طلعنا عالحرية / العدد 89

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد ‪89‬‬ ‫‪2019 / 11 / 4‬‬ ‫مجلة نصف شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫سوريا ولبنان‪ ..‬وسؤال العولمة‬

‫ملف حول استعصاء القضية الكردية‬ ‫المرأة ‪ ...‬زهر الربيع العربي وعصب ثوراته‬

‫“متمسكون بلبنان” عمل للفنان فارس خاشوق‬

‫لبنان‪ ..‬وجع الخاصرة‬


‫لبنان‪ ..‬وجع اخلاصرة‬ ‫“انتهى الدرس يا غبي ! “‬

‫‪2‬‬

‫نصار‬ ‫افتتاحية بقلم أسامة ّ‬

‫العدد ‪-‬‬

‫‪2019 / 11 / 4 - 89‬‬

‫من بني كل الحراكات الشعبية يف العامل‪ ،‬ومنها ما يحدث‬ ‫يف دول عربية‪ ،‬يختلف تعاطي السوريني وشعورهم تجاه‬ ‫الحراك اللبناين‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫شك أن كل حراكات التحرر يف العامل تعنينا‪ ،‬وتعني مناشدي‬ ‫الحرية والكرامة من السوريني‪ ،‬لكننا حكامً مرتبطون ارتباطاً‬ ‫عضوياً مع لبنان والحراك الجاري فيه‪.‬‬ ‫وبعيدا ً عن اإلغراق يف إحياء روابط متحفية‪ ،‬أو اخرتاعها دون‬ ‫خاصاً تجاه لبنان واللبنانيني‪.‬‬ ‫معنى‪ ،‬يحمل السوريون شعورا ً ّ‬ ‫نحاول أن نتتبع كيف ارتسمت صورة البلد الجار يف ضمري‬ ‫السوريني‪ ،‬فنجد أنه عند قسم معترب منا طاملا كان لبنان وج َع‬ ‫الخارصة‪ ..‬نتذكر ولوغ النظام السوري يف الحرب األهلية‪ ،‬ثم‬ ‫وجود جيشه يف البلد مع (حزمة) االنتهاكات املرافقة التي‬ ‫اشتهر بها‪ ،‬ثم تدخل النظام مبا يخدم مصالحه ومصالح وكالء‬ ‫محليني من أسوأ اللبنانيني وطبعاً مبا يغاير مصالح الناس‬ ‫يف البلدين‪ .‬البسطاء منا يتذكرون معرب املصنع ّ‬ ‫وذل تهريب‬ ‫املواد من أطعمة وألبسة ودواء من الروشة إىل رسغايا ومضايا‬ ‫أو من الشامل اللبناين إىل القصري يف ريف حمص‪.‬‬ ‫تنقذنا ثورة لبنان نحن السوريني من تح ّول آخر لعالقتنا مع‬ ‫لبنان؛ تحمينا من وسم لبنان أو اختزاله بولوغ حزب الله‬ ‫اللبناين يف الدم السوري‪ ،‬وبعنرصية وخطاب كراهية ض ّد‬ ‫الالجئني السوريني يف لبنان‪.‬‬

‫السوري متو ّحش وباقي األنظمة أقل‬ ‫وحش ّية‪ .‬املشكلة ليست عندنا؛ لقد‬ ‫قمنا بكل ما علينا؛ ثرنا وتظاهرنا ومألنا‬ ‫الساحات كام فعل السودانيون ويفعل‬ ‫اللبنانيون والعراقيون‪ .‬ثم دخل السالح‬ ‫كام يف ليبيا واليمن‪ ..‬لكن نظامنا وإيران‬ ‫وروسيا وعاملة الخليج والتآمر الدويل و…‬ ‫كلها حالت دون التغيري كام اآلخرين‪.‬‬ ‫هذه خالصة مقارنة قسم معترب من‬ ‫السوريني مع كل الحراكات الشعبية يف‬ ‫البلدان األخرى‪.‬‬ ‫سيعجب الطاغية أن يقال عنه إنه األعنف‬ ‫واألفظع وإن التاريخ مل يشهد مثيالً‬ ‫لوحشيته وبطشه‪ .‬هذه (الفرادة) تفيده‬ ‫وتغذي غروره وعنجهيته‪ ،‬كام أن وصفه‬

‫بالعنف املفرط سيعمق الخوف‪ ..‬أهم‬ ‫أعمدة حكمه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫هدف النظام السوري مع تواطؤ ‪-‬أو‬ ‫دعم‪ -‬من طغاة العامل إىل تأديب الشعوب‬ ‫املتطلعة لنيل كرامتها وحقوقها‪ ،‬عرب‬ ‫اإلمعان يف قمع الثورة السورية‪ ،‬لتأيت‬ ‫املوجة الثانية من الربيع العريب‪ ،‬من‬ ‫السودان والجزائر والعراق ولبنان وغريها‬ ‫أيضاً‪ ،‬لتقول لهؤالء إننا باقون وسنثور‬ ‫وتقمعوننا ثم نثور وتقمعوننا ثم نثور‪..‬‬ ‫ثم نثور‪ ..‬لتقول لهم إننا نفهم الدرس‬ ‫ولكن ال نريد تطبيقه؛ فالعىص ال تربينا‬ ‫وإن استحالت رصاصاً وصواريخ وبراميل‬ ‫متفجرة وغازات سا ّمة‪ ..‬لتقول لهم‪:‬‬ ‫«انتهى الدرس يا غبي»!‬

‫ال فائدة من املقارنات املبنية عىل فكرة أن نظامنا مختلف‪،‬‬ ‫وأنظمة اآلخرين أقل سوءا ً وعنفاً‪ .‬ستكون غاية هذه‬ ‫املقارنات هي التربؤ‪ ،‬واالبتعاد عن نقد الذات‪ :‬النظام‬

‫كلمة‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫تنويه‪:‬‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪info@freedomraise.net‬‬

‫ترحب املجلّة مبشاركات القراء والزمالء الصحافيني واإلعالميني‪ ،‬علامً أن العمل اآلن‬ ‫تطوعي وال توجد مخصصات أو مكافآت مالية‪.‬‬


‫سوريا ولبنان‪ ..‬وسؤال العولمة‬ ‫سميح الصفدي‬

‫ولنئ كان طرحنا هذا يبدو عدمياً ويغيب عنه تقدير‬ ‫الفروقات يف الفعل واإلرادة ونتائجهام‪ ،‬إال إنه ملن املرجح‬ ‫أ ّال تكون هناك تأثريات تذكر لتلك الفروقات بني الثورتني‬ ‫السورية واللبنانية (هذا يف حال استمرار األخرية وتصاعدها)‪،‬‬ ‫فقدرية إرادات الدول الكربى والقوى اإلقليمية تبدو عام ًال‬ ‫حاس ًام يف تقرير مصائرنا‪ .‬كام أن تعقيدات الحالة اللبنانية‬ ‫واملحاصصة الطائفية مرشحة‪ ،‬فيام لو استمرت التظاهرات‬ ‫وتصاعدت‪ ،‬الجتذاب تدخل دويل واسع النطاق عىل غرار‬ ‫سوريا ورمبا أكرث‪ ،‬أقله قد تبدأ األمور بافتعال حرب بني‬ ‫إرسائيل و “املقاومة” تبيح لهم كل يشء وتبعرث حراك الشارع‬ ‫تحت غبار الحرب دون أية تغيريات تذكر‪.‬‬ ‫وإذا يبدو اليوم أكرث من أي وقت مىض أن مصائر الشعوب‬ ‫املستباحة واملقموعة مسألة دولية أكرث بكثري من كونها‬ ‫محلية؛ فإن العامل ككل ومراكزه عىل األخص بحاجة إىل‬ ‫انعطافة أخالقية كربى قد نكون جزءاً منها أو وقوداً لها‪ ،‬إال‬ ‫أنها برسم العامل املتقدم حرصاً والذي يبدو أنه “قدرياً” أيضاً‬ ‫ال بد أن يعي عاج ًال ال آج ًال أن خيارات اإلنسانية جمعاء‬ ‫عىل مفرتق طرق‪ ..‬إما التقدم واالنفتاح والعوملة أو الهمجية‬ ‫والتعصب والعدمية‪.‬‬

‫العدد ‪2019 / 11 / 4 - 89 -‬‬

‫بات من الجيل اليوم أن الدول الكربى ضداً عىل ثقافة‬ ‫العوملة تتمرتس وراء عصبياتها القومية من أمريكا إىل‬ ‫أوروبا وانجلرتا إىل روسيا والصني واليابان وباقي القوى‬ ‫العاملية الصاعدة‪ .‬وبالطبع ال نستثني القوى اإلقليمية‬ ‫الوازنة تركيا وإيران وإرسائيل‪.‬‬ ‫هذا التمرتس وراء عصبيات ما قبل العوملة هو الذي‬ ‫صاغ مواقف الدول من ثورة السوريني الذين بنوا‬ ‫آمالهم عىل “األخالق” العاملية‪ ،‬مل يكن يتصور حتى‬ ‫أشد السوريني تشاؤماً آنذاك أن يسمح العامل بارتكاب‬ ‫املجازر وتهديم املدن وقتل مئات األلوف وتهجري‬ ‫املاليني وموت املئات يف البحار‪ ،‬بل وحتى استخدام‬ ‫األسلحة الكياموية أمام أنظار العامل الذي بات قرية‬ ‫صغرية‪ ،‬يف عامل الصوت والصورة والبث الحي واملبارش ‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫جاءت االنتفاضة األخرية لتعرفني أكرث عىل لبنان‬ ‫واللبنانيني‪ ،‬ومثل كل انتفاضات الربيع العريب التي‬ ‫نكتشف فيها أننا ال نعرف إال القليل عن شعوبنا‬ ‫ومعاناتها وثقافاتها‪ ،‬بدأت مرغ ًام بإعادة النظر‬ ‫مبسبقايت؛ ورصت أستلطفهم أكرث فأكرث‪ ،‬كرست برسعة‬ ‫حواجزي النفسية تجاه لكناتهم األجنبية‪ ،‬وأحببت‬ ‫الفجة لزعامء الطوائف‪ ،‬وما عدت أرى‬ ‫مس ّباتهم ّ‬ ‫مبالغة تذكر يف قرص لباسهم‪ ،‬واألهم‪ :‬زالت بالتدريج‬ ‫تلك اللطخة الطاغية التي احتلتها كراهية السوريني‬ ‫يف املشهد اللبناين العام لرنى جامهرياً طيبة وعفوية‬ ‫ومحبة تعيد األمل بإنسانية اإلنسان‪.‬‬ ‫ألعرتف بداية أنني كنت ال أحب اللبنانيني! هكذا‬ ‫بخفة وبحكم قيمة تعميمي يشابه غالبية أحكامنا‪،‬‬ ‫مثل كثريين غريي كنا ننفر من زيفهم واستالبهم‬ ‫الفاقع للغرب‪ ،‬عنرصيتهم واستعالئهم وطوائفيتهم‬ ‫واستالباتهم الطبقية‪ ..‬كنا نكره كذلك دونيتنا كسوريني‬ ‫أمامهم‪ ،‬فقراء وأغنياء‪ ،‬كتاباً ومثقفني ونخباً فنية‪ ،‬مل‬ ‫تسته ِوين يوماً غزليات املثقفني السوريني ال بسمري‬ ‫قصري وال بعائلة تويني وال بغريهم‪ ،‬ورغم أنني أعرتف‬ ‫بأنني ال أعرف الرجل الشهيد (قصري) وال قرأت له‪،‬‬ ‫إال أن استالبات النخب السورية ومثقفي العالقات‬ ‫العامة‪ ،‬ببغائيتهم ودونيتهم الطفلية أمام اللبنانيني قد‬ ‫وقفت حائ ًال بيني وبني فكر الرجل‪ ،‬وبني عديدين من‬ ‫مثقفي وكتاب لبنان‪.‬‬ ‫القضية اآلن انتقلت إىل مستوى آخر‪ ،‬اللبنانيون اليوم‬ ‫ينالون الدعم والحب الذي يستحقون من الجميع‪ ،‬إال‬ ‫أن الحلم بالتغيري وبدولة مدنية حديثة يبقى عىل ّ‬ ‫كف‬ ‫عفريت‪ ،‬والعفريت الذي يرتبص باملشهد العام قد‬ ‫يقلب الطاولة عىل الجميع يف لحظة الحقيقة‪ ،‬وتلك‬ ‫اللحظة تقررها لألسف معادالت دولية قذرة كانت‬ ‫قد أودت بالسوريني من قبل‪ .‬ومحور املامنعة من‬ ‫طهران إىل الشام إىل ذئب الضاحية جاهز لالنقضاض‬ ‫عىل أحالم الناس‪ ،‬وجاهز لتقطيع أوصالها عند إعطائه‬ ‫الضوء األخرض لذلك‪ .‬أما الضوء األخرض فهو رهن‬ ‫اتفاقات وتوافقات دولية من واشنطن مروراً بتل أبيب‬ ‫إىل موسكو‪.‬‬ ‫وكام شهدنا نحن السوريني ذلك التكالب الالأخالقي‬ ‫عىل ثورتنا املغدورة‪ ،‬فإن اليد تبقى عىل القلب يف أن‬ ‫تشهد الثورة اللبنانية ذات التكالب وذات الخيانات‪.‬‬ ‫ال تقاس األمور بتأييد الثورات يف لحظات ألَ ِقها وقوتها‪.‬‬ ‫إمنا تقاس بالقدرة عىل الوقوف إىل جانبها عند األمل‬ ‫والترشذم واملعاناة والضعف‪ ،‬عندما تفرقها القذيفة‬ ‫والرصاصة‪ .‬ولقد اكتشفنا سابقاً أن أخالقياتنا نحن‬

‫العربان مثل أخالقيات العامل‬ ‫املعارص؛ تحب القوي وتكره‬ ‫الضعيف‪ ،‬وأنها من املمكن أن‬ ‫تنقلب عىل اللبنانيني يف اللحظة‬ ‫التي تدوسهم بها أبواط العسكر‬ ‫أو ميزق أجسادهم الرصاص‬ ‫الحي‪ ،‬أو تهدم بيوتهم فوق‬ ‫رؤوسهم بالرباميل املتفجرة‪.‬‬ ‫ومهام بدا كالمنا متشامئاً إال أن‬ ‫هذه الهيبة التي نستشعرها‬ ‫اآلن أمام مشهد الجمهور اللبناين‬ ‫الثائر‪ ..‬كل هذا الجامل والوقار والحرية وهذه السلطة‬ ‫الجامهريية الواثقة‪ ..‬تستطيع عصابة مسلحة منفلتة‬ ‫من عقال العقل والعاطفة كالعصابات األسدية‬ ‫واإليرانية وحزب الله أن مترغها بالرتاب‪ ..‬أن تحولها‬ ‫لفلول ومجموعات هاربة‪ ..‬وأن تسمح لـ “مثقفني”‬ ‫قلييل الوجدان والضمري بالتشدق يف ال رشعيتها!‪..‬‬ ‫أكرث ما يشغل البال يف وضعنا هذا هو الفارق بني‬ ‫الحالتني يف سوريا ولبنان‪ ،‬والسؤال امللح حول جدوى‬ ‫الثورات وإمكانات انتصارها املناقضة لإلرادات الدولية‬ ‫والتي ال تريد لنا الخري وال الدميوقراطية‪ .‬هل سيكون‬ ‫هناك فارق يف النتيجة بني فعل وآخر؟ هل السلمية‬ ‫أجدى فع ًال من السالح؟ هل املظهر الحدايث املتمدن‬ ‫أجدى من املظهر املاضوي املف ّوت الذي طغى يف‬ ‫سوريا؟ هل سيشكل حضور املرأة ومظهرها املتحرر‬ ‫فارقاً يذكر يف مواقف العامل والدول؟ هل سيكون‬ ‫من الصعب أسلمة الثورة أو تطييفها؟ وهل سيكون‬ ‫هناك فارق يف املآالت بني طرق أو خيارات متعددة‬ ‫ومختلفة؟ هل ستعري التجربة اللبنانية أخطاء‬ ‫املعارضة السورية أكرث مام تعرت سابقاً‪ ..‬هل ستثبت‬ ‫أنه كان باإلمكان أكرث مام كان؟‬ ‫السؤال يعيد إىل األذهان مرحلة يبدو أن البرشية‬ ‫طوتها إىل حني؛ تلك املرحلة القصرية التي بدا فيها‬ ‫أن العامل يتوحد ويتشابه ويتقارب‪ ،‬مرحلة أوهام‬ ‫العوملة وأحالمها‪ ..‬كذلك املخاوف منها وارتيابها‪،‬‬ ‫العوملة ذلك املفهوم الذي يبدو أنه بات خارج التداول‬ ‫اليوم بعد أن كان سؤال الساعة والدقيقة‪ .‬وبعد أن‬ ‫كان الرهاب والهاجس لدى طيف واسع من املثقفني‬ ‫العرب هو خطر الذوبان يف العوملة‪ ،‬يبدو أن العكس‬ ‫هو الذي حدث؛ فلقد بات واضحاً اليوم أن املراكز‬ ‫العاملية اإلمربيالية ال تريد إال لفظنا من العوملة‪ ،‬يبدو‬ ‫أنها تريد حرص العوملة باالقتصاد ومنعها قرسياً عن‬ ‫السياسة والثقافة‪ ،‬وكام نوه الراحل جورج طرابييش‬

‫‪3‬‬


‫‪4‬‬

‫أكراد سوريا بين شقي الرحى‪..‬‬

‫خيانة أمريكية وضغوط روسية على وقع التهديدات التركية‬

‫كمال شيخو‬

‫العدد ‪2019 / 11 / 4 - 89 -‬‬

‫تحقيقات‬

‫باتت الحالة السورية مع ّقدة‪ ،‬ومل يعد باإلمكان التكهن‬ ‫مبجريات األحداث‪ ،‬لسبب رئييس مردّه تقاطع مصالح‬ ‫الالعبني الدوليني واإلقليميني وتعارضها بنفس الوقت‬ ‫عىل األرض السورية‪ .‬لكن ميكن القول بأن التفوق‬ ‫النوعي ‪-‬للجندي األمرييك‪ -‬اليوم يجعل من اإلدارة‬ ‫األمريكية األكرث قدر ًة عىل التحكم يف سري األحداث‬ ‫والضغط عىل باقي األطراف املتناحرة‪.‬‬ ‫القيادة الكردية يف شامل رشق سوريا والذين أزعجهم‬ ‫قرار واشنطن باالنسحاب من بلدهم؛ طلبت تدخل‬ ‫روسيا وحليفتها دمشق وإرسال قوات عىل وجه‬ ‫الرسعة لحامية الحدود من الهجامت الرتكية‪،‬‬ ‫واستجابت موسكو للدعوات الكردية‪ .‬ويف حديثه إىل‬ ‫عالحرية‪ ،‬ولدى سؤاله عن بنود االتفاق‪،‬‬ ‫مجلة ط ّلعنا ّ‬ ‫قال املسؤول الكردي الدار خليل‪ ،‬أحد أبرز مهنديس‬ ‫اإلدارة الذاتية التي تدير مناطق رشق الفرات‪“ :‬إن‬ ‫اتفاقاً عسكرياً مبدئياً مع دمشق سيقترص عىل انتشار‬ ‫الجيش عىل طول الحدود”‪ ،‬لكن الجانبني ‪-‬اإلدارة‬ ‫وحكومة النظام السوري‪ -‬يتباحثان حول باقي القضايا‬ ‫السياسية واإلدارية والعسكرية‪ ،‬وأوضح بأن االتفاق‬ ‫يقيض بدخول القوات الحكومية لحامية املناطق‬ ‫الحدودية من بلدة منبج إىل ديريك يف أقىص شامل‬ ‫رشق البالد‪ ،‬واعترب بأن‪“ :‬حامية الحدود هو واجب‬ ‫أصيل يقع عىل كاهل الجيش السوري”‪.‬‬ ‫وأبرمت القيادة الكردية اتفاقاً مع الحكومة السورية‬ ‫يف ‪ 13‬من شهر ترشين األول ‪ -‬أكتوبر املايض برعاية‬ ‫روسية‪ ،‬يجيز انتشار قوات حرس الحدود عىل طول‬ ‫الرشيط الحدودي بعد انسحابها منه نهاية ‪ ،2012‬إثر‬ ‫قرار الواليات املتحدة سحب جنودها من املنطقة‪.‬‬ ‫وكان ضوء أخرض أمرييك للعملية الرتكية التي شنتها‬ ‫أنقرة يف ‪ 9‬من شهر ترشين األول ‪ -‬أكتوبر الفائت‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من انتشار القوات النظامية املوالية‬ ‫لألسد والرشطة العسكرية الروسية يف معظم مدن‬ ‫رشق الفرات‪ ،‬يؤكد مسؤولو اإلدارة الذاتية بأن هياكل‬ ‫الحكم املحلية ستتابع عملها‪ ،‬كام يقول القيادي‬ ‫الكردي الدار خليل‪“ :‬املدن الكردية وجميع املناطق‬ ‫التي تم تحريرها عىل أيدي (قوات سوريا الدميقراطية)‬

‫ستديرها اإلدارة الذاتية‪ .‬لن يتغري يشء يف شكل‬ ‫اإلدارات وعنارص األمن باملدن ألن االتفاق يقترص عىل‬ ‫الحدود فقط”‪.‬‬ ‫وإذا ُأبرم اتفاق شامل بني اإلدارة الذاتية وحكومة‬ ‫سيوحد مجدداً أكرب منطقتني‬ ‫النظام السوري فإنه‬ ‫ِّ‬ ‫يف البلد‪ ،‬وسيرتك منطقة واحدة يف شامل غرب البالد‬ ‫يف أيدي جهات إسالمية وفصائل املعارضة املس ّلحة‬ ‫املناهضة لألسد‪ ،‬ولفت الدار خليل‪“ :‬مذكرة التفاهم‬ ‫املوقعة مع دمشق خطوة لعقد اتفاق نهايئ مستقب ًال”‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن الحكم الذايت الذي يريده األكراد‬ ‫يتعارض بشكل واضح مع ما تريده دمشق‪ ،‬فقد‬ ‫تجنبت القوات الكردية إىل حد بعيد الرصاع املبارش‬ ‫مع القوات الحكومية املوالية لألسد خالل الحرب‬ ‫الدائرة يف البالد‪ ،‬بل ويف بعض األحيان كانت تقاتل‬ ‫خصوماً مشرتكني كتنظيم داعش اإلرهايب‪.‬‬ ‫ويرى الدكتور شوقي محمد الخبري يف اقتصادات الطاقة‬ ‫والنفط يف حديث لـطلعنا عالحر ّية‪ ،‬أنه “ميكن القول‬ ‫بأن التفوق النوعي يجعل من اإلدارة األمريكية األكرث‬ ‫قدرة عىل التحكم يف سري األحداث والضغط عىل باقي‬ ‫األطراف‪ ،‬وتعد صامم األمان لهذه املنطقة”‪ ،‬فمن جهة‬ ‫رسالة قوية لحكومة النظام السوري وحلفائها إيران‬ ‫وروسيا‪ ،‬بأن انسحابها سمح للقوات الرتكية وفصائل‬ ‫موالية من الجيش الحر بدخول املنطقة‪“ ،‬ويف الوقت‬ ‫نفسه رسالة للجانب الرتيك بأن وجودها يعني عدم‬ ‫قدرة الجيش السوري عىل السيطرة عىل املنطقة التي‬ ‫انسحب منها أواخر ‪ ،2012‬وهو يعود اليوم باتفاق‬ ‫مع األكراد”‪.‬‬ ‫وأوضح األكادميي شوقي محمد ّأن الحل األمثل هو‬

‫“االستمرار بالتفاوض بني األحزاب الكردية والحكومة‬ ‫السورية‪ ،‬برعاية دولية‪ ،‬خصوصاً روسيا‪ ،‬لعالقاتها‬ ‫املتميزة مع دمشق‪ ،‬وبناء أرضية سليمة للتفاوض‪ ،‬عرب‬ ‫رسائل ثقة والتعامل مببدأ الوطنية ال العقلية األمنية أو‬ ‫العروبية”‪ ،‬مشرياً إىل ّأن وثائق وأدبيات حزب “االتحاد‬ ‫الدميقراطي” واإلدارة الذاتية مل ترش إىل االنفصال‪.‬‬ ‫فلطاملا ك َّرر مسؤولوها حرصهم عىل وحدة األرايض‬ ‫السورية‪ ،‬والتمسك بالحوار السوري‪ -‬السوري‪“ ،‬فض ًال‬ ‫عن أن األكراد ال يجدون أنفسهم خارج حدود الوطن”‪،‬‬ ‫واعترب أن أي اتفاق بني اإلدارة الكردية والحكومة‬ ‫السورية سيخدم الطرفني “لحامية (قسد) من الهجوم‬ ‫الرتيك بعد اجتياح املنطقة واستعادة املناطق التي‬ ‫خرستها‪ ،‬كام سيخدم الحكومة السورية من خالل‬ ‫عودتها للمنطقة الرثية والغنية باملوارد‪ ،‬وبسط‬ ‫سيطرتها عىل الرثوات املائية والحقول النفطية”‪.‬‬ ‫فأكراد سوريا يتفاوضون عىل مجموعة مطالب أبرزها‬ ‫اعرتاف دمشق بهياكل الحكم املحلية يف سبع مدن‬ ‫رئيسية شكلوا فيها إدارات ذاتية‪ ،‬تقع ‪ 5‬منها رشقي‬ ‫نهر الفرات‪ ،‬ومنبج الواقعة غريب الفرات والطبقة‬ ‫جنويب النهر‪ ،‬إىل جانب اعرتاف األكراد بوجود جيش‬ ‫موحد للدولة عىل أن تكون (قوات سوريا الدميقراطية)‬ ‫ّ‬ ‫جزء من الجيش الوطني‪ ،‬ويكون لها خصوصية نظراً‬ ‫النتشارها يف معظم مدن وبلدات رشق الفرات‪ .‬كام‬ ‫يطالبون باالعرتاف الدستوري باألكراد كمكون رئييس‬ ‫من مكونات الشعب السوري‪ ،‬وتحديد موازنة مالية‬ ‫ملناطق اإلدارة الذاتية ومنها املدن الكردية‪ ،‬واالعرتاف‬ ‫باللغة الكردية يف مناهج التعليم باملناطق ذات‬ ‫الغالبية الكردية‪.‬‬


‫الواقعية السياسية األوروبية‬ ‫في المشهد السوري‬

‫‪5‬‬

‫راما الدرويش‬

‫معارضوا األسد يريدون املزيد من‬ ‫أوروبا‬

‫يتعني عىل الواليات املتحدة وأوروبا التحرك‬ ‫للضغط عىل روسيا بإقناع النظام يف سوريا‬ ‫بتقديم تنازالت‪ .‬هذا ماتتوقعه املعارضة‬ ‫السورية والتي تدعو إىل التزام أوروبا‬ ‫والواليات املتحدة بفرض مبادئ دميقراطية‬

‫ال يبدو الطريق واضحاً ومعبداً ملحاكامت‬ ‫قانونية لألسامء‪ ،‬بسبب وجود حامية أممية‬ ‫أثناء قدوم وفد النظام السوري ألوروبا‪ .‬إال‬ ‫أن منظامت قانونية وناشطني يضغطون‬ ‫للوصول إىل ذلك وتحقيق مطالب العدالة‬ ‫ومعاقبة مجرمي الحرب يف سوريا‪.‬‬

‫تقارير‬

‫تركيا التي هددت بالسامح لتدفق موجة جديدة‬ ‫من الالجئني ألوروبا واجهت من الربملان األورويب‬ ‫دعوات لوضع ح ّد رسمي ملفاوضات انضامم تركيا‬ ‫إىل االتحاد األورويب‪ ،‬والتي تجري منذ عام ‪.2005‬‬ ‫بل وهدد الربملان األوريب بإنهاء االتحاد الجمريك‬ ‫الذي ُيعفي فيه االتحاد األورويب تركيا من أي‬ ‫رسوم جمركية عىل معظم الواردات والصادرات‬ ‫باستثناء املنتجات الزراعية‪.‬‬ ‫لكن ذلك ال يسمو لتوقعات وزيرة الدفاع األملانية‬ ‫أنغريت كرامب‪-‬كارين باور؛ فاقرتاح وزيرة الدفاع‬ ‫األملانية كان يرنو إىل إنشاء منطقة آمنة تخضع‬ ‫للمراقبة الدولية وتضم أيضا تركيا وروسيا‪ ،‬الهدف‬ ‫منها حسب الترصيحات الرسمية مواصلة الحرب‬ ‫عىل اإلرهاب‪ ،‬ومحاربة تنظيم داعش‪.‬‬

‫العدد ‪- 89 -‬‬

‫دعوات التدخل العسكري تتحول‬ ‫ملرشوع إبعاد تركيا عن االتحاد األورويب‬

‫ورغم االنتقادات للطابع السلبي الذي‬ ‫تتسم به ردات فعل أملانيا واألوروبيني يف‬ ‫القضية السورية‪ ،‬والتي تصفه كرامب‪-‬‬ ‫كارين باور “ بالنظر من وراء سياج” إال أن‬ ‫الترصيحات األملانية الرسمية تذكر دامئاً بأن‬ ‫الجيش األملاين يشارك يف مهام يف املنطقة‬ ‫ضد تنظيم (داعش) سواء من خالل عملية‬ ‫التدريب أو االستطالع الجوي‪.‬‬ ‫لكن ذلك ال يروق ملعاريض هذه السياسة‬ ‫والذين يرصحون مراراً بأن التحالف األوريب‬ ‫مل يفعل شيئا حيال منع روسيا وإيران من‬ ‫توسيع نفوذهام بشكل منتظم يف سوريا‬ ‫ومساعدة األسد عىل اكتساب قوة جديدة‪.‬‬ ‫بل إن موسكو ال تسمح لألوروبيني أن‬ ‫يكونوا أكرث من مجرد قوة مساعدة يف سوريا‬ ‫يف خدمة مصالحهم الخاصة‪.‬‬

‫يف املفاوضات املقبلة عىل الدستور السوري‬ ‫الجديد الذي ستتم جلسات مناقشته يف‬ ‫دول أوروبية بعد جنيف‪.‬‬ ‫تقول املعارضة السورية (دميا موىس)‬ ‫لجريدة تاغس شبيغل األملانية إن “عىل‬ ‫الغرب أال يسمح لحكومة الرئيس بشار‬ ‫األسد باللعب بعامل الوقت يف املفاوضات‬ ‫تحت مظ ّلة األمم املتحدة إلنقاذ سلطتها”‪.‬‬ ‫ناشطون حقوقيون أيضاً طالبوا مبقاضاة‬ ‫أسامء من أعضاء من املشاركني يف اللجنة‬ ‫الدستورية من وفد النظام السوري خالل‬ ‫وجودهم يف أوربا للمفاوضات‪ .‬املحامي‬ ‫أنور البني ينرش عىل صفحته أسامءاً يقول‬ ‫إنها متهمة بتعذيب واختفاء العديد من‬ ‫املعتقلني يف سجون النظام السوري‪ .‬يطالب‬ ‫البني مبعلومات تفيد بدعم ملف املعلومات‬ ‫الواردة إليه إضافة للمشاركة بالضغط‪.‬‬

‫‪2019 / 11 / 4‬‬

‫أطلق ترامب دعوة ألوربا بتحمل مسؤوليتها‬ ‫تجاه القتال ضد تنظيم داعش‪ ،‬وم ّهد لالنسحاب‬ ‫األمرييك من شامل سوريا قائ ًال إن عىل أوربا أن‬ ‫تبادر باملشاركة يف محاربة التنظيم الذي يحمل‬ ‫جزءاً من مقاتليه الجنسية األوربية‪ .‬لكن أوربا‬ ‫باملقابل مل تستجب‪ ،‬وفشلت أملانيا بإقناع دول‬ ‫االتحاد األورويب بالتدخل يف النزاع الدائر شامل‬ ‫سوريا وإقامة منطقة آمنة يشارك فيها حلف‬ ‫الناتو ‪-‬القوة العسكرية لالتحاد األورويب‪ -‬واكتفى‬ ‫الربملان األوريب بالتشجيب بالتدخل العسكري‬ ‫الرتيك األخري بعملية “ نبع السالم” والتي تريد‬ ‫فيها تركيا استعادة مناطق من الشامل السوري‬ ‫التي تقع تحت سيطرة حزب سوريا الدميقراطي‪،‬‬ ‫واستعاض الربملان عن االقرتاح األملاين بطرح بعض‬ ‫العقوبات عىل تركيا بهدف الضغط عليها للرتاجع‬ ‫عن العملية العسكرية‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫عن أسطورة النظام القومي‬ ‫اليساري العلماني المقاوم‬ ‫ماجد كيالي‬

‫العدد ‪-‬‬

‫‪89‬‬ ‫‪2019 / 11 / 4 -‬‬

‫مقاالت‬

‫منذ قرابة نصف قرن ّ‬ ‫تغطى النظام السوري‬ ‫باأليدلوجيا البعثية‪ ،‬وهي مج ّرد أيدلوجية‬ ‫متحجرة‪ ،‬تط ّعمت بـ”االشرتاكية”‬ ‫إنشائية قومية‬ ‫ّ‬ ‫و”العلامنية” وفيام بعد بـ”املقاومة”‪ ،‬من دون‬ ‫أي متثل كل ذلك عملياً‪ ،‬بقدر ما أتت ألغراض‬ ‫االستهالك واالبتزاز‪ ،‬وترسيخ الرشعية‪ ،‬والتغطية‬ ‫عىل نظام االستبداد والفساد‪.‬‬ ‫فوق ما تقدم‪ ،‬فقد ر ّوج النظام لذاته باعتباره‬ ‫باين الدولة‪ ،‬حيث األسد (األب) هو باين سوريا‬ ‫الحديثة‪ ،‬التي تدين بوجودها له‪ ،‬ما أوصلنا إىل‬ ‫الشعار املشني واملهني‪“ :‬سوريا األسد إىل األبد”‪،‬‬ ‫الذي ّ‬ ‫غطى أرجاء سوريا‪ ،‬إذ بات ّمثة متاه بني‬ ‫سوريا الدولة ونظام األسد‪ ،‬حتى مل يعد أحد‬ ‫يستطيع التمييز أو التفريق بني السلطة والدولة‪.‬‬ ‫وكان تم الرتويج إىل كل ذلك بواسطة الدولة‪،‬‬ ‫وباحتكار‪ ،‬أو باحتالل‪ ،‬املجال العام‪ ،‬وعرب التلفزيون‬ ‫واإلذاعة والصحف‪ ،‬واملدارس والجامعات‪ ،‬وجهاز‬ ‫ومؤسسة الجيش‪ ،‬واالتحادات الشعبية‪،‬‬ ‫املوظفني‪ّ ،‬‬ ‫ومنظامت الطالئع والشبيبة‪ ،‬بوسائل التخويف‬ ‫أيضاً عرب أجهزة املخابرات املنترشة يف املجال‬ ‫املجتمعي‪ ..‬هذا دون التقليل من الدور الذي لعبه‬ ‫العامل االقتصادي؛ فمن جهة مثة اإلفقار وتعزيز‬ ‫االعتامدية عىل الدولة‪ ،‬ومن جهة أخرى مثة طبقة‬ ‫رجال األعامل التي تدين بوجودها وامتيازاتها‬ ‫للنظام‪.‬‬ ‫املفارقة أن إنشاءات النظام تقول كل يشء وتته ّرب‬ ‫واملتعي؛ أي أنها تشتغل عىل املواربة‬ ‫من املحدد‬ ‫ّ‬ ‫والتالعب‪ ،‬حتى إن األمر وصل عند البعض‪ ،‬من‬ ‫يساريني وقومجيني وعلامنيني ومقاومني إىل محاباة‬ ‫النظام باعتباره قومي وعلامين ويساري‪ ،‬وربطه‬ ‫بكل ماله عالقة بالحداثة‪ ،‬يف حني يعترب املجتمع‬ ‫مبثابة النقيض لهذا النظام‪ ،‬ما يتطلب تغيريه بدل‬ ‫تغيري النظام! مع كل ما يف ذلك من تهرب متعمد‪،‬‬ ‫غري بريء‪ ،‬من معاناة شعب سوريا‪ ،‬ومن تحديد‬ ‫املسؤول عن هذه املعاناة وضمن ذلك ّ‬ ‫التأخر‬

‫الحاصل يف املجتمع‪ ،‬باعتبار أن السلطة يف واقعنا‬ ‫العريب‪ ،‬من املحيط إىل الخليج‪ ،‬هي من أهم‬ ‫التأخر‪ ،‬وضمنه ّ‬ ‫عوامل ّ‬ ‫تأخر الوعي بالدميقراطية‬ ‫وباملواطنة‪ ،‬وإعاقة قيام الدولة باعتبارها دولة‬ ‫مؤسسات وقانون‪.‬‬ ‫هكذا ر ّوج نظام األسد‪ ،‬طوال العقود املاضية‪،‬‬ ‫ألساطري عدة عن حاله‪ ،‬فهو يساري أو اشرتايك‪،‬‬ ‫مث ًال‪ ،‬رغم أن اشرتاكيته اختزلت مبصادرة األرايض‪،‬‬ ‫وتأميم الرشكات الصناعية الخاصة‪ ،‬وإضعاف‬ ‫الربجوازية الوطنية‪ ،‬وهي إجراءات أدت إىل‬ ‫هيـمنة الدولة‪ -‬السلطة عىل قطاعات اإلنتاج‪،‬‬ ‫وتعـزيز سيطرتها عىل املجتمع وعىل املجال‬ ‫العمومي‪ ،‬ما نجم عنه تعميم عالقات الفساد‪،‬‬ ‫وتفريخ حيتان جدد‪ ،‬ال سيام من املقربني للعائلة‬ ‫الحاكمة التي باتت تتح ّكم بقرابة ثلثي االقتصاد‪،‬‬ ‫مبا يف ذلك ملكية مساحات واسعة من األرايض‪.‬‬ ‫أما اعتباره قومياً فذلك ما متثل بسياساته ّ‬ ‫التدخلية‬ ‫واإللحاقية التي اتخذت يف غالبية األحيان طابعاً‬ ‫عسكرياً أو عنفياً يف محيطه‪ ،‬ال سيام يف لبنان‪ ،‬وإزاء‬ ‫الفلسطينيني‪ ،‬ويف العراق الذي عاش عىل العداء‬ ‫معه‪ ،‬عىل رغم التقارب األيديولوجي سابقاً بني‬ ‫نظامي هذين البلدين‪ .‬ويأيت يف ذلك انضواؤه يف‬ ‫إطار خدمة سياسة إيران يف املنطقة‪ ،‬مع الشبهات‬ ‫التي تحيط بها‪ ،‬ال سيام يف سياساتها “العراقية”‪،‬‬ ‫وإثارتها النعرة املذهبية يف املرشق العريب‪.‬‬

‫طبعا مثة فرق يف التعاطي يف السياسية الخارجية‪،‬‬ ‫يف عهدي األسد األب واالبن‪ ،‬لكن النتيجة كارثية يف‬ ‫الحالتني‪ .‬ففي عهد األسد األول كانت سوريا ترى‬ ‫يف جوارها مجرد ساحة‪ ،‬أو ملعب‪ ،‬لتعزيز نفوذها‬ ‫اإلقليمي‪ ،‬بينام يف عهد األسد الثاين باتت سوريا‬ ‫ذاتها مبثابة ساحة يعبث أو يتالعب بها جوارها‪.‬‬ ‫هذا ينسحب عىل إيران وحزب الله؛ فبينام كان‬ ‫األسد االول يتعامل مع إيران كورقة لتعزيز مكانته‬ ‫اإلقليمية والبتزاز الدول األخرى‪ ،‬فإن سوريا يف‬ ‫عهد الثاين باتت ورقة يف يد إيران‪ .‬املهم أنه يف‬ ‫العهدين كانت النتيجة واحدة وهي تجاهل وجود‬ ‫شعب سوريا‪ ،‬وحدود قدرة الكيان السوري‪ ،‬ويف‬ ‫الحالني كان السوريون هم من دفع الثمن‪.‬‬ ‫وبالنسبة ألسطورة كونه نظاماً مقاوماً‪ ،‬فهي تثري‬ ‫السخرية واملرارة يف آن‪ ،‬فهذا النظام مسؤول عن‬ ‫ضياع جزء من سوريا واحتالله (هضبة الجوالن)‪،‬‬ ‫وكان بدأ عهده بإدارة الظهر للمقاومة الفلسطينية‬ ‫يف األردن (‪ ،)1970‬ثم أوقف املقاومة نهائياً من‬ ‫جبهة الجوالن‪ ،‬بعد حرب (‪ ،)1973‬وت ّوج كل ذلك‬ ‫بشنّه الحرب عىل املقاومة الفلسطينية والحركة‬ ‫الوطنية اللبنانية (‪ ،)1976‬وهي “مقاومة” مل ينجم‬ ‫عنها إطالق رصاصة واحدة باتجاه إرسائيل طوال‬ ‫أربعة عقود‪ ،‬ناهيك عن أنه دعم كل الحروب‬ ‫التدمريية ضد مخيامت لبنان‪ ،‬والتي قام بها‬ ‫حلفائه‪.‬‬


‫حسن عارفة‬

‫هزّت أمواج اللبنانيني من شاميل البالد إىل‬ ‫وسطها وجنوبها‪ ،‬أركان الحكومة يف بريوت‪،‬‬ ‫فسقطت‪ ،‬بانتظار زلزال كبري يف قرص بعبدا‬ ‫ينتج عنه ما يتمناه الثائرون الذين أبدعوا‬ ‫بال حدود منذ السابع عرش من شهر ترشين‬ ‫األول‪ ،‬وما نتمناه لهم‪ ،‬سقوط النظام‬ ‫الطائفي والبدء ببناء منظومة مصلحتها‬ ‫األوىل شعب لبنان‪.‬‬ ‫لكن بينام جمهور الثورة السورية يتابع ما‬ ‫يحدث يف لبنان‪ ،‬بشغفه األول وكل مشاعره‬ ‫التي كان يشعر بها يف شوارع سوريا‪ ،‬مثة‬ ‫جمهور سوري آخر يعاديه جداً ويتفق معه‬ ‫يف آن واحد‪ ،‬ولكن حول ثورة أخرى! هو‬ ‫جزء من مؤيدي النظام السوري وعاشقي‬ ‫بشار األسد‪ .‬هنا تبدو أم التناقضات بشكلها‬ ‫الفاقع والقبيح‪ :‬مؤيدون لدكتاتور قتل‬ ‫جيشه وميليشياته ‪ 199455‬مدنياً ومدني ًة‬ ‫يف سوريا بحسب الشبكة السورية لحقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ويشجعون ثورة تحدث يف بلد‬ ‫آخر‪ ،‬يتغنون بها ويؤيدونها‪ ،‬بينام يرون يف‬ ‫ثورة أبناء جلدتهم مؤامرة كونية تستهدف‬ ‫مخ ّلصهم وس ّيدهم وقائدهم األبدي‪.‬‬ ‫املشكلة معقدة يف هذه الحال لكنها‬ ‫بسيطة‪ ،‬قد ال يفهمها هذا الجزء من الناس‬ ‫(جمهور األسد مؤيد الثورات خارج سوريا)‬

‫العدد ‪- 89 -‬‬

‫وهناك ثورة‪ ،‬وحبل املشيمة واحد كام يبدو‪.‬‬

‫‪2019 / 11 / 4‬‬

‫مع بدء الثورة يف لبنان ونزول الشعب‬ ‫هناك إىل الشوارع‪ ،‬متحدياً نظامه القائم‬ ‫عىل املحاصصة الطائفية‪ ،‬عشنا‪ ،‬كسوريني‪،‬‬ ‫لحظاتنا األوىل عام ‪ ،2011‬وكأننا هناك يف‬ ‫الزمان واملكان قبل مثاين سنوات! هنا ثورة‬

‫فثمة مفاهيم ال تتجزأ؛ املجرم مجرم حني‬ ‫يقتل ويعتدي‪ ،‬بغض النظر عن عرقه ودينه‬ ‫وحتى دوافعه‪ ،‬ذلك أن فعل القتل واضح‬ ‫ومجرد بذاته لغوياً ال يحتاج للكثري من‬ ‫التفسري والتحوير‪ ،‬وال ميكن تجزيؤه! وكذا‬ ‫الدكتاتور الذي وصل إىل سدة الحكم يف بلد‬ ‫ما‪ ،‬وقتل أبناء شعبه‪ ،‬يظل دكتاتوراً بأفعاله‪،‬‬ ‫من صدام حسني إىل حافظ األسد وابنه‪،‬‬ ‫مروراً مبعمر القذايف‪ ،‬وليس آخراً زعامء‬ ‫الطوائف يف لبنان‪ ،‬وما يشبههم من زعامء‬ ‫الدول العربية الذين سقطوا وغريهم من‬ ‫الحاليني‪.‬‬ ‫وكام هذه املفاهيم غري قابلة للتأويل‪ ،‬كذلك‬ ‫ثورات الشعوب عىل أنظمتها البائسة التي‬ ‫مصت دمها وفعلت ما فعلت بها‪ .‬فثورة‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانيني متثل أهلها وكل طالبي الحرية‬ ‫والعدل‪ ،‬ومتثلنا كسوريني ض ّد الدكتاتورية‪،‬‬ ‫تشبهنا ونشبهها‪ ،‬وتذكرنا بكل التفاصيل‬ ‫الجميلة يف ثورتنا‪ ،‬التي حرقتها الدول‬ ‫املتحكمة حالياً بأرضنا وحدودنا ومصرينا‪..‬‬ ‫ودستورنا!‬ ‫ّ‬ ‫رمبا يبدو كل ما يحدث حول العامل يف كفة‪،‬‬ ‫وأولئك (جمهور األسد مؤيد الثورات خارج‬ ‫سوريا) يف ك ّفة أخرى‪ ،‬أو كوكب آخر‪ ،‬إذ‬ ‫تستحق أن تتزعم هذه الجوقة الغريبة‬ ‫فنانات وفنانون يعشقون األسد حتى املوت‪،‬‬ ‫يتفقون مع الظلم بفجاجة‪ ،‬ويختلفون معه‬ ‫بفجاجة أكرب يف مناطق أخرى‪ ،‬ليشكلوا‬ ‫طائفة مقيتة جديدة ظهرت مؤخراً ‪-‬أو‬ ‫كانت موجودة ومل ننتبه‪ -‬يف سوريا‪ ،‬شبيهة‬ ‫بأسوأ أنواع السياسة!‬

‫مقاالت‬

‫أخرياً‪ ،‬تبقت اسطورة “العلامنية”‪ ،‬التي هي‬ ‫مجرد غطاء يحاول من خاللها النظام التالعب‬ ‫مبا يسميه “أقليات”‪ ،‬وبالتايل حراسة الواقع‬ ‫الطائفي واملذهبي يف سوريا‪ ،‬بادعائه حاميتها‪،‬‬ ‫يف حني أنه يغطي يف كل ذلك سياساته القامئة‬ ‫عىل الحؤول دون تحول املجتمع إىل مجتمع‬ ‫حقاً‪ ،‬مع وجود مواطنني متساوين حقاً أمام‬ ‫القانون وأمام الدولة‪ ،‬من دون أي متييز ديني‬ ‫أو مذهبي أو اثني أو جنيس‪ ،‬وأيضا الحؤول‬ ‫دون قيام الدولة باعتبارها دولة حقاً‪ ،‬أي دولة‬ ‫مؤسسات وقانون‪ ،‬مع فصل بني السلطات‬ ‫القضائية والترشيعية والتنفيذية؛ هذا من‬ ‫ناحية‪ .‬من ناحية ثانية‪ ،‬ويف الحقيقة فإن أكرث‬ ‫تيار إسالمي يف سوريا هو يف خدمة النظام‪ ،‬أو‬ ‫تحت رعايته‪ ،‬أو صنيعته‪ ،‬إذا دققنا يف املعاهد‬ ‫الرشعية‪ ،‬وطبقة رجال الدين‪ ،‬واملشايخ الذين‬ ‫يحتفي بهم النظام ويحتفون به‪.‬‬ ‫القصد أن سياسة “فرق تسد” هي السياسة‬ ‫التي انتهجها النظام لتكريس رشعيته وترسيخ‬ ‫سلطته‪ ،‬وإظهار أي محاولة للخروج عىل هذا‬ ‫الوضع مبثابة مترد طائفي أو حرب أهلية‪ ،‬أو‬ ‫رصاع أقليات وأكرثيات‪ ،‬عىل نحو ما يفعل‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف املحصلة‪ ،‬فقد منى نظام األسد بدمياغوجيته‬ ‫نوعاً من الجامعات اإلسالمية واإلسالميني‪ ،‬مثلام‬ ‫ّمنى جامعات من رجال األعامل واملثقفني‬ ‫والفنانني واألكادمييني‪ ،‬ومن كل التيارات‬ ‫اليسارية والقومية والعلامنية والليربالية‪ ،‬من‬ ‫املتصالحني أو املتسامحني مع نظامه‪ ،‬ومعظم‬ ‫هؤالء لعب دوراً كبرياً يف عمليات التضليل‬ ‫والتدجني التي انتهجها النظام‪.‬‬ ‫يفس رواج تلك األساطري‪ ،‬وصمود‬ ‫هذا كله ّ‬ ‫صورته املتخ ّيلة عند كثريين‪ ،‬ال سيام عند بعض‬ ‫يساريني وعلامنيني وقوميني ومقاومني خارج‬ ‫سورية‪ ،‬أي ممن مل يكا ِبدوا سطوته وال بطشه‪.‬‬

‫طائفة سورية جديدة‬ ‫ظهرت بعد الثورة اللبنانية!‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫عن استعصاء القضية الكردية‬ ‫طارق عزيزة‬

‫العدد ‪2019 / 11 / 4 - 89 -‬‬

‫مقاالت‬

‫تنطوي القضية الكردية عىل جملة معطيات مع ّقدة‪،‬‬ ‫تتداخل فيام بينها لدرجة تتبدّى معها مستعصي ًة‬ ‫عىل الحل أو تكاد‪ .‬فهي إذ متتد من حيث جذورها‬ ‫وتفاعالتها‪ ،‬كام النتائج التي قد ّ‬ ‫تتأت عن ح ّلها‪ ،‬لتطال‬ ‫أربع دولٍ (تركيا‪ ،‬العراق‪ ،‬إيران‪ ،‬وسوريا)‪ ،‬سيكون من‬ ‫الصعب التعامل معها سواء عىل املستويني اإلقليمي‬ ‫والدويل أو عىل املستوى ّ‬ ‫املحل من منظا ٍر واحد‪ ،‬أو‬ ‫بوصفها قضي ًة واحدة‪ .‬فقد أسهمت أحوال األكراد‬ ‫وظروفهم املتباينة يف ّ‬ ‫كل من تلك البلدان‪ ،‬إىل هذا‬ ‫الح ّد أو ذاك‪ ،‬يف اندراج قض ّيهم ضمن سوق التجاذبات‬ ‫وبورصة املصالح اإلقليمية والدولية املتداخلة‪ ،‬ما أدّى‬ ‫بها إىل مزيد من التعقيد‪.‬‬ ‫استغ ّلت دول عدّة حالة الترشذم التي تعانيها القوى‬ ‫السائدة يف األوساط الكردية وخالفاتها التي تتقاطع‬ ‫يف بعض جوانبها مع اختالف البنى األهلية والسياسية‬ ‫للشعب الكردي‪ ،‬األمر الذي س ّهل عىل أنظمة املنطقة‬ ‫وسواها استخدام األكراد لرضب بعضهم بعضاً حيناً‪ ،‬أو‬ ‫للزج بهم يف رصاعاتها البينية أحياناً‪.‬‬ ‫ويف املقابل مل تتو ّرع أطراف كردي ّة رئيسية يف رصاعاتها‬ ‫الداخلية عن االستعانة بأنظمة تعادي الحقوق‬ ‫الكردية‪ ،‬عىل نحو ما جرى بني أكراد العراق أواسط‬ ‫الوطني‬ ‫تسعينيات القرن املايض‪ ،‬حني تل ّقى “االتحاد‬ ‫ّ‬ ‫الكردستا ّين” وكان يقوده جالل طالباين دعم الحرس‬ ‫الثوريّ اإليرا ّين‪ ،‬خالل رصاعه الدامي مع “الحزب‬ ‫اطي الكردستا ّين” بزعامة مسعود برزاين‪ ،‬الذي‬ ‫الدميقر ّ‬ ‫كان يستعني بق ّوات النظام العراقي‪ ،‬ومل يتو ّقف القتال‬ ‫بينهام إال بعد وساط ٍة أمريكي ٍة أفضت إىل توقيع اتفاق‬ ‫لوقف إطالق النار يف أيلول‪ /‬سبتمرب من عام ‪.1998‬‬ ‫وأ ّياً تكن مربرات كل طرف ومس ّوغاته‪ ،‬فإن هذا األمر‬ ‫ّ‬ ‫يدل عىل أن املصالح الحزبية والسياسات الخاصة‬ ‫الضيقة لدى القوى الكردية الرئيسية ميكن أن تطغى‬ ‫عىل املصالح القومية العليا‪ ،‬وهو ما قد يجعلها‪ ،‬من‬ ‫حيث تدري أو ال تدري‪ ،‬أدا ًة يف يد الحلفاء أو حتى‬ ‫الخصوم‪ .‬ذلك ّأن سياسات الدول إمنا تح ّركها املصالح‬ ‫وتوازنات القوى وليس التعاطف مع القضايا العادلة‬ ‫أو تأييد حقوق الشعوب‪ .‬عىل هذا األساس‪ ،‬سيكون‬ ‫مفهوماً كيف أن عالقات الواليات املتحدة مع األكراد‬ ‫كثرياً ما كانت تشهد تقدّماً أو تراجعاً بداللة تط ّور‬

‫عالقة واشنطن مع إحدى الدول املعنية بالقضية‪ ،‬ويف‬ ‫يخص حقوق‬ ‫الوقت عينه تنتهج سياسة مختلفة يف ما ّ‬ ‫األكراد يف دولة أخرى مجاورة‪ ،‬فض ًال عن متطلبات‬ ‫“األمن القومي األمرييك”‪.‬‬ ‫هكذا دعمت الواليات املتحدة أكراد العراق بق ّوة‬ ‫يف وجه نظام صدّام حسني إىل أن نجحوا يف تأسيس‬ ‫إقليم كردستان‪ ،‬واستمرت يف دعمهم بعد إسقاطه‪ .‬أما‬ ‫يف تركيا‪ ،‬الدولة العضو يف حلف شامل األطليس‪ ،‬فقد‬ ‫ا ّتسم املوقف األمرييك حيال القضية الكردية هناك‬ ‫بالتذبذب‪ ،‬حيث أن واشنطن أدرجت “حزب العامل‬ ‫الكردستاين” عىل قوائم اإلرهاب من جهة‪ ،‬ومن جهة‬ ‫أخرى واصلت دعواتها إىل احرتام الحقوق الكردية‬ ‫ضمن مساعي دعم جهود الدمقرطة يف تركيا‪.‬‬ ‫أما يف سوريا‪ ،‬فاألمريكيون أنفسهم بالكاد بدؤوا‬ ‫االلتفات إىل األكراد السوريني مطلع األلفية الجديدة‪،‬‬ ‫ثم‬ ‫بعد صمت مطبق حيالهم طيلة عهد األسد األب‪ّ ،‬‬ ‫تغي املوقف نتيجة التحوالت التي طرأت عىل املشهد‬ ‫ّ‬ ‫وخاص ًة بعد‬ ‫السوري خالل الثورة ثم الحرب السورية‪ّ ،‬‬ ‫ظهور تنظيم “الدولة اإلسالمية” أو “داعش”‪ ،‬حيث‬ ‫اعتمد األمريكيون بشكل كبري عىل جهود املقاتلني‬ ‫األكراد وقدّموا لهم الدعم العسكري املبارش لقتال‬ ‫التنظيم‪ ،‬وبالفعل أفىض التعاون بني الجانبني إىل‬ ‫هزمية التنظيم اإلرهايب‪ .‬لكن نهاية التنظيم تبعها‬ ‫تبدّل كبري يف عالقة الواليات املتحدة مع الحلفاء‬ ‫األكراد‪ ،‬وهو ما سمح لرتكيا‪ ،‬عد ّو األكراد األبرز‪ ،‬بتنفيذ‬ ‫عمليات عسكرية ضدّهم داخل األرايض السورية‪،‬‬ ‫كان آخرها “نبع السالم”‪.‬‬

‫ما سبق يؤ ّكد أن القضية الكردية مل تكن يف أي وقت‬ ‫شأناً كردياً خالصاً‪ ،‬ويخطئ من يعتقد ّأن بإمكان‬ ‫األكراد فرض إرادتهم عىل اآلخرين‪ ،‬شأنه شأن من‬ ‫يعتقد بإمكانية فرض إرادة اآلخرين عليهم‪ .‬فالتأثري‬ ‫الحاسم للعوامل اإلقليمية والدولية يجعل من‬ ‫املوضوع قضية وطنية بامتياز يف سوريا كام يف غريها‬ ‫من الدول املعنية‪ ،‬وهذا يتأىت أيضاً من تباين تجربة‬ ‫النضال الكردي تبعاً الختالف ظروف وخصائص‬ ‫تلك الدول‪ .‬وتط ّور القضية الكردية يف ٍّ‬ ‫كل منها هو‬ ‫بالرضورة جزء من التحوالت التي تصيب البلد املعني‪،‬‬ ‫مبا لها من نتائج عىل املستوى الوطني‪.‬‬ ‫ّإن املدخل األساس الذي ال غنى عنه للتخ ّفف من‬ ‫عبء العبث اإلقليمي والدويل يف القضية الكردية‪،‬‬ ‫وتالياً فك الكثري من العقد التي لطاملا جعلتها عصية‬ ‫عىل الحل‪ ،‬يكمن يف التفاهم وتسوية الخالفات‬ ‫الكردية‪ -‬الكردية‪ ،‬بالتوازي مع إيجاد صيغ متينة من‬ ‫التعاون والرشاكة الفعلية مع بقية شعوب املنطقة‪ ،‬يف‬ ‫ضوء املصالح املشرتكة‪.‬‬ ‫فإذا كان تشدّد األنظمة املختلفة يف املنطقة حيال‬ ‫األكراد ورفض االعرتاف بحقوقهم سبباً رئيسياً يف‬ ‫معاناتهم ّ‬ ‫وتعث قض ّيتهم‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬فالصحيح‬ ‫أيضاً ّأن تشدّدهم حيال رشكائهم من شعوب املنطقة‪،‬‬ ‫الذين هم بدورهم ضحايا لألنظمة نفسها‪ ،‬لن يكون‬ ‫السبيل إىل ّ‬ ‫حل قضيتهم‪ ،‬السيام مع كل التعقيدات‬ ‫التي تكتنفها‪ ،‬وهو ما تؤ ّكده وقائع التجربة التي‬ ‫خيضت يف مناطق الجزيرة السورية رشق نهر الفرات‪،‬‬ ‫أو “روجافا‪/‬غرب كردستان” وفق التسمية الكردية‪.‬‬


‫غازي دحمان‬

‫االنسحاب األمريكي‬ ‫يزعزع استقرار المنطقة‬

‫مل يعد السؤال مجدياً عن مدى صوابية قرار دونالد‬ ‫ترامب باالنسحاب يف هذا التوقيت من سوريا‪،‬‬ ‫األمر حصل وصار هناك واقع جديد‪ ،‬يصعب حتى‬ ‫عىل أمريكا نفسها تغيريه‪ .‬واألجدى البحث عن‬ ‫مخارج جديدة من هذا املأزق‪ ،‬وإن كانت هذه‬ ‫املخارج تبدو بعيدة جداً‪ ،‬كام ال ميكن التعويل‬ ‫عىل إمكانية تدخل حلف الناتو لس ّد الفراغ الذي‬ ‫تركته أمريكا‪ ،‬ألن الفكرة جاءت متأخرة جداً‪.‬‬ ‫املنطق يقول إن املخرج األكرث إمكانية هو اتحاد‬ ‫املترضرين‪ ،‬وهم جميع املكونات السورية‪ ،‬التي‬ ‫انكوت بنريان الديكتاتورية وتدخالت القوى‬ ‫األجنبية‪ ،‬وإذا كان هذا األمر ممكناً من الناحية‬ ‫النظرية‪ ،‬إال أن تطبيقاته عىل األرض تبدو صعبة‬ ‫يف ظل وجود نخب وقيادات مرتهنة للخارج‪ ،‬عىل‬ ‫األقل يف الوقت الراهن‪.‬‬

‫العدد ‪2019 / 11 / 4 - 89 -‬‬

‫السوري‪ ،‬إذ أن جميع هذه األطراف‪ :‬روسيا‬ ‫وإيران وتركيا‪ ،‬كانت تدرك مدى قدرة أمريكا يف‬ ‫التأثري عىل الوضع النهايئ يف سوريا‪ ،‬وأنها مبواردها‬ ‫العسكرية والدبلوماسية قادرة عىل جعل استقرار‬ ‫تلك األطراف يف سوريا أمراً دونه عقبات كثرية‪ .‬لذا‬ ‫حاولت هذه األطراف تجنب الدخول يف نزاعات‬ ‫مبارشة معها‪ ،‬كام أنها‪ ،‬وهذا األهم‪ ،‬اضطرت يف‬ ‫بعض األحيان إىل تخفيض سقف مشاريعها‪،‬‬ ‫واملثال عىل ذلك تأثري الوجود األمرييك عىل‬ ‫مرشوع طريق إيران الربي من العراق إىل لبنان‬ ‫مروراً بسوريا‪.‬‬ ‫مينح االنسحاب األمرييك اليوم هذه األطراف‪،‬‬ ‫انتصاراً سه ًال‪ ،‬ويعيد الحيوية ملشاريعها يف‬ ‫سوريا‪ ،‬كام يعطيها املجال لنقض تعداتها السابقة‬ ‫بخصوص العملية السياسية يف سوريا‪ .‬واملعلوم‬ ‫أن هذه األطراف تطمح إىل هندسة الحلول يف‬ ‫سوريا مبا يناسب مصالحها‪ ،‬وقد أسست لهذه‬ ‫منصة أستانة يف محاولة منها ألخذ الحل‬ ‫الغاية ّ‬ ‫السيايس إىل املطارح التي تبتغيها‪ .‬واليوم بعد‬ ‫االنسحاب األمرييك مل يعد مثة عائق يحيلها من‬ ‫تنفيذ رغباتها ومطامحها يف سوريا‪ .‬أما الرهان‬ ‫عىل تضارب أجنداتها واحتامالت اختالفها‪ ،‬فهو‬ ‫رهان غري صحيح‪ ،‬عىل اعتبار أن هذه األطراف قد‬ ‫عملت يف السنوات السابقة عىل تشبيك عالقاتها‬ ‫البينية بدرجة كبرية‪ ،‬وهي قادرة عىل استيعاب أي‬ ‫خالف بينها‪.‬‬ ‫املشكلة يف األمر‪ ،‬أن أمريكا تغادر سوريا عىل‬

‫جثة مجتمعات محل ّية محطمة‪ ،‬استنزفتها سنوات‬ ‫رصاع طويلة‪ ،‬وخرست نخبة أبنائها يف ساحات‬ ‫الرصاع‪ .‬كام ال يوجد سند إقليمي لها‪ .‬وستجد‬ ‫نفسها مضطرة إىل القبول بتسويات تفرضها سلطة‬ ‫األمر الواقع‪ :‬روسيا وحلفاؤها‪ .‬األمر الذي من شأنه‬ ‫دفع هذه املجتمعات إىل البحث عن حلول أخرى‪،‬‬ ‫قد يكون التطرف أحدها‪ ،‬وعودة األمور تالياً إىل‬ ‫مربع رصاع األصوليات والديكتاتوريات‪ ،‬وهو‬ ‫الرصاع الذي من املفرتض أن التطورات تجاوزته‬ ‫لصالح حل سيايس بإرشاف دويل‪ ،‬بعد أن دفعت‬ ‫تلك املجتمعات أمثاناً مرتفعة للوصول إليه‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫يزيد انسحاب القوات األمريكية من سوريا‬ ‫تعقيدات الوضع املع ّقد أص ًال؛ وذلك بإخالله‬ ‫للتوازنات التي تأسست عىل مدار السنوات‬ ‫الفائتة‪ ،‬ويرتك فراغات هائلة لقوى وأطراف ثبت‬ ‫أنها غري قادرة عىل إخراج البالد من أزمتها‪ ،‬فض ًال‬ ‫عن امتالكها ملشاريع جيوسياسية من شأنها التأثري‬ ‫عىل ما تبقى من استقرار يف سوريا‪.‬‬ ‫كانت السنوات السابقة كافية ملعرفة طبيعة‬ ‫املشاريع التي تروم األطراف اإلقليمية وروسيا‬ ‫تنفيذها يف سوريا‪ .‬الجميع وضع أوراقه عىل‬ ‫الطاولة‪ ،‬والجميع صنعوا رسديات وذرائع تسند‬ ‫مشاريعهم؛ من محاربة اإلرهاب إىل الحفاظ عىل‬ ‫وحدة األرايض السورية‪ ..‬أما عيونهم فقد كانت‬ ‫مص ّوبة بإتجاه حجم الغنائم املمكن تحقيقها من‬ ‫سوريا املريضة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫التدخل األمرييك‪ ،‬وإن جاء متاخرا سنوات عن‬ ‫الوعد الذي أطلقه رئيس اإلدارة األمريكية السابق‬ ‫باراك أوباما‪ ،‬من أن بالده ستتدخل حال استخدم‬ ‫نظام األسد األسلحة الكياموية‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬فإن هذا‬ ‫التدخل الضعيف واملتأخر‪ ،‬فرض سياقاً جديداً‬ ‫لألحداث‪ ،‬وأوجد معادلة أجربت الالعبني اآلخرين‬ ‫املس بها‪.‬‬ ‫عىل الحذر من اخرتاقها أو محاولة ّ‬ ‫انبنت املعادلة األمريكية عىل رضورة إيجاد حل‬ ‫لألزمة السورية وفق مقتضيات قرارات مجلس‬ ‫األمن ذات الصلة‪ ،‬وخاصة القرار ‪ 2254‬الذي‬ ‫يطالب بإجراء عملية انتقال سيايس‪ ،‬والتوصل‬ ‫إىل تسوية سياسية دامئة لألزمة‪ ،‬وتشكيل هيئة‬ ‫حكم ذات مصداقية‪ ،‬وتشمل الجميع وغري‬ ‫طائفية‪ ،‬واعتامد مسار صياغة دستور جديد‪.‬‬ ‫وكانت الواليات املتحدة األمريكية قد م ّررت هذه‬ ‫املطالب يف بيان فينا‪ ،‬قبل ذلك‪ ،‬وضمنت موافقة‬ ‫أغلبية دولية‪ ،‬من ضمنها روسيا‪ ،‬وهو ما مهد‬ ‫لصدور القرار ‪ 2254‬دون اعرتاض‪.‬‬ ‫وساهم الوجود العسكري األمرييك يف رشق سوريا‪،‬‬ ‫يف تقوية موقف واشنطن السيايس‪ ،‬ودعم أوراقها‬ ‫يف مواجهة األطراف األخرى املنخرطة يف الرصاع‬

‫‪9‬‬


‫نحو إعالم مهني ونسوي‬ ‫شبكةالصحفياتالسوريات‬

‫‪10‬‬

‫واإلعالم الحساس لقضايا الجندر‬ ‫شادن عبد الرحمن *‬ ‫العدد ‪2019 / 11 / 4 - 89 -‬‬

‫بدأت مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات كمبادرة نسوية قادتها‬ ‫الصحفيتان روال أسد وميليا عيدموين مع بداية الحراك الشعبي‬ ‫املناهض لنظام األسد يف سوريا عام ‪ ،2011‬واتخذت املؤسسة شكلها‬ ‫الحايل يف بداية عام ‪ 2013‬لتعمل عىل بناء جسور بني اإلعالم والحراك‬ ‫النسوي السوري بالداخل السوري من جهة‪ ،‬ودول اللجوء من جهة‬ ‫ثانية‪ ،‬عرب العمل عىل بناء قدرات الصحفيات والعامالت يف املجال‬ ‫اإلعالمي ومتكني النساء للوصول إىل مناصب قيادية يف مؤسساتهن‪.‬‬ ‫وتعنى املؤسسة بتسليط الضوء عىل الخطاب اإلعالمي وتقديم‬ ‫نقد جندري لهذا الخطاب من خالل البحث والتحليل الدوريني‪،‬‬ ‫والذي تقوم به خبريات يف مجال الجندر والنسوية‪ ،‬سعياً لتحسني‬ ‫صورة النساء يف وسائل اإلعالم السورية وتحقيق العدالة االجتامعية‬ ‫واملساواة بني الجنسني‪.‬‬ ‫ومنذ تأسيسها حتى اآلن‪ ،‬عملت املؤسسة عىل تدريب ما يزيد عن‬ ‫‪ 250‬من الصحفيني والصحفيات والنساء واليافعات عىل الكتابة‬ ‫املراعية للنوع االجتامعي‪ ،‬باإلضافة إىل ورش عمل تتناول أساسيات‬ ‫العمل الصحفي‪ .‬كام بلغ عدد املستفيدات الصحافيات والصحافيني‬ ‫والناشطات اإلعالميات حوايل ‪ 150‬صحفية وصحفي‪.‬‬ ‫سالمة وأمن الصحفيات‬ ‫منذ تأسيسها تعمل الشبكة عىل رفع مستوى الوعي حول السالمة‬ ‫املهنية من خالل توفري تدريبات للصحفيات والصحفيني‪ ،‬بهدف خلق‬ ‫املعرفة يف كيفية إدارة وتحليل املخاطر‪ ،‬وأولويات ومعوقات السالمة‪،‬‬ ‫وتسليط الضوء عىل التحديات التي تواجه الصحفيات واملدافعات عن‬ ‫حقوق اإلنسان تحديداً خالل عملهنّ ‪ ،‬وتعزيزاً لدور املؤسسة يف رفع‬ ‫الوعي حول أمن وسالمة الصحفيات واملدافعات‪ .‬كام أطلقت مؤسسة‬ ‫الصحفيات السوريات دلي ًال للسالمة‪ ،‬تطرح فيه تقنيات وآليات عملية‬ ‫للصحافيات والعامالت باملنظامت ملواجهة التحرش مبكان العمل‬ ‫وخارجه‪ ،‬وبناء ثقتهن بأنفسهن يف أثناء عملهن امليداين‪ .‬باإلضافة إىل‬ ‫تدريبات‬ ‫أنها قدمت لجهات ومنصات صحافية إعالمية سورية رشيكة‬ ‫ٍ‬ ‫يف مجال األمن الرقمي للصحفيني والصحفيات والعاملني والعامالت يف‬ ‫منظامت املجتمع املدين النسوي‪.‬‬

‫أما يف مجال االستشارات القانونية‪ ،‬أطلقت املؤسسة دلي ًال إرشادياً يف شهر‬ ‫حزيران (يونيو) ‪ 2019‬حمل اسم‪“ :‬حرب مو ناشف” حول القوانني اإلعالمية يف‬ ‫‪ 5‬دول إقليمية‪ ،‬أعدته املحامية ومستشارة املؤسسة القانونية رهادة عبدوش‬ ‫ليسلط الضوء عىل الحساسية للنوع االجتامعي يف قوانني ومواثيق الرشف‬ ‫اإلعالمية يف كل من سوريا وتركيا والعراق واألردن ولبنان‪.‬‬ ‫معرفة نسوية “تقاطعية”‬ ‫تركز مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات عىل إنتاج معرفة نسوية متنوعة‬ ‫“تقاطعية” عرب برنامجها “جندر رادار” الذي يهتم برصد املحتوى اإلعالمي‬ ‫يف املؤسسات اإلعالمية السورية التي ظهرت بعد عام ‪ ،2011‬وإنتاج دراسات‬ ‫دورية لتحليل ونقد الخطاب اإلعالمي جندرياً‪ ،‬من خالل زيارات ميدانية‬ ‫وحلقات تدريبية‪ ،‬وتقديم استشارات لتطوير التفكري النقدي داخل املؤسسات‬ ‫اإلعالمية باإلضافة لكتابة ومناقشة توصيات بغية تطوير السياسة التحريرية‬ ‫بطريقة تشاركية‪ .‬كام يساعد برنامج “جندر رادار” عىل خلق بيئة إعالمية‬

‫تتمة ص ‪....12‬‬


‫المرأة ‪ ...‬زهر الربيع العربي وعصب ثوراته‬ ‫نبيل شوفان‬

‫العدد ‪2019 / 11 / 4 - 89 -‬‬

‫يف سوريا وتونس ومرص واليمن‪ ،‬والحقاً يف السودان ولبنان والعراق‬ ‫والجزائر‪ ،‬ش ّكلت النساء خط الدفاع األول عن مطالب الشعب‪ ،‬يف‬ ‫ثورات مل تكن أبداً حكراً عىل الرجال؛ فوضعن أنفسهن يف مواجهة‬ ‫الفساد والقمع‪ ،‬واملجتمع الثائر عىل حد سواء‪.‬‬ ‫من الطبيعي أن املرأة يف كل الدول التي شهدت ثورات واحتجاجات‪،‬‬ ‫صارت معنية بالتظاهرات املطلبية؛ فإضافة لتطابق مطالبها مع مطالب‬ ‫الرجل كمواطن يحلم بتحقيق الدميقراطية والتغيري ومحاربة الفساد‪،‬‬ ‫واستعادة األموال املنهوبة‪ ،‬تبدو املرأة منقوصة الحقوق عن الرجل‬ ‫نفسه‪ ،‬وبالتايل كان وجودهن عىل األرض رضورة‪.‬‬ ‫ويف تونس استبسلت املرأة بعد عام ‪ ،2011‬يف الدفاع عن حقوقها‪،‬‬ ‫فحصلت عىل تعديالت دستورية كبرية عىل صعيد مساواتها مع الرجل‪،‬‬ ‫كالقانون االنتخايب وجوازات السفر‪ ،‬وإلغاء تحفظات جمهورية تونس‬ ‫عىل اتفاقية “سيداو” املتعلقة بالقضاء عىل كل أشكال التمييز ضد‬ ‫املرأة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويف لبنان وتقديرا لدور املرأة اللبنانية‪ ،‬كانت جريدة النهار سباقة يف‬ ‫خاصاً لزهرة الثورة‪،‬‬ ‫خاصة للمرأة الثائرة‪ ،‬فأصدرت عدداً ّ‬ ‫إرسال تح ّية ّ‬ ‫“نهارك”‪ ،‬مضيفة كلمة “للنساء” يف النشيد‬ ‫وغيت فيه اسم الجريدة إىل‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫الوطني يف املقطع الذي يقول “سهلنا والجبل منبت للنساء والرجال”‪،‬‬ ‫تقديراً لدورها الفعال يف االنتفاضة الجارية‪.‬‬ ‫ويف السودان تحولت الناشطات الاليت شاركن يف الثورة إىل أيقونة‬ ‫(الكنداكة)‪ ،‬ويف الحكومة الجديدة حصلت النساء عىل وزارات هامة‬ ‫وسيادية كالخارجية‪ ،‬فيام بدأت املرأة معركة تحصيل حقوقها كاملة‬ ‫هناك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويف العراق الذي ما يزال يعيش أياما دامية‪ ،‬تتعرض الناشطات‬ ‫لالختطاف واالعتقال والقتل‪ ،‬ألنهن محرك االحتجاجات‪ ،‬فام إن‬ ‫تظاهرت املرأة العراقية‪ ،‬حتى مل يبقَ رجل يف بيته‪ ،‬وغصت ساحات‬ ‫التعبري عن املطالب مبئات اآلالف من األمهات الاليت خبزن الرغيف‪،‬‬ ‫والشابات الاليت يقمن بدور بطويل يف إسعاف الجرحى من املتظاهرين‪،‬‬ ‫فكتب فيها العراقيون بلهجتهم الجميلة أقوى القصائد التي انترشت‬ ‫األسبوع الفائت عىل مواقع التواصل متغزلني بجاملها ومادحني قوتها‪.‬‬ ‫ويف سوريا التي عاشت ثورتها حالة قمع شديد‪ ،‬ومع ظهور تيارات‬ ‫إسالمية متشددة نجحت أحياناً بالسيطرة عىل املشهد‪ ،‬فإن ما قدمته‬ ‫املرأة من نشاط سيايس ومدين وميداين وإعالمي‪ ،‬تحول يف بعض‬ ‫األحيان‪ ،‬إىل كابوس‪ ،‬كام حصل مع رزان زيتونة وسمرية الخليل وغريهام‬ ‫يف منطقة تحت سيطرة ما كان يسمى جيش اإلسالم‪.‬‬ ‫ورغم قتامة الصورة إال أن املرأة السورية‪ ،‬أصبحت فاعلة عىل كافة‬ ‫األصعدة‪ ،‬يف أماكن غياب النظام القمعي‪ ،‬والحركات اإلسالمية‪.‬‬

‫إن إقرار قوانني كاملساواة يف املرياث‪ ،‬والحامية من العنف األرسي‪ ،‬وحقّ حصول‬ ‫األبناء عىل الجنسية‪ ،‬والدفاع عن حق النساء يف التعليم والعمل والتعبري واللباس‬ ‫واختيار الرشيك‪ ،‬والعمل عىل تغيري نظرة املجتمع للمرأة كجسد وجامل وجنس‬ ‫ملحة تحتمل طرحها اآلن‪ ،‬عىل عكس ما يروج البعض‬ ‫وإنجاب ومطبخ‪ ..‬قضايا ّ‬ ‫بأن طرحها ما زال مبكراً‪ ،‬وإال ستصبح النساء ضحية ثورات هنّ أشعلنها‪.‬‬ ‫حتى يف السعودية أذابت نار الثورات العربية‪ ،‬وكفاح املرأة السعودية املستميت‪،‬‬ ‫الجليد عن الحديث حول حقوقهن بأقل تقدير‪ ،‬فنالت حقها يف القيادة‪ ،‬والسفر‬ ‫بدون وكيل‪.‬‬ ‫ويف النهاية فهذه جردة قصرية‪ ،‬عن رحلة النساء العربيات‪ ،‬داخل قطار الثورات‪،‬‬ ‫يف رحلة ما تزال يف بداياتها‪ .‬لكن لنتذكر‪ ،‬ونذكر‪ ،‬أن ما قبل عام ‪ ،2011‬كان‬ ‫الباحث عن حقوق النساء يف اثنني وعرشين دولة عربية‪ ،‬كالباحث عن كلمة‬ ‫“حرية” يف سجون وأقبية تلك الدول‪.‬‬ ‫بقي عىل الثورات أن تر ّد الجميل لصانعاتها‪ ،‬فال تقصيها من الحياة العامة‪ ،‬عىل‬ ‫املستويات السياسية‪ ،‬واالجتامعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬وليتجرأ شبابنا عىل‬ ‫تجاوز النظرة الناقصة‪ ،‬ومامرسة اإلرهاب املعنوي‪ ،‬عىل ناشطة قررت مبلء إرادتها‬ ‫خلع أو ارتداء حجابها‪ ،‬أو أخت أح ّبت شاباً‪ ،‬أو مهندسة تقوده‪ ،‬أو صحفية ترأسه‪،‬‬ ‫أو رشطية توجه له املالحظات‪ ..‬فبالد عظيمة تقودها اليوم نساء بحجم وطن‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫انتهاك كرامة النساء السوريات‪..‬‬

‫‪12‬‬

‫سالح استخدمته الجهات المتحاربة‪ ،‬ولعنة الحقت الجميع‬ ‫هنادي زحلوط‬

‫العدد ‪2019 / 11 / 4 - 89 -‬‬

‫رمبا كان الفتاً أن كل األطراف يف الحرب السورية‬ ‫أرصت عىل استخدام النساء كرهائن حرب للضغط‬ ‫عىل األطراف األخرى التي أدخلت البالد يف حروب‬ ‫عبثية‪ .‬كام مل تسلم رشيحة كبرية من السوريني من‬ ‫هذا االنتهاك؛ فالثائرات السوريات كنّ ‪-‬والزلن‪-‬‬ ‫مستهدفات بشكل مبارش من قبل النظام السوري‪،‬‬ ‫فكان يعتقلهن ويودعهن السجون والزنازين‬ ‫االنفرادية‪ ..‬وشهدت سجون النظام حاالت العتقال‬ ‫نساء حوامل وأخريات مع أطفال صغار‪ ،‬إىل جانب‬ ‫نساء يعانني من أمراض مزمنة ومستعصية‪ .‬وكان‬ ‫تركيز النظام دوماً بالضغط عىل املرأة وأرستها؛‬ ‫فمرات كانت هي املستهدفة من االعتقال‪ ،‬وقد‬ ‫تعتقل للضغط عىل زوجها أو أخوتها ووالدها‪،‬‬ ‫لتسليم أنفسهم‪ ،‬أو لتحقيق تراجع ما عن‬ ‫مواقفهم‪.‬‬ ‫بلغ عدد النساء السوريات املعتقالت يف سجون‬ ‫النظام عرشات اآلالف‪ ،‬ويف ظل الحالة السورية‬ ‫يستحيل توثيق ومعرفة األرقام الدقيقة ووجود‬ ‫إحصاءات‪ ،‬عىل الرغم من الجهود التي تبذلها‬ ‫منظامت حقوق اإلنسان والشبكات املعنية بهذا‬ ‫املجال‪،‬إذ تم تسجيل شهادات لنساء تم تعذيبهن‬ ‫بالكريس األملاين وبالرضب املربح! وأظهرت صور‬ ‫قيرص صوراً لنساء قتلن وتم وضع رقم عىل‬ ‫تنحن‪ ،‬وتحولت القضية إىل رقم‬ ‫جباههن التي مل ِ‬ ‫ليس أكرث‪ ،‬يف بلد مزقته نريان الحرب‪.‬‬ ‫نساء أخريات تعرضن لالغتصاب‪ ،‬ومل تكن‬ ‫الخارجات من هذا الجحيم بقادرات عىل أن‬ ‫يفخرن باعتقالهن‪ ،‬وهذا ما عمد النظام إىل‬ ‫مامرسته عىل املدى البعيد‪ ،‬فرتك االعتقال ندوباً‬ ‫عميقة عىل نفوس النساء والفتيات‪ ،‬يف مجتمع‬ ‫رشقي محافظ ما زال بعض مواطنيه يرون يف املرأة‬ ‫“عورة” ال يحقّ لها التحدث أو االعرتاض‪ ،‬ويرون‬ ‫أنها خلقت للمنزل واألوالد فقط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وعندما أراد مقاتلو املعارضة املسلحة الضغط‬ ‫واملطالبة بتحرير املعتقالت لدى النظام ارتكبوا‬ ‫الجرمية ذاتها باعتقال نساء أخريات‪ ،‬مثل راهبات‬

‫مسيحيات! طبعاً مع الفارق الكبري يف املعاملة‪،‬‬ ‫لكن اعتقال الراهبات أعاد لألذهان رواية اضطهاد‬ ‫املسيحيني يف الرشق الذي أوغل بحروب ال‬ ‫متناهري‪ ،‬بينام الرواية الصحيحة أو رمبا التي تحتاج‬ ‫تصحيحاً صغرياً وهو أن كل الطوائف مضطهدة‬ ‫يف رشق الديكتاتوريات‪ ،‬حيث ال مواطنة ح ّقة بل‬ ‫عبودية أرادها الحاكم غري سامح بسواها‪.‬‬ ‫وعىل سبيل املثال ال الحرص‪ ،‬أراد مقاتلو جبل‬ ‫األكراد يف الالذقية املطالبة بإطالق رساح معتقالت‬ ‫ومعتقلني لدى النظام من الالذقية وريفها ومن‬ ‫جبلة‪ ،‬اختطفوا نساء علويات مع أطفالهن وهم‬ ‫واهمون أن بإمكانهم الضغط عىل النظام بهذه‬ ‫الطريقة إلطالق رساح املعتقلني‪.‬‬ ‫مل يحرك النظام ساكناً من أجل هؤالء املختطفات‪،‬‬ ‫بل استثمر القضية يف هذا الفعل ليظهر عىل مؤيديه‬ ‫وجمهور الساحل بروايته القدمية حول استهداف‬ ‫العلويني‪ ،‬سيام مع فرض مقاتيل املعارضة الحجاب‬ ‫عىل النساء والفتيات العلويات الصغار الذين قاموا‬ ‫باختطافهن‪ ،‬وأظهروهن يف فيديوهات متعددة‬ ‫ويف أكرث مرة محجبات حزينات ومنكرسات‪ .‬ومل‬ ‫تنفع الكثري من املناشدات لهذه الفصائل بالكف‬ ‫عن استخدام النساء أدوات ضغط ألن هذا ال‬ ‫يقدم سوى اإلساءة لهم ومساواتهم بالنظام الذي‬ ‫يحاربونه؛ فالنظام الال أخالقي الذي خرجوا ضدّه‬

‫بثورة حرية وكرامة مل يوفقوا يف األدوات التي‬ ‫اختاروها‪ ،‬وجابهوا اعتقال النساء واألطفال بفعل‬ ‫من ذات السو ّية األخالقية‪.‬‬ ‫غري أن الحالة مستمرة حتى يومنا هذا حيث تظهر‬ ‫مجدداً هذه اآلفة األفعال الال أخالقية‪ ،‬فرنى أحد‬ ‫قادة الفصائل السابقة يأرس مقاتلة كردية منتسبة‬ ‫لوحدات حامية املرأة الكردية‪ ،‬ويفاجر باعتقالها‪،‬‬ ‫ويقوم بأخذ صورة سيلفي أثناء اعتقالها مع ثلة‬ ‫من الرجال الذين ظهر عليهم االنتشاء والسعادة‬ ‫والنرص التاريخي كونهم انترصوا عىل النظام‬ ‫وتحققت أهدافهم باعتقال هذه املقاتلة وهي‬ ‫مصابة وجريحة!‬ ‫تعود هذه املرأة لتظهر يف صورة أخرى عىل رسير‬ ‫مرسب بأنها تعالج يف تركيا وهو‬ ‫مستشفى مع خرب ّ‬ ‫ما ييش بتسليمها إىل السلطات الرتكية من قبل‬ ‫مختطفيها “الوطنيني” بالطبع لسنا هنا ندافع‬ ‫عن قوات سوريا الدميقراطية وفصيل الوحدات‬ ‫الكردية التي تنتسب إليه املقاتلة‪ ،‬لكننا ندافع عن‬ ‫حق هذه املرأة ولو كانت مسلحة مقاتلة‪ ،‬وكل‬ ‫النساء املعتقالت بحاميتهن واحرتام االتفاقيات‬ ‫الدولية املتعلقة بأرسى الحروب‪ ،‬وعدم إجبارهن‬ ‫عىل التصوير‪ ،‬أو تعذيبهن أو إهامل عالجهن‪ ،‬أو‬ ‫إيذائهن نفسياً وجسدياً‪ ،‬وهي اتفاقيات تم انتهاكها‬ ‫من قبل كل األطراف املتحاربة عىل األرض السورية‪.‬‬


‫نحو إعالم مهني ونسوي‬

‫‪13‬‬

‫‪ ....‬تتمة من ص ‪10‬‬

‫* مسؤولة التواصل يف شبكة الصحفيات السوريات‬

‫العدد ‪2019 / 11 / 4 - 89 -‬‬

‫تستطيع املرأة أن تكون مدنية أو عسكرية‬ ‫أو سياسية أو ناشطة مدنية‪ ،‬هذه خياراتها‪،‬‬ ‫لكن أياً من ذلك ليس سبباً العتقالها‬ ‫وتعذيبها وانتهاك حريتها وخصوصيتها‬ ‫وكرامتها‪ ،‬تستطيع املرأة أن تكون معارضة‬ ‫أو موالية لكن ذلك ال يجب أن يجعلها‬ ‫أداة للضغط عىل الطرف اآلخر بانتهاك‬ ‫حرمتها وإجبارها عىل ما ال ترغب فيه‪.‬‬ ‫فهؤالء املسلحون ‪-‬عىل مختلف انتامءاتهم‬ ‫ووالءاتهم العسكرية‪ -‬من كل األطراف‬ ‫فشلوا يف إقناعنا بأحقيتهم يف استالم زمام‬ ‫األمور‪ ،‬ألننا مل ن َر عىل أيديهم سوى سلسلة‬ ‫غري منتهية من االنتهاكات بحق البالد‬ ‫والعباد‪ ،‬طالت األرض والشجر والحجر‪،‬‬ ‫ومل متيز النساء والرجال‪ ،‬األطفال الصغار‬ ‫والشباب والعجز‪.‬‬ ‫مل يستطع املسلحون يف النظام أو املعارضة‬ ‫أن يروا فينا مواطنني متساوين قادرين عىل‬ ‫اإلعراب عن قناعاتنا دون أن يستخدمونا‬ ‫للوصول إىل السلطة‪ .‬لقد اغتنى أمراء‬ ‫الحرب عىل حساب انتهاك كرامة الناس‬ ‫وعىل حساب دقائق عمرهم‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي تركوا فيه أحبة أحوج ما يكونون‬ ‫إليهم‪.‬‬ ‫يشء واحد بقي نستطيع أن نحلم به‬ ‫نحن الضحايا ونعمل ألجله‪ :‬العدالة لكل‬ ‫من انتهكت إنسانيته بغض النظر عن‬ ‫جنسه وعمره ولونه؛ فالعدالة وحدها‬ ‫اآلن تستطيع أن تجعل البداية من جديد‬ ‫ممكنة‪ ،‬وتعيد األمور إىل نصابها‪ .‬لكننا‬ ‫نحتاج أن نكون أقوياء لنفرض عىل الجناة‬ ‫املثول أمام هذه العدالة املنتظرة‪ .‬وما بني‬ ‫العدالة واملواطنة‪ ،‬طريقنا نحو املستقبل‬ ‫ممكن ولو كان طوي ًال‪.‬‬

‫مهنية معنية بالجنسانية مراعية للفوارق بني‬ ‫الجنسني‪ ،‬ويسعى تعزيز التفكري النقدي أثناء‬ ‫صناعة املحتوى وعمليات اإلنتاج والتقييم‪ ،‬من‬ ‫خالل بناء القدرات واملهارات الصحافية املراعية‬ ‫للحساسية الجندرية‪.‬‬ ‫وكجزء أسايس من برنامج “جندر رادار”‪،‬‬ ‫تعمل املؤسسة عىل تطوير سياسة تحريرية‬ ‫تراعي الفوارق بني الجنسني كنقطة مرجعية‬ ‫للمؤسسات اإلعالمية الرشيكة‪ ،‬كام يهدف‬ ‫الربنامج بالتشارك مع املؤسسات اإلعالمية إىل‬ ‫تحديد الثغرات والفرص املتعلقة باملساواة بني‬ ‫الجنسني‪ ،‬ورصد أي اختالفات يف الفرص وظروف‬ ‫العمل‪ ،‬واملشاركة يف صناعة القرار‪.‬‬ ‫“قالت” وكرس االحتكار الذكوري لإلعالم‬ ‫ومن بني أبرز الربامج التي أطلقتها املؤسسة يف‬ ‫النصف الثاين من العام الجاري‪ ،‬منصة “قالت”‬ ‫نتيجة لتغييب األصوات والخربات النسائية عن‬ ‫التغطيات اإلعالمية‪ ،‬والحاجة إىل تعدد املصادر‬ ‫الصحفية كأساس مهني‪ ،‬وصوالً إىل تغطيات‬ ‫إعالمية شاملة وحساسة للنوع االجتامعي‪ ،‬وهي‬ ‫أول منصة إلكرتونية سورية‪ ،‬تضم حالياً أكرث من‬ ‫‪ 100‬سرية لخبرية سور ّية كمرحلة أوىل من مختلف‬ ‫املجاالت يف السياسة‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬العلوم‪ ،‬حقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬الصحة والبيئة وغريها‪ .‬ومتنح “قالت”‬ ‫النساء فرصة أكرب ملشاركة خرباتهنّ عرب كرس‬ ‫االحتكار الذكوري لتقديم املعلومات والتحليالت‬ ‫عرب وسائل اإلعالم كام تسعى املؤسسة لتدريب‬ ‫وبناء قدرات الخبريات السوريات لتشجعيهن‬ ‫عىل تكثيف ظهورهنّ اإلعالمي‪ ،‬وتساهم عن‬ ‫طريق “قالت” وبناء قدرات النساء يف الرد عىل‬ ‫حجة عدم وجود خبريات كمصادر للمعلومات‬

‫والتحليالت املعمقة‪.‬‬ ‫كام نرشت مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات‬ ‫عرشات املقاالت والتحقيقات واألبحاث بالتعاون‬ ‫مع منصات إعالمية مثل الغارديان وصحفيني‪/‬‬ ‫صحفيات مستقلني‪/‬مستقالت والتي تناولت‬ ‫قضايا مهمشة ومعتم عليها تحقيق بعنوان‬ ‫“النساء يف املناهج التعليمية‪ ..‬ما بني النمطية‬ ‫وخطوة نحو التغيري” والذي يحقق يف املناهج‬ ‫التعليمية يف مناطق حكم النظام السوري‬ ‫وتلك يف مناطق الحكم الذايت أو الحكم املؤقت‬ ‫معتمداً عىل تحليل محتوى هذه املناهج‬ ‫والزيارات امليدانية لتبيان ما إذا كانت متيز ض ّد‬ ‫املرأة وكيفية ذلك‪“ ،‬نريان صديقة ‪ -‬السوريات‬ ‫ومتالزمة السالح والعنف” وهو تحقيق ميداين‬ ‫من بلدة معرتحرمة بالريف الجنويب ملحافظة‬ ‫إدلب يوضح تلك األثار ويسلط الضوء عليها‪،‬‬ ‫و”من رعب الحرب إىل رعب الحدود السورية‬ ‫الرتكية” والتي تتناول قصص السوريني الذين‬ ‫هربوا من القصف واملعاناة يف سوريا قاصدين‬ ‫تركيا حيث أدت عمليات التهريب تلك إىل مقتل‬ ‫‪ 422‬سورياً منذ اندالع الثورة السورية (منهم ‪76‬‬ ‫طفال دون الثامنة عرش‪ ،‬و‪ 38‬امرأة)‪.‬‬ ‫تستمر املؤسسة يف جهودها لألعوام القادمة‬ ‫بالرتكيز عىل سالمة وأمن الصحفيات يف القطاع‪.‬‬ ‫كام ستويل اهتامماً دامئاً ملشاركة املعرفة النسوية‬ ‫وإيجاد سبل عملية لتطبيقها يف مجال اإلنتاج‬ ‫اإلعالمي‪ ،‬دون إغفال أهمية التأكيد عىل رفع‬ ‫حضور النساء يف اإلعالم كخبريات ومصادر‬ ‫للمعلومات يف القطاعات املتعددة‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫البعد هو اتساع المدى‬ ‫بشرى البشوات‬

‫العدد ‪-‬‬

‫‪89‬‬ ‫‪2019 / 11 / 4‬‬

‫أحاول أن أنظر إىل هذه املدينة بقلب املحب‪،‬‬ ‫ال بع ْينه‪ ،‬بعد ثالث سنوات من اإلقامة الرسم ّية‬ ‫هنا‪ .‬لقد حفظت شوارعها ومناطقها وطرقاتها‬ ‫األساس ّية وصار بإمكاين أن أستدل عىل أي‬ ‫َمعلم فيها بسهولة ويرس‪ ،‬لقد تعلمت هنا‬ ‫وللمرة األوىل كيف أستخدم خرائط (‪)GPS‬‬ ‫ورصت أعرف قراءة مواعيد الرحالت يف ّ‬ ‫كل من‬ ‫الحافالت والقطارات‪.‬‬ ‫أنا بعافية قلي ًال‪ ،‬بعد ثالثة أعوام و ُبعد‪ ،‬من‬ ‫السكن يف مدينة ساحلية‪ ،‬مبحاذاة بحر البلطيق‬ ‫(املسطح املايئ األكرب الذي متتزج فيه املياه‬ ‫املالحة بالعذبة) رمبا هذا يفرس ّيل شعوري‬ ‫املتناقض جهة هذا البحر بني الحب والكره‬ ‫ويخلق عندي ُبعداً ما!‬ ‫أنا بعافية ً‬ ‫قليل‪.‬‬ ‫أمي التي‬ ‫مل يعن يل البحر شيئاً سوى حزين عىل ّ‬ ‫مل تره ولو ملرة يف حياتها!‬ ‫أعيش يف عاصمة املقاطعة‪ ،‬يبعد بيتي عن مركز‬ ‫املدينة ما يقارب ثالثة كيلو مرتات‪ ،‬يف حني كان‬ ‫يبعد بيتي يف دمشق عن مركزها ما يقارب عرشة‬ ‫كيلو مرتات‪ ..‬شتان بني البعدين!‬

‫ثقافة‬

‫األبعاد‪ :‬ال أحب أن أدخل يف لعبة حسابية‪ ،‬أقنع‬ ‫نفيس بأنني كنت وما زلت أعمل فقط بجزء‬ ‫دماغي الذي ال يحب وال يجيد األبعاد والحساب‪.‬‬ ‫يقول الربوفيسور ستيفن ويلسن من كلية لندن‬ ‫الجامعية ملوقع اليف ساينس‪“ :‬إن عدم متاثل‬ ‫الدماغ أم ٌر جوهريٌ لوظيفة الدماغ السليم”‪،‬‬ ‫ويكمل قائ ًال‪“ :‬إن عدم التامثل يسمح لجانبي‬ ‫الدماغ بأن يصبحا متخصصني‪ ،‬مام يزيد من‬ ‫سعة عملياتهام وميكنهام من تجنب حاالت‬ ‫التعارض حيث يحاول كل من جانبي الدماغ أخذ‬ ‫املسؤولية”‪ ..‬أخذ املسؤولية يف أي يشء؟‬ ‫رمبا يف انتقاء طريف البعد!‬ ‫يف كلية اآلداب يف دمشق‪ ،‬تلك الكلية التي دخلتها‬

‫بسنّ متأخرة‪ ،‬متاماً مثل كل أشيايئ املفصلية يف‬ ‫الحياة أصلها متعلقة بالقاطرة األخرية‪ ،‬لدي‬ ‫الشجاعة لالعرتاف بأنني ال أركض كفاية‪ ،‬ألنني‬ ‫قبل ذلك مل أصل وال إىل أي محطة يف املوعد‬ ‫املحدد‪ .‬أنا مث ًال تأخرت بإكامل دراستي‪ ..‬تأخرت‬ ‫يف بيت أيب‪ ،‬فتأخرت يف الحب ثم تأخرت يف‬ ‫الزواج‪ ..‬لكنني بالطبع هرولت بأقىص ما لدي‬ ‫جهة األمومة‪.‬‬ ‫تأخرت يف الخروج من سوريا بعد الثورة ألنني‬ ‫تأخرت يف معرفة البعد بني الشك واليقني‪ ،‬أو بني‬ ‫الفراق والحنني‪ .‬الفراق والحنني يتناسبان طردًا!‬ ‫ها أنا أعود إىل الرياضيات‪ ،‬يف كلية اآلداب‬ ‫يف دمشق‪ ،‬ويف فرتات االسرتاحة‪ ،‬ونحن نبدد‬ ‫الوقت األبله يف رشب القهوة‪ ،‬كنا نتبادل األسئلة‪:‬‬ ‫نتحدث عن البيوت‪ ،‬عن الطريق والبعد‪ ،‬كانت‬ ‫أسئلة من ذلك النوع الذي ال حاجة فيه ملران‬ ‫الذاكرة‪ ،‬يف ذلك الوقت وتلك السنّ سمعت ألول‬ ‫مرة باحتفال الهالوين‪ ،‬وحتى أبدد سحنة الجهل‬ ‫عن وجهي رحت أضحك ببالهة عىل الطرائف‬ ‫التي يلقيها األصحاب وهم يرسدون كيف كانوا‬ ‫يتابعون مجموعة من الصور واحتفاالت هذا‬ ‫اليوم‪ .‬ذلك أيضاً ُبعد ما بني الجهل واملعرفة‪.‬‬ ‫الهالوين‪ :‬يحتفل العامل بالهالوين يف ‪ 16‬من‬ ‫ترشين األول‪ .‬بعد عام ونصف من وصويل إىل‬

‫هذه املدينة الساحلية‪ّ ،‬‬ ‫رن جرس البيت‪ ،‬أمام‬ ‫الباب ثالثة صبية وأمهم بألوان ورسومات‬ ‫وأقنعة وقناديل مضيئة يطرقون بابنا يف هذا‬ ‫الشتاء يريدون حلوى احتفاالً بالهالوين!!‬ ‫غيت‬ ‫عيد القديسني والشهداء واملظلومني‪ ،‬الذي ّ‬ ‫طقوسه فيام بعد الثقافة األمريكية‪ ..‬فصار عيداً‬ ‫آخر‪.‬‬ ‫البعد األخر بني ما سمعت وبني ما رأيت‪ ..‬شتان‬ ‫بني البعدين!‬ ‫كان من الصعب عىل األصدقاء معرفة مكان‬ ‫واسم البلدة التي أسكنها يف جنوب دمشق‪ ،‬وكان‬ ‫لزاماً عيل أن أربطها مبعلم أكرث شهرة وحضوراً‪،‬‬ ‫أقول لهم أسكن بعيدة عن مقام السيدة زينب‬ ‫أقل من كيلو مرت واحد‪.‬‬ ‫“ها تسكنني هناك؟”‪..‬‬ ‫“نعم”‪.‬‬ ‫تعج بالعراقيني؟‬ ‫“هل صحيح أن املنطقة ّ‬ ‫تعج اآلن بالجميع إال أهلها”‪ُ ..‬بعد أخر بني‬ ‫“نعم ّ‬ ‫ما كان وما صار إليه!‬ ‫كنت أه ّز رأيس موافقة‪ ،‬ثم أسرتسل بثقة‬ ‫العارف‪ ،‬وثرثرة الجائع للخرب‪ ،‬كان لدي خرب ّيات‬ ‫حول ذلك‪ .‬ذلك هو البعد‪ -‬املسافة بني ما أعرف‬ ‫وما يجهلون!‬ ‫البعد ثانية‪..‬‬


‫‪15‬‬

‫العدد ‪2019 / 11 / 4 - 89 -‬‬

‫ثقافة‬

‫دمشق الجرداء ومدينتي هذه التي تتقيأ الخرضة‬ ‫مبلء فمها‪ ،‬ينال مني رذاذها‪ ،‬أخفي وجهي‬ ‫بذراعي‪.‬‬ ‫كنت أسكن يف جنوب دمشق‪ .‬يوم خرجت منها‬ ‫كنت يف الثامنة والثالثني‪ ،‬وملا وصلت جبل الزاوية‬ ‫يف إدلب كنت يف نهاية التاسعة والثالثني‪ ..‬هذا ال‬ ‫يعني بأنني استغرقت سنة يف الطريق‪ ،‬لكنه يعني‬ ‫ال ُبعد بني العزم وبني املسري‪.‬‬ ‫يقاس العمر أيضاً باألبعاد؛ أبعاده فيام أنفقتها‪،‬‬ ‫فيم أنفقت سنوايت األربعني حني‬ ‫مل يسألني أحد َ‬ ‫دخلت الحد الفاصل بني الحدود النمساوية‬ ‫األملانية‪.‬‬ ‫الحد الذي عربه هتلر حني مل يكتف بكل أبعاد‬ ‫أملانيا يف العام ‪.1938‬‬ ‫الحد الذي عربه مئات اآلالف ممن خرجوا من‬ ‫سوريا‪ ،‬كل من خرج من سوريا َع َر َف ُبعداً ما؟!‬ ‫مل أعرف الكثري من املطارات يف حيايت؛ املطار األول‬ ‫الذي عرفته كان مطار دمشق ومنه وصوالً إىل‬ ‫مطار القامشيل‪ ،‬وحني كنت بانتظار ولدي ابن‬ ‫الرابعة والنصف وأخطأت برقم البوابة‪ ،‬كان ذلك‬ ‫يف مطار هامبورغ‪ .‬ال عجب أن يس ّموا املطارات‬ ‫باملوانئ‪ .‬البحر إذا‪!..‬‬ ‫يقول محمود درويش‪“ :‬كلنا يف البحر ماء”‪.‬‬ ‫“كلنا”؟‪ ..‬من ُكلنا؟ هل تح ّول السوريون إىل ماء‬ ‫يف بحر إيجه؟‬ ‫يف تقرير عرضته قناة الجزيرة من الشواطئ الليبية‬ ‫عن رجل كانت مهمته املوجعة تنحرص يف جمع‬ ‫أحذية الغرقى عن الشاطئ؛ أحذية أولئك الذين‬ ‫عربوا البحر‪ ..‬بكيت وقتها بشدة‪.‬‬ ‫قال إنه يحفظ هذه املئات بل األالف من األحذية‬ ‫ّ‬ ‫ليظل هو عىل األقل رشيكاً بنسبة من الوجع‪.‬‬ ‫مل يكن ما جمعه أزواجاً من األحذية املتامثلة‪،‬‬ ‫فقط فردات منها‪ ،‬بألوان ومقاسات وماركات‬ ‫مختلفة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫تذكرت جيدا حني عربت جبل الزاوية وف َقد‬ ‫ولديّ ّ‬ ‫كل منهام فردة حذائه‪ ،‬دخلنا تركيا بفردة‬ ‫لكل منهام‪ ،‬دخلنا أول خساراتنا بعرج مع سابق‬ ‫اإلرصار‪.‬‬

‫يف كتابها “ملاذا ال يتذكر الرجال ويستحيل أن تنىس النساء” تقول الدكتورة ماريان جيه‬ ‫تفس قدراً هائ ًال من تعبريات الوجه‪ ،‬أكرث مام يستطيع‬ ‫لجاتو‪“ :‬تستطيع املرأة برباعة أن ّ‬ ‫الرجل‪ ،‬مام يعطيها ميزة التعاطف مع مشاعر األخرين‪.‬‬ ‫وتتمتع املرأة بذاكرة قوية لكل ما تسمعه‪ ،‬ومعنى ذلك أنه ميكنها اسرتجاع نقاط بعينها‬ ‫دارت يف مناقشة نسيها الرجل منذ زمن طويل”‪.‬‬ ‫أتذكر جيداً كيف نبشت املجندة األملانية ثيايب ونبشت مالبس رضيعتي ابنة السنة والنصف‬ ‫حني دخلنا حدودهم يف أواخر سنة ‪.2015‬‬ ‫فعلت ذلك بقلب بارد‪ ،‬ألنها تعرف البعد بني الوطن والشتات!‬

‫عمل للفنان سمير خليلي‬


‫عمل للفنان سمير خليلي‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.