Qafilah nov dec 2016

Page 1

‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين ‪ .‬العدد ‪ . 6‬مجلد ‪ . 65‬نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫الملف‪ :‬الدائرة‬

‫نقاش مفتوح‪ :‬قابلية اللغة‬ ‫العربية للتحديث‬ ‫الهاي�لوب‬ ‫علوم‪ :‬قطار ب‬ ‫ين‬ ‫ع� وعدسة‪ :‬رحلة إىل حافّة‬ ‫العالم‬ ‫أ‬ ‫أدب‪ :‬كيف ألهمت الحالم‬ ‫روايات عالمية؟‬ ‫العانات الحكومية‬ ‫التقرير‪ :‬إ‬ ‫للطاقة وجدواها‬


‫مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين‬

‫العدد ‪ . 6‬مجلد ‪65‬‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫الناشر‬ ‫شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)‬ ‫الظهران‬ ‫رئيس الشركة‪ ،‬كبير إدارييها التنفيذيين‬ ‫أمين بن حسن الناصر‬

‫ت‬ ‫للمش� ي ن‬ ‫توزع مجاناً‬ ‫ك�‬ ‫• العنوان‪ :‬أرامكو السعودية‬ ‫ص‪.‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬ ‫المملكة العربية السعودية‬

‫نائب الرئيس لشؤون أرامكو السعودية‬ ‫ناصر بن عبدالرزاق النفيسي‬

‫ال�يد إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫• ب‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪alqafilah@aramco.com.sa‬‬

‫مدير عام دائرة الشؤون العامة‬ ‫عبدالله بن عيسى العيسى‬

‫• الموقع إ ت ن‬ ‫و�‪:‬‬ ‫اللك� ي‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬ ‫• الهواتف‪:‬‬ ‫ فريق التحرير‪+966 13 876 0175 :‬‬ ‫ت‬ ‫االش�اكات‪+966 13 876 0477 :‬‬ ‫فاكس‪+966 13 873 1700 :‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫محمد الدميني‬ ‫تصميم وتحرير‬

‫‪www.mohtaraf.com‬‬

‫صورة الغالف‬ ‫هذا الغالف | للدائرة والكرة تاريخ‪ ،‬له‬ ‫بداية وقصة‪ .‬فمن اكتشف أن أ‬ ‫الرض‬ ‫التي نعيش عليها كرة ضخمة‪ ،‬ومتى‬ ‫كان ذلك؟ ومن الذي حسب محيط‬ ‫الدائرة وحجم الكرة‪ ،‬وما إليهما من‬ ‫مسائل رياضية؟ أما السؤال عن حضور‬ ‫هذين الشكلين الهندسيين في العالم‬ ‫من حولنا‪ ،‬فال حصر للجواب عنه‪.‬‬ ‫تصميم الغالف‪ :‬نسيم أبو عبدالله‬

‫طباعة‬ ‫شركة مطابع التريكي‬ ‫‪www.altraiki.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬ ‫• جميع المراسالت باسم رئيس التحرير‪.‬‬ ‫يعبر بالضرورة عن رأيها‪.‬‬ ‫• ما ينشر فـي القافلة ال ِّ‬ ‫• ال يجوز إعادة نشر أي من موضوعات أو صور‬ ‫«القافلة» إال بإذن خطي من إدارة التحرير‪.‬‬ ‫• ال تقبل «القافلة» إال أصول الموضوعات التي لم يسبق‬ ‫نشرها‪.‬‬


‫محتوى العدد‬

‫ً‬ ‫معا‬ ‫الرحلة‬ ‫ِم ْن رئيس التحرير ‬ ‫القراء ‬ ‫مع َّ‬ ‫أكثر من رسالة ‬

‫حياتنا اليوم‬

‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫رحلة إلى ما تحت أ‬ ‫السفلت في مدن العالم ‬ ‫هل سئم أ‬ ‫الوروبيون ضغوط الوقت؟ ‬ ‫تخصص جديد‪ :‬إنشاء المؤسسة التجارية ‬ ‫عين وعدسة‪ :‬رحلة إلى حافّة العالم ‬ ‫فكرة‪ :‬موسيقى النحل ‬

‫‪7‬‬

‫أدب وفنون‬

‫المحطة األولى‬ ‫نقاش مفتوح‪ :‬قابلية اللغة العربية للتحديث ‬ ‫بداية كالم‪ :‬كيف تنتقي عمال ً فنياً‪،‬‬ ‫‪14‬‬ ‫وأين تحتفظ به؟ ‬ ‫‪16‬‬ ‫كتب عربية‪ ..‬كتب من العالم ‬ ‫‪20‬‬ ‫قول في مقال‪ :‬عبقرية المكان‪ ..‬تراثه ‬ ‫علوم وطاقة‬ ‫علوم‪« :‬الهايبرلوب»‪ ..‬سكّة فائقة‬ ‫نحو المستقبل ‬ ‫كيف تعمل؟‪ :‬آلة تصوير المستندات ‬ ‫اللحم المستزرع‪ ..‬هل سنأكله يوماً؟ ‬ ‫العلم خيال‪ :‬حجر الفالسفة‪ ..‬من النحاس‬ ‫إلى الذهب ‬ ‫منتج‪ :‬جواز السفر الحيوي ‬ ‫طاقة‪ :‬البطاريات‪ ..‬مصدر للطاقة المحمولة‬ ‫بين يديك ‬ ‫من المختبر ‬ ‫االسم المعياري‪ :‬فاراد ‬ ‫ماذا لو‪ :‬ماذا لو لم تكن السماء زرقاء؟ ‬

‫‪Qafilah App available at‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪41‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪56‬‬

‫أدب‪ :‬كيف ألهمت أ‬ ‫الحالم روايات عالمية؟ ‬ ‫معهد العالم العربي‪ ..‬جسر ال ّثقافات‬ ‫‪62‬‬ ‫الشرق ‬ ‫نحو ّ‬ ‫‪66‬‬ ‫فنان ومكان‪ :‬ليوناردو دافنشي وإسطنبول ‬ ‫‪68‬‬ ‫أقول شعراً‪ :‬طالب عبدالعزيز ‬ ‫ذاكرة القافلة‪ :‬الدرعية‪ ..‬قلعة أ‬ ‫‪70‬‬ ‫المجاد ‬ ‫لغويات‪ :‬هل تفسد أ‬ ‫اللفاظ الدخيلة اللغة؟ ‪72‬‬ ‫ُ‬ ‫النحات تامر رجب‪« :‬فكرة العمل‬ ‫فرشاة وإزميل‪ّ :‬‬ ‫‪73‬‬ ‫لدي» ‬ ‫ل‬ ‫المفض‬ ‫هو‬ ‫والبرونز‬ ‫تحدد خامته‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫‪78‬‬ ‫سينما‪ِ :‬فلم «عطوى» ‬ ‫‪80‬‬ ‫رأي أدبي‪ :‬لماذا انطوى ليكتب لنفسه؟ ‬ ‫‪57‬‬

‫التقرير‬ ‫العانات الحكومية للطاقة وجدواها ‬ ‫إ‬

‫‪81‬‬

‫الملف‬ ‫الدائرة ‬

‫‪89‬‬

‫‪@QafilahMagazine‬‬


‫‪3|2‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫العجلة تم‬ ‫اختراعها‪ ،‬لكن‬ ‫ما زلنا في أول‬ ‫الطريق‬ ‫أنشأت أرامكو السعودية أحدث مركز أبحاث لها في ديترويت‪،‬‬ ‫قلب صناعة السيارات في الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫الستكشاف الجيل القادم من الوقود السائل والتقنيات المبتكرة‬ ‫لمحركات السيارات للح ِّد من االنبعاثات‪ ،‬والعمل إلعادة تشكيل‬ ‫مستقبل صناعة سيارات النقل في العالم‪ ،‬ما يجعلها صديقة‬ ‫للبيئة وأكثر كفاءة‪.‬‬ ‫هناك كثير من الكالم حول تغيُّر المناخ وانبعاثات الغازات‬ ‫الدفيئة‪ .‬في أرامكو السعودية نحن لسنا فقط جزءاً من هذا‬ ‫الحوار وإنما نقدِّم حلوالً واقعية‪.‬‬


‫تحية وبعد‬

‫ح� أعلن المتحدث الرسمي لجائزة نوبل أ‬ ‫ين‬ ‫للدب هذا العام‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫الشه� بوب ديالن بالجائزة هذا‬ ‫مريك‬ ‫عن فوز‬ ‫ي‬ ‫المغ� ال ي‬ ‫ي‬ ‫بتعب� شعري‬ ‫العام‪ ،‬لقدرته عىل إغناء الثقافة العالمية ي‬ ‫أ‬ ‫جديد يُ ن ت‬ ‫النسان‬ ‫مريك العريق‪ ،‬ودفاعه عن قيم إ‬ ‫غ� ال�اث ال ي‬ ‫ي‬ ‫كث�ة عن الكالم‪ .‬وكتبت الغالبية عن انحراف‬ ‫أمام الحرب‪ ،‬توقفت ألسنة ي‬ ‫الجائزة عن قيمتها العليا كبؤرة تستكشف آللئ أ‬ ‫ين‬ ‫النابغ�‬ ‫الدب العالمي وتمنح‬ ‫مجرى جديداً أو يصنعون ضفة جديدة عىل نهره الشعري‬ ‫فيه ممن يشقون‬ ‫ً‬ ‫الروا�‪ ،‬ومن جهة تساند أ‬ ‫ئ‬ ‫الدب عىل أداء وظيفته كقنطرة تقاوم التشوهات‬ ‫أو‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫نسا�‪.‬‬ ‫تهدد‬ ‫المص� إ‬ ‫ي‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ال ي‬ ‫والمخاطر ي‬ ‫لن أكتب هنا مؤيداً أو مقارعاً التوجهات الجديدة للجائزة ت‬ ‫ال� ُمنحت‪ ،‬العام‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫الما�‪ ،‬لكاتبة تحقيقات ثقافية واجتماعية وسياسية هي‪:‬سفيتالنا أليكسيفيتش‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ح� إنه ض‬ ‫ال�شيحات‪ ،‬ت‬ ‫ل ُتتبعها باختيار ديالن الذي لم يكن عىل خط ت‬ ‫ق� أياماً‬ ‫ت‬ ‫ال� هبطت ي ن‬ ‫ب� يديه دون انتظار‪.‬‬ ‫دون أن يعلِّق عىل الجائزة ي‬ ‫ن‬ ‫لكن� أعتقد أن لجنة الجائزة تحاول دفع مكافأة لما يطلق عليه نصوص الثقافة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الشعبية‪ ،‬أو النصوص الدبية العامة‪ ،‬وهي هنا ال تحرص نفسها ي� نصوص‬ ‫شعبية محلية‪ ،‬بل تذهب إىل قصائد أو أغنيات ذات هوية محلية ذات حضور‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫مشعة‬ ‫تتحول رموزها إىل أيقونات َّ‬ ‫كو� ومؤثر ي� ثقافات العالم وذائقته‪ ،‬كما َّ‬ ‫ي‬ ‫تغري المواهب الشعرية والموسيقية والغنائية بتقليدها وترويجها وبعث نسخ‬ ‫عر� ومنتجات أخرى‪ ،‬كما وجد‬ ‫عر� وراب ب ي‬ ‫محلية عنها‪ .‬وهكذا وجد بيننا جاز ب ي‬ ‫ين‬ ‫وغ�ها‪ .‬والشاهد أننا مهما‬ ‫ف ي� قلب الثقافات العريقة‬ ‫كالص� والهند وإسبانيا ي‬ ‫صمدنا أمام ت‬ ‫االع�اف بمنتجاتها فإن العولمة بأدواتها المؤثرة جعلتها تجتاح‬ ‫أسماعنا وأبصارنا‪ ،‬بل إنها أصبحت حكَماً عىل بقاء فنوننا وآدابنا أو فنائها‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ال�دي‬ ‫ليست إذاً ثقافات العالم هي تلك‬ ‫المدونة ي� كتب منذ ظهور ورق ب‬ ‫َّ‬ ‫ف� مرص‪ ،‬ت‬ ‫وح� كُتب اليوم المحفوظة والمتداولة بما ال يُحىص من الوسائل‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الجاهل مثال ً كان أدباً‬ ‫لكنها تحمل أيضاً داخلها الثقافة الشفاهية‪ ،‬فالشعر‬ ‫ي‬ ‫شفاهياً‪ .‬وفيما تحرص الجامعات المرموقة ف� العالم عىل ي ز‬ ‫تحف� بعض طالب‬ ‫ي‬ ‫العر� عىل تقديم أطروحاتهم عن فنونهم وثقافاتهم وآدابهم الشعبية‬ ‫العالم ب ي‬ ‫والعامية‪ ،‬نعزف نحن عن دراستها أكاديمياً أو تداولها ثقافياً وتركها ي ن‬ ‫ب� أيدي‬ ‫عمق القبلية‬ ‫القنوات التلفزيونية الشعبية ِّ‬ ‫لتقدم أضعف ما فيها كنصوص تُ ِّ‬ ‫والعصبية‪.‬‬ ‫ن‬ ‫إن أسوأ ما حدث لدينا هو القطيعة شبه التامة يب� الثقافة الشعبية والرصينة‪،‬‬ ‫ين‬ ‫وب� النصوص العامية والنصوص الفصيحة‪ ،‬بل واختالق الحروب بينهما‪،‬‬ ‫ين‬ ‫بالثقافت�‪ ،‬وتتعانقان وتنصهران داخل‬ ‫عىل الرغم من أن حياتنا اليومية تعج‬ ‫أ‬ ‫وجداننا وإحساسنا وهويتنا أ‬ ‫الدبية والفنية‪ ،‬وهذا المر يجعل فك االرتباط‬ ‫ن‬ ‫يع� شطب جزء من ذاكرتنا ولغتنا وفنوننا بحجة عاميتها‬ ‫بينهما مستحيالً‪ ،‬إذ إنه أ ي‬ ‫وخروجها عن المساطر الدبية واللغوية المتوارثة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫لقد غابت إذاً الثقافة الشعبية ومفرداتها عن ت‬ ‫مع�ك الجوائز الدبية وحصادها‬ ‫ف‬ ‫ثقا� عامي‪ ،‬وأقل ن ز‬ ‫عدوته‬ ‫م�لة من الفصيح‪ ،‬بل إنها ّ‬ ‫اعتماداً عىل أنها مجال ي‬ ‫أ‬ ‫يكرسها لنه يريد أن يحطِّم‬ ‫نحو ما‪ .‬وهناك من ذهب إىل أن الغرب ّ‬ ‫عىل ٍ‬ ‫بها إرث اللغة العربية الخالد‪ .‬وما نشهده هو أن هذه الثقافة العامية‬ ‫ت‬ ‫همشناها طويال ً لم تتوقف عن مخاطبة الرأي العام وممارسة سحرها‬ ‫ال� ّ‬ ‫ي‬ ‫غ� أن تنتظر الجوائز من المؤسسات الثقافية العليا‪ ،‬واكتفت‬ ‫التأث�ي‪ ،‬من ي‬ ‫ي‬ ‫ع� أثرها اليومي والجامح عىل حياة الناس‪ .‬فلماذا تنتظر هذه‬ ‫بتلقي المكافآت ب‬ ‫الثقافة ما هو ث‬ ‫أك� من ذلك؟‬ ‫ملحة إىل قراءة جادة‬ ‫وبعيداً عن جائزة نوبل وتقلبات مانحيها‪ ،‬تبقى الحاجة ّ‬ ‫لهذا ت‬ ‫ال�اث‬ ‫الشع� الزاخر‪ ،‬وإعادة موضعته داخل كريات دمنا الثقافية‬ ‫بي‬ ‫أ‬ ‫خلقة بينه ي ن‬ ‫المعارصة‪ ،‬وبناء جسور َّ‬ ‫وب� ألوان نصوصنا الدبية ومفرداتنا‬ ‫ن‬ ‫تعا� من عزلة تحت وطأة جنون الشبكات االجتماعية ال�ت‬ ‫ت‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫الثقافية ي‬ ‫تستعص عىل كل المقاييس‪.‬‬ ‫ي‬

‫الرحلة معاً‬ ‫ِمن رئيس التحرير‬

‫ضو ٌء على‬ ‫ثقافة غائبة‬


‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫القراء‬ ‫حمل البريد إلينا مؤخراً عدداً من الرسائل من َّ‬ ‫المهتمين وأصدقاء المجلة‪ ،‬منها رسالة من سيدني‬ ‫أستراليا‪ ،‬كتب أ‬ ‫الستاذ الجامعي الدكتور محمد‬ ‫يحيى جمال يقول‪« :‬أطالع مجلة القافلة منذ أكثر‬ ‫من خمس وعشرين سنة‪ ،‬واستفدت منها وطالبي في‬ ‫الجامعات أ‬ ‫السترالية في عديد من الدراسات اللغوية‬ ‫والثقافية وعلوم الترجمة‪.‬‬ ‫وقد تسلَّمت أ‬ ‫السبوع الماضي عدد أغسطس من‬ ‫مجلة القافلة‪ ،‬وإذا بي أطالع جميع صفحاتها من‬ ‫الغالف إلى الغالف‪ .‬وخطر على بالي التعبير «من‬ ‫الغالف إلى الغالف»‪ ،‬حيث إنه من النادر أن أقرأ‬ ‫مجلة وبهذه الصورة من االهتمام‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومعبرا عن امتناني‬ ‫ولذا أحببت أن أكتب إليكم شاكراً ِّ‬ ‫لهذا العدد الذي خاطبني واهتماماتي بصورة لم‬ ‫تحدث من قبل‪.‬‬ ‫وعلى موقع القافلة إاللكتروني‪ ،‬عقّبت منال محمد‬ ‫عثمان على تقرير مراكز البحوث العلمية في المملكة‬ ‫بقولها‪« :‬إن مؤسسات البحث العلمي تحتاج إلى‬ ‫قياس بشكل أدق‪ ،‬دون االعتماد على مؤشرات‬ ‫الطابع العالمي أ‬ ‫للبحاث‪ ،‬إذ تتوفر أعداد ضخمة من‬ ‫المؤسسات المسؤولة عن البحث العلمي في المملكة‬ ‫غير الجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم‬ ‫والتقنية»‪ .‬وعددت في تعقيبها كثيراً من مراكز أ‬ ‫البحاث‬ ‫َّ‬ ‫التابعة إما للوزارات وإما للشركات الصناعية الكبرى‪.‬‬

‫وكتب أحمد الحسيني على موقع المجلة يقترح تعزيز‬ ‫«الخيال العلمي» في القافلة‪ ،‬عبر نشر القصص‬ ‫الدبي بالذات‪ .‬أ‬ ‫المنتمية إلى هذا اللون أ‬ ‫وللخ أحمد‬ ‫نقول إن للخيال العلمي مكانه الثابت في القسم العلمي‬ ‫ضمن زاوية «العلم خيال»‪ .‬أما نشر القصص على‬ ‫اختالف ألوانها أ‬ ‫الدبية‪ ،‬فهو غير ممكن ضمن تبويب‬ ‫المجلة في الوقت الحاضر‪ ،‬بسبب ضيق المجال‪.‬‬ ‫وأثار موضوع «المادة المضادة» عدداً كبيراً من‬ ‫التعليقات والتعقيبات على موقع القافلة‪ ،‬نقتطف‬ ‫منها قول أكرم الشرفا‪« :‬أذهلني الموضوع‪،‬‬ ‫والمعلومات التي قدمها أ‬ ‫الستاذ حسن الخاطر‪ .‬إنه‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يدهشنا بالمعلومات التي تزيدنا علما وفكرا ّنيراً‪.‬‬ ‫نتمنى له وللقافلة التوفيق»‪.‬‬

‫وكتب صادق الباقر‪« :‬نشكر مجلة القافلة على إثراء‬ ‫الشيقة‪،‬‬ ‫صفحاتها بمثل هذه الموضوعات العلمية ّ‬ ‫ونشكر الكاتب القدير حسن الخاطر»‪.‬‬

‫موسم األرز في األحساء‬

‫الرز في أ‬ ‫واستوقف موضوع «موسم أ‬ ‫الحساء»‬ ‫المنشور في العدد السابق القارئ رضا صالح‬ ‫الذي عقّب عليه بقوله‪« :‬إن أ‬ ‫الرز الحساوي هو‬ ‫بالفعل أحد أهم المحاصيل الزراعية في أ‬ ‫الحساء‬ ‫القبال الكبير عليه من جميع‬ ‫بعد التمور‪ .‬ويستمر إ‬ ‫فئات المجتمع‪ ،‬لشعبيته وطعمه اللذيذ وفوائده‬ ‫الصحية‪ ،‬أ‬ ‫والهم من ذلك لكونه جزءاً من التراث‬ ‫الحساوي»‪.‬‬ ‫ورأى القارئ علي سليس أن موضوع «بساط الريح»‬ ‫الذي نشر في القسم العلمي من العدد السابق‪:‬‬ ‫«جميل ويتميز بالرصانة وبراعة االنتقال بين أ‬ ‫الفكار‬ ‫بسالسة‪ ،‬وبالقدرة على إثارة أ‬ ‫السئلة حول مستقبل‬ ‫العالم من زاوية مغايرة‪ .‬وهذه الزاوية تحديداً هي ما‬ ‫نحتاجه في الوقت الحاضر»‪.‬‬ ‫‪31 | 30‬‬

‫بساط الريح‬

‫‪31 | 30‬‬

‫تقرير القافلة‬

‫العلم خيال‬

‫ضمن حكايات «ألف‬ ‫ليلة وليلة»‪ ،‬ثمة واحدة‬ ‫َّ‬ ‫تتحدث عن سجادة‬ ‫سحرية لها‬ ‫القدرة على الطيران بمن‬ ‫في ا‬ ‫عليها من مكان إلى مكان‪،‬‬ ‫ستحضار لحلم البشرية القديم‬ ‫بالطيران‪ .‬وبعدما ظهرت‬ ‫الطائرة قبل مئة عام‪ ،‬لم‬ ‫تتوقف‬ ‫األبحاث‬ ‫إلنتاج‬ ‫بساط الريح!‬ ‫حسن الخاطر‬

‫القافلة‬ ‫سبتمبر ‪ /‬أكتوبر ‪2016‬‬

‫مؤشرات‬ ‫البحث‬ ‫العلمي في‬ ‫المملكة‬

‫األشهر ال‬

‫خضراء في «الضواحي»‬

‫العلم خيال‬

‫وعلّق حسن العوامي على الموضوع نفسه بالقول‪« :‬كلما‬ ‫ازددنا علماً ازددنا جهالً‪ ..‬إن مثل هذا الموضوع يجعل‬ ‫المرء يعيد النظر في المناهج الدراسية‪ .‬فأنا ال أتذكَّر وجود‬ ‫أي ذكر للمادة المضادة في مناهج الفيزياء أو الكيمياء‪،‬‬ ‫رغم أن العلماء تحدثوا عنها منذ قرابة ‪ 80‬سنة»‪.‬‬

‫جعفر عمران‬ ‫تصوير‪ :‬فتحي العيسى‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫والواقع يا أخت منال أن التقرير أشار إلى وجود‬ ‫هذه المراكز‪ .‬ولكن كان ال ّبد من االعتماد على‬ ‫مؤشر محدد‪ ،‬وهو النشر العالمي أ‬ ‫للبحاث (مؤشر‬ ‫َّ‬ ‫معينة دون أن‬ ‫اكز‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫فاعلية‬ ‫يؤكد‬ ‫الذي‬ ‫نيتشر)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يعني ذلك عدم االعتراف بوجود غيرها ودوره‪.‬‬ ‫وقد أشرت بنفسك أنه «ال يتوفر مؤشر أداء محلي‬ ‫يوضح عدد البحوث التي تنتجها المؤسسات بشكل‬ ‫ِّ‬ ‫إجمالي»‪.‬‬

‫ووصلتنا رسالة من مدير جمعية الثقافة والفنون‬ ‫بالدمام أ‬ ‫الستاذ أحمد محمد المال‪ ،‬تعقيباً على‬ ‫أ‬ ‫تلقيه نسخة من مجلد القافلة الخير‪ ،‬فوصفه بأنه‬ ‫«من المجلدات التي نسعد دوماً بتلقيها‪ ،‬لما تضمه‬ ‫متميزة تحظى باهتمام‬ ‫من موضوعات ثقافية وعلمية ِّ‬ ‫الدارة»‪.‬‬ ‫الجميع‪ ،‬وتحتل موقعها المتميز في مكتبة إ‬ ‫الخوة‬ ‫نسجل لكم ولجميع إ‬ ‫وختم رسالته بالقول‪ِّ :‬‬ ‫المتميزة في إخراج‬ ‫لجهودكم‬ ‫العاملين معكم تقديرنا‬ ‫ِّ‬ ‫هذا المنتج المعرفي المهم»‪.‬‬

‫على الرغم من‬ ‫تراجع زراعة األرز الحساوي‬ ‫خالل العقود‬ ‫ً‬ ‫األخيرة عما كانت عليه‬ ‫تاريخيا‪،‬‬ ‫فقد بقي منها ما‬ ‫يكفي لوضعها في المرتبة‬ ‫الثانية بين الزراعات‬ ‫الحساوية بعد النخيل‪.‬‬ ‫كما أن ما بقي يكفي‬ ‫لكسوة‬ ‫كثير‬ ‫من‬ ‫األراضي‬ ‫الزراعية بطبقة‬ ‫خضراء ندية‪ ،‬تتمايل سنابلها‬ ‫الطرية مع‬ ‫نسمات الهواء طوال أشهر‬ ‫الصيف قبل أن‬ ‫يحين موعد حصادها في‬ ‫فصل الخريف‪.‬‬

‫عين وعدسة‬

‫مع القرَّ اء‬

‫تحية وبعد‬

‫‪5|4‬‬

‫المادة‬ ‫المضادة‬

‫حسن الخاطر‬

‫ظهرت المادة المضادة‬ ‫في الخيال العلمي كقوة هائلة‬ ‫أ‬ ‫ومرعبة‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫المادة هي المحور الساس الذي‬ ‫ارتكزت عليه رواية‬ ‫أ‬ ‫«مالئكة وشياطين» للكاتب المريكي‬ ‫دان براون‪ ،‬المنشورة‬ ‫في عام ‪2000‬م‪ ،‬حيث تقوم‬ ‫جماعة بسرقة قنبلة‬ ‫أ‬ ‫مضادة من معمل «سيرن» الوروبي‬ ‫الشهير بغرض‬ ‫تدمير مدينة الفاتيكان‪ .‬ونتيجة‬ ‫لما تحويه من قوة هائلة‪ ،‬فقد‬ ‫استخدمت‬ ‫المادة المضادة كوقود للمركبات‬ ‫الفضائية المستقبلية في خيال‬ ‫المؤلفين‪ .‬ولم يتوقف الخيال العلمي‬ ‫عند‬ ‫ذلك‬ ‫بل‬ ‫قال باحتمال وجود كون‬ ‫مضاد‬ ‫تعيش فيه حياة مضادة لحياتنا!‬ ‫تم التأسيس‬ ‫بشكل افتراضي لفكرة المادة المضادة‬ ‫عام‬ ‫من قبل عالِم الفيزياء آرثر شوستر‬ ‫‪1898‬م‪ .‬وبعد ثالثة عقود‪ ،‬وضع عالِم‬ ‫الفيزياء البريطاني بول ديراك‪ ،‬الحائز‬ ‫جائزة نوبل‬ ‫مناصفة مع النمساوي الشهير إروين‬ ‫شرودينغر‪ ،‬معادلته الكمية النسبية‬ ‫التي دمج فيها النسبية الخاصة‬ ‫وميكانيكا الكم لوصف سلوك الإلكترون‪:‬‬

‫عالم الفيزياء آرثر شوستر‬ ‫‪E2=p2c2+me c‬‬

‫‪2 4‬‬

‫وقد تنبأت‬ ‫هذه المعادلة بشيء غريب في‬ ‫عالم الفيزياء؛ وهو وجود جسيم‬ ‫يشبه‬ ‫الإ لكترون ولكن إشارته موجبة! ذلك‬ ‫أن هذه المعادلة هي من الدرجة‬ ‫الثانية‪ ،‬ويوجد لها ّ‬ ‫حالن أحدهما سالب والثاني‬ ‫موجب القيمة‪ .‬وقد اقترح ديراك‬ ‫في محاضرة‬ ‫نوبل التي ألقاها في ستوكهولم‬ ‫بالسويد عام ‪1933‬م‪ ،‬وجود ذرات‬ ‫مضادة‪،‬‬ ‫وهذه الذرات المضادة بدورها تكوّن‬ ‫نجوماً وكواكب مضادة‪ ،‬أي حياة‬ ‫مضادة في زاوية ما في هذا الكون!‬ ‫تم التحقق‬ ‫عملياً من وجود هذا الجسيم‬ ‫أ‬ ‫الغريب‪ ،‬في عام ‪1932‬م‪ ،‬من قبل‬ ‫عالم الفيزياء المريكي الحائز جائزة نوبل هو آ‬ ‫لمسار الأ‬ ‫الخر كارل أندرسون‪ ،‬أثناء دراسته‬ ‫شعة الكونية‪ ،‬وأظهرت تجاربه أن‬ ‫جسيماً يسلك مساراً معاكساً لمسار‬ ‫الإ لكترون‪ ،‬وأطلق عليه اسم‬ ‫البوزيترون أو الإ لكترون الموجب‪.‬‬

‫يعبر‬ ‫ومن الجزائر كتب الدكتور عبدالنور بوصاية ّ‬ ‫عن سروره بتسلُّم القافلة بدءاً من العام الجاري‪،‬‬ ‫ويسأل عن إمكانية الحصول على بعض أ‬ ‫العداد‬ ‫القديمة‪ .‬والواقع أن أ‬ ‫العداد القديمة بصيغتها‬ ‫الورقية لم تعد متوافرة لدينا‪ .‬ولكن يمكن االطالع‬ ‫اللكتروني‪.‬‬ ‫عليها كلها على موقع المجلة إ‬


‫تحية وبعد‬ ‫أ‬ ‫القدم‪ ،‬فتف َّننوا بها‪،‬‬ ‫أحب‬ ‫العرب اللقاب منذ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫وتنابزوا ببعض منها‪ ،‬وتفاخروا ببعضها آ‬ ‫الخر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكانوا يعتقدون أنها تدل على أصحابها‪ .‬وتعدوا في‬ ‫ذلك الرجال إلى الخيول والسيوف والرماح وغيرها‬ ‫من عدة الحرب‪ ،‬فوضعوا لها أ‬ ‫اللقاب‪ ،‬وأبدعوا‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫وقد استأثر الشعراء الرجال بكثير من ألقاب‬ ‫الحيوانات‪ .‬نذكر منهم على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬ ‫• الث َّْور‪ُ :‬لقِّب بهذا اللقب شاعر عباسي متأخر‪ ،‬اسمه‬ ‫عماد الدين أبو محمد حمزة بن علي‪ .‬ويُقال إنه ُلقِّب‬ ‫بذلك لقوله يمدح أ‬ ‫المير شمس الدين بن باتكين‪:‬‬ ‫ومن فضائلك الالتي سموت بها‬ ‫ال غرو إن نطقت في فضلك البقر‬

‫• الف َْحل‪ :‬شاعر جاهلي‪ ،‬اسمه علقمة بن عبدة بن‬ ‫النعمان‪ .‬وقال أ‬ ‫الصمعي‪ :‬لُقب بالف َْحل ألن كل‬ ‫من عارض شاعراً فغلب عليه يسمى (فحالً)‪ ،‬كما‬ ‫أن الشعراء الذين غلبوا من هاجاهم يُلقبون أيضاً‬ ‫بالفحول‪.‬‬ ‫ الفيل‪ :‬شاعر أموي‪ ،‬اسمه حاجب بن ذبيان‪ ،‬لقبه‬ ‫• ِ‬ ‫أ‬ ‫يروض‬ ‫بذلك الشاعر ثابت قطنة‪ِ ،‬وقيل‪ :‬لنه كان ّ‬ ‫فيال ً للحجاج بن يوسف الثقفي‪.‬‬ ‫• النعامة‪ :‬شاعر جاهلي‪ ،‬اسمه بيهس بن هالل‬ ‫وقيل‪،‬‬ ‫بن خلف الفزاري‪ ،‬لُقب بذلك؛ لطوله‪ِ ،‬‬ ‫لقوله‪:‬‬ ‫هم صباح اً‬ ‫ألبركن بركة النعامة‬ ‫طرقن‬ ‫أل‬ ‫حي ُ‬ ‫ّ‬ ‫طواط‪ :‬شاعر عباسي من القرن السادس‪،‬‬ ‫ الو َ‬ ‫• َ‬ ‫اسمه رشيد الدين بن محمد بن عبدالجليل‬ ‫العمري‪ ،‬لُقب بذلك ألنه كان حقير الجثة‪ ،‬سليط‬

‫اللسان‪.‬‬ ‫ الحمامة‪ :‬شاعر عباسي من القرن السادس‪،‬‬ ‫• َ‬ ‫اسمه يحيى بن صعلوك‪ ،‬لُقب بذلك لحسن‬ ‫إنشاده‪.‬‬ ‫• حمار العزيز‪ :‬شاعر عباسي من القرن الرابع‪ ،‬اسمه‬ ‫عمار الثقفي‪.‬‬ ‫أبو العباس بن عبيدهللا ابن َّ‬ ‫• ال َب َّبغاء‪ :‬شاعر عباسي‪ ،‬اسمه أبو الفرج عبدالواحد‪،‬‬ ‫وقيل‪ :‬عبدالملك بن نصر المخزومي‪ ،‬لُقب بذلك‬ ‫للثغته‪ِ ،‬وقيل لحسن فصاحته‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الرهيص‪ :‬شاعر جاهلي‪ ،‬هو جابر بن عميرة‬ ‫• السد َ‬ ‫بن ثعلبة الطائي‪ ،‬لُقب بذلك؛ لشجاعته وفروسيته‬ ‫التي ورثها عن جده‪.‬‬ ‫أيمن عبد السميع حسن حسين‬ ‫مصر‬

‫الممارسات الدوائية الخاطئة‬ ‫استوقفني الملصق الذي و َّزعته القافلة مع عددها‬ ‫أ‬ ‫الخير حول خطورة االستهتار بالتعامل مع الدواء‪،‬‬

‫أصول التعامل‬ ‫‪ 05‬السليم مع الدواء‬

‫وهو جهد تُشكرون عليه لما له من أثر على السالمة‬ ‫العامة وصحة الناس‪ .‬وكنت أتمنى لو أنكم تشددتم‬ ‫ثالثاً ‪:‬‬

‫االحتفاظ‬ ‫بالدواء في المنزل‬

‫‪ .1‬خالل تف�ة تناول الدواء‪ ،‬كما عند الحتفاظ بما تبقى‬ ‫منه‪ ،‬يجب أن يبقى دائماً بعيداً عن متناول ئ‬ ‫الطفال كما‬ ‫هو معلوم‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫زز‬ ‫ال� يجب‬ ‫‪ .2‬احفظ كل االدوية ي� «الصيدلية الم�لية»‪ ،‬ي‬ ‫ز‬ ‫عال‪ ،‬بعيداً عن الرطوبة ومصادر‬ ‫وضعها ي� مكان ٍ‬ ‫الحرارة‪.‬‬ ‫‪ .3‬اقرأ جيداً طريقة حفظ الدواء خالل االستعمال‬

‫أوال‪:‬‬ ‫ً‬

‫عند شراء الدواء‬

‫فور خروجك من عند الطبيب يصبح الدواء وتعاملك‬ ‫معه من مسؤولياتك‪ ،‬ويبدأ ذلك ش‬ ‫ب�ائه‪.‬‬ ‫ت‬ ‫اش� دواءك من صيدلية موثوقة‪ ،‬واحذر قدر الإمكان‬ ‫‪ِ .1‬‬ ‫ش�اء الدواء بع� ت‬ ‫الإن�نت‪ .‬فبعض الذين يحتاجون‬ ‫لف�ة طويلة‪ ،‬قد يبحثون عنه عىل ت‬ ‫إىل الدواء ت‬ ‫الإن�نت‬ ‫لتوف� فارق كب� ز� السعر‪ .‬ولكن ئ‬ ‫المر ل يخلو من‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫خطورة‪ .‬فالشبكة العنكبوتية مليئة بآلف المصادر يغ�‬ ‫ال� تُدير تجار ًة عالمية ضخمة من ئ‬ ‫ت‬ ‫الدوية‬ ‫ِ‬ ‫الموثوقة ي‬ ‫ت‬ ‫تغي�‬ ‫ال� ّتم ي‬ ‫المقلَّدة‪ ،‬والمزيّفة‪ ،‬والمغشوشة‪ ،‬ي‬ ‫ت‬ ‫عالمتها التجارية‪ ،‬وبلد منشئها‪ ،‬وح� تاريخ صالحيتها‪.‬‬ ‫وتَتَحكَّم هذه التجارة المشبوهة ش‬ ‫بأك� من ‪ِ %10‬من‬ ‫سوق الدواء العالمي‪ ،‬ز‬ ‫وتج� أرباحاً تفوق (‪ )30‬مليار‬ ‫ي‬ ‫ّ‬

‫ثانياً ‪:‬‬

‫الدواء |‬

‫ً‬ ‫ُ‬ ‫أشكاال عديدة‪ ،‬ولها َت ِب ٌ‬ ‫عات صحية‬ ‫مشكلة األخطاء الدوائية‬ ‫ّتتخذ‬ ‫ً‬ ‫وكثيرا ما َ‬ ‫تتسبَّ ب في َف ْق َد أغلى ما يملكه اإلنسان وهو‬ ‫مختلفة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أجهزة جسمه إلى التلف‪ ،‬أو‬ ‫حياته‪ ،‬ومن الممكن كذلك أن ُت َعرِّ ض‬ ‫ٍ‬ ‫مضاعفات قد يعاني منها بقية حياته‪.‬‬ ‫إلى‬ ‫فما هي أبرز مقومات التعامل السليم مع الدواء‪ ،‬وما هي‬ ‫التدابير االحترازية التي تضمن أفضل النتائج المتوخاة منه؟‬ ‫النصائح اآلتية مستقاة من بحث َّ‬ ‫أعده الدكتور حذيفة الخراط‬ ‫للقافلة‪.‬‬

‫ز‬ ‫الفق�ة‬ ‫دولر سنوياً‪ ،‬وقد نَجحَ ْت ي� غَزْو أسواق البلدان ي‬ ‫ال� وَصلَت نسبةُ ئ‬ ‫الدوية المزيَّفة ز� صيدلياتها إىل ش‬ ‫أك�‬ ‫تي َ ْ‬ ‫ي‬ ‫من ‪.%25‬‬ ‫‪ .2‬لكل دواء اسم علمي وآخر تجاري‪ .‬وقد يتعذَّ ر عليك‬ ‫لسبب ما الحصول عىل الدواء بالسم التجاري الذي‬ ‫الصيدىل دوا ًء باسم‬ ‫عليك‬ ‫فيعرض‬ ‫الطبيب‪،‬‬ ‫وصفه‬ ‫ي‬ ‫الصيدىل الكفء والمستقيم‬ ‫تجاري آخر‪ .‬ومع العلم أن‬ ‫ي‬ ‫ل يخطئ ز� هذا المجال‪ ،‬فمن ئ‬ ‫الفضل أن تتأكَّد من‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫المر ح� ولو اقت� ذلك العودة إىل الطبيب‪.‬‬ ‫‪ .3‬إذا كنت تتناول دوا ًء موصوفاً لك سابقاً‪ ،‬فاحرص عىل‬ ‫ز‬ ‫إضا�‪ ،‬ئلن‬ ‫إبالغ الطبيب أو‬ ‫الصيدىل عند ش�اء دواء ي‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫استعمال بعض الدوية قد يتعارض مع أدوية أخرى‬ ‫بشكل خط�‪ ،‬أو قد يبطل بعضها مفعول آ‬ ‫الخر‪.‬‬ ‫ي‬

‫عند تناول الدواء‬

‫‪ .3‬كث� من حبوب أ‬ ‫ت‬ ‫‪ .1‬ت ز‬ ‫االدوية يتطلَّب ش�ب الماء بعد تناوله‬ ‫ال�م بالجرعة المحدَّ دة من قِ بل الطبيب دون أية‬ ‫ال� ل أحجام محدَّ دة لها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫زيادة أو نقصان‪( .‬استناداً إىل إحصاءات الوكالة‬ ‫‪ .6‬اقرأ العوارض الجانبية المحتملة للدواء‪ ،‬وراقب‬ ‫بالعص� أو‬ ‫للمساعدة عىل إذابته‪ ،‬فال تستبدل الماء‬ ‫ي‬ ‫الفدرالية ئ‬ ‫لالدوية‪ ،‬فإنّ تسعة آلف طفل يُنقَلون‬ ‫حدوثها من عدمه‪ ،‬خاصة إذا كان بعضها يتطلَّب‬ ‫الشاي أو القهوة أو يغ� ذلك‪ .‬شا�ب الماء فقط‪.‬‬ ‫سنوياً إىل أقسام الطوارئ ز ي� المستشفيات‪ ،‬نتيجة‬ ‫‪ .4‬ال توقف استعمال الدواء بمجرد الشعور بالتحسن‪،‬‬ ‫مراجعة الطبيب أو التوقف عن تناول الدواء‪.‬‬ ‫جرعات زائدة ِمن دواءٍ واحد فقط‪ ،‬هو مُ َسكّن‬ ‫تناول‬ ‫المقررة‬ ‫أو عند زوال عوارض المرض‪ ،‬بل تابع تناوله طوال المدة ‪ .7‬إذا لم ينفع الدواء بما فيه الكفاية بعد المدة‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ت‬ ‫السعال)‪.‬‬ ‫ال� يحدِّ دها الطبيب‪.‬‬ ‫تكرر رصفه لنفسك من الصيدلية دون‬ ‫ّ‬ ‫لتناوله‪ ،‬فال ِّ‬ ‫ي‬ ‫دة الستعماله‪ .‬فال تمضغ ‪ .5‬فيما يتعلَّق أ‬ ‫باالدوية السائلة ش‬ ‫لل�ب‪ ،‬اعتمد ز ي� قياس‬ ‫مراجعة الطبيب‪.‬‬ ‫‪ .2‬تناول الدواء بالطريقة المحدَّ‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫دوا ًء يجب ابتالعه‪ ،‬ول تبتلع دوا ًء يجب وضعه تحت‬ ‫ال� تكون مع الدواء‪ ،‬أو ‪ .8‬إذا نسيت تناول جرعة الدواء ي� وقتها المحدَّ د‪ ،‬فإياك‬ ‫الجرعة عىل الملعقة المرقَّمة ي‬ ‫تباع ز ي� الصيدلية‪ ،‬وليس عىل مالعق الشاي أو الحساء‬ ‫اللسان عىل سبيل المثال‪.‬‬ ‫ومضاعفة الجرعة التالية للتعويض عنها‪.‬‬

‫وبعده‪ ،‬ت ز‬ ‫وال�م بها‪ .‬فثمة أدوية تحتاج إىل البقاء ز ي�‬ ‫الثالجة مثال ً‪.‬‬ ‫‪ .4‬الحظ أن تاريخ صالحية الدواء عىل العلبة دقيق‬ ‫ئ‬ ‫طالما حُ فظ الدواء جيداً وقبل فتحه‪ .‬فبعض الدوية‪،‬‬ ‫وخاصة السائلة منها مثل قطرات العيون تصبح‪ ،‬بعد‬ ‫فتح القارورة‪ ،‬ذات مدة صالحية أقرص بشكل ملحوظ‬ ‫من مدة الصالحية المحدَّ دة عىل العلبة‪.‬‬

‫رابعاً ‪:‬‬

‫التخلص من‬ ‫األدوية‬

‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� فسدت‪،‬‬ ‫‪ .1‬ال ِ‬ ‫ال� لم تعد الزمة‪ ،‬أو تلك ي‬ ‫ترم االدوية ي‬ ‫ز� مصارف المياه ز ز‬ ‫الم�لية‪ ،‬نظراً لما يمكن أن تسببه من‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫ال� سيعاد تدويرها واستخدامها ز ي�‬ ‫تلوث‬ ‫ي‬ ‫كيميا� للمياه ي‬ ‫الري مثال ً‪.‬‬ ‫االمثل هو تسليم هذه أ‬ ‫‪ .2‬الحل أ‬ ‫االدوية إىل مستشفى‬ ‫قريب‪ ،‬يتخلص منها بطريقة سليمة مع نفاياته الطبية‪.‬‬

‫أكثر في تحذير الناس من مغبة االستخفاف بالدواء‬ ‫وطريقة تناوله‪ .‬ويا ليتكم ضربتم بعض أ‬ ‫المثلة عما‬ ‫يمكن أن يؤدي إليه ذلك‪.‬‬ ‫فقد عانى زوجي شخصياً من هذا االستهتار‪ .‬وأنا أورد‬ ‫هنا قصته لتكون عبرة لمن يعتبر‪ .‬فقد اعتاد تناول‬ ‫دواء خفيف يباع حتى من دون وصفة من الطبيب‪،‬‬ ‫ألنه يساعد على تسييل الدم ويمنع الجلطات‪..‬‬ ‫وعلى الرغم من أن التعليمات تقضي بشرب بعض‬ ‫الماء بعد تناول هذا الدواء‪ ،‬فإن زوجي كان يتناول‬ ‫الحبة من دون ماء قبل أن يخلد إلى النوم‪ .‬والذي‬ ‫حصل‪ ،‬هو أن ذلك كان يؤدي إلى استقرار الحبة في‬ ‫الموضع نفسه من معدته كل ليلة‪ ،‬أ‬ ‫المر الذي أدى‬ ‫إلى إحداث ثقب في معدته‪ ،‬ونزيف مفاجئ‪ ،‬تطلَّب‬ ‫إجراء عملية جراحية طارئة إلنقاذه‪.‬‬ ‫فمن كان ليتصور أن حبة دواء «بسيط»‪ ،‬كادت أن‬ ‫تودي بحياة شخص‪ ،‬ال لشيء‪ ،‬بل ألنه لم يشرب‬ ‫بعض الماء بعدها؟‬ ‫سعاد سلّوم‬ ‫المارات العربية المتحدة‬ ‫دبي‪ -‬إ‬

‫أكثر من رسالة‬

‫ألقاب شعراء بأسماء حيوانات!‬


‫‪7|6‬‬

‫أكثر من رسالة‬

‫تحية وبعد‬

‫هل أبدع شكسبير أساطير؟‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫تعقيباً على الموضوع الذي نشرته القافلة في عددها‬ ‫لشهري يوليو ‪ /‬أغسطس من العام الجاري لمناسبة‬ ‫مرور أربعمائة سنة على وفاة شكسبير‪ ،‬وردتنا رسالة‬ ‫الدكتور توفيق علي منصور من مصر‪ ،‬يعرض فيها‬ ‫لجهوده في دراسة شكسبير‪ ،‬والترجمات الكثيرة‬ ‫النجليزية إلى‬ ‫التي أنجزها لمسرحيات شكسبير من إ‬ ‫تضمنت عرضاً‬ ‫العربية‪ .‬وعلى الرغم من أن الرسالة َّ‬ ‫للسباب التي حالت دون نشر ترجماته أ‬ ‫أ‬ ‫الخيرة‪ ،‬وهي‬ ‫مسائل خالفية عالقة بينه وبين المؤسسة التي كان‬ ‫يفترض فيها أن تنشر هذه أ‬ ‫العمال‪ ،‬مما ال يمكن‬ ‫للقافلة أن تغوص فيها‪ ،‬فإننا ارتأينا نشر ما يُ ِّعرف‬ ‫بجهود الدكتور منصور ودراسته أ‬ ‫للدب الشكسبيري‪.‬‬ ‫«في عام ‪2015‬م‪ ،‬سألني الدكتور هيثم الحاج علي‬ ‫نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة‬ ‫أعددت عن شكسبير في ذكرى‬ ‫للكتاب حينئذ‪« :‬ماذا‬ ‫َ‬ ‫وفاته أ‬ ‫الربعمائة في عام ‪2016‬؟» وهو يَعرف‬ ‫أن أطروحتى لنيل درجة الدكتوراة كانت بعنوان‪:‬‬ ‫السطوري في مسرحيات شكسبير أ‬ ‫«العنصر أ‬ ‫الخيرة‪:‬‬ ‫بيريكليز وسيمبيلين وحكاية الشتاء والعاصفة»‪.‬‬ ‫وتلبية لندائه‪ ،‬قمت بترجمة المسرحيات أ‬ ‫الربع شعراً‬ ‫أ‬ ‫وقدمتها‬ ‫بشعر ومتن الطروحة نثراً بطبيعة الحال‪َّ ،‬‬ ‫له عندما تولي رئاسة مجلس إدارة الهيئة‪ ،‬على شكل‬ ‫كتاب مخطوط بعنوان‪« :‬أساطير شكسبير» من ستة‬ ‫نجليزي بالنص العربي‬ ‫ال‬ ‫النص إ‬ ‫أجزاء‪ ،‬شفعت فيه َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫والنجليزية‬ ‫ا‬ ‫متاح‬ ‫المترجم‪ ،‬حتى يكون‬ ‫لقراء العربية إ‬ ‫ّ‬ ‫على حد سواء‪ ،‬وذلك في بداية عام ‪2016‬م‪.‬‬

‫أدب وفنون‬

‫‪61 | 60‬‬ ‫في ذكرى مرور‬ ‫أربعة قرون على وفاة الشاعر‬ ‫والمسرحي‬ ‫اإلنجليزي الكبير وليم شكسبير‪،‬‬ ‫انطلقت في شتى‬ ‫البقاع‪ ،‬وباألخص في موطنه‪،‬‬ ‫مهرجانات تحتفل‬ ‫بالذكرى األربعمائة لوفاة واحد‬ ‫من‬ ‫الكتَّ‬ ‫أعظم‬ ‫اب‬ ‫المسرحيين على اإلطالق‪.‬‬ ‫وتشمل تلك‬ ‫ً‬ ‫المهرجانات عروضا ومسرحيات‬ ‫ً‬ ‫وأسواقا وجوالت‬ ‫وندوات وغيرها‪ ،‬تهدف جميعها‬ ‫إلى احتفاءٍ يليق باإلرث‬ ‫األدبي الخالد الذي تركه‬ ‫شكسبير من أعمال‬ ‫شعرية ومسرحية كالسيكية‬ ‫تربّ ع‬ ‫بسببها على عرش األدب‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫أكثر إثارة ربما‪ ،‬أعادت هذه‬ ‫المناسبة‬ ‫إلى‬ ‫الواجهة من جديد أسئلة حول‬ ‫حقيقة شكسبير‪،‬‬ ‫يصل بعضها في شكوكه إلى‬ ‫اعتباره شخصية ُم َ‬ ‫ختل‬ ‫قة وال وجود لها على أرض‬ ‫ُ‬ ‫الواقع‪ .‬وقد طرح هذا‬ ‫السؤال من ِقبل مجموعة‬ ‫من الباحثين‪ُ ،‬‬ ‫وات‬ ‫خذت في سبيل اإلجابة عنه‬ ‫خطوات تراوحت بين‬ ‫الجدية العلمية ومحض‬ ‫االفتراض‪ .‬إضافة إلى أنه‪ ،‬ومنذ وقت ِّ‬ ‫مبكر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ارتفعت‬ ‫شكوك‬ ‫حول عدد من النصوص التي‬ ‫ُنسبت إلى‬ ‫شكسبير‪ ،‬وبعض تلك النصوص‬ ‫ً‬ ‫ال يزال الخالف حول‬ ‫مؤلفها قائما حتى اليوم‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫يوليو ‪ /‬أغسطس ‪2016‬‬

‫علي المجنوني‬

‫في ذكرى مرور‬

‫أربعمائة عام على وفاته‬

‫الغموض حول‬ ‫شكسبير لم‬ ‫ي َّ‬ ‫تبدد تم ً‬ ‫اما‬

‫بوستر مسرحية الشتاء‬

‫بوستر مسرحية بيريكليز‬

‫والنجليزية‬ ‫يصحح كتابي المخطوط باللغتين العربية إ‬ ‫مفاهيم نقَّاد شكسبير الناطقين بهاتين اللغتين‬ ‫الذين ا َّدعوا أن شكسبير لم يُبدع أساطير‪ ،‬ويقنعهم‬ ‫أ‬ ‫بالساطير السالف ذكرها ما جاء في البند الثاني من‬ ‫النجليزي‬ ‫هذه الدراسة‪ .‬والقصد من وضع النص إ‬ ‫المترجم هو توسيع‬ ‫إلى جانب النص العربي‬ ‫َ‬ ‫القراء في العالم أجمع‪ ،‬بما يجعل الكتاب‬ ‫نطاق َّ‬ ‫ميسراً في معرض الكتاب في‬ ‫باللغتين‪،‬‬ ‫نشر‬ ‫حين يُ‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫صرح‬ ‫فرانكفورت والمكتبات العالمية الخرى‪ ..‬وقد َّ‬ ‫أتيت بما لم يأت‬ ‫لي أستاذي المشرف قائال ً لي‪« :‬لقد َ‬ ‫به فرانك كيرمود»‪ .‬وكيرمود هذا أستاذ أستاذي‪ ،‬إذ‬ ‫منحه الدكتوراة في جامعة لندن في عام ‪1945‬م‪،‬‬ ‫وهو شيخ نقَّاد شكسبير الذي ا َّدعى أن شكسبير لم‬ ‫يبدع أساطير رغم معالجته العناصر أ‬ ‫السطورية‬ ‫ُ‬ ‫أكدت بالوثائق والبراهين‬ ‫في مسرحياته‪ .‬ولكنني ُ‬ ‫أربع أساطير في‬ ‫في أطروحتي أن شكسبير أبدع َ‬ ‫الخيرة‪ ،‬هي آ‬ ‫مسرحياته أ‬ ‫التية‪:‬‬

‫• أسطورة انتصار أبوللو في مسرحية حكاية الشتاء‪.‬‬ ‫• أسطورة الشخص الخارق الذى استرد إنسانيته في‬ ‫مسرحية العاصفة‪.‬‬

‫• أسطورة االبنة التي أنجبت َمن أنجبها‪ ،‬في مسرحية‬ ‫بيريكليز‪.‬‬ ‫ً‬ ‫• أسطورة الملك الذى صار َّأما لثالثة في مسرحية‬ ‫سيمبيلين‪.‬‬

‫دت ادعاء كيرمود وغيره ممن قالوا إن‬ ‫وبهذا ف َّن ُ‬ ‫شكسبير لم يبدع أساطير في مسرحياته‪.‬‬ ‫قمت بترجمة ‪18‬‬ ‫إلى ذلك‪ ،‬تجدر إ‬ ‫الشارة إلى أنني ُ‬ ‫ملحمة ومسرحية لمارلو وشكسبير كلِّها من البحر‬ ‫المتقارب المرسل‪ ،‬تقديم د‪ .‬ماهر شفيق فريد‪ .‬وقد‬ ‫فازت ملحمة شكسبير «اغتصاب لوكريس»‪ ،‬التي‬ ‫وقدمها د‪ .‬ماهر‬ ‫ترجمتها من البحر المتقارب المرسل َّ‬ ‫شفيق فريد ونشرها المجلس أ‬ ‫العلى للثقافة‪ ،‬بجائزة‬ ‫عبدهللا باشراحيل التي نظَّمتها كلية آ‬ ‫الداب جامعة‬ ‫المنيا في الترجمة عام ‪2009‬م‪.‬‬ ‫كما قام المجلس أ‬ ‫العلى للثقافة بنشر ثالثة كتب‬ ‫النجليزي في سلسلة‬ ‫لي مترجمة من الشعر إ‬ ‫مختارات شعرية مترجمة؛ وكذلك نشر لي‬ ‫المركز القومي للترجمة خمسة كتب من ملحمة‬ ‫ومسرحيات كريستوفر مارلو كلها من البحر‬ ‫المتقارب المرسل»‪.‬‬


‫هل يمكن استلهام‬ ‫التجربة الفرنسية؟‬

‫قابلية اللغة‬ ‫العربية للتحديث‬

‫نقاش مفتوح‬

‫ٍ‬ ‫للغة ما أن ّ‬ ‫تغير قواعد كتابتها وإمالءها بين ليلة‬ ‫هل يمكن‬ ‫وضحاها بداعي التحديث واالنفتاح على التحوالت الثقافية‬ ‫والمعارف الجديدة؟ الفرنسيون اتخذوا بالفعل خطوات غير‬ ‫مسبوقة في ضخامتها على هذا الصعيد‪ .‬فماذا عن اللغة‬ ‫ِّ‬ ‫العربية التي َّ‬ ‫متعددة‬ ‫يتلمس الجميع معاناتها من متاعب‬ ‫األوجه في الفصحى والعامية على ٍّ‬ ‫حد سواء؟‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا‬ ‫كان هذا هو محور جلسة النقاش التي عقدتها القافلة‬ ‫بمشاركة عدد من أساتذة اللغة العربية وحضور عدد كبير من‬ ‫المهتمين الذين كانت لهم مداخالت مختلفة في هذا الشأن‪.‬‬


‫‪9|8‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫قبل سنة‪ ،‬وتحديداً في شهر نوفمبر الماضي‪،‬‬ ‫اتخذت وزارة التربية الفرنسية قراراً بالموافقة‬ ‫على مقترح سبق لـ أ‬ ‫«الكاديمية الفرنسية» أن‬ ‫وتقدمت به قبل نحو ربع قرن‪ ،‬ويهدف‬ ‫أعدته َّ‬ ‫ً‬ ‫وأقرت العمل به بدءا من العام‬ ‫إلى تحديث اللغة الفرنسية‪َّ ،‬‬ ‫وتتضمن عملية التحديث هذه شقين رئيسين‪:‬‬ ‫الدراسي الحالي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أولهما يتعلَّق بقواعد كتابة بعض المفردات‪ ،‬وثانيهما هو اعتماد‬ ‫كلمات جديدة في القاموس الفرنسي‪ ،‬مصدرها لغات أخرى‪ ،‬وأغلبها‬ ‫من أصل إنجليزي‪ ،‬وأيضاً حذف بعض المفردات من اللغة الفرنسية‬ ‫بعدما انقطع استعمالها‪.‬‬ ‫أثار القرار الفرنسي ردود فعل مختلفة في بالده بين مؤيد ومعارض‪.‬‬ ‫حيز التطبيق فعلياً في العام الدراسي الحالي‪ ،‬ويعزو‬ ‫(لم يدخل ّ‬ ‫البعض ذلك إلى مسائل تقنية تتعلَّق بإعادة طباعة الكتب المدرسية‪،‬‬ ‫فيما يرى آخرون أنه أقرب إلى التمرد على قرار أ‬ ‫الكاديمية)‪ .‬وفي‬ ‫ّ‬ ‫تأمل فيما إذا كانت‬ ‫ثقافات عديدة‪ ،‬حظيت الخطوة الفرنسية بوقفة ُّ‬ ‫هذه التجربة قابلة للتطبيق على غيرها من اللغات هنا أو هناك‪.‬‬ ‫فماذا عن العربية التي تعاني من متاعب تبدأ بتراجع دراستها‪ ،‬وال‬ ‫تنتهي عند نطقها بعامية اكتسحتها مفردات أجنبية هجينة كما هو‬ ‫معلوم عند الجميع؟‬ ‫ونظراً للمتابعة الحثيثة التي حظيت بها الخطوة الفرنسية من ِقبل‬ ‫المدارس اللبنانية بفعل انتشار التدريس بالفرنسية فيها على نطاق‬ ‫واسع‪ ،‬اختارت القافلة بيروت مقراً لجلسة النقاش هذه‪.‬‬

‫إذا َّ‬ ‫تذكرنا أزمنة االنحطاط التي‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واجتماعيا‬ ‫سياسيا‬ ‫أصابت األ ّم َة‬ ‫ً‬ ‫واقتصاديا‪ ،‬فقد انعكس ذلك‬ ‫ً‬ ‫تلقائيا على اللغة التي لم تندثر‪ ،‬بل‬ ‫دخلت في حالة ُ‬ ‫الطبيعي‬ ‫الكمون‬ ‫ّ‬ ‫إلى أن ّ‬ ‫حلت النهضة الحديثة‬

‫الدكتور سهيل سليمان‬

‫تطور اللغة بين «التبسيط» و«التحديث»‬ ‫ّ‬

‫ألن التدبير الفرنسي يهدف‪ ،‬حسبما يقول أصحابه‪ ،‬إلى «تبسيط»‬ ‫كتابتها وتحديثها وتسهيل تعلمها وبالتالي توسعة رواجها‪ ،‬أكَّد بعض‬ ‫المتحدثين في الجلسة أن اللغة العربية‪ ،‬وإن بقيت في مضمونها‬ ‫مر الزمن‪ ،‬فإن شكل استخدامها شهد‬ ‫وقواعدها هي نفسها على ّ‬ ‫تحوالت كثيرة‪ .‬وفي هذا الصدد قال الدكتور في اللغة العربية سهيل‬ ‫عم َمها‪،‬‬ ‫الحجة أن نرفع اللّغة ونُ ِّ‬ ‫سليمان في ورقة مكتوبة‪« :‬إذا كانت ّ‬

‫" َف ْرن َ​َسة"مفردات أجنبية‬ ‫وبعضها من العربية‬

‫أن يحظى تعديل قواعد كتابة بعض الكلمات الفرنسية بهذا الضجيج العالمي الكبير‪ ،‬أ‬ ‫فالمر ال يعني‬ ‫إ‬ ‫أن عمل أ‬ ‫الكاديمية الفرنسية على تطوير اللغة الفرنسية ينحصر في هذا إالطار‪ .‬فبموازاة ذلك‪ ،‬تعمل‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الكاديمية باستمرار على رصد المفردات الجنبية التي تدخل قيد االستعمال في أحاديث العامة ولغة‬ ‫أ‬ ‫مفر من إعادة استخدامه‬ ‫إالعالم والدب‪ ،‬وتختار منها ما فرض نفسه‪ ،‬وأصبح عملياً مستخدماً ومفهوماً‪ ،‬وال ّ‬ ‫فتقر أن هذه المفردات أصبحت فرنسية‪ ،‬وتدرجها في القواميس الفرنسية‪.‬‬ ‫الحقاً عندما تدعو الحاجة إليه‪ّ ،‬‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬تقوم أ‬ ‫الكاديمية بحذف المفردات الفرنسية التي بَ ُطل استخدامها منذ وقت طويل‪ ،‬من‬ ‫القاموس الفرنسي‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ويمكن للمهتم زيارة الموقع إاللكتروني للكاديمية الفرنسية‪ ،‬ليطلع على قوائم المفردات المحذوفة‬ ‫والمفردات الجديدة ومصادرها‪ .‬وإن كان من «الطبيعي» أن تكون معظم المفردات الجديدة من أصول‬ ‫إنجليزية‪ ،‬فإننا نجد أن انفتاح الثقافة الفرنسية على ثقافات العالم‪ ،‬رفدها بمفردات حتى من الفيتنامية‬ ‫والتيبتية والسنسكريتي القديم‪...‬إضافة إلى عدد من المفردات العربية‪ ،‬مثل‪ :‬مؤذّن‪ ،‬وادي‪ ،‬محراب‪،‬‬ ‫مجاهد‪ ،‬كوفية وغيرها‪ ،‬التي ضبطت أ‬ ‫الكاديمية طريقة كتابتها كما تُلفظ بالفرنسية‪.‬‬


‫اسيون إلى تذهيبها‬ ‫فقد سبقَنا‬ ‫العب ّ‬ ‫الجاهليون إلى رفعها‪ّ ،‬ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتعميمها‪ ،‬فعاشت مع جميع العصور والحضارات ملكة‬ ‫متوجة‪ .‬أما إذا تذ َّكرنا أزمنة االنحطاط التي أصابت أ‬ ‫ال ُ ّمةَ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫سياسياً واجتماعياً واقتصادياً‪ ،‬فقد انعكس ذلك تلقائياً على‬ ‫اللغة التي لم تندثر‪ ،‬بل دخلت في حالة الكُمون الطبيعي‬ ‫إلى أن حلّت النهضة الحديثة؛ ِومن هنا تبدأ الحكاية‪ ..‬فحين يقول‬ ‫الحي ال‬ ‫حي‪ ،‬نصادق عليه ّ‬ ‫الشيخ إبراهيم اليازجي ّإن اللغة ٌ‬ ‫بأن َّ‬ ‫كائن ٌّ‬ ‫حي»‪.‬‬ ‫يعيش َّإل مع ٍّ‬ ‫العربية ‪ -‬عند كثيرين جداً‬ ‫صارت‬ ‫وأضاف عن حال العربية اليوم‪ِ :‬‬ ‫ّ‬ ‫هم المتعلِّم أن‬ ‫مجافيةً للعلوم العصريّة المختلفة‪ ،‬وبات ُّ‬ ‫ لغة أ َ‬‫لغةَ‬ ‫ةَ‬ ‫النفعية‪ .‬هل‬ ‫العلوم‬ ‫وسائر‬ ‫والمال‬ ‫االقتصاد‬ ‫‪،‬‬ ‫جنبي‬ ‫ّ‬ ‫يتقن الأ ّ‬ ‫وسائر وسائل التواصل‬ ‫النص ّية‬ ‫عبر الرسائل ّ‬ ‫َترون الحرف المتف ِرنجة ْ‬ ‫ِ‬ ‫وغيرهما أرقاماً؟ هل تالحظون‬ ‫ين‬ ‫والع‬ ‫الحاء‬ ‫لكترونية؟ كيف صارت‬ ‫إال‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫ةَ‬ ‫لكن الطبيب‬ ‫عالميون في محادثاتهم‬ ‫ِ‬ ‫كيف يُ ِ‬ ‫جنبي ؟ ّ‬ ‫اللغات ال ّ‬ ‫دخل إال ّ‬ ‫َّ‬ ‫الخاصة‪ .‬لقد‬ ‫المصطلحات‬ ‫في‬ ‫إل‬ ‫الخالصة‬ ‫ة‬ ‫العربي‬ ‫يستعمل‬ ‫ مثاال ً ‪-‬‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المسألةُ‬ ‫ملها ًة ُمبكية!‪.‬‬ ‫صارت‬ ‫ولن الصالح الفرنسي طاول كتابة بعض أ‬ ‫أ‬ ‫الحرف‪ ،‬ولربما في معرض‬ ‫إ‬ ‫الر ّد على الذين طالبوا قديماً بتغيير الحرف العربي‪ ،‬تساءل الدكتور‬ ‫وغيرنا الحرف العربي‪ ،‬ماذا سيفهم الجيل‬ ‫غي ْرنا اللغةَ َّ‬ ‫سليمان‪« :‬لو َّ‬ ‫ينقطع عنها تماماً‬ ‫وتضيع‬ ‫فيضيع تاريخه‬ ‫المقبل من لغة تراثه؟ أال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْنتخي ْل ماذا حصل للُغة الهنود الحمر في أمريكا‪ ،‬حين‬ ‫حضارته؟ ول َّ‬ ‫ُرضت على أصحابها إالنجليزيّةُ ‪ ،‬وكيف اندثرت لغ ُتهم وصارت‬ ‫ف ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شفهيا في خاطر الحنين»‪.‬‬ ‫حضارتهم تاريخا ّ‬ ‫وحول التبسيط اللغوي‪ ،‬تحدث أ‬ ‫الستاذ أنطوان أبو زيد الذي قال‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫«إن مسار اللغة العربية في نهضتنا أ‬ ‫الولى‪ ،‬أي منذ عام ‪1825‬م‬ ‫وصوال ً إلى القرن العشرين‪ ،‬كان مساراً تبسيطياً‪ ،‬إذ تخلصت اللغة‬ ‫من الزخرف الذي علق بها في عصر االنحطاط‪ .‬وكان هذا التبسيط‬ ‫مرادفاً للتجديد‪ .‬إذ إن ك ّتاب النهضة‪ ،‬منذ أحمد فارس الشدياق‬

‫المتحدثون في النقاش‬ ‫ِّ‬

‫الذي كان أول من أرسى قواعد التبسيط في لغة الصحافة العربية‪،‬‬ ‫أبدعوا في هذه اللغة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يمكننا أن نقول إن التبسيط بدأ مع‬ ‫همهم أن يبلغوا العربية ويجعلوها حديثة‬ ‫ك ّتاب النهضة الذين كان ّ‬ ‫وجديدة تتسع للنهضة وتتسع للتمدن»‪.‬‬ ‫وأضاف‪ :‬لم يعد التبسيط هو جوهر االنشغال اللغوي بعد‬ ‫العشرات‪ ،‬بل المئات من أ‬ ‫العمال في القواعد والمعاجم والدراسات‬ ‫العربية الجديدة انتصرت في بدايات النهضة‪.‬‬ ‫اللغوية‪ ،‬أل ّن اللغة‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫الرسمية‪ ،‬لغة العلوم‬ ‫عمت صاالت لغة الك ّتاب‬ ‫وأقول انتصرت؛ لنها ّ‬ ‫ّ‬ ‫إالنسانية الكبرى التي تعلّم في الجامعات‪ .‬إذًا‪ ،‬باتت اللغة الجديدة‬ ‫هي اللغة المتبعة»‪.‬‬

‫تتطور‪ ،‬بي ومن دوني»‬ ‫«اللغة َّ‬

‫الكاديمية الفرنسية‪ ،‬أعربت أ‬ ‫وانطالقاً من توضيح خطوة أ‬ ‫الستاذة‬ ‫جيزيل كمال عن قناعتها بـ «حتمية تطور اللغة وفق مسار طبيعي»‪،‬‬ ‫أ‬ ‫نحدث‬ ‫إذ قالت‪« :‬ترى هيئة الكاديمية الفرنسية أننا إذا أردنا أن ّ‬ ‫أ‬ ‫يتم دون أن نفرضه على أحد‪ .‬وهذا أمر‬ ‫في اللغة‪ّ ،‬‬ ‫فإن هذا المر ّ‬ ‫صحيح‪ .‬ومثلما قلتم جميعاً‪ ،‬إن اللغة هي الجسد الحي الذي نعيش‬ ‫ستتقدم مع‬ ‫داخله وهو كالم صحيح مئة بالمئة‪ ،‬فإن هذه اللغة‬ ‫َّ‬ ‫الوقت بي أو من دوني‪ ،‬ومن دون انتظار الناس لتحديد كيف يريدون‬ ‫تغييرها‪ .‬هذا من أول أ‬ ‫المور‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫المر الثاني هو أن عدد الكلمات التي عملت عليها الوزارة في فرنسا‬ ‫بلغ نحو ‪ 2000‬كلمة‪ ،‬في حين أن ‪ 59000‬كلمة ستظهر في شكل جديد‬ ‫في معجم أ‬ ‫الكاديمية حتى تواكب اللغة العلوم والحياة والحداثة‪.‬‬

‫• الدكتور سهيل سليمان‬ ‫ دكتوراة في اللغة العربية وآدابها‬‫ أستاذ جامعي‬‫ مدرب معتمد من المركز التربوي‬‫والنماء‬ ‫للبحوث إ‬

‫• الدكتور أنطوان أبو زيد‬ ‫ أستاذ في تعليم اللغة العربية‬‫ رئيس قسم اللغات آ‬‫والداب في‬ ‫كلية التربية‬ ‫‪ -‬مترجم عن اللغة الفرنسية‬

‫• الشاعر والكاتب جورج شكور‬ ‫ مجاز في أ‬‫الدب العربي وتاريخ‬ ‫الحضارة‬ ‫ عضو في المجمع الثقافي العربي‬‫ لديه عدة دراسات في موضوع‬‫تطوير اللغة العربية‬

‫• سارة ضاهر‬ ‫ صحافية ورئيسة جمعية‬‫«بالعربية» التي تُعنى بمواضيع‬ ‫تطوير اللغة العربية‬


‫‪11 | 10‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫فنحن ليس لنا الحق في حصر اللغة في مفردات تبقى كما هي‬ ‫عدة‪.‬‬ ‫لسنوات ّ‬ ‫وأضافت‪ :‬انتقدتم الشباب الذين يتكلمون اللغات أ‬ ‫الجنبية‪ ،‬فأين‬ ‫المواطن العربي من الفيسبوك؟ ومن الواتساب؟ إن اللغة العربية لم‬ ‫تواكب التكنولوجيا‪ ،‬ال على مستوى المسؤولين عنها وال من سواهم‪.‬‬ ‫عربية تمكّن الشباب من استعمالها في كافة‬ ‫فنحن ليس لدينا لغة ّ‬ ‫مجاالت الحياة‪ .‬على الشباب مواكبة التطور الحاصل من حوله‪ ،‬وعلى‬ ‫تؤمن له القدرة على التعبير خالل المواكبة‪ .‬إن ّ‬ ‫حل مشكلتنا‬ ‫اللغة أن ِّ‬ ‫ليس في التبسيط‪ ،‬إنّما حاجتنا هي للتحديث ليتمكّن الشباب من‬ ‫مواكبة عصرهم لغوياً‪.‬‬ ‫علينا‪ ،‬في الحصة العربية في المدرسة‪ ،‬أن نراقب أ‬ ‫الدوات التي‬ ‫يستعملها الطالب الذي يتعامل مع اللغة‪ ،‬ماذا يقرأ وماذا يكتب‬ ‫وماذا يخطر بباله أن يقوله‪ .‬فنحن نخلق أجياال ً خرساء ال تعرف أن‬ ‫التحدث‬ ‫تتكلم‪ ،‬تفتقر إلى إالطار الالزم الذي يمكنها من خالله ّ‬ ‫شخصيته بشكل‬ ‫حضاري‪ .‬فالطالب غير القادر على التعبير عن‬ ‫بشكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يعبر عن طبيعة مجتمعه واحتياجاته وغير ذلك»‪.‬‬ ‫أن‬ ‫يمكنه‬ ‫ال‬ ‫حضاري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تطور اللغة على مثل هذه الدرجة من «الحتمية»‪،‬‬ ‫ولكن‪ ،‬إذا كان ّ‬ ‫فلماذا لم ينطبق ذلك على العربية؟‬

‫قالت األستاذة جيزيل كمال‪:‬‬ ‫اللغة العربية لم تواكب‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬ال على مستوى‬ ‫المسؤولين عنها وال من سواهم‪.‬‬ ‫فنحن ليس لدينا لغة ّ‬ ‫عربية‬ ‫ّ‬ ‫تمكن الشباب من استعمالها في‬ ‫كافة مجاالت الحياة‪...‬‬

‫ال مساس بالقواعد‪ ..‬التعليم مسؤول‬

‫عندما يكون معظم المشاركين في النقاش وحاضريه من أساتذة اللغة‬ ‫ومدرسيها‪ ،‬فمن الطبيعي أن يتجلّى شكل من الرفض القاطع‬ ‫العربية ِّ‬ ‫للمساس بقواعد اللغة العربية على غرار المثال الفرنسي‪ .‬حتى إن‬ ‫كثيرين منهم رفض حتى مجرد التطرق إلى الفكرة‪ .‬ولكن في المقابل‬ ‫توجهت حراب المتحدثين والحضور بالدرجة أ‬ ‫الولى إلى التعليم‬ ‫الذي حملوه المسؤولية أ‬ ‫الولى عن تقهقر مكانة اللغة العربية في‬ ‫ّ‬ ‫مجتمعاتنا‪.‬‬

‫حية‪« .‬ولكننا نسيء تعليمها‬ ‫فقد رأى أبو زيد أن العربية‬ ‫لغة ّ‬ ‫أ‬ ‫وتعلمها»‪ ،‬وقال‪« :‬إن المسار الصعب الذي أراه منذ أواخر القرن‬ ‫العربية بما تعنيه‬ ‫بتحدياته الكبرى هو مسار تعلّم اللغة‬ ‫العشرين ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلمة تعلّم التي نترجم بها»‪ .‬وأورد تحديات تعلم العربية كما يراها‬ ‫على أنها‪:‬‬ ‫• أوالً‪ ،‬إعادة االعتبار إلى اللغة العربية باعتبارها خزينة التراثين الديني‬ ‫أ‬ ‫والدبي لدى العرب ومنبراً ال نزاع حول أولويته‪.‬‬ ‫• التحدي الثاني‪ ،‬إعداد معلّمي اللغة العربية ومعلماتها إعداداً‬ ‫عصرياً وحديثاً يواكب النظريات التعلّمية من معارف وأولويات‬ ‫وطرائق ووسائط تكفل االنتقال بتعليم العربية الجديدة من حالة‬ ‫التلقين المكروه والسائد اليوم‪ ،‬والفاشل الذي أثبت فشله‪ ،‬إلى حال‬ ‫تعلّم طالبنا واكتسابهم لغتهم أ‬ ‫الم واستقبالهم إيّاها في ذواتهم‪،‬‬ ‫وإحاللها في نفوسهم المحل الذي يليق بها لغة معرفة ولغة حياة‬ ‫ولغة تفكير فلسفي وديني وعلمي ومهني وما شئت من مجاالت‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫• والتحدي الثالث‪ ،‬هو السعي إلى رسم سياسات تشجع أ‬ ‫الجيال‬ ‫ُ ّ‬ ‫الشابة على الكتابة إالبداعية والوظيفية باللغة العربية الفصحى‬ ‫والحية‪ ،‬دون الخشية عليها من تداخل العامية‬ ‫المبسطة والجديدة ّ‬ ‫ّ‬

‫الشاعر والكاتب جورج شكور‬


‫ما الذي حصل في فرنسا بالضبط؟‬

‫في السادس من ديسمبر ‪1990‬م‪ ،‬أي منذ حوالي ‪26‬‬ ‫عاماً‪ ،‬أصدر المجلس أ‬ ‫العلى للغة الفرنسية (المعروف‬ ‫شعبياً أ‬ ‫بـ«الكاديمية الفرنسية») تعميماً مفصال ً من ‪17‬‬ ‫الصالحات المقترحة‬ ‫صفحة‪ ،‬وصف فيه مجموعةً من إ‬ ‫لتبسيط اللغة الفرنسية على نطاق ما يقارب ‪2,400‬‬ ‫الصالحات أي جهة رسمية‬ ‫كلمة‪ ،‬ولم تتلقف هذه إ‬ ‫أخرى‪ ،‬وبالتالي لم يتم العمل بها لربع قرن‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الرجح أن عبارة «الربع قرن» على وجه التحديد كانت‬ ‫الصالحات هذه‪ ،‬ذلك‬ ‫من عوامل إعادة تحريك ملف إ‬ ‫أ‬ ‫الصالحات‬ ‫لن وزارة التربية الفرنسية استجابت لهذه إ‬ ‫في ‪ 26‬نوفمبر ‪2015‬م‪ ،‬أي قبل أن ينقضي ‪ 25‬عاماً‬ ‫الصالحات بعشرة أيام‪ ،‬وأصدرتها أخيراً‬ ‫على وضع إ‬ ‫في جريدتها الرسمية‪.‬‬ ‫الصالحات غير إلزامية‪،‬‬ ‫الشارة إلى أن هذه إ‬ ‫تجدر إ‬ ‫بمعنى أن أ‬ ‫الشكال الجديدة للكلمات ال تجعل من‬ ‫أشكال «مغلوطة» بحسب أ‬ ‫أ‬ ‫الشكال القديمة ً‬ ‫الكاديمية‬ ‫بالصالحات‬ ‫الفرنسية‪ ،‬بل أصبح للكلمات المعنية إ‬ ‫شكالن مقبوالن تربوياً‪ ،‬وللكاتب أن يختار ما بين‬ ‫الكتابة على الطراز القديم أم على الطراز الجديد‪،‬‬ ‫علماً أن الرهان هو بطبيعة الحال على البطالن‬ ‫التدريجي أ‬ ‫للشكال القديمة بمرور الزمن‪.‬‬ ‫ثمة تسعة أشكال للإصالحات اللغوية ال يستلزم‬ ‫شرحها غوصاً عميقاً في تفاصيل اللغة الفرنسية‪،‬‬ ‫عينة منها‪:‬‬ ‫نذك أُر على سبيل التوضيح ّ‬ ‫ العداد التي تتألف من كذا كلمة‪ ،‬تُربط كلماتها معاً‬ ‫•‬ ‫ً‬ ‫بشرطة‪ :‬عوضا عن أن نكتب ‪( vignt et un‬أي واحد‬ ‫وعشرين)‪ ،‬نكتب ‪vignt-‬‬

‫الدكتور أبو زيد‬

‫‪ .et-un‬من شأن أ‬ ‫المر هذا أن يوضح للقارئ ما إذا‬ ‫ً‬ ‫منفصل عنه‪.‬‬ ‫كان العطف جزءاً من العدد‪ ،‬أم‬ ‫• توحيد الصيغة المعتمدة لجميع الكلمات المؤلفة‬ ‫من جزأين‪ ،‬بحيث أن تغيب عنها (‪ )S‬الجمع إذا‬ ‫ما كانت مفردة‪ ،‬حتى إذا كانت الكلمة تشير إلى‬ ‫شيء مجموع بطبيعته‪ :‬على سبيل المثال‪ ،‬القطّارة‬ ‫بالفرنسية اسمها ‪ ،compte-gouttes‬أي عدادة‬ ‫الصالحات الجديدة‪،‬‬ ‫القطرات (‪ .)gouttes‬حسب إ‬ ‫صارت القطارة المفردة تُكتب ‪،compte-goutte‬‬ ‫واقتصر إمالء ‪ compte-gouttes‬على صيغة الجمع‬ ‫للكلمة نفسها‪.‬‬ ‫المالئية‪ ،‬حيث‬ ‫• االستغناء عن بعض االستثناءات إ‬ ‫كان الفرنسيون يكتبون الـ (‪ )é‬ويلفظونها (‪ً .)è‬‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫لطالما كانت كلمة «حدث» تُكتب ‪ événement‬رغم‬ ‫كونها تلفظ ‪ .évènement‬آ‬ ‫الن‪ ،‬صار الفرنسيون‬ ‫ُ‬ ‫يكتبون الكلمة ‪ ،évènement‬أي كما يلفظونها‪.‬‬ ‫• توحيد إمالء أ‬ ‫الفعال المضارعة التي كان ينتهي‬ ‫بعضها بأحرف –‪ èle‬وبعضها آ‬ ‫الخر بأحرف –‪.elle‬‬ ‫آ‬ ‫الن‪ ،‬أصبحت جميعها تنتهي بأحرف –‪ً .èle‬‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫كانت كلمة «أكدس» تكتب ‪ ،j’amoncelle‬فيما آ‬ ‫الن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫صارت تُكتب ‪.j’amoncèle‬‬ ‫المالء‬ ‫• تخضع الكلمات المستوردة لنفس قواعد إ‬ ‫التي تنطبق على الكلمات الفرنسية‪ً .‬‬ ‫مثل‪ ،‬كلمة‬ ‫أ‬ ‫النجليزي يتداولها‬ ‫‪( match‬أي مباراة) ذات الصل إ‬ ‫بشكل عادي‪ ،‬وقد كانوا يجمعونها‬ ‫الفرنسيون ٍ‬ ‫النجليز‪ ،‬علماً أن‬ ‫بإضافة ‪ es‬إليها مثلما يجمعها إ‬ ‫الكلمات الفرنسية ال تضاف إليها إال (‪ )s‬الجمع‬ ‫فقط‪ .‬آ‬ ‫الن‪ ،‬وبعد أن كانت تُجمع ‪ ،matches‬صارت‬

‫تُجمع ‪.matchs‬‬ ‫• االستغناء عن الشرطة في الكلمات المركبة إذا ما‬ ‫لم تكن أعداداً‪ ،‬وذلك ألنه ال ضرورة لوجودها‬ ‫أساساً‪ .‬بالتالي‪( porte-monnaie ،‬محفظة) تصبح‬ ‫‪ ،portemonnaie‬و ‪( tic-tac‬تكتكة) تصبح ‪.tictac‬‬ ‫• تم االستغناء عن القبعة (‪)accent circonflexe‬‬ ‫فوق حرفي الـ (‪ )i‬والـ (‪ ،)u‬وهي عالمة صوتية‬ ‫تقدم وال تؤخر لفظياً إذا ما جاءت فوق هذين‬ ‫ال ّ‬ ‫أ‬ ‫الحرفين‪ .‬تم االحتفاظ بها فوق حرف الـ (‪ )e‬لنها‬ ‫تؤثر بالفعل على طريقة لفظه‪ ،‬كما تم االحتفاظ بها‬ ‫في خمس كلمات استثنائية لكون غيابها عنها يؤثر‬ ‫على معنى الكلمة‪ً :‬‬ ‫مثل‪ ،‬تم االحتفاظ بها في كلمة‬ ‫‪( sûr‬متأكد) ألن كلمة ‪ sur‬بال قبعة تعني «على»‪.‬‬ ‫تجدر الشارة إلى أن الصالح أ‬ ‫الخير هذا هو‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫الشهر‪ ،‬لكونه الوحيد الذي يطيح بعالمة صوتية‬ ‫من مجموعة كبيرة من الكلمات (عوضاً عن نقلها من‬ ‫حرف إلى آخر‪ ،‬أو النظر إلى (‪ )s‬الجمع ً‬ ‫مثل)‪ ،‬بل‬ ‫حتى إنه يؤثر على جيل بأكمله من الرجال الذين‬ ‫يحملون اسم «جيروم»‪ ،‬والذين كانوا يكتبون اسمهم‬ ‫‪ Jérôme‬فصاروا يكتبونه ‪ Jérome‬تبعاً للإصالحات؛‬ ‫حتى إن أوساط تويتر شهدت هاشتاغ عنوانه‬ ‫‪ ،JeSuisCirconflexe#‬أي «أنا أتضامن مع عالمة‬ ‫القبعة» ألولئك الذين سوف يستفقدونها على كثير‬ ‫من كلمات الفرنسية‪.‬‬ ‫أحمد عثمان‬

‫وال من تداخل اللغات أ‬ ‫الجنبية‪.‬‬ ‫• أما التحدي أ‬ ‫الخير‪ ،‬فهو سعي أصحاب القرار أيضاً إلى تب ّني‬ ‫المبادرات‪ ،‬أل ّن تبسيط اللغة وتعلمها وتعليمها ليس شأن باحث‬ ‫هم‬ ‫أو كاتب أو أستاذ في الجامعة وحده‪ ،‬وإنّما يجب أن يكون ّ‬ ‫وهم السياسات‪ ،‬سياسات الدولة بحد ذاتها‪،‬‬ ‫المؤسسات الكبرى ّ‬ ‫ّ‬ ‫المدرسية بالفصحى‬ ‫والكتب‬ ‫الفردية‬ ‫ات‬ ‫ر‬ ‫المباد‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫تب‬ ‫على‬ ‫والعمل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العصرية والحديثة‪ ،‬والمنتجات الفكرية أ‬ ‫والدبية التي من شأنها أن‬ ‫تجذب أ‬ ‫الجيال الشابة وتنمي تذوقها فنون هذه اللغة المختلفة شعراً‬ ‫ومسرحاً وروايةً وقصةً وكتابةً وبحثاً وغير ذلك‪.‬‬ ‫وقالت أ‬ ‫الستاذة نازك بدير في مداخلتها‪ :‬كان حريّاً بنا أن نلتفت‬ ‫أ‬ ‫نسية‪،‬‬ ‫كاديمية الفر ّ‬ ‫إلى هذا الموضوع قبل أن يثار في فرنسا أ من ال ّ‬ ‫كاديمية الفرنسية‪ ،‬ولكن‬ ‫وأن‬ ‫نستشعر الحاجة إلى عمل ما قبل ال ّ‬ ‫بحث أ‬ ‫المر متأخراً أفضل من َّأل يبحث أبداً‪ .‬فهذا الموضوع كان‬ ‫خاصة عندما نتطلع إلى نتائج الدراسات‬ ‫وما زال موضوعاً مهماً جداً‪ّ ،‬‬ ‫والحصاءات في الجامعات في لبنان وغيره من البلدان العربية‪،‬‬ ‫إ‬ ‫الخاصة منها والحكومية‪ ،‬حيث نشاهد تراجع عدد الطالب الذين‬ ‫يتم‬ ‫يسجلون في معظم اختصاصات اللغة العربية‪ .‬وحتى عندما ّ‬ ‫ّ‬


‫‪13 | 12‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫التسجيل في اختصاص اللغة العربية‪ ،‬لكونها لغة اختياريّة‪ ،‬ينظر‬ ‫إليها معظم الطالب على أنّها مادة منفّرة وغير مثيرة لالهتمام‪ ،‬وكأنها‬ ‫مادة ال تعنيهم‪ ،‬ال من قريب وال من بعيد‪ ،‬أو كأنها شيء مستحيل أن‬ ‫يتأقلموا ويتآلفوا معه‪.‬‬ ‫يفترض فينا نحن‪ ،‬ومنذ البداية‪ ،‬أن نبحث ونزيل‬ ‫وأضافت‪:‬‬ ‫كان َ‬ ‫أ‬ ‫ونغير صورة اللغة في‬ ‫الهواجس والوهام من أذهان الطالب‪ّ ،‬‬ ‫مخيلتهم‪ .‬وليس عند بلوغهم المرحلة الجامعية‪ ،‬وإنّما عندما يكونون‬ ‫ّ‬ ‫في عمر أصغر‪ ،‬حتى يصلوا إلى المرحلة الجامعية متصالحين مع‬ ‫والجامعية‪ ،‬يكونون‬ ‫اللغة‪ .‬أي إنهم عند وصولهم إلى المرحلة الثانويّة‬ ‫ّ‬ ‫كمقرر‪ ،‬حتى إذا كانوا طالب طب‬ ‫قد ّ‬ ‫تقبلوا لغتهم العربية فيختارونها ّ‬ ‫المقرر‬ ‫هذا‬ ‫يكون‬ ‫فال‬ ‫اللغات‪.‬‬ ‫من‬ ‫لغة‬ ‫أي‬ ‫أو‬ ‫كمبيوتر‬ ‫أو‬ ‫هندسة‬ ‫أو‬ ‫ّ‬ ‫وسيلة ضغط عليهم‪ ،‬إنّما وسيلة إلدراك عظمة هذه اللغة وأهميتها‪.‬‬ ‫وشددت بدير على أن‪« :‬لدينا الوقت الكافي لاللتفات لهذا الموضوع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والبدء بالعمل عليه‪ .‬فنحن نعاني من تعقيد كبير في قواعد اللغة‬ ‫والمتوسطة‬ ‫العربية‪ ،‬وعلينا أن نساعد الطالب في الصفوف االبتدائية‬ ‫ّ‬ ‫ونبعدهم عن هذه التعقيدات‪ ،‬فنجعل الدروس غير صعبة وغير‬ ‫معقَّدة من حيث قواعد اللغة‪ ،‬ويمكننا القول ّإن الصعوبة تكمن في‬ ‫الطريقة التي يقدم بها المعلّم أو المعلِّمة قواعد اللغة‪ ،‬أ‬ ‫والمثلة‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫التي يستخدمونها إليصال المعلومة هي حاليا أمثلة غير مناسبة‪،‬‬ ‫التعليمية‬ ‫فنستنتج ّأن المشكلة ليست في القاعدة‪ ،‬وإنما في الطرائق‬ ‫ّ‬ ‫التي ال تتناسب مع صغار السن أ‬ ‫والجيال التي تبحث عن الطرائق‬ ‫وتطوراتهم‪ ،‬ألنّهم سبقوا عصرهم بكثير‪،‬‬ ‫المتماشية مع علومهم ّ‬ ‫وليس بإمكاننا أن نعلّمهم درس قواعد ونعطيهم أمثلة تنتمي إلى‬ ‫الماضي‪ ،‬أمثلة عن زيد وعن عمر مثالً‪ ،‬أو نعطيهم دروساً عمرها‬ ‫أكثر من عشرين سنة‪ ،‬تعطى لهم أ‬ ‫وللجيال من قبلهم‪ ،‬لذلك علينا‬ ‫ُ‬ ‫التحديث والتطوير والتبسيط»‪.‬‬ ‫ونحا الدكتور سليمان المنحى نفسه لجهة وجوب تحديث تدريس‬ ‫قواعد اللغة العربية وتبسيطها (وقطعاً ليس تعديل القواعد)‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫«يجب أن ينطلق التعليم في المرحلة االبتدائية أ‬ ‫الولى‪ ،‬من ما ّدة‬ ‫يتم تعليم اللغة والكتابة بالمحاكاة‪ ،‬واالعتماد على‬ ‫القواعد‪ ،‬وأن ّ‬

‫جانب من حضور الجلسة‬

‫اللغة الفصيحة في أ‬ ‫المثال (تروى‪ ،‬تتلى‪ ،‬تحفظ‪ ،‬تكتب)‪ ..‬وثمة أمر‬ ‫آخر يجب االلتفات إليه وهو تبسيط تدريس قواعد اللغة في المراحل‬ ‫العليا‪ .‬فعندنا مثال ً أمور نختلف كثيراً حولها‪ ،‬فنقول ال يجوز كذا وال‬ ‫يجوز كذا‪ ..‬علينا جمع هذه الخالفات كلها وجعلها مقبولة إلى حد‬ ‫ما‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬فإن أ‬ ‫السماء الموصولة وأسماء إالشارة المثنى‬ ‫أهي معربة أو مبنية؟ ما الفرق بين قولي معربة أو مبنية‪ ،‬أين الخطأ‬ ‫إذا تم تجويز االثنين؟ ما الهدف والغاية من إعراب الجمل؟ إنكم‬ ‫تحتاجون درساً كامال ً إلعراب الجمل‪ ،‬ويمكن أن تحتاجوا إلى أكثر من‬ ‫حصة ليستوفى الدرس‪ .‬كما أن لدينا المثنى والملحق بالمثنى‪ ،‬فإذا‬ ‫كتب الطالب مثنى‪ ،‬ولم يكتب ملحق بالمثنى يأخذ عالمة ناقصة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫المر نفسه ينطبق على الملحق بالمذكر السالم‪ ..‬لماذا هذا التعقيد؟‬

‫كان ّ‬ ‫حري ًا بنا أن نلتفت إلى‬ ‫هذا الموضوع قبل أن يثار‬ ‫ّ‬ ‫األكاديمية‬ ‫في فرنسا من‬ ‫ّ‬ ‫الفرنسية‪ ،‬وأن نستشعر‬ ‫عمل ما قبل‬ ‫الحاجة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫األكاديمية الفرنسية‬


‫نكتب جمع مذكر سالم وهذا يكفي‪ ،‬وهناك أمور كثيرة على هذا‬ ‫المنوال‪.»..‬‬ ‫الكاتبة هدى عيد كان لها مداخلة قصيرة في هذا الشأن رأت فيها‬ ‫أن «اللغة العربية ليست اليوم بخير‪ ،‬ألن حال أ‬ ‫المة العربية ليس‬ ‫بخير»‪ .‬وقالت‪ّ :‬إن فكرة التبسيط ليست فكرة مرعبة‪ .‬ولكن يجب‬ ‫يبسطها أن يكون ِّقيماً عليها‪ ،‬وأن يفهم ويفقه جوهرها‪ .‬إن‬ ‫على من ّ‬ ‫يتضمن‬ ‫علمية حديثة‪َّ ،‬‬ ‫الجيل الجديد الذي يتعاطى مع معطيات ّ‬ ‫غالبها مفردات غربية‪ ،‬يجد سهولة كبرى في استعمالها‪ .‬أنا مع تدريس‬ ‫القواعد الوظيفية التي يشعر بها الطالب‪ ،‬والتي لها عالقة بالنص‬ ‫ويعرف مدى ضرورتها‪ ،‬مثل تفهيمه أسلوب الشرط بحيث يعرف‬ ‫ومتممة للّغة‪ .‬فنحن‬ ‫أهميته‪ ،‬وسبب تعلّمه‪ ،‬لتكون دراسة‬ ‫تكاملية ّ‬ ‫ّ‬ ‫أمام جيل لديه معطيات مختلفة في القرن الواحد والعشرين»‪.‬‬

‫مواجهة غزو المفردات أ‬ ‫الجنبية‬

‫وكانت مداخلة عيد فاتحة محور تراجع اللغة العربية أمام هجوم‬ ‫الجنبية‪ .‬وإن كان من المفهوم استخدام المفردات أ‬ ‫المفردات أ‬ ‫الجنبية‬ ‫المعربة في مجاالت الكتابة العلمية‪ ،‬فمن غير المفهوم تمدد‬ ‫غير‬ ‫ّ‬ ‫الكلمات أ‬ ‫الجنبية إلى مجاالت تزخر العربية بكثير من التعابير‬ ‫حضور‬ ‫السهلة والمفهومة الالزمة لها‪.‬‬ ‫عما إذا كان اعتماد‬ ‫وعندما تساءلت مديرة الجلسة إالعالمية ضاهر َّ‬ ‫بعض التعابير إالنجليزية‪ ،‬كما بات رائجاً بالفعل في الحياة الشبابية‬

‫يعود إلى «تعقيدات» اللغة العربية التي تفرض التثنية والجمع‬ ‫والتأنيث والتذكير‪ ،‬قالت كمال‪ :‬إن هذا الكالم فيه بعض الخطورة‪.‬‬ ‫فتبسيط اللغة ال يعني تقليد لغة ثانية‪ .‬فلكل لغة خصوصيتها‪ .‬وإذا‬ ‫لم يكن في إالنجليزية مثنى‪ ،‬فهذا ال يعني إلغاءه من لغتي‪ .‬إني‬ ‫شخصياً أعتقد بأنني ذات غنى كبير المتالكي لغة فيها مثنى وجمع‪.‬‬ ‫نحن لدينا وضع خاص‪ ،‬ألننا نكتب بلغة‪ ،‬ونتحدث بلغة مختلفة بعض‬ ‫الشيء عنها‪ .‬علينا أن نطرح السؤال بشكل آخر‪ ،‬فنقول‪ :‬لماذا أصبح‬ ‫بالنجليزية؟ ألن في إالنجليزية‬ ‫هذا العدد الكبير من الناس يتحدثون إ‬ ‫حركة كبيرة وصناعة‪ .‬وإذا قررنا عدم ترجمة أي شيء «سنتبهدل»‪.‬‬ ‫من جانبه قال د‪ .‬سهيل سليمان‪ :‬أنه بالنسبة للمصطلحات والمفردات‬ ‫فإن أبواب االشتقاق مفتوحة وكثيرة جداً جداً‪ .‬وهناك نوع من‬ ‫الجنبي وعن اللغات أ‬ ‫االشتقاق الذي أخذناه عن أ‬ ‫الجنبية‪ ،‬على سبيل‬ ‫المثال‪ ،‬كلمة «الشرق أ‬ ‫الوسط» كلمة واحدة إذ إنها لم تكن كذلك‬ ‫في اللغة العربية‪ ،‬ونقول أيضاً العنف والالعنف‪ ،‬ونهاية والنهاية‪،‬‬ ‫بالنجليزية أو أ‬ ‫الجنبية‪ .‬فنحن قد أدخلنا السوابق واللواحق‪ ،‬وهذا‬ ‫إ‬ ‫النوع من االشتقاق لم يكن أصال ً في اللغة العربية‪ .‬من هنا نجد ّأن‬ ‫أبواب االشتقاق كثيرة ال تعد وال تحصى‪ .‬إذاً‪ ،‬أ‬ ‫فالبواب مفتوحة لكي‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫يعد هذا من باب التبسيط»‪.‬‬ ‫نجدد ولكي نشتق ولو اختلفنا أحياناً‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫المصدر ّأوالً‪ ،‬ومن حاجة‬ ‫قوة‬ ‫ِّ‬ ‫التقبل ٌ‬ ‫وأضاف‪ّ :‬‬ ‫فناتج من ّ‬ ‫«أما معنى ُّ‬ ‫ثانياً؛ فعندما حصلت انتفاضة الحجارة في فلسطين‬ ‫المستورد ّ‬ ‫ِ‬ ‫المخولة‬ ‫المحتلة‪ ،‬تقبل الغربي كلمة ‪ .Intifada‬ولكن‪ ،‬من هي الجهة‬ ‫ّ‬ ‫باالشتقاق والتعريب؟‬ ‫المجامع اللغوية العربية‪ .‬ولكن هذه المجامع شبه المعطلة‪ ،‬وسلَّم‬ ‫الكلي عن الساحة‪ .‬إنها السلطة اللغوية‬ ‫الحاضرون بأسف بغيابها شبه‬ ‫التي يفترض فيها أن تضطلع في ّالبالد العربية بما تضطلع به أ‬ ‫الكاديمية‬ ‫الفرنسية في بالدها‪ .‬وعليه‪ ،‬وإلى أن يعاد تفعيل هذه المجامع‪ ،‬سيبقى‬ ‫هجوم المصطلحات والمفردات أ‬ ‫الجنبية على ما هو عليه‪ ،‬وسيبقى‬ ‫االعتماد على التعلّم والتعليم وتطويرهما‪ ،‬إلنقاذ ما يمكن إنقاذه‪ ،‬أو‬ ‫الحوال‪ ،‬بشكل سيبقى محدوداً على أ‬ ‫تحسين أ‬ ‫الرجح‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪15 | 14‬‬

‫بداية كالم‬

‫عمال فنيا‪ً،‬‬ ‫ً‬ ‫كيف تنتقي‬ ‫وأين تحتفظ به؟‬ ‫إعداد‪ :‬نوف السماري‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫‪1‬‬

‫خطوات ال َّ‬ ‫بد منها الختيار عمل فني تزييني‬

‫ن‬ ‫ضحى‬ ‫الحسي� ‪ -‬مستشارة موارد شب�ية‬

‫ي‬ ‫ُخلق العقل ش‬ ‫ليقدر الجمال والتناسق‪ ،‬وذلك من صنع هللا سبحانه ف ي� كل مخلوقاته‪ .‬فنجد القاعدة‬ ‫الب�ي ِّ‬ ‫ف‬ ‫كب�اً‪ .‬من المؤكد أنه قد سبق لك‬ ‫صغ�اً كان أو ي‬ ‫الذهبية‪ ،‬وهي أساس التناسق‪ ،‬ي� كل تفاصيل الكون وما فيه ي‬ ‫دخول غرف أشعرتك بالضيق وإن كانت واسعة‪ .‬قد تكون ألوانها متنافرة أو صارخة‪ ،‬قد يكون لون السقف داكناً‬ ‫فتشعر بالحزن‪ ،‬أو تكون الغرفة مملوءة أ‬ ‫ئ‬ ‫عشوا�‪ ،‬مما يسبب إحساساً يغ� مريح‪ .‬أغمض‬ ‫بالثاث والتحف بشكل‬ ‫ي‬ ‫عينيك للحظة‪ ،‬وتذكَّر غرفة جلوس سبق لك دخولها وأحسست بالراحة والجمال‪ ،‬كيف كانت؟ أهم صفات غرف‬ ‫والعمال الفنية‪ .‬كما أن توزيع قطع أ‬ ‫والثاث أ‬ ‫الجلوس المريحة تعتمد عىل البساطة وتناسق ألوان الجدران أ‬ ‫الثاث‬ ‫أ‬ ‫والعمال الفنية ف ي� الغرفة‪ ،‬وتوازن المسافات بينهم يسهم ف ي� تناسقها أو ما يسمى بالـ «‪.»feng shui‬‬ ‫ن‬ ‫الف� المناسب لغرفة جلوسك عليك بالخطوات التالية‪:‬‬ ‫الختيار العمل ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الف�‪ ،‬فتقوم بالوقوف ي� منتصف مساحة المكان وتستطلع محتويات‬ ‫• أن تكتشف المكان المناسب للعمل ي‬ ‫فتغ� هذا‬ ‫الغرفة لتستشعر مدى تناسقها‪ .‬فربما يحتل الكنب جانباً من المكان ويبقى الطرف المقابل خاوياً‪ ،‬ي ّ‬ ‫ن‬ ‫الالتوازن‪ ،‬وتعيد توزيع الكنب بحيث يصبح عىل ي ن‬ ‫ف� مناسب‪.‬‬ ‫جانب� قوبينهما مكان لعمل ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫با� أثاث الغرفة‪ .‬فمثال ً تضع لوحة مناسبة حجماً عىل‬ ‫الف� مع ي‬ ‫• الخطوة الثانية تتمثل ي� اختيار توازن العمل ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫قطعت� ي ن‬ ‫ين‬ ‫مناسبت� حجماً‪ ،‬لتحيطا بمكتبتك أو قطعة متفردة لتمل زاوية‬ ‫فنيت�‬ ‫الجدار المقابل للتلفاز‪ ،‬أو‬ ‫مهجورة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫الف� ليتناسب مع ألوان الغرفة‪ .‬فإن كانت الغرفة ذات ألوان محايدة‪،‬‬ ‫• الخطوة الثالثة أن تختار ألوان العمل ي‬ ‫فمن الممكن أن تختار لوناً قوياً للعمل ن‬ ‫الف� يتناسب معها‪ .‬وقد تختار درجة أغمق أو أفتح من ألوانها‪ .‬فإن‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫اخ�ت لغرفة الجلوس ألوان الخريف‬ ‫والب� ذات السحنة الدافئة‪ ،‬فيمكن للعمل‬ ‫كالذه� ب‬ ‫وال� ي‬ ‫تقال والصفر ي‬ ‫بي‬ ‫ن‬ ‫فئ‬ ‫الف� أن يكون منحوتة نحاسية أو لوحة ذات لون مختلف كالبنفسجي الدا�‪.‬‬ ‫ف ي‬ ‫أ‬ ‫ح� تدخل هذه الغرفة ال�ت‬ ‫وأخ�اً عىل مدى راحة برصك وروحك ي ن‬ ‫و� نهاية المر‪ ،‬قرارك يعتمد أوال ً ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تُعد قلب ن ز‬ ‫م�لك‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫الطاقة الروحية داخل العمل‬ ‫هي األهم‬ ‫تغريد ش‬ ‫البق� ‪ :‬فنانة تشكيلية‬ ‫ي‬

‫ذائق� الفنية‪ ،‬ومدى ت‬ ‫أقت� العمل القريب وفق ت‬ ‫ن‬ ‫قناع� بالفكرة وما‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أراد الفنان أن يتضمنه عمله‪ ،‬وأيضاً مدى وجود طاقة روحية داخل‬ ‫ن‬ ‫م�‪ .‬وغالباً أعرض ما أقتنيه‬ ‫العمل تالمس‬ ‫إحساس أو تكون قريبة ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كتجربة فنية وتاريخ‪ ،‬إىل جانب مجموعة المقتنيات ي� مرسمي‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫أقتنيه لمعناه ال لمجرد شكله الجمالي‬

‫تشكيل‬ ‫عبدهللا العثمان ‪ :‬فنان‬ ‫ي‬

‫ن‬ ‫ن‬ ‫ف� هو أن تكون‬ ‫ما‬ ‫يدفع� إىل اقتناء عمل ي‬ ‫ي‬ ‫مع� يصل�ن‬ ‫مع�اً عن ن‬ ‫للعمل قيمة‪ ،‬وأن يكون ب ّ‬ ‫ي‬ ‫ويشد ن� ث‬ ‫أك� من مجرد شكلياته الجمالية‪..‬‬ ‫به‪،‬‬ ‫ّ ي‬ ‫ن‬ ‫ِّز� عىل االحتفاظ به‪ ،‬إنه ذلك‬ ‫هذا ما يحف ي‬ ‫ن‬ ‫المع� الذي أتطلع إليه دائماً ف ي� عمقه‪ .‬وغالباً‪،‬‬ ‫ف‬ ‫عمل أياً كانت‪.‬‬ ‫أحتفظ به ي� مساحة ي‬

‫‪4‬‬

‫ِّ‬ ‫أفضل أن أقتني‬ ‫لوحات من فنانين أصدقاء‬ ‫سلطان الغنيم ‪:‬مدير ش�كة ل إلنتاج ن‬ ‫الف�‬ ‫أي‬ ‫أ‬

‫شخصياً‪ ،‬ال أميل إىل اقتناء العمال الفنية وذلك لسباب مختلفة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫أن� مؤخراً رصت أرى أعماال ً جميلة‪ .‬وعىل الرغم من أن ش�اءها‬ ‫إال ي‬ ‫اش� منها شيئاً‪ .‬كل أ‬ ‫ح� آ‬ ‫سهل‪ ،‬ن‬ ‫العمال التشكيلية ال�ت‬ ‫الن لم ت‬ ‫فإ� ت‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أن� عندما أبتاع عمال ً ما‪ ،‬فإنه‬ ‫أملكها هي هدايا‪ ،‬وأنا متعلِّق بها‪ .‬إال ي‬ ‫سيكون من أصدقاء أعرفهم ت‬ ‫ح� يصبح ارتباطي باللوحة مصدر‬ ‫شخص ومختلف‪.‬‬ ‫شعور‬ ‫ي‬ ‫عادة‪ ،‬هناك قاسم ت‬ ‫فأفضل دائماً أن تكون‬ ‫مش�ك ف ي� كل �ش ي أقتنيه‪ِّ .‬‬ ‫وراءه قصة أو أمر لم أنتبه إليه إال عن قرب‪ .‬فالفن جزء من الفكر‪ ،‬وإن‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫لم تكن وراءه‬ ‫ال� أمتلكها‪،‬‬ ‫قصة ما‪ ،‬أعتقد أنك ال ترتبط آبه‪ .‬فوالعمال ف ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫مكت� ي� ال�كة‪.‬‬ ‫أحتفظ ببعضها ي� مجلس البيت وببعضها الخر ي� ب ي‬

‫‪5‬‬

‫يروق لي العمل البسيط والمؤثر‬ ‫في النفس‬

‫ماجد ت‬ ‫نفس‬ ‫الثبي� ‪ -‬نممرض ي‬ ‫ي‬

‫ف� لغرفة الجلوس يغ� موجودة إطالقاً عند غالبية‬ ‫ثقافة اختيار عمل ي‬ ‫كب� ومؤثر ف ي� الثقافة الغربية‪ ،‬وتحديداً‬ ‫العر�‪ ،‬فهي جزء ي‬ ‫الشعب ب ي‬ ‫الثقافة المعارصة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الجراء‪ .‬ن‬ ‫والثا�‬ ‫وللمر جانبان‪ :‬الول يتعلَّق بمفهوم وأصالة هذه الفكرة ‪ /‬إ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� شاعت مؤخراً‪.‬‬ ‫يتعلَّق بأسلوب‬ ‫الديكور الحديث وفنياته ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ف� واختياره وتعليقه ي� منازلنا‪ ،‬مرهونة‬ ‫ولعل أهم نقطة ي� اقتناء عمل ي‬ ‫بجانب مهم جداً ف ي� هذه الثقافة الجديدة لدينا‪ ،‬وهي سالمة العمل من‬ ‫تز‬ ‫ال�وير وكونه أصلياً أم نسخة‪ ،‬والمحافظة عىل روح الفن دون تشويه‬ ‫تجاري مخل‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ثقاف� الخاصة ي� دوائري االجتماعية المحلية‪،‬‬ ‫يإ� ال أجد ما يتطابق مع ف ي‬ ‫الخاضعة لثقافة ال ترى ي� الفن وقيمته أي ثقل‪ ،‬عدا اعتباره مجرد عبث‬ ‫أو كماليات سطحية‪ .‬وهذه وجهة نظر يمكن تفهمها ف ي� ظل تكاليف مادية‬ ‫ال يحتملها أحدهم مقابل �ض وريات حياتيه أخرى‪.‬‬ ‫الف� البسيط والمؤثر‪ ،‬ذلك الذي تلمس �ف‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫يروق يل شخصيفاً‪ ،‬العمل ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تجمد‬ ‫روحه ووجوده ي� مكانك‪ .‬وأميل ي‬ ‫ال� ّ‬ ‫كث�اً إىل العمال الفوتوغرافية ي‬ ‫واليماءة والحياة‪ .‬أو تلك المحملة بإرث تاريخي عتيق‪،‬‬ ‫داخلها الزمن إ‬ ‫كلوحات عرص النهضة أ‬ ‫الوروبية‪ ،‬ت‬ ‫ال� تسلِّط ضوء العبقرية والفن عىل‬ ‫الجساد النسانية والتعاب� الدقيقة يالملهمة والمث�ة أ‬ ‫أ‬ ‫للسئلة والتوقف‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫‪17 | 16‬‬

‫كتب عربية‬

‫بيوت النبي وحجراتها ‪..‬‬ ‫وصفة معيشته فيها‬ ‫ً‬ ‫أنموذجا»‬ ‫«بيت عائشة‬ ‫تأليف‪ :‬محمد بن فارس الجميل‬ ‫الناشر‪ :‬دار جداول للنشر‬ ‫والترجمة ‪ -‬سبتمبر ‪2016‬‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫يحاول هذا الكتاب إزالة اللَّبس عند بعض المهتمين بالسيرة النبوية‬ ‫الشريفة بخصوص مفهوم ٍّكل من بيوت النبي ‪ -‬صلّى هللا عليه وسلم ‪،-‬‬ ‫والح ْجر ُة هي‬ ‫الح ْجرة ُ‬ ‫وح ُجرا ِتها‪ .‬إذ إن بعضاً منهم يحسب أن البيت هو ُ‬ ‫ُ‬ ‫البيت‪.‬‬ ‫ميزا بوضوح الفرق‬ ‫وفي الواقع فإن القرآن الكريم والسيرة النبوية قد َّ‬ ‫بين المسميين‪ ،‬فقد أشار القرآن الكريم إلى البيت في عدة مواضع مرة‬ ‫الشارة إليها‬ ‫الح ْجر ُة فقد كانت إ‬ ‫بصيغة إ‬ ‫الفراد ومرة بصيغة الجمع‪ .‬أما ُ‬ ‫في القرآن الكريم مرة واحدة وجاءت بصيغة الجمع‪ ،‬في قوله تعالى‬ ‫أ‬ ‫ين يُ َنا ُدونَكَ ِمن َو َراء ال ُْح ُج َر ِات‬ ‫مستهجناً سلوك بعض العراب‪(ِ :‬إ َّن ال َِّذ َ‬ ‫بالح ُجرات‬ ‫أَ ْك َث ُر ُه ْم ال َ يَ ْع ِقل َ‬ ‫[الح ُجرات‪ ]4 :‬وهكذا‪ ،‬فلو كان المقصود ُ‬ ‫ُون) ُ‬ ‫البيوت لجاء الخطاب نحو‪ :‬إن الذين ينادونك من وراء البيوت‪ .‬ولكن‬ ‫أ‬ ‫الح ُجرات كما يبدو غير البيوت‪ ،‬وال يمكن‬ ‫هذا الخطاب لم يحدث لن ُ‬ ‫الخلط بين المسميين‪ .‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إننا نجد أن كلمة (بيت) قد‬ ‫وردت في القرآن الكريم تسع عشرة مرة‪ ،‬وجاءت بصيغة الجمع‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫الشارة إليه هنا يعطي انطباعاً‬ ‫(بيوت) أربع عشرة مرة‪ .‬لعل ما سبقت إ‬ ‫الح ْجرة‪ ،‬وهذا يدل‬ ‫قوياً بأن البيت شيء مختلف في معناه وأهميته عن ُ‬ ‫على ضآلة شأنها‪ .‬والكتاب بمجمله عبارة عن دراسة لبيوت النبي ‪ -‬صلى‬ ‫هللا عليه وسلم ‪ -‬وأزواجه وصفة معيشته فيها‪.‬‬

‫فن الكتابة الكوميدية‬ ‫تأليف‪ :‬د‪ .‬أسامة القفاش‬ ‫الناشر‪ :‬المؤسسة العامة للسينما‪،‬‬ ‫دمشق ‪2016 -‬‬

‫يُثير هذا الكتاب جملة من التساؤالت حول ماهية الكوميديا‪ ،‬وكيفية الحكم‬ ‫على عمل ما أنه كوميدي أم ال‪ ،‬وبالتالي لماذا نضحك؟ وكيف نضحك؟ وهل‬ ‫عرف الناس قبلنا الكتابة الكوميدية؟‬ ‫يؤكد المؤلف أن عملية الكتابة الكوميديّة تحتاج إلى المعرفة النظريّة‪ ،‬لكن‬ ‫أ‬ ‫الهم هنا معرفة التقنية نفسها‪ ،‬وقبل ذلك ماهية الكوميديا التي حاول‬ ‫مجسماً للضحك‬ ‫العلماء تعريفها عبر العصور‪ ،‬منذ الفراعنة الذين صنعوا ّ‬ ‫على هيئة قزم قصير وقميء دعوه «بس»‪ ،‬إلى أرسطو الذي نظّر للدراما في‬ ‫كتابه «فن الشعر»‪ ،‬أ‬ ‫ولنه كان رجال ً غُماً فلم َير الكوميديا إال عبر التراجيديا‪.‬‬ ‫الغريق والرومان هم أول من وضع قواعد الكتابة‬ ‫ويوضح قفاش أن إ‬ ‫الكوميدية‪ ،‬وأول من ظهر عندهم ك ّتاب مسرح أو دراما كوميدية أمثال‬ ‫أريستوفان وميناندر‪ ،‬في حين احتفظت كتابات العرب بكثير من النوادر‬ ‫الطريفة كالتي تلف حياة جحا ملك الحمق والحكمة في ٍآن‪ ،‬ونوادر أشعب‬ ‫الطفيلي المحب للهزل وعمل المقالب الطريفة‪ .‬ثم تطورت نظرية الضحك‬ ‫النفسية عند فرويد وأتباعه‪ ،‬الذين اعتبروا الضحك‬ ‫كتطهير‪ ،‬لتصبح النظرية‬ ‫ّ‬ ‫النفسية المكبوتة‪.‬‬ ‫إطالقاً للطاقة‬ ‫ّ‬ ‫تاريخية عامة حول الكوميديا‪ ،‬وصوال ً إلى تحديد‬ ‫يقدم الكتاب نبذة‬ ‫وبعدما ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫سماتها وأنواعها ومتطلباتها‪ ،‬يستعرض عناصر الكتابة الجيدة بدءا من البحث‪،‬‬ ‫والتخيل‪.‬‬ ‫إلى الفكرة‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫ثائرا‬ ‫أبو العالء المعرّ ي‬ ‫تأليف‪ :‬د‪ .‬نبيل الحيدري‬ ‫الناشر‪ :‬دار العرب ‪ -‬سبتمبر ‪2016‬‬

‫يسلِّط الباحث أ‬ ‫والكاديمي العراقي الدكتور نبيل الحيدري‬ ‫المعرة وعالمها‬ ‫الضوء في هذا الكتاب على قصة فيلسوف‬ ‫ّ‬ ‫الكبير أبي العالء المعري وحياته وآثاره‪ .‬فقد تجاوز ذلك‬ ‫العبقري المتميز زمنه‪ ،‬كما تجاوز مكانه ومجتمعه إلى أفق‬ ‫رحيب واسع ال يعرف الحدود في الفكر والفلسفة أ‬ ‫والدب‪،‬‬ ‫المعرة إلى‬ ‫فواجه التعصب والعداوات التي ّرحلته عن‬ ‫ّ‬ ‫بغداد التي كانت مركز التنوير‪ .‬وعندما رجع إلى مدينته‪،‬‬ ‫سجن نفسه في بيته ليكتب الشعر أ‬ ‫والدب‪ ،‬ويجيب عن‬ ‫الرسائل الكثيرة التي كانت ترده من أصقاع الدنيا‪ ،‬إلى أن‬

‫مات في قصة غريبة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫المعري كما يقول المؤلف‪« :‬كان معجزة كبيرة اجتمع‬ ‫ولن أ ِّ‬ ‫فيها الدب والفلسفة والتراث والجدل والعلوم حتى‬ ‫النجوم‪ ،‬ما أبهر عظماء عصره‪ ،»...‬يسلط الكتاب الضوء‬ ‫على ما كتبه العظماء والمستشرقون على مر التاريخ حول‬ ‫عبقريته وذكائه وفكره‪.‬‬


‫هذا الكتاب هو نتيجة حوارات أجراها الكاتب صبحي دقوري‬ ‫مع المفكِّر إبراهيم البليهي‪ ،‬حول معضلة الثقافة وأسباب‬ ‫قدم الكاتب‬ ‫التخلف والريادة واالستجابة‪،‬‬ ‫والتحول النوعي… وقد َّ‬ ‫ُّ‬ ‫هذه المادة في سبعة فصول وملحق تعريفي بالمشروع الفكري‬ ‫إلبراهيم البليهي‪.‬‬ ‫«قدم نظرية عن طبيعة‬ ‫المقدمة إن البليهي َّ‬ ‫يقول الكاتب في ِّ‬ ‫النسان ربما تكون مفتاحاً لتغيرات واسعة وعميقة‪ ،‬وقد تكون‬ ‫إ‬ ‫حاسمة في الخالفات حول نظرية المعرفة ومصدرها‪ ،‬وحول اللغة‬ ‫وكيفية اكتسابها‪ ،‬والحدس‪ ،‬والفرق الجذري بين حدس الغفلة‬ ‫وحدس الفورة؛ النظرية ترى أن التلقائية هي مفتاح الطبيعة‬ ‫البشرية…»‪.‬‬ ‫حساسة‬ ‫قضايا‬ ‫طالت‬ ‫البليهي‬ ‫فكر‬ ‫من‬ ‫جوانب‬ ‫إلى‬ ‫الكاتب‬ ‫وتطرق‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫تواجهها المجتمعات العربية اليوم‪ ،‬فهو يرى أن العرب بحاجة‬ ‫أميون في كل شيء‪ ،‬وذلك رغم‬ ‫لثورة ثقافية جذرية‪« ..‬فنحن ّ‬ ‫الركض وراء الشهادات‪ ..‬ونحن نعيش محنة ثقافية تتسم باالنغالق‬ ‫والتحجر االجتماعي وا ّدعاء الكمال وهي إعاقات حضارية‬ ‫الثقافي‬ ‫ّ‬ ‫ومدمرة تعجز عن فهم التغيرات النوعية في الحضارة‬ ‫بشعة ِّ‬ ‫أ‬ ‫العاقات والوهام وصوال ً‬ ‫النسانية‪ .‬والحل يكون بالتخلص من تلك إ‬ ‫إ‬ ‫متجددة نامية»‪.‬‬ ‫إلى تطوير واستثمار قابليات إ‬ ‫النسان كثروة عظيمة ِّ‬

‫ما هو المسار الذي تأخذه اللغة ما بين نشأتها واندثارها؟‬ ‫هذا ما يحاول علي عبدهللا الفرج أن يجيب عنه في هذا الكتاب‬ ‫الذي تدور فكرته أ‬ ‫الساسية حول كون «اللغة في طبيعتها كائناً‬ ‫ويتدرج في مراحل النشأة‪ ،‬إلى أن يصل فيها إلى‬ ‫حياً‪ ،‬يولد‬ ‫ّ‬ ‫مراحل متقدمة تم ّثل قمة العطاء اللغوي‪ ،‬ومن ثم يشيخ ذلك‬ ‫الكائن ويهرم إلى أن تصل الحال ببعض اللغات إلى الموت‬ ‫أ‬ ‫والفول»‪ .‬وهذا ما أثبتته الدراسات اللغوية الحديثة‪ ،‬على الرغم‬ ‫من عدم توصلها إلى كثير من الحقائق العلمية توضح نشأة‬ ‫النسان‪.‬‬ ‫وتطورها إلى أن شكلت منظومة متكاملة يمتلكها إ‬ ‫ّ‬ ‫وفيما يتعلَّق بالعربية‪ ،‬يرى المؤلف أن كثيراً من تفصيالت‬ ‫الدرس اللغوي القديم بُنيت وفقاً لمبادئ عقلية ال ارتباط لها‬ ‫بواقع اللغة العربية وبيئتها االجتماعية‪ .‬ومن أبرز أ‬ ‫المثلة على‬ ‫ذلك‪ :‬نظرية العامل في النحو‪ ،‬وهي نظرية ترجع في أصولها‬ ‫إلى قواعد عقلية صرفة تتعارض في تحليالتها مع بناء الجملة‬ ‫العربية وأساليب التعبير فيها‪.‬‬

‫المشورة الوراثية في المملكة‪ ..‬مشوار‬ ‫حضاري تسلكه الشعوب لصيانة نسلها‬ ‫تأليف‪ :‬د‪ .‬عبدالجبار علي أحمد المحمد حسين‬ ‫الناشر‪ :‬مركز أ‬ ‫الدب العربي ‪2016 -‬‬

‫مقدمة كتابه أن علم الوراثة هو قاعدة‬ ‫ِّ‬ ‫يوضح الكاتب في ِّ‬ ‫التنوع الوراثي البشري‪ ،‬وهو شريان البحوث‬ ‫المعلومات في ّ‬ ‫التي نستنبط منها جذور أ‬ ‫المراض الوراثية وانتقالها من جيل‬ ‫إلى آخر وطرائق تشخيصها ومد يد العون لترميم إعاقتها‪،‬‬ ‫وفي الطب الحديث عالجها‪ .‬وهذا الكتاب يُعد باكورة لعمل‬ ‫طويل نبحر فيه في علم الكروموسومات والجينات‪ ،‬وأماكن‬ ‫والوامر‪ ،‬أ‬ ‫وجودها وتعبيرها الطبيعي من البروتينات أ‬ ‫والهم‬ ‫من ذلك مرضها‪.‬‬ ‫ويدخل الكاتب في الجزء أ‬ ‫الول من أبواب الجين‬ ‫العليل وكنوز المعرفة ومحاورها حوله‪ ،‬ثم يصل إلى‬

‫علم الكروموسومات وما تضيفه من خبايا إكلينيكية‪.‬‬ ‫ويتضمن الكتاب قصصاً مثيرة يرويها أبطالها من معشر‬ ‫َّ‬ ‫الكروموسومات كل حسب مسرحه الجيني‪ .‬وفيه فواصل‬ ‫مسرحية لغوية كتبت لتخفيف الصعوبة في اللهجة العلمية‪.‬‬ ‫الكتاب عبارة عن دخول في تفاصيل الخلية الواحدة‪ ،‬حيث‬ ‫نكون ضيوفاً على الجينوم‪ ،‬وهو أرض الجينات نزوره من‬ ‫متعددة‪ ،‬ولكل‬ ‫حي إلى حي ويتألف من كروموسومات ِّ‬ ‫واحد رقم وحجم وخريطة مواقع الجينات وأعدادها‪،‬‬ ‫وحيث يوجد في كل موقع بيت أو عمارة أي جينة أو عدة‬ ‫جينات‪ .‬وكما للبيت مرافق فللجينة مرافقها أيضاً‪ :‬بوابة‬ ‫وحارس ومفتاح وأقفال وقرائن ونسخ وأشباه جينات‪ .‬ونادراً‬ ‫أيضاً يقطن فيها دخالء غرباء مثل الفيروسات‪ .‬ويستعرض‬ ‫الكتاب أيضاً مختلف أنواع أ‬ ‫المراض والعلل الجينية‬ ‫والوراثية وأهمية المشورة الوراثية والتشريع في صيانة‬ ‫النسل وكل ذلك ألسباب حضارية‪.‬‬

‫كتب عربية‬

‫التلقائية اإلنسانية‪..‬‬ ‫حوار مع البليهي وتعريف‬ ‫بفكره‬ ‫تأليف‪ :‬صبحي دقوري‬ ‫الناشر‪ :‬التنوير للطباعة والنشر‬ ‫والتوزيع ‪2016 -‬‬

‫كائن اللغة‬ ‫تأليف‪ :‬علي عبدهللا الفرج‬ ‫الناشر‪ :‬دار أطياف ‪ /‬الرافدين‬ ‫‪2016 -‬‬


‫‪19 | 18‬‬

‫كتب من العالم‬

‫يعرض هذا الكتاب لقصص مواطنين روس عاديين خالل‬ ‫السنوات الثالثين الماضية من خالل نوع أدبي جديد وصفته‬ ‫ألكسيفيتش بأنه يروي «لتاريخ العواطف وتاريخ الروح»‪.‬‬ ‫وتبين لنا هذه القصص ما كانت عليه الحياة خالل سقوط‬ ‫ِّ‬ ‫االتحاد السوفياتي والعيش في روسيا في الفترة التي تلت‬ ‫ذلك مباشرة‪.‬‬ ‫فمن خالل مقابالت أجرتها ألكسيفيتش ما بين عامي ‪1991‬‬ ‫الوقت المستخدم‪ :‬آخر السوفيات‬ ‫والعالم‬ ‫و‪2012‬م‪ ،‬تأخذنا الكاتبة أبعد من حسابات الدعاية إ‬ ‫‪Secondhand Time: The Last of the Soviets by‬‬ ‫‪ Svetlana Alexievich Translated by Bela Shayevich‬المفتعلة‪ ،‬لتعطينا صورة بانورامية عن روسيا المعاصرة‬ ‫والرهاب‬ ‫تأليف‪ :‬سفتالنا ألكسيفيتش‪ ،‬ترجمة‪ :‬بيال شيفيتش والروس الذين ما زالوا يحملون ذكريات القمع إ‬

‫والمجاعة والمجازر‪ ،‬ولكنهم‪ ،‬أيضاً‪ ،‬يحملون مشاعر الفخر‬ ‫ببلدهم‪ ،‬أ‬ ‫والمل بالمستقبل‪ ،‬والمحافظة على االعتقاد بأن‬ ‫الجميع كان يعمل ويقاتل جنباً إلى جنب لتحقيق مدينة‬ ‫فاضلة‪.‬‬ ‫ومن خالل نسيج رائع من أ‬ ‫الحزان وانتصارات الروح البشرية‬ ‫التي حبكتها ألكسيفيتش في هذا الكتاب‪ ،‬تروي هذه‬ ‫القصص بمجملها التاريخ الحقيقي للشعب الروسي‪ .‬ومن‬ ‫خالل أصوات أشخاص وثقوا بها‪ ،‬تنجح الكاتبة في إطالعنا‬ ‫النسان‪ ،‬وأحالمنا وخياراتنا والخير والشر‪.‬‬ ‫على طبيعة إ‬

‫الناشر‪ - Random House :‬مايو ‪2016‬‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫الكتاب‪ :‬استكشاف من الغالف إلى‬ ‫ً‬ ‫نفوذا في عصرنا‬ ‫الغالف للكائن األكثر‬ ‫‪The Book: A Cover-to-Cover Exploration of‬‬ ‫‪the Most Powerful Object of Our Time by‬‬ ‫‪Keith Houston‬‬ ‫تأليف‪ :‬كيث هيوستن‬ ‫الناشر‪- W.W. Norton & Company :‬‬ ‫أغسطس ‪2016‬‬

‫النباتية‬ ‫‪The Vegetarian by Han Kang Translated‬‬ ‫‪by Deborah Smith‬‬ ‫تأليف‪ :‬هان كانغ‪ ،‬ترجمة‪ :‬ديبورا سميث‬ ‫الناشر‪ - Hogarth :‬فبراير ‪2016‬‬

‫فردوس المخطوطات المرفوضة‬ ‫‪Au Paradis Des Manuscrits Refuses by‬‬ ‫‪Irving Finkel‬‬ ‫تأليف‪ :‬ارفينغ فينكل‬ ‫الناشر‪ - JC Lattes :‬مارس ‪2016‬‬

‫في كتابه «الكتاب»‪ ،‬يكشف كيث هيوستن أن الورق والحبر‬ ‫أ‬ ‫يتكون منها الكتاب‪،‬‬ ‫والخيط والغراء واللوح وكل المور التي َّ‬ ‫تروي قصصاً غنية مثل الكلمات المسطّرة على صفحاته‪.‬‬ ‫والمبراطوريات‪ ،‬وبراعة‬ ‫فيروي قصصاً عن الحضارات إ‬ ‫النسان‪ .‬وفي عرض تاريخي ماتع عن هذه الوسيلة البالغة‬ ‫إ‬ ‫من العمر أكثر من ‪ 2000‬عام‪ ،‬يتابع هيوستن تطور الكتابة‬ ‫والطباعة‪ ،‬وفن الرسوم التوضيحية‪ ،‬وتجليد الكتب‪ ،‬ليظهر‬ ‫لنا كيف انتقلنا من ألواح الكتابة المسمارية ومخطوطات‬ ‫البردي إلى الكتب المختلفة الموجودة اليوم‪ .‬وعندما‬ ‫يتساءل هيوستون عن السبب وراء كون معظم الكتب‬ ‫مستطيلة الشكل‪ ،‬يكتشف أن الجواب ليس فقط في راحة‬ ‫القارىء‪ ،‬أو سهولة الحمل والتخزين‪ .‬ولكن وفقاً لكيث‬

‫«لن أ‬ ‫هيوستن‪ ،‬تأخذ الكتب هذا الشكل أ‬ ‫البقار والماعز‬ ‫أ‬ ‫والغنام هي مستطيلة»‪.‬‬ ‫فقبل ألفي سنة‪ ،‬عندما توقف محررو الكتب في مكتبة‬ ‫بيرغامون الشهيرة (في ما هو غرب تركيا آ‬ ‫الن)‪ ،‬عن الكتابة‬ ‫على لفائف البردي وبدأوا استخدام ورقة الرق‪ ،‬كانوا‬ ‫يؤسسون لنموذج مروع ومخيف من الطباعة والنشر‪ ،‬لنأ‬ ‫ّ‬ ‫«ورقة الرق هي المنتج النهائي لعملية طويلة ودموية‬ ‫ومادية للغاية تبدأ مع موت عجل أو خروف أو جدي»‪.‬‬ ‫باختصار يعرض هذا الكتاب‪ ،‬الذي من المؤكد أنه يبهج‬ ‫جميع عشاق الكتب تاريخ صناعة الكتاب الذي يمكن‬ ‫أ‬ ‫النسانية‪.‬‬ ‫اعتباره «تقنية المعلومات» الهم في تاريخ إ‬

‫هذه الرواية هي للكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ الحائزة‬ ‫جائزة المان بوكر للعام ‪2016‬م‪ ،‬وتدور أحداثها حول يونغ‬ ‫هاي الزوجة المطيعة التي كانت تعيش وزوجها حياة عادية‪،‬‬ ‫ثم صارت تعاني من كوابيس متكررة مملوءة بالوحشية‬ ‫والصور الغارقة في الدماء التي تبدأ تطارد أفكارها‪ .‬فتقرر‬ ‫يونغ هاي تطهير عقلها ونبذ أكل اللحوم‪ .‬ولم تعط تفسيراً‬ ‫لقرارها هذا أمام زوجها سوى أنها قالت له «رأيت حلماً»‪.‬‬ ‫وفي بلد تطاع فيه أ‬ ‫العراف المجتمعية بدقة‪ ،‬كان قرار يونغ‬ ‫هاي بااللتزام بالمأكوالت النباتية بمنزلة صدمة للمجتمع‬ ‫حولها‪ .‬ومن ثم بدأت التغييرات في العالقة بين يونغ هاي‬ ‫وزوجها وبين جميع المحيطين بها‪.‬‬

‫تتألف هذه الرواية من ثالثة أجزاء‪ ،‬في أ‬ ‫الول منها سرد من‬ ‫وجهة نظر الزوج «الرديء» الذي يعمل موظفاً عادياً‪ ،‬والجزء‬ ‫الثاني من وجهة نظر «الفنان» زوج شقيقتها‪ ،‬والثالث من‬ ‫وجهة نظر شقيقتها الكبرى المثقلة بالمشكالت‪ ،‬التي تدير‬ ‫محال ً ألدوات التجميل‪.‬‬ ‫أ‬ ‫وعبر أ‬ ‫الجزاء الثالثة نذهب في رحلة بين السس االجتماعية‬ ‫الرئيسة من توقعات السلوك االجتماعي وعمل المؤسسات‬ ‫فيه‪ ،‬لنراها في صراع مستمر كانعكاس للصراع الداخلي‬ ‫العميق الذي تعاني منه بطلة‪ .‬إنها رواية رمزية عن الحياة‬ ‫العصرية في كوريا الجنوبية والتغيرات االجتماعية الكبيرة‬ ‫التي بدأت تأخذ طريقها إليها‪.‬‬

‫يطلق الباحث ارفينغ فينكل‪ ،‬عنوان «فردوس المخطوطات‬ ‫تضم‬ ‫المرفوضة»‪ ،‬للداللة على «مكتبة» جمعها‪ّ ،‬‬ ‫مخطوطات كان الناشرون قد رفضوا إصدارها‪ ،‬على اعتبار‬ ‫أنها ليست صالحة للنشر‪ ،‬وال تملك ما يكفي من القيمة‬ ‫أ‬ ‫الدبية أو الفكرية المطلوبة‪ .‬تحتوي تلك المكتبة على‬ ‫أ‬ ‫نصوص من الدب والشعر والمذكرات والرسائل ومن ضمنها‬ ‫الصلية لروايات غدت من عيون أ‬ ‫النسخ أ‬ ‫الدب العالمي‪.‬‬ ‫بين الحروف الملونة والمواقف الطريفة‪ ،‬وفي قوالب من‬ ‫الفكاهة البريطانية التي ال تقاوم‪ ،‬تضم هذه المكتبة قصة‬ ‫مدير مكتبة مزعج وال يُحتمل‪ ،‬وممثلة دجالة تتظاهر بأنها‬ ‫طالبة من أجل أن تسرق أفكاراً ِلفلمها المقبل‪ ،‬ولصوص‬

‫العالن‬ ‫يحاولون سرقة الجائزة الكبرى‪ .‬ومن خالل هذا إ‬ ‫الرائع عن الحب للكتب والمخطوطات من جميع أ‬ ‫النواع‪،‬‬ ‫تلقي هذه المكتبة الضوء على كثير من نقاط الضعف في‬ ‫عالم النشر‪ ،‬الذي يبتعد في كثير من أ‬ ‫الحيان عن تقدير‬ ‫أ‬ ‫ليقيمها من خالل مردودها‬ ‫قيمة النصوص الدبية والفكرية‪ِّ ،‬‬ ‫المادي فقط‪.‬‬


‫بين كتابين‬

‫عالم الميكروبات ونحن‬

‫ أضم جموعاً كثيرة‪ :‬الميكروبات داخلنا ونظرة أوسع إلى الحياة‬ ‫(‪ُّ )1‬‬ ‫تأليف‪ :‬إد يونغ‬ ‫الناشر‪ - Ecco :‬أغسطس ‪2016‬‬ ‫‪I Contain Multitudes: The Microbes Within Us and a Grander‬‬ ‫‪View of Life by Ed Yong‬‬ ‫(‪ )2‬دماغك والطفيليات‪ :‬كيف تتالعب مخلوقات صغيرة في سلوكنا‬ ‫وتشكل المجتمع‬ ‫تأليف‪ :‬كاثلين مكوليف‬ ‫الناشر‪ - Eamon Dolan/Houghton Mifflin Harcourt :‬يونيو ‪2016‬‬ ‫‪This Is Your Brain on Parasites: How Tiny Creatures Manipulate‬‬ ‫‪Our Behavior and Shape Society by Kathleen McAuliffe‬‬ ‫هيمنت االكتشافات المتعلِّقة بعلم الوراثة على علم أ‬ ‫الحياء في القرن العشرين‪،‬‬ ‫ولكن الميكروبات هي التي ال تزال تحتل الصدارة بالنسبة إلى علماء البيولوجيا في‬ ‫القرن الواحد والعشرين‪ .‬وهنا كتابان صدرا حديثاً عن كيف سيطرت هذه الكائنات‬ ‫الدقيقة على أجسامنا وربما حتى على عقولنا‪.‬‬ ‫يتناول هذان الكتابان الكائنات غير المرئية التي تعج بها الكرة أ‬ ‫الرضية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫أ‬ ‫«أضم جموعاً كثيرة‪ :‬الميكروبات داخلنا ونظرة أوسع إلى الحياة»‬ ‫الول بعنوان ُّ‬ ‫تأليف إد يونغ‪ ،‬والثاني بعنوان «دماغك والطفيليات‪ :‬كيف تتالعب مخلوقات‬ ‫صغيرة في سلوكنا وكيف تشكل المجتمع» تأليف كاثلين مكوليف‪.‬‬ ‫أول ما أدرك البشر وجود هذه الكائنات الحية حولهم وعلى أجسادهم وفي‬ ‫داخلهم كان في القرن السابع عشر‪ ،‬بفضل العالم الهولندي و«أبو علم أ‬ ‫الحياء‬ ‫الدقيقة» أنتوني فان ليوينهويك‪ ،‬الذي رأى ما وصفه بـ «حيوانات صغيرة»‬ ‫في طبقة البالك المأخوذة من أسنانه‪ .‬وقد تمكن فان يوينهويك من رؤية هذه‬ ‫الحيوانات الصغيرة من خالل عدسات متطورة اخترعها وتستطيع تضخيم أ‬ ‫الشياء‬ ‫«أضم‬ ‫‪ 270‬مرة‪ .‬بعد تعريفنا على فان يوينهويك واكتشافاته‪ ،‬ينتقل يونغ في كتابه ُّ‬ ‫جموعاً كثيرة» إلى عرض ّميزات العشرات من الحيوانات والفيروسات والبكتيريا‬ ‫المفيدة منها والمضرة‪ ،‬وتلك التي تتعايش معنا دون أي نفع وال ضرر‪ .‬ومن ثم‬ ‫يصف يونغ اكتشاف البكتيريا القديمة أو ما يسمى بالعتائق‪ ،‬في أواخر سبعينيات‬ ‫القرن الماضي على يد كارل وويس‪ ،‬الذي وفقاً ليونغ «اكشف بهدوء حوالي ثلث‬ ‫العالم الذي كان مخفياً عنا»‪.‬‬ ‫وال تخلو طريقة عرض يونغ لهذا الموضوع الخفي والمثير لالشمئزاز في بعض‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫يتحول إلى العلوم إالنسانية إلثراء التفاصيل‬ ‫الحيان‪ ،‬من الناقة خاصة عندما َّ‬ ‫العلمية في كتابه‪ .‬كما أنه يضع لفصول الكتاب عناوين مثل اسم أغنية «رقصة‬ ‫الفالس الطويلة»‪ ،‬وعنوان مقطوعة فيفالدي الموسيقية الشهيرة «الفصول‬ ‫أ‬ ‫الربعة»‪ .‬ولكن الشعور باالشمئزاز هو الذي يسيطر علينا ونحن نقرأ كتاب مكوليف‬ ‫حول الميكروبات التي تسيطر على أدمغة الحشرات والبشر وكل المخلوقات‬ ‫أ‬ ‫الخرى‪ .‬يقول يونغ إنه «ال يوجد ميكروب جيد» أو «ميكروب سيء بالمطلق»‪ ،‬ولكن‬ ‫أ‬ ‫المور التي تتحدث عنها مكوليف تشبه الكوابيس‪ .‬فعلى عكس الجولة الشاملة‬ ‫ليونغ‪ ،‬تركز مكوليف في المقام أ‬ ‫الول على الناس والطفيليات غير المرغوب فيها‬ ‫أ‬ ‫وتفتك بهم‪ .‬وتخصص مكوليف النصف الخير من كتابها للطرق التي يمكن فيها‬ ‫للطفيليات توجيه التفاعل إالنساني‪ .‬وتؤكد أن الخوف الالشعوري من العدوى‬ ‫يؤثر تقريباً على كل جوانب حياتنا‪ ،‬من الدوائر االجتماعية التي نتفاعل معها إلى‬ ‫الخالقية ووجهات النظر التي نكونها حول كثير من أ‬ ‫مبادئنا أ‬ ‫المور‪ .‬وتقول إن‬ ‫آ‬ ‫المطالب االجتماعية المتعلِّقة بالداب تعتمد في جزء منها على تجنب المشاركة‬ ‫الزائدة للطفيليات‪ ،‬وهذا بدوره يؤدي إلى ظاهرة االبتعاد االجتماعي وإلى ما نسميه‬ ‫«عادات حميدة»‪ .‬نبحر في هذين الكتابين في عالم الجراثيم الخفي والمرعب في‬ ‫بعض أ‬ ‫الحيان‪ ،‬وما يظهر هو عالم من النظم إاليكولوجية داخل نظم إيكولوجية‬ ‫أخرى‪ ،‬مثل دمية التراص الخاصة بالطبيعة حيث تتركز الميكروبات في الوسط‬ ‫ليمتد تأثيرها إلى أبعد ما نستطيع فهمه حتى يومنا هذا‪.‬‬

‫كتب من العالم‬

‫عوالمنا عبر اللغات‬ ‫‪Our Wolds in Tongues by Huang Yong‬‬ ‫‪Ping and François Jullien‬‬ ‫تأليف‪ :‬هوانغ يونغ دينغ وفرانسوا جوليان‬ ‫الناشر‪ - Klincksieck :‬يوليو ‪2016‬‬

‫تحت عنوان «عوالمنا عبر اللغات» صدر مؤخراً كتاب باللغات‬ ‫والنجليزية والصينية ضم محادثات بين الفنان‬ ‫الفرنسية إ‬ ‫الصيني الشهير هوانغ يونغ بينغ والفيلسوف الفرنسي فرانسوا‬ ‫جوليان‪ ،‬يتحدث كل منهما من موقعه عن تجربتهما المشتركة‬ ‫«المتأرجحة بين الصين والغرب»‪ ،‬حيث عاش كل منهما شطراً‬ ‫مهماً من حياته على الجانبين‪ .‬وتجدر إالشارة إلى أن اللقاء‬ ‫والحوار بين الرجلين تم من قبل أ‬ ‫الخصائي بفقه اللغات‬ ‫ِ‬ ‫والكاتب دوناتيان غرو‪.‬‬ ‫في المقام أ‬ ‫الول يقوم كل من الرجلين‪ ،‬الفنان والفيلسوف‪،‬‬ ‫بتقديم ثقافته آ‬ ‫للخر وللذين يشاركون الحقاً في حوارهما‪.‬‬ ‫آ‬ ‫يقدم كل منهما رؤيته لثقافة الخر بحكم‬ ‫وبالتوازي مع ذلك‪ِّ ،‬‬ ‫آ‬ ‫العالقات الطويلة‪ ،‬التي نسجها كل منهما في بالد الخر‪ .‬وفي‬ ‫سياق هذه المحادثات يتم التعرض لتاريخ الفن وتاريخ أ‬ ‫الفكار‬

‫الفلسفية في كل من الصين والعالم الغربي‪ ،‬من خالل التنقل‬ ‫يقدم الفنان الصيني نوعاً من‬ ‫بين الثقافتين‪ .‬وهكذا مثال ً ّ‬ ‫المقاربة بين المدرسة المسماة «دادائية» في فرنسا وبين حركة‬ ‫«الزن» الصينية‪ .‬والتأكيد في هذا السياق على وجود فروق‬ ‫كبيرة بين تقاليد الثقافتين الصينية والغربية‪ .‬ومما يذكره جوليان‬ ‫مفاده أن أحد أشكال التباين والتباعد الكبرى بين التقاليد‬ ‫الصينية والتقاليد أ‬ ‫الوروبية يكمن في أن اليونانيين ولجوا عالم‬ ‫الفن عبر التقليد والمحاكاة‪ ،‬أي إن الفن في الغرب تمثل في‬ ‫إعادة إنتاج الطبيعة‪ ،‬بينما تغلب الرمزية على الفن الصيني‪.‬‬ ‫ويذهب جوليان أبعد من ذلك‪ ،‬وصوال ً إلى محاولة «تبيين‬ ‫أشكال وأنماط التباين والتباعد ورصدها والتأمل بها» بين الثقافة‬ ‫الوروبية‪ ،‬كما في داخل الثقافة أ‬ ‫الصينية والثقافة أ‬ ‫الوروبية‬ ‫نفسها وغيرها من الثقافات‪.‬‬


‫‪21 | 20‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫قول في مقال‬

‫ّ‬ ‫عبقرية‬ ‫المكان‪..‬‬ ‫تراثه‬ ‫حوا‬ ‫كميل ّ‬

‫يقال عادة إن قيمة المؤسسات‬ ‫ومعداتها‪ ،‬بل هي‬ ‫ليست بمبانيها ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� تعمل فيها‪ .‬وهذا‬ ‫ي� الكفاءات الب�ية ي‬ ‫القول صحيح كقاعدة ومن حيث المبدأ‪ ،‬يغ�‬ ‫كث�ة تفرض القياس أو النظر‬ ‫أن هناك حاالت ي‬ ‫إىل المؤسسة بمعيار آخر‪ ،‬من دون أن يع�ن‬ ‫ي‬ ‫ذلك بال�ض ورة االنتقاص من قيمة كفاءاتها‬ ‫ش‬ ‫غض النظر عن قيمتها ودورها‪.‬‬ ‫الب�ية‪ ،‬أو ّ‬ ‫فبعض المؤسسات تكتسب بما تكون قد‬ ‫وخ�ات بع� ي ن‬ ‫السن�‪ ،‬قدرة‬ ‫راكمته من تجارب ب‬ ‫التأث� ف ي� نفس من يتعامل معها بشكل‬ ‫عىل ي‬ ‫واع‪ .‬فتصبح أبنيتها بأسمائها‬ ‫واع أو يغ� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫التأث� ي� النفس‪،‬‬ ‫ورمزيتها ذات قدرة عىل ي‬ ‫ويصبح للمكاتب والممرات والغرف والمداخل‬ ‫والمخارج رسائل تبثها بصمت‪ ،‬تطبع بطابعها‬ ‫ف‬ ‫تفك� الناس‬ ‫الخاص صورة المؤسسة ككل ي� ي‬ ‫ومزاجهم‪ ،‬ت‬ ‫التعب�‬ ‫وح� ف ي� أسلوبهم ف ي�‬ ‫ي‬ ‫عنها‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬تصبح المؤسسة بحد‬ ‫ذاتها ذات شخصية ي ز‬ ‫مم�ة‪ ،‬وكياناً مؤثراً‪ ،‬وكأن‬ ‫الدارة‬ ‫فيها إدارة صامتة ومخفية إىل جانب إ‬ ‫الحا�ض ة المرئية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫كب�اً‬ ‫ال شك ي� أن لعدد من المعطيات دوراً ي‬ ‫ف ي� إيصال المؤسسة إىل مثل هذه المكانة‪،‬‬

‫أولها تاريخها وعنارص تكوينها أ‬ ‫الوىل‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ما مرت به بع� ي ن‬ ‫السن�‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فالصمود ّ‬ ‫الخلق يُ ث�ي المؤسسة‪ ،‬ويجعل‬ ‫كب� وجاذبية‬ ‫ما راكمته من تجارب ذا وزن ي‬ ‫ف‬ ‫فكث�اً ما توقَّف‬ ‫ال تقاوم‪ .‬وال غرابة ي� ذلك‪ .‬ي‬ ‫الناس أمام شجرة ضخمة عند مدخل قرية‪،‬‬ ‫أو أمام لون تربة جبل‪ ،‬واتخذوا من هذه أو‬ ‫ذاك معلماً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� الواقع‪ ،‬يمكننا تشبيه المؤسسة العريقة‬ ‫ي‬ ‫بعمل ن‬ ‫نمر بجانبها كل يوم‪.‬‬ ‫ف� أو منحوتة ّ‬ ‫ي‬ ‫إذ إن أبنية بعض المؤسسات تصبح أ‬ ‫كالعمال‬ ‫الفنية بحضورها ورسائلها الكامنة فيها‪.‬‬ ‫وهناك مصطلح يفيد ف ي� هذا السياق‪ ،‬ال‬ ‫بل يحاكيه بشكل ش‬ ‫مبا�‪ ،‬أال وهو ما يسمى‬ ‫«عبقرية المكان»‪.‬‬ ‫من م َّنا لم يسمع بكتاب الدكتور جمال‬ ‫حمدان «شخصية مرص‪ ،‬دراسة ف ي� عبقرية‬ ‫المكان»‪ .‬وبالطبع‪ ،‬ليس المقصود بعبقرية‬ ‫المكان التشبيه بنبوغ ت‬ ‫مخ�ع أو مكتشف‪،‬‬ ‫عىل أ‬ ‫القل ليس بشكل ش‬ ‫مبا�‪ ،‬بل هو‬ ‫تبيان القدرة المعطاة أو المكتسبة من يغ�‬ ‫اختيار‪.‬‬

‫المث� إلعجاب‬ ‫فقد حاول هذا الكتاب ي‬ ‫تلمس عوامل الطبيعة والتاريخ ال�ت‬ ‫ي‬ ‫الكث�ين‪ّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫أعطت مرص تلك الخصائص المؤثرة ي� تكوين‬ ‫ف‬ ‫و� أسلوب عيشه وصياغته‬ ‫إ‬ ‫النسان المرصي‪ ،‬ي‬ ‫لوجوده‪ .‬والحقيقة أن هذه العبقرية ليست‬ ‫ت‬ ‫ورب باحث‬ ‫ال� قد يظنها البعض‪َّ .‬‬ ‫بالندرة ي‬ ‫يجد ش‬ ‫ع�ات المؤسسات الجامعية والمرصفية‬ ‫والصناعية ت‬ ‫وح� الفندقية‪ ،‬جعلتها السنون‬ ‫ت‬ ‫نز‬ ‫وال� تشكِّل‬ ‫تكت� هذه القدرات الكامنة فيها ي‬ ‫إضافة إىل رأسمال المؤسسة بمعناه الدقيق‪،‬‬ ‫كما هي قيمة مضافة إىل منجزات الكفاءات‬ ‫ش‬ ‫الب�ية العاملة فيها‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن هذه المناقشة فصلت‬ ‫ب� المؤسسة المقصودة ي ن‬ ‫ف� البداية ي ن‬ ‫وب�‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫العامل� فيها‪ ،‬إال أن هذا الفصل كان‬ ‫فقط من باب ت‬ ‫الجدل‪ .‬ففي‬ ‫االف�اض‬ ‫ي‬ ‫نهاية المطاف‪ ،‬ال فصل ي ن‬ ‫ب� أي مؤسسة‬ ‫ين‬ ‫العامل� فيها‪ .‬فالطرفان‬ ‫(وعبقريتها) والناس‬ ‫يشكالن باجتماعهما ما يمكن اعتباره تراث‬ ‫المؤسسة‪ .‬وكم لمؤسسة من تراث؟‪.‬‬ ‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫أحمد الدليجان‬

‫«الهايبرلوب»‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫سكة فائقة نحو المستقبل‬

‫علوم‬

‫«تخيلوا تقنية تجمع طائرة الكونكورد وقطار‬ ‫الطلقة وطاولة لعبة الهوكي الهوائية!»‪ .‬بهذه‬ ‫الكلمات كشف رجل األعمال الشاب ُإلن َمسك‬ ‫عن تصوره لنمط جديد من المواصالت العامة‬ ‫ِّ‬ ‫يسخر النظريات‬ ‫في يوليو ‪2012‬م‪ ،‬يراد له أن‬ ‫ِّ‬ ‫متقدمة البتكار جديد في‬ ‫الفيزيائية عبر تقنيات‬ ‫مجال النقل فائق السرعة‪ .‬ويواصل َمسك سرد‬ ‫مواصفات وسيلة النقل الجديدة‪ ،‬التي أطلق‬ ‫عليها اسم «هايبرلوب»‪ ،‬بقوله إنها ذات مناعة‬ ‫ضد األحوال الجوية‪ ،‬وذات عربات ال تتعرَّ ض‬ ‫لالصطدام ً‬ ‫أبدا‪ ،‬وذات سرعة تبلغ ضعف‬ ‫ً‬ ‫سرعة طائرة َّ‬ ‫قدرا أقل من‬ ‫نفاثة‪ ،‬وإنها تتطلب‬ ‫الطاقة‪ ،‬وتعمل ‪ 24‬ساعة يوميا‪ً.‬‬ ‫يجادل كثيرون بأن هذه محض أفكار خيال‬ ‫علمي‪ .‬لكن بالنظر إلى تاريخ صاحب المبادرة‬ ‫المترع باإلنجازات التقنية الفذة‪ ،‬والحماسة‬ ‫البالغة التي َّ‬ ‫تلقى بها مجتمعا المال والتقنية‬ ‫األمر‪ ،‬فلعل المستقبل الذي ِّ‬ ‫يبشر به‬ ‫َّ‬ ‫نتصور‪.‬‬ ‫الهايبرلوب هو أقرب مما‬


‫‪23 | 22‬‬

‫ما معنى هايبرلوب؟‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫النجليزية‪ .‬وقد‬ ‫في البدء سنفكِّك هذه الكلمة إ‬ ‫يستهجن القارئ العربي المصطلح‪ ،‬أو قد‬ ‫يسلّم به ويأخذه كما هو مثلما هو الحال مع‬ ‫«النترنت» و«الراوتر» و«الجي بي إس» وسواها‬ ‫إ‬ ‫من المصطلحات أ‬ ‫الجنبية التي تم تبنيها في القاموس المحكي‪..‬‬ ‫أ‬ ‫لكن جزءاً من فهم الفكار التي يستعرضها هذا المقال مبني على‬ ‫والمكونة من شقين‪ :‬هايبر‪ ،‬ولوب‪.‬‬ ‫فهم الكلمة‬ ‫ّ‬ ‫أما هايبر ‪ Hyper‬فبادئة ذات أصل إغريقي‪ ،‬وتفيد الفوقية أو‬ ‫الزيادة على الحد‪ .‬والترجمة المناسبة لها في هذا السياق هي‪ :‬فائق‬ ‫أو مضاعف‪.‬‬ ‫«ح َلقَة»‪ .‬وقد تترجم إلى‬ ‫وأما ‪ Loop‬فترجمتها الحرفية هي َ‬ ‫والعادة تخدمه لفظة‬ ‫«أنشوطة»‪ .‬والحقيقة أن كل ما يفيد التكرار إ‬ ‫«لوب» هذه‪ .‬لكن بالنظر إلى تصميم تقنية النقل التي نستعرضها‬ ‫هنا‪ ،‬فالحلقة المعنية تمثلها أ‬ ‫النابيب المفرغة التي تتنقل داخلها‬ ‫عربات هذا القطار االنزالقي الفائق السرعة‪ .‬وتعتمد هذه أ‬ ‫النابيب‬ ‫على تقنيات تدوير الهواء لخلق البيئة المناسبة النطالق عربات‬ ‫القطار بال قضبان داخل أ‬ ‫النابيب المعنية‪.‬‬ ‫فالهايبر لوب والحال كذلك‪ ،‬هو «السكّة الخارقة» مقارنة بالسكة‬ ‫الحديدية وبالسكك السماوية ‪ -‬الطيران ‪ -‬وبخطوط البر والبحر‬ ‫التقليدية‪ ،‬التي جاءت الهايبرلوب لتنافسها كنمط خامس وجديد‬ ‫للمواصالت‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬لماذا تحظى الهايبرلوب بكل هذا االهتمام؟ وما الدافع‬ ‫للتفكير بها أصال؟ إجابات هذه أ‬ ‫السئلة مرتبطة بشخص صاحب‬ ‫ً‬ ‫الفكرة‪ ،‬إلُن َمسك الذي نستعرض سيرته بشكل سريع كمدخل‬ ‫للفهم‪.‬‬

‫َم ْن هو إ ُلن َمسك؟‬

‫ولد إلُن رييف َمسك عام ‪1971‬م في جنوب إفريقيا ألب جنوب‬ ‫إفريقي وأم كندية‪ .‬بعد تخرجه من الثانوية‪ ،‬حصل على الجنسية‬ ‫الكندية عن طريق والدته‪ ،‬ثم انتقل إلى مدينة كينغس ُتن الكندية‬ ‫والتحق بجامعة كوينز‪ .‬بعد سنتين‪ ،‬انتقل إلى جامعة بنسلفانيا‬ ‫أ‬ ‫وتخرج بشهادتي بكالوريوس في الفيزياء واالقتصاد‪.‬‬ ‫المريكية ّ‬

‫وكان ينوي مواصلة مسيرته أ‬ ‫الكاديمية حين انتقل لكاليفورنيا ليبدأ‬ ‫برنامج دكتوراة في الفيزياء التطبيقية في جامعة ستانفورد‪ ،‬إال أنه‬ ‫الكاديمي بعد بضعة أيام مفضال عالم أ‬ ‫ترك العالم أ‬ ‫العمال بآماله‬ ‫ً‬ ‫وتحدياته‪.‬‬ ‫في بدايته كرجل أعمال عام ‪1995‬م‪ ،‬اقترض إلُن مع شقيقه مبلغاً‬ ‫من المال من والدهما‪ ،‬وأسسا شركة تُعنى بخدمة مواقع الجرائد‬ ‫النترنت‪ ،‬ولحسن الحظ استحوذت عليها شركة‬ ‫الورقية على شبكة إ‬ ‫كومباك في عام ‪1999‬م‪ ،‬وكان نصيب إلُن من هذه الصفقة ‪22‬‬ ‫مليون دوالر‪ .‬وأسهم أ‬ ‫الخوان بعدها في تأسيس شركة أخرى‬ ‫للخدمات المالية تمخضت‪ ،‬بعد اندماجها مع شركة أخرى‪ ،‬عن‬ ‫تأسيس شركة باي بال ‪ Paypal‬المعروفة عام ‪2001‬م‪ .‬وانتهى بها‬ ‫المقام بصفقة استحواذ ضخمة قامت بها شركة إي بي ‪ eBay‬بلغت‬ ‫قيمتها ‪ 1.5‬مليار دوالر‪ ،‬وكان نصيب إلُن في الصفقة ‪ 165‬مليون‬ ‫دوالر‪ .‬وكان ذلك في أكتوبر عام ‪2002‬م‪ ،‬وكان عمره وقتها ‪31‬‬ ‫سنة‪.‬‬ ‫هذه النجاحات أ‬ ‫الولية يستعرضها مريدو إلُن مسك ليقارنوا بينه‬ ‫وبين الشخصية التخيلية «طوني ستارك» بطل سلسلة ‪،Iron Man‬‬ ‫المتقدمة ألجل‬ ‫يسخر تقنياته‬ ‫تجسد سيرة شاب عبقري ثري ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫التي ِّ‬ ‫الخير والرفاه العام!‬

‫النقل والطاقة‬

‫وكما هو الحال مع طوني ستارك‪ ،‬كانت لدى َمسك قناعته الراسخة‬ ‫بضرورة مجابهة التحديات العظمى التي تواجه البشرية‪ ،‬فقرر‬ ‫توظيف مواهبه وتجربته‪ ،‬التي أتته بثروة طائلة‪ .‬وبعد دراسة‪،‬‬ ‫استنتج َمسك أن أهم التحديات تقع ضمن عنوانين كبيرين‪:‬‬ ‫«النقل» و«إنتاج الطاقة»‪ .‬وبهذه القناعة الراسخة وإرادته الصلبة‪،‬‬ ‫استطاع َمسك أن يؤسس عدداً من الشركات المتخصصة‪ .‬فأسس‬ ‫في ‪2002‬م شركة ‪ SpaceX‬للنقل الفضائي‪ ،‬وذلك لتحقيق هدف‬ ‫بعيد المدى‪ :‬توطين البشر على كوكب المريخ!‬ ‫وفي عام ‪2004‬م استثمر إلَن مبالغ طائلة في شركة ‪Tesla‬‬ ‫‪ Motors‬الناشئة والمتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية‪.‬‬ ‫قدم فكرة تأسيس شركة ‪Solar City‬‬ ‫ولم يكتف بذلك‪ ،‬بل ّ‬ ‫المتخصصة في توليد الطاقة الشمسية‪ ،‬فقام بدعم مؤسسيها‪،‬‬ ‫ابنا خاله‪ ،‬بتمويل سخي‪.‬‬ ‫إلُن َمسك‪ ..‬مبتكر‬ ‫فكرة المشروع‬


‫تقنياً وتمويلياً‪ .‬وفي ‪ 12‬أغسطس‪ ،‬نشر َمسك على مواقع شركاته‬ ‫ورقة عمل من ‪ 57‬صفحة تشرح بالتفصيل مواصفات الهايبرلوب‬ ‫ومميزاته وأهم المشكالت التي تواجه بناءه على أرض الواقع‪ .‬وقد‬ ‫أُطلق على هذه الورقة اسم «هايبرلوب آلفا»‪.‬‬

‫الهايبرلوب كفكرة‬

‫تكونت‬ ‫تكلَّلت مشاريع إلُن َمسك وجهوده بالنجاح‪ .‬وبنا ًء عليها‪َّ ،‬‬ ‫لدى الرأي العام ولدى كبار المستثمرين ثقة عظيمة في عقلية إلُن‬ ‫َمسك ورؤيته للمستقبل على ُص ُع ٍد صناعية وتقنية ومالية‪ .‬فليس‬ ‫غريباً أن تحصل فكرته لنمط نقل خامس‪ ،‬متمثال ً في التقنية التي‬ ‫حد سواء‬ ‫سماها هايبرلوب‪ ،‬على اهتمام المتابعين والفاعلين على ٍّ‬ ‫َّ‬ ‫العالم والمال والصناعة والتقنية‪.‬‬ ‫في مجاالت إ‬ ‫العالن عن قطار «كاليفورنيا‬ ‫بدأ َمسك بالتفكير بالهايبرلوب بعد إ‬ ‫الفائق السرعة» الجاري إنشاؤه آ‬ ‫الن‪ ،‬ولن يتم إنجازه إال عام‬ ‫‪2029‬م بميزانية تصل إلى ‪ 60‬مليار دوالر‪ .‬وجد َمسك أن هذا‬ ‫القطار سيحتاج ساعتين وأربعين دقيقة للوصول من لوس أنجلوس‬ ‫إلى سان فرانسيسكو‪ ،‬مدينتي والية كاليفورنيا الرئيستين حيث إن‬ ‫سرعته ‪ 350‬كلم في الساعة‪ .‬لم تعجب مسك هذه أ‬ ‫الرقام‪ ،‬إذ‬ ‫َ‬ ‫بمقارنتها بقطارات منافسة في اليابان مثالً‪ ،‬فسيكون هذا القطار‬ ‫أحد أغلى قطارات العالم تكلفة وأبطأها! وهو ما أثار حنق َمسك‬ ‫وغيرته على والية كاليفورنيا‪ ،‬التي رأى أن مثل هذا القطار ال يليق‬ ‫بها وهي تُعد رائدة في المجاالت التقنية والصناعية‪.‬‬ ‫المفصل عن‬ ‫بعد طرح الفكرة علناً‪ ،‬تحاشى َمسك الحديث‬ ‫َّ‬ ‫الهايبرلوب في مقابالته مكتفياً بأقل قدر من التصريحات‪ .‬واستمر‬ ‫تبين أن‬ ‫هذا «الصمت النسبي» حتى أغسطس ‪2013‬م حين َّ‬ ‫َمسك جمع ألمع مهندسيه من شركاته الثالث‪ ،‬سبيس إكس‬ ‫و ِتسال وسوالر سيتي‪ ،‬وشكلوا فرقاً لطرح‬ ‫الهايبرلوب كتصور متكامل‬

‫الفكرة أ‬ ‫الساسية لهايبرلوب هي القدرة على نقل الركاب من لوس‬ ‫أنجلوس إلى سان فرانسيسكو‪ ،‬أي مسافة ‪ 570‬كم‪ ،‬خالل ‪35‬‬ ‫دقيقة‪ ،‬بسرعة متوسطها ‪ 962‬كم‪/‬الساعة‪ ،‬وسرعة قصوى تصل إلى‬ ‫قدر بحوالي ‪ 6‬مليارات دوالر في‬ ‫‪ 1220‬كم‪/‬ساعة‪ .‬أما التكلفة ف ُت َّ‬ ‫حال إنشائه لنقل الركاب فقط‪ .‬أما عند إنشاء هايبرلوب لنقل الركاب‬ ‫والبضائع فستزداد التكلفة إلى ‪ 7.5‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫توظف الهايبرلوب عدة تقنيات مختلفة‪ .‬فهي عبارة عن حجرة‬ ‫أو كبسولة مجهزة بمقاعد‪ ،‬تنطلق في جوف أنبوب مصنوع من‬ ‫الصلب‪ ،‬مفرغ جزئياً من الهواء لتقليل أثر مقاومة الهواء قدر‬ ‫ُ‬ ‫المكان‪ .‬وتطفو كل كبسولة على طبقة من الهواء يتراوح سمكها‬ ‫إ‬ ‫بين ‪ 0.5‬و‪ 1.3‬ملم‪ .‬بهذه الطريقة‪ ،‬تسمح هذه الطبقة الهوائية‬ ‫النبوب ألننا قلَّصنا مقاومة الهواء أ‬ ‫للكبسولة باالنزالق عبر أ‬ ‫ولننا لم‬ ‫نعد بحاجة لعجالت فإننا سنتخلص من االحتكاك الناتج عنها‪ .‬وعلى‬ ‫جوانب أ‬ ‫النبوب توجد سلسلة من محركات الحث الكهربائي التي‬ ‫تتحكم بتسارع وتباطؤ الكبسولة لتسير بالسرعة المناسبة لموقعها‬ ‫النبوب‪ .‬ولالستفادة من الهواء القليل الموجود في أ‬ ‫في أ‬ ‫النبوب‪،‬‬ ‫يتم تركيب ضاغط هوائي ‪ Air Compressor‬ومروحة على مقدمة‬ ‫الكبسولة لتنقل الضغط العالي من أمامها إلى خلفها‪ ،‬وذلك لحل‬ ‫مشكلة تولُّد الضغط العالي في مقدمة الكبسولة بسبب الفراغ‬ ‫النسبي‪ .‬وبالعملية نفسها يتم نقل الهواء ليمر أسفل أ‬ ‫النبوب‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫ليسهم في الطبقة الهوائية المذكورة أعاله‪.‬‬ ‫أما بشأن الركَّاب‪ ،‬فتقترح الورقة نوعين من الكبسوالت‪ ،‬نوع يُ ّ‬ ‫قل‬ ‫الركَّاب فقط ونوع ّ‬ ‫يقل الركَّاب مع سياراتهم‪ .‬ويراعى في تصميمها‬ ‫أ‬ ‫جميع جوانب السالمة والمان والراحة‪ ،‬بحيث ال تؤثر السرعات العالية‬ ‫وال التسارع على تجربة ركَّاب الكبسولة منذ انطالقها إلى وقوفها في‬ ‫المحطات المخصصة لذلك‪ .‬مع العلم بأن تصميم عربات الركاب لن‬ ‫يتضمن نوافذ‪ ،‬الستحالة استيعاب المناظر الخارجية بالنظر للسرعة‬ ‫الهائلة‪ .‬وعوضاً عن النوافذ ستكون هناك شاشات تعرض مناظر‬ ‫مختارة توحي باالنطالق الهادئ عبر الحقول أو زرقة السماء‪.‬‬ ‫ولحمل أ‬ ‫النبوب الذي تنزلق بداخله الكبسولة‪ ،‬سيتم تشييد سلسلة‬ ‫أ‬ ‫من أ‬ ‫العمدة من الخرسانة المسلحة‪ .‬يجب أن تتميز هذه العمدة‬ ‫تحمل العوامل الطبيعية كالحرارة العالية والزالزل‬ ‫بقدرتها على ُّ‬ ‫حفاظاً على سالمة الركاب وضمان وصولهم إلى محطاتهم‪ .‬وتقترح‬

‫صورة توضيحية‬ ‫للخط التجريبي‬ ‫أ‬ ‫الول المزمع‬ ‫إنشاؤه‬ ‫إلى سان فرانسيسكو‬

‫من لوس أنجلوس‬


‫صورة تخيلية‬ ‫لمحطة‬ ‫«الهايبرلوب»‬ ‫المستقبلية‬

‫‪25 | 24‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫الورقة أن يكون معدل ارتفاع أ‬ ‫العمدة ستة أمتار وأن تفصل بينها‬ ‫أ‬ ‫مسافة ‪ 30‬متراً‪ .‬وهذا يعني أن عدد العمدة على المسار المقترح‬ ‫سيكون ‪ 25,000‬عمود‪.‬‬ ‫وفي ختام الورقة تنويه بأن مشروع هايبرلوب هو مشروع «مفتوح‬ ‫المصادر»‪ ،‬تمت دعوة أفراد المجتمع بكل أطيافه للمشاركة عملياً‬ ‫في تصميمه‪ .‬وتقترح الورقة أربعة مجاالت تستحق الدراسة‪.‬‬ ‫أ‬ ‫الول هو استكشاف طرق التحكم بالكبسوالت‪ ،‬والثاني هو‬ ‫تيسر إدارة حشود الراكبين والمغادرين من‬ ‫تصميم محطات ِّ‬ ‫وإلى الكبسوالت بنوعيها‪ .‬والمجال الثالث المقترح هو دراسات‬ ‫مقارنة للهايبرلوب مع القطارات المغناطيسية المعروفة من‬ ‫حيث التكلفة والفوائد‪ .‬والمجال الرابع أ‬ ‫والخير هو بناء نماذج‬ ‫مصغرة للهايبرلوب وإجراء التجارب واالختبارات عليها للتوصل إلى‬ ‫التصميم أ‬ ‫الفضل‪.‬‬

‫أصداء الهايبرلوب‬

‫أ‬ ‫حد سواء‬ ‫ونظراً لثقة المجتمع العلمي ومجتمع رواد العمال على ٍّ‬ ‫بمواهب إلُن َمسك كرجل أعمال ورجل صناعة‪ ،‬فقد تسبب نشر‬ ‫هذه الورقة بحراك غير عادي وغير متوقع‪ .‬ففي سبتمبر عام‬ ‫‪2013‬م‪ ،‬أي في الشهر التالي لنشر ورقة العمل‪ ،‬قامت شركة‬ ‫‪ Ansys Corporation‬المتخصصة في برمجيات المحاكاة بعمل‬ ‫برنامج يحاكي القوى الديناميكية التي ستؤثر على سير الهايبرلوب‪.‬‬ ‫وقد أضاف هذا البرنامج مزيداً من المعلومات بخصوص نوعية‬ ‫التحديات التي تواجه مشروع الهايبرلوب على أرض الواقع‪.‬‬ ‫وفي أكتوبر من نفس السنة‪ ،‬صممت شركة ‪ OpenMDAO‬برنامجاً‬ ‫يحاكي نظام الدفع في الهايبرلوب يساعد على دراسة كل جزء منه‬ ‫على حدة‪ ،‬الكتشاف خصائصه وما سيواجه تصميمه من تحديات‪.‬‬ ‫وقد نتجت عن هذا البرنامج أوراق بحثية كثيرة اقترحت كثيراً من‬ ‫التغييرات والتعديالت في النظام الحراري للكبسولة‪.‬‬ ‫وفي نوفمبر‪ ،‬أجرت شركة ‪ MathWorks‬المتخصصة في برامج‬ ‫الحوسبة الرياضية‪ ،‬دراسة ألثر مسار الهايبرلوب على راحة الركَّاب‬ ‫وقدمت كثيراً من االقتراحات لتحسين المسار بما‬ ‫أثناء رحلتهم‪ّ ،‬‬ ‫يتناسب مع تجربة الركاب‪.‬‬

‫ولم تسلم فكرة الهايبرلوب من االنتقادات‪ .‬ففي موقع ‪،Quora‬‬ ‫استعرضت المهندسة المدنية كريستن راي كثيراً من المشكالت‬ ‫والخطاء في تصميم أ‬ ‫أ‬ ‫العمدة الحاملة ألنابيب هايبرلوب‪ .‬أما‬ ‫الصحفي المتخصص في تمويل مشاريع البنية التحتية رينيه‬ ‫الفانشي‪ ،‬فقد وجد في تقديرات تكلفة تشييد هايبرلوب مبالغة‬ ‫شديدة‪ .‬ويتفق معه المدون المتخصص في شؤون المواصالت‬ ‫آلون ليفي‪ ،‬ويضيف إلى ذلك احتمالية إصابة الركاب بالدوار نتيجة‬ ‫للسرعات غير العادية التي تحتاجها الهايبرلوب للعمل بشكل سليم‪.‬‬ ‫أن ما رآه هؤالء وغيرهم عقبات تحول دون تحقيق حلم‬ ‫إال َّ‬ ‫الهايبرلوب‪ ،‬رأى غيرهم فيها تحديات وفرص‪ .‬فنشأت شركات كاملة‬ ‫لتحويل هذا الهايبرلوب إلى واقع‪ .‬ولعل في هذه الفورة القائمة‬ ‫على حس «إعالن» لفكرة ما يعطي تصوراً عن مدى المصداقية‬ ‫والجدوى العالية التي للفكرة وصاحبها‪.‬‬ ‫ففي شهر إطالق ورقة العمل نفسه‪ ،‬قامت شركة ‪JumpStarter,‬‬ ‫‪ .Inc‬بتأسيس شركة ‪Hyperloop Transportation Technologies‬‬ ‫أو ‪ HTT‬اختصاراً‪ .‬وعقدت شركة ‪ HTT‬تحالفات مع عدة شركات‬ ‫متخصصة وجامعات رفيعة المستوى لتأسيس البنية التحتية‬ ‫الالزمة للشروع بهذا المشروع الضخم‪ .‬وفي ديسمبر عام ‪2014‬م‬ ‫أصبح لدى الشركة ‪ 100‬مهندس يعملون في جميع أنحاء الواليات‬ ‫المتحدة‪ .‬وفي فبراير عام ‪2015‬م ارتفع عدد المهندسين إلى‬ ‫‪ ،200‬وعليه تنوي الشركة رفع رأسمالها إلى ‪ 100‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫وتقدر الشركة أن هناك حاجة إلى عشر سنين من العمل المتواصل‬ ‫ِّ‬ ‫للوصول للنتيجة المطلوبة‪ ..‬وتؤكد أنها لن تكتفي بالهايبرلوب‬ ‫تباطؤ‬

‫تباطؤ‬


‫وسيلة نقل بين لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو فقط‪ ،‬فقد أعلنت‬ ‫عن نيتها لبناء هايبرلوب ينقل الركاب بين مدينتي نيويورك وواشنطن‬ ‫دي سي خالل ثالثين دقيقة! وأثار نشاطها انتباه حكومة دولة‬ ‫سلوفاكيا التي أدرجت الهايبرلوب ضمن خططها المستقبلية‪.‬‬ ‫وثمة شركة أخرى نشأت لتحقيق حلم الهايبرلوب هي «هايبرلوب‬ ‫َون» التي جعلت هدفها تحقيق نظام متكامل لعمل الهايبرلوب‬ ‫بحلول عام ‪2020‬م‪ .‬إال أن تصورها للهايبرلوب هو أن تكون لنقل‬ ‫البضائع فقط‪ ،‬وتتطلع إلى اختبار ذلك في صحراء نيفادا بسرعات‬ ‫تصل إلى ‪ 1100‬كم في الساعة في نهاية عام ‪2016‬م‪ .‬وقد وجدت‬ ‫شركاء في عدد من الموانئ المهمة مثل لوس أنجلوس ولونج بيتش‬ ‫بالضافة إلى عدد من الشركاء في روسيا وفنلندا‬ ‫في كاليفورنيا إ‬ ‫ً‬ ‫المارات العربية المتحدة حيث وقَّعت‬ ‫وسويسرا والسويد‪ ،‬ومؤخرا إ‬ ‫هيئة الطرق والمواصالت في دبي‪ ،‬اتفاقية مع شركة هايبرلوب‬ ‫َون في نوفمبر ‪2016‬م لتنفيذ مشروع لدراسة إطالق القطار فائق‬ ‫السرعة‪ ،‬على أمل تسيير رحالت تقطع المسافة بين دبي وأبو ظبي‬ ‫في ‪ 12‬دقيقة‪ ،‬وبين دبي والرياض في ‪ 45‬دقيقة‪.‬‬ ‫أين إلُن َمسك من كل هذا؟ بعد إطالق الورقة أعلن َمسك أنه في‬ ‫خضم إدارة ثالث شركات كبيرة وال يملك الوقت الكافي إلدارة شركة‬ ‫رابعة‪ .‬وكان هذا هو سبب إطالق ورقة العمل وتحفيز مجتمعي‬ ‫أ‬ ‫العمال والمتخصصين على تحقيق الهايبرلوب‪ .‬إال أنه في ظل اهتمامه‬ ‫بتطوير فكرة الهايبرلوب ومساعدتها على النهوض‪ ،‬أطلق مسابقة‪ ،‬عن‬ ‫طريق شركته سبيس إكس‪ ،‬لتصميم الكبسولة بنوعيها‪ ..‬وفور إعالن‬ ‫تقدم أكثر من ‪ 700‬فريق للمشاركة‪ ،‬وبعد تصفيات بقي‬ ‫المسابقة‪َّ ،‬‬ ‫‪ 120‬فريقاً فقط‪ ،‬قدموا تصاميمهم النهائية الجتياز المرحلة أ‬ ‫الولى من‬ ‫المسابقة في يناير ‪2016‬م في والية تكساس‪ .‬وتم توزيع خمس جوائز‬ ‫في هذه المرحلة استعداداً للمرحلة الثانية في يناير ‪2017‬م‪.‬‬

‫ماذا بعد؟‬

‫تجسدت ثورة عظيمة في عالم‬ ‫س ُتشكل فكرة الهايبرلوب في حال َّ‬ ‫المواصالت‪ .‬ويتنبأ القائمون على شركة ‪ HTT‬بتغييرات ستطول‬ ‫وسائل المواصالت أ‬ ‫الربع التقليدية‪ .‬ففي عالم السيارات سيسهم‬ ‫الهايبرلوب في تخفيف االزدحامات على الطرق السريعة التي تربط‬ ‫المدن الرئيسة ببعضها‪ .‬كما ستسهم االستفادة من الهايبرلوب‬ ‫كوسيلة لنقل البضائع في تقليل عدد الشاحنات كبيرة الحجم‬ ‫ومزاحمتها للسيارات على الطرق السريعة في ساعات الذروة‪ .‬وأما‬ ‫الطيران فمع ازدياد االعتماد على الهايبرلوب في نقل البشر والبضائع‬ ‫بين المدن فستكون الطائرات مخصصة للرحالت الطويلة أ‬ ‫ولنواع‬ ‫محددة من البضائع‪ .‬بل إن هناك من يتوقع أنه مع قلة الحاجة‬ ‫َّ‬

‫للطائرات سنتمكن من تحويل بعض المطارات المحلية المتناثرة إلى‬ ‫محطات للهايبرلوب‪ .‬أما السفن فقد يخفف الهايبرولوب من االعتماد‬ ‫عليها لو صار بديال ً أقل تكلفة وفاعلية لنقل البضائع براً بدال ً من‬ ‫النقل البحري التقليدي‪ .‬وأما السكك الحديدية فيرى كثيرون فيها‬ ‫مجرد عقبة يسهل تخطيها نظراً لجاذبية الهايبرلوب تكلفةً وتقنيةً ‪.‬‬ ‫ومما يميز الهايبرلوب عن وسائل المواصالت أ‬ ‫الربع التقليدية أن‬ ‫ِّ‬ ‫القائمين على تطويره يسعون إلى انطالقة خضراء تأخذ بعين‬ ‫االعتبار تأثير هذه التقنية على البيئة المحيطة‪ .‬فهم يسعون إلى‬ ‫تفادي زيادة معدالت التلوث المرتفعة آ‬ ‫الن في كثير من الدول‬ ‫الصناعية‪ .‬وس ُت َشكِّل هذه الخطوة سابقة في عالم المواصالت‬ ‫حيث إن وسائل المواصالت التقليدية نشأت في عصور كان الوعي‬ ‫فيها بأثر التقنية على البيئة معدوماً‪ .‬وفي ظل الوعي المعاصر‬ ‫النسان في تلويث البيئة‪ ،‬أصبح من الضروري تأسيس تقنية‬ ‫بدور إ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الهايبرلوب بصورة تعكس هذا الوعي‪ .‬وهو ما يشكِّل تحديا جادا من‬ ‫ناحية المواد المستخدمة لتصنيع الهايبرلوب والتقنيات المستخدمة‬ ‫لبنائه وأخيراً التقنيات المستخدمة إلدارته والتحكم بها‪ .‬كما أن‬ ‫إعداد الهايبرلوب ليحل محل وسائل المواصالت أ‬ ‫الربع التقليدية‬ ‫سيؤدي لتقليل عددها وبالتالي إلى المساهمة في مكافحة التلوث‬ ‫الناتج عن هذه الوسائل من أ‬ ‫الصل‪.‬‬ ‫والثر أ‬ ‫أ‬ ‫الهم لتقنية الهايبرلوب سيكون دورها في تقريب المسافات‬ ‫بشكل غير مسبوق على مستوى الممارسة اليومية‪ .‬فلن يتحكم مقر‬ ‫عمل إالنسان بمكان عيشه وسيتمكن كثيرون من توسيع نطاق العمران‬ ‫للمدن والقرى بشكل مستقل عن المناطق التجارية والصناعية‬ ‫التي طالما تحكمت بخطط توسع المدن في الدول الصناعية‪.‬‬ ‫القارب أ‬ ‫ومع الهايبرلوب سيتمكن أ‬ ‫والصدقاء من تقوية عالقاتهم‬ ‫االجتماعية مهما كانت المسافة التي تفصل مدنهم وقراهم‪.‬‬ ‫سيغير الهايبرلوب سير أعمال قطاع المواصالت‬ ‫ومن ناحية مالية‪ِّ ،‬‬ ‫العامة‪ .‬فمن المعروف عن هذا القطاع أنه ال يجد للربح سبيالً‪ ،‬وجل‬ ‫اعتماده هو على المساعدات الحكومية‪ .‬وهذا ما نالحظه في شبكات‬ ‫مترو المدن الكبرى من القاهرة إلى نيويورك التي يعتمد سكانها على‬ ‫القطارات للتنقل داخلها وخارجها‪ .‬أما الهايبرلوب فتسعى جميع‬ ‫الشركات التي تعمل على تطويرها إلى خلق نموذج اقتصادي يدر‬ ‫أ‬ ‫الرباح على الشركات المشغلة لهذا النظام الجديد‪.‬‬ ‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫كيف تعمل‪...‬‬

‫‪27 | 26‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫آلة تصوير‬ ‫المستندات‬ ‫تعتمد فكرة عمل آلة تصوير المستندات على أساسيات‬ ‫تتكون شحنات موجبة أو سالبة على‬ ‫الكهربية الساكنة‪ ،‬حيث َّ‬ ‫المادة‪ ،‬ولكن دون أن تكون لها حرية الحركة‪ .‬وتستخدم آلة تصوير‬ ‫المستندات المبدأ نفسه‪ ،‬حيث تحتوي آ‬ ‫اللة على أسطوانة تسمى‬ ‫«‪ »drum‬مصنوعة من مادة حساسة للضوء وتشحن بشحنات ساكنة‪.‬‬ ‫وبوجود خزان المسحوق الحبري تستطيع أ‬ ‫السطوانة المشحونة جذب‬ ‫حبيبات المسحوق لطبع النصوص والرسومات على ورق التصوير‪.‬‬

‫‪.1‬‬ ‫‪.2‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫‪.4‬‬

‫يتم تسليط ضوء ساطع على الصفحة المراد نسخها‪.‬‬ ‫ينعكس الضوء على المساحات البيضاء في الصفحة‪،‬‬ ‫فيما تمتصه المساحات أ‬ ‫الغمق من صور ونصوص‪.‬‬ ‫تتم عملية الشحن ألجزاء محددة من أ‬ ‫السطوانة‪ ،‬حيث‬ ‫َّ‬ ‫إن هذه أ‬ ‫الجزاء وحدها التي تجذب حبيبات المسحوق‬ ‫فتتكون صورة المستند المراد تصويره على‬ ‫السوداء‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫سطح أ‬ ‫السطوانة على شكل شحنة ساكنة‪.‬‬ ‫تنتقل حبيبات المسحوق السوداء إلى المناطق‬ ‫أ‬ ‫تكون صورة‬ ‫المشحونة على سطح السطوانة التي ّ‬ ‫المستند المراد تصويره‪ ،‬ومن ثم يتم نقل المسحوق‬ ‫أ‬ ‫السود إلى سطح الورقة البيضاء‪.‬‬ ‫يتم تثبيت حبيبات المسحوق السوداء على سطح‬ ‫الورقة بالتسخين‪ ،‬ألن هذه الحبيبات حساسة للحرارة‪.‬‬


‫مثل األبقار واألغنام‪ ،‬ومنها ما يصل إلى حدود‬ ‫التماس الخطير مع سالمة البيئة‪ .‬لذا‪ ،‬ومنذ‬ ‫سنوات‪ ،‬يبحث العلماء عن طريقة لتأمين‬ ‫اللحوم الصناعية‪ّ ،‬‬ ‫عل في ذلك ما ِّ‬ ‫يخفف‬ ‫الضغوط على المزارع الطبيعية‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فقد‬ ‫نجحت جهود كثيرة على المستوى المخبري‪،‬‬ ‫ولكن ما بين هذا النجاح‪ ،‬وتعويدنا على‬ ‫استهالك اللحم المستزرع ثمة مسافة طويلة‬ ‫يجب اجتيازها‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد الحمراني‬

‫اللحم‬ ‫المستزرع‬

‫ً‬ ‫يوما؟‬ ‫هل سنأكله‬

‫علوم‬

‫ِّ‬ ‫يشكل الطلب المتزايد على اللحوم الحيوانية‬ ‫الصالحة لالستهالك البشري تحديات َّ‬ ‫جمة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يتعلق بالقدرة على تلبية هذا الطلب‬ ‫منها ما‬ ‫ً‬ ‫كما‪ ،‬ومنها ما ِّ‬ ‫يهدد استدامة تربية المواشي‬


‫‪29 | 28‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫اللحم الحيواني جزء ال يتجزأ من‬ ‫النظام الغذائي‪ ،‬ويبلغ المعدل‬ ‫السنوي الستهالك الفرد من‬ ‫اللحوم قرابة ‪ 42‬كيلوجراماً‪ ،‬كما‬ ‫أن البيانات تشير إلى تضاعف‬ ‫مرات ما بين عام‬ ‫إنتاج العالم من اللحوم ثالث ّ‬ ‫‪1960‬م والعام الجاري ‪2016‬م‪ .‬وتُعزى هذه‬ ‫النتاج واالستهالك إلى النمو السكاني‬ ‫الزيادة في إ‬ ‫بالدرجة أ‬ ‫الولى‪ ،‬وإلى حالة البحبوحة التي صار‬ ‫سكان العالم الغربي ينعمون بها بعد فراغهم من‬ ‫مواجهة ذيول الحرب العالمية الثانية‪ .‬ولكن لتلبية‬ ‫هذا الطلب الكبير على اللحوم‪ ،‬فإن مزارع العالم‬ ‫تستخدم سنوياً نحو ‪ 670‬مليون طن من الحبوب‬ ‫الصالحة لالستهالك البشري علفاً للمواشي‪ ،‬وهذا‬ ‫النتاج العالمي من الحبوب! ولو ّتم‬ ‫ما يم ِّثل ثلث إ‬ ‫إبقاء هذه الكمية طعاماً للإنسان‪ ،‬لكان من الممكن‬ ‫إطعام ‪ 3.5‬مليار شخص‪ .‬من هنا تشكَّلت الحاجة‬ ‫إلى طرق بديلة إلنتاج اللحوم تسد الطلب المتزايد‪،‬‬ ‫وال تؤثر على الموارد أ‬ ‫الخرى مثل الحبوب‪.‬‬

‫طرق إنتاج اللحم المستزرع‬

‫في عام ‪1930‬م‪ ،‬توقَّع فريدرك سميث تطوير شكل‬ ‫من أشكال إنتاج اللحوم‪ ،‬بدأ آخرون بالعمل عليه‬ ‫فعال منذ بداية القرن الحادي والعشرين‪،‬‬ ‫بشكل ّ‬ ‫حيث‪« :‬لن يتطلب التهام قطعة من اللحم كل الجهد‬ ‫المبذول حالياً في تربية المواشي وما يتبعها‪ .‬فنحن‬ ‫سنصنع يوماً ما قطعاً من اللحمة شبيهة بقطعة‬ ‫«الستيك» اللذيذة المطهوة بالشكل الذي تحب»‪.‬‬

‫وصفة لتصنيع لحم في المختبر‬

‫باستخدام خاليا جذعية من حيوان بالغ‬ ‫عضل هيكلي‬ ‫خلية مفردة‬ ‫عزل ّ‬

‫عوامل أساس ّية‬ ‫بيئة للتكاثر‬ ‫متمددة‬ ‫خاليا‬ ‫جذعية ّ‬ ‫ّ‬

‫عوامل أساس ّية‬

‫بيئة للتمايز‬

‫جذعية‬ ‫خاليا‬ ‫ّ‬ ‫متمايزة‪:‬‬ ‫عضلية‬ ‫أنابيب‬ ‫ّ‬

‫المحرك البيولوجي‪:‬‬ ‫بعد الزرع في‬ ‫ّ‬ ‫لحم مص ّنع في المختبر‬

‫كانت البداية الحقيقية في مطلع القرن الحالي‬ ‫عندما استخدم بينجامينسون ولورينتز هندسة‬ ‫أ‬ ‫النسجة لتصنيع اللحم في المختبر‪ .‬وكانت البداية‬ ‫باستخدام أنسجة عضلية مستخرجة من السمك‬ ‫الذهبي‪ّ ،‬تم زرعها في بيئات متنوعة الختبار أفضل‬ ‫بيئة لنموها‪ .‬وكانت النتائج مبهرة عندما أضاف‬ ‫الباحثون أجزا ًء متفرقة من خاليا أخرى من نوع‬ ‫السمك نفسه إلى الخليط‪ ،‬أ ّدت إلى زيادة مساحة‬ ‫اللحم السطحية بنسبة ‪.%79‬‬

‫التبعات الممكنة والتحديات المتوقعة‬

‫أ‬ ‫توصل العلماء‬ ‫ونتيجة للبحاث المتواصلة منذ آنذاك‪َّ ،‬‬ ‫عدة طرق إلنتاج اللحم المستزرع‪ ،‬أهمها اثنتان‪:‬‬ ‫إلى ّ‬ ‫• النمو المحفّز ألنسجة عضلية مأخوذة من كائن حي‪،‬‬ ‫وتحتاج هذه الطريقة إلى إمداد دائم من النسيج‬ ‫العضلي من المواشي المراد استزراع نسيجها‪ .‬ومن‬ ‫التعقيدات التي تواجهها هذه الطريقة صعوبة‬ ‫إنتاج نسيج سميك مثل قطعة «الستيك» على‬ ‫سبيل المثال‪ .‬فالعملية هنا محدودة على طبقة أو‬ ‫طبقتين من الخاليا‪ ،‬نظراً لصعوبات إيصال الغذاء‬ ‫إلى الخاليا‪ ،‬وطرح الفضالت من النسيج المتشكّل‪.‬‬ ‫• الهندسة الخلوية النسيجية‪ ،‬ومن خالل هذه التقنية‬

‫مكونات اللحم‪ :‬على الرغم من أن اللحم يُعد‬ ‫أ‪ّ -‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مصدرا ممتازا لبعض الفيتامينات والمعادن‪ ،‬فعلينا‬ ‫َّأل ننسى أنه أيضاً مصدر للكوليسترول والدهون‬ ‫المشبعة التي ترتبط زيادة استهالكها بأمراض القلب‬ ‫والشرايين‪ .‬وقد أثبتت الدراسات أن االستهالك‬ ‫المفرط للحوم مرتبط بعدة أمراض مزمنة‪ ،‬خاصة‬ ‫الشارة‬ ‫السكري والجلطات والسرطان‪ .‬ومن المهم إ‬ ‫إلى أن هذه المخاطر تختلف في درجتها حسب‬ ‫المصدر الحيواني للحم وعملية التخزين والطهي‬ ‫التي تتبع ذلك‪ .‬من هنا‪ ،‬فمن المتوقع أن يكون‬ ‫اللحم المستزرع خالياً من هذه العوامل المسببة‬

‫يمكن إنتاج نسيج مشابه للنسيج «الطبيعي» عبر‬ ‫زراعة أنسجة العضالت وإضافة خاليا جذعية إليها‬ ‫لتنمية أ‬ ‫الوردة والشرايين والخاليا العصبية ما يؤدي‬ ‫إلى تكوين نسيج متكامل أشبه بالنسيج «الطبيعي»‪.‬‬

‫‪ .1‬التبعات الصحية‬

‫نضج أ‬ ‫الفعالة‬ ‫اللياف‬ ‫العضلية ّ‬ ‫ّ‬

‫عوامل أساس ّية‬

‫نظام نموذج ثالثي أ‬ ‫البعاد مع تحفيز‬ ‫بيولوجي فيزيائي‬ ‫للمتاعب الصحية من خالل التعديل الجيني‪ ،‬القادر‬ ‫مثال ً على رفع مستوى الدهون أوميغا ‪ 3‬المفيدة‪ ،‬على‬ ‫حساب مستويات منخفضة للدهون غير الجيدة‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬تالفي مخاطر العدوى الجرثومية في اللحم‬ ‫المستزرع‪ .‬فمزارع المواشي والطيور تعج بالبكتيريا‬ ‫المسببة لمختلف أ‬ ‫المراض والنزالت المعوية‪ ،‬وهذا‬ ‫يرجع بشكل كبير إلى بيئة المزارع نفسها التي تُعد‬ ‫حاضنة للبكتيريا والفيروسات‪ ،‬وليس فقط أ‬ ‫للبقار‬ ‫والطيور‪ .‬فنحو ‪ %90‬من طيور الدجاج في الواليات‬ ‫المتحدة أ‬ ‫المريكية وما بين ‪ 50‬و‪ %75‬منها في‬ ‫تتسبب إحدى أكثر الجراثيم في‬ ‫المملكة المتحدة‪َّ ،‬‬ ‫النزالت المعوية‪ .‬وثمة جانب سلبي آخر على الصعيد‬ ‫الصحي‪ ،‬في لحم المواشي الطبيعية‪ ،‬وهو يكمن‬ ‫في استخدام المضادات الحيوية وهرمونات النمو‬ ‫النتاج‪ .‬واستخدام المضادات الحيوية يؤدي‬ ‫لتسريع إ‬ ‫بشكل مباشر إلى زيادة المقاومة البكتيرية للمضادات‬ ‫الحيوية في حالة العدوى‪.‬‬


‫ج – رفع العبء عن أ‬ ‫الراضي الزراعية‪ :‬كان واقع‬ ‫الحال في محيط بعض مزارع الماشية غير ُمستكشف‬ ‫بدقة حتى وقت قريب‪ .‬ولكن َّبينت بعض الدراسات‬ ‫الميدانية مؤخراً أن عدداً كبيراً من الملوثات يغطي‬ ‫مساحات شاسعة حول هذه المزارع‪ ،‬ومنها على سبيل‬ ‫المثال‪ :‬أ‬ ‫المونيا والميثان وكبريتيد الهيدروجين وأول‬ ‫أكسيد الكربون والسيانيد والنيترات وعناصر ثقيلة‬ ‫أخرى‪ ،‬إضافة إلى أكثر من ‪ 100‬نوع من الميكروبات‬ ‫للمراض مثل السالمونيلال وخفية أ‬ ‫المسببة أ‬ ‫البواغ‬ ‫والعقديات والجياردية‪ .‬فماذا عن اللحم المستزرع؟‬ ‫اللحم ينمو في علب زجاجية!؟‬

‫‪ .2‬الهموم أ‬ ‫الخالقية‬

‫يعبر عنه‬ ‫ويحمل اللحم الطازج بالتأكيد وجهاً آخر‪ّ ،‬‬ ‫ذبح ماليين الحيوانات لمواكبة الطلب على اللحوم‪.‬‬ ‫(يصل عدد الدجاج المذبوح بطرق أوتوماتيكية في‬ ‫المملكة المتحدة وحدها إلى أكثر من ‪ 800‬مليون‬ ‫دجاجة سنوياً)‪ .‬وبسبب هذا الطلب المتزايد أصبحت‬ ‫تربية المواشي أ‬ ‫والبقار والطيور لهدف واحد فقط‪:‬‬ ‫هو ذبحها بعد قضاء الوقت المطلوب‪ .‬هذا يدعونا‬ ‫إلى التفكير في العدد المهول للحيوانات التي تولد‬ ‫وتعيش وتموت تحت أسقف المزارع الحيوانية‪ .‬فكثير‬ ‫من هذه الحيوانات تتم معاملته بطريقة مثيرة لكثير‬ ‫السئلة أ‬ ‫من أ‬ ‫الخالقية‪ ،‬مثل حشرها في أماكن شديدة‬ ‫تتعرض‬ ‫الضيق‪ ،‬والظروف القاسية إ‬ ‫والصابات التي َّ‬ ‫در الحليب‪،‬‬ ‫لها خالل النقل وسوء المعاملة خالل ّ‬ ‫أو جمع البيض‪ ،‬أو تعريضها لدرجات حرارة قاسية‪،‬‬ ‫وما شابه ذلك‪ ..‬أ‬ ‫المر الذي بدأ يستقطب اهتماماً‬ ‫متعاظماً تقوده جمعيات الرفق بالحيوان‪ ،‬التي بلغت‬ ‫من النفوذ حداً بات يلزم بعض الحكومات على أ‬ ‫الخذ‬ ‫بتوصياتها فيما يتعلَّق بظروف معيشة الحيوانات في‬ ‫المزارع وطرق ذبحها وغير ذلك‪.‬‬ ‫ويعد أ‬ ‫المل الذي يعطيه اللحم المستزرع في هذا‬ ‫ُ‬ ‫الشأن من أهم أسباب دعمه بين أ‬ ‫الفراد والمؤسسات‬ ‫الداعمة والناشطة في مجال حقوق الحيوان‪ ،‬وكثير‬ ‫من الجهات المهتمة خصص جوائز مالية تصل إلى‬ ‫مليون دوالر لدعم أ‬ ‫البحاث في هذا المجال‪.‬‬ ‫تخوفها‬ ‫وعلى صعيد آخر‪ ،‬أبدت بعض الجهات ُّ‬ ‫وقلقها من فكرة اللحم المستزرع ومخاطرها‪ ،‬إذ ترى‬ ‫أن إتقان استزراع لحم المواشي قد يحفّز البعض‬ ‫على استزراع اللحم البشري‪ ،‬وهذا ما يشكِّل خطراً‬ ‫أخالقياً غير محسوب العواقب والنتائج‪ .‬كما يبدي‬ ‫النسان بالحيوان‬ ‫البعض تخوفه من تدهور عالقة إ‬ ‫بعض‬ ‫إذا لم نعد في حاجة إليه‪ .‬في حين يرى ٌ‬ ‫آخر العكس تماماً‪ ،‬إذ يقول إن هذه العالقة سوف‬

‫تتحسن في ظل تغير الهدف من تربية الحيوانات‬ ‫َّ‬ ‫لغرض الذبح واالستهالك إلى غرض التبني‪ .‬وأخيراً‪،‬‬ ‫هناك التصور السائد عن اللحم المستزرع على أنه‬ ‫منتج «غير طبيعي»‪ ،‬على الرغم من عدم وجود‬ ‫تعريف لما هو طبيعي وما هو ليس طبيعياً‪ ،‬رغم أنه‬ ‫من ناحية تركيبته‪ ،‬قد يكون اللحم المستزرع أفضل‬ ‫من اللحم الطبيعي‪.‬‬

‫‪ .3‬آ‬ ‫الثار البيئية‬

‫أ ‪ -‬التلوث‪ :‬إذا أردنا أن نقيم أكبر آ‬ ‫الثار السلبية‬ ‫للحم الطبيعي وإنتاجه‪ِّ ،‬فإن التلوث البيئي هو أ‬ ‫الثر‬ ‫الكثر إثارة للقلق حسب الدراسات العلمية‪ .‬أ‬ ‫أ‬ ‫فالثر‬ ‫المباشر النبعاثات الغازات ‪ -‬الميثان وأول أكسيد‬ ‫أ‬ ‫النيتروجين ‪ -‬من مزارع المواشي‪ ،‬يُعد المسبب الول‪،‬‬ ‫المسجل علمياً‪ ،‬لالحتباس الحراري في العالم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ب ‪ -‬استهالك الماء‪ :‬في الوقت الذي يواجه فيه كثير‬ ‫من بلدان العالم نقصاً حاداً في مستويات المياه‬ ‫الصالحة لالستخدام البشري‪ ،‬تستهلك المواشي ما‬ ‫يقارب ‪ %8‬من استهالك العالم من الماء‪ .‬ولو أخذنا‬ ‫البرازيل كمثال‪ ،‬لوجدنا أن إنتاج طن واحد من اللحم‬ ‫البقري فيها يستهلك ما يصل إلى ‪ 15,500,000‬لتر‬ ‫من الماء‪ ،‬و‪ 3,918,000‬لتر لنفس الكمية من لحم‬ ‫وكأن كل هذا ال يكفي‪ ،‬فبعد استهالك كل‬ ‫الدجاج‪َّ .‬‬ ‫هذه الكميات الهائلة من الماء ال تزال مزارع المواشي‬ ‫تتسبب بتلوث مياه أخرى بسبب فضالتها التي تصل‬ ‫إلى َّ‪ 130‬ضعف فضالت البشر على وجه أ‬ ‫الرض‪.‬‬

‫قامت مجموعة أوروبية بجمع بيانات من التجارب‬ ‫أ‬ ‫الولية الستزراع اللحم في العام ‪2011‬م‪ ،‬وخلصت‬ ‫إلى أن استزراع الكمية نفسها من اللحم تستهلك‬ ‫‪ %30‬من الطاقة المطلوبة إلنتاجها في المزرعة‪ ،‬وأن‬ ‫انبعاثات الغازات المسببة لالحتباس الحراري هي‬ ‫أقل بنسبة ‪ ،%80‬كما أنها توفر ‪ %99‬من أ‬ ‫الراضي‬ ‫المخصصة للمزارع‪ ،‬و‪ %90‬من المياه المستهلكة فيها‪.‬‬ ‫تقبل المستهلكين لفكرة اللحم‬ ‫ال شك في أن ّ‬ ‫ً‬ ‫المستزرع لن يكون هدفا سهالً‪ .‬ولذلك‪ ،‬قد يكون‬ ‫تحد للحم المستزرع ليس في‬ ‫دقيقاً القول إن أكبر ٍّ‬ ‫تقبل الناس له‪.‬‬ ‫صعوبة إنتاجه‪ ،‬وإنما في ُّ‬ ‫فالناس تقبل المظهر الخارجي للحم وطعمه‬ ‫وملمسه‪ .‬وقد أشارت استبيانات حديثة إلى أن ‪%80‬‬ ‫من الشعب أ‬ ‫المريكي لن يأكلوا لحماً مص َّنعاً في‬ ‫مختبر‪ ،‬بينما ‪ %68‬من الشعب البريطاني ال يمانعون‬ ‫تجربة اللحم المص َّنع في المختبر! كما رأينا بعض‬ ‫التحركات في مؤسسات المجتمع المدني في ألمانيا‬ ‫سموه «الطعام‬ ‫تنادي بمقاطعة اللحم المص ّنع أو ما ُّ‬ ‫الفرانكشتايني»‪.‬‬ ‫إن واحدة من المشكالت الكبيرة التي يواجهها اللحم‬ ‫المص ّنع كي يقبل الناس به‪ ،‬هي في جعله يشبه‬ ‫والمكونات من‬ ‫اللحم «الطبيعي» في النكهة واللون‬ ‫ّ‬ ‫المعادن والفيتامينات‪ ،‬خاصة ألننا ال نملك صبغات‬ ‫طبيعية مثل «المايوجلوبين» التي تعطي اللحم لونه‬ ‫أ‬ ‫الحمر المعروف‪.‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬هنالك ما يسمى بـ «عامل االشمئزاز» من الطعام‬ ‫المص ّنع في المختبرات‪ .‬وقد اقترح بعض الخبراء نشر‬ ‫الوعي بين الناس حول آ‬ ‫الثار السلبية للمواشي على‬ ‫البيئة‪ ،‬مما قد يسهل قبولهم للحم المص ّنع‪ .‬ولكن على‬ ‫أ‬ ‫الرجح‪ ،‬سيبقى الطعم هو الغالب على المنطق عندما‬ ‫يكون الموضوع متعلقاً بالطعام‪.‬‬ ‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪31 | 30‬‬

‫العلم خيال‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫تقول األسطورة بوجود مادة سحرية اسمها‬ ‫«حجر الفالسفة» لها القدرة على تحويل‬ ‫المعادن الرخيصة إلى ذهب‪ .‬وسيطر هذا‬ ‫الحلم على مخيلة الناس آلالف السنين‪،‬‬ ‫فبذل الباحثون عن الثراء والمشعوذون على‬ ‫مرّ العصور أقصى جهودهم لتحقيقه‪َّ .‬إل‬ ‫أن مساعيهم كانت عقيمة‪ ،‬ألنها لم تسلك‬ ‫المنهج العلمي‪ ،‬ونتج عن ذلك علم قديم‬ ‫ُعرف بـ «علم الصنعة»‪ ،‬كان من أبرز أعالمه‬ ‫جابر بن حيّ ان الذي اشتغل على ممارسة‬ ‫«الخيمياء» األولى التي تطور منها علم‬ ‫الكيمياء المعاصر‪ .‬لكن مع بزوغ العصر‬ ‫النووي في القرن العشرين‪ ،‬ومع التطور‬ ‫الذي تحرزه العلوم على المستوى متناهي‬ ‫الصغر (تقنية النانو)‪ ،‬فلربما بتنا أقرب إلى‬ ‫تحقيق ذلك الحلم األسطوري!‬

‫حسن الخاطر‬

‫خيميائي في معمله‪ ..‬لوحة من القرن ‪17‬‬

‫حجر الفالسفة‪..‬‬

‫من النحاس إلى الذهب!‬ ‫بروتونات ونيوترونات‬

‫ت‬ ‫ال� تعلمناها ف ي�‬ ‫لنتذكر أساسيات الكيمياء ي‬ ‫ئ‬ ‫يتم�ز‬ ‫المدرسة‪ ،‬القائلة إن أي عنرص‬ ‫كيميا� ي َّ‬ ‫ي‬ ‫ال�وتونات موجبة الشحنة الموجودة‬ ‫بعدد ب‬ ‫ف ي� نواة الذرة‪ ،‬ويطلق عليه اسم (العدد الذري)‪ ،‬وهذا هو‬ ‫الفرق الجوهري الذي ي ِّ ز‬ ‫يم� العنارص عن بعضها‪ ،‬فال يمكن‬ ‫لعنرصين أن يملكا نفس العدد الذري‪ .‬لكن عىل نطاق‬ ‫ت‬ ‫(الني�ونات) متوازنة‬ ‫العنرص نفسه فيمكن أن يتباين عدد‬ ‫أ‬ ‫بنظ� العنرص‪ .‬ومن المثلة عىل‬ ‫الشحنة‪ ،‬وهذا ما يسمى ي‬ ‫ذلك الكربون المألوف ‪ 12‬والكربون المشع ‪ 14‬المستعمل‬ ‫ف� التأريخ‪ ،‬فكالهما يمتلكان ‪ 6‬بروتونات و‪ 6‬ت‬ ‫إلك�ونات سالبة‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫لكنهما يختلفان ف� عدد ت‬ ‫الني�ونات‪ ،‬حيث يملك الول ‪6‬‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫والخر ‪.8‬‬

‫أ‬ ‫تتحول طبيعياً إىل عنارص‬ ‫«م ّ‬ ‫وتُص َّنف بعض العنارص كـ ُ‬ ‫شعة»‪ ،‬لنها َّ‬ ‫تتكون من ثالثة أنواع رئيسة من‬ ‫أخرى‪ ،‬من خالل إطالق إشعاعات َّ‬ ‫الجسيمات‪( :‬ألفا‪ ،‬بيتا‪ ،‬جاما)‪ .‬وكمثال عىل ذلك يتحلل اليورانيوم‬ ‫(‪ )238‬إىل الثوريوم (‪ )234‬بإطالق جسيمات ألفا‪ ،‬الذي بدوره‬ ‫ال�وتاكتينيوم عن طريق إطالق جسيمات بيتا السالبة‪،‬‬ ‫يتحول إىل ب‬ ‫َّ‬ ‫وتستمر هذه العملية وصوال ً إىل أحد نظائر الرصاص المستقرة‬ ‫الشعاعي يسعى للوصول‬ ‫(‪ .)206‬ويتضح من ذلك أن النشاط إ‬ ‫بالنواة يغ� المستقرة إىل حالة االستقرار‪.‬‬ ‫ئ‬ ‫كيميا� فلزي ثقيل له عدة نظائر مستقرة‪ ،‬وعدده‬ ‫إن الرصاص عنرص‬ ‫أي‬ ‫تغي� عنرص إىل عنرص آخر‬ ‫الذري (‪ .)82‬وعىل هذا الساس‪ ،‬فإن ي‬ ‫ف‬ ‫ال�وتونات الموجودة ف ي� نواة الذرة‪ ،‬وال يمكن‬ ‫تغي�اً ي� عدد ب‬ ‫يتطلب ي‬ ‫أ‬ ‫تغي� عدد‬ ‫للتفاعالت الكيميائية تحقيق ذلك‪ ،‬لنها تقترص عىل ي‬


‫يستطيع علماء الفيزياء النووية اليوم‬ ‫تحقيق حلم جابر بن ّ‬ ‫حيان وتحويل‬ ‫الرصاص إلى ذهب‪ ،‬ليس من ناحية‬ ‫نظرية فقط‪ ،‬بل من الناحية العملية‪..‬‬ ‫ال ت‬ ‫لك�ونات فقط‪ ،‬كتفاعل الصوديوم مع الكلور لينتج مركَّباً يسمى‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫و� هذا التفاعل‬ ‫(كلوريد الصوديوم) المعروف بملح الطعام‪ ،‬ي‬ ‫ئ‬ ‫الكيميا� فإن الصوديوم يفقد ت‬ ‫إلك�وناً واحداً بينما يكسب الكلور‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال�وتونات‬ ‫إلك�وناً واحداً‪ .‬لكن‪ ،‬يمكننا أن نحقق إضافة أو إزالة ب‬ ‫ت‬ ‫ال� تتعامل مع مكونات النواة‪.‬‬ ‫بواسطة التفاعالت النووية ي‬

‫مصادم هادرون‬

‫ذهب بالقصف وبالتصادم‬

‫إن أول تحويل نووي من عنرص إىل عنرص آخر ‪ -‬من صنع‬ ‫النسان ‪ -‬كان عىل يد العالم الحائز جائزة نوبل ف ي� الكيمياء‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫وج�ن‬ ‫إرنست رذرفورد‪ ،‬الذي قام ي� عام ‪1919‬م‪ ،‬بتحويل الني� ي‬ ‫ين‬ ‫أكسج�‪ ،‬بعد أن قصفه بجسيمات ألفا‪ .‬وبهذا التفاعل‬ ‫إىل‬ ‫النووي‪ ،‬ومن حيث المبدأ أصبحت فكرة تحويل الرصاص إىل‬ ‫ذهب مقبولة علمياً‪.‬‬ ‫وواصل العلماء أبحاثهم ف ي� التجارب النووية بعد رذرفورد‪ ،‬وتمكنوا‬ ‫ح� آ‬ ‫الن ث‬ ‫كث�ة إىل الجدول الدوري‪ ،‬بلغت ت‬ ‫أك�‬ ‫من إضافة عنارص ي‬ ‫من ش‬ ‫تقدم عىل نطاق مختلف بع�‬ ‫ع�ين عنرصاً‪ .‬كما تم إحراز ُّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تُرسع حركة الجسيمات‬ ‫ابتكار‬ ‫المرسعات أو المصادمات الذريّة‪ ،‬ي‬ ‫ّ‬ ‫البطيئة والمشحونة بواسطة حقول كهربائية ومغناطيسية قوية‬ ‫جداً‪ ،‬مما يؤدي إىل إكسابها طاقة هائلة نتيجة إيصالها إىل رسعات‬ ‫ت‬ ‫الحال ما‬ ‫تق�ب من رسعة الضوء‪ .‬وأضخم المرسعات ف ي� الوقت‬ ‫ي‬ ‫«س�ن»‬ ‫الكب�‬ ‫الشه� التابع لوكالة ي‬ ‫ي‬ ‫يُعرف بمصادم الهدرونات ي‬ ‫الوروبية‪ .‬وهو موجود تحت أ‬ ‫أ‬ ‫الرض عىل الحدود السويرسية‬ ‫ال�وتونات‬ ‫الفرنسية‪ ،‬ويبلغ محيط دائرته ‪ 27‬كم‪ ،‬وفيه تترسع ب‬ ‫وتتصادم بشكل عنيف جداً بطاقة تبلغ ‪ 7‬تريليونات ت‬ ‫إلك�ون فولت‪.‬‬ ‫ويستطيع علماء ي ز‬ ‫حيان‬ ‫الف�ياء النووية اليوم تحقيق حلم جابر بن ّ‬ ‫وتحويل الرصاص إىل ذهب‪ ،‬ليس من ناحية نظرية فقط‪ ،‬بل من‬ ‫الناحية العملية‪.‬‬ ‫وغ� متوقع أن‬ ‫ففي عام ‪1972‬م‪ ،‬وجد العلماء بشكل مفاجئ ي‬ ‫أ‬ ‫بح�ة‬ ‫الدرع‬ ‫الرصاص الرئيس لمفاعل نووي للبحاث بالقرب من ي‬ ‫ي‬

‫ف‬ ‫سيب�يا قد تحول إىل ذهب‪ .‬كذلك تم الحصول عىل‬ ‫بايكال ي� ي‬ ‫ف‬ ‫الذهب من عنارص أخرى كالزئبق ب ز‬ ‫مخ�ية‪.‬‬ ‫وال�موت ي� تجارب ب‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫مخت� «لورانس‬ ‫و� عام ‪1980‬م‪ ،‬كانت هناك تجربة ناجحة ي� ب‬ ‫ي‬ ‫الباحث� عىل رأسهم الحائز جائزة نوبل �ف‬ ‫ين‬ ‫كل» لمجموعة من‬ ‫ي‬ ‫يب� ي‬ ‫ز‬ ‫الكيمياء ي ن‬ ‫ال�موت الذي يقع بعد‬ ‫جل� سيبورج‪ ،‬لتحويل عنرص ب‬ ‫الرصاص مبا�ش ة ف ي� الجدول الدوري إىل الذهب‪ ،‬باستخدام مرسع‬ ‫الجسيمات‪ .‬حيث تم فصل أربعة بروتونات من نواة ذرة ب ز‬ ‫ال�موت‬ ‫متحولة إىل نواة ذرة الذهب‪.‬‬ ‫إن ما يمنع تعميم هذه التجربة ‪ -‬الحلم هو التكلفة العالية جداً‬ ‫ت‬ ‫ال� تفوق قيمة الذهب بأضعاف مضاعفة‪،‬‬ ‫للطاقة الالزمة لها‪ ،‬ي‬ ‫المكونات ث‬ ‫ن‬ ‫بكث�‪ ،‬وهذا يُعد خسارة‬ ‫بمع� أن قيمة‬ ‫أك� من المنتج ي‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫من الناحية االقتصادية‪ ،‬ولكن إذا عرفنا ي� يوم ما عملية قادرة عىل‬ ‫فعل ذلك وبتكلفة أرخص من الذهب‪ ،‬عند ذلك سنكون ً‬ ‫فعل قد‬ ‫الكيميائي� آلالف ي ن‬ ‫ين‬ ‫السن�‪ .‬وبذلك‪ ،‬قد‬ ‫حققنا ذلك الحلم الذي راود‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫قوس� أو أد� من‬ ‫ال يكون من المبالغة القول إننا أصبحنا عىل قاب ي‬ ‫تجسيد حلم حجر الفالسفة!‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪33 | 32‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫منتج‬

‫جواز السفر‬ ‫الحيوي‬ ‫د‪ .‬أشرف فقيه‬

‫بات من المعتاد اليوم أن تتم قراءة بصمة‬ ‫إالصبع عند منافذ السفر‪ .‬وما يفعله‬ ‫موظف الجوازات غالباً هو مقارنة هذه البصمة مع‬ ‫تلك المسجلة على جواز السفر والمحفوظة بدورها في‬ ‫قاعدة البيانات الحكومية‪.‬‬ ‫لكن جواز السفر الحيوي (أو البايومتري) يتجاوز مجرد‬ ‫البصمة‪ .‬فهو يعتمد على علم يقوم بالتحقق من‬ ‫الشخصية بنا ًء على السمات الحيوية للشخص‪ .‬وهذه‬ ‫تشمل‪ ،‬إضافة إلى بصمة إالصبع‪ ،‬حدقة العين وصيوان‬ ‫أ‬ ‫الذن وفصيلة الدم ونبرة الصوت وسواها من خصائص‬ ‫جسم إالنسان التي تُ ِعين على التفريق بينه وبين أي‬ ‫شخص آخر على نحو قطعي‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن كان الجواز‬ ‫فإن‬ ‫الورقي التقليدي يحمل اسمك وصورتك المميزين‪ّ ،‬‬ ‫يتقدم خطوة‪ ،‬إذ يخ ِّزن‬ ‫الجواز الحيوي هو مستند ورقي َّ‬ ‫رقمياً ‪ -‬معلوماتك الحيوية أ‬‫الخرى‪ ،‬إضافة إلى كل‬ ‫بياناتك التقليدية‪ ،‬على أمل توفير وسيلة أدق للتحقق‬ ‫من الهوية ومنع التزوير واالنتحال‪.‬‬

‫حاسوب في ورقة‬

‫للتقدم الكبير في‬ ‫يدين الجواز الحيوي في ظهوره ُّ‬ ‫المكونات إاللكترونية المستخدمة في الحوسبة‬ ‫تصغير ّ‬ ‫واالتصاالت‪ ،‬التي أتاحت طباعة حاسوب متكامل على‬ ‫شرائح دقيقة بتنا نستخدمها في بطاقات االئتمان‬ ‫والهوية كذلك‪ .‬وهي تقنية مقاربة لتقنية التعريف‬ ‫الراديوية (‪ )RFID‬التي تستخدم شرائح مماثلة نجدها‬ ‫ملصقة بالبضائع التجارية من كتب أو مالبس‪ ،‬لتسهل‬

‫قراءتها عند منافذ البيع وتمنع تهريبها خارج المحل من‬ ‫دون دفع الثمن‪.‬‬ ‫أما في جواز السفر الرقمي‪ ،‬فتدمج هذه الشريحة‬ ‫الرقيقة جداً إما في الغالف أو على إحدى أ‬ ‫الوراق‬ ‫في الداخل‪ .‬وتملك هذه الشريحة بطارية ووحدة‬ ‫تخزين وهوائي للبث‪ ،‬ما يتيح للجواز أن يتصل السلكياً‬ ‫بحاسوب موظف المنفذ الحدودي أو بشبكة المطار‬ ‫لتتم قراءة بياناتك وإثبات شخصيتك‪ ،‬دون الحاجة‬ ‫إلى إدخال بياناتك يدوياً‪ .‬يكفي فقط أن تمرر الجواز‬ ‫على سطح القراءة أو تقربه منه‪ ،‬ليتم تسجيل دخولك‬ ‫أو خروجك‪ ،‬ما لم تكن تحمل جواز سفر غيرك‬ ‫بطبيعة الحال!‬

‫تاريخ قديم ومحاذير قائمة‬

‫االعتماد على البيانات الحيوية قديم قدم االعتماد على‬ ‫طورت الشرطة‬ ‫البصمة المقروءة عياناً‪ .‬كما سبق أن َّ‬ ‫أ‬ ‫الفرنسية أسلوب تحديد الهوية من شكل صيوان الذن‬ ‫الذي ال يتشابه فيه إنسانان‪ ،‬منذ القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫تطور أساليب االنتحال وتزوير المستندات الورقية‬ ‫لكن ُّ‬ ‫دفع إلى البحث عن طرق أكثر تقدماً وفعالية‪ .‬فتم‬ ‫تقدم‪ ،‬لتخزين كافة‬ ‫اعتماد الشرائح الذكية الرقيقة كما َّ‬ ‫البيانات التقليدية وسواها إلكترونياً كي تتم مقارنتها‬ ‫يقدمه صاحب جواز‬ ‫بالمكتوب على الورق ومطابقتها بما ِّ‬ ‫يقدمها طوعاً في‬ ‫السفر المزعوم بهيئته وبصمته التي ِّ‬ ‫المطار‪ ،‬وإجاباته عن أية أسئلة لتوفير تحقق موثوق‬ ‫أحد أن يستخدم جوازك الحيوي‬ ‫وآمن‪ .‬بحيث ال يسع ٌ‬

‫لو سرق أو فقد منك‪.‬‬ ‫وإذا تتبعنا تاريخ الشرائح الذكية التي يعتمد عليها جواز‬ ‫السفر الحيوي‪ ،‬فسنعود إلى بدايات التسعينيات‪،‬‬ ‫حيث كانت فنلندا رائدة في تطبيق تقنيات بطاقات‬ ‫الدفع الذكية التي تعمل باللمس‪ ،‬أي لمس البطاقة‬ ‫الذكية بسطح قارئ موصول بقاعدة بيانات‪ ،‬عوضاً‬ ‫عن تمرير الشريط الممغنط في ظهر البطاقة بتجويف‬ ‫قارئ آلي‪ .‬وكانت كوريا الجنوبية الحقة لها‪ ،‬ثم انتشرت‬ ‫التقنية مع تطوير خوارزميات (أو برامج) تأمين البيانات‬ ‫ودعم سريتها‪ ،‬بحيث ال يسع أي قارئ كان االطالع على‬ ‫البيانات ‪ -‬السرية غالباً ‪ -‬التي تحملها الشريحة‪ .‬ثم‬ ‫كان العام ‪2004‬م‪ ،‬حين قررت دول االتحاد أ‬ ‫الوروبي‬ ‫تعميم استخدام الجوازات الحيوية الذكية بين دول‬ ‫(الشينغن)‪ ،‬وتلتها الواليات المتحدة في عام ‪2007‬م‪.‬‬ ‫يطبق كثير من دول العالم هذه التقنية‪،‬‬ ‫وحالياً‪ِّ ،‬‬ ‫وعربياً تشمل قائمة الدول التي تصدر جوازات حيوية‬ ‫والمارات ولبنان والسودان والجزائر‬ ‫كال ً من السعودية إ‬ ‫والمغرب‪ ،‬والقائمة في نمو‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬وكأي نظام أمني‪ ،‬فالثغرات قائمة‪ .‬وتشكل‬ ‫عمليات القرصنة إاللكترونية أكبر تهديد للجواز الحيوي‪.‬‬ ‫فاختراق نظم البيانات الحكومية‪ ،‬أو العبث بالمحتوى‬ ‫إاللكتروني للجواز يعرضه للتزييف ويعيد خطر االنتحال‬ ‫إلى الواجهة‪ .‬وال يبقى هنا سوى حدس موظف الجوازات‬ ‫الذي سيضطر إلى التحديق في وجهك‪ ،‬وسؤالك عن‬ ‫السبب الذي حداك إلطالق شاربك الكث الذي قد ال‬ ‫يمت لصورتك المخزنة في النظام بصلة!‬


‫مصدر للطاقة‬ ‫المحمولة بين‬ ‫يديك‬

‫المهندس أمجد قاسم‬

‫طاقة‬ ‫علوم‬

‫البطاريات‬

‫في ظل االنتشار الكبير لألجهزة الذكية‬ ‫ً‬ ‫عالة‬ ‫وغيرها من المبتكرات الحديثة‪ ،‬صرنا‬ ‫ِّ‬ ‫ومتعلقين‬ ‫على بطاريات تلك األجهزة‬ ‫بالسؤال‪ :‬كم عمر البطارية؟ وكم بقي من‬ ‫نسبة شحنها؟ فمن المنازل إلى المطارات‬ ‫واألماكن العامة‪ ،‬صار الناس يهتمون‬ ‫بموقع قابس الكهرباء أكثر من الظل‬ ‫الظليل والمقعد المريح‪ .‬كل هذا كي تبقى‬ ‫ بطاريات ‪ -‬أجهزتهم حية ويظلوا على‬‫ارتباط بالحياة من خاللها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حاليا دورا أكبر من أي وقت‬ ‫فالبطاريات تلعب‬ ‫ِّ‬ ‫تشغل‬ ‫مضى في حياة اإلنسان اليومية‪ ،‬فهي‬ ‫الهواتف النقالة والحواسيب المحمولة‬ ‫واألجهزة الذكية واللوحية والسيارات‬ ‫التقليدية والكهربائية والمصابيح اليدوية‬ ‫والساعات‪ ...‬وببساطة شديدة‪ ،‬أصبحت‬ ‫جزءا رئيساً‬ ‫ً‬ ‫البطاريات على اختالف أنواعها‬ ‫في حياة اإلنسان‪ ،‬ومن دونها سيختلف شكل‬ ‫ً‬ ‫تماما‪ ..‬سواء أكانت حياة حقيقية أو‬ ‫الحياة‬ ‫في مجاهل العالم اإللكتروني‪.‬‬


‫‪35 | 34‬‬

‫لغز تاريخي‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫أثناء إنشاء سكة للحديد بالقرب من بغداد ف ي�‬ ‫عام ‪1936‬م‪ ،‬ثع� العمال عىل ت‬ ‫اخ�اع عجيب‬ ‫يعود تاريخه إىل ما قبل ‪ 2000‬سنة‪ ،‬وهو‬ ‫عبارة عن جرة من ي ن‬ ‫الط� مغموس فيها قضيب من الحديد محاط‬ ‫ت‬ ‫بأسطوانة من النحاس‪ ،‬اس�عى هذا االكتشاف اهتمام العالم‬ ‫أ ن‬ ‫لما� «فيلهيلم كونيغ»‪ ،‬الذي توصل إىل أنها بطارية أطلق عليها‬ ‫ال ي‬ ‫اسم «بطارية بغداد»‪ .‬كما اكتشفت الحقاً جراراً أخرى مشابهة لها‪.‬‬ ‫ين‬ ‫الباحث� لسنوات طويلة‪.‬‬ ‫ح�‬ ‫وقد شكَّل هذا االكتشاف لغزاً ي َّ‬ ‫يعتقد الباحثون آ‬ ‫الن أن ما تم اكتشافه هو أول بطارية ت‬ ‫اخ�عها‬ ‫ف‬ ‫الط�‪ ،‬إذ كانت‬ ‫إ‬ ‫النسان‪ ،‬والهدف منها كان الستعمالها ي� ف المجال ب ي‬ ‫قادرة عىل إنتاج تيار ضعيف يتم تمريره ي� إبر تالمس جسم‬ ‫ين‬ ‫الباحث�‬ ‫المريض وتساعد عىل الشفاء‪ .‬ومن جانب آخر‪ ،‬يرى بعض‬ ‫أن تلك البطاريات البدائية قد استخدمت ف ي� عمليات الطالء‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا�‪ ،‬إذ كان يستعمل التيار الناتج عنها ف ي� إضافة طبقة من أحد‬ ‫ي‬ ‫المعادن الثمينة كالذهب إىل معدن آخر‪ ،‬وعملية الطالء تلك قد‬ ‫عرفها المرصيون قبل ‪ 4300‬سنة‪.‬‬

‫جاستون بالنت ت‬ ‫اخ�اع أول بطارية ثانوية‪ ،‬أي قابلة للشحن‪ ،‬وهي‬ ‫مكونة من الرصاص والحامض ما زالت مستخدمة‬ ‫بطارية تخزين ّ‬ ‫ت‬ ‫ح� يومنا هذا‪.‬‬ ‫كث�اً من‬ ‫حد ي‬ ‫كانت تلك النماذج تعتمد عىل المحاليل السائلة‪ ،‬ما َّ‬ ‫استخدامها ف� أ‬ ‫الجهزة المتنقلة‪ .‬ومع نهاية القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫طورت البطاريات الكهربائية الجافة‪ ،‬حيث لم تعد القطاب‬ ‫ّ‬ ‫المكون من الكربون‬ ‫تغمس ف ي� السوائل‪ ،‬إذ أصبح العمود الموجب‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ين‬ ‫محاط� بعجينة صلبة من مركبات‬ ‫المكون من الزنك‬ ‫والسالب‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫كيميائية‪ ،‬وأصبحت هذه البطاريات مناسبة لالستخدام ي� الجهزة‬ ‫المتنقلة‪.‬‬

‫متعددة‬ ‫معاي� ِّ‬ ‫ي‬

‫وعىل امتداد قرن من الزمن‪ ،‬ت‬ ‫كث�ة من البطاريات‬ ‫اخ�عت أنواع ي‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫متباينة‬ ‫االستعماالت‪ .‬فهناك البطاريات متناهية الصغر أ ي‬ ‫تستعمل ف ي� تشغيل ساعات اليد الكهربائية وسماعات الذن‬ ‫آ‬ ‫وغ�ها‬ ‫وأجهزة تنظيم �ض بات القلب وبعض أنواع الالت الحاسبة ي‬

‫الضفدع والبطارية الحديثة‬

‫ت‬ ‫ت‬ ‫كان ت‬ ‫ال�‬ ‫اخ�اع أول بطارية حديثة ي‬ ‫ككث� من االخ�اعات المهمة ي‬ ‫يطال‬ ‫تمت عن طريق الصدفة‪ .‬ففي عام ‪1771‬م‪ ،‬الحظ العا ِل ْم إ‬ ‫ال ي‬ ‫«لويجي ن‬ ‫غلفا�» أن عضلة ساق الضفدع تنجذب عند مسها‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫متصل� ببعضهما بعضاً‪ ،‬وعرفت هذه‬ ‫مختلف�‬ ‫معدني�‬ ‫بقضيب�‬ ‫الظاهرة الغريبة بالكهرباء الحيوانية‪.‬‬

‫وعىل إثر ذلك أجرى «أليساندرو فولتا» عدداً من التجارب مستخدماً‬ ‫بعض الفلزات كالرصاص والقصدير والحديد والزنك كأقطاب‬ ‫سالبة‪ ،‬كما استخدم النحاس والذهب والفضة والغرافيت كأقطاب‬ ‫ئ‬ ‫كيميا� عىل عضلة ساق‬ ‫وتوصل إىل أن ما حدث هو تفاعل‬ ‫موجبة‪َّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫الضفدع المبلولة‪.‬‬ ‫وبحلول عام ‪1800‬م‪ ،‬اكتشف فولتا أن بعض السوائل قادرة عىل‬ ‫توليد تدفق مستمر للقدرة الكهربائية عند وجود أقطاب مختلفة‬ ‫فيها‪ ،‬وهذا ما أدى إىل ت‬ ‫اخ�اع أول خلية فولتية ُعرفت بالبطارية‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تُصنع هي بطاريات أولية‬ ‫ح� عام ‪1859‬م‪ ،‬كانت فالبطاريات ي‬ ‫ئ‬ ‫ز‬ ‫نس‬ ‫يغ� قابلة للشحن‪ .‬ولكن ي� ذلك العام‪ ،‬استطاع ي‬ ‫الف� ي‬ ‫يا� الفر ي‬

‫من أ‬ ‫الصغ�ة‪ ،‬وتزن هذه‬ ‫الجهزة‬ ‫ي‬ ‫البطاريات نحو ‪ 1.4‬غرام فقط‪،‬‬ ‫وهناك بطاريات ضخمة يستخدم‬ ‫ف‬ ‫الكب�ة‬ ‫بعضها ي� الغواصات والمنشآت ي‬ ‫ويصل وزنها إىل نحو طن‪ ،‬وتتفاوت الجهود‬ ‫المتولدة عن هذه البطاريات‪.‬‬ ‫وقد اتفق عىل إعطاء أ‬ ‫النواع المختلفة للبطاريات رموز ًا‬ ‫لتوحيد عملية تصنيعها ضمن مواصفات قياسية‪ .‬وهذا‬ ‫ما يسهل عىل مصنعي أ‬ ‫الجهزة اعتماد تلك المقاسات‬ ‫ِّ‬ ‫ف ي� تصاميم أجهزتهم‪ .‬وتعد بطارية «‪ »F‬من أوائل‬ ‫ت‬ ‫ال� صنعت وكان ذلك ف ي� عام ‪1896‬م‪،‬‬ ‫البطاريات ي‬ ‫ف‬ ‫و� عام ‪1898‬م‬ ‫وقد استخدمت إلضاءة المصابيح‪ .‬ي‬ ‫ظهرت بطاريات «‪ »D‬وأعقبها ي ن‬ ‫بعام� بطاريات «‪.»C‬‬


‫بعض ط ُ​ُرز البطاريات‬ ‫أ‬ ‫الكثر شيوعاً في الحياة‬ ‫اليومية‬

‫األقطاب‬ ‫الموجبة‬ ‫السالبة‬

‫أما النماذج المعروفة لنا من البطاريات أ‬ ‫وال ثك� استخداماً فهي‬ ‫«‪ »AA‬و«‪ ،»AAA‬اللتان تعرفان باسم القلم الخفيف‪ .‬وقد صنعت‬ ‫بطارية ‪ AA‬ف ي� عام ‪1907‬م‪ ،‬واستخدمت إبان الحرب العالمية‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� عام ‪1915‬م أصبحت متوفرة‬ ‫الوىل لتشغيل أجهزة‬ ‫التجسس‪ ،‬ي‬ ‫للعامة‪ ،‬أما بطارية ‪ ،AAA‬أ‬ ‫الصغر حجماً من بطارية ‪ AA‬فصنعت‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت‬ ‫ف ي� عام ‪1954‬م‪ ،‬واستخدمت‬ ‫لتشغيل آالت التصوير ي‬ ‫ف‬ ‫و� عام ‪1990‬م‪ ،‬طورت بطارية‬ ‫تنتجها �ش كتا كوداك وبوالرويد‪ .‬ي‬ ‫ت‬ ‫ال� أطلق عليها الرمز «‪ ،»AAAA‬وهي‬ ‫أخرى عرفت ببطارية «‪ »9V‬ي‬ ‫أ‬ ‫تستخدم لتشغيل بعض ألعاب الطفال والمسجالت وأجهزة‬ ‫الل�ر وغ�ها من أ‬ ‫الجهزة‪.‬‬ ‫الراديو ومؤ�ش ات ي ز ي‬ ‫أك� البطاريات أ‬ ‫وتعد البطاريات ذات الشكل أ‬ ‫ن‬ ‫سطوا� من ث‬ ‫الولية‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫والثانوية استخداماً‪ ،‬حيث يكسبها الشكل أ‬ ‫ن‬ ‫سطوا� القدرة عىل‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫تحمل الضغط دون تعرضها للتلف‪ .‬وهي شائعة االستخدام‬ ‫ُّ‬ ‫ف‬ ‫الضاءة وأجهزة التحكم عن بُعد‬ ‫ي� المعدات الطبية وأجهزة إ‬ ‫أ‬ ‫كث� من‬ ‫وغ�ها ي‬ ‫وألعاب الطفال وبعض الهواتف النقالة القديمة ي‬ ‫المعدات‪.‬‬ ‫الصغ�ة «الزر»‪ ،‬فقد ظهرت ف ي� عام ‪1980‬م‪،‬‬ ‫أما البطاريات‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫وتستخدم اليوم ي� تشغيل الساعات اليدوية وبعض الهواتف‬ ‫الالسلكية والمعدات الطبية وسماعات أ‬ ‫الذن وأجهزة فتح السيارات‬ ‫وهي رخيصة الثمن لكنها منخفضة أ‬ ‫الداء وغالبية أنواع تلك‬ ‫البطارية يغ� قابلة إلعادة الشحن‪.‬‬

‫شاحن‬

‫إعادة شحن‬ ‫البطارية‬

‫لقد أسهم صانعو أ‬ ‫الجهزة المحمولة ف� اليابان ي ن‬ ‫ب� عامي ‪1990‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و‪1995‬م ف ي� إحداث ثورة حقيقية ي� صناعة البطاريات القابلة‬ ‫لعادة الشحن‪ .‬حيث طورت بطاريات ليثيوم ‪ -‬أيون أ‬ ‫ال ثك� ديمومة‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫ال� يتوقع أن تكون بطارية المستقبل القادرة عىل تشغيل كافة‬ ‫أي‬ ‫الجهزة المحمولة كالهواتف النقالة الرقمية عىل اختالف أنواعها‬ ‫وأجهزة الحاسوب والكام�ات الرقمية أ‬ ‫يز‬ ‫والتجه�ات‬ ‫والجهزة اللوحية‬ ‫ي‬ ‫الكهربائية الطبية والسيارات الكهربائية وغ�ها كث� من أ‬ ‫الجهزة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الحديثة وبكفاءة عالية‪ ،‬إذ يتطلَّب ذلك استخدام بطاريات قادرة‬ ‫عىل تخزين طاقة عالية ف� ي ِّ ز‬ ‫صغ� نسبياً‪ .‬فازدهرت صناعة‬ ‫ح� ي‬ ‫ي‬ ‫بطاريات الليثيوم‪ .‬وبحلول عام ‪2000‬م‪ ،‬تجاوز سوق تلك‬ ‫البطاريات نحو ‪ 4.5‬مليار يورو‪ ،‬وقد تقاسمت ثالث �ش كات يابانية‪،‬‬ ‫ن‬ ‫سو�‪ ،‬وسانيو‪ ،‬وماتسوشيتا‪ 70 ،‬بالمئة من هذه السوق‪.‬‬ ‫هي‪ :‬ي‬

‫شحن البطاريات‬

‫يعقب كل عملية تفريغ للبطارية‪� ،‬ض ورة إعادة شحنها باستخدام‬ ‫ف‬ ‫و� الواقع‪ ،‬فإن الشواحن هي محوالت للطاقة يتم‬ ‫شواحن خاصة‪ .‬ي‬ ‫وصلها بأحد مصادر الطاقة الخارجية‪ .‬بما فيها الطاقة الشمسية أو‬ ‫النسان أو كهرباء السيارة‪ .‬كما أننا بتنا نشحن بطاريات‬ ‫حركة جسم إ‬ ‫أ‬ ‫سميناها‬ ‫أجهزتنا من بطاريات ب‬ ‫أك� قابلة هي الخرى إلعادة الشحن َّ‬ ‫«بنوك الطاقة»‪.‬‬

‫صدارة الليثيوم‬

‫لحة إىل تصنيع‬ ‫بحلول عام ‪1990‬م‪ ،‬برزت الحاجة ُ‬ ‫الم َّ‬ ‫بطاريات ذات قدرة عالية ن‬ ‫ين‬ ‫ممكن�‪ .‬كما‬ ‫بأد� حجم ووزن‬ ‫ت‬ ‫ال� يُستخدم‬ ‫زادت انتقادات حماة البيئة لصناعة البطاريات ي‬ ‫ئ‬ ‫البي� الذي‬ ‫فيها ي‬ ‫كث� من المعادن الثقيلة‪ ،‬نظراً لمدى التلوث ي‬ ‫ً‬ ‫تتسبب به وصعوبة تدويرها‪ ،‬وخصوصا بطارية النيكل‪-‬كاديوم‬ ‫والرصاص‪ ،‬وتعالت أ‬ ‫بالتحول إىل استعمال‬ ‫الصوات المطالبة‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ال� هي بطارية صديقة‬ ‫بطاريات هدريد النيكل‬ ‫ي‬ ‫المعد� ‪ ،NiMH‬ي‬ ‫للبيئة وتشبه ف ي� أدائها بطارية النيكل‪-‬كاديوم‪.‬‬

‫أجهزة الشحن الستخدام البطارية نفسها مراراً وتكراراً‬


‫‪37 | 36‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫إن اختيار الشاحن المناسب للبطارية مهم جداً من أجل أداء طويل‬ ‫وبالضافة إىل وظيفة الشاحن الرئيسة ف ي� تزويد البطاريات‬ ‫للبطارية‪ ،‬إ‬ ‫ز‬ ‫بم�ات إضافية‪ ،‬أهمها الحماية‬ ‫بالطاقة الكهربائية‪ ،‬تزود الشواحن ي‬ ‫من تفاوت درجة الحرارة‪ .‬إذ إنه عند درجة الحرارة المنخفضة جداً‬ ‫تي�اجع أداء الشواحن وقد تتوقف عن العمل‪ .‬ولذلك تم ي ن‬ ‫تضم�‬ ‫معظم البطاريات والشواحن بحساسات للحرارة إليقاف عملية‬ ‫الشحن عندما تتخطى الحرارة مستوى أ‬ ‫المان‪ ،‬علماً أنه من الطبيعي‬ ‫أن ترتفع درجة الحرارة خالل عملية إعادة الشحن‪.‬‬ ‫وتُعد بطاريات النيكل من أهم البطاريات القابلة إلعادة الشحن‪ .‬إذ‬ ‫نجدها ف� الكام�ات الرقمية ومشغالت الموسيقى أ‬ ‫واللعاب‪ ،‬ت‬ ‫وي�اوح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عدد مرات شحن هذه البطاريات ما ي ن‬ ‫ب� ‪ 500‬إىل ‪ 1000‬مرة‪.‬‬

‫ثمن خطأ‬

‫كل من سافر بالطائرة مؤخراً‪ ،‬ال شك ف ي� أنه سمع ضمن توجيهات السالمة‬ ‫القالع‪ ،‬أنه من الممنوع بتاتاً تشغيل هاتف إحدى ش‬ ‫ال�كات‪ ،‬أو شحنه‬ ‫قبيل إ‬ ‫ن‬ ‫عىل تم� الطائرة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ففي تصنيع هذا الطراز الجديد من الهاتف‪ ،‬حصل خلل ي� تصميم بطاريته‪،‬‬ ‫الخ�‪ ،‬ت‬ ‫أدى ف� حاالت معدودة إىل ت‬ ‫ح�‬ ‫اح�اق البطارية والهاتف‪ .‬وما إن شاع ب‬ ‫ي‬ ‫ال�كة عن ت‬ ‫توقف الناس عن �ش ائه أوالً‪ ،‬ومن ثم أعلنت ش‬ ‫اس�داده من الذين‬ ‫اش�وه‪ ،‬والحقاً‪ ،‬توقفها عن إنتاج هذا الطراز أو بيعه جملة وتفصيال‪ ،‬أ‬ ‫ت‬ ‫المر‬ ‫ً‬ ‫قدرتها بعض المصادر بما يفوق المليار دوالر‪.‬‬ ‫الذي تسبب لها بخسائر َّ‬

‫أما بطاريات ليثيوم‪-‬أيون المستخدمة عىل نطاق واسع ف ي� الهواتف‬ ‫الذكية‪ ،‬ي ز‬ ‫فتتم� شواحنها بتطورها عن شواحن بطاريات النيكل‪ ،‬إذ‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا�‪ .‬وتصبح هذه البطارية‬ ‫تحمل زيادة الجهد‬ ‫إنها تستطيع ُّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫يغ� مستقرة إذا تم شحنها بطريقة خاطئة لف�ة طويلة‪ ،‬إذ ي�سب‬ ‫عنرص الليثيوم عىل قطب المصعد‪ ،‬بينما تصبح مادة المهبط يغ�‬ ‫ن‬ ‫ثا� أكسيد الكربون‪ ،‬مما يؤدي إىل ارتفاع الضغط‬ ‫مستقرة وتنتج غاز ي‬ ‫داخل البطارية‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ويُعد شحن بطاريات الهواتف الذكية من منفذ ‪ USB‬من الطرق ي‬ ‫كث� منا ت ز‬ ‫ل�ويد هواتفهم بالطاقة الالزمة الستمرار عملها‪.‬‬ ‫يستخدمها ي‬ ‫وقد عرف «المنفذ المتسلسل العالمي ‪»Universal Serial Bus USB‬‬ ‫ف� عام ‪1996‬م‪ ،‬وهو ي ز‬ ‫يتم� بسهولة التعامل معه وأهميته ف ي� نقل‬ ‫ي‬ ‫وتخزين البيانات من وإىل أجهزة الحاسوب‪ ،‬وكذلك أهميته ف ي� تشغيل‬ ‫كث� من المعدات الملحقة بالكمبيوتر‪ .‬وهو يتكون من أربعة أطراف‬ ‫ي‬ ‫توصيل محاطة بدرع‪ ،‬أ‬ ‫الول والرابع يستخدمان ف ي� عمليات الشحن‪،‬‬ ‫والطرفان أ‬ ‫القرص طوال ً ف ي� الوسط مخصصان لنقل البيانات‪.‬‬ ‫وقد طورت خالل العقد الفائت تقنيات خاصة لشحن بطاريات‬ ‫يز‬ ‫والتجه�ات الطبية‬ ‫والكام�ات الرقمية‬ ‫الهواتف الذكية واللوحية‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� هذه‬ ‫ي‬ ‫وغ�ها السلكياً‪ ،‬عىل غرار تقنية البلوتوث والواي فاي‪ .‬ي‬ ‫الكهرومغناطيس لنقل الطاقة الالزمة‬ ‫المجال‬ ‫يستخدم‬ ‫التقنية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫لشحن البطاريات‪ ،‬حيث يضع المستخدم جهازه المحمول عىل‬ ‫قاعدة شحن‪ ،‬علماً أن تقنية نقل الطاقة ف ي� الهواء والفراغ ليست‬ ‫جديدة‪ ،‬وتعود إىل العالم نيكوال تسال‪ ،‬الذي قام بتجارب رائدة �ف‬ ‫ِْ‬ ‫ي‬ ‫هذا المجال ف ي� أواخر القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪ .‬ويتوقع المتخصصون أن‬ ‫كب�ة خالل السنوات القليلة المقبلة‪.‬‬ ‫تشهد هذه التقنية تطورات ي‬

‫خاليا شمسية‬

‫عاكس‬

‫طاقة‬

‫تيار متردد‬

‫التحكم‬ ‫بالشحن‬ ‫تيار مستمر‬

‫تيار مستمر‬ ‫بطارية‬

‫بطاريات الطاقة الشمسية‬

‫المتجددة‬ ‫زاد االهتمام العالمي بالطاقة الشمسية كأحد المصادر‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تواجه تعميم الطاقة‬ ‫للطاقة النظيفة‪ .‬فوأحد أهم التحديات ي‬ ‫ت‬ ‫الشمسية يتمثل ي� تخزين الطاقة الكهربائية المحصودة خالل ف�ة‬ ‫سطوع الشمس من أجل استخدامها ف ي� الليل‪ .‬وقد استخدمت‬ ‫ال� تنتجها أ‬ ‫ت‬ ‫اللواح‬ ‫بطاريات خاصة لتخزين الطاقة الكهربائية ي‬ ‫الشمسية‪ ،‬ويعرف هذا النظام باسم ‪.»Off» Grid Solar System‬‬ ‫طورت عدة أنواع من البطاريات تعرف‬ ‫ولتحقيق هذه الغاية‪ّ ،‬‬ ‫ببطاريات الدورة العميقة «‪ ،»Deep Cycle Batteries‬ت‬ ‫ال� ي ز‬ ‫تتم�‬ ‫ي‬ ‫بقدرتها العالية عىل تخزين الطاقة خالل تف�ة سطوع الشمس‬ ‫وتفريغ هذه الطاقة طوال الليل‪ .‬ت‬ ‫وت�اوح كفاءة هذه البطاريات ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا� الناتج‬ ‫و� هذا النظام‪ ،‬يتم نقل التيار‬ ‫‪90‬‬ ‫ي‬ ‫و‪ 95‬بالمئة‪ .‬ي‬ ‫عن أ‬ ‫اللواح الشمسية إىل منظِّم الشحن الذي يعمل عىل تنظيم‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا� قبل نقله إىل بطارية التخزين‪.‬‬ ‫الجهد‬ ‫ي‬ ‫لكن تظل بطاريات تخزين الطاقة الشمسية غالية الثمن‪ ،‬بسبب‬ ‫مقاييس صفائح الرصاص المستخدمة ف ي� صناعتها‪ ،‬وهي تتحمل‬ ‫ت �ض‬ ‫عاد ًة ‪ 1200‬دورة تفريغ كامل‪ .‬ت‬ ‫وي�اوح العمر‬ ‫ي‬ ‫التشغيل االف�ا ي‬ ‫لتلك البطاريات ي ن‬ ‫ب� ‪ 10‬و‪ 12‬سنة‪.‬‬


‫البيانات ف ي� العالم تستهلك نحو ‪ 1.5‬بالمئة من االستهالك‬ ‫العالمي للكهرباء‪.‬‬

‫ُعمر البطارية ً‬ ‫بناء على المكالمات (بالدقائق)‬

‫مستقبل حافل‬

‫موتوروال‬ ‫غليم‬

‫َّ‬ ‫أبل‬ ‫المعدل لـ‬ ‫اتش تي سي‬ ‫سينساشين ‪ 101‬هاتف تم آيفون ‪4S‬‬ ‫‪XL‬‬ ‫اختبارها‬

‫اتش تي سي‬ ‫سوني‬ ‫وان ‪X‬‬ ‫اكسبيريا ‪S‬‬

‫سامسونج‬

‫جاالكسي ‪S3‬‬

‫كم تستهلك بطاريات هواتفنا من الطاقة؟‬

‫الذك الواحد خالل سنة‬ ‫إن مقدار الطاقة الذي يستهلكه الهاتف ي‬ ‫يعادل ما يكفي لتشغيل ش‬ ‫ع�ة مصابيح كهربائية ذات قدرة ‪ 100‬واط‬ ‫لمدة ساعة كاملة‪ .‬وهذا قدر يغ� بسيط نظراً لتعداد الهواتف الذكية‬ ‫تز‬ ‫الم�ايد‪.‬‬

‫فبطارية جهاز آ‬ ‫ملل‬ ‫اليفون مثالً‪،‬‬ ‫تحمل شحنة مقدارها ‪ 1440‬ي‬ ‫أمب� ف ي� الساعة أي ‪ 5.45‬واط ف ي� الساعة‪ .‬وعند تفريغها بالكامل من‬ ‫ي‬ ‫الطاقة وإعادة شحنها بشكل كامل كل يوم وعىل مدار سنة كاملة‪،‬‬ ‫بحوال ‪ 2000‬واط ساعة أي ‪ 2‬كيلوواط‬ ‫فإننا نكون قد شحناها‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ساعة‪ ،‬أي بتكلفة نصف دوالر تقريبا سنوياً‪ ،‬أما أجهزة الكمبيوتر‬ ‫المحمولة فتستهلك حوال ‪ 72‬كيلوواط ساعة ف� السنة‪ ،‬ن‬ ‫ويع�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الذك‬ ‫ذلك أنك تستطيع أن تشغل تلك الجهزة المحمولة‪ ،‬كهاتفك ي‬ ‫والجهاز اللوحي وجهاز الكمبيوتر المحمول لمدة عام كامل‬ ‫بحوال ش‬ ‫ع�ة دوالرات فقط‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� أجراها الباحثون للمقارنة ي ن‬ ‫ب� استهالك‬ ‫ي‬ ‫وتش� التجارب ي‬ ‫آ‬ ‫الهواتف الذكية للطاقة إىل أن هاتف اليفون ‪ 5‬يستهلك‬ ‫سنوياً ‪ 3.5‬كيلوواط ساعة بتكلفة ‪ 0.41‬دوالر‪ ،‬بينما هاتف‬ ‫جالكس اس ‪ 3‬فيستهلك سنوياً ‪4.9‬‬ ‫السامسونج نوع‬ ‫ي‬ ‫كيلوواط ساعة بقيمة ‪ 0.53‬دوالر‪ .‬ويدل هذا عىل أن استهالك‬ ‫الطاقة ف ي� الهواتف الذكية الحديثة ضئيل جداً‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف تز‬ ‫فلك‪ .‬فمع نهاية هذا‬ ‫لكن أعداد تلك الجهزة آخذة ي� ال�ايد بشكل ي‬ ‫العام‪ ،‬ووفقاً شل�كة «‪ »E – Marketer‬سيكون هناك ‪ 2.16‬مليار‬ ‫ذك قيد االستعمال ف ي� العالم‪ .‬بعدما كان عدد الهواتف‬ ‫هاتف ي‬ ‫�ض‬ ‫الذكية ‪ 1.3‬مليار جهاز قيد االستعمال خالل العام الما ي ‪.‬‬ ‫وتتصدر ي ن‬ ‫الص� قائمة مستخدمي الهواتف الذكية تليها أمريكا ثم‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ويقدر أن تلك الجهزة قد استهلكت من الكهرباء ي� عام‬ ‫الهند‪َّ .‬‬ ‫‪2012‬م ما يعادل استهالك ‪ 54‬ألف أرسة ف ي� دولة صناعية غنية‪.‬‬ ‫وال يقترص أ‬ ‫المر عىل ما يتم استهالكه من طاقة ف ي� بطاريات تلك‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫الهواتف‪ ،‬بل إن المر يتجاوز ذلك‪ .‬فاالنتشار الهائل لتلك الجهزة‬ ‫ف‬ ‫ال تن�نت‬ ‫كب� جداً ي� تبادل البيانات بع� إ‬ ‫أدى إىل إحداث نشاط ي‬ ‫وما تي�تب عىل ذلك من تشغيل مكثف لمراكز البيانات ووحدات‬ ‫التخزين والمعالجة‪ .‬ففي عام ‪2011‬م زاد النشاط ف ي� حركة تبادل‬ ‫ال تن�نت الناتجة عن الهواتف الذكية ثالثة أضعاف ما‬ ‫البيانات بع� إ‬ ‫كان عليه الوضع ف ي� عام ‪2010‬م‪ .‬ويتوقع أن يكون هذا النشاط‬ ‫قد نما ف ي� العام الجاري ‪ 17‬مرة‪ ،‬وهذا يستهلك بطبيعة الحال‬ ‫مقادير هائلة من الطاقة الكهربائية‪ ،‬علماً أن مراكز معالجة‬

‫الحال‪.‬‬ ‫كب�اً خالل القرن‬ ‫لقد شهدت صناعة البطاريات تقدماً ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يعود عمرها تقريباً إىل قرن ونصف‬ ‫وأصبحت هذه الصناعة ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫القرن‪ ،‬تواكب الطفرة الهائلة ي� صناعة الجهزة الكهربائية‬ ‫وال ت‬ ‫لك�ونية المحمولة‪.‬‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫ال� هي‬ ‫وخالل السنوات الماضية زاد االهتمام بخاليا الوقود ي‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫الهيدروج�‬ ‫وال� تستخدم‬ ‫مصدر للطاقة‬ ‫الكهربائية النظيفة ي‬ ‫كوقود يتحد مع أ‬ ‫ال ي ن‬ ‫كسج� الجوي لتكون الماء والطاقة الكهربائية‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ال�امج‬ ‫وقد عرفت هذه الخاليا منذ عام ‪1938‬م وتم استعمالها ي� ب‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� عام ‪1990‬م أجريت عليها تجارب‬ ‫الفضائية ي� عام ‪1960‬م‪ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫تسي� الحافالت والسيارات‪ ،‬ويتوقع أن يتم‬ ‫مكثفة الستخدامها ي� ي‬ ‫استخدامها عىل نطاق واسع ف ي� المنازل والمكاتب التجارية والمصانع‬ ‫وأن تعمل عىل وقود الميثانول العضوي‪.‬‬ ‫ين‬ ‫الباحث� ف ي� معهد «‪Rensselaer‬‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬استطاع فريق من‬ ‫أ‬ ‫مريك ف ي� عام ‪2007‬م تطوير بطاريات‬ ‫‪ »Polytechnic Institute‬ال ي‬ ‫رقيقة جداً ومرنة للغاية وخفيفة الوزن‪ُ ،‬عرفت باسم «البطاريات‬ ‫ال� تستطيع تشغيل كث� من أ‬ ‫ت‬ ‫الجهزة الكهربائية‬ ‫ي‬ ‫الورقية»‪ ،‬ي‬ ‫وال ت‬ ‫لك�ونية الحديثة بقدرة ‪ 2.5‬فولت‪ .‬وهي تت�كب من‬ ‫إ‬ ‫أنابيب كربون متناهية الصغر ‪Carbon‬‬ ‫‪ Nanotubes‬مغطاة بلوح رقيق‬ ‫سيليلوزي مغطى‬

‫بطبقة من مادة موصلة‬ ‫أ‬ ‫لليونات‪ ،‬وتمتاز بمقاومتها لدرجات الحرارة العالية‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ميليم� فقط‪،‬‬ ‫ح� حدود ‪ 150‬درجة مئوية‪ ،‬ويبلغ سمكها نصف‬ ‫كما أنها ذات كفاءة تشغيلية جيدة‪.‬‬ ‫كذلك يسعى الباحثون ف ي� جامعة والية ميسوري إىل تصميم نوع‬ ‫جديد من البطاريات قادرة عىل إنتاج طاقة ث‬ ‫أك� بمليون مرة من‬ ‫البطاريات التقليدية‪ ،‬وعمرها التشغيل ش‬ ‫ع�ات السنوات وذات‬ ‫ي‬ ‫صغ� ال يتعدى حجم قطعة النقد المعدنية‪ ،‬وقابلة‬ ‫حجم ي‬ ‫للشحن أيضاً وتعرف باسم «البطاريات النووية»‪ ،‬ويتوقع أن‬ ‫ف‬ ‫كث� من التطبيقات ابتدا ًء من الهواتف الذكية ت‬ ‫وح�‬ ‫تستخدم ي� ي‬ ‫السيارات الكهربائية والشاحنات‪ ،‬وهي تعمل بالنظائر المشعة‬ ‫وأشباه الموصالت السائلة‪ ،‬وتعد بعالم قد ال نحتاج معه إلعادة‬ ‫الشحن أبداً‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪39 | 38‬‬

‫من المختبر‬

‫تأخير مظاهر الشيخوخة‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫النسان المعاصر عمراً أطول فأطول من كافة أسالفه‪ ،‬ولذلك أصبحت‬ ‫يعيش إ‬ ‫نوعية الحياة‪ ،‬خاصة الصحية عند التقدم في السن‪ ،‬هي شغله الشاغل‪.‬‬ ‫ولهذا السبب يحاول الباحثون حول العالم فهم آليات الشيخوخة‪ ،‬لتوفير‬ ‫المعرفة التي تمكّن في نهاية المطاف من تحسين حال الشيخوخة‪ .‬والحال أن‬ ‫أياً من التفسيرات العلمية المتوفرة حول الشيخوخة غير قادرة على شرح جميع‬ ‫الجوانب البيولوجية لها‪.‬‬ ‫وقد أظهرت أ‬ ‫البحاث السابقة‪ ،‬أن العملية الرئيسة في الشيخوخة هي قدرة‬ ‫أ‬ ‫المكان‪،‬‬ ‫الخاليا على الحفاظ على الجينات والحماض النووية سليمة قدر إ‬ ‫إضافة إلى التغيرات في «المايتوكوندريا»‪ ،‬أي المكان في الخلية‪ ،‬حيث تتولد‬ ‫الطاقة التي تؤثر في عمليات الشيخوخة أيضاً‪ .‬أما أ‬ ‫البحاث الحالية‪ ،‬التي قام‬ ‫بها فريق من الباحثين في جامعة كوبنهاغن الدانماركية والمؤسسة الوطنية‬ ‫أ‬ ‫للصحة في الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‪ ،‬فقد برهنت أن هناك مادة هي النزيم‬ ‫«إن إي دي‪ »+‬تسد الفجوة بين نظريتين رئيستين حول الشيخوخة – إصالح‬ ‫الحمض النووي‪ ،‬وأيضاً ضعف عمل المايتوكوندريا‪.‬‬ ‫ويوضح البروفيسور فيلهلم بوهر من «مركز الشيخوخة الصحية» الدانمركي‬ ‫ِّ‬ ‫أ‬ ‫نتيجة البحث بقوله‪« :‬أظهرت أبحاثنا أن النزيم إن إي دي‪ +‬ينخفض مع‬ ‫التقدم في العمر‪ ،‬لكن هذا االنخفاض هو أكبر بكثير في أ‬ ‫العضاء خالل أولى‬ ‫ُّ‬ ‫مراحل الشيخوخة‪ ،‬وعند نقصان إصالحات الحمض النووي‪ .‬ودهشنا عند‬ ‫وأمدت في عمر‬ ‫إضافتنا هذه المادة‪ ،‬أنها َّأجلت عمليات شيخوخة الخاليا َّ‬ ‫نموذج الديدان والفئران»‪ .‬وأضاف بوهر‪« :‬نحن نعلم من دراسات سابقة أن‬ ‫انخفاض مستوى هذه المادة تنتج عنه أخطاء في التمثيل الغذائي وتحلل‬ ‫في الجهاز العصبي‪ ،‬وقد أشارت دراستنا إلى أن أ‬ ‫الضرار في الحمض النووي‬ ‫تؤدي إلى ضعف في عمل المايتوكوندريا الذي بدوره يؤدي إلى ضعف الجهاز‬ ‫العصبي المسبب ألمراض الشيخوخة مثل آ‬ ‫اللزهايمر وباركنسون‪ .‬وإضافة هذه‬ ‫المادة يوقف أ‬ ‫الضرار الالحقة بالمايتوكوندريا»‪.‬‬

‫النسان‪ ،‬لكنهم‬ ‫وعلى الرغم من أن الباحثين درسوا تأثير هذه المادة على غير إ‬ ‫متيقنون أنهم سيحصلون على النتيجة نفسها على المرضى‪ ،‬ألن آليات إصالح‬ ‫موحدة للخاليا في جميع الكائنات الحية‪.‬‬ ‫الخلية هي ّ‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫‪https://www.sciencedaily.com/releases/2016161014152322/10/.htm‬‬

‫َّ‬ ‫دراجة نارية مستقبلية ذكية‬

‫لالحتفال بعيد ميالدها الـ ‪ ،100‬أعلنت شركة‬ ‫السيارات «بي إم دبليو» عن عدة تصورات حول‬

‫دراجة‬ ‫مركبات النقل في المستقبل‪ .‬واحدة منها َّ‬ ‫نارية ذكية تلغي الحاجة إلى حماية الواصل الذي‬

‫ينسق حركة مختلف أ‬ ‫الجزاء الميكانيكية‪ ،‬وكذلك تلغي‬ ‫الحاجة إلى الخوذة‪ .‬كما أن لها نظام توازن ذاتي‬ ‫الدراجة مستقيمة سواء كانت في حالة الحركة‬ ‫يجعل َّ‬ ‫ً‬ ‫أم خالل الوقوف‪ .‬وهكذا يستطيع أيا كان أن يقودها‬ ‫دون الحاجة إلى خبرة‪ ،‬والتمتع بإحساس الحرية‬ ‫المطلقة‪ .‬وبدال ً من لوحة التحكم التقليدية‪ ،‬سيرتدي‬ ‫الدراجون نظارات ذكية تعمل على تبادل المعلومات‬ ‫َّ‬ ‫الدراجة الذكية والراكب‪ ،‬لتوفر له رؤية‬ ‫بين مجسات َّ‬ ‫كاملة للبيئة أمامه بما في ذلك حركة الرياح وغيرها‪.‬‬ ‫الدراجة‪ ،‬كما غيرها‬ ‫والمالحظة المهمة هي أن هذه َّ‬ ‫من المركبات المستقبلية التي عرضت في االحتفال‪،‬‬ ‫ستكون كهربائية‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://www.livescience.com/56500-bmw‬‬‫‪self-balancing-futuristic-motorcycle.html‬‬


‫االسم المعياري‬ ‫روبوت مرن يحاكي عضالت اإلنسان‬

‫وفعالة ومصنوعة من مواد صلبة‪ .‬لكن‬ ‫نتوقَّع عادة أن تكون الروبوتات سريعة َّ‬ ‫باحثين من «مختبر إعادة تشكيل الروبوتات» في لوزان الفرنسية‪ ،‬قلبوا الفكرة رأساً‬ ‫على عقب بروبوتاتهم المرنة‪ .‬فالروبوتات المرنة التي تعتمد على محركات شبيهة‬ ‫بالعضالت‪ ،‬يتم تصميمها أساساً الستخدامها على الجسم البشري لمساعدة‬ ‫أ‬ ‫الهشة‬ ‫الناس المحتاجين إلى الحركة‪ ،‬كإعادة تأهيل المرضى‪ ،‬والتعامل مع الشياء َّ‬ ‫والرعاية المنزلية‪ .‬إنها مصنوعة من اللدائن‪ ،‬بما في ذلك السيليكون والمطاط‪،‬‬ ‫التي هي بطبيعتها آمنة‪ .‬وتتم السيطرة عليها عن طريق تغيير ضغط الهواء داخل‬ ‫بالونات ناعمة صممت خصيصاً لذلك‪.‬‬ ‫وأظهر الباحثون في مقالهم أن نموذجهم يتنبأ بدقة حركة سلسلة من الوحدات‬ ‫المؤلفة من مقصورات وغرف ممسوكة صغيرة‪ .‬وأن المحركات‪ ،‬التي هي على‬ ‫ُ‬ ‫تتمدد لتصبح خمس أو ست مرات طولها العادي‪،‬‬ ‫شكل ثمرة الخيار‪ ،‬بإمكانها أن َّ‬ ‫واالنحناء في اتجاهين حسب النموذج‪.‬‬ ‫ويقول غانجان أغروال‪« :‬لقد أجرينا عديداً من عمليات المحاكاة‪ ،‬وطورنا نموذجاً‬ ‫تتغير المحركات لتتناسب مع شكلها وسماكتها والمواد المصنوعة‬ ‫للتنبؤ حول كيف َّ‬ ‫منها‪ .‬ويتمثل واحد من المتغيرات بتغطية المحرك بقشرة من الورق السميك‪،‬‬ ‫صنعت بواسطة فن طي الورق أ‬ ‫(الوريغامي)‪ ،‬وأظهر هذا االختبار أنه باستطاعتنا‬ ‫ُ‬ ‫استخدام مواد مختلفة‪ ،‬لكن من الصعب التحكم بها‪ .‬فعلينا أن نكون قادرين‬ ‫أ‬ ‫النتاج ولكنها‬ ‫على التنبؤ كيف‪ ،‬وفي أي اتجاه تتغير‪ .‬ولن هذه الروبوتات سهلة إ‬ ‫النترنت ليطلع علماء‬ ‫صعبة الصياغة‪ ،‬وضعنا تصميمنا خطوة خطوة على إ‬ ‫الروبوتات والتالميذ عليها»‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طور الباحثون روبوتا مرنا لغراض طبية على شكل‬ ‫إ‬ ‫وبالضافة إلى هذه المحاكاة‪ّ ،‬‬ ‫مكونات للنفخ‪ ،‬يجعل المرضى الضعفاء يتماسكون وقوفاً‬ ‫حزام مصنوع من عدة ّ‬ ‫خالل تمارين إعادة التأهيل وتوجيه تحركاتهم‪.‬‬ ‫ويقول ماثيو روبرتسون الباحث المسؤول عن المشروع‪« :‬إننا نعمل مع معالجين‬ ‫فيزيائيين من مستشفى جامعة لوزان الذين يعالجون ضحايا السكتة الدماغية‪.‬‬ ‫لقد تم تصميم الحزام لدعم جذع المريض واستعادة بعض من وظائف محركاته‬ ‫المتضررة»‪ ..‬أ‬ ‫«ولنها مصنوعة من مواد غير مكلِّفة‪ ،‬يمكن بسهولة أن يتم إنتاجها‬ ‫على نطاق واسع‪ .‬وسيفتح هذا أبواباً واسعة في مجال صناعة النسان آ‬ ‫اللي»‪،‬‬ ‫إ‬ ‫يقول باحث آخر‪.‬‬ ‫المصدر‪:‬‬ ‫‪http://actu.epfl.ch/news/soft-robots-that-mimic-human-muscles/‬‬

‫فاراد‬

‫ن‬ ‫يطا� مايكل‬ ‫يُ ُّ‬ ‫عد العالم بال� ي‬ ‫فاراداي أحد أعالم عرص النهضة‬ ‫العلمية‪ .‬وتدين له حضارتنا‬ ‫المعارصة بعديد من أ‬ ‫الفكار‬ ‫واالبتكارات ف� مجال ي ز‬ ‫الف�ياء‬ ‫ي‬ ‫والكيمياء وعالقتهما بالكهرباء‪،‬‬ ‫ولعل أحدها وأهمها هو ت‬ ‫اخ�اع‬ ‫ئ‬ ‫كهربا�‪ .‬وبكالم‬ ‫أول محرك‬ ‫ي‬ ‫آخر؛ فقد توصلت أبحاث‬ ‫فاراداي ف ي� الكهرومغناطيسية‬ ‫مايكل فاراداي‬ ‫والميكانيكا إىل ابتكار جهاز يسعه‬ ‫تحويل الطاقة الكهربائية إىل‬ ‫طاقة حركية‪ .‬وبفضل ذلك‪ ،‬تمكنت ش‬ ‫الب�ية من االنتقال من مرحلة المحرك‬ ‫البخاري الذي ابتكره جيمس واط عام ‪1781‬م‪ ،‬إىل محرك آخر أصغر ث‬ ‫وأك�‬ ‫أساس من كافة منتجاتنا من‬ ‫فعالية‪ .‬والمحركات الكهربائية هي اليوم جزء‬ ‫ي‬ ‫ألعاب أ‬ ‫الطفال إىل آليات المصانع‪.‬‬ ‫محوراً (الفاراد) من‬ ‫وبفضل إسهامات فاراداي‬ ‫المتنوعة‪ ،‬تم اعتماد اسمه ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ليع� عن قدرة جسم ما عىل خزن شحنة كهربائية‪.‬‬ ‫وحدات النظام‬ ‫الدول‪ ،‬ب ِّ‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫البعد بينهما ‪ 1‬تم�‪،‬‬ ‫مستوي�‬ ‫ب�‬ ‫كهربا�‬ ‫مكثف‬ ‫سعة‬ ‫اد‬ ‫ر‬ ‫الفا‬ ‫وعلمياً‪ ،‬يمثل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫وفرق الجهد يب� طرفيه ‪ 1‬فولت‪ ،‬أو هو السعة الكهربائية لموصل إذا أعطي‬ ‫التذك�‪،‬‬ ‫وتغ� جهده بمقدار ‪ 1‬فولت‪ .‬ومن باب‬ ‫ي‬ ‫شحنة مقدارها ‪ 1‬كولوم ي َّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫فقد تم استعراض ِس ي َ� كل هؤالء العالم‪ :‬واط وكولوم وفولتا ي� هذه الزاوية‬ ‫ف ي� أعداد سابقة‪ ،‬ما يؤكد عىل أن العلم تراكمي وليس وليد فكر منعزل‪ ،‬بل‬ ‫هو بنيان يشد بعضه بعضاً‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫فق�ة‪ .‬واشتغل ت‬ ‫الف� مايكل‬ ‫ولد فاراداي ي� جنوب لندن عام ‪1791‬م ي� أرسة ي‬ ‫ف‬ ‫كب� من‬ ‫مساعداً ي� معمل لتجليد الكتب‪ ،‬فأتاح له ذلك االطالع عىل عدد ي‬ ‫ت‬ ‫ال� وجد ف ي� نفسه ميال ً إليها‪ .‬ومع الزمن‪ ،‬وجد نفسه‬ ‫المخطوطات العلمية ي‬ ‫ئ‬ ‫الشه� همفري دايفي‪ .‬وقام‬ ‫الكيميا�‬ ‫يح�ض دروس العلماء الكبار ومنهم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مدوناً عليها مالحظاته ثم أهداها ف ي� مجلَّد‬ ‫فاراداي بجمع تلك المحا�ض ات‪ّ ،‬‬ ‫أنيق لدايفي الذي استشعر اهتمامه بالعلوم‪ ،‬فعينه مساعداً شخصياً له‬ ‫واصطحبه ف ي� أسفاره‪ .‬هكذا تمكَّن فاراداي الشاب من االطالع عىل صميم‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫الملك‪.‬‬ ‫الحوار العلمي ي� أوروبا‪ ،‬وما لبث أن ُع ي ّ� مساعداً ي� المعهد ي‬ ‫ع�ينيات القرن الثامن ش‬ ‫ف ي� ش‬ ‫ع�‪ ،‬شن� فاراداي أبحاثه ف ي� الحركة الناتجة عن‬ ‫الكهرومغناطيس‪ ،‬وهو‬ ‫الحث‬ ‫التيار‬ ‫الكهرومغناطيس‪ ،‬وبعدها اشتغل عىل ِّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫طور ابتكاره للدينامو‪.‬‬ ‫ومنها‬ ‫الكهربائية‪،‬‬ ‫والمحوالت‬ ‫المولدات‬ ‫عمل‬ ‫أساس‬ ‫َّ‬ ‫للشبك العازل للتيار الخارجي المعروف بـ‬ ‫ينسب إىل فاراداي كذلك ابتكاره َ‬ ‫وتعدت تطبيقاته‬ ‫«قفص فاراداي»‪ ،‬الذي صار اليوم أساساً لمعدات السالمة ّ‬ ‫إىل أجهزة الر ي ن‬ ‫المغناطيس والموصالت والكابالت المص ّنعة اليوم‪.‬‬ ‫ن�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫كب�ة‪ ،‬وجعله أسلوبه ي� تبسيط العلوم‬ ‫حظي فاراداي خالل حياته بشعبية ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫وتدرج ف� العلم ت‬ ‫ً‬ ‫نجماً‬ ‫ح� صار أستاذا للكيمياء ي� الكاديمية‬ ‫ي‬ ‫جماه�ياً‪ َّ .‬ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫تو� عام ‪1867‬م تم تكريمه بلوح حمل اسمه‬ ‫الملكية العسكرية‪ .‬ي‬ ‫وح� ي‬ ‫ت‬ ‫ووضع ف ي� كنيسة (وستمنس�) إىل جوار بق� إسحاق نيوتن‪ .‬وتم اعتماد اسمه‬ ‫ُ‬ ‫رسمياً كوحدة معيارية للسعة الكهربية عام ‪1881‬م‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪41 | 40‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫ماذا لو؟‬

‫ماذا لو لم تكن‬ ‫السماء زرقاء؟‬ ‫ُعمير طيبة‬

‫تغ� شعراء العالم قديماً وحديثاً بلون‬ ‫ن َّ‬ ‫ف‬ ‫كث�‬ ‫وتلبدها‪ .‬ورمز ي‬ ‫السماء ي� صفائها ّ‬ ‫منهم بصفائها إىل صفو العيش ورق ّته‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬ماذا لو لم تكن السماء زرقاء؟‬ ‫إذا ما أردنا تخيل السماء بلون مغاير‪ ،‬يجب أن نفهم‬ ‫سبب زرقتها ف� أ‬ ‫الساس‪ .‬فمن المعروف أن ضوء‬ ‫أ ي‬ ‫البيض يحتوي عىل جميع ألوان الطيف‪.‬‬ ‫الشمس‬ ‫ت‬ ‫وليصل إلينا هذا الضوء‪ ،‬يجب أن يخ�ق الغالف‬ ‫أ‬ ‫تبدد (أو ش‬ ‫تن�) الضوء‬ ‫الجوي‪ .‬ولن ذرات الهواء ِّ‬ ‫القص�ة القريبة‬ ‫بحسب طوله الموجي‪ ،‬فالموجات‬ ‫ي‬ ‫أ ف‬ ‫أك� من‬ ‫تتبدد بدرجة ب‬ ‫من اللون الزرق ي� الطيف‪َّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫الموجات الطويلة القربية من اللون الحمر‪ .‬وسبب‬ ‫زرقة السماء هو أننا نرى النطاق أ‬ ‫الزرق من ضوء‬ ‫الشمس المتبدد من الهواء‪ .‬وهذا بالضبط ما يحصل‬ ‫تبدد هذه الدرجة من‬ ‫للون البحار‪ ،‬فمياه البحر ِّ‬ ‫اللون أ‬ ‫الزرق ث‬ ‫أك� من يغ�ها‪ .‬عىل عكس ما هو شائع‬ ‫لدى البعض من أن زرقة البحر تُعزى إىل انعكاس‬ ‫يفس حمرة‬ ‫لون السماء عىل البحر‪ .‬وهذا أيضاً ما ِّ‬ ‫يع�‬ ‫السماء وقت الغروب‪ ،‬إذ إن ضوء الشمس ب‬

‫مسافة أطول من الهواء ف ي� الغالف الجوي‪ ،‬مما‬ ‫الحمر أن يطغى عىل النطاق أ‬ ‫يسمح للنطاق أ‬ ‫الزرق‪.‬‬ ‫تغي�‬ ‫تغي� لون السماء يجب علينا ي‬ ‫إذاً‪ ،‬لو أردنا ي‬ ‫ف‬ ‫نوعية الغازات الموجودة ي� الغالف الجوي‪،‬‬ ‫أ‬ ‫مكونات‬ ‫ولن الحياة تعتمد بشكل مبا�ش عىل ّ‬ ‫ستتغ� نوعية الحياة والعمليات‬ ‫الغالف الجوي‪،‬‬ ‫ي َّ‬ ‫الحيوكيميائية‪ ،‬مما يصل بنا إىل الفرضيات المختلفة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تحتوي‬ ‫عن إمكانية الحياة ي� الكواكب الخارجية ي‬ ‫عىل نوعيات مغايرة من الغازات‪ .‬فقد ت‬ ‫يق�ح بعضهم‬ ‫مثال ً إمكانية الحياة القائمة عىل مركَّبات السيلكون‬ ‫بدال ً من الكربون‪ .‬ولكن من المؤكد أننا لو استيقظنا‬ ‫يوماً ما والسماء خ�ض اء‪ ،‬مثالً‪ ،‬فإننا سنهرع شل�اء‬ ‫أقنعة غازية‪.‬‬

‫هوم�وس الذي‬ ‫ولعل أبرزهم الشاعر إ‬ ‫الغريقي ي‬ ‫وصف السماء بلون مغاير ف ي� إلياذته وأوديسته‬ ‫ت�‪ .‬بل إن اللون أ‬ ‫الشه� ي ن‬ ‫الزرق لم يذكر بتاتاً ف ي�‬ ‫ي‬ ‫اللغوي�ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫كث�اً من‬ ‫القصيدت�‬ ‫ي‬ ‫التاريخيت�‪ .‬مما دفع ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫للبحث عن سبب عدم وجود اللون أ‬ ‫الزرق فيها‪.‬‬ ‫التفس�ات الحديثة هو أن تطور اللغة يؤثر‬ ‫وأحد‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫عىل المفردات اللغوية المستخدمة ي� وصف اللوان‪.‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫كث� من اللغات‬ ‫لم يكن اللون الزرق موجوداً ي� ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫القديمة‪ ،‬كما أن اللون الزرق يغ� موجود ي� بعض‬ ‫أ‬ ‫تتطور مفردة‬ ‫اللغات الحية القل تطوراً‪ .‬فمثال ً لم َّ‬ ‫اللون أ‬ ‫الزرق ف ي� اللغة اليابانية إال بعد الحرب‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫العالمية الثانية‪ .‬فهل‬ ‫الياباني� لم يكن‬ ‫يع� أن‬ ‫هذا ي‬ ‫أ‬ ‫بمقدرتهم رؤية اللون الزرق؟ ماذا لو كانوا فعال ً‬ ‫يرون السماء بلون مغاير؟‬

‫يؤخذ تبدد الضوء ي ن‬ ‫بع� االعتبار فقط عندما تكون‬ ‫كب�ة بما فيه الكفاية‪ .‬إال أن‬ ‫المسافة المقطوعة ي‬ ‫الهواء ال لون له‪ ،‬وما لون السماء إال خدعة برصية‬ ‫ف‬ ‫و� الواقع لم تكن‬ ‫يقوم بها هواء الغالف الجوي‪ .‬ي‬ ‫السماء توصف بالزرقاء ف ي� بعض أشعار القدامى‪.‬‬

‫بطريقة ما‪ ،‬ال يمكننا تخيل كيف ستكون أفكار ش‬ ‫الب�‬ ‫مالي� ي ن‬ ‫عن سماء خ�ض اء‪ .‬فبعد ي ن‬ ‫السن� من تطور‬ ‫ش‬ ‫الب� وحضاراتهم‪ ،‬كانوا سيتأقلمون ويتغ َّنون‬ ‫بخ�ض ة السماء‪ .‬ولربما تساءلوا عندها‪ :‬ماذا لو كانت‬ ‫السماء زرقاء؟‬


‫حياتنا اليوم‬

‫يزور الناس باريس لرؤية برج إيفل‪ ،‬ولندن‬ ‫لمشاهدة ساعة بيج بن‪ ،‬وبرلين للمرور من تحت‬ ‫بوابة براندنبورج‪ ،‬وهكذا بقية المدن السياحية‪..‬‬ ‫ولكن ماذا لو اصطحبنا القارىء في رحلة‬ ‫مختلفة‪ ،‬يترك فيها ضجيج المدينة وزحمة‬ ‫الطرق‪ ،‬لننزل به إلى باطن األرض‪ ،‬ونكتشف‬ ‫غرائب ال تخطر على بال‪ ..‬من درج في قبو أحد‬ ‫المنازل يؤدي إلى مسرح روماني‪ ،‬إلى قصور على‬ ‫ً‬ ‫عمق ‪ً 85‬‬ ‫مرورا‬ ‫مترا تستخدم كمحطات مترو‪،‬‬ ‫بأحدث نظام تصريف للمياه في العالم‪ ،‬وأنهار‬ ‫مدفونة تحت األرض‪ ،‬ومخابئ ومستشفيات‪،‬‬ ‫ومدن كاملة بمتاجرها ومطاعمها ومتنزهاتها‪..‬‬ ‫كلها تحت األسفلت‪.‬‬

‫أسامة إبراهيم‬

‫رحلة إلى‬ ‫ما تحت األسفلت‬ ‫في مدن العالم‬ ‫محطة مترو في موسكو‬


‫‪43 | 42‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫اكتشف الرومان وجود‬ ‫الحجر الجيري عالي الجودة‬ ‫في باطن األرض في‬ ‫المنطقة التي تقوم عليها‬ ‫العاصمة الفرنسية اليوم‬ ‫فحفروا الستخراج هذه‬ ‫المادة المهمة في البناء‪...‬‬ ‫سراديب باريس‬

‫منذ استقر الرومان قبل قرون‬ ‫كثيرة‪ ،‬في المنطقة التي تقوم‬ ‫عليها العاصمة الفرنسية اليوم‪ ،‬اكتشفوا وجود‬ ‫الحجر الجيري عالي الجودة في باطن أ‬ ‫الرض‪ ،‬فحفروا‬ ‫أ‬ ‫الستخراج هذه المادة المهمة في البناء‪ .‬كان المر‬ ‫يسيراً في البداية‪ ،‬ألنهم كانوا يأخذون ما يحتاجونه من‬ ‫الطبقة القريبة من القشرة الخارجية‪ ،‬ثم تطور أ‬ ‫المر إلى‬ ‫ّ‬ ‫الرض‪ ،‬من خالل حفر أ‬ ‫استخراجه من أعماق أ‬ ‫النفاق‪.‬‬ ‫وتشهد على جودة هذا الحجر الجيري‪ ،‬أن أساسات‬ ‫متحف اللوفر وكثيراً من معالم باريس مبنية به‪.‬‬

‫الطوب‪ ،‬وأسهم كل ذلك في تحول باطن أ‬ ‫الرض إلى‬ ‫ّ‬ ‫ما يشبه الجبن السويسري الشهير بثقوبه الكثيرة‪،‬‬ ‫وهذا ما يفسر ظاهرة انهيار البيوت وشوارع بأكملها‬ ‫التي أرعبت سكان المدينة في القرن الثامن عشر‪.‬‬ ‫فقررت السلطات تكليف المهندس المعماري شارل‬ ‫أكسل جيومون بمهمة إنقاذ العاصمة‪ .‬فبدأ في‬ ‫عام ‪1777‬م عملية تثبيت أ‬ ‫الرضية‪ ،‬من خالل دعم‬ ‫النفاق تحت أ‬ ‫العمدة الموجودة في أ‬ ‫أ‬ ‫الرض‪ .‬وكان‬ ‫عمله متقناً للغاية‪ ،‬وحرص على وضع الفتات بأسماء‬ ‫الشوارع والميادين‪ ،‬التي توجد فوقها عند سطح‬ ‫أ‬ ‫الرض‪ .‬لذلك يُعد هذا المهندس صاحب الفضل في‬ ‫عدم انهيار المدينة‪ ،‬بالمعنى الحرفي للكلمة‪.‬‬

‫وإلى جانب الحجر الجيري‪ ،‬كان هناك الجبس لصناعة‬ ‫أ‬ ‫الواني‪ ،‬والرمل إلنتاج الزجاج‪ ،‬والطين لصناعة قوالب‬

‫اكتشف سكان باريس استخدامات عديدة لهذه‬ ‫الفراغات الموجودة في باطن أ‬ ‫الرض‪ .‬فقديماً‪،‬‬

‫باريس‪ ..‬العيش فوق‬ ‫ثقوب‬

‫باطن مدينة نابولي‬

‫جعلوا منها مقابر لموتاهم‪ ،‬خاصة في أزمنة انتشار‬ ‫الوبئة‪ .‬وتآكلت أ‬ ‫أ‬ ‫الجساد بمرور الوقت‪ ،‬وبقيت‬ ‫عظام حوالي ستة ماليين شخص‪ ،‬مرتبة بإحكام‬ ‫على جوانب السراديب‪ ،‬بارتفاع متر ونصف المتر‪،‬‬ ‫وبطول عدة كيلومترات‪.‬‬ ‫بدأ االهتمام بهذه المقابر الغريبة منذ سنوات‬ ‫طويلة‪ .‬ولكنها وجدت رواجاً كبيراً منذ ثمانينيات القرن‬ ‫الماضي‪ .‬فأصبحت‪ ،‬ويا لغرابة أ‬ ‫المر‪ ،‬ملتقى للشباب‬ ‫الذين يقيمون فيها حفالت موسيقية‪ ،‬ويرسمون على‬ ‫جدرانها‪ ،‬إضافة إلى السياح‪ ،‬الذين استهوتهم هذه‬ ‫أ‬ ‫قررت إغالق كثير من‬ ‫الماكن‪ .‬لكن الشرطة الفرنسية َّ‬ ‫المداخل‪ ،‬وإنشاء قوة خاصة للإشراف على حراسة‬ ‫معينة‪،‬‬ ‫هذه السراديب‪ ،‬ومنع الدخول إال في أوقات َّ‬ ‫وتحت إشراف مرشدين سياحيين‪.‬‬


‫المسرح انهار في زلزال عام ‪ 60‬بعد الميالد‪ ،‬وبقي‬ ‫هذا الجزء مدفوناً تحت هذا البيت‪.‬‬

‫مترو أ‬ ‫النفاق في نيويورك‬

‫نابولي ‪ ..‬المسرح تحت السرير‬

‫اليطالية بالجريمة والمافيا‪.‬‬ ‫ارتبط اسم هذه المدينة إ‬ ‫ولذلك فإن استخدام مصطلح (العالم السفلي) هنا‪،‬‬ ‫سيثير عند كثيرين المخاوف من السرقة أو العنف أو‬ ‫حتى القتل‪ .‬لكن هذه المدينة تشبه باريس في وجود‬ ‫فراغات كثيرة في أعماقها‪ ،‬وتشير دراسات إلى أن ‪60‬‬ ‫في المئة من جوفها‪ ،‬مملوء بالثقوب أيضاً‪.‬‬ ‫لكن بخالف العاصمة الفرنسية‪ ،‬فإن باطن نابولي ال‬ ‫يحتوي على الحجر الجيري‪ ،‬بل على التربة البركانية‪،‬‬ ‫تكونت من الحمم التي اندلعت من بركان فيزوف‬ ‫التي ّ‬ ‫القريب من المدينة‪ ،‬الذي ما زال ناشطاً حتى اليوم‪،‬‬ ‫وتمثل هذه التربة مادة مثالية للبناء‪ ،‬فاستخرجها‬ ‫اليونانيون القدماء‪ ،‬ثم جاء الرومان فاستخدموا هذه‬ ‫أ‬ ‫لجر الماء العذب‪.‬‬ ‫التجاويف الرضية كقنوات ّ‬ ‫كان سكان المدينة يحصلون على المياه‪ ،‬من خالل‬ ‫فتحة أسفل المنزل مباشرة‪ .‬وكان هناك شخص‬ ‫مسؤول عن تنقية مجاري المياه من الشوائب‪ ،‬وهي‬ ‫وظيفة عسيرة للغاية‪ ،‬تتطلب أن يكون الشخص ذا‬ ‫لياقة بدنية عالية‪ ،‬حتى يدخل من الفتحات الضيقة‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ولن راتبه كان ضئيالً‪ ،‬فإنه لم يكن يتورع عن دخول‬ ‫أ‬ ‫البيوت من فتحات المياه‪ ،‬ليسرق بعض الشياء‪،‬‬ ‫ويزيد من دخله‪.‬‬ ‫في عام ‪1884‬م‪ ،‬انتشرت الكوليرا في المدينة‪،‬‬ ‫بسبب تلوث هذه المياه‪ ،‬ولقي حوالي ‪ 7000‬شخص‬ ‫فقررت المدينة وقف استخدام هذه‬ ‫مصرعهم‪َّ ،‬‬ ‫المجاري المائية‪ ،‬بعد أن بقيت مستخدمة لقرون كثيرة‪،‬‬ ‫واستبدالها بنظام حديث للتزود بمياه الشرب‪ .‬وبعد أن‬ ‫تنوعت استخداماتها‪،‬‬ ‫جفت المياه من هذه الفراغات َّ‬ ‫فهناك أيضاً عظام وجماجم‪ ،‬وأكثر من ذلك‪..‬‬ ‫في إحدى الجوالت السياحية المنظّمة‪ ،‬يسير‬ ‫المرشد أمام مجموعة الزوار‪ ،‬ويدخل منزال ً في‬ ‫أ‬ ‫اليطالية تشاهد‬ ‫وسط المدينة‪ ،‬ليجد السرة إ‬ ‫التلفاز‪ ،‬أو تتناول الطعام‪ ،‬فيستأذنهم الدخول إلى‬ ‫غرفة النوم‪ ،‬حيث يزيح السرير من مكانه‪ ،‬ويرفع‬ ‫السجادة‪ ،‬ويكشف عن باب خشبي‪ ،‬وينزل ومعه‬ ‫الزوار عدة درجات‪ ،‬ليجدوا أنفسهم أمام بقايا‬ ‫ّ‬ ‫مسرح‪ ،‬كان القيصر الروماني نيرون يتحدث فيه أمام‬ ‫‪ 7000‬شخص‪ ،‬قبل حوالي ألفي عام‪ ،‬ولكن هذا‬

‫تعرضت نابولي في الحرب العالمية الثانية‬ ‫وعندما َّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫لحوالي ‪ 150‬هجوما جوياً‪ ،‬كانت النفاق القديمة هي‬ ‫الملجأ الوحيد للسكان‪ ،‬فاضطروا إلى إزالة القمامة‪،‬‬ ‫وكل أ‬ ‫التربة التي سدت الفتحات‪ ،‬حتى بلغ ارتفاع‬ ‫الرض‪ ،‬وكانت أ‬ ‫التربة ‪ 12‬متراً فوق سطح أ‬ ‫النفاق‬ ‫هناك تتسع لحوالي ‪ 9000‬شخص‪.‬‬ ‫وبعد انتهاء الحرب‪ ،‬وجدت شرطة المدينة في‬ ‫هذه أ‬ ‫النفاق مكاناً مالئماً للتخلص من السيارات‬ ‫والدراجات النارية التي تصادرها من أصحابها‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وبذلك فإن الجماجم التي لم تعد تجد من يهتم‬ ‫بها‪ ،‬لن تبقى وحيدة تحت أ‬ ‫الرض‪ .‬فهناك المسرح‬ ‫الروماني ومجاري المياه القديمة‪ ،‬وتضاف إليها آ‬ ‫الن‬ ‫وسائل التنقل الحديثة‪..‬‬

‫نيويورك ‪ ..‬الحياة في الجحور‬

‫خالل القرن التاسع عشر تضاعف عدد سكان نيويورك‬ ‫مرات‪ .‬وفي نهايته‪ ،‬لم تعد المواصالت القديمة‬ ‫عدة ّ‬ ‫القائمة فيها كافية لحركة المرور‪ .‬وبعدما كانت‬ ‫المدينة قد وضعت خططاً إلنشاء مواصالت تحت‬ ‫أ‬ ‫الرض في منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬بدأ فعلياً‬ ‫أ‬ ‫حفر النفاق في عام ‪1900‬م‪.‬‬ ‫كان الحفر يتم بضغط الهواء في هذه أ‬ ‫النفاق‪ ،‬فعانى‬ ‫العمال من ارتفاع ضغط الدم وتسارع نبضات القلب‬ ‫وسماع طنين طوال الوقت في رؤوسهم‪ .‬لذلك‪ ،‬كان‬ ‫معظم القائمين بهذا العمل من المهاجرين إاليرلنديين‬ ‫أ‬ ‫واليطاليين‪ ،‬الذين يريدون البقاء بأي ثمن‪.‬‬ ‫واللمان إ‬ ‫وكان سكان المدينة يطلقون عليهم اسم (‪.)Sandhog‬‬ ‫الول من مترو أ‬ ‫انتهى الجزء أ‬ ‫النفاق في عام ‪1904‬م‪،‬‬ ‫أ‬ ‫واستخدمه ‪ 150‬ألف شخص في اليوم الول‪ .‬وارتفع‬

‫الثريَّات الفخمة في محطة المترو في موسكو‬

‫عدد الركاب اليوم إلى حوالي خمسة ماليين راكب‬ ‫يومياً‪ ،‬بحيث ال يمكن تصور الحياة في نيويورك دون‬ ‫مترو أ‬ ‫النفاق في الوقت الحاضر‪.‬‬ ‫لكن هناك أنفاق تحت أ‬ ‫الرض توقف استخدامها‬ ‫جزئياً‪ ،‬مثل نفق القطارات الموجود أسفل ريفر‬ ‫سايد بارك في مانهاتن‪ ،‬الذي جرى تشييده في عام‬ ‫‪1930‬م وأغلق في السبعينيات‪ ،‬ثم أعيد افتتاح‬ ‫جزء منه في عام ‪1991‬م‪ .‬لكن الجزء المغلق منه‬ ‫أصبح مأوى للمشردين‪ ،‬الذين يعرفون باسم (‪Mole‬‬ ‫‪ ،)People‬أو أناس أ‬ ‫النفاق‪ ،‬الذين أصبحوا مادة‬ ‫للعمال أ‬ ‫دسمة أ‬ ‫الدبية والسينمائية‪.‬‬ ‫قامت شرطة نيويورك في عام ‪1995‬م بطرد هؤالء‪،‬‬ ‫وهدم أكواخهم الخشبية والورقية المقامة على‬ ‫قضبان القطارات المهجورة‪ .‬لكن بعضهم استطاع‬ ‫العودة من جديد‪ ،‬معتبراً أن الحياة هناك في‬ ‫الظالم والرطوبة والقمامة‪ ،‬أفضل من العيش في‬ ‫شوارع نيويورك‪ ،‬ألنها توفر لهم أ‬ ‫المان من السرقة‪،‬‬ ‫وتحميهم من أ‬ ‫المطار والرياح والثلوج‪.‬‬

‫موسكو‪ ..‬قصور الشعب تحت أ‬ ‫الرض‬

‫ال مثيل على وجه أ‬ ‫الرض لمحطات مترو موسكو‬ ‫التي جرى افتتاح خطها أ‬ ‫الول عام ‪1935‬م‪ .‬ففيها‬ ‫أ‬ ‫ثريات عمالقة‪ ،‬وأرضيات وجدران من الرخام السود‬ ‫الملون‪ .‬وفوق كل ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫الثمين‪ ،‬والفسيفساء ّ‬ ‫أ‬ ‫لكل محطة طرازاً مختلفاً عن الخرى‪ ،‬عالوة على أنها‬ ‫على عمق يفوق غيرها من محطات مترو أ‬ ‫النفاق في‬ ‫بقية الدول‪.‬‬

‫سبقت هذا المشروع العمالق صعوبات جمة‪ ،‬بدءاً‬ ‫بنقص أ‬ ‫الموال الالزمة‪ ،‬وصوال ً إلى عدم امتالك‬ ‫ترسخ القناعة‬ ‫التقنيات والمعدات المطلوبة‪ ،‬وبعيد ّ‬ ‫بضرورة البدء في المشروع في عام ‪1911‬م‪ ،‬اندلعت‬ ‫الحرب العالمية أ‬ ‫الولى‪ ،‬ثم أتبعتها ثورة ‪1917‬م‪.‬‬


‫‪45 | 44‬‬

‫نظام تصريف للمياه في طوكيو‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫بدأت أعمال الحفر فعلياً في عام ‪1931‬م‪ .‬وظهرت‬ ‫تحديات جديدة‪ ،‬مثل وجود أنواع مختلفة من‬ ‫التربة في باطن أ‬ ‫الرض‪ ،‬وتجاويف مائية‪ ،‬ومحاجر‬ ‫المعدات السيئة في وقوع عديد من‬ ‫وتسببت‬ ‫َّ‬ ‫رملية‪ّ .‬‬ ‫أ‬ ‫الحوادث‪ ،‬وانهيار النفاق على من فيها‪ ،‬ومصرع‬ ‫كثيرين‪.‬‬ ‫في عام ‪1934‬م‪ ،‬رفعت الحكومة السوفياتية شعار‬ ‫(كل الدولة تبني المترو)‪ ،‬وانضم عشرة آالف شاب‬ ‫إلى العمل بحماس مفرط‪ ،‬حتى في أيام العطل‬ ‫أ‬ ‫السبوعية‪ ،‬وبلغ إجمالي من شاركوا في بناء مترو‬ ‫أنفاق موسكو حوالي نصف مليون شخص‪.‬‬ ‫لم يتوقع االتحاد السوفيتي الهجوم الجوي أ‬ ‫اللماني‬ ‫في أثناء الحرب العالمية الثانية في عام ‪1941‬م‪،‬‬ ‫ولذلك لم يوفر سلفاً المخابئ لمواطنيه‪ .‬فتقرر أن‬ ‫تصبح محطات المترو هي المخابئ‪ ،‬وانتقلت القيادة‬ ‫المركزية للدولة إلى إحدى هذه المحطات‪ ،‬لممارسة‬ ‫أعمالها من هناك‪ ،‬ووجد السكان في هذه القصور‬ ‫أ‬ ‫محبباً‪ ،‬بفضل ما تتمتع به من تهوية‬ ‫النيقة‪ ،‬مكاناً َّ‬ ‫جيدة وإضاءة وكل المرافق الالزمة‪ .‬وأقيمت لهذه‬ ‫أ‬ ‫الغالق‪ ،‬للحيلولة دون دخول‬ ‫النفاق بوابات محكمة إ‬ ‫الغازات في حالة الهجوم بأسلحة كيماوية‪.‬‬ ‫تمتد شبكة مترو أ‬ ‫النفاق في موسكو حالياً لمسافة ‪317‬‬ ‫كيلومتراً‪ ،‬ويبلغ عدد محطاتها ‪ 190‬محطة‪ ،‬ويستخدمها‬ ‫يومياً حوالي تسعة ماليين راكب‪ .‬وتزعم دراسة صادرة‬ ‫عن وزارة الدفاع أ‬ ‫المريكية أن هناك خطوط مترو‬ ‫سرية أسفل الكرملين‪ .‬وعلى الرغم من وجود كثير من‬ ‫المؤشرات على هذا أ‬ ‫المر‪ ،‬فإن الحكومة الروسية تلتزم‬ ‫الصمت‪ ،‬وترفض التعليق على ذلك‪.‬‬

‫طوكيو ‪ ..‬أحدث نظام تصريف للمياه‬ ‫في العالم‬ ‫يبلغ عدد سكان طوكيو وضواحيها المتصلة بها نحو‬ ‫‪ 37‬مليون نسمة‪ .‬والهدف أ‬ ‫الول للمسؤولين عنها‪ ،‬كان‬

‫دوماً استغالل المكان بأفضل طريقة ممكنة‪ .‬ولذا‪،‬‬ ‫لم يعد مستغرباً أن يكون فيها فندق تحت أ‬ ‫الرض‪،‬‬ ‫يحمل اسم «فندق الكبسوالت»‪ ،‬مساحة الغرفة‬ ‫فيه متران طوالً‪ ،‬ومتر ونصف المتر عرضاً‪ ،‬ونصف‬ ‫متر ارتفاعاً‪ ،‬يستريح فيها النزيل بعض الوقت‪ ،‬ثم‬ ‫دراجته في مكان االنتظار‬ ‫يغادر‪ ..‬ومن أراد أن يضع َّ‬ ‫المخصص لذلك‪ ،‬فإنه يضعها في تجويف فوق سطح‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫الرض‪ ،‬ينقلها إلى إحدى المواسير الموجودة على‬ ‫دراجة‪.‬‬ ‫عمق أحد عشر متراً‪ ،‬وتتسع كل ماسورة لمائتي َّ‬ ‫يستخدم ثالثة مليارات راكب خطوط مترو‬ ‫أ‬ ‫النفاق سنوياً في طوكيو‪ .‬وبذلك فهو من أكثرها‬ ‫الشارة إلى أن محطة‬ ‫استخداماً في العالم‪ .‬وتجدر إ‬ ‫«شينجوكو» وحدها‪ ،‬تستقبل يومياً مليوني راكب‪،‬‬ ‫يستخدمون خمسين مخرجاً‪ .‬وتضم هذه المحطة‬ ‫متاجر وغرف استراحة‪ ،‬ولذلك هي أقرب ألن توصف‬ ‫بمدينة صغيرة تحت أ‬ ‫الرض‪ .‬ونظراً لكثرة عدد الركاب‬ ‫في بعض المحطات‪ ،‬فهناك موظفون تابعون‬ ‫لشركة المواصالت‪ ،‬يرتدون قفازات بيضاء‪ ،‬ويقومون‬ ‫في وقت الذروة‪ ،‬بحشر الركاب الواقفين على باب‬ ‫المترو‪ ،‬حتى تغلق أ‬ ‫البواب‪ ،‬ويفعلون ذلك بأدب‬ ‫جم‪ ،‬ولكن بصرامة شديدة أيضاً‪.‬‬ ‫وكانت البيوت الصغيرة المتالصقة المصنوعة من‬ ‫الخشب سبباً في كثير من الكوارث‪ .‬فإذا اندلعت‬ ‫النار في أحدها‪ ،‬اتسعت بسرعة لتلتهم بقية المنازل‬ ‫المجاورة‪ .‬وإذا لم تنشب الحرائق‪ ،‬كانت تتناوب عليها‬ ‫كوارث طبيعية أخرى‪ ،‬فتارة تسقط البيوت بفعل‬ ‫الزالزل‪ ،‬وتارة أخرى تغرق تحت مياه الفيضانات‪.‬‬ ‫سعت طوكيو لمواجهة مشكلة الزالزل باستخدام‬ ‫لمبان متعددة الطوابق قادرة على‬ ‫أنظمة بناء حديثة ٍ‬ ‫أ‬ ‫مقاومة هذه الهزات العنيفة‪ ،‬حلَّت مكان البنية‬ ‫الخشبية التقليدية الصغيرة المنخفضة والمتالصقة‪.‬‬ ‫ونقلت السلطات غالبية التوصيالت الخاصة بالمرافق‬ ‫إلى تحت أ‬ ‫الرض‪.‬‬

‫في لندن‪ ،‬تحمل الشوارع‬ ‫والميادين أسماء ال يعرف‬ ‫ألنهار يبلغ‬ ‫كثيرون أنها‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫نهرا‪ ،‬جرى دفنها‬ ‫عددها ‪13‬‬ ‫تحت األرض حتى يمكن‬ ‫التوسع في المدينة‪...‬‬

‫أما بالنسبة للفيضانات فقد أنشأت طوكيو أحدث‬ ‫نظام تصريف مياه في العالم‪ ،‬يتألف من أنفاق على‬ ‫عمق ‪ 50‬متراً‪ ،‬طول كل واحد ‪ 65‬متراً وعرضه ‪32‬‬ ‫متراً‪ .‬وترتبط أ‬ ‫النفاق ببعضها بعضاً‪ ،‬وتمتد لمسافة‬ ‫أ‬ ‫‪ 60‬كيلومتراً‪ .‬وعندما تمتلئ بفعل المطار الغزيرة‬ ‫والسيول الكبيرة‪ ،‬تقوم مضخات بقوة ‪13500‬‬ ‫حصان‪ ،‬بدفع المياه إلى أنفاق أخرى تنتهي في‬ ‫المحيط‪ ،‬بطاقة تبلغ ‪ 200‬طن من المياه في الثانية‪.‬‬ ‫وقد استمر العمل في هذه أ‬ ‫النفاق ‪ 15‬عاماً‪ ،‬وبلغت‬ ‫تكلفتها أكثر من ملياري دوالر‪.‬‬

‫خاطفة تحت بعض‬ ‫جولة‬ ‫أ‬ ‫المدن الخرى‬

‫في لندن‪ ،‬تحمل الشوارع والميادين أسماء ال يعرف‬ ‫كثيرون أنها ألنهار يبلغ عددها ‪ 13‬نهراً‪ ،‬جرى‬ ‫دفنها تحت أ‬ ‫الرض حتى يمكن التوسع في المدينة‪،‬‬ ‫والتخلص من الروائح الناجمة عن تجمع القاذورات‬ ‫في مياهها‪ .‬وما زالت بعض هذه أ‬ ‫النهار الفرعية‬ ‫أ‬ ‫تصب في نهر التيمز‪ ،‬علماً أن عملية نقل النهار إلى‬ ‫تحت أ‬ ‫الرض بدأت في عام ‪1769‬م‪ ،‬وانتهت في‬ ‫منتصف القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫أ‬ ‫قرر الزعيم النازي أدولف هتلر‬ ‫في العاصمة اللمانية َّ‬ ‫في ‪ 26‬سبتمبر ‪1940‬م‪ ،‬إنشاء مخابئ إليواء ‪100‬‬ ‫ألف شخص‪ ،‬وتتسع للمواقع العسكرية‪ ،‬ولتخزين‬ ‫أ‬ ‫السلحة‪ ،‬وكانت هذه أكبر خطة بناء في التاريخ‪ ،‬لكن‬ ‫هذه المخابئ كانت على عمق ‪ 80‬سنتيمتراً فقط من‬ ‫سطح أ‬ ‫الرض‪ ،‬أي إنها ما كانت لتصمد أمام القنابل‪،‬‬ ‫بل لبث الطمأنينة في نفوس من بداخلها فقط‪،‬‬ ‫وتجتذب هذه أ‬ ‫النفاق سنوياً في برلين وحدها حوالي‬ ‫ربع مليون زائر سنوياً‪.‬‬ ‫المبراطورية‬ ‫ومدينة إسطنبول التي كانت عاصمة إ‬ ‫الرومانية ثم الدولة البيزنطية فالسلطنة العثمانية‪،‬‬ ‫ال تزال تحتفظ بأنفاق من العصر الروماني‪ ،‬كان واحد‬ ‫منها يستخدم كمخزن لمياه الشرب‪ ،‬تصطف فيه‬


‫نهر أ‬ ‫السطول في العصور القديمة لندن‬

‫أ‬ ‫العمدة بطول ‪ 138‬متراً‪ ،‬وعرض ‪ 65‬متراً‪ ،‬ولذلك‬ ‫يطلق عليه السكان اسم «القصر الغارق»‪.‬‬

‫مدينة مكسيكو تحت أ‬ ‫الرض‬

‫والعاصمة المجرية بودابست المشهورة بالحمامات‬ ‫ذات المياه المعدنية الصحية تضم ‪ 170‬كهفاً‬ ‫ومغارة تحت أ‬ ‫الرض‪ ،‬كلها طبيعية وليست من‬ ‫النسان‪ ،‬موجودة منذ ماليين السنين‪ .‬و ُعثر‬ ‫صنع إ‬ ‫فيها على آثار من العصر الحجري‪ ،‬تثبت وجود‬ ‫النسان في هذه الكهوف قبل ‪ 350‬ألف عام‪ .‬وفي‬ ‫إ‬ ‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬قرر القادة العسكريون‬ ‫بناء مستشفى في أحد هذه الكهوف‪ ،‬وبلغ عدد‬ ‫المرضى فيه عام ‪1944‬م حوالي ‪ 600‬شخص‪ ،‬مات‬ ‫كثير منهم‪ ،‬ليس بسبب جروحهم‪ ،‬بل بسبب سوء‬ ‫التهوية ونقص المياه في الكهف‪ ،‬وانتشار الجراثيم‬ ‫الضارة‪ .‬وبعد سنوات من إغالقه‪ ،‬أعيد تجديد المكان‬ ‫مؤخراً ليصبح متحفاً لل ّزوار‪.‬‬ ‫وفي العاصمة المكسيكية كما هو الحال في كثير من‬ ‫مدن أمريكا الالتينية‪ ،‬كشفت الحفريات عام ‪1978‬م‬ ‫عن وجود معبد عمالق‪ ،‬يرتفع حتى ‪ 60‬متراً‪ ،‬ويضم‬ ‫هرمين‪ .‬ولكن وجود معالم تاريخية كثيرة بناها‬ ‫المستعمرون السبان فوق عمائر السكان أ‬ ‫الصليين‪،‬‬ ‫إ‬ ‫تحول اليوم دون القيام بمزيد من التنقيب‬ ‫والحفريات‪ ،‬حتى ال تنهار المعالم الخاضعة لحماية‬ ‫الثار‪ .‬أ‬ ‫آ‬ ‫المر نفسه ينطبق على مدينة ليما عاصمة‬ ‫النكا من خالل‬ ‫بيرو‪ ،‬حيث اكتشفت آثار حضارة إ‬ ‫استخراج بقاياها من تحت أ‬ ‫الرض‪.‬‬

‫مستقبل البشرية تحت أقدامها؟‬

‫في أفالم الخيال العلمي‪ ،‬يكثر الحديث عن هجرة‬ ‫البشر إلى الفضاء‪ ،‬والعيش على كواكب أخرى بعد أن‬ ‫تضيق أ‬ ‫الرض بسكانها‪ ،‬رغم كثرة تعقيدات ذلك‪ .‬ولكن‬ ‫أ‬ ‫أال يمكن أن يكون الحل تحت أقدامنا‪ ،‬في باطن الرض؟‬ ‫يفضلون‬ ‫إن كثيرين من سكان مونتريال الكندية ِّ‬ ‫السكن في أحياء تحت أ‬ ‫الرض‪ ،‬في منأى عن الثلوج‬

‫«القصر الغارق» في مدينة إسطنبول‬

‫في الشتاء‪ ،‬والحرارة العالية في الصيف‪ .‬فما تحت‬ ‫أ‬ ‫الرض يوفر لهم كل ما يحتاجون إليه‪ ،‬ومنها إمكانية‬ ‫االنتقال من المنزل إلى الجامعة أو المتجر‪ ،‬دون‬ ‫السير في الشارع‪ .‬أال يثبت ذلك أن أ‬ ‫الرض تتسع‬ ‫ألضعاف سكانها‪ ،‬إذا عاشوا على مستويات متعددة‪،‬‬ ‫فوق أ‬ ‫الرض وتحتها؟‪.‬‬ ‫مرحباً بكم في العالم السفلي!‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪47 | 46‬‬

‫حياتنا اليوم‬

‫ثمة صورة عن األوروبيين تقول إنهم أكثر‬ ‫التزاما بالوقت ّ‬ ‫ً‬ ‫ودقة المواعيد من غيرهم‬ ‫ً‬ ‫صحيحا‪.‬‬ ‫من الشعوب‪ .‬ولربما كان ذلك‬ ‫ولكن‪ ،‬مع التبدالت التي طرأت على مسارات‬ ‫الحياة اليومية‪ ،‬وتكاثر عدد المهمات‬ ‫المتفاوتة األهمية على جدول األعمال‬ ‫اليومية‪ ،‬يبدو أن األوروبيين باتوا يتذمرون‬ ‫من ضغوط الوقت‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬بدأوا‬ ‫بالتأمل فيما إذا كانت إدارتهم للوقت هي‬ ‫ً‬ ‫فعال‪ ،‬أم أن كثرة األعمال والمهمات‬ ‫سليمة‬ ‫تستهلك من أوقاتهم ما كان من األفضل أن‬ ‫يخصص لغيرها‪.‬‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫كتابة‪ :‬مارين ُفص*‬ ‫ترجمة‪ :‬فريق القافلة‬

‫هل سئم‬ ‫األوروبيون‬ ‫ضغوط‬ ‫الوقت؟‬ ‫* مارين ُفص هي كاتبة ألمانية‪،‬‬ ‫بناء على تكليف‬ ‫كتبت هذا المقال ً‬ ‫خاص من المجلة‬


‫أ‬ ‫الرقام المضيئة في الساعة الرقمية تجبرني على‬ ‫يتبدل الرقم‪ ،‬أشعر بوخز‬ ‫النظر إليها‪ .‬وفي كل مرة َّ‬ ‫الضمير على تأخري‪ .‬إشارة المرور ما زالت حمراء‪،‬‬ ‫والسيارات تزحف مثل السلحفاة في الميدان الذي‬ ‫أنشأته البلدية حديثاً‪ ،‬وزعمت أن المرور سيصبح‬ ‫منساباً بعد ذلك‪ ،‬وأنه سيوفر الوقت للموظفين‪ ،‬الذين يتنقلون صباح‬ ‫كل يوم عبر الطريق السريع‪ ،‬وحتى ال يبدأ يومهم بالتوتر‪.‬‬ ‫لكن التوتر أصابني أيضاً‪ ،‬وأنا أراقب أرقام الساعة الرقمية‪ ،‬حيث‬ ‫أصبحت الثواني والدقائق أسرع من أي وقت مضى‪ .‬أال يمكن أن‬ ‫تتحرك ببطء بعض الشيء؟ ذلك هو الحل الوحيد‪ ،‬لكي أصل‬ ‫َّ‬ ‫تبدلت‬ ‫في الموعد‬ ‫المحدد‪ .‬وأخيراً‪ ،‬بعد فترة بدت لي النهائية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫الدراجة‪،‬‬ ‫إشارة المرور‪ ،‬وأصبحت خضراء‪ ،‬فأنطلق بكل طاقتي على َّ‬ ‫وأصبحت حركة قدمي متزامنة مع ثواني الساعة‪ ،‬ولساني يتحرك‪:‬‬ ‫واحد‪ ،‬اثنان‪ ،‬واحد‪ ،‬اثنان‪ ،...‬ويتملكني اليقين بأنني سأخرج من‬ ‫هذا السباق مع الزمن بكأس الفوز‪.‬‬ ‫يلفت نظري في الطريق ركن على جانب الطريق‪ ،‬تراكمت فوقه‬ ‫الزهور‪ ،‬ويافطة مكتوب عليها اسم الشاب الذي لقي حتفه في‬ ‫مطلع أ‬ ‫السبوع في حادثة مرورية‪ ،‬شاب كان يسير أيضاً تبعاً لهذا‬ ‫أ‬ ‫الزمن الطبيعي‪ ،‬ثم توقفت ساعته إلى البد‪ ،‬أصبحت ساعته بال‬ ‫مؤشرات رقمية‪ ،‬وال عقارب تتحرك‪.‬‬

‫الوقت هذا المستبد‬

‫الوقت عبارة عن فراغ‪ ،‬هو عبارة عن ال شيء غير مرئي وغير مادي‪،‬‬ ‫المساك به‪ ،‬أو إدراكه بالحواس الخمس‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫ال يمكن إ‬ ‫من ذلك‪ ،‬ال شيء يتحكم في حياتنا مثل الوقت‪ .‬هذا أمر يصعب‬ ‫فهمه‪ ،‬ولذلك نحاول أن نعبىء هذا الفراغ بـ «الحياة»‪ ،‬وأن نجعله‬ ‫قابال للقياس‪ ،‬والمقارنة بين مختلف مراحله‪ ،‬أ‬ ‫والهم من كل ذلك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أن يكون محسوباً ومخططاً‪ ،‬وأال يحمل في طياته ما لم نتوقعه‪ .‬ألن‬ ‫الفراغ هو أكبر تجسيد لحالة الركود‪ ،‬وفي عالمنا الذي يهيمن عليه‬

‫على المستوى الشخصي‪،‬‬ ‫يمكن بالتأكيد أن يفتح‬ ‫ً‬ ‫اإلنسان ً‬ ‫خلفيا‪ ،‬لثقافة‬ ‫بابا‬ ‫الوقت المقبلة من خارج‬ ‫العالم الغربي‪...‬‬

‫التطور فائق السرعة‪ ،‬يُعد هذا الركود كارثة من الناحية االقتصادية‬ ‫واالجتماعية وحتى أ‬ ‫الخالقية‪ .‬لذلك‪ ،‬ينبغي تجنب وقوعه‪ .‬ولهذا‬ ‫أ‬ ‫السبب‪ ،‬فإننا نسعى إلى أن نمل هذا الفراغ‪ ،‬بشيء له أكبر قدر من‬ ‫الفائدة‪ .‬فنخصص لكل شيء وكل عمل نقوم به في حياتنا‪ ،‬فترة‬ ‫ونحدد هذه الفترة بالثواني والدقائق والساعات‬ ‫زمنية من عمرنا‪ِّ ،‬‬ ‫واليام أ‬ ‫أ‬ ‫والسابيع والسنوات‪ ،‬بحيث تبقى في النهاية قابلة للحساب‪.‬‬ ‫إننا نحسب الفترة الالزمة لنمو الطفل في رحم أمه‪ ،‬والفترة‬ ‫المطلوبة ألن تنضج البيضة المسلوقة‪ ،‬والوقت المخصص للحصة‬ ‫في المدرسة‪ ،‬حتى يرن الجرس معلناً انتهاءها‪ ،‬الفترة التي تحتاجها‬ ‫الوردة حتى تتفتح‪ ،‬الوقت الذي تسطع فيه الشمس‪ ،‬حتى تغيب‬ ‫من أ‬ ‫الفق‪ ،‬المرة المقبلة التي سيتكرر فيها الفيضان‪ ،‬الوقت المثالي‬ ‫أ‬ ‫الالزم لتنظيف السنان بالفرشاة‪ ،‬والزمن الذي تحتاجه سفينة‬ ‫الفضاء حتى تصل إلى القمر‪ ،‬وأخيراً الوقت المتبقي حتى لحظة‬ ‫الموت‪ .‬فالوقت يهيمن على كل مجاالت الحياة‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن من‬ ‫أول أ‬ ‫الشياء التي يتعلمها الطفل في المدرسة‪ ،‬هو كيفية التعامل‬ ‫مع الوقت بأفضل طريقة ممكنة‪ ،‬ليتحكم فيه‪ ،‬وينظمه بمهارة‪،‬‬ ‫ولكي يستطيع أن يجعله طوع أمره‪.‬‬ ‫المكانات المتاحة في عالم اليوم‪ ،‬غالباً ما تتعارض مع‬ ‫إن ضخامة إ‬ ‫محدودية الوقت المتاح‪ ،‬من خوض الحياة الوظيفية إلى الوقت‬ ‫السرة أ‬ ‫الذي ينبغي قضاؤه مع أ‬ ‫والصدقاء‪ ،‬وتحقيق الذات من خالل‬ ‫ممارسة نوع جديد من الرياضات‪ ،‬أو الهوايات اليدوية‪ ،‬أو القيام‬ ‫برحلة بحقيبة على الظهر فقط‪ ،‬للتعرف على دول ما زالت بكراً‪ ،‬لم‬ ‫يزرها أحد من قبل‪ .‬هناك كثير جداً مما يمكن القيام به‪ ،‬أ‬ ‫والبواب‬ ‫مفتوحة على مصراعيها لذلك‪ .‬وفي الوقت نفسه ينبغي أال يتم‬ ‫إعداد الطعام بسرعة من خالل ضغطة زر‪ ،‬بل ينبغي أن يكون ذلك‬ ‫على نار هادئة‪ ،‬بحيث يأخذ وقته لينضج بطريقة صحية‪ ،‬وباهتمام‬ ‫بالغ‪ ،‬كما ينبغي أن يتناوله المرء باستمتاع وتقدير وتأمل‪.‬‬

‫ما زال اليوم ‪ 24‬ساعة‬

‫إن العولمة والتشابك في هذا العالم جعال المعروض في‬ ‫ً‬ ‫جميع مجاالت الحياة‪ ،‬يتضاعف مرات عديدة‪ ،‬وفتحا آفاقا لم‬ ‫الجيال السابقة‪ .‬أ‬ ‫تكن تخطر على بال أ‬ ‫المر الوحيد الذي يثير‬ ‫المكانات‪ ،‬بقي‬ ‫الغضب‪ ،‬أن الوقت المتاح لالستفادة من كل هذه إ‬ ‫بنفس المحدودية‪ .‬فما زال اليوم يتكون من ‪ 24‬ساعة‪ ،‬كما كان‬ ‫في الماضي‪ ،‬وما زال العام يتكون من ‪ 12‬شهراً فقط‪ ..‬ولذلك‪،‬‬ ‫المكانات‪.‬‬ ‫فالنسان مجبر على أن يختار من بين هذه إ‬ ‫إ‬ ‫النسان من عبء اتخاذ القرارات‪ ،‬وضيق الوقت‪،‬‬ ‫وحتى يخفف إ‬ ‫ولكي يوفر حيزاً للإمكانات التي ال حدود لها‪ ،‬فإنه يحاول أن يقوم‬ ‫بااللتزامات اليومية التي ال مفر منها‪ ،‬في أقصر وقت ممكن‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫النترنت‪ ،‬وماكينات قص الزرع من‬ ‫فهناك التعامالت المصرفية عبر إ‬ ‫خالل التحكم عن بُعد‪ ،‬والقطارات فائقة السرعة‪ ،‬والتعارف على‬ ‫شريك العمر من خالل مقابالت سريعة‪ ،‬ودورات مكثفة وسريعة‬ ‫لتعلم اللغات أ‬ ‫الجنبية‪ ،‬حتى فترات االسترخاء الضرورية السترداد‬ ‫الطاقة‪ ،‬أصبحت متوفرة في شكل (جرعة نعاس قصيرة)‪ ،‬بحيث‬ ‫ال (يضيع) الوقت‪ ،‬حتى حين يتقدم العمر‪ ،‬ويقترب أ‬ ‫الجل على‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫االنتهاء‪ ،‬فهناك (قائمة أ‬ ‫الشياء التي يجب االنتهاء منها)‪ ،‬والتي عادة‬ ‫ما تكون طويلة للغاية‪ ،‬ولذلك يلجأ كثيرون إلى التحايل على فترات‬


‫‪49 | 48‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫الجراءات‬ ‫الزمن الطبيعية‪ ،‬ومراحل العمر العادية‪ ،‬ويعتمدون على إ‬ ‫التي تعيد إليهم شبابهم‪ .‬وعلى الرغم من كل تلك المحاوالت‬ ‫النسان في النهاية ‪ -‬كما هو الحال دوماً في السباق‬ ‫والجهود‪ ،‬فإن إ‬ ‫مع الزمن ‪ -‬هو الخاسر‪ ،‬ويضطر إلى االعتراف بأنه عايش كثيراً من‬ ‫الشياء‪ ،‬لكنه لم يعش أياً منها‪ .‬يا لصعوبة هذا أ‬ ‫أ‬ ‫المر‪ ،‬حتى وقت‬ ‫وتحول إلى عنصر من حياتنا المليئة‬ ‫الفراغ أصبح رهن التخطيط‪َّ ،‬‬ ‫بالهرولة‪ ،‬وكل ذلك من أجل اللحاق بإيقاع سرعة هذا العالم‪.‬‬

‫فإننا نشعر بالتضجر بعد مرور دقائق قليلة على الموعد المتفق‬ ‫عليه‪ ،‬ونبدأ في النظر مرة وراء مرة إلى الهاتف الذكي‪ ،‬بحثاً عن أي‬ ‫رسالة من الشخص المتأخر‪ ،‬وبعد أن كنا نستمتع بالمكان الذي‬ ‫نقف فيه‪ ،‬ونشعر بالسعادة من أعماق قلوبنا‪ ،‬نجد أن نفس هذا‬ ‫المكان أصبح يثير ضيقنا‪ ،‬ويشعرنا بالملل‪ ،‬ونتساءل‪ :‬لماذا ال‬ ‫يستطيع القادمون من ثقافات أخرى أن يلتزموا بالمواعيد المتفق‬ ‫عليها؟ أال يُعد ذلك دليال ً على عدم االحترام؟ بالتأكيد ال‪ ،‬حتى ولو‬ ‫المر كذلك‪ ،‬فإن أ‬ ‫بدا أ‬ ‫المر ال عالقة له بعدم االحترام‪.‬‬

‫إن الحياة تتطلب تنظيماً وتخطيطاً‪ .‬وقد استطاع الناس في الغرب‬ ‫تحقيق ذلك‪ ،‬من خالل التزامهم بتقسيم الوقت‪ ،‬ووضع المهمات‬ ‫الواحدة تلو أ‬ ‫الخرى‪ ،‬بحيث ال يكون هناك أي (وقت ضائع)‪ ،‬وإنجاز‬ ‫المهمة تلو أ‬ ‫الخرى‪ ،‬في الوقت المخصص لها بالضبط‪ ،‬وبذلك‬ ‫تتحقق أكبر استفادة ممكنة من كل دقيقة‪ ،‬وهذا المفهوم يرتكز‬ ‫بصورة أساسية على الروح التي كانت سائدة في الثورة الصناعية‪،‬‬ ‫والتي جعلت أ‬ ‫الولوية لممارسة العمل الوظيفي بما يحقق أكبر‬ ‫إنتاجية‪ ،‬وأقصى استفادة من سنوات العمر‪ .‬واندمجت بذلك‬ ‫مفاهيم كانت سائدة ما بين القرن السادس عشر والقرن الثامن‬ ‫النسان دائم الطموح لتحقيق المزيد‪ ،‬وأال‬ ‫عشر‪ ،‬وتقضي بأن يكون إ‬ ‫يخلد إلى الراحة‪ ،‬وعدم االكتفاء بما تجمع لديه من ممتلكات‪.‬‬

‫يتبين له أن العكس تماماً هو الصحيح‪ .‬ألن‬ ‫إن من يدقِّق النظر َّ‬ ‫المهم هو احترام اللقاء في حد ذاته‪ ،‬والمكان المقرر التوجه إليه‪،‬‬ ‫وليس الثغرة المخصصة له في جدول المواعيد بعينها‪ ،‬فالموعد‬ ‫الدقيق والمعزول عن أي ظروف محيطة‪ ،‬ال مكان له في الثقافات‬ ‫التي تتب َّنى موقفاً مرناً من الوقت‪ ،‬يقوم على أساس أن الوقت‬ ‫مثل ماء النهر‪ ،‬دائم الحركة واالنسيابية‪ ،‬وليس له فواصل صارمة‪.‬‬ ‫إن حقيقة وقوع حدث ما‪ ،‬خصوصاً إذا كان متعلقاً بالعالقات‬ ‫بين الناس‪ ،‬تفوق أهميتها بكثير مسألة الوقت الزمني المحدد‬ ‫لها‪ .‬فإقامة عالقة شخصية‪ ،‬أو تجارية‪ ،‬أو إجراء حوار ثري ومفيد‬ ‫للطرفين‪ ،‬أو وقوع حادثة مثيرة‪ ..‬ال ينبغي أن يخضع لهيمنة‬ ‫الوقت‪ ،‬بل العكس هو الصحيح‪ .‬ويظهر ذلك في الحديث بين‬ ‫الناس‪ ،‬حيث ال يدخل إنسان في الموضوع مباشرة‪ ،‬ألن كل القضايا‬ ‫النسان وحده هو الذي‬ ‫الموضوعية‪ ،‬تأتي في المرتبة الثانية‪ ،‬إ‬ ‫يحتل المرتبة أ‬ ‫الولى‪ ،‬في الثقافات المرنة في التعامل مع الزمن‪.‬‬ ‫ال يجد أحد ضيراً من انقطاع الحديث لفترات محدودة‪ ،‬ويُعد ذلك‬ ‫أمراً طبيعياً‪ ،‬مثل أن يرد الشخص على مكالمة هاتفية جاءته أثناء‬ ‫الجلسة‪ ،‬أو أن يقف للسالم والحديث مع أحد المعارف‪ ،‬تصادف‬ ‫مروره على مكان اللقاء‪ .‬أ‬ ‫فالمور تسير في هذه الثقافات بصورة‬

‫الزمن في الثقافات المختلفة‬

‫أخالقية العمل‪ .‬فهل معنى‬ ‫لقد تناولت الثقافات كلها مسألة‬ ‫ِ‬ ‫ذلك أن مفهوم السباق أ‬ ‫البدي مع الزمن‪ ،‬راسخ في المجتمعات‬ ‫والثقافات‪ ،‬بحيث لم تعد هناك وسيلة للتخلص من العجلة‬ ‫واالستعجال؟ وهل يمكننا أن نحافظ على وجودنا‪ ،‬إن نحن خرجنا‬ ‫عن إيقاع الساعة الكونية؟ أم أن ذلك سيجعلنا نوصم بالخارجين‬ ‫على أ‬ ‫العراف االجتماعية وفاقدي الطموح‪ ،‬ألننا ال نسير على نفس‬ ‫الوتيرة‪ ،‬وال ننجز‪ ،‬وخالفنا قواعد اللعبة‪ ،‬حين خرجنا من حلبة‬ ‫المنافسة‪ ،‬السترداد أ‬ ‫النفاس؟‬ ‫لماذا ال نقدر أن نعيش مثلما يعيش آخرون في مناطق أخرى من‬ ‫أ‬ ‫نغير‬ ‫الكرة الرضية؟ في العالم العربي مثالً؟ هل ينبغي لنا أن ِّ‬ ‫عقارب الساعة‪ ،‬لكي نضبط أنفسنا على إيقاع زمني مختلف؟ كل‬ ‫منطقة في العالم لها إيقاعها الزمني‪ ،‬وهو أ‬ ‫المر الذي نلمسه في‬ ‫مواقف‪ ،‬كانت تبدو لنا كثيراً وكأنها ساذجة‪ .‬فعندما نضرب موعداً‬ ‫مع شخص للذهاب إلى المقهى سوياً‪ ،‬أو لحضور احتفال ما‪ ،‬في‬ ‫إقليم من العالم تسود فيه ثقافة التشدد في التعامل مع الوقت‪،‬‬


‫متوازية‪ ،‬وال تعرف المسار العمودي‪ ،‬ألن الوقت ليس محسوباً‬ ‫بصرامة‪ ،‬وليس مخصصاً ألمر واحد بعينه‪.‬‬

‫هل على أ‬ ‫الوروبيين أن يتعلموا من العرب؟‬

‫ما هو مفتاح الحياة الخالية من الهرولة والعجلة؟ هل ينبغي أن نتعلَّم‬ ‫من المفهوم السائد في العالم العربي وفي أمريكا الالتينية عن كيفية‬ ‫التعامل مع الوقت؟ إالجابة هي‪ :‬نعم وال في الوقت نفسه‪ ،‬بنا ًء على‬ ‫ما سبق ذكره عن ثقافة الوقت المترسخة والمتأصلة في العالم الغربي‪.‬‬ ‫فإن القيام بتجاهل ذلك‪ ،‬سيجعل الحياة تخرج عن القضبان الغربية‪،‬‬ ‫خصوصاً إذا تعلَّق أ‬ ‫المر بالقطاع التجاري‪ ،‬ألن مجرد طرح الفكرة‬ ‫أ‬ ‫عد‬ ‫وسي ّ‬ ‫سيؤدي إلى تجمد الدماء في عروق رجال العمال ونسائها‪َ ،‬‬ ‫كثيرون أن ذلك يعني ببساطة إالفالس مع سبق إالصرار والترصد‪.‬‬ ‫النسان باباً‬ ‫ولكن على المستوى الشخصي‪ ،‬يمكن بالتأكيد أن يفتح إ‬ ‫خلفياً‪ ،‬لثقافة الوقت المقبلة من خارج العالم الغربي‪ .‬لكن ذلك‬ ‫يعني لكثير من الناس‪ ،‬أن يعيدوا تعلم كيفية التعامل مع الزمن في‬ ‫بعض المجاالت في حياتهم‪ ،‬ألن غالبية الناس في الغرب ال خبرة‬ ‫لهم في التعامل مع الفراغات الموجودة في برنامجهم اليومي‪.‬‬ ‫اليقاع‬ ‫النسان الغربي أن يعتاد على التعامل مع إ‬ ‫عندها‪ ،‬يجب على إ‬ ‫النتاجية‪ ،‬بل ومع الركود من وقت‬ ‫البطيء‪ ،‬مع االسترخاء وعدم إ‬ ‫آلخر‪ .‬يجب على النسان الغربي أن يحرر نفسه من أ‬ ‫الفكار التي‬ ‫إ‬ ‫ِّ‬ ‫تثير خوفه من أن عدم القيام بشيء يعني بالضرورة وقوعه في‬ ‫بئر عميق ال يستطيع الخروج منه‪ .‬والدليل على خطأ هذا التصور‪،‬‬ ‫مدربين يقنعونهم بأهمية‬ ‫هو أن هناك غربيين يمارسون اليوغا‪ ،‬مع ِّ‬ ‫ذلك‪ ،‬وهناك آخرون يلتحقون بدورات باهظة التكاليف‪ ،‬للعالج‬ ‫القائم على خفض التوتر‪ ،‬والتخلص من الهرولة الدائمة‪ ،‬فيفعلون‬ ‫ذلك كله‪ ،‬من دون أن ينهار عالمهم‪.‬‬

‫نتحرك بدافع من داخلنا‪ ،‬ومن‬ ‫ينبغي لنا أن نمتلك الجرأة على أن َّ‬ ‫دون تدخل من الخارج‪ .‬لننتقل إلى أرض الالتخطيط‪ ،‬ولنتذكر ما‬ ‫أ‬ ‫اليرلندي الشهير أوسكار وايلد‪« :‬إن عدم القيام بأي‬ ‫قاله الديب إ‬ ‫الطالق‪ ،‬ويحتاج‬ ‫شيء‪ ،‬هو أصعب عمل يمكن القيام به على إ‬ ‫إلى أكبر قدر من التفكير»‪ .‬وهذا فعال ً هو الواقع‪ ،‬إذ إنه ليس‬ ‫النسان التعامل مع السكون‪ ،‬أو عدم‬ ‫من السهل‪ ،‬أن يحسن إ‬ ‫النسان من الحلقة المفرغة‬ ‫التفكير في أي شيء‪ ،‬أو أن يخرج إ‬ ‫أ‬ ‫النسان‬ ‫لسلوب حياتنا الغربية‪ ،‬فذلك يتطلب قوة فكرية‪ ،‬تمكّن إ‬ ‫من التخلص بوعي من ضغوط الحياة اليومية‪ ،‬وانتزاع القدرة على‬ ‫التحرر من ضغط البيئة المحيطة‪ ،‬وتقبل فكرة أال ضرورة لكي يبقى‬ ‫النسان حاضراً دوماً‪ ،‬أو َّأل يكون في قلب الحدث‪.‬‬ ‫إ‬

‫التحول‬ ‫خطة‬ ‫ُّ‬

‫النسان‬ ‫يمكن البدء في ذلك بخطوات صغيرة‪ .‬مثل أن يتوقف إ‬ ‫لبعض الوقت عن النظر إلى هاتفه الجوال‪ ،‬وإلى ساعة يده‪ ،‬وأن‬ ‫يعتمد على إحساسه الداخلي بالوقت‪ .‬ينبغي للإنسان أن يتوقف‬ ‫محددة سلفاً في جدوله اليومي‬ ‫عن تخصيص فترة زمنية ضيقة َّ‬ ‫الهتماماته الشخصية‪ ،‬أ‬ ‫وللشخاص الذين يلعبون دوراً في حياته‪،‬‬ ‫ألن عليه أن يعطيهم كل الوقت الذي يحتاجونه طالما كان مدفوعاً‬ ‫بعاطفته الداخلية‪ .‬وال ينبغي أن يصيبنا الذعر من فكرة التخلي عن‬ ‫التحكم في الوقت المنصرم‪ ،‬خاصة إذا كان ذلك في وقت الفراغ‪.‬‬ ‫فحبات الرمل تواصل النزول باستمرار في الساعة الرملية‪ ،‬سواء ظللنا‬ ‫َّ‬ ‫نراقبها طوال الوقت‪ ،‬أو لم نراقبها‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬فإن شعورنا‬ ‫دربناه سنة وراء سنة‪ ،‬هو أفضل بكثير مما‬ ‫الداخلي بالوقت‪ ،‬الذي َّ‬ ‫نعتقد‪ .‬وإذا وجد البعض أن هذا الكالم مثالي ونظري للغاية‪،‬‬ ‫وغير قابل للتطبيق‪ ،‬فما عليهم إال أن يجربوا ذلك يوماً واحداً‪،‬‬ ‫سيتبين لهم‬ ‫يسيرون فيه تبعاً لشعورهم الداخلي بالوقت‪ ،‬وعندها‬ ‫َّ‬ ‫أنهم قادرون على إنجاز كل شيء‪ ،‬دون توجيه وتحكم خارجي‪ ،‬بل‬ ‫وسيكونون أكثر اطمئناناً‪ ،‬واستمتاعاً باليوم‪.‬‬ ‫إن هذا االستمتاع يأتينا أيضاً حين نقضي لحظات استراحة‪ ،‬ال نفعل‬ ‫فيها شيئاً‪ ،‬عن عمد‪ ،‬ونضعها ضمن برنامجنا اليومي‪ ،‬أن نستلقي‬ ‫نصف ساعة على أ‬ ‫الريكة‪ ،‬أو في الحديقة‪ ،‬أو في الشرفة‪ ،‬أو حتى‬ ‫النسان‬ ‫بالجلوس على المقاعد المتوفرة في المتنزهات‪ .‬كل ما على إ‬ ‫هو أن يترك ألفكاره العنان‪ ،‬ويغلق عينيه‪ ،‬ويترك أ‬ ‫الحداث التي‬ ‫مرت عليه‪ ،‬تمر مثل الشريط السينمائي‪ ،‬وال شيء غير ذلك‪ .‬أو‬ ‫أن يخصص وقتاً ثابتاً‪ ،‬يقضيه في شيء يحبه‪ ،‬ويعطيه جل تركيزه‬ ‫واهتمامه‪ ،‬مثل أن يتصفح مجلة‪ ،‬أو أن يتصل هاتفياً بشخص‬ ‫عزيز‪ ،‬أو يمارس لعبة يهواها‪ ،‬أو أن يتمشى‪ ،‬حتى ولو كان ذلك على‬ ‫حساب مهمة‪ ،‬كان من الممكن تأديتها في هذا الوقت‪..‬‬ ‫من البديهي أننا نتأثر بحقيقة محدودية الفترة الزمنية التي نعيشها‪.‬‬ ‫وهي الحقيقة التي تنعكس على كل ما نفعله وما ال نفعله‪ .‬ولكن‪ ،‬في‬ ‫النهاية‪ ،‬يكون العنصر الحاسم هو روعة وتركيز اللحظات أ‬ ‫والوقات‬ ‫والتجارب والمقابالت التي أتيحت لنا فرصة االستمتاع بها‪ ،‬والتي‬ ‫تترسخ في مخيلتنا‪ ،‬وليس أ‬ ‫للمر عالقة بالكم‪ ،‬بل بالكيف‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪51 | 50‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫تخصص جديد‬

‫إنشاء‬ ‫المؤسسة‬ ‫التجارية‬

‫يهدف هذا التخصص الجامعي الجديد إلى التمكين‬ ‫من إنشاء المؤسسة التجارية المنشودة وفق أسلم‬ ‫الشروط والمعطيات‪ ،‬ويغطِّي مجموعة من الموضوعات‬ ‫الضرورية إلنشاء المؤسسات التجارية الناجحة بما في ذلك‪:‬‬ ‫العقلية‪ ،‬والتصور‪ ،‬والتخطيط والعمل‪ ،‬واالستراتيجية‪ .‬وبدال ً من‬ ‫مجرد وصف ما يجب القيام به‪ ،‬يتم التركيز في هذا التخصص‬ ‫على توجيه الطالب من خالل مشروع عملي تطبيقي‪ ،‬إذ يتم تتويج‬ ‫المقررات المطلوبة بمشروع عملي يجمع كل أ‬ ‫الدوات والدروس التي‬ ‫نوقشت‪ ،‬ويضعها قيد التنفيذ‪ .‬ويقوم المشروع على أساس فكرة‬ ‫مطروحة من قبل الطالب‪ .‬وقد ال يكون بالضرورة مشروع أ‬ ‫الحالم‪،‬‬ ‫َِ‬ ‫يؤمن مستقبال ً عملياً‬ ‫ولكنه فرصة للسير على الطريق الصحيح الذي ِّ‬ ‫زاهراً‪.‬‬ ‫أما المقررات المطلوبة فتأتي تحت العناوين التالية‪:‬‬

‫العمال‪ :‬الخطوة أ‬ ‫• تطوير عقلية الريادة في أ‬ ‫الولى نحو النجاح‪.‬‬ ‫أ‬ ‫البداع لتمكين االبتكار‪.‬‬ ‫• البحث عن الفكار الناجحة‪ :‬تسخير إ‬ ‫• التخطيط‪ :‬المبادئ‪ ،‬االقتراحات‪ ،‬والتدقيق‪ ،‬والممارسة‪.‬‬ ‫• البنية‪ :‬وضع إطار لتوسيع أ‬ ‫العمال التجارية‪.‬‬ ‫• اطالق االستراتيجية‪ :‬خمس خطوات لتجربة تتويجية‪.‬‬ ‫• التتويج‪ :‬إطالق المؤسسة الخاصة‪.‬‬ ‫وقد تم تطوير هذا التخصص كفرع من فروع إدارة أ‬ ‫العمال‪ ،‬ويكمن‬ ‫هدفه أ‬ ‫الساسي في تطوير عقلية المبادرة لدى الطالب والدخول‬ ‫المباشر إلى سوق العمل بعد التخرج مباشرة‪.‬‬ ‫لمزيد من المعلومات يمكن العودة إلى الرابط التالي‪:‬‬ ‫‪https://www.coursera.org/specializations/start-your-own‬‬‫‪business‬‬


‫رحلة إلى‬

‫ّ‬ ‫فمعدله ‪2500‬‬ ‫الصفر)‪ ،‬أما ارتفاع األرض فيه‬ ‫ّ‬ ‫معدل تساقط األمطار نحو‬ ‫متر‪ ،‬فيما يبلغ‬ ‫‪ 200‬ملمتر في السنة‪ .‬وقد بلغت أعلى سرعة‬ ‫ً‬ ‫كيلومترا في الساعة‪.‬‬ ‫للرياح فيه ‪327‬‬

‫ّ‬ ‫حافة العالم‬ ‫جبال جليد هائلة‪ ،‬وحياة بريّة نادرة‪ ،‬وطبيعة نق ّية‪ ،‬يكاد لم يمسسها‬ ‫جذب قوي يدعو إلى السفر نحو القطب‬ ‫بشر من قبل‪ ...‬إنها عامل‬ ‫الجنوبي‪ .‬لكن الرحلة عبر ممر ٍدريك (بين المحيطين أ‬ ‫الطلسي والهادئ)‬ ‫ّ‬ ‫إلى المناطق التي تظل حرارتها تحت الصفر‪ ،‬حيث المناخ الشديد‬ ‫القسوة الذي يستقبل الزائرين‪ ،‬تبقى رادعاً عن المغامرة‪( .‬صورة من‬ ‫محمد فقير)‬ ‫نصير ّ‬

‫نصير محمد فقير *‬

‫عين وعدسة‬

‫«هل تخوض سباق ماراثون في القطب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫فقدت صوابك»‪.‬‬ ‫المتجمد الجنوبي؟ ال بد أنك‬ ‫ً‬ ‫ذلك هو ّ‬ ‫غالبا‬ ‫رد الفعل الذي كان يقابل‬ ‫موظف خدمات االستكشاف في أرامكو‬ ‫ّ‬ ‫محمد فقير‪ ،‬حين كان‬ ‫السعودية‪ ،‬نصير‬ ‫ّ‬ ‫يتحدث عن نيّ ته أن يركض الماراثون في‬ ‫ّ‬ ‫المتجمد الجنوبي‪.‬‬ ‫القطب‬ ‫وهو في الواقع لم يجد أن ّ‬ ‫رد الفعل هذا غير‬ ‫منطقي‪ ،‬فالقطب الجنوبي هو األشد ً‬ ‫بردا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وارتفاعا‪ ،‬بين القارات في الكرة‬ ‫وجفافا‬ ‫ورياحا‬ ‫األرضيّ ة‪ .‬وقد ُس ِّج َلت فيه أدنى درجة حرارة‬ ‫ّ‬ ‫موثقة على اإلطالق (‪ 89‬درجة مئويّ ة تحت‬


‫‪53 | 52‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫المتحمسين يتجمهرون عند خط‬ ‫العدائين‬ ‫جماعة من ّ‬ ‫ّ‬ ‫بداية ماراثون القطب الجنوبي ‪2016‬م‪ ،‬ونصف‬ ‫الماراثون أيضاً‪ .‬الصورة من‪« :‬ماراثون تورز»‬

‫القطب الجنوبي معزول تماماً‪ ،‬وليس‬ ‫ثمة رحالت جويّة تجاريّة إليه‪ ،‬وأما أقصر‬ ‫الممرات البحريّة بالباخرة إليه‪ ،‬فهو من‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ممر‬ ‫أقصى جنوب ّ‬ ‫القارة ال ّ‬ ‫مريكية‪ ،‬عبر ّ‬ ‫«دريك» الخطر‪ ،‬حيث يمكن أن يبلغ ارتفاع‬ ‫عد أخطر المناطق للإبحار في العالم‪،‬‬ ‫الموج ‪ 30‬متراً‪ .‬وهو يُ ّ‬ ‫بحار‪ .‬فما الذي يحفِّز إذاً على‬ ‫فقد غرق فيه أكثر من ‪ 20‬ألف ّ‬ ‫تجشم عناء السفر كل هذه الطريق إلى القطب الجنوبي‪ ،‬من‬ ‫ّ‬ ‫بمجرد‬ ‫واقعة‪،‬‬ ‫حقيقة‬ ‫الرحلة‬ ‫صارت‬ ‫لقد‬ ‫اثون؟‬ ‫ر‬ ‫الما‬ ‫ركض‬ ‫أجل‬ ‫ّ‬ ‫الصدفة‪ ،‬ال بتخطيط سابق‪.‬‬

‫بديال ً من «السكواش»‬

‫محمد فقير هواية الركض منذ سنوات سبع‪ ،‬بديال ً عن‬ ‫بدأ نصير ّ‬ ‫العدائين في الظهران‪ .‬وفي‬ ‫هواية «السكواش»‪ ،‬وانضم إلى نادي ّ‬ ‫سنة ‪2010‬م‪ ،‬ركض في أول ماراثون له في دبي‪ .‬ومسافة الماراثون‬ ‫المعروفة هي ‪ 42.2‬كيلومتراً‪ ،‬أي ‪ 26.2‬ميل‪ .‬وتطلّع الحقاً إلى‬ ‫المشاركة في ماراثون لندن‪ ،‬وهو من أشهر السباقات المعروفة‪.‬‬ ‫والمشاركة بماراثون لندن تكون بالقُرعة حقيقةً ‪ ،‬إذ يطلب االشتراك‬ ‫عداء‪ ،‬فال تتاح المشاركة َّإل لـ ‪ 17‬ألفاً‪ .‬ولذا‪ ،‬وجد سبيال ً‬ ‫‪ 125‬ألف ّ‬ ‫آخر للمشاركة‪ ،‬وهو االستعانة بوكالة سفر لها أماكن محجوزة‬ ‫لزبائنها في السباق‪ .‬وتدير إحدى هذه الوكاالت «نادي القارات‬

‫محمد فقير يرتدي َعل َْم أرامكو السعوديّة في‬ ‫نصير ّ‬ ‫رحلته إلى القطب الجنوبي‬


‫«كانت رحلة من العمر‪ .‬إننا‬ ‫نشعر بكثير من التواضع أمام‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫كثيرا‬ ‫ونقدر‬ ‫هذه التجربة‪،‬‬ ‫الدعم الذي ّ‬ ‫تلقيناه»‪.‬‬ ‫وعدته في ظروف تشبه يوم‬ ‫السفر أتاح لنصير أن يختبر استعداده ّ‬ ‫السباق‪.‬‬ ‫جبل جليد ّ‬ ‫يطل على‬ ‫بضعة بيوت في المنطقة‬ ‫التي يجري فيها سباق‬ ‫الماراثون‬

‫بشدة إلى االشتراك في سباقات‬ ‫السبع»‪ ،‬الذي يسعى أعضاؤه ّ‬ ‫الماراثون‪ ،‬أو نصف الماراثون‪ ،‬على كل من القارات السبع‪ .‬ووقّع‬ ‫نصير طلباً لالشتراك‪ ،‬وبعد بضعة أشهر كان يشارك في ماراثون‬ ‫لندن‪.‬‬ ‫بعد إنهائه ماراثون طوكيو في سنة ‪2014‬م‪ ،‬وقبله سباقا ماراثون‬ ‫جدياً‪ ،‬فكرة إكمال‬ ‫في أوروبا وشمال أمريكا‪ ،‬بدأت تخطر لنصير ّ‬ ‫القارة‬ ‫القارات السبع‪ .‬لكن فرص االشتراك في سباق ّ‬ ‫سباقات ّ‬ ‫فوضعت الفكرة‬ ‫الجنوبية كانت قد ِنفدت حتى سنة ‪2018‬م‪ُ .‬‬ ‫ّ‬ ‫على الرف‪ .‬غير أنه في يونيو ‪2015‬م‪ ،‬تلقّى رسالة إلكترونية من‬ ‫وكالة السفر‪ ،‬تشير إلى أن بعض المشاركين ألغوا مشاركتهم في‬ ‫سنة ‪2016‬م في القطب الجنوبي‪ ،‬وأن المشاركة متاحة لعدد من‬ ‫استبدت الحماسة‬ ‫العدائين‪ .‬ولما كانت الئحة االنتظار طويلة‪ ،‬فقد‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫بنصير لهذه الفرصة المتاحة‪.‬‬

‫ُصدق‬ ‫االستعداد لرحلة ال ت َّ‬

‫كانت ظروف االستعداد للرحلة إلى القطب الجنوبي في الظهران‬ ‫بعيدة عن الكمال‪ .‬فالمناخ هنا على النقيض‪ ،‬وحتى طبيعة أ‬ ‫الرض‬ ‫شديدة االختالف‪ .‬ولذا ركّز نصير على تعزيز قدراته الجسدية‪،‬‬ ‫وشارك في سباقي ماراثون برلين ودبي‪ ،‬وحقّق أفضل النتائج‬ ‫الشخصية له في كليهما‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إن المناخ الشديد البرودة في القطب الجنوبي‪ ،‬يقتضي مالبس‬ ‫مناسبة‪ ،‬وهذا أمر ضروري‪ .‬فللدفء والحماية من البرد‪ ،‬ال بد من‬ ‫ثالث طبقات من الثياب‪ ،‬تبدأ من أعلى الجسم‪ ،‬بما في ذلك ثياب‬ ‫تبث الدفء‪ ،‬وثياب‬ ‫متوسطة ّ‬ ‫ّ‬ ‫داخلية من القماش المجدول‪ ،‬وثياب ّ‬ ‫خارجية تحمي من الريح والثلج‪.‬‬ ‫ّ‬

‫َّ‬ ‫استقل نصير‬ ‫وبعد االلتقاء ببقية المتسابقين في بوينس أيرس‪،‬‬ ‫وزوجته الطائرة إلى أوشوايا‪ ،‬أبعد مدن الكرة أ‬ ‫الرضية إلى الجنوب‪.‬‬ ‫البحار سلساً عبر قناة بيغل‪،‬‬ ‫ومن هناك أبحرا عبر ممر دريك‪ .‬كان إ‬ ‫وحتى عندما وصلت الباخرة إلى ممر دريك‪ ،‬فالباخرة كانت تعلو‬ ‫وتهبط بلطف‪ ،‬حتى إن هذا أ‬ ‫المر استحق لهذه المرحلة تسميتها‪:‬‬ ‫بحيرة دريك‪.‬‬ ‫تحولت إلى زلزال دريك‪ .‬فقد‬ ‫غير أن بحيرة دريك هذه سرعان ما ّ‬ ‫اشتدت الريح‪ ،‬وأخذت أ‬ ‫المواج تعلو‪ ،‬وبدأت الباخرة تعلو معها‬ ‫بقوة‪ ،‬عمودياً وجانبياً‪ .‬وفي الليل‪ ،‬قوي الترنّح هذا‪ ،‬إلى‬ ‫وتميل ّ‬ ‫الشياء غير الثابتة بدأت تسقط على أ‬ ‫درجة أن أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫تتذكّر جميلة الرحلة جيداً‪« :‬كنا نستيقظ على صوت سقوط أ‬ ‫الشياء‪.‬‬ ‫وحين كنا نضيء المصباح‪ ،‬كنا نرى أن كل أغراضنا مبعثرة على‬ ‫أرض الغرفة‪ ،‬وحتى الكرسي قد انقلب»‪ .‬وبعد إبحار يومين‪ ،‬وصلت‬ ‫الباخرة إلى جزيرة الملك جورج‪ ،‬موقع سباق الماراثون‪.‬‬

‫بداية مثلجة‬

‫ّ‬ ‫حل يوم السباق الذي شهد سقوط بعض الثلج‪ .‬وانتقل‬ ‫المتسابقون في قوارب مطاطية إلى شاطئ المكان المطلوب‪ ،‬بعدما‬ ‫ارتدوا مالبس السباق‪ ،‬وبدأوا يعدون‪.‬‬ ‫كانت البداية مثلجة حقاً‪ .‬فعند أول منحنى‪ ،‬داس نصير في بقعة‬ ‫ماء مثلج‪ ،‬ودخل منها بعض الماء في حذائه‪ .‬وهو يقول‪« :‬لم تكن‬ ‫هذه هي البداية التي أردتُها في سباق الماراثون»‪.‬‬ ‫ويتضمن اجتياز عدد من التالل‪،‬‬ ‫كان السباق من ست مراحل‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تسمى «السور العظيم»‪.‬‬ ‫والمرور بالقرب من قاعدة‬ ‫صينية علمية‪ّ ،‬‬ ‫وبدءاً بالمرحلة الثانية‪ ،‬راحت ّ أ‬ ‫تتحسن‪.‬‬ ‫مور‬ ‫ال‬ ‫ّ‬

‫ولما كانت السيقان تُنتجان الحرارة‪ ،‬فهما ال تحتاجان َّإل إلى طبقتين‬ ‫زوجي جوارب‪ ،‬وقفّازات صامدة‬ ‫من الثياب‪ .‬ومع هذا‪ ،‬ال بد من َ‬ ‫وقبعة‪.‬‬ ‫للمياه‪ ،‬وملفح للعنق‪ّ ،‬‬

‫ونيف‪.‬‬ ‫وصل نصير إلى منتصف مسافة الماراثون‪ ،‬في ساعتين ّ‬ ‫وقال‪« :‬أذكر حين كنت أفكّر بيني وبين نفسي‪ ،‬أنني ربما أُنهي‬ ‫المسافة في أربع ساعات»‪ .‬لكن هذا لم يحدث تماماً كما‬ ‫احتسب‪.‬‬

‫سافر نصير وزوجته جميلة أوال ً إلى هلسنكي‪ ،‬فنلندا‪ ،‬قبل أن يطيرا‬ ‫الرجنتين‪ .‬وفيما قد يبدو هذا قليل اليحاء آ‬ ‫إلى أ‬ ‫بالتي‪ ،‬إال أن‬ ‫إ‬

‫اشتدت الريح‪ ،‬وتخطّت سرعتها ‪ 60‬كيلومتراً في الساعة‪ ،‬قاذفة‬ ‫الركض إلى طين‬ ‫الثلج في وجوه ّ‬ ‫العدائين‪ّ .‬‬ ‫وتحول جزء من مسار ّ‬

‫الترنّح في دريك‬


‫‪55 | 54‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫قد يكون السفر إلى منطقة نق ّية لم يعبث بها بشر‪ ،‬أمر ًا‬ ‫عسيراً في أحسن احتمال‪ ،‬لكن المكافأة كبيرة للذين واجهوا‬ ‫المشاق من أجل إتمام الرحلة‪ ،‬من حيث خوض التجربة‬ ‫ومشاهدة هذه المواقع الفريدة‬

‫تخدرت يدا نصير من‬ ‫جليدي‪ ،‬زلق جداً‪ .‬وفي المرحلة الخامسة‪ّ ،‬‬ ‫الحساس بأصابعه‪.‬‬ ‫شدة البرد‪ ،‬وفقد إ‬ ‫ّ‬ ‫عند هذا‪ ،‬تذكّر ما قاله له الناس عن الظروف القاسية‪ ،‬فقال في‬ ‫نفسه إن أ‬ ‫المر كان ضرباً من الجنون فعالً‪ .‬وقاوم نصير للبقاء مع‬ ‫الرتل الذي أمامه‪ ،‬وهو يعلم أنه ما إن يصل إلى السور العظيم‪،‬‬ ‫حتى تصبح أ‬ ‫المور أسهل كثيراً‪.‬‬ ‫في طريق العودة‪ ،‬الحظ عجل بحر يحاول أن يجتاز المسار‪ ،‬فكانت‬ ‫الختامية‪ ،‬كانت الريح الذعة‬ ‫تلك تسلية ممتعة‪ .‬لكن في المرحلة‬ ‫ّ‬ ‫للغاية‪ ،‬وجعلت متابعة العدو صعبة جداً‪ .‬ومع هذا تمالك نصير‬ ‫نفسه واستجمع قواه‪ ،‬ليصل إلى خط النهاية‪ ،‬حيث كانت جميلة‬ ‫محمد فقير‬ ‫وسجل نصير ّ‬ ‫تنتظره‪ ،‬مع ابتسامة واسعة على وجهها‪ّ .‬‬ ‫وقتاً بلغ خمس ساعات وثالث دقائق‪ .‬وبعد ثالثين دقيقة فقط‪،‬‬ ‫جب َر المنظِّمون على وقف السباق‪ ،‬حين ساء الطقس‪ ،‬إلى درجة أنه‬ ‫أُ ِ‬ ‫العدائين‪.‬‬ ‫يهدد سالمة ّ‬ ‫بات ِّ‬

‫فرصة فريدة‬

‫تنص على‬ ‫تحكم القطب الجنوبي معاهدة عام ‪1959‬م‪ ،‬التي ّ‬ ‫أن أراضي القطب هي قبل كل شيء أ‬ ‫العلمية‪ .‬وليس من‬ ‫للغراض‬ ‫ّ‬ ‫سمح سوى لمئة زائر في اليوم‬ ‫تحتية هناك للسياحة‪ .‬وال يُ َ‬ ‫بنية ّ‬

‫ألي منطقة‪ .‬وعلى هؤالء الزوار أن يخضعوا إلجراءات التعقيم‬ ‫الملوثات‪ ،‬لضمان عدم إدخال كائن حي غريب في هذه البيئة‬ ‫من ّ‬ ‫الحساسة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في أ‬ ‫اليام التي تلت سباق الماراثون‪ ،‬زار أعضاء البعثة كثير ًا‬ ‫القارة الجنوبية‪ ،‬فشاهدوا جبال‬ ‫من الجزر‪ ،‬ومناطق أخرى في ّ‬ ‫الجليد‪ ،‬والمياه المتجلِّدة‪ .‬كذلك أتيحت لهم مشاهدة بعض‬ ‫الغنية‪ ،‬مثل طيور البطريق‪ ،‬وعجول البحر‪ ،‬وحتى‬ ‫الحياة البريّة ّ‬ ‫الحوت أحياناً‪.‬‬ ‫فضولية جداً‪ ،‬وكثيراً‬ ‫الفتية أن تكون‬ ‫ّ‬ ‫ويقول نصير‪« :‬يمكن للبطاريق ّ‬ ‫ما كانت تنقر أحذيتنا وستراتنا‪ .‬المشاهد مدهشة‪ ،‬لكنها أيضاً‬ ‫يخيم الصمت‪ .‬وفي أحيان اللونان الوحيدان اللذان‬ ‫غريبة‪ ،‬إذ ّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫تراهما هما السود والبيض‪ .‬كانت رحلة من العمر‪ .‬ونحن نشعر‬ ‫بالتواضع حيال التجربة التي خضناها‪ ،‬ونشعر باالمتنان الكبير‬ ‫للدعم الذي لقيناه»‪.‬‬ ‫* نُشر المقال في مجلة «دايمنشنز» التي‬ ‫بالنجليزية في‬ ‫تصدرها أرامكو السعودية إ‬ ‫عدد صيف ‪2016‬م‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫يتيح ماراثون القطب الجنوبي فرصة فريدة جداً للمشاركين‪،‬‬ ‫ال تُـتاح لهم في أي سباق آخر‬

‫بطاريق القطب الجنوبي‪ ،‬فضول ّية في الغالب‪ ،‬وال تخجل من متابعة‬ ‫بمعداتهم ومقتنياتهم الغريبة‬ ‫الزوار الغرباء‪ ،‬حتى ّ‬

‫نصير يرفع إبهاميه بعالمة االنتصار‪ ،‬لدى إتمامه المرحلة أ‬ ‫الولى من‬ ‫المراحل الست‪ ،‬في سباق الـ ‪ 26,2‬ميل‪ .‬الصورة من «ماراثون تورز»‬

‫في أ‬ ‫اليام التي تلت السباق‪ ،‬تمكَّن نصير ورفاقه من إلقاء نظرة عن كثب إلى الحياة البريّة في القطب الجنوبي‪ ،‬بما فيها هذه البطاريق التي تحيط به‪ .‬الصورة من فقير‬


‫‪57 | 56‬‬

‫فكرة‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫جناح المملكة المتحدة في معرض ميالنو‬

‫موسيقى‬ ‫النحل‬

‫ولفغانغ بترس وأعضاء فرقته‬

‫النحل حشرات رائعة ومعقَّدة‪ ،‬أثبتت فائدتها العلمية وأهميتها‬ ‫تبين هو أن لديها أيضاً مواهب‬ ‫بالنسبة لهذا الكوكب‪ ،‬ولكن ما َّ‬ ‫موسيقية غير مستغلة‪ .‬فقد نجح الفنان البريطاني ولفغانغ بترس مع فرقته‬ ‫التي تدعى «بي»‪ ،‬بالتعاون مع ‪ 40,000‬نحلة في عزف سيمفونية جميلة من‬ ‫الموسيقى التجريبية‪.‬‬

‫وكانت عالقة بترس مع هذه الحشرات قد بدأت من خالل مشروع آخر‪ .‬إذ تم‬ ‫اختيار بترس لتمثيل المملكة المتحدة في معرض أقيم في ميالنو سنة ‪2015‬م‪،‬‬ ‫تحت شعار «إطعام الكرة أ‬ ‫الرضية‪ ...‬طاقة من أجل الحياة»‪ .‬فاستلهم تصميم‬ ‫والمهدد في‬ ‫الجناح من النحل المسؤول عن ‪ %30‬من الطعام الذي نتناوله‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الوقت نفسه بالمبيدات الحشرية المستخدمة في الزراعة‪ .‬وجاء تصميم الجناح‬ ‫على شكل خلية ضخمة من أ‬ ‫الشباك المتداخلة التي يبلغ وزنها ‪ 50‬طناً‪ ،‬وارتفاعها‬ ‫‪ 17‬متراً‪ ،‬بحيث يمكن للزوار الدخول إليها والتجول فيها‪.‬‬ ‫ومن خالل استخدام أجهزة استشعار االهتزاز‪ ،‬استطاع بترس أن ينقل حركة النحل‬ ‫النجليزية إلى هيكله الضخم الذي أنشأه‬ ‫من خلية فعلية موجودة في نوتنغهام إ‬ ‫يحرك‬ ‫سؤال‬ ‫هناك‬ ‫بقي‬ ‫ولكن‬ ‫ام‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫في معرض ميالنو‪ .‬وسار كل شيء على‬ ‫ِّ‬ ‫بترس ويؤرقه وهو حول كيفية نقل أ‬ ‫الصوات التي سمعها عندما رفع الغطاء عن‬ ‫خلية النحل التي زارها في نوتنغهام‪ ،‬حيث سمع أنين النحالت التي‪ ،‬بدال ً من أن‬ ‫تحرك مشاعره من الداخل‪.‬‬ ‫تكون مزعجة بالنسبة إليه‪،‬‬ ‫بقيت همهمتها العميقة ِّ‬ ‫ولذلك عزم على نقل هذه أ‬ ‫الصوات بطريقة أو بأخرى‪.‬‬

‫ولهذه الغاية‪ ،‬شكّل بترس فرقة موسيقية مع زميليه كيلو باالت وتوني فوستر‬ ‫وسماها «بي»‪ ،‬أي‬ ‫ومجموعة من المغنين‪ ،‬وعازفي التشيلو وموسيقيين آخرين‪َّ ،‬‬ ‫نحلة‪ ،‬لتسجيل موسيقى تصاحبها أصوات حية صادرة عن خلية نحل نوتنغهام‬ ‫المكونة من ‪ 40,000‬نحلة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬قامت الفرقة بتجارب الختبار مجموعة‬ ‫ّ‬ ‫من أ‬ ‫الصوات المختلفة خالل جلسات التسجيل إليجاد التوازن الصحيح بين أنين‬ ‫الالت الموسيقية أ‬ ‫النحل وأصوات آ‬ ‫الخرى‪ .‬ولكنها وجدت أن الحفاظ على النحل‪،‬‬ ‫البرز في الفرقة أعطى أفضل النتائج وأعذب أ‬ ‫وكأنها آلة العزف أ‬ ‫الصوات‪ .‬وكان‬ ‫الحفاظ على هذا النغم الجميل دون مقياس زمني موسيقي وال كورس يتطلَّب‬ ‫التركيز واالنضباط‪ ،‬وهي صفات يندر وجودها في المشهد الثقافي الحديث‪ .‬مما‬ ‫يجعل هذه المعزوفة الجميلة تصريحاً عن الحياة الحديثة ذاتها بأفضل أحوالها‪.‬‬ ‫أ‬ ‫المالء في محاولة لمجاراة اللحن‬ ‫يقول بترس‪« :‬إن المر يتعلق باالستماع بدال ً من إ‬ ‫واالنسجام معه‪ ،‬حيث يتم العمل مع الشيء بدال ً من العمل ضده»‪ .‬ويضيف‬ ‫أن البشر يميلون إلى االعتقاد بأنهم هم المسيطرون دائماً‪ ،‬ولكن ينبغي لهم أن‬ ‫المور تسير في شكلها الطبيعي في بعض أ‬ ‫يتعلموا ترك أ‬ ‫الحيان‪ .‬ومما الشك فيه‬ ‫أن أ‬ ‫المر قد يكون صعباً أحياناً‪ ،‬ولكنه يمكن أن يكون محرراً أيضاً‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫ً‬ ‫أسئلة أخرى ال ّ‬ ‫والسؤال ال يعدم أن يجرَّ‬ ‫تقل‬ ‫ً‬ ‫إلحاحا‪ :‬من أين تأتينا األفكار؟ أنذهب إليها أم‬ ‫هي التي تأتي إلينا؟‬ ‫في أحيان كثيرة‪ ،‬قد يكون الواقع كفيالً‬ ‫بتوفير مادة خام سخية‪ ،‬مع «استالف» بعض‬ ‫الخيال‪ ،‬كتعريف محتمل و«آمن» للكتابة‬ ‫كمنجز‪ ،‬بغض الطرف عن تقييم مدى‬ ‫إبداعيّ ة هذا المنجز‪ .‬لكن الواقع‪ ،‬على ترف‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫مصدرا لإللهام‪.‬‬ ‫مكوناته‪ ،‬ال يكفي كي يكون‬ ‫َ‬ ‫ننهل من بئر أخرى‪،‬‬ ‫هنا‪ ،‬قد يكون علينا أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إرواء لعطشنا اإلبداعي‪ .‬ماذا‬ ‫عمقا‪ ،‬أكثر‬ ‫أكثر‬ ‫ً‬ ‫لو غرفنا من بئر ذاتية جدا‪ ،‬ومعتمة‪ ،‬مريبة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أحيانا ومجنونة‪ :‬بئر األحالم العميقة؟‬ ‫مرعبة‬

‫حزامة حبايب‬

‫الحكايات الهاجعة في المنام‬

‫كيف ألهمت األحالم‬ ‫روايات عالمية؟‬

‫أدب وفنون‬

‫كيف نكتب ما نكتب؟‬ ‫ّ‬ ‫انفك ُي ُ‬ ‫ثير الفضول‪.‬‬ ‫سؤال ما‬


‫‪59 | 58‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫ع� التاريخ‪ ،‬خضعت أ‬ ‫لتفس�ات‬ ‫الحالم‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫وتأويالت عدة‪ ،‬اجتمعت‪ ،‬رغم اختالفها‪ ،‬عىل‬ ‫كونها – أي أ‬ ‫الحالم – «باحة خلفية» للذات‪.‬‬ ‫ففي الوعي ف‬ ‫الحلمي الجمعي‪ ،‬قديمه‬ ‫الثقا� ُ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫وحديثه‪ ،‬تشكّل الحالم متنفَّساً للعواطف‬ ‫أ‬ ‫والمنيات والرغبات الدفينة‪ ،‬وقد تكون ش‬ ‫مؤ�ات ماورائية‪ ،‬ورؤى‬ ‫مسباً إىل واقع بديل أو متوق له‪ ،‬كما قد‬ ‫تنبؤية‪ ،‬وقد تُ َّ‬ ‫ؤول بوصفها ْ َ‬ ‫تعكس قلقنا ومخاوفنا‪.‬‬ ‫ب� التفس�ين أ‬ ‫ولعقود‪ ،‬ظل الباحثون يتأرجحون ي ن‬ ‫ال ثك� شيوعاً؛‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫التفس� الفرويدي (نسبة إىل عالم النفس النمساوي‬ ‫الول هو‬ ‫ي‬ ‫تب� فكرة الالوعي ف� تفس� أ‬ ‫الحالم‪،‬‬ ‫ي‬ ‫سيغموند فرويد)‪ ،‬الذي ن ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫من ِّ‬ ‫الرغبات المكبوتة‬ ‫تتحرر من خاللها‬ ‫ُ‬ ‫ظراً بأن الحالم وسيلة ّ‬ ‫ن‬ ‫والثا� الذي تب َّناه السويرسي كارل يونغ‪ ،‬مؤسس‬ ‫أو المقموعة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫التحليل»‪ ،‬الذي رأى أن الحالم وسيلة يتواصل‬ ‫«علم النفس‬ ‫المرء من خاللها مع يالالوعي‪ .‬أ‬ ‫فالحالم‪ ،‬وفقاً ليونغ‪ ،‬ليست‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫المستيقظ‪،‬‬ ‫محاوالت إلخفاء مشاعرك الحقيقية بعيدا عن العقل‬ ‫ِ‬ ‫النفس المستيقظة‬ ‫ترشد‬ ‫بل هي نافذة إىل الالوعي‪ ،‬حيث ُ‬ ‫َ‬ ‫لتحقيق شكل من أشكال التكاملية‪ ،‬كما توفّر حال ً لمشكلة تواجهها‬ ‫ف ي� حياتك أثناء اليقظة‪.‬‬ ‫اللهام‬ ‫الحلمية‪ ،‬كما يراها البعض‪ ،‬أقرب ما تكون إىل إ‬ ‫هذه الحلول ُ‬ ‫ف‬ ‫الذي يطرق باب الذات النائمة‪ ،‬فيسهم ي� إضاءة زقاق معتم‬ ‫ف ي� العقل‪ ،‬أو إحداث التماعة مبتغاة ف ي� الروح‪ ،‬تنبثق معها أفكار‬ ‫ف‬ ‫الصحو‪ .‬هذه الحلول هي ما يبحث عنها المبدعون‪.‬‬ ‫تجانبنا ي� ّ‬ ‫وإذا كان العلم قد قطع شوطاً كب�اً ف� قراءة أ‬ ‫الحالم ومحاولة‬ ‫ي ي‬ ‫مبنية عىل‬ ‫نظريات‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫تحليل تراكمي‬ ‫تحليلها‪ ،‬ضمن إرث‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المبدع� ال يزالون‬ ‫نتائج عصبية وسلوكية ومحفزات خارجية‪ ،‬فإن‬ ‫ي‬ ‫ف أ‬ ‫الج ّدة والدهشة‪ ،‬بعيداً عن أية محاوالت للح ّط‬ ‫ينشدون ي� الحالم ِ‬ ‫الحلمية أو حرص دالالتها داخل معطيات علمية جافة أو‬ ‫من القيمة ُ‬ ‫التعاطي معها بوصفها إفرازاً دماغياً عابراً‪ ،‬ي ن‬ ‫ساع� إىل إيقاظ سحر‬ ‫أ‬ ‫حالم‬ ‫إ‬ ‫البداع من تحت الجفان المغمضة‪ .‬أال يقولون إن المبد َع ٌ‬ ‫بال�ض ورة؟‬

‫ليس بالضرورة أن ِّ‬ ‫ً‬ ‫يوفر ُ‬ ‫قالبا‬ ‫الحلم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جاهزا‪ .‬ففي أحيان كثيرة‪ ،‬قد‬ ‫إبداعيا‬ ‫ِّ‬ ‫مكو ٌن ُحلمي أو كابوسي أكثر من‬ ‫يكون‬ ‫ٍ‬ ‫كاف إليقاد جذوة قصيدة‪ ،‬أو الستلهام‬ ‫ِّ‬ ‫المكون‬ ‫حبكة روائية‪ ،‬حتى وإن بدا هذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ملتبسا أو غير ذي داللة‪.‬‬ ‫شبحيا أو‬ ‫العابر‬

‫«أحالم» عىل ورق‬

‫يصدف أن يجد الكُ تاب ف� أ‬ ‫الحالم‪ ،‬كما الكوابيس‪ ،‬عنارص ثرية‬ ‫ّ ي‬ ‫أ‬ ‫تلون أوراقهم ش‬ ‫الم�عة عىل الصمت وانسداد الفق‪ ،‬ليكون الحلم‬ ‫ِّ‬ ‫نز‬ ‫الذي يهبط من الالوعي إىل الوعي بم�لة الحل لمعضلة عالقة أو‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫ليباس ي� الفكر ضمن ما تُعرف فبـ «قفلة الكاتب»‪ ،‬تلك الحالة ي‬ ‫اللهام‪ ،‬قد يقرص أو يطول‪.‬‬ ‫يواجه فيها المبدع نفاداً مؤقتاً ي� إ‬ ‫أ‬ ‫وكث�اً ما استقى المبدعون من عالم الحالم الغامض إجابات عن‬ ‫ي‬ ‫الحلم عىل الورق؟ كيف بإمكان‬ ‫أسئلة عالقة‪ .‬لكن كيف يتم تحميل ُ‬ ‫مع� رؤاه بالنظر إىل أن أ‬ ‫الكاتب أن يغرف من ي ن‬ ‫الحالم بطبيعتها‬ ‫كث�ة من‬ ‫ذات مشهدية لزجة وضبابية‪ ،‬ناهيك عن تساقط عنارص ي‬ ‫تبددها تماماً‪ .‬وعليه‪ ،‬كيف‬ ‫حد ُّ‬ ‫الصور الحلمية عند االستيقاظ‪ّ ،‬‬ ‫أد� من مناماتنا‬ ‫معمار‬ ‫تشييد‬ ‫يمكن استثمار الحلم؟ كيف يمكن‬ ‫بي‬ ‫ت‬ ‫تهوم ف ي� رؤوسنا الغافية؟‬ ‫ال� ّ‬ ‫ي‬ ‫الحلم قالباً إبداعياً جاهزاً‪ .‬ففي أحيان‬ ‫ليس بال�ض ورة أن يوفِّر ُ‬ ‫مكو ٌن ُحلمي أو كابوس ث‬ ‫كاف إليقاد جذوة‬ ‫ي‬ ‫أك� من ٍ‬ ‫كث�ة‪ ،‬قد يكون ِّ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫المكون‬ ‫قصيدة أو الستلهام حبكة روائية‪ ،‬ح� وإن بدا هذا‬ ‫ِّ‬ ‫العابر شبحياً أو ملتبساً أو يغ� ذي داللة‪ .‬كل ما عىل الكاتب فعله‬ ‫هو أن يسعى إىل استنباط عالقة أو صلة ما ي ن‬ ‫ب� الصورة الواردة ف ي�‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الحلم ي ن‬ ‫تضف�ها ي� النص‬ ‫ال� تنطوي عليها‪ ،‬ومحاولة ي‬ ‫وب� الرمزية ي‬ ‫البداعي‪ .‬وغالباً ما ت‬ ‫البداعي عن‬ ‫تف�ق الصياغة النهائية للعمل إ‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫الصياغة الحلمية الذي انطلقت منه ي� المبتدأ‪ ،‬وهو أمر طبيعي‬ ‫وم�وع تماماً‪ ،‬لكن الطاقة الحلمية تظل كامنة‪ ،‬أو عىل أ‬ ‫ش‬ ‫القل قد‬ ‫كابوسية هناك‪.‬‬ ‫لمية هنا أو جز ّئية‬ ‫يكون إ‬ ‫بالمكان ُّ‬ ‫ّ‬ ‫تلمس مفردة ُح ّ‬


‫الروائي ستيفن كينغ‬ ‫وغالف روايته «ميزري»‬

‫يروي كينغ كيف َّ‬ ‫تسللت فكرة «ميزري»‬ ‫إليه في ُ‬ ‫الحلم‪ ،‬حين غفا في الطائرة‬ ‫وهو في طريقه إلى لندن‪ ،‬فرأى في‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أسيرا لديها ثم‬ ‫كاتبا‬ ‫منامه امرأة تحتجز‬ ‫تقتله‪ ،‬قبل أن تسلخ جلده وتستخدمه‬ ‫في تجليد روايته‪...‬‬ ‫ف‬ ‫المث� االطالع عىل تجارب عالمية‬ ‫ي� هذا الخصوص‪ ،‬قد يكون من ي‬ ‫لبعض الك َّتاب وكيف ترسبت أحالمهم أو بعضها إىل إبداعاتهم؛‬ ‫وهي تجارب قد تجعلنا نف ِّتش ف ي� مخزون أحالمنا وكوابيسنا عن‬ ‫منسية أو قصائد تائهة‪.‬‬ ‫حبكات ّ‬

‫الحالم الغزير‬

‫يعد الكاتب أ‬ ‫المريك ستيفن كينغ أحد ث‬ ‫أك� ُك ّتاب عرصه غزارة‪،‬‬ ‫ُ ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫فالكاتب الذي اشتهر ببصمته الالفتة ي� «روايات الرعب»‪ ،‬والماورائية‬ ‫ح� اللحظة‪ 54 ،‬رواية ث‬ ‫أو الخارقة للطبيعة‪ ،‬يضم سجلّه‪ ،‬ت‬ ‫وأك�‬ ‫أ‬ ‫من ‪ 200‬قصة معظمها تصدرت القوائم «ال ثك� مبيعاً»‪ .‬كما أن‬ ‫تحولت إىل أفالم ناجحة أو مسلسالت تلفزيونية‬ ‫معظم أعماله ّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫أو مرسحيات‪ .‬ومع الخذ عليه «شعبويته»‪ ،‬فإن أحدا ال ينكر دور‬ ‫كينغ ف ي� تثوير رواية الرعب العرصية‪ ،‬من خالل االتّكاء عىل حبكات‬ ‫بسيطة ظاهرية‪ ،‬لكنها تطوي عمقاً صادماً‪ّ .‬‬ ‫ولعل روايته «ذا شايننغ»‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� وضعت رواية الرعب عىل منصة‬ ‫(‪1977‬م) من أبرز العمال ي‬ ‫نفس وفلسفي‪ .‬وأسهم اقتباسها‬ ‫نقدية مرتفعة لم ْ‬ ‫تخ ُل من بُ ٍ‬ ‫عد ي‬ ‫ستانل كوبريك ولعب بطولته النجم‬ ‫أخرجه‬ ‫لم‬ ‫سينمائياً بنجاح ف ي� ِف‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫المبدع جاك نيكلسون ي� جعل اسم كينغ من أهم السماء الدبية‪.‬‬ ‫يعزو كينغ الفضل الرصيح ألحالمه ف ي� استلهام أفكار وحبكات عدد‬ ‫القراء دور‬ ‫ي‬ ‫كب� من أعماله الروائية والقصصية‪ .‬وكان كينغ قد شارك ّ‬

‫أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫المبا�ة ف ي� كتاباته‪ ،‬ف ي� نقاش حواري‬ ‫وتأث�اتها‬ ‫الحالم ي� حياته ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ضم مجموعةً من الدباء ي� الكتاب المرجعي المهم «ك َّتاب‬ ‫ُمسهب ّ‬ ‫البداعية»‬ ‫يحلمون‪ 26 :‬كاتباً يتحدثون عن أحالمهم وعن العملية إ‬ ‫تأليف ناومي إيبل‪ ،‬وأكد أن ثمة صلة قوية ومحكمة ي ن‬ ‫ب� العملية‬ ‫والحالم‪ ،‬فيقول‪« :‬دائماً ما استخدمت أ‬ ‫البداعية أ‬ ‫الحالم بالطريقة‬ ‫إ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫تستطيع رؤيته بطريقة‬ ‫�ء ال‬ ‫ال� تَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ستخدم فيها المرايا للنظر ي� ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫شعرك من الخلف»‪.‬‬ ‫ترى‬ ‫ك‬ ‫آة‬ ‫ر‬ ‫الم‬ ‫ستخدم‬ ‫ت‬ ‫كما‬ ‫ا‬ ‫تمام‬ ‫ة‪،‬‬ ‫مبا�‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫نتوقَّف مع واحدة من التجارب الحلمية أ‬ ‫ال ثك� سطوعاً لستيفن كينغ‬ ‫كما تتبدى ف� روايته ي ز‬ ‫«م�ري» (‪1987‬م)‪ .‬يروي كينغ كيف تسلَّلت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الحلم‪ ،‬ي ن‬ ‫فكرة ي ز‬ ‫ح� غفا ف ي� الطائرة وهو ف ي� طريقه إىل‬ ‫«م�ري» إليه ي� ُ‬ ‫ف‬ ‫أس�اً لديها ثم تقتله‪ ،‬قبل‬ ‫لندن‪ ،‬فرأى ي� منامه امرأة تحتجز كاتباً ي‬ ‫ف‬ ‫أن تسلخ جلده وتستخدمه – أي جلد الكاتب – ي� تجليد روايته‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ح� استيقظ كينغ من نومه‪ ،‬أدرك أنه وقع عىل أول الخيط لرواية‬ ‫ت‬ ‫الحلمية تخمد أو تبهت‪ ،‬فكتب‬ ‫جديدة‪ ،‬فلم يشأ أن ي�ك اللحظة ُ‬ ‫الخمس� أ‬ ‫الصفحات أ‬ ‫ين‬ ‫ال ي ن‬ ‫الوىل بمجرد وصوله إىل الفندق‪.‬‬ ‫ربع� أو‬ ‫ف‬ ‫الحلمي المرعب‪،‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬سارت الحبكة ي� اتجاه مغاير للسيناريو ُ‬ ‫لكن أ‬ ‫الساس الذي قامت عليه الرواية ظل قريباً من الحلم‪ :‬كاتب‬ ‫يقع ف ي� ْأس امرأة مضطربة‪ ،‬مهووسة برواياته‪ ،‬تذيقه صنوف العذاب‬ ‫تتورع عن ارتكاب أفظع الجرائم‪ ،‬مرغمةً إياه عىل إعادة كتابة‬ ‫وال ّ‬ ‫المفضلة بعدما اكتشفت أنه قتلها ف ي� آخر رواية له‪.‬‬ ‫مص� بطلتها‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ئ‬ ‫وكانت ي ز‬ ‫سينما�‬ ‫أك� بعد تحويلها إىل ِفلم‬ ‫«م�ري» قد كسبت شهرة ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫كا� بيتس دور‬ ‫بالعنوان نفسه‪ ،‬حيث ّ‬ ‫جسدت النجمة المريكية ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تجعل الكاتب رهينة ف ي� بيتها‪ ،‬وحصدت عن‬ ‫المرأة المهووسة ي‬ ‫أ‬ ‫يز‬ ‫المتم� جائزة الوسكار كأفضل ممثلة‪.‬‬ ‫أدائها‬

‫كابوس جيكل وهايد‬

‫يصعب عىل دارس أ‬ ‫الدب العالمي أو قارئه ّأل يتوقّف عند عمل‬


‫‪61 | 60‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫أ‬ ‫ال ي ز‬ ‫نجل�ي ف ي� أواخر القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪.‬‬ ‫يُعد من كالسيكيات الدب إ‬ ‫نتحدث هنا عن رواية «الحالة الغريبة للدكتور جيكل ت‬ ‫ومس� هايد»‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ئ‬ ‫للروا� السكتلندي روبرت لويس ستيفنسون‪ .‬تتناول‬ ‫(‪1886‬م)‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫الصغ�ة‬ ‫القص�ة)‪،‬‬ ‫ال� تأخذ طابع «النوفيال» (أو الرواية‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الرواية ي‬ ‫ن‬ ‫اللند� غابرييل جون أترسون الذي يقوم‬ ‫الحجم‪ ،‬قصة المحامي‬ ‫ي‬ ‫بالتحقيق ف� عالقة شائكة وملتبسة ي ن‬ ‫ب� صديقه القديم الدكتور‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ه�ي جيكل وشخص ش�ير يدعى إدوارد هايد‪ ،‬قبل أن ي ّ ن‬ ‫يتب� أنهما‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫شخص واحد‪ ،‬ي� تمثيل بديع الزدواجية الطبيعة الب�ية‪ ،‬بوصفها‬ ‫أ‬ ‫الزل ي ن‬ ‫الخ� ش‬ ‫وال�‪ .‬ومنذ صدورها‪ ،‬حقّقت الرواية‬ ‫ب� ي‬ ‫موئال ً للرصاع ي‬ ‫نجاحاً هائالً‪ ،‬ودخلت عبارة «جيكل وهايد» قاموس اللغة العالمية‬ ‫ين‬ ‫كناية عن شخص تتصارع ف� داخله طبيعتان‪ ،‬متأرجحاً ي ن‬ ‫سلوك�‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫ّلت هذه الرواية أ‬ ‫ين‬ ‫الساس الذي بُنيت عليه‬ ‫متناقض� تماماً‪ .‬كما شك‬ ‫أعمال أدبية تتناول الثيمة نفسها‪ ،‬ناهيك عن أن ظاهرة «جيكل‬ ‫التحليل‪.‬‬ ‫وهايد» استحالت مقاربة حيوية ف ي� علم النفس‬ ‫ي‬ ‫الحلم ف� ث‬ ‫أك�‬ ‫هذه النوفيال البديعة تُ ّ‬ ‫عد نموذجاً حياً عىل استثمار ُ ي‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫ح� يكون الحلم امتدادا النشغاالت‬ ‫تمثيالته سطوعاً؛ خاصة ي‬ ‫الفكر وهواجسه ف ي� اليقظة‪ .‬يروي ستيفنسون‪ ،‬الذي كان مأسوراً‬ ‫تعدد الشخصيات والدمج ي ن‬ ‫الخ� ش‬ ‫وال� ف ي�‬ ‫ب� ي‬ ‫عىل الدوام بفكرة ُّ‬ ‫الرسد‪ ،‬كيف حلم بفكرة الرواية ف� مقالة مستفيضة بعنوان «فصل �ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫الحالم»‪ ،‬قائالً‪« :‬منذ زمن وأنا أحاول أن أكتب عن هذا الموضوع‪،‬‬ ‫أن أجد صيغة أو آلية تعكس ذاك إالحساس القوي بازدواجية الوجود‬ ‫ن‬ ‫نسا�‪ ،‬ت‬ ‫ال� ال ّبد وأن تطغى عىل عقل كل كائن مفكِّر‪ ...‬لمدة‬ ‫إال ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫حلمت‬ ‫و� الليلة الثانية‬ ‫ُ‬ ‫ذه� بحثاً عن حبكة ما‪ ،‬ي‬ ‫يوم� وأنا أعرص ي‬ ‫بمشهد النافذة‪ ،‬أعقبه مشهد مقسوم إىل جزأين يقوم فيه هايد‪،‬‬ ‫ليتغ� شكله ف ي� حضور مطارديه»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫المالحق لسبب ما‪ ،‬بتناول مسحوق ي َّ‬ ‫سبتم� أو أكتوبر‬ ‫ليال أواخر‬ ‫ب‬ ‫تعود واقعة الحلم هذه إىل إحدى ي‬ ‫ن‬ ‫من العام ‪1885‬م‪ ،‬ي ن‬ ‫«فا�»‪ ،‬زوجة ستيفنسون‪ ،‬عىل‬ ‫ح� استيقظت ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫مر‬ ‫رصخات زوجها المذعورة ي� ساعات الفجر الوىل‪ ،‬معتقدة أنه ّ‬ ‫محتجاً‪« :‬لماذا‬ ‫بكابوس‪ ،‬فأيقظته‪ ،‬فما كان منه إال أن أبدى انزعاجه‬ ‫ّ‬ ‫أيقظتي�؟ كنت أحلم بحكاية مخيفة رائعة»‪ .‬اكتشفت ن‬ ‫ن‬ ‫فا� الحقاً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫تتحول فيه الشخصية‪.‬‬ ‫أنها أيقظته عند أول مشهد ّ‬ ‫الحلمية عىل‬ ‫لم يُ ِضع ستيفنسون وقته‪ ،‬فبدأ يسطِّر مشاهده ُ‬ ‫الورق‪ ،‬وعكف عىل نصه لينتهي من المسودة أ‬ ‫الوىل خالل أيام‬ ‫معدودات‪ .‬ف� «فصل ف� أ‬ ‫الحالم»‪ ،‬يؤكد ستيفنسون أن الثيمة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الرئيسة لروايته من صنع بنات أفكاره‪ ،‬وأن القالب ئ‬ ‫الروا� هو ثمرة‬ ‫ي‬ ‫حديقته الذهنية‪ ،‬وكذلك بيئة الرسد‪ ،‬لكن الكتابة ‪ -‬ت‬ ‫باع�افه ‪ -‬لم‬ ‫الحلم الذي وفّر له ثالثة مشاهد متكاملة‪.‬‬ ‫تكن لتقوم لوال ُ‬

‫الوحش ف ي� حلم اليقظة‬

‫عدون‬ ‫كب�اً من النقَّاد يَ ُّ‬ ‫عند الحديث عن الخيال العلمي‪ ،‬فإن عدداً ي‬ ‫رواية «فرانكنشتاين» أول رواية تنتمي لنوع «الخيال العلمي»‪ ،‬أو‬ ‫بالحرى مهدت أ‬ ‫أ‬ ‫الساس فعلياً لهذا النوع‪ .‬وقطعاً‪ ،‬ال يمكن تجاهل‬ ‫ّ‬ ‫المدوي الذي تركته هذه الرواية‪ ،‬وال تزال‪ ،‬ف ي� الساحة‬ ‫التأث�‬ ‫حجم ي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الدالل‬ ‫الدبية العالمية مع اعتماد اسم «فرانكنشتاين» ي� القاموس‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫بمع� «الوحش»‪ ،‬وإعادة استغالل ثيمة الرواية وترجمتها ف ي� مئات‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫ت� بتبعات‬ ‫العمال الدبية‬ ‫حول العالم‪ ،‬تحت مظلة رمزية هائلة ي‬ ‫المجحف ف ي� عملية الخلْق‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫التدخل ُ‬

‫نُ ش�ت «فرانكنشتاين أو بروميثيوس الحديث» (وهو االسم الكامل‬ ‫للرواية) أول مرة ف ي� لندن عام ‪1818‬م‪ ،‬دون وضع اسم المؤلف‪،‬‬ ‫ال ي ز‬ ‫قبل أن ي َّ ن‬ ‫شيل‪،‬‬ ‫يتب� أن كاتبتها هي الروائية إ‬ ‫نجل�ية الشابة ماري ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� كانت ف ي� الع�ين من العمر يومها‪ ،‬حيث ظهر اسم المؤلفة‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� نُ ش�ت ي� فرنسا عام ‪1823‬م‪.‬‬ ‫عىل العمل ي� طبعته الثانية ي‬ ‫يضخ حيا ًة‬ ‫ترسد الرواية قصة فيكتور فرانكنشتاين‪ ،‬وهو عالم شاب ّ‬ ‫ف‬ ‫فزع‬ ‫مشوهةً ي� كائن بشع بطريقة علمية لم يسبقه إليها أحد‪ ،‬وإذ يُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫يتحمل تبعات‬ ‫ال� آلت إليها تجربته فإنه يجد نفسه َّ‬ ‫العا ِلم بالنتائج ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يقوم بها هذا المخلوق المرعب‪.‬‬ ‫الفعال ي‬ ‫ت‬ ‫اللهام‬ ‫ال� تحيط بكتابة الرواية مثاال ً مدهشاً عىل إ‬ ‫تبدو الظروف ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫الذي يصيب صاحبه ي� حلم يقظة تتوقّد منه أعظم الفكار‪ .‬حدث‬ ‫ض‬ ‫ذلك ف� العام ‪1816‬م‪ ،‬ي ن‬ ‫تق� الصيف ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ح� كانت ماري ي‬ ‫شيل ي‬ ‫ال ي ز‬ ‫نز‬ ‫شيل‬ ‫م�ل الشاعر إ‬ ‫س ي‬ ‫نجل�ي لورد بايرون‪ ،‬ورفيقه الشاعر ي فب� ي‬ ‫ن‬ ‫بح�ة‬ ‫أحد أهم الشعراء‬ ‫الرومانسي� (الذي تزوجته الحقاً) ي� ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫جنيف بسويرسا‪ .‬فوسط أجواء ماطرة وباردة ي� عام ُوصف بأنه‬ ‫«عام بال صيف»‪ ،‬طغت فيه أ‬ ‫الجواء الشتائية عىل معظم شهور‬ ‫أ‬ ‫السنة‪ ،‬ض‬ ‫متجم ي ن‬ ‫ع� حول نار المدفأة‪،‬‬ ‫ق� الدباء معظم وقتهم ّ‬

‫روبرت لويس‬ ‫ستيفنسون‪،‬‬ ‫مؤلف «دكتور‬ ‫جيكل ومستر‬ ‫هايد»‬


‫تسرد الرواية قصة فيكتور فرانكنشتاين‪،‬‬ ‫مشو ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هة في‬ ‫حياة‬ ‫يضخ‬ ‫وهو عالم شاب‬ ‫كائن بشع بطريقة علمية لم يسبقه‬ ‫إليها أحد‪ ،‬وإذ ُي َ‬ ‫فزع العالِ م بالنتائج‬ ‫التي آلت إليها تجربته فإنه يجد نفسه‬ ‫َّ‬ ‫يتحمل تبعات األفعال التي يقوم بها‬ ‫هذا المخلوق المرعب‬

‫للط�ان‪ ،‬يستسلم جوناثان ليفنغستون لهذا الشغف بالمطلق‪،‬‬ ‫ي‬ ‫متعلِّماً كل ش�ء عن التحليق ف� رحلة أقرب إىل الكشف ت‬ ‫الذا�‪ ،‬تجعله‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يشذّ عن الرسب‪ ،‬مع ِّززاً فرديّته عىل نحو يحقق له السعادة والرضا‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تبدو ف ي� ظاهرها سهلة‪ ،‬لم تكن سهلة ف ي� الكتابة‪،‬‬ ‫لكن القصة‪ ،‬ي‬ ‫ف‬ ‫اللهام قبل أن يزور ريتشارد باك ي� الحلم‪.‬‬ ‫فلقد تأخر إ‬

‫الشخصية الخرافية‬ ‫فرانكشتاين مصدرها‬ ‫الحلم أيضاً‬

‫الشباح أ‬ ‫مستمتع� بقراءة قصص أ‬ ‫اللمانية ت‬ ‫ين‬ ‫الم�جمة إىل الفرنسية‪.‬‬ ‫ثم ت‬ ‫اق�ح لورد بايرون عىل كل واحد من رفاق السهرة كتابة قصة‬ ‫أ‬ ‫استبد القلق بماري‪ ،‬خاصة ي ن‬ ‫ح� كانت‬ ‫عن الشباح‪ .‬عىل مدى أيام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فكرت بقصة؟» لتجيب ف ي� كل مرة بالنفي‪،‬‬ ‫تُسأل كل صباح‪« :‬هل ِ‬ ‫مخيلتها‪ .‬وذات مساء‪،‬‬ ‫من دون أن تخفي إحباطها بسبب جفاف ّ‬ ‫ف‬ ‫و� خضم سهرة أدبية كالمعتاد‪ ،‬دارت النقاشات حول مبدأ الحياة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫فتطرقت ماري إىل إمكانية إعادة الحياة إىل جثة‪ ،‬مستندة ي� ذلك إىل‬ ‫ئ‬ ‫الكهربا� ف ي�‬ ‫مستجد يومها بع� استخدام التيار‬ ‫«الغلفانية» كعلم‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫تنشيط وإحياء عضالت الكائنات الحية‪.‬‬ ‫هجعت الفكرة ف� رأس ماري ذاك المساء ي ن‬ ‫ح� أوت إىل فراشها‪ ،‬لكن‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫القلق الزمها‪ ،‬ت‬ ‫ليتبدى لها حلم يقظة‪.‬‬ ‫ح� ساعات الفجر الوىل‪َّ ،‬‬ ‫ف‬ ‫ضمنتها إحدى طبعات روايتها بأنها رأت‬ ‫تصف ماري ي� ِّ‬ ‫مقدمة َّ‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ال�ء الذي ركّبه وجمعه‪ ،‬وأن‬ ‫ينح� أمام ي‬ ‫طالباً شاحب الوجه ي‬ ‫ش‬ ‫تمدد واستطال‪ .‬وبفضل آلة‬ ‫ال�ء أقرب إىل شبح قبيح‪ ،‬حيث ّ‬ ‫هذا ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ليه� ي� حركة مضطربة‪ ،‬شبه‬ ‫قوية‪ ،‬أظهر هذا الشبح آثار حياة‪ّ ،‬‬ ‫حية‪ .‬من هنا‪ُ ،‬ولدت فكرة الوحش فرانكنشتاين‪ ،‬الذي سمي عىل‬ ‫ف‬ ‫قص�ة‪ ،‬لكن بتشجيع من‬ ‫اسم صانعه‪ .‬ش�عت ماري ي� كتابة قصة ي‬ ‫أ‬ ‫طورت العمل إىل رواية لتدخل بها تاريخ الدب‬ ‫شيل ّ‬ ‫س ي‬ ‫الشاعر يب� ي‬ ‫من باب الخيال العريض‪.‬‬

‫النورس ف ي� المنام‬

‫الحلم متأخراً أفضل من ّأل ت‬ ‫أن ت‬ ‫يأ� أبداً‪ ..‬مقولة يمكن ت‬ ‫اج�احها‬ ‫يأ� ُ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫المريك ريتشارد باك مع روايته أ‬ ‫الروا� أ‬ ‫لوصف تجربة ئ‬ ‫الشهر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫«النورس جوناثان ليفنغستون» (‪1970‬م)‪ .‬تروي الحكاية الخرافية‬ ‫المكتوبة ف ي� قالب النوفيال قصة نورس يدعى جوناثان ليفنغستون‬ ‫(وهو اسم يعكس أنسنةً وميال ً نحو الفردانية)‪ ،‬يشعر بالملل كطائر‬ ‫تنحرص حياته ف ي� فلك المناوشات القتناص الطعام‪ .‬مدفوعاً بحبه‬

‫بدأ كل ش�ء ف� العام ‪1959‬م‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� سمع باك «صوتاً شبحياً» ف ي�‬ ‫ي ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫رأسه‪ ،‬يهمس ف ي� أذنه باسم القصة ي� أذنه‪ ،‬ش‬ ‫ف�ع عىل الفور ي� كتابة‬ ‫الفصول أ‬ ‫الوىل منها‪ ،‬قبل أن ينفد منه إاللهام؛ فعلَّق باك العمل‬ ‫ن‬ ‫ثما� سنوات‪،‬‬ ‫عىل المخطوطة يغ� المكتملة‪ ،‬ولم يرجع إليها إال بعد ي‬ ‫نصه الرسدي‬ ‫بعدما حلم بالنورس‪ ،‬بطل الحكاية‪ ،‬ليستكمل العمل عىل ّ‬ ‫أ‬ ‫المتمرد من منامه ال يث�‪.‬‬ ‫المؤجل‪ ،‬مستقياً مالمح شخصية النورس‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬

‫اقتناص ش‬ ‫ال�ارة‬

‫الحالم ف� عدد ال يحىص من النصوص أ‬ ‫يمكن تتبع سطوة أ‬ ‫الدبية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫مريك إدغار أالن بو‪ ،‬أحد‬ ‫فمن الصعب مثال ً تناول تجربة الكاتب ال ي‬ ‫أبرز أقطاب الحركة الرومانسية ف ي� أمريكا ف ي� القرن التاسع ش‬ ‫ع�‪ ،‬بمعزل‬ ‫ف‬ ‫كب� من قصصه وقصائده الهذيانية‬ ‫عن دور الكوابيس ي� صوغ عدد ي‬ ‫كب�اً من أعمال ئ‬ ‫الروا� إال ي ز‬ ‫نجل�ي دي إتش‬ ‫الوقع إ‬ ‫واليقاع‪ .‬كما أن جزءاً ي‬ ‫ي‬ ‫تأث�ات ُحلمية قوية‪.‬‬ ‫لورانس إنما تنطوي عىل أجواء فانتازية‪ ،‬تعكس ي‬ ‫ولما كان الخيال هو أ‬ ‫الساس الذي تقوم عليه روايات الخيال‬ ‫ال ي ز‬ ‫نجل�ي إتش جي ويلز‪،‬‬ ‫العلمي‪ ،‬فإن جزءاً عظيماً من أعمال الكاتب إ‬ ‫أ‬ ‫رواد أدب الخيال العلمي الحديث‪ ،‬انطلق من الحالم‪.‬‬ ‫أحد ّ‬ ‫ن أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تزورهم‬ ‫كب� من الدباء ي‬ ‫ي� النهاية‪ ،‬إذا كان عد ٌد ي‬ ‫مدين� للحالم ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫كاف‬ ‫الحلم وحده ٍ‬ ‫يع� أن ُ‬ ‫ي� لحظات قحط إبداعي‪ ،‬فإن ذلك ال ي‬ ‫فالحلم‬ ‫إلنتاج نص أو إقامة معمار رسدي أو شعري عظيم‪ُ .‬‬ ‫يتوهج فيه مشهد أو تُضاء جملة أو تعزف نغمة أو يشتعل‬ ‫ش�ارة‪َّ ،‬‬ ‫إحساس‪ ،‬وعىل الكاتب أن يعرف كيف يقتنص هذه ش‬ ‫ال�ارة‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪63 | 62‬‬

‫أدب وفنون‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫باشر الدكتور معجب ّ‬ ‫الزهراني في شهر‬ ‫سـبتمبر الماضي إدارة معهد العالم العربي‬ ‫ً‬ ‫خلفا لألستاذة منى خزندار التي‬ ‫في باريـس‪،‬‬ ‫شغلت المنصب نفسه منذ ‪2011‬م‪ .‬وكان‬ ‫السفراء العرب بباريس قد ّ‬ ‫مجلس ّ‬ ‫رشح‬ ‫الزهراني لهذا المنصب‪ ،‬وحظي الترشيح‬ ‫بدعم من الرئيس الحالي للمعهد جاك النغ‪،‬‬ ‫األمر الذي ّ‬ ‫علق عليه المرشح السعودي‬ ‫بتغريدة على تويتر‪ ،‬جاء فيها‪« :‬كلنا في‬ ‫خدمة الثقافة العربية التي أضاءت العالم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وتعول‬ ‫قرونا وستشع من جديد بكل تأكيد»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كثيرا‬ ‫األوساط الثقافية في العالم العربي‬ ‫على ّ‬ ‫الزهراني‪ ،‬خريج جامعة الملك سعود‪،‬‬ ‫والحاصل على الدكتوراة في األدب المقارن‬ ‫من السوربون‪ ،‬إلعطاء دفعة جديدة وقوية‬ ‫لدور هذه المؤسسة ّ‬ ‫الثقافية الرّ ائدة‪.‬‬

‫د‪ .‬إيما أسماء فرنان‬

‫معهد العالم العربي‬

‫ّ‬ ‫جسر الثقافات‬ ‫ّ‬ ‫نحو الشرق‬


‫عندما يدور الحديث ف ي� باريس‬ ‫عن جرس الثقافة ي ن‬ ‫ب� ش‬ ‫ال�ق‬ ‫والغرب‪ ،‬يتبادر فوراً إىل الذهن‬ ‫رصح ينتصب عىل ضفاف نهر‬ ‫الس�‪ ،‬ف� ن‬ ‫ن‬ ‫مب� معماري مهيب‬ ‫ي ي‬ ‫الشه� جان نوفيل‪:‬‬ ‫نس‬ ‫ي‬ ‫صممه المعماري الفر ي‬ ‫العر�» أو «ليما» كما يسميه‬ ‫إنه «معهد العالم ب ي‬ ‫نس‬ ‫ر‬ ‫الف‬ ‫ئيس‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫افتتحه‬ ‫الذي‬ ‫الفرنسيون اختصاراً‪،‬‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ديسم�‪1987‬م‪ ،‬ليكون‬ ‫ميت�ان ي�‬ ‫ب‬ ‫السبق فرنسوا ي‬ ‫مؤسسة ثقافية تستقطب ثقافات العالم وتزاوج‬ ‫متنوعة‪،‬‬ ‫بينها‪ ،‬لتمنح الزائر والمثقف فسيفساء ثقافية ّ‬ ‫تتشكَّل ف ي� زخم حضاري ش‬ ‫م� ق ي� إسالمي‪ ،‬حاول قدر‬ ‫ت‬ ‫ال� أسست له‬ ‫المستطاع تجاوز صدام الحضارات ي‬ ‫بعض أ‬ ‫القطاب الفكرية الغربية‪.‬‬ ‫العر�‪ ،‬فبالتأكيد‬ ‫وعندما ّ‬ ‫نتحدث عن معهد العالم ب ي‬ ‫ب� ثقافات الشعوب �ف‬ ‫سنخوض ف� ذلك التآلف ي ن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫البحر أ‬ ‫العر�‬ ‫والعالم‬ ‫المتوسط‬ ‫بيض‬ ‫ال‬ ‫حوض‬ ‫بي‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وأوروبا‪ .‬فلطالما أريد للمعهد أن يكون جرسا يربط‬ ‫ين‬ ‫السالمي وأوروبا ليصبح مركزاً للثقافة‬ ‫ب� العالم إ‬ ‫ت‬ ‫ال� تبدو‬ ‫الفرنكو عربية‪ .‬وهذه فالحقيقة البسيطة‪ ،‬ي‬ ‫عس�‬ ‫واضحة للعيان‪ ،‬هي ي� الواقع نتيجة مخاض ي‬ ‫من أجل أن يولد هذا المركز الذي يقع عند تقاطع‬ ‫ين‬ ‫عالم� عاشا تاريخياً حالة من التوتر والصدام‪،‬‬ ‫ما جعل فكرة إنشاء مؤسسة تكون ملتقى لثقافة‬ ‫ين‬ ‫الضفت�‪ ،‬أمراً مستحسناً‪ ،‬ف ي� محاولة لل ّتخفيف من‬ ‫ين‬ ‫مخاطر الصدام ي ن‬ ‫الغر�‪ ،‬بع�‬ ‫ب�‬ ‫العر� ب ي‬ ‫العالم� ب ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫والثقا� الذي يسهم بتكوين فكرة‬ ‫المعر�‬ ‫التبادل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫الطرف� عن ثقافة الخر‪.‬‬ ‫أوضح عند كل من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ثقا� ي ن‬ ‫ب� شعوب‬ ‫تلعب هذه المؤسسة دور وسيط ي‬ ‫تختلف ف ي� الحضارة والتاريخ والثقافة‪ ،‬وتقع عند تقاطع‬ ‫ين‬ ‫لعالم� يتواصالن تارة‪ ،‬ويتنافران تارة أخرى‪.‬‬ ‫مهم‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ومنذ ي ن‬ ‫تدش� هذا المعهد الذي أسهم ي� تأسيسه‬ ‫السعودي المعروف جميل إبراهيم‬ ‫الدبلوماس ّ‬ ‫ي‬ ‫الحجيالن‪ ،‬طُرح عديد من التساؤالت حول دوره‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ش ئ‬ ‫أن� من أجلها‪ .‬وبينما‬ ‫وإدارته‬ ‫وتوجهاته والهداف ي‬ ‫يعتمد المعهد ف‬ ‫المخصصات‬ ‫عىل‬ ‫الداخلية‬ ‫موارده‬ ‫�‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫تأتيه من قبل أ‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال�‬ ‫المؤسس� من‬ ‫العضاء‬ ‫السنوية ي‬ ‫الدول‬ ‫الدول العربية والحكومة الفرنسية وبعض ّ‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫المثقف� قد حجب‬ ‫كث� من‬ ‫إالفريقية‪ ،‬فإنه ي� رأي ي‬ ‫ش‬ ‫ال�ء تظاهرات وفعاليات كان يجب أن يسعى‬ ‫بعض ي‬ ‫ف‬ ‫إىل إقامتها أو تنظيمها‪ ،‬لتكون جرساً فاعال ً ي� ال ّتعريف‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫مست‬ ‫ال� ّ‬ ‫بالعالم ب ي‬ ‫العر�‪ ،‬خاصة ي�ف ظل االنتكاسات أ ي‬ ‫الجالية العربية المسلمة � الغرب جراء الحداث ال�ت‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫شهدناها خالل السنوات القليلة الماضية‪.‬‬

‫الزهر نا�‪ :‬أ‬ ‫الحداث الطارئة لن تحرف‬ ‫ي‬ ‫عمل المعهد عن مساره‬

‫أ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫يأ�‬ ‫تول الدكتور معجب الزهر يا� إدارة المعهد ي‬ ‫ولن ِّ ي‬

‫ُ‬ ‫لطالما أريد للمعهد أن‬ ‫ً‬ ‫جسرا يربط بين العالم‬ ‫يكون‬ ‫اإلسالمي وأوروبا ليصبح مركزاً‬ ‫للثقافة الفرنكو عربية‪ .‬وهذه‬ ‫الحقيقة البسيطة‪ ،‬التي تبدو‬ ‫واضحة للعيان‪ ،‬هي في الواقع‬ ‫نتيجة مخاض عسير من أجل‬ ‫أن يولد هذا المركز‬ ‫ف ي� وقت يتسم بتحديات سياسية وعقائدية أخلَّت‪،‬‬ ‫ظاهرياً عىل أ‬ ‫القل‪ ،‬بالهدوء الذي ساد سابقاً التبادل‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫والسالمي‪،‬‬ ‫العر� إ‬ ‫الثقا� ما يب� فرنسا والعال يَم� ب ي‬ ‫ي‬ ‫توجهت إليه القافلة بالسؤال حول رؤيته لعمل‬ ‫المعهد ف ي� هذا الظرف بالذات‪ .‬فقال‪« :‬إن المعهد‬ ‫يعمل منذ ثالثة عقود لتنويع وسائل التواصل وتعزيز‬ ‫فرص التفاهم والحوار ي ن‬ ‫ب� ضفاف المتوسط‪ ،‬ألن‬ ‫أ‬ ‫هذه هي وظيفته ورسالته الهم‪ .‬ولذا أقول إن‬ ‫أ‬ ‫تحرف العمل الطويل‬ ‫الحداث المأساوية الطارئة لن ِّ‬ ‫ستكرسه من حيث‬ ‫عن مساره‪ .‬بل أكاد‬ ‫أجزم أنها ِّ‬ ‫ال يدرك المجرمون‪ ،‬أ‬ ‫ستنبه الجميع إىل جديَّة‬ ‫نها‬ ‫ل‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫والخلق وجدواه للجميع‪ .‬فالحمقى‬ ‫التواصل الفاعل‬ ‫فج وقبيح عىل‬ ‫ال يصنعون التاريخ‪ ،‬وإن بع�وا بشكل ٍّ‬ ‫مرسحه وأربكوا بعض مشاهده»‪.‬‬ ‫وحول رؤيته ُلدور الثقافة ودورها ف� العالقة ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫الشعوب‪ ،‬يقول الزهر ن يا�‪« :‬الثقافة مفهوم جامع‬ ‫لكل أفكار ش‬ ‫الب� وقيمهم ومعتقداتهم وفنونهم‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫نم� يب� ثقافات حديثة وعتيقة‪،‬‬ ‫ولذا يصح أن ي ِّ‬ ‫وفق�ة‪ ،‬مرنة متفتحة وصلبة منغلقة‪ ،‬مسالمة‬ ‫غنية ي‬ ‫وعدائية‪ ..‬إلخ‪ .‬ومن هذا المنظور‪ ،‬ال يسع المبدع‬ ‫َّ‬ ‫الخلق والمفكر النقدي الحر سوى االنحياز‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تنمي وتغذِّ ي الفكار والقيم‬ ‫ال� ِّ‬ ‫للخطابات الثقافية ي‬ ‫ت‬ ‫تع�ن‬ ‫والسلوكيات إ‬ ‫ال� ي‬ ‫النسانية الجميلة النبيلة ي‬ ‫أ‬ ‫مزيد من ش�وط وعي‬ ‫الفراد والجماعات عىل تملُّك ٍ‬ ‫النسان بذاته وعالمه‪ ،‬بما هو كائن شب�ي عاقل‬ ‫إ‬ ‫حر مستقل قادر عىل التواصل مع آ‬ ‫الخرين ف ي� إطار‬ ‫ت‬ ‫االح�ام المتبادل‪ ،‬والتعاون ف ي� سبيل ما من شأنه أن‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫يشيع قيم السالم والحب فيما يب� الب�»‪.‬‬

‫مؤسسة من دون أموال‬ ‫ومنافسات جديدة‬

‫ف‬ ‫العر�‬ ‫ويرى كلود موالر‪ ،‬المستشار ي� معهد العالم ب ي‬ ‫«أن فعاليات المعهد كانت دائماً تعكس التنوع‬ ‫ث‬ ‫والعر�‪ ،‬وعىل‬ ‫السالمي‬ ‫وال�اء الذي يزخر به العالم إ‬ ‫بي‬ ‫الرغم مما يحمل من تناقض وتش ّنجات‪ ،‬فإنه يم ّثل‬ ‫حضارة عالم جدير بالتعريف»‪.‬‬


‫‪65 | 64‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫ت‬ ‫ال� تواجه إدارته داخلياً‪،‬‬ ‫ورغم ما يُقال عن العراقيل ي‬ ‫ت‬ ‫يقدمها لجمهوره الزائر تكاد‬ ‫ال� ِّ‬ ‫إال أن نوعية ب‬ ‫ال�امج ي‬ ‫متفردة ونوعية‪ .‬ويعتقد رئيس معهد العالم‬ ‫تكون ّ‬ ‫العر� جاك النغ أن العراقيل ت‬ ‫ال� أحاطت بإدارة‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫المعهد الداخلية‪ ،‬دفعت دائماً إىل ال ّنقاش حول‬ ‫ت‬ ‫ال� ينبغي‬ ‫مضمون ّ‬ ‫السياسة الثقافية لهذه المؤسسة‪ ،‬ي‬ ‫ن‬ ‫أن تكون من يب� شبكة المؤسسات الثقافية الفرنسية‬ ‫الك�ى العاملة ف� الحقل ف‬ ‫الثقا�‪ .‬ويضيف النغ أن‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫العر� هي ي� أنه رغم كونه‬ ‫المفارقة ي� معهد العالم ب ي‬ ‫«مؤسسة من دون أموال»‪ ،‬إذ إن ي ز‬ ‫الم�انية السنوية‬ ‫أمريك‪،‬‬ ‫العامة للمعهد ال تزيد عىل ‪ 30‬مليون دوالر‬ ‫ي‬ ‫يقدم عروضاً ثقافية من الطراز العالمي‪.‬‬ ‫إال أنه ِّ‬ ‫يغ� أن ما يعتقده النغ‪ ،‬وما يصبو إليه من خالل‬ ‫ت‬ ‫كث�اً‬ ‫تث� ي‬ ‫تمر عىل جادة المعهد‪ ،‬تبقى ي‬ ‫ال� أ ّ‬ ‫النشاطات ف ي‬ ‫من الجدل ي� الوساط الثقافية الفرنسية والعربية‪.‬‬ ‫خاصة بظهور منافسة ش�سة من خالل التطورات‬ ‫الحاصلة ف� المشهد ف‬ ‫والعر�‪ .‬إذ إن‬ ‫الباريس‬ ‫الثقا�‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫السالمية بمتحف اللوفر ي� عام‬ ‫افتتاح قسم الفنون إ‬ ‫تحد جديد‪ ،‬فأصبح‬ ‫‪2012‬م‪ ،‬وضع المعهد أمام ٍّ‬ ‫المتحف المكان أ‬ ‫ال ثك� جاهزية والمناسب لعرض‬ ‫أ‬ ‫السالمي‪ ،‬مع كل ما لهذه‬ ‫العمال الفنية للعالم إ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ثقا�‪.‬‬ ‫ف� ي‬ ‫النوعية من المعارض من بُعد ي‬ ‫العر�‬ ‫ولم تقترص المنافسة أمام معهد العالم ب ي‬ ‫السالمية ف ي� متحف اللوفر‪ ،‬ولكن‬ ‫عىل قسم الفنون إ‬ ‫ً‬ ‫بلدية باريس بادرت أيضا إىل إنشاء «معهد الثقافات‬ ‫السالمية» (‪ ،)ICI‬ف ي� الحي‬ ‫الشع� «باربيس»‪ ،‬ف ي�‬ ‫إ‬ ‫بي‬ ‫ش‬ ‫الدائرة الثامنة ع�ة‪ ،‬والمخصص الكتشاف تنوع‬ ‫السالمية الحالية‪.‬‬ ‫الثقافات إ‬ ‫هذه المؤسسات الثقافية وثقلها عىل الساحة‬ ‫بالضافة إىل تنوع مواردها المالية‪ ،‬رهنت‬ ‫الباريسية‪ ،‬إ‬ ‫حد ما ت‬ ‫االس�اتيجية المعتمدة من قبل إدارة معهد‬ ‫إىل ّ‬ ‫العر�‪ ،‬وهو ما دفع جاك النغ للقول‪« :‬إن‬ ‫العالم ب ي‬

‫هذه المؤسسات الثقافية تع ِّزز حاجتنا اليوم إىل‬ ‫ت‬ ‫العر�»‪.‬‬ ‫مراجعة اس�اتيجية معهد العالم ب ي‬ ‫وعىل الرغم من أن هذه المؤسسات تبدو ف ي�‬ ‫العر�‪ ،‬إال أن‬ ‫ظاهرها ّ‬ ‫مكملة لمعهد العالم ب ي‬ ‫برامج المؤسسات الثقافية التابعة لبلدية باريس‬ ‫العر�‪ .‬وتبدو‬ ‫تتداخل مع برامج معهد العالم ب ي‬ ‫متفوقة عىل المعهد‪ ،‬سواء ف ي�‬ ‫هذه‬ ‫المؤسسات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫االس�اتيجية الثقافية أو ي� عامل الزمن‪ ،‬خاصة فيما‬ ‫يتعلَّق بتوقيت بعض التظاهرات ت ت‬ ‫تأ� ت ز‬ ‫م�امنة‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫مع بعضها بعضاً‪ .‬فافتتاح متحف الحضارات‬ ‫الوروبية والبحر أ‬ ‫أ‬ ‫البيض المتوسط ف ي� مدينة‬ ‫ف‬ ‫مارسيليا الجنوبية ي� عام‪2013‬م‪ ،‬تطلَّب لجوء‬ ‫العر� إىل توضيح مهمات كل‬ ‫إدارة معهد العالم ب ي‬ ‫مؤسسة عىل حدة‪.‬‬ ‫ولم تكن مسألة تداخل المهمات ي ن‬ ‫ب� هذه‬ ‫المؤسسات الثقافية‪ ،‬عائقاً أمام نشاط معهد العالم‬ ‫ال� عصفت به بدءاً أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫بالزمة‬ ‫بي‬ ‫العر�‪ ،‬لكن الزمات ي‬ ‫المالية بعد تراجع ت‬ ‫اش�اكات بعض الدول العربية‬ ‫العضاء‪ ،‬إىل أ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫حد ما‬ ‫الزمة‬ ‫ال� أصبحت إىل ّ‬ ‫القانونية ف ي‬ ‫تشكّل هاجس الدول أ‬ ‫العضاء ي� السنوات الماضية‪.‬‬ ‫العر� مؤسسة ت‬ ‫مش�كة‪ ،‬تقع عىل‬ ‫فمعهد العالم ب ي‬ ‫أ ض‬ ‫نس‪ .‬ووضع‬ ‫ر‬ ‫الف‬ ‫للقانون‬ ‫وتخضع‬ ‫ا� الفرنسية‬ ‫ي‬ ‫الر ي‬ ‫هذا الواقع الدول العربية ذات العضوية الكاملة‬ ‫ف ي� وضع يغ� واضح المعالم فيما يتعلَّق بالقانون‬ ‫أ‬ ‫ساس للمعهد‪ .‬ففي حال تعديله من طرف الدولة‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫الفرنسية‪ ،‬تجد هذه الدول نفسها أمام أ‬ ‫المر الواقع‬ ‫وليس ش‬ ‫ك�يك ف ي� المؤسسة‪ .‬ولذلك‪ ،‬طلبت الدول‬ ‫أ‬ ‫ساس لمعهد العالم‬ ‫العربية تعديل القانون ال ي‬ ‫أ‬ ‫العر� ليكون «مؤسسة دولية»‪ ،‬وهو المر الذي‬ ‫بي‬ ‫عارضته الخارجية الفرنسية ت‬ ‫ال� يقع المعهد تحت‬ ‫ي‬ ‫القانون أ‬ ‫ساس للمؤسسة‬ ‫ال‬ ‫تغي�‬ ‫وصايتها‪ ،‬ورفضت ي‬ ‫ي‬ ‫الثقافية‪ ،‬بم�رة ذلك بما سيؤول إليه المعهد ف ي� حال‬ ‫خضوعه لقانون خارجي‪.‬‬

‫الزهراني‪« :‬األحداث الراهنة‬ ‫ِّ‬ ‫ستكرس أهمية المعهد‬ ‫ودوره‪ ،‬ونستعد لعام احتفالي‬ ‫تتواصل فيه النشاطات الفنية‬ ‫والمعرفية على مدى سنة‬ ‫كاملة»‪...‬‬

‫الدكتور معجب الزهر ن يا�‬


‫وإذا كان المعهد الذي يربط ش‬ ‫ال�ق بالغرب‪ ،‬قد‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫هم من ّكل ذلك ما‬ ‫عرف هذه الزمات‪ ،‬فإن ال ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� تعصف‬ ‫ّأججه الوضع‬ ‫ي‬ ‫الدول للدول العربية ي‬ ‫مر المعهد بأزمات‬ ‫إذ‬ ‫الداخلية‪،‬‬ ‫ابات‬ ‫بها االضطر‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫سياسية‪ ،‬كان الجدر أل يقع يب� مخالبها‪ .‬فالدول‬ ‫أ‬ ‫العضاء غالباً ما اصطدمت واختلفت ف ي� وجهات‬ ‫النظر حول قضايا تتقاطع فيها مصالح ّكل دولة عىل‬ ‫حدة بما فيها فرنسا‪ .‬وكشف أ‬ ‫المر تناقضات ومآزق‬ ‫مؤسسة ُو ِجدت لتكون حلقة وجرساً للثقافات‪ .‬وهذا‬ ‫ما أ ّدى إىل التساؤل حول إمكانية اعتماد مؤسسة ألن‬ ‫تكون جرساً ثقافياً وتتخلَّ عن كل أ‬ ‫الدوار لتحتفظ‬ ‫فقط بالدور الذي وجدت من أجله؟ وهل يمكن‬ ‫لمؤسسة ثقافية أن تتجاوز كل االعتبارات المصلحية‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫الضفت�‪ ،‬أمام المصلحة الثقافية العامة‬ ‫ب�‬ ‫ت‬ ‫والمش�كة؟‬ ‫نس يت�ي فابر‪« :‬تكمن المفارقة‬ ‫فيقول المثقف الفر أ ي‬ ‫الزمات‪ّ ،‬‬ ‫ظل نشاط معهد العالم‬ ‫ي� أن وراء تراكم‬ ‫العر� والدور المنوط به قائماً‪ ،‬يستجيب لتوقعات‬ ‫بي‬ ‫متنامية‪ ،‬ويلعب دور المؤانسة الفكرية»‪ .‬وكأن فابر‬ ‫التذك� بأن إنشاء هذا المعهد كان رهاناً‪ ،‬وأن‬ ‫يو ُّد‬ ‫ي‬ ‫هذا الرهان ظهر نتيجة التفاق تاريخي‪.‬‬ ‫كان هذا االتفاق عبارة عن فكرة ت‬ ‫مق�حة من ِقبل‬ ‫فرنسا ف ي� عام ‪1974‬م‪ ،‬واندرجت ضمن توجهها‬ ‫نحو السياسة العربية بعد تداعيات حرب ‪1973‬م‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ومحاولة ش‬ ‫ورو�‪ ،‬حيث‬ ‫العر� ال ب ي‬ ‫ال�وع ي� الحوار ب ي‬ ‫ف‬ ‫أك� ي� العالقة مع‬ ‫كانت فرنسا تطمح للعب دور ب‬ ‫العر�‪.‬‬ ‫العالم ب ي‬ ‫نوفم�‬ ‫وفعالً‪ ،‬جاء ف ي� القمة العربية بالجزائر ف ي�‬ ‫ب‬ ‫العر� من‬ ‫عام ‪1973‬م «أن أوروبا ترتبط بالعالم ب ي‬ ‫خالل البحر المتوسط‪ ،‬ولها مصالح حيوية ال يمكن‬ ‫أن تتطور إال ف ي� إطار التعاون الموثوق والمنفعة‬ ‫المتبادلة»‪ .‬وإنشاء مركز للثقافة يع ِّزز التعريف‬ ‫العر� بشكل أعمق‪.‬‬ ‫بحضارة العالم ب ي‬ ‫ف‬ ‫و� داخل ن‬ ‫للزائر اليوم أن يقف‬ ‫مب� المعهد‪ ،‬يمكن ّ‬ ‫ي‬ ‫فنية دائمة‪ ،‬هي‪ :‬معرض العالم‬ ‫عىل ثالثة معارض ّ‬ ‫العر�‬ ‫العالم‬ ‫معرض‬ ‫بوية‪،‬‬ ‫ن‬ ‫العر� قبل الهجرة ال‬ ‫ّ‬ ‫بي‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫السالم ي� إيران‬ ‫توسع إ‬ ‫إ‬ ‫السالمي‪ ،‬ي‬ ‫وأخ�اً معرض ّ‬ ‫بالضافة إىل معارض أخرى دورية‪.‬‬ ‫وتركيا والهند‪ ،‬إ‬ ‫الصدارات العربية‪،‬‬ ‫وتقدم المكتبة لمرتاديها أحدث إ‬ ‫ِّ‬ ‫ويقدم‬ ‫وإصدارات أخرى تم�جمة من العربية‪ِّ ،‬‬ ‫العر�‪ ،‬كما أن‬ ‫المطعم وجبات من فن الطبخ ب ي‬ ‫المعهد يُصدر مجلة دورية تحمل اسم‪ :‬قنطرة‪.‬‬

‫ف‬ ‫ثقا�‬ ‫من أجل تبادل ي‬

‫العر� ف ي� باريس‪ ،‬الحفاظ‬ ‫كانت مهمة معهد العالم ب ي‬ ‫عىل عالقة تبادلية ثقافية فاعلة‪ ،‬وتتناغم ف ي� النقاش‬

‫السالمية ف ي� متحف اللوفر‪ ..‬أهي ذات دور منافس لدور المعهد؟‬ ‫الفنون إ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫العر�‪،‬‬ ‫ومع التشكيالت وال�كيبات الثقافية ي� العالم ب ي‬ ‫وليس ت‬ ‫اخ�اع ثقافة عربية أحادية الطرف‪.‬‬ ‫ترق ت‬ ‫ّ ت‬ ‫ح� اليوم إىل المصاف‬ ‫هذه‬ ‫ال� لم َ‬ ‫المهمة ي‬ ‫الالئق بها أو المرجو من إنشاء المعهد‪ ،‬رغم أنه‬ ‫العر�‪ ،‬ولكن من‬ ‫حاول أن ّ‬ ‫يرجح الكفّة نحو العالم ب ي‬ ‫فت�ي فابر يرى‬ ‫دون أن يلتفت إىل العالم إ‬ ‫السالمي‪ .‬ي‬ ‫أن البعد السالمي ف‬ ‫الثقا� الذي كان يجب أن ينفتح‬ ‫إ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫العر� لم يلتفت أحد نحوه‪ ،‬إذ‬ ‫العالم‬ ‫معهد‬ ‫عليه‬ ‫بي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫مهم ي� العالم‬ ‫البعد إ‬ ‫ثقا� ّ‬ ‫إن ُ‬ ‫السالمي هو بُعد ي‬ ‫العر�‪ .‬فمن دون أن يتجاهل القائمون عىل إدارة‬ ‫بي‬ ‫البعد عمداً‪ ،‬فإنهم لم يولوه االهتمام‬ ‫المعهد هذا ُ‬ ‫ف‬ ‫الكا� ف� ت‬ ‫اس�اتيجية المعهد وبرامجه‪.‬‬ ‫ي ي‬

‫لم تقتصر المنافسة أمام‬ ‫معهد العالم العربي على قسم‬ ‫الفنون اإلسالمية في متحف‬ ‫اللوفر‪ ،‬ولكن بلدية باريس‬ ‫ً‬ ‫أيضا إلى إنشاء «معهد‬ ‫بادرت‬ ‫الثقافات اإلسالمية» (‪،)ICI‬‬ ‫في الحي الشعبي «باربيس»‪،‬‬ ‫في الدائرة الثامنة عشرة‪،‬‬ ‫والمخصص الكتشاف ُّ‬ ‫تنوع‬ ‫الثقافات اإلسالمية الحالية‪...‬‬

‫ف‬ ‫و� ّ‬ ‫الرئيس الجديد‬ ‫ظل هذا الوضع‪ ،‬فإن مهمة‬ ‫ي‬ ‫لمعهد العالم العر� الدكتور الزه ّر نا� ستكمن �ف‬ ‫ّ ي‬ ‫بي‬ ‫ي‬ ‫العمل عىل إرساء لبنة جديدة‪ ،‬تمكّن المعهد من‬ ‫أن يؤدي دوراً ث‬ ‫أك� فاعلية ف� مجال التواصل ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫ورو�‪ ،‬وتقديم جرعة جديدة من‬ ‫العر� أوال ب ي‬ ‫العالم� ب ي‬ ‫ف‬ ‫الثقافة العربية لل ي ن‬ ‫وروبي�‪ ،‬ش‬ ‫ون�ها أيضاً ي� أوساط‬ ‫الجاليات العربية المقيمة هناك‪.‬‬ ‫ولمناسبة احتفال المعهد ف ي� العام المقبل بذكرى‬ ‫مرور ي ن‬ ‫ثالث� سنة عىل تأسيسه‪ ،‬يكشف الزهر ن يا� أن‬ ‫«هناك برامج احتفالية بهذه المناسبة ستتواصل عىل‬ ‫مدى عام كامل‪ ،‬وستشمل فعاليات فنية ومعرفية ف ي�‬ ‫التنوع ث‬ ‫أك� عدد من‬ ‫وال�اء‪ .‬وكل أملنا أن تجذب ب‬ ‫غاية ُّ‬ ‫ف‬ ‫الجمهور‪ ،‬وأن تشكِّل مرحلة جديدة ي� حياة المعهد‬ ‫ت‬ ‫ال� شأ�نا إليها سابقاً»‪.‬‬ ‫ليواصل رسالته ي‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪67 | 66‬‬

‫فنان ومكان‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫ليوناردو دافنشي‬

‫وإسطنبول‬

‫لم يزر ليوناردو دافنشي مدينة إسطنبول التي‬ ‫كانت على عهده عاصمة السلطنة العثمانية‪.‬‬ ‫ولكن ثمة صلة نشأت بينه وبين هذه المدينة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فصوال حتى عصرنا هذا‪.‬‬ ‫وما زالت تتوالى‬

‫عبود طلعت عطية‬


‫ففر منها ليوناردو دافنشي‪،‬‬ ‫في عام ‪1500‬م‪ ،‬احتل الفرنسيون دوقية ميالنو‪ّ ،‬‬ ‫بعدما خسر راعيه وحاميه الدوق لودوفيكو سفورزا الذي وقع أسيراً في قبضة‬ ‫الفرنسيين‪ .‬واستقر الفنان في البندقية لمدة سنوات ثالث‪ ،‬حيث عمل مهندساً‬ ‫التجار العثمانيين وبدأ بنسج بعض الخيوط‬ ‫تعرف على ّ‬ ‫عسكرياً‪ .‬وفي البندقية‪ّ ،‬‬ ‫مع السلطنة‪.‬‬ ‫وجه دعوة إلى‬ ‫هناك رواية متوارثة في تركيا تقول إن السلطان محمد الفاتح َّ‬ ‫ليوناردو لزيارة إسطنبول‪ .‬ولكن هذه الرواية غير مثبتة وال وثائق تدعم صحتها‪.‬‬ ‫الثابت والمؤكد بالوثائق هو أن ليوناردو تقدم من السلطان (وعلى أ‬ ‫الرجح بمبادرة‬ ‫َّ‬ ‫عددها باختصار في رسالة وجهها إلى‬ ‫شخصية منه) بأربعة مشاريع هندسية‪ّ ،‬‬ ‫السلطان‪ ،‬مكتوبة بالتركية وبأحرف عربية (ربما على يد مترجم)‪ ،‬ومحفوظة اليوم‬ ‫في متحف توبكابي‪ .‬وهذه المشاريع أ‬ ‫الربعة هي حسب تسلسلها في الرسالة‪:‬‬ ‫آ‬ ‫طواحين هوائية‪ ،‬نظام مضخات لسحب المياه من البار من دون حبال وال قوة‬ ‫شد‪ ،‬وبناء جسر من الحجر فوق «القرن الذهبي» يسمح للسفن بالمرور من تحته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫وبناء جسر فوق البوسفور‪ .‬والرسم الولي للجسر فوق القرن الذهبي محفوظ‬ ‫اليوم في المعهد الفرنسي في باريس‪.‬‬

‫المشروع الذي بدا مستحيال ً‬

‫«القرن الذهبي» هو االسم القديم الذي كان يُطلق على قناة مائية طبيعية‬ ‫متفرعة من مضيق البوسفور في الشطر أ‬ ‫الوروبي من إسطنبول‪ ،‬وتُعرف‬ ‫اليوم باسم «هليج» (بالعربية‪ :‬الخليج)‪ .‬ويبلغ طول هذه القناة نحو ‪10‬‬ ‫كيلومترات‪ ،‬وعرضها عند مدخلها نحو ‪ 240‬متراً‪ .‬ويتألَّف الجسر الذي صممه‬ ‫دافنشي ُليبنى فوق هذه القناة من قوس واحد‪ ،‬يسنده من الجانبين قوسان‬ ‫مائالن‪ .‬وعلى الرغم من أنه أكَّد في رسالته استعداده للحضور إلى إسطنبول‬ ‫للإشراف على بناء الجسر بنفسه‪ ،‬فإن السلطان بايزيد الثاني رفض المشروع‬ ‫فور االطالع عليه‪ ،‬ألنه بدا له غير قابل للتنفيذ‪ .‬إذ لم يسبق أن أنشئت أي‬ ‫قنطرة حجرية يبلغ طولها أكثر من مئتي متر في أي مكان من العالم‪ .‬وما بين‬ ‫رفض المشروع من العميل‪ ،‬وتمكّن ليوناردو من الحصول على ر ٍاع جديد هو‬ ‫أ‬ ‫المير سيزار بورجيا في روما‪ ،‬بقي هذا الجسر حبراً على ورق‪ ،‬حتى مطلع‬ ‫أ‬ ‫اللفية الجديدة‪.‬‬

‫النموذج النرويجي المصغّ ر‬

‫بخالف مشروع دافنشي لجسر البوسفور الذي كان بالفعل غير قابل للتنفيذ قبل‬

‫مجسم الجسر‬ ‫َّ‬

‫عصر تصنيع الكابالت الفوالذية‪ ،‬فإن تصميمه لجسر القرن الذهبي‪ ،‬حظي في‬ ‫القرن العشرين بدراسة مستفيضة أكدت إمكانية بنائه‪ .‬وبالفعل قام الرسام‬ ‫والنحات النرويجي فيبيورن ساند ببناء جسر للمشاة فوق الطريق السريع الذي‬ ‫يربط مدينتي أوسلو وبيرغن‪ ،‬اعتماداً على تصميم ليوناردو لجسر القرن الذهبي‪.‬‬ ‫وفي عام ‪2001‬م‪ ،‬تم تدشين هذا الجسر الذي بلغت مقاييسه ما بين ‪ 25‬و‪30‬‬ ‫الصلي كما وضعها دافنشي‪ .‬وكان أ‬ ‫في المئة من مقاييس الجسر أ‬ ‫المر دليال ً إضافياً‬ ‫على أن دافنشي كان بالفعل سابقاً لعصره في علمه ونظرته إلى أ‬ ‫المور‪.‬‬

‫العودة إلى تركيا‬

‫في ‪ 21‬أكتوبر من عام ‪2012‬م‪ ،‬أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان‪ ،‬وكان‬ ‫آنذاك رئيساً للوزراء‪ ،‬عن عزم بالده على إنشاء الجسر الذي صممه ليوناردو‬ ‫دافنشي فوق القرن الذهبي‪ .‬وأضاف خالل كلمته في حفل تدشين مشروع مائي‬ ‫في القرن الذهبي‪ ،‬أن الجسر لن يكلِّف بلدية المدينة شيئاً‪ ،‬بل سيكون هدية‬ ‫من رعاة متطوعين يعملون لتقديمه هدية للمدينة‪ .‬وبالفعل كانت هناك لجنة‬ ‫العالن‬ ‫قد تشكَّلت‪ ،‬وبدأت دراسة المشروع منذ ما قبل سنوات ثالث على ذاك إ‬ ‫الرسمي‪ .‬وضمت هذه اللجنة الفنان النرويجي ساند نفسه‪ ،‬وعالم الفيزياء التركي‬ ‫المقيم في أمريكا بولنت أتامان‪ ،‬ومؤلف أ‬ ‫الوبرا الهندي دانيال نازاريت وغيرهم من‬ ‫الشخصيات العالمية المرموقة‪ .‬وسيبلغ طول الجسر عند إنشائه نحو ‪ 220‬متراً‪،‬‬ ‫وعرضه ‪ 10‬أمتار‪ ،‬وسيعلو عن سطح الماء في وسطه ‪ 25‬متراً‪ ،‬مما يسمح للسفن‬ ‫بالمرور من تحته‪ ،‬كما وعد ليوناردو دافنشي قبل أكثر من خمسة قرون‪.‬‬ ‫الجسر‬ ‫كما رسمه‬ ‫دافنشي‬ ‫حوالى العام‬ ‫‪1502‬م‬

‫السلطان‬ ‫بايزيد‬ ‫الذي رفض‬ ‫المشروع‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪69 | 68‬‬

‫ً‬ ‫شعرا‬ ‫أقول‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬


‫الطويلة أو في البناء الدرامي أو ما تسميه بالسرد الشعري فسحة الشتغال‬ ‫جديد خارج بناء القصيدة التقليدي‪ ،‬وفرصة لنمو مغاير في جسد القصيدة‬ ‫باتجاه إجناسية تتمرد على أنماط الكتابة الشعرية‪ .‬إذ إن الشعر تمرد على الروح‪،‬‬ ‫ونفور عن المألوف‪ .‬ولعل تجارب شعرية مماثلة في الشعر العربي والعالمي‬ ‫كالقصائد الملحمية لدى اليونان والرومان والعرب وكتابة سير أ‬ ‫البطال شعراً‪ ،‬بل‬ ‫وحتى القصائد الحديثة أ‬ ‫كالرض الخراب إلليوت والمقبرة البحرية لفاليري‪ ،‬ولدى‬ ‫ويتمان أيضاً وغالب شعر سان جون بيرس وصوال ً إلى شاعرنا بدر شاكر السياب‬ ‫والسلحة أ‬ ‫في المومس العمياء وحفّار القبور أ‬ ‫والطفال وكثير من شعر العربية‬ ‫الحديث‪ .‬ولعل تعلقي بالنثر العربي قادني إلى الكتابة الشعرية بالسرد أكثر من‬ ‫غيره‪ ،‬فأنا أعتبر أن العرب أبدعوا بالنثر أكثر مما فعله شعراؤهم‪...‬‬

‫ولد طالب عبدالعزيز في أبي الخصيب بالبصرة عام ‪1953‬م‪ ،‬وهي المدينة‬ ‫نفسها التي أنجبت شاعرين كبيرين هما بدر شاكر السياب وسعدي يوسف‪ .‬وبدأ‬ ‫طالب كتابة الشعر بنا ًء على أوزان الخليل في ثمانينيات القرن الماضي‪ ،‬ثم انتقل‬ ‫إلى كتابة قصيدة التفعيلة‪ ،‬قبل أن يتفرغ لكتابة قصيدة النثر‪ .‬وهو يعد آ‬ ‫الن في‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫بتنوع‬ ‫طليعة الشعراء الذين يكتبون هذه القصيدة في العراق‪ ..‬تتميز قصيدته ُّ‬ ‫أبعادها‪ ،‬حيث يمتزج فيها التاريخي‪ ،‬أ‬ ‫والسطوري‪ ،‬والسردي‪ ،‬واليومي‪ ،‬واللغوي‪،‬‬ ‫مستعيناً بحرية مدهشة تمنح نصوصه عمقاً وتأثيراً يتسم بالقوة والتوازن‪.‬‬

‫ما يقوله في شعره‬

‫يقول الشاعر طالب عبدالعزيز عن تطور تجربته الشعرية‪:‬‬ ‫تدرجت تجربة القصيدة لي باتجاه السرد‪ .‬ففي القصيدة‬ ‫ال أعرف بالضبط كيف َّ‬

‫ولوال وقع الوزن وفعله باألذن العربية‬ ‫وسطوة عمود الشعر ووروده كشاهد‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والزجالين عبر‬ ‫والرجازين‬ ‫لدى الخطباء‬ ‫التاريخ‪ ،‬لكان النثر ديوان العرب‪...‬‬ ‫صدرت للشاعر المجموعات الشعرية والنثرية آ‬ ‫التية‪:‬‬ ‫• تاريخ أ‬ ‫السى ‪1994 /‬م‬ ‫• ما ال يفضحه السراج ‪1999 /‬م‬ ‫• تاسوعاء ‪2005 /‬م‬ ‫• الخصيبي ‪2012 /‬م‬ ‫• قبل خراب البصرة ‪2012 /‬م‬ ‫• طريقان على الماء واحد على اليابسة ‪2016 /‬م‬

‫استمع للقصائد‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪71 | 70‬‬

‫ذاكرة القافلة‬

‫الدرعية‪..‬‬ ‫قلعة األمجاد‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫في عددها لشهر‬ ‫صفر ‪1392‬هـ‬ ‫(مارس أبريل‬ ‫‪1972‬م)‪ ،‬نشرت‬ ‫مصوراً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫استطالعا‬ ‫«قافلة الزيت»‬ ‫حول الدرعية بعنوان «الدرعية‬ ‫قلعة األمجاد»‪ ،‬من إعداد‬ ‫سليمان نصراهلل‪ ،‬وتصوير علي‬ ‫عبداهلل خليفة‪ .‬وفيما يأتي‬ ‫بعض ما جاء فيه‪:‬‬ ‫يُعد وادي حنيفة الذي يحتضن الدرعية بين ضفتيه‬ ‫من أهم أودية جزيرة العرب وأخصبها‪ .‬وقد كان‬ ‫في الماضي من أكثر أ‬ ‫الودية سكاناً وعمراناً‪ ،‬تنتشر‬ ‫فيه القرى والمزارع كالعقد المنظوم‪ ،‬وتكاد تكون‬ ‫الدرعية التي نحن بصددها واسطة هذا العقد‪.‬‬ ‫«الع ْرض» أو‬ ‫وكان هذا الوادي يُعرف قديماً بوادي ِ‬ ‫واد فيه قرى ومياه يطلق‬ ‫ِع ْرض بني حنيفة‪ ،‬شأن كل ٍ‬

‫يتحدى عاديات الزمن‬ ‫َّ‬ ‫أحد القصور الشامخة في حي الطريف بالدرعية‬

‫السم‪ .‬وقد استوطنت هذا‬ ‫عليه العرب مثل هذا إ‬ ‫الوادي قبيلة حنيفة‪ ،‬وهي من أقوى القبائل العربية‬ ‫شوكة وأبعدها صيتاً وأكثرها عدداً‪ ،‬اتخذت من‬ ‫جبل العارض «طويق» حصناً منيعاً يقيها غارات‬ ‫القبائل أ‬ ‫الخرى‪.‬‬

‫تتدفق مياه وادي حنيفة من مرتفعات جبال‬ ‫«الخ ْمرة» في سلسلة جبال طويق‪ ،‬وينحدر مجراه‬ ‫ُ‬ ‫نحو الجهة الجنوبية الشرقية إلى أن يفيض في‬ ‫روضة السهباء القريبة من «حرض» في أسفل‬ ‫منطقة الخرج‪ ،‬حيث يقوم مشروع الفيصل‬ ‫النموذجي لتوطين البادية‪ .‬ويقال إن هذا الوادي‬ ‫كان يصب قديماً في الخليج العربي إال أن الجفاف‬ ‫ورمال الدهناء المتحركة حالت مع الزمن دون‬ ‫ذلك‪ .‬وعندما تهطل أ‬ ‫المطار‪ ،‬تجتاحه سيول‬ ‫عارمة يصل ارتفاعها في بعض السنين إلى عشرة‬ ‫أ‬ ‫وتقوض المنازل وتتلف‬ ‫أمتار‪ ،‬فتقتلع الشجار ِّ‬ ‫المزروعات‪ ،‬ولهذا الوادي الممرع روافد عديدة‬ ‫تغذِّ يه بالمياه وتلقي فيه ما تجرفه في طريقها من‬ ‫طمي‪ ،‬ولذا كان من أخصب البقاع وأعمرها في‬ ‫قلب الجزيرة العربية‪.‬‬

‫جولة في الدرعية وأطاللها‬

‫َّ‬ ‫حصادة تستخدم في إحدى المزارع في الدرعية‬

‫رغم أ‬ ‫الرزاء والنكبات التي حلَّت بالدرعية في عهدها‬ ‫الماضي نجد أهلها يتمتعون بروح عالية من العزم‬ ‫والتصميم‪ .‬فقد عادوا إليها بعد طول تشتت‪ ،‬وراحوا‬


‫الرطب الجني (يجمع) في جرادل صغيرة ويباع في‬ ‫أسواق الرياض‬

‫يبنون ويزرعون حتى عاد للدرعية رونقها وبهاؤها‪.‬‬ ‫وبدأت الحياة تدب فيها من جديد‪.‬‬ ‫بدأنا جولتنا في حي البجيري المحاذي لمجرى وادي‬ ‫حنيفة من الجهة الشمالية‪ ،‬وفيه شاهدنا المسجد‬ ‫الجامع الحديث الذي أقيم على أنقاض مسجد إمام‬ ‫الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي بناه على‬ ‫مقربة من بيته‪ .‬ثم قطعنا الوادي من المكان الذي‬ ‫سيجري عليه إنشاء جسر يربط بين البجيري والطريف‬ ‫المتاخم للوادي من الجهة الجنوبية والذي كان فيما‬ ‫مضى مقراً لسكنى أمراء آل سعود‪ .‬وأول ما يصافح‬ ‫المام عبدهللا بن‬ ‫الزائر في هذا الحي أطالل قصر إ‬ ‫سعود بمحلة «سلوى»‪ ،‬وال تزال جدرانه قائمة رغم‬ ‫عاديات الزمن‪ ..‬ويمتد من القصر طريق مدرج من‬ ‫الحجارة المطابقة يطلق عليه «درب فيصل» يفضي‬ ‫إلى «الدربشة» وهي قلعة جاثمة على ربوة عالية‬ ‫تشرف على الوادي والهضاب المحيطة به‪ .‬ومن هذه‬ ‫القلعة يستطيع الزائر أن يرى عدداً كبيراً من أ‬ ‫البراج‬ ‫القائمة على ضفتي الوادي‪.‬‬

‫يقوم األخصائي الزراعي بعقد اجتماعات إرشادية الغرض منها توعية المزارعين وحثهم‬ ‫على اتباع أحدث الوسائل الزراعية‬

‫الزراعة في الدرعية‬

‫كانت الزراعة السائدة في الوادي في الماضي هي‬ ‫النخيل والبرسيم والدخن‪ ،‬والقمح والشعير‪ ،‬بيد‬ ‫أن أ‬ ‫الهالي سرعان ما أخذوا يتجهون إلى زراعة‬ ‫أشجار الفاكهة والخضراوات والبقول‪ .‬فمن أشجار‬ ‫الفاكهة التي تكثر زراعتها في منطقة الدرعية‪ :‬العنب‬ ‫والرمان والخوخ والجوافة والبشملة والتين والمشمش‬ ‫والتفاح‪ ..‬أما الخضراوات فقد أصبحت تزرع على‬ ‫نطاق واسع لرواجها‪ ،‬ومنها‪ :‬الباذنجان والملفوف‬ ‫والقرنبيط والطماطم والفلفل والخس والملوخية‬ ‫والباميا والقرع والكوسا وغيرها‪ .‬وتعتمد الزراعة‬ ‫في الري‪ ،‬على آ‬ ‫البار االرتوازية التي تحفر إلى عمق‬ ‫يتراوح بين ‪ 70‬و‪ 100‬متر‪.‬‬

‫مركز التنمية االجتماعية‬

‫تأسس هذا المركز منذ عامين تقريباً بالتعاون بين‬ ‫حكومة المملكة العربية السعودية والصندوق‬ ‫الخاص التابع لهيئة أ‬ ‫المم المتحدة‪ ..‬والغرض‬ ‫أ‬ ‫الساسي من هذا المشروع الضخم هو تدريب‬

‫من أهداف مركز التنمية االجتماعية بالدرعية‬ ‫الح َرف‬ ‫تدريب الشباب على ِ‬

‫أ‬ ‫الخصائيين العاملين في التنمية االجتماعية الالزمين‬ ‫لشغل الوظائف في مراكز التنمية المنتشرة في أرجاء‬ ‫المملكة وإجراء البحوث حول الطرق أ‬ ‫والساليب‬ ‫الفعالة للنهوض بمسؤولية المجتمع المحلي‬ ‫وتشجيعه على العمل في هذا االتجاه‪ ،‬والعمل‬ ‫والنماء االقتصادي في إطار‬ ‫على تطوير المجتمع إ‬ ‫المفاهيم السالمية والتقاليد العربية أ‬ ‫الصيلة‪.‬‬ ‫إ‬ ‫آ‬ ‫والجدير بالذكر أنه يوجد في المملكة الن أحد‬ ‫عشر مركزاً للتنمية االجتماعية وستة مراكز للخدمة‬ ‫االجتماعية‪.‬‬

‫اقرأ المزيد‬ ‫تمتد بساتين النخيل اليانعة على طول عشرة كيلومترات بالدرعية‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪73 | 72‬‬

‫لغويات‬

‫أ‬ ‫هل تُفسد اللفاظ الدخيلة اللغة؟‬

‫إعداد أ‪.‬د‪ .‬حامد قنيبي‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫سجل التاريخ المعجمي عند العرب أن الزمخشري صاحب‬ ‫أساس البالغة‪ ،‬كان أول من خرج على شرعية عصر االحتجاج‬ ‫اللغوي حين استشهد بأدباء وشعراء عصره وما قبلهم من‬ ‫المولدين‪ .‬وكانت حجته في ذلك أن روح اللغة تكمن في‬ ‫تراكيبها الداللية (سياق الجمل وترابطها النحوي)‪ ،‬ال في‬ ‫ألفاظها سواء العربية منها أو الدخيلة المقترضة فحسب‪.‬‬ ‫وإن التدفق اللغوي المصاحب للتمدن والتكنولوجيا ال يشكِّل‬ ‫َّ‬ ‫خطراً على اللغة‪ ،‬ما لم تزعزع النظام النحوي والصرفي لهذه‬ ‫اللغة؛ ألن أ‬ ‫مستوى أقل شأنًا من التراكيب‬ ‫اللفاظ هي في‬ ‫ً‬ ‫الداللية‪ .‬واللغة ليست مجرد ألفاظ مفردة‪ ،‬بل هي بناء‬ ‫والفعال أ‬ ‫ملتحم قوامه الحروف أ‬ ‫والسماء تُ ْب ِر ُز في مجموعها ما‬ ‫تنضوي عليه اللغة من فكر وذوق وحضارة‪ .‬أ‬ ‫واللفاظ الدخيلة‬ ‫تسبك في هذا البناء من دون أن تؤثر على كيانه اللغوي‪ ،‬بل‬ ‫ربما زادته قوة وسعة‪.‬‬ ‫العرف العام هو الذي يسمح بدخول الدخيل إلى اللغة‬ ‫إن ُ‬ ‫أ‬ ‫وإن عنصر السماع في تقبله هو العامل الهم‪،‬‬ ‫العربية‪َّ ،‬‬ ‫وال بُ َّد له من الخضوع لطبائع العربية من حذف أو إضافة‬ ‫أو وزن أو إيقاع صوتي متجانس مع لغة العرب حتى إذا شاع‬ ‫استعماله واستشرى خطره صنف مع نظائره في االستعمال‬ ‫اللغوي‪ ،‬وبعد ذلك يأتي دور الدرس اللغوي من ِق َبل العلماء‬ ‫لتسويغ وجوده في لغة العرب إذ ال يعقل وضع مواصفات‬ ‫تتعين‬ ‫مسبقة‬ ‫للمعرب كظاهرة لم تتضح معالمها أو َّ‬ ‫ّ‬ ‫مالمحها‪.‬‬ ‫وخضعت أ‬ ‫المعربات لظروف‬ ‫اللفاظ الحضارية العامة من‬ ‫َّ‬ ‫عفوية دعت إليها ضرورة االستعمال‪ ،‬وكان من الصعب وضع‬ ‫معيار لضبطها‪ ،‬أو تقعيدها فهي أشبه بكيانات مستقلة تعامل‬ ‫ّكل لفظة منها في إطار مالبسات نقلها واستعمالها‪ .‬ومن أمثال‬ ‫نطق مثل‪:‬‬ ‫هذه‬ ‫َّ‬ ‫المعربات الحديثة ما نجده من اختالف في ٍ‬ ‫وعربيتها سيارة أجرة‪ ،‬وهي تلفظ‬ ‫النجليزية ‪،taxi‬‬ ‫• تاكسي من إ‬ ‫َّ‬ ‫بـ‪ :‬طاكسي‪ .‬تكسي‪ .‬تكس‪.‬‬ ‫النجليزية ‪ ،telephone‬وعربيته‪ :‬الهاتف‪ .‬يلفظ‪:‬‬ ‫• وتلفون من إ‬

‫تَ ِليفُون‪ .‬تيليفون‪ .‬تلفون‪.‬‬ ‫اليطالية ‪ ،salata‬وهي مخلوط من الخضراوات‬ ‫ والس َلطَة من إ‬ ‫• َّ‬ ‫والملح (حرفياً‪ :‬مملحة)‪ ،‬تلفظ‪ :‬سالطة‪ ،‬زالطة‪.‬‬ ‫أقول‪ :‬إن سبب تعدد نطق مثل هذه أ‬ ‫اللفاظ هو شيوعها‬ ‫ُّ‬ ‫على ألسنة العامة والخاصة على السواء‪ ،‬وأنها من ألفاظ‬ ‫للعرف اللغوي السائد‪ ،‬والعوامل‬ ‫الحضارة العامة التي تخضع ُ‬ ‫السماعية أ‬ ‫الخرى‪.‬‬ ‫أما أ‬ ‫اللفاظ والمصطلحات العلمية فهي لغة طائفة مخصوصة‬ ‫من أهل العلم‪ ،‬وهم يتفقون فيما بينهم على أسس وقواعد‬ ‫في التعريب‪ .‬أهم ما يميز مسلكهم في تلقي الدخيل‬ ‫أنهم يعتمدون على الكتابة والنظر ال على السماع والنطق‬ ‫فحسب‪ .‬وفي أروقة المجامع العربية ومن خالل جهود‬ ‫مجموعات اللجان المختلفة يقررون ما تكون عليه صيغة‬ ‫الدخيل والمصطلحات‪ .‬من ذلك قرار المجمع اللغوي بمصر‬ ‫إساغة بعض اللواحق أ‬ ‫الجنبية في اللفظ‪ :‬عند تعريب أسماء‬ ‫يعرب بـ‬ ‫العناصر الكيميائية التي تنتهي بالمقطع (‪ّ )ium‬‬ ‫(يُوم)‪( ،‬مالم يكن السم العنصر تعريب أو ترجمة شائعة)‪،‬‬ ‫كما في‪:‬‬ ‫• أُ ِلم ُنيوم وبوتاسيوم وكالسيوم‬ ‫• و«نحاسوز تعريباً لقولهم ‪cuprous‬‬ ‫• ونحاسيك تعريباً لقولهم ‪cupric‬‬ ‫العلَم بـ (التاء) في‬ ‫و«تترجم الالحقة ‪ Logy‬للداللة على َ‬ ‫آخرها‪ .‬فيقال‪ :‬جيولوجية‪ .‬بيولوجية‪ .‬سوسيولوجية»‪...‬‬ ‫وغني عن البيان أن أمثال هذه المعالجات إنما تعالج‬ ‫كلمات علمية‪ ،‬والمعنيون بها يتعاملون مع هذه الكلمات‬ ‫في مراجعها ومعاجمها‪ .‬والرمز (مج) في (المعجم الوسيط)‬ ‫اللفاظ المجمعية‪ ،‬وهي جانب من أ‬ ‫يشير إلى طائفة أ‬ ‫اللفاظ‬ ‫المحدثَة‪ ،‬غير أن هذه أ‬ ‫اللفاظ تتضمن ألفاظاً معربة ومولدة‬ ‫ُ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ودخيلة‪ .‬وكان دور المجمع في الواقع دورا أساسيا في وضعها‬ ‫االصطالحي‪ ،‬وتحديد مفهومها الجديد‪.‬‬


‫خالد ربيع السيد‬

‫ّ‬ ‫النحات تامر رجب‬

‫«فكرة العمل ِّ‬ ‫تحدد خامته‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫المفضل لدي»‪..‬‬ ‫والبرونز هو‬

‫فرشاة وإزميل‬

‫منذ أكثر من ست سنوات‪ ،‬انتقل ّ‬ ‫النحات تامر‬ ‫ّ‬ ‫المنورة‪،‬‬ ‫رجب من مصر ليستقر في المدينة‬ ‫ً‬ ‫حامال معه تجربة فنية كانت قد بلغت النضج‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كثيرا من بيئته الجديدة‪ ،‬ليصبح‬ ‫وأضاف إليها‬ ‫ً‬ ‫جزءا من الحياة التشكيلية في المملكة‬ ‫بذلك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واسما معروفا في فضائها‪.‬‬ ‫وفي محترفه الغارق بالضوء النهاري القوي‪ ،‬كان‬ ‫لنا لقاء معه‪ ،‬للتعرف عن قرب على منهجه في‬ ‫العمل‪ ،‬وسبر ما ّ‬ ‫تيسر من أغوار أعماله المتميِّ زة‬ ‫في لغتها الجمالية‪.‬‬


‫‪75 | 74‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫أم ف ي� الهواء الطلق‪.‬‬

‫النحات المعارص تامر رجب إىل ت‬ ‫مح�فه‬ ‫يدلف ّ‬ ‫النح ي ن‬ ‫ات� الذين‬ ‫خالل النهار‪ .‬وكما هو حال كل َّ‬ ‫يدركون جيداً مفاعيل الضوء عىل أعمالهم‪ ،‬نراه‬ ‫يحبذ العمل ف� ح�ض ة ضوء الشمس‪ ،‬حيث يملأ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫النور المكان‪ ،‬سوا ًء أكان موضع العمل داخلياً‬

‫ال يتبع رجب طقوساً خاصة أثناء ممارسته لفنه ف� ت‬ ‫مح�فه‪ .‬يغ� أنه‬ ‫ي‬ ‫يحرص عىل توفّر أمرين فقط إضافة إىل الضوء‪ :‬الهدوء وسماع‬ ‫الموسيقى الكالسيكية‪ ..‬فيمسك بإزميله ومطرقته‪ ،‬ويجلس أمام‬ ‫عمله ش‬ ‫لي�ع ف ي� استكماله‪ .‬ولكن كيف يبدأ العمل عىل منحوتة ما عند‬ ‫رجب؟‬

‫التحض�ي أوالً‪..‬‬ ‫الرسم‬ ‫ي‬

‫يقول الفنان‪« :‬عندما تتولَّد ف� ن‬ ‫ذه� فكرة جديدة‪ ،‬أبدأ بالعمل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الزميل‪ ،‬وأبدأ ف ي�‬ ‫عليها‪ ،‬وأمسك بقلم الرصاص أوال ً بدال ً من إ‬ ‫ت‬ ‫ال� أنوي تنفيذها‪ .‬ومن‬ ‫تخطيط الرسم‬ ‫ي‬ ‫التحض�ي للمنحوتة ي‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫و�حت عنارصه‬ ‫العمل‪،‬‬ ‫ا‬ ‫نظري‬ ‫درست‬ ‫قد‬ ‫أكون‬ ‫الرسم‪،‬‬ ‫خالل هذا‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال� سأستخدمها»‪.‬‬ ‫وأبعاده وربما َّ‬ ‫حددت الخامة ي‬

‫ال�ونز مقاس ‪85 / 40 / 20‬‬ ‫تمثال «انتظار»‪ ..‬من ب‬

‫ت‬ ‫موجه نحو مواضيع‬ ‫تأ� عند رجب نتيجة ي‬ ‫تفك� ّ‬ ‫وفكرة العمل ال ي‬ ‫محددة سلفاً‪ ،‬وال تحقيقاً لفكرة مسبقة‪ .‬وهو يقول ف ي� هذا الصدد‪:‬‬

‫ليس هناك منحوتة معينة أقرب‬ ‫إلى نفسي من غيرها‪ ،‬كل تمثال‬ ‫ً‬ ‫مشحونا بها‬ ‫وله حالته التي كنت‬ ‫وحاولت التعبير عنها‪ ..‬فكل عمل‬ ‫من أعمالي يحمل في داخلي‬ ‫ً‬ ‫وتعبيرا عن تجربة‬ ‫قيمة‬ ‫ُ‬ ‫مررت بها أو عايشتها‬ ‫من قصص الحياة‬ ‫المختلفة‪...‬‬

‫ت‬ ‫ت‬ ‫وكث�اً ما‬ ‫تأ� من‬ ‫تجار�‪ ،‬ي‬ ‫مشاهدا� ومخزون ب ي‬ ‫ي‬ ‫«إن فكرة المنحوتة ي‬ ‫ش‬ ‫محدد ولم أتمكن من صياغته‪ .‬وقد تظل‬ ‫حاولت‬ ‫�ء َّ‬ ‫ي‬ ‫التعب� عن ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫التعب� عنها‪،‬‬ ‫أس ف�ة طويلة دون أن أستطيع‬ ‫ي‬ ‫فكرة فما تدور ي� ر ي‬ ‫ت‬ ‫أول‪ .‬ولكن‪ ،‬ف ي� لحظة ما‪ ،‬قد تكتمل الفكرة‪ ،‬وأبدأ‬ ‫ح� ي� رسم ي‬ ‫ن‬ ‫م� بعض الوقت‪ ،‬ثم‬ ‫الرسم‬ ‫ي‬ ‫التحض�ي لتسجيلها‪ ،‬وقد يأخذ ذلك ي‬ ‫أبدأ ف ي� بناء المنحوتة»‪.‬‬ ‫ف‬ ‫معينة‪ ،‬وتتولَّد‬ ‫«� بعض الحاالت النادرة‪ ،‬أتأثر بحالة َّ‬ ‫ويضيف‪ :‬ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تتغ� أو ش‬ ‫تتال� من‬ ‫َّ‬ ‫لدي الفكار‪ ،‬فأقوم بتسجيلها برسعة ح� ال ي َّ‬ ‫ت‬ ‫التحض�ي هو بالنسبة يل هو أحد أهم‬ ‫مخيل�‪ .‬لذلك فإن الرسم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مراحل العمل‪ .‬إذ أسجل بواسطته المالحظات‪ ،‬وأرسم عىل ضوئه‬ ‫التمثال بما يتضمنه من تفاصيل»‪.‬‬

‫المنحوتة تختار خامتها‬

‫ال�ونز مقاس ‪30 / 25 / 15‬‬ ‫تمثال «آدم»‪ ..‬من ب‬

‫مح�فه‪ ،‬ت‬ ‫وما إن يجول برص الزائر بل�هة عىل أعمال رجب ف� ت‬ ‫ح�‬ ‫ي‬ ‫يتأكد له أنه أمام فنان يعتمد خامات شديدة التنوع ف ي� منحوتاته‪.‬‬ ‫وهو يقول ف ي� هذا الشأن‪« :‬لكل عمل خامة تتناسب معه‪ ،‬ولكل‬ ‫قوتها وبريقها الذي تضيفه إىل المنحوتة‪ .‬فحجر الجرانيت‪،‬‬ ‫خامة ّ‬ ‫مثالً‪ ،‬من أقوى الخامات وأصلبها‪ ،‬وهو ال يتيح التعامل معه بحرية‬ ‫كاملة‪ ..‬وكذلك خامة الرخام بمختلف أنواعه يغ� أنه من الخامات‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫يمنح� شيئاً من الحرية ف ي�‬ ‫أفضلها عىل الغرانيت‪ ،‬نظراً ألنه‬ ‫ال� ِّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التشكيل والبناء»‪.‬‬

‫تمثال «الخروج»‪..‬‬ ‫من الريزن مقاس‬ ‫‪200 / 120 / 60‬‬


‫لدي بشكل مطلق‪ ،‬ألنه‬ ‫«أما معدن ب‬ ‫ال�ونز فهو الخامة المفضلة َّ‬ ‫ن‬ ‫أعمال‬ ‫أغلب‬ ‫أن‬ ‫ترى‬ ‫ولذا‬ ‫كاملة‪.‬‬ ‫بحرية‬ ‫االنطالق‬ ‫يساعد� عىل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ال�ونز‪ ،‬لنها تضيف ‪ -‬إىل جانب كونها خامة‬ ‫هي من مادة ب‬ ‫ئ‬ ‫النها� للعمل‬ ‫الشكل‬ ‫اج‬ ‫ر‬ ‫إخ‬ ‫عىل‬ ‫القدرة‬ ‫‬‫للفنان‬ ‫محررة‬ ‫ي‬ ‫بالملمس واللون والكتلة المتماسكة المبهرة‪ .‬كما أن‬ ‫ال�ونز مختلفة من حيث الوزن‪ ،‬فهي‬ ‫خامة ب‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ويساعد� هذا‬ ‫أخف من الخامات الخرى‪.‬‬ ‫ي‬ ‫عىل نقلها بسهولة لعرضها ف ي� أماكن وبلدان‬ ‫مختلفة»‪.‬‬ ‫يوضح رجب‪:‬‬ ‫ال�ونز ِّ‬ ‫وحول مراحل العمل عىل ب‬ ‫ال�ونز‪ ،‬ن‬ ‫فإن�‬ ‫مادة‬ ‫«قبل مرحلة سبك العمل من‬ ‫ب‬ ‫ف ي‬ ‫ت‬ ‫أنفِّذ المنحوتة ي ن‬ ‫أفضلها ي�‬ ‫ال� ِّ‬ ‫بالط�‪ ،‬المادة ي‬ ‫بعض أ‬ ‫العمال‪ ،‬نظراً لما تشيعه من إحساس بدفء‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫أستع� بخامة‬ ‫و� بعض الحيان‪،‬‬ ‫الف�‪ .‬ي‬ ‫العمل ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أك� من‬ ‫ال�‬ ‫تمنح� قدراً ب‬ ‫الستايروفوم أو ي‬ ‫ي‬ ‫الفل�‪ ،‬ي‬ ‫الحرية‪ .‬فهي خامة تتشكل بمنتهى السهولة‪ ،‬وال تلزم‬ ‫الفنان بسماكة معينة كما يحدث ف� بعض أ‬ ‫الحيان عند‬ ‫ي‬ ‫يس�ة ت‬ ‫استخدام ي ن‬ ‫ح� يخرج‬ ‫الط�‪ ،‬وتجعل المراحل التالية ي‬ ‫ال�ونز»‪.‬‬ ‫العمل بمادة ب‬

‫ت‬ ‫وأمنيا�‬ ‫التأويل‬ ‫شي‬

‫تمثال «مهرة»‪ ..‬من‬ ‫ال�ونز مقاس ‪/ 15‬‬ ‫ب‬ ‫‪35 / 25‬‬

‫أحبذ‬ ‫عن تأويل أعماله و�حها للجمهور يقول رجب‪« :‬ال ِّ‬ ‫وتفس�ها للمتلقي‪ .‬فعىل المتلقي أن يتأمل العمل‬ ‫أعمال‬ ‫ش�ح‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ليخرج برؤيته الخاصة المبنية عىل ثقافته وما حركه ي� داخله‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫المتلق� أو‬ ‫اضطر� أحد‬ ‫ومعان‪ .‬ولكن إذا‬ ‫العمل من شعور‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫السائل� عن العمل‪ ،‬فربما أتحدث عن فلسفة العمل‪ ،‬وليس‬ ‫عن معناه أو ما أردت أن أقول بالتحديد‪ ،‬وهذه قناعة راسخة‬ ‫ت‬ ‫نفس ف ي� خضمها‪ ،‬ومن دون‬ ‫َّ‬ ‫ال� أجد ي‬ ‫لدي‪ .‬فالمدرسة الرمزية ي‬ ‫قصد ن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وبالتال ال أريد أن‬ ‫للتأويل‪.‬‬ ‫ا‬ ‫واسع‬ ‫ا‬ ‫أفق‬ ‫للمتلقي‬ ‫تتيح‬ ‫‪،‬‬ ‫م�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أحرمه من المشاركة ف ي� العمل بإحساسه وما اعتمل ف ي� دواخله‬ ‫حياله»‪.‬‬ ‫ويلخص الفنان رؤيته لنفسه وطموحاته بقوله‪« :‬يسعى الفنان‬ ‫طوال حياته إىل الكمال والبحث والتجريب‪ ،‬وأنا مستمر ف ي� ذلك‪.‬‬ ‫ن‬ ‫وأتم� أن أصل إىل مزيد من ي ُّ ز‬ ‫البداع وطرح‬ ‫التم� والقدرة عىل إ‬ ‫أفكار مختلفة بأسلوب معارص‪ .‬كما ن‬ ‫أعمال الفنية إىل‬ ‫أتم� أن تصل‬ ‫ي‬ ‫كل العالم وأن تُعرض ف ي� أهم صاالت الفن ويكون لها القدرة عىل‬ ‫التشكيل‪ ،‬وأتطلع ألكون قادراً‬ ‫التأث� ف ي� الجمهور المتذوق للفن‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫عىل إضافة ش‬ ‫تعب� قوي عن الحضارة‬ ‫�ء جديد إىل الفن‪ ،‬وإيجاد ي‬ ‫ي‬ ‫العر� بما يحمله من‬ ‫المرصية العظيمة‪ ،‬ي‬ ‫وتعب� صادق عن الفن ب ي‬ ‫قيم إنسانية»‪.‬‬

‫«العمل أمام الجمهور يو ِّلد إحساساً مختلفاً»‬

‫ال�ونز مقاس ‪50 / 40 / 30‬‬ ‫تمثال «لقاء»‪ ..‬من ب‬

‫ويستعيد رجب ف� ذاكرته بعض التجارب ي ز ت‬ ‫ال� خاضها‪ ،‬ومن‬ ‫ي‬ ‫المم�ة ي‬ ‫أبرزها تجربة العمل أمام الجمهور‪ .‬فيقول‪« :‬من التجارب ت‬ ‫ال� ت ز‬ ‫أع�‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫بها ت‬ ‫ومشارك� ف ي�‬ ‫اش� ياك ف ي� سمبوزيوم الدوادمي عام ‪2012‬م‪،‬‬ ‫ي‬ ‫السمبوزيوم الذي أقامته أجنحة عربية تحت عنوان «جدة مدينة‬ ‫معارصة» عىل كورنيش جدة عام ‪2013‬م‪ ،‬واستمر لمدة ‪ 20‬يوماً‬ ‫النحات طالل الطخيس من السعودية‪،‬‬ ‫أمام الجمهور‪ ،‬وكان معي َّ‬


‫‪77 | 76‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫والنحات أحمد قشطة من إسبانيا‪ .‬وكان عىل كل نحات أن ينفِّذ عمال ً‬ ‫َّ‬ ‫عىل قطعة رخام طبيعي ارتفاعها ‪ 1‬تم� وعرضها ‪ 60‬سم وعمقها‬ ‫‪ 40‬سم‪ ،‬وعىل قاعدة صخرية ترتفع ‪ 80‬سم‪.‬‬ ‫وقيمة التجربة تكمن ف ي� إقامتها أمام الجمهور‪ ،‬فالعمل ف ي� ح�ض ة‬ ‫يتكرس ف ي� المواجهة الحميمة معه‪..‬‬ ‫الجمهور يولِّد إحساساً مختلفاً َّ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫كان العمل يجري يومياً من الساعة الرابعة عرصا وح� العا�ة‬ ‫ليالً‪ ،‬ف ي� منطقة مكشوفة عىل طريق الكورنيش‪ ،‬حيث يتوافد الناس‬ ‫والفنانون لمراقبتنا والحديث معنا‪ ،‬والتداخل مع آلية العمل وطرح‬ ‫أسئلة وفتح نقاشات ثرية وملهمة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� مررت بها‪ .‬فمن‬ ‫كانت تلك التجربتان من أروع التجارب الفنية ي‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫والسعودي�‪ .‬وكان‬ ‫الفنان� العرب‬ ‫خاللهما تعرفت عىل مزيد من‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫للوقوف عىل تفاعل الناس ونقاشاتهم للعمال النحتية أبلغ الثر‬ ‫نفس‪ .‬إذ لمست مدى اهتمام الجمهور السعودي بفن النحت‬ ‫ف ي�‬ ‫ي‬ ‫الدوات والخامات أ‬ ‫ورغبة كث�ين ف� التعرف عىل أ‬ ‫والساليب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ومشاهدة قدرة الفنان عىل التحكم ي� الخامة وتطويعها وتحويلها‬

‫«أكثر ما أثّ ر في وجداني‬ ‫هو الصحراء‪ ،‬وما تحمله‬ ‫من هدوء وجمال ووحشه‬ ‫وغضب‪ ..‬إنها لوحات‬ ‫تشكيلية ترسمها الرياح‬ ‫بالرمال»‪...‬‬

‫من مجرد كتلة صماء إىل عمل يحمل قيمة فنية‪ ..‬لذلك ن‬ ‫أتم� أن‬ ‫تتكرر تلك التجربة لما تحمله من قيمة ثقافية و جمالية‪.‬‬

‫توج بالدراسة‬ ‫الشغف يُ ّ‬

‫وم� قرر أن ت‬ ‫ونعود مع رجب إىل البدايات‪ ،‬فكيف ت‬ ‫يح�ف النحت؟‬

‫فيجيب‪« :‬بدأت أكتشف شغفي بالرسم ف ي� مراحل الدراسة‬ ‫ئ‬ ‫المختلفة‪ ،‬وربما ظهر ي ّ ز ن‬ ‫زمال� منذ آنذاك‪ ..‬ثم جاءت‬ ‫تم�ي يب� ي‬ ‫ف‬ ‫ح� التحقت بكلية التجارة � جامعة ي ن‬ ‫المرحلة الجامعية‪ ،‬ي ن‬ ‫ع� شمس‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تفك�ي ي� مختلف الفنون‪ ،‬ولقيت تشجيعاً‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬وهناك تشكل ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اشتغال بفن النحت‪ ،‬ما شكّل دافعا قويا عىل‬ ‫من العائلة عند بداية‬ ‫ي‬ ‫االستمرار»‪.‬‬ ‫ال� تبدو وكأنها ت‬ ‫ت‬ ‫الف�ة‬ ‫ويحرص رجب عىل تذكر مرحلته الجامعية‪ ،‬ي‬ ‫ال� صاغت شخصيته الفنية‪ ،‬فيقول‪ َّ :‬ن‬ ‫ت‬ ‫ع� مجتمع الجامعة‬ ‫«شج ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫توف�‬ ‫هواي� وتنمية‬ ‫الم� قدماً ي�‬ ‫أيضاً عىل‬ ‫موهب�‪ ،‬من خالل ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫المتخصص� �ف‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫ال� تلقيتها من الساتذة‬ ‫ي‬ ‫الخامات والمساعدة ي‬ ‫ئ‬ ‫ولزمال� صوب الكتب‬ ‫ل‬ ‫توجيهاتهم‬ ‫إن‬ ‫إذ‬ ‫المختلفة‪،‬‬ ‫كليات الفنون‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫�ض‬ ‫ن‬ ‫ساعدت� عىل تثقيف‬ ‫المختلفة ال ورية لتنمية الثقافة الفنية‪ ،‬ف ي‬ ‫و� المرحلة الجامعية‬ ‫نفس ومعرفة الفنون وفلسفتها وتاريخها‪ .‬ي‬ ‫ي‬ ‫كذلك‪ ،‬تركزت جهودي عىل المشاركة ف ي� مسابقات الفنون التشكيلية‬ ‫ت‬ ‫ال� كانت تقام عىل مستوى الجامعات المرصية‪ .‬وحصلت ف ي�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫وشد‬ ‫داخل الثقة‬ ‫بعضها عىل المراكز الوىل‪ ،‬فعزز ذلك ي�‬ ‫بنفس‪ّ ،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫عزيم� عىل االستمرار»‪.‬‬ ‫من‬ ‫ي‬ ‫النحات ابن السبعة ي ن‬ ‫وثالث� عاماً قائالً‪« :‬أما نقطة التحول‬ ‫ويتابع ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫مشارك� ي� سمبوزيوم‬ ‫الحقيقية بالنسبة يل فقد أتت من خالل‬ ‫ي‬ ‫الجامعات أ‬ ‫الول الذي أقيم بجامعة المنيا عام ‪2004‬م‪ ،‬حيث‬ ‫ت‬ ‫الج�ي بلغ ارتفاعه تم�ين‪ .‬ومن‬ ‫نح� من الحجر ي‬ ‫أنجزت أول عمل ي‬ ‫ف‬ ‫والمارات‪.‬‬ ‫ثم توالت المشاركات المحلية والدولية ي� تونس وسوريا إ‬ ‫ف‬ ‫أما المملكة فوفرت ل المشاركة ي ن‬ ‫الكث� من المعارض‬ ‫ب� أبنائها ي� ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫التشكيلية‪ .‬وأذكر منها سمبوزيوم الدوادمي الول تحت رعاية وزارة‬ ‫والعالم السعودية عام ‪2012‬م‪ ،‬وسمبوزيوم النحت‬ ‫الثقافة إ‬ ‫المعارص بجدة عام ‪2013‬م‪ ،‬إضافة إىل التعاون مع القاعات الفنية‬ ‫ت‬ ‫لمح� فن النحت ف ي� السعودية»‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ال� عرضت فيها ب ي‬

‫تمثال «رحيل»‪..‬‬ ‫من الريزن مقاس‬ ‫‪90 / 40 / 30‬‬


‫تمثال الثور ‪ -‬سمبوزيوم‬ ‫الدوادمي ‪ -‬من رخام الكرارة‬ ‫مقاس ‪200 / 120 / 60‬‬

‫تأثَّرت بهؤالء‬

‫ت‬ ‫ال� تتأرجح ي ن‬ ‫ب� التجريد الخالص والسوريالية‬ ‫وأمام أعماله ي‬ ‫ت‬ ‫يّ ز‬ ‫ال� تعيد إىل‬ ‫المقروءة بوضوح‬ ‫والمم�ة بانتصار الخطوط المنحنية ي‬ ‫أ‬ ‫دال‪ ،‬كان ال ّبد من‬ ‫سالفادور‬ ‫أعمال‬ ‫بعض‬ ‫بعيد‬ ‫الذهان ولو من‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫الفنان� الذين أثّروا ي� تامر رجب‪ ،‬وتأثر بهم‪ .‬عن‬ ‫طرح السؤال عن‬ ‫ن‬ ‫ذلك يجيب‪« :‬من المؤكد يأ� تأثرت بالفن المرصي القديم‪ .‬فتاريخ‬ ‫مرص ت ز‬ ‫سجل المرصي القديم‬ ‫ام�ج بالفن‪ .‬ومنذ أقدم العصور‪ّ ،‬‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫شيدها ليوثق عظمة‬ ‫حياته ومشاهداته عىل الجدران‬ ‫ال� َّ‬ ‫والمسلت ي‬ ‫تلك الحضارة‪ ،‬وما نحن إال امتداداً لذلك النهر العظيم‪ .‬كما إ�ن‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫بالفنان� الرواد أمثال‬ ‫السالمية‪ ،‬وكذلك‬ ‫تأثرت بجماليات العمارة إ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫وبالفنان� صبحي‬ ‫عيو� عىل أعماله‪،‬‬ ‫ي‬ ‫محمود مختار الذي تفتحت ي‬ ‫الكث�‪،‬‬ ‫جرجس‪ ،‬وعبد الهادي الوشاحي‪ ،‬الذي تعلمت من أعماله ي‬ ‫تأث�»‪.‬‬ ‫وتأثرت به أشد ي‬

‫الصحراء‪ ..‬أحدث مصادر إلهامه‬

‫ويختتم تامر رجب حديثه إلينا بتناول مرحلة إقامته ف ي� المملكة منذ‬ ‫تأث� عليه‪ ،‬فيقول‪« :‬من المؤكد أن‬ ‫ست سنوات‪ ،‬وما كان لها من ي‬ ‫مرحلة ت‬ ‫إقام� ف ي� المملكة كانت مفيدة‪ .‬فقد اطلعت عن قرب عىل‬ ‫ي‬ ‫ونح ي ن‬ ‫ات� لهم اتجاهات فنيه شديدة الخصوصية‬ ‫ثقافة مختلفة ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫والتم�‪ .‬ولكن ث‬ ‫يّ ز‬ ‫وجدا� هو الصحراء‪ ،‬وما تحمله من‬ ‫�‬ ‫ّر‬ ‫ث‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫أك�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫هدوء وجمال ووحشة وغضب‪ ..‬إنها لوحات تشكيلية ترسمها‬ ‫الرياح بالرمال‪ ،‬ومنحوتات عمالقة صاغتها عوامل التعرية عىل مر‬ ‫ف‬ ‫نفس‪ ،‬وحاولت‬ ‫الزمن‪ ..‬لقد كان‬ ‫لتأمل لتلك الطبيعة أثر ي‬ ‫ي‬ ‫كب� ي� ي‬ ‫إنتاج بعض أ‬ ‫العمال ت‬ ‫ال� تحمل حركة الرياح بانسيابيتها وانطالقها‬ ‫ي‬ ‫ودهشتها»‪.‬‬

‫الفنان� يميلون إىل بعض أعمالهم ث‬ ‫ين‬ ‫أك� من يغ�ها‪،‬‬ ‫وإن كان بعض‬ ‫أ‬ ‫ويفضلونها عليها‪ ،‬فإن تامر رجب أشبه بالب الذي ال يستطيع‬ ‫تفضيل واحد من أبنائه عىل آ‬ ‫الخرين‪ ،‬فيقول‪« :‬ليست هناك منحوتة‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫نفس من يغ�ها‪ .‬فلكل منها حالتها ي‬ ‫معينة أقرب إىل ي‬ ‫أعمال يحمل‬ ‫التعب� عنها‪ .‬وكل عمل من‬ ‫كنت مشحوناً بها‪ ،‬وحاولت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ويع� عن تجربة مررت بها أو عايشتها من قصص‬ ‫ف ي�‬ ‫داخل قيمة ب ِّ‬ ‫ي‬ ‫الحياة المختلفة‪ ،‬وال ن‬ ‫يمكن� ي ز‬ ‫تمي� عمل عن آخر‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬إن‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫�ء تراه عيناي‬ ‫ي‬ ‫أعمال تجربة مستمرة أقوم من خاللها بتسجيل كل ي‬ ‫وأتأثر به»‪.‬‬

‫ال�ونز‬ ‫تمثال «المحارب»‪ ..‬من ب‬ ‫مقاس ‪30 / 30 / 15‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪79 | 78‬‬

‫سينما سعودية‬

‫عطوى‪..‬‬

‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫ِفلم طريق بين‬ ‫الواقع والوهم‬ ‫والمفارقة الساخرة‬

‫«عطوى» ِفلم جديد ُ‬ ‫للمخرج الشاب عبدالعزيز الشالحي‪،‬‬ ‫الحائز جائزة أفضل ُمخرج مرتين‪ ،‬واحدة في مهرجان‬ ‫األفالم السعودية بالدمام لعام ‪2016‬م‪ ،‬وأخرى من‬ ‫مهرجان الشباب لألفالم بجدة في العام نفسه‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من قصر َّ‬ ‫مدته التي تبلغ ربع ساعة فقط‪ ،‬يثير ِفلم‬ ‫ُّ‬ ‫التوهم بفعل الثقافة خالل‬ ‫«عطوى» أسئلة كثيرة حول‬ ‫التطلع إلى الواقع‪ ،‬والخوف من الغريب المجهول‪ ،‬وأيضاً‬ ‫ُّ‬ ‫وتبوء مكانة البطولة‪.‬‬ ‫الرغبة في خوض المغامرات‬

‫الفلم بشقيقين‪،‬‬ ‫تنطلق قصة ِ‬ ‫صبي وفتاة‪ ،‬يُدعيان فيصل‬ ‫والجوهرة‪ ،‬يعيشان في مزرعة‬ ‫جدهما (يؤدي دوره الممثل‬ ‫مع ّ‬ ‫القدير علي المدفع)‪ ،‬ويصنعان دمية بحجم رجل‬ ‫الجد في‬ ‫وشكله‪َ ،‬ليل ُه َوا بها‪ .‬وذات يوم‪ ،‬يصحبهما ُّ‬ ‫مشوار إلى قرية عطوى‪ ،‬بسيارته (البيك أب) ذات‬ ‫ولكمال اللهو‬ ‫الحوض‪ ،‬ويأخذان الدمية معهما‪ ..‬إ‬ ‫قررا أن‬ ‫واللعب (أو هكذا يمكننا أن ِّ‬ ‫نخمن ونستنتج)‪َّ ،‬‬ ‫يتركا الدمية على قارعة الطريق‪ ،‬ووضعا بقربها حقيبة‬ ‫حديديَّة فارغة‪.‬‬ ‫المتكررة‪ ،‬المم ِّهدة‬ ‫وفيما يشبه البداية الثانية أو‬ ‫ِّ‬ ‫شاب يعمل في وزارة‬ ‫ثمة‬ ‫للدخول في عمق القصة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مهمة عمل ينبغي القيام بها في‬ ‫الصحة‪ ،‬وأمامه َّ‬ ‫مركز «عطوى» الصحي‪ ،‬فيقود سيارته على طريق‬ ‫صحراوي طويل من الرياض إلى قرية «عطوى»‪،‬‬ ‫وبينما هو في الطريق‪ ،‬يسلِّي نفسه بالتواصل مع‬ ‫أصدقائه عبر «السناب شات»‪ ،‬يلمح رجال ً مسناً‬ ‫ودميماً يقف على قارعة الطريق‪ ،‬فيتوقف‪ ،‬ويعود‬ ‫ويترجل منها ليعرض على‬ ‫بالسيارة إلى الخلف‪َّ ،‬‬ ‫المسن توصيله إلى وجهته‪.‬‬

‫التوهم أ‬ ‫الول‪ :‬خطورة الغريب‬

‫يصعد الرجل العجوز الدميم إلى السيارة‬ ‫ويضع حقيبته في الصندوق الخلفي‪ ،‬وبعد‬ ‫قليل يتوقف الشاب لقضاء حاجته‪ ،‬وعندما‬ ‫ٍ‬ ‫يعود إلى السيارة ال يجد الرجل الدميم‪ .‬وبعد‬ ‫يتوجه إلى صندوق السيارة‬ ‫طول انتظار‪َّ ،‬‬ ‫أ‬ ‫ليجد الحقيبة مملوءة بالوراق النقدية وفيها‬ ‫مسدس‪ ..‬يرتبك‪ ،‬ويجد نفسه في مخفر‬ ‫الشرطة‪ ،‬حيث يجري معه الضابط تحقيقاً‬ ‫حول مصدر الحقيبة‪ ..‬وعندما يصعقه الضابط‬ ‫بالعصا الكهربائية يستيقظ‪ ،‬ونعرف أنه كان‬ ‫يتوهم خالل الثواني التي توقَّف فيها وبدأ يرجع‬ ‫بسيارته إلى الخلف‪.‬‬

‫التوهم الثاني‪ :‬مجرد فعل خير‬

‫تعود بنا الكاميرا إلى الرجل المسن‪ ،‬والشاب يرجع‬ ‫بالسيارة نحو الخلف‪ ،‬وكأن الموقف بدأ من جديد‪..‬‬ ‫ويوصله الشاب إلى قرية عطوى‬ ‫يصعد الرجل‪ِّ ،‬‬ ‫ويستقبله أحفاده‪ .‬ولكننا نفطن إلى أن ذلك لم‬ ‫يحدث أيضاً‪ ،‬وإنما هو َو ْه ٌم آخر عاشه الشاب‬ ‫في تلك الثواني بين توقُّف السيارة والعودة إلى‬ ‫الخلف‪.‬‬

‫• جائزة أفضل مخرج‬ ‫في مهرجان األفالم‬ ‫السعودية بالدمام‬ ‫‪ ..2016‬وجائزة أفضل‬ ‫مخرج في مهرجان‬ ‫الشباب لألفالم بجدة‬ ‫‪..2016‬‬ ‫الفلم‬ ‫• فاز الممثل في ِ‬ ‫خالد الصقر بجائزة‬ ‫أفضل ممثل في‬ ‫مهرجان الشباب‬ ‫لألفالم‪..‬‬


‫الفلم‬ ‫لقطات من ِ‬

‫انفراج العقدة‬

‫مجدداً إلى مشهد توقف الشاب ونزوله من‬ ‫ونعود َّ‬ ‫سيارته‪ ،‬ليجد أن الشخص الواقف على الطريق‬ ‫إنما هو مجرد دمية وبجانبها حقيبة خاوية‪ ..‬ينفجر‬ ‫الفلم بلقطة أخيرة‪ :‬فيصل‬ ‫الشاب بالضحك‪ ،‬وينتهي ِ‬ ‫يسأل الجوهرة‪ ،‬بنلقاها؟‪ ..‬أي هل سنجد الدمية؟‬ ‫بأشكال عدة‪:‬‬ ‫نتلمس الخوف‬ ‫بين هذه القصص الثالث َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الخوف من مفاجآت الطريق‪ ،‬والخوف من اختراق‬ ‫القانون‪ ،‬والخوف من الجن أو العفاريت في الخالء أو‬ ‫من المرأة العجوز التي ُس ِّميت القرية باسمها‪ ،‬وكذلك‬ ‫الخوف من وحشة الليل ‪ -‬رغم أن أ‬ ‫الحداث تدور في‬ ‫التوهم جعلها ليال ً ‪ -‬إذ تشكِّل تلك‬ ‫رابعة النهار‪ ،‬لكن ُّ‬ ‫تكونت في رحم‬ ‫البعد النفسي للبطل‪ ،‬التي َّ‬ ‫المخاوف ُ‬ ‫الثقافة الشعبية‪ ،‬وأصبحت تسكن الوجدان الشعبي‬ ‫وتؤثر فيه‪ ،‬رغم تطور الحياة وتقنيات االنتقال‬ ‫الفلم‪.‬‬ ‫والتواصل الحديثة التي تظهر في ِ‬

‫(البانورامية) ومناسبتها مع القريبة (زوم إن)‪ ،‬في‬ ‫عزز جودته المونتاج المتقن على أيدي‬ ‫تنقل بصري‪َّ ،‬‬ ‫شريف الحلو وأسامة أبا الخيل‪.‬‬

‫النوع‪ِ :‬فلم طريق‬

‫الفلم إلى ما يسمى اصطالحاً «سينما‬ ‫يحيلنا هذا ِ‬ ‫الطريق»‪ ،‬حيث يمكننا أن نص ِّنفه بانتمائه إلى هذا‬ ‫الفالم التي ظهرت في السينما أ‬ ‫النوع من أ‬ ‫المريكية‬ ‫وامتدت إلى السينما المصرية وغيرها من صناعات‬ ‫أ‬ ‫الفالم في العالم‪ .‬فأفالم الطريق يكون مسرحها‬ ‫الطريق‪ ،‬كما يكون حدثها الرئيس على الطريق أيضاً‪،‬‬ ‫الفلم‬ ‫وهكذا تدور جل مشاهد ِفلم عطوى‪ .‬إذ يبدأ ِ‬ ‫فعال ً بعد مشهدين قصيرين في مزرعة‪ ،‬ثم ينطلق‬ ‫السرد إلى الطريق ويستمر عليه‪ ،‬وينتهي فيه أيضاً‪.‬‬ ‫ولربما يدفع ذلك بالمشاهد إلى الرغبة في بلوغ‬ ‫الفلم‬ ‫الهدف‪ ،‬أو قد يحيله إلى التماهي مع قصة ِ‬ ‫البسيطة التي كتبها الشالحي بنفسه‪ ،‬ورسم السيناريو‬ ‫لها عادل ساري ببراعة تأسر المشاهدين في الطريق مع‬ ‫بطله الممثل الشاب خالد الصقر في أول ظهور له حاز‬ ‫عليه جائزة أفضل ممثل في مهرجان الشباب أ‬ ‫للفالم‪.‬‬ ‫الفلم‪،‬‬ ‫ولتأكيد التأثر بسينما الطريق على سردية ِ‬ ‫نجد أن الفني الموسيقي عبدهللا العبرة أدخل شيئاً‬ ‫من موسيقى الريف «الكاونتري»‪ ،‬باعتبارها الموسيقى‬

‫يمكن للبعض أن يقول إن االختصار قد َّ‬ ‫أخل ببعض‬ ‫تفاصيل الحبكة‪ ،‬ما جعل فهم بعض التفاصيل‬ ‫فيها صعباً‪ ،‬مثل التساؤل‪ :‬لماذا أخذ الطفالن‬ ‫الدمية معهما؟ ولماذا تركاها على قارعة الطريق؟ وما‬ ‫قصة السيارة البيضاء التي تظهر مرة محمولة على‬ ‫الفلم وقد توقفت للرجل‬ ‫شاحنة نقل‪ ،‬ومرة في آخر ِ‬ ‫الدمية؟‪.‬‬ ‫المخرج عبدالعزيز الشالحي‬

‫الشعبية المرتبطة بالثقافة الريفية في الواليات‬ ‫المتحدة‪ ،‬والمعتمدة على آلتي الهارمونيكا والغيتار‬ ‫واليقاع السريع‪ .‬ولم يكتف العبرة بتوظيف هذا‬ ‫إ‬ ‫النوع من الموسيقى فقط‪ ،‬بل استعان بمؤثرات‬ ‫صوتية تذكِّر بمغامرات الصحراء في أفالم الغرب‬ ‫الثارة‬ ‫الحديثة‪ ،‬لتحدث تأثيراً سمعياً ينحو إلى إ‬ ‫والغموض‪ .‬ويتكامل هذا التأثير السمعي مع‬ ‫أداء فريق التصوير الذي تألَّف من أحمد خليل‬ ‫وعمر أ‬ ‫الحمد وباسم مصباح‪ .‬فقد أجاد هؤالء‬ ‫إدارة كاميراتهم‪ ،‬خصوصاً في اللقطات البعيدة‬

‫الفلم‬ ‫ولكن‪ ،‬وللإ نصاف‪ ،‬ال بد من التأكيد على أن ِ‬ ‫الذي ُعرض أيضاً في مهرجاني كان وبرلين خالل‬ ‫العام الجاري‪ ،‬يتمتع بحبكة مشغولة بقدر‬ ‫ملحوظ من التشويق الذي يغذِّ يه شيء من الرعب‬ ‫الخفيف‪ ،‬أو التوتر‪ ،‬وقد جاء مكتمال ً في بنائه‬ ‫الدرامي‪ ،‬ومقنعاً في سرده الفني‪ ،‬وال يعيبه أبداً‬ ‫قصر دقائق عرضه‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬

‫‪www.qafilah.com‬‬


‫‪81 | 80‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫لماذا انطوى‬ ‫ليكتب‬ ‫لنفسه؟‬ ‫بقلم‬ ‫إدريس بن عبداهلل‬ ‫ّ‬ ‫الدريس‬ ‫تبقى البدايات أ‬ ‫الوىل مدهشة‪ ،‬وللبشارات‬ ‫المبكرة لذّ ة ال بت�ح الذاكرة‪ .‬لكن بعض‬ ‫تتعرض للدهس أو‬ ‫هذه‬ ‫ي‬ ‫البواك� قد َّ‬ ‫ن‬ ‫ح� يتم تثبيطها‬ ‫إ‬ ‫الجهاض‪ ،‬فتضمحل ي‬ ‫يعجل بانحسار هذه‬ ‫وتحبيطها ولو عىل نحو عفوي بما ِّ‬ ‫الموهبة‪.‬‬ ‫أعرف (أنا) عنده موهبة شعرية‪ ،‬تفتحت براعمها باكراً‪ .‬أ‬ ‫ولنه‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫بال�يد إىل‬ ‫(كنت) واثقاً من جودة القصيدة الوىل‪ ،‬فقد أرسلها ب‬ ‫أ‬ ‫جريدة «الرياض»‪ ،‬يرجو شن�ها‪ .‬ثم كانت المفاجأة الجمل‬ ‫بعد‬ ‫الص� (طالب ف ي�‬ ‫أسبوع‪ .‬فقد وجدها هذا الشاعر ‪ /‬ب ي‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫الصف الثالث متوسط) وقد توسطَّت مساحة جيدة ي� إحدى‬ ‫صفحات ملحق الجريدة ف‬ ‫الثقا�‪ .‬وهو ال يزال يتذكَّر بدقة‬ ‫ي‬ ‫متناهية تفاصيل تلك اللحظة الفارقة‪.‬‬ ‫كان متحفزاً إلدهاش والده الشاعر النجم ف ي� ساحة الشعر‬ ‫المحل‪ ،‬وكان يطمح إىل االستحواذ عىل إعجابه ورضوانه‬ ‫والنقد‬ ‫ي‬ ‫عن هذا االبن الذي يقتفي أثره حذو الكلمة بالكلمة‪.‬‬ ‫وهكذا بطح صفحات الجريدة عىل أرض مجلسنا‪ ،‬وأمام‬ ‫ناظري الوالد‪ .‬وكنت أعلم يقيناً أنه وهو الناقد الصارم‬ ‫والعارف الثبت ببحور الشعر بأن حزمه لن يسمح له بأن يظهر‬ ‫ت‬ ‫ال� تقتعد‬ ‫كل مشاعره ورد فعله الكامل عىل‬ ‫القصيدة الهدية‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫د� دون أي شفاعة أو‬ ‫لنفسها مكاناً بارزاً ي� ملحق الجريدة ال ب ي‬ ‫محسوبية‪ .‬رفع الوالد الجريدة ت‬ ‫ح� ألصقها قريباً من صدره‪،‬‬ ‫أ‬ ‫فغطَّت وجهه بما لم يسمح باستكناه مشاعره الوىل‪ .‬وأظنه قد‬ ‫تعمد ذلك‪ ،‬فلم يكن يريد أن يُظهر سعادته بكل تضاريسها بل‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫لعله أراد أن يدفن بعض فرحه يب� أعمدة الجريدة وأن يكتفي‬ ‫بإظهار بعض الرسور‪.‬‬ ‫استمر كل ش�ء عىل ما يرام‪ ،‬ت‬ ‫ح� مضيت ف ي� الخطوة التالية‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫ح� شن�ت ل الجريدة قصيدة تفعيلية‪ .‬ن‬ ‫ين‬ ‫لكن� بدأت بعدها‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أتلقَّى وشوشة مستنكرة‪ ،‬وأسئلة مستنكفة من بعض القارب‬ ‫ث‬ ‫الجادة‬ ‫الغر أن يكتب بهذه إ‬ ‫الص� ّ‬ ‫الذين استك�وا عىل هذا ب ي‬ ‫وأن يُ شن� له بهذه الرسعة‪ ،‬وبهذا القدر من االحتفاء الذي‬

‫ال يليق بس ِّنه وال بحداثة تجربته‪ ،‬إال أن تكون له هذه الحظوة‬ ‫لسطوة والده وزمالته ألهل الجريدة‪ ،‬كما أنه ال بد وأنه قد‬ ‫وجد تعديال ً وتقويماً لما كتب قبل ش‬ ‫الن� من والده الشاعر ‪/‬‬ ‫القامة‪ .‬وما كانوا ليصدقوا خالف ذلك ت‬ ‫ح� لو قال لهم إن‬ ‫والده آخر من يعلم!!‬ ‫الصغ� كان عىل قدر مفرط من الحساسية‪،‬‬ ‫لكن هذا الشاعر‬ ‫ي‬ ‫الحد الذي استشعر معه أن صيت والده الشعري وظلّه‬ ‫إىل ِّ‬ ‫الطويل سيجثمان عىل أنفاسه الشعرية‪ .‬ولكنه كان قد‬ ‫استطعم ش‬ ‫الن� ف ي� الصحف واستهوته الكتابة والتنفس بع�‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫قرر ي� لحظة فارقة‬ ‫صفحاتها ولم يعد راغباً ي� هجرها‪ .‬وهكذا َّ‬ ‫المتعددة‪ .‬فقفز إىل‬ ‫أن يمارس فنون الصحافة بع� نوافذها‬ ‫ِّ‬ ‫الساحة من نافذة الرياضة‪ .‬ولعله يتذكر آ‬ ‫الن أنه قد أراد ف ي�‬ ‫حينها أن يقول لشانئيه أنه يكتب ف ي� مجال الرياضة وتحديداً‬ ‫كرة القدم وهي ساحة يدرك أن أباه لم يطأها‪ .‬استمر ف ي�‬ ‫التعب�ي‪ ،‬ثم تركها إىل ملعب‬ ‫محيط الكرة مستمتعاً بهامشها‬ ‫ي‬ ‫الفن ثم الثقافة ثم التحقيقات والحوارات الصحفية‪ ،‬ثم‬ ‫تدرج شيئاً فشيئاً ت‬ ‫ح� صار مسؤوال ً صحفياً‪ .‬لكن جذوة الشعر‬ ‫َّ‬ ‫بقيت خامدة ف ي� صدره‪.‬‬ ‫لم يعد يهمه أن يُشهر شاعريته‪ ،‬خاصة وقد تيقَّن والده من‬ ‫الغ�‪ ،‬لكنه‬ ‫ذلك بعد أن المه حينها عىل فرط توجسه من كالم ي‬ ‫ت‬ ‫ذا� أو بدافع عشق لحظوي‪.‬‬ ‫بقي يكتب بوازع ي‬ ‫كان ف ي� البدايات البكر يريد أن يكتب الشعر لهم‪ ...‬أي‬ ‫للناس‪ ...‬وللجميع‪ .‬لكنه انطوى ت‬ ‫ح� اكتفى بأن صار يكتب‬ ‫لها‪ ...‬ولنفسه‪.‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫عبدالرحمن عبدالرزاق الخلف‬

‫تقرير القافلة‬

‫اإلعانات الحكومية‬ ‫للطاقة وجدواها‬


‫‪83 | 82‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫ُت ّ‬ ‫عد اإلعانات الحكومية على أسعار المواد األساسية‪ ،‬وخاصة تلك التي تشمل منتجات الطاقة‬ ‫جزءا من أدوات الحماية االجتماعية التي تقر كوسيلة لتقاسم الثروة ورافداً‬ ‫ً‬ ‫والمواد الغذائية‪،‬‬ ‫من روافد الرعاية االجتماعية‪ .‬كان الهدف من تشريعها‪ ،‬باإلضافة إلى محاربة الفقر من خالل‬ ‫تخفيض األسعار على المنتجات ذات النطاق االستهالكي الواسع‪ ،‬حماية المستهلك من‬ ‫الصدمات الناجمة عن التقلبات الكبيرة في أسعار السلع األساسية‪ ،‬باإلضافة إلى تشجيع‬ ‫االستثمار في بعض القطاعات الصناعية‪ ،‬وكذلك دعم فرص العمل في القطاع الخاص‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فقد خرجت دراسات وأبحاث عديدة‪ ،‬أثبتت عدم جدوى هذه اإلعانات على‬ ‫ً‬ ‫أساسا من أجلها‪.‬‬ ‫المدى البعيد‪ ،‬وتداعي نتائجها في تحقيق تلك األهداف التي شرّ عت‬

‫العانات على‬ ‫تداعيات إ‬ ‫اقتصاديات الدول‬

‫من يستهلك أكبر قدر‬

‫من الطاقة يحصل على‬ ‫استفادة أكبر من الدعم‬

‫الحكومي‬

‫العانات ال تستهدف‬ ‫‪ .1‬أظهرت الدراسات أن إ‬ ‫المعنية بالدعم والحماية‪.‬‬ ‫ش�ائح المجتمع‬ ‫أّ‬ ‫العانات‬ ‫حيث إن المستفيد القل من حجم إ‬ ‫هي ش‬ ‫الفق�ة من المجتمع ذات‬ ‫ال�يحة ي‬ ‫المتدنية من االستهالك للسلع‬ ‫المستويات‬ ‫ّ‬ ‫قدرت‬ ‫المدعومة‪ .‬وعىل سبيل المثال‪ ،‬فقد َّ‬ ‫ت‬ ‫الدول عام‬ ‫أعدها صندوق النقد‬ ‫ال� َّ‬ ‫ي‬ ‫الدراسة ي‬ ‫‪2014‬م أن ‪ 3‬بالمئة فقط من حجم الدعم‬ ‫المرصود ن ز‬ ‫للب�ين ف ي� مرص يعود إىل أفقر‬ ‫‪ 40‬بالمئة من السكان‪ .‬وبنا ًء عىل تقديرات‬ ‫وكالة الطاقة العالمية‪ ،‬فإن أفقر ‪ 40‬بالمئة‬ ‫من أ‬ ‫الرس ف ي� إندونيسيا يصلها ‪ 15‬بالمئة من‬ ‫أ‬ ‫أك� قدر‬ ‫حجم الدعم‪ .‬ولن من يستهلك ب‬ ‫أك� من‬ ‫من الطاقة يحصل عىل استفادة ب‬ ‫هذا الدعم الحكومي‪ ،‬أصبحت القطاعات‬ ‫ال ثك� ثراء واستهالكاً المستفيد أ‬ ‫أ‬ ‫الول من هذه‬ ‫ً‬

‫ف‬ ‫يسبب التوزيع‬ ‫إ‬ ‫العانات ي� المجتمع‪ ،‬وهذا ما ِّ‬ ‫يغ� العادل للموارد الحكومية المحدودة‪.‬‬ ‫‪ .2‬عملت بعض الدول الغنية ث‬ ‫بال�وات النفطية‬ ‫عىل دفع َع َجلَة االقتصاد اعتماداً عىل‬ ‫الوف�ة من ث‬ ‫ال�وة الهيدروكربونية‪.‬‬ ‫إ‬ ‫المدادات ي‬ ‫ف‬ ‫و� ي ن‬ ‫ح� أن هذا النمو االقتصادي قد جلب‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫لمواط� هذه الدول‪ ،‬ود َعم التنمية‬ ‫الرخاء‬ ‫ي‬ ‫الصناعية‪ ،‬وخلَق فرص العمل‪ ،‬فقد أسفر‬ ‫حد‬ ‫كب� للطاقة بلغ ّ‬ ‫أيضاً عن استهالك ي‬ ‫الرساف‪ .‬ويتضح ذلك من تضاعف االستهالك‬ ‫إ‬ ‫المحل ف ي� دولة مثل المملكة خالل السنوات‬ ‫ي‬ ‫الع� الماضية‪ ،‬لتحتل المرتبة الثانية ش‬ ‫ش‬ ‫ع�ة‬ ‫ف‬ ‫عىل مستوى العالم ي� استهالك الطاقة‪،‬‬ ‫أك� مستهلك للنفط والغاز الطبيعي‬ ‫وسادس ب‬ ‫ت‬ ‫حسب إحصاءات بريتش ب�وليوم وإدارة‬


‫معلومات الطاقة أ‬ ‫المريكية‪ .‬كما اتبعت دول‬ ‫الخليج العر� أ‬ ‫الخرى النمط نفسه‪ ،‬رغم قلة‬ ‫بي‬ ‫عدد سكانها‪ .‬ومع استمرار النمو االقتصادي‬ ‫ف‬ ‫ن ف‬ ‫و� غياب إجراءات‬ ‫ي‬ ‫والسكا� ي� هذه الدول‪ ،‬ي‬ ‫تصحيحية حاسمة‪ ،‬يُتوقع أن يستمر استهالك‬ ‫الطاقة المحلية ف ي� دولة كالمملكة العربية‬ ‫السعودية باالرتفاع ليصل إىل ‪ 8‬ي ن‬ ‫مالي� برميل‬ ‫فئ‬ ‫مكا� من النفط يومياً بحلول عام ‪2030‬م‪،‬‬ ‫يهدد عائدات التصدير وريادة المملكة‬ ‫مما قد ِّ‬ ‫العربية السعودية لسوق الطاقة العالمية‪.‬‬ ‫‪ .3‬يُعد انخفاض أسعار منتجات الطاقة أحد‬ ‫المحركات الرئيسة وسبب النمو ت ز‬ ‫الم�ايد‬ ‫المحل عىل الطاقة‪ .‬فقد أ َّدت‬ ‫ف ي� الطلب‬ ‫ي‬ ‫العانات إىل مستويات مرتفعة من االستهالك‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫الرساف المفرط‪،‬‬ ‫حد إ‬ ‫ي� الطاقة بلغت ّ‬ ‫كالمارات العربية المتحدة‬ ‫ما جعل دوال ً إ‬ ‫ين‬ ‫المستهلك� لنصيب‬ ‫والمملكة من أعىل‬ ‫الفرد من الوقود والكهرباء ف ي� العالم‪ .‬فبينما‬ ‫تستهلك االقتصادات العالمية ف ي� المعدل‬ ‫‪ 1.2‬برميل فئ‬ ‫مكا� من النفط لكل ‪ 1,000‬دوالر‬ ‫جمال‪ ،‬تستهلك‬ ‫أمريك ف ي� الناتج‬ ‫المحل إ‬ ‫ي‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫التوال ‪ 2.94‬و‪2.59‬‬ ‫عىل‬ ‫والمملكة‬ ‫ات‬ ‫المار‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫برميل إلنتاج المستوى نفسه من النشاط‬ ‫االقتصادي‪ ،‬وهذا ث‬ ‫أك� من ضعفي ذلك‬ ‫كث� من دول‬ ‫توجه ي‬ ‫المعدل‪ .‬وعىل الرغم من ُّ‬ ‫ين‬ ‫تحس� كفاءة استهالكها للطاقة‪،‬‬ ‫العالم إىل‬ ‫ف‬ ‫اتّخذ معدل االستهالك ي� دول مجلس‬ ‫مجرى معاكساً وجلب بدوره‬ ‫التعاون الخليجي‬ ‫ً‬ ‫نتائج عكسية عىل معدل الكفاءة‪.‬‬ ‫العانات ف ي� حال بقائها عند مستواها‬ ‫‪ .4‬تسهم إ‬ ‫الحال ف ي� تسارع معدل استهالك الطاقة‬ ‫ي‬ ‫النفطية والكهربائية محلياً‪ ،‬وهذا أ‬ ‫المر‬ ‫بالغ أ‬ ‫التنافس‬ ‫الهمية ف ي� تحديد المستقبل‬ ‫ي‬ ‫المصدرة للنفط‪ .‬فكما أش� �ف‬ ‫للدول‬ ‫ي ي‬ ‫النقاط السابقة‪ ،‬فإن استمرار مستوى النمو‬ ‫االقتصادي المتوقع‪ ،‬وعدم تهيئة وتفعيل‬ ‫ين‬ ‫الرس ف يا�‪ ،‬سوف يؤدي إىل‬ ‫قوان� تكبح السلوك إ‬ ‫نز‬ ‫است�اف الموارد النفطية‪ ،‬رغم ضخامتها‪ ،‬إىل‬ ‫الحد الذي قد يعيق الدول المصدرة عن تلبية‬ ‫وتفوقها ف ي� أسواق‬ ‫الطلب العالمي عىل النفط ُّ‬ ‫الطاقة العالمية‪ ،‬مما ي ز‬ ‫س�يد من صعوبة‬ ‫ف‬ ‫الحفاظ عىل االستقاللية ي� مجال الطاقة‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬سوف يؤدي ن ز‬ ‫است�اف الموارد‬ ‫النفطية إىل تقليص الموارد المالية الكافية‬

‫الكل للطاقة (مليون برميل)‬ ‫االستهالك ي‬ ‫‪6000‬‬ ‫الكويت‬ ‫قطر‬ ‫االمارات‬ ‫ ‬

‫‪4500‬‬ ‫‪3000‬‬

‫السعودية‬

‫‪1500‬‬ ‫إيران‬ ‫‪2010‬‬

‫‪2005‬‬

‫‪1995‬‬

‫‪2000‬‬

‫‪1990‬‬

‫‪1985‬‬

‫‪1980‬‬

‫‪1970‬‬

‫‪1975‬‬

‫‪1965‬‬

‫‪0‬‬

‫المصدر‪ :‬إحصاءات بريتش تب�وليوم لعام ‪2014‬م‬

‫كثافة الطاقة أ‬ ‫فئ‬ ‫جمال)‬ ‫المكا� لكل ألف دوالر من الناتج‬ ‫الولية (برميل من النفط‬ ‫المحل إ‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫بريطانيا‬

‫‪0.68‬‬

‫المكسيك‬ ‫تركيا‬ ‫الهند‬ ‫البرازيل‬ ‫إندونيسيا‬

‫الواليات المتحدة أ‬ ‫المريكية‬ ‫ماليزيا‬

‫‪0.92‬‬ ‫‪0.93‬‬ ‫‪1.00‬‬ ‫‪1.06‬‬ ‫‪1.11‬‬

‫بقائها عند مستواها‬

‫‪1.26‬‬

‫الحالي في تسارع معدل‬

‫‪1.31‬‬

‫أستراليا‬ ‫النرويج‬ ‫كوريا الجنوبية‬ ‫الصين‬ ‫دول أوبك‬ ‫كندا‬ ‫جنوب إفريقيا‬ ‫إيران‬ ‫روسيا‬ ‫دول مجلس التعاون الخليجي‬ ‫المملكة العربية السعودية‬ ‫المارات العربية المتحدة‬ ‫إ‬

‫تسهم اإلعانات في حال‬

‫المصدر‪ :‬إدارة معلومات الطاقة أ‬ ‫المريكية‪2011 ،‬م‬

‫استهالك الطاقة‬

‫‪1.35‬‬

‫النفطية والكهربائية‬ ‫ً‬ ‫محليا‬

‫‪1.37‬‬ ‫‪1.75‬‬ ‫‪1.77‬‬ ‫‪1.79‬‬ ‫‪1.94‬‬ ‫‪1.99‬‬ ‫‪2.04‬‬

‫‪2.46‬‬ ‫‪2.49‬‬ ‫‪2.59‬‬ ‫‪2.94‬‬


‫‪85 | 84‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫لتلبية احتياجات هذه الدول ف ي� المستقبل‬ ‫واستدامة العائدات أ‬ ‫للجيال المقبلة‪.‬‬

‫تغي�‬ ‫مراحله المبكِّرة‪ .‬لكن هناك حاجة إىل ي‬ ‫تدريجي الحقاً لتعزيز القدرة التنافسية‬ ‫االقتصادية لهذه الدول‪ .‬حيث إن بعض‬ ‫إعانات الوقود والكهرباء تتعارض مع هدف‬ ‫التنمية المستدامة‪ ،‬وتضعف من احتماالت‬ ‫نمو الكيانات االقتصادية‪ ،‬وتعيق زيادة‬ ‫ش� إىل‬ ‫وكث�اً ما أُ ي‬ ‫مستوى إنتاجية االقتصاد‪ .‬ي‬ ‫ت‬ ‫العانات‪،‬‬ ‫ال� سببتها إ‬ ‫التشوهات االقتصادية ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تهدف إىل تعزيز صناعات‬ ‫وخاصة تلك ي‬ ‫معينة‪ ،‬وأ َّدت إىل تحويل استغالل‬ ‫أو قطاعات َّ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫الموارد من الصناعات الك� إنتاجية إىل القل‬ ‫إنتاجية واالستغالل المفرط للطاقة‪ ،‬وأحدثت‬ ‫تشوهات هائلة ف ي� منظومة االقتصاد‪،‬‬ ‫بالتال الكفاءة االقتصادية‪ .‬فقد‬ ‫وأضعفت ي‬ ‫العانات توجيه الدعم للقطاعات‬ ‫أعاقت إ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ال ثك� إنتاجية وشجعت النمو ي� الصناعات‬ ‫السمنت‬ ‫كثيفة االستهالك للطاقة مثل إ‬ ‫والصلب‪.‬‬

‫العانات‪ ،‬خاصة إعانات الوقود‪ ،‬من‬ ‫‪ .5‬تخلو إ‬ ‫الجدوى االقتصادية‪ ،‬وتمثل تكلفة باهظة‬ ‫وعبئاً ثقيال ً عىل مالية الحكومات‪ .‬ففي دراسة‬ ‫أجرتها وكالة الطاقة الدولية عام ‪1999‬م‪،‬‬ ‫ف‬ ‫صا� قيمة الخسائر السنوية ف ي� النمو‬ ‫ق ُِّدر ي‬ ‫االقتصادي بسبب دعم الطاقة المستهلكة‬ ‫ف ن‬ ‫ثما� دول من خارج منظمة التعاون‬ ‫ي� ي‬ ‫والتنمية بـ ‪ 257‬مليار دوالر‪ .‬كما خلصت‬ ‫مجموعة واسعة من الدراسات والمبادرات إىل‬ ‫أهمية إصالح منظومة إعانات الطاقة نظراً‬ ‫آلثارها السلبية‪ .‬وبحسب دراسة صندوق‬ ‫ت‬ ‫قدرت أن دول ش‬ ‫النقد‬ ‫ال�ق‬ ‫ال� َّ‬ ‫ي‬ ‫الدول ي‬ ‫أ‬ ‫العانات‬ ‫الوسط وشمال إفريقيا تنفق عىل إ‬ ‫أك� من المناطق أ‬ ‫ف� المتوسط ث‬ ‫الخرى وتواجه‬ ‫ي‬ ‫صعوبة ت ز‬ ‫م�ايدة ف ي� تمويلها‪ .‬حيث وصل‬ ‫مجموع دعم الطاقة ف ي� عام ‪2011‬م إىل ‪236‬‬ ‫مليار دوالر‪ ،‬أي ما يعادل ‪ 48‬ف ي� المئة من‬ ‫العانات عىل مستوى العالم‪ ،‬ث‬ ‫وأك� من ‪8‬‬ ‫إ‬ ‫جمال العالمي‪ ،‬أو‬ ‫ال‬ ‫المحل‬ ‫الناتج‬ ‫من‬ ‫بالمئة‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫اليرادات الحكومية‪.‬‬ ‫‪ 22‬ي� المئة من إ‬

‫تخلو اإلعانات‪ ،‬خاصة‬ ‫إعانات الوقود‪ ،‬من‬

‫الجدوى االقتصادية‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وتمثل تكلفة باهظة‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثقيال على مالية‬ ‫وعبئا‬

‫الحكومات‬

‫ال� تبذلها أ‬ ‫ت‬ ‫الجهزة‬ ‫‪ .7‬أضعفت إ‬ ‫العانات الجهود ي‬ ‫الحكومية الهادفة إىل ترشيد االستهالك وتقليل‬ ‫الكل عىل الطاقة‪ .‬فبالرغم من النتائج‬ ‫الطلب ي‬ ‫ت‬ ‫ال� حققها المركز السعودي لكفاءة‬ ‫الملموسة ي‬ ‫أ‬ ‫د� العىل للطاقة والهيئات‬ ‫الطاقة ومجلس ب ي‬ ‫العالمية‬ ‫والحمالت‬ ‫المختلفة‪،‬‬ ‫الحكومية‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫حس ال�شيد‪،‬‬ ‫ال� تهدف إىل ن� ّ‬ ‫المكثفة ي‬

‫العانات مناسبة لدفع َع َجلَة‬ ‫‪ .6‬قد تكون إ‬ ‫النمو وتشجيع االستثمار الصناعي �ف‬ ‫ي‬

‫ال�ق أ‬ ‫مصدري الطاقة ف� دول ش‬ ‫جمال لعام ‪2011‬م‬ ‫الوسط وشمال إفريقيا كنسبة من الناتج‬ ‫المحل إ‬ ‫إجمال إ‬ ‫العانات لدى ِّ‬ ‫ي‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫قطر‬

‫المارات‬ ‫إ‬ ‫العربية‬ ‫المتحدة‬

‫ُعمان‬

‫اليمن‬

‫الكويت‬

‫البحرين‬

‫ليبيا‬

‫المملكة‬ ‫العربية‬ ‫السعودية‬

‫الجزائر‬

‫العراق‬

‫إيران‬ ‫‪%16‬‬ ‫‪%12‬‬ ‫‪%8‬‬ ‫‪%4‬‬ ‫‪%0‬‬

‫إعانات الطاقة قبل الضرائب‬

‫المشاريع التنموية‬

‫التعليم‬

‫الصحة‬


‫تقديرات وكالة الطاقة الدولية من دعم الطاقة ف ي� دول عربية مختارة لعام ‪2010‬م‬

‫الدولة‬

‫متوسط‬ ‫النسبة‬ ‫المئوية‬ ‫للإعانات‬

‫تكلفة‬ ‫الإعانات‬ ‫للشخص‬ ‫(بالدوالر)‬

‫تكلفة الإعانات حسب المنتج‬ ‫منتجات‬ ‫النفط‬

‫الغاز‬ ‫الطبيعي‬

‫الكهرباء‬

‫التكلفة‬ ‫الكلية‬ ‫للإعانات‬ ‫(مليار‬ ‫دوالر)‬

‫الجزائر‬

‫‪59.80‬‬

‫‪298.40‬‬

‫‪8.46‬‬

‫‪0.00‬‬

‫‪2.13‬‬

‫‪10.59‬‬

‫ليبيا‬

‫‪71.00‬‬

‫‪665.00‬‬

‫‪3.17‬‬

‫‪0.26‬‬

‫‪0.78‬‬

‫‪4.21‬‬

‫مصر‬

‫‪55.60‬‬

‫‪250.10‬‬

‫‪14.07‬‬

‫‪2.40‬‬

‫‪3.81‬‬

‫‪20.28‬‬

‫المملكة العربية السعودية‬

‫‪75.80‬‬

‫‪1,586.60‬‬

‫‪30.57‬‬

‫‪0.00‬‬

‫‪12.95‬‬

‫‪43.52‬‬

‫العراق‬

‫‪56.70‬‬

‫‪357.30‬‬

‫‪8.87‬‬

‫‪0.28‬‬

‫‪2.16‬‬

‫‪11.31‬‬

‫الكويت‬

‫‪85.50‬‬

‫‪2,798.60‬‬

‫‪2.81‬‬

‫‪0.90‬‬

‫‪3.91‬‬

‫‪7.62‬‬

‫قطر‬

‫‪75.30‬‬

‫‪2,446.00‬‬

‫‪1.15‬‬

‫‪1.41‬‬

‫‪1.59‬‬

‫‪4.15‬‬

‫المارات العربية المتحدة‬ ‫إ‬

‫‪67.80‬‬

‫‪2,489.60‬‬

‫‪2.65‬‬

‫‪9.99‬‬

‫‪5.51‬‬

‫‪18.15‬‬

‫تأث�ها يُعد متواضعاً ومعوقاً ف ي� غياب‬ ‫إال أن ي‬ ‫الدافع االقتصادي بالنسبة للمستهلك الفرد‪،‬‬ ‫إذ إن أ‬ ‫السعار المتدنية للوقود أبطلت الحافز‬ ‫لدى المستهلك لتوظيف التقنيات الحديثة‬ ‫ذات الكفاءة العالية ف ي� استهالك الطاقة‬ ‫تجه�ات الضاءة‪ ،‬أ‬ ‫والجهزة ن ز‬ ‫من ي ز‬ ‫الم�لية‪،‬‬ ‫إ‬ ‫ووسائل النقل‪ .‬واستمرت المركبات عتيقة‬ ‫ت‬ ‫ال� تحرق كميات عالية من الوقود‬ ‫الطراز ي‬ ‫تجوب الشوارع‪ ،‬وأدت إىل تشجيع استخدام‬ ‫المركبات ت ز‬ ‫الم�ايد ف ي� الطرق دون رادع‬ ‫سبب االزدحامات الخانقة‬ ‫اقتصادي‪ ،‬مما َّ‬ ‫ومشكالت التلوث‪ .‬وعىل سبيل المثال‪ ،‬فقد‬ ‫وجد تقرير صدر عام ‪2007‬م عن المنتدى‬ ‫االقتصادي العالمي أن كفاءة استهالك الوقود‬ ‫ف ي� وسائل النقل العام والخاص منخفضة‬ ‫ئ‬ ‫استثنا� ف� البلدان ت‬ ‫ال� تدعم الوقود‪،‬‬ ‫بشكل‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫حيث يبلغ متوسط استهالك الوقود ي� المركبة‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ال� ال‬ ‫أك� من ضعف المعدل ي� البلدان ي‬ ‫تدعم الوقود‪.‬‬

‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� ق ُِّدمت أصال ً‬ ‫‪ .8‬ي � ظل السعار المتدنية‪ ،‬ي‬ ‫بقصد التخفيف عىل القطاع الصناعي من‬ ‫ضغوط السوق التنافسية‪ ،‬غابت حوافز‬ ‫تجديد البنية التحتية وتوظيف تكنولوجيا أكفأ‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬ضعفت دوافع تقليل التكاليف‬ ‫وشجعت االستمرار ف ي� استخدام تكنولوجيا‬ ‫عتيقة الطراز‪ ،‬مما أدى إىل تشغيل مصانع أقل‬ ‫النتاجية‪.‬‬ ‫كفاءة ومكائن رديئة إ‬ ‫‪ .9‬عند تقييم الفوائد ت‬ ‫العانات‬ ‫الم�تبة عىل بقاء إ‬ ‫معينة‪ ،‬يلزم عدم االكتفاء‬ ‫لقطاعات َّ‬ ‫بتسليط الضوء عىل السلع أو الخدمات ال�ت‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال� تم‬ ‫تم إنتاجها‪ ،‬أو الفرص الوظيفية ي‬ ‫إيجادها‪ ،‬بل تقييم الفوائد العائدة عىل‬ ‫العانات‪ ،‬فيما لو‬ ‫المجتمع من قيمة هذه إ‬ ‫ف‬ ‫أنفقت عىل خالف ذلك أو تركت ي� خزينة‬ ‫ف‬ ‫كث� من الحاالت‪ ،‬من‬ ‫الدولة‪ .‬وهذه ي� ي‬ ‫بكث� وتفوق الفوائد‬ ‫المرجح أن تضاهي ذلك ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يمكن تحصيلها من تلك‬ ‫االجتماعية ي‬

‫ت‬ ‫وال� غالباً ما يمكن تحقيقها عىل‬ ‫إ‬ ‫العانات‪ ،‬ي‬ ‫نحو ث‬ ‫أك� فاعلية وبتكلفة أقل دون الحاجة‬ ‫إىل دعم أسعار الطاقة‪ .‬ففي دراسة حديثة‬ ‫صدرت عام ‪2014‬م‪ ،‬قارن صندوق النقد‬ ‫الدول ي ن‬ ‫العانات لدى‬ ‫النفاق عىل إ‬ ‫ب� حجم إ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫مصدري الطاقة ي� دول ال�ق الوسط‬ ‫ِّ‬ ‫النفاق عىل المشاريع‬ ‫وشمال إفريقيا وحجم إ‬ ‫التنموية والتعليم والصحة كنسبة من الناتج‬ ‫جمال لعام ‪2011‬م‪ .‬وأشارت‬ ‫المحل إ‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الدراسة إىل أن إعانات الطاقة ي� دولة كإيران‬ ‫تزيد ث‬ ‫النفاق عىل المشاريع‬ ‫بأك� من ضعفي إ‬ ‫التنموية والتعليم ث‬ ‫وأك� من خمسة أضعاف‬ ‫ف‬ ‫إنفاقها عىل قطاع الصحة‪ � ،‬ي ن‬ ‫ح� بلغت‬ ‫ي‬ ‫إعانات الطاقة ث‬ ‫أك� من ‪ 5‬بالمئة مقارنة بما‬ ‫نسبته ‪ 3‬بالمئة عىل المشاريع التنموية ف ي�‬ ‫المارات العربية المتحدة‪ ،‬وبلغت ‪ 10‬بالمئة‬ ‫إ‬ ‫من إجمال الناتج المحل ف� المملكة ت‬ ‫ال�‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫أنفقت عىل المشاريع التنموية وقطاعي‬ ‫التعليم والصحة ‪ 11‬بالمئة وأقل من ‪8‬‬ ‫جمال‬ ‫بالمئة و‪ 3‬بالمئة من ناتجها‬ ‫المحل إ‬ ‫ال ي‬ ‫ي‬ ‫التوال‪ .‬ويالحظ هذا التفاوت ف ي� الدول‬ ‫عىل‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� شملتها الدراسة‪.‬‬ ‫الخرى ي‬ ‫‪ .10‬من المنطقي بت�ير استمرار الدعم ف ي� حال‬ ‫ئ‬ ‫البي� المنشود‬ ‫تجاوز مردوده االجتماعي أو ي‬ ‫تكلفته االقتصادية‪ .‬وبخالف الطرق التقليدية‬ ‫ت‬ ‫الدول والوكالة‬ ‫ال� يتبعها صندوق النقد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الدولية للطاقة ي� استخدام قيمة الدعم‬

‫أضعفت اإلعانات الجهود‬ ‫التي تبذلها األجهزة‬

‫الحكومية الهادفة إلى‬

‫ترشيد االستهالك وتقليل‬

‫الطلب الكلي على الطاقة‬


‫‪87 | 86‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫العانات‪،‬‬ ‫الحكومي عند مناقشة موضوع إ‬ ‫ذهب معهد هاس للطاقة إىل حساب‬ ‫للعانات من خالل تقدير‬ ‫التكلفة االقتصادية إ‬ ‫حجم العبء الفائض الذي يم ِّثل الخسائر‬ ‫ت‬ ‫جراء عدم الكفاءة‬ ‫ال� يتكبدها‬ ‫المجتمع ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫و� البحث الذي أجراه‬ ‫التوزيعية للموارد‪ .‬ي‬ ‫المعهد‪ ،‬احتلت المملكة العربية السعودية‬ ‫المركز أ‬ ‫الول ف ي� هذا المقياس بخسائر بلغت‬ ‫‪ 12‬مليار دوالر لعام ‪2012‬م‪ ،‬تم ِّثل ‪27‬‬ ‫بالمئة من التكلفة االقتصادية الكلية عىل‬ ‫مستوى العالم‪.‬‬ ‫العانات تهريب المواد المدعومة‬ ‫‪ .11‬تُشجع إ‬ ‫أ‬ ‫بع� الحدود مستهدفة السواق ذات السعر‬ ‫أ‬ ‫العىل‪ ،‬مما يزيد من خطر ترسب الدعم‬ ‫لغ� مستحقيه وإرهاق أ‬ ‫الجهزة الحكومية‬ ‫ي‬ ‫بمهام المكافحة والمراقبة‪ ،‬كما يحدث ي ن‬ ‫ب�‬ ‫الحدود اليرانية الباكستانية أ‬ ‫والفغانية‪.‬‬ ‫إ‬ ‫العانات عىل منتجات ت‬ ‫الب�ول‬ ‫ قوضت إ‬ ‫‪ّ .12‬‬ ‫والطاقة الكهربائية الجدوى االقتصادية من‬ ‫جدوى االستخدام والتطوير واالستثمار‬ ‫ف ي� تقنيات ومصادر أخرى من الطاقة قد‬ ‫تستفيد منها هذه الدول الداعمة ف ي� سعيها‬ ‫إىل تنويع مزيج الطاقة بعيداً عن النفط‪،‬‬ ‫ت‬ ‫ال� قد‬ ‫كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح‪ ،‬ي‬ ‫تكون ذات كفاءة اقتصادية وبيئية أعىل‪.‬‬ ‫ويعود السبب إىل صعوبة تقديم الطاقة‬ ‫تنافس ف ي� ظل انخفاض‬ ‫المتجددة كخيار‬ ‫ي‬ ‫تكلفة الطاقة التقليدية عىل المستهلك مما‬ ‫يقلل جدواها االقتصادية ويُحجم المستثمر‬ ‫عن وضعها ف ي� االعتبار‪.‬‬

‫ت‬ ‫جراء عدم الكفاءة التوزيعية للموارد (مليار دوالر)‬ ‫ال� يتكبدها المجتمع من ّ‬ ‫الخسائر ي‬ ‫المملكة العربية السعودية‬ ‫فنزويال‬ ‫إيران‬ ‫إندونيسيا‬ ‫مصر‬ ‫الجزائر‬ ‫ليبيا‬ ‫الكويت‬ ‫قطر‬ ‫‪3‬‬

‫‪7‬‬

‫‪10‬‬

‫المصدر‪ :‬معهد هاس للطاقة‬

‫ّ‬ ‫قوضت اإلعانات على منتجات البترول‬

‫والطاقة الكهربائية الجدوى االقتصادية‬

‫من مبادرات التطوير واالستثمار في تقنيات‬

‫ومصادر أخرى من الطاقة‬

‫‪13‬‬


‫تهيئة وإعداد المجتمع إىل بيئة بال إعانات‬ ‫ما إن شت�ع الحكومات ف ي� مناقشة رفع أو‬ ‫العانات‪ ،‬فال بد وأن بي�ز العامل‬ ‫تخفيض إ‬ ‫االجتماعي أمام معظم نقاشات ص ّناع القرار‪.‬‬ ‫ولكن هذا االهتمام يصل أحياناً إىل درجة القلق‬ ‫الخ�ات السابقة‬ ‫الم�ر‪ .‬ويعزى ذلك إىل شح ب‬ ‫يغ� ب ّ‬ ‫ف‬ ‫العانات وغياب‬ ‫لدى الحكومات ي� سياسات رفع إ‬ ‫سجل موثق بالتجارب الناجحة أو ت‬ ‫ح� الفاشلة‬ ‫ن‬ ‫زم� طويل‪ .‬ولهذا تت� َّدد الدول ف ي�‬ ‫منها عىل مدى ي‬ ‫آ‬ ‫العانات‬ ‫اختيار التوقيت واللية المثىل إلصالح إ‬ ‫واختيار نموذج مناسب لتخفيف أو تعويض‬ ‫ش‬ ‫ال�يحة المحتاجة من المجتمع‪.‬‬ ‫ن‬ ‫يع� أنه ال يمكن القيام بإجراءات‬ ‫َّإل َّ‬ ‫أن هذا ال ي‬ ‫للعانات‪.‬‬ ‫الصالح‬ ‫الفعل إ‬ ‫استباقية قبل تطبيق إ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المد� والصناعي‬ ‫المجتمع‬ ‫وهنا بي�ز دور تهيئة‬ ‫ي‬ ‫أيضاً‪ ،‬واعتماد مرحلة انتقالية لتسهيل عملية‬ ‫الحال ألسعار المنتجات‬ ‫التحول من الهيكل‬ ‫ُّ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المستهلك� عىل التكيف مع‬ ‫المدعومة‪ ،‬ومساعدة‬ ‫ي‬ ‫ي َّ ن‬ ‫ويتع� أن تراعي هذه‬ ‫الهيكل السعري الجديد‪.‬‬ ‫المرحلة االنتقالية ت‬ ‫ال�تيبات التالية قبل التنفيذ‬ ‫الفعل أ‬ ‫للسعار الجديدة‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫المد� شامال ً السوق‬ ‫‪ .1‬توعية المجتمع‬ ‫ي‬ ‫�ض‬ ‫والمستهلك بالكشف عن ال ر الذي تقوم به‬ ‫العانات بشكل عام‪ .‬وهذا يمكن تحقيقه عن‬ ‫إ‬ ‫طريق حملة إعالمية مكثفة تركِّز عىل تسبب‬ ‫ف‬ ‫الرساف ف ي� االستهالك وعدم‬ ‫العانات ي� إ‬ ‫إ‬ ‫عدالة التوزيع ي ن‬ ‫بالضافة‬ ‫ب� ش�ائح المجتمع‪ ،‬إ‬ ‫ت‬ ‫ال� ُسدت آنفاً‪.‬‬ ‫إىل عيوب إ‬ ‫العانات ي‬ ‫‪ .2‬اعتماد أسلوب الشفافية مع المستهلك‬ ‫متلقِّي الدعم بالكشف عن القيمة الحقيقية‬ ‫للخدمة أو المنتج قبل الدعم‪ ،‬ت‬ ‫ح� يدرك‬ ‫مدى وحجم الدعم الذي يتلقاه‪ ،‬وحث‬ ‫االستهالك‪ .‬وهذا‬ ‫يجا� ف ي� سلوكه‬ ‫الجانب إ‬ ‫ال ب ي‬ ‫ي‬ ‫يتم بعرض التكلفة الحقيقية جنباً إىل جنب‬ ‫مع المبلغ المستحق بالفاتورة الشهرية‪ ،‬أو �ف‬ ‫ي‬ ‫لوحة إعالنية عند محطات الوقود‪ ،‬أو مكتوبة‬ ‫ف‬ ‫اليصال‪.‬‬ ‫ي� قسيمة إ‬

‫العانات‬ ‫عقبات رفع أو تخفيض إ‬

‫تعي الحكومات جيداً تداعيات وعيوب‬ ‫العانات عىل اقتصادياتها‪ ،‬ولكن عالجها ليس‬ ‫إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫العانات‬ ‫اليس�‪ .‬ولن طبيعة ومستوى إ‬ ‫بالمر ي‬ ‫تختلف من بلد إىل آخر‪ ،‬وتنطلق من مواقف‬ ‫وظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية‬ ‫بالصالح‬ ‫مختلفة‪ ،‬فإن التحديات المرتبطة إ‬ ‫كب� ي ن‬ ‫ب� البلدان‪ .‬ولذلك فإن‬ ‫تتفاوت بشكل ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يمكن استخالصها‬ ‫ب‬ ‫الخ�ات والدروس ي‬ ‫ت‬ ‫ال� أعادت النظر‬ ‫من تجارب بعض الدول ي‬ ‫بسياسة الدعم‪ ،‬سواء كانت ناجحة أو يغ�‬ ‫ناجحة‪ ،‬هي ذات قيمة عالية بالنسبة لص ّناع‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� ترغب ف ي� تصميم‬ ‫السياسات ي� الدول ي‬ ‫ش‬ ‫للصالحات‪ .‬ويمكن‬ ‫الم�وع المناسب إ‬ ‫ال� تواجه الحكومات �ف‬ ‫تقسيم العقبات ت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫العانات إىل ي ن‬ ‫نوع� من‬ ‫سعيها إىل إصالح إ‬ ‫التحديات؛ عقبات فنية وعقبات سياسية‪.‬‬ ‫ت‬ ‫يل‪:‬‬ ‫وت�كز التحديات الفنية فيما ي‬

‫ت‬ ‫ال�‬ ‫‪ .1‬صعوبة ُّ‬ ‫التوصل إىل الكيفية المثالية ي‬ ‫يمكن من خاللهما االنتقال من البيئة‬ ‫الطار‬ ‫للعانات‬ ‫الحالية إ‬ ‫والتحول إىل إ‬ ‫ُّ‬ ‫بالضافة إىل‬ ‫تشمل‪،‬‬ ‫وهذه‬ ‫المنشود‪،‬‬ ‫إ‬ ‫تهيئة وإعداد المجتمع كما سيذكر الحقاً‪،‬‬ ‫ن‬ ‫الزم�‪ ،‬واختيار‬ ‫مراحل التنفيذ وجدوله ي‬ ‫القطاعات والمنتجات المستهدفة‪ ،‬عىل‬ ‫أن تأخذ باالعتبار ش�ائح المجتمع المتأثرة‬ ‫التحول ألسعار يغ� مدعومة أو شبه‬ ‫من‬ ‫ُّ‬ ‫مدعومة‪.‬‬ ‫‪ .2‬احتواء الخطر الذي قد ينشأ من رفع‬ ‫معدل التضخم الناتج من زيادة أ‬ ‫السعار‪.‬‬ ‫فعىل سبيل المثال‪ ،‬يمكن أن يؤدي ارتفاع‬ ‫أسعار الديزل إىل تضخم أسعار المواد‬ ‫التجار إىل إلقاء اللوم‬ ‫الغذائية عند لجوء َّ‬ ‫عىل زيادة تكاليف النقل‪ ،‬أو زيادة تكلفة‬ ‫تشغيل آ‬ ‫الالت المستخدمة ف ي� إنتاج المواد‬ ‫الغذائية‪.‬‬ ‫ تخوف الحكومات من تفاقم مشكالت‬ ‫‪ّ .3‬‬

‫التضخم الناتجة عن رفع الدعم عن‬ ‫الوقود أو تخفيفه‪ ،‬الذي سوف يؤدي إىل‬ ‫نتائج تضخمية سوف تتغلغل إىل جميع‬ ‫القطاعات والخدمات والسلع عىل السواء‪.‬‬ ‫وفعالة لتخفيف ال�ض ر‬ ‫‪ .4‬تحديد آلية عادلة ّ‬ ‫عىل الطبقات المعوزة من المجتمع‪،‬‬ ‫مما يتطلب تقييم ودراسة خيارات أخرى‬ ‫لتعويض هذه الطبقات‪ ،‬كالتعويض‬ ‫المبا�‪ ،‬برغم التعقيدات ال�ت‬ ‫ش‬ ‫النقدي‬ ‫ي‬ ‫تصاحب هذا الخيار من تحديد المدى‬ ‫ن‬ ‫الزم� للتعويض وحجمه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫السو�‬ ‫‪ .5‬تفعيل آلية تحديد السعر‬ ‫ي‬ ‫للمنتجات ونطاق الدعم بعد التخفيض‪،‬‬ ‫ف‬ ‫العانات‬ ‫و� حال كان القرار نحو تخفيف إ‬ ‫ي‬ ‫بدال ً من إلغائها‪ ،‬هناك صعوبة ف ي�‬ ‫التوصل إىل مستوى السعر الذي يكفل‬ ‫ف‬ ‫الحال إىل سلوك‬ ‫تغي� السلوك إ‬ ‫ي‬ ‫الرس يا� ي‬ ‫مقتصد‪ ،‬ف‬ ‫و� الوقت نفسه يجلب عوائد‬ ‫ي‬ ‫كافية عىل االستثمار‪.‬‬ ‫‪ .6‬اختيار المنتجات والخدمات المستهدفة‬ ‫ف ي� رفع الدعم أو تخفيفه‪ ،‬خصوصاً تلك‬ ‫ت‬ ‫ال� تجلب مركزاً تنافسياً القتصاد الدولة‬ ‫ي‬ ‫والموازنة ي ن‬ ‫ب� الفوائد االقتصادية المرجوة‬ ‫عىل المدى البعيد والقريب‪.‬‬ ‫‪ .7‬تطوير المؤسسات الحكومية القائمة‬ ‫يز‬ ‫وتجه�ها لمراقبة وتنظيم السوق ما بعد‬ ‫رفع الدعم أو تخفيفه‪ ،‬وضمان تناغم‬ ‫مصالحها وسياساتها لكبح جماح أ‬ ‫السعار‬ ‫وحماية المستهلك‪.‬‬ ‫وعىل صعيد آخر‪ ،‬تت�كز التحديات السياسية‬ ‫عىل المقدرة عىل احتواء وأخذ مخاوف‬ ‫المجتمع ي ن‬ ‫بع� االعتبار مبكراً‪ ،‬وطمأنة‬ ‫المت�ض رين من رفع الدعم بالكيفية ال�ت‬ ‫ي‬ ‫سوف تعتمدها الحكومة لتخفيف آثاره‬ ‫السلبية‪ ،‬وإعادة إنفاق ما يتم إنفاقه عىل‬ ‫الدعم بسياسات أفضل‪.‬‬


‫‪89 | 88‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫ت‬ ‫ال� تهدف‬ ‫‪ .3‬اعتماد أفضل الممارسات العالمية ي‬ ‫إىل ترشيد االستهالك ووضعها موضع التنفيذ‪.‬‬ ‫والت�يد المناطقي‬ ‫يتضمن أدوات البناء ب‬ ‫وهذا َّ‬ ‫ف‬ ‫والمعدات المستخدمة ي� الصناعة وتوليد‬ ‫الكهرباء‪.‬‬ ‫ين‬ ‫النتاجية‬ ‫‪ .4‬معالجة‬ ‫وتحس� مستوى الكفاءة إ‬ ‫الصناعية من خالل فرض سياسات حازمة‬ ‫يز‬ ‫والتجه�ات‬ ‫االست�اد من المعدات‬ ‫لتقييد‬ ‫ي‬ ‫والخدمات ذات الكفاءة المتدنية‪ .‬الذي من‬ ‫الحد من احتماليات تمرير آثار الزيادة ف ي�‬ ‫شأنه ّ‬ ‫أ‬ ‫أسعار الوقود والمنتجات عىل تضخم السعار‬ ‫ئ‬ ‫ت‬ ‫النها�‪ ،‬والتخفيف‬ ‫ال� يواجهها المستهلك‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫من أثرها ي� إضعاف القدرة التنافسية الدولية‬ ‫للمنتجات‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تهدف إىل‬ ‫‪ .5‬التوسع ي� الحمالت إ‬ ‫العالمية ي‬ ‫ين‬ ‫الرساف بشكل‬ ‫توعية‬ ‫المستهلك� عن مخاطر إ‬ ‫أ‬ ‫عام لتطال المدارس ومقار العمل والماكن‬ ‫العامة ومواقع التواصل االجتماعي‪.‬‬ ‫‪ .6‬شحذ الحافز ن‬ ‫الدي� لدى المجتمع وربط دوافع‬ ‫ي‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫ال�شيد بالتعاليم إالسالمية مد ّعماً باليات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫القرآنية والحاديث النبوية ومآثر السلف ي‬ ‫تندد بالسلوك المرسف كصفة مذمومة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ .7‬تشجيع أ‬ ‫الرس عىل توعية أوالدهم ف ي�‬ ‫تعامالتهم ونشاطاتهم اليومية‪ ،‬والتأكيد عىل‬ ‫استخدام الجزء الذي يكفي الحاجة عند أ‬ ‫الكل‬ ‫والوضوء واالستحمام وتشغيل مرافق ن ز‬ ‫الم�ل‬ ‫من إضاءة وتكييف وأجهزة كهربائية‪.‬‬ ‫‪ .8‬تأسيس جهاز حكومي مستقل ومحايد‬ ‫لمراقبة مستوى التضخم ودراسة أثره الناتج‬ ‫العانات عىل ش�ائح المجتمع‪،‬‬ ‫عن إصالح إ‬ ‫والقطاعات الصناعية والتجارية‪ ،‬ومختلف‬ ‫المناطق الجغرافية‪ .‬ويعمل هذا الجهاز‬ ‫كإنذار مبكِّر لدعوة الجهات المسؤولة للتدخل‬ ‫عند الحاجة إىل التصحيح‪.‬‬ ‫للتجار والمص ِّن ي ن‬ ‫ سن ي ن‬ ‫ع� ف ي� حال‬ ‫قوان� رادعة َّ‬ ‫‪ّ .9‬‬ ‫استغالل زيادة أسعار المنتجات والخدمات‬ ‫وتمريرها للمستهلك بصورة مفرطة أو يغ�‬ ‫بم�رة‪.‬‬

‫توف� الطاقة واالتفاق‬ ‫‪ .10‬تأسيس صندوق ي‬ ‫يمول‬ ‫عىل تنظيمه العام مسبقاً‪ ،‬بحيث َّ‬ ‫من فارق السعر قبل الدعم وبعده أو‬ ‫جزء منه‪ .‬حيث يهدف الصندوق إىل إعادة‬ ‫توف�ه من الدعم لتعويض‬ ‫توجيه ما يمكن ي‬ ‫المت�ض رين من رفع الدعم‪ ،‬وتمويل‬ ‫وغ� ذلك مما‬ ‫العالنية إ‬ ‫الحمالت إ‬ ‫الرشادية ي‬ ‫يرتبط بهذا الشأن‪.‬‬ ‫‪ .11‬تفادي الرفع المفاجئ للدعم لما له من‬ ‫نتائج ال يمكن التنبؤ بها عىل الفرد والكيان‬ ‫يقوض الفعالية‬ ‫االقتصادي‪ ،‬مما قد ِّ‬ ‫والجدوى من الناحية السياسية‪ .‬وعوضاً‬ ‫عن ذلك‪ ،‬االنتقال بأسعار السوق بصورة‬ ‫تدريجية وسلسة‪ .‬وقد يعتمد التدرج عىل‬ ‫محورين‪ ،‬يعتمد المحور أ‬ ‫الول عىل التدرج‬ ‫بمستوى السعر ت‬ ‫ح� يصل إىل المستوى‬ ‫المستهدف مع الزمن‪ ،‬بينما يعتمد �ف‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الثا� عىل التدرج ف ي� القطاعات‬ ‫المحور ي‬ ‫ت‬ ‫ال� يرفع عنها الدعم‪ ،‬كالبدء بأسعار‬ ‫ي‬ ‫اللقيم للقطاع الصناعي‪ ،‬ثم أسعار‬ ‫ين‬ ‫للقطاع� الصناعي والتجاري قبل‬ ‫الوقود‬ ‫تطبيق أ‬ ‫ن‬ ‫القطاع‬ ‫عىل‬ ‫سعار‬ ‫ال‬ ‫السك� وأفراد‬ ‫ي‬ ‫المجتمع‪.‬‬ ‫العانات مع توقيت‬ ‫‪ .12‬جدولة قرار إصالح إ‬ ‫جاهزية البنية التحتية من وسائل النقل‬ ‫العام والقطارات لتهيئة الظروف المالئمة‬ ‫ين‬ ‫للمواطن� وتقديم البدائل‪.‬‬ ‫‪ .13‬إجراء دراسات ف ي� مجال االقتصاد االجتماعي‬ ‫لفهم سلوك المستهلك الذي يختلف من بلد‬ ‫إىل آخر باختالف الثقافات‪ ،‬ولمعرفة مرونة‬ ‫وتجاوب الطلب عىل المنتجات مع التغ� �ف‬ ‫ي ي‬ ‫السعر‪ .‬وسوف تعطي نتائج هذه الدراسات‬ ‫االستهالك‬ ‫فهماً أعمق للسوق والسلوك‬ ‫ي‬ ‫للمجتمع‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� بدأت برفع أو تخفيض‬ ‫‪ .14‬مراقبة الدول ي‬ ‫الدعم وأخذ الدروس من تجاربها الناجحة‪،‬‬ ‫وتشكِّل تقارير المنتدى االقتصادي العالمي‪،‬‬ ‫الدول مادة‬ ‫الدول‪ ،‬وصندوق النقد‬ ‫والبنك‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫غنية بالدروس ت‬ ‫ال� تفيد صانع القرار ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫مرحل� ما قبل وما بعد رفع الدعم‪.‬‬ ‫ي‬

‫الوقت المالئم‪ ..‬آ‬ ‫الن؟‬

‫هناك توافق ت ز‬ ‫م�ايد وشبه إجماع لدى ص َّناع‬ ‫القرار ومن جانب المستهلك عىل أن عيوب‬ ‫العانات قد طغت عىل محاسنها‪ ،‬وبدأت‬ ‫إ‬ ‫ب� الفينة أ‬ ‫تظهر ي ن‬ ‫والخرى قرارات بتخفيض‬ ‫الدعم عن سلع مختارة وبمستويات‬ ‫يب� بجاهزية البيئة االجتماعية‬ ‫مختلفة‪ ،‬مما ش ّ‬ ‫ت‬ ‫واالقتصادية الستيعاب القرار م� ما حان‬ ‫وقته‪ .‬كما يدرك المراقبون الحاجة إىل قرار‬ ‫العانات ومعالجة آثارها‬ ‫سيادي لتخفيض إ‬ ‫ال� تفاقمت ع� الزمن‪ ،‬يؤخذ �ف‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫السلبية ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫االعتبار الحاجة إىل احتواء الثر الم�تب عىل‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫المحتاج�‪.‬‬ ‫المواطن�‬ ‫أ‬ ‫ساس ف ي�‬ ‫وقد ي‬ ‫أش� إىل دور فالحكومة ال ي‬ ‫الصالحات ي� شت�يع سياسات‬ ‫إنجاح إ‬ ‫آ‬ ‫ين‬ ‫والنتاجية وتفعيل اللية‬ ‫تحس� الكفاءة إ‬ ‫الفعالة لمراقبة ومعالجة العواقب الناتجة‬ ‫العانات من تضخم وخالفه‪.‬‬ ‫عن إصالح إ‬ ‫ومن ال�ض ورة بمكان اختيار التوقيت المالئم‬ ‫للصالح‪ ،‬ولعل البيئة الحالية ألسعار النفط‬ ‫إ‬ ‫المنخفضة‪ ،‬ت‬ ‫ال� تقلّص خاللها الفارق يب�ن‬ ‫ي‬ ‫المحل‬ ‫السعر العالمي للنفط وسعر السوق‬ ‫ي‬ ‫المدعوم‪ ،‬تجعل الوقت مالئماً ث‬ ‫أك� من أي‬ ‫وقت ض‬ ‫م� لتسهيل تقبل المستهلك للسعر‬ ‫الجديد بدال ً من اللجوء إىل قفزة عالية‬ ‫بالسعر قد ت�ض بالصالح العام‪.‬‬ ‫الشارة إىل أهمية مراعاة عدد‬ ‫وعىل الرغم من إ‬ ‫من العوامل المهمة إلنجاح قرار إصالحات‬ ‫العانات‪ .‬إال أن تأجيل القرار ف ي� رفع‬ ‫نظم إ‬ ‫العانات ال ن‬ ‫يع� عدم جدوى‬ ‫تخفيض‬ ‫أو‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ال�وع ي� رسم خطة قابلة للتنفيذ وتهيئة‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫المد� والصناعي ش‬ ‫المجتمع�‬ ‫ون� الوعي‬ ‫ي‬ ‫وثقافة ت‬ ‫ال�شيد بينهما‪.‬‬ ‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫الملف‪:‬‬

‫الدائرة‬ ‫نمرّ بالشكل الدائري أو ُ‬ ‫الكروي كل يوم‪،‬‬ ‫فال نلتفت إليهما‪ ،‬وال ُنلقي لهما ً‬ ‫باال‪،‬‬ ‫وكأنهما من طبيعة األمور المعتادة التي‬ ‫ال تستحق ّ‬ ‫منا أي التفاتة أو تفكير‪ِ .‬أل َف‬ ‫البشر رؤيتهما منذ أن تطلعوا إلى السماء‪،‬‬ ‫ورأوا الشمس والقمر‪ ،‬أو نظروا من حولهم‪،‬‬ ‫إلى ثمار الشجر‪ ،‬من فاكهة مستديرة‬ ‫الشكل‪ ،‬أشبه بالكرة‪ .‬لكن للدائرة والكرة‬ ‫ً‬ ‫تاريخا‪ ،‬له بداية وقصة‪ .‬فمن اكتشف أن‬ ‫األرض التي نعيش عليها كرة ضخمة‪،‬‬ ‫ومتى كان ذلك؟ ومن الذي حسب محيط‬ ‫الدائرة وحجم الكرة‪ ،‬وما إليهما من مسائل‬ ‫رياضية؟ أما السؤال عن حضور هذين‬ ‫الشكلين الهندسيين في العالم من حولنا‪،‬‬ ‫فال حصر للجواب عنه‪ .‬في هذا الملف‪،‬‬ ‫يستطلع فريق القافلة عالم الدائرة والكرة‪،‬‬ ‫اللذين ُي َّ‬ ‫عدان من أركان العلوم النظرية‬ ‫ً‬ ‫والتطبيقية على ٍّ‬ ‫بدءا بالرياضيات‬ ‫حد سواء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وصوال إلى‬ ‫ومرورا بالطبيعة والجغرافية‬ ‫الفنون وصناعة الترفيه‪.‬‬


‫‪91 | 90‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫للكرة‪ ،‬أي كرة‪ ،‬ومهما كانت بسيطة‪ ،‬تاريخ عريق‬ ‫حافل باجتهادات العلماء واختالفاتهم‪ .‬ولعل بداية‬ ‫النسان‬ ‫هذا التاريخ كانت من الدائرة عندما سعى إ‬ ‫إىل السيطرة عليها وإخضاعها للحسابات الدقيقة‪.‬‬ ‫وها هي اليوم ف ي� كل مكان تقريباً من حولنا‪ .‬إنها ف ي� الدوالب المطاطي‬ ‫الذي يحمل السيارات والطائرات‪ ،‬ف‬ ‫و� النقود المعدنية ف ي� جيوبنا‪ ،‬كما‬ ‫ي‬ ‫أنها ف ي� خاتم الزواج (الدبلة)‪ .‬وهي أيضاً ف ي� الساعة عىل سوار اليد‪،‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ال� تدير حركة‬ ‫ال� تحتوي عىل عديد من القر فاص المستديرة في‬ ‫الساعة ي‬ ‫و� تخطيط‬ ‫عقاربها بانتظام‪..‬‬ ‫و«المستديرة» وهي ي� مقود السيارة‪ ،‬ي‬ ‫أ‬ ‫شوارع المدن ومدن مالهي الطفال‪ ،‬وصوال ً إىل مجال الطاقة‪ ،‬فكما‬ ‫ف‬ ‫نواع� رفع المياه‪ ،‬ها هي اليوم تبقى ض‬ ‫حا�ة‬ ‫ح�ض ت الدائرة قديماً ي� ي‬ ‫ف ي� حركة مراوح توليد الطاقة الشمسية‪..‬‬

‫فما هي الدائرة؟‬

‫ف‬ ‫ت‬ ‫ال� تبعد مسافة‬ ‫هي خط م ّتصل‪ ،‬يقع ي� مستوى يجمع كل النقاط ي‬ ‫وتسمى المسافة ي ن‬ ‫ب� المركز وأي‬ ‫تسمى المركز‪ّ .‬‬ ‫معينة عن نقطة ثابتة ّ‬ ‫ّ‬ ‫نقطة من دائرته‪ :‬الشعاع‪ .‬أما الشعاعان المستقيمان اللذان يمران‬ ‫فيسميان‪ :‬القُطر‪.‬‬ ‫بالمركز‪ّ ،‬‬

‫أما تعريف الكرة ف ي� الهندسة‪ ،‬فهو الجسم الذي ينتج من دوران‬ ‫ف‬ ‫القليدية‪ ،‬أي‬ ‫دائرة دورة كاملة حول أحد أقطارها‪ ،‬وهي ي� الهندسة إ‬ ‫البعد‬ ‫الهندسة الفراغية‪ ،‬مساحة مستديرة كل النقاط فيها بعيدة ُ‬ ‫تسمى المركز‪ .‬أما بُعد المركز عن نقاط الكرة‪،‬‬ ‫نفسه عن نقطة معينة ّ‬ ‫فيسمى أيضاً‪ :‬الشعاع‪ ،‬والشعاعان المستقيمان هما القُطر‪ ،‬تماماً كما‬ ‫ّ‬ ‫ف ي� الدائرة‪.‬‬

‫تاريخ دراستها‬

‫تعود دراسة الدائرة هندسياً‪ ،‬إىل عصور ما قبل التاريخ المعروف‪.‬‬ ‫وكان ت‬ ‫اخ�اع الدوالب أساسياً ف ي� معرفة خصائص الدائرة‪ .‬كما كان‬ ‫المرصي� الفراعنة ت‬ ‫ين‬ ‫اخ�اع علم الهندسة‪ .‬وقد‬ ‫الغريق ينسبون إىل‬ ‫إ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� �ح فيها حساب‬ ‫ند»‬ ‫ر‬ ‫«‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫برد‬ ‫وصاحب‬ ‫الكاتب‬ ‫أحمس‪،‬‬ ‫َّن‬ ‫ك‬ ‫تم‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫المساحات والمثلثات‪ ،‬من وضع قاعدة لحساب مساحة الدائرة‪،‬‬ ‫فاكتشف النسبة التالية‪ ،81/256 :‬أي نحو ‪ ،3.16‬وهو‬ ‫الرقم الثابت البالغ ف ي� حساب اليوم تقريباً ‪،3.1416‬‬ ‫المسمى ‪ ،pi‬والمستعمل لحساب محيط الدائرة‬ ‫ّ‬ ‫الغريقي طاليس‪ ،‬فهو‬ ‫أما‬ ‫الكرة‪.‬‬ ‫وحجم‬ ‫ومساحتها‬ ‫إ‬ ‫أول من وضع النظريّات المتع ّلقة بالدائرة‪ ،‬نحو عام‬ ‫تضمن كتاب أقليديس الثالث‪:‬‬ ‫‪ 650‬ق‪.‬م‪ .‬كذلك ّ‬ ‫القليدية‪ ،‬خصائص الدوائر ومسائل رسم‬ ‫العنارص إ‬ ‫ف‬ ‫المشكلة عند‬ ‫المض ّلعات ي� داخلها‪ .‬وكان من المسائل ُ‬


‫رسم متخ َّيل‬ ‫لعا ِلم الرياضيات‬ ‫الغريقي‬ ‫إ‬ ‫أنغزاغوراس‬

‫الدوائر في كل مكان حولنا‪ :‬من النقود إلى طواحين‬ ‫الهواء‪ ،‬مروراً برمزيتها لديمومة االرتباط الزوجي‪...‬‬

‫الغريق‪ ،‬العثور عىل صيغة معادلة لحساب المربّع الذي تساوي‬ ‫إ‬ ‫معينة‪ .‬وقد كان أول من بحث ف ي� هذه المسألة‬ ‫دائرة‬ ‫مساحة‬ ‫مساحته‬ ‫ّ‬ ‫أنغزاغوراس سنة ‪ 450‬ق‪.‬م‪ .‬يقاس محيط الكرة‪ ،‬ت‬ ‫ال� شعاعها ش‪،‬‬ ‫ي‬ ‫بمثل قياس إحدى دوائرها‪ ،‬بالمعادلة التالية‪ X 3,1416 X 2 :‬ش‬ ‫ال� شعاعها ش‪ ،‬بالمعادلة آ‬ ‫ت‬ ‫التية‪:‬‬ ‫وتقاس مساحة سطح الكرة‪ ،‬ي‬ ‫‪ X 3,1416 X 4‬ش‪.2‬‬ ‫أما حجم الكرة‪ ،‬ت‬ ‫ال� شعاعها ش‪ ،‬فيقاس بالمعادلة التالية‪:‬‬ ‫ي‬ ‫يتكرر ف ي� حساب‬ ‫‪ X 3,1416 X 4‬ش ‪ 3 / 3‬والرقم ‪ ،3,1416‬الذي ف ّ‬ ‫يسمى ي� الرياضيات كما‬ ‫قياس الدائرة والكرة‪ ،‬هو رقم ثابت‪ّ ،‬‬ ‫ن‬ ‫اليونا�‪ .‬وقد حصل علماء‬ ‫سلف‪ ،pi :‬ويُك َتب برسم حرف ‪p‬‬ ‫ي‬ ‫الرياضيات القدامى منذ قرون عديدة عىل هذا الرقم‬ ‫يتغ�‪ ،‬من دائرة إىل دائرة مهما‬ ‫واكتشفوا أنه ثابت ال ي ّ‬ ‫كان قطرها‪ .‬إذ قسموا محيط الدائرة عىل قطر الدائرة‪،‬‬ ‫فوجدوا الرقم‪ ،3,1416 :‬يتكرر ف ي� كل قياس‪ .‬وبذلك‬ ‫الهندسية‪ .‬وكان أولهم‬ ‫اع ُتمد عند علماء الحسابات‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫الفرعو�‪ ،‬الذي ُوفِّق برقم قريب‪ ،‬عىل ما‬ ‫أحمس‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫الغريقي فهو‬ ‫سلف‪ .‬أما أرخميدس العالم‬ ‫الريا� إ‬ ‫ي‬ ‫الذي يُنسب إليه حساب حجم الكرة‪ ،‬الذي يبلغ ثل�ث‬ ‫أَ‬ ‫ي‬ ‫حجم السطوانة المحيطة‪.‬‬

‫في الهندسة‪ ...‬فقط!‬

‫هذه هي باختصار خصائص الدائرة والكرة‪ ،‬حسبما ح ّللها‬ ‫الرياضيون منذ قرون‪ .‬ولكن‪ ...‬هل للدائرة النظرية وللكرة‬ ‫النظريّة هذه وجود ف ي� الطبيعة؟‬ ‫سيسارع معظم الناس إىل القول‪ :‬طبعاً! الكرة أ‬ ‫الرضية كرة‪ .‬يغ� أن‬ ‫افي� تقول إن الكرة أ‬ ‫العلم وقياسات الجغر ي ن‬ ‫الرضية ليست كرة بالدقة‬ ‫ن‬ ‫الرياضية والتعريف العلمي‪ .‬فلنستعرض قياسات الجغر ي ن‬ ‫افي� ل�ى إذا‬ ‫كانت خصائص الكرة العلمية تنطبق عىل الكرة أ‬ ‫الرضية‪.‬‬


‫‪93 | 92‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫يقول العلماء‪ ،‬إن شعاع الكرة أ‬ ‫المعدل‪ ،‬يبلغ ‪6371‬‬ ‫الرضية ف ي�‬ ‫ّ‬ ‫كيلوم�اً‪ .‬لكن هذا مجرد قياس معدل‪ .‬أما شعاع الكرة أ‬ ‫ت‬ ‫الرضية عند‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كيلوم�‪ ،‬فيما يبلغ شعاع الكرة أ‬ ‫ت‬ ‫الرضية‬ ‫خط االستواء‪ ،‬فيبلغ ‪6378,1‬‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫كيلوم�‪ .‬ولما كان التعريف العلمي للكرة‪ ،‬هو‬ ‫القطب� ‪6356,8‬‬ ‫عند‬ ‫أنها جسم تبتعد كل نقاط السطح فيه مسافة متساوية عن نقطة‬ ‫يع� علمياً أن أ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫بالمع� الدقيق‪ .‬بل‬ ‫الرض ليست كرة‬ ‫المركز‪ ،‬فهذا ي‬ ‫ش‬ ‫ال�ء‪ .‬أما‬ ‫إن شكلها هو مفلطح‪ ،‬أي منتفخ عند خط االستواء‬ ‫بعض ي‬ ‫ف‬ ‫«التشوه» ي� شكل الكرة‬ ‫نسبة التفلطح فهي ‪ .%0,33528‬وسبب هذا‬ ‫ّ‬ ‫الرضية‪ ،‬هو دوران أ‬ ‫أ‬ ‫الرض حول نفسها‪ ،‬وقوة عامل الطرد المركزي‪،‬‬ ‫الذي يميل إىل قذف أ‬ ‫الشياء بعيداً عن المركز عند الدوران‪ .‬وقوة هذا‬ ‫ت‬ ‫ال�‬ ‫العامل تزداد كلما ازدادت رسعة الدوران‪ .‬ومعلوم أن المواقع ي‬ ‫بكث� من رسعة المواقع القريبة‬ ‫أك� ي‬ ‫عند خط االستواء تدور برسعة ب‬ ‫ين‬ ‫والجنو�‪ ،‬إذ تبلغ رسعة الدوران عند خط‬ ‫الشمال‬ ‫القطب�‪،‬‬ ‫من‬ ‫فبي‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫القطب�ن‬ ‫االستواء‪ 1,674.4 :‬كيلوم� ي� الساعة‪ ،‬أما رسعة الدوران عند‬ ‫ي‬

‫ت‬ ‫كيلوم� ف ي� الساعة‪ .‬لذا فإن المعتقد هو أن الكرة‬ ‫تماماً‪ ،‬فهي صفر‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫شكل نظري قد ال يكون له وجود ي� الطبيعة‪ ،‬لن كل الشياء تتحرك‪،‬‬ ‫ويتغ� شكلها جراء هذه الحركة‪ ،‬بعضها يتغ� كث�اً‪ ،‬والبعض آ‬ ‫الخر‬ ‫يّ ي‬ ‫يّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تغ�ا يغ� ملحوظ‪ ،‬كلما كان الجسم المتحرك صلبا‪ ،‬أو كلما كانت‬ ‫يتغ� ي ّ‬ ‫يّ‬ ‫حركته بطيئة‪.‬‬ ‫حقيقية ف ي� الطبيعة؟ ليس هذا هو االستنتاج‬ ‫أليس إذاً ثمة دائرة‬ ‫ّ‬ ‫السليم‪ ،‬بل إن أ‬ ‫هو أن الدائرة كائن نظري‪ ،‬قد يكون موجوداً �ف‬ ‫الصح‬ ‫ي‬ ‫لكن وجوده نادر ومرهون بانطباق ش‬ ‫الرياضية انطباقاً‬ ‫ال�وط‬ ‫الطبيعة‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫صارماً‪ .‬وال بُ َّد من التدقيق ي� هذا المر قبل القول باستدارة شكل ما‪.‬‬

‫لماذا أ‬ ‫الجرام «كروية» الشكل؟‬

‫لكن ف� نهاية أ‬ ‫بالمع� التقري�‪ ،‬والكرة أ‬ ‫ن‬ ‫المر‪ ،‬الدائرة دائرة‪ ،‬ولو‬ ‫الرضية‬ ‫ي‬ ‫بي‬ ‫تبقى أشبه وأقرب ما تكون إىل كرة أرخميدس النظرية‪.‬‬ ‫ألم يخطر ببالنا ونحن ننظر إىل صورة أ‬ ‫الرض أو القمر أو الشمس‪ ،‬أو‬ ‫أي من أ‬ ‫الجرام الفضائية‪ ،‬لماذا ال تكون ف ي� أشكالها‪ ،‬إال كرويّة؟ أو لماذا‬

‫«تدوير» أ‬ ‫الرقام‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫و� الكتابة الصحافية‪ ،‬يستخدم البعض ما‬ ‫ي� الرياضيات‪ ،‬أي‬ ‫ن‬ ‫يع� تدوير الرقم؟ إنه أسلوب‬ ‫ّ‬ ‫يسمى‪« :‬تدوير» الرقام‪ .‬فماذا ي‬ ‫لتبسيط الرقم‪ ،‬وإبداله برقم قريب يسهل حفظه‪ .‬والرقم‬ ‫أ‬ ‫صل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫«المدور» بالطبع أقل دقّة من الرقم ال ي‬ ‫ندور الرقم‪ ،‬فإن التدوير عىل أنواع‪ :‬إذا كان لدينا رقم‬ ‫أما كيف ّ‬ ‫ش‬ ‫ندوره إىل أقرب ع�ة‪ 73 :‬يصبح‪ ،70 :‬أما ‪ 76‬فيصبح‪:‬‬ ‫نريد أن ّ‬ ‫‪ .80‬فالرقم ‪ 73‬أقرب إىل الرقم ‪ ،70‬من الرقم ‪ ،80‬فيما ‪76‬‬ ‫أقرب إىل ‪ ...80‬وهكذا‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ندور الرقم‪ ،‬فثمة أمور ننظر فيها‪:‬‬ ‫وح� ّ‬ ‫• إىل أي ن ز‬ ‫م�لة نريد التدوير‪ ،‬ش‬ ‫الع�ات أم المئات‪ ...‬مثالً‪:‬‬ ‫تدوير الرقم ‪ ،5738‬هل يصبح‪ ،5740 :‬أم ‪5700‬؟‬ ‫أ‬ ‫يدور نزوالً‪ ،‬لن ‪ 3‬أقل‬ ‫• التدوير نزوال ً أم صعوداً‪ ،‬فالرقم ‪ّ 73‬‬ ‫أ‬ ‫أك� من ‪ 5‬ال�ت‬ ‫فيدور صعوداً لن ‪ 6‬ب‬ ‫من ‪ ،5‬أما الرقم ‪َّ ،76‬‬ ‫ي‬ ‫تتوسط السبعينيات‪.‬‬ ‫• أما إذا كان الرقم ‪ 75‬مثالً‪ ،‬فإننا ندور الرقم صعوداً‪ .‬و�ف‬ ‫ِّ‬ ‫ي‬ ‫المبدأ يمكن أن يكون التدوير ف ي� هذه الحال صعوداً أو نزوالً‪،‬‬ ‫ألن الرقم ‪ 75‬قريب من ‪ 70‬و‪ 80‬المسافة نفسها‪ ،‬لكن اتُّفق‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫العامل� ف ي� الرياضيات‪ ،‬عىل الصعود بالرقم‪ ،‬ف ي� هذه‬ ‫ب�‬ ‫الحال‪ ،‬ت‬ ‫ح� ال تكون هناك طريقتان متناقضتان‪.‬‬ ‫دوائر علم الفلك على الورق‬


‫الطالق؟ ويكمن‬ ‫مكعبة أو هرمية أو بال شكل‬ ‫هندس عىل إ‬ ‫ال تكون ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫الشمس‪،‬‬ ‫تكون نظامنا‬ ‫الجواب ي� معرفة كيف تعمل الجاذبية‪ ،‬وكيف ّ‬ ‫ي‬ ‫الشمس‬ ‫تتكون كل النظم الشمسية المشابهة‪ .‬لقد نشأ النظام‬ ‫وكيف ّ‬ ‫ي‬ ‫تجمع كثيف‬ ‫حسبما يرى العلماء‪ ،‬من غمامة عمالقة‪ ،‬هي عبارة عن ّ‬ ‫ن‬ ‫الكو�‪ ،‬ف� الفضاء الواقع ي ن‬ ‫ب� مختلف النجوم‪ .‬وهذه‬ ‫للغازات والغبار ف ي ي‬ ‫الغازات تكون � البدء ث‬ ‫مبع�ة متباعدة‪ ،‬وتتقارب شيئاً فشيئاً بفعل‬ ‫ي‬ ‫يتجمع ما يكفي من حجم هذه الغمامة‪،‬‬ ‫الجاذبية‪ .‬وعندما ّ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫جاذبية متعاظمة‪ ،‬ف�يد ي� جمع الغبار والغازات‬ ‫تكتسب قوة‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫ئ‬ ‫ً‬ ‫من حولها‪ ،‬وتن� بذلك حقال ً مغناطيسيا حول الغمامة‬ ‫ف‬ ‫التكون ف ي� مرحلتها‬ ‫السديمية‪ .‬وبهذا تأخذ الشموس ي� ّ‬ ‫أ ّ‬ ‫الوىل‪.‬‬ ‫أما المرحلة الثانية ف ي� نشوء الشمس‪ ،‬فهي أنها تأخذ ف ي�‬ ‫الدوران حول نفسها‪ .‬ذلك ألن اجتذاب الغبار ن‬ ‫الكو�‬ ‫ي‬ ‫والغازات‪ ،‬ال يكون اجتذاباً عمودياً‪ ،‬بل غالباً ما تتساقط‬ ‫هذه الجزيئات عىل الغمامة بزاوية ما‪ ،‬فتدفعها إىل الدوران‪.‬‬ ‫ومع تعاظم حجم الغمامة وتكاثر ما اجتذبت إليها من غازات وغبار‪،‬‬ ‫تزداد رسعة دورانها حول نفسها‪ .‬ذلك أشبه بما يحدث ت ز‬ ‫لج ي ْ ن� عىل‬ ‫لم� َ‬ ‫الجليد‪ ،‬إذ يأخذان ف ي� الدوران برسعة حالما يمسك أحدهما بيدي‬ ‫آ‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫متقابل�‪ .‬وكلما اجتذبت‬ ‫اتجاه�‬ ‫الخر‪ ،‬بعدما كانا يتجهان ف ي�‬

‫طبيعي بيضاوي الشكل‬

‫مجرة راديوية‬

‫ثقب أسود‬ ‫مركزي‬

‫كب�‬ ‫اندماج ي‬

‫كوازار‬ ‫فلك بعيد)‬ ‫(نجم ي‬

‫مجرة يغ�‬ ‫منتظمة‬ ‫ثقب أسود‬ ‫عمالق‬

‫اندماج‬ ‫طفيف‬ ‫دوامة عادية‬ ‫‪ ...‬وفي رحاب الكون أيضاً‬

‫اندماج‬

‫مجرة زايفرت‬


‫‪95 | 94‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫الغمامة بالجاذبية الغبار إىل مركزها‪ ،‬تعاظمت رسعة الدوران‪ .‬ومع‬ ‫تضخم الكتلة‪ ،‬وتراكمها عىل بعضها‪ ،‬وتزايد قوة جاذبية الجرم‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫النا�‪ ،‬يبدأ االنصهار النووي‪ ،‬ف ُتولد الشمس‪.‬‬ ‫بعد والدة الشمس‪ ،‬يبقى ف ي� مجمل الغمامة العمالقة من الغازات‬ ‫للجاذبية‪ ،‬يتنافسان ف ي� اجتذاب ما بقي من غازات‬ ‫والغبار‪ ،‬مصدران‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫تكونت النجمة‪ ،‬أو الشمس‪ .‬المصدر الول‬ ‫وغبار ي� الغمامة‪ ،‬بعدما ّ‬ ‫للجاذبية هو الغمامة نفسها ت‬ ‫ال� تظل غازاتها تتقارب شيئاً فشيئاً‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫الثا� بالطبع هو النجم الجديد ف ي� وسط هذه الغمامة‪.‬‬ ‫والمصدر ي‬ ‫وهكذا يتقاسم المصدران ويتجاذبان ما أمكنهما من غازات الغمامة‪،‬‬ ‫ويأخذ ف ي� الظهور بعيداً عن مركز النجمة‪ ،‬كتل أخرى أصغر حجماً‪،‬‬ ‫أ‬ ‫الشارة‬ ‫تكون بداية لظهور الكواكب الصخرية‪ ،‬مثل الرض‪ .‬وال َّبد من إ‬ ‫ت‬ ‫المش�ي وزحل‪ ،‬هي كواكب‪،‬‬ ‫إىل أن الكواكب الغازية العمالقة‪ ،‬مثل‬ ‫التحول إىل نجوم‪ ،‬لكن أحجامها لم تبلغ العتبة ال�ت‬ ‫كانت قريبة من‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫يبدأ عندها االنصهار النووي‪ .‬لذلك تبقى كواكب يغ� مشتعلة‪ ،‬تدور‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫أك� حجماً‬ ‫ال� تجتذبها ي� مدار حولها؛ لكونها ب‬ ‫من حول الشمس‪ ،‬ي‬ ‫وأثقل وزناً بأضعاف مضاعفة‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫الحالت�‪ ،‬سواء أكانت الكواكب الناشئة صخرية أم غازية‪ ،‬فإن‬ ‫و� كلتا‬ ‫ي‬ ‫تكومت عىل‬ ‫تكونها بدأت بغبار وغازات‪ ،‬أي جزيئات ي‬ ‫صغ�ة ّ‬ ‫مراحل ّ‬ ‫بعضها مع مرور الزمن‪ ،‬من يغ� أن يكون لها شكل صلب‪ .‬ولما كان‬ ‫التحامها ببعضها ناشئاً من قوة الجاذبية‪ ،‬فإنها تتخذ مكانها المتاح عىل‬ ‫ت‬ ‫ال� ستصبح كوكباً‪ .‬ومع دوران الكتلة بفعل قوة‬ ‫سطح الكتلة الجديدة ي‬ ‫ح� ت‬ ‫اندفاعة االلتحام‪ ،‬تتخذ الغازات الشكل الكروي‪ ،‬إىل ي ن‬ ‫اب�ادها‪،‬‬ ‫وتحولها إىل صخر‪ ،‬مثل الكرة أ‬ ‫رضية‪ .‬فحقل الجاذبية ش ئ‬ ‫النا� يجتذب‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغازات والغبار نحو مركز الكتلة المتكونة‪ ،‬فيما يساعد الدوران �ف‬ ‫ّ‬ ‫اتخاذها الشكل الكروي‪ .‬هكذا تنشأ أ‬ ‫الجرام السماوية والكواكب‪ ،‬ي �ف‬ ‫ي‬ ‫شكل كروي‪ ...‬تقريباً‪.‬‬

‫أشهر قضية كروية في التاريخ‬

‫«عندما كان كريستوف كولومبوس حياً‪ ،‬كان الناس يعتقدون‬ ‫أ‬ ‫أن أ‬ ‫الرض مس ّ‬ ‫يعج‬ ‫طلس ّ‬ ‫طحة‪ .‬كانوا يظ ّنون أن فالمحيط ال ي‬ ‫بوحوش ضخمة تلتهم سفنهم‪ ،‬وأن ي� طرفه شالالت ماء‪،‬‬ ‫تسقط منها السفن إىل الهاوية‪ .‬كان عىل كولومبوس أن يواجه‬ ‫بالبحار معه‪ .‬كان متيقّناً من أن‬ ‫هذه المعتقدات‪ُ ،‬ليقنع رجاله إ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مريكية إيما مايلر بولينيوس‪،‬‬ ‫الرض كانت كرويّة»‪ .‬هذا ما كتبته ال‬ ‫ّ‬ ‫سنة ‪1919‬م‪ .‬وهذا ما راج الحقاً ف� الكتب المدرسية أ‬ ‫المريكية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫والوروبية أوالً‪ ،‬ومن ثم ف ي� كافة أنحاء العالم‪ .‬إن إحدى الخرافات‬ ‫ت‬ ‫ال� ينشأ الصغار عىل االعتقاد بها‪ ،‬هي فكرة أن كولومبوس كان‬ ‫ي‬ ‫الرض؛ وأن كل آ‬ ‫وحيداً ف� زمنه‪ ،‬ف� القول باستدارة أ‬ ‫الخرين كانوا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يظنونها مس ّ‬ ‫طحة‪.‬‬


‫ف� الحقيقة ثمة مراجع قديمة كث�ة تش� إىل أن شكل أ‬ ‫الرض مثل‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫جرم�ن‬ ‫قرص مستدير‪ .‬ومن كانت معلوماته محصورة فقط بأهم ي‬ ‫ين‬ ‫فضائي� ف ي� سمائنا ‪ -‬الشمس والقمر ‪ -‬فقد يصل إىل االستنتاج نفسه‪.‬‬ ‫ف‬ ‫أما إذا خرج ي� ساعة الغروب‪ ،‬عندما يكون القمر بعد هالالً‪ ،‬فهناك‬ ‫ما يمكن أن يراه‪ .‬مجرد خيط رفيع من القمر‪ ،‬يتفق ف ي� شكله مع الجزء‬ ‫وتفك�ك علمي‪،‬‬ ‫من كرة القمر الذي تضيئه الشمس‪ .‬فإذا كنت فضولياً ي‬ ‫فقد تعيد الكرة وتخرج عند المغيب ف� أ‬ ‫اليام التالية لتنظر صوب‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫الغر� (عىل اف�اض أنك ي� نصف الكرة الرضية‬ ‫السماء لجهة الجنوب ب ي‬ ‫ض‬ ‫ً‬ ‫يتغ�‪.‬‬ ‫الشمال)‪ ،‬وستجد شيئاً فشيئا أن شكل الجزء‬ ‫الم�ء من القمر ي ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫فهو أوال ً يبتعد كل يوم ف ي� كبد السماء‪ ،‬بنحو ‪ 12‬درجة‪ ،‬وكأنه يبتعد‬ ‫عن الشمس‪ ،‬وهو ثانياً يزداد ف ي� مساحته المضاءة! وقد تستنتج‬

‫أ‬ ‫تغ�‬ ‫استنتاجاً صحيحاً‪ ،‬وهو أن القمر ربما يدور حول الرض‪ ،‬وأن ي ّ‬ ‫تبدل سببه أن الشمس تضيئه من زاوية‬ ‫الشكل الظاهر منه إنما هو ّ‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫أخرى كل يوم‪ .‬لكن يحدث مر يت� تقريبا كل سنة‪ ،‬حدث خاص‪ ،‬ال‬ ‫يحدث إال ي ن‬ ‫ح� يكون القمر بدراً‪ ،‬فيتيح لنا أن نالحظ أمراً يتع ّلق‬ ‫أ‬ ‫بشكل أ‬ ‫الرض‪ :‬خسوف القمر! ي ن‬ ‫ح� يكون القمر بدراً وتمر الرض‬ ‫ب� الشمس وبينه‪ ،‬تحجب أ‬ ‫مبا�ة عىل خط مستقيم ي ن‬ ‫ش‬ ‫الرض نور‬ ‫ف‬ ‫الشمس عنه‪ ،‬فيغيب القمر عن ناظرينا! فإذا دققنا ي� الظل الذي‬ ‫يظهر عىل القمر حينئذ‪ ،‬يمكننا بوضوح أن نالحظ أن ظل أ‬ ‫الرض‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫مقوس‪ ،‬وشكله مثل القرص! لكن هذا ال يقطع ي� أمر ما إذا كانت‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الرض قرصا مستديرا أو كرة‪ .‬مبدئيا بالنظر إىل خسوف القمر‪ ،‬يمكن‬ ‫أن تكون أ‬ ‫الرض إذاً قرصاً أو كرة‪.‬‬ ‫والحقيقة أن القطع ف� المسألة لم يحدث ف� القر ي ن‬ ‫ن� الميالديّ ي ن�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫الخامس ش‬ ‫ع� أو السادس ع�‪ ،‬عندما استدار المستكشف‬ ‫أ‬ ‫ث‬ ‫َّ‬ ‫ماجيلن بسفينته حول الرض‪ ،‬بل قبل ذلك الزمن بأك� من‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫‪ 2000‬سنة‪ ،‬ي� مرص! والمدهش ي� المر أن اكتشاف كرويّة‬ ‫أ‬ ‫الرض استند فقط إىل مالحظة الشمس وحدها‪.‬‬ ‫ف ي� العالم القديم‪ ،‬كان كبار العلماء من مرص‬ ‫واليونان وكل أنحاء بالد البحر أ‬ ‫البيض‬ ‫المتوسط‪ ،‬يقصدون مكتبة‬ ‫ش‬ ‫السكندرية‪ ،‬حيث يبا�ون‬ ‫إ‬ ‫أبحاثهم‪ .‬وكان أحد‬ ‫آ‬ ‫ال�ت‬ ‫هؤالء‪ ،‬العا ِلم ي‬ ‫من ليبيا إراتوستينيس‬ ‫ن‬ ‫القوري�‪ ،‬وهو‬ ‫ي‬ ‫إغريقي‪.‬‬

‫رحلة كولومبوس التاريخية إلى أمريكا‪..‬‬ ‫التجربة العملية أ‬ ‫الولى انطالقاً من القناعة‬ ‫بأن أ‬ ‫الرض مستديرة‪...‬‬


‫‪97 | 96‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫رسم توضيحي لمنهجية‬ ‫التفكير عند أراتوستينس‬

‫مزولة شمسية من القرن السابع عشر‬

‫ف‬ ‫مهمة جد ًا‪،‬‬ ‫فيما كان إراتوستينيس يعمل ي� إ‬ ‫السكندرية‪ ،‬تلقّى رسالة ّ‬ ‫ف‬ ‫فلكية‬ ‫من مدينة أسوان ي� جنوب مرص‪َّ ،‬‬ ‫تتحدث بالتحديد عن مالحظة ّ‬ ‫ف ي� يوم ‪ 21‬يونيو‪ ،‬أي يوم االنقالب الصيفي‪ .‬قالت الرسالة إن ظالل‬ ‫أ‬ ‫العمدة ف ي� معابد المدينة‪ ،‬كانت تختفي عند الظهر‪ ،‬أي إن الشمس‬ ‫تمر ف ي� هذه اللحظة فوق الرؤوس تماماً‪ ،‬وال تحيد درجة إىل الجنوب أو‬ ‫ال�ق أو الغرب‪ ،‬وبذلك يتق ّلص الظل ت‬ ‫الشمال أو ش‬ ‫ح� يختفي‪.‬‬ ‫لكن إراتوستينيس كان يعلم أن أ‬ ‫المر ليس كذلك‪ ،‬حيث هو ف ي�‬ ‫السكندرية‪ .‬كانت الشمس بالطبع ترتفع ف ي� كبد‬ ‫إ‬ ‫السماء‪ ،‬عند الظهر‪ ،‬كلما ت‬ ‫اق�ب االنقالب‬ ‫الصيفي‪ ،‬أعىل من أي يوم من أيام‬ ‫السنة‪ ،‬لكنها تلقي ظال ً يطول ويقرص‪،‬‬ ‫لكن ال يختفي‪.‬‬ ‫فما هو سبب هذا الفارق؟ بلمعة‬ ‫عبقرية‪ ،‬وجد إراتوستينيس‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وهي أن إشعاعات‬ ‫أ‬ ‫الشمس كلها متوازية‪ ،‬إذاً فالرض‬ ‫محدودبة! وفكّر إراتوستينيس‪،‬‬ ‫العا ِلم إراتوستينس‪ ،‬أول من احتسب محيط‬ ‫الكرة أ‬ ‫الرضية‬

‫لو كان يعرف المسافة ي ن‬ ‫السكندرية وأسوان‪ ،‬ألمكنه من خالل‬ ‫ب� إ‬ ‫معرفته درجة انحناء أ‬ ‫ين‬ ‫الرض ي ن‬ ‫المدينت�‪ ،‬أن يقيس محيط الكرة‬ ‫ب�‬ ‫أ‬ ‫الرضية! ولم يكن لديه مساعد من طالبه يمكنه أن يذهب إىل أسوان‬ ‫ليقيس المسافة‪ ،‬لذا كان عليه أن يكتفي بما لديه من معلومات عن‬ ‫ين‬ ‫هذه المسافة ي ن‬ ‫المدينت�‪ ،‬واستعان بأدق ما لديه من قياس ف ي� تلك‬ ‫ب�‬ ‫أ‬ ‫اليام‪.‬‬ ‫السفر عىل ظهر جمل! يمكن أن نفهم االنتقاد لدقة هذا االختبار‬ ‫بالطبع‪ .‬لكن ما خلص إليه إراتوستينيس هو أن المسافة ي ن‬ ‫ب�‬ ‫ف‬ ‫و� هذه الحال‪ ،‬نحصل عىل‬ ‫السكندريّة‬ ‫إ‬ ‫وأسوان هي ‪ 5000‬ميدان‪ .‬ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫قياس لمحيط الرض يبلغ ‪ 39,375‬كيلوم�اً‪ ،‬وهذا ال يقل سوى بنسبة‬ ‫ت‬ ‫كيلوم�اً!‬ ‫‪ %2‬عن المحيط الحقيقي البالغ ف ي� القياس الحديث ‪40,041‬‬ ‫وبغض النظر عن مدى دقّة القياس‪ ،‬فإن إراتوستينيس دخل التاريخ‬ ‫ّ‬ ‫بوصفه أول عالم جغرافيا ف� العالم يثبت علمياً كروية أ‬ ‫الرض‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫وين� مفهوم خطوط العرض والطول ت‬ ‫ش ئ‬ ‫ال� نستخدمها اليوم ف ي�‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫رسم خريطة الرض‪ ،‬وهو أول من وضع الخرائط المرسومة عىل‬ ‫أساس كروية أ‬ ‫الرض‪.‬‬ ‫ّ‬

‫أعظم تطبيقات الدائرة‪ :‬الدوالب‬

‫نتخيل العيش‪ ،‬دون القدرة عىل النقل والتنقّل‪ .‬ي ن‬ ‫وح�‬ ‫ال يمكننا أن ّ‬


‫نتصور انتقالنا عىل عربة أو محفّة‪ ،‬بال دواليب‪،‬‬ ‫نتنقّل‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫ّ‬ ‫أو عربة «بدواليب» يغ� مستديرة‪ ،‬مربّعة أو بأي شكل آخر‪ ،‬كيف‬ ‫ت‬ ‫يمكن أن يكون االنتقال والسفر عليها! فالدوالب من أقدم ما اخ�ع‬ ‫الب� ف� تاريخهم الطويل عىل الكرة أ‬ ‫الصغ�ة‬ ‫الرضية‪ .‬أما الدواليب‬ ‫ي‬ ‫ف ش ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫تنوع‬ ‫ي� ألعاب الطفال‪ ،‬ي� أيامنا هذه‪ ،‬فيمكنها أن تعطينا فكرة عن ّ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� يمكننا أن نستخدم الدوالب ف ي� تحقيقها‪ ،‬من تسلية‬ ‫الغراض ي‬ ‫الطفل‪ ،‬تصاعداً إىل دروج الطائرات عىل مدارج المطارات‪ .‬فثمة ما‬ ‫الحجام أ‬ ‫ال يحىص من أ‬ ‫والشكال والمواد المصنوعة منها الدواليب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫آ‬ ‫ّ‬ ‫نراها كل يوم من حولنا‪ ،‬فنتسل أو نلعب أو ننتقل من مكان لخر‪،‬‬ ‫من يغ� أن يفكّر معظمنا ف� يوم‪ ،‬كيف كان ت‬ ‫اخ�اع الدوالب‪ ،‬أو‬ ‫ي‬ ‫فلنقل‪ :‬اكتشافه‪.‬‬ ‫فالدوالب هو حلقة مستديرة تماماً‪ ،‬مصنوعة من مادة صلبة وقد‬ ‫جعلت الدواليب عيشنا أسهل‪ ،‬ال سيما إذا كنا بحاجة إىل االنتقال من‬ ‫مكان إىل آخر بعيد‪ .‬ولعل ت‬ ‫اخ�اع الدوالب منذ عصور يغ� معروفة‬ ‫اخ�ع ش ف‬ ‫تماماً‪ ،‬هو ف� الوقت نفسه‪ ،‬من أهم ما ت‬ ‫تطورهم‬ ‫الب� ي� ّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫تقدم‬ ‫العلمي والتكنولوجي‪ .‬لقد أحدث الدوالب ثورة‬ ‫حقيقية ي� ّ‬ ‫ّ‬ ‫ش‬ ‫الب�ية والحضارة‪.‬‬

‫الدائرة الحلزونية لال نهاية‬

‫ف� عام ‪1655‬م‪ ،‬استنبط عا ِلم الرياضيات ب ن‬ ‫يطا� جون‬ ‫ال� ي‬ ‫ي‬ ‫للشارة إىل الالنهائية‪ ،‬وهو عبارة عن دائرة منبعجة‬ ‫وليس رمزاً إ‬ ‫ين‬ ‫بشكل يحولها إىل دائر ي ن‬ ‫مرسومت� بخط واحد‪ ،‬يشبه الرقم‬ ‫ت�‬ ‫‪ 8‬مقلوباً‪ .‬ومن رمزيته العلمية إىل أ‬ ‫استمد‬ ‫الرقام الالمتناهية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫هذا الشكل رمزية أخرى‪ ،‬فأصبح اليوم أيضاً شكال ً فنياً‪،‬‬ ‫ِّ ن‬ ‫حل عىل سبيل المثال‬ ‫كث� من‬ ‫اعتمده ي‬ ‫المصم يم� لصياغة ي‬ ‫ترمز إىل ديمومة العالقات‪.‬‬ ‫صورة الكواكب عند البابليين‪ :‬أقراص مستديرة‬


‫‪99 | 98‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫اخ�اع الدوالب‪ ،‬فهذا ن‬ ‫إذا كنا ال نعرف تاريخ ت‬ ‫يع� أيضاً أننا ال نعرف‬ ‫ي‬ ‫ب� آ‬ ‫من الذي ت‬ ‫اخ�عه‪ .‬صحيح أن أقدم دوالب ُوجد ي ن‬ ‫الثار الباقية من‬ ‫والفرعونية‬ ‫التاريخ‪ ،‬عمره نحو ‪ 3000‬سنة‪ ،‬وأن النقوش السومرية‬ ‫ّ‬ ‫تحمل رسوماً لعربات بدواليب‪ ،‬عمرها ‪ 5000‬سنة‪ .‬إال أن هذا ال‬ ‫يفيدنا عن الزمن الذي ت‬ ‫اخ�عوا فيه الدوالب حقاً‪ ،‬قبل تلك الحقب‪.‬‬ ‫آ‬ ‫والخز ي ن‬ ‫والنس ي ن‬ ‫الحي ي ن‬ ‫جر)‬ ‫اج�‬ ‫اك�‬ ‫اف� (صانعي ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكن يبدو أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفخار وال ّ‬ ‫ف‬ ‫كانوا من أوائل من استعمل الدوالب ي� مهنتهم‪.‬‬

‫ابتكار العجلة‪ ..‬أهم تطبيق عملي للدائرة في التاريخ‬

‫أ‬ ‫الفخاريّة ت‬ ‫الخزافون يصنعونها‪ ،‬كانت ض�ورية‬ ‫إن الوعية ّ‬ ‫ال� كان ّ‬ ‫ي‬ ‫وح� الحبوب وغ�ها من أ‬ ‫والم�وبات ت‬ ‫ش‬ ‫الغذية‪ ،‬ف ي�‬ ‫لخزن الماء‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� نشأت من حولها القرى والمدن الوىل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المستقرات الزراعية ي‬ ‫ً‬ ‫غ� الدوالب الذي يديره‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ممكن‬ ‫ار‬ ‫الفخ‬ ‫آنية‬ ‫صنع‬ ‫يكن‬ ‫ولم‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫�ض‬ ‫للتقدم بصنع‬ ‫الخزاف لصنع آنيته‪ .‬وكان ثمة حوافز ح يّة أخرى ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدواليب لمختلف أ‬ ‫الغراض‪ ،‬إذ كان النقل واالنتقال عىل العربات‬ ‫أ‬ ‫طور ش‬ ‫الب� شيئاً‬ ‫من أهم هذه الحوافز‪ .‬ومن هذه الدواليب الوىل‪ّ ،‬‬


‫دواليب الهواء‬

‫ت‬ ‫نتخيل‬ ‫ال� ال ّ‬ ‫فشيئاً صناعة الدوالب‪ ،‬فوصلنا إىل أطر السيارات‪ ،‬ي‬ ‫عيشاً حديثاً اليوم دونها‪.‬‬ ‫ع� العصور بال توقف تقريباً‪،‬‬ ‫لقد كان تطوير الدوالب مستمراً ب‬ ‫ت‬ ‫ال� نراها اليوم‬ ‫فبتصميم الدوالب ومواد صنعه‪ .‬والدواليب ي‬ ‫ي� السيارات والطائرات وكل نواحي الحياة وأدواتها‪ ،‬ليست‬ ‫لالخ�اع أ‬ ‫سوى تطوير ت‬ ‫الول‪ .‬لكن الفروق هائلة‪ .‬إذ كان تصميم‬ ‫الدوالب ف� ض‬ ‫الما� السحيق بسيطاً بالمقارنة مع دواليب‬ ‫ي‬ ‫الدوات يالعرصية اليوم‪ .‬فدوالب العصور أ‬ ‫أ‬ ‫الوىل كان من حجر‪،‬‬ ‫فمتقدم صناعياً‬ ‫ثم من خشب‪ ،‬وأما دوالب العرص الحديث‬ ‫ّ‬ ‫ومعد خصيصاً ليلعب دوره ضمن صيغ معقّدة من التكنولوجيا‬ ‫ّ‬ ‫الحديثة‪.‬‬ ‫المخ�عات أ‬ ‫ت‬ ‫الخرى‬ ‫يسجل للدوالب أنه‪ ،‬عىل عكس‬ ‫ومع هذا‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ال� ظهرت قبل ‪ 5000‬سنة‪ ،‬وربما قبل ذلك‪ ،‬ثم اختفت‪ ،‬ال يزال‬ ‫ي‬ ‫ومستعمالً‪ ،‬بل إنه يلعب دوراً أساسياً ف ي� الحياة‬ ‫مع َتمداً اليوم‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫الح�ض ية‪ ،‬وال يزال �ورة ي� عدد ال يحىص من المهام‪ .‬ليس مهماً‬ ‫تغ� شكل الدوالب‪ ،‬أو مادة صنعه‪ ،‬أو حجمه‪ ،‬فمهمته ال تزال‬ ‫إذا ي ّ‬ ‫هي هي‪ ،‬وهي أن ينقل حركة الخط المستقيم‪ ،‬إىل حركة دائرية‪،‬‬ ‫تمتص الجهاد الناجم عن االحتكاك أ‬ ‫بالرض‪ .‬ولوال أن ش‬ ‫الب�‬ ‫ّ إ‬ ‫ت‬ ‫اخ�عوا الدوالب‪ ،‬لما كنا نرى عربات وطائرات ف ي� عالمنا اليوم‪ ،‬بل‬ ‫ت‬ ‫ح� لما كان ممكناً ربما‪ ،‬للقرى والمدن وللحضارات القديمة أن‬ ‫تتطور‪ ،‬وللعيش الح�ض ي الزراعي أن ينشأ‪ ،‬ش‬ ‫وللب� أن‬ ‫تقوم وأن ّ‬ ‫ف‬ ‫الس� عىل‬ ‫ينتقلوا من مكان إىل آخر إال ي� حدود ترسمها القدرة عىل ي‬ ‫أ‬ ‫القدام‪ ،‬ولوال الدوالب لما ظهرت الجيوش لتقيم الممالك والدول‬ ‫وتحمي المدن والبلدان‪.‬‬

‫ومكون‬ ‫«دوالب الهواء» هو هيكل مصنوع عادة من المعدن‪َّ ،‬‬ ‫من عجلة دوارة مع عربات للركوب (يشار إليها أحياناً باسم‬ ‫الجندول أو الكبسوالت)‪ ،‬يتم تعليقها عىل حافة العجلة‪.‬‬ ‫وعندما تدور العجلة‪ ،‬تبقى العربات ف ي� وضع مستقيم‪ ،‬وعادة‬ ‫بفعل الجاذبية أ‬ ‫الرضية‪.‬‬ ‫تم تصميم أول دوالب هواء بواسطة جورج واشنطن غيل‬ ‫ف�يس االبن الذي استوحاها من نواع� رفع الماء من أ‬ ‫النهار‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫وشيدها كمعلم جذب سياحي للمعرض العالمي الكولوم� �ف‬ ‫َّ‬ ‫بي ي‬ ‫شيكاغو عام ‪1893‬م‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ومنذ ذلك العام‪ ،‬أصبح هناك ‪ 9‬دواليب هواء ي� العالم‬ ‫سجلت أرقاماً قياسية كأعىل دوالب هواء‪ .‬وحامل الرقم‬ ‫الحال هو هاي رولر ف ي� الس فيغاس والبالغ طوله‬ ‫القياس‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫‪ 167.7‬م� (‪ 550‬قدم)‪ ،‬والذي افتتح للجمهور ي� مارس‬ ‫‪2014‬م‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫«ع� لندن»‬ ‫يغ� أن أشهرها عالميا يبقى دوالب الهواء‬ ‫المسمى ي‬ ‫َّ‬ ‫الذي يرتفع ‪ 135‬تم�اً‪ ،‬وأصبح من معالم أية صورة فوتوغرافية‬ ‫ال�يطانية‪.‬‬ ‫للعاصمة ب‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ً‬ ‫للقبال‬ ‫وتنت� دواليب الهواء أينما كان ي� العالم اليوم‪ ،‬نظرا إ‬ ‫ف‬ ‫الشديد عليها ي� مدن المالهي‪.‬‬ ‫«عين لندن»‪...‬‬


‫‪101 | 100‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫الدائرة وأخواتها ف ي� اللغة‬ ‫ف ي� مادة‪ :‬دار‪ ،‬ف ي� «لسان العرب» البن منظور‪،‬‬ ‫ونيف‪،‬‬ ‫الذي وضع معجمه ي‬ ‫الكب� قبل سبعة قرون ّ‬ ‫ش‬ ‫ال�ء‪ ،‬يدور َدوراً و َد َوراناً‪ ...‬واستدار‪،‬‬ ‫جاء‪« :‬دار ي‬ ‫ش‬ ‫ال�ء‬ ‫دوار إ‬ ‫وأدرتُه أنا‪ .‬والدهر َّ‬ ‫بالنسان‪ .‬وتدوير ي‬ ‫جعله مدوراً‪ ،‬ف‬ ‫و� الحديث‪ :‬إن الزمان قد استدار‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫خلق هللا السموات والرض‪ .‬استدار‬ ‫كهيئته يوم َ‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ال�ء‪ ،‬وإذا عاد إىل الموضع‬ ‫بمع� إذا طاف حول ي‬ ‫الذي ابتدأ منه‪ ،‬ن‬ ‫ومع� الحديث‪ ،‬أن العرب كانوا‬ ‫النسء‪ ،‬ليقاتلوا فيه‪،‬‬ ‫يؤخرون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المحرم إىل َصفَر‪ ،‬وهو ي‬ ‫المحرم من شهر‬ ‫ويفعلون ذلك سنةً بعد سنة‪ ،‬فينتقل‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫إىل شهر ت‬ ‫فلما كانت‬ ‫ح� يجعلوه ي� جميع شهور السنة‪ّ .‬‬ ‫تلك السنة‪ ،‬كان قد عاد إىل زمنه المخصوص به قبل‬ ‫النقل‪ ،‬ودارت السنة كهيئتها أ‬ ‫الوىل»‪.‬‬

‫الطاولة المستديرة‬ ‫أحياناً يدور الحديث عن انعقاد «طاولة مستديرة» لمناقشة‬ ‫كذا وكذا‪ .‬فبماذا تختلف الطاولة المستديرة‪ ،‬ولماذا ال يكون‬ ‫المؤتمر عىل طاولة مربّعة أو مستطيلة؟ إن لهذا سبباً يجعل‬ ‫استدارة الطاولة أمراً ض�ورياً‪ ،‬وذلك ي ن‬ ‫المؤتمرون‬ ‫ح� يكون‬ ‫ِ‬ ‫من رتبة واحدة‪ ،‬كرؤساء الدول مثالً‪ ،‬أو الوزراء النظراء من‬ ‫بلدان مختلفة‪ ،‬فال يجوز عندئذ أن يجلس أحدهم عىل رأس‬ ‫الطاولة المستطيلة‪ ،‬وكأنه أرفع شأناً من ي ن‬ ‫الباق�‪ ،‬إال إذا كان‬ ‫اخت� من ي ن‬ ‫ب� نظرائه لرئاسة هذا المؤتمر‪.‬‬ ‫رئيساً ي‬ ‫ت‬ ‫ال� خ َّلدتها أسطورة الملك‬ ‫نذكر هنا الطاولة المستديرة ي‬ ‫ال� ن‬ ‫يطا� آرثر كرمز للمساواة ي ن‬ ‫ب� الفرسان الذين التأموا حول‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫محيطها ي� عاصمته كاميلوت‪ .‬وظلت الطاولة المستديرة رمزاً‬ ‫للمساواة وطلب الصلح ومضادة للطبقية‪ .‬لكن بريطانياً آخر‬ ‫هو وينستون تش�شل زعزع هذه أ‬ ‫السطورة ي ن‬ ‫ح� قال‪« :‬أينما‬ ‫ي‬ ‫أجلس يكون رأس الطاولة»‪.‬‬

‫التفس� للحديث النبوي ش‬ ‫ال�يف‪ ،‬شي�ح ابن‬ ‫ف ي� هذا‬ ‫ي‬ ‫منظور‪ ،‬كيف أن كنانة‪ ،‬وهي من العرب‪ ،‬كانت ف ي� كل‬ ‫سنة تحسب كم نقصت السنة القمريّة عن السنة‬ ‫الشمسية‪ ،‬ليطابقوا ي ن‬ ‫ب� شهور السنة القمرية والمواسم‬ ‫الشمسية‪ ،‬من ربيع وصيف وخريف وشتاء‪ .‬فكانوا‬ ‫«ينسئون» أ‬ ‫المحرم هذا‬ ‫الشهر‪ ،‬أي يقولون إن شهر‬ ‫ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫العام قد انتقل إىل شهر صفر‪.‬‬ ‫ف‬ ‫و� الما ّدة نفسها‪ ،‬يضيف ابن منظور‪« :‬والدائرة والدارة‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ال� حوله‪،‬‬ ‫بال�ء‪ ،‬والدارة‪ :‬دارة القمر ي‬ ‫كالهما‪ :‬ما أحاط ي‬ ‫وهي الهالة‪ .‬ودارت عليه الدوائر‪ :‬أي نزلت به الدواهي‪،‬‬ ‫والدائرة‪ :‬الهزيمة والسوء‪ ،‬يقال‪ :‬عليهم دائرة السوء‪،‬‬ ‫وجل‪{ :‬ومن ْ أ‬ ‫ال َ ْع َر ِاب َمن يَ َّت ِخذُ َما يُ ِنف ُق َمغْ َر ًما‬ ‫وقوله ع ّز ّ َ ِ َ‬ ‫الس ْو ِء} (التوبة‪،)98 :‬‬ ‫َويَ ت َ َ�بَّ ُص ِبك ُ​ُم َّ‬ ‫الد َوا ِئ َر َع َل ْي ِه ْم َدا ِئ َر ُة َّ‬ ‫قيل (الدائرة والدوائر أي) الموت أو القتل‪ ،‬وجعل هللا‬ ‫دائرة السوء عليهم ونزول المكروه بهم ال عليكم»‪.‬‬ ‫تفس�ه للدائرة‪ ،‬إذ يقول‪« :‬وقوله‬ ‫ويكمل ابن منظور ي‬ ‫تعاىل‪{ :‬نَ ْخ ش َ� أَ ْن تُ ِص َيبنا َدا ِئ َرة} (المائدة‪ )52 :‬الدائرة ما‬ ‫يصيب الجماعات من شدائد ونوازل بسبب أعدائهم‪،‬‬ ‫ت‬ ‫والد َّوار‬ ‫ال� تُ ش َ‬ ‫والد َّوار ُّ‬ ‫خ� كالهزيمة والحوادث‪َّ ...‬‬ ‫وهي ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫من أسماء البيت الحرام‪ ،‬لنهم يطوفون به ي� شبه‬ ‫دائرة»‪.‬‬


‫ف‬ ‫الدوا ِئ ُر أَي نزلت به الدواهي‪.‬‬ ‫و� المعجم‪َ :‬د َار ْت عليه َّ‬ ‫ي‬ ‫والدائرة‪ :‬الهزيمة والسوء‪ .‬يقال‪ :‬عليهم دائرة السوء‪.‬‬ ‫ف‬ ‫الد ْو َلة بالغلبة‬ ‫و� الحديث‪ :‬فيجعل الدائرة عليهم أَي َّ‬ ‫ي‬ ‫والنرص‪ .‬وقوله عز وجل‪ :‬ويَ ت َ َ�بَّ ُص بكم الدوائر؛ قيل‪:‬‬ ‫ور حوله‬ ‫الموت أَو القتل‪ُّ .‬‬ ‫والد َّو ُار‪ :‬مستدار رمل تَ ُد ُ‬ ‫الوحش‪.‬‬ ‫وال نجد ف ي� «لسان العرب» كلمة‪ :‬ك َُرة‪ ،‬لكن جاء ف ي� اللسان‪،‬‬ ‫ف‬ ‫«الكر الرجوع‪ َّ ،‬ش‬ ‫مرة بعد‬ ‫ال�ء‪ ،‬أعاده ّ‬ ‫ي� مادة‪ :‬كرر‪ّ :‬‬ ‫وكرر ي‬ ‫رت عليه الحديث إذا‬ ‫كر ُ‬ ‫أخرى‪ ،‬والكَ َّرة‪َ :‬‬ ‫الم َّرة‪ ،‬ويقال‪ّ :‬‬ ‫ش‬ ‫ال�ء‪ ،‬ومنه التكرار»‪ .‬ومع‬ ‫ر ّددته‬ ‫عليه‪ّ ،‬‬ ‫والكر الرجوع عىل ي‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫أن الفكرة ي� هذه المادة تق�ب وتبتعد عن فكرة الكُ َرة‬ ‫المخيلة نوعاً‬ ‫المستديرة‪ ،‬إال أن مفهوم الرجوع يشبه ف ي�‬ ‫ّ‬ ‫من االستدارة والدوران‪ .‬وقد تكون كلمة ك َُرة‪ ،‬مرتبطة بهذا‬ ‫ن‬ ‫المع�‪.‬‬ ‫ف‬ ‫والدوالب‬ ‫«الد ْوالب ُّ‬ ‫أما ي� مادة‪ :‬دلب‪ ،‬فيقول ابن منظور‪َّ :‬‬ ‫ف‬ ‫المحكَم عىل شكل الناعورة‪،‬‬ ‫و� ُ‬ ‫كالهما واحد الدواليب‪ ،‬ي‬ ‫يُس َتقَى به الماء»‪.‬‬

‫ف‬ ‫و� استخداماتها اللغوية المعارصة‬ ‫ي‬

‫ف‬ ‫مر‬ ‫توسعت هذه الكلمات‬ ‫وقد ّ‬ ‫بمعانيها ي� اللغة‪ ،‬مع ّ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ين‬ ‫معا� جديدة ي� العرص الحديث‪ .‬فنحن‬ ‫السن�‪ ،‬واكتسبت ي‬ ‫ح� نقصد اليوم ن‬ ‫ين‬ ‫مب� وزارة أو ش�كة‪ ،‬إنما نريد مراجعة‬ ‫ف‬ ‫ين‬ ‫الموظف�‪ ،‬أو «دائرة» الخدمات‪ ،‬أو‬ ‫أمر ما ي� «دائرة»‬ ‫ن‬ ‫تع� جهازاً‬ ‫ف«الدائرة» المالية‪ ،‬وهكذا‪ .‬فكيف صارت الدائرة ي‬ ‫يضم مو ّظ ي ن‬ ‫ف� ويؤ ّدي خدمات معلومة؟‬ ‫ي� وزارة أو ش�كة‪ّ ،‬‬ ‫آ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ال� ال‬ ‫لعل المر منشأه من مفهوم اللة الميكانيكية ي‬ ‫تعمل إال ي ن‬ ‫ح� «تدور»‪ ،‬وتتوقّف عن الدوران إذا تع ّطلت‪.‬‬ ‫ت‬ ‫تس� أمور الناس‪ ،‬من معامالت وتبادل وقضايا عىل‬ ‫وح� ي‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫اختالفها‪ ،‬ال ّبد من «أن تدور عجلة العمال» لداء الخدمة‬ ‫المطلوبة‪َّ ،‬‬ ‫وأل تتع ّطل‪.‬‬ ‫من هنا ُص ِّنفت أفرع الوزارات ش‬ ‫وال�كات وبقية‬ ‫المؤسسات‪ ،‬إىل أقسام ومصالح و«دوائر»‪ ،‬وصار مطلوباً‬ ‫من هذه المؤسسات «أن تدير عج َلة أ‬ ‫العمال»‪ ،‬وصارت‬ ‫َ​َ‬ ‫الدارة‪ ،‬ألنها تدير عجلة العمل‪ ،‬وعىل رأسها‪:‬‬ ‫تسمى‪ :‬إ‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫المدير‪ ،‬أي الذي «يُدير» العمال كلها‪ ،‬بواسطة مرؤوسيه‪.‬‬

‫ن ت‬ ‫فرغة‪ ،‬أيضاً‪ ،‬من‬ ‫ال� دخلت اللغة‬ ‫والدائرة ُ‬ ‫ي‬ ‫الم َ‬ ‫المعا� ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫العربية‪ ،‬لكن من باب ال�جمة‪ .‬والعبارة ي� الصل ترجمة‬ ‫ّ‬ ‫لعبارة فرنسية‪ ،cercle vicieux :‬أو ي ز‬ ‫إنجل�ية‪vicious :‬‬ ‫‪ .circle‬فنقول إننا ندور ف� حلقة مفرغة‪ ،‬ي ن‬ ‫ح� نجتهد ف ي�‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫مرة إىل البداية‪ ،‬من يغ� تحقيق أي‬ ‫أمر ما لكننا أنعود ي� كل ّ‬ ‫الس� عىل خط الدائرة بعود بك إىل المكان‬ ‫أمر‪ .‬وذلك لن ي‬ ‫نفسه‪ ،‬وال يوصلك إىل أي مكان‪.‬‬ ‫ين‬ ‫يتحدثون عن «تدوير الزوايا»‪ ،‬فإنما القصد‬ ‫وح� ّ‬ ‫مطالعة المواقف‪ ،‬وتعديل الحا ّد منها‪ ،‬ت‬ ‫ح� تصبح‬ ‫هذه المواقف أقل حدة‪ ،‬وكأنها لوح من الخشب أو‬ ‫المعدن‪ ،‬زواياه حادة‪ ،‬وقد تكون مؤذية‪ ،‬و«تدويرها»‬ ‫يكون بقطع الزاوية الحادة‪ ،‬ت‬ ‫ح� تكون مستديرة‪ ،‬ال‬ ‫تؤذي َمن يالمسها‪.‬‬ ‫ف‬ ‫يسمى ف ي� بعض البلدان‬ ‫و� تصميم الطرق‪ ،‬ثمة ملتقى ّ‬ ‫ي‬ ‫و� بعضها آ‬ ‫ف‬ ‫الخر‪ ،‬مثل‬ ‫العربية‪ :‬مستديرة‪ ،‬أو‪ّ :‬‬ ‫دواراً‪ ،‬ي‬ ‫تيس� التقاء‬ ‫مرص‪ :‬صحناً‪ ،‬وهو مستدير الشكل من أجل ي‬ ‫السيارات آ‬ ‫التية من اتجاهات مختلفة‪ .‬وجاءت المسارات‬ ‫لتقدم حلوال ً لالختناقات وتعتقنا‬ ‫الدائرية (الميادين) ِّ‬ ‫الشارات الضوئية‪ .‬لكن ومع ذلك تعد‬ ‫من التوقف عند إ‬ ‫ن‬ ‫السائق� المتهورين يغ�‬ ‫الدوارات إشكالية وخطراً بسبب‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫الملم� بالنظام‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أما الدوالب فدخل ف ي� لغتنا اليومية ف ي� عبارات من قبيل‪:‬‬ ‫الدنيا دوالب‪ ،‬أي إنها يوم لك ويوم عليك‪ .‬وعن حظوظ‬ ‫الناس ف ي� عيشهم‪ ،‬يقولون‪ :‬دار معه دوالب الحظ‪ ،‬أي‬ ‫المور مؤاتية له‪ ،‬وهذا يضمر أن أ‬ ‫إن أ‬ ‫المر «دوالب» وقد‬ ‫ُ‬ ‫ينقلب من حال إىل حال‪.‬‬ ‫ن‬ ‫معا� مجازيّة‪ ،‬ي ن‬ ‫فح� نقول عن‬ ‫كذلك الكرة اتخذت ف ي‬ ‫ن‬ ‫نع�‪ ،‬أن الخطوة‬ ‫شخص ما «إن الكرة ي� ملعبه»‪ ،‬آفإنما ي‬ ‫التالية منت َظرة منه بعدما أدى الخرون ما عليهم‪.‬‬ ‫التعاب� الجديدة ف ي� اللغة العربية‪،‬‬ ‫و«كرة الثلج» من‬ ‫ي‬ ‫للشارة إىل قضية تتعاظم وتتضخم باستمرار‪،‬‬ ‫تستخدم إ‬ ‫الصغ�ة أو المحدودة‪.‬‬ ‫رغم انطالقتها‬ ‫ي‬


‫‪103 | 102‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫ف‬ ‫التشكيل‬ ‫ي� الفن‬ ‫في‬ ‫الدائرة والكرة ي� قلب‬ ‫التجريد‬

‫بسبب دقة الشكل وبرودته‪ ،‬تبدو الدائرة ومعها الكرة‪،‬‬ ‫كما هو حال كل أ‬ ‫الشكال الهندسية‪ ،‬عىل جفاء مع الفن‪،‬‬ ‫تعصيان عىل التطويع وفق مشيئة الفنان ومزاجه‪ .‬ولكن‪..‬‬ ‫قبل ظهور الفن الحديث‪ ،‬اقترص حضور الشكل الكروي‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫�ء ملموس كروي الشكل‪ ،‬ويدخل‬ ‫ف ي� الفن عىل ما يمثله ي‬ ‫ن‬ ‫الف�‪ .‬ففي فنون الحضارات‬ ‫ي� صميم موضوع العمل ي‬ ‫القديمة‪ ،‬ح�ض ت الدائرة‪ ،‬للداللة عىل الشمس أو القمر‬ ‫ف� غالب أ‬ ‫الحيان‪ ،‬كما هو الحال ف ي� بعض المنحوتات‬ ‫ي‬ ‫الجدارية الفرعونية‪ ،‬حيث يعلو الرأس قرص مستدير يرمز‬ ‫إىل الشمس‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ال� رسمها الفنان الهولندي يف� يم�‬ ‫ولعل لوحة‬ ‫ي‬ ‫«الفلك» ي‬ ‫خ� مثال يوضح ما نعنيه هنا‪ .‬فالرجل‬ ‫عام ‪1668‬م‪ ،‬ي‬

‫لوحة لكاندينسكي من عام ‪1913‬م‬

‫الرضية رمز المكانة العلمية في اللوحات أ‬ ‫الكرة أ‬ ‫الوروبية الكالسيكية‬

‫وأخرى من «الفن البصري» للفنان فيكتور فازاريلي‬


‫الظاهر ف ي� هذه اللوحة كان يمكنه أن يكون أي شخص لوال‬ ‫ت‬ ‫ال� نراها عىل الطاولة بجانبه‪.‬‬ ‫الكرة السماوية ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫كب�‬ ‫والواقع أن الكرة السماوية والكرة الرضية ظهرتا ي� عدد ي‬ ‫من اللوحات أ‬ ‫الوروبية ما ي ن‬ ‫ب� عرص النهضة والقرن التاسع‬ ‫و� معظم أ‬ ‫ع�‪ .‬ف‬ ‫ش‬ ‫الحيان للداللة عىل المكانة العلمية‬ ‫ي‬ ‫للشارة إىل عمله كبحار أو كجغرا�ف‬ ‫للشخص المرسوم‪ ،‬أو إ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫ش� يستحق الذكر‪.‬‬ ‫و� ما عدا هذا‪ ،‬ال ي‬ ‫أو ما شابه ذلك‪ .‬ي‬ ‫فقد كان عىل الدائرة والكرة أن تنتظرا ظهور الفن الحديث‬ ‫وتحديداً التجريد‪ ،‬لتحتال المكانة الالئقة بهما ف ي� الفن‬ ‫التشكيل رسماً ونحتاً‪.‬‬ ‫ي‬ ‫كاندينسك لوحته‬ ‫فاسيل‬ ‫ففي عام ‪1913‬م‪ ،‬رسم‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الشه�ة «دوائر ضمن مربعات»‪ ،‬ليؤسس بها تيار التجريد‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫الهندس‪ .‬وبالفعل‪ ،‬ال نرى ي� هذه اللوحة أك� من دوائر‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ض‬ ‫ّ‬ ‫تم�اكزة ضمن مربعات‪ .‬وظلت الدائرة حا�ة ي� أعمال‬ ‫كاندينسك طوال العقد التال‪ ،‬ت‬ ‫ح� باتت أشبه بتوقيعه‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الشخص عىل اللوحة‪ ،‬سواء أكانت مرسومة بدقة هندسية‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫أم يدويا بشكل عفوي‪.‬‬ ‫كب� ف ي� الفن البرصي عىل يد الفنان‬ ‫وحظيت الكرة بدفع ي‬ ‫ش‬ ‫اريلل الذي رسم ع�ات اللوحات المؤلفة‬ ‫فيكتور فاز ي‬ ‫ً‬ ‫من مربعات هندسية تماما‪ ،‬تبدأ أضالعها بالتقوس كلما‬ ‫ت‬ ‫اق�بت من وسط اللوحة‪ ،‬لتشكِّل ما يبدو كرة أو نصف‬ ‫ت‬ ‫ال� هي ف ي� الواقع مسطحة تماماً‪.‬‬ ‫كرة‪ ،‬ناتئة من اللوحة ي‬ ‫والواقع أن التجريد والفن البرصي تحالفا مع تبدل‬ ‫ترحب بالبساطة ث‬ ‫الذائقة الجمالية ت‬ ‫أك� من أي‬ ‫ال� صارت ِّ‬ ‫ي‬ ‫م�‪ .‬ونتيجة لذلك ظهرت مئات أ‬ ‫وقت ض‬ ‫العمال الفنية‬ ‫المكونة من كرات بسيطة‪ ،‬بعضها مع َّلق ف ي�‬ ‫المعارصة‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫سقف إحدى الصاالت الفنية كما هو الحال ي� «مركز‬ ‫هونف فوف» ف ي� ميونيخ بألمانيا‪ ،‬وبعضها موضوع ف ي�‬ ‫أ‬ ‫الماكن العامة كما هو الحال أمام «متحف مارتا» ف ي�‬ ‫ت‬ ‫ال� صاغها الفنان إريك‬ ‫ي‬ ‫ه�فورد بألمانيا أيضاً‪ ،‬أو كالكرة ي‬ ‫بريدي لحديقة الفاتيكان‪.‬‬ ‫ونتيجة لتطور فن التصميم الطباعي خالل القرن ض‬ ‫الما�‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ين‬ ‫المتخصص� ف ي� رسم الكرة‬ ‫الفنان�‬ ‫بات هناك مئات‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫تأ� الدقة الجغرافية‬ ‫الرضية بأساليب ي‬ ‫تعب�ية وجمالية‪ ،‬ي‬ ‫ف ي� آخر اهتماماتها‪ .‬ومن الممكن بسهولة رؤية المئات‬ ‫أ‬ ‫آ‬ ‫ال تن�نت‬ ‫والالف من العمال الفنية المعارصة عىل شبكة إ‬ ‫من خالل البحث بع� غوغل عن‪.Sphere in art-Images :‬‬

‫وفي فن العمارة المعاصرة‬

‫الدوائر المتداخلة‬

‫من المدهش أن نستخدم الدائرة لنع� عن أ‬ ‫الشياء‬ ‫ب ِّ‬ ‫تجريدياً‪ .‬ت‬ ‫مدورة‪ .‬فالدوائر المتداخلة كانت‬ ‫ح� لو لم تكن ّ‬ ‫رمزاً للتوحد وكأنها حلقات سلسلة ال تنقطع‪ .‬وأشهر مثال‬ ‫أ‬ ‫ولم� الذي ترمز فيه خمس حلقات‬ ‫عىل ذلك العلم ال ب ي‬ ‫للقارات الخمس المأهولة‪.‬‬ ‫ش‬ ‫الشارة إىل جنوح ال�كات والمؤسسات العالمية‪،‬‬ ‫وتجدر إ‬ ‫أو ت‬ ‫ال� تزعم مكانة عالمية‪ ،‬إىل استخدام الدائرة كعنرص‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫أساس ف ي� شعارها رمزاً للكرة الرضية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الدوائر المتداخلة‪،‬‬ ‫رمز التضامن والتعاون‬ ‫كما في شعار أ‬ ‫اللعاب‬ ‫أ‬ ‫الولمبية‬


‫‪| 104‬‬ ‫القافلة‬ ‫نوفمبر ‪ /‬ديسمبر ‪2016‬‬

‫الكرة‪..‬جوهرة الرياضات‬ ‫أ‬ ‫واللعاب‬

‫الف�يائية ي ز‬ ‫ألن الكرة‪ ،‬بفعل خصائصها ي ز‬ ‫تتعرض ألقل قدر‬ ‫المم�ة‪َّ ،‬‬ ‫ممكن من االحتكاك أ‬ ‫بالرض‪ ،‬فإنها تصبح قادرة عىل أن تتدحرج‬ ‫لمسافة طويلة نسبياً عند تعرضها ألية قوة دافعة‪ .‬وبسبب هذه‬ ‫الم�ة نجد الكرة عىل اختالف أنواعها مادة عدد من أ‬ ‫يّ ز‬ ‫اللعاب‬ ‫ف‬ ‫الرياضية‪ ،‬ما كرة القدم إال أشهرها ث‬ ‫وأك�ها شعبية ي� العالم بأرسه‪.‬‬

‫فحكاية اللهو مع الكرة‪ ،‬تبدأ منذ الطفولة‪ ،‬باللعب بالكرات الزجاجية‬ ‫ف‬ ‫الك َّلة وجمعها ِك ِلل)‪ ،‬وتمتد إىل‬ ‫(تسمى ي� بعض المجتمعات العربية‪ِ :‬‬ ‫ت‬ ‫ال� تستهوي كبار السن بشكل خاص‪ .‬وما ي ن‬ ‫ب�‬ ‫كرة الغولف‪ ،‬اللعبة ي‬ ‫البداية والنهاية‪ ،‬هناك‪ :‬كرة السلة‪ ،‬وكرة الطاولة‪ ،‬والكرة الطائرة‪،‬‬ ‫وكرة الم�ض ب والكريكت‪ ،‬وكرة الماء‪ ..‬إلخ‪ .‬ولكل من هذه أ‬ ‫اللعاب‬ ‫قوانينها وطريقة لعبها المختلفة تماماً عن يغ�ها‪ ،‬وال جامع ت‬ ‫مش�ك‬ ‫فيما بينها إال تمحورها حول كرة قد تكون من الجلد الطبيعي‪ ،‬أو‬ ‫المطاط أو الزجاج أو الصوف‪ ،‬أو غ� ذلك‪ ...‬تتقاذفها أ‬ ‫اليدي أو‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫و� عرصنا‪ ،‬حيث بلغت‬ ‫القدام أو المضارب الخشبية أو المعدنية‪ ..‬ي‬ ‫الرياضات الكروية مستويات عليا من االنضباط بفعل تضخم بُعدها‬ ‫محددة‬ ‫االقتصادي‪ ،‬باتت الكرة الخاصة بكل لعبة ذات مواصفات َّ‬ ‫بدقة شديدة‪ .‬ولو أخذنا مثال كرة القدم أ‬ ‫ال ثك� شعبية‪ ،‬لوجدنا أن‬ ‫ً‬ ‫ت‬ ‫ال� يجب أن يُ َلعب بها‬ ‫اتحادها‬ ‫الدول َّ‬ ‫ي‬ ‫حدد مواصفات كرة القدم ي‬ ‫ت‬ ‫ف ي� المباريات الدولية وح� المحلية الرسمية منها‪ .‬وهذه المواصفات‬ ‫بالقياس� ‪ 4‬و‪ 5‬هي عىل الوجه آ‬ ‫ين‬ ‫المعروفة عالمياً‬ ‫ال ت ي�‪:‬‬

‫للكرة ذات القياس ‪4‬‬

‫• الوزن‪ :‬ي ن‬ ‫ب� ‪ 350‬و‪ 390‬غراماً‬ ‫ت‬ ‫• المحيط‪ :‬ي ن‬ ‫سنتم�اً‬ ‫ب� ‪ 63.5‬و‪66‬‬ ‫• االنحراف عن االستدارة‪ %2 :‬عىل أ‬ ‫ال ثك�‬ ‫• خرسان الضغط‪ %25 :‬عىل أ‬ ‫ال ثك�‬ ‫• امتصاص الماء‪ %20 :‬من وزنها وهي جا ّفة عىل أ‬ ‫ال ثك�‬ ‫• االرتداد عن أ‬ ‫الرض (‪ ،)rebound‬ف ي� حرارة ‪ 20‬درجة مئوية‪:‬‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫سنتم�اً‪.‬‬ ‫ب� ‪ 110‬و‪160‬‬

‫وللكرة ذات القياس ‪5‬‬

‫• الوزن‪ :‬ي ن‬ ‫ب� ‪ 420‬و‪ 445‬غراماً‬ ‫ت‬ ‫• المحيط‪ :‬ي ن‬ ‫سنتم�اً‬ ‫ب� ‪ 68.5‬و‪69.5‬‬ ‫• النحراف عن االستدارة‪ %1.5 :‬عىل أ‬ ‫ال ثك�‬ ‫• خرسان الضغط‪ %20 :‬عىل أ‬ ‫ال ثك�‬ ‫• امتصاص الماء‪ %15 :‬من وزنها وهي جا ّفة عىل أ‬ ‫ال ثك�‬ ‫• االرتداد عن أ‬ ‫الرض (‪ ،)rebound‬ف ي� حرارة ‪ 20‬درجة مئوية‪:‬‬ ‫ت‬ ‫ين‬ ‫سنتم�اً‪.‬‬ ‫ب� ‪ 120‬و‪165‬‬

‫شاركنا رأيك‬ ‫‪www.qafilah.com‬‬


‫دليل المعلِّمين لمحتوى القافلة‬ ‫المهندس أمجد قاسم‬

‫البطارية‬

‫موضوع باب ال‬ ‫للبطاريات الت طاقة في هذا العدد هو‬ ‫يص‬ ‫في الأجهزة ال ارت تصاحبنا أينما كان‬ ‫ذك‬ ‫باتت تستحق ية التي نحملها‪ ،‬بحيث‬ ‫منا أن نعرف عنها أكثر‪.‬‬

‫التجربة قاب‬ ‫الفرنسية؟لية‬ ‫اللغة العربية‬ ‫قابلية للت‬ ‫اللغةط‬ ‫وير‬ ‫العربية للتحديث‬ ‫هل يمكن استلهام‬

‫هل تقبل اللغة‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫رب‬ ‫ية‬ ‫ا‬ ‫لت‬ ‫طو‬ ‫ير‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫وة‬ ‫بما‬ ‫حصل في الل‬ ‫هو محور غة الفرنسية مؤخراً؟ هذا‬ ‫جلسة ا‬ ‫ويمكنه أن يكو لنقاش في هذا العدد‪،‬‬ ‫ن مد‬ ‫حول عالقتهم با خال ً للحوار مع الطالب‬ ‫للغة العربية وقواعدها‪.‬‬

‫علوم‬

‫«تخيلوا تقنية تجمع طائرة الكونكورد وقطار‬ ‫الطلقة وطاولة لعبة الهوكي الهوائية!»‪ .‬بهذه‬ ‫الكلمات كشف رجل األعمال الشاب ُإلن َمسك‬ ‫عن تصوره لنمط جديد من المواصالت العامة‬ ‫ِّ‬ ‫يسخر النظريات‬ ‫في يوليو ‪2012‬م‪ ،‬يراد له أن‬ ‫ِّ‬ ‫متقدمة البتكار جديد في‬ ‫الفيزيائية عبر تقنيات‬ ‫مجال النقل فائق السرعة‪ .‬ويواصل َمسك سرد‬ ‫مواصفات وسيلة النقل الجديدة‪ ،‬التي أطلق‬ ‫عليها اسم «هايبرلوب»‪ ،‬بقوله إنها ذات مناعة‬ ‫ضد األحوال الجوية‪ ،‬وذات عربات ال تتعرَّ ض‬ ‫لالصطدام ً‬ ‫أبدا‪ ،‬وذات سرعة تبلغ ضعف‬ ‫ً‬ ‫سرعة طائرة َّ‬ ‫قدرا أقل من‬ ‫نفاثة‪ ،‬وإنها تتطلب‬ ‫ً‬ ‫يوميا‪.‬‬ ‫الطاقة‪ ،‬وتعمل ‪ 24‬ساعة‬ ‫يجادل كثيرون بأن هذه محض أفكار خيال‬ ‫علمي‪ .‬لكن بالنظر إلى تاريخ صاحب المبادرة‬ ‫المترع باإلنجازات التقنية الفذة‪ ،‬والحماسة‬ ‫البالغة التي َّ‬ ‫تلقى بها مجتمعا المال والتقنية‬ ‫األمر‪ ،‬فلعل المستقبل الذي ِّ‬ ‫يبشر به‬ ‫َّ‬ ‫نتصور‪.‬‬ ‫الهايبرلوب هو أقرب مما‬

‫أحمد الدليجان‬

‫«الهايبرلوب»‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫سكة فائقة نحو المستقبل‬

‫الهايبرلوب‬

‫مصدر للطاقة‬ ‫المحمولة بين‬ ‫يديك‬

‫نقاش مفتوح‬

‫ٍ‬ ‫للغة ما أن تغيّ ر قواعد كتابتها وإمالءها بين ليلة‬ ‫هل يمكن‬ ‫وضحاها بداعي التحديث واالنفتاح على التحوالت الثقافية‬ ‫والمعارف الجديدة؟ الفرنسيون اتخذوا بالفعل خطوات غير‬ ‫مسبوقة في ضخامتها على هذا الصعيد‪ .‬فماذا عن اللغة‬ ‫ِّ‬ ‫العربية التي َّ‬ ‫متعددة‬ ‫يتلمس الجميع معاناتها من متاعب‬ ‫األوجه في الفصحى والعامية على ٍّ‬ ‫حد سواء؟‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا‬ ‫كان هذا هو محور جلسة النقاش التي عقدتها القافلة‬ ‫بمشاركة عدد من أساتذة اللغة العربية وحضور عدد كبير من‬ ‫المهتمين الذين كانت لهم مداخالت مختلفة في هذا الشأن‪.‬‬

‫البطاريات‬

‫موضوع علمي‬ ‫تجري دراستها حول وسيلة نقل متطورة‬ ‫وسائل النقل حالياً‪ ،‬وتختلف تماماً عن‬ ‫التق‬ ‫أهميته في مخا ليدية‪ .‬ويكمن جانب من‬ ‫طبة الخيال العلمي‪.‬‬

‫الملف‪:‬‬

‫الدائرة‬ ‫نمرّ بالشكل الدائري أو ُ‬ ‫الكروي كل يوم‪،‬‬ ‫فال نلتفت‬ ‫إليهما‪ ،‬وال ُنلقي لهما ً‬ ‫باال‪،‬‬ ‫وك‬ ‫أنهما من طبيعة ا‬ ‫ألمور المعتادة التي‬ ‫ال تستحق ّ‬ ‫من‬ ‫أو‬ ‫ا أي التفاتة تفكير‪ .‬ألِ َ‬ ‫ف‬ ‫البشر رؤيتهما‬ ‫منذ‬ ‫أن‬ ‫ت‬ ‫طلعوا إلى السماء‪،‬‬ ‫ورأوا الشمس‬ ‫وا‬ ‫لقمر‪،‬‬ ‫أو‬ ‫ن‬ ‫ظروا من حولهم‪،‬‬ ‫إلى‬ ‫ثمار الشجر‪ ،‬من‬ ‫فاكهة مستديرة‬ ‫ال‬ ‫شكل‪ ،‬أشبه بالكرة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لكن للدائرة والكرة‬ ‫تاريخا‪،‬‬ ‫له بداية وقصة‪.‬‬ ‫فمن اكتشف أن‬ ‫األرض‬ ‫التي‬ ‫ن‬ ‫عيش‬ ‫عليها كرة ضخمة‪،‬‬ ‫ومتى كان‬ ‫ذلك؟‬ ‫ومن‬ ‫الذي حسب محيط‬ ‫الدائرة و‬ ‫حجم الكرة‪ ،‬وما إ‬ ‫ليهما من مسائل‬ ‫ريا‬ ‫ضية؟ أما السؤال‬ ‫عن حضور هذين‬ ‫الشكلين‬ ‫الهندسيين في ا‬ ‫لعالم من حولنا‪،‬‬ ‫فال حصر‬ ‫لل‬ ‫جواب‬ ‫عنه‪.‬‬ ‫في هذا الملف‪،‬‬ ‫يس‬ ‫تطلع‬ ‫فريق‬ ‫ال‬ ‫قافلة‬ ‫عالم الدائرة والكرة‪،‬‬ ‫اللذين يُ َّ‬ ‫عدان من أركان‬ ‫العلوم النظرية‬ ‫والتطبيقية على ٍّ‬ ‫ً‬ ‫حد سواء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫و‬ ‫بدءا بالرياضيات‬ ‫مرورا‬ ‫بالط‬ ‫بيعة‬ ‫ً‬ ‫والجغرافية و‬ ‫صوال إلى‬ ‫الفنون و‬ ‫صناعة الترفيه‪.‬‬

‫الدائرة‬

‫ملف هذا العدد‬ ‫شكالن هندسيا هو حول الدائرة والكرة‪..‬‬ ‫ن نجدهما حاضرين‬ ‫أينما كان من‬ ‫عل‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫فل‬ ‫ك‬ ‫وال‬ ‫هن‬ ‫د‬ ‫سة‬ ‫إلى‬ ‫الرياضة‪ .‬ويمك‬ ‫ن‬ ‫لل‬ ‫كث‬ ‫ير‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫أق‬ ‫سا‬ ‫مه‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫تكون مادة حوار‪.‬‬

‫طا‬ ‫علقة‬ ‫وم‬

‫هذه الصفحة هي للتفاعل مع قطاع المعلِّمين والمعلِّمات ومساعدتهم على‬ ‫تلخيص أبرز موضوعات القافلة في إصدارها الجديد‪ ،‬وتقريبها إلى مفهوم وأذهان‬ ‫الفئات العمرية المختلفة للطالب والطالبات‪.‬‬

‫في ظل االنتشار‬ ‫الكبير لألجهزة الذكية‬ ‫وغيرها من ال‬ ‫ً‬ ‫مبتكرات الحديثة‪ ،‬صرنا‬ ‫عالة‬ ‫على‬ ‫ِّ‬ ‫بطاريات تلك األجهزة‬ ‫ومتعلقين‬ ‫بالسؤال‪ :‬كم‬ ‫عمر‬ ‫الب‬ ‫طارية؟‬ ‫وكم‬ ‫بقي من‬ ‫نسبة شحنها؟ فمن‬ ‫المنازل‬ ‫إلى‬ ‫ال‬ ‫مطارات‬ ‫واألماكن‬ ‫العامة‪،‬‬ ‫صار‬ ‫الناس‬ ‫ي‬ ‫هتمون‬ ‫بموقع قابس ا‬ ‫لكهرباء أكثر من الظل‬ ‫الظليل والمقعد‬ ‫المريح‪ .‬كل هذا كي تبقى‬ ‫ بطاريات ‪ -‬أ‬‫جهزتهم حية ويظلوا على‬ ‫ارتباط بالحياة من خاللها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فالبطاريات تلعب‬ ‫حاليا‬ ‫دورا أكبر من أي وقت‬ ‫مضى في‬ ‫حياة‬ ‫ا‬ ‫إلنسان‬ ‫ا‬ ‫ِّ‬ ‫ليومية‪ ،‬فهي‬ ‫تشغل‬ ‫الهواتف النقالة‬ ‫والحواسيب المحمولة‬ ‫واألجهزة‬ ‫الذكية واللوحية والسيارات‬ ‫التقليدية‬ ‫والك‬ ‫هربائية‬ ‫وال‬ ‫مصابيح اليدوية‬ ‫والساعات‪ ...‬وب‬ ‫بساطة شديدة‪ ،‬أصبحت‬ ‫الب‬ ‫طاريات‬ ‫على‬ ‫ً‬ ‫اختالف‬ ‫ً‬ ‫أنواعها جزءا‬ ‫رئيسا‬ ‫في حياة ا‬ ‫إلنسان‪،‬‬ ‫ومن‬ ‫دونها سيختلف شكل‬ ‫ً‬ ‫الحياة‬ ‫تماما‪ ..‬سواء‬ ‫أكانت حياة حقيقية أو‬ ‫في‬ ‫مجاهل‬ ‫العالم‬ ‫اإللكتروني‪.‬‬


Saudi Aramco website

Qafilah website

Al-Qafilah Bi-Monthly Cultural Magazine A Saudi Aramco Publication November - December 2016 Volume 65 - Issue 6 P. O. Box 1389 Dhahran 31311 Kingdom of Saudi Arabia www.saudiaramco.com


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.