المجلة التونسية ّ للتاريخ العسكري -09 / Tunisian Journal of Military History n°9

Page 1

‫المج ّلة التونسية‬ ‫للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪09‬‬

‫ديسمبر ‪2019‬‬



‫اجمللة التونسية‬ ‫للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪09‬‬ ‫ديسمرب ‪2019‬‬ ‫مجلة تاريخية عسكرية سنوية‬ ‫تصدرها‬ ‫اللجنة الوطنية للتاريخ العسكري‬ ‫‪ISSN : 1737-8893‬‬

‫الرئيس الرشيف‪:‬‬

‫السيد محمد كريم الجمويس‬ ‫وزير الدفاع الوطني بالنيابة‬ ‫رئيس اللجنة الوطنية للتاريخ العسكري‬

‫املدير املسؤول‪:‬‬

‫ االفتتاحية‬‫د‪ .‬محمد ضيف اهلل‬ ‫ّ‬ ‫املظفري على إفريقيّة‬ ‫ حول حملة شرف ال ّدين قراقوش‬‫د‪ .‬مراد عرعار‬

‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬البـالـة‪ :‬سيف السلطة وسلطة السيف بالبالد ال ّتونسيّة في‬

‫العميد عادل محجوب‬ ‫مدير الرتاث واإلعالم والثقافة‬ ‫نائب رئيس اللجنة الوطنية للتاريخ العسكري‬ ‫رئيس هيئة التحرير‪:‬‬ ‫ العائالت العسكرية مبدينة املهدية خالل القرن التاسع عشر‬‫د‪ .‬محمد ضيف الله‬ ‫الباحث عاطف سالم ‬ ‫أعضاء هيئة التحرير‬ ‫د‪ .‬محمد األزهر الغريب‬ ‫َ‬ ‫املنظمة للخدمة العسكرية في تونس (‪)1962 - 1860‬‬ ‫ تطور القوانني‬‫د‪ .‬فتحي البحري‬ ‫د‪ .‬عبد اجمليد بلهادي‬ ‫د‪ .‬سمري عون الله‬ ‫د‪ .‬عيل درين‬ ‫ الدعم الشعبي للثوار ولالجئني اجلزائريني باملناطق احلدودية بالشمال‬‫د‪ .‬منصف الباين‬ ‫العقيد د‪ .‬سمري الشامي‬ ‫الغربي التونسي (‪)1962 - 1957‬‬ ‫املقدم عبد العزيز بوقزي‬ ‫د‪ .‬موسى غفيري‬ ‫التدقيق اللغوي‪:‬‬ ‫ شهادة العقيد متقاعد محمد التوهامي املاشطة‬‫املالزم أول داود حنيش‬ ‫التصميم‪:‬‬ ‫املق ّدم عبد العزيز بوڤ ّزي‬ ‫الوكيل زياد الرايش‬ ‫التنسيق واملتابعة‪:‬‬ ‫العقيد د‪ .‬سمري الشامي‪.‬‬ ‫كاتب عام اللجنة الوطنية للتاريخ العسكري‬ ‫املراسالت‪:‬‬ ‫قرص الوردة شارع الحبيب بورقيبة‪ ،‬منوبة‪.2010 ،‬‬ ‫الهاتف‪:‬‬ ‫‪70.604.018 - 70.604.009‬‬ ‫إنّ األفكار واملواقف الواردة باملقاالت‬ ‫الفاكس‪:‬‬ ‫هي آراء شخصية ألصحابها‬ ‫‪70.604.024‬‬ ‫العنوان اإللكرتوين‪:‬‬ ‫وال تلزم يف يشء وزارة الد ّفاع الوطني‪.‬‬ ‫‪cn_histoiremilitaire@defense.tn‬‬ ‫العصر احلديث‬ ‫د‪ .‬حنان حمودي‬

‫‪12‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪49‬‬ ‫‪63‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫االفتتاحية‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫تهدف اجمللة التونسية للتاريخ العسكري إلى نشر البحوث املعمقة حول التاريخ العسكري التونسي‬ ‫في مختلف العهود‪ ،‬وفي هذا اإلطار يتناول هذا العدد التاسع مجموعة من البحوث لثلة من الباحثني‬ ‫املهتمني بالتاريخ العسكري سواء كانوا عسكريني أو جامعيني‪.‬‬ ‫ويتناول اثنان منها شخصيتني تاريخيتني هما على التوالي القائد شرف الدين قراقوش الذي متحور‬ ‫حوله بحث األستاذ مراد عرعار إذ اهتم بحملته على إفريقية في العهد احلفصي‪ ،‬أما الشخصية الثانية‬ ‫فتتمثل في مراد الثالث امللقب مبراد بوبالة من خالل بحث د‪ .‬حنان حمودى املعنون «البالة‪ :‬سيف السلطة‬ ‫وسلطة السيف بالبالد ال ّتونسيّة في العصر احلديث»‪.‬‬ ‫ويتناول بحثان التجنيد أو االنخراط في اخلدمة العسكرية‪ ،‬أحدهما لألستاذ لطفي بوعلي إذ كتب‬ ‫حول سياسة االنتداب في اجليش خالل الفترة احلسينيّة‪ ،‬واعتنى األستاذ عبد اجمليد بالهادي بــتطور‬ ‫القوانني املنظمة للخدمة العسكرية في تونس خالل قرن كامل ميتد بني ‪ 1860‬و‪.1962‬‬ ‫كما تضم اجمللة بحثني يتعلقان بالبنية األساسية حيث اهتم األستاذ محمد األزهر الغربي بالتأريخ‬ ‫للموانئ التونسية في نهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬واعتنى العقيد سمير الشامي بأحد أهم اجلوانب ذات‬ ‫العالقة بالتاريخ العسكري متمثال في التحصينات من خالل بحثه املعنون «فن التحصني في تونس‬ ‫عادات دفاعية قدمية في مواجهة االستعمار»‪.‬‬ ‫وفي إطار التاريخ اجلهوي‪ ،‬ألقى الباحث عاطف سالم األضواء على مدينة املهدية من خالل الدور املهمّ‬ ‫للعائالت العسكريّة بها آخذا كمثال عائلة آل صفر وذلك في مقاله املعنون «العائالت العسكرية مبدينة‬ ‫املهدية خالل القرن التاسع عشر"‪ .‬كما اهتم األستاذ البشير اليزيدي مبدينة بنزرت من خالل عرضه‬ ‫لكتاب علي آيت ميهوب املعنون "بنزرت ملجأ للصرب خالل احلرب الكبرى ‪ ،»1919 - 1916‬وقد اهتم فيه‬ ‫بالالجئني الصرب الذين احتضنتهم املدينة وساهمت في إعادة األمل لديهم للعودة جلبهات القتال من‬ ‫أجل حترير بالدهم‪.‬‬ ‫كما احتوى العدد التاسع من اجمللة التونسية للتاريخ العسكري مقاال للباحث موسى الغفيري بعنوان‬ ‫«الدعم الشعبي للثوار والالجئني اجلزائريني باملناطق احلدودية بالشمال الغربي التونسي‪،»1962 - 1957‬‬ ‫كشف فيه عن عمق التاريخ املشترك للشعبني التونسي واجلزائري وما صاحبه من دعم كبير سواء كان‬ ‫رسميا أو شعبيا للثورة اجلزائرية‪.‬‬ ‫ومثلما درجنا عليه في العددين السابقني نستمر في تقدمي شهادات شفوية لألحداث التي عايشها‬ ‫قدماء العسكريني ويقدم في هذا الصدد املقدم عبد العزيز بوقزي‪ ،‬شهادة للعقيد املتقاعد محمد‬ ‫التوهامي ماشطة الذي عاش حياة مهنية ثرية متقلدا فيها عديد املناصب املهمة وصوال لتقلده رئاسة‬ ‫أركان جيش الطيران‪.‬‬ ‫ختاما ّ‬ ‫نذكر أ ّن الهدف الرئيسي من اجمللة هو إبراز تاريخنا العسكري وتقدميه كأحد جوانب الهوية‬ ‫الوطنية وللحفاظ على الذاكرة العسكرية بغية استخالص العبر من التاريخ‪ .‬وستظل اجمللة التونسية‬ ‫للتاريخ العسكري دائما منفتحة على كل املواضيع ذات الصبغة العسكرية والباحثني املهتمني بالتاريخ‬ ‫العسكري التونسي‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد ضيف اهلل‬ ‫رئيس هيئة التحرير‬ ‫جامعة منوبة‬

‫‪4‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫ّ‬ ‫املظفري‬ ‫حول حملة شرف ال ّدين قراقوش‬ ‫ّة‬ ‫ي‬ ‫إفريق‬ ‫على‬ ‫د‪ .‬مراد عرعار‬

‫ملخص‪:‬‬

‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالقيروان‬

‫شهدت إفريقية في النصف الثاني من القرن السادس ‪ /‬الثاني عشر قيام حملة شرف الدين قراقوش‬ ‫املظفري مولى صالح الدين األيوبي‪ .‬ومهما يكن من أمر أسبابها وأهدافها‪ ،‬يهمنا أنها باءت بالفشل‬ ‫نتيجة تداخل ع ّدة عوامل‪ .‬ولذلك سنحاول في هذه الورقة التعرف إلى أسباب احلملة وأهدافها‪ ،‬ودراسة‬ ‫ّ‬ ‫لنتبي بذلك أسباب فشلها‪.‬‬ ‫مراحلها‬ ‫الكلمات املفاتيح‪ :‬قراقوش‪ ،‬إفريقية‪ ،‬العرب‪ ،‬دباب‪ ،‬زعبة‪ ،‬بنو غانية‪ ،‬القالع‪ ،‬اخلطوط الدفاعية‪.‬‬

‫‪Résumé :‬‬ ‫"‪"A propos de la campagne de Ḳarāḳūš al- muḍaffarī en Ifrīḳiya‬‬ ‫‪Dans la seconde moitié du VIème siècle H / XIIème siècle, l’Ifrīḳiya a connu la campagne‬‬ ‫‪de Šaraf al-din Ḳarāḳūš al-muḍaffarī, serviteur de Ṣalāḥ al-din al-ayūbī. Quoiqu’il en soit‬‬ ‫‪de ses causes et objectifs, cette campagne a échoué. Dans le présent travail, pour mieux‬‬ ‫‪comprendre les différentes raisons de l’échec de cette campagne, nous démontrons ses‬‬ ‫‪facteurs et ses objectifs, ainsi que ses étapes.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫رغم طول املسافة الفاصلة بني بالد الشام وإفريقية‪ ،‬وبالتالي صعوبة وصول اإلمدادات العسكرية‬ ‫خاصة في ظل الصعوبات الطبيعية‪ ،‬فإن األوضاع السياسية والعسكرية باملشرق اإلسالمي في‬ ‫النصف الثاني من القرن السادس هجري ‪ /‬الثاني عشر ميالدي قد دفعت شرف الدين قراقوش املظفري‬ ‫مولى صالح الدين األيوبي‪ 1‬إلى محاولة االستيالء على إفريقية لكن باءت حملته بالفشل‪.‬‬ ‫وقد أفادتنا بعض النصوص مبعلومات متفاوتة األهمية حول هذه احلملة ‪ ،2‬استندت إليها بعض‬ ‫‪« - 1‬وكان يقال لقراقوش املظفري ألنه مملوك امللك املظفر والناصري ألنه كان يخطب للملك الناصر صالح الدين وكذلك كان يكتب في‬ ‫ولي أمر املؤمنني» بسكون امليم في لفظ‬ ‫ظهائره‪ .‬وقفت على ظهير بتوسيع أمالك لبعض أهل طرابلس ّ‬ ‫سمى فيه نفسه "قراقوش الناصري ّ‬ ‫أمر وكتب عالمة الظهير بخطه «وثقت باهلل وحده» وتاريخ الظهير عام تسع وسبعني‪ ،‬وكان امليورقي يكتب العالمة في كتبه «وثقت باهلل‬ ‫وحده" ويجعلها في أسفل الرقم»‪ .‬انظر التجاني‪ ،‬رحلة‪ ،‬حتقيق حسن حسني عبد الوهاب‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪ ،1981 ،‬ص‪ .114 .‬فشرف‬ ‫الدين قراقوش عبد أعتقه ابن أخ لصالح الدين األيوبي‪ ،‬وكان ميسك مبقاليد األمور في منطقة طرابلس بواسطة جيش من التركمان الغزّ‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫السعيدي (عمر)‪« ،‬املغرب‪ :‬توحيد املغرب في عهد املوحدين»‪ ،‬في تاريخ إفريقيا العام (إشراف ج‪ .‬ت‪ .‬نياني)‪ ،‬بيروت‪ ،1988 ،‬ج‪ ،IV .‬ص‪.64 .‬‬ ‫‪ - 2‬نذكر على سبيل الذكر ال احلصر‪:‬‬ ‫* ابن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬طبعة أولى‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪1997 ،‬؛ أبو شامة‪ ،‬تراجم رجال القرنني السادس والسابع «املعروف‬ ‫وصححه محمد زاهد بن احلسن الكوثري‪ ،‬عني بنشره وراجع أصله ووقف على طبعه السيد‬ ‫بالذيل على الروضتني»‪ ،‬عرف الكتاب وترجم للمؤلف‬ ‫ّ‬ ‫عزّت العطار احلسيني‪ ،‬طبعة ثانية‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بيروت‪ ،1974 ،‬نفسه‪ ،‬كتاب الروضتني في أخبار الدولتني النورية والصالحية‪ ،‬حققه وعلق عليه‬ ‫إبراهيم الزيبق‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬طبعة أولى‪1997 ،‬؛ ابن واصل‪ ،‬مفرج الكروب في أخبار بني أيوب‪ ،‬حتقيق جمال الدين الشيال‪ ،‬القاهرة‪1953 ،‬‬ ‫التجاني‪ ،‬املصدر السابق؛ احلميري‪ ،‬الروض املعطار في خبر األقطار‪ ،‬حتقيق إحسان عباس‪ ،‬دار القلم للطباعة‪ ،‬بيروت‪1985 ،‬؛ الكتبي‪ ،‬فوات الوفيات‪ ،‬د‪.‬‬ ‫ت؛ ابن خلدون‪ ،‬كتاب العبر وديوان املبتدأ واخلبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر‪ ،‬حتقيق خليل شحاذة وسهيل‬ ‫زكار‪ ،‬طبعة ثانية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1988 ،‬؛ املقريزي‪ ،‬السلوك ملعرفة دول امللوك‪ ،‬حتقيق محمد عبد القادر عطا‪ ،‬طبعة أولى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬لبنان‪.1997 ،‬‬ ‫‪5‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫الدراسات للبحث عن أسباب احلملة وأطوارها ونتائجها‪ ، 1‬لكن ظلت هذه الدراسات على أهميتها‬ ‫منقوصة بسبب تضارب املعلومات الواردة باملصادر وقلتها من جهة‪ ،‬وعدم االعتماد على أهمّ مصدر‬ ‫حول هذه احلملة وهو كتاب «مضمار احلقائق وس ّر اخلالئق» لصاحبه حماة محمد بن تقي الدين عمر بن‬ ‫شاهنشاه األيوبي‪ ،‬رغم نشر قطعة منه وهي اجلزء العاشر منذ سنة ‪. 2 1991‬‬ ‫فهذا الكتاب الذي نعلم اليوم يقينا أنه فاق العشرة أجزاء ليصل إلى اثني عشر ورمبا أكثر‪ ،‬يع ّد مصدرا أساسيا‬ ‫حول هذه احلملة‪ ،‬ونعتقد أنه نقل أو اختصر بطريقة أو بأخرى في بعض املصادر الالحقة دون التصريح بذلك‪. 3‬‬ ‫على هذا األساس‪ ،‬يهدف هذا العمل إلى املقارعة بني كافة النصوص املتوفرة من أجل تسليط أضواء‬ ‫جديدة حول أسباب احلملة وأهدافها ومسارها ومن ثمّ ة محاولة تفسير أسباب فشلها‪.‬‬

‫‪ -‬أسباب احلملة وأهدافها‪:‬‬

‫متّت اإلشارة إلى كون القطعة التي حققها حسن حبشي ونشرها سنة ‪ ،1991‬والتي أعدنا قراءتها بالرجوع‬ ‫إلى أصل اخملطوط‪ ،‬متثل اجلزء العاشر من كتاب املضمار‪ ،‬وتبدأ أحداثها سنة ‪ 575‬هـ ‪ 1180 /‬م‪ ،‬لكنها ال متثل‬ ‫بداية احلملة على إفريقية‪ ،‬ولذلك قدمنا في املالحق مجموعة من النصوص مرتبة زمنيا أ ّرخت لبدايتها على‬ ‫النحو الذي يبرزه اجلدول التالي‪:‬‬ ‫جدول حول النصوص التي أرّخت لبداية حملة قراقوش‪:‬‬ ‫املؤلف وعصره‬

‫عنوان الكتاب‬

‫اجلزء‬

‫الصفحة‬

‫تاريخ احلملة‬

‫أبو شامة (ت ‪ 665‬هـ ‪ 1267 /‬م)‬

‫كتاب الروضتني‬

‫‪2‬‬

‫‪267‬‬

‫‪ 568‬هـ ‪ 1173 /‬م‬

‫ابن األثير (ت ‪ 630‬هـ ‪ 1232 /‬م)‬

‫الكامل‬

‫‪9‬‬

‫‪382‬‬

‫‪ 568‬هـ ‪ 1173 /‬م‬

‫ابن واصل (ت ‪ 697‬هـ ‪ 1298 /‬م)‬

‫مفرج الكروب‬

‫‪1‬‬

‫‪236‬‬

‫‪ 566‬هـ ‪ 1171 /‬م‬

‫التجاني (ت ‪ 717‬هـ ‪ 1317 /‬م)‬

‫رحلة‬

‫‪-‬‬

‫‪113 - 111‬‬

‫‪ 568‬هـ ‪ 1173 /‬م‬

‫ابن خلدون (ت ‪ 808‬هـ ‪ 1406 /‬م)‬

‫كتاب العبر‬

‫‪6‬‬

‫‪255 - 254‬‬

‫‪ 586‬هـ (األرجح سنة ‪ 568‬هـ)‬

‫‪1- Bel (A.), Les Benou Ghanya : derniers représentants de l’empire almoravide et leur lutte contre l’empire almohade, Ernest‬‬ ‫‪Lerroux, Paris 1903.‬‬ ‫الساحلي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬طبعة‬ ‫برنشفيك (روبار)‪ ،‬تاريخ إفريقية في العهد احلفصي‪ :‬من القرن ‪ 13‬إلى نهاية القرن ‪ 15‬هـ‪ ،‬تعريب حمادي ّ‬ ‫أولى‪1988 ،‬؛ السعيدي (عمر)‪" ،‬املغرب‪ ،"...‬مقال مذكور‪ ،‬ج‪ ،IV .‬ص‪64 .‬؛ حسن (محمد)‪ ،‬املدينة والبادية بإفريقية في العهد احلفصي تونس‪.1999 ،‬‬ ‫‪ - 2‬صدر مقال لألستاذ محمد حسن حول التحصينات بجنوب إفريقية في العصر الوسيط تعرض فيه إلى هذه احلملة على ضوء كتاب‬ ‫املضمار وركز فيه على مراحلها وحاول حتديد بعض املواقع املذكورة بها‪ :‬انظر‪:‬‬ ‫‪Hassan (M.), « Les fortifications du sud-est de l’Ifriqiya au bas Moyen âge », dans fortifications et territoires dans la péninsule‬‬ ‫‪Ibérique et dans le Magreb (VI – XVIè siècles), Actes du II Simposio international sobre castelos organisé à Obidos (Portugal) du‬‬ ‫‪10 au 13 novembre 2010, Lisboa, Edições Colibri, 2013, pp. 275 – 276.‬‬ ‫‪ - 3‬وعيا منّا بقيمته التاريخية في دراسة الفترة املوحدية بإفريقية‪ ،‬بحثنا عن بق ّية أجزائه‪ ،‬ولئن لم يسعفنا احلظ في العثور على األجزاء‬ ‫املكملة لها والتي ليست‬ ‫التي تسبق القطعة العاشرة التي حققها الدكتور حسن حبشي‪ ،‬فإننا توصلنا إلى العثور على القطعة احلادية عشرة‬ ‫ّ‬ ‫بالضرورة نهاية الكتاب‪ ،‬إذ وردت في آخرها إشارة إلى مواصلة اخلبر في اجلزء الثاني عشر‪ .‬وألن العمل الذي قام به حسن حبشي قد اعترته بعض‬ ‫حد اعترافه فيما يتعلق بحملة قراقوش على إفريقية خاصة‪ ،‬قمنا مبراجعة قراءة الفقرات اخلاصة بالرجوع إلى أصل اخملطوط وهي‬ ‫الهنات على ّ‬ ‫تهم الفترة من‬ ‫والتي‬ ‫املكتشفة‬ ‫اجلديدة‬ ‫القطعة‬ ‫في‬ ‫عليها‬ ‫عثرنا‬ ‫التي‬ ‫الفقرات‬ ‫إليها‬ ‫وأضفنا‬ ‫م‪،‬‬ ‫‪1186‬‬ ‫–‬ ‫‪1180‬‬ ‫‪/‬‬ ‫هـ‬ ‫‪582‬‬ ‫إلى‬ ‫‪575‬‬ ‫تهم الفترة من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 583‬إلى ‪ 584‬هـ ‪ 1188 – 1187 /‬م‪ ،‬وعلقنا على اجلميع مبا يناسب في الهوامش‪ .‬وألن بداية هذا النص عام ‪ 575‬هـ ‪ 1180 /‬م‪ ،‬ال توافق بدء احلملة‬ ‫سنة ‪ 568‬هـ ‪ 1173 /‬م حسب أغلب املصادر‪ ،‬قدمنا في املالحق جملة من النصوص التي تعلقت بهذه املرحلة‪ ،‬مرتبة زمنيا‪ ،‬فضال عن الفهارس‬ ‫العامة والتقدمي اخلاص بالتحقيق الذي نزّل فيه هذا العمل في إطاره‪ّ ،‬‬ ‫كل ذلك في كتاب متواضع صدر سنة ‪ .2012‬انظر‪ :‬األيوبي‪ ،‬كتاب مضمار‬ ‫احلقائق وس ّر اخلالئق‪ :‬فقرات حول حملة قراقوش على إفريقية (‪ 584 – 575‬هـ ‪ 1188 – 1180 /‬م)‪ ،‬اعتنى به وقدم له ووضع فهارسه مراد عرعار‪ ،‬اجملمع‬ ‫التونسي للعلوم واآلداب والفنون‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬تونس‪.2012 ،‬‬ ‫‪6‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫ترقى جميع هذه النصوص إلى ما بعد تاريخ تأليف كتاب املضمار الذي كتب معظمه على األقل بعد عام‬ ‫‪ 589‬هـ ‪ 1193 /‬م‪ ،‬وإذا استثنينا كتاب مفرج الكروب البن واصل الذي أ ّرخ حملة قراقوش بعام ‪ 566‬هـ ‪1171 /‬‬ ‫م‪ ،‬أجمعت جميع النصوص األخرى على بدء احلملة سنة ‪ 568‬هـ ‪ 1173 /‬م‪ ،‬مبا في ذلك عبد الرحمان ابن خلدون‬ ‫إذ ال يعدو األمر في نظرنا أن يكون سوى مجرد تصحيف أو خطأ في الرسم‪.‬‬ ‫وقبل التطرق ملراحل هذه احلملة ونتائجها‪ ،‬يبدو من املفيد الوقوف على أسبابها املوضوعية حسب ما جاء‬ ‫في املصادر التي بني أيدينا‪ .‬وألن اجلزء التاسع من كتاب املضمار ال يزال مفقودا‪ ،‬والذي من املفروض أن تكون فيه‬ ‫أحداث بداية احلملة‪ ،‬فإننا ال منلك معلومات مفصلة عن أسبابها‪ ،‬غير أنه قد وردت باجلزء العاشر‪ ،‬في أحداث‬ ‫سنة ‪ 575‬هـ ‪ 1180 /‬م إشارة ضمنية إلى هدف قراقوش املتمثل في االستقالل بإفريقية واقتسامها مع‬ ‫إبراهيم‪ . 1‬فعلى إثر سلسلة من املراسالت بينهما‪« ،‬استقر أن يأخذ شرف الدين مقرة وغريان وقلعة أم العز‬ ‫ويفرن وسماح‪ ،‬ويكون من سماح إلى غربي نفوسة إلبراهيم‪ ،‬ومهما فتح كان بينهما‪ ،‬فاختلفا على ذلك‪،‬‬ ‫وأطلع شرف الدين نساءه إلى قلعة أم العز‪ ،‬وبقيت قلعة تيرقت إلبراهيم‪ ،‬وصار شرف الدين في الوطاء‬ ‫يأخذ البالد‪ ،‬أخذ زواوة وزواغة وملاية‪ ،‬في كل واحدة منهن بالد كبيرة‪ ،‬وأقام باقي سنته في بالد طرابلس‪،‬‬ ‫وأمنت دباب من غارة إبراهيم فصارت في كل وقت تسرق أصحاب شرف الدين‪ ،‬ومن لقوه من األتراك منفردا‬ ‫قتلوه‪ ،‬وعلم شرف الدين غدرهم ونحسهم‪.‬‬ ‫وكانت زعب قد غرّبت بعد أن قالت إلبراهيم‪« :‬من الرأي أن تغرّب معنا‪ ،‬فإن شرف الدين في قوّة وهو‬ ‫قليل الغدر ما يأخذ لك شيئا من بالدك‪ ،‬ومتلك في الغرب مواضع وتأخذ أمواال‪ ،‬إلى أن يتبني شرف الدين‬ ‫نحس دباب وغدرهم فيعود إلى مصاحلتك واالتفاق أنت وهو ونحن‪ ،‬ونخرج دباب من البالد‪ ،‬فأبى عليهم‪،‬‬ ‫فمضوا بعد أن ودعوه وداع من ال يعود يلتقي»‪. 2‬‬ ‫وبالعودة إلى بقية املصادر التي أرخت لبدء احلملة‪ ،‬أمكن الوقوف على بعض اإلشارات ألسبابها‪ ،‬فأبو شامة‬ ‫قد أفادنا بأن دخول شرف الدين إلى إفريقية كان بإيعاز من رجل من املغرب (أو من العرب) رغبة في خيراتها‬ ‫حد قوله‪ « :‬واجتمع بقراقوش رجل من املغرب (أو العرب في (م) فحدثه عن بالد اجلريد‬ ‫وأموالها وذلك على ّ‬ ‫وف ّزان‪ ،‬وذكر له كثرة خيرها‪ ،‬وغزارة أموالها‪ ،‬وضعف أهلها‪ ،‬ورغبه في الدخول إليها‪ ،‬فأخذ جماعة من‬ ‫أصحابه‪ ،‬وسار في حادي عشر احملرّم من هذه السنة فكان يكمن النهار ويسير الليل م ّدة خمسة أيام‪،‬‬ ‫وأشرف على مدينة أوجلة» ‪.3‬‬ ‫‪ - 1‬هو إبراهيم بن قراتكني سالح دار املعظمى وهو منسوب إلى امللك املعظم شمس الدولة أخي صالح الدين‪ ،‬وكان في أجناد تقي الدين"‪ .‬وجاز‬ ‫مثلما فعل قراقوش بطائفة إلى املغرب‪ ،‬ولكنهما ملّا جاوزا العقبة افترقا لينفرد كل واحد منهما مبا قدر له من امللك والرئاسة ‪ " ...‬فسار إبراهيم‬ ‫فصده أشياخ العرب اخملالفون عليهم عن ذلك وحملوه على االنفراد وطلب‬ ‫بجمعه ووقع في خاطره املهاجرة إلى بني عبد املؤمن والركوب عندهم‬ ‫ّ‬ ‫الرئاسة وساروا معه إلى قفصة فاستولى على جميع منازلها‪ ،‬وأرسل إلى بني الرند رؤساء قفصة فمكنوه من البالد النحرافهم عن بني عبد‬ ‫املؤمن وحبهم في اخلطبة العباسية التي ألفوها‪ ،‬فدخلها ابراهيم فخطب فيها للخليفة العباسي ثم لصالح الدين‪ ،‬وقدر أن كان قتل إبراهيم‬ ‫املذكور وجملة من أجناده بعد ذلك على يد املنصور يعقوب بن يوسف بن عبد املؤمن في قفصة حسب ما نشرحه إن وجدنا محال لذكر ذلك إن‬ ‫شاء اهلل تعالى"‪ .‬انظر‪ :‬التجاني‪ ،‬رحلة‪ ،‬ص‪ .114 – 112 .‬أنظر أيضا‪ :‬أبو شامة‪ ،‬كتاب الروضتني‪ ،‬ج‪ ،III .‬ص‪54 .‬؛ ابن خلدون‪ ،‬تاريخ‪ ،‬ج‪ ،VI .‬ص‪.225 .‬‬ ‫فقد حتدثا عنه بشيء من االختصار والنقصان مقارنة برواية التجاني‪.‬‬ ‫‪ - 2‬األيوبي‪ ،‬مضمار‪ ،‬ص‪.44 .‬‬ ‫‪ - 3‬أبو شامة‪ ،‬كتاب الروضتني‪ ،‬ج‪ ،II .‬ص‪ .418 .‬راجع أيضا التجاني‪ ،‬رحلة‪ ،‬ص‪114 – 112 .‬؛ ابن خلدون‪ ،‬تاريخ‪ ،‬ج‪ ،VI .‬ص‪.225 .‬‬ ‫‪7‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫يبدو أن هذا اللقاء قد مت ببالد الشام‪ ،‬ورغم ما في هذه الرواية من إشارة ألطماع قراقوش‪ ،‬فإنه يصعب‬ ‫التسليم بها‪ ،‬إذ لم تكن احلملة ألسباب اقتصادية بحتة تتمثل في البحث عن الغنائم‪ ،‬بقدر ما كانت ألسباب‬ ‫سياسية تتمثل في تكوين إمارة بإفريقية تكون ملجأ في صورة استيالء الصليبيني على بالد الشام‪ .‬كما أ ّن‬ ‫شرف الدين لم يواصل تقدمه نحو إفريقية في هذه السنة بل أقام في أوجلة عند ملكها ليحفظ البالد‪ ،‬ثم‬ ‫تقدم إلى أزراقية في السنة املوالية واستخلف على أوجلة رجال من أصحابه ومعه تسعة فرسان‪ ،‬لكن وفاة‬ ‫ملك أوجلة جعلت أهاليها يقتلون أصحاب قراقوش مما دفعه إلى محاصرتها وأخذها عنوة ثم العودة إلى مصر‬ ‫متوعدا أهل أوجلة بالعودة إليهم ‪. 1‬‬ ‫ولئن تأجلت احلملة على إفريقية بسبب اإلغراءات املقدمة في أوجلة وأزارقية‪ ،‬فإنه في سنة ‪ 572‬هـ ‪1177 /‬‬ ‫م‪ ،‬عاد قراقوش ألوجلة جلمع األموال والعودة إلى مصر‪ ،‬ولم يرجع لالستيالء على طرابلس الغرب إال في سنة‬ ‫حد قول أبي‬ ‫ضد إبراهيم من أجل السبب املوضوعي في نظرنا وهو على ّ‬ ‫‪ 575‬هـ ‪ 1180 /‬حيث خاض حروبا ّ‬ ‫شامة «متلك إفريقية» ‪ ، 2‬ذلك أن الن ّية في االستقالل عن دمشق كانت حت ّركه أكثر من جمع الغنائم‪.‬‬ ‫ولعل ما يؤكد ن ّية االستيالء على إفريقية مبعية العرب أكثر من االقتصار على جمع الغنائم‪ ،‬ما د ّونه ابن‬ ‫األثير عن أحداث سنة ‪ 568‬هـ ‪ 1173 /‬م رغم اختالفها عن رواية أبي شامة‪ .‬فبعد وصول شرف الدين إلى جبال‬ ‫زمام املعروف مبسعود الب ّالط وكان خارجا عن طاعة عبد املؤمن‪ ،‬مت االستيالء‬ ‫نفوسة وحتالفه مع مسعود بن ّ‬ ‫هامة من مدن إفريقية وقراها عدا املهدية وصفاقس وقفصة وتونس‪،‬‬ ‫على طرابلس الغرب وعلى مناطق ّ‬ ‫وتكدست لديه أموال هامة‪ ،‬حدثته نفسه باالستيالء على كامل إفريقية‪ .‬قال ابن األثير‪« :‬فجمع بها أمواال‬ ‫عظيمة وجعلها مبدينة قابس‪ ،‬وقويت نفسه وحدثته باالستيالء على جميع إفريقية لبعد أبي يعقوب‬ ‫بن عبد املؤمن صاحبها عنها‪ ،‬وكان ما سنذكره إن شاء اهلل»‪. 3‬‬ ‫خص هذه احلملة بكثير من‬ ‫وإذ كنا جند نفس رواية ابن األثير عند مؤلف مفرج الكروب الذي أشار أنه ّ‬ ‫التفاصيل في كتابه التاريخ الكبير ‪ ، 4‬فإن التيجاني قد قدم بعض اإلضافات عن سبب هذه احلملة وأهدافها‪.‬‬ ‫فالتحالف بني قراقوش وابن غانية كان يرمي إلى إقامة الدعوة العباسية بإفريقية على حساب مذهب التوحيد‪،‬‬ ‫وإيجاد قاعدة لصالح الدين يتحصن بها خوفا من نور الدين‪ ،‬وهو ما يؤكد أ ّن الهدف أكبر من جمع الغنائم ‪.5‬‬ ‫فما هو السبب املوضوعي للحملة؟ وملاذا توجه صالح الدين نحو إفريقية؟ إن ما يؤيد بدء احلملة سنة ‪568‬‬ ‫‪ 1173 /‬أنها توافق وفاة اخلليفة الفاطمي العاضد لدين اهلل‪ ،‬فأصبح صالح الدين احلاكم الفعلي في مصر‬ ‫بعد أن كان أميرا حتت لواء نور الدين‪ ،‬وبدأ يق ّوي مركزه في مصر ويسعى من أجل االستقالل بها‪ .‬وتخ ّوف نور‬ ‫الدين زنكي من تزايد ق ّوة تابعه صالح الدين‪ ،‬وكانت العالقة بينهما قد ساءت فعال منذ أن تو ّلى صالح الدين‬ ‫احلكم في مصر‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬

‫ أبو شامة‪ ،‬كتاب الروضتني‪ ،‬ج‪ ،II .‬ص‪.419 – 418 .‬‬‫ املصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،II .‬ص‪419 – 418 .‬؛ ج‪ ،III .‬ص‪.54 .‬‬‫ ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،IX .‬ص‪.382 .‬‬‫ ابن واصل‪ ،‬مفرج‪ ،‬ج‪ ،I .‬ص‪.236 .‬‬‫ التجاني‪ ،‬رحلة‪ ،‬ص‪103 .‬؛ ‪ .113 – 111‬انظر أيضا ابن خلدون‪ ،‬تاريخ‪ ،‬ج‪ ،VI .‬ص‪.255 – 254 .‬‬‫‪8‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫الصراع‪ّ ،‬‬ ‫فكر صالح الدين في االستيالء على بالد النوبة أو اليمن للفرار في صورة استيالء‬ ‫في إطار هذا ّ‬ ‫نور الدين على مصر‪ ،‬فأرسل أخاه تورانشاه بن أيوب من مصر إلى بالد النوبة الحتاللها‪ .‬قال ابن األثير‪« :‬وكان‬ ‫سبب ذلك أن صالح الدين وأهله كانوا يعلمون أن نور الدين كان على عزم الدخول إلى مصر وأخذها‬ ‫منهم‪ ،‬فاستق ّر الرأي بينهم أنهم يتملكون إ ّما بالد النوبة أو بالد اليمن حتى إذا وصل إليهم نور الدين‬ ‫لقوه وص ّدوه عن البالد‪ ،‬فإن قووا على منعه أقاموا مبصر‪ ،‬وإن عجزوا على منعه ركبوا البحر وحلقوا بالبالد‬ ‫‪. 2‬‬ ‫التي قد افتتحوها»‪ ، 1‬وقد استقر الرأي في األخير على بالد اليمن‬ ‫وفي هذا السياق أيضا تتنزل حملة قراقوش وإبراهيم على إفريقية بعد أن زهد فيها امللك املظفر ابن أخيه‬ ‫شاهنشاه ابن أيوب وامتنع عنها خلوفه من العرب ‪ . 3‬لكن بعد وفاة نور الدين ‪ ،4‬زهد صالح الدين في إفريقية‬ ‫وسلم في قراقوش الذي حتالف مع بني غانية من أجل االستقالل بإفريقية حتت راية اخلليفة العباسي‪.‬‬ ‫يهمنا أنها قد م ّرت بعديد األطوار بني ‪ 584 – 568‬هـ ‪/‬‬ ‫ومهما يكن من أمر أسباب هذه احلملة وأهدافها‪ّ ،‬‬ ‫‪ 1188 – 1173‬م‪ ،‬وتشعبت مساراتها‪ّ ،‬‬ ‫كل ذلك من أجل الوصول إلى االستيالء على إفريقية‪ .‬فما هي أهم أطوار‬ ‫احلملة؟ وهل توصلت إلى حتقيق هدفها؟‬

‫‪ -‬مسار احلملة ونتائجها‪:‬‬

‫لئن تداخلت أسباب احلملة‪ ،‬يظل االستيالء على إفريقية املطمح الرئيسي لشرف الدين‪ .‬وبديهي القول‪،‬‬ ‫واحلالة تلك‪ ،‬أن يتم الوصول إلى العاصمة تونس واالستيالء عليها من أجل إسقاط احلكم املوحدي‪ .‬ومن هنا‬ ‫تعد‬ ‫حد ما مراحل احلملة ومساراتها‪ .‬فمن الطبيعي أال يتم الهجوم مباشرة على العاصمة فتلك ّ‬ ‫نفهم إلى ّ‬ ‫مجازفة كبرى قد تؤدي بكامل جيش قراقوش إلى التهلكة واإلبادة اجلماعية‪ .‬فكان ينبغي إذا من أجل الوصول‬ ‫إلى االستيالء على العاصمة تونس متهيد الطريق وكسب حتالفات القبائل لدرء كل هجوم من اخللف‪ ،‬وبالتالي‬ ‫املد والزجر‬ ‫احلصار والهزمية‪ .‬ولعلنا من هنا نفهم االستراتيجية احلربية التي اعتمدها قراقوش وسياسة ّ‬ ‫واملرحلية في التقدم نحو العاصمة‪ ،‬بحيث كان مسار احلملة على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬دخول إفريقية والسيطرة على بالد طرابلس‪ 575 – 568 :‬هـ ‪ 1180 – 1173 /‬م‪.‬‬

‫قدم شرف الدين من الديار املصرية منذ ‪ 568‬هـ ‪ ،1173 /‬ومتكن من السيطرة على أوجلة وفزان‪ ،‬ثم توجه‬ ‫منذ عام ‪ 575‬هـ ‪ 1180 /‬م إلى السيطرة على طرابلس وناحيتها‪ ،‬وهي منذ القدمي أحد اخلطوط الدفاعية‬ ‫الرومانية احلصينة‪ ،‬ومتكن من التحالف مع دباب وبطونها والسيطرة على بعض املناطق بجبل نفوسة الذي‬ ‫اقتسمه مع إبراهيم املتحالف مع زعب‪ .‬فبعد املواجهة بينهما‪ ،‬جنح قراقوش في توسيع مجال نفوذه إلى‬ ‫شرق طرابلس وسهل اجلفارة حيث مواطن زوارة وملّاية وزواوة‪ ،‬وأفضت املفاوضات بينهما إلى اقتسام جبل‬ ‫نفوسة حيث سيطر قراقوش على اجملال شرق تاغرمني وبسط إبراهيم نفوذه على اجلهة الغربية ‪. 5‬‬ ‫‪ - 1‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،IX .‬ص‪.388 ،380 – 379 .‬‬ ‫‪ - 2‬ابن األثير‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،IX .‬ص‪.390 – 388 .‬‬ ‫‪ - 3‬التجاني‪ ،‬رحلة‪ ،‬ص‪.113 – 111 ،103 .‬‬ ‫‪ - 4‬ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،IX .‬ص‪.393 .‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪5 - Hassan (M.), « Les fortifications … », op. cit, pp. 275.‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫وممّا له مغزاه‪ ،‬أن هذا اخلط الفاصل بني اجملالني قدمي‪ .‬فمنذ القرن الثاني هجري‪ /‬الثامن ميالدي كان جبل‬ ‫وتسمى أميناج أو ايناج وناحيتها وتشمل حاليا احلواميد واحلرابة والرحيبات‬ ‫نفوسة ينقسم إلى اجلهة الغربية‬ ‫ّ‬ ‫واجلهة الشرقية أو جهة جادو‪ .‬وكان معقل شرف الدين بقلعة أم الع ّز‪ ،‬ومعقل إبراهيم بقلعة تيرقت‪ . 1‬وهكذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تكون ّ‬ ‫وصف إبراهيم وزعب‪ ،‬وهما‬ ‫صف قراقوش ودباب‬ ‫صفان متضا ّدان يتنازعان السيطرة على طرابلس‪،‬‬ ‫يعكسان في الواقع االنقسام القبلي جلبل نفوسة إلى صفني متنازعني‪.‬‬

‫‪ -‬التغريب نحو د ّمر ومطماطة وقابس‪ 575 :‬هـ ‪ 1180 /‬م‪.‬‬

‫دمر‬ ‫جدد شرف الدين العهد مع إبراهيم وترك أهله بقلعة أم الع ّز‬ ‫بعد أن تأكد من غدر دباب‪ّ ،‬‬ ‫وتوجه نحو ّ‬ ‫ّ‬ ‫دمر وبعض‬ ‫ومطماطة وزريق وقابس‪ ،‬حيث يوجد منذ القدمي خط دفاعي ثاني‪ ،‬وجنح في االستيالء على جبل ّ‬ ‫القالع احلصينة‪ ،‬قبل أن يتوجه إلى جهة مطماطة‪. 2‬‬

‫للتوغل نحو ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشمال ومتهيد ّ‬ ‫الطريق لل ّدخول إلى تونس‪ 577 :‬هـ ‪ 1182 /‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬محاولتان فاشلتان‬

‫أمن شرف الدين ّ‬ ‫ّ‬ ‫السنة نحو األربس‬ ‫توجه في‬ ‫بعد أن ّ‬ ‫مستهل هذه ّ‬ ‫اخلطني الدفاعيني بجنوب إفريقية‪ّ ،‬‬ ‫وحتالف مع مرداس وزجالة‪ ،‬وحاول السيطرة عليها لكنه عجز أمام حتصيناتها‪ ،‬فحاول السيطرة على ناحية‬ ‫شقبنارية‪ ،‬وذلك لفتح الطريق نحو تونس لكنه فشل وظل يغير على إفريقية‪ ،‬ثم عاد إلى قفصة واستولى‬ ‫عليها مبساعدة أحد شيوخها بعد أن كان املوحدون قد استولوا عليها منذ سنة ‪ 575‬هـ ‪ 1180 /‬م من أيدي‬ ‫بني الرند بزعامة أبي يعقوب يوسف الذي أخذ واليها علي بن املعز وعاد إلى املهدية‪ .‬وظل شرف الدين يتر ّدد‬ ‫على إفريقية‪ ،‬لكن في األثناء استولى إبراهيم على قلعة أم العـ ّز ‪. 3‬‬ ‫وإزاء الفشل في السيطرة على األربس وشقبنارية‪ ،‬وبعد الرجوع نحو اجلنوب واالستيالء على قفصة يبدو‬ ‫أن شرف الدين‪ ،‬دون أن يكون على علم باستيالء إبراهيم على قلعة أم الع ّز‪ ،‬قد عاد إلى قلعة أم الفية وفكر‬ ‫في فتح طريق جديد نحو تونس عبر بلد القيروان‪ ،‬فنزل موضعا يقال له السكة وحاصره في أواخر سنة ‪577‬‬ ‫هـ ‪ 1182 /‬م‪ ،‬وحتالف مع سليم الشريد لكنه مال فيما بعد إلى حميد بن جارية‪ ،‬زعيم اجلواري وهم أحد بطون‬ ‫دباب‪ .‬لكن في األثناء باغته اجليش املوحدي‪ ،‬فاستنجد بالشريد‪ ،‬ومتكن رغم تفاوت موازين القوى من كسب‬ ‫ّ‬ ‫السكة‪ . 4‬وعلى هذا‬ ‫املعركة‪ ،‬ومطاردة املوحدين حتى دخلوا القيروان‪ ،‬ثم عاد واستولى قبل حلول الليل على‬ ‫األساس‪ ،‬خالفا ملا كان مسلما به‪ ،‬اجتاز السليميون خط قابس ووصلوا إلى وسط إفريقية قبل قيام الدولة‬ ‫احلفصية‪.5‬‬

‫‪ -‬العودة إلى طرابلس وتغيّر التحالفات القبلية‪ 577 :‬هـ ‪ 1183 /‬م‪٬‬‬

‫السكة إلى بلد بوذر ومعه ابن املثنى الذي سقط أسيرا وقطع على نفسه خمسة‬ ‫خرج شرف الدين من ّ‬ ‫وستني ألف دينار عينا وأربعني ألف متاعا من عمل سوسة واملهدية‪ ،‬وبعد أن حصل شرف الدين على الفدية‬ ‫‪ - 1‬أبو شامة‪ ،‬كتاب الروضتني‪ ،‬ج‪ ،II .‬ص‪ ،452 – 451 ،26 .‬ج‪ ،III .‬ص‪4 54 .‬؛ ابن األثير‪ ،‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،IX .‬ص‪ ،382 .‬ابن واصل‪ ،‬مفرج‪ ،‬ج‪ ،I .‬ص‪236 .‬؛‬ ‫األيوبي‪ ،‬مضمار‪ ،‬ص‪.46 – 37 .‬‬ ‫‪ - 2‬األيوبي‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.51 – 46 .‬‬ ‫‪ - 3‬األيوبي‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪38 – 37 .‬؛ ‪.54 – 51‬‬ ‫‪ - 4‬األيوبي‪ ،‬مضمار‪ ،‬ص‪.57 – 54 .‬‬ ‫‪5 - Hassan (M.), « Les fortifications … », op. cit, pp. 276.‬‬ ‫‪10‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫املتفق عليها‪ ،‬علم عن طريق رسالة وجهت من قابس ووجدها األتراك في قماش لكاتب السيد أبي موسى أن‬ ‫إبراهيم قد استولى على قلعة أم الع ّز‪ ،‬فق ّرر الرجوع إلى طرابلس وجنح في طريقه في استمالة زعب‪ ،‬وهم حلفاء‬ ‫إبراهيم بزريق من عمل قابس‪ ،‬وضمهم إلى صفه‪ ،‬لعدم ثقته بدباب من جهة وإلضعاف إبراهيم من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأطل على إبراهيم من عقبة مقدمني‬ ‫وقد توجه شرف الدين مع زعب إلى بالد طرابلس‪ ،‬ونزل بجبل نفوسة‬ ‫وسار إلى جادوا‪ ،‬فف ّر إبراهيم إلى قلعة تنزلت وحتصن بها‪ ،‬ثم طلب األمان على أن يخرج إلى طرابلس ومنها‬ ‫وجهه إلى تونس ومنها خرج إلى مراكش‪ .‬عموما ملك شرف‬ ‫إلى مصر‪ .‬لكن والي طرابلس‪ ،‬حليف املوحدين‪ّ ،‬‬ ‫الدين ما كان إلبراهيم ودعم حتالفه بزعب والشريد وعوف ممّا أثار نقمة دباب عليه واشتداد الصراع بينهما ‪.1‬‬

‫‪ -‬العودة للهجوم على قابس وكسب حتالفات جديدة‪ 578 :‬هـ ‪ 1183 /‬م‪.‬‬

‫خرج شرف الدين من جبل نفوسة نحو قابس لكنّه لم يستطع دخولها فاستولى على القصر الذي لها‬ ‫على الساحل‪ ،‬ويبدو أنه قصر عيشون‪ ،‬ونهبه ثم حاصر قلعة حسن وأخذها‪ ،‬ومنها رحل إلى قلعة يقال لها‬ ‫حمة‬ ‫تامدوت وحاصرها فاستسلم أهلها بسبب نفاد املاء‪ ،‬فأخذها وجعل عليها نائبا‪ ،‬وهي قلعة قريبة من ّ‬ ‫مطماطة ونفزاوة‪.‬‬ ‫عاد شرف الدين بعد ذلك إلى جبل نفوسة بطرابلس‪ ،‬وكان من نتائج الهجوم على قابس كسب حليف‬ ‫جديد‪ .‬فالعداوة بني تلمني وبشري ببالد نفزاوة دفعت مبقدم تلمني س ّيد الناس إلى مراسلة شرف الدين بغرض‬ ‫كسب حتالفه للقضاء على بشري مقابل االعتراف به ملكا على نفزاوة‪ .‬كما وصلت إليه من الديار املصرية‬ ‫جماعة فيهم شجاع الدين بن شكل فأعطاه قصورا بني كندة والسويقة‪. 2‬‬

‫‪ -‬محاوالت جديدة للهجوم على تونس‪ 580 :‬هـ ‪ 1184 /‬م‪.‬‬

‫لقد قويت شوكة شرف الدين بعد خروج إبراهيم إلى مراكش وأيضا بفضل التحالفات اجلديدة التي عقدها‬ ‫التوسع نحو الشمال‪،‬‬ ‫شجعه على مواصلة‬ ‫ّ‬ ‫بحيث ميكن القول أنّه بات الس ّيد املطلق على طرابلس‪ ،‬وهو ما ّ‬ ‫احلمة التي باتت تثير أطماعه خلصبها من ناحية ولوجود حليف مساند من ناحية‬ ‫ّ‬ ‫وخاصة على االستيالء على ّ‬ ‫انضم إليه س ّيد الناس‬ ‫أخرى‪ .‬لكن باءت حملته بالفشل وتف ّرق عنه ابن شكل الذي حتالف مع عوف‪ ،‬في حني‬ ‫ّ‬ ‫وأخوه املنصور‪ ،‬وكذلك أهل بشري الذين و ّلي عليهم رجال يقال له «حراح»‪ ،‬ورحل إلى نفزاوة‪.‬‬ ‫ثمة أن يواصل‬ ‫وقد أمكن لشرف الدين بفضل هذه التحالفات اجلديدة أن يطمئن على جنوب إفريق ّية‪ ،‬ومن ّ‬ ‫مدة ثالثة أشهر‬ ‫احلمام ونزل بجزيرة باشو‪ ،‬من أعمال تونس وأقام عليها ّ‬ ‫ّ‬ ‫تقدمه نحو تونس‪ .‬فقد رحل عن ّ‬ ‫ينهبها ثم صعد إلى اجلبل‪.‬‬ ‫لكن في األثناء غزا ابن شكل وعوف ناحية القيروان ونزلوا على سردانية‪ ،‬فعاد إليهم شرف الدين صحبة‬ ‫الصفح‬ ‫زعب وهزمهم ونزل على قصر أبي نصر وأخذه‪ ،‬ثم عاد إلى‬ ‫ّ‬ ‫توسط لديه مشائخ عوف في ّ‬ ‫احلامة أين ّ‬ ‫على ابن شكل وحميد بن جارية ودباب‪ ،‬فقبل شفاعتهم‪.‬‬ ‫‪- 1‬األيوبي‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.61 – 57 .‬‬ ‫‪ - 2‬األيوبي‪ ،‬مضمار‪ ،‬ص‪.66 – 61 .‬‬

‫‪11‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫عموما شجع هذا الصلح شرف الدين على الرجوع لغزو تونس‪ ،‬وفعال وصلها وحاول الدخول إليها دون‬ ‫احلامة التي وجدها خالية‬ ‫جدوى‪ ،‬فبات ليلته بقصر نعامة‪ ،‬لكن حلول فصل الشتاء أجبره على العودة نحو‬ ‫ّ‬ ‫ألن أهلها قد حتصنوا بقلعة لها باجلبل‪ ،‬في حني كان املقدمون عليها من بني ثمال باملهدية فأحضرهم وأمن‬ ‫أهل اجليل على أنفسهم‪ ،‬ثم أراد التخلص من املقدمني لكنّه عفا عنهم بعد وساطة س ّيد النّاس مقدم ط ّرة‬ ‫احلامة‪.1‬‬ ‫شريطة دفع قطيعة‪ ،‬فأمنت له بذلك‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫والسيطرة على اجلنوب‪ 582 - 581 :‬هـ ‪1186 - 1185 /‬م‪.‬‬ ‫‪ -‬التحالف مع أبي احلسن على املايرقي‬

‫بعد أن جنح أبو احلسن على املايرقي في االستيالء على بجاية‪ ،‬ترك بها أخاه أبا زكري ودخل إلى قسطيلية‪،‬‬ ‫ثم حلق به أخوه هاربا من اجليش املوحدي بقيادة أبي زيد عمر بن عبد املؤمن‪ ،‬وملّا عجزوا عن االستيالء عن توزر‬ ‫ونفطة ودرجني‪ ، 2‬راسلوا شرف الدين بهدف التحالف معه وإقامة الدعوة الع ّباسية‪ ،‬فلقيهم عسكره على‬ ‫حامة البهاليل فأخذوها عنوة‪ ،‬وعقدوا صلحا فيما بينهما يقضي باقتسام البالد إلى نصفني‪ :‬من طرابلس‬ ‫ّ‬ ‫إلى بونة لشرف الدين‪ ،‬ومن بونة إلى الغرب للمايرقي‪.‬‬ ‫وفي سنة ‪ 582‬هـ ‪ 1185 /‬م سيطر شرف الدين على قابس وولى عليها حراح‪ ،‬واملايرقي على املطوية‪ ،‬ثم‬ ‫خرجا حملاصرة قفصة التي أخذت عنوة بعد حصار دام قرابة ثالثة أشهر‪ ،‬وكان أمرا عظيما ألهل املغرب‪ ،‬لكن‬ ‫شرف الدين رحل عنها فيما بعد يريد توزر‪ .‬وبعد قضاء شهر رمضان بحامة البهاليل أخذ توزر باألمان‪ ،‬ثم‬ ‫س ّلمها للمايرقي وطلب منه أن يولي عليها أخاه أبا زكري‪.‬‬ ‫استولى شرف الدين فيما بعد على بالد نفزاوة‪ ،‬ثم خرج إلى موضع يقال له اجمل ّزم أين حلق به حراح عامل‬ ‫باحلامة أين لقيه مشائخها‬ ‫احلامة ومطماطة طالبا قابس ونزل‬ ‫قابس طالبا العفو فعفا عنه‪ ،‬وسار منه إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وجاءه إنسان بدوي من بني ملك عبير سلم إلى ابنه كتابا‪ ،‬فإذا هو بخط حراح كتبه إلى أبي محمد عبد‬ ‫الواحد والي تونس يشكو فيه من شرف الدين وأفعاله‪ ،‬ويرغب في االنفصال لكن بعد أن يدس له في األكل‬ ‫ما يقتله به‪ ،‬فكان عقابه املوت‪.3‬‬

‫‪ -‬انقالب موازين القوى ونهاية احلملة‪ 584 – 583 :‬هـ ‪ 1188 – 1187 /‬م‪.‬‬

‫رحل شرف الدين وعلي ابن إسحاق املايرقي عن قابس يريدان إفريقية‪ ،‬فنزال بناحية صفاقس‪ ،‬ثم توجها إلى‬ ‫املهدية ولم يقدرا على أخذها‪ ،‬فرحال إلى سوسة وملّا بلغهم أن يعقوب بن عبد املؤمن قد وصل من الغرب‬ ‫توجهوا نحو القيروان ونزلوا مبوضع منبسط‪ ،‬فلما شاهد املوحدون كثرتهم من اجلبل‪ ،‬عادوا إلى‬ ‫طالبا لقاءهم‪ّ ،‬‬ ‫تونس دون قتال‪ ،‬وعاد قراقوش إلى قفصة لالستعداد للمواجهة‪.‬‬ ‫حد‬ ‫وفعال حال وصوله إلى تونس‪ ،‬أخرج يعقوب من عسكره أربعة وعشرين ألف فارس لقتال "األشقياء" على ّ‬ ‫قوله‪ ،‬فنزلوا بوطاء عمرة‪ ،‬شمال قفصة‪ ،‬ثم دارت املعركة على وادي ب ّياش وانتهت بهزمية املوحدين‪ ،‬األمر الذي شجع‬ ‫شرف الدين على اخلروج إلى عرب الوسط فأخذ جبل أوراس ّ‬ ‫وتوغل في بالد الزاب وقسنطينة محاوال استدراج‬ ‫‪ - 1‬األيوبي‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.72 – 66 .‬‬ ‫‪ - 2‬في األصل لدلني ورسمت في موضع آخر لدكني‪ ،‬ويظهر أن الصواب درجني‪ ،‬وأشكر صديقي وزميلي أحمد الباهي على التنبيه لهذه القراءة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬األيوبي‪ ،‬مضمار‪ ،‬ص‪.80 – 72 .‬‬ ‫‪12‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫يعقوب إليه‪ ،‬لكن هذا األخير ّ‬ ‫ظل بتونس‪ ،‬وكتب إلى العرب يستنفرهم‪ ،‬فاجتمع لديه منهم خلق عظيم‪.‬‬ ‫الدين‬ ‫عاد شرف الدين من جبل أوراس إلى قفصة‪ ،‬وفارقه على مقربة منها املايرقي إلى توزر‪ ،‬كما خرج عنه زين ّ‬ ‫بوريا وعاد إلى طرابلس‪ ،‬ولم يبق معه بقفصة إالّ جيش قليل‪ .‬وما إن علم يعقوب بخبر خروج زين الدين‪ ،‬حتى‬ ‫خرج من تونس طالبا شرف الدين الذي كان قد نزل مع املايرقي قريبا من قابس على الطريق املؤ ّدية إلى صفاقس‪.‬‬ ‫وانضم إليه خلق عظيم من عرب املغرب‪ ،‬هالل بن عامر وبني مالك ومرداس‪،‬‬ ‫م ّر يعقوب في طريقه بالقيروان‬ ‫ّ‬ ‫ما قدره ثالثون ألف فارس‪ ،‬ولم يكن مع شرف الدين سوى الشريد وقوم من زعب‪ .‬راسل يعقوب قراقوش داعيا‬ ‫إ ّياه إلى الدخول في طاعته‪ ،‬فبعث إلى املايرقي يستشيره‪ ،‬لكنه رفض اإلجابة وعزم على املواجهة‪.‬‬ ‫خرج قراقوش واملايرقي ونزال على قصر أبي نصر بناحية القيروان‪ ،‬في حني كان يعقوب بسباخ سوسة وأرسل‬ ‫جيشا ضرب أهل عوف مما دفعهم إلى الدخول في طاعته‪ .‬وقد انتهت املواجهة بني ّ‬ ‫الطرفني بهزمية قراقوش الذي‬ ‫عاد إلى موضع يقال له بل‪ ،‬أين جاءت إليه العرب من ّ‬ ‫كل مكان لقتله‪ ،‬لكنه ّ‬ ‫متكن من النّجاة بفضل حنكته‬ ‫السياسية إذ أغراهم باملال في صورة العودة معه لقتال املوحدين لكنه ف ّر وأصبح في قبلي نفزواة‪ ، 1‬ومن الغد‬ ‫حلقه البقل‪.‬‬ ‫وتوجه بعد انتصاره بالقيروان إلى قفصة وحاصرها‪ ،‬في حني خرج‬ ‫واصل ابن عبد املؤمن حملته بإفريقية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قراقوش إلى جبل نفوسة وأرض طرابلس طمعا في مصاحلة زين الدين بوريا والعودة إلى قفصة لكن في األثناء‬ ‫اتّفق زين الدين بوريا واملايرقي س ّرا على التخ ّلص من شرف الدين‪ ،‬لكنّه جنا بفضل جنوده‪ ،‬ويئس من البقاء في‬ ‫خاصة بعد استيالء املوحدين على قفصة‪ ،‬فخرج إلى ف ّزان ومنها وصل إلى مصر ثم إلى كوكب حيث‬ ‫طرابلس ّ‬ ‫‪،2‬‬ ‫ع ّينه السلطان واليا عليها‪ ،‬فشرع في حتصينها‬

‫خامتة‪:‬‬

‫ظل غير مستغل رغم ما ّ‬ ‫ممّا تقدم‪ ،‬ت ّتضح لنا أهمّ ية هذا املصدر الذي ّ‬ ‫توفرت عليه هذه احلملة من‬ ‫ّ‬ ‫النص‬ ‫معلومات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية ها ّمة عن الفترة املوحدية‪ .‬فقد جاء هذا‬ ‫حسب نظام احلوليات ليغطي هذه احلملة ما بني ‪ 575‬و‪ 584‬هـ ‪ 1188 – 1180 /‬م‪ ،‬وهو ما ال جنده في ّ‬ ‫أي مصدر‬ ‫آخر‪ .‬وقد انفرد بذكر تفاصيل ال نعثر عليها في بقيّة املص ّنفات ال ّتاريخيّة‪ .‬ويع ّد لذلك مصدرا أساسيا لهذه‬ ‫احلملة‪ ،‬إذ ّ‬ ‫يوفر ما ّدة ها ّمة لدراسة املسالك العسكرية وإبراز مكانتها في حتديد عديد أسماء األماكن التي‬ ‫ّ‬ ‫ظلت في أغلبها مجهولة‪ ،‬فضال عن إفادتنا ببعض املواقع اجلديدة‪ .‬هذا دون أن ننسى الرواية اجلديدة عن‬ ‫مالبسات نهاية احلملة وتاريخها ال جندها في أي مصدر آخر‪ ،‬وهو ما يضفي عليه جانبا كبيرا من الطرافة‪،‬‬ ‫ويستوجب مقارعته بنصوص أخرى‪ ،‬مهما كانت شحيحة‪ ،‬ملزيد التعريف بهذه احلقبة من تاريخ إفريقيّة‬ ‫زمن املوحدين‪.‬‬ ‫‪ - 1‬ليس املقصود االجتاه أي جنوب نفزاوة‪ ،‬وإمنا املراد مدينة قبلي بنفزاوة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬األيوبي‪ ،‬مضمار‪ ،‬ص‪ .90 – 80 .‬لئن كان هناك إجماع على فشل قراقوش في االستيالء على إفريقية‪ ،‬إال أن نهايته كانت محل اختالف‪ ،‬ففي‬ ‫الوقت الذي جعله األيوبي قد خرج إلى مصر ومنها إلى كوكب حيث عينه السلطان واليا عليها‪ ،‬يرى التجاني (رحلة‪ ،‬ص‪ )110 .‬واحلميري‬ ‫(الروض‪ ،‬ص‪ )440 .‬أن املايرقي قتله بفزّان‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫البـالـة ‪ :‬سيف السلطة وسلطة السيف‬ ‫بالبالد ال ّتونسيّة في العصر احلديث‬ ‫د‪ .‬حنان حمودي‬ ‫جامعة تونس‬

‫‪Résumé:‬‬ ‫‪La domination ottomane fut fondée essentiellement sur la force des armes.‬‬ ‫‪Le prince mouradite Mourad III (1680-1702) n’échappait pas à cette règle. En‬‬ ‫‪raison de sa grande cruauté, illustrée par les multiples exécutions dont il est‬‬ ‫‪l’instigateur, les Tunisiens l’ont surnommé Mourad Bou Bala. Il laisse le souvenir‬‬ ‫‪d’un souverain sanguinaire et violent. A travers cet exemple, nous essayons‬‬ ‫‪d’étudier les véritables caractéristiques distinctives du sabre turc « el bala » qui‬‬ ‫‪est encore conservé à ksar Saïd.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬ ‫«بـالة» أو «البـالة»‪ ،‬ارتبطت هذه الكلمة‪ ،‬في تاريخ تونس احلديث واملعاصر‪ ،‬باسم أحد البايات املراديني‬ ‫وهو مراد الثالث بن علي باي (‪ ،)1702 - 1699‬واملكنى بـ«مراد بوباله»‪ .‬لكن البالة ليست كنية من عدم‪ ،‬أل ّن هذا‬ ‫اللفظ هو اسم لنوع من ّ‬ ‫السيوف العثمانية‪ .‬وقد كان هذا الباي ميتلك سيفا من نوع البالة يستعمله‬ ‫بيده في تنفيذ أحكامه على كل خصومه في احلكم‪ .‬تبعا لذلك نطرح في هذا املقال سؤال العالقة‬ ‫السردية ال ّتاريخيّة ّ‬ ‫حول صناعة الذاكرة اجلماعية في تونس لأللقاب والكنى للبايات وحول ّ‬ ‫للسلطة‬ ‫السياسيّة بصفة عا ّمة‪ .‬فلماذا اقترن اسم مراد الثالث بالبالة في ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذاكرة اجلماعية؟ وال نهدف من وراء‬ ‫التوسع في حتليل طبيعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫السلطة في العصر احلديث بقدر ما نقف عند ممارسة‬ ‫ذلك في ال ّنهاية إلى‬ ‫ّ‬ ‫السلطة في تونس واستراتيجياتها وتقنياتها والكشف على العالقة بني إحدى أهمّ وظائف الدولة‬ ‫وهي ممارسة العنف املشروع‪ ،‬وامتالك آلة احلرب ومن بينها البالة‪ .‬وهو من بني مجموعة قطع األسلحة‬ ‫الثاني ّ‬ ‫اخلفيفة احملفوظة باخملازن الوطنية بقصر السعيد‪ ،‬والتي نخضعها في العنصرين ّ‬ ‫والثالث من هذا‬ ‫املقال لدراسة أثرية وفنية تكشف عن املستوى الذي وصلت إليه حرفة صناعة السيوف بوجه عا ّم في‬ ‫تونس وال ّتأثيرات ال ّتقنية التي تعرّضت لها والوافدة عليها من العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫‪ - I‬سلطة مراد ّ‬ ‫الثالث بني الذاكرة وال ّتاريخ ‪:‬‬ ‫مراد «بوبالة»‪:‬‬ ‫قبل تفصيل القول في صورة مراد الثالث في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتشكلها على املدى‬ ‫الذاكرة ال ّرسم ّية التّونسية‬ ‫ّ‬ ‫السلطة وتعقيداته‬ ‫الطويل‪ ،‬نشير إلى مفهوم ّ‬ ‫النّظرية ومدى إجرائيته بالنّسبة إلى سلطة البايات‪.‬‬

‫‪ - 1‬في ماهية السلطة وطبيعتها‪:‬‬

‫تعرف السلطة في ال ّلغة بأنّها‪« :‬القدرة والق ّوة‬ ‫على ّ‬ ‫والسلطان الذي يكون لإلنسان على‬ ‫الشيء‬ ‫ّ‬ ‫السلطة سلطات‪ .‬وهي األجهزة‬ ‫غيره‪ ...‬وجمع‬ ‫ّ‬ ‫السلطة كالسلطات‬ ‫االجتماعية التي متارس‬ ‫ّ‬ ‫والسلطات التربو ّية والسلطات‬ ‫السياسية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القضائ ّية وغيرها»‪. 1‬‬

‫ويعتبر تعريف عالم االجتماع ماكس فيبر‬ ‫للسلطة من أكثرها رواجا وانتشارا‬ ‫(‪ّ )Max Weber‬‬ ‫الدراسات السوسيولوجية واألنثروبولوجيا‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫السياسية‪ ،‬وقد اعتبر أ ّن العنف هو الوسيلة‬ ‫ّ‬ ‫للسلطة‪ ،‬من حيث احتكارها وشرعنتها‪.‬‬ ‫الطبيعية ّ‬ ‫وقد ّ‬ ‫متكن فيبر في بحثه عن هذه الشرعية‪ ،‬كما‬ ‫هو معلوم‪ ،‬من حتديد ثالثة مناذج من السلطة هي‪:‬‬ ‫السلطة التقليدية املستندة إلى نفوذ املاضي‬ ‫للسلطة‬ ‫والسلف وتقديسهما‪ّ .‬‬ ‫أما النموذج ال ّثاني ّ‬ ‫ّ‬ ‫فهو السلطة الكاريزماتية وقوامها االعتقاد في‬ ‫قدرات شخص استثنائي ملا يتمتّع به من قدارت‬ ‫أما النموذج الثالث‬ ‫وبطوالت وميزات مثالية‪ّ .‬‬ ‫للسلطة فهو السلطة القانونية وقوامها األعراف‬ ‫والقوانني والتشريعات‪.2‬‬ ‫بالرغم من الصدى الكبير لهذه النمذجة‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫للسلطة في الدراسات الفلسفية والسوسيولوجية‬ ‫وخاصة منها دراسات جورج بالندييه‬ ‫واالنتربولوجية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السلطة هي‬ ‫(‪ )G. Blandier‬والذي يؤكد على أ ّن ّ‬ ‫القدرة على التّأثير في األفراد واألحداث باستعمال‬ ‫عدة وسائل تتراوح بني اإلقناع واإلكراه‪ ،‬فإ ّن البحث‬ ‫ّ‬ ‫في حتديد السلطة وماهيته وأشكالها لم يتو ّقف‪.3‬‬ ‫احلد من التحليل والعرض اخملتزل لتعريف‬ ‫إلى هذا ّ‬ ‫مفهوم السلطة‪ ،‬ميكن القول أن السلطة املرادية‪،‬‬ ‫والسيما في عهد آخر باياتها‪ ،‬ال تعدو أن تكون سوى‬ ‫قوة قسرية قائمة على القمع و اإلكراه‪ ،‬كما جاء في‬ ‫تعريف فيبر املشار إليه أعاله‪ .‬فقد أجمع الدارسون‬ ‫على جناح املراديني في حتييز اجملال وبناء نظام حكم‬ ‫ومؤسسات‬ ‫ساللي‪ ،‬قوامه اعتماد تنظيمات‬ ‫ّ‬ ‫عسكرية وجبائية وإدارية مستحدثة من بني آثارها‬ ‫ظهور بالط باردو منذ عهد حمودة باشا املرادي‪ ،‬وما‬ ‫يرمز إليه من احتكار للنفوذ وسلطة قوامها اإلكراه‬ ‫اجلبائي وإخضاع القبائل عن طريق األمحال من جهة‬ ‫التجار‬ ‫واإلقناع باستمالة القبائل اخملزنية واألعيان من ّ‬ ‫و العلماء احمل ّليني من جهة أخرى‪.4‬‬ ‫إن اإلغراء الذي قد ميارسه تعريف ماكس فيبر‬ ‫للسلطة وتطبيقه على سلطة البايات‪ ،‬ومنهم‬ ‫الدارسني لفيبر وظهور‬ ‫مراد بوبالة‪ ،‬ال ينفي جتاوز ّ‬ ‫للسلطة‪ ،‬في طليعتها‬ ‫مقاربات فلسفية جديدة ّ‬ ‫مقاربة فوكو (‪.)M. Foucault‬‬ ‫يهتم فوكو مباهية‬ ‫فعلى النقيض من فيبر‪ ،‬لم‬ ‫ّ‬ ‫السلطة بقدر ما تساءل عن كيف ّية ممارستها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فهي في نظره استراتيجية أكثر منها ُملكية‪،‬‬ ‫وهي متارس بناء على حيل ووسائل وتقنيات وأعمال‬

‫‪ - 1‬صليبا (جميل)‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،1978 ،‬ص ‪.670‬‬ ‫‪ - 2‬فيبر )ماكس(‪ ،‬رجل العلم و رجل السياسة‪ ،‬ترجمة نادر ذكرى‪ ،‬دار احلقيقة‪ ،‬بيروت‪ ،1982 ،‬ص ‪.49 - 47‬‬ ‫‪ - 3‬باالندييه (جورج)‪ ،‬االنتربولوجيا السياسية‪ ،‬ترجمة جورج أبي صالح‪ ،‬مركز االمناء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،1986 ،‬ص‪.37‬‬ ‫‪ - 4‬توجد دراسات عديدة حول الدولة املرادية‪ ،‬انظر تكثيفا لهذه املسألة في عمل األستاذ هنية (عبد احلميد)‪ ،‬تونس العثمانية‪ :‬بناء الدولة‬ ‫واجملال‪ ،‬تبر الزمان‪ ،‬تونس‪ ، 2012،‬ص‪.149 - 146 .‬‬ ‫‪15‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫‪ - 2‬مراد الثالث في الذاكرة التاريخية الرسمية‪:‬‬

‫وشبكة عالقات‪ .‬ال ينفي فوكو إذن طابع العنف‬ ‫السلطة ولكنّه ّ‬ ‫يؤكد على التح ّوالت‬ ‫والقوة عن ّ‬ ‫التي طرأت على استعمالها من فترة تاريخ ّية إلى‬ ‫السلطة في‬ ‫أخرى‪ .‬مي ّيز فوكو في هذا الصدد بني ّ‬ ‫العصور الوسطى‪ ،‬التي مارست العنف املشروع‬ ‫بالصلب واإلعدام في الساحات العامة‪ .‬ثم جاءت‬ ‫َ‬ ‫ال ّثورة الفرنس ّية والعصور احلديثة بآليات جديدة‬ ‫والسجن‪ ،‬مراعاة للكرامة‬ ‫هي االتّهام والتّشهير‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية‪ .‬وهو ما قاد فوكو إلى االهتمام كما هو‬ ‫معلوم‪ ،‬بتحليل تقنيات اإلخضاع والعقاب واملراقبة‬ ‫والسجن‬ ‫للجسد من قبل السلطة‪ ،‬في املستشفى ّ‬ ‫ومواقع العمل‪ .1‬هناك حت ّول طرأ على أشكال وتقنيات‬ ‫السلطة واحتكارها للعنف ّ‬ ‫متكن فوكو من‬ ‫ممارسة ّ‬ ‫استيعابه ورصده وفق منهج ّية احلفر والتّنقيب في‬ ‫أغوار السلطة عبر التاريخ‪.2‬‬ ‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإ ّن نظرة سريعة على‬ ‫عهد مراد الثالث (‪ )1702 - 1699‬وسلطته ّ‬ ‫تؤكد‬ ‫للسلطة الوسيطية وملا قبل احلداثة‪ ،‬في‬ ‫انتماءها ّ‬ ‫حددها فوكو‪ ،‬سلطة‬ ‫مجال املمارسة للسلطة كما ّ‬ ‫اعتمدت على التعذيب والتنكيل باجلسد بقطع‬ ‫األوصال وبقر البطون واخلوازيق وسمل العيون وغيرها‬ ‫من التقنيات‪ ،‬مبا فيها مسرَحة التعذيب وتنظيم‬ ‫مشاهد الفرجة لذلك في الساحات العامة‪ .‬و هو‬ ‫أهم النّصوص املسرح ّية التي‬ ‫ما وصل إلينا في أحد ّ‬ ‫جمعت بني التّخييل والتاريخ‪.‬‬

‫ففي سنة ‪ ،1966‬كتب احلبيب بو األعراس‬ ‫مسرحية مراد ال ّثالث‪ ،‬وقام بإخراجها للمسرح‬ ‫ثم أدرجت‬ ‫الوطني اخملرج واملسرحي علي بن عياد‪ّ .‬‬ ‫املسرح ّية واعتمدت في البرامج املدرس ّية ُ‬ ‫وكتبها‬ ‫ضمن تدريس األدب التّونسي احلديث‪ .‬وأعيد إخراج‬ ‫املسرحية وعرضها من قبل املسرحي محمد‬ ‫ّ‬ ‫تشكلت سردية أدبية‬ ‫إدريس سنة ‪ .2003‬وهكذا‬ ‫السيف‬ ‫حول مراد الثالث املكنى ببوبالة‪ ،‬صاحب ّ‬ ‫املسلول الذي ال يشبع من سفك الدماء‪.3‬‬ ‫ّ‬ ‫شك أ ّن احلبيب بو االعراس وهو ينتج‬ ‫وال‬ ‫نصا مسرحيا‪ ،‬قد عاد إلى املصادر التاريخ ّية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ولكنّه يقوم بتخييل األحداث وترتيبها وسردها‬ ‫وفق سياقات ومقتضيات حاضره بل‪ ،‬هو يقوم‬ ‫بإسقاط لقضايا عصره على املاضي‪.4‬‬ ‫فقد عمد احلبيب بو األعراس في هذه‬ ‫املسرح ّية إلى مناقشة قض ّية سياس ّية مركز ّية‪،‬‬ ‫الدولة‬ ‫طرحت في البالد بعد االستقالل وبناء ّ‬ ‫السلطة واحلكم‪،‬‬ ‫احلديثة‪ ،‬وهي قض ّية طبيعة ّ‬ ‫إذ وقع إلغاء نظام البايات سنة ‪ 1957‬وإرساء‬ ‫املؤسس على دستور‪.1959‬‬ ‫النظام اجلمهوري‬ ‫ّ‬ ‫املؤسسون اجلدد لدولة االستقالل نبذ‬ ‫أراد‬ ‫ّ‬ ‫نظام البايات وحتقيره‪ ،‬والتّنديد باحلكم الفردي‬ ‫الساللة املرادية‬ ‫واالستبدادي الذي ارتبط به منذ ّ‬ ‫وصوال إلى آخر البايات احلسينيني‪ ،‬وأرادوا تأسيس‬

‫السلطة والعنف ميكن الرجوع إلى كتابه‪:‬‬ ‫أهم األعمال التي وضعها فوكو حول ّ‬ ‫‪ - 1‬من ّ‬ ‫‪Foucault (Michel), Surveiller et punir , Gallimard , Paris, 1975.‬‬ ‫‪ - 2‬ملزيد من التعرف على مقاربة فوكو وآرائه في السلطة انظر على سبيل املثال كتاب العيادي (عبد العزيز)‪ ،‬ميشال فوكو‪ :‬املعرفة والسلطة‪،‬‬ ‫املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.1994 ،‬‬ ‫‪ - 3‬ظهرت املسرحية سنة ‪ 1966‬ثم تلتها طبعات عديدة عن الدار التونسية للنشر وعن دار النشر ميديا كوم بتونس ومنها التي اعتمدناه‬ ‫والصادرة سنة ‪. 2007‬‬ ‫‪ - 4‬ال بد من اإلشارة الى ان الوزير ورجل الدولة احلبيب بو األعراس له اهتمام بكتابة تاريخ تونس حيث كان آخر ما كتبه مصنفا في تاريخ تونس العام‪:‬‬ ‫‪Boularès (Habib), Histoire de la Tunisie. Les grandes dates de la préhistoire à la révolution, Cérès éditions, Tunis, 2012.‬‬ ‫‪16‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫املعلومات املتو ّفرة عن مراد ال ّثالث في املصادر احمل ّلية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فكل ما وصلنا عنه وعن عهده يقتصر على ما ذكره‬ ‫حسني خوجة (ت‪ )1754 .‬ونقله عنه بقية اإلخباريني‬ ‫خالل القرنني الثامن عشر والتاسع عشر‪ .‬فقد ّ‬ ‫خلص‬ ‫حسني خوجة رأيه في مراد ال ّثالث قائال‪....» :‬و سار‬ ‫مراد باي سيرة خبيثة وأخذ في قتل النفوس ونهب‬ ‫األموال وهتك الستور واجملاهرة بشرب اخلمر وأفعال‬ ‫الشنائع والفجور‪ ،‬وارتكب كل قبيحة‪ .‬وقتل األطفال‬ ‫واستباح احملرمات وهدم مدينة القيروان وقتل كبارها‬ ‫وعلماءها وسلب منهم الدرهم والدينار‪. 4»...‬‬ ‫استحالت السلطة في عهد مراد ال ّثالث إلى‬ ‫استعمال مفرط للق ّوة والعنف والبطش وارتبطت‬ ‫بزيغ الباي واستهتاره وفساد أخالقه وخلقه‪ .‬ليس‬ ‫بالغريب أن يص ّور حسني خوجة املؤ ّرخ ال ّرسمي‬ ‫للبالط احلسيني‪ ،‬مراد الثالث بهذه األوصاف‪ ،‬وهو‬ ‫يؤ ّرخ النبثاق عهد سياسي جديد‪ ،‬عهد حسني بن‬ ‫علي‪ ،‬الذي وصل للسلطة بعد فترة من االضطراب‪،‬‬ ‫فصورته املصادر اإلخبارية مبثابة املنقذ للبالد والعباد‬ ‫وترسخ كذلك في الذاكرة ال ّرسمية‪ .‬إ ّن املقارنة التي‬ ‫ّ‬ ‫قام بها حسني خوجة بني ّ‬ ‫الشخصيتني والعهدين‬ ‫تصب في مدح حسني خوجة‪ ،‬ومن جاء بعده من‬ ‫ّ‬ ‫اإلخباريني‪ ،‬الباي حسني وخصاله‪ ،‬التي تتعارض‬ ‫متاما مع مراد الثالث وذلك على جميع املستويات‪.5‬‬ ‫لقد أفل حكم املراديني وساء ذكر آخرهم لبطشه‬ ‫ّ‬ ‫وحل عهد حكم جديد‪ ،‬أعاد‬ ‫وجنونه ومجونه‬

‫سلطة وطن ّية وعصر ّية ترسي قيم العدالة واحل ّرية‬ ‫والنّظام‪ .‬وقد ّ‬ ‫نصه على فكرة‬ ‫ركز بو ألعراس في ّ‬ ‫استبد به جنون‬ ‫االنتقام وال ّثأر لدى مراد ال ّثالث‪ .‬لقد‬ ‫ّ‬ ‫الصراع والتّناحر عليها‬ ‫والسلطة في إطار ّ‬ ‫العظمة ّ‬ ‫بني الفرقاء‪ .‬وظهر بطل املسرحية متفنّنا في سفك‬ ‫الدماء‪ ،‬يعبث باألجساد ويقطعها بسيفه‪ .‬تلك هي‬ ‫سياسة االستبداد في عهد البايات‪ ،‬وفي عهد آخر‬ ‫املراديني‪ ،‬قمع وظلم وجور‪.‬‬ ‫بقطع النّظر عن الوشائج والتّنافذ بني الكتابة‬ ‫املسرحية والكتابة التاريخية واالختالف الكبير‬ ‫بينهما‪ ،‬وهو ما قد يحيلنا إلى االستطراد بالبحث‬ ‫السرد‬ ‫في العالقة بني األدب والتاريخ وخاصة بني ّ‬ ‫حد‬ ‫الروائي‬ ‫والسرد التّاريخي‪ ،‬فإنّه ميكن القول على ّ‬ ‫ّ‬ ‫عبارة محمد القاضي إن مسرح ّية مراد ال ّثالث‪ ،‬ولئن‬ ‫بدت لنا خطابا تخييليا‪ ،‬فإنّها تعيد صياغة املاضي‬ ‫لتتّصل بالتّاريخ والذاكرة‪.1‬‬ ‫ال نريد أن نحكم للمسرح ّية أو عليها مبدى‬ ‫وإنا ّ‬ ‫وفائها للتّاريخ‪ّ ،‬‬ ‫نؤكد على أ ّن استدعاء التّاريخ‬ ‫في مسرح ّية مراد ال ّثالث كان لفهم احلاضر‪ .‬وهكذا‬ ‫حد عبارة عبد اهلل‬ ‫ليس موضوع التاريخ‪ ،‬على ّ‬ ‫العروي‪ ،‬سوى املاضي الذي هو حاضر‪ . 2‬فقد ظلت‬ ‫خاص‪ ،‬هاجسا‬ ‫السلطة‪ ،‬بوجه‬ ‫ّ‬ ‫الدولة و طبيعة ّ‬ ‫لدى النّخبة السياس ّية ولدى اإلخباريني واملؤ ّرخني‪،‬‬ ‫فطفقوا يبحثون في تاريخها وفي طبيعتها‪. 3‬‬ ‫في هذا الصدد‪ ،‬جتدر اإلشارة أ ّوال إلى ق ّلة‬

‫‪ - 1‬القاضي (محمد)‪ ،‬الرواية والتاريخ‪ ،‬دراسات في تخييل املرجعي‪ ،‬دار املعرفة للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬ص‪.200 .‬‬ ‫‪ - 2‬العروي (عبد اهلل)‪ ،‬مفهوم التاريخ‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1992 ،‬ص‪.17.‬‬ ‫‪ - 3‬هناك دراسات عديدة حول االسطوغرافية والكتابة التاريخية في تونس وعالقة ذلك بالدولة‪ ،‬أنظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪- Henia (Abdehamid), « Quand l’historiographie tunisienne se fait prisonnière de l’Etat », in Savoir historique au Maghreb.‬‬ ‫‪Construction et usages, Coord. Bargaoui Sami et Remaoun Hassan, CERES / CRASC, Tunis/Oran, 2006, p.101-108.‬‬ ‫‪ - 4‬خوجة (حسني)‪ ،‬ذيل بشائر أهل االميان بفتوحات آل عثمان‪ ،‬حتقيق و تقدمي الطاهر املعموري‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪ -‬ليبيا‪ ،1975 ،‬ص‪.106 .‬‬ ‫‪ - 5‬حول حسني خوجة وبقية اإلخباريني انظر عبد السالم (أحمد)‪ ،‬املؤرخون التونسيون في القرون ‪ 17‬و‪ 18‬و‪ .19‬رسالة في تاريخ الثقافة‪ ،‬نقله‬ ‫من الفرنسة إلى العربية‪ ،‬أحمد عبد السالم وعبد الرزاق احلليوي‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬قرطاج‪ ،1993 ،‬حول حسني خوجة انظر‪ ،‬ص‪.236 - 219 ،‬‬ ‫‪17‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫ترسخت‬ ‫االستقرار واألمان للبالد إلى حني‪ .‬وهكذا ّ‬ ‫في ّ‬ ‫الذاكرة الرسمية منذ بداية القرن ال ّثامن عشر‬ ‫سيرة مراد ال ّثالث وصورة الباي املضطرب نفسيا‬ ‫متجد دور حسني بن‬ ‫والدموي وتبلورت سردية تاريخية ّ‬ ‫علي ّ‬ ‫وحتقر من دور مراد الثالث‪.‬‬ ‫وتأكدت هذه النّظرة‪ ،‬وتواصل هذا اخلطاب وهذه‬ ‫السردية مع أحمد ابن أبي الضياف (ت‪ ،)1874 .‬الذي‬ ‫كتب اإلحتاف في ظرف ّية النّصف ال ّثاني من القرن‬ ‫السلطة بعني املصلح‬ ‫التّاسع عشر‪ ،‬وهو ينظر إلى ّ‬ ‫واملعارض للحكم املطلق وغير املق ّيد بقانون‪ .‬لقد‬ ‫ظهر خطاب جديد وسردية تاريخ ّية ّ‬ ‫تؤكدان على‬ ‫قيم العدل واملساواة وحماية املمتلكات واألفراد‬ ‫الصادر‬ ‫وغيرها من القيم التي وردت في عهد األمان‪ّ ،‬‬ ‫سنة ‪ 1857‬وعزَّزها دستور ‪.11861‬‬ ‫تبعا لذلك ليس من الغريب أن يساهم ابن أبي‬ ‫الضياف في شجب احلكم الفردي الذي مارسه‬ ‫ّ‬ ‫السلطة واحملافظة عليها‪،‬‬ ‫مراد ال ّثالث للوصول إلى ّ‬ ‫ويرسخ ذلك في الذاكرة التّاريخية الرسم ّية‬ ‫لتتواصل نفس السرد ّية التاريخ ّية حتّى اليوم‪.‬‬ ‫يقول صاحب اإلحتاف عن مراد ال ّثالث‪« :‬وله سيف‬ ‫يسمى البالة‪ ،‬ال يكاد يريحه من إراقة دم اإلنسان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وإذا لم يقتل أحدا يقول «إ ّن البالة جاعت» ويخرج‬ ‫بها‪ ،‬فيقتل من يعرض له‪ .‬ولذلك كان يسمى مبراد‬ ‫أبي بالة»‪.2‬‬ ‫ويسرد لنا نفس املصدر أمثلة كثيرة عن اجملازر‬ ‫والفظائع التي ارتكبها هذا الباي‪ ،‬في حق أتباع عمه‬ ‫رمضان باي ومعارضيه وحتى في حق بعض حاشيته‬ ‫وجنوده‪ .‬هذه اجملازر والتجاوزات شملت كذلك سائر‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫البالد والعباد‪ ،‬من بطش باألئمة والعلماء‪ ،‬من أمثال‬ ‫الشيخ محمد العويني القيرواني والشيخ أبو الغيث‬ ‫البكري‪ ،‬وإسراف في إرهاب الرعية وإنهاك كاهلهم‬ ‫بالضرائب والغرامات واستباحة دمائهم ومدنهم‪.‬‬ ‫«وفعل ما لم يؤثر عن غيره قدميا وحديثا‪ ،‬وسلب اهلل‬ ‫الرحمة من قلبه‪ ،‬فانهمك في العبث بصنع اهلل‬ ‫انهماك السباع العادية» ‪.3‬‬ ‫ووصلت أخبار جرائم مراد الثالث إلى السلطان‬ ‫العثماني مصطفى الثاني (‪ )1695-1703‬فأنكر ذلك‬ ‫على الباي واستاء من فعله‪ ،‬مما جعله يفكر في‬ ‫ردعه‪ .‬وقد كان مراد الثالث قد أرسل آغة صبايحية‬ ‫الترك إبراهيم الشريف إلى إسطنبول‪ ،‬من أجل جلب‬ ‫عساكر ملساندته في حربه ضد اجلزائر‪ ،‬لكن رسوله‬ ‫اتفق مع السلطان على أن يتخ ّلص من الباي‪ ،‬فوافقه‬ ‫على ذلك وعهد له بالوالية عوضه‪ .‬وملا متّ له ذلك‬ ‫كتب لكاهية مراد باي والوزير أبي احلسن السهيلي‬ ‫يقول‪« :‬إني منعت املسلمني من فتكات هذا اجلبار‬ ‫الذي ال يأمن أحد غائلته‪ ،‬وخاطرت بنفسي في قتله‪،‬‬ ‫ملصلحة املسلمني‪ ،‬وال طاقة لي على الوالية‪ّ ،‬إل‬ ‫بكما‪ ،‬فإ ّن أعنتماني على املصلحة‪ّ ...‬‬ ‫وإل تركت األمر‪،‬‬ ‫«ووعدهما باجلميل» ‪.4‬‬ ‫هكذا عرف مراد الثالث نفس النهاية املأساوية‬ ‫ألعدائه وخصومه‪ ،‬فقتل سنة ‪ 1702‬وقطع رأسه‬ ‫ورأسي ابني عمه محمد باي‪ ،‬وقتل بقية أوالدهم‬ ‫ولم يبق من نسل مراد باشا ذكر‪ .‬نهاية تراجيدية‬ ‫لباي ولساللة حكمت البالد ثالثا وثمانني سنة‪.‬‬ ‫كانت سلطة ُملكية مت ّلكت البالد والعباد وجنحت‪،‬‬ ‫حد ما‪ ،‬في احتكار النّفوذ باستعمال الق ّوة‬ ‫إلى ّ‬

‫‪ - 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.301‬‬ ‫‪ - 2‬ابن أبي الضياف (أحمد)‪ ،‬إحتاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد االمان‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪ ،1999 ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.91‬‬ ‫‪ - 3‬املصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬من ص ‪ 89‬إلى ص ‪.93‬‬ ‫‪ - 4‬املصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.94-95‬‬ ‫‪18‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫واإلكراه‪ .‬وقد تساءل عدد من املؤ ّرخني حول أسباب‬ ‫السلطة املرادية‬ ‫األزمة العميقة‪ ،‬التي تر ّدت فيها ّ‬ ‫والبالد (من ‪ 1675‬إلى ‪ ،)1705‬وحول مظاهرها ومن‬ ‫أبرزها احلرب الساللية بني أفراد العائلة وتدخّ ل‬ ‫الدايات ومحاولتهم افتكاك احلكم من البايات‬ ‫وتدخّ ل عسكر األتراك باجلزائر في الصراع الداخلي‪.‬‬ ‫وبذلك لم يكن مراد الثالث غير أحد الفاعلني الذي‬ ‫عمق األزمة بدمويته وقلة خبرته بالسلطة‪ ،‬والتي‬ ‫وصلها ولم يتجاوز سنه ثماني عشرة سنة‪ .‬و تبقى‬ ‫املفسرة واملتس ّببة‬ ‫العوامل االقتصادية من العوامل‬ ‫ّ‬ ‫في األزمة‪ ،‬كما ّبينه األستاذ محمد الهادي الشريف‪،‬‬ ‫ومن أبرز مظاهرها انخفاض أسعار الزيوت التّونس ّية‬ ‫الصادرات التّونس ّية ألوروبا‪،‬‬ ‫وسعر الزياتني وانخفاض ّ‬ ‫ألنّها كانت تعيش بدورها أزمة اقتصادية‪ .‬وانعكس‬ ‫ذلك سلبا على الفئة احلاكمة وعلى مواردها وعلى‬ ‫كل الفئات االجتماعية املرتبطة بها ‪.1‬‬ ‫منددا‬ ‫ولئن كان موقف حسني خوجة‪ ،‬كما أحملنا‪ّ ،‬‬ ‫مبراد ال ّثالث وأعماله وجنونه ومجونه فإنّه لم يخف‬ ‫تعاطف النّاس مع نظام حكم البايات املراديني قائال‪:‬‬ ‫»وتأسفت النّاس عليهم بعد استقرار اإلمارة فيهم‬ ‫ّ‬ ‫ثالثا و ثمانني سنة‪ ،‬فسبحان من ال يزول ملكه‪. 2»...‬‬ ‫لقد ّ‬ ‫شكل مراد ال ّثالث في خطاب اإلخباريني استثناء‬ ‫مقارنة بغيره من البايات املراديني‪.‬‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫واجلدير ّ‬ ‫ترسخ صورة‬ ‫بالذكر في هذا اإلطار هو ّ‬ ‫مراد باي وذكراه وتكنينه ببوبالة ملباشرته القتل‬ ‫والتّمثيل باجلثث بنفسه‪ ، 3‬وكان يستعمل في ذلك‬ ‫سيفه‪ .‬فعدوانية هذا الباي ودمويته أكسبت البالة‬ ‫شهرة واسعة في تونس في الفترة احلديثة‪ ،‬وهو‬ ‫السيف الوحيد‪ ،‬تقريبا‪ ،‬الذي جند له ذكرا في املصادر‬ ‫ّ‬ ‫اإلخبارية لهذه الفترة‪ ،‬بل وفي املصادر األرشيف ّية‪.‬‬ ‫السيف البالة‪ ،‬في تلك الفترة‪ ،‬سيفا‬ ‫كان‬ ‫ّ‬ ‫للسلطة‪ ،‬وقد جعلته هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫محل تساؤالت‬ ‫الشهرة‬ ‫ّ‬ ‫األهم‪ ،‬في اعتقادنا‪ ،‬يدور حول‬ ‫عديدة ولعل السؤال‬ ‫ّ‬ ‫السيف نفسه‪ :‬ما الذي مييزه عن غيره من السيوف‬ ‫األخرى العثمانية منها‪ ،‬واحمللية؟ هل حلضوره في‬ ‫الذاكرة أم خلصائصه التقنية والفنّية؟‬

‫‪ -II‬البالة (‪ Pala‬سيف عثماني األصل والطراز)‪:‬‬

‫هذا التساؤل‪ ،‬وغيره من املسائل املتعلقة بالسيف‬ ‫من نوع البالة‪ ،‬أمكننا تناولها من خالل دراسة منوذج‬ ‫السيوف‪ .‬وهو سيف محفوظ‪،‬‬ ‫من هذا النّوع من ّ‬ ‫ضمن مجموعة من األسلحة اخلفيفة‪ ،‬في اخملازن‬ ‫الوطن ّية التّونس ّية‪ ،‬بقصر السعيد بتونس‪ . 4‬يعود‬ ‫هذا البالة إلى القرن الثامن عشر‪ .‬صنع سنة ‪1777‬‬ ‫م ويبلغ طوله ‪ 0.89‬م‪ .‬وقد وصل إلينا في حالة جيدة‪،‬‬ ‫عموما‪ ،‬وهو بذلك قد حافظ على شكله األصلي وكل‬ ‫أجزائه وعلى ما يحتويه من زينة وزخرف أيضا‪ .‬لذلك‬

‫‪ - 1‬ملزيد من التوسع حول نهاية الدولة املرادية وظرفية إنتقال السلطة إلى حسني بن علي ميكن الرجوع خاصة ألطروحة األستاذ الشريف‬ ‫(محمد الهادي) ‪:‬‬ ‫‪Cherif (Mohamed Hedi), Pouvoir et société dans la Tunisie de Husayn Bin Ali 1705-1740, Pub. Université de Tunis, Tunis, tome‬‬ ‫‪I, pp. 96 -100 et pp.340 -363.‬‬ ‫‪ - 2‬خوجة (حسني)‪ ،‬ذيل‪ ،...‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.107‬‬ ‫‪« - 3‬وكان يؤتى له بالرجل‪ ،‬فيقوم له بنفسه ويذبحه‪ ،‬ويقطع أعضاءه ويشق بطنه‪ ،‬ويدخل يده‪ ،‬ويخرج أمعاءه‪ ...‬فعل اجلزار املاهر‪ ».‬ابن أبي‬ ‫الضياف (أحمد)‪ ،‬إحتاف‪ ...‬مصدر مذكور‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.91‬‬ ‫‪ - 4‬تضم هذه اجملموعة ‪ 121‬قطعة‪ ،‬وتتكون من نوعني من أسلحة بيضاء وأخرى نارية‪ .‬وقد قمنا بدراستها‪ ،‬في إطار أطروحة لنيل شهادة‬ ‫الدكتوراه وهو عمل تأليفي يرمي للتعريف بهذه اجملموعة ومحاولة تبني تطورها التاريخي وبعض خصوصياتها التقنية والفنية‪ ،‬إلى جانب جملة‬ ‫من املسائل األخرى املتعلقة بجوانبها األثرية والتراثية‪ .‬انظر‪ :‬حمودي (حنان)‪ ،‬األسلحة اخلفيفة بالبالد التونسية في الفترة احلديثة‪ :‬دراسة أثرية‬ ‫وتاريخية من خالل مجموعة األسلحة احملفوظة في اخملازن الوطنية بقصر السعيد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ‪ ،‬نوقشت في ‪19‬‬ ‫ديسمبر ‪ ،2017‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫نعتبره مصدرا قادرا على مدنا‪ ،‬تقريبا‪ ،‬بكل املعطيات‬ ‫حول شكل البالة وعن صناعته واملواد والتقنيات‬ ‫التي وظفت لذلك‪ .‬وميدنا أيضا مبعطيات حول بعض‬ ‫العناصر الزخرفية التي زانت هذا السيف‪ ،‬واملتم ّثلة‬ ‫خاصة في بعض األشكال النباتية والنقائش ّية‪ .‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫حد‬ ‫ما يجعلنا نعتمد في دراسته على القطعة في ّ‬ ‫ذاتها كمصدر للتّأريخ لصناعتها وزخرفتها‪.‬‬

‫يخص املسائل املتع ّلقة باحلرفة‬ ‫أما في ما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيف‪،‬‬ ‫أو الهيكل احلرفي‬ ‫ّ‬ ‫اخملتص في صناعة ّ‬ ‫وخصوصيات الفترة التي يعود إليها‪ ،‬فتم ّثل وثائق‬ ‫األرشيف الوطني املصدر الرئيسي لنا في ذلك‪. 1‬‬ ‫السيف‪ ،‬واجملال الذي‬ ‫وقد اعتمدنا لدراسة أصل هذا ّ‬ ‫ينتمي إليه‪ ،‬ومختلف التط ّورات التي عرفها البالة‬ ‫عبر تاريخه‪ ،‬ومختلف استعماالته على جملة من‬ ‫املراجع والدراسات التي تعنى بالتاريخ العثماني‬ ‫وتاريخ األسلحة في الفترة احلديثة‪.‬‬

‫‪ - 1‬أشكال السيف ورمزيته في العالم اإلسالمي‪:‬‬

‫يحيلنا هذا السيف أيضا على تفاصيل أخرى‪،‬‬ ‫تخص الكتابات التي نقشت عليه‪ .‬إذ تتجاوز هذه‬ ‫الكتابات وظيفة الزينة لتتضمن رمزية ودالالت‬ ‫ضاربة في عمق الثقافة اإلسالمية‪ ،‬منذ العصر‬ ‫الوسيط وتواصلت إلى غاية الفترة املعاصرة‪.‬‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫ارتبطت هذه الدالالت بشخصية اإلمام علي بن أبي‬ ‫طالب وسيفه املسمى ذو الفقار ورمزيته الدينية‬ ‫والسياسية‪ .‬وقد اعتمدنا لدراسة هذه اإلشكاليات‬ ‫مقاربة أنثروبولوجية من خالل ما أتاحته لنا بعض‬ ‫املصادر واملراجع اخملتلفة من معطيات‪ ،‬قادرة على‬ ‫تسليط الضوء على مثل هذه اإلشكاليات وتبني‬ ‫مالمحها في تونس وفي العالم اإلسالمي بصفة‬ ‫عامة‪. 2‬‬ ‫لإلجابة على مختلف هذه اإلشكاليات فإنّه‬ ‫الضروري‪ ،‬في البداية‪ ،‬التّعريف بهذا السيف‬ ‫من ّ‬ ‫وخصوصياته ومدى ارتباطه مبختلف التطورات التي‬ ‫شهدها شكل السيف‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬ليصل إلى‬ ‫أشكاله اخملتلفة واملتعارف عليها في الفترة احلديثة‪.‬‬ ‫يعتبر السيف من األسلحة التي رافقت اإلنسان‬ ‫منذ القدمي‪ ،‬سواء كسالح دفاع فردي أو كسالح في‬ ‫املعارك واحلروب‪ .‬لكن السيف نفسه وخالل تطور‬ ‫شكله‪ ،‬عبر العصور واحلضارات التي تعاقبت على‬ ‫التاريخ اإلنساني‪ ،‬قد سمح بظهور أشكال وأنواع‬ ‫مختلفة له‪ .‬وقد شهد تاريخ اإلنسانية شكلني‬ ‫رئيسيني للسيف هما‪ :‬الشكل املستقيم والشكل‬ ‫السيوف في أهم أقاليم‬ ‫املقوس‪ . 3‬ويبدو أن أشكال ّ‬ ‫العالم اإلسالمي‪ ،‬اململوكية والعثمانية والفارسية‪،‬‬ ‫قد استقرت على صورتها النهائية خالل نهاية القرن‬ ‫اخلامس عشر وبداية القرن السادس عشر‪ .‬وبعد زوال‬ ‫دولة املماليك بقيت السيوف العثمانية والفارسية‬ ‫هي الطاغية‪ ،‬وأصبح السيف املقوس الطراز املفضل‬ ‫لدى العثمانيني في القرن السادس عشر‪.4‬‬

‫‪ - 1‬خاصة منها دفاتر وزارة احلرب وملفات السلسلة التاريخية باألرشيف الوطني التونسي‪.‬‬ ‫‪ - 2‬خاصة منها بعض الدراسات الغربية والتركية‪ .‬انظر مختلف االحاالت والهوامش‪..‬‬ ‫‪ - 3‬انظر في هذا اخلصوص أشكال السيف في أطروحتنا لنيل شهادة الدكتوراه‪ :‬حمودي (حنان)‪ ،‬األسلحة اخلفيفة‪ ،...‬مرجع مذكور‪ ،‬من ص ‪9‬‬ ‫إلى ص ‪.12‬‬ ‫‪ - 4‬يوجل (اونصال)‪ ،‬السيوف اإلسالمية‪ ،..‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫‪20‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫احلكم في بالده وعلى رعيته‪ .‬تواصل هذا التقليد‬ ‫في العصر احلديث أيضا‪.‬‬ ‫فقد اتبع العثمانيون هذا التقليد أيضا‪ ،‬حيث‬ ‫تقلد السالطني سيوف أجدادهم‪ ،‬كداللة على‬ ‫تولي السلطان العرش وعلى أن السلطة بيد آل‬ ‫عثمان‪ .‬وتقلد السالطني العثمانيون أيضا سيوفا‬ ‫تنسب للرسول وللصحابة‪ ،‬ويدل هذا على شرعية‬ ‫‪.2‬‬ ‫السلطان الدينية أيضا‬ ‫أما فرمانات التّولية في الواليات العثمانية‬ ‫ّ‬ ‫املرصعة من ضمن‬ ‫السيوف‬ ‫فاقترنت بإرسال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصدد‪ ،‬تشير‬ ‫الهدايا‬ ‫املوجهة للوالّة اجلدد‪ .‬في هذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫املصادر ومنها وثائق األرشيف الوطني أنه بعد أن‬ ‫يتم تعيني باي جديد لإل ّيالة يرسل الباب العالي‬ ‫ّ‬ ‫من اسطنبول فرمان التزكية‪ ،‬هذا الفرمان غالبا‬ ‫ما يصاحبه سيف مرصع كهدية للباي ودليل على‬ ‫تو ّليه املنصب اجلديد واعتراف الباب العالي به‪.‬‬ ‫السيف كذلك بعض الفرمانات األخرى‬ ‫يصحب ّ‬ ‫ومنها فرمانات الرتب اجلديدة‪ .‬قد يطلب الباي من‬ ‫السلطان رتبة فريق أو مشير ‪ 3‬مثال‪ ،‬كما فعل الباي‬ ‫ّ‬ ‫أحمد باي‪ 4‬وغيره‪ .5‬وعند االستجابة لهذا الطلب‬ ‫مرصعا‬ ‫يرسل السلطان أو الوزير األكبر سيفا‬ ‫ّ‬ ‫تعبيرا على املوافقة واملباركة ومتتينا لل ّروابط بني‬ ‫املركز والوالية‪.‬‬

‫استعملت هذه السيوف في القتال واحلروب‪ ،‬وقد‬ ‫كانت هذه األخيرة‪ ،‬ومنذ العصور القدمية وحتى‬ ‫الفترة احلديثة‪ ،‬في جوانب منها‪ ،‬وسيلة التقاء‬ ‫وتعارف بني الشعوب واألقاليم املتحاربة‪ . 1‬وقد سمح‬ ‫هذا الصراع‪ ،‬املتمثل في احلروب واملعارك‪ ،‬مبا حتمله من‬ ‫أوجه مختلفة للعداوة ورسائل عنف وموت بفرص‬ ‫للتعرف على اآلخر وبالتالي إمكانية االحتكاك‬ ‫بثقافته ومعارفه اخملتلفة‪ .‬وتقف األسلحة‪ ،‬إلى‬ ‫جانب املعطيات التاريخية واألثرية األخرى‪ ،‬شاهدا‬ ‫فن‬ ‫على هذا التبادل والتعارف وعلى تأثيراتهما على ّ‬ ‫صناعة السيوف وزخرفتها في هذه البلدان ومنها‬ ‫تونس واجملال العثماني بصفة عامة‪.‬‬ ‫ يعتبر السيف ظاهرة فريدة في تاريخ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وهو ميثل قيمة مادية ومعنوية كبيرة‬ ‫بالنسبة إلى جميع الشعوب تقريبا‪ .‬ويعتبر العصر‬ ‫الوسيط منبع أغلب الدالالت والرموز التي ارتبطت‬ ‫بالسيف‪ .‬جعلت هذه الرمزية من السيف وسيلة‬ ‫للسلطة ومنحته في نفس الوقت سلطة التأثير‬ ‫في معتقدات وثقافة شعوب العالم اإلسالمي في‬ ‫العصر احلديث‪.‬‬ ‫كان السيف‪ ،‬منذ العصور الوسطى على األقل‪،‬‬ ‫يعبر عن السلطة‪ ،‬وذلك من خالل تقليده للملك‬ ‫أو السلطان أو الوالي اجلديد‪ ،‬كدليل على توليه‬

‫‪ - 1‬فضال عن التنقل في إطار الهجرات أو التجارة أو الرحالت اخملتلفة والتي ساهمت جميعا في انتقال التقنيات واألشياء والبضائع واشتراك‬ ‫الشعوب والدول في تقاسمها‪.‬‬ ‫‪2 - Eralp (Nejat), Tarih Boyunca Türk Toplumunda Silâh kavramı ve Osmanlı İmpratorlugunda Kullanilan Silâlar, Türk Tarih‬‬ ‫‪kurumu Basımevi, Ankara, 1993., p. 68.‬‬ ‫‪ - 3‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ .‬س‪ .‬ت‪ ،.‬احلافظة‪ ،220 :‬امللف‪ ،343 :‬وثيقة عدد ‪ 29( ،18‬رجب ‪1256‬هـ‪ 26/‬سبتمبر ‪1840‬م)‪ .‬مراسلة من السيد سعيد محمد إلى باي‬ ‫تونس (أحمد باي) يهنئ فيهاالباي برتبة املشير‪.‬‬ ‫‪ - 4‬املصدر نفسه‪ ،‬احلافظة‪/ 220 :‬امللف‪ ،340 :‬وثيقة عدد ‪1254( 68‬هـ‪1839 - 1838 /‬م)‪ .‬باللغة العثمانية‪ .‬مراسلة من باي تونس إلى الصدر‬ ‫األعظم‪ .‬مضمونها وصول الفرمانني الواصلني إليه من الباب العالي في شأن منحه رتبة فريق‪ .‬وتتضمن أيضا رسالة لقبودان باشا مفادها‬ ‫االعتذار على عدم توفير القدر املطلوب من املال خلزينة السلطنة ويعلمه بأنه أرسل اخليول املطلوبة للسلطان‪ .‬كما يشكر فيها هدية‬ ‫الوزير له واملتمثلة في سيف مرصع‪.‬‬ ‫‪ - 5‬املصدر نفسه‪ ،‬احلافظة‪ ،220 :‬امللف‪ ،338 :‬وثيقة عدد ‪ 5( .24‬شعبان ‪ 1293‬هـ ‪ 26/‬أوت ‪1876‬م)‪ .‬مضمونها إرسال هدية على شكل سيف‬ ‫مرصع من السلطان (عبد احلميد الثاني) إلى باي تونس(محمد الصادق باي)‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫املؤسسة ونفوذ صاحبها خالل القرن‬ ‫سلطة هذه‬ ‫ّ‬ ‫السيف ّ‬ ‫ظل معموال به‪،‬‬ ‫التّاسع عشر‪ .‬لكن تقليد ّ‬ ‫الصدر األعظم‪ .‬كما‬ ‫السلطان أو ّ‬ ‫سواء كان املرسل ّ‬ ‫السالطني وكبار ّ‬ ‫الدولة والوالّة يتق ّلدون‬ ‫موظفي ّ‬ ‫كان ّ‬ ‫ومرصعة‪ ،‬كشارة من شارات النّفوذ‬ ‫سيوفا فاخرة‬ ‫ّ‬ ‫والسلطة‪. 6‬‬ ‫ّ‬ ‫وقد م ّثل احلضور العثماني في إفريق ّية‪ ،‬نقطة‬ ‫التقاء بني ثقافة إفريق ّية متوسط ّية مح ّلية وثقافة‬ ‫عثمانية آسيوية وافدة‪ ،‬حيث جلب العثمانيون‬ ‫املؤسسات وجند الترك‪ ،‬أشكاال‬ ‫معهم إلى جانب‬ ‫ّ‬ ‫جديدة من األسلحة لم تكن معروفة في البالد‬ ‫قبل نهاية العصر الوسيط بها‪ ،‬من هذه األسلحة‬ ‫للسيف العثماني املق ّوس‪ .‬جند‬ ‫أشكال مختلفة‬ ‫ّ‬ ‫منها اليتاغان والقليج‪ ،‬وفي فترة الحقة البالة‬ ‫العثماني‪ .‬كما جند بعض األنواع اآلسيوية األخرى‪،‬‬ ‫والتي طوعها العثمانيون وأدخلوا عليها بعض‬ ‫اإلضافات لتصبح طرازا عثمانيا ومنها الشمشير‬ ‫الفارسي‪. 7‬‬ ‫ميكن القول‪ ،‬أنّه مع استقرار العثمانيني في اإل ّيالة‬ ‫السيف‬ ‫التونس ّية منذ سنة ‪ ،1574‬تأ ّثرت صناعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫للسيف‪،‬‬ ‫فيها تدريجيا‬ ‫بالطراز العثماني املق ّوس ّ‬ ‫السيوف تصنع وتباع في أسواقها‪.‬‬ ‫وأصبحت هذه ّ‬ ‫مقابل ذلك حافظت اإل ّيالة على بعض اخلصائص‬

‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬منح الباب العالي سنة‬ ‫‪ 1838‬رتبة فريق لباي تونس أحمد باي وأرسل له‬ ‫السلطان‬ ‫سيفا مرصعا ‪ .‬وفي سنة ‪ 1840‬أرسل له ّ‬ ‫مرصعا‪ 1‬لتهنئته بحصوله على رتبة‬ ‫سيفا‬ ‫ّ‬ ‫السيوف هو الذي يبرز‬ ‫املشير‪ . 2‬ويبدو أ ّن أحد هذه ّ‬ ‫الصورة ال ّرسمية لهذا الباي‪ .‬وفي سنة ‪1876‬‬ ‫في ّ‬ ‫محمد‬ ‫السلطان عبد احلميد ال ّثاني هد ّية إلى‬ ‫أرسل ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرصع‪. 3‬‬ ‫الصادق باي مت ّثلت في سيف ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذه الفرمانات وما يرتبط بها من شارات وهدايا‪،‬‬ ‫أصبحت خالل القرنني ال ّثامن عشر والتّاسع عشر‬ ‫تقليدا سياسيا وذات رمز ّية ّ‬ ‫تذكر بالعالقات والتراتبية‬ ‫السياس ّية بني سلطة املركز وسلطة اإل ّيالة‪ . 4‬ورغم‬ ‫ّ‬ ‫متتّع الباي بسلطة فعل ّية على تونس وتراجع قبضة‬ ‫الباب العالي فقد حافظ البايات على عالقة الوالء‬ ‫وانتماء تونس للخالفة العثمانية‪ ،‬وتواترت الفرمانات‬ ‫التي ّ‬ ‫تؤكد على ذلك‪ ،‬معتبرة أ ّن استقالل اإل ّيالة عن‬ ‫احلكم العثماني هي مج ّرد إشاعات ال أساس لها من‬ ‫الصحة‪. 5‬‬ ‫ّ‬ ‫من ناحية أخرى أصبحت هذه الفرمانات متك ّررة‬ ‫وتصدر في مناسبات مختلفة‪ ،‬كما أصبحت أيضا‬ ‫تدخل في إطار بيع الوظائف وال ّرتب من طرف‬ ‫الصدارة العظمى في اسطنبول‪ ،‬والتي يترأسها‬ ‫ّ‬ ‫الصدر األعظم أو الوزير األعظم‪ ،‬حيث تزايدت‬ ‫ّ‬

‫‪ - 1‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬س‪ .‬ت‪ ،‬احلافظة‪ ،220 :‬امللف‪ ،340 :‬وثيقة عدد ‪.68‬‬ ‫‪ - 2‬املصدر نفسه‪ ،‬س‪ .‬ت‪ ،‬احلافظة‪ ،220 :‬امللف‪ ،343 :‬وثيقة عدد ‪.18‬‬ ‫‪ - 3‬املصدر نفسه‪ ،‬س‪ .‬ت‪ ،‬ص‪ ،220 .‬م‪ ،338 .‬وثيقة عدد ‪.24‬‬ ‫‪ - 4‬بن طاهر (جمال)‪« ،‬الفرمان واخللعة أو الباي ذو الوجهني» في‪:‬‬ ‫‪Henia (A) et al, Itinéraire d’un historien et d’une historiographie, Mélanges de Dirasset offerts au Professeur émérite M.H. Chérif,‬‬ ‫‪CPU, Tunis, 2008, p.45-58‬‬ ‫‪ - 5‬أ‪ ،‬و‪ ،‬ت‪ ،‬س‪ .‬ت‪ ،.‬احلافظة‪ ،220 :‬امللف‪ ،343 :‬وثيقة عدد ‪( ،211‬بتاريخ ‪ 7‬محرم ‪ 1291‬هـ‪ 24/‬فيفري ‪ 1874‬م)‪ :‬مراسلة من الصدر األعظم حسني‬ ‫عوني باشا إلى باي تونس ردا على مراسلة الباي‪ ،‬املتضمنة براءة ذمته من اإلشاعة الواصلة إليهم‪ .‬ويؤكد فيها دوام تبعية اإليالة التونسية‬ ‫لإلمبراطورية العثمانية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬انظر على سبيل املثال لوحة للسلطان سليم األول (‪ )1520 - 1512‬في حمودي (حنان)‪ ،‬األسلحة اخلفيفة ‪ ،.....‬مرجع مذكور‪ ،‬امللحق عدد ‪.19‬‬ ‫‪ - 7‬حول هذه السيوف ومميزاتها انظر أشكال السيف في أطروحتنا‪ :‬حمودي (حنان)‪ ،‬األسلحة اخلفيفة‪ ،....‬مرجع مذكور‪.‬‬ ‫‪22‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫وزنه مع زيادة ق ّوته وتخفيف ليونته الشديدة‪. 5‬‬ ‫يحدث احلرفي أو الط ّباع ّ‬ ‫الشطب على أحد وجهي‬ ‫النّصل‪ ،‬وك ّلما ضاقت هذه ّ‬ ‫الشطوب أو القنوات كان‬ ‫وربا‬ ‫النّصل متينا‪ . 6‬ويبدو أن بالة القرن ال ّثامن عشر ّ‬ ‫الفترات ال ّالحقة لم تعد حتمل هذه الشطوب‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬ ‫يدل على ذلك املثال الذي ندرسه‪ .‬وهذا يعني رمبا أن‬

‫التي مت ّيز أسلحتها وسيوفها املغارب ّية املستقيمة‬ ‫السيف‬ ‫كالسيف املعروف باسم «السباطة»وكذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيوف‬ ‫املغربي‬ ‫املسمى «نيمشة»‪ 1‬وغيرها من ّ‬ ‫ّ‬ ‫املستقيمة اإلفريق ّية ّ‬ ‫الطراز‪.‬‬ ‫السيف العثماني املق ّوس‪ ،‬خالل القرن‬ ‫لم يكن ّ‬ ‫السيوف الفارس ّية‬ ‫السادس عشر‪ ،‬يختلف كثيرا عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيف الذي عرف‬ ‫واململوك ّية‪ .‬فقد كان «القليج» ّ‬ ‫السابع عشر‪ ،‬حيث‬ ‫به العثمان ّيون إلى غاية القرن ّ‬ ‫سمي «بالة»‪.2‬‬ ‫ظهر شكل جديد ّ‬ ‫للسيف العثماني‪ّ ،‬‬ ‫وميكن اعتبار البالة شكال من أشكال تط ّور القليج‬ ‫السيف اجلديد يختلف عنه في‬ ‫العثماني لكن هذا ّ‬ ‫مستوى النّصل‪.‬‬

‫السيف‬ ‫الط ّباعني قد وجدوا تقنية أجنع لتخفيف وزن ّ‬ ‫دون ال ّلجوء إلى عمل هذه ّ‬ ‫الطرائق أو القنوات‪ ،‬أو ّربا‬ ‫ح ّلت تقنيات ال ّزخرفة اخملتلفة مسألة الوزن‪.‬‬ ‫شكل نصل البالة ومختلف التّقنيات املط ّبقة‬ ‫في صناعته‪ ،‬جعلت منه سيفا مم ّيزا وقويا‪ ،‬وهو قادر‬ ‫على تأدية وظيفتي ّ‬ ‫الطعن والقطع بشكل ناجع‬ ‫ودقيق جدا‪ .‬وهو بذلك قادر على إحلاق إصابات بليغة‬ ‫وقاتلة للعد ّو ‪.7‬‬ ‫فيرجح بعض الباحثني‬ ‫أما عن مقبض البالة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ ّن النّماذج القدمية للبالة‪ ،‬والتي تعود إلى القرن‬ ‫السابع عشر وحتى بداية القرن ال ّثامن عشر‪ ،‬كانت‬ ‫ّ‬ ‫لها مقابض على شكل «كرابال»‪ ، 8‬كتلك التي كانت‬ ‫للشمشير الفارسي وللقليج العثماني‪ .‬ويبدو‬ ‫أنّها كانت تصنع من العظم أو من قرن احليوان‪.‬‬

‫‪ - 2‬نصل ّ‬ ‫السيف ومقبضه‪:‬‬

‫يزيد نصل البالة عن نصل القليج تقويسا خفيفا‪،‬‬ ‫ويحمل غورا ظاهرا يزداد بعده عرض النصل قبيل‬ ‫حدين الفتني في جزئه األخير‪،‬‬ ‫الطرف ويتح ّول إلى ّ‬ ‫ومي ّثل تقريبا ثلث النّصل‪ .‬ونصل البالة أقصر من نصل‬ ‫القليج قليال وأثقل منه‪ ، 3‬لذلك كانت نصال البالة‬ ‫السابع عشر حتمل شطوبا‪ . 4‬تهدف هذه‬ ‫خالل القرن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشطوب أو القنوات في نصل السيف إلى تقليل‬

‫‪ - 1‬راجع املرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪2 - Plusieurs, Askeri müze, Askeri müze ve kültür sitesi komutanlıgı, İstanbul, 1993, p. 34.‬‬ ‫‪3 - Jacob (Alain), Les armes blanches du monde islamique, Jacques Crancher éditeur, Paris .p. 100.‬‬ ‫‪ - 4‬الشطوب جمع شطب (‪« :) Gouttière‬شطوب السيف وشطبه بضم الشني والطاء وشطبه‪ :‬طرائقه التي في متنه‪ ،‬واحدته شطبة‬ ‫(بضم الشني) وشطبة (بكسر الشني)‪ .‬وسيف مشطب ومشطوب‪ :‬فيه شطب‪ .‬وثوب مشطب‪ :‬فيه طرائق»‪ .‬أبو الفضل جمال الدين محمد بن‬ ‫مكرم ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،1997 ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪« .434-435‬واملشطب من السيوف الذي فيه طرائق كاجلداول معمولة فرمبا كانت‬ ‫مرتفعة ورمبا كانت منحدرة‪ .‬و هذا االنحدار الذي ذكر ال يكون إال إذا كان اجلدول واحدا‪ ،‬أما إذا كانت اجلداول أكثر من واحد فاملرتفع هو بني كل جدولني‬ ‫بالضرورة»‪ .‬البيروني أبو الريحان محمد بن أحمد‪ ،‬اجلماهر في معرفة اجلواهر‪ ،‬بيروت‪ ،‬عالم الكتاب‪ ،1984 ،‬ص ‪.253‬‬ ‫‪ - 5‬األسلحة االسالمية‪ :‬السيوف والدروع‪ ،‬نشر مركز امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪ 1411 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫‪Plusieurs, Askeri müze, op.cit., P34.‬‬ ‫‪ - 6‬األسلحة اإلسالمية‪ ،..‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫‪7 - Jacob (Alain (, Les armes blanches .., op.cit., p. 100.‬‬ ‫‪ - 8‬تكون فيه قبيعة املقبض على شكل رأس حيوان جارح مع منقار ظاهر‪ ،‬أو تكون على هيئة مدورة تنحني إلى اجلنب مكونة مع النصل زاوية‬ ‫ّ‬ ‫كرابل قد تكون مشتقة من اسم مدينة كرابال قرب إزمير‪ ،‬أو‬ ‫قائمة‪ ،‬أما الواقية فتكون ومتعامدة مع النصل وتنتهي على شكل كروي‪ .‬تسمية‬ ‫مدينة كربال العراقية ‪:‬‬ ‫‪Lebedynsky (Laroslav), Les armes orientales, Editions du portail, S.D p. 60.‬‬ ‫وقد تكون للتسمية صلة بحيثيات أخرى حفت بظهور هذا املقبض وصناعته‪.‬‬ ‫‪23‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫مدعما مبقابض مختلفة‬ ‫في هذه األقاليم اخملتلفة‬ ‫ّ‬ ‫الطرز‪ ،‬والتي تستجيب لذوق هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشعوب وثقافاتها‬ ‫اخملتلفة‪. 4‬‬ ‫استعمل البالة في اإل ّيالة التونس ّية من طرف‬ ‫ّالسواء‪ ،‬خالل القرن‬ ‫فرق املشاة واخل ّيالة على حد ّ‬ ‫السابع عشر‪ . 5‬ويبدو أنّه كان سالحا يضرب به اجليش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويدل هذا‬ ‫ويسوس به احلاكم خالل نهاية هذا القرن‪.‬‬ ‫السيف‬ ‫البالة الذي بني أيدينا على أ ّن استعمال هذا ّ‬ ‫قد تواصل خالل القرن ال ّثامن عشر‪.‬‬ ‫وميكن أن يكون البالة سيفا من النّوع الفاخر‬ ‫السيف‬ ‫ّ‬ ‫واملذهب‪ .‬ويحيلنا هذا على حت ّول وظيفة ّ‬ ‫تدريجيا من سالح أساسي في احلروب إلى حلي يز ّين‬ ‫األزياء ال ّرسمية‪ّ ،‬‬ ‫الدولة من‬ ‫للطبقة احلاكمة ورجال ّ‬ ‫األعيان واحلاشية‪ ،‬وعلى حت ّوله إلى وسيلة الستعراض‬ ‫السلطة والنّفوذ‪. 6‬‬ ‫ّ‬ ‫تفيدنا وثائق األرشيف الوطني‪ ،‬من خالل إحصاء‬ ‫لألسلحة املو ّزعة على ال ّثكنات وفرق اجليش حول‬ ‫السيف خالل القرن ال ّثامن عشر‪،‬‬ ‫استعمال هذا ّ‬ ‫جند في حصر لألسلحة التي كانت للواء ال ّثالث‬ ‫سنة ‪ ،1856‬عدد من الباالت‪ .7‬وفي حصر لألسلحة‬ ‫السيوف‬ ‫املوجودة بخزنة باردو سنة ‪ّ 1843‬‬ ‫قدر عدد ّ‬ ‫من نوع البالة بـ ‪ 272‬قطعة‪. 8‬‬ ‫من جهة أخرى ليس لدينا معطيات دقيقة تفيد‬

‫في حني كانت الواقية على شكل أذرع طويلة‬ ‫أما مناذج القرن ال ّثامن‬ ‫تنتهي على شكل كروي‪ّ .1‬‬ ‫عشر والقرن التّاسع عشر فتعتبر النّماذج األكمل‬ ‫للبالة العثمان ّية‪ ،‬حيث جتمع بني النّصل املق ّوس‬ ‫املسدس كما هو ّ‬ ‫الشأن في‬ ‫اخلاص بالبالة ومقبض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النّموذج الذي ندرسه‪ ،‬والذي يعود إلى أواخر القرن‬ ‫ال ّثامن عشر‪.‬‬ ‫يعتبر البالة سيفا للمشاة االنكشاريني بامتياز‪،‬‬ ‫لكنّه كان مستعمال أيضا من طرف مختلف فرق‬ ‫اجليش العثماني‪ ،‬تقريبا‪ ،‬الب ّري والبحري‪ . 2‬ولهذا‬ ‫فإ ّن غمده أيضا له خصوصية التأقلم مع وضع ّية‬ ‫حامله‪ ،‬إذ عادة ما تكون له ثالث حلقات للتّعليق‬ ‫تث ّبت اثنتان منها حتت شقّ الغمد في النّصف‬ ‫العلوي منه بطريقة متناظرة‪ ،‬وتث ّبت ال ّثالثة في‬ ‫وسطه‪ .‬هذه ّ‬ ‫الطريقة في توزيع احللقات على فضاء‬ ‫السيف بطريقة‬ ‫الغمد تساعد على وضع حمالة ّ‬ ‫تالئم اخل ّيالة واملشاة في نفس الوقت‪ . 3‬وهذا ّ‬ ‫يؤكد‬ ‫السيف وفاعليته في املعارك‬ ‫على جناعة هذا‬ ‫ّ‬ ‫واحلروب‪ ،‬التي خاضها اجليش العثماني خالل الفترة‬ ‫احلديثة‪ .‬ولكن استعمال البالة لم يقتصر على‬ ‫اجليش العثماني فقط‪ ،‬فقد عرف شهرة وانتشارا‬ ‫كبيرين في أقاليم اإلمبراطورية خالل القرن ال ّثامن‬ ‫عشر والنّصف األ ّول من القرن التّاسع عشر‪ .‬وجنده‬

‫‪1 - Plusieurs, Askeri müze, op.cit., p. 34.‬‬ ‫‪2 - Pignon (J.), « La Milice des janissaires de Tunis au temps des Deys (1590-1650) », In les Cahiers de Tunisie, 1956, p. 319.‬‬ ‫‪3 - Jacob) Alain (, Les armes blanches.., op. cit., p. 100.‬‬ ‫‪4 - Lebedynsky (Laroslav), Les armes orientales.., op.cit, p. 65.‬‬ ‫‪5 - Pignon (J.) « La milice des janissaires de Tunis, op. cit., p. 319.‬‬ ‫‪ - 6‬شهد السيف‪ ،‬وكل األسلحة البيضاء اخلفيفة تقريبا‪ ،‬هذا التحول بعد انتشار وسيطرة األسلحة النارية على املعارك وعلى تسليح‬ ‫اجليوش‪ ،‬منذ القرن السادس عشر‪.‬‬ ‫‪ - 7‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬دفتر عدد ‪3139‬‬ ‫‪ - 8‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬س‪ .‬ت‪ ،.‬صندوق عدد ‪ ،172‬ملف عدد ‪ ،910‬وثيقة عدد ‪.7‬‬ ‫‪24‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫‪ -1‬مقبض من اخلشب وواقية من احلديد املطلي‪:‬‬

‫أ ّن البالة كان ال يزال يصنع في اإل ّيالة خالل نفس‬ ‫الفترة‪ ،‬فلئن أفادنا هذا النّموذج بتاريخ صنعه فإن‬ ‫مكان الصنع ّ‬ ‫ظل غير معلوم‪ .‬لكن بعض املعطيات‬ ‫األخرى‪ ،‬التي يفيدنا بها‪ ،‬جتعلنا نرجح أنه لم يصنع‬ ‫في تونس‪ .‬ونعني بذلك أحد النّقائش التي زانت‬ ‫النّصل‪ .‬كتبت هذه النّقيشة بال ّلغة الفارس ّية‬ ‫الصنع وهذا ّ‬ ‫يدل على‬ ‫ويحمل نفس‬ ‫النص تاريخ ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيف قد صنع في بالد الفرس‪ .‬ولكن هذا‬ ‫أ ّن هذا ّ‬ ‫ال ينفي أ ّن البالة كان يصنع أيضا في تونس خالل‬ ‫ّ‬ ‫األقل قبل حتديث اجليش‬ ‫الفترة احلديثة وذلك على‬ ‫وأزمة احلرف خالل النّصف ال ّثاني من القرن التّاسع‬ ‫عشر‪.‬‬

‫‪ -III‬صناعة البالة وزخرفته‪:‬‬

‫تصنع األسلحة اخلفيفة النّارية والبيضاء في‬ ‫اإل ّيالة التونس ّية من طرف حرفة «الساليحية»‪.‬‬ ‫وتنتصب هذه احلرف في ورشات ودكاكني داخل أسواق‬ ‫مدينة تونس (الزنايدية والسرايرية واجلعايبية) أو‬ ‫خارجها (سوق السالح)‪ ،‬وفي غيرها من مدن اإل ّيالة‬ ‫كالقيروان وبنزرت وغيرها‪. 1‬‬ ‫عامة‪ ،‬بعدد من‬ ‫السيف‪ ،‬بصفة‬ ‫ّ‬ ‫ومت ّر صناعة ّ‬ ‫تتم خاللها صناعة كل قسم منه على‬ ‫املراحل‪ّ ،‬‬ ‫حده وهي املقبض والواقية والنّصل والغمد‪ .‬ثم يقع‬ ‫السيف وحدة متكاملة‪ .‬تصنع‬ ‫جتميعها ليصبح ّ‬ ‫هذه األجزاء من معادن ومواد مختلفة‪ .‬ولتطويع‬ ‫مختلف هذه املعادن واملوا ّد‪ ،‬يستعمل احلرفيون عددا‬ ‫من األدوات ويط ّبقون جملة من التّقنيات لصنع‬ ‫السيف اخملتلفة وزخرفته‪.‬‬ ‫أقسام ّ‬

‫املقبض هو القسم الذي ميسك من خالله‬ ‫مهما بنفس درجة‬ ‫السيف‬ ‫السيف‪ .‬هذا اجلزء من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهمية النّصل منه‪ ،‬فاملقبض هو الذي يعتمد عليه‬ ‫ّ‬ ‫السقوط أثناء‬ ‫السيف من ّ‬ ‫لإلمساك بالنّصل وملنع ّ‬ ‫الصدام‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تستعمل في صناعة املقابض موا ّد عديدة‬ ‫وخاصة اخلشب‪،‬‬ ‫ومختلفة منها موا ّد نبات ّية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومنها موا ّد حيوان ّية‪ ،‬كالعظم وقرن احليوان والعاج‪.‬‬ ‫وتستعمل في صناعته أيضا املعادن ال ّثمينة‬ ‫ّ‬ ‫والفضة واجلاد‪ .‬لكن‬ ‫كالذهب‬ ‫واألحجار الكرمية‬ ‫ّ‬ ‫السابع عشر‬ ‫املقابض األكثر شيوعا خالل القرنني ّ‬ ‫وال ّثامن عشر هي تلك التي تصنع من العاج أو‬ ‫الفضة‪ . 2‬وقد صنع مقبض‬ ‫العظم أو من اخلشب مع‬ ‫ّ‬ ‫هذا البالة من اخلشب املطلي واتّخذ شكل مقبض‬

‫‪ - 1‬حمودي (حنان)‪ ،‬األسلحة اخلفيفة ‪...‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.34-35‬‬

‫‪2 - Plusieurs, Epées et armes .., op.cit, p. 140.‬‬ ‫‪25‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫املسدس‪ّ ،‬‬ ‫الشكل األكثر شيوعا خالل القرنني ال ّثامن‬ ‫ّ‬ ‫عشر والتّاسع عشر ‪.1‬‬ ‫أما اجلزء الذي يصل املقبض بالنّصل فهو الواقية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السيف حيث‬ ‫وهي تعتبر جزءا أساسيا من أجزاء ّ‬ ‫تث ّبت الواقية يد احملارب على املقبض وفي نفس‬ ‫الوقت تقيها الضربات‪ .‬وقد اتّخذت واقية هذا البالة‬ ‫شكل جنمة رباعية األضلع‪ ،‬ينتهي طرفاها األفقيان‬ ‫على هيئة الد ّبوس‪ .‬صنعت من احلديد املطلي ومتّ‬ ‫حتليتها بزخارف نباتية مذهبة‪ .‬ويبدو أ ّن واقية هذا‬ ‫السيف قد حافظت على نفس ّ‬ ‫الشكل الذي عرفته‬ ‫ّ‬ ‫السابع عشر‪. 2‬‬ ‫واقية البالة خالل القرن ّ‬

‫فتى ّإل علي ال سيف إال ذو الفقار» وعلى الوجه‬ ‫تضمنت تاريخ صنعه‪:‬‬ ‫اآلخر عبارة أخرى بالفارس ّية‬ ‫ّ‬ ‫« برجان خارجي منـﭽ ﭼون خون حسني اسد مى‬ ‫طلبم يا علي مدد سنة‪.»1191‬‬ ‫جند على النّصل أيضا اسم احلرفي أو الط ّباع‪،‬‬ ‫الذي قام بصنعه‪ ،‬من خالل ختمه املكتوب فيه عبارة‬ ‫السيوف‬ ‫«عمل موسى»‪ .‬وهي عبارة جندها في أغلب ّ‬ ‫املصنوعة في أقاليم مختلفة من العالم اإلسالمي‪،‬‬ ‫كاألسلحة العثمان ّية واإليران ّية واملصر ّية وغيرها‪.‬‬ ‫الصياغة كانت معتمدة أيضا لدى صانعي‬ ‫نفس ّ‬ ‫األسلحة في تونس خالل الفترة احلديثة‪.‬‬

‫ّ‬ ‫املغطى باجللد‪:‬‬ ‫‪ – 3‬غمد من اخلشب‬

‫‪ - 2‬نصل من الفوالذ مزخرف بنقائش مذهبة‬ ‫وأشكال نباتية محفورة‪:‬‬

‫الغمد هو مكان حفظ النّصل في وقت عدم‬ ‫استعماله‪ .‬وهو يساوي في طوله طول النّصل تقريبا‬ ‫أو قد يفوقه بقليل‪ ،‬ويتّخذ الغمد كذلك شكل‬ ‫السابع عشر‬ ‫النّصل‪ .‬وقد كان للبالة خالل القرن ّ‬ ‫نفس األغماد املستعملة للشمشير والقليج‪.3‬‬ ‫السيوف موا ّد‬ ‫يستعمل في صناعة أغماد‬ ‫ّ‬ ‫مختلفة‪ ،‬كاملعدن واخلشب واجللد‪ ،‬وقد صنع غمد‬ ‫هذا البالة من اخلشب‪ .‬مت تغطية اخلشب باجللد‬ ‫األسود‪ ،‬وهي تقنية ّ‬ ‫متكن من حماية اخلشب من‬ ‫ال ّرطوبة والهواء‪ ،4‬وقد متّت حتلية اجللد بزخارف نباتية‬

‫السيف‪ ،‬أل ّن على هذا‬ ‫أهم قسم في ّ‬ ‫مي ّثل النّصل ّ‬ ‫واملتمثلة في‬ ‫السيف ألداء وظيفته‪،‬‬ ‫القسم يعتمد ّ‬ ‫ّ‬ ‫السبب يصنع النّصل من املعدن‪ ،‬وقد‬ ‫القطع‪ .‬لهذا ّ‬ ‫صنع نصل هذا البالة من الفوالذ‪ .‬وهو املعدن األكثر‬ ‫الصناعة في مختلف األقطار‬ ‫استعماال في هذه ّ‬ ‫اإلسالم ّية‪ ،‬تقريبا‪.‬‬ ‫زخرف هذا النّصل بزخارف نبات ّية محفورة حفرا‬ ‫ومذهبة‪ .‬كما يحمل على وجهيه نقيشتني‬ ‫بارزا‬ ‫ّ‬ ‫كتبتا مباء ّ‬ ‫الذهب‪ ،‬وقد كتبت في إحداها عبارة‪« :‬ال‬

‫‪26‬‬

‫‪1 - Jacob) Alain (, Les armes blanches .., op.cit., p. 100.‬‬ ‫‪2 - Plusieurs, Askeri müze, op.cit., p. 34.‬‬ ‫‪3 - Lebedynsky )Laroslav(, Les armes.., op., cit, p. 65.‬‬ ‫‪4 - Eralp (Nejet), Tarih Boyunca.., op, .cit, p. 61.‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫مذهبة‪ ،‬مشابهة لتلك التي زخرفت بها الواقية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أما فوهة الغمد فقد غ ّلفت باملعدن‪ ،‬وذلك أل ّن‬ ‫ّ‬

‫على وجهي النّصل زخارف نقائش ّية كتبت مباء‬ ‫ّ‬ ‫السيوف من نوع‬ ‫الذهب‪ .‬وهو أمر لم يكن شائعا في ّ‬

‫الضرر عن‬ ‫استعمال املعدن في هذا املوقع مينع ّ‬

‫السابع عشر‪،‬‬ ‫البالة‪ ،‬إذ كانت زخارفها‪ ،‬ومنذ القرن ّ‬

‫في القسم العلوي من الغمد أيضا طوقا معدنيا‬

‫السيوف العثمان ّية‬ ‫بسيطة مقارنة مع زخرفة ّ‬ ‫الكالسيك ّية‪ .5‬وهذا ّ‬ ‫السيف كان‬ ‫يدل على أ ّن هذا ّ‬

‫النّصل عند إخراجه أو إدخاله في غمده‪ . 1‬جند‬ ‫شدت إليه حلقتان‪ ،‬صنعتا من احلديد وطليتا‬ ‫آخر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالذهب‪ .‬وظيفة هاتني احللقتني هي التّعليق‪ ،‬إذ‬

‫السلطة‪.‬‬ ‫على ملك أحد األعيان أو أصحاب ّ‬

‫إما‬ ‫أما األشكال النقائش ّية‪ ،‬فهي تكتب‪ ،‬غالبا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتتضمن هذه الكتابات‬ ‫باخلط الكوفي أو الثلثي‪،‬‬ ‫ّ‬

‫يشد إليهما حزام التّعليق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والطريقة‪ ،‬التي ّ‬ ‫تعتبر هذه املوا ّد ّ‬ ‫وظفت بها في‬

‫تتضمن‬ ‫آيات قرآن ّية أو أحاديث نبوية‪ . 6‬لكنّها قد‬ ‫ّ‬

‫صناعة الغمد‪ ،‬األكثر انتشارا في الفترة العثمانية‬

‫كتابات أخرى ذات دالالت ثقاف ّية مختلفة‪ ،‬ترتبط‬

‫وقد تأثرت اإل ّياالت التّابعة لإلمبراطور ّية بهذا‬ ‫ّ‬ ‫الطراز‪ ،‬ومنها اإل ّيالة التونس ّية‪ . 2‬لكن األغماد في‬

‫في جانب منها برغبة التّخليد أو اإلشهار‪ ،‬من‬ ‫السيف‪.‬‬ ‫خالل حفر اسم ّ‬ ‫الصانع أو اسم مالك ّ‬

‫تونس كانت تصنع أيضا من معادن مختلفة‪ ،‬ومن‬

‫وقد ترتبط أيضا بالتط ّير أو بالتب ّرك‪ ،‬من خالل ذكر‬

‫والنّحاس والذكير‪ .‬وتصنع أيضا من اجللد فقط‪،‬‬ ‫السيوف اإلفريق ّية‪ ، 3‬وقد تتح ّلى بأنواع‬ ‫مثل أغماد ّ‬

‫الذي ندرسه‪.‬‬

‫اإلمام علي وابنه احلسني‪ ،‬كما هو احلال في املثال‬

‫هذه املعادن تذكر لنا وثائقنا األرشيف ّية احلديد‬

‫تتضمن هذه الكتابات أيضا دالالت ورموزا‬ ‫ّ‬ ‫كثيرة أخرى‪ ،‬تعكس بعض التص ّورات الثقافية‬ ‫ّ‬ ‫السيف‪ ،‬وتعكس‬ ‫للشعوب‪ ،‬التي ينتمي إليها ّ‬

‫من املعادن النّفيسة‪ ، 4‬وهي تزيد‪ ،‬مع مختلف‬

‫والسيف جماال وفخامة‪.‬‬ ‫ال ّزخارف األخرى‪ ،‬الغمد‬ ‫ّ‬

‫فالسيف‬ ‫السيف في هذه الثقافات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كذلك مكانة ّ‬

‫تز ّين هذا البالة زخارف مختلفة وهي أشكال لم‬

‫هو أداة حرب وقتال ولكنّه أداة لل ّزينة واالستعراض‬

‫تخرج عن املعجم ال ّزخرفي اإلسالمي‪ ،‬وتتك ّون من‬

‫السيف كذلك في بعض‬ ‫أيضا‪ ،‬ويستعمل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والطقوس اجلماع ّية‪ .‬وقد أكسبت هذه‬ ‫املراسم‬

‫وحدات نبات ّية ونقائش ّية باألساس‪ .‬جند األشكال‬ ‫املذهبة على أطراف الغمد والواقية‪،‬‬ ‫النباتية‬ ‫ّ‬

‫خاصة‪.‬‬ ‫السيف رمز ّية‬ ‫ّ‬ ‫االستعماالت والعادات ّ‬

‫وجندها محفورة في اجلزء األعلى من النّصل‪ .‬وجند‬

‫‪ - 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪..61‬‬ ‫‪ - 2‬األسلحة االسالمية‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪. 28‬‬ ‫‪ - 3‬انظر‪ ،‬حمودي (حنان)‪ ،‬األسلحة اخلفيفة‪ ،...‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ‪.46 - 45‬‬ ‫‪ - 4‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬دفتر عدد ‪ / 2975‬نفس املصدر‪ ،‬س‪ .‬ت‪ ،‬ص ‪ ،712‬م ‪ ،910‬و ‪.52‬‬ ‫‪.Plusieurs, Askeri müze, op.cit., p. 34 - 5‬‬ ‫‪.Idem, p. 33 - 6‬‬ ‫‪27‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫السيوف املشهورة‪ ،‬والتي احتفظت بها ّ‬ ‫بعض ّ‬ ‫الذاكرة في ال ّتاريخ اإلسالمي منحت أصحابها شهرة‬ ‫وصيتا واسعا‪ ،‬ومنها ما أثار حفيظة بعض اخللفاء والسالطني‪ .‬وذلك أ ّن مثل هذه ّ‬ ‫الشهرة قد متنح لصاحب‬ ‫ّ‬ ‫السيف سلطة مادية ومعنوية لدى الرعية وتكسبه «كاريزما» وقدرات استثنائية جتلب إليه األنظار‪ .‬ومن‬ ‫هذه األمثلة نذكر ّ‬ ‫السيف املسمّ ى «الصمصامة»‪ ،‬لصاحبه عمرو بن معد يكرب الزبيدي والذي بلغت شهرته‬ ‫مبلغا جعل من اخلليفة عمر يرسل في طلب هذا ّ‬ ‫السيف لنفسه‪ ،‬فأرسله له‪ .‬ولكن اخلليفة لم يعجب‬ ‫بالسيف‪ ،‬وعندما بلغ عمرو بن معد ذلك قال‪« :‬إمنا بعثت إلى أمير املؤمنني بالسيف ولم أبعث إليه بالساعد‬ ‫الذي يضرب به»‪. 1‬‬ ‫السيوف أيضا البالة الذي التصق مبراد ّ‬ ‫ومن هذه ّ‬ ‫الثالث وأمسى كنية له ورمزا لسلطته وحكمه ال ّدموي‪.‬‬ ‫تبعا لذلك استق ّر في ّ‬ ‫الذاكرة ال ّتاريخيّة الرّسميّة للبالد خالل العصور احلديثة واملعاصرة مشهد ّ‬ ‫السلطة‬ ‫املستب ّدة احملتكرة للعنف‪.‬‬ ‫تكمن أهمّ ية دراسة مثل هذه ال ّتحفة إذن‪ ،‬وغيرها من القطع األثرية‪ ،‬أوّال‪ ،‬في أهمّ يتها من ال ّناحية األثرية‬ ‫والتراثية‪ ،‬وثانيا‪ ،‬في الوعي بأهمّ ية تسليط الضوء على مثل هذه ّ‬ ‫الصناعات أو احلرف في ال ّدراسات ال ّتاريخيّة‬ ‫ونخص ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالذكر هنا حرفة صناعة األسلحة اخلفيفة البيضاء‬ ‫واألكادمييّة‪ ،‬التي تعنى بدراسة الهياكل احلرفية‪.‬‬ ‫منها وال ّنارية في العصر احلديث‪ ،‬وذلك وفق منهجيّة تعتمد تسليط الضوء على القطع األثرية انطالقا من‬ ‫دراسة تقنية وف ّنية للقطعة مع استغالل ما ّ‬ ‫توفره املصادر اإلخباريّة واألرشيفيّة‪.‬‬ ‫حوّلت مختلف املهارات واملعارف وال ّتقنيات‪ ،‬التي طبّقها هؤالء احلرفيون في هذه الصنائع القطع التي‬ ‫ّ‬ ‫واملتمثلة في أسلحة‪ ،‬مختلفة األنواع واألشكال‪ ،‬إلى أدوات ناجعة في القتال ومسايرة ألهمّ‬ ‫أنتجتها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املتوسطي‪ .‬فاستجابت هذه القطع‬ ‫ال ّتقنيات املعمول بها في مجال احلرب وصناعة األسلحة في اجملال‬ ‫للوظيفة األساسيّة التي صنعت من أجلها‪ ،‬وهي وظيفة عسكريّة جتعل من ّ‬ ‫السالح األداة األساسيّة للحرب‬ ‫والقتل واحتكار ّ‬ ‫السلطة وال ّنفوذ في آن‪.‬‬ ‫هذه األدوات نفسها استجابت ألغراض أخرى كانت سائدة في نفس الفترة‪ ،‬والتي حوّلت بعض األسلحة‬ ‫عن وظيفتها األساسيّة‪ ،‬إلى أدوات لل ّتسلية وال ّزينة‪ . 2‬وقد استجابت بعض القطع التي وصلت إلينا إلى‬ ‫أمناط من ال ّزخرفة وال ّزينة‪ ،‬عكست بدورها ّ‬ ‫الذوق ّ‬ ‫السائد في تلك الفترة‪ ،‬ومدى استجابة ال ّتقنيات املتاحة‬ ‫لنحتها وجتسيدها على األسلحة‪ ،‬ليتحوّل بعضها إلى حتف ف ّنية جميلة ونادرة‪ ،‬وليصبح ّ‬ ‫السالح شاهدا‬ ‫عليها ومحمال من محاملها‪.‬‬ ‫الصناعات العادية في تاريخ ّ‬ ‫السيف من ّ‬ ‫ّ‬ ‫من جهة أخرى لم يكن ّ‬ ‫فالسيف ارتبط إلى جانب احلرب‬ ‫الشعوب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وبالسلطة واجلاه وغيرها من ال ّدالالت التي يختزلها وتختزلها حوله ّ‬ ‫والتمثالت ّ‬ ‫ّ‬ ‫والذهنيات‬ ‫الثقافات‬ ‫بالعقيدة‬ ‫ّ‬ ‫السيف وسيف ّ‬ ‫ولعل كل هذه ال ّدالالت واملعاني ميكن اختصارها في ثنائيّة «سلطة ّ‬ ‫السلطة»‪.‬‬ ‫عبر التاريخ‪.‬‬ ‫‪ - 1‬مفلح البكر محمود‪« ،‬الصمصامة أشهر سيوف العرب أين ذهب» مجلة التراث العربي‪ ،‬عدد ‪ ،64‬جويلية‪ ،1992 ،‬ص ‪.116‬‬ ‫‪ - 2‬الصيد أو كإكسسوار مصاحب للباس الرجل أو كتحف للزينة‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫العائالت العسكرية مبدينة املهدية‬ ‫خالل القرن التاسع عشر‬

‫الباحث عاطف سالم ‬

‫جامعة سوسة‬

‫‪Résumé:‬‬

‫‪Sous le règne de la dynastie husseinite, «la famille militaire» dite «famille du‬‬ ‫‪makhzen» occupait un rang primordial et déterminant dans la société. Dans‬‬ ‫»‪l’histoire de Mahdia ces groupes appelés communément «famille militaire‬‬ ‫‪accaparaient et dominaient le pouvoir central .Dans cet article, nous essayons‬‬ ‫‪d’analyser l’exemple de la famille «EL SFAR».‬‬

‫يندرج بحثنا هذا ضمن التاريخ االجتماعي واحمللي ملدينة املهدية خالل القرن التاسع عشر خالفا‬ ‫لسائر البحوث والرسائل اجلامعية التي اهتمت بدراسة هذه اجلهة منذ العصور الوسيطة باعتبارها‬ ‫منطقة ضاربة بقدمها في التاريخ و لها خصائص ميزتها عن بقية املدن الساحلية‪ ،‬وفي حني ركز‬ ‫البعض على حتليل الواقع السياسي والعسكري والتحوالت التي شهدتها مدينة املهدية خالل الفترة‬ ‫الفاطمية‪ ، 1‬فإننا ارتأينا التركيز على التحوالت االجتماعية داخل اجملتمع خالل الفترة احلديثة وبداية‬ ‫الفترة املعاصرة‪ .‬إن موضوعنا يتناول بالبحث تاريخ العائالت العسكرية ودورها في تسيير شؤون اجلهة‬ ‫وذلك باالعتماد على بيوغرافيات ومنوغرافيات فردية‪ ،‬والغاية ليست دراسة هذه الفئة في حد ذاتها‬ ‫بل دراستها باعتبارها خلية اجتماعية نافذة وبصورة أدق دراسة حراك اجملتمع العثماني من خالل فئة‬ ‫العسكر احلنفي التركي كما بينا ذلك في رسالتنا‪. 2‬إلجناز هذا البحث اعتمدنا على جملة من املراجع‬ ‫واملصادر املتنوعة باملكتبة الوطنية والدفاتر والوثائق املوجودة مبؤسسة األرشيف الوطني وكان اعتمادنا‬ ‫خاصة على السلسة التاريخية التي تتضمن أهم تقارير و مراسالت عمال الساحل للسلطة املركزية‬ ‫وعلى الدفاتر اجلبائية التي تخص عسكر احلنفية إضافة إلى ما اكتشفناه من وثائق محلية داخل‬ ‫أرشيف جمعية «الناشئة األدبية» والتي تعود لسنوات القرن السابع عشر وأخيرا أفدنا من وثائق وروايات‬ ‫شفوية متعددة لدى العائالت الكبرى مبدينة املهدية‪ .‬إن املتتبع ملسار مشروع بناء الدولة احلديثة يالحظ‬ ‫أن بايليك اإليالة التونسية ال يستند فقط إلى مبادئ القوة والردع والعنف في حتييز اجملال وإمنا أيضا كان‬ ‫يلجأ إلى سياسة املداهنة الستقطاب األتباع من ضمن الفاعلني احملليني في محاولة لتشريكهم في‬ ‫تصريف شؤون البالد وعلى هذا النحو كان رجال السلطة أداة حاسمة في تطوير اجملال االجتماعي وفي‬ ‫متكني قبضة الدولة على رعاياها كلما لزمت احلاجة‪ ،‬فتدعمت العائالت العسكرية بجهة الساحل في‬ ‫‪1 - Djelloul (N) et Khéchine (A), Mahdia : capitale des Fâtimides, éd. Contraste, Sousse, 2003.‬‬ ‫‪ - 2‬سالم (عاطف)‪ ،‬العائالت اخملزنية مبدينة املهدية خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬مذكرة ماجستير حتت اشراف األستاذ جمال بن طاهر‪ ،‬كلية اآلداب‬ ‫والعلوم اإلنسانية بسوسة‪ 150 ،2014 ،‬ص‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫شبكة أعيان العائالت اخملزنية‪ 1‬وكان ملدينة املهدية النموذج البارز للمخزن العسكري الذي متكن من‬ ‫احتواء عدد كبير من عسكر احلنفية‪ 2‬لصلته بعائالت ورثت اخلدمة العسكرية عن اآلباء واألجداد من‬ ‫(الكراغلة)‪. 3‬‬ ‫فبم متيزت شريحة عسكر احلنفية عن باقي الفئات االجتماعية مبدينة املهدية؟ وفيما متثلت أبرز‬ ‫مسارات العائالت املكونة لها وكيف مت توزيعهم وانصهارهم داخل اجملتمع املهدوي وما موقع عائلة آل‬ ‫صفر ضمن بقية النخب احمللية األخرى ؟‪.‬‬

‫‪ ) 1‬مظاهر الهيمنة والنفوذ لعسكر احلنفية باملهدية‪:‬‬ ‫لقد اعتبر فضاء شبه جزيرة املهدية الساحلية‪ ،‬أحد أهم نقاط الصراع العثماني اإلسباني في احلوض‬ ‫الغربي من البحر األبيض املتوسط خالل النصف األول من القرن ‪16‬عشر حيث تعود األسباب األساسية‬ ‫لهذا الصراع إلى ما تيميز به موقع املدينة من أهمية استراتيجية وحصانة‪ ، 4‬وقد ساعد ذلك على انتصاب‬ ‫العناصر احلنفية داخل املدينة بعد سقوطها في يد درغوث باشا سنة (‪1549‬م) وقد تدعم وجود هذه العناصر‬ ‫بعد سيطرة العثمانيني على إفريقية سنة (‪1574‬م) و حتولها إلى والية عثمانية‪ ،‬واستطاعت الوفود القادمة‬ ‫التأقلم مع الوضع اجلديد مستفيدين من وظائفهم السياسية والعسكرية والدينية‪ 5‬محافظني رغم ذلك‬ ‫على متايزهم الناجت عن أصولهم العرقية و رصيدهم احلضاري منذ النصف األول من القرن ‪ 18‬عشر‪ .‬وكان‬ ‫استقرار أعداد هامة من العائالت احلنفية مبدينة املهدية داخل فضائها التقليدي ونذكر أبرزها (عائالت حمزة‬ ‫وصفر ورمضان وبوشناق وسنان وعصمان)‪ .‬ساهمت هذه العائالت في دعم احلضور احلنفي باملدينة والذي‬ ‫أدرك نسبة ‪ %40‬من السكان األصليني للمجتمع املهدوي في عدة مجاالت وسنحاول البحث فيها والتعمق‬ ‫محاولني معرفة حقيقة بعض العناصر اخلفية ورصد أهم العائالت العسكرية املنحدرة منها وحتديد دورها‬ ‫في تسيير شؤون مدينة املهدية في مستويات مختلفة ‪.‬‬ ‫ترتبط سيطرة «األتراك» على اجملال العسكري بسياق تاريخي طبع البالد التونسية آنذاك و قامت بتركيز‬ ‫عدد هام من املؤسسات العسكرية التي تعتمد أساسا على االنكشارية‪ ،‬هذه العوامل جعلت من الفئة‬ ‫احلنفية مبدينة املهدية مركز استقطاب سياسي و اقتصادي واجتماعي‪ 6‬حسب تعبير األستاذة دلندة األرقش‬ ‫وهي نتيجة طبيعية لتحكم هذه الفئة في مفاصل احلياة و النهوض بدور الوساطة بني السلطة املركزية‬ ‫‪ - 1‬جراد (مهدي (‪ ،‬عائالت اخملزن باإليالة التونسية خالل العهد احلسيني ‪ ،1881 - 1705‬منشورات كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية تونس ‪-‬‬ ‫واالرشيف الوطني التونسي‪ ،2011،‬ص ‪.42‬‬ ‫‪ - 2‬حمدي(سنية)‪«،‬األتراك العثمانيون باملهدية من وافدين عسكريني إلى أعيان محليني من منتصف القرن ‪ 18‬إلى النصف الثاني من القرن‬ ‫‪ ،»19‬اجمللة التاريخية العربية للدراسات العثمانية‪ ،‬العدد ‪ 45‬و‪ ،46‬ديسمبر ‪.2012‬‬ ‫‪ - 3‬تكونت فئة الكراغلة نتيجة زواج أفراد اجليش التركي بالنساء التونسيات وتعتبر مدينة املهدية من أكبر املدن التي تواجدت بها هذه الفئة‬ ‫خالل القرنني الثامن والتاسع عشر‪.‬‬ ‫‪4 - Cesáreo (Fernández Duro),HISTORIA DE LA ARMADA ESPAÑOLADESDE LA UNIÓN DE LOS REINOS DE CASTILLA Y DE‬‬ ‫‪ARAGÓN، TOMO 1, AÑO 1476 – 1559, MEHEDIA ,p 281, Instituo Historia y cultura naval espagne Madrid,1902, Site web.‬‬ ‫‪ - 5‬االمام (رشاد)‪ ،‬سياسة حمودة باشا في تونس ‪ ،1814 - 1782‬منشورات اجلامعة التونسية‪ ،1980 ،‬ص ‪.176‬‬ ‫‪ - 6‬األرقش (دلندة)‪« ،‬التطور الالمتكافئ والهيمنة اخلارجية‪ :‬الفئة احلنفية ومكانتها في املهدية واملنستير في القرن ‪ ،»19‬اجمللة التاريخية‬ ‫املغاربية‪ ،‬العدد ‪ ،45-46‬جوان‪ ،1987‬ص‪.10‬‬ ‫‪30‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫واجملتمع احلضري‪ ،‬وقد متيز هؤالء عن السكان األصليني بصفات خاصة في عاداتهم وممارساتهم ولغتهم‬ ‫التركية الدخيلة ومذهبهم احلنفي وطباعهم العنيفة والقاسية‪ ،‬هذه السيطرة وما صحبها من تغلغل‬ ‫وانصهار داخل اجملتمع احمللي لم تكن متماسكة إذ لم حتدث بنفس النسق في كامل البالد التونسية بل‬ ‫كانت متفاوتة في أشكالها وهو ما تسميه األستاذة دلندة بالتطور الالمتكافئ واخملتلف عن باقي األوساط‬ ‫احلضرية‪ . 1‬وال يسعنا في هذا اإلطار إال التشديد على املكانة التي كانت حتظى بها العناصر احلنفية ضمن‬ ‫اجلهاز اخملزني املركزي‪ :‬فمنذ بداية احلضور العثماني باإليالة التونسية تربع األتراك على أعلى مناصب الدولة‬ ‫وخاصة العسكرية والتي بقيت متوارثة لدى العائالت رغم ما عرفته الدولة احلسينية من حتوالت لتشريك‬ ‫الفئات احمللية وظلت جل املسؤوليات محتكرة من قبل العنصر احلنفي‪ ،‬ولقد بدا التفوق العسكري لهذه‬ ‫الفئة طبيعيا خاصة أن جل أفرادهم من العسكر في وقت احتلت فيه مؤسسة اجليش مكانة مهمة وكان‬ ‫لها حضور في أغلب احلواضر خاصة مبدينة املهدية ففيم متثل أهم الوحدات العسكرية؟‪..‬‬

‫أ) عسكر احلنفية مبدينة املهدية خالل القرن التاسع عشر‪:‬‬

‫ التعريف‪« :‬هو نوع آخر من تشكيالت اجليش التونسي غير النظامية تختلف كل االختالف عن الوحدات‬‫العسكرية النظامية احلاملة للسالح والتي تقيم بحاميات اجلند ‪ ،‬يعيش أفرادها وسط اجملتمع في املدن والقرى‬ ‫و يقومون باحلراسة و حفظ األمن وفق نظام خاص وهم في حكم اجلنود املسرحني ولكنهم يبقون حتت الطلب‬ ‫كلما ما دعت احلاجة للمشاركة » ‪،2‬أما أبناؤئهم فهم جنود بالوراثة عند بلوغ سن السابعة عشر ال يدخلون‬ ‫‪4‬‬ ‫ضمن نظام القرعة‪ 3‬وقد أطلقت هذه التسمية من قبل الصادق باي على من بقي من أبناء « اجلند التركي»‬ ‫متييزا لهم عن أفراد اجلند النظامي ‪ ،‬ذلك أن هذا الباي قام بجمع هؤالء من أبناء الترك بعد أن أغلق شقيقه‬ ‫محمد باي دار الباشا سنة (‪1857‬م) ‪ ، 5‬فقام بالعناية بهم وكان عددهم سنة (‪1870‬م) حسب إحصائيات‬ ‫ديوان احلنفية ‪ 5587‬جندي ‪ 6‬و أغلبهم يقيمون باملهدية خاصة وفي بعض احلواضر األخرى فجعلت لهم دفاتر‬ ‫خاصة لتسجيل العساكر والصبيان والعاجزين منهم ويدير أمورهم ضابط يسمى اآلغا ‪ /‬آغة احلنفية حتت‬ ‫نظر وزير احلرب و كانت لهم ميزانية خاصة و رواتب تقدر ب ‪ 30‬رياال للفرد وهم معفون من الضرائب كضريبة‬ ‫اجملبى كما مت إصدار قانون خاص ‪ 7‬لهم في سنة (‪1866‬م) يشمل ‪ 17‬فصال توضح ما يجب على أفراد عسكر‬ ‫‪ - 1‬األرقش (دلندة)‪«،‬التطور الالمتكافئ والهيمنة اخلارجية‪ :‬الفئة احلنفية‪ ،» ...‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫‪ - 2‬بن بلغيث) الشيباني)‪ ،‬اجليش التونسي في عهد محمد الصادق باي (‪ ،)1882-1859‬زغوان‪ ،‬تونس‪ :‬مؤسسة التميمي للبحث العلمي‬ ‫واملعلومات ‪ ،1995‬ص‪ ; 136‬انظر كذلك السميراني (محجوب)‪ ،‬اجليش التونسي (‪ ،)1881 - 1831‬منشورات سوتيميديا‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪ ،1‬فيفري ‪،2007‬‬ ‫ص‪.119‬‬ ‫‪ - 3‬حمدي(سنية)‪ ،‬األتراك العثمانيون بالساحل التونسي في العهد العثماني‪ ،‬أطروحة دكتورا‪ ،‬اشراف مبروك الباهي‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم‬ ‫اإلنسانية بصفاقس ‪ ،2019،‬ص ‪( .34‬غير منشورة)‪.‬‬ ‫‪4 - BARGAOUI (S), « Des Turcs aux Hanafiya-s : la construction d’une catégorie métisse dans la Régence de Tunis aux XVIIe‬‬ ‫‪et XVIIIème siècles», Annales, Histoire, Société Sciences Sociales, 2005, p. 209.‬‬ ‫‪ - 5‬رقية (مراد) ‪ »،‬وثائق ودفاتر ديوان عسكر احلنفية ودار الباشا‪ :‬مصادر الدميوغرافيا التاريخية « ‪ ،‬في اجمللة التاريخية املغاربية ‪ ،‬العدد ‪91-92‬‬ ‫‪ 6،‬ماي ‪ ،1998‬ص ‪. 407‬‬ ‫‪- 6‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬دفتر رقم ‪ ،3396‬بتاريخ ‪ 1870 – 1287‬م ‪ « ،‬إحصاء اجلنود احلنفيني بسائر أماكن البالد ثم باحلاضرة; انظر كذلك دفتر رقم ‪ ، 3412‬بتاريخ‬ ‫‪ 1874‬م ‪ ،‬اإلحصاء للجنود احلنفيني بسائر أنحاء البالد مع إحصائية الصبية وأعمارهم »‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫‪ - 7‬املكتبة الوطنية التونسية‪ ،‬مخطوط حتت رقم ‪ « ،3735‬ما يجب على كبراء عسكر احلنفية ‪ 1866‬م»‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫‪31‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫احلنفية عند السفر في احمللة‪ .‬أما بالنسبة للحامية املنصبة باملهدية فهي تعتبر من أهم احلاميات التي‬ ‫تستأثر بالعساكر احلنفية في البالد التونسية‪ ،‬ومن مهامهم حفظ األمن واستتبابه‪ 1‬إزاء املتمردين واخلارجني‬ ‫عن القانون وكذلك حماية املنشآت العسكرية ومقرات السيادة احمللية‪ ،‬وقد بلغ عددهم حسب سنة) ‪1879‬م)‬ ‫‪ 406‬عسكريا ‪ 2‬تاليها كل من حامية املنستير و سوسة و جمال و كان آغاتهم حسن بن حسني آغا‪ 3‬في أعلى‬ ‫هرم القيادة الذي يعتمد على قاعدة اليولضاشات‪ 4،‬و في ما يلي أهم « الديار العسكرية»‪:‬‬ ‫ديار فرق عسكر احلنفية مبدينة املهدية سنة‪ 1871‬م‬ ‫الدار‪ /‬الفرقة العسكرية‬ ‫دار القارمانلي‬ ‫دار قارة حمزة‬

‫‪5‬‬

‫املسؤول على الديار‬

‫عدد العسكر‬ ‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬

‫األوضباشي حسني بن محمد‬ ‫األوضباشي مصطفى بن محمد الهاللي‬

‫دار أحمد الطبيب‬

‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪25‬‬

‫األوضباشي علي بن حسني سنان‬

‫دار دالي بكر‬

‫‪26‬‬

‫األوضباشي محمد بن علي بن مصطفى صفر‬

‫دار دنقزلي‬

‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬

‫األوضباشي سالم بن احلاج علي علي صفر‬

‫دار جزايرلي‬ ‫دار العسلي‬ ‫دار طوفاتلي‬ ‫دار البرناز‬

‫دار دالي‬ ‫دار جولك‬ ‫دار عنترلي‬ ‫دار تارزي أحمد‬ ‫دار شاهني‬ ‫دار اسكندر‬

‫األوضباشي حسني بن محمد صفر‬ ‫األوضباشي محمد بن أحمد صالح‬ ‫األوضباشي علي بن مصطفى التومي‬ ‫األوضباشي محمد بن حسن بن رجب صفر‬

‫األوضباشي إسماعيل بن حسني التركي‬ ‫األوضباشي محمد بن محمود حبيب‬ ‫األوضباشي محمد بن محمد بن مصطفى جعفر صفر‬ ‫األوضباشي محمد بن محمد جعفر‬ ‫األوضباشي رجب بن رجب بن الفقيه سليمان‬ ‫األوضباشي محمد بن دالي محمد‬

‫إال أن هذا العسكر لم يجد االهتمام الكافي من قبل السلطة احلسينية في مرحلة أولى باملقارنة مع‬ ‫باقي الوحدات العسكرية في املرتب واملؤونة فكان وضعهم املادي سيئا‪ ، 6‬واالهتمام بهم ظرفيا ومجرد مناورة‬ ‫سياسية حتى في عملية انتدابهم لطاملا كانت تتم بصورة اعتباطية ونهاية اخلدمة تكون مرتبطة بالوضعية‬ ‫‪- 1‬أ‪.‬و‪.‬ت‪،‬ص ‪،169‬ملف‪ ،896 :‬وثيقة ‪.76‬‬ ‫‪ - 2‬بن بلغيث (الشيباني)‪،‬أضواء على التاريخ العسكري في تونس من ‪1837‬م الى ‪ 1917‬م‪ ،‬مكتبة عالء الدين صفاقس ‪ ،2003،‬ص ‪.91‬‬ ‫‪- 3‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬دفتر رقم ‪ ... 3396‬مصدر مذكور‪.‬‬ ‫‪ - 4‬أوضات أي الديار والتي تتكون من ‪ 25‬عسكر حنفي ويتولى قياداتها األضاوات أو األوضباشية والذين يخضعون بدورهم إلى البولكباشية‬ ‫الذين يقومون على تسيير والسهر على العسكر احلنفي وتقدمي املعلومات متواصلني مع آغاتهم محمد بن مصطفى قسدغلي‪.‬‬ ‫‪- 5‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬دفتر رقم ‪ ،3412‬املوافق ‪ 1291‬هجري ‪ 1874 /‬ميالدي‪ ،‬ص‪.12‬‬ ‫‪ - 6‬بن بلغيث (الشيباني)‪،‬اجليش التونسي في عهد محمد الصادق باي‪ ، ....‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ‪.138‬‬ ‫‪32‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫الصحية للجندي أما فيما يتعلق مبسألة التسجيل بدفتر احلنفية كان أبناء الترك رغم ذلك يتهافتون على‬ ‫حول التقييد حتى وإن لم يبلغوا سن االنتداب كما هو احلال بالنسبة إلى حمودة بن علي سفيان احلنفي من‬ ‫بلد املهدية الذي تخلف عن التقييد بدفتر عسكر احلنفية من دار اسكندر لصغر سنه وذلك سنة(‪1860‬م)‬ ‫كما يعاد تقييد من غاب عن اخلدمة كحالة محمد بن احلاج محمد فرحات احلنفي بدفتر حنفية املهدية‬ ‫بعد أن كان غائبا سنة(‪1870‬م)‪ . 1‬لذلك جاء إحياء ذكرى احلنفية التي تقدم بها الصادق باي بغاية خلق شيء‬ ‫من التوازن بني الوحدات العسكرية وتفادي أعداد اجملندين الذين هم في حالة هروب أو نقصان في الوحدات‬ ‫النظامية‪ .‬ولنا أن نتساءل عن الدور األساسي الذي مثله اجليش النظامي في مدينة املهدية خالل الفترة‬ ‫املدروسة‪!.‬؟‪.‬‬

‫ب) العسكر النظامي‪:‬‬

‫العسكر النظامي‪ :‬أحدثه ونظمه أحمد باي وبقي قائما في عهد محمد باي والصادق باي‪ ،‬ويقصد به اجلنود‬ ‫الذين انتظموا باجلندية ويعملون حتت السالح ويسكنون في الثكنات ويتقاضون رواتب قارة وبإشراف ضباط‬ ‫مباشرين يقومون باحلراسة في األبراج والقشل‪ ،‬ويتكونون عامة من مشاة العساكر وفرق الطبجية وهو‬ ‫جيش املدفعية إضافة إلى اخليالة وهم فرق تعتمد عليها السلطة في تثبيت األمن وعادة ما توجد قرب مراكز‬ ‫القيادة‪ 2.‬واستطاعت السلطة احلسينية كذلك تثبيت األمن بجانب املراكز القيادية حيث يستدعى أفرادها‬ ‫‪3‬‬ ‫عند احلاجة باخليل والسالح ملساعدة اجلهاز اإلداري والسياسي على تطبيق القانون داخل مدينة املهدية‬ ‫ونقدم فيما يلي قائمة اسمية بأهم قادة عساكر احلنفية‪:‬‬ ‫أهم الرتب العسكرية في اجليش النظامي مبدينة املهدية سنة(‪1868‬م)‬ ‫كبار الضباط باملهدية‬

‫الرتبة حاليا‬

‫الوجيه أمير آالي مصطفى صفر‬

‫عقيد‬ ‫مقدم‬

‫احملترم آالي أمني محمد بن سالم صفر‬

‫رائد‬

‫احملترم البنباشي أحمد بن سالم أليمون‪ /‬محمد بن مبروك الشوك‬ ‫اليوزباشي محمد بن سالم الشباح‬ ‫مصطفى الطرياقي – علي بن رجب إبراهيم‬

‫نقيب‬

‫املالزم علي بن احلاج بن شريف حمودة‬ ‫علي بن إبراهيم بن احلاج – عياد الزوالي‬

‫مالزم‬

‫‪ - 1‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬السلسلة التاريخية‪ ،‬ح‪ ،114‬م‪.348‬‬ ‫‪ - 2‬بن بلغيث (الشيباني)‪،‬اجليش التونسي في عهد محمد الصادق باي‪ ، ....‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ص ‪.115 - 113‬‬ ‫‪ - 3‬أرشيف جمعية الناشئة األدبية باملهدية‪( ،‬ملف عدد ‪ ،1‬وثيقة ‪. )14 -13 -12 -11 - 10‬‬ ‫‪ - 4‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬دفتر ‪ «: 971‬دفتر جبائي جلرد أمالك بلد املهدية بتاريخ ‪ 1284‬ه – ( ‪ 1867/1868‬م )» ‪ ،‬ص‪.54‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪4‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫‪ - 2‬آل صفر عينة لساللة عسكرية خالل القرن ‪ 19‬عشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬األصل واالندماج‪:‬‬ ‫تعتبر عائلة صفر من العائالت املشهورة والعريقة مبدينة املهدية‪ ،‬فهي بيت رفعة وسمعة أصولها احلقيقية‬ ‫من أرناؤوط )من سكان ألبانيا) وكان قدومهم إلى مدينة املهدية كجنود يشتغلون في عسكر سنان باشا‬ ‫أواخر القرن السادس عشر أرسلتهم االمبراطورية العثمانية في إطار سياستها االستراتيجية إلبعاد اخلطر‬ ‫اإلسباني املسيحي على البالد التونسية و حماية غرب البحر األبيض املتوسط ‪ ،‬ومع الفتح العثماني سنة‬ ‫(‪1574‬م) قدمت هذه الفئات اإلنكشارية بأعداد وفيرة مما أدى إلى استقرارهم في حاميات عسكرية داخل‬ ‫حواضر اإليالة التونسية ‪ ،‬وقد متيز هؤالء عن األهالي احملليني بأصولهم العرقية وعاداتهم الكسائية ولغتهم‬ ‫التركية وطباعهم األناضولية وممارساتهم العسكرية التي تخرج عن نطاقها‪ . 1‬يبدو أن انتماء هذه العائالت‬ ‫ذات األصول العسكرية ونظرا لتحالفها مع السلطة استطاعت أن تتحصل على امتيازات وافرة من املناصب‬ ‫السياسية واخلطط العسكرية‪ .‬وفي محاولة منا للبحث عن أصول هذه العائلة وتفرعها عن اجلد األكبر‬ ‫نرى أن أصل هذه العائلة على ما يبدو يعود إلى قائد عسكري حنفي يحمل لقب صفر الذي قدم مع األفواج‬ ‫األولى للجنود اإلنكشاريني احلاملني لأللوية العثمانية وقد مت اإلشارة إليها في مصادرنا التاريخية من كتاب‬ ‫ابن أبي دينار‪ 2‬إذ يخبرنا صاحبنا عن واقعة حدثت سنة (‪1593‬م) في عهد عثمان داي أي بعد ثورة اجلند سنة‬ ‫(‪1591‬م) بعدة أعوام وتفيدنا املعلومات عن املالبسات التي حفت بسيرة الداي صفر بعد واقعة البلكباشية‬ ‫والتي فتك فيها اجلند بكبار أعضاء مجلس الديوان باإليالة التونسية » و بعد ذلك حضر الباشا و الباي و أعيان‬ ‫العسكر وعقدوا ديوانا أجمع رأيهم فيه على تقدمي رجل من أمراء العسكر امللقبني بالداي للنظر في أحوال‬ ‫العسكر و حفظ احلاضرة ‪ ...‬وتنازع األمر بني عثمان داي وصفر داي فذهب كل منهما إلى منزله وتقلد سالحه‬ ‫وأسرع عثمان داي حتى جلس عند باب القصبة واجتمع عليه أصحابه فأقبل صفر داي فبعث له عثمان في‬ ‫رده وأمره باخلروج من احلاضرة فسار إلى ناحية اجلزائر ‪...‬ثم رجع أيام يوسف داي وله عقره لهذا العصر»‪ .3‬ورغم‬ ‫تعدد الروايات فإن ما يهمنا في بحثنا هو أن نتساءل ما إذا كان صفر داي الذي انسحب أمام عثمان داي دون‬ ‫إراقة الدماء حسب رواية ابن أبي الدينار هو األب الفعلي لكافة عائالت صفر التي أصبحت مبرور الزمن عائلة‬ ‫مستقرة ومندمجة داخل كوكبة العائالت املهدوية بفروعها املتعددة! وهل إن أمير اللواء مصطفى صفر الذي‬ ‫تدرج في أعلى املراتب العسكرية في عهد الصادق باي قبيل انتصاب احلماية الفرنسية كان هو نفسه من‬ ‫ساللة عائلة صفر ؟‪.!!.‬‬ ‫وفي شهادة أخرى تقدمها لنا الباحثة ليلى عبد العزيز أن عائلة صفر من «الصفرات» الذين اشتغلوا في‬ ‫اجلندية وقد كان جدهم األكبر حسب الروايات احمللية املتداولة يسمى مبصطفى التركي الذي قدم من تركيا‬ ‫‪ - 1‬الفقيه (أحمد الطيب)‪،‬املهدية عبر التاريخ‪ ،‬دار القلم‪ ،‬تونس ‪ ،1979‬ص ‪.233‬‬ ‫‪ - 2‬أ‪.‬و‪ .‬ت‪ ،‬دفتر ‪....... 971‬مصدر مذكور‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪ - 3‬رقية (مراد)‪ «،‬اجلالية التركية مبدينة املهدية وموقعها من البيئة االقتصادية واالجتماعية من خالل دفتر األمالك رقم ‪ 971‬لسنة‪ 1284‬ه –‬ ‫‪،» 1868 /1867‬اجمللة التاريخية املغاربية‪ ،‬العدد ‪ ،5-6‬فيفري ‪ .1992‬ص‪.227‬‬ ‫‪ - 4‬الفقيه (أحمد الطيب)‪ ،‬املهدية عبر التاريخ ‪......،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ‪.233‬‬ ‫‪34‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫واشتغل قائدا عسكريا في اجليش ثم تزوج هذا األخير امرأة من تاجوراء واستقر باملهدية وأجنب ولدين صفر ورجب‪ . 1‬ولكن‬ ‫ملاذا هذا اللقب صفر؟ يحيلنا لقب صفر إلى أحد أسماء األشهر الهجرية العربية االثني عشر شهرا وفي لسان العرب‬ ‫البن منظور يقول‪« :‬و سموا أيضا منهم صفر ألنهم كانوا يغزون القبائل فيتركون من لقوا منهم صفرا من املتاع (أي‬ ‫يسلبونه متاعه)»‪ . 2‬ومن منظور آخر ترى الباحثة اجلزائرية جميلة العياشي في أطروحتها حول اجلند اإلنكشارية‪ 3‬أن‬ ‫صفر هي من الصفرات وتعني املائدة التي تقبع حولها اإلنكشارية‪4‬إما لألكل أو ملناقشة أمور الدولة‪ ،‬وتطلق أيضا على‬ ‫الكتيبة التي تتكون من ‪ 16‬إلى ‪ 21‬مجندا إنكشاريا فعدد األوجاقات «التركية» تتركب من األورطات التي قسمت إلى عدد‬ ‫من الصفرات‪ . 4‬وهكذا فما نستطيع أن نؤكده حسب أغلب الروايات أن عائلة صفر هي ذات أصول حنفية قدموا كجنود‬ ‫وافدين تابعني لعسكر سنان باشا الذي ترك منهم عددا كبيرا في احلاميات العسكرية بكبرى احلواضر وخاصة املهدية‪.‬‬ ‫رغم تعدد الروايات الشفوية املنقولة عن السكان احملليني وعن أبناء العائلة والروايات التي تقدمها لنا مصادرنا التاريخية‬ ‫تبقى هذه األخيرة األقرب إلى احلقيقة فيما يتعلق مبسألة أصول هذه العائلة‪.‬‬

‫ب) آل صفر عائلة مخزنية ذات طابع عسكري خالل القرن التاسع عشر‪:‬‬

‫يبدو أن االنتماء إلى عائلة صفر املتحالفة مع السلطة العثمانية والتي تواصل وجودها خالل الفترة احلسينية قد متكن‬ ‫أفرادها من احلصول على امتيازات ونالوا املناصب واخلطط الوظيفية وقد استجابت السلطات احلسينية ملطالبهم مقابل‬ ‫ضمان طاعة األهالي واستتباب األمن ودخول اجلباية بانتظام حرصا على استمرارية الدولة‪ .‬وقد شهدت عائلة صفر أوج‬ ‫قوتها خالل النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث تقلد أغلب أفرادها اخلطط اخملزنية ولعل التحول الذي شهده‬ ‫اخملزن احلسيني خالل هذه الفترة املتمثلة في إيالء أهمية كبرى للجيش ومواكبة اإلصالحات التي كان يقوم بها الغرب‪،‬‬ ‫جعل معظم عائلة صفر يتوجهون نحو اخلطط العسكرية واملشاركة فيها خالل عهد املشير أحمد باي ونذكر باخلصوص‬ ‫منهم مصطفى صفر‪ .‬فكيف جتلى إشعاع هذا األخير وماهي أهم املراتب العسكرية التي تقلدها!؟‪..‬‬

‫‪ )1‬مصطفى صفر (من عسكري محلي إلى أمير آالي مركزي)‪:‬‬

‫مصطفى صفر من نبالء تونس‪ ،‬سليل عائلة مشهورة ذات أصول « تركية » ‪ 5‬استقر مبدينة املهدية‪ ،‬ولد سنة (‪1822‬م)‬ ‫وتوفي سنة (‪1888‬م) من كبار الضباط في عهد الدولة احلسينية املعروفني بالكفاءة‪ .‬تدرج في سلك اجلند النظامي‬ ‫التونسي منذ عهد املشير األول أحمد باي وهو والد املناضل الوطني محمد البشير صفر (‪ 1917– 1865‬م) التحق مصطفى‬ ‫صفر باجلندية سنة(‪1842‬م) وتقلد مناصب عديدة أبرزها أمير آالي باملهدية وأمير اللواء بتونس‪.6‬‬ ‫مثل أحد أشكال النفوذ احمللي باعتالئه أرفع املناصب وكان من مهامه حفظ األمن باجلهة والعمل على مساعدة أمير‬ ‫‪ - 1‬عبد العزيز (ليلى)‪ ،‬أصحاب النفوذ مبدينة املهدية في الفترة االستعمارية ‪ .1956 - 1881‬اشراف األستاذ عبد الواحد املكني‪ ،‬كلية اآلداب‬ ‫بصفاقس‪ ،‬نوفمبر ‪ .2008‬ص ‪.32‬‬ ‫‪ - 2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪. 462‬‬ ‫‪ - 3‬معاشي (جميلة)‪،‬اإلنكشارية واجملتمع بباليك قسنطينة في نهاية العهد العثماني‪ ،‬شهادة دكتورا في التاريخ احلديث‪ ،‬اشراف الدكتور‬ ‫كمال فياللي والدكتور عبد اجلليل التميمي‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة‪ .‬نسخة محفوظة مبوقع اجلامعة‪.‬‬ ‫‪.http://bu.umc.edu.dz‬‬ ‫‪ - 4‬نفس املرجع املذكور ‪...... ،‬ص ‪.31‬‬ ‫‪5 - Ben Achour (Mohamed El Aziz), Catégories de la société tunisoise dans la deuxième moitié du XIXe siècle, éd. Institut‬‬ ‫‪national d’archéologie et d’art, Tunis, 1989, p. 54‬‬ ‫‪ - 6‬الفقيه (أحمد الطيب)‪،‬املهدية عبر التاريخ‪ ،‬دار القلم‪ ،‬تونس ‪ ،1979‬ص ‪.233‬‬ ‫‪35‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫عسكر الساحل على انتداب اجلنود وإحلاقهم باحلاميات العسكرية رغم وضع قانون االنتدابات اجلندية سنة(‪ 1860‬م) ‪،‬‬ ‫والسهر على مراقبة جنود الطبجية بقشلة املهدية ( البرج الكبير والبرج الصغير) وتسهيل عمل احمللة أثناء قدومها‬ ‫جلمع اجلباية ومواجهة الثائرين واملتمردين في القبائل اجملاورة ملدينة املهدية من املثاليث واألعراض وكان يساعده في مهمته‬ ‫العسكرية اخملزنية احملترم آالي أمني محمد بن سالم صفر‪ 1‬وهو من خيرة كبار الضباط ‪ .‬والثابت أن احتكار مثل هذه الرتب‬ ‫العسكرية في نفس العائلة (صفر) يحيلنا إلى هيمنتها على أعلى املراتب واملناصب العسكرية‪ ،‬فهي تقوم بتكوين‬ ‫األفراد وتدريبهم على حتمل املهام اخملزنية وتسعى جاهدة إلى تكوين أجيال تضمن ملؤسسة العائلة التواصل والنفوذ حتى‬ ‫تنعم مبكانة مرموقة تكسبها الوجاهة واالحترام والتقدير لدى األهالي‪ .‬وحتى يكون األمير آالي مصطفى صفر العني‬ ‫الساهرة على أمن املهدية اختار أن تكون له دار بالبلد وأخرى بالربض مقابل راتب شهري من طرف السلطة احلسينية‬ ‫مقداره ‪ 250‬رياال يدفع منه للجباية مقدار ‪ 58‬رياال‪ . 2‬هذا الوضع جعله يتفانى في عمله وإخالصه للمؤسسة العسكرية‬ ‫والسلطة املركزية‪ ،‬ورغم تشبثه املفرط مبسقط رأسه إال أن مصطفى صفر قرر االنتقال إلى احلاضرة وعمل على تشييد‬ ‫منزل بحومة طرجنة في الربض الشمالي بالعاصمة خارج باب قرطاجنة‪ 3.‬وميكننا التساؤل عن سر هذا االنتقال من‬ ‫مسقط رأسه املهدية إلى مدينة تونس؟ ‪ ..‬يبدو أن استقرار أعيان اخملزن باحلاضرة تواتر كثيرا خالل القرن التاسع عشر‬ ‫بصفة خاصة وهو مرتبط كل االرتباط مبصاحلهم االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فمدينة تونس لطاملا استقطبت أغلب األعيان‬ ‫وأصحاب نفوذ املدن الكبرى بأغلب وظائفهم ومهامهم ولعل من أهم األسباب التي تفسر انتقال األمير آالي مصطفى‬ ‫صفر إلى تونس ارتقاؤه في منصبه العسكري إلى أمير لواء‪ ،‬ارتقاء مهنيا في امليدان العسكري حتم عليه تغيير مقر‬ ‫إقامته واالنتقال إلى احلاضرة‪ .‬إن رتبة أمير لواء تعني (قائد اللواء ميثل جزء من الفرقة العسكرية وهي من املراتب الهامة)‪،4‬‬ ‫وجاء هذا التعيني بداية منذ سنة(‪1867‬م) وهو ما تثبته لنا الوثائق األرشيفية و املراسالت اإلدارية العسكرية‪ 5‬وكان مقر‬ ‫عمله بوزارة احلرب بباردو‪ ،6‬يعود تعيني أمير اللواء مصطفى صفر إبان تولي أحمد زروق وزارة احلرب سنة(‪)1865‬م وكان من‬ ‫أبرز القادة الذين استطاعوا القضاء على ثورة علي بن غذاهم سنة(‪ ، 7)1864‬ويبدو أن مساهمة األمير آالي مصطفى صفر‬ ‫في أداء واجبه و مساعدة محلة أحمد زروق في قمع املتمردين بجهة الساحل سمح بترقيته وتعيينه بإحدى مكاتب وزارة‬ ‫احلرب بباردو وتقدم لنا الوثائق األرشيفية الصادرة عن الوزارة الكبرى‪ 8‬صورة واضحة عن األدوار واملهام التي أنيطت بعهدة‬ ‫أمير اللواء مصطفى صفر نذكرها كاألتي‪ - :‬تقييد أسماء الضباط باختالف مراتبهم وضبط أسماء العساكر في دفاتر‬ ‫وحفظها بوزارة احلرب وأبرزها دفاتر الضباط وعساكر التريس والطبجية من حاملي السالح وأسماء الضباط اخلارجني عن‬ ‫‪ - 1‬أ‪.‬و‪ .‬ت‪ ،‬دفتر ‪....... 971‬مصدر مذكور‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪ - 2‬رقية (مراد)‪«،‬اجلالية التركية مبدينة املهدية وموقعها من البيئة االقتصادية واالجتماعية من خالل دفتر األمالك رقم ‪ 971‬لسنة‪ 1284‬ه –‬ ‫‪،»1868 /1867‬اجمللة التاريخية املغاربية‪ ،‬العدد ‪ ،5-6‬فيفري ‪ .1992‬ص‪.227‬‬ ‫‪ - 3‬الفقيه (أحمد الطيب)‪ ،‬املهدية عبر التاريخ ‪......،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ‪.233‬‬ ‫‪ - 4‬بن بلغيث (الشيباني)‪ ،‬اجليش التونسي في عهد محمد الصادق باي‪.... ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫‪ - 5‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬السلسلة ‪ ،A‬صندوق عدد ‪ ،10‬ملف عدد ‪( .004/ 117‬ملف اداري خاص بأمير اللواء مصطفى صفر)‪.‬‬ ‫‪ - 6‬مؤسسة تختص بكل ما يهم اجليش وتوطدت وظيفة وزير احلرب منذ عهد الصادق باي‪ ،‬وتنقسم الوزارة الى ‪ 4‬اقسام (قسم اول يضبط‬ ‫أسماء العساكر بدفاتر وقسم ثان يضبط ما يلزم العسكر من مهمات اما القسم الثالث تتم فيه ظبط أسماء صبايحية باحلاضرة واالوجاق‬ ‫وأخيرا قسم خاص بحسابات الوزارة‪.‬‬ ‫‪ - 7‬سالمة (ب)‪ ،‬ثورة بن غذاهم‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس ‪ ،1967‬ص ‪.15‬‬ ‫‪ - 8‬أ‪.‬و‪.‬ت‪،‬السلسة التاريخية‪ ،‬صندوق ‪ ،153 - 163‬ملفات(‪ )785 – 657 – 654 - 653‬املوافق ‪1301‬هجري ‪ 1883‬م‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫التقييد وما يلزم لكل رتبة من مرتبات ومصاريف ومقادير املؤونة والعلفة والكسوة‪ 1‬وما يلزم لكل رتب طبجية األبراج ‪.‬‬ ‫وكان للواء مصطفى صفر دور في حماية مخازن البارود‪ 2‬والسهر على مراقبتها داخل األبراج والقشل‪ ،‬ومن خالل تصفحنا‬ ‫املراسالت اخلاصة املوجهة من الوزير األكبر محمد العزيز بوعتور إلى أمير اللواء مصطفى صفر نالحظ أن البعض منها‬ ‫يكشف الدور الريادي الذي لعبه في حتضير املراسم واالحتفاالت أثناء األعياد و دوره في إعالم كبار الضباط باحلاضرة حلضور‬ ‫موكب األمير وتهنئته بالعيد‪ ، 3‬يضاف إلى ذلك قيامه بتمرير األوامر وإعالم عامل الساحل للبحث عن الهاربني و الفارين‬ ‫من أنفار جنود عسكر الساحل‪ 4‬وإرجاعهم إلى حاشيتهم العسكرية ‪ ،‬وهو ما يبرز لنا الوضع املتأزم الذي يعيش فيه‬ ‫اجلنود ‪ ،‬وما ظلت الدولة تتهم به الضباط من التساهل مع اجلنود بعدم احلد في إعادة الفارين لذلك تقوم مرارا بتذكيرهم‬ ‫مبقامهم و ترسل لهم األوامر الصارمة الداعية إلى البحث بكل تفان في العمل‪ ،‬وستتواصل آخر مهام مصطفى صفر‬ ‫برتبة وكيل كاتب دولة بوزارة احلرب في عهد محمد الصادق باي وهو ما تثبته لنا مذكرات الوزير األسبق رشيد صفر‪ . 5‬تلك‬ ‫هي أهم الوظائف واألدوار التي قام بها مصطفى صفر بوزارة احلرب مبقابل أجر شهري يصل إلى ‪ 500‬رياال أي مبرتب سنوي‬ ‫‪ 6000‬رياال‪6‬وهو ضعف ما كان يتقاضاه مبدينة املهدية‪ .‬إن جناح هذا الفرد من عائلة صفر‪ ،‬هو جناح مرتبط باألسالف الذين‬ ‫فتحوا أمامه مسالك اإلشعاع‪ ،‬فهي عائلة عسكرية في أغلب أفرادها متكنت أن حتتل مكانة هامة في السلم االجتماعي‬ ‫بالبالد التونسية‪ ،‬كما أقرت الفئة احلاكمة الدور الكبير الذي ميكن أن تلعبه عائلة صفر في تأطير أهالي املهدية و تأمني‬ ‫خضوعهم للسلطة املركزية و ما سنالحظه خالل القرن العشرين هو تواصل هذا الدور رغم أن البعض منهم فضل‬ ‫النضال ضد سلطة احلماية من أمثال الطاهر صفر‪.7‬‬

‫‪ )2‬باقي األفراد‪:‬‬

‫على غرار أمير اللواء مصطفى صفر واحملترم آالي أمني محمد بن سالم صفر من العسكر النظامي ‪ 8‬فقد وجد عدة‬ ‫أفراد من نفس العائلة املوسعة اشتغلوا خلدمة اخملزن احلسيني من العساكر غير النظامية ومن أبرزهم البولكباشي‬ ‫سالم بن مصطفى صفر من عسكر احلنفية (‪ 1876‬م ) واألوضباشي حسني بن محمد صفر من فرقة دار أحمد الطبيب‬ ‫و األوضباشي محمد بن حسن بن رجب صفر و العسكري محمد بن مصطفى صفر و حسني بن مصطفى صفر من‬ ‫فرقة دار طوفاتلي واألوضباشي سالم بن احلاج علي صفر و العسكري محمد بن علي حسن صفر والعسكري محمود بن‬ ‫محمد بن شعبان صفر عن فرقة دار دنقزلي باملهدية والعسكري علي بن محمد صفر و سالم بن محمد صفر عن فرقة‬ ‫برناز أما فرقة دار جزايرلي فلها نصيبها من عائلة صفر كالعسكري محمد بن علي احلاج صفر و أحمد بن علي محمد‬ ‫صفر و حسن بن علي صفر و أخيرا العسكري حسن بن محمد بن احلاج حسن صفر من فرقة قارة حمزة ‪ .9‬هذا بالنسبة‬ ‫‪ - 1‬أ‪.‬و‪.‬ت‪،‬السلسة التاريخية‪،‬صندوق‪ ، 163‬ملف ‪ ،785‬وثيقة عدد ‪.19‬‬ ‫‪ - 2‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬صندوق ‪ ،215‬ملف ‪ ،300‬وثيقة عدد ‪ 22‬بتاريخ ‪ 1330‬هجري املوافق ‪ 1882‬ميالدي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬السلسة التاريخية ‪،‬صندوق ‪ ،153‬ملف ‪ ،655‬وثيقة عدد ‪.76‬‬ ‫‪ - 4‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬السلسة التاريخية ‪،‬صندوق ‪ ،153‬ملف ‪ ،654‬وثيقة عدد ‪.19‬‬ ‫‪ - 5‬مذكرات غير منشورة بعنوان ذكريات موجزة عن األجداد عن الوزير األسبق رشيد صفر‪ ،‬ص‪3‬‬ ‫‪ - 6‬بن بلغيث (الشيباني)‪ ،‬اجليش التونسي في عهد محمد الصادق باي‪ ،‬مرجع مذكور‪ .......‬ص ‪.153‬‬ ‫‪ - 7‬عبيد (خالد)‪ ،‬الطاهر صفر ‪ ،1942 - 1903‬سلسلة مناضل وأثره‪ ،‬عدد ‪ ،1‬املعهد األعلى لتاريخ احلركة الوطنية‪ ،‬جامعة منوبة‪ ،‬تونس ‪،2011‬‬ ‫ص ص ‪.22 - 21‬‬ ‫‪ - 8‬أ‪ .‬و‪ .‬ت ‪ ،‬دفتر عدد ‪ ..،971‬مصدر مذكور‪ ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪ - 9‬أ‪ .‬و‪ .‬ت ‪ ،‬دفتر عدد ‪ ،3412‬مصدر مذكور‪ ،‬ص ص ‪.60 – 50‬‬ ‫‪37‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫إلى امليدان العسكري أما على املستوى الوظيفي اإلداري فنجد الترجمان نائب قنصل علي بن محمد بن احلاج سالم‬ ‫صفر‪ .‬وملزيد البحث والتدقيق في عائلة صفر اتصلنا بالوزير السابق رشيد صفر في حكومة بورقيبة الذي أمدنا ببعض‬ ‫املذكرات اخلاصة التي كتبها حول أجداده من األم و األب ‪ 1‬مبينا لنا مسيرة البعض من أقربائه في تولي عدة مناصب‬ ‫وحقائب مخزنية بتونس وقد قدم لنا تاريخا موجزا حول شخصية محمد صفر الذي ولد سنة (‪ 1860‬م) والده يدعى‬ ‫محمد بن احلاج علي ابن احلاج فرج ابن علي إبن احلاج محمد بن علي صفر التركي املتوفي في (‪ 9‬أوت ‪1862‬م)‪ 2‬فقد اعتبر‬ ‫محمد صفر جده من تالميذ الفوج األول الذين زاولوا تعليمهم باملعهد الصادقي الذي أسسه الوزير األول املصلح خير‬ ‫الدين باشا مبقتضى األمر العلي املؤرخ ‪ 13‬جانفي ‪ 1875‬م حتت إدارة مديرها محمد العربي زروق ثم انتقل محمد صفر إلى‬ ‫جامع الزيتونة سنة (‪1878‬م) حيث تعلم هناك علوم الشريعة وفي شهر جويلية (‪1880‬م) انتدب خليفة مع عامل الساحل‬ ‫املقيم بتونس محمد البكوش ثم مع اخلليفة حسونة اجللولي‪ ،‬ثم انتقل في سنة ( ‪1884‬م) لينتدب مع عامل األعراض‬ ‫ليشتغل مع يوسف الليقرو بقابس ثم مكثر و غار الدماء إلى حدود عودته ملسقط رأسه باملهدية مع القايد أمير آالي‬ ‫صالح عبد الوهاب‪ 3‬والد املؤرخ املعروف حسن حسني عبد الوهاب سنة (‪1885‬م) حني قدم استقالته من اخملزن احلسيني و‬ ‫بالتحديد من وظيفته كخليفة لبلد املهدية وقد قدمها إلى السلطة املركزية و نصها كالتالي‪« :‬احلمد هلل وصلى اهلل‪:‬‬ ‫«املدد الهمام األسعد أمير األمراء الوزير األكبر سيدي محمد العزيز بوعتور أدام اهلل إجالله وحرس جنابكما له‪ ،‬أما بعد‬ ‫تقدمي التحية األنيقة برفيع املقام وتقبيل األيدي الكرام بلغني جنابكم هو أن احملترم فاضل املقام سي احلاج محمد صفر‬ ‫خليفة بلد املهدية قدم لنا مكتوب يطالب به االستعفاء عن الوظيفة املذكورة لعجزه عن القيام بواجبات اخلدمة في‬ ‫جهة تقدمه في السن أعلمنا جنابكم الرفيع واهلل يحرس عليكم‪ ».‬أمير آالي صالح بن عبد الوهاب عامل املهدية في‬ ‫‪ 30‬جمادي األول ‪1885 / 1303‬م‪ .4‬أما عن عائلة محمد صفر‪ :‬فقد تزوج هذا األخير من فاطمة ابنة مصطفى ابن احلاج‬ ‫محمد صفر وأجنب البشير ابن محمد صفر وهؤالء من األفراد التونسيني اشتغلوا قباضا بإدارة املالية وغالبا ما يخلط‬ ‫العديد من احملليني بجهة املهدية اخللط بينه وبني محمد البشير ابن مصطفى صفر‪ 5‬الذي أصلح جمعية األوقاف في‬ ‫العاصمة التونسية واملعروف باألب الثاني للنهضة التونسية‪ .‬وقد حظي محمد صفر مبكانة متميزة وطيبة لدى السلط‬ ‫االستعمارية حلسن سلوكه وإخالصه في عمله حلكومة فرنسا‪ . 6‬أما بالنسبة للجد محمد صفر من األم يواصل رشيد‬ ‫صفر في مذكراته احلديث والتوغل في ماضي العائلة عن اجلد األب لعائلة صفر والذي يدعي مصطفى ابن علي ابن حسني‬ ‫ابن مصطفى صفر باملهدية ولد سنة (‪1865‬م) أي بعد سنة من قيام ثورة علي بن غذائهم وقد درس هذا األخير في جامع‬ ‫الزيتونة إلى أن باشر وظيفته كخليفة للمهدية مع القايد صالح عبد الوهاب سنة (‪1892‬م) ثم أصبح عدل إشهاد‪ ،‬تزوج‬ ‫مصطفى سنة (‪1896‬م) ابنة خالته عائشة ابن احلسني ابن عبد اهلل التركي والتي أجنبت له االبن الوطني الطاهر صفر‪.‬‬ ‫‪ - 1‬مذكرات غير منشورة‪ ،‬عن الوزير األسبق رشيد صفر‪...‬مرجع مذكور‪.‬‬ ‫‪- 2‬مذكرات غير منشورة‪ ،‬عن الوزير األسبق رشيد صفر‪...‬نفس املرجع املذكور‪.‬‬ ‫‪ - 3‬صالح عبد الوهاب‪ :‬ولد سنة ‪ 1835‬من عائلة مخزنية‪ ،‬ورث عن والده خططه اخملزنية وعني قايدا باملهدية سنة ‪ 1886‬بعد أن كان خليفة‬ ‫على االعراض وهو رجل مثقف زاول تعليمه باملدرسة احلربية بباردو‪.‬‬ ‫‪- 4‬أ‪.‬و‪.‬ت‪ ،‬سلسلة ‪ ،A‬صندوق ‪ ،145‬ملف عدد ‪ ،1‬وثيقة عدد ‪.2‬‬ ‫‪- 5‬البشير‪ ،‬وهو ابن أمير اللواء مصطفى صفر ولد يوم ‪ 27‬فيفري سنة ‪1856‬م وتوفي في مارس سنة ‪ 1917‬أحد قادة احلركة اإلصالحية‬ ‫التونسية لقب «أبي النهضة التونسية» الثاني بعد خير الدين التونسي‪ .‬التحق عام ‪ 1884‬باإلدارة التونسية‪ .‬وفي عام ‪ 1892‬عينته احلكومة رئيسا‬ ‫جلمعية األوقاف‪ .‬كما ساهم البشير صفر عام ‪ 1896‬في بعث اجلمعية اخللدونية التي أسندت إليه رئاستها عام ‪.1897‬إلى أن مت تعيينه عامال‬ ‫بجهة سوسة فكان محل احترام وتبجيل‪.‬‬ ‫‪- 6‬الصغير (عميرة علية)‪ «،‬املهدية وظهيرها‪ :‬االحتالل وإعادة التنظيم »‪ ،‬روافد‪ ،‬مجلة املعهد األعلى لتاريخ احلركة الوطنية عدد‪ ،4‬تونس‪،199،‬‬ ‫ص‪.116‬‬ ‫‪38‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫تلك صورة مدققة عن عائلة مخزنية عريقة بجهة املهدية شغلت العديد من املناصب والوظائف العسكرية واالدارية‬ ‫املرموقة خالل القرن التاسع عشر واستطاعت أن تتعامل مع اخملزن احلسيني بأسلوب متوارث هدفها نسج عالقات وضمان‬ ‫مصالح تبقى لألجيال القادمة حيث سعى اجلد األكبر إلى تكوين أفراد يحملهم املسؤوليات ويسهر على تربيتهم تربية‬ ‫مخزنية منذ الصغر قوامها األوامر والطاعة التامة فتكون بذلك «رجاال» وسالالت قوية ذات نفوذ وإشعاع على املستوى‬ ‫احمللي أو املركزي‪ .‬تعد عائلة صفر من العائالت األكثر وجاهة واألكثر حضورا على الساحة احمللية ملدينة املهدية‪ ،1‬وقد مثلت‬ ‫منوذجا للعائلة العسكرية خالل فترة القرن التاسع عشر اعتمد عليها البايات احلسينيون في مدينة املهدية وهي عائلة‬ ‫مخزنية ضمنت لها مكانتها ونفوذها بتوارث اخلطط املقدمة لها من جيل إلى اخر منذ قدومها من تركيا كعائلة وافدة‬ ‫تضم جنودا إنكشاريني من جدهم األب وصوال إلى اعتالء أرفع املناصب‪ ،‬فتحولت إلى عائلة مخزنية محلية توزع أفرادها‬ ‫في مدينة املهدية واحلاضرة تونس وهو منوذج أمير اللواء مصطفى صفر‪ ،‬هي عائلة حافظت على بريقها و إشعاعها في‬ ‫السلم االجتماعي مع باقي العائالت التركية فمولت األوساط احلاكمة بالرجال والكفاءات و الفاعلني االجتماعيني أما‬ ‫على املستوى الوطني‪ :‬فقد كان لبعض أفراد عائلة صفر الدور البارز والريادي خالل القرن التاسع عشر مثل مهمة حفظ‬ ‫األمن وتنظيم العسكر النظامي مبدينة املهدية ومشاركة أغلب أفرادها في الفرق غير النظامية في مراتب مختلفة‪ ،‬إلى‬ ‫جانب مساهمة أطراف آخرين في تسيير بعض الوزارات كوزارة احلرب والسهر على أمن البالد أما خالل الفترة االستعمارية‬ ‫فإن عائلة صفر ستواصل التعامل مع قوات االحتالل غير أن األجيال اجلديدة أجيال القرن العشرين ستساهم في ظهور‬ ‫رجال من املناضلني واملقاومني و ستكون لهم الريادة في إعادة التفكير في إصالح اجملتمع التونسي و تغير توجهاته و لنا‬ ‫في محمد البشير صفر والطاهر صفر اللذين سيعمالن على توجيه العائلة نحو املقاومة والنضال الوطني أحسن مثال ‪.2‬‬ ‫وفي خامتة مقالنا نريد اإلشارة أن سياسة التحالفات لدى العائالت العسكرية بجهة املهدية قد حققت للنظام‬ ‫احلسيني ومن بعده نظام احلماية الفرنسية فوائد جمة وهو ما أدى لبروز سلطة حضرية محلية حظيت بخدمة‬ ‫اجملال و السكان ومراقبتهما إذ تفانت هذه العائالت العريقة في خدمة السلطة القائمة و كسبت من خاللها النفوذ‬ ‫و الوجاهة والثروة وهذا ما برز لنا من خالل دراستنا لنموذج من عائلة صفر ‪ ،‬وإن التركيز على هذه األخيرة في احلقيقة‬ ‫ال يعني عدم وجود عائالت مخزنية وعسكرية أخرى ال تخفى من أهمية دورها داخل اجملتمع املهدوي على غرار عائلة‬ ‫بن رمضان والتركي وباخلوجة وسنان والعماري ولكن ما توصلنا إليه من خالل الوثائق األرشيفية والروايات الشفوية‬ ‫متنح أسبقية واضحة لعائلة صفر في مستوى املكانة والوجاهة و الثراء خالل الفترة احلديثة وذلك خالف عائالت‬ ‫أخرى تراجع إشعاعها بحكم متغيرات ومالبسات تاريخية شتى ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سالم (عاطف ) ‪ ،‬العائالت اخملزنية مبدينة املهدية خالل القرن التاسع عشر‪... ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫‪ - 2‬صيود (حسن)‪،‬الطاهر صفر املناضل واملفكر‪ ،‬نشرية مبناسبة الذكرى أربعني لوفاته‪ ،‬مطبعة الهالل بقصر هالل‪ ،‬أوت ‪ ، 1982‬ص‪.11‬‬ ‫‪39‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫َ‬ ‫املنظمة للخدمة العسكرية‬ ‫تطور القوانني‬ ‫في تونس (‪)1962 - 1860‬‬

‫د‪ .‬عبد اجمليد بلهادي‬

‫املعهد العالي لتاريخ تونس املعاصر‬ ‫جامعة منوبة‬

‫‪Résumé:‬‬

‫‪Dans cet article nous mettons l’accent sur la contradiction des mécanismes et‬‬ ‫‪des dispositifs de gouvernance mis en place en Tunisie, durant trois siècles.‬‬ ‫‪Commençant par l’ère beylicale, passons par la période coloniale jusqu'à‬‬ ‫‪l’indépendance. La différence entre ces dispositifs se manifeste explicitement‬‬ ‫‪à travers les lois du service militaire. En effet, chaque période est marqué‬‬ ‫‪par sa spécificité, et exige des modifications des lois constitutionnelles et‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫‪réglementaires.‬‬

‫يخضع تنظيم الهياكل املدنية والعسكرية‪ ،‬إلى نصوص وأوامر وقوانني‪ ،‬تتطور بالضرورة من فترة إلى‬ ‫أخرى‪ ،‬ويدل هذا التطور على مدى الرغبة في التحديث والتجديد لهذه الهياكل ومالءمتها للحاجات‬ ‫اجلديدة اخلاصة بكل مرحلة‪ ،‬وفي هذا اإلطار ارتأينا تخصيص هذا املقال للبحث في مدى تطور املنظومة‬ ‫القانونية املنظمة للجيش التونسي خالل فترة تقدر بقرن من الزمن‪ ،‬وقد اعتمدنا في ذلك على مجموعة‬ ‫من النصوص‪ ،‬مبتدأها سنة ‪ 1860‬ومنتهاها ‪ ،1962‬فما هو مضمون هذه النصوص والتشريعات؟ وكيف‬ ‫أثرت على التنظيم العام للجيش؟ وما هي التطورات التي أفرزتها؟‬

‫‪ - 1‬قانون التجنيد خالل عهد محمد الصادق باي‪:‬‬ ‫أحدث اجليش التونسي خالل شهر جانفي ‪،1831‬‬ ‫في عهد حسني باي الثاني‪ ،‬وتك َون أفراده من بعض‬ ‫العثمانيني وبعض أبناء البلد‪ ،‬ووقع تطويره من حيث‬ ‫العدد والعدة إثر اإلصالحات العسكرية التي قام بها‬ ‫أحمد باي خالل األربعينات من القرن ‪ ،19‬ومع عام‬ ‫‪ 1855‬كان هذا اجليش يعد ‪ 7‬ألوية للمشاة‪ ،‬موزعة‬ ‫في كل من تونس‪ ،‬وسوسة‪ ،‬واملنستير‪ ،‬والقيروان‪،‬‬

‫وغار امللح‪ .‬أما عدد أفراده فقد ارتفع إلى ‪26000‬‬ ‫جندي‪ 1‬في نهاية األربعينات من القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫ورمبا ضم خالل تلك الفترة ما يقارب ‪ 40‬ألف جندي‬ ‫إذا أضفنا إليه األفواج غير النظامية من اخملازنية‬ ‫وعسكر زواوة‪ . 2‬لكن عدد اجملندين النظاميني سوف‬ ‫يسجل تراجعا هاما سنة ‪ 1854‬إلى حوالي ‪10487‬‬ ‫عسكري‪ ،3‬أما على مستوى التنظيم وخاصة‬ ‫ما تعلَق بعملية التجنيد وكيفية انتداب األفراد‬

‫‪ - 1‬الدالي (حمادي)‪« ،‬عساكر الساحل واملشاركة في حرب القرم ‪ ،1856 - 1854‬القرار السياسي وتداعياته على األجهزة العسكرية»‪ ،‬اجمللة‬ ‫التونسية للتاريخ العسكري‪ ،‬عدد ‪ ،04‬جوان ‪ ،2014‬ص ‪.29‬‬ ‫‪ - 2‬ويكيبيديا‪ ،‬اجليش التونسي‪.2019 - 9 - 22 ،‬‬ ‫‪ - 3‬الدالي (حمادي)‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪40‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫للخدمة العسكرية فيمكن القول إنها لن تتم‬ ‫بشكل قانوني إال انطالقا من سنة ‪ ،1860‬ففي إطار‬ ‫جملة اإلصالحات العسكرية واإلدارية والسياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية التي نفذها بايات تونس‬ ‫بني ‪ 1840‬و‪ ،1861‬انطلقت سنة ‪1840‬عمليات‬ ‫تطوير وحتديث اجليش (املدرسة احلربية بباردو‪ ،‬إقرار‬ ‫الزي املوحد للجيش‪ ،‬التسليح‪ ،‬التدريب والتكوين‪،)...‬‬ ‫وتبعت ذلك مجموعة من اإلصالحات االجتماعية‬ ‫والسياسية‪ ،‬ففي سنة ‪ 1846‬مت إلغاء الرق‪ ،‬وخالل‬ ‫سنة ‪ 1857‬صدر عهد األمان‪ ،‬واختتمت هذه اجلهود‬ ‫بإصدار الدستور سنة ‪ .1861‬وفي هذا اإلطار من‬ ‫التحديثات واإلصالحات ميكن تنزيل صدور األمر العلي‬ ‫املؤرخ في ‪ 7‬فيفري ‪ 15( 1860‬رجب ‪ )1276‬واملتعلق‬ ‫بالتجنيد في اجليش النظامي التونسي‪ .‬وقد ورد حتت‬ ‫اسم «املصباح املسفر في إثبات دخول العسكر»‪.‬‬ ‫وعرف أيضا ««بقانون القرعة»‪ ،‬وهي تسمية تشير‬ ‫إلى الطريقة التي يتم على أساسها جتنيد الشبان‬ ‫التونسيني‪ .‬اشتمل هذا القانون على ‪ 6‬أبواب‪ ،‬الباب‬ ‫األول وتضمن أحد عشر فصال – الفصل األول‪":‬تؤخذ‬ ‫من العمالة التونسية قدر الكفاية كل عام‪،‬‬ ‫فيستخدم العسكري حتت السالح ثمانية أعوام‪،‬‬ ‫وعند متامه يسرح من اخلدمة العسكرية ويرسم‬ ‫عوضه مبقتضى القانون والقرعة ممن سنه ثماني‬ ‫‪1‬‬ ‫عشرة سنة إلى اثنني وثالثني سنة»‬ ‫« الفصل الثالث‪ :‬تؤخذ األنفار املطلوبة للعسكر‬ ‫ألجل تبديل اخلارجني منه في كل عام بأن يوزع العدد‬ ‫‪2‬‬ ‫املطلوب على العمالة على وجه العدل واإلنصاف‪»...‬‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫نص القانون وكما يالحظ على وجوب القرعة‬ ‫َ‬ ‫للشباب الذين تتراوح أعمارهم بني ‪ 18‬و‪ 32‬سنة‪،‬‬ ‫وقد وقع تفسير أسباب اللجوء إلى إجراء القرعة هذا‬ ‫من قبل بعض الدارسني‪ ،‬فذكر أن ذلك ميكن أن يتم‬ ‫«عندما يكون عدد املطلوبني للجندية أكبر من العدد‬ ‫الالزم للتجنيد الفعلي‪ .‬وهذا يكون عند عدم احلاجة‬ ‫للجند‪ ،‬وعندما ال يسمح الوضع االقتصادي للبالد‬ ‫بدخول كل من بلغ العمر القانونية للجندية‪ .‬وأجريت‬ ‫القرعة أساسا بهدف عدم اإلضرار بالناس ومتييز فئة‬ ‫عن أخرى‪ ،‬وهي محاولة لتوفير العدالة واملساواة بني‬ ‫كل الشباب املقترعني»‪ ، 3‬ورغم أن الفصل الثالث‬ ‫وكما تقدم ذكره أبرز أن الغاية من صدور هذا القانون‬ ‫تتمثل في حتقيق «العدل واإلنصاف» في دعوة‬ ‫األفراد إلى حصص التجنيد دون متييز بني اجلهات‬ ‫أو الفئات‪ ،‬بل أنه ذكر بأن العدد املطلوب يوزَع على‬ ‫العمالة كافة‪ ،‬فقد استثني من الدعوة إلى اخلدمة‬ ‫العسكرية عدد هام من الفئات وجهات بأكملها‪.‬‬ ‫فقد «أعفى القانون من دخول القرعة كال من تونس‬ ‫العاصمة‪ ،‬ونفطة وبعض الزوايا والقبائل كالهمامة‬ ‫والفراشيش ودريد واألعراض»‪ .4‬أما بالنسبة إلى‬ ‫الفئات االجتماعية فقد استثني من الدعوة إلى‬ ‫اخلدمة العسكرية‪ ،‬عدد هام من األفراد من بينهم‪:‬‬ ‫أصحاب املراتب العلمية‪:‬‬ ‫ املفاتي‪ ،‬القضاة‪ ،‬املدرسون؛‬‫ أصحاب اخلدمة اخملزنية‪ :‬الكتاب‪ ،‬القياد‪ ،‬املشايخ؛‬‫ خطباء اجلوامع وأئمة املساجد‪ ،‬أبناء العلماء‪،‬‬‫طلبة املدارس‪. 5»...‬‬

‫‪ - 1‬السميراني (محجوب)‪ ،‬اجليش التونسي (‪ ،)1881 - 1831‬رافد نهضة وإصالح‪ ،‬سوتيميديا‪ ،‬تونس‪ ،2017 ،‬ص ‪.408‬‬ ‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.409‬‬ ‫‪ - 3‬بنبلغيث (الشيباني)‪ ،‬أضواء على التاريخ العسكري في تونس من ‪ 1837‬إلى ‪ ،1917‬مكتبة عالء الدين‪ ،‬صفاقس‪ ،‬تونس‪ ،2003 ،‬ص ‪.58‬‬ ‫‪ - 4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫‪ - 5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.64 62-‬‬ ‫‪41‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫التونسي الصادر في ‪ 7‬فيفري ‪ 1860‬املعروف بقانون‬ ‫«القرعة»‪ ، 4‬وميكن القول بصفة عامة إنها لم تكن‬

‫ورغم أن هذا القانون كرَس « فكرة اجليش النظامي‬ ‫وتعويد السكان على اخلدمة العسكرية اإللزامية»‪، 1‬‬ ‫فقد كان يحمل في طياته عديد النقائص والشوائب‬ ‫وأه َمها اإلعفاءات واالستثناءات التي جعلت مناطق‬ ‫بأكملها معفاة من تأدية اخلدمة العسكرية‪ ،‬كما‬ ‫أن فئات عديدة استفادت من االستثناء بحكم‬ ‫االنتماء االجتماعي‪ ،‬وبالتالي انتفاء مبدأي العدل‬ ‫واإلنصاف كما ورد في الفصل الثالث‪ ،‬ورأى بعض‬ ‫الدارسني أيضا أن العمل به سرعان ما تع َثر‪ ،‬فقد‬ ‫ذكر الشيباني بنبلغيث «أن هذا الكسب الذي حتصل‬ ‫عليه التونسيون في احلياة العسكرية سرعان ما‬ ‫سيطرت عليه الفوضى‪ ،‬وبالرغم من التسامح في‬ ‫تطبيقه فإنه أهمل بعد صدوره‪ .‬وعاد الضباط إلى‬ ‫جلب اجلنود بالطرق القدمية املطبقة قبل القانون»‪. 2‬‬

‫ترغب «في التعويض الكلي للمنظومة القانونية‬ ‫املرتبة للخدمة العسكرية للتونسيني واملوروثة‬ ‫عن قانون ‪ . 5»1860‬ففي ما يتعلق بالتجنيد مت منذ‬ ‫السنوات األولى لالحتالل توسيع مناطق انتداب‬ ‫اجملندين لتشمل مع نهاية القرن التاسع عشر كل‬ ‫مناطق البالد تقريبا‪ ،‬كما شملت عملية التحوير‬ ‫سن املطالبني بالتجنيد ومدته‪ ،‬ويعتبر قانون تنظيم‬ ‫العسكر الصادر سنة ‪ ،1892‬من أبرز النصوص‬ ‫التشريعية التي صدرت خالل فترة االحتالل واإلطار‬ ‫العام الذي َ‬ ‫نظم هذه املسألة خالل كامل هذه الفترة‬ ‫تقريبا‪ ،‬باعتبار أن كل ما جاء من بعده لم يكن إال‬ ‫مجرد تنقيحات له‪ .‬فقد «صدر في القسم الرسمي‬ ‫من الرائد التونسي عدد ‪ 3‬السنة ‪ 33‬يوم اخلميس‬ ‫‪ 21‬جمادى الثانية ‪ 1309‬املوافق للتاسع من يوناير‬ ‫االفرجني ‪ 1893‬قانون تنظيم العسكر باألمر التالي‪:‬‬ ‫«وبعد‪ :‬فإنه ال يخفى ما كان صدر به األمر العلي‬ ‫املؤرخ في ‪ 15‬رجب ‪ 1276‬املتعلق بتنظيم العسكر‬ ‫وقد ظهر لزوم جمع فصوله في قانون واحد حيث‬ ‫وقع منذ بروزه تنقيح في كثير منها وبناء على ذلك‬ ‫صدر قانون به ‪ 73‬فصال موزعا على األقسام التالية‪:‬‬ ‫أحكام عمومية‪ :‬جاء في القسم األول التأكيد‬ ‫على سحب القرعة للحصول على العدد الالزم من‬ ‫العساكر ليكون النصاب العسكري تاما‪ ...‬ويجري‬ ‫هذا العمل على املسلمني باألوطان اجلاري بها سحب‬

‫‪ - 2‬نظام احلماية وتنقيحات نظام التجنيد‪:‬‬

‫انتصبت احلماية الفرنسية بتونس في ‪12‬‬ ‫ماي ‪ ،1881‬وقد بادرت سلطة االحتالل سنة ‪1883‬‬ ‫ومبقتضى اتفاقية املرسى‪ ،‬بإدخال اإلصالحات اإلدارية‬ ‫واملالية الالزمة لبسط نفوذها على كامل تراب البالد‪،‬‬ ‫ومن اإلجراءات التي اتخذتها في امليدان العسكري‬ ‫«حل اجليش التونسي وإدماج عناصره ضمن وحدات‬ ‫اجليش الفرنسي»‪ . 3‬وأصدرت طيلة الفترة املمتدة‬ ‫بني ‪ 1892‬و‪ 1946‬مجموعة من القوانني املنظمة‬ ‫لعملية جتنيد التونسيني في صفوف جيشها على‬ ‫غرار «قوانني ‪ ...1928 - 1904 - 1899 - 1892‬إال أن‬ ‫مختلف هذه القوانني تعود في جذورها إلى القانون‬

‫‪ - 1‬آيت ميهوب (علي)‪« ،‬جتنيد التونسيني في اجليش الفرنسي أثناء فترة احلماية»‪ ،‬اجمللة التونسية للتاريخ العسكري‪ ،‬عدد ‪ ،04‬جوان ‪ ،2014‬ص ‪.56‬‬ ‫‪ - 2‬بنبلغيث (الشيباني)‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪ - 3‬آيت ميهوب (علي)‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪550‬‬ ‫‪ - 4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫‪ - 5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.55‬‬ ‫‪42‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫القرعة وحددت خدمة العسكر بعامني‪« :‬ويحل‬ ‫محلهم بواسطة سحب القرعة ملن بلغ ثماني‬ ‫عشرة سنة إلى ‪ 26‬ويدوم الشاب في اخلدمة ثماني‬ ‫سنوات‪ . 1»...‬لقد شملت التنقيحات التي جاء بها‬ ‫قانون ‪ 1892‬كما يالحظ السن ومدة اخلدمة‪ ،‬ومدة‬ ‫االحتياط‪ ،‬لكن ذلك لم ميس بشكل جوهري مضمون‬ ‫قانون ‪ ،1860‬ألنه كان يخدم بشكل أو بآخر مصالح‬ ‫فرنسا وحاجتها لألفراد اجملندين بشكل أساسي‪.‬‬ ‫يذكر الشيباني بنبلغيث أنه بالرغم من أن القانون‬ ‫اجلديد قد «احتفظ مبرجعية قانون عهد األمان‬ ‫كأساس ومنطلق للقرعة العسكرية في البالد‬ ‫التونسية‪ ،‬فإنه من الواضح أن هذا القانون يعتبر أول‬ ‫تغيير حقيقي في الشؤون العسكرية خالل عهد‬ ‫احلماية وقد جاء التغيير في إستراتيجيته العامة‬ ‫وفقا لتصور جيش االحتالل في االستفادة من عناصر‬ ‫اجلند التونسي لقوته العسكرية‪ .‬ورغم التنقيحات‬ ‫العديدة خالل الثماني سنوات املاضية فإن ذلك كما‬ ‫يبدو لم يكن كافيا ملتطلبات االحتالل املتزايدة في‬ ‫هذا الشأن‪ .‬ومن أهم التطورات التي وردت في هذا‬ ‫القانون‪ :‬حتديد العمل العسكري بعامني‪ ،‬حتديد‬ ‫مدة عمر القرعة بني ‪ 18‬و‪ 26‬سنة‪ ، 2‬تقنني اختالط‬ ‫جلنة القرعة من التونسيني والفرنسيني‪ ،‬العناصر‬ ‫التونسية املنزلة بآالي الترايور والسباييس جترى‬ ‫عليهم أحكام القانون العسكري الفرنسي‪ ...‬وفتح‬ ‫هذا القانون الباب أمام مزيد من التغييرات في هذا‬ ‫اجملال حيث توالت القوانني املنبثقة عنه كالتوسع‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫في مواطن القرعة والتعويض املالي وحتديد العمر‬ ‫ثم أصبح هذا القانون املرجعية‬ ‫وامتحان الطلبة‪ .‬ومن َ‬ ‫األساسية لكل ما جاء بعده من قوانني وأصبح‬ ‫واضحا احتواء سلطة احلماية لعملية انتداب اجلنود‬ ‫التونسيني بكل تفاصيلها حتى لم يبق من القانون‬ ‫القدمي إال اإلطار العام واالسم التونسي»‪. 3‬‬ ‫لقد وقع تفسير حرص فرنسا في متسكها‬ ‫بجوهر قانون ‪ ،1860‬عندما أصدرت قانون ‪،1892‬‬ ‫مبجموعة من العوامل‪ ،‬فهناك من يرى أنها حافظت‬ ‫على قانون «صادر عن باي البالد‪ ،‬مقبول عموما من‬ ‫التونسيني»‪ ،4‬ورمبا كانت هناك «خشية من رفض‬ ‫التونسيني اخلدمة في قواتها‪ ،‬واخلشية من املطالبة‬ ‫‪5‬‬ ‫بنفس احلقوق التي متنح للمجندين الفرنسيني‪»...‬‬ ‫وهناك من يرى أن فرنسا « لم تبق من قوانني عهد‬ ‫األمان ساري املفعول عند تنفيذ حمايتها على تونس‬ ‫إال ما كان يخدم مصلحتها بشكل مباشر وأهمها‬ ‫االحتفاظ بقانون القرعة العسكرية للتونسيني‬ ‫وذلك إلدخالهم حتت العلم املزدوج جليش االحتالل‬ ‫ألهداف تراها قريبة وبعيدة‪ .‬واحتفظت بهذا القانون‬ ‫ألهداف استعمارية بحتة تتمثل في اآلتي‪:‬‬ ‫ استغالل العنصر البشري التونسي في تدعيم‬‫سلطتها في الداخل واخلارج في احلرب والسلم؛‬ ‫ إغراء من تستطيع إغراءه من الشباب بالشغف‬‫مبظاهر احلياة الفرنسية‪. 6»...‬‬ ‫بصفة عامة‪ ،‬مكنت مجموع القوانني والتنقيحات‬ ‫واإلجراءات التي اعتمدتها فرنسا بني ‪ 1883‬و‪1946‬‬

‫‪ - 1‬بنبلغيث (الشيباني)‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.163-164‬‬ ‫‪« - 2‬وقع التمديد في مدة التجنيد سنة ‪ 1899‬إلى ‪ 3‬سنوات ومدة االحتياط إلى سبع سنوات حسب مرسوم سنة ‪ ،1904‬فإنه وقع التقليص‬ ‫في مدة اخلدمة إلى سنتني من جديد مبقتضى مرسوم ‪ 18‬أفريل ‪ ،1946‬ذكره آيت ميهوب (علي)‪« ،‬جتنيد التونسيني ‪ ،»...‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.75 - 72‬‬ ‫‪ - 3‬بنبلغيث (الشيباني)‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.168 - 167‬‬ ‫‪ - 4‬آيت ميهوب (علي)‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫‪ - 5‬املرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 6‬بنبلغيث (الشيباني)‪ ،‬نفس املرجع ‪ ،‬ص ‪.302‬‬ ‫‪43‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫على األقل من جتنيد عدد هام من الشباب التونسي‪،‬‬ ‫ودفعهم إلى العمل ضمن قواتها في الداخل واخلارج‪،‬‬ ‫وبالتالي خدمة مصاحلها العسكرية والتوسعية‪،‬‬ ‫وقد ارتفع عدد اجملندين التونسيني من سنة إلى أخرى‪،‬‬ ‫خاصة وقد توسعت عمليات القرعة لتشمل كامل‬ ‫البالد تقريبا باستثناء العاصمة واجلنوب الشرقي‬ ‫(اعتبر ترابا مخزنيا تتشكل منه فرق اخليالة حلراسة‬ ‫احلدود)‪ ،‬فقد «انتظمت قرعة العسكر كل سنة دون‬ ‫انقطاع‪ .‬ورغم أن العدد املطلوب كل سنة لم يكن‬ ‫كبيرا خالل القرن التاسع عشر وتراوح بني ‪1500‬‬ ‫و‪ 2000‬جندي فإنه مع بداية القرن العشرين ارتفع‬ ‫باستمرار وقفز مع بداية نذر احلرب األولى حتى وصل‬ ‫سنة ‪ 1917‬إلى أكثر من ‪ 15000‬جندي وبدأ استدعاء‬ ‫الرديف األهلي كل سنة عالوة على من صادفتهم‬ ‫القرعة»‪ . 1‬وميكن من خالل األرقام املوالية تتبع مدى‬ ‫تطور عملية جتنيد التونسيني خالل فترة االحتالل‪،‬‬ ‫علما وأن هذه األرقام ال تشمل املتطوعني وجيش‬ ‫االحتياط الذي يقع استدعاؤه أثناء فترات احلروب‪:‬‬ ‫ العدد اجلملي للمجندين التونسيني‬‫‪2270 :1883‬‬ ‫‪1575 :1893‬‬ ‫‪1486 :1903‬‬ ‫‪2780 :1914‬‬ ‫‪ 10252 :1918 – 1917‬و ‪13227‬‬ ‫‪6300 :1922‬‬ ‫‪5024 :1930‬‬ ‫‪6693 :1939‬‬ ‫‪6815 :1945-1946‬‬ ‫‪6554 :1950‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪6184 :1954‬‬ ‫‪ - 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.303‬‬ ‫‪ - 2‬آيت ميهوب (علي)‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.75 - 72‬‬ ‫‪ - 3‬الرائد الرسمي التونسي‪ 4 ،‬ماي ‪.1956‬‬ ‫‪ - 4‬الرائد الرسمي التونسي‪ 12 ،‬جوان ‪.1956‬‬

‫ثانيا ‪ -‬تنظيم اجليش مع بداية عهد الدولة‬ ‫املستقلة‪:1962 - 1956 :‬‬ ‫املؤسسة للجيش التونسي سنة ‪:1956‬‬ ‫‪ - 1‬القوانني‬ ‫َ‬ ‫بادرت السلطة الوطنية التي تشكلت إثر‬ ‫انتخابات مارس ‪ ،1956‬إلى الشروع بشكل فوري‬ ‫في استكمال إجراءات استعادة السيادة الوطنية‪،‬‬ ‫وممارسة دورها في فرض األمن على كامل تراب‬ ‫البالد‪ ،‬ومن مظاهر ذلك استعادة السلطة األمنية‬ ‫وتونستها في ‪ 18‬أفريل ‪ 1956‬بالنسبة إلى األمن‬ ‫الوطني‪ ،‬و‪ 6‬سبتمبر ‪ 1956‬احلرس الوطني‪ ،‬ومت إحداث‬ ‫مجالس تيقظ للمساهمة في فرض األمن في ‪31‬‬ ‫مارس ‪ ،1956‬وفي اجملال العسكري صدر أمر علي‬ ‫في ‪ 3‬ماي ‪ 1956‬يتعلق بإرجاع وتنظيم وزارة الدفاع‬ ‫الوطني‪ ،‬من أهم فصوله الفصلني التاليني‪:‬‬ ‫ الفصل ‪ ،1‬أعيدت وزارة احلربية وسميت وزارة‬‫الدفاع الوطني‬ ‫ الفصل ‪ ،6‬أحدث مجلس وطني للدفاع مكلف‬‫بتقرير الوسائل الالزمة لتباشر تونس مسؤولياتها‬ ‫في ميدان الدفاع واألمن» ‪.3‬‬ ‫وفي إطار االستعداد إلحداث اجليش الوطني‬ ‫صدر يوم ‪ 2‬جوان ‪ 1956‬قرار من الوزير األكبر (احلبيب‬ ‫بورقيبة)‪ ،‬يتعلق بإحداث جلنة استشارية للخبراء‬ ‫العسكريني تشتمل على ضباط وضباط أقدمني‬ ‫تونسيني من مختلف األسلحة‪ ،‬تتكفل بدراسة‬ ‫الوسائل الفنية لتحقيق إنشاء اجليش التونسي‪. 4‬‬ ‫ووقع استعراض الدفعة األولى من عناصر هذا‬ ‫اجليش يوم ‪ 24‬جوان ‪ ،1956‬وإثر ذلك صدر األمر‬ ‫العلي الذي يتعلق بإحداث جيش تونسي‪ ،‬في‬

‫‪44‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫والتابعة لوزارة الداخلية؛‬ ‫*التشكيالت النظامية لرجال الوجق واخملازنية؛‬ ‫* الضباط وضباط الصف واجلنود الذين وضعوا‬ ‫حتت تصرف احلكومة التونسية من قبل السلط‬ ‫الفرنسية وعددهم ‪1300‬؛‬ ‫* الشبان من حصتي ‪ 1954‬و ‪ 1955‬البالغ عددهم‬ ‫‪ 3000‬شاب‪ ،‬مجهزين بــــ ‪ 200‬سيارة و‪ 4‬مدافع‬ ‫و‪ 5‬قاذفات وهي أسلحة أمريكية تعود إلى احلرب‬ ‫العاملية األولى»‪. 2‬‬ ‫هكذا ميكن القول إن أمر ‪ 30‬جوان ‪ 1956‬لم يتوجه‬ ‫إال إلى مسألة وحيدة وهي كيفية جتميع بعض‬ ‫القوات ذات الصبغة األمنية والعسكرية ودمجها‬ ‫معا بهدف إحداث النواة األولى من اجليش التونسي‪،‬‬ ‫ولم يقع التالي إلغاء التشريعات املتبعة في التجنيد‬ ‫والتي وقع العمل بها خالل فترة االحتالل‪ ،‬ورمبا متتد‬ ‫جذورها إلى سنة ‪ ،1860‬وأمام هذه النقيصة إن جاز‬ ‫القول بادرت احلكومة في ظرف ستة أشهر بعد ذلك‬ ‫إلى سن قانون جديد للتجنيد واخلدمة العسكرية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬أمر ‪ 10‬جانفي ‪ 1957‬أمر يتعلق بسن قانون‬ ‫التجنيد وتنظيم اجليش‪:‬‬ ‫اشتمل هذا القانون على ستة وعشرين فصال‪،3‬‬ ‫تتعلق بعملية التجنيد وتنظيم اجليش التونسي‬ ‫بصفة عامة‪ ،‬وميكن القول من خالل دراسة مجموع‬ ‫هذه الفصول بأنه قطع مع موروث قانون التجنيد‬ ‫لسنة ‪ 1860‬وقوانني فترة احلماية والتنقيحات‬ ‫املتصلة بها‪ ،‬ومن مظاهر القطع أو التجديد التي‬ ‫أقرها هذا القانون‪ ،‬هو أنه جعل من االنتداب في‬ ‫صفوف اجليش خدمة وطنية وفرض على كل مواطن‬

‫‪ 30‬جوان ‪ ،1956‬وقد تض َمن ثالثة فصول فحسب‪،‬‬ ‫متحورت خاصة حول الفصل األول الذي َ‬ ‫ركز أساسا‬ ‫على تشكيل عناصر اجليش خالل هذه املرحلة‪ ،‬دون‬ ‫اخلوض في مسائل أخرى كالسن‪ ،‬وطريقة االنتداب‪،‬‬ ‫ومدة اخلدمة العسكرية‪ ،‬وغيرها من املسائل‪ ،‬وهو‬ ‫ما يدل على احلاجة املتأكدة وامللحة لضرورة تشكيل‬ ‫هذه القوة أوال‪ ،‬مبا يتوفر من قوات مجندة ثم االلتفات‬ ‫الحقا إلى اجلوانب التنظيمية‪ ،‬ولذلك جاءت صياغة‬ ‫الفصل األول كما يلي‪:‬‬ ‫الفصل األول‪« :‬يتركب اجليش التونسي من‬ ‫العناصر اآلتي بيانه‪ ،‬أوال عساكر عستنا املصونة‪،‬‬ ‫ثانيا‪ :‬شبان حصتي عام ‪ 1954‬وعام ‪ ...1955‬وزيادة‬ ‫على ذلك فإنه ميكن االلتجاء إما بطريقة التجنيد‬ ‫حلصة ‪ 1956‬وإما بطريقة اإلدماج للهيئات املكلفة‬ ‫بحفظ األمن العمومي بالبوادي والتابعة لوزارة‬ ‫الداخلية‪ ،‬وإما عند االقتضاء بطريقة إدماج اإلطارات‬ ‫والعساكر الداخل جميعها حتت أحكام األمر املؤرخ‬ ‫في ‪ 26‬أوت ‪ 1910‬والراجع جميعها على ذمة احلكومة‬ ‫التونسية‪.1 »...‬‬ ‫لقد أُحدث اجليش التونسي مبقتضى أمر ‪ 30‬جوان‬ ‫‪ ،1956‬من العناصر التي كانت في اخلدمة الفعلية‪،‬‬ ‫وقد مت جتميعها من خمسة فروع تقريبا وقع تفصيلها‬ ‫حسب بعض الدراسات كالتالي‪:‬‬ ‫ « تكونت الدفعة األولى للجيش التونسي عام‬‫‪ 1956‬من ‪:‬‬ ‫*عناصر من احلرس امللكي الذين انصهروا في‬ ‫القوات املسلحة وعددهم ‪ 850‬بني ضباط وجنود؛‬ ‫*الهيئات املكلفة بحفظ األمن في البوادي‬

‫‪ - 1‬الرائد الرسمي التونسي‪ 30 – 29 ،‬جوان ‪.1956‬‬ ‫‪ - 2‬وزارة الدفاع الوطني‪ ،‬اجليش التونسي عبر العصور‪ ،‬دار أليف للنشر‪ ،‬تونس‪ ،2006 ،‬ص ‪.214 - 213‬‬ ‫‪ - 3‬الرائد الرسمي التونسي عدد ‪ 22 ،7‬جانفي ‪.1957‬‬ ‫‪45‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫تونسي‪ ،‬وبالتالي التخلي عن مبدأ القرعة الذي كان‬ ‫معموال به منذ سنة ‪ 1860‬وإلى غاية صدور هذا‬ ‫النص‪ ،‬وقد وقعت بلورة هذا املبدأ من خالل ‪:‬‬ ‫«الفصل ‪ - 1‬اخلدمة العسكرية الشخصية فرض‬ ‫على كل مواطن تونسي بلغ من العمر عشرين عاما‬ ‫ماعدا في صورة السقوط البدني الواقع إثباته بصفة‬ ‫رسمية»‪ . 1‬من مظاهر التجديد أيضا ومثلما يالحظ‪،‬‬ ‫أنه وقع حتديد سن معينة بالنسبة للمدعوين إلى‬ ‫التجنيد‪ ،‬فأصبحت تشمل فقط من بلغوا العشرين‬ ‫سنة فقط بدال من ‪ 18‬وإلى ‪ 32‬سنة أو من ‪ 18‬وإلى‬ ‫‪ 26‬سنة كما كان معموال به في قوانني ‪ 1860‬أو فترة‬ ‫احلماية‪ .‬وألغى الفصل الثالث مسألة اإلعفاءات‬ ‫واالستثناءات التي كانت معتمدة سابقا بالنسبة‬ ‫إلى بعض اجلهات أو الفئات وكذلك التعويض املالي أو‬ ‫البدني‪ ،‬ولم يعد اإلعفاء من التجنيد مينح إال لسبب‬ ‫وحيد وهو السقوط البدني الذي يقره األطباء‪:‬‬ ‫الفصل ‪ - 3‬اخلدمة العسكرية سوية بني عموم‬ ‫الناس وال وجه لإلعفاء منها إال بسبب سقوط بدني‬ ‫مينع من القيام بعمل في اجليش أو في املصالح‬ ‫الفرعية»‪ . 2‬وتضمن الفصل الرابع مسألة جوهرية‬ ‫أخرى وهي حتديد مدة اخلدمة الفعلية ومدة االحتياط‪،‬‬ ‫فبعد أن كانت تدوم ملدة ثماني سنوات‪ ،‬ثم سنتني‬ ‫وثالث سنوات‪ ،‬وقع التخفيض فيها إلى سنة واحدة‬ ‫فقط كما شمل التحوير مدة االحتياط كما ورد في‬ ‫الفصل املشار إليه‪:‬‬ ‫«الفصل ‪ - 4‬املدة الكاملة للخدمة العسكرية‬ ‫قدرها ثالثون عاما موزعة بالكيفية اآلتية‪ :‬اخلدمة‬ ‫املباشرة‪ -‬عام واحد؛ حالة اإلرجاء ‪ -‬أعوام ‪4‬؛ االحتياط‬ ‫‪ - 1‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الرائد الرسمي التونسي عدد ‪ 22 ،7‬جانفي ‪.1957‬‬ ‫‪ - 3‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬املصدر نفسه‪.‬‬

‫األول‪ -‬أعوام ‪15‬؛ االحتياط الثاني ‪ -‬أعوام ‪.10‬‬ ‫مدة اخلدمة الزائدة التي يقوم بها في اخلدمة‬ ‫املباشرة واجملدد واملسخر تطرح عن مدة اإلرجاء‬ ‫أو من مدة االحتياط األول والثاني»‪ . 3‬أما بالنسبة‬ ‫إلى عملية التجنيد ككل‪ ،‬فقد شهدت بدورها‬ ‫بعض التحويرات‪ ،‬فبدال من االلتجاء إلى عناصر غير‬ ‫نظامية لدعم القوة املتوفرة مثل اخملازنية وغيرها‬ ‫من الفرق‪ ،‬فقد سمح القانون اجلديد ومبقتضى‬ ‫الفصل الثاني للسلطة املعنية وعند االقتضاء إلى‬ ‫توفير قوات إضافية من خالل فتح باب التطوع في‬ ‫صفوف اجليش والتجنيد والتسخير وذلك باإلضافة‬ ‫إلى احلصة السنوية التي يضبطها القانون‪:‬‬ ‫الفصل ‪ - 2‬يقع جتديد اجليش‪:‬‬ ‫‪ - 1‬بدعوة احلصة السنوية؛‬ ‫‪ - 2‬بالتطوع والتجنيد والتسخير؛‬ ‫يضبط وزيرنا األكبر‪ ،‬رئيس احلكومة كل سنة‬ ‫أهمية من يقع جتنيدهم حسب الصيغ املبينة أعاله‪.‬‬ ‫كل تونسي غير خاضع لواجبات األحكام أعاله‬ ‫ميكن دعوته فرديا بصفة مسخر مدني ليقع‬ ‫استخدامه زمن احلرب في خطة إدارية أو اقتصادية‬ ‫ماعدا في صورة السقوط املطلق‪ ،4‬وضبطت‬ ‫الفصول من ‪ 5‬إلى ‪ 8‬شروط التطوع في صفوف‬ ‫اجليش وخاصة من حيث مراعاة عامل السن‪ ،‬ومدة‬ ‫اخلدمة الفعلية في اجليش السابقة للتطوع‪ ،‬أما‬ ‫الفصول من ‪ 9‬إلى ‪ 21‬فقد اهتمت مبسألة الرتب‬ ‫العسكرية والدرجات ومدة اخلدمة للحصول على‬ ‫الترقيات وشروطها وكذلك سن التقاعد بالنسبة‬ ‫إلى كل رتبة وخطة (وقع حتديدها بني ‪ 45‬سنة و‪62‬‬

‫‪46‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫امللكي في إطارات اجليش‪.‬‬ ‫الفصل ‪ 1‬يجوز تسمية الضباط املنتمني إلى‬ ‫احلرس امللكي املباشرين في تاريخ غرة أفريل ‪1957‬‬ ‫وذلك بطريق االختيار داخل إطارات اجليش حسب‬ ‫الشروط املنصوص عليها بهذا األمر‪.‬‬ ‫الفصل ‪ 2‬يجوز تسمية الضباط املنتمني إلى‬ ‫احلرس امللكي املباشرين في تاريخ تطبيق أمرنا هذا‬ ‫في إحدى وحدات اجليش وذلك بطريق االختيار‪ ،‬إما‬ ‫في نفس املرتبة وفي الدرجة التي تخول رقما قياسيا‬ ‫مساويا أو أعلى بقليل‪ ،‬وإما في مرتبة دنيا وفي درجة‬ ‫تخول رقما قياسيا مساويا أو أعلى بقليل من الرقم‬ ‫الذي كانوا يتمتعون به في مرتبتهم القدمية‪.‬‬ ‫الفصل ‪ 3‬يجوز تسمية الضباط املنتمني إلى‬ ‫احلرس امللكي املباشرين خطة معينة في تاريخ‬ ‫تطبيق أمرنا هذا وذلك بطريق االختيار ضباطا أعوانا‬ ‫باجليش بدون أن ميكن لهم أن يفوتوا أثناء ترقياتهم‬ ‫في الوظيف الدرجة اخلامسة من مرتبة يوزباشي‬ ‫ويبقون يتمتعون في حالتهم اجلديدة وبصفة‬ ‫شخصية باملرتب اخملول ملرتبتهم القدمية»‪ .1‬وخالل‬

‫سنة حسب الرتب)‪ ،‬إال أن القانون احتفظ تقريبا‬ ‫بنفس التسميات للرتب والوظائف العسكرية‬ ‫التي كانت مستخدمة في القوانني السابقة‪ ،‬سواء‬ ‫بالنسبة إلى الضباط أو اجلنود ومن بينها تسمية‬ ‫«أمير آالي – قائم مقام‪ -‬صول قالصي ‪ -‬باش شاوش‬ ‫أول‪ -‬باش شاوش ‪ -‬امباشي‪. 1»...‬‬ ‫وحجر الفصل ‪ 22‬على اجملندين والضباط النشاط‬ ‫َ‬ ‫السياسي أو اجلمعياتي مهما كان نوعه خالل مدة‬ ‫اخلدمة العسكرية‪ ، 2‬واهتمت بقية الفصول بترتيب‬ ‫املسائل االجتماعية واملادية للعسكريني ومن بينها‬ ‫أ َن اجملنَد ملدة سنة بإمكانه احلصول على أجرة يومية‬ ‫يقع حتديدها بأمر من الوزير األكبر ووزير املال‪ ،‬وكذلك‬ ‫حقهم في الرعاية الصحية في املستشفيات‬ ‫ومراكز الصحة العسكرية أو املدنية‪ ،‬بحيث أنه‬ ‫ضمن مجموعة من احلقوق تتجاوز بكل تأكيد ما‬ ‫كان متاحا في السابق‪.‬‬ ‫واستمرت السلطة القائمة‪ ،‬في مزيد تنظيم‬ ‫اجليش وترتيب صفوفه خالل سنة ‪ ،1957‬ففي ‪12‬‬ ‫أفريل ‪ 1957‬صدر «أمر علي يتعلق بإحلاق احلرس‬

‫‪ - 1‬مصطلحات الرتب العسكرية‪ - 1" :‬مشير‪ :‬اختص بهذه الرتبة البايات ابتداء من أحمد باي وقد منحها له السلطان؛‬ ‫‪ - 2‬أمير أمراء‪ :‬وتعني فريق وهذه الرتبة لكبار الضباط وحتى أصحاب املناصب السياسية الكبرى؛‬ ‫‪ – 3‬أمير لواء أي قائد اللواء الذي هو جزء من الفرقة العسكرية؛‬ ‫‪ - 4‬أمير آالي‪ :‬عقيد وتعني قائد اللواء الذي هو جزء من الفرقة العسكرية؛‬ ‫‪ - 5‬قائم مقام‪ :‬مقدم أو من ينوب عن العقيد؛‬ ‫‪ - 6‬آالي أمني‪ :‬غير واضح الرتبة واملهمة بالضبط‪ ،‬ولكنه عادة يحسب من الضباط الكبار في االمتيازات واملنح وعالماته املميزة مثل‬ ‫القائم مقام ويقابله بالفرنسية ‪Le gros major‬؛‬ ‫‪ - 7‬بينباشي‪ :‬رائد؛‬ ‫‪ - 8‬صاغ قول اغاسي‪ :‬مساعد اليمني؛‬ ‫‪ - 9‬يوزباشي‪ :‬نقيب؛‬ ‫‪ - 10‬مالزم أول‪ :‬هذه الرتبة متنح عادة ملن يتخرج من املدارس احلربية برتبة ضابط صف؛‬ ‫‪ - 11‬مالزم؛‬ ‫‪ - 12‬صول قالسي‪ :‬مساعد اليسار؛‬ ‫‪ - 13‬باش شاوش‪ :‬عريف أول؛‬ ‫‪ - 14‬بلوك أمني أو شاوش‪ :‬عريف؛‬ ‫‪ - 15‬أونباشي‪ :‬رقيب»‪ ،‬ذكره بنبلغيث (الشيباني)‪ ،‬أضواء على التاريخ العسكري في تونس من ‪ 1837‬إلى ‪ ،1917‬مكتبة عالء الدين‪،‬‬ ‫صفاقس‪ ،‬تونس‪ ،2003 ،‬ص ‪.314‬‬ ‫‪ - 2‬الرائد الرسمي التونسي عدد ‪ 22 ،7‬جانفي ‪.1957‬‬ ‫‪47‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫مالزم أول وقع تعيني محمد بن محمد بن محمد‬ ‫كرمي وشلبي بن علي شلبي وفي رتبة يوزباشي من‬ ‫الدرجة الثانية عني كبير بن محمد احملرزي والعربي‬ ‫بن محمد الشريف‪.3»...‬‬ ‫وفي ‪ 14‬جوان ‪ 1957‬صدرت تنقيحات على األمر‬ ‫املؤرخ في ‪ 10‬جانفي ‪ 1957‬اشتملت على فصل‬ ‫وحيد‪« :‬ميكن إلحداث بادئ األمر إطارات اجليش‬ ‫التونسي صدور تسميات الضباط املباشرين وضباط‬ ‫الصف النظاميني وضباط الصف في مختلف الرتب‬ ‫وترقياتهم فيها بطريقة االختيار خالفا ملقتضيات‬ ‫أحكام القانون األساسي املسطرة أعاله»‪ . 4‬ولم‬ ‫تتضمن التنقيحات الصادرة خالل سنة ‪،1962‬‬ ‫تغييرات كبرى‪ ،‬بل اقتصرت على كيفية التسمية‬ ‫والترقية في بعض اخلطط وخاصة بالنسبة إلى‬ ‫العساكر وهيئة ضباط الصف‪ ،‬والتي أصبحت‬ ‫تشترط مدة معينة من الدراسة في املدرسة احلربية‬ ‫كشرط لالرتقاء مثال‪. 5‬‬ ‫لقد كانت سنة ‪ ،1957‬وكما يتضح من خالل‬ ‫مجموع‪ ،‬هذه القوانني واألوامر والقرارات‪ ،‬ذات‬ ‫أهمية كبرى بالنسبة إلى اجليش التونسي‪ ،‬فللمرة‬ ‫األولى يصدر قانون يتصف بالعدالة واإلنصاف‪، 6‬‬ ‫في ما يتعلق بعملية االنتداب في صفوف اجليش‪،‬‬ ‫إذ أنه جعل منها واجبا على كل مواطن تونسي‬ ‫وذلك دون تفرقة فئوية أو جهوية‪ ،‬كما جعل منها‬ ‫خدمة وطنية موجهة للحفاظ على أمن البالد‬ ‫ومناعتها‪ ،‬وضمنت التنقيحات الواردة في هذا‬

‫شهر ماي من نفس السنة‪ ،‬صدر قرار من رئيس‬ ‫احلكومة وزير الدفاع الوطني في إعفاء مجموعة من‬ ‫الضباط القدامى‪ ،‬وقد شملت هذه العملية مختلف‬ ‫الرتب والدرجات‪ ،‬وطالت اإلعفاءات حوالي ‪ 14‬فردا‬ ‫بني ضباط عامني ومالزمني ومن بينهم األمير آالي‬ ‫الشاذلي بن احلاج بن البشير بوعزيز واألمير آالي عبد‬ ‫القادر بن محمد بن أحمد القفصي‪ ،‬والبيمباشي‬ ‫العفيف بن صالح بن حسن واليوزباشي سليمان بن‬ ‫صالح بن يونس وفي رتبة مالزم أول أعفي حوالي ‪8‬‬ ‫مالزمني ومن بينهم‪ :‬الطيب بن حميدة بن الطيب‬ ‫البراملي‪ ،‬عاللة بن محمد بن أحمد شعبان‪ ،‬أحمد بن‬ ‫مصطفى السماتي‪ ،‬مصطفى بن محمد بسيس‪.2»...‬‬ ‫واشتمل نفس العدد من الرائد على تسمية‬ ‫مجموعة من الضباط في رتب ودرجات مختلفة‪:‬‬ ‫«مبقتضى قرارات من الوزير األكبر رئيس احلكومة‬ ‫وزير الدفاع الوطني مؤرخة في ‪ 28‬شعبان ‪1376‬‬ ‫(‪ 30‬مارس ‪ )1957‬وقعت تسمية الضباط اآلتية‬ ‫أسماؤهم ابتداء من غرة أفريل ‪ ،»1957‬وقد اشتملت‬ ‫هذه القرارات على تعيينات في رتب ودرجات مختلفة‬ ‫من بينها‪:‬‬ ‫ قائم مقام الدرجة الثانية‪ :‬احلبيب بن احلاج‬‫حسن السقا‬ ‫ لرتبة بيمباشي الدرجة الثانية‪ :‬الهادي بن‬‫عباس بن علي ومحمد بن عمر بن دارجي والطاهر‬ ‫الصغير‪ ،‬وفي رتبة يوزباشي الدرجة الثالثة محمد‬ ‫بن الصادق الزائر ومحمد بن أحمد الضاوي‪ ،‬وفي رتبة‬

‫‪ - 1‬الرائد الرسمي التونسي‪ ،‬عدد ‪ 12 ،30‬أفريل ‪.1957‬‬ ‫‪ - 2‬الرائد الرسمي التونسي‪ 14 ،‬ماي ‪.1957‬‬ ‫‪ - 3‬الرائد الرسمي التونسي‪ 14 ،‬ماي ‪.1957‬‬ ‫‪ - 4‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ 14 ،‬جوان ‪.1957‬‬ ‫‪ - 5‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ ،‬عدد ‪ 16-20 ،58‬نوفمبر ‪.1962‬‬ ‫‪ - 6‬شعار تضمنه قانون ‪ ،1860‬لكن تطبيقه على أرض الواقع كان بعيدا جدا‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫وقعت تسميتهم خالل تلك السنة دورا محوريا‬ ‫بعد فترة قصيرة‪ ،‬فقد كان البعض منهم قادة‬ ‫ميدانيني إبان معركة اجلالء بني ‪ 19‬و ‪ 22‬جويلية‬ ‫‪ ،1961‬وساهم ضباط آخرون من بينهم في احملاولة‬ ‫االنقالبية التي وقعت خالل سنة ‪.1962‬‬

‫القانون وبقية القرارات امللحقة به خالل أشهر‬ ‫أفريل وماي وجوان ‪ ،1957‬مزيدا من التنظيم‬ ‫لقطاعات اجليش وطريقة انتداب إطاراته العليا‪،‬‬ ‫وكانت لهذه العملية بدورها تأثيرات مهمة‪ ،‬فقد‬ ‫لعب بعض الضباط والعناصر العسكرية الذين‬

‫اخلامتة‪:‬‬

‫شهدت القوانني املنظمة للجيش التونسي واخلدمة العسكرية‪ ،‬خالل الفترة املمتدة بني ‪ 1860‬و‪،1962‬‬ ‫تطورا هاما‪ ،‬فقد نقلت هذه القوانني عملية التجنيد وانتداب اجمل َندين خاصة‪ ،‬من وسيلة حلماية نظام‬ ‫البايات أوال‪ ،‬ومصالح فرنسا ثانيا إلى خدمة وطنية‪ ،‬يؤديها أبناء البلد في سبيل حماية وطنهم والدفاع‬ ‫عنه‪ ،‬ومت ذلك خاصة من خالل إصدار قانون جانفي ‪ ،1957‬كما ألغيت االستثناءات واإلعفاءات التي كانت‬ ‫متنح على أساس جهوي أو فئوي‪ ،‬وبالتالي إقرار مبدأ املساواة والعدالة بني أبناء الوطن‪ ،‬ولم تكن عملية‬ ‫بناء املؤسسة العسكرية إثر االستقالل هيَنة‪ ،‬فإلى جانب هذه السلسة من القوانني كان البد خالل هذه‬ ‫املرحلة ‪ ،1962 - 1956‬من البحث عن التمويالت وتوريد التجهيزات وإحداث مؤسسات التدريب والتكوين‪،‬‬ ‫وقد بذلت السلطة التونسية جهدا كبيرا في هذا اإلطار‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫الدعم الشعبي للثوار ولالجئني اجلزائريني‬ ‫باملناطق احلدودية بالشمال الغربي التونسي‬ ‫(‪)1962 - 1957‬‬

‫د‪ .‬موسى غفيري‬ ‫جامعة منوبة‬ ‫‪Résumé:‬‬

‫‪Cet article est un témoignage des personnes qui ont vécut les événements‬‬ ‫‪de la Révolution algérienne (fin des années cinquante et début des années‬‬ ‫‪soixante du siècle précédant). Pendant la guerre de libération du peuple‬‬ ‫‪algérien, les zones frontalières de Tunisie furent une véritable base arrière‬‬ ‫‪et se considéraient, en effet, comme un soutient ultime; logistique et‬‬ ‫‪matériel (transit des armes, hébergement et soins des combattants de‬‬ ‫‪l’Armée de Libération Nationale). Bien que la Tunisie fut, à l’époque, sous‬‬ ‫‪la colonisation française, les tunisiens n’ont épargné aucun effort pour‬‬ ‫‪soutenir le peuple algérien frère dans sa lutte pour la liberté.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫لقد استقبلت املناطق احلدودية التونسية – مبا في ذلك مناطق الشمال الغربي‪ -‬عددا هاما من الالجئني‬ ‫اجلزائريني إليها خالل ثورة التحرير الوطني‪ ،‬وآوتهم على مدى بعض السنني إلى حني انتهاء املواجهة بني‬ ‫الثوار واالستعمار والدخول في مفاوضات االستقالل (‪ .)1962‬وألن موضوع الدعم والتنسيق العسكري‬ ‫بني التونسيني والثوار اجلزائريني كان محل اهتمام عديد الدراسات بكثير من التفصيل‪ 1‬فقد ارتأينا‬ ‫التركيز على األشكال البسيطة – لكنها عميقة في مدلولها ‪ -‬للتضامن الشعبي مع الالجئني أكانت‬ ‫بطريقة واعية أو تلقائية‪ ،‬والتي تعكس في مضمونها أبعادا ومعان جوهرية متزج بني اجلانب األخالقي‬ ‫القيمي واجلانب الفلسفي واإلنساني واحلقوقي‪ .‬وقد اعتمدنا‪ ،‬باإلضافة إلى عدد من املراجع الهامة‪،‬‬ ‫بعض الشهادات احلية لشهود عيان تونسيني وجزائريني عاصروا تلك األحداث أو كانوا فاعلني فيها‪ .‬فما‬ ‫هي إذن أشكال الدعم والتضامن الشعبي التي أبداها التونسيون جتاه الثوار والالجئني اجلزائريني خالل‬ ‫تلك الفترة العصيبة؟‬ ‫‪ - 1‬كثيرة هي الدراسات والبحوث األكادميية باجلزائر وتونس التي اهتمت بهذا املوضوع وأعطته األولوية في مستوى العمل البحثي املتعلق‬ ‫بالتاريخ املعاصر‪ .‬انظر مثال‪ :‬عميرة علية الصغير وعدنان منصر‪ ،‬املقاومة املسلحة في تونس‪ ،‬ج‪ ،1956 - 1039 ،2‬منشورات املعهد العالي لتاريخ‬ ‫احلركة الوطنية‪ 2004 ،‬؛ حلمي غزواني‪ ،‬الطيب الزالق قائد املقاومة املسلحة بالشمال الغربي التونسي ‪ ،1956 - 1936‬ص ‪ 36‬وما بعدها؛ ملياء بوقرة‪،‬‬ ‫العالقات اجلزائرية التونسية (‪ ،)1964 - 1954‬أطروحة دكتورا‪ ،‬جامعة وهران‪.2007 ،‬‬ ‫‪50‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫‪ - I‬ظروف جلوء اجلزائريني إلى تونس ومنطلقات الدعم التونسي لهذه القضية‪:‬‬

‫‪ - 1‬ظروف جلوء اجلزائريني إلى تونس‪:‬‬

‫لقد أتت أفواج الالجئني اجلزائريني إلى تونس بعد سنة ‪ 1954‬على إثر تصاعد وتيرة املواجهات بني جيش‬ ‫التحرير الوطني اجلزائري واملستعمر الفرنسي الذي سلك سياسة القمع والتنكيل لثني عزائم الثوار‪ .‬فمن‬ ‫الناحية العسكرية‪ ،‬وعلى إثر تواتر عمل ّيات استهداف الفرنسيني مدنيني وعسكريني من قبل الثوار‪ ،‬عززت‬ ‫حكومة مونداس فرانس قواتها املسلحة باجلزائر إذ رفعت عددها في مارس ‪ 1955‬من ‪ 56000‬إلى ‪ 83400‬جندي‬ ‫ثم الحقا إلى ‪ 120000‬جنديا‪ . 1‬كما انخرط في عملية التنكيل هذه أيضا املعمرون الفرنسيون الذين شنوا في‬ ‫‪ 20‬و‪ 21‬أوت ‪ 1955‬هجوما كرد فعل تأديبي على عمل ّيات عسكرية قام بها اجلزائريون‪ ،‬راح ضحيته املئات من‬ ‫اجلزائريني وخاصة املدنيني العزل‪ . 2‬ورغم شتى أنواع التعذيب والتنكيل التي مارسها الفرنسيون جتاه املقاومني‬ ‫واملدنيني على حد سواء‪ 3‬فإن هذه السياسة لم تنجح في القضاء على املقاومة املسلحة‪.‬‬ ‫هذه التطورات اخلطيرة أجبرت جبهة التحرير الوطني اجلزائري على تعديل خطتها اإلستراتيجية في‬ ‫املقاومة‪ .‬فعلى إثر انعقاد مؤمتر صومام في ‪ 20‬أوت ‪( 1956‬وهو مؤمتر سري جلبهة التحرير)‪ ،‬شكل جيش‬ ‫التحرير هيئة أركان وحيدة عهد بها إلى كرمي بلقاسم وحتولت القاعدة الشرقية للجيش بتونس إلى قاعدة‬ ‫مركزية يشن انطالقا منها الغارات بصفة آمنة كما حدث سنة ‪ 1957‬حني نشبت معارك عنيفة في الريف‬ ‫مع اجليش اجلزائري‪ .‬وقد بلغ عدد اجلنود اجلزائريني على احلدود التونسية واملغربية ‪ 30.000‬جندي‪ 4‬وكان العدد‬ ‫املقدر جليش التحرير في تونس في مارس ‪ 1957‬في حدود ‪ 1000‬جندي ثم وصل هذا العدد في أوت ‪ 1962‬إلى‬ ‫‪ 22100‬جندي‪ . 5‬أما على الصعيد السياسي فاضطر زعماء «جلنة التنسيق والتنفيذ» بعد اعتقال بن مهيدي‬ ‫وإعدامه إلى مغادرة مدينة اجلزائر وااللتجاء إلى تونس حيث حولوا تنظيمهم هذه املرة لصالح الوفد املقيم‬ ‫باخلارج (‪ 9‬أعضاء منهم فرحات عباس) ‪.6‬‬ ‫أما على مستوى املدنيني فتسببت سياسة التنكيل التي اتبعتها فرنسا جتاههم في حصول عمليات‬ ‫نزوح جماعي في صفوفهم منذ سنة ‪ 1955‬باجتاه تونس‪ .‬وهنا نتحدث عن قضية الالجئني اجلزائريني الذين‬ ‫تدفقوا باآلالف بني سنة ‪ 1956‬و‪ 1958‬رغم أن عددهم بقي غير ثابت إذ يحصره البعض ما بني ‪ 75‬و‪ 80‬ألف الجئ‬ ‫يتركزون في مناطق مختلفة‪ ،‬بعضهم ال ميلك شهادة إقامة‪ ، 7‬ويرتفع العدد عند البعض اآلخر إلى ‪ 120‬ألف‬ ‫‪ - 1‬شارل روبير أجيرون‪ ،‬تاريخ اجلزائر املعاصرة‪ ،‬ترجمة عيسى عصفور‪ ،‬منشروات عويدات‪ ،‬بيروت‪-‬باريس‪ ،‬ط‪ ،1982 ،1‬ص ‪.162‬‬ ‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪319‬‬ ‫‪ - 3‬سعدي بزيان‪ ،‬جرائم فرنسا في اجلزائر من اجلنرال بوجو إلى اجلنرال أوساريس‪ .‬صفحات مظلمة من تاريخ االستعمار الفرنسي في اجلزائر‬ ‫من االحتالل ‪ 1830‬إلى االستقالل ‪ ،1962‬دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،2005 ،‬ص ‪ 55‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ملودي سهام‪ ،‬عالقة احلكومة الؤقتة بقيادات جيش التحرير الوطني (سيتمبر ‪- 1958‬مارس ‪ ،)1962‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في‬ ‫التاريخ احلديث واملعاصر‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واحلضارة اإلسالمية‪ ،2011 ،‬ص ‪.43‬‬ ‫‪ - 5‬عميرة علية الصغير‪ ،‬اليوسفيون وحترر املغرب العربي‪ ،‬تونس‪ ،2007 ،‬ص ‪.225‬‬ ‫‪ - 6‬شارل روبير أجيرون‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.318‬‬ ‫‪ - 7‬صالح عسول‪ ،‬الالجئون اجلزائريون بتونس ودورهم في الثورة ‪ ،1962 - 1956‬رسالة لنيل شهادة املاجستير في التاريخ احلديث‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬جامعة‬ ‫اخلاح خلضر باتنة‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،2009 ،‬ص‪.80‬‬ ‫‪51‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫الجئ‪ 50%،‬منهم كانوا دون ‪ 15‬سنة‪ ، 1‬فيما يرى آخرون أن العدد كان في حدود ‪ 130‬ألف الجئ‪ ، 2‬بل وصل عند‬ ‫دارسني آخرين إلى ‪ ،250.000‬بينهم ‪ 40.000‬يتيم (سنة ‪ 3)1957‬أو حتى إلى ‪ 300.000‬فردا‪ . 4‬ورغم هذا التباين‬ ‫في حتديد عدد الالجئني الختالف املصادر وصعوبة ضبط العدد في ظرفية الثورة كظرفية تاريخية وسياسية‬ ‫مضطربة‪ ،‬فالثابت أن عددهم بتونس كان كبيرا يعد باآلالف‪ ،‬نسبة عالية منهم استقرت بغار الدماء التي‬ ‫آوت ‪ 83‬ألف الجئ في حني لم يتجاوز عدد سكانها ‪ 15‬ألف نسمة‪ . 5‬وقد انقسمت العائالت اجلزائرية الوافدة‬ ‫إلى صنفني‪ :‬عائالت تضم الجئني فقط وعائالت أخرى تضم ضمنها ثوارا‪.6‬‬ ‫وبعيدا عن هذا التباين في حتديد العدد اجلملي لالجئني ‪ -‬الختالف املصادر املعتمدة‪ -‬فإن العدد عموما كان‬ ‫هاما مما طرح على الدولة املضيفة (تونس) حتديات سياسية وأمنية كبيرة‪ .‬ومن املناطق التي استقر بها هؤالء‬ ‫الالجئون املنطقة احلدودية بالشمال الغربي التونسي‪ ،‬من طبرقة شماال إلى الكاف جنوبا‪ .‬ويرجع استقرار‬ ‫هؤالء في هذه املنطقة لعدة أسباب‪ .‬فباإلضافة إلى القرب اجلغرافي‪ ،‬حرصت تونس املستقلة على تركيز‬ ‫الالجئني اجلزائريني على احلدود خشية قيامهم بتحركات خطيرة داخل التراب التونسي مبا يحول دون التحكم‬ ‫فيها والسيطرة عليها‪ .7‬ففي صائفة ‪( 1958‬جويلية‪-‬أوت) مثال وصل إلى تونس ‪ 2000‬الجئ جزائري‪290 ،‬‬ ‫منهم استقروا بغار الدماء‪ .‬وفور وصولهم إلى التراب التونسي وجد هؤالء مساعدة كبيرة من طرف الدولة‬ ‫التونسية‪ ،‬وذلك لعدة اعتبارات تاريخية وحضارية وسياسية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬منطلقات الدعم التونسي للقضية اجلزائرية‪:‬‬ ‫* الدعم الرسمي وغير الرسمي‪:‬‬

‫جتدر اإلشارة إلى أن دعم احلكومة التونسية للقضية اجلزائرية يندرج في واقع األمر ضمن سياق أوسع‬ ‫وأعم وهو الدعم الدولي والعربي‪ .‬فتأخر مفاوضات االستقالل بني اجلزائر وفرنسا قد جلب للقضية اجلزائرية‬ ‫تعاطف اجملتمع الدولي إذ لم متض سوى خمسة أشهر من اندالع الثورة اجلزائرية حتى بدأت هذه الثورة حتقق‬ ‫أولى االنتصارات الدبلوماسية من خالل الدعم الذي وجدته في مؤمتر باندونغ في ‪ 24‬أفريل ‪ ،1955‬كأول جتمع‬ ‫ملنظمة الدول األفرو‪-‬آسيوية‪ .‬فكل القوى املناهضة لالستعمار على اختالف قناعاتها وخلفياتها وأهدافها‬ ‫اإليديولوجية ناصرت هذه القضية‪ ،‬من ذلك مثال أن الصني الشعبية كانت أهم دولة خارج الوطن العربي تقدم‬ ‫مساعدات مادية وعسكرية وسياسية للثوار اجلزائريني‪ . 8‬وفي الفضاء العربي‪ ،‬كان الدور األساسي للدولة‬ ‫‪« - 1‬األطفال اجلزائريون الال ّجئون إلى تونس‪ :‬ذاكرة فوتوغرافية»‪ ،‬صحيفة «العربي اجلديد» (لندن)‪ 20 ،‬ماي ‪.2018‬‬ ‫‪ - 2‬عميرة علية الصغير‪ ،‬اليوسفيون‪ ،...‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.166‬‬ ‫‪ - 3‬جناة بن يحوب‪ ،‬الدعم العربي للثورة اجلزائرية من ‪ ،1962 - 1952‬مذكرة لنيل شهادة املاستر‪ ،‬اختصاص‪ :‬تاريخ معاصر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬كلية العلوم‬ ‫اإلنسانية واالجتماعية‪ -‬القطب شتمة‪ ،2013 ،‬ص‪.33‬‬ ‫‪ - 4‬صالح عسول‪ ،‬الالجئون اجلزائريون بتونس‪ ،...‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.81‬‬ ‫‪ - 5‬ملزيد التفاصيل حول هذا املوضوع‪ ،‬انظر‪ :‬محمد الوصلي الغماري‪ ،‬غار الدماء قاعدة خلفية للثورة اجلزائرية بامتياز (‪ ،)1962 - 1954‬املغاربي‬ ‫للدراسات والتحاليل‪.2019 ،‬‬ ‫‪ - 6‬عامر عبد اهلل بن بلقاسم السومري‪ ،‬لقاء مباشر يوم ‪.2018/ 9/ 25‬‬ ‫‪ - 7‬صالح عسول‪ ،‬الالجئون اجلزائريون بتونس‪ ،...‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫‪ - 8‬بخصوص الدعم الصيني للقضية اجلزائرية‪ ،‬انظر خاصة‪ :‬د‪ .‬فايزة كاب‪« ،‬الثورة اجلزائرية بعيون صينية (‪ ،»)1962 - 1954‬صحيفة الشعب‬ ‫اليومية أونالين‪ 31 ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬ ‫‪52‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫التونسية املستقلة وإن كان الدعم السياسي والعسكري ملصر هاما إذ كانت القيادة اجلزائرية تنشط على‬ ‫األراضي املصرية وكانت آالف قطع السالح متر منها إلى اجلزائر عبر احلدود التونسية‪. 1‬‬ ‫هاما‬ ‫أما من اجلانب التونسي‪ ،‬ونظرا لعدة اعتبارت تاريخية وحضارية وجغراسياسية‪ ،‬فكان الدعم احلكومي ّ‬ ‫عسكر ّيا وماد ّيا وسياس ّيا‪ . 2‬وجتدر اإلشارة إلى أن الدعم التونسي انطلق مع املقاومة اليوسفية ثم واصلته‬ ‫دولة االستقالل فيما بعد خاصة على إثر االعتداءات الفرنسية على التراب التونسي مثل أحداث ساقية‬ ‫سيدي يوسف (‪ 8‬فيفري ‪ )1958‬ورمادة (‪ 25‬ماي ‪ . 3)1958‬وقد كانت القناعة سائدة لدى القيادة التونسية‬ ‫بأن استقرار الوضع بتونس يبقى رهني احلسم في القضية اجلزائرية‪ ،‬مبعنى حصول الشعب اجلزائري على‬ ‫استقالله‪ .‬هذا ما ع ّبر عنه احلبيب بورقيبة في خطاب له في ‪ 16‬أكتوبر ‪ 1958‬حني اعتبر بأن «أمن تونس من‬ ‫أمن اجلزائر‪ ،‬وأن تواصل احلرب اجلزائرية يهدد في العمق أمن تونس»‪ 4‬التي خرجت للت ّو من حتت االستعمار‬ ‫وتستعد خلوض معركة إعادة البناء التي تتطلب حدا أدنى من األمن واالستقرار‪.‬‬ ‫لكن رغم اخلطر الذي كان يهدد البالد من حدودها الشرقية والغربية‪ ،‬ورغم معاقبة فرنسا لتونس على‬ ‫مساعدتها للجزائر‪ ،‬فإن هذا األمر لم يثن القيادة التونسية على قرارها دعم هذا الشعب الشقيق على التحرر‬ ‫متهيدا إلقامة مشروع «املغرب العربي الكبير»‪ .‬كما أنها كانت تستحث املواطنني على واجب احلذر واألهبة‬ ‫حلماية تونس وحدودها طاملا ليس للبالد جيش قوي قادر على حمايتها‪ . 5‬وهكذا كانت الدبلوماسية التونسية‬ ‫تتأرجح بني البعد املغاربي وحماية النفس‪ .‬كما وجدت هذه القضية مساندة كبيرة من طرف الشخصيات‬ ‫واجلمعيات واملنظمات الوطنية التونسية مثل االحتاد العام التونسي للشغل واالحتاد العام لطلبة تونس‪، 6‬‬ ‫واتخذ التضامن الشعبي أشكاال مختلفة‪ ،‬من ذلك املساهمات املالية والعينية والقيام مبظاهرات ومسيرات‬ ‫مساندة‪ .7‬ولئن كانت هذه املساندة الرسمية وغير الرسمية ظرفية في عمومها فإن الدعم الذي لقيته هذه‬ ‫القضية من طرف سكان املناطق احلدودية بالشمال الغربي التونسي (كما ببقية املناطق احلدودية) كانت أشد‬ ‫وأعمق ألنهم في متاس مباشر ويومي مع الالجئني وفي كل تفاصيل احلياة اليومية‪.‬‬

‫‪ - 1‬جناة بن يحوب‪ ،‬الدعم العربي للثورة اجلزائرية‪ ،...‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫‪ - 2‬انظر مثال‪ :‬عميرة علية الصغير وعدنان منصر ‪ ،‬املقاومة املسلحة في تونس‪ ،‬ج‪ ،1956 - 1039 ،2‬منشورات املعهد العالي لتاريخ احلركة‬ ‫الوطنية‪ .2004 ،‬انظر كذلك‪..Amira Aleya Sgaier, «Les Tunisiens et la révolution…», op. cit. pp. 122 et suiv :‬‬ ‫‪3 - Gian Paolo, «Le bombardement de Sakiet-Sidi-Youssef et les péripéties de la politique tunisienne face à la guerre d’Algé‬‬‫‪rie», pp. 55-75, in Habib Belaid (textes réunis et présentés par), Processus et enjeux de la libération en Tunisie (1952-1964), Actes‬‬ ‫‪du colloque, Tunis, 1999‬‬ ‫‪4 - Bourguiba H., Discours, Tv, 1958-59, Publication du Secrétariat d’Etat à l’Information, Tunis, 1975, p. 69‬‬ ‫‪5 - Idem. p. 153.‬‬ ‫‪ - 6‬حبيب بن حسن اللولب‪« ،‬الدبلوماسية التونسية والثورة اجلزائرية بني ‪ ،1962 - 1955‬التحديات الرهانات»‪ ،‬دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬عدد‬ ‫‪ ،16‬جانفي ‪ ،2017‬ص‪.164 - 141‬‬ ‫‪ - 7‬راجع‪:‬‬ ‫‪Amira Aleya Sghaier, «Les Tunisiens et la révolution algérienne», in, Méthodologie de l’histoire des mouvements nationaux au‬‬ ‫‪Maghreb, FTERSI, Zaghouan 1998, pp. 109-135.‬‬ ‫‪53‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫* البعد التاريخي لهجرة اجلزائريني لتونس‪:‬‬ ‫كانت منطقة الشمال الغربي احلدودية في مقدمة املناطق التي احتضنت الثورة اجلزائرية ثوارا والجئني‪.‬‬ ‫وال غرابة في ذلك إذا أخذنا بعني االعتبار املعطى اجلغرافي‪ .‬فهذه املنطقة هي في متاس مباشر مع اجلزائر ال‬ ‫تفصلها عن حدودها سوى بعض الكيلومترات‪ ،‬وعملية التنقل بني اجلهتني ال تأخذ زمنا طويال وال تتطلب جهدا‬ ‫كبيرا‪ .‬فمن ناحية الثوار‪ ،‬تعتبر هذه املناطق إستراتيجية بالنسبة إلى العمليات العسكرية التي ينفذونها‬ ‫ضد أهداف فرنسية في العمق اجلزائري‪ .‬إلى هذا املعطى اجلغرافي ينضاف أيضا معطى تاريخي ال يقل أهمية‬ ‫في تفسير احتضان أهالي وسكان املناطق احلدودية لثورة التحرير اجلزائرية‪ .‬وهذا يحيلنا على احلديث عن دور‬ ‫التركيبة السكانية للمنطقة‪ ،‬وهي تركيبة أفرزتها مراحل كثيرة من التحوالت الدميغرافية عبر قرون بسبب‬ ‫احلركية السكانية التي اتسمت بها املناطق احلدودية لدواع طبيعية وسياسية وغيرها‪.‬‬ ‫وعلى هذا األساس لم تكن احلدود بني تونس واجلزائر متثل بالنسبة إلى هؤالء سوى حواجز إدارية هي في‬ ‫األصل صنيعة األنظمة السياسية املتعاقبة عبر التاريخ‪ ،‬وحتديدا من فعل االستعمار الفرنسي‪ .‬مبعنى آخر‬ ‫لم متنع هذه احلدود – والتي لم تكن ثابتة على مر العصور ‪ -‬من التواصل الكبير بني الشعبني بشريا كان‪ ،‬من‬ ‫خالل التنقل واملصاهرة‪ ،‬أو اقتصاديا من خالل التبادل التجاري اليومي أو من خالل التنقل لألسواق األسبوعية‬ ‫وبيع املنتوجات الفالحية من ماشية أو محاصيل زراعية أو شراء مستلزمات حياتية مختلفة‪ .‬ولهذا ميكن‬ ‫فهم الغياب شبه التام للسلطة املركزية في تونس في ضبط احلدود الغربية التي اقتصرت على ترسيم ‪1628‬‬ ‫والذي شمل املناطق الشمالية اخلصبة ولم يتجاوز وادي سراط (احلد الفاصل بني اإليالتني)‪. 1‬‬ ‫وتشير الدراسات أن منطقة املغرب قد شهدت حركية سكانية نشيطة على امتداد قرون لعدة أسباب‪،‬‬ ‫منها ما يتعلق بانتشار الطاعون‪ ،‬ومنها ما يتصل بالضغوطات االقتصادية والسياسية واألمنية وغيرها‪.‬‬ ‫وقد كان للعسف االستعماري الفرنسي دور أساسي في هجرة عديد السكان إلى تونس خاصة من املناطق‬ ‫احلدودية الشرقية مثل قسنطينة وسوق أهراس وتبسة ووادي سوف ومناطق جنوبية أخرى‪ .‬كما أن االستعمار‬ ‫قام بتفكيك اجملتمع القبلي اجلزائري بشكل ممنهج‪ ،‬ومهد األوضاع لالستحواذ على أكبر قدر ممكن من األراضي‪.2‬‬ ‫وباإلضافة إلى ذلك نشير إلى أن من بني القبائل الوافدة على البالد في القرن ‪ 18‬قبيلة زواوة التي متركز بعضها‬ ‫باملناطق احلدودية بالشمال الغربي‪. 3‬‬ ‫ومن نتائج هذه الهجرة الوافدة املكثفة أن تكاثر عدد اجلزائريني بالبالد خاصة سنة ‪ 1914‬إذ أصبحوا ميثلون‬ ‫طبقة واسعة في اجملتمع مقارنة ببقية اجلاليات املسلمة األخرى‪ .‬وقد بلغ عددهم ‪ 36‬ألف سنة ‪ 1921‬مقابل‬ ‫‪ 20‬ألف طرابلسية ‪ ،‬و‪ 4‬آالف مغاربة‪ ، 4‬ثم تطور العدد ليصل سنة ‪ 1937‬إلى ‪ 40816‬جزائري (وحسب إحصائيات‬ ‫القياد حوالي ‪ )18.218‬متركزوا بعني دراهم وباجة وسوق اإلربعاء (جندوبة حال ّيا) ومناطق أخرى‪ ،‬بل ويصل هذا‬ ‫‪ - 1‬إدريس رائسي‪ ،‬القبائل احلدودية التونسية اجلزائرية بني اإلجارة واإلغارة (‪ ،)1881 - 1830‬تونس‪ ،‬الدار املتوسطية للنشر‪ ،2016 ،‬ص ‪.11‬‬ ‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.24‬‬ ‫‪ - 3‬املاجري‪ ،‬عبد الكرمي‪ ،‬هجرة اجلزائريني والطرابلسية واملغاربة اجلواونة إلى تونس (‪ ،)1937 - 1831‬دراسة تاريخية إلشكالية االستعمار‬ ‫والهجرة املغاربية بتونس وخصوصياتها االجتماعية والقانونية‪ ،‬الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم‪ ،2010 ،‬ص ‪.34‬‬ ‫‪ - 4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫‪54‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫العدد ‪ -‬باعتبار من أجبروا على مغادرة اجلزائر دون تصريح من االدارة الفرنسية ‪ -‬إلى ما بني ‪ 75‬و‪ 80‬ألف‪ . 1‬وقد‬ ‫مثل هؤالء سنة ‪ 1946‬ما يعادل ‪ 3/ 2‬اجلاليات املسلمة األخرى بتونس‪. 2‬‬ ‫وقد اندمج هؤالء اجلزائريون في اجملتمع التونسي في مختلف املستويات‪ ،‬نسبة كبيرة منهم (‪ )% 35.5‬كانوا‬ ‫يشتغلون باملهن الشاقة كاخلبازة واجلزارة واحلدادة واخلياطة‪ ،‬وهناك أيضا املزارعون والعمال اليوميون وأصحاب‬ ‫األمالك والتجار‪ .‬كما ظهرت كذلك فئة مثقفة درست باملؤسسات التعليمية التونسية وخاصة منها جامع‬ ‫الزيتونة‪ ،‬ولعبت دورا كبيرا في التعريف بالقضية اجلزائرية‪. 3‬‬ ‫ثم إن جزءا من هذه اجلالية اختار االستقرار باملناطق احلدودية واندمج في اجملتمع احمللي من خالل األنشطة‬ ‫االقتصادية على اختالفها‪ ،‬ومن خالل املصاهرة‪ .‬ولم ينس هؤالء أصولهم بل كانوا في حركة دائمة ذهابا وإيابا‬ ‫إلى وطنهم األم‪ .‬وكانت تلك األرضية االجتماعية خلفية مالئمة بالنسبة إلى الالجئني اجلزائرين حني قدموا‬ ‫زمن ثورة التحرير بحيث استفادوا من نسيج العالقات التي أقامها أسالفهم منذ استقرارهم باملنطقة‪.‬‬ ‫مبعنى آخر‪ ،‬لم يكونوا غرباء على املنطقة مبا ميكن أن يكدر عليهم صفوهم ويزيد في تعميق أزمتهم ويعسر‬ ‫عليهم مهمتهم الوطنية‪ .‬وهذا ما نلسمه من خالل مختلف أشكال التضامن التي أبداها التونسيون جتاه‬ ‫هؤالء الالجئني‪. 4‬‬

‫‪ - 1‬مختلف أشكال الدعم الشعبي‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدعم األمني والعسكري‪:‬‬

‫ال نريد أن نتحدث عن الدعم العسكري للتونسي الرسمي منه أو غير الرسمي لثورة التحرير اجلزائرية‬ ‫ألنه كان محور اهتمام عديد الدراسات‪ . 5‬لكننا سنركز عن بعض املسائل البسيطة في تفاعل الناس مع‬ ‫الثوار في هذا املستوى‪ .‬معلوم أن الثوار اجلزائريني كانوا قد أحكموا تنظيمهم العسكري بشكل كبير جدا‬ ‫واجتهدوا على أن ال يتركوا ثغرة ميكن أن تضرب جهدهم وتنسف أحالمهم بالتحرر‪ .‬لذلك طبع تنظيمهم‬ ‫بكثير من السرية‪ .‬وعلى هذا األساس لم يكن ممكنا بالنسبة إلى عامة الناس من التونسيني أن ينخرط في‬ ‫هذا اجلهد‪ ،‬فما بذل ظل من خارج املنظومة التنظيمية‪ .‬هذا على الرغم من أن العديد من الشبان التونسيني‬ ‫شاركوا سنة ‪ 1955‬في احلرب اجلزائرية‪. 6‬‬ ‫وتشير الدراسات إلى الوالية الثانية جليش التحرير‪ ،‬والتي متتد على ‪ 120‬كلم على احلدود‪ ،‬قد شكلت معبرا‬ ‫مثاليا لتمرير األسلحة والتجهيزات العسكرية‪ ،‬ذلك أن ‪ % 80‬من هذه األسلحة كانت تدخل عبر تونس‪ . 7‬كما‬ ‫استغلت هذه احلدود أيضا في تنظيم حتركات اجلنود إذ قامت وحدات اجليش بني سنتي ‪ 1954‬و‪ 1956‬بأكثر‬ ‫‪ - 1‬صالح عسول‪ ،‬الالجئون اجلزائريون بتونس‪ ،...‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫‪ - 3‬املرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬املرجع نفسه‪ .‬ص ‪92‬‬ ‫‪ - 5‬انظر مثال‪ :‬الشعب اجلزائري التونسي في مواجهة االحتالل الفرنسي‪ ،‬نشر وزارة الدفاع التونسية ووزارة الدفاع اجلزائرية ‪.2017‬‬ ‫‪ - 6‬جناة بن يحوب‪ ،‬الدعم العربي للثورة اجلزائرية‪ ،...‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.3‬‬ ‫‪ - 7‬عميرة علية الصغير‪ ،‬اليوسفيون‪ ،...‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.167‬‬ ‫‪55‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫من ‪ 500‬رحلة عن طريق هذا املعبر‪ .‬ومن مزايا القاعدة الشرقية‪ ،‬التي يترأسها العقيد عمار املكلف بتنظيم‬ ‫وتوزيع األسحلة داخل الواليات األربعة‪ ،‬أنها بعيدة عن مراقبة القوات الفرنسية املوجودة في اجلنوب‪ . 1‬وكانت‬ ‫مجموعات عسكرية للثوار ذات ‪ 200‬إلى ‪ 300‬نفر تتمركز على كامل احلدود التونسية من الشمال إلى اجلنوب‪،‬‬ ‫وتبعد كل مجموعة عن األخرى بضع كيلمترات (تكتيك التمركز العسكري)‪ .‬ولدواع أمنية‪ ،‬لم تكن البزة‬ ‫العسكرية حتمل إشارات الرتب فبدا جميعهم في عيون العامة من الناس من التونسيني سواسية ال فرق بني‬ ‫اجلنود منهم والقادة‪. 2‬‬ ‫ففي طبرقة مثال متركزت اجملموعات العسكرية بالروايسية وبريرم وسيدي بدر‪ ،‬وكان قائدهم يدعى «زروق»‪،‬‬ ‫ومقر القيادة بـ»غمد الزان» بالروايسية‪ ،‬وقد سلم لهم «الشيخ علي» بندقية وخراطيش وأعطوه وثيقة في‬ ‫ذلك‪ .‬كان ذلك بدافع التضامن مع «اإلخوة اجلزائريني» لكن أيضا بدافع القرابة الدموية إذ أن كثيرا من أبناء‬ ‫واحلجار‪ .‬أما بعني دراهم‬ ‫تلك املنطقة كانوا قد استقروا منذ زمن بعيد بعديد املدن اجلزائرية على غرار القالة‬ ‫ّ‬ ‫فتمركزت هذه اجملموعات مبنطقة أوالد سدرة وحمام بورقيبة‪ ، 3‬وغار الدماء‪.‬‬ ‫وفي أول احتكاك بهم كانت للتونسيني رغبة في رؤية الثوار واإلطالع على أحوالهم على اعتبار كونهم‬ ‫«غرباء» عن الوطن‪ ،‬لكن في مرحلة موالية نأى الناس بأنفسهم وتنظمت العالقات بني الطرفني أكثر حني‬ ‫أدرك سكان املناطق احلدودية ما ميكن أن يلحقهم من خطر وأذى حني تر ّد فرنسا الفعل على الثوار باملنطقة‬ ‫وتطلق عليهم النار‪ . 4‬من جهة أخرى‪ ،‬كانت الدولة التونسية تطلب من سكان املناطق احلدودية عدم مغادرة‬ ‫مناطقهم خشية أن يُحدث ذلك فراغا فتستغله فرنسا للتوغل في التراب التونسي بذريعة مطاردة الثوار‬ ‫اجلزائريني‪ ،‬وهذا ما ميثل خطرا كبيرا على األمن القومي للبالد‪ .‬في املقابل سعت الدولة إلى توفير كل مستلزمات‬ ‫احلياة بالنسبة إلى هؤالء حتى يستقروا في أماكنهم‪. 5‬‬ ‫أما من حيث املساهمة الفعلية في اجملهود العسكري فقد تطوع عشرات الشبان التونسيني في بداية‬ ‫األمر ‪ -‬منذ نهاية ‪ 1955‬وبداية ‪ - 1956‬في صفوف جيش التحرير‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬وضمن التنسيق العسكري‬ ‫التونسي واجلزائري تشكلت فرقة «الطيب الزالق» مبنطقة منقار البطة (‪ ) Bec du canard‬بغار الدماء على‬ ‫غرار عدة فرق عسكرية أخرى مشتركة في مختلف املناطق احلدودية‪ .‬وقد ضمت هذه الفرقة عناصر جزائرية‬ ‫وأخرى تونسية‪ ،‬والتي يبدو أنها تكونت في بداية األمر من ‪ 17‬جنديا خالل شهر فيفري ‪ ،1956‬ثم تكاثر عدد‬ ‫جنودها ليصل إلى حدود ‪ 110‬مقاتل‪ .‬وقد تركز نشاطها بصفة خاصة في منطقة سوق األربعاء وبني خمير‬ ‫وسوق اخلميس ووادي مليز‪ ،‬مستفيدة من تنسيق جهودها مع قادة منطقة سوق أهراس‪ . 6‬وكانت فرنسا‬ ‫‪ - 1‬جناة بن يحوب‪ ،‬الدعم العربي للثورة اجلزائرية‪ ،...‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫‪ - 2‬شهادة السيد حمدة بن إبراهيم بن هالل الساملي‪ ،‬محادثة مباشرة يوم ‪.2018/ 09/ 18‬‬ ‫‪ - 3‬شهادة محمد الرويسي‪ ،‬محادثة مباشرة يوم ‪.2018/ 09/ 23‬‬ ‫‪ - 4‬شهادة السيد حمدة بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬ ‫‪ - 5‬شهادة السيد حمدة بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ملزيد التفصيل حول العمليات العسكرية جليش التحرير الوطني اجلزائري بتونس‪ ،‬انظر عميرة علية الصغير‪ ،‬اليوسفيون وحترر املغرب‬ ‫العربي‪ ،‬تونس‪ ،2007 ،‬انظر أيضا‪ :‬عبد احلفيظ موسم‪« ،‬جيش التحرير الوطني التونسي وعالقته بالثورة اجلزائرية (‪ ،»)1956 - 1955‬ص‪،327 - 312‬‬ ‫عصور اجلديدة‪ ،‬عدد ‪ ،25 - 24‬أكتوبر ‪ ،2016‬ص‪.319‬‬ ‫‪56‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫حتكم قبضتها على هذه املناطق احلدودية ملا متثله من خطر على العمليات العسكرية باجلزائرية لذلك أقامت‬ ‫سياجا شائكا على طول احلدود التونسية اجلزائرية وزرعت األلغام حتته وأقامت األضواء عليه حتى يتسنى‬ ‫لها تطويق الثوار اجلزائريني ومنعهم من مغادرة احلدود أو اجتيازها انطالقا من التراب التونسي‪ .‬لكن كانت‬ ‫للثوار وسائلهم‪ ،‬من ذلك استعمال املقص احلديدي لقطع األسالك ثم االنطالق للقيام بعمليات عسكرية‬ ‫ضد اجليش الفرنسي‪. 1‬‬ ‫كما اجتهد التونسيون في تقدمي الدعم اللوجستي من خالل توفير بعض املعطيات األمنية‪ .‬فقد حصل‬ ‫أن قدم على أوالد سدرة يوما‪ ،‬وكان يوم مأمت‪ ،‬رجل يبدو عليه أثر التعب واإلرهاق يطلب من الناس املاء والغذاء‬ ‫على أساس أنه من الثوار‪ .‬لكن احلس األمني عند األهالي كان عاليا بحيث كانت كل املؤشرات تدل على خالف‬ ‫ذلك ملعرفتهم اجليدة بكثير من تفاصيل احلياة اليومية للثوار وطريقة تنظمهم‪ .‬حينها طلب أحد الشيوخ‬ ‫من الفتى (عبد الكرمي) أن يعود إلى املنزل ويطلب من أمه إحضار رغيف خبز ففهم الفتى على أنها رسالة إلى‬ ‫األمن ليخبر به فانتقل من ت ّوه إلى الثكنة العسكرية التونسية مبركز مدينة طبرقة على بعد حوالي خمسة‬ ‫كيلمترات‪ .‬لكن حينما حترك اجليش كان األمر قد فات إذ غادر «اجلاسوس» من اليد احلمراء املكان وتسلل في‬ ‫اجلبال ولم يعثر له عن أثر رغم عمليات التمشيط التي وقعت مبساعدة الثوار اجلزائريني‪ . 2‬أما في منطقة‬ ‫حمام بورقيبة فكان «الشيخ» يطلب من كل عائلة القيام بحراسة القرية ليلة على احلدود أين كانت اخليام‬ ‫منتشرة بـ»بحيرة الزيتون» من الجئني قدموا من «رمل السوق» باجلزائر‪ .‬ولم يكن هؤالء محملني بسالح بل‬ ‫اقتصرت مهمتهم على التبليغ مبا يدعو إلى الريبة‪. 3‬‬

‫ب ‪ -‬إيواء الالجئني‪:‬‬

‫حني اشتد االضطهاد الفرنسي لثورة التحرير ف ّر العديد من اجلزائريني إلى تونس كمالذ آمن‪ ،‬وكان قدومهم‬ ‫على مرحلتني‪ ،‬في البداية جاء الثوار مبفردهم ومتركزوا على التخوم في اجلبال حتى يتيسر ضرب أهداف عسكرية‬ ‫فرنسية‪ .‬لكن في مرحلة موالية خاصة عندما اشتد وطيس احلرب انطالقا من سنة ‪ 1957‬ف ّرت آالف العائالت‬ ‫ليحتضنهم التونسيون بصفة تلقائية‪ . 4‬وجتدر اإلشارة إلى أن التطورات السريعة واخلطيرة على الساحة‬ ‫اجلزائرية وما صاحب ذلك من هجرة أعداد هائلة من الناس حال دون إحكام احلكومة التونسية السيطرة على‬ ‫يتسن لها في البداية حسن تنظيم عملية االستقبال كما لم يتمكن التونسيون‬ ‫هذا احلدث الفجائي إذ لم‬ ‫ّ‬ ‫من حسن تدبير آليات التأطير والتواصل الحتضان الوافدين وتوفير مستلزمات اإلقامة وبعض ضروريات احلياة‬

‫‪ - 1‬ومن احليل العسكرية الطريفة التي استعملها الثوار في مواجهة القبضة احلديدية للجيش الفرنسي – كما يروي شاهدنا‪ -‬أن عمد الثوار‬ ‫إلى جمع عدد كبير من السالحف جمعت من البرك واألدوية ثم ثبتت على ظهورها فوانيس لترسل في وضح النهار باجتاه أهداف فرنسية حتى‬ ‫إذا أسدل الليل ظالمه الحظ اجليش الفرنسي تلك الفوانيس ترسل ضوءها فيخيل إليه أنه هجوم من طرف ثوار جزائريني قد تسللوا إلى املكان‬ ‫فيطلقون النار بكثافة باجتاه تلك األضواء‪ .‬حينها يستغل الثوار الفرصة للدخول إلى التراب اجلزائري والقيام بعمليات عسكرية‪ ،‬اعتمدنا في ذلك‬ ‫على شهادة السيد حمدة بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬ ‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 3‬شهادة عبد العزيز بن احمد بن صالح املسلمي‪ ،‬أجرينا معه محادثة مباشرة بعني دراهم يوم ‪ 10‬أكتوبر ‪.2018‬‬ ‫‪ - 4‬شهادة السيد حمدة بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫األساسية والبنية التحتية‪ .‬استقر هؤالء الالجئني بكثافة في مناطق محددة‪ ،‬من أبرزها‪ :‬بريرم والروايسية‬ ‫(بطبرقة)‪ ،‬أوالد سدرة وبحيرة الزيتون (بعني دراهم)‪ ،‬حليمة (فرنانة)‪ ،‬قرب عني سلطان في السلسلة اجلبلية‬ ‫املمتدة من الغرة إلى الفايجة (غار الدماء)‪.‬‬ ‫لكن هذه الضغوطات لم متنع األهالي من ردة فعل سريعة وإيجابية إذ تطوع العديد منهم في مختلف‬ ‫املناطق من طبرقة إلى الكاف مرورا بغار الدماء بتقدمي احلد األدنى من الضروريات سواء من حيث توفير اإلقامة‬ ‫أو اإلعاشة‪ .‬وتشير بعض املصادر إلى أن أول من استقبل الثوار بهذه املنطقة كان قائدهم الشاذلي بن جديد‬ ‫(كان ّ‬ ‫يلقب آنذاك بـ«سي حمد»)‪.‬‬ ‫ومن أبرز املبادرات الشعبية في هذا االجتاه ما قام به أحمد بن عبد اهلل الرويسي مبنطقة الروايسية (طبرقة)‬ ‫الذي وفر لهؤالء مسكنا هو عبارة عن كوخ فسيح جمع كل الثوار‪ .‬وكان هؤالء يلجؤون أيضا إلى االختباء‬ ‫في كهوف موجودة باملرتفعات احلدودية اجملاورة هي عبارة عن مغاور حجرية صغيرة‪ .‬أما مبنطقة أوالد سدرة‬ ‫(بعني دراهم) فآواهم رجل يدعى «الع ّوادي» إذ منحهم كوخه الكبير الذي كان يقيم فيه هو وعائلته‪ ،‬وتنازل‬ ‫لهم مبنطقة سيدي عبد اهلل (عني دراهم) عبد اهلل بن بلقاسم بن عبد اهلل السومري عن منزله «العصري»‬ ‫(هو عبارة عن منزل متك ّون من غرفتني بُنيتا بالقرميد األحمر على منط العمارة األوربية وحتديدا الفرنسية)‪.‬‬ ‫وقام ذات الشخص ببيع قرابة ‪ 50‬رأس ماعز للثوار بأسعار رمزية لذبحها‪ ،‬ومنح قطعة أرض لبعض العائالت‬ ‫اجلزائرية حتى تقيم فيها أكواخا يستقرون بها‪ 1‬وقد جلبت مواد إقامتها من الغابة اجملاورة خصوصا أن‬ ‫احلكومة التونسية قد سمحت لهم بقطع األشجار من الغابة وإقامة بيوتات‪ . 2‬وأقام بعضهم مع التونسيني‬ ‫في بيوتهم‪. 3‬‬ ‫ومما يدل على نبل هذه احلركة أن املعاني املادية الربحية لم تكن بالنسبة إلى التونسيني غاية في حد‬ ‫ذاتها‪ ،‬وذلك بحكم خصوصية الظرف السياسي واإلنساني لهؤالء الوافدين‪ .‬فهؤالء ف ّوتوا مجانا في كثير‬ ‫من العقارات رغم أن األراضي القابلة لالستغالل بهذه املرتفعات قليلة جدا بل وتعتبر أساس الدخل والثروة‬ ‫لألغلبية الساحقة من العائالت بهذه املنطقة الوعرة طبيعيا واملرتكز اقتصادها أساسا على فالحة تقليدية‬ ‫معاشية مع غياب شبه تام لألنشطة الصناعية أو غيرها‪ .‬ومن الواضح أيضا أن هؤالء اجلزائريني لم يكونوا‬ ‫مي ّثلون في نظر التونسيني سوقا لترويج بضاعتهم ومصدرا للتجارة ومراكمة الثورة‪ .‬وهذا املعروف مازال‬ ‫حد اآلن‪. 4‬‬ ‫يعترف به اجلزائريون إلى ّ‬ ‫وألن إقامة الالجئني قد طالت لسنوات عديدة فقد انخرط هؤالء مع التونسيني في تعاطي األنشطة الزراعية‪،‬‬ ‫خاصة زراعة القمح والتبغ وتربية املاشية والتجارة‪ .‬ففي منطقة «حليمة» احلدودية (بفرنانة)‪ ،‬استقرت حوالي‬ ‫‪ 50‬عائلة قرب عني توجد حذو املدرسة اإلبتدائية بجبل يفصل بني الدولتني‪ ،‬يسكن على سفحه الشرقي‬ ‫‪ - 1‬عامر عبد اهلل بن بلقاسم السومري‪ ،‬محادثة مباشرة يوم ‪.2018 / 9 /25‬‬ ‫‪ - 2‬شهادة العربي بن علي‪ ،‬حادثه الدكتور مصطفى الستيتي يوم ‪ 3‬أوت ‪ ،2018‬مقطع فيديو منشور على موقع املنتدى الثقافي بغار الدماء‪.‬‬ ‫‪ - 3‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 4‬شهادة عبد العزيز بن احمد بن صالح املسلمي‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫تونسيون وعلى سفحه الغربي جزائريون‪ .‬وتستغل هذه العني منذ زمن من طرف كال اجملموعتني املتجاورتني‬ ‫سواء للشراب‪ ،‬وكذلك كفضاء بسيط للتبادل التجاري تقوم به النسوة عبر شحن «القلة» ببعض املواد‬ ‫التموينية الضرورية لكال الفريقني (سكر‪ ،‬وزيت‪ ،‬دقيق‪ .)...‬واستمر األمر على ذاك احلال لسنوات عديدة‪ .‬كما‬ ‫كانت هذه املنطقة أيضا جسرا لتجارة املاشية (األبقار واألغنام) التي تباع وتشترى بـ «سوق األحد» (فرنانة)‬ ‫الذي يعتبر من أكبر وأهم األسواق التجارية باجلهة منذ زمن بعيد‪. 1‬‬ ‫ومما يسر عملية االندماج االقتصادي هذه – باإلضافة إلى البعد املبدئي واإلنساني للموقف التونسي‪ -‬أن‬ ‫عديد الثوار لهم أقارب باملناطق احلدود ّية التونسية بفعل عمليات املصاهرة التي متت عبر الزمن بني عائالت من‬ ‫فجد محدثنا مثال‪ ،‬رابح بن إبراهيم بن هالل الساملي‪ ،‬كان يتمتع قبل سنة ‪ 1881‬بسلطة‬ ‫هذا القطر ومن ذاك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وجاه كبيرين سواء باملناطق التونسية أو اجلزائرية‪ .‬فقد تزوج من أكثر من امرأة تونسية وله منهن أبناء وله‬ ‫ممتلكات‪ ،‬وتزوج أيضا من جزائرية وأجنب منها أوالدا هم الذين أصبحوا فيما بعد ثوارا‪ .‬فلمحدثنا إذن ثالثة‬ ‫أعمام يعيشون باجلزائر (وحتديدا بأم الطبول)‪ ،‬وهم‪ :‬كاهية وعبد الرحمان وزواوي ميري‪ .‬وقد تزوج األ ّول والثاني‬ ‫بتونس ّيتني فيما تزوج ثالثهما بجزائرية‪ .‬وقد قدم هؤالء زمن الثورة كالجئني إلى تونس واستقروا مبنطقة بريرم‬ ‫بطبرقة‪ .‬أما من النساء التونسيات املتزوجات بجزائريني قبل الثورة فاألمثلة عديدة‪ ،‬من ذلك زهرة بنت اخلذيري‬ ‫وشهلة بن بلقاسم (عني دراهم)‪. 2‬‬ ‫وكذا األمر بالنسبة إلى مباركة بنت إبراهيم غفيري التي تزوجت املدعو شعيب (من اجلزائر) في بدايات‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬وأجنبت طرشون وخميس‪ ،‬وأجنب طرشون فاطمة التي قدمت إلى تونس زمن الثورة كالجئة إلى‬ ‫عمة أبيها‪ ،‬علما وأنها كانت تشتغل كممرضة باجلزائر‪ . 3‬وكانت‬ ‫أهلها واستقرت مبنطقة بريرم مع «شلب ّية»‪ّ ،‬‬ ‫فاطمة حني إقامتها كالجئة تصطحب معها بعض الفتيات التونسيات من املنطقة صباحا أو في منتصف‬ ‫النهار لتأخذ حصتها من املساعدة الغذائية ويأخذن معها نصيبهن‪ .‬وهذه املساعدات كانت تصلهم من دول‬ ‫كثيرة خصوصا من مصر ودول املعسكر الشرقي وتشرف على توزيعها منظمات جزائرية أو دولية على غرار‬ ‫الهالل األحمر‪ .‬وقد استفاد عديد التونسيني الفقراء من الوجبات الغذائية «الشه ّية» ‪ -‬في عيونهم‪ -‬املتكونة‬ ‫من حليب ودرع‪ ،‬بطريقة غير مباشرة حني كانوا يصطحبون اجلزائريني إلى هذه املراكز فيصيبهم شيء مما‬ ‫يصيب أشقاءهم‪ . 4‬من جهة أخرى‪ ،‬كان الثوار غالبا ما يعطون الشبان التونسيني ما زاد عن حاجتهم من‬ ‫اللباس واألحذية‪. 5‬‬ ‫كما سكن ببريرم رجل يدعى «السائح» وزوجته مرمي وابنتيهما «الساحلية» و«زكية»‪ ،‬وهي أرملة ولها‬ ‫ابن‪ .‬وكان هذا الالجئ اجلزائري‪ ،‬الذي يقطن بجوار التونسيني داخل قريتهم‪ ،‬ميارس الفالحة مبختلف أشكالها‬ ‫‪ - 1‬شهادة السيد رابح بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬ ‫‪ - 2‬شهادة السيد رابح بن إبراهيم بن هالل الساملي‪ ،‬محادثة مباشرة يوم ‪.2018 / 09 / 18‬‬ ‫‪ - 3‬شهادة عائشة بنت بشير بن عمار غفيري‪ ،‬محادثة مباشرة يوم ‪.2018 /9/ 20‬‬ ‫‪ - 4‬شهادة العربي بن علي‪.‬‬ ‫‪ - 5‬شهادة السيد رابح بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬ ‫‪59‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫من تربية املاشية واخلضر‪ . 1‬كما أن الناس بغار الدماء منحوا أراضيهم لالجئني لزراعتها وكانت‬ ‫معهم مواشيهم‪.2‬‬ ‫مبعنى آخر لم يكن هؤالء الث ّوار يشعرون بالغربة واحلال أنهم في بيوت أقاربهم الذين قدموا‬ ‫لهم كل أشكال الدعم‪ .‬وهذه من أبرز الظروف التي ساعدت على اندماجهم صلب اجملتمع‬ ‫املضيف في أجواء من التفاعل املستمر واالحترام املتبادل دون متييز بني الفريقني حتى ال يكاد‬ ‫يُف ّرق بني التونسي واجلزائري‪ . 3‬كما اندمج األطفال اجلزائريون مع قرنائهم باملدرسة التونسية‬ ‫رغم أن ظروفهم املادية كانت صعبة للغاية خاصة في فصل الشتاء‪ . 4‬فعلى سبيل املثال كان‬ ‫عدد التالميذ اجلزائيني مبدرسة شارع بورقيبة بطبرقة بني سنتي ‪ 1960 - 1959‬في حدود ‪51‬‬ ‫تلميذا (‪ 46‬ذكورا و‪ 5‬إناث)‪ ،5‬ومبدرسة شارع بورقيبة بفرنانة ستة تالميذ ذكور (‪. 6)1959 - 1958‬‬ ‫هذه اخللف ّية االجتماعية تنضاف في الواقع إلى معطيات أخرى ذات بعد قيمي وهووي‬ ‫لتفسر الدفء العالئقي الذي م ّيز جانبا هاما من العالقات بني التونسيني والالجئني اجلزائريني‪.‬‬ ‫ومن املؤشرات الدالة على ذلك انتشار عملية املصاهرة في هذه املناطق احلدودية بشكل الفت‬ ‫لالنتباه‪ .‬ففي منطقة أوالد سدرة (بعني دراهم) مثال متّ إحصاء ما ال يقل عن ثالث عشرة حالة‬ ‫مصاهرة حصلت خالل فترة اللجوء‪ :‬ستّة رجال تونس ّيني تزوجوا بجزائريات وسبعة تونس ّيات‬ ‫تزوجن بجزائريني‪.‬‬

‫ج – الدعم املادي واإلعاشة‪:‬‬

‫جتدر اإلشارة إلى أن قدوم اجلزائريني إلى تونس كان على مرحلتني‪ :‬في البداية قدم الثوار فرادى‬ ‫لالحتماء باملرتفعات وتنفيذ عملياتهم انطالقا منها‪ ،‬أما في مرحلة موالية فتدفقت على‬ ‫املنطقة آالف العائالت بنسائها وأطفالها وشيوخها‪ .‬ومما ال شك فيه أن استقبال العدد الهائل‬ ‫لهؤالء كان يتطلب قدرا كبيرا من اجلهد والتنظيم لتأمني الغذاء وامللبس واإلقامة وغيرها من‬ ‫احلاجيات األساسية لالستقرار‪ .‬وقد كانت مستلزمات احلياة هذه تأتيهم من جهات مختلفة‬ ‫حكومية وغير حكومية‪ :‬من طرف احلكومة التونسية التي قدمت لهم كل أشكال املساعدة‬ ‫والدعم‪ ،‬وكذا قامت عدة جمعيات ومنظمات وطنية تونسية بحملة حتسيسية جلمع التبرعات‬ ‫‪ - 1‬شهادة عائشة بنت بشير بن عمار‪.‬‬ ‫‪ - 2‬شهادة عبد العزيز بن احمد بن صالح املسلمي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬شهادة السيد حمدة بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬شهادة نور الدين خروف‪ ،‬شاهد عيان جزائري من مواليد سنة ‪ .1942‬أجرى معه احلوار الدكتور مصطفى الستيتي‪ .‬مقطع فيديو منشور‬ ‫مبوقع‪« :‬املنتدى الثقافي» (‪.)2019/ 7/ 9‬‬ ‫‪ - 5‬السجل التاريخي ملدرسة شارع بورقيبة بطبرقة‪ ،‬وقع االطالع املباشر على السجل املوجود باملدرسة يوم ‪.2015/ 05/ 06‬‬ ‫‪ - 6‬السجل التاريخي ملدرسة شارع بورقيبة بفرنانة‪ ،‬وقع االطالع على السجل املوجود باملدرسة ‪.2019 /15/04‬‬

‫‪60‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫لفائدة هؤالء الالجئني‪ ،‬مثل الهالل األحمر التونسي الذي ازداد نشاطه منذ سنة ‪ 1957‬عندما‬ ‫تبنى قضية املهاجرين محليا ودوليا‪ ،‬وقد نظم عدة حمالت تبرع وقام بتوزيعها عن طريق فروعه‪.‬‬ ‫أما املساعدات الدولية فبدأت تصل لهؤالء منذ سنة ‪. 11957‬‬ ‫لكن اجلهد الرئيسي في هذا االجتاه قام به جيش التحرير اجلزائري الذي تكفل بتغطية مختلف‬ ‫احلاجات احلياتية آلالف العائالت التي تدفقت على املناطق احلدودية سواء بتونس أو املغرب‪ ،‬وتكفل‬ ‫أيضا بتوزيعها موظفا بذلك مختلف مؤسساته البشرية والعسكرية والتموينية‪ .‬وهذا األمر‬ ‫مثل ضغطا ماديا إضافيا بالنسبة إلى جيش التحرير‪ .‬فعالوة على احلاجة امللحة للدعم املالي‬ ‫لتمويل العمليات العسكرية فقد مثلت قضية الالجئني ‪ -‬كإحدى إفرازات حرب التحرير ‪ -‬حتديا‬ ‫آخر ينضاف إلى بقية التحديات‪ ،‬لهذا حتملت الثورة مسؤولياتها جتاه الالجئني كجزء ال يتجزأ من‬ ‫الشعب اجلزائري الذي عانى من ويالت االستعمار‪.‬‬ ‫وقد دفعت هذه املستجدات الثورة اجلزائرية إلى تعديل استراتيجية عملها ألن القدرات املالية‬ ‫البسيطة التي انطلقت بها لم تعد تفي باحلاجة‪ .‬لهذا التجأت جبهة التحرير إلى فرض ضريبة‬ ‫مالية على املواطنني اجلزائريني كشكل من أشكال املقاومة (اجلهاد باملال)‪ ،‬وقد مست االشتراكات‬ ‫غالبيتهم‪ .‬كما قامت بحملة واسعة جلمع املال من اليهود والنساء (الذهب) خاصة األغنياء‬ ‫فتم تخصيص فرق مجهزة بالعتاد الطبي واملالبس‬ ‫منهم واملعمرين طوعا أو كرها‪ . 2‬أما ميدانيا ّ‬ ‫واألغطية واخليام والطعام للسهر على استقبال وإيواء هؤالء الالجئني‪.‬‬ ‫كما نشط الهالل األحمر اجلزائري واحتاد املرأة اجلزائرية في اخلارج عن طريق احلمالت اإلعالمية‬ ‫املهجرين وجمع التبرعات واملساعدات‬ ‫بالدول الشقيقة والصديقة للجزائر للتعريف مبأساة‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية والتكفل بتوزيعها‪ .‬وسهرت جبهة التحرير على تخصيص مدرسني ومدرسات‬ ‫لألطفال‪ ،‬أما القادرون على حمل السالح من الشباب فتم تدريبهم وإعدادهم للثورة وااللتحاق‬ ‫بصفوف جيش التحرير‪ .‬وهكذا م ّثل هؤالء أحد روافد الثورة إذ ز ّودوا جيش التحرير باملئات من‬ ‫املقاتلني على احلدود الشرقية‪.3‬‬ ‫وكانت هناك جلان في مختلف مناطق الشمال الغربي تشرف على شؤون الثوار توفر لهم‬ ‫املؤونة واللباس واألسلحة حتى لم يكن ينقصهم شيء في هذا اإلجتاه‪ .‬و تكفل كبار السن من‬ ‫الالجئني والنساء بإحضار الطعام للثوار‪ 4‬علما بأن السلطة التونسية وفرت لهم أحيانا مخابز‬ ‫تؤمن لهم الغذاء كما هو احلال بالنسبة إلى اخملبزة التي أحدثتها مبدينة عني دراهم (هي اليوم‬ ‫‪ - 1‬صالح عسول‪ ،‬الالجئون اجلزائريون بتونس‪ ،...‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫‪ - 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪88‬‬ ‫‪ - 4‬شهادة السيد حمدة بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫مقر البلدية)‪ .1‬أما طبرقة فتكفل الشاذلي بوشناق (من مواليد سنة ‪ )1916‬بتوفير املؤونة للثوار‬ ‫مبنطقة أوالد سدرة‪ .2‬وكان الثوار كلما احتاجوا للمؤونة تنقلوا ليال إلى إحدى البيوتات التونسية‬ ‫يطلبون منها إحضار كمية كبيرة من اخلبز سواء جلبوا معهم الدقيق أو اقتنوا من تلك العائلة‬ ‫كفايتهم لكن مع التعويض املادي لهذه العائلة‪ .‬وحصل أن احتاج الثوار وهم في اجلبال إلى‬ ‫األكل فأمسكوا مباشية (أبقار) على ملك تونسيني دون علمهم وال إذنهم فيذبحوها ثم عندما‬ ‫يتصل بهم صاحبها يعطوه ثمنها‪ . 3‬كما احتاج هؤالء الثوار املرابطون باجلبال استئجار نساء‬ ‫تونس ّيات ‪ -‬مثل شريفة حرم وص ّيف بعني دراهم ‪ -‬لغسل ثيابهم‪.4‬‬ ‫وكثيرا ما كان األهالي يعثرون حني تنقلهم في الغابة للتحطيب أو لرعاية املاشية أو غيرها‬ ‫من األنشطة اجلبلية‪ ،‬على مخلفات الثوار من خبز أو أدوات أكل أو غيرها تركوها بعد أن غ ّيروا‬ ‫مكانهم في الصباح الباكر‪ .‬وفي حاالت كثيرة حني كانت القوات اجلوية الفرنسية تخترق اجملال‬ ‫التونسي بحثا عن الثوار كان التونسيون رجاال ونساء يل ّوحون بشارات بيضاء حني تنقلهم في‬ ‫الغابة خشية أن تصيبهم القوات الفرنسية بنيرانها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولتلقي األموال من اجلزائر‪ ،‬عمد الالجئون إلى حيلة تتمثل في توظيف عناوين لتونسيني‬ ‫ترسل عبرها احلواالت النقدية‪ .‬قام بهذا الدور مثال تاجر املواد الغذائية بطبرقة الذي تأتيه األموال‬ ‫من أكثر من خمسني عنوانا‪ ،‬ثم يذهب بنفسه إلى البريد الستالم احلواالت ليسلمها الحقا‬ ‫ألصحابها الذين غالبا ما يطلبون منه إيداع تلك األموال عنده مقابل ما يقتنونه يوميا من‬ ‫أن اجلزائري كان يقول للتاجر‪« :‬إذا استشهدت فهنيئا لك ما بقي‬ ‫حاجياتهم‪ .‬وأثر عن بعضهم ّ‬ ‫من املال»‪ . 5‬وكان الثوار‪ ،‬وهم في سيرهم إلى املواجهة أو املعركة‪ ،‬يعطون الطعام وما تبقى من‬ ‫أموال لديهم ملن يعترضهم من األطفال التونسيني قائلني لهم‪« :‬خذوا ذلك قد ال نعود إليكم‬ ‫ثانية»‪ .6‬على أن مختلف أشكال الدعم هذه التي قدمها التونسيون ال تعني غياب بعض مظاهر‬ ‫التوتر التي شابت أحيانا العالقات بني التونسيني واجلزائريني بسبب ممارسات فرد ّية معزولة سرعان‬ ‫يتم تطويقها‪.‬‬ ‫ما ّ‬

‫‪ - 1‬عامر عبد اهلل بن بلقاسم السومري‪.‬‬ ‫‪ - 2‬شهادة السيد رابح بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬شهادة السيد حمدة بن إبراهيم بن هالل الساملي‪.‬‬ ‫‪ - 4‬عامر عبد اهلل بن بلقاسم السومري‪.‬‬ ‫‪ - 5‬املصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪ - 6‬املصدر نفسه‪.‬‬

‫‪62‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫خامتة‪:‬‬ ‫إن املتأمل في كيفية التعاطي الشعبي في تونس مع قضية الالجئني اجلزائريني زمن ثورة‬ ‫التحرير‪ ،‬وما صاحب ذلك من تطورات كبيرة ليقف على جملة من اخلالصات الهامة تؤكد أن‬ ‫هذه العملية كانت ذات خصوصية مقارنة بعمليات جلوء أخرى متت في مناطق عديدة من‬ ‫العالم وفي فترات زمنية مختلفة‪.‬‬ ‫أوال‪ ،‬تفاعل التونسيني اإليجابي مع هؤالء اجلزائريني الوافدين من خالل تقدمي مختلف أشكال‬ ‫الدعم املادي واللوجستي في حدود املمكن واملتاح‪ .‬وهذا يعني أن الثورة اجلزائرية قد وجدت في‬ ‫تونس حاضنة شعبية مهمة مثلت سندا حقيقيا جلهد املقاومة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬سهولة عملية االندماج بني الفريقني‪ .‬وهذا راجع بدوره إلى جملة من العوامل التاريخية‬ ‫واحلضارية إذ أن التواصل بينهما لم يكن ظاهرة حديثة وإمنا قدمية ومتطورة عبر الزمن حتت‬ ‫تأثير أسباب وضغوطات مختلفة لتبدو بذلك هذه الواقعة عبارة عن امتداد لتطورات تاريخية‬ ‫سابقة‪ ،‬وهذا ما نزع عنها صفة الفرادة أو الغرابة‪ّ ،‬‬ ‫ويسر بالتالي عملية التواصل بني الناس‪.‬‬ ‫ثالثا‪ ،‬ميكن اعتبار هذه الظروف املقبولة عموما لالجئني دعما هاما ملعنويات الثوار اجلزائريني‬ ‫وألدائهم النضالي في سبيل التحرر واالنعتاق من ربقة االستعمار‪ .‬فكثيرة هي األمثلة التي عمل‬ ‫فيها املستعمر على استعمال عائالت املناضلني أو املقاومني كورقة ضغط لالبتزاز السياسي‪.‬‬ ‫نضيف إلى ذلك أن هذه الواقعة التاريخية أسهمت في متتني وشائج العالقات بني الشعبني‪،‬‬ ‫وخاصة سكان املناطق احلدودية في كال البلدين سواء من خالل تواصل عمليات املصاهرة أو‬ ‫التبادل التجاري (ولو في شكله البسيط) ما بعد سنة ‪.1962‬‬ ‫كل هذه املعاني ميكن أن تلخصها األجواء العامة يوم عودة اجلزائريني إلى وطنهم بعد طول‬ ‫غياب وتهجير كما روى ذلك شهود العيان‪ .‬كان يوما مشهودا مناسبة ها ّمة عبّر خاللها‬ ‫الوافدون عن فرحتهم باالستقالل بعد أكثر من قرن وثالثة عقود من االستعمار وعن الشوق‬ ‫للعودة إلى الوطن بعد سنوات من التهجير القسري‪ .‬كما ّ‬ ‫مثل في اآلن ذاته ساعة الفراق بني‬ ‫هؤالء الالجئني وبني التونسيني الذين جمعتهم عالقات املودة وحسن اجلوار على امتداد عدة‬ ‫سنوات‪ .‬كانت حلظة صعبة للغاية حيث خيّمت عليها أجواء من النواح والبكاء من اجلانبني‪،‬‬ ‫وكان العناق والوداع بني الفريقني‪ ،‬إحساس مزج في اآلن ذاته بني الفرحة باالستقالل وألم‬ ‫الفراق بني األحبّة‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫شهادة العقيد متقاعد‬ ‫محمد التوهامي املاشطة‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫حوار و حترير املق ّدم عبد العزيز بوڤ ّزي‬ ‫عضو اللجنة الوطنية للتاريخ العسكري‬

‫‪Résumé:‬‬ ‫)‪Ce témoignage oral nous transmet l’expérience importante du colonel (R.‬‬ ‫‪Mohamed Touhemi Machta. Ce dernier était formé au club de l’aviation française‬‬ ‫‪avant d’être intégré l’Armée Nationale Tunisienne dès sa formation. Il a exercé‬‬ ‫‪avec dévouement depuis 1958 jusqu'à 1985. Il était également chef d’Etat Major‬‬ ‫‪de l’Armée de l’Air. Dans ce témoignage il nous fait part des épreuves qu’il a‬‬ ‫‪vécu en Tunisie notamment les événements de 1978, les événements de Gafsa‬‬ ‫‪en 1980 et le bombardement du Hammam Chatt au mois de novembre 1985.‬‬

‫بداياتي مبجال الطيران‪:‬‬

‫في البداية اسمحوا لي أن أع ّرف بنفسي‪ ،‬اسمي‬ ‫محمد التوهامي املاشطة من مواليد سنة‬ ‫الكامل‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،1935‬في سن الثانية والعشرين من عمري انطلقت‬ ‫حياتي مع مجال الطيران إذ انخرطت في بداية‬ ‫للسلط‬ ‫اخلمسينات بأحد نوادي الطيران التابعة ّ‬ ‫وحتصلت على شهادة‬ ‫الفرنس ّية القائمة بتونس‬ ‫ّ‬ ‫طيران أولى سنة ‪ ،1957‬ويعود الفضل في ذلك إلى‬ ‫ّ‬ ‫الكشافة‬ ‫املرحوم الس ّيد عبد اهلل ال ّزواغي قائد عام‬ ‫الدستوري الذين‬ ‫التونس ّية وبعض أعضاء احلزب احلر ّ‬ ‫السلطات الفرنس ّية للموافقة على‬ ‫تدخّ لوا لدى ّ‬ ‫مخصصا للفرنس ّيني‬ ‫قبولي بالنّادي باعتبار أنّه كان‬ ‫ّ‬ ‫دون سواهم‪.‬‬ ‫سنة ‪ ،1958‬انخرطت بصفوف اجليش الوطني‬ ‫والتحقت مبدرسة الطيران بـ ‪،Salon en Provence‬‬

‫وهي من أكبر املدارس ال في فرنسا فحسب بل‬ ‫حتى في أوربا‪ .‬كان التكوين بهذه املدرسة يشمل‬ ‫إلى جانب التكوين العسكري دروسا نظر ّية عن‬ ‫مهنة الطيران ومجاالت ثقاف ّية تساهم في تنمية‬ ‫القدرات ّ‬ ‫الذات ّية واملعنو ّية للفرد‪ ،‬األمر الذي يجعل‬ ‫من العسكري عنصرا قادرا على مواجهة األحداث‬ ‫في حاالت مع ّينة ّ‬ ‫بكل مسؤول ّية واقتدار‪ .‬وبالنّظر‬ ‫إلى األوضاع احلال ّية بتونس فإنّي أعتبر أ ّن التكوين‬ ‫عدة ثغرات‪ ،‬فاملواطن التونسي‬ ‫لدينا يشكو من ّ‬ ‫ينقصه شعور واعتزاز بذاته وهو أمر ال ميكن تداركه‬ ‫ّ‬ ‫بالطفولة والتكوين القاعدي حتى‬ ‫إالّ بالعناية‬ ‫ينضج الشاب ويكون قادرا على اكتساب حماية‬ ‫ذات ّية ضد التأثيرات اخلارج ّية التي ال صلة لها‬ ‫مبجتمعنا‪ ،‬األمر الذي نحن في حاجة إلى معاجلته‬ ‫في الوقت احلاضر‪.‬‬

‫‪ - 1‬العقيد محمد التوهامي باحلاج إسماعيل ماشطة‪ :‬ولد في ‪ 04‬فيفري ‪ 1935‬بتونس‪ ،‬له أربعة أبناء‪ .‬انخرط بصفوف اجليش في ‪ 15‬سبتمر‬ ‫أهمها‪ :‬آ‬ ‫‪ .1958‬تلقى تكوينه العسكري بفرنسا وتخرج في اختصاص طيار مقاتل ثم تابع دروس معهد الدفاع الوطني‪ .‬تولى ع ّدة مسؤوليات ّ‬ ‫الصنف الرّابع من‬ ‫الصنف األوّل من وسام اجلمهورية‪ّ ،‬‬ ‫حتصل على الوسام العسكري‪ّ ،‬‬ ‫جوية‪ ،‬آمر مدرسة ورئيس أركان جيش الطيران‪ّ .‬‬ ‫مر قاعدة ّ‬ ‫وسام االستقالل‪ ،‬الوسام العلوي املغربي‪ ،‬وسام إيزابيال الكاثوليكي االسباني‪،‬وسام الفاحت الليبي‪ ،‬وسام االستحقاق الفرنسي ووسام االستحقاق‬ ‫االيطالي‪.‬غادر اجليش في ‪ 01‬جوان ‪.1986‬‬ ‫‪64‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫ّ‬ ‫ويحفز الهمم في‬ ‫الباهي لدغم الذي كان يزورنا أسبوعيا‬ ‫السوسي وهكذا‬ ‫ثم خلفه في القيادة اجلنرال ّ‬ ‫سبيل التق ّدم ّ‬ ‫إلى أن متّ بعث جيش الطيران بصفة رسم ّية وقانون ّية في‬ ‫أوائل الستينات‪.‬‬ ‫كذلك من بني اخلطط‪ ،‬أريد أن أشير إلى ّ‬ ‫خطة الطيار‬ ‫عنصرا من مجموعة آليات موحدة اخلطط واملهام‬ ‫الذي ميثل ُ‬ ‫واملنافع واألهداف‪ ،‬لكن كلها ترمي إلى غاية االستعمال‬ ‫معي‪ .‬فالط ّيار يتكلف على الدولة حوالي نصف‬ ‫في غرض ّ‬ ‫مليار ولكن يجب أن يتو ّفر له تأهيل معنوي واستعداد‬ ‫لتحمل الصعوبات‪ .‬فالفرد يجب تكوينه ال في مجال القيادة‬ ‫ّ‬ ‫فحسب بل يجب متكينه من معطيات وأن يتو ّفر لديه تكوين‬ ‫بدني يُخ ّول له العيش في مناخ خاص يتك ّيف مع االرتفاع‬ ‫وبالتالي وجب أن تكون له معرفة ببعض املعلومات الطب ّية‬ ‫الستغاللها عند احلاجة وملعاجلة احلاالت التي قد يتع ّرض‬ ‫إليها في اجلو واملعدات يجب أن تكون فيها مواصفات‬ ‫تتماشى مع قواعد ‪ Aérodynamique‬وتعمل في مناخ‬ ‫متغ ّير سواء كان ذلك في حالة السحب أو بال ّليل والنّهار‪،‬‬ ‫كل هذا له تأثير على اإلنسان وعلى املع ّدة أي ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطائرة في ح ّد‬

‫‪ -‬التجربة واملسار املهني باجليش الوطني‪:‬‬

‫إن مروري بع ّدة مراحل مكنني من التعامل مباشرة مع‬ ‫مختلف األفراد (السائق وامليكانيكي وعون اإلشارة وحامل‬ ‫السالح وعون ال ّلوجيستيك) هذا الفريق حبب التعاون‬ ‫تتم املهمة على أحسن وجه‬ ‫والتفاعل في ما بينهم حتى ّ‬ ‫وبأقل تكلفة‪ ،‬على هذا األساس كنت آمرا للقاعدة اجلوية‬ ‫بقابس بني سنة ‪ 1961‬و‪ 1963‬وكنت أُشرف على زمرة تع ّد‬ ‫حوالي ‪ 70-80‬نفرا حيث كان التفاهم بيننا صلبا جعل تلك‬ ‫الزمرة ذات فاعلية كبيرة ج ّدا مبج ّرد اإلشارة‪ ،‬نظرا لتع ّود‬ ‫أفرادها على طريقة عمل مع ّينة وهو ما يجعل الفائدة‬ ‫املهمة أو‬ ‫كبيرة‪ ،‬متكن من ربح الوقت وعدم التشكيك في ّ‬ ‫في النتيجة‪.‬‬ ‫كانت القاعدة اجلو ّية بقابس تتضمن ثالث مروحيات‬ ‫صغيرة‪ ،‬كانت موجودة عند قوات احلرس الوطني ولم يتم‬ ‫استعمالها‪ ،‬وفي أواخر الستينات أمر كاتب ال ّدولة لل ّدفاع‬ ‫املرحوم الباهي لدغم بتسليمها إلى اجليش للقيام مبهامنا‪.‬‬ ‫نسمي هذه املروحيات ‪ Les Centrales‬وهي من صنع‬ ‫كنّا ّ‬ ‫أمريكي مجهزة مبحرك صغير قوته حوالي ‪ 80‬حصانا ولم‬ ‫تكن متط ّورة بامل ّرة إذ ال يتوفر بها إال مقود وراديو ‪ VHF‬غير‬ ‫أنه بفضل العزمية التي كانت حتدونا واإلقبال على حتمل‬ ‫املسؤوليات دون تر ّدد‪ ،‬كنا نقوم بتنفيذ األعمال التي تتم ّثل‬ ‫في مراقبة وحراسة أنبوب النّفط القادم من حاسي مسعود‬ ‫ثم رمادة إلى‬ ‫باجلزائر وجهة غدامس وفورسان (برج اخلضراء) ّ‬ ‫أن يصل إلى الصخيرة على أحسن وجه‪ ،‬فقد كان هذا اخلط‬ ‫واحلفاظ عليه على درجة كبيرة من األهمية االقتصادية‬ ‫إلى جانب دوره في حماية عالقات اجلوار‪ .‬هذا باإلضافة إلى‬ ‫الدوريات التي كانت تشمل اجلنوب التونسي داخل الصحراء‬ ‫املهمة وظروف‬ ‫واحلدود مع الشقيقة اجلزائر ورغم صعوبة‬ ‫ّ‬ ‫العمل لم نتع ّرض إلى أي حادث ولم نفقد أ ّيا من األفراد‪.‬‬ ‫في ذلك الوقت كان سالح الطيران حتت قيادة جيش البر‬ ‫الذي يقوده املرحوم اجلنرال املق ّدم في فترة مع ّينة وكان‬ ‫يتضمن وحدات تكوين ويجد تشجيعا كبيرا من لدن الس ّيد‬ ‫ّ‬

‫ذاتها‪ ،‬إضافة إلى ذلك وجب توفير عنصر املاديات واملعنويات‬ ‫املهمة أكلها وثمارها‪ .‬إذا ما غابت هذه العناصر‪،‬‬ ‫حتى تؤتي ّ‬ ‫يبدأ عندها التململ والتعب ال ّذهني واملقصود هو أ ّن ّ‬ ‫كل‬ ‫مسؤول يجب أن تتو ّفر لديه دراية كلية وشاملة باملعنويات‬ ‫املهمة وفي‬ ‫وباملع ّدات البدن ّية واملاد ّية لضمان النجاح في‬ ‫ّ‬ ‫استعمال األفراد واألسلحة التي لديه‪.‬‬ ‫بعد قاعدة قابس‪ ،‬متّ تعييني على رأس وحدة جو ّية‬ ‫بالقاعدة اجلو ّية بسيدي أحمد ببنزرت مل ّدة ثالث سنوات‪ .‬هنا‪،‬‬ ‫أتو ّقف عند معركة اجلالء التي عشتها‪ ،‬خالفا لزمالئي الذين‬ ‫كانوا بجبهة القتال‪ ،‬كنت آنذاك على وشك استكمال‬ ‫دراستي وتكويني على قيادة الطائرات املطاردة ‪Pilote de‬‬ ‫‪ ،chasse‬في تلك األثناء كان اجلنرال ديغول يعتبر عناصر‬ ‫اجليش التونسي أعداء‪ ،‬وأمر بأسر كافة التونس ّيني ال ّدارسني‬ ‫باملدارس العسكر ّية الفرنس ّية ومتّ إيقافنا مل ّدة حوالي ‪20‬‬ ‫‪65‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫فرنسا ‪ Texan T6‬التي مت ّثل نقلة نوعية مقارنة باملروحيات‬ ‫التي كانت موجودة بقابس باعتبار أن قوتها كانت تعادل‬ ‫مجهزة بأسلحة ورشاشات عيار‬ ‫حوالي ‪ 600‬حصان وكانت ّ‬ ‫الصغيرة؛ ولألسف كان‬ ‫‪ 7,62‬مم إضافة إلى بعض القنابل ّ‬ ‫بعض الفرنس ّيني من غير الفئة السياس ّية لم يستسيغوا‬ ‫استقالل املستعمرات الفرنس ّية‪ ،‬لذا فقد كانوا يحاولون ر ّد‬ ‫الفعل بإدخال تعديالت على املعدات املمنوحة أو املشتراة‬ ‫من فرنسا وكمثال على ذلك فقد قاموا بنزع الكوارتز‬ ‫(‪ Fréquence de radio‬تر ّددات الراديو) من طائرات ‪ T6‬التي‬ ‫منحتنا إياها فرنسا‪ ،‬وبالتالي ال ميكن التخاطب مع طائرة‬ ‫أخرى أو برج املراقبة‪ .‬وحلسن احلظ أنه خالل التكوين تع ّلمنا‬ ‫كيف ّية التخاطب باإلشارة مع الطاقم املرافق لك وفعال‬ ‫استعملنا اإلشارة خالل استعراض ‪ 15‬أكتوبر ‪ 1964‬الذي‬ ‫حضره الرئيس بورقيبة وال ّرؤساء جمال عبد النّاصر وبن بلة‬ ‫السنوسي‪.‬‬ ‫وولي العهد ال ّليبي ابن امللك إدريس ّ‬ ‫ّ‬ ‫شاركت في االستعراض تسع طائرات ونزلنا بالقاعدة‬ ‫اجلوية ببنزرت وساهمنا في رفع معنويات املواطن التونسي‬ ‫وال ّرئيس بورقيبة كان فخورا بالطيارين اجلدد‪ ،‬وحتى الضيوف‬ ‫كانوا معجبني مبستوى الط ّيارين التّونس ّيني وبد ّقتهم‬ ‫وحنكتهم أثناء االستعراض‪.‬‬ ‫بعد سنة ‪ ،1964‬فهمت احلكومة وعلى رأسها الس ّيد‬ ‫الباهي لدغم جناعة سالح ّ‬ ‫الطيران وأهمية اجليش بصفة‬ ‫عامة ألن اخملاطر كانت متواجدة على طول احلدود البر ّية‬ ‫والبحر ّية‪ ،‬فدأب على تقوية اجليش وبادر بشراء أول طائرة‬ ‫نفاثة من إيطاليا وكانت أهميتها كبيرة للغاية وتتمثل في‬ ‫السالح على ّ‬ ‫الطائرات‬ ‫تكوين الط ّيارين وكيف ّية استعمال ّ‬ ‫الصواريخ املضادة للدبابات والقنابل‬ ‫النّفاثة مثل قاذفة ّ‬ ‫واملدافع‪ ،‬وكان لي ّ‬ ‫السلطات التونس ّية‬ ‫الشرف أن أقنعت ّ‬ ‫باقتناء هذا النّوع من ّ‬ ‫الطائرات من إيطاليا ألنّها غير ّ‬ ‫معقدة‬ ‫وثمنها مناسب للميزان ّية التونس ّية‪ ،‬ومن النّاحية اجلغراف ّية‬ ‫تعطينا إمكان ّية التعامل مع جار ميكن له مساعدتنا في‬ ‫املستقبل وقد برز هذا التعاون نتيجة استمرار غلق املدارس‬

‫يوما إلى أن متّ إيقاف القتال وعلى ما أذكر فقد كان عدد‬ ‫التونسيني بني ‪ 120‬و‪ 130‬عسكريا بني ضباط وضباط صف‬ ‫في مجال الطيران متّ جتميعنا بقاعدة ‪ Orléans 300‬كلم‬ ‫جنوب باريس‪ .‬متّ إيقافي رفقة ضابط آخر هو الط ّيب بن‬ ‫عاشور أم ّد اهلل في أنفاسه ومتّ نقلنا بواسطة طائرة من‬ ‫‪ Tours‬إلى ‪ Orléans‬حيث دامت ال ّرحلة حوالي ‪ 40‬دقيقة‬ ‫كنت أثناءها ّ‬ ‫أفكر كأسير تونسي في كيف ّية احملافظة‬ ‫على روح املقاومة واملثابرة التي نتمتّع بها نحن التونس ّيون‬ ‫والتي اكتسبتها شخص ّيا في الكشافة التي كان لها تأثير‬ ‫إيجابي على بني جيلي عموما‪ .‬حاملا وصلنا متّ توزيعنا على‬ ‫الغرف‪ ،‬فتبادر إلى ذهني السؤال التالي‪ ،‬هل اجليش التونسي‬ ‫على علم بأسرنا أم ال؟ آنذاك كان لي زميل هو املرحوم عبد‬ ‫اجلليل املهيري قنصل تونس مبرسيليا الذي اتصلت به من‬ ‫السلط التونس ّية‬ ‫مكتب بريد قاعدة ‪ Orléans‬واتضح أ ّن ّ‬ ‫ليست لها دراية مبا حدث لنا‪ .‬بقينا في األسر حوالي ‪20‬‬ ‫يوما متّ على إثرها تسريحنا بعد نهاية املعركة‪ .‬كانت‬ ‫معركة بنزرت غير متكافئة عسكريا‪ ،‬قوات بسيطة جدا‬ ‫تتمتع مبعنويات مرتفعة كان لها تأثير قوي على الساحة‬ ‫السياسية واالجتماعية التونس ّية والفرنس ّية وحتى‬ ‫ال ّدول ّية‪ ،‬في مثل هذه املعارك غير املتوازنة يحدث أ ّن الطرف‬ ‫الضعيف يهني األقوى وذلك باستغالل املمارسات غير‬ ‫األخالق ّية التي يستعملها املستبد واستقطاب ال ّرأي العام‬ ‫العاملي ض ّده‪.‬‬ ‫إثر ذلك‪ ،‬اشتغلت مدربا للطيران بسيدي أحمد وكانت‬ ‫خاصة وأن املتكونني كانوا على‬ ‫جتربة مفيدة للغاية‬ ‫ّ‬ ‫استعداد تام لتلقي وحذق هذه التقنيات اجلديدة التي كان‬ ‫لها تأثير عميق على شريحة مع ّينة من ّ‬ ‫الشباب التونسي‬ ‫وكنت سعيدا بهذا االستعداد النفساني للمجموعة التي‬ ‫أشرفت على تكوينها‪ ،‬والتي قدمت لها ّ‬ ‫كل ما لدي من‬ ‫معارف في اجملال؛ وكان لنا ّ‬ ‫الشرف أن شاركنا سنة‪1964‬في‬ ‫االستعراض العسكري الذي انتظم مبناسبة ال ّذكرى األولى‬ ‫حتصلنا عليها من‬ ‫للجالء وكنت قائدا لسرب من الطائرات ّ‬ ‫‪66‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫مبنطقة نابولي ‪ Napoli‬وقد مكن هذا من ربط عالقات‬ ‫صداقة وتعاون بني القيادات اليوم‪ ،‬التونسية واإليطالية‪،‬‬ ‫ونفس الشيء حدث مع املغرب وعلى سبيل الذكر ال احلصر‬ ‫أذكر أنه كان لي زميل دراسة مغربي هو املرحوم محمد‬ ‫القباج قائد سالح الطيران في املغرب‪ ،‬وهو من أنقذ املرحوم‬ ‫امللك احلسن الثاني من محاولة اغتيال سنة ‪ ، 82 / 81‬هذا‬ ‫الرجل كان له وعي كبير بالتعاون بني تونس واملغرب إلى‬ ‫درجة أن امللك احلسن الثاني قد استقبلني في مناسبتني‬ ‫وباعتبار أننا درسنا بنفس املدرسة الفرنسية فقد كان لنا‬ ‫نفس التفكير ونفس املنطق والسلوك املعنوي وقد سعيت‬ ‫إثر زيارتي للمغرب واجلزائر لتوجيه نداء للطيارين للتعامل‬ ‫مع بعضنا البعض‪ ،‬وكانت هناك نية لتكون لنا نفس‬ ‫املعدات بالبلدان الثالثة وملا ال بعث صناعات جوية مشتركة‬ ‫حيث تتوفر الكفاءات‪ ،‬وهي بانتظار االستغالل للمساهمة‬ ‫في تنمية االقتصاد‪.‬‬ ‫كما أذكر أنه في ‪ 1981‬كانت لي زيارة إلى الصني رفقة‬ ‫ضابط من جيش البحر في إطار التعاون الثنائي وتعزيز قدرات‬ ‫اجليش الوطني واقتناء بعض املعدات وشخصيا اكتشفت‬ ‫أن الصينيني ال يوفرون دليال للطائرات املعروضة للبيع‪ ،‬على‬ ‫غرار األوربيني واألمريكان‪ ،‬من شأنه أن ميكننا من معلومات‬ ‫حول املع ّدة املزمع شراؤها وحتى من إمكانية إصالحها عند‬ ‫االقتضاء من قبل الفنيني واخملتصني‪ ،‬وهو ما يتطلب معرفة‬ ‫تقنية حلسن استغالل هذه الكتب واحملافظة على القطعة‬ ‫خاصة‪ ،‬وأن النية كانت تتجه القتناء طائرة ‪ MIG 21‬وأشير‬ ‫إلى أن هذا النوع من الطائرات يشبه كثيرا طائرات ‪ F5‬من‬ ‫حيث التقنيات‪ ،‬غير أن هذا النوع األخير أكثر جناعة وفاعلية‬ ‫بسبب القدرة على املناورة وحتكم الطيار في استعمال كل‬ ‫التقنيات املتوفرة فمثال ‪ MIG 21‬عند القيام بدورة كاملة‬ ‫يتطلب ذلك مسافة تقدر بحوالي ‪ 30/ 25‬كلم للرجوع إلى‬ ‫نقطة االنطالق‪ ،‬في حني ال تتجاوز املسافة التي تقوم بها‬ ‫طائرة ‪ F5‬عن ‪ 12/ 10‬كلم وهذا يعني أن ‪ F5‬ميكنه النجاة‬ ‫بنفسه عند االقتضاء في وقت وجيز مقارنة ب ‪MIG 21‬‬

‫فتم توجيه ع ّدة‬ ‫العسكر ّية الفرنسية أمام التونس ّيني ّ‬ ‫دفعات من العسكر ّيني التونس ّيني إلى مدارس ّ‬ ‫الطيران‬ ‫اإليطال ّية من ض ّباط وض ّباط صف (حولي ‪ 25‬ضابطا في‬ ‫مناسبتني) (‪.).....‬‬ ‫بعد مرحلة قيادة التكوين على ّ‬ ‫الطائرات النّفاثة‪،‬‬ ‫حتصلنا سنة ‪1969‬على طائرات أمريك ّية مقاتلة أخرى من‬ ‫ّ‬ ‫طراز أعلى تعرف بـ ‪ .F86‬هذه ّ‬ ‫الطائرة شاركت في احلرب‬ ‫الصين ّية في اخلمسينات وب ّينت على قدرات فائقة‬ ‫الكور ّية ّ‬ ‫في ال ّدفاع وهي متتاز بتو ّفر تقنيات غير متو ّفرة في ّ‬ ‫الطائرات‬ ‫اإليطال ّية فكانت ناجعة في التص ّدي للهجومات املعادية‬ ‫وكانت لنا فرصة في سنة ‪ 69 / 68‬لتع ّلم القتال جو‪-‬جو‬ ‫بحيث مكنتنا هذه ّ‬ ‫الطائرة من االرتقاء إلى مرتبة عمليات ّية‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫حتصلت تونس على طائرة ‪ F5‬التي متتاز‬ ‫بعد طائرة ‪ّ F86‬‬ ‫بنوعيها ذات سائق واحد وذات سائقني مبعنى أنها تتسع‬ ‫ملدرب ومدرب متربص أي أنها كانت مقاتلة وفي نفس الوقت‬ ‫طائرة تكوين‪ .‬ومن مميزات هذه الطائرة أنها مجهزة بصاروخ‬ ‫جو‪-‬جو وذلك حلماية فضائنا اجل ّوي‪ ،‬كما أنها أكثر سرعة‬ ‫إذ تتجاوز سرعتها ‪ 1400‬كم‪/‬ساعة‪ ،‬وكان الفضل لسرعة‬ ‫هذه الطائرات أن متكن من اإلنذار املبكر واالستباق باعتبار‬ ‫أنه ميكن رؤية العدو على االرتفاع من مسافة ‪ 20‬كلم‬ ‫وحتى أكثر‪ ،‬وبالتالي ميكن االستعداد ورد الفعل املناسب‬ ‫وقد تزامن استعمال طائرة ‪ F5‬مع تركيز شبكة رادارات على‬ ‫كامل التراب التونسي متكن من الرصد واملراقبة‪.‬‬ ‫إن عملية اقتناء طائرات إيطالية وحدها ال تكفي فالبد‬ ‫من توفير اإلمكانيات املادية واملعنوية‪ ،‬وقد فتحت لنا هذه‬ ‫العملية األبواب للتعامل مع إيطاليا في امليدان السياسي‬ ‫وفي امليدان االقتصادي ومت اقتناء مروحيات من نوع ‪SG 1960‬‬ ‫وهي مروحية ممتازة للتعليم‪ ،‬كذلك طائرات ‪Macchi 326‬‬ ‫‪ A‬و‪ B‬وما بعدها‪.‬‬ ‫كما مت فتح باب التكوين بإيطاليا ومت إرسال حوالي ‪90‬‬ ‫عسكريا إلى األكادميية ومدارس ضباط الصف بإيطاليا‬ ‫‪67‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫رمي بهذه املنطقة من واجبنا وحتت طائلة القانون إعالم‬ ‫مستعملي هذا املمر سواء كانوا طائرات أو بواخر لالبتعاد‬ ‫عنه وتتمثل الطريقة في إعالم وزارة اخلارجية من قبل‬ ‫وزارة الدفاع بالتمرين حتى تعلم بدورها البلدان التي متر‬ ‫طائراتها وسفنها من تلك اجلهة ملنعها من املرور تفاديا‬ ‫للحوادث‪ .‬كان السرب يتكون من ‪ 3‬طائرات وكان يشرف‬ ‫على التمرين ضابط أمريكي وعند اإلقالع شاهدت بواخر‬ ‫بصدد عبور املنطقة املمنوعة وملا جاء دوري للقيام بالرمي‬ ‫ونتيجة الشعور السيئ الذي انتابني بسبب خرق هذه‬ ‫السيادة الوطنية‬ ‫السفن للقوانني ال ّدول ّية والتع ّدي على ّ‬ ‫ّ‬ ‫أعلمت املد ّرب بالعودة اضطراريا إلى القاعدة اجلو ّية ببنزرت‬ ‫م ّدعيا أ ّن مح ّرك ّ‬ ‫الطائرة قد تع ّرض إلى عطب فسمح لي‬ ‫بذلك‪ ،‬ولكن احلقيقة أنّي لم أعد إلى القاعدة بل نزلت من‬ ‫ارتفاع ‪ 10000‬متر إلى مستوى ارتفاع البواخر بحيث كنت‬ ‫أرى الربان ّ‬ ‫بكل وضوح ومررت بجانب الباخرة وقمت ّبإطالق‬ ‫النّار لإلنذار كما يسمح القانون بذلك‪ ،‬وطالبته باخلروج من‬ ‫موضحا له مسار اخلروج وصعدت من جديد نحو‬ ‫املنطقة ّ‬ ‫األعلى وكنت أسمعهم عبر الالسلكي يقولون «املنطقة‬ ‫احمل ّرمة أصبحت فعال مح ّرمة»‪ .‬وبالتالي ال ّدرس املستخلص‬ ‫من هذا هو أ ّن تطبيق القانون ملا يكون في صفك ضروري‬ ‫حلماية البالد من أي خرق للقانون‪.‬‬

‫التي ميكن اللحاق بها وحتطيمها ولهذا السبب مت العدول‬ ‫عن شراء هذه الطائرة‪ ،‬وقد أفدت القيادة بذلك ورغم أن امليغ‬ ‫‪ 21‬أقل كلفة وميكن اقتناء حتى ‪ 50‬أو ‪ 60‬قطعة إال أنه‬ ‫عمليا ال ميكن استغالل إال حوالي اخلمس في حني سيكون‬ ‫الباقي خارج اخلدمة بسبب سرعة تعطبها وعدم وجود‬ ‫الدليل اخلاص بها‪ .‬كما أن املعدات الفرنسية أو األمريكية‬ ‫أجنع بكثير ولو أن عددها أقل وكلفة إصالحها أقل أيضا‪.‬‬ ‫هذه التطورات أدت إلى مراجعة البنية التحتية وإجناز‬ ‫مهابط مروحيات في أماكن معينة لها فاعلية ومردود من‬ ‫اجلنوب إلى شمال البالد ويكون فيها املدد الالزم من عنصر‬ ‫بشري ومعدات وماديات‪ ،‬وأعتقد أن هذا التمشي بصدد‬ ‫املتابعة األمر الذي يجعلنا متفائلني أمام املستقبل‪ .‬زمن‬ ‫السلم يكون التركيز على القيام بالتمارين املشتركة‬ ‫مع جيوش البلدان الشقيقة والصديقة وأذكر هنا مترينا‬ ‫مشتركا مع األمريكان باستعمال طائرة ‪ F5‬على ما أذكر‬ ‫ورغبوا في اختبار القدرة على الدفاع عند الطيار التونسي‬ ‫الذي كان يستعمل آنذاك طائرة ‪ F86‬ومتثل التمرين في‬ ‫سباق بني الطيارين شارك فيه الضابط التونسي عمر‬ ‫عبيد‪ ،‬ورغم تقدم طائرة ‪ F5‬على طائرة ‪ F86‬وعوض أن ينهي‬ ‫الطيار األمريكي العملية في م ّدة ‪ 10‬إلى ‪ 15‬دقيقة فقد‬ ‫بقي ‪ 45‬دقيقة ليتمكن من إنهاء القتال‪ ،‬ويعود ذلك إلى‬ ‫كفاءة العنصر البشري لدينا وإلى صغر حجم مدى دورانها‬ ‫في ‪ 360‬درجة‪ .‬وم ّرة أخرى أشيد مبستوى وكفاءة العسكري‬ ‫التونسي الذي تك ّون في أحسن املدارس العسكرية‪ ،‬ومن‬ ‫شأن املواطن التونسي أن يعتز ويفتخر به‪ .‬كما كان الطيران‬ ‫يقوم بدوريات حلماية اجملال اجلوي التونسي‪ ،‬وأق ّدم مثاال هنا‬ ‫حول الشعور باملسؤولية حيث كنت على رأس سرب من‬ ‫طائرات ‪ F86‬في مترين بجهة جالطة وهي منطقة بحرية‬ ‫متر منها عابرات النفط مبعدل ‪ 200‬باخرة يوميا‪ ،‬وكان ربابنة‬ ‫هذه السفن يفكرون في أجنع طريقة للمالحة لعبور احلوض‬ ‫الغربي للمتوسط في أسرع وقت وبأقل كلفة‪ ،‬فكانوا ميرون‬ ‫بالقرب من جزيرة جالطة‪ ،‬وبالتالي عند القيام بتمارين‬

‫أحداث جانفي ‪:1978‬‬

‫‪68‬‬

‫كنت قائدا لسالح ّ‬ ‫الطيران ومق ّر القيادة كان القاعدة‬ ‫اجلو ّية ببنزرت‪ ،‬وأعتز بالفريق الذي عمل معي‪ ،‬والذي كان‬ ‫متعاونا ومتضامنا ج ّدا‪ ،‬وقد ُك ّلفت من قبل وزارة ال ّدفاع‬ ‫الوطني باإلشراف على حفظ األمن بحامية بنزرت التي تتك ّون‬ ‫من بنزرت املدينة ومنزل بورقيبة وماطر واملدينتان األخيرتان‬ ‫كانت األجواء فيهما ساخنة للغاية ومضادة للحكومة‬ ‫باملهمة بالتنسيق مع العسكر ّيني من‬ ‫آنذاك‪ ،‬وقد قمت‬ ‫ّ‬ ‫جيش البر والبحر‪ ،‬واعتمدنا طريقة االستباق لألحداث من‬ ‫بالسلط املدن ّية ببنزرت متمثلة في‬ ‫ذلك أنه متّ االتصال ّ‬ ‫الوالي واحلرس واألمن الوطن ّيني‪ ،‬وكانت اجتماعاتنا دور ّية‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫لتقييم تط ّور األحداث‪ ،‬ومتّ االتفاق على تكليف جيش‬ ‫الطيران ومعداته بحماية املنشآت االقتصادية باجلهة عبر‬ ‫مترجلة أو محمولة ال تتجاوز ‪ 5‬أو ‪ 6‬أفراد‪،‬‬ ‫دوريات خفيفة‬ ‫ّ‬ ‫وتتك ّون من آمر عنصر وراديو لالتصال كانت الدورية مع ّززة‬ ‫باألنياب التي كان لها مردود إيجابي للغاية كوسيلة ردع ال‬ ‫غير‪ ،‬حيث أنه في كافة املناطق الراجعة إلينا بالنّظر لم‬ ‫نسجل أي حادث وال أي إصابة مهما كان نوعها‪.‬‬

‫ثكنة قفصة متجهني بها نحو وسط مدينة قفصة‪ ،‬وكانت‬ ‫الغاية من ذلك كسر معنويات العسكريني واجملتمع عموما‪،‬‬ ‫وكان البعض منهم قد قام بعملية التلقيح‪ ،‬أما عددهم‬ ‫اجلملي فكان بني ‪ 120‬و‪ 150‬فردا ‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى أشير إلى أن عملية التنسيق بني‬ ‫اجليوش وقتئذ لم تكن على ما يرام‪ ،‬ويكاد كل جيش يعمل‬ ‫على حدة‪ ،‬وقد شعرت في عدة مناسبات بانسجام أفراد‬ ‫جيش البر مع بعضهم البعض في حني كان أفراد جيش‬ ‫الطيران أقرب إلى جيش البحر نظرا الستعمالنا نفس‬ ‫اللغة تقريبا‪ ،‬وخالل العمليات كثيرا ما يجد الطيار نفسه‬ ‫مجبرا على الهجوم أحيانا دون أن يتلقى تعليمات في ذلك‪،‬‬ ‫وكان عليه تبرير ذلك‪ .‬في هذا اجملال يجب التأكيد على‬ ‫معي على أن ال يكون‬ ‫ضرورة توحيد القيادة في مستوى ّ‬ ‫القرار أحادي اجلانب مبعنى أن يتّخذ بصفة فرد ّية بل يجب‬ ‫املوحدة سواء كان ذلك في مستوى‬ ‫اتخاذه من قبل القيادة ّ‬ ‫وزارة ال ّدفاع أو حتى في مستويات عليا أخرى وأن يكون القرار‬ ‫سريعا وناجعا‪ ،‬وعلى مستوى القيادة العامة العسكر ّية‬ ‫يجب احملافظة على خصوصيات كل جيش حتى يتم تفادي‬ ‫إمكان ّية فرض رأي على آخر‪ ،‬حينئذ تفقد املهمة جناعتها‬ ‫حني ال تتماشى التعليمات مع مقتضيات تسيير املهمة‬ ‫جليش دون آخر لذا ال بد من رسم هدف موحد يكون اجلميع‬ ‫متفقا عليه وال تراجع عنه‪.‬‬ ‫كانت األطراف التي قامت بعمل ّية قفصة معروفة‪،‬‬ ‫ولكني أعتذر عن اإلفصاح عنها للحفاظ على البعض من‬ ‫املصداق ّية بيننا وبني دول اجلوار التي لها مشاكل داخل ّية‬ ‫اخلاصة‪ .‬إ ّن التعامل مع اجلوار‬ ‫تعمل على حلها بطريقتها‬ ‫ّ‬ ‫وعما ميكن أن يتو ّفر‬ ‫عما ميكن تقدميه ّ‬ ‫ممكن ولكن أتساءل ّ‬ ‫لنا من رصيد ذاتي‪ ،‬وللتوضيح أسوق مثاال بسيطا لذلك‪،‬‬ ‫وهو التمويل الذاتي لشخص ما يرغب في احلصول على‬ ‫قرض بنكي لشراء مسكن فالبنك أول ما يسأل عن مقدار‬ ‫التمويل الذاتي املمكن توفيره‪ ،‬فالدفاع عن وطننا الذي مثل‬ ‫عبر التاريخ طريق عبور من مختلف اجلهات رهني طبيعة‬

‫أحداث قفصة سنة ‪:1980‬‬

‫ال بد أن أشير في هذا الصدد إلى أن النّظام ال ّليبي‬ ‫كان منذ سنة ‪ 1975‬يتدخّ ل في ّ‬ ‫الشأن التونسي بسبب‬ ‫االختالف في ال ّرؤى السياس ّية حتى ما قبل فشل الوحدة‬ ‫التونس ّية ال ّليب ّية سنة ‪ 1974‬فقد أظهر هذا النّظام عداوة‬ ‫للنّظام التونسي‪ ،‬من ذلك أنه أساء التعامل مع اليد‬ ‫العاملة التونس ّية املقيمة بليبيا في مناسبات ع ّدة‪ ،‬فكان‬ ‫يعمد إلى احتجازهم وافتكاك أموالهم‪ ،‬وس ّلط عليهم‬ ‫العنف دون مراعاة للجانب اإلنساني في محاولة منه لصنع‬ ‫فئة معادية للنظام التونسي يقع استعمالها عند احلاجة‪.‬‬ ‫ويعود ذلك في اعتقادي إلى تركيبة اجملتمع ال ّليبي التي‬ ‫مازالت غير ملتحمة وينقصها االنسجام‪.‬‬ ‫خالل أحداث قفصة ّ‬ ‫تلقيت مكاملة هاتف ّية من وزير‬ ‫ال ّدفاع الوطني آنذاك الس ّيد رشيد صفر حوالي الواحدة‬ ‫بشن العدوان وباتخاذ اإلجراءات‬ ‫صباحا يعلمني فيها‬ ‫ّ‬ ‫ال ّالزمة (‪ )...‬وفعال مت عقد اجتماع عاجل مع األطراف التي‬ ‫ستشارك في التصدي لهذه العملية ضم طيارين وأعوان‬ ‫متوين وعناصر مسلحة ومموني النفط؛ وتنقلت الطائرات من‬ ‫قاعدة سيدي أحمد إلى مطار جربة أين مت تزويدها بالوقود‬ ‫واألسلحة‪ ،‬وكانت املهمة استطالعية بحتة‪ ،‬إذن صدرت‬ ‫األوامر عند الفجر باإلقالع والتوجه إلى قفصة وساعة‬ ‫إقالعها كان لها تأثير كبير للغاية بالنسبة إلى الطيارين‬ ‫خاصة عندما تكون أشعة الشمس وراء الطيار بحيث‬ ‫أن الرؤية تكون أوسع وأوضح وفعال فقد تراءت للطيارين‬ ‫اجملموعة التي مت أسرها من قبل اإلرهابيني وإخراجها من‬ ‫‪69‬‬


‫المجلّة التونسية للتاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2019 / 9‬‬

‫كان هناك من ينتظرهم في جهة احلامة وقابس ومت إلقاء‬ ‫القبض عليهم جميعا‪ ،‬لذا أشير أن روح املبادرة هي ذات‬ ‫أولوية قصوى في جميع األحداث‪ ،‬وبالتالي البد من توفر حد‬ ‫أدنى من املعدات ووسائل الدفاع والشعور باملسؤولية جتاه‬ ‫هذا الوطن فاالعتماد على الغير يتطلب ثمنا لذلك‪.‬‬

‫التضاريس وتوفر اإلمكانيات‪.‬‬ ‫كانت اخلطة تهدف إلى ضرب معنويات املعتدين وقد‬ ‫صدرت التعليمات بتتبع الطائرات لهذه اجملموعة على خط‬ ‫مواز خلط سيرهم من الثكنة نحو وسط مدينة قفصة‬ ‫وإطالق النار بالهواء الطلق إليهام املعتدين بأن الوضع حتت‬ ‫السيطرة وأنه باإلمكان هزمهم وبالفعل جنحت اخلطة‪،‬‬ ‫وارتبكت اجملموعة والذ بعضها بالفرار مما سمح للجنود‬ ‫بالتفرق واالحتماء بالثكنة أو بأماكن أخرى‪ ،‬وهكذا أحبطت‬ ‫محاولة املعتدين تهدمي معنويات الشعب التونسي‪.‬‬ ‫في املرحلة الثانية أصدرت التعليمات للطيارين للقيام‬ ‫بجولة في سماء مدينة قفصة للتعرف على أوضاع‬ ‫املدينة‪ ،‬وكان الرد يتمثل في أن جموعا غفيرة محتشدة‬ ‫من السكان قد خرجت إلى الشارع لالستطالع ومعرفة‬ ‫األوضاع خاصة وأن بعض األفراد من املعتدين قد ذهبوا‬ ‫إلى وسط املدينة الستقطاب السكان إلى جانبهم‪ ،‬فكان‬ ‫أن مت إطالق النار إلنذار هذه اجلموع‪ ،‬وأسفر ذلك عن رجوع‬ ‫السكان إلى منازلهم ولم يبق وسط الشارع إال اإلرهابيني‬ ‫وأصحاب النوايا اخلبيثة‪ ،‬األمر الذي رفع من معنويات‬ ‫العسكريني واملدنيني على حد سواء‪ .‬إضافة إلى ذلك فقد مت‬ ‫التعرف على مصدر إرسال هؤالء املعتدين ومع من يتعاملون‬ ‫واستنتجنا أنهم سيوجهون إلى احلدود الغربية التي دخلوا‬ ‫منها‪ ،‬فركزنا طائرات ذات محرك واحد ميكنها التحليق على‬ ‫ارتفاع بسيط للغاية ومراقبة كل نقطة ميكن للمعتدين‬ ‫االختفاء فيها‪ ،‬من طرقات وأودية وكثبان رملية‪ ،‬فأخذ‬ ‫هؤالء اإلرهابيون في العودة من جهة الشرق‪ ،‬وهناك أيضا‬

‫االعتداء اإلسرائيلي على حمام الشط‪:‬‬

‫دت رئاسة أركان جيش الطيران مل ّدة ‪ 11‬سنة بني‬ ‫تق ّل ُ‬ ‫‪ 1974‬و‪ 1985‬كانت متعبة ج ّدا ولكنها ثرية باألحداث‬ ‫وأفتخر مبا ّ‬ ‫حققته أثناءها من نتائج‪ .‬وأشير إلى أني أُحلت‬ ‫على التقاعد الوجوبي في شهر سبتمبر ‪ 15 ،1985‬يوما قبل‬ ‫ّ‬ ‫الشط‪ .‬وما أذكره أنه قبل‬ ‫حمام‬ ‫االعتداء اإلسرائيلي على ّ‬ ‫االعتداء كانت ترد علينا تقارير استخباراتية تفيد بحدوث‬ ‫اعتداء على تونس‪ .‬في هذا الظرف كنّا على وشك استكمال‬ ‫تدريب وتكوين األفراد على طائرة ‪ F5‬الستغاللها بصفة‬ ‫نهائية في املهام العملياتية‪ ،‬كذلك شبكة الرادارات موجودة‬ ‫ولكنها غير مهيأة كليا وما ينقصنا هو االستعالمات وتنوع‬ ‫مصادرها وحسن استغاللها بطريقة كافية وناجعة وبلغ‬ ‫إلى علمي من مصادر موثوقة‪ ،‬وأصرح بهذا ألول مرة‪ ،‬أنه مت‬ ‫رصد حتركات مشبوهة من قبل الرادار ثالثة أيام قبل تنفيذ‬ ‫العملية تتمثل في وجود طائرات تقوم بعمليات ذهاب وإياب‬ ‫في مجال جوي قريب من تونس‪ ،‬وقد مت إعالم السلط بذلك‬ ‫فأمرت باستفسار األمريكان عن هذه التحركات‪ ،‬إال أن هؤالء‬ ‫أنكروا أن يكون لديهم علم مبثل هذه التحركات‪ ،‬وقد مت‬ ‫بالفعل تنفيذ العملية‪ ،‬ولكن للتاريخ دون غفلة منّا ونترك‬ ‫اجملال للمؤرخني للفحص والتنقيب عن احلقيقة‪.‬‬

‫بكل أمانة‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫وكل األفكار واآلراء‬ ‫انتهت الشهادة الشفوية للعقيد متقاعد محمد التوهامي املاشطة‪ ،‬أوردناها‬ ‫واملواقف التي تضمّ نتها ال تلزم غير صاحبها كما أنها ال تعبّر عن آراء ومواقف هيئة حترير ّ‬ ‫اجمللة التونسية للتاريخ‬ ‫العسكري وال تلزم في شيء وزارة ال ّدفاع الوطني‪ .‬وهي ككل شهادة شفوية تقوم على الذاكرة الشخصية‬ ‫لصاحبها وتبقى دون ّ‬ ‫شك في حاجة إلى املقارنة مع شهادات أخرى متزامنة معها وكذلك مع املصادر األرشيفية‬ ‫واملراجع الوثائقية التي تناولت املوضوع‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫صـــــــــــــــــــــــدر أخيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا‪.............‬‬

‫‪Nouvelle publication‬‬


ns: MĂŠmoire et enseignement ..


Les MusĂŠes Militaires Tunisien


‫‪N° IX / 2019‬‬

‫‪Revue Tunisienne d’Histoire Militaire‬‬

‫صـــــــــــــــــــــــدر أخيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا‪.............‬‬

‫‪Nouvelle publication‬‬

‫‪57‬‬


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

que 50.000 ? Des soldats venus pour chercher du répit après un revers militaire, et se préparer pour retourner au front, vont être confrontés à plusieurs difficultés. « En définitive, nous pouvons affirmer que le dispositif mis en place à Bizerte et en Tunisie en général pour accueillir les Serbes ne fut pas exemplaire et renferma beaucoup de défaillances… » (Page 56). Ecrire l’histoire de la guerre, écrire l’histoire de la ville: Mais ce qui interpelle dans cet ouvrage c’est de trouver à travers cet évènement un autre récit sous jacent, c’est pouvoir saisir l’histoire d’une ville, la ville de Bizerte : son importance stratégique, (sans oublier de mentionner sa base arrière Ferry ville). Une ville refuge 1 qui se trouve sur la rive sud de la méditerranée. Donc nous saisissons le rôle de cette base navale, un rôle qui se distingue lors de ce genre d’évènement. Ce n’est pas un pur hasard si Jules Ferry « déclara avec un peu d’exagération : « …si la France s’est installée en Tunisie, c’est pour avoir Bizerte » (p.16). Et pour aller encore plus en avant dans l’histoire nous comprenons bien la ténacité des Français à garder cette base après 1956. Le rôle de Bizerte pour donner de l’espoir aux soldats serbes jusqu’à leur rétablissement pour regagner le front ou pour renter chez eux après la libération de leur pays. Mais ce qui surprend, d’après l’auteur, c’est qu’un tel évènement est passé inaperçu pour la majorité des Tunisiens et surtout des Bizertins. Donc il y a la question de la mémoire qui est évoquée. Et pourtant ce ne sont pas les traces qui manquent : le carré des Serbes enterrés dans le cimetière de Menzel Bourguiba. Mais pas uniquement. L’auteur semble proposer une explication quant à cette amnésie chez la population locale. Il rappelle en effet que les rapports entre les Tunisiens et les Serbes n’étaient pas au beau fixe. On a relevé quelques incidents. Présence des Serbes et dynamique socio culturelle et activités économiques: Refugiés, loin de leur patrie, les Serbes ont quand même marqué leur présence en Tunisie à travers des activités qui ont touché différents domaines : le côté religieux, artistique : musique et théâtre, intellectuelle telle que la publication d’un journal (Napred) ou des livres…Ils avaient fourni une main d’œuvre pour l’agriculture. Sur le plan sanitaire leur rôle est à souligner dans les hôpitaux. La religion était un refuge pour ces Serbes dans un pays où ils se sentaient minoritaires, ils sont en effet orthodoxes dans un milieu à majorité musulmane et catholique. C’est ce qui explique la présence de quelques lieux de culte comme au Nadhor, à Lambert…les cimetières aussi. La religion est en fait une référence identitaire mais aussi un soutien moral dans un contexte dramatique pour ces jeunes réfugiés. L’auteur n’a pas manqué d’attribuer à cette présence une dynamique pour Bizerte, une ville cosmopolite. Un catalyseur pour l’éveil nationaliste chez les Bizertins, précoce, avec Tunis, sur les plans syndical et politique. Mais ce qui semble préoccuper l’auteur est la question de la mémoire de cette présence. Elle semble, en effet, être ignorée par les Tunisiens et la grande majorité des Bizertins. Il propose quelques explications qui pourraient éclairer cet état de fait: l’isolement des Serbes et le rejet de cette mémoire voire sa marginalisation par les politiques. C’est pour remettre les pendules à l’heure que Ali Ait Mihoub a entrepris un tel travail. Rappelons pour conclure que la réussite de cet ouvrage est principalement tributaire d’une documentation riche et variée: archives françaises, tunisiennes, municipales et les journaux de l’époque en plus d’un nombre non négligeable d’ouvrages généraux et plusieurs articles.

1 - Une ville refuge pas seulement pour les Serbes. Ce rôle va être au devant de la scène à deux reprises : en 1920 avec l’arrivée des Russes blancs qui fuyaient le nouveau régime soviétique issu de la révolution bolchévique, et en 1939 avec l’arrivée des réfugiés espagnols républicains, la flotte républicaine, qui fuyaient le nouveau régime franquiste installé en Espagne après le fin de la guerre civile.

56


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

évoquant ainsi la question de la mémoire et son entretien. Et de ce fait, c’est un écrit sur l’implication de la Tunisie dans ce conflit. Rappelons que cette implication se traduit de deux manières, au moins : - La mobilisation des Tunisiens envoyés au front - L’utilisation du sol tunisien dans la stratégie et les tactiques de cette guerre et ceci de différentes manières. Celle évoquée dans le livre est le rôle du port de Bizerte dans ce conflit, et même, partiellement, de la ville de Ferry ville. C’est un ouvrage spécialisé qui s’inscrit dans les préoccupations scientifiques de recherche de l’auteur dont les travaux portent sur l’histoire militaire de la Tunisie au cours de la première moitié du XXème siècle. Et même s’il est spécialisé cet ouvrage peut très bien intéresser un large public.

Une trame multidisciplinaire: C’est une thématique qui s’inscrit dans la production à propos de la Grande guerre. Si cette production est assez riche à travers le monde et en Tunisie, il n’en reste pas moins qu’elle n’a pas encore livré tous ses secrets et n’a pas couvert tous les aspects de cette guerre. C’est une autre approche originale pour écrire l’histoire de cette guerre, le côté militaire est assez abondant. L’auteur n’avait qu’à trouver un prétexte pour écrire l’histoire de ce conflit et l’aborder en usant d’une approche originale : les Serbes dans cette guerre1. Mais le motif lui-même va se trouver fractionné en d’autres sujets. Il suffit de lire le titre de l’ouvrage : Bizerte ; grande guerre ; refuge ; les Serbes ; 1916-1919. Nous nous rendons compte que c’est tout un programme. Mais une thématique centrale se dégage, à savoir « le rôle des colonies comme base arrière pour les éventuels blessés de guerre ». Donc c’est un intérêt qui ne s’adresse pas, qui ne s’occupe pas du front et du terrain des opérations militaires, mais des arrières (p. 7). Et c’est là que se dégage encore mieux l’idée générale (la thématique centrale) à savoir « le séjour des troupes serbes à Bizerte entre 1916-1919 ». Comment peut-on percevoir cette originalité ? « Intégrer profondément l’arrière à la guerre. D’où l’importance de ce qui s’y passe aux plans politique, social, mental ». D’un évènement dicté par la guerre, l’auteur a tiré profit et a réussi à tisser une trame, je dirais assez romancée, une histoire dans l’histoire (p.61) : suivre les aventures ou les mésaventures de ces soldats serbes sous plusieurs aspects. Et ce ne sont pas les exemples qui manquent: *Les moyens de transport ou les conditions de transport maritime durant la guerre ; *Histoire des épidémies et de l’avancée des découvertes dans le domaine médical et hygiéniste; *Histoire du genre à savoir le rôle de la présence de la femme2 . Dans ce cadre l’auteur évoque avec beaucoup de détails une intéressante biographie d’une femme serbe considérée comme une héroïne nationale, Milunka Savitech (p.61…64). Et toujours dans la même approche, il met en relief le rôle des femmes bénévoles pour porter assistance et aide aux blessés serbes, des Françaises ou des Britanniques (Francesca Wilson). Donc c’est une étude qui n’a pas négligé la vie associative, l’esprit caritatif, l’émancipation de la femme…) *Les activités culturels à Bizerte durant la Grande Guerre. A travers ce récit nous finissons par nous familiariser avec ces Serbes depuis leur départ jusqu’à Bizerte : Les problèmes posés par leur arrivée, les conditions de leur installation. La ville était-elle en mesure d’accueillir un si grand nombre, plus 1 - Nous pouvons citer d’autres motifs : le rôle des chevaux dans la grande guerre. Voir le livre de Claude Milhaud : « Les pertes équines (14/18), l’autre hécatombe » 1 - « Bien avant l’émergence d’une histoire culturelle de la Première Guerre mondiale, l’histoire des femmes, dont le premier objectif dans les années 1970 fut de rendre visibles les femmes du passé, s’est en effet intéressée aux multiples expériences féminines pendant le conflit et à l’impact de l’événement sur la place des femmes dans les sociétés occidentales ».Voir Françoise THEBAUD, « Penser la guerre à partir des femmes et du genre : l’exemple de la Grande Guerre », Astérion [En ligne], 2 | 2004, mis en ligne le 05 avril 2005, consulté le 02 novembre 2019. URL : http://journals.openedition.org/asterion/103 ; DOI : 10.4000/asterion.103.

55


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

Compte rendu:

N° IX / 2019

Dr. Béchir Yazidi Université de la Manouba

Ali Ait Mihoub, Bizerte dans la Grande Guerre: un refuge pour les Serbes (1916-1919), Tunis, Institut Supérieur d'Histoire de la Tunisie Contemporaine, 2018.

:‫ملخص‬

Bizerte dans la Grande Guerre: un refuge pour les Serbes « ‫ـم علــي آيــت ميهــوب فــي كتابــه‬ ّ ‫اهتـ‬ ‫ مــن خــال‬،‫وأهميتهــا اإلســتراتيجية خــال احلــرب العامليــة األولــى‬ ‫ بتاريــخ مدينــة بنــزرت‬،» )(1916-1919 ّ ‫املهجريــن الذيــن‬ ‫للصــرب‬ ّ ّ ‫ حيــث ش ـكّلت املدينــة مــاذا آمنــا‬،‫الــدور الــذي لعبتــه فــي تلــك الفتــرة‬ ‫الصــرب مــن التأثــر والتأثيــر فــي‬ ّ ‫ متكّــن العســكريون‬،‫ ونتيجــة إلقامتهــم فيهــا‬.1916 ‫جلــؤوا إليهــا ســنة‬ ‫ إلــى أن بلغــوا درجــة اســتعادة األمــل ورغبتهــم فــي العــودة ثانيــة جلبهــة القتــال‬،‫منــط احليــاة باملدينــة‬ .‫وحتريــر بالدهــم‬ Comment situer l’ouvrage dans le contexte historiographique ?

La Grande Guerre (14/18) a été perçue et étudiée par les historiens en la plaçant dans le contexte politique, social, culturel, technologique… Mais ces approches ont été évolutif. Du militaire au culturel en passant par diverses domaines. « Le début du XXIème siècle marque, quant à lui, l’avènement d’une histoire transnationale»1. Parmi les sujets traités par cette approche se trouve en particulier la question des refugiés. L’immensité de la documentation concernant ce sujet, en plus de quelques freins matériels, explique la rareté des travaux dans ce domaine à la fin du XXème siècle, travaux qu’on pourrait considérer comme précurseurs. Et ce n’est que récemment que ce genre de travaux s’affirme véritablement 2 .

Présentation :

L’ouvrage de Ali Ait Mihoub que nous présentons s’inscrit dans cette approche transnationale. Réunissant 207 pages, ce livre se divise en deux parties. Optant pour un plan thématique, l’auteur n’a pas, pour autant, négligé un acheminement chronologique. Il traite, en effet, dans une première partie de l’arrivée des refugiés serbes à Bizerte en 1916, une ville en pleine évolution en ce début du XXème siècle et surtout une transformation dictée par la Grande Guerre. Il décortique aussi les raisons qui ont poussé ces Serbes vers Bizerte, et il termine par une description minutieuse de leur effectif, leurs origines,, leur installation…Il consacre la deuxième partie à leur état physique et moral, leur présence dans un milieu « étranger », leurs activités, et enfin une réflexion concernant cette présence et les dimensions de ses traces 1 - Voir Jay Winter, l’histoire de la première guerre mondiale : le moment transnational, 2013. 2 - La Cambridge History of the First World War, publiée sous la direction de Jay Winter en 2013 et qui regroupe les contributions d’historiens venus d’horizons très divers, revendique cette approche transnationale. La version en langue française est publiée en 3 volumes par Fayard en 2013 et 2014.

54


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Conclusion: La Tunisie de la fin du XIXe siècle a connu la construction de quatre principaux ports de natures différentes: - un pôle portuaire à Tunis-Goulette à vocation surtout économique qui réside dans l’exportation des matières premières agricoles et minières mais aussi l’importation des produits fabriqués, des biens d’équipements et de consommation. - Un complexe portuaire à Bizerte-Ferry ville à vocation surtout militaire composé d’un port, d’une base navale, d’un arsenal à Sidi Abdallah et d’une nouvelle base aérienne à Sidi Ahmed. - Un port d’exportation des phosphates à Sfax. - Un port de commerce à Sousse destiné surtout à l’exportation d’alfa et l’huile d’olive ; Au-delà de la dimension et de la nature de chacun des quatre ports, ils sont tous reliés à leurs hinterlands par des lignes ferroviaires perpendiculaires à la côte. Certes, le chemin de fer a précédé le port de Tunis, mais la construction des trois autres ports fut presque concomitante avec celle du chemin de fer. Grâce à ces nouveaux relais que constituent ces quatre ports, l’ancrage de la nouvelle colonie dans les réseaux d’échange métropolitains est bien amorcé : transport de produits mais aussi de nouveaux colons venus s’installer en Tunisie, de soldats mobilisés vers la Métropole ou venant assurer leur service en Tunisie, départ ou arrivée d’administrateurs coloniaux et de leurs familles… Nonobstant le rôle de ces ports tunisien, leur création a été marquée par certains traits dont les plus importants sont: - L’absence d’une stratégie globale, ce qui fait que la construction de chaque port à obéi à des vicissitudes bien particulières. Ainsi, les facteurs diplomatique et politique ont été déterminants pour les ports de Tunis et de Bizerte alors que des intérêts locaux et coloniaux l’ont été pour ceux de Sousse et de Sfax. - La multitude des acteurs et l’interpénétration des rôles des différents responsables expliquent le piétinement des travaux de construction de certains ports. Nous comprenons alors pourquoi tantôt domine un groupe d’intérêt épaulé par les uns, comme les Batignolles ou Hersent, tantôt triomphent d’autres milieux d’affaires affiliés à d’autres groupes de pression, comme c’est le cas des Duparchy et Préault. Il s’en suit alors des privilèges exorbitants accordés aux uns et aux autres. - « L’urgence » de certains ports qui était source de précipitation, les liens d’intérêt entre milieux politiques et responsables administratifs d’un côté et concessionnaires d’un autre côté, le jeu de substitution des concessionnaires ont fait que de telles entreprises étaient onéreuses au niveau financier et peu fiables au niveau technique. Voilà pourquoi après un siècle d’exploitation, « le nouveau port de Tunis » construit à la fin du XIXe siècle, fut totalement abandonné car on s’est rendu compte que sa construction était une erreur technique et économique. Un récent port à Radès est alors construit pour être relié à celui de la Goulette. On revient donc à la case de départ, au site proposé par la Compagnie Bône-Guelma. 53


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

nautique qui a servi de projet aux travaux du port de Bizerte est rendu le 24 octobre 1888 presque au moment du démarrage des premiers travaux du port de Tunis, bien avant ceux de Sfax et de Sousse. Cette urgence, due à des raisons stratégiques, est, par ailleurs, palpable au niveau du chemin de fer de Bizerte concédé le 12 octobre 1892 à la compagnie Bône-Guelma. La ligne de Bizerte qui, passant par Jdeida et Mateur, est conçue à voie large pour assurer le transport du matériel militaire comme c’était le cas pour la ligne de la Medjerda et la compagnie Bône-Guelma était harcelée par le gouvernement français pour en accélérer la construction « dans les plus bref délais »1 . Le 1 novembre 1894 la ligne de Bizerte est mise en exploitation et «vu l’urgence, nous avions, rappelle le président de la dite Compagnie, dû commencer la construction pour le compte du gouvernement tunisien, avant l’approbation législative des conventions de 1892» 2. Il est ainsi évident que c’est l’Etat métropolitain qui était le principal acteur pour la construction du port de Bizerte, et ce contrairement à Tunis, à Sousse et à Sfax pour lesquels l’administration du protectorat était aux devants de la scène. C’est dans ces conditions d’urgence et de visée stratégique que démarrent les travaux du nouveau port de commerce engagés par la Compagnie du port de Bizerte qui se substitue, le 11 mai 1890 par décret beylical, aux concessionnaires primitifs Hersent et Couvreux. Deux jetées Nord et Est, d’environ 1000 mètres chacune sont construites, un canal reliant la mer au lac de Bizerte de 9 mètres de profondeur est creusé en 1892 afin de permettre l’accès des grands navires au dit lac. Des quais, des feux de port, des terre-pleins, des bureaux et des hangars sont construits. Les travaux sont rapidement exécutés et ce en exploitant les carrières de la région et en mobilisant presque un millier d’ouvriers3. Un bac à vapeur construit par la Compagnie est arrivé à Bizerte le 28 novembre 1892 pour assurer la communication entre les deux bords du canal qui sépare désormais la ville de son territoire. La réception définitive des travaux du port de Bizerte a eu lieu le 1 avril 1898. La découverte, au début du siècle, des minerais de fer de Tamra au nord ouest tunisien drainés à Bizerte va renforcer le rôle économique du port de Bizerte. Toutefois, l’ampleur des grands travaux accomplis à Bizerte, la nature du chemin de fer et l’engagement de l’Etat métropolitain dans cette affaire trahissent la portée avant tout militaire et la dimension stratégique de ce port. En mai 1891 les travaux de construction de la base militaire commencent. En 1909 est créé l’arsenal de Sidi Abdellah à Ferry ville et en 1918 est aménagée la base aérienne de Sidi Ahmed. Faisant partie de tout un système à la fois défensif et offensif, avec l’arsenal de Ferry ville et la base militaire de Sidi Ahmed, Bizerte, ce « Toulon africain », est destiné à être une tête de pont permettant le contrôle de la en Méditerranée et celui de l’Afrique. Il constitue avec Mers El-Kébir et Toulon, la clef de voûte de la stratégie navale française en Méditerranée. 1 - GHARBI (M.L.), Impérialisme et réformisme…., p. 258. 2 - ANF (Archives Nationales de France), 156 AQ 5, AGO du 10 novembre 1894. 3 - Travaux publics…, op. cit, p. 90.

52


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

III/ Le port de Bizerte, un cas à part ?: Située à 37° 16’ nord et 9°52’ est, presqu’à la même latitude que la ville de Séville, Bizerte est le point le plus septentrional du Maghreb. Au-delà de sa position géographique, elle acquiert une dimension stratégique depuis l’ouverture du canal de Suez en 1869. Non seulement elle est désormais un passage obligé, au lieu de Malte, de tous les navires mouillant vers Suez, mais elle représente un point de contrôle du Canal de Sicile séparant les deux bassins de la Méditerranée. Ainsi, Bizerte est, à l’instar de Tunis, convoitée en vue d’y construire un port, par toutes les puissances européennes bien avant la période coloniale. Au lendemain de 1881, La France a voulu profiter de ce site exceptionnel en y construisant un port de guerre, mais elle était handicapée par une convention signée entre la Tunisie et l’Italie en 1868qui devrait prendre fin en 1898 1. En attendant ce délai, elle procède à la construction d’un port de commerce et ce malgré la proximité de Tunis distante de 60 km de Bizerte. Rien ne justifiait donc, du moins économiquement, une telle entreprise si ce n’est la volonté d’en faire une étape pour parvenir, dans un deuxième temps, à l’aménagement d’un port à vocation militaire 2 . Une commission nautique destinée à arrêter les travaux à entreprendre pour la construction d’un port de commerce a établi un programme dans ce sens le 24 octobre 1888 3.

Figure n° 04 : Le port de Bizerte à la fin du XIX ème siècle

Sans aucun appel d’offre auquel participeraient des hommes d’affaires qui pourraient être intéressés par cette entreprise, une concession fut accordée à Hersent et Couvreux suite à une convention signée avec le Directeur général des travaux publics le 11 novembre 1889 et approuvée par décret beylical du 17 février 1890. Outre les avantages accordés aux concessionnaires 4 et l’aspect presque discret de l’affaire pour des raisons diplomatiques évidentes, son caractère urgent est à signaler. En effet, le rapport de la commission 1 - GANIAGE (J.), Les origines du protectorat…, p. 403. 2 - Dougui (N.), « Les confins maritimes, le cas du port de Bizerte (1881-1918), in Commission Nationale d’Histoire Militaire, Les confins en Tunisie à travers les âges, Tunis, 2016, p.73. 3 - Travaux publics…, op. cit., p. 84. 4 - Le gouvernement concédait à Hersent et Couvreux la priorité de la fourniture d’eau aux navires et à la ville de Bizerte, le droit exclusif d’exploiter les entrepôts de la Douane, d’exploiter les deux pêcheries de Tinja et de Bizerte, le fermage du poisson et la propriétés d’un certain nombre de terrains… , Travaux publics, ibid., p. 86-87.

51


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Figure n° 03 : Ville de Sousse à la fin du XIX ème siècle

Si le port de Sousse est inauguré quelques mois avant la fin du siècle, tel n’était pas le cas du port de Tunis déjà inauguré en 1893 et dont la fin des travaux fut, par la suite, échelonné dans le temps pour durer jusqu’au début du XXe siècle. Cela est dû, entre autres, à la nature du terrain, à la nécessité d’établir des ouvrages solides, à la complexité des travaux et à l’ampleur du chantier qui porte sur trois points : Tunis, la Goulette et Radès. Des travaux d’amélioration et d’adaptation du port aux nouvelles exigences, comme l’aménagement d’une zone pour l’exportation des phosphates de Kalaa Jerda, ont pu avoir lieu à la veille de la guerre. Les phosphates de Kalaa Jerda et les minerais de Jerissa acheminés par un réseau ferroviaire dit « minier » sont venus, au début du XXe siècle, renforcer le caractère économique du port de Tunis comme un point d’exportation des produits miniers. Terminé après différentes phases de construction et d’aménagement, le nouveau port de Tunis est en fait un véritable complexe, ou pôle portuaire, composé de plusieurs éléments parmi lesquels : *L’ancien port beylical de la Goulette formé essentiellement d’un canal de 1 500 mètres de longueur et 20 mètres de largeur arrivant à une darse de 4 ha. *Le nouveau port de la Goulette qui a vu la construction, en plus de magasins et de nouveaux bâtiments de douanes, d’un bassin de 6 ha de superficie. *Le nouveau port de Tunis qui comprend essentiellement un chenal de 1200 mètres reliant la mer au lac de Tunis, une jetée nord de 513 mètres, une jetée sud de 596 mètres, un canal de 8 km de longueur et 30 mètres de largeur creusé à 6, 5 mètres de profondeur, un bassin de 400 mètres de longueur et 300 mètres de largeur et 6, 5 mètres de profondeur, plusieurs bâtiments d’exploitation, un bac qui relie Radès à la Goulette1 . Avec un tel dispositif le nouveau port de Tunis-la Goulette est venu au chemin de fer, contrairement à Sfax où le chemin de fer est venu au port et, à l’opposé de Sousse, où le port est construit conjointement avec le chemin de fer. Uniquement de ce point de vue là, chaque port présente, en Tunisie coloniales, un cas à part. Qu’en est-il alors du port de Bizerte ? 1 - Ibid., p. 142.

50


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Cette inauguration solennelle, relatée par La dépêche sfaxienne, s’est déroulée en deux phases : le 23 avril 1897 dans l’oliveraie de Sfax, où les terres sialines venaient d’être mises à la disposition de la colonisation, et le 24 avril 1897 au port de Sfax. Le même jour, et non loin du port, fut inaugurée la gare du chemin de fer SfaxGafsa. Sfax est le seul point de la régence où un port précède le chemin de fer. Cela est dû principalement aux problèmes financiers qui ont retardé la naissance de la Compagnie Sfax-Gafsa. Ainsi, le port de Sfax affiche dès le départ une vocation particulière : l’exportation des phosphates vers la Métropole. Après avoir été pendant longtemps orienté vers l’Orient 1, Sfax est désormais orientée vers la France. Concernant le port de Sousse, on a choisi un site protégé se trouvant au sud-est de la ville. Le rythme des travaux était moins rapide que celui du port de Sfax. Le 25 avril 1899, le port fut inauguré par Krantz ministre des travaux publics, le résident général Millet et d’autres responsables politiques2 . Le nouveau port comprend essentiellement une jetée de 670 mètres de longueur, une digue de 288 mètres de longueur, un bassin de 28 ha, un quai de 424 mètres de longueur.

Figure n° 03 : Port de Sousse en 1922 1 - ZOUARI (A.), Les relations commerciales entre Sfax et le Levant, INNA, Tunis, 1990. 2 - Travaux publics du protectorat, op. Cit, p. 169.

49


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Profitant de cette contestation anti-Batignolles, le choix de Rouvier a porté sur le groupe Duparchy et Préault dans des conditions peu connues et contestées par les groupes rivaux et par l’opinion publique. Soupçonné de signer avec les futures concessionnaires une clause annexe secrète relative à l’octroi de terrains, le résident général s’en défend en avançant que Duparchy et Préault ont présenté les prix les plus avantageux 1. Mais, il nous semble que Rouvier a écarté les entreprises pouvant compter sur leurs propres moyens financiers, comme les Batignolles ou Château Silvain et Cie banquiers à Tunis2 , auxquels il a préféré des entrepreneurs qui seraient obligés à recourir à des établissements de crédit comme la banque Rouvier3 . Quoi qu’il en soit, une convention de concession et un cahier des charges sont signés, à ce sujet, entre Alexis Duparchy et Simon Préault d’une part et le directeur général des travaux publics d’autre part. Ils sont, par la suite, approuvés par un décret beylical du 12 avril 1894 4 . Selon les termes de la convention, les concessionnaires devraient se faire substituer par une société destinée à assurer pendant une durée de 47 ans (à partir du 12 avril 1894) l’exploitation du port de Tunis et celle des ports de Sousse et de Sfax après leur construction par le même concessionnaire. Outre l’exploitation des trois ports, la même convention accorde aux concessionnaires l’exploitation des terrains du domaine public voisins du port de Tunis ou pouvant être conquis sur la mer. Une garantie d’intérêt offerte à la future entreprise, d’autres privilèges fonciers lui sont accordés par le résident général. Le capital-actions est fixé à 3 millions de fr. dont un million de fr. doivent être déposés dans les caisses du gouvernement tunisien. Le capital nécessaire à la construction des trois ports est à réaliser par l’émission d’obligations garanties par l’Etat français. La remise des trois ports à la nouvelle compagnie ne se fait pas tarder. Elle a eu lieu pendant le printemps et l’été 1894 5 . Bénéficiant de tels avantages financiers et d’un tel appui de l’administration du protectorat, la Compagnie des ports de Tunis, Sousse et Sfax a commencé rapidement les travaux de construction.

3/ la construction des trois ports:

Le début des travaux à Sfax a coïncidé avec la signature de l’accord du 1 juin 1895 conclu entre le gouvernement tunisien et les concessionnaires des phosphates de Gafsa. Des terrains sont gagnés sur la mer, des ouvriers maltais et italiens sont engagés dans l’entreprise. Des bassins et un chenal de 3 km de longueur et 22 mètres de largeur sont creusés, des quais dont un réservé aux phosphates, sont construits. Les travaux avancent rapidement au même rythme que celui du chemin de fer Sfax-Gafsa. Une grande fête d’inauguration est préparée à laquelle assistaient plus d’une centaine de personnalités de France et de Tunisie6. 1 - Les conditions financières, techniques et les délais de constructions proposés par chaque groupe sont détaillés dans une lettre envoyée par le Directeur général des travaux publics résident général en date 23 novembre 1893, Quai d’Orsay, série Tunisie 1885-1916, carton NS 273, IHTC, bobine n° 232. 1 - Ces derniers adressent le 7 décembre 1893 une requête au Ministre des Affaires étrangères contre les abus de Rouvier dans laquelle ils affirment « nous sommes banquiers à Tunis et non des entrepreneurs. Nous trouvons dans la personne du résident général non une aide et une protection à nos projets, mais une entrave et un adversaire », Quai d’Orsay, série Tunisie 1885-1916, carton NS 273, IHTC, bobine n° 232. 2 - GHARBI (M.L), Le capital français à la traîne. Ebauche d’un réseau bancaire au Maghreb colonial (1847-1914), Fac des Lettres, Manouba, Tunis, 2003, p. 392. 3 - ANT, série E, carton 385, dossier n° 2, convention de concession de MM. Duparchy et Préault pour l’achèvement du port de Tunis et la construction des ports de Sousse et de Sfax et l’exploitation des trois ports, cahiers des charges , ventes des terrains, dispositions générales. 4 - Direction générale des travaux publics, Travaux publics du protectorat, op. Cit, p. 129. 5 - NEIFAR (I), Le port de Sfax : 1881-1914, Mémoire de Master, Faculté des Lettres et des Sciences Humaines de Sfax, Sfax, 2009, pp. 117-118.

48


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Le développement de la colonisation agricole dans la région de Grombalia ou celle d’Enfidha 1 et l’exploitation des champs d’halfa de la région des Steppes justifient, aux yeux des acteurs de l’époque, à plus d’un titre, la construction d’un port à Sousse. L’extension de la ville grâce à l’arrivée de nouvelles et riches populations européennes 2 est un autre élément qui plaide en faveur d’un tel projet d’autant plus que l’ancienne Hadrumète bénéficie d’un site protégé. L’urgence de l’entreprise se fait sentir au point que la Compagnie Bône-Guelma a commencé la construction de la ligne du Sahel à la fois à partir de Sousse et de Tunis. Si une unanimité semble s’imposer pour le choix de Sousse, tel n’est pas le cas pour Sfax. La découverte des phosphates de Gafsa par Philippe Thomas en 1885 a soulevé la question du port d’exportation3 . Plusieurs propositions furent avancées par différents milieux. Gabès était choisie par Ferdinand de Lesseps pour y construire un nouveau port où arriveraient les phosphates de Gafsa par la ligne du Bône-Guelma partant de Tébessa et desservant Gafsa. Il s’git de tout un projet intégré composé d’un port, d’un pont, d’une exploitation agricole irriguée avec l’idée de transformer chott Jerid en mer intérieure 4. Le deuxième choix portait sur la localité de Skhira se trouvant à mi-chemin entre Sfax et Gabès. La dernière proposition visait la ville de Sfax dotée déjà d’un ancien port de commerce la reliant au Levant avec lequel elle entretenait d’anciennes relations commerciales. Il était même question de joindre la concession de la mine à celle du chemin de fer et du port. La Compagnie des phosphates et du chemin de fer de Sfax-Gafsa fut constituée dans cet objectif. Toutefois, Rouvier intervient et dissocie la construction du port de celle du chemin de fer et de l’exploitation de la mine. La voie est ainsi ouverte non seulement pour Sfax comme site du nouveau port mais aussi pour un seul concessionnaire qui assumera la construction des trois ports de Tunis, Sousse et Sfax. Qui sera ce futur concessionnaire ? Qui établira ce choix et selon quels critères ?

2/ Le groupe Duparchy et Préault et la naissance de la Compagnie des ports de Tunis, Sousse et Sfax:

Quatre groupes ont présenté leur candidature pour l’achèvement du port de Tunis et la construction de ceux de Sousse et de Sfax : Duparchy et Préault, Château-Sylvain et Cie, Serein et la Société des Batignolles. Celle-ci était en bonne posture pour continuer l’entreprise qu’elle a déjà entamée, mais elle avait contre elle Rouvier et l’opinion publique française de Tunisie. Un article de La Tunisie française intitulé « danger des grandes entreprises » note « qu’une fois notre chemin de fer entre les mains de la sœur cadette et le port de Tunis entre les mains de la sœur ainée, la Tunisie deviendrait une sorte de fief du syndicat puissant à la tête duquel se trouvent MM. Devès et Gouin»5. 1 - PONCET (J.), La colonisation et l’agriculture européennes en Tunisie depuis 1881, Paris-La-Hay-Mouton, 1961. 2 - JERFEL (K.), « De grands acteurs économiques : les négociants européens dans les villes ports de la régence de Tunis du XIXe siècle », in MAWARID, n° 17, année 2012, p.124-188. 3 - DOUGUI (N.), Histoire d’une grande entreprise coloniale : la compagnie des phosphates et du chemin de fer de Gafsa, 1897-1930, Publication de la Faculté des Lettres de la Manouba, Tunis, 1995. 4 - GHARBI (M.L.), « Du Sahara oriental au Sud tunisien de la fin du XIXe siècle : la construction d’un nouveau territoire », in Le Sud tunisien de l’occupation à l’indépendance 1881-1956, Publications de l’ISHMN, Tunis, 2005, pp. 35-51. 5 - La Tunisie française 1 avril 1893. Paul Dévès est le Président de la Compagnie Bône-Guelma et Eugène Gouin est président de la Société de Construction des Batignolles.

47


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

« Tunis-marine », l’avenue Jules Ferry et le port de la Goulette lié à Radès. Nonobstant « l’outillage » moderne dont était doté ce port, comme les appareils d’éclairage maritime, le bac à vapeur assurant le transport entre Radès et la Goulette, certains équipements fabriqués en bois, demeurent vulnérables, d’autres sont insuffisants ou font totalement défaut1 . Dans ces conditions, plusieurs questions se posent : faudrait-il compléter ou non les équipements nécessaires au port de Tunis ? Quel régime d’exploitation pourrait-on adopte? Que faire pour les deux autres ports dont la construction est sollicitée par les milieux coloniaux et particulièrement ceux de la régence ?

II/ L’entrée en jeu de nouveaux acteurs : la Compagnie des ports de Tunis, Sousse et Sfax:

Certains milieux d’affaires de Tunis se prononcent contre l’idée de nouveaux travaux et préfèrent l’exploitation immédiate du port de Tunis par l’Etat afin d’éviter tout abus des intérêts privés. D’autres, qui croient à la nécessité d’achever l’entreprise, proposent le financement des travaux par le gouvernement en utilisant le procédé de l’emprunt qui permettrait « de laisser dans le pays l’argent qui serait dépensé »2 . Quant à ceux qui optent pour l’exploitation immédiate du port de Tunis, ils proposent qu’elle « ne puisse faire l’objet d’une concession créant un privilège au profit d’une corporation constituée quelconque» 3. Qu’il soit destiné au financement des travaux à réaliser ou à l’exploitation immédiate du nouveau port, le système de concession est ainsi rejeté par les différents acteurs socio-économiques de Tunisie. L’arrivée, à Tunis, du résident Charles Rouvier à partir du 15 novembre 1892 était déterminante pour les ports de la régence, y compris celui de Tunis. Lié aux milieux du grand capital, par le biais de la banque Rouvier, ce dernier opte, à la grande surprise générale, pour le système de concession. Il juge que le budget tunisien n’est pas en mesure de financer la construction de trois ports tunisiens : Tunis, Sfax et Sousse4 . Il est allé jusqu’à proposer de regrouper la construction de ces trois ports entre les mains d’un seul concessionnaire. Le but avoué est évidemment l’harmonisation des normes de construction et la possibilité de contrôler un seul partenaire, mais l’objectif réel étant la volonté d’offrir au futur concessionnaire une grosse et juteuse affaire. Quels sont les intérêts liés aux ports de Sousse et de Sfax ? Pourquoi sollicite-t-on leur construction ? Quelle est l’entreprise qui assurera l’aménagement des trois ports de la régence ?

1/ La « mise en valeur » des richesses et le choix de nouveaux ports:

Deux conventions de concessions de lignes de chemins de fer sont signées le 12 octobre 1892 entre la Compagnie Bône-Guelma et le Directeur des travaux publics accordant à celle-ci la construction d’une première ligne allant de Tunis à Bizerte et une deuxième, dite « du Sahel », allant de Tunis jusqu’à Sousse. Destinée à être prolongée jusqu’à Sfax, celle-ci est secondée par des « lignes de pénétration » qui aboutiront à la côte. Ainsi, Sousse et Sfax seraient le nœud de tout un réseau ferroviaire et le besoin d’y construire deux ports se fait de plus en plus sentir. 1 - Direction générale des travaux publics, Travaux publics du protectorat français en Tunisie, Op. Cit. pp. 115-128. 2 - La Tunisie française, 1avril 1893. 3 - La Dépêche tunisienne, 11 mai 1893. 4 - Quai d’Orsay, série Tunisie 1885-1916, carton NS 273, ISHTC, bobine 232, lettre du résident général Rouvier au ministre des Affaires étrangères, 6 décembre 1893.

46


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

construction du nouveau port d’autant plus que le nouveau concessionnaire dispose d’une solide expérience en la matière. Toutefois, le nouveau contexte est à l’origine de certaines difficultés qui ont empêché le démarrage des travaux du port de Tunis.

3/ Le protectorat français et le piétinement de l’entreprise:

Les événements militaires de 1881-1882 et le temps consacré au choix du régime politique et administratif à établir dans le pays ont été une source de confusion, et donc d’attente pour le concessionnaire du port de Tunis, à l’instar des autres entreprises à réaliser dans la régence. Il faudrait rajouter à ces aléas propres à la Tunisie, le contexte économique métropolitain marqué par la dépression capitaliste qui débute en 1882 avec une crise financière. Il en découle une pénurie de capitaux et un rétrécissement du crédit qui ont entravé le financement de « l’outillage économique » en Tunisie. Par ailleurs, la concession du port de Tunis est, dès son origine, une source d’ambigüité et de problèmes. Arrachée à la hâte dans une situation de rivalité franco-italienne, elle a laissé sous silence un certain nombre d’éléments liés à la construction de l’entreprise parmi lesquels l’aspect technique et financier. Si l’ingénieur Laroche a effectué une longue et minutieuse enquête de terrain pour définir la nature des travaux à réaliser et leurs conditions techniques1 , l’aspect financier est néanmoins resté en suspens. La Compagnie concessionnaire jugeait qu’elle ne pouvait pas assurer par ses propres capitaux le financement du projet. Les risques du milieu colonial et les difficultés techniques liées à la nature d’un terrain peu favorable à une telle entreprise exigent, selon le même point de vue, le recours à l’Etat. Or, le statut de protectorat dont bénéficiait la Tunisie ne permettait pas à l’Etat métropolitain une telle opération alors que le budget tunisien n’était pas en mesure d’assurer un tel financement. Dans ces conditions, l’affaire est portée devant une Commission arbitrale appelée à déterminer le mode de financement et le régime de construction du port de Tunis. Le conseil général des ponts et chaussées est, par la suite, saisi de cette affaire pour se prononcer sur l’ensemble du projet tant au niveau du choix du site qu’au niveau technique et financier. Le 17 mars 1887, ce dernier se prononça en faveur du site de Tunis et opta pour le régime de l’entreprise qui remplace celui de la concession. Il en résulte une coopération entre trois principaux acteurs: l’Etat colonial qui se charge par le biais du budget tunisien du financement, la direction des travaux publics qui prépare les études et la société des Batignolles qui assure uniquement l’exécution des travaux. Ceux-ci démarrèrent en septembre 1888. Des travaux de dragage sont engagés, une jetée nord et une jetée sud sont établies, un chenal de 6m80 de profondeur est creusé dans le lac de Tunis et des bassins sont aménagés. L’entreprise fut difficile à mener d’autant plus que les moyens financiers n’étaient pas à la hauteur de tels travaux menés dans une conjoncture de crise financière. En dépit de ces difficultés, le port de Tunis est inauguré le 28 mai 1893 en présence d’Ali Bey, du résident général Rouvier, du Garde des sceaux Guérin et du Ministre de l’Instruction Publique Poincaré. Il comprend désormais tout un territoire ou un ensemble aménagé composé du port de Tunis, de l’espace avoisinant appelé 4 - BEN NIA (B.), Le port de Tunis (1880-1918), Op. Cit., p. 37.

45


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

la compagnie Bône-Guelma le droit de construire un port à Tunis, à 1 km de la gare de sa ligne de la Medjerda1 . Pourquoi une telle décision et pourquoi le choix de l’emplacement du nouveau port à Tunis ? - Tout d’abord, la pression politique de Roustan a porté ses fruits, puisque ce dernier a fait usage de tous les arguments auprès des autorités tunisiennes pour arracher cette victoire. Il est allé jusqu’à menacer la personne du Bey « des conséquences extrêmement graves qui peuvent résulter pour elle et pour son pays de la décision qu’elle va être appelée à prendre »2 . Par ailleurs, le Bey voulait, dans un souci d’équité et d’équilibre entre intérêts français et intérêts italiens, compenser la perte de la ligne du TGM par le Bône-Guelma, par la concession d’une nouvelle ligne et d’un port similaire à celui de la Goulette. - Le Bey a voulu, ensuite, éviter Radès, car non seulement des propriétés italiennes situées dans la région 3 et une ancienne concession accordée à Mancardi l’inquiétaient, mais aussi parce que la société italienne de Jebel Erassas avait déjà exprimé la volonté d’avoir l’autorisation d’établir « à Hammam-Lif une estacade d’embarquement » 4 . Accorder une concession au Bône - Guelma à ce même endroit pourrait rallumer les tensions entre Français et Italiens. - Malgré les difficultés techniques d’y construire un port, Tunis présente, enfin, l’avantage de la proximité, d’autant plus que ce site ne fait, par ailleurs, l’objet d’aucune promesse faite à quiconque. Le Bey avait donc les mains libres pour accorder la concession de ce port à la Compagnie Bône-Guelma. Ainsi, le facteur politique et diplomatique a pesé non seulement pour le choix du concessionnaire, mais aussi pour celui du site du futur port. Toutefois, un problème majeur demeure : la Compagnie Bône-Guelma étant une société de chemins de fer, ses statuts ne lui permettaient pas de s’engager dans une entreprise de construction de port. Comment résoudre une telle difficulté juridique et économique ? Qui s’abritait, en fait, derrière la Compagnie Bône-Guelma pour mener cette guerre des ports ? Certes, la compagnie concessionnaire du port de Tunis est financièrement soutenue par le Comptoir d’Escompte de Paris et la Banque de Paris et des Pays-Bas dont le directeur n’est autre qu’Eugène Gouin président de la Société des Construction des Batignolles qui a créé en 1875 sa filiale la Compagnie Bône-Guelma5 . D’ailleurs, la société mère a assuré la construction du réseau algéro-tunisien de sa filiale6 . Nous comprenons en quelque sorte ce jeu ou ce changement d’acteurs qui va rapidement s’opérer : suite à une décision du bey, en date du 5 décembre 1880, la société de Construction des Batignolles se substitua purement et simplement à sa filiale et devint ainsi concessionnaire du port de Tunis 7. Une convention de concession dans ce sens a été signée le 20 décembre 1881 entre la Société de construction des Batignolles et le gouvernement tunisien. L’occupation française survenue suite au traité du Bardo du 12 mai 1881 devrait théoriquement arranger les choses pour la 1 - Direction générale des travaux publics, Travaux publics du protectorat français en Tunisie, Imprimerie Picard et Cie, Tunis, 1900, p. 116. 2 - ANT, carton 236, dossier 503 bis, lettre du 11 aout 1880. 3 - C’est le cas des propriétés du Docteur Castanvo situées à Jbel Jeloud ou celles de Calfato ou encore de Piétro Pinna qui réellement empêché la construction de la ligne de Hammam-Lif. 4 - ANF, réunion du CM du Bône-Guelma du 19 janvier 1881, 156 AQ 35. 5 - Park-Barjot (R.R.), La Société de construction des Batignolles: Des origines à la Première Guerre mondiale (1846-1914), Presses Paris Sorbonne, 2005. 6 - GHARBI (M.L.), impérialisme et réformisme et réformisme au Maghreb…, Op. Cit. 7 - ANT, carton 237, dossier 537.

44


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Medjerda. Mais, pourquoi Radès et non pas Tunis ou la Goulette ? Il semblerait que Radès présentait des conditions naturelles meilleures. Par ailleurs, ce site avait l’avantage de rappeler l’héritage romain, celui de Maxula Radès sur lequel on avait voulu édifier une nouvelle mémoire. Toutefois, le principal motif de ce choix, résidait, à notre avis, dans une volonté d’éviter le terrain italien où la Compagnie Rubattino venait de triompher, d’autant plus qu’elle avait le monopole du transport des marchandises, par sa voie ferrée, de Tunis jusqu’au port de la Goulette. Mais qu’en-t-il du sort du port dans ce duel politico-économique entre intérêts italiens et intérêts français à la veille de l’occupation française de la Tunisie pendant le printemps de 1881? De nouveau, la diplomatie entre en jeu dans ce domaine et les Français sont déterminés à avoir leur revanche face aux Italiens. Roustan envoie une lettre au Bey dans laquelle il hausse le ton en insistant sur la nécessité de concéder un port à la Compagnie Bône-Guelma pour permettre l’accès de son chemin de fer à la mer tout en rappelant le caractère politique de l’affaire. « Je crois inutile, écrit-il, de revenir sur les considérations qui font au Gouvernement de la République une nécessité absolue d’assurer le libre accès à la mer, au chemin de fer qui relie Tunis à l’Algérie. J’ai déjà eu l’honneur de les exposer en détail verbalement et par écrit à votre Altesse qui en a parfaitement compris la valeur et m’a promis d’y faire droit »1 . Les représentants des intérêts italiens en Tunisie, particulièrement Rubattino et Maccio, protestèrent contre ce projet du port et du chemin de fer en considérant que la future ligne serait préjudiciable au chemin de fer du TGM et au monopole dont jouissait la compagnie italienne, à savoir le transport des marchandises jusqu’au port de la Goulette. Le consul général d’Italie transmet le 31 juillet 1880 au gouvernement tunisien les protestations de Rubattino qui considère que ce dernier « n’a pas le droit d’accepter cette demande tant parce que la ligne de Tunis à Radès serait en concurrence avec celle de Tunis à la Goulette, qu’en raison des engagements pris par son Altesse le Bey de protéger les intérêts italiens dans ses Etats »2 . La question du port prend alors un double intérêt : elle est liée à celle du chemin de fer et elle constitue, désormais, un enjeu politico-économique dont dépend le sort des relations de la Tunisie avec les puissances européennes rivales, en l’occurrence la France et l’Italie. Devenu objet de toutes les pressions, le Gouvernement tunisien, qui a saisi le caractère diplomatique de l’opération, a confié au comité tunisien des chemins de fer la charge de trouver une solution à cette affaire. Sa réunion du 3 août 1880 tourna en polémique entre l’ingénieur français Grand et l’avocat du gouvernement tunisien Maggirani qui siégeaient au sein au sein de cette instance3. C’est alors l’occasion pour Roustan de continuer ses entrevues avec le Bey devenues presque quotidiennes. Dans ce contexte de rivalité et de tension, il obtient, suite à une rencontre du 13 août 1880, le droit accordé au Bône-Guelma de construire sa ligne de Radès avec l’octroi du monopole du chemin de fer en Tunisie. La décision concernant le port ne va pas se faire attendre puisque, par sa lettre du 14 août 1880, le Bey accorde à 1 - ANT (Archives Nationales de Tunisie), carton 236, dossier 503 bis, lettre du 11 aout 1880. 2 - ANT, carton 236, dossier 500. 3 - ANT, Ibid., réunion du 3 aout 1880 du comité consultatif des chemins de fer.

43


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

convention fut signée entre ces partenaires pour créer une entreprise destinée à assurer la construction d’un port à Carthage, et ce en creusant les anciens ports puniques. Une demande de concession était présentée au Bey le 29 décembre 1879. La Compagnie Bône-Guelma qui se chargeait, depuis 1876, de la construction de la ligne du chemin de fer de la Mejerda destinée à relier Tunis à la frontière algérienne, a été contactée le 21 avril 1880 et son président Charles Géry était appelé à racheter le chemin de fer suburbain TGM possédé par une compagnie anglaise et desservant Carthage. En dépit de l’intervention du consul français Roustan, le projet d’un port à Carthage n’a pas été accepté par le Bey puis que la région abritait un palais de Khéreddinne, ancien premier ministre tunisien installé à Istanbul et un autre, appartenant au Bey. Pour justifier son refus, ce dernier a prétexté que les terrains destinées à abriter le port étaient des terres habous, donc inaliénables1 . Un troisième projet était alors présenté par l’Amiral Mouchez, qui peut-être en saisissant l’opposition du Bey à tout projet visant Carthage, a opté pour le site d’El kram ayant l’avantage d’être mieux abrité. Toutefois, la réponse fut une fin de non recevoir, car le Bey était l’objet d’une pression internationale exercée par les trois consuls Wood, Roustan et Maccio. Cette « guerre des consuls » a atteint son apogée avec l’affaire du rachat de la ligne TGM dont dépendra le sort du port de Tunis.

2/ L’entrée en jeu de la Compagnie Bône-Guelma et la rivalité franco-italienne au sujet du port de Tunis:

Reliant le Bardo, où se trouvait le siège du gouvernement, à la Goulette puis à la Marsa, lieu de villégiature beylicale, cette ligne suburbaine de 34 km était concédée en différentes étapes entre 1871 et 1872 à des capitalistes anglais qui avaient formé la Tunisian ralway compagny. Le manque de rentabilité de cette ligne et le désintéressement des capitalistes anglais des affaires tunisiennes séduits désormais par l’Egypte, expliquent cette décision. C’est alors une opportunité offerte au Bône-Guelma pour racheter ce chemin de fer dans la perspective de le relier à sa ligne de la Medjerda pour solliciter, par la suite, la construction d’un port. L’entrée en scène de la Compagnie italienne Rubattino change la donne. Appuyée financièrement et politiquement par le gouvernement italien, elle réussit, après de longues péripéties judiciaires et financières, à obtenir gain de cause 2. Selon l’opinion d’un italien des plus renseignés sur la question, cette affaire était considérée comme « le point de départ de l’action nouvelle de la France qui devait aboutir au traité du Bardo et à l’occupation de la Tunisie »3 . Déçus par cette perte, les intérêts français soudés autour du Bône-Guelma changent de stratégie et cherchent leur revanche. Cette société demande au Bey, le 22 juillet 1880, la concession d’une ligne de chemin de fer Tunis-Hammam-Lif et la construction d’un port à Radès, à quelques kilomètres au sud de la Goulette et à une quinzaine de Kilomètres au sud de Tunis. Ainsi, dans l’esprit de la dite compagnie, les trois affaires sont intimement liées : Le port devrait être le point de convergence de sa future ligne d’Hammam-Lif et celle de la 1 - BEN NIA (B.), Le port de Tunis (1880-1918), Mémoire de Mastère, Faculté des Lettres, des Arts et des Humanités la Manouba, 2012-2013, p. 23. 2 - GHARBI (M.L.), impérialisme et réformisme et réformisme au Maghreb. Histoire d’un chemin de fer algéro-tunisien, CERES Production, Tunis, 1994, pp. 235-240. 3 - Cité par GHARBI (M.L.), ibid., p.238.

42


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

I/ le port de Tunis : un enjeu politico-économique Le nouvel ordre européen établi par le congrès de Vienne en 1815 et l’occupation de l’Algérie en 1830, suscitèrent une ruée de diplomates, d’ingénieurs et de capitalistes européens qui cherchaient à se doter de zones d’influence sur les rives orientales et méridionales de la Méditerranée. Des hommes d’affaires sollicitaient des projets de concessions de banques, de chemins de fer et de ports dont la plupart visaient la capitale Tunis1 .

Figure n° 02 : Carte de la Régence de Tunis

Cette ville se trouvait au bord d’un lac faisant partie de la baie de Tunis qui s’étendait depuis Porto Farina, au nord, jusqu’à à la presqu’île du Cap Bon, au sud. Malgré les avantages de ce site naturellement protégé, il présentait plusieurs inconvénients parmi lesquels le manque de profondeur des eaux du lac, surtout aux abords de la ville de Tunis, ce qui ne permettait pas aux vaisseaux modernes de pouvoir y arriver. C’est pour une telle raison que la plupart des projets, depuis Hammouda Pacha jusqu’à la veille de l’occupation française, ont porté sur des choix autres que Tunis.

1/Les premiers projets. Trois projets, du côté français, ont été élaborés avant 1881. Le premier consistait en une demande de concession présentée en 1871 au gouvernement tunisien en vue de construire un port à Carthage, par Oscar Gay, ancien fonctionnaire du Ministère des Affaires Etrangères, ami d’Elias Mussali et lié aux affaires tunisiennes2. Ne voyant pas sa demande aboutir, le même Oscar Gay s’associa à d’autres personnes influentes comme Etienne, inspecteur des chemins de fer, P.E.B. Bouchet, député affairiste de Marseille et le banquier Nicolas Tardier3 . Une 1 - Ganiage (J.), L’expansion coloniale de la France sous la troisième république (1871-1914), Paris, Payot, 1968. 2 - GANIAGE (J.), Les origines du protectorat français en Tunisie (1861-1881), PUF, Paris, 1959, p. 466-467. 3 - Quai d’Orsay, Série Affaires politiques (1871-1880), carton 5, d. 1, ISHTC (Institut Supérieur d’Histoire de la Tunisie Contemporaine), lettre de Bouchet à de Freycinet du 28 décembre 1878.

41


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Figure n° 01 : Port de Ghar El Melh (Porto Farina) au (XVIIe siècle)

La Tunisie qui ne disposait pas d’une flotte marchande et exportait ses produits sous pavillon étranger, était consciente de l’état rudimentaire de ses ports non adaptés à recevoir de gros navires à vapeur. Depuis la fin du XVIIIe siècle, Hammouda Pacha a confié à un ingénieur hollandais la tâche de construire un port moderne à Tunis, mais cette entreprise échoua, et on se contenta de quelques améliorations apportées à celui de la Goulette. Deux éléments sont venus dès le milieu du XIXe siècle renforcer la position de la Tunisie et la portée stratégique de son littoral. Tout d’abord, l’ouverture du Canal de Suez en 1869 et le regain d’intérêt de la Méditerranée qui en découla, puis l’expansionnisme européen qui s’est manifesté par les rivalités coloniales. La Tunisie fut désormais un relais inévitable entre Gibraltar et Suez : elle permettait le passage, la surveillance et le ravitaillement des navires. Dès lors, la Régence et ses principales positions maritimes se trouvaient au centre des enjeux internationaux. Une rivalité sans merci opposa Anglais, Italiens et Français pour occuper ce pays et entreprendre de grands travaux en l’occurrence la mise sur pied d’une infrastructure portuaire. Les contextes semi-colonial et colonial ont lourdement pesé sur cette entreprise portuaire en Tunisie. Ce qui nous intéresse dans cette contribution, c’est avant tout, la mise en place des quatre principaux ports tunisiens aménagés à Tunis, à Sousse, à Sfax et à Bizerte et les enjeux politico-économiques qui sous-tendent une telle entreprise. Quels sont les acteurs, les enjeux et les intérêts liés à la construction des principaux ports de la Tunisie coloniale ? 40


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Les ports de la Tunisie de la fin du XIX ème siècle: enjeux et acteurs

Professeur Mohamed Lazhar Gharbi

Université de la Manouba Directeur UR Histoire économique et dynamiques territoriales

:‫ملخص‬

‫املتوســط ممّــا جعــل جميــع األســاطيل‬ ‫حتتــل تونــس موقعــا اســتراتيجيا يطــلّ علــى ضفتــي‬ ّ ‫ وهــو مــا أثــار عبــر مختلــف العصــور مطامــع‬،‫ـو فيهــا‬ ّ ‫ـية للرسـ‬ ّ ‫البحريــة تعتبرهــا أحــد املوانــئ الرئيسـ‬ ‫الصــدد يكشــف لنــا األســتاذ محمــد األزهــر‬ ّ ‫ وفــي هــذا‬.‫ورغبــة القــوى العظمــى فــي الســيطرة عليهــا‬ ‫ وهــي فتــرة اتّســمت بســياقات‬،‫الغربــي عــن إنشــاء أربعــة موانــئ تونســية نهايــة القــرن التاســع عشــر‬ ‫ كانــت مــن بــن نتائجهــا فــرض عديــد اإلجــراءات التعســفية علــى نظــام املوانــئ فــي‬،‫اســتعمارية‬ .‫ خدمــة ملصالــح الفاعلــن‬،‫تونــس‬ La Tunisie est un pays ouvert sur la Méditerranée avec un littoral de 1300 km. La presqu’île du Cap Bon, qui constitue la partie méridionale du Canal de Sicile, sépare les deux bassins de la Méditerranée. Cette position géographique, qui en a fait un passage obligé pour toutes les flottes, a suscité, au cours de l’histoire, les convoitises des différentes puissances. Phéniciens, Grecs, Romains, Byzantins, Vandales, Espagnols, Ottomans et Italiens y sont tous venus par mer en y aménageant, par la suite, des ports. Depuis 1100 avant J.C. les Phéniciens y fondèrent le port d’Utique, à mi-chemin entre Tunis et Bizerte, et les Carthaginois y créèrent, à partir du milieu du IXe siècle A.J., « les ports puniques » situés à Carthage1 . La période arabe a vu la naissance du port de Mahdia2 . L’époque moderne a été marquée par l’émergence de deux ports qui ont joué un rôle déterminant pour le pays : celui de Porto Farina, situé à une cinquantaine de kilomètres au nord de Tunis, et celui de la Goulette se trouvant à une dizaine de kilomètres de Tunis. Espagnols et Ottomans se sont battus, au milieu du XVIe siècle, pour contrôler ces deux ports en vue d’une mainmise sur la Tunisie. Malgré l’essor du commerce maritime de la Régence3 , ces ports dotés de solides fortifications, avaient une vocation essentiellement militaire. Etant particulièrement utilisés par les corsaires, ces ports étaient considérés comme « nids de pirates » 4.

1 - TROUSSET (P.), dir., Le littoral tunisien, études d’antiquité africaine, Paris, 2004. 2 - DJELLOUL (N.), Les côtes du Maghreb à l’époque médiévale, Faculté des Lettres, des Arts et des Humanités, la Manouba, Tunis, 2011. 3 - BOUBAKER (S.), La Régence de Tunis au XVIIe, ses relations avec les ports de l’Europe méditerranéenne Marseille et Livourne, Centre d’études et de recherches ottomanes et Morisco-andalouses, Zaghouan, 1987. 4 - Voir SEBAG (P.), Tunis, histoire d’une ville, l’Harmattan, Paris, 1998, p. 244-246.

39


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

l’édification d’une nouvelle conception du métier

créatrice, mais dans la simple adoption des emprunts

de soldat le traditionnel persiste comme l’un des

à un modèle de recrutement militaire expérimenté.

constituants fondamentaux de la dynamique militaire

Ahmed bey était victime d’une politique ambitieuse

interne. En fait, la mobilisation « nationale » des jeunes

mais couteuse et imposée au peuple tunisien. Il a

n’a pas débouché sur un changement social radical.

choisi une voie pénible vers la modernisation et qui

La régence a conservé pour l’essentiel les rapports

consistait à mettre l’accent sur l’instauration d’une

sociaux et les représentations qui la forment. Les

armée massive, et cela fut une lamentable erreur

animateurs du mouvement de réorganisation militaire

stratégique parcequ ‘un petit pays aussi vulnérable

et les fondateurs tunisiens de la gestation ont opté

que la Tunisie aurait dû opter pour des unités mobiles

pour une nouvelle politique de recrutement militaire

suffisantes à maintenir l’ordre et dissuader l’agression

marquée par une ténacité pour la « tunisification »

des grandes puissances.

de l’armée. Mais la création d’une nouvelle armée

Dès la deuxième moitié du 19 eme siècle, les

régulière n’a pas pu mettre fin aux corps traditionnels,

contraintes budgétaires et les considérations

et ne s’est pas accompagnée d’une application

géopolitiques, poussèrent Mohammed bey à la

de nouvelles mesures de recrutement strictes et

démobilisation de plusieurs régiments réguliers,

rationnelles, d’où le caractère arbitraire et vexatoire

quelques milliers de soldats furent renvoyés dans

qui avait caractérisé la levée en masse des jeunes

leurs foyers. La Mohammédia a été définitivement

recrutés tout au long du règne d’Ahmed bey. Le

abandonnée à la mort d’Ahmed bey. L’instruction

passage d’un régime militaire à un autre ne s’est fait

directe des troupes par les officiers Français a été

pas par la suppression des contradictions de l’ancien,

supprimée. L’école polytechnique d’Ahmed bey, à vrai

au contraire il en rajoute d’autres nouvelles, introduit

dire, n’avait pas été officiellement supprimée, mais

des innovations mais n’abolit pas les institutions

était tombée dans un complet état de déconsidération

traditionnelles. Il s’agit donc d’un ajustement et d’une

général. Avec Mohamed bey il s’est imposé une

adaptation des institutions nouvelles aux institutions

nouvelle politique de recrutement qui va préparer

traditionnelles.

le terrain à une organisation du service militaire et

L’erreur d’appréciation commise par le

à la promulgation de la loi de conscription calquée

réformateur Ahmed bey a été de croire que la

sur la loi de tirage au sort Français de 1798. Mais

solution pour contrecarrer les dangers extérieurs

encore une fois, la loi n’a jamais été respectée ni

résidait dans la simple détention d’une armée de

appliquée, et il fallait attendre l’année 1883 pour que

masse. Et c’est pour cette raison que la tâche n’était

le gouvernement du protectorat la mette en vigueur.

pas de s’engager dans un processus de destruction 38


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

de recrutement du février 18921. Tous les ans, dans le

des inscrits par canton – le nombre des recrutés à

courant du mois de novembre, les cheiks du territoire

prélever dans chaque canton ).Tous les jeunes gens

du recrutement procèdent, sous la surveillance des

inscrits sur les registres du recrutement doivent être

gouverneurs, au recensement des jeunes gens qui

réunis, par le gouverneur, au chef-lieu du canton

seraient en âge de service, au premier janvier de

auquel ils appartiennent, la veille du jour fixé pour

l’année suivante2. Les jeunes gens recensés chaque

le commencement des opérations. Les gouverneurs

année étaient inscrits sur des listes spéciales dites

doivent assister et présider toutes les séances qui

«listes de recensement». Ces listes étaient établies,

ont lieu, dans chaque canton. Ils fixent l’heure à

certifiées exactes et signées par les gouverneurs.

laquelle doit commencer chaque séance, et ils en

Elles étaient transcrites, à l’administration centrale de

prononcent la clôture. Les séances sont publiques,

l’armée tunisienne, sur des registres dits « registres

Tous les cheikhs doivent y assister.

Conclusion

de recrutement » organisés en un registre par canton. Et tous les jeunes recensés restaient inscrits sur les

Sous la domination directe de la Porte Sublime,

registres jusqu’à ce qu’ils soient atteints l’âge de 26

les janissaires formaient un corps d’élite dont le rôle

ans.

primordial était la préservation et le maintien de

Tous les ans, vers la fin d’avril, le premier ministre

la dépendance de la régence au pouvoir Ottoman.

de la guerre formait des commissions dites «

Descendants des conquérants de 1574, ces éléments

commission du tirage au sort ». Chacune de ses

extérieurs Turcs d’origine ou d’adoption étaient

commissions était composée de (un officier français

sévèrement contrôlés. A côté des Hanafias, l’armée

– un personnage tunisien désigné par décret –

de la régence compte d’autres forces auxiliaires

un médecin militaire – un interprète militaire).

recrutées dans le pays et dont le rôle ne cesse

Ces commissions se transportaient aux chefs-

d’augmenter tout au long du 18eme siècle. En mettant l’accent sur les politiques de

lieux de chaque canton en suivant un itinéraire publié à l’avance par un tableau dit « tableau

recrutement militaires en Tunisie sous la domination

de la répartition du contingent et itinéraires des

Ottomane, nous n’ignorons pas – sans pour autant les

commissions » ce tableau doit être afficher dans

traiter – les contraintes géostratégiques, notamment

chaque chef-lieu de canton par les gouverneurs,

au lendemain de la prise d’Alger en 1830, qui ont

et ce tableau comporte ( les chefs-lieux, les villes

imposé l’avènement d’un nouveau modèle d’armée de

,villages et fractions qui en dépendent- le nombre

masse fondé sur la conscription. Mais malgré

1- A – N – T, série E / carton 478, dossier 1 – 4, armée tunisienne (1870 – 1946), loi de recrutement. 2- Le territoire de recrutement : est le territoire dont les populations sont appelées à à prendre part au tirage au sort .

37


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Avant même son application, le bey accorda de

et dépôts militaires restaient vides. Le bey n’avait

nombreuses dispenses personnelles, familiales,

pas les moyens de renouveler ni les uniformes, ni

religieuses. Les habitants de la ville de Tunis (Beldias)

l’équipement. La solde n’était payée que de loin

étaient exemptés sauf ceux qui se présentaient

en loin avec des retards considérables. Dès 1862,

volontiers. En 1856 un dénombrement systématique

les soldats commencèrent à déserter sans qu’on

des sujets s’est réalisé, le résultat de ce recensement

les poursuive. Ainsi on note que sur 3857 jeunes

prouva que la population tunisienne dépassait à

hommes inscrits dans les registres de tirage au sort

peine un million d’habitants. Elle ne pouvait dépasser

des régions de Tunis nord, Bizerte, Beja et le Kef le

les deux millions dans les meilleurs cas. Les

nombre des prélevés n’a pas dépassé 878 soit 23 %

estimations de la population de la capitale étaient de

du nombre total2.

près les cent mille habitants1. Mais la majorité des

Durant la période d’enrôlement les villes de la cote

jeunes refusèrent de se soumettre au recensement

présentaient des scènes de deuil et de frustration3.

qui ne donna que vingt et un mille inscrits au lieu de

Le cap bon serait dépeuplé et ruiné par ces excès4.

cinquante mille. Cela explique la faiblesse du nombre

Et cela explique la participation massive des soldats

des conscrits et les difficultés de l’application du

démobilisés dans des régions du Sahel dans le

nouveau règlement de conscription.

commandement de la révolte de 1864. Lors de cette

D’ailleurs la situation n’a pas beaucoup changé

grande insurrection, le bey ne parvint à réunir que

sous le règne de Muhamed Essadok bey puisque

2500 hommes de troupes régulières pour marcher

le code militaire ne fut pas mieux appliqué que

contre les insurgés. Il dû faire appel aux Zouaouas

la loi de recrutement. On essaya de procéder au

et aux Hanefias , comme il le fit encore en 1866 , pour

recensement des jeunes gens astreints au service

mettre à la raison son frère Si El Adel , révolté contre

militaire, mais la plupart des nomades refusèrent

lui5.

3- La loi de recrutement du février 1892

de s’y soumettre, et les agents du bey accordèrent des dispenses abusives. Le bey n’était pas même en

Au cours de la période coloniale la loi de

mesure d’entretenir 10000 réguliers pendant deux

recrutement ne fut donc guère appliquée, le

ans. A peine réunie, l’armée subit les conséquences

gouvernement du protectorat a pu la mettre en vigueur

du désordre financier dont souffrait l’Etat ; Magasins

en 1883 puis le même gouvernement promulgua la loi

1- VALENSI (LUCETTE), Fellahs tunisiens : l’économie rurale et la vie des campagnes aux 18 et 19 siècles, Mouton – paris, 1977, pp 13 – 15. 2- A – N – T, Registre 3280. 3- « Quoique convenablement nourris et vêtus par le bey les recrutés préfèrent à ces avantages l’habituelle misère qui accompagne leur liberté. Leur refus (antipathie) pour le métier des armes est telle qu’aucun volontaire ne s’est présenté au recrutement ». Rapport du consul français DELAGAU le 16 février 1842. in BROWN (C), « Ahmed bey » , les Africains , T IX , 1977 , p 29 . 4- DAUMAS (PH), op.cit, p 123 – 157. 5- FOLLY ( L – C ) , op.cit , p 315 .

36


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

du fameux décret d’août 1793, qui repose sur la

mis à l’étude. Il devait aboutir en 1863 seulement,

disponibilité des citoyens à participer à la défense

et reproduire les principales dispositions du code

de la nation. Le développement historique de l’armée

militaire Français de 1858, en maintenant cependant,

de masse que concrétisent l’« universalisation » de

parmi les punitions, la bastonnade, dont les maximum

la conscription et l’expansion des forces de réserves

était fixé à 200 coups.

mobilisables, s’inscrit ainsi dans l’extension des

La loi du 7 février 1860 établissait l’égalité de tous

obligations militaires du citoyen.

les tunisiens devant le service militaire. Elle prévoyait

Calquée sur la loi Française, et conformément

la conscription ou service militaire obligatoire pour

aux suggestions de Taverne, trois sources de

tous les Tunisiens et devait, en principe, être appliquée

recrutement étaient prévues en Tunisie: les

à toute la régence. Projet difficile à exécuter puisque

engagements volontaires, le remplacement, les

seules les provinces du littoral depuis Bizerte jusqu’à

appels organisés et tempérés par le tirage au sort1.

Sfax, connaissaient la conscription. Il s’agit là de

A l’époque fixée pour la réunion du contingent, les

régions parfaitement tranquilles et soumises dont les

gouverneurs envoyèrent les recrues de leur territoire

habitants, attachés au sol par la propriété et la culture,

aux chefs–lieux de conscriptions désignés d’avance

étaient toujours faciles à saisir. Ces populations

comme lieux de concentration et les firent remettre

citadines ayant supporté le poids de la conscription

aux commandants des cadres de conduite envoyés

admettaient toutefois fort mal les principes de

par les corps pour les recevoir. Ainsi tous les appelés

l’enrôlement et du tirage au sort qui l’accompagnait,

qui n’avaient pas rejoint étaient déclarés insoumis,

alors qu’ils payaient l’impôt aux fins pour bénéficier de

et dès qu’un insoumis eut été arrêté il fut remis à

l’exemption militaire. Contrairement aux provinces

l’autorité militaire. En effet Tous les jeunes gens rayés

du littoral, les tribus du centre, du sud et de l’ouest

des registres sans avoir été incorporés reçurent du

qui, bien que soumises, étaient promptes à courir aux

ministère de la guerre un certificat dit « certificat de

armes et se dérobaient facilement et grâce à leurs

libération du tirage au sort ».

habitudes nomades ils y échappaient. Régions de tirage au sort et du remplacement2:

En même temps un code de justice militaire était Villes et villages destinées pour le tirage au sort Sousse – Monastir – Sfax – Kairouan – Aradh – Djerba – Cap-bon – Kef – Beja – Kisra – Medjez el beb – Testour – Mateur – Téboursouk – Bizerte – Porto farina – Zaghouan - Tebourba – Ariana - Marsa

Tribus intéressés par le tirage au sort Awled Yahya – Awled Abdallah – Awled Meins – Shneinfa – Tayech – Troud – Ousseltia – Djellass – Trabeliya – 122 petits tributs

Tribus destinés au remplacement Awled Ayyar – Awlad Oun – Awled Saiid – Methelith – Swassi – Bjaoua

1- Il est important de signaler que La conscription ou service militaire obligatoire est la réquisition par un État d'une partie de sa population afin de servir ses forces armées. Elle se distingue en cela d'un enrôlement volontaire. 2- A – N – T, Dossier 543, carton 144, document 12, pp 31 – 33.

35


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

2- Impact Français indiscutable

d’une loi de recrutement. Dans ce cadre Mohamed bey ordonna la formation d’une commission de réflexion

La Révolution française avait, évidemment, un

composée de deux hauts dignitaires militaires : Emir

impact indiscutable sur le projet de recrutement

oumara Muhamed gouverneur du Sahel - Emir oumara

militaire tunisien puisque ceci était calqué sur la

Ismaiil Saheb Ettabaa et le secrétaire Muhamed El-

loi Jourdan-Delbrel promulguée Le 5 septembre

beji Massoudi .

1798 qui porte les noms du général Jourdan et du

Arrivant au pouvoir en 1859, Mohamed Sadok bey

député Pierre Delbrel, et qui constitue le fondement

donna une nouvelle impulsion à l’école militaire du

du service militaire et institue la « conscription

Bardo, succédané de l’ancienne école polytechnique,

universelle obligatoire ». L’article premier de la loi

chargea son directeur, le commandant de Taverne

énonce : « Tout Français est soldat et se doit à la

de traduire en arabe les lois Françaises sur le

défense de la patrie ». D’ailleurs la France avait

recrutement de 1832 et 1855, et lui ordonna d’en

essayé différents modes de recrutement pour faire

extraire toutes les dispositions utiles, susceptibles

face aux coalitions liguées contre la France : aucun

d’être adaptées à la régence. De Taverne présenta

moyen ne s’était montré parfait, et, il faudra attendre

son rapport le 22 décembre 1859, et le projet fut

un texte voté sous le Directoire. Le 5 septembre 1798,

immédiatement soumis à une commission de 10

au Conseil des Cinq-Cents, le député Jean-Baptiste

membres, chargée d’élaborer le règlement Tunisien.

Jourdan fit voter la loi qui rendit le service militaire

Le 7 février 1860 le bey promulgua la loi Tunisienne

obligatoire et instaura un service militaire obligatoire

du recrutement connu sous le titre du « flambeau

permanent. Cette loi fit de la conscription, le moyen

éclatant ».

normal de recrutement de l’armée. Elle est Inspirée

La loi contient plus que 55 articles repartis sur six

du principe de la nation en armes qui systématise

grandes parties1:

en quelque sorte l’idée de la levée en masse née

Parties

Articles

Contenu

Première partie

12 articles

Recensement des jeunes gens qui seront en âge de service militaire – conscrits, période et façon d’organiser le tirage au sort

Deuxième partie

9 articles

divers motifs d’exemption (de dispense) du service militaire

Troisième partie

4 articles

Les membres du conseil du tirage au sort

Quatrième partie

3 articles

Mesures concernant le Remplacement

Cinquième partie

27 articles

registres de recrutement - officiers chargés de l’incorporation des soldats appelés dans leur régiment

Sixième partie

-

Sujets divers

1- A – N – T, Dossier 543, carton 144, document 12, pp 2 – 10.

34


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Le bey autorisa le remplacement dans le service1.

Nizami lors des préparatifs de l’expédition de

Ainsi en échange d’une certaine somme d’argent, il

Constantine en janvier 1831 sans dissoudre l’armée

était possible de se faire remplacer. Il ne reste que de

traditionnelle. Mais après plus de six ans de sa

peu de choix laissé aux colonels pour le recrutement

création, Ahmed bey n’était pas ardent pour changer

en prenant des jeunes gens non formés et trop

les modes de recrutement hérités, laissant, ainsi, au

faibles, des borgnes. Cela fait que plus d’un quart

hasard le groupement des troupes et la discipline

de l’armée ne pourrait supporter les fatigues de la

régimentaire. Mais à partir de la deuxième moitié du

guerre, surtout même dans l’artillerie et la cavalerie2.

19eme siècle la situation financière ne permet plus

Pour Daumas seuls les turcs et les Kouloughlis

un paiement et un entretien régulier de l’armée. En

avaient l’esprit militaire, les autres n’aspiraient qu’à

1852 alors que 6 mois de solde étaient dus, le bey a

rester chez eux. Après la grave maladie d’Ahmed bey

licencié la moitié de son armée, en décrétant que les

en 1853 plusieurs capitaines lui disaient « pourquoi

bénéficiaires perdaient leurs droits aux soldes passés

veux-tu nous faire travailler comme par le passé

et présentes. Au retour des licenciés, il aurait renvoyé

Sidna est très malade et mourra bientôt ; Mohammed

l’autre moitié après lui avoir alloué entretemps 4 mois

bey, tu le sais, ne veut pas d’armée ». Le souverain

de solde seulement4.

n’était pas sans connaitre la faiblesse des cadres

Après sa mort et dans le cadre des réformes

de son armée et surtout le manque d’instruction qui

politiques et judiciaires qu’il avait entreprises,

caractérise généralement les officiers subalternes

son successeur Mohamed bey voulut doter son

dont beaucoup étaient illettrés3.

armée d’un statut régulier. Il décida d’abandonner

Troisième partie : Vers une rationalisation du format des armées

la politique militaire de son prédécesseur pour pouvoir compresser les dépenses et réduire le

1- La conscription ou le tirage au sort

budget militaire5. En raison d’une augmentation

Sous l’impact de l’expédition d’Alger une décision

spectaculaire de la taille de l’armée permanente et

de créer un corps d’armée régulier était prise

des problèmes de financement, le nouveau bey eut le

par Hussein bey. La famille dirigeante était dans

mérite d’inaugurer un projet d’organisation du service

l’obligation d’entreprendre l’expérience de l’armée

militaire qui permettrait, par la suite, la promulgation

1- Pour la France de la révolution, Le remplacement était autorisé mais son prix devint très élevé, surtout à partir de 1813. Il sera supprimé à la Restauration en 1814 et rétablie en 1818 sous le nom de loi Gouvion-Saint-Cyr . Cette loi réorganise le recrutement militaire basé sur l’engagement volontaire. Elle établit le recrutement par engagement et tirage au sort. Les appelés tirés au sort ont le droit de se faire remplacer par une personne tierce. Le remplaçant négocie avec l'appelé et sa famille une compensation financière en échange de son engagement. 2 FOLLY ( L – C ) , op.cit ,p 346 . 3- DAUMAS (PH), Quatre ans à Tunis , Librairie Editeur , Alger , Tissier , 1987 , P 129. 4- MARTEL (A), Ibid , p 387. 5- Pour les dépenses militaires elles étaient orientées vers l’habillement (uniformes – chéchias – souliers) et la part réservée à la nourriture était prépondérante, les frais d’armement était rudimentaire.

33


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

modernes. Lorsque le souverain décida une levée

famille à son choix un homme entre 15 et 40 ans. On

de troupes, soit pour créer une unité nouvelle, soit

gardait les hommes tant qu’ils pouvaient, après quoi

pour combler des vides, des missions d’officiers et

on les renvoya chez eux sans traitement ou on leur

de sous-officiers se rendaient sur les lieux choisis

donna un emploi quelconque3 . La durée du service

aussi rapidement et secrètement que possible. Là,

était illimitée, un homme incorporé n’était renvoyé

les chefs de village leur désignaient les appelés qui

dans ses foyers que lorsqu’il était impropre au

sont parqués jusqu’au jour du départ (jusqu’à ce que

service. Le nouvel incorporé n’a plus pour être libéré

l’effectif fixé soit atteint. L’opération ne tarda pas, car

qu’à attendre l’âge ou il serait impropre au service, à

les hésitants savaient qu’ils exposaient leurs familles

moins qu’une infirmité inattendue ou une décision de

aux amendes et à l’emprisonnement et un male de

licenciement de son unité ne le fasse rentrer chez lui.

leur parenté partira à leur place. La visite médicale

En colonne, les transports étaient assurés par

qui n’a pas eu lieu sur place se déroula à l’arrivée au

la tribu des Drids, exemptés d’impôts mais tenus

corps en présence de l’officier général commandant,

de répondre à toutes réquisitions du gouvernement.

qui décida avec l’officier de santé du renvoi des

Le recrutement continuait de s’opérer au hasard, la

infirmes et des exempts légaux1 .

durée du service n’était pas limitée et pour compléter

Ce mode de recrutement était particulièrement

les effectifs on se contentait d’envoyer dans les

vexatoire et arbitraire. Le départ des jeunes gens

districts peuplés de sédentaires, le sahel notamment,

enlevés pour toujours à leur pays donnait lieu

des tournées d’officiers recruteurs qui incorporaient

chaque fois à un deuil public et à des scènes de

de passage tous les hommes valides dont ils avaient

désespoir auxquelles la résignation musulmane ne

besoin4 . Dans son rapport au consul de Tunis le

se livrait même pas au jour de leur mort. Scènes

20 octobre 1846 Folly, qui était un membre de la

tellement violentes dans leurs excès que parfois l’autorité se voit obligée de prévenir les désordres

mission Française chargée d’instruction militaire des

qu’elles pourraient amener par l’emprisonnement

régiments réguliers, indiqua qu’il n’y avait point de

la confiscation des biens, les amendes et autres

limite de taille, ni pour la constitution des hommes, ni

mesures de cette nature2 . Folly affirmait que pour

pour la durée du service. On gardait les hommes tant

compléter ses effectifs le bey envoya un colonel

qu’ils pouvaient servir, après on les renvoya sans

dans une province et l’autorisa à prendre de chaque

traitement ou on leur donna un emploi quelconque.

1- MARTEL ( A ) , Ibid ,p 385 . 2- MARTEL ( A ) , Ibidem. 3- FOLLY ( L – C ) , op.cit , p 308 . 4- GANIAGE ( J ) , Les origines du protectorat Français en Tunisie 1861 – 1881 , Maison tunisienne de l’édition , 2eme éd , 1968 , p 114.

32


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

de s’engager ni dans un processus d’anéantissement

dissuader l’agression des grandes puissances2 . les

de la milice turque, ni même dans la simple adoption

contraintes budgétaires ne sont plus, depuis le milieu

des emprunts à un modèle de recrutement militaire

du 19 siècle, favorables au maintien d’une armée de

occidental.

masse3 . D’ailleurs certains proches collaborateurs

Ainsi constituée, l’armée beylicale devait compter

réformateurs d’Ahmed bey, notamment ben Dhiaf, lui

des effectifs de 26000 hommes : 19000 hommes et

reprochaient de faire supporter au pays plus que ses

366 officiers pour l’infanterie, 5800 hommes et 56

possibilités réelles le permettaient. Et cela s’explique

officiers pour l’artillerie, 1000 hommes et 34 officiers

par son refus réitéré de réduire l’effectif de son armée

pour la cavalerie. Les soldats sont répartis dans des

et des dépenses énormes que cela exigeait du trésor.

garnisons : L’artillerie et la cavalerie à Tunis et ses

Le bey avait constamment renforcé le potentiel de

environs .Les 6 régiments d’infanterie : le 1er régiment

son importante armée permanente et les dépenses

est à Tunis – le 2eme régiment à Sousse – le 3eme

excessives de l’armée avaient, certainement, ruiné le

régiment à Monastir – le 4eme régiment à Kairouan.

pays. En effet, les reformes n’ont pas réussi à assurer

Les 5eme et 6eme régiments, commandés par un seul

le redressement du pays et arrêter son déclin et sa

colonel et sont casernés à la Mohammedia résidence

mise sous tutelle4 ,

habituelle du bey1.

La levée de troupes régulières restait humiliante

3 - Bilan de recrutement militaire très onéreux

pendant toute la période du règne du bey Ahmed. Le

En effet, restaurer une armée de masse était,

recrutement se faisait d’une façon simple : en cas

évidemment, une politique ambitieuse mais couteuse

d’insuffisance de soldats, le bey envoyait un certain

et imposée au peuple tunisien. Le bey Ahmed a

nombre d’officiers. Ceux-ci faisaient défiler devant

choisi une voie pénible vers la modernisation et

eux toute la population male des localités qu’ils

qui consistait à mettre l’accent sur l’instauration

visitaient et incorporaient tous les jeunes gens les

d’une armée massive, et cela fut une lamentable

mieux constitués dont ils avaient besoin, à raison

erreur stratégique parcequ ‘un petit pays aussi

d’un par famille jusqu’à ce que le nombre fixé fut

vulnérable comme la Tunisie aurait dû opter pour

atteint5 . Ce genre de recrutement rappelle plus les

des unités mobiles suffisant à maintenir l’ordre et

méthodes de la presse ancienne que les coutumes

1- FOLLY ( L – C ) , op .cit , p 310 . 2- dans une lettre de Pélissier vise consul français de Sousse au ministre des affaires étrangères « l’armée d’Ahmed bey était tout juste qu’elle risquait à faire l’essai de ses forces militaires contre une puissance Européenne de second ordre telle que la Sardaigne » . in BROWN ( C ) , « Ahmed bey » , les Africains , p 42 . 3- BERTRAND DE LAPRESLE, « Une armée pour quoi faire ? », in AGIR, revue générale de stratégie, n° 8-9, automne 2001, p. 72. 4- CHATER ( K ), op .cit , p 565 . 5- FOLLY ( L – C ) , Ibid , p 341 . Les 2e – 3e – 4e régiments avaient toujours un très grand nombre de soldats en congé. Ils ne conservaient sous les armes que le chiffre nécessaire de la place le long des côtes. Le 1reg était toujours au complet d’environ 2400 hommes, c’est ce corps dont le commandant Gillart était chargé de l’instruction. Les 5e et 6e régiments avaient toujours l’effectif à peu près complet ; ils étaient commandés par le colonel Mourabet beau- frère et favoris du bey : d’après son rapport le 28 octobre 1846.

31


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

du pouvoir. D’ailleurs son aspiration excessive au

N° IX / 2019

et s’emboitèrent.

pouvoir et ses autorités exercées devenus depuis

L’absence d’un nouveau projet de recrutement

1837 encombrants et impopulaires conduirait Shakir

s’explique par les doutes réels des troupes turques qui

à sa mort dramatique puisque Le mois de juillet 1837

pouvaient sympathiser avec l’armée du sultan en cas

marqua le début de sa disgrâce et sa mise à l’écart

d’une démonstration navale. Le sentiment de crainte

de Shakir. En Aout Mustapha bey retira les charges

d’une éventuelle réaction militaire des janissaires

militaires de Shakir et les confia à son fils Ahmed bey

expliqua la décision du bey Hussein d’incorporer ceux

et le 11 septembre le ministre fut étranglé1 .

qui restaient comme janissaires au sein du premier

Certes, La réorganisation des institutions

bataillon régulier crée en 1831 et, aussi, la volonté du

militaires avait un impact social non discutable,

bey Ahmed d’être au milieu des troupes fidèles dans

notamment dans le littoral et le sahel, puisque La

la ville princière de la Mohammedia bâtie en 1843 2 .

nouvelle armée régulière véhicula une certaine

Séduit par le modèle de développement européen

forme de modernité et exerça par la même un impact

et partisan de l’emprunt de l’occident pour consolider

d’éveil sur les populations citadines. Le service

la régence et lui faire rattraper le retard, Ahmed bey

militaire contribua à une intégration sociale plus ou

était favorable à la création d’une armée massive

moins fort. Mais, malgré son aspect d’assimilation

régulièrement

sociale, les précurseurs de la réforme, notamment

coordonnée, sous des chefs permanents et

Ahmed bey, n’avaient pas une volonté délibérée pour

convenablement instruits, bien moins encore

tracer un programme radical. La cohabitation d’une

disciplinée, capable de leur enseigner les exercices,

armée Nizami et d’une armée irrégulière prouva des

les évolutions et la tactique militaire, d’assurer

enclaves du programme de modernisme tunisien et

l’exactitude de leur solde et de leur nourriture , de

confirma l’absence de réformateurs zélés. Il n’était

les habiller d’une manière réglée et uniforme, afin

pas possible pour l’élite réformiste, qui manquait

d’avoir ainsi à chaque instant sous la main un corps

d’ardeur, d’abolir les corps militaires traditionnels

d’armée prêt à voler au combat , ou à se porter

qui détenaient depuis longtemps les fondements

partout ou pourrait l’appeler la répression de quelque

du pouvoir non seulement en Tunisie mais aussi

désordre 3 . Mais L’erreur d’appréciation commise par

dans tous les Etats du Maghreb. Ainsi durant toute

le bey a été de croire que la solution du problème

la période du règne d’Ahmed bey les types de

du danger occidental résidait dans la simple levée

recrutement classiques et modernes s’imbriquèrent

en masse. C’est pour cette raison que la tâche n’était

1- BOU ALI (LOTFI), op- cit , p509. 2 - CHATER (K), op –cit , p 538 . 3 - FRANK (Dr . LOUIS), Tunis , Paris , firmin didot frère , 1850 , p 72 .

30

enrégimentée,

hiérarchiquement


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

de progrès» réunit 300 Turcs et Arabes des troupes

Diaf le rôle prépondérant de ce ministre dans les

existantes et en confie l’instruction à quelques sous-

deux tentatives pour la restauration d’une armée

officiers et soldats de l’armée ottomane arrivés

régulière sans succès : la première quand Chakir

depuis peu de Constantinople. Leur manque de

était le premier à réfléchir pour la restauration d’une

compétence semble condamner cette tentative. Sous

armée régulière parmi les jeunes de la capitale, Le

l’influence de deux officiers français (jean Anselme

bey a décidé de recenser les tunisiens en âge de

Guy / jean Laurent Lugan ) l’expérience est reprise

porter les armes mais cette tentative a suscité un

sur de nouvelles bases. 500 turcs viennent compléter

vif mécontentement. Les habitants de Tunis avaient

un premier bataillon composé de: 8 compagnies

un statut particulier qui leur permet d’échapper

d’infanterie, une d’artillerie, une de sapeurs mineurs.

à la conscription et à l’enrôlement, ils étaient

Moins d’un an plus tard, un deuxième bataillon voit le

traditionnellement exemptés du service militaire.

jour à la Mohammedia1.

Le bey était obligé de suspendre les opérations de

Entre temps quelques mois après les premières

recensements, et il décida en février 1837 d’exempter

créations Chakir avait recruté dans sa province

de l’enrôlement Tunis et quatre grandes villes. La

de Sousse 800 hommes pour former le deuxième

deuxième quand Mustapha bey a décidé de former un

bataillon du premier régiment infanterie. La

bataillon de soldats d’esclaves, mais le général Slim

coexistence entre arabes malékites et turcs de rite

rassemblait dans une caserne de Tunis tous les noirs

hanéfite s’était révélée impossible et quatre mois

de la capitale qu’ils soient esclaves ou affranchis

plus tard le ministre avait dû renvoyer les Sahéliens.

pour les incorporer de force dans l’armée. Exécutée

Regroupés à Sousse, ils formaient le noyau d’un

avec maladresse et précipitation, puisque

deuxième régiment infanterie porté rapidement sur le

pauvres noirs étaient traités comme des troupeaux et

modèle du premier à trois bataillons2.

l’opération donna lieu à des cris de protestation que

2- Rôle indéniable du ministre Chakir

les

le bey Mustapha dut l’annuler3.

Durant toute la période des deux règnes Hussein

Chakir a largement profité de l’indulgence du

bey et Mustapha bey, Le rôle de Chakir dans tout le

pouvoir pour se monopoliser de finances et de

processus de réforme militaire était indiscutable,

l’armée. Nous estimons que ce bataillon de soldats

puisqu’il détenait, sans doute, les reines du pouvoir

noirs que ce ministre a essayé de restaurer formera

éclipsant les autres collaborateurs de la cour. Il

une milice fidèle dont il avait besoin dans ses projets

ressort des notices biographiques rédigés par Ben

de renversement politique et d’accaparation

1 - MARTEL (A), Ibid , pp. 379 – 380 . 2 - MONCHICOURT (CH), Documents historiques sur la Tunisie : Relations inédites de Nyssen , Filippi et Calligaris , Société d’Editions Géographiques , 1929, pp. 350 – 351 . 3 - FOLLY ( L – C ) , op .cit , pp. 320- 321.

29


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

3 bradas (ouled Mennaa, Ouled Djouine, Ouled Arfa))

1831 sans dissoudre l’armée traditionnelle. Et pour

– Hemamma – M’thalith et Ouerghemma Berdes –

ne pas susciter la méfiance et le mécontentement de

Aouleds Seids – Aouleds Hassen , étaient obligées

la milice Turque les préparatifs devaient s’effectuer

de prendre les armes, fournir des troupes dont on

en secret3 . Le passage du mode de recrutement

se servait pour faire rentrer les impôts et assurer

traditionnel vers la conscription, jugée rationnelle,

le maintien de l’ordre à l’intérieur de la Régence.

suscita beaucoup de résistance essentiellement

L’ensemble de ces forces supplétives dépassait

de la milice turque rivale à toute nouveauté. La

parfois les effectifs de la milice des janissaires1.

«tunisification » de l’armée et l’appel à d’autres corps

Ils recevaient à ce titre quelques privilèges, des

indigènes n’étaient pas de nature à plaire aux turcs

concessions, des cadeaux et des exemptions et

alors que cette même milice conservait à Alger sa

certaines exonérations d’impôts.

puissance exclusive. On se rappelle toujours des

Lié à la famille Husseinite, le bey s’engagea à

révoltes de 1811 et 1816 qui étaient la goutte qui a

choisir ses proches collaborateurs parmi un certain

fait déborder le vase puisque les janissaires avaient

nombre des chefs de tribus qui formaient, évidemment,

visé reprendre le pouvoir pour pouvoir restaurer leur

les agents d’exécution de la volonté du bey et les

puissance à l’instar de la milice d’Alger.

véritables détenteurs du pouvoir2 . Opérant dans un

Hussein bey n’avait pas une idée claire sur la

milieu connu les Mzarguis étaient plus efficaces,

façon de recrutement de la nouvelle armée dont il se

ils fournissaient une sorte d’aide logistique pour le

proposa restaurer. Chakir, son ministre technocrate,

pouvoir central du Bardo. En s’appuyant sur ce corps,

avait un programme de réforme ambitieux qu’il a

la position du bey se trouva renforcée dans la Tunisie

pu mettre en œuvre par le billet des prérogatives

profonde qui lui est restée.

qu’il avait rassemblées surtout au Sahel tunisien.

Deuxième partie: La nouvelle armée Nizami: vers une armée de masse «nationale»

Il a largement profité de ses relations familiales avec le bey pour acquérir une promotion rapide

1- Réforme militaire indispensable dans un contexte alarmant

et devenir ministre influent. Sa mission principale était l’épuration des dettes sahéliennes : il retenait

La création de l’armée régulière date de la période

l’huile des propriétaires d’oliviers dans les pressoirs

du règne de Hussein bey. Ce dernier était obligé

jusqu’au payement de l’Achour, du sélam et des dettes

d’entreprendre l’expérience de l’armée Nizami lors des

auprès de l’Etat et des négociants. Peu après la prise

préparatifs de l’expédition de Constantine en janvier

d’Alger, Chakir « homme d’intelligence, d’énergie et

1- BACHROUCH (T), op.cit , p 522 . 2- LAROUI (A) , Les origines sociales et culturelles du nationalisme Marocain 1830 – 1912 , 2 éd . Centre Culturel Arabe, 2001 , p 69 et pp. 120 – 121 . et CHATER ( Kh ) , « Introduction à l’étude de l’establishment Tunisien : l’Etat Makhzen husseinite et ses mutations » , Cahiers de la Méditerranée , n° 49 , 1994 , p 5 . 3 - BACHROUCH ( T ) , Ibid , pp. 537 – 540 .

28


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Toutefois, l’entrainement leur manquait, car depuis

écrit après avoir interrogé un Kabyle qui demanda à

la mobilisation de 1844, aucune manœuvre n’avait eu

être rapatrié « …les kabyles ainsi amenés en Tunisie

lieu, et les évolutions d’ensemble comme les services

fournissent au recrutement de la milice irrégulière

de flanc-garde, d’éclaireur et d’arrière –garde ont été

des Zouaves qui compte 4000 hommes environ … :

oubliés.

d’excellents soldats qui ont rendu à diverses époques

En nombre de 700 douaniers Les Spahis du littoral

de grands services au gouvernement Tunisien lors

fournissaient des postes d’une quinzaine d’hommes

des insurrections. Ils sont fixés pour la plupart dans

chargés de la surveillance d’une portion du littoral.

la région de Bizerte ou ils cultivent la terre avec une

Leur service périodique consistait à interdire la

supériorité marquée sur les arabes du pays »2 . En 1830 la décomposition des Zouaves est

contrebande, déceler toute tentative de descente, assurer les sauvetages, recueillir les épaves1 .

apparemment totale que celle des turcs. Ces

- Les Zouaves

montagnards kabyles, que la France utilise en

D’origine berbère Algérienne, venus des tribus

Algérie, auraient été attirés pour la première fois

Kebeiiles de Zouaoua et de Flissa recensés au

par Ali Bey (1759 – 1782), certains, après avoir servi

nombre de 10000 en 1833, ils étaient exemptés de

les princes de Tunis contre ceux d’Alger, restèrent

l’impôt Mejba . En temps de paix, ils renforçaient la

dans la régence et y firent souche d’artisans et de

gendarmerie locale, le cas échéant. Ils offraient avec

cultivateurs réputés3.

les Ousseltia une ressource disséminée sur divers

- Les Mzarguis

point de la régence, ou ils étaient établis et exerçaient

La naissance du Makhzen s’est coïncidée avec

diverses professions. On s’en sert pour la formation

le processus de participation des tribus dans la

des colonnes mobiles, qui vont périodiquement

perception des impôts d’où le caractère patrimonial

prélever les contributions au sud et au nord.

du pouvoir husseinite4 . Cette force présente un mode

Sur 4000 Zouaves, plus de 3000 étaient

de recrutement militaire de l’intérieur qui reposait sur

permanents et vivaient uniquement du métier des

la participation des tribus dans la collecte des impôts

armes. Leur discipline était plus rigoureuse que celle

et dans la répression des rebelles. Ainsi La régence

des troupes et leurs chefs étaient mieux obéis. Dans

de Tunis pouvait à l’occasion mettre sur pied un corps

une lettre adressée au gouvernement général de

de cavalerie de 7000 à 8000 hommes et même plus,

l’Algérie novembre 1876, le consul de France à Tunis

car différents tribus, telles que Dridd (divisé en

1 - MARTEL (A), Ibid , p 402. 2 - MARTEL ( A ), Ibid , p 405 . 3 - - Leurs descendants, au nombre de 8000 à 9000, préfèrent leurs boutiques et leurs champs à la garde des forteresses ou aux incursions des camps, et versent des indemnités de remplacement pour ces obligations du temps de paix. Leur ardeur guerrière est intacte et leur regroupement d’autant plus facile que leurs colonies ne se sont pas dispersées. in Martel (A), L’armée d’Ahmed bey d’après un instructeur Français, Cahiers de Tunisie, 3em trstre ,1956, p404. 4 - - BOU ALI (LOTFI), Dynamique du modernisme militaire dans la Tunisie du 19ème siècle : approche pour une histoire sociale, thèse de doctorat, Tunis, 2015, p 444.

27


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

de la fin du 17ème siècle1. Inférieurs aux Bouabes,

Résidant dans les tribus dont ils faisaient

ils conduisirent les prévenus devant le prince, les

partie, les Spahis étaient des cavaliers arabes plus

réintégrèrent en prison et exécutèrent sans délai

particulièrement attachés au gouvernement, et qui

les sentences capitales, soit au sabre dans le palais

jouissaient de plusieurs privilèges. Leur constitution

même, soit à Tunis par strangulation ou pendaison.

semblait être déterminée par la nécessité d’assurer

Cavaliers, ils escortaient dans leurs déplacements

à chaque hamba et Mamelouk au moins un homme

les personnages importants et se portaient sans

d’escorte. Comme l’habitude est prise de leur confier

délai partout où de graves délits ont été commis. Le

directement les missions de peu d’importance et qu’il

prince les utilise aussi comme messagers lorsqu’il

fallait ménager les hommes et les chevaux, l’effectif

voulait marquer sa considération. Le Hamba était

théorique de l’Oujak de Tunis était porté à 2800

toujours escorté lui-même d’un ou plusieurs spahis,

cavaliers. Chiffre difficile à établir avec exactitude,

placés sous son autorité directe2 . Les 900 Hambas

car ce corps n’était jamais rassemblé au complet,

sont répartis en 30 Oda sous les ordres d’Oda –Bachi,

même lorsque le Makzen se joignit au camp qui était

6 Bach Hambas, 3 arabes et 3 Turcs ayant le rang

levé chaque année pour assurer la rentrée de l’impôt

de lieutenant-colonel, se relaient dans le service

dans les provinces intérieurs3.

sans avoir d’unités définis. Concurremment avec les

Dans l’intérieur il existait 7 Oujaks astreints à

mamelouks, ils formaient jadis un grade brillant, mais

un service périodiquement de gendarmerie. Les

qui étaient réduits en nombre et en importance dès

conditions de recrutement étaient les mêmes que

1830.

celles du Makhzen du bey.

Province

création

Effectif

1

Tunis ou grand Oujak ( Spahis ou Makhzen du bey)

Hammouda pacha

2700

2

Kairouan

1814 - 1837

1000

3

Kef

1814 - 1837

1000

4

Béja

1814 - 1837

1000

5

Djerid

Ahmed bey

1200

6

Aradh ( Oujak de Gabes )

Ahmed bey

1000

7

Sousse – Monastir

Ahmed bey

450

1 - IBN ABI DINAR AL QAYRAWANI , Al Munis fi akhbar Ifriqiya wa Tounis, Tunis 1967, pp. 234-236. IBN DHIAF , IthafAhl az-Zamân, L. II, p. 36. CHERIF (M,H), op. cit. p. 132. 2 - MARTEL (A), Ibid , p 398. 3 - MARTEL (A), Ibid , p 400.

26


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

ombrage à la milice turque qui formait en 1830 la

et peuvent être évalués à 2000 ou 3000. Ils étaient

force militaire la plus compacte de la régence1 . Leur

considérés comme enfants du pays et n’avaient

déclin devenait plus sensible et cela précipita leur

pas part du désordre et aux complots des soldats

décadence. Certains s’intégrèrent dans la nouvelle

turcs. Depuis cette période la légèreté du service

armée, d’autres étaient déjà passés en Algérie.

permet aux derniers turcs de pratiquer un métier

Aussi ne fournissaient-ils que quelques postes de

complémentaire2.

garnison : khélibia – Hammamet – Gafsa – Béja – le

2- Les corps auxiliaires : Armée du Makhzen:

Kef – Tabarka – la Kasbah de Tunis – la Mohammedia

Pour maintenir la sécurité intérieure et appuyer les

– le bardo. Alors qu’autrefois, ils tenaient presque

expéditions annuelles, les Turcs de Tunis continuent

toutes les forteresses de la régence et occupaient

la politique des hafsides en faisant appel à la

dans la capitale 5 casernes construites pour eux

cavalerie « makhzen ». Ainsi des forces auxiliaires,

sous Hammouda pacha. En effet la « déturquisation»

mobilisées de façon saisonnière, sont souvent

du pouvoir en Tunisie et l’appel à d’autres corps

appelées à appuyer l’autorité turque. Contre certaines

allogènes (les mamelouks et les zouaouas), la

faveurs telles que les exemptions d’impôts, certaines

création d’un corps Tunisien, organisé, instruit et

tribus de la steppe contractent ainsi une alliance

moderne n’étaient pas de nature à plaire aux turcs

permanente avec les Turcs, et deviennent des tribus

alors que cette même milice conservait à Alger sa

makhzen. Durant toute la période husseinite l’effectif

puissance exclusive. Les révoltes de 1811 et 1816

et l’importance de ses forces auxiliaires ne cessait

étaient la goutte qui fait déborder le vase puisque les

d’augmenter. Ces forces formaient Le Makhzen du

janissaires visaient reprendre le pouvoir pour pouvoir

bey et constituaient une force armée spécialement

restaurer leur puissance à l’instar de la milice d’Alger.

attachée à sa personne et chargée d’exécuter les

Leur nombre et leurs privilèges ne se réduisirent

ordres qui émanaient de son autorité3. Ces ordres se

qu’après 1837 ; quand il fut décidé de substituer à la

rattachaient presque toujours à la police du pays, à

vénérable milice des janissaires une armée régulière

la répression des délits, à la saisie des prévenus; en

mieux adaptée à son époque. Les effectifs en sont

un mot à l’exécution des arrêts, décision et jugement

tombés et la milice vraiment turque au service

du pouvoir. Le Makhzen faisait partie des forces

du bey ne s’élevait pas à plus de 1200 hommes.

militaires du pays et marche en temps de guerre. Il se

Les autres sont répartis dans les forteresses de la

composait lui-même de:

goulette, de Tunis et des autres villes de la régence.

- Hambas et Spahis des Oujaks La constitution de ce corps est tardive: elle datait

Les Kouloughlis étaient beaucoup plus nombreux

1 - PELLISSIER ( E ) , description de la régence de Tunis , éditions Bouslama , Tunis ,1 980 , p 376 – 377) . 2 - MARTEL (A), L’armée d’Ahmed bey d’après un instructeur Français, Cahiers de Tunisie, 3eme trstre ,1956, p 403. 3 - MARTEL (A), Ibid , p 398.

25


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Descendants des conquérants de 1574, ces

de garnison, d’une durée de six mois dans une des

éléments extérieurs - Turcs d’origine ou d’adoption-

forteresses qui parsemaient les côtes du pays ou

constituèrent une élite amplement privilégiée et

dans une des kasbahs des villes de l’intérieur ou des

ces privilèges du métier de janissaire attiraient les

villes frontières pour la défense du territoire contre

volontaires. Ils se distinguaient des Raiya et se

toute invasion étrangère. Un service de camp au

caractérisaient par leur pureté ethnique. Ils détenaient

cours duquel le janissaire participait aux colonnes

des privilèges étendus et réagissaient pour conserver

mobiles ou Mehallas envoyées à l’intérieur du pays

et préserver leur prééminence comme une caste

pour la levée des impôts. Un service de galères sur

militaire. Ainsi les turcs de Tunis constituèrent une

les bâtiments armés par les autorités officielles du

armée de métier qui bénéficiait d’une solde servie tous

pays. Profitant de ses services stratégiques, cette

les deux mois. Ils étaient assurés d’une bonne retraite,

milice constituait un corps d’élite et se montrait

sans perdre de vue certains avantages fiscaux et

courageuse au combat, elle rivalisait avec la plus

les chances d’une promotion sociale éventuelle. A

redoutable armée de la Méditerranée, celle des

partir d’Oda-bachi, le janissaire pouvait faire partie

Chevaliers de Malte.

du diwan. Promu agha, il avait la possibilité de diriger

Assimilés très vite, les Turcs de Tunis étaient la

temporairement la milice.

plupart du temps des Kouloughlis issus d’unions entre

Le janissaire, simple soldat, n’avait pas d’uniforme

Turcs et femmes du pays. Fortement amarré à la ville

et devait payer aussi bien son habillement que son

par excellence, le pouvoir turc lutta victorieusement

armement. Les officiers, par contre, recevaient des

contre la dispersion du pouvoir politique et militaire

tenues de parade. L’armement de ce corps d’élite

et empêcha la formation d’une classe de seigneurs

était bien supérieur à l’arme blanche utilisée par la

autonomes. L’esprit de fronde et de rébellion, le

cavalerie autochtone. Malgré l’absence de casque et

souvenir de leur intervention directe dans l’élection

de cuirasse, l’arquebuse assurait au janissaire une

ou le renversement des beys rendaient les Turcs

supériorité effective, il en a donné les preuves en plus

parfois redoutables, surtout en temps de crise ou

d’une occasion1. L’efficacité était par ailleurs assurée

de rivalité au sein de la dynastie2. Bien après que la

par une discipline sévère. Les délits entraînent

porte sublime eut cessé d’envoyer des troupes, les

des châtiments corporels, les plus graves pouvant

beys de Tunis armèrent périodiquement des navires

entraîner le châtiment suprême. En contrepartie

pour le proche- orient, afin d’y recruter des Turcs

des avantages procurés par ce métier, le janissaire

qu’ils jugeaient plus loyalistes que leurs sujets.

était astreint à trois sortes de services: un service

La restauration d’une armée régulière a pu porter

1 - HENIA (A. H), Les rapports du Djérid avec le Beylik Beylik 1676-1840, Doctorat d’histoire, 1978, p 276. 2 - FOLLY ( L – C ) , « historique de la mission militaire Française en Tunisie » , Revue Tunisienne , jan – avr 1923 , n° 155 – 156 , p 309 .

24


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

Première partie: Politique de recrutement militaire avant la création de l’armée Nizami 1 - Les janissaires: armée de métier et corps professionnel

N° IX / 2019

registres de candidatures individuelles de turcs levantins, de descendants de turcs mariés dans le pays (kouloughlis), voire même d’Andalous et de convertis. Mais le recrutement est sévèrement contrôlé: outre l’origine, on exigeait aux nouvelles recrues des

Pour conserver la Régence sous la dépendance

qualités qu’on éprouvait lors d’expéditions bien

ottomane, conspirer le danger chrétien encore

déterminées. Le corps des janissaires, appelé Udjak,

sérieux en Méditerranée et imposer l’ordre turc à

est divisé en plusieurs unités tactiques équivalant

l’intérieur du pays, le maintien et le déploiement d’une

aux régiments. De nombre fixe et d’effectif variable,

force organisée s’imposent1. Sous la domination

ces régiments sont logés soit à la Kasbah soit dans

directe de la porte sublime en Tunisie, la seule force

des casernes ou fonduques3 . Le husseinite Hamouda

armée régulière tolérée par elle dans la régence fut

Pacha à lui seul édifia cinq nouvelles casernes lors

exclusivement envoyée de Constantinople. Cette caste

des préparatifs pour la guerre contre Alger. De même,

militaire fondatrice appelée Hanafias garantissaient

il constitua une fondation pour l’ensemble des dix-

dans le pays, depuis 1705, la permanence de la

neuf Qishlas qui existaient à Tunis à son époque

dépendance de la dynastie Husseinite à l’égard de

et qui se répartissaient sur différents endroits de la

la souveraineté ottomane. Le noyau de cette force

Médina, avec une forte concentration auprès de la

est constitué par la milice des janissaires. A l’origine

Zaytûna et de Bâb Menâra.

de cette milice, il y avait le détachement de l’armée

La milice de Tunis n’a jamais été nombreuse;

turque laissé par Sinan Pacha après la conquête

Pas plus de quarante compagnies de cent hommes

de Tunis en 1574 et dont l’effectif atteignait 3000 à

chacune. La compagnie est formée de cinq chambrées

4000 janissaires2 . Ils étaient inscrits sur les rôles du

de vingt hommes. La hiérarchie se limitait à un certain

D’iwan et avaient droit à une pension régulière en

nombre de grades. A la base, le commandement

contrepartie du service militaire. Deux fois l’an, une

des Yoldachs (simples soldats) incombait aux

expédition parcourt le pays avec un triple objectif:

Odabachis (chefs de chambrées) qui obéissent à leur

Faire la relève des noubas, Collecter les impôts et

tour aux ordres des Bouloukbachis (capitaines), le

Rétablir l’ordre parmi les tribus. Cette expédition est

commandement en chef étant assuré par les aghas ;

placée sous l’autorité d’un nouveau dignitaire, le bey.

l’agha est désigné comme général de la milice.

Ce corps se renouvelait par inscription sur ses

1- MANTRAN (R), « L'évolution des relations entre la Tunisie et l'Empire Ottoman du XVT siècle, essai de synthèse », Cahiers de Tunisie. 1959, p. 321. 2- CHERIF (M,H) , op. cit , pp. 152-155. 3- fonduques : grandes maisons destinées pour le logement des Janissaires. Pendant toute la période ottomane, les casernes hébergeaient aussi les janissaires célibataires. Certains de ces établissements étaient d’anciens fondouks ou oukâlas récupérés par les autorités pour la milice ; d’autres étaient des fondations destinées à cet usage. In BACHROUCH (T), le saint et le prince : contribution à l’étude des élites tunisiennes du pouvoir et de la dévotion, université de Tunis , 1989 , p 493.

23


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

normes exclusives d’antan et favorable à la promotion militaire des tunisiens. A partir de la deuxième moitié du 19eme siècle la situation économique et les contraintes géopolitiques ont bouleversé les perceptions classiques du service militaire. La dimension des armées et de l’effectif militaire faisaient l’objet de discussions récurrentes et avaient conduit, souvent, à des réformes législatives qui ont touché le service militaire. Marquées par le souci de tirer les leçons des expériences occidentales, notamment Françaises, ces réformes expliquaient le débat autour de la dimension des armées qui ne correspondait plus à la capacité budgétaire de l’Etat. Conscient des problèmes budgétaires et des menaces financières dont il fallait se prémunir, Mohammed bey était pour une réduction du format des armées et par la même à l’importation et l’application de la loi de conscription Française jugée rationnelle. Dans cet article nous privilégions l’analyse des différents corps militaires pour illustrer les changements de la politique de recrutement. La problématique majeure qui nous préoccupe est la suivante: est ce que les réformes du mode de recrutement ont pu répondre à ce qui constitue en général de nouvelles données stratégiques? Sont-elles , simplement, une réponse aux contraintes budgétaires évolutives ? Les mutations au niveau de recrutement reflètent – elles une politique dirigée par l’élite dirigeante tunisienne ? Bien que les politiques de recrutement militaire puissent concerner d’autres pays qui ont connu une modernisation militaire, notamment l’Egypte et Istanbul, nous nous limiterons à une approche dynamique pour mieux comprendre l’évolution vers un système de recrutement rationnel. Le problème historique fondamental est d’exposer les particularités du développement au niveau de recrutement depuis l’installation du pouvoir Ottoman en Tunisie en 1574, étudier les ruptures qui ont touché le déploiement des forces militaires étrangères et locales et leurs survivances. Voilà sur quoi nous voudrions attirer l’attention et c’est à cette problématique que la présente contribution se propose de répondre.

22


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

La politique de recrutement militaire en Tunisie sous la dynastie Husseinite

Dr. Bou Ali Lotfi Université de Tunis

:‫ملخص‬

‫جــاءت التغييــرات التــي طالــت سياســة االنتــداب فــي صفــوف اجليــش ضمــن ســياق تاريخــي حــرج عرفتــه‬

‫ إذ كان مــن الضــروري تدعيــم القــدرات العســكرية للجيش‬،‫االيالــة التونســية فــي بدايــة القــرن التاســع عشــر‬ ‫ وجــب القيــام بهــذه‬.‫ـية منهــا‬ ‫وعصرنتهــا بإعــادة هيكلتــه استئناســا بالتجربــة الغربيــة‬ ّ ّ ‫خاصــة الفرنسـ‬ ‫ وذلــك منــذ تأســيس أوّل جيــش نظامــي فــي عهــد حســن‬،‫التغييــرات ســرّا لعــدم إثــارة غضــب اجلنــد األتــراك‬ ّ ‫بــاي وتواصــل مــع أحمــد بــاي الــذي انتهــج طريقــا صعبــا فــي‬ ‫ وبطبيعــة احلــال كان هــذا‬،‫اتــاه حتديــث اجليــش‬ ‫ التــي شـكّلت حافــزا للقطــع مــع منظومــة املفاهيــم التــي‬،‫التحديــث مرتبطــا بصعوبــات الظرفيــة العامليــة‬

Introduction:

.‫تنظــم الهيكلــة التقليديــة للمؤسســة العســكرية بااليالــة التونســية آنــذاك‬ ّ ‫كانــت‬

Dans l’historiographie tunisienne La question réformatrice ou le mouvement réformateur a sollicité l’attention

des chercheurs de plusieurs bords puisqu’il faut appréhender le processus de réforme et ses paradoxes. D’ailleurs la plupart des historiens tunisiens ou étrangers sont d’accords sur le fait que la cristallisation de l’exigence de réforme s’inscrive dans le cadre du danger extérieur notamment au lendemain de la prise d’Alger par les Français en 1830. On retient que depuis l’expédition d’Alger il était désormais urgent de renforcer le potentiel militaire, changer les méthodes de recrutement et assurer la modernisation des contingents. Nous partageons les remarques présentées par T. Bachrouch dans son article « le réformisme Tunisien : essai d’interprétation critique1 , M . H . Cherif dans son livre « Pouvoir et Société dans la Tunisie de Husayn ben Ali, 1705-1740»2 et K. Chater dans son ouvrage « Dépendances et mutations précoloniales: la régence de Tunis de 1815 à 1857»3 et d’autres qui estimaient que la modernisation n’était point un processus interne de la société Tunisienne des 18eme et 19eme siècles. la volonté du changement est née essentiellement sous l’influence de la France notamment tout de suite après l’occupation d’Alger. C’est ainsi que le réformisme Tunisien porte une double influence: celle de l’évolution ottomane et celle des acquis de la civilisation occidentale par rapport à laquelle on fera toujours référence dans le processus de la gestation. Ahmed bey était partisan d’une armée de masse reposant sur une machine humaine indigène de grande dimension. En dépit de la pesanteur du système, des hommes du pays étaient appelés à assurer des charges militaires, puisque l’enrôlement militaire n’est plus réservé aux castes fondatrices du régime. La création de l’école militaire du Bardo, dès 1838, avait restauré un nouveau cursus de nomination des officiers hors des 1- BACHROUCH ( T ) , « le réformisme Tunisien : essai d’interprétation » , Cahiers de Tunisie , n° 127 – 128 , 1er 2eme trist, 1984. 2- CHERIF ( M –H ) , Pouvoir et Société dans la Tunisie de Husayn ben Ali, 1705-1740, 2 T , Tunis , 1984 . 3- CHATER ( K ), Dépendances et mutations précoloniales : la régence de Tunis de 1815 à 1857, Publication de l’université de Tunis , 1984.

21


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Fig.11:Fort Gazi Mustapha à Djerba en 1560, d’après un dessin de A .Conte, BNP, C20263.

Fig.8: Ribat de Monastir (VIIIème s.)

Fig.9 : Les fortifications de Mahdia au XVIème siècle (Estampe espagnole) Fig. 12 : Fort Bab Tunis à Ghar al-Melh (XVIIème siècle)

Fig. 13 : Dautheville (LTC), « Mémoire sur la place de Tunis, avec un plan de Tunis et de la Goulette et une carte des environs », 14 février 1841. SHAT, Série 2H, C 2H1, D 3, Bobine .n° S 247, F°56-65.

20

Fig. 14 : Picot De Ste Marie, « Renseignement sur la Tunisie d’après une reconnaissance faite en 1837, Tunis – Téboursouk - Kef - Kairouan – Sousse – Sfax –Mehdia – Monastir –Hammamet - Bizerte ». ANAOM, Série25H Tunisie, Carton n°25H9, Dossier n°1, Bobine n° A9, Folios58-68.


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Fig.2 : Un tronçon de l’enceinte de Carthage mis au jour par les fouilles

Fig. 5 : Muraille de Bir Om Ali, une composante du limes Tripolitanus (Photo de l’auteur, 2012)

Fig.3: Les différents tracés possibles de la Fossa Regia de la région de Thabraca à Thaenae (Carte de Ferchiou N.)

Fig.6: Carte des forteresses byzantines en Tunisie

Fig. 7: Ribat de Sousse (VIIIème s.)

Fig.10:Citadelle de la Goulette, principale place forte espagnole en Tunisie au XVIème siècle

19


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Conclusion : La fortification est un art ancré en Tunisie. Le legs séculaire, que nous avons tenté de présenter brièvement, en témoigne. Toutefois, la crise de l’Etat, le sous-développement économique scientifique et technologique n’ont pas permis la mise en place, au XIXème siècle d’une fortification, digne de ce nom capable avec un potentiel militaire adéquat de faire face aux conquêtes coloniales. A la veille du protectorat, les rapports des officiers européens, notamment français, chargés de missions de reconnaissances et de renseignement dans la Régence, nous dressent un tableau on ne peut plus sombre sur l’état de l’armée, de l’armement, des infrastructures et des fortifications du pays. Ces rapports qui datent du début du XIXème siècle deviennent plus abondants et plus détaillés après la prise d’Alger (1830). Les visées colonialistes y sont trop explicites. L’étude de ces rapports (Fig. 13 et Fig.14) nous montre que les autorités militaires françaises étaient avides de renseignement sur l’armée et les défenses de la Régence. L’occupation de la Tunisie qui s’opéra en 1881, fut en réalité bien préparée depuis longtemps1 . Elle provoqua l’effondrement des défenses caduques du pays. La genèse de nouveaux systèmes défensifs en Tunisie sous le Protectorat s’inscrit, il est évident, dans le sillage de la stratégie française en Méditerranée. La perception, la main mise, et l’utilisation du territoire tunisien comme étant une composante fondamentale dans cette stratégie, furent en effet dessinées depuis au moins un demi-siècle avant l’occupation. Quel était l’état des fortifications que le pays opposait aux convoitises puis aux attaques coloniales? Comment les officiers de renseignement des puissances coloniales, notamment les français, ont ils décrit ces fortifications et proposé à leur commandement la tactique appropriée pour s’en emparer? Comment s’est effectué leur effondrement rapide qui a permis la main mise coloniale sur le pays?

Fig.1 : L’enceinte maritime de Carthage d’après la reconstitution de Golvin

Fig. 4: Limes Tripolitanus (tracé et principaux ouvrages)

1 - « Il était indispensable en 1881 que nous mettons la main sur la régence de Tunis : tout nous y conviait, tout depuis des années sinon depuis des siècles, avait préparé notre installation comme tuteurs dans ce pays». Paul Leroy-Beaulieu, L’Algérie et la Tunisie, Guillaumin et Cie, Paris, 1887, p.311.

18


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

et les enceintes des villes (Tunis, Sousse, Sfax, Kelibia, la Goulette, al-Muhammadiya, Ghar al-Melh). Toutes les places fortes étaient approvisionnées dans les mêmes proportions. Chaque fort, chaque batterie avait ses magasins, ses approvisionnements1 . Sur les quatre régiments d’artillerie créés par Ahmed bey, deux sont de l’artillerie de campagne et deux autres de l’artillerie de forteresse. Les 1er et 2ème régiments d’artillerie tenaient garnison à Tunis, le Bardo et la Goulette (Fig. 11). Les 3ème et 4ème occupaient les places fortes de la Régence : le Kef, Kairouan, Gafsa, Tozeur, Sousse, Hammamet, Kelibia, Ghar al-Melh, Bizerte et Tabarka2 . Toutefois, les efforts accomplis par Ahmed bey pour mettre en place une armée puissante qui puisse assurer l’invulnérabilité du pays dans un contexte géopolitique tendu, étaient au-dessus des ressources de l’état. Juste après la mort de son parrain, l’armée tunisienne sombra dans la ruine dans le sillage d’une crise générale profonde.

3- La crise du XIXème siècle et ses retombées sur les défenses de la Régence: Durant le quart du siècle qui a précédé l’occupation française, une crise aussi profonde que généralisée désagrégeait l’Etat. Les retombées de cette crise se sont répercutées, entre autres, sur l’armée, les infrastructures militaires et tous les potentiels défensifs du pays. En effet, les efforts accomplis par Ahmed bey pour organiser une armée régulière à la fois nombreuse, puissante, équipée et dotée des infrastructures nécessaires, étaient disproportionnés avec les ressources du pays et les dépenses qu’il a engagées ont vidé le trésor. Dès son avènement, Son successeur Mhamed bey (1855-1859), a renoncé aux réformes de son prédécesseur, l’Ecole polytechnique fut fermée et la majeure partie des forces armées licenciées. Des effectifs présents lors de son avènement, il n’en garda que 4000 fantassins et 1000 cavaliers. Les constructions de la Mohammédia, de Ghar al-Melh furent abandonnées, les borjset les casernes non entretenus, le matériel de guerre délaissé. Les crédits alloués à l’armée sont devenus dérisoires, l’habillement, les équipements, les vivres et les soldes sont devenus de moins en moins assurés. Pendant le règne de Sadok bey (1859-1882), la situation de l’armée des infrastructures militaires et des fortifications se dégrada davantage. Les casernes, les forts, les établissements militaires non entretenus tombent en ruine et sont en partie abandonnés. Les armes et les munitions non renouvelées et manquant d’entretien sont abimées et délaissées3 .

1 - Narcisse Faucon, La Tunisie avant et après l’occupation française, histoire et colonisation, Challamel, Paris, 1893, p.354. 2 - Drevet (R.), L’armée tunisienne, Tunis, 1922, p.11. 3 - La crise atteint son paroxysme par l’insurrection de 1864 et la main mise européenne sur les ressources de l’Etat (1869). Les tractations coloniales sont déjà bien animées. Outre les études classiques sur la Tunisie précoloniale, l’ouvrage de Benbelghith (CH.), L’armée tunisienne à l’époque de Med Sadok bey, Sfax, publication de l’Université de Sfax, 1995, 282 p., fut consacré à analyser cette dégradation, ses causes, ses manifestations et ses relations avec la crise générale de la Régence pendant la période précoloniale.

17


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

fut que les luttes dynastiques, l’accentuation de l’interventionnisme des gouverneurs d’Alger, les insurrections intérieures et les ambitions étrangères ont fait ressentir le besoin de doter certaines villes de nouvelles enceintes. Ainsi furent construits, le bordj al-jadid à Tabarka, al-rabta, al-Manubiya, Sidi Bousaïd… et les enceintes de Grombalia, Béja, al-kef, Manzil (Gabes) et consolidées les murailles de Sfax, Kairouan et Tunis. A la fin du XVIIIème siècle, sous le règne de Hamouda pacha (1782-1814), profitant d’une conjoncture favorable1, la Tunisie a connu un essor économique et une renaissance sans précédent. Les nouvelles constructions et les fortifications entreprises s’inscrivaient dans le cadre des réformes militaires importantes instiguées par « un souverain hors du commun »2 . A Tunis, il procède au renforcement de l’enceinte des faubourgs par une série de bastions flanquant souvent les portes principales (Bab al-Khadra, bababi-Scadoun, bab al-cUluj, bab Sidi Qasim), et parfois le milieu des courtines (Burj Sidi Yahia, Burj al-Bsili). Il dota la capitale de cinq casernes, du complexe industriel al Hafsia : fonderie de canon, fabrique d’arme portative, de poudre, de boulets, tout en modernisant la poudrière d’al-qasba et en y créant une fabrique de boulets. A la Goulette l’ancienne citadelle fut aussi renforcée par de nouveaux organes de défense. Une enceinte fut mise en place pour cerner les installations, les infrastructures maritimes, les casernes, le chantier naval, le canal-port, les habitations de cette ville-arsenal que Hammouda Pacha voulut héritière de la base de Ghar alMelh devenue peu opérationnelle. Au début du XIXème siècle, dans le cadre d’un vaste programme de modernisation du pays, plusieurs réformes militaires de premier ordre furent entreprises3 . Instiguées par Ahmed bey lui-même4 (1837-1855), ces réformes ont permis de doter le pays, pour la première fois, d’une armée régulière5 à l’européenne constituée d’éléments tunisiens, d’une école polytechnique au bardo, des manufactures d’habillement, d’armes et des munitions. Les infrastructures de la Goulette et de Ghar al-Melh furent rénovées. Plusieurs casernes répondant à la nouvelle organisation de l’armée furent fondées6 et une ville royale fondée ex nihilo à al-Muhammadiya, ne fut guère achevée. Les travaux de fortifications réalisés à cette époque consistaient surtout à renforcer les citadelles les forts 1 - Chater Khalifa, Dépendance et mutations précoloniales : La Régence de Tunis de 1815 à 1857, Publications de l’Université de Tunis, 1984, p.29. 2 - Ibid.p.26. 3 - Chêmi S., « Military reforms in Tunisia in XIXth century » in Relations between Turkey and Tunisia throughout the history, ATASE, Ankara, 2013. Chapter VI, p..249. 4 - D’aprés Ibn Abi Dhiaf, « il porta dès lors l’uniforme et procéda à l’organisation de l’armée. Il passait tout son temps dans les casernes comme s’il était un soldat». 1971 ‫ تونــس‬،3 ‫ اجلــزء‬،‫إحتــاف أهــل الزمــان بأخبــار ملــوك تونــس وعهــد األمــان‬ 5 - Cette armée pouvait aligner déjà 30.000 hommes. Martel A. « L’armée d’Ahmed bey vu par un instructeur français » in Cahiers de Tunisie n° 15, 3ème trim. 1956, pp. 373-407. 6 - Casernes d’artillerie à Ras al-Tabia(Tobjia), de cavalerie à la Manouba et d’infanterie à al-Murkadh.

16


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

L’effort consacré par les Ottomans à la fortification toucha toutes les côtes, notamment les principaux points stratégiques, à l’instar de Bizerte, le plus grand point d’attache de la marine tunisienne, et de Tabarka, tirée de sa profonde léthargie par l’arrivée des corailleurs génois. D’autres fortifications virent le jour à Kélibia et Hammamet, métropoles du Cap Bon, à Sousse, Monastir et Mahdia, ainsi qu’à Sfax et Djerba, dans les franges méridionales de la régence. Ce dispositif se complétait par un système de signalisation constitué de signaux optiques allumés au sommet des minarets des mosquées (masajid al-shatt) qui jalonnaient le littoral. Pour restaurer les anciens ouvrages, les Ottomans ont eu recours aux techniques qu’ils ont introduites, notamment la terre pilonnée2 . Cette technique de construction économique et riposte adéquate au boulet métallique3 , a commencé à être généralisée en Tunisie4 depuis 1534. De même que l’augmentation de l’épaisseur des murs des courtines et des terrasses qui atteint 10 à 11m afin de supporter les impacts des boulets ennemis et l’artillerie lourde que les ouvrages sont destinés à abriter. D’autre part, si les tours médiévales ont persisté dans plusieurs citadelles, ces dernières furent renforcées par des plateformes d’artillerie, dans les façades exposées aux attaques par mer. La première moitié du XVII ème siècle fut l’âge d’or de la marine tunisienne à l’époque ottomane. La base navale de Ghar al-Melh, son arsenal et ses fortifications l’attestent5 . Cette base fut protégée par trois forts (bordj) somptueux : al-Lutani, al-Wustani et Bab Tunis (Fig. 12). Ces forts illustrent parfaitement l’art et les techniques de fortifications turques en Tunisie. Au début du XVIIIème, notamment sous le règne de cAli Pacha (1735-1756), on continue à ériger et renforcer les ouvrages détachés sur le front de mer. Toutefois, la défense côtière ne s’est pas distinguée de celle de ses prédécesseurs. Il commanda les nouveaux forts de la Goulette, Monastir, Sousse et Gabes. La nouvelle donne 1 - Ainsi, la qasba de Tunis, s’est relevée de ses combles occasionnés par les dévastations espagnoles et élue siège de la garnison des janissaires et de tous les organes du gouvernement. C’est là où furent aussi installées les principales fabriques d’armes et des munitions. A Sfax, Sousse, Monastir et Hammamet le pouvoir régional s’installe aussi à la qasba hafside. 2 - L’utilisation de la maçonnerie de pierre est attestée dans la restauration de certains ouvrages comme les murailles de Tunis, Sfax et dans le fort Ghazi Mustapha à Djerba. 3 - Ces boulets métalliques vont se révéler extrêmement destructeurs. Leur adoption progressive et leur généralisation (à la fin du XVème siècle) vont créer une crise dans l’art de fortification. En effet non seulement le boulet métallique détruit rapidement les mines superstructures (créneaux, mâchicoulis) des courtines et des tours, mais encore ses impacts répétés font brèche dans la maçonnerie des murs les plus solides, les éventrant du haut en bas. Sailhan Pierre, La fortification, histoire et dictionnaire, Paris,Tallandier, 1991, p.167. 4 - Attestée aux ouvrages suivants: citadelle de la Goulette, fort de ceinture à Djerba, enceinte, qasba et fort andalous à Bizerte, Hammamet, Monastir, Bordj al-Kabir à Mahdia, forts des Akkara et al-Bibane. 5 - La fondation de cette base fut ordonnée par Usta Mourad en 1638 pour pallier à l’incapacité du port de Bizerte, principal point d’attache de la flotte tunisienne, à recevoir les galions et les vaisseaux de haut-bord. A la mort de son fondateur, en 1640, la base se composait d’une darse fortifiée, dotée de magasins, d’un bagne d’esclaves et de quelques habitations défendues par un fort. En 1653, l’amiral anglais Robert Blake, envoyé par Cromvell, afin de châtier « les corsaires tunisiens »endommagea partiellement ces fondations. A la suite de ce raid, deux nouveaux forts furent construits. Le prince mouradite Ali Bey (1677-1696) dota la ville, qui s’est considérablement agrandie, d’un chantier de construction navale et de plusieurs casernes. Le tout fut à son tour clôturé d’un mur d’enceinte. A la suite de ces travaux, Ghar el Melh devint le grand port de la régence et son principal arsenal maritime. Djelloul (N.), Ghar al-Melh : Une base navale tunisienne au XVIIème siècle, Ministère de la Défense Nationale, Tunis, 2012, p.14.

15


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

désormais en balles de plomb qui déciment les hommes, les arquebuses ont pris une part prépondérante dans la défense rapprochée des ouvrages fortifiés. Les rapports européens du début du XVIème siècle affirment que presque tous les janissaires avaient adopté l’arquebuse. L’utilisation progressive et la généralisation de ces moyens de guerre vont bouleverser l’art de fortification. Les éléments passifs de la fortification ainsi que ses éléments actifs doivent désormais être au diapason des nouvelles armes et munitions. L’impact de ces mutations sur les fortifications tunisiennes ne tarda pas. Les constructeurs ottomans vont d’abord augmenter l’épaisseur des murs pour accroitre la résistance aux boulets, réduire les hauteurs des ouvrages pour les dérober le plus possible aux projectiles auxquels on oppose des surfaces courbes pour en réduire la force d’impact et augmenter la tendance au ricochet. Mais la principale mutation introduite par les Ottomans fut, incontestablement, le recours à la terre pilonnée. Comment ces nouvelles techniques se sontelles répercutées sur la fortification tunisienne à l’époque ottomane ?

2- Adaptation des fortifications médiévales et nouvelles constructions: Avant même l’annexion du pays par la Sublime Porte, Kheireddine édifia en 1534 à la Goulette à l’emplacement d’un Qasr médiéval1 , une solide citadelle qui reflète un nouvel art de bâtir2 . Entre 1551 et 1560, Dragut dota l’île de Djerba d’une ceinture de forts et de redoutes dont le plus imposant Bordj Ghazi Mustapha (Fig. 10)3 . Djerba fut ainsi une base d’opération ottomane inexpugnable contre les Espagnols. Ces premiers retranchements ottomans en Tunisie annoncent déjà leur perception de l’espace et leur nouvelle stratégie dans les Régences de l’Ouest (GarpOcaklari ). Il s’agit en premier lieu de défendre le pays et la garnison ottomane qui s’y est installée contre toutes les représailles espagnoles et d’interdire ses côtes aux pirates chrétiens qui ont repris l’activité après la trêve de 1574. Aussitôt devenus maîtres du pays, les Ottomans se sont précipités à restaurer et à adapter à leur stratégie les fortifications des principales villes et agglomérations côtières héritées des époques précédentes telles que celles de Bizerte, Tunis, Hammamet, Kelibia, Sousse, Monastir, Mahdia et Sfax. De même, les qasba (s) hafsides des grandes villes furent aussi restaurées et constituaient le centre névralgique du pouvoir politique, militaire et de l’administration centrale ou régionale1 . 1 - Probablement aghlabide. Poinssot (L.) et Lantier (R.), cités par Djelloul, Fortifications, 1995, p.143, identifient la petite tour de la Goulette décrite par les voyageurs du XVème siècle et sur laquelle Kheireddine édifia sa citadelle par les vestiges de qasr al- Amir mentionné par al-Bakri au XIème siècle. 2 - La citadelle de Kheireddine à la Goulette fut le premier retranchement ottoman en Tunisie (1534-1535). A l’instar des palanca orientales elle était formée d’un réduit central entouré d’une enceinte bastionnée renforcée d’une série d’ouvrages extérieurs. Le réduit central constitué par un grand donjon quadrangulaire à deux étages, comportait les magasins de munitions et les citernes. Tous les organes de défenses furent reportés vers l’enceinte extérieure et ses dehors. L’enceinte fut dotée de bastions droits et remparée d’une palissade en terre et d’un fossé inondé. Idem. 3 - Ouvrage défensif appelé aussi «Borj El Kabir» . De forme rectangulaire, ( 68 m / 53 m ) il fut érigé sous le règne d’ Abou Farès Omar al-Hafsi en 1432. Ghazi Mustapha lui a donné sa forme actuelle depuis 1560, il fut restauré et fortifié aux XVIIe et XIXe siècles. Sa porte d’entrée borj est défendue par deux tours : l’une carrée et l’autre ronde. À l’origine, un pont levis commandait son entrée. Occupée par l’armée française en 1881 qui y siégea jusqu’à 1903 date de son évacuation. En 1904 le borj fut classé «monument historique national ».

14


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

dans un ancien Qasr à la Goulette. Ce fortin sera détruit en 1512 par l’artillerie espagnole pourchassant cArruj. Temporairement occupé par Khair-Eddine, le fort fut reconquis par les espagnols en 15351 . C’est sur cet édifice même qu’ils fondèrent une citadelle puissamment fortifié et renforcée2 jusqu’à 1574 date de sa prise par le victorieux Sinan Pacha. La reprise de Tunis et de la Goulette par Sinan pacha va débarrasser le pays du joug espagnol et de la dynastie hafside et l’ouvrir désormais sur l’Orient ottoman.

III- LES FORTIFICATIONS DE LA TUNISIE A L’EPOQUE MODERNE: Dès le début du XVIème siècle, les Ottomans s’empressent à fortifier leurs possessions occidentales (Garb

Ocaklari) afin de faire face aux attaques perpétrées par les Européens sur leurs côtes. Le système défensif mis en place va à la fois adopter les ouvrages hérités et introduire les nouvelles techniques qui sont en mesure de faire face au développement de l’artillerie, du génie militaire, des munitions et des armes individuelles. Un grand ensemble d’ouvrages fortifiés nous sont légués de cette époque. Ils se distinguent par leurs profils rasants, leurs bastions destinés à recevoir les bouches à feu et leurs épaisses courtines souvent édifiées en terre pilonnée. Leur tracé, ainsi que leurs structures, contrastent avec les traditions architecturales du Moyen âge pour mieux s’adapter en défense passive comme en active avec les armes et les munitions de l’époque.

1- Le développement des armes et des munitions depuis le XVème siècle: En Tunisie, les Ottomans ont introduit l’ensemble des nouvelles techniques d’armement et des munitions spécialement dans l’artillerie qui n’a cessé, depuis le milieu du XVème siècle, de réaliser des progrès extraordinaires3

. En effet, cette période a connu ce que certains spécialistes appellent la crise du boulet métallique4 . Les boulets de pierre, peu efficaces, cèdent la place aux boulets, d’abord renforcés par des plaques en métal, puis totalement coulés en fonte de fer. Utilisés sur des tubes de canon coulés, plus longs, plus maniables grâce aux tourillons et aux affuts, la force de frappe, la précision et la maniabilité de l’artillerie furent révolutionnées. D’autre part, les nouvelles armes à feu individuelles ont connu un progrès important. Avec leur munition 2 - Le 14 juillet 1535 Tunis Charles Quint commandant une flotte de 400 voiles, débarqua à Carthage, chassa kheireddine de la Goulette, rétablit le prince hafside déchu en lui imposant un traité humiliant stipulant entre autre, la remise de toute les places fortes aux espagnols. Tunis fut saccagée par la soldatesque espagnole. 3 - La citadelle espagnole formait un édifice quadrangulaire doté d’une chapelle, de magasins et de casemates, quatre bastions droits le flanquaient aux angles de 1565 à 1570, la citadelle fut objet de travaux de renforcement par une enceinte à six bastions baptisée Goletanueva. L’Armée tunisienne à travers les âges, (collectif), MDN, Tunis, 2006, p.138. 3 - Les ottomans commencèrent à utiliser massivement les armes à feu dès le règne de Muhammad II le Conquérant (1451–1481). Son armée comptait lors de la prise de Constantinople (1453) un corps d’artilleurs (tubgilabar) et les fonderies d’Andrinople lui fournissaient des canons d’une puissance inconnue en Europe. Au XVIème siècle, la fonderie de Topkhane à Istanbul s’est transformée en un véritable bourg comparable à l’arsenal maritime, où une multitude de spécialistes travaillaient à fournir à la Porte l’artillerie dont ses armées, ses galères et ses places – fortes avait besoin. Les armées ottomanes comptaient dans leurs rangs un corps spécialisé dans la construction des affûts et la conduite des chars pour le canon (Tub Arabagilar).Djelloul (N.), « Fortifications in Tunisia in modern times: local permanence and contributions by the ottomans » in Collective, Relations betweenTurkey and Tunisiathroughout the history, ATASE, Ankara, 2013. Chapter VIII, p..275. 4 - Sailhan Pierre, La fortification, histoire et dictionnaire, Paris,Tallandier, 1991, p.167.

13


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

ouvertes, par des murailles. Les anciennes fortifications ou qasr (s) deviennent des pôles d’attractions pour les populations. Ces bourgades ou petites villes fortifiées dont la liste fut dressée par al-Idrissi (XIIème siècle) démontrent la capacité de l’Ifriqiya à résister à la fois aux invasions terrestres des hilaliens et aux attaques maritimes normandes. On peut dire, en guise de conclusion, que les Arabes réussirent, dès le VIIIème siècle, à mettre sur pied une véritable force navale et la formation d’un modèle défensif ifriqiyen. Le développement de la flotte aux époques aghlabide et fatimide, le réseau d’ouvrages fortifiés mis en place sur la côte, leur avaient permis d’assurer la charge défensive du pays jusqu’à la fin du Xème siècle. Toutefois la désagrégation de l’Etat ziride, la décadence de la marine ont réduit les potentiels défensif du pays qui fut la proie de l’invasion nomade hilalienne, des attaques des différentes forces chrétiennes et de l’expansionnisme des Etats ambitieux du Maghreb notamment les Almohades.

3- A l’époque hafside: Les études sur la Tunisie Hafside aussi bien que l’historiographie nous apprennent que les fortifications du pays à cette époque n’ont pas connu de grandes transformations1 . Leurs efforts furent concentrés sur leur capitale et quelques places particulièrement menacées. Forteresses isolées ou enceintes des villes furent restaurées et entretenues à la charge des bienfaiteurs ou grâce aux bien Habous rattachés à ces ouvrages2

.Toutefois, certains ouvrages furent érigés sur le littoral aux XIIIème et XIVème siècles3 comme les enceintes de Rafraf, Ksour al-Sef, Rbat al-Awsat à Monastir. D’autres furent restaurées et renforcées telles que les défenses de Hammamet, Ras Adar, Sousse, Qasr-Ziad, Qasr al-jacd, Sfax, Jerba. De même les ribats furent réhabilités et les volontaires soufis et murabitun encouragés à y tenir garnison pour surveiller les côtes. La crise de l’Etat hafside dès le milieu du XVème siècle fut grave et sa décadence paraissait inévitable. La Reconquista en Andalousie accentua les ambitions chrétiennes au Sud de la Méditerranée. Vers la fin de la première décennie du XVIème les Espagnols conquirent Bougie, Tripoli, Penon d’Alger, Oran4 , et annoncèrent une grande lutte acharnée contre les Ottomans pour exercer leur hégémonie sur les contrées maghrébines. Le système défensif hafside dont la majeure partie est héritée des époques précédentes ne pourra plus résister à l’artillerie des conquérants. Les turcs sollicités par le prince hafside en 1504 pour le soutenir contre l’agression chrétienne s’installent 1 - Djelloul N., Les fortifications côtières ottomanes de la régence de Tunis XVIème – XIXème siècles, Zaghouan, 1995, p.98. 2 - Le fort de qasr-Ziad aux environs de Sfax avait un hinterland baptisé à l’époque hima de 17000 oliviers. 3 - C’est surtout sous le règne d’al- Mustansir (1249-1277) et de celui d’Abu Faris (1394-1334) que l’Etat hafside connu les moments forts de son histoire. Le premier repoussa la VIIIème croisade de Louis I en 1270, le deuxième a pu étendre leur pouvoir sur la majeure partie du Maghreb. Selon al-Zarkashi, « L’allégeance lui parvint de Fès et du seigneur de l’Andalou, L’Ifriqiya, le Maghreb central et le Maghreb extrême entrèrent sous sa domination. », Tarih al- Dawlatayn …, édition Ibn Madhour, CAtika, Tunis, 1966, pp. 125-126. 4 - Mantran (Y.), Tunis sous les Mouradites, CERES, Tunis, 2006, p.13.

12


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Al-Yàqubi (écrivant à la fin du IXème siècle) nous apprend qu’on trouvait sur la côte de l’Ifriqiya entre Bizerte (au nord) et Sfax (au sud) des forts très rapprochés les uns des autres, où séjournent des gens pieux et des murabitun (s)1 . Toute la côte était régulièrement gardée par des Ribâts2 . La consultation des ouvrages biographiques –manâqibet tabâqât- remontant aux Xème et XIème siècles, ne laisse pas de doute quant à la grande fréquence des lieux forts sur la côte3 . Dans leur même stratégie de défense des côtes et des villes, les Arabes dotèrent le front de mer du pays d’un ensemble de ports et d’arsenaux. Le port arsenal de Tunis fut le premier complexe maritime édifié par les Arabes au Maghreb. On peut dire que le limes maritime, les ports et arsenaux mis en place et le développement de la flotte ont permis aux maîtres de l’Ifriqiya non seulement d’être à l’abri du danger venant de la mer, mais aussi d’avoir des visées expansionnistes dans les îles méditerranéennes, notamment la Sicile qui fut conquise par les Aghlabides.

2- Aux époques fatimides et zirides: La fondation de Mahdia4 (916-920), comme ville princière et place forte maritime (Fig. 9), illustre parfaitement les préoccupations stratégiques des Fatimides en Ifriqiya. Son site ne fut choisi que pour son excellente situation. Les chantiers de construction navale se développèrent et la marine connut un essor considérable pour répondre aux visées expansionnistes confiées plus tard, par les maîtres de Mahdia à leur général incontesté, Jawhar alSiqilli, au Maghreb et en Orient. Bien qu’ils aient développé la flotte, les Fatimides ne semblent pas avoir introduit des modifications profondes sur l’organisation défensive du littoral ni des villes. Il semble même qu’ils aient procédé au désarmement de certains ribats côtiers qu’ils jugeaient comme foyer de menace à leur régime, puisque ces ribats abritaient des détachements de jund ou murabitun qui sont adeptes au rite malikite majoritaire en ifriqiya. Les troubles et l’insécurité qu’a connus le pays au XIème siècle, la dislocation et l’effondrement de l’Etat Ziride devant les attaques hilaliennes et normandes exhorta les populations à fortifier leur agglomération, jadis 1 - Al yacqubi, Al Buldan, Leiden, 1860, p.140. 2 -« Les ribats ont une architecture presque uniforme. Ils forment le plus souvent un édifice carré, de dimensions moyennes (40 m x 30 m de côtés environs), flanqué, vers l’extérieur, de tours rondes. La façade maritime est fréquemment réservée à une tour à feu cylindrique (manâr). L’unique entrée, dotée d’une herse, est surmontée d’une coupole dont le sol est percé d’un assommoir. Elle donne accès à un vestibule flanqué de deux salles de gardes, puis à une cour centrale entourée de cellules et de magasins. Des latrines et un hammam sont aménagés dans les angles. L’oratoire est toujours aménagé dans la partie sud de l’étage. Les trois autres ailes sont occupées par les cellules des dévots. Ces dernières forment de modestes logis (six à huit mètres carrés) dotés de niches de rangement. De petites ouvertures sont percées dans la façade exposée à la mer, source de tous les dangers ». l’Armée tunisienne à travers les âges, (collectif), MDN, Tunis, 2006, p.92. 3 - Ibn Khaldun nous apprend qu’Abu Ibrahim Ahmad aurait édifié (ou restauré) « dix mille ouvrages fortifiés (hisn), faits de pierre et de chaux et munis de portes en fer », Histoire des Berbères, ,t..IV, p.429. 4 - C’est sur les vestiges de l’ancien site phénicien puis romain connu sous les appellations de Jemma, Aphrodisium, Cap Africa, que cUbaidallah al Mehdi ordonna en 916 la fondation de la ville qui après cinq ans de construction, prit son nom et devint en 921 capitale des fatimides jusqu’à leur migration au Caire (également fondation fatimide), leur nouvelle capitale en 973. Djelloul N. et Khéchine A., Mahdia : capitale des Fâtimides, éd. Contraste, Sousse, 2003.

11


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

II- LES FORTIFICATIONS MEDIEVALES: De l’Africa antique à l’Ifriqiya arabo-musulmane, les données stratégiques, les besoins défensifs et offensifs des nouveaux maitres du pays vont s’orienter vers la mer. Une chaine de fortifications côtières fondées sur l’héritage antique ou érigées ex-nihilo fut mise en place. C’est un limes maritime qui traduit une stratégie différente de celle qui prévalait durant l’époque ancienne. Toutefois, l’état des ouvrages, leurs fonctions et l’importance accordée à leur développement et leur entretien ont fluctué selon les vicissitudes géopolitiques qu’a connues le pays.

1- A l’époque des wullat (s) et des aghlabides:

Depuis la deuxième moitié du VIIème siècle, Ifriqiya devient désormais au centre des intérêts stratégiques des khalifes1 de Damas et de Bagdad. Les premiers gouverneurs (Wullat), s’empressent à fortifier les territoires conquis. Le danger le plus redouté étant celui des byzantins2 , on se précipite à l’instigation du pouvoir central à consolider un système défensif établi3 et à jalonner les côtes de l’Ifriqiya d’une série de Ribâts destinés à prévenir les descentes des flottes chrétiennes basées dans les îles méditerranéennes limitrophes. Les ribats les plus anciens et les plus significatifs furent ceux de Monastir et de Sousse (Fig.s 5 et 6)4 . Les gouverneurs du VIIIème siècle s’empressent aussi à ériger les remparts des villes comme Tunis et Kairouan. Sous les Aghlabides, les principales places fortes maritimes se confondaient le plus souvent avec des villes comme Tunis, Bizerte, Tabarka, Kelibia, Sousse, Sallaqta, Sfax, Gabes, Syrte, Tripoli. Ces places étaient reliées par des forts isolés qu’on désignait par plusieurs termes : hisn, qasr, mahris, qalca, marsad, ribat5 … Un système de signalisation optique (feu, fumée, reflet de miroirs) permettait de correspondre entre ces forts6. Plusieurs mahris ou qasr furent aussi édifiés aux alentours des grandes agglomérations pour contrôler leurs frontières terrestres et maritimes7 . 1 - Le géographe andalou al-Bakri (XIème siècle) nous a laissé une description unique des installations maritimes de Tunis. Il nous apprend que « Abd alMalik ibn Marwan avait écrit à son frère Abd al-Aziz, gouverneur d’Égypte, lui demandant d’envoyer au camp de Tunis mille Coptes, avec femmes et enfants, de les entourer de sa sollicitude jusqu’à leur arrivée à Tarshish (autre nom de Tunis). Puis il écrivit à Ibn al-Nu‘man lui ordonnant de leur construire un arsenal devant constituer une force et un équipement de guerre (‘udda) pour les musulmans jusqu’à la fin des temps, d’imposer aux Berbères de charrier le bois de construction jusqu’à la fin des temps, de construire des vaisseaux, de combattre les Byzantins sur terre et sur mer et d’attaquer leurs côtes afin qu’ils ne portent plus leurs regards sur Kairouan… Les Coptes arrivèrent chez Hassan alors qu’il résidait à Tunis. Il fit alors communiquer la mer du port de Radès jusqu’à l’arsenal. Les Berbères y ont traîné le bois et il y fit construire de nombreux vaisseaux, ordonnant aux Coptes de les équiper », Abu cUbaid al-Bakri, al Masalikwa al-mamalikédition bibliothèque al-Muthanna, Bagdad, 1857, pp.38-39. 2 - « Contrairement aux romains et aux byzantins, les princes aghlabides paraissent avoir concentré leurs efforts stratégiques sur les côtes, notamment le littoral oriental, cette partie de la côte étant la plus peuplée et la plus ouverte sur le bassin est de la Méditerranée dans lequel la flotte byzantine resta active », Djelloul (N.), Les fortifications côtières ottomanes de la régence de Tunis, Zaghouan, 1995, p.81. 3 - Plusieurs retranchements antiques furent restaurés et adaptés tel que le ribat de Radès limitrophe de Tunis. 4 - Fondés à l’époque des Wullat, le ribat de Sousse fut érigé pendant le règne de Yazid Ibn Hatim al-Muhallabi (772-787). Celui de Monastir fut l’œuvre de Hirthama ibn Acyun,( 795- 798) gouverneur de l’Ifriqiya au temps de Harun al-Rashid, 5 - Djelloul N. Les fortifications, p.81. 6 - « Grace à ce dispositif, on pouvait correspondre en une nuit entre Ceuta et Alexandrie », Talbi M., L’émirat aghlabide, éd. Adrien Maisonneuve, Paris, 1966, p.251. 7 - Le terme Qasr désigne un fort. La côte de la Byzacène fut bien dotées de ces Qasrs, il suffit de rappeler des noms des places célèbres signalées par l’andalou Abu Ubayd al-Bakri telles que : Qasr Lûza, Qasr Ziâd, Qasr Botria, Qasr al-Mahras, Qasr Yunga …etc. Voir à ce sujet :Mahfoudh Faouzi, « Les défenses de Sfax du IXème siècle jusqu’à la fin de l’époque moderne », in Actes du Colloque National d’Histoire Militaire, Le patrimoine militaire en Tunisie, 7 et 8 décembre 2007, M.D.N, Tunis, 2011, pp.53-65.

10


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

région de Gafsa (Capsa) en passant par Tamerza (AdTurres), de là vers l’Algérie où il rejoignait le camps de Hr. Besseriani(Ad Majores) (Fig.6). A l’intérieur du pays, les villes comme les campagnes étaient menacées périodiquement par les incursions de puissantes confédérations berbères formées sous les Vandales qui avaient négligé la défense des villes. Cet état de fait avait poussé les byzantins, à fortifier les villes d’Afrique et à édifier des ouvrages défensifs dans les positions stratégiques : défilés montagneux, points d’eau, routes importantes, furent également surveillés par des garnisons établies dans des forteressese1 . Les exploitations rurales furent aussi défendues par des fortins et des tours de vigie assurant le contrôle des razzias dévastatrices des nomades et semi-nomades2 . Les fortifications byzantines constituaient de « lignes de défense » reposant sur plusieurs cordons de forteresses3 : - La première ligne repose sur les forteresses qui jalonnaient la côte de Carthage à Gabès4 . Dans le Sahel on peut évoquer les exemples de IunciSofiana (Younga), Macomades Minores (Mahres), CaputVada (Ras Kaboudia), Hadrumetum (Sousse). - La seconde ligne de défense s’organise le long de la route de Carthage –Theveste5 dontl’importance stratégique demeure essentielle; c’est là que se trouvent les forteresses de Laribus6 (Lorbes), Ammaedara (Haîdra), Thubursicu Bure (Téboursouk), Thignica (AïnTounga). - Une autre ligne était destinée au contrôle du centre et de l’ouest de la Byzacène et les confins des royaumes berbères. Sur cette ligne existent les forts de Sbeïtla (Sufetula), Sbiba (Sufes) Jaloula (Cululis), Limsa (Limiza). - Enfin une dernière série de forteresses jalonnaient la route entre Carthage et Constantine en Algérie. A cette série appartiennent les forteresses de Bulla Regia et de SiccaVeneria7. Nous constatons que les architectes byzantins avaient bâti leurs fortifications sans se soucier des édifices antérieurs, leur seule préoccupation était la stratégie militaire et ses nécessités immédiates. Les sites antiques étaient considérés comme des carrières commodes auxquelles ils avaient emprunté des pierres déjà toutes taillées et faciles à appareiller qu’ils avaient utilisées pour construire les parements extérieurs des murailles, entre lesquels ils avaient tassé des moellons et des déblais. A Thugga et à titre d’exemple, de nombreuses inscriptions et éléments d’architecture de haute époque sont remployés sur les murs byzantins8 . 1 - LASSERE (J.-M.), « La Byzacène méridionale au milieu du VIème siècle d’après la Johannide de Corripus », Pallas, XXXI, 1984, p. 197-188. 2 - Baratte (F.), « Quelques remarques à propos de l’organisation militaire byzantine d’Ammaedara et de sa région », dans Actes du 4e colloque international sur l’histoire des Steppes tunisiennes, Sbeïtla (Session 2003), Textes réunis par Fathi Béjaoui, INP, Tunis, 2006, p.165. 3 - Ben Hasan Habib, « Patrimoine militaire à l’époque byzantine : cas de Ain Tounga », in Actes du Colloque National d’Histoire Militaire, Le patrimoine militaire en Tunisie, 7 et 8 décembre 2007, M.D.N, Tunis, 2011, pp.38-39. 4 - SALAMA (P.), Les voies romaines de l’Afrique du Nord, Alger, 1951, carte hors texte. 5 - SALAMA (P.), Les bornes milliaires d’Afrique proconsulaire, un panorama historique du Bas-Empire, Rome, (coll. EFR, 101), 1987. 6 - AAT, 100, Ksour, n°90. 7 - Ben Hasan habib, Op. Cit. 8 - KrimiHajer, « Architecture militaire romaine de la Tunisie : état de la question et problèmes d’inventaire » in Actes du Colloque National d’Histoire Militaire, Le patrimoine militaire en Tunisie, 7 et 8 décembre 2007, M.D.N, Tunis, 2011, p.32.

9


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

trois siècles… Cette organisation a également varié suivant les secteurs… Elle ne constitue pas une limite à ne pas franchir…. »1 . La zone militaire ou le système défensif de la Tripolitaine occidentale (le Sud tunisien actuel) comprenait depuis le Haut-Empire les ouvrages militaires suivants : Ksar Ghilane (Tisauar), Hr. Medeina, Hr. Mgarine, Ras el-Aïn (Talalati), Remada (Tillibari), Sidi Aoun, Sidi Md. Ben Aïssa (Vezereos), Ksar Benia Bel Khchab (Tataouine), Ksar Beni GuedahCeder (Gabès), Ksar Tarcine, Turris Maniliorum (Henchir Guecirat), Henchir el-Myâd, Henchir. Khnafis…2 Un réseau très dense de rocades fut mis en place pour relier les places fortes qui forment le Limes et assurer le mouvement des troupes en cas de besoin. La principale voie reliait Ammaedara avec Tacapae (Gabès), en passant par les cités de Capsa (Gafsa) et Thelepte (près de Fériana).

2-3- Le Fossatum africae:

C’est un obstacle linéaire au tracé discontinu bordant le Limes. Le fossatum est généralement mis en contrepente chaque fois que le relief le permet. Sa largeur variait entre 4 et 10 mètres. Les déblais étaient généralement rejetés du côté opposé au danger et parfois des deux côtés. Le fossé était bordé d’un mur épais de pierre d’un seul côté et exceptionnellement des deux côtés. Aux changements de pente se trouvaient des tours rectangulaires ou carrés. Les positions sont choisies d’une manière à ne laisser aucun point échapper à la surveillance. Les transmissions étaient assurées par des signaux entre les tours3 . Les vestiges du fossatum sont encore visibles au sud d’al Hamma dans la région de Gabès. En 534 Bélisaire a eu raison des vandales et l’Africa romaine fut baptisée Diocèse d’Afrique. Justinien s’empresse de fortifier les territoires conquis et d’organiser ses défenses4 . La défense des terres conquises reposait d’abord sur le Limes (œuvre des romains) qui fut sans doute reconstitué et renforcé. En Tunisie, son tracé demeurait identique à celui du temps de l’itinéraire Antonin5 ; il longeait le littoral tripolitain en suivant l’arc montagneux des jbels Demmer et Matmata (où se trouvent les camps de Remada (Tillibari) et de Tlalet (Talalati) puis il gagnait l’oasis de Telmine (TurrisTamalleni) et la ligne des Chotts d’où il remontait vers la 1 - Y. Le Bohec, « Le rôle social et politique de l’armée romaine dans les provinces d’Afrique ». édit. G. Alfoldy, B. Dobson et W. Eck, Stuttgart, 2000, pp. 216-217. 2 - Idem. 3 - Daillier (Pierre), Terre d’affrontements. Le Sud tunisien, La ligne Mareth et son étrange destin, Nouvelles éditions latines, Paris, 1985, p.23. 42 - « …Il a ensuite réparé les fortifications de l’Afrique, et en a même fait de neuves en quelques endroits. Carthage, qu’on appelle maintenant à juste titre Justinienne, a étéle premier sujet de ses soins. Il en a réparé les murailles qui tombaient en ruine, et a fait faire un fossé au dehors où il n’y en avait jamais eu », Procope de Césarée, Des édifices, Livre VI, ch.V, 2. « Il y a dans la Byzacène une ville maritime nommée Adrumet, qui a été élevéeà la dignité de Métropole, à cause de sa grandeur, et de sa beauté. Les Vandales en rasèrent les murailles pour ôter aux Romains le moyen de la garder etainsi elle était exposée aux courses, et aux violences des Maures… Quand Justinien se fut rendu maître de l’Afrique par la force de ses armes, il entoura cette ville d’une haute muraille, y posa une puissante garnison, et mit les habitants en état de mépriser les efforts de leurs ennemis ». Idem, Livre VI, ch.VI, 1. 5 - TROUSSET (P.),Recherches sur le limes Tripolitanus du chott-el-Jérid à la frontière tuniso-libyenne, CNRS,Paris, 1974.

8


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

2- Les fortifications de la Tunisie à l’époque romaine: Après la chute de Carthage, en 146 av. J.-C. ses possessions devinrent un domaine public romain et constituaient la Provincia Africa à laquelle fut annexé en 46 av. J.C le royaume numide baptisé Provincia Africa Nova. Les deux provinces furent réunies sous Auguste en Afrique proconsulaire. Les Romains refoulaient les nomades et les semi-nomades vers le Sahara et implantaient dans leurs parcours les sédentaires. Les révoltes des tribus africaines contre la main mise romaine sur leurs territoires vitaux furent acharnées1 . Pour contrôler les nouveaux territoires, prévenir les insurrections et isoler les tribus réfractaires à la Pax Romana, plusieurs systèmes défensifs ont été mis en place.

2-1 - La Fossa Regia:

Il est à signaler que les romains, depuis Scipion Emilien vainqueur de Carthage, étaient soucieux de délimiter les territoires qu’ils dominaient par la Fossa Regia2 . Plus qu’un simple tracé d’une ligne de démarcation entre deux pays ou deux provinces la Fossa Regia touche à des aspects les plus divers, tels que la politique menée par les protagonistes de l’époque, – que ce soit les rois numides ou Rome, – les opérations militaires, les institutions municipales et juridiques, le droit des gens et du sol, l’assiette foncière, la répartition et le recouvrement de l’impôt… Outre ces fonctions, il semble que la Fossa Régia(Fig. 3) revête aussi un aspect défensif certain. En plusieurs points de la Tunisie, des lambeaux de fossés ont été repérés. Ils sont de véritables tranchées de plusieurs mètres de large, et courant sur des centaines de mètres, sinon des kilomètres3 .

2-2- Le Limes Tripolitanus:

Le Limes tripolitanus (Fig. 4) est un complexe défensif sous forme d’une grande ligne fortifiée, formée de forts d’arrêt, de citadelles, de fortins, de murailles: clausura de djebel Tebaga, muraille de Bir om Ali (Fig. 5) et de fossés aménagés suivant les dénivellations du terrain allant de la frontière algérienne aux confins tunisotripolitains et destiné à bloquer l’intrusion des tribus africaines réfractaires dans les territoires « pacifiés » et plus au moins romanisés. Le Limes était également une frontière culturelle et un outil par lequel Rome contrôlait les flux des caravanes du commerce saharien riche et florissant. Il s’agit d’une « bande de terrain longue et étroite, découpée en plusieurs systèmes défensifs »… « Cette organisation a évolué sur une longue durée, sur 1 - Tacite écrit « Cette même année (17) la guerre commença en Afrique. Les insurgés avaient comme chef un Numide nommé Tacfarinas » Tacite, Annales, II, 52. L’une des plus grande révoltes fut celle de Tacfarinas sous le règne de l’empereur Tibère (14-37 ap. J.-C.). Chef de guerre numide qui servait dans l’armée romaine. Il ralliât autour de lui une confédération de tribus révoltées qui ont pu harceler les romains durant huit ans (17 à 24 de l’ère chrétienne.). La révolte s’étendait de la Petite Syrte à la Maurétanie et la tactique de guérilla et des attaques éclairs ont permis aux africains de remporter plusieurs victoires avant que le proconsul Dolabella pu avoir raison de Tacfarinas en 24 ap.J.-C. 2 - Pline mentionne et définit le rôle de la Fossa Régia: « La partie située entre l'embouchure de l'Ampsaga flumen, limite orientale de la province de Maurétanie Césarienne et la Cyrénaïque que nous avons appelée Afrique est divisée en deux provinces, l'Ancienne (Africa Vetus) et la Nouvelle (Africa Nova), séparées par un fossé qui fut tracé, à la suite d’un accord entre le second Africain (Scipion Emilien) et les rois (de Numidie), de l'embouchure du Tusca flumen jusqu'à Thenae. » Pline l’Ancien, Histoire naturelle, V, 25. 3 - Ferchiou, N. « FossaRegia », Encyclopédie berbère, 19, Filage – Gastel, Aix-en-Provence, Edisud, 1998, pp. 2897-2911.

7


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Les traces archéologiques montrent que les murailles de Carthage étaient séparées les unes des autres par un fossé (vallum)1. Les Carthaginois ne se contentèrent pas de fortifier uniquement leur métropole. Une triple ceinture de murailles analogue à celle de Carthage, également à Hadrumète, à Thapsus, à Thysdrus et Utique est attestée par l’historiographie antique. Les fouilles ont permis la mise au jour de la double enceinte de Kerkouane (Cap Bon). Bien qu’elle fût destinée à protéger une cité moyenne, elle démontre la capacité des Carthaginois à ériger des retranchements efficaces, répondant aux exigences de la poliorcétique de l’époque (Fig. 2). Outre la protection des cités, l’État carthaginois s’est préoccupé, également, de la défense du domaine acquis progressivement aux dépens des populations autochtones. Il fut protégé par une ligne « fortifiée » frontalière, dont nous connaissons uniquement les grandes lignes, appelée « Fosses phéniciennes ». Cette ligne est destinée à protéger les possessions carthaginoises en Afrique. A la veille de la seconde guerre Punique, ce domaine est formé par les grandes plaines de la moyenne vallée de la Medjerda (La ChôraThusca), le Byzacium (le Sahel et une partie du Kairounais), les plaines de l’Oued Méliane, la basse vallée de la Medjerda et le Cap Bon. Au Nord, elle ne dépassait guère l’actuelle Tabarka; son point extrême sur la côte sud était situé à Thanae au sud de Sfax. La presqu’ile du Cap bon jouissait d’un système défensif qui s’organisait autour de la citadelle de Kélibia (Aspis). Les forts limitrophes de Ras al-Drek, de Haouaria et de Ras al-Fortas (sur la façade ouest) renforçaient ce système. Ils occupaient des positions stratégiques et assuraient le contrôle de la navigation dans les eaux proches de Carthage, permettant ainsi, de donner l’alerte et de prévenir les dangers venant de la mer. Pendant la bataille de Carthage en 146 av.J.-C, Scipion érigea des fortifications afin d’étouffer la ville assiégée et lui interdire toute issue de ravitaillement. Appien nous apprend qu’en vingt jours et vingt nuits, il fait construire des fortifications qui interdisaient le passage situé entre le lac de Tunis et la Sebkha de l’Ariana2. Un siège étouffant qui lui a permis d’avoir raison de la ville (Fig.1) 1 - « Daux a reconnu les traces de sept portes sur le front de la triple enceinte, et il a constaté que les remparts de Carthage, y compris le mur de mer, atteignaient un développement de 26 905 m; le mur de mer avait 14 kilomètres. Outre la triple muraille extérieure, Carthage avait deux lignes de défenses intérieures : l'une, qui séparait la cité proprement dite du faubourg de Megara, était percée de cinq portes et avait 3360 m de long, ce qui donne pour l'enceinte de la cité un total de 11 905 m, et pour celle de Megara 24 720 m. L'autre ligne partageait en deux zones la cité proprement dite et se rattachait au quadrilatère de Byrsa ; elle avait un développement de 4690 m. ». Poinssot (L.), « Note de topographie carthaginoise : une enceinte de Carthage », in Comptes rendus des séances des Inscriptions et Belles-Lettres, 1923, Volume 67n numéro 4, pp.306-3111. 2 - « Maître de tout l’isthme, il (Scipion Émilien) fit creuser une tranchée d’un bord de la mer à l’autre, séparée de l’ennemi par la distance d’un jet de javelot… sur un front de 25 stades (4,5 km). Quand cette tranchée fut finie, il en fit creuser une autre de la même longueur, à courte distance de la première, regardant vers l’intérieur des terres. Il en fit alors faire deux autres, à angle droit avec les précédentes, de façon que le fossé dans son ensemble dessine un rectangle, et il les fit tous équiper de pieux pointus. En plus des pieux, il fit aussi garnir les fossés de palissades, et le long de celui qui se trouvait face à Carthage, il fit construire un mur de 25 stades de long et de 12 pieds (3,6 mètres) de haut, sans compter les merlons et les tours qui surmontaient le mur à intervalles réguliers », Appien, Histoire romaine, VIII, 18, 119.

6


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

I - LES FORTIFICATIONS COTIERES EN TUNISIE DURANT L’ANTIQUITE : Nos connaissances sur les fortifications numides antérieures à Carthage sont très limitées. Les fragments d’informations éparpillées dans quelques sources latines nous sont parvenus dans les récits relatifs aux guerres qui se déroulèrent en Afrique au IIe et au Ier siècle av. J.–C., plus particulièrement, la guerre de Jugurtha (111-104 av. J. - C). En effet, Salluste1 mentionne les neuf fortifications suivantes : Suthul, Vaga, Sicca ,Thermida, Zama, Cirta, Thala, Capsa et Laris2. Il s’agit uniquement de fortifications urbaines aménagées pour la protection des villes numides. Toutefois, il mentionne d’autres fortifications dont il ne donne ni le nom ni l’emplacement exact3 . 1 - Les fortifications carthaginoises: L’installation des premiers comptoirs phéniciens sur les côtes africaines, depuis la fin du XIIème av. J.-C revêtait un caractère commercial pacifiste. Il semble que les premiers fondateurs ne se sont pas trop souciés de la fortification de leurs possessions. Les plus anciens retranchements côtiers de Carthage attestés par l’archéologie ne remontent qu’au Vème siècle av. J.-C. Le développement rapide et l’expansionnisme qu’ont connus certaines cités vont engendrer la concurrence, les frictions et les luttes destructives avec les cités grecques, Rome mais aussi avec les Numides. A la veille des guerres romano-carthaginoises, Carthage fut soigneusement fortifiée. Appien nous en a laissé une description détaillée4. Démolies après la chute de la ville, les murailles ne présentaient au début du XIXème siècle que des talus rocailleux qui ont servi de base aux restitutions de l’explorateur français Daux5. 1 - In Bellum Jugurthinum , Cité par Gharbi Maya, « A propos de quelques fortifications de la Numidie orientale », in Actes du Colloque National d’Histoire Militaire, Le patrimoine militaire en Tunisie, 7 et 8 décembre 2007, M.D.N, Tunis, 2011, p.5. 2 - A l’exception de Suthul qui demeure méconnue, les autres cités sont identifiées. Gharbi (M.), Op. Cit, p.6. 3 - Des fortifications numides sont assiégées ou occupées par les armées romaines. (Jug.,LXI ; LXXXVII-LXIX). Après le succès de Capsa, Marius marche sur des oppida occupés par les Numides (ibid.,XCII,3). En XCIII, Salluste indique que Jugurtha avait perdu Capsa et d’autres places fortes fortifiées précieuses pour lui. Peut-on en déduire que ces places fortes se trouvaient autour de cet oasis ? Enfin, il y a ce fortin imprenable sur le Mulucha que Marius réussit à prendre grâce à l’entreprise du soldat Lugure qui était dans son armée (Ibid.,XCIII – XCIV) et la tour royale (turrimregiam) où Jugurtha avait mis les déserteurs et que Marius était parti assiéger (ibid., CIII). Cité par Gharbi (M.), Idem. 4 - « A partir du midi, vers le continent du côté de l’isthme, ou était placée Byrsa régnait une triple défense. La hauteur des murs était de trente coudées (13.5m), sans les créneaux et les tours, qui étaient distante entre elles de deux plethres (60 m) et avaient chacune quatre étages et trente pieds (9 m) depuis le sol jusqu’au fond du fossé. Les murs avaient aussi deux étages, et, comme il était creux et couverts, le rez-dechaussée servait d’écurie pour 300 éléphants et de magasins pour tout ce qui est destiné à leur nourriture. Le premier étage contenait 4000 chevaux avec le fourrage et l’orge suffisant pour les nourrir et de plus des casernes pour 24000 soldats. Telles étaient les ressources pour la guerre que les murs seuls contenaient dans leur intérieur ». Appien, cité par Marie Armand Pascal, Esquisse générale de l’Afrique et l’Afrique ancienne, Didot, 1842, p.144. 5 - Auguste Daux, mort en 1881, est un archéologue et explorateur français, Diplômé de l’École impériale des mines, ingénieur civil, il effectue des fouilles en Tunisie dès 1810 puis Napoléon III le charge d’étudier les comptoirs Phéniciens et d’examiner les campagnes de Jules César en Afrique. Il fouille alors à Carthage (1862-1868) et en ramène de nombreuses poteries.. Si une grande partie de ses recherches est perdue, son plan de Carthage a été publié par Charles Tissot, Exploration scientifique de la Tunisie. Géographie comparée de la province romaine d’Afrique, 2 vols. et un atlas, 1884-1891.

5


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

Introduction: La Tunisie n’a cessé durant son histoire de se prémunir de la guerre dès le temps de la paix. Tous les pouvoirs qui se sont succédés dans le pays (états, royaumes, dynasties locales, forces d’occupation…) ont perfectionné cet art officiel qui est la fortification1 . Ainsi, les fortifications de toute sorte et de toutes les époques2 sont encore présentées par des vestiges plus au moins conservés qui témoignent des circonstances politiques, militaires et techniques qui ont dicté la mise en place, l’extension, le renouvellement ou la démolition de ces fortifications. La répartition géographique des fortifications permanentes, tout type confondu, est marquée par une nette concentration sur les côtes étendues qui constituent un trait essentiel de la géographie du pays. Avant même l’installation des comptoirs phéniciens tels que Utique, Hadrumète, Carthage sur ces côtes, les rois numides entretenaient des relations économiques et culturelles étroites avec les cités grecques. La vocation maritime du pays, n’a cessé de s’accentuer à travers les âges3 . Les côtes de l’actuelle Tunisie étaient le foyer de prédilection de l’urbanisme, des activités économiques et des concentrations démographiques4 . Ce phénomène d’osmose vers la mer a créé un déséquilibre accentué entre les régions intérieures du pays et le littoral. Les côtes se sont devenues progressivement « le pays utile » qu’il fallait défendre de tout danger venant de la mer à laquelle il est exposé. Les maîtres du pays, qui se sont succédé à Carthage, à Kairouan à Mahdia et à Tunis, s’empressaient, durant l’histoire du pays, à concentrer la majeure partie de leur potentiel défensif sur le littoral. Les agressions et les attaques survenant de la mer étant les plus désastreuses et les plus redoutables, plusieurs types de fortifications furent érigés le long des côtes du pays (murailles, forts, ribats, Qasr, kasbah, enceintes, places fortes, bordjs…) pour le mettre à l’abri des attaques ennemies.

1 - « La Tunisie a vu passer toutes les armées (Phéniciennes, Romaines, Byzantines, Arabes, Normandes, Espagnoles, Turcs, Français, Italoallemands, et toutes les hordes (Vandales, hilaliens…). Leurs affrontements ont laissé sur son sol un nombre impressionnant de retranchements et de forteresses ; de l’architecture cyclopéenne de Carthage à la ligne Mareth, les amateurs des choses de la guerre peuvent y trouver l’essentiel des procédés et des techniques inventées par la Poliorcétique à travers les âges». Djelloul (N.), Les fortifications en Tunisie, Imprimeries Réunies, Tunis, 1999, p.5. 2 - « Lieu de passage, terre de rencontres, la Tunisie porte les traces de toutes les civilisations triomphantes et de la plupart des grands conflits qui secouèrent la Méditerranée (guerres puniques, bataille de Thapsus, conflit hispano-turcs du XVIème siècle, , seconde guerre mondiale). Son nom est intimement lié à ceux d’illustres hommes de guerre, Hannibal, Jules César, Bélisaire, Hassan ibn al-Nocman, Khair-Eddine Barberousse, Dargouth, J.A Doria et Rommel. » Ibid. 3 - « Les plus grandes concentrations humaines et urbaines ainsi que l’essentiel des activités agricoles et artisanales qu’il fallait défendre contre les descentes des corsaires chrétiens, mais aussi contrôler en cas de 4 - Mahjoubi (A.) « Le peuplement de la Tunisie des origines à l’indépendance », in Population et développement en Tunisie, (ouvrage collectif Sous-direction de Vallin J. et Locoh T.), CERES, Tunis, 2000, pp.21-51.

4


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° IX / 2019

L’art de se fortifier en Tunisie: Des traditions séculaires face à la conjoncture coloniale

Colonel Dr. Samir CHEMI Commission Nationale d’Histoire Militaire

Résumé:

Par sa position géographique entre les rives est-ouest et nord-sud de la Méditerranée, la Tunisie constitue un carrefour où se sont croisées les civilisations, des époques les plus anciennes à nos jours. Toutes ces civilisations y ont laissé des vestiges qui témoignent de la richesse culturelle, urbaine, architecturale et artistique du pays en temps de paix. Néanmoins, les guerres et les conflits qui ont secoué la Méditerranée, n’ont pas manqué de graver leur traces sur le paysage du pays par une panoplie de fortifications qui jalonnaient ses côtes depuis l’antiquité. Au XIXème siècle, la Tunisie se trouva dans la tourmente des convoitises coloniales. Les réformes entreprises dans le domaine militaire, entre autre, n’ont pas pu délivrer la régence de la crise. Avec une armée démunie, aux effectifs et aux moyens réduits, des fortifications inadaptées et mal entretenues, le pays s’effondre rapidement devant l’invasion française. Sous le protectorat, une nouvelle génération de fortification sera mise en place en corollaire avec le développement des techniques et des moyens d’armement pour répondre à la stratégie et aux tactiques de l’armée d’occupation.

Mots clés :

Tunisie, Fortifications, Batteries, Blokhaus, défenses, Bordj, Casemate, murailles, forts, ribats, Qasr,

kasbah, enceintes, places fortes, Armes, armement, Artillerie, infanterie, canons.

:‫ملخص‬

‫ اجلنوبيــة للبحــر األبيض‬-‫ الغربيــة والشــمالية‬-‫تعتبــر البــاد التونســية بحكــم موقعهــا بــن الضفــاف الشــرقية‬ ‫ وقــد تركــت كل تلــك احلضــارات معاملــا‬.‫املتوســط نقطــة التقــاء العديــد مــن التيــارات احلضاريــة منــذ أقــدم العصــور‬ ‫ غبــر أن األزمــات‬.‫تشــهد علــى الثــراء الثقافــي واملعمــاري والهندســي والفنــي الــذي عرفتــه البــاد زمــن الســلم‬ ‫واحلــروب التــي شــهدها البحــر األبيــض املتوســط عبــر تاريخــه تركــت هــي األخــرى أثارهــا علــى املشــهد املعمــاري‬ .‫مــن خــال التحصينــات التــي مت تركيزهــا علــى الشــريط الســاحلي وفــي دواخــل البــاد منــذ أقــدم العصــور‬ ‫ ولــم تكــن األنظمــة الدفاعيــة املوروثــة قــادرة‬.‫قوضــت أركان الدولــة‬ ّ ‫متيــز القــرن التاســع عشــر بأزمــة عميقــة‬ ‫علــى مواكبــة التحــوالت التقنيــة والعســكرية التــي شــهدها العالــم خــال تلــك املرحلــة و التــي كان التوســع‬ ‫ كان انهيــار حتصينــات اإليالــة أمــام مدفعيــة قــوات االحتــال الغازيــة‬.‫االســتعماري اإلمبريالــي ســمتها األساســية‬ ‫ ومنــذ انتصــاب احلمايــة عملــت قــوات‬.‫أمــرا ال منــاص منــه رغــم حمــاس املدافعــن و اســتماتتهم فــي القتــال‬ ‫االحتــال علــى إقامــة حتصينــات معاصــرة تســتجيب للتحــوالت فــي مجــال تقنيــات ووســائل التســلح وكذلــك‬ .‫لالســتراتيجيات و التكتيــكات اجلديــدة‬ 3


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

Editorial

N° IX / 2019

L’histoire est au cœur de la mémoire collective d’un peuple ou d’une nation. Elle est un ensemble de références à partir desquelles se construit une grande partie de l’identité du groupe social. Les historiens considèrent que l’on ne peut anticiper rationnellement l’avenir sans une connaissance préalable de l’histoire. A la parution du numéro 9 de la Revue Tunisienne d’Histoire Militaire (R.T.H.M.), nous comptons présenter quelques articles élaborés par des chercheurs en histoire militaire. Par ailleurs, nous avons veillé à couvrir différentes périodes de l’histoire militaire de la Tunisie. Deux personnages historiques font l'objet de deux articles dont le premier est celui de Mourad Arar; c'est une étude minutieuse de la campagne de Šarafaldin karakus al- mudaffari en Ifriqiya et les différentes raisons de son l’échec. Le deuxième personnage est le souverain sanguinaire Mourad III Boubala dont le portait a été repris par Hanen Hammoudi tout en décrivant le sabre turc «al- bala » conservé encore à Ksar Saïd Deux autres articles s'intéressent au service militaire. Le premier porte sur « le changement de la politique de recrutement militaire en Tunisie sous la dynastie Husseinite », Lotfi Bou Ali y met l’accent sur les contraintes géopolitiques qui ont bouleversé les perceptions classiques du service militaire. Quant au deuxième article, celui d'Abdelmajid Belhedi, il s’intéresse à l’évolution des lois régissant le service militaire en Tunisie pendant près d'un siècle, allant de 1860 jusqu'en 1962Les grandes installations ont attiré l'attention de deux chercheurs: le Professeur Med Lazhar Gharbi évoque dans son article «Les ports de la Tunisie de la fin du XIXe siècle : enjeux et acteurs». les contextes semi colonial et colonial qui ont lourdement pesé sur l’entreprise portuaire en Tunisie. Quant au Colonel Samir Chemi, il dévoile l’évolution du système défensif en Tunisie à travers son article intitulé « l’Art de se fortifier en Tunisie : des traditions séculaires face à la conjoncture coloniale »L'approche de l'histoire régionale est proposée également par deux auteurs: Atef Salem nous présente un article portant sur « Les familles militaires à Mahdia au XIXe siècle ».Il y démontre l’importance de la famille du Makhzen dans la société à travers l’exemple de la famille Sfar. Béchir Yazidi nous présente l’ouvrage d'Ali Aït Mihoub intitulé « Bizerte dans la grande guerre : un refuge pour les Serbes 1916-1919 », récemment publié par l’Institut Supérieur d’Histoire de la Tunisie Contemporaine. Les travaux de recherche traitent également l’interaction de la Tunisie avec son environnement méditerranéen surtout face à la conjoncture coloniale, en effet, l’article de Moussa Ghefiri, intitulé « Le soutien populaire aux révolutionnaires et réfugiés algériens dans les régions frontalières du Nord-Ouest tunisien 1954-1962 » met en exergue le soutien des tunisiens au peuple algérien dans lutte pour sa liberté. L’originalité de cette édition se manifeste à travers le recours au témoignage oral, qui est devenu une pratique courante, à tel point que le lecteur peut désormais avoir l’impression d’être un témoin oculaire. Dans ce cadre, le Lt. Colonel Abdelaziz Bouguezzi privilégie le droit à la mémoire vive en présentant le témoignage du Colonel (R) Mohammed Touhémi Machta, qui, en parlant de son expérience importante au sein de l’armée de l’air, focalise sur les épreuves qu’il a vécues durant sa carrière sous le drapeau. Enfin, l’objectif de la RTHM est de développer l’identité historique du lecteur et d’attiser, chez les jeunes chercheurs, la volonté et la passion de la recherche dans l’histoire militaire de la Tunisie à travers les âges et dans les contextes nationaux, régionaux et internationaux.

Dr.Mohammed Dhifallah

Président du Comité de Rédaction 2

Université de la Manouba


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire Numéro 09 Décembre 2019

La R.T.H.M. est un périodique annuel publié par la Commission Nationale d’Histoire Militaire

SOMMAIRE

ISSN: 1737 - 8893

Président d’Honneur:

Mr. Mohammed Karim Jammousi, Ministre de la Défense Nationale par intérim Président de la Commission Nationale d’Histoire Militaire

Directeur Responsable:

Colonel Major Adel Mahjoub, Directeur du Patrimoine, de l’Information et de la Culture Vice Président C. N. H. M

Président du Comité de Rédaction Dr. Mohamed Dhifallah

Membres du Comité de Rédaction: Dr. Mohamed lazhar Gharbi Dr. Fathi Bahri Dr. Samir Aounallah Dr. Ali Drine Dr. Moncef Bani Colonel Dr. Samir Chemi Lt. Colonel Abdelaziz Bouguezzi

- Editorial Dr. Mohamed Dhifallah - L’art de se fortifier en Tunisie: Des traditions séculaires face à la conjoncture coloniale Colonel Dr. Samir CHEMI - la politique de recrutement militaire en Tunisie sous la dynastie Husseinite Dr. Bou Ali Lotfi - Les ports de la Tunisie de la fin du XIXme siècle: Enjeux et acteurs Professeur Mohamed Lazhar Gharbi - Compte rendu: Dr. Béchir Yazidi

Vérification Linguistique: Lt. Daoud Hanchi

Design:

Adjudant Zied Rachi

Suivi et Coordination:

Colonel Dr. Samir Chemi, Secrétaire Géneral de la Commission Nationale d’Histoire Militaire

Correspondance:

Palais de la Rose, avenue Bourguiba Manouba, 2010

Tél.:

70.604.018 / 70.604.009

Fax:

70.604.024

E.mail:

cn_histoiremilitaire@defense.tn

NB. les opinions émises par les auteurs le sont à titre personnel et n’engagent pas le Ministère de la Défense Nationale

2 3 21 39 54



Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

Numéro 09

Décembre 2019


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.