المجلة التونسية ّ للتاريخ العسكري -07 / Tunisian Journal of Military History n°07

Page 1



‫المجلة التونسية للتاريخ العسكري‬ ‫العدد السابع‬ ‫ديسمبر ‪2017‬‬

‫الفهرس‬

‫القسم العربي‬ ‫هيئة التحرير‬

‫االفتتاحية‪......................................................‬‬

‫‪4‬‬

‫د‪ .‬لطفي بوعلي‬

‫المدرسة الحربية بباردو ودورها التنويري الرائد‪9 ...................‬‬

‫د‪ .‬حمادي دالي‬

‫المشاركة التونسية في حرب القرم ‪..............1856 -1854‬‬

‫د‪ .‬ليلى زغدود‬

‫الحياة اليومية داخل المؤسسة العسكرية‪ :‬جند البحر نموذجا‬ ‫(‪...............................................)1881-1865‬‬

‫د‪ .‬حسام الدين شاشية‬ ‫د‪ .‬علي آيت ميهوب‬ ‫المقدم عبد العزيز بوقزي‬

‫العالقات الدبلوماسية التونسية البرتغالية خالل العصر الحديث‪..‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪45‬‬

‫المجهود الحربي للبالد التونسية أثناء الحرب الكبرى‪:‬التعبئة‬ ‫الصحية لجيوش الحلفاء‪73 ........................................‬‬ ‫شهادة شفوية للفريق أول (كان) محمد سعيد الكاتب حول‬ ‫معركة بنزرت‪83 ..................................................‬‬

‫د‪ .‬محمد ضيف هللا‬

‫حول كتاب "الجيش التونسي ( ‪ :)1831-1881‬رافد نهضة‬ ‫واصالح" لمحجوب السميراني‪ ،‬نشر سوتيميديا‪..........2017 ،‬‬

‫‪97‬‬

‫القسم الفرنسي‬ ‫‪Editorial‬‬ ‫‪La Bataille de Bizerte dans le contexte de la‬‬ ‫‪décolonisation : Enjeux et retombées régionales‬‬ ‫‪Les relations militaires entre la Tunisie et‬‬ ‫‪l’Empire ottoman : de la vassalité à la coopération‬‬ ‫‪pendant la guerre de Crimée‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪La rédaction‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪Samir CHEMI‬‬

‫‪21‬‬

‫‪Med. Lazhar GHARBI‬‬

‫‪3‬‬


‫االفتتاحية‬ ‫بين يدي القارئ العدد الجديد من المجلة التونسية للتاريخ العسكري الذي جاء كعادته حامال في‬ ‫طياته مجموعة من المقاالت لعدد من الباحثين في مجال التاريخ العسكري‪ ،‬سواء من الجامعيين أو‬ ‫العسكريين‪ ،‬وقد تزامن إعداد هذه المقاالت مع إحياء الذكرى السادسة والخمسين لمعركة الجالء عن‬ ‫بنزرت‪ ،‬لذلك خصصت المجلة حي از من محتواها لذكرى هذا الحدث لما له من وقع في نفوس‬ ‫التونسيين والتونسيات‪ ،‬إذ كللت تضحياتهم بانسحاب آخر جندي فرنسي عن التراب الوطني‪ ،‬واستكمال‬ ‫الشعب التونسي سيادته على كامل مجاله الوطني‪.‬‬ ‫وفي هذا اإلطار تضمن هذا العدد نصين‪ :‬األول حول رهانات وتداعيات معركة بنزرت في سياق‬ ‫التحرر من االستعمار‪ ،‬والثاني ورد في شكل شهادة للفريق أول "كان" محمد سعيد الكاتب وهو من‬ ‫ضباط الجيش الوطني الذين شاركوا في معركة الجالء‪ .‬أما األستاذ محمد األزهر الغربي‪ ،‬فقد افتتح‬ ‫مقاله بتبيان أهمية الموقع اإلستراتيجي لمدينة بنزرت‪ ،‬الذي شكل في فترة الحربين العالميتين مطمعا‬ ‫للدول االستعمارية وخاصة منها فرنسا وايطاليا‪ ،‬وعلى الرهانات التي مثلتها بالنسبة إليها‪ ،‬لينتقل بعد‬ ‫ذلك إلى دراسة أسباب فشل إيجاد حل بين بورقيبة وديغول من أجل استعادة بنزرت واستكمال السيادة‬ ‫الوطنية‪ ،‬ثم الرهانات التي شكلتها "قضية بنزرت" (كما يروق للبعض تسميتها) للجانبين التونسي‬ ‫والفرنسي‪ ،‬متسائال هل كانت تلك المعركة نتيجة لسوء تفاهم بين القائدين؟ وهل أن ذلك في حاجة‬ ‫لدراسة أشمل أو بعبارة أخرى لبحث خارج إطار البلدين لمعرفة المحركات والتداعيات الحقيقية لــ"قضية‬ ‫بنزرت"‪ ،‬ليختتم مقاله بحوصلة ألهم نتائج وتداعيات النصر الدبلوماسي الذي حصده بورقيبة من‬ ‫معركة بنزرت وبشكل خاص على الصعيد اإلقليمي‪ ،‬حيث تمكن من قلب الموازين لصالحه بانسالخه‬ ‫عن المرجعية الفرنسية‪ ،‬وتأكيد وجوده بين الرؤساء العرب‪ ،‬وخلق سياسة تونسية جديدة‪ .‬وأخي ار‪ ،‬خلص‬ ‫كاتب المقال إلى التسليم بوجوب تنزيل قضية بنزرت في سياقها‪ ،‬بمعنى في إطار النظام الجديد الذي‬ ‫تم تركيزه في المرحلة ما بعد االستعمارية في العالم‪ ،‬وعدم التعامل معها كقضية تحرر من االستعمار‪.‬‬ ‫وفي نفس السياق‪ ،‬أي سياق معركة الجالء عن بنزرت‪ ،‬اختار المقدم عبد العزيز بوقزي توثيق‬ ‫بعض جوانب هذه المعركة من خالل لقاء أجراه مع الفريق أول محمد سعيد الكاتب الذي غادرنا في‬ ‫‪4‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫‪ 20‬جويلية ‪ 2017‬ليترك لنا هذه الشهادة القيمة حول مشاركة ضابط يافع حديث العهد بالمهام القتالية‬ ‫كان له الفخر في المساهمة إلى جانب زمالئه في إجالء المستعمر عن تراب وطنه‪ .‬افتتح الكاتب‬ ‫مقاله بنبذة عن صاحب الشهادة الذي كان له الشرف في االنتماء إلى الدفعة األولى من ضباط الجيش‬ ‫التونسي التي بعثت نواتها األولى سنة ‪ ،1956‬وتمت إحالته على التقاعد بشكل نهائي سنة ‪2011‬‬ ‫بعد أربعين سنة قضاها صلب هذه المؤسسة العتيدة وبعد أن تقلد عدة مناصب مدنية ودبلوماسية‬ ‫بالخارج‪ .‬تعرض الفريق أول كان محمد سعيد الكاتب في مستهل شهادته إلى الظروف التي حفت‬ ‫ببعث النواة األولى لمختلف الجيوش التونسية من حيث التركيبة والعتاد والقيادات األولى المنبثقة عن‬ ‫الجيش الفرنسي عالوة على دورهم الريادي في تأطير هذا الجيش واعداده بهدف تنفيذ استعراضهم‬ ‫األول بتاريخ ‪ 24‬جوان ‪ ،1956‬ثم انتقل في مرحلة موالية إلى الحديث عن انتداب التونسيين من‬ ‫الشباب الذين شكلوا الدفعة األولى من ضباط الجيش الوطني (دفعة بورقيبة) والذين تابعوا دراستهم‬ ‫بالمدرسة العسكرية الفرنسية "سان سير"‪ ،‬أما المرحلة األخيرة من الشهادة وهي أهم ما أدلى به الفريق‬ ‫أول كان محمد سعيد الكاتب‪ ،‬فقد خصصها ألحداث معركة الجالء عن بنزرت سنة ‪ ،1961‬مرك از‬ ‫بشكل خاص على تجربته الشخصية في تلك األحداث‪ ،‬وهي تجربة أقل ما يقال فيها إنها استثنائية‪،‬‬ ‫بما أنها تروي حكاية مالزم أول حديث العهد بالميدان القتالي كلفته القيادة على رأس سرية من الجنود‬ ‫بالتموقع أمام القاعدة الجوية بسيدي أحمد ومنع المستعمر الفرنسي من دخولها‪ ،‬فوجد نفسه في جبهة‬ ‫قتال غير متكافئة في مواجهة للمستعمر الفرنسي‪ ،‬دون مهمة محددة‪ ،‬ودون تعليمات واضحة من‬ ‫القيادة‪ ،‬فكيف سيواجه ذلك العدو المدجج بالسالح والمدرب على كافة أشكال القتال وهو الجندي الذي‬ ‫زج به على رأس مجموعة من الجند في مواجهة مصير أقل ما يقال عنه إنه ال يحسد عليه؟ ومع ذلك‬ ‫استطاع هذا الضابط الفتي أن يتجاوز تلك المحنة‪ ،‬وبقليل من الخبرة‪ ،‬يدفعه حب هذا الوطن الذي كان‬ ‫قد بدأ في التخطيط الستكمال سيادته الترابية بطرد آخر جندي فرنسي من ترابه‪ ،‬استطاع أن يحقق‬ ‫نص ار على مستوى سريته‪ ،‬ويسقط طائرة للعدو‪ .‬فكيف حدث ذلك؟ هذا ما يوجد في رواية صاحب‬ ‫الشهادة‪ ،‬مع اإلشارة إلى أنه اختار أن يختم روايته بمالحظات شخصية وبدروس مستخلصة من‬ ‫تجربته تلك‪ ،‬دون أن ينسى إهداء هذه الشهادة إلى كافة شهداء معركة بنزرت‪ ،‬وبشكل خاص عناصر‬ ‫سريته الذين قاتلوا تحت إمرته‪.‬‬ ‫أما بقية المقاالت فقد تناولت جوانب مختلفة من التاريخ العسكري التونسي خالل العهدين‬ ‫الحديث والمعاصر‪ .‬تطرق األستاذ لطفي بوعلي إلى المدرسة الحربية بباردو وظروف بعثها سنة‬ ‫‪ ،1840‬مبينا دور هذه المؤسسة الرائد في التأسيس لحركة الترجمة التي مكنت من استغالل جزء كبير‬ ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪5‬‬


‫من التراث الفرنسي الحديث واسهامها بشكل فعال في الدعاية إلى اإلصالح‪ ،‬واإلشراف على مسار‬ ‫التحديث المتعثر منذ الثلث الثاني من القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫أما األستاذ حمادي الدالي‪ ،‬فقد اهتم بدراسة المشاركة التونسية في حرب القرم‪ ،‬من خالل‬ ‫استعراض عقود اهتمت بتموين العساكر التونسية التي شاركت إلى جانب الدولة العثمانية في حربها‬ ‫ضد روسيا القيصرية في ما عرف بحرب القرم(‪ .)1854-1856‬ونظ ار ألهمية هذا الحدث التاريخي‬ ‫بالنسبة إلى اإليالة التونسية من خالل مشاركتها جنبا إلى جنب مع اإلمبراطورية العثمانية في حربها‬ ‫ضد روسيا القيصرية‪ ،‬فقد تناوله العديد من الباحثين في مجال التاريخ العسكري من عديد الزوايا‪ ،‬ومن‬ ‫بينهم المقدم سمير الشامي الذي اختار ضمن مقاله دراسة العالقات العسكرية التونسية بين تونس‬ ‫واإلمبراطورية العثمانية من مرحلة التبعية إلى مرحلة التعاون العسكري والذي حددته المشاركة التونسية‬ ‫في حرب القرم‪ .‬في هذا المقال بين الكاتب أهمية مشاركة القوات التونسية إلى جانب الباب العالي في‬ ‫هذه الحرب التي قامت دليال على استقاللية الدولة التونسية عن اإلمبراطورية العثمانية وفي ذات الوقت‬ ‫على تمسكها بعالقات األخوة والتعاون المشترك والتحالف معها‪ ،‬كما تناول بالدرس أصول العالقات‬ ‫العسكرية التونسية العثمانية‪ ،‬واستعرض اإلصالحات العسكرية التي عرفتها تونس في تلك الفترة‪ ،‬ومن‬ ‫أهمها تأكيد الهوية العسكرية التونسية في محيط جغ ار‪-‬سياسي متقلب تميز بالتوسع األمبريالي األوربي‪،‬‬ ‫خاصة بعد إحتالل الجزائر (‪.)1830‬‬ ‫وفي دراستها لمسار تحديث المؤسسة العسكرية التونسية‪ ،‬تطرقت الباحثة ليلى زغدود إلى مسألة‬ ‫اهتمام األبحاث والدراسات التاريخية بشكل خاص بإجراءات تعصير هذه المؤسسة الهامة والعريقة‪ ،‬مع‬ ‫تركيزها على النظم والقوانين والمنشآت العسكرية وعلى فرق العسكر‪ ،‬وعلى الحياة اليومية والمعيشة‬ ‫داخل أسوار المؤسسة العسكرية‪ ،‬وخاصة الخدمة العسكرية التي كانت إجبارية‪ ،‬وتستمر مدى الحياة‪.‬‬ ‫من هذا المنطلق‪ ،‬أرادت الباحثة تسليط الضوء على هذا الجانب من حياة العسكري الذي تناسته معظم‬ ‫الدراسات التاريخية‪ ،‬حيث ركزت على اليومي والمعيش لعسكر البحرية خالل النصف الثاني من القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬بما أن هذه الفترة تعد من أصعب وأقسى المحن التي مرت على مجندي المؤسسة‬ ‫العسكرية التونسية خالل فترة حكم محمد الصادق باشا باي (‪.)1859-1882‬‬ ‫إلى جانب ذلك تضمن هذا العدد من المجلة مقاال أعده األستاذ حسام الدين شاشية‪ ،‬وقدأشار فيه‬ ‫إلى أن الوثائق المحفوظة باألرشيف الوطني التونسي‪ ،‬والفهرس اإللكتروني لألرشيف الوطني البرتغالي‬ ‫قادته إلى كشف طبيعة العالقات التي كانت تربط بين تونس والبرتغال والى األسباب الكامنة وراء‬

‫‪6‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫توتر العالقات بين البلدين في الفترة الوسيطة وبداية الفترة الحديثة‪ ،‬كما استعرض المراحل التي مر بها‬ ‫البَلدان للتأسيس إلى عالقات دبلوماسية متينة تقوم شاهدا على تطور العالقات التونسية‪-‬البرتغالية في‬ ‫َ‬

‫الفترة الحديثة‪.‬‬

‫كما اشتمل هذا العدد كذلك على دراسة حول المجهود الحربي للبالد التونسية أثناء الحرب‬ ‫الكبرى‪ ،‬ركز فيها الباحث علي آيت ميهوب باألساس على التعبئة الصحية للحلفاء‪ ،‬وقد وقع اختياره‬ ‫على هذا الموضوع نظ ار لما لمسه من تركيز الدراسات التاريخية التي تناولت موضوع المجهود الحربي‬ ‫على التعبئة العسكرية البشرية وتغاضيها عن أهمية األشكال األخرى للتعبئة‪ ،‬االقتصادية منها والذهنية‬ ‫وبشكل خاص الصحية‪ ،‬مستأنسا في ذلك بالمثال التونسي‪ ،‬بما أن البالد التونسية شكلت أحد م اركز‬ ‫التعبئة الصحية لجيوش الحلفاء أثناء الحرب العالمية األولى‪ ،‬وقد تطرق في هذا الصدد إلى النقاط‬ ‫التي ميزت التعبئة الصحية للبالد التونسية عن غيرها من مراكز التعبئة‪ ،‬عالوة على انعكاسات‬ ‫التعبئة الصحية على الرأي العام المحلي وعلى الحالة الذهنية للجنود األهالي‪ ،‬كما بين مدى تأثير‬ ‫التعبئة الصحية على الوضع الصحي العام بالبالد‪.‬‬ ‫ووفاء لمبدإ التنوع‪ ،‬اختارت أسرة المجلة أن تثري مقاالتها بشكل مخالف‪ ،‬وهو الشكل النقدي دون‬ ‫الخروج عن إطار التاريخ العسكري‪ ،‬حيث اختار األستاذ محمد ضيف هللا مراجعة كتاب "الجيش‬ ‫التونسي ‪ ،1881-1831‬رافد نهضة واصالح" لصاحبه العميد "متقاعد" محجوب السميراني‪ ،‬حيث‬ ‫افتتح مقاله هذا بوضع الكتاب في إطاره العام مشي ار إلى أهميته النابعة من الخلفية العسكرية لمؤلفه‪،‬‬ ‫والذي بانتمائه للمؤسسة العسكرية وخدمته في صفوفها على مدى أربعين سنة وتقلده عدة مناصب‬ ‫قيادية‪ ،‬استطاع االهتمام بتاريخها‪ ،‬ومن ثم إثراء المكتبة التاريخية التونسية‪ ،‬كما بين األستاذ ضيف هللا‬ ‫في مقدمة مقاله أن اإلشكالية الرئيسية للكتاب تحوم حول العالقة العضوية بين الجيش والحركة‬ ‫اإلصالحية التي عرفتها البالد التونسية انطالقا من النصف األول من القرن التاسع عشر نظ ار إلى أن‬ ‫تحديث الجيش يندرج ‪-‬كما بين كاتب المقال‪ -‬ضمن االستعداد للوقوف في وجه التحدي االستعماري‬ ‫الذي تجسدت أولى مظاهره وأهمها في المؤسسة العسكرية‪ .‬واضافة إلى تقديم اإلطار العام للكتاب‬ ‫ولمؤلفه‪ ،‬فقد تطرق األستاذ محمد ضيف هللا إلى التخطيط مشي ار إلى بعض النقائص‪ ،‬من ضمنها‬ ‫التفاوت من حيث الطول بين الفصول‪ ،‬عالوة على تغاضي المؤلف على رسم اإلطار التاريخي الذي‬ ‫تأسس وتطور فيه الجيش التونسي في القرن التاسع عشر‪ ،‬إلى جانب افتقاد الدراسة إلى متطلبات‬ ‫العمل األكاديمي‪ ،‬ويعزى ذلك إلى عدم تخصص المؤلف في مجال العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬ ‫وباألخص في مجال التاريخ‪ .‬إال أنه لم ينف مزايا هذا الكتاب‪ ،‬حيث اعتبره دراسة شاملة لتاريخ الجيش‬ ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪7‬‬


‫النظامي التونسي منذ تأسيسه في حدود الثلث األول من القرن التاسع عشر إلى حله مع انتصاب‬ ‫الحماية الفرنسية‪ ،‬مشي ار إلى أنه يعد مادة هامة ومفيدة ليس فقط للجمهور العريض وانما أيضا‬ ‫للمهتمين بالتاريخ العسكري من أبناء المؤسسة العسكرية أنفسهم‪.‬‬ ‫في ختام هذا التقديم‪ ،‬ال يفوت أسرة المجلة أن تذكر قراءها بأن تنوع المقاالت‪ ،‬الغاية منه‬ ‫باألساس هو أن تحصل الفائدة لكل فئات القراء التونسيين من هواة اإلطالع على التاريخ العسكري‬ ‫لبالدهم على اختالف أحقابه وأحداثه واشكالياته‪ ،‬كما نطمح من خالل ما نصدره دوريا عبر صفحات‬ ‫هذه المجلة إلى ترسيخ الذاكرة الوطنية وبشكل خاص الذاكرة العسكرية لدى الناشئة التونسية سواء من‬ ‫أبناء العسكريين أو عموم التونسيين‪ ،‬حتى نجعل من الدروس المستخلصة من األحداث التاريخية التي‬ ‫يصوغها الباحثون عبر صفحات هذه المجلة بأسلوب يجمع بين المتعة واإلفادة رافدا من روافد تدعيم‬ ‫الهوية الوطنية‪ ،‬وترسيخ الشعور باإلنتماء والمواطنة‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن هذه المجلة تظل منب ار علميا محكما وتخضع كل المقاالت المعروضة‬ ‫على المجلة للمراجعة والتدقيق والتقييم من قبل هيئة التحرير‪ .‬والمجلة مفتوحة لكل الباحثين في مجال‬ ‫التاريخ العسكري الوطني‪ ،‬في تفاعله مع محيطه اإلقليمي والدولي‪ ،‬تدعوهم لإلسهام في إثرائه وسبر‬ ‫أغواره وفتح مسالك جديدة للبحث فيه‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫هيئة التحرير‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫المدرسة الحربية بباردو ودورها التنويري الرائد‬

‫د‪ .‬لطفي بوعلي‬

‫جامعة تونس‬

‫‪Abstract:‬‬ ‫‪The work of Ahmed Bey was the creation of a military school to train and instruct‬‬ ‫‪the military cadres needed by the regular army. Thus, the polytechnic school was‬‬ ‫‪created by Luigi Calligaris, and in 1840, Ahmed Bey installed it in its new buildings of‬‬ ‫‪the Bardo.‬‬ ‫‪This school played certainly a decisive role in the historical evolution of Tunisia.‬‬ ‫‪This cultural institution has had decisive influences not only on the diffusion of the‬‬ ‫‪modern education but also on the formation of the modern military elite. Thus, this‬‬ ‫‪cultural establishment contributed actively to the birth of the territorial State.‬‬ ‫‪Keywords: Tunisian Army. Reformism. Ahmed Bey. Military School of Bardo.‬‬

‫مقدمة‬ ‫يبدو أن ملف التعليم العسكري يكتنفه كثير من الغموض من جهة قلة المصادر التاريخية وندرة‬

‫المعلومات بخصوص هذا الموضوع‪ ،‬باستثناء ما تشتمل عليه دار الكتب الوطنية من مخطوطات جرى‬ ‫اعتمادها في مختلف مراحل الخدمة العسكرية‪ .‬أما بقية المعلومات‪ ،‬فنجدها مبثوثة في وثائق األرشيف‬

‫الوطني وتشتمل على عدد قليل من الدفاتر والملفات التي اهتمت بنظام التعليم السيما البرامج والمواد‬

‫وغيرها‪ .‬وبخصوص المصادر اإلخبارية‪ ،‬فالمعلومات على درجة من الشح ال نستطيع معها تشكيل‬

‫صورة واضحة عن الحياة المدرسية بمؤسسة باردو العسكرية‪.1‬‬

‫ما نحاول أن نثبته في هذه الورقة هو أن المدرسة الحربية بباردو كانت وسيلة محورية في دخول‬

‫اإليالة التونسية عالم التحديث في النصف الثاني من القرن ‪19‬م‪ .‬ورغم أن الدور الثقافي للمدرسة لم‬

‫يكن بمثل أهمية المدارس العسكرية في تركيا ومصر التي عرفت تجارب سابقة في التعليم العسكري‪،‬‬

‫‪1‬‬

‫ابن أبي الضياف (أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪. ،‬سنكتفي باإلشارة التي وردت في مدونة االتحاف‬

‫والتي تحدث فيها بن أبي الضياف عن تأسيس المدرسة الحربية بباردو والتي جاء فيها ما يلي "وفي غرة محرم ‪1256‬ه الموافق للخميس ‪5‬‬ ‫مارس ‪1840‬م رتب الباي مكتبا حربيا وجعله في صرايته التي انتقل منها الى قصره الجديد ‪ ....‬ونجبت فيه تالميذ خرجت يوزباشيه"‪.‬‬ ‫الجزء ‪ ،4‬ص ‪.42 - 41‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪9‬‬


‫فال يمكن أن نغفل أهمية مدرسة باردو في التأسيس لميالد التحديث المدرسي بالبالد التونسية والتمهيد‬

‫لظهور المدرسة الصادقية في ‪1875‬م‪ .‬كما ساهمت المدرسة في التأسيس ألول حركة ترجمة أسهمت‬ ‫في نقل جزء هام من التراث الحداثي الغربي‪ .‬عالوة على ما تركه تالميذ وتعليمية المدرسة من تراث‬

‫علمي وثقافي دعم مفهوم الوطن والسيادة والمجال وأعطى للدولة الترابية مضامين جديدة‪ .‬ومن جهة‬

‫أخرى مثل الفضاء المدرسي إطا ار مناسبا لبروز نخبة عسكرية متشبعة بالفكر اإلصالحي ومتمكنة من‬ ‫أدوات الثقافة الغربية لعبت دو ار الفتا في بث مكتسبات الحضارة الغربية بفضل ما توصلت إلى تأليفه‬

‫وترجمته داخل المدرسة أو في مواقع مختلفة في أجهزة الدولة‪ .‬فما هي أهم اإلضافات التي قدمتها‬

‫المدرسة الحربية بباردو في عالقتها بتجربة اإلصالح العسكري خالل القرن ‪19‬م ؟‬ ‫‪ -l‬دور المدرسة في االنفتاح على تجارب التحديث العسكري في الخارج‬

‫تتفق كل الدراسات التي اهتمت بالحدث المدرسي في تونس خالل القرن ‪19‬م على الدور الرائد‬

‫الذي قامت به المدرسة الحربية بباردو في التأسيس ألول حركة ترجمة حقيقية للكتب األجنبية‪ .‬كما‬

‫أسهمت المدرسة في دعم نشاط التأليف من خالل إصدار عدد من الكتب التي شكلت النواة األولى‬

‫لميالد حركة ثقافية واسعة كان لها األثر البالغ في التمهيد إلنشاء أول مدرسة للتعليم العصري وهي‬

‫المدرسة الصادقية سنة ‪1875‬م‪ .1‬ولما كان الجهد اإلصالحي منصبا على تكوين تشكيالت عسكرية‬ ‫نظامية مدربة تدريبا عصريا‪ ،‬فقد تركزت حركتا الترجمة والتأليف على الموضوع العسكري‪ ،‬وأشرفت‬

‫عليهما نخبة من المدرسين والتالميذ بالمدرسة وبعض القيادات العسكرية الذين اشتغلوا على ترجمة‬ ‫المؤلفات الفرنسية والتركية إلى اللغة العربية السيما الحاج محمد بن عمر البنباشي إلى جانب أحمد بن‬

‫عبد الرحمان والجنرال رشيد‪ .‬وفي ما يلي جرد للمخطوطات العسكرية التي أنتجها مدرسو وتالميذ‬

‫المدرسة الحربية بباردو والمحفوظة بدار الكتب الوطنية بتونس‪: 2‬‬

‫مدرسو وتالميذ المدرسة الحربية بباردو‬ ‫المخطوطات العسكرية التي أنتجها ّ‬ ‫التاريخ‬

‫رقم المخطوط‬

‫عنوان المخطوط‬

‫كتاب في التعليم العسكري (من تأليف المدرسة الحربية بباردو)‬

‫‪-‬‬

‫‪20‬‬

‫ترتيب أصل خدمة النظام‬

‫‪1857‬م‬

‫‪771‬‬

‫طابور تعليم‬

‫‪1845‬م‬

‫‪647‬‬

‫كتاب نصب األمحال‬

‫‪1846‬م‬

‫‪679‬‬

‫مختصر في علم الحرب‬

‫‪1850‬م‬

‫‪765‬‬

‫طابور تعليم‬

‫‪-‬‬

‫‪634‬‬

‫‪ -1‬بو علي (لطفي)‪ ،‬ديناميكية التحديث العسكري في البالد التونسية خالل القرنين ‪ 18‬و‪ 19‬م ‪ :‬مقاربة في التاريخ االجتماعي‪،‬‬

‫أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪ ،2015 ،‬ص ‪.315 – 312‬‬ ‫‪CHENNOUFI (Ali), « Un rapport inédit en langue arabe sur l’école de guerre du Bardo », Cahiers de‬‬ ‫‪Tunisie, n° 95-96, 1976 .pp. 81 – 85.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪10‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫في تعليم الخيالة من غير ركوب (مهدى من دي تافرن للباي )‬

‫‪1859‬م‬

‫‪1760‬‬

‫كتاب في النظام العسكري‬

‫‪-‬‬

‫‪1757‬‬

‫ترتيب حرب الخيالة‬

‫‪1850‬م‬

‫‪845‬‬

‫نصب األمحال‬

‫‪1846‬م‬

‫‪916‬‬

‫نفار تعليم‬

‫‪-‬‬

‫‪16625‬‬

‫تعليم العسكر الخفيف ( فرقة المشاة )‬

‫‪-‬‬

‫‪16602‬‬

‫مجموع قوانين أحكام عسكر البرية ( من الفرنسية إلى العربية )‬

‫‪1857‬م‬

‫‪6306‬‬

‫رسالة في عمليات الخيل الخفيف‬

‫‪1850‬م‬

‫‪4133‬‬

‫كتاب في العسكرية‬

‫‪-‬‬

‫‪2066‬‬

‫تعليم القواعد العسكرية والقانونية بمدرس باردو‬

‫‪1840‬م‬

‫‪2218‬‬

‫كتاب صناعة الحرب في الطوائف‬

‫‪-‬‬

‫‪1951‬‬

‫كتاب في التعليم الحربي المختص بعسكر الخيالة‬

‫‪1861‬م‬

‫‪1705‬‬

‫كتاب في تعليم الخيالة من غير ركوب (جزء ثاني)‬

‫‪-‬‬

‫‪1783‬‬

‫رسوم عسكرية وتعليم بالعربية من طرف تالميذ المدرسة‬

‫‪1846‬م‬

‫‪1778‬‬

‫كتاب التنظيم العسكري والطوابير ( تأليف الحاج عمر)‬

‫‪1865‬م‬

‫‪1779‬‬

‫كتاب حركات الخط‬

‫‪-‬‬

‫‪16654‬‬

‫كتاب التعاليم الحربية بالمملكة التونسية‬

‫‪1845‬م‬

‫‪16639‬‬

‫كتاب في القوانين العسكرية‬

‫‪-‬‬

‫‪1427‬‬

‫كتاب القوانين العسكرية‬

‫‪-‬‬

‫‪1489‬‬

‫قانون في الدخول في الجيش بباردو (ترجمه من التركية الجنرال ‪-‬‬

‫‪816‬‬

‫رشيد)‬ ‫كتاب آالي في التعاليم العسكرية والقانونية‬

‫‪1862‬م‬

‫‪1173‬‬

‫كتاب فن آالت الحرب المدفعية المسماة فن الطبجية‬

‫‪-‬‬

‫‪1407‬‬

‫المصباح المسفر في ترتيب ثبوت العسكر‬

‫‪1860‬م‬

‫‪1380‬‬

‫كتاب تعاليم العسكر الخفيف‬

‫‪1841‬م‬

‫‪1454‬‬

‫كتاب ترتيب مجالس األحكام العسكرية‬

‫‪-‬‬

‫‪815‬‬

‫فصول في ترتيب الخدمة‬

‫‪1852‬م‬

‫‪17991‬‬

‫الفنون العسكرية‬

‫‪-‬‬

‫‪18005‬‬

‫ترتيب أحوال العسكر‬

‫‪1858‬م‬

‫‪18029‬‬

‫كتاب آالي تعليم‬

‫‪1858‬م‬

‫‪18036‬‬

‫استعمال الخيالة‬

‫‪-‬‬

‫‪18041‬‬

‫كتاب في ترتيب الخدمة العسكرية‬

‫‪-‬‬

‫‪18151‬‬

‫كتاب في الفنون العسكرية‬

‫‪-‬‬

‫‪18136‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪11‬‬


‫قانون الخدمة العسكرية بالسفر‬

‫‪1866‬م‬

‫‪18171‬‬

‫قانون خدمة الوطن‬

‫‪1840‬م‬

‫‪18197‬‬

‫طابور تعليم وتعليم العوجية‬

‫‪-‬‬

‫‪18225‬‬

‫كتاب فنون التنظيمات‬

‫‪-‬‬

‫‪18234‬‬

‫نفار تعليم وبلوك تعليم‬

‫‪-‬‬

‫‪18272‬‬

‫نفار بلوك طابور عوجية‬

‫‪-‬‬

‫‪18273‬‬

‫نفار وبلوك تعليم‬

‫‪1844‬م‬

‫‪18274‬‬

‫أشكال ورسوم حربية‬

‫‪-‬‬

‫‪18275‬‬

‫قانون الخدمة العسكرية بالمعاقل‬

‫‪1867‬م‬

‫‪18276‬‬

‫طابور تعليم‬

‫‪-‬‬

‫‪18278‬‬

‫ما يمكن التأكيد عليه من خالل هذه القائمة الهامة للكتب التي تنظم الخدمة العسكرية في‬

‫مختلف التشكيالت العسكرية من مشاة وخيالة وطوبجية‪ ،‬هو تنوع مجال اهتمام التأليف والترجمة‬

‫العسكرية‪ .‬فنجد ما يتعلق بالقوانين التي تتصدى للتجاوزات التي يقترفها عموم المنتسبين للعسكر‬ ‫النظامي ومنها ما يشمل أنواع التدريب العسكري والمناورة والتحصين وأنواع الخدمة االعتيادية فضال‬

‫عن الصناعة الحربية وغيرها‪ .‬أما المعجمية المستخدمة‪ ،‬فتثبت وثائق األرشيف الوطني أن التدريب في‬ ‫صفوف مختلف الفيالق النظامية وكذلك في المدرسة الحربية بباردواعتمد على حركة واسعة في الترجمة‬

‫والتأليف العسكري‪ ،‬واستعان بمعجمية تركية نجحت بدورها في اقتباس المصطلحات الفرنسية باعتبار‬

‫أن تركيا العثمانية سبقت تونس في إصالح المؤسسة العسكرية واتجهت إلى التخلص من الفرق‬

‫االنكشارية واستبدالها بفرق نظامية مدربة تدريبا عصريا على منوال الجيوش األوربية‪ .1‬وعليه‪ ،‬فقد‬ ‫اعتمدت المؤسسة النظامية التركية في خوض تجربة اإلصالح العسكري على التراث الفرنسي‪ ،‬واتخذته‬ ‫نموذجا قابال لالقتباس‪ .‬ثم عملت إثر ذلك على تصدير ما توصلت إلى استيعابه إلى الواليات العربية‬

‫في المتوسط‪ ،‬وخاصة بمصر وتونس‪.‬‬

‫هذا الجهد في االقتباس استلزم بالضرورة العمل على ترجمة التراث العسكري الفرنسي وادراجه في‬

‫برامج الخدمة العسكرية‪ ،‬وهو جهد اضطلعت به بعض النخب العسكرية المحلية والمملوكية باألساس‬

‫السيما أمير األمراء رشيد الذي أنجز ما يشبه القاموس الذي تضمن العديد من المصطلحات العسكرية‬

‫الفرنسية التي تم نقلها إلى التركية‪ ،‬وادراجها في أدبيات الخدمة العسكرية‪ .‬وقد بلغ عدد المصطلحات‬

‫المترجمة ‪ 136‬مصطلحا عسكريا تتصل في مجملها بعمليات التدريب واالنضباط العسكري كحمل‬

‫السالح والتعامل مع األسلحة النارية والمناورة والهجوم والدفاع والحركات العسكرية وغيرها‪.2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪TLILI (B.), Les rapports culturels et idéologiques entre l’Orient et l’Occident en Tunisie‬‬ ‫‪auXIXémesiècle, Pub. De l’université de Tunis, 1974, pp. 86 – 93.‬‬ ‫‪ 2‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،.‬ملف ‪ ،553‬صندوق ‪ ،144‬وثيقة رقم ‪ ".6‬ترجمة من التركية للفرنسية لبعض المصطلحات العسكرية"‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫وفيما يلي قائمة في المصطلحات العسكرية التي ترجمها الجنرال رشيد من التركية إلى الفرنسية‬

:1‫والتي كانت مستخدمة في التدريب والتعليم العسكري في صفوف فرق الجيش النظامي‬

Peloton de gauche

Sur la droite on bataille Bataillon guide à gauche

‫بلوك‬

à ‫ صولدان‬Bataillon gauche ‫الر‬ à droite et à gauche ‫ صاغه أوستنه‬On ne bataille pas ‫طابور أولجاك‬ ‫ طابور‬Former colonne ‫قوالغوزصوادان‬ ‫ بلوك أوزاك‬à droite bataille

Serrez la colonne

le ‫ أوزاق طابور صول‬Rompez carré ‫ صاغه صوله‬Nepas accélérer

‫قلعة قول اولجاك‬ ‫سرعتلي ارش‬

‫ طابور أولجاك‬March

la

on ‫طابور‬

‫ارش‬

‫ فرقة أولجاك‬Former le carré

‫قلعة أولجاك‬

‫ صاغه‬à distance de peloton ‫أولجاك‬

‫قول يناش‬

‫ ايلري ارش‬Bataillon demi- ‫صاغدان‬ tour

Guide à gauche

‫ قوالغوزصولدان‬En marche

Guide à droite

‫ قوالغوزصاغدان‬à gauche et à ‫ طابور صاغ صول‬Colonne double ‫هجوم قول أولجاك‬ droite à distance de ‫بلوك أوزاق‬ peloton ‫ كري تبديل هزاء‬Changement de ‫بلوك‬ ‫ برنجي‬Guides à vos ‫قوالغوزالريرينه‬ front places ‫أوستنه‬

En arrière sur le 1è peloton

‫ هزاي‬Obstacle

En avant en ligne Généraux à vos places Guides à vos places Peloton pairs à gauche Permez les distances Par le flanc droit à distance de section serrez la colonne Par peloton en arrière à droite

‫ بار الرينه‬Drapéens guides ‫ قالغوزالريارينه‬Bataillon gauche ‫بلوك‬

avant

‫طابور دور‬

‫الر‬ la ‫ طابور صول‬Sur division

à

1ère ‫فرقة‬

‫برنجي‬ ‫أوستنه قول‬

peloton ‫بلوك ايالن ياريح‬ ‫ يوزكري‬Par demi à gauche ‫أولجاك‬ ‫صوله جاك‬

8ème ‫بلوك‬

‫ استقامات‬Changement de division droite ‫ قول يناش طاقم‬à alignement ‫أوزاق‬ ‫كري‬

‫كري دون‬

‫طابور ايلري‬

en ‫ كينجت وار‬Bataillon arrière et ‫ سنجق دار قالغوز‬Bataillon batte

‫ جنت‬Face en arriére ‫طابور‬ on bataille ‫الرصول‬

‫ قول‬Sur le peloton ‫باشندقبحدتاع‬

‫طابور‬

‫ صاغدان‬Marchez vers la gauche ‫بلوك‬

‫ سكسنجي‬Par inversion à ‫صاغه‬ ‫عكسي‬ droite on ‫ أوستنه‬bataille ‫طابور أولجاك‬ en ‫قول ايلري‬ ‫ صاعه يانه تبديل‬Colonne avant ‫ صاغدانبراباركل‬Colonne batte ‫قول دور‬ la ‫ صوله يوروملي‬Sur division

1ère ‫فرقة‬

‫برنجي‬

‫أوستنه صاغدان‬

.3156 ‫ دفتر عدد‬،.‫ ت‬.‫ و‬.‫أ‬1

13

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬


‫ نوبه آتش‬Arme feux

pour ‫ سالح داوران شان‬Colonne serrez ‫فرقة ايالن قول‬ par division ‫آل آتش‬ ‫يناش‬

‫ طابور آتش‬Chargez

‫ دولدور‬Bataillon arme

Feux de deux rangs Feux de bataillon Maniement des armes Feux de demi peloton Garder à vous pour ouvrir vos rangs Rompez le peloton Peloton batte sur le front Marche au pas

Face par le 1 er rang

‫ حركات سالح‬Marche fixe ‫طابور‬

de

de

‫ طاقم أولجاك‬Pas de route ‫ بلوك دور آالي‬Une file de droite en ‫ ارش عادتا‬Peloton arrière marchez

‫ برنجي سره دن‬Peloton armes

‫ ارش باق‬Commencez le ‫باشلهآتش‬ feux ‫ايلري‬ ‫ بلوك آتش‬En avant on ‫طابور‬ bataille ‫أولجاك‬ ‫ طابور تعليم‬Demi-bataillon de droite

‫صاغدانياريح‬ ‫طابور‬

arrière ‫ يول أديم‬En ‫سري كري أج‬ ouvrer vos rangs le ‫ صاغدانبردزي كري‬Formez ‫بلوك أولجاك‬ peloton ‫ بلوك كري ارش‬Sur la droite ‫صاغه أوستنهدزي‬ par le fil on ‫طابور‬ ‫ايله‬ batte ‫أولجاك‬ ‫ بلوك سالح داوران‬Marquez le pas

‫يرندهصاي‬

‫ دولدور‬Serrez rangs

‫سره يناش‬

‫يوز ايلري‬ ‫ حازرول‬Chargez les ‫ حازدر‬Formez faisceaux ‫ عادتا‬Adroite conversion marche ‫ صاغدانبرابار‬Changer le pas

à droite alignement

Vos armes à terre Remettez la baïonnette

‫ ياريح‬Feux peloton ‫آتش‬

‫ سره كري اجميه‬Ecole bataillon ‫حارز أولون‬

Portez vos armes Pas ordinaire

Quatre

‫طابور‬ ‫داوران‬

Garde à vous

Charge à volonté

‫سالح‬

‫كل‬ ‫كي‬

‫ استدن‬Charge temps ‫دولدور‬

en 4

‫ دورت‬Trois Portez vos armes à ‫ سالح ياره‬L’arme volonté ‫ سكي يارينه‬Inspection des armes

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬

vos

‫توفاك شاط‬

‫صاغدانبراباركل‬

‫ صاغه جارك ارش‬Batte ‫ آدم دكشدر‬Peloton arrière ‫ دورت نظام دولدور‬Marche front roulement ‫ أوجيتش‬Deux

‫در‬

en

‫بلوك كري‬

de ‫بلوك ايلري ارش‬

‫ حازدر‬Feux directs sur ‫ سالح استدن أم از‬L’arme l’épaule droite vos ‫ يوقلملي بر‬Relevez armes

‫صاشمه‬ ‫إكي‬ ‫دوغري اتش‬ ‫سالح صاغه أم از‬ ‫توفاك ال‬

14


‫ساقلملي بر‬ ‫حاربي‬ ‫سالح داوران‬ ‫كوبر‬ ‫راحت در‬

‫‪ L’arme sur le‬سونقي طاق‬ ‫‪bras gauche‬‬ ‫‪la‬‬ ‫‪ Tirez‬أور‬ ‫‪baguette‬‬ ‫‪ Apprêtez vos‬فوشك آل‬ ‫‪armes‬‬ ‫‪la‬‬ ‫‪ Déchirez‬فوشك كوي‬ ‫‪cartouche‬‬ ‫‪vos‬‬ ‫‪ Déposez‬ديوان در‬ ‫‪armes‬‬

‫‪au‬‬

‫‪ Baïonnette‬سالح ايندر‬ ‫‪canon‬‬ ‫‪ Bourrez‬حربي يارينه‬

‫‪la‬‬ ‫‪ Prenez‬فرشلقآتش‬ ‫‪cartouche‬‬ ‫‪ Cartouche dans‬فرشلق كب‬ ‫‪le canon‬‬ ‫‪ L’arme au bras‬سالم در‬

‫‪Descendez vos‬‬ ‫‪armes‬‬ ‫‪Remettez la‬‬ ‫‪baguette‬‬ ‫‪Ouvrez le‬‬ ‫‪boussinet‬‬ ‫‪Fermez le‬‬ ‫‪boussinet‬‬ ‫‪Présentez vos‬‬ ‫‪armes‬‬

‫وتختزل هذه القائمة تقريبا مجمل المعجمية العسكرية المتداولة في المؤسسة النظامية خالل تلك‬

‫الفترة‪ .‬ورغم أن الوثيقة ال تتضمن تأريخا دقيقا‪ ،‬فإنه يرجح أنها تعود إلى عهد حسين باي وبداية عهد‬ ‫أحمد باي‪ .‬والدليل على ذلك هو تداول استعمال هذه المصطلحات أو جزء منها على األقل في الوثائق‬

‫والمراسالت العسكرية التي تعود إلى تلك الفترة التأسيسية‪ .‬كما أن وثائق المدرسة الحربية التي عدنا‬

‫إليها في مجال التعليم والتدريب العسكري تثبت بما ال يدع مجاال للشك تواتر استخدام المعجمية التركية‬ ‫في صفوف المنتسبين للمؤسسة العسكرية‪ ،‬فضال عن وجود عدد هام من المخطوطات المختصة في‬

‫التعليم العسكري كانت بدورها تستخدم معجمية تركية‪.‬‬

‫إن استخدام معجمية عسكرية تركية في التأليف العسكري في مجالي التعليم والتدريب يثبت أن‬

‫التجربة التونسية في اإلصالح المادي استطاعت أن توظف حركة التأليف العسكري التي نشطت في‬

‫فرنسا في أواخر القرن ‪18‬م وذلك عبر استيعاب وهضم ما توصلت إسطنبول إلى نقله من حركة‬ ‫التأليف الفرنسية الناظمة للخدمة العسكرية‪ .‬وهذا األمر يجد ما يبرره في أسبقية الحدث اإلصالحي في‬ ‫تركيا العثمانية والذي ارتكز في تأهيل واعداد الفرق العسكرية الجديدة التي نشأت على الت ارث الفرنسي‬

‫العسكري‪.‬‬

‫ولعل نجاح "نابوليون" في اكتساح مناطق واسعة من العالم المتوسطي إبان حملته على مصر قد‬

‫مثل حدثا ملهما بالنسبة للمنطقة اإلسالمية عامة ولتركيا بشكل خاص‪ .‬لذلك كانت هذه األخيرة سباقة‬ ‫إلى اإلفادة من مقومات نجاح هذه التجربة عبر تدعيم حركة الترجمة‪ .‬وبفضل هذه الديناميكية العثمانية‬

‫الهائلة في التثاقف‪ ،‬أصبح متاحا للبالد العربية البناء على ما تمت مراكمته من منجزات هذا التثاقف‬

‫التركي‪ ،‬ليتم بعد ذلك بثه في السياق التحديثي التونسي‪ .‬وعليه‪ ،‬نعتقد أن الحركة اإلصالحية التونسية‬

‫التي كانت تعي محدودية قدرتها على تعريب التراث العسكري الفرنسي قد اختارت تعميم استخدام‬ ‫المعجمية العسكرية التركية واقتفاء أثر تركيا في مسايرة التجربة الفرنسية‪.‬‬

‫ولعلنا ال نبالغ إذا قلنا أن نفس هذا المسار هو نفسه الذي طبع تجربة التحديث العسكري في‬

‫مصر في عهد محمد علي التي سبقت التجربة التونسية وكانت أكثر منها عمقا وجدية‪ .‬وفي هذا‬

‫السياق تكشف إحدى وثائق األرشيف الوطني المتعلقة بهيكلة المؤسسة العسكرية المصرية في عهد‬

‫الباشا أن الجيش المصري الجديد استخدم نفس المعجمية التركية التي جرى استخدامها من قبل‬ ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪15‬‬


‫عناصر الجيش النظامي التونسي‪ .1‬وهو أمر يمكن تفهمه باعتبار أن كال المؤسستين النظاميتين في‬ ‫تونس ومصر نهلتا من نفس المعين وهو اسطنبول‪.‬‬

‫ويبدو أن حسين باي ومصطفى باي وأحمد باي الذين باشروا عملية بعث المؤسسة النظامية‬

‫حاولوا السير في نفس خيارات محمد علي في اإلصالح السيما االعتماد على نفس الترجمة التركية‬

‫للمعجمية العسكرية الفرنسية‪ .‬وال أدل على تأثر النخبة اإلصالحية التونسية بتجربة محمد علي من‬

‫شهادة صاحب العقد المنضد التي وصف فيها الكاتب صدى التجربة المصرية في تونس قائال "ثم إن‬ ‫هذا النظام كثر وشاع خبره بين جميع الناس وأحكم أمره غاية اإلحكام الباشا النجيب محمد علي حاكم‬

‫مصر ورتبه وزاد في معناه ونحن في بالد (أي تونس) ليس لنا منه إال السماع"‪.2‬‬

‫هذا التأثر التونسي بالتجربة المصرية يظهر بدوره على مستوى هيكلة الفرق النظامية حيث يبدو‬

‫تأثرتونس بالنموذج المصري أكثر‪ .‬فقد حاول بايات تونس استنساخ نفس الفرق والرتب العسكرية‬ ‫المصرية‪ .‬فباستثناء فرقة الهندسة العسكرية التي أحدثها محمد علي ‪-‬والتي ال نجد لها أث ار في‬

‫المؤسسة العسكرية التونسية‪ -‬فإننا نجد تقريبا نفس التشكيالت النظامية من مشاة وخيالة وطبجية‬ ‫وبحرية ونفس الرتب العسكرية من ضباط وضباط صف وعساكر‪ .3‬ويبدو أن فرقة الهندسة العسكرية‬

‫التي تنفرد بها مصر تعطي تمي از خاصا لتجربة الباشا‪ .‬فهذه الفرقة تشكل ثقال لوجيستيا على غاية من‬

‫األهمية‪ ،‬وهو ما جعل المؤسسة العسكرية في مصر أكثر قدرة على خوض مغامرات قتالية خارج‬ ‫حدودها‪ .‬ويكفي في هذا الشأن استعراض عدد المدارس والمؤسسات التعليمية التي أنشأها محمد علي‬

‫لنتيقن من عمق التجربة التحديثية المصرية‪ ،‬فقد كانت الخطوة األولى في هذه اإليالة إنشاء الكلية‬ ‫الحربية بأسوان التي استقبلت آالف التالميذ وتخرج منها ألف ضابط في مدة ثالث سنوات شكلوا النواة‬

‫األولى للجيش المصري الحديث‪ .‬وعندما توفر بعض النجاح لمسعى محمد علي‪ ،‬انطلق في مشروعه‬

‫التحديثي‪ ،‬فأنشأ المستشفى العسكري األول‪ ،‬ثم مدرسة الطب ثم المدرسة الحربية للمشاة وبعد ذلك‬

‫مدرسة أركان الحرب بالخانكه‪ .4‬وقد تابع محمد علي مهمة استحداث المدارس العسكرية‪ ،‬فأسس‬

‫مدارس مشابهة في أنحاء مختلفة من البالد مثل دمياط وأبو زعبل‪ ،‬ودعم ذلك بمدرسة للفرسان في‬

‫الجيزة ومدرسة للمدفعية في طره‪ ،‬وأنشأ مدرسة للموسيقى العسكرية والمدرسة البحرية باإلسكندرية‪.5‬‬

‫‪1‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،.‬ملف ‪ ،543‬صندوق ‪ ،144‬وثيقة ‪ :4‬نسخة من ترتيب عسكري مصري سنة ‪ 1251‬ه من أجناس الثالث أسلحة بالعساكر‬ ‫المصرية‬ ‫‪2‬‬

‫ابن سالمه (محمد)‪ ،‬العقد المنضد في أخبار المشير أحمد‪ ،‬مخطوط رقم ‪ ،16665‬الورقة ‪.58‬‬

‫‪3‬‬

‫أ ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬ملف ‪ ،543‬صندوق ‪ ،144‬وثيقة ‪ : 4‬تشمل فرقة الهندسة العسكرية لجيش محمد علي مجاالت تحضير المعادن واصالح‬

‫‪4‬‬

‫زيادة ( معن )‪ " ،‬معالم على طريق تحديث الفكر العربي "‪ ،‬مجلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،115‬جويلية‪-‬أوت ‪ ،1987‬ص ‪. 143 – 142‬‬

‫‪5‬‬

‫زيادة (معن)‪" ،‬معالم على طريق تحديث الفكر العربي"‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،115‬جويلية ‪ ،1987‬ص ‪. 144‬‬

‫الطرقات وتركيب القناطر ونصب مكان العرضى ( إعداد مواقع العرض العسكري ) ‪ .‬أي الجوانب الفنية–اللوجستية لكل تحرك عسكري ‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫ونعتقد أن تقييما موضوعيا لشخصية محمد علي يقود إلى التأكيد بأنه لم يكن مجرد وال عثماني‬

‫وانما كان يحمل مشروعا إصالحيا وتحديثيا جديدا يفضي إلى بناء دولة وراثية قوية ومستقلة عن الباب‬

‫العالي‪ .1‬كما كان مسكونا بهاجس القوة والزعامة ويتوق بفضل الكاريزما التي كان يتمتع بها إلى‬ ‫تكريس نموذج شمولي ومتكامل في التحديث والحداثة‪.‬‬

‫‪ -ll‬دور المدرسة في التأسيس لمفهوم "الدولة الترابية"‪:‬‬ ‫يبدو أن أحمد باي كان يعي أن تأسيس جيش عصري يستوجب حتما االهتمام بالفنون العسكرية‪.‬‬

‫ولذلك كان حريصا على أن يتمتع الضباط بتكوين جيد في المجاالت العلمية والفنية‪ .‬وقد تيسر ذلك‬

‫بفضل اإلضافة التي قدمها نظار المدرسة الذين نجحوا في إدارة المدرسة وساهموا في إثراء مكتبتها‬ ‫بعدد من الكتب المؤلفة أو المترجمة‪ ،‬وفي هذا اإلطار يجب أن نتوقف عند الدور البارز لكل من‪:‬‬

‫‪ -‬اإليطالي "كاليقاريس" ناظر المدرسة منذ إنشائها إلى حدود سنة ‪1852‬م ‪ -‬لعب دو ار هاما في‬

‫إقناع أحمد باي بضرورة بعث مدرسة باردو وساهم في ترجمة عدد كبير من الكتب في الفن العسكري‬ ‫من اللغة التركية بفضل تجربته في تدريس الهندسة وعلم المثلثات في المدرسة العسكرية التركية إسكي‬ ‫سراي‪ .‬كما يعتبر الطرف الرئيسي في التجديد البيداغوجي وخاصة إدخال االختصاصات العلمية‬ ‫والتطبيقية في التكوين الذي يتلقاه التلميذ بالمدرسة كالهندسة والرياضيات والجغرافيا‪ ،‬وهي اختصاصات‬ ‫مرتبطة بالطوبوغرافيا وعلم رسم األماكن‪ .‬وقد ساعد ذلك في إدراج تقنية رسم الخرائط في التكوين‬

‫العلمي لتالميذ المدرسة عالوة على عالقتها بالهندسة العسكرية وعلم التحصينات المرتبطة بدورها‬

‫بمجال المناورة العسكرية‪.‬‬

‫‪ -‬الفرنسي كامبينون ناظر المدرسة منذ ‪1852‬م ‪ :‬درس التاريخ العسكري والمدفعية والطوبوغرافيا‬

‫واللغة الفرنسية واإليطالية وساهم في إدخال المناهج البيداغوجية األوربية‪.2‬‬

‫إلى جانب النظار يبرز الدور األكبر للجنرال رشيد أمير عسكر الساحل الذي يعود له الفضل في‬

‫تأسيس علم رسم الخرائط في تونس‪ .‬فقد عمل على إدراج هذا االختصاص بالمدرسة الحربية بباردو‪،‬‬ ‫وبذل جهدا كبي ار في تعليم التالميذ تطبيق تقنية إنجاز الخرائط ‪ .‬وقد أثبتت الباحثة هدى بعير أن‬

‫الجنرال رشيد كان قد أشرف بنفسه على رسم أولى الخرائط التي أنجزها تالميذ المدرسة والمتعلقة بمدن‬

‫وقرى الساحل ومنطقة صفاقس وجزيرة جربة ‪ 3‬وتشمل ‪:‬‬

‫‪ -‬خرائط ملونة تغطي ‪ 57‬مدينة وقرية من الساحل (سوسة والمنستير والمهدية)‪.4‬‬

‫‪1‬قالدة (وليم سليمان)‪ ،‬التغيير المؤسسي في الوطن العربي على النسق الغربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت ‪ ،1985‬ص ‪.419‬‬

‫‪, Thèse de Doctorat, siècle émede l’espace en Tunisie au 19 Cartographie et représentation, BAIR (H)2.‬‬ ‫‪Université de Tunis, 2010 – 2011, p 236.‬‬ ‫‪Ibidem. 3.‬‬

‫‪4‬‬

‫مخطوط رقم ‪ :18669‬ويعد ‪ 59‬ورقة‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪17‬‬


‫ خرائط ملونة تغطي منطقة صفاقس وجزيرة جربة ‪.1‬‬‫تستند الخرائط التي تم إعدادها إلى العمل الميداني والمالحظات على األرض حيث تضمنت كل‬

‫خريطة مفتاحا يحتوي على مجموعة من رموز لمعلومات ومعطيات عديدة تشمل دور العبادة والزوايا‬ ‫واألسواق والتحصينات ومعاصر الزيت واألحياء‪ ،‬هذا إلى جانب معلومات حول حدود المدينة أو القرية‬

‫وبعض ظواهرها الطبيعية كالغابات والسباخ واألودية وغيرها ‪ .‬مايهم في هذه المسألة أنه جرى ألول‬

‫مرة في تاريخ تونس الحديث استخدام تقنية رسم الخرائط كعلم ظل إلى حدود تلك الفترة حك ار على أوربا‬

‫والسيما فرنسا وهو ما يعد في نظرنا حدثا استثنائيا في مسار اإلصالح خالل القرن ‪19‬م‪.‬‬

‫األمر الثاني أن إنجاز هذا العدد الضخم من الخرائط‪ ،‬والذي استغرق فترة طويلة امتدت على‬

‫عقد من الزمن من ‪ 1850‬إلى ‪1860‬م‪ ،‬تم من قبل تالميذ المدرسة الذين تحولوا رفقة ضباطهم إلى‬

‫القرى المعنية‪ ،‬واختصت كل مجموعة بتدوين ما عاينوه من معطيات مادية حرصوا على جمعها في‬

‫مفتاح تأليفي ييسر قراءتها بطريقة علمية دقيقة‪ .‬ولعل معرفة الجنرال رشيد الجيدة بالساحل التي شغل‬

‫فيها لمدة طويلة خطة أمير عساكر الساحل هي التي ساعدته على المبادرة بإنجاز هذا المشروع‬

‫المجدد والذي –على ما يبدو– استعان فيه بعدد كبير من تالميذ المدرسة ممن ينحدرون من منطقة‬ ‫الساحل‪ .‬األمر الثالث أن هذا المشروع العلمي المجدد يعد أولى المحاوالت التونسية لتمثل التراب‬ ‫ورسمه‪ ،‬كما تعبر في اآلن نفسه عن تنامي اتجاه جديد لدى النخبة التونسية تزعمته منطقة الساحل‬ ‫أصبح يتمثل مفاهيم حديثة تتعلق بالمجال والسيادة ساهمت على ما يبدو في تكريس الدولة الترابية‬ ‫وتبلور مسار تحييز المجال‪ .‬وهذه المفاهيم الحديثة هي التي ستساعد على تدعم اإلحساس باالنتساب‬ ‫واالنتماء والذي تطور خالل الفترات الالحقة إلى نوع من الشعور الوطني برز تدريجيا في عالقة‬

‫باآلخر الغازي‪ -‬المستعمر‪ .‬إن تصاعد المخاوف من إمكانية أن تقدم فرنسا عل شن حملة عسكرية‬ ‫باتجاه تونس أعطى المسألة الترابية بعدا مركزيا في منظومة التعليم بمدرسة باردو وجعل من الخريطة‬ ‫أداة جوهرية في التعبير على امتالك المجال وتكريس الرغبة في السيطرة عليه‪ .‬وهكذا وبفضل الخرائط‬

‫أمكن االنتقال من مفهوم المجال المعوم أو المطلق إلى مفهوم المجال المرسوم والموصوف بدقة (أي‬

‫ذلك المجال الذي يمكن تحديده وضبطه)‪.2‬‬

‫إن تعاطي تالمذة باردو مع الخرائط كتقنية جديدة في التعامل مع المجال ووسيلة تيسر عمل‬

‫اإلدارة ‪-‬بما احتوت عليه من عالمات ورموز كرتوغرافية مجسدة لعدة معطيات ‪ -‬تزامنت مع تلك‬

‫التحوالت الثقافية التي كانت تحصل في أوربا‪ .‬وهو ما فرض على السلطة في تونس تحسس الضرورة‬

‫الحيوية لتغيير النظرة التقليدية للمجال ولطرق التعاطي معه وذلك من خالل توريد واستخدام تقنية رسم‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫مخطوط رقم ‪ :261‬ويعد ‪ 27‬ورقة‪.‬‬

‫بعير (هدى)‪ ،‬التجربة الخرائطية لمدرسة باردو الحربية في منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬مخبر دراسات مغاربية‪ ،2008 ،‬ص ‪.71‬‬

‫‪18‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫الخرائط‪ ،‬وهو ما جعل الباحثة هدى بعير تعتبر أن رسم المجال وتمثله يندرج في سياق ما نسميه اليوم‬ ‫"األمن القومي"‪.1‬‬

‫‪ -lll‬دور المدرسة في بروز " نخبة عسكرية ّنيرة"‪:‬‬ ‫يبدو أن التحدي الذي فرض نفسه في عملية اإلصالح في القرن ‪19‬م تمثل في االستيراد الكثيف‬

‫لنموذج حداثي كان قد عزز موقعه على الصعيد العسكري والتقني خالل تلك الفترة‪ ،‬أال وهو النموذج‬

‫الفرنسي‪ .2‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬تتنزل المقاربة التونسية في إنشاء المدرسة الحربية بباردو‪ ،‬والتي بإنشائها‬ ‫تحول التحديث إلى مسار كوني قابل للتعميم‪. 3‬‬

‫لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو‪ :‬كيف تمت اإلسفادة من الثقافة األكثر تقدما ؟‬ ‫أفضت عملية توريد نماذج في النهوض وما رافقها من احتكاك بالتحديث العسكري الفرنسي إلى‬

‫ظهور طبقة عسكرية محلية عملت على االستفادة من مخزون الثقافة العسكرية الفرنسية وسيلتها في‬

‫ذلك هي الترجمة‪ ،4‬والتي مثلت عملية محورية في هضم واستيعاب العلوم العسكرية األجنبية‪ .‬والنتيجة‬ ‫هي أنه تم إحصاء ‪ 48‬مخطوطا بالمكتبة الوطنية تابعة للمدرسة الحربية بباردو ساهم في إنجاز قسم‬

‫منها تالميذ المدرسة ومدرسوها‪ ،5‬فمع انطالق اإلصالحات العسكرية ظهرت الحاجة إلى إيجاد كتب‬

‫عسكرية معربة يستطيع التلميذ أو الجندي فهمها‪.‬وفي سبيل تحقيق ذلك‪ ،‬كان ال بد من االستعانة بما‬

‫تم تحقيقه في تركيا من ترجمة للتراث العسكري األوربي‪ .‬ولذلك‪ ،‬شكل بعث مدرسة عسكرية تدرس‬

‫اللغات األجنبية الوسيلة التي أمكن بواسطتها مواكبة ما كان يحصل خارج البالد من تطور في العلوم‬

‫العسكرية‪ .‬وقد تزعم هذا االتجاه في تعريب بعض الكتب المختصة في الفنون العسكرية نخبة من‬ ‫المتنورين داخل المدرسة الحربية أو في و ازرة الحرب أو حتى قيادات عسكرية في الجيش النظامي‬ ‫وبإشراف من الشيخ محمد قبادو الذي نسق مع بعض الطلبة المتميزين بالمدرسة‪.6‬وقد مثلت هذه‬

‫الطبقة إحدى أهم أدوات االتصال الثقافي المباشر بالغرب‪ ،‬وساهمت في فك العزلة الثقافية لإليالة‪،‬‬ ‫وتحقيق قدر كبير من االنفتاح على العالم الخارجي وعلى أفكاره وانجازاته‪.7‬‬

‫ولقد أفضت صيرورة االنفتاح على المشروع الحداثي األوربي إلى تشكل "بيروقراطية عسكرية"‬

‫ذات ثقافة غربية كرست من خالل مساهماتها الفكرية نوعا من "العقالنية"‪ .‬ومن أبرز عناصرها‪:‬‬

‫‪3‬‬

‫‪BAIR (H), Ibid., p. 236.‬‬ ‫‪BERNARD (L), Comment l’islam a découvert l’Europe, Paris, 1984, p 229-234.‬‬ ‫أبو زيد (أحمد)‪" ،‬التنوير في العالم العربي‪ :‬قراءة أنثروبولوجية" ‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬عدد‪ ،3‬مج ‪ ، 29‬جانفي‪ -‬مارس ‪ ،2001‬ص ‪.31 -30‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬عبد الحافظ ( مجدي)‪" ،‬ميالد التنوير في الفكر العربي المعاصر"‪ ،‬المجلة التونسية للدراسات الفلسفية‪ ،‬ع ‪ ،23–22‬س ‪ ،14‬ص ‪.24‬‬ ‫‪.5CHENNOUFI (A.), « Un rapport inédit », op. cit, p 81 – 85‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪LAROUSSI (M.), « La pénétration de l’enseignement Européen dans la Tunisie précoloniale : origines et‬‬ ‫‪répercussions »,les Cahiers de Tunisie, n ° 157-158, 3 - 4éme trimestre, 1991, p 187.‬‬ ‫‪7‬ابن سالم (عمر)‪ ،‬قابادو ‪ :‬حياته وآثاره وتفكيره اإلصالحي‪ ،‬الجامعة التونسية‪ ،‬مركز الدراسات واألبحاث االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬ ‫المطبعة العصرية‪ ،‬تونس‪ 357 ،1975 ،‬ص‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪19‬‬


‫أ) محمد ابن الحاج عمر البنباشي‪:1‬‬ ‫تعتبر مؤلفاته بمثابة دائرة معارف عسكرية‪ ،‬حيث قدم أضخم عمل في التأليف العسكري وفي‬

‫نقل العلوم العسكرية‪ ،‬السيما تلك المكتوبة باللغة الفرنسية‪ .‬وقد اهتم في كتاباته بعدة قضايا عسكرية‬

‫وهي‪:‬‬

‫‪ ‬القضايا الفنية‪ :‬وتتصل بكيفية تركيب العسكر‪ ،‬وأصنافه وطرق حمل السالح والمحافظة عليه‬

‫واستخدام المدافع‪ . ،‬ومن أهم مؤلفاته في هذا المجال ‪:‬‬

‫ رسالة في الخدمة العسكرية بالمعاقل والقشل وكيفية انتظام آالياتالتريس والخيالة‪.‬‬‫ تأليف في تركيب الجيش وبيان أصنافه وضباط أركان الحرب‪.‬‬‫ كتاب ترتيب العسكر وتنظيم الطوابير‪.‬‬‫‪ -‬رسالة في ما يتعلق بالمدافع‪.‬‬

‫تأليف في علم السالح المحمول وكيفية المحافظة عليه‪.2‬‬ ‫‪ ‬القضايا التشريعية‪ :‬تخص استحداث ترتيبات قانونية للخدمة العسكرية داخل المعاقل وآليات‬

‫العقاب وأدواته‪ .‬ومن أهم مؤلفاته في هذا المجال‪:‬‬

‫ قانون خدمة المعاقل وترتيب المراكز بها‪،‬‬‫‪ -‬قانون في الخدمة الداخلية العسكرية‪،‬‬

‫ قانون الجزاء العسكري وكيفية تركيب المجالس الحربية‪،‬‬‫‪ -‬عشرة قوانين خاصة بالعسكر‪.‬‬

‫لكن كيف استطاع بن عمر تزعم حركة تعريب العلوم العسكرية ؟ وهل وفق في ذلك ؟‬ ‫يبدو أن الخطط العسكرية التي شغلها الحاج محمد والسيما خطته كرئيس للقسم األول بو ازرة‬

‫الحرب جعلته يواكب ما كان يجري في فرنسا من تحديث للمؤسسة العسكرية‪ ،‬كما أن إتقانه للغة‬

‫الفرنسية وتمكنه منها أهاله لالطالع على حركة التأليف العسكري في فرنسا‪ ،‬وجعاله حريصا على‬

‫النهل منها‪ .‬ويبدو أن الرجل لم يكن يخفي إعجابه وشغفه بالتجربة التحديثية الفرنسية في المجال‬

‫العسكري‪ ،‬حتى أننا نكاد نجزم بأنه كان يؤمن بأن التراث العسكري الفرنسي يعتبر حجر الزاوية في كل‬ ‫إصالح داخل المؤسسة العسكرية التونسية‪ .‬ولذلك حرص من خالل و ازرة الحرب على اقتناء المؤلفات‬

‫‪ 1‬وقد بدأ البنباشي مسيرته كضابط في الجيش ثم نائبا لمدير المدرسة الحربية بباردو ثم ألحق بو ازرة الحرب حيث تقلد منصب رئيس القسم‬ ‫األول بها‪ ،‬وخالل هذه الفترة بالذات كان له الفضل في تعريب النصيب األكبر من الكتب العسكرية الفرنسية ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشيباني ( بنبلغيث )‪ ،‬الجيش التونسي في عهد محمد الصادق باي (‪1882 – 1859‬م )‪ ،‬منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي‬

‫والمعلومات وجامعة صفاقس‪ ،1995 ،‬ص ‪. 99‬‬

‫‪20‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫العسكرية الفرنسية وتعريبها‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬اشترى من فرنسا عددا من المؤلفات العسكرية التي رأى‬

‫أنه يمكن االستفادة منها في تونس وتشمل القائمة ما يلي‪:1‬‬ ‫القواميس ‪:‬‬ ‫ قاموس عربي‪-‬فرنسي‪،‬‬‫‪ -‬قاموس فرنسي‪،‬‬

‫ قاموس عسكري في ‪ 8‬أجزاء‬‫الكتب ‪:‬‬

‫‪ -‬كتاب في خدمة أحوال شؤون الطبجية‪،‬‬

‫ كتاب في أحوال حصون المدن والسفر‪،‬‬‫ كتاب في شرح أشكال الحصون‪،‬‬‫ كتاب في األحكام العسكرية‪،‬‬‫‪ -‬كتاب في مهمات العسكر‬

‫‪ -‬كتاب في كيفية صنع البارود وأنواع العقارات النارية‪،‬‬

‫ ‪ 3‬كتب أحدها في نفر وبلوك تعليم والثاني في طابور تعليم والثالث في آالي تعليم‪،‬‬‫ ‪ 3‬كتب أحدها في خدمة السفر والثاني في خدمة الخطر والثالث في خدمة الثغور‪،‬‬‫‪ -‬رسالة في أحوال التفقد ألبراج الطبجية‪.‬‬

‫يتضح من خالل قائمة الكتب المقتناة من فرنسا أن عملية التعريب اعتمدت على تمكن واضح‬

‫من اللغة الفرنسية فضال عن وجود قواميس متنوعة ساعدت بشكل كبير على النجاح في نقل التراث‬

‫العسكري الفرنسي إلى تونس‪ .‬كما أن مقارنة المؤلفات المشتراة مع قائمة الكتب التي قام محمد بن‬

‫عمر بتعريبها تظهر أن عملية التعريب تجنبت التعامل مع الكتب المختصة وذات الطابع التقني أو‬

‫العلمي بسبب شدة تعقيدها‪ ،‬من ذلك مثال أنه لم يقع تعريب كتاب "في شرح أشكال الحصون وأحوالها"‬ ‫وكتاب "في كيفية صنع البارود وأنواع العقارات النارية"‪.‬‬

‫‪1‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،.‬دفتر ‪ :3156‬تلخيص لكتب اقتنيت من فرنسا وتتعلق بموضوع الحرب‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪21‬‬


‫ب) أمير األمراء رشيد‪:1‬‬ ‫يعتبر رشيد أول من اعتنى بتعريب كتب الصناعة الحربية في اإليالة‪ ،‬ومن أشهر الضباط‬

‫الذين عربوا العلوم العسكرية التركية‪ .‬ومن أشهر كتبه في هذا المجال ‪:‬‬ ‫‪ -‬كتاب أصل خدمة النظام العسكري لسنة ‪1857‬م ‪.‬‬

‫ كتاب ترتيب الشروط المخصوصة للدخول في السلك العسكري لسنة ‪1862‬م‪.‬‬‫كما ساهم في شرح بعض المصطلحات التي تتصل بالخدمة العسكرية النظامية باالعتماد على‬

‫تعريب المؤلفات الفرنسية التي تتناول هذه المسألة‪ .‬ومن ذلك رسالتين هما‪:‬‬ ‫‪ -‬رسالة في كيفية تركيب الجيش وترتيبه‪ ،‬وما يتعلق بالتعاريف‪.‬‬

‫‪ -‬رسالة في ما يختص بكيفية الخدمة الداخلية‪.2‬‬

‫ثم إن أمير األمراء رشيد قام بمجهود ضخم في ترجمة العديد من المصطلحات العسكرية من‬

‫التركية إلى الفرنسية وأنجز ما يشبه القاموس العسكري الذي يشرح كثي ار من المصطلحات المدرجة في‬

‫الخدمة العسكرية مثل عمليات التدريب واالنضباط العسكري‪ ،‬كحمل السالح والتعامل مع األسلحة‬

‫النارية وكيفية الوقوف والمشي وغيرها‪ .3‬وساهم رشيد ‪-‬كما ذكرنا آنفا‪ -‬في تأسيس علم رسم الخرائط‬

‫في تونس‪ ،‬فقد عمل على إدراج هذا االختصاص بالمدرسة الحربية بباردو وبذل جهدا كبي ار في تطبيق‬ ‫تقنية إنجاز الخرائط في التكوين العلمي للتالميذ‪. 4‬‬ ‫ج) القائم مقام أحمد المورالي‪:‬‬

‫وهو من المماليك الذين كان لهم إسهام كبير في التأليف العسكري‪ ،‬إذ ترك كتابين هما‪:‬‬

‫اختصار قانون خدمة العسكر في السفر؛ وكنز فنون الضباط الصغار‪.5‬‬

‫‪1‬‬

‫وهو من مماليك الوزير سليمان كاهية تربى بداره ثم أخذه حسين باي وأضافه البنه حمودة باي‪ ،‬ثم نقله للخدمة العسكرية إلى أن صار‬

‫أمير آالي بعسكر سوسة في ذي القعده ‪ 1262‬ه(‪ 1846‬م)‪ .‬ثم أضيفت إليه قيادتها بعد قتل الوزير شاكير صاحب الطابع‪ ،‬فخدمها قليال‬ ‫ثم استعفى منها‪ ،‬وولع بعلم الصناعة الحربية‪ .‬وأصبح أمير أمراء عساكر الساحل في جمادي األول ‪1278‬ه (نوفمبر ‪1861‬م)‪ ،‬واختاره‬ ‫أحمد باي لقيادة عسكره الذي أرسله إلى حرب القرم وقوامه ‪ 12‬ألف جندي ومعه أسطول بحري تحت إمرته وذلك سنة ‪1854‬م‪ .‬ولما‬

‫وصل محمد الصادق باي إلى السلطة استعان به في األمور الصعبة واختاره كعضو لمجلس الشورى ولمجلسه الخاص‪.‬‬

‫ورد ب أ‪.‬و‪ .‬ت‪ ،‬ملف ‪ ،909‬صندوق ‪ ،78‬وثيقة ‪ .16 – 15‬وابن أبي الضياف ( أ‪ ،).‬إتحاف أهل الزمان‪ ،‬المجلد ‪ ،4‬الجزء ‪ ،8‬الدار‬

‫العربية للكتاب‪ ،1999 ،‬ص ‪. 148‬‬

‫‪2‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،.‬ملف ‪ ،553‬صندوق ‪ ،144‬وثيقة رقم ‪.10-9‬‬ ‫‪3‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،.‬ملف ‪ ،553‬صندوق ‪ ،144‬وثيقة رقم ‪.6‬‬

‫‪4‬‬

‫‪BAIR (H.), Cartographie et représentation, op - cit, p 236.‬‬ ‫‪5‬بنبلغيث (الشيباني)‪ ،‬الجيش التونسي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.100‬‬

‫‪22‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫وعالوة على ذلك كان المورالي من أبرز الذين اختارتهم الدولة لمواصلة تعليمهم في مدرسة‬

‫"سان سير" العسكرية الفرنسية‪ 1‬إلى جانب علي بن محمد القادري‪ ،‬وهي تقريبا أول بعثة عسكرية‬ ‫تونسية تناولتها المصادر الفرنسية وحاولت تقييم نتائجها‪.‬‬ ‫د) البنباشي أحمد بن عبد الرحمان وغيره‪:‬‬ ‫من أهم ما قام به أحمد هو ترجمته لكتاب فرنسي خاص بتعليم الطوابير منفردة‪ ،‬وتأهيلها‬

‫للمناورات العسكرية‪ ،‬ويعد من الكتب التي اعتمدتها المدرسة الحربية بباردو أيام المشير أحمد باي‪.2‬‬

‫إلى جانب هذه األسماء التي لمعت في مجال التعريب‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى وجود بعض األسماء‬

‫األخرى التي كان لها إلمام واسع باللغات األجنبية كالفرنسية وااليطالية والتركية‪ .‬كما كان للبعض‬ ‫اآلخر شغف واهتمام بالعلوم العسكرية لكن ال نعلم على وجه الدقة الظروف التي منعتهم من التأليف‬

‫أو التعريب‪ ،‬باستثناء بعض اإلشارات الواردة في المصادر التاريخية والتي تكشف أن حسونة المورالي‬ ‫وهو أحد القراصنة احتل مكانة مرموقة في مجتمع السلطة والبالط وانضم إلى "نادي المشورة"(أي‬

‫خاصة حمودة باشا الحسيني)‪ ،‬حيث كان صهر محمد خوجة أمين الترسخانه‪ .‬كما قربه يوسف‬ ‫صاحب الطابع وأشرف على تجارته وتجارة الباي‪ .3‬وكانت له معرفة عميقة باللغات الفرنسية‬

‫واإليطالية والروسية والتركية‪ ،‬إلى جانب إجادته الكبيرة للغة اإلنجليزية‪ .‬أقام الموراليبإنقلت ار لفترة طويلة‬ ‫تصل إلى ‪ 9‬سنوات إلى حد أن ملك فرنسا "لويس فيليب" عندما استمع إلى طريقة نطقه باإلنجليزية‬

‫‪-‬وكان مرافقا وقتذاك ألحمد باي أثناء زيارته إلى باريس في ‪1846‬م‪ -‬شبهه بالمولودين بإنقلت ار‪،‬‬

‫والمنحدرين منها‪ .4‬لذلك نعتقد أن طول مدة إقامته بإنقلت ار ربما تكون قد حرمت المؤسسة العسكرية‬ ‫التونسية من االستفادة من سعة معرفته باللغات األجنبية‪ ،‬ومن تجربته الميدانية وخبرته بشؤون‬

‫الحرب‪ .‬لذلك‪ ،‬لم يؤلف الرجل في التعليم العسكري ولم يهتم بتعريف المصطلحات العسكرية‪ ،‬وانما‬ ‫اقتصرت اإلفادة منه في اعتماده كمترجم في السفارات األجنبية‪ .‬كما أن وفاته المبكرة سنة ‪1848‬م‬ ‫(أي في أوج تجربة اإلصالح العسكري) قد تكون قضت ربما على كل أمل في االستفادة منه‪.‬‬

‫يمكن اإلشارة أيضا إلى الصادق قرجوم الذي ألف في ‪1861‬م كتابا بعنوان "رسالة في قانون‬

‫خدمة طبجية الوطن"‪ ،‬وهو مترجم عن القانون الفرنسي الذي وضعه" لوي فيليب" سنة ‪1840‬م‪.5‬‬

‫في نفس اإلطار يمكن اإلشارة إلى فرحات المملوك‪ ،‬وأصله من أبناء الروم‪ ،‬رباه أحمد باي وق أر‬

‫القرآن وحفظ ما تيسر منه على يد الشيخ محمد المنكبي مع غيره من المماليك‪ .‬ويذكر ابن أبي‬ ‫‪1‬‬

‫تذكر المصادر أن الوزير األكبر مصطفى خزندار كان أهم من رشح الموالي لمواصلة تعليمه في فرنسا ‪.‬‬

‫‪2‬مخطوط رقم‪ :16625‬الخط مغربي‪ ،‬عدد الورقات‪ ،134‬نفس هذا المحتوى ورد في المخطوط رقم ‪ 16639‬بعنوان " كتاب التعاليم الحربية‬ ‫بالمملكة "‪.‬‬

‫‪3‬المستغانمي (محمد فوزي)‪ ،‬بالط باردو‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪. 358 – 356‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن أبي الضياف (أحمد)‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬الجزء ‪ ،8‬ص ‪.66‬‬ ‫مخطوط رقم ‪.18197‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪23‬‬


‫الضياف أن أحمد باي "علمه الصناعة العسكرية وبرع فيها"‪ ،1‬لكن ال نعلم ما المقصود بكلمة "علمه"‬ ‫ألن فرحات المملوك لم يكن له دور يذكر في مجالي التأليف أو التعريب بحسب ما توفر لدينا من‬

‫قائمة المؤلفين بالمدرسة‪ .‬فهل المقصود هنا هوبراعته في العلوم العسكرية التطبيقية ال غير؟‬

‫هذا األمر ينسحب بدوره على حسن المقرون‪ ،‬وكان من ضباط مساكن‪ ،‬اختير للعمل بالمحمدية‬

‫برتبة بنباشي وتدرج إلى أن ارتقى إلى رتبة أمير لواء‪ .‬ويذكر ابن أبي الضياف أنه "أقبل على تعلم‬ ‫الصناعة الحربية بجد واجتهاد حتى صارت هذه الصناعة طبيعة من ذاته واالشتغال بها من أكبر‬

‫لذاته"‪ .2‬غير أن العائق الذي كان يمنعه من التأليف هو أنه كان قريبا من األمية‪ ،‬إذ أن المثابرة في‬ ‫الخدمة العسكرية شغلته عن إتقان الكتابة والقراءة وما يتبع ذلك‪ ،‬مما ينهض حجة على أن العالقات‬

‫الشخصية للمقرون بالباي أحمد هي التي لعبت دو ار حاسما في ارتقائه السريع في الرتب العسكرية حتى‬ ‫توج بمنصب أمير لواء‪ .‬ومن هنا يمكن أن نتصور أن االرتقاء في الرتب العسكرية لم يكن رهين‬

‫االنتماء العرقي وليس حك ار على فئة المماليك وال هو مشروط باإللمام بالعلوم العسكرية والتأليف فيها‪،‬‬

‫إذ سمح للعناصر األهلية ممن لهم عالقات والء عميقة بالمخزن من بلوغ أعلى الرتب العسكرية‪.‬‬ ‫خاتمة‪:‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فالثابت أن سلط الحماية الفرنسية عملت منذ انتصابها بتونس في ‪1881‬م‬

‫على االستفادة من معظم خريجي المدرسة بإدماجهم في أجهزتها اإلدارية والعسكرية وتوظيف خبرتهم‬

‫في إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية االستعمارية‪ ،‬مستغلة امتالكهم للغتين العربية والفرنسية وبعض‬

‫اللغات األخرى مثل محمد قرجوم وأحمد باش طبجي وعمر بن بركات‪ .3‬واعتبا ار لطبيعة الدور الذي‬ ‫قامت به بعض نخب المدرسة‪ ،‬أال يجوز القول بأن مشروع المدرسة الحربية بباردو الذي دفعت إليه‬

‫فرنسا وشجعته هو مشروع براغماتي أحسنت السلطة االستعمارية التي انتصبت بتونس منذ ربيع‬

‫‪1881‬م استغالله من خالل توظيف النخبة العسكرية النيرة التي تخرجت من مدرسة باردو في تنظيم‬ ‫وتدريب الفرق العسكرية التونسية التي وقع انتدابها إثر التدخل العسكري الفرنسي في تونس؟‬

‫‪1‬‬

‫ابن أبي الضياف ( أحمد )‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬الجزء ‪ ،8‬ص ‪.133‬‬

‫‪2‬‬

‫ابن أبي الضياف ( أحمد)‪ ،‬نفسه‪ ،‬الجزء ‪ ،8‬ص ‪.178 - 177‬‬

‫‪FOLLY (L - C), «Historique de la mission militaire Française en Tunisie», Revue Tunisienne,janvier‬‬ ‫‪1923, n°155- 156, p.p. 336 - 337.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪24‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫ م‬1856 -‫ م‬1854 ‫المشاركة التونسية في حرب القرم‬ ‫وثائق تموين العساكر‬

‫ حمادي الدالي‬.‫د‬

‫جامعة المنستير‬

La participation tunisienne à la guerre de Crimée 1854-1856 Documents concernant le ravitaillement des soldats Résumé : Il s'agit de trois contrats signés, entre le 20 septembre et le 9 novembre 1854, par le représentant du Bey, le Général M’hamedKhaznadar et les commerçants tunisiens chargés de la munition des soldats tunisiens envoyés par Ahmed Pacha Bey (18371855) pour renforcer l’armée ottomane lors de la guerre de Crimée. Le premier contrat a pour objet les prix et la nature des produits alimentaires nécessaires pour le ravitaillement des soldats. Le deuxième contrat fixe les quantités d’huile, du blé et de l’orge, envoyés de Tunis par le bey aux commerçants. Le troisième contrat règle le versement de liquidité de formes diverses, aux profits des commerçants. Mots-clefs : Guerre de Crimée - armée tunisienne - ravitaillement des soldats commerçants tunisiens à Istanbul - Ahmed Pacha Bey. Tunisian participation in the Crimean War 1854-1856 Documents relating to the supply of soldiers Abstract: These are three contracts signed between 20 September and 9 November 1854 by the Bey's representative, General M'hamedKhaznadar and the Tunisian traders in Istanbul in charge of the ammunition of the Tunisian soldiers sent by Ahmed Pasha Bey)1837-1855) to reinforce the Ottoman army during the Crimean War ; The first contract concerns the prices and the nature of the foodstuff required for the supply of soldiers. The second contract fixes the quantities of oil, wheat and barley sent from Tunis by the bey to the merchants. The third contract regulates the payment of liquidity of various forms, to the profits of the merchants. Key words: Crimean War - Tunisian army - Supply of soldiers - Tunisian traders in Istanbul - Ahmed Pasha Bey.

: ‫مقدمة‬ ّ ‫تتمثــل هــذه الوثــائق فــي ثالثــة عقــود تهــتم بتمــوين العســاكر التونســية المـ ارد إرســالها إلــى إســتانبول‬

‫دعم ـلا للدولــة العثمانيــة فــي حربهــا ضــد روســيا القيص ـرية فيمــا عــرف بحــرب القــرم التــي انطلقــت ســنة‬ ‫م إلـى‬1837 ‫ فقبل خروج العساكر التونسية مـن مينـاء حلـق الـوادي أوفـد أحمـد بـاي (حكـم مـن‬،‫م‬1853 25

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬


‫‪1855‬م) محمــد خزنــدار أميــر لـواء خيالــة الســاحل وعامــل الســاحل إلــى إسـتانبول وفــوض لــه األمــر فــي‬ ‫إبـرام عقــود مـع التجــار التونسـيين المقيمــين فــي إسـتانبولبغية تــوفير حاجيـات هــذه العسـاكر مــن المؤونــة‪،‬‬

‫وقد تم إبرام هذه العقود مع هؤالء التجار بعد أن وضع الباي على ذمـتهم تسـبقة ماليـة مبينـة قيمتهـا فـي‬

‫العقد الثالث المبرم في ‪ 4‬صفر ‪ 1271‬هـ‪ 9 /‬نوفمبر ‪1854‬م وتسبقة عينية تتمثل في كميـة مـن القمـح‬ ‫والشعير والزيت اشتراها التجار من البـاي بـثمن محـدد واعتبـرت قيمـة تلـك البضـائع تسـبقة للتجـار علـى‬ ‫ما سينفقونه من اعباء التموين وهي محددة بكل دقة فـي العقـد الثـاني المبـرم فـي ‪ 21‬محـرم ‪ 1271‬ه ـ ‪/‬‬

‫‪ 24‬أكتوبر ‪1854‬م أما العقد األول المبرم في ‪ 27‬ذي الحجة ‪ 1270‬هـ‪ 20/‬سـبتمبر ‪1854‬م فقـد حـدد‬ ‫ثمن البضائع ونوعية البضـائع التـي يجـب توفيرهـا للعسـاكر أينمـا حلـت ومتـى وجـه إليهـا طلـب االمـداد‪.‬‬

‫فما هو فحوى هذه العقود؟ وما هي نقاط القوة فيها ومواطن الخلل التي اتسمت بها؟‬ ‫(نص العقد األول)‬

‫سعر الوقة بالقروش‬ ‫‪:3‬‬

‫½ ‪:2‬‬ ‫½ ‪:3‬‬

‫‪:4‬‬

‫½ ‪:3‬‬

‫¾ ‪:4‬‬

‫‪:15‬‬

‫½ ‪:2‬‬

‫‪:12‬‬ ‫‪:13‬‬

‫‪:9‬‬ ‫‪:9‬‬

‫½ ‪:1‬‬ ‫½ ‪:1‬‬

‫‪:12‬‬

‫½ ‪:3‬‬

‫‪:1‬‬

‫( ‪)1‬‬

‫الحمد هلل نسخة كنتراته‬

‫سعر الخبز السميد ثالثة قروش‬

‫سعر الخبز للعساكر قرشان ونصف‬

‫سعر اللحم البقري ثالثة قروش ونصف‬ ‫سعر لحم الضأن أربعة قروش‬

‫سعر األرز األفرولي ثالثة قروش ونصف‬

‫سعر األرز السكندراني أربعة قروش وثالثة أرباع‬ ‫سعر السمن خمسة عشر قرشلا‬

‫سعر البرغل قرشان ونصف‬

‫سعر الزيت اثنى عشر قرشا‬

‫سعر القهوة ثالثة عشر قرشا‬ ‫سعر السكر تسعة قروش‬

‫سعر الصابون تسعة قروش‬

‫سعر البصل قرش ونصف‬

‫سعر الخل مثله‬

‫سعر الشمع إثنى عشر قرشا‬

‫سعر الزيتون ثالثة قروش ونصف‬ ‫سعر الفحم قرش واحد‬

‫‪ :1‬القروش مفرده قرش وهي عملة عثمانية ويساوي الريال التونسي الواحد ثالثة قروش ونصف أما الوقة فيعني األوقية وهي وحدة لقيس‬

‫الوزن وتساوي رطلين تقريبا‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫½ ‪:‬‬

‫سعر الحطب خمسة بارات‬

‫‪:5‬‬

‫سعر التبن نصف قرش‬

‫¼ ‪:3‬‬

‫سعر الحمص ثالثة قروش وربع‬

‫‪: 11‬‬

‫سعر الفلفل األكحل إحدى عشر قرشا واألحمر مثله‬

‫‪:3‬‬

‫سعر الثوم ثالثة قروش‬

‫سعر الملح قرش واحد‬

‫‪:1‬‬ ‫½‪: 4‬‬ ‫‪:25‬‬ ‫‪:12‬‬ ‫‪:3‬‬

‫( ‪)2‬‬

‫سعر البشماط‬

‫( ‪(3‬‬

‫سعر مكيلة الشعير خمسة وعشرين قرشا‬

‫سعر صفيحة الخيالي من أربع إثنى عشر قرشا‬ ‫سعر العدس ثالثة قروش‪.‬‬

‫الحمــد ه بموجــب اإلذن العلــي الواضــح الجلــي الصــادر مــن مصــدر المفــاخر الفخيمــة‪ ،‬والمكــارم‬

‫الجليلة الجسيمة المعظم األرفع الكهف المالذ األنفـع المحفـوب بسـر السـور واآلي موالنـا وسـيدنا المشـير‬ ‫أحمد باشا باي نصر هللا جنوده وعقد بالنصر والعز بنوده ونصه أمرنـا هـذا بيـد المـوقر المحتـرم الوجيـه‬

‫الزكي الثقة األكمل نخبة أقرانه لنباهة شأنه ابننا محمد أمير لـوا واننـا وجهنـاه إلـى إسـالمبول حرسـها هللا‬ ‫تعالى وأذناه أن يحضر لعساكرنا المتوجهة في خدمة الدولة العلية ما يلـزمهم مـن األقـوات والضـروريات‬

‫ويتفق مع من يتكفل له بالقيام لذلك من ديار المتجر بما تقتضيه المصلحة ويظهر له من الكيفيات في‬ ‫الـدفع والقــبض وأمرنـا هــذا هـو الحجــة لــه فـي اإلذن يعتمــده مـن يتفــق معــه فـي القيــام بمـا ذكــر وهللا ولـي‬

‫اإلعانــة والتوفيــق والســالم مــن الفقيــر إلــى ربــه تعــالى عبــده المشــير أحمــد باشــا بــاي صــاحب المملكــة‬

‫التونسية وكتب في ‪ 15‬شوال سنة ‪ 1270‬مرقوم بالقلم الحسابي على لفظ في خمسة عشـر وعلـى سـنة‬

‫سبعون ومايتين وألف‪.‬‬

‫انعقــد االتفــاق بيننــا وبــين األجــالء المــرعيين التجــار األرشــد االحضــى محبنــا الكاهيــة ســي الحــاج‬

‫محمد اللواتي وأحبابنا سي يحيى الرواي وسـي الحـاج أحمـد بربـوش وسـي قاسـم بـن مجـوج صـورته أنهـم‬

‫تكفل ـوا بالقيــام للعســاكر المــذكورة الغ ـزاة المنصــورة بمــا يلــزمهم مــن األق ـوات والضــروريات المبينــة أعــاله‬ ‫يدفعونها تحت إذن الماجد الثقة الهمام األمضى وحسام المنتصـر أميـر األمـراء السـيد رشـيد أميـر أولئـك‬

‫العساكر موصلة لمرسى البلد الـذي يكـون بهـا العسـكر أينمـا كـان وعلـيهم أن يـدفعوا ذلـك فـي نفـس البلـد‬ ‫وليس عليهم مونة الحمل في البـر إذا كـان العسـكر فـي مكـان بعيـد عنهـا‪ ،‬ومتـى تركـوا العسـكر محتاجـال‬

‫إلى شيء مما وقع عليه االتفـاق فـاألمير المـذكور يـأذن بشـرائه مـن أي مكـان بالغـلا مـا بلـغ واذا شـط‬

‫( ‪)4‬‬

‫مــن الــثمن عــن قيمــة االتفــاق فالشــايط يؤدونــه مــن مــالهم الخــاص بهــم وقيمــة األشــياء المــذكورة مــا هــو‬

‫‪ 2‬مفرده بارة وهي كسر للقرش‪.‬‬ ‫‪ 3‬البشماط هو الخبز المجفف الذي يمكن خزنه لمدة طويلة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫شط مشتقة من لفظ شايط أي أكثر من القيمة المحددة‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪27‬‬


‫مشروح معها أعاله وليس ألحد منا فسخ هذا االتفاق إال إذا تم له ثمانية أشهر مبدؤها يوم التـاريخ فكـل‬

‫منا بالخيار‪.‬‬

‫ومن نوى الفسخ بعد األمد المـذكور يلزمـه ينبـه قبلـه بشـهرين ليكـون كـل منـا علـى بصـيرة وقبضـوا‬

‫منــا مايــة ألــف دورو بوفرنــك تصــرف إلــى مليــونين إثنــين وســتماية ألــف وســبعة وثمــانين ألــف وخمســماية‬

‫الجميــع قــروش مــن النقــد الـرايج‬ ‫ثمن القرش كالحساب‪.‬‬

‫( ‪)5‬‬

‫باعتبــار ســعر الــدورو الواحــد كمــا هــو األن ســبعة وعشـرين قرشــا إال‬

‫وفــي كــل شــهر يقــص علــيهم مــن المصــروف الــذي يــأتون بتــذاكره عش ـرة أالف دورو مــن العــدد‬

‫الم ــذكور وعن ــد تم ــام الس ــتة أش ــهر إن ل ــم ينفس ــخ االتف ــاق نج ــدد له ــم المعامل ــة وان كان ــت الني ــة فس ــخها‬ ‫يحاسبون باألربعين الباقية من مصروف الشهرين الباقين‪.‬‬

‫والحساب في الجميع انما يكون بسكة األوراق النقدية ليكون السعر منضبطال كما أنـه ال يكـون إال‬

‫بتواصل‬

‫( ‪)6‬‬

‫يأخذونها من السيد المذكور في جميع ما يصل منهم‪.‬‬

‫وكــذلك إذا عرضــت لــه حاجــة دون مــا ذكــر وأذنهــم بقضــائها ينبغــي لهــم المســارعة فيهــا ومــا يلــزم‬

‫عنها من الثمن واألكرية وضروريات األشخاص إلى محل الحاجة يأخـذون فيـه توصـيالل منـه ويحاسـبون‬ ‫بــه أيضـلا واألجــالء األماثــل أحبابنــا الكـواهي واالختياريــة يــدفعون لهــم مــن الــدراهم التــي لنــا تحــت أيــديهم‬ ‫على الوجه والكيفية المذكورة آنفال متى أتـوهم بتواصـل السـيد المـذكور وهـم أيضـال يحاسـبون بتلـك التـذاكر‬ ‫نفسها‪.‬‬

‫وبابوراتنا إذا كانت غير مشغولة وآذن السيد المذكور باسـتعمالها فـي حمـل المهمـات التـي يلـزمهم‬

‫حملها في البحر فإنهم يؤدون لها ما يجب عن ذلك من الناولون‬

‫( ‪)7‬‬

‫على عادة المتجر‪.‬‬

‫فعلـى هــذا الـذي وصــف وتقـرر عنــد الجميــع وعـرف انعقــد االتفـاق وانــتظم الوفـاق وهللا تعــالى ولــي‬

‫اإلعانــة والتوفيــق علمــه وأمضــاه الفقيــر إلــى ربــه محمــد أميــر لـوا خيالــة الســاحل كــان هللا لــه وســدد عملــه‬

‫وكتب يوم الثالثاء السابع والعشرين من ذي الحجة الحرام من سنة سبعين وميتـين وألـف مـن الهجـرة‬

‫( ‪)8‬‬

‫" (‪.( 9‬‬

‫‪:5‬‬

‫‪100.000‬دورو فرنك يعادلها صرف لا عملة عثمانية ‪ 2687500‬قرش أي الدورو الواحد يساوي ‪ 27‬قرشا إال ثمن القرش‪.‬‬

‫‪: 6‬أي وصوالت أو إذن‪.‬‬

‫‪ 7‬الناولون‪ :‬المقابل من المال الذي تأخذه المراكب لنقل البضائع في البحر من مكان إلى آخر‪.‬‬ ‫‪ 8‬يوافق ‪ 20‬سبتمبر ‪ 1854‬م‪.‬‬ ‫‪ 9‬المصدر األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬دفتر ‪.2422‬‬

‫‪28‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫(نص العقد الثاني)‬ ‫قروش‬

‫‪ : 234000‬ثمن ستة وعشرون ألف وقة زيت سعر الوقة تسعة قروش‬

‫½ ‪: 531597‬‬

‫ثمــن خمســة عشــر ألــف ومايــة وثمانيــة وثمــانين مكيلــة ونصــف المكيلــة‬

‫قمح سعر خمسة وثالثين قرش‬

‫‪ : 208760‬ثمن إثني عشر ألف ومائتين ثمانين مكيلة شعير سعر المكيلة سبعة عشر قرشا‬

‫½ ‪ : 974357‬صحت الجملـة تسـعماية ألـف وأربعـة وسـبعون الفـا وثالثمايـة وسـبعة وخمسـون‬ ‫قرشا ونصف القرش جملة ثمن الجميع‪.‬‬

‫الحمد ه في اليوم الحادي والعشرين من محـرم الحـرام مـن عـام واحـد وسـبعين ومـايتين وألـف‬

‫(‪)10‬‬

‫انعقــد بيننــا وبــين الواضــعين أســمائهم وأختــامهم أســفله التبــايع فــي القــدر المبــين أعــاله مــن الزيــت والقمــح‬ ‫والشعير بما صورته أنهم إشتروا منا جميع ذلك باألسعار المبينة مع كـل فصـل أعـاله صـح عنهـا جملـة‬

‫ثمن الجميع ماهو مبين بالسـطر األخيـر أعـاله يبقـى العـدد المـذكور فـي ذمـتهم نقاصصـهم بسدسـه فـي‬

‫كــل شــهر مــن مصــروف العســاكر التونســية المتكفلــين بالقيــام بــه كيــف رقــم يمنــاه وأعلــى أعــاله والســدس‬

‫قسـط كـل شــهر مايـة ألــف واثنـان وســتون ألـف وثالثمايـةواثنان وتســعون قـرش وثالثــة أربـاع القــرش ‪" 6‬‬

‫‪ 162392 4/3‬قـرش وسـتة بـارات فيقـع الخــالص فيهـا بحـول هللا عنـد تمـام سـتة أشـهر اتيـة مـن تــاريخ‬ ‫االتفــاق أعــاله مق ـرين علــى أنفســهم ومعت ـرفين بــالقبض والتقليــب ومعرفــة القــدر وتعميــر الذمــة بمــا ذكــر‬

‫وأدائــه علــى الوجــه المــذكور المقــرر المســطور وهللا ولــي الخــالص واإلعانــة بمنــة وكرمــه علمــه وارتضــاه‬

‫الفقير إلى ربه محمد أمير لوا خيالة الساحل عفى عنه بمنة(‪.)11‬‬ ‫(نص العقد الثالث)‬

‫الحمد ه بيان نسخة كنتراته مع جماعة التجار بإسالمبول كما يأتي ذكرهمأوله بيان جملة الدراهم‬

‫الموضوعة تحت يد جماعة اآلتي ذكرهم وبيان انواعها على التفصيل‬

‫½ ‪ : 10782‬أول ذلك عشرة أالف وسبعماية واثنان وثمانون ونصف ليرات إنجليز‪.‬‬ ‫أيضال ألف وماية واثني عشر لويزات فرنسيس‪.‬‬

‫‪:1112‬‬

‫‪ :2931‬أيضال ألفان وتسعماية وأحد وثالثون بندقي‪.‬‬ ‫‪:2812‬‬ ‫¼ ‪:97‬‬

‫أيضال ألفان وثمانمايةواثني عشر محابيب‪.‬‬ ‫أيضلا سبعة وتسعون وربع دبلون‪.‬‬

‫‪ : 63000‬أيضلا إثنان وستون ألف دورو بو خمسة فرنك بل ثالثة وستون ألف‪.‬‬ ‫‪:10‬يوافق ‪ 24‬أكتوبر ‪ 1854‬م‪.‬‬ ‫‪ 11‬المصدر‪ :‬األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬دفتر ‪2422‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪29‬‬


‫‪ : 3099173 " 3‬أيضال ثالثة ماليـين وتسـعة وتسـعون ألـف ومايـة وثالثـة وسـبعون قـروش أوراق‬ ‫وثالثة بارات‪.‬‬

‫الحمد ه بعد أن صدر من موالنا الملك الهمام واسطة عقد الملوك الكرام مجنـد األجنـاد ومجهزهـا‬

‫للقيــام بفريضــة الجهــاد‪ :‬صــاحب ال اريــة الخافقــة بــالعز والنصــر والعلــم المرفــوع بيــد التأييــد والظفــر الكهــف‬ ‫المــالذ ومــن بيــده األمــر واالنقيــاد المعظــم األرفــع المحفــوب بســر الســور واآلي‪ : .‬موالنــا وســيدنا المشــير‬

‫أحمد باشا باي أدام هللا أيامه باسمة الثغور ومعاليه تتجلى منها ولدان وحور آمين كتاب كـريم وخطـاب‬ ‫فخيم نصه حفظكم هللا ورعاكم األجالء المرعيين التجـار األعيـان األخيـار الثقـات أوالدنـا الكـواهي الحـاج‬ ‫محمد البادسي والحاج محمد اللواتي وكافة االختيارية جماعة التجار التونسية بإسالمبول أكرمهم هللا أما‬

‫بعد السالم عليكم ورحمة هللا فالقادم اليكم األمجد الثقة المقرب الخالصة األعز ابننا محمد أميـر لـوا‬

‫(‪)12‬‬

‫وجهنــاه إلحضــار مــا يلزمنــا لعســاكرناالقادمة فــي أث ـره لخدمــة الدولــة العليــة أدام هللا نصــرها مــن المونــات‬

‫والضروريات فالعمل أن تكون يدكم فـي اعانتـه والوقـوف معـه فـي جميـع مـا يعـرض لـه كمـا هـو الواجـب‬

‫واذنــاه أن يتفــق مــع مــن يقــوم لــه بــذلك مــن التجــار فــي كيفيــة القــبض والــدفع وغيــر ذلــك ممــا تقتضــيه‬ ‫المصــلحة وأمرنــاه أن ال يقــدم غيــركم علــيكم لمــا فــي تقــديم األجانــب علــيكم مــن هضــيمتكم فــي األعــين‬ ‫فافعلوا مـا يجـب لـوطنكم مـن الخدمـة وهللا ولـي إعـانتكم والسـالم مـن الفقيـر إلـى ربـه عبـده المشـير أحمـد‬

‫باشــا بــاي وفقــه هللا‪ .‬آمــين وكتــب فــي شـوال ســنة ‪ 1270‬وعليهــا بــالقلم الحســابي مرقــوم ســبعون ومايتــان‬

‫وألف وانعقد بيننا وبين األجالء التجار األعيان المحترم األكمل محبنا الكاهية سي الحاج محمد اللـواتي‬

‫وأحببنا األماثل سي الحاج أحمد بربوش وسي يحيـى الـرواي وسـي قاسـم بـن مجـوج مـن التجـار التوانسـة‬

‫بإسالمبول االتفاق في قيامهم للعساكر التونسية الغزاة الموجهين ص ‪ 2‬كمـا مـا ذكـر يمنـاه المتـوجهين‬ ‫من الحضرة العلية للقيام بفريضة الجهاد نصر هللا جموعهم وآحادهم وكبت بهـم أعـدائهم وأضـدادهم بمـا‬

‫يلــزم مــن األقـوات والضــروريات حســبما هــو مبــين فــي كتــب مســتقل ومضــمن بــه اإلذن العلــي المتصــورة‬

‫تحت يد مـن يليـق ليكـون هـو المباشـر لـدفعها فـي مصـالحهم فوجـد بمقتضـى النظـر واإلذن العلـي المتلـو‬

‫آنفال أن ال تحول عمن اعتمدهم موالنا وسيدنا بشـريف خطابـه وأمـران ال نقـدم أحـد علـيهم حسـبما أعلمهـم‬

‫بذلك في علي كتابه وهم أحبابنا الكواهي واالختيارية جماعة التجارالتوانسة‪.‬أما الكواهي فاألجالء األماثل‬ ‫ســي الحــاج محمــد البادس ــي وســي الحــاج محم ــد الل ـواتي وأمــا اإلختياريــة فم ــنهم البــاش اختياريــة وهم ــا‬

‫المبجالن سي الحاج يوسف بن عبد الرحمن وسي حسين دخـان ثـم أحبابنـا سـي الحـاج شـعبان الخوامـع‬

‫وسي الحاج أحمد بربوش وسي يونس معزوز وسي سعيد أفندي بن حمودة وسي الحـاج محمـد الشـنقير‬ ‫ٍ‬ ‫فحينئذ حضروا بأجمعهم وتسلموا‬ ‫وسي عمر الراوي وسي سليمان الهنتاتي وسي الحاج خورشيد الخوامع‬

‫‪12‬‬

‫المقصود به محمد خزندار عامل الساحل انظر ترجمته في ‪ (Générale de Brigade) :‬أمير لوا‪ .‬محمد بيرم الخامس‪ ،‬القطر‬

‫التونسي في صفوة االعتبار ومستودع األنصار واألقطار‪ ،‬تحقيق علي الشنوفي وعبد الحفيظ منصور ورياض المرزوقي‪ ،‬بيت الحكمة‪،‬‬

‫تونس‪ ،1989 ،‬ص ‪.308-304‬‬

‫‪30‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫منا جملة الدراهم المبين تفصيلها أعاله مختلفة النوع والسعر يصـرفون كـل نـوع بالسـعر الواقـع مهمـا لـزم‬

‫ذلك وبيان كيفية دفعهم الدراهم المذكورة في المصالح يتضمن تقدير فصول‪.‬‬

‫‪ -‬الفصللل األول أن أحبابنــا التجــار جماعــة االتفــاق لمــا يــدفعون شــيئلا يأخــذون بأيــديهم تــذاكر فـي‬

‫ذلك من الهمام األكمـل أميـر األمـراء‬

‫(‪)13‬‬

‫السـيد رشـيد‬

‫(‪)14‬‬

‫صـاحب إمـرة أولئـك العسـاكر فمهمـا أتـوا بتلـك‬

‫التذاكر ألحبابنا المذكورين يدفعون لهم ما يلزم من الدراهم كما هو مبين بها بعد أن يقاصصهم في كـل‬ ‫شــهر باألقــدار المبينــة فــي الكنت ارتــه ويــدفعون مــا شــط لهــم بعــد ذلــك علــى مقتضــى القــيم المبينــة بهــا وقـد‬ ‫سلمنا لهم نسخة منها ليحاسبوا بها من مدفوعهم‪.‬‬

‫‪ -‬الفصللل الثللاني طايفــة النصــارى الــذين يخــدمون فــي البــابورات التونســية إذا طلبـوا مـرتبهم وثمــن‬

‫المونة التي تلزم لهم وكانوا بإسالمبول ولم يكن السيد رشيد المشار إليه حاضـ لار يـدفعون لهـم ذلـك عـن‬

‫إذن قبطان البابور بحجة منه ويأخذون من الطايفة تواصل بخطوط أيديهم ليحاسبوا بها مع الحجة التي‬ ‫يأخذونها من القبطان‪.‬‬

‫‪ -‬الفصل الثالث بريـك‬

‫(‪)15‬‬

‫السـعيد وبريـك النسـر وبريـك الحطـاب مـن شـقوف القرصـان التونسـية‬

‫فيهم ثالثة أطباء ولهم مرتبات وبأيديهم أوامر المعظم سيدنا أيـده هللا فـي ذلـك فمـا دامـوا بإسـالمبول ولـم‬

‫يكــن الســيد المــذكور حاضـ الر يــدفعون لهــم م ـرتبهم بــإعالم مــن القبطــان إذا طلب ـوا علــى نحــو مــا بــاألوامر‬

‫العلية ويأخذون خطوط أيديهم في ذلك ليحاسبوا بها‪.‬‬

‫‪ -‬الفصللل الرابللع قــد صــدرت منــا اجوبــة خاطبنــا بهــا أحبابنــا المــذكورين بــأن يــدفعوا فــي كــل شــهر‬

‫لباش طبيب كنتيليومنياينيستماية ريال تونسية من مرتبة والناظر على المارستانبيتروديوتلفيأربعماية ريال‬

‫تونسية من مرتبه وللبلوطات‬

‫(‪)16‬‬

‫الذي بالبـابور المـانوس والـذي بالفرقاطـة والـذي ببريـك النسـر خمسـماية‬

‫قرش لكل واحد وللبلوط الذي بالبابور المنصور سبعماية قرش من مرتباتهم في كل شهر بيد كل واحـد‬

‫من هؤالء جواب يدفعون لهم ما ذكر على مقتضى تلك األجوبة ويأخذون منهم تواصل ليحاسبوا بها مع‬

‫زيادة اإلعالم من القبطان بذلك‪.‬‬

‫‪ -‬الفصلل الخلامس أن أحبابنـا المـذكورين أمنـاء علـى مـا تحـت أيـديهم يتصـرفون عـن إذن الهمـام‬

‫الســيد األميــر المــذكور فــي جميــع مــا يــأذنهم بــه بحيــث إذا آذنهــم بــدفع شــيء مــن الــدراهم لمــن يــأذن أو‬

‫بقضاء كمال ما ذكر محوله بعض المآرب على وجه الشراء أو التوجيه ال غير ذلـك يعتمـدون إذنـه فـي‬

‫جميع ما ذكر ويحاسبون باإلذن الذي يأتيهم منه واذا لزم بعض المصاريف في ضروريات تلك المـآرب‬ ‫مثل أكرية وأجرةمن يستخدمونه لذلك يدفعونها ويحاسبون بها‪.‬‬

‫فعلى هذا الكيفية المقررة والصفة المبينة المحررة تسلموا منا جملة الدراهم المذكورة عـالمين يقـدرها‬

‫محطاطين في أمرها حرصال على تحقيق ظن موالنا فيهم الظن الجميل وتأميالل في رضاه بأحسن تأميـل‬

‫وهللا يحقق آمالنـا وآمـالهم ويسـدد أعمالنـا وأعمـالهم ويتضـمن االعتـراف هنـا بـالنظر وامضـائه والرضـا بـه‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪31‬‬


‫وضع أختام الجميع أسفله والسالم من الفقير إلى ربه محمد أمير لوا خيالة الساحل عفي عنـه فـي اليـوم‬

‫السابع عشر من صفر الخير سنة ‪ 9 1271‬نوفمبر ‪ 1854‬م‬

‫(‪)17‬‬

‫خاتمة وأهم االستنتاجات‪:‬‬ ‫بعـ ــد عرضـ ــنا لهـ ــذه العقـ ــود حسـ ــب ترتيـ ــب توقيعهـ ــا زمني ـ ـلا ال حسـ ــب ورودهـ ــا فـ ــي الـ ــدفتر ‪2422‬‬

‫باألرشــيف الــوطني ســنبين وبكــل إيجــاز مـواطن القــوة والخلــل فــي هــذه العقــود خاصــة إذا مــا وضــعنا فــي‬

‫الحسبان أهمية وخطورة المؤونة بالنسبة إلى أي كتلة عسـكرية داخـل الـبالد فـي زمـن السـلم فمـا بالـك إذا‬ ‫كان األمر يهم تموين عساكر خارج البالد وفي زمن الحرب‪ ،‬إن ربح "معركة التموين" في الحروب يعـد‬

‫ركنال أساسيال من أركان ربح المعركة النهائية في الحرب أي في ساحة الوغى‪.‬‬

‫مما ال شك فيه أن هذه العقود تتوفر على مجموعة من النقاط اإليجابية تتمثل أساسال في التالي‪:‬‬ ‫‪-‬الوعي بأهمية التموين لتأمين أعلى حظوب النجـاح فـي الحـرب‪ ،‬فإرسـال محمـد خزنـدار مـن قبـل‬

‫أحمــد بــاي إلــى إســتانبول لهــذا الغــرض بالــذات يعكــس هــذا الــوعي كمــا أن إبـرام هــذه العقــود مــع التجــار‬

‫التونسيين المقيمين بإستانبول يعكس الوعي بحساسية الموضوع لذلك كان الحرص على أن تبقى مسألة‬

‫التموين في الدائرة التونسية إن لم نقل "الوطنية" ألنها معركة من معارك الحرب‪.‬‬

‫‪ -‬لقد توقع ممثل الباي محمد خزندار المشاكل التي قد تط أر عند التنفيذ لذلك نجده يقدم مجموعة‬

‫من االفتراضات ويضع الحلول المالئمة لها منها تعدد أماكن إقامة العساكر وكذلك اإلقامـة فـي منـاطق‬

‫برية فتم االتفاق على نقل البضائع في البحر إلى الموانئ األقرب إلى مواطن إقامة العساكر‪.‬‬

‫‪ -‬ومن نقاط قوة هذه العقـود توسـيع دائـرة مهـام التجـار التونسـيين بإسـتانبول مـن اإلمـداد بالمؤونـة‬

‫إلــى خــالص أجــور "ط ـواقم" القطــع البحريــة التونســية مــن الجاليــات األوربيــة لتيســير مهمــة اشــتغال هــذه‬ ‫القطع البحرية حتى في ظل غياب قائد البعثة العسكرية الفريق رشيد عن إستانبول‪.‬‬

‫هــذا بالنســبة إلــى نقــاط القــوة أمــا بالنســبة إلــى نقــاط الضــعف والخلــل فــي هــذه العقــود فهــي عديــدة‬

‫ومتعددة نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -‬أن هذه العقود أبرمت قبل إنفـاذ البعثـة أي قبـل تحديـد العـدد الجملـي للعسـاكر المرسـلة وهـو مـا‬

‫يقلل من حظوب نجاحها ألن أي خطة تموين تكون مرتبطـة حتمـال بحجـم وعـدد العسـاكر المـراد تمـوينهم‬

‫األمر الذي لم يكن متوف ار في هذه الحال‪.‬‬

‫‪ -‬ومن نقاط ضعف هذه العقود أنها أبرمت قبل التعرف علـى األمـاكن التـي سـتقيم فيهـا العسـاكر‬

‫التونسية وان تعددت هذه األماكن فالمطلوب هو المعرفة الدقيقة بهذه األماكن كشرط من شروط نجـاح‬

‫خطة التموين المراد إرسائها األمر الذي لم يتوفر بالنسـبة إلـى المشـاركة التونسـية فـي حـرب القـرم حيـث‬

‫أقامت العساكر في منطقة باطوم ‪ -‬جورجيـا‪ -‬حاليـا ‪ -‬فـي أقصـى شـرق البحـر األسـود فـي حـين مركـز‬

‫‪32‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫عمــل التجــار التونســيين المبــرمين علــى هــذه العقــود إســتانبول ويتــاجرون أساس ـال فــي الحــوض الش ـرقي‬ ‫للمتوســط مــن ازميــر إلــى اإلســكندرية وبنغــازي وط ـرابلس وتــونس ربمــا لــذلك عجــز التجــار عــن اإليفــاء‬ ‫بعهودهم وتم إيقاف العمل بهذه العقود لكن بعد ثمن تكبدته باهظال العساكر التونسية المرسلة إلى حـرب‬

‫القوم وما يؤكد ذلك الرسالة التي وجهها المشير مصـطفى باشـا مـن بـاطوم إلـى الفريـق رشـيد المقـيم إلـى‬ ‫حــد ذلــك التــاريخ بإســتانبول يعلمــه فيهــا أنــه "‪ ...‬لقــد تحقــق لــدينا مــا تالقونــه مــن الصــعوبات مــن طــرف‬

‫اللزامة في الحصول على ما يلزم العساكر التونسية الموجودين بطرفكم مـن المؤونـة وسـائر األطعمـة‪...‬‬ ‫وما تتكبدونه أيضا من الخسـائر مـن شـراء بعضـهم أي التجـار لـبعض األشـياء بغـالي األثمـان لجهلهـم‬

‫األســعار الرائجــة بتلــك الجهــات ‪ ...‬فمــن المناســب أن تعطــى لهــم المؤونــة واألشــياء الالزمــة مــن اآلن‬

‫فصــاعدا مــن عــين الــذخائر واألطعمــة المخصصــة للعســاكر الشــاهانية ‪ )18( "...‬ممــا يؤكــد فشــل خطــة‬

‫التموين الموضوعة‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،.‬س ت‪ ،‬صن ‪ ،183‬ملـف ‪ ،1016‬وث ‪.54‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪33‬‬


‫‪34‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


:‫الحياة اليومية داخل المؤسسة العسكرية‬ )1865-1881( ‫جند البحر نموذجا‬

‫ ليلى زغدود‬.‫د‬

‫ تونس‬-‫باحثة‬

La vie quotidienne au sein de l'armée : Les marins comme exemple (1865-1881) Résumé: L’État Beylical a pris des mesures pour réformer son armée, une armée moderne qui a connu entre 1830-1860 un grand développement institutionnel. Cette armée Nizami, formée à l'européenne, est constituée de plus en plus par des « enfants du pays ». Dans ce même cadre, l’Etat tunisien a essayé également de réorganiser sa marine. Dans cette contribution, nous essayons de tracer la vie quotidienne de la société des marins tunisiens au XIXe siècle, et d'examiner leurs conditions matérielles: alimentation, maladies.... On a souvent relevé la médiocre protection contre le froid et la fatigue causée par le travail sur les bateaux. Dans l'étude de la vie quotidienne et l’alimentation des marins, on a recours aux méthodes de sémantique structurale et de l’histoire des mentalités. Les mots clefs : Les réformes, la marine tunisienne, la vie quotidienne des marins, alimentations, maladies. Everyday Life in the Army: Seamen as an Example (1865-1881) Abstract : The Beylical State has taken measures to reform its army, a modern army which experienced a great institutional development between1830-1860. This nizamie army, formed in the European, is constituted more and more by "children of the country". In this same framework, the Tunisian state also tried to reorganize its navy. In this contribution, we try to trace the daily life of the Tunisian sailors' society in the nineteenth century, and to examine their material conditions: food, diseases ... We often point out the mediocre protection against the cold and the fatigue caused by Work on boats. In the study of daily life and the diet of seamen, we use the methods of structural semantics and the history of mentalities. Key words: Reforms, the Tunisian navy, daily life of sailors, food and diseases.

35

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬


‫إن مسار تحديث المؤسسة العسكرية التونسية قد استوجب تعصير هياكلها وتنظيمها وفق النظم‬

‫العسكرية األوربية الحديثة خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬وايالء العنصر البشري العامل بهذه المؤسسة‬ ‫العناية الالزمة فكان من أهم ما خص به جنودها بعد بناء المدرسة الحربية بباردو سنة ‪ 11840‬هو‬

‫تأمين مستلزمات العسكر من لباس جديد وأحذية وتخصيص المؤونة من أكل ودواء‪ .‬لقد تمت دراسة‬ ‫المؤسسة العسكرية خالل هذه الفترة من قبل عديد األبحاث والدراسات التاريخية‪ 2‬والتي اهتمت خاصة‬ ‫بإجراءات تعصير هذه المؤسسة الهامة والعريقة‪ .‬وركزوا أبحاثهم على النظم والقوانين والمنشآت‬

‫العسكرية وعلى فرق العسكر على اختالف تسمياتهم وخططهم‪ .‬إال أن اليومي والمعيش خلف أسوار‬ ‫هذه المؤسسة بقي المنسي أو المسكوت عنه‪ ،‬إذ تناولت الكتب والدراسات أعداد الجند وفرقهم‬

‫وتحركاتهم ونفقاتهم دون أن ترسم لنا المشهد اليومي الذي عاشه الجندي أو يعيشه الجنود في‬

‫مجموعهم داخل أسوار الثكنات وخالل تأدية خدمتهم العسكرية التي لم يختاروها طوعا‪ ،‬والتي لم تكن‬ ‫محدودة اآلجال فقد كانت الخدمة مدى الحياة‪.3‬‬

‫هنا يجب أن نتوقف عند حركة التجديد في كتابة التاريخ العسكري التي قادتها "مدرسة التاريخ‬

‫البحري الفرنسية" منذ أوائل القرن العشرين‪ ،‬والتي اهتمت بدراسة "المجتمع العسكري" بالفاعلين‬ ‫واستراتيجياتهم بمقاربة أنتروبولوجية تهتم بدراسة األصول العرقية للعسكر ومساءلة وضعهم االجتماعي‬ ‫وارتقائهم في سلم الرتب العسكرية وعالقات المصاهرة والزواج التي أقاموها مع المجتمع هذا من ناحية‬

‫والنظر في الوجبات الغذائية المقدمة لهم طيلة فترات تاريخية متعددة ومختلفة من تاريخ البحرية‬ ‫الفرنسية من اإلمبراطورية إلى الجمهورية وصوال إلى فترة الحربين العالميتين‪ .‬ويعتمد هذا الطرح منهج‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫عبد المولى‪ ،‬محمود‪ ،‬مدرسة باردو الحربية‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا‪ -‬تونس‪.1977 ،‬‬ ‫من بين تلك العناوين نذكر‪:‬‬

‫‪ -‬بنبلغيث‪ ،‬الشيباني‪ ،‬الجيش التونسي في عهد المشير محمد الصادق باشا باي ‪ ،1882-1859‬منشورات التميمي‪ ،‬زغوانوكلية اآلداب‬

‫صفاقس‪ .1995 ،‬كذلك لنفس المؤلف‪ :‬أضواء على التاريخ العسكري في تونس من ‪ 1837‬إلى ‪ ،1917‬مكتبة عالء الدين‪ ،‬صفاقس‪،‬‬ ‫‪.2003‬‬

‫‪ -‬اإلمام‪ ،‬رشاد‪ ،‬التفكير اإلصالحي في تونس في القرن التاسع عشر إلى صدور قانون "عهد األمان"‪ ،‬دار سحنون للنشر والتوزيع‪،‬‬

‫تونس‪.2010 ،‬‬

‫‪ -‬زغدود‪ ،‬ليلى‪ ،‬البحرية التونسية في قرن ‪ ،1881-1782‬أطروحة الدكتوراه في التاريخ الحديث‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫بتونس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2014-2013‬‬ ‫‪ -‬زغدود‪ ،‬ليلى‪ ،‬اإلصالح وآليات التحديث في البحرية التونسية بين ‪ ،1881-1814‬شهادة الدراسات المعمقة في التاريخ الحديث‪ ،‬كلية‬

‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2002-2001‬‬

‫ بوعلي‪ ،‬لطفي‪ ،‬ديناميكية التحديث العسكري في البالد التونسية خالل القرنين الثامن والتاسع عشر‪ ،‬أطروحة الدكتوراه في التاريخ‬‫الحديث‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2014-2013‬‬

‫‪3‬‬

‫صدر أول قانون للتجنيد في الجيش النظامي التونسي في ‪ 15‬رجب ‪1276‬هـ‪ 7/‬فيفري ‪ 1860‬تحت عنوان "كتاب المصباح المسفر في‬

‫ترتيب ثبوت العسكر"‪ ،‬وقد حدد مدة الواجب العسكري بثمانية أعوام ال زائدة عليها‪ ،‬إال أنه بقي حب ار على ورق؛ انظر‪ :‬محجوب السميراني‪،‬‬ ‫الجيش التونسي (‪ )1831-1881‬رافد نهضة واصالح‪ ،‬منشورات سوتيميديا تونس ‪ ،2017‬ص ‪ 182‬و‪185‬؛ انظر نص القانون في‬ ‫ملحق الكتاب المذكور ص ‪.423-407‬‬

‫‪36‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫علم االجتماع وتاريخ الذهنيات لرسم تطور صورة العسكري من الضباط وجند البحرية الفرنسية استنادا‬ ‫إلى الدفاتر والسجالت الخاصة بهم والى مذكراتهم والكتيبات التي ضمنوها مالحظاتهم وتحدثوا فيها‬ ‫عن لحظاتهم الصعبة وما صادفوه خالل رحالتهم البحرية طيلة خدمتهم‪.1‬‬

‫فمساءلة المجتمع العسكري أو المجتمع البحري تتطلب نظرة جديدة ومغايرة للدراسات القديمة‬

‫واألبحاث السابقة التي ال تنظر للفاعلين إال في إطار تاريخ المؤسسة وتاريخ الحروب والصراعات‪،2‬‬ ‫نظرة مغايرة ترى أن التأريخ للمجتمع العسكري ال يتعارض مع التأريخ للمؤسسة العسكرية‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫سنحاول في هذه الورقة تتبع الحياة اليومية داخل المؤسسة العسكرية من خالل بعض المعطيات‬

‫التي استقيناها من مراسالت ووثائق األرشيف الوطني الخاص بو ازرة البحر‪ ،‬والتي يمكن أن نأخذها‬

‫كأنموذج ينسحب على بقية الفرق العاملة بالمؤسسة العسكرية‪ .‬إن هذا البحث يحاول تسليط الضوء‬

‫على اليومي والمعيش لعسكر البحرية خالل النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتحديدا بين‬

‫السنوات ‪ .1881-1865‬وقد اخترنا هذه الفترة الزمنية المتأخرة ألن أوضاع جند البحر والبر قد عرفت‬ ‫تدهو ار ملحوظا خالل هذه السنوات‪ ،‬والتي عدت من أصعب وأقسى المحن التي مرت على مجندي‬ ‫المؤسسة العسكرية التونسية خالل فترة حكم محمد الصادق باشا باي (‪ )1859-1882‬والتي تميزت‬

‫بصعوبات وأزمات مالية كبرى‪ ،‬كان من أبرز تبعاتها تدهور أوضاع العسكر وتراجع أوضاعهم المادية‬ ‫والصحية والتي انعكست على أدائهم للخدمة ونفورهم وعزوفهم فهروبهم من أسوار المؤسسة‪ .‬إذا كيف‬

‫كانت أوضاعهم المادية والصحية خلف هذه األسوار ؟ وفيما تمثلت معاناتهم اليومية طيلة هذه‬

‫السنوات؟‬

‫لقد تدحرج عدد جند البحر فيما بين ‪ 1881-1865‬إلى حوالي ‪ 800‬جندي من بينهم ‪600‬‬

‫مباشرين للخدمة‪ ،‬أما البقية فينقسمون بين فارين ومستعفين وآخرين في االحتياط‪ .‬تُصرف لهؤالء الجند‬ ‫مرتبات تختلف حسب رتبهم العسكرية وتتراوح بين ‪ 620‬و‪ 130‬رياال بالنسبة إلى الضباط وبين ‪ 92‬و‪7‬‬

‫رياالت لبقية الرتب الصغيرة‪ .‬ويكون الجندي أو النفر في آخر السلم ويبلغ راتبه الشهري حوالي ‪5‬‬

‫رياالت تونسية‪ .4‬وقد ُخص الجند على حد السواء بصرف كسوة للشتاء وأخرى للصيف‪ .‬أما الوجبة‬ ‫الغذائية فقد كانت تشتمل في البداية على عناصر غذائية متنوعة ومغذية إذ خصص لهم اللحم والخبز‬

‫‪ 1‬نذكر هنا الكتاب المتميز للباحث الفرنسي "أندري ززبارق"‪:‬‬ ‫‪ZYSBERG, André, Les galériens vies et destins de 60000 forçats sur les galères de France 1680-1748,‬‬ ‫‪Editions du Seuil, 1987, 432 p.‬‬ ‫‪ 2‬نذكر هنا بكتاب متميز للمؤرخ والجامعي الفرنسي الذي كتب الكثير في هذا المبحث‪:‬‬ ‫‪- GIRARDET (Raoul), La société militaire de 1815 à nos jours, Librairie académique Perrin, collection‬‬ ‫‪Agora, Pocket, 2001, 340 pages.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪- GRESLE (François), « La société militaire son devenir à la lumière de professionnalisation ». In‬‬ ‫‪Revue française de sociologie, 2003/4 (Vol. 44). Pp. 777-798.‬‬ ‫‪ 4‬األرشيف الوطني التونسي (أ‪.‬و‪.‬ت)‪ ،‬السلسلة التاريخية (س‪.‬ت)‪ ،‬صن ‪ ،187‬م ‪ ،1076‬و‪.189‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪37‬‬


‫والبرغل والزيت والقمح والشعير والخضر‪ .‬كما يُصرف لهم الصابون واألغطية الصوفية والعلف للبعير‬ ‫التي يركبونها ‪.1‬‬ ‫لقد كانت السنوات الممتدة بين ‪ 1881-1860‬من أصعب السنوات وأقساها على رعايا اإليالة‬

‫التونسية إذ تزامن فيها الجدب والقحط وكثرة الجباية‪ ،‬وقلت موارد الدولة‪ ،‬وتعالى صوت التململ والتمرد‬

‫بين األهالي حتى وصل حد العصيان سنة ‪ ،1864‬في ثورة أخمدت بصعوبة كبيرة وكادت تهز أركان‬

‫الدولة الحسينية‪ .2‬إال أن سنة ‪ 1867‬كانت هي األصعب واألقسى من جميع النواحي‪ :‬قلة المحاصيل‬

‫الزراعية والجفاف والجدب وتراجع ميزانية الدولة لذلك العام لتصل إلى حوالي عشرين مليون فرنك ‪،3‬‬ ‫وقد أطلق عليها ابن أبي الضياف اسم "السنة الشهباء"‪ .4‬كما عرفت هذه السنة والسنة التي تليها‬

‫‪ 1868‬ظهور وباء التيفوس بالبالد والذي تزامن مع انتشار وباء الكولي ار الذي أدى إلى هالك عدد‬ ‫كبير من السكان‪ ،‬وقد انتشر وتفشي هذا الوباء أوال بالحاضرة حيث أدى االكتظاب السكني بها إلى‬ ‫تدهور األحوال الصحية لألهالي وللجند على حد السواء‪ .5‬وقد شهدت هذه السنوات أحلك األيام التي‬

‫مرت على عسكر البحر والبر‪ ،‬فقد اجتمع البرد والجوع والمرض على الجند والزمهم خاصة في فصل‬

‫الشتاء‪ ،‬فال لباس يسترهم أو يقي أجسادهم النحيلة الجائعة من البرد فهم يعملون دون شاشية على‬ ‫الرأس ومن غير أحذية ينتعلونها‪ ،‬سوى سراويل بالية بالكاد تستر عوراتهم‪ .‬هذا ما تذكره إحدى‬ ‫المراسالت الموجهة إلى وزير الحرب يصف فيها أمير األمراء سليم أمير الطبجية حالتهم فيقول‪" :‬إن‬

‫يبق للباسهم أثر‪ ،‬فال شواشي وال أحذية إطالقا‪،‬‬ ‫الجنود الصغار بالقشلة األحمدية بالحاضرة‪ ،‬لم َ‬ ‫والبعض بقي لديهم قطعة قميص أو سروال تحزموا بها ست ار للعورة فقط‪ ،‬أما رؤوسهم وأكتافهم‬

‫وصدورهم وأفخاذهم عارية وحالهم ال يرى مع دخول الشتاء"‪ .6‬وأمام قسوة هذه الظروف وتردي حالة‬

‫الجنود أشار أمير األمراء سليم على وزير الحرب بتسريحهم إن لم يكن في يده حل عاجل لوضعهم‬ ‫الصعب والمزري‪ .‬وقد حملت إحدى المراسالت وصفا دقيقا للحال التي أمسى عليها جند المؤسسة‬

‫العسكرية سنة ‪ 1868‬جاء فيها‪" :‬إننا رقعنا من كساوي العسكر التي ال يخفاكم حالها ما أمكن إصالحه‬ ‫بقدر الجهد واإلمكان وأما سبابط العسكر بكلها مقطع بالي‪.7":...‬‬

‫‪ 1‬بنبلغيث الشيباني‪ ،‬الجيش التونسي‪ ،...‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.183-182‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪GANIAGE. J, Les origines du protectorat français en Tunisie (1861-1881), Maison tunisienne de‬‬ ‫‪l’Edition, Tunis, 1968, pp. 335-402.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Ibid.‬‬ ‫‪ 4‬ابن أبي الضياف أحمد‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪ ،1990 ،‬الجزء ‪ ،1‬ص‬ ‫‪ ،117‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.482‬‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.118‬‬

‫الفايدي‪ ،‬سالم‪ ،‬تاريخ األمراض والطب بالبالد التونسية من أوائل القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين‪ :‬الجذري والتيفوس‬‫أنموذجا‪ ،‬شهادة الماجستير في التاريخ الحديث‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2014-2013‬ص‪.37‬‬ ‫‪6‬أ أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬س‪.‬ت‪ ،‬صن ‪ ،165‬م ‪ ،797‬و‪ .73‬بنبلغيث‪ ،‬الشيباني‪ ،‬الجيش‪ ،...‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.164‬‬ ‫‪7‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬س‪.‬ت‪ ،‬صن ‪ ،165‬م ‪ ،830‬و‪.67‬‬

‫‪38‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫كما كان جند البحر يعملون على المراكب وفي حراسة حلق الوادي دون كساء يقيهم برد الشتاء‬

‫القارس‪ ،‬فقد تمزق لباس عسكر طابور الحراسة‪ ،‬ولم يجدوا ما يسترون به أجسادهم العارية ‪ .1‬هذا‬ ‫باإلضافة إلى أن أماكن عملهم كانت رطبة وتفتقر لوسائل التدفئة ولألغطية الصوفية‪ ،‬سواء كان ذلك‬

‫على متن القطع البحرية أو القشالت‪ .‬فقد كانوا يقيمون بأماكن رطبة وباردة وهذا ما كان يزيد من‬ ‫تعكير حالتهم الصحية‪ ،‬فمن لم يمت بالداء مات جوعا أو بردا‪ .‬فالمؤونة المحددة والمبينة بدفاتر‬ ‫و ازرتي البحر والحرب لم تعد متوفرة بين الفترة الممتدة من ‪ 1865‬إلى ‪ ،1880‬إذ لم يعد بإمكان‬

‫المؤسسة العسكرية توفير اللحم وال الخضار وحتى الخبز شح واضطر المسؤولون على إطعام العسكر‬ ‫إلى تعويض الخبز بالبرغل في وجبتيالفطور والعشاء‪ ،‬فقد جاء في إحدى المراسالت الموجهة إلى وزير‬

‫الحرب أحمد زروق ما يلي‪..." :‬وال يخفى على سيادتكم أنه بعد يومين أو ثالثة يكون فطور العسكر‬ ‫وعشاءه برغل لقلة الخبز‪ ،‬وفي حالة عدم الخبز للفطور يعوض العسكر منه بالبرغل‪ .2 ":...‬ويذكر في‬

‫نص المراسلة أن أواني الطبخ هي األخرى لم تعد صالحة للطبخ‪ ،‬فقد تناقص عددها من ثمانية إلى‬

‫ستة ويجب إبدالها بأخرى جديدة‪.‬‬

‫هنا وتجدر اإلشارة إلى أن وجبة عسكر البحر العاملين على متن السفن تتكون من الزيت والخل‬

‫والخبز (البشماط) ومن القديد أو اللحم المملح والمجفف والسمك المجفف كوجبة رئيسية‪ ،‬لكن ال نعلم‬

‫الكمية المحددة لكل جندي بحار وال عدد الوجبات في اليوم‪ ،‬كما ال يمكننا ضبط الكمية المخصصة‬ ‫لطاقم السفينة على اختالف رتبهم العسكرية‪ .‬فهذه معطيات لم تذكرها الوثائق األرشيفية التي اطلعنا‬

‫عليها‪ .‬كما وجب التذكير بخصوصية الخدمة في البحر وما فيها من مشقة‪ ،‬والتي تتطلب طاقة‬

‫جسمانية أعلى وجهدا أكبر من العمل في البر‪ ،‬وبالتالي ضرورة تمكينهم من وجبات غذائية توفر لهم‬ ‫سعيرات ح اررية عالية‪ ،‬بما يحافظ على نشاط الجسم وتقويته ليواجه صعوبات البحر‪ ،‬خاصة في فصل‬ ‫الشتاء مع ضرورة توفير األغطية الصوفية لتحميهم من البرد‪ .‬إن الخدمة على متن السفن في عرض‬

‫البحر تتطلب اختيار عناصر تتمتع بقوة جسمانية ولياقة عالية ومتمرسة بركوب البحر‪ ،‬لذلك الحظنا‬

‫من خالل دراستنا لهذه العناصر المحلية الملتحقة بالخدمة بو ازرة البحر أن أغلبهم بل جلهم قادمون من‬ ‫جزيرة قرقنة التي يمتلك أهلها تقاليد قديمة وعريقة في المالحة وممارسة نشاط الصيد البحري‬

‫بالمساحلة‪ ،‬فجميع سكانها يعملون بالبحر والصيد ‪.3‬‬

‫كان جند البحرية متعرضين لإلصابة بأمراض عديدة لعل أبرزها والتي يتواتر ذكرها في‬

‫المراسالت هي‪ :‬مرض المفاصل أو الروماتيزم الذي يعبر عنه في المراسالت "بالبرد"‪ ،‬واألمراض‬

‫المزمنة كرمد العيون والسكري وهزال الجسم بسبب قلة األكل ونقص العناصر الغذائية المتوازنة‪ .‬هذا‬

‫‪1‬بنبلغيث‪ ،‬الشيباني‪ ،‬الجيش‪ ،...‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.165-164‬‬

‫‪2‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬س‪.‬ت‪ ،‬صن ‪ ،165‬م ‪ ،830‬و‪ .17‬المراسلة بتاريخ ‪ 12‬محرم الحرام سنة ‪ 1285‬هـ‪.1868 /‬‬ ‫‪3‬زغدود ليلى‪ ،‬البحرية‪ ،...‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.194-193‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪39‬‬


‫باإلضافة إلى آالم وتسوس األسنان وتساقطها في أغلب األحيان بحكم التقدم في السن ونقص العناية‬

‫بنظافة الفم واألسنان ‪.1‬‬

‫فالخدمة العسكرية كانت تضع الجند في ظروف صعبة ومضنية دون كساء وال ملبس وال أكل وال‬

‫دواء‪ ،‬في حالة بؤس وشقاء رغم أن الجند كان لديهم إطار طبي يعمل على مراقبتهم صحيا ويسهر‬ ‫على عالجهم‪ .‬وقد عينت الدولة عشرة أطباء لخدمة الجيش التونسي جلهم من األجانب موزعين على‬

‫الوحدات العسكرية المختلفة‪ ،‬وهم متعاقدون مع الدولة التونسية بمرتبات عالية ومتفاوتة تضبط حسب‬ ‫نص التعاقد وحسب أهمية الطبيب المتعاقد‪ ،‬ويتقاضون رواتب شهرية فيما بين ‪ 100‬إلى ‪ 350‬رياال‪.‬‬ ‫وتتمثل مهمة الطبيب في فحص ومعالجة المرضى في القشالت وعلى المراكب وفحص وقبول‬ ‫المجندين الجدد أو المعوضين لهم في بعض األحيان‪ .‬كما يعين طبيب لكل مركب من مراكب الدولة‬

‫الحربية والتجارية عند السفر ليرافق الطاقم البحري‪ .‬ومن أبرز أطباء البحرية نجد الطبيب " التاجوري"‬ ‫والذي ورد ذكره كثي ار في عديد الكتب وفي مراسالت و ازرة البحر‪ ،‬هذا باإلضافة إلى الطبيب األلماني‬

‫"غوستاف نختغال" الذي عين طبيب األسطول األول في سبتمبر‪.2 1865‬‬

‫إال أن قلة األدوية وانعدام وسائل الوقاية الصحية قد عمق معاناة الجند وحال دون تحسن‬

‫وضعهم الصحي رغم مجهود األطباء الذين كثي ار ما اشتكوا من نقص اإلمكانيات المادية ورفعوا تقارير‬

‫ومراسالت إلى وزير البحر ضمنوها وصفا لتدهور الحالة الصحية لبعض الجند خاصة زمن األوبئة‬

‫وتذمروا من عدم صرف رواتبهم المتأخرة لمدة أشهر متتالية ‪ ،3‬األمر الذي اضطر هؤالء األطباء‬

‫األجانب إلى تقديم استقاالتهم من الخدمة بالمؤسسة العسكرية‪ ،‬وحجز ما وقع تحت أيديهم من تجهيزات‬ ‫وفرتها لهم الدولة التونسية إلى حين خالصهم في أموالهم مثل الخيل أو ما شابه ذلك ‪ ،4‬وكان شراء‬

‫األدوية يتم عن طريق اللزمة التي كلف بها طبيب البحرية األول "التاجوري"‪ ،‬والذي كان مقر إقامته‬ ‫وعمله بحلق الوادي‪ ،‬وقد جددت له اللزمة عديد المرات‪ ،‬وقد نص عقد االتفاق المبرم بينه وبين الدولة‬

‫التونسية على أنه يلتزم بتوفير الدواء الجيد والجديد في كل فصل من فصول السنة ‪ .5‬وقد كان الطبيب‬

‫"التاجوري" يتحمل دفع ثمن األدوية من عنده لعدة أشهربل ألعوام‪ ،‬فقد طالب و ازرة البحر سنة ‪1864‬‬ ‫بدفع ثمن األدوية عن ثالثة أعوام وثالثة أشهر بما قيمته ‪ 32750‬رياال وبكراء المسكن الذي كان‬

‫‪1‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬س‪.‬ت‪ ،‬صن ‪ ،194‬م ‪ ،1214‬و‪.91‬‬ ‫‪2‬‬

‫هو األلماني غوستاف نختغال ‪ Gustav Nachtigal 1882-1834‬كانت بداية مغامرته اإلفريقية األولى انطالقا من تونس حيث كان‬

‫يقيم منذ سنة ‪ 1863‬ولم يغادر البالد إال في موفى سنة ‪ ، 1868‬بعد أن كلف بمهمة رسمية إلى داخل إفريقيا والتي كانت رحلة موفقة عاد‬ ‫بعدها إلى ألمانيا وكتب عن رحلته كتابا تحت عنوان "الصحراء والسودان"‪ .‬لمزيد التعمق انظر‪ ،‬طبيب المحلة البالد التونسية فيما بين‬

‫‪ 1868-1863‬من خالل رسائل الطبيب األلماني غوستاف نختغال‪ ،‬نقلها للعربية باعتماد األصل المخطوط وعلق عليها منير الفندري‪،‬‬ ‫مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪.2003 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬س‪.‬ت‪ ،‬صن ‪ ،161‬م ‪ 743‬و‪.6 -5‬‬

‫‪4‬‬

‫أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬س‪.‬ت‪ ،‬صن ‪ ،148‬م ‪ ،600‬و‪ .24‬بنبلغيث‪ ،‬الشيباني‪ ،‬الجيش‪ ،...‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.193‬‬

‫‪5‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.194‬‬

‫‪40‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫يقطنه‪ ،‬ويعلمها بأنه توقف عن شراء األدوية الالزمة للعسكر ألن موزعي الدواء يطالبونه بدفع الدين‬

‫المتخلد بذمته‪ ،‬علما وأنه لم يكن يصله مرتبه لعدة أشهر متتالية‪ .‬وقد ألح على الدولة لتجد حال ألزمته‬ ‫المالية ولتوقف شراء الدواء لحساب و ازرة البحر‪.1‬‬

‫وتبعا لحالة الغبن والبؤس التي كان يعيشها جند البحر‪ ،‬لم يجدوا بدا من البقاء على نفس الحال‪،‬‬

‫فقد الذ الكثير منهم بالفرار والحقتهم فرقة من الصبايحية كلفت بالقبض على الهاربين من الخدمة‬

‫العسكرية‪ ،‬وقد سجل سنة ‪ 1863‬هروب عدد كبير من الجند وصل حوالي ‪ 128‬من بين ‪ 763‬عسكريا‬

‫في حين تخلف عن الخدمة عشرون منهم‪ .‬إال أن عدد المقبوض عليهم كان قليال مقارنة بعدد الهاربين‬ ‫والذي وصل سنة ‪ 1865‬إلى ‪ 724‬فارا‪ .‬وفي سنة ‪ 1868‬تمتع ‪ 1900‬جندي من جند البحر والبر‬ ‫بإجازة لم يعد منهم إلى الخدمة سوى ‪ 150‬جنديا ‪ .2‬وتعددت حاالت الهروب من الخدمة فأثناء رحلة‬ ‫قام بها أحد المراكب التونسية بقيادة القبطان "علي قنيدز" إلى اإلسكندرية سنة ‪ ،1871‬هرب عدد من‬ ‫بحارة السفينة إلى مدينة اإلسكندرية في حين بقي آخر بمالطا‪ ،‬بعد أن طالت بهم الرحلة وضاقت‬

‫أحوالهم بعدما نفدت أموالهم ‪ .‬فكتب القبطان إلى وزير البحر ليعلمه بتطور الوضع عنده قائال‪..." :‬إلى‬ ‫تعريف جنابكم إني متعسر الحال لكوني ليس عندي دراهم أقضي بها واجباتي‪ ...‬وال يخفى جنابكم أن‬

‫مرتبات الستة أشهر قد نفدت‪ ...‬وأن جنابكم لم يسأل عنا من يوم خروجنا من تونس وأن أحد البحارة‬

‫هرب إلى اإلسكندرية واآلخر بقي بمالطا‪.3":...‬‬

‫وهنا وجب التأكيد على أن عسكر البحرية فرقة عسكرية لها خصوصيات‪ ،‬إذ يعمل الجند خارج‬

‫القشلة على متن المراكب بعيدا عن المجتمع والتواصل معه‪ ،‬فالعيش في البحر له انعكاسات عديدة‪ .‬إذ‬

‫البعد عن البر وعن التواصل مع الناس والعيش على ظهر السفينة في عزلة وسط مجتمع رجالي‬

‫ضيق‪ ،‬دون زوجاتهم وأبنائهم ولفترات طويلة من الزمن‪ ،‬كل ذلك يتطلب استعدادا نفسيا كبي ار وهذا على‬ ‫األغلب ال يتوفر في عسكر البحر على اعتبار أن الكثير منهم لم يختاروا االنضمام للمؤسسة العسكرية‬

‫أو الخدمة في البحر‪ .‬فعملية القرعة كانت خاضعة للطرق التقليدية المتوارثة بالبالد التونسية في اختيار‬

‫الجند‪ ،‬والتي تتمثل في خروج فرقة من الضباط والعسكر تجوب البالد بحثا عن عناصر جديدة يمكن‬ ‫إلحاقها بالخدمة العسكرية‪ .‬وال يسمح ألحد من الذين تم اختيارهم رفض االنضمام‪ ،‬ألن ذلك يعرض‬

‫عائلته وعشيرته إلى مظالم وعنف قواد الفرقة التي تفرض في حالة فرار أي شخص من المنتدبين أخذ‬ ‫أحد أقاربه بدال عنه ‪ ،4‬فأمر الباي يقضي أن يختار من كل عائلة شاب عمره بين الخامسة عشر‬ ‫واألربعين سنة‪ ،‬ليس هناك فرصة أمام الشاب المنتدب لإلفالت من الخدمة حتى تنتهي المدة مع آخر‬

‫العمر بانعدام عطائه‪ ،‬في حين تتوفر فرص لألغنياء والميسورين منهم لدفع مبالغ مالية مقابل‬ ‫‪1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.195-194‬‬ ‫‪2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.190-189‬‬

‫‪3‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬س‪.‬ت‪ ،‬صن ‪ ،187‬م ‪ ،1078‬و‪.79‬‬ ‫‪4‬زغدود ليلى‪ ،‬اإلصالح ‪ ،...‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.47-45‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪41‬‬


‫انضمامهم لوحدة عسكر االحتياط أو االستعفاء عند مضاعفة المبلغ المطلوب‪ ،‬فحاالت االنتداب‬

‫بالنسبة إلى هذه العناصر وعائالتهم أصعب من الموت أو القتل‪.1‬‬

‫في حين استسلم العدد األ كبر من جند البحر ولزموا عملهم في ظروف أقل ما يقال عنها إنها‬

‫قاسية ومضنية زادها إحساسهم بتمايز الفريق التقني األوربي عنهم‪ ،‬العامل بطواقم المراكب التونسية‬

‫وبالترسخانة‪ ،‬وبعدم قدرتهم على مجاراتهم في إتقان تقنيات العمل المالحي وكسب الخبرة الفنية منهم‬

‫رغم معاشرتهم لهم والعمل معهم على نفس المراكب‪ .‬وكذلك عامل اللغة الذي يبقى عائقا دون تمكنهم‬ ‫من اكتساب التقنيات المالحية والمشاركة في الخدمة والشعور بالندية مع العناصر األجنبية األوربية‬

‫صاحبة الخبرة والمعرفة الواسعة في قطاع المالحة البحرية ‪ .2‬كما التجأ بعض الجند من كبار السن‬

‫العضال ومالزمة الفراش والتودد لطبيب البحرية‬ ‫والقدماء في الخدمة العسكرية إلى ادعاء المرض ُ‬ ‫ليكتب له تقري ار طبيا يشرح فيه حالته الصحية المتردية والتي ال تسمح له بمواصلة العمل فيتحصل تبعا‬ ‫لذلك بعد موافقة وزير البحر والوزير األكبر على حق السراح وحينها تصرف له نصف منحة شهرية‪،‬‬

‫على أن األمر لم يكن لينجح في كثير من األحيان حيث رفضت عديد مطالب التقاعد ألسباب صحية‪،‬‬

‫في حين تم تسريح البعض نظ ار إلصابتهم بأمراض خطيرة ألزمتهم الفراش وعدم القدرة على العمل‪.‬‬

‫إن ظاهرة الهروب من الخدمة العسكرية ال يمكن فهمها أو ربطها فقط بصعوبة ظروف العمل‬

‫عامة‪ ،‬لكن تقف وراء تكرارها واستمرارها لمدة طويلة من الزمن‪ ،‬عقلية أو ذهنية جماعية ترفض‬ ‫االنضمام للمؤسسة العسكرية‪ ،‬وبالتالي لديها موقف م ٍ‬ ‫عاد للقرعة وللتنظيمات واإلصالحات العسكرية‬ ‫ُ‬ ‫التي اتخذتها دولة البايليك‪ .‬فالوعي الجمعي ألهالي البالد في القرن التاسع عشر يقف موقفا معاديا من‬ ‫المؤسسة العسكرية ألنها تمثل الجهاز القوي للدولة‪ ،‬فهو جهاز ردعي في المقام األول‪ ،‬جهاز للسيطرة‬

‫يبق لها من دور خالل القرن التاسع عشر‬ ‫على األهالي وفرض الجباية وجمعها‪ .‬فهذه المؤسسة لم َ‬ ‫سوى جمع الضرائب المجحفة خاصة في المناطق الداخلية وفي األرياف والمناطق القبلية‪ ،‬فهي أداة من‬ ‫أدوات الدولة تستخدمها للسيطرة على الجماعات المحلية والقبائل وفرض إرادتها بالقوة لتملك المجال‬

‫ومركزة الحكم على حساب الحكم المحلي العشائري والقبلي ‪ ،3‬فقد عانت جل الفئات االجتماعية لاليالة‬ ‫من تراجع المحاصيل الزراعية ومن الجدب واألوبئة والجوائح‪ .‬فظاهرة الهروب من الخدمة تعكس وعيا‬

‫جماعيا رافضا للمؤسسة ألنها أداة قمع وردع (انتفاضة سنة ‪ 4)1864‬بيد دولة البايليك التي أحكمت‬ ‫سيطرتها على المجال وعلى األهالي وأصبحت الفئة المتنفذة وصاحبة القرار في حين همشت بقية‬

‫الفئات المدنية والريفية والقبلية‪.‬‬

‫‪1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫للتعمق أكثر انظر زغدود ليلى‪ ،‬البحرية التونسية ‪ ،...‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.207-200‬‬

‫هنية عبد الحميد‪ ،‬تونس العثمانية بناء الدولة والمجال‪ ،‬تبر الزمان‪ ،‬تونس ‪ ،2012‬ص ‪.225-222‬‬

‫‪4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.226‬‬

‫‪42‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫إن رصد المعيش واليومي ساعدنا في رسم مشهد معاناة‪ :‬بؤس وفقر ومرض جنود المؤسسة‬

‫العسكرية التي عرفت صعوبات مالية كبيرة خالل النصف الثاني من القرن التاسع عشر باعتبارها‬

‫المؤسسة األهم في ذلك الوقت‪ ،‬إال أنها تضررت كثي ار من األزمة االقتصادية والمالية التي مرت بها‬ ‫اإليالة وكذلك نتيجة لسياسة البايليك التي أخفقت في حل األزمات المتتالية والتي تميزت بضعف أداء‬

‫وزرائها ورجال الساسة وتخاذلهم وانصرافهم لخدمة مصالح ذاتية ضيقة مثل الوزير األكبر مصطفى‬ ‫خزندار وحاشيته‪ .‬فهذه األزمة قد استفادت منها أقلية حاكمة متنفذة قريبة من الباي استغلت نفوذها في‬

‫السرقات والتالعب بالباي وابرام صفقات وهمية والتداين من البنوك األوربية تحت غطاء القيام‬ ‫بإصالحات كبرى داخل المؤسسة العسكرية‪ ،‬خاصة منها تحديث األسطول البحري التونسي وشراء‬

‫قطع بحرية جديدة ومتطورة صنعت بأوربا وانفاق أموال طائلة وفي األخير يظهر أن أغلب هذه القطع‬ ‫كانت قديمة الصنع‪ ،‬وستجد الدولة صعوبات كثيرة عند استعمالها وتنفق األموال الكثيرة إلصالحها في‬

‫كل مرة‪ ،‬فتضطر لبيعها في اآلخر بالخسارة ‪.1‬‬

‫هذه المعاناة التي رسمتها لنا المراسالت والوثائق األرشيفية هي شهادة عن أزمة المؤسسة‬

‫العسكرية وأزمة عصفت بالدولة أجبرتها على التداين الخارجي ثم أوقعتها في يد المستعمر الفرنسي‪.‬‬

‫فهي أزمة طحنت الفئة األضعف من المجتمع التونسي في ذلك الوقت من األهالي والفالحين والريفيين‬

‫والجند باعتبارهم الحلقة األضعف في نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي هش ال يخدم سوى مصالح‬

‫فئة محدودة وضيقة من الساسة والتجار واألجانب‪.‬‬

‫***‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬ ‫وثائق األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬السلسلة التاريخية‪:‬‬

‫صندوق ‪ ،148‬الملف ‪ ،600‬مراسالت تتعلق بمطالب األطباء األجانب سنة ‪.1868-1865‬‬ ‫صندوق ‪ ،161‬الملف ‪ ،743‬مراسالت تتعلق بصرف المرتبات سنة ‪.1868‬‬

‫صندوق ‪ ،165‬الملف ‪ ،797‬مراسالت صادرة عن أمراء عساكر بتوفير مؤونة سنة ‪.1868-1867‬‬

‫صندوق ‪ ،165‬الملف ‪ ،830‬مراسالت صادرة عن أمراء عساكر تتعلق بتوفير مرتبات ومؤؤنة سنة ‪.1868‬‬

‫صندوق ‪ ،187‬الملف ‪ ،1076‬مراسالت حول مصاريف و ازرة البحر خاصة المتعلقة بالشقوف البحرية واألجور‬ ‫سنة ‪.1868-1860‬‬

‫صندوق ‪ ،188‬الملف ‪ ،1096‬أوامر علية صادرة عن محمد الصادق باي إلى وزير البحر تتعلق بإمداد‬ ‫الثكنات بالمؤونة سنة ‪.1866 -1865‬‬

‫صندوق ‪ ،188‬الملف ‪ ،1098‬مراسالت وزير البحر إلى وزير المال سنة ‪.1867‬‬

‫صندوق ‪ ،194‬الملف ‪ ،1214‬مراسال ت تتعلق بالحالة الصحية لجند البحر سنة ‪.1865‬‬ ‫المصادر المنشورة‪:‬‬

‫‪1‬زغدود ليلى‪ ،‬البحرية التونسية‪ ،...‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.317 -295‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪43‬‬


‫ ابن أبي الضياف‪ ،‬أحمد‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪،‬‬‫تونس ‪ ،1990‬الجزء ‪ 1‬و‪.2‬‬ ‫ طبيب المحلة البالد التونسية فيما بين ‪ 1868-1863‬من خالل رسائل الطبيب األلماني غوستاف‬‫نختغال‪ ،‬نقلها للعربية وعلق عليها منير الفندري‪ .‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس ‪.2003‬‬ ‫* المراجع بالعربية‪:‬‬

‫‪ -‬اإلمام‪ ،‬رشاد‪ ،‬التفكير اإلصالحي في تونس في القرن التاسع عشر إلى صدور قانون "عهد األمان"‪ ،‬دار‬

‫سحنون للنشر والتوزيع‪ ،‬تونس ‪.2010‬‬

‫‪ -‬بنبلغيث‪ ،‬الشيباني‪ ،‬الجيش التونسي في عهد المشير محمد الصادق باشا باي ‪ ،1882-1859‬منشورات‬

‫مؤسسة التميمي‪ ،‬زغوان وكلية اآلداب صفاقس‪.1995 ،‬‬

‫‪ -‬بنبلغيث‪ ،‬الشيباني‪ ،‬أضواءعلى التاريخ العسكري في تونس من ‪ 1837‬إلى ‪ ،1917‬مكتبة عالء الدين‪،‬‬

‫صفاقس‪.2003 ،‬‬

‫‪ -‬الحماص‪ ،‬محمد‪ ،‬حركة التصنيع في عهد أحمد باي من ‪ ،1855-1837‬شهادة الكفاءة في البحث‪ ،‬كلية‬

‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪.1993 ،‬‬

‫‪ -‬دالي‪ ،‬حمادي‪ ،‬المشاركة التونسية في حرب القرن‪ ،1856-1854 :‬رسالة الدراسات المعمقة‪ ،‬كلية العلوم‬

‫اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪.1995-1994 ،‬‬

‫زغدود‪ ،‬ليلى‪ ،‬البحرية التونسية في قرن ‪ ،1881-1782‬أطروحة الدكتوراه في التاريخ الحديث‪ ،‬كلية العلوم‬‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2014-2013‬‬

‫‪ -‬زغدود‪ ،‬ليلى‪ ،‬اإلصالح وآليات التحديث في البحرية التونسية بين ‪ ،1881-1814‬رسالة الدراسات‬

‫المعمقة‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2002-2001‬‬

‫‪ -‬الفايدي‪ ،‬سالم‪ ،‬تاريخ األمراض والطب بالبالد التونسية من أوائل القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن‬

‫العشرين‪ :‬الجذري‬

‫والتيفوس أنموذجا‪ ،‬شهادة الماجستير في التاريخ الحديث‪،‬‬

‫واالجتماعية بتونس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2014-2013‬‬

‫كلية العلوم اإلنسانية‬

‫‪ -‬هنية‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬تونس العثمانية بناء الدولة والمجال من القرن السادس عشر إلى منتصف القرن‬

‫التاسع عشر‪ ،‬تبر الزمان‪ ،‬تونس ‪.2012‬‬ ‫* المراجع بالفرنسية‪:‬‬ ‫‪- BOYER (Pierre), « Les renégats et la Régence d’Alger ». In Revue de l’Occident‬‬ ‫‪musulman et de la Méditerranée, n 39, 1985, pp. 93-106.‬‬ ‫‪- CHATER (Khelifa), Dépendance et mutations pré coloniales, la Régence de Tunis de‬‬ ‫‪1815 à 1857, Tunis, 1984.‬‬ ‫‪- GANIAGE (Jean), Les origines du protectorat français en Tunisie (1861-1881),‬‬ ‫‪Maison tunisienne de l’Edition, Tunis, 1968.‬‬ ‫‪- HERMANDIQUER (Jean- Jacques), « A propos de l’alimentation des marins ». In‬‬ ‫‪Annales. Economies, Société, Civilisations. 18e année, N. 6, 1963, pp. 1141-1150.‬‬ ‫‪- MAITRE (Nelly), « Etude d’un groupe social : les officiers de marine à Toulon (1870‬‬‫‪1900) (Quelques conclusions). In Cahiers de la Méditerranée, n 10, 1, 1975, pp. 79-88.‬‬ ‫‪- TLILI, (Béchir), Les rapports culturels et idéologiques entre l’Orient et l’Occident en‬‬ ‫‪Tunisie au XIXe siècle 1830-1880, Publications de l’Université de Tunis, 1974.‬‬

‫‪44‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫البرتغالية خالل الفترة الحديثة‬-‫العالقات الدبلوماسية التونسية‬

‫ ُحسام الدين شاشية‬.‫د‬ ‫جامعة صفاقس‬

Les relations diplomatiques tuniso-portugaises à l’époque moderne Résumé : Nous étudions dans cet article les relations diplomatiques tuniso-portugaises à l’époque moderne, précisément à la fin du dix-huitième et du dix-neuvième siècle. Nos sources sont principalement les fonds des archives nationales tunisiennes. Nous étudions et publions trois traités de paix entre la Tunisie et le Portugal : le premier date du 20 novembre 1816 ; le deuxième signé en octobre 1813 et le dernier daté du 20 novembre 1899. Dans le même but de poursuivre l’évolution des relations diplomatiques tuniso-portugaise à la deuxième moitié du dix-neuvième siècle nous avons traité et édité une collection de lettres d’une ambassade envoyée par le Bey de Tunisie Mohamed Sadok au Portugal pendant l’été de 1869 pour présenter un nombre de décorations au Roi du Portugal et à ses ministres. Mots-clefs: Relations tuniso-portugaises. Traités de paix. Le XIXe siècle. Decorations. Mohamed Sadok Bey. Tunisian-Portuguese diplomatic relations in modern era Abstract: In this article, we study Tunisian-Portuguese diplomatic relations in the modern period, precisely at the end of the eighteenth and nineteenth centuries. Our sources are mainly the funds of the Tunisian national archives. We have studied and published in this study three peace treaties between Tunisia and Portugal: the first dated 20 November 1816; the second signed in October 1813 and the last dated from November 20, 1899. In order to continue the development of Tunisian-Portuguese diplomatic relations in the second half of the nineteenth century we have processed and edited a collection of letters from an embassy sent by Bey of Tunisia Mohamed Sadok to Portugal in the summer of 1869 to present a number of decorations to the King of Portugal and his ministers. Keywords: Tunisian Portuguese relations. Peace Treaties. Nineteeth Century. Decorations. Mohamed Sadok Bey.

‫حاول في هذا البحث دراسة العالقات الدبلوماسية التي ربطت البالد التونسية بمملكة البرتغال‬ ُ ‫ُن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫أساسا على‬ ،‫خالل الفترة الحديثة‬ ‫ل‬ ‫ وذلك باالعتماد ل‬،‫وتحديدا نهاية القر الثامن عشر والقر التاسع عشر‬ ‫ حيث قمنا في هذا العمل بدراسة ونشر ثالث ُمعاهدات سالم موقعة‬،‫وثائق األرشيف الوطني التونسي‬ 45

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬


‫بين تونس والبرتغال‪ ،‬تعود األولى إلى صيف سنة ‪ ،1899‬في حين تعود الثانية إلى أكتوبر‪ ،1813‬أما‬

‫األخيرة فتعود إلى ‪ 20‬نوفمبر ‪ .1816‬كذلك حاولنا في هذه البحث دراسة ونشر مجموعة من الرسائل‬

‫حول البعثة التي أرسلها ُمحمد الصادق باي إلى البرتغال في صيف سنة ‪ 1869‬لتقديم مجموعة من‬ ‫النياشين إلى الملك البرتغالي لويس األول وعدد من وزر ِ‬ ‫ائه‪.‬‬ ‫أيضا البحث في الفهرس‬ ‫باإلضافة إلى الوثائق المحفوظة باألرشيف الوطني التونسي‪ ،‬حاولنا ل‬ ‫اإللكتروني لألرشيف الوطني البرتغالي والمعروف بإسم "األرشيف الوطني ببرج دو تومبو" ‪Arquivo‬‬

‫‪ ،Nacional da Torre do Tombo‬حيث قادنا هذا البحث إلى التأكد من وجود وثائق ومراسالت‬

‫القنصلية البرتغالية في تونس بهذا األرشيف‪.1‬‬

‫كذلك قادنا البحث في الوثائق الدبلوماسية المنشورة إلى الوقوف على النسخة البرتغالية‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬ ‫لمعاهدات سنوات‬ ‫واإليطالية من ُمعاهدة السالم التونسية‪-‬البرتغالية لسنة ‪ ،1799‬و ُ‬ ‫النسخ اإليطالية ُ‬ ‫‪ ،41813‬و‪ ،11816‬و‪ 1821‬المنشورة حديثلا في ُكراسات األرشيف الوطني‪.2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ PT/TT/MNE-ASC/D/13‬حافظة وثائق عدد من ال قنصليات البرتغالية بالخارج ومن بينها تلك الموجودة في تونس ما بين سنتي‬

‫‪1668‬و‪1851‬؛ ‪ PT/TT/MNE-LL/F/6/C184.91L‬ملف وثائق يحمل عنوان‪" :‬مكتب القنصلية البرتغالية في تونس"‪ ،‬مؤرخ بما بين‬ ‫سنتي ‪ 1819‬و‪1833‬؛ ‪ PT/TT/RGM/J/298960‬وثيقة تحمل عنوان‪" :‬رسالة براءة من قنصل األمة البرتغالية في مدينة تونس"‪،‬‬ ‫مؤرخة بـتاريخ ‪ 04 :‬سبتمبر ‪1864‬؛ ‪ PT/TT/RGM/J/300771‬وثيقة تحمل عنوان‪" :‬رسالة من نائب القنصل في سوسة من اإليالة‬ ‫التونسية"‪ ،‬مؤرخة بـ‪ 27 :‬سبتمبر ‪.1869‬‬

‫المعتنقين لإلسالم في تونس‪:‬‬ ‫المتعلقة بمحاكمة عدد من ُ‬ ‫كذلك من بين الوثائق األخرى المتعلقة بتونس نجد بعض ملفات محاكم التفتيش ُ‬ ‫‪ PT/TT/TSO-IE/021/2236‬ملف محاكمة البحار بدروماهاد أمام محكمة التفتيش بمدينة يابرة والمتهم بإعتناق اإلسالم في تونس‪،‬‬ ‫مؤرخ بما بين ‪ 26‬أفريل ‪ 1632‬و‪ 25‬ماي ‪.1632‬‬

‫‪ PT/TT/TSO-IE/021/6085‬ملف ُمحاكمة الموريسكي أنطونيو التونسي أمام محكمة التفتيش بمدينة يابرة‪ ،‬والمتهم بإعتناق اإلسالم‬ ‫بعد هروبه إلى تونس‪ُ ،‬مؤرخ بما بين ‪ 03‬مارس ‪ 1557‬و‪ 23‬أوت ‪.1557‬‬

‫‪ PT/TT/TSO-IE/021/7700‬ملف ُمحاكمة خوسيه أورالنو أمام محكمة التفتيش بمدينة يابرة‪ ،‬والمتهم بإعتناق اإلسالم في مدينة‬ ‫تونس‪ ،‬مؤرخ بما بين ‪ 07‬جوان ‪ 1684‬و‪ 26‬جوان ‪.1685‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪Dom João, por graça de Deos Principe Regente de Portugal e dos Algarves, d'aquém e d'além mar, em‬‬ ‫‪Africa de Guiné e da Conquista..., Lisboa, Regia Officina Typographica, 1799, pp.1-5. En ligne.‬‬ ‫‪URL:https://books.google.tn/books?id=c2ZTAAAAcAAJ&printsec=frontcover&hl=fr&source=gbs_ge_s‬‬ ‫‪ummary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false , consulté le 29/12/2016.‬‬ ‫أُعيد نشر المعاهدة سنة ‪ 1857‬من قبل المطبعة الرسمية البرتغالية ضمن المجلد الرابع من المعاهدات واالتفاقيات التي أمضتها البرتغال‬ ‫مع مجموعة من الدول‪.‬‬ ‫‪Ferreira Borges de Castro (José) (Coord.), Collecção dos tratados, convenções, contratos e actos publicos‬‬ ‫‪celebrados entre a coroa de Portugal e as mais potencias desde 1640 até ao presente, Lisboa, Imprensa‬‬ ‫‪Nacional, 1857, vol.4, pp. 109-111.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Rousseau (Alphonse), Annales tunisiennes; ou, Aperçu historique sur la régence de Tunis, Alger,‬‬ ‫‪Bastide ; Paris, Challamelaîné 1864, pp.526-528; Jerad (Mehdi), «Traité entre la Tunisie et le Portugal‬‬ ‫‪1813», Cahiers des archives : Traités et accords diplomatiques conclus entre la Tunisie et les puissances‬‬ ‫‪occidentales au XIX siècle, Tunis, Archives nationales de Tunisie, 2012, pp.15-18 ; «Traité entre la‬‬ ‫‪Tunisie et le Portugal 1821», pp.55-57‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪Rousseau (Alphonse), Annales tunisiennes op cit., pp.528-529.‬‬ ‫المعاهدة ُمترجمة للغة الفرنسية سنة ‪:1865‬‬ ‫تم نشر هذه ُ‬ ‫‪De Flaux (Armand), La régence de Tunis au dix-neuvièmesiècle, Paris : Challamel ainé ; Alger : Bastide,‬‬ ‫‪1865, pp.397-398.‬‬

‫‪46‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫اخترنا في هذه الدراسة وباإلضافة إلى نشر النُسخ العربية من ُمعاهدات سنوات ‪1799‬و‪1813‬‬ ‫النسخة البرتغالية واإليطالية من ُمعاهدة سنة‬ ‫و‪ ،1816‬والتي حسب علمنا تُنشر ألول مرة‪ ،‬إعادة نشر ُ‬ ‫المعربة من بعثة أيوب أمير أمراء عساكر التريس‬ ‫‪ .1799‬ل‬ ‫أيضا ُقمنا بنشر عدد من الرسائل البرتغالية ُ‬ ‫إلى البرتغال سنة ‪ 1869‬لتقديم مجموعة من النياشين إلى الملك البرتغالي ووزر ِ‬ ‫ائه‪.‬‬ ‫ُمعاهدات السالم التونسية‪-‬البرتغالية‬ ‫لئن ربطت تونس عالقات تجارية ودبلوماسية بعدد هام من ُبلدان البحر األبيض المتوسط منذ‬ ‫العصور القديمة‪ ،‬وكانت لعديد الدول األوربية قنصليات بالبالد التونسية منذ أواخر القرن السادس‬

‫عشر‪ ،‬على غرار فرنساوهولندة وانجلت ار‪ ،‬فإن عالقاتها السياسية بممالك شبه الجزيرة األيبيرية قد بقيت‬ ‫متوترة أو غير ُمستقرة حتى السنوات األخيرة من القرن الثامن عشر‪.‬‬

‫هذا التوتر في العالقات السياسية والذي أخر ربما التأسيس للعالقات الدبلوماسية بين تونس‬

‫ومملكتي شبه الجزيرة األيبيرية‪ ،‬أي إسبانيا‪ 3‬والبرتغال يمكن تفسيرهُ بـ‪:‬‬

‫تخوض ما أطلقت‬ ‫أو اال‪ُ :‬مخلفات الصراع في الفترة الوسيطة بين الممالك المسيحية‪ ،‬التي كانت ُ‬ ‫عليه "حرب االسترداد" (‪ )La Reconquista‬ضد الوجود اإلسالمي في األندلس‪ ،‬والممالك المغاربية‬ ‫‪1‬‬

‫‪Rousseau (Alphonse), Annales tunisiennes op cit., pp.529-530.‬‬ ‫‪Jerad (Mehdi), «Traité entre la Tunisie et le Portugal 1821», Cahiers des archives : Traités et accords‬‬ ‫‪diplomatiques conclus entre la Tunisie et les puissances occidentales au XIX siècle, Tunis, Archives‬‬ ‫‪nationales de Tunisie, 2012, pp.55-57.‬‬ ‫‪3‬حديثنا عن توتر العالقات التونسية‪-‬اإلسبانية إلى أواخر القرن الثامن عشر ال ينفي وجود فترات من التواصل بين حكام تونس واسبانيا في‬ ‫‪2‬‬

‫الفترة الوسيطة بين الملوك الحفصيين واألراغونيين‪ ،‬حيث تعددت المراسالت بين الطرفين خالل القرن الرابع عشر‪ ،‬كما أن ال ُحكام‬

‫ن‬ ‫ووضعت تونس بمقتضى معاهدة ‪ 06‬أوت ‪1535‬‬ ‫الحفصيين قد استنجدوا باإلسبان لمواجهة العثمانيين خالل القر السادس عشر‪ ،‬بل ُ‬ ‫بصفة رسمية تحت "الحماية" اإلسبانية‪ .‬حول هذه الرسائل الحفصية‪-‬األراغونية انظر‪:‬‬ ‫‪Giménez Soler (Andrés), « Documentos de Túnez, originales o traducidos del Archivo de la Corona de‬‬ ‫‪Aragón », Anuari de l'Institutd'EstudisCatalans, N°.3, 1909-1910, pp.210-259; González Palencia‬‬ ‫‪(Ángel), Los documentos árabes diplomáticos del Archivo de la Corona de Aragón, Madrid, Estanislao‬‬ ‫‪Maestre, 1940.‬‬ ‫سعيدان (عمر)‪ ،‬المراسلة بين ملك أراغون جاكمو الثاني والسلطانين الحفصيين أبي عصيدة وابن اللحياني أو عالئق الحفصيين ببالط‬

‫أراغون في عهد جاكمو الثاني‪ ،‬سوسة‪ ،‬مؤسسة سعيدان للطباعة والنشر‪1985 ،‬؛ سعيدان (عمر)‪ ،‬عالقات إسبانيا القطالنية بالحفصيين‬ ‫في الثلثين األول دراسة ووثائق‪ ،‬سوسة‪ ،‬منشورات سعيدان‪.2002 ،‬حول الرسائل والمعاهدات الحفصية‪-‬اإلسبانية في القرن السادس‬ ‫عشر انظر‪:‬شاشية (حسام الدين)‪" ،‬وثيقتان جديدتان بين موالي الحسن الحفصي والملك شارل الخامس"‪ ،‬المجلة التاريخية المغاربية‬ ‫(‪ ،)2013‬عدد ‪ ،152‬ص ‪425-411‬؛ التميمي (عبد الجليل) وشاشية (حسام الدين)‪" ،‬رسائل حفصية جديدة بأرشيف سيمانكس‬ ‫العام‪ ،"1536-1535:‬المجلة التاريخية المغاربية‪ ،‬عدد‪ ،)2015( 157‬ص ‪.455-423‬‬ ‫‪Elie de La Primaudaie(F.),« Documents inédits sur l'histoire de l'occupation espagnole en Afrique (1506‬‬‫‪1574 », Revue Africaine, XIX, 1875, pp.62-77, 148-157, 161-193, 265-288, 337-360, 483-496; XX, 1876,‬‬ ‫‪pp.128-144, 232-244, 320-335, 387-416 ; Poinssot (Louis) et Raymond (Lantier), Les gouverneurs de La‬‬ ‫;‪Goulette durant l'occupation espagnole : 1535-1574, Tunis, Soc. Anonyme de l'Imprimerie Rapide, 1930‬‬ ‫‪Gaignard (Catherine), «Un bel exemple d'entente hispano-tunisienne, le traité du 6 août 1535 entre‬‬ ‫‪Charles quint et Moulay Hasan», Mélanges Louis Cardaillac,AbdeljelilTemimi (ed.), Zaghouan,‬‬ ‫‪Fondation Temimi pour la recherche scientifique et l'information, 1995, Vol.I, pp.319-328; Boubaker‬‬ ‫‪(Sadok), «L'empereur Charles Quint et le sultan hafside Mawlay al-Hasan ( 1525- 1550», en Empreintes‬‬ ‫‪espagnoles dans l’histoire tunisienne, études réunies par Sadok Boubaker et Clara Ilham ÁlvarezDopico,‬‬ ‫‪Gijón, EdicionesTrea, S. L., 2011. pp.13-82.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪47‬‬


‫المرابطين سنة ‪1086‬م‬ ‫التي تدخلت في مناسبتين للتصدي لهذه القوات المسيحية‪ ،‬عن طريق ُ‬ ‫والموحدين سنة ‪1147‬م‪ ،2‬حيث كانت السلطات المغاربية وربما حتى شعوبها تعتبر نفسها معنية بصفة‬

‫‪1‬‬

‫خصوصا‬ ‫ُمباشرة بهذا الصراع‪ 3‬الذي أثر بصفة قوية على التركيبة الديمغرافية للمجتمعات المغاربية‪،‬‬ ‫ل‬

‫المهجرين األندلسيين‪ ،4‬الذين حملوا معهم أخبار الهزيمة اإلسالمية في األندلس على‬ ‫مع توالي وصول ُ‬ ‫يد اإلسبان والبرتغاليين‪ ،‬وما ترافق مع هذه الهزائم من مآسي‪ ،‬نجد صداها في كثير من أشعار الرثاء‬

‫التفجع التي انتشرت على األرجح في أوساط العامة‪ ،‬على غرار قصيدة أبي البقاء الرندي‪ 5‬الشهيرة‬ ‫و ُ‬ ‫التي رثا فيها األندلس والتي مطلعها‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫نسان‬ ‫يش ِإ ُ‬ ‫ل ُـك ِل َشـيء ِإذا مـا تَم ُن ُ‬ ‫قصان***َفـال ُي َـغ َّر ِبـطيب َ‬ ‫َزمان‬ ‫شاهدتُها ُد َو ٌل‬ ‫ِه‬ ‫ته أ ُ‬ ‫ـاء ُ‬ ‫ـور َكما َ‬ ‫ُم ُ‬ ‫َ‬ ‫ـي األ ُ‬ ‫***مـن َسـرهُ َزَمـن س َ‬ ‫َ‬

‫المدن البرتغالية في يد القوات المسيحية‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى عدد هام من األشعار التي بكت سقوط ُ‬ ‫لمحمد بن إبراهيم‪ 6‬التي رثا فيها "ضياع" مدينة شنترين‪:7Santarém‬‬ ‫على غرار هذه القطعة ُ‬ ‫ـدار‬ ‫يا شنتر ُ‬ ‫ين ال أُنادي سام ـ لـعا***ألقت عليك بالءها األق ـ ـ ُ‬ ‫ورميت عند دعائنا بح ـو ٍ‬ ‫ـار‬ ‫***تدر‬ ‫ادث‬ ‫ُ‬ ‫الديار وما بها ديـ ـ ـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـار‬ ‫األمن‬ ‫ٌ‬ ‫وتبدلت فيك العمارةُ وحش ـ لة***و ُ‬ ‫خوف والغنى إقتـ ـ ُ‬ ‫ـار‬ ‫وتعبثت بجهاتها‬ ‫ُ‬ ‫أعداؤه ــا***ومحا محاسنها البلى والنـ ـ ُ‬

‫حتى أقول بن ٍ‬ ‫أنت ِ‬ ‫غصة يا بل ــدة***"ال ِ‬ ‫ـار‬ ‫أنت وال‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الديار دي ـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪1‬‬

‫كانت المواجهة الكبرى بين القوات المسيحية والمرابطين في ما يعرف "بمعركة الزالقة" في ‪ 23‬أكتوبر ‪ ،1086‬حيث تمكن يوسف بن‬

‫تاشفين قائد المرابطين بعد أن استنجد به ملوك الطوائف في األندلس من إلحاق الهزيمة بالقوات المسيحية التي كان يقودها ألفونس‬ ‫السادس ملك قشتالة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫واجه الموحدون تحت قيادة السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور في "معركة األرك" بتاريخ ‪ 18‬جويلية ‪ 1195‬قوات ملك قشتالة ألفونسو‬

‫الثامن‪ ،‬حيث كان النتصارهم في هذه المعركة دور كبير في صد المسيحيين وترسيخ الحضور الموحدي بشبه الجزيرة اإليبيرية‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫يتأكد هذا األمر من خالل تواصل لجوء األمراء األندلسيين لحكام بالد المغرب في كل مرة كانت إماراتهم مهددة بالغزو المسيحي‪ ،‬حيث‬

‫ال أن حاكم بلنسية قد أرسل في سنة ‪ 1238‬األديب الشهير ابن اآلبار القضاعي في سفارة إلى أبي زكريا الحفصي سلطان تونس‬ ‫نجد مث ل‬ ‫قصيدة مطلعها‪:‬‬ ‫انشده ابن اآلبار‬ ‫منه النجدة‪ ،‬حيث‬ ‫ل‬ ‫يطلب ُ‬ ‫ُ‬ ‫أدرك بـخـيلك خـيـل هللا أنـدلسا ***إن الـسـبيل إلــى مـنجاتها درسا‬

‫وهب لها من عزيز النصر ما التمست *** فـلم يـزل مـنك عز النصر ُملتمسا‬

‫الزركشي (محمد بن إب ارھيم)‪ ،‬تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية‪ ،‬تونس‪ ،‬المكتبة العتيقة‪ ،1966 ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪4‬‬

‫حول هجرات األندلسيين إلى تونس مثالل انظر‪:‬الطالبي (محمد)‪" ،‬الهجرة األندلسية إلى افريقية أيام الحفصيين"‪ ،‬مجلة األصالة‪ ،‬عدد ‪،26‬‬

‫‪ 1975‬ص ‪.57-30‬‬

‫‪5‬هو أبو البقاء صالح بن يزيد بن شريف الرندي األندلسي‪ ،‬عاش في القرن الثالث عشر ميالدي‪ ،‬شاعر وفقيه ومحدث‪ .‬الداية (محمد‬ ‫رضوان)‪ ،‬أبو البقاء الرندي شاعر رثاء األندلس‪ ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة سعد الدين‪.1986 ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫شاشية (حسام الدين)‪" ،‬غرب األندلس أو البرتغال ومدينة ميرتله في المصادر العربية"‪ ،‬مجلة جامعة الشارقة للعلوم اإلنسانية‬

‫واالجتماعية‪ ،‬المجلد ‪ ،11‬عدد ‪ ،)2014( 2‬ص‪.117‬‬ ‫‪7‬‬

‫تقع مدينة شنترين في وسط البرتغال على نهر تاجة‪ ،‬شمال العاصمة لشبونة التي تبعد عنها حوالي ‪ 83‬كلم‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫عاديا للمسيحيين األيبيريين‪ ،‬الذين هجروا‬ ‫عاما ُم ل‬ ‫نعتقد أن ُكل هذه األخبار واألشعار صنعت رلأيا ل‬ ‫األندلسيين من ديارهم وقضوا على الحضور اإلسالمي بشبه الجزيرة األيبيرية مع سقوط غرناطة سنة‬

‫‪ ،1492‬واصدار ملك البرتغال مانويل األول ق اررهُ القاضي بطرد المسلمين واليهود من مملكة البرتغال‬ ‫سنة ‪.11497‬‬ ‫ثانيا‪ :‬يمكن القول أن حالة الصدام غير المباشر –في معظم األحيان‪ -‬بين المغاربة واأليبيريين‬ ‫ا‬ ‫والقائمة على تعاطف المجموعة األولى مع األندلسيين‪ ،‬تحولت مع بداية الفترة الحديثة إلى مواجهة‬

‫‪2‬‬ ‫المدن المغاربية‬ ‫ُمباشرة‪ ،‬غذتها المطامع االستعمارية إلسبانيا‬ ‫أساسا و ُ‬ ‫البرتغال بدرجة ثانية في ُ‬ ‫ل‬ ‫اإلستراتجية‪ ،‬فقد سيطرت األولى على ُم ُدن المرسى الكبير من ُذ سنة ‪ 1505‬ووهران سنة ‪ 1509‬ثم‬

‫بجاية وطرابلس سنة ‪ 1510‬وتونس سنة ‪ ،1535‬في حين سيطرت الثانية على ُمدن سبتة ‪1415‬‬ ‫وأصيلة ‪ 1471‬وطنجة ‪ 1471‬وآسفي ‪ 1508‬وأزمور ‪ 1513‬والجديدة ‪.31514‬‬ ‫في هذا المستوى يمكن القول إن حملة الملك اإلسباني شارل الخامس سنة ‪ 41535‬التي شارك‬

‫فيها البرتغاليون‪ ،5‬وما رافقها من عمليات قتل ونهب وسلب كما تخبرنا المصادر المحلية واإلسبانية‪،6‬‬ ‫وحلفائهم من الجرمان واإليطاليين والبرتغاليين‪.‬‬ ‫قد ضاعفت حالة العداء تجاه "الغزاة" اإلسبان ُ‬

‫ثال اثا‪ :‬يمكن القول أن حالة المواجهة المفتوحة التي كانت قائمة بين اإلمبراطورية العثمانية ‪-‬التي‬

‫كانت تونس إحدى إياالتها‪ -‬واإلمبراطورية اإلسبانية في البحر األبيض المتوسط‪ ،‬واإلمبراطورية‬

‫‪1‬‬

‫‪Soyer (François), «Manuel I of Portugal and the End of the Toleration of Islam in Castile: Marriage‬‬ ‫‪Diplomacy, Propaganda, and Portuguese Imperialism in Renaissance Europe, 1495-1505», Journal of‬‬ ‫‪Early Modern History, Volume 18, Issue 4 (2014), pp. 331-356.‬‬ ‫‪ 2‬حول السياسة االستعمارية إلسبانيا ببالد المغرب انظر‪:‬‬ ‫‪Chérif (Daha), «Les colonies portuaires espagnoles au Maghreb du XVIe au XXe siècle », Insaniyat, N°.‬‬ ‫‪47-48 (2010), pp. 191-159 ; «Les colonies portuaires espagnoles au Maghreb du XVIe au XXe siècle‬‬ ‫‪2ème Partie», Insaniyat, N°.49 (2010), pp.73-98.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫للمدن المغربية انظر‪:‬‬ ‫لمزيد التفاصيل حول االحتالل البرتغالي ُ‬ ‫‪Ricard (Robert), «Les Portugais au Maroc», Bulletin de l'Association Guillaume Budé, vol.56 N.1(1937),‬‬ ‫‪pp.21-23 ; Disney (A.R), A History of Portugal and the Portuguese Empire From Beginnings to 1807,‬‬ ‫‪Cambridge, Cambridge UniversityPress, 2009, vol.2, pp.1-26.‬‬ ‫‪ 4‬لمزيد التفاصيل حول هذه الحملة انظر‪:‬‬ ‫‪Boubaker (Sadok), «L'empereur Charles Quint et le sultan hafside Mawlay al-Hasan (1525- 1550)», en‬‬ ‫‪Empreintes espagnoles dans l’histoire tunisienne, Sadok Boubaker et Clara Ilham ÁlvarezDopico (eds.),‬‬ ‫‪Gijón, EdicionesTrea, S. L., 2011, pp.13-90.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪Pignon (Jean), «La participation portugaise à l'expédition de Charles Quint contre la Goulette et Tunis»,‬‬ ‫‪Revue tunisienne, N°. 41, 1940, pp.308-317.‬‬ ‫‪ 6‬ابن أبي دينار (أبو عبد هللا)‪ ،‬المؤنس في أخبار إفريقية وتونس‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار المسيرة‪ ،1993 ،‬ص‪183‬؛كرفخال (مارمول)‪ ،‬إفريقيا‪،‬‬ ‫ترجمة عن الفرنسية محمد حجي‪ ،‬محمد زنيبر‪ ،‬محمد األخضر‪ ،‬أحمد التوفيق‪ ،‬أحمد بنجلون‪ ،‬الرباط‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،1984 ،‬ج‪ ،3‬ص‬ ‫‪.30-29‬‬ ‫‪Ha-Kohen (Joseph), El valle del llanto ('Emeq ha-Bakha), edición crítica y traducción de Pilar León‬‬ ‫‪Tello, Barcelona, Riopiedras, 1989, p.136 .‬‬ ‫تعريب شاشية (حسام الدين)‪ ،‬السفلارديم والموريسكيلون‪ :‬رحللة التهجيلر والتوطلين في بلالد المغللرب (‪ )1756-1492‬الروايلات‬

‫والمسلارات‪ ،‬أبو ظبي‪ -‬بيروت‪ ،‬دار السويدي للنشر والتوزيع‪ -‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،2015 ،‬ج‪ ،2‬ص‪.37‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪49‬‬


‫المحيط الهندي‪ ،‬هي التي منعت أي إمكانية لتأسيس عالقات‬ ‫البرتغالية في الخليج العربي‪-‬الفارسي و ُ‬ ‫دبلوماسية بين اإليالة التونسية ومملكتي إسبانيا والبرتغال في القرن السابع عشر وحتى أواخر القرن‬

‫الثامن عشر‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬كان للنشاط القرصني تأثير كبير على توتر العالقات في الفترة الحديثة بين الدول‬ ‫را‬ ‫المغاربية ومملكتي إسبانيا والبرتغال‪ ،‬فبالنسبة إلى تونس ولئن كانت الوثائق ُمتعددة حول أنشطة‬

‫السفن اإلسبانية‪ ،1‬فإن الوثائق حول هجماتهم على السواحل‬ ‫القراصنة التونسيين على الشواطئ و ُ‬ ‫أنه ومن خالل بعض األخبار التي وقفنا عليها في كتابات‬ ‫والمراكب البرتغالية قليلة‪ ،‬بيد ُ‬ ‫فرنثيسكوخيميناث أحد رجال الدين اإلسبان‪ ،‬يمكن التأكيد على أن عمليات القراصنة التونسيين كانت‬

‫تصل حتى مضيق جبل طارق وربما حتى السواحل البرتغالية‪ ،‬فهو ُيخبرنا بتاريخ ‪ 26‬مارس ‪1724‬‬

‫تغاليا وقع أسرهم في مضيق جبل‬ ‫لا‬ ‫عن وصول سفينة قرصانية تونسية ُمحملة بأحد عشر‬ ‫أسير بر ل‬ ‫طارق‪ ،2‬كما يخبرنا في نفس الشهرعن وفاة أسير ُبرتغالي‪ 3‬بمستشفى الترينيتاريين بمدينة تونس‪.‬‬ ‫هاما في توتر العالقات بين اإليالة التونسية ومملكتي إسبانيا‬ ‫لئن لعب النشاط القرصني لا‬ ‫دور ل‬ ‫له دور هام في دفع األخيرتين إلى ُمحاولة توقيع ُمعاهدات سلم مع‬ ‫أنه قد كان ُ‬ ‫والبرتغال‪ ،‬فنحن نعتقد ُ‬ ‫تونس‪ ،‬على غرار بقية الدول األوربية األخرى‪ ،‬وذلك لضمان سالمة سفنها وشواطئها من هجمات‬

‫القراصنة التونسيين‪ ،‬بل يمكن اعتبار مهمات افتداء األسرى‪ 4‬التي كان يقوم بها اإلسبان في تونس‬ ‫خالل النصف األول من القرن الثامن عشر‪ ،‬من الخطوات األولى في تطبيع العالقات بين "بربريا" أو‬ ‫البلدان المغاربية وشبه الجزيرة اإليبيرية‪.‬‬

‫من جهة أخرى ال يمكن ربط ُّ‬ ‫تأخر التأسيس للعالقات الدبلوماسية بين تونس والبرتغال فقط بتوتر‬

‫ضعف الروابط التجارية هو‬ ‫العالقات بين البلدين في الفترة الوسيطة وبداية الفترة الحديثة‪ ،‬بل ن ُ‬ ‫ظن أن ُ‬ ‫عموما في الفترة الحديثة دورها‬ ‫الذي أدى إلى هذا التأخر‪ ،‬فمن جهة فقدت تونس والدول المغاربية‬ ‫ل‬ ‫كوسيط بين مناطق الشرق األقصى وافريقيا والدول األوربية؛ ومن جهة ثانية أعطت البرتغال بظهرها‬

‫‪ 1‬حول األسرى اإلسبان والبرتغاليين في تونس انظر‪:‬‬ ‫‪Chachia (HoussemEddine), «Una nota sobre los cautivos ibéricos en Túnez (1724-1725), a través El‬‬ ‫‪diario del Fray Francisco Ximénez», Revue d'Histoire Maghrébine, N°:154-155 (2014), pp.49‬‬‫‪62Buccianti (Cinzia), «A propósito de las redenciones de la Orden de la Merced en Argel y Túnez‬‬ ‫‪durante los años 1723-1725», Investigaciones históricas: Época moderna y contemporánea, Nº 17, 1997,‬‬ ‫‪pp. 61-78.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪Francisco Ximénez, Discurso de Túnez, Real Academia de la Historia, ms.9/6013, f°37r, Domingo, 26‬‬ ‫‪de Marzo, 1724.‬‬ ‫‪Francisco Ximénez, Discurso de Túnez, op cit., ms.9/6013, f°32r , Lunes, 13 de Marzo, 1724.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ 4‬انظر مثالل مهمة افتداء األسرى التي قام بها أعضاء "طريقة الرحمة" ‪Orden de la Merced‬في تونس سنة ‪ 1725‬في‪:‬‬ ‫شاشية (حسام الدين)‪" ،‬تونس والجزائر في عيون اإلسبان خالل النصف األول من القرن الثامن عشر‪ :‬مثال الراهبين فرنثيس كوخيميناث‬ ‫ومالغور غارثيا نفاراو"‪ ،‬ضمن أعمال ملتقى هجرة اآلثار في المتوسط‪ ،‬المهدية‪ ،‬المعهد العالي للدراسات التطبيقية في اإلنسانيات‬

‫بالمهدية‪ -‬المندوبية الجهوية للثقافة‪ ،2016 ،‬ص ‪.152-145‬‬

‫‪50‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫إلى البحر األبيض المتوسط‪ ،‬وتوجهت ُمباشرلة نحو أسواق التوابل والذهب في الشرق األقصى‪ ،‬كما‬ ‫ركزت تجارتها في المحيط األطلسي مع ُمستعمراتها في "العالم الجديد" أو القارتين األمريكيتين‪.‬‬

‫لئن كانت ُكل هذه األسباب يُمكن أن تُفسر ُّ‬ ‫وما إلى‬ ‫تأخر إرساء العالقات التونسية‪-‬اإليبيرية عم ل‬ ‫مطروحا حول ظرفية إمضاء تونس والبرتغال ألول‬ ‫أواخر القرن الثامن عشر‪ ،‬فإن التساؤل يبقى‬ ‫ل‬ ‫معاهدة سالم بينهما في ‪ 29‬جوان ‪.1799‬‬

‫من خالل ما جاء في الفصل األول من هذه المعاهدة من حديث عن الحرب بين فرنسا‬

‫والبرتغال‪ ،‬وذكر الجانب االنجليزي في الفصل الرابع‪ ،‬حيث تمت اإلحالة إلى معاهدة السالم التونسية‪-‬‬

‫االنجليزية‪ ،‬الموقعة سنة ‪ 11751‬كمثال للتعامل مع األسرى الهاربين في السفن البرتغالية‪ ،‬يظهر أن‬

‫إقتداء بالحليف اإلنجليزي أو بالجار‬ ‫المعاهدة هو الجانب البرتغالي‪ ،‬ال فقط‬ ‫المبادر بطلب توقيع ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫‪2‬‬ ‫أساسا بسبب الحرب بين الحلف‬ ‫اإلسباني الذي وقع معاهدة سالم مع تونس ُمن ُذ سنة ‪ ،1791‬بل‬ ‫ل‬

‫اإلنجليزي‪-‬البرتغالي والحلف الفرنسي‪ -‬اإلسباني‪.‬‬

‫حول هذه الحرب يمكن القول أن العداء قد تصاعد بين فرنسا والبرتغال بعد قيام الثورة الفرنسية‬

‫وخصوصا بعد إعدام الملك الفرنسي لويس السادس عشر سنة ‪ ،1793‬فقد اعتبر الحكام البرتغاليون‬ ‫ل‬ ‫هددة لحكمهم والستقرار دولتهم‪ ،‬لذلك دخل‬ ‫هذه الثورة وما‬ ‫تحمله من أفكار ُمعادية للنظام الملكي ُم ل‬ ‫ُ‬

‫المعادي لفرنسا‪ ،‬حيث شارك البرتغاليون في حرب‬ ‫البرتغاليون في الحلف الملكي اإلسباني‪-‬االنجليزي ُ‬ ‫كتالونيا إلى جانب إسبانيا بمجموعة من الفرق المدفعية‪ ،3‬كما ساهموا في المعارك البحرية التي‬ ‫خاضها األسطول االنجليزي في قنال المانش‪ ،‬وفي المحيط الهندي والبحر األبيض المتوسط‪ .‬تدعم‬

‫جددا مع الفرنسيين على إثر‬ ‫الحلف البرتغالي‪-‬األنجليزي بداي لة من سنة ‪ ،1796‬بعد تحالف اإلسبان ُم ل‬ ‫توقيع معاهدة سان ألدافونسو ‪ ،San Ildefonso‬فقام البرتغاليون بتقديم دعم عسكري لعمليات اإلنجليز‬ ‫ضد الفرنسيين واالسبان في البحر األبيض المتوسط‪ ،‬من خالل ُمشاركة بعض القطع البحرية البرتغالية‬ ‫في هذه العمليات‪ ،‬أو جعل بعض الموانئ البرتغالية قواعد تزود وانطالق للسفن االنجليزية‪.4‬‬

‫‪ 1‬تم التوقيع على هذه اإلتفاقية بقصر باردو في فترة حكم علي باشا‪ ،‬بتاريخ ‪ 19‬أكتوبر ‪ .1751‬انظر النص الكامل لهذه اإلتفاقية‬ ‫في‪Rousseau (Alphonse), Annales tunisiennes op cit., pp.434-436.:‬‬ ‫‪ 2‬انظر نصهذه االتفاقية في‪Manque:‬‬ ‫‪Julián Pereira (Pedro), Colección de los tratados de Paz, alianza, comercio &. ajustados por la corona de‬‬ ‫‪España con las potencias extrangeras desde el Reynado del Señor D. Felipe Quinto hasta el presente,‬‬ ‫‪Madrid, Imprenta Real, 1796-1801, pp.375-386.‬‬ ‫لمزيد التفاصيل حول معاهدة السالم هذه‪ ،‬وقنصلية إسبانيا بتونس انظر‪:‬‬ ‫‪Jerfel (Kamel), «Les Soler de Minorque, Agents de la normalisation des relations entre l'Espagne et Tunis‬‬ ‫‪(1786-1828)», en Sadok Boubaker et Clara Ilham ÁlvarezDopico (eds.) Empreintes espagnoles dans‬‬ ‫‪l’histoire tunisienne, Gijón, EdicionesTrea, S. L., 2011, pp.184-234.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Humberto Nuno Lopes Mendes de Oliveira, "A Participação Portuguesa na Campanha do Rossilhão‬‬ ‫‪ N°.2, 1992, pp.101-128.‬ة‪(1793-1795)", Lusiada‬‬ ‫‪4‬‬

‫لمزيد التفاصيل حول الحرب البرتغالية‪-‬الفرنسية نهاية القرن الثامن عشر والصراع البحري بين الحلفين األنجليزي‪-‬البرتغالي والفرنسي‪-‬‬

‫اإلسباني في البحر األبيض المتوسط انظر‪:‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪51‬‬


‫في ظل هذه الظرفية حاول الحلف البرتغالي‪-‬اإلنجليزي تدعيم قو ِ‬ ‫اته في البحر األبيض المتوسط‬ ‫ُ‬

‫السفن القرصانية لهذه الدول على‬ ‫بتوقيع ُمعاهدات تحالف مع البلدان المغاربية‪ ،‬وربما حتى تحريض ُ‬ ‫ُمهاجمة السفن الفرنسية‪ ،‬من هنا جاء تجديد البرتغال التفاقية السالم الموقعة مع المغرب في ‪ 22‬جوان‬

‫‪ ،11798‬وتوقيع اتفاقيات سالم جديدة مع طرابلس في ‪ 14‬ماي ‪ ،21799‬وتونس في ‪ 29‬جوان من‬ ‫نفس السنة‪ ،‬والجزائر في ‪ 06‬جويلية ‪.31810‬‬

‫على الرغم من تبنينا لنظرية أن الجانب البرتغالي ُهو الذي بادر بطلب إمضاء أول اتفاقية سالم‬ ‫أيضا في إيجاد هذه االتفاقية التي‬ ‫مع تونس فإن ذلك ال يعني أن الطرف التونسي لم ُ‬ ‫يكن يرغب ل‬ ‫ضمنت لإليالة التونسية السالم مع قوة أوربية هامة‪ ،‬أي اإلمبراطورية البرتغالية التي حافظت على‬

‫أهميتها‪ ،‬على الرغم من تراجع حجمها العسكري واالقتصادي في نهاية القرن الثامن عشر عما كان‬ ‫عليه في القرنين السادس عشر والسابع عشر‪.‬‬

‫في هذا اإلطار يمكن القول أن توقيع تونس التفاقيات سالم مع البرتغال يتنزل في إطار السياسة‬

‫المتبعة من قبل حمودة باشا‪ ،‬والتي تقوم كما ُيبين رشاد اإلمام من جهة على سياسة‬ ‫الخارجية العامة ُ‬ ‫القوة أو المواجهة‪ :‬من خالل تشجيع النشاط القرصني‪ ،4‬وخوض تونس لحروب مع البندقية والواليات‬ ‫المتحدة األمريكية والجارتين الجزائر وطرابلس الغرب‪5‬؛ ومن جهة ثانية على سياسة "تنمية الصداقات"‬

‫المعاهدات"‪ :‬من خالل إمضاء معاهدات سالم مع حوالي ‪ 11‬دولة‬ ‫أو ما يمكن‬ ‫ُ‬ ‫تسميته بـ "دبلوماسية ُ‬ ‫هي فرنسا (‪ )1802 ،1800 ،1795 ،1782 ،1781‬والنمسا (‪ )1784 ،1781‬واسبانيا (‪)1791‬‬

‫المتحدة األمريكية (‪ )1797‬وصقلية (‪،1812 ،1799‬‬ ‫والبندقية (‪ )1792‬وكرسيكا (‪ )1795‬والواليات ُ‬ ‫‪ )1812‬ونابولي (‪ )1814 ،1800‬وسردنيا (‪ ،)1799‬والدنمارك (‪ )1801‬وبريطانيا (‪.6)1812‬‬ ‫من جهة أخرى وحول الشخصيات الفاعلة في توقيع معاهدات السالم بين تونس والبرتغال‪ ،‬يمكن‬

‫دور‬ ‫أنه قد لعب لا‬ ‫لمعاهدة سنة ‪ 1799‬قنصل بريطانيا في تونس ماجر‪ ،‬الذي يبدو ُ‬ ‫أن نذكر بالنسبة ُ‬ ‫المعاهدة‪ ،‬التي جاءت بعض بنودها ُمطابقة تقر ليبا التفاقية السالم الموقعة‬ ‫هاما في صياغة بنود هذه ُ‬ ‫ل‬ ‫‪De Daniel (Lacerda), Napoléon au Portugal : le triomphe de l'armée luso-britannique annonce la fin de‬‬ ‫‪l'Empire : 1801-1814, Paris, ÉditionsLanore, 2015, pp.10-29.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪Ferreira Borges de Castro (José), Collecção dos tratados, op cit., vol.4, pp. 50-51.‬‬ ‫تعود أول اتفاقية سالم بين البرتغال والمغرب إلى ‪ 11‬جانفي ‪ ،1774‬حول هذه االتفاقية انظر‪:‬‬ ‫‪Brandão (Fernando de Castro), «Subsídios para a História Diplomática Portuguesa: o Tratado Luso‬‬‫‪Marroquino de 1774», Studia, Nº.32(Junho 1971), pp. 303-370‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪Ferreira Borges de Castro (José), Collecção dos tratados, op cit., vol.4, pp. 98-108.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Ferreira Borges de Castro (José), Collecção dos tratados, op cit., vol.4, pp. 437-438.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫المبين لتطور سفن القرصنة التونسية بين ‪ 1765‬و‪ 1803‬في‪Manque:‬‬ ‫لبيان هذا النشاط انظر الجدول ُ‬ ‫‪Chérif (MouhamedHedi), « H’ammuda Pacha Bey (c.1759-1814) et l’affermissement de l’autonomie‬‬ ‫‪tunisienne », Les Africains, Paris, Jeune Afrique, T.VII, p.12‬‬ ‫‪ 5‬اإلمام (رشاد)‪ ،‬سياسة حمودة باشا في تونس (‪ ،)1782-1814‬تونس‪ ،‬منشورات الجامعة التونسية‪ ،1980 ،‬ص ‪.405-349‬‬ ‫‪6‬‬ ‫المعاهدات في‪:‬‬ ‫انظر نصوص بعض هذه ُ‬ ‫‪Jerad (Mehdi) (ed.), Cahiers des archives : Traités et accords diplomatiques conclus entre la Tunisie et‬‬ ‫‪les puissances occidentales au XIX siècle, Tunis, Archives nationales de Tunisie, 2012, pp.55-57.‬‬

‫‪52‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫المقيمين في‬ ‫بين تونس وبريطانيا سنة ‪ .1751‬كذلك ُيقول رشاد اإلمام أن أحد الدبلوماسيين الفرنسيين ُ‬ ‫دور هاما في توقيع هذه االتفاقية‪ ،‬فبالنظر إلى قر ِ‬ ‫به من حمودة‬ ‫تونس والمسمى فامان ‪ Famin‬قد لعب لا ل‬

‫عينه "المفاوض الرسمي" خالل المفاوضات بين البلدين لتوقيع االتفاقية‪ ،‬والتي دامت‬ ‫أنه قد‬ ‫ُ‬ ‫باشا‪ ،‬يبدو ُ‬ ‫من سنة ‪ 1793‬إلى سنة ‪.11799‬‬

‫أما في الجانب البرتغالي فنجد أن الموقع على اتفاقية سنة ‪ 1799‬هو رودريغو بينتو قويدس‬

‫‪ Rodrigo Pinto Guedes2‬القائد األعلى للبحرية البرتغالية في البحر األبيض المتوسط‪ ،‬الذي كان‬ ‫بالتحالف مع األسطول االنجليزي يقوم بمهمات عسكرية ُمعادية للفرنسيين في البحر األبيض المتوسط‪.‬‬ ‫وهو ما يؤكد ما توصلنا إليه سابلقا من أن السبب الرئيسي لتوقيع اتفاقية السالم هذه هو الحرب بين‬

‫بناءا على رسالة‬ ‫الحلف االنجليزي‪-‬البرتغالي والحلف الفرنسي‪-‬اإلسباني‪ ،‬بل يذهب األستاذ رشاد اإلمام ل‬ ‫من القنصل االنجليزي إلى حكومته إلى وجود عرض من اإلنجليز والبرتغاليين لحمودة باشا سنة‬ ‫‪ 1793‬للدخول في حلفهم ضد فرنسا‪ ،‬إال أن هذا العرض قد ُقوبل بالرفض‪.3‬‬

‫أهمية الدور االنجليزي في توقيع معاهدات السالم بين تونس والبرتغال يتأكد من خالل ُمعاهدتي‬

‫المكلف بتوقيع االتفاقية األولى من قبل البرتغاليين هو وليام‬ ‫سنة ‪ 1813‬و‪ ،1816‬حيث نجد أن ُ‬ ‫أكوارت ‪ William à Court‬الذي كان يشغل في تلك الفترة خطة سفير فوق العادة لبريطانيا في دول‬ ‫شمال أفريقيا‪ ،4‬أما االتفاقية الثانية فقد وقعها نيابة عن الجانب البرتغالي القنصل العام النجلت ار في‬ ‫تونس ريتشارد أوغلندر‪.Richard Oglander‬‬

‫فيما يتعلق بشكل هذه المعاهدات‪ُ ،‬نالحظ أن األطول أو األشمل هي اتفاقية سنة ‪،1799‬‬ ‫المؤسسة للعالقات الدبلوماسية بين البلدين‪ ،‬حيث ضمت باإلضافة إلى الديباجة والخاتمة‬ ‫بإعتبارها ُ‬

‫تضم اتفاقية سنة ‪ 1816‬أي‬ ‫تسعة فصول‪ ،‬في حين ضمت اتفاقية سنة ‪ 1813‬أربعة فصول فقط‪ ،‬ولم ُ‬ ‫فصل‪ ،‬بل جاءت كتجديد التفاقية سنة ‪.1813‬‬ ‫‪5‬‬ ‫المعاهدات‪ ،‬فإننا‬ ‫وان كنا قد نشرنا في هذه الدراسة النُسخ العربية‪ ،‬البرتغالية واإليطالية من هذه ُ‬ ‫لم نقف إال على ُنسخة أصلية واحدة‪ ،‬هي ُمعاهدة سنة ‪ 1799‬والتي كانت باللغة اإليطالية‪ ،‬وهو ما‬

‫يدفعنا للتساؤل حول إمكانية وجود ُنسخ عربية وبرتغالية أصلية؟ ثم لماذا تم اختيار اللغة اإليطالية؟‬

‫لئن كان األستاذ مهدي جراد ُيفسر استعمال اللغة اإليطالية في صياغة هذه المعاهدة‪ ،‬بأنها اللُغة‬ ‫الرسمية للدبلوماسية التونسية في عهد حمودة باشا في عالقاتها الخارجية‪ ،6‬فإننا نعتقد أن هذا األمر ال‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫اإلمام (رشاد)‪ ،‬سياسة حمودة باشا في تونس (‪ ،)1782-1814‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 137‬وص‪.411‬‬

‫ترجمته في ُملحق الوثائق‪.‬‬ ‫انظر‬ ‫ُ‬ ‫اإلمام (رشاد)‪ ،‬سياسة حمودة باشا في تونس (‪ ،)1782-1814‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.388‬‬

‫ترجمته في في ُملحق الوثائق‪.‬‬ ‫انظر‬ ‫ُ‬ ‫وقفنا فقط على النسخة البرتغالية من معاهدة سنة ‪ ،1799‬وهي نسخة غير أصلية‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪Jerad (Mehdi), «Traité entre la Tunisie et le Portugal 1821», op cit., p.17, ref :33.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪53‬‬


‫المعاهدات‪ ،‬فقد جرت العادة باستعمال لغة البلدين‪ ،‬على غرار‬ ‫المستعملة في صياغة ُ‬ ‫ينطبق على اللُغة ُ‬ ‫االتفاقيات الموقعة مع فرنسا‪ 1‬وبريطانيا‪ ،2‬بل إننا نجد استعمال اللغة االنجليزية‪ ،‬ال اإليطالية في‬ ‫االتفاقيات الموقعة مع بعض الدول اإليطالية‪ ،‬كسردينيا ‪ 3‬وتوسكان‪.4‬‬

‫هنا ُيمكن القول إن استعمال اللغة اإليطالية قد كان باتفاق الطرفين‪ ،‬حيث يمكن أن نذهب إلى‬ ‫عدم وجود ُمترجمين في بالط الباي ُيحذقون اللغة البرتغالية والعربية‪ ،‬مقابل وجود من يحسنون العربية‬ ‫واإليطالية‪ ،‬كما أن االيطالية قريبة جدا من اللغة البرتغالية ومفهومة من عموم البرتغاليين‪.‬‬

‫ال‪ :‬األنشطة التجارية‬ ‫من‬ ‫حيث المحتوى يظهر أن الموضوع الرئيسي لهذه االتفاقيات هو أو ل‬ ‫ُ‬ ‫البحرية بين البلدين‪ ،‬فقد تم التأكيد في الفصل الثالث من معاهدة سنة ‪ 1799‬على السماح للسفن‬ ‫البرتغالية بالرسو والتزود في جميع الموانئ التونسية دون دفع معاليم إضافية على المواد التي يتم‬

‫المحافظة على سالمتها وسالمة ركابها وهي راسية في الموانئ التونسية‪ ،‬أو عند تعرضها‬ ‫اقتناؤها‪ ،‬و ُ‬ ‫لحادث‪ ،5‬في المقابل ُمنعت السفن التونسية –سواء كانت قرصانية أو تجارية‪ -‬في الفصل الثالث من‬ ‫أنه لم يكن للتجار التونسيين الحق في الوصول إلى الموانئ‬ ‫عبور مضيق جبل طارق‪ ،‬بمعنى ُ‬ ‫البرتغالية األطلسية‪.‬‬ ‫هذا المنع وقع إلغاؤهُ في معاهدة سنة ‪ ،1813‬فقد نص الفصل الثاني على مبدأ المعاملة بالمثل‪،‬‬ ‫أي حرية السفن البرتغالية في الرسو والتزود في كل الموانئ التونسية‪ ،‬مقابل حرية الرسو والتزود للسفن‬

‫التونسية في كل الموانئ البرتغالية‪.‬‬

‫السفن التونسية والبرتغالية في‬ ‫في نفس اإلطار تم تنظيم المواجهات التي يمكن أن تقع بين ُ‬ ‫ِ‬ ‫دولته طبق أحكام البالد"‪ .‬يتأكد‬ ‫البحر‪ ،‬فقد تم االتفاق على أن "‪...‬من كان السبب‪ ...‬يُقاصص من‬ ‫العمل بهذا الفصل من خالل ما ورد في الفصل الرابع من اتفاقية سنة ‪ ،1813‬حيث نجد التزام دولة‬ ‫البرتغال بالتعويض للدولة التونسية عن أخذ أحدى السفن البرتغالية لسفينة تونسية سنة ‪ 1799‬كانت‬

‫قادمة من أزمير إلى تونس‪.‬‬

‫تناولته اتفاقيات السالم فهو أنشطة القراصنة التونسيين‪ ،‬فقد تم‬ ‫أما الموضوع الثاني الذي‬ ‫ُ‬ ‫تخصيص الفصل الثاني والرابع والثامن لهذا الموضوع في معاهدة سنة ‪ ،1799‬أين تم التأكيد على أن‬

‫ق‬ ‫المحيط األطلسي‪ ،‬وأن عبورها‬ ‫السفن القرصانية التونسية ال ُ‬ ‫يحق لها عبُور مضيق جبل طار إلى ُ‬ ‫أيضا تم التأكيد في الفصل الثامن على وجوب حمل‬ ‫يجعلها ُمعرضة لهجوم األسطول البرتغالي‪ .‬ل‬

‫القراصنة التونسيين الناشطين في البحر األبيض المتوسط "لباسبورت" أو ترخيص من القنصل أو‬

‫‪1‬‬

‫‪Jerad (Mehdi), «Traité avec la France le 30 janvier 1824», Cahiers des archives, op cit., pp.70-76.‬‬ ‫‪Jerad (Mehdi), «Traité avec l’Angleterre le 17 avril 1816», Cahiers des archives, op cit., pp.19-28.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Jerad (Mehdi), «Traité avec la Sardigne le 17 avril 1816», Cahiers des archives, op cit., pp.29-37.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪Jerad (Mehdi), «Traité avec Naples le 17 avril 1816», Cahiers des archives, op cit., pp.38-51.‬‬ ‫الفصل الخامس‪ُ ،‬معاهدة ‪ 29‬جويلية ‪.1799‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬

‫‪54‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫أنه إن هرب أسير إلى‬ ‫المكلف بالشؤون البرتغالية في تونس‪ .‬أما في الفصل الرابع فقد تم االتفاق على ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫فإنه "يفوز بحريته"‪.‬‬ ‫إحدى السفن البرتغالية ُ‬ ‫تحديدا اتفاقية سنة‬ ‫من هنا يظهر وعكس ما ذهب إليه األستاذ رشاد اإلمام أن هذه االتفاقيات ‪ -‬ل‬ ‫‪ -1799‬فيما ُ‬ ‫يخص النشاط القرصني لم تكن لصالح اإليالة التونسية‪ ،‬فهذا النشاط لم يتسع مجالهُ‬

‫المحيط األطلسي‪ ،1‬بل العكس هو الصحيح‪ ،‬حيث حددت االتفاقية هذا النشاط بمضيق جبل‬ ‫ليشمل ُ‬ ‫طارق‪ ،‬كما تم التأكيد على وجوب حمل القراصنة التونسيين لتراخيص برتغالية‪ ،‬ال بل شرعت وأوجدت‬ ‫غطاء قانونيا لمحاوالت هروب األسرى‪ ،‬هذا مع إخراج هذه المعاهدات على اعتبار أنها اتفاقيات سالم‬

‫المستهدفة من قبل القراصنة التونسيين‪،‬‬ ‫تهدف "إلبطال كل مغايرة" السفن البرتغالية من دائرة السفن ُ‬ ‫وبالتالي التقليص من موارد هؤالء‪.‬‬ ‫كذلك حظي موضوع التعامل مع الرعايا البرتغاليين في تونس بإهتمام اتفاقيتي سنتي ‪1799‬‬

‫و‪ ،1813‬حيث نجد إشارة لهذا الموضوع في االتفاقية األولى من خالل الفصل السابع الذي أكد على‬ ‫أن النظر في شؤون ملك البرتغال ورعاياهُ بالبالد التونسية واصدار األحكام في القضايا التي يكون فيها‬ ‫هؤالء طرلفا يكون من قبل الباي وحدهُ‪ .‬نفس هذا األمر وقع التأكيد عليه في اتفاقية سنة ‪ 1813‬من‬

‫وممثلهم أمام الباي‪.‬‬ ‫خالل الفصل الثالث‪ ،‬مع إضافة أن القنصل االنجليزي هو النائب عن البرتغاليين ُ‬

‫نسبيا لصالح الجانب البرتغالي‪ ،‬الذي حقق من‬ ‫إذن مما تقدم يظهر أن هذه المعاهدات قد كانت ل‬ ‫أساسا ضمان عدم تعرض القراصنة التونسيين لسفنه‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫خاللها العديد من المكاسب‪ ،‬أي ل‬

‫المقيمة في تونس؛ في المقابل‬ ‫تحقيق عدد من االمتيازات التجارية وضمان سالمة الجالية البرتغالية ُ‬ ‫فإن الجانب التونسي لم يضمن إال عدم تعرض األسطول البرتغالي لسفنه التجارية والقرصانية في‬

‫المتوسط‪ ،‬والمعاملة بالمثل فيما يتعلق بالمسائل التجارية‪.‬‬

‫كذلك أنهت هذه االتفاقيات حالة الصراع بين تونس والبرتغال‪ ،‬وأعلنت عن تغير جوهري في‬

‫سياسة تونس تُجاه مملكتي شبه الجزيرة اإليبيرية‪ ،‬من عداء موروث عن الفترة الوسيطة وصدام بين‬ ‫القراصنة التونسيين واألسطولين اإلسباني والبرتغالي في القرنين السابع عشر والثامن عشر‪ ،‬إلى حالة‬ ‫سالم وتبادل للبعثات الدبلوماسية‪ ،‬بإنشاء القنصلية البرتغالية في تونس سنة ‪ ،1833‬وتبادل السفارات‬

‫والنياشين‪ ،‬كما يظهر من خالل البعثة التونسية إلى البرتغال سنة ‪.1869‬‬ ‫بعثة ُأيوب أمير أُمراء عساكر التريس إلى البرتغال سنة ‪1869‬‬

‫شهد القرن التاسع عشر حركة دبلوماسية نشيطة بين البالد التونسية وعديد البلدان األوربية‪،‬‬

‫فباإلضافة إلى تواصل إمضاء معاهدات سالم جديدة مع القوى األوربية أو تجديد بعض المعاهدات‬

‫‪2‬‬ ‫تركز عدد من البعثات األوربية باإليالة التونسية‪ ،‬كالقنصلية‬ ‫أيضا ُ‬ ‫األخرى ‪ ،‬فقد عرف هذا القرن ل‬

‫‪1‬اإلمام (رشاد)‪ ،‬سياسة حمودة باشا في تونس (‪ ،)1782-1814‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.137‬‬ ‫‪2‬انظر بعض هذه المعاهدات في‪:‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪55‬‬


‫البرتغالية والقنصلية اإلسبانية‪ .1‬كذلك عرف هذا القرن أول زيارة خارجية يقوم بها باي تونسي إلى‬

‫أوربا‪ ،‬أي زيارة أحمد باي إلى فرنسا سنة ‪ ،21846‬باإلضافة إلى إرسال العديد من السفارات التونسية‬

‫إلى الخارج‪ ،‬على غرار سفارة خير الدين باشا إلى الدنمارك‪ 3‬والسويد‪ 4‬والنمسا وغيرها من البلدان‪،‬‬

‫سنحاول الوقوف‬ ‫وبعثة أيوب أمير أُمراء عساكر التريس إلى البرتغال سنة ‪ ،1869‬وهي البعثة التي‬ ‫ُ‬ ‫على بعض جوانبها‪ ،‬في إطار دراستنا لتطور العالقات التونسية‪-‬البرتغالية خالل النصف الثاني من‬

‫القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫يضم ملف البعثة التونسية إلى البرتغال سنة ‪ 1869‬ستة رسائل ُمدونة بالبرتغالية والفرنسية‪ ،‬مع‬ ‫ُ‬ ‫ترجمتها جز لئيا أو ُك لليا إلى اللغة العربية‪ .‬اخترنا في ترتيب هذه الرسائل في قسم ُملحق الوثائق المعيار‬

‫الزمني‪ ،‬حيث تعود أقدم الرسائل إلى ‪ 24‬جويلية ‪ ،1869‬في حين أن تحمل تاريخ ‪ 05‬أوت ‪،1869‬‬ ‫بمعنى أن هذه الست رسائل قد أُرسلت في أقل من عشرة أيام‪.‬‬

‫نجد من مجموع الست رسائل هذه‪ ،‬أن رسالتان ُوجهتا من الملك البرتغالي لويس األول (‪-1861‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ )1889‬إلى باي تونس محمد الصادق باي (‪ ،)1859-1882‬في حين ُوجهت بقيت الرسائل إلى‬

‫له رسالتين من رئيس الوزراء البرتغالي ورسالة من‬ ‫الوزير األكبر ُمصطفى خزندار‪ ،‬بمعنى وجهت ُ‬ ‫الكنت أميليو أكيلي منقيردي ُمستشار و ازرة الخارجية البرتغالية‪ ،‬وأخرى من نائب الباي بلشبونة ازكي‬ ‫كرطوزو‪.‬‬

‫جدول رسائل من بعثة أيوب أمير أُمراء عساكر التريس إلى البرتغال سنة ‪1869‬‬ ‫المرسل‬ ‫ُ‬

‫رسالة رقم‪1:‬‬

‫المركيزسادابنديرة‬ ‫‪Sà da Bandeira‬‬ ‫(رئيس مجلس الوزراء ووزير‬

‫المرسل إليه‬

‫الوزير األكبر ُمصطفى خزندار‬

‫التاريخ‬

‫‪ 24‬جويلية ‪1869‬‬

‫الخارجية البرتغالي)‬ ‫رسالة رقم‪2:‬‬

‫ملك البرتغال لويس األول‬

‫باي تونس ُمحمد الصادق باشا‬ ‫باي‬

‫‪ 24‬جويلية ‪1869‬‬

‫رسالة رقم‪3:‬‬

‫ملك البرتغال لويس األول‬

‫باي تونس ُمحمد الصادق باشا‬ ‫باي‬

‫‪ 24‬جويلية ‪1869‬‬

‫‪Jerad (Mehdi) (ed.), Cahiers des archives : Traités et accords diplomatiques… ; op cit. ; Rousseau‬‬ ‫‪(Alphonse), Annales tunisiennes op cit., pp.430-557.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪Jerfel (Kamel), «Les Soler de Minorque…», op cit., pp.184-234.‬‬ ‫‪ 2‬انظر تفاصيل هذه الرحلة في‪ :‬الضياف (أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬تونس‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪،‬‬ ‫‪ ،1999‬ج‪ ،4.‬ص ‪.112-92‬‬

‫‪A.N.T./H/0257/0747.‬‬ ‫‪ANT/H/0858/0767.‬‬

‫‪56‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬


‫رسالة رقم‪4:‬‬ ‫رسالة رقم‪5:‬‬

‫الكنت أميليو أكيلي منقيردي‬ ‫(مستشار و ازرة الخارجية)‬ ‫ُ‬ ‫المركيز سادا بنديرة‬

‫الوزير األكبر ُمصطفى خزندار‬

‫‪ 29‬جويلية ‪1869‬‬

‫الوزير األكبر ُمصطفى خزندار‬

‫‪ 30‬جويلية ‪1869‬‬

‫السنيور زاكي كرطوزو‬ ‫رسالة رقم‪6:‬‬

‫المعظم‬ ‫(نائب وقنصل جنرال دولة ُ‬ ‫األرفع موال الملك بلزبوة)‬

‫الوزير األكبر ُمصطفى خزندار‬

‫‪ 05‬أوت ‪1869‬‬

‫بالنسبة إلى مسار هذه البعثة وظروف قدومها إلى البرتغال‪ ،‬والمرافقين ألمير أمراء عساكر‬

‫التريس أيوب‪ ،‬فإن الوثائق التي بحوزتنا ال تخبرنا عن مسار القدوم‪ ،‬على أننا ومن خالل ما ورد في‬ ‫الرسائل يمكن أن نقف على أن من بين المرافقين لألمير أيوب في هذه البعثة مسيو أنتوان كونتي‪ ،‬وأن‬

‫رحلته إلى البرتغال‪ ،‬التي وصلها في ‪ 16‬جويلية‬ ‫الوفد التونسي ربما قد توجه إلى باريس‪ ،1‬ثم أكمل‬ ‫ُ‬ ‫سنة ‪ ،1869‬ثم قابل الوفد الملك لويس األول بقصر بيلم ‪ Palácio Nacional de Belém‬بلشبونة في‬

‫يخص مسار العودة فيمكننا أن نقف من خالل الرسالة السادسة‬ ‫‪ 22‬جويلية من نفس الشهر؛ أما فيما ُ‬ ‫قاصدا‬ ‫على أن الوفد التونسي قد غادر العاصمة لشبونة حوالي ‪ 30‬جويلية في "كروصة ملُوكية"‪،‬‬ ‫ل‬ ‫العاصمة اإلسبانية مدريد التي خرج منها في ‪ 05‬أوت باتجاه مدينة مرسيليا الفرنسية‪ ،2‬والتي كان منها‬

‫على األرجح ركوب البحر في طريق العودة إلى تونس‪.‬‬

‫البرتغال‪ ،‬فيمكن أن نقف من خالل محتوى الرسائل‬ ‫فيما يتعلق بمهمة هذه البعثة التونسية إلى ُ‬

‫أن ُمهمتها األساسية هي تقديم مجموعة من األوسمة إلى الملك البرتغالي وبعض من أفراد وزرائه‬ ‫وحاشيته‪ ،‬حيث تم تقليد الملك‪" 3‬نيشان آل البيت الحسيني"‪ 4‬في ‪ 22‬جويلية ‪ ،1869‬في حين تم تقليد‬ ‫عدد من الوزراء والحاشية "نيشان االفتخار"‪ ،5‬على غرار المركيز سادا بنديرة رئيس مجلس الوزراء‬

‫ووزير الحرب والخارجية‪ ،6‬والكنت أميليو أكيلي منقيردي مستشار و ازرة الخارجية‪.1‬‬

‫‪1‬‬ ‫أنه لم يستطع توفير األموال التي طلبها‬ ‫نبني هذا الترجيح على إشارة السنيور زاكي كرطوزو نائب وقنصل اإليالة التونسية بالبرتغال إلى ُ‬ ‫له عالقات تجارية بهذه المدينة‪.‬‬ ‫ألنه لم يكن ُ‬ ‫السيد أيوب ومسيو كونتي في باريس‪ُ ،‬‬ ‫‪2‬رسالة رقم‪ُ ،6:‬ملحق الوثائق‪.‬‬

‫‪3‬الرسالتين رقم‪ 2:‬و‪ُ ،3‬ملحق الوثائق‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ويمنح فقط لحاملي الدم الملكي من أفراد العائلة الحسينية والعائالت الملكية‬ ‫ُيسمى نيشان البيت الحسيني أو نيشان العائلة أو نيشان الدم‪ُ ،‬‬ ‫األجنبية‪ .‬بدأ العمل به في عهد أحمد باي وتم إعادة تنظيم كيفية منحه في عهد محمد الصادق باي من خالل األمر العلي الصادر في‬

‫فيفري من سنة ‪ .1861‬وهذا النيشان به صنف واحد ويعتبر من أعلى األوسمة قيمة في تلك الفترة‪ .‬لمزيد التفاصيل انظر‪:‬‬ ‫‪Ben Achour (Mohamed El Aziz), La cour du bey de Tunis: document inédit avec préface, présentation‬‬ ‫‪historique, commentaires, notices biographiques et bibliographie complémentaire, Tunis, Espace diwan,‬‬ ‫‪2003, pp.38-39.‬‬ ‫‪ 5‬وقع إنشاء هذا النيشان في عهد مصطفى باي سنة ‪ 1837‬وكان ُيمنح لكبار موظفي الدولة التونسية بترشيح من الوزير األكبر والى‬ ‫ِ‬ ‫ودرجاته الست‪ ،‬كما أصبح ُيمنح‬ ‫االوزراء وكبار الموظفين األجانب‪ .‬في عهد محمد الصادق بايسنة ‪ 1861‬وقع تنظيم منح هذا الوسام‬ ‫مرفولقا بشهادة تحمل اسم الذي وقع تقليدهُ الوسام وختم الباي‪ .‬لمزيد التفاصيل انظر‪:‬‬ ‫‪Ben Achour (Mohamed El Aziz), La cour du bey de Tuni, op cit., pp.41-43‬‬ ‫‪6‬رسالة رقم‪ُ ،5:‬ملحق الوثائق‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪57‬‬


‫الخلطة الحسنة الموجودة بين الدولتين"‪ ،2‬كما‬ ‫المعاملة بالمثل أو "زيادة تقوية المحبة و ُ‬ ‫في إطار ُ‬ ‫ورد في رسالة المريكز سادا بنديرة إلى الوزير األكبر ُمصطفى خزندار‪ ،‬حملت البعثة التونسية معها‬ ‫أوسمة برتغالية إلى الباي ووزيره األكبر وعدد من األعيان التونسيين‪ ،‬كما حملت هذه البعثة قائمة‬

‫ن‬ ‫اء‬ ‫أُخرى إضافية بأسماء موظفين برتغاليين يرى نائب الباي بالبرتغال أنهم يستحقو "وسام االفتخار" جز ل‬ ‫لما "‪...‬كان لهم ]من سعي[ مع الرسول التونسي‪.3"...‬‬ ‫أنه قد كان للباي وإليالة تونس ممثل بالعاصمة‬ ‫من جهة أخرى يظهر من خالل الرسالة السادسة ُ‬ ‫البرتغالية لشبونة‪ ،‬أي زاكي كرطوزو الذي كان يسهر على المصالح التجارية والدبلوماسية للباي‬ ‫له دور كبير في هذه العالقات‪ ،‬حيث باإلضافة إلى‬ ‫والدولة‪ ،‬بل يبدو أن هذا النائب أو السفير قد كان ُ‬ ‫عرض خدماته على الوزير األكبر كي يلعب دور المفاوض التونسي في إبرام معاهدة تجارية بين تونس‬

‫له بأن يطلب من الوزير األكبر مصطفى خزندار كتابة رسالة إلى‬ ‫له مكانة تسمح ُ‬ ‫والبرتغال‪ ،‬كانت ُ‬ ‫منه فيها تغيير القنصل البرتغالي‬ ‫طلب ُ‬ ‫رئيس الوزراء ووزير الخارجية البرتغالي المريكز سادا بنديرة‪ ،‬ي ُ‬ ‫تودونه‪.4"...‬‬ ‫في تونس "‪...‬بقنصل آخر برتقيز أو من جنس آخر‬ ‫ُ‬

‫كذلك تكشف هذه الرسالة تواصل اعتماد البايات على تجار أو سياسيين أجانب في عالقاتهم‬

‫الدبلوماسية األجنبية‪ ،‬فباإلضافة إلى هذا التاجر زاكي كرطوزو وقع ذكر مسيو أنتوان كونتي كأحد‬ ‫أعضاء البعثة التونسية إلى البرتغال سنة ‪.1869‬‬

‫إذن من خالل ما تقدم‪ ،‬تكشف لنا ُمعاهدات السالم والرسائل التي بحوزتنا من بعثة ُأيوب أمير‬ ‫أُمراء عساكر التريس إلى البرتغال تطور العالقات التونسية‪-‬البرتغالية في الفترة الحديثة‪ :‬تطور بدأ‬

‫بإنهاء حالة العداء التي صبغت لقرون طويلة عالقة البلدين‪ ،‬بتوقيع مجموعة من ُمعاهدات السالم في‬ ‫بتبادل التمثيليات الدبلوماسية‪ ،‬بإنشاء‬ ‫لا‬ ‫نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫مرور ُ‬

‫القنصلية البرتغالية في تونس سنة ‪ ،1833‬ووجود نائب لإليالة التونسية في البرتغال يسهر على‬

‫المصالح التجارية والسياسية للباي والدولة‪ ،‬نهاي لة بالبعثات الدبلوماسية وتبادل النياشين واألوسمة سنة‬ ‫‪.1869‬‬

‫‪1‬رسالة رقم‪ُ ،4:‬ملحق الوثائق‪.‬‬ ‫‪2‬رسالة رقم‪ُ ،1:‬ملحق الوثائق‪.‬‬ ‫‪3‬رسالة رقم‪ُ ،6:‬ملحق الوثائق‪.‬‬ ‫‪4‬رسالة رقم‪ُ ،6:‬ملحق الوثائق‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫المالحلللق‬ ‫ُملحق رقم ‪ُ :1‬معلللللاهللللللدة ‪ 29‬جويلية ‪1799‬‬

‫‪1‬‬

‫المعاهدة‬ ‫‪ -1‬النسخة العربية من ُ‬ ‫بسم هللا القادر على كل شيء‬ ‫هذه شروط هدنة بين جناب راي‪2‬البرتقيز‪ 3‬وجناب المعظم األرفع حمودة باشا باي حاكم عمالة‬

‫عقده بين جناب الباي المذكور والسيد رودريكو بنيتو قويدس‪ ،‬أمير األمراء ورئيس الدولة‬ ‫تونس‪ ،‬وقع‬ ‫ُ‬ ‫البرتقيز في بحر الروم‪ ،4‬المأذون بعقد هذه الشروط‪ ،‬بشرط إعراضها‪ 5‬على جناب راي البرتقيز ليوافق‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬تُبطل ُكل ُمغايرة‪ 6‬بين جناب راي البرتقيز وجناب المعظم األرفع حمودة باشا باي‬ ‫المشترطتين تخبير‪8‬شقوفهما‪ 9‬بفسخ‬ ‫تونس مدة ثالثة سنوات وأربعة أشهر زائدة‪ُ ،‬ليمكن إلى كل من الدولتين ُ‬ ‫‪7‬‬

‫المدة المقررة‬ ‫هذه الهدنة‪ ،‬ولكن إذا الحرب الموجود اآلن بين جناب راي البرتقال وفرانسا طالت‬ ‫ُ‬ ‫مدته عن ُ‬ ‫المقررة أعاله‪.‬‬ ‫أعالهُ‪ ،‬هذه الهدنة تدوم لحينما يتم الحرب المذكور وأربعة أشهر الزائدة ُ‬ ‫جبل طارق لتخرج إلى البحر‬

‫الفصل الثاني‪ :‬إن الشقوف التونسية ال ُرخصة لها أن تقطع بوغاز‬ ‫المحيط‪ ،11‬وان خرجت للبحر المذكور يكون مسرح أخذها غنيمة‪ ،‬واذا شقف تونسي خرج من البوغاز وأخذ‬ ‫ُ‬ ‫‪10‬‬

‫‪12‬‬ ‫له الحق فيهم‪،‬‬ ‫شقف بسنجق ُمتعادي مع العمالة التونسية غنيمة‪ ،‬فإن قابلهم شقف برتقيز وقدر عليهم‪ُ ،‬‬ ‫ولكن إن تيسر لهم االختفاء والخروج من تحت نظر الشقف البرتقيز ال يمكن لدولة البرتقال طلب الغنيمة‬

‫المذكورة‪.‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬جميع شقوف جناب راي البرتقال لهم الرخصة بالدخول لجميع مرسى العمالة‬

‫التونسية من غير مانع‪ ،‬ويأخذون منها جميع ما يستحقون به من أمور معاش وحيوانات أحياء أو‬ ‫‪1‬‬

‫األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬دفتر عدد ‪ ،2848‬ص‪.59-58‬‬

‫‪2‬‬

‫"راي" ‪ Rei‬باللغة البرتغالية و‪ Rey‬باللغة اإلسبانية أو ‪ re‬باللغة اإليطالية‪ ،‬تعني الملك‪ .‬هنا إشارة إلى الملكة ماريا األولى والملقبة‬

‫"بالورعة"‪ ،‬حكمت بين سنتي ‪ 1777‬و‪ ،1816‬وتعتبر فترة حكمها التي امتدت حوالي ‪ 39‬سنة ثاني أطول فترة حكم في تاريخ الملكية‬ ‫البرتغالية‪.‬‬ ‫‪«Maria‬‬ ‫‪I.‬‬ ‫‪A‬‬ ‫‪Piedosa»,‬‬ ‫‪en‬‬ ‫‪Portugal:‬‬ ‫‪Dicionário‬‬ ‫‪Histórico,‬‬ ‫‪[En‬‬ ‫‪Ligne]:‬‬ ‫‪http://www.arqnet.pt/dicionario/maria1.html (Visite en date du 09/01/2017).‬‬ ‫‪3‬البرتقيز في معنى البرتغال أو البرتغاليين‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫المقصود بـ"بحر الروم" البحر األبيض المتوسط‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫الصحيح‪" :‬عرضها"‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫بمعنى "عداوة"‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫حكم حمودة باشا إيالة تونس بين سنتي ‪ 1782‬و‪.1814‬‬

‫‪8‬‬

‫الصحيح‪" :‬إخبار"‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫بمعنى "سفنهم"‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12‬‬

‫بمعنى "مضيق"‪.‬‬ ‫"المحيط األطلسي"‪.‬‬ ‫بمعنى ُ‬ ‫المقصود "يرفع علم ُمعادي لتونس"‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪59‬‬


،‫ ومن خصوص العوايد‬،‫ يدفعوه على السعر الموجود في السوق‬،‫وخالفه ثمن أمور المعاش‬ ،‫مذبوحين‬ ُ .11751 ‫ على ما هو منصوص في شروط سنة‬،‫فيكون اعتبارهم مثل شقوف دولة األنكليز‬ ‫ وُكل‬،‫ ووضع طوابعهم عليها‬،‫ يقع تصحيح هذه الشروط من الجهتين‬،ُ‫واثباتلا لجميع ما ُحرر أعاله‬ .‫ لكي بها ُيناظر لحفظ ما فيها من االتفاق‬،‫منهما يأخذ نسخة‬

‫ في اليوم السادس والعشرين من شهر‬،‫ُحررت في باردو من مدينة تونس المحروسة دار السعادة‬ .‫ مسيحية‬1799 ‫ سنة‬2‫الموافق لليوم التاسع والعشرين من شهر يونيه‬ ُ ،1214 ‫ُمحرم سنة‬ ‫ومصححة من حمودة باشا باي‬ ُ ُ ‫مطبوعة‬ ‫ومصححة من رودريقوبينتوقويد‬ ُ ُ ‫مطبوعة‬ ‫المعاهدة‬ ُ ‫ النسخة البرتغالية من‬-2

Dom João, porgraça de Deos Principe Regente de Portugal e dos Algarves, d'aquém e d'alémmar, emAfrica de Guiné e da Conquista, Navegação e Commercio da Ethiopia, Arabia, Persia e da India, &c. Façosaberaos que estaMinha Carta de Confirmação, Approvação, e Ratificaçãovirem, que no dia vinte e nove de Junho de mil setecentosnoventa e nove da Computação Christã, e da Hegira Turco mil duzentas e quatorze, e vinte e seisdias da LuaMoharzem se ajustou, concluio e assignou na Cidade de Tunis hum Tratado de Tregua entre Rodrigo Pinto Guedes, Chefe de Divisao, e Major General da Minha Esquadra no Mediterraneo, da Minha parte, e sua Excellencia Hamuda Baxá Bey Supremo, Commandante do Estado de Tunis da outra parte, cujoTratado de Treguahe do theorseguiente: EN NOME DE DEOS OMNIPOTENTE. Tratado de Tregua entre Sua Magesta de Fidelissima, e Sua Excellencia Hamuda Baxá, Bey Supremo, Commandante dos Estados de Tunis, ajustado entre o sobredito Baxá Bey de Tunis, e o Senhor Rodrigo Pinto Guedes, Chefe de Divisão, e Major General da Esquadra Portugueza no Mediterraneo, authorizado para estipular o presente Tratado debaixo da condição de ser ratisicado e approvado por Sua Magestade Fidelissima. ARTIGO I : Haverá huma Tregua entre Sua Magestade Fidelissima, e Sua Excellencia Baxá Bey de Tunis por tempo de tres annos, e quatro mezes mais, que devem servir para poderem as duas Potencias Contratantes avisar as suas respectivas Embaracações; porém se a guerra actual entre sua Magestade Fidelissima, e a França tiver maior duraçao, em tal caso a presente Tregua se extenderá até o fim da fordita guerra, ficando sempre permanente a condiçao do termo dos quatro mezes assima mencionados. ARTIGO II: Nenhuma Embarcação Tunisina poera passar o Estreito de Gibraltar para entrar nos mares do Oceano; e entrando nelles, será licito aprezalla, e se haverá por doa preza. E se alguma Embarcação Tunisina se aventurar a sahir do Estreito, e se aporderar de qualquer Embarcação de Bandeira Inimiga da Regencia, sendo huma e outra encontradas por Forças Portuguezas, serão ambas reputadas de boa preza: se porém depois se puderem por em salvo, e fugir a vigilancia das Forças Portuguezas, não serão, nem poderão ser taes prezas reclamadas por parte de Portugal. 1

Rousseau (Alphonse), Annales tunisiennes op cit., pp.434-436. ."‫ والموافق لشهر "جوان‬،‫"يونيه" أو "يونيو" يونيو هو الشهر السادس في السنة في التقويم الجريجوري‬

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬

2

60


ARTIGO III: Poderão todas as Embarcaços de Su Magestade Fidelissima entrar sem embaraço algum nos Portos do Dominio Tunisino, e receberáõ todas as provisões de que carecerem, assim de animaes vivos e mortos, como de tudo mais, pagando as mencionadas provisões pelos preços correntes nos Mercados; sendo consideradas, pelo que repeita aos direiros, como o sã as Embarcações de Sua Magestade Britanica no Tratado de mil setecentos e cincoenta e hum. ARTIGO IV: Se algum escravo se for refugiar a bordo de qualquer Embaração de Sua Magestade Fidelissima, ficará sendo livre, devendo-se observar sobre este Artigo quanto se acha pactuado entre Sua Magestade Britanica, e a Regncia de Tunis no Tratado de mil setecentos e cincoenta e hum: não poderão com tudo os Vassallos de Sua Magestade Fidelissima prestar ajuda, ou auxilio algum em terra á fuga e refugio dos Escravos. ARTIGO V: Se alguma Embaracação Portugueza naufragar, ou encalhar em algum Porto, Costa, ou Enseada do Dominio Tunisino, será a fazenda e a gente respeitada, e deverá sua Excellencia o Bey fazer prestar a este fim o preciso auxilio: a paga porém competente aos homens que nisso hajão trabalhado, correrá por conta da Embarcação. ARTIGO VI: Se entre as Embarcaçaões de Sua Magestade Fidelissima, e as da Regencia de Tunis acontecer algum insulto, ou ataque injusto, deverá aquelle que o houver occasionado, ser punido pela Potencia de que for Vassallo, em conformidade das Leis do Paiz.

ARTIGO VII: Todas as Causas pertencentes a Sua Magestade Fidelissima, e aos Portuguezes, que forem tratadas pelo Encarregado dos Negocios desta Nação, não poderão ser ventiladas senão perante sua Excellencia o Bey, e por elle so julgadas.

ARTIGO VIII: A nadaráõ todos os Corsarios Tunisinos munidos de Passaporte do Encarregado dos Negocios da Nação Portugueza, do qual Passaporte ficará huma Copia em poder do mesmo Encarregado.

ARTIGO IX: A presente Tregua, e todos os Artigos do presente Tratado se observaráõ inviolavemente desde o dia da sua assignatura. Sendo porém do agrado de Sua Magestade Fidelissima não approvallos, nem ratificallos, devrá Sua Excellencia o Bey ser disso avisado, e ter o termo de hum mez, que deverá principar a contar-se do dia em lhe chegar o dito aviso, para tomar as devidas precauções. Em observancia do quanto assima fica ajustado, ferá o presente Tratado assignado e sellado por ambas as Partes, tendo delle cada huma a su Copia, de que se sirva para manter a mesma Tregua. Feito no Bardo de Tunis, a Cidade a bem quardada, a habitação da fidelidade a vinte e seis da Lua Maharzem do anoo da Egira 1214, e 29 de Junho de 1799. (L. S.) Rodrigo Pinto Guedes. (L. S.) A assinatura do Bey. E sendo-Me presente o mencionado Tratado de Tregua, cujo theor fica assima inferido, e bem visto, considerado, e exminado por Mim tudo o que nelle se contém, o approvo, ratifico, e confirmo assim no todo, com em cada huma das suas clausulas, e estipulações; promettendo em Fé e Palavra Real observallos, e cumprillos inviolavelmente, e fazellos cumprir e observar, sem permitir que se faça cousa alguna em contrario por qualquer modo que possa ser. E em testemunho, e firmeza do sobredito fiz passar a presente Carta por Mim aassignada, sellada com o Sello grande das Minhas Armas, e referendada pelo Meu Ministro, Conselheiro e Secretario de Estado dos Negocios Estrngeiros e da Gerra abaixo assignado. Dada no Palacio de

61

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬


Quéluz aos dezenove de Setembro do Anno do Nascimento de Nosso Senhor Jesu Christo de mil Setecentos e noventa e nove. O PRINCIPE Con Guarda. (L. S.) Luiz Pinto de Sousa. Na Regia Officina Typograrafica.

‫النسخة اإليطالية من ال ُمعاهدة‬

-3

Nel nome di Dio Omnipotente Trattato di tregua Tra Sua Maesta Fedelissima e Sua Eccellenza Hamuda Bassà Rey supremo Commandante delli Stati di Tunis, convenuto tra il sudetto Eccellentissimo Bassà Bey de Tunis, et il Sig Rodrigo Pinto Guedes, Capo di Divisione e Maggiore Generale della sequadra Portoghese nel Mediterraneo, autorizzato a stipulare il presente trattato sotto la condizione della ratifica ed approvazione di Sua Maesta Fedelissima. ART. 1°.__ Vi sara una tregua Tra S. M. Fedelissima e S. E. Hamuda Bassà Bey di Tunis, per il tiempo di tre anni, e quattro mesi di piu, che debbono servire per potere le due Potenze contraenti farne avvisare i rispettivi bastimenti. Ma se la presente guerra che ha S. M. Fedelissima colla Francia serà per durare longo tempo, allora la presente tregua dovra durare sino al fine dei quattro mesi di sopra enunciato. ART. 2°.__ Nessun bastimento tunesino portrà passare lo stretto di Gibilterra per entrare nelli mari dell' Oceano; ed entrandovi sarà lecito predarlo e sarà buona preda. E se alcuno armamento Tunesino si azardasse di sortire dal stretto et s'impadronisse di qualche bastmento di bandiera nemica della Reggenza, l'uno a l'altro essendo incontrati da armamenti Portoghese, saranoo di buona presa. Si poi gli riuscisse di dalvarsi e di sfuggire alla vigilenza delli armamenti Porttoghesi non sarà ne portrà essere tal presa ricalmata del Portogallo. ART. 3°.__ Tutti i bastimenti di S. M. Fedelissima potranno entrare nei porti del Dominio Tunesino, senza alcuno impedimento, e riceveranno tutte le proviggioni che loro bisogneranno, tanto di vituali vivi e morti quanto di tutt' altro, dovendo pagare le provisioni sudette al prezzo a cui si vendano al mercato; e dovendo rispetto a diritti essere considerati como lo sono bastimenti di S M Britannica per il trattato del 1751. ART. 4°.__ Si qualche schiavo anderà a rifuggiarsi su qualunque legno di Sua Maesta Fedelissima, sarà libero, dovendosi su questo articlolo osservare quanto si trova convenuto tra S. M. Brittannica et la Regenza di Tunis nel trattato del 1751. __ Non potranno pero i sudditi di S. M. Fedelissima prestare alcuno ajuto ed assistenza in terra alla fuga e rifugio delli schiavi. ART. 5°.__ Si qualche bastimenti Portoghese, andera a rompersi, ed in calgliare in qualche porto, costa o rada del dominio Tunesino, la robba e la gente sarà rispettata e Sua Eccellenza il Bey dovrà fare prestare a questo effetto tutto l'ajuto la mercedi pero convenienti agl' nomini che ne avranno faticato correrà a carcio del bastimento. ART. 6°.__ Se tra i rispettivi bastimenti di S. M. Fedelissima e della Reggenza di Tunis seguirà qualche insolenza o qualche attaco ingiusto, dovra colui che viha dato

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬

62


occasione essere castigato da quella Potenza di cui trovasi suddito secundo le leggi del paese. ART. 7°.__Tutti gli affari appartenenti à S. M. Fedelissima ed ai Portoghesi che aranno trattati dall' incaricato d'affari di questa nazione, non potranno essere trattati che innanzi S. Excell. il Bey, e da lui solo essere giudicati. ART. 8°.__Tutti i corsari Tunisini anderanno muniti del passaporte del incaricato d'affari della nazione Portoghese, del qual passaporto nè resterà una copia presso di esso incaricato. ART. 9°. __ La presente tregua e tutti i capitoli di questo trattato doveranno inviolabimente osservarsi dal giorno della loro soscrizione piacendo pero a S. M. Fedelissima di non approvarli e ratilicarli, debba Sua Eccellenza il Bey esserne avvisato, ed avere il termino di un mese, da comminciare del giorno in cui gli perverra il sudetto avviso per prendere le dovute precauzioni. E per osservanza di quanto sopra sarà il presente trattato firmato e sigillato da ambe le parti, avendone ogn una la sua copia onde servirsene ol mantenimento della tregua stessa. Fatto ol Bardo di Tunis la Città la Ben Guardata, il soggiorno della Felisita, li 26 della luna Moharrem dell' anno dell' Egira 1214, e li 29 giugno 1799. Firmato e sigillato da S A. Hamuda Bacha Bey. Firmato e sigillato da Rodrigo Pinto Guedes.

63

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬


‫صورة رقم‪ .1:‬الورقة الثالثة من النسخة األصلية من ُمعاهدة سنة ‪ 1799‬باإليطالية‬ ‫(األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬صندوق ‪ ،257‬ملف‪)756‬‬

‫‪64‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫صورة رقم‪ .3:‬نسخة من الورقة األولى من معاهدة سنة ‪ 1799‬بالعربية واإليطالية‬ ‫(األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬دفتر عدد ‪)2848‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪65‬‬


‫ُملحق رقم‪ُ :2‬معلللللاهللللللدة ‪ 16‬أكتلللوبلللللر ‪1813‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪1‬‬

‫المعاهدة‬ ‫الُنسخة العربية من ُ‬ ‫بسم هللا القادر على كل شيء‬

‫المعظم األرفع الباشا باي أمير أُمراء تونس المحروسة‬ ‫شروط هدنة بين مملكة ُ‬ ‫ُ‬ ‫البرتقال وبين جناب ُ‬ ‫المعظم األرفع الباشا‬ ‫المعظم األرفع األمير نائب مملكة ُ‬ ‫البرتقال وجناب ُ‬ ‫دار السعادة‪ .‬حيث كان ُمراد جناب ُ‬ ‫باي تونس قطع النزاع الموجود من عدة سنوات بين الدولتين‪ ،‬اتفقوا على عمل ُهدنة ُمؤملين أن ينتُج منها‬ ‫المعظم األرفع حمودة باشا باي أمير أُمراء تونس‬ ‫عمل الصلح على وجه الحق والشرف‪ ،‬ولذلك جناب ُ‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫المفوض من عمالة البرتقال‪ ،‬اتفُقوا على ما‬ ‫وجناب السيد ويليام أكورت رسول وأمباشادور دولة األنكليز‪ُ ،‬‬ ‫سيأتي بيان ُه‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬من يوم تُصحاح هذه الشروط‪ ،‬تبتدئ الهدنة التامة بين جناب األرفع األمير نائب‬ ‫مملكة البرتقال وجيوشه وشقوفه ورعاياه وبين جناب المعظم األرفع الباشا باي تونس وجيوشه وشق ِ‬ ‫وفه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ورعاياه‪ ،‬واتفق الجهتين على أن في ُمدة هذه الهدنة لم تقع ُمغايرة أصال بين الدولتين‪ ،‬بل تقع بينهم ُحسن‬

‫المخالطة‪.‬‬ ‫ُ‬

‫الحرية التامة بالتجارة في جميع مراسي‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬في ُمدة هذه الهدنة شقوف ورعايا ُ‬ ‫البرتقال لهم ُ‬ ‫تدفعه شقوف ورعايا تونس‪،‬‬ ‫المعظم األرفع الباشا باي‪ ،‬ويكونون تحت القوانين ويدفعون األداء الذي‬ ‫ُ‬ ‫جناب ُ‬

‫ويخلصون األربعة ونصف في المائة على جميع السلع واألمور التي تُخلص الكمرك‪ 4‬كما تدفع الرعايا‬ ‫ُ‬ ‫التونسية‪ ،‬وشُقوف ورعايا تونس تكون لهم الحرية التامة بالتجارة في جميع مراسي مملكة البرتقال‪،‬‬ ‫ويخلصون على‬ ‫والمذكورين ال يدفعون أشياء أزود أو أنقص مما‬ ‫ُ‬ ‫البرتقال في تونس‪ُ ،‬‬ ‫تدفعه شُقوف ورعايا ُ‬ ‫األمور التي تدفع الكمرك األربعة ونصف في المائة فقط‪.‬‬

‫البرتقال الذين ُيتاجرون في مراسي‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬وقع االتفاق كذلك أن في ُمدة هذه الهدنة رعايا ُ‬ ‫‪5‬‬ ‫المعظم األرفع‬ ‫مملكة تونس ُيعرضون أمورهم التي تتبع القنصالتو إلى جناب قنصل األنكليز‪ ،‬وجناب ُ‬

‫البرتقال‪.‬‬ ‫الباشا باي يتعرف به‬ ‫ُ‬ ‫ويقبله كنائب طائفة ُ‬ ‫‪1‬األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬دفتر عدد ‪ ،2848‬ص‪.61-59‬‬

‫‪2‬ولد وليام أكورت ‪William à Court‬في ‪ 11‬جويلية ‪ .1779‬هو بارون هايتسبيري ‪ ،Heytesbury‬وهو سياسي ودبلوماسي أنجليزي‪،‬‬

‫تولى العديد من المناصب‪ ،‬حيث شغل بين سنتي ‪ 1813‬و‪ 1814‬خطة سفير فوق العادة إلى دول شمال إفريقيا ثم إلى مملكة نابولي‬ ‫وسفي ار في أسبانيا بين سنتي ‪ 1822‬و‪ 1824‬ثم سفي ار بالبرتغال من سنة ‪ 1824‬إلى سنة ‪ .1828‬توفي في ‪ 31‬ماي ‪.1860‬‬ ‫‪Muriel E. Chamberlain, ‘A'Court, William, first Baron Heytesbury (1779–1860)’, in Oxford Dictionary of‬‬ ‫‪National Biography, online, http://dx.doi.org/10.1093/ref:odnb/70 (Visite en date du 09/01/2017).‬‬ ‫‪3‬أمباشادور ‪ Embasador‬بمعنى "سفير"‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫المقصود "الجمارك" أو "الديوانة"‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫بمعنى قنصلية‪ Consulad ،‬باللغة البرتغالية‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫الصلح الدائم‪ ،‬واتُفق أن حاال‬ ‫الفصل الرابع‪ُ :‬‬ ‫حيث كان ُمراد الجانبين أن هذه الهدنة ينتج منها وقوع ُ‬ ‫أعاله أو قبل ذلك يقع الكالم لتمام األمر المرُغوب‪ ،1‬بشرط أن دولة‬ ‫عند تمام الثالثة سنوات المذكورة‬ ‫ُ‬

‫المعظم الباشا باي الخسارة التي حصلت على رعاياهُ من أخذ‬ ‫ُ‬ ‫وجها لتعوض على جناب ُ‬ ‫البرتقال تجد ل‬ ‫‪2‬‬ ‫الفرقاتهالبرتقيز للشقف الرافوزيو الذي كان حاضر من أزمير إلى تونس في سنة ‪ ، 1799‬واذا عند تمام‬ ‫ميجال‪ 3‬هذه الهدنة دولة البرتقال لم تعوض هذه الخسارة فقوة هذه الشروط تُبطل وال ُيعمل بها‪.‬‬

‫واثباتل ا لذلك نحن الباشا باي تونس وويليام أكورت صححنا هذه الشروط في سراية باردو في اليوم‬ ‫الحادي والعشرين من شهر شوال سنة ‪ 1228‬الموافق للسادس عشر من شهر أكتوبر سنة ‪ 1813‬مسيحية‪.‬‬ ‫مطبوع من حمودة باشا‬ ‫ُمصحح ومطبوع من ويليام أكورت رسول وأمباشادور دولة األنكليز‪.‬‬ ‫****‬ ‫ُملحق رقم‪ُ :3‬معللاهللدة ‪ 20‬نوفمبر ‪1816‬‬

‫‪4‬‬

‫المعاهدة‬ ‫الُنسخة العربية من ُ‬ ‫بسم هللا القادر على ُكل شيء‬ ‫المعظم األرفع محمود‬ ‫ُش ُروط ُمهادنة بين جناب رفيع الشأن األمير نائب مملكة ُ‬ ‫البرتقال وبين جناب ُ‬ ‫‪5‬‬ ‫البرتقال‬ ‫المعظم رفيع الشأن األمير نائب مملكة ُ‬ ‫باشا ‪ ،‬باي العمالة التونسية‪ .‬لما كان ُمراد كل من جناب ُ‬

‫الصلح لراحة بالدهم ورعاياهم‪ ،‬اتفقوا على يد‬ ‫المعظم األرفع محمود باشا‪ ،‬باي عمالة تونس‪ ،‬حفظ ُ‬ ‫وجناب ُ‬ ‫‪6‬‬ ‫البرتقال‪،‬‬ ‫المفوضين لذلك‪ ،‬وهم الموقر السنيور ريكاردو أوكيلندر نائب أمور جناب نائب مملكة ُ‬ ‫النواب ُ‬ ‫‪7‬‬ ‫المعظم األرفع الباشا باي تونس‪ ،‬على زيادة في ُمدة‬ ‫المحترم السيد محمد خوجة وزير بحرية ُ‬ ‫الموقر ُ‬ ‫وُ‬ ‫المعظم األرفع المرحوم حمودة باشا‪ ،‬باي تونس‪ ،‬وجناب السنيور ويليام‬ ‫المنعقدة بين جناب ُ‬ ‫شروط الهدنة ُ‬

‫المصححة في سراية‬ ‫المفوض من عمالة ُ‬ ‫البرتقال بعمل الشروط المذكورة ُ‬ ‫أكورت رسول دولة األنكليز‪ُ ،‬‬ ‫باردو‪ ،‬في يوم الحادي والعشرين من شوال سنة ‪ ،1221‬الموافق لليوم السادس عشر من شهر أكتوبر سنة‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫سيعمل بها لتجديد هذه االتفاقية‪ ،‬بعد انتهاء ُمدتها أي ثالث سنوات‪.‬‬ ‫إشارة إلى التراتيب التي ُ‬ ‫لم نوفق في الوصول إلى تفاصيل حول هذه الحادثة‪.‬‬ ‫بمعنى "ميعاد"‪.‬‬

‫‪4‬األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬دفتر عدد ‪ ،2848‬ص‪.61‬‬ ‫‪5‬‬

‫حكم محمود باشا باي بين سنتي ‪ 1814‬و‪.1824‬‬

‫‪6‬هو ريكاردو أوريشار أوغلندر‪ Richard Oglander‬القنصل العامل انجلت ار في تونس من سنة ‪ 1804‬إلى سنة ‪.1824‬‬ ‫‪7‬‬

‫تولى محمد خوجة و ازرة البحرية حتى سنة ‪ .1846‬اشتغل في بداية مسيرته المهنية في وظيفة "كاهية بنزرت"‪ ،‬ثم أصبح أمين الترسخانة‬

‫بحلق الوادي‪ .‬كما تولى رئاسة عدد من البعثات إلى بريطانيا وفرنسا وغيرها‪ .‬توفي سنة ‪ .1846‬لمزيد التفاصيل انظر‪ ،‬ابن أبي الضياف‬ ‫(أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،8.‬ص‪.60‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪67‬‬


‫‪1‬‬ ‫تكون ماضية ويجري العمل‬ ‫المنعم سيدي حمودة باشا باي والسنيور ويليام أكورت ‪ُ ،‬‬ ‫‪ 1813‬مسيحية‪ ،‬بين ُ‬ ‫لمدة عام واحد‪ُ ،‬مبتدئ من اليوم الحادي والعشرين من شهر‬ ‫على ُمقتضى ما فيها من الفصول والشروط ُ‬ ‫الحجة سنة ‪ 1231‬للهجرة‪ ،‬الموافق لليوم الحادي عشر من شهر نونبر‪ 2‬سنة ‪ 1816‬مسيحية‪ ،‬واثباتلا لما‬ ‫الموقر السيد محمد خوجة‪ ،‬صححنا هذه الشروط في سراية باردو‬ ‫هو ُمقرر أعالهُ‪ ،‬نحن ريكاردو أوكيلندر و ُ‬

‫المعمور في اليوم الثالثين من شهر الحجة سنة ‪ 1231‬للهجرة‪ ،‬الموافق لليوم العشرين من شهر نونبر سنة‬

‫‪ 1816‬مسيحية‪.‬‬

‫ُمصحح ومطبوع من ريكاردو أوكيلندر‪.‬‬ ‫ُمصحح ومطبوع من محمد خوجة أمين ترسخانة تونس‪.‬‬ ‫****‬ ‫ُملحق رقم‪ :4‬رسائل من بعثة أيوب أمير أمراء عساكر التريس إلى البرتغال لتقديم نيشان آل البيت‬ ‫‪3‬‬ ‫الحسيني وهدايا أخرى للملك ووزرائه‬ ‫رسالة رقم‪1:‬‬ ‫الحمد هلل تعريب مكتوب للصدر الهمام جناب المولى الوزير األكبر أمير األُمراء سيدي ُمصطفى‪،4‬‬

‫‪5‬‬ ‫البرتقال في ‪ 24‬يوليه‬ ‫من المركيز دي سادا بنديرة رئيس مجلس الوزراء ووزير األمور الخارجية بدولة ُ‬ ‫‪1869‬‬

‫المعظم األرفع باي تونس‪ 6‬كلف أمير أمراء‬ ‫أما بعد‪ُ ،‬‬ ‫فإنه شرفني مكتوب جنابكم في إعالمي بأن ُ‬ ‫المعظم الباي‬ ‫عساكر التريس السيد أيوبب أن ُيبلغ لجناب الراي‪ 7‬نيشان آل البيت الحسيني‪ ،‬الذي‬ ‫ُ‬ ‫وجهه ُ‬

‫الخلطة الحسنة‬ ‫له‪ ،‬وعلى رغبته في زيادة تقوية المحبة و ُ‬ ‫للمعظم الراي سيدي‪ ،‬دليالل على محبة علي جنابه ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪1‬‬

‫انظر نص هذه االتفاقية في عملنا هذا‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫الصحيح "نوفمبر"‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫األرشيف الوطني‪ ،‬السلسلة التاريخية‪ ،‬الصندوق ‪ ،258‬الملف ‪7623‬األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬دفتر عدد ‪ ،2848‬ص‪.61‬‬ ‫حكم محمود باشا باي بين سنتي ‪ 1814‬و‪.1824‬‬

‫‪ 3‬هو ريكاردو أوريشار أوغلندر ‪ Richard Oglander‬القنصل العامل انجلت ار في تونس من سنة ‪ 1804‬إلى سنة ‪.1824‬‬ ‫‪4‬‬

‫تولى محمد خوجة و ازرة البحرية حتى سنة ‪ .1846‬اشتغل في بداية مسيرته المهنية في وظيفة "كاهية بنزرت"‪ ،‬ثم أصبح أمين الترسخانة‬

‫بحلق الوادي‪ .‬كما تولى رئاسة عدد من البعثات إلى بريطانيا وفرنسا وغيرها‪ .‬توفي سنة ‪ .1846‬لمزيد التفاصيل انظر‪ ،‬ابن أبي الضياف‬ ‫(أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،8.‬ص‪.60‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر نص هذه االتفاقية في عملنا هذا‪.‬‬ ‫الصحيح "نوفمبر"‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫تولى مصطفى خزندار مهمة الو ازرة الكبري بين سنتي ‪ 1855‬و‪.1873‬‬

‫‪5‬‬

‫هو الماركيز سادا بندي ار ‪ ،Sà da Bandeira‬تولى مهمة رئيس مجلس وزراء البرتغال لخمس مرات مختلفة‪-1837 ,1837-1836( :‬‬

‫‪.)1869-1868 ,1865 ,1839‬‬ ‫‪6‬‬

‫هو محمد الصادق باي‪ ،‬حكم بين سنتي ‪ 1859‬و‪.1882‬‬

‫‪7‬هو الملك لويس األول‪ ،‬حكم من سنة ‪ 1861‬إلى سنة ‪.1889‬‬

‫‪68‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫تضمنه المكتوب المذكور من ظريف العبارات‪،‬‬ ‫أشكر فضل جنابكم على ما‬ ‫الموجودة بين الدولتين‪ ،‬فأنا ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪1‬‬ ‫المعظم الراي في ‪22‬‬ ‫ُ‬ ‫ويسرني إعالم جنابكم أن السيد أيوب قدم لهذه المملكة في ‪ 16‬شهر التاريخ وتلقاه ُ‬

‫المعظم‬ ‫من الشهر المذكور بموكب رسمي إلتمام مأموريته‪ ،‬كما تمم ذلك بغاية الكيفية الحسنة المرضية‪ ،‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫أخالقه الحميدة‬ ‫المعظم الباي و‬ ‫له‪ُ ،‬‬ ‫للكلفة التي ُ‬ ‫الراي تلقاه بتلك العناية وذلك االعتناء الذي هو أهل ُ‬ ‫كلفه بها ُ‬ ‫عرضه‪.‬‬ ‫التي هو ُمتصف بها‪ .‬هذا ما لزم‬ ‫ُ‬ ‫رسالة رقم‪2:‬‬ ‫الحمد هلل تعريب مكتوب للمعظم األرفع موال الملك من السيد لويس األول ملك البرتقال في ‪24‬‬ ‫يوليه ‪1869‬‬ ‫المعظم األرفع ُمحمد الصادق باشا باي تونس‪ ،‬أنا دون لويس ملك البرتقال واأللقراف من جهتي‬ ‫إلى ُ‬ ‫بح ار أفريقيا وسيد عمل القنييوالكنكيت وأمير سفر وتجارة الحبش وبر العرب والعجم والهند إلخ‪ ،2‬أُسلم على‬ ‫فإنه سرني بلوغ مكتوب جنابكم إلي على يد أمير أمراء عساكر‬ ‫جنابكم‪ ،‬ألني كثير االعتناء بكم‪ُ .‬‬ ‫وبعد‪ُ ،‬‬ ‫الحسيني‬ ‫التريس السيد أيوب‪ ،‬الذي‬ ‫ُ‬ ‫وجهه جنابكم رسوالل لدولتنا‪ ،‬واألمير المذكور بلغ لنا نيشان آل البيت ُ‬

‫الخلطة والعالقة‬ ‫الذي أهداهُ لنا جنابكم دليالل على محبة جنابكم‪ ،‬وعلى رغبة جنابكم في زيادة تأكيد ُ‬ ‫الموجودة بين الدولتين‪ ،‬فلي اعتبار كبير على هذا الدليل بعناية جنابكم بي‪ ،‬وأرغب من فضلكم قبول كبير‬ ‫شكري عليه‪ .‬أدام هللا تعالى عزكم وسعد األمة التي ]في[ رعايتكم‪ ،‬وانتهز هذه الفرصة ألُقررلجنابكم فريد‬ ‫وكتب بلزبوة‪ 3‬بسراية بيلم‪ 4‬في ‪ 24‬يوليه‪ ،5‬سنة ‪.1869‬‬ ‫ودمتم في أمن هللا‪ُ ،‬‬ ‫محبتي واعتبار]ي[ لكم‪ُ ،‬‬ ‫مصحح من الراي‬ ‫ومن وزير الخارجية‬ ‫رسالة رقم‪3:‬‬ ‫البرتقال في ‪24‬‬ ‫الحمد هلل‪ ،‬تعريب مكتوب للمعظم األرفع موال الملك من السيد لويس األول ملك ُ‬ ‫يوليه ‪1869‬‬ ‫المعظم األرفع ُمحمد الصادق باشا باي تونس‪ ،‬أنا دون لويس ملك البرتقال واأللقرف من جهتي‬ ‫إلى ُ‬ ‫بحر أفريقيا وسيد عمل القيني والكنكيت وأمير سفر وتجارة الحبش وبر العرب والعجم والهند إلخ‪ ،‬أُسلم على‬

‫فإنه وقع لي سرور كبير من المكتوب الذي تفضل جنابكم بتوجيهه‬ ‫جنابكم ألني كثير االعتناء ُ‬ ‫بكم‪ُ .‬‬ ‫وبعد‪ُ ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫بمعنى شهر "يوليه" أي "جويلية"‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫اللقب الرسمي لملك البرتغال في تلك الفترة هو‪:‬‬

‫‪"Rei de Portugal, e dos Algarves, d'aquém e d'além mar, em Africa de Guiné e da Conquista, Navegação e‬‬ ‫"‪Commercio da Ethiopia, Arabia, Persia e da India, &c‬‬ ‫‪3‬‬

‫المقصود "لشبونة"‪ ،‬بالبرتغالية‪Lisboa :‬‬

‫‪ُ 4‬يعتبر قصر بيلم ‪ PalácioNacional de Belém‬من أهم القصور الملكية في البرتغال‪ ،‬وهو اليوم القصر الرئاسي‪ .‬وقع انشائه سنة‬ ‫لكنه عرف العديد من عمليات إعادة البناء والتوسعة في فترات تاريخية مختلفة‪.‬‬ ‫‪ُ ،1559‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 24‬جويلية‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪69‬‬


‫لي على يد أمير أمراء عساكر التريس السيد أيوب‪ ،‬الذي كلفه جنابكم بأن ُيبلغ لي على لسان جنابكم تأكيد‬ ‫ويسرني أن ُنعلم‬ ‫محبتكم لنا‪ ،‬فأنا‬ ‫ُ‬ ‫أشكر فضل جنابكم على هذا الدليل الواضح في اعتباركم لي ومحبتكم‪ُ ،‬‬

‫جنابكم بأن انتخابكم لهذا الجنرال المشهور ليكون ترجمان محبة جنابكم لي أرضاني غاية الرضا‪ ،‬ومما‬

‫يسرني أن ُنحقق لجنابكم بأن فضال عن كونه اتمم المأمورية الخصوصية التي تكلف بها بالوجه الحسن‬ ‫ُ‬ ‫أيضا اعتناء‬ ‫أوصافه الحميدة‬ ‫أخالقه الشخصية و‬ ‫المرضي‪ ،‬فإن‬ ‫جعلته أهال العتبارنا‪ُ ،‬‬ ‫ونؤمل أن يستحق ل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫جنابكم به‪ ،‬ودمتم في أمن هللا‪ ،‬وكتب بسراية بيلم في ‪ 24‬يوليه ‪ .1869‬صح‪ 1‬من الراي ومن وزير‬ ‫الخارجية‪.‬‬ ‫رسالة رقم‪4:‬‬

‫الحمد هلل‪ ،‬تعريب مكتوب للصدر الهمام جناب المولى الوزير األكبر أمير األمراء سيدي مصطفى‬ ‫من الكنت أميليو أكيلي منقيردي ُمستشار الوزارة الخارجية بدولة البرتقال ‪ 29‬يوليه سنة ‪.1869‬‬ ‫فإنه شرفني على يد أمير األمراء السيد أيوب الصنف األول من نيشان االفتخار واألمر‬ ‫أما بعد‪ُ ،‬‬ ‫المعظم الباي‪ ،‬فأرغب من فضل جنابكم أن تكونوا الواسطة في تبليغ‬ ‫العلي الذي تفضل علي بهما جناب ُ‬ ‫ِ‬ ‫أنه من الواجب علي اإلسراع في شكر جنابكم‬ ‫تحيتي ُ‬ ‫وشكري على هذا الفضل الكبير لعلي جنابه‪ ،‬كما ُ‬ ‫على توسطكم في نوال هذا الشرف لي‪ .‬هذا ما لزم عرضه‪.‬‬ ‫رسالة رقم‪5:‬‬ ‫الحمد هلل‪ ،‬تعريب مكتوب للصدر الهمام جناب المولى الوزير األكبر أمير األمراء سيدي مصطفى‬ ‫من المركيز سادا بنديرة رئيس مجلس الوزراء ووزير الحرب واألمور الخارجية بدولة البرتقال‪ُ ،‬مؤرخ من‬ ‫الزبوة في ‪ 30‬يوليه سنة ‪.1869‬‬ ‫أما بعد فإن أمير األمراء السيد أيوب بلغ لي نيشان االفتخار‪ ،‬واألمر العلي الذين تفضل بهم علي‬ ‫ِ‬ ‫جنابه بالنيابة عني‪ ،‬تحية إكرامي وفريد شكري على‬ ‫جناب الباي‪ ،‬فأرغب من فضل جنابكم أن تُبلغوا لعلي‬ ‫هذا الشرف العظيم‪ ،‬كما أني أرغب من فضل جنابكم ُقبول ُشكري على سعي جنابكم في نوال هذا النيشان‪،‬‬ ‫عرضه‪.‬‬ ‫له مزيد االعتبار عندي‪ .‬هذا ما لزم‬ ‫ُ‬ ‫الذي ُ‬

‫رسالة رقم‪6:‬‬ ‫الحمد هلل‪ ،‬تعريب مكتوب للصدر الهمام جناب المولى الوزير األكبر أمير األمراء سيدي ُمصطفى‬

‫المعظم األرفع موال الملك بلزبوة في ‪ 05‬أغشت‬ ‫من السنيور زاكي كرطوزو نائب وقنصل جنرال دولة ُ‬ ‫‪.1869‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫"موقع"‪.‬‬ ‫بمعنى ُ‬

‫المقصود "أغسطس" أي شهر "أوت"‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪2‬‬


‫وجهته لجنابكم على يد أمير األمراء‬ ‫المؤرخ في ‪ 30‬يلويه‪ ،‬الذي‬ ‫ُ‬ ‫أما بعد‪ ،‬فإني نثبت لجنابكم مكتوبي ُ‬ ‫قاصدا مادريد‪ ،1‬وركب في كروصة مُلوكية‬ ‫السيد أيوب‪ ،‬واآلن ُنعلم جنابكم أن المذكور رحل من الزبوة‬ ‫ل‬

‫ُخصصت لسفر جنابه‪ ،‬ثم ورد لي تلقراف من مسيو أنتوان كونتي ُيعلمني بأن يوم التاريخ متوجهين‬ ‫لمرسيليا‪ ،‬والرسول المذكور حمل معه نواشن دولة البرتقال للمعظم سيدنا دام عزُه ولجنابكم ولعدة أعيان‬ ‫تقييدا في أسامي‬ ‫مذكورة أساميها في التجريدة الواصلة لجنابكم‪ ،‬والمرغوب من فضل جنابكم أن توجهوا لي ل‬ ‫تقييدا في بعض أنفار‬ ‫المتوظفين اآلخرين الذين يرغب لهم المعظم سيدنا نيشان البرتقال‪ ،‬والواصل لجنابكم ل‬ ‫ُ‬

‫ُمتوظفين بدولة البرتقال كان لهم سعي مع الرسول التونسي لما قدم لهذا الطرف‪ ،‬واستحقوا بذلك النيشان‬ ‫التونسي‪ ،‬راغبا من فضلكم عرضها على الحضرة العلية لتُنعم عليهم بذلك‪ ،‬وهذا التقييد هو غير التقييد‬ ‫وجهه لجنابكم بواسطتي األمير أاليمسيو ميلو برالينز ُمعين جناب الراي‪ ،‬إنا أحرص على‬ ‫اآلخر الذي‬ ‫ُ‬ ‫جنابكم في ِ‬ ‫شأنه‪ .‬وقد شرفني مكتوب جنابكم في اإلذن بأن إذا أحتاج السيد أيوب أو مسيو كونتي لشيء‬ ‫شيئا من المال‪ ،‬وخلصني فيه مسيو كونتي قبل‬ ‫من الدراهم للمصروف بأن ندفع لهم ذلك‪،‬‬ ‫ودفعت لهم ل‬ ‫ُ‬ ‫سفرهم‪ ،‬ولكن ساءني عدم تيسري على أن أُحضر لهم الستة أالف فرنك التي طلبوها مني على باريس‪،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫كتبت لجنابكم ذلك بالتلغراف لتأذنني ما يكون عليه‬ ‫ألن ليس لي عاليق متجرية مع المدينة المذكورة‪ ،‬وقد ُ‬ ‫فعله مع‬ ‫نه لما كان جنابكم‬ ‫سيكتب للوزير في الشكر على ما ُ‬ ‫عملي‪ ،‬والى اآلن لم يرد لي الجواب‪ .‬هذا وأ ُ‬ ‫ُ‬ ‫مكتوبا خصوصيا تعلموه فيه برغبة دولة‬ ‫له‬ ‫المعظم سيدنا‪ ،‬فأرغب من فضل جنابكم أن تكتبوا ُ‬ ‫ل‬ ‫رسول ُ‬ ‫المعظم سيدنا بأن يقع تبديل مسيوشميث القنصل بتونس‪ ،‬أو ِ‬ ‫نائبه بقنصل آخر برتقيز أو من جنس آخر‬ ‫ُ‬ ‫المتجربة بين الدولتين فإني ُنحقق لجنابكم‬ ‫ُ‬ ‫تودونه‪ ،‬ويكون أهال العتنائكم به‪ .‬وأما من خصوص الشروط ُ‬

‫المعظم سيدنا تكليفي بوكالة خاصة في هذا الشآن‪ ،‬فإني أسعى بذلك في االحتفاب على‬ ‫ُ‬ ‫بأنه إذا أراد ُ‬ ‫المعظم سيدنا‪ ،‬وبناء الشروط يكون على النسخة التي وجهها لي جنابكم‪ ،‬وال أعقد ش ليئا إال بعد‬ ‫مصالح ُ‬ ‫عرضه‪.‬‬ ‫موافقة دولة الحضرة العلية عليه‪ .‬هذا ما لزم‬ ‫ُ‬

‫‪1‬‬

‫الصحيح "مدريد"‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫بمعنى "عالقات تجارية"‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪71‬‬



‫المجهود الحربي للبالد التونسية أثناء الحرب الكبرى‪:‬‬ ‫التعبئة الصحية لجيوش الحلفاء‬

‫‪1‬‬

‫د‪ .‬علي آيت ميهوب‬

‫المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر‬ ‫جامعة منوبة‬

‫إن أغلب الدراسات التاريخية التي اهتمت بموضوع التعبئة بالمستعمرات زمن الحرب الكبرى قد‬

‫ركزت أساسا على التعبئة العسكرية البشرية‪ ،‬ولم تول اهتماما مماثال لألشكال األخرى من التعبئة‪:‬‬

‫االقتصادية والذهنية وخاصة التعبئة الصحية‪ ،‬حيث ظلت هذه األخيرة مبحثا اشتغل عليه األطباء أكثر‬

‫من المؤرخين‪ ،‬وهو ما جعلها تبقى محاطة بالكثير من الغموض بما في ذلك مفهوم التعبئة الصحية في‬ ‫حد ذاته‪ .‬ويمكن تعريف التعبئة الصحية أثناء الحروب أنها حشد واستغالل االمكانات االستشفائية من‬

‫مقرات صحية واطار بشري في بلد ما قصد معالجة أكبر عدد ممكن من الجرحى والمرضى العسكريين‬ ‫بهدف إعادتهم في أسرع وقت إلى جبهات القتال‪ .‬وتصنف التعبئة الصحية إلى التعبئة في الصفوف‬

‫األمامية والى التعبئة في الجبهات الخلفية‪ .‬وتنامت أهمية هذا الشكل من التعبئة خالل حرب ‪-1914‬‬ ‫‪ 1918‬بحكم التطور النوعي للسالح المستعمل في هذا الصراع‪.‬‬

‫وقد شكلت البالد التونسية إحدى مراكز التعبئة الصحية لجيوش الحلفاء‪ ،‬سيما المنتشرين في‬

‫الجبهة الشرقية‪ .‬فاستقبلت البالد وتحديدا مدن تونس وبنزرت وفريفيل (منزل بورقيبة حاليا) عشرات‬

‫اآلالف من العسكرين المصابين‪ ،‬انتموا إلى جنسيات مختلفة‪ ،‬أغلبهم من الص ِ‬ ‫رب‪.‬‬ ‫َ‬

‫لقد اعتمدنا إلنجاز هذه المداخلة على مجموعة من المصادر والمراجع‪ ،‬أهمها األرشيفات‬

‫الفرنسية (مراسالت المقيم العام الفرنسي "أالبتيت" ‪ Alapetite‬وتقارير هيئة أركان جيش البر‬ ‫الفرنسي)‪ .‬كما استفدنا من الجرائد والمجالت الفرنسية الصادرة بتونس وأساسا جريدتي "الديباش‬

‫تينزيان" ‪ La Dépêche Tunisienne‬وتونس المصورة ‪ La Tunisie illustrée‬واستعنا ببعض‬

‫المقاالت الطبية خاصة أطروحة الطبيب الفرنسي "جيرار فليكس" حول وباء التيفوس الطفحي ببنزرت‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫دون أن أنسى أطروحة األستاذ عبد الرحمن الونيسي حول السياسة الصحية الفرنسية بتونس زمن‬

‫‪1‬‬

‫هذا المقال في األصل مداخلة قمنا بتقديمها في إطار الندوة الدولية ‪" :‬التعبئة االقتصادية واالجتماعية والسياسية والذهنية لبلدان المغرب‬

‫ودول افريقيا جنوب الصحراء خالل الحرب الكبرى" المنعقدة يومي ‪ 29- 28‬ماي ‪ 2015‬بتونس‪.‬‬ ‫‪Félix Gérard, Notions actuelles sur le typhus exanthématique, thèse pour le doctorat, Faculté de‬‬ ‫‪Médecine de Paris, 1919.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪73‬‬


‫االستعمار الفرنسي‪ 1‬ومقال المقدم سمير الشامي حول الصرب بالبالد التونسية أثناء الحرب الكبرى‪.‬‬ ‫وكذلك مقال األستاذ عبد اللطيف الحناشي حول الطب العسكري زمن الحماية‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫جملة من التساؤالت تثيرها هذه الورقة‪ :‬هل كانت البالد التونسية مؤهلة لتكون مرك از للتعبئة‬

‫الصحية؟ ما الذي ميز التعبئة الصحية للبالد التونسية عن غيرها من مراكز التعبئة؟ ماهي انعكاسات‬ ‫التعبئة الصحية على الرأي العام المحلي وعلى الحالة الذهنية للجنود األهالي؟ ما مدى تأثير التعبئة‬

‫الصحية على الوضع الصحي العام بالبالد خاصة وأن قسما من الجنودالذين تم إجالؤهم كانوا مصابين‬ ‫بأوبئة وأمراض خطيرة؟‬ ‫‪-I‬‬

‫البالد التونسية أحد مراكز التعبئة الصحية أثناء الحرب الكبرى‬

‫لقد ارتأت السلطات الفرنسية بعد أشهر من بداية الحرب أن تضيف إلى مراكز التعبئة الصحية‬

‫القائمة بفرنسا مراكز جديدة بكل من الجزائر وتونس وذلك بإنشاء مجموعة من المؤسسات الصحية‬ ‫الوقتية قصد استقبال أكبر عدد من جرحى ومرضى جيوش الحلفاء لمعالجتهم‪ ،‬ثم تأهيلهم ليعودوا‬

‫مجددا إلى جبهات القتال‪.‬‬

‫وكان المقيم العام الفرنسي بتونس من أكثر المتحمسين إلجالء جرحى ومرضى "جيش الشرق"‬ ‫‪ l’Armée d’Orient‬نحو البالد التونسية‪ ،‬وتحديدا نحو المراكز التي ِ‬ ‫اختيرت لهذه المهمة وهي مدن‬ ‫تونس وبنزرت وفريفيل‪ .‬وحاول المقيم العام إقناع وزراء الخارجية والحرب والبحرية الفرنسيين بجدوى‬

‫هذا االختيار‪ ،‬إذ اعتبر في إحدى مراسالته أن بنزرت هي أفضل من المراكز الفرنسية إلجالء جرحى‬

‫جبهة سالونيك‪ ،‬باعتبارها أقصر مسافة من طولون مما يساهم في تقليص مدة اآلالم واألوجاع‬

‫للجرحى‪ .‬كما يقلل من خطر نسف البواخر من قبل غواصات األعداء‪ 4.‬كذلك فإن عودة المصابين‬ ‫إلى جبهات القتال في الشرق بعد تعافيهم هو أيسر وأسرع انطالقا من بنزرت‪ .‬لكن هل كانت البالد‬ ‫التونسية مستعدة لوجستيا الستقبال عشرات اآلالف من العسكريين المصابين‪.‬‬

‫يحسن بنا التذكير أنه والى حدود الحرب الكبرى لم تول فرنسا عناية خاصة بالمجال الصحي‪ ،‬ال‬

‫سيما في مستوى البنية التحتية‪ ،‬فكان عدد المستشفيات محدود جدا‪ ،‬أغلبها عسكرية‪ ،‬أقيمت خاصة في‬

‫المدن التي تركز بها الحضور العسكري الفرنسي (تونس – بنزرت – فريفيل – قابس – سوسة ألخ)‪.5‬‬ ‫‪1‬‬

‫الونيسي (عبد الرحمان)‪ ،‬السياسة الصحية في عهد الحماية ‪ ،1939-1881‬أطروحة دكتورا‪ ،‬كلية العلوم االنسانية واالجتماعية بتونس‪،‬‬

‫‪.2003‬‬ ‫‪Samir Chemi, « Les soldats serbes réfugiés en Tunisie pendant la première Guerre mondiale », in Revue‬‬ ‫‪Tunisienne d’Histoire Militaire, n°4, juin 2014.‬‬ ‫‪3‬الحناشي (عبد اللطيف)‪ ،‬الطب العسكري الفرنسي بتونس‪ :‬بين الممارسة االنسانية والتوظيف السياسي ‪ ،1939-1881‬روافد‪ ،‬عدد ‪،18‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.2013‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ :‬أرشيف و ازرة الخارجية الفرنسية (يذكر الحقاأ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف)‪ ،‬بكرة ‪ ،244‬صندوق‪ ،Ns304‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪ ،29‬رسالة المقيم العام‬

‫الفرنسي بتونس (‪.)18.11.1915‬‬

‫‪5‬‬

‫أرشيف المصلحة التاريخية لجيش البر الفرنسي (يذكر ال حقاأ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف)‪ ،‬بكرة ‪ ،S366‬صندوق‪ ،2H122‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪.20‬‬

‫‪74‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫إال أن طاقة إيواء تلك المؤسسات الصحية ظلت إلى حدود الحرب الكبرى شديدة التواضع ال تتعدى‬

‫األلفي سرير بكامل البالد ‪ .1‬لكن ما إن تقرر تحويل تونس إلى مركز استقبال جرحى ومرضى "جيش‬ ‫الشرق" حتى تم الرفع في طاقة إيواء المستشفيات الموجودة ووقع خاصة إقامة مؤسسات صحية وقتية‬ ‫كانت في األصل مؤسسات تعليمية أو ثكنات عسكرية أو حتى نزل سياحية‪ ،‬وقعت تهيئتها لتتالءم‬

‫ووظيفتها الجديدة أي تقديم الخدمات الصحية المختلفة‪ .‬ما هي أبرز المراكز والمؤسسات التي أوت‬

‫جرحى الحرب ومرضاها؟‬

‫‪ ‬في مدينة تونس ‪:‬‬ ‫ضمت تونس قبل الحرب مستشفى عسكري واحد هو مستشفى البلفدير ويعرف أيضا بمستشفى‬

‫"لوي فايار" ‪ ،Louis Veillard‬شيد سنة ‪ .1886‬لم تتجاوز طاقة إيوائه قبل الحرب ‪ 300‬سرير‬ ‫وارتفعت مع بداية المعارك إلى ‪ 450‬سرير‪2.‬وانطالقا من ‪ 1915‬أقيمت بالعاصمة عدة مستشفيات‬

‫وقتية ومستشفيات مالحق‪ ،‬أبرزها‪:‬‬

‫ المستشفى الوقتي عدد ‪: 1‬‬‫أقيم في "قصر المؤسسات الفرنسية" (دار الثقافة ابن رشيق حاليا)‪ ،‬يعد أول مؤسسة صحية وقتية‬

‫محدثة أثناء الحرب‪ ،‬تقدر طاقة إيوائه بـ ‪ 200‬سرير واستقبل أول دفعة من الجرحى في ماي ‪.31915‬‬

‫‪ -‬المستشفى الوقتي عدد ‪ : 2‬بعث في دار العلمين العليا ‪L’École normale Supérieure‬‬

‫قرب ثكنة "سوسيى" ‪ .Saussier‬استقبل في ماي ‪ 250 : 1915‬جريحا‬ ‫‪ -‬المستشفى الوقتي النموذجي ‪ :‬هو في األصل المدرسة الفالحية االستعمارية‪ ،‬حول هذا‬

‫الفضاء إلى مستشفى بمبادرة من زوجة المقيم العام أالباتيت وبلغت طاقة إيوائه ‪ 80‬سرير‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫‪ -‬المستشفى الملحق عدد ‪ : 101‬هو فضاء نزل "الماجستيك"‪ .‬فقد وضع مالكو المستشفى‬

‫اإلخوة "فادرين" "‪ " Védrine‬مؤسستهم السياحية وتحديدا الطابق األول على ذمة مصلحة الصحة‬ ‫العسكرية‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ -‬المستشفى الملحق اإلضافي ‪ :‬أقيم في مقر "تونس – بالص" ‪ Tunis Palace‬وهو حسب‬

‫مجلة تونس المصورة مقر بالغ الرفاهية‪ ،‬إذ كان معدا الستقبال كبار الزوار‪ُ ،‬حول إلى مستشفى وقتي‪،‬‬ ‫‪6‬‬ ‫وبإمكانه إيواء ‪ 150‬فردا‪.‬‬

‫‪1‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪2‬المصدر السابق‪ ،‬وثيقة ‪.49‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪La Tunisie illustrée (17-7-1915).‬‬ ‫‪La Tunisie illustrée (28-8-1915).‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪La Tunisie illustrée (19-6-1915).‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪La Tunisie illustrée (17-7-1915).‬‬ ‫‪4‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪75‬‬


‫ المستشفى الوقتي عدد ‪ 6‬بسيدي فتح هللا ‪ :‬هو أكبر المستشفيات الوقتية من حيث طاقة‬‫اإليواء التي تصل إلى ‪ 1000‬سرير‪ .‬ومستشفى سيدي فتح هللا كان في األصل ورشات تتبع شركة‬

‫السكك الحديدية‪ ،‬تم إنشاؤه الستقبال الجنود الصرب المرحلين من بنزرت وفريفيل‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫تجدر اإلشارة أيضا إلى أن المستشفى الصادقي‪ ،‬وهو المستشفى المدني الوحيد المخصص‬

‫للمسلمين استقبل عددا من جرحى الحرب‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ ‬في بنزرت – فريفيل ‪ :‬ضمتا قبل الحرب مستشفيين قارين ‪ :‬المستشفى العسكري ببنزرت‬

‫ويعرف بمستشفى الخروبة‪ ،‬شيد في ‪ 1899‬وطاقة إيوائه ‪ 300‬سرير‪ ،3‬والمستشفى البحري سيدي عبد‬

‫هللا بفريفيل‪ ،‬بني سنة ‪ ،1905‬بلغت طاقته اإليوائية ‪ 360‬سرير سنة ‪ ،1914‬ثم ارتفعت إلى ‪760‬‬

‫سرير زمن الحرب‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وعلى غرار العاصمة‪ ،‬أُقيمت ببنزرت و"فريفيل" مجموعة من المقرات الصحية الوقتية تجاوزت‬

‫طاقة إيوائها الجملية ‪ 5000‬سرير‪ ،‬نذكر من بينها ‪:‬‬

‫‪ -‬ثكنة "فار" )‪ : (Farre‬تقع في وسط مدينة بنزرت‪ .‬كانت معدة في األصل لعناصر جيش‬

‫"زواف" ‪ ،Zouaves‬استخدمت كمعزل للمرضى الوافدين على بنزرت وبلغت طاقة إيوائها ‪ 200‬سرير‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ -‬ثكنة "المبار" ‪ Lambert‬هي ثكنة سالح المدفعية‪ ،‬تحولت زمن الحرب إلى مستشفى وقتي‬

‫خصص للعاجزين وكذلك لمن هم في فترة نقاهة بطاقة إيواء بلغت ‪ 350‬سرير‪.‬‬ ‫‪ -‬المستشفى المتنقل بعين الباردة‪ 400( :‬سرير)‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ -‬مدرسة "نوتردام دي سيون" ‪ 350( :Notre Dames de Sion‬سرير)‬

‫‪8‬‬

‫أما بـ"فريفيل" فوقع إقامة مستشفيين وقتيين‪ ،‬شيدا من الخشب‪ ،‬األول بطاقة إيواء ‪ 1500‬سرير‬

‫والثاني ‪ 900‬سرير‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫عالوة على مختلف هذه المؤسسات االستشفائية أنشئت بمنطقة الناظور (‪ 5‬كلم شمال مدينة‬

‫بنزرت) مخيمات للجنود الصرب المتعافين‪ .‬وبإمكان تلك المخيمات إيواء ‪ 10000‬رجل‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫‪1‬‬

‫‪La Tunisie illustrée (13-5-1916).‬‬ ‫‪La Tunisie illustrée (19-6-1915).‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،S367‬وثيقة ‪.193‬‬ ‫‪4‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪5‬المصدر السابق‪ ،‬وثيقة ‪.200‬‬ ‫‪6‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪7‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪8‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪9‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪10‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،494‬صندوق ‪ ،3‬وثيقة ‪ ،373‬رسالة المقيم العام (‪.)3-2-1916‬‬

‫‪76‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫لقد أنشئت جميع هذه المؤسسات والمقرات الصحية بمجهود مشترك بين الحكومة التونسية من‬

‫ناحية وبعض المؤسسات الخيرية وعدد من الخواص األثرياء من ناحية أخرى‪ .‬وقدر المقيم العام‬ ‫الفرنسي تكاليف هذه اإلحداثات ببنزرت لوحدها بمليوني فرنك‪ 1.‬غير أن هذه الجهود في مستوى البنية‬

‫التحتية االستشفائية لم يوازيها مجهود مماثل في مستوى توفير اإلطار الطبي وشبه الطبي‪ ،‬بل على‬

‫العكس من ذلك اشتكت السلطات الفرنسية بتونس من محدودية هذا اإلطار وتقلصه باستمرار نتيجة‬ ‫تجنيد عدد من األطباء والممرضين المقيمين بتونس والتحاقهم بجبهات القتال‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ -II‬أطوار التعبئة الصحية وأهم العناصر الوافدة على البالد‬ ‫شرعت المؤسسات الصحية للبالد التونسية انطالقا من شهر ماي ‪ 1915‬في استقبال جرحى‬

‫الحرب‪ ،‬حيث توافد في هذا الشهر عدد ضخم من الجرحى الفرنسيين والسنغاليين‪ ،‬قادمين من جبهة‬ ‫الدردنيل‪ .‬لكن مع حلول فصل الصيف تقلصت أعداد المرحلين حتى كادت تتوقف‪ ،‬فمستشفيات بنزرت‬

‫القارة والوقتية القادرة على إيواء حوالي ‪ 5000‬رجل‪ ،‬لم يتجاوز المقيمون بها في ديسمبر ‪874 :1915‬‬

‫مريضا‪ 3.‬لقد أثار هذا الوضع امتعاض اإلقامة العامة التي استغربت من بقاء مستشفيات تونس خاوية‬

‫أو تكاد وهي التي أنفق على تهيئتها أموال طائلة‪ 4.‬لقد بررت السلطات الفرنسية تراجع عدد المرحلين‬

‫إلى تونس بارتفاع درجات الح اررة صيفا‪ .‬غير أننا نعتقد أن ذلك السبب كان مجرد ذريعة وأن السبب‬

‫الحقيقي هو تجنب االنعكاسات السلبية للتعبئة الصحية على الحالة الذهنية لعموم التونسيين المجندين‬ ‫منهم على وجه الخصوص‪.‬‬

‫لم تشكل تونس إذن والى حد نهاية ‪ 1915‬أي ثقل في التعبئة الصحية وبقي دورها هامشي‪ .‬لم‬

‫يتغير الوضع إال بقرار الحلفاء في بداية جانفي ‪ 1916‬إجالء قسم من الجيش الصربي نحو بنزرت –‬ ‫فريفيل واستعمل الحلفاء لنقل الصرب إلى ميناء بنزرت انطالقا من مناطق تجمعهم بألبانيا ‪ :‬البواخر‪-‬‬

‫المستشفيات‪ .‬فأرست بالميناء بداية من يوم ‪ 9‬جانفي ‪ 1916‬والى حدود نهاية الحرب ما يزيد عن ‪450‬‬

‫رحلة بحرية أمنتها عدة بواخر – مستشفيات فرنسية وايطالية‪ 5‬في ظروف لم تكن دائما حسنة‪ .‬إذ أُجلي‬ ‫أحد أفواج الجيش الصربي على ظهر باخرة إيطالية‪ ،‬نقلت قبلهم أسرى نمساويين مصابين بوباء‬

‫الكولي ار مما أدى إلى انتشار المرض في صفوف الجنود الصرب‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫ولئن كان من الصعب اليوم تقديم أرقام نهائية ودقيقة ألعداد الجرحى والمرضى الذين توافدوا‬

‫على المؤسسات الصحية للبالد التونسية‪ ،‬فإنه من المؤكد أن تلك األرقام تعد بعشرات اآلالف‪ ،‬وأن‬ ‫‪1‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،244‬صندوق‪ ،Ns300‬وثيقة ‪.24‬‬ ‫‪2‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،180‬وثيقة ‪.20‬‬

‫‪3‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،244‬صندوق ‪ ،Ns300‬وثيقة ‪( 45‬برقية وزير البحرية إلى كاتب الدولة للصحة (‪.)14-12-1915‬‬ ‫‪4‬المصدر السابق‪ ،‬وثيقة ‪( 29‬رسالة المقيم العام ‪.)1915-11-18‬‬ ‫‪5‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،S366‬صندوق‪ 2 H122‬وثيقة ‪.196‬‬

‫‪6‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،494‬صندوق ‪ ،3‬وثيقة ‪ ،149‬رسالة المقيم العام الفرنسي بتونس (‪.)17-1-1916‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪77‬‬


‫الصرب يأتون في مقدمة المرحلين‪ .‬فقد استقبلت مستشفيات بنزرت وفريفيل بين جانفي ‪ 1916‬ونهاية‬

‫‪ 1918‬حوالي ‪ 32963‬صربي أغلبهم عسكريون‪ ،1‬توفي من بينهم اعتمادا على دفاتر الحالة المدنية‬ ‫لبلديتي بنزرت ومنزل بورقيبة (فريفيل سابقا) ‪ 2.2353‬وينقل المتعافون إلى مخيمات الناظور أو إلى‬ ‫مستشفى سيدي فتح هللا بالعاصمة وكذلك إلى الجزائر‪ 3‬وبعد فترة النقاهة والتأهيل يغادرون ميناء‬

‫بنزرت نحو جبهات القتال في الشرق‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وبالموازاة مع الصرب تواصل توافد الجرحى الفرنسيين والسنغاليين خاصة إلى مستشفيات‬

‫العاصمة‪ ،‬حيث استقبل المستشفى العسكري بالبلفدير في الفترة الممتدة بين ‪ 1‬نوفمبر ‪ 1914‬و‪1‬‬ ‫نوفمبر ‪ 1918‬حوالي ‪ 17092‬فردا‪ 5.‬كما نسجل حضور جرحى من بلدان أخرى‪ :‬مدغشقر‪ ،‬الهند‬

‫الصينية‪ ،‬روسيا‪...‬‬

‫والالفت لالنتباه في مسألة الجنسيات الوافدة على البالد التونسية هو انزعاج المقيم العام من‬

‫تنامي أعداد الصرب الذين صارت المستشفيات عاجزة عن إيوائهم جميعا وطالب الحكومة أن تشمل‬

‫التعبئة الصحية لتونس الجنود الفرنسيين بدل الصرب واألفارقة‪ .‬أما المالحظة الثانية فهي استبعاد‬ ‫الجنود التونسيين والمغاربيين عموما من القدوم للمعالجة بتونس فلم يسمح إال بتوافد الجنود الذين‬

‫يقضون فترة النقاهة‪ ،‬ومن دون شك فإن هذا المنع لم تكن دواعيه صحية أو عسكرية بقدر ما كانت‬

‫سياسية‪.‬‬

‫التونسية‬ ‫الصحية على البالد‬ ‫‪ - III‬تبعات التعبئة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصحية وتأثيرها في الرأي العام بتونس‬ ‫‪ - 1‬التعبئة‬ ‫ّ‬ ‫إن المتصفح لمراسالت السلطات الفرنسية بتونس أو بفرنسا المتعلقة بموضوع إجالء الجرحى‬

‫والمرضى نحو البالد التونسية يلحظ الهواجس التي أثارتها هذه المسألة عند تلك السلطات‪ .‬فقد حذر‬

‫المقيم العام الفرنسي من أن يتم إجالء جرحى ومرضى "جيش الشرق" نحو تونس بشكل مفاجئ‬ ‫وبأعداد كبرى ألنه قد يتسبب في آثار سلبية على الحالة الذهنية للتونسيين‪ .‬لذلك طالب بأن تكون‬ ‫التعبئة الصحية لفترة محدودة وأن تحاط بالسرية حتى ال تثير انتباه األهالي ال سيما المجندين منهم‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫فقدوم أعداد كبرى من الجرحى من شأنه أن يزيد من مخاوفهم من هول المعارك‪ .‬وفي هذا اإلطار‬

‫‪1‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،S366‬صندوق‪ 2 H122‬وثيقة ‪.196‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫أرشيف مصلحة الحالة المدنية ببلديتي بنزرت ومنزل بورقيبة‪.‬‬ ‫من بين المدن الجزائرية التي استقبلت الصرب نذكر‪ :‬الجزائر‪ -‬بليدة‪ -‬عنابة‪ -‬ماتيفو‪ -‬وهران‪.‬‬ ‫بلغ عدد الرحالت من بنزرت إلى سالونيك بين ‪ 1916‬و‪ 1918‬حوالي ‪ 67‬رحلة‪.‬‬

‫‪5‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،S366‬صندوق‪ 2 H122‬وثيقة ‪.196‬‬

‫‪6‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،244‬صندوق ‪ ،Ns300‬وثيقة ‪ ،86‬رسالة المقيم العام إلى وزير الخارجية الفرنسي (‪.)1916.3.3‬‬

‫‪78‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫يمكن لنا فهم حرص الفرنسيين على عدم إرسال الجنود المغاربيين للتداوي في بلدانهم األصلية وأن‬

‫يقتصر هذا اإلجراء إن دعت الحاجة إليه‪ ،‬على الجنود الذين ال يستدعي عالجهم زمنا طويال‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫وكان الهاجس األكبر بالنسبة للفرنسيين هو استغالل الدعاية األلمانية – العثمانية اآلخذة في‬

‫االنتشار ببلدان المغرب إجالء الجرحى نحو هذه البلدان‪ ،‬حتى تثبت لألهالي نجاحات الجيشين‬

‫األلماني والعثماني في إلحاق الخسائر الموجعة بجيوش الحلفاء‪ .‬وفي هذا السياق يمكن لنا فهم انزعاج‬ ‫السلطات العسكرية الفرنسية من الحالة السيئة التي كان عليها الجنود الصرب عند وصولهم إلى تونس‪:‬‬

‫مجهدين‪ ،‬جياع وبالكاد مكسووين‪ 2.‬وللحد من اآلثار السلبية للتعبئة الصحية على الرأي العام تعددت‬ ‫المقترحات من ذلك اقتصار التعبئة على مدينتي بنزرت وتونس‪ .‬وجاءت بعض المقترحات ال تخلو من‬

‫طرافة‪ ،‬من ذلك طلب المقيم العام استقدام عدد من أسرى الحرب األلمان واألتراك إلى البالد التونسية‬ ‫والتجول بهم مقيدين في الشوارع واألحياء أمام التونسيين‪ 3‬بغاية استعراض قوة الحلفاء وانتصاراتهم‪ .‬كما‬ ‫حرصت السلطات الفرنسية بتونس على منع اختالط جرحى الحرب الصرب باألهالي‪ ،‬خاصة بعد‬

‫بروز مظاهر توتر في العالقة بين الطرفين‪ ،‬إذ أساء بعض الصرب معاملة األهالي معتبرينهم أتراك‪.‬‬

‫وبدورهم فإن التونسيين لم يرحبوا بالصرب‪ .‬واعتبر المراقب المدني لبنزرت أن منشأ سوء التفاهم هذا‬

‫هو جهل كل طرف للطرف اآلخر وخاصة في مستوى اللغة‪.4‬‬

‫عموما يمكن القول إن التعبئة الصحية مثلت‪ ،‬إضافة إلى عوامل أخرى (تناقل أخبار الحرب‬

‫وخاصة أخبار خسائر الحلفاء وكذلك حرب الغواصات)‪ ،‬عامال مهما أسهم في نفور قسم من التونسيين‬ ‫من الحرب والبحث بشتى الوسائل عن عدم المشاركة في الصراع (دفع مبلغ التعويض‪ -‬الفرار من‬

‫الوحدات العسكرية – العصيان ورفض اإلبحار نحو جبهات القتال)‪ .‬نتيجة أخرى أفرزتها التعبئة‬ ‫الصحية وأثرت سلبا على الحالة الذهنية للتونسيين أال وهي ارتفاع أسعار المواد الغذائية األساسية‪ ،‬بل‬ ‫واختفاء بعضها من األسواق مثل السميد والفرينة‪ 5.‬لذلك طالبت السلطات العسكرية الفرنسية بتونس من‬ ‫نظيرتها في الجزائر بتقديم الدعم وتزويدها بالمواد األساسية‪ 6‬حتى تستجيب للطلب المتزايد في وقت‬

‫تقلص فيه اإلنتاج نتيجة ظروف الحرب وتجنيد اآلالف من اليد العاملة الفالحية‪.‬‬ ‫الطبي ‪:‬‬ ‫‪ -2‬تأثيرات التعبئة الصحية على المستوى ّ‬

‫لئن كان للتعبئة الصحية تأثيرات سياسية واقتصادية عديدة‪ ،‬فإن انعكاساتها الطبية والصحية‬

‫عموما كانت هي األبرز‪ ،‬وشملت مستويات مختلفة ‪ :‬الخدمات الصحية المقدمة للمدنيين‪ ،‬البنية‬

‫التحتية االستشفائية‪ ،‬األمراض والوفيات‪ ،‬االكتشافات الطبية‪.‬‬ ‫‪1‬المصدر السابق‪ ،‬وثيقة ‪.87‬‬

‫‪2‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ½ ‪ ،S212‬صندوق‪ ،16N2934‬وثيقة ‪.651‬‬

‫‪3‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ½ ‪ ،S214‬صندوق‪ ،16N3207‬وثيقة ‪ .24‬برقية المقيم العام الفرنسي (‪.)1916.1.30‬‬ ‫‪4‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ½ ‪ ،S214‬صندوق‪ ،16N3207‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪.23‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪La Dépêche Tunisienne (22.1.1917).‬‬

‫‪79‬‬


‫المقدمة للمدنيين‪:‬‬ ‫* الخدمات الصحية‬ ‫ّ‬ ‫تراجعت الخدمات الصحية المقدمة للمدنيين زمن الحرب بشكل ملموس‪ ،‬إذ ظلت عدة مناطق‬

‫ألسابيع وأحيانا ألشهر دون زيارة الطبيب‪1.‬ويفسر األمر بعاملين اثنين‪ :‬األول‪ :‬توافد اآلالف من‬ ‫الجرحى والمرضى الذين كانت لهم أولوية المعالجة حتى يستأنفوا القتال‪ .‬أما العامل الثاني فهو تجنيد‬ ‫مجموعة مهمة من األطباء والممرضين العاملين بالبالد التونسية‪ .‬وقد طالب المقيم العام بتسريح هذه‬ ‫المجموعة أو جزء منها على األقل حتى تستأنف تقديم خدماتها للمدنيين‪ 2‬وتحديدا األوربيين منهم‬

‫باعتبار أن األهالي كان أكثرهم يعتمد على الطب الشعبي وال يزور المؤسسات الصحية إال نادرا‪.‬‬ ‫* البنية التحتية االستشفائية‪:‬‬

‫ما من شك أن التعبئة الصحية كان لها أحسن األثر في تطوير البنية التحتية االستشفائية بالبالد‬

‫التونسية‪ ،‬فيكفي لتبين ذلك القيام بمقارنة بسيطة بين مستشفيات تونس – بنزرت – فريفيل وبدرجة أقل‬ ‫قابس التي شملتها التعبئة ومستشفيي سوسة وصفاقس اللذان استثنيا من التعبئة‪ .‬فعالوة على الرفع في‬

‫طاقة اإليواء من خالل إقامة أجنحة جديدة فإن مستشفيات تونس – بنزرت – فريفيل شهدت عدة‬

‫تحسينات شملت التجهيزات والمعدات الطبية‪ ،‬حيث تمتع مستشفى بنزرت مثال منذ ‪ 1916‬بالتنوير‬

‫الكهربائي وأحدث فيه السنة الموالية قسم التصوير باألشعة وقسم لألمراض النفسية‪ ،3‬بل أضحت هذه‬ ‫المستشفيات تحظى بوسائل ترفيهية ‪ :‬مكتبة داخل مستشفى بنزرت‪ 4‬وقاعات لممارسة الرياضة ببعض‬

‫مستشفيات العاصمة‪ ،5‬إضافة إلى إقامة مسرحيات وحفالت غنائية لفائدة المرضى‪ .‬في المقابل لم‬

‫يعرف مستشفى سوسة وصفاقس طيلة سنوات الحرب أي تطوير‪ ،‬بل صا ار تقريبا معدومين من اإلطار‬

‫الطبي وشبه الطبي‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫* األمراض والوفيات ‪:‬‬ ‫عرفت سنوات الحرب انتشار عدد من األوبئة واألمراض الخطيرة انتقل جزء منها إلى البالد‬

‫التونسية بفعل التعبئة الصحية وتحديدا بفعل توافد الجيش الصربي الذي قدم إلى البالد حامال معه‬

‫أوبئة خطيرة أهمها التيفوس الطفحي ‪ .Typhus exanthématique‬ونشير إلى أن هذا الوباء كان قد‬ ‫انتشر بداية في صربيا بين ديسمبر ‪ 1914‬وجوان ‪ 1915‬وأدى إلى هالك ‪ 300.000‬فرد من بينهم‬

‫‪ 100.000‬عسكري‪ ،7‬ثم تراجع الوباء دون أن ٌيقضى عليه تماما‪ .‬كما أصيب الجيش الصربي عند‬ ‫‪1‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،180‬صندوق ‪ ،303‬وثيقة ‪ ،20‬المقيم العام إلى وزير الخارجية الفرنسي (‪.)3-8-1917‬‬ ‫‪2‬المصدر السابق‪ ،‬وثيقة ‪ ،67‬اإلقامة العامة إلى وزير الخارجية الفرنسية (‪.)4-12-1918‬‬ ‫‪3‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،S366‬صندوق‪ ،2H122‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪.20‬‬

‫‪4‬األرشيف الوطني التونسي‪ ،‬سلسلة ‪ ،E‬صندوق ‪ ،444A‬ملف ‪ ،18/310‬وثيقة ‪.14-9‬‬ ‫‪5‬‬

‫على سبيل المثال المستشفى الوقتي عدد ‪ 3‬بحلق الوادي‪.‬‬

‫‪6‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،S366‬صندوق‪ ،2H122‬مجموعة وثائق‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪Félix Gérard, op.cit., p.15.‬‬

‫‪80‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫تجمعه بألبانيا بوباء الكولي ار‪ .1‬فهل كانت السلطات الفرنسية على علم بهذه األمراض الخطيرة عندما‬

‫قررت إجالء الصرب نحو بنزرت؟ أال تهدد بهذا اإلجراء السالمة الصحية لسكان البالد التونسية؟‬

‫لقد سجلت بنزرت ظهور أول إصابة بالتيفوس الطفحي يوم ‪ 21‬فيفري ‪ 2 1916‬وانطالقا من هذا‬

‫التاريخ صارت الحاالت تُعد بالمئات مسببة هالك عدد كبير من العسكريين الصرب رغم أن المرض لم‬ ‫يكن دائما قاتال‪ .‬أما وباء الكولي ار الذي انتشر ببنزرت في صفوف الصرب بين جانفي ومارس ‪1916‬‬ ‫فكانت اإلصابة به قاتلة في غالب األحيان‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫لقد أنهكت هذه األمراض القوات الصربية الوافدة على بنزرت خاصة األفواج األولى‪ ،‬حتى أن‬

‫المقيم العام وصفهم بأنهم كانوا عبارة عن هياكل عظمية من شدة الهزال‪ 4.‬وسجلت نسبة الوفيات بينهم‬ ‫نسب مرتفعة جدا ال سيما خالل األشهر األولى (جانفي – فيفري – مارس ‪ -‬أفريل ‪ .)1916‬حيث‬

‫توفي بفريفيل في شهر فيفري ‪ 528 : 1916‬وخالل كامل السنة توفي ‪ 1321‬مثلوا حوالي ‪ %91‬من‬ ‫مجموع الوفيات المسجلة بهذه المدينة خالل تلك السنة‪ 5.‬وبلغ عدد الصرب الجملي الذين توفوا بالبالد‬

‫التونسية أو على ظهر السفن الناقلة لهم إلى تونس ‪ 2353‬أي ما يزيد عن ‪ %7‬من مجموع الصرب‬

‫المصابين الوافدين على البالد‪ .‬ونتجت أغلب الوفيات جراء وبائي التيفوس الطفحي والكولي ار وهو ما‬ ‫يدفعنا للتساؤل عن مدى انتشار هذين الوباءين بين المدنيين؟‬

‫يمكن القول اعتمادا على األرشيفات الفرنسية وكذلك على سجالت الحالة المدنية إن انتقال عدوى‬

‫هذه األمراض إلى المدنيين كان محدودا جدا‪ .‬فحاالت اإلصابة بين المدنيين سواء األهالي أو األوربيين‬

‫تكاد ال تذكر‪ 6‬بينما كانت اإلصابات أكثر عددا في صفوف األطباء والممرضين المعالجين للصرب‪،7‬‬

‫وكذلك في صوف النوتيين على ظهر البواخر الناقلة للصرب‪ .‬لقد اعتبر المقيم العام أن عدم انتقال‬

‫العدوى إلى المدنيين يعد معجزة خاصة بمدينة بنزرت التي أقيم فيها معزل جنود الصرب داخل ثكنة‬

‫"فار" الواقعة في وسط المدينة‪ ،‬مما يبرز نجاعة التدابير واإلجراءات المتخذة لمحاصرة الوباءين‪.8‬‬ ‫ويمكن ُّ‬ ‫عد ذلك من النجاحات الطبية‪.‬‬

‫‪1‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،.‬بكرة‪ ،‬صندوق‪ ،16N2934‬وثيقة ‪.603‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪Félix Gérard, op.cit., p.19-20.‬‬ ‫‪Idem, p.67.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،‬بكرة ‪ ،494‬وثيقة ‪ ،164‬رسالة القيم العام (‪.)30-1-1916‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫سجالت الوفيات ببلدية منزل بورقيبة من ‪ 1916‬إلى ‪.1919‬‬

‫حالة وحيدة للعدوى بالكولي ار سجلت في صفوف أحد االيطاليين بفريفيل في فيفري ‪ 1916‬إضافة إلى عدد من الحاالت للعدوى بالتيفوس‬

‫الطفحي بكل من بنزرت وفريفيل في صفوف األوربيين‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪Félix Gérard, op.cit., p20→22.‬‬ ‫‪8‬‬

‫هذه اإلجراءات اتخذها الطبيب "برتملي"‪ Barthélemy‬ومن بينها ‪ :‬فحص صحي دقيق جدا على ظهر السفن الناقلة للصرب ثم عملية‬

‫فرز للقادمين‪ ،‬فعملية المراقبة داخل المعازل‪ ،‬عملية التطهير والتعقيم ‪...‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪81‬‬


‫* النجاحات واالكتشافات الطبية ‪:‬‬ ‫إن تاريخ الحرب لم يكن كله قاتما‪ ،‬بل تخللته بعض النقاط المضيئة‪ ،‬تمثلت أساسا في‬

‫االكتشافات العلمية والطبية على وجه الخصوص‪ .‬فالتطور النوعي لألسلحة المستعملة أثناء هذه‬

‫الحرب قد قابله إنجازات طبية مهمة‪ ،‬مثل تطور ميدان الجراحة‪ ،‬خاصة جراحة الوجه‪ ،‬وقد كان للبالد‬ ‫التونسية نصيبها من هذه النجاحات‪ .‬فبعد أن اكتشف شارل نيكول سنة ‪ 1909‬مع رفيقيه "كونساي"‬

‫‪ E.Conseil‬و"كونت" ‪ Ch.Comte‬العامل المسبب النتقال عدوى التيفوس الطفحي وهو القمل‪ 1‬تم في‬ ‫سنوات الحرب تأكيد هذا االكتشاف بشكل ال يقبل الشك من قبل عدة أطباء ومن بينهم "بوتال" ‪Potel‬‬

‫المشرف على قسم التيفوس الطفحي بمستشفى سيدي عبد هللا بفريفيل‪ .2‬كما نجح الطبيبان "رانيي"‬

‫‪ Régnier‬و"روبار" ‪ Robert‬العاملين بمعزل مستشفى الخروبة في معالجة ‪ 800‬مصاب بعدوى‬

‫التيفوس من دون أن ينتقل المرض إلى اإلطار الطبي وشبه الطبي بالمعزل‪.‬‬

‫لم تتوقف إنجازات شارل نيكول عند اكتشاف مسبب انتقال عدوى التيفوس الطفحي‪ ،‬بل ابتكر‬

‫أثناء الحرب تلقيحا ضد هذا الوباء‪ ،‬استعمل ألول مرة بمستشفى سيدي فتح هللا واستفاد منه كل اإلطار‬

‫العامل بالمستشفى‪ ،‬فلم تسجل في صفوفهم أية حالة عدوى‪ .3‬ويبقى المصل المضاد للطفح " ‪Sérum‬‬

‫‪ "anti exanthématique‬أهم انجازات شارل نيكول زمن الحرب‪ .‬أُعد هذا المصل بمعهد باستور‬ ‫بتونس في ‪ 1916‬واستعمل ألول مرة بمستشفى سيدي عبد هللا لمعالجة ‪ 31‬مصاب وكانت النتائج‬

‫مشجعة جدا‪ ،‬فصار يصنع بكميات كبرى في معهد باستور بباريس‪.4‬‬ ‫خاتمة‪:‬‬ ‫في خاتمة هذه المقال يمكن التأكيد على نقطتين اثنتين‪:‬‬

‫‪ ‬إن التعبئة الصحية للبالد التونسية زمن الحرب الكبرىلم تكن شأنا صحيا فحسب‪ ،‬بل تداخلت‬

‫فيه االعتبارات العسكرية والسياسية مع الدواعي الطبية االستشفائية لتفرز تعبئة ذات خصوصيات‬ ‫تميزها عن التعبئة الصحية في المراكز األخرى‪ .‬ومن تلك الخصوصيات أن هذه التعبئة كانت محدودة‬

‫في الزمن وخاصة في المجال‪ ،‬وكانت ذات طابع انتقائي للعناصر البشرية‪ ،‬حيث شملت أساسا‬

‫األفارقة وخاصة الصرب الذين أجلتهم فرنسا وهم مصابون بأمراض معدية وخطيرة في حين استبعدت‬ ‫التونسيين والمغاربة خشية تنامي الدعاية األلمانية العثمانية‪.‬‬

‫‪ ‬إن التعبئة الصحية للبالد التونسية وخاصة توافد المرضى الصرب كانت عنص ار رئيسيا في‬

‫تحقيق مجموعة من االكتشافات الطبية الباهرة‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪Félix Gérard, op.cit., p.35‬‬ ‫‪Idem. p.37.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Nicolle Ch. et Blaizot L., « Sur la préparation d’un sérum anti exanthématique expérimental et ses‬‬ ‫‪premières applications au traitement du typhus de l’homme », in Annales de l’Institut Pasteur, n° 9,‬‬ ‫‪septembre 1916, p. 455.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪Félix Gérard, op.cit., p.101.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪82‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


1

‫شهادة الفريق أول "كان" محمد سعيد الكاتب‬ ‫حول نشأة الجيش الوطني ومعارك الجالء‬

‫بوڤزي‬ ّ ‫المقدم عبد العزيز‬ ّ ‫اللجنة الوطنية للتاريخ العسكري‬ Témoignage du Général de Corps d’Arméefeu Mohamed Saïd El-Kateb Résumé : Appartenant à la première promotion des Officiers de l’Armée tunisienne, créée en 1956, Le Général de Corps d’Armée Mohamed Saïd El-Kateb, mis à la retraite définitive en 2011, a vécu plus que 42 ans au sein de cette armée, avant qu’il a été appelé à exercer des fonctions civiles et diplomatiques à l’étranger. Dans son témoignage, le Général a traité dans une première partie les circonstances et les conditions de l’établissement du premier Régiment Interarmes de l’Armée tunisienne ; sa composition, son matériel et ses premiers commandements versés de l’Armée française et leur rôle importantdans l’encadrement et la préparation de ce Régiment afin d’effectuer son premier défilé le 24 juin 1956. La deuxième partie est consacrée au recrutement des jeunes tunisiens ayant formé la première promotion des Officiers de l’Armée tunisienne nommée «Bourguiba», son cycle de formation dans l’école militaire française «Saint-Cyr» et le choix de l’appellation de cette promotion. Quant à la dernière et troisième partie, elle demeure la plus intéressante, puisqu’elle s’articule autour de la bataille de Bizerte en 1961 et plus particulièrement autour de l’expérience personnelle du Général à la tête d’une compagnie mixte de cavalerie installée directement devant la Base stratégique Aérienne de Bizerte.

‫ وهو ينتمي إلى الدورة‬1956 ‫ انخرط بصفوف الجيش الوطني منذ سنة‬،2017 ‫ جويلية‬20 ‫ بجربة وتوفي في‬1936 ‫من مواليد‬

1

‫ دورة بورقيبة – تخرج من المدرسة العسكرية الفرنسية "سان سير" في اختصاص دروع‬- ‫األولى للضباط التونسيين ما بعد االستقالل‬ ‫ واصل المعني باألمر تكوينه العسكري العالي بمدرسة األركان بفرنسا‬.‫وخيالة وتابع تربص فني عالي في رياضة الفروسية بفرنسا‬

.‫والمدرسة الحربية العليا بألمانيا ومعهد الدفاع الوطني بتونس‬

‫ رئيس مكتب‬،‫ آمر الفوج الثقيل التدريبي لألسلحة النصف الثقيلة‬،‫عسكرية منها آمر سرية تدريبية وقتالية‬ ‫قيادية‬ ‫مسؤوليات‬ ‫عدة‬ ّ ‫تقّلد‬ ّ ّ ّ ،‫ آمر اللواء األول بقابس‬،‫ آمر الفوج األول للدروع ببنزرت‬،‫ آمر األكاديمية العسكرية‬،‫ آمر مدرسة ضباط الصف‬،‫األفراد بأركان جيش البر‬ .‫ متفقد عام للقوات المسلحة‬،‫ ملحق عسكري جوي وبحري بباريس‬،)‫رئيس الديوان العسكري لوزير الدفاع (في الحقيقة العسكري والمدني‬

.‫ سمي رئيس أركان الجيوش برتبة فريق أول‬1990 ‫ وسنة‬،‫ عين رئيساألركان جيش البر برتبة فريق‬1987 ‫سنة‬

.‫ دول بجنوب شرق آسيا‬6 ‫ سفير لدى‬،‫ دول بإفريقيا الغربية‬6 ‫ أهمها سفير لدى‬،‫مدنية‬ ‫كما تقلد‬ ّ ‫مسؤوليات‬ ّ ‫ رئيسا للجامعة التونسية لرياضة الفروسية وفي سنة‬: 2000 ‫ فأصبح سنة‬،‫ سنة‬42 ‫ بعد‬1998 ‫أحيل على التقاعد اإلداري في نوفمبر‬ .‫ سنة في خدمة تونس بشرف وأمانة‬55 ‫ أحيل على التقاعد النهائي بعد‬2011

83

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬


‫‪Faut – il encore ajouter le grand succès qu’a évoqué cette compagnie, qui, se‬‬ ‫‪trouvant face à face avec le baptême du feu sans mission, ni instructions de la part‬‬ ‫‪du commandement, a réussi grâce à une étude préliminaire à résister et à infliger‬‬ ‫‪l’ennemi par de grosses pertes surtout en matériel.‬‬ ‫‪Le Général a conclu son témoignage par des remarques personnelles et des‬‬ ‫‪enseignements à tirer de cette expérience, tout en dédiant ce témoignage à tous les‬‬ ‫‪victimes et martyrs de la bataille de Bizerte et en particulier les éléments de la‬‬ ‫‪compagnie mixte de cavalerie ayant bataillé sous son commandement.‬‬ ‫‪Mots-clefs: Guerre de Bizerte. Evacuation. Relation tuniso-française.‬‬ ‫‪Décolonisation. Mémoire nationale.‬‬

‫تشتمل هذه الشهادة الخاصة بالفريق أول متقاعد محمد سعيد الكاتب على المحاور التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬لمحة تاريخية موجزة عن انبعاث الجيش الوطني‬ ‫‪ -2‬دورة " بورقيبة "‬ ‫‪ -3‬مشاركته في معركة بنزرت سنة ‪ 1961‬حول القاعدة الجوية بسيدي أحمد‬ ‫‪ -1‬لمحة تاريخية موجزة عن انبعاث الجيش الوطني‪:‬‬ ‫بعد اإلعالن عن االستقالل الداخلي سنة ‪ ،1955‬وفي خضم عملية تسلم مقاليد السلطة‪،‬‬

‫ونظ ار لألوضاع األمنية غير المستقرة آنذاك‪( ،‬مشاكل الحركة اليوسفية‪ ،‬تواجد جيش التحرير الوطني‬

‫الجزائري بتونس وخاصة على الحدود الغربية الذي كان له تأثير على تونس وخاصة على األمن‬ ‫واالستقرار بها)‪ ،‬ظهرت وتأكدت الحاجة لتكوين الجيش بغرض دعم المؤسسة األمنية التي بعثت‬

‫للوجود في أفريل ‪ ،1956‬غير أن السلطات الفرنسية رفضت هذا الطلب بدعوى أن شؤون الدفاع‬ ‫والخارجية ال تدخل ضمن اتفاقيات االستقالل الداخلي لسنة ‪ .1955‬هذا األمر أجبر السلط التونسية‬

‫على دعوة المنخرطين التونسيين بالجيش الفرنسي للفرار جملة وتفصيال وااللتحاق بالوحدات األمنية‬

‫الوطنية‪ ،‬مما أثار غضب سلطات الحماية وانزعاجها كثي ار‪ ،‬ولم يجسد ذلك فعليا إال بعد االستقالل التام‬

‫في ‪ 20‬مارس سنة ‪ 1956‬فكيف كان ذلك؟‬

‫خالل الفترة الممتدة بين ‪ 20‬مارس و‪ 04‬جوان ‪ ،1956‬تم بعث ما يسمى بالفيلق األول‬

‫لمختلف األسلحة الذي يتركب من عناصر تونسية (ضباط وضباط صف ورجال جيش) ومن سرايا‬ ‫مشاة بأكملها تم نقلها من الجيش الفرنسي إلى الجيش التونسي‪ ،‬إلى جانب سرية من الخيالة تتضمن‬

‫مائة فارس وبعض العناصر األخرى المتخصصة في المدفعية والهندسة واإلدارة التي كانت تنتمي إلى‬

‫"حرس الباي"‪ .‬تدعمت هذه التركيبة بالجنود المدعوين من حصتي ‪ 54‬و‪ 55‬الذين تم تجنيدهم‬ ‫واقحامهم بهذه الوحدات التونسية الجديدة‪.‬‬

‫أما في ما يتعلق باألسلحة والمعدات فقد تمثلت في مسدسات رشاشة ‪ PM MAT 49‬وبنادق‬

‫ماس ‪ 36‬وبنادق ‪ FM 24/29‬وحوالي ‪ 16‬عربة ‪ ،half-tracks‬و‪ 10‬قاذفات ‪.M8‬‬ ‫‪84‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫تم تكوين هذا الفيلق بثكنة بوفيشة وأشرف على إعداده وتحضيره لالستعراض الرائد الحبيب‬

‫الطبيب الذي تقلد فيما بعد منصب رئيس األركان العامة بعد أن رقي إلى رتبة مقدم فعقيد ثم أمير‬

‫لواء‪ ،‬في حين عين الجنرال الكافي قائدا عاما للجيش‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬أرى من واجبي أن أذكر بدور‬

‫الجنرال الكافي في دعم المقاومة المسلحة التونسية بالسالح والذخيرة وهو ال يزال بصفوف الجيش‬

‫الفرنسي‪ ،‬ونظ ار لما تميز به هذا األخير من وطنية وخبرة في المجال العسكري فقد تمت دعوته بعد‬

‫االستقالل لإلشراف على تكوين الحرس الوطني ثم تعيينه قائدا عاما للجيش التونسي بعد حوالي ‪10‬‬

‫سنوات من إحالته عل التقاعد‪.‬‬

‫قامت هذه الوحدات بأول استعراض لها يوم ‪ 24‬جوان ‪ 1956‬بشارع ‪( Gambetta‬شارع‬

‫محمد الخامس حاليا)‪ ،‬ورغم تواضعها عددا وعتادا فقد كان لها تأثير كبير على الرأي العام‪ ،‬وقد تابعنا‬

‫هذا االستعراض وشاهدناه بكل فخر واعتزاز ونحن ال نزال تالمذة بمعاهد التعليم الثانوي‪ ،‬ونحن نتمنى‬ ‫االلتحاق بصفوف الجيش في أقرب وقت‪ .‬تحقق هذا الحلم مباشرة بعد اإلعالن عن نتائج الباكالوريا‬

‫سنة ‪ 1956‬تاريخ انتدابنا فعملنا صلبه حوالي ‪ 40‬سنة ثم رافقناه من خارج الصفوف حوالي ‪ 20‬سنة‬ ‫أخرى وسنبقى ما دمنا أحياء نفرح إلنجازاته ونتألم لعثراته خاصة اليوم في حربه ضد اإلرهاب‪.‬‬

‫يوم ‪ 30‬جوان ‪ 1956‬أي بعد ‪ 4‬أو ‪ 5‬أيام من استعراض ‪ 24‬جوان صدر أمر علي يتعلق‬

‫ببعث هذا الجيش‪ ،‬وينص على تحويل مبنى اإلدارة العسكرية الفرنسيةإلى اإلدارة المركزية للجيش‬

‫التونسي (مبنى و ازرة الشؤون االجتماعية حاليا)‪.‬‬

‫ونظ ار للنقص الفادح في اإلطار خاصة من صنف الضباط المتكونين بالمدارس العسكرية‪،‬‬

‫وباعتبار أن جل الضباط القادمين من الجيش الفرنسي‪ ،‬هم من خريجي الصف باستثناء ‪ 2‬أو ‪ 3‬منهم‬

‫على غرار الجنرال بن يوسف والعقيد الصيد والشهيد الرائد البجاوي‪ ،‬فكرت الحكومة التونسية في‬ ‫ضرورة تكوين هذا الصنف‪ .‬لذا مباشرة بعد إعالن نتائج الباكالوريا للسنة الدراسية ‪ 1956 / 1955‬تم‬

‫اإلعالن عن مناظرة انتداب مجموعة من الشبان بغرض تكوينهم بالمدارس العسكرية للضباط وكان‬

‫الهدف مدرسة "سان سير"‪.‬‬

‫التكوين بفرنسا‪" :‬دورة بورڤيبة"‬ ‫في شهر سبتمبر‪ 1956‬تم اجتياز مناظرة بالمدرسة الصادقية‪ ،‬شارك فيها ما بين ‪ 500‬و‪600‬‬

‫شاب‪ ،‬تم انتقاء ‪ 120‬منهم (من بينهم أنا والعقيد لطفي الغماريالحاضرمعنا اآلن) وتركيزهم بثكنة‬ ‫فورجمول (باب سعدون حاليا) وبدأ تدريبنا على المبادئ األولية للجيش على غرار النظام المنضم‬ ‫وكيفية ارتداء البدلة وربطة العنق وكيفية تقديم النفس لمن هو أعلى رتبة والتحية والسير بالخطوة‪ ...‬وقد‬

‫أشرف على هذا التكوين القاعدي الرائد السقا القادم هو اآلخر من الجيش الفرنسي‪ ،‬والذي تم تعيينه‬

‫الحقا ملحقا عسكريا بباريس أين واصل متابعة التالمذة ضباط الجدد الذين كونوا الدورة األولى لضباط‬

‫"دورة بورقيبة"‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪85‬‬


‫خالل فترة هذا التكوين األولي لتالمذة ضباط "دورة بورقيبة" بثكنة فورجمول وقبل ‪ 4‬أو ‪ 5‬أيام‬

‫من السفر إلى باريس وااللتحاق بمدرسة "سان سير" ازرنا‬

‫الجنرال"‪ ،"Baillif‬القائد العام للقوات‬

‫الفرنسية بتونس وألقى بيننا كلمة وجيزة لكنها هامة جدا بالنسبة إلى كامل عناصر الدورة وخاصة‬ ‫بالنسبة إلى شخصي الحقا عند اندالع معركة بنزرت‪ ،‬فقال بالفرنسية‪:‬‬

‫‪« Je suis convaincu que vous serez de brillants élèves et que vous reviendrez‬‬ ‫‪ayant acquis les connaissances nécessaires pour faire honneur à la Tunisie et à la‬‬ ‫‪France qui aura aidé dans votre formation».‬‬

‫وحول تسمية هذه الدورة األولى "دورة بورقيبة"‪ ،‬أشير أنه في أواخر شهر ديسمبر‪ ،1956‬رجع‬

‫العديد من التالمذة ضباط إلى تونس بمناسبة رخصة آخرالسنة وأثناء ذلك‪ ،‬طلب التلميذ ضابط عبد‬

‫الرزاق سعيد‪ ،‬الناطق باسم الدورة‪ ،‬مقابلة الرئيس بورقيبة الذي كان وقتها وزي ار للدفاع (‪ 14‬أفريل ‪/ 56‬‬

‫‪ 29‬جويلية ‪ )57‬وأعلمه برغبة التالمذة تسمية دورتهم باسم " دورة بورقيبة" فوافقه على ذلك‪.‬‬

‫تواصل تكوين هذه الدورة مدة سنة وثالثة أشهر وكانت مقسمة إلى قسمين‪ ،‬حيث تابع حوالي‬

‫‪ 100‬تلميذ تكوينا سريعا لم يتجاوز السنة نظ ار لحاجة الجيش التونسي إلى إطار الضباط‪ ،‬في حين‬

‫تابع البقية‪ ،‬وعددهم عشرون‪ ،‬تكوينا عاديا على غرار الدورات الفرنسية‪ .‬وقد حظيت المواد العسكرية‬

‫خالل هذا التكوين السريع بنصيب األسد من حيث المواضيع والحيز الزمني (‪ 8/7‬أشهر)‪.‬‬

‫إثر ذلك تم اختيار سالح االختصاص وكانت العودة النهائية إلى تونس بح ار انطالقا من ميناء‬

‫مرسيليا خالل الليلة الفاصلة بين ‪ 31‬ديسمبر ‪ 57‬وغرة جانفي ‪.58‬‬ ‫معركة الجالء ببنزرت‬

‫تعد هذه المعركة من أهم األحداث التي عاشها الجيش التونسي خاصة أنها جاءت بعد ‪ 5‬سنوات‬

‫فقط من انبعاثه‪ .‬هذه األحداث عشتها شخصيا وقد دونتها في شكل مذكرات شخصية لنفسي ولتاريخي‬

‫عام ‪ 86/85‬ووجهتها لبعض وزراء الدفاع لكن لم يتم استغاللها ولم يستفد منها العسكريون الستخالص‬

‫العبرة من تجربة ضابط برتبة مالزم حديث العهد بالجيش وبالحروب غير مؤطر متحمس ومندفع‬

‫للدفاع عن الوطن‪.‬‬

‫ظروف تقديم الشهادة‬ ‫قدمت هذه الشهادة يوم ‪ 19‬جويلية ‪ ،2011‬ولألمانة فقد كان ذلك بتشجيع من أعضاء جمعية‬

‫قدماء ضباط الجيش الوطني الذين اقترحوا علي إعداد محاضرة عن الموضوع لتقديمها للعموم‪،‬‬

‫فاستحسنت األمر خاصة وأن هذه األحداث‪ ،‬كنت قد سجلتها مدعمة بوثائق فرنسية أمضاها وأصدرها‬

‫األميرال "أمان" َ(‪ )Amman‬قائد القاعدة اإلستراتيجية ببنزرت في شهر أكتوبر‪ 1961‬وتروي بالصورة‬

‫أحداث بنزرت‪ .‬رجعت إليها لدعم روايتي وتأكيد مصداقيتها إذ شهد شاهد من أهلها بل أولهم وهو‬

‫‪86‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫الجنرال "أمان"‪ ،‬ففيسنة ‪ ،1981‬أي بعد ‪ 20‬سنة من أحداث بنزرت‪ ،‬عينت ملحقا عسكريا بباريس‪،‬‬

‫وكان الرائد بالبحرية الشاذلي الشريف ملحقا بالقسم العسكري بسفارة تونس بباريس لمتابعة بناء ثالث‬

‫قاذفات صواريخ بحرية ‪ combattantes‬بإمكانها أن تضرب الهدف على مسافة ‪ 20‬كلم‪ ،‬كانت القيادة‬

‫طلبتها من شركة بناء السفن الحربية‪ ،‬ومن حسن الحظ أن رئيس هذه المؤسسة لبناء السفن الحربية‪،‬‬

‫كان األميرال "أمان" آمر القاعدة الجوية بسيدي أحمد زمن معركة بنزرت‪ ،‬بعد إحالته على التقاعد‪.‬‬

‫وبحكم مهمتي كملحق عسكري‪ ،‬كنت أتردد على مقر هذه الشركة رفقة الرائد الشريف‪ ،‬وهناك كان‬ ‫اللقاء الثاني سلميا طبعا وحتى وديا هذه المرة باألميرال "أمان" وتوالت لقاءاتنا ونقاشاتنا الموضوعية‬

‫حول مأساة بنزرت‪ ،‬وعند مغادرتي باريس بعد ثالث سنوات‪ ،‬سلمني األميرال "أمان" نسخة من هذه‬

‫الوثيقة‪.‬‬

‫إن الهدف من هذه الشهادة ليس المس من سمعة المؤسسة العسكرية العتيدة التي نشأت صلبها‬

‫وال برجالها‪ ،‬األحياء منهم والمتوفين‪ ،‬الذين الزلت أكن لهم عميق التقدير‪ ،‬بل أردت فقط من خاللها‬ ‫نقدا موضوعيا‪ ،‬أحسست دوما أنه تم التغافل عنه‪ ،‬رغم ذلك الزلزال الذي ألم بجيشنا الفتي وحتى‬

‫بتونس في وقت قريب بعد استقاللها‪ .‬كما ستروي هذه الشهادة بالضرورة تجربتي القتالية ولقائي األول‬

‫مع نار العدو "‪ "le baptême de feu‬ذلك الغول األسطوري الذي ينزل الرعب في قلوب المقاتلين بما‬

‫في ذلك الشجعان منهم‪ ،‬ويصعب علي كذلك ذكر هذه الحوادث والتخلص من آثار تلك الصدمة‬ ‫النفسية العنيفة التي ألمت بي وبرفقائي في تلك الظروف الخارقة والتي كانت تنذر بحدوث الكارثة‬

‫الكبرى لي ولزمالئي من ضباط وضباط صف وجنود‪ ،‬ولذلك يصعب اإليجاز المنشود الذي يختص به‬ ‫كل رد خبر عسكري تقليدي في هذه الرواية‪ ،‬ألنه كما يقال "في اإلكثار تكون األعذار"‪.‬‬ ‫االستعداد لمعركة‬ ‫في البداية أرى أنه من المفيد إدراج هذه البرقيات الصادرة عن قيادة القاعدة اإلستراتيجية ببنزرت‬

‫إلى قياداتها بباريس ‪.‬‬

‫‪Mercredi 19/07/1961 :‬‬ ‫‪Texte : En raison de la gravité de la situation, L’Amiral a demandé à 18h56‬‬ ‫‪l’envoi d’extrême urgence des renforts prévus au plan « charrue longue ».‬‬ ‫‪- à 19h26 l’autorisation (accordée) de sortir des enceintes pour neutraliser, si‬‬ ‫‪nécessaire les pièces repérées susceptibles de harceler la base pendant la nuit.‬‬ ‫‪- à 21h00 fait appel à des avions basés en Algérie pour assurer une couverture‬‬ ‫‪de la base dès le lever du jour, en prévision d’une possible neutralisation du terrain‬‬ ‫‪pendant la nuit.‬‬ ‫‪Jeudi 20/07/1961 :‬‬ ‫‪Au moment où la nuit du 19 au 20 s’achève l’ennemi déclenche à partir de‬‬ ‫‪04h00 un violent tir de mortiers sur Sidi Ahmed - le N 2501 immobilisé la ville est‬‬ ‫‪incendiée - 5 avions de liaison ont été endommagés.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪87‬‬


‫‪Les avions de combat abrités dans les hangars en béton ne sont heureusement‬‬ ‫‪pas atteints. Si les Tunisiens poursuivent et intensifient, comme il est probable, leur‬‬ ‫‪action avec les moyens dont ils disposent, dans les environs de la base, la situation‬‬ ‫‪peut devenir très vite critique.‬‬ ‫‪Jeudi 20 Juillet 4h45 :‬‬ ‫‪Décollage des avions «corsaires» et «mistrals» et attaques des positions‬‬ ‫)‪adverses (Gare‬‬ ‫‪Une compagnie de paras sort des enceintes est stoppée malgré un tir de‬‬ ‫‪protection d’artillerie de 83 obus et de l’appui de l’action qui attaque à la roquette et‬‬ ‫‪au canon.‬‬ ‫‪Faisant preuve de beaucoup de mordant les Tunisiens ne sont réduits que par‬‬ ‫‪des bombes de 500 livres.‬‬

‫‪ -‬هنا يمكن أن نتساءل‪ :‬لماذا ومن كان ال يريد (مدة نصف قرن) تحقيق هذا العمل التقني‬

‫المتأصل في عادتنا العسكرية‪ ،‬أال وهو نقد كل عمل بعد القيام به مباشرة‪.‬‬ ‫‪ -‬شهر جويلية ‪ : 1961‬كيف كان حالي وحال سريتي ورجالها؟‬

‫‪ -‬كنت آنذاك ضابطا برتبة مالزم أول عمري ‪ 25‬سنة قضيت منها ‪ 5‬سنوات تحت السالح مع‬

‫القليل من التجربة نظ ار إلى أن المحيط الذي كنت أعيش فيه كان غير مؤهل إلنماء معلوماتي الفنية‪،‬‬

‫وفي تلك األثناء لم يمض على زواجي أكثر من ثالثة أشهر‪.‬‬

‫أما سريتي فقد كانت متكونة من ضباط صف وجنود جلهم مستجدون‪ ،‬بحيث كان جميعنا يجهل‬

‫طعم نار العدو‪.‬وكانت السرية مجهزة بمدافع متواضعة جدا من نوع الهاون ‪ 81‬مم التي تعود إلى‬

‫الحربين العالميتين‪ ،‬وبالتالي لم تكن األمور على أحسن حال‪ ،‬لكن ما العمل؟ وجب التعامل مع‬

‫الموجود‪ .‬يا لها من متناقضات كانت المعادلة صعبة المنال كنا هاجمين على "جبل بقادومة" وملزمين‬ ‫بالتفوق‪.‬‬

‫رد الخبر وترتيب األحداث‬ ‫يوم ‪ 6‬جويلية ‪ 1961‬صباحا بعد أن حط رحلي حول المحطة وقبل مغادرتي خاطبني آمر الفوج‬

‫الخامس قائال‪" :‬هذا الشانطيعلى ذمتك‬

‫فعليك بحفر الخنادق والحفر بدون تهاون هذاك هو‬

‫الصحيح "‪ .‬كان ذلك غاية في اإليجاز واإلبهام خاصة أنه لم يفدني ولو بكلمة عن المهمة التي قدمت‬

‫من أجلها إلى "بر األغوال واألهوال "وال شك أنه هو نفسه كان يجهلها وغير قادر على ارتجال مهمة‬

‫تشفي غليلي‪.‬‬

‫بعد رحيل اآلمر وجدت نفسي وحيدا في الواجهة متروكا لحالي وجها لوجه مع مصير مجهول‬

‫قبالة جيش فرنسي طالما حدثنا زمن تكويننا بفرنسا " للتأثير على عقولنا" عن تجاربه الطويلة وبطشه‬ ‫وانتصاراته في الحروب األوربية (الحربان العالميتان) والحروب االستعمارية وخاصة حرب فيتنام وحرب‬

‫‪88‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫الجزائر التي ال زالت تدور رحاها آنذاك (كانت جل قوات الدعم آتية من الجزائر)‪ .‬هكذا وجدت نفسي‬ ‫منعزال تعوزني التجربة القتالية وخاصة ذلك اللقاء األول مع العدو الذي يعتبر أثمن كسب لكل مرشح‬

‫للقتال‪.‬‬

‫قضيت ليلتي األولى بسيدي أحمد في تركيز سريتي حول المحطة وتحت الخيام الفردية مع‬

‫الحرص الشديد على سرية وجود سالح الهاون‪ ،‬وقد مضت تلك الليلة دون أن تسعفني بالنصائح التي‬ ‫كنت في أشد الحاجة إليها‪ ،‬بل غمرتني بشتى الكوابيس )‪ ،)Cauchemars‬فلم أذق طعم النوم بالمرة‪.‬‬

‫في الغد باك ار‪ ،‬وتحت وطأة هذا الحدث المفاجئ الذي فرض علي‪ ،‬عدت إلى الواقع المر‬

‫ومسكت بقرني ذلك الثور المارد‪ .‬وبإعانة آمري فصيل الحماية‪ ،‬أعطيت لنفسي ولسريتي المهمة‬

‫التالية التي كان محورها سالح الهاون ‪.‬‬

‫‪ -1‬درس كيفية استعمال مدافع الهاون لدك أهم النقاط الحساسة األربع للقاعدة الجوية ببنزرت‪.‬‬ ‫‪ -2‬تحديد مهمة فصيل الوقاية لحماية فصيل الهاون من كل عمل عدواني مفاجئ‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحسين شبكة الخنادق خاصة مواقع األسلحة الرشاشة‪.‬‬ ‫‪ -4‬درس عملية انسحاب تكتيكي‪.‬‬

‫ولتحقيق ذلك كله وجب‪:‬‬

‫‪ -1‬انتقاء أهم النقاط الحساسة (‪ )4‬ووضعها على الخريطة وتسجيل عناصر الرميلكل هدف‪.‬‬ ‫‪ -2‬تدريب مفارز الهاون على تنفيذ الرمي ( ‪.)Drill‬‬

‫‪ -3‬مواصلة تحسين شبكة الخنادق لحماية األفراد والتجهيزات‪.‬‬ ‫‪ -4‬تحديد مسار االنسحاب ومراحله‪.‬‬ ‫اكتشاف األهداف المنشودة‪:‬‬ ‫للغرض‪ ،‬كان ال بد من االقتراب أكثر من بنية القاعدة‪ ،‬لذا بعد التنكر وشديد الحذر‪ ،‬ارتديت‬

‫اللباس األزرق لسواق )‪ (Bleu de chauf‬وامتطيت قاطرة تابعة للشركة التونسية للسكك الحديدية‬

‫وتنزهت عديد المرات ذهابا وايابا بين سيدي أحمد والخروبة باحثا عن تلك األهداف الثمينة وعن كل ما‬

‫عسى أن يثري قائمتها‪ ،‬غير أنه لسوء الحظ لم تكن لي خارطة للقاعدة‪ ،‬فال القيادة وال أنا أيضا فكرنا‬

‫في ذلك إذ كنت أجهل حتى وجهتي عند مغادرتي باب سعدون‪ .‬فما العمل؟ إذ أنه ال سبيل إلى رمي‬

‫فعال بالهاون على مسافات طويلة ( ‪ 1000‬و‪ 5000‬م) دون خريطة خاصة إذا كان الرمي بالليل‪.‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬ولحسن الحظ ازرني صدفةأحد أقاربي "المرحوم عبد العزيز فراوة" أحد قدماء‬

‫المقاومينوالذي كان يشغل مهمة معتمدبمنزل بورقيبة فأعلمته بمشكلتي وتحمس لها وتمكن فعال من‬

‫الحصول على نسخة من بلدية منزل بورقيبة وأمدني بها‪ .‬وهنا أؤكد أنه لوال هذا المكسب الثمين وغير‬

‫المتوقع‪ ،‬لكانت نتائج رمي الهاون غير مركزة وسخيفة لدى الفرنسيين‪ .‬ولكنا موضع سخرية‪ ،‬كما سخر‬ ‫الجنرال "ديغول" من اإلرهابي الذي حاول اغتياله ناعتا إياه بأنه "رامي رديء"‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪89‬‬


‫تجدر اإلشارة هنا إلى حدث بسيط في حد ذاته لكنه هام جدا في انعكاساته‪ ،‬تمثل في اكتشافي‬

‫لمحول هاتف‪ ،‬وبمساعدة أخصائي من و ازرة االتصاالت (سي الدمرجي‪ ،‬الذي كان زميال لي بالمعهد‬ ‫العلوي) تبين أنه كان يربط بين قاعدة سيدي أحمد والخروبة ومنزل بورقيبة )‪. (Arsenal‬‬

‫بعد التنصت عدة أيام بدون انقطاع‪ ،‬تبين أن الفرنسيين يستعدون الستقبال عدة وحدات برية‬

‫وبحرية وجوية لدعم وجودهم والتصدي لما عسى أن يحدث‪ .‬هذه المعلومات تم نقلها طبعا حال‬

‫الحصول عليها إلى القيادة السياسية‪ ،‬وال شك أنها ساهمت في تعكر العالقات ومواصلة التصعيد مع‬

‫فرنسا‪ ،‬كما أعطت تعلة للرئيس بورقيبة لإلسراع بفرض حظر جوي ضد الطيران الفرنسي باإلمكانيات‬ ‫الهزيلة المتاحة‪.‬‬

‫كان هذا القرار الذي سمعته عبر اإلذاعة أوال والذي تم تأكيده فيما بعد ببرقية من القيادة يهم‬

‫سريتي بالدرجة األولى نظ ار لتمركزها بجانب القاعدة الجوية‪.‬‬ ‫يوم األربعاء ‪ 19‬جويلية ‪ :1961‬ذلك اليوم المشهود‬

‫بعد اإلعالن رسميا عن الحظر الجوي‪ ،‬صارت الحالة على وشك االنفجار‪ .‬وحوالي الساعة‬ ‫الثانية بعد الظهر قدم لي ضابط الصف المكلف باالتصاالت الالسلكية )‪ (Radio 694‬برقية مشفرة‬ ‫تأمرني بالتصدي ألية محاولة الستعمال بنية القاعدة من قبل العدو‪.‬‬

‫نزلت علي البرقية نزول الصاعقة فتملكني الخوف ولم أعرف ما العمل؟ لتهدئة روعي وأمال في‬

‫ربح الوقت فكرت في حيلة علها تخرجني من هذا الوضع الخطير فطلبت من القيادة تأكيد هذا األمر‪،‬‬ ‫وفي ق اررة نفسي كنت أطلب من هللا العلي القدير أن يسعفني ويتدخل بسرعة فائقة إللغاء هذه البرقية‬

‫المشؤومة‪.‬‬ ‫في انتظار الرد وجب علي تدارك األمر وتحمل مسؤولياتي كآمر ولحفظ ماء الوجه أمام أفراد‬

‫سريتي‪ ،‬بادرت بدعوة آمري فصيلي الهاون والوقاية وأعلمتهما بذلك الخبر الساروأكدت لهما التوجيهات‬ ‫الخاصة بمخططنا القتالي الذي وضعناه سويا في األيام القليلة الماضية‪.‬‬

‫وبما أن المصائب ال تأتي ف اردى عادة‪ ،‬فوجئنا بالرد في سرعة قياسية وفي أسلوب غاية في‬

‫الصرامة‪ :‬رجوعا إلى البرقية كذا‪ ...‬تأكيد موضوع البرقية كذا‪...‬التنفيذ بدون تردد قف انتهى‪.‬‬

‫ذكرني ذلك بالفصل األول الشهير من القانون العسكري الفرنسي (أول ما حفظنا) ‪(Exécution‬‬

‫)‪ ،sans hésitation ni murmure‬كانت خيبة األمل جد كبيرة وكادت تأتي على معنوياتي‪ .‬هكذا‬

‫وتحت القهر (مرغم أخاك ال بطل) دقت طبول الحرب وصحت في رجالي للتأهب للقتال إذ تبين أنه ال‬ ‫مفر من ذلك وأن الكارثة آتية ال ريب فيها‪ .‬تم كل ذلك في همس رهيب دون تلك األبواق والطبول التي‬

‫كانت ترافق في القرون الماضية صوالت سرايا الخيالة أثناء كرها على العدو‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫حوالي الساعة الثانية بعد الظهر‪ ،‬حطت أول طائرة نقل فرنسية ‪ N 2501‬بأقصى الجهة الشرقية‬

‫للقاعدة ولم نتفطن لها‪ ،‬ثم سارت غربا على المدرج الرئيسي ( المطول) قبالة الرشاش حيث كنت‬ ‫متربصا‪ ،‬ولعلي أظن أن الفرنسيين جازفوا بهذه العملية لسبر نوايانا ومعرفة قدرتنا على رد الفعل‪.‬‬

‫عندما وصلت الطائرة على مرمى الرشاش أذنت بإطالق النار عليها عدة مرات دون جدوى‪ ،‬إذ كان‬ ‫أفرادنا تحت سيطرة الخوف غير قادرين على إطالق النار حتى على العدو الذي كان بصدد غزو‬

‫القاعدة‪.‬‬

‫أمام هذا الموقف الرهيب‪ ،‬بادرت بأخذ الرشاش من الرامي وأطلقت النار على الطائرة إلى أن‬

‫حادت عن مسارها وهوت في الخندق الحامي للمدرج‪ .‬تراجع الفرنسيون وقررواعدم مواصلة هبوط‬

‫الطائرات والقيام بإنزال جوي للمظليين‪.‬‬

‫رفعت هذه المبادرة كابوس الخوف عن كافة أفرادنا فأطلقوا العنان فكان رميا عشوائيايصعب‬

‫التحكم فيه ونتج عنه استهالكمفرط للذخيرة‪ ،‬جعاللفرنسيين في وضع ال يحسدون عليه وال بد أن ذلك‬

‫الحصار الخانق كان قد ذكرهم بوضع مشابه "بديان بيان فو" بفيتنام سنة ‪ 1954‬وتأكدوا بذلك أن‬

‫التاريخ قد يعيد نفسه أحيانا‪.‬‬

‫بعد تعطب الطائرة بواسطة الرشاش‪ ،‬تعززت سريتي بمفرزة مدفع ‪17 Pounder‬مضاد للدبابات‬

‫ومفرزة رشاش ‪ 50‬مضاد للطائرات تابعتين لفوج المدفعية‪ ،‬كانتا قد نجتا من تدمير محقق للفوج عند‬

‫مروره أمام الباب الرئيسي للقاعدة ونحن في أوج االشتباك مع طيران العدو‪ .‬فاغتنمت هذا الدعم غير‬

‫المنتظر والمفاجئ والمرحب به وأمرته برمي تلك الطائرة المعطبة التي حسم أمرها في لمح البصر‪.‬‬

‫تواصل االشتباك مع الطيران كامل المساء وخفت وطأته مع الغروب فخيم هدوء حذر مكنني من‬

‫تفقد شبكة الخنادق باحثا عن قتلى وجرحى فلم أجد شيئا يستحق الذكر‪.‬‬ ‫إنها المعجزة حقا‬

‫في تلك األثناء‪ ،‬تبينت لي قيمة تعليمات آمر الفوج الخامس الملحة على حفر الخنادق والتي في‬

‫رأيي تبقى قاعدة صالحة لكل زمان ومكانحتى مع استعمال النووي‪.‬‬

‫حوالي الساعة الثامنة ليال‪ ،‬ورد علينا المالزم أول نور الدين بوجالبية المكلف باالستعالمات‬

‫بالفوج والذي تمكن من التسلل إلى موقعنا للتعرف على حالنا بعد هذا اليوم االستثنائي المرهق‪ .‬فطلبت‬

‫منه تعويض الذخيرة التي تم استهالكها وأحطته علما بما تم تخطيطه لمواصلة المواجهة والمتمثل‬

‫خاصة في الرمي بالهاون فجر الغد‪ ،‬ثم االنسحاب (يوم الخميس ‪ 20‬جويلية) والمالحظ أني ال زلت‬

‫في انتظارتلك الذخيرة منذ نصف قرن‪ .‬وأشير هنا أنه ال غرابة في ذلك ألن اللوجستيك لم تكن تتبع‬ ‫الوحدات المقاتلة (كما يقال) ولم تكن توجد حتى ضمن مشاغل القيادة التي تجاوزتها األحداث‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪91‬‬


‫بعد مغادرة المالزم أول بوجالبية‪ ،‬تأكد الهدوء فأخذت بزمام األمورمن جديد لتحديد لوازم مواصلة‬

‫القتال في الغد فتم تأكيد ما يلي آلمري الفصيلين كل حسب اختصاصه‪.‬‬

‫‪ -1‬شحن عناصر رمي الهاون في آالت التصويب لمدافع الهاون وتجهيز القذائف ثم تمرين‬

‫المفارز على تنفيذ الرمي بسهولة )‪.(Drill‬‬

‫‪ -2‬إجراء اللمسات األخيرة لتحسين مواقع األسلحة الرشاشة‪.‬‬ ‫‪ -3‬في الغد على الساعة الرابعة بالضبط وبعد اإلذن بإطالق نار الهاون المبرمج كامال بدون‬

‫انقطاع‪.‬‬

‫‪ -4‬التهيؤ لالنسحاب مباشرة بعد الرمي وبعد تلقي األمر لذلك وتفادي العدو في صورة لقائه‪.‬‬ ‫كانت الليلة الفاصلة بين ‪ 19‬و‪ 20‬جويلية جد قصيرة حيث حرصنا على تطبيق التعليمات‬

‫السابقة‪.‬‬

‫يوم الخميس ‪ 20‬جويلية ‪ : 1961‬الساعة الرابعة تماما‪:‬‬ ‫‪ -1‬تم إطالق نار مدافع الهاون األربعة بالتزامن ‪ 160:‬قذيفة في حوالي ‪ 25‬دقيقة بمعدل ‪40‬‬

‫قذيفة لكل مدفع‪.‬‬

‫‪ - 2‬قبل أن أتمكن من إعطاء أمر االنسحاب غمرنا الرمي المضاد المنتظر لمدفعية العدو‬

‫فأجبر الكثيرين على عدم مغادرة الخنادق الواقية وأفشل االنسحاب المنظم‪.‬‬

‫‪ - 3‬أمرت باالنسحاب الفردي فاستحال حمل مدافع الهاون وسيارة الجيب الحاملة للراديو‪.‬‬ ‫‪ - 4‬حالما بزغ نور الفجر‪ ،‬تدخل الطيران بمدافعه وصواريخه وقنابله ذات ‪ 250‬كغ إلجبار من‬

‫تبقى في الخنادق على عدم مغادرتها والفتك بهم داخلها ولمنع من غادرها من االنسحاب‪.‬‬

‫‪ - 5‬تحت هذا الرمي المركز‪ ،‬اعتقد البعض أنهم في مأمن داخل الخنادق فرفضوا مغادرتها‬

‫واالنسحاب فأخطؤوا في ذلك‪.‬‬

‫نتج عن ذلك استشهاد ثلث السرية وأسر الثلث ونجا الثلث الذي جازف ونفذ تعليمات االنسحاب‬

‫التكتيكي‪ .‬وهنا تجدر اإلشارة إلى أنه كان من األجدى إطالق نارالهاون على الساعة الثانية بعد‬ ‫منتصف الليل ليتم االنسحاب تحت جنح الظالم‪ ،‬لكن قلة التجربة جعلتني ال أفكر في ذلك‪.‬‬

‫في مخطط االنسحاب كانت نقطة اللقاء األول ضيعة على بعد ‪ 2500‬م من المحطة‪ ،‬نقطة‬

‫االنطالق‪ ،‬وقد كان معدل الوقت للوصول إليها ‪ 12‬ساعة قضيناها في مراوغة طيران العدو‪.‬‬

‫شخصيا‪ ،‬أدركت الضيعة حوالي الساعة السادسة مساء أين وجدت عددا من المنسحبين ال‬

‫يتجاوز ‪ 25‬فردا‪ .‬عندما خيم الليل وتأكدت من عدم وصول آخرين‪ ،‬قسمت المجموعة إلى خمس‬ ‫‪92‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫مفارز وجهتها نحو مركز شرطة تينجة مستعينين بالسكة الحديدية وحددت موعد اللقاء على الساعة‬ ‫الواحدة من صباح الغد‪ ،‬وقد كنت على رأس آخر مفرزة في الموعد والمكان المحدد بالضبط أين وجدت‬ ‫كافة المفارز‪.‬‬

‫يوم الجمعة ‪ 21‬جويلية ‪:1961‬‬ ‫حالما دخلت مركز الشرطة‪ ،‬اتصلت هاتفيا بالجنرال طبيب رئيس األركان العامةالذي فوجئ ولم‬

‫يصدق أني ال زلت على قيد الحياة مع ثلة من رفاقي إذ كانت القيادة تحسبنا في عداد المفقودين‬

‫واألموات لما وصلها من أخبار عن شراسة القتال مساء األربعاء ‪ 19‬وقصف القاعدة ورد فعل العدو‬

‫المحتمل يوم ‪ 20‬جويلية‪ .‬تدارك الجنرال طبيب وسر لذلك ومكنني من رد خبر موجز وأمرني بالرجوع‬

‫إلى العاصمة إلعادة بناء فصيل الهاون والمشاركة في التصدي ألي عدوان محتمل للعدو بعد أن تم‬

‫دك بنية مطار سيدي أحمد‪.‬‬

‫يوم السبت ‪ 22‬جويلية ‪:1961‬‬ ‫كانت التعليمات تنص على العودة والتعجيل الكتشاف أفراد آخرين مؤهلين لالستيعاب بسرعة‬

‫مهام طاقم مدفع الهاون (‪ 81‬مم) التي تعتبر معقدة نسبيا‪ ،‬غير أن وقف إطالق النار الذي صدر عن‬

‫األمم المتحدة يوم ‪ 23‬جويلية ‪ 1961‬ليال أراد غير ذلك فلم نتمكن من مصارعة العدو مجددا مدعمين‬ ‫بتجربة ثمينة ولو أنها حديثة العهد‪.‬‬

‫نزل علينا خبر وقف إطالق النار بردا وسالما مرفوقا بانفراج نسبي فتنفسنا الصعداء لكن‬

‫استمرت الطوارئ واستمررت في إعادة بناء فصيل الهاون إلى أن تأكد السلم وعادت المياه إلى‬ ‫مجاريها‪.‬‬

‫الخسائر‪:‬‬ ‫خسائر السرية‪ 3/1:‬استشهد– ‪ 3/1‬أسير – ‪ 3/1‬انسحب – سيارة جيب وراديو – أسلحة فردية‪.‬‬ ‫خسائر العدو بحسب اعترافه‪:‬‬ ‫األفراد‪ :‬على كامل ساحات المعركة ‪ 27‬قتيال – ‪ 128‬جريحا – ‪ 49‬أسيرا‪.‬‬ ‫العتاد بالقاعدة الجوية‪:‬‬ ‫‪ 1‬طائرة نقل وانزال مظليين ‪ 10 –N 2501‬طائرات قتال متنوعة‪ .‬كما أكد لي أحد الضباط‬

‫الطيارين الذين شاركوا في المعركة أن جملة الطائرات المحطمة بلغت ‪.16‬‬ ‫عامة‪:‬‬ ‫مالحلللللللظات ّ‬

‫‪ -‬عند المحاولة الحاسمة لتحرير تونس من بقايا االستعمار الفرنسي كان للطرف التونسي زمام‬

‫المبادرة لبدء العمليات القتالية‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪93‬‬


‫‪ -‬إنها لفرصة غير مأمولة ولها تأثير هام على سير األحداث‪ ..‬لذلك وجب استغاللها أحسن‬

‫استغالل للتخفيف من وطأة حالة عدم التوازن السائد لصالح العدو ويتمثل ذلك في‪:‬‬

‫‪-1‬التروي لدرس كيفية دعم القرار السياسي لدخول معركة الجالء بعمل عسكري أساسه فكرة‬

‫مناورة يتم التخطيط لها حسب اإلمكانيات المتواضعة المتاحة‪.‬‬

‫‪ -2‬تحديد تدخلنا العسكري حسب تصرف العدو‪ ،‬ال العكس‪ ،‬حتى ال نذهب أكثر من الالزم‬

‫فيحدث انفالت ال قدرة لنا للسيطرة عليه ( يلزم إنقيسواوانغيسوا حتى ال نغرق)‪.‬‬

‫‪ -3‬عدم التغافل عن المزاج شديد الحساسية للجنرال "ديغول" الرئيس الفرنسي المشهور بكبريائه‬

‫وتعصبه لعظمة فرنسا الفاقدة لنفوذها العالمي زيادة على تورطها في حرب الجزائر التي تنهك قواها‪.‬‬ ‫لو تم وضع فكرة مناورة وتم درسها درسا دقيقا لتمكنا على األقل من‪:‬‬

‫‪ -1‬عدم التسرع لدخول المعركة قبل التنسيق المحكم والمتواصل بين السلطتين السياسية‬

‫والعسكرية لدرس الوضع على الميدان وتحديد األهداف المتتالية لبلوغ الغاية‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم التصرف في ارتجال وارتباك كاملين مدة النزاع الذي دام ‪ 4‬أيام (فكيف كان يكون‬

‫الحال لو دام أكثر؟)‬

‫‪ -3‬عدم زج الوحدات دون ترو ودون مبرر وخاصة دون مهمة دقيقة مثلما حدث لسريتي ولفوج‬

‫المدفعية الذي زج به في ساحة المعركة وهو في حالة تنقل مما جعل منه لقمة سهلة لطيران العدو‪.‬‬

‫‪ -4‬تفادي أو على األقل الحد من الخسائر في األفراد والعتاد خاصة وأن الجيش كان في بداية‬

‫تأسيسه وتجهيزه‪.‬‬

‫لكن لنكن واقعيين‪ :‬هل كانت المؤسسات الوطنية وخاصة القوات المسلحة مؤهلة لتحدي هذا‬

‫العدو العنيد والمجازفة بمواجهة رد فعله؟ مع العلم أن البالد حديثة االستقالل (منذ ‪ 5‬سنوات) بعد‬ ‫احتالل دام أكثر من ‪ 75‬سنة‪.‬‬

‫إن إعالن الحرب من مشموالت القيادة السياسية‪ ،‬ال شك في ذلك‪ ،‬لكن وجب عليها قبل اتخاذ أي‬

‫قرار مصيري‪:‬‬

‫‪ -1‬وضع القيادة العسكرية مبك ار في الصورة لتحديد األهداف القريبة والبعيدة حسب‬

‫اإلمكانيات المتاحة‪.‬‬

‫‪ -2‬وجوب عدم التدخل في اإلدارة الفنية للقتال بعد الدخول في المعركة‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫* يقول المثل‪ :‬ال يكون تكتيكيا أو إستراتيجيا من يريد‪ .‬إن ذلك اختصاص في معرفة األسلحة‬ ‫يدرس بالمدارس‬ ‫المختلفة والقدرة علىاستعمالها والتنسيق بينها في ساحة المعركة‪ ،‬إنه اختصاص ّ‬ ‫يدرس الطب واالقتصاد والسياسة في الجامعات‪.‬‬ ‫الحربية العليا كما ّ‬ ‫استنتلللاجات عامللللة‬ ‫‪ -‬لقد تم إجالء آخر جندي فرنسي عن أرضنا يوم ‪ 15‬أكتوبر‪ 1963‬أي بعد ‪ 27‬شه ار من وقوع‬

‫المعركة‪ .‬هل كان يمكن أن يتم ذلك دون تلك المأساة؟‬

‫‪ -‬إن فتح جدال حول هذه االفتراضات يجر حتما إلى نقاش ال نهاية له‪ .‬فلنترك ذلك للمؤرخين‪.‬‬

‫فعلى أهل الذكر من مسؤولين سياسيين وعسكريين درس ما حدث بكل موضوعية واالعتبار من النتائج‬

‫السلبية منها وااليجابية‪ * .‬ذلك هو األمر األهم*‬

‫رغم فداحة الخسائر التي تكبدناها نعتقد أن‪:‬‬ ‫‪ -1‬تونس ربحت معركة الجالء‪.‬‬ ‫‪ -2‬عاش الجيش التونسي تجربة فريدة متحديا جيشا عصريا فواجه نيران األسلحة الثالثة البرية‬

‫والبحرية والجوية في حجمها الكبير( طائرات عصرية وحاملة طائرات)‪.‬‬ ‫قّلما تنمو الشعوب والجيوش دون تجارب قاسية‬

‫‪ -3‬إن شهادتي هذه أحادية الجانب لكنها صادقة ومخلصة لشهداء الجالء‪ .‬إنها تحتوي على‬

‫دروس متواضعة ومستوحاة من قواعد أساسية مطلقة صالحة لكل مستويات القيادة‪ .‬إن من تجاهلها أو‬

‫تناساها عرض نفسه وجيشه وشعبه لدروس قاسية مثل التي ألمت بنا في شهر جويلية ‪.1961‬‬ ‫استنتاجللات شخصيلللة‬ ‫بعد كل ما حدث فإني أشعر بالسعادة والفخر( بكل تواضع واحتشام) نظ ار لـ ‪:‬‬ ‫‪ -1‬أني لم أضعف عند مواجهة الجيش الفرنسي‪ ،‬أحد عمالقة جيوش العالم‪.‬‬

‫‪ -2‬أني سيطرت على ذلك الخوف الذي كان يمزق أحشائي قبل بدء المعركة أما بعد ذلك فقد‬

‫تناسيناه إذ سيطرت علينا مشاغل أوكد وأهم‪.‬‬

‫‪ -3‬أني لم أفقد رشدي )‪ (Le nord‬الشيء الهام الذي مكنني من تحديد مهمتي ثم القيام بها على‬

‫أحسن وجه بإعانة مقاتلين شجعان أوفياء لتونس ولجيشها‪.‬‬

‫‪ -4‬أني تمكنت على رأس سريتي من إعطاء ضربات موجعة لعدو متغطرس طالما صرح في‬

‫نظر لسوء المعركة من‬ ‫كبرياء واحتقار أنه قد أعطانا درسا مؤلما‪ .‬وكان لسوء الحظ محقا في ذلك ا‬

‫الطرف التونسي‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪95‬‬


‫‪ -5‬في الختام سعدت أني خرجت من هذه المعركة سالما فتمكنت من المشاركة الفعالة في تنظيم‬

‫وانماء جيشنا الفتي في كل الميادين وكافة المستويات ‪. /.‬‬ ‫***‬

‫انتهت الشهادة الشفوية للفريق أول (كان) محمد سعيد الكاتب‪ ،‬أوردناها بكل أمانة‪ .‬وكل األفكار‬

‫واآلراء والمواقف التي تضمنتها ال تلزم غير صاحبها وال تعبر في شيء عن الخط التحريري للمجلة‬ ‫التونسية للتاريخ العسكري وال عن أفكار ومواقف وأراء هيئة تحريرها‪ ،‬وهي ال تلزم و ازرة الدفاع الوطني‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


... ‫قلللللراءات‬ :‫ تونس‬،‫ رافد نهضة واصالح‬،1881-1831 ‫ الجيش التونسي‬،‫محجوب السميراني‬ .‫ ص‬435 ،2017 ‫منشورات سوتيميديا‬

‫ محمد ضيف هللا‬.‫مراجعة د‬

‫المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر‬ ‫جامعة منوبة‬

Compte-rendu: L'armée tunisienne (1831-1881) de Mahjoub Smirani, 435 p. Dans cet ouvrage qui vient de paraître chez l'éditeur Sotumédia, en février 2017, l'auteur qui est un colonel-major en retraite, retrace l'histoire de l'armée régulière tunisienne du temps des réformes engagées par les beys de Tunis au 19e siècle et surtout par Ahmed Pacha Bey (1837-1855). Les soldats et les officiers étaient entrainés par des militaires français, habillés et équipés à l'européenne. Un contingent de près de dix mille soldats a été envoyé en 1854 pour participer aux côtés des Ottomans dans la guerre de Crimée. De retour, des milliers d'entre eux ont été démobilisés pour des raisons financières. Ainsi, ils n'ont pas participé à la défense du pays pendant l'invasion des troupes françaises en 1881. Par ailleurs, j'ai émis quelques critiques concernant le plan, les références et le contenu de cet ouvrage. Mots-clefs: Armée tunisienne. Réformisme. Relations tuniso-ottomanes. Guerre de Crimée. Occupation française Report: The Tunisian army (1831-1881) of Mahjoub Smirani, 435 p. In this book, which was published by the publisher Sotumédia in February 2017, the author, who is a retired colonel-major, retraces the history of the Tunisian regular army during the reforms undertaken by the beys of Tunis in the 19th century and especially by Ahmed Pasha Bey (1837-1855). The soldiers and officers were trained by French soldiers, dressed and equipped to the European. A contingent of nearly ten thousand soldiers was sent in 1854 to participate alongside the Ottomans in the Crimean War. Back, thousands of them were demobilized for financial reasons. Thus, they did not participate in the defense of the country during the invasion of the French troops in 1881. I also made some criticisms concerning the plan, the references and the contents of this book. Keywords: Tunisian Army. Reformism. Tunisian-Ottoman relations. Crimean war. French Occupation

97

2017 / 7 ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد‬


‫يتناول هذا الكتاب تاريخ الجيش التونسي خالل الخمسين سنة السابقة النتصاب الحماية‬

‫(‪ ،)1881-1831‬وهو يكتسب أهميته من الخلفية العسكرية لمؤلفه محجوب السميراني العميد السابق‬ ‫في الجيش الوطني التونسي‪ ،‬وقد قضى فيه أربعين سنة تقريبا‪ ،‬بعد أن درس باألكاديمية العسكرية‬

‫بفندق الجديد فيما بين ‪ 1967‬و‪ ،1970‬وتقلد بعد ذلك عدة خطط قيادية آخرها خطة آمر اللواء الثاني‬ ‫مشاة ميكانيكية فيما بين ‪ 2005‬و‪ ،2010‬تاريخ إحالته على التقاعد‪ .‬وهو بتأليفه لهذا الكتاب التاريخي‬

‫يعبر عن استم ارره في العطاء للمؤسسة العسكرية من خالل االهتمام بتاريخها ومن ثمة إثراء المكتبة‬

‫التاريخية التونسية‪ .‬ويكتسي هذا الكتاب أهمية خاصة من خالل عنوانه الثانوي الذي نستشف منه‬ ‫اإلشكالية الرئيسية التي تناولها المؤلف والتي تحوم حول العالقة العضوية بين الجيش والحركة‬

‫اإلصالحية التي عرفتها البالد التونسية انطالقا من النصف األول من القرن التاسع عشر‪ .‬وبالفعل فإن‬

‫االهتمام بتحديث الجيش يندرج ضمن االستعداد للوقوف في وجه التحدي االستعماري الذي تجسدت‬ ‫أولى مظاهره وأهمها في المؤسسة العسكرية‪.‬‬

‫إضافة إلى العناصر الرئيسية في مثل هذا العمل متمثلة في المقدمة والخاتمة وقائمة المصادر‬

‫والمراجع‪ ،‬يتكون هذا الكتاب من ثمانية عشر فصال‪ ،‬متفاوتة من حيث الطول بين ‪ 3‬صفحات (الفصل‬ ‫‪ )5‬و‪ 47‬صفحة (الفصل ‪ ،)10‬وهذا الخلل كان يمكن تفاديه بإعادة صياغة فصول الكتاب في عدد‬

‫أقل‪ ،‬وتوزيعها على أبواب محدودة العدد‪ .‬إال أن المؤلف لم ينتبه إلى هذا األمر إال في مقدمة الكتاب‪،‬‬ ‫فقسم فصوله إلى ثالث مجموعات‪ ،‬تضم أوالها الفصول الثالثة األولى ويدور موضوعها حول الجهاز‬

‫العسكري التونسي قبل ‪ ،1831‬وتضم المجموعة الثانية الفصول األحد عشر الموالية تعرض فيها‬

‫المؤلف إلى تأسيس الجيش النظامي وتوسيعه وصوال إلى انحالله بعد انتصاب الحماية‪ ،‬وأما الفصول‬ ‫األربعة المتبقية فيدور موضوعها حول "دور الجيش النظامي في الدخول بالبالد في عهد اإلصالحات‬

‫العسكرية التي ساعدت على إفراز اإلصالحات الدستورية والتربوية" (ص ‪ .)12‬والبد أن نسجل هنا أن‬ ‫هذه المجموعات أو األبواب متفاوتة من حيث عدد الفصول والصفحات‪.‬‬

‫هذا من حيث التخطيط أما بالنسبة إلى المحتوى‪ ،‬فقد أعاد المؤلف بداية اإلصالحات إلى عهد‬

‫حمودة باشا الحسيني (‪ )1781-1814‬الذي "بدأ جهود اإلصالح في وقت مبكر" (ص ‪ )38‬وكان كما‬

‫يقول "أول من فكر في إنشاء جيش وطني" (ص ‪ .)324‬ومن أهم المؤشرات على ذلك إدماج الكراغلة‬ ‫الذين هم من أمهات تونسيات وآباء أتراك‪ ،‬في جند الترك‪ ،‬بهدف إضعاف شوكة هؤالء (ص ‪ .)32‬ثم‬

‫جاء تأسيس الجيش النظامي الحديث سنة ‪ 1831‬في عهد حسين باي الثاني (‪ ،)1824-1835‬أي‬

‫قبل عهد أحمد باشا باي الذي يقترن اسمه‪ ،‬أكثر من غيره من البايات‪ ،‬باإلصالحات الكبرى‪ ،‬وقد جاء‬

‫االهتمام بالجيش بعد احتالل الجزائر (‪ )1830‬وفي ظرفية شهدت تراجع الدولة العثمانية وعدم قدرتها‬ ‫على الدفاع عن ممتلكاتها وحدودها‪ ،‬وهو ما نبه بلدان المنطقة ومن بينها إيالة تونس‪ ،‬إلى ضرورة‬

‫االستعداد للدفاع عن سيادتها‪.‬‬ ‫‪98‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫خصص المؤلف عدة فصول متتالية للجيش التونسي في عهد أحمد باشا باي‪ ،‬من حيث بنائه‬

‫وتدريبه وتنظيمه وتجهيزه وتوسيعه وصوال إلى إرساله للمشاركة في حرب القرم (‪)1854-1856‬؛‬ ‫أعقب ذلك ما يسميه المؤلف بمرحلة االنكسار حيث تم تسريح أغلب الجنود ولم يحتفظ الباي إال‬

‫بالضروري منهم للعسة وحراسة األبراج‪ ،‬حتى لم يبق منهم عند ثورة علي بن غذاهم سنة ‪ 1864‬إال‬

‫‪ 1500‬رجل (ص ‪ .)147‬وال شك أن الضائقة المالية كانت وراء ذلك‪ ،‬إال أن المؤلف يعيد سبب ذلك‬ ‫إلى تخوف الباي من الجنود الذين اكتسبوا خالل حرب القرم خبرة ميدانية ومهنية ثرية‪ .‬ومع تراجع‬

‫المؤسسة العسكرية تم إغالق المؤسسات التي ترتبط بها كالمدرسة الحربية ومعمل النسيج‪ ...‬إال أن‬

‫ذلك لم يمنع صدور أول قانون للتجنيد في فيفري ‪ 1860‬تحت عنوان "كتاب المصباح المسفر في‬ ‫ترتيب ثبوت العسكر" الذي أورد المؤلف نصه كامال كملحق للكتاب (ص‪ ،)423-405‬وقد جاء هذا‬

‫القانون في فترة تم فيها إصدار نصوص أساسية على رأسها دستور ‪ 1861‬إلى جانب بعث مؤسسات‬

‫عصرية للدولة‪ .‬وأما ميدانيا فإن الجيش استمر في التراجع حتى لما حلت سنة ‪ 1881‬لم يكن عدده‬

‫يتجاوز ألفي رجل ينقصهم التدريب والتجهيز فلم يكن بإمكانه أن يتصدى للغزو الفرنسي (ص ‪.)307‬‬

‫لعل الجانب األهم في هذا الكتاب والذي تدور حوله اإلشكالية الرئيسية يتمثل في تركيز‬

‫المؤلف على العالقة بين الجيش التونسي والحركة اإلصالحية‪ ،‬باعتباره أول وأحد المشاريع الكبرى‬

‫للحركة اإلصالحية‪ ،‬ولكن أيضا باعتباره أحد محركاتها األساسية منذ تأسيسه وحتى بعد تسريح‬

‫عناصره‪ ،‬إذ تكونت في صلبه أو على هامشه قيادات فكرية ضمنت فيما بعد استم اررية الحركة‬ ‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪99‬‬


‫اإلصالحية ووسعت من اهتماماتها وآفاقها‪ ،‬ولعل أبرزها الوزير خير الدين رغم أن المؤلف يلومه على‬

‫عدم االهتمام باإلصالح العسكري في برنامجه اإلصالحي‪.‬‬

‫إن ما يمكن مالحظته من خالل هذا الكتاب هو حضور الضباط الفرنسيين منذ اللحظة األولى‬

‫في تأسيس الجيش التونسي وتنظيمه وتدريبه‪ ،‬وكذا في التعليم والصناعة العسكريتين‪ ،‬فضال عن‬

‫التسليح‪ ،‬بل وحتى في جوانب تبدو ثانوية مثل الموسيقى العسكرية‪ ،‬وال يقتصر األمر على مجرد‬ ‫الحضور الوازن وانما يتحول إلى ما يشبه االحتكار أو االنفراد على مختلف المستويات باستثناء‬ ‫األطباء العسكريين إذ نجد إلى جانب الفرنسيين أطباء من جنسيات أوربية أخرى‪ .‬وفي نفس السياق‬ ‫ينوه المؤلف باالنضباط الذي غرسه المدربون الفرنسيون في وعي الجنود التونسيين في عهد أحمد باشا‬

‫(ص ‪ ،)149-148‬وبكفاءتهم العالية وبخصالهم المعنوية واألخالقية‪ ،‬دون أن يتساءل أو يشكك في‬ ‫الدور الذي قاموا به لفائدة بالدهم التي كانت تحتل الجزائر آنذاك‪ .‬في حين أن المؤلف نفسه عندما‬

‫ذكر أن العقيد األنقليزيكونسيدين (‪ )Considine‬تقدم لتدريب الجيش التونسي‪ ،‬علق بالقول إنه "من‬

‫(م ْخبر) الحكومة األنقليزية في تونس" (ص‪ .)251‬ولكنه‬ ‫غير المستبعد أن يكون العقيد كونسيدين َع ْين ُ‬ ‫لم يطرح نفس المالحظة بخصوص الضباط الفرنسيين‪ .‬وكأن الهدف من إنشاء الجيش التونسي ليس‬

‫الدفاع عن البالد إزاء التوسع االستعماري خاصة بعد احتالل الجزائر المجاورة‪ ،‬وانما يتمثل ‪-‬كما يقول‬

‫المؤلف‪ -‬في االستقالل عن الدولة العلية (ص‪ )251‬أو دفع التهديد العثماني (ص‪ ،)218‬وال يخفى‬

‫هنا أن هذا الهدف رسمته فرنسا للباياتالحسينيين في القرن التاسع عشر‪ ،‬حتى يسهل لها احتالل البالد‬

‫التونسية فيما بعد‪.‬‬

‫واذ لم يهتم أو لم ينتبه البايات إلى الخطر المحدق بهم‪ ،‬وهم يستخدمون الفرنسيين ويعطونهم‬

‫األولوية في اإلشراف على الجيش التونسي‪ ،‬وتبين فيما بعد أنهم كانوا على خطأ ذريع‪ ،‬فال عذر‬

‫للمؤلف الذي يقف على مسافة مما حدث‪ ،‬وبعد كل الذي حدث‪ ،‬أن ال ينتبه إلى أن ما قاموا به كان‬

‫خط ار على ُملكهم وعلى استقالل البالد‪ .‬وذلك فيما يبدو لنا يعود إلى أن المؤلف لم يستطع أن يتخلص‬ ‫أسر مراجعه ومصادره التي كان ُكتابها في أغلبهم من الفرنسيين ونشرت في أغلبها ‪-‬مع استثناءات‬ ‫من ْ‬ ‫قليلة جدا‪ -‬قبل انتصاب الحماية الفرنسية وخاللها‪ ،‬وال نتوقع منها حينئذ أن تتعرض إلى خلفيات‬ ‫الحضور الفرنسي في تكوين وتطور الجيش التونسي‪ ،‬وجاراها المؤلف في ذلك لعدم تمكنه من المناهج‬

‫النقدية فضال عن عدم تخصصه في التاريخ‪.‬‬

‫كذلك لم يرسم المؤلف اإلطار التاريخي الذي تأسس وتطور فيه الجيش التونسي في القرن‬

‫التاسع عشر‪ ،‬ونقصد بذلك ما يتعلق باإلصالحات العسكرية في مصر وفي الدولة العثمانية ذاتها‪،‬‬

‫والغاية هنا ليست المقارنة بين المؤسسة العسكرية في البلدان الثالثة وانما المزيد من فهم تطور الجيش‬

‫التونسي وامكانياته وعالقة ذلك بالحركة اإلصالحية‪ .‬كما نضيف في هذا السياق أن المؤلف أسقط‬

‫‪100‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫بعض المفاهيم أو المصطلحات التي ال تنطبق على فترة دراسته مثل مفهوم "األمة المسلحة" (ص‬

‫‪ )188‬و"الجيش الوطني" في عهد حمودة باشا (ص ‪ )324‬و"الدولة الفتية الناشئة" في عهد أحمد باشا‬

‫باي (ص ‪ )373‬و"العدالة االنتقالية" في عهد خير الدين باشا (ص ‪...)383‬‬

‫كما نشير من جهة أخرى إلى أن هذا الكتاب يفتقد إلى متطلبات العمل األكاديمي إذ باستثناء‬

‫الفهرس العام ال نجد بقية الكشافات التي من شأنها أن تسهل استعماله‪ ،‬مثل كشاف األعالم واألماكن‪.‬‬ ‫أما بالنسبة إلى قائمة المصادر والمراجع فهي تمتد على ثماني صفحات كاملة (ص ‪ ،)432-425‬بما‬

‫يعكس سعة اطالع المؤلف على الكتابات المتعلقة بالجيش التونسي في القرن التاسع عشر‪ ،‬إال أن ما‬ ‫نالحظه هنا أنه لم يتبع طريقة كتابة المراجع في البحث العلمي‪ ،‬حيث أنه يورد عنوان الكتاب أوال‪ ،‬ثم‬

‫اسم الكاتب وهكذا‪ .‬كذلك فهو لم يستعمل مصادر أرشيفية ولم يعد إلى بعض األطروحات التي نوقشت‬

‫بالجامعة التونسية ومن بينها خاصة رسالة الدراسات المعمقة للباحث حمادي دالي التي ناقشها سنة‬ ‫‪ 1995‬وكان عنوانها "المشاركة التونسية في حرب القرم‪ ،"1856-1854 :‬وأطروحة الدكتوراه التي‬ ‫ناقشتها الباحثة ليلى زغدود سنة ‪ 2014‬وكان موضوعها "البحرية التونسية في قرن ‪."1881-1782‬‬

‫إال أن تلك المالحظات ال تنال البتة من أهمية هذا الكتاب الذي كان عبارة عن دراسة شاملة‬

‫لتاريخ الجيش النظامي التونسي منذ تأسيسه في حدود الثلث األول من القرن التاسع عشر إلى حله مع‬ ‫انتصاب الحماية الفرنسية‪ .‬وهو والشك يحتوي على مادة هامة ومفيدة ليس فقط للجمهور العريض وانما‬

‫أيضا للمهتمين بالتاريخ العسكري من أبناء المؤسسة العسكرية أنفسهم‪.‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬

‫‪101‬‬


‫وزارة الدفاع الوطني‬

‫اللجنة الوطنية للتاريخ العسكري‬

‫‪ - I‬الكتب‪ :‬سلسلة منشورات في التاريخ العسكري‬ ‫‪ -1‬جماعي‪ ،‬أعمال ندوة حول‪ :‬وقائع الحرب العالمية الثانية بتونس‪.1983 ،‬‬ ‫‪ -2‬جماعي‪ ،‬الجيش التونسي‪ ،‬دار أليف للنشر‪.1996 ،‬‬

‫‪ -3‬جماعي‪ ،‬أعمال ندوة‪ :‬تاريخ الجيش التونسي‪ ،‬شركة فنون الرسم والنشر والصحافة‪.1998 ،‬‬ ‫‪ -4‬جماعي‪ ،‬أعمال ندوة‪ :‬تاريخ التحصينات بالبالد التونسية‪ ،‬مطبعة الجيش الوطني‪.2001 ،‬‬ ‫‪ -5‬جماعي‪ ،‬متحف الذاكرة الوطنية بالسيجومي‪ ،‬دار أليف للنشر‪.2002 ،‬‬

‫‪ -6‬جماعي‪ ،‬المتحف العسكري الوطني قصر الوردة‪ ،‬دار أليف للنشر‪.2003 ،‬‬

‫‪ -7‬الشيباني بنبلغيث (تحقيق وتقديم)‪ ،‬أضواء على مشاركة البعثة العسكرية التونسية في حرب‬

‫القرم (‪ ،1856 – 1854‬دار أليف للنشر‪.2003 ،‬‬

‫‪ -8‬جماعي‪ ،‬الجيش التونسي عبر العصور‪ ،‬دار أليف للنشر‪.2006 ،‬‬ ‫‪ -9‬جماعي‪ ،‬العلم التونسي‪ ،‬دار أليف للنشر‪.2007 ،‬‬

‫‪ -10‬جماعي‪ ،‬أعمال ندوة حول‪ :‬العالقات االجتماعية والتكافل في الوسط العسكري المتوسطي‪،‬‬ ‫مطبعة الجيش الوطني‪.2008 ،‬‬

‫‪ -11‬جماعي‪ ،‬أعمال ندوة حول‪ :‬التراث العسكري التونسي‪ ،‬مطبعة الجيش الوطني‪.2011 ،‬‬

‫‪ -12‬جماعي‪ ،‬أعمال ندوة‪ :‬األنشطة البحرية والجيوستراتيجيا‪ ،‬مطبعة الجيش الوطني‪.2012 ،‬‬

‫‪ -13‬ناجي جلول‪ ،‬غار الملح‪ :‬قاعدة بحرية تونسية خالل القرن ‪17‬م‪ ،‬مطبعة الجيش الوطني‪،‬‬ ‫تونس ‪.2012‬‬

‫‪ -14‬جماعي‪ ،‬العالقات التونسية التركية عبر العصور‪،‬أنقرة (تركيا)‪.2013 ،‬‬

‫‪ -15‬جماعي‪ ،‬أعمال ندوة حول‪ :‬التخوم بالبالد التونسية عبر العصور‪ ،‬تونس‪ :‬أوربيس‪.2016 ،‬‬ ‫‪ -16‬جماعي‪ ،‬الشعب التونسي الجزائري في مواجهة االحتالل الفرنسي‪ ،‬الجزائر‪.2017 ،‬‬

‫‪ -17‬حمادي دالي (تقديم وتحقيق)‪ ،‬تقارير الجنرال رشيد حول المشاركة العسكرية التونسية في‬ ‫حرب القرم (مارس ‪-1955‬جويلية ‪ ،)1856‬تونس ‪.2017‬‬ ‫‪ - II‬المجلة التونسية للتاريخ العسكري‪:‬‬

‫مجلة مختصة في التاريخ العسكري‪ ،‬تصدر سنويا تحت إشراف اللجنة الوطنية للتاريخ‬

‫العسكري‪ ،‬صدرت منها حتى ديسمبر ‪ 07 :2017‬أعداد وعدد خاص منذ ‪.2008‬‬ ‫‪102‬‬

‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري العدد ‪2017 / 7‬‬


‫‪Revue Tunisienne d'Histoire Militaire‬‬ ‫‪N° 7‬‬

‫‪Décembre 2017‬‬

‫‪Table des matières‬‬ ‫‪Partie française‬‬ ‫‪Editorial‬‬

‫‪La rédaction‬‬

‫‪5‬‬

‫‪La Bataille de Bizerte dans le contexte de la‬‬ ‫‪décolonisation : Enjeux et retombées régionales‬‬

‫‪Med. Lazhar GHARBI‬‬

‫‪9‬‬

‫‪Les relations militaires entre la Tunisie et l’Empire‬‬ ‫‪ottoman : de la vassalité à la coopération pendant la‬‬ ‫‪guerre de Crimée‬‬

‫‪Samir CHEMI‬‬

‫‪21‬‬

‫‪Partie arabe‬‬ ‫هيئة ا تحرير‬

‫اافتتاحية‪4 ......................................................‬‬

‫د‪ .‬لطفي بوعلي‬

‫ا مدرسة ا حربية بباردو ودورها ا تنويري ا رائد‪9 ...................‬‬

‫د‪ .‬حمادي ا دا ي‬

‫ا مشار ة ا تونسية في حرب ا قرم ‪2 ..............1856 -1854‬‬ ‫‪5‬‬

‫د‪ .‬ليلى زغدود‬ ‫د‪ .‬حسام الدين شاشية‬ ‫د‪ .‬علي آيت ميهوب‬ ‫المقدم عبد العزيز بوقزي‬ ‫د‪ .‬محمد ضيف اه‬

‫ا حياة ا يومية داخل ا مؤسسة ا عس رية‪ :‬جند ا بحر نموذجا‬

‫‪3‬‬ ‫(‪........................................... ....)1881-1865‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ا عاقات ا دبلوماسية ا تونسية ا برتغا ية خال ا عصر ا حديث‪..‬‬ ‫ا مجهود ا حربي لباد ا تونسية أثناء ا حرب ا برى‪:‬ا تعبئة‬

‫‪7‬‬ ‫ا صحية جيوش ا حلفاء‪........................................‬‬ ‫‪3‬‬ ‫شهادة شفوية لفريق أول ( ان) محمد سعيد ا اتب حول‬

‫‪8‬‬ ‫معر ة بنزرت‪............................................... ...‬‬ ‫‪1‬‬ ‫حول تاب "ا جيش ا تونسي ( ‪ :)1881-1831‬رافد نهضة‬ ‫واصاح" محجوب ا سميراني‪ ،‬نشر سوتيميديا‪7 ،‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪9‬‬ ‫‪5 ..........‬‬

‫‪Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017‬‬



Éditorial

L’histoire a toujours représenté une source de connaissances et de savoir. C’est aux événements historiques qu’on doit notre parcours de vie actuelle. Bref, l’histoire est la mémoire des peuples outre à être un modèle sur lequel ils se basent pour tracer leur présent, leur avenir et voire leur enracinement dans leur existence. Sur cette base, l’équipe de la Revue Tunisienne d’Histoire Militaire (RTHM) n’a jamais cessé de creuser dans la mémoire de notre histoire nationale pour présenter à ses lecteurs une matière d’histoire militaire qui sert de leçons riches destinées aux jeunes tunisiens en vue de les inciter à continuer à construire les piliers de leur pays ; de cette Tunisie moderne et modérée qui n’aurait jamais pu être telle qu’elle est aujourd’hui sans les efforts et les sacrifices de ses hommes qui lui ont donné de leurs temps, de leurs vies, et de leurs sangs sans s’attendre à aucun genre de récompense. Ce numéro de la RTHM consacre deux articles à la bataille de l’Evacuation qui constitue un épisode marquant de l’histoire de la Tunisie contemporaine.Le premier s'intitule « La Bataille de Bizerte dans le contexte de la décolonisation » signé par le professeur Mohamed Lazhar GHARBI qui a traité l’affaire de Bizerte dans un contexte postcolonial annonçant l’émergence d’un nouvel ordre Nord/Sud, soulignant le fait que cette question ne devrait pas être limitée uniquement aux rapports franco-tunisiens ; elle serait plutôt à appréhender dans un cadre plus large touchant du moins l’Europe et la Méditerranée. Le second est un témoignage du Général de Corps d’Armée feu Mohamed Saïd El-Kateb, rapporté par Lieutenant-colonel Abdelaziz BOUGUEZI. Plus qu’un témoin oculaire, Mohamed Saïd El-Kateb était un officier de l’Armée nationale qui a vécu les événements de la bataille de Bizerte en tant que jeune lieutenant, qui venait d’entamer sa carrière, et à qui a été confiée une lourde responsabilité à la tête d’une compagnie de soldats qui manquaient tous d’expérience et d’armes. Abandonné seul à son destin, sans consignes de la part du commandement, en face d’un ennemi armé jusqu’aux dents, il devrait quand même le combattre et le pourchasser à jamais. Il a en outre démontré qu’un militaire mu par l’amour de sa patrie, malgré le manque d’expérience, de Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

5


munitions, et « garrotté » par l’absence des consignes du commandement, pourrait réussir à donner une leçon à l’ennemi en remportant une victoire marquante dans l’histoire tunisienne jusqu’à nos jours. Le reste des événements, vous le trouvez dans ce témoignage traité par l’auteur de l’article avec un style narratif focalisant sur l’héroïsme de cette compagnie, mais également caractérisé par le suspens des événements. Restant fidèle aux mêmes objectifs, ce numéro de la RTHM a opté pour la publication d’une série d’articles traitant en général l’histoire militaire tunisienne moderne et contemporaine ; tout en focalisant sur les côtés rayonnants qui continuent à confirmer que l’histoire tunisienne à travers tous les âges, a toujours été riche d’événements, de victoires et d’acquis. Dans ce contexte, le professeur Lotfi BOUALI, suite à sa recherche conduite sur l’École de Guerre de Bardo créée en 1840, a dévoilé le rôle primordial qu’a joué cette institution dans le lancement d’un mouvement de traduction qui a permis d’exploiter une très grande partie du patrimoine français moderne, de même qu’ elle a contribué à lancer les appels aux réformes, elle s’est engagée également à présider le processus de la modernisation chancelant , déclenché à partir des premières décennies du XIXème siècle. Quant au professeur Hammadi DELI, il a voulu présenter le côté rayonnant de l’histoire tunisienne d’un autre point de vue ;puisqu’il s’est intéressé à la contribution tunisienne victorieuse à la guerre de Crimée, et ce partant de trois contrats signés, entre le 20 septembre et le 9 novembre 1854, par le représentant du Bey, le Général M’hamed Khaznadar et les commerçants tunisiens concernant la munition des soldats tunisiens envoyés par Ahmed Pacha Bey pour renforcer l’armée ottomane lors de la guerre de Crimée. Vu l’importance de cette participation qui a mis fin à la dépendance de la Régence de Tunis de la Sublime Porte et qui a annoncé la naissance d’une identité militaire tunisienne, plusieurs chercheurs en la matière se sont évertués à l’étudier selon diverses perceptions à l’instar du Lieutenant-Colonel Samir CHEMI qui a mis en exergue cet événement en tant qu’un acte marquant dans l’histoire des relations tuniso-ottomanes. Il a souligné que c’était un acte souverain qui reflète non seulement l’indépendance de l’État tunisien, mais aussi son attachement à maintenir les relations de fraternité, d’entraide et d’alliance avec Istanbul. La professeure Leila ZAGHDOUD a choisi d’étudier le processus de la modernisation de l’institution militaire tunisienne, partant de la vie quotidienne des soldats et précisément de la « société » des marins tunisiens au XIXème siècle, en creusant dans leurs conditions. Son choix trouve sa légitimité dans le fait que

6

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


la majorité des chercheurs travaillant sur ce thème s’intéressent souvent aux réglementations, aux lois et aux installations militaires et aux formations militaires, en passant, toutefois, outre la vie quotidienne au sein de l’institution militaire, et surtout le service qui était obligatoire et à vie. L’équipe de la revue s’est intéressée également à d’autres thèmes historiques dans le cadre militaire couvrant la période moderne. Dans ce contexte, le professeur Houssemeddine CHECHIA a mené une étude sur l’évolution des relations diplomatiques tuniso-portugaises à l’époque moderne, et précisément à la fin du XVIIIème et du XIXème siècles, en exploitant une série de lettres d’une ambassade envoyée par le Bey de Tunis Mohamed Sadok au Portugal pendant l’été de 1869 pour présenter un nombre de décorations au Roi du Portugal et à ses ministres. Le Professeur Ali Aït MIHOUB a consacré son article à l’effort de guerre de la Tunisie durant la Première Guerre Mondiale, et précisément la mobilisation sanitaire des forces alliées. Il a choisi de mettre en exergue l’importance de ce genre de mobilisation; en classant la Tunisie parmi les centres de mobilisation sanitaire des forces alliées, et ce en étudiant les points qui l’ont distinguée des autres centres similaires, et les répercussions de cette mobilisation sur l'opinion publique locale, et sur le moral des soldats tunisiens, ainsi que sur l’état sanitaire général du pays ! Dans le même contexte de l’histoire militaire nationale mais sous un angle différent, le professeur Mohamed DHIFALLAH a choisi de réviser et d’interpréter l’œuvre du Colonel Major Mahjoub SMIRANI, rédigé en langue arabe et intitulé « l’Armée tunisienne 1831-1881, un affluent de renaissance et de réforme ». A travers son article, l’auteur a signalé que l’importance de cet ouvrage découle de sa problématique principale traitant la relation organique entre l’armée et le mouvement réformiste qu’a connu la Tunisie à partir de la première moitié du XIXème siècle. Il a également focalisé sur le fait que le pays avait intérêt à moderniser son armée ; ce qui entrait en fait dans le cadre des préparations pour faire face au colonisateur. Somme toute, l’auteur de l’article, en traitant ce livre, a essayé de présenter ses avantages sans passer outre quelques lacunes qui selon lui ne pourraient pas quand même toucher à la valeur historique d’un ouvrage qui représente une recherche compréhensive de l’armée réglementaire tunisienne depuis sa création aux premières décennies du XIXème siècle jusqu’à sa dissolution sous le protectorat français. L’auteur a ajouté que ce livre pourrait servir de matière importante et utile non seulement pour le public des lecteurs, mais également pour les militaires eux-mêmes.

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

7


En épilogue, l’équipe de la RTHM rappelle à ses lecteurs qu’elle ne cessera de creuser dans l’histoire militaire nationale ; riche en événements, en victoires et en acquis en vue de leur présenter une matière diversifiée et utile à être interprétée comme leçons à enseigner aux jeunes générations dans le but de consolider leur sens d’appartenance et du patriotisme, et pour servir également de guide de recherche pour les accros de l’histoire militaire nationale. Tout en espérant que nos lecteurs ont trouvé ce qu’ils attendaient de cette revue à travers les divers articles qui joignent l’utile à l’agréable, l’équipe de la RTHM attire l’attention de ses lecteurs qu’elle demeure ouverte à leurs contributions dans le domaine de l’histoire militaire tunisienne; tout en signalant que les articles proposés seront soumis à l’évaluation d’un comité scientifique spécialisé. La rédaction

8

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


LA BATAILLE DE BIZERTE: ENJEUX POSTCOLONIAUX ET DIMENSIONS MEDITERRANEENNES

Professeur Mohamed Lazhar GHARBI Université de la Manouba Commission Nationale d’Histoire Militaire

« Bataille de Bizerte », « guerre de Bizerte », « affaire de Bizerte », « crise de Bizerte », autant de noms utilisés par les acteurs et par les historiens pour qualifier ce différend franco-tunisien survenu pendant l’été1961. De telles appellations ne font, en fait, que rajouter de l’ambigüité à cet épisode des relations franco-tunisiennes marquées par une certaine tension depuis la fin des années 1950. Au-delà des aspects, politiques, diplomatiques et militaires d’un bras de fer qui opposa de Gaulle et Bourguiba, et qui tourna en drame humain un certain 19 juillet 1961, cette « guerre » est occultée par la mémoire française. Les Français n’en parlent pas dans les manuels scolaires, dans les discours officiels évoquant les relations franco-tunisiennes marquées, jugeait-on, par « une infaillible amitié ». Du côté tunisien Bourguiba la célébrait annuellement chaque 15 octobre, jour de « l’évacuation du dernier soldat français de la base militaire de Bizerte ». Certains milieux bizertins de la société civile ont choisi, ces derniers temps, la date du 19 juillet, pour célébrer ces événements1. Force est alors de constater que sur une question d’histoire vient se greffer un problème d’une mémoire confisquée. Cette amnésie ou ce trou de mémoire est dû, du côté français, à deux raisons principales : d’une part, l’atrocité des crimes commis à Bizerte et qu’on cherche à oublier et, d’autre part, la conception de l’indépendance tunisienne considérée comme étant « une indépendance négociée »2 et « réussie » constituant le contre modèle de la guerre d’Algérie. « La bataille de Bizerte » serait, selon cette perception, un incident de parcours à dissiper et une parenthèse à fermer. Outre ce problème de mémoire rarement étudié par les historiens, une question d’approche mérite, aussi, d’être évoquée. En effet, ces derniers ont souvent cerné l’affaire de Bizerte en rapport avec le contexte de la décolonisation. Nous pensons qu’il serait plutôt judicieux de l’appréhender dans un contexte postcolonial annonçant l’émergence d’un nouvel ordre Nord/Sud. La question de Bizerte ne devrait pas, à notre sens, être abordée d’une manière 1

Témoignage de Faouzi Sadkaoui, 11 septembre 2017. Gharbi (M.L.), Territoires au Maghreb entre histoire et mémoire, Institut Supérieur d’Histoire de la Tunisie contemporaine, Tunis, 2015, pp. 40-4. 2

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

9


cloisonnée se limitant uniquement aux rapports franco-tunisiens et elle serait plutôt à appréhender dans un cadre plus large touchant du moins l’Europe et la Méditerranée. Pour ce faire, nous nous limitons, dans cette contribution, au rapport entre trois événements majeurs qui ont marqué, presqu’au même moment, le milieu du XXe siècle, à savoir la crise de Suez, la bataille de Bizerte et la guerre d’Algérie annonçant ainsi un nouvel équilibre des forces en Méditerranée. Certes, la plupart des travaux concernant Bizerte évoquent la guerre d’Algérie1 et font, dans le meilleur des cas, allusion à l’affaire de Suez, mais le rapport entre ces trois guerres n’est pas, à notre connaissance, étudié en tant que tel. C’est ce que nous estimons faire dans cette contribution en rappelant au préalable la portée et l’enjeu de la base de Bizerte et l’échec d’une transition politico-militaire à ce sujet. I - PORTEE ET ENJEU D’UNE BASE MILITAIRE Comme l’Egypte détient sa portée stratégique du Canal de Suez, la Tunisie l’est aussi pour le canal de Sicile et précisément pour la base militaire de Bizerte. Nous ne voulons pas revenir sur le contexte précolonial et colonial qui ont prévalu à la construction du canal de Suez et l’aménagement du port militaire de Bizerte, car cela déborde le cadre de cette étude d’autant plus que plusieurs travaux l’ont fait2, mais nous voulons tout simplement démontrer la portée de Bizerte pour les différents protagonistes dans un contexte postcolonial. La Tunisie se situe entre le bassin oriental et le bassin occidental de la Méditerranée qu’elle sépare par la presqu’ile du Cap-Bon. Celle-ci s’étend en pleine mer en face de la péninsule italienne et se trouve à 150 km de la Sicile constituant ainsi le fameux canal de Sicile, passage obligé de toutes les flottes allant vers Suez. Par sa position géographique, la Tunisie constitue ainsi un point névralgique dans tout conflit déclenché sur la rive nord ou sur la rive sud de la Méditerranée.

*Ben Abdejlil (R.), L’évacuation de la base militaire de Bizerte, un problème de décolonisation, Mémoire de DEA, Faculté des Sciences Humaines et Sociales de Tunis, 2003. *El Machat (S.), « Les relations franco-tunisiennes dans la tourmente algérienne », in Histoire orale et relations tuniso-françaises de 1945 à 1962, la parole aux témoins, Publications de l’Institut Supérieur d’Histoire du Mouvement National, Tunis, 1998, pp. 203-215. 2 Dougui (N.), « Les confins maritimes, le cas du port de Bizerte (1881-1918), in Commission Nationale d’Histoire Militaire, Les confins en Tunisie à travers les âges, Tunis, 2016, p.73. 1

10

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


Position géographique de la Tunisie

1

Située à 37° 16’ nord et 9°52’ est, presqu’à la même latitude que la ville de Séville, Bizerte est le point le plus septentrional du Maghreb. Nous comprenons alors les raisons pour lesquelles la France y construit, suite à l’occupation de la Tunisie en 1881, un port militaire relié à un chemin de fer « stratégique »2. En mai 1891 commencent les travaux de construction de la base militaire, en 1892 un canal est percé pour lier la Méditerranée au lac de Bizerte 3. En 1909 est créé l’arsenal de Sidi Abdellah à Ferryville et en 1918 est aménagée la base aérienne de Sidi Ahmed. Faisant partie de tout un système à la fois défensif et offensif, avec l’arsenal de Ferryville et la base militaire de Sidi Ahmed, Bizerte, ce « Toulon africain », est destiné à être une tête de pont pour le contrôle de la Méditerranée et celui de l’Afrique. Il constitue avec Mers El-Kébir et Toulon, la clef de voûte de la stratégie navale française en Méditerranée. La deuxième guerre n’a fait que confirmer la portée stratégique de Bizerte-Ferryville, raison pour laquelle est signée le 21mars 1942 une convention franco-tunisienne lui accordant le statut d’une zone extraterritoriale française. En effet, l’utilisation de la base de Bizerte avait permis aux Italo-allemands d’acheminer, par ce point, près de 70 000 soldats allemands et 17000 soldats italiens4. Au lendemain de la campagne de Tunisie, les forces alliées s’en servaient comme un point d’appui pour la campagne d’Italie. 1

-https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/d/d5/Carte_Mediterranee_02.jpg/1200pxCarte_Mediterranee_02.jpg. 2 Gharbi (M.L), Impérialisme et réformisme au Maghreb. Histoire d’un chemin de fer algéro-tunisien, Cérès Production, Tunis, 1994. 3 Direction générale des travaux publics, Travaux publics du protectorat français en Tunisie, Imprimerie Picard et Cie, Tunis, 1900, p. 84. 4 GUEZ (J.), Au camp de Bizerte, L’Harmattan, collection Mémoires du XXe siècle, 2001, Paris, p. 140. Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

11


Autant la deuxième guerre a révélé la portée stratégique et les fonctions tactiques du site de Bizerte, autant elle a montré la vulnérabilité de ses constructions et la nécessité de leur modernisation. « Seulement 28,7 % des installations des Constructions et Armes Navales étaient intactes, tandis que 75000 tonnes d’épaves et de débris divers changent le plan d’eau suite aux tentatives françaises puis allemandes d’embouteillage »1. Un premier plan de modernisation conçu au lendemain de la deuxième Guerre visait la protection de la base de Bizerte-Ferryville par un système de défense antiaérienne et de constructions souterraines dans les monts qui se trouvaient au nord de la ville. Faute de moyens financiers, cette entreprise fut abandonnée. La politique des bases lancée par la marine française cherchant à renforcer ce genre de dispositif dans l’outre-mer, ente autres Mers-el Kébir et Bizerte, aboutit au même résultat. C’est alors que la base militaire de Bizerte tombe en léthargie jusqu’à la fin des années quarante. Un ambitieux programme de modernisation est relancé en 1951, mais son exécution fut ajournée faute de crédits. A la faveur du contexte de la guerre froide l’OTAN entre en scène en 1952-53 pour financer un tel projet. Mais il semble que l’avènement de l’indépendance tunisienne fût à l’origine du désintérêt de l’organisation atlantique. En effet, Bizerte perd depuis 1956 son hinterland qui appartient désormais à la Tunisie, ce qui réduit toute capacité de retrait ou de manœuvre des troupes françaises stationnées dans cette base. L’entrée des puissances occidentales, y compris la France depuis 1961, dans l’ère de l’arme nucléaire est un dernier coup porté à la base militaire, ce qui explique l’arrêt de tous les travaux entamés dans cette zone. Ainsi, nous assistons de 1945 à 1961, à l’échec de toute tentative de reconversion de Bizerte qui perd tous les jours de sa portée militaire et stratégique. Toutefois, en dépit de cette léthargie‫ ة‬de Gaulle refusa de rétrocéder cette base au jeune Etat tunisien, ce qui a about à un affrontement sanglant en juillet 1961. Comment expliquer un tel paradoxe ? II - L’ECHECD’UNE TRANSITION POSTCOLONIALE La Tunisie a signé avec la France les conventions du 3 juin 1955 lui accordant l’autonomie interne. Le protocole du 20 mars 1956 a reconnu l’indépendance de ce pays. Toutefois, les troupes françaises demeurent stationnées dans le Sud et à Bizerte. Etant donné que les accords entre les deux pays ne se sont pas prononcés sur cette présence militaire française, des CORDIER-FERON (D.), « La base Stratégique de Bizerte : 1943-1961 », in Bizerte à travers l’histoire, actes du colloque annuel d’histoire de Bizerte 2003-2004-2005, ASM de Bizerte, Tunis, 2008, note 4, p. 36. 1

12

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


arguments sont avancés du côté français pour justifier une situation de fait non conforme au droit, à savoir l’obligation morale et politique d’aider le jeune Etat à assoir son autorité sur l’ensemble du territoire. Confronté à plusieurs difficultés, parmi les quelles la nécessité de mater l’opposition yousséfiste et de permettre la remise des armes par les Fellaghas aux nouvelles autorités, Bourguiba a laissé faire, ce qui lui a valu d’être accusé par ses adversaires, de collaborer avec l’ancienne puissance coloniale. Tous ces événements confirment, s’il en est besoin, que la France et la Tunisie cherchent à inaugurer de nouvelles relations postcoloniales dont le chemin était difficile à tracer. Le bombardement par l’aviation française le 8 février 1958 du village de Sakiet Sidi Youssef est venu brouiller les cartes de Bourguiba qui, s’attachant à sa politique des étapes, croyait à la négociation et aux solutions arrangées avec la France1. Ceci est d’autant plus vrai qu’il s’affichait toujours comme défenseur des valeurs libérales de l’Occident en précisant, dans ses discours à la nation, qu’il rejetait le colonialisme et non la France et sa culture. Outre la plainte qu’il porta devant le conseil de sécurité, Bourguiba changea de tactique avec la France. A la faveur de la pression yousséfiste qui gagna de plus en plus de sympathisants, il opta pour la radicalisation de sa position envers l’ancienne puissance coloniale2. La politique saharienne de la France en Algérie et les nouvelles découvertes pétrolières dans les zones frontalières proches de la borne 233, objet de litige entre les deux parties, ont suscité les convoitises de la Tunisie. Ainsi, les revendications tunisiennes ne cessent de faire surface et on commence à réclamer l’évacuation des troupes françaises au nom de la souveraineté nationale. La convention de 1942 faisant de Bizerte une partie du territoire français fut dénoncée le 14 février 1958 d’une manière unilatérale par la Tunisie. La rencontre, à Rambouillet, entre Bourguiba et de Gaulle le 27 février 1961 aboutit à un échec3. Les quelques promesses de médiation américaine ne donnent aucun résultat tangible. Ne croyant plus aux moyens diplomatiques, Bourguiba renoue avec ses armes de lutte contre le colonialisme : la pression populaire. Des discours transmis par la radio tunisienne et des cellules du parti ont enflammé des jeunes contre de Gaulle. Des interviews données à des journalistes français publiées dans la presse française et internationale visent à gagner la sympathie de 1

Wall (I.) « Les Etats-Unis, la Grande Bretagne et la crise de Sakiet », in in Histoire orale et relations tuniso-françaises de 1945 à 1962, …Op. Cit, pp. 217-237. 2 Mansar (A.), « Les relations tuniso-françaises au lendemain de l’indépendance à travers les discours de Bourguiba », in Histoire orale et relations tuniso-françaises de 1945 à 1962…, Ibid., p. 191-200. 3 *Dougui (N.), « La crise de Bizerte : le choc de deux stratégies complexes », in Les relations tunisofrançaises au miroir des élites (XIXème, XXème siècles), collectif, publications de la Faculté des Lettres, Manouba, 1997 , pp. 211-226. * Grimaud (N.), « La crise de Bizerte », in, Histoire orale et relations tuniso-françaises de 1945 à 1962, Op. Cit, p. 242. Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

13


l’opinion publique française. Bourguiba profite, lors du printemps 1961 des négociations d’Evian pour exercer une pression politique sur la France et l’amener à céder au sujet de Bizerte. Toutefois, de Gaulle assouplit ses positions à l’égard de l’Algérie et durcit le ton avec la Tunisie. La tension entre les deux leaders ne cesse de monter et le bras de fer entre les deux hommes est bel et bien engagé. La guerre psychologique entre les deux parties atteint son paroxysme avec le mois de juillet 1961 avec un élément nouveau : les masses tunisiennes s’y engagent pleinement. Le moindre incident peut alors tourner en drame. En effet, les militaires français ayant pris l’initiative d’agrandir l’enceinte de la base de Sidi Ahmed, des civils tunisiens sont envoyés le 19 juillet 1961 pour occuper positions autour enceinte, des escarmouches opposent soldats français et soldats tunisiens au sein de la ville de Bizerte. C’est alors que l’aviation française, venue d’Algérie, déferla ses bombes sur les civils et militaires tunisiens. Une guerre disproportionnée et sans merci va durer jusqu’au 23 juillet 1961. Si de Gaulle a donné la consigne de frapper vite et fort, Bourguiba qui a pris le risque d’envoyer à Bizerte des hommes désarmés, n’a jamais prévu une riposte française aussi violente dont le bilan a été différemment évalué. Au-delà de la situation d’une ville sinistrée, Bizerte a enterré des centaines de morts et ses blessures avaient du mal à être cicatrisées. La mémoire de cette ville reste aujourd’hui une mémoire traumatisée et certains iront jusqu’à dire que la Tunisie n’avait pas besoin de cette guerre pour récupérer Bizerte, la preuve en, selon cette manière de voir, le stationnement des troupes françaises dans le Sud tunisien n’a pas donné lieu, au lendemain de 1956, à un affrontement militaire similaire. Voilà ce qui nous incite à chercher les véritables mobiles qui sous-tendent cette affaire. Indépendamment du bras de fer entre deux présidents qui cherchaient chacun à cultiver son leadership et du problème tuniso-tunisien opposant Bourguiba à Ben Youssef, quels sont, des deux côtés, les véritables enjeux de cette guerre ? S’agit-il d’un malentendu franco-tunisien ? Les dimensions de cette guerre débordaient-elles ce cadre restreint ? Faudrait-il voir ailleurs qu’à Tunis et qu’à Paris pour saisir les véritables mobiles et réelles répercussions de l’affaire de Bizerte ? III - L’OMBRE DE SUEZ ET LE POIDS D’ALGER Outre les problèmes liés à la souveraineté tunisienne, c’est le poids du contexte postcolonial, et de ses deux zones de tension en particulier, qui a impliqué Paris et Tunis dans un processus irréversible. De Suez à l’Algérie, la guerre a atterri, chemin faisant, à Bizerte pendant quelques jours. 14

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


L’arrivée au pouvoir de Nasser en juillet 1952 contribua à changer la donne en Egypte, au Moyen –Orient, et ce notamment en ce qui concerne les relations avec les puissances coloniales. L’exploitation du canal de Suez par des puissances étrangères constitue désormais un enjeu principal entre les différents protagonistes présents dans la région. La compagnie de Suez créée depuis 1869 avec des capitaux européens et particulièrement anglais et français est ainsi perçue par le Rais comme une forme de présence étrangère dans une Egypte indépendante où stationnaient encore des troupes britanniques. En dépit de certaines difficultés, un premier pas est franchi dans le sens souhaité par Nasser : un accord anglo-égyptien signé le 19 octobre 1954 prévoit le retrait des forces britannique de cette zone. Son article premier annonce que « les forces de sa Majesté seront totalement retirées du territoire égyptien selon le plan défini au paragraphe A de l’annexe n°1 dans un délai de 20 mois à partie de la signature du présent traité »1. Toutefois, l’article 4 du même accord prévoit qu’en cas de guerre dans la région, « l ’Egypte sera tenue d’accorder au Royaume-Uni telles facilités qui seraient nécessaires en vue de mettre la base sur pied de guerre et l’utiliser efficacement »2. Cet accord dépasse le cadre strictement militaire, car il définit le statut et l’avenir de la base de Suez et annonce une ère de coopération entre l’Egypte et le Royaume-Uni. C’est du moins ce que laisse entendre l’ambassadeur anglais Sir Ralph Stevenson dans sa déclaration à cette occasion : Cet accord, affirme-t-il, « marque le début d’une nouvelle ère de coopération entre la Grande Bretagne et l’Egypte. Si l’histoire a été responsable de malentendus entre nos deux pays, elle a en même temps créé entre eux des aspirations et des intérêts communs »3. Quant au président Nasser, il y voit, dans un discours adressé aux Egyptiens un signe de victoire sur le colonialisme et une occasion de mobilisation de son peuple pour un prochain combat et une nouvelle étape. « C’est un grand jour. Il s’élève au niveau du passé glorieux et marque le début de l’espoir dans un avenir qu’aucun horizon ne limite. Une étape de notre lutte a pris fin et une autre étape est sur le point de commencer »4. L’évacuation des troupes anglaises annonce, dans l’esprit de Nasser, une nouvelle étape de lutte contre le colonialisme et l’impérialisme. Le 17 novembre 1954, à l’occasion du 85eme anniversaire de l’inauguration du canal de Suez le président égyptien déclare : « L’Egypte appartenait au canal dans le passé. Cela n’est plus aujourd’hui et c’est le canal qui un jour appartiendra un jour à 1

Cité in, La documentation française, 17 mars 1955. Ibid. 3 Cité, Ibid. p. 28. 4 Le journal d’Egypte, 20 octobre 1954. 2

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

15


l’Egypte. J’annonce qu’aujourd’hui nous commençons à nous préparer à prendre possession du canal de Suez et en assurer l’exploitation »1. Dans l’esprit du Rais la décision est prise. Reste à en choisir le contexte et les modalités. Faut-il négocier avec les partenaires occidentaux ou prendre une initiative unilatérale ? Le rapprochement avec l’Union Soviétique et les vagues d’indépendances, parmi lesquelles celles de la Tunisie et du Maroc lui ont donné l’impression de l’affaiblissement des puissances occidentales. La montée d’Israël dans la région et le passage de ses navires par le canal de Suez sont considérées par Nasser comme une source de danger pour l’Egypte et pour la nation arabe dont il se présente comme étant le véritable défenseur. Tous ces facteurs, et tant d’autres, incitèrent Nasser à bloquer le passage des navires israéliens par le Golfe d’El Akaba et de prendre la décision de mettre un terme au traité du 19 octobre 1954 et de nationaliser la compagnie de Suez et dans un discours retentissant le 26 juillet 1956. Une loi est promulguée à cette occasion annonçant dans son article premier que « La compagnie Universelle du Canal Maritime de Suez est nationalisée. Tous les biens et les droits qu’elle possède et les obligations qu’elle a, sont transférés à L’Etat »2. La riposte occidentale ne se fait pas attendre. Une coalition entre la Grande Bretagne, la France et Israël est formée d’une manière secrète. Chacun de ces trois parties avait ses propres justifications pour attaquer militairement l’Egypte. Israël n’a jamais accepté que la fermeture du canal de Suez à ses navires estimant que le panarabisme de Nasser constitue une menace pour elle. La Grande Bretagne considère que la nationalisation de Suez est de nature à porter atteinte à la libre circulation et à son commerce maritime sans parler de la rupture unilatérale par Nasser de l’accord du 19 octobre 1954. La France qui partageait ce point de vue avec le Royaume-Uni juge que Nasser est une source de danger puisque les nationalistes algériens trouvaient aide, armement et auprès du Caire où siégeaient la plupart des révolutionnaires algériens.« La campagne de Suez » selon les uns ou la « triple agression » selon les autres est lancée le 29 octobre 1956 et se solda par une victoire écrasante de la coalition. Mais quelles que soient les conséquences militaires et diplomatiques, Nasser en est sorti aux yeux du monde arabe, y compris l’Egypte, victorieux. C’est le héros, estime-t-on, de Suez car il a eu le courage de défier « les pays impérialistes » en décidant la nationalisation et la campagne de Suez n’est, à leurs yeux, qu’une injuste agression qui prouve l’alliance entre l’Etat hébreux et les occidentaux. Cité dans le Journal d’Egypte, 1954 (le Caire). El Joumhouriya, 27 juillet 1956.

1 2

16

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


Le leadership de Nasser s’est donc renforcé. C’est le « défenseur », « le sauveur » et le véritable « libérateur » de la nation arabe. La presse et « la Voix du Caire » sont mises à contribution pour soutenir une nouvelle idéologie, vouée à dépasser le cadre de l’Egypte : le nassérisme. L’affaire de Bizerte n’est-elle pas, en dépit des différences dont nous sommes conscients, similaire à celle de Suez ? Bourguiba n’a-t-il pas cherché à se hisser en héros de Bizerte et du Maghreb comme l’était Nasser pour Suez et pour le Machrek? Le parallèle, à ce sujet, entre Bourguiba et Nasser, entre. Suez et Bizerte est frappant à plus d’un titre. Ce n’est pas un hasard que Bizerte fut appelée à chaque célébration de l’anniversaire de l’évacuation « la ville du canal ». Une grande artère périphérique, à côté de laquelle fut édifié un mémorial au nom des martyrs de juillet 1961, a pris la dénomination du « boulevard du Canal ». Cette symbolique du canal trahit, à notre sens, l’ombre de Suez qui a fortement pesé sur Bizerte. Mais Suez était-il le seul facteur déterminant dans le choc entre Bourguiba et de Gaulle ? Ce dernier a toujours avancé, au sujet du maintien de la base militaire de Bizerte, sa volonté de défendre le « monde libre ». En effet, le contexte de la guerre froide avec la montée de l’Union Soviétique et le développement du socialisme en Europe orientale, nécessite, d’après cette logique, l’usage de Bizerte comme tête de pont pour un éventuel conflit avec le bloc de l’Est. Ainsi, de Gaulle a-t-il cherché à intégrer Bizerte dans la stratégie de l’OTAN. Cette volonté a pleinement échoué et cette organisation s’est désintéressée de Bizerte comme nous l’avons signalé plus haut. N’étant pas modernisée, cette base ne peut être opérationnelle pour l’OTAN dont la stratégie s’appuie désormais sur la dissuasion nucléaire. L’utilité de Bizerte pour le système défensif ou offensif de l’OTAN n’est alors qu’un mythe. Il s’agit d’un discours avancé par de Gaulle pour cacher le principal enjeu et les véritables mobiles de son combat pour le maintien de la base militaire de Bizerte. D’autres paramètres, essentiellement la guerre d’Algérie, étaient une clef de l’affaire de Bizerte. Si Suez a déterminé, consciemment ou inconsciemment l’attitude de Bourguiba, Alger l’était en ce qui concernait de Gaulle. Après son retour au pouvoir, de Gaulle s‘est trouvé confronté à l’épineux problème de la guerre d’Algérie déclenchée à partir de 1954 et qui faisait de plus en plus de ravages dans les deux camps. Le putsch des généraux, le 22avril 1961, a compliqué la situation pour le Président français qui cherchait une issue pacifique et honorable de ce gouffre algérien. Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

17


L’indépendance de la Tunisie n’a pas non plus, contrairement à ce qu’on l’espérait du côté français, arrangé les choses pour régler le problème algérien. Bien au contraire, ce pays est devenu une base arrière de la révolution algérienne. Mieux encore le GRPA s’installait dans cette Tunisie par laquelle transitaient des armes venant d’Egypte. La ligne Morice puis la ligne Challe, installées respectivement en 1957 et en 1959 le long de la frontière algérotunisienne, n’ont pas stoppé ce flux d’armes et d’hommes venus aider « leurs frères algériens ». Le nouvel Etat s’est aussi impliqué dans ce mouvement de soutien à la cause algérienne, ce qui causa la suspension de l’aide française accordée à la Tunisie. Pour apaiser la situation, Bourguiba a proposé ses bons offices entre les deux parties. Il est allé même jusqu’à proposer l’échange de Bizerte contre l’indépendance de l’Algérie. Toutefois, de Gaulle n’entendait pas les choses de cette oreille. Il s’abstenait à garder Bizerte pour s‘en servir pour d’éventuelles frappes sur les bases du FLN en territoire algérien et le long de la frontière algéro-tunisienne. Plusieurs attaques de ce genre l’attestent. « L’affaire de Bizerte », et le bombardement démesuré de la ville visaient aussi à rassurer les généraux et les militaires impliqués en Algérie et à garder leur sympathie. En effet, c’est après avoir accordé l’indépendance à l’Algérie, que de Gaulle décida l’évacuation de la base militaire de Bizerte qui fut effectuée définitivement le 15 octobre 1963. A cette occasion Bourguiba hissée en héros de l’évacuation. Une cérémonie triomphante est organisée à Bizerte le 13 décembre 1963 avec la présence de Nasser et de Ben Bella. Il a fallu cette guerre pour que Bourguiba donne une légitimité à l’indépendance de son pays et pour qu’il se transforme en adversaire de l’Occident. C’est pourquoi il fut victorieusement accueilli à la conférence du mouvement des non-alignés à Belgrade en août 1961. Il ira plus loin, en décidant lors d’un congrès de son parti, « le Destour » à Bizerte, d’adopter en octobre 1964 le « socialisme destourien ». En pleine crise de Bizerte, Bourguiba était déjà reçu par Kennedy le 11mai 1961, ce qui lui a permis de maintenir ses positions sur cette question. Suite à la bataille de Bizerte et grâce à l’appui du groupe afro-asiatique, Bourguiba porta plainte le 7août 1961 devant l’assemblée générale de l’ONU. Le secrétaire général est cet organisme international Dag Hammarskjold, est venu visiter le 24 juillet 1961 Bizerte pour voir l’ampleur des dégâts et des pertes humaines suite à l’attaque françaises. L’Amiral Amman refuse de le recevoir alors qu’il était reçu par Bourguiba deux jours auparavant. Des émissaires tunisiens sont envoyés à plusieurs capitales pour dénoncer les atrocités commises par la France et

18

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


solliciter un soutien diplomatiques. A Moscou comme dans d’autres capitales de l’Est, soutien et sont promis aux Tunisiens1. Conclusion Plus que jamais Bourguiba est sorti de l’ombre en obtenant cette victoire diplomatique. A l’échelle régionale, et particulièrement arabe, cette guerre a permis le rapprochement entre Nasser et Bourguiba d’un côté et entre ce dernier et la révolution algérienne d’un autre côté. Par sa conciliation avec Nasser Bourguiba voulait être présent sur la scène arabe et proposer des solutions au problème palestinien, ce qui sera fait en 1965. Par son rapprochement avec L’Algérie indépendante, il voulait participer à l’édification du nouveau Maghreb, entreprise à laquelle il a déjà participé en 1958 lors du congrès de Tanger. Bref, la guerre de M. Bourguiba lui a permis de sortir de la maison tunisienne, qu’il considérait en deçà de sa stature et de son envergure grandiose, pour se tisser une place sur la scène arabe et internationale. Pour arriver à dessein, il a compris qu’il lui fallait se démarquer à l’Instar de l’Egypte et de l’Algérie, même d’une manière timide, des anciennes paissances coloniales. Nous assistons alors, avec le nouveau ralliement de la Tunisie, à une radicalisation de ces trois pays (Algérie, Tunisie et Egypte) à l’égard des démocraties libérales d’où l’adoption du socialisme en matière de politique économique. Aussi limitée soit-elle, dans le temps et dans l’espace, la bataille de Bizerte a permis le bouleversement de la politique tunisienne et la formation d’un bloc Machrek-Maghreb antioccidental et prosocialiste. Ce bloc ne pouvait se faire sans le relais tunisien ou la base bizertine. L’affaire de Bizerte devrait ainsi être appréhendée dans le cadre de la mise en place dans un nouvel ordre postcolonial et non plus, comme cela a été souvent le cas, étudiée comme une question de décolonisation.

1

Belkhouja (T.), Les trois décennies Bourguiba, troisième édition, Tunis, 2010, pp. 50-51. Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

19



LES RELATIONS MILITAIRES ENTRE LA TUNISIE ET L’EMPIRE OTTOMAN : DE LA VASSALITE A LA COOPERATION PENDANT LA GUERRE DE CRIMEE

Lt. Colonel Dr. Samir CHEMI Musée Militaire National Commission Nationale d’Histoire Militaire

La participation des contingents tunisiens aux côtés de l’Empire ottoman pendant la guerre de Crimée (1854-1856) constitue un événement marquant dans l’histoire des relations tuniso-ottomanes. C’est un acte souverain qui reflète à la fois l’indépendance de l’Etat tunisien et son attachement à maintenir les relations de fraternité, d’entraide et d’alliance avec Istanbul. En effet, depuis 1574 le régime mis en place par les Ottomans à Tunis n’a cessé de s’adapter et d’évoluer continuellement pour aboutir au début du XVIIIème siècle au régime husseinite. Un régime de type dynastique qui, tout en étant autonome, n’a pas manqué de manifester son allégeance à la Sublime Porte. Toutefois, la présence des janissaires fut considérée comme une mainmise militaire de la Porte sur la Régence de Tunis. Sous le règne de Hammouda Pacha (1782-1814), les janissaires furent progressivement marginalisés et quelques corps de recrutement local ont été créés. L’idée embryonnaire d’une armée tunisienne s’est cristallisée avec ses successeurs. Sous le règne d’Ahmed Bey (1837-1855), une armée moderne de recrutement tunisien fut organisée marquant l’indépendance totale du pays. La participation de cette armée aux côtés des ottomans dans la guerre de Crimée (1853-1856) a mis fin aux relations de vassalité et a inauguré une ère de coopération avec Istanbul. I - AUX ORIGINES DES RELATIONS MILITAIRES TUNISOOTTOMANES : DES LIENS D’APPARTENANCE POLITIQUE Pour étudier les relations entre la Régence de Tunis et l’Empire ottoman à partir du XVIème siècle, nous sommes confrontés à des problèmes de concepts. La dépendance de la Tunisie à l'égard de l'Etat ottoman ne peut, en aucun cas, être analysée en termes tels que « colonisation », qui est tout à fait un concept anachronique et erroné. D’autre part, limiter les rapports tuniso-ottomans aux relations institutionnelles entre un pouvoir central et une province, qui a été occupée militairement, constitue également un outrage à la recherche scientifique

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

21


historique. En effet, ces relations sont aussi profondes que complexes et spécifiques. La prise de Tunis par les Ottomans en 1574 constituait une victoire contre la principale puissance européenne opérant en Méditerranée à l'époque, à savoir l’Espagne, qui occupait Tunis depuis 1535, et elle fut de ce fait perçue, par un large secteur de la population, comme une libération. La proximité de Tunis de l'Europe de l'Ouest, et sa position stratégique au cœur de la Méditerranée, devaient faire de la Régence de Tunis, évidemment avec celles d'Alger et de Tripoli, un point d’appui pour la lutte contre l'Espagne. En effet, depuis 1574 la Tunisie devint une province ottomane. Sa première administration, mise sur pied par Sinan Pacha, fut confiée à un pacha assisté par une milice de janissaires forte de 3 000 à 4 000 hommes1 et commandés par un agha. La plupart de cette légion tenait garnison à Tunis, les autres étaient envoyés à l’intérieur à tour de rôle notamment dans les forteresses maritimes, de Tabarka et Jerba. La modicité de ces chiffres atteste, s'il en est besoin, qu'il ne s'agit pas d'une occupation à laquelle ont résisté les forces locales. Le maintien de ces unités a été réalisé grâce à des missions de recrutement opérées en Anatolie lorsque les besoins se sont fait ressentir avec bien sûr l'accord des autorités ottomanes.2 La responsabilité de la défense des Odjak de l’Ouest (GharbOjaklari) incombe à ces janissaires avec des troupes levées sur place. Ils sont aussi appelés à effectuer d'autres missions parmi lesquelles organiser certaines offensives contre des ennemis communs. Les obligations de ces janissaires comportaient des périodes de garnison dans les villes de l'intérieur de la Tunisie, la participation aux colonnes biannuelles du camp (mahalla) et le service sur les navires pratiquant la course maritime.3 Au sein des unités de janissaires, le nombre de Kouloughlis c'est-à-dire des enfants de militaires Ottomans et de femmes tunisiennes, ne cessait de croître. En effet, "beaucoup de militaires se mariaient dans le pays avec des femmes tunisiennes et leurs enfants, les kûlughlîs (...) n'étaient pas interdits de service , comme c'eût été la règle pour des janissaires et comme c'était en gros, le cas en Algérie".4 - Mantran (R.) , « L’évolution des relations entre la Tunisie et l’Empire ottoman du XVI ème au XIX ème siècle » in Cahiers de Tunisie n° 26-27, 1959, p.321. 2 - Sur ces missions nous possédons un certain nombre de témoignages relatifs notamment à une mission effectuée en 1701 sous la direction d'Ibrahim Chérif. Les péripéties d'une mission effectuée en 1752 sont aussi relatées par Mohamed Seghir Ben Youssef, traduit par Victor Serres et Mohamed Lasram, Mechra el Melki : chronique tunisienne, Tunis 1900. 3 - Raymond (André), Tunis sous les mouradites. La ville et ses habitants au XVIIe siècle, Cérès Editions, Tunis, 2006, p. 64. 4 - Idem , p. 66. 1

22

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


La solidarité militaire est, de ce fait, concrétisée par cette lutte commune contre toute invasion chrétienne. Ottomans et autochtones défendaient ensemble le territoire de la Régence contre les incursions extérieures et des garnisons sont installées dans cet objectif dans les grandes villes. Ils harcelaient aussi ensemble les navires de leurs adversaires communs. Par ailleurs, l'odjak de Tunis fournit une aide militaire, surtout navale, au Sultan. Une aide qui fut souvent utile notamment au XVIIème siècle. En effet, "la flotte de Tunis, comme celles d'Alger et de Tripoli, fait partie de l'ensemble des forces ottomanes : si elle a son propre kapudan, elle dépend cependant, à l'échelon supérieur, du kapudan-i derya, le grand amiral turc, et le sultan peut faire appel à cette flotte quand le besoin s'en fait sentir. Traditionnellement, les navires « barbaresques » sont comptés au nombre des navires ottomans dans les rapports des ambassadeurs et agents européens : français, vénitiens, etc...»1. Ainsi, la flotte de Tunis a participé au milieu du XVIIème siècle à la Guerre de Crète aux côtés des Ottomans opposés aux Vénitiens. Des navires de la Régence ont contribué notamment au débarquement dans cette île. En 1795, la flotte tunisienne est sollicitée lors d'une expédition ottomane en Tripolitaine. En 1810, Hammouda Pacha fourni au Sultan Mahmud des bâtiments militaires et des hommes lors de sa campagne contre la Crète. En somme, il ne s'agit pas seulement d'une simple collaboration ou d'entraide circonstancielle, mais d’une véritable solidarité politique et militaire. Bien que la fin du XVIIIème siècle fût marquée par une majeure indépendance des beys de Tunis vis à vis de l’Empire ottoman (les traités sont, désormais, consentis par le « Pacha bey, possesseur du royaume de Tunis »)2, l'ensemble des moyens militaires de la Régence de Tunis sont considérés comme une partie indivisible de celles de l'Empire ottoman. L’autonomie politique des beys de Tunis est peut –être compensée par un renforcement d’une collaboration militaire qui devrait servir la stratégie ottomane dans la Méditerranée. Il est, à cet égard, significatif que le Bey lui-même se voit attribuer un grade militaire par le sultan : « A partir de la réforme de l'armée ottomane de 1831 : le bey est d'abord titulaire du grade de ferik (général de division, équivalent militaire de beylerbeyi) puis, lorsqu'il devientvali, du grade de müsir( maréchal, équivalent militaire de vali) » 3.

1

- MANTRAN (Robert), « L'évolution des relations entre la Tunisie et l'Empire Ottoman du XVI ème au XIX ème siècles. Essai de synthèse » In Cahiers de Tunisie, N° 26-27, 2 ème et 3 ème trimestre 1959 (pp. 319-333), p. 325. 2 - Hugon (H.), Les emblèmes des beys de Tunis, Paris, Leroux, 1913, p.192. 3 - MANTRAN, Op. cit., p.329. Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

23


L’impact des réformes militaires ottomanes, notamment celles de 1826 et de 1831 fut immédiatsur la Régence où on adopta la nouvelle organisation militaire turque, les grades etc... Des officiers et des soldats tunisiens furent envoyés à Istanbul pour s'y instruire des nouvelles méthodes; réciproquement des maîtres bonnetiers tunisiens furent demandés en 1831 et 1832 par Constantinople pour venir fabriquer dans la capitale des chéchias destinées aux soldats ottomans et former sur place des bonnetiers turcs1. Il semble évident que les gouverneurs de la Régence au début du XIX ème se sont largement inspiré des réformes militaires ottomanes dans l’organisation d’une armée régulière moderne en Tunisie qui affirma davantage leur souveraineté et leur indépendance vis-à-vis d’Istanbul. II- LES REFORMES MILITAIRES EN TUNISIE : AFFIRMATION DE L’IDENTITE MILITAIRE TUNISIENNE FACE AUX OTTOMANS Les Beys de Tunis ont ressenti la nécessité d’organiser une armée régulière afin d’asseoir leur pouvoir et manifester leur souveraineté dans un contexte géopolitique caractérisé par l’expansion coloniale notamment après la prise d’Alger en 1830.La première organisation des troupes régulières dans la Régence remonte à la fin de l’année 1830. Le ministre Chakir en fit adopter l’idée par Husseïn bey et se chargea lui-même de sa mise en exécution. « Il réunit trois ou quatre cent Ottomans et Arabes faisant partie déjà des troupes alors existantes et confia leur instruction à des sous-officiers arrivés de Constantinople »2. Cette nouvelle organisation de l’armée fut dictée par le besoin de s’adapter aux changements militaires et politiques survenus dans le bassin méditerranéen. En effet la défaite de Navarin (1826) ainsi que la prise d’Alger (1830), ont consacré l’hégémonie européenne sur cette mer. En s’emparant d’Alger la France devint désormais un voisin redoutable et c’est par crainte d’un sort semblable à celui d’Alger qu’est né le rapprochement avec la France. La prise de Tripoli par les Ottomans et leur menace de déloger les beys de Tunis n’ont fait qu’accentuer ce rapprochement. Dès lors, une politique d’assistance militaire fut instaurée. A la demande du bey des officiers français furent chargés d’instruire les troupes régulières nouvellement créées. « Husseïn bey, nous rapporte Ibn Abi Dhiaf, procéda à l’organisation d’une armée régulière. Il appela les descendants des soldats inscrits sur les contrôlesdont la majeure partie était des artilleurs- et d’autres jeunes natifs du pays, les installa à Mohammedia et leur désigna un instructeur français pour qu’il les 1

- Ibid., p. 330. - S.H.A.T, Série Tunisie 2 H 2, Dossier N° 1 : Rapport sur les forces militaires de la Régence, élaboré par le capitaine De Taverne, officier français détaché dans la Régence comme instructeur de l’armée, copie microfilmée de l’I.S.H.T.C, bobine n°S248 . 2

24

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


forme aux différents types de tir. Leur nombre s’est insensiblement accru» 1. Ainsi, le recrutement local qui allait en se développant sous ses prédécesseurs, est-il devenu, avec Husseïn bey, la seule source d’approvisionnement en soldats2. Toutefois, il est à signaler que si l’influence française fut importante dans l’organisation et l’instruction de la première formation militaire régulière dans la Régence, l’apport ottoman n’était pas négligeable. En effet, Husseïn bey s’inspirait dans cette réforme de celle entreprise par le Sultan ottoman Mahmoud II qui, après la dissolution du corps des Janissaires à Istanbul en 1826, a réorganisé son armée et encouragé ses « vassaux » de faire de même. Un envoyé extraordinaire du Sultan vient à Tunis informer le bey des réformes entreprises dans l’armée turque. Des officiers et des soldats tunisiens furent envoyés à Istanbul pour y étudier les détails pratiques du nouveau règlement militaire ottoman. De même, les premiers instructeurs de l’armée régulière furent des officiers Ottomans détachés dans la Régence. D’autre part, pour rendre compte au Sultan et lui montrer son esprit moderniste, Husseïn bey a envoyé à Istanbul un détachement de sa nouvelle armée qui a regagné Tunis vêtu du costume des soldats ottomans. Cependant, les plus grandes réformes militaires en Tunisie furent entreprises par Ahmed Bey (1837-1855). Son influence sur le gouvernement de la Régence fut ressentie pendant le règne de son père Mustapha bey (1835-1837) qui lui confia toutes les affaires militaires de la Régence. D’après Ibn Abi Dhiaf, il porta dès lors l’uniforme et procéda à l’organisation de l’armée. Il passait tout son temps dans les casernes comme s’il était un soldat3. Le plus grand effort d’Ahmed Bey fut consacré à la formation d’une armée régulière aussi nombreuse que puissante. Il envoya plusieurs missions d’officiers tunisiens en Italie et en Autriche pour y étudier le fonctionnement des armées de ces deux pays4. Mais c’est surtout auprès de la France qu’il trouva l’assistance militaire indispensable. En 1843, une mission militaire française 5 fut détachée officiellement auprès du bey pour instruire sa nouvelle armée qui pouvait déjà, aligner trente mille hommes6.

- Ibn Abi Dhiaf, Ithaf…, T III, p. 179. (Traduit par l’auteur) . - Mantran (R.) ,« Documents turcs relatifs à l’armée tunisienne », in Cahiers de Tunisie, n° 15, 1956, p. 362. 3 - Ibn Abi Dhiaf, Ithaf ahl azzaman bi akhbar moulouk Tounis wacahd al-aman, T III, Tunis, 1971. 4 - Drevet (R). , L’armée tunisienne, Tunis, 1922, p. 10. 5 - Les rapports et les relations des officiers de cette mission nous ont fournis des renseignements détaillés sur l’armée tunisienne pour laquelle ils servaient. 6 - De Taverne (capitaine), Rapport sur les forces armées de la Régence, daté du 29 Oct. 1853 in S.H.A.T, Série Tunisie 2H 2,Doss. N°1 (Copie de l’I.S.H.T.C, Tunis, bobine n°S248). Ce rapport fut édité par A. Martel comme article intitulé « L’armée d’Ahmed bey vu par un instructeur français » in Cahiers de Tunisie n° 15, 3ème trim. 1956, pp. 373-407. 1

2

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

25


L’œuvre militaire élaborée par Ahmed bey a permis donc, de doter la Régence d’une infrastructure défensive imposante, des armements, des équipements et d’effectifs jamais atteints dans le passé. Elle fut ainsi capable d’envoyer en 1854 en Crimée un corps d’armée de 10000 hommes environ, composé de quatre régiments d’infanterie, deux régiments d’artillerie, et un régiment de cavalerie. Ce corps expéditionnaire devait même emporter 6000 fusils pour l’armée ottomane. III- LA GUERRE DE CRIMEE (1854-1856) ET LA COOPERATION TUNISO-OTTOMANE La guerre de Crimée fut une occasion offerte pour Ahmed Bey (1837-1855) pour engager et tester sur le terrain les premières forces armées régulières tunisiennes qu’il venait de former dans le cadre des réformes entreprises depuis son avènement. Stimulé, en effet, par les Tanzimat de l'Empire ottoman, Ahmed Bey avait décidé de se lancer dans une voie de modernisation des institutions de l’Etat parmi lesquelles l’armée, ce qui pourrait avoir un impact positif sur l’économie et la société tunisiennes. Il procéda à la réorganisation de l'armée qui devint une armée régulière encadrée d'instructeurs Ottomans et européens; il n'avait pas hésité à engager des dépenses énormes pour doter l’armée tunisienne du matériel moderne et de construire des poudrières, une fonderie de canons, des casernes et des manufactures d’habillement et de ravitaillement. Aussi a-t-il fondé l’école Polytechnique pour la formation des officiers. En dépit de l’adoption du modèle ottoman, le bey de Tunis, était toutefois animé par un esprit d’indépendance à l’égard de la Sublime porte en voyant dans ces réformes un moyen d’asseoir l’autorité et l’autonomie de l’Etat tunisien. Ainsi, dès le départ, une relation paradoxale ou ambivalente dominait les rapports tuniso-ottomans. Cette tendance se confirma lors de la guerre de Crimée. Dès le mois d'avril 1854, Ahmed Bey, qui avait reçu un firman du Sultan l'invitant à une aide militaire décidait d’envoyer un contingent de l’armée tunisienne au sein de la coalition franco-anglo-turque contre la Russie. Par cette participation le Bey de Tunis se montrait fier d'aider La Porte. En se rangeant aux côtés du Sultan, la Tunisie faisait preuve d'une bonne volonté, et donnait des gages, non de soumission, mais d'entente cordiale. Le Bey voulait ainsi faire valoir le résultat de ses réformes et taire ceux qui l'avaient accusé d'esprit de sécession vis-à-vis de la Sublime Porte. Il voulait d’autre part, entreprendre une politique extérieure d’alliance avec la Turquie et les puissances européennes afin de se prémunir des moyens qui garantissaient l’indépendance de la Tunisie dans un XIXème siècle caractérisé par les visées et

26

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


les convoitises coloniales, que l’occupation de l’Algérie en 1830 venait de confirmer. En effet, le contexte politico-militaire qui a régné durant le XIXème siècle et dont le trait essentiel était l’expansionnisme colonial, a mis la régence de Tunis au centre des convoitises. La prise d’Alger en 1830 n’a pas « rassuré le bey sur sa frontière ouest » comme l’on prétendu certain historiens français, au contraire l’Armée française en Algérie est devenu une menace permanente pour la Tunisie. Les autorités militaires françaises à Alger considéraient la Tunisie comme une sentinelle1 et une continuité naturelle aux territoires dominés depuis 18302. La défense de l’Algérie était d’après les militaires et les théoriciens du protectorat, indissociable de celle de la Tunisie3. Il était inconcevable pour la France de laisser s’établir sur la frontière orientale de l’Algérie une puissance européenne rivale4. Par conséquent, depuis son installation à Alger, la France s’est efforcé à garder le statu quo pour la Régence et empêcher toute tentative de main mise d’une autre puissance5. Elle œuvrait donc à renforcer son hégémonie économique et son influence politique en Tunisie en attendant le moment opportun de la conquête militaire. Ce contexte géopolitique et les menaces qui pesaient lourd sur la Régence étaient en mesure de stimuler les réformes. D’autre part, l’indépendantisme des beys de Tunis vis-à-vis d’Istanbul fut encouragé, assisté6 et défendue par la France. Les tentatives de la Porte de faire valoir sa suzeraineté sur la régence étaient vivement mises à l’échec. En effet, le Sultan ne cachait pas son intention de remplacer le Bey à Tunis, par un pacha, émanation directe du gouvernement d’Istanbul, comme il l'avait fait à Tripoli en 1835 lors de la disgrâce des Karamanli. L’escadre de la Méditerranée fut à maintes reprises déployée et chargée d’exercer une active surveillance sur les - « La France sentait combien il était utile et urgent d’avoir sur les flancs de l’Algérie une sentinelle vigilante ». Peyras (J.), « Les souvenirs d’un soldat bas-alpin sur la conquête de la Tunisie (18811882) » in Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée, année 1982, Vol.34, n°1, p.67. 2 - « La Tunisie, disait Tchihatchef, en 1880, est la continuation, le complément naturel de l'Algérie; elle doit un jour lui être rattachée, c'est une question d'humanité; il importe que cette splendide contrée redevienne le grenier et le jardin de l'Europe ; alors seulement, la mission providentielle de la France en Afrique sera accomplie. » Maurice Bois, Expédition française en Tunisie (1881-1882), Op.Cit. p.3. 3 - Le toponyme « Algérie-Tunisie » était couramment utilisé. Voir à ce sujet, Frisch (R.J.), Considérations sur la défense de l’Algérie-Tunisie et l’Armée d’Afrique, Paris, édit. H et CH. Lavauzelle, 1899. 4 - « Il était indispensable en 1881 que nous missions la main sur la régence de Tunis, tout nous y conviait, tout depuis des années sinon depuis des siècles, avait préparé notre installation dans ce pays ». Paul Leroy-Beaulieu, L’Algérie et la Tunisie, Guillaumin et Cie, Paris, 1887, p.311. 5 - « Nous saisissions ainsi chaque occasion pour faire obstacle à l’établissement d’une souveraineté ou d’une suzeraineté étrangère quelconque sur le terrain de Carthage. », Paul Leroy-Beaulieu, L’Algérie et la Tunisie, Guillaumin et Cie, Paris, 1887, p.312. 6 - Des instructeurs français furent chargés de former le premier noyau des forces régulières organisées sous Hussein Bey (1814-1824), embryon de l’Armée tunisienne qui fut organisée sous Ahmed Bey. En 1843, une mission militaire française fut détachée officiellement auprès du bey pour instruire sa nouvelle armée. 1

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

27


côtes du Maghreb1. Le gouvernement français menaçait de recourir à la force pour garder le statu quo dans la Régence2. Lorsqu’Ahmed bey (1837-1855) visita Paris en 1846, la Porte a considéré le fait qu’il soit reçu par le roi Louis-Philippe sans être présenté par l’ambassadeur ottoman, une atteinte à ses droits. En réponse à cette note, la France a affirmé qu’elle étaiten Algérie et qu’elle usait de tous les moyens en son pouvoir, pour le maintien du statu quo dans la régence de Tunis. « Rien au-delà, rien en deçà »3. Pour faire face aux pressions et aux convoitises coloniales Ahmed bey fait prévaloir sa vassalité à La Sublime Porte. Ce fut le cas quand l’armée française en Algérie occupée s’est emparée des territoires de la tribu tunisienne Nahd. A la proposition française d’accorder à Tunis d’autres territoires en échange, Ahmed Bey a répondu que tout règlement ou nouvelle délimitation des frontières ne pouvait avoir lieu sans la consultation et l’accord préalable d’Istanbul4. Le 10 mai 1854, Ahmed Bey adressait aux consuls de France et d‘Angleterre la note suivante : « Nous avons cru devoir prendre, dans la mesure de nos facultés, une part dans la grande question qui occupe les nations en Orient, question qui intéresse le monde entier. A cet effet nous nous proposons de faire partir nos bâtiments avec une division de nos troupes. Nous vous l‘écrivons afin que vous soyez informé de nos intentions »5. Cette note démontre que la décision d’Ahmed bey fut souveraine et prise indépendamment suite à la demande du Sultan. Ce n’est que le 15 Mai 1854, qu’un émissaire d’Ahmed Bey fut chargé d'informer Paris et Londres6 de l'envoi d'un corps expéditionnaire tunisien à Istanbul. Un acte diplomatique d’usage entre les Etats. Le Corps d'armée fut composé de quatre régiments d'infanterie et de deux batteries d'artillerie ce qui faisait 10.000 hommes, 400 chevaux et 12 pièces de canons. Dans sa note, le Bey précise qu'il ne cède pas à un principe de vassalité mais qu'il ne peut rester indifférent à ce qui atteint la Turquie.

1

- Gaudin (L.), Attitude politique du gouvernement français dans ses rapports avec la Turquie, en ce qui concerne l’indépendance de la régence de Tunis 1840-1858, Gavault Saint-Lager, Alger, 1885, p.2 2 - Le 30/10/1841, le Roi disait à l’ambassadeur ottoman à Paris : « Il est nécessaire de ne laisser aucun doute dans l’esprit du Sultan sur notre détermination de nous opposer par la force, si on nous oblige d’y recourir, à ce qu’il soit opéré dans la régence de Tunis un changement semblable à celui qui a été opéré à Tripoli… Ce que je demande est le maintien du statu quo dans la régence de Tunis et qu’il soit bien entendu que la France ne tolérera pas qu’il soit changé. ». Gaudin (L.), Attitude politique du gouvernement français, Op.Cit. p.3. 3 - Idem. 4 - Ibn Abi Dhiaf, Ithaf…, STD, 1985, pp.48-49. 5 - Hugon (H.), Les emblèmes des beys de Tunis, Paris, Leroux, 1913, p. 157. 6 - Idem.

28

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


Toutefois, le sort que le contingent tunisien a subi en Crimée n’était pas à la hauteur des résultats escomptés par Ahmed bey1, qui mourut à la fin de 1855 laissant son armée sombrer dans la désagrégation. Sur les 10 000 hommes du contingent, le choléra en avait tué près de 4000 et en octobre 1856, 4 500 valides et 1 500 malades regagnèrent la Goulette. Le pays s'était un peu plus endetté, les efforts de modernisation de l'armée n'avaient point porté leurs fruits. L’empire Ottoman, grâce à l'appui de la France et de l'Angleterre, avait repoussé l'envahisseur russe, mais elle en sortait affaiblie et en position de tutelle dans le concert européen. De cette situation, il découlait une impossibilité de contrecarrer les empiétements français, anglais, puis par la suite italiens qui au fil des années augmentaient dans la Régence, faisant craindre à brève échéance une colonisation. Conclusion La participation du contingent tunisien aux côtés de l’Armée ottomane à la guerre de Crimée fut un acte souverain qui démontre la spécificité des rapports politiques entre Tunis et Istanbul. En effet, les rapports de vassalité imposés à la Régence depuis 1574 n’ont pas perduré longtemps. Dès le début du XVII ème siècle deux régimes de type dynastique mouradite puis husseinite se sont succédé et mis en place progressivement les fondements de leur indépendance tout en gardant le sentiment d'appartenance à une entité commune qui était l’Empire ottoman. C’est significatif que l’armée tunisienne créée au début du XIXème siècle fasse son baptême de feu aux côtés l’Empire ottoman. Ahmed bey voulut démontrer la puissance et la souveraineté de l’Etat tunisien dans un cadre géopolitique caractérisé par les luttes d’influence et le colonialisme. Il estimait que l’alliance avec l’Etat ottoman pourrait l’aider à repousser les convoitises coloniales sur la régence. Toutefois, malgré les pertes qu’a subit le contingent tunisien aux Crimée, cette participation a confirmé la souveraineté et l’indépendance de l’Etat tunisien et la profondeur de ses relations de solidarité mutuelle avec Istanbul.

- «…Envoyés sans instruction, ignorés des Alliés, étrangers aux turques par le langage, mal payés par la Porte qui s’appropriait les sommes à eux destinées, les soldats du bey souffraient d’un abandon aussi méprisant qu’immérité…on sait seulement qu’une moitié à peine de ceux qui étaient parti revirent les côtes d’Afrique, plus de deux ans après le premier départ…». Hugon (H.),Les emblèmes des beys de Tunis, Paris, Leroux , 1913, p. 161.

1

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

29


Mhamed bey (1855-1859) accueille le contingent tunisien retournant du front de Crimée (débarquement et défilée à Gammarth, Août 1856)

Bibliographie succincte : - ARNOULET F. « Les rapports tuniso-ottomans de 1848 à 1881 d'après les documents diplomatiques » in Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée n° 47, 1988, pp. 173-152. - BACHROUCH (T.), Formation sociale barbaresque et pouvoir à Tunis au XVIIème siècle, Tunis, pub. Université de Tunis, 1977. - BEN BELGHITH Chibani, L’armée tunisienne à l’époque de Mohamed Sadok Bey (1859-1882), éd. FTERSI et Univ. de Sfax, Zaghouan, Sfax, 1995. ( en arabe). - BEN SLAMA Med Ben Taïeb, aL cIkd aLMunadad Fi Akhbar aLMuchir aL Bacha Ahmed, manuscrit en arabe datant de 1849, in B.N. Tunis , n° 18618 . - CHATER Khalifa, Dépendance et mutations précoloniales : La Régence de Tunis de 1815 à 1857, Publications de l’Université de Tunis, 1984. - CHATER Khalifa, Insurrection et répression dans la Tunisie du XIXème siècle : La Mehalla de Zarrouk au Sahel (1864), Tunis, pub. Université de Tunis ,1978. - DREVET (R.), L’armée tunisienne, Tunis, 1922. - DUNANT (H.), La régence de Tunis, Tunis, STD,1975. - GANIAGE (Jean), Histoire contemporaine du Maghreb de 1830 à nos jours, Paris, Fayard, 1994 - GANIAGE (Jean), Les origines du Protectorat français en Tunisie (1861-1881), Paris, P.U.F., 1959 - HUGON (H.), Les emblèmes des beys de Tunis, Paris, Leroux, 1913..

30

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017


IBN ABI-DHIYAF, Ithaf Ahl Az-zaman bi Akhbar Muluk Tunis wa Ahd al Aman , Edition critique par Ahmed Abdesselem, Tunis, STD, 1985. - KAROUI Abdeljelil, La Tunisie et son image dans la littérature française du XIXème siècle 1801-1945, Tunis, S.T.D, 1975. - LIMAM (R.), La politique de Hammouda Pacha en Tunisie (1782 – 1814), Tunis, pub. Université de Tunis,1980. ( en arabe) - MANTRAN Robert, « Documents turcs relatifs à l’armée tunisienne » in Cahiers de Tunisie n° 15, 1956, pp.359-372. - MANTRAN Robert, « L’évolution des relations entre la Tunisie et l’Empire Ottoman du XVIème au XIXème siècle », in Cahiers de Tunisie, n°26-27, 1959, pp. 319-333. - MARTEL André, « L’Armée d’Ahmed bey d’après un instructeur français », in Cahiers de Tunisie n° 15, 3ème trimestre, 1956, pp.243-277. - MARTEL André, « Soulèvement tribaux et ingérences étrangères dans les Steppes tunisiennes : 1854-1943 » in Actes du VIIème colloque international sur la résistance armée en Tunisie aux XIXème et XXème siècles, organisé à Tunis du 18 au 20 Nov. 1993, publié à Tunis par l’I.S.H.M.N, 1995 , p.p. 141 à 154 . - MONCHICOURT (Ch.), « La Mhalla d’Ahmed Zarroug dans le Sahel (1864)» , in Revue Tunisienne ,n° 120, Janvier 1917, pp.3 -11. - RAYMOND (A.)et PONCET (J.), La Tunisie, Paris, P.U.F, 1971. - TLILI Béchir, Les rapports culturels et idéologiques entre l’orient et l’occident en Tunisie au XIXème siècle (1830 -1880), Tunis, pub. Université de Tunis, 1974. - TLILI (B.), Etudes d’histoire sociale tunisienne du XIXème siècle, Tunis, Publications de l’Université de Tunis, 1974. -

Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. N° 7 / 2017

31




Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.