد الرواد عىل ت ن‬ ‫ي‬ ‫ف ي‬ ‫ت‬ ‫ال� بدأت ي� ‪ 17‬يونيو ‪1985‬م واستمرت ثمانية أيام‪.‬‬ ‫رحلته ي‬


‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تُطلق‬ ‫وإذا استثنينا آبعض القمار الصناعية ي‬ ‫من وقت لخر‪ ،‬ومنها العربة المريخية‬ ‫الفضا� يبدو �ف‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫«كيوريوسي�»‪ ،‬فإن السباق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫نس� ال ندري كم ستطول‪.‬‬ ‫مرحلة ركود ب ي‬ ‫فالمشاريع أ‬ ‫المريكية باستئناف الرحالت‬ ‫المأهولة إىل القمر بعد طول انقطاع‬ ‫ال تزال‪ ،‬شأنها شأن مشاريع الرحالت‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫الفضائية المأهولة ي� الدول ي‬ ‫الشارة إليها‪ ،‬تصطدم بارتفاع‬ ‫سبقت إ‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫التكاليف‪ ،‬وأيضا �وط السالمة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫خ�اء ف ي� «ناسا» أن العامل‬ ‫و� تناول العوائق الجديدة‪ ،‬كشف ب‬ ‫ي‬ ‫السياس خالل الحرب الباردة ف� ستينيات القرن ض‬ ‫الما�‪ ،‬لعب دوراً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف ي‬ ‫بارزاً ي� ترسيع برنامج «أبولو» الذي أنزل أول إنسان عىل سطح القمر‪.‬‬ ‫ال�نامج كان يتضمن ثغرات تتعلق بالسالمة ال يمكن القبول‬ ‫وأن هذا ب‬ ‫ض‬ ‫بها أو‬ ‫التغا� عنها اليوم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫التأ� ف ي� تخطيط الرحالت الفضائية‪ ،‬ال‬ ‫النس�‪ ،‬أو ي‬ ‫ولكن الركود ب ي‬ ‫ن‬ ‫الص� عىل‬ ‫يخلو من تطورات بارزة‪ .‬ففي العام ‪2003‬م دخلت ي‬

‫خط الرحالت الفضائية المأهولة عىل ت ن‬ ‫ويرجح‬ ‫م� المركبة «شنجو»‪ّ .‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تمتلك برنامجاً فضائياً طموحاً‬ ‫المراقبون أن تتبعها قريباً الهند ي‬ ‫تقدر‬ ‫ومتشعباً‪ ،‬وطلبت وكالة الفضاء فيها من الحكومة مؤخراً موازنة َّ‬ ‫بنحو ‪ 2.1‬مليار دوالر إلطالق أول رحلة فضائية مأهولة خالل سبع‬ ‫سنوات من آ‬ ‫الن‪.‬‬ ‫ولكن ال انتهاء الحرب الباردة وال ارتفاع التكلفة االقتصادية هو ما يفرس‬ ‫الهدوء النس� عىل صعيد بناء مزيد من المركبات الفضائية أ‬ ‫ال ثك�‬ ‫بي‬ ‫النسان إىل مكان جديد‪ ،‬فإنه‬ ‫تطوراً‪ .‬إذ كما هو الحال عندما يصل إ‬ ‫ف‬ ‫يتوقف قليال ً الستكشافه‪ ،‬تركز وكاالت الفضاء ي� دول العالم جهودها‬ ‫�ض‬ ‫البحثية حالياً حول استكشاف طبيعة الكواكب والكون فقبل الم ي‬ ‫قدماً ف ي� الرحالت المأهولة‪ .‬ولذا فإن أهم المكتشفات ي� الوقت‬ ‫الحا� هي ما ت‬ ‫ض‬ ‫والمناظ� السابحة ف ي�‬ ‫تأ� به المركبات يغ� المأهولة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الفضاء الخارجي الباحثة عن آ‬ ‫الفاق والحدود حيث ال آفاق وال حدود‪.‬‬ ‫ميدانها ف� أ‬ ‫الفق «المنظور»‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪ 9‬مليارات كوكب ي� مجرتنا فقط!‬ ‫ألن كل ما ف ي� المركبة الفضائية من تصميمها العام إىل أدق تفاصيلها‬ ‫التقنية يرتبط بوجهتها ومهمتها‪ ،‬فإن دراسة هذه الوجهات والمهمات‬ ‫لل�امج الفضائية الحالية‪ .‬ولنتوقف‬ ‫المحتملة تمثل الشغل الشاغل ب‬ ‫ف‬ ‫قليال ً أمام آخر ما تأكد منه العلم ي� هذا المجال‪ ،‬بفضل المركبات‬ ‫الفضائية نفسها‪.‬‬ ‫فقد صدر مؤخراً خ�ان علميان‪ ،‬واحد بعد آ‬ ‫الخر‪ ،‬عن ي ن‬ ‫اثن� من‬ ‫ب‬ ‫ث‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أك� المغامرات والمشاريع الفضائية طموحا وتعقيدا‪ .‬هما المركبة‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫الخ�‬ ‫«كيوريوزي�» ومنظار «كيبلر»‬ ‫المريخية‬ ‫الفضا�‪ .‬يقول ب‬ ‫أي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الشمس الذي تنتمي إليه الرض‪ ،‬كوكب آخر‬ ‫الول‪ ،‬إن ي� نظامنا‬ ‫ي‬ ‫قابل لشكل من أشكال الحياة‪،‬‬ ‫المنظار‬ ‫ن‬ ‫الثا�‪ ،‬فهو‬ ‫هو المريخ‪ .‬أما ب‬ ‫كبلر‬ ‫الخ� ي‬ ‫ف‬ ‫التبانة‪ 9 ،‬مليارات‬ ‫مجرتنا‪ ،‬درب ّ‬ ‫أن ي� ّ‬ ‫كوكب آخر تؤكد المراقبة العلمية‬ ‫الحصائية‪ ،‬أنها قابلة‬ ‫واالحتماالت إ‬ ‫ن‬ ‫للسك� والحياة‪.‬‬

‫‪NASA/JPL-Caltech/Malin Space Science Systems‬‬

‫‪NASA -Kepler_Space_Telescope‬‬

‫ت‬ ‫كيوريوزي�‬ ‫العربة‬ ‫ي‬

‫ت‬ ‫«كيوريوزي�»‬ ‫لقد أرسلت مركبة المريخ‬ ‫ي‬ ‫معلومات إىل أ‬ ‫الرض‪ ،‬تثبت أن سطح‬ ‫المريخ كان ف� ض‬ ‫الما� مكاناً صالحاً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫لظهور الحياة وتطورها عليه‪ .‬أما المنظار‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫مجرة درب‬ ‫ي‬ ‫الفضا� «كيبلر» فقد أظهر أن ي� ّ‬ ‫التبانة‪ ،‬ت‬ ‫الشمس‪،‬‬ ‫ال� ينتمي إليها نظامنا‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫‪ 9‬مليارات كوكب مشابه ي� مواصفاته للكرة‬ ‫أ‬ ‫الرضية‪ ،‬أي إنها كواكب صخرية‪ ،‬يلفّها غالف‬ ‫جوي‪ ،‬وقابلة لوجود ماء عىل سطحها‪ ،‬وتدور‬


‫‪95 | 94‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫المعد� ت ف‬ ‫وغ� ض‬ ‫ن‬ ‫أظهر ت‬ ‫حم�‬ ‫ال�كيب‬ ‫لل�بة ي� المريخ عىل وجود ماء يغ� شديد الحرارة‪ ،‬يغ� شديد الملوحة‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫ت‬ ‫«كيوريوزي�»‬ ‫حول شموس شبيهة بشمسنا‪ .‬فكيف توصل كل من‬ ‫ي‬ ‫و«كيبلر» إىل هذه النتيجة؟‬ ‫شروط الحياة على المريخ‬ ‫ت‬ ‫«كيوريوزي�» عىل سطح كوكب‬ ‫ما إن هبطت المركبة المريخية‬ ‫ف ي‬ ‫المريخ‪ ،‬ت‬ ‫ح� بدأت ببث المعلومات ي� أواخر شهر أغسطس ‪2012‬م‪،‬‬ ‫بعد ‪ 27‬يوماً من الهبوط‪ .‬وكانت المركبة قد دخلت ف ي� مدار حول‬ ‫نوفم� ‪2011‬م‪.‬‬ ‫المريخ ف ي� ‪26‬‬ ‫ب‬

‫ف‬ ‫س� يب�وس‪ ،‬المريخ‬ ‫صغ� ي� منطقة ي‬ ‫حوض ي‬

‫كب�ة‬ ‫طبقات من الرواسب ومجموعة من أحواض ي‬

‫أخذت عدسات المركبة ترسل بعد هبوطها‪ ،‬صوراً لحىص ملساء‬ ‫خ�اء الدفع النفاث ف ي� باسادينا‬ ‫ومستديرة‪ ،‬لم تت�ك أي شك لدى ب‬ ‫(الواليات المتحدة)‪ ،‬فالحىص تنتمي إىل موقع مجرى ماء قديم‪ ،‬وهو‬ ‫ت‬ ‫ال� اك ُتشفت ف ي� الرحالت‬ ‫ليس أي مجرى ماء‪ ،‬مثل مجاري المياه ي‬ ‫المريخية السابقة‪ .‬فالصور قاطعة‪ :‬هذه من بقايا مرور مجرى ماء‬ ‫ت‬ ‫متدفق‪ ،‬لم يقل ارتفاع الماء فيه عن ش‬ ‫السنتم�ات‪ ،‬وظل الماء‬ ‫ع�ات‬ ‫المالي� من ي ن‬ ‫ين‬ ‫يتدفق فيه ش‬ ‫السن�‪.‬‬ ‫ع�ات‬ ‫يقول ميشال كابان‪ ،‬من مخت� أ‬ ‫الجواء والمراقبة الفضائية ف ي� باريس‪:‬‬ ‫ب‬ ‫«إن هذا أول دليل عىل وجود مجرى ماء يغ� متقطع الدفق‪ ،‬كان عىل‬ ‫سطح المريخ»‪.‬‬ ‫سارع االكتشاف ي ن‬ ‫ح� وصل الروبوت «روفر» إىل منطقة «يلونايف»‬ ‫وتَ َ‬ ‫ض‬ ‫عىل الكوكب نفسه‪ .‬حيث ي ّ ن‬ ‫تب� وجود ست مواد أولية �ورية للحياة‪:‬‬ ‫أ‬ ‫والهيدروج� ت‬ ‫ين‬ ‫والن� ي ن‬ ‫ين‬ ‫والك�يت‪.‬‬ ‫وج� وال‬ ‫الكربون‬ ‫كسيج� والفوسفور ب‬ ‫أما الصور البالغة الدقة‪ ،‬فقد أظهرت وجود رواسب دقيقة للغاية �ف‬ ‫ي‬ ‫الطبقات الرسوبية السفىل‪« ،‬تثبت أن هذه رواسب متجفّفة ف ي� قاع‬ ‫بح�ة»‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ن ت‬ ‫أما الحفر ف� تربة المريخ هناك‪ ،‬فأظهر ت‬ ‫ال�‬ ‫ال�كيب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المعد� لل�بة‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫وك�يتور‬ ‫الزيتو�‬ ‫والزبرجد‬ ‫وكس�‬ ‫والب�‬ ‫الفلدسبات‬ ‫مواد‬ ‫فيها‬ ‫ظهرت‬ ‫ي ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وك�يتات الكالسيوم ومعادن صلصالية‪ ...‬ودلت هذه‬ ‫الحديد ب‬ ‫ت‬ ‫وغ�‬ ‫ال�كيبة عىل وجود ماء يغ� شديد الحرارة‪ ،‬يغ� شديد الملوحة‪ ،‬ي‬ ‫حم�ض ي ‪ .‬أي إن الماء هناك كانت فيه مواد كيميائية يمكن أن تكون‬ ‫للبكت�يا‪ .‬وبذلك اجتمعت ش�وط الحياة عىل المريخ‪:‬‬ ‫مصدر طاقة‬ ‫ي‬


‫الثمن الباهظ‬ ‫ماتوا وهم يغزون الفضاء!‬ ‫ئ‬ ‫دفع ش‬ ‫الفضا�‪ ،‬منذ أن بدأت‬ ‫الب� ثمناً باهظاً لطموحهم‬ ‫ي‬ ‫الصواريخ تحمل مركبات مأهولة‪.‬‬ ‫فح� آ‬ ‫الن‪ ،‬أدت الحوادث ت‬ ‫ت‬ ‫ال� وقعت لمركبات فضائية ف ي� أثناء‬ ‫ي‬ ‫تحليقها‪ ،‬أو عودتها إىل أ‬ ‫الرض‪ ،‬إىل موت ‪ 18‬رائد فضاء‪ ،‬ف ي� أربع‬ ‫كوارث فضائية‪.‬‬ ‫ت‬ ‫فالديم�‬ ‫السوفيا�‬ ‫ ف ي� ‪ 24‬أبريل ‪1967‬م‪ ،‬مات رائد الفضاء‬‫ي‬ ‫ي‬ ‫كوماروف‪ ،‬بسبب تعطل المظلة‪ ،‬فيما كانت مركبته الفضائية‬ ‫"سايوز ‪ "1‬تعود إىل أ‬ ‫الرض‪ ،‬من رحلة استمرت يوماً واحداً‪ .‬مات‬ ‫أ‬ ‫كب�ة‪.‬‬ ‫كوماروف عند اصطدام المركبة بالرض برسعة ي‬ ‫ ف ي� ‪ 30‬يونيو ‪1971‬م‪ ،‬قُتل ‪ 3‬رواد فضاء سوفيات‪ ،‬هم غيورغي‬‫دبرفولسك وفكتور باتساييف وفالديسالف فولكوف‪ ،‬عىل مركبة‬ ‫ي‬ ‫«سايوز ‪ »11‬عند انفصالها عن المحطة الفضائية «ساليوت ‪،»1‬‬ ‫ئ‬ ‫فضا� استمر ‪ 3‬أسابيع‪ ،‬بسبب انفتاح صمام ف ي�‬ ‫بعد تحليق‬ ‫ي‬ ‫المركبة‪ ،‬أفرغها من الهواء‪ .‬وكانت هذه الكارثة الفضائية الوحيدة‬ ‫كيلوم� فوق أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫ال� حصلت عىل ارتفاع يزيد عىل ‪100‬‬ ‫ي‬ ‫هبطت المركبة بسالم‪ ،‬لكن كان عىل متنها ‪ 3‬جثث‪.‬‬ ‫ ف ي� ‪ 28‬يناير ‪1986‬م‪ ،‬انفجر مكوك الفضاء «تشالنجر»‪ ،‬بعد‬‫ين‬ ‫ين‬ ‫أمريكي� كانوا‬ ‫رواد‬ ‫انطالقه بثالث‬ ‫وسبع� ثانية‪ ،‬فقُتل سبعة َّ‬ ‫ماكن�‬ ‫عىل متنه‪ ،‬هم غريغ جارفيس وكريستا ماكوليف ورونالد ي‬ ‫وإليسون ي ز‬ ‫سكو�‪.‬‬ ‫أون�وكا وجوديث رزنيك ومايكل سميث وديك ب ي‬ ‫ين‬ ‫ترسب غازات حارة من الصاروخ‬ ‫وب� التحقيق أن سبب الكارثة ّ‬ ‫الحامل‪ ،‬إىل مخزن وقود خارجي‪ .‬وكان يمكن للرواد أن ينجوا‪،‬‬ ‫تس� لهم وضع كمامات أ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫وكسج�‪،‬‬ ‫ال‬ ‫بهبوطهم ي� البحر‪ ،‬لو ن ّ‬ ‫لكنهم فقدوا الوعي عىل الفور‪ ،‬وهم ال يزالون ف ي� الجو‪ ،‬من‬ ‫جراء االنفجار‪ .‬وال تزال إىل اليوم‪ ،‬بعض أجزاء حطام الصاروخ‬ ‫والمكوك‪ ،‬تصل إىل شاطئ فلوريدا‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� يلفظها البحر‪.‬‬

‫ ف� ‪ 1‬بف�اير ‪2003‬م‪ ،‬ت‬‫اح�ق مكوك الفضاء «كولومبيا»‪ ،‬لدى‬ ‫ي‬ ‫عودته إىل طبقات الجو العليا‪ ،‬وقُتل الرواد السبعة الذين كانوا‬ ‫ين‬ ‫أمريكي� هم‪ :‬ريك هازبند ووليام ماكول‬ ‫عىل متنه‪ ،‬بينهم ستة‬ ‫ومايكل أندرسون ودافيد براون وكالبانا تشاوال ولوريل كالرك‬ ‫لتوه مهمة ف ي�‬ ‫إ‬ ‫ائيل إيالن رامون‪ .‬وكان المكوك قد أنهى ّ‬ ‫والرس ي‬ ‫�ض‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أسبوع�‪ .‬وكان سبب اح�اقه ت ر الطبقة‬ ‫استمرت‬ ‫الفضاء‬ ‫ي‬ ‫العازلة الحرارية‪ ،‬بسقوط لوحة منها منذ االنطالق‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مريك مايكل ادامز‪،‬‬ ‫ ي� ‪ 15‬ب‬‫نوفم� ‪1967‬م‪ ،‬قُتل رائد الفضاء ال ي‬ ‫وهو عىل ت ن‬ ‫م� طائرة ‪ ،X15‬وهي طائرة تالمس حدود الغالف الجوي‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�اً‪ ،‬ي ن‬ ‫كهربا�‬ ‫ح� حدث عطل‬ ‫وكانت الطائرة عىل ارتفاع ‪81‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫فيها‪ ،‬أفقد الطيار وعيه‪ ،‬فسقطت الطائرة نحو الرض برسعة‬ ‫ف‬ ‫و� أثناء هذا السقوط‪ ،‬استعاد‬ ‫تساوي ‪ 5‬أضعاف رسعة الصوت‪ .‬ي‬ ‫ادامز وعيه‪ ،‬لكن الطائرة عاودت السقوط برسعة ‪ 4,7‬أضعاف رسعة‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�‪.‬‬ ‫الصوت‪ ،‬فتحطمت ف ي� الهواء‪ ،‬عىل ارتفاع ‪19,8‬‬ ‫وحدثت كوارث أخرى‪ ،‬لكن عىل سطح االرض‪ ،‬ف ي� أثناء تجارب‬ ‫ف‬ ‫رواد‬ ‫ي� ب‬ ‫مخت�ات الصواريخ‪ .‬ولعل أهمها حادثة مقتل ثالثة َّ‬ ‫ف‬ ‫تشا�‪ ،‬ي ن‬ ‫ين‬ ‫ح�‬ ‫أمريكي�‪ ،‬هم غاس غريسوم وإدوارد وايت وروجر ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫كهربا�‬ ‫الن�ان‪ ،‬جراء خلل‬ ‫كانوا ي� مركبة تجريبية‪ ،‬اشتعلت فيها ي‬ ‫ي‬ ‫ال� كانت مملوءة أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫وكسيج�‬ ‫بال‬ ‫أشعل النار ي� داخل المركبة‪ ،‬ي‬ ‫النقي‪.‬‬ ‫انفجار مكوك تشالنجر‬

‫الرواد السوفيات الذين عادوا إىل أ‬ ‫الرض‪ ..‬أمواتاً‬ ‫َّ‬ ‫‪NASA‬‬

‫‪shutterstock / severjn‬‬

‫‪NASA (NOTE: On Jan. 28, 1986, the‬‬ ‫‪seven Challenger crew members lost‬‬ ‫‪their lives following an explosion‬‬ ‫‪during the launch phase of the STS-51L‬‬ ‫)‪mission.‬‬

‫طاقم رحلة مكوك تشالنجر‬


‫‪97 | 96‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫شسلي بونستيل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫رسام َس َحره الفضاء‬ ‫فرسمه وألهم برسومه‬ ‫مهندسي المركبات الفضائية!‬ ‫شسل بونستيل‬ ‫عشق الولد‬ ‫ي‬ ‫الفضاء‪ ،‬فأخضع هواية الرسم‬ ‫عنده لعشقه هذا‪ .‬وكانت النتيجة‬ ‫أ‬ ‫ملهماً‬ ‫أن الرسام ال ي‬ ‫مريك صار ِ‬ ‫وبش�اً‬ ‫لمهندس مركبات الفضاء‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫الفضا�‪،‬‬ ‫الغزو‬ ‫ات‬ ‫ر‬ ‫مبتك‬ ‫من‬ ‫لعدد‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫«أ� فن الفضاء‬ ‫ح� ُلقّب بـ ب ي‬ ‫الحديث»‪.‬‬

‫ت‬ ‫ال� تكشفت فيما بعد‪ ،‬أثبتت صحة إلهامه‬ ‫من خياله‪ ،‬لكن الحقيقة ي‬ ‫العبقري‪.‬‬ ‫ف ي� العام ‪1947‬م‪ ،‬شارك ف ي� ش‬ ‫م�وع الطائرة الفضائية‪ ،‬وكانت لوحاته‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� العام ‪1949‬م‪ ،‬جمع‬ ‫للطائرة ف ي� إقالعها أ وهبوطها ساحرة فعال‪ .‬ي‬ ‫رسومه � كتابه الول الذي صار يومئذ ث‬ ‫أك� الكتب مبيعاً‪ ،‬لشدة ما‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫محركة للخيال ومدغدغة لحلم السفر يب� الكواكب‪.‬‬ ‫كانت الرسوم ّ‬ ‫مهندس الفضاء ورواده‪ ،‬بدأوا‬ ‫كث�اً من‬ ‫ويسجل لبونستيل‪ ،‬أن ي‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫حركتها لوحات هذا الفنان‬ ‫رحلتهم ي� العالم الواقعي‪ ،‬من أحالم ّ‬ ‫الخيال المبدع‪ .‬فقال فيه كارل سيغان‪« :‬لم أكن أعرف ما هي العوالم‬ ‫ي‬

‫‪wikipedia‬‬

‫شسل ف ي� سان فرانسسكو‪،‬‬ ‫ُولد‬ ‫ي‬ ‫سنة ‪1888‬م‪ ،‬وكان الرسم أول ما‬ ‫استهواه ف ي� دراسته‪ .‬وأثارت خياله كتب الفلك والعلوم آنذاك‪ ،‬فأخذ‬ ‫من باب الهواية يرسم رسوماً خيالية لعوالم أخرى‪.‬‬ ‫بعد إتمامه العلوم الثانوية‪ ،‬زار سنة ‪1905‬م مدينة سان خوسيه‪،‬‬ ‫فلك‪ .‬فزاده جمال ما رآه‬ ‫وتمتع هناك بمشاهدة الفضاء من منظار ي‬ ‫وسحره تعلقاً بكل ما يمت إىل الفضاء‪ .‬فتأجج حلمه القديم وانكب‬ ‫عىل الرسم‪ .‬إال أن زلزال ‪1906‬م الكب� أتلف جميع لوحاته أ‬ ‫الوىل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫عندئذ ذهب بونستيل إىل جامعة كولومبيا ي� نيويورك‪ ،‬لدراسة المعمار‬ ‫نزوال ً عند رغبة والده‪ .‬لكنه رسعان ما ترك الدراسة‪ ،‬وعمل رسام‬ ‫خرائط هندسية عند أشهر المعمارين آنذاك‪ ،‬وشارك ف ي� تصميم جرس‬ ‫تزوج بونستيل سنة ‪1920‬م‪ ،‬من‬ ‫البوابة الذهبية الذائع الصيت‪ّ .‬‬ ‫ف‬ ‫رو� هيلدر‪ ،‬وعاش معها ست سنوات ي� بريطانيا‪ ،‬حيث‬ ‫ال�‬ ‫ب‬ ‫يطانية ب ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫والعالن‪ .‬وحدث أن ن�ت له بعض الرسوم‬ ‫عمل ي� الرسم‬ ‫الهندس إ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫فنان�ن‬ ‫الهندسية مجلة «إلس�يتد لندن نيوز»‪ ،‬إىل جانب رسوم ي‬ ‫بريطاني� وفر ي ن‬ ‫ين‬ ‫نسي�‪ ،‬وكان موضوع رسومهم‪ :‬الفضاء‪.‬‬ ‫أثارت هذه الرسوم شهيته لعشقه أ‬ ‫الول من جديد‪ ،‬فسافر إىل‬ ‫هوليوود‪ ،‬حيث عمل رسام مؤثرات خاصة‪ ،‬وأسهم ف ي� رسم خلفيات‬ ‫كب�ة‪ ،‬أشهرها «المواطن كاين»‪ .‬فذاع صيته‪ ،‬وتعاقدت‬ ‫مشاهد أفالم ي‬ ‫معه مجلة «اليف» لرسم مجموعة رحلة الكوكب ُزحل‪ ،‬لقاء ‪ 30‬ألف‬ ‫دوالر‪ ،‬وكان المبلغ يومئذ ضخماً‪ .‬وكانت رسومه مدهشة‪ ،‬ث‬ ‫وأك�ها إثارة‬ ‫رسم أحد أقمار ُزحل «تيتان» تلفه الغيوم والغازات‪ .‬رسم كل ذلك‬

‫أ‬ ‫الخرى‪ ،‬ت‬ ‫الشمس»‪ .‬ازدادت شهرة‬ ‫ح� رأيت رسوم بونستيل للنظام‬ ‫ي‬ ‫بونستيل مع رسومه ألفالم الخيال العلمي (رحلة إىل القمر‪ ،‬وفارس‬ ‫أ ن‬ ‫لما� ورنر فون‬ ‫الفضاء‪ )...‬وكان‬ ‫صديقاً شخصياً لعالم الصواريخ أ ال ي‬ ‫أ‬ ‫مريك‪ .‬قال عنه فون‬ ‫براون‪ ،‬الذي كان الب الحقيقي بل�‬ ‫نامج الفضاء ال ي‬ ‫أ‬ ‫كث�‬ ‫إل حية‪ ،‬مع ي‬ ‫براون‪" :‬كنت ي‬ ‫كث�اً ما أعطيه رسومي الولية‪ ،‬فيعيدها ي ّ‬


‫ئ‬ ‫كيميا� يغ� حم�ض ي ‪ ،‬ومصدر‬ ‫مياه عذبة دائمة التدفق‪ ،‬ووسط‬ ‫ي‬ ‫للطاقة‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬منذ ‪ 3.5‬مليار سنة‪ ،‬كان المريخ قابال ً للحياة والسكن‪ .‬ويؤكد بيار‬ ‫ين‬ ‫المعلم� العليا‪ ،‬ف ي� ليون (فرنسا)‪:‬‬ ‫مخت� الجيولوجيا ف ي� دار‬ ‫توما‪ ،‬من ب‬ ‫أ‬ ‫«كانت الظروف مثالية لتجتمع الحوامض المينية‪ ،‬من أجل تكوين‬ ‫خ� ممتاز»‪.‬‬ ‫بروتينات‪ .‬إنه ب‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫التبانة‪ ،‬كواكب‬ ‫ف ي� نظامنا‬ ‫الشمس إذن‪ ،‬وبالحرى ي� مجرتنا‪ ،‬درب ّ‬ ‫ي‬ ‫المجرة‬ ‫أخرى فيها ظروف تسمح بظهور الحياة‪ .‬فما هي قصة كواكب‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫للسك�؟‬ ‫القابلة‬ ‫‪ 9‬مليارات كوكب «بارد»‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ناتال باتاليا‪ ،‬وهي مسؤولة ي� وكالة الفضاء المريكية "ناسا"‬ ‫هتفت ي‬ ‫ف‬ ‫كب�ة‪« :‬هذه أول رحلة غوص ي� معطيات منظار كيبلر‬ ‫بحماسة ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫عينة من‬ ‫الفضا�»‪ .‬كل الصعوبة كانت تتلخص ي� إمكان العثور عىل ّ‬ ‫ي‬ ‫عينة تم ّثل صورة مصغرة عن الواقع العام‬ ‫الكواكب‪ ،‬ي‬ ‫كب�ة ّ‬ ‫ومنوعة‪ .‬أي ّ‬ ‫ف ي� الفضاء‪ ،‬ما أمكن‪.‬‬ ‫أما منظار الفضاء كيبلر فقد جمع الضوء المنبعث من ‪150,000‬‬ ‫ين‬ ‫نجمة‪ ،‬موجودة ف� قطاع محصور من السماء‪ ،‬يقع ي ن‬ ‫كوكبت�‪.‬‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫ال� ليست من‬ ‫وبدأ علماء الرصد‬ ‫ي‬ ‫الفضا� أوال ً ي� استبعاد النجوم ي‬ ‫صنف شمسنا‪ .‬فبقي لهم من النجوم ‪ 42,557‬نجمة‪ .‬ثم استعانوا‬ ‫ت‬ ‫ال� تدور حول هذه‬ ‫بب�نامج رقمي اسمه ي‬ ‫«ت�ا»‪ ،‬فبحثوا عن الكواكب ي‬ ‫النجوم‪.‬‬ ‫مارس‪« :‬عندما يمر كوكب من أمام شمسه‪ ،‬يخفف قليال ً جداً‬ ‫يقول‬ ‫ي‬ ‫ضوء هذه الشمس‪ .‬وبواسطة قياس الضوء هذا يمكن للعلماء أن‬ ‫يكتشفوا الكواكب حول الشموس‪ .‬فمرور جسم من أمام النجمة يع�ن‬ ‫ي‬ ‫أن للنجمة رفيقاً‪ ،‬ويمكن بذلك قياس حجم هذا الرفيق»‪.‬‬

‫ف‬ ‫معينة‪ ،‬ف ي� إقناع‬ ‫من المالحظات"‪.‬‬ ‫بل إن رسومه أسهمت ي� مرحلة َّ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫مريكي�‪ ،‬بتخصيص الموازنات بل�نامج الفضاء‪.‬‬ ‫أعضاء الكونغرس ال ي‬ ‫ف يّ‬ ‫تو� بونستيل سنة ‪1986‬م عن ‪ 98‬عاماً‪ .‬بعدما بات واحداً من‬ ‫ت‬ ‫ال� تربط الفن بالعلم‪.‬‬ ‫أوضح الروابط ي‬

‫ئ‬ ‫الفضا� «كيك»‬ ‫المرصد‬ ‫ي‬


‫‪99 | 98‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫وبعد استبعاد تلك أ‬ ‫الجرام ت‬ ‫ال� يفوق‬ ‫ي‬ ‫ع�ين مرة شعاع الكرة أ‬ ‫شعاعها ش‬ ‫الرضية‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫البا� ي� العينة المنشودة‪،‬‬ ‫هبط العدد ي‬ ‫إىل ‪ 603‬كواكب‪ ،‬منها ‪ 10‬قد تكون كواكب‬ ‫ن‬ ‫للسك�‪ .‬لكن مع ذلك كان ال بد من‬ ‫قابلة‬ ‫اليق�‪.‬ن‬ ‫مزيد من االختبار من أجل بلوغ ي‬ ‫لذلك سعوا ف� توجيه المرصد الفضا�ئ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫"كيك" (‪ ،)Keck‬وقطر عدسته ‪ 10‬أمتار‪،‬‬ ‫ومركزه هاواي‪ ،‬باتجاه النجوم المختارة �ف‬ ‫ي‬ ‫العينة‪ ،‬من أجل التيقن من حجمها‪.‬‬

‫‪wikimedia commons‬‬

‫وهكذا توصل العلماء إىل إحصاء ‪16,227‬‬ ‫تغ�اً ف ي� لمعان النجوم‪ ،‬اشتبهوا ف ي� أن سببها‬ ‫يّ‬ ‫وجود كواكب‪ .‬وأخذوا يشطبون من حسبانهم‬ ‫هذا‪ ،‬حاالت المرور يغ� المنتظمة‪ ،‬وهي‬ ‫حاالت يكون فيها تبدل لمعان النجمة سببه‬ ‫تبدل ف ي� النجمة نفسها‪ ،‬وليس سببه مرور‬ ‫ّ‬ ‫ئ‬ ‫فضا� من أمامها‪ .‬وهكذا هبط العدد‬ ‫جسم‬ ‫ي‬ ‫إىل ‪.836‬‬

‫ت‬ ‫ال�‬ ‫احتسب العلماء عدد الكواكب ي‬ ‫لم يكشفها «كيبلر»‪ ،‬لسبب بسيط‬ ‫هو أن مدارها حول النجمة ال يجعلها‬ ‫تمر أمامها‪ .‬واعتمدوا أسلوباً يستخدمه‬ ‫يز‬ ‫يخت�ون أدوات‬ ‫ف�يائيو الجزيئات‪ ،‬الذين ب‬ ‫ف‬ ‫قياسهم‪ ،‬بواسطة معطيات خاطئة‪ ،‬فأضافوا ي� برامجهم الحاسوبية‬ ‫كواكب وهمية‪ ،‬من أجل اختبار حساسية «كيبلر» ودقته‪ .‬وقد كانت‬ ‫الك�ى ف ي� كل أبحاثهم‪ .‬واستمر الحساب ‪ 3‬سنوات‪،‬‬ ‫هذه الصعوبة ب‬ ‫التال‪ %22 :‬من النجوم الشمسية لها كوكب‬ ‫فخرج أالبحث بالرقم ي‬ ‫مثل الرض يدور حولها!‬ ‫وال شك ف ي� أن هذا الرقم يظل يغ� دقيق‪ ،‬فهوامش الخطأ الممكن‬ ‫ب� ‪ 14‬و‪ .%30‬والحدود الفاصلة ي ن‬ ‫تراوح ي ن‬ ‫ب� ش‬ ‫ال�وط ال�ض ورية للحياة‪،‬‬ ‫ين‬ ‫وب� الظروف يغ� القابلة لظهور الحياة‪ ،‬حدود يغ� مرسومة بدقة‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫بعد‪ .‬وال شك ي� أن هذه الحدود ستتضح شيئاً فشيئاً ي� السنوات‬ ‫ح� آ‬ ‫المقبلة‪ .‬ومع ذلك فإن أ‬ ‫الرقام المنطقية المحتملة ت‬ ‫الن قد‬ ‫صارت ف ي� حوزة العلماء‪ .‬فمن كل خمس شموس‪ ،‬هناك شمس يدور‬ ‫التبانة‬ ‫حولها كوكب قابل لوجود الماء عليه‪ّ .‬‬ ‫مجرة درب ّ‬ ‫ولما كانت ّ‬ ‫تحتوي عىل ‪ 200‬مليار نجمة‪ %20 ،‬منها شموس‪ ،‬فإن ‪ 9‬مليارات‬ ‫كوكب شبيه أ‬ ‫بالرض تدور حول هذه الشموس‪.‬‬ ‫أما أقرب هذه الكواكب الصخرية القابلة للعيش‪ ،‬فال يبعد عن أرضنا‬ ‫ت‬ ‫ال� يدور حولها مرئية ي ن‬ ‫بالع� المجردة‪،‬‬ ‫إال ‪ 12‬سنة ضوئية‪ ،‬والنجمة ي‬

‫ت‬ ‫ال�‪ ،‬لو كانت المركبة يغ� المأهولة‬ ‫أال وهي «ألفا سنتشوري» ي‬ ‫«فوياج� ‪ »1‬الخارجة من المجموعة الشمسية‪ ،‬تتجه إليها برسعتها‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫البالغة ‪ 17‬كيلوم�اً ي� الثانية‪ ،‬الحتاجت إىل ‪ 75‬ألف سنة للوصول‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫المركبة الفضائية ف� آ‬ ‫الداب والفنون‬ ‫ي‬ ‫من النادر أن يمر أسبوع ال نشاهد فيه عىل شاشات التليفزيون ِفلماً‬ ‫من الخيال العلمي حول رحالت فضائية ف� مركبات نن‬ ‫يتف� المصممون‬ ‫ي‬ ‫ف ي� إبداعها وفق سعة خيال كل منهم‪ .‬ولذا‪ ،‬ليس من المبالغة القول‬ ‫إن أ‬ ‫الفالم والروايات ت‬ ‫ال� تبتكر رحالت فضائية متخيلة والمركبات‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� تح�ض فوراً‬ ‫الالزمة لها تفوق القدرة عىل إحصائها‪ .‬ومن السماء ي‬ ‫إىل الذاكرة القريبة‪« :‬أفاتار»‪« ،‬رحلة إىل المريخ»‪ ،‬سلسلة «أليان»‬ ‫(بحلقاته العديدة)‪« ،‬أبولو ‪« ،»13‬حرب النجوم»‪ ،‬سلسلة «ستار‬ ‫تراك»‪« ،‬جاذبية»‪ ..‬الخ‪..‬‬ ‫ولكن كل هذه الصناعة العمالقة والمتكاملة هي حديثة العهد‪.‬‬ ‫بدأت بالتشكل قبل ظهور المركبة الفضائية الفعلية‪ ،‬وتطورت‬ ‫برسعة جعلتها تسبق صناعة المركبات الفضائية الحقيقية‪ .‬وإن‬


‫«أبولو ‪ »13‬اإلثارة في ثنائية النجاح والفشل‬ ‫ف‬ ‫تسمر العالم بأرسه وهو يتابع أخبار‬ ‫ي� ‪ 20‬يوليو ‪1969‬م‪َّ ،‬‬ ‫المركبة الفضائية «أبولو ‪ »11‬وهبوط أول إنسان عىل‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تفتقر إىل النقل‬ ‫سطح القمر‪ .‬ح� أنه ي� البلدان ي‬ ‫ش‬ ‫المبا�‪ ،‬كانت محطات التلفزيون تنقل من استديوهاتها ما‬ ‫أ‬ ‫الذاعة المريكية بواسطة جهاز ت‬ ‫ال�انزيستور‪ .‬فقد‬ ‫تلتقطه إ‬ ‫أ‬ ‫وال�هان ال بك�‬ ‫أك� انتصار تاريخي للعقالنية ب‬ ‫كان الحدث ب‬ ‫عىل ما يمكن إنجازه عن طريق الحسابات الباردة‪.‬‬ ‫بعد ذلك بأشهر قليلة‪ ،‬انطلقت رحلة «أبولو ‪»12‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تكللت كسابقتها بالنجاح‪ .‬ولكنها لم تنل من‬ ‫ي‬ ‫العالمي ما يتجاوز نصف بريق الرحلة‬ ‫ال�يق إ‬ ‫ب‬ ‫السابقة‪.‬‬

‫الطاقة الالزمة للوصول إىل أ‬ ‫الرض ألغيت التدفئة داخل‬ ‫المركبة‪ ،‬ثم كانت هناك مشكلة دخول الغالف الجوي‬ ‫أ‬ ‫للرض وفق الزاوية الصحيحة‪ ،‬وإال فإن المركبة نز‬ ‫ست�لق‬ ‫عىل هذا الغالف لتعود إىل الفضاء الخارجي‪ ،‬حيث ال عودة‬ ‫رواد قد يموتون ببطء‪.‬‬ ‫ممكنة وعىل متنها ثالثة َّ‬ ‫ومن خالل ارتجال حلول رسيعة لكل مشكلة عىل حدة‪ ،‬تمكن‬ ‫الرواد بمساعدة من فرق الدعم والعمالء عىل أ‬ ‫الرض من‬ ‫َّ‬ ‫الرض حيث استقبلوا استقبال أ‬ ‫سالم� إىل أ‬ ‫ن‬ ‫البطال‬ ‫العودة‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫عىل الرغم من الفشل الذريع الذي ُمنيت به مهمتهم‪.‬‬

‫ف‬ ‫ئ‬ ‫سينما� بعنوان «أبولو ‪»13‬‬ ‫و� العام ‪1995‬م‪ ،‬أُنتج ِفلم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫قام ببطولته توم هانكس وحاز ‪ 9‬جوائز أوسكار‪ .‬يروي هذا‬ ‫ف‬ ‫و� ‪ 11‬أبريل ‪1970‬م‪ ،‬انطلقت رحلة «أبولو ‪ »13‬وسط‬ ‫الفلم ما حصل خالل هذه الرحلة من متاعب خطرة‪ .‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تُظهر للمشاهد‬ ‫ما يشبه ال مباالة الجميع‪ ،‬إىل أن تعرضت إىل حادث تم َّثل ي� يكون من أفضل الفالم السينمائية ي‬ ‫وقوع انفجار عىل متنها أدى إىل تعقيدات بالغة الخطورة‪ .‬ماهية المركبة الفضائية فعالً‪ ،‬وبعضاً من أبرز مكوناتها‬ ‫الحقيقية‪ ،‬بفعل أ‬ ‫ف‬ ‫العالم‪ ،‬ت‬ ‫المانة العالية للواقع والحقيقة‪ ،‬ت‬ ‫تسمر العالم‬ ‫ح� أنه‬ ‫وما أن أعلن النبأ ي� وسائل إ‬ ‫ح� َّ‬ ‫مجدداً أمام أجهزة الراديو والتلفزيون‪.‬‬ ‫الفلم عىل أنه «دراما وثائقية» (‪.)Docudrama‬‬ ‫تم تصنيف ِ‬ ‫فقد أعلن فوراً عن إلغاء الرحلة إىل القمر وإعادة توجيه‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� أثارت‬ ‫المركبة إىل الرض‪ .‬ولكن من المخاطر العديدة ي‬ ‫رواد الفضاء وعلماء «ناسا»‬ ‫قلق العالم بأرسه‪ ،‬وليس إرهاق َّ‬ ‫فقط‪ ،‬كان هناك احتمال عدم وجود ما يكفي من الطاقة‬ ‫الرض‪ ،‬ثم ظهرت مشكلة نقص أ‬ ‫للوصول إىل أ‬ ‫ين‬ ‫وكسج�‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ولتوف�‬ ‫ثا� أكسيد الكربون داخل المركبة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وارتفاع نسبة ي‬ ‫«أبولو ‪ »13‬الفلم‪ ..‬أ‬ ‫الفضل وثائقياً‬ ‫ِ‬

‫‪NASA‬‬

‫‪NASA / Bill Anders‬‬

‫طاقم رحلة «أبولو ‪ »11‬الذي هبط عىل سطح القمر‬


‫‪101 | 100‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫كان علينا أن نتوقف أمام أبرز حضور إبداعي للمركبة الفضائية ف ي�‬ ‫أ‬ ‫الدب والسينما‪ ،‬لتوجب علينا اختيار رائدين ف ي� هذين المجال ال‬ ‫ثالث لهما‪.‬‬ ‫جول فيرن رائدها أدبي ًا‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫نس جول يف�ن (‪1905 - 1828‬م)‪ ،‬رائداً ي� أدب‬ ‫كان‬ ‫ي‬ ‫الروا� الفر ي‬ ‫الغر� الذي تناول الرحالت الفضائية‪ ،‬من خالل روايته‬ ‫الخيال العلمي أ ب ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� ن�ها عام ‪1865‬م‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الشه�ة «من الرض إىل القمر»‪ ،‬ي‬

‫كان على الكتابة عن الفضاء‬ ‫ومركبات السفر إليه أن‬ ‫ً‬ ‫عقودا قليلة لتنمو‬ ‫تنتظر‬ ‫بعد ذلك ككرة الثلج‬

‫كانت المركبة الفضائية ت‬ ‫ال� تخيلها يف�ن ف ي� هذه الرواية عبارة عن‬ ‫ي‬ ‫كبسولة صغ�ة تطلق من أ‬ ‫الرض باتجاه القمر بواسطة مدفع عمالق‪.‬‬ ‫ي ُ‬ ‫وعىل الرغم من أن هذه الفكرة يغ� قابلة للتطبيق العلمي‪ ،‬فقد‬ ‫أجرى أ‬ ‫الديب حسابات طويلة لتقريب خياله ت‬ ‫ح� أقىص حد من‬ ‫«المحتمل»‪ ،‬وذلك ف ي� عرص لم يكن فيه أي حسابات لهذه الغاية‪.‬‬ ‫والمدهش ف ي� رواية يف�ن أنها تضمنت أموراً حصلت بعد قرن عىل‬ ‫الرواد المسافرين إىل القمر ف ي� هذه الرواية هو‬ ‫أرض الواقع‪ .‬فعدد َّ‬ ‫ثالثة‪ .‬وهو العدد نفسه الذي‬ ‫حملته رحالت أبولو الحقاً‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ومقاييس فالكبسولة ي‬ ‫تحويهم ي� الرواية مطابقة‬ ‫تماماً لمقاييس كبسولة «أبولو‬ ‫سمى يف�ن مدفعه‬ ‫‪ .»1‬وقد َّ‬ ‫العمالق «كولومبياد»‪ ،‬ومركبة‬ ‫ف‬ ‫سميت‬ ‫القيادة ي� «أبولو ‪ِّ »11‬‬ ‫«كولومبيا»‪ .‬أما المدهش ث‬ ‫أك�‬ ‫تقدم‪ ،‬فهو اختيار‬ ‫من كل ما َّ‬ ‫جول يف�ن لوالية فلوريدا‬ ‫أ‬ ‫المريكية كموقع إلطالق‬ ‫مدفعه‪ .‬وهي الوالية نفسها‬ ‫ت‬ ‫ال� اختارتها «ناسا» ف ي� القرن‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫الع�ين موقعاً إلطالق‬ ‫كل رحالت أبولو‪ .‬وكما يعود‬ ‫الرواد الثالثة إىل أ‬ ‫الرض ف ي�‬ ‫َّ‬ ‫الرواية بواسطة المظالت ال�ت‬ ‫ي‬ ‫تهبط بهم ف� البحر‪ ،‬اعتمدت كل الرحالت الفضائية أ‬ ‫المريكية عىل‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الهبوط بالمظالت ي� البحر‪.‬‬

‫ئ‬ ‫الفضا�» إن‬ ‫الكب� الذي حظي به «أدب الخيال‬ ‫يغ� أن الدفع ي‬ ‫ي‬ ‫صحت التسمية‪ ،‬جاء عن طريق تحالفه مع السينما‪ .‬حيث صارت‬ ‫لجماه�ية الفن السابع‪ ،‬وأيضاً‬ ‫صور كأفالم‪ ،‬نظراً‬ ‫ي‬ ‫الروايات تُكتب ل ُت َّ‬ ‫ت‬ ‫مجسمات المركبات الفضائية‬ ‫ال� يمكن أن تتمتع بها‬ ‫َّ‬ ‫للجاذبية القوية ي‬ ‫المتخيلة‪.‬‬

‫كان يف�ن ينفي عن نفسه ترويجه للعلم ف ي� رواياته‪ .‬ولكن هذا ال يق ّلل‬ ‫والتخي يل الذي اتّسمت به روايات يف�ن‪ ،‬خاصة‬ ‫البعد العلمي‬ ‫ّ‬ ‫قيمة ُ‬ ‫ف‬ ‫وأنه هو الذي تنبأ بالصعود إىل القمر والغوص ي� أعماق المحيطات‬ ‫واستكشاف الفضاء‪ ،‬ت‬ ‫واخ�اع ي ز‬ ‫الل�ر‪ .‬وهو أيضاً الذي لم يستطع العلم‬ ‫ح� مركز أ‬ ‫الرض ت‬ ‫مجاراته –بعد– ف� أفكاره‪ ،‬مثل الحفر ت‬ ‫واخ�اع مادة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫مضادة للجاذبية أو السفر بع� الزمن وبناء مدن للب� ي� قيعان البحار‪.‬‬

‫الريادة السينمائية‬ ‫«أوديسة الفضاء ‪»2001‬‬ ‫عد ِفلم «‪ :2001‬أوديسة الفضاء»‪ ،‬وهو من إخراج العبقري‬ ‫يُ ّ‬ ‫أ‬ ‫ستانل كوبريك‪ ،‬واحداً من أفضل الفالم السينمائية عموماً‪ ،‬وقد‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫الفلم عام ‪1968‬م بنا ًء‬ ‫نتج‬ ‫أ‬ ‫علمي‪.‬‬ ‫خيال‬ ‫لم‬ ‫ف‬ ‫أفضل‬ ‫ليكون‬ ‫يرتقي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفلم‬ ‫عىل رواية تحمل العنوان نفسه للكاتب آرثور كالرك‪ .‬عبقريّة ِ‬

‫سمي الحقاً بالخيال‬ ‫ُعرف عن ك َّتاب آخرين عارصوا يف�ن‪ ،‬كتابتهم لما ِّ‬ ‫العلمي‪ .‬ولكن كان عىل الكتابة عن الفضاء ومركبات السفر إليه أن‬ ‫تنتظر عقوداً قليلة لتنمو بعد ذلك ككرة الثلج‪ .‬ومن أبرز أ‬ ‫السماء‬ ‫ت‬ ‫ال� ال بد من ذكرها إتش‪ .‬جي‪ .‬ويلز صاحب رواية «حرب العوالم»‬ ‫ي‬ ‫ال� تحك عن غزو أ‬ ‫ت‬ ‫الرض من قبل الكائنات الفضائية القادمة من‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كوكب المريخ‪ .‬وهناك أيضاً إسحق عظيموف (‪1992 - 1919‬م)‪،‬‬ ‫أ‬ ‫مريك الجنسية الذي كتب ف ي� حياته نحو ‪500‬‬ ‫الروس المولد وال ي‬ ‫ي‬ ‫كتاب و‪ 90‬ألف رسالة(!!) وكانت معظم مؤلفاته إما تبسيطاً للعلوم‬ ‫«ال بم�اطورية‬ ‫وإما من الخيال العلمي‪ .‬ومن أبرز رواياته الفضائية إ‬ ‫البينجمية»‪.‬‬


‫مشهد من ِفلم‬ ‫«‪ :2001‬أوديسة الفضاء»‬

‫آ‬ ‫الفلم‬ ‫اللة «هال ‪ »9000‬من ِ‬

‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� دقة التفاصيل والديكور‬ ‫تكمن ي� عدة نقاط؛ ي� غموض القصة‪ ،‬ي‬ ‫المتقن‪.‬‬ ‫ف ي� العام ‪ 1968‬لم يكن أول شب�ي وطأ بقدميه سطح القمر بعد‪،‬‬ ‫وح� لم نكن نعرف كيف تبدو الكرة أ‬ ‫بل ت‬ ‫الرضية من الفضاء‪ .‬ومع‬ ‫وجسدها‪ ،‬فتجد‬ ‫تطرق ِ‬ ‫الفلم بشجاعة فإىل هذه التجارب‪ّ ،‬‬ ‫ذلك ّ‬ ‫ً‬ ‫يصور ي� «الفضاء»‪ ،‬حيث الرائد يحوم والقمر‬ ‫جزءاً ي‬ ‫كب�ا من ِ‬ ‫الفلم ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫والرض بجانبه ي� هيئة تقديرية لما يبدوان عليه‪ ،‬وقد اتّضح الحقاً‬ ‫ن‬ ‫تق� آخر وفّق‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫تقديرهما كان قريباً من شكلهما الحقيقي‪ .‬جانب ي ّ‬ ‫ف‬ ‫النسان‪،‬‬ ‫كوبريك ي� إبرازه هو سيطرة تقنية الشاشة‬ ‫الصغ�ة عىل حياة إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الفلم‪ ،‬كما نرى بعضنا اليوم‪ ،‬يستخدم‬ ‫وعىل حياته الحميمة‪ .‬تف�اه ي� ِ‬ ‫شاشة للتواصل مع البعيدين‪ ،‬أو يستخدم جهازاً مربع الشكل يشبه‬ ‫أجهزة اليوم وهو يأكل‪ ،‬ثم تراه يحتفل بعيد ميالده معهم أيضاً من‬ ‫طريق الشاشة‪ .‬بشكل أو بآخر‪ ،‬الخيال العلمي لهذه الرواية وهذا‬ ‫الفلم أسهما ف ي� تحديد شكل المستقبل العلمي الذي أعقب العام‬ ‫ِ‬ ‫‪1968‬م‪ ،‬وصوال ً إىل يومنا هذا‪.‬‬

‫ت‬ ‫فبالضافة إىل‬ ‫ال� سبقت عرصه‪ .‬إ‬ ‫ِ‬ ‫الفلم مملوء بالمبتكرات التقنية ي‬ ‫ت‬ ‫الصغ�ة‪ ،‬هناك التعريف‬ ‫السفر إىل الفضاء‪ ،‬واخ�اع الشاشات‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫الفلم‪ ،‬وأيضا التنبؤ‬ ‫ال� يستخدمها ّ‬ ‫رواد الفضاء ي� ِ‬ ‫بالبصمة الصوتية ي‬ ‫آ‬ ‫بتطور الذكاء الصناعي من خالل اللة «هال ‪ ،»9000‬الحاسوب الخارق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذي يحلل ويحاور ويقرأ الشفاه ويلعب الشطرنج ويتحكم بالمركبة‬ ‫الفضائية‪ .‬قد تبدو هذه أ‬ ‫المور لنا بديهية اليوم‪ ،‬ولكن يجب دوماً‬ ‫تذكّر أن هذه التوقعات واالبتكارات صدرت قبل ‪ 46‬عاماً‪ ،‬وكل ِفلم‬ ‫خيال علمي صدر بعده ليس إال ّ جزءاً من تراثه‪.‬‬ ‫كب� عىل التجربة والمشاعر ش‬ ‫الب�ية‪ ،‬وقد يجوز‬ ‫الفلم أيضاً بشكل ي‬ ‫ركّز ِ‬ ‫لنا القول إن الفلم ينتمي إىل المدرسة التجريبية‪ ،‬أ‬ ‫فالحداث ال�ت‬ ‫ّ ِ‬ ‫أي‬ ‫اخت� الناس لول مرة‬ ‫عرضها كانت جديدة تماماً عىل المتلقّي‪ ،‬وبذلك ب‬ ‫مع� أن تكون ف� الفضاء‪ .‬وهو ن‬ ‫ن‬ ‫مع� نتج عن اجتماع خيال الكاتب‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫نسا� لنتساءل عن‬ ‫بالمخرج‪ .‬كان ي� ّنية كوبريك أن يصل إىل الالوعي إ‬ ‫ال ي‬ ‫تكونها‪ ،‬إذ إنه يتناول مواضيع فلسفية‬ ‫ذواتنا‪ ،‬عن مغزى حياتنا وكيفية ّ‬ ‫مثل الموت والحياة والعنف نز‬ ‫وال�عة إىل السيطرة‪ .‬وكانت التصاميم‬


‫‪103 | 102‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫الفلم بدا وكأنه واقعي أو ت‬ ‫ح�‬ ‫عىل درجة ي‬ ‫كب�ة من الواقعية‪ ،‬أي ّ‬ ‫إن ِ‬ ‫ن‬ ‫رواد الفضاء الذين صعدوا إىل القمر‪ ،‬أي بعد‬ ‫وثائقي‪ ،‬ي‬ ‫فح� سئل ّ‬ ‫الفلم‪ ،‬أجاب البعض منهم‪« :‬كان مثل ما جاء به ‪.»2001‬‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫الفلم هو أنه كان يتوقّع مستقبال ً أجاد صياغته‪.‬‬ ‫الجانب المدهش ي� ِ‬ ‫أما المحبط فهو أنّه كان متفائال ً ث‬ ‫الحباط نحن‬ ‫أك� من الالزم‪ ،‬ولكن إ‬ ‫ع ّلته وليس المخرج أو الكاتب؛ فقد تجاوزنا العام ‪2001‬م بعقد‬ ‫ونيف‪ ،‬إال ّ أننا لم نصل إىل التقدم الذي طمح كوبريك أن تصل‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫الب�ية إليه‪ .‬وقد يعزى هذا السبب للتاريخ‪ ،‬ففي العقد الذي أنتج‬ ‫القبال عىل رحلة القمر م ّتقدا ومحل رصاع‪ ،‬خاصة يب�ن‬ ‫الفلم كان إ‬ ‫فيه ِ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫أن ما لم يكن ي� حسبان‬ ‫الواليات المتحدة واالتحاد‬ ‫السوفيا�‪ ،‬إال ّ ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كوبريك هو الخمول الذي أصاب هذا المجال ي� العقد الذي أعقبه‪،‬‬ ‫ش‬ ‫التطور البطيء‬ ‫ال�ء‪ ،‬وهو ما يعكسه‬ ‫ّ‬ ‫والذي ال يزال خامداً بعض ي‬ ‫للمنجزات العلمية منذ الهبوط عىل القمر‪.‬‬ ‫غد ًا‬ ‫مركبات الهجرة إلى الكواكب‪...‬‬ ‫ف‬ ‫المجرة»‪،‬‬ ‫الفضاء شاسع‪ ،‬كما قال دوغالس أدامز‪ ،‬ي� «دليل المسافر إىل‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫تخيل حجمه‪.‬‬ ‫حقاً شاسع‪ .‬ح� الخيال العلمي يكاد أن يعجز عن ّ‬ ‫فمعظم ك ّتاب أدب الخيال العلمي يلجأون إىل الخيال ث‬ ‫بكث� من‬ ‫أك� ي‬ ‫ت‬ ‫ال� ال يدركها عقل‪،‬‬ ‫العلم ليفرسوا كيف يمكن السفر هذه المسافات ي‬ ‫فيتخيلون مركبات أرسع من الضوء‪ ،‬ويتوقّعون أن يسامحهم القارئ عن‬ ‫هذه الفكرة يغ� المنطقية‪ ،‬ت‬ ‫ح� يستمتع بجمال القصة الخيالية‪ .‬لكن‬ ‫يحبون التحدي‪.‬‬ ‫مع هذا‪ ،‬ثمة علماء ومهندسون وك ّتاب خيال علمي‪ّ ،‬‬ ‫صغ�ة لكن مختارة‬ ‫ففي يوم ‪ 22‬أكتوبر ‪2013‬م‪ ،‬عقدت مجموعة ي‬ ‫من الناس‪ ،‬اجتماعاً ف ي� الجمعية الفضائية الملكية‬ ‫(‪ ،)RAS‬ف ي� لندن‪ ،‬ليستمعوا إىل بعض‬ ‫منهم يناقشون آخر أ‬ ‫الفكار عن‪ :‬كيف‬ ‫يمكن السفر إىل الكواكب‪ ،‬ال ف ي� الخيال‬ ‫فقط‪ ،‬بل ف ي� العالم الحقيقي‪ .‬وكان‬ ‫االجتماع نز‬ ‫بم�لة متابعة لمؤتمر موسع‬ ‫ف‬ ‫ُعقد ف ي� وقت سابق من السنة‪ ،‬ي� سان‬ ‫دييغو‪.‬‬ ‫أخ� جيم بنفورد‪ ،‬عالم ي ز‬ ‫الف�ياء الحضور‬ ‫ب‬ ‫بقوله‪« :‬منذ سنوات قليلة‪ ،‬كان ثمة منظمة‬ ‫واحدة ف ي� العالم تعمل للسفر بع� الكواكب‪.‬‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫و� اليوم‬ ‫الن صارت خمس‬ ‫منظمات»‪ .‬ي‬ ‫التال‪ ،‬زار متحدثون ف ي� االجتماع المذكور‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ال�يطانية للسفر بع� الكواكب‬ ‫الجمعية ب‬ ‫ف‬ ‫(‪ ،)BIS‬ليتباحثوا ي� شأن تصميم لمركبة‬ ‫«إيكاروس»‪ ،‬للهجرة إىل الكواكب‪.‬‬

‫ين‬ ‫الحالم�‬ ‫لقد حفلت أحالم السفر بع� الكواكب‪ ،‬بأعمال مئات‬ ‫ح�ن‬ ‫ين‬ ‫الخيالي�‪ .‬أما العمل الجدي للفكرة‪ ،‬فلم يبدأ إال سنة ‪1968‬م‪ ،‬ي‬ ‫درس فريمان دايسون‪ ،‬عالم ي ز‬ ‫الف�ياء‪ ،‬احتمال استخدام صاروخ‬ ‫ف‬ ‫السبعينيات الميالدية‬ ‫يعمل بواسطة انفجارات نووية متالحقة‪ .‬ثم ي�‬ ‫ّ‬ ‫ال�يطانية للسفر بع� الكواكب مركبة‬ ‫صممت الجمعية ب‬ ‫الماضية‪ّ ،‬‬ ‫«ديدالوس» وهي مركبة يغ� مأهولة‪ ،‬تستخدم صاروخاً انصهارياً‪،‬‬ ‫لبلوغ رسعة تساوي ‪ %12‬من رسعة الضوء‪ .‬تستطيع هذه المركبة أن‬ ‫تصل إىل نجم «بارنارد» البعيد ع ّنا ست سنوات ضوئية‪ ،‬ف ي� غضون‬ ‫‪ 50‬عاماً‪ .‬هذا النجم ليس أقرب النجوم إىل شمسنا‪ ،‬لكنه كان النجم‬ ‫الوحيد آنذاك الذي كان يشتبه ف� دوران كوكب واحد عىل أ‬ ‫القل من‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫حوله‪.‬‬ ‫الحدود القصوى؟‬ ‫أخ�اً‪ ،‬أعادت‬ ‫الهمة‪ .‬لكن عدداً من التطورات ي‬ ‫بعد «ديدالوس» تف�ت ّ‬ ‫إشعال الحماسة‪.‬‬ ‫"ال تن�نت" االتصال ي ن‬ ‫التفك� الحالم بالفضاء‪.‬‬ ‫ب� أصحاب‬ ‫لقد س ّهل إ‬ ‫ي‬ ‫الشمس‪،‬‬ ‫كذلك اكتشف علماء الفضاء ألوف الكواكب خارج نظامنا‬ ‫ي‬ ‫منها كوكب يدور حول نجم «ألفا سنتشوري ‪ -‬ب»‪ ،‬الذي يبعد ‪4.4‬‬ ‫سنوات ضوئية عن شمسنا‪ ،‬و«ألفا سنتشوري ‪ -‬ب» هو أقرب النجوم‬ ‫إلينا‪ .‬وقد أدت حركة االكتشاف هذه‪ ،‬إىل تحريك مخيلة الناس‪ ،‬وإىل‬


‫وضع عديد من الكواكب «القريبة» عىل الئحة أ‬ ‫الهداف المحتملة‬ ‫للهجرة إىل الفضاء‪ .‬كذلك أدى ظهور مشاريع الفضاء التجارية‪ ،‬إىل‬ ‫يز‬ ‫التجه� الالزم لوضع منصات انطالق‪ ،‬عىل مدارات حول‬ ‫خفض تكلفة‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ستخدم يوما ما ي� هذه الهجرة إىل الفضاء‪ .‬ودخلت عىل‬ ‫الرض‪ ،‬ل ُت َ‬ ‫هذا الخط بقوة‪ ،‬وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتطورة (‪،)DARPA‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ترعى ش‬ ‫م�وعاً بعيد المدى‪،‬‬ ‫التابعة لوزارة الدفاع المريكية‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫وال�‬ ‫لتطوير ذلك النوع من‬ ‫التكنولوجيا الالزمة للسفر بع� الفضاء‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫بدأت تستقطب االهتمام والموال‪.‬‬ ‫الك�ى‪ ،‬كما يقول أدامز‪ ،‬هي المسافة‪ .‬ففي أثناء الحرب‬ ‫المشكلة ب‬ ‫ً‬ ‫وكث�ا من المال من أجل‬ ‫الباردة‪ ،‬أنفقت الواليات المتحدة سنوات ي‬ ‫إطالق حفنة من الرواد إىل القمر‪ ،‬وإعادتهم إىل أ‬ ‫الرض‪ .‬لكن‪� ،‬ف‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫�ء‪.‬‬ ‫المقاييس الفضائية‪ ،‬السفر إىل القمر هو ال ي‬ ‫قطر الكرة أ‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�اً (‪ 7,918‬ميالً)‪ .‬فإذا تخيلنا أن‬ ‫الرضية ‪12,742‬‬ ‫الكرة أ‬ ‫الرضية تقلصت إىل حجم حبة رمل‪ ،‬ووضعناها عىل طاولة‬ ‫«اليكونومست» العلمي ف ي(� لندن) لكان القمر حبة رمل أصغر‪،‬‬ ‫مراسل إ‬ ‫ت‬ ‫أك�‪ ،‬عىل مسافة ‪12‬‬ ‫عىل مسافة ‪ 3‬سنتم�ات‪ ،‬ولكانت الشمس كرة ب‬ ‫تم�اً‪ .‬بهذه المقاييس‪ ،‬يكون «ألفا سنتشوري ‪ -‬ب» عىل بعد نحو‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�‪ .‬ف ي� هذه الحال‪ ،‬ال تستطيع الصواريخ العاملة بالوقود‬ ‫‪3200‬‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫الكيميا� أن تنتج طاقة يمكن معها اجتياز هذه المسافات‪ ،‬ي� أي زمن‬ ‫ي‬ ‫مفيد‪.‬‬ ‫أ‬ ‫كب�اً‪.‬‬ ‫إن الطاقة النووية تستطيع أن تخفض هذه الرقام تخفيضاً ي‬ ‫فالصاروخ الذي تخيله الدكتور دايسون‪ ،‬ويعمل باالنفجارات‬ ‫النووية المتالحقة‪ ،‬يحتاج ف ي� هذه المهمة‪ ،‬إىل نحو ‪ 130‬سنة‪،‬‬ ‫البطاء الالزم لدى الوصول إىل أقرب نجم إىل‬ ‫مع عجزه عن إ‬ ‫ز‬ ‫س�يد الطاقة الالزمة‪ ،‬إىل‬ ‫مجموعتنا الشمسية (ذلك أن إ‬ ‫البطاء ي‬ ‫آ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫«الشمس» الخر ي� غضون‬ ‫أك� من الضعف)‪ .‬وسيجتاز النظام‬ ‫ي‬ ‫س�كز عدساته عىل الهدف‪،‬‬ ‫أيام‪ .‬ومع ان «ديدالوس» أرسع‪ ،‬فإنه ي‬ ‫ش‬ ‫م�وع «ديدالوس»‬

‫وهو يمر بقربه‪ ،‬جامعاً ما أمكنه من معلومات ف ي� طريقه‪ .‬وسيكون‬ ‫«إيكاروس»‪ ،‬الذي سيخلفه‪ ،‬قادراً عىل أ‬ ‫القل عىل أن يبطئ‪ .‬وحده‬ ‫ش‬ ‫م�وع «لونغشوت» الذي تخطط له «ناسا»‪ ،‬ينطوي عىل التوقف‬ ‫لدى الوصول‪ ،‬والبدء بالدوران حول النجم الذي ستدرسه المركبة‬ ‫الفضائية‪ .‬لكن الصواريخ النووية لها مشكالتها الخاصة‪ .‬فهي تميل‬ ‫إىل الضخامة‪ .‬فمركبة «ديدالوس» ت ز‬ ‫س�ن ‪ 54,000‬طن‪ ،‬ويعزى هذا‬ ‫إىل أنها ستحمل معها كل وقودها‪ .‬وهذا الوقود وازن ف ي� ذاته‪،‬‬ ‫ويحتاج مزيداً من الوقود لحمله وترسيع انطالقه‪ .‬وهكذا ت ز‬ ‫ت�ايد‬ ‫أ‬ ‫نظ� للهليوم‪،‬‬ ‫الوزان وتخرج عن السيطرة‪ .‬والوقود المنشود‪ ،‬وهو ي‬ ‫اسمه هليوم ‪ ،3‬ليس سهال ً الحصول عليه‪ .‬ويرى فريق «ديدالوس»‬ ‫ت‬ ‫المش�ي‪ ،‬بواسطة شب� ش‬ ‫ينت�ون‬ ‫أن الحصول عليه ممكن من غالف‬ ‫الشمس‪.‬‬ ‫ف ي� النظام‬ ‫ي‬ ‫وثمة معالجة أخرى لهذه المشكلة‪ ،‬ت‬ ‫اق�حها العالم الراحل روبرت‬ ‫فورورد‪،‬‬ ‫فورورد‪ ،‬ويتبناها الدكتور بنفورد وأخوه غريغوري‪ ،‬وهو مثل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ز‬ ‫التخل عن فكرة حمل‬ ‫خيال‪ .‬الفكرة هي‬ ‫عالم يف�ياء وكاتب أدب ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫الوقود‪ ،‬فتكون المركبة الفضائية مج ّهزة بأ�عة‪ .‬وبدال ً من أن تتلقف‬ ‫ال ش�عة الريح‪ ،‬تتلقى من مركبة تدور حول أ‬ ‫أ‬ ‫الرض‪ ،‬طاقة ف ي� شكل‬ ‫أشعة ي ز‬ ‫ل�ر‪ ،‬أو شحنات «مايكروويف»‪ .‬هذه الوسيلة تدفع السفينة‬ ‫الفضائية بقوة هائلة‪ ،‬فتبلغ رسعتها (مع بعض الحظ) جز ًءا من رسعة‬ ‫الضوء‪.‬‬ ‫من دون حمل الوقود يمكن للسفينة الفضائية أن تكون خفيفة‪،‬‬ ‫تستطيع أن تتسارع‪ ،‬وأن تتوقف عند بلوغها الهدف‪ ،‬باستخدام‬ ‫الطاقة من أشعة النجم الذي تقصده‪.‬‬ ‫إن أسس هذه التكنولوجيا مجربة‪ .‬ش‬ ‫فأ�عة «المايكروويف» اس ُتخدمت‬ ‫ف‬ ‫مخت�ات فضائية‪ .‬وجهاز بث ي ز‬ ‫الل�ر قابل لالستخدام وإعادة‬ ‫ي� ب‬ ‫ن‬ ‫يع� أن هذه السفن الفضائية يمكن أن تكون‬ ‫االستخدام‪ .‬وهذا ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تستخدم الصواريخ النووية‪.‬‬ ‫تكلفتها أرخص من تلك ي‬


‫‪| 104‬‬ ‫القافلة‬ ‫مايو ‪ /‬يونيو ‪2014‬‬

‫الخيال العلمي إلنقاذ الواقع‬ ‫جاء ف ي� مسلسل «ستارجيت» أن الخيال العلمي هو «مجاز‬ ‫النسانية»‪.‬‬ ‫وجودي؛ يسمح لنا برواية القصص حول الحالة إ‬ ‫وقال إسحاق عظيموف ذات مرة «إن قصص الخيال‬ ‫العلمي الفرديّة قد تبدو ف ي� غاية التفاهة للنقاد والفالسفة‬ ‫أساسياً‬ ‫العمي اليوم‪ .‬ولكن جوهر الخيال العلمي أصبح‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫لخالصنا‪ ،‬إذا كان مكتوباً لنا الخالص»‪.‬‬

‫من مسلسل «ستارجيت»‬

‫ينظر العالم اليوم إىل الخيال العلمي عىل أنه ّ‬ ‫حل‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫وال� أوقع نفسه‬ ‫ال� يواجهها‪ ،‬ي‬ ‫للمشكالت المعقدة ي‬ ‫فيها‪ .‬فها هو يبحث عن كوكب بديل تصلح الحياة عليه‪،‬‬ ‫ف‬ ‫أن ش‬ ‫الب�ية متجاوبة‪ .‬فقد أصدرت‬ ‫والظريف ي� الوضع ّ‬ ‫وكالة «المريخ واحد» الهولندية إعالناً عن حاجتها إىل من‬ ‫يرافقها الستكشاف كوكب المريخ ف ي� رحلة ال عودة منها!‬ ‫‪shutterstock / Esteban De Armas‬‬

‫ث‬ ‫سيختار ‪40‬‬ ‫وقد تلقت الوكالة أك� من ‪ 200‬ألف متطوع ُ‬ ‫منهم لتدريبهم عىل مدى ‪ 7‬ي ن‬ ‫سن�‪ ،‬وسيتأهل ‪ 4‬منهم‬ ‫ف‬ ‫ال� ستمتد ‪ 7‬أشهر ت‬ ‫ت‬ ‫ح� يصلو‬ ‫فقط للرحلة أ ي(� ‪2023‬م) ي‬ ‫وأنثي ي ْ ن�؛‬ ‫إىل الكوكب الحمر‪ .‬ي‬ ‫ذكريْن َ‬ ‫وس�سو االختيار عىل َ‬ ‫ش‬ ‫إذا سنح الحال للتكاثر الب�ي عىل الكوكب البعيد‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫دليل المعلِّمين لمحتوى القافلة‬

‫هذه الصفحة هي للتفاعل مع قطاع المعلمين والمعلمات ومساعدتهم على‬ ‫تلخيص أبرز موضوعات القافلة في إصدارها الجديد‪ ،‬وتقريبه إلى مفهوم وأذهان‬ ‫الفئات العمرية المختلفة للطالب والطالبات‪.‬‬

‫م‬ ‫هارات الخطابة‬ ‫واإللقاء‬ ‫في ورشة العمل‬ ‫التي ن َّظمتها «القافلة»‬ ‫عناصر كثيرة‬ ‫ذات فائدة ليس فقط‬ ‫للخطباء بالم‬ ‫عنى الدقيق للكلمة بل‬ ‫لكل متحدث‬ ‫أمام جمع من الناس‪،‬‬ ‫تساعده على‬ ‫التخلص من معوقات‬ ‫كثيرة وأهمها‬ ‫أن يكون الخوف‪ ،‬وتساعده على‬ ‫ح‬ ‫ديثه مقنعاً لمستمعيه‪.‬‬

‫ك‬ ‫هف أم جرسان‬ ‫استطالع‬ ‫مص َّور عن هذا الكهف‬ ‫الشهير في المنط‬ ‫ضمن‬ ‫وصفاً لجغر قة الغربية‪ .‬يت َّ‬ ‫اف‬ ‫يا الموقع من الناحيتين‬ ‫الجغرافية وال‬ ‫جيولوجية‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫انطباعات أدب‬ ‫أ‬ ‫تكون من ية ووجدانية‪ ،‬تصلح لن‬ ‫طلقاً للنقاش‪.‬‬

‫بين الرق‬ ‫بوصول ا منة والمراقبة‬ ‫لتكن‬ ‫كمبيوتر ولوجيا إلى وضع برامج‬ ‫تح ِّلل أدق استخداماتنا‬ ‫للأ‬ ‫جه‬ ‫زة‬ ‫ال‬ ‫ذ‬ ‫كي‬ ‫القول إن ة‪ ،‬لتتوقع سلوكنا‪ ،‬يمكن‬ ‫ال‬ ‫في مه حياة الشخصية أصبحت‬ ‫ب‬ ‫رياح التكنولوجيا‪ .‬فأين‬ ‫تخطت المراق‬ ‫أن نتصر بة حدودها؟ وكيف علينا‬ ‫َّف؟‬

‫المر‬ ‫كبة الفضائية‬ ‫تخصص ا‬ ‫للم ِّرك لقافلة ملف هذا العدد‬ ‫بة الفضائية‬ ‫والشوط الذي قطعته‬ ‫خالل نحو ن‬ ‫وتستعر صف قرن على ظهورها‪.‬‬ ‫ض تا‬ ‫ريخ المركبات الفضائية‪،‬‬ ‫وبعض ما جن‬ ‫إضافة إل اه ا إلنسان من صناعتها‪،‬‬ ‫ىح‬ ‫آضورها الجديد والقوي‬ ‫في الفنون والداب‪.‬‬


Saudi Aramco website

Qafilah website

Al-Qafilah Bi-Monthly Cultural Magazine A Saudi Aramco Publication May - June 2014 Volume 63 - Issue 3 P. O. Box 1389 Dhahran 31311 Kingdom of Saudi Arabia www.saudiaramco.com


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.