حرية ،كرامة ،مواطنة
العدد 89 2019 / 11 / 4 مجلة نصف شهرية ،سياسية ،ثقافية ،مستقلة
سوريا ولبنان ..وسؤال العولمة
ملف حول استعصاء القضية الكردية المرأة ...زهر الربيع العربي وعصب ثوراته
“متمسكون بلبنان” عمل للفنان فارس خاشوق
لبنان ..وجع الخاصرة
لبنان ..وجع اخلاصرة “انتهى الدرس يا غبي ! “
2
نصار افتتاحية بقلم أسامة ّ
العدد -
2019 / 11 / 4 - 89
من بني كل الحراكات الشعبية يف العامل ،ومنها ما يحدث يف دول عربية ،يختلف تعاطي السوريني وشعورهم تجاه الحراك اللبناين. ال ّ شك أن كل حراكات التحرر يف العامل تعنينا ،وتعني مناشدي الحرية والكرامة من السوريني ،لكننا حكامً مرتبطون ارتباطاً عضوياً مع لبنان والحراك الجاري فيه. وبعيدا ً عن اإلغراق يف إحياء روابط متحفية ،أو اخرتاعها دون خاصاً تجاه لبنان واللبنانيني. معنى ،يحمل السوريون شعورا ً ّ نحاول أن نتتبع كيف ارتسمت صورة البلد الجار يف ضمري السوريني ،فنجد أنه عند قسم معترب منا طاملا كان لبنان وج َع الخارصة ..نتذكر ولوغ النظام السوري يف الحرب األهلية ،ثم وجود جيشه يف البلد مع (حزمة) االنتهاكات املرافقة التي اشتهر بها ،ثم تدخل النظام مبا يخدم مصالحه ومصالح وكالء محليني من أسوأ اللبنانيني وطبعاً مبا يغاير مصالح الناس يف البلدين .البسطاء منا يتذكرون معرب املصنع ّ وذل تهريب املواد من أطعمة وألبسة ودواء من الروشة إىل رسغايا ومضايا أو من الشامل اللبناين إىل القصري يف ريف حمص. تنقذنا ثورة لبنان نحن السوريني من تح ّول آخر لعالقتنا مع لبنان؛ تحمينا من وسم لبنان أو اختزاله بولوغ حزب الله اللبناين يف الدم السوري ،وبعنرصية وخطاب كراهية ض ّد الالجئني السوريني يف لبنان.
السوري متو ّحش وباقي األنظمة أقل وحش ّية .املشكلة ليست عندنا؛ لقد قمنا بكل ما علينا؛ ثرنا وتظاهرنا ومألنا الساحات كام فعل السودانيون ويفعل اللبنانيون والعراقيون .ثم دخل السالح كام يف ليبيا واليمن ..لكن نظامنا وإيران وروسيا وعاملة الخليج والتآمر الدويل و… كلها حالت دون التغيري كام اآلخرين. هذه خالصة مقارنة قسم معترب من السوريني مع كل الحراكات الشعبية يف البلدان األخرى. سيعجب الطاغية أن يقال عنه إنه األعنف واألفظع وإن التاريخ مل يشهد مثيالً لوحشيته وبطشه .هذه (الفرادة) تفيده وتغذي غروره وعنجهيته ،كام أن وصفه
بالعنف املفرط سيعمق الخوف ..أهم أعمدة حكمه. َ هدف النظام السوري مع تواطؤ -أو دعم -من طغاة العامل إىل تأديب الشعوب املتطلعة لنيل كرامتها وحقوقها ،عرب اإلمعان يف قمع الثورة السورية ،لتأيت املوجة الثانية من الربيع العريب ،من السودان والجزائر والعراق ولبنان وغريها أيضاً ،لتقول لهؤالء إننا باقون وسنثور وتقمعوننا ثم نثور وتقمعوننا ثم نثور.. ثم نثور ..لتقول لهم إننا نفهم الدرس ولكن ال نريد تطبيقه؛ فالعىص ال تربينا وإن استحالت رصاصاً وصواريخ وبراميل متفجرة وغازات سا ّمة ..لتقول لهم: «انتهى الدرس يا غبي»!
ال فائدة من املقارنات املبنية عىل فكرة أن نظامنا مختلف، وأنظمة اآلخرين أقل سوءا ً وعنفاً .ستكون غاية هذه املقارنات هي التربؤ ،واالبتعاد عن نقد الذات :النظام
كلمة
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة
www.freedomraise.net
تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت
املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير
facebook.com/freeraise
املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد
freedomraise@gmail.com
تنويه:
twitter.com/freedomraise info@freedomraise.net
ترحب املجلّة مبشاركات القراء والزمالء الصحافيني واإلعالميني ،علامً أن العمل اآلن تطوعي وال توجد مخصصات أو مكافآت مالية.
سوريا ولبنان ..وسؤال العولمة سميح الصفدي
ولنئ كان طرحنا هذا يبدو عدمياً ويغيب عنه تقدير الفروقات يف الفعل واإلرادة ونتائجهام ،إال إنه ملن املرجح أ ّال تكون هناك تأثريات تذكر لتلك الفروقات بني الثورتني السورية واللبنانية (هذا يف حال استمرار األخرية وتصاعدها)، فقدرية إرادات الدول الكربى والقوى اإلقليمية تبدو عام ًال حاس ًام يف تقرير مصائرنا .كام أن تعقيدات الحالة اللبنانية واملحاصصة الطائفية مرشحة ،فيام لو استمرت التظاهرات وتصاعدت ،الجتذاب تدخل دويل واسع النطاق عىل غرار سوريا ورمبا أكرث ،أقله قد تبدأ األمور بافتعال حرب بني إرسائيل و “املقاومة” تبيح لهم كل يشء وتبعرث حراك الشارع تحت غبار الحرب دون أية تغيريات تذكر. وإذا يبدو اليوم أكرث من أي وقت مىض أن مصائر الشعوب املستباحة واملقموعة مسألة دولية أكرث بكثري من كونها محلية؛ فإن العامل ككل ومراكزه عىل األخص بحاجة إىل انعطافة أخالقية كربى قد نكون جزءاً منها أو وقوداً لها ،إال أنها برسم العامل املتقدم حرصاً والذي يبدو أنه “قدرياً” أيضاً ال بد أن يعي عاج ًال ال آج ًال أن خيارات اإلنسانية جمعاء عىل مفرتق طرق ..إما التقدم واالنفتاح والعوملة أو الهمجية والتعصب والعدمية.
العدد 2019 / 11 / 4 - 89 -
بات من الجيل اليوم أن الدول الكربى ضداً عىل ثقافة العوملة تتمرتس وراء عصبياتها القومية من أمريكا إىل أوروبا وانجلرتا إىل روسيا والصني واليابان وباقي القوى العاملية الصاعدة .وبالطبع ال نستثني القوى اإلقليمية الوازنة تركيا وإيران وإرسائيل. هذا التمرتس وراء عصبيات ما قبل العوملة هو الذي صاغ مواقف الدول من ثورة السوريني الذين بنوا آمالهم عىل “األخالق” العاملية ،مل يكن يتصور حتى أشد السوريني تشاؤماً آنذاك أن يسمح العامل بارتكاب املجازر وتهديم املدن وقتل مئات األلوف وتهجري املاليني وموت املئات يف البحار ،بل وحتى استخدام األسلحة الكياموية أمام أنظار العامل الذي بات قرية صغرية ،يف عامل الصوت والصورة والبث الحي واملبارش .
مقاالت
جاءت االنتفاضة األخرية لتعرفني أكرث عىل لبنان واللبنانيني ،ومثل كل انتفاضات الربيع العريب التي نكتشف فيها أننا ال نعرف إال القليل عن شعوبنا ومعاناتها وثقافاتها ،بدأت مرغ ًام بإعادة النظر مبسبقايت؛ ورصت أستلطفهم أكرث فأكرث ،كرست برسعة حواجزي النفسية تجاه لكناتهم األجنبية ،وأحببت الفجة لزعامء الطوائف ،وما عدت أرى مس ّباتهم ّ مبالغة تذكر يف قرص لباسهم ،واألهم :زالت بالتدريج تلك اللطخة الطاغية التي احتلتها كراهية السوريني يف املشهد اللبناين العام لرنى جامهرياً طيبة وعفوية ومحبة تعيد األمل بإنسانية اإلنسان. ألعرتف بداية أنني كنت ال أحب اللبنانيني! هكذا بخفة وبحكم قيمة تعميمي يشابه غالبية أحكامنا، مثل كثريين غريي كنا ننفر من زيفهم واستالبهم الفاقع للغرب ،عنرصيتهم واستعالئهم وطوائفيتهم واستالباتهم الطبقية ..كنا نكره كذلك دونيتنا كسوريني أمامهم ،فقراء وأغنياء ،كتاباً ومثقفني ونخباً فنية ،مل تسته ِوين يوماً غزليات املثقفني السوريني ال بسمري قصري وال بعائلة تويني وال بغريهم ،ورغم أنني أعرتف بأنني ال أعرف الرجل الشهيد (قصري) وال قرأت له، إال أن استالبات النخب السورية ومثقفي العالقات العامة ،ببغائيتهم ودونيتهم الطفلية أمام اللبنانيني قد وقفت حائ ًال بيني وبني فكر الرجل ،وبني عديدين من مثقفي وكتاب لبنان. القضية اآلن انتقلت إىل مستوى آخر ،اللبنانيون اليوم ينالون الدعم والحب الذي يستحقون من الجميع ،إال أن الحلم بالتغيري وبدولة مدنية حديثة يبقى عىل ّ كف عفريت ،والعفريت الذي يرتبص باملشهد العام قد يقلب الطاولة عىل الجميع يف لحظة الحقيقة ،وتلك اللحظة تقررها لألسف معادالت دولية قذرة كانت قد أودت بالسوريني من قبل .ومحور املامنعة من طهران إىل الشام إىل ذئب الضاحية جاهز لالنقضاض عىل أحالم الناس ،وجاهز لتقطيع أوصالها عند إعطائه الضوء األخرض لذلك .أما الضوء األخرض فهو رهن اتفاقات وتوافقات دولية من واشنطن مروراً بتل أبيب إىل موسكو. وكام شهدنا نحن السوريني ذلك التكالب الالأخالقي عىل ثورتنا املغدورة ،فإن اليد تبقى عىل القلب يف أن تشهد الثورة اللبنانية ذات التكالب وذات الخيانات. ال تقاس األمور بتأييد الثورات يف لحظات ألَ ِقها وقوتها. إمنا تقاس بالقدرة عىل الوقوف إىل جانبها عند األمل والترشذم واملعاناة والضعف ،عندما تفرقها القذيفة والرصاصة .ولقد اكتشفنا سابقاً أن أخالقياتنا نحن
العربان مثل أخالقيات العامل املعارص؛ تحب القوي وتكره الضعيف ،وأنها من املمكن أن تنقلب عىل اللبنانيني يف اللحظة التي تدوسهم بها أبواط العسكر أو ميزق أجسادهم الرصاص الحي ،أو تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم بالرباميل املتفجرة. ومهام بدا كالمنا متشامئاً إال أن هذه الهيبة التي نستشعرها اآلن أمام مشهد الجمهور اللبناين الثائر ..كل هذا الجامل والوقار والحرية وهذه السلطة الجامهريية الواثقة ..تستطيع عصابة مسلحة منفلتة من عقال العقل والعاطفة كالعصابات األسدية واإليرانية وحزب الله أن مترغها بالرتاب ..أن تحولها لفلول ومجموعات هاربة ..وأن تسمح لـ “مثقفني” قلييل الوجدان والضمري بالتشدق يف ال رشعيتها!.. أكرث ما يشغل البال يف وضعنا هذا هو الفارق بني الحالتني يف سوريا ولبنان ،والسؤال امللح حول جدوى الثورات وإمكانات انتصارها املناقضة لإلرادات الدولية والتي ال تريد لنا الخري وال الدميوقراطية .هل سيكون هناك فارق يف النتيجة بني فعل وآخر؟ هل السلمية أجدى فع ًال من السالح؟ هل املظهر الحدايث املتمدن أجدى من املظهر املاضوي املف ّوت الذي طغى يف سوريا؟ هل سيشكل حضور املرأة ومظهرها املتحرر فارقاً يذكر يف مواقف العامل والدول؟ هل سيكون من الصعب أسلمة الثورة أو تطييفها؟ وهل سيكون هناك فارق يف املآالت بني طرق أو خيارات متعددة ومختلفة؟ هل ستعري التجربة اللبنانية أخطاء املعارضة السورية أكرث مام تعرت سابقاً ..هل ستثبت أنه كان باإلمكان أكرث مام كان؟ السؤال يعيد إىل األذهان مرحلة يبدو أن البرشية طوتها إىل حني؛ تلك املرحلة القصرية التي بدا فيها أن العامل يتوحد ويتشابه ويتقارب ،مرحلة أوهام العوملة وأحالمها ..كذلك املخاوف منها وارتيابها، العوملة ذلك املفهوم الذي يبدو أنه بات خارج التداول اليوم بعد أن كان سؤال الساعة والدقيقة .وبعد أن كان الرهاب والهاجس لدى طيف واسع من املثقفني العرب هو خطر الذوبان يف العوملة ،يبدو أن العكس هو الذي حدث؛ فلقد بات واضحاً اليوم أن املراكز العاملية اإلمربيالية ال تريد إال لفظنا من العوملة ،يبدو أنها تريد حرص العوملة باالقتصاد ومنعها قرسياً عن السياسة والثقافة ،وكام نوه الراحل جورج طرابييش
3
4
أكراد سوريا بين شقي الرحى..
خيانة أمريكية وضغوط روسية على وقع التهديدات التركية
كمال شيخو
العدد 2019 / 11 / 4 - 89 -
تحقيقات
باتت الحالة السورية مع ّقدة ،ومل يعد باإلمكان التكهن مبجريات األحداث ،لسبب رئييس مردّه تقاطع مصالح الالعبني الدوليني واإلقليميني وتعارضها بنفس الوقت عىل األرض السورية .لكن ميكن القول بأن التفوق النوعي -للجندي األمرييك -اليوم يجعل من اإلدارة األمريكية األكرث قدر ًة عىل التحكم يف سري األحداث والضغط عىل باقي األطراف املتناحرة. القيادة الكردية يف شامل رشق سوريا والذين أزعجهم قرار واشنطن باالنسحاب من بلدهم؛ طلبت تدخل روسيا وحليفتها دمشق وإرسال قوات عىل وجه الرسعة لحامية الحدود من الهجامت الرتكية، واستجابت موسكو للدعوات الكردية .ويف حديثه إىل عالحرية ،ولدى سؤاله عن بنود االتفاق، مجلة ط ّلعنا ّ قال املسؤول الكردي الدار خليل ،أحد أبرز مهنديس اإلدارة الذاتية التي تدير مناطق رشق الفرات“ :إن اتفاقاً عسكرياً مبدئياً مع دمشق سيقترص عىل انتشار الجيش عىل طول الحدود” ،لكن الجانبني -اإلدارة وحكومة النظام السوري -يتباحثان حول باقي القضايا السياسية واإلدارية والعسكرية ،وأوضح بأن االتفاق يقيض بدخول القوات الحكومية لحامية املناطق الحدودية من بلدة منبج إىل ديريك يف أقىص شامل رشق البالد ،واعترب بأن“ :حامية الحدود هو واجب أصيل يقع عىل كاهل الجيش السوري”. وأبرمت القيادة الكردية اتفاقاً مع الحكومة السورية يف 13من شهر ترشين األول -أكتوبر املايض برعاية روسية ،يجيز انتشار قوات حرس الحدود عىل طول الرشيط الحدودي بعد انسحابها منه نهاية ،2012إثر قرار الواليات املتحدة سحب جنودها من املنطقة. وكان ضوء أخرض أمرييك للعملية الرتكية التي شنتها أنقرة يف 9من شهر ترشين األول -أكتوبر الفائت. وعىل الرغم من انتشار القوات النظامية املوالية لألسد والرشطة العسكرية الروسية يف معظم مدن رشق الفرات ،يؤكد مسؤولو اإلدارة الذاتية بأن هياكل الحكم املحلية ستتابع عملها ،كام يقول القيادي الكردي الدار خليل“ :املدن الكردية وجميع املناطق التي تم تحريرها عىل أيدي (قوات سوريا الدميقراطية)
ستديرها اإلدارة الذاتية .لن يتغري يشء يف شكل اإلدارات وعنارص األمن باملدن ألن االتفاق يقترص عىل الحدود فقط”. وإذا ُأبرم اتفاق شامل بني اإلدارة الذاتية وحكومة سيوحد مجدداً أكرب منطقتني النظام السوري فإنه ِّ يف البلد ،وسيرتك منطقة واحدة يف شامل غرب البالد يف أيدي جهات إسالمية وفصائل املعارضة املس ّلحة املناهضة لألسد ،ولفت الدار خليل“ :مذكرة التفاهم املوقعة مع دمشق خطوة لعقد اتفاق نهايئ مستقب ًال”. وعىل الرغم من أن الحكم الذايت الذي يريده األكراد يتعارض بشكل واضح مع ما تريده دمشق ،فقد تجنبت القوات الكردية إىل حد بعيد الرصاع املبارش مع القوات الحكومية املوالية لألسد خالل الحرب الدائرة يف البالد ،بل ويف بعض األحيان كانت تقاتل خصوماً مشرتكني كتنظيم داعش اإلرهايب. ويرى الدكتور شوقي محمد الخبري يف اقتصادات الطاقة والنفط يف حديث لـطلعنا عالحر ّية ،أنه “ميكن القول بأن التفوق النوعي يجعل من اإلدارة األمريكية األكرث قدرة عىل التحكم يف سري األحداث والضغط عىل باقي األطراف ،وتعد صامم األمان لهذه املنطقة” ،فمن جهة رسالة قوية لحكومة النظام السوري وحلفائها إيران وروسيا ،بأن انسحابها سمح للقوات الرتكية وفصائل موالية من الجيش الحر بدخول املنطقة“ ،ويف الوقت نفسه رسالة للجانب الرتيك بأن وجودها يعني عدم قدرة الجيش السوري عىل السيطرة عىل املنطقة التي انسحب منها أواخر ،2012وهو يعود اليوم باتفاق مع األكراد”. وأوضح األكادميي شوقي محمد ّأن الحل األمثل هو
“االستمرار بالتفاوض بني األحزاب الكردية والحكومة السورية ،برعاية دولية ،خصوصاً روسيا ،لعالقاتها املتميزة مع دمشق ،وبناء أرضية سليمة للتفاوض ،عرب رسائل ثقة والتعامل مببدأ الوطنية ال العقلية األمنية أو العروبية” ،مشرياً إىل ّأن وثائق وأدبيات حزب “االتحاد الدميقراطي” واإلدارة الذاتية مل ترش إىل االنفصال. فلطاملا ك َّرر مسؤولوها حرصهم عىل وحدة األرايض السورية ،والتمسك بالحوار السوري -السوري“ ،فض ًال عن أن األكراد ال يجدون أنفسهم خارج حدود الوطن”، واعترب أن أي اتفاق بني اإلدارة الكردية والحكومة السورية سيخدم الطرفني “لحامية (قسد) من الهجوم الرتيك بعد اجتياح املنطقة واستعادة املناطق التي خرستها ،كام سيخدم الحكومة السورية من خالل عودتها للمنطقة الرثية والغنية باملوارد ،وبسط سيطرتها عىل الرثوات املائية والحقول النفطية”. فأكراد سوريا يتفاوضون عىل مجموعة مطالب أبرزها اعرتاف دمشق بهياكل الحكم املحلية يف سبع مدن رئيسية شكلوا فيها إدارات ذاتية ،تقع 5منها رشقي نهر الفرات ،ومنبج الواقعة غريب الفرات والطبقة جنويب النهر ،إىل جانب اعرتاف األكراد بوجود جيش موحد للدولة عىل أن تكون (قوات سوريا الدميقراطية) ّ جزء من الجيش الوطني ،ويكون لها خصوصية نظراً النتشارها يف معظم مدن وبلدات رشق الفرات .كام يطالبون باالعرتاف الدستوري باألكراد كمكون رئييس من مكونات الشعب السوري ،وتحديد موازنة مالية ملناطق اإلدارة الذاتية ومنها املدن الكردية ،واالعرتاف باللغة الكردية يف مناهج التعليم باملناطق ذات الغالبية الكردية.
الواقعية السياسية األوروبية في المشهد السوري
5
راما الدرويش
معارضوا األسد يريدون املزيد من أوروبا
يتعني عىل الواليات املتحدة وأوروبا التحرك للضغط عىل روسيا بإقناع النظام يف سوريا بتقديم تنازالت .هذا ماتتوقعه املعارضة السورية والتي تدعو إىل التزام أوروبا والواليات املتحدة بفرض مبادئ دميقراطية
ال يبدو الطريق واضحاً ومعبداً ملحاكامت قانونية لألسامء ،بسبب وجود حامية أممية أثناء قدوم وفد النظام السوري ألوروبا .إال أن منظامت قانونية وناشطني يضغطون للوصول إىل ذلك وتحقيق مطالب العدالة ومعاقبة مجرمي الحرب يف سوريا.
تقارير
تركيا التي هددت بالسامح لتدفق موجة جديدة من الالجئني ألوروبا واجهت من الربملان األورويب دعوات لوضع ح ّد رسمي ملفاوضات انضامم تركيا إىل االتحاد األورويب ،والتي تجري منذ عام .2005 بل وهدد الربملان األوريب بإنهاء االتحاد الجمريك الذي ُيعفي فيه االتحاد األورويب تركيا من أي رسوم جمركية عىل معظم الواردات والصادرات باستثناء املنتجات الزراعية. لكن ذلك ال يسمو لتوقعات وزيرة الدفاع األملانية أنغريت كرامب-كارين باور؛ فاقرتاح وزيرة الدفاع األملانية كان يرنو إىل إنشاء منطقة آمنة تخضع للمراقبة الدولية وتضم أيضا تركيا وروسيا ،الهدف منها حسب الترصيحات الرسمية مواصلة الحرب عىل اإلرهاب ،ومحاربة تنظيم داعش.
العدد - 89 -
دعوات التدخل العسكري تتحول ملرشوع إبعاد تركيا عن االتحاد األورويب
ورغم االنتقادات للطابع السلبي الذي تتسم به ردات فعل أملانيا واألوروبيني يف القضية السورية ،والتي تصفه كرامب- كارين باور “ بالنظر من وراء سياج” إال أن الترصيحات األملانية الرسمية تذكر دامئاً بأن الجيش األملاين يشارك يف مهام يف املنطقة ضد تنظيم (داعش) سواء من خالل عملية التدريب أو االستطالع الجوي. لكن ذلك ال يروق ملعاريض هذه السياسة والذين يرصحون مراراً بأن التحالف األوريب مل يفعل شيئا حيال منع روسيا وإيران من توسيع نفوذهام بشكل منتظم يف سوريا ومساعدة األسد عىل اكتساب قوة جديدة. بل إن موسكو ال تسمح لألوروبيني أن يكونوا أكرث من مجرد قوة مساعدة يف سوريا يف خدمة مصالحهم الخاصة.
يف املفاوضات املقبلة عىل الدستور السوري الجديد الذي ستتم جلسات مناقشته يف دول أوروبية بعد جنيف. تقول املعارضة السورية (دميا موىس) لجريدة تاغس شبيغل األملانية إن “عىل الغرب أال يسمح لحكومة الرئيس بشار األسد باللعب بعامل الوقت يف املفاوضات تحت مظ ّلة األمم املتحدة إلنقاذ سلطتها”. ناشطون حقوقيون أيضاً طالبوا مبقاضاة أسامء من أعضاء من املشاركني يف اللجنة الدستورية من وفد النظام السوري خالل وجودهم يف أوربا للمفاوضات .املحامي أنور البني ينرش عىل صفحته أسامءاً يقول إنها متهمة بتعذيب واختفاء العديد من املعتقلني يف سجون النظام السوري .يطالب البني مبعلومات تفيد بدعم ملف املعلومات الواردة إليه إضافة للمشاركة بالضغط.
2019 / 11 / 4
أطلق ترامب دعوة ألوربا بتحمل مسؤوليتها تجاه القتال ضد تنظيم داعش ،وم ّهد لالنسحاب األمرييك من شامل سوريا قائ ًال إن عىل أوربا أن تبادر باملشاركة يف محاربة التنظيم الذي يحمل جزءاً من مقاتليه الجنسية األوربية .لكن أوربا باملقابل مل تستجب ،وفشلت أملانيا بإقناع دول االتحاد األورويب بالتدخل يف النزاع الدائر شامل سوريا وإقامة منطقة آمنة يشارك فيها حلف الناتو -القوة العسكرية لالتحاد األورويب -واكتفى الربملان األوريب بالتشجيب بالتدخل العسكري الرتيك األخري بعملية “ نبع السالم” والتي تريد فيها تركيا استعادة مناطق من الشامل السوري التي تقع تحت سيطرة حزب سوريا الدميقراطي، واستعاض الربملان عن االقرتاح األملاين بطرح بعض العقوبات عىل تركيا بهدف الضغط عليها للرتاجع عن العملية العسكرية.
6
عن أسطورة النظام القومي اليساري العلماني المقاوم ماجد كيالي
العدد -
89 2019 / 11 / 4 -
مقاالت
منذ قرابة نصف قرن ّ تغطى النظام السوري باأليدلوجيا البعثية ،وهي مج ّرد أيدلوجية متحجرة ،تط ّعمت بـ”االشرتاكية” إنشائية قومية ّ و”العلامنية” وفيام بعد بـ”املقاومة” ،من دون أي متثل كل ذلك عملياً ،بقدر ما أتت ألغراض االستهالك واالبتزاز ،وترسيخ الرشعية ،والتغطية عىل نظام االستبداد والفساد. فوق ما تقدم ،فقد ر ّوج النظام لذاته باعتباره باين الدولة ،حيث األسد (األب) هو باين سوريا الحديثة ،التي تدين بوجودها له ،ما أوصلنا إىل الشعار املشني واملهني“ :سوريا األسد إىل األبد”، الذي ّ غطى أرجاء سوريا ،إذ بات ّمثة متاه بني سوريا الدولة ونظام األسد ،حتى مل يعد أحد يستطيع التمييز أو التفريق بني السلطة والدولة. وكان تم الرتويج إىل كل ذلك بواسطة الدولة، وباحتكار ،أو باحتالل ،املجال العام ،وعرب التلفزيون واإلذاعة والصحف ،واملدارس والجامعات ،وجهاز ومؤسسة الجيش ،واالتحادات الشعبية، املوظفنيّ ، ومنظامت الطالئع والشبيبة ،بوسائل التخويف أيضاً عرب أجهزة املخابرات املنترشة يف املجال املجتمعي ..هذا دون التقليل من الدور الذي لعبه العامل االقتصادي؛ فمن جهة مثة اإلفقار وتعزيز االعتامدية عىل الدولة ،ومن جهة أخرى مثة طبقة رجال األعامل التي تدين بوجودها وامتيازاتها للنظام. املفارقة أن إنشاءات النظام تقول كل يشء وتته ّرب واملتعي؛ أي أنها تشتغل عىل املواربة من املحدد ّ والتالعب ،حتى إن األمر وصل عند البعض ،من يساريني وقومجيني وعلامنيني ومقاومني إىل محاباة النظام باعتباره قومي وعلامين ويساري ،وربطه بكل ماله عالقة بالحداثة ،يف حني يعترب املجتمع مبثابة النقيض لهذا النظام ،ما يتطلب تغيريه بدل تغيري النظام! مع كل ما يف ذلك من تهرب متعمد، غري بريء ،من معاناة شعب سوريا ،ومن تحديد املسؤول عن هذه املعاناة وضمن ذلك ّ التأخر
الحاصل يف املجتمع ،باعتبار أن السلطة يف واقعنا العريب ،من املحيط إىل الخليج ،هي من أهم التأخر ،وضمنه ّ عوامل ّ تأخر الوعي بالدميقراطية وباملواطنة ،وإعاقة قيام الدولة باعتبارها دولة مؤسسات وقانون. هكذا ر ّوج نظام األسد ،طوال العقود املاضية، ألساطري عدة عن حاله ،فهو يساري أو اشرتايك، مث ًال ،رغم أن اشرتاكيته اختزلت مبصادرة األرايض، وتأميم الرشكات الصناعية الخاصة ،وإضعاف الربجوازية الوطنية ،وهي إجراءات أدت إىل هيـمنة الدولة -السلطة عىل قطاعات اإلنتاج، وتعـزيز سيطرتها عىل املجتمع وعىل املجال العمومي ،ما نجم عنه تعميم عالقات الفساد، وتفريخ حيتان جدد ،ال سيام من املقربني للعائلة الحاكمة التي باتت تتح ّكم بقرابة ثلثي االقتصاد، مبا يف ذلك ملكية مساحات واسعة من األرايض. أما اعتباره قومياً فذلك ما متثل بسياساته ّ التدخلية واإللحاقية التي اتخذت يف غالبية األحيان طابعاً عسكرياً أو عنفياً يف محيطه ،ال سيام يف لبنان ،وإزاء الفلسطينيني ،ويف العراق الذي عاش عىل العداء معه ،عىل رغم التقارب األيديولوجي سابقاً بني نظامي هذين البلدين .ويأيت يف ذلك انضواؤه يف إطار خدمة سياسة إيران يف املنطقة ،مع الشبهات التي تحيط بها ،ال سيام يف سياساتها “العراقية”، وإثارتها النعرة املذهبية يف املرشق العريب.
طبعا مثة فرق يف التعاطي يف السياسية الخارجية، يف عهدي األسد األب واالبن ،لكن النتيجة كارثية يف الحالتني .ففي عهد األسد األول كانت سوريا ترى يف جوارها مجرد ساحة ،أو ملعب ،لتعزيز نفوذها اإلقليمي ،بينام يف عهد األسد الثاين باتت سوريا ذاتها مبثابة ساحة يعبث أو يتالعب بها جوارها. هذا ينسحب عىل إيران وحزب الله؛ فبينام كان األسد االول يتعامل مع إيران كورقة لتعزيز مكانته اإلقليمية والبتزاز الدول األخرى ،فإن سوريا يف عهد الثاين باتت ورقة يف يد إيران .املهم أنه يف العهدين كانت النتيجة واحدة وهي تجاهل وجود شعب سوريا ،وحدود قدرة الكيان السوري ،ويف الحالني كان السوريون هم من دفع الثمن. وبالنسبة ألسطورة كونه نظاماً مقاوماً ،فهي تثري السخرية واملرارة يف آن ،فهذا النظام مسؤول عن ضياع جزء من سوريا واحتالله (هضبة الجوالن)، وكان بدأ عهده بإدارة الظهر للمقاومة الفلسطينية يف األردن ( ،)1970ثم أوقف املقاومة نهائياً من جبهة الجوالن ،بعد حرب ( ،)1973وت ّوج كل ذلك بشنّه الحرب عىل املقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ( ،)1976وهي “مقاومة” مل ينجم عنها إطالق رصاصة واحدة باتجاه إرسائيل طوال أربعة عقود ،ناهيك عن أنه دعم كل الحروب التدمريية ضد مخيامت لبنان ،والتي قام بها حلفائه.
حسن عارفة
هزّت أمواج اللبنانيني من شاميل البالد إىل وسطها وجنوبها ،أركان الحكومة يف بريوت، فسقطت ،بانتظار زلزال كبري يف قرص بعبدا ينتج عنه ما يتمناه الثائرون الذين أبدعوا بال حدود منذ السابع عرش من شهر ترشين األول ،وما نتمناه لهم ،سقوط النظام الطائفي والبدء ببناء منظومة مصلحتها األوىل شعب لبنان. لكن بينام جمهور الثورة السورية يتابع ما يحدث يف لبنان ،بشغفه األول وكل مشاعره التي كان يشعر بها يف شوارع سوريا ،مثة جمهور سوري آخر يعاديه جداً ويتفق معه يف آن واحد ،ولكن حول ثورة أخرى! هو جزء من مؤيدي النظام السوري وعاشقي بشار األسد .هنا تبدو أم التناقضات بشكلها الفاقع والقبيح :مؤيدون لدكتاتور قتل جيشه وميليشياته 199455مدنياً ومدني ًة يف سوريا بحسب الشبكة السورية لحقوق اإلنسان ،ويشجعون ثورة تحدث يف بلد آخر ،يتغنون بها ويؤيدونها ،بينام يرون يف ثورة أبناء جلدتهم مؤامرة كونية تستهدف مخ ّلصهم وس ّيدهم وقائدهم األبدي. املشكلة معقدة يف هذه الحال لكنها بسيطة ،قد ال يفهمها هذا الجزء من الناس (جمهور األسد مؤيد الثورات خارج سوريا)
العدد - 89 -
وهناك ثورة ،وحبل املشيمة واحد كام يبدو.
2019 / 11 / 4
مع بدء الثورة يف لبنان ونزول الشعب هناك إىل الشوارع ،متحدياً نظامه القائم عىل املحاصصة الطائفية ،عشنا ،كسوريني، لحظاتنا األوىل عام ،2011وكأننا هناك يف الزمان واملكان قبل مثاين سنوات! هنا ثورة
فثمة مفاهيم ال تتجزأ؛ املجرم مجرم حني يقتل ويعتدي ،بغض النظر عن عرقه ودينه وحتى دوافعه ،ذلك أن فعل القتل واضح ومجرد بذاته لغوياً ال يحتاج للكثري من التفسري والتحوير ،وال ميكن تجزيؤه! وكذا الدكتاتور الذي وصل إىل سدة الحكم يف بلد ما ،وقتل أبناء شعبه ،يظل دكتاتوراً بأفعاله، من صدام حسني إىل حافظ األسد وابنه، مروراً مبعمر القذايف ،وليس آخراً زعامء الطوائف يف لبنان ،وما يشبههم من زعامء الدول العربية الذين سقطوا وغريهم من الحاليني. وكام هذه املفاهيم غري قابلة للتأويل ،كذلك ثورات الشعوب عىل أنظمتها البائسة التي مصت دمها وفعلت ما فعلت بها .فثورة ّ اللبنانيني متثل أهلها وكل طالبي الحرية والعدل ،ومتثلنا كسوريني ض ّد الدكتاتورية، تشبهنا ونشبهها ،وتذكرنا بكل التفاصيل الجميلة يف ثورتنا ،التي حرقتها الدول املتحكمة حالياً بأرضنا وحدودنا ومصرينا.. ودستورنا! ّ رمبا يبدو كل ما يحدث حول العامل يف كفة، وأولئك (جمهور األسد مؤيد الثورات خارج سوريا) يف ك ّفة أخرى ،أو كوكب آخر ،إذ تستحق أن تتزعم هذه الجوقة الغريبة فنانات وفنانون يعشقون األسد حتى املوت، يتفقون مع الظلم بفجاجة ،ويختلفون معه بفجاجة أكرب يف مناطق أخرى ،ليشكلوا طائفة مقيتة جديدة ظهرت مؤخراً -أو كانت موجودة ومل ننتبه -يف سوريا ،شبيهة بأسوأ أنواع السياسة!
مقاالت
أخرياً ،تبقت اسطورة “العلامنية” ،التي هي مجرد غطاء يحاول من خاللها النظام التالعب مبا يسميه “أقليات” ،وبالتايل حراسة الواقع الطائفي واملذهبي يف سوريا ،بادعائه حاميتها، يف حني أنه يغطي يف كل ذلك سياساته القامئة عىل الحؤول دون تحول املجتمع إىل مجتمع حقاً ،مع وجود مواطنني متساوين حقاً أمام القانون وأمام الدولة ،من دون أي متييز ديني أو مذهبي أو اثني أو جنيس ،وأيضا الحؤول دون قيام الدولة باعتبارها دولة حقاً ،أي دولة مؤسسات وقانون ،مع فصل بني السلطات القضائية والترشيعية والتنفيذية؛ هذا من ناحية .من ناحية ثانية ،ويف الحقيقة فإن أكرث تيار إسالمي يف سوريا هو يف خدمة النظام ،أو تحت رعايته ،أو صنيعته ،إذا دققنا يف املعاهد الرشعية ،وطبقة رجال الدين ،واملشايخ الذين يحتفي بهم النظام ويحتفون به. القصد أن سياسة “فرق تسد” هي السياسة التي انتهجها النظام لتكريس رشعيته وترسيخ سلطته ،وإظهار أي محاولة للخروج عىل هذا الوضع مبثابة مترد طائفي أو حرب أهلية ،أو رصاع أقليات وأكرثيات ،عىل نحو ما يفعل اليوم. ّ ويف املحصلة ،فقد منى نظام األسد بدمياغوجيته نوعاً من الجامعات اإلسالمية واإلسالميني ،مثلام ّمنى جامعات من رجال األعامل واملثقفني والفنانني واألكادمييني ،ومن كل التيارات اليسارية والقومية والعلامنية والليربالية ،من املتصالحني أو املتسامحني مع نظامه ،ومعظم هؤالء لعب دوراً كبرياً يف عمليات التضليل والتدجني التي انتهجها النظام. يفس رواج تلك األساطري ،وصمود هذا كله ّ صورته املتخ ّيلة عند كثريين ،ال سيام عند بعض يساريني وعلامنيني وقوميني ومقاومني خارج سورية ،أي ممن مل يكا ِبدوا سطوته وال بطشه.
طائفة سورية جديدة ظهرت بعد الثورة اللبنانية!
7
8
عن استعصاء القضية الكردية طارق عزيزة
العدد 2019 / 11 / 4 - 89 -
مقاالت
تنطوي القضية الكردية عىل جملة معطيات مع ّقدة، تتداخل فيام بينها لدرجة تتبدّى معها مستعصي ًة عىل الحل أو تكاد .فهي إذ متتد من حيث جذورها وتفاعالتها ،كام النتائج التي قد ّ تتأت عن ح ّلها ،لتطال أربع دولٍ (تركيا ،العراق ،إيران ،وسوريا) ،سيكون من الصعب التعامل معها سواء عىل املستويني اإلقليمي والدويل أو عىل املستوى ّ املحل من منظا ٍر واحد ،أو بوصفها قضي ًة واحدة .فقد أسهمت أحوال األكراد وظروفهم املتباينة يف ّ كل من تلك البلدان ،إىل هذا الح ّد أو ذاك ،يف اندراج قض ّيهم ضمن سوق التجاذبات وبورصة املصالح اإلقليمية والدولية املتداخلة ،ما أدّى بها إىل مزيد من التعقيد. استغ ّلت دول عدّة حالة الترشذم التي تعانيها القوى السائدة يف األوساط الكردية وخالفاتها التي تتقاطع يف بعض جوانبها مع اختالف البنى األهلية والسياسية للشعب الكردي ،األمر الذي س ّهل عىل أنظمة املنطقة وسواها استخدام األكراد لرضب بعضهم بعضاً حيناً ،أو للزج بهم يف رصاعاتها البينية أحياناً. ويف املقابل مل تتو ّرع أطراف كردي ّة رئيسية يف رصاعاتها الداخلية عن االستعانة بأنظمة تعادي الحقوق الكردية ،عىل نحو ما جرى بني أكراد العراق أواسط الوطني تسعينيات القرن املايض ،حني تل ّقى “االتحاد ّ الكردستا ّين” وكان يقوده جالل طالباين دعم الحرس الثوريّ اإليرا ّين ،خالل رصاعه الدامي مع “الحزب اطي الكردستا ّين” بزعامة مسعود برزاين ،الذي الدميقر ّ كان يستعني بق ّوات النظام العراقي ،ومل يتو ّقف القتال بينهام إال بعد وساط ٍة أمريكي ٍة أفضت إىل توقيع اتفاق لوقف إطالق النار يف أيلول /سبتمرب من عام .1998 وأ ّياً تكن مربرات كل طرف ومس ّوغاته ،فإن هذا األمر ّ يدل عىل أن املصالح الحزبية والسياسات الخاصة الضيقة لدى القوى الكردية الرئيسية ميكن أن تطغى عىل املصالح القومية العليا ،وهو ما قد يجعلها ،من حيث تدري أو ال تدري ،أدا ًة يف يد الحلفاء أو حتى الخصوم .ذلك ّأن سياسات الدول إمنا تح ّركها املصالح وتوازنات القوى وليس التعاطف مع القضايا العادلة أو تأييد حقوق الشعوب .عىل هذا األساس ،سيكون مفهوماً كيف أن عالقات الواليات املتحدة مع األكراد كثرياً ما كانت تشهد تقدّماً أو تراجعاً بداللة تط ّور
عالقة واشنطن مع إحدى الدول املعنية بالقضية ،ويف يخص حقوق الوقت عينه تنتهج سياسة مختلفة يف ما ّ األكراد يف دولة أخرى مجاورة ،فض ًال عن متطلبات “األمن القومي األمرييك”. هكذا دعمت الواليات املتحدة أكراد العراق بق ّوة يف وجه نظام صدّام حسني إىل أن نجحوا يف تأسيس إقليم كردستان ،واستمرت يف دعمهم بعد إسقاطه .أما يف تركيا ،الدولة العضو يف حلف شامل األطليس ،فقد ا ّتسم املوقف األمرييك حيال القضية الكردية هناك بالتذبذب ،حيث أن واشنطن أدرجت “حزب العامل الكردستاين” عىل قوائم اإلرهاب من جهة ،ومن جهة أخرى واصلت دعواتها إىل احرتام الحقوق الكردية ضمن مساعي دعم جهود الدمقرطة يف تركيا. أما يف سوريا ،فاألمريكيون أنفسهم بالكاد بدؤوا االلتفات إىل األكراد السوريني مطلع األلفية الجديدة، ثم بعد صمت مطبق حيالهم طيلة عهد األسد األبّ ، تغي املوقف نتيجة التحوالت التي طرأت عىل املشهد ّ وخاص ًة بعد السوري خالل الثورة ثم الحرب السوريةّ ، ظهور تنظيم “الدولة اإلسالمية” أو “داعش” ،حيث اعتمد األمريكيون بشكل كبري عىل جهود املقاتلني األكراد وقدّموا لهم الدعم العسكري املبارش لقتال التنظيم ،وبالفعل أفىض التعاون بني الجانبني إىل هزمية التنظيم اإلرهايب .لكن نهاية التنظيم تبعها تبدّل كبري يف عالقة الواليات املتحدة مع الحلفاء األكراد ،وهو ما سمح لرتكيا ،عد ّو األكراد األبرز ،بتنفيذ عمليات عسكرية ضدّهم داخل األرايض السورية، كان آخرها “نبع السالم”.
ما سبق يؤ ّكد أن القضية الكردية مل تكن يف أي وقت شأناً كردياً خالصاً ،ويخطئ من يعتقد ّأن بإمكان األكراد فرض إرادتهم عىل اآلخرين ،شأنه شأن من يعتقد بإمكانية فرض إرادة اآلخرين عليهم .فالتأثري الحاسم للعوامل اإلقليمية والدولية يجعل من املوضوع قضية وطنية بامتياز يف سوريا كام يف غريها من الدول املعنية ،وهذا يتأىت أيضاً من تباين تجربة النضال الكردي تبعاً الختالف ظروف وخصائص تلك الدول .وتط ّور القضية الكردية يف ٍّ كل منها هو بالرضورة جزء من التحوالت التي تصيب البلد املعني، مبا لها من نتائج عىل املستوى الوطني. ّإن املدخل األساس الذي ال غنى عنه للتخ ّفف من عبء العبث اإلقليمي والدويل يف القضية الكردية، وتالياً فك الكثري من العقد التي لطاملا جعلتها عصية عىل الحل ،يكمن يف التفاهم وتسوية الخالفات الكردية -الكردية ،بالتوازي مع إيجاد صيغ متينة من التعاون والرشاكة الفعلية مع بقية شعوب املنطقة ،يف ضوء املصالح املشرتكة. فإذا كان تشدّد األنظمة املختلفة يف املنطقة حيال األكراد ورفض االعرتاف بحقوقهم سبباً رئيسياً يف معاناتهم ّ وتعث قض ّيتهم ،وهذا صحيح ،فالصحيح أيضاً ّأن تشدّدهم حيال رشكائهم من شعوب املنطقة، الذين هم بدورهم ضحايا لألنظمة نفسها ،لن يكون السبيل إىل ّ حل قضيتهم ،السيام مع كل التعقيدات التي تكتنفها ،وهو ما تؤ ّكده وقائع التجربة التي خيضت يف مناطق الجزيرة السورية رشق نهر الفرات، أو “روجافا/غرب كردستان” وفق التسمية الكردية.
غازي دحمان
االنسحاب األمريكي يزعزع استقرار المنطقة
مل يعد السؤال مجدياً عن مدى صوابية قرار دونالد ترامب باالنسحاب يف هذا التوقيت من سوريا، األمر حصل وصار هناك واقع جديد ،يصعب حتى عىل أمريكا نفسها تغيريه .واألجدى البحث عن مخارج جديدة من هذا املأزق ،وإن كانت هذه املخارج تبدو بعيدة جداً ،كام ال ميكن التعويل عىل إمكانية تدخل حلف الناتو لس ّد الفراغ الذي تركته أمريكا ،ألن الفكرة جاءت متأخرة جداً. املنطق يقول إن املخرج األكرث إمكانية هو اتحاد املترضرين ،وهم جميع املكونات السورية ،التي انكوت بنريان الديكتاتورية وتدخالت القوى األجنبية ،وإذا كان هذا األمر ممكناً من الناحية النظرية ،إال أن تطبيقاته عىل األرض تبدو صعبة يف ظل وجود نخب وقيادات مرتهنة للخارج ،عىل األقل يف الوقت الراهن.
العدد 2019 / 11 / 4 - 89 -
السوري ،إذ أن جميع هذه األطراف :روسيا وإيران وتركيا ،كانت تدرك مدى قدرة أمريكا يف التأثري عىل الوضع النهايئ يف سوريا ،وأنها مبواردها العسكرية والدبلوماسية قادرة عىل جعل استقرار تلك األطراف يف سوريا أمراً دونه عقبات كثرية .لذا حاولت هذه األطراف تجنب الدخول يف نزاعات مبارشة معها ،كام أنها ،وهذا األهم ،اضطرت يف بعض األحيان إىل تخفيض سقف مشاريعها، واملثال عىل ذلك تأثري الوجود األمرييك عىل مرشوع طريق إيران الربي من العراق إىل لبنان مروراً بسوريا. مينح االنسحاب األمرييك اليوم هذه األطراف، انتصاراً سه ًال ،ويعيد الحيوية ملشاريعها يف سوريا ،كام يعطيها املجال لنقض تعداتها السابقة بخصوص العملية السياسية يف سوريا .واملعلوم أن هذه األطراف تطمح إىل هندسة الحلول يف سوريا مبا يناسب مصالحها ،وقد أسست لهذه منصة أستانة يف محاولة منها ألخذ الحل الغاية ّ السيايس إىل املطارح التي تبتغيها .واليوم بعد االنسحاب األمرييك مل يعد مثة عائق يحيلها من تنفيذ رغباتها ومطامحها يف سوريا .أما الرهان عىل تضارب أجنداتها واحتامالت اختالفها ،فهو رهان غري صحيح ،عىل اعتبار أن هذه األطراف قد عملت يف السنوات السابقة عىل تشبيك عالقاتها البينية بدرجة كبرية ،وهي قادرة عىل استيعاب أي خالف بينها. املشكلة يف األمر ،أن أمريكا تغادر سوريا عىل
جثة مجتمعات محل ّية محطمة ،استنزفتها سنوات رصاع طويلة ،وخرست نخبة أبنائها يف ساحات الرصاع .كام ال يوجد سند إقليمي لها .وستجد نفسها مضطرة إىل القبول بتسويات تفرضها سلطة األمر الواقع :روسيا وحلفاؤها .األمر الذي من شأنه دفع هذه املجتمعات إىل البحث عن حلول أخرى، قد يكون التطرف أحدها ،وعودة األمور تالياً إىل مربع رصاع األصوليات والديكتاتوريات ،وهو الرصاع الذي من املفرتض أن التطورات تجاوزته لصالح حل سيايس بإرشاف دويل ،بعد أن دفعت تلك املجتمعات أمثاناً مرتفعة للوصول إليه.
مقاالت
يزيد انسحاب القوات األمريكية من سوريا تعقيدات الوضع املع ّقد أص ًال؛ وذلك بإخالله للتوازنات التي تأسست عىل مدار السنوات الفائتة ،ويرتك فراغات هائلة لقوى وأطراف ثبت أنها غري قادرة عىل إخراج البالد من أزمتها ،فض ًال عن امتالكها ملشاريع جيوسياسية من شأنها التأثري عىل ما تبقى من استقرار يف سوريا. كانت السنوات السابقة كافية ملعرفة طبيعة املشاريع التي تروم األطراف اإلقليمية وروسيا تنفيذها يف سوريا .الجميع وضع أوراقه عىل الطاولة ،والجميع صنعوا رسديات وذرائع تسند مشاريعهم؛ من محاربة اإلرهاب إىل الحفاظ عىل وحدة األرايض السورية ..أما عيونهم فقد كانت مص ّوبة بإتجاه حجم الغنائم املمكن تحقيقها من سوريا املريضة. ً التدخل األمرييك ،وإن جاء متاخرا سنوات عن الوعد الذي أطلقه رئيس اإلدارة األمريكية السابق باراك أوباما ،من أن بالده ستتدخل حال استخدم نظام األسد األسلحة الكياموية ،رغم ذلك ،فإن هذا التدخل الضعيف واملتأخر ،فرض سياقاً جديداً لألحداث ،وأوجد معادلة أجربت الالعبني اآلخرين املس بها. عىل الحذر من اخرتاقها أو محاولة ّ انبنت املعادلة األمريكية عىل رضورة إيجاد حل لألزمة السورية وفق مقتضيات قرارات مجلس األمن ذات الصلة ،وخاصة القرار 2254الذي يطالب بإجراء عملية انتقال سيايس ،والتوصل إىل تسوية سياسية دامئة لألزمة ،وتشكيل هيئة حكم ذات مصداقية ،وتشمل الجميع وغري طائفية ،واعتامد مسار صياغة دستور جديد. وكانت الواليات املتحدة األمريكية قد م ّررت هذه املطالب يف بيان فينا ،قبل ذلك ،وضمنت موافقة أغلبية دولية ،من ضمنها روسيا ،وهو ما مهد لصدور القرار 2254دون اعرتاض. وساهم الوجود العسكري األمرييك يف رشق سوريا، يف تقوية موقف واشنطن السيايس ،ودعم أوراقها يف مواجهة األطراف األخرى املنخرطة يف الرصاع
9
نحو إعالم مهني ونسوي شبكةالصحفياتالسوريات
10
واإلعالم الحساس لقضايا الجندر شادن عبد الرحمن * العدد 2019 / 11 / 4 - 89 -
بدأت مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات كمبادرة نسوية قادتها الصحفيتان روال أسد وميليا عيدموين مع بداية الحراك الشعبي املناهض لنظام األسد يف سوريا عام ،2011واتخذت املؤسسة شكلها الحايل يف بداية عام 2013لتعمل عىل بناء جسور بني اإلعالم والحراك النسوي السوري بالداخل السوري من جهة ،ودول اللجوء من جهة ثانية ،عرب العمل عىل بناء قدرات الصحفيات والعامالت يف املجال اإلعالمي ومتكني النساء للوصول إىل مناصب قيادية يف مؤسساتهن. وتعنى املؤسسة بتسليط الضوء عىل الخطاب اإلعالمي وتقديم نقد جندري لهذا الخطاب من خالل البحث والتحليل الدوريني، والذي تقوم به خبريات يف مجال الجندر والنسوية ،سعياً لتحسني صورة النساء يف وسائل اإلعالم السورية وتحقيق العدالة االجتامعية واملساواة بني الجنسني. ومنذ تأسيسها حتى اآلن ،عملت املؤسسة عىل تدريب ما يزيد عن 250من الصحفيني والصحفيات والنساء واليافعات عىل الكتابة املراعية للنوع االجتامعي ،باإلضافة إىل ورش عمل تتناول أساسيات العمل الصحفي .كام بلغ عدد املستفيدات الصحافيات والصحافيني والناشطات اإلعالميات حوايل 150صحفية وصحفي. سالمة وأمن الصحفيات منذ تأسيسها تعمل الشبكة عىل رفع مستوى الوعي حول السالمة املهنية من خالل توفري تدريبات للصحفيات والصحفيني ،بهدف خلق املعرفة يف كيفية إدارة وتحليل املخاطر ،وأولويات ومعوقات السالمة، وتسليط الضوء عىل التحديات التي تواجه الصحفيات واملدافعات عن حقوق اإلنسان تحديداً خالل عملهنّ ،وتعزيزاً لدور املؤسسة يف رفع الوعي حول أمن وسالمة الصحفيات واملدافعات .كام أطلقت مؤسسة الصحفيات السوريات دلي ًال للسالمة ،تطرح فيه تقنيات وآليات عملية للصحافيات والعامالت باملنظامت ملواجهة التحرش مبكان العمل وخارجه ،وبناء ثقتهن بأنفسهن يف أثناء عملهن امليداين .باإلضافة إىل تدريبات أنها قدمت لجهات ومنصات صحافية إعالمية سورية رشيكة ٍ يف مجال األمن الرقمي للصحفيني والصحفيات والعاملني والعامالت يف منظامت املجتمع املدين النسوي.
أما يف مجال االستشارات القانونية ،أطلقت املؤسسة دلي ًال إرشادياً يف شهر حزيران (يونيو) 2019حمل اسم“ :حرب مو ناشف” حول القوانني اإلعالمية يف 5دول إقليمية ،أعدته املحامية ومستشارة املؤسسة القانونية رهادة عبدوش ليسلط الضوء عىل الحساسية للنوع االجتامعي يف قوانني ومواثيق الرشف اإلعالمية يف كل من سوريا وتركيا والعراق واألردن ولبنان. معرفة نسوية “تقاطعية” تركز مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات عىل إنتاج معرفة نسوية متنوعة “تقاطعية” عرب برنامجها “جندر رادار” الذي يهتم برصد املحتوى اإلعالمي يف املؤسسات اإلعالمية السورية التي ظهرت بعد عام ،2011وإنتاج دراسات دورية لتحليل ونقد الخطاب اإلعالمي جندرياً ،من خالل زيارات ميدانية وحلقات تدريبية ،وتقديم استشارات لتطوير التفكري النقدي داخل املؤسسات اإلعالمية باإلضافة لكتابة ومناقشة توصيات بغية تطوير السياسة التحريرية بطريقة تشاركية .كام يساعد برنامج “جندر رادار” عىل خلق بيئة إعالمية
تتمة ص ....12
المرأة ...زهر الربيع العربي وعصب ثوراته نبيل شوفان
العدد 2019 / 11 / 4 - 89 -
يف سوريا وتونس ومرص واليمن ،والحقاً يف السودان ولبنان والعراق والجزائر ،ش ّكلت النساء خط الدفاع األول عن مطالب الشعب ،يف ثورات مل تكن أبداً حكراً عىل الرجال؛ فوضعن أنفسهن يف مواجهة الفساد والقمع ،واملجتمع الثائر عىل حد سواء. من الطبيعي أن املرأة يف كل الدول التي شهدت ثورات واحتجاجات، صارت معنية بالتظاهرات املطلبية؛ فإضافة لتطابق مطالبها مع مطالب الرجل كمواطن يحلم بتحقيق الدميقراطية والتغيري ومحاربة الفساد، واستعادة األموال املنهوبة ،تبدو املرأة منقوصة الحقوق عن الرجل نفسه ،وبالتايل كان وجودهن عىل األرض رضورة. ويف تونس استبسلت املرأة بعد عام ،2011يف الدفاع عن حقوقها، فحصلت عىل تعديالت دستورية كبرية عىل صعيد مساواتها مع الرجل، كالقانون االنتخايب وجوازات السفر ،وإلغاء تحفظات جمهورية تونس عىل اتفاقية “سيداو” املتعلقة بالقضاء عىل كل أشكال التمييز ضد املرأة. ً ويف لبنان وتقديرا لدور املرأة اللبنانية ،كانت جريدة النهار سباقة يف خاصاً لزهرة الثورة، خاصة للمرأة الثائرة ،فأصدرت عدداً ّ إرسال تح ّية ّ “نهارك” ،مضيفة كلمة “للنساء” يف النشيد وغيت فيه اسم الجريدة إىل ِ ّ الوطني يف املقطع الذي يقول “سهلنا والجبل منبت للنساء والرجال”، تقديراً لدورها الفعال يف االنتفاضة الجارية. ويف السودان تحولت الناشطات الاليت شاركن يف الثورة إىل أيقونة (الكنداكة) ،ويف الحكومة الجديدة حصلت النساء عىل وزارات هامة وسيادية كالخارجية ،فيام بدأت املرأة معركة تحصيل حقوقها كاملة هناك. ً ويف العراق الذي ما يزال يعيش أياما دامية ،تتعرض الناشطات لالختطاف واالعتقال والقتل ،ألنهن محرك االحتجاجات ،فام إن تظاهرت املرأة العراقية ،حتى مل يبقَ رجل يف بيته ،وغصت ساحات التعبري عن املطالب مبئات اآلالف من األمهات الاليت خبزن الرغيف، والشابات الاليت يقمن بدور بطويل يف إسعاف الجرحى من املتظاهرين، فكتب فيها العراقيون بلهجتهم الجميلة أقوى القصائد التي انترشت األسبوع الفائت عىل مواقع التواصل متغزلني بجاملها ومادحني قوتها. ويف سوريا التي عاشت ثورتها حالة قمع شديد ،ومع ظهور تيارات إسالمية متشددة نجحت أحياناً بالسيطرة عىل املشهد ،فإن ما قدمته املرأة من نشاط سيايس ومدين وميداين وإعالمي ،تحول يف بعض األحيان ،إىل كابوس ،كام حصل مع رزان زيتونة وسمرية الخليل وغريهام يف منطقة تحت سيطرة ما كان يسمى جيش اإلسالم. ورغم قتامة الصورة إال أن املرأة السورية ،أصبحت فاعلة عىل كافة األصعدة ،يف أماكن غياب النظام القمعي ،والحركات اإلسالمية.
إن إقرار قوانني كاملساواة يف املرياث ،والحامية من العنف األرسي ،وحقّ حصول األبناء عىل الجنسية ،والدفاع عن حق النساء يف التعليم والعمل والتعبري واللباس واختيار الرشيك ،والعمل عىل تغيري نظرة املجتمع للمرأة كجسد وجامل وجنس ملحة تحتمل طرحها اآلن ،عىل عكس ما يروج البعض وإنجاب ومطبخ ..قضايا ّ بأن طرحها ما زال مبكراً ،وإال ستصبح النساء ضحية ثورات هنّ أشعلنها. حتى يف السعودية أذابت نار الثورات العربية ،وكفاح املرأة السعودية املستميت، الجليد عن الحديث حول حقوقهن بأقل تقدير ،فنالت حقها يف القيادة ،والسفر بدون وكيل. ويف النهاية فهذه جردة قصرية ،عن رحلة النساء العربيات ،داخل قطار الثورات، يف رحلة ما تزال يف بداياتها .لكن لنتذكر ،ونذكر ،أن ما قبل عام ،2011كان الباحث عن حقوق النساء يف اثنني وعرشين دولة عربية ،كالباحث عن كلمة “حرية” يف سجون وأقبية تلك الدول. بقي عىل الثورات أن تر ّد الجميل لصانعاتها ،فال تقصيها من الحياة العامة ،عىل املستويات السياسية ،واالجتامعية ،واالقتصادية ،والثقافية ،وليتجرأ شبابنا عىل تجاوز النظرة الناقصة ،ومامرسة اإلرهاب املعنوي ،عىل ناشطة قررت مبلء إرادتها خلع أو ارتداء حجابها ،أو أخت أح ّبت شاباً ،أو مهندسة تقوده ،أو صحفية ترأسه، أو رشطية توجه له املالحظات ..فبالد عظيمة تقودها اليوم نساء بحجم وطن.
11
انتهاك كرامة النساء السوريات..
12
سالح استخدمته الجهات المتحاربة ،ولعنة الحقت الجميع هنادي زحلوط
العدد 2019 / 11 / 4 - 89 -
رمبا كان الفتاً أن كل األطراف يف الحرب السورية أرصت عىل استخدام النساء كرهائن حرب للضغط عىل األطراف األخرى التي أدخلت البالد يف حروب عبثية .كام مل تسلم رشيحة كبرية من السوريني من هذا االنتهاك؛ فالثائرات السوريات كنّ -والزلن- مستهدفات بشكل مبارش من قبل النظام السوري، فكان يعتقلهن ويودعهن السجون والزنازين االنفرادية ..وشهدت سجون النظام حاالت العتقال نساء حوامل وأخريات مع أطفال صغار ،إىل جانب نساء يعانني من أمراض مزمنة ومستعصية .وكان تركيز النظام دوماً بالضغط عىل املرأة وأرستها؛ فمرات كانت هي املستهدفة من االعتقال ،وقد تعتقل للضغط عىل زوجها أو أخوتها ووالدها، لتسليم أنفسهم ،أو لتحقيق تراجع ما عن مواقفهم. بلغ عدد النساء السوريات املعتقالت يف سجون النظام عرشات اآلالف ،ويف ظل الحالة السورية يستحيل توثيق ومعرفة األرقام الدقيقة ووجود إحصاءات ،عىل الرغم من الجهود التي تبذلها منظامت حقوق اإلنسان والشبكات املعنية بهذا املجال،إذ تم تسجيل شهادات لنساء تم تعذيبهن بالكريس األملاين وبالرضب املربح! وأظهرت صور قيرص صوراً لنساء قتلن وتم وضع رقم عىل تنحن ،وتحولت القضية إىل رقم جباههن التي مل ِ ليس أكرث ،يف بلد مزقته نريان الحرب. نساء أخريات تعرضن لالغتصاب ،ومل تكن الخارجات من هذا الجحيم بقادرات عىل أن يفخرن باعتقالهن ،وهذا ما عمد النظام إىل مامرسته عىل املدى البعيد ،فرتك االعتقال ندوباً عميقة عىل نفوس النساء والفتيات ،يف مجتمع رشقي محافظ ما زال بعض مواطنيه يرون يف املرأة “عورة” ال يحقّ لها التحدث أو االعرتاض ،ويرون أنها خلقت للمنزل واألوالد فقط. ّ وعندما أراد مقاتلو املعارضة املسلحة الضغط واملطالبة بتحرير املعتقالت لدى النظام ارتكبوا الجرمية ذاتها باعتقال نساء أخريات ،مثل راهبات
مسيحيات! طبعاً مع الفارق الكبري يف املعاملة، لكن اعتقال الراهبات أعاد لألذهان رواية اضطهاد املسيحيني يف الرشق الذي أوغل بحروب ال متناهري ،بينام الرواية الصحيحة أو رمبا التي تحتاج تصحيحاً صغرياً وهو أن كل الطوائف مضطهدة يف رشق الديكتاتوريات ،حيث ال مواطنة ح ّقة بل عبودية أرادها الحاكم غري سامح بسواها. وعىل سبيل املثال ال الحرص ،أراد مقاتلو جبل األكراد يف الالذقية املطالبة بإطالق رساح معتقالت ومعتقلني لدى النظام من الالذقية وريفها ومن جبلة ،اختطفوا نساء علويات مع أطفالهن وهم واهمون أن بإمكانهم الضغط عىل النظام بهذه الطريقة إلطالق رساح املعتقلني. مل يحرك النظام ساكناً من أجل هؤالء املختطفات، بل استثمر القضية يف هذا الفعل ليظهر عىل مؤيديه وجمهور الساحل بروايته القدمية حول استهداف العلويني ،سيام مع فرض مقاتيل املعارضة الحجاب عىل النساء والفتيات العلويات الصغار الذين قاموا باختطافهن ،وأظهروهن يف فيديوهات متعددة ويف أكرث مرة محجبات حزينات ومنكرسات .ومل تنفع الكثري من املناشدات لهذه الفصائل بالكف عن استخدام النساء أدوات ضغط ألن هذا ال يقدم سوى اإلساءة لهم ومساواتهم بالنظام الذي يحاربونه؛ فالنظام الال أخالقي الذي خرجوا ضدّه
بثورة حرية وكرامة مل يوفقوا يف األدوات التي اختاروها ،وجابهوا اعتقال النساء واألطفال بفعل من ذات السو ّية األخالقية. غري أن الحالة مستمرة حتى يومنا هذا حيث تظهر مجدداً هذه اآلفة األفعال الال أخالقية ،فرنى أحد قادة الفصائل السابقة يأرس مقاتلة كردية منتسبة لوحدات حامية املرأة الكردية ،ويفاجر باعتقالها، ويقوم بأخذ صورة سيلفي أثناء اعتقالها مع ثلة من الرجال الذين ظهر عليهم االنتشاء والسعادة والنرص التاريخي كونهم انترصوا عىل النظام وتحققت أهدافهم باعتقال هذه املقاتلة وهي مصابة وجريحة! تعود هذه املرأة لتظهر يف صورة أخرى عىل رسير مرسب بأنها تعالج يف تركيا وهو مستشفى مع خرب ّ ما ييش بتسليمها إىل السلطات الرتكية من قبل مختطفيها “الوطنيني” بالطبع لسنا هنا ندافع عن قوات سوريا الدميقراطية وفصيل الوحدات الكردية التي تنتسب إليه املقاتلة ،لكننا ندافع عن حق هذه املرأة ولو كانت مسلحة مقاتلة ،وكل النساء املعتقالت بحاميتهن واحرتام االتفاقيات الدولية املتعلقة بأرسى الحروب ،وعدم إجبارهن عىل التصوير ،أو تعذيبهن أو إهامل عالجهن ،أو إيذائهن نفسياً وجسدياً ،وهي اتفاقيات تم انتهاكها من قبل كل األطراف املتحاربة عىل األرض السورية.
نحو إعالم مهني ونسوي
13
....تتمة من ص 10
* مسؤولة التواصل يف شبكة الصحفيات السوريات
العدد 2019 / 11 / 4 - 89 -
تستطيع املرأة أن تكون مدنية أو عسكرية أو سياسية أو ناشطة مدنية ،هذه خياراتها، لكن أياً من ذلك ليس سبباً العتقالها وتعذيبها وانتهاك حريتها وخصوصيتها وكرامتها ،تستطيع املرأة أن تكون معارضة أو موالية لكن ذلك ال يجب أن يجعلها أداة للضغط عىل الطرف اآلخر بانتهاك حرمتها وإجبارها عىل ما ال ترغب فيه. فهؤالء املسلحون -عىل مختلف انتامءاتهم ووالءاتهم العسكرية -من كل األطراف فشلوا يف إقناعنا بأحقيتهم يف استالم زمام األمور ،ألننا مل ن َر عىل أيديهم سوى سلسلة غري منتهية من االنتهاكات بحق البالد والعباد ،طالت األرض والشجر والحجر، ومل متيز النساء والرجال ،األطفال الصغار والشباب والعجز. مل يستطع املسلحون يف النظام أو املعارضة أن يروا فينا مواطنني متساوين قادرين عىل اإلعراب عن قناعاتنا دون أن يستخدمونا للوصول إىل السلطة .لقد اغتنى أمراء الحرب عىل حساب انتهاك كرامة الناس وعىل حساب دقائق عمرهم ،يف الوقت الذي تركوا فيه أحبة أحوج ما يكونون إليهم. يشء واحد بقي نستطيع أن نحلم به نحن الضحايا ونعمل ألجله :العدالة لكل من انتهكت إنسانيته بغض النظر عن جنسه وعمره ولونه؛ فالعدالة وحدها اآلن تستطيع أن تجعل البداية من جديد ممكنة ،وتعيد األمور إىل نصابها .لكننا نحتاج أن نكون أقوياء لنفرض عىل الجناة املثول أمام هذه العدالة املنتظرة .وما بني العدالة واملواطنة ،طريقنا نحو املستقبل ممكن ولو كان طوي ًال.
مهنية معنية بالجنسانية مراعية للفوارق بني الجنسني ،ويسعى تعزيز التفكري النقدي أثناء صناعة املحتوى وعمليات اإلنتاج والتقييم ،من خالل بناء القدرات واملهارات الصحافية املراعية للحساسية الجندرية. وكجزء أسايس من برنامج “جندر رادار”، تعمل املؤسسة عىل تطوير سياسة تحريرية تراعي الفوارق بني الجنسني كنقطة مرجعية للمؤسسات اإلعالمية الرشيكة ،كام يهدف الربنامج بالتشارك مع املؤسسات اإلعالمية إىل تحديد الثغرات والفرص املتعلقة باملساواة بني الجنسني ،ورصد أي اختالفات يف الفرص وظروف العمل ،واملشاركة يف صناعة القرار. “قالت” وكرس االحتكار الذكوري لإلعالم ومن بني أبرز الربامج التي أطلقتها املؤسسة يف النصف الثاين من العام الجاري ،منصة “قالت” نتيجة لتغييب األصوات والخربات النسائية عن التغطيات اإلعالمية ،والحاجة إىل تعدد املصادر الصحفية كأساس مهني ،وصوالً إىل تغطيات إعالمية شاملة وحساسة للنوع االجتامعي ،وهي أول منصة إلكرتونية سورية ،تضم حالياً أكرث من 100سرية لخبرية سور ّية كمرحلة أوىل من مختلف املجاالت يف السياسة ،االقتصاد ،العلوم ،حقوق اإلنسان ،الصحة والبيئة وغريها .ومتنح “قالت” النساء فرصة أكرب ملشاركة خرباتهنّ عرب كرس االحتكار الذكوري لتقديم املعلومات والتحليالت عرب وسائل اإلعالم كام تسعى املؤسسة لتدريب وبناء قدرات الخبريات السوريات لتشجعيهن عىل تكثيف ظهورهنّ اإلعالمي ،وتساهم عن طريق “قالت” وبناء قدرات النساء يف الرد عىل حجة عدم وجود خبريات كمصادر للمعلومات
والتحليالت املعمقة. كام نرشت مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات عرشات املقاالت والتحقيقات واألبحاث بالتعاون مع منصات إعالمية مثل الغارديان وصحفيني/ صحفيات مستقلني/مستقالت والتي تناولت قضايا مهمشة ومعتم عليها تحقيق بعنوان “النساء يف املناهج التعليمية ..ما بني النمطية وخطوة نحو التغيري” والذي يحقق يف املناهج التعليمية يف مناطق حكم النظام السوري وتلك يف مناطق الحكم الذايت أو الحكم املؤقت معتمداً عىل تحليل محتوى هذه املناهج والزيارات امليدانية لتبيان ما إذا كانت متيز ض ّد املرأة وكيفية ذلك“ ،نريان صديقة -السوريات ومتالزمة السالح والعنف” وهو تحقيق ميداين من بلدة معرتحرمة بالريف الجنويب ملحافظة إدلب يوضح تلك األثار ويسلط الضوء عليها، و”من رعب الحرب إىل رعب الحدود السورية الرتكية” والتي تتناول قصص السوريني الذين هربوا من القصف واملعاناة يف سوريا قاصدين تركيا حيث أدت عمليات التهريب تلك إىل مقتل 422سورياً منذ اندالع الثورة السورية (منهم 76 طفال دون الثامنة عرش ،و 38امرأة). تستمر املؤسسة يف جهودها لألعوام القادمة بالرتكيز عىل سالمة وأمن الصحفيات يف القطاع. كام ستويل اهتامماً دامئاً ملشاركة املعرفة النسوية وإيجاد سبل عملية لتطبيقها يف مجال اإلنتاج اإلعالمي ،دون إغفال أهمية التأكيد عىل رفع حضور النساء يف اإلعالم كخبريات ومصادر للمعلومات يف القطاعات املتعددة.
14
البعد هو اتساع المدى بشرى البشوات
العدد -
89 2019 / 11 / 4
أحاول أن أنظر إىل هذه املدينة بقلب املحب، ال بع ْينه ،بعد ثالث سنوات من اإلقامة الرسم ّية هنا .لقد حفظت شوارعها ومناطقها وطرقاتها األساس ّية وصار بإمكاين أن أستدل عىل أي َمعلم فيها بسهولة ويرس ،لقد تعلمت هنا وللمرة األوىل كيف أستخدم خرائط ()GPS ورصت أعرف قراءة مواعيد الرحالت يف ّ كل من الحافالت والقطارات. أنا بعافية قلي ًال ،بعد ثالثة أعوام و ُبعد ،من السكن يف مدينة ساحلية ،مبحاذاة بحر البلطيق (املسطح املايئ األكرب الذي متتزج فيه املياه املالحة بالعذبة) رمبا هذا يفرس ّيل شعوري املتناقض جهة هذا البحر بني الحب والكره ويخلق عندي ُبعداً ما! أنا بعافية ً قليل. أمي التي مل يعن يل البحر شيئاً سوى حزين عىل ّ مل تره ولو ملرة يف حياتها! أعيش يف عاصمة املقاطعة ،يبعد بيتي عن مركز املدينة ما يقارب ثالثة كيلو مرتات ،يف حني كان يبعد بيتي يف دمشق عن مركزها ما يقارب عرشة كيلو مرتات ..شتان بني البعدين!
ثقافة
األبعاد :ال أحب أن أدخل يف لعبة حسابية ،أقنع نفيس بأنني كنت وما زلت أعمل فقط بجزء دماغي الذي ال يحب وال يجيد األبعاد والحساب. يقول الربوفيسور ستيفن ويلسن من كلية لندن الجامعية ملوقع اليف ساينس“ :إن عدم متاثل الدماغ أم ٌر جوهريٌ لوظيفة الدماغ السليم”، ويكمل قائ ًال“ :إن عدم التامثل يسمح لجانبي الدماغ بأن يصبحا متخصصني ،مام يزيد من سعة عملياتهام وميكنهام من تجنب حاالت التعارض حيث يحاول كل من جانبي الدماغ أخذ املسؤولية” ..أخذ املسؤولية يف أي يشء؟ رمبا يف انتقاء طريف البعد! يف كلية اآلداب يف دمشق ،تلك الكلية التي دخلتها
بسنّ متأخرة ،متاماً مثل كل أشيايئ املفصلية يف الحياة أصلها متعلقة بالقاطرة األخرية ،لدي الشجاعة لالعرتاف بأنني ال أركض كفاية ،ألنني قبل ذلك مل أصل وال إىل أي محطة يف املوعد املحدد .أنا مث ًال تأخرت بإكامل دراستي ..تأخرت يف بيت أيب ،فتأخرت يف الحب ثم تأخرت يف الزواج ..لكنني بالطبع هرولت بأقىص ما لدي جهة األمومة. تأخرت يف الخروج من سوريا بعد الثورة ألنني تأخرت يف معرفة البعد بني الشك واليقني ،أو بني الفراق والحنني .الفراق والحنني يتناسبان طردًا! ها أنا أعود إىل الرياضيات ،يف كلية اآلداب يف دمشق ،ويف فرتات االسرتاحة ،ونحن نبدد الوقت األبله يف رشب القهوة ،كنا نتبادل األسئلة: نتحدث عن البيوت ،عن الطريق والبعد ،كانت أسئلة من ذلك النوع الذي ال حاجة فيه ملران الذاكرة ،يف ذلك الوقت وتلك السنّ سمعت ألول مرة باحتفال الهالوين ،وحتى أبدد سحنة الجهل عن وجهي رحت أضحك ببالهة عىل الطرائف التي يلقيها األصحاب وهم يرسدون كيف كانوا يتابعون مجموعة من الصور واحتفاالت هذا اليوم .ذلك أيضاً ُبعد ما بني الجهل واملعرفة. الهالوين :يحتفل العامل بالهالوين يف 16من ترشين األول .بعد عام ونصف من وصويل إىل
هذه املدينة الساحليةّ ، رن جرس البيت ،أمام الباب ثالثة صبية وأمهم بألوان ورسومات وأقنعة وقناديل مضيئة يطرقون بابنا يف هذا الشتاء يريدون حلوى احتفاالً بالهالوين!! غيت عيد القديسني والشهداء واملظلومني ،الذي ّ طقوسه فيام بعد الثقافة األمريكية ..فصار عيداً آخر. البعد األخر بني ما سمعت وبني ما رأيت ..شتان بني البعدين! كان من الصعب عىل األصدقاء معرفة مكان واسم البلدة التي أسكنها يف جنوب دمشق ،وكان لزاماً عيل أن أربطها مبعلم أكرث شهرة وحضوراً، أقول لهم أسكن بعيدة عن مقام السيدة زينب أقل من كيلو مرت واحد. “ها تسكنني هناك؟”.. “نعم”. تعج بالعراقيني؟ “هل صحيح أن املنطقة ّ تعج اآلن بالجميع إال أهلها”ُ ..بعد أخر بني “نعم ّ ما كان وما صار إليه! كنت أه ّز رأيس موافقة ،ثم أسرتسل بثقة العارف ،وثرثرة الجائع للخرب ،كان لدي خرب ّيات حول ذلك .ذلك هو البعد -املسافة بني ما أعرف وما يجهلون! البعد ثانية..
15
العدد 2019 / 11 / 4 - 89 -
ثقافة
دمشق الجرداء ومدينتي هذه التي تتقيأ الخرضة مبلء فمها ،ينال مني رذاذها ،أخفي وجهي بذراعي. كنت أسكن يف جنوب دمشق .يوم خرجت منها كنت يف الثامنة والثالثني ،وملا وصلت جبل الزاوية يف إدلب كنت يف نهاية التاسعة والثالثني ..هذا ال يعني بأنني استغرقت سنة يف الطريق ،لكنه يعني ال ُبعد بني العزم وبني املسري. يقاس العمر أيضاً باألبعاد؛ أبعاده فيام أنفقتها، فيم أنفقت سنوايت األربعني حني مل يسألني أحد َ دخلت الحد الفاصل بني الحدود النمساوية األملانية. الحد الذي عربه هتلر حني مل يكتف بكل أبعاد أملانيا يف العام .1938 الحد الذي عربه مئات اآلالف ممن خرجوا من سوريا ،كل من خرج من سوريا َع َر َف ُبعداً ما؟! مل أعرف الكثري من املطارات يف حيايت؛ املطار األول الذي عرفته كان مطار دمشق ومنه وصوالً إىل مطار القامشيل ،وحني كنت بانتظار ولدي ابن الرابعة والنصف وأخطأت برقم البوابة ،كان ذلك يف مطار هامبورغ .ال عجب أن يس ّموا املطارات باملوانئ .البحر إذا!.. يقول محمود درويش“ :كلنا يف البحر ماء”. “كلنا”؟ ..من ُكلنا؟ هل تح ّول السوريون إىل ماء يف بحر إيجه؟ يف تقرير عرضته قناة الجزيرة من الشواطئ الليبية عن رجل كانت مهمته املوجعة تنحرص يف جمع أحذية الغرقى عن الشاطئ؛ أحذية أولئك الذين عربوا البحر ..بكيت وقتها بشدة. قال إنه يحفظ هذه املئات بل األالف من األحذية ّ ليظل هو عىل األقل رشيكاً بنسبة من الوجع. مل يكن ما جمعه أزواجاً من األحذية املتامثلة، فقط فردات منها ،بألوان ومقاسات وماركات مختلفة. َ ً تذكرت جيدا حني عربت جبل الزاوية وف َقد ولديّ ّ كل منهام فردة حذائه ،دخلنا تركيا بفردة لكل منهام ،دخلنا أول خساراتنا بعرج مع سابق اإلرصار.
يف كتابها “ملاذا ال يتذكر الرجال ويستحيل أن تنىس النساء” تقول الدكتورة ماريان جيه تفس قدراً هائ ًال من تعبريات الوجه ،أكرث مام يستطيع لجاتو“ :تستطيع املرأة برباعة أن ّ الرجل ،مام يعطيها ميزة التعاطف مع مشاعر األخرين. وتتمتع املرأة بذاكرة قوية لكل ما تسمعه ،ومعنى ذلك أنه ميكنها اسرتجاع نقاط بعينها دارت يف مناقشة نسيها الرجل منذ زمن طويل”. أتذكر جيداً كيف نبشت املجندة األملانية ثيايب ونبشت مالبس رضيعتي ابنة السنة والنصف حني دخلنا حدودهم يف أواخر سنة .2015 فعلت ذلك بقلب بارد ،ألنها تعرف البعد بني الوطن والشتات!
عمل للفنان سمير خليلي
عمل للفنان سمير خليلي