ูก
٢
ﻣﻘﺪّﻣﺔ اﻟﻜﺘﺎب أﻗﺪّم آﺘﺎﺑﻲ هﺬا ﻟﻜﻞّ ﻣﺴﻴﺤﻲّ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ أن ﻳﺘﻔﻬّﻢ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ وﺳﻬﻠﺔ ﺟﺪًّا. إنّ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻳﻠﺘﺰم وﻳﺘﻔﻬّﻢ ﺣﻘﺎﺋﻖ دﻳﻨﻪ ﻷنّ ﻣﺼﺪر هﺬﻩ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ هﻮ اﷲ .وآﻼم اﷲ هﻮ ﻏﺬاء اﻟﻨﻔﺲ آﻤﺎ أنّ اﻟﺨﺒﺰ هﻮ ﻏﺬاء اﻟﺠﺴﺪ .وﻗﺪ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺨﺒﺰ ﻓﻘﻂ ﻳﺤﻴﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻞ ﺑﻜﻞّ آﻠﻤﺔ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﻓﻢ اﷲ .وﻗﺎل أﻳﻀًﺎ :ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺴﻤﻌﻮن آﻠﻤﺔ اﷲ وﻳﺤﻔﻈﻮﻧﻬﺎ .وﻗﺪ أﻣﺮ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻗﺎﺋﻼً: اذهﺒﻮا وﺗﻠﻤﺬوا ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ وﻋﻠّﻤﻮهﻢ أن ﻳﺤﻔﻈﻮا أي أن ﻧﻌﺮف ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ اﻟﺬي أوﺻﻰ ﺑﻪ .وهﻮ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺘﻔﻘّﻪ ﺑﻬﺎ. ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻓﻲ وﻗﺖ آﺜﺮت ﻓﻴﻪ اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ واﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﻤﻨﺎﻗﻀﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ اﻟﺼﺤﻴﺢ .ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺘﻌﻤّﻖ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺣﻘﺎﺋﻖ دﻳﻨﻪ ﻟﺌﻼ ﻳﻨﺨﺪع ﺑﺄﺿﺎﻟﻴﻞ اﻷﻧﺒﻴﺎء اﻟﻜﺬﺑﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺬّرﻧﺎ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺑﺈﻧﺠﻴﻠﻪ اﻟﻤﻘﺪّس ﻗﺎﺋﻼً :اﺣﺬروا اﻷﻧﺒﻴﺎء اﻟﻜﺬﺑﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺗﻮﻧﻜﻢ ﺑﻠﺒﺎس اﻟﺤﻤﻼن وﻣﻦ داﺧﻠﻬﻢ ذﺋﺎب ﺧﺎﻃﻔﺔ! وﻓﻲ هﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺷﺮح ﻋﻦ اﻷﺳﺮار اﻟﺘﻲ هﻲ ﻣﺠﺎري ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﺮوﺣﻴّﺔ .وﻓﻴﻪ أﻳﻀًﺎ ﺷﺮح ﻋﻦ اﻟﺮذاﺋﻞ واﻟﻔﻀﺎﺋﻞ واﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﻌﺸﺮ اﻟﺘﻲ ﻗﺎل ﻋﻨﻬﺎ ﻳﺴﻮع ﻟﺬاك اﻟﺸﺎب :إن أردتَ أن ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﺎﺣﻔﻆ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ. وﻟﻲ أﻣﻞ ﺑﺄنّ ﻳﺠﺪ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻣﺎ ﻳﺴﺮّﻩ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ وﻓﻬﻢ ﻋﻘﺎﺋﺪ دﻳﻨﻨﺎ اﻟﻤﻘﺪّس!
٣
أﻳّﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻋﺎر ﻋﻠﻴﻚ أﻳّﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﺗﻌﺮف ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن وﺗﺠﻬﻞ ﻋﻘﺎﺋﺪ دﻳﻨﻚ اﻟﻤﻘﺪّس اﻟﻤﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻼﺻﻚ اﻷﺑﺪيّ وﺳﻌﺎدﺗﻚ اﻷﺑﺪﻳّﺔ! ﻳﻨﺘﻘﺪون أﻣﺎﻣﻚ اﻟﺪﻳﻦ وأﻧﺖ ﻻ ﺗﻌﺮف أن ﺗﺠﺎوب أو ﺗﺪاﻓﻊ. إذا ﻗﻴﻞ ﻟﻚ :آﻴﻒ ﺗﻘﻮﻟﻮن اﺑﻦ اﷲ .هﻞ اﷲ ﻋﻨﺪﻩ أوﻻد؟ إذا ﻗﻴﻞ ﻟﻚ :آﻴﻒ ﺗﻘﻮﻟﻮن إنّ اﷲ ﺛﻼﺛﺔ ﺁب واﺑﻦ وروح ﻗﺪس وهﻢ واﺣﺪ؟ إذا ﻗﻴﻞ ﻟﻚ :آﻴﻒ ﺗﻘﻮﻟﻮن إنّ اﷲ ﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ،هﻞ اﷲ ﻳﻤﻮت؟ إذا ﻗﻴﻞ ﻟﻚ :إنّ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ﻳﺘﻼﺷﻰ! إذا ﻗﻴﻞ ﻟﻚ :إنّ ﻳﺴﻮع ﻟﻪ إﺧﻮة واﻟﻌﺬراء ﻟﻢ ﺗﺒﻖَ ﺑﺘﻮﻻً!! إذا ﻗﻴﻠﺖ أﻣﺎﻣﻚ هﺬﻩ اﻻﻋﺘﺮاﺿﺎت وﻏﻴﺮهﺎ آﺜﻴﺮًا! هﻞ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺠﺎوب ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﺒﻴّﻦ اﻟﺤﻖّ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻞ. أم ﺗﺼﻤﺖ وﺗﺸﻚّ ﻓﻲ إﻳﻤﺎﻧﻚ ودﻳﻨﻚ؟ ﻓﻬﻞ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻚ أن ﺗﺠﻬﻞ اﻷﺟﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻻﻋﺘﺮاﺿﺎت وﻋﻠﻰ آﺜﻴﺮ ﻏﻴﺮهﺎ وﺗﺪﺣﻀﻬﺎ؟ ﻓﻬﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻚ ﻳﺠﺎوب ﻋﻠﻰ آﻞّ هﺬﻩ اﻻﻋﺘﺮاﺿﺎت وﻳﺪﺣﺾ أﺿﺎﻟﻴﻞ وﻳﺰﻳﻞ ﻣﻦ ﻋﻘﻠﻚ اﻟﺸﻚ ﻓﻲ إﻳﻤﺎﻧﻚ!!
٤
إﺛﺒﺎت وﺟﻮد اﷲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﷲ اﻟﺬي ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻪ وﻻ ﻧﺮاﻩ هﻞ ﻳﻤﻜﻦ إﺛﺒﺎت وﺟﻮدﻩ؟ ﻧﻌﻢ ﻳﻤﻜﻦ إﺛﺒﺎت وﺟﻮد اﷲ ﺑﺒﺮاهﻴﻦ ﻋﺪﻳﺪة. .١ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ :إنّ اﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺼﺪّق وﺟﻮد اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﺑﺪون ﺧﺎﻟﻖ آﻤﺎ أﻧّﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺼﺪّق وﺟﻮد ﺑﻴﺖ ﺑﺪون ﺑﻨّﺎء وﻻ ﻃﺎوﻟﺔ ﺑﺪون ﻧﺠّﺎر وﻻ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﺪون ﺳﺎﻋﺎﺗﻲ وﻻ ﺳﻴّﺎرة ﺑﺪون ﻣﻬﻨﺪس! ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ أﻏﻮﺳﻄﻴﻨﻮس :إنّ اﷲ ﻻ ﻧﺮاﻩ وﻧﺮاﻩ .ﻻ ﻧﺮاﻩ ﻷﻧّﻪ روح ﺑﺴﻴﻂ ﻏﻴﺮ ﻣﺮآّﺐ ﻻ ﻳﻘﻊ ﺗﺤﺖ ﺣﻮاﺳﻨﺎ .وﻧﺮاﻩ ﻓﻲ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ .ﻧﻘﻮل ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن :ﻧﺆﻣﻦ ﺑﺈﻟﻪ واﺣﺪ ﺁب ﺿﺎﺑﻂ اﻟﻜﻞّ ﺧﺎﻟﻖ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض آﻞّ ﻣﺎ ﻳُﺮى وﻣﺎ ﻻ ﻳﺮى. .٢ﻣﻦ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻧﻈﺎم اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت :ﻓﻲ اﻟﺰهﺮة واﻟﺸﺠﺮة واﻟﺨﺮوف واﻹﻧﺴﺎن .ﻧﻈﺎم ﻋﺠﻴﺐ .ﻓﺨﺬ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺜﻼً اﻟﻌﻴﻦ ﻓﺘﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ أﻟﻮف اﻟﻌﺮوق واﻟﺸﺮاﻳﻴﻦ ﻟﺘﺆدّي وﻇﻴﻔﺔ اﻟﻨﻈﺮ .وهﻜﺬا اﻟﻘﻮل ﻋﻦ آﻞّ ﻋﻀﻮ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﺤﻴﻮان .ﻓﺄﻋﻈﻢ ﻣﺼﻨﻊ آﻬﺮﺑﺎء ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ أﺳﻼك ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺟﺴﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻋﺮوق وﺷﺮاﻳﻴﻦ .إنّ ﻣﺼﻨﻊ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﺘﻄﻠّﺐ ﻣﺌﺎت اﻟﻌﻤّﺎل واﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﻓﻴﻪ ﺷﻬﻮرًا ﻟﻴﺠﻬﺰوﻩ ،ﻻ ﻳﺼﺪّق اﻟﻌﻘﻞ أﻧّﻪ ﺗﻢّ وﺗﺠﻬّﺰ دون ﻋﻤّﺎل وﻣﻬﻨﺪﺳﻴﻦ .آﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺼﺪّق اﻟﻌﻘﻞ ﺑﻮﺟﻮد ﻧﻈﺎم اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت اﻟﻌﺠﻴﺐ دون ﻋﺎﻣﻞ وﻣﻬﻨﺪس ﻋﻈﻴﻢ هﻮ اﷲ .ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺤﻠﺔ ﻋﺒﺮة :ﻳﺪاهﺎ وأرﺟﻠﻬﺎ...
٥
.٣ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻜﻮن إﻟﻰ ﺣﺎﻓﻆ ﻳﺤﻔﻈﻪ وﻣﺪﺑّﺮ ﻳﺪﺑّﺮﻩ: إنّ اﻟﺴﻴﺎرة إذا ﻟﻢ ﻳﻘﺪهﺎ ﺳﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺈﻧّﻬﺎ ﺗﺼﻄﺪم وﺗﺘﺪهﻮر وﺗﻘﺘﻞ آﻞّ ﻣﻦ ﺗﺼﺎدﻓﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ .آﺬﻟﻚ ﻟﻮﻻ وﺟﻮد ﻣﺪﺑّﺮ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت وﻟﻘﻮى اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ،ﻟﻜﺎﻧﺖ اﻷﻣﻄﺎر واﻟﺜﻠﻮج واﻟﻌﻮاﺻﻒ ﺗﺨﺮّب اﻷرض ،واﻟﺸﻤﺲ ﺗﺤﺮﻗﻬﺎ. واﻟﻜﻮاآﺐ إذا اﺻﻄﺪﻣﺖ وﺗﻄﺎﻳﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺮارات ﺗﻔﻨﻲ اﻷرض .وﻟﻨﺎ ﻋﺒﺮة ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺪث أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﻦ ﻓﻴﻀﺎﻧﺎت وﺑﺮاآﻴﻦ وهﺰّات أرﺿﻴّﺔ .ﻓﻠﻮ ﺳﻤﺢ اﷲ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﻤﺪﺑﱢﺮ ﻟﻠﻬﺰّات اﻷرﺿﻴّﺔ ،أن ﺗﺴﺘﻤﺮّ ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺗﺰﻳﻞ آﻞّ ﺑﻨﺎء ﻋﻦ ﺳﻄﺢ اﻷرض .وأﻣّﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﻦ أﺿﺮار ﺑﺴﺒﺐ هﺬﻩ اﻟﻘﻮى ﻓﺬﻟﻚ ﻳﻔﻬﻤﻨﺎ ﺣﺎﺟﺔ هﺬﻩ اﻟﻘﻮى إﻟﻰ ﻣﺪﺑّﺮ ﺣﻜﻴﻢ ﻳﻘﻮدهﺎ. إنّ ﺣﻮادث اﺻﻄﺪاﻣﺎت اﻟﺴﻴّﺎرات ﻻ ﺗﺜﺒﺖ ﻏﻴﺎب اﻟﺴﺎﺋﻖ. .٤ﻣﻦ ﻓﻜﺮة وﺟﻮد اﷲ :إنّ ﻓﻜﺮة وﺟﻮد اﷲ هﻲ ﻏﺰﻳﺮة ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎن .ﻓﺎﻟﺒﺸﺮ ﺣﺘّﻰ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﺘﻮﺣﺸّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺪ اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻘﻤﺮ واﻟﻌﺠﻞ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ،ﺗﻘﺮّ ﺑﻌﺒﺎدﺗﻬﺎ هﺬﻩ ﺑﻮﺟﻮد اﷲ اﻟﺬي ﺗﺠﻬﻞ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ إذ ﺗﻈﻨّﻪ اﻟﺸﻤﺲ أو اﻟﻌﺠﻞ أو ﻏﻴﺮهﺎ. إنّ إﻧﻜﺎر اﻟﺸﻴﻮﻋﻴّﺔ وﺟﻮد اﷲ ﻻ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺑﺮهﺎن ﻓﻜﺮة وﺟﻮد اﷲ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎن .ﻷنّ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴّﺔ هﻲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ هﺬﻩ اﻟﻔﻜﺮة. وهﺬا ﺑﺮهﺎن ﻋﻠﻰ وﺟﻮد هﺬﻩ اﻟﻔﻜﺮة ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎن .إنّ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴّﺔ اﻧﺘﺰﻋﺖ ﻓﻜﺮة وﺟﻮد اﷲ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن اﻧﺘـﺰاﻋًﺎ آﻤﺎ ﻳُﻨـﺰع ﻋﻀﻮ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﻢ!
٦
.٥ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ :اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ اﻟﻤﻨﻘﻮل ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﺴﻞ ﻣﻦ ﺑﺪء اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﻳﺜﺒﺖ أنّ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ ﺁدم إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ﻳﻨﻘﻞ إﻟﻰ ﺧﻠﻔﻪ ﻓﻜﺮة وﺟﻮد اﷲ. ﻳﺬآﺮ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﻣﻠﻜﺼﺎدق أﻧّﻪ آﺎهﻦ اﻟﺮبّ اﻟﻌﻠﻲّ ﻣﻊ أﻧّﻪ آﺎن ﻣﺤﺎﻃًﺎ ﺑﻌﺒﺪة اﻷﺻﻨﺎم. .٦ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء :اﻷﻧﺒﻴﺎء هﻢ اﻟﺬﻳﻦ أوﺣﻰ اﷲ إﻟﻴﻬﻢ أﻣﻮرًا آﺜﻴﺮة ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﺔ .وﻗﺪ ﺗﻤّﺖ آﻤﺎ ﺗﻨﺒّﺄوا ﻋﻨﻬﺎ .آﻠّﻢ اﷲ إﺑﺮاهﻴﻢ اﻟﺨﻠﻴﻞ وﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ أن ﻳﻘﺪّم ﻟﻪ اﺑﻨﻪ ﻣﺤﺮﻗﺔ ،وآﻠّﻢ ﻣﻮﺳﻰ وﺻﻨﻊ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ﺁﻳﺎت وﻋﺠﺎﺋﺐ ﺑﺎهﺮة .وﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺳﻰ آﻠّﻢ اﷲ أﻧﺒﻴﺎء آﺜﻴﺮﻳﻦ أﺛﺒﺖ ﻟﻬﻢ آﻼﻣﻪ ﺑﺂﻳﺎت وﻋﺠﺎﺋﺐ وهﺆﻻء اﻷﻧﺒﻴﺎء أﺧﺒﺮوا ﻋﻦ اﷲ ودوّﻧﻮا آﻼﻣﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻜﺘﺐ ﻣﻘﺪّﺳﺔ. .٧ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ :إنّ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ اﻟﺘﻲ أوﺣﺎهﺎ اﷲ إﻟﻰ اﻟﺬﻳﻦ آﺘﺒﻮهﺎ ﺗﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻦ اﷲ وﻓﻲ آﻞّ ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد اﷲ .واﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻶن ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ اﷲ ﻟﺸﻌﺒﻪ .ﻗﺎل اﷲ ﻟﻤﻮﺳﻰ ﺣﻴﻦ ﻇﻬﺮ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻴﻘﺔ – أﻧﺎ هﻮ اﻟﻜﺎﺋﻦ – أﻧﺎ إﻟﻪ ﺁﺑﺎﺋﻜﻢ إﻟﻪ إﺑﺮاهﻴﻢ وإﻟﻪ إﺳﺤﻖ وإﻟﻪ ﻳﻌﻘﻮب )ﺳﻔﺮ اﻟﺨﺮوج .(٣ .٨ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ :إنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي رأﻳﻨﺎﻩ وﺳﻤﻌﻨﺎﻩ وﻟﻤﺴﻨﺎﻩ ﻗﺪ أﺛﺒﺖ أﻧّﻪ اﷲ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺒﺎهﺮة اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﻬﺎ وﻗﺪ ﻗﺎل إن ﻟﻢ ﺗﺆﻣﻨﻮا ﺑﻲ ﻓﺂﻣﻨﻮا ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ أﺻﻨﻌﻬﺎ )ﻳﻮ – ١٠ .(٣٧
٧
إنّ ﺷﺨﺼﻴّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ هﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴّﺔ آﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﺒﻮﻟﻴﻮن واﻟﻤﻴﺮ ﺑﺸﻴﺮ واﻷﻣﻴﺮ ﻓﺨﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﻌﻨﻲ ،وﻧﻴﺮون اﻟﻈﺎﻟﻢ، واﻹﺳﻜﻨﺪر ،وأﻓﻼﻃﻮن وﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺎء اﻟﺘﺎرﻳﺦ. إنّ اﷲ آﻠّﻤﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء وﻓﻲ هﺬﻩ اﻷزﻣﻨﺔ آﻠّﻤﻨﺎ ﺑﺎﺑﻨﻪ اﻟﺤﺒﻴﺐ )ﻋﺒﺮاﻧﻴّﻴﻦ .(١ – ١ ﺻﻼة أراك – ﻳﺎ أﷲ – ﻓﻲ اﻟﺰهﺮة اﻟﻌﻄﺮة ،ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻔﻮر اﻟﺠﻤﻴﻞ، ﻓﻲ اﻟﺜﻤﺮة اﻟﻠﺬﻳﺬة ،ﻓﻲ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺸﺎﻣﺨﺔ ،ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺎر اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ اﻟﻌﺬﺑﺔ ،ﻓﻲ اﻟﻜﻮاآﺐ واﻟﻨﺠﻮم اﻟﻜﺜﻴﺮة، ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻬﺮﻧﻲ ،أراك ﻓﻲ آﻞّ ﻣﻮﺟﻮد أوﺟﺪﺗﻪ ﻷﺟﻠﻲ!! أﻧﺎ ﺑﺤﻀﺮﺗﻚ – ﻳﺎ أﷲ – ﺗﺮى آﻞّ أﻋﻤﺎﻟﻲ وﺗﻌﺮف ﺟﻤﻴﻊ أﻓﻜﺎري ،وﺗﻄﻠّﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﻮاﻃﻔﻲ ،ﻓﺎﺟﻌﻠﻨﻲ أﻋﻴﺶ ﺣﺴﺐ رﺿﺎك وﻣﺴﺮّﺗﻚ. إﻟﻬﻲ ،ﻓﻲ آﻴﺎﻧﻲ ﻣﻴﻞ ﺷﺪﻳﺪ وﺷﻮق إﻟﻰ اﻟﺤﺐّ .وﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺣﺐّ ﻳﻤﻸ ﻗﻠﺒﻲ .أﺣﺐّ ﺷﻴﺌًﺎ أو ﺷﺨﺼًﺎ ﺛﻢّ أﺗﺤﻮّل ﻋﻨﻪ ﻷﻧّﻪ ﻻ ﻳﺮوي ﻗﻠﺒﻲ .ﻟﻴﺲ ﺣﺐّ ﻳﺮوي ﻗﻠﺒﻲ إﻻّ ﺣﺒّﻚ ﻳﺎ أﷲ!! ﺧﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴّﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻗﺎل اﻟﻜﺎﻓﺮ آﺎران ﻟﻔﻼّح ﺗﻘﻲ ﺳﻨﻬﺪم آﻨﺎﺋﺴﻜﻢ وأﺑﺮاج أﺟﺮاﺳﻬﺎ .أﺟﺎب اﻟﻔﻼّح :ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ أن ﺗﺘﺮآﻮا ﻟﻨﺎ اﻟﻨﺠﻮم ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ﻓﻨﻌﻠّﻢ أﺑﻨﺎءﻧﺎ أن ﻳﻘﺮأوا ﻓﻴﻬﺎ اﺳﻢ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .ﻷنّ هﺬﻩ اﻟﻜﻮاآﺐ ﺑﻨﻈﺎﻣﻬﺎ ﺗﺜﺒﺖ وﺟﻮد اﷲ اﻟﺬي ﺗﻨﻜﺮوﻧﻪ أﻧﺘﻢ.
٨
اﻋﺘﺮاض إنّ آﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﻨﻜﺮون وﺟﻮد اﷲ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎء وﻓﻼﺳﻔﺔ! ج :إنّ أآﺜﺮ ﻣﻦ آﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﻮﺟﻮد اﷲ وﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﻠﻤﺎء وﻓﻼﺳﻔﺔ وﻳﺜﺒﺘﻮن وﺟﻮد اﷲ ﺑﺒﺮاهﻴﻦ ﺗﻘﻨﻊ اﻟﻌﻘﻞ .وأﻧﺖ اﻟﺬي أﻋﻄﺎك اﷲ ﻧﻮر اﻟﻌﻘﻞ ﻟﺘﺮاﻩ وﺗﻘﺘﻨﻊ ﺑﻮﺟﻮدﻩ .ﻣﺎذا ﻳﻬﻤّﻚ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻜﺮون اﷲ ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺼﺮّف ﺑﻬﺪي ﻋﻘﻠﻚ! ﺧﺒﺮ أﻧﻜﺮ آﺎﻓﺮ وﺟﻮد اﷲ ﺑﺤﻀﻮر ﺟﻤﻬﻮر ﻓﻠﻢ ﻳﻮاﻓﻘﻪ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ رأﻳﻪ ﻓﻘﺎل :ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻲ وﺣﺪي ﺷﺮف إﻧﻜﺎر وﺟﻮد اﷲ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ أﻧﺎس أذآﻴﺎء آﻬﺬا اﻟﺒﻴﺖ. ﻓﺄﺟﺎﺑﺘﻪ ﺳﻴّﺪة اﻟﺒﻴﺖ :ﻟﻴﺲ ذﻟﻚ اﻟﺸﺮف ﻣﺨﺘﺼًّﺎ ﺑﻚ وﺣﺪك .ﺑﻞ آﻠﺒﻨﺎ وﺣﻤﺎرﻧﺎ وﺑﻘﺮﺗﻨﺎ وهﺮّﺗﻨﺎ ﻳﺸﺎﻃﺮوﻧﻚ هﺬا اﻟﺸﺮف .ﻓﺨﺠﻞ اﻟﻜﺎﻓﺮ وﺻﻤﺖ!
٩
اﷲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﺑﻌﺪ أن أﺛﺒﺘﻨﺎ وﺟﻮد اﷲ ﺑﺒﺮاهﻴﻦ ﻋﺪّة .ﻧﺒﻴّﻦ ﻣﺎ هﻮ اﷲ! ﺗﺤﺪﻳﺪ :إنّ اﷲ روح ﺑﺴﻴﻂ ﻏﻴﺮ ﻣﺮآّﺐ أزﻟﻲّ ﻻ ﺑﺪاﻳﺔ ﻟﻪ وﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ .ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻲ آﻞّ ﻣﻜﺎن آﻮﺟﻮد اﻟﻨﻮر ﻓﻲ آﻞّ ﻣﻜﺎن وآﻮﺟﻮد اﻟﻤﻐﻨﺎﻃﻴﺲ أي اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﻓﻲ اﻷﺟﺴﺎم وآﻮﺟﻮد اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ آﻞّ أﺟﺰاء اﻟﺸﺠﺮة .أﻟﺴﺖ أﻧﺎ ﻣﺎﻟﺊ اﻟﺴﻤﺎوات واﻷرض )أﺷﻌﻴﺎ ٢٣ – (٢٤ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺁﺧﺮ :اﷲ ﻣﺤﺒّﺔ آﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻟﺮﺳﻮل .وهﺬﻩ اﻟﻤﺤﺒّﺔ ﻻ ﺗﻘﺪر إﻻّ أن ﺗﻌﻄﻲ .ﻓﺎﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﻄﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻤﺤﺒّﺔ .ﻟﺬﻟﻚ ﺧﻠﻖ اﷲ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻤﺤﺒّﺔ وﻳﺤﻔﻈﻪ ﺑﻤﺤﺒّﺔ. وﻳﺴﺎﻣﺤﻪ ﺑﻤﺤﺒّﺔ .وﺗﺠﺴّﺪ وﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﺑﻤﺤﺒّﺔ .وﺗﺒﻨّﺎﻩ ﺑﻤﺤﺒّﺔ .وﻳﺸﺮآﻪ ﺑﺴﻌﺎدﺗﻪ ﺑﻤﺤﺒّﺔ. ﻋﻠﻢ اﷲ :إنّ اﷲ ﻳﻌﻠﻢ وﻳﻌﺮف آﻞّ ﺷﻲء ﺣﺘّﻰ أﻓﻜﺎر اﻟﺒﺸﺮ. وﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﺷﻲء ﻋﻦ ﻋﻠﻤﻪ اﻹﻟﻬﻲّ .ﻓﺎﻟﻤﺎﺿﻲ واﻟﺤﺎﺿﺮ واﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻇﺎهﺮ ﻟﺪﻳﻪ .وﻟﻮ آﺎن ﺷﻲء ﻳﺨﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ اﷲ ﻟﻜﺎن اﷲ ﻣﺤﺪودًا آﺎﻹﻧﺴﺎن. ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع إنّ ﺷﻌﻮر رؤوﺳﻜﻢ آﻠّﻬﺎ ﻣﺤﺼﺎة. ﻗﺪرة اﷲ :إنّ اﷲ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ آﻞّ ﺷﻲء وﻟﻴﺲ ﺷﻲء ﻳﻔﻮق ﻗﺪرﺗﻪ .وﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺨﻠﻖ ﻋﻮاﻟﻢ آﺜﻴﺮة ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ .إنّ آﻞّ ﻣﺎ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﻧﻮر وﻣﻴﺎﻩ وﺟﻤﺎد وﻧﺒﺎت وﺣﻴﻮان وﻋﻨﺎﺻﺮ هﻮ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﻳﺪﻩ اﻟﻘﺪﻳﺮة .ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :ﺑﺎﻹﻳﻤﺎن ﻧﻔﻬﻢ أنّ اﻟﻌﻮاﻟﻢ أﺗﻘﻨﺖ ﺑﻜﻠﻤﺔ اﷲ .وهﺬﻩ اﻟﺘﻲ ﺗُﺮى ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻤّﺎ ﻻ ﻳُﺮى )ﻋﺒﺮاﻧﻴّﻴﻦ .(٧-١ :١١
١٠
إنّ ﻓﻌﻞ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﺪم ﻓﻌﻞ ﻣﺨﺘﺺّ ﺑﺎﷲ وﺣﺪﻩ .أﻣّﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻴﺼﻨﻊ ﻣﻤّﺎ ﺧﻠﻘﻪ اﷲ .ﻣﺜﻼً :ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة ﻳﺼﻨﻊ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﻮﺑﻴﻠﻴﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ. اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﺗﺬﻳﻊ ﻣﺠﺪ اﷲ :ﺗﺄﻣّﻞ أﻳّﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺒﺤﺎر وأﺳﻤﺎآﻬﺎ ،ﺑﺎﻟﺠﺒﺎل وﻋﻈﻤﺘﻬﺎ ،ﺑﺎﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ وﻋﺬوﺑﺘﻬﺎ ،ﺑﺎﻷﺷﺠﺎر وأﺻﻨﺎﻓﻬﺎ ،ﺑﺎﻷزهﺎر وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ،ﺑﺎﻟﻄﻴﻮر وأﺟﻨﺎﺳﻬﺎ ،ﺑﺎﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت وأﻧﻮاﻋﻬﺎ .ﻓﻠﻮ اﺟﺘﻤﻊ ﻣﻠﻮك اﻷرض وﻋﻈﻤﺎء اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻟﺒﺸﺮ أﺟﻤﻊ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺨﻠﻘﻮا ﻋﺼﻔﻮرًا ﺻﻐﻴﺮًا وﻻ زﻧﺒﻘﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﻻ ﺣﺸﺮة ﺻﻐﻴﺮة .ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ :إنّ اﻟﺴﻤﺎوات ﺗﻨﻄﻖ ﺑﻤﺠﺪ اﷲ واﻟﺠﻠﺪ ﻳﺨﺒﺮ ﺑﻌﻤﻞ ﻳﺪﻳﻪ .ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ أﻏﻮﺳﻄﻴﻨﻮس :إنّ ﺟﻤﻴﻊ ﺑﺮاﻳﺎك ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﺗﺪﻋﻮﻧﻲ ﻷن أﺣﺒّﻚ. ﻋﻨﺎﻳﺔ اﷲ :إنّ اﷲ ﻳﻌﺘﻨﻲ ﺑﻜﻞّ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﺣﺘّﻰ أﺻﻐﺮهﺎ وﻟﻮﻻ ﻋﻨﺎﻳﺔ اﷲ ﻟـﻤّﺎ آﺎﻧﺖ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﺗﻮاﺻﻞ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي وﺿﻌﻪ اﷲ ﻟﻬﺎ .ﻓﺎﻟﺸﺠﺮة ﺗﻮاﺻﻞ ﻧﻈﺎم وﺟﻮدهﺎ .واﻟﻄﻴﺮ أﻳﻀًﺎ واﻟﺤﻴﻮان آﺬﻟﻚ. ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :أﻟﻴﺲ ﻋﺼﻔﻮران ﻳﺒﺎﻋﺎن ﺑﻔﻠﺲ وواﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻻ ﻳﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ اﻷرض إﻻّ ﺑﺈذن أﺑﻴﻜﻢ اﻟﺴﻤﺎويّ. ﺻﻔﺎت اﷲ :آﻞّ ﺻﻔﺔ ﺣﺴﻨﺔ ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﷲ ﺑﻨﻮع أآﻤﻞ وﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪود .ﻣﺜﻼً :اﻟﺼﻼح ،اﻟﻘﺪاﺳﺔ ،اﻟﻌﺪل، اﻟﺮﺣﻤﺔ ،اﻟﻤﺤﺒّﺔ .إنّ ﻣﺤﺒّﺔ اﷲ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪودة وﻟﻮ آﺎﻧﺖ ﻣﺤﺪودة ﻟَـﻤَﺎ آﺎن ﻣﺎت اﷲ ﻷﺟﻞ اﻹﻧﺴﺎن .إنّ ﻧﻮر اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺬي ﻳﺮﺷﺪﻧﺎ إﻟﻰ اﷲ ،ﻳﺮﺷﺪﻧﺎ ﺑﺎﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ أنّ اﷲ ﺿﺮوريّ اﻟﻮﺟﻮد وأﻧّﻪ آﻠّﻲ اﻟﻜﻤﺎل ،وﻣﻨـﺰّﻩ ﻋﻠﻰ آﻞّ ﻧﻘﺺ ﻓﻲ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت.
١١
ﺻﻼة أﻳّﻬﺎ اﻹﻟﻪ اﻟﻌﻈﻴﻢ واﻟﺨﺎﻟﻖ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﻟﺨﺪﻣﺘﻲ أﻋﻄﻨﻲ ﻷﻋﺮﻓﻚ وأﻋﺒﺪك وأﺣﺒّﻚ وأﺣﻔﻆ وﺻﺎﻳﺎك وأﺧﻴﺮًا أﻣﺠّﺪك ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻊ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻼﺋﻜﺘﻚ وﻗﺪّﻳﺴﻴﻚ. ﺧﺒﺮ آﺎن أﺣﺪ ﻣﻠﻮك اﻧﺠﻠﺘﺮا ذات ﻳﻮم ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﻋﻈﻤﺎﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﺒﺤﺮ ﻟﻠﺘﺮوﻳﺢ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ .وآﺎن ذﻟﻚ اﻟﻤﻠﻚ ﻣﺘﻜﺒّﺮًا ﻣُﻨـﺰﻻً ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ إﻟﻪ .ﻓﺎﻏﺘﻨﻢ أﺣﺪ ﻋﻈﻤﺎﺋﻪ هﺬﻩ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻴﺨﻔﺾ ﻣﻦ آﺒﺮﻳﺎء اﻟﻤﻠﻚ .ﻓﻘﺎل :ﻣﻮﻻي اﻟﻤﻠﻚ إﻧّﻚ ﻣﻠﻚ ﻋﻈﻴﻢ ﻤ ْﺮ هﺬا اﻟﺒﺤﺮ أن ﻳﺘﺄﺧّﺮ ﺟﺪًّا وﺗﺤﺖ أﻣﺮك ﻣﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد ﻓ ُ ﻗﻠﻴﻼً ﻟﺌﻼ ﻳُﺒﻠّﻠﻨﺎ ﺑﺮذاذ أﻣﻮاﺟﻪ .ﻓﺄﺟﺎب اﻟﻤﻠﻚ وﻗﺪ اﻧﺘﺒﻪ إﻟﻰ آﺒﺮﻳﺎﺋﻪ :أﻧﺎ وآﻞّ ﻣﻠﻮك اﻷرض ﻣﻊ ﺟﻴﻮﺷﻨﺎ ﻻ ﻧﻘﺪر ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ. ﻓﻬﺬا ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ إﻻّ اﷲ وﺣﺪﻩ .وﻣﻦ ذاك اﻟﻮﻗﺖ أﺧﺬ اﻟﻤﻠﻚ ﻳﺨﻔّﺾ ﻣﻦ آﺒﺮﻳﺎﺋﻪ وﻏﻄﺮﺳﺘﻪ.
١٢
وﺣﺪاﻧﻴّﺔ اﷲ وأﻗﺎﻧﻴﻤﻪ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﷲ واﺣﺪ :إنّ اﷲ اﻟﺬي ﻋﺮﻓﻨﺎﻩ وأﺛﺒﺘﻨﺎ وﺟﻮدﻩ هﻮ إﻟﻪ واﺣﺪ ﺑﺜﻼﺛﺔ أﻗﺎﻧﻴﻢ :ﺁب واﺑﻦ وروح ﻗﺪس .ﻟﻬﻢ ﻃﺒﻴﻌﺔ واﺣﺪة وﺟﻮهﺮ واﺣﺪ وذات واﺣﺪة .وﻣﺘﺴﺎوون ﻓﻲ آﻞّ ﺷﻲء .وآﻞّ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ هﻮ اﷲ ذاﺗﻪ .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻧﻘﻮل إنّ اﻻﺑﻦ هﻮ اﷲ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻌﻨﺎﻩ أﻧّﻪ هﻮ إﻟﻪ ﻏﻴﺮ اﷲ اﻵب وﻏﻴﺮ اﷲ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس .وآﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻘﻮل إنّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس هﻮ اﷲ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻌﻨﺎﻩ أﻧّﻪ هﻮ إﻟﻪ ﻏﻴﺮ اﻵب واﻻﺑﻦ ﺑﻞ هﻮ ذات اﷲ اﻵب وذات اﷲ اﻻﺑﻦ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﻨﻊ أﺣﺪ اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ ﻋﻤﻼً ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻌﻨﺎﻩ أﻧّﻪ ﻋﻤﻠﻪ وﺣﺪﻩ دون اﻷﻗﻨﻮﻣﻴﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﻞ إﻧّﻪ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﻘﻮّة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﻮاﺣﺪة اﻟﺘﻲ هﻲ اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ اﻟﺜﻼﺛﺔ! ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ ﻣﺜﻼً واﺣﺪة وﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﻘﻞ واﻹرادة. واﻟﺸﻤﺲ واﺣﺪة وﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﻮر واﻟﺤﺮارة. أﺳﺎس دﻳﺎﻧﺘﻨﺎ :إنّ أﺳﺎس دﻳﺎﻧﺘﻨﺎ ﻣﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ وﺣﺪاﻧﻴّﺔ اﷲ أي أﻧّﻨﺎ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﺄنّ اﷲ واﺣﺪ وﻧﻌﺒﺪ إﻟﻬًﺎ واﺣﺪًا وﻟﻴﺲ ﺛﻼﺛﺔ ﺁﻟﻬﺔ! وﻋﻨﻮان إﻳﻤﺎﻧﻨﺎ هﻲ إﺷﺎرة اﻟﺼﻠﻴﺐ اﻟﺘﻲ ﻧﺮﺳﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ذواﺗﻨﺎ ﻣﻌﻠﻨﻴﻦ إﻳﻤﺎﻧﻨﺎ ﺑﺴﺮّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس! ﺗﻤﻴﻴﺰ اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ اﻟﺜﻼﺛﺔ :إنّ هﺬﻩ اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ ﻣﺘﻤﻴّﺰة ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ آﻤﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰ اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ اﻹرادة وآﻤﺎ ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﻧﻮر اﻟﺸﻤﺲ ﻋﻦ ﺣﺮارﺗﻬﺎ. وأﻳﻀًﺎ ﺗﺘﻤﻴّﺰ أﻓﻌﺎل هﺬﻩ اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ آﻤﺎ ﺗﺘﻤﻴّﺰ أﻓﻌﺎل اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ أﻓﻌﺎل اﻹرادة وآﻤﺎ ﺗﺘﻤﻴّﺰ أﻓﻌﺎل اﻟﻨﻮر ﻋﻦ أﻓﻌﺎل اﻟﺤﺮارة .ﻓﺎﻵب ﺧﻠﻘﻨﺎ واﻻﺑﻦ اﻓﺘﺪاﻧﺎ واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﻨﻴﺮﻧﺎ .وﻋﻤﻞ
١٣
اﻟﺨﻠﻖ وﻋﻤﻞ اﻟﻔﺪاء وﻋﻤﻞ اﻹﻧﺎرة ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻠﻬﺎ آﻞّ ﻣﻦ اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ ﻣﺴﺘﻘﻼًّ ﻋﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ .آﻤﺎ ﺗﺘﻤﻴّﺰ أﻓﻌﺎل اﻟﻨﻮر ﻋﻦ أﻓﻌﺎل اﻟﺤﺮارة وأﻓﻌﺎل اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻦ أﻓﻌﺎل اﻹرادة .ﻓﺎﻟﻀﻮء ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻠﻪ اﻟﻨﻮر ﻣﺴﺘﻘﻼًّ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ واﻟﺤﻤﺎوة ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻠﻬﺎ اﻟﺤﺮارة ﻣﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﻮاﺣﺪة ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ. إﺛﺒﺎت اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ :ﻟﻮﻻ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻤﺎ آﻨّﺎ ﻋﺮﻓﻨﺎ ﺳﺮّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس .ﻓﺴﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي أﺛﺒﺖ أﻟﻮهﻴّﺘﻪ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﻗﺪ ﻋﻠّﻤﻨﺎ أنّ اﷲ اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻴﻪ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺎﻧﻴﻢ .وﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻻ ﻳﺨﺪع وﻻ ﻳﻐﺶّ! ﻗﺎل :أﻧﺎ واﻵب واﺣﺪ ن اﻵب ﻓﻲّ وأﻧﺎ ﻓﻲ اﻵب )ﻳﻮ (٣٨ :١٠ﻣﻦ رﺁﻧﻲ )ﻳﻮ (٣٠ :١٠إ ّ ﻓﻘﺪ رأى اﻵب )ﻳﻮ (٩ :١٤وأﻧﺎ أﺳﺄل أﺑﻲ ﻓﻴﻌﻄﻴﻜﻢ ﻣﻌﺰﻳًّﺎ ﺁﺧﺮ ﻳﻘﻴﻢ ﻣﻌﻜﻢ روح اﻟﺤﻖّ اﻟﺬي اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﺒﻠﻪ )ﻳﻮ .(١٦ :١٤ اذهﺒﻮا إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﻋﻠّﻤﻮا اﻷﻣﻢ وﻋﻤّﺪوهﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻵب واﻻﺑﻦ واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس )ﻣﺘﻰ (١٩ :٢٨اﻟﺸﻬﻮد ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺛﻼﺛﺔ اﻵب واﻟﻜﻠﻤﺔ واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس وهﺆﻻء اﻟﺜﻼﺛﺔ هﻢ واﺣﺪ )١ ﻳﻮ (٧ :٥ﻓﻲ اﻟﺒﺪء آﺎن اﻟﻜﻠﻤﺔ واﻟﻜﻠﻤﺔ آﺎن ﻋﻨﺪ اﷲ واﻟﻜﻠﻤﺔ هﻮ اﷲ )ﻳﻮ (١ :١ﻗﺪ ﻇﻬﺮ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس ﻟﻠﺒﺸﺮ ﻳﻮم اﻋﺘﻤﺎد اﻟﻤﺴﻴﺢ .ﺻﻮت اﻵب ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء :هﺬا هﻮ اﺑﻨﻲ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﻠﻪ اﺳﻤﻌﻮا .واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﺣﻞّ ﻋﻠﻰ ﻳﺴﻮع ﺑﺸﻜﻞ ﺣﻤﺎﻣﺔ. وﻳﺴﻮع اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ. ﺟﺎء ﻓﻲ ﺻﻼة ﻓﺮض اﻟﻜﺎهﻦ :اﻵب ﻋﻘﻞ :واﻻﺑﻦ آﻠﻤﺔ ،واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﺻﻮت.
١٤
ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ أﺳﺮار آﺜﻴﺮة ﻻ ﻧﻔﻬﻤﻬﺎ :إذا آﻨّﺎ ﻻ ﻧﻔﻬﻢ ﺳ ّﺮ اﷲ ﻓﻲ أﻗﺎﻧﻴﻤﻪ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻓﻼ ﻋﺠﺐ .ﻓﻔﻲ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت أﺳﺮار آﺜﻴﺮة ﻻ ﻧﻔﻬﻤﻬﺎ .ﻣﺜﻼً ﻻ ﻧﻔﻬﻢ ﺳﺮّ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻟﻨﺒﺎت .آﻴﻒ أنّ ﺣﺒّﺔ ﻳﺎﺑﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻤﺢ ﺗﻨﺒﺖ وﺗﻨﻤﻮ وﺗﻌﻄﻲ ﺳﻨﺒﻠﺔ! ﻻ ﻧﻔﻬﻢ ﺳﺮّ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﺤﻴﻮان .آﻴﻒ ﻳﻨﻤﻮ اﻟﺠﻨﻴﻦ وآﻞّ أﻋﻀﺎﺋﻪ ﻣﺘﻜﻮّﻧﺔ ﺑﻨﻈﺎم ﻋﺠﻴﺐ .ﻻ ﻧﻔﻬﻢ آﻴﻒ ﻳﺘﺤﻮّل اﻟﻄﻌﺎم إﻟﻰ ﻋﻈﺎم وﻟﺤﻢ ودم وﺷﻌﺮ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ! ﻻ ﻧﻔﻬﻢ ﺳﺮّ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء وﻻ اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ! وﻻ اﻟﻨﻮر! ﻻ ﻧﻔﻬﻢ أﺳﺮارًا آﺜﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﻧﻨﻜﺮهﺎ .ﻓﻜﻞّ هﺬﻩ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت هﻲ ﻋﻤﻞ اﷲ اﻟﺨﺎﻟﻖ وهﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻪ ﺣﻘﻴﺮة ﺑﺴﻴﻄﺔ .ﻓﺈذا آﻨّﺎ ﻻ ﻧﻔﻬﻤﻬﺎ آﻴﻒ ﻧﻔﻬﻢ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ وآﻴﻒ ﻧﻔﻬﻢ ﺳﺮّ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻴﻪ؟؟ إذا آﻨﺖ ﻗﻠﺖ ﻟﻜﻢ اﻷرﺿﻴّﺎت وﻻ ﺗﺼﺪّﻗﻮن ﻓﻜﻴﻒ إذا ﻗﻠﺖ ﻟﻜﻢ اﻟﺴﻤﺎوﻳﺎت ﺗﺼﺪّﻗﻮن؟؟ ﻗﻮل ﻳﺴﻮع إﻟﻰ ﻧﻴﻘﻮدﻳﻤﻮس )ﻳﻮ .(١٢ :٣ ﻣﺜﻼً :آﻞّ ﺷﻲء ﻣﺮآّﺐ ﻣﻦ أﺟﺰاء ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ وﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎهﻴّﺘﻪ .ﻣﺜﻼً :اﻟﻤﺎء – اﻟﺤﻠﻴﺐ – ﻗﻄﻌﺔ اﻟﻠﺤﻢ – رأس اﻟﺒﻄﺎﻃﺎ. أﻣّﺎ اﻟﺸﻲء اﻟﺒﺴﻴﻂ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺮآّﺐ ﻣﻦ أﺟﺰاء ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎهﻴّﺘﻪ. واﷲ اﻟﻤﺜﻠّﺚ اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ روح ﺑﺴﻴﻂ ﻏﻴﺮ ﻣﺮآّﺐ ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﻴﺴﻪ ﺑﻤﻘﻴﺎس اﻟﻤﺮآّﺐ ﻣﻦ أﺟﺰاء ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﻬﻤﻪ! إنّ وﺣﺪة اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس ﻟﻴﺴﺖ وﺣﺪة ﺣﺴﺎﺑﻴّﺔ أي واﺣﺪ وواﺣﺪ وواﺣﺪ ﻳﻌﻤﻠﻮن واﺣﺪًا ،ﺑﻞ هﻮ وﺣﺪة ﺣﻴّﺔ .ﻣﺜﻼً :اﻟﺠﺴﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺨﻼﻳﺎ وآﻞّ ﺧﻠﻴّﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺒﺪأ ﺣﻴﺎة آﺎﻣﻠﺔ. وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﺆﻟّﻒ ﺟﺴﻤًﺎ واﺣﺪًا وهﺬا ﻣﺎ ﻳﺜﺒﺘﻪ اﻟﻌﻠﻢ!
١٥
ﺪدًا ﻣﺜﻼً :ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺸﻲء واﺣﺪًا ﻓﻲ اﻋﺘﺒﺎر ﻣﺎ وﻣﺘﻌ ّ ﻓﻲ اﻋﺘﺒﺎر ﺁﺧﺮ .ﻣﺜﻼً اﻟﻄﺎوﻟﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ ﻣﺎهﻴّﺘﻬﺎ وﻣﺘﻌﺪّدة ﻓﻲ زواﻳﺎهﺎ وﻃﻮﻟﻬﺎ وﺳﻤﺎآﺘﻬﺎ وآﻞّ هﺬا اﻟﺘﻌﺪّد هﻮ اﻟﻄﺎوﻟﺔ اﻟﻮاﺣﺪة. ﻣﺤﺒّﺔ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس ﻟﻠﺒﺸﺮ :إنّ اﷲ ﻗﺪ أﺣﺒّﻨﺎ ﺑﺄﻗﺎﻧﻴﻤﻪ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻓﺎﷲ اﻵب ﻗﺪ ﺧﻠﻘﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺪم وﺧﻠﻘﻪ إﻳّﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺪم هﻮ ﻓﻌﻞ ﻣﺤﺒّﺔ .واﻻﺑﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﻧّﻪ اﻓﺘﺪاﻧﺎ ﺑﻤﻮﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ هﻮ ﻓﻌﻞ ﻣﺤﺒّﺔ .واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻳﺮﺷﺪﻧﺎ وﻳﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﺑﻨﻌﻤﺘﻪ ﻟﻨﺨﻠّﺺ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ هﻮ ﻓﻌﻞ ﻣﺤﺒّﺔ .ﻓﺎﷲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﻧّﻪ ﺧﺎﻟﻖ وﻓﺎدٍ وﻣﺮﺷﺪ هﻮ ﻣﺤﺒّﺔ .ﻷنّ اﻟﻤﺤﺒّﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ دﻓﻌﺘﻪ ﻷن ﻳﺨﻠﻖ وﻳﻔﺘﺪي وﻳﺮﺷﺪ. ﻟﻤﺎذا أوﺣﻰ اﷲ إﻟﻴﻨﺎ ﺑﺴﺮّ ﺛﺎﻟﻮﺛﻪ؟ إنّ ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻗﺪ أوﺣﻰ إﻟﻴﻨﺎ ﺑﺴﺮّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس ﻟﻴﻄﻠﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ آﻤﺎﻻت اﷲ ،ﻷنّ ﺳﺮّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس هﻮ ﻣﻦ آﻤﺎﻻت اﷲ! .٢ﻟﻴﺒﻴّﻦ ﻣﺤﺒّﺔ اﻷﻗﺎﻧﻴﻢ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻟﻨﺎ! .٣ﻟﻜﻲ ﻳُﻄﻠﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻷﺳﺮار اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ وﻳُﺸﺮآﻨﺎ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ذاﺗﻴّﺘﻪ اﻟﻘﺪّوﺳﺔ! .٤ﻟﻜﻲ ﻳﺮﻓﻊ ﻣﻘﺎﻣﻨﺎ وﻣﻨـﺰﻟﺘﻨﺎ .ﻟﺴﺖ أدﻋﻮآﻢ ﺑﻌﺪ ﻋﺒﻴﺪًا ﻷنّ اﻟﻌﺒﺪ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻤﻠﻪ ﺳﻴّﺪﻩ .ﻗﺪ دﻋﻮﺗﻜﻢ أﺣﺒّﺎﺋﻲ ﻷﻧّﻲ أﻋﻠﻤﺘﻜﻢ ﺑﺄﺳﺮاري اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ اﻟﺨﻔﻴّﺔ )ﻳﻮ .(١٥ :١٥ .٥ﻟﻴﺨﺘﺒﺮ إﻳﻤﺎﻧﻨﺎ وﻣﻘﺪار ﺛﻘﺘﻨﺎ ﺑﺼﺪﻗﻪ ﻓﻴﻜﺎﻓﺌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﺛﻘﺘﻨﺎ ﺑﻜﻼﻣﻪ وﺗﺼﺪﻳﻘﻨﺎ ﻟﻪ .إنّ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻜﻼم اﷲ هﻮ ﺗﺼﺪﻳﻖ اﷲ وﻋﺪم اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻜﻼﻣﻪ هﻮ ﺗﻜﺬﻳﺐ اﷲ .واﻹﻳﻤﺎن هﻮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻟﻬﺎ أﺟﺮهﺎ ﻋﻨﺪ اﷲ ﺑﺪﻟﻴﻞ ﻗﻮل ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ: ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺮوﻧﻲ وﺁﻣﻨﻮا )ﻳﻮ .(٢٩ :٢٠
١٦
ﺷﻬﺎدة اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﺴﺮّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس :ﺗﺠﻠّﻰ اﷲ ﻹﺑﺮاهﻴﻢ .رأى إﺑﺮاهﻴﻢ ﺛﻼﺛﺔ رﺟﺎل .ﺳﺠﺪ أﻣﺎﻣﻬﻢ إﻟﻰ اﻷرض ،وﻗﺎل ﻣﺨﺎﻃﺒًﺎ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮد :ﻳﺎ ﺳﻴّﺪي إن ﺠ ْﺰ ﻋﻦ ﻋﺒﺪك )ﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﻓﺼﻞ ﻧﻠﺖ ﺣﻈﻮة ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻓﻼ ﺗَ ُ (١٨ﻃﺎﻟﻌﻪ. اﻋﺘﺮاض :ﻳﻘﻮﻟﻮن إنّ ﺳﺮّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻟﻤﻘﺪّس ﻣﻨﺎﻗﺾ ﻟﻠﻌﻘﻞ. ﻟﻴﺲ ﺳﺮّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس ﻣﻨﺎﻗﻀًﺎ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﺑﻞ هﻮ ﻓﻮق اﻟﻌﻘﻞ، واﻟﻌﻘﻞ ﻗﺎﺻﺮ ﻋﻦ ﻓﻬﻤﻪ آﻤﺎ ﻳﻘﺼﺮ ﻋﻦ ﻓﻬﻢ أﺳﺮار آﺜﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ .ﻓﻠﻮ ﻗﻠﻨﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺁﻟﻬﺔ هﻢ واﺣﺪ ﻟﻜﺎن ﺗﻨﺎﻗﺾ آﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ: اﻟﻴﺎس ،ﺑﻄﺮس ،ﺣﻨّﺎ هﻢ واﺣﺪ .أﻣّﺎ إذا ﻗﻠﻨﺎ :ﺛﻼث ﻋﻘﺪ هﻢ إﺻﺒﻊ واﺣﺪ أو ﺧﻤﺴﺔ أﺻﺎﺑﻊ هﻢ ﻳﺪ واﺣﺪة ،ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﻨﺎﻗﺾ. ﺻﻼة أﻳّﻬﺎ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس إﻧّﻲ أؤﻣﻦ ﺑﻚ وأؤﻣﻦ ﺑﺄﻧّﻚ إﻟﻪ واﺣﺪ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺎﻧﻴﻢ .وﻗﺪ أﺣﺒﺒﺘﻨﻲ ﺑﺄﻗﺎﻧﻴﻤﻚ اﻟﺜﻼﺛﺔ .اﻵب ﺧﻠﻘﻨﻲ واﻻﺑﻦ اﻓﺘﺪاﻧﻲ واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﻨﻴﺮﻧﻲ .ﻓﺄﻧﺎ أﺣﺒّﻚ وأﺷﻜﺮك ﻷﻧّﻚ أﺷﺮآﺘﻨﻲ ﺑﻤﻌﺮﻓﺔ أﺳﺮارك اﻹﻟﻬﻴّﺔ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ .ﺁﻣﻴﻦ.
١٧
ﺳﺮّ اﻟﺘﺠﺴّﺪ اﻹﻟﻬﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ :ﺳﺮّ اﻟﺘﺠﺴّﺪ اﻹﻟﻬﻲّ هﻮ اﺗّﺨﺎذ اﺑﻦ اﷲ اﻷﻗﻨﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺟﺴﺪًا ﻣﺜﻞ ﺟﺴﺪﻧﺎ وﻧﻔﺴًﺎ ﻣﺜﻞ ﻧﻔﺴﻨﺎ .ﻓﺼﺎر إﻧﺴﺎﻧًﺎ آﺎﻣﻼً ﻣﺜﻠﻨﺎ ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺋﻪ إﻟﻬًﺎ آﻤﺎ آﺎن. آﻴﻔﻴّﺔ ﺗﺠﺴّﺪ اﺑﻦ اﷲ :ﺻﺎر اﺑﻦ اﷲ إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﺑﻘﺪرة اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻓﻜﻤﺎ ﻗﺎل ﻟﻠﻜﺎﺋﻨﺎت آﻮﻧﻲ ﻓﻜﺎﻧﺖ ،آﺬﻟﻚ آﺎن ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺟﺴﺪ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻓﻲ ﺣﺸﺎ أﻣّﻪ اﻟﻌﺬراء .آﻮّن اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﺟﺴﺪ ﻳﺴﻮع .وآﻤﺎ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺰﺟﺎج دون أن ﺗﻤﺴّﻪ هﻜﺬا دﺧﻞ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺣﺸﺎ أﻣّﻪ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء .ﻗﺎل اﻟﻤﻼك ﻟﻠﻌﺬراء ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺸّﺮهﺎ :إنّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﺤﻞّ ﻋﻠﻴﻚ وﻗﻮّة اﻟﻌﻠﻲ ﺗﻈﻠّﻠﻚ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻤﻮﻟﻮد ﻣﻨﻚ هﻮ ﻗﺪّوس واﺑﻦ اﷲ ﻳُﺪﻋﻰ )ﻟﻮ .(٣٤ :١٠وﻗﺎل اﻟﻤﻼك ﻟﻴﻮﺳﻒ :ﻻ ﺗﺨﻒ ﻣﻦ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻣﺮﻳﻢ اﻣﺮأﺗﻚ ﻷنّ اﻟﻤﻮﻟﻮد ﻓﻴﻬﺎ هﻮ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس )ﻣﺘﻰ :٢ (٢٠اﻟﻘﺮﺁن ﻳﺸﻬﺪ.١ ﻟﻤﺎذا ﺗﺠﺴّﺪ اﺑﻦ اﷲ؟ ﺗﺠﺴّﺪ اﺑﻦ اﷲ ﻟﻴﺨﻠّﺺ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﺧﺴﺮ ﺳﻌﺎدﺗﻪ اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ ﺑﻤﺨﺎﻟﻔﺘﻪ وﺻﻴّﺔ اﷲ وﻋﺼﻴﺎﻧﻪ وﺗﻤﺮّدﻩ .ﻓﺄﻏﻠﻖ اﷲ ﺑﻮﺟﻬﻪ ﺑﺎب ﺳﻌﺎدﺗﻪ إﻻّ أﻧّﻪ ﻋﺎد ﻓﺄﺷﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ .وأرﺳﻞ اﺑﻨﻪ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻴﺨﻠّﺼﻪ وﻳﻔﺘﺢ ﺑﻮﺟﻬﻪ ﺑﺎب اﻟﺨﻼص. )ﻃﺎﻟﻊ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ(.
-١ﺟﺎء ﻓﻲ ﺳﻮرة ﻣﺮﻳﻢ :ﻗﺎل اﻟﻤﻼك ﻟﻤﺮﻳﻢ أﻧﺎ رﺳﻮل رﺑّﻚ ﻷهﺐ ﻟﻚ ﻏﻼﻣًﺎ زآﻴًﺎ ﻧﺠﻌﻠﻪ ﺁﻳﺔ ﻟﻠﻨﺎس ورﺣﻤﺔ ﻣﻨّﺎ .وﺟﺎء ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ :وﺟﻌﻠﻨﺎ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ وأﻣّﻪ ﺁﻳﺔ.
١٨
ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ ﻃﺒﻴﻌﺘﺎن :ﻃﺒﻴﻌﺔ إﻟﻬﻴّﺔ آﺎﻣﻠﺔ وﻃﺒﻴﻌﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ آﺎﻣﻠﺔ .ﻓﻬﻮ اﷲ اﻟﻜﻠّﻲ اﻟﻜﻤﺎل وهﻮ إﻧﺴﺎن آﺎﻣﻞ ﻣﺜﻠﻨﺎ. وﻃﺒﻴﻌﺘﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ هﻲ ذات ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻵب واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس .وﻃﺒﻴﻌﺘﻪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ هﻲ آﻄﺒﻴﻌﺔ آﻞّ إﻧﺴﺎن ﻣﻨّﺎ. اﺗﺤﺎد اﻟﻄﺒﻴﻌﺘﻴﻦ ﺑﺸﺨﺺ واﺣﺪ :ﻟﻴﺲ ﻳﺴﻮع اﻟﺴﻴﻤﺢ اﺛﻨﻴﻦ ﺑﻞ هﻮ واﺣﺪ .ﺷﺨﺺ واﺣﺪ .أﻗﻨﻮم واﺣﺪ .وهﺬا هﻮ ﺳﺮّ اﻟﺘﺠﺴّﺪ اﻹﻟﻬﻲّ .إنّ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ ﻗﺪ اﺗّﺤﺪﺗﺎ ﻓﺼﺎرﺗﺎ واﺣﺪًا .ﻣﺜﻼً :ﻗﻄﻌﺔ ذهﺐ وﻗﻄﻌﺔ ﺣﺪﻳﺪ ﺗﺆﻟّﻔﺎن ﻋﺼﺎ واﺣﺪة أو ﻋﺎﻣﻮدًا واﺣﺪًا دون أن ﺗﻤﺘﺰﺟﺎ أو ﺗﺨﺘﻠﻄﺎ أو ﺗﺘﺤﻮّل إﺣﺪاهﻤﺎ إﻟﻰ اﻷﺧﺮى ﺑﻞ ﺗﺒﻘﻰ آﻞّ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻮهﺮهﺎ ﺑﻌﺪ اﻻﻟﺘﺤﺎم .وﻟﻨﺎ ﻣﺜﻞ ﺁﺧﺮ :ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن واﺣﺪ ﻣﻊ أﻧّﻪ ﻣﺮآّﺐ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ وﺟﺴﺪ .واﻟﻨﻔﺲ واﻟﺠﺴﺪ ﻳﺨﺘﻠﻔﺎن آﺜﻴﺮًا ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ. وأﻋﻤﺎﻟﻬﻤﺎ ﺗﺨﺘﻠﻔﺎن أﻳﻀًﺎ ،ﻓﺄﻋﻤﺎل اﻟﻨﻔﺲ ﻏﻴﺮ أﻋﻤﺎل اﻟﺠﺴﺪ. هﻜﺬا ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ واﺣﺪ ﻓﻴﻪ ﻃﺒﻴﻌﺘﺎن ،ﻟﻜﻞّ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺧﺎﺻّﺘﻬﺎ. ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﻳﺼﻨﻊ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ وﻻ ﻳﺘﺄﻟّﻢ وﻻ ﻳﻤﻮت ،وﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ ﻳﺠﻮع وﻳﻌﻄﺶ وﻳﺘﺄﻟّﻢ وﻳﻤﻮت ﻣﺜﻠﻨﺎ.١ اﻟﻀﻼل ﻧﺸﺄ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ هﺮﻃﻘﺎت ﺑﺨﺼﻮص ﺷﺨﺼﻴّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻓﺎﻟﺒﻌﺾ ﻗﺎﻟﻮا إنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ إﻟﻪ ﻓﻘﻂ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ ﻓﻴﻪ ﺗﻼﺷﺖ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ .واﻟﺒﻌﺾ ﻗﺎﻟﻮا إنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ إﻧﺴﺎن ﻓﻘﻂ وﻟﻜﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺟﺪًّا. -١ﻓﻴﺴﻮع ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺟﺎع وﻋﻄﺶ وﺗﻌﺐ وﺗﺄﻟّﻢ وﻣﺎت ﻓﻬﻮ إﻧﺴﺎن ،وﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺷﻔﻰ اﻟﻤﺮﺿﻰ وﻓﺘّﺢ اﻟﻌﻤﻴﺎن وأﻧﻬﺾ اﻟﻤﺨﻠّﻌﻴﻦ وأﻗﺎم اﻟﻤﻮﺗﻰ ﻓﻬﻮ إﻟﻪ .ﻷنّ اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ .ﻓﺈذًا ﻳﺴﻮع إﻟﻪ وإﻧﺴﺎن ﻗﺪ اﺗّﺤﺪا ﻓﻲ أﻗﻨﻮم واﺣﺪ.
١٩
ﻓﺎﻟﻔﺮﻳﻘﺎن ﻋﻠﻰ ﺿﻼل .ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺢ هﻮ إﻟﻪ آﺎﻣﻞ وإﻧﺴﺎن آﺎﻣﻞ، أي أنّ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ آﺎﻣﻠﺔ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ آﺎﻣﻠﺔ. وهﺎﺗﺎن اﻟﻄﺒﻴﻌﺘﺎن اﺗّﺤﺪﺗﺎ وأﻟّﻔﺘﺎ ﺷﺨﺼًﺎ واﺣﺪًا هﻮ اﻟﻤﺴﻴﺢ. إذا ﻗﻠﻨﺎ إنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ هﻮ إﻟﻪ ﻓﻘﻂ ﻧﻨﻔﻲ ﻋﻨﻪ اﻟﻤﻮت ﻷنّ اﻹﻟﻪ ﻻ ﻳﻤﻮت وﻣﻦ ﺛﻢّ ﻟﻢ ﻳﺘﻢّ ﻓﺪاء اﻹﻧﺴﺎن .وإن ﻗﻠﻨﺎ أنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ إﻧﺴﺎن ﻓﻘﻂ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻣﻬﻤﺎ ﺳﻤﺎ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻔﺪي اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ. إنّ اﺗّﺤﺎد اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﺟﻌﻞ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ إﻟﻬﻴّﺔ .ﻓﺎﻵم وﻣﻮت ﻳﺴﻮع اﻹﻧﺴﺎن هﻲ أﻋﻤﺎل إﻟﻬﻴّﺔ ﻷنّ ﻳﺴﻮع اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺘّﺤﺪ ﺑﻴﺴﻮع اﻹﻟﻪ وهﻤﺎ ﺷﺨﺺ واﺣﺪ) .ﻃﺎﻟﻊ ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻣﺘﻰ ،٢ﻟﻮﻗﺎ ٢ﻗﺼّﺔ ﻣﻴﻼد ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ. ﺻﻼة ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﻗﺪ ﺗﺠﺴّﺪت ﻷﺟﻠﻲ .ﻓﺼﺮت ﻓﻘﻴﺮًا ﻟﺘﺼﻴّﺮﻧﻲ ﻏﻨﻴًّﺎ، ﺠﺪًا ،ﺻﺮت ﻣﺘﺄّﻟﻤًﺎ ﻟﺘﺼﻴّﺮﻧﻲ ﺳﻌﻴﺪًا، ﺻﺮت ﻣﻬﺎﻧًﺎ ﻟﺘﺼﻴّﺮﻧﻲ ﻣﻤ ّ ﺻﺮت إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻟﺘﺼﻴّﺮﻧﻲ إﻟﻬًﺎ ،ﻓﺄﻧﺎ أﺣﺒّﻚ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻲ وﻣﻦ آﻞّ ﻧﻔﺴﻲ وﻣﻦ آﻞّ ﻗﻮّﺗﻲ .ﺁﻣﻴﻦ.
٢٠
ﺣﻴﺎة ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﺗُﻘﺴﻢ ﺣﻴﺎة ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ إﻟﻰ ﻗﺴﻤَﻴﻦ :ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺨﻔﻴّﺔ وﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻨﻴّﺔ. ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺨﻔﻴّﺔ :هﻲ ﻣﻨﺬ ﻣﻴﻼدﻩ ﺣﺘّﻰ ﻋﻤﺮ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ .ﻗﺪ ﻗﻀﺎهﺎ ﺑﺎﻟﺸﻐﻞ واﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻮاﻟﺪﻳﻪ .ﻓﺤﻴﻦ ﺻﺎر ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺸﻐﻞ أﺧﺬ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻣﻊ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎرة .ﻓﻠﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ أنّ ﻳﺴﻮع ﺑﺪأ اﻟﺸﻐﻞ ﺑﻌﻤﺮ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻴﻦ ﻓﻴﻜﻮن ﻗﺪ اﺷﺘﻐﻞ ﻣﺪّة ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ آﻌﺎﻣﻞ ﻓﻘﻴﺮ ﻣﺤﺘﺎج إﻟﻰ آﺴﺐ ﻋﻴﺸﻪ ﻣﺘﺤﻤّﻼً اﻟﺘﻌﺐ واﻟﻌﺮق واﻟﻔﻘﺮ .وﺑﻬﺬا ﻳﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ دروﺳًﺎ ﻻ ﺗﻘﻞّ ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻨﻴّﺔ اﻟﺘﻲ آﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻌﻠﱢﻢ وﻳﺒﺸّﺮ وﻳﺼﻨﻊ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ. ﻳﻌﻠّﻤﻨﺎ ﻳﺴﻮع ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ اﻟﺨﻔﻴّﺔ اﻟﺘﻮاﺿﻊ واﻟﻘﻨﺎﻋﺔ واﻟﻄﺎﻋﺔ وﺣﺐّ اﻻﻧﻔﺮاد واﻻﺧﺘﻔﺎء واﻟﺠﻬﺎد واﺣﺘﻤﺎل اﻷﺗﻌﺎب .آﺎن ﻳﺴﻮع ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ أن ﻳﻌﻔﻮ ذاﺗﻪ واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ ﻣﻦ اﻟﺸﻐﻞ واﻟﺘﻌﺐ وﻟﻜﻨّﻪ أراد أن ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ ﻣﺜﻼً ﻟﺤﺐّ اﻟﻌﻤﻞ واﺣﺘﻤﺎل اﻟﺘﻌﺐ وﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﺬات. وﺑﻄﺎﻋﺘﻪ ﻟﻮاﻟﺪﻳﻪ ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ ﻣﺜﻼً ﻟﻨﻄﻴﻊ واﻟﺪﻳﻨﺎ ورؤﺳﺎءﻧﺎ. ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻨﻴّﺔ :هﻲ ﺛﻼث ﺳﻨﻴﻦ وﻧﺼﻒ أي ﻣﻨﺬ ﻋﻤﺮ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﺣﺘّﻰ ﻣﻮﺗﻪ ﺑﻌﻤﺮ ﺛﻼث وﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ وﺳﺘّﺔ أﺷﻬﺮ .ﻗﺪ ﻗﻀﺎهﺎ ﺑﺎﻟﺘﺒﺸﻴﺮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﺻﻨﻊ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ .ﻓﻜﺎن ﻳﺠﻮب اﻟﻘﺮى واﻟﻤﺪن ﻳﻌﻠّﻢ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ وﻳﺜﺒﺖ أﻗﻮاﻟﻪ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﻤﺪهﺸﺔ .ﻗﺪ ﺣﻮّل اﻟﻤﺎء ﺧﻤﺮًا ﻓﻲ ﻋﺮس ﻗﺎﻧﺎ اﻟﺠﻠﻴﻞ .وآﺜّﺮ اﻟﺨﺒﺰ ،وﻣﺸﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ .وأﻧﻬﺾ اﻟﻤﺨﻠّﻌﻴﻦ وأﻗﺎم اﻟﻤﻮﺗﻰ وﻓﺘّﺢ ﻋﻤﻴﺎﻧًﺎ آﺜﻴﺮﻳﻦ وأﻧﻄﻖ ﺧﺮﺳًﺎ ،وأﺳﻤﻊ ﻃﺮﺷًﺎ ،وﻃﺮد اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ،وﺷﻔﻰ ﻣﺮﺿﻰ ﻻ ﻳﺤﺼﻰ ﻋﺪدهﻢ .وآﺎﻧﻮا ﻳﻀﻌﻮن اﻟﻤﺮﺿﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺮّ ﻳﺴﻮع ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺸﻔﻮن.
٢١
إﺛﺒﺎت أﻟﻮهﻴّﺔ ﻳﺴﻮع ﻻ ﻧﻌﺠﺐ إذا آﺎن ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ وﻋﻠﻰ ﻣﺮّ اﻟﻌﺼﻮر ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮ أﻟﻮهﻴّﺔ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻓﻘﻴﺎﻓﺎ رﺋﻴﺲ اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻣﺰّق ﺛﻮﺑﻪ ﻏﻀﺒًﺎ ﻷنّ ﻳﺴﻮع ﻗﺎل ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ إﻧّﻪ إﻟﻪ .واﻟﻴﻬﻮد ﻣﺮّﺗﻴﻦ أﺧﺬوا ﺣﺠﺎرة ﻟﻴﺮﺟﻤﻮﻩ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ ﻳﺴﻮع :ﻟﻤﺎذا ﺗﺮﺟﻤﻮﻧﻲ؟ ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻟﻪ :ﻷﻧّﻚ إذ أﻧﺖ إﻧﺴﺎن ﺗﺠﻌﻞ ﻧﻔﺴﻚ إﻟﻬًﺎ )ﻳﻮ .(٣٣ :١٠ﻓﻘﻴﺎﻓﺎ وأوﻟﺌﻚ اﻟﻴﻬﻮد هﻢ ﻓﻲ آﻞّ ﻋﺼﺮ .وﻟﻮ اﺳﺘﻘﺮأﻧﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ ﻓﻲ آﻞّ ﺟﻴﻞ أﻋﺪاء ﻟﻴﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻳﻨﻜﺮون أﻟﻮهﻴّﺘﻪ .وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺴﺒﺐ هﻮ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺨﺼﻴّﺔ اﻟﻔﺬّة اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﻠّﻰ ﺑﻬﺎ وﺗﻠﻚ اﻟﻘﺪاﺳﺔ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺠﺐ ﺧﺼﻮﻣﻪ وﺗﺸﺠﺐ ﺗﺼﺮّﻓﺎﺗﻬﻢ اﻟﺴﻴّﺌﺔ. وﺗﻠﻚ اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪّ ﻣﻦ رﻏﺎﺋﺐ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ وﻣﻦ ﺷﻬﻮاﺗﻪ اﻟﻔﺎﺳﺪة. وﻓﻮق هﺬﻩ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺤﺴﺪ ،أي ﺣﺴﺪ زﻋﻤﺎء اﻟﻴﻬﻮد اﻟﺬﻳﻦ رأوا اﻟﻨﺎس ﻳﺘﺮآﻮﻧﻬﻢ وﻳﻠﺤﻘﻮن ﺑﻴﺴﻮع .وزد ﻋﻠﻰ هﺬا ﺗﺄﻧﻴﺐ ﻳﺴﻮع ﻟﻬﻢ وإﻇﻬﺎر ﻋﻴﻮﺑﻬﻢ وﻧﻘﺎﺋﺼﻬﻢ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻟﻬﻢ :ﻳﺎ ﻣﺮاؤون إﻧّﻜﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺒﻮر اﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺔ اﻟﻨﺎس ﻳﻤﺸﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن. وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺴﺒﺐ أﻳﻀًﺎ ﻋﺪم اﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﺑﺘﻨﺎزل اﻹﻟﻪ إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﺪرﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﺿﻊ واﻟﺬلّ ﻓﻴﻠﺒﺲ ﺟﺴﺪﻧﺎ وﻳﺘﺄﻟّﻢ وﻳُﻬﺎن وﻳﻤﻮت ﻷﺟﻠﻨﺎ .وهﺬا ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن :ﺣﺎﺷﺎ ﷲ أن ﻳﺘﺄﻟّﻢ وﻳﻤﻮت!
٢٢
ﻳﺴﻮع أﺛﺒﺖ أﻟﻮهﻴّﺘﻪ: .١ﻣﻦ آﺘﺐ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ :إنّ آﺘﺐ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻗﺪ ﺗﻜﻠّﻤﺖ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ ﻳﺴﻮع ﻓﺘّﺸﻮا اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺴﺒﻮن أنّ ﻟﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎة اﻷﺑﺪ ﻓﻬﻲ ﺗﺸﻬﺪ ﻟﻲ) .ﻳﻮ .(٣٩ :٥ ﻓﻬﺬﻩ اﻟﻜﺘﺐ ﻗﺪ أﺧﺒﺮت ﻋﻦ آﻴﻔﻴّﺔ ﻣﻴﻼد اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ، وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ ،وﻋﻦ ﺁﻻﻣﻪ وﻣﻮﺗﻪ وﻗﻴﺎﻣﺘﻪ .وﻗﺪ ﺗﻢّ ﻓﻲ ﻳﺴﻮع ﻣﺎ أﺧﺒﺮت ﻋﻨﻪ هﺬﻩ اﻟﻜﺘﺐ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﻴﻦ .ﻃﺎﻟﻊ ﻣﺘّﻰ وﻳﻮﺣﻨﺎ اﻟﻔﺼﻞ اﻷوّل واﻟﺜﺎﻧﻲ(. .٢ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ :ﻓﻠﻮ ﺗﺼﻔّﺤﻨﺎ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻤﻘﺪّس ،اﻟﺬي هﻮ آﻼﻣﻪ اﻹﻟﻬﻲّ ،ﻟﻔﺎح ﻣﻦ آﻞّ ﺻﻔﺤﺔ ﺷﺬى أﻟﻮهﻴّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ. ﻗﺎل .١ وﻟـﻤّﺎ ﺳﺄﻟﻪ ﻓﻴﻠﺒّﻮس أﺣﺪ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ :ﻳﺎ ﺳﻴّﺪ أرﻧﺎ اﻵب وﺣﺴﺒﻨﺎ. ﻗﺎل ﻟﻪ ﻳﺴﻮع :أﻧﺎ ﻣﻌﻜﻢ آﻞّ هﺬا اﻟﺰﻣﻦ ﻳﺎ ﻓﻴﻠﺒﻮس وﺗﻘﻮل أرﻧﺎ اﻵب .ﻓﻤﻦ رﺁﻧﻲ ﻓﻘﺪ رأى اﻵب )ﻳﻮ (١٠ :١٤وﻗﺎل ﻟﻠﻴﻬﻮد :ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻮن إﺑﺮاهﻴﻢ أﻧﺎ آﺎﺋﻦ .آﻤﺎ أنّ اﻵب ﻳﻘﻴﻢ اﻟﻤﻮﺗﻰ وﻳﺤﻴﻴﻬﻢ آﺬﻟﻚ اﻻﺑﻦ ﻳﺤﻴﻲ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء )ﻳﻮ (٣١ :٥ﻟﻮ آﻨﺘﻢ ﺗﻌﺮﻓﻮﻧﻲ ﻟﻜﻨﺘﻢ ﺗﻌﺮﻓﻮن أﺑﻲ أﻳﻀًﺎ وﻣﻦ اﻵن ﺗﻌﺮﻓﻮﻧﻪ وﻗﺪ رأﻳﺘﻤﻮﻩ )ﻳﻮ :١٤ (٧أﻧﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ واﻟﺤﻖّ واﻟﺤﻴﺎة .أﻧﺎ اﻷﻟﻒ واﻟﻴﺎء .أﻧﺎ اﻟﺒﺪاﻳﺔ واﻟﻨﻬﺎﻳﺔ .وﻗﺎل ﻟﻤﺮﺗﺎ :أﻧﺎ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ واﻟﺤﻴﺎة )ﻟﻮ .٢(٢٥ :١١
-١آﻴﻒ ﻳﺠﺮأ أن ﻳﻘﻮل هﺬا اﻟﻜﻼم ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ هﻮ واﻵب واﺣﺪ؟ -٢ﻋﻨﺪﻣﺎ أراد ذﻟﻚ اﻟﻤﺠﻨﻮن اﻟﺬي ﺷﻔﺎﻩ ﻳﺴﻮع أن ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻌﻪ ﻗﺎل ﻟﻪ ﻳﺴﻮع :اذهﺐ إﻟﻰ أهﻠﻚ وأﺧﺒﺮهﻢ ﺑﺮﺣﻤﺔ اﻟﺮبّ ﻣﻌﻚ.
٢٣
.٣ﻣﻦ اﻟﻤﻼك :إﻧّﻪ ﻗﺪ وُﻟﺪ ﻟﻜﻢ اﻟﻴﻮم ﻣﺨﻠّﺺ هﻮ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺮبّ )ﻟﻮ .(١٠ :٢هﺎ إنّ اﻟﻌﺬراء ﺗﺤﺒﻞ وﺗﻠﺪ اﺑﻨًﺎ وﻳُﺪﻋﻰ ﻋﻤﺎﻧﻮﺋﻴﻞ اﻟﺬي ﻣﻌﻨﺎﻩ :اﷲ ﻣﻌﻨﺎ )ﻣﺘﻰ (٢٤ :١وﻋﺒﺎرات آﺜﻴﺮة ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺗﺜﺒﺖ أﻟﻮهﻴّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻓﻲ اﻟﺒﺪء آﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺔ واﻟﻜﻠﻤﺔ آﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ اﷲ واﻟﻜﻠﻤﺔ هﻲ اﷲ )ﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻟﻔﺼﻞ اﻷوّل(. .٤ﺑﻌﺠﺎﺋﺒﻪ :إنّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻗﺪ ﺻﻨﻊ ﻋﺠﺎﺋﺐ آﺜﻴﺮة وﻣﺘﻨﻮّﻋﺔ ،وﻗﺎل ﻟﻠﻴﻬﻮد :إن ﻟﻢ ﺗﺆﻣﻨﻮا ﺑﻲ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ أﻋﻤﻠﻬﺎ )ﻳﻮ ،(٢٧ :١٠أي أنّ هﺬﻩ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ أﺻﻨﻌﻬﺎ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺄﻧّﻲ أﻧﺎ اﷲ .إنّ أﻋﺪاء اﻟﺪﻳﻦ ﻳﻨﻜﺮون ﻋﺠﺎﺋﺐ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻳﻨﺴﺒﻮﻧﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﺤﺮ واﻟﺸﻌﻮذة .ﻟﻨﻔﺮض أنّ ﺑﻌﺾ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺴﺎﺣﺮﻳﻦ واﻟﻤﺸﻌﻮذﻳﻦ أن ﻳﺘﻈﺎهﺮوا ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺜﻠﻬﺎ وﻟﻜﻨّﻬﻢ ﻳﻌﺠﺰون ﻋﻦ ﺗﻔﺘﻴﺢ اﻟﻌﻤﻴﺎن وإﻧﻄﺎق اﻟﺨﺮس وإﺳﻤﺎع اﻟﺼﻢّ ،إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻤﻮﺗﻰ ،وﺗﻄﻬﻴﺮ اﻟﺒﺮص ،وزجّ ﺧﻤﺴﺔ ﺁﻻف ﺧﻨـﺰﻳﺮ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ .أﺟﺎب ﻳﺴﻮع ﺗﻠﻤﻴﺬَي ﻳﻮﺣﻨّﺎ :إنّ اﻟﻌﻤﻴﺎن ﻳﺒﺼﺮون واﻟﺼﻢّ ﻳﺴﻤﻌﻮن واﻟﻌﺮج ﻳﻤﺸﻮن ،واﻟﺒﺮص ﻳُﻄﻬّﺮون .وﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﺸﻚّ ﻓﻲّ )ﻣﺘﻰ (٥ :١١ﺣﺘّﻰ أنّ اﻟﻘﺮﺁن ﻳﺸﻬﺪ ﻓﻲ ﻣﺤﻼّت آﺜﻴﺮة ﺑﻌﺠﺎﺋﺐ وﻣﻌﺠﺰات ﻋﻴﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ! .٥ﺑﻘﺪاﺳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ :ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺧﺼﻮﻣﻪ أن ﻳﺜﺒﺘﻮا ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ :ﻣﻦ ﻣﻨﻜﻢ ﻳﻮﺑّﺨﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻴﺌﺔ؟ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺣﻴﺎة ﻃﻬﺎرة وﻗﺪاﺳﺔ ،وداﻋﺔ وﺗﻮاﺿﻊ ،ﻣﻐﻔﺮة وﻣﺴﺎﻣﺤﺔ، ﻗﻨﺎﻋﺔ وزهﺪ ،ﺻﺒﺮ واﺣﺘﻤﺎل ،رﺣﻤﺔ وﺷﻔﻘﺔ ،ﻣﺤﺒّﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺣﺘّﻰ ﻷﻋﺪاﺋﻪ .وآﺎن ﻳﻮﺑّﺦ وﻳﺆﻧّﺐ أﺻﺤﺎب اﻟﺸﺮور ﻓﻠﻮ آﺎن ﻓﻴﻪ ﻧﻘﺺ أو رذﻳﻠﺔ ﻟﻤﺎ ﺗﺠﺎﺳﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺑﻴﺦ واﻟﺘﺄﻧﻴﺐ .ﺣﺘّﻰ إنّ
٢٤
اﻟﺸﻴﻄﺎن اﻋﺘﺮف ﺑﻘﺪاﺳﺘﻪ ﺣﻴﻦ ﻗﺎل :أﻧﺎ أﻋﺮﻓﻚ ﻣﻦ أﻧﺖ ﻳﺎ ﻗﺪّوس اﷲ )ﻣﺮ .(٢٣ :١ .٦ﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ :إنّ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ ﻳﺴﻮع ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺗﻔﻮق ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وﺗﺮﻓﻊ اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺨﺎﻟﺪة اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ. ﺗﺮﻓﻊ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ اﻟﺮذﻳﻠﺔ وﺗﺪﻓﻌﻪ إﻟﻰ أﺣﻀﺎن اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ .ﻓﻤﻦ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ أﺗﻰ ﺑﻤﺎ أﺗﻰ ﺑﻪ ﻳﺴﻮع ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ؟؟ ﻃﺎﻟﻊ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺑﺈﻣﻌﺎن ﻓﻴﻈﻬﺮ ﻟﻚ آﻞّ ﻣﺎ ذآﺮﻧﺎ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ وﻗﺪاﺳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮة. ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﺬي ﻳﺠﻬﻞ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻳﺠﻬﻞ اﻟﻤﺴﻴﺢ أﻳﻀًﺎ. .٧ﺑﺘﺼﺮّﻓﻪ :آﺎن ﺗﺼﺮّف ﻳﺴﻮع ﺗﺼﺮّف إﻟﻪ .ﻏﻔﺮ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ .ﻗﺎل ﻟﻠﻤﺨﻠّﻊ ﻣﻐﻔﻮرة ﻟﻚ ﺧﻄﺎﻳﺎك .ﻓﻐﻀﺐ اﻟﻔﺮﻳﺴﻴّﻮن ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ :ﻣﻦ ﻳﻐﻔﺮ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻏﻴﺮ اﷲ وﺣﺪﻩ؟ ﻓﻘﺎل ﻳﺴﻮع ﻟﻠﻤﺨﻠّﻊ :ﻗﻢ اﺣﻤﻞ ﺳﺮﻳﺮك واﻣﺶ! ﻟﺘﻌﻠﻤﻮا أنّ اﺑﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻪ ﺳﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ أن ﻳﻐﻔﺮ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ .وأﻋﻄﻰ هﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ )ﻣﺘﻰ .(٢ :٩ وﻋﺪّل اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ وﻗﺎل إﻧّﻪ رﺑّﻬﺎ .واﺑﻦ اﻹﻧﺴﺎن هﻮ ربّ اﻟﺴﺒﺖ .ﻗﻴﻞ ﻟﻸوﻟﻴﻦ :ﻻ ﺗﻘﺘﻞ ،وأﻣّﺎ أﻧﺎ ﻓﺄﻗﻮل ﻟﻜﻢ ﻣﻦ ﻏﻀﺐ ﻋﻠﻰ اﺧﻴﻪ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ .وأﻟﻐﻰ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﻄﻼق اﻟﺬي آﺎن أﺑﺎﺣﻪ ﻣﻮﺳﻰ ﻟﻘﺴﺎوة ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ .وآﺎن ﺗﺼﺮّﻓﻪ ﻳﺪهﺶ اﻟﻴﻬﻮد .وآﺎن ﻳﻌﻠّﻢ آﻤﻦ ﻟﻪ ﺳﻠﻄﺎن ﻻ آﺎﻟﻜﺘﺒﺔ واﻟﻔﺮﻳﺴﻴّﻴﻦ. .٨ﺑﻘﻴﺎﻣﺘﻪ :إنّ ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ أآﺒﺮ ﺑﺮهﺎن ﻋﻠﻰ أﻟﻮهﻴّﺘﻪ. اﻃﻠﺒﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﻨﺪ إﺛﺒﺎت ﻣﻮت اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻗﻴﺎﻣﺘﻪ.
٢٥
اﻋﺘﺮاض أوّل -١ﺗﻘﻮل إنّ ﻳﺴﻮع اﺑﻦ اﷲ ﻓﻬﻞ ﷲ أوﻻد؟ ج -ﻧﺴﻤّﻲ اﻟﻨﻮر اﺑﻦ اﻟﺸﻤﺲ ﻷﻧّﻪ ﻳﺼﺪر ﻣﻨﻬﺎ .آﺬﻟﻚ ﻧﺴﻤّﻲ ﻳﺴﻮع اﺑﻦ اﷲ ﻷﻧّﻪ ﻳﺼﺪر ﻣﻨﻪ .إنّ اﷲ روح ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺟﺴﺪ ﻟﺘﻜﻮن وﻻدة اﺑﻨﻪ آﻮﻻدة اﻻﺑﻦ ﻣﻦ أﺑﻴﻪ. اﻋﺘﺮاض ﺛﺎن -٢إنّ ﻳﺴﻮع ﺧﺎﻃﺐ أﺑﺎﻩ ﻗﺎﺋﻼً :ﻳﺎ أﺑﺖ إن أردت ﻓﻠﺘﻌﺒﺮ ﻋﻨّﻲ هﺬﻩ اﻟﻜﺄس .ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ آﻤﺸﻴﺌﺘﻲ ﺑﻞ آﻤﺸﻴﺌﺘﻚ )ﻣﺘﻰ :٢٦ ،(٣٩ﻟﺴﺖ وﺣﺪي ﺑﻞ أﻧﺎ واﻵب اﻟﺬي أرﺳﻠﻨﻲ )ﻳﻮ ،(١٦ :٨ اﻏﻔﺮ ﻟﻬﻢ ﻳﺎ أﺑﺖِ ﻷﻧّﻬﻢ ﻻ ﻳﺪرون ﻣﺎذا ﻳﻌﻤﻠﻮن )ﻟﻮ .(٢٤ :٢٣إنّ هﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرات وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻬﻬﺎ ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ انّ ﻳﺴﻮع هﻮ ﻣﺴﺘﻘﻞّ وﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ اﻵب أﺑﻴﻪ آﺎﻧﻔﺼﺎل ﺣﻨّﺎ ﻋﻦ أﺑﻴﻪ ﺑﻄﺮس. ج -ﻻ ﻧﻨﺴﻰ أنّ ﺣﻨّﺎ وﺑﻄﺮس هﻤﺎ ﺷﺨﺼﺎن ﻣﺴﺘﻘﻞّ آﻞّ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ .وآﻞّ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻟﻪ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ وذاﺗﻴّﺘﻪ .أﻣّﺎ ﻳﺴﻮع اﺑﻦ اﷲ ﻓﻠﻴﺲ آﺬﻟﻚ ،ﻓﻬﻮ وأﺑﻮﻩ ﻟﻬﻤﺎ ﻃﺒﻴﻌﺔ واﺣﺪة وﺟﻮهﺮ واﺣﺪ وذاﺗﻴّﺔ واﺣﺪة .ﻓﺤﻨّﺎ اﻻﺑﻦ وﻻدﺗﻪ ﻣﻦ أﺑﻴﻪ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ وﻻدة ﻳﺴﻮع ﻣﻦ أﺑﻴﻪ .ﻓﺤﻨّﺎ ﻳﺆﻟّﻒ وﺣﺪة ﻣﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻋﻦ أﺑﻴﻪ ﺑﻄﺮس .أﻣّﺎ ﻳﺴﻮع اﻻﺑﻦ ﻓﻼ ﻳﺆﻟّﻒ وﺣﺪة ﻣﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻋﻦ أﺑﻴﻪ ﻷنّ اﷲ أﺑﺎﻩ روح ووﻻدة اﻟﺮوح ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ وﻻدة اﻟﺠﺴﺪ .آﻮﻻدة اﻟﻨﻮر ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﺎﻟﻨﻮر ﻻ ﻳﺆﻟّﻒ وﺣﺪة ﻣﺴﺘﻘﻠّﺔ ﻋﻦ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﻞ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻴﻬﺎ وآﻼهﻤﺎ ﻳﺆﻟّﻔﺎن ﻃﺒﻴﻌﺔ واﺣﺪة ﺑﻨﻮع أنّ اﻟﻨﻮر هﻮ اﻟﺸﻤﺲ ذاﺗﻬﺎ واﻟﺸﻤﺲ هﻲ اﻟﻨﻮر ذاﺗﻪ. آﺬﻟﻚ وﻻدة ﻳﺴﻮع ﻣﻦ أﺑﻴﻪ .ﻓﻠﻮ آﺎن ﻟﻠﺸﻤﺲ ﺣﻴﺎة ﻋﺎﻗﻠﺔ آﻤﺎ هﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ اﷲ ﻟﻜﺎن ﺑﺈﻣﻜﺎن اﻟﺸﻤﺲ أن ﺗﺨﺎﻃﺐ اﻟﺒﺸﺮ ﻗﺎﺋﻠﺔ :ﻗﺪ أرﺳﻠﺖ إﻟﻴﻜﻢ اﺑﻨﻲ اﻟﻨﻮر ﻟﻴﻨﻴﺮآﻢ وﻳﺮﺷﺪآﻢ ﻓﺎﺳﻤﻌﻮا ﻟﻪ .آﻤﺎ ﻗﺎل اﻵب اﻟﺴﻤﺎوي ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻋﺘﻤﺪ ﻳﺴﻮع ﻓﻲ اﻷردن :هﺬا هﻮ اﺑﻨﻲ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﺎﺳﻤﻌﻮا ﻟﻪ .وﻟﻜﺎن ﺑﺈﻣﻜﺎن اﻟﻨﻮر
٢٦
أن ﻳﺨﺎﻃﺐ أﻣّﻪ اﻟﺸﻤﺲ :اﻏﻔﺮي ﻟﻸﺷﺮار اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘّﺨﺬون اﻟﻨﻮر ﻟﻴﺼﻨﻌﻮا اﻟﺸﺮور .آﻤﺎ ﺧﺎﻃﺐ ﻳﺴﻮع أﺑﺎﻩ ﻗﺎﺋﻼً :اﻏﻔﺮ ﻟﻬﻢ ﻳﺎ أﺑﺖِ ﻷﻧّﻬﻢ ﻻ ﻳﺪرون ﻣﺎذا ﻳﺼﻨﻌﻮن!.. اﻋﺘﺮاض ﺛﺎﻟﺚ -١ﻳﻘﻮل ﻳﺴﻮع :إنّ اﻵب هﻮ أﻋﻈﻢ ﻣﻨّﻲ. -٢إنّ اﻻﺑﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ إﻻّ ﻣﺎ ﻳﺮى اﻵب ﻳﻌﻤﻠﻪ. -٣إنّ ﺗﻌﻠﻴﻤﻲ ﻟﻴﺲ هﻮ ﻟﻲ ﺑﻞ ﻟﻠﺬي أرﺳﻠﻨﻲ. -٤أﻣّﺎ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم وﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻼ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ أﺣﺪ وﻻ اﻻﺑﻦ إﻻّ اﻵب. إنّ آﻞّ هﺬﻩ اﻻﻋﺘﺮاﺿﺎت وﻣﺎ ﻳﺸﺒﻬﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﻔﻲ أﻟﻮهﻴّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺘﻲ أﺛﺒﺘﻨﺎهﺎ ﺑﺎﻟﺒﺮاهﻴﻦ اﻟﻮاﺿﺤﺔ .إﻧّﻤﺎ ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ وﺣﺪة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﺠﻮهﺮ ﺑﻴﻦ اﻵب واﻻﺑﻦ .ﻓﺄﻋﻤﺎل اﻹﺑﻦ ﺗﺼﺪر ﻣﻨﻪ آﻨﻈﺎم ﺻﺪورﻩ ﻣﻦ اﻵب .ﻓﺎﻻﺑﻦ هﻮ ﺻﺎدر ﻋﻦ اﻵب ﻣﻨﺬ اﻷزل آﺼﺪور اﻟﻨﻮر ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻨﺬ وﺟﻮدهﺎ .وﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻳﻘﻮل ﻳﺴﻮع إنّ اﻵب هﻮ أﻋﻈﻢ ﻣﻨّﻲ ،ﻷﻧّﻲ أﻧﺎ ﺻﺎدر ﻣﻨﻪ. وﻳﻘﻮل :إنّ ﺗﻌﻠﻴﻤﻲ ﻟﻴﺲ هﻮ ﻟﻲ ﺑﻞ ﻟﻶب اﻟﺬي أرﺳﻠﻨﻲ، ﻓﻴﺴﻮع ﺻﺎدر ﻣﻦ اﻵب وﺗﻌﻠﻴﻤﻪ أﻳﻀًﺎ ﺻﺎدر ﻣﻦ اﻵب .وﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻳﻘﻮل إنّ اﻻﺑﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ إﻻّ ﻣﺎ ﻳﺮى اﻵب ﻳﻌﻤﻠﻪ .ﻓﻴﺴﻮع ﺻﺎدر ﻣﻦ اﻵب وأﻋﻤﺎﻟﻪ أﻳﻀًﺎ ﺻﺎدرة ﻣﻌﻪ ﻣﻦ اﻵب ﻓﻼ ﻳﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻪ. وﻗﺎل ﻳﺴﻮع :ﻻ أﺣﺪ ﻳﻌﺮف ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ وﻻ اﻻﺑﻦ إﻻّ اﻵب .آﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻜﺎهﻦ ﻻ أﻋﺮف ﻣﺎ اﻋﺘﺮف ﺑﻪ ﻓﻼن ،أي هﻮ ﺳﺮّ ﻻ ﻳﺠﻮز اﻟﺒﻮح ﺑﻪ. ﻣﺸﻴﺌﺔ ﻳﺴﻮع وإرادﺗﻪ هﻲ ﻣﺸﻴﺌﺔ اﻵب وإرادﺗﻪ .ﻷﻧّﻪ آﻤﺎ أنّ ﻳﺴﻮع ﺻﺎدر ﻣﻦ اﻵب ﻟﻮﺣﺪة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ آﺬﻟﻚ ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﺻﺎدرة ﻣﻦ اﻵب وإرادﺗﻪ أﻳﻀًﺎ.
٢٧
اﻋﺘﺮاض إنّ إﺧﻮاﻧﻨﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﺪّﻋﻮن أنّ آﻞّ ﻣﺎ ﻳﻘﺎل ﻋﻦ ﺑﻨﻮّة وأﻟﻮهﻴّﺔ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ واﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ هﻮ آﻔﺮ وﺧﺮاﻓﺔ وأنّ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻗﺪ ﺣﺮّﻓﻮا اﻹﻧﺠﻴﻞ. ﻧﺠﻴﺐ :ﺳﻬﻞ أن ﻳﻘﻮل اﻹﻧﺴﺎن ﺷﻴﺌًﺎ وﻟﻜﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ أن ﻳﺜﺒﺖ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل .ﻓﻬﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮا أن ﻳﺜﺒﺘﻮا ﺗﺰوﻳﺮ اﻹﻧﺠﻴﻞ؟ ﻓﺈذا آﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻨﺪون ﻋﻠﻰ إﻧﺠﻴﻞ ﺑﺮﻧﺎﺑﺎ اﻟﻤﺰوﱠر اﻟﺬي وﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻓﻼ ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻪ .واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻻ ﺗﻌﺘﺮف ﺑﻬﺬا اﻹﻧﺠﻴﻞ وﻻ ﺑﺒﻘﻴّﺔ اﻷﻧﺎﺟﻴﻞ اﻟﻤﺰوّرة اﻟﺘﻲ ﺗُﻌﺪّ ﺑﺎﻟﻤﺌﺎت، ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻌﺘﺮف إﻻّ ﺑﺎﻷﻧﺎﺟﻴﻞ اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺤﺎﻓﻈﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ .وهﺬﻩ اﻷﻧﺎﺟﻴﻞ هﻲ :إﻧﺠﻴﻞ ﻣﺘﻰ، وإﻧﺠﻴﻞ ﻣﺮﻗﺺ ،وإﻧﺠﻴﻞ ﻟﻮﻗﺎ ،وإﻧﺠﻴﻞ ﻳﻮﺣﻨّﺎ .واﻟﻘﺪّﻳﺲ أﻏﻮﺳﻄﻴﻨﻮس اﻟﻌﻈﻴﻢ آﺎن ﻳﻘﻮل :ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﺴﻠّﻤﻨﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻟﻤﺎ آﻨﺖ أؤﻣﻦ ﺑﺼﺤّﺘﻪ!! ﺻﻼة أﻧﺎ أؤﻣﻦ ﻳﺎ ﺳﻴّﺪي ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﺄﻧّﻚ أﻧﺖ اﷲ .ﺧﻠﻘﺘﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺪم وﺗﺤﻔﻈﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد .وأوﺟﺪت ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﻟﺨﺪﻣﺘﻲ ،وﻣﺖّ ﻷﺟﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ وﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺸﺮآﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدﺗﻚ .ﻓﻜﻢ أﻧﺎ ﻣﺪﻳﻮن ﻟﻚ ﻳﺎ إﻟﻬﻲ؟ ﻣﺪﻳﻮن ﻟﻚ ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ واﻟﺤﻔﻆ واﻟﻔﺪاء وﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻌﻄﻴﻨﻲ إﻳّﺎهﺎ .ﻓﻴﺎ ﻟﻴﺖ ﻗﻠﺒﻲ أوﺳﻊ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺎر آﻲ أﺣﺒّﻚ ﺑﻪ!!
٢٨
ﺳﺮّ اﻟﻔﺪاء ﺗﺤﺪﻳﺪ :هﻮ أنّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ،اﺑﻦ اﷲ ،اﻷﻗﻨﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس ،اﻟﺬي ﺻﺎر إﻧﺴﺎﻧًﺎ ،ﺗﺄﻟّﻢ وﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻟﻔﺪاﺋﻨﺎ أي ﻟﻴﺨﻠّﺼﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻬﻼك اﻷﺑﺪيّ وﻳﻌﻴﺪ إﻟﻴﻨﺎ اﻟﺤﻖّ ﻓﻲ اﻹرث اﻟﺴﻤﺎويّ اﻟﺬي ﺧﺴﺮﻧﺎﻩ ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ. ﻳﺴﻮع آﻔّﺎرة ﻋﺎدﻟﺔ :إنّ اﻟﻌﺪل اﻹﻟﻬﻲّ اﻗﺘﻀﻰ اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻋﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻟﻴﺴﺖ ﺧﻠﻴﻘﺔ ،وﻟﻮ ﻣﻬﻤﺎ ﺳﻤﺖ ﺑﻜﺎﻓﻴﺔ ﻷن ﺗﻜﻔّﺮ ﻟﻠﻌﺪل اﻹﻟﻬﻲّ ،ﺑﻞ أنّ ﻳﺘﺠﺴّﺪ اﺑﻦ اﷲ وﻳﺘﺄﻟّﻢ وﻳﻤﻮت ﻣﺤﺮﻗﺔ وذﺑﻴﺤﺔ ﻟﻴﻜﻮن آﻔّﺎرة ﻋﺎدﻟﺔ وآﺎﻓﻴﺔ. ﻳﺴﻮع ﺑﻤﻮﺗﻪ :ﺻﺎﻟﺤﻨﺎ ﻣﻊ أﺑﻴﻪ اﻟﺴﻤﺎويّ ﻓﺮﺿﻲ ﻋﻨّﺎ وﻓﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺬي آﺎن ﻗﺪ أُﻏﻠﻖ ﺑﻮﺟﻬﻨﺎ .وﻏﺴّﻞ ﺑﺪﻣﻪ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ وﺟﺮاﺋﻤﻨﺎ .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :وﻟﻲ ﺻﺒﻐﺔ أﺻﻄﺒﻐﻬﺎ وأﻧﺎ ﺗﺎﺋﻖ ﻷن ﺗﻜﻤﻞ. ﺑﻤﻮﺗﻪ :ﻻﺷﻰ اﻟﺨﺼﻮﻣﺔ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄت ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض وﻓﺮّﻗﺖ ﺑﻴﻦ اﷲ واﻹﻧﺴﺎن. ﺑﻤﻮﺗﻪ :ﺣﺮّرﻧﺎ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳّﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎن واﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﺻﻴّﺮﻧﺎ ﺑﻨﻴﻦ ﷲ .ورﻓﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺬلّ واﻟﻬﻮان إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺠﺪ واﻟﻜﺮاﻣﺔ. ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻴﺄس وﻗﻄﻊ اﻟﺮﺟﺎء إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺮﺣﻤﺔ اﷲ وﺣﻨﺎﻧﻪ.
٢٩
ﺣﺎﻟﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺒﻞ اﻟﻔﺪاء :ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺧﺴﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﺣ ّ ﻖ اﻟﺒﻨﻮّة ﷲ .وﻓﻘﺪ ﺣﻘّﻪ ﺑﺪﺧﻮل اﻟﺴﻤﺎء ،واﺳﺘﺤﻖّ ﺟﻬﻨّﻢ .ﻓﺮأى اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺣﺎﻟﺘﻨﺎ هﺬﻩ اﻟﺘﻌﻴﺴﺔ ﻓﺸﻔﻖ ﻋﻠﻴﻨﺎ .وأراد أن ﻳﺨﻠّﺼﻨﺎ .ﻓﺘﺤﻤّﻞ ﻗﺼﺎص اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻋﺬاﺑﺎت وﺁﻻﻣًﺎ ﺑﺪﻻً ﻣﻨّﺎ ،ﻣﻦ أﺧﻤﺺ اﻟﻘﺪم إﻟﻰ ﻗﻤّﺔ اﻟﺮأس ﻻ ﺻﺤّﺔ ﻓﻴﻪ آﻠّﻪ ﺟﺮاح ،ﻣﺰدرى ﻣﺨﺬول ،رﺟﻞ أوﺟﺎع ،أﺧﺬ ﻋﺎهﺎﺗﻨﺎ وﺣﻤﻞ أوﺟﺎﻋﻨﺎ) .أﺷﻌﻴﺎ .(٥٣ وآﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﺘﻨﺎ ﺣﺎﻟﺔ اﺑﻦ ﻣﻠﻚ ﺧﺴﺮ ﺣﻘﻮﻗﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻚ وﻣﻦ إرث أﺑﻴﻪ وﻃﺮد ﺧﺎرج اﻟﻘﺼﺮ وﺻﺎر إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻳُﺮﺛﻰ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺬلّ واﻟﻌﺎر واﻟﻔﻘﺮ واﻟﺠﻮع .وإذا ﺑﺈﻧﺴﺎن ﻳﻌﻴﺪﻩ إﻟﻰ ﻣﺎ آﺎن ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ آﺮاﻣﺔ وﺣﻘﻮق .وﻗﺪ ﻗﺎﺳﻰ هﺬا اﻹﻧﺴﺎن آﺜﻴﺮًا ﻣﻦ اﻵﻻم .ﻓﻜﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﺑﻦ اﻟﻤﻠﻚ هﺬا أن ﻳﺤﺐّ اﻟﺬي ﺧﻠّﺼﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﺳﺘﻪ وأﻋﺎدﻩ إﻟﻰ ﺳﻌﺎدﺗﻪ. ﻓﻬﺬﻩ هﻲ ﺣﺎﻟﺘﻨﺎ ﻧﺤﻦ ،ﻓﺒﻌﺪ أن آﻨّﺎ ﻣﻄﺮودﻳﻦ ﻣﻦ ﺳﻌﺎدﺗﻨﺎ وﻣﺤﺮوﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻨﺎ ﻗﺪ اﺳﺘﻌﺎدهﺎ ﻟﻨﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ، ووﻓﻰ ﻣﺎ آﺎن ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻮن .ﻓﻜﻢ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺤﺒّﻪ وﻧﻘﺎﺑﻠﻪ ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﻓﻨﺘﺤﻤّﻞ ﻷﺟﻠﻪ ﺿﻴﻘﺎت اﻟﺤﻴﺎة وﺁﻻﻣﻬﺎ؟
٣٠
إﺛﺒﺎت ﻣﻮت وﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻓﻤﻦ ﺣﻴﺚ إنّ ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ هﻲ ﻣﻦ أآﺒﺮ اﻟﺪﻻﺋﻞ ﻋﻠﻰ أﻟﻮهﻴّﺘﻪ ،ﻧﺮى أنّ اﻟﺨﺼﻮم ﻳﻨﻜﺮوﻧﻬﺎ وﻳﺘﻤﺤّﻠﻮن اﻟﺒﺮاهﻴﻦ ﻟﺪﺣﻀﻬﺎ ،ﻇﻨًّﺎ ﻣﻨﻬﻢ أﻧّﻬﻢ إذا دﺣﻀﻮهﺎ هﺪﻣﻮا اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻣﻦ أﺳﺎﺳﻪ .وﻟﻜﻦ هﻴﻬﺎت أن ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮا دﺣﺾ ﺣﻘﻴﻘﺔ إﺷﺮاق اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ راﺋﻌﺔ اﻟﻨﻬﺎر. إنّ إﻧﻜﺎر ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،ﺑﻞ أنّ اﻟﻴﻬﻮد أﻋﺪاء اﻟﻤﺴﻴﺢ أﻧﻜﺮوا هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ورﺷﻮا اﻟﺠﻨﻮد ﺣﺮّاس اﻟﻘﺒﺮ ﻟﻴﻘﻮﻟﻮا إنّ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺳﺮﻗﻮﻩ وﻧﺤﻦ ﻧﻴﺎم .ﻏﺎﻓﻠﻴﻦ ﻋﻦ اﻹﺛﺒﺎﺗﺎت اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻟﻘﻴﺎﻣﺘﻪ ،إذ أنّ دﺣﺮﺟﺔ اﻟﺼﺨﺮ اﻟﻜﺒﻴﺮ آﺎفٍ ﻹﻳﻘﺎظ ﺣﺮّاس اﻟﻘﺒﺮ إذا آﺎﻧﻮا ﺗﺠﺮّأوا ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻮم وهﻢ ﻓﻲ إﺗﻤﺎم وﻇﻴﻔﺔ وﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻬﻢ ﻣﺴﺆوﻟﻴّﺔ .وإذا ﻧﺎم ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓﻴﺒﻘﻰ أﺣﺪهﻢ ﺳﺎهﺮًا ﻳﻮﻗﻆ رﻓﺎﻗﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ .وإذا آﺎﻧﻮا ﺣﻘًّﺎ ﻧﺎﺋﻤﻴﻦ ﻓﻤﻦ أﻳﻦ ﻋﺮﻓﻮا أنّ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺳﺮﻗﻮﻩ؟ وﻣﻦ أﻳﻦ اﻟﺠﺮأة ﻟﻠﺘﻼﻣﻴﺬ اﻟﺬﻳﻦ آﺎﻧﻮا ﻗﺪ هﺮﺑﻮا واﺧﺘﺒﺄوا ﻋﻨﺪ ﻣﺴﻚ ﻳﺴﻮع ،ﻷن ﻳﺄﺗﻮا وﻳﺴﺮﻗﻮﻩ ﻟﻴﻼً وهﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﺮؤوا أن ﻳﺪاﻓﻌﻮا ﻋﻨﻪ وهﻮ ﺣﻲّ! هﻞ آﺎن ﻟﻬﻢ وﻋﻲ أن ﻳﺤﻠّﻮا اﻟﻜﻔﻦ وﻳﺘﺮآﻮﻩ ﻓﻲ اﻟﻘﺒﺮ؟ إنّ ﻣﻦ أﻗﺎم ﻣﻮﺗﻰ آﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﻴﻢ ذاﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻮت. وﻗﺪ ﻗﺎم ﻳﺴﻮع ﻟﻴﺘﻤّﻢ ﻧﺒﻮءﺗﻪ اﻟﺘﻲ آﺎن ﻗﺪ ﺗﻨﺒّﺄهﺎ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻪ ﺑﺄﻧّﻪ ﺳﻴﻘﻮم ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻳّﺎم ،وﻟﻜﻲ ﻳﺜﺒﺖ أﻟﻮهﻴّﺘﻪ وﺗﻌﻠﻴﻤﻪ .وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﻳﺴﻮع ﻟﻜﺎن ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ آﺎذﺑًﺎ وهﻮ آﺎن آﺎذﺑًﺎ أﻳﻀًﺎ .وﻟﻜﺎن ﺗﻼﺷﻰ دﻳﻨﻪ وﺗﻌﻠﻴﻤﻪ .وهﻞ آﺎن اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻳﺘﺠﺮأون ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺒﺸﻴﺮ ﺑﺈﻟﻪ آﺎذب ﻗﺪ وﻋﺪهﻢ ﺑﺄﻧّﻪ ﻳﻘﻮم ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ وﻟﻢ ﻳﻘﻢ؟
٣١
ﻗﺎل اﻟﻤﻼك ﻟﻠﻨﺴﻮة اﻟﻠﻮاﺗﻲ ذهﺒﻦ إﻟﻰ اﻟﻘﺒﺮ ﺑﺎآﺮًا :إﻧّﻜ ّ ﻦ ﺗﻄﻠﺒﻦ ﻳﺴﻮع اﻟﻨﺎﺻﺮي اﻟﺬي ﺻُﻠﺐ .إﻧّﻪ ﻗﺪ ﻗﺎم )ﻣﺘّﻰ .(٥ :٢٨ ﻃﺎﻟﻊ ﻣﺮﻗﺲ ،١٦ﻃﺎﻟﻊ ﺑﻮﻟﺲ ١آﻮرﻧﺜﺲ .(١٥ إﻧﻜﺎر ﻣﻮﺗﻪ :وآﻤﺎ أﻧﻜﺮوا ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ أﻧﻜﺮ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻮﺗﻪ ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ إنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻢ ﻳﻤﺖ ﺑﻞ ُ ﺷﺒّﻪ ﻟﻬﻢ ﺑﺄﻧّﻪ ﻣﺎت اﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ أنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻻ ﻳﻤﻮت إذا آﺎن هﻮ اﷲ .وإن آﺎن ﻣﺎت ﻓﻬﻮ إﻧﺴﺎن. واﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺠﻮز أن ﻧﻌﺒﺪﻩ آﺈﻟﻪ! إنّ هﺆﻻء ﻳﺠﻬﻠﻮن أنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ هﻮ إﻟﻪ وإﻧﺴﺎن .وﻗﺪ ﻣﺎت ﻣﻦ ﺣﻴﺚ هﻮ إﻧﺴﺎن ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ هﻮ إﻟﻪ .ﻷنّ اﻹﻟﻪ ﻻ ﻳﺘﺄﻟّﻢ وﻻ ﻳﻤﻮت. واﻟﺸﻮاهﺪ آﺜﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺜﺒﺖ ﻣﻮت ﻳﺴﻮع اﻹﻧﺴﺎن .ﻓﻘﺎﺋﺪ اﻟﻤﺌﺔ ﻃﻌﻨﻪ ﺑﺤﺮﺑﺔ ﻟﻴﺘﺄآّﺪ ﻣﻦ ﻣﻮﺗﻪ .واﻟﺤﺮﺑﺔ آﺎﻧﺖ آﺎﻓﻴﺔ ﻷن ﺗُﻤﻴﺘﻪ إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﻣﺎت .واﻟﻮاﻟﻲ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲّ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺪﻓﻨﻪ إﻻّ ﺑﻌﺪ ﺗﺄآّﺪﻩ ﻣﻦ ﻣﻮﺗﻪ .واﻟﻴﻬﻮد ﺧﺼﻮﻣﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺘﺄآّﺪوا ﻣﻦ ﻣﻮﺗﻪ ﻟﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﺗﺮآﻮﻩ ﺣﺘّﻰ ﻳﻔﺎرق اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻤﺎ هﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻮق إﻟﻰ ﻣﻮﺗﻪ واﻟﺨﻮف ﻣﻦ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﺣﻴًّﺎ .واﻟﺜﻼﺛﺔ أﻳّﺎم ﻓﻲ اﻟﻘﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ آﺎن ﻓﻴﻬﺎ ،آﺎﻓﻴﺔ أن ﻳﻤﻮت إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﻣﺎت. ﻳﺴﻮع ﺗﻨﺒّﺄ ﻋﻦ ﻣﻮﺗﻪ ﻣﺮّات ﻋﺪﻳﺪة :وآﻔﻰ ﺷﺎهﺪًا ﻋﻠﻰ ﻣﻮت اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻗﻮﻟﻪ ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ وهﻢ ﺻﺎﻋﺪون إﻟﻰ أورﺷﻠﻴﻢ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻪ ﺑﺄﻳّﺎم :هﺎ ﻧﺤﻦ ﺻﺎﻋﺪون إﻟﻰ أورﺷﻠﻴﻢ واﺑﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺴﻠﱠﻢ ﻟﻸﻣﻢ ﻓﻴﺠﻠﺪوﻧﻪ ...وﻳﻘﺘﻠﻮﻧﻪ وﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻳﻘﻮم )ﻣﺘﻰ .(١٨ :٢٠وﺻﺮخ ﻳﺴﻮع ﺑﺼﻮت ﻋﻈﻴﻢ وأﺳﻠﻢ اﻟﺮوح )ﻣﺘﻰ ،(١٧وﻟـﻤّﺎ أﺧﺬ ﻳﺴﻮع اﻟﺨﻞّ ﻗﺎل ﻗﺪ ﺗﻢّ وأﺣﻨﻰ رأﺳﻪ وأﺳﻠﻢ اﻟﺮوح.
٣٢
ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن إنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻢ ﻳﻤﺖ ﺑﻞ ﺷﺒﱢﻪ ﻟﻬﻢ أﻧّﻪ ﻣﺎت .ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﺗﻨﺎﻗﺾ إذ إﻧّﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺁﺧﺮ ﻳﻘﻮل ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ :ﺳﻼم ﻋﻠﻲﱠ ﻳﻮم أوﻟَﺪ وﻳﻮم أﻣﻮت وﻳﻮم أُﺑﻌﺚ ﺣﻴًّﺎ .ﻓﺎﻟﻘﺮﺁن إذًا ﻳﻌﺘﺮف ﺑﻤﻮت اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻗﻴﺎﻣﺘﻪ .وﻣﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ أﻧّﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن أنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ هﻮ إﻟﻪ وإﻧﺴﺎن .ﻣﺎت ﻣﻦ ﺣﻴﺚ هﻮ إﻧﺴﺎن ﻻ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ هﻮ إﻟﻪ. ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪِ ﺣﻴﺎة اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﻤﻮﺗﻪ إنّ ﺣﻴﺎة اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪِ ﺑﻤﻮﺗﻪ ﺑﻞ ﻗﺎم ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻳّﺎم وﻇﻬﺮ ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ ﻣﺮّات ﻋﺪﻳﺪة وأآﻞ ﻣﻌﻬﻢ وﺣﺪّﺛﻬﻢ وﻋﻠّﻤﻬﻢ ﻣﺪّة أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣًﺎ ﺣﺘّﻰ ﺗﺄآّﺪوا ﻣﻦ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ﺛﻢّ ﺻﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء أﻣﺎﻣﻬﻢ. وﺑﺼﻌﻮدﻩ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪِ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﻞ ﺑﻘﻲ ﻓﻲ آﻨﻴﺴﺘﻪ وهﻮ ﺣﻲّ ﻓﻲ آﻨﻴﺴﺘﻪ .ﺣﻲّ ﻟﻴﺲ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ وﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ آﺒﺎﻗﻲ ﻋﻈﻤﺎء اﻟﺮﺟﺎل وﻟﻴﺲ ﺑﻤﺎ ﺧﻠّﻒ ﻣﻦ ﺗﻼﻣﻴﺬ ﻳﻨﺸﺮون دﻋﻮﺗﻪ وﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﺎل ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ أرﺑﺎب اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت واﻟﻤﺬاهﺐ. ﻟﻴﺲ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﺠﺎزي ﻳﺤﻴﺎ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﻴﻦ ﺧﺎﺻّﺘﻪ ﺑﻞ ﺑﻮﺟﻮدﻩ ﺣﻘﻴﻘﺔ .ﻓﻘﺪ ﻗﺎل :أﻧﺎ ﻣﻌﻜﻢ ﻃﻮل اﻷﻳّﺎم إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺪهﺮ .أﻧﺎ اﻟﻜﺮﻣﺔ وأﻧﺘﻢ اﻷﻏﺼﺎن .ﻟﺴﺖ أﻏﺎدرآﻢ أﻳﺘﺎﻣًﺎ ﻷﻧّﻲ ﺳﺄﺟﻲء .اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻻ ﻳﺮاﻧﻲ وأﻧﺘﻢ ﺗﺮوﻧﻨﻲ. هﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺎت وأﻣﺜﺎﻟﻬﺎ هﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻏﻴﺮهﺎ ﻓﻲ ﻓﻢ اﻟﻨﺎس .هﻲ ﻓﻲ ﻓﻢ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻣﺠﺎز .واﻗﻊ ﻻ ﺧﻴﺎل. ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻦ ﻗﺪرﺗﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﻣﻌﻨﺎهﺎ .ﻓﻬﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ إﻟﻬﻴّﺔ
٣٣
وُﺿﻌﺖ ﻓﻲ آﻠﻤﺎت ﺑﺸﺮﻳّﺔ ﺗﻀﻴﻖ ﺑﻬﺎ .هﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻻ ﻧﻔﻬﻤﻬﺎ ﺣﻖّ اﻟﻔﻬﻢ إﻻّ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎن .ﻷﻧّﻬﺎ ﺳﺮّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻓﻲ آﻨﻴﺴﺘﻪ. ﻓﻬﻮ ﺣﻲّ ﻓﻴﻬﺎ آﺎﻟﺮوح ﻓﻲ اﻟﺠﺴﻢ ﻻ ﻧﺮاهﺎ وﻻ ﻧﻠﻤﺴﻬﺎ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﺤﻴﻴﻪ وﺑﺪوﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﺤﻴﺎ .اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺣﻲّ ﻓﻲ آﻨﻴﺴﺘﻪ ﻓﻲ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﻬﻮ ﻣﻮﺟﻮد ﺑﻼهﻮﺗﻪ وﻧﺎﺳﻮﺗﻪ!! وﺑﻬﺬا اﻹﻳﻤﺎن ﻧﺄآﻠﻪ ﻏﺬاء ﻟﻨﻔﻮﺳﻨﺎ ﻣﺎزﻟﻨﺎ ﺳﺎﺋﺮﻳﻦ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻷرض!!
اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﺗﺤﺪﻳﺪ :هﻮ اﻷﻗﻨﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس .وهﻮ ﻣﺴﺎ ٍو ﻟﻶب واﻻﺑﻦ ،ﻷﻧّﻪ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻵب واﻻﺑﻦ .ﻓﺎﻷﻗﺎﻧﻴﻢ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻟﻬﻢ ﻃﺒﻴﻌﺔ واﺣﺪة وﺟﻮهﺮ واﺣﺪ وذات واﺣﺪة. هﻮ ﻣﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ اﻵب واﻻﺑﻦ آﻤﺎ ﺗﻨﺒﺜﻖ اﻟﺤﺮارة ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ وﻣﻦ اﻟﻨﻮر .وهﻲ ﻣﻊ اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻨﻮر واﺣﺪ. هﻮ ﺻﺎدر ﻣﻦ اﻵب واﻻﺑﻦ آﻤﺎ ﺗﺼﺪر اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻨﻔﺲ وهﻲ ﻣﻊ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻨﻔﺲ واﺣﺪ. إنّ اﷲ رأى ﺻﻔﺎﺗﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ ﻓﺄﺣﺒّﻬﺎ .وهﺬﻩ اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺪرت ﻣﻦ اﻵب هﻲ اﻻﺑﻦ .واﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻟﻤﻨﻌﻜﺴﺔ ﻣﻦ اﻻﺑﻦ إﻟﻰ اﻵب وﻣﻦ اﻵب إﻟﻰ اﻻﺑﻦ هﻲ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس واﻟﺜﻼﺛﺔ هﻢ اﷲ اﻟﻮاﺣﺪ! إﺛﺒﺎت أﻟﻮهﻴّﺔ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ :إذهﺒﻮا ﻋﻠّﻤﻮا اﻷﻣﻢ وﻋﻤّﺪوهﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻵب واﻻﺑﻦ واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس )ﻣﺘّﻰ :٢٨ .(١٩
٣٤
ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس هﻮ اﷲ ﻟﻤﺎ آﺎن ﻻزﻣًﺎ أن ﻳﻌﻤّﺪ اﻟﺮﺳﻞ ﺑﺎﺳﻤﻪ. ﻧﺴﺒﺖ ﻣﺮّات آﺜﻴﺮة ،اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ إﻟﻰ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻣﺎ ﻳُﻨﺴﺐ إﻟﻰ اﷲ :ﻟﻤﺎذا ﻣﻸ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻗﻠﺒﻚ ﺣﺘّﻰ ﺗﻜﺬب ﻋﻠﻰ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ...إﻧّﻚ ﻟﻢ ﺗﻜﺬب ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ )أﻋﻤﺎل .(٤-٣ :٥إنّ اﻟﺮوح ﻳﻔﺤﺺ آﻞّ ﺷﻲء ﺣﺘّﻰ أﻋﻤﺎق اﷲ. ﻻ أﺣﺪ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ اﷲ إﻻّ روح اﷲ ) ١آﻮرﻧﺜﺲ .(١٠ :٢روح اﷲ ﻣﻸ أﻗﻄﺎر اﻷرض )ﺣﻜﻤﺔ (٧ :١اﻟﺸﻬﻮد ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺛﻼﺛﺔ: اﻵب واﻟﻜﻠﻤﺔ واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس وهﺆﻻء اﻟﺜﻼﺛﺔ هﻢ واﺣﺪ ) ١ﻳﻮﺣﻨّﺎ .(٧ :٥ﻣﺘﻰ ﺟﺎء اﻟﻤﻌﺰّي اﻟﺬي أرﺳﻠﻪ إﻟﻴﻜﻢ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻵب روح اﻟﺤﻖّ اﻟﺬي ﻣﻦ اﻵب ﻳﻨﺒﺜﻖ ﻓﻬﻮ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻲ )ﻳﻮﺣﻨّﺎ .(٢٥ :١٥ ﺧﻴﺮًا ﻟﻜﻢ أن أﻧﻄﻠﻖ ﻷﻧّﻲ إن ﻟﻢ أﻧﻄﻠﻖ ﻓﻼ ﻳﺄﺗﻴﻜﻢ اﻟﻤﻌﺰّي )ﻳﻮ .(١٧ :١٦ﻣﺘﻰ ﺟﺎء روح اﻟﺤﻖّ هﻮ ﻳﺮﺷﺪآﻢ إﻟﻰ آﻞّ ﺣﻖّ واﻹﻧﺠﻴﻞ ﻣﻶن ﻣﻦ ذآﺮ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس. اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس هﻮ اﻟﺬي ﺗﻜﻠّﻢ ﺑﺎﻷﻧﺒﻴﺎء :ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﻜﻞّ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻋﻦ ﻣﺠﻲء اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻣﻮﻟﺪﻩ وﺁﻻﻣﻪ وﻣﻮﺗﻪ وﻗﻴﺎﻣﺘﻪ إﻧّﻤﺎ ﻗﺎﻟﻮﻩ ﺑﻮﺣﻲ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس. وﻗﺪ ﺣﻞّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻳﻮم اﻟﻌﻨﺼﺮة وﻣﻸهﻢ ﻣﻦ ﻣﻮاهﺒﻪ اﻟﺴﺒﻊ اﻟﺬي ذآﺮهﺎ اﻟﻨﺒﻲ أﺷﻌﻴﺎ .وآﺘﺎب أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ ﻣﻶن ﻣﻦ ذآﺮ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس) .ﻃﺎﻟﻌﻪ(. ﻣﻮاهﺐ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﺴﺒﻊ :اﻟﻌﻠﻢ ،واﻟﻔﻬﻢ ،واﻟﺤﻜﻤﺔ، واﻟﻤﺸﻮرة ،واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،واﻟﺘﻘﻮى ،وﺧﻮف اﷲ .وهﺬﻩ اﻟﻤﻮاهﺐ ﺗﻨﻴﺮ اﻟﻌﻘﻞ وﺗﺮﺷﺪﻩ وﺗﻘﻮّي اﻹرادة وﺗﻘﻮّﻣﻬﺎ.
٣٥
ﻣﻮهﺒﺔ اﻟﻌﻠﻢ :ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﺮف ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺔ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ ﻣﻊ اﷲ .ﻓﺈذا ﻧﻈﺮﻧﺎ اﻟﺰﻧﺒﻘﺔ ﻣﺜﻼً ﻧﻌﺮف أنّ اﷲ هﻮ ﻋﻠّﺔ وﺟﻮدهﺎ وﺣﻔﻈﻬﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ. ﻣﻮهﺒﺔ اﻟﻔﻬﻢ :ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻔﻬﻢ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻤﻮﺣﺎة ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ. ﻣﻮهﺒﺔ اﻟﺤﻜﻤﺔ :هﻲ أآﻤﻞ اﻟﻤﻮاهﺐ آﻤﺎ أنّ ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﻤﺤﺒّﺔ هﻲ أآﻤﻞ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ .ﻓﻬﺬﻩ اﻟﻬﺒﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻔﻬﻢ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﺑﻞ ﻧﺘﺬوّﻗﻬﺎ وﻧﺤﺒّﻬﺎ. ﻣﻮهﺒﺔ اﻟﻤﺸﻮرة :هﻲ أنّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳُﻠﻬﻤﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﻓﻌﻠﻪ إﺗﻤﺎﻣًﺎ ﻟﻮﻋﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﻘﺎﺋﻞ :ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻠّﻤﻮﻧﻜﻢ ﻓﻼ ﺗﻬﺘﻤﻮا ﺑﻤﺎ ﺗﺘﻜﻠّﻤﻮن ...ﻓﺈﻧّﻜﻢ ﺗُﻌﻄﻮن ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻣﺎ ﺗﺘﻜﻠّﻤﻮن ﺑﻪ ،ﻷﻧّﻜﻢ ﻟﺴﺘﻢ أﻧﺘﻢ ﺑﺎﻟﻤﺘﻜﻠّﻤﻴﻦ وﻟﻜﻦ روح أﺑﻴﻜﻢ هﻮ اﻟﻤﺘﻜﻠّﻢ ﻓﻴﻜﻢ )ﻣﺮ .(١١ :١٣ ﻣﻮهﺒﺔ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ :ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻻ ﻧﺨﺎف ﻣﻦ اﻟﻌﺬاﺑﺎت وﻗﺖ اﻻﺿﻄﻬﺎد وﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻼم واﻟﻬﺪوء وﺳﻂ اﻟﺼﻌﻮﺑﺎت واﻟﺸﺪاﺋﺪ .ﻓﺎﻟﺸﻬﺪاء آﺎﻧﻮا ﻳﺘﺤﻤّﻠﻮن اﻟﻌﺬاﺑﺎت ﺑﺒﺴﺎﻟﺔ وﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ.اﻷﺗﻘﻴﺎء ﻳﺘﺤﻤّﻠﻮن اﻟﻨﻜﺒﺎت واﻟﺸﺪاﺋﺪ ﺑﺴﻼم وﺳﻜﻴﻨﺔ. ﻣﻮهﺒﺔ اﻟﺘﻘﻮى :ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻌﺒﺪ اﷲ ﺑﻔﺮح وﺳﺮور وﻧﻄﻴﻊ وﺻﺎﻳﺎﻩ ﻃﺎﻋﺔ ﻋﺬﺑﺔ ﻟﻴّﻨﺔ ،وﻧﺤﺒّﻪ ﻣﺤﺒّﺔ ﺳﺨﻴّﺔ ،ﺗﺤﻤﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻣﺔ ذواﺗﻨﺎ ﻟﻤﺠﺪﻩ.
٣٦
ﻣﻮهﺒﺔ ﺧﻮف اﷲ :ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺨﺎف اﷲ ﺧﻮﻓًﺎ ﺑﻨﻮﻳًّﺎ واﺣﺘﺮاﻣﻴًّﺎ وﺣﺒّﻴًّﺎ ﻓﻨﺘﺠﻨّﺐ آﻞّ ﻣﺎ ﻳﻐﻴﻈﻪ ﻻ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﻨّﻢ ﺑﻞ ﺣﺒًّﺎ ﺑﻪ وﻧﻜﻔﱢﺮ ﻋﻦ أﺻﻐﺮ هﻔﻮة ﺿﺪّ اﷲ اﻟﻜﻠﻲّ اﻟﺼﻼح واﻟﻤﺤﺒّﺔ. ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺼﻠّﻲ آﻞّ ﻳﻮم ﻟﻠﺮوح اﻟﻘﺪس ﻣﻠﺘﻤﺴًﺎ ﻣﻨﻪ هﺬﻩ اﻟﻤﻮاهﺐ ﻟﺘﻜﻮن ﻧﻮرًا وﻣﺮﺷﺪًا وﻣﺸ ّ ﺠﻌًﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻴﻮﻣﻴّﺔ! ﻗﺪ وهﺐ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﺑﻌﺪ ﺣﻠﻮﻟﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻳﻮم اﻟﻌﻨﺼﺮة ﻣﻮهﺒﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﻠﻐﺎت ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻜﻠّﻤﻮن اﻟﻨﺎس آﻼًّ ﺑﻠﻐﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻّﺔ .وهﺬﻩ اﻟﻤﻮهﺒﺔ ﻗﺪ وهﺒﻬﺎ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮس اﻟﺒﺎدواﻧﻲ اﻟﺬي ﻧﻄﻖ ﺑﻠﻐﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻟﻢ ﻳﺪرﺳﻬﺎ. واﻟﻘﺪّﻳﺲ آﺴﺎﻓﺎرﻳﻮس رﺳﻮل اﻟﻬﻨﺪ ﻗﺪ وهﺒﻪ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس أﻳﻀًﺎ هﺬﻩ اﻟﻤﻮهﺒﺔ ﻓﻜﺎن ﻳﻜﻠّﻢ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴّﻴﻦ واﻟﺼﻴﻨﻴّﻴﻦ ﺑﻠﻐﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻄﻼﻗﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻓﻴﻈﻨﻮﻧﻪ ﻣﻮﻟﻮدًا ﻓﻲ ﺑﻼدهﻢ ﻣﻊ أﻧّﻪ ﻟﻢ ﻳﺪرس ﻟﻐﺎﺗﻬﻢ! ﺧﺒﺮ :آﺎن ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ اﻟﺸﻬﻴﺮ "ﺑﺮوآﺮ" ﺻﺪﻳﻖ ﻣﺘﻜﺒّﺮ ﻳﻜﺮّر ﻋﻠﻴﻪ هﺬا اﻟﻘﻮل :ﻟﺴﺖ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ أﻧﻮار اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻓﺈنّ ﺿﻴﺎء ﻋﻘﻠﻲ ﻳﻜﻔﻴﻨﻲ .ذات ﻣﺮّة ﻧﺎوﻟﻪ "ﺑﺮوآﺮ" آﺘﺎﺑًﺎ ﻟﻴﻘﺮأ ﻓﻴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ وأﻏﻠﻖ اﻟﻨﺎﻓﺬة ،ﻓﺎﻋﺘﺮض ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻗﺎﺋﻼً :ﺣﺠﺒﺖ ﻋﻨّﻲ اﻟﻨﻮر ﻓﻼ أرى ﺣﺮوف اﻟﻜﺘﺎب .أﺟﺎب "ﺑﺮوآﺮ :أﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻲ أنّ ﻧﻮر ﻋﻘﻠﻚ ﻳﻐﻨﻴﻚ ﻋﻦ أﻧﻮار اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس .ﻓﻈﻨﻨﺖ أنّ ﻋﻴﻦ ﺟﺴﺪك ﺗﻐﻨﻴﻚ أﻳﻀًﺎ ﻋﻦ ﻧﻮر اﻟﺸﻤﺲ .ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻓﻬﻢ اﻟﺮﺟﻞ ﺿﻼﻟﻪ اﻟﻔﺎﺣﺶ. ﺻﻼة :أﻳّﻬﺎ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس أﻋﻄﻨﻲ ﻣﻮاهﺒﻚ .وأﻧﺮ ﻋﻘﻠﻲ ﻷﻓﻬﻢ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻚ اﻹﻟﻬﻴّﺔ .وﻗﻮّي إرادﺗﻲ ﻷﻋﻤﻞ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ،وأﺷﻌﻞ ﻗﻠﺒﻲ ﺑﻤﺤﺒّﺘﻚ ﻓﺄﻋﻴﺶ ﺣﺴﺐ وﺻﺎﻳﺎك اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ .ﺁﻣﻴﻦ.
٣٧
اﻹﻧﺴﺎن ﺗﺤﺪﻳﺪ :ﻗﺪ ﺧﻠﻖ اﷲ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺮآّﺒًﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ وﺟﺴﺪ. اﻟﻨﻔﺲ :روح ﻻ ﻧﺮاهﺎ وﻻ ﻧﻠﻤﺴﻬﺎ وهﻲ ﻋﺎﻗﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﻪ اﷲ .ﻗﺎل اﷲ :ﻟﻨﺼﻨﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺻﻮرﺗﻨﺎ آﻤﺜﺎﻟﻨﺎ )ﺗﻜﻮﻳﻦ :١ .(٢٦ اﻟﻨﻔﺲ ﺧﺎﻟﺪة ﻻ ﺗﻤﻮت .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤﻮت اﻹﻧﺴﺎن ،ﻓﻨﻔﺴﻪ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ اﻟﺠﺴﺪ وﺗﻤﺜﻞ أﻣﺎم اﷲ ﻟﻴﺪﻳﻨﻬﺎ. اﻟﺠﺴﺪ :ﻧﺮاﻩ وﻧﻠﻤﺴﻪ .ﻳﻤﻮت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻔﺼﻞ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻨﻪ، ﻷﻧّﻪ ﻻ ﻳﺤﻴﺎ ﺑﺪوﻧﻬﺎ ،ﻓﻴﺘﻼﺷﻰ ،ﺛﻢّ ﻳﻌﻴﺪﻩ اﷲ إﻟﻰ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻘﺪرﺗﻪ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ ،ﻟﻴﺸﺘﺮك ﻣﻌﻬﺎ أﻣّﺎ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة وأﻣّﺎ ﺑﺎﻟﻌﺬاب آﻤﺎ اﺷﺘﺮك ﻣﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﺎﻟﻔﻀﻴﻠﺔ أو ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ. ﻏﺎﻳﺔ وﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎن :هﻲ أن ﻳﻤﺠّﺪ اﷲ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻳﺘﻤﺘّﻊ ﺑﺴﻌﺎدﺗﻪ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة .ﻓﻬﺎﺗﺎن اﻟﻐﺎﻳﺘﺎن أي ﺗﻤﺠﻴﺪ اﷲ واﻟﺘﻤﺘّﻊ ﺑﺴﻌﺎدﺗﻪ ﺗﻠﺰﻣﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺄن ﻳﻌﺮف اﷲ وﻳﺤﺒّﻪ وﻳﻌﺒﺪﻩ. ﻳﻤﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻤﺠّﺪ اﷲ ﺑﻜﻞّ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﻧﻮاﻋﻬﺎ .إن أآﻠﺘﻢ أو ﺷﺮﺑﺘﻢ اﺻﻨﻌﻮا ذﻟﻚ ﺗﻤﺠﻴﺪًا ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ )اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ( .ﻓﻜﻤﺎ ﻳﻤﺠّﺪﻩ ﺑﺎﻟﺼﻼة وﻓﺮوض اﻟﻌﺒﺎدة ،آﺬﻟﻚ ﻳﻤﺠّﺪﻩ ﺑﺎﻟﺸﻐﻞ واﻟﻌﻤﻞ واﺣﺘﻤﺎل اﻟﻤﺸﻘّﺎت واﻵﻻم .ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﺬآّﺮ داﺋﻤًﺎ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﺎذا ﻳﻔﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن إن رﺑﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﺧﺴﺮ ﻧﻔﺴﻪ )ﻣﺘّﻰ .(٢٦ :١٦ﻓﻼ ﻳﻔﻀّﻞ ﺧﻴﺮات هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺰاﺋﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮات اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺨﺎﻟﺪة.
٣٨
إﺛﺒﺎت وﺟﻮد اﻟﻨﻔﺲ آﻤﺎ وُﺟﺪ ﻣﻠﺤﺪون أﻧﻜﺮوا وﺟﻮد اﷲ آﺬﻟﻚ وُﺟﺪ ﻣﻠﺤﺪون أﻧﻜﺮوا وﺟﻮد اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ .وإن أﻗﺮّ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ ﺑﻮﺟﻮد ﻧﻔﺲ ﻟﻺﻧﺴﺎن إﻻّ أﻧّﻬﻢ أﻧﻜﺮوا ﺧﻠﻮدهﺎ .ﻓﻘﺎﻟﻮا إﻧّﻬﺎ ﺗﺘﻼﺷﻰ ﺑﺎﻟﻤﻮت آﻨﻔﺲ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻼﺷﻰ ﺑﻤﻮﺗﻪ. ﻻ ﻧﻌﺠﺐ ﻣﻦ إﻧﻜﺎرهﻢ وﺟﻮد اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﺑﻌﺪ أن أﻧﻜﺮوا وﺟﻮد اﷲ .وﻻ ﻧﻌﺠﺐ ﻣﻦ إﻧﻜﺎرهﻢ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت .ﺑﻌﺪ أن وﺿﻌﻮا آﻞّ ﻏﺎﻳﺘﻬﻢ وﺳﻌﺎدﺗﻬﻢ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻘﻂ. أﻣّﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻼ ﻧﺒﻴﻊ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻤﻞء اﻟﺪﻧﻴﺎ ذهﺒًﺎ وﻻ ﻧﺒﺪل اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺨﺎﻟﺪة ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ﺑﻜﻞّ ﺳﻌﺎدات هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺰاﺋﻠﺔ .وﻻ ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻜﻮن ﻣﺜﻞ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻧﺘﻼﺷﻰ ﺑﺎﻟﻤﻮت .ﻓﺈﻧّﻨﺎ ﻧﺸﻌﺮ ﺑﺄنّ ﻓﻴﻨﺎ ﻧﻔﺴًﺎ ﺗﺘﻮق إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻮد وإﻟﻰ ﻣﺸﺎهﺪة اﷲ اﻟﺨﺎﻟﻖ وإﻟﻰ اﻻﺷﺘﺮاك ﺑﺴﻌﺎدﺗﻪ اﻟﺨﺎﻟﺪة. واﻟﺬﻳﻦ أﻧﻜﺮوا اﷲ وأﻧﻜﺮوا اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ وﺧﻠﻮدهﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻮرّﻋﻮا ﻋﻦ إﻧﻜﺎر ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﻧﺰل إﻟﻰ اﻷرض وأﺛﺒﺖ أﻟﻮهﻴّﺘﻪ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﻬﺎ .وﻗﺪ أﺛﺒﺖ وﺟﻮد اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ وأﺛﺒﺖ ﺧﻠﻮدهﺎ وﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إذا ﺻﻨﻊ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺼﻼح ،وﻋﻘﺎﺑﻬﺎ إذا ﺻﻨﻊ اﻟﺸﺮّ. وإذا ﻧﻔﻴﻨﺎ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ وﺧﻠﻮدهﺎ ،ﻧﻨﻔﻲ ﻓﺎﺋﺪة اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ وﻗﻴﻤﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻤﺔ ،وﺳﺎوﻳﻨﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺮّ واﻟﺨﻴﺮ وﺑﻴﻦ اﻟﺮذﻳﻠﺔ واﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ،إذ ﻻ ﻳﻌﻮد ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻸﺧﻼق اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، وﺗﺼﺒﺢ اﻟﻔﻄﻨﺔ واﻟﺤﻜﻤﺔ أن ﻳﺸﺒﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻟﺬّات هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة وﻳﻐﺮف ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع دون أي رادع.
٣٩
إﺛﺒﺎت وﺟﻮد اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺠﺪﻳﺪ :ﻳﺜﺒﺖ وﺟﻮد اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ وﺧﻠﻮدهﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت وﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ أو ﻋﻘﺎﺑﻬﺎ ﺣﺴﺐ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻬﺎ. ﺟﺎء ﻓﻲ ﺳﻔﺮ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ :٧ :٢وﺟﺒﻞ اﷲ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﺗﺮاب اﻷرض وﻧﻔﺦ ﻓﻲ أﻧﻔﻪ ﻧﺴﻤﺔ اﻟﺤﻴﺎة .إذًا ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻟﺠﺴﺪ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ .ﻓﺎﻟﺠﺴﺪ ﺧﻠﻘﻪ ﻣﻦ ﺗﺮاب اﻷرض واﻟﻨﻔﺲ هﻲ ﻧﺴﻤﺔ ﺣﻴﺎة ﻧﻔﺨﻬﺎ اﷲ ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺪ. وﺟﺎء ﻓﻲ ﺳﻔﺮ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ :٧ :١٢وﻳﻌﻮد اﻟﺘﺮاب إﻟﻰ اﻷرض ﺣﻴﺚ آﺎن وﻳﻌﻮد اﻟﺮوح إﻟﻰ اﷲ اﻟﺬي وهﺒﻪ .وﺟﺎء ﻓﻲ ﺳﻔﺮ اﻟﺤﻜﻤﺔ :إنّ اﷲ ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﺧﺎﻟﺪًا وﺻﻨﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرة ذاﺗﻪ. وﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻮا ﻣﻤّﻦ ﻳﻘﺘﻞ اﻟﺠﺴﺪ وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﺘﻞ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻞ ﺧﺎﻓﻮا ﻣﻤّﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻬﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ .ﻣﺎذا ﻳﻔﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن إن رﺑﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﺧﺴﺮ ﻧﻔﺴﻪ؟ وﻳﺬهﺐ اﻷﺷﺮار إﻟﻰ اﻟﻌﺬاب اﻷﺑﺪيّ واﻟﺼﺪّﻳﻘﻮن إﻟﻰ ﺣﻴﺎة اﻷﺑﺪ )ﻣﺘّﻰ .(٤٦ :٢٥ ﺗﺬآّﺮ ﻳﺎ اﺑﻨﻲ أﻧّﻚ ﻗﺒﻠﺖ ﺧﻴﺮاﺗﻚ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻚ وأﻟﻴﻌﺎزر ﺑﻼﻳﺎﻩ ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ هﻨﺎ وأﻧﺖ ﺗﺘﻌﺬّب )ﻟﻮ (٢٥ :١٦ وﻋﺒﺎرات آﺜﻴﺮة ﺟﺪًّا ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻤﻘﺪّس ﺗﺜﺒﺖ وﺟﻮد اﻟﻨﻔﺲ وﺧﻠﻮدهﺎ ﻧﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ذآﺮﻧﺎ. ﻃﺎﻟﻊ ﻗﺼّﺔ ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن )ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻓﺼﻞ ٢ ،١و.(٣
٤٠
وﺟﻮب اﻻهﺘﻤﺎم ﺑﺨﻼص اﻟﻨﻔﺲ :إذا آﺎن ﻷب اﺑﻨﺔ وﺣﻴﺪة ﻓﻜﻢ ﻳﺤﺒّﻬﺎ وﻳﻌﺘﻨﻲ ﺑﻬﺎ .وإذا ﻣﺮﺿﺖ ﺑﺬل اﻟﻐﺎﻟﻲ واﻟﻨﻔﻴﺲ ﻟﻴﺸﻔﻴﻬﺎ. ﻟﻜﻞّ إﻧﺴﺎن اﺑﻨﺔ وﺣﻴﺪة هﻲ ﻧﻔﺴﻪ .ﻓﻜﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺤﺒّﻬﺎ وﻳﻌﺘﻨﻲ ﺑﻬﺎ!! واﻟﻤﺤﺒّﺔ ﻟﻨﻔﺴﻨﺎ ﺗﻘﻮم ﺑﺄن ﻧﺒﻠﻐﻬﺎ ﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ .ﻓﺈذا ﻣﺮﺿﺖ ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻘﺪّﻣﻬﺎ ﻟﻄﺒﻴﺒﻬﺎ اﻟﺮوﺣﻲّ أي اﻟﻤﻌﺮّف ﻟﻴﺸﻔﻴﻬﺎ وأن ﻧﻘﺪّم ﻟﻬﺎ ﻋﻼﺟﻬﺎ وﻏﺬاءهﺎ اﻟﺮوﺣﻲّ اﻟﺬي هﻮ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس. ﻧﻌﺘﻨﻲ ﺑﺎﻟﺰهﺮة واﻟﺪﺟﺎﺟﺔ وﻧﻬﺘﻢّ ﺑﺄﻣﻮر أﺗﻔﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اهﺘﻤﺎﻣًﺎ ﺑﻠﻴﻐًﺎ وﻧﻬﻤﻞ اﻻهﺘﻤﺎم واﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻨﻔﺴﻨﺎ اﻟﺘﻲ هﻲ أﺛﻤﻦ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻷرض ﺑﻞ إنّ آﻞّ أﻣﻮال وﺟﻮاهﺮ اﻷرض وﺧﻴﺮاﺗﻬﺎ ﻻ ﺗﻮازﻳﻬﺎ ﺑﺪﻟﻴﻞ ﻗﻮل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﺎذا ﻳﻔﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻮ رﺑﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﺧﺴﺮ ﻧﻔﺴﻪ .إنّ ﻧﻔﺴﻨﺎ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻗﻴﻤﺔ إﻟﻪ ،إذ أنّ اﷲ ﻣﺎت ﻷﺟﻠﻬﺎ .ﻓﻬﻞ ﻳﻮﺟﺪ ﺷﻲء ﻳﺴﺎوي ﻧﻔﺴﻨﺎ؟ وهﻞ ﻣﻦ ﺟﺮﻳﻤﺔ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻗﺘﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ؟؟ اﻋﺘﺮاﺿﺎت ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻧﻘﻮل إنّ اﻹﻧﺴﺎن أﺻﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺮد ﻟﻮﺟﻮد اﻟﺸﺒﻪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ وذﻟﻚ ﺑﻘﻮّة ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﺘﻄﻮّر آﻤﺎ ﻳﺪّﻋﻲ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﻬﻴﺎآﻞ اﻟﻌﻈﻤﻴّﺔ اﻟﻤﺘﺤﺠّﺮة ﻣﻦ أﻟﻮف أو ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ؟؟ ﻓﻠﻮ ﺳﻠّﻤﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﻧﺴﺄل :ﻣﻦ اﻟﺬي ﺧﻠﻖ اﻟﻘﺮد اﻷوّل؟ ﻓﺈذ أﺟﺒﻨﺎ أنّ اﷲ هﻮ اﻟﺬي ﺧﻠﻘﻪ! ﻧﺴﻠّﻢ ﻣﻊ اﻟﺴﺆال :ﻣﺎ اﻟﺪاﻋﻲ إﻟﻰ أن ﻳﺨﻠﻖ اﷲ اﻟﻘﺮد وﻳﻨﺘﻈﺮ أﻟﻮف اﻟﺴﻨﻴﻦ ﺣﺘّﻰ ﻳﺘﺤﻮّل إﻟﻰ
٤١
ﺷﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﺛﻢّ ﻳﺨﻠﻖ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺘّﻰ ﻳﺼﺒﺢ إﻧﺴﺎﻧًﺎ آﺎﻣﻼً آﻤﺎ هﻮ اﻟﻴﻮم؟ وﻧﺴﻠّﻢ أﻳﻀًﺎ ﻣﻊ اﻟﺴﺆال إذا آﺎن ﺗﻢّ هﺬا اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﻓﻠﻤﺎذا ﻣﻨﺬ ﺁدم إﻟﻰ اﻟﻴﻮم وﻗﺪ اﻧﻘﻀﻰ أﻟﻮف اﻟﺴﻨﻴﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻮّل ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ ﺻﻨﻒ اﻟﻘﺮود إﻟﻰ ﻧﺎس ﺑﻞ ﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ آﺎن ﻋﻠﻴﻪ؟ وأﺟﻴﺐ أﻳﻀًﺎ أنّ اﻟﺸﺒﻪ اﻟﺬي وﺟﺪوﻩ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺮد واﻹﻧﺴﺎن اﻟﻴﻮم هﻮ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ واﻟﺤﺎل أﻧّﻨﺎ ﻧﺮى اﻟﻴﻮم ﻓﺮق ﺑﻴﻦ ﺟﻤﺠﻤﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺰﻧﺠﻲّ واﻹﻧﺴﺎن اﻷﺑﻴﺾ آﺎﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ ﺟﻤﺠﻤﺔ اﻟﻘﺮد اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﻤﺘﺤﺠّﺮ وﺟﻤﺠﻤﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻴﻮم. ﻗﺎل اﷲ :ﻟﻨﺨﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺻﻮرﺗﻨﺎ وﻣﺜﺎﻟﻨﺎ .وﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرة اﻟﻘﺮد وﻣﺜﺎﻟﻪ .ﻧﻌﻢ إنّ اﷲ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺻﻮرة ﻣﺎدﻳّﺔ وﻟﻜﻦ ﻳﺨﻠﻘﻪ ﻋﺎﻗﻼً ﺷﺒﻴﻬًﺎ ﺑﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ .وﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﷲ اﻟﺨﺎﻟﻖ أن ﻳﻌﻄﻲ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺎﻗﻞ ﺻﻮرة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺧﺎﺻّﺔ ﺑﻪ ،ﻻ ﻧﻘﻼً ﻋﻦ اﻟﻘﺮد!!
أﺳﺌﻠﺔ هﻞ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﻳﺨﻠﻘﻬﺎ اﷲ أمّ اﻟﻮاﻟﺪان آﻤﺎ ﻳﺨﻠﻘﺎن اﻟﺠﺴﺪ؟ آﺜﻴﺮون ﻻ ﻳﻔﻜّﺮون ﺑﻜﻴﻔﻴّﺔ ﺧﻠﻖ اﻟﻨﻔﺲ! وأﺿﺎﻟﻴﻞ آﺜﻴﺮة ﺣﻮل اﻟﺴﺆال. أﻣّﺎ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ هﻮ أنّ اﷲ ﻳﺨﻠﻖ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﺑﺬاﺗﻪ .آﻞّ ﻧﻔﺲ وﺣﺪهﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺣﺸﺎ اﻷم أهﻼً ﻟﺤﻠﻮل اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻴﻪ .إنّ
٤٢
اﻟﺠﺴﺪ ﻳﺼﺒﺢ أهﻼً ﻟﺤﻠﻮل اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﺑﻀﻌﺔ أﻳّﺎم .ﺑﻌﺪ أن ﺟﺒﻞ اﷲ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺦ ﻓﻴﻪ ﻧﺴﻤﺔ ﺣﻴّﺔ )ﺗﻜﻮﻳﻦ .(٢ ﺳﺆال :ﺷﻲء ﻣﺰﻋﺞ ﷲ أن ﻳﺨﻠﻖ اﻟﻨﻔﺲ آﻠّﻤﺎ آﻮّن ﺟﺴﺪ ﻓﻲ ﺣﺸﺎ أﻣّﻪ ﻟـﻤّﺎ ﺳﺄل اﻟﻔﺮﻳﺴﻴّﻮن ﻳﺴﻮع ﻋﻦ وﻟﺪ ﺧُﻠﻖ أﻋﻤﻰ ،ﻟﻤﺎذا وُﻟﺪ أﻋﻤﻰ؟ هﻞ هﻮ أﺧﻄﺄ أم واﻟﺪاﻩ؟ أﺟﺎﺑﻬﻢ ﻳﺴﻮع :ﻻ هﻮ أﺧﻄﺄ وﻻ واﻟﺪاﻩ ﻟﻜﻦ ﻟﻜﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻗﺪرة اﷲ .ﻳﻌﻨﻲ إذا ﻟﻢ ﻳﻌﺘﻨﻲ اﷲ ﺑﺎﻟﺠﻨﻴﻦ ﻣﻨﺬ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ ﻓﻲ ﺣﺸﺎ أﻣّﻪ ﻟﻜﺎن ﻳﻮﻟﺪ ﻣﺸ ّﻮهًﺎ. آﻴﻒ ﻳﻌﻴﺪ اﷲ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺴﺪ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻟﺘﻲ آﺎن ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻳﻜﻮن ﺑﻠﻲ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻴﻦ؟ ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :هﺎ أﻧﺎ ﻣﺨﺒﺮآﻢ ﺑﺴﺮّ وهﻮ ﺣﻴﻦ ﻳﺼﻮّت اﻟﺒﻮق اﻷﺧﻴﺮ ﺗﻘﻮم اﻟﻤﻮﺗﻰ ﺑﻼ ﻓﺴﺎد ،ﻷنّ هﺬا اﻟﻔﺎﺳﺪ ﻣﺰﻣﻊ أن ﻳﻠﺒﺲ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻔﺴﺪ وهﺬا اﻟﻤﺎﺋﺖ ﻳﻠﺒﺲ ﻋﺪم اﻟﻤﻮت .ﻳﻘﻮل إﻧﺴﺎن ﻣﻨﻜﻢ آﻴﻒ ﺗﻘﻮم اﻟﻤﻮﺗﻰ وﺑﺄي ﺟﺴﺪ ﻳﺄﺗﻮن؟ أﻳّﻬﺎ اﻟﺠﺎهﻞ ،إنّ اﻟﺰرع اﻟﺬي ﺗﺰرﻋﻪ إن ﻟﻢ ﻳﻤﺖ ﻻ ﻳﻌﺶ .وذﻟﻚ اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﺗﺰرﻋﻪ ﻟﺴﺖ ﺗﺰرع ﺟﺮﻣﻪ اﻟﻌﺘﻴﺪ أن ﻳﺘﻜﻮّن ﺑﻞ ﺣﺒّﺔ ﻋﺎرﻳﺔ وﻟﻜﻦ اﷲ ﻳﻬﺐ ﻟﻬﺎ ﺟﺮﻣًﺎ آﻤﺎ ﻳﺸﺎء )آﻮ .(٣٥ :١٥ ﻗﺪ أﺛﺒﺖ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻴﻮم أنّ ﺟﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺘﺄﻟّﻒ ﻣﻦ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﺘﻲ آﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺟﺴﺪ! ﻓﺈذا ﺑﻘﻲ ﺧﻠﻴّﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺪ ﻳﻘﺪر اﷲ أن ﻳﻜﻮّن ﻣﻨﻬﺎ ﺟﺴﺪًا ﺟﺪﻳﺪًا. واﻟﺠﻨﻴﻦ اﻟﺬي ﻳﺼﺒﺢ إﻧﺴﺎﻧًﺎ آﺒﻴﺮًا ﻳﺘﻜﻮّن ﻣﻦ ﻧﻄﻔﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﺟﺪًّا ﻣﻦ زرع اﻟﺮﺟﻞ!؟ وﺷﺠﺮة اﻟﻠﻴﻤﻮن اﻟﻜﺒﻴﺮة ﻣﻦ ﺑﺰرة ﺻﻐﻴﺮة!!
٤٣
وﻳﻘﻮل اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس :ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﻠﻖ اﷲ اﻹﻧﺴﺎن أﺧﺬ ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺗﺮاب اﻷرض وﻧﻔﺦ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺴﻤﺔ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﺼﺎرت إﻧﺴﺎﻧًﺎ .ﻓﺎﷲ اﻟﺬي ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﺣﻔﻨﺔ ﺗﺮاب ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻌﻴﺪ إﻟﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﺟﺴﺪﻩ ﺑﻌﺪ ﻓﻨﺎﺋﻪ ﺑﺎﻟﺘﺮاب! ﺻﻼة أﻳّﻬﺎ اﻹﻟﻪ اﻟﺬي ﺟﺒﻠﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﺗﺮاب اﻷرض وﻧﻔﺨﺖ ﻓﻲّ ﻧﺴﻤﺔ اﻟﺤﻴﺎة وأﻧﺎ ﺑﻜﻞّ دﻗﻴﻘﺔ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻚ ﻷﺑﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد .وﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت وﺑﻌﺪ ﻓﻨﺎء ﺟﺴﺪي ﺗﻌﻮد ﺗﻘﻴﻤﻨﻲ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ وﺗﻠﺒﺴﻨﻲ ﺟﺴﺪًا أﺟﻤﻞ ﻟﻴﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺗﻚ .إﻧّﻚ ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﺗﺨﻠﻘﻨﻲ ﻋﺪّة ﻣﺮّات .اﻟﻤﺮّة اﻷوﻟﻰ ﻟـﻤّﺎ أوﺟﺪﺗﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺪم. اﻟﻤﺮّة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺣﻔﻈﻚ إﻳّﺎي ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة هﻮ ﺧﻠﻖ داﺋﻢ .اﻟﻤﺮّة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺖّ ﻷﺟﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ إذ آﻨﺖ ﻣﻴﺘًﺎ ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻓﺄﺣﻴﻴﺘﻨﻲ .اﻟﻤﺮّة اﻟﺮاﺑﻌﺔ :ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت إذ ﺗﻘﻴﻤﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻮت ﺑﺨﻠﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺟﻤﻴﻠﺔ. ﺁﻩ ﻳﺎ إﻟﻬﻲ آﻢ أﻧﺎ ﻣﺪﻳﻮن ﻟﻚ! آﻢ أﻧﺎ ﻣﻐﻤﻮر ﺑﻨﻌﻤﻚ وﻋﻄﺎﻳﺎك! آﻢ أﻧﺎ ﻣﻠﺘﺰم ﺑﺄن أﺣﺒّﻚ ﻷﺑﺎدﻟﻚ اﻟﺤﺐّ .إﻧّﻲ أﺣﺒّﻚ ﻳﺎ إﻟﻬﻲ .إﻧّﻲ أﺣﺒّﻚ .إﻧّﻲ أﺣﺒّﻚ!!
٤٤
اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ واﻟﻘﺪّﻳﺴﻮن ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﺧﻠﻖ اﷲ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺨﻠﻖ اﻟﺒﺸﺮ ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺒّﺤﻮﻩ وﻳﻤﺠّﺪوﻩ داﺋﻤًﺎ ،وﻳﺘﻤّﻤﻮا أواﻣﺮﻩ اﻟﻘﺪّوﺳﺔ ،آﺎﻟﻤﻠﻚ اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ وﺗﺤﺖ أﻣﺮﻩ أﻟﻮف اﻟﺨﺪم واﻟﺠﻨﻮد. وﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﺰاﻣﻴﺮ :وﺧﻠﻘﺖ ﺧﺪاﻣﻚ أرواﺣًﺎ. ﺻﻔﺎت اﻟﻤﻼك :اﻟﻤﻼك روح ﻻ ﺟﺴﻢ ﻟﻪ ﻣﺜﻞ ﻧﻔﺴﻨﺎ .ﻳﺘﻨﻌّﻢ ﺑﺼﻔﺎت ﺗﻔﻮق ﺻﻔﺎت اﻹﻧﺴﺎن ،ﺑﺎﻟﻔﻬﻢ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ وﺟﻤﺎل اﻟﻨﻔﺲ .وﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ أﻳﻀًﺎ اﻟﻠﻄﺎﻓﺔ واﻟﺨﻔّﺔ واﻟﺴﺮﻋﺔ وﻋﺪم اﻟﺘﺄﻟّﻢ. ﺳﻘﻮط ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ :ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ آﻞّ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺒﺮارة اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﻬﻢ اﷲ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺴﻘﻂ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﺻﺎروا ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ ،وﺗﺪهﻮروا ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﺜﻮن إﻟﻰ اﻷﺑﺪ .ﻗﺎل ﻳﺴﻮع :رأﻳﺖ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺳﺎﻗﻄًﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء آﺎﻟﺒﺮق .وﺧﻄﻴﺌﺘﻬﻢ هﻲ اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ،ﻓﻠﻢ ﻳﺮﻳﺪوا أن ﻳﺨﻀﻌﻮا ﷲ. ﺑﻞ أرادوا أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺁﻟﻬﺔ ﻣﺜﻠﻪ. ﺣﺴﺪ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻟﻺﻧﺴﺎن :ﻟـﻤّﺎ ﺧﻠﻖ اﷲ أﺑﻮﻳﻨﺎ ﺁدم وﺣﻮاء وأﻗﺎﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺮدوس اﻷرﺿﻲّ وأﻋﺪّهﻤﺎ وﻧﺴﻠﻬﻤﺎ ﻟﻠﺴﻌﺎدة اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﺴﺮهﺎ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ،اﻣﺘﻸ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺣﺴﺪًا ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﺳﻴﺄﺧﺬ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻌﺎدة ،ﻓﺄراد أن ﻳﺴﻘﻄﻪ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ آﻤﺎ ﺳﻘﻂ هﻮ ،ﻓﺎﺣﺘﺎل ﻋﻠﻴﻪ وأﺳﻘﻄﻪ، وذﻟﻚ ﺑﺄن دﻓﻌﻪ ﻓﺄآﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻤﺤﺮّﻣﺔ اﻟﺘﻲ آﺎن اﷲ ﻧﻬﺎﻩ
٤٥
ﻋﻦ اﻷآﻞ ﻣﻨﻬﺎ .وﻟﻜﻦ اﷲ أﺷﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺿﻌﻒ اﻹﻧﺴﺎن ووﻋﺪﻩ ﺑﺎﻟﻤﺨﻠّﺺ اﻟﺬي ﺳﻴﻜﻔّﺮ ﻋﻨﻪ. إنّ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻳﺠﺮّﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺮّ .وﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس: اﺳﻬﺮوا ﻷنّ إﺑﻠﻴﺲ ﺧﺼﻤﻜﻢ ﻳﺰأر آﺎﻷﺳﺪ ﺣﻮﻟﻜﻢ ﻟﻴﺒﺘﻠﻌﻜﻢ. واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :إنّ ﻣﺼﺎرﻋﺘﻜﻢ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻊ ﻟﺤﻢ ودم ﺑﻞ ﻣﻊ اﻷرواح اﻟﺸﺮﻳﺮة! اﻟﻤﻼك اﻟﺤﺎرس :إنّ اﻟﺸﻴﻄﺎن أآﺒﺮ ﻋﺪو ﻟﻨﺎ ﻳﺤﺮّآﻨﺎ ﻟﻠﺨﻄﻴﺌﺔ ﻟﻴﻬﻠﻜﻨﺎ ﻣﻌﻪ .أﻣّﺎ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻓﻴﺤﺒّﻮﻧﻨﺎ وﻳﺮﻳﺪون ﻟﻨﺎ اﻟﺨﻴﺮ. ﻟﺬﻟﻚ أﻗﺎم اﷲ ﻟﻜﻞّ إﻧﺴﺎن ﻣﻼآًﺎ ﻳﺤﺮﺳﻪ ﻳﺴﻤّﻰ اﻟﻤﻼك اﻟﺤﺎرس .ﻓﻬﺬا اﻟﻤﻼك ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺷﺮورًا آﺜﻴﺮة دون أن ﻧﺸﻌﺮ وﺧﺎﺻّﺔ اﻟﻄﻔﻞ ﻓﻤﻼآﻪ اﻟﺤﺎرس ﻳﻘﻴﻪ أﺧﻄﺎرًا ﻋﺪﻳﺪة ﻳﺘﻌﺮّض ﻟﻬﺎ .ﻗﺎل ﻳﺴﻮع :اﺣﺬروا أن ﺗﺤﺘﻘﺮوا أﺣﺪًا ﻣﻦ هﺆﻻء اﻟﺼﻐﺎر .إنّ ﻣﻼﺋﻜﺘﻬﻢ ﻳﺸﺎهﺪون آﻞّ ﺣﻴﻦ وﺟﻪ أﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء )ﻣﺘﻰ .(١ :١٨ ﺷﻮاهﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس :إنّ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻤﻠﻮء ﻣﻦ ذآﺮ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﻢ اﷲ ﻹﺗﻤﺎم أواﻣﺮﻩ ،آﺎﻟﻤﻼك اﻟﺬي أرﺳﻠﻪ ﻟﺘﺒﺸﻴﺮ ﺳﻴّﺪﺗﻨﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء .واﻟﻤﻼك اﻟﺬي أرﺳﻠﻪ ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ. واﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟﺬﻳﻦ أرﺳﻠﻬﻢ ﻹﺑﺮاهﻴﻢ وإﺳﺤﻖ وﻳﻌﻘﻮب وﻃﻮﺑﻴﺎ. وﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﺟﻴﻮش إﺳﺮاﺋﻴﻞ واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﻬﻢ .واﻟﻤﻼك اﻟﺬي ﻧﺰل ﻓﻲ أﺗﻮن ﺑﺎﺑﻞ ووﻗّﻰ اﻟﻔﺘﻴﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر اﻟﻤﺘﺄﺟّﺠﺔ .واﻟﻤﻼك اﻟﺬي أﺧﺮج ﻟﻮﻃًﺎ وﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻣﻦ ﺻﺎدوم وﻋﺎﻣﻮرا ﻗﺒﻞ ﻧﺰول اﻟﻨﺎر واﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ .واﻟﻤﻼك اﻟﺬي ﺣﻞّ ﻗﻴﻮد ﺑﻄﺮس وﻓﺘﺢ أﻣﺎﻣﻪ
٤٦
ﺑﺎب اﻟﺴﺠﻦ وﻗﺎدﻩ إﻟﻰ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ آﺎﻧﻮا ﻳﺼﻠّﻮن ﻷﺟﻠﻪ. واﺟﺒﻨﺎ ﺗﺠﺎﻩ اﻟﻤﻼك اﻟﺤﺎرس :ﻳﺠﺐ أن ﻧﺼﻠّﻲ آﻞّ ﻳﻮم ﻟﻤﻼآﻨﺎ اﻟﺤﺎرس وﻧﻜﺮّﻣﻪ ﺑﻨﻮع ﺧﺎص ﻓﻲ ﻳﻮم ﻋﻴﺪﻩ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ أوّل ﺁذار .ﻣﻼآﻨﺎ اﻟﺤﺎرس ﻣُﻔﻀِﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ آﺜﻴﺮًا ﻷﻧّﻪ ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﻨﺎ ﻣﻨﺬ وﻻدﺗﻨﺎ ﺣﺘّﻰ ﻧﻤﻮت ﻓﻴﺴﻠّﻢ ﻧﻔﺴﻨﺎ ﻟﻴﺴﻮع .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺨﻄﺄ ﻳﺤﺰن آﺜﻴﺮًا وﻳﺼﻠّﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ آﻲ ﻧﺘﻮب .وﻳﻮﺻﻞ ﺻﻼﺗﻨﺎ إﻟﻰ اﷲ وﻳﻨﻘﻞ إﻟﻴﻨﺎ ﻧﻌﻤﻪ. وﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﻤﻼك اﻟﺤﺎرس ﻳﺠﺐ أن ﻧﻜﺮّم اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺬي هﻮ ﺑﻌﺪ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء أﻋﻈﻢ ﻗﺪّﻳﺲ .وﺷﻔﺎﻋﺘﻪ ﻗﻮﻳّﺔ ﻋﻨﺪ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻷﻧّﻪ آﺎن ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ أﺑﻴﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض .ﻓﻴﺴﻮع ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﺗﻮﺳّﻼﺗﻪ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ .وﺑﻌﺪ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻜﺮّم اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺷﻔﻴﻌﻨﺎ اﻟﺬي اﺗّﺨﺬﻧﺎ اﺳﻤﻪ ﺑﺎﻟﻌﻤﺎد اﻟﻤﻘﺪّس ﺷﻔﻴﻌًﺎ وﻣﺤﺎﻣﻴًﺎ ﻟﻨﺎ. اﻟﻘﺪّﻳﺴﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺼﻠّﻲ ﻟﻬﻢ آﻞّ ﻳﻮم ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ،هﻢ أرﺑﻌﺔ :ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ واﻟﻤﻼك اﻟﺤﺎرس وﺷﻔﻴﻌﻨﺎ .واﻟﺼﻠﻮات اﻟﺘﻲ ﻧﻘﺪّﻣﻬﺎ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﺗﻀﻤﻦ ﻟﻨﺎ اﻟﺨﻼص ،ﻷنّ اﷲ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﺻﻼة اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ ،ﻷﻧّﻬﻢ أآﺮﻣﻮﻩ وأﺣﺒّﻮﻩ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻷرض .وﺑﺘﻜﺮﻳﻤﻨﺎ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻧﻜﺮّم اﷲ ذاﺗﻪ ﻷﻧّﻪ ﺳﺒﺐ ﺳﻌﺎدﺗﻬﻢ وﻣﺠﺪهﻢ وهﻮ ﻳﺼﻨﻊ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﻢ ﻟﻴﺪﻓﻌﻨﺎ ﻢ ﺑﺸﻔﺎﻋﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ أآﺜﺮ ﻟﺘﻜﺮﻳﻤﻬﻢ .واﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻤّﺖ وﺗﺘ ّ
٤٧
ﻣﻦ أن ﺗُﺤﺼﻰ ،ﻣﺜﻼً ﻋﺠﺎﺋﺐ ﺳﻴّﺪة ﻟﻮرد ،ﻋﺠﺎﺋﺐ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺷﺮﺑﻞ ،وﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ. إنّ اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺘﻲ ﻧﻘﺪّﻣﻬﺎ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ هﻲ إﻗﺮار ﺑﺮﺑﻮﺑﻴّﺘﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻤﺎ أﻧّﻪ ﺧﺎﻟﻘﻨﺎ وﻋﻠّﺔ وﺟﻮدﻧﺎ .وأﻣّﺎ اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺘﻲ ﻧﻘﺪّﻣﻬﺎ ﻟﻠﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻓﻬﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻹآﺮام ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻋﻮﻧﻬﻢ ﻟِﻤﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻈﻮة ﻟﺪى اﷲ! وﺗﻜﺮﻳﻤﻨﺎ ﺻﻮر وﺗﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ راﺟﻊ إﻟﻰ ﺗﻜﺮﻳﻢ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ذاﺗﻬﻢ وﻟﻴﺲ ﻟﻠﺼﻮرة أو اﻟﺘﻤﺜﺎل ،آﻤﻦ ﻳﻜﺮّم ﺻﻮرة أﺑﻴﻪ. ﻓﻠﻴﺴﺖ اﻟﺼﻮرة إﻻّ واﺳﻄﺔ ﺗﺤﺮّك ﻋﻮاﻃﻔﻨﺎ وﻣﺸﺎﻋﺮﻧﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﺤﺮّك إﻻّ ﺑﺎﻷﺷﻴﺎء اﻟﺤﺴﻴّﺔ.
٤٨
إﺛﺒﺎﺗﺎت ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﺗﺒﻴّﻦ أنّ اﷲ ﻳﺮﺿﻰ ﺑﺸﻔﺎﻋﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻗﺎل ﻓﺮﻋﻮن ﻟﻤﻮﺳﻰ :أﻧﺎ أﻃﻠﻖ اﻟﺸﻌﺐ وأﻧﺖ اﺷﻔﻊ ﺑﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﺮبّ ﻓﻴﺮﻓﻊ ﺿﺮﺑﺘﻪ ﻋﻦ ﻣﺼﺮ .ﻓﺸﻔﻊ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻔﺮﻋﻮن ﻋﻨﺪ اﻟﺮبّ ﻓﺮﻓﻊ ﺿﺮﺑﺘﻪ ﻋﻦ ﻣﺼﺮ )ﺧﺮوج .(٨ﻗﺎل اﷲ ﻹﺑﺮاهﻴﻢ إن وُﺟﺪ ﻋﺸﺮة أﺑﺮار أﻋﻔﻮ ﻋﻦ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ) .(٣٢ :١٨وﻟـﻤّﺎ اﺷﺘﺪ ﻏﻀﺐ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺐ وأراد أن ﻳﻔﻨﻴﻬﻢ ﺗﻀﺮّع ﻣﻮﺳﻰ إﻟﻰ اﻟﺮبّ ﻓﺴﻤﻊ اﻟﺮبّ ﻟﻤﻮﺳﻰ وﻏﻔﺮ ﻟﻠﺸﻌﺐ )ﺧﺮوج .(٣٣ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻟﺴﻠﻴﻤﺎن :ﻣﻦ أﺟﻞ داود أﺑﻴﻚ ﻻ أﻗﺴّﻢ ﻣﻤﻠﻜﺘﻚ ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪك .ﺻﻠّﻰ إﻳﻠﻴّﺎ ﻓﺸﻔﻰ اﺑﻦ اﻷرﻣﻠﺔ ...وﺷﻮاهﺪ آﺜﻴﺮة ﻏﻴﺮ هﺬﻩ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس .وآﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﺗﺘﻢّ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺳﻴّﺪة ﻟﻮرد واﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮازﻳﺎ واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺷﺮﺑﻞ وﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ،ﻓﻤﺎ ذﻟﻚ إﻻّ ﻷنّ اﷲ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻃﻠﺒﺎﺗﻨﺎ ﺑﺸﻔﺎﻋﺘﻬﻢ.
أﺧﺒﺎر ﻗﺪّﻳﺴﻮن آﺜﻴﺮون آﺎﻧﻮا ﻳﻜﺮّﻣﻮن اﻟﻤﻼك اﻟﺤﺎرس .ﻓﺎﻟﻘﺪّﻳﺲ اﺳﺘﻨﺴﻼوس آﻮﺳﺘﻜﺎ آﺎن ﻳﻨﺎﺟﻲ ﻣﻼآﻪ اﻟﺤﺎرس ﻣﻨﺎﺟﺎة ﻗﻠﺒﻴّﺔ وﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ آﻤﻦ ﻳﻨﺎﺟﻲ ﺷﺨﺼًﺎ ﻳﺮاﻩ ،ﻓﺎﺳﺘﺤﻖّ أن ﻳﺘﻤﺘّﻊ ﺑﺮؤﻳﺘﻪ ﻣﺮارًا ﻋﺪﻳﺪة ،وآﺎن ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻏﺮﻓﺘﻪ إﻻّ ﺑﻌﺪ ﻣﻼآﻪ اﻟﺤﺎرس إآﺮاﻣًﺎ ﻟﻪ. اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ :إنّ ﺁﺑﺎء اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻋﻠﻤﺎءهﺎ وﻗﺪّﻳﺴﻴﻬﺎ وﺑﺎﺑﺎواﺗﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﻳﺤﺮّﺿﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ ﻧﻈﺮًا ﻟﻘﺪرﺗﻪ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﻟﺪى ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ .وﻣﻘﺎﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء
٤٩
أﻋﻈﻢ ﻣﻘﺎم ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺎم ﺳﻴّﺪﺗﻨﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء .ﻇﻬﺮ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﻮﻣًﺎ ﻟﻠﻘﺪّﻳﺴﺔ ﻣﺮﻏﺮﻳﺘﺎ اﻟﺘﻲ آﺎﻧﺖ ﻣﺘﻌﺒّﺪة ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ :إنّ ﺗﻌﺒّﺪك ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ ﻗﺪ ﺣﺴﻦ ﻟﺪيّ ﺟﺪًّا ﻷﻧّﻪ ﻋﺰﻳﺰ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ .ﻓﻤﻦ ﺛﻢّ زاد ﺣﺒّﻬﺎ ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ. ﺷﻔﺎﻋﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮازﻳﺎ :إنّ آﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﻜﺮّﻣﻮن اﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮازﻳﺎ ﺗﻜﺮﻳﻤًﺎ ﺧﺎﺻًّﺎ ﻷﻧّﻬﻢ ﻧﺎﻟﻮا ﻣﻦ اﷲ ﺑﺸﻔﺎﻋﺘﻬﺎ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻣﺎ أو ﺷﻔﺎء ﻣﻦ ﻣﺮض أو ﻧﺠﺎة ﻣﻦ ﺧﻄﺮ. واﻟﺒﻌﺾ ﻳﻜﺮّﻣﻮن اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺷﺮﺑﻞ أو اﻟﻘﺪّﻳﺲ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮس ﺗﻜﺮﻳﻤًﺎ ﺧﺎﺻًّﺎ ﻷﻧّﻬﻢ ﻧﺎﻟﻮا ﻣﻦ اﷲ ﺑﺸﻔﺎﻋﺘﻪ ﻣﻄﻠﻮﺑﻬﻢ. اﻋﺘﺮاض ﻣﺮّات آﺜﻴﺮة ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮازﻳﺎ أو ﻣﻦ ﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻃﻠﺒًﺎ ﻓﻼ ﻳُﺴﺘﺠﺎب ﻃﻠﺒﻨﺎ ﻓﻠﻮ آﺎﻧﺖ ﺷﻔﺎﻋﺘﻬﻢ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻟﺪى اﷲ ﻟﻜﺎن ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻃﻠﺒﻨﺎ! ج :ﻟﻤﺎذا ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ اﷲ ﻃﻠﺐ ﻓﻼن وﻻ ﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻃﻠﺒﻲ ﺑﺸﻔﺎﻋﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮازﻳﺎ أو ﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ؟ هﺬا ﺳﺮّ ﻻ ﻧﺪرآﻪ ﻧﺤﻦ إﻧّﻤﺎ ﻣﺨﺘﺺّ ﺑﺎﷲ وﺣﺪﻩ .وﻟﻜﻦ ﻧﻌﻠﻢ أﻧّﻪ إذا ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺠﺐ اﷲ ﻃﻠﺒﻲ ﻓﺄﺟﺮ ﺻﻼﺗﻲ ﻻ ﻳﻀﻴﻊ!
٥٠
ﺷﺮح وﺟﻴﺰ ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻗﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن ﻳﺤﺘﻮي ﻣﺨﺘﺼﺮ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻠﺘﺰم اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺘﻠﻮﻩ آﻞّ ﻳﻮم ﻟﻴﻈﻬﺮ إﻳﻤﺎﻧﻪ ﻟﺮﺑّﻪ وﺧﺎﻟﻘﻪ .وﻗﺪ ﻣﺮّ ﺷﺮح ﺑﻌﺾ ﻋﻘﺎﺋﺪ ﻣﻨﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أوﺳﻊ ﻋﻨﺪ آﻼﻣﻨﺎ ﻋﻦ ﺳﺮّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس وﺳﺮّ اﻟﺘﺠﺴّﺪ وﺳﺮّ اﻟﻔﺪاء .وﻗﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن هﺬا ﻗﺪ أﺛﺒﺘﻪ اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﻨﻴﻘﺎويّ ﺿﺪّ اﻟﻬﺮﻃﻘﺎت واﻟﺒﺪع اﻟﺘﻲ أﻧﻜﺮت ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﻤﺤﺘﻮﻳﺔ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻘﺎﻧﻮن! اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻷوﻟﻰ :أؤﻣﻦ ﺑﺈﻟﻪ واﺣﺪ ﺁب ﺿﺎﺑﻂ اﻟﻜﻞّ .ﺧﺎﻟﻖ ﻞ ﻣﺎ ﻳُﺮى وﻣﺎ ﻻ ُﻳﺮى. اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض آ ّ ﻣﻌﻨﺎﻩ :إﻧّﻲ أﻋﺘﻘﺪ وأﻗﺮّ ﺑﺄﻧّﻪ ﻳﻮﺟﺪ إﻟﻪ واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﺧﺎﻟﻖ وﺣﺎﻓﻆ وﻣﺪﺑّﺮ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض) .راﺟﻊ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﻋﻦ اﷲ وﺟﻪ .(٨ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :وﺑﺮبّ واﺣﺪ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﺑﻦ اﷲ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﻤﻮﻟﻮد ﻣﻦ اﻵب ﻗﺒﻞ آﻞّ اﻟﺪهﻮر .إﻟﻪ ﻣﻦ إﻟﻪ .ﻧﻮر ﻣﻦ ﻧﻮر .إﻟﻪ ﺣﻖّ ﻣﻦ إﻟﻪ ﺣﻖّ .ﻣﻮﻟﻮد ﻏﻴﺮ ﻣﺨﻠﻮق .ﻣﺴﺎوٍ ﻟﻶب ﻓﻲ اﻟﺠﻮهﺮ.
٥١
ﻣﻌﻨﺎﻩ :إﻧّﻲ أﻗﺮّ وأﻋﺘﻘﺪ أﻳﻀًﺎ ﺑﺄنّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ هﻮ إﻟﻪ ﺣﻘﻴﻘﻲّ وربّ ﺣﻘﻴﻘﻲّ ﻷﻧّﻪ هﻮ واﻵب واﺣﺪ .هﻮ ﻓﻲ اﻵب واﻵب ﻓﻴﻪ .ﻓﺠﻮهﺮ اﻵب هﻮ ﺟﻮهﺮ اﻻﺑﻦ ذاﺗﻪ وﻃﺒﻴﻌﺔ اﻵب هﻲ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻻﺑﻦ ذاﺗﻬﺎ ﻻ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ إﻻّ ﺑﺎﻷﺑﻮّة واﻟﺒﻨﻮّة .ﻓﺎﻵب ﻧﺴﻤّﻴﻪ أﺑًﺎ ﻷﻧّﻪ ﻳﺼﺪر اﻻﺑﻦ .واﻻﺑﻦ ﻧﺴﻤّﻴﻪ اﺑﻨًﺎ ﻷﻧّﻪ ﻳﺼﺪر ﻣﻦ اﻵب .آﻤﺎ ﻧﺴﻤّﻲ اﻟﻨﻮر اﺑﻦ اﻟﺸﻤﺲ ،ﻷﻧّﻪ ﻳﺼﺪر ﻣﻨﻬﺎ. وﻧﺴﻤّﻲ اﻟﺸﻤﺲ أمّ اﻟﻨﻮر ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﺼﺪرﻩ .وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل ﻋﻦ ﻧﻮر اﻟﺸﻤﺲ إﻧّﻪ ﻣﻮﻟﻮد ﻏﻴﺮ ﻣﺨﻠﻮق ﻷﻧّﻪ ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺬ وُﺟﺪت. ﻓﺎﻟﻤﺨﻠﻮق ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﺎﻟﻖ واﻟﺤﺎل أنّ ﻧﻮر اﻟﺸﻤﺲ ﻟﻴﺲ ﻣﺨﻠﻮﻗًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻷﻧّﻪ ﻟﻢ ﻳﺄت ﺑﻌﺪهﺎ ﺑﻞ وُﺟﺪ ﻣﻌﻬﺎ .وهﻜﺬا اﺑﻦ اﷲ هﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﺨﻠﻮق ﻣﻦ اﷲ ﻷﻧّﻪ ﻟﻢ ﻳﺄتِ ﺑﻌﺪﻩ ﺑﻞ هﻮ آﺎﺋﻦ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺬ اﻷزل .وﻟﻔﻈﺔ ﻣﻮﻟﻮد وُﺿﻌﺖ ﻟﺘﺪلّ ﻋﻠﻰ ﺻﺪورﻩ ﻣﻦ اﻵب ﻓﻘﻂ. )راﺟﻊ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﻋﻦ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ وﺟﻪ .(٢٠ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :اﻟﺬي ﺑﻪ آﺎن آﻞّ ﺷﻲء. ﻣﻌﻨﺎﻩ :إنّ اﻵب ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻻﺑﻦ ﺧﻠﻖ آﻞّ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت .ﻓﻜﻤﺎ أ ّ ن اﻟﻌﻘﻞ ﻳﺒﺮز أﻓﻌﺎﻟﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺘﺼﻮّر اﻟﺬي هﻮ آﻠﻤﺘﻪ آﺬﻟﻚ اﷲ اﻵب أﺑﺮز أﻓﻌﺎﻟﻪ اﻟﺘﻲ هﻲ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﺑﻮاﺳﻄﺔ آﻠﻤﺘﻪ اﻟﺬي هﻮ اﻻﺑﻦ. اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺮاﺑﻌﺔ :اﻟﺬي ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺒﺸﺮ وﻣﻦ أﺟﻞ ﺧﻼﺻﻨﺎ ﻧﺰل ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء وﺗﺠﺴّﺪ ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس وﻣﻦ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء وﺻﺎر إﻧﺴﺎﻧًﺎ.
٥٢
ﻣﻌﻨﺎﻩ :إﻧّﻲ أﻋﺘﻘﺪ وأؤﻣﻦ ﺑﺄنّ هﺬا اﻻﺑﻦ اﻟﺬي هﻮ اﷲ ذاﺗﻪ ﺷﻔﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺸﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﺪﻟﻪ اﻹﻟﻬﻲّ ﺑﺎﻟﻬﻼك ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ وﺷﺮورهﻢ .ﻓﺄراد أن ﻳﻔﺪﻳﻬﻢ وﻳﺨﻠّﺼﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻬﻼك .واﻟﻔﺪاء ﻳﻘﺘﻀﻲ اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻟﻠﻌﺪل اﻹﻟﻬﻲّ ،وهﺬا اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺘﻤّﻤﻪ إﻻّ إﻟﻪ .ﻟﺬﻟﻚ اﻗﺘﻀﻰ أن ﻳﺄﺧﺬ اﷲ اﻻﺑﻦ ﺟﺴﺪًا ﺑﺸﺮﻳًّﺎ ﻣﺜﻞ ﺟﺴﺪﻧﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻌﺬاب واﻵﻻم .وهﺬا اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺒﺸﺮيّ آﻮّﻧﻪ اﷲ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻓﻲ ﺣﺸﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء آﻤﺎ آﻮّن اﷲ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﺑﻘﻮّة آﻠﻤﺘﻪ ،إذ ﻗﺎل ﻟﻬﺎ: آﻮﻧﻲ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ .وآﻤﺎ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺰﺟﺎج دون أن ﺗﻤﺴّﻪ دﺧﻞ ﺟﺴﺪ ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺣﺸﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء .وﻧﻤﺎ هﺬا اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺣﺸﺎ أﻣّﻪ آﻤﺎ ﺗﻨﻤﻮ أﺟﺴﺎدﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﺸﺎ أﻣّﻨﺎ. ووﻟﺪ ﻣﻨﻬﺎ إﻧﺴﺎﻧًﺎ آﺎﻣﻼً ﻣﺜﻠﻨﺎ ﻣﻊ ﺑﻘﺎﺋﻪ إﻟﻬًﺎ آﺎﻣﻼً .ﻓﻬﻮ إﻟﻪ آﺎﻣﻞ وإﻧﺴﺎن آﺎﻣﻞ أي ﻓﻴﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ. اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ :وﺻُﻠﺐ ﻋﻨّﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ ﺑﻴﻼﻃﺲ اﻟﺒﻨﻄﻲ .ﺗﺄﻟّﻢ وﻣﺎت وﻗُﺒﺮ وﻗﺎم ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻟﺚ آﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ. ﻣﻌﻨﺎﻩ :إﻧّﻲ أؤﻣﻦ وأﻋﺘﻘﺪ ﺑﺄنّ هﺬا اﻻﺑﻦ اﻟﺬي ﺻﺎر إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻣﺜﻠﻨﺎ ﺑﻜﻞّ ﺷﻲء ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ،ﻗﺪ ﺗﻤّﻢ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻷﺟﻠﻪ وهﻮ أﻧّﻪ اﺣﺘﻤﻞ ﻋﺬاﺑﺎت وﺁﻻﻣًﺎ ﻓﺎدﺣﺔ وﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﻮاﻟﻲ ﺑﻴﻼﻃﺲ اﻟﺒﻨﻄﻲ اﻟﺬي ﺳﻠّﻤﻪ ﻟﻠﻴﻬﻮد أﻋﺪاﺋﻪ ﻟﻴﻔﻌﻠﻮا ﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺎؤون .وأؤﻣﻦ أﻧّﻪ ﻗﺎم ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺮ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﺑﺜﻼﺛﺔ أﻳّﺎم ﻗﻴﺎﻣﺔ
٥٣
ﻣﺠﻴﺪة هﻲ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﺜﺒﺖ أﻟﻮهﻴّﺘﻪ وﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ .وﻗﺪ ﺗﻢّ ذﻟﻚ ﺣﺴﺐ ﻧﺒﻮءات اﻷﻧﺒﻴﺎء اﻟﻤﺪوّﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ) .راﺟﻊ ﺳﺮّ اﻟﻔﺪاء ﺻﻔﺤﺔ .(٢٦ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺴﺎدﺳﺔ :وﺻﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء وﺟﻠﺲ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻦ اﷲ اﻵب. ﻣﻌﻨﺎﻩ :إﻧّﻲ أﻋﺘﻘﺪ ﺑﺄنّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺻﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ اﻟﻤﺠﻴﺪة ﺑﺄرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣًﺎ آﺎن ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻳﺘﺮدّد ﻋﻠﻰ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻟﻴﺜﺒﺖ ﻟﻬﻢ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ وﺻﻌﺪ أﻣﺎم رﺳﻠﻪ وﺟﻤﻬﻮر آﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ وﺟﻠﺲ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻦ أﺑﻴﻪ أي أنّ ﻟﻪ ﻣﺜﻞ أﺑﻴﻪ اﻟﻤﺠﺪ واﻟﻘﺪرة واﻟﻤﺴﺎواة. اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ :وأﻳﻀًﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻤﺠﺪ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﻴﺪﻳﻦ اﻷﺣﻴﺎء واﻷﻣﻮات اﻟﺬي ﻻ ﻓﻨﺎء ﻟﻤﻠﻜﻪ. ﻣﻌﻨﺎﻩ :إﻧّﻲ أؤﻣﻦ وأﻋﺘﻘﺪ ﺑﺄنّ هﺬا اﻻﺑﻦ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻷزﻣﻨﺔ ﺑﻤﺠﺪ ﻋﻈﻴﻢ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻪ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ وﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ. وﻳﻘﻒ أﻣﺎﻣﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﺸﺮ ﻣﻦ ﺁدم إﻟﻰ ﺁﺧﺮ إﻧﺴﺎن ﻟﻴﺪﻳﻨﻬﻢ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ .١ﻓﺎﻟﺼﺎﻟﺤﻮن ﻳﺪﺧﻠﻮن اﻟﺴﻤﺎء واﻷﺷﺮار ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺰﺟّﻬﻢ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻌﺬّﺑﻮن إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ،ﻷنّ ﻣﻠﻜﻪ ﻻ ﻳﺰول وﻻ ﻳﻔﻨﻰ. .١ﻳﻮﺟﺪ دﻳﻨﻮﻧﺔ ﻋﺎﻣّﺔ ودﻳﻨﻮﻧﺔ ﺧﺎﺻّﺔ) .أﻧﻈﺮ اﻟﻜﻼم ﻋﻦ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ وﺟﻪ .(١٥٠
٥٤
اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ :وأؤﻣﻦ ﺑﺎﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﺮبّ اﻟﻤﺤﻴﻲ اﻟﻤﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ اﻵب واﻻﺑﻦ اﻟﺬي هﻮ ﻣﻊ اﻵب واﻻﺑﻦ ﻳُﺴﺠﺪ ﻟﻪ وﻳُﻤﺠّﺪ اﻟﻨﺎﻃﻖ ﺑﺎﻷﻧﺒﻴﺎء واﻟﺮﺳﻞ. ﻣﻌﻨﺎﻩ :إﻧّﻲ أؤﻣﻦ وأﻋﺘﻘﺪ ﺑﺄنّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس هﻮ اﷲ ﻣﺜﻞ اﻵب واﻻﺑﻦ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻬﻤﺎ إﻻّ ﺑﺎﻻﻧﺒﺜﺎق .ﻓﻠﻪ ﺟﻮهﺮ اﻵب واﻻﺑﻦ ذاﺗﻪ وﻃﺒﻴﻌﺘﻬﻤﺎ ذاﺗﻬﺎ .ﻳﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ اﻵب واﻻﺑﻦ آﻤﺎ ﺗﻨﺒﺜﻖ اﻟﺤﺮارة ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻨﻮر وهﻲ ذات اﻟﺸﻤﺲ وذات اﻟﻨﻮر ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻨﻬﻤﺎ إﻻّ ﺑﺎﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﻨﺴﺒﻲّ آﻨﺴﺒﺔ اﻹﺿﺎءة إﻟﻰ اﻟﻨﻮر ،وﻧﺴﺒﺔ اﻟﺴﺨﻮﻧﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺮارة .واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﺤﻖّ ﻟﻪ اﻟﺴﺠﻮد واﻹآﺮام آﻤﺎ ﻳﺤﻖّ ﻟﻶب واﻻﺑﻦ ﻷﻧّﻪ واﺣﺪ ﻣﻌﻬﻤﺎ .واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس آﻠّﻢ اﻟﺒﺸﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻣﻮﺣﻴًﺎ إﻟﻴﻬﻢ أﺳﺮار ﺗﺠﺴّﺪ اﺑﻦ اﷲ وﺁﻻﻣﻪ وﻣﻮﺗﻪ وأوﺣﻰ ﻟﻠﺮﺳﻞ أن ﻳﻜﺘﺒﻮا ﻣﺎ آﺘﺒﻮﻩ ﺑﺪون ﻏﻠﻂ) .راﺟﻊ ﺻﻔﺤﺔ ٢٩ﻋﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس(. اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ :وﺑﻜﻨﻴﺴﺔ واﺣﺪة ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻘﺪّﺳﺔ رﺳﻮﻟﻴّﺔ. ﻣﻌﻨﺎﻩ :إﻧّﻲ أﻋﺘﺮف وأﻗﺮّ ﺑﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ أﺳّﺴﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻋﻤﻠﻪ .وهﺬﻩ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ هﻲ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﻀﻌﻮن ﻟﻘﺪاﺳﺔ ﺳﻴّﺪﻧﺎ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻧﺎﺋﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض وهﻲ واﺣﺪة ﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻬﺎ وﻋﻘﺎﺋﺪهﺎ ورﺋﺎﺳﺘﻬﺎ ،وﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻦ آﻞّ اﻷﻣﻢ
٥٥
واﻟﺸﻌﻮب ،وﻣﻘﺪّﺳﺔ ﺑﺄﺳﺮارهﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺐ اﻟﻘﺪاﺳﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﻤﺎرﺳﻬﺎ ،ورﺳﻮﻟﻴّﺔ ﻻﺗﺼﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﺴﻞ ﺑﺎﻟﺮﺳﻞ اﻟﺬﻳﻦ أﻗﺎﻣﻬﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻴﻮاﺻﻠﻮا ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ وﻋﻤﻠﻪ .وهﺬﻩ اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻷرﺑﻊ ﺗﻤﻴّﺰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ) .أﻃﻠﺐ ﺻﻔﺤﺔ ٢٠٩ﻋﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ(. اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﻌﺎﺷﺮة :وأﻋﺘﺮف ﺑﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ واﺣﺪة ﻟﻤﻐﻔﺮة اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ. ﻣﻌﻨﺎﻩ :ﻓﻲ ﺑﺪء اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﺎد اﻷﻃﻔﺎل ﺑﻌﺪ ﻷن اﻟﻤﺮﺗﺪّﻳﻦ إﻟﻰ اﻹﻳﻤﺎن آﺒﺎر .وآﺎن اﻟﺬي ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺗُﻐﻔﺮ ﺧﻄﺎﻳﺎﻩ آﻠّﻬﺎ ﻣﻬﻤﺎ آﺎﻧﺖ آﺜﻴﺮة ﻷﻧّﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ ﻳﻮﻟﺪ اﻹﻧﺴﺎن وﻻدة ﺟﺪﻳﺪة ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ واﻟﺘﺒﻨّﻲ ﷲ .وﻗﺪ ﺧﻠﻊ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺘﻴﻖ اﻟﻤﻠﻄّﺦ ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﻟﺒﺲ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻌﻤﺎد اﻟﻤﻘﺪّس ﻓﻼ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻣﺮّة أﺧﺮى ﻷنّ اﻟﻌﻤﺎد ﻻ ﻳﻜﺮﱠر .وﻣﻦ هﻨﺎ ﻧﺘﺞ أنّ اﻟﺒﻌﺾ آﺎﻧﻮا ﻳﺆﺧّﺮون ﻋﻤﺎدهﻢ إﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﻤﺎد .ﻟﺬﻟﻚ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن :وﻧﻌﺘﺮف ﺑﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ واﺣﺪة ﻟﻤﻐﻔﺮة اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ. وﻟﻢ ﻳﺬآﺮوا اﻟﻤﻐﻔﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺼﻞ ﺑﺎﻟﺤﻠّﺔ ﻷنّ اﻟﺤﻠّﺔ ﻻ ﺗﻔﻴﺪ ﺑﺪون اﻟﻌﻤﺎد ،ﻓﺎﻟﻌﻤﺎد هﻮ اﻷوّل ﻟﻤﻐﻔﺮة اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ.
٥٦
اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﺸﺮة :وأﺗﺮﺟّﻰ ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﻤﻮﺗﻰ واﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ. ﻣﻌﻨﺎﻩ :إﻧّﻲ أؤﻣﻦ وأﻋﺘﻘﺪ أنّ اﻟﻤﻮﺗﻰ ﺳﻴﻘﻮﻣﻮن وأن اﻟﻨﻔﺲ ﺧﺎﻟﺪة ﻻ ﺗﻤﻮت .ﺳﺘﺤﻴﺎ اﻷﻣﻮات وﻳﺴﺘﻴﻘﻆ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻮر )أﺷﻌﻴﺎ .(١٩ :٢٦هﺎ أﻧﺎ أﻓﺘﺢ ﻗﺒﻮرآﻢ وأﺻﻌﺪآﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻮرآﻢ )ﺣﺰﻗﻴﺎل .(١٢ :٣٧وﻟـﻤّﺎ ﻣﺎت ﻳﺴﻮع ﺗﺰﻟﺰت اﻷرض وﺗﺸﻘّﻘﺖ اﻟﺼﺨﻮر وﺗﻔﺘّﺤﺖ اﻟﻘﺒﻮر وﻗﺎم آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺗﻰ )ﻣﺘﻰ .(٥١ :٢٧ واﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻲ ﻓﻠﻪ اﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ .وﻗﺎل ﻳﺴﻮع :إن ﺗﺸﻜّﻚ رﺟﻠﻚ ﻓﺎﻗﻄﻌﻬﺎ ﻓﺨﻴﺮ ﻟﻚ أن ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ وأﻧﺖ أﻋﺮج ﻣﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻚ رﺟﻼن وﺗﺬهﺐ إﻟﻰ ﺟﻬﻨّﻢ اﻟﻨﺎر. وﻳﻘﻮل ﻳﺴﻮع أﻳﻀًﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ :ﻓﻴﺬهﺐ هﺆﻻء إﻟﻰ اﻟﻌﺬاب اﻷﺑﺪيّ واﻷﺑﺮار إﻟﻰ ﺣﻴﺎة اﻷﺑﺪ) .راﺟﻊ ﺻﻔﺤﺔ .(٢٤
٥٧
ﺗﻼوة ﻗﺎﻧﻮن اﻹٌﻳﻤﺎن إنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﺗﻄﻠﺐ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﻌﻠﻦ إﻳﻤﺎﻧﻪ ﺑﺘﻼوة ﻗﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن. ﻣﺜﻼً ﻓﻲ اﻟﻘﺪّاس ﻳﺘﻠﻮ اﻟﺸﻌﺐ ﺳﻮﻳّﺔ وهﻢ وﻗﻮف ،ﻗﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن ﻟﻴﻌﻠﻨﻮا إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺟﻬﺮًا ﺑﺎﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ. وﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎد ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻌﺮّاب أن ﻳﺘﻠﻮ ﻗﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻟﻄﻔﻞ ﻗﺎﺑﻞ اﻟﻌﻤﺎد اﻟﺬي ﻳﻠﺘﺰم اﻹﻗﺮار ﺑﺠﻤﻴﻊ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ. وﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﺬي ﻳﺮﻏﺐ أن ﻳﻌﺘﻨﻖ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺘﻠﻮ ﻗﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن ﻟﻴﻌﻠﻦ إﻗﺮارﻩ ﺑﺈﻳﻤﺎﻧﻪ ﺑﺎﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ.
إﺷﺎرة اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ :إنّ إﺷﺎرة اﻟﺼﻠﻴﺐ هﻲ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ وﻋﻨﻮان ﻓﺨﺮﻩ وﻣﺠﺪﻩ .وهﻲ ﺳﻼﺣﻪ اﻟﻘﻮيّ ﺿﺪّ ﻋﺪوّﻩ اﻟﺸﻴﻄﺎن. ﺪ اﻟﻤﺴﻴﺤ ّ ﻲ رﺳﻢ إﺷﺎرة اﻟﺼﻠﻴﺐ :ﺑﺈﺷﺎرة اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻳﺴﺘﻌ ّ ﻟﻜﻞّ أﻣﻮرﻩ .ﻓﻴﺮﺳﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﺪء أﻋﻤﺎﻟﻪ وأﺷﻐﺎﻟﻪ .ﻓﻲ ذهﺎﺑﻪ وإﻳّﺎﺑﻪ .وﺧﺎﺻّﺔ وﻗﺖ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ.
٥٨
ﻣﺎذا ﺗﺘﻀﻤّﻦ؟ ﺗﺘﻀﻤّﻦ أﺧﺺّ أﺳﺮار دﻳﺎﻧﺘﻨﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ – ﺳ ّﺮ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس .ﺳﺮّ اﻟﺘﺠﺴّﺪ اﻹﻟﻬﻲّ وﺳﺮّ اﻟﻔﺪاء .ﻓﺘﺬآّﺮﻧﺎ ﺑﺄنّ اﷲ واﺣﺪ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺎﻧﻴﻢ ،وﺗﺬآّﺮﻧﺎ ﺑﺄنّ اﷲ ﺻﺎر إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻣﺜﻠﻨﺎ وﺑﺄﻧّﻪ ﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺮﺳﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ذاﺗﻪ ﺑﺎﺣﺘﺮام وﺧﺸﻮع وﺗﺄﻣّﻞ ،ﻟـﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺴﺎﻣﻴﺔ واﻟﻔﺎﻋﻠﻴّﺔ اﻟﻜﺒﺮى. اﻟﺼﻠﻴﺐ :ﻳﺘﻀﻤّﻦ ذات اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ واﻷﺳﺮار ﻣﺜﻞ إﺷﺎرة اﻟﺼﻠﻴﺐ .ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﻜﺮّم اﻟﺼﻠﻴﺐ أﻳﻨﻤﺎ رﺁﻩ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ أو ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎﺑﺮ أو ﻓﻲ أي ﻣﻜﺎن ﺁﺧﺮ ،وﻳﺤﻨﻲ ﻟﻪ رأﺳﻪ ﺑﺘﻬﻴّﺐ وإﺟﻼل ،ﻷنّ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻋﻨﻮان ﺧﻼﺻﻨﺎ وﻋﻠّﺔ ﺳﻌﺎدﺗﻨﺎ ورﻣﺰ اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ .إنّ آﻠﻤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻋﻨﻮان ﺧﻼﺻﻨﺎ وﻋﻠّﺔ ﺳﻌﺎدﺗﻨﺎ ورﻣﺰ اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ .إنّ آﻠﻤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻋﻨﺪ اﻟﻬﺎﻟﻜﻴﻦ ﺟﻬﺎﻟﺔ أﻣّﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻓﻬﻲ ﻗﻮّة اﷲ )اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ(.
أﺧﺒﺎر ﺧﺒﺮ أوّل :ﻗﺒﺾ اﻟﻮﺛﻨﻴّﻮن ﻋﻠﻰ أوﻻد ﻣﺪرﺳﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴّﺔ وهﺪّدوهﻢ ﺑﺎﻟﻌﺬاب واﻟﻤﻮت إذا ﻟﻢ ﻳﺪوﺳﻮا ﺻﻠﻴﺒًﺎ ووﺿﻌﻮﻩ ﻋﻠﻰ اﻷرض أﻣﺎﻣﻬﻢ ،ﻓﻔﻀّﻞ هﺆﻻء اﻷوﻻد اﻟﻌﺬاب واﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ أن ﻳﺪوﺳﻮا اﻟﺼﻠﻴﺐ ،ﻓﻜﺎن آﻞّ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺘﻘﺪّم ﻣﻦ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻓﻴﺮآﻊ وﻳﺘﻨﺎوﻟﻪ ﺑﺎﺣﺘﺮام وﻳﻘﺒّﻠﻪ ﺑﺨﺸﻮع ،وﺗﺤﻤّﻠﻮا اﻟﻌﺬاب واﻟﻤﻮت. ﻓﺪهﺶ اﻟﻤﻀﻄﻬﺪون ﻣﻦ ﺷﺠﺎﻋﺔ أوﻟﺌﻚ اﻷوﻻد.
٥٩
ﺧﺒﺮ ﺛﺎنٍ :أﻣﺮ اﻟﻤﻠﻚ ﻣﻜﺴﻴﻤﻮس اﻟﻈﺎﻟﻢ ﺑﺄن ﻳﻀﺮﻣﻮا ﻧﺎرًا ﺷﺪﻳﺪة وﻳﻠﻘﻮا ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮوا دﻳﻨﻬﻢ وﻳﻘﺪّﻣﻮا ﺑﺨﻮرًا ﻟﻠﺼﻨﻢ .ﻓﻠـﻤّﺎ أدﻧﻮهﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر اﻟﻤﺘﺄﺟّﺠﺔ رﺳﻢ أوﻟﺌﻚ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻮن إﺷﺎرة اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎر ﻓﻠﻢ ﺗﺆذهﻢ ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ أﺣﺮﻗﺖ اﻟﺬﻳﻦ أﺿﺮﻣﻮهﺎ. ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻟﺚ :ﻳﺮﻣﺰ اﻟﺼﻠﻴﺐ إﻟﻰ اﻟﺤﻴّﺔ اﻟﻨﺤﺎﺳﻴّﺔ اﻟﺘﻲ أﻣﺮ اﷲ ﻣﻮﺳﻰ أن ﻳﺮﻓﻌﻬﺎ وﺳﻂ اﻟﺸﻌﺐ ،ﻓﺼﺎر آﻞّ ﻣﻦ ﻟﺪﻏﺘﻪ ﺣﻴّﺔ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻴﺒﺮأ .وآﺎن اﷲ ﻗﺪ أرﺳﻞ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﺐ ﺣﻴّﺎت ﻓﺄﻣﺎﺗﺖ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻷﻧّﻬﻢ ﺗﻤﺮّدوا ﻋﻠﻰ اﷲ وﻋﻠﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﻷﻧّﻪ أﺧﺮﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ. ﺧﺒﺮ راﺑﻊ :وﻳﺮﻣﺰ اﻟﺼﻠﻴﺐ أﻳﻀًﺎ إﻟﻰ ﺣﺮف Tاﻟﺬي أرﺳﻞ اﷲ ﻣﻼآﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺐ ﻳﺮﺳﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻬﺔ آﻞّ ﺑﺎرّ ﺛﻢّ أرﺳﻞ ﻣﻼآًﺎ ﺁﺧﺮ وراءﻩ ﻳﻘﺘﻞ آﻞّ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻬﺘﻪ هﺬا اﻟﺤﺮف .T ﺧﺒﺮ ﺧﺎﻣﺲ :إنّ ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ اﻟﻤﻠﻚ اﻧﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺧﺼﻤﻪ ﻣﻜﺴﻴﻤﻮس اﻟﻈﺎﻟﻢ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ وﻋﻠﻰ ﺟﻨﻮدﻩ وﻋﻠﻰ أﻋﻼﻣﻪ .واﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ وﺿﻌﻬﺎ هﻮ أنّ ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ ﺑﻴﻨﻤﺎ آﺎن ذاهﺒًﺎ ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ ﺧﺼﻤﻪ ﻣﻜﺴﻴﻤﻮس اﻟﻘﻮيّ وآﺎن ﻻ ﻳﺰال ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ وﺛﻨﻴًّﺎ ﺧﺎﻃﺐ إﻟﻪ اﻟﻨﺼﺎرى ﻗﺎﺋﻼً: إذا ﻧﺼﺮﺗﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺴﻴﻤﻮس أﺻﻴﺮ ﻣﺴﻴﺤﻴًّﺎ .ﻓﻈﻬﺮ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﻮّ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻣﻊ ﺻﻮت ﻳﻘﻮل :ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻌﻼﻣﺔ ﺗﻈﻔﺮ ﺑﻌﺪوّك .وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻇﻔﺮ ﺑﻌﺪوّﻩ وﺻﺎر ﻣﺴﻴﺤﻴًّﺎ.
٦٠
اﻟﺼﻼة ﺗﺤﺪﻳﺪ :هﻲ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ اﷲ وﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻪ .وهﻞ أﻟﺬّ ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ اﷲ وﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻪ؟ واﺟﺐ اﻟﺼﻼة :ﺑﺎﻟﺼﻼة ﻳﻘﺪّم اﻹﻧﺴﺎن ﷲ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﻣﺎ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﺎدة وﺳﺠﻮد. ﺑﺎﻟﺼﻼة :ﻳﺴﺘﻐﻔﺮ اﻹﻧﺴﺎن رﺑّﻪ ﻋﻦ ذﻧﻮﺑﻪ وﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ وﻳﺸﻜﺮﻩ ﻋﻠﻰ إﺣﺴﺎﻧﺎﺗﻪ. ﺑﺎﻟﺼﻼة :ﻳﺘﻤّﻢ اﻹﻧﺴﺎن أرﺑﻌﺔ أﻣﻮر :ﻋﺒﺎدة وﺷﻜﺮ وﻃﻠﺐ واﺳﺘﻐﻔﺎر. ﺑﺎﻟﺼﻼة :ﻳﺴﺘﻌﻄﻒ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﻠﺐ اﷲ ﻓﻴﺸﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ وﻳﺮقّ ﻟﻪ .ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﺼﻼة ﺿﺮورﻳّﺔ وواﺟﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن. ﻳﺴﻮع ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺼﻼة :ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﺻﻠّﻮا وﻻ ﺗﻤﻠّﻮا .أﻃﻠﺒﻮا ﺗﺠﺪوا. اﻗﺮﻋﻮا ﻳُﻔﺘﺢ ﻟﻜﻢ .اﺳﺄﻟﻮا ﺗﻌﻄﻮا )ﻣﺘﻰ .(٧ :٧وﻗﺪ ﺿﺮب ﻟﻨﺎ ﻓﻲ إﻧﺠﻴﻠﻪ اﻟﻤﻘﺪّس أﻣﺜﻠﺔ ﻋﺪﻳﺪة ﻟﻴﺤﺮّﺿﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻼة .ﻣﺜﻞ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي أﺗﺎﻩ ﺿﻴﻒ ﻓﺮاح ﻋﻨﺪ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻳﻘﺘﺮض ﺛﻼﺛﺔ أرﻏﻔﺔ )ﻟﻮﻗﺎ .(٥ :١١وﻣﺜﻞ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻈﺎﻟﻢ اﻟﺬي اﺳﺘﺠﺎب اﻷرﻣﻠﺔ ﻹﻟﺤﺎﺣﻬﺎ ،وأﻣﺜﻠﺔ أﺧﺮى .واﻟﻤﺜﻞ اﻷهﻢّ هﻮ ﻳﺴﻮع اﻟﺬي آﺎن ﻳﻘﻀﻲ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺑﻄﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة آﻤﺎ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻹﻧﺠﻴﻞ .وﻗﻀﻰ ﻟﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺒﻞ ﻣﺼﻠّﻴًّﺎ.
٦١
وﻗﺖ اﻟﺼﻼة :هﻮ اﻧﻔﻊ وأﺛﻤﻦ وأﻗﺪس وﻗﺖ .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﻼة أآﺜﺮ ﻣﻦ أي ﻋﻤﻞ ﺁﺧﺮ .واﻹﻧﺴﺎن ﻳﻜﻮن ﻋﻈﻴﻤًﺎ وآﺒﻴﺮًا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻳﺨﺎﻃﺐ رﺑّﻪ وﺧﺎﻟﻘﻪ .ﻷنّ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻜﺒﺮ وﻳﻌﻈُﻢ ﺑﻜﺒﺮ وﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻳﺨﺎﻃﺐ .ﻗﺎل آﻮرﻧﺘﺲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲّ :إنّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺼﻠّﻮن ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ وﻷوﻃﺎﻧﻬﻢ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺎرﺑﻮن. أﻓﻀﻞ ﺻﻼة :هﻲ اﻟﺼﻼة اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳّﺔ أي اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻠّﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻌًﺎ ،واﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﻌًﺎ .ﻗﺎل ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ :ﺣﻴﺚ اﺟﺘﻤﻊ اﺛﻨﺎن ﺑﺎﺳﻤﻲ أآﻮن أﻧﺎ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ )ﻣﺘﻰ :١٨ .(٢٠ﻣﺎ أﺟﻤﻞ أن ﺗﺼﻠّﻲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﺴﺎءً ﻣﻌًﺎ ،ﻓﻬﺬا أﻗﺪس ﻋﻤﻞ وأﻓﻀﻞ ﻋﺎدة ﻳﻄﺒﻌﻬﺎ اﻟﻮاﻟﺪان ﻓﻲ ﻗﻠﻮب أﺑﻨﺎﺋﻬﻢ .وﻣﺎ أﺟﻤﻞ أن ﻳﺼﻠّﻲ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻌًﺎ!! اﻟﺼﻼة ﻷﺟﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ :ﻳﺠﺐ أن ﻧﺼﻠّﻲ ﻷﺟﻞ اﻟﺠﻤﻴﻊ: اﻟﺨﻄﺄة واﻟﻀﺎﻟّﻴﻦ واﻟﻤﻨﺎزﻋﻴﻦ واﻟﻤﻮﺗﻰ وﻷﺟﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ واﻟﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ .واﻟﺼﻼة ﻷﺟﻞ هﺆﻻء ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺒّﺘﻨﺎ ﷲ وﻟﻠﻘﺮﻳﺐ وﻟﻬﺎ أﺟﺮ ﻋﻈﻴﻢ! اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ هﻲ أن ﺗﺤﺐّ اﷲ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻚ واﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻬﻬﺎ هﻲ أن ﺗﺤﺐّ ﻗﺮﻳﺒﻚ آﻨﻔﺴﻚ )ﻣﺘﻰ(. اﻟﺼﻼة ﺿﺮورﻳّﺔ ﻟﻠﺨﻼص :ﻣﻦ ﻻ ﻳﺼﻠّﻲ ﻳﻌﺮّض ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﻬﻼك ،ﻷنّ اﷲ ﻻ ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ ﺧﻼص ﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﺪون أن ﻧﻄﻠﺒﻪ ﺑﺎﻟﺼﻼة .وأوّل ﺷﻲء ﻳﺠﺐ أن ﻧﻄﻠﺒﻪ ﺑﺎﻟﺼﻼة هﻮ ﺧﻼص ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ .ﻗﺎل ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ :أﻃﻠﺒﻮا أ ّوﻻً ﻣﻠﻜﻮت اﷲ وﺑﺮّﻩ )ﻣﺘﻰ .(٣٣ :٦
٦٢
ﺧﺒﺮ آﺎن ﻷﺣﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺧﺎدم ﻣﺴﻴﺤﻲّ ،ﻗﻀﻰ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﺪّة ﻟﻢ ﻳﺮﻩ ﻣﺮّة ﻳﺼﻠّﻲ .ﻓﺄﺧﺬ آﻞّ ﻣﺮّة ﻳﺮﺳﻠﻪ ﻟﻘﻀﺎء ﺣﺎﺟﺔ ﻳﻨﺎدﻳﻪ :ﻳﺎ آﻠﺐ اﺻﻨﻊ آﺬا ...ﻓﻬﺬﻩ اﻟﻤﻨﺎداة أﺛﺎرت ﻏﻀﺐ اﻟﺨﺎدم اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻓﻘﺎل ﻟﺴﻴّﺪﻩ :ﻟﻤﺎذا ﺗﺪﻋﻮﻧﻲ آﻠﺒًﺎ ،ﻓﺄﻧﺎ إﻧﺴﺎن وﻟﺴﺖ ﺣﻴﻮاﻧًﺎ .أﻧﺎ إﻧﺴﺎن ﻣﺴﻴﺤﻲّ أﺷﺮف ﻣﻨﻚ .ﻓﻘﺎل اﻟﻤﺴﻠﻢ :أﻧﺖ ﺣﻴﻮان وﻟﺴﺖ إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻷنّ اﻟﺤﻴﻮان ﻻ ﻳﺼﻠّﻲ وأﻧﺖ ﻣﺜﻠﻪ ﻻ ﺗﺼﻠّﻲ .ﻟﻚ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻲ ﺳﺘّﺔ أﺷﻬﺮ ﻟﻢ أرك ﻣﺮّة ﺗﺼﻠّﻲ .ﻓﺨﺠﻞ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ وﻋﺮف أنّ ﺗﻮﺑﻴﺦ ﺳﻴّﺪﻩ ﻟﻪ هﻮ ﺻﻮاب وﺣﻖّ.
إرﺷﺎد آﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻻ ﻳﺼﻠّﻮن ﻻ ﺻﺒﺎﺣًﺎ وﻻ ﻣﺴﺎءً .أﻳّﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ إنّ اﷲ ﻗﺪ ﺧﻠﻘﻚ وﻳﺤﻔﻈﻚ ،ﻓﺄﻧﺖ ﺑﻜﻞّ دﻗﻴﻘﺔ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻪ ﻟﺘﺒﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد .وﻗﺪ أوﺟﺪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﻟﺨﺪﻣﺘﻚ .اﻟﺸﻤﺲ ﻟﺘﻨﻴﺮك .اﻟﻬﻮاء ﻟﻴﻨﻌﺸﻚ .واﻟﺒﺤﺎر واﻷرض وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ .إﻧّﻤﺎ أوﺟﺪﻩ ﻟﺨﺪﻣﺘﻚ وراﺣﺘﻚ .وآﻞّ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻜﻪ ﻣﻦ ﻧﻈﺮ وﺳﻤﻊ وﻋﻘﻞ وﺻﺤّﺔ إﻧّﻤﺎ هﻮ ﻣﻦ اﷲ ،وﻗﺪ ﺗﺒﻨّﺎك ﻓﺠﻌﻠﻚ اﺑﻨًﺎ ﻟﻪ ﻓﺘﺪﻋﻮﻩ أﺑﺎﻧﺎ اﻟﺬي ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات .وﻗﺪ ﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻷﺟﻠﻚ وﻓﺘﺢ ﺑﻮﺟﻬﻚ ﺑﺎب ﺳﻌﺎدﺗﻪ ﻟﻴﺸﺮآﻚ ﺑﻬﺎ. هﺬا اﻹﻟﻪ اﻟﻤﺤﺴﻦ واﻟﻤﺤﺐّ ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻘﺪار أﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ أن ﺗﺮﻓﻊ إﻟﻴﻪ ﺻﺒﺎﺣًﺎ وﻣﺴﺎء ﻋﻘﻠﻚ وﻓﻜﺮك وﻗﻠﺒﻚ ﺑﺎﻟﺼﻼة؟؟
٦٣
اﻟﺼىﻼة اﻟﺮﺑﻴّﺔ أﻓﻀﻞ ﺻﻼة :ﻧﺼﻠّﻴﻬﺎ هﻲ اﻟﺼﻼة اﻟﺮﺑﻴﺔ أي اﻷﺑﺎﻧﺎ ،ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻋﻠّﻤﻨﺎهﺎ وهﻲ ﺗﺘﻀﻤّﻦ أﺟﻤﻞ اﻟﻌﻮاﻃﻒ وأﺳﻤﺎهﺎ. ﺗﺤﺘﻮي ﺳﺒﻊ ﻃﻠﺒﺎت وﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﺛﻼث ﻃﻠﺒﺎت ﺗﺨﺘﺺّ ﺑﺎﷲ وأرﺑﻊ ﻃﻠﺒﺎت ﺗﺨﺘﺺّ ﺑﺤﺎﺟﺎﺗﻨﺎ .ﻓﺎﻟﻄﻠﺒﺎت اﻟﺜﻼث اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺺّ ﺑﺎﷲ هﻲ :اﻷوﻟﻰ :ﻟﻴﺘﻘﺪّس اﺳﻤﻚ .واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﻟﻴﺄت ﻣﻠﻜﻮﺗﻚ. اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :ﻟﺘﻜﻦ ﻣﺸﻴﺌﺘﻚ آﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء آﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻷرض. ﻣﻌﻨﺎهﺎ :ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻄﻠﺒﺎت اﻟﺜﻼث ﻳﺘﻤﻨّﻰ اﻹﻧﺴﺎن وﻳﺸﺘﻬﻲ أن ﺪﺳًﺎ وﻣﻜ ّﺮﻣًﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس ،وﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﻳﻜﻮن اﺳﻢ اﷲ ﻣﻘ ّ ﻣﺘﻤّﻤﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس ،أي ﺧﺎﺿﻌﻴﻦ ﻹرادﺗﻪ اﻟﻘﺪّوﺳﺔ وﺳﺎﺋﺮﻳﻦ ﺣﺴﺐ وﺻﺎﻳﺎﻩ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ .ﻓﻬﻞ أﺟﻤﻞ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﻗﻠﺐ آﻞّ ﻣﺴﻴﺤﻲّ .ﻷنّ اﷲ ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﻷﺟﻞ هﺬﻩ اﻟﻐﺎﻳﺔ أي ﻟﻜﻲ ﻳﻘﺪّس اﺳﻤﻪ وﻳﻜﺮّﻣﻪ وﻳﺼﻨﻊ إرادﺗﻪ ﻓﻴﻜﺎﻓﺌﻪ اﷲ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة. اﻟﻄﻠﺒﺎت اﻷرﺑﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺺّ ﺑﺤﺎﺟﺎﺗﻨﺎ هﻲ :اﻷوﻟﻰ :أﻋﻄﻨﺎ اﻟﺨﺒﺰ آﻔﺎﻳﺔ ﻳﻮﻣﻨﺎ .اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :اﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ذﻧﻮﺑﻨﺎ وﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ آﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﻐﻔﺮ ﻟﻤﻦ أﺧﻄﺄ إﻟﻴﻨﺎ .اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :ﻻ ﺗﺪﺧﻠﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرب .اﻟﺮاﺑﻌﺔ: ﻧﺠﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻳﺮ. ﻣﻌﻨﺎهﺎ :ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻄﻠﺒﺎت اﻷرﺑﻊ ﻧﻠﺘﻤﺲ ﻣﻦ اﷲ ﺣﺎﺟﺎت ﻧﻔﺴﻨﺎ وﺟﺴﺪﻧﺎ .ﻓﻘﻮﻟﻨﺎ أﻋﻄﻨﺎ ﺧﺒﺰﻧﺎ آﻔﺎة ﻳﻮﻣﻨﺎ ،ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ آﻞّ ﻣﺎ
٦٤
ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ اﻟﺠﺴﺪ ﻟﻴﺤﻴﺎ ،ﻣﻦ أآﻞ وﺷﺮب وﻟﺒﺲ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻴﺮات اﻷرض اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﻬﺎ اﷲ ﻟﺤﻴﺎة اﻟﺠﺴﺪ .وﻗﻮﻟﻨﺎ اﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ذﻧﻮﺑﻨﺎ وﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ ﺣﺎﺟﺎت ﻧﻔﺴﻨﺎ ،ﻷنّ ﻧﻔﺴﻨﺎ ﺗﻤﻮت ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ .ﻓﻠﻜﻲ ﺗﺤﻴﺎ ﺗﺤﺘﺎج ﻣﻐﻔﺮة وﻣﺴﺎﻣﺤﺔ اﷲ ﻟﻬﺎ. وﻟﻜﻦ اﷲ ﻻ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻧﻐﻔﺮ ﻧﺤﻦ ﻟﻤﻦ أﺧﻄﺄ إﻟﻴﻨﺎ .هﺬا هﻮ اﻟﺸﺮط ﺑﻴﻨﻨﺎ إذ ﻧﻘﻮل ﻟﻪ :اﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ آﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﻐﻔﺮ ﻟﻤﻦ أﺧﻄﺄ إﻟﻴﻨﺎ. ﻻ ﺗﺪﺧﻠﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرب :ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ اﻟﻌﻮن واﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻟﻨﻨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ آﻞّ ﻳﻮم .واﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎرب ﻳﻜﻮن ﺑﻤﻘﺎوﻣﺘﻬﺎ ورﻓﻀﻬﺎ ،واﺣﺘﻤﺎل ﺻﻌﻮﺑﺎﺗﻬﺎ وﺁﻻﻣﻬﺎ .واﻹﻧﺴﺎن ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ذﻟﻚ ﺑﻤﻌﻮﻧﺔ اﷲ. وﻗﻮﻟﻨﺎ ﻧﺠﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻳﺮ :ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ أن ﻳﺨﻠّﺼﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻴﻄﺎن اﻟﺸﺮﻳﺮ اﻟﺬي هﻮ أﻗﻮى وأﻟﺪّ أﻋﺪاﺋﻨﺎ ،وﻳﻨﺼﺮﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ.
اﻟﺼﻼة اﻟﺮﺑﻴﺔ ﺷﺮح اﻟﻤﻘﺪّﻣﺔ :وهﻲ أﺑﺎﻧﺎ اﻟﺬي ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات .ﻓﻬﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرة هﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺼﻼة ﺑﻬﺎ ﻧﻨﺎدي اﷲ آﻤﺎ ﻳﻨﺎدي اﻻﺑﻦ أﺑﺎﻩ وﻳﺪﻋﻮﻩ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻪ. وﺗﺘﻀﻤّﻦ هﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرة :ﻋﻮاﻃﻒ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺟﺪًّا. ﻋﺎﻃﻔﺔ اﻟﺒﻨﻮّة :ﺑﺄي ﻓﺮح واﺑﺘﻬﺎج وﻓﺨﺮ أدﻋﻮ اﷲ أﺑﻲ.
٦٥
ﻋﺎﻃﻔﺔ اﻟﻤﺤﺒّﺔ واﻟﺸﻮق :أﻧﺎدي اﷲ أﺑﻲ ﺑﻤﺤﺒّﺔ آﻤﺎ ﻳﻨﺎدي اﻻﺑﻦ أﺑﺎﻩ واﺷﺘﺎق إﻟﻴﻪ آﻤﺎ ﻳﺸﺘﺎق اﻟﻄﻔﻞ إﻟﻰ أﻣّﻪ. ﻋﺎﻃﻔﺔ اﻟﺜﻘﺔ واﻻﺗﻜﺎل :آﻤﺎ ﻳﺜﻖ اﻻﺑﻦ ﺑﺄﺑﻴﻪ وﻳﺘّﻜﻞ ﻋﻠﻴﻪ آﺬﻟﻚ أﺛﻖ ﺑﺄﺑﻲ اﻟﺴﻤﺎويّ وأﺗّﻜﻞ ﻋﻠﻴﻪ. ﻋﺎﻃﻔﺔ اﻻﺣﺘﺮام اﻷﺑﻮيّ :أﻧﺎ ﺑﺤﻀﺮة ﻣﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض اﻟﺬي ﺗﻘﻒ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ أﻣﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺘﻬﻴّﺐ واﻻﺣﺘﺮام. هﺬﻩ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺻﻼة اﻷﺑﺎﻧﺎ وهﻲ أﺟﻤﻞ ﺻﻼة ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺼﻠّﻴﻬﺎ. ﻓﻠﻨﺠﺘﻬﺪ أن ﻧﺼﻠّﻴﻬﺎ ﺑﺈﻳﻤﺎن وﺛﻘﺔ وﺧﺸﻮع وﻣﺤﺒّﺔ ﺑﻨﻮﻳّﺔ. ﺧﺒﺮ آﺎن ﻣﺮﺳﻞ ﻳﺠﻮب اﻟﻘﺮى واﻟﻀِﻴَﻊ ﻟﻠﺘﺒﺸﻴﺮ ،ﻓﻤﺮّ ﺑﺮاعٍ ﻳﺮﻋﻰ ﻏﻨﻤﻪ ﻓﺸﺎء أن ﻳﺤﺪّﺛﻪ وﻳﺮﺷﺪﻩ إﻟﻰ اﷲ .ﻓﺒﻌﺪ أن ﺗﺒﺎدﻻ اﻟﺘﺤﻴﺔ ﺟﻠﺲ اﻟﻜﺎهﻦ ﻗﺮب اﻟﺮاﻋﻲ ﻳﻼﻃﻔﻪ ﺑﺄﻋﺬب اﻟﻜﻼم ﺛﻢّ ﺳﺄﻟﻪ: هﻞ ﺗﺼﻠّﻲ :ﻓﺄﺟﺎب اﻟﺮاﻋﻲ :ﻧﻌﻢ ﻳﺎ أﺑﻮﻧﺎ ،أﺻﻠّﻲ وأﺻﻠّﻲ أرﺑﻊ ﺧﻤﺲ ﺳﺎﻋﺎت آﻞّ ﻳﻮم .ﻓﻘﺎل اﻟﻜﺎهﻦ :ﻣﺎذا ﺗﺼﻠّﻲ ﻳﺎ اﺑﻨﻲ؟ أﺟﺎب :أﺻﻠّﻲ اﻷﺑﺎﻧﺎ ﻓﻘﻂ وﻟﻜﻨّﻲ ﻗﻠّﻤﺎ أﺗﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺗﻼوﺗﻬﺎ آﺎﻣﻠﺔ. ﻓﺘﻌﺠّﺐ اﻟﻜﺎهﻦ آﻴﻒ أنّ هﺬا اﻟﺮاﻋﻲ ﻳﺼﻠّﻲ ﻋﺪّة ﺳﺎﻋﺎت آﻞّ ﻳﻮم وﻗﻠّﻤﺎ ﻳﻨﻬﻲ اﻷﺑﺎﻧﺎ .ﻓﻘﺎل اﻟﻜﺎهﻦ :آﻴﻒ ذﻟﻚ؟ ﻓﻘﺎل اﻟﺮاﻋﻲ :أﺑﺪأ أﺑﺎﻧﺎ اﻟﺬي ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات وﺁﺧﺬ أﺗﺄﻣّﻞ آﻴﻒ أﻧّﻲ أﻧﺎ اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﺤﻘﻴﺮ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ اﻟﻤﻨﺴﻲّ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أدﻋﻮ اﷲ ﺧﺎﻟﻖ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض واﻟﺠﺒﺎل واﻟﺴﻬﻮل واﻟﻮدﻳﺎن واﻟﺒﺤﺎر واﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ أدﻋﻮﻩ أﺑﻲ .أﺗّﺄﻣّﻞ ذﻟﻚ ﻓﺄﻓﺮح وأﺑﺘﻬﺞ .ﺛﻢّ أﺗﺄﻣّﻞ ﻳﻮﻣًﺎ ﻣﺎ ﺳﺄآﻮن ﻋﻨﺪ أﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء إﻟﻰ اﻷﺑﺪ .ﻓﻠﻤّﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﻜﺎهﻦ ذﻟﻚ ﺗﻌﺠّﺐ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺻﻼة اﻟﺮاﻋﻲ وﻗﺎل ﻟﻪ :ﺻﻞﱢ داﺋﻤًﺎ هﻜﺬا ﻳﺎ اﺑﻨﻲ .إﻧّﻚ ﺗﺼﻠّﻲ أﺣﺴﻦ ﻣﻨّﻲ!!
٦٦
اﻟﺴﻼم اﻟﻤﻼﺋﻜﻲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ أﻓﻀﻞ ﺻﻼة ﺑﻌﺪ ﺻﻼة "اﻷﺑﺎﻧﺎ" هﻲ اﻟﺴﻼم اﻟﻤﻼﺋﻜﻲّ ﻷنّ اﻟﻤﻼك واﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﻠﻤﻮﻧﺎهﺎ . اﻟﺴﻼم اﻟﻤﻼﺋﻜﻲّ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺴﺎم: اﻷوّل :ﻗﺎﻟﻪ اﻟﻤﻼك ،هﻮ :اﻟﺴﻼم ﻟﻚ ﻳﺎ ﻣﺮﻳﻢ ﻳﺎ ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ ﻧﻌﻤﺔ ،اﻟﺮبّ ﻣﻌﻚ ،ﻣﺒﺎرآﺔ أﻧﺖِ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء. اﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻗﺎﻟﺘﻪ اﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ أﻟﻴﺼﺎﺑﺎت وهﻮ :ﻣﺒﺎرآﺔ أﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء وﻣﺒﺎرآﺔ ﺛﻤﺮة ﺑﻄﻨﻚ .ﻓﻌﺒﺎرة" :ﻣﺒﺎرآﺔ أﻧﺖِ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء" ﻗﺎﻟﻬﺎ اﻟﻤﻼك أﻳﻀًﺎ. اﻟﺜﺎﻟﺚ :ﻗﺎﻟﺘﻪ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وهﻮ :ﻳﺎ ﻗﺪّﻳﺴﺔ ﻣﺮﻳﻢ ﻳﺎ واﻟﺪة اﷲ ﺻﻠّﻲ ﻷﺟﻠﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺨﻄﺄة اﻵن وﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻮﺗﻨﺎ .ﺁﻣﻴﻦ. ﺷﺮح اﻟﻘﺴﻢ اﻷوّل :اﻧﺤﻨﻰ اﻟﻤﻼك ﺑﻜﻞّ اﺣﺘﺮام وﺧﺸﻮع أﻣﺎم ﺳﻴّﺪﺗﻨﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﻗﺎﺋﻼً :اﻟﺴﻼم ﻟﻚ ﻳﺎ ﻣﺮﻳﻢ ﻳﺎ ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺮبّ ﻣﻌﻚ .إنّ اﷲ أﻓﺎض آﻞّ ﻧﻌﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء وﻣﻸهﺎ ﻣﻨﻬﺎ أآﺜﺮ ﻣﻦ أي ﺧﻠﻴﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض .وهﻮ ﻣﻌﻬﺎ وﻣﺘّﺤﺪ ﺑﻬﺎ اﺗﺤﺎدًا ﺷﺪﻳﺪًا ﺑﻘﺪر اﻣﺘﻼﺋﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻌﻤﺘﻪ .ﻷنّ وﺟﻮد اﷲ ﻣﻊ اﻹﻧﺴﺎن واﺗّﺤﺎدﻩ ﺑﻪ ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﻗﺪر اﻟﻨﻌﻤﺔ
٦٧
اﻟﺤﺎﺻﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن .وﺳﻴّﺪﺗﻨﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﺣﺎﺻﻠﺔ ﻋﻠﻰ آﻞّ ِﻧﻌَﻢ اﷲ .ﻓﺈذا اﻟﺮبّ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﻜﻠﻴّﺘﻪ. ﺷﺮح اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻣﺒﺎرآﺔ أﻧﺖِ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺎء وﻣﺒﺎرآﺔ ﺛﻤﺮة ﺑﻄﻨﻚ .إنّ ﺳﻴّﺪﺗﻨﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء هﻲ ﻣﺒﺎرآﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﻷﻧّﻬﺎ أزاﻟﺖ اﻟﻠﻌﻨﺔ ﻋﻦ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮيّ ،وﺟﻠﺒﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﺮآﺔ. وﺑﺜﻤﺮة ﺑﻄﻨﻬﺎ ﻳﺴﻮع ﺗﺘﺒﺎرك ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻌﻮب وﺗﺘﻘﺪّس .ﺑﺜﻤﺮة ﺑﻄﻨﻬﺎ زال اﻟﺨﺼﺎم واﻟﻌﺪاوة ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض ،وﺣﻞّ اﻟﻔﺮح واﻟﺴﻼم واﻟﺨﻴﺮ .ﻓﻤﺮﻳﻢ هﻲ أﻓﻀﻞ وأﻗﺪس ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺴﺎء، ﻷنّ اﷲ ﻗﺪّﺳﻬﺎ وﻓﻀّﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺴﺎء. ﺷﺮح اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ :وهﻮ ﻳﺎ ﻗﺪّﻳﺴﺔ ﻣﺮﻳﻢ ﻳﺎ واﻟﺪة اﷲ ﺻﻠّﻲ ﻷﺟﻠﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺨﻄﺄة اﻵن وﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻮﺗﻨﺎ .ﺁﻣﻴﻦ. ﺗﺤﺮﱢﺿﻨﺎ أﻣّﻨﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﻧﺤﻦ اﻟﺨﻄﺄة اﻟﻤﺴﺎآﻴﻦ أن ﻧﻠﺠﺄ إﻟﻰ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء آﻲ ﺗﺼﻠّﻲ وﺗﺒﺘﻬﻞ إﻟﻰ اﺑﻨﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ، ﻻﺳﻴّﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻮﺗﻨﺎ اﻟﺮهﻴﺒﺔ ،ﻷنّ ﻣﺮﻳﻢ ﻗﺪﻳﺮة ﻋﻨﺪ اﺑﻨﻬﺎ ﻳﺴﻮع وﻗﺪ ﺳﻠّﻤﻬﺎ آﻨﻮزﻩ وﺧﻴﺮاﺗﻪ اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ ﻟﺘﻮزّع ﻋﻠﻴﻨﺎ إذا ﻃﻠﺒﻨﺎ ذﻟﻚ .وﺣﺎﺟﺘﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء آﺤﺎﺟﺔ اﻟﻄﻔﻞ إﻟﻰ أﻣّﻪ. وﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء هﻲ أﻣّﻨﺎ ﻷنّ ﻳﺴﻮع أﻋﻄﺎﻧﺎهﺎ أﻣًّﺎ وهﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﺑﺸﺨﺺ ﻳﻮﺣﻨّﺎ إذ ﻗﺎل ﻟﻴﻮﺣﻨّﺎ :ﻳﺎ ﻳﻮﺣﻨّﺎ هﺬﻩ هﻲ أﻣّﻚ. وﻗﺎل ﻷﻣّﻪ :ﻳﺎ اﻣﺮأة هﺬا هﻮ اﺑﻨﻚ .وﻻ ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻّ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﺎ وﻋﻠﻰ ﻳﺪهﺎ! ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻜﺮّم أﻣّﻨﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﺑﺎﻟﺼﻼة واﻟﻌﺒﺎدة. وﻋﺒﺎدات ﻣﺮﻳﻢ آﺜﻴﺮة :اﻟﻤﺴﺒﺤﺔ ،اﻟﻄﻠﺒﺔ ،ﺷﺮآﺔ اﻟﺜﻮب اﻟﻤﻘﺪّس ،ﺷﺮآﺔ اﻟﻮردﻳّﺔ ،أﺧﻮﻳّﺔ اﻟﺤﺒﻞ ﺑﻼ دﻧﺲ ،واﻟﻤﻨﻈّﻤﺔ اﻟﻤﺮﻳﻤﻴّﺔ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﻮات واﻟﻌﺒﺎدات.
٦٨
اﻣﺘﻴﺎزات ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء: إنّ اﷲ ﻗﺪ ﺧﺺّ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﺑﺎﻣﺘﻴﺎزات ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺣﺪ ﻻ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ وﻻ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ .وأﺧﺺّ هﺬﻩ اﻻﻣﺘﻴﺎزات: (١درﺟﺔ أمّ اﷲ (٢ .ﻋﺼﻤﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻷﺻﻠﻴّﺔ واﻟﻔﻌﻠﻴّﺔ. (٣ﺑﻘﺎؤهﺎ ﺑﺘﻮﻻً واﻣﺘﻼؤهﺎ ﻣﻦ ِﻧﻌَﻢ اﷲ (٤ .اﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ وﺟﺴﺪهﺎ (٥ .إﻗﺎﻣﺘﻬﺎ ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض. ﺷﺮح :إنّ اﺑﻦ اﷲ ﻗﺪ اﺧﺘﺎر ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﻟﺘﻜﻮن أﻣًّﺎ ﻟﻪ .وهﺬا ﺷﺮف ﻟﻴﺲ ﻓﻮﻗﻪ ﺷﺮف .ﻓﺄمّ اﻟﻤﻠﻚ ﻟﻬﺎ ﻣﻨـﺰﻟﺔ اﺑﻨﻬﺎ اﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﻈﻤﺔ واﻟﻤﺠﺪ واﻟﻜﺮاﻣﺔ .وﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء هﻲ أمّ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎويّ ،ﻓﻠﻬﺎ ﻣﺠﺪﻩ وﻋﻈﻤﺘﻪ وآﺮاﻣﺘﻪ. وﻟـﻤّﺎ أراد اﷲ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻌﺬراء أﻣًّﺎ ﻟﻪ ﻋﺼﻤﻬﺎ ﻣﻦ دﻧﺲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻷﺻﻠﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺪﻧّﺲ ﺑﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﺸﺮ .وﺣﻔﻈﻬﺎ آﻞّ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴّﺔ ﺣﺘّﻰ اﻟﻌﺮﺿﻴّﺔ ،ﻷﻧّﻪ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﺑﻦ اﻟﺒﺸﺮ أن ﻳﺘّﺨﺬ ﺟﺴﺪﻩ ﻣﻦ ﺟﺴﺪ ﺗﺪﻧّﺲ ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﻟﻮ ﺑﺮهﺔ وﺟﻴﺰة. وﻟﻢ ﻳﻜﺘﻒِ ﺑﺄﻧّﻪ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻧﻘﻴّﺔ ﻃﺎهﺮة ﺑﻞ أﺑﻘﺎهﺎ ﺑﺘﻮﻻً ﻋﺬراء. وزﻳّﻨﻬﺎ ﺑﻜﻞّ ﻓﻀﻴﻠﺔ وﻣﻸهﺎ ﻣﻦ آﻞّ ﻧﻌﻤﺔ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﷲ أن ﻳﻤﻸهﺎ ﺣﺘّﻰ ﺻﺎرت ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﺪًّا ،ﻓﺴﺮّﻩ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ: آﻠّﻚ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻚ ﻣﻌﺎب )ﺳﻔﺮ اﻷﻧﺎﺷﻴﺪ :٤ .(٧ وﻟﻢ ﻳﺸﺄ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺬي ﻣﻨﻪ أﺧﺬ ﺟﺴﺪﻩ وﺳﻜﻦ ﻓﻴﻪ ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ واﻏﺘﺬى ﻣﻦ ﻟﺒﻨﻪ ﻣﺄآﻼً ﻟﻠﺪود وﻣﻘﺮًّا ﻟﻠﻨﺘﺎﻧﺔ ﺑﻌﺪ
٦٩
اﻟﻤﻮت ،آﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻷﺟﺴﺎدﻧﺎ ،ﻓﻨﻘﻠﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ وﺟﺴﺪهﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،وهﻨﺎك أﺟﻠﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺮش ﻋﻈﻴﻢ ﻗﺮب ﻋﺮﺷﻪ ووﺿﻊ ﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ ﺗﺎﺟًﺎ وﺟﻌﻠﻬﺎ ﺳﻠﻄﺎﻧﺔ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض .واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨّﺎ ﻳﺼﻒ ﻣﺠﺪهﺎ ﺑﺮؤﻳﺎﻩ ﻗﺎﺋﻼً :ﻣﻠﻜﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ووﺟﻬﻬﺎ ﻳﻠﻤﻊ آﺎﻟﺸﻤﺲ وﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ إآﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ آﻮآﺒًﺎ )رؤﻳﺎ .(١ :١٢ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﻓﻴﻬﺎ آﻞّ ﺻﻔﺎت اﻟﻤﻠﻜﺔ :اﻟﻤﺠﺪ واﻟﻌﻈﻤﺔ واﻟﻘﺪرة .وآﻞّ ﺻﻔﺎت اﻷمّ :اﻟﻌﻄﻒ واﻟﺤﻨﺎن واﻟﻤﺤﺒّﺔ .وﺗﺮﻏﺐ أن ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﺑﺸﺮط أن ﻧﻠﺠﺄ إﻟﻴﻬﺎ وﻧﻄﻠﺐ ﻣﻌﻮﻧﺘﻬﺎ .ﻓﻠﻨﺘﻌﺒّﺪ ﻟﻬﺎ .ﻷنّ ﻣﻦ آﺎن ﻟﻠﻌﺬراء ﻋﺒﺪًا ﻓﻼ ﻳﺪرآﻪ اﻟﻬﻼك .هﺬا ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺁﺑﺎء اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. ﻣﻴﻼد اﻟﻌﺬراء: إنّ ﺳﻴّﺪﺗﻨﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﻗﺪ وﻟﺪت ﻣﻦ أﺑﻮﻳﻦ ﻓﺎﺿﻠﻴﻦ ﺟﺪًّا هﻤﺎ ﻳﻮاآﻴﻢ وﺣﻨّﺔ .وآﺎﻧﺎ ﻗﺪ ﻃﻌﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻦّ وﻟﻴﺲ ﻟﻬﻤﺎ وﻟﺪ .ﻓﺄﺧﺬا ﻳﺼﻠّﻴﺎن وﻳﺒﺘﻬﻼن إﻟﻰ اﷲ ﻟﻜﻲ ﻳﺮزﻗﻬﻤﺎ وﻟﺪًا ﻓﺄوﺣﻰ إﻟﻴﻬﻤﺎ ﺑﺄﻧّﻬﻤﺎ ﻳﺮزﻗﺎن وﻟﺪًا ،وﻟﻢ ﻳﻤﺾِ زﻣﻦ ﺣﺘّﻰ رزﻗﻬﺎ اﷲ اﺑﻨﺔ ﺳﻤﻴﺎهﺎ ﻣﺮﻳﻢ .وﻟـﻤّﺎ آﺒﺮت ﻗﻠﻴﻼً ﻗﺪّﻣﺎهﺎ ﻟﻠﻴﻬﻜﻞ ﻷﻧّﻬﻤﺎ آﺎﻧﺎ ﻗﺪ ﻧﺬراهﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﺮبّ ﻓﺮﺑﻴﺖ ﻣﺮﻳﻢ ﻓﻲ اﻟﻬﻴﻜﻞ ﺗﺨﺪم ﻓﻴﻪ وﺗﺘﻌﻠّﻢ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ .وﻣﺎت واﻟﺪاهﺎ وهﻲ ﺻﻐﻴﺮة ﻓﺒﻘﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﻬﻴﻜﻞ إﻟﻰ ﺣﻴﻦ زواﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺼﺪّﻳﻖ!
٧٠
ﺑﺸﺎرة اﻟﻌﺬراء: آﺎﻧﺖ اﻟﻌﺬراء ﺗﻘﻀﻲ أوﻗﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة واﻟﺘﺄﻣّﻞ وﺧﺪﻣﺔ اﻟﻬﻴﻜﻞ .وﺑﻴﻨﻤﺎ آﺎﻧﺖ ذات ﻣﺮّة ﺗﻄﺎﻟﻊ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﻏﺎﺋﺼﺔ ﺑﺎﻟﺘﺄﻣّﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒّﺄ ﺑﻬﺎ أﺷﻌﻴﺎ وهﻲ" :إنّ اﻟﻌﺬراء ﺗﺤﺒﻞ وﺗﻠﺪ اﺑﻨًﺎ ﻣﺨﻠّﺼًﺎ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ" وﺗﻐﺒﻂ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺬراء اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺮ أﻣًّﺎ ﻟﻤﺨﻠّﺺ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺗﺘﻤﻨّﻰ أن ﺗﻜﻮن ﺧﺎدﻣﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻌﺬراء. وإذا ﺑﺎﻟﻤﻼك ﺟﺒﺮاﺋﻴﻞ ﻳﻨﺤﻨﻲ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﺣﺘﺮام ﺑﻠﻴﻎ ﻗﺎﺋﻼً ﻟﻬﺎ: اﻟﺴﻼم ﻟﻚ ﻳﺎ ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺮبّ ﻣﻌﻚ .ﻓﺎﺿﻄﺮﺑﺖ ﻣﺮﻳﻢ وﻓﻜّﺮت ﻣﺎ ﻳﻜﻮن هﺬا اﻟﺴﻼم ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﻤﻼك :ﻻ ﺗﺨﺎﻓﻲ ﻳﺎ ﻣﺮﻳﻢ ﻓﻘﺪ وﺟﺪت ﻧﻌﻤﺔ ﻋﻨﺪ اﷲ .ﻓﻬﺎ أﻧﺖ ﺗﻘﺒﻠﻴﻦ ﺣﻤﻼً وﺗﻠﺪﻳﻦ اﺑﻨًﺎ ﺗﺪﻋﻴﻦ اﺳﻤﻪ ﻳﺴﻮع ،وﻳﻜﻮن ﻋﻈﻴﻤًﺎ ،واﺑﻦ اﷲ ﻳُﺪﻋﻰ .ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﺮﻳﻢ ﻟﻠﻤﻼك :آﻴﻒ ﻳﻜﻮن هﺬا وأﻧﺎ ﻻ أﻋﺮف رﺟﻼً؟ أي آﻴﻒ ﻳﻜﻮن هﺬا وأﻧﺎ ﻗﺪ ﻧﺬرت ﷲ أن أﺑﻘﻰ ﻋﺬراء ﺑﺘﻮﻻً؟ ﻓﺄزال اﻟﻤﻼك ﺣﻴﺮﺗﻬﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ :إنّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﺤﻞّ ﻋﻠﻴﻚ وﻗﻮّة اﻟﻌﻠﻲّ ﺗﻈﻠّﻠﻚ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻤﻮﻟﻮد ﻣﻨﻚ هﻮ ﻗﺪّوس واﺑﻦ اﷲ ﻳُﺪﻋﻰ .ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻣﺮﻳﻢ ﻟﻠﻤﻼك :هﺎ أﻧﺎ أﻣﺔ اﻟﺮبّ ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻟﻲ آﻘﻮﻟﻚ .أي أﻧﺎ ﻋﺒﺪة اﻟﺮبّ ﻓﻠﻴﺼﻨﻊ ﺑﻲ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء )ﻟﻮﻗﺎ .(٣٦-٢٦ :١ وﻓﻲ اﻟﺤﺎل ﺗﺠﺴّﺪ اﺑﻦ اﷲ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﺪﺧﻞ ﺣﺸﺎهﺎ آﻤﺎ ﺗﺪﺧﻞ أﺷﻌّﺔ اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺰﺟﺎج دون أن ﺗﻤﺴّﻪ .وأﺧﺬ ﻳﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﺣﺸﺎهﺎ وﻳﻐﺘﺬي ﻣﻦ دﻣﻬﺎ وﺟﺴﺪهﺎ ،وﺑﻌﺪ ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ وﻟﺪﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﺬود .وآﺎن اﷲ ﻗﺪ اﺧﺘﺎر ﻟﻠﻌﺬراء ﻳﻮﺳﻒ رﺟﻼً ﺻﺪّﻳﻘًﺎ ﺑﺎرًّا وزوﺟًﺎ ﻋﻔﻴﻔًﺎ ﻟﻴﺼﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻈﻨّﺔ اﻟﻨﺎس ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﺣﻤﻠﻬﺎ وﺗﻠﺪ اﺑﻨًﺎ. وﻟﻴﻜﻮن ﻣﻌﻴﻨًﺎ ﻟﻬﺎ وﻣﺤﺎﻓﻈًﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻋﻠﻰ اﺑﻨﻬﺎ.
٧١
ﺣﻴﺎة اﻟﻌﺬراء ﻣﻊ اﺑﻨﻬﺎ إنّ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺸﺮيّ ﻳﻘﺼﺮ ﻋﻦ إدراك ﻣﻘﺪار ﻓﺮح اﻟﻌﺬراء ﺑﺎﺑﻨﻬﺎ ﻳﺴﻮع وﻣﺤﺒّﺘﻬﺎ ﻟﻪ ،وﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ إدراك ﻣﻘﺪار اﻟﻌﻄﻒ واﻟﺤﻨﺎن اﻟﻠﺬﻳﻦ رﺑّﺘﻪ ﺑﻬﻤﺎ وﺧﻮﻓﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ آﺎن ﻳﻮازي ﻣﺤﺒّﺘﻬﺎ ﻟﻪ .ﺧﺎﻓﺖ ﻋﻠﻴﻪ وهﺮﺑﺖ ﺑﻪ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ وﺟﻪ هﻴﺮودس ﻃﺎﻟﺐ ﻗﺘﻠﻪ. ﺧﺎﻓﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺿﺎﻋﺘﻪ وﺑﻘﻴﺖ ﺛﻼﺛﺔ أﻳّﺎم ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ إﻟﻰ أن وﺟﺪﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻬﻴﻜﻞ .وآﻤﺎ أنّ ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﻴﺴﺢ آﺎن ﻣﻨﺬ ﺗﺠﺴّﺪﻩ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻵﻻم اﻟﻤﺰﻣﻊ أن ﻳﻘﺎﺳﻴﻬﺎ ،آﺬﻟﻚ اﻟﻌﺬراء أﻣّﻪ آﺎن ﻳﻨﻐّﺺ ﻗﻠﺒﻬﺎ اﻟﺘﻔﻜّﺮ ﺑﻤﺎ ﺳﻴﺤﻞّ ﺑﺎﺑﻨﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب واﻵﻻم وآﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ وﻣﻦ ﻧﺒﻮّة ﺳﻤﻌﺎن اﻟﺸﻴﺦ اﻟﺬي ﻗﺎل ﻟﻬﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺪّﻣﺖ ﻃﻔﻠﻬﺎ ﻟﻠﻬﻴﻜﻞ" :ﻳﺠﻮز رﻣﺢ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ" .وهﺬا اﻟﺮﻣﺢ ﺟﺎز ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻣﺮﻳﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ آﺎﻧﺖ واﻗﻔﺔ ﻗﺮب ﺻﻠﻴﺐ اﺑﻨﻬﺎ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺷﺎهﺪت ﻣﺎ أﻧﺰﻟﻮا ﺑﻪ ﻣﻦ ﻋﺬاب وإهﺎﻧﺎت .ﻓﻠﻴﺲ رﻣﺢ ﻓﻘﻂ ﺟﺎز ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺑﻞ رﻣﺎح ﻣﺰّﻗﺖ ﺣﺸﺎهﺎ واﺧﺘﺮﻗﺖ ﻗﻠﺒﻬﺎ .إنّ أﺣﺰان ﻣﺮﻳﻢ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ وﺻﻔﻬﺎ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إنّ اﻟﻌﺬراء ﻗﺪ ﺷﺎرآﺖ اﺑﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻓﺪاﺋﻨﺎ!
ﻣﻮت اﻟﻌﺬراء واﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت ﻳﺴﻮع وﻗﻴﺎﻣﺘﻪ وﺻﻌﻮدﻩ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻘﻴﺖ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﻋﺪّة ﺳﻨﻴﻦ ﻣﻊ اﻟﺮﺳﻞ ﺗﺸﺠّﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ إرﺳﺎﻟﻴﺘﻬﻢ وﺗﺮﺷﺪهﻢ وﺗﺼﻠّﻲ ﻷﺟﻠﻬﻢ .وآﺎن ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻳﺘﺄﺟّﺞ ﺷﻮﻗًﺎ إﻟﻰ اﻟﻠﺤﺎق ﺑﺎﺑﻨﻬﺎ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﻤﺘّﻊ ﺑﻤﺸﺎهﺪﺗﻪ وﻣﺠﺪﻩ .وﻟـﻤّﺎ ﻣﺎﺗﺖ اﻟﻌﺬراء اﺟﺘﻤﻊ اﻟﺮﺳﻞ ودﻓﻨﻮا ﺟﺴﺪهﺎ اﻟﻤﻮﻗّﺮ ﺑﻜﻞّ اﺣﺘﺮام
٧٢
وإآﺮام .وآﺎن ﺗﻮﻣﺎ أﺣﺪ اﻟﺮﺳﻞ ﻏﺎﺋﺒًﺎ ،ﻓـﻠﻤّﺎ ﻋﺎد أراد أن ﻳﺘﺒﺎرك ﻣﻦ ﺟﺜﻤﺎن اﻟﻌﺬراء اﻟﻄﺎهﺮ ،ﻓﻘﺼﺪ اﻟﺮﺳﻞ ﻣﻊ ﺗﻮﻣﺎ اﻟﻘﺒﺮ ﺣﻴﺚ دﻓﻨﻮا ﺟﺴﺪ اﻟﻌﺬراء وﻓﺘﺤﻮﻩ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪوا ﺟﺴﺪهﺎ اﻟﻤﻘﺪّس، ﻓﺘﺤﻘّﻘﻮا أنّ اﺑﻨﻬﺎ اﻹﻟﻪ ﻧﻘﻞ ﺟﺴﺪ أﻣّﻪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﻟﺌﻼّ ﻳﻤﺴّﻪ اﻟﻔﺴﺎد ،ﻷﻧّﻪ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﺠﺴﻢ اﻟﺬي ﺣﻤﻞ اﺑﻦ اﷲ ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ وأرﺿﻌﻪ وﻏﺬّاﻩ ،ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺄآﻼً ﻟﻠﺪود واﻟﻔﺴﺎد! واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ اﻟﻤﻌﺼﻮﻣﺔ ﻋﻦ اﻟﻐﻠﻂ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻗﺪ ﻋﻠّﻤﺖ أنّ اﻟﻌﺬراء ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ وﺟﺴﺪهﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء .وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﻔﺴﺎد أن ﻳﻤﺲّ ﺟﺴﺪهﺎ اﻟﻤﻘﺪّس .وﻗﺪ ﻋﻴّﻨﺖ ﻟﻴﻮم اﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ ﻋﻴﺪًا ﻳﺤﺘﻔﻞ ﺑﻪ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﻓﻲ ١٥ﺁب. ﻇﻬﻮر اﻟﻌﺬراء ﻟﻠﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺑﺮﻧﺎدﻳﺖ: ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﻦ ﻋﺠﺎﺋﺐ آﺜﻴﺮة ﺻﻨﻌﺘﻬﺎ اﻟﻌﺬراء ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻷﺟﻴﺎل .وأهﻢّ ﻋﺠﺎﺋﺒﻬﺎ هﻲ ﻇﻬﻮرهﺎ ﻟﻼﺑﻨﺔ ﺑﺮﻧﺎدﻳﺖ ﻓﻲ ﻣﻐﺎرة ﻓﻲ ﻟﻮرد ١٨ﻣﺮّة وذﻟﻚ ﻓﻲ ١١ﺷﺒﺎط ﺳﻨﺔ ١٨٥٨ﺣﻴﺚ أﺟﺮت اﻟﻌﺬراء ﻳﻨﺒﻮع ﻣﺎء ﻳﺸﻔﻲ ﻣﻦ أﻣﺮاض آﺜﻴﺮة .واﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺗﻤّﺖ ﺑﻮاﺳﻄﺔ هﺬا اﻟﻤﺎء ﺗُﻌﺪّ ﺑﺎﻷﻟﻮف .وﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻐﺎرة اﻟﺤﻘﻴﺮة آﻨﻴﺴﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ آﻨﺎﺋﺲ اﻟﺪﻧﻴﺎ، وﻣﺰارًا ﻳﺆﻣّﻪ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ آﻞّ أﻗﻄﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻳﺘﺠﺎوز ﻋﺪد اﻟﺰوّار ﺳﻨﻮﻳًّﺎ اﻟﻤﻠﻴﻮن .وآﺎن اﻟﺒﺎﺑﺎ ﺑﻴﻮس اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻗﺪ أﺛﺒﺖ ﻋﻘﻴﺪة اﻟﺤﺒﻞ ﺑﻼ دﻧﺲ ﻗﺒﻞ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﻇﻬﻮر اﻟﻌﺬراء ﻟﻼﺑﻨﺔ ﺑﺮﻧﺎدﻳﺖ ،ﻓﺠﺎء إﻋﻼن اﻟﻌﺬراء ﻟﻼﺑﻨﺔ ﺑﺮﻧﺎدﻳﺖ ﺑﺄﻧّﻬﺎ هﻲ اﻟﺤﺒﻞ
٧٣
ﺑﻬﺎ ﺑﻼ دﻧﺲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻷﺻﻠﻴّﺔ ،إﺛﺒﺎﺗًﺎ ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ اﻟﻤﻌﺼﻮﻣﺔ ﻋﻦ اﻟﻐﻠﻂ ﺑﺘﻌﻠﻴﻤﻬﺎ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ. اﻋﺘﺮاﺿﺎت ﺿﺪّ اﻟﻌﺬراء إنّ اﻟﺒﻌﺾ ﻳﻨﻔﻮن ﻋﻦ ﺳﻴّﺪﺗﻨﺎ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء اﻻﻣﺘﻴﺎزات واﻟ ﱢﻨﻌَﻢ اﻟﺘﻲ ﺧﺼّﻬﺎ ﺑﻬﺎ اﷲ دون ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺒﺸﺮ .وﻳﺤﺴﺒﻮﻧﻬﺎ آﺒﺎﻗﻲ اﻟﻨﺴﺎء ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖّ ﻣﺎ ﻧﻘﺪﱢم ﻟﻬﺎ ﻣﻦ إآﺮام وﻋﺒﺎدة وﺣﺐّ. ﻟﻮ ﺳﺄﻟﻨﺎ هﺆﻻء اﻟﻤﺘﻌﻨّﺘﻴﻦ :أﻣﺎ ﺗﻜﺮّﻣﻮن أﻣّﻬﺎﺗﻬﻜﻢ؟ ﻓﺒﺪون رﻳﺐ ﻳﺠﻴﺒﻮن :ﺑﻠﻰ ﻧﻜﺮّﻣﻬﻦ وﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻜﺮّﻣﻬﻦّ .ﻓﻬﻞ هﻢ ﻳﺎ ﺗﺮى أآﺜﺮ ﻋﺮﻓﺎﻧًﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻞ ﻧﺤﻮ أﻣّﻬﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻧﺤﻮ أﻣّﻪ. ﻳﻘﻮل اﻟﺨﺼﻮم إنّ اﻟﻮﺳﻴﻂ ﺑﻴﻦ اﷲ واﻟﻨﺎس واﺣﺪ .وهﻮ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻓﺎﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻤﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء إذًا ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻨﻬﺎ وهﻲ ﺗﺨﺎﻟﻒ اﻟﺪﻳﻦ إذ أﻧّﻪ ﻻ ﺗﺠﻮز اﻟﻌﺒﺎدة إﻻّ ﷲ وﺣﺪﻩ! ﻧﺠﻴﺐ :إﻧّﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﺒﺪ ﻏﻴﺮ اﷲ ﻷﻧّﻪ ﻻ ﺗﺠﻮز اﻟﻌﺒﺎدة إﻻّ ﷲ وﺣﺪﻩ .وأﻣّﺎ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻮن وﺧﺎﺻّﺔ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﻓﻨﻜﺮّﻣﻬﻢ ﻷﻧّﻬﻢ أﺻﻔﻴﺎء اﷲ .واﷲ ﻳﺴﺮّ ﺑﺘﻜﺮﻳﻤﻨﺎ إﻳّﺎهﻢ ﻷﻧّﻬﻢ أﺣﺒّﺎؤﻩ .ﻓﺎﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺘﻲ ﻧﻘﺪّﻣﻬﺎ ﷲ هﻲ إﻗﺮار ﺑﺮﺑﻮﺑﻴّﺘﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ،واﻋﺘﺮاف ﺑﺄﻧّﻪ ﺧﺎﻟﻘﻨﺎ وﻋﻠّﺔ وﺟﻮدﻧﺎ وﺑﻘﺎﺋﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة .وأﻣّﺎ اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﺘﻲ ﻧﻘﺪّﻣﻬﺎ ﻟﻠﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ وﺧﺎﺻّﺔ ﻟﻤﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﻓﻬﻲ إآﺮام ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻋﻮن ﻟِﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻈﻮة ﻟﺪى اﷲ .واﷲ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻧﻜﺮّﻣﻬﻢ ﻷﻧّﻪ ﻳﺼﻨﻊ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﻢ وﻳﻌﻄﻴﻨﺎ ﻃﻠﺒﺎﺗﻨﺎ ﺑﺸﻔﺎﻋﺘﻬﻢ. واﻟﺒﺮهﺎن أنّ آﺜﻴﺮﻳﻦ ﻧﺎﻟﻮا ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺲ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮس واﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮﻳﺰﻳﺎ وﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﻮا .واﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﻟﻮا – ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻷﺟﻴﺎل – ﻣﻦ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء ﻃﻠﺒﺎﺗﻬﻢ ﻻ ﻳُﺤﺼﻰ ﻋﺪدهﻢ
٧٤
ﺑﻞ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﺑﻠﺪة أو ﻗﺮﻳﺔ ﻣﻦ ِﻧﻌَﻢ اﻟﻌﺬراء وﻋﻄﺎﻳﺎهﺎ .ﺗﻜﻔﻲ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻲ ﻟﻮرد ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻣﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء. آﻴﻒ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺨﺼﻮم أن ﻻ ﻧﻜﺮّم اﻟﻌﺬراء واﷲ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺪ آﺮّﻣﻬﺎ وﻣﻸ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﺑﺎﻟﺮﻣﻮز ﻋﻨﻬﺎ .وأوﺣﻰ إﻟﻰ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻓﺘﻜﻠّﻤﻮا ﻋﻨﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻮﻟﺪ .ﻓﺄﺷﻌﻴﺎ ﻗﺎل :هﺎ إنّ اﻟﻌﺬراء ﺗﺤﺒﻞ وﺗﻠﺪ اﺑﻨًﺎ وﻳﺪﻋﻰ ﻋﻤﺎﻧﻮﺋﻴﻞ .وﻳﻮﺣﻨّﺎ رأى ﻣﺠﺪهﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻘﺎل :ﻇﻬﺮت ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺁﻳﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ :اﻣﺮأة ﻣﻠﺘﺤﻔﺔ ﺑﺎﻟﺸﻤﺲ وﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﺎ إآﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ آﻮآﺒًﺎ. .٣واﻟﻤﻼك ﺟﺒﺮاﺋﻴﻞ ﺣﻴّﺎهﺎ ﻗﺎﺋﻼً :اﻟﺴﻼم ﻟﻚ ﻳﺎ ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺮبّ ﻣﻌﻚ. .٤وأﻟﻴﺼﺎﺑﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ زارﺗﻬﺎ اﻟﻌﺬراء ﻗﺎﻟﺖ ﺑﻮﺣﻲ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس: ﻣﻦ أﻳﻦ ﻟﻲ أن ﺗﺰورﻧﻲ أمّ رﺑّﻲ؟! .٥وﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻹﻧﺠﻴﻞ أنّ اﻟﻌﺬراء ﺗﻨﺒّﺄت ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻗﺎﺋﻠﺔ :هﺎ ﻣﻨﺬ اﻵن ﺗﻄﻮّﺑﻨﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺟﻴﺎل ﻷنّ اﻟﻘﺪﻳﺮ ﺻﻨﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻈﺎﺋﻢ. ﻓﺎﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻊ ﺑﻬﺎ اﷲ اﻟﻌﻈﺎﺋﻢ أﻣًّﺎ ﺗﺴﺘﺤﻖّ أن ﻧﻜﺮّﻣﻬﺎ؟ .٦وﻧﺒﻮّة اﻟﻌﺬراء ﻗﺪ ﺗﻤّﺖ ،ﻷنّ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻣﻨﺬ ﺑﺪء اﻟﻨﺼﺮاﻧﻴّﺔ إﻟﻰ أﻳّﺎﻣﻨﺎ ﻳﻜﺮّﻣﻮن اﻟﻌﺬراء .وﻻ ﻳﺄﺑﻰ ﺗﻜﺮﻳﻢ اﻟﻌﺬراء إﻻّ اﻟﺨﺼﻮم، هﺪاهﻢ اﷲ إﻟﻰ ﺗﻜﺮﻳﻢ هﺬﻩ اﻷمّ اﻟﻘﺪﻳﺮة اﻟﺤﻨﻮﻧﺔ ﻟﺘﻘﻮدهﻢ إﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺨﻼص.
٧٥
دﻓﺎع ﻋﻦ ﺑﺘﻮﻟﻴّﺔ اﻟﻌﺬراء إﺧﻮة ﻳﺴﻮع ﻣﺴﺄﻟﺔ إﺧﻮة ﻳﺴﻮع ﺗﺘّﺨﺬهﺎ اﻟﺸﻴﻊ اﻟﻤﻨﺎهﻀﺔ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ وﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻬﺎ ﺣﺠّﺔ ﻟﺘﺒﻠﺒﻞ اﻷﻓﻜﺎر وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ آﺮاﻣﺔ اﻟﻌﺬراء اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺮّﻣﻬﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﻋﺬراء وﺑﺘﻮل. ﺣﻮل هﺬﻩ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ: .١ﻳﻜﻔﻴﻨﺎ أنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻠّﻤﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ وأﻣﺮهﺎ أن ﺗﻌﻠّﻤﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻌﻮب ووﻋﺪهﺎ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻬﺎ ﻣﺪى اﻷﺟﻴﺎل )ﻣﺘّﻰ (٢٠ :٢٨ﺗﻌﻠّﻢ أنّ ﻳﺴﻮع ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ إﺧﻮة ﻃﺒﻴﻌﻴّﻴﻦ وأنّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﻤّﻴﻬﻢ اﻹﻧﺠﻴﻞ إﺧﻮة ﻳﺴﻮع هﻢ أﻗﺎرﺑﻪ .وأنّ ﻣﺮﻳﻢ ﺑﻘﻴﺖ ﻋﺬراء ﺣﺘّﻰ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻻدة وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ أوﻻد ﺳﻮى ﻳﺴﻮع. .٢إنّ ﻟﻺﻧﺠﻴﻞ ﺛﻼﺛﺔ ﺗﻔﺎﺳﻴﺮ :ﺣﺮﻓﻲّ ،رﻣﺰيّ ،روﺣﻲّ. وﺗﻔﺴﻴﺮ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ. .٣ﻧﻌﻠﻢ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ أنّ ﻳﺴﻮع آﺎن ﺻﺎر ﻋﻤﺮﻩ ١٢ﺳﻨﺔ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ إﺧﻮة )ﻟﻮﻗﺎ .(٤١ :٢ﻓﻬﻞ ﺑﻌﺪ ١٢ﺳﻨﺔ ﺻﺎر ﻟﻪ إﺧﻮة؟؟ .٤إنّ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺠﺪﻳﺪ ﻳﺪﻋﻮ أﺑﻨﺎء اﻹﺧﻮة وأﺑﻨﺎء اﻷﻋﻤﺎم وﻣﻦ ﺷﺎﺑﻬﻬﻢ إﺧﻮة .ﻣﺜﻼً :إﺑﺮاهﻴﻢ دﻋﺎ ﻟﻮط أﺧﺎﻩ ﻣﻊ أنّ ﻟﻮط اﺑﻦ أﺧﻴﻪ )ﺗﻜﻮﻳﻦ .(١٦ :١٤ودﻋﺎ أوﻻد اﻟﻌﻢّ إﺧﻮة )أﺣﺒﺎر (١ :١٠وأﻣﺜﻠﺔ آﺜﻴﺮة ﻏﻴﺮهﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ. أﻣّﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ أي اﻹﻧﺠﻴﻞ ،ﻓﺎﻟﻨﺼﻮص اﻟﺘﻲ ﺗﺬآﺮ إﺧﻮة ﻳﺴﻮع هﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺸﺮح وﺗﺜﺒﺖ أنّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮهﻢ اﻹﻧﺠﻴﻞ إﺧﻮة هﻢ أﻗﺎرب ﻳﺴﻮع وﺗﻼﻣﻴﺬﻩ .ﻣﺜﻼً :دﻋﺎ ﻳﺴﻮع ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ
٧٦
إﺧﻮة إذ ﻗﺎل ﻟﻠﻨﺴﻮة ﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ :اذهﺒﻦَ وﻗﻠﻦَ ﻹﺧﻮﺗﻲ أن ﻳﺴﺒﻘﻮﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺠﻠﻴﻞ وهﻨﺎك ﻳﺮوﻧﻨﻲ )ﻣﺘّﻰ .(١٠ :٢٨وﻋﻨﺪﻣﺎ آﺎن ﻳﺴﻮع ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻗﺎل ﻷﻣّﻪ ﻳﺎ اﻣﺮأة هﺬا هﻮ اﺑﻨﻚ وﻗﺎل ﻟﻴﻮﺣﻨّﺎ هﺬﻩ هﻲ أﻣّﻚ .وﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻪ أﺧﺬهﺎ ﻳﻮﺣﻨّﺎ إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ )ﻳﻮﺣﻨّﺎ .(٢٥ :١٩ﻓﻠﻮ آﺎن ﻟﻴﺴﻮع إﺧﻮة هﻞ آﺎن ﻳﻠﻴﻖ ﺑﺎﻟﻌﺬراء أن ﺗﺬهﺐ ﻣﻊ ﻳﻮﺣﻨّﺎ إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ؟ وﻣﻌﺮوف أنّ ﻳﻮﺣﻨّﺎ هﻮ اﺑﻦ زﺑﺪى؟؟ .٥وأﻋﻈﻢ ﺷﻬﺎدة ﺗﺴﺪّ أﻓﻮاﻩ اﻟﻤﺠﺪّﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺬراء ﺑﺄنّ ﻋﻨﺪهﺎ أوﻻد ﻏﻴﺮ ﻳﺴﻮع وﺑﺄﻧّﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﻖَ ﻋﺬراء وﺑﺘﻮﻻً هﻲ ﺷﻬﺎدة اﻟﺮبّ ﻟﻠﻨﺒﻲّ أﺷﻌﻴﺎ )أﺷﻌﻴﺎ " .(١٤ :٧هﺎ إنّ اﻟﻌﺬارء ﺗﺤﺒﻞ وﺗﻠﺪ اﺑﻨًﺎ وﻳﺪﻋﻰ ﻋﻤﺎﻧﻮﺋﻴﻞ" )ﻣﺘﻰ .(٢٢ :١وهﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻻ ﺗﻜﻮن ﺁﻳﺔ ﻣﺪهﺸﺔ إﻻّ إذا ﺑﻘﻴﺖ ﻣﺮﻳﻢ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻻدة ﻋﺬراء .وإذا ﻓﻬﻤﻨﺎ هﺬا ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗﻔﻨﻴﺪ آﻞّ ﻋﺒﺎرة وردت ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺗﺬآﺮ إﺧﻮة ﻳﺴﻮع .وﺻﺎر اﻟﺠﺪال ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺳﺨﺎﻓﺔ وﺷﻘﺸﻘﺔ ﻟﺴﺎن!! .٦إنّ ﻳﻌﻘﻮب وﻳﻮﺳﻰ وﺳﻤﻌﺎن وﻳﻬﻮذا اﻟﺬﻳﻦ دﻋﺎهﻢ اﻹﻧﺠﻴﻞ إﺧﻮة ﻳﺴﻮع )ﻣﺮﻗﺺ (٣ :٦ﻳﺒﻴّﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻧﻔﺴﻪ أنّ ﻣﺮﻳﻢ أمّ ﻳﺴﻮع ﻟﻴﺴﺖ أمّ ﻳﻌﻘﻮب وﻳﻮﺳﻰ وﺳﻤﻌﺎن وﻳﻬﻮذا )ﻣﺮﻗﺺ :١٥ .(٤٠وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻟﻴﺴﻮا هﻢ إﺧﻮة ﻳﺴﻮع )ﻣﺘﻰ .(٥٦ :٢٧ .٧هﻞ ﻳُﻌﻘﻞ أنّ ﻳﺴﻮع ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ إﺧﻮة ﻃﺒﻴﻌﻴّﻴﻦ ﻳﺘﻤﻴّﺰون ﻋﻦ ﻏﻴﺮهﻢ ﺑﻘﺮاﺑﺔ دﻣﻮﻳّﺔ وهﻮ ﻗﺪ ﺟﺎء إﻟﻰ اﻷرض ﻟﻴﺠﻌﻞ آﻞّ اﻟﺒﺸﺮ إﺧﻮة ﻟﻪ ﻣﺘﺴﺎوﻳﻴﻦ ﺑﺎﻟﻘﺮاﺑﺔ ﻣﻨﻪ؟ وﻗﺪ ﺷﺠﺐ ﻳﺴﻮع هﺬﻩ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺪﻣﻮﻳّﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﻣﺸﻴﺮًا إﻟﻴﻬﻢ وﻗﺎل: هﺆﻻء هﻢ أﻣّﻲ وإﺧﻮﺗﻲ ،ﻓﻤﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻤﺸﻴﺌﺔ اﷲ هﻮ أﺧﻲ وأﺧﺘﻲ وأﻣّﻲ )ﻣﺘﻰ .(٣١ :٣
٧٧
ﻓﺬﻟﻜﺔ .١هﻞ ﻳُﻌﻘﻞ أنّ اﻟﻌﺬراء ﺗﻔﻜّﺮ ﺑﺄﻓﻌﺎل زواﺟﻴّﺔ وإﻧﺠﺎب إﺧﻮة ﻟﻴﺴﻮع ﺑﻌﺪ أن ﺗﺠﺴّﺪ اﺑﻦ اﷲ ﻓﻲ ﺣﺸﺎهﺎ ﺑﻘﻮّة اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس وﺑﺄﻋﺠﻮﺑﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ،وﺑﻌﺪ أن وﻟﺪت ﻳﺴﻮع ،اﷲ اﻟﻤﺘﺠﺴّﺪ ،وﻋﺮﻓﺖ اﻟﻤﻬﻤّﺔ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺎرهﺎ ﻟﻬﺎ اﷲ ،وهﻲ أن ﺗﻜﻮن أﻣًّﺎ ﻻﺑﻨﻪ اﻟﻤﺘﺠﺴّﺪ ﻓﺎدي اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ؟ وﻗﺒﻞ أن ﺗﻌﺮف اﻟﻌﺬراء ﻗﺼﺪ اﷲ ﻓﻴﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻧﺬرت اﻟﺒﺘﻮﻟﻴّﺔ – وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﺑﺈﻟﻬﺎم ﻣﻦ اﷲ – واﻟﺸﺎهﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﺬرهﺎ هﻮ أﻧّﻪ ﺣﻴﻦ ﺑﺸّﺮهﺎ اﻟﻤﻼك ﺑﺘﺠﺴّﺪ اﺑﻦ اﷲ ﻓﻲ ﺣﺸﺎهﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ: آﻴﻒ ﻳﻜﻮن هﺬا وأﻧﺎ ﻻ أﻋﺮف رﺟﻼً )ﻟﻮ .(٣٤ :١ﻣﻊ أﻧّﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﻣﺨﻄﻮﺑﺔ ﻟﻴﻮﺳﻒ واﻟﺨﻄﺒﺔ آﺎﻧﺖ ﺁﻧﺬاك ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ اﻟﺰواج .إﻻّ أﻧّﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﻧﺎذرة أن ﻻ ﺗﻌﺮف رﺟﻼً ﻣﻌﺮﻓﺔ زوﺟﻴّﺔ ،واﻟﻤﻼك ﻓﻬﻢ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﻃﻤﺄﻧﻬﺎ ﺑﺄنّ اﻟﺤﺒﻞ ﻳﺘﻢّ ﺑﻘﻮّة اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس. .٢وهﻞ ﻳﻌﻘﻞ أنّ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﻌﺪ أن ﻋﺮف اﻟﻤﻬﻤّﺔ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺎرﻩ اﷲ ﻟﻬﺎ وهﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺮﺑّﻴًﺎ ﻻﺑﻨﻪ اﻟﻤﺘﺠﺴّﺪ وﺣﺎﻣﻴًﺎ ﻟﻠﻌﺬراء، وﺑﻌﺪ أن ﻇﻬﺮ ﻟﻪ اﻟﻤﻼك ﻣﺮارًا ،وﺑﻌﺪ أن ﻋﺮف أنّ اﻣﺮأﺗﻪ هﻲ أمّ اﷲ وﻋﺮوﺳﺔ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ،هﻞ ﻳُﻌﻘﻞ أنّ ﻳﻮﺳﻒ ﻳﻔﻜّﺮ ﺑﻌﺪ آﻞّ هﺬا ﺑﺄﻓﻌﺎل زواﺟﻴّﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﺬراء ﻹﻧﺠﺎب إﺧﻮة ﻟﻴﺴﻮع؟ وﻳﻈﻬﺮ أنّ ﻳﻮﺳﻒ آﺎن ﻣﺘّﻔﻘًﺎ ﻣﻊ اﻟﻌﺬراء ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻴﺶ ﻣﻌًﺎ آﺄخ ﻣﻊ أﺧﺘﻪ ،واﻟﺸﺎهﺪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻗﺼﺪ ﺗﺮك اﻣﺮأﺗﻪ ﺳﺮًّا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﺣﺒﻠﻬﺎ .واﻟﺤﺒﻞ ﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﻋﺎدة ﻗﺒﻞ ﺧﻤﺴﺔ أو ﺳﺘّﺔ أﺷﻬﺮ. ﻓﻬﻞ ﻳﻌﻘﻞ أنّ ﻋﺮوﺳﻴﻦ ﻳﺒﻘﻴﺎن ﺧﻤﺴﺔ أو ﺳﺘّﺔ أﺷﻬﺮ دون أن ﻳﻤﺎرﺳﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﺰواج؟
٧٨
ﺣﻤﻞ اﻟﻌﺬراء ﻇﻬﺮ ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻋﺠﻴﺒًﺎ ﻻ ﻟﻠﻨﺎس ،ﻷنّ اﻟﻨﺎس آﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﺒﺮون اﻟﻌﺬراء زوﺟﺔ ﻳﻮﺳﻒ وﺣﺒﻞ اﻟﺰوﺟﺔ ﻟﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس. إنّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺴﺒﻮن إﻟﻰ اﻟﻌﺬراء وإﻟﻰ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ أﻓﻌﺎﻻً زواﺟﻴّﺔ ﻳﺠﺪّﻓﻮن ﻋﻠﻰ ﻳﺴﻮع وﻋﻠﻰ اﻟﻌﺬراء وﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ وأﺣﺮى ﺑﻬﻢ أن ﺗُﻘﻄﻊ أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ وﺗُﻠﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر ﻣﻦ أن ﻳﺠﺪّﻓﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺬراء وﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ!! ﺷﻬﺎدات اﻟﻘﺮﺁن ﻟﻠﻌﺬراء ﺟﺎء ﻓﻲ ﺳﻮرة ﻣﺮﻳﻢ :ﻓﺄرﺳﻠﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ روﺣﻨﺎ ﻓﺘﻤﺜّﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺸﺮًا ﺳﻮﻳًّﺎ .ﻗﺎﻟﺖ أﻋﻮذ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﻨﻚ إن آﻨﺖ ﺗﻘﻴًّﺎ .ﻗﺎل إﻧّﻤﺎ أﻧﺎ رﺳﻮل رﺑّﻚ ﻷهﺐ ﻟﻚ ﻏﻼﻣًﺎ زآﻴًّﺎ .ﻗﺎﻟﺖ أﻧّﻰ ﻟﻲ ﻏﻼم وﻟﻢ ك ﻗﻂّ ﺑﻐﻴًّﺎ .ﻗﺎل آﺬﻟﻚ ﻗﺎل رﺑّﻚ وهﻮ ﻋﻠﻲّ ﻳﻤﺴّﻨﻲ ﺑﺸﺮ وﻟﻢ أ ُ ﻗﺪﻳﺮ .وﻟﻨﺠﻌﻠﻪ ﺁﻳﺔ ﻟﻠﻨﺎس ورﺣﻤﺔ ﻣﻨّﺎ أﻣﺮًا ﻣﻘﻀﻴًﺎ. ﺳﻮرة اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ :وﺟﻌﻠﻨﺎ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ وأﻣّﻪ ﺁﻳﺔ. ﺳﻮرة اﻷﻧﺒﻴﺎء :اﻟﺘﻲ أﺣﺼﻨﺖ ﻓﺮﺟﻬﺎ ﻓﻨﻔﺨﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ روﺣﻨﺎ، وﺟﻌﻠﻨﺎهﺎ واﺑﻨﻬﺎ ﺁﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ. ﺳﻮرة ﺁل ﻋﻤﺮان :ﻳﺎ ﻣﺮﻳﻢ إنّ اﷲ ﺑﺸّﺮك ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻣﻨﻪ اﺳﻤﻪ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻴﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ .ﻗﺎﻟﺖ رﺑّﻲ أﻧّﻰ ﻳﻜﻮن ﻟﻲ وﻟﺪ وﻟﻢ ﻳﻤﺴﺴﻨﻲ ﺑﺸﺮ .ﻗﺎل :آﺬﻟﻚ اﷲ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء وإذا ﻗﻀﻰ أﻣﺮًا ﻳﻘﻮل آﻦ ﻓﻴﻜﻮن. واﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻳﻘﻮل :ﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﻟﻮد إﻻّ وﻳﻤﺴّﻪ اﻟﺸﻴﻄﺎن إﻻّ ﻣﺮﻳﻢ واﺑﻨﻬﺎ.
٧٩
آﻞّ ذﻟﻚ ﻳﺪلّ ﻋﻠﻰ أنّ اﻟﻘﺮﺁن ﻳﻌﺘﺮف ﺑﻄﻬﺎرة ﻣﺮﻳﻢ وﺑﻮﻻدﺗﻬﺎ ﻳﺴﻮع ﺑﺄﻋﺠﻮﺑﺔ دون زرع ﺑﺸﺮيّ .وﻳﻌﺘﺮف أﻳﻀًﺎ ﺑﺒﺮاءﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻷﺻﻠﻴّﺔ.
وﺻﺎﻳﺎ اﷲ اﻟﻌﺸﺮ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إذا آﻨّﺎ ﻧﺤﺐّ اﷲ ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺤﻔﻆ وﺻﺎﻳﺎﻩ ،ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺎل :ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻨﻲ ﻳﺤﻔﻆ وﺻﺎﻳﺎي )ﻳﻮ .(١٥ :١٤وإذا ﺣﻔﻈﻨﺎ وﺻﺎﻳﺎ اﷲ ﻧﺪﺧﻞ اﻟﺴﻤﺎء اﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ ﻗﻮل اﻟﺮبّ ﻟﺬاك اﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﺳﺄﻟﻪ :ﻣﺎذا أﺻﻨﻊ ﻷرث اﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ؟ أﺟﺎﺑﻪ ﻳﺴﻮع :إذا أردت أن ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﺎﺣﻔﻆ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ )ﻣﺘﻰ :١٩ .(١٧ وﺻﺎﻳﺎ اﷲ :آﺘﺐ اﷲ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ﺑﻴﺪﻩ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ وﺳﻠّﻤﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ وأﻣﺮﻩ أن ﻳﻌﻠّﻤﻬﺎ اﻟﺸﻌﺐ ﻟﻴﺤﻔﻈﻬﺎ وﻳﻌﻴﺸﻬﺎ، ﻓﻬﻲ إرادة اﷲ وﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺼﻨﻊ إرادة ﺧﺎﻟﻘﻪ .وهﻲ دﺳﺘﻮر ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ وأﻋﻤﺎﻟﻨﺎ وﺗﺼﺮّﻓﺎﺗﻨﺎ. آﺎن اﷲ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻳﻘﻮل ﻟﺸﻌﺒﻪ :إذا ﺣﻔﻈﺘﻢ وﺻﺎﻳﺎي أآﻮن ﻟﻜﻢ أﺑًﺎ وﺣﺎﻓﻈًﺎ .وآﺎن إذا ﻋﺎﺷﻮا ﺧﻼﻓًﺎ ﻟﻮﺻﺎﻳﺎﻩ أﺳﻠﻤﻬﻢ إﻟﻰ أﻋﺪاﺋﻬﻢ. اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﻌﺸﺮ – ﺳﻔﺮ اﻟﺨﺮوج .١أﻧﺎ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻚ ﻻ ﻳﻜﻦ ﻟﻚ إﻟﻪ ﻏﻴﺮي. .٢ﻻ ﺗﺤﻠﻒ ﺑﺎﺳﻢ اﷲ ﺑﺎﻃﻼً. .٣اﺣﻔﻆ ﻳﻮم اﻟﺮبّ.
٨٠
.٤أآﺮم أﺑﺎك وأﻣّﻚ. .٥ﻻ ﺗﻘﺘﻞ. .٦ﻻ ﺗﺰنِ. .٧ﻻ ﺗﺴﺮق. .٨ﻻ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺎﻟﺰور. .٩ﻻ ﺗﺸﺘﻪِ اﻣﺮأة ﻗﺮﻳﺒﻚ. .١٠ﻻ ﺗﺸﺘﻪِ ﻣﻘﺘﻨﻰ ﻏﻴﺮك. .١١ ﺗُﻘﺴﻢ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ﻗﺴﻤﻴﻦ :ﻗﺴﻢ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﷲ وواﺟﺒﺎﺗﻨﺎ ﻧﺤﻮﻩ .وهﻲ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﺜﻼث اﻷوﻟﻰ .وﻗﺴﻢ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻟﻘﺮﻳﺐ وﻋﻼﻗﺎﺗﻨﺎ ﻣﻌﻪ وهﻲ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﺴﺒﻊ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ. وﺟﻮب اﺣﺘﺮاﻣﻬﺎ :ﻳﺠﺐ أن ﻧﺤﺘﺮم هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﺣﺘﺮاﻣًﺎ ﺑﻠﻴﻐًﺎ وﻧﺨﻀﻊ ﻟﻬﺎ ﺧﻀﻮﻋًﺎ آﺎﻣﻼً ﻷﻧّﻬﺎ أواﻣﺮ ﻣﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض .وﻻ ﻧﺴﺘﺜﻘﻠﻬﺎ ﻷﻧّﻬﺎ ﺻﺎدرة ﻣﻦ أﺑﻴﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎويّ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺮﻳﺪ إﻻّ ﺧﻴﺮﻧﺎ .وﻗﺪ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :إنّ ﻧﻴﺮي ﻃﻴّﺐ وﺣﻤﻠﻲ ﺧﻔﻴﻒ )ﻣﺘﻰ .(٢٠ :١١أي أنّ وﺻﺎﻳﺎي ﻋﺬﺑﺔ ﻟﺬﻳﺬة وأواﻣﺮي ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻟﻴّﻨﺔ. ﻣﺘﻰ ﺳﻠّﻢ اﷲ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ؟ ﺑﻌﺪ أن أﺧﺮج اﷲ ﺷﻌﺒﻪ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﺮﻳّﺔ ،أراد أن ﻳﺴﻦّ ﻟﻬﻢ ﺷﺮاﺋﻊ ﻳﺘﻤﺸّﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﻜﻮن ﻟﻬﻢ دﺳﺘﻮرًا ﻳﻘﻮدهﻢ إﻟﻰ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺼﻼح ،دﻋﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻟﻤﻮاﺟﻬﺘﻪ ،وآﺎن ﻣﻮﺳﻰ اﻟﻮﺳﻴﻂ ﺑﻴﻦ اﷲ واﻟﺸﻌﺐ ،ﻓﺼﺎم ﻣﻮﺳﻰ أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣًﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻮاﺟﻪ
٨١
اﷲ ،ﻓﻜﻠّﻤﻪ اﷲ وأوﺣﻰ إﻟﻴﻪ أﻣﻮرًا آﺜﻴﺮة ﻳﻘﻮﻟﻬﺎ ﻟﻠﺸﻌﺐ وﺳﻠّﻤﻪ ﻟﻮﺣﻲ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﻌﺸﺮ .ﻓﺤﻤﻠﻬﺎ ﻣﻮﺳﻰ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﺐ وﻗﺎل ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﻪ اﷲ. وأراد اﷲ أن ﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻠﺸﻌﺐ أنّ وﺻﺎﻳﺎﻩ ﻣﻬﻤّﺔ ﺟﺪًّا وأنّ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺤﻔﻈﻬﺎ ﻳﻜﻮن ﻋﻘﺎﺑﻪ ﺷﺪﻳﺪًا ﺟﺪًّا ،ﻓﺄﺣﺪث ﺑﺮوﻗًﺎ ورﻋﻮدًا ﻗﻮﻳّﺔ وﺻﻮاﻋﻖ وﻏﻴﻮﻣًﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻠّﻢ وﺻﺎﻳﺎﻩ إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﺨﺎف اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ ،ﻋﻨﺪ أﺳﻔﻞ اﻟﺠﺒﻞ ،رﺟﻮع ﻣﻮﺳﻰ .وﻗﺎﻟﻮا ﻟﻤﻮﺳﻰ :آﻠّﻤﻨﺎ أﻧﺖ وﻻ ﻳﻜﻠّﻤﻨﺎ اﻟﺮبّ ﻟﺌﻼً ﻧﺨﺎف )ﺳﻔﺮ اﻟﺨﺮوج ﻓﺼﻞ .(٢٠٠ ﻣﻼﺣﻈﺔ :إنّ ﺟﻤﻴﻊ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺟﻌﻠﺖ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ – إن ﻟﻢ ﺗﻜﻦ آﻠّﻬﺎ – ﻓﺄآﺜﺮهﺎ ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ .ﻓﻔﻲ ﻗﻮاﻧﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺪول ﻣﻤﻨﻮع اﻟﻘﺘﻞ ،واﻟﺴﺮﻗﺔ ،واﻟﺰﻧﻰ ،وﺷﺘﻢ اﻵﺧﺮﻳﻦ .واﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺪول ﻳﻘﻮد إﻟﻰ اﻟﺴﺠﻦ آﻞّ ﻣﻦ ﻳﺨﺎﻟﻒ هﺬﻩ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ .ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ إذا ﺣﻔﻆ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ وﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻪ أي أﺟﺮ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺤﻔﻈﻬﺎ ﺣﺒًّﺎ ﺑﺎﷲ اﻟﺬي ﻗﺎل :ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻨﻲ ﻳﺤﻔﻆ وﺻﺎﻳﺎي .وﻗﺎل أﻳﻀًﺎ :أﺣﺒﺐ ﻗﺮﻳﺒﻚ آﻨﻔﺴﻚ .وﻣﻦ ﺣﻔﻆ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﺴﺒﻊ اﻟﻤﺘﻌﻠّﻘﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮﻳﺐ ﻓﻘﺪ أﺣﺐّ ﻗﺮﻳﺒﻪ. اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ :أﻧﺎ هﻮ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻚ ﻻ ﻳﻜﻦ ﻟﻚ إﻟﻪ ﻏﻴﺮي ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﷲ ﺣﻖّ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻌﺮﻓﻪ وﻳﻘﺪّم ﻟﻪ اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﻤﺘﻮﺟّﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻴﻘﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺨﺎﻟﻖ .ﻟﺬﻟﻚ وﺿﻊ اﷲ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ :أﻧﺎ هﻮ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻚ ﻻ ﻳﻜﻦ ﻟﻚ إﻟﻪ ﻏﻴﺮي.
٨٢
ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ :أن ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻪ وﺑﻜﻼﻣﻪ وأن ﻧﺘﺮﺟّﻰ ﻣﻨﻪ آﻞّ ﺣﺎﺟﺎﺗﻨﺎ ،وأن ﻧﺤﺒّﻪ ﻷﻧّﻪ ﻋﻠّﺔ وﺟﻮدﻧﺎ وﻋﻠّﺔ آﻞّ ﺧﻴﺮاﺗﻨﺎ، وأن ﻧﻘﺪّم ﻟﻪ ﻓﺮوض اﻟﻌﺒﺎدة وأن ﻧﻄﻴﻊ ﺷﺮاﺋﻌﻪ .ﻗﺎل ﻳﺴﻮع ﻟﺬاك اﻟﺸﺎب :إنّ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ واﻟﻌﻈﻤﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﻣﻮس هﻲ أن ﻞ ﻧﻔﺴﻚ وﻣﻦ آﻞّ ﻗﻮّﺗﻚ. ﺗﺤﺐّ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻚ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻚ وﻣﻦ آ ّ ﻳﺨﻄﺄ اﻹﻧﺴﺎن ﺿﺪّ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ .١إذا ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﷲ وﺑﻜﻼﻣﻪ وﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠّﻤﻬﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. .٢إذا آﻔﺮ ﺑﺎﷲ وﺑﺎﻹﻳﻤﺎن ﺑﻪ. .٣إذا ﻋﺒﺪ ﻏﻴﺮ اﷲ آﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﻳﻌﺒﺪون اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻘﻤﺮ واﻟﻌﺠﻞ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت. .٤إذا ﻟﻢ ﻳﻘﺪّم ﷲ ﻓﺮوض اﻟﻌﺒﺎدة ،وأهﻤﻞ واﺟﺒﺎﺗﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ. .٥إذا اﺗّﻜﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﺋﻖ دون اﷲ ﻋﻠّﺔ آﻞّ ﺧﻴﺮ. .٦إذا ﻗﻄﻊ رﺟﺎءﻩ ﻣﻦ اﻟﺨﻼص أو ﺗﻮﻏّﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﺮّ ﻃﻤﻌًﺎ ﺑﺮﺣﻤﺔ اﷲ. .٧إذا اﻟﺘﺠﺄ إﻟﻰ اﻟﺸﻴﻄﺎن أو ﺗﺒّﺎﻋﻪ اﻟﺴﺤّﺎرﻳﻦ واﻟﻤﻨﺠّﻤﻴﻦ واﻟﻤﺒﺼّﺮﻳﻦ واﻟﻌﺮّاﻓﻴﻦ وﻣﻨﺎﺟﻲ اﻷرواح. .٨إذا اﻋﺘﻘﺪ ﺑﺎﻟﺨﺮاﻓﺎت .واﻟﺨﺮاﻓﺔ هﻲ أن ﻧﻨﺴﺐ ﻟﻠﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻨﺴﺒﻪ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ وﺣﺪﻩ .آﺄن ﻧﻨﺴﺐ اﻟﺨﻴﺮ واﻟﺘﻮﻓﻴﻖ إﻟﻰ ﻧﻌﻠﺔ ﻓﺮس ﻧﻌﻠّﻘﻬﺎ ﻓﻮق اﻟﺒﺎب ،أو ﺗﺨﻴﻴﻂ اﻟﻌﺮوﺳﻴﻦ وﻗﺖ اﻹآﻠﻴﻞ أو رؤﻳﺔ ﺧﺮوﻓًﺎ ﺻﺒﺎﺣًﺎ. ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺨﺮاﻓﺔ إذا ﻋﺒﺪﻧﺎ اﷲ ﻋﺒﺎدة ﻓﺎﺳﺪة آﺄن ﻧﻌﺒﺪﻩ ﺣﺴﺐ رﺳﻮم وﻋﺒﺎدات اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ .وﻋﺒﺎدات اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻃﻘﻮﺳﻪ. اﻟﻔﺼﺢ ﺧﺮوف أآﻞ )(١ هﻲ:
٨٣
) (٢اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ وآﻴﻔﻴّﺔ ﺗﻘﺪﻣﺘﻬﺎ (٣) .اﻷﻋﻴﺎد وﻃﻘﻮﺳﻬﺎ(٤) . اﻟﺴﺒﻮت (٥) .اﻟﺨﺘﺎن وﻃﻘﺴﻪ (٦) .اﻟﺘﻄﻬﻴﺮ (٧) .اﻷﺻﻮام(٨) . واﻟﻐﺴﻞ ﻗﺒﻞ اﻷآﻞ. اﻟﺠﺤﻮد :ﻻ ﻳﺠﻮز أن ﻧﺠﺤﺪ اﷲ وﻧﻜﻔﺮ ﺑﻪ وﻟﻮ هﺪﱢدﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮت، ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺎل :ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮﻧﻲ ﻗﺪّام اﻟﻨﺎس أﻧﻜﺮﻩ ﻗﺪّام أﺑﻲ اﻟﺬي ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء )ﻣﺘّﻰ .(٣٣ :١٠وﻟﻜﻦ ﻳﺠﻮز اﻟﻬﺮب أو اﻻﺧﺘﻔﺎء ﻣﻦ اﻻﺿﻄﻬﺎد أو ﻋﺪم اﻟﺘﻈﺎهﺮ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ. ﺗﺠﺮﺑﺔ اﷲ – اﻟﺴﻜﺮﻳﻠﻴﺞ – اﻟﺴﻴﻤﻮﻧﻴﺔ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﺗﺠﺮﺑﺔ اﷲ :ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس :ﻻ ﺗﺠﺮّب اﻟﺮ ّ ب إﻟﻬﻚ .وﺗﺠﺮﺑﺔ اﷲ هﻲ أن ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻤﻼً أو ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ ﻋﻤﻼً ﺧﺎرﻗًﺎ ﻻﻣﺘﺤﺎن اﷲ واﺧﺘﺒﺎر ﺻﻔﺎﺗﻪ .آﺄن ﺗﻘﻮل :إذا آﻨﺖ ﻣﻮﺟﻮدًا ﺣﻘًّﺎ ﻳﺎ اﷲ "ﺟﻤّﺪﻧﻲ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﺣﺎﻻً" ،أو ﺗﻌﻤﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ آﺒﻴﺮة ﻗﺎﺋﻼً: "إذا آﺎن اﷲ ﻣﻮﺟﻮد ﻟﻴﻘﺎﺻﺼﻨﻲ" ،أو ﺗﻘﻮل ﻟﻠﻤﺴﻴﺢ" :إذا آﻨﺖ ﻣﻮﺟﻮدًا ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﺪﻋﻨﻲ أراك". ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﺴﻜﺮﻳﻠﻴﺞ :هﻲ اﻧﺘﻬﺎك ﺣﺮﻣﺔ اﻷﺷﺨﺎص أو اﻷﺷﻴﺎء أو اﻷﻣﻜﻨﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ أي اﻟﻤﺨﺼّﺼﺔ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﷲ ،آﺄن ﺗﻬﻴﻦ ﺷﺨﺼًﺎ ﻣﻜﺮّﺳًﺎ ﷲ أو ﺗﺪﻧّﺲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻘﺪّﺳًﺎ آﺄن ﺗﻌﻤﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ أو ﻋﻤﻼً ﻳﺘﻨﺎﻓﻰ واﻟﻤﻜﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ،أو ﺗﺪﻧّﺲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻘﺪّﺳًﺎ آﺄن ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ :زﻳﺖ اﻟﻌﻤﺎد، اﻟﻤﻴﺮون ،أو اﻟﺼﻮر واﻟﺬﺧﺎﺋﺮ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ اﺳﺘﻌﻤﺎﻻً ﻳﺘﻨﺎﻓﻰ وﻗﺪاﺳﺘﻬﺎ أو ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ آﻼم اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﻟﻠﺴﺨﺮﻳﺔ ،أو ﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺨﺺّ اﻟﻮﻗﻒ.
٨٤
ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﺴﻴﻤﻮﻧﻴﺔ :هﻲ ﺷﺮاء أو ﺑﻴﻊ ﺷﻲء روﺣﻲّ ﺑﺜﻤﻦ ﻣﺎديّ ،آﻤﻦ ﻳﺪﻓﻊ ﻣﺎﻻً ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ درﺟﺔ آﻬﻨﻮﺗﻴّﺔ أو ﺑﻴﻊ ﻣﺴﺒﺤﺔ ﺑﺜﻤﻦ ﺑﺎهﻆ ﻷﻧّﻬﺎ ﻣﻐﻔﺮة .وأﻣّﺎ ﻣﻦ ﻳﺪﻓﻊ ﺣﺴﻨﺔ ﻗﺪّاس ﻓﻤﺎ ذﻟﻚ إﻻّ ﺑﺪل ﻣﻌﺎش ﻟﻠﻜﺎهﻦ ﺗﺴﻤﻊ ﺑﻪ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻻ ﺛﻤﻦ ﻗﺪّاس. ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﺧﺒﺮ أوّل :ﻣﺮض أﺣﺪ ﻣﻠﻮك إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻣﺮﺿًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﻓﺄرﺳﻞ رﺟﺎﻟﻪ ﻳﺴﺄﻟﻮن اﻟﺒﻌﻞ إذا آﺎن ﻳﺸﻔﻰ ،ﻓﺘﺼﺪّى ﻟﻬﻢ إﻳﻠﻴّﺎ اﻟﻨﺒﻲّ وأرﺟﻌﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻤﻠﻚ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻟﻪ :أﻟﻴﺲ إﻟﻪ ﻓﻲ إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﺣﺘّﻰ ﺗﺴﺄل اﻟﺒﻌﻞ؟ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﻌﺎﻗﺒﻚ اﻟﺮبّ ﻓﻼ ﺗﻨﻬﺾ ﻣﻦ ﻓﺮاﺷﻚ ﺑﻞ ﺗﻤﻮت .وﺑﻌﺪ أﻳّﺎم ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﺎت ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻟﻪ ﻻﻟﺘﺠﺎﺋﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﻌﻞ. وﻣﻮﺳﻰ اﻟﻨﺒﻲّ اﻟﺬي آﺎن اﷲ ﻳﻌﻠّﻤﻪ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ﻟﻠﺸﻌﺐ ﻗﺪ أوﺻﻰ ﻗﺒﻞ ﻣﻮﺗﻪ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺄن ﻻ ﻳﻠﺠﺄون إﻟﻰ اﻟﺴﺤﺮة وﻻ إﻟﻰ اﻟﻌﺮّاﻓﻴﻦ وﻻ إﻟﻰ ﻣﻨﺎﺟﻲ اﻷرواح ﻷنّ ذﻟﻚ ﻣﻤﻘﻮت ﻋﻨﺪ اﻟﺮبّ. ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻧﻲ :ﺣﻀﺮ ﻧﺒﻮﻟﻴﻮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺣﻔﻠﺔ ﻟﻤﻨﺎﺟﺎة اﻷرواح .وﻗﺪ أآّﺪوا ﻟﻪ أنّ اﺑﻨﺘﻪ اﻟﻤﺘﻮﻓّﺎة "هﻮرﻧﺲ" ﺗﻤﺪّ ﻳﺪهﺎ إﻟﻴﻪ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﻨﻀﺪة ﻓﻲ ﻇﻼم ردهﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﻓﺤﻴﻦ أﻣﺴﻚ اﻟﻴﺪ اﻟﻤﻤﺪودة أﻣﺮ ﺑﺈﺷﻌﺎل اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ ﻓﺮأى أنّ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺘﻪ رﺟْﻞ اﻟﻮﺳﻴﻂ ،ﻓﺎﺳﺘﺸﺎط ﻏﻀﺒًﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﺪاع ذﻟﻚ اﻟﻤﺸﻌﻮذ وأﻣﺮ ﺑﺈﺧﺮاﺟﻪ ﻣﻊ رﻓﺎﻗﻪ اﻟﻤﺪّﻋﻴﻦ ﻣﻨﺎﺟﺎة اﻷرواح ،ﻣﻦ ﺣﺪود ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺣﺎﻻً.
٨٥
اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﻻ ﺗﺤﻠﻒ ﺑﺎﺳﻢ اﷲ ﺑﺎﻃﻼً ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺤﺘﺮم اﺳﻢ اﷲ وﻳﺠﻠّﻪ ﻷﻧّﻪ ﻻﺳﻢ اﷲ ﺗﺠﺜﻮ آﻞّ رآﺒﺔ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء وﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻷرض، وﻳﻨﺤﻨﻲ ﻟﻪ آﻞّ رأس ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ واﻟﺒﺸﺮ ،وﻳﻤﺪﺣﻪ آﻞّ ﻟﺴﺎن ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء وﻋﻠﻰ اﻷرض .ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎل اﻟﺮبّ :ﻻ ﺗﺤﻠﻒ ﺑﺎﺳﻢ اﷲ ﺑﺎﻃﻼً .ﻓﻤﻦ ﻳﺤﻠﻒ ﺑﺎﺳﻢ اﷲ ﺑﺎﻃﻼً ﻳﺤﺘﻘﺮ اﷲ وﻳﺰدري ﺑﻪ وﻳﺴﺘﺨﻒّ ﺑﺎﺳﻤﻪ اﻟﻘﺪّوس ،ﻓﻠﻴﻜﻦ آﻼﻣﻜﻢ ﻧﻌﻢ ﻧﻌﻢ وﻻ ﻻ وﻣﺎ زاد ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ إﺑﻠﻴﺲ .ﻻ ﺗﺤﻠﻒ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء وﻻ ﺑﺎﻷرض. ﺗﺄﻣﺮﻧﺎ :هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﺑﺄن ﻧﺤﺘﺮم اﷲ اﻟﻤﻘﺪّس وﻧﺒﺎرآﻪ وﻧﺴﺘﻐﻴﺚ ﺑﻪ ،وﻻ ﻧﺘﻠﻔّﻆ ﺑﻪ إﻻّ ﺑﻮﻗﺎر وﺗﻬﻴّﺐ. وﺗﻨﻬﺎﻧﺎ (١) :ﻋﻦ اﻟﺤﻠﻒ ﺑﺎﻃﻼً (٢) .ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺪﻳﻒ (٣) .ﻋﻦ إهﻤﺎل اﻟﻨﺬور. اﻟﻘَﺴَﻢ أو اﻟﺤﻠﻒ ﺑﺎﻃﻼً :هﻮ أن ﻧﺤﻠﻒ آﺬﺑًﺎ أو ﻷﻣﺮ ﺗﺎﻓﻪ ،أو ﻷﻣﺮ ﻻ ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺘﻤّﻤﻪ ،أو ﻻ ﻧﺘﻤّﻢ ﻣﺎ ﺣﻠﻔﻨﺎ أن ﻧﺘﻤّﻤﻪ. ﻣﺘﻰ ﻳﺠﻮز اﻟﺤﻠﻒ؟ ﻻ ﻳﺠﻮز أن ﻧﺤﻠﻒ ﺑﺎﺳﻢ اﷲ أو ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ أو ﺑﺎﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ إﻻّ ﻷﻣﺮ ﺻﺎدق وﻣﻬﻢّ وﺻﺎﻟﺢ ،ﻓﺎﻟﺤﻠﻒ ﻷﺟﻞ إﺛﺒﺎت آﻼم ﺑﺴﻴﻂ أو ﻷﺟﻞ اﻟﻠﻌﺐ ﻏﻴﺮ ﺟﺎﺋﺰ ،وإن آﺎن ﺻﺎدﻗًﺎ ﻓﻬﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﻬﻢّ.
٨٦
اﻟﺤﻠﻒ ﻏﻴﺮ اﻟﺼﺎﻟﺢ :ﻣﻦ ﻳﺤﻠﻒ أﻧّﻪ ﻳﻀﺮب أو ﻳﻘﺘﻞ أو ﻳﺴﺮق أو ﻳﻔﻌﻞ ﺷﺮًّا ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻟﻪ أن ﻳﺘﻤّﻢ ﺣﻠﻔﻪ ﻷنّ هﺬﻩ اﻷﻋﻤﺎل ﻏﻴﺮ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ. اﻟﺤﻠﻒ اﻟﻜﺎذب :إنّ اﻟﺤﻠﻒ اﻟﻜﺎذب ﺑﺎﺳﻢ اﷲ واﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ اﺣﺘﻘﺎر ﻋﻈﻴﻢ ﷲ وﻟﻠﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ. أﻣّﺎ اﻟﺤﻠﻒ اﻟﺼﺎدق ﻷﺟﻞ أﻣﺮ ﻣﻬﻢّ أﻣﺎم اﻟﻘﺎﺿﻲ أو اﻟﻤﻄﺮان أو ﻏﻴﺮهﻢ ﻓﻬﻮ ﻳﻤﺠّﺪ اﷲ. اﻟﺘﺠﺪﻳﻒ :هﻮ اﻟﺘﻠﻔّﻆ ﺑﺄﻟﻔﺎظ ﻣﺤﻘّﺮة ﷲ أو ﻟﻠﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ أو ﻟﻸﺷﻴﺎء اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ, ﻓﻈﺎﻋﺘﻪ :اﻟﺘﺠﺪﻳﻒ هﻮ ﺗﺪﻧﻴﺲ ﻻﺳﻢ اﷲ وهﻮ إﺛﻢ ﻓﻈﻴﻊ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻘﻴﺮ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وهﻮ وﻗﺎﺣﺔ آﺒﺮى ،إذ أنّ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﻘﻴﺮ اﻟﺪﻧﻲء ﻳﺘﺠﺎﺳﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﺘﻢ وﺗﺤﻘﻴﺮ ﺧﺎﻟﻖ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض .وآﺎن اﻟﺘﺠﺪﻳﻒ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮة اﻟﻤﺤﻔﻮظ ﺣﻠّﻬﺎ ﻟﻠﻤﻄﺮان .وﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ آﺎن اﻟﻤﺠﺪﱢف ﻳُﺮﺟﻢ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ﺣﺘّﻰ ﻳﻤﻮت .وآﺎن اﻟﻤﻠﻚ ﻟﻮﻳﺲ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻘﻄﻊ ﻟﺴﺎن اﻟﻤﺠﺪﱢف. وﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺪﻳﻒ :أﻧﺎ ﻣﻦ رﺑّﻚ ﻣﺎ ﺑﺨﺎف .ﻟﻮ ﻧﺰل رﺑّﻚ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻣﺎ ﺑﻴﻘﺪر ﻳﺨﻠّﻴﻨﻲ أﻋﻤﻞ آﺬا... ﻧﻨﺬر :هﻮ أن ﻧﻌﺪ اﷲ ﺑﻌﻤﻞ ﺻﺎﻟﺢ أو ﺑﺸﻲء ﺻﺎﻟﺢ ﻧﻜﺮﱢﻣﻪ ﺑﻪ .وﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻧﺤﺘﺮم اﷲ ﻧﺘﻤّﻢ وﻋﺪﻧﺎ ﻟﻪ .ﻓﻤﻦ ﻳﻌﺪ وﻋﺪًا ﻳﻠﺘﺰم أن ﻳﺘﻢّ وﻋﺪﻩ .واﻟﻨﺬر هﻮ وﻋﺪ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﷲ ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﻤّﻤﻪ.
٨٧
اﻟﻨﺬر ﻏﻴﺮ اﻟﺼﺎﻟﺢ :ﻣﻦ ﻧﺬر أن ﻳﻨﺎم ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻼ ﻳﻠﺘﺰم أن ﻳﺘﻤّﻢ ﻧﺬرﻩ ،ﻷنّ ﻧﺬرﻩ ﻏﻴﺮ ﺻﺎﻟﺢ ،ﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺤﻞّ ﻧﻮم .وﻧﺤﻘّﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ إذا ﺟﻌﻠﻨﺎهﺎ ﻣﻜﺎن ﻧﻮم .ﻣﻦ ﻧﺬر ﺑﺄن ﻳﻘﺪّم ﺷﻴﺌًﺎ ﷲ أو ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻘﺪّم ﺷﻴﺌًﺎ زرﻳًّﺎ ﺣﻘﻴﺮًا ،آﺎﻧﺖ ﺗﻘﺪﻣﺘﻪ آﺘﻘﺪﻣﺔ ﻗﺎﻳﻴﻦ اﻟﺘﻲ رذﻟﻬﺎ اﷲ ﻷﻧّﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻧﻔﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ. ﺷﺮوط اﻟﻨﺬر :أن ﻳﻜﻮن ﺑﺮوﻳّﺔ وﻣﻌﺮﻓﺔ وﺣﺮﻳّﺔ ،وإذا ﻧﻘﺼﻪ ﺷﺮط ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺸﺮوط ﻓﻼ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﻪ ﺻﺎﺣﺒﻪ .ﻣﺜﻼً :أمﱞ داهﻢ اﺑﻨﻬﺎ ﺧﻄﺮ ﻓﺠﺎﺋﻲّ ،ﻓﺨﺎﻓﺖ وﻓﻲ ﺣﺎل ﺧﻮﻓﻬﺎ ﻧﺬرت دون ﺗﺮوّي أن ﺗﻘﺪّم إﻟﻰ ﻣﺎر اﻟﻴﺎس ﻣﺒﺮوﻣﺔ ﻓﻲ ﻳﺪهﺎ .ﻓﻨﺬرهﺎ ﻳﻨﻘﺼﻪ اﻟﺘﺮوّي. اﺑﻨﺔ ﻧﺬرت أﻧّﻬﺎ إذا ﺷُﻔﻴﺖ ﻣﻦ ﻣﺮﺿﻬﺎ ﺗﺰور اﻟﻘﺪّﻳﺲ اﻟﻔﻼﻧﻲ ﻣﺸﻴًﺎ ،ﻓﻠﻤّﺎ ﺷﻔﻴﺖ وﺟﺪت أنّ ﻣﻜﺎن اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻌﻴﺪٌ ﺟﺪًّا وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﺎرﻓﺔ ذﻟﻚ ،ﻓﻨﺬرهﺎ ﺗﻨﻘﺼﻪ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ. اﺑﻨﺔ أﺟﺒﺮهﺎ أﺣﺪ أهﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮهّﺐ ﻓﺪﺧﻠﺖ اﻟﺪﻳﺮ وﻧﺬرت اﻟﻨﺬور اﻟﺮهﺒﺎﻧﻴّﺔ ﻣﺮﻏﻤﺔ ﻓﻨﺬرهﺎ ﺗﻨﻘﺼﻪ اﻟﺤﺮﻳّﺔ. وﻟﻜﻦ اﻟﻨﺎذر ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻈﺮوف ﻳﻠﺰﻣﻪ أن ﻳﻌﺮض أﻣﺮﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺮّف. اﻟﻨﺬر ﻳﻠﺰم ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻓﻘﻂ :ﻻ ﻳﻠﺘﺰم اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺈﻳﻔﺎء ﻣﺎ ﻧﺬرﻩ ﻋﻨﻪ ﺁﺧﺮ .ﻣﺜﻼً :اﺷﺘﺪّ اﻟﻤﺮض ﻋﻠﻰ ﺷﺎب وﻗﺎرب اﻟﻤﻮت ،ﻓﺄﺧﺬ آﻞّ ﻣﻦ اﻷهﻞ واﻷﻗﺎرب واﻷﺻﺤﺎب ﻳﻨﺬر ﻋﻨﻪ ﻧﺬرًا .ﺷﻔﻲ اﻟﺸﺎب وﺗﻌﺎﻓﻰ ﻓﺠﺎؤوا ﻳﺨﺒﺮوﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﺬورات اﻟﺘﻲ ﻧﺬروهﺎ ﻋﻨﻪ ﻓﻼ ﻳﻠﺘﺰم أن ﻳﻔﻲ اﻟﻨﺬورات ،ﻷنّ اﻟﻨﺬر ﻳﻠﺰم ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻓﻘﻂ ،أي ﻣﻦ ﻧﺬرﻩ.
٨٨
ﻳﻨﺒﻐﻲ اﻟﺘﺮوّي ﻗﺒﻞ إﺑﺮاز اﻟﻨﺬر .وإذا آﺎن اﻟﻨﺬر ﻣﻬﻤًّﺎ آﻨﺬر اﻟﺒﺘﻮﻟﻴّﺔ أو اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ رهﺒﻨﺔ أو اﻟﺼﻮم آﻞّ اﻟﺤﻴﺎة ﻳﻮم ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮع ﻳﺠﺐ اﺳﺘﺸﺎرة ﻣﻌﻠّﻢ اﻋﺘﺮاف ﻓﻄﻦ ،ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺬر. ﻳﻤﻜﻦ إﺑﺪال اﻟﻨﺬر ﺑﻤﺎ ﻳﻤﺎﺛﻠﻪ .ﻣﺜﻼً :ﻧﺬرت أن ﺗﻘﺪّم ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ﺷﺨﺼًﺎ ﻟﻠﻌﺬراء ،وآﺎن ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺷﺨﺺ ﻟﻠﻌﺬراء ﻓﻴﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﺪّم ﺷﻴﺌًﺎ ﺁﺧﺮ ﺑﺜﻤﻦ اﻟﺸﺨﺺ.١ زوال اﻟﻨﺬر :ﻳﺰول اﻟﻨﺬر ﺑﺎﻹﺑﻄﺎل أو ﺑﺎﻟﺘﻔﺴﻴﺢ أو ﺑﺎﻹﺑﺪال. ﻳﻤﻜﻦ اﻷب أن ﻳﺒﻄﻞ ﻧﺬر وﻟﺪﻩ واﻟﺮﺋﻴﺲ ﻧﺬر ﻣﺮؤوﺳﻪ واﻟﺰوج ﻧﺬر زوﺟﺘﻪ ،إذا آﺎن اﻟﻨﺬر ﻳﺘﻌﺎرض وﺳﻠﻄﺘﻬﻢ. اﻟﻨﺬور اﻟﺮهﺒﺎﻧﻴّﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ :اﻟﻌﻔّﺔ واﻟﻔﻘﺮ واﻟﻄﺎﻋﺔ. هﺬﻩ اﻟﻨﺬور ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺮهﺒﺎﻧﻴّﺎت ﻣﻮﻗﺘﺔ ،أي ﺗﺠﺪّد آﻞّ ﺳﻨﺔ. وﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺮهﺒﺎﻧﻴّﺎت ﻣﺆﺑّﺪة ،أي ﻣﺪى اﻟﺤﻴﺎة. هﺬﻩ اﻟﻨﺬور هﻲ ﺣﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺧﺎﺻّﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺼﺮيّ ،ﻓﺮوح اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺼﺮيّ هﻲ أن ﻳﺸﺒﻊ اﻟﺸﺎب ﻣﻦ ﻣﻼذ اﻟﺤﻴﺎة وﻧﻌﻴﻤﻬﺎ ،ﻓﺒﻨﺬر اﻟﻌﻔّﺔ ﻳﺘﺨﻠّﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ اﻟﻠﺬّات اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ اﻟﺠﺎﺋﺰة ﺿﻤﻦ اﻟﺰواج. روح اﻟﻌﺎﻟﻢ أن ﻳﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﺻﺎﺣﺐ ﺛﺮوة آﺒﻴﺮة ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻟﻠﻤﺠﺪ واﻟﻔﺨﺮ واﻟﺘﻨﻌّﻢ ورﻏﺪ اﻟﻌﻴﺶ وهﻨﺎءة اﻟﺤﻴﺎة .واﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﻔﻘﻴﺮ ﺣﻘﻴﺮًا واﻟﻐﻨﻲ ﻋﻈﻴﻤًﺎ .ﻓﺒﻨﺬر اﻟﻔﻘﺮ ﻳﺘﺨﻠّﻰ اﻹﻧﺴﺎن
.١ﻣﻦ ﻧﺬر ﻧﺬرًا وﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ إﺗﻤﺎﻣﻪ ﻓﻴﻌﺮض ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺷﺪ اﻻﻋﺘﺮاف ،واﻟﻤﺮﺷﺪ ﻳﺒﺪّﻟﻪ ﻟﻪ .ﻣﺜﻼً :اﻣﺮأة ﻧﺬرت ﺑﺄن ﺗﻤﺸﻲ ﺣﺎﻓﻴﺔ ﺷﻬﺮًا وﻟﻢ ﺗﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺻﺤّﺘﻬﺎ أو ﺑﺴﺒﺐ ﺁﺧﺮ ،ﻓﺎﻟﻤﻌﺮّف ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺒﺪّل ﻟﻬﺎ هﺬا اﻟﻨﺬر.
٨٩
ﻞ ﻣﻠﻜﻴّﺔ وﻻ ﻳﺤﻖّ ﻟﻪ أن ﻳﺘﺼﺮّف ﺑﺸﻲء دون إذن ﻋﻦ آ ّ اﻟﺮﺋﻴﺲ. روح اﻟﻌﺎﻟﻢ أن ﻳﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﺣﺮًّا ،واﻟﺤﺮﻳّﺔ هﻲ أﻋﺰّ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ اﻹﻧﺴﺎن .وﻧﺮى اﻷﻣﻢ واﻟﺸﻌﻮب ﻳﺘﻘﺎﺗﻠﻮن ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﺤﺮﻳّﺔ أو ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻳﺘﺒﺎهﻰ وﻳﻔﺎﺧﺮ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳّﺔ، ﻋﺪّ ﻋﺒﺪًا .ﻓﺒﻨﺬر اﻟﻄﺎﻋﺔ ﻳﺘﺨﻠّﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ ﺣﺮﻳّﺘﻪ وإذا ﻓﻘﺪهﺎ ُ وإرادﺗﻪ وﻳﻄﻴﻊ اﻟﺮﺋﻴﺲ وﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻤﻼً دون إذﻧﻪ. ﻓﺎﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﻳﺘﻨﺎزل ﺣﺒًّﺎ ﺑﺮﺑّﻪ وﺑﻘﺮﻳﺒﻪ ﻋﻦ إرادﺗﻪ وﻋﻦ ﺧﻴﺮات اﻷرض وﻋﻦ ﻣﻠﺬّات اﻟﺠﺴﺪ ،ﻳﺴﺘﺤﻖّ اﻹآﺮام واﻹﻋﺠﺎب واﻟﻤﺤﺒّﺔ!!
٩٠
اﻟﻤﺸﻮرات اﻹﻧﺠﻴﻠﻴّﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪ :ﺗﺨﺘﻠﻒ اﻟﻤﺸﻮرات اﻹﻧﺠﻴﻠﻴّﺔ ﻋﻦ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻹﻟﻬﻴّﺔ .ذﻟﻚ أنّ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﻳﻠﺘﺰم آﻞّ ﻣﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺤﻔﻈﻬﺎ .وأﻣّﺎ اﻟﻤﺸﻮرات اﻹﻧﺠﻴﻠﻴّﺔ ﻓﻼ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﺤﻔﻈﻬﺎ إﻻّ ﻣﻦ اﺧﺘﺎرهﺎ وأﻟﺰم ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻬﺎ. ﻣﺸﻮرة ﻳﺴﻮع ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻟﺬاك اﻟﺸﺎب :إذا أردت أن ﺗﻜﻮن آﺎﻣﻼً ﻓﺎذهﺐ ﻓﺒﻊ ﻣﻘﺘﻨﺎك وأﻋﻄﻪ ﻟﻠﻤﺴﺎآﻴﻦ وهﻠﻢّ ﻓﺎﺗﺒﻌﻨﻲ. ب ﻳﺴﻮع :ﻣﻦ ﻳﺘﺮك ﻷﺟﻠﻲ ﻣﺸﻮرة ﻳﺴﻮع ﺑﺎﻟﻌﻔّﺔ :ﻗﺎل اﻟﺮ ّ أو ﻷﺟﻞ ﺑﺸﺎرﺗﻲ ﺑﻴﻮﺗًﺎ واﻣﺮأة ﻳﺄﺧﺬ ﻋﻮض اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﺌﺔ وﻓﻲ اﻵﺧﺮة اﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ )ﻣﺘّﻰ .(٢٨ :١٩ ﻣﺸﻮرة ﻳﺴﻮع ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :إذا أردت أن ﻼ اذهﺐ ﻓﺒﻊ ...وهﻠﻢّ ﻓﺎﺗﺒﻌﻨﻲ ،وﻣﻦ ﻳﺘﺒﻊ ﻳﺴﻮع ﺗﻜﻮن آﺎﻣ ً ﻳُﻄﻌﻪ! ﻓﺎﻟﻜﻤﺎل اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻳﺘﻄﻠّﺐ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﺒﻊ اﻟﻤﺸﻮرات اﻹﻧﺠﻴﻠﻴّﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻌﻔّﺔ واﻟﻄﺎﻋﺔ. ﻓﺎﻟﺮاهﺐ هﻮ اﻟﺬي ﺑﺈرادﺗﻪ وﺣﺮﻳّﺘﻪ ﻳﺘﺒﻊ اﻟﻤﺸﻮرات اﻹﻧﺠﻴﻠﻴّﺔ، ﻓﻴﺘﺨﻠّﻰ ﺑﻨﺬر اﻟﻔﻘﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﺎل وﻋﻦ اﻣﺘﻼك أي ﺷﻲء .ﻓﻜﻞّ ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ آﺴﺒًﺎ أو هﺒﺔ أو إرﺛًﺎ ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺑﻞ ﻟﻠﺮهﺒﻨﺔ وﻻ ﻳﺤﻖّ ﻟﻪ اﻟﺘﺼﺮّف ﺑﺎﻟﻤﺎل إﻻّ ﺑﺈذن رﺋﻴﺴﻪ وﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮاﻧﻴﻦ رهﺒﻨﺘﻪ.
٩١
وﺑﻨﺬر اﻟﻌﻔّﺔ ﻳﺘﺨﻠّﻰ ﻋﻦ ﻟﺬّات اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﺴﻤﻮح ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺰواج. وﺑﻨﺬر اﻟﻄﺎﻋﺔ ﻳﺘﺨﻠّﻰ ﻋﻦ إرادﺗﻪ وﺣﺮﻳّﺘﻪ ﻓﻼ ﻳﻌﻤﻞ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻّ ﺑﺈذن رﺋﻴﺴﻪ ،وﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮاﻧﻴﻦ رهﺒﻨﺘﻪ. ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻨﺬور اﻟﺜﻼﺛﺔ :اﻟﻔﻘﺮ واﻟﻌﻔّﺔ واﻟﻄﺎﻋﺔ ،ﻳﻘﺪّم ﻟﺮﺑّﻪ أﻋﻈﻢ ﺧﻴﺮات هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﻨﻌّﻢ ﺑﻬﺎ .وهﺬﻩ اﻟﺘﻘﺪﻣﺔ هﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺤﺮﻗﺔ داﺋﻤﺔ ﻳﺮﻓﻌﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن آﻞّ ﻳﻮم إﻟﻰ ﺧﺎﻟﻘﻪ وﻓﺎدﻳﻪ ورﺑّﻪ. اﻟﺮاهﺐ هﻮ ذﺑﻴﺤﺔ ﷲ :ﻓﺎﻟﺮاهﺐ اﻟﻤﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻧﺬورﻩ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺟّﻴﺪًا هﻮ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إﻧﺴﺎن آﺎﻣﻞ ﻗﺪّﻳﺲ ﻳﺮﺿﻲ اﷲ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ وﻳﺴﺮّﻩ وﻳﻬﺪّئ ﻏﻀﺒﻪ ﻋﻦ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ اﻟﻤﺘﻤﺮّﻏﺔ ﺑﺎﻟﺨﻄﺎﻳﺎ واﻟﻤﺂﺗﻢ! ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﺒﺎﺑﺎوات اﻟﻌﻈﺎم :إﻳﺘﻮﻧﻲ ﺑﺮاهﺐ ﺣﺎﻓﻆ ﺑﺘﺪﻗﻴﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﺬورﻩ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻓﺄﺛﺒّﺘﻪ ﻗﺪّﻳﺴًﺎ! اﻟﺮاهﺐ ﻳﺤﺐّ ﻗﺮﻳﺒﻪ :إنّ أﻓﻀﻞ ﻣﺤﺒّﺔ ﻧﻘﺪّﻣﻬﺎ ﻟﻠﻘﺮﻳﺐ هﻲ أن ﻧﺴﺎﻋﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺧﻼص ﻧﻔﺴﻪ .ﻓﺎﻟﺮاهﺐ ﺑﺘﻘﺪﻣﺔ ذاﺗﻪ ﷲ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻧﺬورﻩ اﻟﺜﻼﺛﺔ وﺑﺼﻼﺗﻪ هﻮ ذﺑﻴﺤﺔ ﻳﻮﻣﻴّﺔ ﺗﺮﻓﻊ إﻟﻰ اﷲ ﻓﺘﺮﺿﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ وﺗﺴﺘﻨـﺰل رﺣﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻄﺄة ﻓﻴﻌﻄﻴﻬﻢ اﷲ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺘﻮﺑﺔ واﻟﺨﻼص!!
٩٢
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :اﺣﻔﻆ ﻳﻮم اﻟﺮبّ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﷲ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض وﻣﺎ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺳﺘّﺔ أﻳّﺎم وﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ اﺳﺘﺮاح ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ .١وأﺧﺮج ﺷﻌﺒﻪ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ وﺣﺮّرهﻢ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳّﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳّﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ أﻳﻀًﺎ .ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪ أﻣﺮ ﺑﺤﻔﻆ هﺬا اﻟﻴﻮم ﺗﺬآﻴﺮًا ﻟﺮاﺣﺘﻪ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺨﻠﻖ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،وﺗﺬآﻴﺮًا ﻟﺘﺤﺮﻳﺮﻩ ﺷﻌﺒﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳّﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳّﻴﻦ. ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن إذًا ﻳﺘﺬآّﺮ ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺮبّ ،ﻗﺪرة اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ أوﺟﺪت اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ،وﻳﺘﺬآّﺮ راﺣﺔ اﷲ ،أي ﻓﺮﺣﻪ واﺑﺘﻬﺎﺟﻪ ﺑﻤﺎ ﺻﻨﻊ ،وﻳﺘﺬآّﺮ اﻟﺤﺮﻳّﺔ اﻟﺘﻲ أراد اﷲ أن ﻳﻤﺘّﻌﻪ ﺑﻬﺎ ﻟﻴﻜﻮن ﻓﺮﺣًﺎ ﻣﺒﺘﻬﺠًﺎ. ﻳﻮم اﻟﺮبّ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ: آﺎن اﻟﺴﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻳﻮم اﻟﺮبّ .أﻣّﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ﺑﺪل اﻟﺴﺒﺖ ذآﺮى ﻟﻘﻴﺎﻣﺔ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺮ ،ﻷنّ ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺗﺘﻀﻤّﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺴﺒﺖ ﺑﻨﻮع أﺳﻤﻰ وأآﻤﻞ .ﻓﺴﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﻤﻮﺗﻪ وﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ﺧﻠﻘﻨﺎ ﺧﻠﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪة وﺣﺮّرﻧﺎ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳّﺔ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ .ﻓﻌﻤﻞ اﻟﺨﻠﻖ ﻟﻢ ﻳﻜﻠّﻒ اﷲ ﻣﺎ آﻠّﻔﻪ ﻋﻤﻞ اﻟﻔﺪاء .وﺗﺤﺮﻳﺮﻩ إﻳّﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ أﻋﻈﻢ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺷﻌﺒﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳّﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳّﻴﻦ. ﻣﺎذا ﻳﺮﻳﺪ اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ؟
.١ﻻ ﻳُﺮاد ﺑﺎﻟﻴﻮم ٢٤ﺳﺎﻋﺔ ﻧﻬﺎر وﻟﻴﻞ ﺑﻞ ﻳُﺮاد اﻟﻤﺪّة ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت .ﻣﺜﻼً :ﻗﺪ ﺗﻜﻮن اﻟﻤﺪّة ﺑﻴﻦ ﺧﻠﻖ اﻷرض وﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن أﻟﻮف اﻟﺴﻨﻴﻦ.
٩٣
ﻳﺮﻳﺪ اﷲ أن ﻳﺮﺗﺎح اﻹﻧﺴﺎن – ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺮبّ – ﻣﻦ ﻋﻨﺎء اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﻔﺮح ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ واﻟﺤﺮﻳّﺔ وﺗﺘﺠّﺪد ﻗﻮاﻩ ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﻌﻤﻞ .وﻳﺘﻔﺮّغ ﻟﻼهﺘﻤﺎم ﺑﺨﻼص ﻧﻔﺴﻪ .واﻻهﺘﻤﺎم ﺑﺨﻼص اﻟﻨﻔﺲ هﻮ ﺗﺤﺮﻳﺮهﺎ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳّﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎن وﺗﺄهﻴﻠﻬﺎ ﻟﻠﺮاﺣﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء. ﺑﻢَ ﻳﻘﻮم ﺗﻘﺪﻳﺲ ﻳﻮم اﻟﺮبّ؟ ﻳﻘﻮم ﺑﻤﻤﺎرﺳﺔ ﻓﺮوض اﻟﻌﺒﺎدة اﻟﻤﺘﻮﺟّﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻴﻘﺔ ﻧﺤﻮ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ ،اﻟﺬي ﺧﻠﻘﻬﺎ واﻓﺘﺪاهﺎ وﺣﺮّرهﺎ .أﻣّﺎ ﻓﺮوض اﻟﻌﺒﺎدة ﻓﻬﻲ ﺣﻀﻮر اﻟﻘﺪّاس وﺳﻤﺎع آﻼم اﷲ ،وﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻷﻣﻮر اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ، واﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻘﻮﻳّﺔ واﻟﺨﻴﺮﻳّﺔ ،وﻣﻄﺎﻟﻌﺔ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻘّﻬﻨﺎ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ وﺗﻌﻤّﻘﻨﺎ ﺑﺎﻟﻔﻀﻴﻠﺔ وﻣﺤﺒّﺔ اﷲ. ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﺸﻜّﻰ اﷲ ﻣﻦ ﺷﻌﺒﻪ ﻗﺎﺋﻼً :إ ّ ن ﺳﺒﻮﺗﻜﻢ وأﻋﻴﺎدآﻢ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻤﻘﻮﺗﺔ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻲّ! ذﻟﻚ ﻷنّ اﻟﺸﻌﺐ آﺎن ﻳﻘﻀﻲ هﺬﻩ اﻷﻳّﺎم ﺑﺎﻷﻓﺮاح اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ دون ﻣﺒﺎﻻة ﺑﺎﻷﻣﻮر اﻟﺮوﺣﻴّﺔ آﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﻴﻮم ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ،إذ ﻳﻘﻀﻮن أﻳّﺎم اﻵﺣﺎد واﻷﻋﻴﺎد ﺑﺎﻟﻤﻼهﻲ واﻷﻓﺮاح اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ ،وﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﺤﺮّﻣﺔ ،دون أن ﻳﻔﻜّﺮوا ﺑﺎﻟﻘﺪّاس واﻻهﺘﻤﺎم ﺑﺄﻣﺮ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ، وآﺜﻴﺮًا ﻣﺎ ﺗﻜﻮن أﻳّﺎم اﻵﺣﺎد ﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ واﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﷲ!
ﻳﻨﻬﺎﻧﺎ اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺠﺴﻤﻲّ وهﻮ ﻧﻮﻋﺎن :ﻋﻘﻠﻲّ وﺟﺴﻤﻲ ﻓﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﻌﻘﻠﻲّ هﻮ اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻘﻞ أآﺜﺮ وهﻮ ﻣﺴﻤﻮح ﻳﻮم اﻷﺣﺪ.
٩٤
أﻣّﺎ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺠﺴﻤﻲّ هﻮ اﻟﺬي ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﺠﺴﻢ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ وهﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻤﻮح ﺑﻪ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ إﻻّ ﻟﻀﺮورة. اﻋﺘﺒﺎر اﻷﻋﻤﺎل: ﺑﻌﺾ اﻷﻋﻤﺎل ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻋﻘﻠﻴّﺔ وﻟﻮ اﺷﺘﻐﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﺴﻢ آﺜﻴﺮًا ﻣﺜﻞ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ .وﺑﻌﺾ اﻷﻋﻤﺎل ﻻ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺟﺴﻤﻴّﺔ وﻻ اﺷﺘﻐﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﺴﻢ آﺜﻴﺮًا ﻣﺜﻞ اﻷﻟﻌﺎب اﻟﺮﻳﺎﺿﻴّﺔ. اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻤﺴﻤﻮح ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ: .١اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻌﻘﻠﻴّﺔ وإن آﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌﺐ اﻟﺠﺴﻢ وﻳﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺴﺐ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ واﻟﻘﺮاءة واﻟﺤﺴﺎب واﻟﺘﺼﻮﻳﺮ واﻟﺪرس وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ. .٢اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻤﻨـﺰﻟﻴّﺔ اﻟﻀﺮورﻳّﺔ آﺈﻋﺪاد اﻟﻄﻌﺎم وآﻨﺲ اﻟﺒﻴﺖ وﺗﺮﺗﻴﺒﻪ. .٣اﻷﻟﻌﺎب اﻟﺮﻳﺎﺿﻴّﺔ. .٤ﻣﺎ آﺎن ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرة ﻻزﻣًﺎ ﻟﻠﺤﺎﺟﺔ اﻟﻴﻮﻣﻴّﺔ ﻣﺜﻞ ﺑﻴﻊ اﻟﺨﻀﺮ واﻟﻠﺤﻢ واﻟﺨﺒﺰ ،وﺑﻌﺾ أﺻﻨﺎف ﺟﺮت اﻟﻌﺎدة اﻻﺗﺠﺎر ﺑﻬﺎ أﻳّﺎم اﻵﺣﺎد ﻣﺜﻞ ﺑﻴﻊ اﻟﺪﺧﺎن .وﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺑﻠﺪان ﺟﺮت ﻋﺎدة ﺑﺴﻂ ﺑﻀﺎﻋﺔ وأﻣﺘﻌﺔ آﺜﻴﺮة اﻷﻧﻮاع ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ﻟﻌﺪم إﻣﻜﺎن اﺟﺘﻤﺎع اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻏﻴﺮ أﻳّﺎم اﻵﺣﺎد .وﺑﻌﺾ ﺻﻨﺎﺋﻊ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﻼﻗﺔ واﻟﺘﺰﻳﻴﻦ ،إﻻّ إذا ﻣﻨﻌﺘﻬﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﺣﺘﺮاﻣًﺎ ﻟﻴﻮم اﻷﺣﺪ – آﻤﺎ ﻓﻲ أﻣﻴﺮآﺎ ﻣﺜﻼً – ﻓﻌﻨﺪﺋﺬٍ ﺗُﻌﺘﺒﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻤﻮح ﺑﻬﺎ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ.
٩٥
اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻤﻤﻨﻮﻋﺔ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ .١أﺷﻐﺎل اﻷرض ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ. .٢أﺷﻐﺎل اﻟﺒﻨﺎء ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ. .٣أﺷﻐﺎل اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ ،أﺷﻐﺎل اﻟﻤﻌﺎﻣﻞ واﻟﻤﺼﺎﻧﻊ ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻬﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﺴﻢ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ .وﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة ﻳﺠﻮز اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺠﺴﻤﻲّ آﺎﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻤﺮﺑﻂ ﺑﻘﺮ أو إﺻﻼح ﻣﻮﺗﻴﺮ ﻟﺘﻮزﻳﻊ آﻬﺮﺑﺎء أو ﻣﺎء أو إﺻﻼح ﻃﺮﻳﻖ ﻋﺎﻣّﺔ ﺟﺮﻓﺘﻬﺎ اﻟﻤﻴﺎﻩ ،أو ﺣﺮث أرض ﺻﻐﻴﺮة ﻗﺒﻞ هﻄﻮل اﻟﻤﻄﺮ. اﻟﻀﺮورة اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻟﺠﻮاز ﺷﻐﻞ ﺟﺴﻤﻲ هﻲ ﺣﺪث ﺿﺮر ﻋﺎم أو ﺧﺎص ﻓﻴﻤﺎ إذا أﺧّﺮ اﻟﻌﻤﻞ ،وﻋﻨﺪ ﻋﺪم اﻟﻀﺮورة ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻻرﺗﻜﺎب اﻟﺨﻄﺄ اﻟﻤﻤﻴﺖ أن ﺗﺒﻠﻎ ﻣﺪّة اﻟﺸﻐﻞ ﺛﻼث ﺳﺎﻋﺎت. ﻣﻼﺣﻈﺎت :ﻧﻈﺮًا ﻟﻼﺧﺘﺮاﻋﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻳﺼﻌﺐ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺸﻐﻞ اﻟﺠﺴﻤﻲّ ،أي اﻟﺸﻐﻞ اﻟﺬي ﻳﺘﻌﺐ ﻓﻴﻪ اﻟﺠﺴﻢ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ .ﻣﺜﻼً :ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﺁﻟﺔ ﺗﺸﺘﻐﻞ دون أن ﺗﺤﺘﺎج ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﻗﺐ أي ﺗﻌﺐ ﺳﻮى اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ .ﻓﺈذا آﺎن ﻋﻤﻞ اﻟﻤﺮاﻗﺐ ﺿﺮوريّ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻋﺎﻣّﺔ ،ﻳُﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ آﻴﻔﻤﺎ اﻋﺘﺒﺮ ﻋﻤﻠﻪ ﺟﺴﻤﻲّ أم ﻋﻘﻠﻲّ .وأﻳﻀًﺎ ﻧﻈﺮًا ﻟﺤﺮآﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ آﻌﻤﻞ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺘﻠﻔﻮن وﻋﺎﻣﻞ اﻟﺘﺮان وﻋﺎﻣﻞ اﻟﻔﻨﺪق وﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻤّﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣّﻨﻮن ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻋﺎﻣّﺔ ﻳُﺴﻤﺢ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ﺳﻮاء اﻋﺘﺒﺮ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﺟﺴﻤﻴًّﺎ أم ﻋﻘﻠﻴًّﺎ ﻷنّ اﻟﻀﺮورة ﺗﻘﻀﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﻌﺎم .ﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ هﺆﻻء أن ﻳﻬﺘﻤّﻮا ﺑﺨﻼص ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻣﻦ
٩٦
ﺣﻀﻮر ﻗﺪّاس وإﺗﻤﺎم ﺻﻠﻮات ﻓﻲ وﻗﺖ راﺣﺘﻬﻢ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﺳﻬّﻠﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻘﺪّاس اﻟﻤﺴﺎﺋﻲّ واﻟﺼﻮم اﻟﻘﺮﺑﺎﻧﻲّ. ﺧﺒﺮ: ﺣﺮّض اﻟﻜﺎردﻳﻨﺎل "ﺗﻮﻣﺎآﻮﺳﻪ" ﺗﺎﺟﺮًا ﻏﻨﻴًّﺎ ﻋﻠﻰ إﻏﻼق ﻣﺨﺰﻧﻪ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ ﻷنّ ﺧﺴﺎرﺗﻲ ﺳﺘﻜﻮن آﺒﻴﺮة. ﻓﻘﺎل اﻟﻜﺎردﻳﻨﺎل :أﻏﻠﻘﻪ هﺬﻩ اﻟﺴﻨﺔ ﻓﺈذا ﻧﻘﺺ رﺑﺤﻚ ﻋﻦ رﺑﺢ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ دﻓﻌﺖ ﻟﻚ اﻟﻨﻘﺺ وإذا زاد رﺑﺤﻚ ﺗﺒﺮّﻋﺖ ﺑﺎﻟﺰﻳﺎدة ﻟﻤﺸﺎرﻳﻌﻲ اﻟﺨﻴﺮﻳّﺔ ،ﻓﻘﺒﻞ اﻟﺘﺎﺟﺮ اﻻﻗﺘﺮاح .وﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ﻗﺪّم اﻟﺘﺎﺟﺮ إﻟﻰ اﻟﻜﺎردﻳﻨﺎل زﻳﺎدة رﺑﺤﻪ ﺳﺘّﺔ ﺁﻻف ﻓﺮﻧﻚ ذهﺒًﺎ ﻟﻜﻲ ﻳﻨﻔﻘﻬﺎ اﻟﻜﺎردﻳﻨﺎل ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎرﻳﻌﻪ اﻟﺨﻴﺮﻳّﺔ! ﺧﺒﺮ اﻟﺼﻴﻦ :ﺑﻌﺪ أن أﻏﻠﻖ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴّﻮن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﺼﻴﻦ ،ﺣﻮّل ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﻌﺎﺑﺪ ﺳﺮﻳّﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻧﺤﻮ ﻣﺌﺔ آﻴﻠﻮﻣﺘﺮ ﻟﺤﻀﻮر اﻟﻘﺪّاس وﺗﻨﺎول ﺟﺴﺪ اﻟﺮبّ.
٩٧
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ :أآﺮم أﺑﺎك وأﻣّﻚ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﷲ ﻗﺪ ﻣﻨﺤﻨﺎ اﻟﻮﺟﻮد ﺑﻮاﺳﻄﺔ واﻟﺪﻳﻨﺎ وأﺷﺮآﻬﻤﺎ ﺑﺴﻠﻄﺎﻧﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ وأﻗﺎﻣﻬﻤﺎ ﻧﻮّاﺑًﺎ ووآﻼء ﻋﻨﻪ ﻳﻬﺘﻤّﻮن ﺑﺄﻣﻮرﻧﺎ وﻳﺪرّﺑﻮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ وﺻﺎﻳﺎﻩ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ،وﻳﻬﺪوﻧﺎ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ اﷲ ﻗﺎﺋﻼً :أآﺮم أﺑﺎك وأﻣّﻚ .ﻓﻤﻦ آﺮّم اﻟﻮآﻴﻞ ﻓﻜﺄﻧّﻪ آﺮّم اﻟﺬي وآﻠﻪ .ﻓﺈذا آﺮّﻣﻨﺎ واﻟﺪﻳﻨﺎ ﻧﻜﻮن آﺮّﻣﻨﺎ اﷲ اﻟﺬي وآﻠّﻬﻤﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ. ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ :أن ﻧﺤﺘﺮم واﻟﺪﻳﻨﺎ وﻧﻄﻴﻌﻬﻤﺎ وﻧﺤﺒّﻬﻤﺎ وﻧﺨﺪﻣﻬﻤﺎ. وﻳﻨﻬﺎﻧﺎ :ﻋﻦ أن ﻧﻬﻴﻨﻬﻤﺎ وﻧﻜﺪّرهﻤﺎ .ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس :إنّ اﻟﻮﻟﺪ اﻟﺬي ﻳﻬﻴﻦ أﺑﺎﻩ أو أﻣّﻪ ﻳﺴﺘﺤﻖّ أن ﺗُﻘﻠﻊ ﻋﻴﻨﻴﻪ اﻟﻐﺮﺑﺎن. وﻗﺪ أﻣﺮ اﻟﺮبّ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﺮﺟﻢ اﻟﻮﻟﺪ اﻟﺬي ﻳﻀﺮب أﺑﺎﻩ وأﻣّﻪ. اﺣﺘﺮام اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ :ﻳﻘﻮم ﺑﺄن ﻧﻈﻬﺮ ﻟﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮل واﻟﻔﻌﻞ اﻻﻋﺘﺒﺎر واﻻﺣﺘﺮام وﻻ ﻳﺼﺪر ﻋﻨّﺎ ﻧﺤﻮهﻤﺎ أﻗﻞّ اﺣﺘﻘﺎر أو اﺳﺘﺨﻔﺎف. ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ :ﺗﻘﻮم ﺑﺄن ﻧﺨﻀﻊ ﻷواﻣﺮهﻤﺎ وﻧﺘﻤّﻤﻬﺎ ﺑﺘﺪﻗﻴﻖ ﺷﺮط أن ﻻ ﺗﻜﻮن ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﺸﺮاﺋﻊ اﷲ .وﻳﺴﻮع ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ
٩٨
أآﺒﺮ ﻣﺜﻞ ﻟﻄﺎﻋﺔ واﻟﺪﻳﻨﺎ ،إذ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻹﻧﺠﻴﻞ أﻧّﻪ آﺎن ﻃﺎﺋﻌًﺎ ﻷﻣّﻪ ﻣﺮﻳﻢ وﻳﻮﺳﻒ )ﻟﻮﻗﺎ .(٥١ :٣ ﻣﺤﺒّﺔ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ :ﺗﻘﻮم ﺑﺄن ﻧﺤﺒّﻬﻤﺎ آﻤﺎ أﺣﺒّﺎﻧﺎ ﻷنّ اﻟﻤﺤﺒّﺔ ﻻ ﺗﻘﺎﺑﻞ إﻻّ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒّﺔ .وإذا آﻨّﺎ ﻧﺤﺐّ واﻟﺪﻳﻨﺎ ﻓﻼ ﻧﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﻜﺪّرهﻤﺎ. ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ :ﺗﻘﻮم ﺑﺄن ﻧﺴﺎﻋﺪهﻤﺎ ﻓﻲ أﺷﻐﺎﻟﻬﻤﺎ وﻧﺨﺪﻣﻬﻤﺎ ﺧﺎﺻّﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺿﻬﻤﺎ وﻧﻘﺪّم ﻟﻬﻤﺎ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﻤﺎ ﺧﺎﺻّﺔ ﻓﻲ ﺷﻴﺨﻮﺧﺘﻬﻤﺎ ﺣﺘّﻰ وﻟﻮ اﻗﺘﻀﻰ أن ﻧﺤﺮم ذواﺗﻨﺎ ﺑﻌﺾ ﺿﺮورﻳّﺎت اﻟﺤﻴﺎة آﻤﺎ ﺣﺮﻣﺎ ذواﺗﻬﻤﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺎت آﺜﻴﺮة ﻷﺟﻠﻨﺎ، وأن ﻧﺤﺘﻤﻞ ﻧﻘﺎﺋﺼﻬﻤﺎ. أﻃﻠﺐ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس – اﺑﻦ ﺳﻴﺮاخ – ﻓﺼﻞ :٢ﻓﻴﻪ آﻼم ﺟﻤﻴﻞ ﺟﺪًّا ﻋﻦ واﺟﺒﺎت اﻟﻮﻟﺪ ﻧﺤﻮ واﻟﺪﻳﻪ .هﺬﻩ ﺑﻌﺾ ﻋﺒﺎرات :ﻣﻦ أآﺮم واﻟﺪﻳﻪ ﺳﺮﱠ ﺑﺄوﻻدﻩ .ﻓﺎﻟﺬي ﻳﺘّﻘﻲ اﷲ ﻳﻜﺮّم واﻟﺪﻳﻪ .ﻣﻦ أآﺮم أﺑﺎﻩ ﻓﺈﻧّﻪ ﻳﻜﻔّﺮ ﺧﻄﺎﻳﺎﻩ .ﻣﻦ اﺣﺘﺮم أﻣّﻪ ﻓﻬﻮ آﻤﺪﱠﺧﺮ اﻟﻜﻨﻮز .ﻣﻦ ﺧﺬل أﺑﺎﻩ ﻓﻬﻮ ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ اﻟﻤﺠﺪّف .وﻣﻦ ﻏﺎظ أﻣّﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻠﻌﻮن ﻣﻦ اﻟﺮبّ! اﻟﻴﻮم ﻋﺼﺮ اﻟﺤﺮﻳّﺔ :ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺸﺎب واﻟﺸﺎﺑّﺔ أن ﻳﺘﺤﺮّرا ﻣﻦ آ ّ ﻞ ﺳﻠﻄﺔ .واﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﺗﻠﺰﻣﻨﺎ ﺑﻄﺎﻋﺔ واﻟﺪﻳﻨﺎ واﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴّﺔ أﻳﻀًﺎ. هﻞ ﻳﻠﺘﺰم اﻷوﻻد أن ﻳﻄﻴﻌﻮا واﻟﺪﻳﻬﻢ ﺑﻜﻞّ اﻷﻣﻮر؟ ﻧﻌﻢ ﻣﺎ ﻋﺪا ﻣﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ وﺻﺎﻳﺎ اﷲ ,أﻣّﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﺨﺎﺻّﺔ ﺑﺎﻟﻮﻟﺪ ﻣﺜﻞ
٩٩
ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺰواج ،اﻟﺘﺮهّﺐ ،ﺗﻌﻠّﻢ ﻟﻐﺔ أو ﻓﺮع ﻋﻠﻤﻲّ ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ ﻓﻘﻂ. اﻟﺘﻄﻮّر اﻟﺜﻘﺎﻓﻲّ ﺟﻌﻞ ﺗﺒﺎﻳﻨًﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ واﻷوﻻد ،ﻓﺎﻟﻮﻟﺪ ﻳﺮى واﻟﺪﻩ أﻣّﻴًّﺎ ﻓﻴﺰدرﻳﻪ وﻳﺤﺘﻘﺮ آﻼﻣﻪ ،وآﺬﻟﻚ اﻟﻔﺘﺎة .وهﺬﻩ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺒﻜﻲ! ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻔﺘﺎة أن ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ آﺮاﻣﺔ واﻟﺪﻳﻬﺎ وذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﻬﺎ وﻋﻔّﺘﻬﺎ .ﻓﺈذا ﻓﻘﺪت آﺮاﻣﺘﻬﺎ ﺑﺴﻮء ﺳﻠﻮآﻬﺎ أذﻟّﺖ واﻟﺪﻳﻬﺎ. ﺗﺘﻀﻤّﻦ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ أﻳﻀًﺎ :واﺟﺒﺎت اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﻧﺤﻮ أوﻻدهﻢ .ﻳﻠﺘﺰم اﻟﻮاﻟﺪان أن ﻳﺮﺑّﻴﺎ أوﻻدهﻢ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴّﺔ وأن ﻳﻜﻮﻧﺎ ﻣﺜﻼً ﺻﺎﻟﺤًﺎ ﻟﻬﻢ وأن ﻳﺴﻬﺮا ﻋﻠﻰ ﺧﻼص ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ آﻤﺎ ﻳﺴﻬﺮان ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﻢ اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ ،وأن ﻳﻀﻌﺎهﻢ ﻓﻲ ﻣﺪارس آﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ. وﺗﺘﻀﻤّﻦ أﻳﻀًﺎ :واﺟﺒﺎت اﻟﺨﺪم ﻧﺤﻮ ﻣﻮاﻟﻴﻬﻢ وواﺟﺒﺎت اﻟﻤﻮاﻟﻲ ﻧﺤﻮ ﺧﺪﻣﻬﻢ وﻋﻤّﺎﻟﻬﻢ .ﻓﺎﻟﺨﺪم ﻳﻠﺘﺰﻣﻮن ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﻤﻮاﻟﻴﻬﻢ ﻓﻲ آﻞّ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ وﺑﺎﻷﻣﺎﻧﺔ واﻹﺧﻼص ﻓﻲ اﻟﺨﺪﻣﺔ واﻟﻌﻤﻞ وآﺄﻧّﻬﻢ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮن ﻟﻠﺮبّ ﻳﺴﻮع .واﻟﻤﻮاﻟﻲ ﻳﻠﺘﺰﻣﻮن ﺑﺎﻟﻌﺪل واﻟﻤﺤﺒّﺔ ﻟﺨﺪّاﻣﻬﻢ وﻋﻤّﺎﻟﻬﻢ ﻓﻴﻌﻄﻮﻧﻬﻢ أﺟﺮة ﻋﺎدﻟﺔ آﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻋﺎﺋﻼﺗﻬﻢ وﻳﺤﺴﺒﻮﻧﻬﻢ إﺧﻮة ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ ﻓﻴﺤﺴﻨﻮن ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﻢ وﻳﻌﺘﻨﻮن ﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻣﺮﺿﻬﻢ وﻳﺴﺎﻋﺪوهﻢ ﻋﻠﻰ ﺧﻼص ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ .ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :ﻳﺎ أﻳّﻬﺎ اﻟﻤﻮاﻟﻲ اﻋﺪﻟﻮا ﻟﻌﺒﻴﺪآﻢ واﻋﻠﻤﻮا أنّ ﻟﻜﻢ رﺑًّﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء. واﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﻘﻮل :آﻞّ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻤﻮﻩ ﻣﻊ إﺧﻮﺗﻲ هﺆﻻء اﻟﺼﻐﺎر
١٠٠
ﻓﺒﻲ ﻓﻌﻠﺘﻤﻮﻩ" )ﻣﺘﻰ .(٤٠ :٢٥أﻃﻠﺐ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ،ﻓﺼﻞ ٦ ﻣﻦ أﻓﺴﺲ .ﻓﺼﻞ ﺟﻤﻴﻞ ﺟﺪًّا ﻋﻦ واﺟﺒﺎت اﻷوﻻد واﻟﻮﻟﺪﻳﻦ واﻟﻤﻮاﻟﻲ واﻟﻌﺒﻴﺪ. أﺧﺒﺎر ﺣﻜﻢ أﺣﺪ اﻟﻤﻠﻮك ﻋﻠﻰ رﺟﻞ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻟﺬﻧﺐ ﻓﻌﻠﻪ ،ﻓﺘﻘﺪّم اﺑﻦ اﻟﺮﺟﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻠﻚ وﺗﺮﺟّﺎﻩ أن ﻳﻘﺘﻠﻪ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ أﺑﻴﻪ ،ﻓﺄآﺒﺮ اﻟﻤﻠﻚ ﻣﺤﺒّﺔ هﺬا اﻻﺑﻦ ﻷﺑﻴﻪ ﻓﻌﻔﺎ ﻋﻨﻪ. ﺧﺒﺮ :ﻗﺎل ﺷﻜﺴﺒﻴﺮ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي اﻟﺸﻬﻴﺮ :إنّ إﻧﻜﺎر اﻷوﻻد ﺟﻤﻴﻞ واﻟﺪﻳﻬﻢ هﻮ آﺄنّ ﻓﻤﻲ ﻳﻌﺾ ﻳﺪي اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪّم ﻟﻪ اﻟﻄﻌﺎم. ﺧﺒﺮ :آﺎن ﻣﻮرﻳﺲ ﺗﻮﻣﺎ وزﻳﺮ هﻨﺮي ﻣﻠﻚ إﻧﺠﻠﺘﺮا ﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻄﻠﺐ راآﻌًﺎ ﺑﺮآﺔ واﻟﺪﻳﻪ. ﺧﺒﺮ :ﺑﻠﻎ ﻣﻠﻚ أﻟﻤﺎﻧﻴﺎ أنّ ﺗﻠﻤﻴﺬًا ﻣﻦ اﻟﻤﺪارس اﻟﻌﻠﻴﺎ إذ رأى واﻟﺪﻩ اﻟﺴﺠﻴﻦ ﻳﻜﻨّﺲ اﻟﺸﻮارع ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﻘﺪّم إﻟﻴﻪ وﻟﺜﻢ ﻳﺪﻩ ﺑﺎﺣﺘﺮام ﺷﺪﻳﺪ ،ﻓﺘﺄﺛّﺮ اﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻟﺒﻨﻮﻳّﺔ وأﺧﺮج ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ وأﻣﺮ ﺑﺪﻓﻊ ﻣﻌﺎش ﺳﻨﻮيّ ﻻﺑﻨﻪ اﻟﺒﺎر!!
١٠١
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ :ﻻ ﺗﻘﺘﻞ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﷲ هﻮ ربّ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻤﻮت .هﻮ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻲ وهﻮ اﻟﺬي ﻳُﻤﻴﺖ .وﻟﻪ وﺣﺪﻩ اﻟﺤﻖّ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﺒﺸﺮ .أﻧﺎ أُﻣﻴﺖ وأُﺣﻴﻲ )ﺗﺚ .(٣٩ :٣٢ﻟﻚ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻤﻮت )ﺣﻜﻤﺔ .(٣ :١٦ ﻓﺤﻴﺎة اﻹﻧﺴﺎن هﻲ ﻣﻠﻚ ﺧﺎص ﺑﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖّ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﻞ ﻟﻪ ﺣﻖّ اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻬﺎ ﻓﻘﻂ .ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ أن ﻳﻘﺘﻞ ذاﺗﻪ وﻻ أن ﻳﻘﺘﻞ ﻏﻴﺮﻩ .وإن ﻗﺘﻞ ﻏﻴﺮﻩ ﻳﻄﺎﻟﺒﻪ اﷲ ﺑﺪﻣﻪ آﻤﺎ ﻃﺎﻟﺐ ﻗﺎﻳﻴﻦ ﺑﺪم هﺎﺑﻴﻞ ﻗﺎﺋﻼً ﻟﻪ" :ﻗﺎﻳﻴﻦ ﻗﺎﻳﻴﻦ أﻳﻦ أﺧﻮك هﺎﺑﻴﻞ؟ إنّ دﻣﻪ ﻳﺼﺮخ إﻟﻲّ! )ﺗﻜﻮﻳﻦ .(١٠ :٤ اﻟﻘﺘﻞ ﺟﺮﻳﻤﺔ آﺒﻴﺮة :ﻷنّ اﻟﻘﺘﻞ ﻳﻔﻘﺪ اﻹﻧﺴﺎن أﻋﺰّ ﺷﻲء ﻟﺪﻳﻪ وهﻮ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻘﺎﺗﻞ أن ﻳﻌﻮّض ﻋﻦ هﺬا اﻟﻀﺮر. وزد ﻋﻠﻰ ﺟﺮﻳﻤﺔ اﻟﻘﺘﻞ اﻟﻔﻈﻴﻌﺔ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻗﺘﻞ اﻟﻨﻔﺲ .ﻷﻧّﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﻤﻘﺘﻮل ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺘﻌﺪّ ﻟﻠﻤﻮت أي ﻳﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ وﻗﺪ ﻻ ﻳﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺪاﻣﺔ واﻟﺘﻮﺑﺔ واﻻﻋﺘﺮاف ،ﻓﺘﻬﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻴﻜﻮن اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻗﺘﻞ اﻟﺠﺴﺪ واﻟﻨﻔﺲ ،وﻗﺘﻞ اﻟﻨﻔﺲ أﻋﻈﻢ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ اﻟﺠﺴﺪ. ﻳﻨﻬﺎﻧﺎ اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ :ﻋﻦ ﻗﺘﻞ اﻟﻐﻴﺮ وﻋﻦ ﺿﺮﺑﻪ وﻋﻦ إﻳﻘﺎع اﻟﻀﺮر ﺑﻪ .ﻻ ﺑﺠﺴﺪﻩ وﻻ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻻ ﺑﺼﻴﺘﻪ. وﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ :أن ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﻐﻴﺮ وﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ وﻋﻠﻰ ﺻﻴﺘﻪ.
١٠٢
آﻴﻒ ﻧﻀﺮّ ﺑﺠﺴﺪ اﻟﻐﻴﺮ وﺑﻨﻔﺴﻪ وﺑﺼﻴﺘﻪ؟ ﻧﻀﺮّ ﺑﺠﺴﺪﻩ إذا ﻗﺘﻠﻨﺎﻩ أو ﺟﺮﺣﻨﺎﻩ أو ﺿﺮﺑﻨﺎﻩ .وﻧُﻀﺮّ ﺑﻨﻔﺴﻪ إذا ﻋﻠّﻤﻨﺎﻩ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ أو دﻓﻌﻨﺎﻩ إﻟﻴﻬﺎ أو ﺳﺒّﺒﻨﺎهﺎ ﻟﻪ .وﻧُﻀﺮّ ﺑﺼﻴﺘﻪ إذا ﺗﻜﻠّﻤﻨﺎ ﻋﻨﻪ ﺷﺮًّا أو ﻣﺎ ﻳﺆذﻳﻪ .وﻓﻲ اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻻ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺎﻟﺰور إﻳﻀﺎح وافٍ ﻋﻦ إﻳﻘﺎع اﻟﻀﺮر ﺑﺼﻴﺖ اﻟﻐﻴﺮ. آﻴﻒ ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﻐﻴﺮ وﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ وﻋﻠﻰ ﺻﻴﺘﻪ؟ ﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﻐﻴﺮ إذا دﻓﻌﻨﺎ ﻋﻨﻪ اﻷذى واﻟﻀﺮر ﻋﻨﺪ إﻣﻜﺎﻧﻨﺎ .وﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ إذا أﻋﻄﻴﻨﺎﻩ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ ودﻓﻌﻨﺎﻩ ﻟﺨﻼص ﻧﻔﺴﻪ .وﻧﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺻﻴﺘﻪ إذا ﺗﻜﻠّﻤﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﺣﺴﻨًﺎ. إﻳﺠﺎب اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ :ﻣﻦ َأﺿَﺮّ اﻟﻐﻴﺮ ﺳﻮاء آﺎن ﺑﺠﺴﺪﻩ أو ﺑﻨﻔﺴﻪ ،أو ﺑﺼﻴﺘﻪ ،وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻌﻮّض اﻟﻀﺮر .ﻣﺜﻼً إذا ﺟﺮﺣﻪ ﻓﻌﻠﻴﻪ أن ﻳﺪﻓﻊ ﻣﺪاواﺗﻪ وﺗﻌﻄﻴﻠﻪ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻪ .وإذا دﻓﻌﻪ إﻟﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺮدّﻩ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺼﺢ واﻹرﺷﺎد .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :اﻟﻮﻳﻞ ﻟﻤﻦ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺸﻜﻮك ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ،ﻓﺨﻴﺮ ﻟﻪ أن ﻳﻌﻠّﻖ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻪ ﺣﺠﺮ اﻟﻄﺤﻦ وﻳُﻠﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ )ﻣﺘّﻰ .(٧ :١٨وإذا أﺿﺮّ ﺑﺼﻴﺘﻪ ﻓﻴﺠﺐ أن ﻳﺘﻜﻠّﻢ ﻋﻨﻪ ﺣﺴﻨًﺎ ﻟﻴﺼﻠﺢ ﺻﻴﺘﻪ .وﻻ ﺗُﻐﻔﺮ ﺧﻄﻴﺌﺔ إﻳﻘﺎع اﻟﻀﺮر ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻮﱠض اﻟﻀﺮر أو ﻳﺘﻨﺎزل اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻀﺮر ﻋﻦ ﺣﻘّﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﻣﺤﺔ. أﻣّﺎ اﻟﻘﺘﻞ ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻨﻪ .إﻻّ أﻧّﻪ ﻳﺠﺐ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن ،آﺎﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻠﻰ أهﻞ اﻟﻤﻘﺘﻮل اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻀﺮّروا. واﻟﺼﻼة ﻋﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻘﺘﻮل.
١٠٣
اﻻﻧﺘﺤﺎر :آﻤﺎ أنّ اﷲ ﻳﻨﻬﺎﻧﺎ ﻋﻦ ﻗﺘﻞ اﻟﻐﻴﺮ وﻋﻦ إﻧﺰال اﻟﻀﺮر ﺑﻪ آﺬﻟﻚ ﻳﻨﻬﺎﻧﺎ ﻋﻦ ﻗﺘﻞ ذاﺗﻨﺎ وﻋﻦ إﻧﺰال اﻟﻀﺮر ﺑﻬﺎ .ﻷنّ اﻟﺮبّ هﻮ وﺣﺪﻩ ربّ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ وهﻲ ﺗﺨﺼّﻪ وﻣﻠﻜﻪ .ﻓﻘﺘﻞ اﻟﺬات هﻮ ﺧﺮق ﻟﺤﻘﻮق اﷲ وﻣﻠﻜﻴّﺘﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ .وهﻮ ﺗﻌﺪﱟ ﻋﻠﻰ إرادﺗﻪ اﻟﻘﺪّوﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ وﺣﺪهﺎ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻮت .ﻓﻤﻦ اﻧﺘﺤﺮ أي ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺨﻄﺄ ﺧﻄﺄ آﺒﻴﺮًا آﻤﺎ ﻟﻮ ﻗﺘﻞ ﻏﻴﺮﻩ وﻻ ﻳﺠﻮز إدﺧﺎل ﺟﺜّﺘﻪ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻻ اﻟﺼﻼة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻷﻧّﻪ هﺎﻟﻚ وﻻ ﺗﻨﻔﻌﻪ اﻟﺼﻼة .اﻻﻧﺘﺤﺎر ﺟﺒﺎﻧﺔ ﺗﺪﻓﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﺘﺨﻠّﺺ ﺑﻤﺎ ﻳﻀﺎﻳﻘﻪ! اﻹﻧﺘﺤﺎر هﻮ ﻓﻘﺪان اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻤﺎل ﺿﻴﻘﺎت اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺜﺒﺎت وﺟﺮأة. ﻧﻮع ﺁﺧﺮ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﺤﺎر :هﻮ أن ﻳﻌﺘﺎد اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎول اﻟﻤﺨﺪّرات وهﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻹﻧﺘﺤﺎر أﺷﺮّ ﻣﻦ اﻷوّل ﻷنّ ﺗﺄﺛﻴﺮﻩ ﻻ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﺑﺎﻟﺸﺨﺺ ذاﺗﻪ ﺑﻞ ﻳﺘﻌﺪّى إﻟﻰ ﺁﺧﺮﻳﻦ ،أي إﻟﻰ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ وﻧﺴﻠﻪ ،ﻓﻴﺠﻨﻲ ﻋﻠﻰ أوﻻدﻩ وﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ إذ ﻳﻌﺮﱢض أوﻻدﻩ ﻟﻌﺎهﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .وهﻞ أﻗﺴﻰ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ أب ﻳﺠﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﺑﻨﻪ ﻋﺎهﺔ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻣﺪى ﺣﻴﺎﺗﻪ آﻠّﻬﺎ ﺗﻌﻴﺴًﺎ ﺷﻘﻴًّﺎ ﺣﺰﻳﻨًﺎ .وآﻢ ﻳﺘﺄﻟّﻢ اﻟﻮﻟﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻠﻢ أنّ ﺳﺒﺐ ﺗﻌﺎﺳﺘﻪ هﻮ أﺑﻮﻩ! اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ :ﻓﺈذا أراد أﺣﺪ إﻳﻘﺎع اﻟﻀﺮر ﺑﻨﺎ ﻓﻴﺠﻮز ﻟﻨﺎ اﻟﺪﻓﺎع وإﺑﻌﺎد اﻟﻀﺮر ﻋﻨّﺎ ﺑﺸﺮط أن ﻻ ﻧﺘﺠﺎوز ﺣﺪود اﻟﺪﻓﺎع .ﻣﺜﻼً: إذا أراد أﺣﺪ ﺿﺮﺑﻨﺎ أو ﺳﻠﺐ ﻣﺎﻟﻨﺎ ﻓﻀﺮﺑﻨﺎﻩ ﻟﻨﻤﻨﻌﻪ ﻋﻦ إﻳﻘﺎع اﻟﻀﺮر ﺑﻨﺎ ﻓﺬﻟﻚ ﺟﺎﺋﺰ .وإذا أراد أﺣﺪ ﻗﺘﻠﻨﺎ ﻓﻴﺠﺐ أن ﻧﺒﺬل أﻗﺼﻰ ﺟﻬﺪﻧﺎ ﻟﻨﺮدّﻩ ﻋﻨّﺎ دون أن ﻧﻘﺘﻠﻪ .وإذا ﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ ذﻟﻚ إﻻّ ﺑﻘﺘﻠﻪ ﻓﻌﻨﺪﺋﺬٍ ﻳﺠﻮز ﻟﻨﺎ ﻗﺘﻠﻪ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻨﺎ!
١٠٤
أﺧﺒﺎر اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻳُﻘﺘﻞ :ﻳُﺨﺒﺮﻧﺎ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس أنّ إزاﺑﻴﻞ زوﺟﺔ أﺧﺎب ﻣﻠﻚ إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻗﺘﻠﺖ ﻇﻠﻤًﺎ ﻧﺎﺑﻮت اﻻزراﻋﻴﻠﻲ ﻟﻴﺴﺘﻮﻟﻲ زوﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ آﺮﻣﻪ ﻷﻧّﻪ ﻟﻢ ﻳﺮد أن ﻳﺒﻴﻌﻪ ﻣﻨﻪ .ﻓﺄرﺳﻞ اﻟﺮبّ إﻳﻠﻴﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻘﻮل ﻵﺧﺎب :إنّ اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﻟﺤﺴﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻜﻼب دم ﻧﺎﺑﻮت ﺳﺘﻠﺤﺲ دﻣﻚ ،وإزاﺑﻴﻞ ﺳﺘﺄآﻠﻬﺎ اﻟﻜﻼب .وﻗﺪ ﺗﻢّ ذﻟﻚ آﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﺮبّ .ﻓﺂﺧﺎب ﻗُﺘﻞ ﻓﻲ ﺣﺮب ﻳﻬﻮﻩ وﻟﺤﺴﺖ اﻟﻜﻼب دﻣﻪ وإزاﺑﻴﻞ ﻃُﺮﺣﺖ ﻣﻦ ﺷﺒّﺎك ﻗﺼﺮهﺎ وأآﻠﺖ اﻟﻜﻼب ﻟﺤﻤﻬﺎ! ﺧﺒﺮ :اﻟﻤﻠﻚ ﻓﺮﻋﻮن اﻟﺬي أﻣﺮ ﺑﺈﻏﺮاق أﻃﻔﺎل اﻟﻴﻬﻮد ﺑﻨﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﻗﺪ أﻏﺮﻗﻪ اﷲ ﻣﻊ ﺟﻴﺸﻪ اﻟﺠﺮّار ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺣﻤﺮ ﺣﻴﻦ ﻟﺤﻖ ﺑﺸﻌﺐ إﺳﺮاﺋﻴﻞ اﻟﺬي آﺎن ﺳﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻣﺼﺮ .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺷﻖّ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻌﺼﺎﻩ ودﺧﻞ ﺷﻌﺒﻪ ﻋﻠﻰ أرض ﻳﺎﺑﺴﺔ، ﻓﻠﺤﻖ ﺑﻪ ﻓﺮﻋﻮن ﻣﻊ ﺟﻴﺸﻪ .ﻓﺮﺟﻊ اﻟﺒﺤﺮ آﻤﺎ آﺎن وﻏﺮق اﻟﻤﺼﺮﻳّﻮن آﻠّﻬﻢ ﻣﻊ ﻣﺮاآﺒﻬﻢ. ﺧﺒﺮ :هﺎﻣﺎن وزﻳﺮ اﻟﻤﻠﻚ أﺣﺸﻮروش آﺎن ﺣﺮّض اﻟﻤﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ اﻟﻴﻬﻮد اﻟﻤﻮﺟﻮدﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ﺑﻴﻮم واﺣﺪ ،وآﺎن ﻗﺪ أﻋﺪّ ﺻﻠﻴﺒًﺎ ﻋﺎﻟﻴًﺎ ﻟﻴﻌﻠّﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮدﺧﺎي اﻟﻴﻬﻮديّ ﻋﻢ اﻟﻤﻠﻜﺔ أﺳﺘﻴﺮ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻷﻧّﻪ ﻣﺎ آﺎن ﻳﺴﺠﺪ ﻟﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻤﺮّ آﻤﺎ ﻳﺴﺠﺪ ﻏﻴﺮﻩ. ﻓﻠﻤّﺎ ﻋﺮﻓﺖ اﻟﻤﻠﻜﺔ أﺳﺘﻴﺮ ﺻﻠّﺖ إﻟﻰ اﷲ ودﻋﺖ ﺷﻌﺒﻬﺎ أﻳﻀًﺎ أن ﻳﺼﻠّﻮا .ﺛﻢّ دﺧﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻚ أﺣﺸﻮروش ،ﻓﻠﻴّﻦ اﷲ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﻠﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻜﺔ أﺳﺘﻴﺮ وﺳﺄﻟﻬﺎ :ﻣﺎ هﻲ ﺑﻐﻴﺘﻚ وﻟﻮ آﺎﻧﺖ ﻧﺼﻒ ﻣﻤﻠﻜﺘﻲ؟ ﻓﺄﺟﺎﺑﺖ :أﺳﺄل اﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﺷﻌﺒﻲ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪ
١٠٥
هﺎﻣﺎن اﻟﻮزﻳﺮ أن ﻳﻘﺘﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﻳﻮم واﺣﺪ .ﻓﺄﺻﺪر اﻟﻤﻠﻚ أﻣﺮًا ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ اﻟﻴﻬﻮد وأﻣﺮ ﺑﺘﻌﻠﻴﻖ هﺎﻣﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ اﻟﺬي أﻋﺪّﻩ ﻟﻴﺼﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮدﺧﺎي! )ﺳﻔﺮ أﺳﺘﻴﺮ(. اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺘﺎﺳﻌﺔ :ﻻ ﺗﺰن وﻻ ﺗﺸﺘﻪ اﻣﺮأة ﻗﺮﻳﺒﻚ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﷲ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺮآّﺒًﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ وﺟﺴﺪ ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ ﺧﻠﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرﺗﻪ وﻣﺜﺎﻟﻪ أي ﻋﺎﻗﻠﺔ .وأﻣّﺎ اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻬﻮ ﺣﻴﻮاﻧﻲّ أي ﻓﻴﻪ ﻣﻴﻮل ﺣﻴﻮاﻧﻴّﺔ ﺗﻌﺎرض اﻟﻨﻔﺲ .وﺟﻌﻞ اﷲ اﻟﻨﻔﺲ ﻗﺎﺋﺪًا وﻣﺮﺷﺪًا ﻟﻠﺠﺴﺪ اﻟﺸﻬﻮاﻧﻲ اﻷﻋﻤﻰ .ﻓﺈذا اﻧﻘﺎدت اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻠﺠﺴﺪ ﻗﺎدهﺎ إﻟﻰ أﺣﻂّ درآﺎت اﻟﺬلّ واﻟﻬﻼك .وإذا ﺧﻀﻊ اﻟﺠﺴﺪ ﻟﻠﻨﻔﺲ وأﻃﺎﻋﻬﺎ ارﺗﻔﻌﺖ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ درﺟﺎت اﻟﺴﻤﻮّ واﻟﻜﻤﺎل .ﻟﺬﻟﻚ أﻣﺮ اﷲ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺎﺋﻼً :ﻻ ﺗﺰنِ وﻻ ﺗﺸﺘﻪ اﻣﺮأة ﻗﺮﻳﺒﻚ .ﻟﻴﻘﻴّﺪ ﺟﻤﺎح اﻟﺠﺴﺪ ﺑﺈﺧﻀﺎﻋﻪ ﻟﻠﻨﻔﺲ. ﻳﻨﻬﺎﻧﺎ اﷲ ﺑﺎﻟﻮﺻﻴّﺔ ﻻ ﺗﺰن :ﻋﻦ اﻷﻓﻌﺎل واﻷﻋﻤﺎل اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﻄﻬﺎرة. وﻳﻨﻬﺎﻧﺎ اﷲ ﺑﺎﻟﻮﺻﻴﺔ ﻻ ﺗﺸﺘﻪِ اﻣﺮأة ﻗﺮﻳﺒﻚ :ﻋﻦ اﻟﺸﻬﻮات واﻷﻓﻜﺎر اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﻄﻬﺎرة .ﻓﺈذًا ﻳﺤﺮّم ﻋﻠﻴﻨﺎ اﷲ ﺑﻬﺎﺗﻴﻦ اﻟﻮﺻﻴّﺘﻴﻦ آﻞّ ﻓﻌﻞ وﻋﻤﻞ وﻗﻮل وﻓﻜﺮ ﻗﺒﻴﺢ ﺿﺪّ اﻟﻄﻬﺎرة. وآﻞّ ﻟﺬّة ﺟﺴﺪﻳّﺔ ﻟﺤﻤﻴّﺔ ﺧﺎرﺟﺔ ﻋﻦ اﻟﺰواج اﻟﺸﺮﻋﻲّ. ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﻄﻬﺎرة :هﻲ أن ﻻ ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻹﻧﺴﺎن ﺟﺴﺪﻩ ﺧﻼﻓًﺎ ﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﷲ .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺘﺰوّج زواﺟًﺎ ﺷﺮﻋﻴًّﺎ وﻳﻤﺎرس
١٠٦
أﻓﻌﺎل اﻟﺰواج ﺣﺴﺐ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ ﻓﻼ ﻳﺨﺎﻟﻒ اﻟﻄﻬﺎرة ﻷنّ اﷲ ﻗﺪ رﺗّﺐ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺰوﺟﻲّ ﺿﻤﻦ اﻟﺰواج اﻟﺸﺮﻋﻲّ ﻹﻳﻼد اﻟﺒﻨﻴﻦ وﺣﻔﻆ اﻟﻤﺤﺒّﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺰوﺟﻴﻦ .وﻗﺪ ﻗﺎل اﷲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﻠﻖ أﺑﻮﻳﻨﺎ ﺁدم وﺣﻮاء :اﻧﻤﻴﺎ واآﺜﺮا واﻣﻼءا اﻷرض )ﺗﻜﻮﻳﻦ .(٢٨ :١ ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :إنّ اﷲ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ اﻟﺠﺴﺪ ﻟﻠﺰﻧﻰ .وﻗﺎل أﻳﻀًﺎ :إنّ آﻞّ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻳﺮﺗﻜﺒﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن إﻧّﻤﺎ ﻳﺮﺗﻜﺒﻬﺎ ﺧﺎرﺟًﺎ ﻋﻦ ﺟﺴﺪﻩ أﻣّﺎ ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﺰﻧﻰ ﻓﺒﺠﺴﺪﻩ )آﻮ .(١٨ :٦ ﺟﻤﺎل ﺟﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎن :إنّ اﷲ ﺧﻠﻖ ﺟﺴﺪ اﻹﻧﺴﺎن وﺟﻤّﻠﻪ ﺑﺠﻤﺎل أﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت .وﻳﺮﺿﻰ أن ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻴﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺘﻨﺎول وأن ﻳﺸﺮآﻪ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدﺗﻪ اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ. اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :أﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮن أنّ أﺟﺴﺎدآﻢ هﻲ هﻴﺎآﻞ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس )آﻮ .(١٥ :٦وﻳﻘﻮل أﻳﻀًﺎ :ﻻ ﺗﻬﻴّﺌﻮا أﻋﻀﺎءآﻢ ﺳﻼح إﺛﻢ ﻟﻠﺨﻄﻴﺌﺔ .وﻳﻘﻮل أﻳﻀًﺎ" :أﻣﻴﺘﻮا أﻋﻀﺎءآﻢ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرض :اﻟﺰﻧﻰ واﻟﻨﺠﺎﺳﺔ واﻟﻔﺠﻮر واﻟﺸﻬﻮة اﻟﺮدﻳﺌﺔ ﻷﻧّﻪ ﻷﺟﻞ هﺬﻩ ﻳﺤﻞّ ﻏﻀﺐ اﷲ )آﻮﻟﺲ .(٧-٥ :٣وﻳﻘﻮل أﻳﻀًﺎ: ﻻ ﺗﻀﻠّﻮا أﻳّﻬﺎ اﻹﺧﻮة ﻓﺈﻧّﻪ ﻻ اﻟﺰﻧﺎة وﻻ اﻟﻔﺎﺳﻘﻮن وﻻ اﻟﻤﻔﺴﺪون ﻳﺪﺧﻠﻮن ﻣﻠﻜﻮت اﷲ )آﻮرﻧﺘﺲ .(١١-٩ :٦وﻳﻘﻮل أﻳﻀًﺎ :أرﻏﺐ ﻣﻨﻜﻢ ﻳﺎ إﺧﻮﺗﻲ أن ﺗﻘﺮﱢﺑﻮا أﺟﺴﺎدآﻢ ذﺑﻴﺤﺔ ﺣﻴّﺔ ﻣﻘﺪّﺳﺔ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻋﻨﺪ اﷲ. ﻣﻦ آﻼم اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ هﺬا ﻳﺘّﻀﺢ ﻟﻨﺎ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺠﻬﺎد ﺿﺪّ اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻬﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ذﺑﻴﺤﺔ ﺗُﻘﺪﱠم ﷲ .وﻟﻴﺲ أﺳﻤﻰ ﻣﻦ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ اﷲ .ﻓﻤﻬﻤﺎ ﻗﺪّم اﻟﺸﺎب ﻣﻦ ﺗﻘﺎدم ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﺪّم ﷲ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺟﺴﺪﻩ وﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻣﻬﻤﺎ ﺳﻤﺎ ﻳﻤﻜّﻦ
١٠٧
اﻟﺸﺎب ﻣﻦ اآﺘﺴﺎب أﺟﻮر روﺣﻴّﺔ ﻣﺜﻞ ﺗﻘﺪﻣﺔ ﺟﺴﺪﻩ ذﺑﻴﺤﺔ ﷲ. ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻘﻠﻖ اﻟﺸﺎب ﻣﻦ آﺜﺮة اﻟﺘﺠﺎرب ﺷﺮط أن ﻻ ﻳﺮﺿﻰ ﺑﻬﺎ وﺷﺮط أن ﻻ ﻳﻜﻮن هﻮ ﺳﺒﱠﺒﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻘﻮّى وﻳﺤﺎرﺑﻬﺎ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ آﻤﺎ ﻳﺤﺎرب اﻟﺠﻨﺪي ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ إذا ﻋﺮف أنّ ﻗﺎﺋﺪﻩ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ .إنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﻳﺤﺎرب ﺟﺴﺪﻩ ﻣﺴﺮورًا ﺑﻪ وﻳﻬﻴّﺊ ﻟﻪ إآﻠﻴﻞ اﻟﻤﺠﺪ ﻓﻲ ﻗﺼﺮﻩ اﻟﺴﻤﺎويّ. اﻟﻤﻴﻞ اﻟﺠﻨﺴﻲّ :إنّ اﷲ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺸﺎب ﻣﻴﻼً ﻧﺤﻮ اﻟﻔﺘﺎة وﺧﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺎة ﻣﻴﻼً ﻧﺤﻮ اﻟﺸﺎب ﻟﻴﺪﻓﻌﻬﻤﺎ إﻟﻰ اﻟﺰواج اﻟﻤﻘﺪّس اﻟﺬي رﺗّﺒﻪ ﻹﻳﻼد اﻟﺒﻨﻴﻦ .إنّ هﺬا اﻟﻤﻴﻞ ﺑﺤﺪّ ذاﺗﻪ ﻟﻴﺲ هﻮ ﺷﺮﻳﺮًا ﻷنّ اﷲ ﻻ ﻳﺨﻠﻖ ﺷﻴﺌًﺎ ﺷﺮّﻳﺮًا .إﻧّﻤﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺷﺮّﻳﺮًا إذا اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ اﻟﺸﺎب واﻟﺸﺎﺑّﺔ ﺧﺎرﺟًﺎ ﻋﻦ اﻟﺰواج اﻟﺸﺮﻋﻲّ وﺧﻼﻓًﺎ ﻟﺸﺮاﺋﻊ اﷲ .أﻣّﺎ إذا اﺳﺘﺨﺪﻣﺎﻩ ﺿﻤﻦ اﻟﺰواج اﻟﻤﻘﺪّس ﻓﻬﻮ ﺧﻴﺮ. ﻷنّ اﻟﺰواج هﻮ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻏﻨّﺎء ﺗﻨﺒﺖ أزهﺎر اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، وزﻧﺎﺑﻖ اﻷوﻻد اﻟﻌﻄﺮة وأﻏﺼﺎن اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻨﻀﺮة .اﻟﺰواج ﺑﺴﺘﺎن ﺧﺼﻴﺐ ﻳﻨﺒﺖ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﻌﻈﺎم واﻟﻤﺨﺘﺮﻋﻴﻦ واﻟﻔﻨّﺎﻧﻴﻦ واﻷﻃﺒّﺎء واﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ واﻟﻜﻬﻨﺔ واﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ. ﺑﻐﺾ اﷲ ﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﺰﻧﺎ :إنّ اﷲ ﻳﺒﻐﺾ ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﺪﻧﺲ ﺑﻐﻀًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا وﻳﻜﺮﻩ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔﻌﻠﻮﻧﻬﺎ .واﻟﺒﺮهﺎن ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ هﻮ أﻧّﻪ ﺞ إﻻّ ﻧﻮح اﻟﺒﺎرّ اﻟﻄﺎهﺮ. أﻧﺰل اﻟﻄﻮﻓﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺸﺮ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ وﻟﻢ ﻳﻨ ُ وأﻧﺰل اﻟﻨﺎر واﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻳﻨﺘﻴﻦ ﻋﻈﻴﻤﺘﻴﻦ هﻤﺎ ﺻﺎدوم وﻋﺎﻣﻮرﻩ ﻷنّ أهﻠﻬﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﻣﻨﻐﻤﺴﻴﻦ ﻓﻲ ﺧﻄﺎﻳﺎ اﻟﺪﻧﺲ.
١٠٨
اﻟﺸﻜﻮك :اﻟﻮﻳﻞ ﻟﻠﻨﺴﺎء واﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻳﻠﺒﺴﻦ ﺛﻴﺎﺑًﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺘﺸﻤﺔ ﺗﺴﺒّﺐ اﻷﻓﻜﺎر واﻟﺸﻬﻮات اﻟﻔﺎﺳﺪة .ﻓﻜﻞّ ﺧﻄﺎﻳﺎ اﻟﻐﻴﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﺑﺴﺒﺐ ﻟﺒﺴﻬﻦّ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺤﺘﺸﻢ ﺗﺤﺴﺐ ﻋﻠﻴﻬﻦ أﻣﺎم اﷲ .وﺗﻜﻮن دﻳﻨﻮﻧﺘﻬﻦّ ﻋﻈﻴﻤﺔ أﻣﺎم اﷲ ،ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ إﻧﺠﻴﻠﻪ اﻟﻤﻘﺪّس :اﻟﻮﻳﻞ ﻟﻤﻦ ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ اﻟﺸﻜﻮك ﻓﺨﻴﺮ ﻟﻪ ﻳُﻌﻠّﻖ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻪ ﺣﺠﺮ اﻟﻄﺤﻦ وﻳُﻠﻘﻰ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ اﻟﺒﺤﺮ )ﻣﺘﻰ .(٧ :١٨ ﻟﻠﻄﻬﺎرة ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ أﻋﺪاء آﺜﻴﺮون ﻻ ﻳﻌﺒﺄون ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﻻ ﺗﺰن ،ﻧﺮاهﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﺎ ﻓﻴﺴﻌﻮن ﻟﻨﺸﺮ اﻟﺮذﻳﻠﺔ واﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺎﻟﻤﻠﺬات اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ اﻟﻤﺤﺮّﻣﺔ، وذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﻴﻤﻮن ﻣﻦ ﻣﻼﻩٍ وﻣﺠﻤّﻌﺎت وﻣﺮاﻗﺺ وﻣﻨﺎﻇﺮ ﺧﻼﻋﻴّﺔ ﺗﺪﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﺸﻬﻮة اﻟﻔﺎﺳﺪة. ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ آﺜﺮت اﻟﻤﺤﺮّﻣﺎت وأﺻﺒﺢ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ ﻣﻮﺑﻮءًا ﺑﺄوﺑﺌﺔ ﺗﻬﺪّد ﺑﺎﻧﺪﺛﺎر اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ .ﺗﻬﺪّد ﺑﺎﻧﻬﻴﺎر اﻟﻘِﻴﻢ اﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﻊ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲّ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﻮّ. ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻤﺜﻘّﻒ أن ﻳﺤﺎرب اﻟﻤﻼهﻲ اﻟﺨﻼﻋﻴّﺔ ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﺤﺘﻘﺮ ﺷﻌﻮرﻩ وﺁداﺑﻪ وﺗﺪﻓﻌﻪ إﻟﻰ ارﺗﻜﺎب اﻟﺮذﻳﻠﺔ وﺗﺠﺮّﻩ إﻟﻰ هﻮّة اﻟﻔﺴﺎد .ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻤﺜﻘّﻒ أن ﻳﺮﻓﻊ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻌﻠﻤﻪ وﺛﻘﺎﻓﺘﻪ إﻟﻰ أﺳﻤﻰ ﻣﺪارج اﻟﻜﻤﺎل ﻷﻧّﻪ ﻋﻠﻰ أآﺘﺎف اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻤﺜﻘّﻒ ﻳﺮﻗﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲّ .ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻤﺜﻘّﻒ أن ﻳﺤﻮﱢل وﻳﻮﺟﱢﻪ هﺬﻩ اﻟﻘﻮى اﻟﺠﻨﺴﻴّﺔ إﻟﻰ ﻣﻴﺪان اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺪرس واﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻦ ﻓﻴﺮﻗﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.
١٠٩
ﻓﺎﻟﻔﻨﻮن واﻻﺧﺘﺮاﻋﺎت واﻟﺘﻘﺪّم واﻟﻌﻤﺮان أﻟﻴﺲ ﻣﺮﺟﻌﻬﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻌﻠﻢ؟ ﻓﺎﻟﺸﺎب اﻟﻤﺜﻘّﻒ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﺤﻴﺎﺗﻪ اﻟﻄﺎهﺮة دروﺳًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ واﻷﺧﻼق واﻵداب. ﺧﺒﺮ :ﺑﻌﺚ أﺑﻴﻤﺎﻟﻚ ﻣﻠﻚ ﺟﺮّار وأﺧﺬ ﺳﺎرة إﻣﺮأة إﺑﺮاهﻴﻢ. ﻓﺄﺗﻰ اﷲ أﺑﻴﻤﺎﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻠﻢ اﻟﻠﻴﻞ وﻗﺎل ﻟﻪ :أﻧﺖ هﺎﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ أﺧﺬﺗﻬﺎ ﻓﺈﻧّﻬﺎ ذات ﺑﻌﻞ .وﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺑﻴﻤﺎﻟﻚ دﻧﺎ ﻣﻨﻬﺎ. ﻓﻘﺎل أﺑﻴﻤﺎﻟﻚ :ﻳﺎ ﺳﻴّﺪي أﻟﻴﺲ هﻮ ﻗﺎل ﻟﻲ هﻲ أﺧﺘﻲ وهﻲ ﻗﺎﻟﺖ هﻮ أﺧﻲ وأﻧﺎ ﺑﺴﻼﻣﺔ ﻗﻠﺒﻲ أﺧﺬﺗﻬﺎ؟ ﻗﺎل ﻟﻪ اﷲ :وأﻧﺎ أﻳﻀًﺎ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ أﻧّﻚ ﺑﺴﻼﻣﺔ ﻗﻠﺒﻚ أﺧﺬﺗﻬﺎ ﻟﺬﻟﻚ آﻔﻔﺘﻚ ﻋﻦ أن ﺗﺨﻄﺄ إﻟﻲّ وﻟﻢ أدﻋﻚ ﺗﻤﺴّﻬﺎ ،واﻵن أردد اﻟﻤﺮأة إﻟﻰ زوﺟﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﻧﺒﻲّ اﷲ ﻓﻴﺪﻋﻮ ﻟﻚ ﻓﺘﺤﻴﺎ ،وإن ﻟﻢ ﺗﺮدّهﺎ ﻓﺘﻬﻠﻚ أﻧﺖ وﺟﻤﻴﻊ أهﻠﻚ .ﻓﺒﻜّﺮ أﺑﻴﻤﺎﻟﻚ ودﻋﺎ إﺑﺮاهﻴﻢ وردّ ﻟﻪ اﻣﺮأﺗﻪ )ﺗﻜﻮﻳﻦ :٢٠ .(٣ هﺬا اﻟﺤﺎدث ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﻳﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﻓﻈﺎﻋﺔ ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﺰﻧﺎ. ﺧﺒﺮ ﺛﺎنٍ :ﺗﺤﻮّل ﻣﻦ ﺻﻮرة ﻳﺴﻮع إﻟﻰ ﺻﻮرة اﻟﺸﻴﻄﺎن أراد أﺣﺪ اﻟﻤﺼﻮّرﻳﻦ أن ﻳﺼﻮّر ﻳﺴﻮع وهﻮ وﻟﺪ ،ﻓﺮاح ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ وﻟﺪ ﺟﻤﻴﻞ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ ﻹﺗﻤﺎم ﺑﻐﻴﺘﻪ ،ﻓﻮﺟﺪ وﻟﺪًا ﺁﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﺎل ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺎن ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ ﺣﺘّﻰ ﺻﻮّر ﺻﻮرة ﻳﺴﻮع ﻓﺨﺮﺟﺖ ﺻﻮرة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﺪًّا. ﺗﻮاﻟﺖ اﻷﻳّﺎم واﻟﺴﻨﻮن ﻓﻔﻜّﺮ ذﻟﻚ اﻟﻤﺼﻮّر ﺑﺄن ﻳﺼﻮّر ﺻﻮرة اﻟﺸﻴﻄﺎن ،ﻓﺸﺮع ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺷﺎب ﺷﻨﻴﻊ اﻟﻤﻨﻈﺮ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﺒﺸﺎﻋﺘﻪ ﻹﺗﻤﺎم ﻣﺮاﻣﻪ ،ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ هﻮ ﻳﺒﺤﺚ رأى ﺷﺎﺑًّﺎ ﻣﻄﺮوﺣًﺎ
١١٠
ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﺤﺎﻟﺔ زرﻳﺔ ﺟﺪًّا ،ﺛﻴﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻴﺔ ﻗﺬرة ﻻ ﺗﺴﺘﺮ ﻋﺮﻳﻪ ،ﺟﺴﻤﻪ هﺰﻳﻞ ،ﺻﻮﺗﻪ ﺧﺎﻓﺖ ،ﻓﺘﻔﺮّس ﻓﻲ وﺟﻬﻪ ﻓﻮﺟﺪﻩ آﺜﻴﺮ اﻟﺒﺸﺎﻋﺔ ﻓﻴﻪ ﺗﻤﺎم ﺑﻐﻴﺘﻪ ،ﻓﺴﺮّ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻷﻧّﻪ وﺟﺪ ﻣﻄﻠﻮﺑﻪ وﺣﺰن ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى ﻟﺸﻘﺎء وﺗﻌﺎﺳﺔ ذﻟﻚ اﻟﺸﺎب اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ. ﻓﻨﻘﺪﻩ ﺑﻌﺾ اﻟﺪراهﻢ ﻟﻴﺴﺪّ ﺑﻬﺎ ﺟﻮﻋﻪ وﻳﺴﺘﺮ ﻋﺮﻳﻪ وأﺗﻰ ﺑﻪ ﻣﻨـﺰﻟﻪ ،ﻓﻨﻘﻞ رﺳﻤﻪ اﻟﺸﻨﻴﻊ وﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻬﻰ ﺳﺄﻟﻪ ﻣﻦ هﻮ وﻣﺎ اﻟﺬي أوﺻﻠﻪ إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﺤﺎﻟﺔ ،ﻓﺄﻋﻠﻤﻪ اﻟﺸﺎب اﻟﺘﻌﻴﺲ ﺑﺎﺳﻤﻪ وأﺧﺒﺮﻩ ﺑﺄنّ ﺳﺒﺐ وﺻﻮﻟﻪ إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻌﻴﺴﺔ هﻮ ﺗﻮﻏّﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﺲ واﻟﻔﻮاﺣﺶ واﻟﺴﻜﺮ. ﻓﺪهﺶ اﻟﻤﺼﻮّر إذ ﻋﻠﻢ أنّ هﺬا اﻟﺸﺎب اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ هﻮ ذﻟﻚ اﻟﻮﻟﺪ اﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﺬي ﻧﻘﻞ ﻋﻨﻪ ﺻﻮرة ﻳﺴﻮع اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ!! اﻋﺘﺮاﺿﺎت .١ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺸﺎب واﻟﺸﺎﺑّﺔ أن ﻳﺤﺎﻓﻈﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﻬﺎرﺗﻬﻤﺎ ﺣﺘّﻰ اﻟﺰواج! ﻳﻤﻜﻨﻬﻤﺎ ذﻟﻚ إذا اﺗّﺨﺬا اﻟﻮﺳﺎﺋﻂ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة وهﻲ اﻟﺼﻼة واﻟﺘﻮاﺿﻊ وﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻻﻋﺘﺮاف واﻟﻤﻨﺎوﻟﺔ وﺗﺠﻨّﺐ اﻷﺳﺒﺎب. واﻟﺒﺮهﺎن ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ هﻮ أنّ أﻟﻮﻓًﺎ ﻣﻦ اﻟﺮهﺒﺎن واﻟﺮاهﺒﺎت واﻟﻜﻬﻨﺔ وأﻟﻮﻓًﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺒّﺎن اﻷﺗﻘﻴﺎء واﻟﺸﺎﺑّﺎت اﻟﺘﻘﻴّﺎت ﻳﺤﺎﻓﻈﻮن ﻋﻠﻰ ﻃﻬﺎرﺗﻬﻢ .وﻟﻮ آﺎن اﷲ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺸﻲء ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻔﻈﻪ ﻟﻜﺎن ﻇﺎﻟـﻤًﺎ.
.٢ﻣﻦ اﻟﻀﺮر ﻗﻤﻊ هﺬا اﻟﻤﻴﻞ ﻗﻤﻌًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا!
١١١
إنّ هﺬا اﻟﻘﻮل ﻳﻜﺬّﺑﻪ اﻟﻄﺐّ واﻷﻃﺒﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆآّﺪون أنّ ﺣﻔﻆ اﻟﻄﻬﺎرة هﻮ آﻨـﺰ وذﺧﺮ ﻟﺼﺤّﺔ اﻟﺸﺎب وﻟﻨﺴﻠﻪ ،وﺻﺤّﺔ اﻟﺮهﺒﺎن واﻟﻜﻬﻨﺔ واﻟﺮاهﺒﺎت ﺗﺜﺒﺖ ذﻟﻚ. .٣إنّ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب واﻟﺸﺎﺑّﺎت ﺗﻨﺘﺎﺑﻬﻢ أﻋﺮاض ﻋﺼﺒﻴّﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻬﺎرة ﻓﻠﻮ أﺷﺒﻌﻮا هﺬا اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺠﻨﺴﻲّ ﻟﻤﺎ اﻧﺘﺎﺑﺘﻬﻢ هﺬﻩ اﻷﻣﺮاض اﻟﻌﺼﺒﻴّﺔ. إنّ اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻷنّ اﻷﻃﺒّﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺸﻔﻮا ﻣﺮﺿﺎهﻢ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻷﻣﺮاض اﻟﻌﺼﺒﻴّﺔ ﻻ ﻳﺠﺪون دواءً وﻻ ﻋﻼﺟًﺎ ﺷﺎﻓﻴًﺎ إﻻّ ﺑﺘﺤﺮﻳﺾ ﻣﺮﺿﺎهﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺮد اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺠﻨﺴﻴّﺔ .واﻟﺪﻳﻦ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻄﺮد آﻞّ ﻓﻜﺮ ﺿﺪّ اﻟﻄﻬﺎرة .ﻓﺈذا ﻓﻌﻞ اﻟﺸﺎب ذﻟﻚ ﺧﻔّﺖ اﻟﺘﺠﺎرب ﺑﻌﻜﺲ اﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻸﻓﻜﺎر واﻟﺸﻬﻮات اﻟﺠﻨﺴﻴّﺔ ﻓﺈﻧّﻬﺎ دون ﺷﻚّ ﺗﺴﺒّﺐ ﻟﻪ ﺗﻬﻴّﺠﺎت ﺷﺪﻳﺪة ﺗﻌﺮّﺿﻪ ﻷﻣﺮاض ﻋﺼﺒﻴّﺔ! .٤ﺑﻌﺾ اﻷﻃﺒّﺎء ﻳﺸﻴﺮون ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﻃﺎة ﻣﻊ اﻟﺒﻐﺎﻳﺎ هﺮﺑًﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاض اﻟﻌﺼﺒﻴّﺔ اﻟﻤﺘﺄﺗّﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻜﺒﺖ ﻋﻠﻰ زﻋﻤﻬﻢ. إنّ هﺆﻻء اﻷﻃﺒّﺎء ﻋﻠﻰ ﺿﻼل آﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﺸﻮرﺗﻬﻢ. وﻳﻨﺎﻗﻀﻬﻢ ﺑﺬﻟﻚ رهﻂ آﺒﻴﺮ ﻣﻦ أﻣﻬﺮ اﻷﻃﺒّﺎء .وإذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻣﺸﻮرﺗﻬﻢ ﺳﻮى ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ اﻟﻨﺎهﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﺰﻧﻰ ﻟﻜﻔﻰ ﺑﺬﻟﻚ رادﻋًﺎ .وآﻴﻒ ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻔﺎف ﻣﻀﺮًّا ﺑﺎﻟﺼﺤّﺔ واﷲ ﻳﺸﻴﺮ ﺑﻪ وﻳﺤﺮﱢم ﺗﺤﺮﻳﻤًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا اﻟﺰﻧﻰ.
١١٢
ﻧﺼﻴﺤﺔ إنّ ﻓﺘﺢ اﻟﻘﻠﺐ ﻟﻤﺮﺷﺪ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ هﻲ ﺿ ّ ﺪ اﻟﻄﻬﺎرة ﺑﺼﺮاﺣﺔ ﻳﺴﺎﻋﺪ آﺜﻴﺮًا ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺘﻐﻠّﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ. إنّ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎب واﻟﺸﺎﺑّﺎت ﻻ ﻳﻘﺮّون ﻟﻠﻤﻌﺮّف ﺑﺎﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ هﻲ ﺿﺪّ اﻟﻄﻬﺎرة .وﺑﺬﻟﻚ ﻳﺠﻌﻠﻮن اﻋﺘﺮاﻓﻬﻢ آﺎذﺑًﺎ وﻣﻀﺮًّا ﻟﻬﻢ آﺜﻴﺮًا ،إذ ﻳﺰﻳﺪون ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﻜﺬب ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺮاف وهﻲ ﺧﻄﻴﺌﺔ آﺒﻴﺮة إذ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻮن وهﻢ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ. ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻟﻴﻜﻮري ﻣﻌﻠّﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ :إنّ أآﺜﺮ اﻟﻬﺎﻟﻜﻴﻦ ﻳﻬﻠﻜﻮن ﺑﺴﺒﺐ رذﻳﻠﺔ اﻟﺪﻧﺲ. وﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﺮﻧﺮدوس ﻣﻌﻠّﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ :ﻟﻴﺲ رذﻳﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺮذاﺋﻞ ﺗﻘﺪّم ﻟﻠﺸﻴﻄﺎن ﺣﺼﺎدًا آﺜﻴﺮًا ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮس ﻣﺜﻞ رذﻳﻠﺔ اﻟﺪﻧﺲ واﻟﺨﻼﻋﺔ. ﻣﻦ اﻟﻨﺎدر ﺟﺪًّا أن ﺷﺎﺑًّﺎ أو ﺷﺎﺑّﺔ – ﺧﺎﺻّﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ – ﻻ ﺗﺄﺗﻴﻬﻢ أﻓﻜﺎر وﺷﻬﻮات ﺿﺪّ اﻟﻄﻬﺎرة .ﺑﻌﺾ ﺷﺒّﺎن وﺷﺎﺑﺎت ﻳﻄﺮدوﻧﻬﺎ وﻻ ﻳﻘﺒﻠﻮن ﺑﻬﺎ وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﺴﺒﻮن أﺟﻮرًا آﺜﻴﺮة .ﻓﻠﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ أنّ اﻟﺸﺎب ﻃﺮد آﻞّ ﻳﻮم ﺧﻤﺴﺔ أﻓﻜﺎر ﻓﺒﺎﻷﺳﺒﻮع آﺬا ﻋﺪد وﺑﺎﻟﺸﻬﺮ آﺬا ﻋﺪد .وآﻞّ ﻣﻦ ﻳﻄﺮد ﻓﻜﺮًا ﻳﻜﺴﺐ ﻋﻠﻴﻪ أﺟﺮًا ﻓﻜﻢ أﺟﺮ ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ؟ ﻓﺤﻴﺎة اﻟﺸﺎب اﻟﻄﺎهﺮ اﻟﺬي ﻳﺠﺎهﺪ ﺿﺪّ ﺟﺴﺪﻩ هﻲ ﺣﻴﺎة اﺳﺘﺸﻬﺎد وﻟﻪ إآﻠﻴﻞ اﻟﺸﻬﺪاء!
١١٣
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ :ﻻ ﺗﺴﺮق ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻗﺎل اﷲ ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻷوّل أﺑﻴﻨﺎ ﺁدم :ﺑﻌﺮق ﺟﺒﻴﻨﻚ ﺗﺄآﻞ ﺧﺒﺰك )ﺗﻜﻮﻳﻦ .(٢٠ :٣ﻳﻨﺘﺞ ﻣﻦ آﻼم اﷲ هﺬا أنّ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻜﺴﺐ ﻋﻴﺸﻪ ﺑﻜﺪّﻩ وﺗﻌﺒﻪ ،وﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺘﻌﺪّي ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺨﺺّ ﻏﻴﺮﻩ .إنّ اﻟﺘﻌﺪّي ﻋﻠﻰ ﻣﺎل اﻟﻐﻴﺮ ورزﻗﻪ ﻳﺸﻮّش اﻟﻨﻈﺎم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲّ وﻳﻔﻘﺪ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ واﻟﺴﻼم .ﻟﺬﻟﻚ أﻣﺮ اﷲ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺎﺋﻼً :ﻻ ﺗﺴﺮق .ﻓﺈذا ﺣﻔﻆ اﻹﻧﺴﺎن هﺬﻩ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﺣﻞّ اﻟﺴﻼم واﻟﻮﺋﺎم ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس. ﻳﻨﺘﺞ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ :ﻻ ﺗﺴﺮق ،ﺣﻖّ اﻟﻤﻠﻜﻴّﺔ أي أنّ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻪ ﺣﻖّ أن ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻣﺎ اآﺘﺴﺒﻪ ﺑﻜﺪّﻩ وﺗﻌﺒﻪ ،ﺑﺎﺟﺘﻬﺎدﻩ وﺳﻌﻴﻪ ،ﺑﺘﻮﻓﻴﺮﻩ واﻗﺘﺼﺎدﻩ ،ﺑﺬآﺎﺋﻪ وﺑﻔﻄﻨﺘﻪ ،وﺑﻄﺮﻳﻖ اﻟﻌﺪل، وأن ﻟﻴﺲ ﻵﺧﺮ أن ﻳﻐﺘﺼﺐ ﻣﻨﻪ هﺬﻩ اﻟﻤﻠﻜﻴّﺔ. ﻻ آﻤﺎ هﻮ ﺣﺎﺻﻞ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ أنّ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﺗﻐﺘﺼﺐ ﻣﻠﻜﻴّﺔ اﻷﻓﺮاد وﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ. ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ أن ﺗﻤﻨﻊ ﺑﻌﺾ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻣﻦ اﺣﺘﻜﺎر اﻷﺷﻴﺎء وﻣﻦ اﻟﺮﺑﺢ اﻟﻔﺎﺣﺶ وﻣﻦ اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻔﻘﻴﺮ ،وأن ﺗﻀﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺿﺮاﺋﺐ ﻗﻮﻳّﺔ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮاء ﻻ أن ﺗﻐﺘﺼﺐ أﻣﻮاﻟﻬﻢ ،وﻟﻬﺎ أن ﺗﻘﺎﺳﻤﻬﻢ أرﺑﺎﺣﻬﻢ ﻟﺘﻘﻮﻳﺔ ﻣﻴﺰاﻧﻴّﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻷﻧﻔﺎﻗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎرﻳﻊ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴّﺔ. ﻳﻨﻬﺎﻧﺎ اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﻋﻦ أن ﻧﻀﺮّ ﺑﻤﺎل اﻟﻐﻴﺮ ورزﻗﻪ وﺳﺎﺋﺮ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻪ.
١١٤
ﻧﺨﺎﻟﻒ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﺑﺄﻧﻮاع آﺜﻴﺮة :ﺑﺎﻟﺴﺮﻗﺔ ،ﺑﺎﻟﻄﻤﻊ، واﻻﺣﺘﻴﺎل ،ﺑﺎﻟﻐﺶّ واﻟﺨﺪاع ،ﺑﺎﻟﻤﻴﺰان واﻟﻜﻴﻞ واﻟﻤﻌﺎﻣﻼت، ﺑﺎﻟﺒﻴﻊ واﻟﺸﺮاء ،ﺑﺎﻟﺮﺑﺢ اﻟﻔﺎﺣﺶ ،واﻟﺮﺑﺎ اﻟﻔﺎﺣﺶ ،ﺑﻤﺴﻚ ﻣﺎل اﻟﻐﻴﺮ آﺎﻟﺪﻳﻦ وأﺟﺮة اﻟﻌﺎﻣﻞ ،ﺑﻌﺪم اﻟﺼﺪق واﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺸﻐﻞ. وﺟﻮب اﻟﺮدّ :ﻣﻦ ﺳﺮق ﻣﺎل اﻟﻐﻴﺮ أو ﺣﻴﻮاﻧﻪ أو ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻪ وﺧﻴﺮاﺗﻪ ،وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺮدّﻩ إذا آﺎن ﺑﺎﻗﻴًﺎ أو ﺛﻤﻨﻪ إذا آﺎن أهﻠﻜﻪ. وﺟﻮب اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ :ﻣﻦ أوﻗﻊ ﺿﺮرًا ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﺑﺴﺒﺐ ﺳﺮﻗﺘﻪ أو ﺗﻌﺪّﻳﻪ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﺎﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻦ اﻟﻀﺮر اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻦ ﺗﻌﺪّﻳﻪ .ﻣﺜﻼً :ﻣﻦ ﺳﺮق ﻣﻌﻮﻻً ،أي ﻣﻌﺪورًا ،وﻋﻄّﻞ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻋﻦ اﻟﺸﻐﻞ ﻳﻠﺘﺰم أن ﻳﻌﻮّض ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﺷﻐﻠﻪ أﻳﻀًﺎ. ﻗﺼﺪ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺠﺰ :ﻣﻦ ﺻﺮف اﻟﻤﺎل اﻟﻤﺴﺮوق أو أهﻠﻚ اﻟﺸﻲء اﻟﻤﺴﺮوق وﻻ ﻳﻘﺪر أن ﻳﻌﻮّض ﺑﺎﻟﺤﺎل ،ﻓﻌﻠﻴﻪ أن ﻳﻨﻮي وﻳﻘﺼﺪ أن ﻳﻌﻮّض ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﻗﺎدرًا ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ،وﻳﺒﻘﻰ ﻣﻠﺘﺰﻣًﺎ ﺑﺎﻟﺘﻌﻮﻳﺾ وﻟﻮ ﻣﻬﻤﺎ ﻃﺎﻟﺖ اﻟﻤﺪّة ﻷنّ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴّﺔ هﻲ "ﻻ ﺗﻐﻔﺮ اﻟﺬﻧﻮب ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳُﺮدّ اﻟﻤﺴﻠﻮب" .وﻳﻠﺘﺰم ﺑﺎﻻﻗﺘﺼﺎد واﻟﺘﻮﻓﻴﺮ واﻟﺠﻬﺪ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻟﻴﻌﻮّض .أﻣّﺎ ﻣﻦ آﺎن ﻗﺎدرًا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ وأﺧّﺮ ذﻟﻚ ﻓﻼ ﺗﺒﺮّرﻩ اﻟﻨﻴّﺔ واﻟﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﺮدّ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺑﻞ ﻳُﻌﺪّ ﺧﺎﻃﺌًﺎ ﻹﻣﺴﺎآﻪ ﻣﺎل اﻟﻐﻴﺮ ﻇﻠﻤًﺎ.
١١٥
اﻹﻋﻔﺎء ﻣﻦ اﻟﺮدّ :ﻳﻌﻔﻰ ﻣﻦ اﻟﺮدّ واﻟﺘﻌﻮﻳﺾ إذا ﺳﺎﻣﺤﻪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺤﻖّ أو ﺗﻨﺎزل ﻋﻦ ﺣﻘّﻪ. اﻟﺮدّ ﻟﻠﻮرﺛﺔ :إذا ﻣﺎت ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺤﻖّ ﻓﻴﺠﺐ اﻟﺮدّ واﻟﺘﻌﻮﻳﺾ إﻟﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺛﻮﻧﻪ .وإذا ﻣﺎت اﻟﺴﺎرق ﻗﺒﻞ أن ﻳﺮدّ اﻟﻤﺴﺮوق أو ﻳﻌﻮّض ﻓﻌﻠﻰ ورﻳﺜﻪ أن ﻳﺮدّ اﻟﻤﺴﺮوق إذا آﺎن ﻋﺎرﻓًﺎ ﺑﻪ أو ﻳﻌﻮّض. اﻟﺮدّ ﺧﻔﻴﺔ :ﻳﺠﻮز اﻟﺮدّ واﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﺧﻔﻴﺔ أو ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻤﻌﺮّف دون أن ﻳﺬآﺮ اﺳﻢ اﻟﻤﻌﺘﺮف أو ﻳﻠﻤّﺢ إﻟﻴﻪ .وإذا ﺗﺨﻮّف ﻣﻦ إﻓﺸﺎء اﻻﻋﺘﺮاف ﻓﻼ ﻳﺠﻮز أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﻌﺮّف واﺳﻄﺔ اﻟﺮدّ. اﻟﻠﻘﺎﻳﺔ :ﻣﻦ ﻟﻘﻲ ﻣﺎﻻً أو ﺷﻴﺌًﺎ ﺁﺧﺮ وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺮدّﻩ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻓﻌﻠﻴﻪ أن ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ ،ﻓﺈذا ﻗﻄﻊ اﻷﻣﻞ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻮزﻳﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء أو إﺑﻘﺎؤﻩ ﻟﻨﻔﺴﻪ إذا آﺎن ﻓﻘﻴﺮًا وﻳﺤﺴﻦ أن ﻳﺴﺘﺸﻴﺮ ﻣﺮﺷﺪ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻷﻣﺮ. اﻟﺴﺮﻗﺔ ﺗﺬلّ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ،وﺗﺤﻘّﺮ ﺻﻴﺘﻪ وﺗﺠﻠﺐ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﺎر واﻟﺬلّ .ﻓﻤﻦ ﻳﺴﺮق ﻳﺨﺴﺮ أﺛﻤﻦ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻤّﺎ ﺳﺮق أي ﻳﺨﺴﺮ ﺷﺮﻓﻪ وآﺮاﻣﺘﻪ وﺛﻘﺔ اﻟﻨﺎس ﺑﻪ ،ﻣﺎ ﻋﺪا أﻧّﻪ ﻳﺘﻌﺪّى ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ اﻟﻘﺎﺋﻞ :ﻻ ﺗﺴﺮق. ﻳﻈﻦّ اﻟﺒﻌﺾ أنّ اﻟﺴﺮﻗﺔ هﻲ إذا ﺳﺮﻗﺖ ﻣﻦ ﺟﻴﺐ ﺁﺧﺮ ﻣﺎﻻً أو ﺳﺮﻗﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﺷﻴﺌًﺎ .أﻣّﺎ إذا ﺗﻤﻜّﻨﺖ ﻣﻦ ﺧﺪاﻋﻪ وﻏﺸّﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻣﻼت ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرة ﺑﺎﻷﺧﺬ واﻟﻌﻄﺎء ﻓﺬﻟﻚ ﻟﻴﺲ ﺳﺮﻗﺔ ﺑﻞ "ﺷﻄﺎرة" وﻟﺒﺎﻗﺔ وﻣﻬﺎرة .ﻣﺜﻼً :أﻧﺎ ﺗﺎﺟﺮ ﻗﻤﺎش ﺟﺎءﻧﻲ إﻧﺴﺎن
١١٦
ﺑﺴﻴﻂ أﺑﻴﻌﻪ ذراع اﻟﻘﻤﺎش ﺑﺰﻳﺎدة ﻋﻦ ﺳﻌﺮﻩ .أﻧﺎ أﺑﻴﻊ ﺣﻠﻴﺐ ﺑﻮدرة ﺣﻠﻴﺐ ﺑﻘﺮ .أﻧﺎ ﻟﺤّﺎم أﺑﻴﻊ ﻟﺤﻢ اﻟﻤﺎﻋﺰ ﻟﺤﻢ ﻏﻨﻢ ،آﻞّ هﺬﻩ اﻟﺘﺼﺮّﻓﺎت ﻏﺶّ وﺣﺮام ،وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ هﻲ ﺳﺮﻗﺔ ﺿﺪّ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ اﻟﻘﺎﺋﻞ" :ﻻ ﺗﺴﺮق". ﻟﻮ آﺎن اﻷﻏﻨﻴﺎء واﻟﻤﺘﻤﻮّﻟﻮن ﻳﺘﺼﺮّﻓﻮن ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ – اﻟﺘﻲ هﻲ ﻣﻠﻚ اﷲ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻠﻜﻬﻢ – آﻤﺎ ﻳﻌﻠّﻤﻬﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻤﺎ آﺎن اﻟﻌﻤّﺎل واﻟﻔﻘﺮاء ﻳﻄﻤﻌﻮن ﺑﻤﺎﻟﻬﻢ وﻳﻠﺠﺄون إﻟﻰ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴّﺔ ﻟﻼﻧﺘﻘﺎم ﻣﻨﻬﻢ. اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺄﻣﺮ اﻟﻐﻨﻲ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة أﺧﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻔﻘﻴﺮ :أﺣﺒﺐ ﻗﺮﻳﺒﻚ آﻨﻔﺴﻚ .آﻨﺖ ﺟﺎﺋﻌًﺎ ﻓﺄﻃﻌﻤﺘﻤﻮﻧﻲ. ﺷﻴﻮﻋﻴّﺔ اﻟﺨﻴﺮات ﻗﺪ اﻧﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﻤﺬهﺐ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﺸﻴﻮﻋﻴّﺔ اﻟﺨﻴﺮات ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس ،أي ﺑﻮﺟﻮب ﻗﺴﻤﺔ اﻟﺨﻴﺮات وﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي ،ﻓﻬﺬا اﻟﻤﺬهﺐ ﻣﻨﺎفٍ ﻟﻠﺪﻳﻦ وﻣﻐﺎﻳﺮ ﻟﻠﺼﻮاب. أﻣّﺎ ﻣﻨﺎﻓﺎﺗﻪ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻓﻸﻧّﻪ ﻳﺨﺎﻟﻒ اﻟﻨﻈﺎم اﻹﻟﻬﻲّ اﻟﺬي ﻳﻤﻨﻊ ﺳﻠﺐ اﻟﺨﻴﺮات وﺗﻮزﻳﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮﻳﻦ ،وذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻮﺻﻴّﺔ :ﻻ ﺗﺴﺮق. وأﻣّﺎ ﻣﻐﺎﻳﺮﺗﻪ ﻟﻠﺼﻮاب ﻓﻸنّ ﻗﺴﻤﺔ اﻟﺨﻴﺮات ﺑﺎﻟﺘﺴﺎوي ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻊ اﻟﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﺘﺴﺎوي ﺑﻼ ﺗﻐﻴﻴﺮ ،أﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﻮل. ﻓﻠﻨﻔﺮض أﻧّﻪ ﺗﻢّ هﺬا اﻟﺘﻘﺴﻴﻢ واﻟﺘﻮزﻳﻊ ﻓﻼ ﻳﺪوم ﺑﻞ ﻳﺘﻐﻴّﺮ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻘﺒﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ آﺴﻞ وﺗﺒﺬﻳﺮ وﺗﻐﻔﻞ وﺟﻬﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﻧﺸﺎط وآﺪّ وﺣﺮص ودراﻳﺔ. واﻟﻤﺬهﺐ اﻵﺧﺮ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﺑﻌﺪم ﻣﻠﻜﻴّﺔ اﻷﻓﺮاد ﺑﻞ آﻞّ ﺷﻲء ﻣﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ ،واﻷﻓﺮاد ﻋﻤّﺎل ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،واﻟﺪوﻟﺔ ﺗﻘﺪّم ﻟﻬﻢ ﺣﺎﺟﺎﺗﻬﻢ. ﻓﻬﺬا اﻟﻤﺬهﺐ ﻣﺜﻞ اﻷوّل ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﺼﻮاب وﻣﻨﺎفٍ ﻟﻠﻌﺪل واﻟﺤﺮﻳّﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ وﻟﻠﻤﻠﻜﻴّﺔ اﻟﺘﻲ أﺳّﺴﻬﺎ اﷲ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﺑﻘﻮﻟﻪ:
١١٧
ﻻ ﺗﺴﺮق ،أي ﻻ ﺗﺘﻌﺪﱠ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﻏﻴﺮك .ﻷنّ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺣﻘًّﺎ ﺑﻤﻠﻜﻴّﺔ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺘﺴﺒﻬﺎ ﺑﺘﻌﺒﻪ وﺳﻌﻴﻪ ودراﻳﺘﻪ .وهﺬا اﻟﺘﻌﺪّي ﻣﻨﺎف ﻟﻠﺤﺮﻳّﺔ واﻟﻌﺪل واﻟﺼﻮاب .ﻷﻧّﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﻮل أن ﺗﻮزّع اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﺷﻐﺎل واﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺑﺎﻟﻌﺪل وﺣﺴﺐ ﺣﺮﻳّﺔ آﻞّ إﻧﺴﺎن. ﻓﻠﻤﺎذا أﺟﺒﺮ أﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻐﻞ ﻓﻲ اﻷرض واﻟﻤﻌﺎﻣﻞ واﻟﻤﻨﺎﺟﻢ ﻇﻔًﺎ ﻳﺄﻣﺮﻧﻲ وأﻗﺎﺳﻲ ﻣﺸﻘّﺎت اﻟﺤﻴﺎة وﻣﺮاراﺗﻬﺎ وﺁﺧﺮ ﻳﻜﻮن ﻣﻮ ّ وﻳﺴﻮد ﻋﻠﻲّ أو ﻳﻜﻮن ﻃﺒﻴﺒًﺎ ﻣﻜ ّﺮﻣًﺎ أو ﻣﻬﻨﺪﺳًﺎ ﻣﻌﺘﺒﺮًا وﻳﺘﻌﺎﻃﻰ ﻋﻤﻼً ﻣﺮﻳﺤًﺎ ﻧﻈﻴﻔًﺎ؟ ﻓﺈذا أراد أﺻﺤﺎب هﺬﻩ اﻟﻤﺬاهﺐ اﻹﺧﻮّة واﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ واﻟﻌﺪل ﻓﻠﻴﺘﺒﻌﻮا ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻘﺎﺋﻞ :أﺣﺒﺐ ﻗﺮﻳﺒﻚ آﻨﻔﺴﻚ ،وآﻞّ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻮﻧﻪ ﻣﻊ إﺧﻮﺗﻲ ﻓﺒﻲ ﺗﻔﻌﻠﻮﻧﻪ. وﻳﻤﻜﻦ اﻷﻏﻨﻴﺎء أن ﻳﺴﺎﻋﺪوا اﻟﻌﻤّﺎل إﺧﻮﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ، وذﻟﻚ ﺑﺄن ﻳﻔﺘﺤﻮا اﻷﺷﻐﺎل واﻟﻤﺼﺎﻧﻊ وﻳﻌﻄﻮهﻢ أﺟﺮة ﻋﺎدﻟﺔ ﺗﻜﻔﻴﻬﻢ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻼﺗﻬﻢ وﻳﺸﺮآﻮهﻢ ﻓﻲ اﻷرﺑﺎح .وهﺬا ﻳﻜﻮن أﻋﻈﻢ ﻋﻤﻞ إﻧﺴﺎﻧﻲّ ودﻳﻨﻲّ ﻳﺒﻌﺪ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴّﺔ. ﺧﺒﺮ اﺷﺘﻐﻞ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﺪّة أﻳّﺎم ﻋﻨﺪ رﺟﻞ ﻏﻨﻲّ ﻓﺄﻋﻄﺎﻩ ﻧﺼﻒ أﺟﺮﺗﻪ ﻓﻄﺎﻟﺒﻪ ﻣﺮارًا ﺑﺒﺎﻗﻲ أﺟﺮﺗﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﻄﻪ .ﻓﺄﺣﺪ أوﻻد اﻟﻌﺎﻣﻞ ﺳﺮق ﻣﻦ ﺑﺴﺘﺎن اﻟﻐﻨﻲّ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺎآﻬﺔ ﻟﻴﺴﺪّ ﺟﻮﻋﻪ ،ﻓﺄﻣﺴﻜﻪ اﻟﻐﻨﻲّ وأﺧﺬ ﻳﻀﺮﺑﻪ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻮﻟﺪ :ﻟﻮ آﻨﺖ دﻓﻌﺖ إﻟﻰ أﺑﻲ ﺑﺎﻗﻲ أﺟﺮﺗﻪ ﻟﻤﺎ آﺎن اﻟﺠﻮع اﺿﻄﺮّﻧﻲ ﻷن أﺳﺮق ﻣﻦ ﺑﺴﺘﺎﻧﻚ! ﺧﺒﺮ ﺛﺎن :إنّ أﺣﺪ اﻷﺷﺮاف اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻇﻠﻢ ﻓﻼّﺣًﺎ ﻓﻘﻴﺮًا ﻓﺄﻣﺮ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﺄن ﻳُﺤﺮَم ذاك اﻟﺸﺮﻳﻒ اﻟﻐﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ﻓﺎﺣﺘﺞّ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻤﻠﻚ :ﺗﻄﻠﺐ اﻟﺨﺒﺰ وأﻧﺖ ﺗﻈﻠﻢ اﻟﻔﻼّح اﻟﺬي ﻳﺰرع اﻟﻘﻤﺢ ﻟﻴﻮﻓّﺮ ﻟﻚ اﻟﺨﺒﺰ؟؟
١١٨
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ :ﻻ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺎﻟﺰور ﻣﻘﺪّﻣﺔ :أراد اﷲ أن ﻳﺤﻤﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻀﺮورﻳّﺔ ﻟﺤﺴﻦ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس .واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻘﻀﻲ ﺑﻘﻮل اﻟﺼﺪق ورذل اﻟﻜﺬب ﻟﺬﻟﻚ: ﻳﻨﻬﺎﻧﺎ اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﻋﻦ أن ﻧﺸﻬﺪ زورًا وﻋﻦ اﻟﺜﻠﺐ. وﻋﻦ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ. وﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺄن ﻧﻘﻮل اﻟﺤﻖّ وﻧﺘﻜﻠّﻢ ﺑﺎﻟﺼﺪق. ﺷﻬﺎدة اﻟﺰور :هﻲ أن ﻳﺤﻠﻒ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﷲ أﻣﺎم اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ أو اﻟﻤﺪﻧﻴّﺔ ﺑﺨﻼف اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .إنّ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎم ﻳﻘﻀﻲ ﺑﺈﻋﻼن اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ وإﻻّ ﺗﻌﺬّر ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﺿﻲ إﺟﺮاء اﻟﻌﺪل.١ ﻓﻈﺎﻋﺔ ﺷﻬﺎدة اﻟﺰور :إنّ ﺷﻬﺎدة اﻟﺰور ﻓﻈﻴﻌﺔ ﺟﺪًّا ﻷ ّ ن اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺸﻬﺪ اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺬب .ﻳﻜﺬب هﻮ وﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺸﺮك اﷲ ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻟﻜﺬب ،وهﺬا اﺣﺘﻘﺎر ﻋﻈﻴﻢ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻌﺪّ ﺷﻬﺎدة اﻟﺰور ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻜﺒﻴﺮة ﺟﺪًّا .واﻟﺸﺎهﺪ زورًا ﻳﻠﺘﺰم أن ﻳﻌﻮّض اﻟﻀﺮر اﻟﺬي ﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﺑﺴﺒﺐ ﺷﻬﺎدﺗﻪ اﻟﻜﺎذﺑﺔ ،وﻻ ﻳﺤﻞّ ﻣﻦ ﺧﻄﻴﺌﺘﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻮّض اﻟﻀﺮر أو ﻳﻘﺼﺪ أن ﻳﻌﻮّﺿﻪ.
-١إذا آﺎن اﻟﺤﻠﻒ واﻹﻗﺮار ﺑﺨﻼف اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺧﺎرﺟًﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻻ ﻳُﻌﺪّ ﺷﻬﺎدة زور ﺑﻞ ﺣﻠﻔًﺎ ﺑﺎﻃﻼً.
١١٩
إنّ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﻜﺬب ﻳﺨﺪع ﻏﻴﺮﻩ .واﻟﺨﺪاع ﻳﺸﻮّش ﻋﻼﻗﺎت اﻟﻨﺎس ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ،ﻓﺘﻔﻘﺪ اﻟﺮاﺣﺔ .وﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺼﺪق أﺳﺎس اﻟﻤﻌﺎﻣﻼت ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ﻟﻴﺴﺘﻘﺮّ اﻟﺴﻼم. ﻗﺒﺎﺣﺔ اﻟﻜﺬب :اﻟﻜﺬب ﺷﻨﻴﻊ ﺟﺪًّا ﻳﺬلّ ﺻﺎﺣﺒﻪ وﻳﺤﻘّﺮﻩ .إ ّ ن اﻷﻃﺒﺎء ﻳﻌﺮﻓﻮن ﺣﺎل اﻟﻤﺮﻳﺾ وداﺧﻠﻪ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﻪ! آﺬﻟﻚ اﻟﻨﺎس ﻳﻌﺮﻓﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﻪ .ﻓﺈذا آﺎن آﺎذﺑًﺎ آﺎن داﺧﻠﻪ ﻓﺎﺳﺪًا ﻣﻨﺘﻨًﺎ .واﻟﺮوﻣﺎن آﺎﻧﻮا ﻳﻌﺎﻗﺒﻮن اﻟﻜﺬّاب ﺑﻜَﻲ ﻓﻲ ﺟﺒﻬﺘﻪ ﻟﻴﻜﻮن ﻣﺤﺘﻘﺮًا وﻣﻨﺒﻮذًا. ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :اﻃﺮﺣﻮا ﻋﻨﻜﻢ اﻟﻜﺬب وﻟﻴﻜﻠّﻢ آﻞّ واﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ ﻗﺮﻳﺒﻪ ﺑﺎﻟﺼﺪق )أﻓﺴﺲ .(٢٥ :١٠اﻟﻜﺬب ﻋﺎر ﻗﺒﻴﺢ ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن .ﺷﺄن اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻜﺬوب ،اﻟﻬﻮان واﻟﺬلّ. وﺟﻮب ﻗﻮل اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ :ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻘﻮل اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .وﻟﻜﻦ إﺧﻔﺎء اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﻤّﻦ ﻻ ﺣﻖّ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻻﻃﻼع ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻣﺮ ﺟﺎﺋﺰ .وأﺣﻴﺎﻧًﺎ واﺟﺐ إذا آﺎﻧﺖ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ، آﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﻘﺎﺿﻲ واﻟﻤﺤﺎﻣﻲ واﻟﻄﺒﻴﺐ واﻟﻤﻌﺮّف .ﻓﻬﺆﻻء ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺒﻮﺣﻮا ﺑﺎﻷﺳﺮار اﻟﻤﻮدﻋﺔ إﻟﻴﻬﻢ .وآﻞّ إﻧﺴﺎن أودع ﺳﺮًّا ﻓﻼ ﻳﺠﻮز أن ﻳﺒﻮح ﺑﻪ إﻻّ ﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة اﻟﻘﺼﻮى .أﻣّﺎ اﻟﻤﻌﺮّف ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻟﻪ أن ﻳﺒﻮح ﺑﺴﺮّ اﻻﻋﺘﺮاف ﻣﻬﻤﺎ آﺎﻧﺖ اﻟﻀﺮورة ﻗﺼﻮى .ﺣﺘّﻰ وﻟﻮ آﺎﻧﺖ ﺗﺨﻠﻴﺺ إﻧﺴﺎن أو ﻣﺌﺎت اﻟﻨﺎس ﻣﻦ اﻟﻤﻮت. إذا ﻋﺮف اﻟﻄﺒﻴﺐ أنّ هﺬﻩ اﻟﻔﺘﺎة ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ اﻟﺰواج ﻳﻠﺘﺰم أن ﻳﻘﻮل اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﺨﻄﻴﺒﻬﺎ ،اﻟﺬي ﻟﻪ اﻟﺤﻖّ أن ﻳﻌﺮف اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،إذا ﺳﺄﻟﻪ!
١٢٠
إذا ﺳﺄﻟﻚ ﻓﻀﻮﻟﻲّ :ﻣﺎذا ﺗﻐﺪّﻳﺖ؟ وآﻢ ﻣﻌﻚ ﻣﻦ اﻟﺪراهﻢ؟ ﻓﻠﺴﺖ ﻣﻠﺘﺰﻣًﺎ أن ﺗﻘﻮل ﻟﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،إذ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖّ اﻻﻃﻼع ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻷﻣﻮر .وآﺬا إذا ﺳﺄﻟﻚ :ﻣﺎذا ﻗﺎل ﻓﻼن ﺑﺤﻘّﻲ؟ ﻓﺄﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﻣﻠﺘﺰﻣًﺎ ﺑﺄن أﻧﻘﻞ آﻼﻣًﺎ ﻳﺴﺒّﺐ اﻟﺨﻼف. اﻟﺜﻠﺐ :هﻮ ﺗﺸﻮﻳﻪ ﺻﻴﺖ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ زورًا ﺑﺎﻻﻓﺘﺮاء أو ﺑﺎﻟﻨﻤﻴﻤﺔ أو ﺑﺎﻻﻏﺘﻴﺎب. اﻟﻨﻤﻴﻤﺔ :هﻲ أن ﻧﺸﻬّﺮ ﻋﻴﻮب اﻟﻐﻴﺮ وﻧﻘﺎﺋﺼﻪ دون ﺳﺒﺐ ﻣﻮﺟﺐ .وﻳﻜﻮن اﻟﺴﺒﺐ ﻣﻮﺟﺒًﺎ وآﺎﻓﻴًﺎ إذا آﺎن اﻟﻘﺼﺪ إﺻﻼح ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻌﻴﻮب أو ﺗﺠﻨّﺐ ﺿﺮر آﺒﻴﺮ آﺈﺧﺒﺎر اﻟﺮﺋﻴﺲ أو اﻟﻤﻌﻠّﻢ أو اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﻮﻟﺪ اﻟﻔﺎﺳﺪ .إذا ﺷﻜﺎ اﻟﻮﻟﺪ أﺧﺎﻩ إﻟﻰ واﻟﺪﻳﻪ ﺑﺴﺮﻗﺔ أو ﺑﻤﺴﺒّﺔ دﻳﻦ أو ﺑﺬﻧﺐ ﻟﻜﻲ ﻳﺼﻠﺤﻮﻩ ﻓﻼ ﻳﻜﻮن ﺛﻠﺐ أﺧﺎﻩ! اﻻﻏﺘﻴﺎب :هﻮ اﻟﻮﺷﺎﻳﺔ ﺑﺸﺨﺺ ﻗﺼﺪ ﺗﺸﻮﻳﻪ ﺳﻤﻌﺘﻪ آﺎﻏﺘﻴﺎﺑﻚ ﺧﺎدﻣًﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﻻﻩ ﻟﻴﻄﺮدﻩ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ أو ﻳﺴﺘﺎء ﻣﻨﻪ. وﺟﻮب اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ :ﻣﻦ أوﻗﻊ ﺿﺮرًا ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﺑﺎﻻﻓﺘﺮاء أو ﺑﺎﻟﻨﻤﻴﻤﺔ أو ﺑﺎﻻﻏﺘﻴﺎب وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺼﻠﺢ اﻟﻀﺮر اﻟﺬي ﺳﺒّﺒﻪ ﻟﻪ .وذﻟﻚ ﺑﺄن ﻳﺘﻜﻠّﻢ ﻋﻨﻪ ﺣﺴﻨًﺎ وﻳﻌﻮّض ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻤّﺎ ﻟﺤﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﻀﺮر ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺜﻠﺐ. اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ :هﻲ أن ﻧﻈﻦّ اﻟﺸﺮّ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ دون ﺳﺒﺐ آﺎف .ﻣﺜﻼً :إذا ﺣﻜﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﺄﻧّﻪ اﻟﺴﺎرق ﻟﺘﻐﻴّﺒﻪ ﻋﻦ اﻟﺒﻠﺪة ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺴﺮﻗﺔ ﻓﺘﺨﻄﺄ ﺑﺤﻘّﻪ ﻷنّ ﺗﻐﻴّﺒﻪ ﻟﻴﺲ هﻮ ﺳﺒﺒًﺎ
١٢١
ﺬرًا أو رأﻳﺘﻪ آﺎﻓﻴًﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻮ رأﻳﺘﻪ ﻳﺪور ﺣﻮل اﻟﺒﻴﺖ ﻟﻴﻼً ﻣﺘﺤ ّ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﺴﻠﻢ ﻗﺮب اﻟﺒﻴﺖ ﻟﻴﻼً آﺎن اﻟﺴﺒﺐ آﺎﻓﻴًﺎ ﻟﻴﺒﺮّرك ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ إذا ﻇﻨﻨﺖَ ﺑﺄﻧّﻪ اﻟﺴﺎرق! ﺣﺚّ اﻷوﻻد :ﻳﺠﺐ ﺣﺚّ اﻷوﻻد ﻋﻠﻰ آﺮﻩ اﻟﻜﺬب واﻻﻓﺘﺮاء واﻟﻨﻤﻴﻤﺔ واﻻﻏﺘﻴﺎب ﻷنّ ﺻﺎﺣﺐ هﺬﻩ اﻟﺮذاﺋﻞ ﻳﻜﺮهﻪ اﷲ واﻟﻨﺎس. اﻹﻧﺠﻴﻞ :ﻻ ﺗﺪﻳﻨﻮا ﻟﺌﻼّ ﺗﺪاﻧﻮا ،ﻓﺈﻧّﻜﻢ ﺑﺎﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﻨﻮن ﺑﻬﺎ ﺗﺪاﻧﻮن ،وﺑﺎﻟﻜﻴﻞ اﻟﺬي ﺗﻜﻴﻠﻮن ﺑﻪ ﻳﻜﺎل ﻟﻜﻢ .ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻚ ﺗﻨﻈﺮ اﻟﻘﺬى اﻟﺬي ﻓﻲ ﻋﻴﻦ أﺧﻴﻚ وﻻ ﺗﻔﻄﻦ ﻟﻠﺨﺸﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻚ .أمّ ﺗﻘﻮل ﻷﺧﻴﻚ دﻋﻨﻲ أﺧﺮج اﻟﻘﺬى ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻚ وﻻ ﺗﺒﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﺨﺸﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻚ )ﻣﺘﻰ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ آﻠّﻪ( .ﻓﻜﻼم ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ هﺬا ﻳﺤﺬّرﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ وﻣﻦ اﻟﺜﻠﺐ!! ﺧﺒﺮ :اﻋﺘﺮﻓﺖ اﻣﺮأة ﻧﻤّﺎﻣﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺪّﻳﺲ "ﻓﻴﻠﺒّﺲ ﻧﻴﺮي" ﻓﺄﻣﺮهﺎ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﺄن ﺗﺄﺧﺬ دﺟﺎﺟﺔ وﺗﻨﺘﻒ رﻳﺸﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻬﻮاء ﺛﻢّ ﺗﻌﻮد إﻟﻴﻪ .ﻓﻔﻌﻠﺖ آﻤﺎ أﻣﺮهﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﻘﺪّﻳﺲ :روﺣﻲ اﺟﻤﻌﻲ ﺗﻠﻚ اﻷرﻳﺎش اﻟﻤﻨﺘﺸﺮة .ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ :آﻴﻒ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﺟﻤﻌﻬﺎ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﻘﺪّﻳﺲ :آﻴﻒ ﺗﺴﺘﻄﻴﻌﻦ إذًا أن ﺗﺼﻠﺤﻲ اﻟﻀﺮر اﻟﻼﺣﻖ ﺑﺼﻴﺖ اﻟﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﻧﻤﻴﻤﺘﻚ واﻏﺘﻴﺎﺑﻚ واﻓﺘﺮاﺋﻚ؟ ؟ وإن ﻟﻢ ﺗﺼﻠﺤﻲ ﻓﺪﻳﻨﻮﻧﺘﻚ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻋﻨﺪ اﷲ!!
١٢٢
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﻌﺎﺷﺮة :ﻻ ﺗﺸﺘﻪِ ﻣﻘﺘﻨﻰ ﻏﻴﺮك ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﷲ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﻳﻨﻬﺎﻧﺎ ﻋﻦ ﺳﺮﻗﺔ ﻣﺎل وﺧﻴﺮات اﻟﻐﻴﺮ .وأﻣّﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﻓﻴﻨﻬﺎﻧﺎ ﻋﻦ أن ﻧﺸﺘﻬﻲ ﻣﺎل وﺧﻴﺮات اﻟﻐﻴﺮ .وﻗﺪ أراد اﷲ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﺑﺄن ﻳﺆهﺒﻨﺎ ﻟﺤﻔﻆ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ،ﻷن اﻟﺸﻬﻮة ﺗﻮﻟّﺪ اﻟﻌﻤﻞ .ﻓﻤﻦ اﺷﺘﻬﻰ ﻣﺎل اﻟﻐﻴﺮ ﺗﺤﺮّك ﻟﺴﺮﻗﺘﻪ .ﻓﺈذا ﻗﺎوم اﻟﺸﻬﻮة ﻃﺎﻋﺔ ﻟﻮﺻﻴّﺔ اﷲ اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﻘﺎوم اﻟﺴﺮﻗﺔ أﻳﻀًﺎ. ﻻ ﻳﺠﻮز :أن ﻧﺸﺘﻬﻲ ﻻ ﻣﺎل اﻟﻐﻴﺮ وﻻ ﺑﻴﺘﻪ وﻻ ﺑﺴﺘﺎﻧﻪ وﻻ ﺣﻴﻮاﻧﻪ وﻻ ﺳﻴﺎرﺗﻪ وﻻ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻪ ﺑﻄﺮﻳﻖ اﻟﻈﻠﻢ ،ﻓﺈذا أﻋﺠﺒﻨﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻪ ﻓﻴﺠﻮز أن ﻧﺄﺧﺬﻩ ﺑﻄﺮﻳﻖ اﻟﻌﺪل ،أي ﺑﺪﻓﻊ ﺛﻤﻨﻪ أو ﺑﺮﺿﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ. إذا رأﻳﻨﺎ رزق اﻟﻐﻴﺮ وﻣﺎﻟﻪ وﺗﻤﻨﻴﻨﺎ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﺜﻠﻪ ،ﻓﺄﺧﺬﻧﺎ ﻧﺠﺘﻬﺪ وﻧﺴﻌﻰ وﻧﺠﺎهﺪ ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ هﻮ ﻋﻨﺪ اﻟﻐﻴﺮ وذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﻌﺐ واﻟﻜﺪّ واﻟﺼﺪق ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﺑﺎﻟﻄﻤﻊ واﻟﻐﺶّ ﻓﻼ ﻧﺨﺎﻟﻒ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﻻ ﺗﺸﺘﻪ ﻣﻘﺘﻨﻰ ﻏﻴﺮك ،ﻷﻧّﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺸﺘﻪِ ﻣﺎل اﻟﻐﻴﺮ ﺑﻞ ﺗﺤﻤّﺴﻨﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ واﻟﺠﻬﺎد ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻣﺜﻠﻪ. ﺧﺒﺮ :ﻋﺎد ﺷﺎب إﻟﻰ وﻃﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﻏﻴﺎب ﻃﻮﻳﻞ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻓﻪ واﻟﺪﻩ وهﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﺮّﻓﻬﻤﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻗﺎﺻﺪًا إﻋﻼﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﻟﻲ، وﺑﺎت ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪهﻤﺎ ،ﻓﻄﻤﻊ اﻟﺮﺟﻞ واﻣﺮأﺗﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎل اﻟﺬي رأﻳﺎﻩ ﻣﻊ ذاك اﻟﺸﺎب ،ودﻓﻌﺘﻬﻤﺎ ﺷﻬﻮة اﻟﻤﺎل إﻟﻰ ﻗﺘﻠﻪ ﻟﻴﻼً واﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻟﻪ .وﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺜﺎﻧﻲ وﺻﻠﺖ ﺷﻘﻴﻘﺔ
١٢٣
اﻟﺸﺎب اﻟﺘﻲ آﺎﻧﺖ اﻟﺘﻘﺖ ﺑﺄﺧﻴﻬﺎ ﻓﻲ أﺣﺪ اﻟﺒﻠﺪان وﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻪ، ﻓﻌﺮّﻓﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ ،ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻪ إنّ واﻟﺪيّ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﺎﻧﻚ أﻳﻀًﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ: إﻧّﻲ أﻣﺘﺤﻦ ذﻟﻚ .واﺗﻔﻘﺎ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺖ ﻗﺒﻠﻬﺎ .ﻓﻠﻤّﺎ وﺻﻠﺖ ﺳﺄﻟﺖ أﺑﻮﻳﻬﺎ ﻋﻦ أﺧﻴﻬﺎ اﻟﺬي ﺳﺒﻘﻬﺎ ،ﻓﻌﻨﺪﺋﺬٍ ﻋﻠﻢ اﻟﻮاﻟﺪان أﻧّﻬﻤﺎ ﻗﺘﻼ اﺑﻨﻬﻤﺎ وﻓﻠﺬة آﺒﺪهﻤﺎ ،ﻓﺠﻦّ ﺟﻨﻮﻧﻬﻤﺎ ،ﻓﺎﻷب ﺷﻨﻖ ﻧﻔﺴﻪ ،واﻷم ﻃﻌﻨﺖ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﻜﻴﻦ اﻟﺘﻲ ذﺑﺤﺖ ﺑﻬﺎ اﺑﻨﻬﺎ!!
١٢٤
وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ
١
.١إﺳﻤﻊ اﻟﻘﺪّاس أﻳّﺎم اﻵﺣﺎد واﻷﻋﻴﺎد اﻟﻤﺄﻣﻮرة. .٢ﺻﻢ اﻟﺼﻮم اﻟﻜﺒﻴﺮ وﺳﺎﺋﺮ اﻷﺻﻮام اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ. .٣اﻧﻘﻄﻊ ﻋﻦ اﻟﺰﻓﺮ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ. .٤اﻋﺘﺮف ﺑﺨﻄﺎﻳﺎك ﻗﻠّﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﺮّة ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ. .٥ﺗﻨﺎول اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﻗﻠّﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻓﻲ ﻋﻴﺪ اﻟﻔﺼﺢ. .٦أوفِ اﻟﺒﺮآﺔ أي اﻟﻌﺸﺮ. .٧اﻣﺘﻨﻊ ﻋﻦ إآﻠﻴﻞ اﻟﻌﺮس ﻓﻲ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﻤﺤﺮّﻣﺔ. هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ﺗﺴﻤّﻰ وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻷنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﺿﻌﺘﻬﺎ. واﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﻌﺸﺮ ﺗﺴﻤّﻰ وﺻﺎﻳﺎ اﷲ ﻷنّ اﷲ ﻗﺪ وﺿﻌﻬﺎ.
ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻦ اﷲ :إنّ اﷲ ﻗﺪ أﻋﻄﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻟﻜﻲ ﺗﺴﻦّ ﺷﺮاﺋﻊ وﺗﻀﻊ وﺻﺎﻳﺎ. إﻧّﻨﺎ ﻧﻠﺘﺰم ﺑﺤﻔﻆ وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ آﻤﺎ ﻧﻠﺘﺰم ﺑﺤﻔﻆ وﺻﺎﻳﺎ اﷲ. ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻗﺎل ﻟﺮﺳﻠﻪ وﺧﻠﻔﺎﺋﻬﻢ :ﻣﻦ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻜﻢ ﻓﻘﺪ ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻲ )ﻟﻮ .(١٦ :١٠ﻣﻬﻤﺎ رﺑﻄﺘﻤﻮﻩ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻜﻦ ﻣﺮﺑﻮﻃًﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻣﻬﻤﺎ ﺣﻠﻠﺘﻤﻮﻩ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻜﻦ ﻣﺤﻠﻮﻻً ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء )ﻣﺘﻰ .(٨ :١٨اذهﺒﻮا إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﺑﺸّﺮوا اﻷﻣﻢ وﻋﻠّﻤﻮهﻢ ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﻟﻜﻢ وأﻧﺎ ﻣﻌﻜﻢ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺪهﺮ )ﻣﺘﻰ .(٢٠ :٢٨
-١اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻌﻨﺎهﺎ هﻨﺎ رؤﺳﺎؤهﺎ وﺧﺎﺻّﺔ رﺋﻴﺴﻬﺎ اﻷﻋﻠﻰ ﻗﺪاﺳﺔ ﺳﻴّﺪﻧﺎ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻧﺎﺋﺐ ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻰ اﻷرض!
١٢٥
واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل" :أﻃﻴﻌﻮا ﻣﺪﺑّﺮﻳﻜﻢ واﺧﻀﻌﻮا ﻟﻬﻢ" )ﻋﺒﺮا .(١٧ :١٣ إنّ وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ روح اﻹﻧﺠﻴﻞ .ﻣﺜﻼً :وﺻﻴّﺔ ﺳﻤﺎع اﻟﻘﺪّاس .ﻋﻨﺪﻣﺎ رﺳﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻘﺪّاس ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺴﺮّي أﻣﺮ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻗﺎﺋﻼً :اﺻﻨﻌﻮا هﺬا ﻟﺬآﺮي .ﻓﻤﺎ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ ﺻﻨﻊ اﻟﻘﺪّاس إذا ﻟﻢ ﻳﺤﻀﺮﻩ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن؟ ﺛﻢّ إنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﻌﺮف أنّ ﻟﻴﺲ ﻋﻤﻞ روﺣﻲ ﻣﻬﻤﺎ ﻋﻈﻢ ﻳﻔﻴﺪﻧﺎ ﻣﺜﻞ ذﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس. ﻣﺜﻼً :وﺻﻴّﺔ اﻟﺼﻮم ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ روح اﻹﻧﺠﻴﻞ .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﺻﻮﻣﻮا وﺻﻠّﻮا. ﻣﺜﻼً :وﺻﻴّﺔ إﻟﺰام اﻻﻋﺘﺮاف .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﺗﻮﺑﻮا ﻟﺌﻼ ﺗﻤﻮﺗﻮا ﺑﺨﻄﺎﻳﺎآﻢ. ﻣﺜﻼً :وﺻﻴّﺔ إﻟﺰام اﻟﺘﻨﺎول .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :آﻠﻮا ﺟﺴﺪي واﺷﺮﺑﻮا دﻣﻲ. اﺧﺘﻼف ﻧﻮع ﺗﺘﻤﻴﻢ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ إنّ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﺴﺒﻊ ﻗﺪ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻧﻮع ﺗﺘﻤﻴﻤﻬﺎ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﻄﻮاﺋﻒ .ﻣﺜﻼً :ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﺼﻮم .ﻓﺼﻮم اﻟﻼﺗﻴﻦ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺻﻮﻣﻨﺎ .ﻓﺎﻟﺼﻮم ﻋﻨﺪﻧﺎ هﻮ اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ آﻞّ ﻃﻌﺎم وﺷﺮاب – ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﻤﺎء – ﻣﻦ ﻧﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﻈﻬﺮ .أﻣّﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻼﺗﻴﻦ ﻓﻬﻮ أآﻞ وﺟﺒﺔ آﺒﻴﺮة واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎر ووﺟﺒﺘﻴﻦ ﺻﻐﻴﺮﺗﻴﻦ. ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ أن ﺗﺤﻮّر هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ﻗﺪ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺤﻮﻳﺮًا ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ﻓﻬﻲ وﺿﻌﺘﻬﺎ وهﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺤﻮّرهﺎ ﺣﺴﺒﻤﺎ ﺗﺮى ﻣﻨﺎﺳﺒًﺎ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﻇﺮوف وأﺣﻮال ﺧﺎﺻّﺔ .ﻣﺜﻼً :ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﺤﺮب ﺗﻌﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﻮم واﻟﻘﻄﺎﻋﺔ .وﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﻌﺮس ﻓﻲ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﻤﺤﺮّﻣﺔ.
١٢٦
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ اﺳﻤﻊ اﻟﻘﺪّاس أﻳّﺎم اﻵﺣﺎد واﻷﻋﻴﺎد اﻟﻤﺄﻣﻮرة ﻣﻘﺪّﻣﺔ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ اﷲ ﺑﺎﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ وﺻﺎﻳﺎﻩ اﻟﻌﺸﺮ ﺑﺄن ﻧﺤﻔﻆ ﻳﻮم اﻟﺮبّ ١أي ﺑﺄن ﻧﻘﺪّﺳﻪ .وﺗﻘﺪﻳﺲ ﻳﻮم اﻟﺮبّ ﻳﻘﻮم ﺑﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻘﻮﻳّﺔ وأهﻢّ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻘﻮﻳّﺔ هﻲ اﻟﻘﺪّاس. ٢ﻓﺎﻟﻘﺪّاس ﻳﻔﻴﺪﻧﺎ أآﺜﺮ ﻣﻦ أي ﻋﻤﻞ ﺗﻘﻮيّ ،ﻟﺬﻟﻚ رأت أﻣّﻨﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ أن ﺗﻠﺰم أوﻻدهﺎ ﺑﺴﻤﺎع اﻟﻘﺪّاس أﻳّﺎم اﻵﺣﺎد واﻷﻋﻴﺎد اﻟﻤﺄﻣﻮرة .ﻷﻧّﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ أن ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻤﻼً ﻣﺎ روﺣﻴًّﺎ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻪ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّاس. ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﻘﺪّاس :هﻮ ﻣﻮاﺻﻠﺔ ذﺑﻴﺤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ واﻣﺘﺪادهﺎ وﺑﺘﺤﺪﻳﺪ ﺁﺧﺮ هﻮ ﺗﺬآﺎر ﺣﻴﺎة ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻰ اﻷرض وﺗﺬآﺎر ﺁﻻﻣﻪ وﻣﻮﺗﻪ وﻗﻴﺎﻣﺘﻪ .ﻓﻤﻦ أوّل اﻟﻘﺪّاس إﻟﻰ اﻟﻜﻼم اﻟﺠﻮهﺮيّ ﻧﺘﺬآّﺮ ﺣﻴﺎة ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ وﺗﻌﻠﻴﻤﻪ وﺗﺒﺸﻴﺮﻩ .وﻣﻦ اﻟﻜﻼم اﻟﺠﻮهﺮيّ إﻟﻰ اﻷﺧﻴﺮ ﻧﺘﺬآّﺮ ﺁﻻﻣﻪ وﻣﻮﺗﻪ وﻗﻴﺎﻣﺘﻪ. ﻟﻴﺴﺖ ذﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس ﻣﺤﺾ ﺗﺬآﺎر أو ﺗﻤﺜﻴﻞ ﻟﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﺑﻞ هﻲ ذﺑﻴﺤﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴّﺔ ﻷنّ ﻓﻴﻬﺎ آﻞّ ﻣﺎ ﻳُﻄﻠﺐ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ .ﻓﺠﺴﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ ﻣﺄآﻞ ودﻣﻪ ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ ﻣﺸﺮب ووﺟﻮد اﻟﺠﺴﺪ واﻟﺪم ﻣﻨﻔﺼﻠﻴﻦ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ -١ﻳﻮم اﻟﺮبّ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ .راﺟﻌﻪ. ٢
١٢٧
ﻳﻤﺜّﻼن ﻣﻮت اﻟﻤﺴﻴﺢ .وﺑﺎﻟﻤﻨﺎوﻟﺔ ﻳﺘﻼﺷﻰ ﻳﺴﻮع آﻤﺎ ﺗﻼﺷﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﺑﺎﻟﻤﻮت .واﻻﺧﺘﻼف ﺑﻴﻦ ذﺑﻴﺤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ وذﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس هﻮ أنّ اﻷوﻟﻰ ﺛﻤﻦ ﻓﺪاﺋﻨﺎ آﺎﻣﻼً وأﻣّﺎ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﺨﺼﻴﺺ هﺬا اﻟﻔﺪاء وﺗﻮزﻳﻌﻪ .إنّ ﺛﻤﺎر اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪودة ﻣﻦ ﺣﻴﺚ هﻲ ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪود ،وأﻣّﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻘﺪﱠم ﻋﻨﻬﻢ ﻓﻬﻲ ﻣﺤﺪودة ﺑﺤﺴﺐ اﺳﺘﻌﺪادهﻢ وﻗﺎﺑﻠﻴّﺘﻬﻢ. أهﻢّ أﺟﺰاء اﻟﻘﺪّاس :هﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم اﻟﺠﻮهﺮيّ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻨﺎول .ﻓﻤﻦ ﻳﺤﻀﺮ اﻟﻘﺪّاس آﻠّﻪ دون أن ﻳﺤﻀﺮ اﻟﻜﻼم اﻟﺠﻮهﺮيّ أو دون ﺗﻨﺎول اﻟﻜﺎهﻦ ﻓﻼ ﻳﻔﻲ وﺻﻴّﺔ ﺳﻤﺎع اﻟﻘﺪّاس. أﻣّﺎ ﻣﻦ ﻳﺘﺄﺧّﺮ ﻋﻦ ﺳﻤﺎع ﺟﺰء ﻳﺴﻴﺮ ﻣﻦ أوّل اﻟﻘﺪّاس ﻟﺪاع ﻓﻴﻜﻮن ﻗﺪ وﻓﻰ اﻟﻮﺻﻴّﺔ. ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺤﻀﺮ اﻟﻘﺪّاس ﻣﻦ أوّﻟﻪ إﻟﻰ ﺁﺧﺮﻩ ﺑﺨﺸﻮع وﺗﻘﻮى ﻣﻨﺘﺒﻬًﺎ إﻟﻰ ﺣﺮآﺎت اﻟﻜﺎهﻦ وﻣﺼﻐﻴًﺎ إﻟﻰ آﻼﻣﻪ وإﻟﻰ آﻼم اﻟﺸﻤّﺎس ﻣﺮ ّددًا آﻼﻣﻬﻤﺎ ﺑﺘﺄﻣّﻞ وﺗﻘﻮى. ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻘﺪّاس :ﻟﻠﻘﺪّاس ﻗﻴﻤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻜﻞّ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت اﻟﺸﻬﺪاء واﻷﺑﺮار ﻻ ﺗﻮازي ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻘﺪّاس .ﻷنّ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻘﺪّاس هﻲ ﻗﻴﻤﺔ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﺪّ ﻟﻬﺎ. اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ :هﻲ ﺗﻘﺪﻣﺔ ﺷﻲء ﻣﺤﺴﻮس ﻣﻊ إﺗﻼﻓﻪ أو ﺗﺤﻮﻳﻠﻪ، ﻳﻘﺪﱠم ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺣﺪﻩ اﻋﺘﺮاﻓًﺎ ﺑﺄﻟﻮهﻴّﺘﻪ. ﺑﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس ﻳﺘﻢّ اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ واﻻﺗﻼف اﻟﻤﺎرّ ذآﺮهﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ وذﻟﻚ ﺑﺘﺤﻮﻳﻞ ﺟﻮهﺮ اﻟﺨﺒﺰ وﺟﻮهﺮ اﻟﺨﻤﺮ إﻟﻰ
١٢٨
ﺟﺴﺪ ﻳﺴﻮع ودﻣﻪ .ﻓﻬﺬﻩ اﻻﺳﺘﺤﺎﻟﺔ هﻲ ﻓﻌﻞ ﺗﻮاﺿﻊ ﻋﻤﻴﻖ ﻣﻦ ﻣﺨﻠّﺼﻨﺎ اﻹﻟﻬﻲّ ﻳﻮازي أﻋﻈﻢ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ .وﺑﺎﻟﺘﻨﺎول ﻳُﺘﻠﻒ ﻳﺴﻮع آﻤﺎ آﺎﻧﺖ ﺗﺘﻠﻒ ذﺑﺎﺋﺢ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﺎﻹﺣﺮاق واﻷآﻞ وهﺬا اﻹﺗﻼف هﻮ ﻓﻌﻞ ﺗﻀﺤﻴﺔ آﺒﺮى ﻣﻦ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع .وهﺬﻩ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ هﻲ ذﺑﻴﺤﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻳﻮﻣﻴّﺔ. إﺑﻄﺎل ذﺑﺎﺋﺢ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ :ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻗﺪ أﻣﺮ اﷲ اﻟﻴﻬﻮد أن ﻳﻘﺪّﻣﻮا ﻟﻪ ذﺑﺎﺋﺢ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ واﻟﻌﺠﻮل وﻏﻴﺮهﺎ .ﻓﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻗﺪ أﺑﻄﻠﺖ آﻞّ ذﺑﺎﺋﺢ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﺣﻠّﺖ ﻣﺤﻠّﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ .وذﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس هﻲ ﻣﻮاﺻﻠﺔ ذﺑﻴﺤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻷنّ ﻳﺴﻮع ﻳﺘﻼﺷﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎول آﻤﺎ ﺗﻼﺷﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﺑﺎﻟﻤﻮت .وﻳﺮﺿﻲ إﺑﺎﻩ اﻷزﻟﻲّ ﺑﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس آﻤﺎ أرﺿﺎﻩ ﺑﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ .وﻳﺸﺘﺎق أن ﻳﻤﻮت ﻷﺟﻠﻨﺎ آﻤﺎ ﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ. وﻳﻨﺎدي أﺑﺎﻩ اﻟﺴﻤﺎويّ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ آﻤﺎ ﻧﺎداﻩ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ :أﺑﺖِ أﺑﺖِ اﻏﻔﺮ ﻟﻬﻢ ﻷﻧّﻬﻢ ﻻ ﻳﺪرون ﻣﺎذا ﻳﻔﻌﻠﻮن. هﺬﻩ ﻋﻮاﻃﻒ ﻳﺴﻮع ﻧﺤﻮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺪّاس .ﻓﻜﻢ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻋﻮاﻃﻔﻨﺎ ﻧﺤﻮﻩ ﻓﻲ اﻟﻘﺪّاس؟ ﺑﺄي رﻏﺒﺔ وﺷﻮق ﻳﺠﺐ أن ﻧﺤﻀﺮ اﻟﻘﺪّاس؟! ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ أﻣﺮ اﻟﺮبّ أن ﻳﻘﺪّﻣﻮا ﻟﻪ ذﺑﺎﺋﺢ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت، وﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ أﻣﺮ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ أن ﻳﻘﺪّﻣﻮا ﺟﺴﺪﻩ ودﻣﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻋﻨﺪ رﺳﻢ اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺴﺮّي :اﺻﻨﻌﻮا هﺬا ﻟﺬآﺮي. اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ ﺿﺮورﻳّﺔ ،ﻓﺂدم وهﺎﺑﻴﻞ وﻧﻮح وإﺑﺮاهﻴﻢ وإﺳﺤﻖ وداود وإﻳﻠﻴّﺎ آﺎﻧﻮا ﻳﻘﺪّﻣﻮن ذﺑﺎﺋﺢ ﷲ .واﻟﻮﺛﻨﻴّﻮن ﻋﺮﻓﻮا ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ ﻓﻘﺪّﻣﻮهﺎ ﻵﻟﻬﺘﻬﻢ .ﻓﺎﻟﺬﺑﻴﺤﺔ أﻋﻈﻢ ﺷﻲء ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺨﻠﻴﻘﺔ أن
١٢٩
ﺗﻘﺪّﻣﻪ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ،ﻓﻜﻞّ أﻋﻤﺎل اﻟﺸﻬﺪاء واﻟﻨﺴّﺎك واﻷﺑﺮار ﻻ ﺗﻮازي ذﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس .وآﻞّ ذﺑﺎﺋﺢ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﻦ ﺁدم إﻟﻰ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻻ ﺗﻮازي ذﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس ،ﻷنّ اﻟﻘﺪّاس هﻮ ﻣﻮاﺻﻠﺔ ذﺑﻴﺤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ واﻣﺘﺪادهﺎ آﻤﺎ ذآﺮﻧﺎ .وذﺑﺎﺋﺢ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﺎ آﺎﻧﺖ إﻻّ رﻣﺰًا ﻟﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﺼﻠﻴﺐ وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ آﺎن اﷲ ﻳﺮﺿﻰ ﺑﻬﺎ! ﺑﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس ﻧﻘﺪّم ﷲ ﻓﻌﻞ ﺳﺠﻮد وﺷﻜﺮ وﺗﻜﻔﻴﺮ وﻃﻠﺐ ﺑﺎﻟﻘﺪّاس ﻧﻘﺪّم ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﺳﺠﻮد وﻋﺒﺎدة ﻣﺘﻮﺟّﺒﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻴﻘﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺨﺎﻟﻖ وﻧﻘﺪّم ﻟﻪ اﻟﺸﻜﺮ ﻷﺟﻞ إﺣﺴﺎﻧﺎﺗﻪ اﻟﻐﺰﻳﺮة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﺼﻰ ،وﻧﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺣﺎﺟﺎﺗﻨﺎ وﻧﻌﻤﻪ اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ، وﻧﺴﻜﻦ ﻏﻀﺒﻪ ﻋﻦ ﺁﺛﺎم اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮق رﻣﺎل اﻟﺒﺤﺮ ﻋﺪدًا، وﻧﻘﺪّم أﻋﻈﻢ وأﻓﻀﻞ ﻓﻌﻞ ﺗﻜﻔﻴﺮ وﺗﻌﻮﻳﺾ .ﻓﻠﻮﻻ هﺬﻩ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ ﻟﻤﺎ أﻣﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻘﺪّم آﻔّﺎرة آﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﻌﺪل اﻹﻟﻬﻲّ .وﻟﻮ ﻗﺪّم ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﺸﺮ ذواﺗﻬﻢ ذﺑﻴﺤﺔ ﻟﻤﺎ أﻣﻜﻨﻬﻢ اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ!! ﺧﺒﺮ ﺑﻴﻨﻤﺎ آﺎن اﻟﻤﻠﻚ ﻟﻮﻳﺲ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﺤﻀﺮ اﻟﻘﺪّاس ﺑﺨﺸﻮع وورع ﻋﻈﻴﻤﻴﻦ ،ﺳﺎﺟﺪًا وﻣﻄﺮﻗًﺎ ﺑﻨﻈﺮﻩ إﻟﻰ اﻷرض ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ ﻋﻨﺪﻣﺎ رﻓﻊ اﻟﻜﺎهﻦ اﻟﻘﺮﺑﺎﻧﺔ ،ﻓﺪهﺶ اﻟﺤﺎﺿﺮون ﻣﻦ هﺬﻩ اﻷﻋﺠﻮﺑﺔ وﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﻌﻈﻤﺎء ﻟﻠﻤﻠﻚ :ﻣﻮﻻي أﻧﻈﺮ ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ .أﻣّﺎ اﻟﻤﻠﻚ ﻓﺒﻘﻲ ﻣﻄﺮﻗًﺎ إﻟﻰ اﻷرض ﺑﻨﻈﺮﻩ ،ﻓﻠﻤّﺎ اﻧﺘﻬﻰ اﻟﻘﺪّاس وﺧﺮﺟﻮا ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﺪهﻮﺷﻴﻦ ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻠﻤﻠﻚ :ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻇﺎهﺮًا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ؟ ﻓﻘﺎل :إﻧّﻲ أرى ﺑﻌﻴﻦ اﻹﻳﻤﺎن ،إنّ ﻋﻴﻦ اﻟﺠﺴﺪ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻐﺸّﻨﻲ ،أﻣّﺎ ﻋﻴﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﻓﻼ!
١٣٠
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺻﻢ اﻟﺼﻮم اﻟﻜﺒﻴﺮ وﺳﺎﺋﺮ اﻷﺻﻮام اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ ﻣﻘﺪّﻣﺔ ﻗﺪ وﺿﻌﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﺼﻮم اﻗﺘﺪاء ﺑﺴﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﺻﺎم أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣًﺎ وأرﺑﻌﻴﻦ ﻟﻴﻠﺔ ،ﻟﻢ ﻳﺬق ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ )ﻟﻮ (٢ :٤وﻗﺎل ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ :ﺻﻮﻣﻮا وﺻﻠّﻮا ﻟﺌﻼ ﺗﺪﺧﻠﻮا ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ. روح اﻟﺼﻮم :إنّ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻳﻈﻬﺮ اﻟﺘﻤﺮّد واﻟﻌﺼﻴﺎن ﻋﻠﻰ اﷲ وﺑﺎﻟﺼﻮم ﻳﻈﻬﺮ اﻟﺨﻀﻮع واﻟﺘﺬﻟّﻞ .ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻧﻘﺴﻲ ﻗﻠﺐ اﷲ ﻋﻠﻴﻨﺎ وﺑﺎﻟﺼﻮم ﻧﻌﻄﻔﻪ وﻧﻠﻴّﻨﻪ. إنّ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻗﺪ ﺟﺬب أﻣّﻨﺎ ﺣﻮاء إﻟﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻟﺬّة اﻷآﻞ إذ ﺻﻮﱠر ﻟﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻤﺮة ﻟﺬﻳﺬة ﻓﺄآﻠﺖ وأﻃﻌﻤﺖ ﺁدم ﻓﺴﻘﻄﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ .وﺑﺎﻟﺼﻮم ﻳﺤﺮم اﻹﻧﺴﺎن ذاﺗﻪ ﻟﺬّة اﻷآﻞ ﻟﻴﻌﻮّض ﻋﻦ ﻟﺬّات ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻪ ﺷﺮاﺋﻊ اﷲ. ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺼﻮم :اﻟﺼﻮم هﻮ اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻷآﻞ واﻟﺸﺮب ﻣﻦ ﻧﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ إﻟﻰ ﻧﺼﻒ اﻟﻨﻬﺎر .وﻗﺪ ﺧﻔّﻔﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﺼﻮم ﻓﺠﻌﻠﺖ اﻟﻤﺎء اﻟﺼﺮف ﻻ ﻳﻔﺴﺦ اﻟﺼﻮم, اﻟﺼﻮم اﻟﻜﺒﻴﺮ وﺳﺎﺋﺮ اﻷﺻﻮام اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ :ﻳﺒﺪأ اﻟﺼﻮم اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﺛﻨﻴﻦ اﻟﺮﻣﺎد إﻟﻰ ﻋﻴﺪ اﻟﻔﺼﺢ .وأﻣّﺎ ﺳﺎﺋﺮ اﻷﺻﻮام اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ ﻓﻬﻲ اﻟﺘﻲ آﺎت ﺗﺘﻘﺪّم ﻋﻴﺪ اﻟﻤﻴﻼد وﻋﻴﺪ اﻟﺴﻴّﺪة
١٣١
وﻋﻴﺪ اﻟﺮﺳﻮﻟﻴﻦ ﺑﻄﺮس وﺑﻮﻟﺲ .وﻗﺪ ﻓﺴّﺤﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻷﺻﻮام آﻤﺎ أﻧّﻬﺎ ﺗﻔﺴﺢ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ اﻟﺼﻮم اﻟﻜﺒﻴﺮ أو ﻣﻦ ﻗﺴﻢ ﻣﻨﻪ. إنّ ﺑﻌﺾ اﻷﺗﻘﻴﺎء ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﺼﻮﻣﻮن هﺬﻩ اﻷﺻﻮام وﻳﻨﻘﻄﻌﻮن ﻋﻦ اﻟﺰﻓﺮ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺑﻞ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﻘﻮى واﻟﺘﻘﺸّﻒ .ﻓﻬﺆﻻء ﻟﻬﻢ أﺟﺮهﻢ. اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻤﻠﺰم ﺑﺎﻟﺼﻮم :ﻳﻠﺘﺰم اﻟﻤﺎروﻧﻲّ ﺑﺎﻟﺼﻮم ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة .وأﻣّﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻼﺗﻴﻦ ﻓﻴﺒﺪأ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﺼﻮم ﻣﻦ ﺳﻦ ٢١إﻟﻰ .٦١ اﻟـﻤُﻌﻔﻮن ﻣﻦ اﻟﺼﻮم :ﻳُﻌﻔﻰ ﻣﻦ اﻟﺼﻮم ) (١اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻐﻮا اﻟﺴﻦّ اﻟﻤﺬآﻮرة (٢) .اﻟﻤﺮﺿﻰ واﻟﻤﺴﻘﻮﻣﻮن(٣) . اﻟﻔﻘﺮاء (٤) .أﺻﺤﺎب اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻤﺘﻌﺒﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺎﻣﻞ واﻟﻨﺠّﺎر واﻟﺤﺪّاد وﻣﻦ ﺷﺎﺑﻬﻤﻢ (٥) .أﺻﺤﺎب اﻷﺷﻐﺎل اﻟﻌﻘﻠﻴّﺔ اﻟﻜﺜﻴﺮة ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ واﻟﻤﻌﻠّﻤﻴﻦ (٦) .اﻟﻤﺴﺎﻓﺮون ﺳﻔﺮًا ﺑﻌﻴﺪًا(٧) . اﻟﺸﻴﻮخ أي اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻠﻐﻮا اﻟﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﺨﻤﺴﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء (٨) .اﻟﻤﺮﺿﻌﺎت واﻟﺤﻮاﻣﻞ .وﻗﺪ ﻳﻮﺟﺪ أﺳﺒﺎب ﻏﻴﺮ هﺬﻩ ﺗﻌﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﻮم ،ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻤﺆﻣﻦ أن ﻳﺴﺘﺸﻴﺮ ﻣﺮﺷﺪﻩ. ﻓﻮاﺋﺪ اﻟﺼﻮم (١) :اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ (٢) .اآﺘﺴﺎب اﻷﺟﺮ. ) (٣دﻓﻊ ﻏﻀﺐ اﷲ. ﻳﻘﺘﺮف اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺧﻄﺎﻳﺎ آﺜﻴﺮة .ﻓﻬﺬﻩ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ وإن اﻋﺘﺮﻓﻨﺎ ﺑﻬﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻋﻨﻬﺎ .وهﺬا اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻟﺼﻮم واﻟﺼﻼة وﺳﺎﺋﺮ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻘﻮﻳّﺔ. وإذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ واﺟﺐ ﺗﻜﻔﻴﺮ ﻓﺎﻟﺼﻮم ﻳﺰﻳﺪ أﺟﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء .ﻓﻀﻼً ﻋﻦ أﻧّﻨﺎ ﻧﻤﺎرس ﺑﺎﻟﺼﻮم ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻹﻣﺎﺗﺔ أي ﻗﻬﺮ
١٣٢
اﻟﺠﺴﺪ .ﻓﺎﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :أﻗﻬﺮ ﺟﺴﺪي وأﺳﺘﻌﺒﺪﻩ ﻟﺌ ّ ﻼ أرذل أﻧﺎ اﻟﺬي ﺑﺸّﺮت آﺜﻴﺮﻳﻦ .ﺑﺎﻟﺼﻮم ﻧﻤﺎرس ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﻄﺎﻋﺔ ﺑﺈﺧﻀﺎع إرادﺗﻨﺎ ﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .واﻟﻄﺎﻋﺔ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﷲ ،ﻷنّ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ ﻳﻀﺤّﻲ ﺑﺄﻋﺰّ ﻣﺎ ﻟﺪﻳﻪ وهﻮ إرادﺗﻪ. أﺧﺒﺎر ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﺑﻌﺪ أن ﺻﺎم ﻣﻮﺳﻰ أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣًﺎ اﺳﺘﺤﻖّ أن ﻳﺨﺎﻃﺒﻪ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻞ وﻳﺘﺴﻠّﻢ ﻣﻦ ﻳﺪﻩ َﻟ ْﻮﺣَﻲ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ. ﺻﺎم إﻳﻠﻴّﺎ اﻟﻨﺒﻲ أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣًﺎ ﻓﺄﻗﺎم ﻣﻮﺗﻰ وأﻧﺰل اﻟﻤﻄﺮ ﺑﻌﺪ اﻧﺤﺒﺎﺳﻪ ﺛﻼث ﺳﻨﻴﻦ وﻧﺼﻒ. ﻟـﻤّﺎ أﻧﺬر ﻳﻮﻧﺎن اﻟﻨﺒﻲّ أهﻞ ﻧﻴﻨﻮى ﺑﺄنّ اﷲ ﻣﺰﻣﻊ أن ﻳﺨﺮّب ﻧﻴﻨﻮى اﻧﺘﻘﺎﻣًﺎ ﻣﻦ ﺷﺮورهﻢ ،ﺻﺎﻣﻮا آﺒﺎرًا وﺻﻐﺎرًا أرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣًﺎ ﻓﻌﻔﺎ اﷲ ﻋﻨﻬﻢ وﻟﻢ ﻳﺨﺮّب ﻣﺪﻳﻨﺘﻬﻢ. وداود ﻟـﻤّﺎ ﺧﻄﺊ ﺻﺎم وﺗﺬﻟّﻞ أﻣﺎم اﻟﺮبّ ﻟﻴﻐﻔﺮ ﺧﻄﻴﺌﺘﻪ. وﻳﻬﻮدﻳﺖ اﻟﺘﻘﻴّﺔ ﻟـﻤّﺎ ﺣﺎﺻﺮ أﻟﻴﻔﺎﻧﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ أورﺷﻠﻴﻢ ﺑﺠﻴﺸﻪ اﻟﺠﺮّار ﺣﺘّﻰ آﺎد أهﻠﻬﺎ ﻳﻤﻮﺗﻮن ﺟﻮﻋًﺎ وﻋﻄﺸًﺎ ،ﺻﺎﻣﺖ وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ أن ﺻﻮﻣﻮا ﻓﺼﺎﻣﻮا وﺻﻠّﻮا ﻓﺨﻠّﺼﻬﻢ اﷲ ﻣﻦ اﻟﻴﻔﺎﻧﺎ ﻋﺪوّهﻢ. وﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺻﺎم أرﻳﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣًﺎ ﻟﻢ ﻳﺬق ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ، وﺣﺮّض ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮم ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﺻﻮﻣﻮا وﺻﻠّﻮا ﻟﺌﻼّ ﺗﺪﺧﻠﻮا ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ .وﺣﻴﻦ ﺳﺄﻟﻪ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ :ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻊ أن ﻧﺨﺮج هﺬا اﻟﺸﻴﻄﺎن؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ :إنّ هﺬا اﻟﺠﻨﺲ ﻻ ﻳﺨﺮج إﻻّ ﺑﺎﻟﺼﻮم واﻟﺼﻼة )ﻣﺘّﻰ .(٢٠ :١٧ﻓﺈذًا اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻘﻮﻳّﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺪﺛﻬﺎ ﻓﻴﻨﺎ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻓﻼ ﻧﻨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻻّ ﺑﺎﻟﺼﻮم ،وأآﺜﺮ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ آﺎﻧﻮا ﻳﻤﺎرﺳﻮن اﻟﺼﻮم آﻞّ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ،ﻓﻴﻜﺘﻔﻮن ﺑﺎﻷآﻞ ﻣﺮّة واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﻴﻮم.
١٣٣
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ اﻧﻘﻄﻊ ﻋﻦ اﻟﺰﻓﺮ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻣﻘﺪّﻣﺔ آﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﺗﻠﺰﻣﻨﺎ ﺑﺎﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ أآﻞ اﻟﺰﻓﺮ ﻳﻮﻣَﻲ اﻷرﺑﻌﺎء واﻟﺠﻤﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﺴﻨﺔ ﻣﺎ ﻋﺪا أﺳﺒﻮع اﻟﻤﺮﻓﻊ وﻣﻦ اﻟﻌﻴﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﻌﻨﺼﺮة ،وﻣﻦ ﻋﻴﺪ اﻟﻤﻴﻼد إﻟﻰ اﻟﻐﻄﺎس. وآﺎﻧﺖ ﺗﻤﻨﻌﻨﺎ ﻋﻦ أآﻞ اﻟﺰﻓﺮ ﻓﻲ اﻟﺼﻮم اﻟﻜﺒﻴﺮ وﺳﺎﺋﺮ اﻷﺻﻮام اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺮّ ذآﺮهﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ. أﻣّﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻗﺪ ﻓﺴّﺤﺖ ﺑﺄآﻞ اﻟﺰﻓﺮ آﻞّ ﻳﻮم أرﺑﻌﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﺴﻨﺔ ﺣﺘّﻰ ﻓﻲ أﻳّﺎم اﻟﺼﻮم واﻟﻘﻄﺎﻋﺎت .وﻓﺴّﺤﺖ أﻳﻀًﺎ ﻋﻦ اﻟﺒﻴﺎض ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﺴﻨﺔ ﺣﺘّﻰ ﻓﻲ أﻳّﺎم اﻟﺼﻮم. اﻟﻠﺤﻮﻣﺎت :ﺗﺸﻤﻞ آﻞّ أﻧﻮاع اﻟﻠﺤﻢ ﻣﻦ ﻃﻴﻮر وﺣﻴﻮاﻧﺎت ﻣﺎ ﻋﺪا ﻣﺎ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ﻓﻼ ﺗﻌﺘﺒﺮﻩ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ زﻓﺮًا. إذا أراد اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻻ ﻳﺘﻨﻌّﻢ ﺑﺎﻟﺘﻔﺴﻴﺢ وﻳﺒﻘﻰ ﻣﺤﺎﻓﻈًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻄﺎﻋﺔ آﻤﺎ آﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﻔﺴﻴﺢ ﻳﻜﺴﺐ أﺟﺮًا آﺒﻴﺮًا. ﻓﺎﺋﺪة اﻟﺘﻔﺴﻴﺢ وﺿﺮرﻩ :إنّ اﻟﺘﻔﺴﻴﺢ ﻣﻦ اﻟﺼﻮم واﻟﻘﻄﺎﻋﺔ ﻧﺎﻓﻊ وﻣﻀﺮّ .ﻧﺎﻓﻊ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﻧّﻪ ﻳﻮﻓّﺮ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳﺼﻮﻣﻮا أو ﻳﻘﻄﻌﻮا .وﻣﻀﺮّ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﻧّﻪ ﻳﺨﺴﱢﺮﻧﺎ أﺟﺮًا ﻋﻈﻴﻤًﺎ .ﻓﺈن ﻟﻢ ﻧﻤﺎرس اﻟﺼﻮم واﻟﻘﻄﺎﻋﺔ واﻹﻣﺎﺗﺔ ﻟﻠﺘﻜﻔﻴﺮ ﻋﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ ،ﻧﻠﺘﺰم أن ﻧﻜﻔّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ ،وﻋﺬاﺑﺎت اﻟﻤﻄﻬﺮ
١٣٤
هﺎﺋﻠﺔ .ﻓﺄﻟﻢ اﻟﺼﻮم واﻟﻘﻄﺎﻋﺔ واﻹﻣﺎﺗﺔ ﻣﺪى اﻟﺤﻴﺎة آﻠّﻬﺎ ﻻ ﻳﻮازي ﻳﻮم ﻋﺬاب ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ. اﻟﻤﻠﺘﺰم ﺑﺎﻟﻘﻄﺎﻋﺔ :ﻳﻠﺘﺰم ﺑﺎﻟﻘﻄﺎﻋﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي أﺗ ّ ﻢ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ .إذا آﺎن اﻟﻮاﻟﺪان ﻓﺎﺗﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻷﻣﻮر اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻻ ﻳﺤﻔﻈﺎن ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﻘﻄﺎﻋﺔ ﻓﻴﺠﻮز ﻟﻸوﻻد أآﻞ اﻟﺰﻓﺮ إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أآﻞ ﺁﺧﺮ أو إذا أﺟﺒﺮهﻢ واﻟﺪوهﻢ ﻋﻠﻰ اﻷآﻞ، وآﺬا ﺷﺄن اﻟﺨﺪم .ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ أن ﻳﻌﻮّدوا أﺑﻨﺎءهﻢ اﻟﻄﺎﻋﺔ ﻟﺸﺮاﺋﻊ اﷲ واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،وهﺬا إﻟﺰام آﺒﻴﺮ ﻋﻠﻴﻬﻢ. اﻟﻤﻌﻔﻮن ﻣﻦ اﻟﻘﻄﺎﻋﺔ :ﻳﻌﻔﻰ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﺎﻋﺔ (١) :اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﻤّﻮا اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮهﻢ (٢) .اﻟﻤﺮﺿﻰ واﻟﻤﺴﻘﻮﻣﻮن (٣) .اﻟﻔﻘﺮاء (٤) .اﻟﻀﺮورة آﻤﻦ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ إﻻّ اﻟﺰﻓﺮ. اﻋﺘﺮاض :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :آﻞّ ﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻔﻢ ﻻ ﻳﻨﺠّﺲ اﻹﻧﺴﺎن .ﻓﻠﻤﺎذا إذًا ﺗﻤﻨﻊ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ أآﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ وﻓﻲ أﻳّﺎم اﻟﺼﻮم؟ واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ أﻳﻀًﺎ ﺗﻘﻮل :آﻞّ ﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻔﻢ ﻻ ﻳﻨﺠّﺲ اﻹﻧﺴﺎن. ﻹنّ اﻟﻠﺤﻢ ﻟﻴﺲ ﻧﺠﺴًﺎ وﻟﻜﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺧﻄﻴﺌﺔ واﻟﺨﻄﻴﺌﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺠّﺲ اﻹﻧﺴﺎن .واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﻤﻨﻊ أآﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻣﻠﺰﻣﺔ أوﻻدهﺎ أن ﻳﺤﺮﻣﻮا ذواﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﻟﺬّة اﻷآﻞ آﻔﺎرة ﻋﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ وﺗﺬآﺎرًا ﺑﻤﺎ اﺣﺘﻤﻞ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻣﻦ اﻵﻻم ﻷﺟﻠﻬﻢ!!
١٣٥
أﺧﺒﺎر ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﻓﻲ ﺳﻔﺮ اﻟﻤﻜﺎﺑﻴّﻴﻦ ،اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ، أنّ اﻟﻤﻠﻚ أﻧﻄﻴﻮآﺲ اﻟﻈﺎﻟﻢ أﺟﺒﺮ ﺳﺒﻌﺔ أوﻻد وأﻣّﻬﻢ ﻋﻠﻰ أآﻞ ﻟﺤﻢ اﻟﺨﻨـﺰﻳﺮ اﻟﺬي آﺎن اﷲ ﻳﺤﺮّم أآﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺷﻌﺒﻪ ،ﻓﺮﻓﻀﻮا أآﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ ،ﻓﻬﺪّدهﻢ ﺑﺎﻟﻌﺬاب ﻓﻠﻢ ﻳﺬﻋﻨﻮا ﻟﺘﻬﺪﻳﺪﻩ ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺘﻌﺬﻳﺒﻬﻢ ،ﻓﺴﻠﺨﻮا ﺟﻠﺪ رأس اﻟﻜﺒﻴﺮ وﻗﻄﻌﻮا أﻃﺮاﻓﻪ وأﻟﻘﻮﻩ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻴﻦ زﻓﺖ ﻣﻐﻠﻲ .وﻇﻦّ اﻟﻈﺎﻟﻢ أﻧّﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﺬاب اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻳُﺨﻴﻒ أﺧﻮﺗﻪ ﻓﻴﺬﻋﻨﻮن ﻟﻪ وﻳﺄآﻠﻮن ﻟﺤﻢ اﻟﺨﻨـﺰﻳﺮ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺮهﺒﻮا اﻟﻌﺬاب ﺑﻞ ﺑﻜﻞّ ﺷﺠﺎﻋﺔ أﻗﺒﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺬاب اﻟﺬي آﺎﻧﻮا ﻳﺰﻳﺪوﻧﻪ ﻟﻜﻞّ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ إرهﺎﺑًﺎ ﻟﻠﺒﻘﻴّﺔ ﺣﺘّﻰ اﻧﺘﻬﻮا إﻟﻰ اﻟﺼﻐﻴﺮ ،ﻓﺄﺧﺬ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻈﺎﻟﻢ ﻳﻐﺮّﻩ ﺑﺎﻟﻤﺎل واﻟﻤﻮاﻋﻴﺪ وﺣﺮّض أﻣّﻪ آﻲ ﺗﻘﻨﻌﻪ .ﻓﻤﺎ آﺎن ﻣﻦ اﻷم إﻻّ أن ﺷﺠّﻌﺘﻪ ﻟﻴﻘﺘﺪي ﺑﺈﺧﻮﺗﻪ ،ﻓﻬﺰأ اﻟﻮﻟﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻈﺎﻟﻢ وﻣﻦ ﺗﻌﺬﻳﺒﻪ، وﻗﺎﺳﻰ اﻟﻌﺬاب ﻣﻊ أﻣّﻪ ﺑﻜﻞّ ﺟﺮأة. ﻓﻀّﻞ هﺆﻻء اﻹﺧﻮة اﻟﺴﺒﻌﺔ وأﻣّﻬﻢ أن ﻳﺤﺘﻤﻠﻮا اﻟﻌﺬاﺑﺎت اﻟﺸﺪﻳﺪة واﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ أن ﻳﺘﻌﺪّوا ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ!! ﺧﺒﺮ ﺛﺎن دﺧﻞ ﺷﺎب ﻣﻄﻌﻤًﺎ وﻃﻠﺐ أآﻼً ﻓﻘﺪّﻣﻮا ﻟﻪ ﻟﺤﻤًﺎ ﻓﻘﺎل ﻟﻠﺨﺎدم: أرﻳﺪ ﻃﻌﺎﻣًﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻟﺤﻢ ،ﻷﻧّﻲ ﻻ ﺁآﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ. وآﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻌﻢ ﺟﻤﻬﻮر ﻳﺄآﻠﻮن اﻟﻠﺤﻢ ،ﻓﻘﻬﻘﻬﻮا هﺎزﺋﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﺎب وﻣﻦ اﻟﻘﻄﺎﻋﺔ ،ﻓﺄراد اﻟﺸﺎب اﻟﺸﺠﺎع أن ﻳﻬﺰأ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺪورﻩ .ﻓﻨﺎدى اﻟﺨﺎدم :أﻋﻄﻨﻲ ﻟﺤﻤًﺎ .ﻓﺄﺗﺎﻩ ﺑﺎﻟﻠﺤﻢ ،ﻓﺒﻬﺖ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺷﺎﺧﺼﻴﻦ إﻟﻴﻪ ،ﻓﺘﻨﺎول اﻟﺸﺎب ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ ورﻣﺎهﺎ ﻟﻜﻠﺐ آﺎن هﻨﺎك ﻗﺎﺋﻼً ﻟﻪ :آُﻞ ﻓﻠﻴﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺜﻠﻚ ﻗﻄﺎﻋﺔ. ﻓﻠﻘﻔﻬﺎ اﻟﻜﻠﺐ ﻟﻘﻔًﺎ .ﺛﻢّ رﻣﻰ ﻟﻪ ﻗﻄﻌﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ وﺛﺎﻟﺜﺔ ﻣﻜ ّﺮرًا اﻟﻜﻼم اﻷوّل .ﻓﺨﺠﻞ اﻟﺠﻤﻬﻮر ووﺟﻤﻮا إذ ﻋﻠﻤﻮا أنّ اﻟﺸﺎب ﻗﺪ ﺷﺒّﻬﻬﻢ ﺑﺎﻟﻜﻠﺐ وأآﺒﺮوا ﺟﺮأﺗﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ!!
١٣٦
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ اﻋﺘﺮف ﺑﺨﻄﺎﻳﺎك ﻗﻠّﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﺮّة واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ ﺳﻨﺘﻜﻠّﻢ ﻋﻦ اﻻﻋﺘﺮاف ﻓﻲ آﻼﻣﻨﺎ ﻋﻦ اﻷﺳﺮار .أﻧﻈﺮﻩ هﻨﺎك. ﺗﺄﻣﺮﻧﺎ هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﺑﺄن ﻧﻌﺘﺮف ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞّ ﻣﺮّة واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ ،وإن ﻟﻢ ﻧﻌﺘﺮف ﻧﺨﻄﺄ ﺧﻄﺄ آﺒﻴﺮًا.١ ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﻤﻬﺘﻢّ ﺑﺨﻼص ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﻘﻒ ﻋﻨﺪ إﺗﻤﺎم هﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻳﻌﺘﺮف ﻣﺮارًا ﻋﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ آﻠّﻤﺎ ﺳﻘﻂ ﻓﻲ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ .ﻷﻧّﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻧﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎل ﺧﻄﺮ اﻟﻬﻼك اﻷﺑﺪيّ .ﻓﺈذا ﺑﺎﻏﺘﻨﺎ اﻟﻤﻮت وﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ وﻟﻢ ﻧﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺮاف أو ﻣﻦ اﻟﻨﺪاﻣﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻣﻊ ﻗﺼﺪ اﻻﻋﺘﺮاف ﻧﻬﻠﻚ ،وﻣﺎ أآﺜﺮ ﺣﻮادث اﻟﻤﻮت اﻟﻔﺠﺎﺋﻲّ!! واﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ :آﻮﻧﻮا ﻣﺘﻴﻘّﻈﻴﻦ )ﻣﺮ .(٣٧ :١٣ ﺿﺮورة اﻻﻋﺘﺮاف (١) :ﻋﻨﺪ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻮت ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﺤﻜﻴﻢ ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف ﻟﻴﻨﻘّﻲ ﺿﻤﻴﺮﻩ ﻓﻴﻜﻮن ﻣﺴﺘﻌﺪًّا ﻟﻤﻼﻗﺎة رﺑّﻪ ،ﻷنّ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ ﻳﺪي اﷲ ﻣﺨﻴﻒ ﺟﺪًّا ،آﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ )ﻋﺒﺮا (٢) .(٣١ :١٠ﻓﻲ اﻟﻤﺮض اﻟﺜﻘﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﻜﺎهﻦ آﻤﺎ ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﻄﺒﻴﺐ .وﻻ ﻳﺘّﻜﻞ ﻋﻠﻰ اﻷهﻞ ﻷنّ اﻷهﻞ ﻗﺪ ﻳﻬﻤﻠﻮن دﻋﻮة اﻟﻜﺎهﻦ ﻟﻤﺮﻳﻀﻬﻢ ﻷﺳﺒﺎب ﻋﺪﻳﺪة .أﻣّﺎ ﺗﺠﻨّﺒًﺎ ﻟﺨﻮف اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻣﻦ اﻟﻜﺎهﻦ وأمّ ﻟﻌﺪم ﻣﺒﺎﻻﺗﻬﻢ ﺑﺎﻷﻣﻮر اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ،وأﻣّﺎ -١هﺬا اﻹﻟﺰام ﺿﺮوري إذا آﻨّﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﺄ اﻟﻤﻤﻴﺖ.
١٣٧
ﻟﻐﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻹرث أو ﻟﻐﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب(٣) . ﻗﺒﻞ آﻞّ ﻋﻤﻠﻴّﺔ ﺟﺮاﺣﻴّﺔ وﻗﺒﻞ آﻞّ ﺳﻔﺮ ﺑﻌﻴﺪ وﻗﺒﻞ آﻞّ ﺧﻄﺮ. أﺿﺮار اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ إنّ اﻷﺗﻘﻴﺎء ﻳﻌﺘﺮﻓﻮن آﻠّﻤﺎ ﺳﻘﻄﻮا ﻓﻲ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ هﺮﺑًﺎ ﻣﻦ أﺿﺮار وﺷﺮور اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﺘﻌﺮّض ﻟﻠﻬﻼك اﻷﺑﺪيّ ،ﺗﺨﺴّﺮﻧﺎ أﺟﺮ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻌﻤﻠﻬﺎ وﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ،ﻷنّ اﷲ ﻟﻴﺲ ﻣﻠﺘﺰﻣًﺎ أي ﻳﻜﺎﻓﺌﻨﺎ ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ وﻧﺤﻦ أﻋﺪاؤﻩ! ﻣﺎ أﺟﻤﻞ راﺣﺔ اﻟﻀﻤﻴﺮ! وآﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻜﻮن داﺋﻤًﺎ ﺣﺎﺻﻼً ﻋﻠﻰ راﺣﺔ اﻟﻀﻤﻴﺮ؟! ﺷﺮوط اﻻﻋﺘﺮاف :ﻟﻼﻋﺘﺮاف اﻟﺼﺎﻟﺢ واﻟﻨﺎﻓﻊ ﺧﻤﺴﺔ ﺷﺮوط هﻲ (١) :ﻓﺤﺺ اﻟﻀﻤﻴﺮ (٢) .اﻟﻨﺪاﻣﺔ (٣) .اﻟﻘﺼﺪ (٤) .اﻹﻗﺮار. ) (٥وﻓﺎء اﻟﻘﺎﻧﻮن .ﻓﺈذا ﻧﻘﺺ ﺷﺮط ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺸﺮوط آﺎن اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻃﻼً أو ﻧﺎﻗﺼًﺎ وﻣﻀﺮًّا وﻳﺠﺐ إﺻﻼﺣﻪ. ﻓﺤﺺ اﻟﻀﻤﻴﺮ :هﻮ أن ﺗﺘﺬآّﺮ ﺧﻄﺎﻳﺎك اﻟﺘﻲ ﻓﻌﻠﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻤﺎﺿﻲ .وإذا آﺎن اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻧﺎﻗﺼًﺎ ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻴﺢ وﺟﺐ إﺻﻼﺣﻪ ،أي إﻋﺎدﺗﻪ .ﻳﺠﺐ اﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﺑﻔﺤﺺ اﻟﻀﻤﻴﺮ وﻟﺘﺴﻬﻴﻞ ذﻟﻚ ﻧﺘﺬآّﺮ اﻷﻣﻜﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ :اﻟﺒﻴﺖ ،اﻟﻤﺪرﺳﺔ، اﻟﻤﻠﻌﺐ ،اﻟﻄﺮﻳﻖ ،اﻟﻤﻌﻤﻞ ،اﻟﺸﻐﻞ ،اﻷﺷﺨﺎص .ﺗﺬآّﺮ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﻓﻌﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ أو ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أو ﺑﺎﻟﻘﻮل أو ﺑﺎﻹهﻤﺎل .واﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻟﻔﺤﺺ اﻟﻀﻤﻴﺮ ﻳﻜﻮن ﺣﺴﺐ ﻃﻮل اﻟﻤﺪّة وﻗﺼﺮهﺎ .ﻣﻦ ﻳﻌﺘﺮف آﻞّ أﺳﺒﻮع أو أﺳﺒﻮﻋﻴﻦ ﻓﻼ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ وﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ ﻟﻔﺤﺺ
١٣٨
ﺿﻤﻴﺮﻩ! واﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺨﻼص ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻔﺤﺺ ﺿﻤﻴﺮﻩ آﻞّ ﻣﺴﺎء ،ﻓﺈذا وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻓﻴﻨﺪم ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻪ وﻳﻘﺼﺪ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺄﻗﺮب وﻗﺖ. اﻟﻨﺪاﻣﺔ :هﻲ اﻟﺘﺄﺳّﻒ واﻟﺤﺰن واﻟﺘﻮﺟّﻊ واﻟﻐﻢّ ﻣﻦ إﻏﺎﻇﺘﻨﺎ اﷲ اﻟﻤﺤﺴﻦ واﻟﻤﻔﻀِﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ،واﻟﻜﻠﻲّ اﻟﺼﻼح واﻟﺬي أﺣﺒّﻨﺎ ﺣﺒًّﺎ ﺷﺪﻳﺪًا .إنّ ﺣﺴﻦ اﻟﻨﺪاﻣﺔ ﻳﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻠﻰ ﺷﺪّة اﻟﺤﺰن واﻟﺘﻮﺟّﻊ اﻟﺬي ﻳﻮﻟّﺪ ﻓﻴﻨﺎ ﺑﻐﺾ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﻗﺼﺪ ﻋﺪم اﻟﺮﺟﻮع إﻟﻴﻬﺎ. وﻟﻜﻲ ﻳﺘﺤﺮّك اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﺤﺰن واﻟﺘﺄﺳّﻒ وﺑﻐﺾ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻳﺤﺴﻦ ﺑﻪ أن ﻳﺘﺄﻣّﻞ ﻋﻈﻤﺔ اﷲ ،وﺣﻘﺎرة ذاﺗﻪ وإﺣﺴﺎﻧﺎت اﷲ اﻟﻜﺜﻴﺮة إﻟﻴﻪ ،وﻧﻜﺮاﻧﻪ ﺟﻤﻴﻞ اﷲ وﻣﺤﺒّﺔ اﷲ ﻟﻪ .وﻳﺘﺄﻣّﻞ ﺑﺎﻵﻻم اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻤﻠﻬﺎ ﻳﺴﻮع ﻷﺟﻠﻪ :اﻟﺠﻠﺪ ،اﻟﺸﻮك ،اﻹهﺎﻧﺎت ،اﻟﻤﺴﺎﻣﻴﺮ، اﻟﻤﻮت .واﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺼﻠﻮب ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺄﻣّﻞ ﺑﻜﻞّ ذﻟﻚ. وﺗﺠﺐ ﺗﻼوة ﻓﻌﻞ اﻟﻨﺪاﻣﺔ ﺑﺤﺮارة وﺗﻮﺟّﻊ ﻗﺒﻞ اﻟﺬهﺎب إﻟﻰ اﻟﻜﺎهﻦ ﻟﻼﻋﺘﺮاف .وﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻜﺎهﻦ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﺤﻠّﺔ ﻳﻜﺮّر اﻟﻤﻌﺘﺮف ﻋﺒﺎرة :أﻧﺎ ﻧﺎدم ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎي ﻣﻊ ﻗﺮع اﻟﺼﺪر دون ﺗﻼوة ﻓﻌﻞ اﻟﻨﺪاﻣﺔ ﻷﻧّﻪ ﻳﻜﻮن ﺗﻼﻩ ﻗﺒﻞ ﻣﺠﻴﺌﻪ إﻟﻰ اﻻﻋﺘﺮاف. اﻟﻨﺪاﻣﺔ ﻧﻮﻋﺎن :ﻧﺪاﻣﺔ آﺎﻣﻠﺔ وﻧﺪاﻣﺔ ﻏﻴﺮ آﺎﻣﻠﺔ .ﻓﺎﻟﻨﺪاﻣﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ هﻲ أن ﻧﺘﻮﺟّﻊ وﻧﻐﺘﻢّ وﻧﺤﺰن ﺣﺰﻧًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﻷﻧّﻨﺎ أﻏﻈﻨﺎ اﷲ اﻟﻤﺤﺴﻦ واﻟﻤﺤﺐّ .واﻟﻨﺪاﻣﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ هﻲ أن ﻧﺤﺰن وﻧﻐﺘﻢّ ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﻨّﻢ وﻣﻦ ﺧﺴﺮان اﻟﺴﻤﺎء ،ﻓﺎﻟﻨﺪاﻣﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة ﺗﻤﺤﻮ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة دون اﻋﺘﺮاف ﻣﻊ ﻗﺼﺪ اﻻﻋﺘﺮاف ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ آﺎهﻦ .ﻣﺜﻼً :اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ ﻓﻲ
١٣٩
اﻟﺒﺤﺮ إذا أوﺷﻚ أن ﻳﻐﺮق ،واﻟﻤﻨﺎزع اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻋﻦ اﻟﻜﺎهﻦ .ﺗﺨﺘﺼﺮ اﻟﻨﺪاﻣﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرة :أﻧﺎ ﻧﺎدم ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﻷﻧّﻲ أﻏﻈﺘﻚ وأهﻨﺘﻚ .وأﺣﺒّﻚ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻲ .إذا آﺮّرت هﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرة ﺑﺘﻮﺟّﻊ وﺣﺰن وﻟﻮ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪ ﻋﺪم اﻟﻤﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻠﻔّﻆ ﺑﻬﺎ ﺗﻐﻔﺮ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ دون اﻋﺘﺮاف ﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة ،أي ﻓﻲ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻮت وﻋﺪم وﺟﻮد آﺎهﻦ. اﻟﻘﺼﺪ :هﻮ اﻟﻌﺰم اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﺮﺟﻮع إﻟﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ. ﻓﻤﻦ ﻓﻜّﺮ ﻗﺒﻞ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺄﻧّﻪ ﺳﻴﻔﻌﻞ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻔﻼﻧﻴّﺔ أو ﺳﻴﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻔﻼﻧﻴّﺔ ﺑﻌﺪ اﻻﻋﺘﺮاف ،ﻓﻴﻜﻮن اﻋﺘﺮاﻓﻪ آﺎذﺑًﺎ وﻧﺪاﻣﺘﻪ آﺎذﺑﺔ ﻷنّ اﻟﻨﺪاﻣﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴّﺔ هﻲ ﻣﺎ ﺗﻀﻤّﻨﺖ ﺑﻐﻀًﺎ وآﺮهًﺎ ﻟﻠﺨﻄﻴﺌﺔ وﻗﺼﺪ ﻋﺪم اﻟﺮﺟﻮع إﻟﻴﻬﺎ. اﻹﻗﺮار :هﻮ أن ﺗﺬآﺮ ﻟﻠﻜﺎهﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎك اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ آﻠّﻬﺎ ﺑﺘﻮﺟّﻊ وﺗﺬﻟّﻞ وﺻﺮاﺣﺔ آﻤﺎ هﻲ ﺑﻌﺪدهﺎ وأﻧﻮاﻋﻬﺎ وﻇﺮوﻓﻬﺎ. اﻟﻨﻮع :اﻟﺴﺮﻗﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﺴﺒّﺔ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻼ ﻳﺠﻮز أن ﻧﺬآﺮ اﻟﻤﺴﺒّﺔ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ اﻟﺴﺮﻗﺔ. اﻟﻌﺪد :ﻣﻦ ﺳﺐّ ﻋﺸﺮ ﻣﺮّات ﻓﻼ ﻳﺠﻮز أن ﻳﻘﻮل ﺳﺒﻊ ﻣﺮّات. إﻻّ إذا آﺎن ﻻ ﻳﺘﺬآّﺮ اﻟﻌﺪد ﺑﺎﻟﺘﻤﺎم ﻓﻴﻘﻮل :ﻻ أﺗﺬآّﺮ اﻟﻌﺪد ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ.
١٤٠
اﻟﻈﺮف :هﻮ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻣﻦ زﻣﺎن وﻣﻜﺎن وأﺷﺨﺎص. آﺎﻟﺴﺮﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ أو ﻣﻦ ﻓﻘﻴﺮ أو ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺠﻮع. ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﻘﺮّ اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﻌﺪد اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ وأﻧﻮاﻋﻬﺎ وﻇﺮوﻓﻬﺎ ﻓﺎﻋﺘﺮاﻓﻪ ﻳﻜﻮن ﺑﺎﻃﻼً وﺗﺠﺐ إﻋﺎدﺗﻪ .أﻣّﺎ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻤﻨﺴﻴّﺔ ﻓﻼ ﺗﺠﻌﻞ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻃﻼً وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺬآّﺮ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﻗﺪ ﻧﺴﻴﻬﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺮاف ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺬآﺮهﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻘﺎدم. اﻟﻘﺎﻧﻮن أو اﻟﻜﻔﺎرة :هﻮ ﻣﺎ ﻳﻔﺮﺿﻪ اﻟﻤﻌﺮّف ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺎﺋﺐ ﻣﻦ ﺻﻠﻮات وأﻋﻤﺎل ﺗﻜﻔﻴﺮًا ﻋﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎﻩ .ﻳﺠﺐ وﻓﺎء اﻟﻘﺎﻧﻮن آﻤﺎ هﻮ ﺑﺎﻟﺘﺪﻗﻴﻖ ﻏﻴﺮ أﻧّﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻃﻠﺐ إﺑﺪاﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮﱢف ﻋﻨﺪ ﻋﺪم اﻟﻤﻘﺪرة ﻋﻠﻰ إﺗﻤﺎﻣﻪ.
١٤١
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﺗﻨﺎول اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﻓﻲ ﻋﻴﺪ اﻟﻔﺼﺢ ﺳﻨﺘﻜﻠّﻢ ﻋﻦ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﻲ اﻷﺳﺮار – أﻃﻠﺒﻪ هﻨﺎك. ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻋﻴﺪ اﻟﻔﺼﺢ ﻋﻨﺪ اﻟﻴﻬﻮد هﻮ ﺗﺬآﺎر ﺧﺮوﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ وﻋﻨﺪﻧﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ هﻮ ﺗﺬآﺎر ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺮ .وﻧﺴﻤّﻴﻪ اﻟﻌﻴﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻷﻧّﻪ أآﺒﺮ أﻋﻴﺎدﻧﺎ. ﺗﺄﻣﺮﻧﺎ أﻣّﻨﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎول ﻓﻲ ﻋﻴﺪ اﻟﻔﺼﺢ .وﻣﻦ ﻻ ﻳﺘﻨﺎول ﻳﺨﻄﺄ ﺧﻄﺄً آﺒﻴﺮًا .وأﻣﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ هﺬا ﻣﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع. ﻓﻔﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ أﻣﺮ اﷲ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﺄن ﺗﺨﺘﺎر آﻞّ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺣﻤﻼً ﻻ ﻋﻴﺐ ﻓﻴﻪ وﺗﺬﺑﺤﻪ وﺗﺄآﻠﻪ ﻓﺼﺤًﺎ .وﻗﺎل اﷲ" :ﻣﻦ ﻻ ﻳﺄآﻞ اﻟﻔﺼﺢ ﻣﻮﺗًﺎ ﻳﻤﻮت" .وﺣﻤﻞ اﻟﻔﺼﺢ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ هﻮ رﻣﺰ ﻋﻦ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺤﻤﻞ اﻟﻮدﻳﻊ .وأآﻠﻪ هﻮ رﻣﺰ أآﻠﻨﺎ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس. وﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﻮﻻً ﻳﺘﻀﻤّﻦ ﺗﻬﺪﻳﺪًا آﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ :ﻣﻦ ﻻ ﻳﺄآﻞ ﺟﺴﺪي ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺤﻘّﻨﻲ )ﻳﻮ .(٥٤ :٦أي ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖّ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻲ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدﺗﻲ .إذًا ﻣﻦ ﻻ ﻳﺘﻨﺎول اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖّ أن ﻳﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء.
١٤٢
ﻣﺪّة اﻟﻔﺼﺢ :ﺗﺒﺪأ ﻣﺪّة اﻟﻔﺼﺢ ﻣﻦ أﺣﺪ اﻟﺸﻌﺎﻧﻴﻦ إﻟﻰ اﻷﺣﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،إﻻّ إذا ﻣﺪّد اﻟﺮؤﺳﺎء هﺬﻩ اﻟﻤﺪّة. ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن إﺗﻤﺎم اﻟﻔﺼﺢ ﻓﻲ آﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮﻋﻴّﺔ ﻟﻴﻌﺮف آﺎهﻦ اﻟﺮﻋﻴّﺔ اﻟﺬﻳﻦ أﺗﻤّﻮا اﻟﻔﺼﺢ ،وﻹﻋﻄﺎء اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ وﻟﻤﻨﻊ ن ﻣﻦ ﻳﺘﻤّﻢ اﻟﻔﺼﺢ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ وﻣﻦ ﻳﻬﻤﻠﻪ اﻟﺸﻚّ ،ﻷ ّ ﻳﺼﻨﻊ ﺷﻜًّﺎ .وﻳﺴﻮع ﻗﺎل :اﻟﻮﻳﻞ ﻟﺼﺎﻧﻌﻲ اﻟﺸﻜﻮك. ﺿﺮورة اﻟﺘﻨﺎول :اﻟﺘﻨﺎول ﺿﺮوريّ (١) :ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺮض(٢) . ﻗﺒﻞ آﻞّ ﺧﻄﺮ (٣) .ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻤﻮت .ﻓﺎﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﺤﺐ رﺑّﻪ ﻻ ﻳﺪﻋﻮﻩ ﻟﺰﻳﺎرﺗﻪ ﻣﺮّة ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ وﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻈﺮوف ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻣﺮّات آﺜﻴﺮة. اﻟﻘﺮﺑﺎن هﻮ ﻏﺬاء اﻟﻨﻔﺲ :ﻧﻘﺪّم ﻟﺠﺴﺪﻧﺎ ﻏﺬاءﻩ ﻣﺮّات آﻞّ ﻳﻮم وﻧﺤﺮم ﻧﻔﺴﻨﺎ ﻏﺬاءهﺎ ﺷﻬﻮرًا وﺳﻨﻴﻦ!! اﻟﺰاد اﻷﺧﻴﺮ :هﻮ اﻟﺘﻨﺎول ﻋﻨﺪ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻤﻮت .ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺘﻨﺎول ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺨﻄﺮ اﻟﻤﻮت .ﻷنّ ﻣﻦ ﺗﻨﺎول ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻮت ﻳﺸﺒﻪ إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻋﻠﻴﻪ دﻋﻮى ﻓﻲ ﻣﺤﻜﻤﺔ ،ﻓﻘﺒﻞ اﻟﻤﺤﺎآﻤﺔ دﻋﺎ اﻟﻘﺎﺿﻲ إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ورﺣّﺐ ﺑﻪ ﺛﻢّ اﺻﻄﺤﺒﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ .ﻓﺪون ﺷﻚّ ﻳﻜﻮن اﻟﻘﺎﺿﻲ رﺣﻮﻣًﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﺎآﻤﺘﻪ. ﻓﻴﺴﻮع هﻮ اﻟﻘﺎﺿﻲ وهﻮ اﻟﺪﻳّﺎن اﻟﺬي ﻳﺤﺎآﻤﻨﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت .ﻓﺈذا دﻋﻮﻧﺎﻩ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻮت إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻨﺎ ورﺣّﺒﻨﺎ ﺑﻪ ﻓﺒﺪون ﺷﻚّ ﻳﻜﻮن رﺣﻮﻣًﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎآﻤﺔ.
١٤٣
ﺷﺮوط اﻟﺘﻨﺎول ﺛﻼﺛﺔ :ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻨﻌﻤﺔ – اﻟﺼﻮم – اﻻﺳﺘﻌﺪاد واﻟﺸﻜﺮ. ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻨﻌﻤﺔ :ﻣﻦ أراد أن ﻳﺘﻨﺎول ﻓﻌﻠﻴﻪ أن ﻳﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻨﻌﻤﺔ أي ﺧﺎﻟﻴًﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ .وإذا آﺎن ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ وﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻌﺘﺮف ﻗﺒﻞ اﻟﺘﻨﺎول. ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :ﻣﻦ أآﻞ ﺟﺴﺪ اﻟﺮبّ وهﻮ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻘّﻪ ﻓﺈﻧّﻪ ﻳﺄآﻞ دﻳﻨﻮﻧﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ إذ ﻟﻢ ﻳﻤﻴّﺰ ﺟﺴﺪ اﻟﺮبّ )آﻮ -١١ :١ .(٢٧ إذا ﺗﺬآّﺮ اﻟﻤﺘﻘﺪّم إﻟﻰ اﻟﺘﻨﺎول أﻧّﻪ ﻧﺴﻲ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺮاف ﻓﻼ ﻳﻠﺘﺰم اﻟﻌﺪول ﻋﻦ اﻟﺘﻨﺎول ،ﺑﻞ ﻳﻠﺘﺰم أن ﻳﺬآﺮهﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻘﺎدم ،ﻷنّ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻨﺴﻴّﺔ ﺗﻐﻔﺮ ﺿﻤﻨًﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻠّﺔ وﻟﻜﻦ ﻳﺒﻘﻰ واﺟﺐ اﻹﻗﺮار ﺑﻬﺎ وإﺧﻀﺎﻋﻬﺎ ﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻞّ. اﻟﺼﻮم :إنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻗﺪ ﺣﻮّرت اﻟﺼﻮم اﻟﻘﺮﺑﺎﻧﻲّ وﺧﻔّﻔﺘﻪ ﺗﺴﻬﻴﻼً ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻟﺌﻼّ ﻳﺤﺮﻣﻮا ﻣﻦ ﺗﻨﺎول اﻟﻘﺮﺑﺎن ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺠﺰهﻢ ﻋﻦ اﻟﺼﻮم .ﻓﺎﻟﺼﻮم اﻟﻤﻄﻠﻮب ﻟﻠﺘﻨﺎول ﺳﻮاء آﺎن اﻟﺘﻨﺎول ﺻﺒﺎﺣًﺎ أم ﻣﺴﺎءً أم ﻧﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ هﻮ اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻷآﻞ وﺷﺮب اﻟﻜﺤﻮل واﻟﺴﻮاﺋﻞ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﻧﻮاﻋﻬﺎ ،ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﻤﺎء، ﻗﺒﻞ ﺳﺎﻋﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎول .وأﻣّﺎ أﺧﺬ اﻷدوﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﻧﻮاﻋﻬﺎ ﻓﻼ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺎول. أﻣّﺎ إذا أراد اﻟﺒﻌﺾ أن ﻳﺼﻮﻣﻮا أآﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻠﻬﻢ أﺟﺮهﻢ! وإن آﺎﻧﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺧﻔّﻔﺖ وﺳﻬّﻠﺖ اﻟﺼﻮم اﻟﺬي هﻮ اﻻﺳﺘﻌﺪاد اﻟﻤﺎدي ﻟﻠﺘﻨﺎول ﻓﺈﻧّﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺨﻔّﻒ ﺑﻞ ﺷﺪّدت ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺮوﺣﻲّ ﻟﻠﺘﻨﺎول اﻟﺬي هﻮ ﻧﻘﺎوة اﻟﻘﻠﺐ واﻟﻀﻤﻴﺮ
١٤٤
واﻹﻳﻤﺎن واﻟﺸﻮق واﻟﻤﺤﺒّﺔ ،ﻷنّ اﻻﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺮوﺣﻲّ ﻟﻠﺘﻨﺎول هﻮ اﻷهﻢّ. اﻻﺳﺘﻌﺪاد واﻟﺸﻜﺮ :ﻳﺮاد ﺑﻪ اﻟﺘﺸﻮّق إﻟﻰ اﻟﺘﻨﺎول واﻟﺼﻼة وإﺑﺮاز ﻋﻮاﻃﻒ ﻣﺤﺒّﺔ ﻟﻴﺴﻮع .وﺑﻌﺪ اﻟﺘﻨﺎول ﻳﺠﺐ أن ﻧﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞّ ﺧﻤﺲ دﻗﺎﺋﻖ ﻧﺘﺤﺪّث ﻣﻊ ﻳﺴﻮع اﻟﺬي ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻨﺎ. ﻧﺸﻜﺮﻩ .ﻧﻈﻬﺮ ﻟﻪ ﻣﺤﺒّﺘﻨﺎ .ﻧﻌﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺎﺟﺎﺗﻨﺎ اﻟﺮوﺣﻴّﺔ واﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ .ﻧﻘﺪّم ﻟﻪ ذواﺗﻨﺎ وﺁﻻﻣﻨﺎ وﻣﺸﻘّﺎﺗﻨﺎ وﻣﻘﺎﺻﺪﻧﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ! ﺧﺒﺮ ) :(١آﺎن أﺣﺪ ﻣﻠﻮك ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻋﺎﺋﺪًا ﺑﺠﻴﺸﻪ ﻣﻦ ﻣﻌﺮآﺔ ﻣﻨﺘﺼﺮًا ،ﻓﺮأى آﺎهﻨًﺎ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻘﺮﺑﺎن إﻟﻰ ﻣﺮﻳﺾ ﻓﻨـﺰل ﻋﻦ ﺣﺼﺎﻧﻪ وﺳﺠﺪ وأﻣﺮ ﺟﻴﺸﻪ ﺑﺄن ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻣﺜﻠﻪ. ﺧﺒﺮ) :(٢رﺟﻞ آﺎﻓﺮ ﻗﺎل ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ أﻧﻄﻮﻧﻴﻮس اﻟﺒﺎدواﻧﻲ :أﻧﺎ ﻻ أؤﻣﻦ ﺑﺴﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن إﻻّ ﺑﺄﻋﺠﻮﺑﺔ ،ﺳﺄﻣﻨﻊ اﻟﻌﻠﻒ ﻋﻦ ﺑﻐﻠﺘﻲ ﺛﻼﺛﺔ أﻳّﺎم وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﺮّ ﺣﺎﻣﻼ"ً اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻗﺪّم ﻟﻬﺎ اﻟﻌﻠﻒ ،ﻓﺈذا ﺗﺮآﺖ اﻟﻌﻠﻒ وﺳﺠﺪت ﻟﻠﻘﺮﺑﺎن اﻟﺬي ﺗﺤﻤﻠﻪ .أُﺻﺪّق وأؤﻣﻦ .ﻓﺮَﺿﻲَ. ﻓﺮﺿﻲ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﺬﻟﻚ .وﻓﻲ ﺛﺎﻟﺚ ﻳﻮم ﺣﻤﻞ اﻟﻘﺪّﻳﺲ اﻟﻘﺮﺑﺎن وﻣﻌﻪ ﺟﻤﻬﻮر آﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ وﻟـﻤّﺎ وﺻﻞ ﻗﺮب اﻟﺒﻐﻠﺔ ﻗﺪّم اﻟﻜﺎﻓﺮ ﻟﻬﺎ اﻟﻌﻠﻒ ﻓﻨﺎداهﺎ اﻟﻘﺪّﻳﺲ :أﻣﺮكِ أن ﺗﺴﺠﺪي ﻟﻠﺮبّ اﻟﺬي أﺣﻤﻠﻪ ،ﻓﺘﺮآﺖ اﻟﺒﻐﻠﺔ اﻟﻌﻠﻒ وﺳﺠﺪت وﺣﻨﺖ رأﺳﻬﺎ، ﻓﺂﻣﻦ اﻟﻜﺎﻓﺮ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ!!
١٤٥
ﺧﺒﺮ ) :(٣رأى أﺣﺪ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﺷﻴﻄﺎﻧًﺎ ﻗﺮب آﺮﺳﻲ اﻻﻋﺘﺮاف ﻳﻬﻤﺲ ﺑﺂذان اﻟﻤﻌﺘﺮﻓﻴﻦ .ﻓﺴﺄﻟﻪ :ﻣﺎ ﺗﻌﻤﻞ هﻨﺎ؟ ﻓﺄﺟﺎب اﻟﺸﻴﻄﺎن :إﻧّﻲ أردّ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ أﺧﺬﺗﻪ ﻣﻨﻬﻢ .ﻗﺪ أﺧﺬت ﻣﻨﻬﻢ اﻟﺤﻴﺎء واﻟﺨﻮف ﻷدﻓﻌﻬﻢ إﻟﻰ ارﺗﻜﺎب اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وأﻣّﺎ اﻵن ﻓﺄردّ ﻟﻬﻢ اﻟﺤﻴﺎء واﻟﺨﻮف ﻓﻴﺨﺠﻠﻮن وﻳﺨﺎﻓﻮن ﻣﻦ اﻹﻗﺮار ﺑﻬﺎ.
١٤٦
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ أوفِ اﻟﺒﺮآﺔ أي اﻟﻌﺸﺮ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ ﺗﺄﻣﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ أوﻻدهﺎ أن ﻳﻬﺘﻤّﻮا ﺑﻤﻌﺎش ﺧﺪّاﻣﻬﻢ اﻟﺮوﺣﻴّﻴﻦ أي اﻟﻜﻬﻨﺔ ﺧﺪّام ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ،اﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻘﺎﺋﻞ" :إنّ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﻳﺴﺘﺤﻖّ أﺟﺮﺗﻪ". واﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻧﻔﺴﻪ وﺗﻼﻣﻴﺬﻩ آﺎﻧﻮا ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻣﻦ اﻟﺤﺴﻨﺎت. وآﺎن ﻳﻮﺿﺎس أﺣﺪ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻳﺤﻤﻞ ﺻﻨﺪوق اﻟﺤﺴﻨﺎت .وﻳﺬآﺮ اﻹﻧﺠﻴﻞ أنّ ﻧﺴﺎء ﺷﺮﻳﻔﺎت وﻏﻨﻴّﺎت آﻦّ ﻳﺘﺒﻌﻦ ﻳﺴﻮع وﻳﺴﻤﻌﻦ آﻼﻣﻪ وﻳﺨﺪﻣﻨﻪ وﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻦّ وﻋﻨﺎﻳﺘﻬﻦّ.
ﺗﺤﺮﱢم اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎهﻦ :اﻟﺘﺠﺎرة واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻷﺷﻐﺎل ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺘﻔﺮّغ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻨﻔﻮس وﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺨﻼﺻﻬﺎ. ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻨﻔﻮس أن ﺗﻬﺘﻢّ ﺑﻤﻌﺎش اﻟﻜﺎهﻦ .وﻗﺪ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ :آﻮﻧﻮا ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﻴﺖ ﺗﺄآﻠﻮن وﺗﺸﺮﺑﻮن ﻣﻤّﺎ ﻋﻨﺪهﻢ ﻷنّ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﻳﺴﺘﺤﻖّ أﺟﺮﺗﻪ )ﻟﻮ .(٧ :١٠ :واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :ﻣﻦ ﻳﺨﺪم اﻟﻤﺬﺑﺢ ﻓﻤﻦ اﻟﻤﺬﺑﺢ ﻳﻌﻴﺶ )آﻮ .(١٣ :٩
ﻣﻦ آﻼم اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨّﺎ ﻓﻢ اﻟﺬهﺐ ﻗﺎل ﻓﻲ إﺣﺪى ﻋﻈﺎﺗﻪ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ :أﻟﻴﺲ ﺑﺄﻳﺪي اﻟﻜﻬﻨﺔ اﻋﺘﻤﺪﺗﻢ وﺻﺮﺗﻢ ﻣﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ وأﺑﻨﺎء ﷲ؟
١٤٧
أﻟﻴﺲ ﺑﻘﻮّة ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻜﺎهﻦ ﺗﻨﺎﻟﻮن ﻣﻐﻔﺮة ﺧﻄﺎﻳﺎآﻢ واﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﻣﻊ اﷲ؟ أﻟﻴﺲ اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻳﻘﺪّﻣﻮن ذﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس ﻋﻨﻜﻢ؟ أﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﻳﺪي اﻟﻜﻬﻨﺔ ﺗﺄﺧﺬون ﺟﺴﺪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع؟ أﻟﻴﺲ اﻟﻜﻬﻨﺔ هﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺪّﻣﻮن اﻟﺨﺒﺰ اﻟﺮوﺣﻲّ أي اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻟﻜﻢ وﻷوﻻدآﻢ؟ أﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘّﻮن ﻣﻘﺎﺑﻞ ذﻟﻚ اﺣﺘﺮاﻣﻜﻢ وﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻜﻢ ﻟﻐﺬاء أﺟﺴﺎدهﻢ؟!
١٤٨
اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ اﻣﺘﻨﻊ ﻋﻦ إآﻠﻴﻞ اﻟﻌﺮس ﻓﻲ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﻤﺤﺮّﻣﺔ ﺳﻨﺘﻜﻠّﻢ ﻋﻦ اﻟﺰواج ﻣﻄ ّﻮﻻً ﻓﻲ اﻷﺳﺮار. ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﻟﺰواج ﺳﺮّ ﻣﻘﺪّس ﻗﺪ رﺗّﺒﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻐﺎﻳﺎت ﺳﺎﻣﻴﺔ هﻲ اﻹﺗﻴﺎن ﺑﺎﻟﻨﺴﻞ وﺗﺮﺑﻴﺘﻪ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ. واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺮﻏّﺐ أوﻻدهﺎ ﺑﺎﻟﺰواج إﻻّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪﻋﻮهﻢ اﷲ ﻟﺪرﺟﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت أو اﻟﺘﺮهّﺐ ﻓﺘﻜﻮن دﻋﻮﺗﻬﻢ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺰواج. وﻟﻜﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻗﺪ رﺗّﺒﺖ ﺑﻌﺾ أزﻣﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ ﻻ ﺗﺴّﻤﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎﻷﻋﺮاس واﻷﻓﺮاح اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ ،ﻷﻧّﻬﺎ ﻋﻴّﻨﺖ هﺬﻩ اﻷزﻣﻨﺔ ﻟﻸﻓﺮاح واﻷﺣﺰان اﻟﺮوﺣﻴﺔ. أزﻣﻨﺔ اﻟﻔﺮح اﻟﺮوﺣﻴّﺔ :هﻲ ﻣﻦ ﻋﻴﺪ اﻟﻤﻴﻼد إﻟﻰ ﻋﻴﺪ اﻟﻐﻄﺎس .وﻣﻦ ﻋﻴﺪ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ إﻟﻰ اﻷﺣﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ .ﻓﻲ هﺬﻩ اﻷزﻣﻨﺔ ﺗﻤﻨﻊ اﻷﻋﺮاس راﻏﺒﺔ إﻟﻰ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ أن ﻳﺘﺄﻣّﻠﻮا ﺑﺎﻷﻓﺮاح اﻟﺮوﺣﻴّﺔ ،ﻓﺮح ﻣﻴﻼد اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وﻓﺮح ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ اﻟﻤﺠﻴﺪة ﻻ أن ﻳﺘﻠﻬّﻮا ﺑﺎﻷﻓﺮاح اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ! أزﻣﻨﺔ اﻷﺣﺰان اﻟﺮوﺣﻴّﺔ :هﻲ اﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ ﻳﻮﻣًﺎ ﻗﺒﻞ ﻋﻴﺪ اﻟﻤﻴﻼد وﺧﻤﺴﻮن ﻳﻮﻣًﺎ ﻗﺒﻞ ﻋﻴﺪ اﻟﻔﺼﺢ .ﻓﻔﻲ هﺬﻩ اﻷﻳّﺎم ﺗﺮﻏﺐ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ إﻟﻰ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ أن ﻳﻤﺎرﺳﻮا أﻧﻮاع اﻹﻣﺎﺗﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺼﻮم واﻟﻘﻄﺎﻋﺔ واﻟﺘﻘﺸّﻒ واﻟﺼﻼة واﻟﺘﺄﻣّﻞ ﺑﺼﻴﺮورة اﺑﻦ اﷲ ﻃﻔﻼً ﻓﻘﻴﺮًا ﺣﻘﻴﺮًا ﻷﺟﻠﻨﺎ ،وﺑﺂﻻﻣﻪ وﻣﻮﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ
١٤٩
ﻷﺟﻠﻨﺎ .ﻓﺎﻷﻋﺮاس ﻻ ﺗﻨﺎﺳﺐ هﺬﻩ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﻤﺤﺰﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻠّﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻦ أن ﻳﺘﻔﺮّغ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻼهﺘﻤﺎم ﺑﺄﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ وﻓﺮﺣﻬﺎ اﻟﺮوﺣﻲّ. ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﻣﻨﻌﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ إﻗﺎﻣﺔ اﻷﻋﺮاس ﻓﻲ هﺬﻩ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ،إﻻّ أﻧّﻬﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة ﺗﺄذن ﺑﺎﻹآﻠﻴﻞ ﺑﻬﻴﺌﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت واﻟﺒﻬﺮﺟﺎت واﻷﻏﺎﻧﻲ وﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ! ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ أن ﻳﺤﺘﺮﻣﻮا هﺬﻩ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪّﺳﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺑﺼﻴﺎﻣﻪ وﺁﻻﻣﻪ وﻣﻮﺗﻪ وﻳﻤﺘﻨﻌﻮا ﻋﻦ إﻗﺎﻣﺔ اﻷﻋﺮاس ﻓﻴﻬﺎ! ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﻟـﻤّﺎ ﺗﺰوّج ﻃﻮﺑﻴﺎ اﻟﺸﺎب اﻟﺬي راﻓﻘﻪ اﻟﻤﻼك ﻓﻲ ﺳﻔﺮﻩ ﻗﺎل ﻟﺰوﺟﺘﻪ ﻋﻨﺪ دﺧﻮﻟﻬﻤﺎ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻨﻮم :ﻗﻮﻣﻲ ﻳﺎ ﺳﺎرﻩ ﻧﺼﻞﱢ إﻟﻰ اﷲ اﻟﻴﻮم وﻏﺪًا وﺑﻌﺪ ﻏﺪ ،ﻓﺈﻧّﻨﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻠﻴﺎﻟﻲ اﻟﺜﻼث ﻧﺘّﺤﺪ ﺑﺎﷲ وﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎء اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻧﻜﻮن ﻓﻲ زواﺟﻨﺎ ،ﻷﻧّﻨﺎ ﺑﻨﻲ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻘﺘﺮن اﻗﺘﺮان اﻷﻣﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن اﷲ .ﻓﻘﺎﻣﺎ ﻣﻌًﺎ وﺻﻠّﻴﺎ ﺑﺤﺮارة .وﻗﺎل ﻃﻮﺑﻴﺎ :أﻳّﻬﺎ اﻟﺮبّ إﻟﻪ ﺁﺑﺎﺋﻨﺎ ﻟﺘﺒﺎرآﻚ اﻟﺴﻤﺎوات واﻷرض واﻟﺒﺤﺮ واﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ واﻷﻧﻬﺎر وﺟﻤﻴﻊ ﺧﻼﺋﻘﻚ اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ .أﻧﺖ ﺟﺒﻠﺖ ﺁدم ﻣﻦ ﺗﺮاب اﻷرض وأﺗﻴﺘﻪ ﺣﻮاء ﻋﻮﻧًﺎ .ﻓﺎﻵن ﻳﺎ ربّ أﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ أﻧّﻲ ﻻ ﻟﺴﺒﺐ اﻟﺸﻬﻮة اﺗّﺨﺬت ﺳﺎرة زوﺟﺔ وإﻧّﻤﺎ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﻞ اﻟﺬي ﻳﺒﺎرك ﻓﻴﻪ اﺳﻤﻚ إﻟﻰ دهﺮ اﻟﺪهﻮر .وﻗﺎﻟﺖ ﺳﺎرﻩ أﻳﻀًﺎ :ارﺣﻤﻨﺎ ﻳﺎ ربّ ارﺣﻤﻨﺎ ﺣﺘّﻰ ﻧﺸﻴﺦ آﻼﻧﺎ ﻣﻌًﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻓﻴﺔ .وﻗﺪ ﺑﺎرك اﻟﺮبّ زواﺟﻬﻤﺎ) .ﺳﻔﺮ ﻃﻮﺑﻴﺎ اﻟﻔﺼﻞ .(٨
١٥٠
اﻷﺳﺮار اﻷﺳﺮار ﺳﺒﻌﺔ (١) :اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ (٢) .اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ (٣) .اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس (٤) .اﻟﺘﻮﺑﺔ (٥) .ﻣﺴﺤﺔ اﻟﻤﺮﺿﻰ (٦) .درﺟﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت (٧) .اﻟﺰواج. ﻣﻘﺪّﻣﺔ واﺿﻊ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار :هﻮ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻗﺪ ﺟﻌﻠﻬﺎ أﻗﻨﻴﺔ ﺗﺠﺮي ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ رﺣﻤﺘﻪ وﻧﻌﻤﻪ .وﻟﻴﺲ أﺣﺪ ﻏﻴﺮ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻀﻊ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار ﻷنّ ﻣﻔﻌﻮﻟﻬﺎ إﻟﻬﻲّ. ﻟﻜﻞّ ﺳﺮّ ﻣﻔﻌﻮل ﺧﺎص ﺑﻪ ﻳﺨﻮﱢل ﻗﺎﺑﻠﻪ ﻧﻌﻤﺔ ﺧﺎﺻّﺔ ﺑﻪ أي ﻣﺴﺎﻋﺪة إﻟﻬﻴّﺔ ﺗﻨﺎﺳﺐ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ رﺳﻢ هﺬا اﻟﺴﺮّ. ﻓﺎﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ ﺗﻬﺒﻨﺎ اﻟﺘﺒﺮﻳﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻷﺻﻠﻴّﺔ وﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴّﺔ أﻳﻀًﺎ إذا وﺟﺪت آﻤﺎ ﻟﻮ آﺎن اﻟﻤﻌﻤﱠﺪ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺳﻦ اﻟﺮﺷﺪ. واﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﻳﻬﺒﻨﺎ ﻗﻮّة وﺷﺠﺎﻋﺔ روﺣﻴّﺔ وﺛﺒﺎﺗًﺎ ﻓﻲ اﻹﻳﻤﺎن .واﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﻳﻬﺒﻨﺎ ﻏﺪاء روﺣﻴًّﺎ وﺣﻴﺎة روﺣﻴّﺔ .واﻟﺘﻮﺑﺔ ﺗﻬﺒﻨﺎ اﻟﺘﻨﻘﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ .واﻟﺰواج ﻳﻬﺐ اﻟﺰوﺟﻴﻦ ﻧﻌﻤﺔ ﻻﺣﺘﻤﺎل أﻋﺒﺎء اﻟﺰواج. ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار ﻻ ﺗُﻜﺮﱠر :ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﺠﻌﻞ وﺳﻤﺎ ﻻ ﻳﻤﺤﻰ ﻓﻲ ﻗﺎﺑﻠﻬﺎ .وهﻲ اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ واﻟﺘﺜﺒﻴﺖ واﻟﻜﻬﻨﻮت .ﻓﻼ ﻳﺠﻮز ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﻘﺒﻠﻬﺎ إﻻّ ﻣﺮّة واﺣﺪة.
١٥١
ﻻ ﻳﺘﻮﻗّﻒ ﻣﻔﻌﻮل هﺬﻩ اﻷﺳﺮار ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎهﻦ اﻟﺬي ﻳﻮزّﻋﻬﺎ ﺻﺎﻟﺤًﺎ آﺎن أو ﺧﺎﻃﺌًﺎ ،ﻷنّ اﻟﻤﻮزّع اﻷوّل هﻮ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ. ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺢ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻤﱢﺪ وﻳﺜﺒّﺖ وﻳﻘﺪّس ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻜﺎهﻦ وﻳﺤﻞّ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻤﻌﺮﱢف .ﻓﻠﻮ آﺎن ﻣﻔﻌﻮل هﺬﻩ اﻷﺳﺮار ﻣﺘﻮ ّﻗﻔًﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﺎدم اﻟﺴﺮّ ﻟﻜﻨّﺎ ﻓﻲ ارﺗﻴﺎب ﻣﻦ ﺻﺤّﺔ أﺳﺮار آﺜﻴﺮة. اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻘﺒﻮل هﺬﻩ اﻷﺳﺮار :ﻓﺎﻟﺒﺎﻟﻐﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺒﻠﻮن هﺬﻩ اﻷﺳﺮار ﻳﻨﺎﻟﻮن اﻟﻨﻌﻤﺔ آﻞّ ﺣﺴﺐ اﺳﺘﻌﺪادﻩ وأهﻠﻴّﺘﻪ وﻣﻦ ﺧﻼ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻌﺪاد واﻷهﻠﻴّﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻻ ﻳﻨﺎل اﻟﻨﻌﻤﺔ ﺑﻞ ﻳﻨﺎل ﺳﺨﻂ اﷲ ،آﻤﻦ ﻳﻌﺘﺮف اﻋﺘﺮاﻓًﺎ آﺎذﺑًﺎ أو ﻳﺘﻨﺎول وهﻮ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ أو ﻳﻘﺪِم ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺪ اﻟﺰواج ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺎﻧﻊ ﻣﺒﻄﻞ دون أن ﻳﻄﻠﺐ اﻟﺘﻔﺴﻴﺢ ﻣﻨﻪ!! اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار :ﻗﺪ وﺿﻊ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع هﺬﻩ اﻷﺳﺮار واﺳﻄﺔ ﻟﺨﻼﺻﻨﺎ .ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﺎرس هﺬﻩ اﻷﺳﺮار ﻻ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﺁﻻم اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻣﻮﺗﻪ .ﻓﺪم اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﺟﺮى ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻟﻔﺪاﺋﻨﺎ وﻏﺴﻠﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ ﻻ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻨﺎ إﻻّ ﺑﻮاﺳﻄﺔ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار ﺧﺎﺻّﺔ اﻻﻋﺘﺮاف واﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﻓﺈذا ﻗﻄﻌﻨﺎ هﺬﻩ اﻟﻤﺠﺎري ﻓﻼ ﻳﺼﻠﻨﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ دم اﻟﻔﺎدي. ﻳﻨﻜﺮ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار :وﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧّﻬﺎ رﻣﻮز وﻃﻘﻮس ﺧﺎرﺟﻴّﺔ .إنّ أﻗﻞّ ﻧﻈﺮة إﻟﻰ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺒﻴّﻦ ﺿﻼﻟﻬﻢ وﻏﻠﻄﻬﻢ .ﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﺮﺳﻞ إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ هﺬا ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺁﺑﺎء وﻗﺪّﻳﺴﻴﻦ وﻋﻠﻤﺎء وﺑﺎﺑﺎوات ﻋﻈﺎم وأﺳﺎﻗﻔﺔ
١٥٢
وﻣﺠﺎﻣﻊ ﻣﺴﻜﻮﻧﻴّﺔ ﻗﺪ ﻣﺎرﺳﺖ ﻣﻊ أﺑﻨﺎﺋﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ ﻣﻦ رﺳﻢ إﻟﻬﻲّ ﻻ ﺑﺸﺮيّ. واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﻘﻄﻊ وﺗﺤﺮّم ﻣﻦ ﺷﺮآﺘﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻜﺮون هﺬﻩ اﻷﺳﺮار. واﻟﺮوم اﻷرﺛﻮذآﺲ ﻳﻌﺘﺒﺮون أﻳﻀًﺎ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار اﻟﺴﺒﻌﺔ إﻟﻬﻴّﺔ وﻳﻤﺎرﺳﻮﻧﻬﺎ وﻳﺸﺠﺒﻮن اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻜﺮوﻧﻬﺎ. واﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس اﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ ﻣﺒﺪأ اﻹﻳﻤﺎن وﻣﺤﻮر اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺮﺷﺪ إﻟﻰ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار ﺑﻮﺿﻮح! ﻓﺎﺋﺪة اﻷﺳﺮار :هﻲ اﻟﻴﻨﺒﻮع اﻟﺬي ﻳﺠﺮي ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻳﺴﻮع، ﺗﺮﺗﻮي ﻣﻨﻪ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻌﻄﺸﻰ إﻟﻰ ﻣﺤﺒّﺔ اﷲ. هﻲ ﻏﺬاء ﺗﻘﺘﺎت ﻣﻨﻪ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﺠﺎﺋﻌﺔ إﻟﻰ اﷲ! هﻲ اﻟﻌﻼج اﻟﺬي ﺗﺘﺪاوى ﺑﻪ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﺮﺿﻰ ﺑﺄﻣﺮاض اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ! هﻲ ﺧﺰاﻧﺔ ﻣﻸى أﻣﻮاﻻً ﺗﻐﺘﺮف ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻨﻔﻮس ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ! هﻲ ﻋﻄﻴّﺔ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎويّ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮق اﺳﺘﺤﻘﺎق اﻹﻧﺴﺎن!! رﻣﻮز اﻷﺳﺮار ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس :إنّ اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﺘﻲ رﺁهﺎ زآﺮﻳﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎرة ذهﺒﻴّﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ إﻧﺎء ﻳﺨﺮج اﻟﺰﻳﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﺴﺒﻌﺔ ﻹﻧﺎرﺗﻬﺎ داﺋﻤًﺎ ﺗﺮﻣﺰ إﻟﻰ اﻷﺳﺮار اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﺮي اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻓﻴﻬﺎ زﻳﺖ ﻧﻌﻤﻪ! واﻟﻌﻮاﻣﻴﺪ اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻴﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ذآﺮهﺎ ﺳﻔﺮ اﻷﻣﺜﺎل ﺗﺮﻣﺰ إﻟﻰ اﻷﺳﺮار اﻟﺴﺒﻌﺔ.
١٥٣
واﻟﻜﻮاآﺐ اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﺘﻲ رﺁهﺎ ﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﻲ رؤﻳﺎﻩ ﺗﺘﻸﻷ ﺑﻴﻤﻴﻦ اﺑﻦ اﻟﺒﺸﺮ ﺗﺮﻣﺰ إﻟﻰ اﻷﺳﺮار اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻳّﻦ رأس اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﺮوس اﻟﻤﺴﻴﺢ.
أﺧﺒﺎر آﺎن اﻷب ﻻآﻮردار اﻟﻮاﻋﻆ اﻟﺸﻬﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻪ، ﻓﻘﺎل اﻟﺼﺪﻳﻖ ﻟﻸب :أﻧﺎ ﻻ أؤﻣﻦ ﺑﺎﻷﺳﺮار ﻷﻧّﻲ ﻻ أﻓﻬﻤﻬﺎ؟ ﻓﻘﺎل اﻷب :أﺗﻔﻬّﻢ ﻟﻤﺎذا ﺗﺬﻳﺐ اﻟﻨﺎر اﻟﺮﺻﺎص واﻟﺤﺪﻳﺪ وﺗﺠﻤّﺪ اﻟﺒﻴﺾ ﻓﻲ اﻟﻌﺠّﺔ اﻟﺘﻲ أﻣﺎﻣﻨﺎ؟ أﺟﺎب اﻟﺼﺪﻳﻖ :ﻻ أﻓﻬﻢ ذﻟﻚ! ﻗﺎل اﻷب :وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻮﺟﻮد اﻟﻌﺠّﺔ ﻣﻊ ﻋﺪم ﻓﻬﻤﻚ ﺳﺮّ ﺗﺠﻤّﺪ اﻟﺒﻴﺾ ﻓﻲ اﻟﻌﺠّﺔ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﺗﻨﻜﺮ اﻷﺳﺮار ﻷﻧّﻚ ﻻ ﺗﻔﻬﻤﻬﺎ؟ وﻟﻮ آﺎن اﻹﻳﻤﺎن ﻣﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻬﻢ ﻟﻜﺎن آﺜﻴﺮون ﺟﺎﺣﺪﻳﻦ ﻷنّ اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﻔﻬﻤﻮن اﻷﺳﺮار .إﻧّﻤﺎ ﻳﺘﻮﻗّﻒ اﻹﻳﻤﺎن ﻋﻠﻰ ﺻﺪق اﷲ اﻟﺬي رﺳﻢ ﻟﻨﺎ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار وﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻐﺸّﻨﺎ! أﻣﺜﻠﺔ .١ﻣﺎ رأﻳﻜﻢ ﺑﺈﻧﺴﺎن ﺟﺎﺋﻊ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻄﻌﻤًﺎ ﻣﺠﺎﻧﻴًّﺎ ﻓﻴﻪ أﺷﻬﻰ اﻷﻃﻌﻤﺔ ﻟﻴﺄآﻞ؟ هﺬا هﻮ ﺣﺎل اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻐﺘﺬي ﻣﻦ اﻷﺳﺮار اﻟﺴﺒﻌﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻐﺬاء ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ! .٢ﻣﻠﻚ ﻏﻨﻲّ ﻣﻸ ﻏﺮﻓﺔ آﺒﻴﺮة ذهﺒًﺎ وﺳﻤﺢ ﻟﻜﻞّ ﻣﻦ رﻋﺎﻳﺎﻩ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل إﻟﻴﻬﺎ ﻟﻴﺄﺧﺬ ﺣﺎﺟﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺬهﺐ .ﻓﻬﻞ ﻳﺎ ﺗﺮى ﻳﺘﺨﻠّﻒ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺪﺧﻮل إﻟﻴﻬﺎ ﻷﺧﺬ ﺣﺎﺟﺘﻪ؟ آﻢ ﻣﻦ
١٥٤
اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺄﺧّﺮون ﻋﻦ اﻷﺳﺮار اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وﻣﻸهﺎ ﻧﻌﻤًﺎ روﺣﻴّﺔ ﺗﻐﻨﻲ اﻟﻨﻔﺲ! .٣إنّ ﺁﻻف اﻟﻤﺮﺿﻰ ﻳﻘﺼﺪون "ﻓﻴﺸﻲ" ﻓﻲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ ﺑﻠﺪان ﺑﻌﻴﺪة ﺑﻨﻔﻘﺎت ﺑﺎهﻈﺔ ﺁﻣﻠﻴﻦ اﻟﺸﻔﺎء ﺑﺸﺮب ﻣﺎﺋﻬﺎ اﻟﻤﻌﺪﻧﻴّﺔ .ﻓﻲ آﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻴﻮن ﻣﻴﺎﻩ روﺣﻴّﺔ هﻲ اﻷﺳﺮار اﻟﺴﺒﻌﺔ ﺗﻤﻨﺤﻨﺎ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺮوﺣﻴّﺔ أو ﺗﻨﻤّﻴﻬﺎ أو ﺗﻌﻴﺪهﺎ إﻟﻴﻨﺎ .وﻣﻊ أنّ اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﺠﺎﻧﻴًّﺎ ،ﻳﻌﺮض ﻋﻨﻬﺎ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ!
١٥٥
اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :اﻟﺤﻴﺎة ﻧﻮﻋﺎن :ﺣﻴﺎة ﺟﺴﺪﻳّﺔ وﺣﻴﺎة روﺣﻴّﺔ .ﻓﺎﻟﺤﻴﺎة اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﺄﺧﺬهﺎ ﻣﻦ واﻟﺪﻳﻨﺎ "اﻟﻤﻮﻟﻮد ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ هﻮ ﺟﺴﺪ" واﻟﺤﻴﺎة اﻟﺮوﺣﻴّﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﺄﺧﺬهﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ "اﻟﻤﻮﻟﻮد ﻣﻦ اﻟﺮوح هﻮ روح" )ﻳﻮﺣﻨّﺎ .(٦ :٣ ﺑﺎﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻠﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ اﻟﺘﻲ أﺳّﺴﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺢ .واﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻮن هﻢ ﻋﻴﻠﺔ واﺣﺪة أﺑﻮهﻢ واﺣﺪ هﻮ اﷲ وآﻠّﻬﻢ إﺧﻮة. ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ ﺳﺮّ رﺳﻤﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻴﻠﺪﻧﺎ ﻣﻴﻼدًا ﺟﺪﻳﺪًا روﺣﻴًّﺎ ﺑﻪ ﻧﺼﻴﺮ ﺑﻨﻴﻦ ﷲ وورﺛﺔ ﻣﻠﻜﻮﺗﻪ اﻟﺴﻤﺎويّ. ﻣﻔﺎﻋﻴﻞ اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ (١) :ﺗﻐﻔﺮ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻷﺻﻠﻴّﺔ ١وﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻔﻌﻠﻴّﺔ إذا آﺎن ﻗﺎﺑﻞ اﻟﻌﻤﺎد ﺑﺎﻟﻐًﺎ (٢) .ﺗﺨﻮﱢﻟﻨﺎ ﺣﻘﻮق اﻟﺒﻨﻮّة ﷲ وﺣﻘﻮق اﻟﻤﻴﺮاث ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺗﻪ اﻟﺴﻤﺎويّ(٣) . هﻲ ﺑﺎب اﻷﺳﺮار اﻟﺴﺒﻌﺔ .ﻓﻤﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻻ ﻳﺤﻖّ ﻟﻪ أن ﻳﺘﻨﺎول اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس وﻻ أن ﻳﻌﺘﺮف وﻻ أن ﻳﻜﻮن آﺎهﻨًﺎ ،وإذا ﺻﺎر آﺎهﻨًﺎ أو ﺗﺰوّج وهﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻤﱠﺪ ﻓﻜﻬﻨﻮﺗﻪ ﺑﺎﻃﻞ وزواﺟﻪ ﺑﺎﻃﻞ .هﺬا ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ. ﺿﺮورة اﻟﻌﻤﺎد :إنّ اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ ﺿﺮورﻳّﺔ ﻟﻠﺨﻼص اﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :إن ﻟﻢ ﻳﻮﻟَﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻓﻼ ﻳﻘﺪر أن ﻳﻌﺎﻳﻦ - ١إنّ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻷﺻﻠﻴّﺔ هﻞ اﻟﺘﻲ ورﺛﻨﺎهﺎ ﻋﻦ أﺑﻮﻳﻨﺎ ﺁدم وﺣﻮّاء وﻣﻔﻌﻮﻟﻬﺎ هﻮ ﻓﻘﺪان ﻧﻌﻤﺔ اﷲ وﺑﺎﻟﻌﻤﺎد ﻧﺴﺘﻌﻴﺪ هﺬﻩ اﻟﻨﻌﻤﺔ.
١٥٦
ﻣﻠﻜﻮت اﷲ .وﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺑﺎﻟﻤﺎء واﻟﺮوح ﻓﻼ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎء )ﻳﻮﺣﻨّﺎ .(٥-٤ :٣وﻗﺎل ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ :اذهﺒﻮا وﺑﺸّﺮوا اﻷﻣﻢ وﻋﻤّﺪوهﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻵب واﻻﺑﻦ واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس )ﻣﺘﻰ .(١٩ :٢٨ ﻗﺎل ﺑﻄﺮس ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺳﺄﻟﻮﻩ ﻣﺎذا ﻧﺼﻨﻊ؟ ﺗﻮﺑﻮا وﻟﻴﻌﺘﻤﺪ آﻞّ واﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ )أﻋﻤﺎل .(٣٨ :٢وﻗﺎل ﻳﺴﻮع :ﻣﻦ ﻳﺆﻣﻦ وﻳﻌﺘﻤﺪ ﻳﺨﻠﺺ وﻣﻦ ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﻳُﺪان. اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻮاع (١) :ﻣﻌﻤﻮدﻳّﺔ اﻟﻤﺎء وهﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺎرﺳﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻮن وﺗﻜﻮن ﺑﺎﻟﺮشّ أو ﺑﺎﻟﺴﻜﺐ أو ﺑﺎﻟﺘﻐﻄﻴﺲ. ) (٢ﻣﻌﻤﻮدﻳّﺔ اﻟﺪم وهﻲ أن ﻳﺴﻔﻚ اﻹﻧﺴﺎن دﻣﻪ ﻷﺟﻞ اﻟﻤﺴﻴﺢ وﺣﺒًّﺎ ﺑﻪ ،آﻤﺎ ﻓﻌﻞ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺪاء ﻓﻲ ﺑﺪء اﻟﻨﺼﺮاﻧﻴّﺔ ﻓﻜﺎن ﻋﺸﺮات وﻣﺌﺎت ﻳﺴﻔﻜﻮن دﻣﺎءهﻢ ﻷﺟﻞ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﻤﻜّﻨﻮا ﻣﻦ ﻗﺒﻮل اﻟﻌﻤﺎد (٣) .ﻣﻌﻤﻮدﻳّﺔ اﻟﺸﻮق واﻟﻤﺤﺒّﺔ وهﻲ أن ﻳﺘﺸﻮّق اﻹﻧﺴﺎن ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻌﻤّﺪ واﻟﺠﺎهﻞ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﻌﻤﻞ آﻞّ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪﻩ اﷲ ﻣﻨﻪ. ﻣﺜﻼً :إذا ﺗﺸﻮّق إﻧﺴﺎن ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺼﻨﻊ آﻞّ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪﻩ اﷲ ﻣﻨﻪ ﻣﻈﻬﺮًا ﺣﺒًّﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﻟﺮﺑّﻪ ﻓﺎﻋﻼً اﻟﺨﻴﺮ وﻣﺘﺠﻨّﺒًﺎ اﻟﺸﺮّ، ﻧﺎدﻣًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺼﺪر ﻣﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ،ﻓﺈﻧّﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻮق واﻟﺤﺐّ ﻳﻌﺘﻤﺪ وﻳﺨﻠﺺ .اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻣﻮس هﻲ أن ﺗﺤﺐّ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻚ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻚ .ﻓﻤﻦ ﻳﺤﺐّ اﷲ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻪ وهﻮ ﻳﺠﻬﻞ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻓﻴﻜﻮن أﺗﻢّ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻣﻮس. ﺧﺎدم ﺳﺮّ اﻟﻌﻤﺎد :هﻮ اﻟﻜﺎهﻦ وﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة وﻋﺪم وﺟﻮد آﺎهﻦ ﻳﻤﻜﻦ آﻞّ إﻧﺴﺎن أن ﻳﻌﻤﱢﺪ ﺷﺮط اﻟﻨﻴﺔ واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .إذا ﻣﺎت اﻟﻄﻔﻞ دون ﻋﻤﺎد ﺑﺴﺒﺐ إهﻤﺎل واﻟﺪﻳﻪ ﻓﻴﻜﻮن ذﻧﺒﻬﻤﺎ ﻋﻈﻴﻤًﺎ، وﻳﺨﺴﱢﺮان وﻟﺪهﻤﺎ ﺳﻌﺎدة ﺧﺎﻟﺪة .وإذا ﻣﺮض اﻟﻄﻔﻞ ﻳﺠﺐ دﻋﻮة
١٥٧
اﻟﻜﺎهﻦ ﻟﻌﻤﺎدﻩ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ آﻤﺎ ﻳﺪﻋﻰ ﻟﻠﻤﻨﺎزع .وإذا ﻗﺎرب اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻤﻮت وﻟﻢ ﻳﻜﻦ آﺎهﻦ ﻓﻜﻞّ إﻧﺴﺎن ﻳﻘﺪر ﺑﻞ ﻳﻠﺘﺰم أن ﻳﻌﻤﱠﺪﻩ وذﻟﻚ ﺑﺄن ﻳﺼﺐّ اﻟﻤﺎء ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻬﺘﻪ ﻗﺎﺋﻼً :أﻧﺎ أﻋﻤّﺪك ﺑﺎﺳﻢ اﻵب واﻻﺑﻦ واﻟﺮوح اﻟﻘﺪس .وﺻﺐّ اﻟﻤﺎء ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺼﺎﺣﺒًﺎ ﻟﻠﻔﻆ اﻟﻜﻠﻤﺎت :أﻧﺎ أﻋﻤّﺪك ﻧﺎوﻳًﺎ أن ﻳﺼﻨﻊ ﻣﺎ ﺗﺼﻨﻌﻪ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. وإذا ﺗﻢّ اﻟﻌﻤﺎد ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ ﺑﺪاﻋﻲ اﻟﻀﺮورة ،ﻳﺠﺐ ﻓﻲ أوّل ﻓﺮﺻﺔ اﺳﺘﻜﻤﺎل رﺗﺒﺔ اﻟﻌﻤﺎد ﻣﻦ دهﻦ زﻳﺖ وﺻﻠﻮات ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. اﻟﻌﻤﺎد ﻳﺘﻢّ ﺑﺎﻟﻤﺎء ﻓﻘﻂ :آﻤﺎ رﺳﻤﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺑﺎﻟﻤﺎء واﻟﺮوح ﻓﻼ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎء .وأﻣّﺎ ﻣﺎ ﺗﺒﻘّﻰ ﻣﻦ ﺻﻠﻮات ودهﻦ زﻳﺖ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻻﺣﺘﻔﺎل واﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﻟﻬﺬا اﻟﺴﺮّ اﻟﻤﻘﺪّس. واﺟﺐ اﻟﻌﺮّاب :ﺗﺄﻣﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ ﻋﺮّاب ﻟﻠﻄﻔﻞ وﻋﺮّاﺑﺔ ﻟﻠﻄﻔﻠﺔ آﻲ ﺗﻀﻤﻦ ﻟﻠﻮﻟﺪ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻓﻴﻤﺎ إذا ﻓﻘﺪ واﻟﺪﻳﻪ .وﻳﻠﺘﺰم اﻟﻌﺮّاب ﺑﺄن ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻮﻟﺪ اﻷﻣﻮر اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ وﺑﺨﻼص ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺤﺮم ذﻟﻚ ﻣﻦ واﻟﺪﻳﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻮﺗﻬﻤﺎ أو ﺗﻘﺼﻴﺮهﻤﺎ أو اﺑﺘﻌﺎدهﻤﺎ. اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺮوﺣﻴّﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎد :إنّ اﻟﻌﺮّاب هﻮ ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ أب روﺣﻲّ ﻟﻠﻄﻔﻞ وهﺬﻩ اﻷﺑﻮّة ﺗﻀﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ اﻷب اﻟﺮوﺣﻲّ – أي اﻟﻌﺮّاب – إﻟﺰاﻣًﺎ هﻮ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ اﻷﻣﻮر اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ واﻻهﺘﻤﺎم ﺑﺨﻼص ﻧﻔﺴﻪ آﻤﺎ ذآﺮﻧﺎ .وﺗﻨﺸﺊ ﻗﺮاﺑﺔ روﺣﻴّﺔ
١٥٨
ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ آﻤﺎ ﺗﻨﺸﺊ اﻷﺑﻮّة اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ ﻗﺮاﺑﺔ دﻣﻮﻳّﺔ ﺑﻴﻦ اﻷب واﺑﻨﻪ .وهﺬﻩ اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺮوﺣﻴّﺔ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﺎﻧﻌًﺎ ﻟﻠﺰواج ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺮّاب واﻟﻄﻔﻞ إذا آﺎن اﻟﻌﺮّاب ﺷﺎﺑًّﺎ واﻟﻄﻔﻞ اﻟﻤﻌﻤﻮد اﺑﻨﺔ .ﻓﺈذا أرادا ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺰواج ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻴﺠﺐ أن ﺗﻔﺴّﺢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻬﻤﺎ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻤﺎﻧﻊ!
اﻋﺘﺮاﺿﺎت ﻋﻠﻰ ﺳﺮّ اﻟﻌﻤﺎد
اﻋﺘﺮاض أوّل: إنّ ﻳﺴﻮع اﻋﺘﻤﺪ ﺑﻌﻤﺮ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﻓﺈذًا ﻳﺠﺐ أن ﻧﻌﺘﻤﺪ ﻣﺜﻞ ﻳﺴﻮع ﺑﻌﻤﺮ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ. إنّ ﻳﺴﻮع هﻮ اﻟﺬي رﺳﻢ اﻟﻌﻤﺎد .ﻓﻠـﻤّﺎ آﺎن ﺻﻐﻴﺮًا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ أن ﻳﺮﺳﻢ اﻟﻌﻤﺎد .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺻﺎر ﺑﻌﻤﺮ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ وﺑﺪأ ﺗﺒﺸﻴﺮﻩ رﺳﻢ اﻟﻌﻤﺎد. إنّ ﻳﺴﻮع ﻗﺒﻞ اﻟﺨﺘﺎن اﻟﺬي هﻮ رﻣﺰ اﻟﻌﻤﺎد ﺑﻌﺪ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻳّﺎم ﻣﻦ ﻣﻴﻼدﻩ آﻤﺎ آﺎﻧﺖ ﺗﺄﻣﺮ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،وﺑﺎﻟﺨﺘﺎن آﺎن اﻟﻄﻔﻞ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻦ ﺷﻌﺐ اﷲ ،وﺑﺎﻟﻌﻤﺎد ﻳﺼﺒﺢ اﻟﻄﻔﻞ اﺑﻨًﺎ ﷲ .ﻳﺘﺒﻨّﺎﻩ اﷲ ﺑﺎﻟﻌﻤﺎد .ﻓﻬﻞ ﻳُﺘﺮك اﻟﻮﻟﺪ إﻟﻰ ﻋﻤﺮ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﺣﺘّﻰ ﻳﺼﺒﺢ اﺑﻨًﺎ ﷲ؟ واﻟﻌﻤﺎد هﻮ ﻣﻴﻼد روﺣﻲّ آﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻦ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع" :إن ﻟﻢ ﺗﻮﻟﺪوا ﻣﻦ اﻟﻤﺎء واﻟﺮوح" .واﻟﻤﻴﻼد ﻻ ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺒﺮ اﻹﻧﺴﺎن!
١٥٩
اﻋﺘﺮاض ﺛﺎنٍ: ﻳﻘﻮﻟﻮن :رﺑّﻤﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺒﺮ اﻟﻄﻔﻞ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻌﺘﻤﺪ وﻳﺼﻴﺮ ﻣﺴﻴﺤﻴًّﺎ ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﻀﻐﻄﻮن ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻳّﺘﻪ وهﻮ ﺻﻐﻴﺮ؟ ﻓﻬﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻌﻤﺎد أن ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﺗﺮك اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻜﺒﺮ؟ ﺛﻢّ إنّ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﻳﻌﻤﻠﻮن آﻞّ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪ اﻟﻮﻟﺪ وهﻮ ﺻﻐﻴﺮ رﻏﻤًﺎ ﻋﻨﻪ! ﻣﺜﻼً :ﻳﻄﻌﻤﻮﻧﻪ رﻏﻤًﺎ ﻋﻨﻪ ،ﻳﻌﻄﻮﻧﻪ اﻟﺪواء رﻏﻤًﺎ ﻋﻨﻪ ،ﻳﺮﺳﻠﻮﻧﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﺪرﺳﺔ رﻏﻤًﺎ ﻋﻨﻪ ،ﻳﻜﺘﺒﻮن ﻟﻪ إرﺛًﺎ رﻏﻤًﺎ ﻋﻨﻪ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺘﺮآﻮﻧﻪ ﺣﺘّﻰ ﻳﻜﺒﺮ ﻟﻴﺨﺘﺎر هﺬﻩ اﻷﻣﻮر ﺑﺤﺮﻳّﺘﻪ؟! اﻋﺘﺮاض ﺛﺎﻟﺚ: ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻻﻋﺘﻤﺎد ﺑﺎﻟﺘﻐﻄﻴﺲ آﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﻤﺪون ﻓﻲ ﻧﻬﺮ اﻷردن! ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ وﻻ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ آﻴﻔﻴّﺔ اﻟﺘﻌﻤﻴﺪ .ﻓﺎﻟﺜﻼﺛﺔ ﺁﻻف اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﻌﺪ أوّل ﻋﻈﺔ أﻟﻘﺎهﺎ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس ﺑﻌﺪ ﺣﻠﻮل اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻴّﺔ ،وأهﻞ اﻟﺴﺎﻣﺮة اﻟﺬﻳﻦ اﻋﺘﻤﺪوا رﺟﺎﻻً وﻧﺴﺎء آﻤﺎ ﺗﺨﺒﺮ أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ ﻻ ﻳﻈﻬﺮ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا اﻋﺘﻤﺪوا ﺑﺎﻟﺘﻐﻄﻴﺲ! ﺧﺒﺮ آﺎن أورﻳﺠﺎﻧﻮس ﻣﻌّﻠﻤًﺎ آﺒﻴﺮًا ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ واﻟﻼهﻮﺗﻴّﺔ واﻟﻨﻈﺮﻳّﺔ .ﻓﻬﺬا ﻟـﻤّﺎ ﻋﻤّﺪ اﺑﻨﻪ ورﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺖ آﺸﻒ ﻋﻦ ﺻﺪر اﺑﻨﻪ وﻗﺒّﻠﻪ ﺑﺨﺸﻮع وﺗﻬﻴّﺐ .ﻓﺴﺄﻟﺘﻪ زوﺟﺘﻪ :ﻟﻤﺎذا ﻗﺒّﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﺻﺪرﻩ .ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﺎ :ﻷنّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس ﺑﻌﺪ اﻟﻌﻤﺎد ﻳﺴﻜﻦ داﺧﻞ ﺻﺪرﻩ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ.
١٦٠
اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﺻﻌﺪ ﻳﺴﻮع إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء وﺑﻘﻲ اﻟﺮﺳﻞ رﻏﻢ إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﻪ وأﻣﺎﻧﺘﻬﻢ ﻟﻪ ﺧﺎﺋﻔﻴﻦ ﻻ ﻳﺠﺮأون ﻋﻠﻰ إﻋﻼن اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺘﺪﺑﻮا ﻟﻬﺎ ﺣﺘّﻰ ﺣﻞّ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﻌﻨﺼﺮة اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﺬي وﻋﺪهﻢ ﺑﻪ اﻟﻤﺨﻠّﺺ ،ﻓﺈذا ﺑﻬﻢ ﻳﻔﻬﻤﻮن ﻣﺎ ﻓﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻬﻤﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻤﺨﻠّﺺ .وﺻﺎروا أﻗﻮﻳﺎء ﺑﻌﺪ أن آﺎﻧﻮا ﺿﻌﻔﺎء وﺷﺠﻌﺎن ﺑﻌﺪ أن آﺎﻧﻮا ﺟﺒﻨﺎء ،وﺣﻜﻤﺎء ﺑﻌﺪ أن آﺎﻧﻮا ﺟﻬﻼء. ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﺳﺮّ ﻗﺪ رﺳﻤﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻴﻤﻨﺤﻨﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻪ ﻣﻮاهﺐ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ ﻟﻨﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺜﺒﺖ أﻣﺎم أﻋﺪاء إﻳﻤﺎﻧﻨﺎ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ ،وﻟﻜﻲ ﻧﺤﺎرب اﻟﺠﺴﺪ واﻟﻌﺎﻟﻢ واﻟﺸﻴﻄﺎن ﺣﺘّﻰ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺎل: ﻣﻦ ﻳﺜﺒﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺘﻬﻰ ﻳﺨﻠﺺ )ﻣﺘﻰ .(١٣ :٢٤ إﺛﺒﺎت ﺳﺮّ اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ :وﻟـﻤّﺎ ﺳﻤﻊ اﻟﺮﺳﻞ أنّ أهﻞ اﻟﺴﺎﻣﺮة ﺳﻤﻌﻮا آﻠﻤﺔ اﷲ واﻋﺘﻤﺪوا ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻧﺤﺪر إﻟﻴﻬﻢ ﺑﻄﺮس وﻳﻮﺣﻨّﺎ ﻓﻮﺿﻌﺎ أﻳﺪﻳﻬﻤﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻨﺎﻟﻮا اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس )أﻋﻤﺎل .(١٥ :٨وﺟﺎء أﻳﻀًﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ :٥ :٩١وﻟـﻤّﺎ ﺳﻤﻌﻮا اﻋﺘﻤﺪوا ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻓﻮﺿﻊ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﺪﻳﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺤﻞّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻋﻠﻴﻬﻢ .واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﺮﺳﻞ ﺗﻤﺎرس هﺬا اﻟﺴﺮّ.
١٦١
ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﻘﺒﻞ هﺬا اﻟﺴﺮّ ﻟﻴﺘﻜﺮّس ﺑﺼﻔﺔ ﺟﻨﺪي وﻳﻨﻄﺒﻊ ﻓﻴﻪ وﺳﻢ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺷﻬﺎدة اﻧﺨﺮاﻃﻪ ﻓﻲ ﺟﻨﺪﻳّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ. واﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻲّ هﻮ ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ اﻟﺪرع واﻟﺨﻮذة ﻟﻠﺠﻨﺪي .ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺘﺪرّع وﻳﺘﺴﻠّﺢ ﺑﻬﺬا اﻟﺴﺮّ آﻤﺎ ﻳﺘﺴﻠّﺢ اﻟﺠﻨﺪي ﻋﻨﺪ ذهﺎﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺤﺮب. ﻣﻮاهﺐ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﺴﺒﻊ :اﻟﺤﻜﻤﺔ ،اﻟﻔﻬﻢ ،واﻟﻌﻠﻢ، واﻟﻤﺸﻮرة ،واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،واﻟﺘﻘﻮى ،وﺧﻮف اﷲ. هﺬﻩ اﻟﻤﻮاهﺐ ﻗﺴﻤﺎن :ﻗﺴﻢ ﻳﻨﻴﺮ اﻟﻌﻘﻞ وهﻮ اﻟﺤﻜﻤﺔ واﻟﻔﻬﻢ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﻤﺸﻮرة .ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﻮاهﺐ ﻧﻌﺮف ﻋﻈﻤﺔ اﻟﺨﻴﺮات اﻷﺑﺪﻳّﺔ وﺣﻘﺎرة اﻟﺨﻴﺮات اﻷرﺿﻴّﺔ وﻧﻌﻘﻞ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻹﻳﻤﺎﻧﻴّﺔ وأﺳﺮار اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﺑﻤﻘﺪار ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺸﺮيّ أن ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ. وﻧﺪرك اﻷﺷﻴﺎء ﺑﺤﺴﺐ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻼص وﻧﺘﺼﺮّف ﺑﺎﻟﻈﺮوف اﻟﺤﺮﺟﺔ ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ. وﻗﺴﻢ ﻳﻘﻮّي اﻹرادة وهﻮ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﺘﻘﻮى وﺧﻮف اﷲ. وﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﻮاهﺐ ﻧﺘﻘﻮّى ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺻﺪﻧﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ وﻧﺘﻤّﻢ واﺟﺒﺎﺗﻨﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﺑﻨﺸﺎط ورﻏﺒﺔ وﻻ ﻧﺘـﺰﻋﺰع ﻋﻦ دﻳﻨﻨﺎ وﻗﺖ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ واﻻﺿﻄﻬﺎد وﻧﻌﺒﺪ اﷲ وﻧﺤﺒّﻪ وﻧﺨﺎﻓﻪ ﺧﻮﻓًﺎ ﺑﻨﻮﻳًّﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﺠﻨّﺐ آﻞّ ﻣﺎ ﻳﻐﻴﻈﻪ ﻣﻔﻀّﻠﻴﻦ اﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻨﻪ.
١٦٢
وﺟﻮب اﻟﺼﻼة ﻟﻠﺮوح اﻟﻘﺪس :ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺼﻠّﻲ آﻞّ ﻳﻮم ﻟﻠﺮوح اﻟﻘﺪس ﻣﻠﺘﻤﺴًﺎ ﻋﻮﻧﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻤﻞ ﺧﻼﺻﻪ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ وﺛﺒﺎت. ﻗﺒﻮل ﺳﺮّ اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ :آﺎن ﻳُﻤﻨﺢ هﺬا اﻟﺴﺮّ ﺑﻌﺪ ﺑﻠﻮغ ﺳﻦّ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ وﺑﻌﺪ أوّل ﻣﻨﺎوﻟﺔ أﻣّﺎ اﻵن ﻓﺼﺎر ﻳﻤﻨﺢ ﻣﻊ اﻟﻌﻤﺎد. وﻳُﺪهﻦ اﻟﻤﺜﺒﺖ ﺑﺎﻟﻤﻴﺮون ﻓﻲ ﺟﺒﻬﺘﻪ أﺑﺮز ﻣﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﺠﺴﻢ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺰام اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﻈﻬﺮ إﻳﻤﺎﻧﻪ ﺟﻬﺎرًا وﻳﺸﻬﺮﻩ ﻋﻴﺎﻧًﺎ وﻻ ﻳﺨﺠﻞ ﺑﻪ وﻻ ﻳﺴﺘﺤﻲ ﻣﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ أﻓﻌﺎل اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ. ﺣﻠﻮل اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﺑﻌﺪ ﺻﻌﻮد اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء اﺟﺘﻤﻊ اﻟﺮﺳﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻴّﺔ وأﻏﻠﻘﻮا اﻷﺑﻮاب وأﺧﺬوا ﻳﺼﻠّﻮن ﻣﺪّة ﻋﺸﺮة أﻳّﺎم اﺳﺘﻌﺪادًا ﻟﻘﺒﻮل اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس .وﺑﻴﻨﻤﺎ هﻢ ﻳﺼﻠّﻮن ﺣﻞّ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﺑﺸﺒﻪ أﻟﺴﻨﺔ ﻧﺎرﻳّﺔ واﺳﺘﻘﺮّ ﻋﻠﻰ واﺣﺪ ﻓﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ،ﻓﺎﻣﺘﻸوا ﻣﻦ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس وﺻﺎروا ﻳﺘﻜﻠّﻤﻮن ﺑﻠﻐﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .أﻋﺠﻮﺑﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﻤّﺖ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم هﻲ أنّ أﻧﺎﺳًﺎ ﻣﻦ آﻞّ اﻟﺸﻌﻮب واﻷﻣﻢ أﺗﻮا ﻣﻦ ﺑﻠﺪان ﻋﺪﻳﺪة ﻟﻴﺤﻀﺮوا اﻟﻌﻴﺪ :ﻣﻦ اﻟﻴﻮﻧﺎن وﻣﻦ أرﻣﻴﻨﻴﺎ وﻣﻦ روﻣﻴﺔ وﻣﻦ ﺁﺳﻴﺎ وﻣﻦ ﻣﺼﺮ وﻣﻦ ﺑﻠﺪان أﺧﺮى. ﻓﺨﻄﺐ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس ﻓﻜﺎن آﻞّ واﺣﺪ ﻳﻔﻬﻢ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ وُﻟﺪ ﻓﻴﻬﺎ .وآﺎن اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﻳﻜﻠّﻤﻮن أوﻟﺌﻚ اﻟﻨﺎس ﺑﻠﻐﺎﺗﻬﻢ ﻣﻊ أنّ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ آﺎﻧﻮا أﻣّﻴّﻴﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﺳﻮى ﻟﻐﺘﻬﻢ اﻟﺘﻲ وُﻟﺪوا ﻓﻴﻬﺎ ذﻟﻚ ﻷنّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻗﺪ وهﺒﻬﻢ اﻟﻨﻄﻖ ﺑﻜﻞّ اﻟﻠﻐﺎت .وآﺎن أوﻟﺌﻚ اﻟﻨﺎس ﻳﺘﻌﺠّﺒﻮن ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ :أﻟﻴﺲ هﺆﻻء ﻳﻬﻮدًا؟ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻟﻐﺎﺗﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ وُﻟﺪﻧﺎ ﻓﻴﻬﺎ؟ وﺁﻣﻦ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻤﺎهﻴﺮ ﻧﺤﻮ ﺛﻼﺛﺔ ﺁﻻف ﺷﺨﺺ واﻋﺘﻤﺪوا!! )أﻋﻤﺎل ٢ﺑﻜﺎﻣﻠﻪ(.
١٦٣
ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻋﻴﻠﺔ واﺣﺪة ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﻠﺪهﻢ ﻣﻴﻼدًا روﺣﻴًّﺎ واﺣﺪًا .وأﻣّﺎ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﻓﻬﻮ ﻏﺬاء هﺬﻩ اﻟﻌﻴﻠﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ وﻣﺎﺋﺪﺗﻬﺎ اﻟﻮاﺣﺪة ،ﻳﺄآﻠﻮن ﻃﻌﺎﻣًﺎ واﺣﺪًا وﻳﺠﻠﺴﻮن ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة واﺣﺪة .وﻣﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة واﺣﺪة!! ﺗﺤﺪﻳﺪ :إنّ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻳﺤﻮي ﺟﺴﺪ ودم ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺗﺤﺖ ﺷﻜﻠَﻲ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺨﻤﺮ .وﻳﺘﺤﻮّل ﺟﻮهﺮ اﻟﺨﺒﺰ وﺟﻮهﺮ اﻟﺨﻤﺮ إﻟﻰ ﺟﺴﺪ ودم ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻜﻼم اﻟﺠﻮهﺮيّ اﻟﺬي ﻳﺘﻠﻮﻩ اﻟﻜﺎهﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺪّاس .وﻳﺘﻀﻤّﻦ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﺣﻘﻴﻘﺘﻴﻦ :ﺳﺮًّا وذﺑﻴﺤﺔ .ﻓﻤﻦ ﺣﻴﺚ أﻧّﻪ ذﺑﻴﺤﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻠّﻤﻨﺎ ﻋﻨﻪ ﻋﻨﺪ آﻼﻣﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﻘﺪّاس ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وأﻣّﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ هﻮ ﺳﺮّ ﻓﻨﺘﻜﻠّﻢ ﻋﻨﻪ اﻵن.
ﻣﺘﻰ رُﺳﻢ هﺬا اﻟﺴﺮّ؟ ﻗﺪ رﺳﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع هﺬا اﻟﺴ ّﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺴﺮّي ﻟﻴﻠﺔ ﺁﻻﻣﻪ إذ آﺎن ﻳﺘﻌﺸّﻰ ﻣﻊ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ اﻟﻌﺸﺎء اﻷﺧﻴﺮ .ﻓﺄﺧﺬ ﺧﺒﺰًا ﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎﺋﺪة وﺷﻜﺮ وﺑﺎرك وآﺴﺮ وأﻋﻄﻰ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻗﺎﺋﻼً :ﺧﺬوا آﻠﻮا هﺬا هﻮ ﺟﺴﺪي اﻟﺬي ﻳﺒﺬل ﻋﻨﻜﻢ .ﻓﺎﺻﻨﻌﻮا هﺬا ﻟﺬآﺮي .وهﻜﺬا ﻗﺎل أﻳﻀًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺄس :اﺷﺮﺑﻮا ﻣﻨﻪ آﻠّﻜﻢ ،هﺬا هﻮ دﻣﻲ ﻟﻠﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻳﻬﺮق ﻋﻦ آﺜﻴﺮﻳﻦ ﻟﻤﻐﻔﺮة اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ )ﻟﻮ .(١٩ :٢٢
١٦٤
إﺛﺒﺎت ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن :ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ آﻼم أوﺿﺢ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم اﻟﺬي ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻋﻦ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﻓﻬﻮ ﺻﺮﻳﺢ ﺟﺪًّا .ﻓﻘﺪ ﻗﺎل :أﻧﺎ هﻮ ﺧﺒﺰ اﻟﺤﻴﺎة .أﻧﺎ هﻮ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﺬي ﻧﺰل ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء .ﻣﻦ ﻳﺄآﻞ ﻣﻦ هﺬا اﻟﺨﺒﺰ ﻳﺤﻴﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ .واﻟﺨﺒﺰ اﻟﺬي ﺳﺄﻋﻄﻴﻪ أﻧﺎ هﻮ ﺟﺴﺪي .اﻟﺤﻖّ اﻟﺤﻖّ أﻗﻮل ﻟﻜﻢ إن ﻟﻢ ﺗﺄآﻠﻮا ﺟﺴﺪ اﺑﻦ اﻟﺒﺸﺮ وﺗﺸﺮﺑﻮا دﻣﻪ ﻓﻼ ﺣﻴﺎة ﻟﻜﻢ ﻓﻲ أﻧﻔﺴﻜﻢ. ﻣﻦ ﻳﺄآﻞ ﺟﺴﺪي وﻳﺸﺮب دﻣﻲ ﺗﺠﺐ ﻟﻪ اﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ. ﺟﺴﺪي ﻣﺄآﻞ ﺣﻖّ ودﻣﻲ ﻣﺸﺮب ﺣﻖّ .ﻣﻦ ﻳﺄآﻞ ﺟﺴﺪي وﻳﺸﺮب دﻣﻲ ﻳﺜﺒﺖ ﻓﻲﱠ وأﻧﺎ ﻓﻴﻪ )ﻃﺎﻟﻊ ﻳﻮ :٦ﻣﻦ ٣٠إﻟﻰ اﻷﺧﻴﺮ .ﻣﺘﻰ .٢٩ :٢٦ﻟﻮ .١٩ :٢٢ﻣﺮﻗﺲ .(٢٢ :١٤ ﻟﻴﺲ أوﺿﺢ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻜﻼم ﻹﺛﺒﺎت وﺟﻮد ﻳﺴﻮع ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﺎن وإﻟﺰاﻣﻪ إﻳّﺎﻧﺎ ﺑﺄآﻠﻪ!! ﻟـﻤّﺎ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ :ﺧﺬوا آﻠﻮا ﺟﺴﺪي واﺷﺮﺑﻮا هﺬا هﻮ دﻣﻲ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ آﺎذﺑًﺎ ﺑﻞ أﻃﻌﻤﻬﻢ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺟﺴﺪﻩ وﺳﻘﺎهﻢ دﻣﻪ .وهﻜﺬا ﻳﻔﻌﻞ اﻟﻴﻮم ﻳﻄﻌﻤﻨﺎ ﺟﺴﺪﻩ وﻳﺴﻘﻴﻨﺎ دﻣﻪ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺘﻨﺎول! ﻷﻧّﻪ ﻻ ﻳﻌﻘﻞ أﺑﺪًا أنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻄﻌﻢ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ وﺣﺪهﻢ ﺟﺴﺪﻩ اﻟﻤﻘﺪّس دون ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻷﺟﻴﺎل. ﻟﻴﺴﺖ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن ،ﻷنّ اﻟﺬي أﻗﺎم اﻟﻤﻮﺗﻰ وﻓﺘّﺢ اﻟﻌﻤﻴﺎن وأﻧﻄﻖ اﻟﺨﺮس وأﻧﻬﺾ اﻟﻤﻘﻌﺪﻳﻦ وأﺷﺒﻊ ﻋﺪّة ﺁﻻف ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ أرﻏﻔﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺼﻨﻊ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن .إﻧّﻤﺎ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﻋﻈﻤﺔ ﻣﺤﺒّﺔ اﷲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻨﺎهﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻋﻠﻰ رﺳﻢ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺴﻤّﻰ هﺬا اﻟﺴﺮّ ﺳﺮّ اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ .هﻮ ﺳﺮّ اﻟﺘﻮاﺿﻊ اﻹﻟﻬﻲّ .هﻮ ﺳﺮّ اﻟﻌﻄﺎء اﻹﻟﻬﻲّ .هﻮ اﻟﺴﺮّ اﻟﺬي ﻳﺪهﺶ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ.
١٦٥
إﺛﺒﺎت ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ اﻟﺬي ﻳﺒﻴّﻦ ﺑﻮﺿﻮح وﺟﻮد ﻳﺴﻮع ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﻴﻘﻮل :إﻧّﻜﻢ آﻠّﻤﺎ أآﻠﺘﻢ هﺬا اﻟﺨﺒﺰ وﺷﺮﺑﺘﻢ هﺬﻩ اﻟﻜﺄس ﺗﺨﺒﺮون ﺑﻤﻮت اﻟﺮبّ إﻟﻰ أن ﻳﺄﺗﻲ .ﻓﺄي إﻧﺴﺎن أآﻞ ﺧﺒﺰ اﻟﺮبّ وﺷﺮب آﺄﺳﻪ وهﻮ ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻻﺳﺘﺤﻘﺎق ﻓﻬﻮ ﻣﺠﺮم إﻟﻰ ﺟﺴﺪ اﻟﺮبّ ودﻣﻪ .ﻓﻠﻴﺨﺘﺒﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ وهﻜﺬا ﻓﻠﻴﺄآﻞ ﻣﻦ هﺬا اﻟﺨﺒﺰ وﻳﺸﺮب ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻜﺄس ،ﻷنّ ﻣﻦ ﻳﺄآﻞ وﻳﺸﺮب وهﻮ ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻻﺳﺘﺤﻘﺎق إﻧّﻤﺎ ﻳﺄآﻞ وﻳﺸﺮب دﻳﻨﻮﻧﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ إذ ﻟﻢ ﻳﻤﻴّﺰ ﺟﺴﺪ اﻟﺮبّ ودﻣﻪ )آﻮ .(١٦-١١ :١
ﻟﻤﺎذا رﺳﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن؟ ﻲ وأﻧﺎ ﻓﻴﻪ )ﻳﻮ :٦ .١ﻟﻨﺘﺤﺪ ﺑﻪ وﻳﺘّﺤﺪ ﺑﻨﺎ .ﻣﻦ ﻳﺄآﻠﻨﻲ ﻳﺜﺒﺖ ﻓ ّ .(٥٨ .٢ﻟﻨﻀﻤﻦ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ .ﻣﻦ ﻳﺄآﻞ ﺟﺴﺪي ﺗﺠﺐ ﻟﻪ اﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ وأﻧﺎ أﻗﻴﻤﻪ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻷﺧﻴﺮ )ﻳﻮ (٥٥ :٦ .٣ﻟﻨﻐﺬّي ﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﺠﺴﺪﻩ آﻤﺎ ﻧﻐﺬّي ﺟﺴﺪﻧﺎ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم .أﻧﺎ ﺧﺒﺰ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ ﻳﻘﺒﻞ إﻟﻲّ ﻓﻠﻦ ﻳﺠﻮع )ﻳﻮ (٣٥ :٦ .٤ﻟﻨﺤﻴﺎ ﺑﻴﺴﻮع وﻳﺴﻮع ﻳﺤﻴﺎ ﻓﻴﻨﺎ :ﻣﻦ ﻳﺄآﻠﻨﻲ ﻳﺤﻴﺎ ﻓﻲّ وأﻧﺎ ﻓﻴﻪ )ﻳﻮ .(٥٨ :٦
١٦٦
واﻵﺑﺎء اﻟﻘﺪّﻳﺴﻮن ﻳﻌﻠّﻤﻮن أنّ اﻟﺘﻨﺎول ﻳﻘﻮّﻳﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎرﺑﺔ أﻋﺪاﺋﻨﺎ :اﻟﺠﺴﺪ واﻟﻌﺎﻟﻢ واﻟﺸﻴﻄﺎن .وﻳُﻀﻌﻒ ﻓﻴﻨﺎ اﻷﻣﻴﺎل اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ واﻟﻤﻠﻜﺎت اﻟﺮدﻳﺌﺔ. اﻟﻤﻦّ اﻟﺬي ﻧﺰل ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء آﺎن رﻣﺰًا ﻟﻠﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﻟـﻤّﺎ اﺷﺘﺪّ اﺿﻄﻬﺎد اﻟﻤﺼﺮﻳّﻴﻦ ﻟﺸﻌﺐ اﷲ ﺻﺮخ اﻟﺸﻌﺐ إﻟﻰ اﷲ ﻓﺴﻤﻊ ﻟﻬﻢ وأﺧﺮﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺠﺎﺋﺐ وﻗﻮى ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﻴﺴﻜﻨﻬﻢ أرض ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ .ﻓﻠـﻤّﺎ آﺎﻧﻮا ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳّﺔ اﻟﻘﺎﺣﻠﺔ ﻧﻘﺼﻬﻢ اﻟﺨﺒﺰ واﻟﺰاد .ﻓﺄﺧﺬوا ﻳﺼﺮﺧﻮن إﻟﻰ اﻟﺮبّ ﻓﺄﻧﺰل ﻟﻬﻢ اﻟﻤﻦّ واﻟﺴﻠﻮى ﺧﺒﺰًا وﻟﺤﻤًﺎ .ﻓﺎﻗﺘﺎﺗﻮا ﺑﺎﻟﻤﻦّ ﻣﺪّة أرﺑﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﺣﺘّﻰ دﺧﻠﻮا أرض اﻟﻤﻴﻌﺎد .ﻓﺎﻟﻤﻦ آﺎن رﻣﺰ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﺑﺪﻟﻴﻞ ﻗﻮل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﺁﺑﺎؤآﻢ أآﻠﻮا اﻟﻤﻦّ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳّﺔ وﻣﺎﺗﻮا .أﻧﺎ اﻟﺨﺒﺰ اﻟﺬي ﻧﺰل ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء .ﻣﻦ ﻳﺄآﻞ ﻣﻦ هﺬا اﻟﺨﺒﺰ ﻳﺤﻴﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ )ﻳﻮﺣﻨّﺎ .(٦١-٤٨ :٦ اﻋﺘﺮاض :ﻳﻨﻜﺮ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس وﻳﻘﻴﻤﻮن اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺴﺮّي ﻓﻲ أﻋﻴﺎدهﻢ وﻳﻮزّﻋﻮن اﻟﺨﺒﺰ .وﻳﺼﻨﻌﻮن ذﻟﻚ ﻣﺠﺮّد ذآﺮى ﻓﻘﻂ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻮﺟﻮد ﻳﺴﻮع ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﺎن، ﻣﺪّﻋﻴﻦ ﺑﺄنّ ﻳﺴﻮع ﻗﺎل ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ :اﺻﻨﻌﻮا هﺬا ﻟﺬآﺮي. اﻟﺠﻮاب :إنّ اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ ﺑﻌﺪ ﺻﻌﻮد ﻳﺴﻮع إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء آﺎﻧﻮا ﻳﻮاﺻﻠﻮن آﺴﺮ اﻟﺨﺒﺰ آﻞّ ﻳﻮم وﻳﺘﻨﺎوﻟﻮﻧﻪ ﺑﺈﻳﻤﺎن )أﻋﻤﺎل -٤٢ :٢ (٤٦واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﺮﺳﻞ إﻟﻰ اﻟﻴﻮم ﺗﻤﺎرس اﻟﺘﻨﺎول ﻣﺆﻣﻨﺔ ﺑﻮﺟﻮد ﻳﺴﻮع ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﺎن وآﺬﻟﻚ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻷرﺛﻮذآﺴﻴّﺔ.
١٦٧
ﺛﻢّ ﻻ أﺣﺪ ﻳﺸﻚّ ،ﺣﺘّﻰ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ أﻧﻔﺴﻬﻢ ،أنّ ﻳﺴﻮع ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺴﺮّي ﺣﻮّل ﺟﻮهﺮ اﻟﺨﺒﺰ إﻟﻰ ﺟﺴﺪﻩ وأﻃﻌﻢ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺟﺴﺪﻩ ﺣﻘﻴﻘﺔ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ :ﺧﺬوا آﻠﻮا ﺟﺴﺪي .ﺛﻢّ أﻋﻄﺎهﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ وﻣﻦ ﺑﻌﺪهﻢ ﻟﻠﻜﻬﻨﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﺼﻨﻌﻮا ﻣﺎ ﺻﻨﻊ ﺑﻘﻮﻟﻪ :اﺻﻨﻌﻮا هﺬا ﻟﺬآﺮي .أي آﻤﺎ ﻓﻌﻠﺖ أﻧﺎ اﻵن هﻜﺬا أﻧﺘﻢ أﻳﻀًﺎ اﻓﻌﻠﻮا وأﻃﻌﻤﻮا ﺟﺴﺪي ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﻲ ﻷنّ ﺟﺴﺪي ﻣﺄآﻞ ﺣﻘًّﺎ. هﻞ ﻳُﻌﻘﻞ أنّ ﻳﺴﻮع ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻄﻌﻢ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ وﺣﺪهﻢ ﺟﺴﺪﻩ وﻳﺤﺮم اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﺆﻣﻨﻮن ﺑﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ؟ هﻞ ﻳﻌﻘﻞ أنّ ﻳﺴﻮع ﻳﺮﻳﺪ ﺧﻼص اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ وﺣﺪهﻢ أم آﻞّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﻪ؟ ﻷﻧّﻪ ﻗﺎل إنّ ﺟﺴﺪﻩ ﺧﺒﺰ اﻟﺴﻤﺎء وﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺄآﻞ ﻣﻨﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺴﻤﺎء .ﻓﺈذًا ﻳﺠﺐ أن ﻳﺄآﻞ ﻣﻦ ﺟﺴﺪﻩ آﻞّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻷﺟﻴﺎل ﻟﻜﻲ ﻳﺨﻠﺼﻮا وﻳﺤﻴﻮا ،ﻷﻧّﻪ ﻗﺎل :ﻣﻦ ﻳﺄآﻞ ﺟﺴﺪي ﻳﺤﻴﺎ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ وﺗﺠﺐ ﻟﻪ اﻟﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ! إنّ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ وﺟﺪوا ﻓﻲ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ ﺑﻌﺪ أن آﺎﻧﺖ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ واﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻮن ﻣﻨﺬ أﻟﻒ وﺧﻤﺴﻤﺎﻳﺔ ﺳﻨﺔ ﻳﻌﻴﺸﻮن اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻮﺟﻮد ﻳﺴﻮع ﻓﻲ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس وﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ واﻟﺒﺎﺑﺎوات اﻟﻌﻈﺎم واﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻼهﻮﺗﻴّﻴﻦ واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ واﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺪاء اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎﺗﻮا وهﻢ ﻣﺆﻣﻨﻮن ﺑﺴﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن .هﺆﻻء آﻠّﻬﻢ آﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺄ وﺿﻼل؟! ﺣﺘّﻰ ﺟﺎء اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ وﻗﺎﻟﻮا :ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻳﺴﻮع ﻓﻲ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن .واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :إذا ﺑﺸّﺮآﻢ ﻣﻼك ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﻧﺒﺸّﺮآﻢ ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻣﺤﺮوﻣًﺎ.
١٦٨
إﺛﺒﺎﺗﺎت ﻣﻦ أﻗﻮال اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ إنّ ﻟﻮﺛﺮ ﻣﺆﺳّﺲ اﻟﻤﺬهﺐ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﻗﺎل :ﻟﻘﺪ ﺧﺎرت ﻗﻮاي وأﻧﺎ أدرس ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﻀﻮر ﻳﺴﻮع ﻓﻲ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﺮأﻳﺖ أن ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﺘﺨﻠّﺺ ﻣﻦ آﻼم اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ اﻟﻮﺿﻮح ﻹﺛﺒﺎت هﺬا اﻟﺴﺮّ. ﻗﺎل ﺟﻮﻧﺴﻮن هﻴﻜﺲ .وزﻳﺮ اﻟﺪاﺧﻠﻴّﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ﻧﻮّاب أﻧﺠﻠﺘﺮا ﺳﻨﺔ :١٩٢٨ﻣﻦ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳُﺤﻔﻆ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس إﻻّ ﻓﻲ ٢٨آﻨﻴﺴﺔ ﻣﻦ آﻨﺎﺋﺴﻨﺎ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﺔ أﻣّﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ ﺗﺠﺎوز ﻋﺪد اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﻔﻆ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس اﻟﺴﺒﻌﻤﺎﻳﺔ آﻨﻴﺴﺔ ﺗﺎﺑﻌﻴﻦ ﺑﺬﻟﻚ إﻳﻤﺎن اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﺑﺴﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن! آﺘﺐ "ﺷﺎرل هﻮﺑﺮي" اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﺳﻨﺔ ١٩٣١ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻤﺠﻼّت اﻷﻣﻴﺮآﻴّﺔ ﻣﻘﺎﻻً ﺿﺎﻓﻴًﺎ ﻗﺎل :إنّ ﺳﺒﺐ آﻮن اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﺗﻴّﺔ ﻓﺎرﻏﺔ ﻓﻲ ﺣﻔﻼﺗﻬﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ واﻟﻜﻨﺎﺋﺲ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ﻏﺎﺻّﺔ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻓﻲ آﻞّ ﺣﻔﻼﺗﻬﺎ هﻮ ﺳﺒﺐ واﺣﺪ ،أﻋﻨﻲ أنّ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻳﺠﺪون اﷲ ﻓﻲ آﻨﺎﺋﺴﻬﻢ ،أﻣّﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ ﻓﻼ ﻧﺠﺪ ﺳﻮى واﻋﻆ!! آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ واﻟﻘﺪّﻳﺴﺎت آﺎﻧﻮا ﻳﺸﺎهﺪون ﻳﺴﻮع ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس .وﻋﺒﺎدة اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻟﻠﻘﺮﺑﺎن ﻋﺠﻴﺒﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﻘﻀﻮن ﺳﺎﻋﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ وﻟﻴﺎﻟﻲ ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ أﻣﺎم اﻟﻘﺮﺑﺎن. إنّ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲّ ﻻ ﻳﺴﺎورﻩ ﺷﻚّ ﺑﻮﺟﻮد ﻳﺴﻮع ﻓﻲ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ آﻼﻣﻪ اﻹﻟﻬﻲّ اﻟﺬي ﻳﻤﻸ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻤﻘﺪّس.
١٦٩
ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺤﺒﻮس ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن .١إنّ ﻣﺤﺒّﺔ ﻳﺴﻮع ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻻ ﺗﻘﻞّ ﻋﻦ ﻣﺤﺒّﺘﻪ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻐﺎرة ﺑﻴﺖ ﻟﺤﻢ .ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺎرة آﺎن ﻟﻪ ﺻﻮرة ﻃﻔﻞ ﺟﻤﻴﻞ ﺟﺬّاب ،أﻣّﺎ ﻓﻲ ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﻼ ﻣﻨﻈﺮ وﻻ ﺟﻤﺎل. .٢إنّ ﻣﺤﺒّﺔ ﻳﺴﻮع ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻻ ﺗﻘﻞّ ﻋﻦ ﻣﺤﺒّﺘﻪ ﻟﻨﺎ وهﻮ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻓﻲ ﺣﺎﻧﻮت اﻟﻨﺠﺎرة آﻌﺎﻣﻞ ﺑﺴﻴﻂ ﻻ أﺣﺪ ﻳﻔﻜّﺮ ﺑﻪ .وآﺜﻴﺮون ﻻ ﻳﻔﻜّﺮون ﺑﻴﺴﻮع ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن وﻻ ﻳﺒﺎﻟﻮن. .٣وﻻ ﺗﻘﻞّ ﻋﻦ ﻣﺤﺒّﺘﻪ ﻟﻨﺎ وهﻮ ﻓﻲ ﺑﺴﺘﺎن اﻟﺰﻳﺘﻮن ﺣﻴﺚ آﺎن ﻳﺤﺰن وﻳﻜﺘﺌﺐ ،آﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻳﺤﺰن وﻳﻜﺘﺌﺐ .وﻻ ﺗﻘﻞّ ﻋﻦ ﻣﺤﺒّﺘﻪ ﻟﻨﺎ وهﻮ ﻣﻘﻴّﺪ ﺑﺎﻟﺤﺒﺎل ﻟﻴﻠﺔ ﺁﻻﻣﻪ ،وﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻣﻘﻴّﺪ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻜﺎهﻦ ﻣﺤﺒﻮس ﻻ ﺣﺮﻳّﺔ ﻟﻪ! .٤وﻻ ﺗﻘﻞّ ﻋﻦ ﻣﺤﺒّﺘﻪ ﻟﻨﺎ وهﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ .ﻓﻌﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻧﺎدى أﺑﺎﻩ :أﺑﺖِ أﺑﺖِ اﻏﻔﺮ ﻟﻬﻢ .وﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻳﻨﺎدي أﺑﺎﻩ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ. .٥أراد ﻳﺴﻮع ﻣﻦ ﺳﻜﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن أن ﻳﻜﻮن ﻗﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻨّﺎ ﻟﻴﻌﺰّﻳﻨﺎ وﻳﺴﻠّﻴﻨﺎ ﻓﻲ أﺣﺰاﻧﻨﺎ وﺁﻻﻣﻨﺎ وﻳﻘﻮّﻳﻨﺎ ﻓﻲ ﺿﻌﻔﻨﺎ وﻳﺸﺠّﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺷﺪاﺋﺪﻧﺎ وﻳﺮﺷﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺻﻌﻮﺑﺎﺗﻨﺎ وﻳﻨﻴﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺼﻌﺒﺔ. .٦ﻓﻜﻢ ﻳﺤﺰن ﻳﺴﻮع ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮاﻧﺎ ﻧﻤﺮّ أﻣﺎم اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺤﺒﻮس ﻓﻴﻬﺎ وﻻ ﻧﺪﺧﻞ إﻟﻴﻪ ﻧﺤﻴّﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﻼم أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞّ ﻧﻔﻜّﺮ ﻓﻴﻪ وﻧﻮﺟّﻪ إﻟﻴﻪ ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺣﺐّ! .٧آﻢ ﻳﺤﺰن إذ ﻳﺮاﻧﺎ ﻧﻘﻀﻲ ﺳﺎﻋﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ آﻞّ ﻳﻮم ﻓﻲ اﻟﻤﻼهﻲ واﻟﺰﻳﺎرات وﻧﺒﺨﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺒﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ ﻣﻨﻬﺎ.
١٧٠
.٨آﻢ ﻳﺤﺰن إذ ﻳﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻟﻨﻌﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺎﺟﺎﺗﻨﺎ وﺻﻌﻮﺑﺎﺗﻨﺎ ﻓﻴﺼﻐﻲ إﻟﻴﻨﺎ وﻳﻔﺮﱢﺟﻬﺎ! .٩ﻟﻮ آﺎن ﺻﺪﻳﻖ ﻋﺰﻳﺰ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﻟﻜﻨّﺎ ﻧﺰورﻩ آﻞّ ﻳﻮم! إذا آﻨّﺎ ﻧﺤﺘﺎج رﺟﻼً ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻧﺬهﺐ إﻟﻴﻪ آﻞّ ﻳﻮم ﻧﺮﺟﻮ ﻣﻨﻪ ﺣﺎﺟﺎﺗﻨﺎ ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﻧﺰور ﻳﺴﻮع ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻓﻬﻮ ﺻﺪﻳﻖ وﻣﺤﺐّ وﻟﻄﻴﻒ وﻻ ﻳﺨﻴﱢﺐ أﺣﺪًا!! .١٠إنّ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ أﻟّﺬ وﻗﺖ آﺎن ﻟﺪﻳﻬﻢ هﻮ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﻘﻀﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪّث إﻟﻰ ﻳﺴﻮع ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن .ﻓﺎﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮﻳﺰﻳﺎ آﺎﻧﺖ ﺗﺸﺘﻬﻲ ﻟﻮ أﻣﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﻤﻜﺚ ﻟﻴﻞ ﻧﻬﺎر ﻣﻊ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺤﺒﻮس ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺮﺑﺎن.
١٧١
ﺳﺮ اﻟﺘﻮﺑﺔ أي اﻻﻋﺘﺮاف ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻜﺮون اﻻﻋﺘﺮاف وﻳﺪّﻋﻮن أﻧّﻬﻢ ﻳﻌﺘﺮﻓﻮن ﷲ رأﺳًﺎ دون واﺳﻄﺔ إﻧﺴﺎن ﻳﺨﺎﻟﻔﻮن إرادة اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﺬي ﺧﻮّل رﺳﻠﻪ وﺧﻠﻔﺎءهﻢ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺤﻞّ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻟﻬﻢ: ﻣﻬﻤﺎ ﺗﺤﻠّﻮﻩ ﻓﻲ اﻷرض ﻳﻜﻮن ﻣﺤﻠﻮﻻً ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،وﻣﻬﻤﺎ ﺗﺮﺑﻄﻮﻩ ﻓﻲ اﻷرض ﻳﻜﻮن ﻣﺮﺑﻮﻃًﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء )ﻣﺘﻰ .(١٨ :١٨ وزاد هﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن وﺿﻮﺣًﺎ وﻗﻮّة ﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ إذ آﺎن اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ وﺣﺪهﻢ وﻗﻒ ﻓﻲ وﺳﻄﻬﻢ وﻗﺎل :آﻤﺎ أرﺳﻠﻨﻲ أﺑﻲ هﻜﺬا أﻧﺎ أرﺳﻠﻜﻢ .ﺛﻢّ ﻧﻔﺦ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﺎﺋﻼً :اﻗﺒﻠﻮا اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ،ﻣﻦ ﻏﻔﺮﺗﻢ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﺗﻐﻔﺮ ﻟﻬﻢ وﻣﻦ أﻣﺴﻜﺘﻢ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﺗﻤﺴﻚ ﻟﻬﻢ )ﻳﻮﺣﻨّﺎ .(٢٢ :٢٠ ﻓﻠﻮ آﺎن اﻟﺨﺎﻃﺊ ﻏﻴﺮ ﻣﻠﺘﺰم ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺨﻄﺎﻳﺎﻩ ﻟﺪى اﻟﻜﺎهﻦ ﻟﻜﺎن آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺮﺳﻠﻪ" :ﻣﻦ ﻏﻔﺮﺗﻢ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﻏﻔﺮت ﻟﻬﻢ وﻣﻦ أﻣﺴﻜﺘﻢ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﺗُﻤﺴﻚ ﻟﻬﻢ" ﻟﻜﺎن آﻼﻣًﺎ ﻓﺎرﻏًﺎ... آﻼم هﺬﻳﺎن ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ .وﻳﻜﻮن ﻗﺎﺋﻞ هﺬا اﻟﻜﻼم ﻻ ﻳﺪري ﻣﺎ ﻳﻘﻮل. ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺳﺮّ اﻟﺘﻮﺑﺔ :إنّ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ هﻲ ﺳﺮّ ﻓﻬﻲ إﻗﺮار اﻟﺨﺎﻃﺊ ﺑﺨﻄﺎﻳﺎﻩ ﻟﻠﻜﺎهﻦ ﻟﻴﻨﺎل اﻟﺤﻞّ ﻣﻨﻬﺎ واﻟﻐﻔﺮان ﻋﻨﻬﺎ. وأﻣّﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﻌﻨﺎهﺎ اﻟﻠﻔﻈﻲّ ﻓﻬﻲ ﻧﺪاﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن وﺗﺄﺳّﻔﻪ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎﻩ اﻟﺘﻲ أﻏﺎظ ﺑﻬﺎ اﷲ اﻟﻤﺤﺴﻦ واﻟﻤﺤﺐّ اﻟﺬي أﺣﺒّﻨﺎ ﺣﺘّﻰ ﻣﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ .ﻓﻜﻴﻒ ﻧﺒﺎدل ﻣﺤﺒّﺘﻪ ﺑﺎﻹهﺎﻧﺔ وإﺣﺴﺎﻧﻪ ﺑﻨﻜﺮان اﻟﺠﻤﻴﻞ؟
١٧٢
اﻻﻋﺘﺮاف :هﻮ اﻟﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺘﻲ أراد ﺑﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أن ﻳﻐﻔﺮ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ وﻳﺼﺎﻟﺤﻨﺎ .ﻓﻤﻦ ﻳﺮﻓﺾ اﻻﻋﺘﺮاف ﻳﺮﻓﺾ إرادة اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع .اﻻﻋﺘﺮاف هﻮ ﻓﻌﻞ ﺗﻮاﺿﻊ ﻋﻤﻴﻖ ﻳﻤﺎرﺳﻪ اﻹﻧﺴﺎن أﻣﺎم رﺑّﻪ .وهﻮ أﻳﻀًﺎ ﻓﻌﻞ ﺧﻀﻮع وﻃﺎﻋﺔ ﻹرادة اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع .ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف ﻳﻌﺎﻧﻖ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﺨﺎﻃﺊ وﻳﻐﻔﺮ ﻟﻪ .واﻟﺨﺎﻃﺊ ﻳﻌﺎﻧﻖ ﻳﺴﻮع. وﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﻌﺎﻧﻘﺔ ﺗﺘﻢّ اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ،وﻣﺎ أﺟﻤﻠﻬﺎ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ!! وﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻣﺜﻞ اﻻﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ اﻟﺬي ﺿﺮﺑﻪ ﻟﻨﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻴﺒﻴّﻦ ﻟﻨﺎ ﺷﻔﻘﺔ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺎﻃﺊ: ﻓﻠـﻤّﺎ رﺟﻊ اﻻﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ إﻟﻰ أﺑﻴﻪ ﺗﺎﺋﺒًﺎ ﺿﻤّﻪ أﺑﻮﻩ إﻟﻰ ﺻﺪرﻩ وﻗﺒّﻠﻪ ﺑﻌﻄﻒ وﺣﻨﺎن ،وذﺑﺢ ﻟﻪ اﻟﻌﺠﻞ اﻟﻤﺜﻤّﻦ وﻟﻴﻤﺔ اﻟﻔﺮح ﺑﺮﺟﻮﻋﻪ ،وأﻟﺒﺴﻪ اﻟﺨﺎﺗﻢ رﻣﺰ اﻟﺒﻨﻮّة ،واﻟﺤﻠّﺔ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ رﻣﺰ اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ) .ﻃﺎﻟﻊ اﻹﻧﺠﻴﻞ ،ﻟﻮﻗﺎ ١٢ :١٥إﻧﺠﻴﻞ اﻻﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ(. ﺳﺮّ اﻟﺘﻮﺑﺔ :هﻮ ﻳﻨﺒﻮع اﻟﺮﺣﻤﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ اﻟﻔﻴّﺎض ،وﺑﺎب اﻟﺴﻤﺎء ودواء اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ .ﻗﺪ وﺿﻌﻪ اﻟﻄﺒﻴﺐ اﻟﺴﻤﺎويّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﻳﻌﺮف ﺿﻌﻔﻨﺎ وﻗﻮّة أﻋﺪاﺋﻨﺎ .إنّ اﻟﺒﻌﺾ ﻳﺠﺪوﻧﻪ دواءً ﻣﺮًّا ﻓﻴﻨﻔﺮون ﻣﻨﻪ ﻷﻧّﻪ ﻳﺨﻔﺾ آﺒﺮﻳﺎءهﻢ وﻳﻘﻴّﺪ أﻣﻴﺎﻟﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﺮّﻣﺎت .واﻟﺒﻌﺾ ﻳﺴﺘﻌﺬﺑﻮن هﺬا اﻟﺪواء آﻄﻔﻞ ﻳﺴﺘﻠﺬّ دواءً ﻓﻴﻪ ﺳﻜّﺮ ﻓﻴﻘﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﺑﻪ ﺑﻜﺜﺮة ﻏﻴﺮ ﻣﺮاع ﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻄﺒﻴﺐ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻪ! ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻤﺆﻣﻦ أن ﻻ ﻳﻨﻔﺮ ﻣﻦ ﻣﺮارﺗﻪ ﻷنّ ﻣﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﺸﻔﺎء ﺻﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺮارة اﻟﺪواء ،وأن ﻻ ﻳﺴﺘﻌﺬﺑﻪ ﻓﻴﻜﺮّر اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ وﻳﻐﻴﻆ اﷲ ﻣﺴﺘﺴﻬﻼً اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﻞ ﻓﻠﻴﻘﺒﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺮارًا آﺜﻴﺮة ﺑﺤﺴﺐ اﻟﺸﺮوط أﺧﺼّﻬﺎ اﻟﻨﺪاﻣﺔ وﺑﻐﺾ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﻗﺼﺪ ﻋﺪم اﻟﺮﺟﻮع
١٧٣
إﻟﻴﻬﺎ .وﻗﺪ ﻣﺮّ ذآﺮ ﺷﺮوط اﻻﻋﺘﺮاف ﻓﻲ وﺻﻴّﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻓﺮاﺟﻌﻬﺎ. اﻟﺘﻮﺑﺔ ﺿﺮورﻳّﺔ ﻟﻠﺨﻼص :ﻗﺪ أﻣﺮ اﷲ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ وﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ. ﻓﻔﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻟﻠﺸﻌﺐ ،ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﻣﻮﺳﻰ: اﻟﻴﻮم اﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻳﻜﻮن ﻟﻜﻢ ﻳﻮم آﻔّﺎرة ﺗﺬﻟّﻠﻮن ﻓﻴﻪ ﻧﻔﻮﺳﻜﻢ وﺗﻘﺪّﻣﻮن ﻟﻠﺮبّ وﻗﻴﺪة ،أي ذﺑﻴﺤﺔ ،وآﻞّ إﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺬﻟّﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻴﻮم ﻳﻘﻄﻊ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ )ﺳﻔﺮ اﻷﺣﺒﺎر .(٢٦ :٢٣ وﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﺗﻮﺑﻮا وإن ﻟﻢ ﺗﺘﻮﺑﻮا ﻓﺠﻤﻴﻌﻜﻢ ﺗﻬﻠﻜﻮن )ﻟﻮﻗﺎ .(٥ :١٣إن ﻟﻢ ﺗﺘﻮﺑﻮا ﺗﻘﻌﻮن ﻓﻲ ﻳﺪي اﷲ ﻻ ﻓﻲ أﻳﺪي اﻟﺒﺸﺮ. إﺛﺒﺎت ﺳﺮّ اﻻﻋﺘﺮاف إنّ اﻻﻋﺘﺮاف ﻗﺪ رﺳﻤﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ ﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ :ﻣﻦ ﻏﻔﺮﺗﻢ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﺗﻐﻔﺮ ﻟﻬﻢ وﻣﻦ أﻣﺴﻜﺘﻢ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﺗﻤﺴﻚ ﻟﻬﻢ )ﻳﻮﺣﻨّﺎ :آﻤﺎ أرﺳﻠﻨﻲ أﺑﻲ آﺬﻟﻚ أﻧﺎ أرﺳﻠﻜﻢ .ﺛﻢّ ﻧﻔﺦ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﺎﺋﻼً :ﺧﺬوا اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس.(٢١ :٢٠ . وآﺎن ﻳﺴﻮع ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ووﻋﺪهﻢ ﺑﻬﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﺒﻄﺮس :ﺳﺄﻋﻄﻴﻚ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎوات ﻓﻜﻞّ ﻣﺎ ﺣﻠﻠﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻜﻮن ﻣﺤﻠﻮﻻً ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء وآﻞّ ﻣﺎ رﺑﻄّﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻜﻮن ﻣﺮﺑﻮﻃًﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء )ﻣﺘﻰ .(١٨ :١٦وهﺬا اﻟﻜﻼم وﺟّﻬﻪ إﻟﻰ اﻟﺮﺳﻞ أﻳﻀًﺎ ﻗﺎﺋﻼً :إنّ آﻞّ ﻣﺎ رﺑﻄﺘﻤﻮﻩ ﻋﻠﻰ اﻷرض
١٧٤
ﻳﻜﻮن ﻣﺮﺑﻮﻃًﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء وآﻞّ ﻣﺎ ﺣﻠﻠﺘﻤﻮﻩ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻜﻮن ﻣﺤﻠﻮﻻً ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء )ﻣﺘﻰ .(١٨ :١٨ واﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻮن ﻳﻤﺎرﺳﻮن اﻻﻋﺘﺮاف ﻣﻨﺬ أﻳّﺎم اﻟﺮﺳﻞ ،وآﺘﺎب أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ ﻳﺜﺒﺖ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺟﺎء ﻓﻴﻪ :وآﺎن آﺜﻴﺮون ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻳﺄﺗﻮن ﻣﻌﺘﺮﻓﻴﻦ ﺑﺨﻄﺎﻳﺎهﻢ وﻣﺨﺒﺮﻳﻦ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ).(١٨ :٩ وﺟﺎء ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻌﻘﻮب اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ – – ١٦اﻋﺘﺮﻓﻮا ﺑﺨﻄﺎﻳﺎآﻢ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﻟﺒﻌﺾ .وﺟﺎء ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻷوﻟﻰ – – ٩إن اﻋﺘﺮﻓﻨﺎ ﺑﺨﻄﺎﻳﺎﻧﺎ ﻓﺎﷲ ﻋﺎدل أﻣﻴﻦ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ وﻳﻄﻬّﺮﻧﺎ .واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :ﻧﺤﻦ ﺳﻔﺮاء اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻗﺪ ﻋﻬﺪ إﻟﻴﻨﺎ ﻳﺴﻮع ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ )آﻮ .(٢٠-١٨ :٥ وﻳﻮﺟﺪ ﺑﺮهﺎن ﻗﻮيّ ﻋﻠﻰ إﺛﺒﺎت اﻻﻋﺘﺮاف هﻮ أﻧّﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﺜﺎﻟﺚ اﺣﺘﺪم اﻟﺠﺪال ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ وﺑﻴﻦ ﺑﺪﻋﺘَﻴﻦ آﺎن أﺻﺤﺎﺑﻬﻤﺎ ﻳﻘﺮّون ﺑﺴﻠﻄﺎن ﻣﻐﻔﺮة اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ،وﻟﻜﻦ آﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮن إنّ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ﺳﻠﻄﺎن أن ﺗﺤﻞّ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ،ﻓﺤﺮﻣﺘﻬﻤﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻗﺪ ﺗﻼﺷﺘﺎ .وﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎوﻣﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ آﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮﻟﻮن إنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺪ أﻋﻄﻰ هﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﻠﺮﺳﻞ ﻓﻘﻂ .ﻓﺄﺟﺎب اﻵﺑﺎء اﻟﻘﺪّﻳﺴﻮن :إذًا اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺨﻠّﺺ اﻟﺬﻳﻦ آﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ أﻳّﺎم اﻟﺮﺳﻞ ﻓﻘﻂ. ﻓﻲ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ﻧﺸﺄت ﺑﺪﻋﺔ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ وﻓﻲ ﺑﺪء ﻧﺸﺄﺗﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﻜﺮ ﻣﺆﺳّﺴﻬﻢ اﻻﻋﺘﺮاف .ﻓﻠﻮﺛﺮ وهﻮ ﻣﺆﺳّﺲ اﻟﻤﺬهﺐ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﻗﺎل :أﻓﻀّﻞ أن أﻃﻴﻊ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﻀﻲ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻪ وﻻ أن ﻳﻠﻐﻰ اﻻﻋﺘﺮاف ،ﻷنّ اﻻﻋﺘﺮاف ﺿﺮوريّ واﷲ ﻗﺪ وﺿﻌﻪ.
١٧٥
وﻗﺎل ﻓﻮﻟﺘﺎر اﻟﻤﻠﺤﺪ :اﻻﻋﺘﺮاف هﻮ أﻓﻀﻞ وﺳﻴﻠﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻨﺎس اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻬﺎ ﻹدراك اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ،وهﻮ أﻗﻮى ﻟﺠﺎم ﻟﻠﺸﻬﻮات، وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ اﻻﻋﺘﺮاف ﻟﺘﺤﺘّﻢ وﺟﻮدﻩ! وﻗﺎل ﺟﺎن ﺟﺎك روﺳﻮ اﻟﻤﻠﺤﺪ اﻟﻜﺒﻴﺮ :آﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﺒّﺎن اﺑﺘﻌﺪوا ﻋﻦ اﻟﺸﺮّ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻻﻋﺘﺮاف ،واﻧﺘﺼﺮوا ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻬﻮات واﻟﺸﻴﻄﺎن ،وآﻢ ﻣﻦ ﺗﻌﻮﻳﺾ ﺻﺎر ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻻﻋﺘﺮاف. ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻣﻬﻤّﺔ :إنّ إرﺳﺎﻟﻴّﺔ ﻳﺴﻮع ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ ﻣﻐﻔﺮة ﺧﻄﺎﻳﺎ اﻟﻨﺎس وﻣﺼﺎﻟﺤﺘﻬﻢ ﻣﻊ اﷲ أﺑﻴﻪ ،آﺬﻟﻚ أرﺳﻞ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﻟﻴﻮاﺻﻠﻮا هﺬﻩ اﻹرﺳﺎﻟﻴّﺔ ،ﻣﻐﻔﺮة ﺧﻄﺎﻳﺎ اﻟﻨﺎس وﻣﺼﺎﻟﺤﺘﻬﻢ ﻣﻊ اﷲ! اﻋﺘﺮاﺿﺎت ﺖ ﺑﻌﺪ اﻻﻋﺘﺮاف اﻋﺘﺮاض أوّل :ﻣﺎ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺮاف ﻣﺎ زﻟ ُ أرﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ؟ ﺟﻮاب :ﻓﻜﺄﻧّﻚ ﺗﻘﻮل ﷲ ﻻ أرﻳﺪ أن أﺻﺎﻟﺤﻚ ﻳﺎ اﷲ ﻷﻧّﻲ أرﻳﺪ أن أرﺟﻊ ﻓﺄﻏﻴﻈﻚ! ﻓﺄي ﻗﺼﺎص ﻳﺴﺘﺤﻖّ إﻧﺴﺎن ﻗﺎل ﻟﻤﻠﻚ ﻋﻈﻴﻢ :ﻻ أرﻳﺪ أن أﺻﺎﻟﺤﻚ أﻳّﻬﺎ اﻟﻤﻠﻚ ﻷﻧّﻲ أرﻳﺪ أن أرﺟﻊ ﻓﺄﻏﻴﻈﻚ! أي اﻻﺛﻨﻴﻦ أﻓﻀﻞ؟ اﺑﻦ أﻏﺎظ أﺑﺎﻩ ﻣﺮّة واﺳﺘﻤﺮّ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﻔﺮ أﺑﺎﻩ وﻻ ﻳﻜﻠّﻤﻪ ،واﺑﻦ أﻏﺎظ أﺑﺎﻩ ﻣﺮّات آﺜﻴﺮة وﻟﻜﻨّﻪ آﻞّ ﻣﺮّة ﻳﺒﻜﻲ وﻳﻨﺪم وﻳﻨﻄﺮح ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣَﻲ أﺑﻴﻪ ﻣﺴﺘﻐﻔﺮًا ﻣﻘﺮًّا ﺑﻀﻌﻔﻪ؟ إنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺪ رﺳﻢ اﻻﻋﺘﺮاف ﻟﻌﻠﻤﻪ ﺑﻀﻌﻔﻨﺎ .وﻗﺪ ﻗﺎل ﻟﺒﻄﺮس :إذا أﺧﻄﺄ إﻟﻴﻚ إﻗﺮﻳﺒﻚ وﻃﻠﺐ ﻣﻨﻚ اﻟﻤﻐﻔﺮة ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻪ "ﻻ ﺳﺒﻊ ﻣﺮّات ﺑﻞ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﺮّة ﺳﺒﻊ ﻣﺮّات" .إنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع
١٧٦
آﻤﺎ ﺗﻐﻀﺒﻪ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻳﺮﺿﻴﻪ ﺗﻮاﺿﻌﻨﺎ وﺗﺬﻟّﻠﻨﺎ ﻃﺎﻟﺒﻴﻦ ﻣﻨﻪ اﻟﻤﻐﻔﺮة. اﻋﺘﺮاض ﺛﺎﻧﻲ :إنّ اﻟﺬﻳﻦ ﻏﻔﺮ ﻟﻬﻢ ﻳﺴﻮع ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺨﻠّﻊ واﻟﻤﺮأة اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ وﻏﻴﺮهﻢ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ :ﻣﻐﻔﻮرة ﻟﻜﻢ ﺧﻄﺎﻳﺎآﻢ دون أن ﻳﻘﺮّوا ﺑﺨﻄﺎﻳﺎهﻢ ،ﻓﻠﻤﺎذا إذًا اﻹﻗﺮار ﺑﺎﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻟﻠﻜﺎهﻦ؟ ب ﻳﺴﻮع ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻌﺪ رﺳﻢ اﻻﻋﺘﺮاف، ﺟﻮاب :ذﻟﻚ ﻷنّ اﻟﺮ ّ وآﺎﻧﺖ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺗﻐﻔﺮ ﺑﺎﻟﻨﺪاﻣﺔ .واﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ ﻳﺴﻮع :ﻣﻐﻔﻮرة ﺧﻄﺎﻳﺎآﻢ ،آﺎﻧﻮا ﻧﺎدﻣﻴﻦ .وهﻞ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻧﺪاﻣﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮأة اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﻄﺮﺣﺖ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻲ ﻳﺴﻮع ﺗﻐﺴﻠﻬﻤﺎ ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ وﺗﻨﺸّﻔﻬﻤﺎ ﺑﺸﻌﺮ رأﺳﻬﺎ؟ ﻓﺎﺳﺘﺤﻘّﺖ أن ﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ ﻳﺴﻮع :ﻣﻐﻔﻮرة ﻟﻚ ﺧﻄﺎﻳﺎك.
اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻌﺎم ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻌﺎم هﻮ إﻋﺎدة اﻻﻋﺘﺮاﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻤّﺖ ﺑﻌﺪ اﻋﺘﺮاف آﺎذب .إنّ اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻜﺎذب ﻳﻔﺴﺪ آﻞّ اﻻﻋﺘﺮاﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﻩ وﻟﻮ ﻣﻀﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻨﻮن! ﺿﺮورة اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻌﺎم :إنّ اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻌﺎم هﻲ إﺻﻼح اﻋﺘﺮاﻓﺎﺗﻨﺎ اﻟﻔﺎﺳﺪة .وهﺬا اﻹﺻﻼح ﺿﺮوريّ ﺟﺪًّا ﻟﻠﺨﻼص.
١٧٧
ﻣﺘﻰ ﻳﻜﻮن اﻻﻋﺘﺮاف ﻓﺎﺳﺪًا؟ ﻳﻜﻮن اﻻﻋﺘﺮاف ﻓﺎﺳﺪًا(١) : إذا أﺧﻔﻴﺖ ﻗﺼﺪًا ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ أو ﺻﻐّﺮﺗﻬﺎ أو أﺧﻔﻴﺖ ﻧﻮﻋﻬﺎ أو ﻋﺪدهﺎ أو ﻇﺮوﻓﻬﺎ (٢) .إذا ﻟﻢ ﺗﺘﻤّﻢ ﻣﺎ أﻣﺮك ﺑﻪ اﻟﻤﻌﺮﱢف ﻣﻦ ردّ ﻣﺎل أو إﺻﻼح ﺻﻴﺖ أو ﺗﻌﻮﻳﺾ ﺿﺮر (٣) .إذا اﻋﺘﺮﻓﺖ دون ﻧﺪاﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎك ودون ﻗﺼﺪ. راﺟﻊ ﺷﺮوط اﻻﻋﺘﺮاف اﻟﻤﺬآﻮرة ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﻦ وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻣﻨﺼﻮر دي ﺑﻮل :آﺜﻴﺮون ﻳﻬﻠﻜﻮن ﺑﺴﺒﺐ اﻋﺘﺮاﻓﺎﺗﻬﻢ اﻟﻜﺎذﺑﺔ واﻟﻨﻔﺎﻗﻴّﺔ .وآﺜﻴﺮون ﻳﺨﻠﺼﻮن ﺑﺎﻋﺘﺮاف ﻋﺎم ﻳﺼﻠﺤﻮن ﺑﻪ اﻋﺘﺮاﻓﺎﺗﻬﻢ اﻟﻔﺎﺳﺪة. ﻓﺈذا آﻨﺖ ﻻ ﺗﻌﺮف آﻴﻒ ﺗﻌﺘﺮف اﻋﺘﺮاﻓًﺎ ﻋﺎﻣًّﺎ ﻓﺎﻋﺮض أﻣﺮك ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺷﺪك وهﻮ ﻳﺴﺎﻋﺪك .إنّ اﻟﺒﻌﺾ ﻳﻌﺘﺮﻓﻮن اﻋﺘﺮاﻓًﺎ ﻋﺎﻣًّﺎ وﻟﻮ آﺎﻧﺖ اﻋﺘﺮاﻓﺎﺗﻬﻢ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ آﺎﻣﻠﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ،ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺑﺎب زﻳﺎدة اﻟﻨﺪاﻣﺔ واﻟﺘﺄﺳّﻒ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ ذﻟﻚ .وﻟﻜﻦ إذا أﺷﺎر اﻟﻤﻌﺮﱢف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﺄن ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري ﻓﻴﺠﺐ أن ﻳﻄﻴﻊ! ﻋﺪم اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮّف :ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻻ ﻧﺨﺎف ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮّف ﻷنّ اﻟﻤﻌﺮّف ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺒﻮح ﺑﺸﻲء ﻣﻤّﺎ ﺳﻤﻊ ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف وﻟﻮ هﺪّد ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ .وﻻ أن ﻧﺴﺘﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺮّف ﻷﻧّﻪ هﻮ ذاﺗﻪ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺬات اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻘﻂ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺤﻦ .ﻓﻀﻌﻔﻪ اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻳﺸﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺿﻌﻔﻨﺎ ﻓﻼ ﻳﺤﺘﻘﺮﻧﺎ ﺑﻞ ﻳﺼﻠّﻲ ﻷﺟﻠﻨﺎ .وﻗﺪ ﺳﻤﺢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺑﺄن ﻳﺴﻘﻂ ﺑﻄﺮس ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻘﻄﺔ ﻟﻴﻜﻮن ﺷﻔﻮﻗًﺎ ﻋﻠﻰ ﺿﻌﻒ إﺧﻮﺗﻪ.
١٧٨
ﺻﻔﺎت اﻟﻤﻌﺮّف أب – ﻃﺒﻴﺐ – ﻣﺮﺷﺪ – ﻗﺎ ٍ ض ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺮّف أن ﻳﻌﺎﻣﻞ اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﻌﺎﻃﻔﺔ اﻷب وﺣﻨﺎﻧﻪ .وأن ﻳﺼﻒ ﻟﻪ اﻟﺪواء اﻟﺸﺎﻓﻲ ﻷﻣﺮاﺿﻪ اﻟﺮوﺣﻴّﺔ آﻄﺒﻴﺐ وأن ﻳﺮﺷﺪﻩ إﻟﻰ ﺧﻼص ﻧﻔﺴﻪ آﻤﺮﺷﺪ وأن ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎﻩ آﻘﺎﺿﻲ ﻳﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪل ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺗﻌﺪّى وﺻﺎﻳﺎ اﷲ وﺷﺮاﺋﻌﻪ.
أﻣﺜﻠﺔ ﻣﺜﻞ أوّل :ﻟﻮ اﻋﺘﺮف ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺎهﻦ ﺧﺎدﻣﻪ ﺑﺄﻧّﻪ ﻳﺴﺮق ﻣﻦ ﺻﻨﺪوﻗﻪ دراهﻢ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻜﺎهﻦ أن ﻳﻘﻔﻞ ﺻﻨﺪوﻗﻪ ﺑﻌﺪ ﺳﻤﺎع اﻋﺘﺮاف ﺧﺎدﻣﻪ ،إﻻّ إذا أذن ﻟﻪ اﻟﻤﻌﺘﺮف ﻟﺌﻼّ ﻳﻐﺮّﻩ اﻟﻄﻤﻊ ﻓﻴﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺴﺮﻗﺔ! ﻣﺜﻞ ﺛﺎنٍ :ﻟﻮ اﻋﺘﺮف رﺟﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺎهﻦ ﺑﺄﻧّﻪ وﺿﻊ ﻟﻪ ﺳﻤًّﺎ ﻓﻲ ﻗﻨﺎﻧﻲ "اﻟﻤﺰآﺎ" ﻓﻼ ﻳﻘﺪر اﻟﻜﺎهﻦ أن ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻓﻲ اﻟﻘﺪاس وﻻ أن ﻳﻔﺮغ اﻟﻘﻨﺎﻧﻲ ،ﺑﻞ ﻣﺎ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺤﺮّض اﻟﻤﻌﺘﺮف ﻋﻨﺪ اﻋﺘﺮاﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺮﻳﻐﻬﺎ.
ﻣﺜﻞ ﺛﺎﻟﺚ :ﻟﻮ اﻋﺘﺮف اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺎهﻦ ﺑﺠﺮﻳﻤﺘﻪ، واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺣﻜﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ اﻟﻘﺎﺗﻞ ،ﻓﻼ ﻳﻘﺪر اﻟﻜﺎهﻦ أن ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻟﻴﺨﻠّﺺ اﻟﺒﺮيء ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻢ وﻟﻮ آﺎن اﻟﺒﺮيء أﺧﺎﻩ!!
١٧٩
آﻴﻔﻴّﺔ اﻻﻋﺘﺮاف ﻗﺒﻞ اﻻﻋﺘﺮاف :أﻃﻠﺐ اﻟﻌﻮن ﻣﻦ اﷲ ﻟﺘﻌﺮف ﺧﻄﺎﻳﺎك وﺗﻨﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﺪاﻣﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴّﺔ ،ﺛﻢّ اﺑﺘﺪىء ﺑﻔﺤﺺ ﺿﻤﻴﺮك .ﺑﻌﺪ أن ﺗﻌﺮف ﺧﻄﺎﻳﺎك ،اﻧﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻚ واﻗﺼﺪ ﻋﺪم اﻟﺮﺟﻮع إﻟﻴﻬﺎ. وإﻳّﺎك أن ﺗﺬهﺐ إﻟﻰ اﻻﻋﺘﺮاف ﻗﺒﻞ أن ﺗﻜﻮن ﻧﺪﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎك وﻗﺼﺪت أن ﻻ ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻷنّ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺪون ﻧﺪاﻣﺔ وﻗﺼﺪ هﻮ ﺑﺎﻃﻞ وﻓﺎﺳﺪ .وﻻ ﻣﺎﻧﻊ أن ﺗﺴﺘﻌﺪّ ﻟﻼﻋﺘﺮاف ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء آﻲ ﺗﻌﺘﺮف ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح ﻓﺎﻟﻨﺪاﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺮزهﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻌّﺎﻟﺔ إﻟﻰ أن ﺗﺨﻄﺄ ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺗﺠﺪﻳﺪهﺎ! وﻗﺖ اﻻﻋﺘﺮاف ارآﻊ ﺑﺘﺬﻟّﻞ وﺧﺸﻮع ﻣﻌﺘﺒﺮًا أﻧّﻚ أﻣﺎم اﷲ وﻟﻴﺲ أﻣﺎم إﻧﺴﺎن. وﻗﻞ :أﻧﺎ ﻧﺎدم ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎ وﻗﺎﺻﺪًا أن ﻻ أرﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ .ﺛﻢّ ﻗﻞ :ﻣﺪّة اﻋﺘﺮاﻓﻲ – آﺬا ﺷﻬﺮ أو ﺳﻨﺔ آﻤﺎ هﻲ – ﺛﻢّ اﺑﺪأ ﺑﺎﻹﻗﺮار ﺑﺨﻄﺎﻳﺎك آﻤﺎ هﻲ .ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻜﻮن إﻗﺮارك ﺻﺮﻳﺤًﺎ ﻟﻴﻜﻮن اﻋﺘﺮاﻓﻚ ﺻﺤﻴﺤًﺎ .وﺗﻮﻓّﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺮّف اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻷنّ اﻟﻤﻌﺮف ﻳﻠﺘﺰم أن ﻳﺴﺄل ﻋﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻧﻮﻋﻬﺎ وﻋﺪدهﺎ وﻇﺮوﻓﻬﺎ .ﻣﺜﻼً :إذا ﻗﻠﺖ ﺳﺮﻗﺖ ﺧﻤﺲ ﻟﻴﺮات ﻣﻦ ﻓﻘﻴﺮ ﻓﻘﺪ ﺻﺮّﺣﺖ ﺑﻨﻮع اﻟﺴﺮﻗﺔ ﻓﻬﻲ ﻣﺼﺮﻳﺎت وﻟﻴﺴﺖ أﺷﻴﺎء .وﺻﺮّﺣﺖ ﺑﻌﺪدهﺎ إذ ﻗﻠﺖ ﺧﻤﺲ ﻟﻴﺮات ،وﺻﺮّﺣﺖ ﺑﻈﺮوﻓﻬﺎ إذ ﻗﻠﺖ ﻣﻦ ﻓﻘﻴﺮ ﻷنّ اﻟﺴﺮﻗﺔ ﻣﻦ ﻓﻘﻴﺮ ﺗﺰﻳﺪ ﺛﻘﻞ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ. وآﺬا اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺒﻘﻴّﺔ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ .ﻣﺜﻼً :ﻣﺴﺒّﺔ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻧﻮﻋﻬﺎ وﻋﺪدهﺎ وﻇﺮوﻓﻬﺎ .ﻧﻮﻋﻬﺎ :ﻣﺴﺒّﺔ ﷲ أو ﻟﻠﻨﺎس أو ﻟﻸﺷﻴﺎء .ﻋﺪدهﺎ :ﻣﺴﺒّﺔ واﺣﺪة أو ﻋﺸﺮة أو أآﺜﺮ .ﻇﺮوﻓﻬﺎ: ﺳﺒّﻴﺖ أﻣﺎم أوﻻد ﺻﻐﺎر أو ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ.
١٨٠
وﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﻹﻗﺮار ﺑﺎﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ ﺻﺮﻳﺤًﺎ ﺑﺎﻟﻨﻮع واﻟﻌﺪد واﻟﻈﺮوف .١ﻓﺎﻟﺒﻌﺾ ﻻ ﻳﻌﺘﺮﻓﻮن ﺑﺎﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ أو ﻻ ﻳﻘﺮّون ﺑﻬﺎ آﻤﺎ هﻲ ،ﻓﻠﻴﺘﺰم اﻟﻤﻌﺮّف أن ﻳﺴﺄل ﻋﺪّة أﺳﺌﻠﺔ ﻟﻴﻌﺮف ﻧﻮع اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﻋﺪدهﺎ وﻇﺮوﻓﻬﺎ .وهﺬا ﻣﻤّﺎ ﻳﻀﻴّﻊ اﻟﻮﻗﺖ وﻳﺰﻋﺞ اﻟﻤﻌﺮف واﻟﻤﻌﺘﺮف ﻣﻌًﺎ .ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺘﺮف أن ﻳﻘﺮّ ﺑﺼﺮاﺣﺔ. ﻣﺜﻼً :اﺷﺘﻬﻴﺖ اﻟﻀﺮر ﻟﻐﻴﺮي ﺧﻤﺲ ﻣﺮّات ،إذا آﺎن ﻣﺘﺬآّﺮًا اﻟﻌﺪد وإﻻّ اﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ،أو اﺷﺘﻬﻴﺖ اﻟﻤﻮت ،أو ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ،أو اﺷﺘﻬﻴﺖ اﻟﺰﻧﺎء أو اﻟﺘﻘﺒﻴﻞ أو ﻏﻴﺮﻩ آﺬا ﻣﺮّات ﻣﻊ ﺗﺒﻴﺎن ﻧﻮع اﻟﺸﺨﺺ ﻣﺰوّج أو ﻏﻴﺮ ﻣﺰوّج أو ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ .وإذا ﻧﻘﺺ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ اﻧﺘﺒﺎﻩ أو رﺿﻰ ﻓﻴﺠﺐ ذآﺮ ذﻟﻚ ﻷنّ ﻧﻘﺺ اﻟﺮﺿﻰ أو اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻳﺨﻔّﻔﺎن ﺛﻘﻞ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻓﻴﺤﻮّﻻن اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ إﻟﻰ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻋﺮﺿﻴّﺔ. ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻣﻦ ذآﺮ ﺧﻄﺎﻳﺎك إﺻﻎ ﺑﺎﻧﺘﺒﺎﻩ إﻟﻰ إرﺷﺎدات اﻟﻤﻌﺮّف ﻗﺎﺻﺪًا أن ﺗﺴﻴﺮ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻌﻄﻴﻚ اﻟﻤﻌﺮّف اﻟﺤﻠّﺔ ﺟﺪّد ﻧﺪاﻣﺘﻚ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎك ﻗﺎﺋﻼً :أﻧﺎ ﻧﺎدم ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻲ .أﻧﺎ أﺣﺒّﻚ ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻲ .آﺮّر هﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرات إﻟﻰ أن ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﻜﺎهﻦ ﻣﻦ إﻋﻄﺎﺋﻚ اﻟﺤﻠّﺔ. ﺑﻌﺪ اﻻﻋﺘﺮاف اذهﺐ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻚ اﺷﻜﺮ اﷲ ﻟﻤﺴﺎﻣﺤﺘﻪ إﻳّﺎك وﺗﻤّﻢ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺬي ﻓﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻤﻌﺮّف ،وﻣﺎ أﻣﺮك ﺑﻪ ﻣﻦ ﺗﻌﻮﻳﺾ ﺿﺮر أو ﻏﻴﺮﻩ.
-١اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﻧﻘﺒﻠﻬﺎ وﻧﺮﺿﻰ ﺑﻬﺎ وﻟﻮ ﻟﻢ ﻧﻌﻤﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺗُﺤﺴﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻷنّ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺗﺘ ّ ﻢ ﺑﺎﻹرادة ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻤﻞ .أﻣّﺎ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﻧﻄﺮدهﺎ وﻻ ﻧﺮﺿﻰ ﺑﻬﺎ ﻓﻠﻴﺴﺖ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺟﺮ. ﻓﻠﻮ ﻃﺮدت آﻞّ ﻳﻮم ﻋﺸﺮة أﻓﻜﺎر ﺿﺪّ اﻟﻄﻬﺎرة رﺑﺤﺖ ﻋﺸﺮة أﺟﻮر.
١٨١
ﻣﺴﺤﺔ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻗﺪ أﻋﺪّ ﻟﻨﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺳ ّﺮ اﻟﻤﺸﺤﺔ واﺳﻄﺔ ﻗﻮﻳّﺔ ﻟﻨﺪﺧﻞ ﺳﻌﺎدﺗﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ آﻤﺎ أﻋﺪّ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﺪء ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺳﺮّ اﻟﻌﻤﺎد اﻟﻤﻘﺪّس. ﺗﺤﺪﻳﺪ :ﻣﺴﺤﺔ اﻟﻤﺮﺿﻰ هﻮ ﺳﺮّ ﻳﻘﺪّس ﺁﻻم اﻟﻤﺮﻳﺾ وﻳﻐﻔﺮ ﻣﺎ ﺗﺒﻘّﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎﻩ وﻳﺸﻔﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺮﺿﻪ إذا آﺎن اﷲ ﻳﺮﻳﺪ ذﻟﻚ! ﻣﺤﺒّﺔ ﻳﺴﻮع ﻟﻠﻤﺮﺿﻰ :إنّ ﻳﺴﻮع ﻳﺤﺐّ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﻣﺤﺒّﺔ ﺧﺎﺻّﺔ ﻷﻧّﻬﻢ ﺑﺂﻻﻣﻬﻢ ﻳﺸﺎرآﻮﻧﻪ ﺑﺎﻵﻣﻪ .وﻗﺪ أﻇﻬﺮ هﺬﻩ اﻟﻤﺤﺒّﺔ ﻧﺤﻮهﻢ ﻟـﻤّﺎ آﺎن ﻋﻠﻰ اﻷرض ،ﻓﻜﺎن ﻳﺸﻔﻲ آﻞّ ﻣﺮﻳﺾ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ اﻟﺸﻔﺎء .وﻗﺪ ﺧﻮّل ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ أن ﻳﻀﻌﻮا أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﻓﻴﺸﻔﻮن. ﻓﺎﻟﻤﺮﻳﺾ اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺜﻘﻞ ﻣﺮﺿﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺪﻋﻮ اﻟﻜﺎهﻦ ﻟﻴﻀﻊ ﻳﺪﻩ ﻋﻠﻴﻪ وﻳﻤﺴﺤﻪ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ اﻟﻤﻘﺪّس ﻃﺎﻋﺔ ع آﻬﻨﺔ ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻌﻘﻮب اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻘﺎﺋﻞ :هﻞ ﻓﻴﻜﻢ ﻣﺮﻳﺾ ﻓﻠﻴﺪ ُ اﻟﺒﻴﻌﺔ ﻟﻴﺼﻠّﻮا ﻋﻠﻴﻪ وﻳﺪهﻨﻮﻩ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺮبّ ،ﻓﺈنّ ﺻﻼة اﻹﻳﻤﺎن ﺗﺨﻠّﺺ اﻟﻤﺮﻳﺾ واﻟﺮبّ ﻳﻨﻬﻀﻪ وإن آﺎن ﻗﺪ ارﺗﻜﺐ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﺗﻐﻔﺮ ﻟﻪ )رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻌﻘﻮب .(١٦-١٤ :٥واﻻﺛﻨﺎ ﻋﺸﺮ اﻟﺬﻳﻦ أرﺳﻠﻬﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع دهﻨﻮا ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ ﻣﺮﺿﻰ آﺜﻴﺮﻳﻦ وﺷﻔﻮهﻢ )ﻣﺮﻗﺺ .(١٣ :٦
١٨٢
إﻟﺰام اﻷهﻞ :ﻳﻠﺘﺰم اﻷهﻞ اﻟﺘﺰاﻣًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا ﺑﺄن ﻳﺪﻋﻮ اﻟﻜﺎهﻦ إﻟﻰ ﻣﺮﻳﻀﻬﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﺘﺪّ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺮض .وﻗﺪ ﻳﺨﻄﺄون ﺧﻄﺄ آﺒﻴﺮًا إذا ﻣﺎت ﻣﺮﻳﻀﻬﻢ دون أن ﻳﺪﻋﻮا إﻟﻴﻪ اﻟﻜﺎهﻦ ﻟﻴﻌﺮّﻓﻪ وﻳﻨﺎوﻟﻪ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس وﻳﻤﺴﺤﻪ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ اﻟﻤﻘﺪّس.
ﻋﺪم اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﻤﺸﺤﺔ :ﻳﺠﺐ أن ﻻ ﻳﺨﺎف اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻣﻦ ﺳﺮّ اﻟﻤﺸﺤﺔ ﻷنّ آﻞّ ﺻﻠﻮات رﺗﺒﺔ ﺳﺮّ اﻟﻤﺸﺤﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺒﺎرة ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮت ﺑﻞ آﻠّﻬﺎ اﺑﺘﻬﺎل وﺗﻀﺮّع إﻟﻰ اﷲ ﻟﻜﻲ ﻳﺸﻔﻲ اﻟﻤﺮﻳﺾ ،وﻳﻌﻴﺪ إﻟﻴﻪ اﻟﺼﺤﺔ .ﻓﺈذا ﻳﺌﺲ اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻣﻦ ﻋﻼﺟﺎت اﻷﻃﺒّﺎء ﻓﻠﻴﺴﺘﻌﻤﻞ هﺬا اﻟﻌﻼج أي اﻟﺪهﻦ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ اﻟﻘﺪّس ،ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻪ ﺷﻔﺎؤﻩ. آﻢ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ إذا اﺷﺘﺪّ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻤﺮض ﻳﻠﺘﻤﺴﻮن ﻗﻄﻨﺔ زﻳﺖ ﻣﻦ إﺣﺪى اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ أو اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻃﻠﺒًﺎ ﻟﻠﺸﻔﺎء. ﻓﺰﻳﺖ اﻟﻤﺮﺿﻰ هﻮ أآﺜﺮ ﻓﺎﻋﻠﻴّﺔ ﻷﻧّﻪ زﻳﺖ ﻣﻜﺮّس ﺧﺼّﻴﺼًﺎ ﻟﺸﻔﺎء اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﺼﻠﻮات اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻠﻮهﺎ اﻟﻜﺎهﻦ ﻓﻲ رﺗﺒﺔ اﻟﻤﺸﺤﺔ ،آﻠّﻬﺎ اﺑﺘﻬﺎل إﻟﻰ اﷲ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺷﻔﺎء اﻟﻤﺮﻳﺾ. وآﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﺷﻔﻮا ﺑﻌﺪ ﻗﺒﻮﻟﻬﻢ ﺳﺮّ اﻟﻤﺸﺤﺔ ﺑﺈﻳﻤﺎن وﺛﻘﺔ ﺑﺎﷲ. ﻓﺎﻋﻠﻴّﺔ ﺳﺮّ اﻟﻤﺸﺤﺔ :ﺳﺮّ اﻟﻤﺸﺤﺔ ﻋﻮن ﻗﻮيّ ﻟﻠﻤﺮﻳﺾ اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻓﻲ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻮت ،ﻓﻴﻘﻮّﻳﻪ ﻋﻠﻰ اﺣﺘﻤﺎل ﺁﻻﻣﻪ وأوﺟﺎﻋﻪ ﺑﺼﺒﺮ وﻳﺸﺠّﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎن اﻟﺬي ﻳﺼﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺮهﻴﺒﺔ ﺣﺮﺑًﺎ ﺷﺪﻳﺪة.
١٨٣
وﻓﻮق ذﻟﻚ ﻓﺈنّ ﺳﺮّ اﻟﻤﺸﺤﺔ ﻳﻐﻔﺮ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﺣﺘّﻰ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ إذا ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜّﻦ اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺮاف وﻗﺒﻮل ﺳﺮّ اﻟﻤﺸﺤﺔ ﺑﻨﺪاﻣﺔ واﻧﺴﺤﺎق .وﻳﻐﻔﺮ أﻳﻀًﺎ ﻗﺼﺎﺻﺎت اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻤﻐﻔﻮرة ،وﻳﻬﺐ اﻟﻤﺮﻳﺾ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴّﺔ ﻟﺘﺴﺎﻋﺪﻩ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻤﺨﻴﻔﺔ، وﻳﻘﺪّم ﺁﻻم اﻟﻤﺮﻳﺾ وﻣﻮﺗﻪ إذ ﻳﺸﺮآﻬﺎ ﺑﺂﻻم اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻣﻮﺗﻪ، وﻳﻜﺴﺒﻬﺎ ﻗﻮّة ﺗﻜﻔﻴﺮﻳّﺔ ﺗﻤﻜّﻦ اﻟﻤﺮﻳﺾ إذا ﻗﺒﻠﻬﺎ ﺑﺼﺒﺮ وﺧﺸﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﺣﻴﺎﺗﻪ واﻟﺘﺄهّﺐ ﻟﻤﻼﻗﺎة رﺑّﻪ ﺑﺪاﻟّﺔ اﻟﺒﻨﻴﻦ! أﺧﺒﺎر ﺧﺒﺮ أوّل :آﺎن ﻓﻴﻠﻴﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻠﻚ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻳﺘﻨـﺰّﻩ ﻓﻲ ﻋﺮﺑﺘﻪ ﺧﺎرج اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺮأى آﺎهﻨًﺎ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻘﺮﺑﺎن إﻟﻰ ﻣﺮﻳﺾ ،ﻓﻨـﺰل ﻣﻦ ﻋﺮﺑﺘﻪ وأﺻﻌﺪ اﻟﻜﺎهﻦ وراﻓﻘﻪ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻣﻜﺸﻮف اﻟﺮأس ﻣﻜﺘﻮف اﻟﻴﺪﻳﻦ وﺣﻀﺮ ﻣﻨﺎوﻟﺔ اﻟﻤﺮﻳﺾ وﻗﺒﻮﻟﻪ ﺳﺮّ اﻟﻤﺸﺤﺔ اﻟﻤﻘﺪّس ﺑﻜﻞّ ﺧﺸﻮع وﺗﻘﻮى. ﺧﺒﺮ ﺛﺎنٍ :ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺷﻌﺮ ﻧﺒﻮﻟﻴﻮن اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺑﺪﻧﻮ أﺟﻠﻪ ﻃﻠﺐ ﻗﺒﻮل اﻷﺳﺮار اﻷﺧﻴﺮة ﻓﻘﺎل ﻟﻪ أﺣﺪ ﻣﻌﺎرﻓﻪ :ﻻ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ذﻟﻚ. ﻓﺄﺟﺎب ﻧﺒﻮﻟﻴﻮن :ﻣﺎذا أآﻮن ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻲ ﺑﺪﻗﻴﻘﺔ واﺣﺪة؟ ﻋﻔﻮﻧﺔ وﻃﻌﺎم اﻟﺪود! آﻞّ ﺷﻲء زاﺋﻞ .إنّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ وﺣﺪﻩ ﻻ ﻳﺰول .ﺛﻢّ ﺻﺮف اﻟﻄﺒﻴﺐ وﻃﻠﺐ اﻟﻜﺎهﻦ ﻓﺎﻋﺘﺮف ﺑﺨﻄﺎﻳﺎﻩ ﺑﻨﺪاﻣﺔ وﺗﻨﺎول اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس ﺑﺘﻘﻮى وﻗﺒﻞ ﻣﺴﺤﺔ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﺑﺨﺸﻮع ،ﺑﻌﺪﺋﺬٍ ﻗﺎل ﻟﻠﺤﺎﺿﺮﻳﻦ :أﻧﺎ ﺳﻌﻴﺪ اﻵن أﺗﻤﻨّﻰ ﻟﻜﻢ ﻣﺜﻞ ﺳﻌﺎدﺗﻲ ،ﻟﻢ أﺗﻤّﻢ واﺟﺒﺎﺗﻲ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ وأﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش ﻷنّ اﻟﻤﺠﺪ ﻳﻌﻤﻲ ،ﻟﻜﻨّﻲ آﻨﺖ داﺋﻤًﺎ ﺻﺎﺣﺐ إﻳﻤﺎن!!
١٨٤
ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻟﺚ :زارت اﻣﺮأة ﺗﻘﻴّﺔ ﻓﺎﺿﻠﺔ ﻣﺮﻳﻀًﺎ ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﺼﻠّﻲ إﻟﻰ اﷲ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺷﻔﺎﺋﻪ .ﻓﻘﺎﻟﺖ اﻟﻤﺮأة :أﻧﺎ أﺻﻠّﻲ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ وﻟﻜﻦ ﻣﺎ هﻲ ﺻﻼﺗﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺼﻼة ﻣﺴﺤﺔ اﻟﻤﺮﺿﻰ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻠﻮهﺎ اﻟﻜﺎهﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻷﻧّﻬﺎ ﺻﻼة ﺧﺎﺻّﺔ ﻷﺟﻞ ﺷﻔﺎء اﻟﻤﺮﻳﺾ .وﻳﺪهﻨﻪ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ اﻟﻤﻘﺪّس اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺧﺼّﻴﺼًﺎ ﻟﺸﻔﺎء اﻟﻤﺮﻳﺾ .ﻓﺄﻧﺎ أرﺳﻞ إﻟﻴﻚ اﻟﻜﺎهﻦ ﻟﻜﻲ ﻳﺼﻠّﻲ ﻟﻚ هﺬﻩ اﻟﺼﻼة وﻳﺪهﻨﻚ ﺑﺰﻳﺖ ﺷﻔﺎء اﻟﻤﺮﻳﺾ ،ﻓﺎﻗﺘﻨﻊ اﻟﻤﺮﻳﺾ ﺑﻜﻼﻣﻬﺎ.
١٨٥
اﻟﻜﻬﻨﻮت ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻗﺪ وﺿﻊ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻷﺳﺮار اﻟﺴﺒﻌﺔ ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ ﺧﻴﺮات روﺣﻴّﺔ ﺗﺠﺮي إﻟﻴﻨﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت .ﻓﻠﻮﻻ اﻟﻜﻬﻨﻮت ﻟﻤﺎ آﻨّﺎ ﻧﺴﺘﻔﻴﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ. ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﻜﻬﻨﻮت ﺳﺮّ ﻳﺨﻮّل اﻟﻜﺎهﻦ ﺗﻘﺪﻣﺔ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ وﻣﻨﺢ اﻷﺳﺮار واﻟﺘﺒﺸﻴﺮ ﺑﺎﻹﻧﺠﻴﻞ. اﻟﻜﺎهﻦ ﻳﻮاﺻﻞ ﻋﻤﻞ اﻟﻤﺴﻴﺢ :إنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أراد ﺗﺨﻠﻴﺺ آﻞّ اﻟﺒﺸﺮ وﻟﻴﺲ اﻟﺬﻳﻦ رأوﻩ وﺳﻤﻌﻮﻩ ﻓﻘﻂ .ﻟﺬﻟﻚ أﻗﺎم ﻣﻦ ﻳﻮاﺻﻞ ﻋﻤﻠﻪ وإرﺳﺎﻟﻴّﺘﻪ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ .واﻟﺬي أﻗﺎﻣﻪ ﻟﻤﻮاﺻﻠﺔ هﺬا اﻟﻌﻤﻞ هﻮ اﻟﻜﺎهﻦ .ﻓﺎﻟﻜﺎهﻦ إذًا هﻮ ﻣﻤﺜّﻞ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻧﺎﺋﺒﻪ وﻣﻌﻪ ﺳﻠﻄﺘﻪ .وﻗﺪ ﻗﺎل ﻻﺳﻤﻪ اﻟﺴﺠﻮد" :آﻤﺎ أرﺳﻠﻨﻲ أﺑﻲ هﻜﺬا أﻧﺎ أرﺳﻠﻜﻢ" )ﻳﻮ .(٢١ :٢٠ ﻣﺘﻰ رﺳﻢ ﻳﺴﻮع اﻟﻜﻬﻨﻮت؟ ﻗﺪ رﺳﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع رﺳﻠﻪ آﻬﻨﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻣﺮهﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺴﺮّي ﻗﺎﺋﻼً :اﺻﻨﻌﻮا هﺬا ﻟﺬآﺮي .وﺑﺬﻟﻚ ﺳﻠّﻄﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻩ وﺗﻮزﻳﻌﻪ وﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ .وﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ﻇﻬﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﻧﻔﺦ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﺎﺋﻼً :ﺧﺬوا اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس .ﻣﻦ ﻏﻔﺮﺗﻢ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﻏﻔﺮت ﻟﻬﻢ وﻣﻦ أﻣﺴﻜﺘﻢ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ ﻣﺴﻜﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ .ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﺳﻠّﻄﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻐﻔﺮة اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ .وﻟـﻤّﺎ ﻗﺎل :اﻧﻄﻠﻘﻮا إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ واآﺮزوا ﺑﺒﺸﺎرﺗﻲ... وﻋﻤّﺪوهﻢ ...ﺳﻠّﻄﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺒﺸﻴﺮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﻗﺒﻮل اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ.
١٨٦
ﺷﺮف اﻟﻜﻬﻨﻮت وﻣﻔﻌﻮﻟﻪ :إنّ ﺷﺮف اﻟﻜﻬﻨﻮت ﻳﻔﻮق ﺷﺮف اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ وﺷﺮف ﻣﻠﻮك اﻷرض وﻋﻈﻤﺎﺋﻬﺎ .ﻗﺎل أﺣﺪ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ: إذا اﻟﺘﻘﻴﺖ ﺑﻜﺎهﻦ وﻣﻼك ﻣﻌًﺎ ﻓﺄﺳﻠّﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎهﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻼك .وﻗﺪرة اﻟﻜﺎهﻦ هﻲ ﻗﺪرة ﻳﺴﻮع .ﻓﻼ اﻟﻤﻠﻚ وﻻ رﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳّﺔ وﻻ اﻟﻤﻼك ﻳﻘﺪرون أن ﻳﺤﻠّﻮا ﺧﺎﻃﺌًﺎ واﺣﺪًا أو ﺧﻄﻴﺌﺔ واﺣﺪة .وآﺎهﻦ واﺣﺪ ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳﺤﻞّ أﻟﻮف اﻟﺨﻄﺄة وﻳﻐﻔﺮ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ .ﻓﻼ اﻟﻤﻼك وﻻ ﻋﻈﻤﺎء اﻷرض ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﻘﺪّﺳﻮا ﻗﺪّاﺳًﺎ واﺣﺪًا وآﺎهﻦ ﺑﺴﻴﻂ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﺪّس آﻞّ ﻳﻮم وﻳﻄﻴﻌﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻓﻴﺄﺗﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺬﺑﺢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﻩ ﺑﺎﻟﻜﻼم اﻟﺠﻮهﺮيّ.
ب ﻳﺴﻮع: اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﻜﻬﻨﻮت هﻲ ﻣﻦ اﷲ :ﻗﺎل اﻟﺮ ّ ﻟﻴﺲ أﻧﺘﻢ اﺧﺘﺮﺗﻤﻮﻧﻲ ﺑﻞ أﻧﺎ اﺧﺘﺮﺗﻜﻢ )ﻳﻮﺣﻨّﺎ .(١٦ :١٥ إذا ﺷﻌﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺄنّ اﷲ ﻳﺪﻋﻮﻩ ﻟﺨﺪﻣﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﻬﻨﻮت ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻠﺒّﻲ اﻟﺪﻋﻮة وإﻻّ ﻓﻴﺘﻌﺮّض ﻻﺑﺘﻌﺎد اﷲ ﻋﻨﻪ .وﻳﺠﺐ أن ﻳﺴﺘﺸﻴﺮ ﻣﺮﺷﺪﻩ ﻓﻲ أﻣﺮ دﻋﻮﺗﻪ .وأن ﺗﻜﻮن ﻏﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﻬﻨﻮت ﻣﺠﺪ اﷲ وﺧﻼص اﻟﻨﻔﻮس وﻧﺸﺮ اﻟﺪﻳﻦ. وﻣﺎ أﺟﻤﻞ اﻟﺸﺒّﺎن ﻳﻨﺪﻓﻌﻮن ﻟﺨﺪﻣﺔ اﷲ ﻓﻲ اﻟﻜﻬﻨﻮت آﻤﺎ ﻳﻨﺪﻓﻌﻮن ﻟﺒﻘﻴّﺔ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ واﻟﻤﻬﻦ اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ .واﻧﺪﻓﺎع اﻟﺸﺒّﺎن ﻟﻠﻜﻬﻨﻮت ﻻ ﻳﻌﺎرض ﻗﻮل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻟﻴﺲ أﻧﺘﻢ اﺧﺘﺮﺗﻤﻮﻧﻲ ﺑﻞ أﻧﺎ اﺧﺘﺮﺗﻜﻢ .ﻷنّ اﷲ إذا رأى اﻟﺸﺎب ﻳﻘﺪّم ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت ﺑﻐﻴﺮة واﻧﺪﻓﺎع ﻓﺈﻧّﻪ ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺗﻘﺪﻣﺘﻪ ﺑﺎﻟﻘﺒﻮل واﻟﺪﻋﻮة.
١٨٧
ﺿﺮورة اﻟﻜﻬﻨﻮت :اﻟﻜﻬﻨﻮت ﺿﺮوري ﻟﻠﺒﺸﺮﻳّﺔ ﺿﺮورة اﻷﻃﺒّﺎء واﻟﻤﺤﺎﻣﻴﻦ واﻟﺤﻜّﺎم واﻟﻤﻠﻮك .ﻓﻬﺆﻻء هﻢ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺰﻣﻨﻴّﺔ أﻣّﺎ اﻟﻜﻬﻨﻮت ﻓﻠﻠﺤﻴﺎة اﻷﺑﺪﻳّﺔ .ﻓﺒﺪون آﻬﻨﻮت ﻻ ذﺑﻴﺤﺔ وﻻ ﻣﻐﻔﺮة ﺧﻄﺎﻳﺎ وﻻ أﺳﺮار .ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻜﻬﻨﻮت هﻮ أﺷﺮف وأﺳﻤﻰ وأﻧﻔﻊ وﻇﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض. ﺣﺴﻦ اﻟﻨﻴّﺔ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ اﻟﻜﻬﻨﻮت :ﻣﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ اﻟﻜﻬﻨﻮت ﻷﺟﻞ آﺮاﻣﺔ ﻋﺎﻟﻤﻴّﺔ أو ﻷﺟﻞ آﺴﺐ ﻣﺎل أو ﻷﺟﻞ اﻟﺮاﺣﺔ اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ واﻟﻌﻴﺶ اﻟﻬﻨﻲ ﻓﺈﻧّﻪ ﻳﻬﻴﻦ اﷲ وﻳﻀﺮّ ﺑﺎﻟﺘﻘﻮى وﻳﺠﻠﺐ ﻟﻌﻨﺔ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ! واﺟﺐ اﺣﺘﺮام اﻟﻜﺎهﻦ :ﻳﺠﺐ أن ﻧﺤﺘﺮم اﻟﻜﺎهﻦ وﻧﻜﺮّﻣﻪ ﻷﻧّﻪ ﺣﺎﻣﻞ آﻬﻨﻮت اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وﻧﺎﺋﺒﻪ .وﻣﻦ ﻳﻜﺮّم اﻟﻜﺎهﻦ ﻳﻜﺮّم ﻳﺴﻮع ،وﻣﻦ ﻳﺤﺘﻘﺮ اﻟﻜﺎهﻦ ﻳﺤﺘﻘﺮ ﻳﺴﻮع ،ﻷنّ ﻳﺴﻮع ﻗﺎل :ﻣﻦ اﺣﺘﻘﺮآﻢ ﻓﻘﺪ اﺣﺘﻘﺮﻧﻲ )ﻟﻮ .(١٦ :١٠
واﺟﺐ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ :ﻻ ﻳﺠﻮز ﻟﻠﻮاﻟﺪﻳﻦ أن ﻳﻤﻨﻌﻮا أﺑﻨﺎءهﻢ ﻋﻦ اﻟﻜﻬﻨﻮت إذا دﻋﺎهﻢ اﷲ إﻟﻴﻪ ،ﻷنّ اﻷﺑﻨﺎء هﻢ ﻣﻠﻚ اﷲ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﻠﻚ واﻟﺪﻳﻬﻢ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ أن ﻳﺮﻏّﺒﻮا أﺑﻨﺎءهﻢ ﻓﻲ اﻟﻜﻬﻨﻮت وأن ﻳﻌﺪّوا ﺷﺮﻓًﺎ ﻋﻈﻴﻤًﺎ دﻋﻮة اﷲ أﺣﺪ أﺑﻨﺎﺋﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻜﻬﻨﻮت .ﻓﺈذا ﻃﻠﺐ اﻟﻤﻠﻚ أﺣﺪ اﻷوﻻد ﻟﺨﺪﻣﺘﻪ ﻓﻴﻘﺪّﻣﻪ واﻟﺪاﻩ ﺑﻔﺮخ وﻓﺨﺮ .ﻓﻜﻢ أﺣﺮى ﺑﻬﻤﺎ ﺑﺄن ﻳﻘﺪّﻣﺎﻩ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﷲ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻠﻮك؟؟!!
١٨٨
إﺛﺒﺎت درﺟﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت إنّ اﻟﻜﺎهﻦ ﻳﻤﺘﺎز ﻋﻦ ﺑﻘﻴّﺔ اﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺬي ﻳﺨﻮّﻟﻪ ﺗﻮزﻳﻊ اﻷﺳﺮار اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ وﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺨﺪم اﻟﺮوﺣﻴّﺔ .وهﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻳﻨﺎﻟﻪ اﻟﻜﺎهﻦ ﻣﻦ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﺘﺴﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻞ اﻟﺬﻳﻦ رﺳﻤﻬﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أﺳﺎﻗﻔﺔ وﺧﻮّﻟﻬﻢ أن ﻳﺮﺳﻤﻮا آﻬﻨﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻷﺟﻴﺎل آﻤﺎ أرﺳﻠﻨﻲ أﺑﻲ هﻜﺬا أﻧﺎ أرﺳﻠﻜﻢ .اذهﺒﻮا إﻟﻰ اﻷﻣﻢ وﻋﻠّﻤﻮهﻢ أن ﻳﺤﻔﻈﻮا ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ أوﺻﻴﺘﻜﻢ ﺑﻪ .وأﻧﺎ ﻣﻌﻜﻢ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺪهﺮ .ودرﺟﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻨﺬ أﻳّﺎم اﻟﺮﺳﻞ واﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﺗﺜﺒﺖ ذﻟﻚ. ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ إﻟﻰ ﺗﻠﻤﻴﺬﻩ ﺗﻴﻤﻮﺛﺎوس :ﻻ ﺗﻬﻤﻞ اﻟﻤﻮهﺒﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ ﻓﻴﻚ أوﺗﻴﺘﻬﺎ ﺑﻮﺿﻊ أﻳﺪي اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻋﻠﻴﻚ ):٤ .(١٤ وﻓﻲ رﺳﺎﻟﺘﻪ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ) (٧ :١ﻳﻘﻮل :ﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ أذآّﺮك ﺑﺄن ﺗﺰآﻲ ﻣﻮهﺒﺔ اﷲ اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻚ ﺑﻮﺿﻊ ﻳﺪيّ. ﻳﺤﺮﱢض اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﺗﻠﻤﻴﺬﻩ ﺗﻴﻤﻮﺗﺎوس ﺑﺄن ﻻ ﻳﺮﺳﻢ آﻬﻨﺔ إﻻّ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺤﻘّﻮن ذﻟﻚ ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﻻ ﺗﺒﺎدر إﻟﻰ وﺿﻊ ﻳﺪك ﻋﻠﻰ أﺣﺪ وﻻ ﺗﺸﺘﺮك ﻓﻲ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﻏﻴﺮك )أوﻟﻰ .(٢٢ :٥ إذا ﺑﺸّﺮآﻢ ﻣﻼك ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﺑﺸّﺮﻧﺎآﻢ ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻣﺤﺮوﻣًﺎ )ﻏﻼﻃﻴﺔ (٨ :١وإن آﺎن أﺣﺪ ﻳﺒﺸّﺮآﻢ ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﻗﺒﻠﺘﻢ ﻣﻨّﺎ ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻣﺤﺮوﻣًﺎ )ﻏﻼﻃﻴﺔ .(٩ :١ أﻣّﺎ أﻧﺖ ﻓﺎﺛﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻌﻠّﻤﺖ وأﻳﻘﻨﺖ ﻷﻧّﻚ ﻋﺎرف ﻣﻤّﻦ ﺗﻌﻠّﻤﺖ )ﺗﻴﻤﻮﺗﺎوس ،(١٤-٣ :٢وأﻳﻀًﺎ ) :(٤-٣ :٢ﺳﻴﺄﺗﻲ زﻣﺎن
١٨٩
ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻠﻮن ﻓﻴﻪ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺑﻞ ﻋﻠﻰ وﻓﻖ ﺷﻬﻮاﺗﻬﻢ ﻳﻜﺜﺮون ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ اﻟﻤﻌﻠّﻤﻴﻦ ﺣﺴﺐ اهﺘﻴﺎج ﺳﻤﺎﻋﻬﻢ. ﻓﻲ هﺬا ﻳﺤﺮّض اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﺗﻠﻤﻴﺬﻩ ﻋﻠﻰ أن ﻻ ﻳﺘﺒﻊ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺒﺪع اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺮﺳﻞ واﻟﻜﻬﻨﺔ اﻟﺬﻳﻦ وآﻞ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أن ﻳﻌﻠّﻤﻮا ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ. ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻟﺘﻠﻤﻴﺬﻩ ﻃﻴﻄﻮس :إﻧّﻲ ﺗﺮآﺘﻚ ﻓﻲ آﺮﻳﺖ ﻟﺘﺮﺗّﺐ اﻟﻨﺎﻗﺺ وﺗﻘﻴﻢ آﻬﻨﺔ ﻓﻲ آﻞّ ﻣﺪﻳﻨﺔ. ﺗﻤﺴّﻜﻮا ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠّﻤﺘﻤﻮهﺎ إﻣّﺎ ﺑﻜﻼﻣﻨﺎ وإﻣّﺎ ﺑﺮﺳﺎﻟﺘﻨﺎ )ﺗﺴﺎﻟﻮﻧﻴﻜﻲ .(١٤ :٢ أذآﺮوا ﻣﺪﺑّﺮﻳﻜﻢ اﻟﺬﻳﻦ آﻠّﻤﻮآﻢ ﺑﻜﻼم اﷲ واﻗﺘﺪوا ﺑﺈﻳﻤﺎﻧﻬﻢ وﻻ ﺗﺘﺒﻌﻮا اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. ﻓﻲ هﺬا ﻳﺒﺮهﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ إنّ اﻟﺮﺳﻞ وﺧﻠﻔﺎءهﻢ ﻟﻬﻢ وﺣﺪهﻢ أن ﻳﻌﻠّﻤﻮا اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ. أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ :وﺟﺎء ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ ) (٢ :١٣ﻗﺎل ﻟﻬﻢ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻓﺮزوا ﻟﻲ ﺷﺎوول وﺑﺮﻧﺎﺑﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﺬي دﻋﻮﺗﻬﻤﺎ إﻟﻴﻪ. وﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ :اﺣﺬروا ﻷﻧﻔﺴﻜﻢ وﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﻘﻄﻴﻊ اﻟﺬي أﻗﺎﻣﻜﻢ ﻓﻴﻪ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس أﺳﺎﻗﻔﺔ ﻟﺘﺮﻋﻮا آﻨﻴﺴﺔ اﷲ. وﺟﺎء أﻳﻀًﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ ) (١٢ :١٤أنّ اﻟﺮﺳﻞ رﺳﻤﻮا آﻬﻨﺔ .ﻓﺒﻮﻟﺲ وﺑﺮﻧﺎﺑﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺑﺸّﺮا اﻟﻤﺪن – ﻟﺴﺘﺮا وإﻳﻘﻮﻧﻴﺔ وأﻧﻄﺎآﻴﺔ وﻏﻴﺮهﺎ – رﺳﻤﺎ آﻬﻨﺔ ﻓﻲ آﻞّ آﻨﻴﺴﺔ ،ﺛﻢّ اﺳﺘﺪﻋﻰ اﻟﺮبّ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﻪ .وهﻜﺬا ﻋﻤﻞ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺮﺳﻞ ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺮﺳﻤﻮن آﻬﻨﺔ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻨﻔﻮس.
١٩٠
وﺟﺎء أﻳﻀًﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ :إنّ اﻟﺮﺳﻞ أﻟﻘﻮا اﻟﻘﺮﻋﺔ ﻓﻮﻗﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺘّﻴﺎ ﻟﻴﺨﻠﻒ ﻳﻮداس .هﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻧﺘﺨﺎب اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ. وﺟﺎء ﻓﻲ اﻷﻋﻤﺎل أﻳﻀًﺎ ) (١٤ :٦وﻟـﻤّﺎ آﺎﻧﺎ ﻳﺠﺘﺎزان ﻓﻲ اﻟﻤﺪن ﺳﻠّﻤﺎ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺣﻜﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﺮﺳﻞ واﻟﻜﻬﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻊ أورﺷﻠﻴﻢ ﻟﻴﺤﻔﻈﻮهﺎ. وﺟﻤﻊ ﻳﺴﻮع ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ واﺧﺘﺎر ﻣﻨﻬﻢ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ وﺳﻤّﺎهﻢ رﺳﻼً وهﻢ :ﺳﻤﻌﺎن اﻟﺬي ﺳﻤّﺎﻩ ﺑﻄﺮس وأﻧﺪراوس أﺧﺎﻩ إﻟﻰ اﻷﺧﻴﺮ )ﻟﻮﻗﺎ .(١٤ :٦ وأﻋﻈﻢ ﺑﺮهﺎن ﻋﻠﻰ إﺛﺒﺎت اﻟﻜﻬﻨﻮت هﻮ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ وﻻﺳﻴّﻤﺎ اﻟﺒﺎﺑﺎوات اﻟﻐﻴﺮ اﻟﻤﻨﻘﻄﻌﺔ ،ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس إﻟﻰ ﻗﺪاﺳﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ اﻟﺠﺎﻟﺲ اﻟﻴﻮم ﻋﻠﻰ آﺮﺳﻲ ﺑﻄﺮس. ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ :ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي آﺎن رﻣﺰًا ﻟﻠﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ أﻣﺮ اﷲ ﻣﻮﺳﻰ أن ﻳﺨﺘﺎر هﺎرون وأوﻻدﻩ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻤﺬﺑﺢ وأن ﻳﺼﻨﻊ ﻟﻬﻢ ﺛﻴﺎﺑًﺎ ﻣﺮﺻّﻌﺔ ﺑﺎﻷﺣﺠﺎر اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ وأن ﻳﻤﺴﺤﻬﻢ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ وﻳﻜﺮّس أﻳﺪﻳﻬﻢ وﻳﻘﺪّﺳﻬﻢ ﻟﻴﻜﻮﻧﻮا آﻬﻨﺔ ﻟﻠﺮبّ )ﺧﺮوج .(٢٨وﻓﻲ ﻓﺼﻞ ٤٠أﻳﻀًﺎ وﻓﻲ ﻓﺼﻞ ) ٨أﺣﺒﺎر(. وﻣﺎ آﺎن ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻐﻴﺮ اﻟﻜﻬﻨﺔ ﺑﺘﻘﺪﻣﺔ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ واﻟﺒﺨﻮر أﻣﺎم اﻟﺮبّ ،ﺣﺘّﻰ إﻧّﻪ ذات ﻣﺮّة ﻗﺪّم اﻟﻤﻠﻚ ﺑﺨﻮرًا ﻓﺮذﻟﻪ اﻟﺮبّ! ﻓﻜﻢ أﺣﺮى ﺑﺎﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ أن ﻳﺨﺼّﺺ اﷲ آﻬﻨﺔ ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻤﺬﺑﺢ؟!
١٩١
آﻬﻨﻮت اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻳﺸﺘﺮك اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻮن آﻠّﻬﻢ ﺑﻜﻬﻨﻮت اﻟﻤﺴﻴﺢ آﻮﻧﻬﻢ أﻋﻀﺎء اﻟﻤﺴﻴﺢ وهﺬﻩ اﻷﻋﻀﺎء آﻠّﻬﺎ ﺟﺴﺪ واﺣﺪ رأﺳﻪ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ .وﻓﻲ اﻟﺠﺴﻢ أﻋﻀﺎء آﺜﻴﺮة وﻟﻜﻞّ ﻋﻀﻮ ﺧﺪﻣﺘﻪ ووﻇﻴﻔﺘﻪ .ﻓﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﻌﻴﻦ ﻏﻴﺮ وﻇﻴﻔﺔ اﻷذن ووﻇﻴﻔﺔ اﻟﻘﻠﺐ ﻏﻴﺮ وﻇﻴﻔﺔ اﻟﻴﺪ .آﻞّ ﻋﻀﻮ ﻳﺸﺘﺮك ﻓﻲ آﻬﻨﻮت اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺣﺴﺐ ﺧﺪﻣﺘﻪ ووﻇﻴﻔﺘﻪ ﻓﺎﻟﻜﺎهﻦ اﻟﺬي هﻮ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ أﻋﻀﺎء ﺟﺴﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻇﻴﻔﺘﻪ أن ﻳﻮزّع اﻷﺳﺮار ﻓﻴﺤﻞّ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ وﻳﻘﺪّم اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ اﻹﻟﻬﻴّﺔ وﻳﻌﻄﻲ ﺟﺴﺪ اﻟﺮبّ وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ،واﻟﻤﺆﻣﻨﻮن اﻟﺬﻳﻦ هﻢ أﻋﻀﺎء ﺟﺴﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ أﻳﻀًﺎ وﻇﻴﻔﺘﻬﻢ أن ﻳﻘﺒﻠﻮا اﻷﺳﺮار وﺑﻘﺒﻮﻟﻬﻢ اﻷﺳﺮار ﻳﺸﺘﺮآﻮن ﻓﻲ آﻬﻨﻮت اﻟﻤﺴﻴﺢ. ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎﻧﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ :اﻟﻜﻬﻨﻮت هﻮ دﻋﻮة ﺧﺎﺻّﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﺧﺪﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺧﻼﺻﻪ .وﻳﻘﻮل هﺬا اﻟﻤﺠﻤﻊ :إنّ ﺷﻌﺐ اﷲ ﻳﺘﻜﺮّس ﷲ ﻣﻠﻜﻮﺗًﺎ وآﻬﻨﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﺎد واﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﻟﺘﻘﺪﻣﺔ ذواﺗﻬﻢ ذﺑﻴﺤﺔ ﷲ. ﻟﻜﻦ آﻬﻨﻮت اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ آﻬﻨﻮت اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﺑﺎﻟﺠﻮهﺮ أﻳﻀًﺎ ﻷﻧّﻪ ﻳﻘﻠّﺪ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ ﻣﻘﺪّﺳًﺎ ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬﺑﻴﺤﺔ وﺗﺒﺮﻳﺮ ﺷﻌﺐ اﷲ وﺗﻘﺪﻳﺴﻪ. إنّ آﻬﻨﻮت اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ هﻮ آﻬﻨﻮت رﺋﺎﺳﺔ وآﻬﻨﻮت ﺧﺪﻣﺔ ﻷﻧّﻪ ﻳﺸﻜّﻞ ﺧﺪﻣﺔ ﻣﻌﻴّﻨﺔ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ .وهﺬﻩ اﻟﺨﺪﻣﺔ ﻟﻴﺲ ﻣﺼﺪرهﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻞ اﻟﻤﺴﻴﺢ ذاﺗﻪ اﻟﺬي ﺧﻮّل اﻟﺒﻌﺾ ﻟﻴﻜﻮﻧﻮا ﺧﺪّاﻣًﺎ ﻟﺬﺑﻴﺤﺔ اﻹﻓﺨﺎرﺳﺘﻴﺎ آﻤﺎ ﺧﻮّل ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﻼوﻳّﻴﻦ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻬﻴﻜﻞ.
١٩٢
ﺧﺒﺮ ﺧﺒﺮ أوّل :آﻮزان اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲّ اﻟﺸﻬﻴﺮ رأى آﺎهﻨًﺎ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻣﺮﻳﻀًﺎ ﻟﻠﻤﻴﺘﺔ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻓﻘﺎل :هﺬا اﻟﻜﺎهﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻤﻼً ﻋﻈﻴﻤًﺎ أﻣّﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﻊ آﻞّ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻓﻤﺎ ﻓﺎﺋﺪﺗﻨﺎ؟ ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻧﻲ :رآﺐ اﻟﻘﻄﺎر ﺳﻴّﺪ ﻏﻨﻲ وﻋﺎﻣﻞ ،ﻓﺮأى اﻟﺴﻴّﺪ اﻟﻐﻨﻲ آﺎهﻨًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﻄﺔ ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻓﺎﺋﺪة هﺬا اﻟﻜﺎهﻦ؟ ﺑﻌﺪ اﻧﻄﻼق اﻟﻘﻄﺎر ﻗﺎل اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻟﻠﺴﻴّﺪ اﻟﻐﻨﻲّ :ﻧﺤﻦ اﻵن وﺣﺪﻧﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻐﺮﻓﺔ وأﻧﺎ ﻋﺎرف أنّ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﺒﺘﻚ ﻣﺒﻠﻐًﺎ آﺒﻴﺮًا ﻣﻦ اﻟﻤﺎل، ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﻠّﻤﻨﻲ اﻟﻜﻬﻨﺔ ﺧﻮف اﷲ ﻟﻘﺘﻠﺘﻚ اﻵن وﺳﻠﺒﺖ ﻣﺎﻟﻚ، ﻓﻬﻞ ﺗﻨﻜﺮ ﺑﻌﺪ ﻓﺎﺋﺪة اﻟﻜﺎهﻦ؟! ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻟﺚ :آﺎن اﻟﻤﻼك اﻟﺤﺎرس ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ داﺋﻤًﺎ وﻳﺮاﻓﻘﻪ وﻳﺪﺧﻞ ﻗﺒﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺎب وأﻣّﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺻﺎر آﺎهﻨًﺎ ﻓﺼﺎر اﻟﻤﻼك ﻳﺪﺧﻞ ﺑﻌﺪ اﻟﻘﺪّﻳﺲ. واﻟﻤﻠﻚ ﻗﺴﻄﻨﻄﻴﻦ آﺎن ﻳﻘﻮل :إذا رأﻳﺖ آﺎهﻨًﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﺳﺘﺮﺗﻪ ﺑﺮداﺋﻲ ﻟﺌﻼّ ﻳﺮاﻩ أﺣﺪ.
١٩٣
اﻟﺰواج ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت هﻲ أﻓﻀﻞ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺰواج وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲّ ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﺤﺎﻟﺘﻴﻦ .واﷲ ﻳﺪﻋﻮ اﻟﺒﻌﺾ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت واﻟﺒﻌﺾ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺰواج .ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﺒﻊ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻋﻮﻩ اﷲ إﻟﻴﻬﺎ .ﻓﺈذا دﻋﺎ اﷲ إﻧﺴﺎﻧًﺎ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت أو اﻟﺘﺮهّﺐ وﻗﺎوم هﺬﻩ اﻟﺪﻋﻮة ﻣﻔﻀّﻼً ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺰواج ﻓﻘﺪ ﻳﺠﻌﻞ ﺧﻼﺻﻪ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ. اﻟﺰواج ﻳﺮﻳﺪﻩ اﷲ :إنّ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺰواج هﻲ أآﺜﺮ ﺷﻴﻮﻋًﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت .واﷲ ﻳﺮﻳﺪهﺎ وﻗﺪ رﺗّﺒﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺧﻠﻖ أﺑﻮﻳﻨﺎ ﺁدم وﺣﻮّاء .ﻗﺎل اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس :ﺧﻠﻖ اﷲ ﺁدم اﻹﻧﺴﺎن اﻷوّل وﻗﺎل ﻻ ﻳﺤﺴﻦ أن ﻳﻜﻮن وﺣﺪﻩ ﻓﻠﻨﺼﻨﻊ ﻟﻪ ﻋﻮﻧًﺎ ﺑﺈزاﺋﻪ ﻓﺨﻠﻖ ﺣﻮّاء اﻟﻤﺮأة اﻷوﻟﻰ .ﺛﻢّ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ :اﻧﻤﻴﺎ واآﺜﺮا واﻣﻸءا اﻷرض )ﺗﻜﻮﻳﻦ .(٣٨ :١ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :إنّ اﻟﺰواج ﻣﻜﺮّم وﻣﻀﺠﻌﻪ ﻧﻘﻲّ )ﻋﺒﺮا .(٤ :١٣ اﻟﺰواج ﻋﻘﺪ وﺳﺮّ :إنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺟﻌﻞ اﻟﺰواج ﺳﺮًّا ﺑﻌﺪ أن آﺎن ﻋﻘﺪًا ﻓﻘﻂ .ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﺰواج ﻋﻘﺪ وﺳﺮّ. آﻞّ ﻣﺮّة ﻳﻜﻮن ﻋﻘﺪ اﻟﺰواج ﺻﺤﻴﺤًﺎ ﻳﻜﻮن آﺬﻟﻚ اﻟﺴﺮّ ﺻﺤﻴﺤًﺎ. وآﻞّ ﻣﺮّة ﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻘﺪ ﺻﺤﻴﺤًﺎ ﻓﻼ ﻳﻜﻮن اﻟﺴﺮّ ﺻﺤﻴﺤًﺎ أﻳﻀًﺎ. ﻓﻤﻦ ﺣﻴﺚ هﻮ ﻋﻘﺪ :ﻳﻬﺐ آﻞّ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺪﻳﻦ ذاﺗﻪ ﻟﻶﺧﺮ. واﻟﻌﻘﺪ ﻟﻜﻲ ﻳﻜﻮن ﺻﺤﻴﺤًﺎ ﻟﻪ ﺷﺮوط وﻗﻮاﻧﻴﻦ آﺒﺎﻗﻲ اﻟﻌﻘﻮد اﻟﻤﺪﻧﻴّﺔ ﻗﺪ وﺿﻌﺘﻬﺎ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻜﻨﺴﻴّﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻧﺎﺋﺒﺔ ﻋﻨﻪ ﻟﺘﻮزّع أﺳﺮارﻩ اﻹﻟﻬﻴّﺔ.
١٩٤
وﻣﻦ ﺣﻴﺚ هﻮ ﺳﺮّ :ﻓﻬﻮ آﺒﺎﻗﻲ اﻷﺳﺮار اﻹﻟﻬﻴّﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ،ﻳﻬﺐ ﻧﻌﻤﺔ ﺧﺎﺻّﺔ ﻟﻠﻤﺘﻌﺎﻗﺪﻳﻦ ﺗﺴﺎﻋﺪهﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻴﺶ اﻟﺼﺎﻟﺢ وﻋﻠﻰ اﺣﺘﻤﺎل ﻣﺘﺎﻋﺐ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ وﻣﺴﺆوﻟﻴﺎﺗﻬﺎ. إﺛﺒﺎت اﻟﺰواج ﻣﻦ ﺣﻴﺚ هﻮ ﺳﺮّ :ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺘﺮك اﻟﺮﺟﻞ أﺑﺎﻩ وأﻣّﻪ وﻳﻠﺰم اﻣﺮأﺗﻪ ﻓﻴﺼﺮان ﺟﺴﺪًا واﺣﺪًا وﻟﻴﺲ هﻤﺎ اﺛﻨﻴﻦ ﺑﻞ ﺟﺴﺪ واﺣﺪ وﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ اﷲ ﻻ ﻳﻔﺮّﻗﻪ إﻧﺴﺎن )ﻣﺘﻰ .(٥ :٢وهﺬا اﻟﻮﺛﺎق اﻟﺬي وﺿﻌﻪ اﷲ هﻮ ﺳﺮّ ﻋﻈﻴﻢ. وﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :أﻳّﻬﺎ اﻟﺮﺟﺎل أﺣﺒّﻮا ﻧﺴﺎءآﻢ آﻤﺎ أﺣﺐّ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﺑﺬل ﻧﻔﺴﻪ ﻷﺟﻠﻬﺎ ﻟﻴﻘﺪّﺳﻬﺎ .وﻣﺤﺒّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻜﻨﻴﺴﺘﻪ ﺳﺮّ ﻻ ﻳﻨﻔﻚ. ﻞ ﻣﺎﻧﻊ ﺻﺤّﺔ اﻟﺰواج :ﺗﻘﻮم ﺻﺤّﺔ اﻟﺰواج ﺑﺨﻠﻮّ اﻟﻌﻘﺪ ﻣﻦ آ ّ ﻣﺒﻄﻞ ﻟﻠﺰواج.
ﻣﻮاﻧﻊ اﻟﺰواج :ﻣﻮاﻧﻊ ﻣﺒﻄﻠﺔ وﻣﻮاﻧﻊ ﻣﺎﻧﻌﺔ .ﻓﺎﻷوﻟﻰ إذا ﻋﻘﺪ اﻟﺰواج ﻣﻊ وﺟﻮد ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﺰواج ﺑﺎﻃﻼً ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻴﺢ .وﻳﻜﻮن اﻟﺰوج ﻣﻊ زوﺟﺘﻪ آﻤﻦ هﻮ ﻣﻊ اﻣﺮأة ﻏﺮﻳﺒﺔ. وأﻣّﺎ اﻟﻤﻮاﻧﻊ اﻟﻤﺎﻧﻌﺔ ﻓﺈذا ﻋُﻘﺪ اﻟﺰواج ﻣﻊ وﺟﻮد ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻜﻮن ﺻﺤﻴﺤًﺎ وﻟﻜﻨّﻪ ﻏﻴﺮ ﺟﺎﺋﺰ! اﻟﻤﻮاﻧﻊ اﻟﻤﺒﻄﻠﺔ :هﻲ (١) :اﻟﻌﻤﺮ (٢) .اﻟﻌﺠﺰ (٣) .اﻟﻮﺛﺎق. ) (٤اﺧﺘﻼف اﻟﺪﻳﻦ (٥) .درﺟﺔ اﻟﻜﻬﻨﻮت (٦) .اﻟﻨﺬر اﻻﺣﺘﻔﺎﺋﻲّ. ) (٧اﻟﺨﻄﻒ (٨) .اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺪﻣﻮﻳّﺔ (٩) .اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺮوﺣﻴّﺔ(١٠) .
١٩٥
اﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻷهﻠﻴّﺔ (١١) .اﻟﻐﻠﻂ ﺑﺎﻟﺸﺨﺺ (١٢) .اﻹآﺮاﻩ(١٣) . اﻟﺼﻴﻐﺔ وﺗﺘﻌﻠّﻖ اﻟﺼﻴﻐﺔ ﺑﻜﻴﻔﻴّﺔ اﻟﻌﻘﺪ وﻣﻜﺎﻧﻪ ووﻻﻳﺔ اﻟﻜﺎهﻦ اﻟﻤﻜﻠّﻞ. إنّ هﺬﻩ اﻟﻤﻮاﻧﻊ اﻟﻤﺒﻄﻠﺔ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻮاع :ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ وﺿﻌﻪ اﷲ وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ هﻲ ﻃﺒﻴﻌﻴّﺔ وﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ وﺿﻌﺘﻪ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وأﻋﻄﺎهﺎ ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ ﻟﺘﺪﺑّﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ وﺗﻀﻊ ﻣﺎ ﺗﺮاﻩ ﻟﻬﻢ ﻣﻮاﻓﻘًﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺮاﺋﻊ واﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ. ﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ أن ﺗﻔﺴّﺢ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻧﻊ اﻟﺘﻲ هﻲ وﺿﻌﺘﻬﺎ .وأﻣّﺎ اﻟﻤﻮاﻧﻊ اﻹﻟﻬﻴّﺔ واﻟﻤﻮاﻧﻊ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴّﺔ ﻓﻼ ﺗﻘﺪر أن ﺗﻔﺴّﺢ ﻣﻨﻬﺎ .ﻣﺜﻼً :ﻻ ﺗﻘﺪر أن ﺗﻔﺴّﺢ ﻣﻦ ﻣﺎﻧﻊ اﻻرﺗﺒﺎط آﺄن ﻳﺮﻳﺪ رﺟﻞ أن ﻳﺘﺰوّج واﻣﺮأﺗﻪ ﻓﻲ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة ﻷنّ هﺬا اﻟﻤﺎﻧﻊ هﻮ إﻟﻬﻲّ ﻗﺪ وﺿﻌﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻠّﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج ﻗﺎﺋﻼً :ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ اﷲ ﻻ ﻳﻔﺮّﻗﻪ إﻧﺴﺎن )ﻣﺘﻰ .(٢٦ :١٩ وآﺬﻟﻚ ﻻ ﺗﻘﺪر أن ﺗﻔﺴّﺢ ﻣﻦ ﻣﺎﻧﻊ اﻹآﺮاﻩ اﻟﺬي هﻮ إﺟﺒﺎر اﻟﻔﺘﺎة أو اﻟﺸﺎب ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج ﻷﻧّﻪ ﻣﺎﻧﻊ ﻃﺒﻴﻌﻲّ ،ﻷﻧّﻪ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﺮﻳّﺔ ﻓﺈذا ﺣُﺮم ﻣﻨﻬﺎ ﺻﺎر ﺷﺒﻴﻬًﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮان. وﻟﻴﺲ ﻟﺴﻠﻄﺔ ﻣﺪﻧﻴّﺔ أﻳّﺔ آﺎﻧﺖ أن ﺗﻀﻊ ،ﻣﻮاﻧﻊ ﻟﻠﺰواج ﻷنّ اﻟﺰواج ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺳﺮًّا آﺒﺎﻗﻲ اﻷﺳﺮار اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ وﻓﻮّض إﻟﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ – ﻻ إﻟﻰ ﻏﻴﺮهﺎ – اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ. وأﻣّﺎ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ادّﻋﺖ أنّ ﻟﻬﺎ اﻟﺤﻖّ ﺑﻌﻘﺪ وﺣﻞّ اﻟﺰواج ﻓﻘﺪ ﺿﻠّﺖ ،وﻻ ﻳﻠﺘﺰم اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﺑﺄن ﻳﺨﻀﻌﻮا ﻟﻬﺎ ﺑﺄﻣﻮر اﻟﺰواج إﻻّ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺷﺮاﺋﻊ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ...ﻓﻴﺠﻮز ﻟﻄﺎﻟﺒﻲ اﻟﺰواج أن ﻳﺤﻀﺮا أﻣﺎم اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ إذا أﺟﺒﺮﺗﻬﻤﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﻨﻴّﺔ إﺗﻤﺎم ﺳﺮّ اﻟﺰواج ﺑﻞ ﻟﻨﻔﻮذ ﻣﻔﺎﻋﻴﻞ اﻟﺰواج اﻟﻤﺪﻧﻴّﺔ آﺤﻘﻮق اﻟﻤﻴﺮاث
١٩٦
واﻋﺘﺮاف اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺸﺮﻋﻴّﺔ اﻷوﻻد وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ .ﺛﻢّ ﻳﺤﻀﺮا أﻣﺎم اﻟﻜﺎهﻦ ﻟﻴﻌﻘﺪا ﻋﻘﺪًا ﺻﺤﻴﺤًﺎ دﻳﻨﻴًّﺎ .واﺑﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺬي ﻳﻌﻘﺪ زواﺟﻪ أﻣﺎم اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺛﻢّ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻄﻠّﻖ أﻣﺎم اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﻴﻜﻮن ﻃﻼﻗﻪ ﺑﺎﻃﻼً وزواﺟﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ أﻣﺎم اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﺎﻃﻼً. اﻟﻤﻮاﻧﻊ اﻟﻤﺎﻧﻌﺔ :هﻲ (١) :اﻟﻨﺬر اﻟﺒﺴﻴﻂ (٢) .اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﺤﺮّم (٣) .اﺧﺘﻼف اﻟﻤﺬهﺐ. ﻟﻢ ﻧﺪﻗّﻖ ﺑﺸﺮح اﻟﻤﻮاﻧﻊ ﻷنّ اﻟﻤﻘﺎم ﻟﻴﺲ ﻣﻘﺎم ﺷﺮح ﻻهﻮت وﺣﻖّ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲّ. وﺟﻮب إﻋﻼم اﻟﻜﺎهﻦ ﺑﺎﻟﻤﺎﻧﻊ :ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺎﻧﻊ ﻣﺒﻄﻞ ﻟﻠﺰواج ﺳﻮاء آﺎن ﻃﺎﻟﺐ اﻟﺰواج أو ﻏﻴﺮﻩ ،ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺨﺒﺮ ﺧﻮري اﻟﺮﻋﻴّﺔ ﻟﻴﺰﻳﻞ اﻟﻤﺎﻧﻊ إذا آﺎن ﻣﻤﻜﻨًﺎ ،وإن ﻟﻢ ﻳﺨﺒﺮ اﻟﺨﻮري ﻳﺨﻄﺄ ﺧﻄﺄ آﺒﻴﺮًا ﻷﻧّﻪ ﻳﻌﺮّض ﺳﺮّ اﻟﺰواج اﻟﻤﻘﺪّس ﻟﻠﺒﻄﻼن!
ﻋﺪم اﻟﻄﻼق :إنّ اﻟﺰواج اﻟﺬي ﻳﻨﻌﻘﺪ دون ﻣﺎﻧﻊ ﻣﺒﻄﻞ وﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ أن ﻳﻔﺴﺨﻪ ،ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أﻣﺴﻚ هﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻦ آﻞّ ﺳﻠﻄﺔ ﺑﺸﺮﻳّﺔ ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ اﷲ ﻻ ﻳﻔﺮّﻗﻪ إﻧﺴﺎن .وﻳﺼﻴﺮان آﻼهﻤﺎ ﺟﺴﺪًا واﺣﺪًا وﻟﻴﺴﺎ هﻤﺎ اﺛﻨﻴﻦ ﺑﻞ ﺟﺴﺪ واﺣﺪ .وهﻞ أوﺿﺢ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻜﻼم اﻹﻟﻬﻲّ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم إﻣﻜﺎن اﻧﻔﺼﺎل اﻟﺰوﺟﻴﻦ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ .ﻓﺎﻟﺠﺴﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﻻ ﻳﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻪ وﻻ ﻳﻨﻘﺴﻢ! واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﺷﺒّﻪ اﺗﺤﺎد اﻟﺰوﺟﻴﻦ ﺑﺎﺗﺤﺎد اﻟﻤﺴﻴﺢ
١٩٧
ﺑﻜﻨﻴﺴﺘﻪ .ﻓﻜﻤﺎ أنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻻ ﻳﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ آﻨﻴﺴﺘﻪ آﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻧﻔﺼﺎل اﻟﺰوج ﻋﻦ زوﺟﺘﻪ! ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺮذل اﻟﻄﻼق ﻷﻧّﻪ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ .وأﻣّﺎ ﻣﺎ ﻧﺴﻤﻌﻪ ﻋﻦ ﺣﻮادث اﻟﻄﻼق ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻠﻴﺲ ذﻟﻚ ﻃﻼﻗًﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﻞ هﻮ ﻓﺴﺦ ﻋﻘﺪ زواج ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻴﺢ ،أي ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﻌﻘﺪ وﻗﻊ ﺑﺎﻃﻼً ﻣﻦ أﺻﻠﻪ ﻟﻮﺟﻮد ﻣﺎﻧﻊ ﻣﺒﻄﻞ آﺒﺎﻗﻲ اﻟﻌﻘﻮد اﻟﻤﺪﻧﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻄﻞ ﻟﻮﺟﻮد ﻣﺎﻧﻊ ﻳﺒﻄﻠﻬﺎ! واﺟﺒﺎت اﻟﺰوﺟﻴﻦ اﻟﻤﺘﺒﺎدﻟﺔ :إنّ آﻼًّ ﻣﻦ ﻃﺎﻟﺒﻲ اﻟﺰواج ﻳﻌﺎهﺪ رﻓﻴﻘﻪ ﻋﻬﺪًا ﻣﻘﺪّﺳًﺎ واﻟﺸﺎهﺪ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﻌﻘﺪ هﻮ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع .وﻳﺘﻀﻤّﻦ هﺬا اﻟﻌﻬﺪ واﺟﺒﺎت ﻣﺘﺒﺎدﻟﺔ هﻲ: .١اﻟﻤﺤﺒّﺔ :ﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل ﺑﻮﻟﺲ :أﻳّﻬﺎ اﻟﺮﺟﺎل أﺣﺒّﻮا ﻧﺴﺎءآﻢ آﻤﺎ أﺣﺐّ اﻟﻤﺴﻴﺢ آﻨﻴﺴﺘﻪ وﺑﺬل ﻧﻔﺴﻪ ﻷﺟﻠﻬﺎ )أﻓﺴﺲ :٥ .(٢٥ أﻳّﺘﻬﺎ اﻟﻨﺴﺎء أﺣﺒﺒﻦ أزواﺟﻜﻦّ واﺧﻀﻌﻦَ ﻟﻬﻢ آﻤﺎ ﻟﺮﺑّﻨﺎ وﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﺎل أن ﻳﺤﺒّﻮا ﻧﺴﺎءهﻢ آﺤﺒّﻬﻢ ﻷﺟﺴﺎدهﻢ .ﻣﻦ أﺣﺐّ اﻣﺮأﺗﻪ أﺣﺐّ ﻧﻔﺴﻪ .اﻟﻤﺤﺒّﺔ هﻲ ﺳﻌﺎدة اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰوﺟﻴّﺔ .ﻓﺈذا ﺧﻠﺖ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰوﺟﻴّﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺒّﺔ آﺎﻧﺖ ﺷﻘﻴّﺔ ﺗﻌﻴﺴﺔ. .٢اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﺒﻌﺾ .ﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل :ﻟﻴﺲ أﺣﺪ ﻳﺒﻐﺾ ﺟﺴﺪﻩ ﺑﻞ ﻳﻘﻮﺗﻪ وﻳﻌﺘﻨﻲ ﺑﻪ .ﻓﻜﻞّ ﻣﻦ اﻟﺰوﺟﻴﻦ هﻮ ﺟﺴﺪ اﻵﺧﺮ .وﻟﻴﺲ هﻤﺎ اﺛﻨﻴﻦ ﺑﻞ ﺟﺴﺪ واﺣﺪ .إنّ ﺑﻠﺴﻢ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰوﺟﻴّﺔ هﻲ أن ﻳﻌﺘﻨﻲ آﻞّ ﻣﻦ اﻟﺰوﺟﻴﻦ ﺑﺎﻵﺧﺮ.
١٩٨
.٣اﻻﺣﺘﺮام اﻟﻤﺘﺒﺎدل :ﻋﻠﻰ آﻞّ ﻣﻦ اﻟﺰوﺟﻴﻦ أن ﻳﺤﺘﺮم اﻵﺧﺮ ،ﻓﻼ ﻳﻬﻴﻨﻪ وﻻ ﻳﻌﻴّﺮﻩ وﻻ ﻳﺤﺘﻘﺮﻩ وإذا اﻗﺘﻀﻰ ﻓﻴﺼﻠﺢ آﻞّ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻧﻘﺎﺋﺺ اﻵﺧﺮ ﺑﻠﻄﻒ وﺻﺒﺮ وﻣﺤﺒّﺔ .إنّ اﺣﺘﺮام اﻟﺰوﺟﻴﻦ اﻟﻤﺘﺒﺎدل ﻳﺤﻔﻆ اﻟﻤﺤﺒّﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ. .٤اﻟﺘﻌﺎون :ﻋﻠﻰ اﻟﺰوﺟﻴﻦ أن ﻳﺘﻌﺎوﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة وﺧﺎﺻّﺔ أن ﻳﺘﻌﺎوﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﻼص ﻧﻔﺴﻴﻬﻤﺎ وهﺬا اﻟﺘﻌﺎون هﻮ اﻟﺤﺐّ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲّ. اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﺰواج :ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻃﺎﻟﺒﺎ اﻟﺰواج ﺑﺤﺎل اﻟﻨﻌﻤﺔ أي ﺧﺎﻟﻴﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ .وﺣﺎل اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻳﺤﺼﻼن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف واﻟﺘﻨﺎول وﻣﺎ أﺣﺴﻦ أن ﻳﻤﺎرس ﻃﺎﻟﺒﺎ اﻟﺰواج اﻟﺘﻨﺎول ﻋﺪّة أﻳّﺎم ﺑﺘﻘﻮى وﻋﺒﺎدة ﺷﺒﻪ رﻳﺎﺿﺔ روﺣﻴّﺔ ﻗﺒﻞ إﻗﺪاﻣﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج واﺳﺘﻤﻄﺎرًا ﻟ ِﻨﻌَﻢ اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ. ﺣﻔﻼت اﻟﺰواج :ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨّﺎ ﻓﻢ اﻟﺬهﺐ :اﺣﺬروا أﻳّﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻮن أن ﺗﺤﻘّﺮوا اﻟﺰواج اﻟﻤﻘﺪّس ﺑﺎﺣﺘﻔﺎﻻت ﻣﻦ اﺧﺘﺮاع إﺑﻠﻴﺲ ،ﻣﺜﻞ اﻟﺮﻗﺺ ﻏﻴﺮ اﻟﻼﺋﻖ واﻟﺴﻜﺮ واﻟﻤﻈﺎهﺮات اﻟﺠﻨﻮﻧﻴّﺔ واﻟﻤﺼﺎرﻳﻒ اﻟﺰاﺋﺪة ،ﺑﻞ ﺑﺪل هﺬﻩ ﺗﺼﺪّﻗﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺴﺎآﻴﻦ ﻟﺘﺠﻠﺒﻮا ﺑﺮآﺎت اﷲ ﻋﻠﻰ زواﺟﻜﻢ. اﻟﺰواج ﻣﻊ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﻲ وﺑﻘﻴّﺔ اﻟﺸﻴﻊ :ﻳﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﺸﺎب اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ أن ﻳﻌﻘﺪ زواﺟًﺎ ﻣﻊ اﺑﻨﺔ آﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ وﺑﺎﻻﺑﻨﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ أن ﺗﻌﻘﺪ زواﺟًﺎ ﻣﻊ ﺷﺎب آﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ .ﻷنّ اﺧﺘﻼف اﻟﻤﺬهﺐ واﻟﺪﻳﻦ ﻗﺪ ﻳﻌﺮّض اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺎﺋﻠﻴّﺔ ﻟﻠﺸﻘﺎء.
١٩٩
ﻓﺎﻟﺒﺮوﺗﺴﺎﻧﺘﻲ ﻻ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﻜﻞّ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠّﻤﻬﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ وﻻ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻠّﻤﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻋﻦ ﺛﺒﺎت ﻋﻘﺪ اﻟﺰواج .ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ اﷲ ﻻ ﻳﻔﺮّﻗﻪ إﻧﺴﺎن .ﺑﻬﺬا اﻟﻜﻼم ﻣﻨﻊ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻄﻼق. وﻳُﺮاد ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺎ هﻮ ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ وﻏﻴﺮ اﻟﻤﻌﻤﱢﺪ ﻣﺜﻞ اﻟﻴﻬﻮديّ واﻟﻤﺴﻠﻢ واﻟﻼدﻳﻨﻲّ وﻏﻴﺮهﻢ. ﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة ﺗﻔﺴﺢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻦ ﻣﺎﻧﻊ اﺧﺘﻼف اﻟﻤﺬهﺐ واﻟﺪﻳﻦ
وﻟﻜﻦ ﺗﺸﺘﺮط (١) :أن ﻳﺒﻘﻰ اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ ﻋﻠﻰ ﻣﺬهﺒﻪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ وﻳﻤﺎرس واﺟﺒﺎﺗﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻓﻴﻪ (٢) .أن ﻳﺘﻌﻬّﺪ اﻟﻔﺮﻳﻖ ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ ﺑﺄن ﻳﺘﺮك ﻟﺰوﺟﺘﻪ اﻟﺤﺮﻳّﺔ ﻓﻲ ﻣﻤﺎرﺳﺔ دﻳﻨﻬﺎ ﺣﺴﺐ ﻣﺬهﺒﻬﺎ (٣) .أن ﻳﺮﺑّﻰ اﻷوﻻد ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴّﺔ. إنّ هﺬﻩ اﻟﺸﺮوط هﻲ ﺣﻖّ إﻟﻬﻲّ أي أنّ اﷲ ﻳﻠﺰم ﺑﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻠﺰﻣﻪ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. هﻮ إﻟﺰام إﻟﻬﻲّ أن ﻳﺜﺒﺖ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ ﻓﻲ ﻣﺬهﺒﻪ وأن ﻳﺮﺑّﻲ أوﻻدﻩ ﻓﻲ ﻣﺬهﺒﻪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ وأن ﻳﻌﻘﺪ زواﺟﻪ ﻋﻘﺪًا ﺛﺎﺑﺘًﺎ ﻻ اﻧﻔﺼﺎل ﻓﻴﻪ. ﺗﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺎﻟﺰواج ﻣﻊ اﻷرﺛﻮذآﺴﻲ ﻷنّ اﻷرﺛﻮذآﺴﻲ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﻜﻞّ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ وﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺎﻷﺳﺮار ،ﺳﺮّ اﻻﻋﺘﺮاف وﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن وﺑﺎﻗﻲ اﻷﺳﺮار ،إﻻّ أنّ اﻷرﺛﻮذآﺲ ﻳﻔﺴّﺮون آﻼم ﻳﺴﻮع ﻋﻦ اﻟﺰواج ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﺗﻔﺴّﺮﻩ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ وﻳﺘﺴﺎهﻠﻮن ﺑﺎﻟﻄﻼق .إنّ آﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻤﺎرﺳﻮن اﻻﻋﺘﺮاف واﻟﺘﻨﺎول وﺳﻤﺎع اﻟﻘﺪّس ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ وﻳﺤﺒّﺬون ﻋﺪم اﻟﻄﻼق ﻣﺜﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ،ﻷنّ اﻟﻄﻼق ﻳﻀﺮّ ﺑﺎﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ
٢٠٠
أوﺟﺪهﺎ اﷲ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻷوﻻد .واﻟﺠﻮاب ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﺮاﺿﺎت اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﺗﺘﻮﺿّﺢ ﺑﻤﻨﻔﻌﺔ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق. اﻋﺘﺮاﺿﺎت اﻋﺘﺮاض أوّل :آﺜﻴﺮًا ﻣﺎ ﻳﻌﺘﺮض اﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق وﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧّﻬﺎ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ وﻏﻴﺮ ﻣﻔﻴﺪة ،إذ أﻧّﻬﺎ ﺗﺠﻌﻞ ﻋﻘﻮدًا آﺜﻴﺮة زواﺟﻴّﺔ أﻏﻼﻻً ﻓﻲ أﻋﻨﺎق أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ .ﻓﻜﻢ زوﺟًﺎ ﻓﻲ ﺷﻘﺎء ﻳﻔﻀّﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة؟ وآﻢ زوﺟﺔ ﻓﻲ ﺷﻘﺎء ﺗﻔﻀّﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة؟ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻟﺘﺨﻠّﺺ ﻣﻦ هﺬا اﻟﺸﻘﺎء! اﻟﺠﻮاب :ﻗﺒﻞ أن أﺟﻴﺐ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻻﻋﺘﺮاض أﻗﻮل :إﻧّﻪ ﻋﻨﺪ وﺟﻮد أﺳﺒﺎب ﻗﻮﻳّﺔ ﺗﺠﻌﻞ ﻋﻴﺶ اﻟﺰوﺟﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺘﻤﻞ ،ﻣﺜﻞ ﻓﻈﺎﻇﺔ اﻟﺨﻠﻖ أو ﻓﺴﺎد اﻟﺴﻴﺮة أو ﺗﺤﻤﻞ ﺿﺮر ﺑﺎهﻆ ،ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻬﺠﺮ أي أن ﻳﻌﻴﺶ آﻞّ ﻣﻦ اﻟﺰوﺟﻴﻦ وﺣﺪﻩ ﻣﺴﺘﻘﻼًّ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ. واﻵن أﺟﻴﺐ ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺘﺮاض :إنّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﺮﺿﻮن ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق وﻳﻨﻌﺘﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺴﺎوة وﻋﺪم اﻟﺼﻮاب ،ﻓﺄﻧّﻬﻢ ﻳﻌﺘﺮﺿﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ذاﺗﻪ اﻟﺬي وﺿﻊ هﺬﻩ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ وهﻮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﺤﻜﻤﺔ ﺑﺎﻟﺬات ،ﻳﻌﺮف ﻣﺎ ﻳﻨﻔﻊ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻣﺎ ﻳﻀﺮّﻩ دون أن ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺁراﺋﻨﺎ وﻣﺸﻮراﺗﻨﺎ!... وﻣﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ ﻓﺈنّ آﻞّ ﻣﺸﺘﺮع ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻀﻊ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ ﻻ اﻟﺨﺎﺻّﺔ .ﻷنّ ﻣﻨﻔﻌﺔ اﻟﻌﻤﻮم ﻗﺒﻞ ﻣﻨﻔﻌﺔ اﻷﻓﺮاد .ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ :ﻓﻠﻮ ﺛﺒﺖ ﻟﺪى اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أنّ ﻟﻌﺐ اﻟﻘﻤﺎر واﻟﺴﺒﻖ وﺷﺮب اﻟﻤﺴﻜﺮ ﻳﻀﺮّ ﺑﺎﻟﺸﻌﺐ وﻳﺨﺮّب ﺑﻴﻮﺗًﺎ آﺜﻴﺮة ﻓﺤﺮّﻣﺘﻪ ،ﻓﺘﻜﻮن ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻣﻨﻊ اﻟﺴﺒﻖ واﻟﻘﻤﺎر وﺷﺮب اﻟﻤﺴﻜﺮ
٢٠١
ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻟﻠﻌﻤﻮم وﻣﻀﺮّة ﺑﺒﻌﺾ اﻷﻓﺮاد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺴﺒﻮن ﻋﻴﺸﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ. آﺬﻟﻚ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﻓﻬﻲ ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲّ آﺜﻴﺮًا ،ﻓﺈذا ﻇﻠﻤﺖ ﺑﻌﺾ اﻷﻓﺮاد ﻓﻼ ﺑﺄس ﻓﻲ ذﻟﻚ. وﻻﺳﻴّﻤﺎ إذا آﺎن اﻟﻤﺸﺘﺮع ﻳﻌﻮّض ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻇﻠﻤﺘﻬﻢ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ،آﻤﺎ ﻟﻮ ﻋﻮّﺿﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﺧﺴﺮوا ﺑﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﻨﻊ اﻟﺴﺒﻖ واﻟﻘﻤﺎر .وﻳﺴﻮع واﺿﻊ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق ﻳﻌﻮّض ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻇﻠﻤﺘﻬﻢ هﺬﻩ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻓﺄﻓﻘﺪﺗﻢ ﺳﻌﺎدة هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة ،ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ ﻓﻴﻤﺎ إذا اﺣﺘﻤﻠﻮا. إنّ ﺑﻌﺾ ﺣﻜﻮﻣﺎت ﺣﺒّﺬت اﻟﻄﻼق وأذﻧﺖ ﺑﻪ ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ دﻧﻴﺌﺔ وزرﻳﺔ .إذ ﺗﻮﺻّﻞ اﻟﺒﻌﺾ أن ﻳﻄﻠّﻘﻮا ٣٠-٢٠ﻣﺮّة ﺑﻞ أآﺜﺮ. ﻓﻬﻞ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺰواج اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﻳﺪهﺎ اﷲ اﻟﺨﺎﻟﻖ وهﻲ اﻟﻨﺴﻞ وﺗﺮﺑﻴﺘﻪ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ ،أم ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻹﺷﺒﺎع اﻟﺸﻬﻮات اﻟﺒﻬﻴﻤﻴّﺔ؟ اﻋﺘﺮاض ﺛﺎﻧﻲ :ﻧﺴﻤﻊ أﺣﻴﺎﻧًﺎ أنّ ﻓﻼﻧًﺎ ﻃﻠّﻖ اﻣﺮأﺗﻪ وﺗﺰوّج ﻏﻴﺮهﺎ .ﻓﻜﻴﻒ ﺗﻘﻮﻟﻮن ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻃﻼق ﻋﻨﺪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ؟ اﻟﺠﻮاب :ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ أن ﺗﻄﻠّﻖ أﺣﺪًا ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺎل :ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ اﷲ ﻻ ﻳﻔﺮّﻗﻪ إﻧﺴﺎن )ﻣﺘﻰ .(٦ :١٩وﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل ﺑﻮﻟﺲ :إنّ اﻟﻤﺮأة ﻣﺎ دام ﺑﻌﻠﻬﺎ ﺣﻴًّﺎ ﻓﻬﻲ ﻣﻘﻴّﺪة ﺑﺎﻟﻨﺎﻣﻮس وإن ﻣﺎت ﻓﻬﻲ ﻣﻌﺘﻘﺔ ،ﻓﻠﺘﺘﺰوّج ﺑﻤﻦ ﺗﺸﺎء ﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺮبّ ﻓﻘﻂ )ﻗﻮرﻧﺜﻴﺔ .(٣٩ :٣ وأﻣّﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻋﻨﺪﻧﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﻄﻼق ﻓﻠﻴﺲ هﻮ إﻻّ إﻋﻼن ﺑﻄﻼن زواج ﻗﺪ وﻗﻊ ﺑﺎﻃﻼً ﻣﻦ اﻷﺻﻞ ﻟﻮﺟﻮد ﻣﺎﻧﻊ ﻣﺒﻄﻞ .وﻟﻮﻻ
٢٠٢
وﺟﻮد هﺬا اﻟﻤﺎﻧﻊ اﻟﻤﺒﻄﻞ ﻟﻤﺎ أﻣﻜﻦ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﺴﺦ هﺬا اﻟﻌﻘﺪ. إنّ اﻟﻄﻼق ﺑﻤﻌﻨﺎﻩ اﻟﻠﻔﻈﻲّ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮد ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ وذﻟﻚ ﺑﺤﺴﺐ اﻟﺸﺮع اﻹﻟﻬﻲّ .وأﻣّﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﻤّﻴﻪ اﻟﻨﺎس ﻃﻼﻗًﺎ وﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻣﻦ ﺣﻮادث ﻃﻼق ﻓﻠﻴﺲ هﻮ ﻃﻼﻗًﺎ ﺑﻤﻌﻨﺎﻩ اﻟﺤﺼﺮيّ ﺑﻞ هﻮ ﺣﻜﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺄنّ هﺬا أو ذاك اﻟﻌﻘﺪ وﻗﻊ ﺑﺎﻃﻼً ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﻦ أﺻﻠﻪ .ﻓﻼ اﻟﻤﻄﺮان وﻻ اﻟﺒﻄﺮﻳﺮك وﻻ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﻔﺴﺨﻮا ﻋﻘﺪ زواج وﻗﻊ ﺻﺤﻴﺤًﺎ .ﻗﺪ ﻳﻐﻠﻂ اﻟﻤﻄﺮان ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ إﺑﻄﺎل زواج آﺎن ﺻﺤﻴﺤًﺎ .ﻣﺜﻼً :ﺷﻬﺪ آﺬﺑًﺎ ﻋﺪّة أﺷﺨﺎص أنّ هﺬﻩ اﻻﺑﻨﺔ أآﺮهﻬﺎ أﺑﻮهﺎ أو أﺧﻮهﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺰواج ﺑﺎﻟﺘﻬﺪﻳﺪ واﻟﻀﺮب .ﻓﺤﻜﻢ اﻟﻤﻄﺮان اﺳﺘﻨﺎدًا ﻋﻠﻰ ﺷﻬﺎداﺗﻬﻢ أنّ زواﺟﻬﺎ ﺑﺎﻃﻞ ﻣﻦ أﺻﻠﻪ ﻟﻮﺟﻮد ﻣﺎﻧﻊ اﻹآﺮاﻩ .ﻓﺎﻟﻤﻄﺮان ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺆول ﺿﻤﻴﺮﻳًّﺎ ﻋﻦ ﻏﻠﻄﻪ .ﻓﺎﻟﻤﺴﺆوﻟﻴّﺔ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪوا زورًا، وﺳﻴﺤﺎﺳﺒﻬﻢ اﷲ ﺣﺴﺎﺑًﺎ ﺻﺎرﻣًﺎ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ ،ﻷنّ اﻟﻀﺮر اﻟﺬي أوﻗﻌﻮﻩ ﺑﺸﻬﺎداﺗﻬﻢ اﻟﻜﺎذﺑﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻨﻪ ،ﻷﻧّﻬﻢ ﻓﺮّﻗﻮا ﺑﻜﺬﺑﻬﻢ ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ اﷲ وﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﺗﻔﺮﻳﻘﻪ!
اﻋﺘﺮاض ﺛﺎﻟﺚ :إنّ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻣﺘّﻰ أﺟﺎز اﻟﻄﻼق ﻋﻨﺪ وﺟﻮد ﻋﻠّﺔ اﻟﺰﻧﺎء ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﻣﻦ ﻃﻠّﻖ اﻣﺮأﺗﻪ إﻻّ ﻟﻌﻠّﺔ اﻟﺰﻧﻰ وأﺧﺬ أﺧﺮى ﻓﻘﺪ زﻧﻰ ).(٩ :١٩ اﻟﺠﻮاب :إنّ هﺬا اﻟﻨﺺّ اﻟﺬي ﻳﺘّﺨﺬﻩ اﻟﺒﻌﺾ ﺣﺠّﺔ ﻟﻠﻄﻼق. وﻳﻈﻬﺮ ﻷوّل وهﻠﺔ أﻧّﻪ ﻳﺠﻮز اﻟﻄﻼق ﻋﻨﺪ وﺟﻮد زﻧﺎء ،ﻳﺸﺮﺣﻪ ﻣﺮﻗﺲ ﻓﺼﻞ ١١ – ١٠ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﻣﻦ ﻃﻠّﻖ اﻣﺮأﺗﻪ وﺗﺰوّج أﺧﺮى ﻓﻘﺪ زﻧﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وإن ﻃﻠّﻘﺖ اﻣﺮأة زوﺟﻬﺎ وﺗﺰوّﺟﺖ ﺁﺧﺮ ﻓﻘﺪ
٢٠٣
زﻧﺖ .ﻟﻢ ﻳﺬآﺮ ﻣﺮﻗﺲ أي ﻋﻠّﺔ ﻟﻠﻄﻼق ،ﺑﻞ ﻣﻨﻊ زواج اﻟﻤﻄﻠﱢﻖ واﻟﻤﻄﻠّﻘﺔ ﺑﺘﺎﺗًﺎ. وﻳﺸﺮﺣﻪ ﻟﻮﻗﺎ ﻓﺼﻞ ١٨-١٦ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﻣﻦ ﻃﻠّﻖ اﻣﺮاﺗﻪ وﺗﺰوّج أﺧﺮى ﻓﻘﺪ زﻧﻰ .وﻣﻦ ﺗﺰوّج اﻟﺘﻲ ﻃﻠّﻘﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﻓﻘﺪ زﻧﻰ .ﻟﻢ ﻳﺬآﺮ أي ﻋﻠّﺔ ﻟﻠﻄﻼق ﺑﻞ زاد إﻳﻀﺎﺣًﺎ ﻋﺪم ﺣﻞّ رﺑﺎط اﻟﺰواج ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﻣﻦ ﺗﺰوّج اﻟﺘﻲ ﻃﻠّﻘﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﻓﻘﺪ زﻧﻰ .ذﻟﻚ ﻷﻧّﻬﺎ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻘﻴّﺪة ﺑﺮﺑﺎط اﻟﺰواج .ﻓﻤﺮﻗﺲ وﻟﻮﻗﺎ ﻗﺪ أﺛﺒﺘﺎ أﻧّﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻃﻼق اﻟﺒﺘّﺔ وﻻ ﻷيّ ﻋﻠّﺔ آﺎﻧﺖ .وذآﺮا ﻗﻮل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﺬي أﻋﻠﻨﻪ ﻗﺒﻞ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق :أن ﺗﺰول اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض أﺳﻬﻞ ﻣﻦ أن ﻳﺴﻘﻂ ﺣﺮف واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻣﻮس )ﻣﺮﻗﺲ( .إذا آﺎن ﻣﻮﺳﻰ أذن ﻟﻜﻢ ﺑﺎﻟﻄﻼق ﻓﻸﺟﻞ ﻗﺴﺎوة ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﺪء هﻜﺬا .ﺧﻠﻘﻬﻤﺎ ذآﺮًا وأﻧﺜﻰ وﻗﺎل ﻳﺘﺮك اﻟﺮﺟﻞ أﺑﺎﻩ وأﻣّﻪ وﻳﻠﺰم اﻣﺮأﺗﻪ وﻳﻜﻮﻧﺎن ﺟﺴﺪًا واﺣﺪًا ﻓﻠﻴﺴﺎ هﻤﺎ اﺛﻨﻴﻦ ﺑﻞ واﺣﺪ. ﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ اﷲ ﻻ ﻳﻔﺮّﻗﻪ إﻧﺴﺎن. ﻻ ﻧﻨﺴﻰ أنّ ﻣﺮﻗﺲ وﻟﻮﻗﺎ ﻗﺪ آﺘﺒﺎ إﻧﺠﻴﻠﻬﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﺘّﻰ ﺑﻌﺪّة ﺳﻨﻴﻦ .ﻓﺠﺎء إﻳﻀﺎﺣًﺎ ﻟﻤﺎ أﺷﻜﻞ ﻓﻲ ﻣﺘّﻰ. وﺑﻮﻟﺲ اﻟﺬي ﺑﺮﺳﺎﺋﻠﻪ ﻳُﻌﺪّ أﻋﻈﻢ ﻣﻔﺴّﺮ ﻟﻸﻧﺎﺟﻴﻞ ﻓﻘﺪ أوﺿﺢ ﺑﻜﻼم ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﺠﺪل ﻋﺪم اﻟﻄﻼق ﻷي ﻋﻠّﺔ آﺎﻧﺖ .وإن ﻋﻘﺪ اﻟﺰواج ﻻ ُﻳﺤَﻞّ إﻻّ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﺑﻘﻮﻟﻪ إﻟﻰ أهﻞ روﻣﻴﺔ ) :(٣ :٧ﻣﺎ دام اﻟﻤﺮأة ﺑﻌﻠﻬﺎ ﺣﻴًّﺎ إن ﺻﺎرت ﻟﺮﺟﻞ ﺁﺧﺮ ﻓﺈﻧّﻬﺎ ﺗﺪﻋﻰ زاﻧﻴﺔ .وإن ﻣﺎت زوﺟﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺣﺮّة ،أي اﻧﺤﻞ ﻋﻘﺪ زواﺟﻬﺎ ﺑﻤﻮت زوﺟﻬﺎ. وﻓﻲ رﺳﺎﻟﺘﻪ إﻟﻰ أهﻞ أﻓﺴﺲ ) (٢٢ :٥ﻳﺸﺒﱢﻪ اﺗﺤﺎد اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻣﺮأﺗﻪ آﺎﺗﺤﺎد اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﻜﻨﻴﺴﺘﻪ .وآﻤﺎ أنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻻ ﻳﺘﺮك اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ آﺬﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ ﻻ ﻳﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ اﻣﺮأﺗﻪ .وآﻤﺎ أنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ أﺣﺐّ آﻨﻴﺴﺘﻪ وﺑﺬل ﻧﻔﺴﻪ ﻷﺟﻠﻬﺎ آﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ أن ﻳﺤﺐّ
٢٠٤
اﻣﺮأﺗﻪ ﻷﻧّﻬﻤﺎ ﺟﺴﺪ واﺣﺪ وهﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺴﻴﻢ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻮاﺣﺪ؟ وآﻞّ آﺘﺎﺑﺎت اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻋﻦ اﻟﺰواج ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق. ﺛﻢّ إنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺘﻌﻠﱢﻢ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ دون ﻏﻠﻂ ووﻋﺪهﺎ ﺑﺎﻟﻌﻮن ﺑﻘﻮﻟﻪ :اذهﺒﻮا وﺑﺸّﺮوا اﻷﻣﻢ وﻋﻠّﻤﻮهﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ أوﺻﻴﺘﻜﻢ ﺑﻪ وأﻧﺎ ﻣﻌﻜﻢ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺪهﺮ .ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﻄﻼق .وﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ وﺗﻌﻠﻴﻢ اﻵﺑﺎء ﻳﺜﺒﺘﺎن ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق. وﻟﻨﺮﺟﻊ اﻵن إﻟﻰ اﻟﻨﺺّ اﻟﻮارد ﻓﻲ ﻣﺘّﻰ وﻓﻴﻪ إﺷﻜﺎل وﻳﺘّﺨﺬﻩ اﻟﺒﻌﺾ ﺣﺠّﺔ ﻟﻠﻄﻼق وهﻮ :ﻣﻦ ﻃﻠّﻖ اﻣﺮأﺗﻪ إﻻّ ﻟﻌﻠّﺔ اﻟﺰﻧﻰ وأﺧﺬ أﺧﺮى ﻓﻘﺪ زﻧﻰ .ﻣﺎ ﺗﻘﺪّم هﺬا اﻟﻨﺺّ وﻣﺎ ﻳﺘﺒﻌﻪ ﻣﻦ ﻧﺼﻮص ﻳﺪلّ ﺑﻮﺿﻮح ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق .ﺳﺄل اﻟﻔﺮﻳﺴﻴّﻮن ﻳﺴﻮع :هﻞ ﻳﺤﻞّ ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﻄﻠّﻖ اﻣﺮأﺗﻪ ﻷﺟﻞ آﻞّ ﻋﻠّﺔ؟ ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﻢ ﺟﻮاﺑًﺎ ﻳﻨﻔﻲ اﻟﻄﻼق ﺑﺘﺎﺗًﺎ .ذآﱠﺮهﻢ ﺑﺄنّ اﷲ ﻓﻲ اﻟﺒﺪء ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ذآﺮًا وأﻧﺜﻰ وﻗﺎل :ﻳﺘﺮك اﻟﺮﺟﻞ أﺑﺎﻩ وأﻣّﻪ وﻳﻠﺰم اﻣﺮأﺗﻪ وﻳﻜﻮﻧﺎن آﻼهﻤﺎ ﺟﺴﺪًا واﺣﺪًا وﻣﺎ ﺟﻤﻌﻪ اﷲ ﻻ ﻳﻔﺮّﻗﻪ إﻧﺴﺎن .ﻓﺎﺣﺘﺠّﻮا ﺑﺄنّ ﻣﻮﺳﻰ ﺳﻤﺢ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﻄﻼق ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﻢ ﺑﺄنّ ﻣﻮﺳﻰ ﺳﻤﺢ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﻄﻼق ﻟﻘﺴﺎوة ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ وﻟﻜﻨّﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﺪء هﻜﺬا، وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻟﻜﻢ" :ﻣﻦ ﻃﻠّﻖ اﻣﺮأﺗﻪ إﻻّ ﻟﻌﻠّﺔ اﻟﺰﻧﻰ وﺗﺰوّج أﺧﺮى ﻓﻘﺪ زﻧﻰ ،وﻣﻦ ﺗﺰوّج ﻣﻄﻠّﻘﺔ ﻓﻘﺪ زﻧﻰ" .ﻓﻔﻬﻤﻮا ﻣﻦ آﻼم ﻳﺴﻮع هﺬا ﻋﺪم اﻟﻄﻼق وإﻻّ ﻟﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ :إن آﺎﻧﺖ هﻜﺬا ﺣﺎل اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻊ اﻣﺮأﺗﻪ ﻓﺄﺟﺪر ﺑﻪ أن ﻻ ﻳﺘﺰوّج .ﻓﺄﺟﺎﺑﻬﻢ ﻳﺴﻮع: ﻣﺎ آﻞّ أﺣﺪ ﻳﺤﺘﻤﻞ هﺬا اﻟﻜﻼم إﻻّ اﻟﺬﻳﻦ وُهﺐ ﻟﻬﻢ. إذًا ﻗﺮاﺋﻦ اﻟﻜﻼم اﻟﺴﺎﺑﻖ واﻟﻼﺣﻖ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﺺّ ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق .ﻟﻨﺮﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﻨﺺّ ﻧﻔﺴﻪ" :ﻣﻦ ﻃﻠّﻖ اﻣﺮأﺗﻪ إﻻّ ﻟﻌﻠّﺔ زﻧﻰ وأﺧﺬ أﺧﺮى ﻓﻘﺪ زﻧﻰ ،وﻣﻦ ﺗﺰوّج ﻣﻄﻠّﻘﺔ ﻓﻘﺪ زﻧﻰ" .ﻓﺈذا آﺎن ﻣﻦ ﻃﻠّﻖ اﻣﺮأﺗﻪ إﻻّ ﻟﻌﻠّﺔ زﻧﻰ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻓﻚّ ارﺗﺒﺎط اﻟﺰواج، ﻓﻠﻤﺎذا ﻣﻦ ﺗﺰوّج اﻟﺘﻲ ﻃﻠّﻘﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﻳﺰﻧﻲ؟ ﻓﺈذا آﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﻴّﺪة ﺑﺰوﺟﻬﺎ اﻟﺬي ﻃﻠّﻘﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺣﺮّة أن ﺗﺘﺰوّج. وإذا آﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻘﻴّﺪة ﺑﺰوﺟﻬﺎ ﻓﺮﺑﺎط اﻟﺰواج ﺑﺎقٍ وإذا آﺎن رﺑﺎط
٢٠٥
اﻟﺰواج ﺑﺎﻗﻴًﺎ ﻓﻼ ﻳﺤﻞّ ﻟﺰوﺟﻬﺎ أن ﻳﺘّﺨﺬ أﺧﺮى .وﻟﻜﻦ ﻳﺠﻮز ﻟﻪ أن ﻳﻬﺠﺮهﺎ .واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﺸﺮح ذﻟﻚ ﻓﻴﻘﻮل :أﻣّﺎ اﻟﻤﺘﺰوّﺟﻮن ﻓﺄوﺻﻴﻬﻢ ﻻ أﻧﺎ ﺑﻞ اﻟﺮبّ ﺑﺄن ﻻ ﺗﻔﺎرق اﻟﻤﺮأة زوﺟﻬﺎ وإن ﻓﺎرﻗﺘﻪ ﻓﻠﺘﺒﻖَ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﺰوّﺟﺔ أو ﻓﻠﺘﺼﺎﻟﺢ زوﺟﻬﺎ وﻻ ﻳﺘﺮك اﻟﺮﺟﻞ اﻣﺮأﺗﻪ )آﻮ .(٧ :١وهﺬﻩ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ هﻲ دﺳﺘﻮر ﻟﻠﻤﺘﺰوّﺟﻴﻦ. وﻣﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ ﻓﻠﻮ آﺎن اﻟﺰﻧﺎء ﻋﻠّﺔ اﻟﻄﻼق ﻟﻜﺎن ﻣﻦ أﺳﻬﻞ اﻷﺑﻮاب ﻻﻧﺘﺸﺎر اﻟﻄﻼق وﺗﻔﻜّﻚ اﻟﻌﺎﺋﻼت واﻧﻬﻴﺎر اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ .ﻷﻧّﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺰوﺟﺎن أن ﻳﺘّﺨﺬا هﺬﻩ اﻟﻌﻠّﺔ آﻞّ ﻣﺮّة أرادا اﻟﻄﻼق... ﻣﺜﻼً :ﻣﻦ رﻏﺐ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ اﻣﺮأﺗﻪ أو ﻣﻦ آﺎﻧﺖ اﻣﺮأﺗﻪ ﻋﺎﻗﺮًا وﻳﺮﻳﺪ ورﻳﺜًﺎ أو ﻋﻠﻖ ﺑﻤﺤﺒّﺔ اﻣﺮأة أﺧﺮى أو ﻓﻘﺪت اﻣﺮأﺗﻪ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ أو ﻷيّ ﺳﺒﺐ ﺁﺧﺮ ﻳﻤﻜﻦ اﺗّﺨﺎذ هﺬﻩ اﻟﻌﻠّﺔ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ. ﻓﻌﻨﺪ وﺟﻮد ﻋﻠّﺔ ﺳﻮء اﻟﺴﻠﻮك أو ﺳﻮء اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ أو ﻋﻠّﺔ أﺧﺮى ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻬﺠﺮ دون أن ﻳﺘﺰوّج أﺣﺪهﻤﺎ. أﺧﺒﺎر إنّ ﻧﺒﻮﻟﻴﻮن اﻟﻌﻈﻴﻢ أراد اﻟﻄﻼق ﻣﻦ اﻣﺮأﺗﻪ ﺟﻮزﻓﻴﻦ ﻷﻧّﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ورﻳﺚ ﻳﺨﻠﻔﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش .ﻓﻠﻢ ﻳﻄﻠّﻘﻪ اﻟﺒﺎﺑﺎ ،ﻓﺴﺠﻦ اﻟﺒﺎﺑﺎ واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎت اﻟﺒﺎﺑﻮﻳّﺔ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻜﺎن اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻳﻘﻮل إنّ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻋﺪم اﻟﻄﻼق ﻗﺪ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻓﻬﻮ اﻟﻤﺴﺆول ﻋﻦ آﻞّ اﻷﺿﺮار اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ! وإدوار ﻣﻠﻚ اﻧﺠﻠﺘﺮا أراد اﻟﻄﻼق ﻣﻦ اﻣﺮأﺗﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﻄﻠّﻘﻪ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻓﻌﻤﻞ ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ وﺣﻮّل اﻧﺠﻠﺘﺮا آﻠّﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴّﺔ وﻟﺴﺎن ﺣﺎل اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻳﻘﻮل إنّ ﻳﺴﻮع هﻮ اﻟﺬي وﺿﻊ هﺬﻩ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻓﻬﻮ اﻟﻤﺴﺆول وﻟﺴﺖ أﻧﺎ!! وﺑﻌﺪ أن ﺻﺎر إدوار ﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﺗﺰوّج وﻃﻠّﻖ ﺳﺖّ ﻧﺴﺎء .ﻓﻬﻞ هﺬﻩ هﻲ إرادة ﻳﺴﻮع ﻣﻦ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﺰواج؟!
٢٠٦
ﻋﻮاﻗﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ ﻋﻮاﻗﺐ اﻹﻧﺴﺎن أرﺑﻊ :اﻟﻤﻮت ،اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ،اﻟﺠﺤﻴﻢ واﻟﻨﻌﻴﻢ .إذا ﺗﺬآّﺮ اﻹﻧﺴﺎن داﺋﻤًﺎ هﺬﻩ اﻟﻌﻮاﻗﺐ ﻓﻼ ﻳﺨﻄﺄ ﺑﻞ ﻳﻤﺎرس اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ وﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺧﻮف اﷲ .ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ :ﺗﺬآﱠﺮ ﻋﻮاﻗﺒﻚ ﻳﺎ إﻧﺴﺎن ﻓﻼ ﺗﺨﻄﺄ.
اﻟﻤﻮت ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﻤﻮت هﻮ اﻧﻔﺼﺎل اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ اﻟﺠﺴﺪ وﺑﻬﺬا اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻳﻨﺘﻦّ اﻟﺠﺴﺪ وﻳﺄآﻠﻪ اﻟﺪود وﻳﺘﻼﺷﻰ .أﻣّﺎ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻼ ﻳﻤﺴّﻬﺎ ﻓﺴﺎد. إﻋﺎدة اﻟﺠﺴﺪ :إنّ اﷲ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ ﻳﻌﻴﺪ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺬي ﺗﻼﺷﻰ إﻟﻰ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ اﻧﻔﺼﻞ ﻋﻨﻬﺎ .ﻓﻘﺪرة اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﺖ اﻟﺠﺴﺪ ﻣﻦ ﺗﺮاب اﻷرض ووﺿﻌﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻔﺲ هﻲ ذاﺗﻬﺎ ﺗﻌﻴﺪ هﺬا اﻟﺠﺴﺪ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻟﺘﻀﻤّﻪ إﻟﻰ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻜﻲ ﻳﺸﺘﺮك ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺪ واﻟﺴﻌﺎدة أو ﻓﻲ اﻟﻬﻮان واﻟﻌﺬاب آﻤﺎ اﺷﺘﺮك ﻣﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ أو ﻓﻲ أﻋﻤﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ! ﺑﻘﺎء اﻟﻨﻔﺲ :إنّ ﻧﻔﺴﻨﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺤﻴﺎ ﺑﺪون اﻟﺠﺴﺪ ﺑﻞ هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻲ اﻟﺠﺴﺪ وﺑﺪوﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﺤﻴﺎ اﻟﺠﺴﺪ .ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ اﻧﻔﺼﺎﻟﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺴﺪ ﺣﻴّﺔ .ﻓﺄﻣّﺎ أن ﺗﺘﻨﻌّﻢ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة .وأﻣّﺎ أن ﺗﺘﻌﺬّب ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ وأﻣّﺎ أن ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ ﻣﺪّة ﺣﺴﺐ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ .راﺟﻊ وﺟﻪ ٢٤ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ.
٢٠٧
اﻟﻤﻮت :ﺑﺪء ﺣﻴﺎة ﺟﺪﻳﺪة .ﺑﺪء ﺣﻴﺎة ﺧﺎﻟﺪة .اﻟﻤﻮت ﺳﻴّﺎرة ﺳﺮﻳﻌﺔ أو ﻃﻴّﺎرة ﺗﻨﻘﻠﻨﺎ إﻟﻰ أﺑﻴﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎويّ اﻟﺬي ﻧﻨﺎدﻳﻪ آﻞّ ﻳﻮم ﺑﺼﻠﻮاﺗﻨﺎ" :أﺑﺎﻧﺎ اﻟﺬي ﻓﻲ اﻟﺴﻤﻮات" .ﺣﺒّﺬا اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﺘﺄﻣّﻞ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ وهﻲ أنّ وﻟﺪًا ﺳﻤﻊ أﺑﺎﻩ اﻟﻐﺎﺋﺐ واﻟﺒﻌﻴﺪ ﻋﻨﻪ ﻏﻨﻲ ﺟﺪًّا وﻋﻈﻴﻢ وﺻﺎﺣﺐ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎت واﺳﻌﺔ وذو ﺳﻠﻄﺎن .أﻣﺎ ﻳﺸﺘﺎق أن ﻳﺬهﺐ إﻟﻰ أﺑﻴﻪ ﻟﻴﺮاﻩ وﻳﺘﻤﺘّﻊ ﺑﻐﻨﺎﻩ؟؟ هﻜﺬا اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺸﺘﺎق إﻟﻰ اﻟﺬهﺎب إﻟﻰ أﺑﻴﻪ اﻟﺴﻤﺎويّ ﻟﻴﺘﻤﺘّﻊ ﺑﻐﻨﺎﻩ وﺳﻌﺎدﺗﻪ. اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻤﻮت :ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺘﻰ ﻳﻔﺎﺟﺌﻨﺎ اﻟﻤﻮت آﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أﻓﻲ اﻟﺼﺒﺎح أم ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎء أم ﻓﻲ ﻧﺼﻒ اﻟﻠﻴﻞ. ﻓﻲ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ أو ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻮّة ،أو ﻓﻲ اﻟﻜﻬﻮﻟﺔ ...ﻓﻼ ﻧﻌﻠﻢ .ﻳﺠﺐ أن ﻧﻜﻮن داﺋﻤًﺎ ﻣﺴﺘﻌﺪّﻳﻦ ﻟﻠﻤﻮت .واﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻤﻮت ﻻ ﻳﺘﻄﻠّﺐ ﻣﻨّﺎ ﺗﻌﺒًﺎ آﺒﻴﺮًا ﺑﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻜﻮن داﺋﻤًﺎ ﺧﺎﻟﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ .ﻓﺈذا ﺳﻘﻄﻨﺎ ﻓﻲ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ – ﻻ ﺳﻤﺢ اﷲ – ﻓﻠﻨﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ ﺣﺎﻻً وﻻ ﻧﺆﺧّﺮ اﻋﺘﺮاﻓﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﻴﺪ اﻟﻔﻼﻧﻲّ أو اﻟﻴﻮم اﻟﻔﻼﻧﻲّ .ﻓﺮﺑّﻤﺎ أآﻮن ذاهﺒًﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺘﺪهﺴﻨﻲ ﺳﻴّﺎرة أو أﻣﻮت ﻓﺠﺄة وأﻧﺎ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻓﺄذهﺐ إﻟﻰ ﺟﻬﻨّﻢ! ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﻦ ﻳﺤﻔﻆ آﻠﻤﺘﻲ ﻟﻦ ﻳﺬوق اﻟﻤﻮت أﺑﺪًا .ﻷنّ ﻳﺴﻮع ﻏﻠﺐ اﻟﻤﻮت ﺑﺎﻟﻘﻴﺎﻣﺔ. ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :أﻳﻦ ﻏﻠﺒﺘﻚ ﻳﺎ ﻣﻮت وأﻳﻦ ﺷﻮآﺘﻚ ﻳﺎ ﺟﺤﻴﻢ؟ ﻟﻮ اﺧﺘﺮع أﺣﺪ اﻷﻃﺒّﺎء ﻋﻼﺟًﺎ ﻟﻠﻤﻮت ﻟﻤﺎ ﻋﺎد اﻟﻨﺎس ﻳﺨﺎﻓﻮن اﻟﻤﻮت.
٢٠٨
ﻓﺎﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺪ اﺧﺘﺮع ﻋﻼﺟًﺎ ﻟﻠﻤﻮت ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺨﺎف اﻟﻨﺎس اﻟﻤﻮت ﺑﻌﺪ؟؟ ﻓﺎﻟﻤﻮت ﺑﺪء ﺣﻴﺎة .ﻓﻼ اﻟﻤﺮض وﻻ اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ وﻻ ﺷﻲء ﺁﺧﺮ ﻳﺨﻴﻒ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻮت. اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﻤﻮت :اﻟﻤﻮت ﻳﺨﻴﻒ اﻟﺨﺎﻃﺌﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ أﻣّﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺒّﻮن اﷲ ﻓﻼ ﻳﺨﺎﻓﻮن ﻣﻦ اﻟﻤﻮت ﻷنّ اﻟﻤﻮت ﺑﺎب ﻧﺪﺧﻞ ﻣﻨﻪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،إﻟﻰ ﻋﻨﺪ أﺑﻴﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎويّ. ﻻ ﻧﻨﻜﺮ أنّ اﻟﻤﻮت ﻣﺨﻴﻒ ...ﻣﺜﻼً :ﺷﺎب ﻣﻤﻠﻮء ﻧﻀﺎرة وﺣﻴﻮﻳّﺔ وﻳﺮى اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻀﺤﻚ ﻟﻪ وهﻮ ﻳﻀﺤﻚ ﻟﻬﺎ .ﻳﺮى اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺴﺮﺣًﺎ ﻷﻓﺮاﺣﻪ ،وﺣﺪﻳﻘﺔ ﻟﻨـﺰهﺎﺗﻪ ،أﺗﺎﻩ اﻟﻤﻮت ﻳﺮﺗﺎع وﻳﺼﻌﻖ. ﻓﺘﺎة ﻓﻲ أوج ﺻﺒﺎهﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وأﺣﻼﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ آﺜﻴﺮة... ﺗﺒﺴﻢ ﻟﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة وهﻲ ﺗﺒﺴﻢ ﻟﻠﺤﻴﺎة ...أﺗﺎهﺎ اﻟﻤﻮت ...ﻓﺄي ذﻋﺮ وﺧﻮف ﻳﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ؟ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف ...وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺟﺎء ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻟﺴﻌﻴﺪة ﻳﺨﻔّﻒ ﻣﻦ رهﺒﺔ اﻟﻤﻮت ،ﺑﻞ ﻗﺪ ﻳﺤﻮّل اﻟﻤﻮت ﺣﻼوة وﻋﺬوﺑﺔ .ﻓﺎﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮﻳﺰﻳﺎ آﺎﻧﺖ ﺗﺨﺎﻃﺐ اﻟﻤﻮت :ﻳﺎ أﺧﻲ اﻓﺘﺢ ﻟﻲ اﻟﺒﺎب ﻷرى ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ. اﻟﻤﻮت ﻳﻮﺻﻠﻨﺎ إﻟﻰ ﺑﻴﺖ أﺑﻴﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎويّ ﻓﻨﺸﺎهﺪ أﺑﺎﻧﺎ اﻟﺴﻤﺎويّ وﻣﺨﻠّﺼﻨﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﻳﺤﺒّﻨﺎ آﺜﻴﺮًا وﻳﺮﻳﺪ أن ﻧﻜﻮن ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدﺗﻪ .وهﻞ ﻣﻦ ﺳﻌﺎدة ﺗﻮازي ﺳﻌﺎدة ﻣﺨﻠّﺼﻨﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ؟!
٢٠٩
أﺧﺒﺎر ﺧﺒﺮ أوّل :ﺑﻴﻨﻤﺎ آﺎن ﺷﺒﺎب ﻳﻤﺮﺣﻮن وﻳﻔﺮﺣﻮن ﺳﺄل أﺣﺪهﻢ ﻗﺎﺋﻼً :إذا أﺗﺎﻧﺎ اﻟﻤﻮت ﻣﺎذا ﻧﺼﻨﻊ؟ ﻓﻘﺎ اﻟﺒﻌﺾ :ﻧﺬهﺐ ﺣﺎﻻً إﻟﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻧﺴﺘﻌﺪّ .وﻗﺎل اﻟﺒﻌﺾ :ﻧﻄﻠﺐ اﻟﻜﺎهﻦ ﺣﺎﻻً وﻧﻌﺘﺮف. واﻟﺒﻌﺾ ﻗﺎﻟﻮا :ﻧﻨﺪم ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ ﺣﺎﻻً .إﻻّ أنّ أﺣﺪهﻢ ﻗﺎل: أﺑﻘﻰ أﻓﺮح وأﻣﺮح ﻷﻧّﻲ داﺋﻤًﺎ ﻣﺴﺘﻌﺪّ ﻟﻠﻤﻮت ﻓﻼ أﺧﺎف ﻣﻨﻪ!! ﺧﺒﺮ ﺛﺎنٍ :آﺎن ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﻳﻮرﺟﻴﺎ وزﻳﺮًا ﻟﻠﻤﻠﻚ ﻣﺘﻨ ّﻌﻤًﺎ ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ واﻟﻜﺮاﻣﺎت وﺑﻜﻞّ أﻃﺎﻳﺐ اﻟﺤﻴﺎة .ﻓﺤﺪث أن ﻣﺎﺗﺖ اﻟﻤﻠﻜﺔ وهﻲ ﻻ ﺗﺰال ﺻﺒﻴّﺔ ﺑﺎرﻋﺔ اﻟﺠﻤﺎل .ﻓﺒﻌﺪ زﻣﻦ ﻳﺴﻴﺮ أراد اﻟﻤﻠﻚ أن ﻳﻨﻘﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺪﻓﻦ ﺧﺎص .ﻓﻜﻠّﻒ اﻟﻮزﻳﺮ أن ﻳﺮاﻓﻘﻬﺎ وأن ﻳﺘﺄآّﺪ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﻗﺒﻞ وﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻓﻦ اﻟﺨﺎص .ﻓﻠﻤّﺎ ﺑﻠﻐﻮا إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن ﻓﺘﺤﻮا اﻟﻤﺤﻤﻞ ﻟﻴﺮاهﺎ اﻟﻮزﻳﺮ .ﻓﺸﺎهﺪ اﻟﺪود ﻗﺪ رﻋﻰ وﺟﻬﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻞ وﺟﺴﺪهﺎ اﻟﻐﺾّ وﺣﻮّل ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﺸﺎﻋﺔ ﻣﺨﻴﻔﺔ وﻧﺘﺎﻧﺔ آﺮﻳﻬﺔ .ﻓﻬﺎﻟﻪ ﻣﻨﻈﺮهﺎ اﻟﺒﺸﻊ وارﺗﺪّ إﻟﻰ اﻟﻮراء ﻣﺬﻋﻮرًا .وﻗﺎل :إذا آﺎن اﻟﻤﻠﻮك اﻟﺬﻳﻦ أﺧﺪﻣﻬﻢ ﻳﺰوﻟﻮن ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺴﺮﻋﺔ وﻳﻨﻘﻠﺒﻮن إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﺤﺎل ،ﻓﺄﻧﺎ أرﻳﺪ أن أﺧﺪم ﻣﻠﻜًﺎ ﻻ ﻳﺘﻐﻴّﺮ وﻻ ﻳﺰول .ﻓﺘﺮك ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻤﻠﻚ اﻷرﺿﻲّ ودﺧﻞ اﻟﺪﻳﺮ ﻟﻴﺨﺪم اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎويّ وﺻﺎر ﻗﺪّﻳﺴًﺎ ﻋﻈﻴﻤًﺎ.
٢١٠
اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ﺣﺘّﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲُ : وﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ .ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻋﻤﻠﻮا اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت إﻟﻰ ﺣﻴﺎة اﻷﺑﺪ واﻟﺬﻳﻦ ﻋﻤﻠﻮا اﻟﺴﻴّﺌﺎت ﻓﺈﻟﻰ ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ. ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ﺗﺸﺨﺺ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺎﻻً أﻣﺎم اﷲ ﻟﻴﺪﻳﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ آﻞّ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ ﻓﺈن آﺎﻧﺖ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﺳﻌﺎدﺗﻪ وإن آﺎﻧﺖ ﺷﺮّﻳﺮة ﻳﺰﺟّﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ وإن آﺎن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻗﺼﺎﺻﺎت وﺑﻌﺾ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﻋﺮﺿﻴّﺔ ﻳﻀﻌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ .إنّ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺮﻓﻨﺎ ﺑﻬﺎ ﻻ ﻳﺪﻳﻨﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﷲ ﻷﻧّﻪ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻏﻔﺮهﺎ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺮاف وﻟﻜﻨّﻪ ﻳﺪﻳﻨﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻧﻨﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻟﻢ ﻧﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ. وﺧﻄﻴﺌﺔ واﺣﺪة ﻣﻤﻴﺘﺔ ﻏﻴﺮ ﻧﺎدﻣﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻏﻴﺮ ﻣﻌﺘﺮﻓﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﻬﻼآﻨﺎ. اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ﻧﻮﻋﺎن :دﻳﻨﻮﻧﺔ ﺧﺎﺻّﺔ ودﻳﻨﻮﻧﺔ ﻋﺎﻣّﺔ. ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻌﺾ ﻻهﻮﺗﻴّﻴﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮن إﻧّﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ دﻳﻨﻮﻧﺔ ﺧﺎﺻّﺔ ﺑﻞ دﻳﻨﻮﻧﺔ ﻋﺎﻣّﺔ ﻋﻨﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ أنّ ﻗﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن ﻟﻢ ﻳﺬآﺮ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﺨﺎﺻّﺔ وﻻ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ،ﺑﻞ ذآﺮوا اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ .ﻣﻊ أﻧّﻨﺎ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ أﻣﺜﻠﺔ ﻋﺪﻳﺪة ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﺨﺎﺻّﺔ .ﻓﻴﺴﻮع ﻗﺎل ﻟﻠﺺّ اﻟﻴﻤﻴﻦ :اﻟﻴﻮم ﺗﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﻔﺮدوس .وﻣﺜﻞ اﻟﻮزﻧﺎت :ﻳﻘﻮل اﷲ ﻟﻠﺬي أﺧﺬ اﻟﻮزﻧﺎت اﻟﺨﻤﺲ وﺗﺎﺟﺮ ﺑﻬﺎ ورﺑﺢ ﺧﻤﺲ وزﻧﺎت أﺧﺮى :ﻳﺎ ﻟﻚ ﻋﺒﺪًا ﺻﺎﻟﺤًﺎ ادﺧﻞ ﻓﺮح ﺳﻴّﺪك .وآﺬﻟﻚ ﻗﺎل ﻟﻠﺬي أﺧﺬ اﻟﻮزﻧﺘﻴﻦ .أﻣّﺎ اﻟﺬي أﺧﺬ اﻟﻮزﻧﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻓﻘﺎل اﻟﺴﻴّﺪ ﻟﻌﺒﻴﺪﻩ :أﻟﻘﻮا اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺒﻄّﺎل ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ اﻟﺒﺮاﻧﻴﺔ.
٢١١
واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :ﻓﺄﻧﺎ أﺷﺘﻬﻲ أن أﻧﺤﻞّ وأآﻮن ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻴﺢ وهﺬا أﺻﻠﺢ ﻟﻲ ،ﻏﻴﺮ أنّ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺪ ﻳﻀﻄﺮّﻧﻲ إﻟﻴﻪ أﻣﺮآﻢ )ﻓﻴﻠﺒﻲ (٢٥-٢١ :١ﻓﻠﻮ آﺎن ﺑﻮﻟﺲ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ﻳﺒﻘﻰ إﻟﻰ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ ﻟﻜﺎن اﻷﻓﻀﻞ أن ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﺨﻴﺮ اﻟﻨﻔﻮس. واﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮﻳﺰﻳﺎ آﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮل :إﻧّﻲ أﻗﻀﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻷﻣﻄﺮ وردًا ﻋﻠﻰ اﻷرض .وﻗﺪ ﺻﻨﻌﺖ ﻋﺠﺎﺋﺐ آﺜﻴﺮة. وﺻﻠﻮات اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻃﻘﻮﺳﻬﺎ ﻣﻸى ﺑﺎﻻﺑﺘﻬﺎﻻت إﻟﻰ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ،وهﺬا هﻮ رﺟﺎء اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟﻌﺎم. ﻓﺎﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﺨﺎﺻّﺔ :هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢّ ﺣﺎﻻً ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت إذ ﺗﺸﺨﺺ اﻟﻨﻔﺲ أﻣﺎم اﷲ ﻓﻴﺪﻳﻨﻬﺎ وﺣﺪهﺎ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد .ﻣﺎت أﻟﻴﻌﺎزر ﻓﺄوﺻﻠﺘﻪ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ إﻟﻰ ﺣﻀﻦ إﺑﺮاهﻴﻢ .ﻣﺎت اﻟﻐﻨﻲّ ﻓﺪُﻓﻦ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ )ﻟﻮ .(٢٢ :١٦هﺬا ﻳﺜﺒﺖ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﺨﺎﺻّﺔ .وأﻳﻀًﺎ ﻗﻮل اﻟﺮﺳﻮل" :ﻷﻧّﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﻨﺎ ﻻ ﺑﺪّ أن ﻧﻈﻬﺮ أﻣﺎم ﻣﻨﺒﺮ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻴﻨﺎل آﻞّ واﺣﺪ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﺻﻨﻊ ﺑﺎﻟﺠﺴﺪ ﺧﻴﺮًا آﺎن أو ﺷﺮًّا .إنّ آﻞّ آﻠﻤﺔ ﺑﻄّﺎﻟﺔ ﻳﺘﻜﻠّﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺎس ﻳﻌﻄﻮن ﺟﻮاﺑًﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ" )ﻣﺘﻰ .(٣٦ :١٢ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ :هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺮ ﻋﻨﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻓﻴﺄﻣﺮ اﷲ ﻓﻴﺠﺘﻤﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﺸﺮ ﻣﻦ ﺁدم إﻟﻰ ﺁﺧﺮ إﻧﺴﺎن ﻳﺄﺗﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ .اﻟﺼﺎﻟﺤﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء واﻷﺷﺮار اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ ﻳﺤﻀﺮون ﺟﻤﻴﻌًﺎ أﻣﺎم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻴﺪﻳﻨﻬﻢ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺟﻬﺎرًا أﻣﺎم اﻟﺠﻤﻴﻊ .ذﻟﻚ ﺣﺘّﻰ ﻳﺘﻤﺠّﺪ اﻟﺼﺎﻟﺤﻮن ﺑﻤﺠﺪهﻢ وأآﺎﻟﻴﻠﻬﻢ
٢١٢
وﻳﺨﺰى اﻷﺷﺮار ﺑﻌﺎرهﻢ وذﻟّﻬﻢ )ﻣﺘﻰ (٣١ :٢٢ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻦ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ )ﻃﺎﻟﻌﻪ(. اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ :ﻳﺠﺐ أن ﻧﺨﺎف ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ﻷﻧّﻨﺎ ﻧﻠﺘﺰم أن ﻧﻘﺪّم ﺣﺴﺎﺑًﺎ دﻗﻴﻘًﺎ ﻋﻦ آﻞّ أﻓﻜﺎرﻧﺎ وأﻗﻮاﻟﻨﺎ وأﻋﻤﺎﻟﻨﺎ وإهﻤﺎﻟﻨﺎ .واﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ﻳﻔﻴﺪﻧﺎ إذ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺘﺠﻨّﺐ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﻧﻤﺎرس اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ وﻧﺠﺘﻬﺪ ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ وﻧﺒﺬ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺸﺮﻳﺮة .وﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻻ ﻧﻌﻮد ﻧﺨﺎف ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ﺑﻞ ﻧﺘﻮق إﻟﻴﻬﺎ ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﺮﻓﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ اﷲ آﺎﻟﻮﻟﺪ اﻟﻤﺠﺘﻬﺪ اﻟﻨﺸﻴﻂ اﻟﺬي ﻳﺘﻮق إﻟﻰ اﻻﻣﺘﺤﺎن ﻟﻴﻨﺎل اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة واﻟﻤﺪﻳﺢ واﻟﺜﻨﺎء!! واﻟﺨﺎدم اﻷﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻪ ووﻇﻴﻔﺘﻪ واﻟﻤﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ أواﻣﺮ ﻣﻮﻻﻩ ﻳﻔﺮح إذا ﻃﻠﺒﻪ ﺳﻴّﺪﻩ ﻟﻠﺤﺴﺎب .وأﻣّﺎ اﻟﺨﺎدم ﻏﻴﺮ اﻷﻣﻴﻦ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺤﻔﻆ أواﻣﺮ ﺳﻴّﺪﻩ ﻓﻴﺨﺎف وﻳﺮﺗﻌﺪ .ذﻟﻚ ﻷنّ اﻷوّل ﻳﺄﻣﻞ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎﻓﺄة واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﻌﻘﺎب واﻟﻘﺼﺎص. هﻜﺬا ﻧﺤﻦ إذا آﻨّﺎ ﻣﺤﺎﻓﻈﻴﻦ ﻋﻠﻰ وﺻﺎﻳﺎ وﺷﺮاﺋﻊ ﻣﻠﻜﻨﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ وأﻣﻴﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻪ ﻓﻼ ﻧﺨﺎف ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ﺑﻞ ﻧﺘﻮق إﻟﻴﻬﺎ ﻟﻨﻨﺎل اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة ،ﻣﺜﻞ أﺻﺤﺎب اﻟﻮزﻧﺎت )إﻧﺠﻴﻞ ﻣﺘﻰ -١ :٢ .(١٦
ﺧﺒﺮ إنّ أﺣﺪ ﻣﻠﻮك ﺑﺎﺑﻞ ﺟﺎء إﻟﻰ أورﺷﻠﻴﻢ وﺳﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻬﻴﻜﻞ اﻷواﻧﻲ اﻟﺬهﺒﻴّﺔ واﻟﻔﻀﻴّﺔ وأﺧﺬهﺎ إﻟﻰ ﺑﻼدﻩ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﺋﻢ واﻷﻓﺮاح .ذات ﻳﻮم ﺑﻴﻨﻤﺎ آﺎن ﻓﻲ وﻟﻴﻤﺔ رأى ﻳﺪًا ﺧﻔﻴّﺔ ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻗﺼﺎﺻًﺎ ﻟﻪ ﻷﻧّﻪ اﺣﺘﻘﺮ
٢١٣
ﺑﻴﺖ اﻟﺮبّ واﺳﺘﺨﺪم ﻟﻤﺎﺋﺪﺗﻪ أواﻧﻲ ﻣﺬﺑﺢ اﻟﺮبّ .ﻓﺎﻣﺘﻘﻊ ﻟﻮﻧﻪ واﺿﻄﺮّﺑﺖ أﻓﻜﺎرﻩ وارﺗﻌﺪت ﻓﺮاﺋﺼﻪ وارﺗﺨﺖ أﻋﺼﺎﺑﻪ وأﺧﺬ ﻳﺼﺮخ وﻳﺴﺘﻐﻴﺚ وﻣﺎ أﻣﻜﻦ ﻋﻈﻤﺎء اﻟﻘﺼﺮ واﻟﺤﺮس واﻟﺠﻴﺶ أن ﻳﺮدّوا ﻋﻨﻪ ذاك اﻟﺨﻮف واﻟﺬﻋﺮ. ﻓﺈذا آﺎﻧﺖ ﻳﺪ ﻣﻼك أرﺳﻠﻪ اﷲ ﺳﺒّﺒﺖ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺠﺒّﺎر آﻞّ هﺬا اﻟﺨﻮف واﻟﺬﻋﺮ ،ﻓﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﺣﺎل اﻟﺨﺎﻃﺊ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺮى وﺟﻪ اﻟﺮبّ اﻟﻘﻮيّ ﻏﺎﺿﺒًﺎ ﻣﺰﻣﻌًﺎ أن ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻬﻼك اﻷﺑﺪيّ؟! ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻤﻘﺪّس ﻣﺘّﻰ ) ٣١ – ٢٥ﻃﺎﻟﻌﻪ( إنّ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻤﻘﺪّس ﻳﺼﻮّر ﻟﻨﺎ ﺻﻮرة واﺿﺤﺔ ﻋﻦ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﻌﻈﻴﻢ. ﻣﺘﻰ ﺟﺎء اﺑﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻣﺠﺪﻩ وﺟﻤﻴﻊ ﻣﻼﺋﻜﺘﻪ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻣﻌﻪ ﻳﺠﻠﺲ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﻋﻠﻰ آﺮﺳﻲ ﻣﺠﺪﻩ وﺗﺠﺘﻤﻊ أﻣﺎﻣﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ وﻳﻤﻴّﺰ واﺣﺪًا ﻣﻦ ﺁﺧﺮ آﻤﺎ ﻳﻤﻴّﺰ اﻟﺮاﻋﻲ اﻟﺨﺮاف ﻣﻦ اﻟﺠﺪاء ﻓﻴﻘﻴﻢ اﻟﺨﺮاف ﻣﻦ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ واﻟﺠﺪاء ﻣﻦ ﻋﻦ ﺷﻤﺎﻟﻪ .وﻳﻘﻮل اﻟﻤﻠﻚ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ هﻠﻤّﻮا ﻳﺎ ﻣﺒﺎرآﻲ أﺑﻲ رﺛﻮا اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻤﻌﺪّ ﻟﻜﻢ... ﺛﻢّ ﻳﻘﻮل ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻋﻦ ﺷﻤﺎﻟﻪ أﻣﻀﻮا ﻋﻨّﻲ ﻳﺎ ﻣﻼﻋﻴﻦ إﻟﻰ ﻧﺎر اﻷﺑﺪ اﻟﻤﻌﺪّة ﻹﺑﻠﻴﺲ وﺟﻨﻮدﻩ ...ﻓﻴﺬهﺐ هﺆﻻء إﻟﻰ اﻟﻌﺬاب اﻷﺑﺪيّ واﻟﺼﺪّﻳﻘﻮن إﻟﻰ ﺣﻴﺎة اﻷﺑﺪ!
٢١٤
اﻟﺠﺤﻴﻢ أي ﺟﻬﻨّﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪ :ﺟﻬﻨّﻢ هﻲ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺬي ﻳﺘﻌﺬّب ﻓﻴﻪ اﻷﺷﺮار اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎﺗﻮا ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ دون اﻋﺘﺮاف ودون ﻧﺪاﻣﺔ. ﻓﻬﺆﻻء اﻷﺷﺮار اﻟﻤﺴﺎآﻴﻦ ﻳﺘﻌﺬّﺑﻮن ﻣﻊ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻣﺤﺮوﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﻣﺸﺎهﺪة اﷲ وﻣﻦ ﺳﻌﺎدﺗﻪ اﻟﺨﺎﻟﺪة .وهﺬا اﻟﺤﺮﻣﺎن هﻮ ﻋﺬاب آﺎف ﻟﻠﻬﺎﻟﻜﻴﻦ .وﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ ﺗﺘﻌﺬّب ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻮاس :اﻟﻨﻈﺮ ﻳﺘﻌﺬّب ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻇﺮ اﻟﻤﺨﻴﻔﺔ اﻟﻤﺮﻋﺒﺔ ،واﻟﺬوق ﻳﺘﻌﺬّب ﺑﺎﻟﻌﻄﺶ واﻟﺠﻮع ،واﻟﺸﻢ ﻳﺘﻌﺬّب ﺑﺎﻟﺮاﺋﺤﺔ اﻟﻜﺮﻳﻬﺔ ،واﻟﻠﻤﺲ ﻳﺘﻌﺬّب ﺑﺎﻷﻟﻢ ،واﻟﺴﻤﻊ ﻳﺘﻌﺬّب ﺑﺎﻟﺘﺠﺎدﻳﻒ واﻟﺸﺘﺎﺋﻢ. أﺑﺪﻳّﺔ ﺟﻬﻨّﻢ :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻋﻦ ﺟﻬﻨّﻢ :ﻧﺎرهﺎ ﻻ ﺗﻄﻔﺄ ودودهﺎ ﻻ ﻳﻤﻮت )ﻣﺮﻗﺺ .(٤٣ :٩إنّ ﻋﺬاب ﺟﻬﻨّﻢ داﺋﻢ أﺑﺪيّ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ! أﻟﻮف وﻣﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ ﺗﻨﻘﻀﻲ وﺟﻬﻨّﻢ ﺑﺎﻗﻴﺔ. ﻳﺘﻤﻨّﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻤﻮت ﻓﻼ ﻳﻤﻮت .ﻳﺘﻤﻨّﻰ أن ﻳﻘﺘﻠﻮﻩ ﻓﻴﻘﺘﻠﻮﻧﻪ وﻻ ﻳﻤﻮت .ﺣﻴﺎة داﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﻋﺬاب داﺋﻢ .ﻳﻘﻄﻊ اﻹﻧﺴﺎن آﻞّ رﺟﺎء ﻣﻦ اﻟﺨﻼص وﻳﻜﻮن ﻓﻲ ﻳﺄس وﺗﻨﺪّم وﺗﺤﺴّﺮ. آﻴﻒ ﻻ ﻧﺨﺎف ﻣﻦ ﺟﻬﻨّﻢ؟ ﻧﺨﺎف ﻣﻦ آﻞّ ﻋﺬاب دﻧﻴﻮي: ﻣﺮض ﻣﺰﻣﻦ ،وﺟﻊ ﺷﺪﻳﺪ ،اﻟﻤﻮت ﺣﺮﻳﻘًﺎ .ﻻ ﻧﻘﺪر أن ﻧﺤﺘﻤﻞ اﻟﺤﺮّ اﻟﺸﺪﻳﺪ وﻻ ﺟﻤﺮة ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻧﺎ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻧﺤﺘﻤﻞ أن ﻧﻌﺮّى ﻣﻦ ﺛﻴﺎﺑﻨﺎ وﻧﻠﻘﻰ ﻓﻲ أﺗﻮن ﻧﺎر؟؟ آﻞّ ﻋﺬاﺑﺎت اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻌًﺎ ﻻ ﺗﻮازي ﻋﺬاب ﺟﻬﻨّﻢ!
٢١٥
وﺟﻮد ﺟﻬﻨّﻢ ﻋﺪل :ﻋﺪل اﷲ ﻳﻘﺘﻀﻲ وﺟﻮد ﺟﻬﻨّﻢ .وﻟﻮﻻ ﺟﻬﻨّﻢ ﻟﻜﺎن ﻣﻦ ﻳﺤﺐّ اﷲ وﻣﻦ ﻳﺒﻐﻀﻪ ،ﻣﻦ ﻳﺠﺪّف ﻋﻠﻰ اﺳﻢ اﷲ وﻣﻦ ﻳﻤﺠّﺪﻩ ،ﻣﻦ ﻳﺘﺄﻟّﻢ ﻷﺟﻞ اﷲ وﻣﻦ ﻳﺤﻘّﺮ وﺻﺎﻳﺎﻩ ﺳﻮاء!! ﻟﻮﻻ ﺟﻬﻨّﻢ ﻟﻜﺎن ﻣﻦ ﻳﺤﻔﻆ ﺷﺮاﺋﻊ اﷲ وﻳﻄﻴﻊ أواﻣﺮﻩ ،وﻣﻦ ﻳﺰدري ﺷﺮاﺋﻌﻪ وﻳﻬﺰأ ﺑﺄواﻣﺮﻩ ﺳﻮاء!! ﻓﺎﻟﻌﺒﺪ اﻟﻜﺴﻼن اﻟﺬي ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻨﻪ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻗﺪ اﺳﺘﺤﻖّ أن ﻳﻠﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ اﻟﺒﺮاﻧﻴﺔ ﻷﻧّﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﻔﻆ أواﻣﺮ ﺳﻴّﺪﻩ وﻳﺘﺎﺟﺮ ﺑﺎﻟﻮزﻧﺔ اﻟﺘﻲ أﻣﺮﻩ أن ﻳﺘﺎﺟﺮ ﺑﻬﺎ .ﺑﻞ ﻗﺎل ﻟﺴﻴّﺪﻩ :ﻋﺮﻓﺘﻚ رﺟﻼً ﻗﺎﺳﻴًﺎ .ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﺳﻴّﺪﻩ :ﻣﻦ ﻓﻤﻚ أدﻳﻨﻚ ،ﻋﺮﻓﺘﻨﻲ رﺟﻼً ﻗﺎﺳﻴًﺎ ﻓﻜﺎن ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﺨﺎف وﺗﻄﻴﻌﻨﻲ .ﻓﻜﺄﻧّﻪ ﻳﻘﻮل ﻟﻪ :إذا آﻨﺖ ﻋﺮﻓﺘﻨﻲ ﻇﺎﻟـﻤًﺎ وﻗﺎﺳﻴًﺎ وﻟﻢ ﺗﺨﻒ ﻣﻨّﻲ ﻓﻜﻴﻒ ﻟﻮ آﻨﺖ ﺿﻌﻴﻔًﺎ ﺟﺒﺎﻧًﺎ؟ إنّ وﺟﻮد ﺟﻬﻨّﻢ ﻋﺪل ﻣﻦ اﷲ .ﺣﺘّﻰ ﻧﺨﺎف ﻓﻼ ﻧﺼﻨﻊ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ. ﺣﻘﻴﻘﺔ وﺟﻮد ﺟﻬﻨّﻢ :ﻧﺘﺤﻘّﻖ وﺟﻮد ﺟﻬﻨّﻢ ﻣﻦ آﻼم اﻟﺮ ّ ب ﻳﺴﻮع ﻓﻘﺪ ذآﺮهﺎ ﻓﻲ إﻧﺠﻴﻠﻪ اﻟﻤﻘﺪّس ﻣﺮّات ﻋﺪﻳﺪة وﺑﻴّﻦ هﻮل ﻋﺬاﺑﻬﺎ وﺷﺪّﺗﻪ ﺑﻤﺜﻞ اﻟﻐﻨﻲ وأﻟﻴﻌﺎزر ﻗﺎل :آﺎن رﺟﻞ ﻏﻨﻲّ ﻳﺘﻨﻌّﻤﻢ آﻞّ ﻳﻮم ﺑﺎﻟﻤﺂآﻞ اﻟﻠﺬﻳﺬة واﻟﺸﺮاب اﻟﻠﺬﻳﺬ وﻳﺘﺒﺎهﻰ ﺑﻠﺒﺲ اﻟﺒﺮﻓﻴﺮ واﻷرﺟﻮان ،وآﺎن رﺟﻞ ﻣﺴﻜﻴﻦ اﺳﻤﻪ أﻟﻴﻌﺎزر ﻣُﻠﻘﻰ ﻋﻨﺪ ﺑﺎب ذﻟﻚ اﻟﻐﻨﻲّ ﻳﺴﺎﺑﻖ اﻟﻜﻼب ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﺎت اﻟﻤﺮﻣﻲ ﻋﻦ ﻣﺎﺋﺪة ذﻟﻚ اﻟﻐﻨﻲّ وآﺎﻧﺖ اﻟﻜﻼب ﺗﻠﺤﺲ ﻗﺮوﺣﻪ. ﻣﺎت اﻟﻐﻨﻲّ وﻗُﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﺤﻴﻢ وﻣﺎت اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻓﻨﻘﻠﺘﻪ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ إﻟﻰ ﺣﻀﻦ إﺑﺮاهﻴﻢ .أي إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء – ﻓﺎﻟﺘﻔﺖ ذاك اﻟﻐﻨﻲّ ﻓﺮأى أﻟﻴﻌﺎزر ﻳﺘﻨﻌّﻢ ﻓﻲ ﺣﻀﻦ إﺑﺮاهﻴﻢ .ﻓﻨﺎدى :ﻳﺎ أﺑﺖ إﺑﺮاهﻴﻢ، أرﺳﻞ أﻟﻴﻌﺎزر ﻟﻴﺒﻞّ ﻃﺮف إﺻﺒﻌﻪ وﻳﺮﻃّﺐ ﺑﻪ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻷﻧّﻲ ﻣﻌﺬّب ﻓﻲ هﺬا اﻟﻠﻬﻴﺐ .ﻓﻘﺎل ﻟﻪ إﺑﺮاهﻴﻢ :ﺗﺬآّﺮ ،ﻳﺎ اﺑﻨﻲ ،أﻧّﻚ ﻗﺒﻠﺖ
٢١٦
ﺧﻴﺮاﺗﻚ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻚ وأﻟﻴﻌﺎزر ﺑﻼﻳﺎﻩ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ اﻵن وأﻧﺖ ﺗﺘﻌﺬّب .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﺑﻴﻨﻨﺎ وﺑﻴﻨﻜﻢ وهﺪة ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻨﺪآﻢ أن ﻳﺄﺗﻮا إﻟﻴﻨﺎ وﻻ اﻟﺬﻳﻦ هﻨﺎ أن ﻳﺄﺗﻮا إﻟﻴﻜﻢ )ﻟﻮﻗﺎ ١٩ :١٦إﻟﻰ اﻷﺧﻴﺮ( .هﺬا اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻳﺜﺒﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ وﺟﻮد ﺟﻬﻨّﻢ وﺷﺪّة ﻋﺬاﺑﻬﺎ وأﺑﺪﻳّﺘﻬﺎ! هﻞ ﻧﺎر ﺟﻬﻨّﻢ ﻣﺜﻞ ﻧﺎرﻧﺎ؟ إنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ذآﺮ ﻓﻲ إﻧﺠﻴﻠﻪ اﻟﻤﻘﺪّس ﻣﺮّات آﺜﻴﺮة ﻧﺎر ﺟﻬﻨّﻢ .ﻓﻬﻞ هﺬﻩ اﻟﻨﺎر ﻣﺜﻞ ﻧﺎرﻧﺎ أم ﻣﻦ ﻧﻮع ﺁﺧﺮ ﻓﻼ ﻧﻌﻠﻢ .إنّ أﻟﻢ اﻟﻨﺎر ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺳﻮاء ﻧﺘﺞ ﻋﻦ اﻟﺤﻄﺐ أو اﻟﺒﺘﺮول أو اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء أو اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﻤﺤﻤّﻲ أو ﻋﻦ ﺷﻲء ﺁﺧﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﺎدّة اﻻﺣﺘﺮاق .وﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﷲ أوﺟﺪ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ ﻣﺎدة اﺣﺘﺮاق ﻏﻴﺮ هﺬﻩ اﻟﻤﻮاد اﻟﺘﻲ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ .وإذا آﺎن ﻋﺬاب ﺟﻬﻨّﻢ ﻧﻔﺴﺎﻧﻲ ﻓﻘﻂ ﻟﻜﻔﻰ ﻷنّ اﻟﻌﺬاب اﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻲ أﻗﺴﻰ ﻣﻦ ﻋﺬاب اﻟﻨﺎر .آﻢ ﻣﻦ إﻧﺴﺎن اﻧﺘﺤﺮ ﻷﻧّﻪ ﻓﻲ ﻋﺬاب ﻧﻔﺴﺎﻧﻲ .وهﺬا اﻟﻌﺬاب اﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻲ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﺣﺮﻣﺎن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﺳﻌﺎدة اﷲ وﻣﻦ ﺣﺐّ اﷲ. آﻢ ﻣﺮّة ﻧﺴﻤﻊ إﻧﺴﺎن ﻣﺘﻀﺎﻳﻖ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻣﻬﻢّ ﻳﻘﻮل :ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻜﻮي ﻣﺤﺮوق .ﻣﻊ أﻧّﻪ ﻻ ﻓﻲ ﺟﻤﺮ وﻻ ﻧﺎر ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻮ!! ﺧﺒﺮ آﺎن أﺣﺪ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻳﺘﺄﻣّﻞ آﻞّ ﻳﻮم ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ ﻣﺪّة دﻗﻴﻘﺔ واﺣﺪة .وآﺎن ﻣﺘّﺨﺬًا ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﻟﻠﺘﺄﻣّﻞ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ وهﻲ أﻧّﻪ آﺎن ﻳﺤﺎول أن ﻳﻀﻊ إﺻﺒﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﺷﻤﻌﺔ ﻣﻀﺎءة ﻣﺪّة رﺑﻊ دﻗﻴﻘﺔ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ،ﻓﻴﻘﻮل ﻟﺬاﺗﻪ :إذا آﻨﺖ ﻻ أﻗﺪر أن أﺣﺘﻤﻞ ﻧﺎر ﺷﻤﻌﺔ رﺑﻊ دﻗﻴﻘﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ أن أﺣﺘﻤﻞ ﻧﺎرًا هﺎﺋﻠﺔ ﺗﺤﺮق ﺟﺴﻤﻲ آﻠّﻪ ﻣﺌﺎت وأﻟﻮف ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ؟!
٢١٧
اﻋﺘﺮاﺿﺎت (١آﻴﻒ أنّ اﷲ اﻟﺮﺣﻮم ﻳﺴﻤﺢ أن ﻳﺘﻌﺬّب اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ؟ اﻟﺠﻮاب :ﻣﺎذا ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ أﻳّﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻜﻲ ﺗﺘﺨﻠّﺺ ﻣﻦ ﻋﺬاب ﺟﻬﻨّﻢ؟ ﻓﻘﺪ ﺻﺎر إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻓﻘﻴﺮًا ﺣﻘﻴﺮًا وﺗﺄﻟّﻢ ﺁﻻﻣًﺎ ﺷﺪﻳﺪة ﻟﻴﺨﻠّﺼﻚ ﻣﻦ ﻋﺬاب ﺟﻬﻨّﻢ ،وهﻮ ﻣﺴﺘﻌﺪّ أن ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻚ ﺳﺒﻊ ﻣﺮّات ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﺮّة ﻓﻲ اﻟﻴﻮم إذا أﺧﻄﺄت وﺗﺒﺖ إﻟﻴﻪ .وآﻢ ﻣﺮّة ﺗﺠﺪّف ﻋﻠﻰ اﺳﻤﻪ اﻟﻘﺪّوس وﺗﺘﻌﺪّى وﺻﺎﻳﺎﻩ وﺗﻜﻮن ﺧﺼﻤﻪ وﻋﺪوّﻩ وﺗﺴﺘﺤﻖّ ﺟﻬﻨّﻢ وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﻄﻴﻞ روﺣﻪ ﻋﻠﻴﻚ ﻋﻠّﻚ ﺗﺘﻮب وﺗﺮﺟﻊ إﻟﻴﻪ ﻓﻴﻐﻔﺮ ﻟﻚ وﻳﺼﺎﻟﺤﻚ وﻳﻀﻤّﻚ إﻟﻰ ﺻﺪرﻩ آﻤﺎ ﺿﻢّ اﻻﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ وﻋﺎﻧﻘﻪ .آﻢ ﻣﺮّة ﻳﻨﺒّﻬﻚ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺿﻤﻴﺮك وﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻮاﻋﻆ وﺑﻮاﺳﻄﺔ إﻧﺠﻴﻠﻪ اﻟﻤﻘﺪّس أو ﺑﻮاﺳﻄﺔ أﺧﺮى وﻳﺪﻋﻮك ﻟﻜﻲ ﺗﺼﺎﻟﺤﻪ .ﻓﻼ ﺗﺒﺎﻟﻲ ...ﻳﺘﻤﻨّﻰ اﷲ أن ﻳﻤﻮت ﻣﺮّة أﺧﺮى ﻟﻜﻲ ﻳﺨﻠّﺼﻚ ﻣﻦ ﻋﺬاب ﺟﻬﻨّﻢ .ﻟﻜﻨّﻚ ﻻ ﺗﺒﺎﻟﻲ ﺑﻞ ﺗﺼﻠّﺐ إرادﺗﻚ وﻋﺰﻣﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺬهﺎب إﻟﻰ ﺟﻬﻨّﻢ. (٢آﻴﻒ ﻳﻠﻘﻲ اﷲ اﻟﺮﺣﻮم اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻋﺬاب ﺟﻬﻨّﻢ ﻷﺟﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ واﺣﺪة ﻣﻤﻴﺘﺔ؟ اﻟﺠﻮاب :إنّ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﺷﺮّهﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩ ﻷنّ اﷲ اﻟﻤﻬﺎن هﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩ .ﻓﺰوال اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض أﻗﻞّ ﺷﺮًّا ﻣﻦ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ واﺣﺪة .إنّ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﻨﻤﻠﺔ هﻮ أﻗﻞّ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﷲ واﻹﻧﺴﺎن .ﻓﻠﻮ أهﺎﻧﺖ ﻧﻤﻠﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﺎﻟﻤﻮت ﻗﻠﻴﻞ ﺟﺪًّا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻞ أﻟﻮف ﻣﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﻤﻞ ﻳﺪوﺳﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺮﺟﻠﻪ وﻻ ﻳﺒﺎﻟﻲ. ﺛﻢّ إنّ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﺎﺻﻞ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ وهﻮ ﻻ ﻳﺘﻮب وﻻ ﻳﺴﺘﻐﻔﺮ اﷲ ﻓﻜﺎن ﻟﺴﺎن ﺣﺎﻟﻪ ﻳﻘﻮل ﷲ :ﻻ أرﻳﺪ أن أﺻﺎﻟﺤﻚ ﻓﺄﻧﺎ ﻻ أﺧﺎف ﻣﻨﻚ وﻻ ﻣﻦ ﻋﺬاﺑﻚ اﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﺷﺌﺖ.
٢١٨
اﻟﻨﻌﻴﻢ أي اﻟﺴﻤﺎء ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﺴﻤﺎء هﻲ ﻣﺴﻜﻦ اﷲ ﺧﺎﻟﻘﻨﺎ وﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻣﺨﻠّﺼﻨﺎ وﻣﺮﻳﻢ أﻣّﻨﺎ وﺣﻮﻟﻬﻢ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ واﻟﻘﺪّﻳﺴﻮن ﺑﻤﺠﺪ ﻻ ﻳﻮﺻﻒ وﺳﻌﺎدة ﻻ ﺗﻮﺻﻒ. ﺟﻤﺎل اﻟﺴﻤﺎء :إذا آﺎن اﷲ ﻗﺪ زﻳّﻦ اﻷرض اﻟﺰاﺋﻠﺔ ﺑﺠﻤﺎل ﻋﻈﻴﻢ :ﺟﻤﺎل اﻷزهﺎر واﻷﺷﺠﺎر واﻟﻔﺎآﻬﺔ ،ﺟﻤﺎل اﻟﻴﻨﺎﺑﻴﻊ واﻟﺜﻠﻮج واﻟﻤﺮوج ،ﺟﻤﺎل اﻟﻄﻴﻮر واﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ،ﺟﻤﺎل اﻟﺠﻮاهﺮ واﻟﻶﻟﺊ ،وﺳﺎﺋﺮ ﺟﻤﺎﻻت اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ،ﻓﺎﻟﺴﻤﺎء اﻟﺘﻲ هﻲ ﻗﺼﺮﻩ ﻓﻜﻢ ﻳﻜﻮن ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ وآﻢ ﺗﻜﻮن زﻳﻨﺘﻬﺎ؟! وإذا آﺎن ﻳﺪهﺸﻨﺎ ﻣﻨﻈﺮ ﻗﺼﺮ ﻓﺨﻢ ﻣﺰﻳّﻦ ﺑﺮﻳﺎش ﺛﻤﻴﻨﺔ وﻓﻨﻮن ﺟﻤﻴﻠﺔ ،ﻓﻜﻢ ﻳﺪهﺸﻨﺎ ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺘﻲ هﻲ ﻗﺼﺮ اﷲ ﻣﺼﺪر آﻞّ ﺟﻤﺎل وﻓﻦّ؟! ﻓﻴﻮﺣﻨّﺎ اﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﻲ رؤﻳﺎﻩ ) (٢٢-١٩ :٢١ﻳﺼﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎء ﻗﺎﺋﻼً :أرﺿﻬﺎ وﺳﻘﻔﻬﺎ ،وﺣﻴﻄﺎﻧﻬﺎ ،وأﻋﻤﺪﺗﻬﺎ وآﻞّ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ هﻮ ﻣﻦ ذهﺐ وﻟﺆﻟﺆ وزﻣﺮّد وأﻟﻤﺎس وأﺣﺠﺎر آﺮﻳﻤﺔ. ﻋﻈﻤﺔ أﻓﺮاح اﻟﺴﻤﺎء :إنّ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ اﻟﺬي ﺧﻄﻔﻪ اﷲ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﻟﻴﺸﺎهﺪ ﻣﺎ هﻨﺎك وﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﻗﺎل :ﻟﻢ ﺗَﺮَ ﻋﻴﻦ وﻟﻢ ﺗﺴﻤﻊ أذن وﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺑﺸﺮ ﻣﺎ أﻋﺪّﻩ اﷲ ﻟﺨﺎﺋﻔﻴﻪ، ﻓﺄﻓﺮاح اﻟﺴﻤﺎء وﻟﺬّاﺗﻬﺎ ﻻ ﻳﺪرآﻬﺎ ﻋﻘﻠﻨﺎ .وﻟﻮ ﺟﻤﻌﻨﺎ أﻓﺮاح اﻷرض آﻠّﻬﺎ وﻟﺬّاﺗﻬﺎ ﻓﺈﻧّﻬﺎ ﻻ ﺗﻮازي ﺟﺰءًا ﻣﻦ أﻓﺮاح اﻟﺴﻤﺎء! ﻓﻜﻞّ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨّﻰ اﻟﻤﺮء ﻣﻦ أﻓﺮاح ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻨﻮع ﻓﺎﺋﻖ. ﻓﺈن آﺎن ﻳﺤﺐّ اﻟﻐﻨﻰ ﻓﺎﻟﻔﻘﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء أﻏﻨﻰ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻷرض! وإن آﺎن ﻳﺤﺐّ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻬﻨﺎك ﻣﺼﺪر آﻞّ ﺟﻤﺎل! وإن آﺎن
٢١٩
ﻳﺤﺐّ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن ﻓﻴﺼﺒﺢ ﻳﻌﺮف آﻞّ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻨﻮن! وإن آﺎن ﻳﺤﺐّ اﻟﻤﺠﺪ واﻟﻌﻈﻤﺔ ،ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء هﻮ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻷرض! إنّ ﺳﻌﺎدة اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻻ ﺗﻘﻮم ﺑﺎﻣﺘﻼك اﻟﺨﻴﺮات اﻟﺰﻣﻨﻴّﺔ اﻟﺰاﺋﻠﺔ ﺑﻞ ﺑﺎﻣﺘﻼك اﷲ وﺣﺪﻩ ﻟﺬﻟﻚ ﺻﺮخ اﻟﻘﺪّﻳﺲ أﻏﻮﺳﻄﻴﻨﻮس ﻗﺎﺋﻼً :إﻧّﻚ ﺧﻠﻘﺘﻨﺎ ﻟﻚ ﻳﺎ اﷲ وﻗﻠﺒﻨﺎ ﻻ ﻳﺸﺒﻊ وﻻ ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ إﻻّ ﺑﻚ. إنّ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺘﻮق ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة إﻟﻰ اﻟﺨﻴﺮ اﻷﻋﻈﻢ ﻓﻴﻈﻨّﻪ ﻓﻲ ﺧﻴﺮات اﻷرض .أﻣّﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻴﻌﺮف أنّ اﷲ هﻮ اﻟﺨﻴﺮ اﻷﻋﻈﻢ ﻓﻴﺤﺒّﻪ ﻣﺤﺒّﺔ ﺷﺪﻳﺪة. ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻧﺸﺎهﺪ اﷲ آﻤﺎ هﻮ ﺑﺠﻤﺎﻟﻪ وﻣﺤﺒّﺘﻪ وﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﺸﺎهﺪة ﺳﻌﺎدﺗﻨﺎ. إنّ آﻞّ ﺳﻌﺎدة ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻧﺎﻗﺼﺔ وﻣﻨﻐﺼّﺔ .ﻣﺜﻼً :ﺳﻌﺎدة اﻟﻐﻨﻰ .ﺳﻌﺎدة اﻟﻤﺠﺪ .ﺳﻌﺎدة اﻟﻠﺬّات .أﻣّﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻜﻞّ ﺳﻌﺎدة هﻲ آﺎﻣﻠﺔ ﻻ ﻳﻨﻘﺼﻬﺎ ﺷﻲء. اﻟﺴﻤﺎء هﻲ أﺛﻤﻦ ﺷﻲء :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﺎذا ﻳﻔﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن إن رﺑﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﺧﺴﺮ ﻧﻔﺴﻪ .ﻓﻤﻦ رﺑﺢ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻘﺪ رﺑﺢ آﻞّ ﺷﻲء .وﻣﻦ ﺧﺴﺮ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻘﺪ ﺧﺴﺮ آﻞّ ﺷﻲء! ﻗﺪ ﺗﻜﻠّﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻣﺮّات آﺜﻴﺮة ﻋﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻲ إﻧﺠﻴﻠﻪ اﻟﻤﻘﺪّس وﺣﺮّﺿﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻟـﻤّﺎ ﻋﺎد ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ذات ﻣﺮّة ﻓﺮﺣﻴﻦ ﻣﺒﺘﻬﺠﻴﻦ وﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ :واﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻨﺎ .ﻓﻘﺎل ﻟﻬﻢ ﻳﺴﻮع :ﻻ ﺗﻔﺮﺣﻮا ﺑﻬﺬا إنّ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻜﻢ ،ﺑﻞ اﻓﺮﺣﻮا أنّ أﺳﻤﺎءآﻢ ﻗﺪ آُﺘﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء )ﻟﻮ .(٢٠ :١٠ ﻣﺮﺗﺎ ﻣﺮﺗﺎ إﻧّﻚ ﻣﻬﺘﻤّﺔ ﺑﺄﻣﻮر آﺜﻴﺮة واﻟﻤﻄﻠﻮب هﻮ واﺣﺪ )ﻟﻮ :١٠ .(٤١أﻃﻠﺒﻮا أ ّوﻻً ﻣﻠﻜﻮت اﷲ وﺑﺮّﻩ )ﻣﺘﻰ .(٦
٢٢٠
اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء واﻟﺸﻮق إﻟﻴﻬﺎ :ﻳﺠﺐ أن ﻧﻔﻜّﺮ داﺋﻤًﺎ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء وﻧﺘﻮق إﻟﻴﻬﺎ ﻷﻧّﻬﺎ ﻏﺎﻳﺔ وﺟﻮدﻧﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة .وهﻲ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻸ وﺗﺸﺒﻊ ﻗﻠﺒﻨﺎ اﻟﺬي ﻻ ﺗﺸﺒﻌﻪ ﺧﻴﺮات اﻷرض ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ. ﻓﺎﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮﻳﺰﻳﺎ آﺎﻧﺖ آﻞّ ﻣﺮّة ﺗﺪقّ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺗﻘﻮل ﻣﺒﺘﻬﺠﺔ: ﻗﺪ دﻧﻮت ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ وﻃﻨﻲ اﻟﺴﻤﺎويّ ﺣﻴﺚ أﺷﺎهﺪ ﺣﺒﻴﺒﻲ ﻳﺴﻮع. إنّ أﺣﺪ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﺑﻴﻨﻤﺎ آﺎن ﻳﺘﺄﻣّﻞ ﻓﻲ ﻣﺎهﻴّﺔ أﻓﺮاح اﻟﺴﻤﺎء ﻇﻬﺮ ﻟﻪ ﻣﻼك وأﺳﻤﻌﻪ ﺑﻌﺾ أﻧﻐﺎم ﻗﻴﺜﺎرﺗﻪ اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ ﻓﻐﺎب اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻋﻦ ﺣﻮاﺳﻪ ﻣﻦ ﺷﺪّة اﻟﻔﺮح! ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ إنّ اﺣﺘﻤﺎل ﻣﺌﺔ ﺳﻨﺔ ﻋﺬاب ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة ﻻ ﺗﻮازي ﺗﻨﻌّﻢ ﻳﻮم واﺣﺪ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء!! اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء واﻟﺸﻮق إﻟﻴﻬﺎ ﻳﺤﻠّﻲ ﻣﺮارة اﻟﺤﻴﺎة وﻳﺨﻔّﻒ ﺁﻻﻣﻬﺎ وﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺒﺘﺴﻢ ﻵﻻم اﻟﺤﻴﺎة آﻤﺎ آﺎن اﻟﺸﻬﺪاء ﻳﺒﺘﺴﻤﻮن وهﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﻘﻊ اﻟﻌﺬاب. ﺧﺒﺮ ﺑﻴﻨﻤﺎ آﺎن أﺣﺪ اﻟﻤﻠﻮك ﻓﻲ اﻟﺼﻴﺪ ﺳﻤﻊ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻐﺎﺑﺔ ﺻﻮﺗًﺎ ﻋﺬﺑًﺎ ﻳﺘﻐﻨّﻰ ﺑﺄﺷﻴﺎء ﻣﺒﻬﺠﺔ .ﻓﺘﻘﺪّم ﻧﺤﻮ اﻟﺼﻮت ﻓﺸﺎهﺪ ﻓﻲ ﻣﻐﺎرة إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻣﺴﻜﻴﻨًﺎ ﺟﺴﻤﻪ آﻠّﻪ ﻗﺮوح وﺑﺤﺎﻟﺔ ﻳﺮﺛﻰ ﻟﻬﺎ إﻻّ أنّ وﺟﻬﻪ آﺎن ﻳﻄﻔﺢ ﺳﺮورًا وﻏﺒﻄﺔ .ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻤﻠﻚ :آﻴﻒ وأﻧﺖ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﺤﺎل ﻣﺴﺮورًا؟ ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ :أﻧﺎ ﻣﺴﺮور ﻷﻧّﻲ ﻋﻤّﺎ ﻗﺮﻳﺐ أﺗﺮك هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة وأذهﺐ إﻟﻰ ﺣﻴﺚ أﺗﻤﺘّﻊ ﺑﻤﺸﺎهﺪة رﺑّﻲ وﺧﺎﻟﻘﻲ وﻣﺨﻠّﺼﻲ وأﺷﺘﺮك ﺑﺴﻌﺎدﺗﻪ!
٢٢١
ﻗﺼّﺔ ﺗﺠﻠّﻲ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻞ ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ )ﻣﺮﻗﺲ (١ :٩ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻹﻧﺠﻴﻠﻲّ أنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أﺧﺬ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺑﻄﺮس وﻳﻌﻘﻮب وﻳﻮﺣﻨّﺎ إﻟﻰ ﺟﺒﻞ ﻋﺎل وﺗﺠﻠّﻰ أﻣﺎﻣﻬﻢ ،أي أﻇﻬﺮ ﺟﺰءًا ﺑﺴﻴﻄًﺎ ﻣﻦ ﻣﺠﺪﻩ اﻟﺴﻤﺎويّ .ﻓﻤﻦ ﺷﺪّة ﻓﺮﺣﻬﻢ ﻃﻠﺐ ﺑﻄﺮس ﻣﻦ ﻳﺴﻮع أن ﻳﻤﻜﺜﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﻞ .ﻓﻠﻮ آﺎن ﻳﺴﻮع أﻇﻬﺮ ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ آﻞّ ﻣﺠﺪﻩ اﻟﺴﻤﺎويّ ﻓﻤﺎ آﺎن ﺣﻞّ ﺑﺘﻼﻣﻴﺬﻩ ﻣﻦ ﺷﺪّة اﻟﻔﺮح؟! ﺧﺒﺮ آﺎن أﺣﺪ اﻟﺮهﺒﺎن ﻳﻔﻜّﺮ داﺋﻤًﺎ ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة اﻟﺴﻤﺎء وأﺑﺪﻳّﺘﻬﺎ ﺳﺎﺋﻼً ﻧﻔﺴﻪ :أﻣﺎ ﻳﺎ ﺗﺮى ﻳﺨﺎﻟﻂ ﺳﻌﺎدة اﻟﺴﻤﺎء ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻀﺠﺮ واﻟﻤﻠﻞ ،ﻧﻈﺮًا ﻟﻤﺌﺎت وأﻟﻮف اﻟﺴﻨﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻀﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻴﻬﺎ؟ ﺧﺮج ﻳﻮﻣًﺎ اﻟﺮاهﺐ اﻟﻤﺬآﻮر ﻓﻲ ﻧﺰهﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﺮﻳّﺔ وﻣﺎ إن ﺻﺎر ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﻐﺎﺑﺔ ﺣﺘّﻰ رأى ﻋﺼﻔﻮرًا ﺟﻤﻴﻼً ﺟﺪًّا ﻳﺘﻨﻘّﻞ ﻣﻦ ﻏﺼﻦ إﻟﻰ ﻏﺼﻦ ﻣﻐ ّﺮدًا ﺗﻐﺮﻳﺪًا ﻳﺸﻨﻒ اﻵذان .ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ اﻟﺮاهﺐ ﺗﻐﺮﻳﺪًا ﻣﺜﻞ ﺗﻐﺮﻳﺪﻩ وﻟﻢ ﻳﺮَ ﻣﺜﻞ ﺟﻤﺎﻟﻪ ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ ﻓﺆادﻩ وﺣﻮاﺳﻪ .وﺑﻌﺪ أن ﻗﻀﻰ اﻟﺮاهﺐ ﺑﺮهﺔ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ذاك اﻟﻌﺼﻔﻮر ﻣﺴﺮورًا ﻣﺪهﻮﺷًﺎ ،ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﺪﻳﺮ .وإذا ﺑﻪ ﻳﺮى آﻞّ ﺷﻲء ﻗﺪ ﺗﻐﻴّﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﺮ ،وﻟﻢ ﻳﻌﺮف أﺣﺪًا ﻣﻦ ﺳﻜّﺎﻧﻪ ،ﻓﻈﻦّ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺣﻠﻢ أو ﻓﻲ هﺬﻳﺎن واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺬهﻮل .وأﺧﺬ ﻳﺨﺒﺮ اﻟﺮهﺒﺎن ﻋﻦ ﺧﺮوﺟﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺮ ﻟﻠﻨـﺰهﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ .ﻓﻜﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻷﺧﺒﺎر ﻣﺜﻞ اﻷﺣﺠﻴﺔ ﻟﻠﺮهﺒﺎن .ﻓﺮاﺣﻮا ﻳﻔﺘّﺸﻮن ﻓﻲ ﺳﺠﻼّت اﻟﺪﻳﺮ ﻋﻦ اﺳﻢ اﻟﺮاهﺐ ﻓﻮﺟﺪوا اﺳﻤﻪ ﻣﺪ ّوﻧًﺎ وأﻧّﻪ ﺧﺮج ﻣﻦ
٢٢٢
اﻟﺪﻳﺮ ذات ﻳﻮم ﻟﻠﻨـﺰهﺔ وﻟﻢ ﻳﺮﺟﻊ وﻗﺪ اﻧﻘﻀﻰ ﻣﺌﺔ ﺳﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺮوﺟﻪ. ﻓﻌﺎد اﻟﺮاهﺐ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻔﻜّﺮ وإذا ﺑﺼﻮت داﺧﻠﻲّ ﻳﻘﻮل ﻟﻪ: ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺿﺠﺮ وﻻ ﻣﻠﻞ ،ﻓﻤﺌﺔ ﺳﻨﺔ اﻧﻘﻀﺖ وأﻧﺖ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺟﻤﺎل ﻋﺼﻔﻮر آﺄﻧّﻬﺎ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ .ﻓﺄﻳﻦ ﺟﻤﺎل اﻟﻌﺼﻔﻮر ﻣﻦ ﺟﻤﺎل اﻟﺴﻤﺎء؟ أﺳﺌﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﺳﺆال أوّل :هﻞ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﻔﺎوت ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة اﻟﺴﻤﺎء؟ ﻧﻌﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﻔﺎوت وذﻟﻚ واﺿﺢ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس .ﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل :إنّ آﻞّ واﺣﺪ ﻳﻨﺎل أﺟﺮﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﺗﻌﺒﻪ .ﻣﻦ ﻳﺰرع ﺑﺎﻟﺸﺢّ ﻓﺒﺎﻟﺸﺢّ ﻳﺤﺼﺪ .وﻣﻦ ﻳﺰرع ﺑﺎﻟﺒﺮآﺔ ﻓﺒﺎﻟﺒﺮآﺔ ﻳﺤﺼﺪ .وﺟﺎء ﻓﻲ إﻧﺠﻴﻞ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻣﺘﻰ :إنّ اﷲ ﻳﺠﺎزي آﻞّ إﻧﺴﺎن ﺣﺴﺐ أﻋﻤﺎﻟﻪ .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :إنّ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ أﺑﻲ ﻣﻨﺎزل آﺜﻴﺮة .وﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل إنّ ﻣﺠﺪ اﻟﺸﻤﺲ ﻧﻮع وﻣﺠﺪ اﻟﻘﻤﺮ ﻧﻮع ﺁﺧﺮ .وﻣﺠﺪ اﻟﻨﺠﻮم ﻧﻮع .وهﻜﺬا ﺗﻜﻮن ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻷﻣﻮات. واﻟﺒﺮهﺎن اﻟﻌﻘﻠﻲّ هﻮ أنّ ﻋﺪل اﷲ ﻳﻘﻀﻲ أنّ اﻟﺬي اﺣﺘﻤﻞ ﻷﺟﻠﻪ آﺜﻴﺮًا ﻳﻜﻮن أﺟﺮﻩ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ وإﻻّ ﻻ داﻋﻲ ﻻآﺘﺴﺎب اﻟﻜﻤﺎل. وﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﻮل أن ﻳﻜﻮن ﻣﻘﺎم اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺷﺮﺑﻞ اﻟﺬي ﻗﻀﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﺎﻟﺘﻘﺸّﻒ واﻹﻣﺎﺗﺎت ﻣﺜﻞ أيّ إﻧﺴﺎن... ﺳﺆال ﺛﺎنٍ :إذًا ﻳﻮﺟﺪ ﺣﺴﺪ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ؟ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺣﺴﺪ ﺑﻞ آﻞّ واﺣﺪ ﻳﺪرك أﻧّﻪ ﻧﺎل اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻪ ﺑﺎﻟﻌﺪل وﻳﻜﺘﻔﻲ.
٢٢٣
ﺳﺆال ﺛﺎﻟﺚ :هﻞ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺎرّة ﺗﻨﺎل اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ﺣﺎﻻً أم ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻗﻴﺎﻣﺔ اﻷﺟﺴﺎد ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ أي ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ؟ ﺗﻨﺎل اﻟﺴﻌﺎدة ﺣﺎﻻً ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ،ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻠﺺّ اﻟﻴﻤﻴﻦ اﻟﻴﻮم ﺗﻜﻮن ﻣﻌﻲ ﻓﻲ اﻟﻔﺮدوس وﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل ﻣﺎ دﻣﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻨﺤﻦ ﻣﺘﻐﺮّﺑﻮن ﻋﻦ رﺑّﻨﺎ .وﻗﺎل أﻳﻀًﺎ إﻧّﻲ أهﻮى أن أﻧﺤﻞّ ﻷآﻮن ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻴﺢ وهﺬا أﻓﻀﻞ ﻟﻲ آﺜﻴﺮًا إﻻّ أنّ اﻟﺒﻘﺎء ﻳﻀﻄﺮّﻧﻲ إﻟﻴﻪ أﻣﺮآﻢ .وﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ :إذا اﻧﻄﻠﻘﺖ أﻋﺪدت ﻟﻜﻢ ﻣﻜﺎﻧًﺎ ﺛﻢّ ﺁﺗﻲ ﺁﺧﺬآﻢ ﻟﺘﻜﻮﻧﻮا ﺣﻴﺚ أآﻮن أﻧﺎ. إنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﻜﺮّم اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ وﺗﻄﻠﺐ ﺷﻔﺎﻋﺘﻬﻢ ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻞ ﻳﻨﺘﻈﺮون اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺸﻔﻌﻮن ﺑﻨﺎ وﻳﺼﻨﻌﻮن اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ؟؟ ﻓﺎﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮﻳﺰﻳﺎ آﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﻨّﻰ اﻟﻤﻮت ﻟﺘﺸﺎهﺪ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ ﻳﺴﻮع. ﺳﺆال راﺑﻊ :ﺟﺎء ﻓﻲ ﺳﻔﺮ اﻟﺨﺮوج ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﺮاﻧﻲ إﻧﺴﺎن وﻳﻌﻴﺶ إذًا اﻟﻘﺪّﻳﺴﻮن ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﻳﺸﺎهﺪون وﺟﻪ اﷲ ﺑﻞ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺳﻌﺎدة؟ إنّ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺤﺎﻟﺘﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴّﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮة ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺘﺤﻤّﻞ ﺳﻌﺎدة ﻣﺸﺎهﺪة اﷲ وﻟﻜﻦ اﷲ ﻳﻠﺒﺲ اﻷﺑﺮار ﺻﻔﺔ ﺗﺆهّﻠﻬﻢ ﻟﻤﺸﺎهﺪﺗﻪ .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :وﻳﻜﻮﻧﻮن آﻤﻼﺋﻜﺔ اﷲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻳﻌﺎﻳﻨﻮن وﺟﻪ أﺑﻲ اﻟﺬي ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات .واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :اﻵن ﻧﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺮﺁة ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻐﺰ أﻣّﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﻓﻮﺟﻬًﺎ إﻟﻰ وﺟﻪ!!
٢٢٤
ﺧﺒﺮ ﻗﺎل ﺷﺎب ﻳﺎ ﺑﻮﻧﺎ ﺳﻤﺎء اﻹﺳﻼم أﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﺳﻤﺎﺋﻨﺎ ﻷنّ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻮرﻳّﺎت ﺟﻤﻴﻼت ﻳﻤﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺄﺧﺬ ﻣﺎ ﺷﺎء ﻣﻨﻬﻦّ! ﺿﺤﻚ اﻟﻜﺎهﻦ وﻗﺎل :ﺗﺬآّﺮﻧﻲ ﻳﺎ اﺑﻨﻲ ﺑﺎﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﺮﻧﺮدوس. آﺎن ﻋﻢ ﻳﻮﻋﻆ ﻋﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻗﺎل :ﺗﺼﻮّروا ﺣﻤﺎر ﻣﻌﺰوم ﻋﺎﻟﻐﺪا ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻠﻚ .أﻳﺶ ﻣﻌﻘﻮل ﻳﺠﻲ ﻋﺎ ﺑﺎﻟﻮ إﻻّ اﻟﺘﺒﻦ اﻟﻨﻀﻴﻒ، اﻟﺸﻌﻴﺮ اﻟﻤﺼﻮّل ،واﻟﺤﺸﻴﺶ اﻟﻬﻠﻴﻮن. واﻹﻧﺴﺎن ﻧﺼّﻮ ﺣﻴﻮان .ﻓﺎﻟﻨﺼﻒ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻲ أﻳﺶ ﻣﻌﻘﻮل ﻳﻔﻜّﺮ إﻻّ ﺑﺎﻟﺤﻮرﻳّﺎت؟ وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ﻳﻌﻠﻢ أنّ هﺬا اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻲّ ﺳﻴﻘﻴﻤﻪ اﷲ ﺟﺴﺪًا ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺟﺴﺪًا روﺣﺎﻧﻴًّﺎ. ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻠﻔﺮّﻳﺴﻴّﻴﻦ ...وﻳﻜﻮﻧﻮن ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء آﻤﻼﺋﻜﺔ اﷲ ﻻ ﻳﺰوّﺟﻮن وﻻ ﻳﺘﺰوّﺟﻮن؟؟
٢٢٥
اﻟﻤﻄﻬﺮ ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﻤﻄﻬﺮ هﻮ ﻣﻜﺎن ﻋﺬاب ﻳﺸﺒﻪ ﻋﺬاب ﺟﻬﻨّﻢ إﻻّ أﻧّﻪ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺟﻬﻨّﻢ ﺑﺄنّ ﻟﻪ ﻧﻬﺎﻳﺔ .وأﻣّﺎ ﻋﺬاب ﺟﻬﻨّﻢ ﻓﻼ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ. إنّ اﻷﻣﻞ ﺑﺪﺧﻮل اﻟﺴﻤﺎء ﻳﺨﻔّﻒ ﻣﻦ ﻋﺬاﺑﺎت اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﺘﻌﺬّﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ! ﺗﺬهﺐ اﻟﻨﻔﺲ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﻬﺮ ،ﻟﻜﻲ ﺗﺘﻄﻬّﺮ وﺗﺘﻨﻘّﻰ ﻗﺒﻞ دﺧﻮﻟﻬﺎ اﻟﺴﻤﺎء ﻷنّ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ دﻧﺲ وﻻ ﻧﺠﺲ .إنّ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻻ ﻧﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ واﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ وﺗﻐﻔﺮ ﺑﺎﻟﺤﻠّﺔ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺼﺎص وﺗﻜﻔﻴﺮ .ﻓﺄﻣّﺎ أن ﻧﻜﻔّﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة وأﻣّﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ! ﻧﻜﻔّﺮ ﻋﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة :ﺑﺎﻟﺼﻼة ،ﺑﺴﻤﺎع اﻟﻘﺪّاس ﺑﺎﻟﺼﻮم واﻹﻣﺎﺗﺔ ،ﺑﺎﻟﺼﺪﻗﺔ ،ﺑﺎﻻﺣﺘﻤﺎل واﻟﺼﺒﺮ ،ﺑﺄﻋﻤﺎل اﻟﺮﺣﻤﺔ ،ﺑﺘﻜﺮار اﻟﻨﺪاﻣﺔ واﻻﻧﺴﺤﺎق ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ ،ﺑﺎآﺘﺴﺎب اﻟﻐﻔﺮاﻧﺎت. اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ :ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻌﻠﻢ ﻣﻘﺪار اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﺚ ﻓﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ .ﻗﺪ ﻳﻜﻮن أﻳّﺎﻣًﺎ أو ﺷﻬﻮرًا أو ﺳﻨﻴﻦ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺼﻠّﻲ داﺋﻤًﺎ ﻷﺟﻞ ﻣﻮﺗﺎﻧﺎ وﻷﺟﻞ اﻟﻤﻮﺗﻰ اﻟﻤﻨﻘﻄﻌﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ أﺣﺪ ﻳﻔﻜّﺮ ﻓﻴﻬﻢ .ﻓﺈذا ﺻﻠّﻴﻨﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﻢ وﺧﻠﺼﻮا ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺻﻠﻮاﺗﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﺬاﺑﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﻄﻬﺮﻳّﺔ اﻟﻤﺆﻟﻤﺔ ﻓﺈﻧّﻬﻢ ﻳﺒﺎدﻟﻮﻧﻨﺎ اﻟﺼﻼة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺪﺧﻠﻮن اﻟﺴﻤﺎء ﻣﺒﺘﻬﻠﻴﻦ إﻟﻰ اﷲ ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ.
٢٢٦
ﺷﺪّة ﻋﺬاب اﻟﻤﻄﻬﺮ :إنّ ﻋﺬاﺑﺎت اﻟﻤﻄﻬﺮ ﺷﺪﻳﺪة ﺟﺪًّا ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺼﺮخ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﺘﻌﺬّﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ ﺑﻠﺴﺎن أﻳﻮب اﻟﺒﺎر :ارﺣﻤﻮﻧﺎ ارﺣﻤﻮﻧﺎ ﻳﺎ أهﻠﻨﺎ وأﺻﺤﺎﺑﻨﺎ ﻷنّ ﻳﺪ اﻟﺮب ﻗﺪ ﻣﺴّﺘﻨﺎ )أﻳﻮب .(٢١ :١٩ ﻓﻜﻴﻒ ﻻ ﻧﺮﺣﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﺘﺄﻟّﻤﺔ وﻧﺤﻦ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺨﻠّﺼﻬﺎ ﻣﻦ ﻋﺬاﺑﺎﺗﻬﺎ اﻟﺸﺪﻳﺪة ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﺼﻠﻮات واﻟﻘﺪّاﺳﺎت وﺳﺎﺋﺮ أﻓﻌﺎل اﻟﺘﻘﻮى واﻟﻌﺒﺎدة؟ ﻓﻠﻮ رأﻳﻨﺎ إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﺳﺎﻗﻄًﺎ ﻓﻲ ﺣﻔﺮة أﻣﺎ ﻧﺸﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ وﻧﻨﺘﺸﻠﻪ ﻣﻨﻬﺎ؟ وإذا آﺎن أﺑﻮﻧﺎ أو أﻣّﻨﺎ أو ﺻﺪﻳﻘﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺮض ﻣﺆﻟﻢ وﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺸﻔﻴﻪ ﻓﻬﻞ ﻧﺘﺄﺧّﺮ ﻋﻦ ذﻟﻚ؟ ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﻧﺨﻠّﺼﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﺬاﺑﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮق آﻞّ ﻋﺬاب؟ إنّ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﻄﻬﺮﻳّﺔ هﻲ أﺷﺪّ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﻔﻘﻴﺮ واﻟﻤﺮﻳﺾ! ﻓﻠﻨﺴﺎﻋﺪهﻢ. واﻟﺮبّ ﻗﺎل :ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻠﺮﺣﻤﺎء ﻓﺈﻧّﻬﻢ ﻳُﺮﺣﻤﻮن. إﺛﺒﺎت وﺟﻮد اﻟﻤﻄﻬﺮ :إنّ ﻳﻬﻮذا اﻟﻤﻜّﺎﺑﻲ اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺟﻤﻊ ﻣﻦ آﻞ واﺣﺪ ﺗﻘﺪﻣﺔ ﻓﺒﻠﻎ اﻟﻤﺠﻤﻮع أﻟﻔﻲ درهﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﻀّﺔ أرﺳﻠﻬﺎ إﻟﻰ أورﺷﻠﻴﻢ ﻟﻴﻘﺪّﻣﻮا ﺑﻬﺎ ذﺑﺎﺋﺢ ﻋﻦ ﻧﻔﻮس اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎﺗﻮا ﻓﻲ اﻟﺤﺮب .وﻣﺎ هﻲ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﺬﺑﺎﺋﺢ إذا ﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ اﻟﻤﻄﻬﺮ؟! ﺟﺎء ﻓﻲ ﻣﺘﻰ :٣٢ :١٢ﻣﻦ ﻗﺎل آﻠﻤﺔ ﻓﻲ اﺑﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻳُﻐﻔﺮ ﻟﻪ ،وأﻣّﺎ ﻣﻦ ﻗﺎل آﻠﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻓﻼ ﻳُﻐﻔﺮ ﻟﻪ ﻻ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺪهﺮ وﻻ ﻓﻲ اﻵﺗﻲ .ﻳﻨﺘﺞ أﻧّﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻌﺾ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﺗُﻐﻔﺮ ﻓﻲ اﻟﺪهﺮ اﻵﺗﻲ ،أي ﺗﻐﻔﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ! ﻷﻧّﻪ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ ﻻ ﺗُﻐﻔﺮ ﺧﻄﺎﻳﺎ وﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺧﻄﺎﻳﺎ! ﺟﺎء ﻓﻲ ﻣﺘﻰ :٢٥ :٥ﺑﺎدر إﻟﻰ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ ﺧﺼﻤﻚ ﻣﺎ دﻣﺖ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﺌﻼّ ﻳﺴﻠّﻤﻚ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﺿﻲ واﻟﻘﺎﺿﻲ ﻳﺴﻠّﻤﻚ إﻟﻰ اﻟﺸﺮﻃﻲّ ﻓﺘﻠﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ .اﻟﺤﻖّ أﻗﻮل ﻟﻚ إﻧّﻚ ﻻ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ
٢٢٧
هﻨﺎك ﺣﺘّﻰ ﺗﻔﻲ ﺁﺧﺮ ﻓﻠﺲ ﻋﻠﻴﻚ .ﻓﺎﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﺣﺘّﻰ دﻓﻊ ﺁﺧﺮ ﻓﻠﺲ دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد ﺳﺠﻦ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﺪ أن ﻳﻔﻲ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ. وﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻤّﻲ هﺬا اﻟﺴﺠﻦ "اﻟﻤﻄﻬﺮ". آﻞّ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻣﺬاهﺒﻬﻢ ﻳﺼﻠّﻮن ﻷﺟﻞ ﻣﻮﺗﺎهﻢ .ﻓﻤﺎ اﻟﻔﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﺼﻼة إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻤﻄﻬﺮ؟ ﻷنّ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺬهﺐ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﻻ ﺗﺤﺘﺎج اﻟﺼﻼة ،واﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺬهﺐ إﻟﻰ ﺟﻬﻨّﻢ ﻻ ﺗﻔﻴﺪهﺎ اﻟﺼﻼة. إنّ ﺁﺑﺎء اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨّﺎ ﻓﻢ اﻟﺬهﺐ، أﻏﻮﺳﻄﻴﻨﻮس ،آﻴﺮﻟّﺲ ،أوﺳﺎﺑﻴﻮس اﻟﻤﺆرّخ ،ﺗﺮﺗﻠﻴﺎﻧﻮس اﻟﻤﻌﻠّﻢ وﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠّﻤﻴﻦ واﻵﺑﺎء أﺛﺒﺘﻮا ﺿﺮورة اﻟﺼﻼة ﻷﺟﻞ اﻟﻤﻮﺗﻰ وﺷﻬﺪوا أﻧّﻬﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻣﻦ أﻳّﺎم اﻟﺮﺳﻞ .وﻳﻜﻔﻲ أنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺜﺒﺖ وﺟﻮد اﻟﻤﻄﻬﺮ. ﺗُﻘﺴﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺴﺎم :اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻤﺠّﺪة واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺘﺄﻟّﻤﺔ واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺠﺎهﺪة. ﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻤﺠّﺪة هﻲ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻮن اﻟﺬي ﻳﺘﻨﻌّﻤﻮن ﻣﻊ اﷲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء .واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺘﺄﻟّﻤﺔ هﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻌﺬّﺑﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ ﻣﻨﺘﻈﺮﻳﻦ اﻟﺪﺧﻮل إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻋﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎهﻢ .واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺠﺎهﺪة هﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﺠﺎهﺪون وﻳﺴﻌﻮن ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﻃﺎﻟﺒﻴﻦ ﺷﻔﺎﻋﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻟﻴﺴﺎﻋﺪوهﻢ.
٢٢٨
اﻟﻐﻔﺮان ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﻬﻼك اﻷﺑﺪيّ .ﻓﺎﻻﻋﺘﺮاف ﻳﻤﺰّق ﺻﻚّ هﺬا اﻟﺤﻜﻢ وﻳﻐﻔﺮ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ أﻧّﻬﺎ ذﻧﺐ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ ﺟﻬﻨّﻢ إﻻّ أﻧّﻪ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﻘﺼﺎص واﻟﺘﻜﻔﻴﺮ. ﻓﻬﺬا اﻟﻘﺼﺎص واﻟﺘﻜﻔﻴﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻬﺮّب ﻣﻨﻬﻤﺎ .ﻓﺈن ﻟﻢ ﻧﻔِﻬﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة ﻧﻠﺘﺰم ﺑﺈﻳﻔﺎﺋﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻬﺮ. اﻟﻐﻔﺮان :هﻮ ﺗﺮك ﻗﺼﺎص اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﻣﺤﻮ ﻋﻘﺎﺑﻬﺎ .واﻟﻴﻨﺒﻮع اﻟﺬي ﻳﺠﺮي ﻣﻨﻪ اﻟﻐﻔﺮان هﻮ ﺧﺰّان اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت ﺁﻻم اﻟﻤﺴﻴﺢ. واﻟﻤﺘﻮﻟّﻲ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﺨﺰّان هﻮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺪﻟﻴﻞ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺒﻄﺮس :آﻞّ ﻣﺎ ﺗﺤﻠّﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﻜﻮن ﻣﺤﻠﻮﻻً ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء .ﺑﻬﺬا اﻟﻜﻼم ﻗﺪ وﻟّﻰ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻧﺎﺋﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺤﻞّ ﻣﻦ ﻋﻘﻮﺑﺎت وﻗﺼﺎﺻﺎت اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ .واﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﻮﻻﻳﺔ ﺗﻤﻨﺢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ أﺑﻨﺎءهﺎ اﻟﻐﻔﺮاﻧﺎت. ﺷﺮوط اﻟﻐﻔﺮان :ﻻ ﻳﻤﻜﻦ رﺑﺢ اﻟﻐﻔﺮان إﻻّ ﺑﺘﺘﻤﻴﻢ اﻟﺸﺮوط اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻌﻬﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻳﺠﺐ اﻟﺘﻘﻴّﺪ ﺑﻬﺎ. وهﺬﻩ اﻟﺸﺮوط ﺗﻜﻮن ﻏﺎﻟﺒًﺎ اﻋﺘﺮاﻓًﺎ وﺗﻨﺎوﻻً وﺻﻼة وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳُﺰاد ﻋﻠﻴﻬﺎ زﻳﺎرة آﻨﺎﺋﺲ أو إﻋﻄﺎء ﺻﺪﻗﺔ أو ﺻﻨﻊ إﻣﺎﺗﺔ ﻣﺎ. اﻟﻐﻔﺮان ﻧﻮﻋﺎن :آﺎﻣﻞ وﻏﻴﺮ آﺎﻣﻞ .ﻓﺎﻟﻐﻔﺮان اﻟﻜﺎﻣﻞ هﻮ ﺗﺮك اﻟﻌﻘﻮﺑﺎت اﻟﻤﺘﻮﺟّﺒﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ ﺑﻨﻮع إن ﻣﻦ ﻣﺎت ﺣﺎﻻً ﺑﻌﺪ اآﺘﺴﺎب ﻏﻔﺮان آﺎﻣﻞ ﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ ﻋﺬاﺑﺎت اﻟﻤﻄﻬﺮ.
٢٢٩
واﻟﻐﻔﺮان ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺎﻣﻞ هﻮ ﺗﺮك ﺑﻌﺾ ﻋﻘﻮﺑﺎت ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ. ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﺤﻜﻴﻢ ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺎآﺘﺴﺎب اﻟﻐﻔﺮاﻧﺎت ﻟﻴﻮﻓّﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﺬاﺑﺎت اﻟﻤﻄﻬﺮ .ذﻟﻚ ﻣﻊ اﻟﺘﻘﻴّﺪ ﺑﺤﻜﻢ اﷲ .أﻋﻨﻲ أنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺴﻠﻄﺎﻧﻬﺎ ﺗﻤﺤﻮ ﻗﺼﺎص اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﺣﻜﻤﻬﺎ اﻟﺬي آﺎﻧﺖ ﺗﺒﺮزﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ .ﻣﺜﻼً :آﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﻘﺎﺻﺺ اﻟﻤﺠﺪّف ﺑﺎﻟﺼﻮم ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻳﻮﻣًﺎ واﻟﺸﺎﺗﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻌﺸﺮة أﻳّﺎم واﻟﻤﺸﻜّﻚ ﺑﺴﻴﺮة ردﻳﺌﺔ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﺪّة أﻳّﺎم .ﻓﻬﺬا اﻟﻘﺼﺎص ﺑﻌﺮف اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﺣﻜﻤﻬﺎ هﻮ آﺎف وأﻣّﺎ ﺑﺤﻜﻢ اﷲ ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن ﻏﻴﺮ آﺎف .ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻐﻔﺮان ﻳﻤﺤﻮ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎص ﻣﺎ ﺗﻀﻌﻪ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﺣﻜﻤﻬﺎ .أﻣّﺎ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺎص ﺑﺤﺴﺐ ﺣﻜﻢ اﷲ وﻋﺪﻟﻪ ﻓﻴﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻔﻴﻪ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺤﺴﻦ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺮﺑﺢ ﻏﻔﺮاﻧﺎت آﺜﻴﺮة. ﺧﺒﺮ آﺎن اﻷخ ﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻟﺪوﻣﻴﻨﻴﻜﻲ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻐﻴﺮة ﻋﻠﻰ إﺳﻌﺎف اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﻄﻬﺮﻳّﺔ ،ﻳﻘﺪّم ﻷﺟﻠﻬﺎ ﻣﻨﺎوﻻت وﺻﻠﻮات وﻏﻔﺮاﻧﺎت آﺜﻴﺮة ،وﻳﺼﻨﻊ إﻣﺎﺗﺎت ﻷﺟﻠﻬﺎ ،وﻳﺰور ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺤﺒﻮس ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﺳﻼً إﻟﻴﻪ ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ .ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻣﺮّات آﺜﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻴﻮم ﻣﺘﻮ ّ اﻟﻨﻔﻮس ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻪ ﻟﺘﺸﻜﺮﻩ وﺗﻌﻠﻤﻪ ﺑﺄﻧّﻬﺎ ﺻﻌﺪت إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺻﻠﻮاﺗﻪ .وﻋﻨﺪ ﻣﻮﺗﻪ ﻇﻬﺮ ﻟﻪ ﻳﺴﻮع ﺑﺎﺷًّﺎ وأﻋﻠﻤﻪ ﺑﺄﻧّﻪ ﺧﻠّﺺ ﻣﻦ ﻋﺬاﺑﺎت اﻟﻤﻄﻬﺮ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎ وأرﺑﻌﻤﺎﻳﺔ أﻟﻒ ﻧﻔﺲ ﺑﺼﻠﻮاﺗﻪ.
٢٣٠
اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻗﺪ ﺗﻜﻠّﻤﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﻤﺎء وأﻓﺮاﺣﻬﺎ وﺳﻌﺎدﺗﻬﺎ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ وﻋﻦ ﻏﻨﻰ اﻟﺴﻤﺎء وﻣﺠﺪهﺎ وﺟﻤﺎﻟﻬﺎ .وآﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺠﺘﻬﺪ ﻟﻜﻲ ﻧﺮﺑﺢ اﻟﺴﻤﺎء وﻧﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ .ورأﻳﻨﺎ ﻣﻬﻤﺎ اﺣﺘﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻀﻴﻘﺎت ﻷﺟﻞ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﺬﻟﻚ ﻗﻠﻴﻞ .واﻵن ﻧﺘﻜﻠّﻢ ﻋﻤّﺎ ﻳﺨﺴّﺮﻧﺎ اﻟﺴﻤﺎء. إنّ ﻣﺎ ﻳﺨﺴﱢﺮﻧﺎ اﻟﺴﻤﺎء هﻮ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ. ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ هﻲ إهﺎﻧﺔ آﺒﻴﺮة ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺷﺮّهﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩ ﻷنّ اﻟﻤﻬﺎن ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩ. ﻓﺎﻹهﺎﻧﺔ ﺗﻜﺒﺮ ﺑﻜﺒﺮ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﻤﻬﺎن .ﻓﺎﻟﻤﻬﺎن هﻮ اﷲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺤﺪود .ﻟﺬﻟﻚ ﺷﺮّ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪود .إنّ ﻣﻦ ﻳﻬﻴﻦ اﻟﺨﺎدم أو اﻟﺠﻨﺪيّ ﻓﻠﻴﺲ آﻤﻦ ﻳﻬﻴﻦ اﻟﻤﻠﻚ. اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻬﺎن واﻟﻤﻬﻴﻦ :اﻟﻤﻬﺎن هﻮ اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ واﻟﻤﻬﻴﻦ هﻮ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺘﺮاب اﻟﻌﺪم .إنّ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن واﻟﻨﻤﻠﺔ هﻮ أﻗﻞّ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﺮق اﻟﻜﺎﺋﻦ ﺑﻴﻦ اﷲ واﻹﻧﺴﺎن .ﻓﻠﻮ ﻗﺎﻣﺖ ﻧﻤﻠﺔ وﺷﺘﻤﺖ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﺎﻟﻤﻮت ﻗﻠﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻞ أﻟﻮف وﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﻨﻤﻞ ﻳﺪوﺳﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺮﺟﻠﻪ! ﻟﺬﻟﻚ ﺧﻄﻴﺌﺔ واﺣﺪة ﻣﻤﻴﺘﺔ آﺎﻓﻴﺔ ﻟﻬﻼك اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ. ﺷﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ :إنّ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﺗﺸﻮّﻩ ﺟﻤﺎل اﻟﻨﻔﺲ ،وﺗﺤﻮّﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﻮرة ﻣﻼك إﻟﻰ ﺻﻮرة ﺷﻴﻄﺎن. ﻟﻨﺘﺼﻮّر زهﺮة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻧﻀﺮة ﻓﻮّاﺣﺔ أﻟﻘﻴﺖ ﻓﻲ اﻷوﺣﺎل واﻷﻗﺬار ودﻳﺴﺖ ﺑﺎﻷرﺟﻞ ﻓﺈﻟﻰ أي ﺷﻨﺎﻋﺔ وﺑﺸﺎﻋﺔ ﺗﺘﺤﻮّل؟
٢٣١
ﻟﻨﺘﺼﻮّر ﻓﺴﺘﺎﻧًﺎ أﺑﻴﺾ ﺟﻤﻴﻼً ﻣﺮﱢغ ﺑﺎﻷوﺣﺎل واﻷﻗﺬار! ﻟﻨﺘﺼﻮّر ﻓﺘﺎة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺟﺪًّا ﻗُﻄﻊ أﻧﻔﻬﺎ وﻓﻘﺌﺖ ﻋﻴﻨﻬﺎ وﺟﺬﻣﺖ أذﻧﻬﺎ وﻗﻄﻌﺖ ﻳﺪهﺎ ،هﻜﺬا ﺗﺸﻮّﻩ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻧﻔﺴﻨﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ! اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ هﻲ ﺿﺪّ اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ آﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻟﺮﺳﻮل .اﷲ هﻮ ﻣﺤﺒّﺔ .وهﻞ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ إهﺎﻧﺔ اﻟﻤﺤﺒّﺔ وﺧﻴﺎﻧﺔ اﻟﻤﺤﺒّﺔ؟! ﻟﻠﺨﻄﻴﺌﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﺷﺮوط :ﻣﻌﺮﻓﺔ واﻧﺘﺒﺎﻩ وإرادة .ﻓﺈن ﻧﻘﺺ ﺷﺮط ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺸﺮوط ﻻ ﺗﻜﻮن ﺧﻄﻴﺌﺔ ،ﻷنّ ﻋﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖّ اﻟﻌﻘﺎب أو اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺻﺎدرًا ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﺎﻣّﺔ، واﻧﺘﺒﺎﻩ آﺎﻣﻞ ،وإرادة ﺣﺮّة .ﻓﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺘﻢّ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﺎﻣّﺔ واﻧﺘﺒﺎﻩ آﺎﻣﻞ وإرادة ﺣﺮّة ﻓﻠﻴﺲ هﻮ ﻋﻤﻼً ﺑﺸﺮﻳًّﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖّ اﻟﻤﺪح أو اﻟﺬمّ. ﻣﺜﻼً :ﻣﻦ أآﻞ ﻟﺤﻤًﺎ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺎرﻓًﺎ أنّ أآﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻓﻼ ﻳﺨﻄﺄ ﻟﻨﻘﺺ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ .وإذا آﺎن ﻋﺎرﻓًﺎ أنّ أآﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺧﻄﻴﺌﺔ وﻟﻜﻨّﻪ أآﻞ ﻟﺤﻤًﺎ دون أن ﻳﻨﺘﺒﻪ إﻟﻰ أنّ اﻟﻴﻮم هﻮ ﻳﻮم ﺟﻤﻌﺔ ﻓﻼ ﻳﺨﻄﺄ ﻟﻨﻘﺺ اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ .وإذا آﺎن ﻋﺎرﻓًﺎ وﻣﻨﺘﺒﻬًﺎ إﻻّ أﻧّﻪ أُﺟﺒﺮ ﻋﻠﻰ أآﻞ اﻟﻠﺤﻢ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﺮض أو ﺑﺴﺒﺐ ﺁﺧﺮ ﻓﻼ ﻳﺨﻄﺄ ﻟﻨﻘﺺ اﻹرادة. ﻓﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻔﻌﻠﻬﺎ ﺑﺪون ﻣﻌﺮﻓﺔ أو ﺑﺪون اﻧﺘﺒﺎﻩ أو ﺑﺪون إرادة ﻓﻠﻴﺴﺖ ﺧﻄﻴﺌﺔ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﺗﻐﻴﻆ اﷲ ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﻜﻮن آﻌﻤﻞ ﻃﻔﻞ ﺻﻐﻴﺮ ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﺸﺮّ اﻟﺬي ﻳﺼﻨﻌﻪ .ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻋﺎرﻓًﺎ أنّ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻠﻪ هﻮ ﺧﻄﻴﺌﺔ وأن ﻳﻜﻮن ﻣﻨﺘﺒﻬًﺎ وﻗﺖ اﻟﻌﻤﻞ إﻟﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وأن ﻳﺮﻳﺪهﺎ.
٢٣٢
أﻧﻮاع اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ :إنّ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺗﺘﻢّ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ وﺑﺎﻟﻘﻮل واﻟﻔﻌﻞ واﻹهﻤﺎل .ﻣﺜﻼً :ﻣﻦ ﺳﺐّ اﻟﺪﻳﻦ أو ﺗﻜﻠّﻢ آﻼﻣًﺎ ﻗﺒﻴﺤًﺎ ﻓﻘﺪ ﻓﻌﻞ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻘﻮل .وﻣﻦ ﺳﺮق ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﻘﺪ ﻋﻤﻞ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ. وﻣﻦ أهﻤﻞ ﺳﻤﺎع اﻟﻘﺪّاس ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ﻓﻘﺪ ﻓﻌﻞ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺑﺎﻹهﻤﺎل .وﻣﻦ ﻓﻜّﺮ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ورﺿﻲ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ وﻗﺼﺪ أن ﻳﺘﻤّﻤﻪ ﻓﻘﺪ ﻋﻤﻞ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮ .إذا ﻧﻘﺺ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ ﺷﺮط ﻣﻦ اﻟﺸﺮوط اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻓﻼ ﺗﻜﻮن ﺧﻄﻴﺌﺔ .أﺣﻴﺎﻧًﺎ آﺜﻴﺮة ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ أﻓﻜﺎر ردﻳﺌﺔ وﺗﺬهﺐ دون اﻧﺘﺒﺎﻩ ﻓﻼ ﺗﺤﺴﺐ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻟﻨﻘﺺ اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ،أو ﻧﻨﺘﺒﻪ إﻟﻴﻬﺎ وﻟﻜﻨّﻨﺎ ﻻ ﻧﺮﻳﺪهﺎ وﻻ ﻧﺮﺿﻰ ﺑﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﺤﺴﺐ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻟﻨﻘﺺ اﻹرادة. ن اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ ﺗﺘﻌﺪّد آﻤﺎ ﺗﻌﺪّد اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ :إ ّ ﺗﺘﻌﺪّد اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴّﺔ .ﻣﺜﻼً :ﻣﻦ ﺳﺐّ اﻟﺪﻳﻦ أو ﺳﺮق ﻣﺮّات ﻣﺘﻌﺪّدة ﺗﺘﻌﺪّد ﺧﻄﻴﺌﺘﻪ ﺣﺴﺐ ﻋﺪد اﻟﻤﺴﺒّﺎت أو اﻟﺴﺮﻗﺎت، آﺬﻟﻚ ﻣﻦ اﺷﺘﻬﻰ اﻟﻀﺮر ﻟﻘﺮﻳﺒﻪ ﻣﺮّات ﻣﺘﻜﺮّرة ﻣﺘﻘﻄّﻌﺔ أو اﺷﺘﻬﻰ ﺷﻬﻮات ﺿﺪّ اﻟﻄﻬﺎرة ﻣﺮّات ﻣﺘﻜﺮّرة ﻣﺘﻘﻄّﻌﺔ ﺑﻨﻮع أنّ ﻞ ﻓﻜﺮ ﻣﺘﻘﻄّﻊ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ ،ﺗﺘﻌﺪّد اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﺑﺘﻌﺪّد اﻷﻓﻜﺎر آّ اﻟﻤﺘﻘﻄّﻌﺔ .ﻣﺜﻼً :ﻣﻦ اﻓﺘﻜﺮ ﻓﻜﺮًا ﺿﺪّ اﻟﻄﻬﺎرة ﻓﻘﺒﻠﻪ ورﺿﻲ ﺑﻪ وﺳﺮﱠ ﺑﻪ ،ﺛﻢّ اﻧﻘﻄﻊ ﻋﻨﻪ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ ﺁﺧﺮ أو ﺑﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﺛﻢّ ﻋﺎد ﻳﻔﻜّﺮ ﻓﻴﻪ راﺿﻴًﺎ وﻣﻠﺘﺬًا ﺑﻪ ﻓﺘﺘﻌﺪّد اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﺑﻌﺪد اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻤﺘﻘﻄﻌﺔ ،أﻣّﺎ ﻣﻦ ﺑﻘﻲ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﻳﻔﻜّﺮ ﺑﻔﻜﺮ ﺿﺪ اﻟﻄﻬﺎرة راﺿﻴًﺎ وﻣﺴﺮورًا ﺑﻪ ﻓﻼ ﺗﺤﺴﺐ إﻻّ ﺧﻄﻴﺌﺔ واﺣﺪة ﻷﻧّﻪ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ ﺑﻔﻌﻞ إرادة ﺛﻢّ ﺗﺠﺪّد. ﻣﺜﻼً ﺁﺧﺮ ﻋﻦ ﺗﻌﺪّد اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ :ﻓﻜّﺮ ﺑﻄﺮس ﺑﺴﺮﻗﺔ ﺑﻴﺖ ﺣﻨّﺎ ورﺿﻲ ﺑﻔﻜﺮ اﻟﺴﺮﻗﺔ وأرادﻩ ﺛﻢّ ﻋﺪل ﻋﻦ اﻟﺴﺮﻗﺔ
٢٣٣
ورﻓﺾ ﻓﻜﺮ اﻟﺴﺮﻗﺔ ﺛﻢّ ﻋﺎد ﻓﺮﺿﻲ ﺑﻬﺬا اﻟﻔﻜﺮ وأرادﻩ ﻓﻌﻨﺪﺋ ٍ ﺬ ﺗﺘﻌﺪّد ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﺴﺮﻗﺔ ﺑﺘﺠﺪﻳﺪ ﻓﻌﻞ اﻹرادة .أﻣّﺎ إذا ﺑﻘﻲ ﺑﻄﺮس ﻳﺘﺤﻴّﻦ ﻋﺪّة أﻳّﺎم وﻗﺘًﺎ ﻣﻨﺎﺳﺒًﺎ ﻟﻠﺴﺮﻗﺔ وﻟﻢ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻪ اﻟﻈﺮوف ﻓﻼ ﺗﺘﻌﺪّد ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﺴﺮﻗﺔ! اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻗﺴﻤﺎن :ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ وﺧﻄﻴﺌﺔ ﻋﺮﺿﻴّﺔ. ﻓﺎﻟﻤﻤﻴﺘﺔ هﻲ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ آﺒﻴﺮة ﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﷲ أو ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ. واﻟﻌﺮﺿﻴّﺔ هﻲ ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﷲ أو ﺷﺮﻳﻌﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .ﻣﺜﻼً :ﻣﻦ ﺳﺮق ﺷﻴﺌًﺎ ذا ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻌﺘﺒﺮة ﺗﻜﻮن ﺧﻄﻴﺌﺘﻪ ﻣﻤﻴﺘﺔ ﻷنّ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ آﺒﻴﺮة ،وﻣﻦ ﺳﺮق ﺷﻴﺌًﺎ زهﻴﺪًا ﺗﻜﻮن اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻋﺮﺿﻴّﺔ. أﻣﺜﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻌﺮﺿﻴّﺔ :آﺬب ﺑﺴﻴﻂ ،ﺗﺄﺧّﺮ ﻗﻠﻴﻞ ﻋﻦ اﻟﻘﺪّاس ﻳﻮم اﻷﺣﺪ آﺄن ﻳﺼﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﺪ ﺑﺪء اﻟﻘﺪّاس ﺑﻘﻠﻴﻞ ،آﻼم ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ دون ﺿﺮورة ،ﺗﺬﻣّﺮ ،ﻏﻀﺐ ﺧﻔﻴﻒ ﺧﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺪﻳﻒ. ﺳﻤّﻴﺖ ُ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ واﻟﻌﺮﺿﻴّﺔ: اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﻤﻴﺖ اﻟﻨﻔﺲ أي ﺗﻬﻠﻜﻬﺎ .ﻓﺈذا ﻣﺎت اﻹﻧﺴﺎن وﻋﻠﻴﻪ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ دون أن ﻳﻌﺘﺮف ﺑﻬﺎ أو ﻳﻨﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻊ ﻗﺼﺪ اﻻﻋﺘﺮاف ﻳﺬهﺐ إﻟﻰ اﻟﻬﻼك .وأﻣّﺎ إذا ﻣﺎت وﻋﻠﻴﻪ ﺧﻄﺎﻳﺎ ﻋﺮﺿﻴّﺔ وﻟﻮ آﺜﻴﺮة ﻓﻼ ﻳﻬﻠﻚ.
٢٣٤
إنّ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻌﺮﺿﻴّﺔ ﺗُﻐﻔﺮ ﺑﺪون اﻋﺘﺮاف ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻨﺪاﻣﺔ ،أﻣّﺎ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻓﻼ ﺗﻐﻔﺮ ﺑﺪون اﻋﺘﺮاف ،إﻻّ أﻧّﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﻀﺮورة أي ﻓﻲ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻮت وﻋﺪم وﺟﻮد آﺎهﻦ ﺗُﻐﻔﺮ ﺑﺎﻟﻨﺪاﻣﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻣﻊ ﻗﺼﺪ اﻻﻋﺘﺮاف) .راﺟﻊ اﻟﻨﺪاﻣﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺷﺮوط اﻻﻋﺘﺮاف(. أﺿﺮار اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ :ﻳﺠﺐ أن ﻻ ﻧﺒﻘﻰ ﻳﻮﻣًﺎ واﺣﺪًا ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ .ﻓﺈذا ﺳﻘﻄﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻻ ﺳﻤﺢ اﷲ ،ﻓﻠﻨﻐﺘﺴﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺎﻻً ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻻﻋﺘﺮاف ،ﻷنّ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻳﻌﺮّﺿﻨﺎ ﻷﺿﺮار آﺜﻴﺮة: .١ﺧﻄﺮ اﻟﻬﻼك :ﻓﺈذا ﻣﺘﻨﺎ ﻓﺠﺄة ﻧﺬهﺐ إﻟﻰ اﻟﻬﻼك .ﻓﻬﻞ ﻧﻨﺎم ﻓﻲ ﻏﺎﺑﺔ ﻣﻸى ﺑﺎﻟﻮﺣﻮش؟ ﻓﻜﻴﻒ ﻧﻨﺎم ﺑﺮاﺣﺔ ﺿﻤﻴﺮ وﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ؟ .٢ﻋﺪاوة اﷲ :ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻧﻜﻮن ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻧﻜﻮن أﻋﺪاء اﷲ ،وﻳﻜﻮن اﷲ ﻣﺤ ﱢﻮﻻً وﺟﻬﻪ ﻋﻨّﺎ .ﻓﻜﻢ ﻧﺨﺎف وﻧﺮﺗﻌﺐ إذا آﺎن اﻟﻤﻠﻚ اﻷرﺿﻲّ ﻏﻀﺒﺎن ﻋﻠﻴﻨﺎ؟ إنّ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ اﻟﻤﻠﻚ اﻷرﺿﻲّ ﺻﻌﺒﺔ وﺗﻜﻠّﻔﻨﺎ آﺜﻴﺮًا ،أﻣّﺎ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎويّ ﻓﺴﻬﻠﺔ ﺟﺪًّا ،ﻓﻘﺪ رﺳﻢ ﻟﻨﺎ اﻻﻋﺘﺮاف ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻐﺎﻳﺔ. .٣ﺧﺴﺎرة أﺟﺮ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ وأﺟﺮ أﺗﻌﺎﺑﻨﺎ ﻷنّ اﷲ ﻟﻴﺲ هﻮ ﻣﻠﺘﺰﻣًﺎ أن ﻳﺆاﺟﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻌﻤﻠﻬﺎ وﻧﺤﻦ أﻋﺪاؤﻩ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ. ﻓﻌﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻔﺤﺺ ﺿﻤﻴﺮﻩ آﻞّ ﻟﻴﻠﺔ ﻓﺈذا وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻓﻠﻴﻨﺪم ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻪ ﻗﺎﺻﺪًا اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﻬﺎ ﻓﻲ أﻗﺮب وﻗﺖ!
٢٣٥
أﺧﺒﺎر م اﻟﻤﻠﻚ ﻟﻮﻳﺲ ﺗﺮدّد ﻋﻠﻴﻪ داﺋﻤُﺎ هﺬﻩ ﺧﺒﺮ أوّل :آﺎﻧﺖ أ ّ اﻟﻌﺒﺎرة :ﻳﺎ اﺑﻨﻲ أﻓﻀّﻞ أن أراك ﻣﻴﺘًﺎ وﻻ أراك ﺗﺮﺗﻜﺐ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻣﻤﻴﺘﺔ. ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻧﻲ :ﺳﺌﻞ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨّﺎ ﻓﻢ اﻟﺬهﺐ أي ﺷﺮّ هﻮ أﻋﻈﻢ اﻟﺸﺮور آﻠّﻬﺎ :اﻟﻤﺮض ،اﻟﻔﻘﺮ ،اﻟﺠﻮع ،اﻟﻨﻔﻲ ،اﻟﺤﺒﺲ، اﻟﻌﺬاب ،اﻟﻤﻮت؟ أﺟﺎب :إنّ أﻋﻈﻢ اﻟﺸﺮور آﻠّﻬﺎ هﻮ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ! ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻟﺚ :دﻋﺎ أﻟﻔﻮﻧﺲ ﻟﻴﻜﻮري ﺧﺎﻃﺌًﺎ آﺒﻴﺮًا إﻟﻰ دارﻩ ،ﻓﺮأى اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺘﺒﺔ ﻣﺼﻠﻮﺑًﺎ آﺒﻴﺮًا ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺴﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮور ﻓﻮﻗﻪ، ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻘﺪّﻳﺲ :دس اﻟﺼﻠﻴﺐ وادﺧﻞ .ﻓﻘﺎل :آﻴﻒ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﻪ اﻟﻘﺪّﻳﺲ :ﻗﺪ دﺳﺖ ﺑﺨﻄﺎﻳﺎك ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ذاﺗﻪ ﻣﺮّات آﺜﻴﺮة ﺑﺮﺟﻠﻴﻚ! ﻓﻜﺎن ﻟﻬﺬا اﻟﻜﻼم وﻗﻊ ﺷﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ذاك اﻟﺨﺎﻃﺊ ﻓﺘﺎب ﺗﻮﺑﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴّﺔ. ﺳﺆال:آﻴﻒ اﷲ اﻟﺮﺣﻮم ﻳُﻬﻠﻚ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻄﻴﺌﺔ واﺣﺪة ﻣﻤﻴﺘﺔ؟ أﻧﻈﺮ اﻟﺠﻮاب ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺮاﺿﺎت ﻋﻠﻰ ﺟﻬﻨﻢ.
٢٣٦
اﻟﺮذاﺋﻞ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ أﺻﻮل اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ وﺷﺮورهﺎ هﻲ اﻟﺮذاﺋﻞ اﻟﺴﺒﻊ: اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ،اﻟﺒﺨﻞ ،اﻟﺤﺴﺪ ،اﻟﻐﻀﺐ ،اﻟﺪﻧﺲ ،اﻟﺸﺮاهﺔ ،اﻟﻜﺴﻞ. وﻗﺪ ﺳﻤّﻴﺖ هﺬﻩ اﻟﺮذاﺋﻞ ﺧﻄﺎﻳﺎ رﺋﻴﺴﻴّﺔ ﻷﻧّﻬﺎ رؤوس وأﺻﻞ ﻟﺒﻘﻴّﺔ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ .ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺘﻔﺮّع اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ آﻤﺎ ﺗﺘﻔﺮّع اﻷﻏﺼﺎن ﻣﻦ اﻷﺻﻞ وﺗﺘﻌﻠّﻖ ﺑﻬﺎ آﻤﺎ ﺗﺘﻌﻠّﻖ اﻷﻋﻀﺎء ﺑﺎﻟﺮأس. ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻊ اﻹﻧﺴﺎن :هﺬﻩ اﻟﺮذاﺋﻞ ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻊ اﻹﻧﺴﺎن وﺗﻨﻤﻮ ﻣﻌﻪ أﻳﻀًﺎ .وإذا ﺗﺮآﻨﺎهﺎ ﺗﻜﺒﺮ ﻓﻼ ﻧﻌﻮد ﻧﻘﺪر ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻌﻬﺎ .ﻓﺎﻟﺸﺠﺮة إذا آﺒﺮت وﺗﻤﻜّﻨﺖ أﺻﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻷرض ﻓﺄﻗﻮى رﺣﻞ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﻗﻠﻌﻬﺎ. وأﻣّﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻏﺮﺳﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻓﺎﻟﻮﻟﺪ اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻳﻘﻠﻌﻬﺎ .وآﺬﻟﻚ اﻟﻨﻤﺮ اﻟﺸﺮس ﻓﻜﻞّ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻗﺘﻠﻪ وهﻮ ﺻﻐﻴﺮ أﻣّﺎ إذا آﺒﺮ ﻓﺄﺷﺪ اﻟﺮﺟﺎل ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﻗﺘﻠﻪ. هﻜﺬا إذا ﺗﺮآﻨﺎ هﺬﻩ اﻟﺮذاﺋﻞ ﺗﻜﺒﺮ وﺗﺘﻤﻜّﻦ ﻓﻴﻨﺎ دون أن ﻧﺤﺎرﺑﻬﺎ وﻧﻘﺎوﻣﻬﺎ ﺗﻘﻮى ﻋﻠﻴﻨﺎ وﺗﻔﺘﺮﺳﻨﺎ آﺎﻟﻨﻤﺮ اﻟﺸﺮس. ﺗﺸﻮّﻩ اﻟﻨﻔﺲ :هﺬﻩ اﻟﺮذاﺋﻞ ﺗﺸﻮّﻩ اﻟﻨﻔﺲ آﻤﺎ ﺗﺸﻮّﻩ اﻷﻣﺮاض اﻟﺠﺴﺪ .آﻢ ﻧﺠﺘﻬﺪ ﻟﻨـﺰﻳﻞ ﻋﻴﺒًﺎ ﻣﺎ ﻣﻦ وﺟﻬﻨﺎ. ﻓﻠﻨﺠﺘﻬﺪ ﺑﺄن ﻧﺰﻳﻞ اﻟﺮذﻳﻠﺔ اﻟﻤﺘﺴﻠّﻄﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ .ﻓﺎﻟﻐﻀﺐ أو اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﻣﺜﻼً ﻳﺸﻮّﻩ اﻟﻨﻔﺲ أآﺜﺮ ﻣﻤّﺎ ﻳﺸﻮّﻩ اﻟﻌﻴﺐ اﻟﻮﺟﻪ.
٢٣٧
اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﺗﺤﺪﻳﺪ :هﻲ أن ﻳﺴﺘﻌﻈﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ وﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﺬاﺗﻪ وﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﺄﻧّﻪ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ وﻳﺰدري ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ وﻳﺴﺨﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس. ﺻﻔﺎت اﻟﻤﺘﻜﺒّﺮ: .١ﻳﺘﺒﺎهﻰ ﺑﻤﻮاهﺒﻪ اﻟﻌﻘﻠﻴّﺔ واﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ وﺑﺨﻴﺮاﺗﻪ اﻟﻤﺎدﻳّﺔ وﻳﻨﺴﺐ آﻞّ ذﻟﻚ ﻟﺬاﺗﻪ ﻧﺎﺳﻴًﺎ أنّ اﷲ هﻮ ﻣﺼﺪر هﺬﻩ اﻟﻤﻮاهﺐ واﻟﺨﻴﺮات. .٢ﻳﻄﻠﺐ اﻟﻤﺪﻳﺢ واﻟﺜﻨﺎء وﻳﻔﻀّﻞ رأﻳﻪ ﻋﻠﻰ ﺁراء اﻵﺧﺮﻳﻦ وﻳﺰدري ﺑﻤﺸﻮرات اﻟﻐﻴﺮ وﻳﺴﺘﺨﻒّ ﺑﻔﻀﺎﺋﻞ اﻵﺧﺮﻳﻦ. .٣ﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﺄآﻠﻪ وﻟﺒﺴﻪ وآﻼﻣﻪ وﻋﻤﻠﻪ: .٤ﻻ ﻳﻄﻴﻊ وﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ أﺣﺪ وﻳﺤﺘﻘﺮ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺣﺘّﻰ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ. .٥ﻳﻜﺬب وﻳﺘﻈﺎهﺮ ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﻓﻲ داﺧﻠﻪ ﻟﻴﺤﻤﻞ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﻣﺪﺣﻪ واﻹﻃﺮاء ﻋﻠﻴﻪ. .٦آﺜﻴﺮ اﻟﻘﻠﻖ واﻻﺿﻄﺮاب ﻷﻧّﻪ ﻳﺘﺄﺛّﺮ ﻣﻦ أﻗﻞّ آﻠﻤﺔ وﻣﻦ أﻗﻞّ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺗﻜﺪّرﻩ. .٧ﻣﺘﺼﻠّﻒ ،ﻣﺘﻌﺠﺮف ،ﻣﺘﻐﻄﺮس ،ﻣﺘﺸﺎﻣﺦ! اﻟﻤﺘﻜﺒّﺮ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺸﻮك .ﻓﺎﻟﺸﻮك ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻤﺴﻪ واﻟﺪﻧﻮ ﻣﻨﻪ. آﺬﻟﻚ اﻟﻤﺘﻜﺒّﺮ ﻳﻨﻔﺮ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻪ. اﻟﻤﺘﻜﺒّﺮ ﻟﺺ ﻳﺴﺮق ﺣﻘﻮق اﷲ ﻷﻧّﻪ ﻳﻨﺴﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻳﺨﺘﺺّ ﺑﺎﷲ .ﻓﻜﻞّ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻜﻪ ﻣﻦ ﺧﻴﺮات هﻮ ﻣﻦ اﷲ .أﻣّﺎ هﻮ ﻓﻴﺨﺘﺼّﻬﺎ ﺑﺬاﺗﻪ.
٢٣٨
ﻳﺠﻮز أن ﻧُﺴﺮّ وﻧﻔﺮح ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ اﷲ ﻣﻦ ﻣﻮاهﺐ وﺧﻴﺮات وﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻨﺴﺒﻬﺎ إﻟﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻧﺸﻜﺮﻩ ﻋﻠﻴﻬﺎ .ﻓﺈذا آﻨﺖ ﺟﻤﻴﻼً ﻳﺠﻮز أن أﻓﺮح ﺑﺠﻤﺎﻟﻲ ﻧﺎﺳﺒًﺎ ﷲ أﺻﻠﻪ وﻣﺒﺪﻋﻪ ،وﻻ أﺣﺘﻘﺮ ﻏﻴﺮي وﻻ أﺳﺘﺨﺪم ﺟﻤﺎﻟﻲ ﻟﻠﺨﻄﻴﺌﺔ .وإذا آﻨﺖ ﻏﻨﻴًّﺎ ﻓﻼ أﻓﺘﺨﺮ ﺑﻤﺎﻟﻲ وأزدري ﺑﺎﻟﻔﻘﻴﺮ ﺑﻞ ﻋﻠﻲّ أن أﺳﺎﻋﺪﻩ وأن أﻋﻄﻒ ﻋﻠﻴﻪ وأﺷﻜﺮ اﷲ ﻋﻠّﺔ ﻏﻨﺎي. اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء وﻋﺰّة اﻟﻨﻔﺲ :ﻓﻌﺰّة اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺠﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺘﺮﻓّﻊ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﺎﻳﺎ وﻋﻦ آﻞّ ﻣﺎ ﻳﺸﻴﻦ آﺮاﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن. اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ اﻟﻤﻀﺎدّة ﻟﻠﻜﺒﺮﻳﺎء :هﻲ اﻟﺘﻮاﺿﻊ .واﻟﺪواء اﻟﻨﺎﺟﻊ هﻮ اﻟﺘﺄﻣّﻞ ﺑﻀﻌﻔﻨﺎ وﻓﻘﺮﻧﺎ وﻧﻘﺎﺋﺼﻨﺎ وﺑﺄنّ اﷲ هﻮ ﻣﺼﺪر آﻞّ ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻨﺎ .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﺗﻌﻠّﻤﻮا ﻣﻨّﻲ إﻧّﻲ ودﻳﻊ وﻣﺘﻮاﺿﻊ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﺘﺠﺪوا راﺣﺔ ﻟﻨﻔﻮﺳﻜﻢ ﻷنّ اﻟﻤﺘﻜﺒّﺮ داﺋﻤًﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ واﺿﻄﺮاب، وأﻣّﺎ اﻟﻤﺘﻮاﺿﻊ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺳﻼم وﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ .ﻗﺎل اﺑﻦ ﺳﻴﺮاخ :ﻣﻦ رﺳﺨﺖ اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﻓﻴﻪ ﻓﺎض أرﺟﺎﺳًﺎ. ﺷﺮور اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء :إنّ اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ﻗﺪ أﺳﻘﻄﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء وﺻﻴّﺮﺗﻬﻢ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ .إنّ اﷲ ﻳﻜﺮﻩ اﻟﻤﺘﻜﺒّﺮﻳﻦ وﻳﻘﺎوﻣﻬﻢ. وﺣﻮادث آﺜﻴﺮة ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﺗﺒﻴّﻦ ذﻟﻚ.
٢٣٩
أﺧﺒﺎر ﺧﺒﺮ أوّل :آﺎن ﺟﻠﻴﺎت ﺟﺒّﺎرًا ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻘﻮّة واﻟﺒﻄﺶ، ﻳﺨﺎﻓﻪ ﺟﻴﺶ ﺑﻜﺎﻣﻠﻪ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻳﺠﻮل وﻳﺼﻮل ﻓﻲ اﻟﻤﻴﺪان ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﻣﻦ ﻳﻘﺎﺗﻠﻪ ﻣﻦ ﺟﻴﺶ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴّﻴﻦ ﻓﺘﻬﻴّﺒﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ وﻟﻢ ﻳﺠﺴﺮ أن ﻳﻨﺎزﻟﻪ أﺣﺪ ،ﻓﺎزداد ﺗﻐﻄﺮﺳًﺎ وﺗﺠﺒّﺮًا وراح ﻳﺸﺘﻢ ﺷﻌﺐ اﷲ وﻳﺰدري ﺑﻬﻢ وﺑﺈﻟﻬﻬﻢ اﻟﺬي ﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻨﻬﻢ .ﻓﻐﺎر داود ﻋﻠﻰ اﺳﻢ اﻟﺮبّ وأراد ﻣﻨﺎزﻟﺔ ذﻟﻚ اﻟﺠﺒّﺎر وأﺗﺎﻩ ﺣﺎﻣﻼً ﻣﻦ اﻟﺴﻼح ﻣﻘﻼﻋﻪ ﻓﻘﻂ ،ﻓﻠـﻤّﺎ رﺁﻩ ذاك اﻟﺠﺒّﺎر اﻟﻤﺘﻐﻄﺮس ﺳﺨﺮ ﻣﻨﻪ .ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ داود: أﻧﺖ ﺗﺄﺗﻴﻨﻲ ﺑﺎﻟﺴﻼح وأﻧﺎ ﺁﺗﻴﻚ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻲ .ووﺿﻊ ﺣﺼﺎة ﻓﻲ ﻣﻘﻼﻋﻪ ورﻣﺎﻩ ﻓﺄﺻﺎﺑﻪ ﻓﻲ ﺟﺒﻬﺘﻪ ﻓﺴﻘﻂ اﻟﺠﺒّﺎر ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻣﺼﺮوﻋًﺎ ﻓﻮﺛﺐ ﻋﻠﻴﻪ داود وﻧﺰع ﻣﻨﻪ ﺣﺴﺎﻣﻪ وﻗﻄﻊ ﺑﻪ رأﺳﻪ. ﺧﺒﺮ ﺛﺎنٍ :آﺎن هﻴﺮودوس أﻏﺮﻳﺒﺎ اﻷوّل ﻣﻠﻜًﺎ ﻣﺘﻐﻄﺮﺳًﺎ ﻳﺤ ّ ﺐ اﻟﻌﻈﻤﺔ إﻟﻰ درﺟﺔ اﻟﺘﺄﻟّﻪ .دﻋﺎ ذات ﻳﻮم ﻋﻈﻤﺎء ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ وأﻋﻴﺎﻧﻬﺎ وﻇﻬﺮ أﻣﺎﻣﻬﻢ ﺑﺜﻮب ﻣﻦ ذهﺐ ﻳﺒﻬﺮ اﻟﻨﻈﺮ ،ﻓﺤﻴﻦ رأوﻩ ﺻﺮﺧﻮا: هﺬا هﻮ إﻟﻪ وﻟﻴﺲ ﺑﺈﻧﺴﺎن .ﻓﺤﺎﻻً ﺿﺮﺑﻪ ﻣﻼك اﻟﺮبّ ﻣﺎت وﻇﻬﺮ ﻟﻠﻮﻗﺖ اﻟﺪود ﻳﺮﻋﻰ ﺟﺴﺪﻩ!
٢٤٠
اﻟﺒﺨﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﺒﺨﻞ هﻮ ﺣﺐّ ﻣﻔﺮط ﻟﺨﻴﺮات اﻷرض وﻻﺳﻴّﻤﺎ اﻟﻤﺎل. ﻓﺎﻟﺒﺨﻴﻞ ﻳﺤﺐّ اﻟﻤﺎل أآﺜﺮ ﻣﻤّﺎ ﻳﺤﺐّ رﺑّﻪ ،وﻳَﻌﺒﺪ اﻟﻤﺎل ﺑﺪﻻً ﻣﻦ رﺑّﻪ .أي ﻳﻬﻤﻞ واﺟﺒﺎﺗﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻧﺤﻮ رﺑّﻪ ﻟﻴﻬﺘﻢّ ﺑﺠﻤﻊ اﻟﻤﺎل .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻜﻢ أن ﺗﻌﺒﺪوا رﺑّﻴﻦ اﷲ واﻟﻤﺎل )ﻣﺘﻰ :٦ .(٢٤وﻗﺎل أﻳﻀًﺎ :ﻟﻴﺲ ﺑﻜﺜﺮة اﻟﻤﺎل ﺣﻴﺎة )ﻟﻮ .(١٥ :١٢وإنّ دﺧﻮل اﻟﺠﻤﻞ ﺧﺮم اﻹﺑﺮة أﺳﻬﻞ ﻣﻦ دﺧﻮل اﻟﻐﻨﻲّ – أي ﻣﺤﺐّ اﻟﻤﺎل – ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎء )ﻣﺘﻰ .(٢٤ :١٩إنّ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﺒّﻮن اﻟﻐﻨﻰ ﻳﺴﻘﻄﻮن ﻓﻲ ﺷﻬﻮات آﺜﻴﺮة ﻣﻀﺮّة ﺗﻐﺮق اﻟﻨﺎس ﻓﻲ اﻟﻬﻼك )ﺗﻴﻤﻮ .(٩-١ :٦ ﺗﺼﺮّﻓﺎت اﻟﺒﺨﻴﻞ: .١ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻃﺮق اﻟﻈﻠﻢ ﻟﻴﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎل ﻓﻴﻐﺶّ ﺑﺎﻟﺒﻴﻊ واﻟﺸﺮاء وﻳﺨﺪع ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﻣﻼت وﻳﺎآﻞ أﺟﺮة اﻟﻌﺎﻣﻞ واﻟﺨﺎدم وﻳﻤﺘﻨﻊ ﻋﻦ دﻓﻊ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻠﻐﻴﺮ. .٢ﻳﻄﻤﻊ ﺑﻤﺎل اﻟﻘﺮﻳﺐ وﻳﺸﺘﻬﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ .وﻳﺸﺘﻬﻲ ﻟﻮ ﻳﻤﻠﻚ ﺟﻤﻴﻊ ﺧﻴﺮات اﻷرض ﻧﺎﺳﻴًﺎ ﻗﻮل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﺎذا ﻳﻔﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن إن رﺑﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﺧﺴﺮ ﻧﻔﺴﻪ )ﻣﺘّﻰ :١٦ .(٢٦ .٣ﻳﺮﺗﻜﺐ اﻟﺸﺮور آﺎﻟﻈﻠﻢ واﻟﺘﻌﺪّي واﻟﺴﺮﻗﺔ ﺣﺒًّﺎ ﺑﺎﻟﻤﺎل .ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :إنّ أﺻﻞ اﻟﺸﺮور آﻠّﻬﺎ هﻮ ﻣﺤﺒّﺔ اﻟﻤﺎل. .٤ﻳﺒﺨﻞ ﻋﻠﻰ ذاﺗﻪ ﺑﺎﻷآﻞ واﻟﻜﺴﻮة ﻣﻊ اﻟﻤﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ، وﻳﺒﺨﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻴﺮ ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﺔ .ﻗﺎل اﻵﺑﺎء اﻟﻘﺪّﻳﺴﻮن :ﻣﻦ ﻻ
٢٤١
ﻳﻘﻮت اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻀﺮورة ﻓﻘﺪ ﻗﺘﻠﻪ ،وﻳﻜﻮن ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ اﻟﻘﺎﺗﻞ .واﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﻬﻼك اﻷﺑﺪيّ ﻋﻠﻰ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺘﺼﺪّﻗﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﻴﺮ إذ ﻳﻘﻮل ﻟﻬﻢ :اﻏﺮﺑﻮا ﻋﻨّﻲ ﻳﺎ ﻣﻼﻋﻴﻦ إﻟﻰ ﻧﺎر اﻷﺑﺪ ﻷﻧّﻲ آﻨﺖ ﺟﺎﺋﻌًﺎ وﻟﻢ ﺗﻄﻌﻤﻮﻧﻲ. ﻳُﺸﺒّﻬﻮن اﻟﺒﺨﻴﻞ ﺑﺎﻟﺨﻨـﺰﻳﺮ ﻓﺎﻟﺨﻨـﺰﻳﺮ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻّ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ .آﺬﻟﻚ اﻟﺒﺨﻴﻞ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻤﺎل وﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﺑﻪ أﺣﺪًا إﻻّ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ. اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺨﻴﻞ واﻟﻤﻘﺘﺼﺪ :اﻟﺒﺨﻴﻞ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻤﺎل ﺑﺎهﺘﻤﺎم ﻓﺎﺣﺶ وﻳﺤﺮص ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺮﺻﻪ ﻋﻠﻰ روﺣﻪ ﻟﻴﻠﺘﺬّ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ .أﻣّﺎ اﻟﻤﻘﺘﺼﺪ ﻓﻴﻮﻓّﺮ اﻟﻤﺎل ﻟﻴﻮم اﻟﻀﻴﻖ وﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ وﻟﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻴﻦ .اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻓﻀﻴﻠﺔ وأﻣّﺎ اﻟﺒﺨﻞ ﻓﻬﻮ رذﻳﻠﺔ. اﻟﺒﺨﻴﻞ ﻣﻜﺮوﻩ أﻣّﺎ اﻟﻤﻘﺘﺼﺪ ﻓﻤﺸﻜﻮر .اﻟﺒﺨﻴﻞ داﺋﻤًﺎ ﻣﻀﻄﺮّب ﻗﻠﻖ ﺧﺎﺋﻒ ﻣﻦ ﺿﻴﺎع أﻣﻮاﻟﻪ وﻣﻨﻬﻤﻚ ﻓﻲ ﺗﻜﺜﻴﺮهﺎ! اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ اﻟﻤﻀﺎدّة ﻟﻠﺒﺨﻞ :هﻲ ﺗﺠﺮّد اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻦ ﻣﺤﺒّﺔ اﻟﻤﺎل وﻋﻦ ﺧﻴﺮات اﻷرض .هﺬﻩ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﻠّﻖ ﻗﻠﺒﻨﺎ ﺑﺨﻴﺮات اﻷرض آﻐﺎﻳﺔ ﺑﻞ آﻮاﺳﻄﺔ ﻟﻌﺒﻮر هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰاﺋﻠﺔ اﻗﺘﺪاءً ﺑﺴﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻣﻮﺿﻊ ﻳﺴﻨﺪ إﻟﻴﻪ رأﺳﻪ .ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺴﻌﻰ ﻟﻜﺴﺐ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﻌﺪل واﻟﺼﺪق .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻻ ﺗﻘﻮﻟﻮا ﻣﺎذا ﻧﺄآﻞ وﻣﺎذا ﻧﺸﺮب وﻣﺎذا ﻧﻠﺒﺲ هﺬﻩ آﻠّﻬﺎ ﺗﻄﻠﺒﻬﺎ اﻷﻣﻢ أﻣّﺎ أﻧﺘﻢ ﻓﺎﻃﻠﺒﻮا أ ّوﻻً ﻣﻠﻜﻮت اﷲ وﺑﺮّﻩ وهﺬا آﻠّﻪ ﻳُﺰاد ﻟﻜﻢ )ﻣﺘﻰ .(٣١ :٦ﻻ ﺗﻜﻨـﺰوا ﻟﻜﻢ ﻓﻲ اﻷرض آﻨﻮزًا ﺣﻴﺚ اﻟﺴﺎرﻗﻮن ﻳﻨﻘﺒﻮن ﻓﻴﺴﺮﻗﻮن ﻟﻜﻦ اآﻨـﺰوا ﻟﻜﻢ آﻨﻮزًا ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء. إن ﺗﺠﺮّد اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺧﻴﺮات اﻷرض ﻳﺠﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺎﻧﻌًﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻄﺮﻳﻖ اﻟﺤﻖّ واﻟﻌﺪل!
٢٤٢
ﺧﺒﺮ روى اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﺮﻧﺮدوس اﻟﺴﻴﺎﻧﻲ هﺬااﻟﺤﺎدث :ﻃﻠﺐ ﺑﺨﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﺿﻪ اﻷﺧﻴﺮ ﻟﻴﺮاﺗﻪ اﻟﺬهﺒﻴّﺔ وﺳﺎﺋﺮ آﻨﻮزﻩ ،ﻓﺄﻃﺎل ﻟﻤﺴﻬﺎ ﺑﻬﻴﺎم اﻟﻌﺎﺷﻖ اﻟﻮﻟﻬﺎن ﺻﺎﺋﺤًﺎ :ﻳﺎ ﻣﺎﻟﻲ ﻳﺎ آﻨﻮزي إﻧّﻲ ﻋﻠﻰ وﺷﻚ اﻟﻤﻮت ﻓﺴﺎﻋﺪﻳﻨﻲ .آﻴﻒ أﺗﺮآﻚ؟ وأﺧﺬ ﻳﺒﻠﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﻠﻴﺮات اﻟﺬهﺒﻴّﺔ ﺛﻢّ ﺗﻨﺎول آﺄﺳًﺎ ﻣﻦ ﻓﻀّﺔ وﻋﻀّﻪ ﻋﻀّﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﺗﺮآﺖ ﻓﻴﻪ ﺁﺛﺎر أﺳﻨﺎﻧﻪ .وﻓﺎﺿﺖ روﺣﻪ ﻣﻦ ﻓﺮط ذﻟﻚ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﻌﻀﻠﻲّ...
٢٤٣
اﻟﺤﺴﺪ ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﺤﺴﺪ هﻮ اﻟﺤﺰن ﻣﻦ ﺳﻌﺎدة اﻟﻐﻴﺮ واﻻﻏﺘﻤﺎم ﻣﻦ ﻧﺠﺎﺣﻪ وﺗﻮﻓﻴﻘﻪ .ﻓﺎﻟﺤﺴﻮد إذا رأى ﻏﻴﺮﻩ ﺳﻌﻴﺪًا وﻣﻮ ّﻓﻘًﺎ ﻳﺤﺰن وﻳﻐﺘﻢّ ﻇﻨًّﺎ ﻣﻨﻪ أنّ ﻧﺠﺎح اﻟﻐﻴﺮ ﻣﻀﺮّ ﺑﻪ. ﺻﻔﺎت اﻟﺤﺴﻮد :ﻓﻬﻮ داﺋﻤًﺎ ﺣﺰﻳﻦ آﺌﻴﺐ ﻷﻧّﻪ آﻴﻔﻤﺎ ﺗﻮﺟﱠﻪ ﻓﻼ ﺑﺪّ ﻣﻦ أن ﻳﺮى أﻧﺎﺳًﺎ ﻧﺎﺟﺤﻴﻦ وﻣﻮﻓّﻘﻴﻦ أآﺜﺮ ﻣﻨﻪ ،ﻓﻴﺘﺄوّﻩ راﻏﺒًﺎ ﻓﻲ اﻣﺘﻼك هﺬﻩ اﻟﺨﻴﺮات .واﻟﺤﺰن واﻟﻐﻢّ ﻣﻦ ﻧﺠﺎح اﻟﻐﻴﺮ ﻳﻮﻟّﺪان ﻓﻴﻪ اﻟﺒﻐﺾ واﺷﺘﻬﺎء اﻟﻀﺮر ﻟﻠﻐﻴﺮ. وﻻ ﻳﺘﻮﻗّﻒ اﻟﺤﺴﻮد ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻐﺾ واﺷﺘﻬﺎء اﻟﻀﺮر ﻟﻠﻐﻴﺮ ﺑﻞ ﻳﺘﻌﺪّى إﻟﻰ اﻻﻓﺘﺮاء واﻟﻨﻤﻴﻤﺔ واﻻﻏﺘﻴﺎب ﻇﻨًّﺎ ﻣﻨﻪ أﻧّﻪ إذا ﺛﻠﺐ اﻟﻐﻴﺮ وﺷﻨّﻊ ﺻﻴﺘﻪ ﻳﺮﺗﻔﻊ هﻮ! ﺷﺮور اﻟﺤﺴﺪ :اﻟﺤﺴﺪ دﻓﻊ ﻗﺎﻳﻦ إﻟﻰ ﻗﺘﻞ أﺧﻴﻪ هﺎﺑﻴﻞ، وهﻴّﺞ أوﻻد ﻳﻌﻘﻮب ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ أﺧﻴﻬﻢ ﻳﻮﺳﻒ. اﻟﺤﺴﺪ ﻳﻠﻘﻲ اﻟﺨﻼف ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺋﻼت وﻓﻲ اﻟﻘﺮى ،وﻳُﻀﺎد اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع. ﻓﻌﻴﻦ اﻟﺤﺴﻮد إذا ﻟﻢ ﺗﻘﺪر أن ﺗﻠﻮم ﻓﻌﻞ اﻟﻘﺮﻳﺐ اﻟﻈﺎهﺮ ﻓﺘﻠﻮم ﻧﻴّﺘﻪ ،وﻟﺴﺎن اﻟﺤﺴﻮد ﻓﺄﻣّﺎ أﻧّﻪ ﻻ ﻳﻤﺪح ﻣﺎ هﻮ ﻣﻤﺪوح ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻳﺐ وأﻣّﺎ أﻧّﻪ ﻳﺴﻮّدﻩ ﺑﺎﻟﻨﻤﻴﻤﺔ .ووﺟﻪ اﻟﺤﺴﻮد ﻳﺘﻬﻠّﻞ ﻓﺮﺣًﺎ إذا رأى ﻏﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﺷﺪّة أو ﻣﺬﻟّﺔ وﻳﻌﺒﺲ إذا رﺁﻩ ﻓﻲ ﺑﺤﺒﻮﺣﺔ وآﺮاﻣﺔ .وﻓﻢ اﻟﺤﺴﻮد ﻳﺘﻤﺮﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﷲ وﻳﻨﺘﻘﺪ ﺗﺼﺮّﻓﻪ ﻓﻲ ﺗﻮزﻳﻊ ﺧﻴﺮاﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس .وﻋﻘﻞ اﻟﺤﺴﻮد ﻳﻮﺟّﻪ آﻞّ ﺷﻲء إﻟﻰ اﻟﺸﺮّ .وﻗﻠﺒﻪ ﻳﺤﺐّ ذاﺗﻪ ﻓﻘﻂ.
٢٤٤
دواء اﻟﺤﺴﺪ :هﻮ أن ﺗﻤﺎرس ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﻤﺤﺒّﺔ وأن ﻧﺘﺄﻣّﻞ ﺑﺨﻴﺮات هﺬﻩ اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻧﺤﺴﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻐﻴﺮ ﺗﺰول .وأنّ اﷲ ﻟﻪ ﺣﻖّ ﻓﻲ أن ﻳﻮزّع ﺧﻴﺮاﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺸﺮ آﻤﺎ ﻳﺸﺎء .ﻓﺈذا أﻋﻄﻰ ﻏﻴﺮي أآﺜﺮ ﻣﻨّﻲ ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻲ أن أﻧﺘﻘﺪ أﺣﻜﺎﻣﻪ وﻋﻨﺎﻳﺘﻪ. ﺑﻞ ﻋﻠﻲّ أن أﺧﻀﻊ ﻷﺣﻜﺎﻣﻪ وأﺷﻜﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﺧﻴﺮات وأﺗﺤﻤّﻞ ﻧﻘﺺ ﺧﻴﺮات هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻴﻌﻮّض ﻋﻠﻲّ ﺑﺨﻴﺮات اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ .وﺑﺪﻻً ﻣﻦ أن ﻧﺤﺴﺪ اﻟﻐﻴﺮ ﻓﻠﻨﺠﺘﻬﺪ ﺑﺄن ﻧﻘﺘﺪي ﺑﻨﺸﺎﻃﻪ وﺣﺰﻣﻪ ،ﻓﻨﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ هﻮ ،هﺬا إذا أراد اﷲ ذﻟﻚ. اﻟﺤﺴﻮد ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺸﻴﻄﺎن اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻘﺪر أن ﻳﺮاﻧﺎ ﻧﺘﻤﺘّﻊ ﺑﺴﻌﺎدة اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺘﻲ ﻃُﺮد ﻣﻨﻬﺎ هﻮ ﻓﺎﺣﺘﺎل ﻋﻠﻰ أﺑﻮﻳﻨﺎ ﺁدم وﺣﻮاء وأﺳﻘﻄﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ،وﻳﺠﺘﻬﺪ أن ﻳﺴﻘﻄﻨﺎ ﻧﺤﻦ أﻳﻀًﺎ ﻟﻴﻬﻠﻜﻨﺎ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺟﻬﻨّﻢ. اﻟﻤﺤﺒّﺔ ﺗﻮﻓّﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﻮد ﺷﺮورًا وﺧﻄﺎﻳﺎ آﺜﻴﺮة ﻳﻮرّﻃﻪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺴﺪ .ﻓﺈذا آﻨﺖ أﺣﺐّ ﻗﺮﻳﺒﻲ ﻓﻼ أﺷﺘﻬﻲ ﻟﻪ اﻟﻀﺮر ﺑﻞ أﻓﺮح ﺑﻨﺠﺎﺣﻪ وﺗﻮﻓﻴﻘﻪ ،واﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪلّ ﻋﻠﻰ أﻧّﻲ أﺣﺐّ ﻗﺮﻳﺒﻲ هﻲ أﻧّﻲ ﻻ أﺣﺴﺪﻩ وأﻓﺮح ﺑﺘﻮﻓﻴﻘﻪ وﻧﺠﺎﺣﻪ. ﻗﺼّﺔ ﻗﺎﻳﻦ وهﺎﺑﻴﻞ :ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس أنّ ﻗﺎﻳﻦ ﺣﺴﺪ ﺳﺮّ ﺑﺘﻘﺪﻣﺔ هﺎﺑﻴﻞ وﺣﻮّل وﺟﻬﻪ أﺧﺎﻩ هﺎﺑﻴﻞ وﻗﺘﻠﻪ .ذﻟﻚ أنّ اﷲ ُ ﻋﻦ ﻗﺎﻳﻦ وﺗﻘﺪﻣﺘﻪ ،ﻓﺄﺧﺬ اﻟﺤﺴﺪ ﻳﻮﻏﺮ ﺻﺪر ﻗﺎﻳﻦ ﺣﺘّﻰ دﻓﻌﻪ إﻟﻰ ارﺗﻜﺎب ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺟﺪًّا ﺟﺪًّا هﻲ ﻗﺘﻞ أﺧﻴﻪ ،ﻓﻐﻀﺐ اﷲ ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻳﻦ وﻟﻌﻨﻪ ﻓﺼﺎر ﺗﺎﺋﻬًﺎ ﺷﺎردًا ﻓﻲ اﻷرض.
٢٤٥
ﻗﺼّﺔ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻌﻔﻴﻒ :ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس أﻳﻀًﺎ ﻋﻦ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻌﻔﻴﻒ اﻟﺬي آﺎن أﺑﻮﻩ ﻳﺤﺒّﻪ أآﺜﺮ ﻣﻦ إﺧﻮﺗﻪ ،ﻓﺤﺴﺪﻩ إﺧﻮﺗﻪ وأﺑﻐﻀﻮﻩ وﻗﺼﺪوا ﻗﺘﻠﻪ ،إﻻّ أﻧّﻬﻢ أرﻋﻮوا ﻋﻦ هﺬا اﻟﺸﺮّ اﻟﻌﻈﻴﻢ وﺑﺎﻋﻮﻩ إﻟﻰ ﺗﺠّﺎر ﻣﺼﺮﻳّﻴﻦ .وآﺎن اﻟﺮبّ ﻣﻊ ﻳﻮﺳﻒ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ .وﺣﺪث أن ذهﺐ إﺧﻮﺗﻪ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻟﻴﺸﺘﺮوا ﻟﻬﻢ ﺣﻨﻄﺔ ﻓﻌﺮﻓﻬﻢ ﻳﻮﺳﻒ وﻋﺮّﻓﻬﻢ ﺑﺤﺎﻟﻪ وﺳﺎﻣﺤﻬﻢ وﻟﻢ ﻳﻨﺘﻘﻢ ﻣﻨﻬﻢ! ﻗﺼّﺔ اﻟﻴﻬﻮد ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻴﺢ :ﻟـﻤّﺎ رأى اﻟﻔﺮﻳﺴﻴّﻮن واﻟﻜﺘﺒﺔ ورؤﺳﺎء اﻟﻴﻬﻮد أنّ اﻟﺸﻌﺐ ﺗﺤﻮّل ﻋﻨﻬﻢ وﻟﺤﻖ ﺑﻴﺴﻮع اﻣﺘﻸوا ﺣﺴﺪًا وراﺣﻮا ﻳﻘﺎوﻣﻮﻧﻪ وﻳﺸﻮّهﻮن ﺳﻤﻌﺘﻪ وﻳﻬﻴّﺠﻮن اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻴﻪ إﻟﻰ أن ﺗﻤﻜّﻨﻮا ﻣﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮت.
٢٤٦
اﻟﺸﺮاهﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﺸﺮاهﺔ هﻲ ﺷﻬﻮة ﻣﻔﺮﻃﺔ ﻧﺤﻮ اﻷآﻞ واﻟﺸﺮب ورﻏﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﻟﺬّة اﻟﻔﻢ واﻟﺤﻨﺠﺮة .وهﺬﻩ اﻟﺸﻬﻮة واﻟﻠﺬة ﺗﺪﻓﻊ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ إﻟﻰ اﻹﻓﺮاط ﻓﻲ اﻟﻤﺄآﻮل واﻟﻤﺸﺮوب وإﻟﻰ اﻹآﺜﺎر ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ واﻻهﺘﻤﺎم ﺑﻬﻤﺎ. ﺻﻔﺎت اﻟﺸﺮِﻩ :ﻓﺎﻟﺸﺮِﻩ ﻻ ﻳﻔﻜّﺮ إﻻّ ﺑﺎﻷآﻞ واﻟﺸﺮب وهﻤّﻪ اﻟﻮﺣﻴﺪ هﻮ ﺑﻄﻨﻪ .وﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺒﻄﻨﻪ أآﺜﺮ ﻣﻤّﺎ ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺮﺑّﻪ وﻧﻔﺴﻪ .ﺑﻞ ﻳﻔﻀّﻞ ﺑﻄﻨﻪ وﻟﺬّة اﻷآﻞ واﻟﻤﺸﺮوب ﻋﻠﻰ رﺑّﻪ وﻧﻔﺴﻪ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺷﺮاﺋﻊ اﷲ وﺷﺮاﺋﻊ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻹﺷﺒﺎع ﺷﻬﻮاﺗﻪ .ﻳﺤﺮّم اﷲ اﻟﺴﻜﺮ واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺤﺮم اﻟﻠﺤﻢ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ أﻳّﺎم ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ ﻓﻴﺰدري ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺸﺮاﺋﻊ وﻳﻤﺘﻠﺊ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻜﺮ .واﻟﺮﺳﻮل ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :إنّ اﻟﻤﺴﻜﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﺪﻋﺎرة واﻟﺴﻜﻴﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻮن ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎء. اﻟﺸﺮهﻮن ﻣﺒﺪأهﻢ هﻮ أﻧّﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﻟﻜﻲ ﻧﺄآﻞ وﻧﺸﺮب .ﻓﻴﻘﻮل ﻋﻨﻬﻢ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :ﺁﻟﻬﺘﻬﻢ ﺑﻄﻮﻧﻬﻢ وﺑﻄﻮﻧﻬﻢ ﺁﻟﻬﺘﻬﻢ. أﺿﺮار اﻟﺸﺮاهﺔ :ﻓﺎﻟﺴﻜﻴﺮ ﻳﻀﺮّ ﺑﺼﺤّﺘﻪ وﺑﻤﺎﻟﻪ ،ﺑﻜﺮاﻣﺘﻪ، ﺑﻤﺼﻠﺤﺘﻪ ،ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻪ وﺑﻌﺎﺋﻠﺘﻪ. اﻟﺴﻜﻴﺮ ﻳﺠﻌﻞ ذاﺗﻪ ﻣﺠﻨﻮﻧًﺎ ﺑﺈرادﺗﻪ .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻳﺘﻤﻴّﺰ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﻮان ﺑﻌﻘﻠﻪ ﻓﺈذا ﻓﻘﺪﻩ ﺑﺎﻟﺴﻜﺮ ﻳﺼﻴﺮ ﺣﻴﻮاﻧًﺎ .اﻟﺴﻜﻴﺮ هﻮ ﻋﺒﺪ ذﻟﻴﻞ ﻟﺮذﻳﻠﺔ اﻟﺸﺮاهﺔ ﺑﻄﺒﻌﻬﺎ وﻳﺨﻀﻊ ﻟﻬﺎ آﻤﺎ ﻳﺨﻀﻊ اﻟﺤﻴﻮان ﻟﻠﻤﻘﻮَد .اﻟﺴﻜﻴﺮ ﻳﻔﻘﺪ آﻞّ ﻋﺎﻃﻔﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ ﻓﻴﺤﺮم أوﻻدﻩ وﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﺿﺮورﻳّﺎت اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻴﻠﺘﺬّ هﻮ ﺑﺸﺮب اﻟﻤﺴﻜﺮ .هﻮ ﺣﻴﻮان
٢٤٧
أآﺜﺮ ﻣﻨﻪ إﻧﺴﺎن .آﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم اﻟﺴﻔﻴﻪ ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﻓﻢ اﻟﺴﻜﺮان؟ وآﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎدﻳﻒ ﻳﻘﺬﻓﻬﺎ ﻧﺤﻮ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ؟ وآﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﺮور اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺴﻜﺮ؟! اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ اﻟﻤﻀﺎدة ﻟﻠﺸﺮاهﺔ :هﻲ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻷآﻞ واﻟﺸﺮب واﻟﺘﺄﻣّﻞ ﺑﺎﻟﻌﻄﺶ واﻟﺠﻮع اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻗﺎﺳﺎهﻤﺎ ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻷﺟﻠﻨﺎ! ﻳﻘﻮل اﺑﻦ ﺳﻴﺮاخ" :إنّ اﻟﺨﻤﺮ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻌﺎﻗﻞ أﺣﻤﻖ" .ﻻ ﺗﺘﻠﺬّذ ﺑﻜﺜﺮة اﻟﻮﻻﺋﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﺗﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺎﻟﻚ .أﻧﻔﻖ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺴﺎآﻴﻦ. أﺧﺒﺎر ﺧﺒﺮ أوّل :ﻗﺪﱠم اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻟﺸﺎب ﻗﻨﻴﻨﺔ ﻣﺸﺮوب وﻗﺎل ﻟﻪ اﺧﺘﺮ أﻣﺮًا ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ .إﻣّﺎ أن ﺗﺸﺮب هﺬﻩ اﻟﻘﻨﻴﻨﺔ وإﻣّﺎ أن ﺗﻀﺮب أﻣّﻚ وإﻣّﺎ أن ﺗﻘﺘﻞ أﺧﺘﻚ .ﻓﺮأى اﻟﺸﺎب أنّ ﺿﺮب اﻷم أﻣﺮ ﺷﻨﻴﻊ وﻓﻈﻴﻊ ﺟﺪًّا وآﺬﻟﻚ ﻗﺘﻞ اﻷﺧﺖ وأنّ اﻟﻤﻮت أهﻮن ﻣﻦ اﻷﻣﺮﻳﻦ. ﻓﺎﺧﺘﺎر أن ﻳﺸﺮب اﻟﻘﻨﻴﻨﺔ وﻟﻮ آﺎن ﺳﻤًّﺎ ﻣﻤﻴﺘًﺎ ،ﻓﺸﺮﺑﻬﺎ ﻓﺴﻜﺮ. وأﺧﺬ ﻳﺸﺘﻢ أﻣّﻪ وﻳﻀﺮﺑﻬﺎ ﻓﺎﻋﺘﺮﺿﺘﻪ أﺧﺘﻪ ،ﻓﻄﻌﺘﻬﺎ ﺑﺴﻜﻴﻦ ﻓﻘﺘﻠﻬﺎ. ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻧﻲ :إنّ أﺣﺪ اﻷﻃﺒﺎء اﻟﻤﺸﻬﻮرﻳﻦ ﻋﺎش ١٤٠ﺳﻨﺔ ﻓﺴُﺌﻞ ﻣﺎذا ﻳﺼﻨﻊ وآﻴﻒ ﻳﻌﻴﺶ ﺣﺘّﻰ ﺑﻠﻎ هﺬا اﻟﻌﻤﺮ ،ﻓﺄﺟﺎب أﻧّﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻟﻢ ﺁآﻞ وﻻ ﻣﺮّة ﺑﺰﻳﺎدة ﺑﻞ آﻨﺖ داﺋﻤًﺎ أﻧﻬﺾ ﻣﻦ اﻷآﻞ ﺟﺎﺋﻌًﺎ ﻗﻠﻴﻼً.
٢٤٨
ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻟﺚ :ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻤﻘﺪّس ﻋﻦ ذاك اﻟﻐﻨﻲّ اﻟﺬي آﺎن ﻳﺘﻨﻌّﻢ وﻳﺘﻠﺬّذ آﻞّ ﻳﻮم ﻓﻲ اﻟﻤﺄآﻮل واﻟﻤﺸﺮوب وﻻ ﻳﻔﻜّﺮ إﻻّ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻠﻤّﺎ ﻣﺎت هﺒﻄﺖ ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ اﻟﺠﺤﻴﻢ وأﻟﻴﻌﺎزر اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ اﻟﺬي آﺎن ﻣُﻠﻘﻰ ﻋﻨﺪ ﺑﺎب ذاك اﻟﻐﻨﻲّ ﺟﺎﺋﻌًﺎ ،ﻟـﻤّﺎ ﻣﺎت أﺻﻌﺪﺗﻪ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء!
٢٤٩
اﻟﻐﻀﺐ ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﻐﻀﺐ هﻮ ﺳﺮﻋﺔ اﻟﺤﻤﻖ وﻃﻠﺐ اﻻﻧﺘﻘﺎم ﻣﻤّﻦ ﻧﻈﻦّ أﻧّﻪ أﺳﺎء إﻟﻴﻨﺎ. ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﻐﻀﺐ :اﻟﻐﻀﺐ ﻳُﻈﻠﻢ اﻟﻌﻘﻞ وﻳﻔﻘﺪ اﻟﺼﻮاب وﻣﻦ ﺛ ّ ﻢ ﺗﺼﺪر آﻞّ ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺮور اﻟﻔﻈﻴﻌﺔ ،واﻟﻠﻌﻨﺎت ،واﻟﺘﺠﺎدﻳﻒ، واﻟﺨﺼﻮﻣﺎت .وﻳﺠﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﺷﺒﻴﻬًﺎ ﺑﺎﻟﺤﻴﻮان اﻟﺸﺮس اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﻪ وﻻ ﻳﺠﺴﺮ أﺣﺪ أن ﻳﺪﻧﻮ ﻣﻨﻪ .ﻓﻜﻤﺎ أنّ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺸﺮس ﻳﻤﺰّق اﻟﻔﺮﻳﺴﺔ ﺑﺄﻇﺎﻓﺮﻩ آﺬﻟﻚ اﻟﻐﻀﻮب ﻳﻤﺰّق ﺑﻜﻼﻣﻪ اﻟﻘﺎﺳﻲ واﻟﺴﻔﻴﻪ آﺮاﻣﺔ اﻟﻐﻴﺮ. ﻗﺎل اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس :اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻐﻀﻮب ﻳﺜﻴﺮ اﻟﻨـﺰاع واﻟﺨﺼﺎم. ﺻﻔﺎت اﻟﻐﻀﻮب :اﻟﻐﻀﻮب هﻮ آﻔﻮهﺔ اﻟﺒﺮآﺎن ﻳﻘﺬف ﺷﺮر اﻟﺸﺘﺎﺋﻢ ودﺧﺎن اﻟﺘﺠﺎدﻳﻒ .ﻓﺈذا اﻋﺘﺮﺿﻪ أﺣﺪ أﺛﻨﺎء ﻏﻀﺒﻪ أﺣﺮﻗﻪ ﺑﺸﺮر ﺷﺘﺎﺋﻤﻪ وﺳﻮّدﻩ ﺑﺪﺧﺎن آﻼﻣﻪ اﻟﺒﺬيء. اﻟﻐﻀﻮب ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺸﻮك اﻟﻘﺎﺳﻲ ﻳﺸﻚّ ﻣﻦ ﻳﻠﻤﺴﻪ وﻳﺠﺮﺣﻪ وﻳﺆﻟﻤﻪ .وﻳﺼﻌﺐ اﻟﻌﻴﺶ ﻣﻊ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻐﻀﻮب ،ﻓﻬﻮ ﻳﻨﻐّﺺ ﻋﻴﺶ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺎآﻨﻮﻧﻪ وﻳﺮﺑﱢﻲ اﻟﺒﻐﺾ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺿﺪّﻩ. اﻟﻐﻀﻮب ﻋﺒﺪ ذﻟﻴﻞ ﻟﺮذﻳﻠﺔ اﻟﻐﻀﺐ ،وﻋﺒﺪ اﻟﻐﻀﺐ هﻮ أآﺜﺮ رِﻗًّﺎ ﻣﻦ ﻋﺒﺪ اﻹﻧﺴﺎن. اﻟﻐﻀﺐ اﻟﻤﻘﺪّس :ﻳﻮﺟﺪ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻐﻀﺐ ﻳﺴﻤّﻰ ﻏﻀﺒًﺎ ﺪﺳًﺎ ﻣﺜﻞ ﻏﻀﺐ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﻋﺔ وﻃﺮدهﻢ ﻣﻦ ﻣﻘ ّ اﻟﻬﻴﻜﻞ ﺑﺎﻟﻜﺮﺑﺎج .وﻏﻀﺐ اﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ أوﻻدهﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺬﻧﺒﻮن،
٢٥٠
وﻏﻀﺐ اﻟﻤﻌﻠّﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻠﻤﻴﺬ اﻟﻤﻬﻤﻞ اﻟﻜﺴﻼن .وﻟﻜﻦ هﺬا اﻟﻐﻀﺐ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻋﺎدﻻً وﺧﺎﻟﻴًﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺒّﺎت واﻟﻜﻼم اﻟﺒﺬيء وﻣﻦ اﻟﻘﺴﺎوة. ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻐﻀﺐ :ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻘﺎوم ﻣﻴﻞ اﻟﻐﻀﺐ وﻳﻘﻬﺮﻩ ﻣﻘﺘﺪﻳًﺎ ﺑﻮداﻋﺔ ﻳﺴﻮع اﻟﻘﺎﺋﻞ :ﺗﻌﻠّﻤﻮا ﻣﻨّﻲ أﻧﻲ ودﻳﻊ وﻣﺘﻮاﺿﻊ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﺘﺠﺪوا راﺣﺔ ﻟﻨﻔﻮﺳﻜﻢ )ﻣﺘّﻰ (٢٩ :١١ﻷنّ اﻟﻐﻀﺐ ﻳﺤﺮم ﺻﺎﺣﺒﻪ راﺣﺔ اﻟﻀﻤﻴﺮ وﺳﻼم اﻟﻘﻠﺐ. اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ اﻟﻤﻀﺎدة ﻟﻠﻐﻀﺐ هﻲ اﻟﻮداﻋﺔ :ﻟﻴﺲ ﻣﻦ دواء ﻟﻠﻐﻀﺐ ﻣﺜﻞ اﻟﻮداﻋﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻗﺪ ﻋﺎﺷﻬﺎ ﻣﻊ أﻟﺪّ أﻋﺪاﺋﻪ ﻓﻜﺎن ﻣﻌﻬﻢ ودﻳﻌًﺎ .وﻗﺪ أﻣﺮﻧﺎ أن ﻧﺘﻌﻠّﻤﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ :ﺗﻌﻠّﻤﻮا ﻣﻨّﻲ إﻧّﻲ ودﻳﻊ وﻣﺘﻮاﺿﻊ اﻟﻘﻠﺐ .ﻓﻤﺎ أﺟﺪر ﺑﻚ أﻳّﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن أن ﺗﻘﺘﺪي ﺑﺎﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وﺗﻜﻮن ودﻳﻌًﺎ ﻓﺘﺤﺒّﺐ إﻟﻴﻚ اﻟﻨﺎس وﺗﺠﻌﻞ ﺣﻴﺎة اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻣﻌﻚ هﻨﻴﺌﺔ راﻏﺪة. ﺧﺒﺮ آﺎن اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ذا ﻃﺒﻊ ﻏﻀﻮب ،ﻓﺤﺎرب ﻃﺒﻌﻪ اﻟﻔﻆّ وﻗﺎوﻣﻪ ﻓﺎﻧﺘﺼﺮ ﻋﻠﻴﻪ وأﺻﺒﺢ ودﻳﻌًﺎ ﻣﺘﻮاﺿﻌًﺎ ﺑﻞ ﻣﺜﺎﻻً ﻟﻠﻮداﻋﺔ واﻟﺘﻮاﺿﻊ .وآﺎن ﻳﻐﻠﺐ ﻣﻴﻞ اﻟﻐﻀﺐ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ ﻓﻼ ﻳﺘﻜﻠّﻢ وﻗﺖ ﻏﻀﺒﻪ اﻟﺒﺘّﺔ.
٢٥١
اﻟﺪﻧﺲ ﺗﺤﺪﻳﺪ :هﺬﻩ اﻟﺮذﻳﻠﺔ هﻲ ﻃﻠﺐ اﻟﻠﺬات اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺮﺗّﺒﺔ .وﺗﻜﻮن هﺬﻩ اﻟﻠﺬات ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺗّﺒﺔ إذا ﻃﻠﺒﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﺧﺎرﺟًﺎ ﻋﻦ اﻟﺰواج. ﻗﺒﺎﺣﺔ رذﻳﻠﺔ اﻟﺪﻧﺲ :هﺬﻩ اﻟﺮذﻳﻠﺔ هﻲ أﻗﺒﺢ ﻣﻦ آ ّ ﻞ اﻟﺮذاﺋﻞ .ﻓﺈذا ﺳﻤﺢ اﻹﻧﺴﺎن أن ﺗﺘﺴﻠّﻂ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺎدﺗﻪ إﻟﻰ ﺷﺮور وﺧﻄﺎﻳﺎ آﺜﻴﺮة ،وأوﻗﻌﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻬﺎﻟﻚ ﻋﺪﻳﺪة ،وﺳﻠﺒﺘﻪ ﺻﻴﺘﻪ وآﺮاﻣﺘﻪ ،وﻣﺎﻟﻪ وﺻﺤّﺘﻪ ،وﻋﺮّﺿﺖ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﻟﻠﺨﺮاب واﻟﺪﻣﺎر. ﻣﻔﺎﻋﻴﻞ هﺬﻩ اﻟﺮذﻳﻠﺔ :هﻲ ﻋﻤﻰ اﻟﻌﻘﻞ ،وﻗﺴﺎوة اﻟﻘﻠﺐ، وﻗﺘﻞ روح اﻟﻌﺒﺎدة ،واﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﷲ ،واﻗﺘﺮاب اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮان إذ أنّ ﻣﻦ آﺎن ﻋﺒﺪًا ﻟﺮذﻳﻠﺔ اﻟﺪﻧﺲ آﺎن ﺣﻴﻮاﻧًﺎ أآﺜﺮ ﻣﻨﻪ إﻧﺴﺎﻧًﺎ. ﻣﻘﺎوﻣﺔ هﺬﻩ اﻟﺮذﻳﻠﺔ :ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻘﺎوم رذﻳﻠﺔ اﻟﺪﻧﺲ ﻟﺌﻼّ ﻳﺼﻴﺮ ﻋﺒﺪًا ذﻟﻴﻼً ﻟﻬﺎ .ﻓﻤﺎ أذلّ إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻳﻘﻮدﻩ ﺣﻤﺎرﻩ! هﻜﺬا هﻮ ذﻟﻴﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﻘﻮدﻩ ﺟﺴﺪﻩ. ﻟﻴﺲ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ رذﻳﻠﺔ اﻟﺪﻧﺲ ﺳﻬﻼً وﻟﻜﻦ اﻟﺠﻬﺎد ﻟﻠﺘﻐﻠّﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻌﺪ ﻟﻨﺎ إآﻠﻴﻼً ﻣﺠﻴﺪًا آﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖّ اﻟﺠﻨﺪيّ اﻟﺸﺠﺎع إآﻠﻴﻼً. وﻟﻼﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﺠﺐ اﻟﺘﺴﻠّﺢ ﺑﺎﻟﺼﻼة وإﻣﺎﺗﺔ اﻟﺤﻮاس اﻟﻈﺎهﺮة واﻟﺒﺎﻃﻨﺔ ﺧﺎﺻّﺔ اﻟﻨﺼﺮ واﻟﻤﺨﻴّﻠﺔ .وﻳﺠﺐ اﻹآﺜﺎر ﻣﻦ
٢٥٢
اﻟﺘﻨﺎول واﻻﻋﺘﺮاف وآﺸﻒ اﻟﻀﻤﻴﺮ ﺑﺼﺮاﺣﺔ ﻟﻠﻤﻌﺮّف ﺣﺘّﻰ ﻳﺘﻤﻜّﻦ ﻣﻦ إرﺷﺎدﻧﺎ وﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻨﺎ ،واﻻﻟﺘﺠﺎء إﻟﻰ اﻟﻌﺬراء أم اﻟﻄﻬﺎرة واﻟﻌﻔﺎف. اﻟﺪﻧﺲ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺒﺮص :اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺪﻧﺲ ﺗﺸﺒﻪ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ ﺑﺎﻟﺒﺮص .آﺎﻧﻮا ﻳﺒﻌﺪون اﻟﻤﺼﺎب ﺑﺎﻟﺒﺮص إﻟﻰ اﻟﻐﺎﺑﺎت ﻷنّ هﺬا اﻟﻤﺮض آﺮﻳﻪ ﺟﺪًّا وﻣﺨﻴﻒ وﻣﻌﺪٍ .ﻳﻀﺮب ﺟﺴﻢ اﻷﺑﺮص ﺑﺎﻟﻘﺮوح وﺗﺨﺮج ﻣﻨﻪ راﺋﺤﺔ ﻣﻨﺘﻨﺔ وﻳﻬﺘﺮىء ﻟﺤﻤﻪ وﻳﺘﺸﻮّﻩ وﺟﻬﻪ وﻳﺘﺠﺰّم أﻧﻔﻪ وأذﻧﺎﻩ ،وﻳﻬﺮب ﻣﻨﻪ آﻞّ أﺣﺪ ﺣﺘّﻰ اﻷهﻞ. هﻜﺬا اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺪﻧﺲ ﻳﻨﻔﺮ ﻣﻨﻪ اﷲ واﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ،وﻳﺸﻤﺌﺰون ﻣﻦ ﻗﺒﺎﺣﺔ وﻧﺘﺎﻧﺔ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻤﻠﻄّﺨﺔ ﺑﺎﻷدﻧﺎس وﻳﺘﺮآﻮﻧﻪ .ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ :إنّ اﻷدﻧﺎس ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻮن ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎء )آﻮ :٦ .(٩ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس :إنّ اﻟﺸﻌﺐ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲّ ﻟـﻤّﺎ ﺳﻠﺒﻮا ﺑﻨﺎت ﻣﺆاب وﺑﻨﺎت اﻟﻤﺪﻳﺎﻧﻴّﻴﻦ وزﻧﻮا ﻣﻌﻬﻦّ ﻏﻀﺐ اﻟﺮبّ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺐ وأﻣﺎت ﻣﻨﻬﻢ أرﺑﻌﺔ وﻋﺸﺮﻳﻦ أﻟﻔًﺎ ﻣﺮّة واﺣﺪة. وأﻣﺮ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﺄن ﻳﻤﻴﺖ ﺑﺎﻟﺼﻠﺐ رؤﺳﺎء اﻟﺸﻌﺐ ﻷﻧّﻬﻢ ﺷﺎرآﻮا اﻟﺸﻌﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻮاﺣﺶ. ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﻄﻬﺎرة :اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ اﻟﻤﻨﺎﻗﻀﺔ ﻟﻠﺪﻧﺲ هﻲ اﻟﻄﻬﺎرة. وﺑﻘﺪر ﻣﺎ هﻲ رذﻳﻠﺔ اﻟﺪﻧﺲ ﺷﻨﻴﻌﺔ وﻣﻜﺮوهﺔ ﻣﻦ اﷲ ،ﺑﻘﺪر ذﻟﻚ ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﻄﻬﺎرة هﻲ ﺟﻤﻴﻠﺔ وﻣﺤﺒﻮﺑﺔ ﻣﻨﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. إنّ اﻷﻃﻬﺎر ﻳﺤﻴﻄﻮن ﺑﻌﺮش اﻟﺤﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء آﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻟﺤﺒﻴﺐ .إنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺪ أﺣﺐّ اﻟﻌﺬراء ﻟﻄﻬﺎرﺗﻬﺎ وأﺣﺐّ
٢٥٣
اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺳﻒ ﻟﻌﻔﺎﻓﻪ ،وأﺣﺐّ ﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻟﺤﺒﻴﺐ وﺳﻤﺢ ﻟﻪ أن ﻳﺘﻜّﺊ ﻋﻠﻰ ﺻﺪرﻩ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺎء اﻟﺴﺮّي وﻳﻌﻠﻢ أﺳﺮار ﻗﻠﺒﻪ اﻹﻟﻬﻲّ ﻷﻧّﻪ ﺑﺘﻮل ﻃﺎهﺮ .وﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻟﻤﻌﻤﺪان ﺳﺎﺑﻖ اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻣﻬﻲّء اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻪ واﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﻓﻲ ﻣﻮاﻟﻴﺪ اﻟﻨﺴﺎء أﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ آﺎن ﺑﺘﻮﻻً ﻃﺎهﺮًا. اﻟﻄﻬﺎرة هﻲ ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ وهﻲ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ وﻣﻴﺰﺗﻬﻢ .إنّ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﺗﻜﻠّﻔﻨﺎ ﺟﻬﺎدًا ﻋﻈﻴﻤًﺎ آﻤﺎ ﺗﻜﻠّﻔﻨﺎ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ درّة ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻧﺎدرة .إنّ إآﻠﻴﻞ اﻟﻄﻬﺎرة ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻬﻲّ ﺟﻤﻴﻞ .راﺟﻊ اﻟﻮﺻﻴّﺘﻴﻦ ﻻ ﺗﺰن وﻻ ﺗﺸﺘﻪ اﻣﺮأة ﻗﺮﻳﺒﻚ.
٢٥٤
رذﻳﻠﺔ اﻟﻜﺴﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﻜﺴﻞ هﻮ ﻣﺤﺒّﺔ ﻣﻔﺮﻃﺔ ﻧﺤﻮ اﻟﺮاﺣﺔ ،واﻟﻨﻔﻮر ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ،وإهﻤﺎل اﻟﻮاﺟﺒﺎت ،إن دﻳﻨﻴّﺔ وإن دﻧﻴﻮﻳّﺔ ،ﻓﺮارًا ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺐ واﻻﻧﺰﻋﺎج. ﻣﻀﺮّات اﻟﻜﺴﻞ :اﻟﻜﺴﻞ ﻳﺠﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ اﻟﻘﻠّﺔ واﻟﻔﻘﺮ وﻗﺪ ﻳﺠﺮّﻩ إﻟﻰ اﻟﺴﺮﻗﺔ ﻟﻴﻜﺴﺐ ﻋﻴﺸﻪ دون ﻋﻨﺎء وﻻ ﺗﻌﺐ. ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺜﻞ :ﺑﺸّﺮ اﻟﻜﺴﻼن ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ .وﻳﻘﻮل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ: ﻣﻦ ﻻ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻻ ﻳُﻄﻌَﻢ )ﺗﺴﺎﻟﻮ .(١٠ :٣ وﻗﺎل اﷲ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس :ﺑﻌﺮق ﺟﺒﻴﻨﻚ ﺗﺄآﻞ ﺧﺒﺰك )ﺗﻜﻮ .(١٩ :٣إذًا ﻋﺮق اﻟﺠﺒﻴﻦ هﻮ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن .وﻗﺪ ﻳﺠﺮّ اﻟﻜﺴﻞ إﻟﻰ ﺷﺮور آﺜﻴﺮة أﻳﻀًﺎ آﺎﻟﺘﻌﻮّد ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻜﺮ واﻟﻘﻤﺎر وﺧﻄﺎﻳﺎ أﺧﺮى آﺜﻴﺮة ﻷنّ رأس اﻟﺒﻄّﺎل دآﺎن ﻟﻠﺸﻴﻄﺎن .وﺑﻀﺎﻋﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻣﻌﺮوﻓﺔ. ﺻﻔﺎت اﻟﻜﺴﻼن :ﻳﺘﻬﺮّب اﻟﻜﺴﻼن ﻣﻦ اﻟﺸﻐﻞ واﻟﺪرس واﻟﺼﻼة وﻣﻦ أﻗﻞّ ﺗﻌﺐ وأﺻﻐﺮ ﺻﻌﻮﺑﺔ وﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺠﻬﺪ ﻧﻔﺴﻪ أﺑﺪًا. ﻳﻀﻴّﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺎﻃﻼً وﻻ ﻳﻨﺠﺢ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة وﻻ ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ،ﻓﻬﻮ آﺸﺠﺮة ﺑﻼ ﺛﻤﺮ وآﻐﺼﻦ ﻳﺎﺑﺲ ﻻ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻣﻨﻪ. اﻟﻜﺴﻼن ﻓﻲ واﺟﺒﺎﺗﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖّ أن ﻳﺸﺘﺮك ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﺑﻞ ﻳﺴﺘﺤﻖّ ﺣﻆّ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺒﻄّﺎل اﻟﺬي أﻣﺮ ﺳﻴّﺪﻩ أن ﻳُﺸﺪ وﻳﻠﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ اﻟﺒﺮاﻧﻴّﺔ )ﻣﺘﻰ .(٣٠ :٢٥
٢٥٥
ﻗﺎل اﺑﻦ ﺳﻴﺮاخ :اﻟﻜﺴﻼن ﻳﺸﺒﻪ ﺣﺠﺮًا ﻏﻴﺮ ﺻﺎﻟﺢ ﻟﻠﺒﻨﺎء. وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إنّ اﻟﻜﺴﻼن هﻮ ﺣﺠﺮ ﻏﻴﺮ ﺻﺎﻟﺢ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺎن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ اﻟﻤﻀﺎدة ﻟﻠﻜﺴﻞ :هﻲ اﻟﻨﺸﺎط وﺣﺐّ اﻟﻌﻤﻞ. واﻟﻌﻤﻞ ﻗﺪ أﻣﺮ اﷲ ﺑﻪ اﻹﻧﺴﺎن اﻷوّل ﻗﺎﺋﻼً :ﺑﻌﺮق ﺟﺒﻨﻴﻚ ﺗﺄآﻞ ﺧﺒﺰك .وﺑﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴّﺔ أﺻﺒﺢ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﺮﺿًﺎ واﺟﺒًﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن. واﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺪّس اﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﻘﺪ اﺷﺘﻐﻞ ﻓﻲ ﺣﺎﻧﻮت اﻟﻨﺠﺎرة ﻋﺎﻣﻼً ﺣﺘّﻰ ﻋﻤﺮ اﻟﺜﻼﺛﻴﻦ اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻓﻴﻪ ﺗﺒﺸﻴﺮﻩ. وﻗﺪ ﻗﺎل ﻻﺳﻤﻪ اﻟﺴﺠﻮد :إنّ اﺑﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺎ ﺟﺎء ﻟﻴُﺨﺪَم ﺑﻞ ﻟﻴﺨﺪِم أي ﻟﻴﻌﻤﻞ وﻳﺸﺘﻐﻞ. إنّ اﻟﻌﻤﻞ هﻮ اﺷﺘﺮاك ﻣﻊ اﷲ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ اﻟﺨﻠﻖ .ﻓﻘﺪ ﺧﻠﻖ اﷲ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت وأﻋﻄﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻜﻤّﻞ ﻋﻤﻞ اﻟﺨﻠﻖ .ﻣﺜﻼً: إنّ اﷲ ﺧﻠﻖ اﻟﺸﺠﺮة واﻹﻧﺴﺎن ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻤﻮﺑﻴﻠﻴﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ. ﻟﻢ ﻳﻌِﺶ ﻳﺴﻮع ﺣﻴﺎة اﻟﺘﻨﻌّﻢ واﻟﺮﻓﺎهﻴﺔ واﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﺑﻞ ﺣﻴﺎة اﻟﺘﻌﺐ واﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﺤﺒﺐ إﻟﻴﻨﺎ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻷنّ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺼﺒﺮ وﺣﺒًّﺎ ﺑﺎﷲ ﻳﻤﺠّﺪ اﷲ وﻳﻘﺪّس اﻟﻨﻔﺲ وﻳﻠﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ وﻳﻤﺮّس اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺒﺮ واﻟﻔﻀﻴﻠﺔ. ﺧﺒﺮ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻤﻘﺪّس ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺒﻄّﺎل اﻟﻜﺴﻼن اﻟﺬي أﺧﻔﻰ ﻓﻀّﺔ ﺳﻴّﺪﻩ وﻟﻢ ﻳﺘﺎﺟﺮ ﺑﻬﺎ أي ﻟﻢ ﻳﺸﺘﻐﻞ آﻢ آﺎن ﻗﺼﺎﺻﻪ ﺷﺪﻳﺪًا ﻓﻘﺪ أﻣﺮ ﺳﻴّﺪﻩ ﺑﺄن ﻳﺸﺪّوﻩ وﻳﻠﻘﻮﻩ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ اﻟﺒﺮاﻧﻴّﺔ أي ﺟﻬﻨّﻢ ﻋﻘﺎﺑًﺎ ﻟﻜﺴﻠﻪ .وأﻣّﺎ اﻟﻌﺒﺪ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻮزﻧﺎت اﻟﺨﻤﺲ وﺻﺎﺣﺐ اﻟﻮزﻧﺘﻴﻦ ﻓﺄدﺧﻠﻬﻤﺎ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ﻷﻧّﻬﻤﺎ ﺗﺎﺟﺮا واﺷﺘﻐﻼ ﺑﻮزﻧﺎت ﺳﻴّﺪهﻤﺎ .آﺎﻧﺎ ﻧﺸﻴﻄﻴﻦ ﻓﺎﺳﺘﺤﻘّﺎ أن ﻳﺘﻤﺘّﻌﺎ ﺑﺄﻓﺮاح ﺳﻴّﺪهﻤﺎ اﻟﺬي هﻮ اﷲ )ﻣﺘﻰ (٤ :٢٥آﻠّﻪ.
٢٥٦
اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﺛﻼث :اﻹﻳﻤﺎن ،واﻟﺮﺟﺎء ،واﻟﻤﺤﺒّﺔ ﺳﻤّﻴﺖ هﺬﻩ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ إﻟﻬﻴّﺔ (١) :ﻷنّ ﻣﻮﺿﻮﻋﻬﺎ هﻮ اﷲ(٢) . ُ ﻷنّ اﷲ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻔﻴﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن (٣) .ﻷﻧّﻬﺎ ﻓﺎﺋﻘﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ. اﻹﻳﻤﺎن :هﻮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻬﺎ ﻧﺆﻣﻦ اﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ ﺻﺪق اﷲ ،ﺑﻜﻞّ ﻣﺎ أوﺣﺎﻩ اﷲ ،وﺑﻜﻞّ ﻣﺎ ﻳﻌﻠّﻤﻨﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ آﻨﻴﺴﺘﻪ اﻟﺘﻲ وﻋﺪهﺎ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻬﺎ وﻳﺴﺎﻋﺪهﺎ ﻟﺌﻼ ﺗﻐﻠﻂ ﺑﺘﻌﻠﻴﻤﻬﺎ .وﻗﺪ ﻗﺎل ﻻﺳﻤﻪ اﻟﺴﺠﻮد ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ :أﻣﻀﻮا إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﺑﺸّﺮوا ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ وﻋﻠّﻤﻮهﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ أوﺻﻴﺘﻜﻢ ﺑﻪ ،وأﻧﺎ ﻣﻌﻜﻢ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺪهﺮ ...ﻣﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﻳﺨﻠﺺ وﻣﻦ ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﻳُﺪان .واﻹﻧﺴﺎن ﺑﺪون اﻹﻳﻤﺎن ﻻ ﻳﺮﺿﻲ اﷲ آﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ )ﻋﺒﺮا .(٦ :١١ ﺗﺤﻘﻴﺮ اﷲ :إنّ إﻧﻜﺎر اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ أو ارﺗﻴﺎﺑﻪ ﺑﻬﺎ أو ﻋﺪم اهﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﻬﺎ ﻳﺪلّ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﺮ واﺿﻌﻬﺎ اﻟﺬي هﻮ اﷲ. ﺗﺮك اﻟﺪﻳﻦ :إذا ﺗﺮآﻨﺎ دﻳﻨﻨﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ وﺗﺒﻌﻨﺎ دﻳﻨًﺎ ﺁﺧﺮ ﻧﻬﻠﻚ، ﻷنّ اﻟﺪﻳﻦ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺣﺴﺐ ذوق اﻹﻧﺴﺎن وإرادﺗﻪ ﺑﻞ ﺣﺴﺐ إرادة اﷲ .ودﻳﻨﻨﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ هﻮ إرادة اﷲ. اﻋﺘﺮاض :إذا آﺎن اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ هﻮ إرادة اﷲ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ هﻮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪﻩ وﻣﻦ ﺗﺮآﻪ واﻋﺘﻨﻖ دﻳﻨًﺎ ﺁﺧﺮ ﻳﻬﻠﻚ ،ﻓﺈذًا أﺻﺤﺎب ﺑﻘﻴّﺔ اﻷدﻳﺎن ﻳﻬﻠﻜﻮن آﻠّﻬﻢ وﻻ ﻳﺨﻠﺺ ﻣﻨﻬﻢ أﺣﺪ! ﺟﻮاب :إنّ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي وﻟﺪ ﻓﻲ دﻳﻦ ﻏﻴﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲ وﺑﺎﻋﺘﻘﺎدﻩ أﻧّﻪ هﻮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪﻩ اﷲ ،وﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ أنّ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ هﻮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪﻩ اﷲ ،وﺑﻘﻲ ﻓﻲ دﻳﻨﻪ وﻋﺎش
٢٥٧
ﻤﻤًﺎ أواﻣﺮ دﻳﻨﻪ ﻓﻼ ﻳﻬﻠﻚ ﺑﻞ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻟﺸﺮّ وﻓﺎﻋﻼً اﻟﺨﻴﺮ وﻣﺘ ّ ﻳﺨﻠﺺ .أﻣّﺎ إذا ﻇﻬﺮ ﻟﻪ أنّ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ هﻮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪﻩ اﷲ وﻟﻢ ﻳﻌﺘﻨﻘﻪ وﺑﻘﻲ ﻓﻲ دﻳﻨﻪ ﻳﻬﻠﻚ وﻻ ﻳﺨﻠﺺ ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﻼح ،ﻷنّ اﻟﺼﻼح أ ّوﻻً هﻮ أن ﻧﺼﻨﻊ إرادة اﷲ. أﻃﻠﺐ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻬﺎﻧﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺤﻮد وﻋﻦ إﻧﻜﺎر اﷲ. ﻣﺎ اﻟﻤﺮاد ﺑﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠّﻤﻨﺎ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع واﻟﺘﻲ وﻋﺪهﺎ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻬﺎ وﻳﺴﺎﻋﺪهﺎ؟ ﻳﺮاد ﺑﻬﺎ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ وﺧﺎﺻّﺔ رﺋﻴﺴﻬﻢ اﻷﻋﻠﻰ ﻗﺪاﺳﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻩ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺳﻠﻄﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ أﺟﻤﻊ ﻟﻜﻲ ﻳﺪﺑّﺮهﻢ وﻳﻌﻠّﻤﻬﻢ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ وﻗﺪاﺳﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻷﺳﺎﻗﻔﺔ وﻣﻌﻬﻢ. واﺟﺒﺎﺗﻨﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ (١) :اﻟﺨﻀﻮع ﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻬﺎ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ. ) (٢اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ ﺑﺎﻗﻲ اﻷدﻳﺎن واﻟﺸﻴﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺮذﻟﻬﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ (٣) .أن ﻧﺪاﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ وﻋﻦ رؤﺳﺎﺋﻬﺎ ﻷﻧّﻬﻢ ﻧﻮّاب اﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﻦ اﺣﺘﻘﺮآﻢ ﻓﻘﺪ اﺣﺘﻘﺮﻧﻲ )ﻟﻮ :١٠ .(١٦ ﻣﻦ هﻢ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ؟ إنّ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ اﻟﺨﺎﺿﻌﻴﻦ ﻟﻘﺪاﺳﺔ ﺳﻴّﺪﻧﺎ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻃﻮاﺋﻔﻬﻢ وﺟﻨﺴﻴّﺎﺗﻬﻢ وﺑﻠﺪاﻧﻬﻢ ﻳﺴﻤّﻮن آﺎﺛﻮﻟﻴﻚ. واﺟﺒﺎﺗﻨﺎ ﻧﺤﻮ ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ :ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻤﺎرس اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أن ﻧﻤﺎرﺳﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﻗﺮﻳﺒﻨﺎ. وﺧﻼﺻﺔ هﺬﻩ اﻟﻤﺤﺒّﺔ هﻲ أن ﻧﺼﻨﻊ ﻣﻌﻬﻢ اﻟﺨﻴﺮ وﻻ ﻧﺼﻨﻊ ﻟﻬﻢ ﺷﺮًّا.
٢٥٨
وﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺼﻠّﻲ ﻷﺟﻞ وﺣﺪة اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻷنّ اﻟﺮ ّ ب ﻳﺴﻮع ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻜﻮن ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ أﺧﻮة ﻟﻬﻢ أب واﺣﺪ وأن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺟﺴﻤًﺎ واﺣﺪًا ﻓﻴﻪ أﻋﻀﺎء آﺜﻴﺮة وﻟﻪ رأس واﺣﺪ هﻮ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ. ﻋﻼﻗﺎﺗﻨﺎ ﻣﻊ ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ :إنّ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ أﻗﺴﺎم ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻨﻬﻢ اﻷرﺛﻮذآﺲ وﻣﻨﻬﻢ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ. واﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ ﺷﻴﻊ ﻣﺘﻌﺪّدة وﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ .ﻓﺎﻷرﺛﻮذآﺲ هﻢ أﻗﺮب اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ إﻟﻴﻨﺎ ﻷﻧّﻬﻢ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﺎﻷﺳﺮار اﻟﺘﻲ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ: اﻟﻌﻤﺎد واﻻﻋﺘﺮاف واﻟﺘﻨﺎول واﻟﺰواج واﻟﻜﻬﻨﻮت .أﻣّﺎ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺎﻧﺖ ﻓﻠﻴﺲ ﻋﻨﺪهﻢ أﺳﺮار وﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﻬﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺸﻘّﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺑﻴﻨﻨﺎ .وﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻤﺎرس ﻧﺤﻮهﻢ اﻟﻤﺤﺒّﺔ دون أن ﻧﺸﺘﺮك ﻣﻌﻬﻢ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ .وإذا اﺿﻄﺮرﻧﺎ أن ﻧﺤﻀﺮ ﻋﻨﺪهﻢ ﺣﻔﻠﺔ دﻳﻨﻴّﺔ: ﻋﺮس ،دﻓﻦ ،ﻧﺤﻀﺮ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﻠﻴﺎﻗﺔ واﻟﻤﺤﺒّﺔ ﻻ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺪﻳﻨﻬﻢ .راﺟﻊ اﻷﺳﺮار واﻹﺛﺒﺎﺗﺎت ﻋﻨﻬﺎ.
٢٥٩
ﻓﻌﻞ اﻹﻳﻤﺎن أﻳّﻬﺎ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻲ أﻧﺖ هﻮ اﻟﺤﻖّ وأﻧﺎ أؤﻣﻦ إﻳﻤﺎﻧًﺎ ﺛﺎﺑﺘًﺎ ﺑﻜﻼﻣﻚ وﺑﻜﻞّ ﻣﺎ ﺗﻌﻠّﻤﻨﻲ إﻳّﺎﻩ أﻣّﻨﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ اﻟﻤﺘﻌﻠّﻤﺔ ﻣﻨﻚ اﻟﻤﺪﺑّﺮة ﻣﻦ روﺣﻚ اﻟﻜﻠﻲّ ﻗﺪﺳﻪ .وأﻧﺎ أﺑﺎرك آﻞّ ﻣﺎ ﺗﺒﺎرآﻪ وأﻟﻌﻦ آﻞّ ﻣﺎ ﺗﻠﻌﻨﻪ .ﺁﻣﻴﻦ. أﺧﺒﺎر ﺧﺒﺮ أوّل :ﻟـﻤّﺎ دﺧﻞ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴّﻮن أرض اﻟﻤﻴﻌﺎد ﻓﺄوّل ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻠﻐﻮا إﻟﻴﻬﺎ هﻲ أرﻳﺤﺎ .وآﺎﻧﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺣﺼﻴﻨﺔ ﺟﺪًّا ﻻ ﻳﻤﻜﻦ دﺧﻮﻟﻬﺎ .ﻓﺼﻠّﻰ ﻳﺸﻮع واﻟﺸﻌﺐ إﻟﻰ اﷲ .ﻓﻘﺎل اﻟﺮبّ ﻟﻴﺸﻮع: ﺗﺪورون ﺣﻮل أﺳﻮار اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺳﺒﻊ ﻣﺮّات وﻓﻲ اﻟﻤﺮّة اﻷﺧﻴﺮة ﻳﻨﻔﺦ اﻟﻜﻬﻨﺔ ﻓﻲ اﻷﺑﻮاق ﻓﺘﺴﻘﻂ اﻷﺳﻮار وﺗﺪﺧﻠﻮن اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. ﻓﺂﻣﻨﻮا ﺑﻜﻼم اﻟﺮبّ وﻓﻌﻠﻮا آﻤﺎ أﻣﺮهﻢ ،وﻓﻲ اﻟﻤﺮّة اﻷﺧﻴﺮة ﻧﻔﺦ اﻟﻜﻬﻨﺔ ﺑﺎﻷﺑﻮاق ﻓﺴﻘﻄﺖ أﺳﻮار اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺤﺼﻴﻨﺔ ،ﻓﺪﺧﻠﻮهﺎ واﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﺧﺒﺮ ﺛﺎنٍ :ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس أنّ اﷲ أﻣﺮ إﺑﺮاهﻴﻢ أن ﻳﺄﺧﺬ اﺑﻨﻪ اﺳﺤﻖ وﻳﻘﺪّﻣﻪ ﻟﻪ ﻣﺤﺮﻗﺔ .ﻓﺄﺧﺬﻩ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ وﻟﺪ ﻏﻴﺮﻩ. وأﺧﺬ اﻟﺤﻄﺐ وذهﺐ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن اﻟﻤﺤﺮﻗﺔ .ﻓﻠﻤّﺎ ﺟﻤﻊ اﻟﺤﻄﺐ ورﺑﻂ اﺑﻨﻪ ووﺿﻌﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻄﺐ وأﺧﺬ اﻟﺴﻜﻴﻦ ﻟﻴﺬﺑﺤﻪ ،ﻧﺎداﻩ اﻟﺮبّ ﻗﺎﺋﻼً :إﺑﺮاهﻴﻢ إﺑﺮاهﻴﻢ ﻻ ﺗﺬﺑﺢ اﺑﻨﻚ ﻓﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ أﻧّﻚ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻜﻼﻣﻲ .هﺎ هﻮذا آﺒﺶ ﻗﺪّﻣﻪ ﻣﺤﺮﻗﺔ ﻋﻮض اﺑﻨﻚ!!
٢٦٠
ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻤﻘﺪّس :إﻳﻤﺎن ﻳﺌﻴﺮوس رﺋﻴﺲ اﻟﻤﺠﻤﻊ اﻟﺬي ﺧﺮّ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣَﻲ ﻳﺴﻮع ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﻣﻨﻪ أن ﻳﺒﺮّئ اﺑﻨﺘﻪ .وإﻳﻤﺎن اﻟﻤﺮأة اﻟﻨﺎزﻓﺔ اﻟﺪم اﻟﺘﻲ ﻣﺴّﺖ ﻃﺮف ﺛﻮب ﻳﺴﻮع ﻓﺸﻔﻴﺖ )ﻟﻮ :٨ .(٤٠إﻳﻤﺎن اﻟﻤﺨﻠّﻊ اﻟﺬي ﻗﺎل ﻟﻪ ﻳﺴﻮع :ﻗﻢ اﺣﻤﻞ ﺳﺮﻳﺮك واﻣﺶِ .إﻳﻤﺎن اﻷﻋﻤﻰ اﻟﺬي ﻗﺎل ﻟﻪ ﻳﺴﻮع :أﺑﺼﺮ إﻳﻤﺎﻧﻚ ﺧﻠّﺼﻚ .إﻳﻤﺎن اﻷﺑﺮص اﻟﺬي ﺧﺮّ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣَﻲ ﻳﺴﻮع ﻃﺎﻟﺒًﺎ أن ﻳﺸﻔﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﺮﺻﻪ ﻓﺸﻔﺎﻩ ﺣﺎﻻً. هﺬﻩ اﻟﺤﻮادث ﺗﺜﺒﺖ ﻗﻮّة اﻹﻳﻤﺎن وﻣﻔﻌﻮﻟﻪ! اﻟﺮﺟﺎء ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﺮﺟﺎء هﻮ أن ﻳﺘﺮﺟّﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﷲ اﻟﺨﻴﺮات اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ واﻟﺨﻴﺮات اﻷرﺿﻴّﺔ اﺳﺘﻨﺎدًا إﻟﻰ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع: اﻃﻠﺒﻮا ﺗﺠﺪوا اﻗﺮﻋﻮا ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻜﻢ )ﻣﺘﻰ .(٧ :٧إنّ اﷲ هﻮ ﻣﺼﺪر آﻞّ اﻟﺨﻴﺮات اﻟﺮوﺣﻴّﺔ واﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﺮﺟّﻰ ﻣﻦ اﷲ وﺣﺪﻩ ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ اﻟﺮوﺣﻴّﺔ واﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ. واﻟﺮﺟﺎء هﻮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﺟﺪًّا ﺑﻬﺎ ﻧﺮﺿﻲ اﷲ وﻧﺴﺮّﻩ، وﻧﺴﺘﻌﻄﻔﻪ ﻋﻠﻴﻨﺎ .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺮﺟﺎء ﻳﻀﻊ آﻞّ ﺛﻘﺘﻪ ﺑﺎﷲ ،وﻳﺘﻜﻞ ﻋﻠﻴﻪ وﻳﺴﻠّﻤﻪ ذاﺗﻪ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴّﺔ ،وﻳﺨﻀﻊ ﻹرادﺗﻪ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ،وﻳﻘﺮّ ﺑﺤﺎﺟﺘﻪ إﻟﻴﻪ وﺑﺄنّ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﻠﺠﺄ ﻏﻴﺮﻩ وﺑﺄﻧّﻪ آﻠّﻲ اﻟﺼﻼح واﻟﺠﻮدة. آﻴﻒ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻄﻠﺐ؟ إذا ﻃﻠﺒﻨﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﷲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻃﻠﺒﻨﺎ (١) :ﺑﺘﻮاﺿﻊ وﺛﻘﺔ ﺗﺎﻣّﺔ (٢) .أن ﻳﻜﻮن ﺑﺨﻀﻮع وﺗﺴﻠﻴﻢ ﻣﻄﻠﻖ أي إذا أردت ﻳﺎ رﺑّﻲ أن ﺗﻌﻄﻴﻨﻲ هﺬا اﻷﻣﺮ وإذا
٢٦١
آﺎن ﻣﻮاﻓﻘًﺎ ﻟﺨﻼص ﻧﻔﺴﻲ (٣) .ﻳﺠﺐ أن ﻧﻄﻠﺐ ﻣﻠﻜﻮت اﷲ وﺧﻼص ﻧﻔﺴﻨﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻄﻠﺐ ﺧﻴﺮات اﻷرض .وﻃﻠﺒﻨﺎ ﻟﺨﻴﺮات اﻷرض ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﺑﻘﻨﺎﻋﺔ أي أن ﻧﻄﻠﺐ ﺿﺮورﻳّﺎت اﻟﺤﻴﺎة ﻻ اﻟﻐﻨﻰ ،وﻟﻨﻔﺮض أﻧّﻨﺎ ﻃﻠﺒﻨﺎ ﻣﻦ اﷲ ﺑﻌﺾ ﺧﻴﺮات ﺟﺴﺪﻳّﺔ وﻟﻢ ﻧﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻼ ﻧﺨﺴﺮ ﻷنّ أﺟﺮ ﺻﻼﺗﻨﺎ ﻳﺘﺤﻮّل إﻟﻰ زﻳﺎدة ﺧﻴﺮﻧﺎ اﻟﺮوﺣﻲّ. ﻻ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺮﺟﺎء آﺴﻼً :إنّ رﺟﺎءﻧﺎ ﺑﺎﷲ واﺗّﻜﺎﻟﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ آﺴﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ .اﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﻠﻰ أنّ اﷲ ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﺤﺎﺟﺎﺗﻨﺎ ﺑﻞ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن رﺟﺎؤﻧﺎ ﻣﻘﺮوﻧًﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ واﻟﻨﺸﺎط ﻷﻧّﻪ هﻮ اﻟﻘﺎﺋﻞ :ﺑﻌﺮق ﺟﺒﻴﻨﻚ ﺗﺄآﻞ ﺧﺒﺰك )ﺗﻜﻮ .(١٠ :٣ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ ﺿﺪّ اﻟﺮﺟﺎء :ﻳﺨﻄﺄ اﻹﻧﺴﺎن ﺿﺪّ اﻟﺮﺟﺎء ﺑﺄﻣﺮﻳﻦ :اﻟﻴﺄس واﻟﺠﺴﺎرة. اﻟﻴﺄس :هﻮ أن ﻳﻘﻄﻊ اﻹﻧﺴﺎن رﺟﺎءﻩ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎء وﻋﻠﻰ ﻣﺎ هﻮ ﺿﺮوريّ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺠﺴﺪﻳّﺔ ،ﻏﻴﺮ واﺛﻖ ﺑﺠﻮدة اﷲ وﺻﻼﺣﻪ .آﻤﻦ ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻠﺨﻄﺎﻳﺎ واﻟﺸﺮور ﻟﻘﻄﻊ رﺟﺎﺋﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎء .وآﻤﻦ ﻳﻨﺘﺤﺮ ،أي ﻳﻘﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻟﻀﻴﻖ ذات ﻳﺪﻩ وﻻﻧﺴﺪاد ﺑﺎب اﻟﺮزق ﻓﻲ وﺟﻬﻪ. اﻟﺠﺴﺎرة :هﻲ أن ﻳﺮﺗﻜﺐ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ ﻃﻤﻌًﺎ ﺑﺄنّ اﷲ رﺣﻮم ﺷﻔﻮق ﻻ ﻳﻬﻠﻜﻪ .ﻓﻼ ﻳﺠﻮز أن ﻧﺘّﺨﺬ رﺣﻤﺔ اﷲ ﺗﺮﺳًﺎ ﻧﺤﺘﻤﻲ ﺑﻪ ﻟﻨﻐﻴﻆ اﷲ .وﻻ ﻳﺠﻮز أن ﻧﻴﺄس ﻣﻦ رﺣﻤﺔ اﷲ وﻧﻘﻄﻊ رﺟﺎءﻧﺎ ﻷنّ اﷲ ﻳﻘﻮل :إن آﺎﻧﺖ ﺧﻄﺎﻳﺎآﻢ آﺎﻟﻘﺮﻣﺰ ﻓﺄﻧﺎ أﺑﻴّﻀﻬﺎ آﺎﻟﺜﻠﺞ.
٢٦٢
ﻓﻌﻞ اﻟﺮﺟﺎء :أﻳّﻬﺎ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻲ ﻣﺎ ﻟﻲ ﻏﻴﺮك .أﻧﻈﺮ إﻟﻲّ ﺑﻌﻴﻦ رﺣﻤﺘﻚ .ﻳﺎ ذا آﻞّ رأﻓﺔ .وأﻧﺎ أﺗﺮﺟّﻰ ﻣﻨﻚ آﻞّ ﻣﺎ أﺣﺘﺎج ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﻓﻲ اﻵﺧﺮة .ﻷﻧّﻚ ﺻﺎﻟﺢ وﻣﺤﺐّ ﻟﻠﺒﺸﺮ .وﻗﺎدر ﻋﻠﻰ آﻞّ ﺷﻲء .واﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘّﻜﻠﻮن ﻋﻠﻴﻚ ،اﻟﺮﺣﻤﺔ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻬﻢ ﺑﺎﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت ﺳﻴّﺪﻧﺎ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﻓﺪاﻧﺎ ﺑﺪﻣﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ وأﻧﺖ ﺳﺮرت ﺑﻪ .ﺁﻣﻴﻦ. أﺧﺒﺎر ﺧﺒﺮ أوّل :ﻣﺜﻞ اﻻﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ اﻟﺬي ﺑﻌﺪ أن ﺗﻤﺮّغ ﺑﺎﻟﺨﻄﺎﻳﺎ واﻟﺸﺮور وﻧﺪم وﺗﺎب ورﺟﻊ إﻟﻰ أﺑﻴﻪ ﻓﻐﻔﺮ ﻟﻪ وﻋﺎﻧﻘﻪ وﻓﺮح ﺑﻪ. ﻓﻠﻮ آﺎن ﻗﻄﻊ رﺟﺎءﻩ وﻟﻢ ﻳﻌﺪ إﻟﻰ أﺑﻴﻪ ﻟﻜﺎن هﻠﻚ. واﻻﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ هﻮ رﻣﺰ اﻟﺨﺎﻃﺊ وأﺑﻮﻩ هﻮ اﷲ .ﻃﺎﻟﻊ ﻟﻮﻗﺎ :١٥ ١١إﻟﻰ اﻷﺧﻴﺮ. ﺧﺒﺮ ﺛﺎنٍ :ﻣﺜﻞ أﻟﻴﻌﺎزر اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻴﺄس ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻟﻔﻘﺮﻳّﺔ ﺑﻞ ﺻﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﻘﺮﻩ ﻣﺘﺮﺟّﻴًﺎ اﷲ ﻓﻜﺎﻓﺄﻩ اﷲ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة. ﻃﺎﻟﻊ ﻟﻮﻗﺎ ١٩ :١٦إﻟﻰ اﻷﺧﻴﺮ.
٢٦٣
اﻟﻤﺤﺒّﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪ :هﻲ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻬﺎ ﻳﺤﺐّ اﻹﻧﺴﺎن رﺑّﻪ ﻞ ﺷﻲء وﻳﺤﺐّ ﻗﺮﻳﺒﻪ آﻨﻔﺴﻪ ﺣﺒًّﺎ ﺑﺎﷲ. ﻓﻮق آ ّ اﻟﺪاﻓﻊ إﻟﻰ ﻣﺤﺒّﺔ اﷲ :ﻳﺪﻓﻌﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺤﺒّﺔ اﷲ (١) :ﺻﻼﺣﻪ وﻗﺪاﺳﺘﻪ وآﻤﺎﻻﺗﻪ اﻟﻐﻴﺮ اﻟﻤﺘﻨﺎهﻴﺔ (٢) .إﻧّﻪ ﺧﻠﻘﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺪم وﻳﺤﻔﻈﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد وﻳﻌﺘﻨﻲ ﺑﻨﺎ (٣) .إﻧّﻪ أﺣﺒّﻨﺎ إﻟﻰ درﺟﺔ ﺻﺎر إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻓﻘﻴﺮًا ﺣﻘﻴﺮًا وﺗﺄﻟّﻢ وﻣﺎت ﻷﺟﻠﻨﺎ (٤) .إﻧّﻪ ﺗﺒﻨّﺎﻧﺎ إذ ﺟﻌﻠﻨﺎ ﺑﻨﻴﻦ ﻟﻪ .وأوﺟﺪ آﻞّ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت ﻟﺨﺪﻣﺘﻨﺎ (٥) .إﻧّﻪ ﻗﺪ اﺧﺘﺮع ﺳﺮّ اﻻﻋﺘﺮاف ﻟﻴﺼﺎﻟﺤﻨﺎ .وﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن ﻟﻴﺰور ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ (٦) .إﻧّﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺸﺮآﻨﺎ ﺑﺴﻌﺎدﺗﻪ اﻟﺨﺎﻟﺪة ،ﻓﻨﺼﻴﺮ ﺷﺒﻴﻬﻴﻦ ﺑﻪ ،وﻻ ﻳﻘﺪر اﷲ أن ﻳﺤﺒّﻨﺎ أآﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ. ﻋﻼﻣﺔ ﻣﺤﺒّﺘﻨﺎ ﷲ :إنّ ﺗﺠﻨّﺒﻨﺎ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ هﻮ ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎت ﻣﺤﺒّﺘﻨﺎ ﷲ .وإذا ﺳﻘﻄﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺴﺮع ﺣﺎﻻً ﻟﻼﻋﺘﺮاف ﺑﻬﺎ. ﻷنّ ﻣﻦ آﺎن ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ ﻓﻬﻮ ﻋﺪو اﷲ وﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﻐﺾ ﻟﻪ. ﻣﺤﺒّﺔ اﻟﻘﺮﻳﺐ :وﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎت ﺣﺒّﻨﺎ ﷲ ﻷنّ ﻗﺮﻳﺒﻨﺎ هﻮ ﺻﻮرة اﷲ .واﷲ ﻗﺪ اﻓﺘﺪاﻩ ﺑﺄن ﻧﺤﺒّﻪ ﻷﻧّﻪ أﺧﻮﻧﺎ ،ﻓﻨﺤﻦ اﻟﺒﺸﺮ أﺧﻮة واﻵب ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻦ أوﻻدﻩ أن ﻳﺤﺒّﻮا ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﺤﺰن وﻳﻜﺘﺌﺐ.
أﻳﻀًﺎ أن ﻧﺤﺐّ ﻗﺮﻳﺒﻨﺎ ﺑﺪﻣﻪ اﻹﻟﻬﻲّ وﻳﺄﻣﺮﻧﺎ وأﺑﻮﻧﺎ واﺣﺪ هﻮ اﷲ. ﺑﻌﻀًﺎ .وإذا ﻟﻢ ﻳﺤﺒّﻮا
٢٦٤
ﺑﻤﺎ ﺗﻘﻮم ﻣﺤﺒّﺔ اﻟﻘﺮﻳﺐ؟ ﺑﺄن ﻻ ﻧﻀﺮّﻩ ﻻ ﺑﺠﺴﺪﻩ وﻻ ﺑﻤﺎﻟﻪ وﻻ ﺑﺄرزاﻗﻪ وﻻ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻻ أن ﻧﺸﺘﻬﻲ ﻟﻪ ذﻟﻚ .وﻻ ﻧﻔﺮح ﺑﻀﺮرﻩ وﻻ ﻧﻈﻠﻤﻪ وﻻ ﻧﺨﺪﻋﻪ .وأن ﻧﻐﻔﺮ ﻟﻪ وﻧﺴﺎﻣﺤﻪ .وﻧﺴﺎﻋﺪﻩ ﻓﻲ ﺿﻴﻘﻪ وﻧﻌﻄﻴﻪ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ ،وﻧﻨﺼﺤﻪ وﻧﺘﻤﻨّﻰ ﻟﻪ اﻟﺨﻴﺮ آﻤﺎ ﻧﺘﻤﻨّﺎﻩ ﻟﻨﻔﻮﺳﻨﺎ. ﻣﺤﺒّﺔ اﻷﻋﺪاء :ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ اﷲ ﺑﺄن ﻧﺤﺐّ أﻋﺪاءﻧﺎ أﻳﻀًﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ :أﺣﺒّﻮا أﻋﺪاءآﻢ وأﺣﺴﻨﻮا إﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﺒﻐﻀﻜﻢ وﻳﻀﻄﻬﺪآﻢ ﻟﺘﻜﻮﻧﻮا أﺑﻨﺎء أﺑﻴﻜﻢ اﻟﺴﻤﺎويّ اﻟﺬي ﻳﺸﺮق ﺷﻤﺴﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﻴﺎر واﻷﺷﺮار، وﻳﻬﻄﻞ ﻣﻄﺮﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ واﻟﻔﺠّﺎر. ﻳﺠﺐ أن ﻧﺒﻐﺾ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﺷﺮّﻩ ﻻ ﺷﺨﺼﻪ .ﻟﺬﻟﻚ إذا اﻗﺘﻀﺖ اﻟﻔﻄﻨﺔ أن ﻧﺘﺠﻨّﺒﻪ ﻷﺟﻞ ﺷﺮورﻩ ﻓﻼ ﺑﺄس ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻊ اﻟﺼﻼة ﻣﻦ أﺟﻠﻪ. ﺳﻤﻮّ اﻟﻤﺤﺒّﺔ :إنّ اﻟﻤﺤﺒّﺔ هﻲ ﻣﻦ أﺳﻤﻰ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ وأﺣﺒّﻬﺎ إﻟﻰ ﻗﻠﺐ اﷲ .وهﻲ ﺗﺮﻓﻊ اﻹﻧﺴﺎن إذ ﺗﻘﺮّﺑﻪ ﻣﻦ اﷲ .ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﺒﺮز ﻣﺤﺒّﺘﻪ ﷲ ﺻﺒﺎﺣًﺎ وﻣﺴﺎءً ﺑﺘﻼوﺗﻪ ﻓﻌﻞ اﻟﻤﺤﺒّﺔ ﺑﻜﻞّ ﺣﺮارة. ﻓﻌﻞ اﻟﻤﺤﺒّﺔ :أﻳّﻬﺎ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻲّ ﻳﺎ ﺑﺤﺮ اﻟﺼﻼح اﻟﺬي ﻻ ﺣﺪّ ﻟﻪ، أﻧﺖ ﺗﺴﺘﺤﻖّ آﻞّ آﺮاﻣﺔ وﻣﺤﺒّﺔ ،ﻓﺄﻧﺎ أﺣﺒّﻚ ﻣﻦ آﻞّ ﻗﻠﺒﻲ ،وﻣﻦ آﻞّ ﻧﻔﺴﻲ ،وﻣﻦ آﻞّ ﻗﻮﺗﻲ ﻓﻮق آﻞّ ﺷﻲء .ﻓﻤﺎذا ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء وأيّ ﺷﻲء أرﻳﺪ ﺳﻮاك ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﺎ اﷲ .أﻧﺖ إﻟﻪ ﻗﻠﺒﻲ وﻧﺼﻴﺒﻲ إﻟﻰ اﻟﺪهﺮ .أﺣﺒّﻚ وأﺣﺐّ ﻗﺮﻳﺒﻲ ﻣﺜﻞ ﻧﻔﺴﻲ ﺣﺒًّﺎ ﺑﻚ .ﺁﻣﻴﻦ.
٢٦٥
أﺧﺒﺎر ﺧﺒﺮ أوّل :إنّ اﻏﻨﺎﻃﻴﻮس اﻟﺸﻬﻴﺪ آﺎن ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺸﺘﻌﻼً ﺑﻤﺤﺒّﺔ اﷲ ،إﻟﻰ درﺟﺔ أﻧّﻪ ﻓﺮح ﻓﺮﺣًﺎ ﻋﻈﻴﻤًﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻣﺴﻜﻮﻩ وأرﺳﻠﻮﻩ إﻟﻰ روﻣﺔ ﻟﻴﻠﻘﻮﻩ ﻃﻌﺎﻣًﺎ ﻟﻠﻮﺣﻮش ﻓﻘﺎل :إن ﻟﻢ أﻃﺤﻦ ﺑﺄﻧﻴﺎب اﻟﻮﺣﻮش ﻓﻼ أﺻﻴﺮ ﺧﺒﺰًا ﺟّﻴﺪًا ﻳُﻘﺪّم ﻟﺤﺒﻴﺒﻲ ﻳﺴﻮع. ﺧﺒﺮ ﺛﺎنٍ :إنّ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺳﺮاﺑﻴﻮن ﺟﻌﻞ ﻧﻔﺴﻪ أﺳﻴﺮًا ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﺛﻨﻴّﻴﻦ ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻌﺎﺷﺮهﻢ ﺑﺤﺮﻳّﺔ وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻨﺘﻬﺰ اﻟﻔﺮﺻﺔ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻴﻜﻠّﻤﻬﻢ ﻓﻲ أﻣﺮ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ وﻳﺮدّهﻢ إﻟﻴﻬﺎ .وﻗﺪ ﺳﺮﱠ اﷲ ﻣﻦ ﻣﺤﺒّﺘﻪ هﺬﻩ ﻓﻌﺰّاﻩ ﺑﺎرﺗﺪاد آﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﻮﺛﻨﻴّﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ. ﺧﺒﺮ ﺛﺎﻟﺚ :آﺎن أﺣﺪ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻳﺘﻨـﺰّﻩ ﻗﺮب ﻏﺎﺑﺔ ﻓﺄﻗﺒﻞ إﻟﻴﻪ أﺳﺪ ﻳﺘﻮﺟّﻊ ﻣﻦ ﺷﻮآﺔ ﻓﻲ ﻳﺪﻩ .ودﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺲ وأراﻩ ﻳﺪﻩ اﻟﻤﺘﺄﻟّﻤﺔ ،ﻓﻨـﺰع اﻟﺸﻮآﺔ ﻣﻦ ﻳﺪﻩ ،ﻓﺈﻇﻬﺎرًا ﻻﻣﺘﻨﺎﻧﻪ وﺷﻜﺮﻩ ﻟﻠﻘﺪّﻳﺲ آﺎن ﻳﺮاﻓﻘﻪ داﺋﻤًﺎ ﻣﻈﻬﺮًا ﻟﻪ ﻓﻲ ﻇﺮوف آﺜﻴﺮة إﻗﺮارﻩ ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻞ .وﻟـﻤّﺎ ﻣﺎت اﻟﻘﺪّﻳﺲ اﺳﺘﻤﺮّ اﻷﺳﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮﻩ ﻻ ﻳﺄآﻞ وﻻ ﻳﺸﺮب ﺣﺘّﻰ ﻣﺎت. واﻟﻜﻠﺐ اﻟﺬي ﻧﻄﻌﻤﻪ ﺑﻌﺾ آﺴﺮ اﻟﺨﺒﺰ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﺎرﻓًﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻞ وﻳﺪاﻓﻊ ﻋﻨّﺎ ﺑﻜﻞّ ﻗﻮاﻩ. ﻓﺈذا آﺎن اﻟﺤﻴﻮان ﻷﺟﻞ إﺣﺴﺎن ﻗﻠﻴﻞ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﺤﺒّﺘﻪ ﻟﻨﺎ ،ﻓﻜﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ أن ﻧﺤﺐّ اﷲ ﻷﺟﻞ إﺣﺴﺎﻧﺎﺗﻪ اﻟﻜﺜﻴﺮة إﻟﻴﻨﺎ وﻣﺤﺒّﺘﻪ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻟﻨﺎ..
٢٦٦
اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻷدﺑﻴّﺔ أرﺑﻊ :اﻟﻌﺪل ،واﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ،واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ، واﻟﻔﻄﻨﺔ وﻗﺪ ﺳﻤّﻴﺖ هﺬﻩ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ أدﺑﻴّﺔ ﻷﻧّﻬﺎ أﺳﺎس أﻓﻌﺎﻟﻨﺎ اﻷدﺑﻴّﺔ. أدﺑﻴّﺔ اﻷﻓﻌﺎل :إنّ أدﺑﻴّﺔ أﻓﻌﺎﻟﻨﺎ ﺗﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻄﺎﺑﻘﺘﻬﺎ اﻟﻌﺪل أو ﻋﺪم ﻣﻄﺎﺑﻘﺘﻬﺎ ﻟﻪ .ﻓﺈنّ ﻃﺎﺑﻘﺖ أﻓﻌﺎﻟﻨﺎ اﻟﻌﺪل آﺎﻧﺖ ﺻﺎﻟﺤﺔ، وإن ﻟﻢ ﺗﻄﺎﺑﻖ اﻟﻌﺪل آﺎﻧﺖ ﺷﺮﻳﺮة. ﻓﻤﻦ ﻣﺎرس اﻟﻌﺪل ﻣﺎرس ﻓﻀﺎﺋﻞ ﻋﺪﻳﺪة ﻷنّ اﻟﻌﺪل ﻳﺘﻀﻤّﻦ ﻓﻀﺎﺋﻞ آﺜﻴﺮة .وﻣﻦ ﺧﺮق اﻟﻌﺪل ﻓﻘﺪ ﺧﺮق اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ آﻞّ اﻟﻨﺎﻣﻮس واﻷﻧﺒﻴﺎء آﻤﺎ أﺟﺎب اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ذاك اﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﺳﺄﻟﻪ أي وﺻﻴّﺔ أﻋﻈﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﻣﻮس؟ اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ واﻟﻌﻈﻤﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﻣﻮس هﻲ أن ﺗﺤﺐّ ﻗﺮﻳﺒﻚ آﻨﻔﺴﻚ هﺬا هﻮ اﻟﻨﺎﻣﻮس واﻷﻧﺒﻴﺎء )ﻣﺘﻰ .(٣٨ :٢٢ اﻟﻌﺪل :هﻲ أن ﻧﻌﻄﻲ آﻞّ إﻧﺴﺎن ﺣﻘّﻪ .إﻻّ أنّ أﻣﻴﺎﻟﻨﺎ اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ اﻟﺮذاﺋﻞ ﺗﻌﻴﻘﻨﺎ أﺣﻴﺎﻧًﺎ آﺜﻴﺮة ﻋﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻌﺪل .ﻓﻠﺘﺬﻟﻴﻞ هﺬﻩ اﻷﻣﻴﺎل وإﺧﻀﺎﻋﻬﺎ ﻟﻠﻌﺪل ﻳﺠﺐ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻘﻨﺎﻋﺔ واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﻔﻄﻨﺔ. اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ :هﻲ ﺑﻤﻨـﺰﻟﺔ ﻟﺠﺎم ﻧﻠﺠﻢ ﺑﻪ ﻣﻴﻞ اﻟﻄﻤﻊ وﻣﻴﻞ اﻟﺸﺮاهﺔ. اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ :ﺗﺸﺪّد ﻋﺰاﺋﻤﻨﺎ ﻟﻨﻘﻬﺮ أﻣﻴﺎﻟﻨﺎ اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻌﻨﺎ ﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ اﻟﻌﺪل.
٢٦٧
اﻟﻔﻄﻨﺔ :ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻘﺎوم أﻣﻴﺎﻟﻨﺎ اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ ﺑﺤﻜﻤﺔ وﻧﺨﺘﺎر أﺣﺴﻦ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﻘﻬﺮهﺎ ،وﻧﺘﺒﺼّﺮ ﺑﺎﻟﻈﺮوف اﻟﺤﺮﺟﺔ واﻟﺼﻌﺒﺔ ﻟﻜﻲ ﻧﺘﺼﺮّف ﺑﺎﻟﺼﻮاب وﻧﻔﻀّﻞ اﻟﺨﻴﺮات اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ اﻟﺨﺎﻟﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻴﺮات اﻷرﺿﻴّﺔ اﻟﺰاﺋﻠﺔ .ﻓﻨﺤﻴﺎ ﺣﻴﺎة ﻣﻨـﺰهّﺔ ﺗﺒﻠﻐﻨﺎ اﻟﺨﻴﺮات اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ! ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ أن ﻳﺤﺒّﻮا وﻃﻨﻬﻢ ﻓﻴﻌﻤﻠﻮا ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻧﺠﺎﺣﻪ وﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻮﺋﺎم ﺑﻴﻦ أﺑﻨﺎﺋﻪ .وﻻ ﻳﺠﻮز أن ﻳﻀﺤّﻮا ﺑﺎﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣّﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻓﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ .وﻋﻠﻴﻬﻢ اﺣﺘﺮام اﻟﺴﻠﻄﺔ. واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻠﺰم ﺑﺎﺣﺘﺮام اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻷﻧّﻬﺎ ﻣﻦ اﷲ .وﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ أن ﻳﺨﺘﺎروا ﻧﻮّاﺑًﺎ ﺻﺎﻟﺤﻴﻦ .وﻻ ﻳﺠﻮز اﻻﻣﺘﻨﺎع ﻋﻦ اﻟﺘﺼﻮﻳﺖ ﻟﺌﻼ ﻳﻔﻮز اﻟﻤﺮﺷّﺢ ﻏﻴﺮ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﺷﺢ اﻟﺼﺎﻟﺢ.
اﻟﺤ ّ ﻖ ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻟﺤﻖّ هﻮ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻌﺪل وﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى هﻮ ﻣﺎدّة اﻟﻌﺪل .إذ أنّ اﻟﻌﺪل ﻟﻮﻻ وﺟﻮد اﻟﺤﻖّ ﻟﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺜﺒﺖ وﺟﻮدﻩ وﻻ أن ﻳﻈﻬﺮ أﻧّﻪ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺳﺎﻣﻴﺔ. واﺟﺐ اﻹﻧﺴﺎن :إنّ أﺧﺺّ واﺟﺒﺎت اﻹﻧﺴﺎن ﻧﺤﻮ أﺧﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن هﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻗﻪ وﻋﺪم اﻟﺘﻌﺪّي ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﻬﻀﻢ ﺣﻘﻮق أﺧﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن وﻳﺘﻌﺪّى ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻜﻮن ﻇﺎﻟـﻤًﺎ ﻃﻤّﺎﻋًﺎ ﻣﺜﻴﺮًا ﻟﺒﻠﺒﻠﺔ اﻟﺤﻖّ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲّ. ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن :آﻞّ إﻧﺴﺎن ﻟﻪ ﺣﻖّ ﺑﻤﺎﻟﻪ وأرزاﻗﻪ وآﻞّ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻪ .وﻟﻪ ﺣﻖّ ﺑﺼﻴﺘﻪ وآﺮاﻣﺘﻪ وﻧﻔﺴﻪ وﺟﺴﺪﻩ .وهﺬﻩ اﻟﺤﻘﻮق ﻗﺪ أﻋﻄﺎهﺎ اﷲ ﻟﻜﻞّ إﻧﺴﺎن .ﻓﻤﻦ ﻳﺘﻌﺪّى ﻋﻠﻰ ﺣﻖّ
٢٦٨
ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺨﺎﺻّﺔ ﺑﺄﺧﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺨﻄﺄ ﺿﺪّ اﻟﻌﺪل وﻳﻠﺘﺰم ﺑﺎﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ أﺿﺮّ ﺑﻪ. واﷲ ﻗﺪ ﺻﺎن ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن هﺬﻩ ﺑﻮﺻﺎﻳﺎﻩ اﻹﻟﻬﻴّﺔ :ﻻ ﺗﻘﺘﻞ. ﻻ ﺗﺰن .ﻻ ﺗﺴﺮق .ﻻ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺎﻟﺰور .ﻻ ﺗﺸﺘﻪِ اﻣﺮأة ﻗﺮﻳﺒﻚ .ﻻ ﺗﺸﺘﻪِ ﻣﻘﺘﻨﻰ ﻏﻴﺮك .ﻓﻬﺬﻩ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ ﺗﻠﺰم اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮق أﺧﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن .وإذا ﺣﺎﻓﻆ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮق أﺧﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﺣﺴﺐ وﺻﺎﻳﺎ اﷲ اﺳﺘﻘﺮّ اﻟﺴﻼم ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وزال اﻟﺨﺼﺎم واﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت .وﻧﺎل اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة ﻣﻦ اﷲ اﻟﻮاﺿﻊ هﺬﻩ اﻟﺸﺮاﺋﻊ .وﻗﺪ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺬاك اﻟﺸﺎب اﻟﺬي ﺳﺄﻟﻪ ﻣﺎذا أﺻﻨﻊ ﻷرث اﻟﺤﻴﺎة؟ إن أردت أن ﺗﺮث اﻟﺤﻴﺎة ﻓﺎﺣﻔﻆ اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ.
اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ :اﻹﻧﺠﻴﻞ هﻮ آﺘﺎب ﻳﺤﻮي آﻼم وﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وﻋﺠﺎﺋﺒﻪ .ﻗﺪ آﺘﺒﻪ ﺑﻤﻌﻮﻧﺔ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﺮﺳﻞ :ﻣﺘﻰ ،ﻣﺮﻗﺺ، ﻟﻮﻗﺎ ،ﻳﻮﺣﻨّﺎ .وﻳﻀﺎف إﻟﻴﻪ رﺳﺎﺋﻞ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ وأﻋﻤﺎل اﻟﺮﺳﻞ اﻟﺘﻲ آﺘﺒﻮهﺎ أﻳﻀًﺎ ﺑﻤﻌﻮﻧﺔ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﺮﺳﻞ أن ﻳﻜﺘﺒﻮا ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﻴﻪ ﻏﻠﻂ وﺿﻼل .ﻷنّ ﻣﺎ آﺘﺒﻪ اﻟﺮﺳﻞ هﻮ أﺳﺎس وﻣﺤﻮر ﻟﻠﺪﻳﻦ اﻟﺬي أﺳّﺴﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع. اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺠﻴﻞ :إنّ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻗﺪ وﺻﻞ إﻟﻴﻨﺎ ﺳﺎﻟـﻤًﺎ آﻤﺎ آﺘﺒﻪ اﻟﺮﺳﻞ ﻷنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻗﺪ ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺪى آﻞّ هﺬﻩ اﻷﺟﻴﺎل .وﻟﻮﻻ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻤﺎ آﻨّﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺘﺄآّﺪ ﻣﻦ ﺻﺤﺘﻪ .وآﻞّ إﻧﺠﻴﻞ ﻻ ﺗﻜﻮن اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﺼﺎدﻗﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻼ ﻳﺠﻮز أن ﻧﻄﺎﻟﻌﻪ أو ﻧﻘﺘﻨﻴﻪ .ﻷﻧّﻪ
٢٦٩
ﻳﻮﺟﺪ أﻧﺎﺟﻴﻞ ﻣﺰوّرة أو ﻣﺤﺮّﻓﺔ ﻗﺪ ﺣﺮّﻣﺘﻬﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﺣﺮّﻣﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻄﺎﻟﻌﺘﻬﺎ. ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ أﻏﻮﺳﻄﻴﻨﻮس :ﻟﻮ ﻟﻢ ﺗﺴﻠّﻤﻨﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻟﻤﺎ آﻨﺖ أﻗﺒﻠﻪ. ﺷﺮح اﻹﻧﺠﻴﻞ :إنّ ﺷﺮح اﻹﻧﺠﻴﻞ وﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﻣﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻠّﻢ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﻟﺘﻮﺻﻠﻪ ﺳﻠﻴﻤًﺎ ﺻﺤﻴﺤًﺎ إﻟﻴﻨﺎ وإﻟﻰ آﻞّ اﻷﺟﻴﺎل اﻵﺗﻴﺔ .ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪّﻋﻮن أنّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﻮﺣﻲ إﻟﻰ آﻞّ إﻧﺴﺎن ﺷﺮح اﻹﻧﺠﻴﻞ هﻢ ﻋﻠﻰ ﺿﻼل. ﻷنّ آﻞّ إﻧﺴﺎن ﻳﻔﻬﻢ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﻳﻔﻬﻤﻪ اﻵﺧﺮ .وﻣﻦ ﺛﻢّ ﺗﻜﺜﺮ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ وﺗﺘﻨﺎﻗﺾ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻓﺘﻨﺘﺞ آﺜﺮة اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ .آﻞّ ﻣﺬهﺐ ﻳﻨﺎﻗﺾ اﻵﺧﺮ .هﺬا ﻳﺠﻴﺰ ﻣﺎ ﻳﺤﺮّم ذاك ،وذاك ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻤّﺎ ﻳﺤﺒّﺬ هﺬا ،ﻓﻴﺼﺒﺢ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﺬي وﺿﻌﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻠﻮﺣﺪة ،ﻣﺼﺪرًا ﻟﻠﺘﻔﺮﻗﺔ. ﻳﻨﺘﺞ :إﻧّﻪ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺧﻮّﻟﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺷﺮح وﺗﻔﺴﻴﺮ اﻹﻧﺠﻴﻞ وهﻮ ﻳﺮﺷﺪهﺎ ﻟﺘﺸﺮﺣﻪ دون ﻏﻠﻂ وﻻ ﺿﻼل. وهﺬﻩ اﻟﺴﻠﻄﺔ هﻲ اﻟﻤﺘﺴﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس اﻟﺬي أﻗﺎﻣﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع رﺋﻴﺴًﺎ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ أﺳّﺴﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼً ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ ،ﺛﻼث ﻣﺮّات :ﻳﺎ ﺑﻄﺮس ارع ﻏﻨﻤﻲ ،ارع ﺧﺮاﻓﻲ ،ارع ﻧﻌﺎﺟﻲ .وﻟـﻤّﺎ اﺧﺘﺎرﻩ ﻗﺎل ﻟﻪ :أﻧﺖ ﻳﺎ ﺳﻤﻌﺎن ﺗﺪﻋﻰ اﻟﺼﺨﺮة وﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﺼﺨﺮة أﺑﻨﻲ آﻨﻴﺴﺘﻲ )ﻣﺘﻰ .(١٨ :١٦ اﻟﺒﺮهﺎن :وأآﺒﺮ ﺷﺎهﺪ ﻋﻠﻰ ﺿﻼل اﻟﻤﺪّﻋﻴﻦ ﺑﺄنّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﻮﺣﻲ ﻟﻜﻞّ إﻧﺴﺎن ﺷﺮح اﻹﻧﺠﻴﻞ وﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ وﻻ ﻟﺴﻠﻄﺘﻬﺎ ،هﻮ آﺜﺮة ﻣﺬاهﺐ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻌﺪّ
٢٧٠
ﺑﺎﻟﻤﺌﺎت واﻷﻟﻮف .وآﻞّ ﻣﺬهﺐ ﺑﻞ آﻞّ ﻓﺮد ﻳﻔﺴّﺮ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺣﺴﺐ ذوﻗﻪ ﻣﺪّﻋﻴًﺎ أنّ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﻮﺣﻲ إﻟﻴﻪ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻨﺘﺠﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﻗﻀﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ .ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮ ﺳﺮّ اﻟﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮ اﻟﻘﺮﺑﺎن وﺳﺮّ اﻻﻋﺘﺮاف ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮ أﻟﻮهﻴّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻨﻜﺮ ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ .ﻓﺘﺮاهﻢ ﻓﻲ ﺑﻠﺒﻠﺔ أهﻞ ﺑﺎﺑﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻠﺒﻞ اﷲ أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﻓﻤﺎ ﻋﺎد اﻟﻮاﺣﺪ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل اﻵﺧﺮ. ﻓﻠﻮ آﺎن اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس ﻳﻮﺣﻲ ﺷﺮح اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻟﻬﺆﻻء ﻟﻜﺎن ﻳﻮﺣﻲ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺷﻴﺌًﺎ واﺣﺪًا .وﻟﻮ آﺎن اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أراد ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﺸﺮ دﻳﻨﻪ ﻟﻤﺎآﺎن اﺧﺘﺎر اﻟﺮﺳﻞ وأﻟﺰﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺒﺸﻴﺮ ﻗﺎﺋﻼً :اذهﺒﻮا إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﺑﺸّﺮوا اﻷﻣﻢ وﻋﻠﻤّﻮهﻢ أن ﻳﺤﻔﻈﻮا ﻣﺎ أوﺻﻴﺘﻜﻢ ﺑﻪ .إنّ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺎرهﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻹﻳﺼﺎل ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﺻﺤﻴﺤًﺎ ﺳﺎﻟـﻤًﺎ آﻤﺎ ﻋﻠّﻤﻪ هﻮ إﻟﻰ ﺁﺧﺮ اﻷﺟﻴﺎل، هﻲ آﻤﺎ رﺗّﺒﻬﺎ هﻮ ﻓﻘﺪ اﺧﺘﺎر اﻟﺮﺳﻞ وﻋﻠﻰ رأﺳﻬﻢ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس وﺑﻌﺪهﻢ ﺧﻠﻔﺎؤهﻢ ووﻋﺪهﻢ ﺑﺎﻟﻌﻮن اﻟﺪاﺋﻢ :اذهﺒﻮا وﻋﻠّﻤﻮا اﻷﻣﻢ وأﻧﺎ ﻣﻌﻜﻢ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻷﺟﻴﺎل )ﻣﺘﻰ .(٢٠ :٢٨ وﺟﻮب ﻣﻄﺎﻟﻌﺔ اﻹﻧﺠﻴﻞ :اﻹﻧﺠﻴﻞ هﻮ دﺳﺘﻮر ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ وﻧﻮر أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ .هﻮ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وإرادﺗﻪ .ﻳﺠﺐ أن ﻧﻄﺎﻟﻌﻪ ﻟﻜﻲ ﻧﻌﺮف إرادة اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وﻧﻌﻤﻞ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ،وﻧﻄﺒّﻖ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ هﺪﻳﻪ. اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﺬي ﻳﺠﻬﻞ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺤﻖّ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺴﻴﺤﻴًّﺎ .اﻹﻧﺠﻴﻞ هﻮ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ آﺘﺐ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻤﻔﻜّﺮﻳﻦ ،ﻷﻧّﻪ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع .اﻹﻧﺠﻴﻞ هﻮ ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻌﻠﻮم واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ .ﻓﻤﻦ ﻋﺮف اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻋﺮف آﻞّ اﻟﻌﻠﻮم وآﺎن ﻓﻴﻠﺴﻮﻓًﺎ
٢٧١
أآﺜﺮ ﻣﻦ أي ﻓﻴﻠﺴﻮف وﻣﻔﻜّﺮًا أآﺜﺮ ﻣﻦ أي ﻣﻔﻜّﺮ وﻋﺎﻟـﻤًﺎ أآﺜﺮ ﻣﻦ أي ﻋﺎﻟﻢ .ﻷﻧّﻪ ﻣﺎذا ﻳﻔﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن إن آﺎن ﻓﻴﻠﺴﻮﻓًﺎ وﻋﺎﻟـﻤًﺎ وﻣﻔﻜّﺮًا وﺧﺴﺮ ﻧﻔﺴﻪ. ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ أن ﻳﻄﺎﻟﻊ آﻞّ ﻳﻮم ﻓﺼﻼً ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻴﻞ أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞّ ﺻﻔﺤﺔ .وﻳﺠﺘﻬﺪ أن ﻳﻄﺒّﻖ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ. ﻣﻼﺣﻈﺔ: ﻟﻺﻧﺠﻴﻞ ﺛﻼﺛﺔ أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ .ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺣﺮﻓﻲّ أي ﻟﻔﻈﻲّ وﺗﻔﺴﻴﺮ ﻣﺠﺎزي أي رﻣﺰيّ وﺗﻔﺴﻴﺮ روﺣﻲّ. ﻣﺜﻼً ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﺤﺮﻓﻲّ أي اﻟﻠﻔﻈﻲّ .ﻳﺠﺐ ﺗﻔﺴﻴﺮ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻟﻔﻈﻴًّﺎ آﻠّﻤﺎ آﺎن اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻠﻔﻈﻲّ ﻻ ﻳﻨﺎﻗﺾ اﻟﺼﻮاب واﻟﻌﻘﻞ ﻷنّ اﻷﻟﻔﺎظ وُﺿﻌَﺖ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺬي وﺿﻌﺖ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ .ﻣﺜﻼً :أآﻞ ،ﺷﺮب ،ﻧﺎم .هﺬﻩ اﻷﻟﻔﺎظ وﺿﻌﺖ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻷآﻞ واﻟﺸﺮب واﻟﻨﻮم. ﻣﺜﻼً ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻤﺠﺎزي أي اﻟﺮﻣﺰيّ ﻗﻮل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع: إذا ﺷﻜﻜﺘﻚ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻓﺎﻗﻠﻌﻬﺎ أو رﺟﻠﻚ أو ﻳﺪك ﻓﺎﻗﻄﻌﻬﺎ .هﻞ ﻳُﻌﻘﻞ أنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﺮﻳﺪ أن أﻗﻠﻊ ﻋﻴﻨﻲّ أو أﻗﻄﻊ ﻳﺪي؟ آﻼ ﺑﻞ ﻳﺮﻳﺪ أن أﻗﻄﻊ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﻳﺠﺮّﻧﻲ إﻟﻰ اﻟﺸﻚّ أي إﻟﻰ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ. ﻣﺜﻼً ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﺮوﺣﻲّ ﻗﻮل اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻋﻦ اﻻﺑﻦ اﻟﺸﺎﻃﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد إﻟﻰ أﺑﻴﻪ ﺗﺎﺋﺒًﺎ ﻓﺄﺑﻮﻩ ذﺑﺢ ﻟﻪ اﻟﻌﺠﻞ اﻟﻤﺴﻤّﻦ وأﻟﺒﺴﻪ اﻟﺤﻠّﺔ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ووﺿﻊ ﻓﻲ اﺻﺒﻌﻪ اﻟﺨﺎﺗﻢ ،أي ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻮد اﻟﺨﺎﻃﺊ إﻟﻰ اﷲ ﻳﻠﺒﺴﻪ ﺛﻮب اﻟﻨﻌﻤﺔ وﻳﻄﻌﻤﻪ ﺟﺴﺪ اﺑﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس وﻳﻀﻊ ﻓﻲ اﺻﺒﻌﻪ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﻌﻬﺪ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﺒّﺔ واﻟﺒﻨﻮّة. واﻟﻤﺮﺟﻊ ﻓﻲ آﻞّ هﺬﻩ اﻟﺘﻔﺎﺳﻴﺮ هﻮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺘﻮاﺻﻞ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ وﻗﺪ وﻋﺪهﺎ ﺑﺎﻟﻌﻮن واﻟﻤﺴﺎﻋﺪة إﻟﻰ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻷﺟﻴﺎل.
٢٧٢
اﻋﺘﺮاﺿﺎت اﻋﺘﺮاض أوّل :ﻧﺮى ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﻧﺎﺟﻴﻞ ﺗﻨﺎﻗﻀًﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻮادث ﻳﺮوﻳﻬﺎ اﻹﻧﺠﻴﻠﻴّﻮن رواﻳﺔ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ .ﻣﺜﻼً :ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﻣﺘﻰ :٢١اذهﺒﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻓﺘﺠﺪا أﺗﺎﻧًﺎ ﻣﺮﺑﻮﻃﺔ وﺟﺤﺸًﺎ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﺤﻼّهﺎ وأﺗﻴﺎﻧﻲ ﺑﻬﺎ .ﻳﻘﻮل ﻟﻮﻗﺎ :١٩اذهﺒﺎ ﻓﺘﺠﺪا ﺟﺤﺸًﺎ ﻓﺤﻼّﻩ واﺗﻴﺎ ﺑﻪ. إﻧّﻤﺎ اﻟﻤﺮاد واﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ دﺧﻮل اﻟﻤﺴﻴﺢ أورﺷﻠﻴﻢ راآﺒًﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺤﺶ إﺗﻤﺎم ﻧﺒﻮءة زآﺮﻳّﺎ اﻟﺬي ﺗﻨﺒّﺄ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ أﻧّﻪ ﺳﻴﺪﺧﻞ أورﺷﻠﻴﻢ ﻻ آﻤﺎ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻣﻠﻮك اﻷرض ﺑﺎﻟﻤﺮآﺒﺎت اﻟﻔﺨﻤﺔ واﻟﺨﻴﻮل اﻟﻤﻄﻬّﻤﺔ ﺑﻞ ﻋﻠﻰ أﺗﺎن أو ﺟﺤﺶ ﺻﻐﻴﺮ .وهﺬا ﺗﻮاﺿﻊ ﻋﻈﻴﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻠﻮك .ﻓﻤﺘﻰ ذآﺮ اﻷﺗﺎن واﻟﺠﺤﺶ ﺗﻔﺼﻴﻼً ﻟﻤﺎ ﺣﺪث وإﺗﻤﺎﻣًﺎ ﻟﻨﺒﻮّة زآﺮﻳﺎ .أﻣّﺎ ﻟﻮﻗﺎ ،ﻓﺬآﺮ اﻟﺠﺤﺶ ﻓﻘﻂ ﻷﻧّﻪ ﺑﺬآﺮ اﻟﺠﺤﺶ وﺣﺪﻩ ﻳﻈﻬﺮ ﺗﻮاﺿﻊ اﻟﻤﺴﻴﺢ وإﺗﻤﺎم اﻟﻨﺒﻮّة. وهﻜﺬا ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﺣﻮادث ذآﺮهﺎ اﻹﻧﺠﻴﻠﻴّﻮن ﺑﺮواﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻼﺣﻈﻴﻦ اﻟﻤﺮاد واﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺎدث ﻓﻘﻂ. اﻋﺘﺮاض ﺛﺎنٍ :ﻳﻮﺟﺪ اﺧﺘﻼف ﺑﻴﻦ ﻃﺒﻌﺎت اﻷﻧﺎﺟﻴﻞ ﻓﻲ اﻷﻟﻔﺎظ واﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ. إنّ هﺬا اﻻﺧﺘﻼف ﺑﺴﻴﻂ ﻣﺜﻼً ﻟﻮ ﺗﺮﺟﻢ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻋﺸﺮة ﻣﺘﺮﺟﻤﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻨﺺّ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲّ ﻟﺮأﻳﻨﺎ اﺧﺘﻼﻓًﺎ ﻓﻲ اﻷﻟﻔﺎظ واﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ دون اﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻟﻤﻌﻨﻰ .ذﻟﻚ ﻳﺮﺟﻊ ﻟﻄﻮل ﺑﺎع اﻟﻤﺘﺮﺟﻢ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ .وﻣﻦ هﻨﺎ ﻳﻨﺘﺞ ﺿﺮورة ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﺸﺮح اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻟﺘﺰﻳﻞ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺤﺼﻞ ﻣﻦ ﺳﻮء ﻓﻬﻢ اﺧﺘﻼف اﻟﺘﺮﺟﻤﺎت.
٢٧٣
اﻋﺘﺮاض ﺛﺎﻟﺚ :ﻳﻮﺟﺪ اﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻷﻧﺎﺟﻴﻞ اﻷرﺑﻌﺔ ﺑﺬآﺮ اﻟﺤﻮادث واﻟﺮواﻳﺎت وآﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع .ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ أهﻤﻞ ذآﺮ ﺣﻮادث وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ذآﺮهﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﻞّ وﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ أهﻤﻞ آﺜﻴﺮًا ﻣﻦ آﻼم اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع.
اﻟﺮدّ :إنّ اﻷﻧﺎﺟﻴﻞ اﻷرﺑﻌﺔ ﻣﻊ آﻞّ ﻣﺎ اﻣﺘﺎز ﺑﻪ آﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ ﻳﺆﻟّﻔﻮن إﻧﺠﻴﻼً آﺎﻣﻼً وﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى إنّ اﻷﻧﺎﺟﻴﻞ اﻷرﺑﻌﺔ آﻞّ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﻜﻤّﻞ ﻣﺎ ﻧﻘﺺ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ .وﺑﺬﻟﻚ ﻳﺆﻟّﻔﻮن إﻧﺠﻴﻼً واﺣﺪًا آﺎﻣﻼً .وهﺬا اﻻﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻷﻧﺎﺟﻴﻞ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﺪم ﺗﻮاﻃﺆ اﻹﻧﺠﻴﻠﻴّﻴﻦ .ﻓﻜﻞّ إﻧﺠﻴﻠﻲّ آﺘﺐ ﻟﺸﻌﺐ ﺧﺎص ﻓﺬآﺮ ﻣﺎ رأى أﻧّﻪ ﻳﻮاﻓﻘﻬﻢ وأهﻤﻞ اﻟﺒﺎﻗﻲ .ﻓﻤﺘّﻰ آﺘﺐ إﻧﺠﻴﻠﻪ ﻟﺸﻌﺐ اﻟﻴﻬﻮد ﺑﻨﻲ ﻗﻮﻣﻪ ﻓﺤﺎول أن ﻳﺜﺒﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﺗﻜﻠّﻤﺖ ﻋﻨﻪ آﺘﺒﻬﻢ وأﻧﺒﻴﺎؤهﻢ هﻮ هﻮ اﻟﺬي رأوﻩ وﺳﻤﻌﻮﻩ وﻋﺎﻳﻨﻮا ﻋﺠﺎﺋﺒﻪ، ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺮاﻩ دوﻣًﺎ ﻳﺬآﺮ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻓﻲ اﻟﻨﺒﻮءات وﺧﺎﺻّﺔ ﻋﻦ ﻣﻴﻼدﻩ اﻟﺠﺴﺪيّ اﻟﺬي ﺗﺸﻴﺮ آﺘﺒﻬﻢ أﻧّﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻧﺴﻞ إﺑﺮاهﻴﻢ وداود ﻓﺬآﺮ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻵﺑﺎء ﻣﻦ إﺑﺮاهﻴﻢ ﻣﺎرًّا ﺑﺪاود ﺣﺘّﻰ اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻴﺜﺒﺖ ﻟﻠﻴﻬﻮد أنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﺗﻜﻠّﻤﺖ ﻋﻨﻪ آﺘﺒﻬﻢ أﻧّﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻧﺴﻞ إﺑﺮاهﻴﻢ وداود هﻮ هﻮ! واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨّﺎ ﺑﺪأ إﻧﺠﻴﻠﻪ ﺑﺬآﺮ ﻣﻴﻼد اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻹﻟﻬﻲّ ﻓﻘﺎل: ﻓﻲ اﻟﺒﺪء آﺎن اﻟﻜﻠﻤﺔ واﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﻨﺪ اﷲ واﻟﻜﻠﻤﺔ هﻲ اﷲ واﻟﻜﻠﻤﺔ ﺻﺎر إﻧﺴﺎﻧًﺎ وﺣﻞّ ﻓﻴﻨﺎ .أراد ﻳﻮﺣﻨّﺎ أن ﻳﺜﺒﺖ أﻟﻮهﻴّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻷﻧّﻪ ﻗﺎم ﻓﻲ أﻳّﺎﻣﻪ ﻣﻦ أﻧﻜﺮ أﻟﻮهﻴّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ.
٢٧٤
ﻋﺼﻤﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻳﺴﻮع ﻳﺮﻳﺪ ﺧﻼص اﻟﺠﻤﻴﻊ :إنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻳﺮﻳﺪ ﺧﻼص ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﺸﺮ وﻗﺪ ﺟﺎء إﻟﻰ اﻷرض وﻣﺎت ﻷﺟﻞ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎس .وﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺼﻞ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ إﻟﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺳﻠﻴﻤًﺎ ﺻﺤﻴﺤًﺎ آﻤﺎ ﻋﻠّﻤﻪ هﻮ ﺑﻨﻔﺴﻪ .ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ذﻟﻚ إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ هﻮ ﻗﺪ ﺿﻤﻦ ب ﻳﺴﻮع ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﻷﻧّﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ إﻳﺼﺎﻟﻪ؟ وهﺬﻩ اﻟﻀﻤﺎﻧﺔ ﻗﺪ أﺗﻤّﻬﺎ اﻟﺮ ّ ﻳﻌﺼﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﻼل واﻟﻐﻠﻂ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺿﻠّﺖ ﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻬﺎ آﻤﺎ ﺿﻞّ اﻟﻜﺜﻴﺮون اﻟﺬﻳﻦ أرادوا أن ﻳﺘّﻜﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﺑﺸﺮح اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ واﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻓﺰاﻏﻮا ﻓﻲ ﺑﻴﺪاء اﻟﻀﻼل وأﻧﻜﺮوا ﻋﻘﺎﺋﺪ دﻳﻨﻴّﺔ آﺜﻴﺮة ﻗﺪ ﻋﻠّﻤﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع. ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﻌﺼﻤﺔ :إنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻋﺼﻤﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ اﻟﺘﻲ هﻲ ﻋﺼﻤﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﺗﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺷﺮح ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻤﺴﻴﺢ واﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﻂ .ﻓﻘﺪ ﻳﻐﻠﻂ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻠﻐﺔ وﺗﺮآﻴﺐ اﻟﻌﺒﺎرات ،وﻗﺪ ﻳﻐﻠﻂ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﻠﻮم آﺎﻟﺤﺴﺎب واﻟﻬﻨﺪﺳﺔ وﻓﻲ ﻣﺎ ﺳﻮاهﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم .وﻟﻜﻨّﻪ ﻣﻌﺼﻮم ﻣﻦ اﻟﻐﻠﻂ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻠﻦ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ﺟﻤﻌﺎء ﺗﻌﻠﻴﻤًﺎ دﻳﻨﻴًّﺎ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺎل ﻟﺒﻄﺮس :ﻳﺎ ﺑﻄﺮس أﻧﺖ اﻟﺼﺨﺮة وﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﺼﺨﺮة أﺑﻨﻲ آﻨﻴﺴﺘﻲ )ﻣﺘﻰ .(١٦ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﻄﺮس أن ﻳﻜﻮن ﺻﺨﺮة وأﺳﺎﺳًﺎ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻳﻘﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻘﻮط إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻣﻌﻪ وﻳﻌﻀﺪﻩ؟؟ وﻗﺎل أﻳﻀًﺎ ﻟﺒﻄﺮس :ارعَ ﻏﻨﻤﻲ ،ارعَ ﺧﺮاﻓﻲ ،ارعَ ﻧﻌﺎﺟﻲ. ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﻄﺮس أن ﻳﺮﻋﻰ ﻗﻄﻴﻊ اﻟﻤﺴﻴﺢ هﺬا اﻟﻜﺒﻴﺮ
٢٧٥
اﻟﻤﺆﻟّﻒ ﻣﻦ اﻟﺸﻌﺐ واﻟﻜﻬﻨﺔ واﻷﺳﺎﻗﻔﺔ إذا ﻟﻢ ﻳﻌﺎوﻧﻪ وﻳﻌﻀﺪﻩ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع؟؟ وﻗﺎل ﻳﺴﻮع أﻳﻀًﺎ ﻟﺒﻄﺮس :ﻳﺎ ﺑﻄﺮس ﻗﺪ ﺻﻠّﻴﺖ ﻷﺟﻠﻚ ،ﻓﺄﻧﺖ ﺛﺒّﺖ إﺧﻮﺗﻚ .آﻞّ هﺬا ﻳﺪلّ ﻋﻠﻰ أنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أﻗﺎم ﺑﻄﺮس رﺋﻴﺴًﺎ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ وأﻋﻄﺎﻩ ﻋﻮﻧًﺎ إﻟﻬﻴًّﺎ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ .وهﺬا اﻟﻌﻮن اﻹﻟﻬﻲّ ﻳﻮاﺻﻠﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺨﻠﻔﺎء ﺑﻄﺮس أﻳﻀًﺎ ﻷﻧّﻬﻢ ﻗﺎﺋﻤﻮن ﺑﻮﻇﻴﻔﺔ ﺑﻄﺮس ذاﺗﻬﺎ. وهﺬا اﻟﻌﻮن اﻹﻟﻬﻲّ واﻟﻌﺼﻤﺔ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ وﻟﻠﺒﺎﺑﺎ ﺿﺮورﻳﺎن وإﻻّ ﻓﻤﻦ أي آﻨّﺎ ﻧﺘﻴﻘّﻦ ﺻﺤﺔ ﻋﻘﺎﺋﺪﻧﺎ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ! وﻟﻜﻨّﺎ ﻧﺮﺗﺎب ﺑﺼﺤّﺔ آﻞّ ﻣﺎ ﺗﻌﻠّﻤﻨﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ .وهﺬا اﻻرﺗﻴﺎب ﻳﺆدّي ﺑﻨﺎ إﻟﻰ ﻋﺪم اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺸﻲء وإﻟﻰ إﻧﻜﺎر آﻞّ ﺷﻲء. ﺧﺒﺮ :اﺣﻀﺮ اﻟﻤﻀﻄﻬﺪون وﻟﺪًا ﻋﻤﺮﻩ ﺗﺴﻊ ﺳﻨﻮات أﻣﺎم اﻟﺤﺎآﻢ ،ﻓﺴﺄﻟﻪ اﻟﺤﺎآﻢ :ﻣﻦ ﻋﻠّﻤﻚ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﷲ؟ اﻟﻮﻟﺪ :أﻣّﻲ ﻋﻠّﻤﺘﻨﻲ. اﻟﺤﺎآﻢ :ﻣﻦ ﻋﻠّﻢ أﻣّﻚ؟ اﻟﻮﻟﺪ :اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻋﻠّﻤﺖ أﻣّﻲ. اﻟﺤﺎآﻢ :ﻣﻦ ﻋﻠّﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ؟ اﻟﻮﻟﺪ :ﻳﺴﻮع ﻋﻠﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ.
٢٧٦
اﻋﺘﺮاض :ﻗﺪ ﺣﺪث ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎﺑﺎوات ﻋﺒﺮ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﺼﺮّﻓﺎت وأﻏﻼط ﺗﻨﻔﻲ اﻟﻌﺼﻤﺔ. ج :ﻟﻮ دﻗّﻘﻨﺎ ﻓﻲ أﻏﻼط هﺆﻻء اﻟﺒﺎﺑﺎوات وﺗﺼﺮّﻓﺎﺗﻬﻢ اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﻋﺒﺮ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أنّ هﺬﻩ اﻷﻏﻼط واﻟﺘﺼﺮّﻓﺎت ﻻ ﺗﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺠﻮهﺮ اﻟﻌﺼﻤﺔ آﻤﺎ ﺣﺪّدﻧﺎهﺎ ،وإﻧّﻤﺎ هﻲ أﻏﻼط وﺗﺼﺮّﻓﺎت ﺷﺨﺼﻴّﺔ .ﻓﻼ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻤﺔ ﻋﻴﻮب اﻟﺒﺎﺑﺎ وﻧﻘﺎﺋﺼﻪ اﻟﺸﺨﺼﻴّﺔ آﺎﻟﻐﻀﺐ واﻟﻜﺒﺮﻳﺎء واﻟﺤﻘﺪ واﻟﺪﻧﺲ وﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ،وإن آﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ﺳﺒﺐ ﺷﻚّ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ،إﻻّ أﻧّﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﻔﻲ اﻟﻌﺼﻤﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ إﻋﻼن اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺟﻤﻌﺎء ﺗﻌﻠﻴﻤًﺎ دﻳﻨﻴًّﺎ أو ﻋﻘﻴﺪة إﻳﻤﺎﻧﻴّﺔ ﻳﻠﺰم اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻬﺎ. هﺬﻩ اﻟﻌﻴﻮب واﻟﻨﻘﺎﺋﺺ ﺗﺸﺒﻪ ﻧﻘﺎﺋﺺ ﺑﻄﺮس ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻧﻜﺮ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻗﺎﺋﻼً :ﻻ أﻋﺮف هﺬا اﻟﺮﺟﻞ! وﻋﻨﺪﻣﺎ آﺎن ﺑﻄﺮس ﺟﺎﻟﺴًﺎ ﻣﻊ اﻷﻣﻢ أي ﻣﻊ ﻏﻴﺮ اﻟﻴﻬﻮد ﻳﺄآﻞ ﻓﻠﻤّﺎ ﺟﺎء ﺑﻮﻟﺲ اﻧﺴﺤﺐ ﻟﺌﻼ ﻳﺸﻜّﻚ اﻟﻴﻬﻮد اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻊ ﺑﻮﻟﺲ ﻓﻼﻣﻪ ﺑﻘﺴﺎوة ﻗﺎﺋﻼً :آﻴﻒ أﻧﺖ اﻟﻴﻬﻮديّ ﺗﻌﻴﺶ ﻋﻴﺶ اﻷﻣﻢ وﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد أن ﻻ ﻳﻌﻴﺸﻮا ﻋﻴﺶ اﻷﻣﻢ؟! وﻣﺎ آﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻓﻲ ﺣﻖّ اﻟﺒﺎﺑﺎوات واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻴﺲ آﻞّ ذﻟﻚ ﺣﻘﻴﻘﻲّ .ﻷنّ اﻟﺨﺼﻢ ﻳﻜﺘﺐ داﺋﻤًﺎ ﺿﺪّ ﺧﺼﻤﻪ أﻣﻮرًا آﺜﻴﺮة ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻴﺤﺔ أو ﻣﺒﺎﻟﻎ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺘﺸﻮﻳﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ...
٢٧٧
اﺧﺘﻼف اﻷدﻳﺎن ﻧﺮى اﻟﺒﺸﺮ ﻳﺘﺒﻌﻮن أدﻳﺎﻧًﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وآﻞّ ﻳﺪّﻋﻲ أنّ دﻳﻨﻪ هﻮ اﻟﺼﺤﻴﺢ .ﻓﻬﻞ ﻳُﻌﻘﻞ أن ﺗﻜﻮن آﻞّ اﻷدﻳﺎن ﻣﻦ اﷲ وﺻﺤﻴﺤﺔ؟ وهﻞ ﻳﻌﻘﻞ انّ اﷲ هﻮ اﻟﺬي وﺿﻌﻬﺎ؟ ﻓﺈذا ﻗﻠﻨﺎ أنّ آﻞّ اﻷدﻳﺎن هﻲ ﺻﺤﻴﺤﺔ وهﻲ ﻣﻦ اﷲ وهﻮ اﻟﺬي وﺿﻌﻬﺎ ﻧﻜﻮن ﻧﺴﺒﻨﺎ إﻟﻰ اﷲ إﺷﺎﻋﺔ اﻟﺒﻠﺒﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس وﺣﺎﺷﺎ اﷲ ﻣﻦ ذﻟﻚ. إنّ هﺬﻩ اﻷدﻳﺎن ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀًﺎ .ﻓﻬﺬا ﻳﻨﻬﻰ ﻋﻤّﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﻪ ذاك .وذاك ﻳﺄذن ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺮﻣﻪ هﺬا .ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﻘﻞ أنّ اﷲ اﻟﺬي هﻮ اﻟﻌﺪل واﻟﺼﺪق ﺑﺎﻟﺬات ﻳﺤﺮّم ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺾ اﻟﻄﻼق وﺗﻌﺪّد اﻟﺰوﺟﺎت وﻳﺴﻤﺢ ﻟﻐﻴﺮهﻢ ﺑﺎﻟﻄﻼق وﺗﻌﺪّد اﻟﺰوﺟﺎت؟ وآﻴﻒ ﻳﻮﺣﻲ إﻟﻰ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺄنّ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ هﻮ اﷲ ذاﺗﻪ ،وﻳﻮﺣﻲ ﻟﻐﻴﺮهﻢ ﺑﺄنّ ﻳﺴﻮع هﻮ ﻧﺒﻲ ﻓﻘﻂ؟ وأﻣﻮر آﺜﻴﺮة ﺗﺘﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ اﻷدﻳﺎن اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ .ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﻌﻘﻞ ﻳﺆآّﺪ ﻟﻨﺎ أﻧّﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن آﻞّ هﺬﻩ اﻷدﻳﺎن ﻣﻦ اﷲ ﺑﻞ إنّ إﺣﺪاهﺎ ﻣﻦ اﷲ واﻟﺒﻘﻴّﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ. ﺛﻢّ ﻟﻮ ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ذاﺗﻪ ﻟﺮأﻳﻨﺎﻩ ﻣﺬاهﺐ ﻣﺘﻌﺪّدة ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .آﺎﺛﻮﻟﻴﻚ وﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ وﺷﻬﻮد ﻳﻬﻮﻩ وﻏﻴﺮهﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺬاهﺐ وآﻞّ ﻳﺪّﻋﻲ أنّ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ .ﻓﻬﻞ ﻳﻌﻘﻞ أنّ اﷲ ﻗﺪ أوﺣﻰ ﺑﻜﻞّ هﺬﻩ اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ؟ آﻼّ وإﻻّ ﻓﻴﻜﻮن اﷲ ﻣﺒﻠﺒﻼً .هﻞ ﻳﻌﻘﻞ أنّ اﷲ ﻳﻮﺣﻲ إﻟﻰ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﺑﺴﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن وﺳﺮّ اﻻﻋﺘﺮاف وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﺳﺮار وﻳﻮﺣﻲ إﻟﻰ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﺑﺄنّ ﻟﻴﺲ ﻗﺮﺑﺎن وﻟﻴﺲ اﻋﺘﺮاف وﻟﻴﺲ أﺳﺮار. وإﻟﻰ ﺷﻬﻮد ﻳﻬﻮﻩ ﺑﺄنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻴﺲ إﻟﻪ ﻓﺎﻟﻌﻘﻞ ﻳﺆآّﺪ ﻟﻨﺎ ﺑﺄنّ اﷲ ﺻﺎدق وﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻌﻠّﻢ دﻳﻨًﺎ واﺣﺪًا ﻓﻘﻂ ﻟﻜﻞّ اﻟﺒﺸﺮ .إنّ اﷲ واﺣﺪ ودﻳﻨﻪ واﺣﺪ.
٢٧٨
اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪﻩ اﷲ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻪ وﻳﺜﺒﺘﻪ ﺑﻌﺠﺎﺋﺐ وﺁﻳﺎت واﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻪ اﷲ ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻪ ﺑﻞ هﻮ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ. ﻗﺪ ﺷﻬﺪ اﷲ ﻟﻠﻌﻬﺪﻳﻦ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺠﺪﻳﺪ .ﻓﺎﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ هﻮ ﻣﻦ ﺁدم إﻟﻰ اﻟﻤﺴﻴﺢ .واﻟﻌﻬﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻳﺒﺪأ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ وﻗﺪ أﺛﺒﺘﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ واﻵﻳﺎت .وﻗﺎل ﻟﻬﻢ ذات ﻳﻮم :إن ﻟﻢ ﺗﺆﻣﻨﻮا ﺑﻲ ﻓﺂﻣﻨﻮا ﺑﺎﻵﻳﺎت اﻟﺘﻲ اﻋﻤﻠﻬﺎ )ﻳﻮ .(٣٧ :١٠وآﺬﻟﻚ رﺳﻠﻪ ﻋﻤﻠﻮا ﻋﺠﺎﺋﺐ وﺁﻳﺎت وﻻ ﻳﺰال اﺟﺘﺮاح اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﻓﻲ آﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ هﺬا. وﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺷﻬﺪ اﷲ ﻹﺑﺮاهﻴﻢ وإﺳﺤﻖ وﻳﻌﻘﻮب وﻟﻸﻧﺒﻴﺎء ،وآﺎن ﻣﻮﺳﻰ ﻳﻠﻘّﻦ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﺎ ﻳﺘﻠﻘّﻨﻪ ﻣﻦ اﷲ .وآﺎن اﻟﻴﻬﻮد ﺷﻌﺐ اﷲ اﻟﺨﺎص ﻳﺮﻋﺎهﻢ اﷲ ﺑﻌﻴﻦ ﻳﻘﻈﻰ .ﻓﻘﺪ أﺧﺮﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺠﺎﺋﺐ وﻗﻮى ،وﻗﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳّﺔ ﻣﺪّة أرﺑﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﺑﺎﻟﻤﻦّ واﻟﺴﻠﻮى ﻳﻨـﺰﻟﻬﻤﺎ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء. وأرﺳﻞ إﻟﻴﻬﻢ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻓﻜﺎﻧﻮا ﻳﺮﺷﺪوﻧﻬﻢ ﺑﺤﺴﺐ أواﻣﺮ اﷲ .وﻗﺪ وﻋﺪ اﷲ ﺷﻌﺒﻪ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﻤﺨﻠّﺺ ،ﻓﻮﻟِﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻣﻨﻬﻢ وﻋﺎش وﻣﺎت ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،ﻓﻠﻢ ﻳﺆﻣﻨﻮا ﺑﻪ .ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﻪ ﺳﻤّﻮا ﻣﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻤﺴﻴﺢ. ﻟﻤﺎذا ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ؟ ﻟﻢ ﻳﺆﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ ﻷﻧّﻬﻢ آﺎﻧﻮا ﻳﺮﻳﺪوﻧﻪ ﻣﻠﻜًﺎ أرﺿﻴًّﺎ ﺟﺒّﺎرًا ﻳﻄﺮد اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴّﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﻼدهﻢ وﻳﺠﻌﻠﻬﻢ ﻣﺴﺘﻘﻠّﻴﻦ ،وﻳﻔﺘﺘﺢ ﻟﻬﻢ اﻟﻤﻤﺎﻟﻚ وﻳﺠﻌﻠﻬﻢ أﺳﻴﺎدًا ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﻮب .هﺬا أ ّوﻻً .وﺛﺎﻧﻴًﺎ ﻷنّ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻓﻀﺎﺋﻠﻪ آﺎﻧﺖ ﺗﺸﺠﺐ ﺷﺮورهﻢ ورذاﺋﻠﻬﻢ .وآﺎن اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻳﻮﺑّﺦ اﻟﺮؤﺳﺎء واﻟﻌﻈﻤﺎء وﻳﻨﺪّد ﺑﺘﺼﺮّﻓﺎﺗﻬﻢ اﻟﻤﻌﻮﺟّﺔ. ﻓﺤﺴﺒﻪ اﻟﺮؤﺳﺎء ﻣﻨﺎوﺋًﺎ ﻟﻬﻢ وﻟﺴﻠﻄﺘﻬﻢ وﻣﺒﻌﺪًا اﻟﺸﻌﺐ ﻋﻨﻬﻢ .ﻓﻬﺎﺟﻮا ﻋﻠﻴﻪ وﺣﺮّآﻮا اﻟﺸﻌﺐ ﺿﺪّﻩ وﺛﻠﺒﻮﻩ واﺗّﻬﻤﻮﻩ زورًا وأﻣﺎﺗﻮﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﻴﺐ.
٢٧٩
اﻋﺘﺮاض ﻳﻘﻮﻟﻮن :ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﷲ ﻳﺮﻳﺪ اﻷدﻳﺎن اﻟﻜﺜﻴﺮة ﻟﻤﺎ آﺎﻧﺖ اﻣﺘﺪّت واﻧﺘﺸﺮت. ج :إنّ اﻧﺘﺸﺎر اﻷدﻳﺎن اﻟﻜﺜﻴﺮة ﻻ ﻳﻨﺴﺐ إﻟﻰ إرادة اﷲ ﺑﻞ إﻟﻰ ﺣﺮﻳّﺔ اﻹﻧﺴﺎن وإرادﺗﻪ ،ﻷنّ اﷲ ﻗﺪ أﻋﻄﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﺮﻳّﺔ وﻻ ﻳﺮﺟﻊ ﻋﻦ ﻋﻄﻴّﺘﻪ وﻻ ﻳﻨـﺰﻋﻬﺎ ﻣﻨﻪ .أﻣّﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻴﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺴﺘﺨﺪم ﻋﻄﻴّﺔ اﷲ ،اﻟﺘﻲ هﻲ اﻟﺤﺮﻳّﺔ ،ﻟﻠﺨﻴﺮ أم ﻟﻠﺸﺮّ ،ﻹﺗﻤﺎم إرادة اﷲ ﺧﺎﻟﻘﻪ أو ﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ إرادﺗﻪ ووﺻﺎﻳﺎﻩ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ،وإﻻّ ﻟﻤﺎ آﺎن ﻷﻋﻤﺎل اﻟﺒﺸﺮ اﺳﺘﺤﻘﺎق. ﻓﺎﻟﻴﻬﻮد اﻟﺬﻳﻦ رأوا اﻟﻤﺴﻴﺢ وﺳﻤﻌﻮا ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ وﺷﺎهﺪوا ﻋﺠﺎﺋﺒﻪ آﺎﻧﻮا أﺣﺮارًا أن ﻳﺆﻣﻨﻮا ﺑﻪ أو ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮا .وآﻞّ إﻧﺴﺎن ﻣﻨّﺎ هﻮ ﺣﺮّ أن ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ أو ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ،هﻮ ﺣﺮّ أن ﻳﺒﺘﺪع ﺗﻌﻠﻴﻤًﺎ ﺿﺪّ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻳﻔﺴّﺮ آﻼم اﻟﻤﺴﻴﺢ آﻤﺎ ﻳﺸﺎء دون اﻟﺘﻘﻴّﺪ ﺑﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻨﺎﺋﺐ اﻟﺬي أﻗﺎﻣﻪ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻟﻴﻌﻠّﻢ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ وﻳﻨﺸﺮ أﻗﻮاﻟﻪ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺳﻠﻴﻤﺔ. ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ أﺻﻨﻊ اﻟﺸﺮّ آﺎن أﻗﺘﻞ ﻏﻴﺮي ﻓﺎﷲ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ هﺬا اﻟﺸﺮّ ﺑﻞ ﻳﻨﻬﺎﻧﻲ ﻋﻨﻪ ﺑﻮﺻﻴّﺘﻪ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ :ﻻ ﺗﻘﺘﻞ .وآﺎن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ أن ﻳﻤﺴﻚ ﻳﺪي ﻋﻦ اﻟﻘﺘﻞ وﻟﻜﻨّﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻳﺘﻲ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﺎﻧﻴﻬﺎ وﻻ ﻳﺴﺘﺮﺟﻌﻬﺎ ﻣﻨﻲ ،وﺳﻤﺎﺣﻪ ﺑﺄن أﺻﻨﻊ اﻟﺸﺮّ ﻻ ﻳﻌﻴﺐ ﻗﺪاﺳﺘﻪ ﻷﻧّﻲ أﻧﺎ اﻟﺬي ﻗﺪ ﺻﻨﻌﺖ اﻟﺸﺮّ. إنّ اﷲ ﻗﺪ أﻋﻄﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﺮﻳّﺔ وﻳﻮم اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ﻳﻨﺎﻗﺸﻪ اﻟﺤﺴﺎب ﻋﻦ آﻴﻔﻴّﺔ ﺗﺼﺮّﻓﻪ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻌﻄﻴّﺔ .وهﺬﻩ اﻟﻌﻄﻴّﺔ أي اﻟﺤﺮﻳّﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ أﻋﻤﺎل اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻣﺴﺘﺤﻘّﺔ اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة وأﻋﻤﺎﻟﻪ اﻟﺸﺮﻳﺮة ﻣﺴﺘﺤﻘّﺔ اﻟﻌﻘﺎب.
٢٨٠
أﻟﻌﻞّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺗﺠﺰّأ؟ ﻳﻮ ،آﻮ١٣-١ : إنّ اﻧﺸﻘﺎق اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ واﺧﺘﻼف ﻣﺬاهﺒﻬﻢ ،آﺎﺛﻮﻟﻴﻚ وأرﺛﻮذآﺲ وﺑﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ ،هﻮ رﻣﺢ ﻳﻄﻌﻦ ﻗﻠﺐ ﻳﺴﻮع وﺳﻬﻢ ﻳﺨﺮق ﺻﺪرﻩ ،ﻷنّ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أراد أن ﻳﻜﻮن آﻞّ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ واﺣﺪًا ﺑﺈﻳﻤﺎﻧﻬﻢ وﻋﻘﺎﺋﺪهﻢ وﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻬﻢ .ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻮن ﻣﺘّﺤﺪﻳﻦ آﻌﺎﺋﻠﺔ آﺒﻴﺮة ﻣﺆﻟّﻔﺔ ﻣﻦ أﻓﺮاد آﺜﻴﺮﻳﻦ ﻟﻬﺎ أب واﺣﺪ ،وآﺒﻨﺎء ﻋﻈﻴﻢ ﻣﺮآّﺐ ﻣﻦ ﺣﺠﺎرة آﺜﻴﺮة ﻟﻪ أﺳﺎس واﺣﺪ ،وآﺠﺴﻢ ﻓﻴﻪ أﻋﻀﺎء آﺜﻴﺮون ﻟﻪ رأس واﺣﺪ .ﻓﻬﺬﻩ اﻟﻮﺣﺪة ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﻗﺪ أرادهﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وﺻﻠّﻰ ﻷﺑﻴﻪ ﻣﻦ أﺟﻠﻬﺎ ﻗﺎﺋﻼً :أﺳﺄﻟﻚ ﻳﺎ أﺑﺖِ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا واﺣﺪًا آﻤﺎ أﻧّﻲ وأﻧﺎ وأﻧﺖ واﺣﺪ )ﻳﻮ .(١١ :١٧ ﻓﺈرادة ﻳﺴﻮع إذًا هﻲ وﺣﺪة اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ .ﻓﻤﻦ ﻳﺨﺎﻟﻒ هﺬﻩ اﻟﻮﺣﺪة ﻳﺨﺎﻟﻒ إرادة ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ .وﻣﻦ ﻳﺨﺎﻟﻒ إرادة ﻳﺴﻮع ﻳﺸﺠﺒﻪ ﻳﺴﻮع ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ .ﻷﻧّﻪ ﻗﺎل :ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻨﻲ ﻳﺤﻔﻆ آﻠﻤﺘﻲ آﻤﺎ أﻧّﻲ ﺣﺎﻓﻆ وﺻﻴّﺔ أﺑﻲ )ﻳﻮ .(٢٣ :١٤ ﻓﺈذا اﻧﺘﻔﺖ وﺣﺪة اﻹﻳﻤﺎن واﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ ﺗﺸﻮّﻩ وﺟﻪ اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻇﻬﺮ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﻣﺒﻠﺒﻼً ﻣﻀﻠّﻼً .ﻓﺈذا آﺎن اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ ﻳﺒﺸّﺮ ﺑﺴﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن وﺑﺴﺮّ اﻻﻋﺘﺮاف وﺑﺬﺑﻴﺤﺔ اﻟﻘﺪّاس وﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﺮار ،واﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻲ ﻳﺒﺸّﺮ ﺑﻨﻘﺾ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار، ﻓﺴﺎﻣﻊ اﻟﺘﺒﺸﻴﺮ ﻳﻘﻒ ﺣﺎﺋﺮًا ﻟﻠﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﺤﺎﺻﻞ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻤﺴﻴﺢ وﻳﻈﻬﺮ ﻟﻪ وﺟﻪ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻣﺸ ّﻮهًﺎ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀًﺎ. إنّ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻳﺘﺸﻜّﻜﻮن ﻣﻦ هﺬا اﻻﻧﻘﺴﺎم وﻳﻨﺴﺒﻮﻧﻪ إﻟﻰ ﺗﻌﺼّﺐ اﻟﺮؤﺳﺎء وﻣﻄﺎﻣﻌﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻّﺔ.
٢٨١
إن هﺬﻩ اﻟﻨﺴﺒﺔ هﻲ ﺣﻘﻴﻘﻴّﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺮؤﺳﺎء اﻟﺬﻳﻦ اﻧﻔﺼﻠﻮا وﻓﺼﻠﻮا رﻋﻴّﺘﻬﻢ ﻋﻦ وﺣﺪة اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ،ﻣﺜﻞ ﻧﺴﻄﻮر وﺁرﻳﻮس وأوﻃﻴﺨﺎ اﻟﺬﻳﻦ أﻧﻜﺮوا ﺑﻌﺾ ﻋﻘﺎﺋﺪ دﻳﻨﻴّﺔ وﻟﻢ ﻳﺮﻳﺪوا أن ﻳﺨﻀﻌﻮا ﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ واﻧﻔﺼﻠﻮا ﻋﻨﻬﺎ .وﻣﺜﻞ ﻓﻮﺗﻴﻮس أﺻﻞ اﻧﺸﻘﺎق اﻷرﺛﻮذآﺲ اﻟﺬي اﻧﻔﺼﻞ ﻋﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻣﻊ أﺳﺎﻗﻔﺘﻪ وادّﻋﻰ أنّ ﺑﺎﺑﺎ روﻣﻴﺔ ﻟﻴﺲ هﻮ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ،واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴّﺔ ﻗﺪ ﺳﺎﻋﺪت ﻋﻠﻰ هﺬا اﻻﻧﻔﺼﺎل!! ﻣﻊ أنّ رﺋﺎﺳﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺟﻤﻌﺎء آﺎن ﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺣﺪ ﻋﺸﺮ ﺟﻴﻼً وآﺎن آﻞّ أﺳﺎﻗﻔﺔ اﻟﺸﺮق واﻟﻐﺮب ﻗﺪ أﻗﺮّوا ﻟﺒﺎﺑﺎ روﻣﻴﺔ ﺑﺎﻟﺮﺋﺎﺳﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وأﺛﺒﺘﻮا ذﻟﻚ ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ ﻣﺴﻜﻮﻧﻴّﺔ. إنّ رﺋﺎﺳﺔ ﺑﺎﺑﺎ روﻣﻴﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺑﺈرادة اﻟﻤﺴﻴﺢ وﺗﺮﺗﻴﺒﻪ اﻹﻟﻬﻲّ .إذ أنّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻗﺪ أﻗﺎم ﺑﻄﺮس رﺋﻴﺴًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺳﻞ وﻋﻠﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺟﻤﻌﺎء اﻟﺘﻲ أﺳّﺴﻬﺎ .واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس ﻣﺎت ﻓﻲ آﺮﺳﻲ أﺳﻘﻔﻴّﺔ روﻣﻴﺔ ،ﻓﺎﻷﺳﻘﻒ اﻟﺬي ﻳﺨﻠﻔﻪ ﻋﻠﻰ آﺮﺳﻲ روﻣﻴﺔ ﻳﻜﻮن هﻮ ﺧﻠﻴﻔﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس وﻧﺎﺋﺐ اﻟﻤﺴﻴﺢ ورﺋﻴﺲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺟﻤﻌﺎء .وهﺬا ﻗﺪ ﻣﺎرﺳﻪ ﺑﺎﺑﺎ روﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺟﻤﻌﺎء ﻣﻨﺬ ﻋﻬﺪ اﻟﺮﺳﻞ .إذ أنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ داﺋﻤًﺎ آﺎﻧﺖ ﺗﻠﺠﺄ إﻟﻰ ﺑﺎﺑﺎ روﻣﻴﺔ ﻟﺤﻞّ اﻟﻤﺸﺎآﻞ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ .وﺣﺪث أن آﺎن ﻳﻮﺣﻨّﺎ اﻟﺮﺳﻮل ﻟﻢ ﻳﺰل ﻓﻲ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﺘﺠﺄت آﻨﻴﺴﺔ أﻧﻄﺎآﻴﺔ إﻟﻰ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﻄﺮس ﻓﻲ روﻣﻴﺔ. ﻓﺈذًا ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺘﻌﺼّﺐ إﻟﻰ آﻞّ اﻟﺮؤﺳﺎء .ﻓﺎﻟﺮؤﺳﺎء اﻟﺬﻳﻦ هﻢ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻨﺴﺐ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﺘﻌﺼّﺐ ﺑﻞ ﻳﻜﻮن ﺛﺒﺎﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺒﺪأهﻢ ﺗﻤﺴّﻜًﺎ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .واﻟﺘﻤﺴّﻚ
٢٨٢
ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻴﺲ ﺗﻌﺼّﺒًﺎ ﺑﻞ ﻃﺎﻋﺔ ﻟﻠﺮبّ ﻳﺴﻮع .أﻣّﺎ ﺗﺮك اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻬﻮ ﺗﻌﺼّﺐ أﻋﻤﻰ ﻳُﺪان ﻋﻠﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن أﻣﺎم اﷲ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ. أﻣّﺎ اﻟﺮؤﺳﺎء اﻟﺤﺎﻟﻴّﻴﻦ ﻟﻠﺮوم اﻷرﺛﻮذآﺲ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺧﻼف ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑﻴﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻴﺪة واﻷﺳﺮار إﻻّ ﺑﻤﺎ ﻳﺨﺺّ رﺋﺎﺳﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ ،ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻨﺴﺐ إﻟﻴﻬﻢ اﻟﺘﻌﺼّﺐ ١أﻳﻀًﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻧﻔﺼﺎﻟﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻟﻈﻨّﻬﻢ أنّ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﻢ. ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ أﺟﻤﻊ أن ﻳﺼﻠّﻮا ﻟﻴﺠﻌﻞ اﷲ اﻟﻮﺣﺪة ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻟﺘﺼﻴﺮ اﻟﺮﻋﻴّﺔ واﺣﺪة ﻟﺮاعٍ واﺣﺪ آﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع.
-١ﻷﻧّﻬﻢ ﻗﺒﻠﻮا اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﻋﻦ ﺳﻠﻔﺎﺋﻬﻢ .وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻟﻬﻢ ﺣﺠّﺔ ﺑﺬﻟﻚ .وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻟﻬﻢ ﺣﺠّﺔ أﻳﻀًﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻧﻔﺼﺎﻟﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻟﻈﻨّﻬﻢ أنّ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺠﺎﻧﺒﻬﻢ.
٢٨٣
آﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴّﺔ ﻣﻘﺪّﻣﺔ :إنّ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻳﺪّﻋﻮن أﻧّﻬﻢ آﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴّﺔ وآﺬﻟﻚ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ .ﻓﺄيّ آﻨﻴﺴﺔ هﻲ آﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴّﺔ؟ ﻓﻼ ﺑﺪّ ﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴّﺔ ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎت ﺧﺎﺻّﺔ ﺗﻤﻴّﺰهﺎ. ﻓﺎﻟﻤﺴﻴﺢ ﺳﻠّﻢ اﻟﺮﺳﻞ ﺗﺪﺑﻴﺮ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وأﺳّﺴﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ وأﻗﺎم ﻟﻬﺎ رﺋﻴﺴًﺎ ﺛﺎﺑﺘًﺎ ﻋﻨﻪ .ﻓﻴﺠﺐ إذًا أن ﺗﻜﻮن آﻨﻴﺴﺘﻪ رﺳﻮﻟﻴّﺔ. اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ واﺣﺪ واﻟﺪﻳﻦ اﻟﺬي أﺳّﺴﻪ واﺣﺪ واﻹﻳﻤﺎن اﻟﺬي أﻣﺮ ﺑﺎﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﻪ واﺣﺪ .ﻓﺈذًا ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن آﻨﻴﺴﺘﻪ واﺣﺪة أﻳﻀًﺎ. اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻗﺪّوس وﻣﻘﺪّس اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﻪ ،وﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻗﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻣﺜﻠﻪ ،ﻓﺈذًا ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن آﻨﻴﺴﺘﻪ ﻣﻘﺪّﺳﺔ أﻳﻀًﺎ. اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻳﺮﻳﺪ ﺧﻼص آﻞّ اﻟﺒﺸﺮ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﺟﻨﺎﺳﻬﻢ وﺷﻌﻮﺑﻬﻢ وﺑﻠﺪاﻧﻬﻢ وﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻌﺮﻓﻪ اﻟﺠﻤﻴﻊ وأن ﻳﺼﻞ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ إﻟﻰ آﻞّ اﻷﻣﻢ واﻟﺸﻌﻮب ،ﻓﺈذًا ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن آﻨﻴﺴﺘﻪ ﺟﺎﻣﻌﺔ. ﻓﻌﻼﻣﺎت آﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴّﺔ هﻲ إذًا أرﺑﻊ: رﺳﻮﻟﻴّﺔ – واﺣﺪة – ﻣﻘﺪّﺳﺔ – ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﻬﺬﻩ اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻷرﺑﻊ ﻧﺠﺪهﺎ آﻠّﻬﺎ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ .ﻓﻠﻮ ﻃﺎﻟﻌﻨﺎ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ﻟﺮأﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺪاﺳﺔ اﻟﺒﺎﺑﺎ اﻟﻤﺎﻟﻚ ﺳﻌﻴﺪًا إﻟﻰ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس اﻟﺬي أﻗﺎﻣﻪ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻋﻨﻪ رﺋﻴﺴًﺎ ﻟﻜﻨﻴﺴﺘﻪ ﺗﺴﻠﺴﻼً ﻻ اﻧﻘﻄﺎع ﻟﻪ. ﺪرًا ﻣﺘّﺼﻼً. ﻓﻬﻲ إذًا رﺳﻮﻟﻴّﺔ ﻣﺘﺤﺪّرة ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻞ ﺗﺤ ّ
٢٨٤
وهﻲ واﺣﺪة ﺑﺘﻌﺎﻟﻴﻤﻬﺎ وإﻳﻤﺎﻧﻬﺎ وأﺳﺮارهﺎ ورﺋﺎﺳﺘﻬﺎ آﻤﺎ أراد اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع اﻟﺬي ﺻﻠّﻰ ﻷﺑﻴﻪ ﻗﺎﺋﻼً :ﺑﺎ أﺑﺖِ اﺟﻌﻠﻬﻢ واﺣﺪًا آﻤﺎ أﻧﺎ وأﻧﺖ واﺣﺪ. وهﻲ ﻣﻘﺪّﺳﺔ :ﻓﻴﻬﺎ أﺳﺮار ﻣﻘﺪّﺳﺔ :ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن ،ﺳ ّﺮ اﻟﺘﻮﺑﺔ ،اﻟﻘﺪّاس وﺑﺎﻗﻲ اﻷﺳﺮار اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪّس اﻟﻨﻔﻮس ،ﻣﻘﺪّﺳﺔ ﺑﻘﺪّﻳﺴﻴﻬﺎ .ﻓﻜﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺛﺒﺘﺖ ﻗﺪاﺳﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ أﺟﺮاهﺎ اﷲ ﺑﻮاﺳﻄﺘﻬﻢ وﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻷﺟﻴﺎل ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪّﻳﺴﻮن وﻋﺠﺎﺋﺐ. وهﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ :أي ﺗﻀﻢّ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻌﻮب واﻷﻣﻢ واﻷﺟﻨﺎس واﻟﻤﻤﺎﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﻣﻨﺘﺸﺮة ﻓﻲ أرﺑﻌﺔ أﻗﻄﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ. ﻓﻬﺬﻩ اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻷرﺑﻊ ﻧﺠﺪهﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ. ﻓﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴّﺔ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻌﻼﻣﺎت .ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ وﺣﺪة ﻷﻧّﻬﺎ ﻣﻨﻘﺴﻤﺔ إﻟﻰ آﻨﺎﺋﺲ ﻣﺘﻌﺪّدة .واﻟﺮﺋﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ أﺳﺎس اﻟﻮﺣﺪة ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻴﻬﺎ وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ وﺣﺪة اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺑﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻌﺎﻟﻴﻢ آﺜﻴﺮة ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺔ. وﻟﻴﺴﺖ رﺳﻮﻟﻴّﺔ ﻷﻧّﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﺤﺪّرة ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻞ ،ﻓﻘﺪ وﻟﺪت ﻓﻲ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ .وﻟﻴﺴﺖ ﻣﻘﺪّﺳﺔ ﻷنّ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ أﺳﺮار ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻟﻨﻔﻮس .ﻻ ﻗﺮﺑﺎن وﻻ اﻋﺘﺮاف وﻻ ذﺑﻴﺤﺔ وﻻ ﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﺮار اﻟﺘﻲ رﺳﻤﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﺘﻘﺪﻳﺲ اﻟﻨﻔﻮس ،وﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪّﻳﺴﻮن أﺛﺒﺖ اﷲ ﻗﺪاﺳﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ. اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ :ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ أن ﻳﺜﺒﺖ ﻓﻲ ﻣﺬهﺒﻪ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲ ﻟﻜﻲ ﻳﺨﻠﺺ ،وأن ﻳﺼﻠّﻲ ﻷﺟﻞ إﺧﻮاﻧﻨﺎ ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ .وأن ﻳﻤﺎرس ﻧﺤﻮهﻢ اﻟﻤﺤﺒّﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :أﺣﺒﺐ ﻗﺮﻳﺒﻚ آﻨﻔﺴﻚ .ﻳﻌﺮف اﻟﺠﻤﻴﻊ أﻧّﻜﻢ ﺗﻼﻣﻴﺬي إذا آﺎن ﻓﻴﻜﻢ ﺣﺐّ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺑﻌﻀًﺎ.
٢٨٥
اﷲ واﺣﺪ واﻟﺒﺸﺮ إﺧﻮة ﻷنّ اﷲ ﺧﻠﻘﻬﻢ وإﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺑﺎﷲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن واﺣﺪًا ﻧﺤﻦ اﻟﺒﺸﺮ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف أﺟﻨﺎﺳﻨﺎ وﺑﻠﺪاﻧﻨﺎ وﺷﻌﻮﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﺟﺒﻠﺔ واﺣﺪة .وآﻠّﻨﺎ إﺧﻮة ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻧﻴّﺔ ،وأﺻﻠﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﻣﻦ اﷲ ﻷﻧّﻪ هﻮ اﻟﺨﺎﻟﻖ واﻟﺤﺎﻓﻆ واﻟﻤﺪﺑّﺮ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ .واﷲ هﻮ واﺣﺪ ﻻ ﻳﺘﻐﻴّﺮ وﻻ ﻳﺘﺒﺪّل وﻻ ﻳﺘﺠﺰّأ .واﷲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ،واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ واﺣﺪة .ﻓﻼ ﺗﻜﻮن ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﻬﺬا وﻏﻴﺮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﺬاك .ﻓﻘﻄﻌﺔ اﻟﺬهﺐ هﻲ ذهﺐ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ .ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻓﻀّﺔ ﻟﻠﺒﻌﺾ وﺣﺪﻳﺪًا ﻟﻠﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ وﻗﺼﺪﻳﺮًا ﻟﻐﻴﺮهﻢ .واﷲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻳﺠﺐ أن ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺑﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺒﺸﺮ اﻋﺘﻘﺎدًا واﺣﺪًا ﺣﺴﺒﻤﺎ هﻮ ﻳﻮﺣﻴﻪ إﻟﻴﻬﻢ .ﻷنّ اﻟﺪﻳﻦ هﻮ ﻣﻦ اﷲ، وهﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻨﻪ ﻟﻠﺒﺸﺮ .وﻗﺪ أﻋﻠﻦ اﷲ إرادﺗﻪ ﻟﻤﻮﺳﻰ وﻋﻠّﻤﻪ وﺻﺎﻳﺎﻩ وأﻣﺮﻩ أن ﻳﻌﻠّﻤﻬﺎ ﻟﻠﺸﻌﺐ .وآﻠّﻢ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻣﺜﺒﺘًﺎ آﻼﻣﻪ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ﺛﻢّ ﻇﻬﺮ ﺑﺬاﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻻﺑﺴًﺎ ﺟﺴﺪﻧﺎ وﻋﻠّﻤﻨﺎ ﺣﻘﺎﺋﻖ دﻳﻨﻴّﺔ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ .ﻋﻠّﻤﻨﺎ آﻞّ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻌﻠّﻤﻨﺎ. وأﻗﺎم ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﻳﻮاﺻﻞ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ آﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ هﻮ أن ﻳﻌﻠّﻤﻪ .ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﺴّﻜﻮن ﺑﺘﻌﻠﻴﻤﻪ هﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺼﻨﻌﻮن إرادﺗﻪ اﻟﻘﺪّوﺳﺔ. إذا آﺎن ﻷب أوﻻد ،ﻓﺴﺄﻟﻨﺎهﻢ ﻋﻦ ﺻﻔﺎت أﺑﻴﻬﻢ ،ﻓﺄﺣﺪهﻢ ﻳﻘﻮل :أﺑﻲ ﻃﻮﻳﻞ اﻟﻘﺎﻣﺔ ﻣﺘﺠﺴّﻢ ﺟﺒّﺎر ﻋﺮﻳﺾ اﻷآﺘﺎف .واﻵﺧﺮ ﻳﻘﻮل :أﺑﻲ ﻗﺼﻴﺮ اﻟﻘﺎﻣﺔ ﻧﺤﻴﻒ اﻟﺠﺴﻢ .واﻵﺧﺮ ﻳﺼﻔﻪ ﺑﺨﻼف اﻻﺛﻨﻴﻦ .ﻓﻬﻞ ﻳﻌﻘﻞ أن ﻳﻜﻮن هﺬا اﻷب آﻤﺎ ﻳﺼﻔﻪ أوﻻدﻩ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀًﺎ؟ آﺬﻟﻚ ﻧﺤﻦ اﻟﺒﺸﺮ أﺑﻨﺎء اﷲ آﻞّ ﻣﻨّﺎ ﻳﺼﻔﻪ ﺑﺨﻼف اﻻﺛﻨﻴﻦ .ﻓﻬﻞ ﻳﻌﻘﻞ أن ﻳﻜﻮن هﺬا اﷲ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀًﺎ آﻤﺎ ﺗﺘﻨﺎﻗﺾ اﻋﺘﻘﺎداﺗﻨﺎ ﺑﻪ؟؟ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻌﺘﻘﺪ ﺑﺎﷲ آﻤﺎ أوﺣﻰ إﻟﻴﻨﺎ هﻮ وﻋﻠّﻤﻨﺎ أن ﻧﻌﺘﻘﺪ ﺑﻪ.
٢٨٦
اﻋﺘﺮاﺿﺎت اﻋﺘﺮاض أوّل :آﻞّ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ ﻳﺪّﻋﻲ أ ّ ن ﻣﺬهﺒﻪ هﻮ اﻟﺼﺤﻴﺢ وأﻧّﻪ ﻳﻌﻤﻞ إرادة اﷲ وأنّ اﷲ ﻗﺪ أوﺣﻰ إﻟﻴﻪ ﺑﺬﻟﻚ. اﻟﺠﻮاب :إنّ آﺜﺮة اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ هﻲ ﺷﻚّ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﺪًّا وﻗﺪ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ أن ﺗﻘﻊ اﻟﺸﻜﻮك، واﻟﻮﻳﻞ ﻟﻤﻦ ﺗﻘﻊ اﻟﺸﻜﻮك ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ .ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻤﺨﺘﺮﻋﻮ اﻟﻤﺬاهﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ اﻟﺬﻳﻦ أوﻗﻌﻮا اﻟﺒﻠﺒﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس دﻳﻨﻮﻧﺘﻬﻢ ﻋﻈﻴﻤﺔ. ﻓﻜﻤﺎ ﻳﻨﻘّﺐ ﻋﻦ اﻟﺬهﺐ واﻟﻤﻌﺎدن اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺮاب آﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻨﻘّﺐ ﻋﻦ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﺑﻴﻦ اﻷدﻳﺎن. واﻟﺪﻳﻦ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺆﺳّﺴﻪ هﻮ اﷲ .وﺛﺎﻧﻴًﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن اﷲ ﻗﺪ ﺷﻬﺪ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ .ﺛﺎﻟﺜًﺎ :إنّ ﻣﻦ ﻳﺪّﻋﻲ أﻧّﻪ ﻣﺮﺳَﻞ ﻣﻦ اﷲ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﻨـﺰهّﺔ ﻋﻦ اﻟﺪﻧﺎﻳﺎ وﻳﻜﻮن اﷲ ﻗﺪ ﺷﻬﺪ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ ،هﺬا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ آﻞّ ﻣﺒﺸّﺮ ﺑﺪﻳﻦ ﺟﺪﻳﺪ .ﻣﺜﻼً :ﻣﺆﺳّﺲ ﺷﻬﻮد ﻳﻬﻮﻩ ﺷﺎرل روﺳﻞ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﺗﺸﻬﺪ ﻟﻪ وﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻪ اﷲ ﺑﺄﻋﺠﻮﺑﺔ. ﻻ رﻳﺐ أﻧّﻪ ﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي وُﻟﺪ ﻓﻲ ﻣﺬهﺐ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺬهﺐ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ أن ﻳﻌﺮف أنّ ﻣﺬهﺒﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺼﺤﻴﺢ .ﻓﻌﻠﻴﻪ أن ﻳﻨﻘّﺐ آﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ وﻳﻄﺒّﻖ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ذآﺮﻧﺎهﺎ .ﻷنّ اﻟﺪﻳﻦ أﻣﺮ ﻣﻬﻢّ ﺟﺪًّا ﺗﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻌﺎدة اﻹﻧﺴﺎن اﻷﺑﺪﻳّﺔ أو ﺷﻘﺎؤﻩ اﻷﺑﺪيّ. إنّ اﻟﺪﻳﻦ هﻮ إرادة اﷲ وﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻔﺘّﺶ ﻋﻦ إرادة اﷲ وﻳﺼﻨﻌﻬﺎ آﻲ ﻳﺮﺿﻴﻪ.
٢٨٧
اﻋﺘﺮاض ﺛﺎﻧﻲ :إنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ﻣﺘﻌﺼّﺒﺔ ﻷﻧّﻬﺎ ﺗﺪّﻋﻲ أن ﻻ ﺧﻼص ﺧﺎرﺟًﺎ ﻋﻨﻬﺎ. اﻟﺠﻮاب :إنّ هﺬا اﻟﻜﻼم ﻟﻴﺲ آﻼم اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﻞ آﻼم اﻟﺮ ّ ب ﻳﺴﻮع اﻟﺬي أﺳّﺲ آﻨﻴﺴﺔ واﺣﺪة وأراد أن ﺗﻀﻢّ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻪ .ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﻗﺎل :ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ ﻓﻬﻮ آﻮﺛﻨﻲّ وﻋﺸﺎر )ﻣﺘّﻰ .(١٧ :١٨ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﺧﺎرﺟًﺎ ﻋﻦ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣﺨﺎﻟﻔﻴﻦ إرادة اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وﻣﻦ ﺧﺎﻟﻒ إرادة اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻳﺨﺎﻟﻔﻮن إرادة اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ وﺗﻌﻤّﺪ. واﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻻ ﺗﺪّﻋﻲ أنّ آﻞّ اﻟﺬﻳﻦ داﺧﻠﻬﺎ ﻳﺨﻠﺼﻮن وأنّ آﻞّ اﻟﺬﻳﻦ ﺧﺎرﺟًﺎ ﻋﻨﻬﺎ ﻳﻬﻠﻜﻮن ،ﺑﻞ ﺗﻌﻠّﻢ وﺗﻘﻮل :إنّ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ ﺗﺸﺒﻪ آﺎﺋﻨًﺎ ﺣﻴًّﺎ ﻣﺮآّﺒًﺎ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ وروح .ﻓﺠﺴﻤﻬﺎ ﻣﺆﻟّﻒ ﻣﻦ آﻞّ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ اﻟﺨﺎﺿﻌﻴﻦ ﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻄﺮس اﻟﺬي هﻮ ﻗﺪاﺳﺔ ﺳﻴّﺪﻧﺎ اﻟﺒﺎﺑﺎ .وروﺣﻬﺎ ﻣﺆﻟّﻒ ﻣﻦ آﻞّ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﺳﻮاء آﺎﻧﻮا آﺎﺛﻮﻟﻴﻚ أو ﻏﻴﺮ آﺎﺛﻮﻟﻴﻚ أو ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ .ﻳﻮﺟﺪ آﺎﺛﻮﻟﻴﻚ هﻢ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻟﻜﻨّﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮا ﻣﻦ روﺣﻬﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﺸﺮﻳﺮة وﺑﺈهﻤﺎﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻔﺮﺿﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ دﻳﺎﻧﺘﻬﻢ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴّﺔ .وﻳﻮﺟﺪ ﻏﻴﺮ آﺎﺛﻮﻟﻴﻚ وﻏﻴﺮ ﻣﺴﻴﺤﻴّﻴﻦ أﻳﻀًﺎ ﻟﻴﺴﻮا ﻣﻦ ﺟﺴﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻟﻜﻨّﻬﻢ ﻣﻦ روﺣﻬﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻬﻢ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ وهﻢ ﺳﺎﺋﺮون ﺣﺴﺐ ﺷﺮاﺋﻊ اﷲ ﻣﺘﺠﻨّﺒﻴﻦ آﻞّ ﺷﺮّ وﻓﺎﻋﻠﻴﻦ اﻟﺨﻴﺮ. ﻓﺎﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ روح اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻟﻴﺴﻮا ﻣﻦ ﺟﺴﻤﻬﺎ ﻳﺨﻠﺼﻮن إذا آﺎﻧﻮا ﻳﺠﻬﻠﻮن اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻲّ أو ﻳﺠﻬﻠﻮن اﻟﺘﺰاﻣﻬﻢ ﺑﺎﻋﺘﻨﺎﻗﻪ. واﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ اﻟﺬﻳﻦ هﻢ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ وﻟﻴﺴﻮا ﻣﻦ روﺣﻬﺎ ﻓﻼ ﻳﺨﻠﺼﻮن ﻷﻧّﻬﻢ ﻋﺎﺋﺸﻮن ﺑﺨﻼف ﺷﺮاﺋﻊ اﷲ وﺷﺮاﺋﻊ آﻨﻴﺴﺘﻪ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ. ﻓﺈذًا ﻟﻴﺲ آﻞّ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ ﻳﺨﻠﺼﻮن وﻟﻴﺲ ﻏﻴﺮ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ آﻠّﻬﻢ ﻳﻬﻠﻜﻮن .هﺬا هﻮ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ.
٢٨٨
آﻠﻤﺔ ﻋﻦ ﺷﻬﻮد ﻳﻬﻮﻩ واﻟﺴﺒﺘﻴّﻴﻦ إنّ ﺷﻬﻮد ﻳﻬﻮد واﻟﺴﺒﺘﻴّﻴﻦ وﻣﻦ ﺷﺎﺑﻬﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﻮﻓﻮن اﻷرض ﻳﺒﺸّﺮون وﻳﻮزّﻋﻮن اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻨﺸﺮات ،هﺆﻻء هﻢ اﻷﻧﺒﻴﺎء اﻟﻜﺬﺑﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺒّﻬﻨﺎ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :اﺣﺬروا اﻟﻜﺬﺑﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺗﻮﻧﻜﻢ ﺑﻠﺒﺎس اﻟﺤﻤﻼن وهﻢ ذﺋﺎب ﺧﺎﻃﻔﺔ. ﻓﻬﻢ ﻟﻴﺴﻮا ﻣﻨﺤﺪرﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻞ اﻟﺬﻳﻦ أﻗﺎﻣﻬﻢ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻨﺸﺮ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ .ﻓﻘﺪ ﻇﻬﺮوا ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ١٨٧٠ﺑﻌﺪ ﺗﺄﺳﻴﺲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺑﺄﺟﻴﺎل وأﺟﻴﺎل .ﻓﻬﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﻨﺒﺖ آﺎﻟﻔﺠﻞ؟ وﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ اﷲ إرﺳﺎﻟﻴّﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ آﻤﺎ أﺛﺒﺖ إرﺳﺎﻟﻴّﺔ اﻟﺮﺳﻞ ﺑﺎﻟﻌﺠﺎﺋﺐ. وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺣﻴﺎة ﻗﺪاﺳﺔ .ﻓﺸﺎرل روﺳﻞ ﻣﺆﺳّﺲ ﺷﻬﻮد ﻳﻬﻮﻩ ﻗﺪ أﻗﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺪّة دﻋﺎوي اﺣﺘﻴﺎل وﻗﺪ ﺳﺠﻦ ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ، وزوﺟﺘﻪ أﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ دﻋﻮى ﻃﻼق وﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻜﻤًﺎ ﺑﺎﻟﻨﻔﻘﺔ هﺮّب أﻣﻮاﻟﻪ. وﻳﺪّﻋﻲ أﻧّﻪ ﻃﺎﻟﻊ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﻋﺪّة ﻣﺮّات وﺣﻔﻈﻪ وﻓﻬﻤﻪ ﺟّﻴﺪًا وراح ﻳﺸﺮﺣﻪ وﻳﻔﺴّﺮﻩ ﺟﺎهﻼً أنّ ﺷﺮح اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﻳﺨﺘﺺّ ﺑﺎﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﺘﻲ وﻋﺪهﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺑﺄﻧّﻪ ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻬﺎ ﻟﺘﺸﺮح ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ .وآﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻓﻬﻤﻪ ﻟﻠﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس أﻧّﻪ أﻧﻜﺮ أهﻢّ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﻤﺴﻴﺤﻴّﺔ .أﻧﻜﺮ أﻟﻮهﻴّﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ – اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس – اﻻﻋﺘﺮاف – اﻟﻘﺪّاس ،وآﻞّ اﻷﺳﺮار اﻟﺘﻲ ﺑﻨﻈﺮﻩ هﻲ ﺧﺮاﻓﺎت .واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :إذا ﺑﺸّﺮآﻢ ﻣﻼك ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﺑﺸّﺮﻧﺎآﻢ ﺑﻪ ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻣﺤﺮوﻣًﺎ .ﻓﻬﻞ ﺷﺎرل روﺳﻞ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻼك ﺣﺘّﻰ ﻳﺸﺮح اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻤﻘﺪّس ﺑﺨﻼف ﺷﺮح اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ؟ هﺬا ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ آﺜﻴﺮ ﻋﻦ ﺷﻬﻮد ﻳﻬﻮﻩ ...أﻟﻬﻤﻬﻢ اﷲ اﻟﺼﻮاب!.. أﻣّﺎ اﻟﺴﺒﺘﻴّﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻈﺎهﺮون ﺑﺎﻟﻘﺪاﺳﺔ ﻓﻼ ﻳﺸﺮﺑﻮن ﻣﺴﻜﺮًا وﻻ دﺧﺎﻧًﺎ وﻻ ﻗﻬﻮة وﻻ ﻳﺄآﻠﻮن اﻟﻠﺤﻢ إﻻّ ﻧﺎدرًا وﻻ ﻳﻠﺒﺲ ﻧﺴﺎؤهﻢ
٢٨٩
إﻻّ اﻟﻠﺒﺲ اﻟﻤﺤﺘﺸﻢ وﻻ ﻳﺤﻀﺮون اﻟﻤﻼهﻲ اﻟﺨﻼﻋﻴّﺔ ﻓﻴﺘ ّ ﻢ ﻓﻴﻬﻢ ﻗﻮل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻠﻔﺮّﻳﺴﻴّﻴﻦ :اﻟﻮﻳﻞ ﻟﻜﻢ أﻳّﻬﺎ اﻟﻤﺮاؤون اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﺸّﺮون اﻟﻨﻌﻨﻊ واﻟﺴﺬاب وﺗﺘﻌﺪّون اﻟﺤﻜﻢ وﻣﺤﺒّﺔ اﷲ وآﺎن ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻜﻢ أن ﺗﺼﻨﻌﻮا هﺬﻩ وﻻ ﺗﺘﺮآﻮا ﺗﻠﻚ .آﺎن ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎﺑﻨﺎ اﻟﺴﺒﺘﻴّﻴﻦ أن ﻳﺤﻔﻈﻮا اﻷﺳﺮار اﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﻣﺜﻞ اﻻﻋﺘﺮاف واﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس واﻟﻘﺪّاس واﻟﻜﻬﻨﻮت وﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﺮار اﻹﻟﻬﻴّﺔ اﻟﺘﻲ رﺳﻤﻬﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع وأﻣﺮ ﺑﻬﺎ .وﻻ ﻳﺘﺮآﻮا اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻷآﻞ واﻟﺸﺮب واﻟﻠﺒﺲ .وهﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺗﻠﺰﻣﻨﺎ ﺑﺸﺮب اﻟﻤﺴﻜﺮ وﺑﺎﻟﻠﺒﺲ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺤﺘﺸﻢ؟ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ ﻓﺈﻧّﻬﺎ ﺗﺸﻴﺮ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﻘﻄﺎﻋﺔ واﻟﺼﻮم وﺑﺎﻟﻠﺒﺲ اﻟﻤﺤﺘﺸﻢ. هﺬا ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ آﺜﻴﺮ ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺘﻴّﻴﻦ ...أﻟﻬﻤﻬﻢ اﷲ اﻟﺼﻮاب! اﻟﻨﻌﻤﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪ :هﻲ هﺒﺔ ﻣﺠﺎﻧﻴّﺔ ﻳﻬﺒﻬﺎ اﷲ ﻟﻺﻧﺴﺎن آﺮﻣًﺎ وﺳﺨﺎء. آﻤﺎ وهﺒﻬﺎ أﺑﻮﻳﻨﺎ ﺁدم وﺣﻮاء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﻠﻘﻬﻤﺎ وﻟﻜﻨّﻬﻤﺎ ﺧﺴﺮاهﺎ ﺑﺨﻄﻴﺌﺘﻬﻤﺎ ،وآﻤﺎ ﻳﻬﺒﻬﺎ ﻟﻠﻄﻔﻞ ﺑﺎﻟﻌﻤﺎد اﻟﻤﻘﺪّس. وهﺬﻩ اﻟﻨﻌﻤﺔ ﺗﺨﻮّل اﻹﻧﺴﺎن ﺣﻖّ اﻟﺒﻨﻮّة ﷲ وﺣﻖّ اﻟﻤﻴﺮاث ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎء .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ اﻟﺬاﺗﻴّﺔ ﻣﻬﻤﺎ آﺎﻧﺖ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖّ ﺑﺪون اﻟﻨﻌﻤﺔ أن ﻳﻜﻮن اﺑﻨًﺎ ﷲ وﻻ أن ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻠﻜﻮت اﻟﺴﻤﺎء. ﻣﺼﺪر اﻟﻨﻌﻤﺔ هﻮ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت ﻳﺴﻮع اﻟﻔﺎدي ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن اﻟﺨﺎﻃﺊ ﻳﻨﺎل اﻟﺘﺒﺮﻳﺮ ﻣﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎﻩ ﺑﺎﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﺠﺎرﻳﺔ ﻣﻦ ﻳﻨﺒﻮع اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺘﻲ ﻳﻮزّﻋﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻄﺄة ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺳﺮّ اﻟﺘﻮﺑﺔ ،وﺑﺪون هﺬﻩ اﻻﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت ﻻ ﻳﻤﻜﻦ
٢٩٠
اﻟﺨﺎﻃﺊ أن ﻳﺘﺒﺮّر ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺼﻼح .ﻓﺸﺮّ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩ ﻷنّ اﻟﻤﻬﺎن إﻟﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩ .وﻋﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻬﻤﺎ آﺎن ﺻﺎﻟﺤًﺎ ﻓﻬﻮ ﻣﺘﻨﺎﻩ .إذًا ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻟﻠﺘﻜﻔﻴﺮ ﻋﻦ ﺷﺮّ ﻣﺘﻨﺎﻩ ﺗﻜﻔﻴﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎﻩ .وهﺬا هﻮ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ إﻻّ اﻹﻟﻪ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻨﺎهﻲ .ﻟﺬﻟﻚ اﻗﺘﻀﻰ ﻟﻠﺘﻜﻔﻴﺮ ﺗﻮﺳّﻂ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻹﻟﻪ. واﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺜﺨﻦ ﺑﺠﺮاح اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﺼﻼح ﻟﺬﻟﻚ اﻗﺘﻀﻰ ﻟﻪ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻣﻦ اﷲ ،ﻓﻐﻤﺮﻩ اﷲ ﺑﻨﻌﻤﺘﻪ وﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺗﻜﻮن اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻋﻮﻧًﺎ إﻟﻬﻴًّﺎ ﻳﻤﻴﻞ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ اﻟﺨﻴﺮ، وهﺬا اﻟﻌﻮن اﻹﻟﻬﻲّ ﻳﻘﻮّي اﻹرادة وﻳﻨﻴﺮ اﻟﻌﻘﻞ وﻳﺸﻌﻞ اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒّﺔ دون أن ﻳﻤﺲّ ﺷﺮف ﺣﺮﻳّﺘﻨﺎ. ﻓﻘﺪ اﻟﻨﻌﻤﺔ :ﻳﻔﻘﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻌﻤﺔ اﷲ ﺑﺎﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﻤﻤﻴﺘﺔ. وﻣﻦ ﻳﻔﻘﺪ ﻧﻌﻤﺔ اﷲ ﻳﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺣﺎل ﻋﺪاوة ﻣﻊ رﺑّﻪ وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻔﻘﺪ ﺣﻖّ اﻟﺒﻨﻮّة ﷲ وﺣﻖّ اﻟﻤﻴﺮاث اﻟﺴﻤﺎويّ وﺣﻖّ اﻟﻤﻜﺎﻓﺄة ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎﻟﻪ اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ. اﺳﺘﺮﺟﺎع اﻟﻨﻌﻤﺔ :ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺴﻌﻰ ﻻﺳﺘﻌﺎدة ﻧﻌﻤﺔ اﷲ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺳﺮّ اﻟﺘﻮﺑﺔ أي اﻻﻋﺘﺮاف ،وأن ﻳﺰﻳﺪهﺎ وﻳﻨﻤّﻴﻬﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ ﺗﻨﺎول اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس .ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻨﻌﻤﺔ ﺗﻜﻮن آﻞّ أﻋﻤﺎﻟﻪ وأﺗﻌﺎﺑﻪ وﺁﻻﻣﻪ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻴّﺔ أي ﻟﻬﺎ اﺳﺘﺤﻘﺎق وﻣﻜﺎﻓﺄة ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء. اﻟﻨﻌﻤﺔ ﺗﺰﻳّﻦ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺠﻤﺎل إﻟﻬﻲّ ﻳﺠﺬب اﷲ إﻟﻰ ﻣﺤﺒّﺘﻬﺎ وﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﺒﻬًﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻴﺢ .ﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل :أﻧﺘﻢ اﻟﺬﻳﻦ اﻋﺘﻤﺪﺗﻢ ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ ،ﻓﻘﺪ ﻟﺒﺴﺘﻢ اﻟﻤﺴﻴﺢ )ﻏﻼ .(٢٧ :٤
٢٩١
اﻟﻨﻌﻤﺔ ﺗﺼﻴّﺮﻧﺎ هﻴﺎآﻞ ﻟﻠﺮوح اﻟﻘﺪس وﻣﺴﻜﻨًﺎ ﻟﻠﺜﺎﻟﻮث اﻷﻗﺪس .ﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل :أﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮن أنّ أﺟﺴﺎدآﻢ هﻲ هﻴﺎآﻞ ﻟﻠﺮوح اﻟﻘﺪس )آﻮ (١٩ :٦وﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻨﻲ أﺑﻲ ﻳﺤﺒّﻪ وأﻧﺎ أﺣﺒّﻪ وإﻟﻴﻪ ﻧﺄﺗﻲ وﻋﻨﺪﻩ ﻧﺼﻨﻊ ﻣﻨـﺰﻻً )ﻳﻮ .(٢٣ :١٤ اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻣﺼﺪر ﻟﻨﻌﻢ آﺜﻴﺮة ﺗﻔﺎض ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ :ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟ ﱢﻨﻌَﻢ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻹﻟﻬﻴّﺔ :اﻹﻳﻤﺎن واﻟﺮﺟﺎء واﻟﻤﺤﺒّﺔ .واﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻷدﺑﻴّﺔ :اﻟﻔﻄﻨﺔ واﻟﻌﺪل واﻟﺸﺠﺎﻋﺔ واﻟﻘﻨﺎﻋﺔ. وﻣﻦ هﺬﻩ اﻟ ﱢﻨﻌَﻢ ﻣﻮاهﺐ اﻟﺮوح اﻟﻘﺪس اﻟﺴﺒﻊ وﻗﺪ ﻣﺮّ ذآﺮ هﺬﻩ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ واﻟﻤﻮاهﺐ. اﻟﻨﻌﻤﺔ ﺗﺠﻌﻞ آﻞّ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ذات أﺟﺮ ﻓﺎﺋﻖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ .واﻷﺟﺮ اﻟﻔﺎﺋﻖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ هﻮ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻜﺎﻓﺌﻨﺎ اﷲ ﺑﻬﺎ إذا ﻋﻤﻠﻨﺎ أﻋﻤﺎﻟﻨﺎ وﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺣﺎل اﻟﻨﱢﻌﻤﺔ وﻷﺟﻞ ﻣﺠﺪﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
٢٩٢
اﻟﺘﺠﺎرب ﻣﻘﺪّﻣﺔ :ﻗﺪ ﻋﻠّﻤﻨﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع أن ﻧﻘﻮل ﻓﻲ اﻟﺼﻼة اﻟﺮﺑﻴّﺔ :ﻻ ﺗﺪﺧﻠﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرب. اﻟﺘﺠﺎرب ﻧﻮﻋﺎن :اﻷوّل ﻳﺜﻴﺮﻩ ﻋﻠﻴﻨﺎ أﻋﺪاؤﻧﺎ اﻟﺠﺴﺪ واﻟﻌﺎﻟﻢ واﻟﺸﻴﻄﺎن وذﻟﻚ ﺑﺄﻧّﻬﻢ ﻳﺤﺮّﺿﻮﻧﻨﺎ وﻳﺪﻓﻌﻮﻧﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺮّ ﺑﺘﺤﺮﻳﻚ وﺗﻬﻴﻴﺞ اﻷﻣﻴﺎل اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ ﻓﻴﻨﺎ .ﻓﺎﻟﺸﻴﻄﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﺠﺴﺪ وﺷﻬﻮاﺗﻪ واﻟﻌﺎﻟﻢ وﻏﻮاﻳﺎﺗﻪ ﻟﻴﺠﺬﺑﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺮّ. ﻳﺠﺐ أن ﻧﻘﺎوم هﺬﻩ اﻟﺘﺠﺎرب ﺑﺴﺮﻋﺔ أي أن ﻧﺮﻓﺾ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺸﺮﻳﺮة اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﷲ وﺷﺮاﺋﻌﻪ اﻹﻟﻬﻴّﺔ .وهﺬﻩ اﻟﺘﺠﺎرب ﻣﻬﻤﺎ ﺳﻔﻠﺖ وﻗﺒﺤﺖ ﻻ ﺗﻀﺮّ ﻓﻴﻨﺎ اﻟﺒﺘّﺔ إذا رﻓﻀﻨﺎهﺎ وﻃﺮدﻧﺎهﺎ ﺣﺎﻻً ،ﻻ ﺑﻞ ﺗﺘﺤﻮّل ﻟﻔﺨﺮﻧﺎ أﻣﺎم اﷲ وﻟﺰﻳﺎدة أﺟﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء. ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻄﻠﺐ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻨﺎ ﻻ ﺗﺪﺧﻠﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻌﻮن ﻣﻦ أﺑﻴﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎويّ ﻟﺌﻼّ ﻧﺴﻘﻂ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺑﻞ ﻧﻨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ. اﻟﻔﺮق ﻋﻈﻴﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ واﻟﺴﻘﻮط ﻓﻴﻬﺎ .ﻓﺎﻟﺴﻘﻮط ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻣﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻠﻰ إرادﺗﻨﺎ ورﺿﺎﻧﺎ .ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻧﺮد ،ﻓﻠﻮ اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ واﻟﺠﺴﺪ واﻟﺸﻴﻄﺎن ﻻ ﻳﻘﺪرون ﻋﻠﻰ إﺳﻘﺎﻃﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ. اﻟﻨﻮع اﻟﺜﺎﻧﻲ :هﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﺢ اﷲ ﻳﻨـﺰوﻟﻪ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ واﻟﻨﻜﺒﺎت واﻟﺸﺪاﺋﺪ واﻷﻣﺮاض واﻵﻻم ﻻﻣﺘﺤﺎن ﻣﻘﺪار اﺣﺘﻤﺎﻟﻨﺎ وﻣﺤﺒّﺘﻨﺎ ﻟﻪ ﻋﺰّ وﺟﻞّ .إذ أﻧّﻨﺎ ﺑﺎﺣﺘﻤﺎﻟﻨﺎ اﻟﺸﺪاﺋﺪ واﻟﻀﻴﻘﺎت واﻵﻻم ﻧﻈﻬﺮ ﻣﺤﺒّﺘﻨﺎ ﷲ .ﻻ ﺑﻞ إنّ ﻗﻴﺎس ﻣﺤﺒّﺘﻨﺎ ﻟﻪ هﻮ ﻣﻘﺪار ﺻﺒﺮﻧﺎ واﺣﺘﻤﺎﻟﻨﺎ .وﻋﺒﺜًﺎ ﻳﻘﻮل اﻹﻧﺴﺎن ﻟﺮﺑّﻪ :أﻧﺎ أﺣﺒّﻚ .إذا آﺎن ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ اﻟﺘﺠﺎرب ﻷﺟﻠﻪ.
٢٩٣
وﻗﺪ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻨﻲ ﻳﺤﻤﻞ ﺻﻠﻴﺒﻲ آﻞّ ﻳﻮم وﻳﺘﺒﻌﻨﻲ .واﻟﺼﻠﻴﺐ هﻮ اﻟﺘﺠﺎرب واﻟﺸﺪاﺋﺪ. إنّ اﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﺗﺮﻳﺰﻳﺎ ﻇﻬﺮت ﻹﺣﺪى رﻓﻴﻘﺎﺗﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻬﺎ :إنّ أﻋﺰّ اﻟﻨﻔﻮس ﻋﻨﺪ ﻳﺴﻮع هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺬّب ﻋﻠﻰ اﻷرض أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮهﺎ. وآﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻟﻘﺪّﻳﺴﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺗﻘﻮل :إﻧّﻲ ﻻ أرﺿﻰ ﺑﻜﻞّ ﻣﻠﺬّات اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺻﻠﻴﺐ ﻳﺴﻮع. واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﺑﻮﻟﺲ ﻳﻘﻮل :إنّ ﺁﻻم هﺬا اﻟﺪهﺮ ﻻ ﺗُﻘﺎس ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ اﻟﻤﺰﻣﻊ أن ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻨﺎ )روﻣﻴﺔ .(١٨ :٨ واﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ آﺎن ﻳﻘﻮل :إنّ ﻣﺎ اﻧﺘﻈﺮﻩ ﻣﻦ ﺧﻴﺮات رﺑّﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻳﺠﻌﻞ آﻞّ ﻋﺬاﺑﺎت اﻟﺪﻧﻴﺎ وﺁﻻﻣﻬﺎ ﻟﺪي ﻋﺬﺑﺔ ﻟﺬﻳﺬة. ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء :ﻧﺸﻜﺮ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ ﻃﻬّﺮﺗﻨﺎ وﻣﺤّﺼﺘﻨﺎ آﻤﺎ ﺗﻤﺤّﺺ اﻟﻨﺎر اﻟﺬهﺐ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﻔﺘﺤﺖ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺑﺎب اﻟﺴﻤﺎء. ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻳﺴﻮع ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ اﻹﻧﺠﻴﻞ اﻟﻤﻘﺪّس أنّ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺟﺮﱢب اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺛﻼث ﺗﺠﺎرب وﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺜﻼث ﻋﺎد اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻣﻐﻠﻮﺑًﺎ وﻣﻘﻬﻮرًا. وﻗﺪ ﺳﻤﺢ ﻳﺴﻮع ﻟﻠﺸﻴﻄﺎن أن ﻳﺠﺮّﺑﻪ ﻟﻴﻌﻠّﻤﻨﺎ أﻧّﻪ ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻠﺰﻣﻨﺎ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ )ﻃﺎﻟﻊ ﻟﻮﻗﺎ .(١١-١ :٤
٢٩٤
ﺑﻌﺾ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﻣﺴﻴﺤﻴّﺔ ﺻﺒﺮ – ﺗﺴﻠﻴﻢ ﻣﻄﻠﻖ ﷲ – إﻣﺎﺗﺔ – وداﻋﺔ – ﺗﻮاﺿﻊ – ﺗﺠﺮّد اﻟﻘﻠﺐ – ﻣﺤﺒّﺔ اﻟﻘﺮﻳﺐ – اﻷﻟﻢ. اﻟﺼﺒﺮ :هﻮ ﻣﻔﺘﺎح اﻟﺴﻤﺎء .ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺿﻴﻘﺎت اﻟﺤﻴﺎة وﺁﻻﻣﻬﺎ ﻧﻜﻔّﺮ ﻋﻦ ﺧﻄﺎﻳﺎﻧﺎ .ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻳﺰﻳﺪ أﺟﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء وﻳﺰﻳﺪ ﺑﻬﺎء إآﻠﻴﻠﻨﺎ .اﻟﺼﺒﺮ هﻮ ﻗﻴﺎس ﻣﺤﺒّﺘﻨﺎ ﷲ .ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻧﺒﺎدل ﻳﺴﻮع ﻣﺤﺒّﺘﻪ. آﻞّ اﻟﺸﻬﺪاء واﻟﻘﺪّﻳﺴﻴﻦ ﻣﺎرﺳﻮا اﻟﺼﺒﺮ ﺑﺎﺣﺘﻤﺎل اﻟﻌﺬاب واﻵﻻم واﻟﻤﻮت ﺣﺒًّﺎ ﺑﻴﺴﻮع .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﺑﺼﺒﺮآﻢ ﺗﻘﺘﻨﻮن ﻧﻔﻮﺳﻜﻢ )ﻟﻮ .(١٩ :٢١وﻣﻦ ﻳﺼﺒﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺘﻬﻰ ﻳﺨﻠﺺ )ﻣﺮ .(١٣ :١٣ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﷲ :هﻮ ﻣﻦ أﺳﻤﻰ اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ .وﻳﻘﻮم اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﷲ ﺑﺄن ﻳﻌﺘﻘﺪ اﻹﻧﺴﺎن أنّ آﻞّ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺒﻪ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة هﻮ ﺑﺴﻤﺎح اﷲ وﻳﺨﻀﻊ ﻹرادﺗﻪ وأﺣﻜﺎﻣﻪ راﻓﻌًﺎ ﻋﻘﻠﻪ إﻟﻰ اﷲ ﻗﺎﺋﻼً :ﻟﺘﻜﻦ ﻣﺸﻴﺌﺘﻚ ﻳﺎ اﷲ .ﻟﺘﻜﻤﻞ إرادﺗﻚ! هﺬﻩ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ هﻲ ﻋﻼﻣﺔ اﻹﻳﻤﺎن اﻟﺤﻲّ واﻟﺜﻘﺔ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﷲ. اﻹﻣﺎﺗﺔ :هﻲ ﻧﻮﻋﺎن :إﻣﺎﺗﺔ اﻟﻨﻔﺲ وإﻣﺎﺗﺔ اﻟﺠﺴﺪ .ﻓﺈﻣﺎﺗﺔ اﻟﻨﻔﺲ هﻲ ﻗﻬﺮ اﻟﺬات وآﺴﺮ اﻹرادة وﻗﻤﻊ اﻷﻣﻴﺎل اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ آﺎﻟﻐﻀﺐ واﻟﻜﺴﻞ واﻟﺤﺴﺪ واﻟﺤﻘﺪ واﻟﺪﻧﺲ وﻏﻴﺮهﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻴﺎل اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ. وإﻣﺎﺗﺔ اﻟﺠﺴﺪ هﻲ ﻣﻨﻌﻪ ﻋﻦ اﻷآﻞ آﺎﻟﺼﻮم إﻟﻰ اﻟﻈﻬﺮ ﻣﺜﻼً أو ﺣﺮﻣﺎﻧﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻣﺄآﻮﻻت آﺎﻟﻠﺤﻢ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻃﺎﻋﺔ
٢٩٥
ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ ،أو ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﺮوﺑﺎت آﺎﻟﻌﺮق واﻟﻘﻬﻮة واﻟﺪﺧﺎن ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﻘﺸّﻒ .وﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ إﻣﺎﺗﺔ اﻟﺠﺴﺪ إﻣﺎﺗﺔ اﻟﺤﻮاس أﻳﻀًﺎ آﺈﻣﺎﺗﺔ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮ ﻏﻴﺮ اﻟﻼﺋﻘﺔ وإﻣﺎﺗﺔ اﻟﻠﺴﺎن ﻋﻦ اﻟﻜﻼم اﻟﺒﺬيء وﻋﻦ اﻟﻜﻼم ﺑﺤﻖّ اﻟﻐﻴﺮ .وﻣﻦ ﻻ ﻳﻤﺎرس اﻹﻣﺎﺗﺔ ﻗﺪ ﻳﺼﺒﺢ ﻋﺒﺪًا ذﻟﻴﻼً ﻷﻣﻴﺎﻟﻪ اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ .وﻗﺪ ﺗﻘﻮدﻩ أﻣﻴﺎﻟﻪ اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻬﻼك اﻷﺑﺪيّ .واﻹﻣﺎﺗﺔ ﺑﻨﻮﻋﻴﻬﺎ ﺗﻜﺴﺐ اﻹﻧﺴﺎن أرﺑﺎﺣًﺎ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء. اﻟﻮداﻋﺔ واﻟﺘﻮاﺿﻊ :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﺗﻌﻠّﻤﻮا ﻣﻨّﻲ إﻧّﻲ ودﻳﻊ وﻣﺘﻮاﺿﻊ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﺘﺠﺪوا راﺣﺔ ﻧﻔﻮﺳﻜﻢ .ﻟﻢ ﻳﻘﻞ :ﺗﻌﻠّﻤﻮا ﻣﻨّﻲ ﺻﻨﻊ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ واﻟﻤﻌﺠﺰات ﺑﻞ ﺗﻌﻠّﻤﻮا اﻟﻮداﻋﺔ واﻟﺘﻮاﺿﻊ )ﻣﺘﻰ .(٢٩ :١١ وهﺬا اﻟﺪرس أﻟﻘﺎﻩ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻜﻼم ﺑﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﺣﻴﻦ ﻏﺴﻞ أﻗﺪام ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ وهﻮ إﻟﻪ اﻟﺴﻤﺎء واﻷرض ،وﻟﺒﺲ ﺟﺴﺪﻧﺎ اﻟﺘﺮاﺑﻲ ،وﻋﺎش ﻋﺎﻣﻼً ﻓﻲ ﺣﺎﻧﻮت اﻟﻨﺠﺎرة .وآﺎن ﻟﻄﻴﻔًﺎ ودﻳﻌًﺎ ﺣﺘّﻰ ﻣﻊ أﻋﺪاﺋﻪ. اﻟﻮداﻋﺔ ﺗﺠﺬب اﻟﻘﻠﻮب ،وﺗﻬﺪّئ اﻟﻐﻀﺐ ،وﺗﻠﻘﻲ اﻷﻟﻔﺔ واﻟﻤﺤﺒّﺔ. اﻟﺮﺣﻤﺔ :هﻲ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﷲ .ﻓﻤﻦ ﻳﻤﺎرﺳﻬﺎ ﻳﺘﺸﺒّﻪ ﺑﺎﷲ. وﻗﺪ ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :آﻮﻧﻮا رﺣﻮﻣﻴﻦ آﻤﺎ أنّ أﺑﺎآﻢ اﻟﺴﻤﺎويّ هﻮ رﺣﻮم )ﻟﻮ .(٣٦ :٦وﻗﺎل أﻳﻀًﺎ :آﻞّ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻤﻮﻩ ﻣﻊ إﺧﻮﺗﻲ هﺆﻻء اﻟﺼﻐﺎر ﻓﺒﻲ ﻗﺪ ﻓﻌﻠﺘﻤﻮﻩ .ﻓﺈذا ﺻﻨﻌﻨﺎ رﺣﻤﺔ ﻣﻊ أﺧﻴﻨﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻜﺄﻧّﻨﺎ ﺻﻨﻌﻨﺎ ذﻟﻚ ﻣﻊ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ذاﺗﻪ .وﻳﻜﻮن ﻋﻤﻠﻨﺎ
٢٩٦
دَﻳﻨًﺎ ﻧﻘﺮﺿﻪ ﻟﻴﺴﻮع ،ﻧﻘﺒﻀﻪ ﻣﻨﻪ ﻣﻊ ﻓﺎﺋﺪة ﺑﺎهﻈﺔ ﺟﺪًّا ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻤﺜﻞ أﻣﺎﻣﻪ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ. ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻤﻦ ﻳﻘﺮض اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﺑﺸﺨﺺ اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ ﻷنّ ﻣﻦ أﻋﻄﻰ اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻟﺠﺎﺋﻊ اﻟﻤﺤﺘﺎج ﻓﻘﺪ أﻋﻄﻰ ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ. ﻗﺎل اﻟﻘﺪّﻳﺲ ﻳﻮﺣﻨّﺎ ﻓﻢ اﻟﺬهﺐ :أﻳّﻬﺎ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﺧﺒّﺌﻮا أﻣﻮاﻟﻜﻢ ﻓﻲ ﺑﻄﻮن اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺴﺎآﻴﻦ واﻟﺠﻴﺎع ﻓﺘُﺤﻔﻆ ﻣﻦ آﻞّ ﻟﺺّ وﺳﺎرق إﻟﻰ ﻳﻮم ﻣﻐﺎدرﺗﻜﻢ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة ،وﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﺗﻘﺒﻀﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع ﻣﻊ ﻓﺎﺋﺪة آﺒﻴﺮة ،ﻓﺘﺸﺘﺮون ﺑﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺴﻌﻴﺪة اﻟﺨﺎﻟﺪة. ﺗﺠﺮّد اﻟﻘﻠﺐ ﻋﻦ ﺧﻴﺮات اﻷرض :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻜﻢ أن ﺗﻌﺒﺪوا رﺑّﻴﻦ :اﷲ واﻟﻤﺎل .ﻓﻤﻦ ﻳﻌﻠّﻖ ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺎﻟﻤﺎل وﺑﺨﻴﺮات اﻷرض ﺗﻌّﻠﻘًﺎ زاﺋﺪًا ﻳﻬﻤﻞ رﺑّﻪ واﻟﻌﺒﺎدة ﻟﻪ ،وﻳﻨﻬﻤﻚ ﺑﻌﺒﺎدة اﻟﻤﺎل وﺧﻴﺮات اﻷرض ،ﻓﻴﺨﺴﺮ اﷲ .إنّ ﻏﺎﻳﺔ وﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻷرض هﻲ ﻋﺒﺎدة اﷲ وﺧﻼص ﻧﻔﺴﻪ .ﻓﻴﺎ ﻟﺸﻘﺎوة اﻹﻧﺴﺎن وﺗﻌﺎﺳﺘﻪ إذا ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺎل وﺧﻴﺮات اﻷرض ﻏﺎﻳﺔ وﺟﻮدﻩ .ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﺎذا ﻳﻔﻴﺪ اﻹﻧﺴﺎن إن رﺑﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠّﻪ وﺧﺴﺮ ﻧﻔﺴﻪ )ﻣﺘّﻰ .(٢٦ :١٦ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﻜﻴﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﺧﻴﺮات هﺬﻩ اﻷرض ﻟﻘﻀﺎء ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ وﻟﻠﺒﻠﻮغ إﻟﻰ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺴﻤﺎوﻳّﺔ. اﻷﻟﻢ :ﻗﺎل اﻟﺮبّ ﻳﺴﻮع :ﻣﻦ ﻳﺤﺒّﻨﻲ ﻓﻠﻴﺤﻤﻞ ﺻﻠﻴﺒـﻲ آﻞّ ﻳﻮم وﻳﺘﺒﻌﻨﻲ .واﻟﺼﻠﻴﺐ ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻷﻟﻢ. اﻷﻟﻢ آﻠﻤﺔ اﻟﺤﺐّ ﺑﻴﻦ ﻳﺴﻮع واﻟﻨﻔﺲ. اﻷﻟﻢ ﺷﺬى اﻟﻨﻔﺲ ﻳﺘﺼﺎﻋﺪ إﻟﻰ اﷲ.
٢٩٧
اﻷﻟﻢ ﺑﺨﻮر اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺤﺮﻗﻪ أﻣﺎم اﷲ ﻓﻌﻞ ﻣﺤﺒّﺔ وﻋﺒﺎدة. اﻷﻟﻢ ﺻﻼة اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺤﺎرّة وﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻬﺎ اﻟﻌﺬﺑﺔ ﻟﺮﺑّﻬﺎ وﺧﺎﻟﻘﻬﺎ. اﻷﻟﻢ ﺳﻬﻢ اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺮﺷﻖ ﺑﻪ ﻗﻠﺐ اﷲ ﻓﻴﻘﻄﺮ ﺷﻐﻔًﺎ وﺣﺒًّﺎ ﺑﻬﺎ. اﻷﻟﻢ ﻟﻺﻧﺴﺎن آﺎﻟﻨﺎر ﻟﻠﺬهﺐ .ﻓﻜﻤﺎ أنّ اﻟﻨﺎر ﺗﻨﻘّﻲ اﻟﺬهﺐ وﺗﻈﻬﺮ ﻟﻤﻌﺎﻧﻪ وﺟﻤﺎﻟﻪ .آﺬﻟﻚ اﻷﻟﻢ ﻳﻨﻘّﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ أدﻧﺎﺳﻬﺎ وﻳﻈﻬﺮهﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ اﷲ. اﻷﻟﻢ أﺣﺒّﻪ أﻟﻮف وﻣﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺪاء ﻓﺎﺣﺘﻤﻠﻮا اﻟﻌﺬاب واﻟﻤﻮت ﺑﺮﻏﺒﺔ وﺷﻮق ﺣﺒًّﺎ ﺑﻴﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ. أﻳّﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ اﻟﻤﺘﺄﻟّﻢ إنّ اﺳﻤﻚ ﻗﺪ آُﺘﺐ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﻊ أﺳﻤﺎء اﻟﺸﻬﺪاء ﺗﺸﺠّﻊ واﺻﺒﺮ!!
٢٩٨
ﻓﻬﺮس ﻣﻘﺪّﻣﺔ اﻟﻜﺘﺎب ١ ........................... أﻳّﻬﺎ اﻟﻤﺴﻴﺤﻲّ ٣ .......................... إﺛﺒﺎت وﺟﻮد اﷲ ٤ ......................... اﷲ ٩ .......................................... وﺣﺪاﻧﻴّﺔ اﷲ وأﻗﺎﻧﻴﻤﻪ اﻟﺜﻼﺛﺔ ١٢ ..... ﺳﺮّ اﻟﺘﺠﺴّﺪ اﻹﻟﻬﻲ ١٧ ................. ﺣﻴﺎة ﻳﺴﻮع اﻟﻤﺴﻴﺢ ٢٠ ................ ﺳﺮّ اﻟﻔﺪاء ٢٨ ............................... اﻹﻧﺴﺎن ٣٧.................................. ﺷﺮح وﺟﻴﺰ ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻹﻳﻤﺎن ٥٠ ......... اﻟﺴﻼم اﻟﻤﻼﺋﻜﻲ ٦٦..................... دﻓﺎع ﻋﻦ ﺑﺘﻮﻟﻴّﺔ اﻟﻌﺬراء٧٥............. وﺻﺎﻳﺎ اﷲ اﻟﻌﺸﺮ ٧٩..................... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ :أﻧﺎ هﻮ اﻟﺮبّ إﻟﻬﻚ ٨١ .... اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﻻ ﺗﺤﻠﻒ ﺑﺎﺳﻢ اﷲً ٨٥ . اﻟﻤﺸﻮرات اﻹﻧﺠﻴﻠﻴّﺔ ٩٠ ................... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :اﺣﻔﻆ ﻳﻮم اﻟﺮبّ ٩٢ ....... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ :أآﺮم أﺑﺎك وأﻣّﻚ ٩٧ ...... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ :ﻻ ﺗﻘﺘﻞ ١٠١ .......... اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺘﺎﺳﻌﺔ١٠٥ ...... : اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ :ﻻ ﺗﺴﺮق ١١٣ ......... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ :ﻻ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺎﻟﺰور ١١٨ .... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﻌﺎﺷﺮة :ﻻ ﺗﺸﺘﻪِ١٢٢ ...........
٢٩٩
وﺻﺎﻳﺎ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ١٢٤ ...................... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻷوﻟﻰ ١٢٦ ......................... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ١٣٠ ......................... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ١٣٣ ......................... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ١٣٦ ......................... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ١٤١ ..................... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ١٤٦ .................... اﻟﻮﺻﻴّﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ١٤٨ ....................... اﻷﺳﺮار ١٥٠ ................................ اﻟﻤﻌﻤﻮدﻳّﺔ ١٥٥ .............................. اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ١٦٠ ................................. ﺳﺮّ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﻤﻘﺪّس١٦٣ ................. ﺳﺮ اﻟﺘﻮﺑﺔ أي اﻻﻋﺘﺮاف ١٧١ .............. ﻣﺴﺤﺔ اﻟﻤﺮﺿﻰ ١٨١ ...................... اﻟﻜﻬﻨﻮت ١٨٥ ................................ اﻟﺰواج١٩٣ .................................... ﻋﻮاﻗﺐ اﻹﻧﺴﺎن ٢٠٦ ..................... اﻟﻤﻮت ٢٠٦ ................................... اﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ ٢١٠ ................................. اﻟﺠﺤﻴﻢ أي ﺟﻬﻨّﻢ ٢١٤ .................... اﻟﻨﻌﻴﻢ أي اﻟﺴﻤﺎء ٢١٨ .................... اﻟﻤﻄﻬﺮ٢٢٥ .................................. اﻟﻐﻔﺮان٢٢٨ .................................. اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ ٢٣٠ ................................ اﻟﺮذاﺋﻞ ٢٣٦ ................................. اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء ٢٣٧ .................................. اﻟﺒﺨﻞ ٢٤٠ ...................................
٣٠٠
اﻟﺤﺴﺪ٢٤٣ .................................. اﻟﺸﺮاهﺔ ٢٤٦ ............................... اﻟﻐﻀﺐ ٢٤٩ .................................. اﻟﺪﻧﺲ ٢٥١ .................................. رذﻳﻠﺔ اﻟﻜﺴﻞ ٢٥٤ .......................... اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻹﻟﻬﻴّﺔ ﺛﻼث٢٥٦ .............. ﻓﻌﻞ اﻹﻳﻤﺎن ٢٥٩ ............................ اﻟﺮﺟﺎء ٢٦٠ ................................... اﻟﻤﺤﺒّﺔ ٢٦٣ .................................. اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ اﻷدﺑﻴّﺔ ٢٦٦ ..................... اﻟﺤﻖّ ٢٦٧ ................................... اﻹﻧﺠﻴﻞ ٢٦٨ ................................. ﻋﺼﻤﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ٢٧٤ .................... اﺧﺘﻼف اﻷدﻳﺎن ٢٧٧ ...................... أﻟﻌﻞّ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺗﺠﺰّأ؟ ٢٨٠ ............... آﻨﻴﺴﺔ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴّﺔ ٢٨٣ ....... آﻠﻤﺔ ﻋﻦ ﺷﻬﻮد ﻳﻬﻮﻩ ٢٨٨ ............. اﻟﻨﻌﻤﺔ ٢٨٩ .................................. اﻟﺘﺠﺎرب ٢٩٢ ................................ ﺑﻌﺾ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﻣﺴﻴﺤﻴّﺔ ٢٩٤ ........... ﻓﻬﺮس٢٩٨ ..................................
٣٠١
٣٠٢