العدد 40 2014 / 7 / 9
وستبقى كلمتنا بوجه السواد
2
طلعنا عالحرية /العدد 40
كلمة
افتتاحيةبقلم ليلى الصفدي
مهما يكن ..فال خيار �أمام ال�سوريني �إال اال�ستمرار باحلياة واملحاولة ..وو�سط كل هذه امل�آ�سي وامل�ستقبل احلالك ال منلك رفاهية التنازل عن �أي ب�صي�ص من نور ..وال عن �أي منجز مهما كان �صغري ًا.. وعلى هذا الأ�سا�س وبعد انقطاع دام خم�سة �شهور تعود جريدة "طلعنا عاحلرية" لل�صدور رغم كل امل�صاعب واملعوقات العملية. فمن احل�صارات امل�ضاعفة من قبل النظام وداع�ش والن�صرة وجي�ش الإ�سالم وغريها من تيارات التطرف، �إىل تقطيع �أو�صال البلد و�صعوبات الإت�صال� ،إىل ت�شرذم النا�شطني وخالفاتهم ال�ضحلة� ،إىل حالة الي�أ�س العام وال�شعور بال�صغار والتفاهة �أمام �إرادات الدول احلقرية� ..إىل م�صاعب احلياة اليومية واللهاث وراء لقمة البقاء وانقطاع اخلدمات العامة من مياه وكهرباء وو�سائل ات�صال وغريها� ...إىل ..و�إىل .. و�إىل ..كل هذا يجعل من اال�ستمرار لأي عمل عام مهمة
ع�سرية ت�شبه املعجزة ..ي�ضاف �إليها مبا يخ�ص حالتنا اخلا�صة اختفاء ع�ضوين ا�سا�سيني من فريق العمل يف الغوطة ال�شرقية (رزان زيتونة وناظم حمادي) يف ظروف غام�ضة وانعدام املعلومات الدقيقة ب�ش�أن م�صريهم حتى اليوم. و�إذ تعود اجلريدة لل�صدور ب�إمكاناتها املتوفرة انرتنتي ًا، وورقي ًا يف الداخل ال�سوري وبع�ض خميمات اللجوء، ف�إننا ندعو كافة املهتمني من كتاب ومثقفني وم�ؤ�س�سات وتنظيمات ثورية للم�ساهمة يف رفدها و�إغنائها.. متوخني اجلر�أة يف الطرح واجلدية يف احلوار والنقد واحرتام حرية الر�أي واالختالف �ضمن واقع �أ�شد تعقيد ًا. كما ونتوجه بال�شكر لكل من عمل و�سعى باجتاه عودة اجلريدة للحياة ولكل من ال زال قادر ًا على العطاء وبث روح الأمل وامل�شاركة.
3
طلعنا عالحرية /العدد 40
"أ" و"ب" عن التدخل األمريكي ومكافحة اإلرهاب �أ .هل التدخل الأمريكي الع�سكري يف املنطقة �أمر �سيء بحد ذاته؟ ب .التجربة التاريخية تثبت �أنه �سيء ،ونتائجه عموما كارثية .ولكن اجلواب من منظور القوى ال�سيا�سية يف منطقتنا هو ال ،لي�س �سيئا بحد ذاته، فهذا يتوقف بنظرمن ،و ل�صالح من؟ �أ .ماذا تعني؟ ب� .أعني ثمة قوى وقفت مع التدخل الأمريكي يف �أفغان�ستان والعراق ،و�ضده يف ليبيا ،و�ضده من دون �أن يحدث يف �سورية .ومعه يف �سورية حني ات�ضح �أنه �ضد ت�سليح الثوار .والآن هم م�ستعدون للتعاون معه يف مكافحة الإرهاب. �أ .مكافحة الإرهاب؟ �أين �سمعت ذلك �آخر مرة. ب� .سمعناه ،ح�ضرتك وح�ضرتي ،طوال الت�سعينات من القرن املا�ضي والعقد الأول من هذا القرن.
كان هذا �شعار ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية و�أحد مربرات التدخل يف املنطقة وغريها. �أ� .أمل يعار�ضه ه�ؤالء يف حينه؟ ب .نعم .واعتربوه عنوان �سيا�سية ا�ستعمارية عدوانية حتى حني كان ي�ستخدم �ضد احلركات الإ�سالمية. �أ .ولكنهم يقولون به الآن. ب .نعم ،لإقناع الواليات املتحدة بالوقوف معهم. �أ .هي �إذا لي�ست �سيئة بحد ذاتها ،بل هي قوة فا�ضلة �إذا وقفت �إىل جانبهم. ب� .صحيح. �أ .كيف يوفقّون بني هذا وذاك؟ ب .ال �أحد يهتم بالتربير �أو التف�سري حني تعمل الع�صبيات .وميكن اي�ضا دائما �أن ي�ضاف �أن �أمريكا فعلت ذلك م�ضطرة لأنها هزمت ،لكي يبدو من يتو�سلها منت�صرا ،حتى وهو يحاول �أن يقنع �أمريكا �أنه حليفها احلقيقي القادر على مكافحة الإرهاب. عن �صفحة الدكتور عزمي ب�شارة
4
مقاالت
طلعنا عالحرية /العدد 40
متخيلة للنظام .. عن هوية ّ منذ قرابة ن�صف قرن ّ تغطى النظام بااليدلوجيا البعثية ،وهي متحجرة ،تط ّعمت بـ"اال�شرتاكية" جم ّرد �أيدلوجية ان�شائية ّ و"العلمانية" و"املقاومة" ،من دون �أي متثل لذلك� ،أي لأغرا�ض اال�ستهالك واالبتزاز ،وتر�سيخ ال�شرعية .فوق ذلك فقد ر ّوج هذا النظام لذاته باعتباره باين الدولة ،حيث الأ�سد (الأب) هو باين �سوريا احلديثة ،التي تدين بوجودها له ،ك�أن تاريخ �سوريا بد�أ معه ،ما �أو�صلنا �إىل ال�شعار امل�شني�" :سوريا اال�سد �إىل الأبد" ،حيث بات ثمة متاه بني �سوريا الدولة ونظام الأ�سد ،حتى مل يعد �أحد ي�ستطيع التمييز �أو التفريق بني ال�سلطة والدولة. وقد مت الرتويج لكل ذلك بواقع تغ ّول ال�سلطة على الدولة، واحتكارها �أو احتاللها املجال العام ،ال�سيما عرب �إحكام قب�ضتها على ثالثة جماالت� ،أولها ،و�سائط الإعالم والرتبية والتعليم ،و�ضمنها التلفزيون والإذاعات وال�صحف ،واملدار�س واجلامعات ،وحتكمها بجهاز املوظفني ،وباملراتب الدينية من مفتني وم�شايخ وق�ساو�سة ،و�سيطرتها على االحتادات ال�شعبية ومنظمات املر�أة والطالئع وال�شبيبة .وثانيها ،املجال االقت�صادي ،جلهة حتكمها باملوارد ،وتوزيع الرثوة القومية، وتعزيزها اعتمادية قطاع كبري من املواطنني على الدولة ،عرب ا�ستخدام جزرة التوظيف واخلدمات العامة (متدنية امل�ستوى)، مع ا�شاعات عالقات الف�ساد والإف�ساد ،وبخا�صة مع وجود طبقة من رجال الأعمال التي تدين بوجودها وامتيازاتها للنظام. �أما املجال الثالث ،فيتمثل بت�شغيلها و�سائط التخويف والق�سر والإخ�ضاع املبا�شر� ،أي اجهزة ال�شرطة واملخابرات واجلي�ش، ذات ال�سطوة يف املجال املجتمعي ال�سوري. هكذا ،حر�ص النظام طوال العقود املا�ضية على ترويج �صورته، �أو الأ�ساطري عنه ،بو�صفه نظام ًا ي�ساري ًا �أو ا�شرتاكي ًا ،رغم �أن ا�شرتاكيته يف حقيقة الأمر اختزلت مبجرد م�صادرة الأرا�ضي، وت�أميم ال�شركات ال�صناعية اخلا�صة ،و�إ�ضعاف الربجوازية الوطنية الناه�ضة .ومعلوم �أن هذه االجراءات �أدت فيما �أدت �إليه �إىل هيـ ــمنة الدولة -ال�سلطة على قطاعات الإنتاج ،وعلى املوارد االقت�صادية ،وتعـ ــزيز �سيطرتها على املجتمع ،وعلى املجال العمومي ،ما جنم عنه تعميم عالق ــات الف�ساد ،وتغيري
ماجد كيالي
املعايري من الكفاءة والأهلية �إىل الوا�سطة ،كما جنم عن ذلك تفريخ حيتان جدد ،ال �سيما من املقربني للعائلة احلاكمة ،التي باتت تتح ّكم بقرابة ثلثي االقت�صاد ،مبا يف ذلك ملكية م�ساحات وا�سعة من الأرا�ضي. �أما اعتباره قومي ًا فهذا ما متثل ب�سيا�ساته ّ التدخلية والإحلاقية التي اتخذت يف غالبية الأحيان طابع ًا ع�سكري ًا �أو عنفي ًا يف حميطه ،ال �سيما يف لبنان ،و�إزاء الفل�سطينيني ،ويف العراق الذي عا�ش على العداء معه ،على رغم التقارب الأيديولوجي �سابق ًا بني نظامي هذين البلدين .وي�أتي يف ذلك ان�ضوائه يف �إطار خدمة ال�سيا�سة الإيرانية يف املنطقة ،مع ال�شبهات التي حتيط بها ،ال �سيما يف العراق و�إثارتها النعرة املذهبية يف امل�شرق العربي. طبعا ثمة فرق يف التعاطي يف ال�سيا�سية اخلارجية ،يف عهدي الأ�سد الأب واالبن ،لكن النتيجة كانت كارثية يف احلالتني .ففي عهد الأ�سد الأول كانت �سوريا ترى يف جوارها جمرد �ساحة ،او ملعب ،لتعزيز نفوذها الإقليمي ،بينما يف عهد الأ�سد الثاين باتت �سوريا ذاتها مبثابة �ساحة يعبث �أو يتالعب بها جوارها .هذا ين�سحب على �إيران وحزب اهلل ،فبينما كان الأ�سد االول يتعامل مع �إيران كورقة لتعزيز مكانته االقليمية والبتزاز الدول االخرى، ف�إن �سوريا يف عهد الثاين باتت ورقة يف يد �إيران .املهم انه يف العهدين كانت النتيجة واحدة وهي جتاهل وجود �شعب �سوريا، وحدود قدرة الكيان ال�سوري ،ويف احلالني كان ال�سوريون هم من دفع الثمن. وبالن�سبة لأ�سطورة كونه نظام ًا مقاوم ًا ،فهي تثري ال�سخرية واملرارة يف �آن ،فهذا النظام م�س�ؤول عن �ضياع جزء من �سوريا، واحتالله من قبل �إ�سرائيل (ه�ضبة اجلوالن) ،وكان بد�أ عهده ب�إدارة الظهر للمقاومة الفل�سطينية يف الأردن ( ،)1970ثم �أوقف املقاومة نهائي ًا من جبهة اجلوالن ،بعد حرب (،)1973 وت ّوج كل ذلك ب�ش ّنه احلرب على املقاومة الفل�سطينية واحلركة الوطنية اللبنانية ( ،)1976وهي «مقاومة» مل ينجم عنها �إطالق ر�صا�صة واحدة باجتاه �إ�سرائيل طوال �أربعة عقود ،ناهيك عن �أنه دعم كل احلروب التدمريية �ضد خميمات لبنان ،والتي قام بها حلفائه.
طلعنا عالحرية /العدد 40
�أخري ًا ،تبقّت ا�سطورة «العلمانية» ،التي هي جمرد غطاء ظل النظام يحاول من خالله التالعب مبا ي�سميه "�أقليات"، وبالتايل حرا�سة الواقع الطائفي واملذهبي يف �سوريا، بادعائه حمايتها ،يف حني �أنه يغطي يف كل ذلك �سيا�ساته القائمة على احل�ؤول دون حتول املجتمع �إىل جمتمع حقا ،مع وجود مواطنني مت�ساوين حقا �أمام القانون و�أمام الدولة، من دون �أي متييز ديني او مذهبي �أو اثني او جن�سي، و�أي�ضا احل�ؤول دون قيام الدولة باعتبارها دولة حقا� ،أي دولة م�ؤ�س�سات وقانون ،مع ف�صل بني ال�سلطات الق�ضائية والت�شريعية والتنفيذية .ففي الواقع ف�إن النظام د�أب على ا�ستخدام �سيا�سة "فرق ت�سد" لتكري�س �شرعيته وتر�سيخ �سلطته ،و�إظهار �أي حماولة للخروج على هذا الو�ضع مبثابة مترد طائفي او حرب �أهلية ،او �صراع اقليات و�أكرثيات، على نحو ما يفعل اليوم. امل�شكلة �أن كذبة علمانية النظام" انطلت على كثريين، و�ساهمت يف ترويجها� ،أي�ض ًا ،تيارات �إ�سالمية ،رمبا بع�ضها عن �سذاجة ،و�ضيق �أفق ،وبع�ضها الآخر عمد ًا لتربير ذاته يف امل�شهد ال�سوري ،ويف ال�صراع على �سورية. وي�ستنتج من ذلك �أن هذا النظام الدمياغوجي ال تنطبق عليه �أية �أو�صاف� ،أو تنميطات ،ال �سيما و�صمه بـ «العلمانية» ،فهو يكاد �أن يكون حالة ا�ستثنائية بني الأنظمة (مع نظامي القذايف و�صدام) .ومع معرفتنا �أن العلمانية ال تعني الإحلاد ،وال معاداة الدين ،و�أنها عموم ًا تعترب الدين ،والتد ّين ،من احلريات العامة وال�شخ�صية ،ومت ّيز بني الديني والدنيوي ،وتف�صل بني الدين والدولة (ال ال�سيا�سة) ،ف�إن علمانية النظام ال�سوري جمرد ادّعاء �أقحم فقط ،لأغرا�ض ا�ستهالكية وا�ستخدامية� .أي �أن «علمانية» هذا النظام ال ت�شبه العلمانية املت�شدّدة ،كما يف فرن�سا �أو تركيا ،وال حتى علمانية تون�س ،وبالطبع ال ت�شبه العلمانيات املرنة ،واملنفتحة ،كما يف الواليات املتحدة وبريطانيا ،مث ًال، التي ترى وجوب حماية الدين ،واملجال الديني ،من �سلطة الدولة. ف�إذا ا�ستثنينا مرحلة قمـ ــع جماعة «الإخوان امل�سلمني» الذين عاداهم النظام على طول اخلط ،وحظر وجودهم العلني ،ف�إن ال�سيا�سة التي اتبعها نظام الأ�سد مل تكن تت�ضمن معاداة الدين كدين� ،أو ا�ضطهاد املتدينني
مقاالت 5 ملجرد �أنهم متدينون .فكما هو معروف ف�إن هذا النظام ،ويف �إطار �سعيه �إىل ال�سيطرة على املجال املجتمعي ،اتبع �سيا�سة مفادها ال�سيطرة على املجال العام الديني ،متام ًا مثلما فعل يف االقت�صاد ،حيث مل ِّ ي�صف القطاع العام ،ومل يخ�صخ�صه، ً كما يف الدول الأخرى ،و�إمنا �أبقاه جماال لل�سيطرة والإف�ساد ،يف الوقت الذي ُف ِتح املجال وا�سع ًا لنمو القطاع اخلا�ص ،بطريقة متوح�شة ومنفلتة من �أية معايري. تو�سع ًا يف ومعلوم �أن �سوريا ،طوال العقود املا�ضية� ،شهدت ّ عمليات بناء اجلوامع و�إقامة املعاهد التعليمية الدينية اخلا�صة، واجلمعيات اخلريية واملدار�س واملجمعات ،التي تتبع ل�شخ�صيات �أو جلهات دينية ،ومعاهد حتفيظ القر�آن ،حتت ناظري النظام ومعرفته .وعليه فقد بات يف �سورية معاهد كبرية ت�ستقبل �سنوي ًا مئات الطالب من البلدان الإ�سالمية الآ�سيوية والأفريقية ،مثل معهد �أبو النور� ،أو جممع ال�شيخ كفتارو ،ومعهد الفتح الإ�سالمي، ومعهد ال�شيخ بدر الدين احل�سني عند باب ال�صغري ،هذا غري كليات ال�شريعة يف اجلامعة ال�سورية� .أي�ض ًا ،ثمة جماعات �إ�سالمية منظمة مثل «القبي�سيات» ،تقت�صر على الدعوة يف �صفوف الن�ساء ،وتعترب من �أكرب اجلماعات يف �سورية ،كما ثمة جماعات تتبع بع�ض امل�شايخ الكبار ،مثل ال�شيخ البوطي وال�شيخ كفتارو (املفتي ال�سابق) ،وغريهما ،حيث لكل من ه�ؤالء جمهوره و�أتباعه وجمعياته اخلريية والتعليمية املنظمة. املعنى �أن نظام الأ�سد ،على رغم ا�ضطهاده جماعات «الإخوان» و «حزب التحرير» ،لأغرا�ض �سيا�سية ،ف�إنه �س ّهل ورعى ن�شوء م�ؤ�س�سات وجماعات و�شخ�صيات �إ�سالمية كثرية ،وت�سامح مع مظاهر التدين ال�شعبي التي انت�شرت وازدهرت م�ؤخرا ،مبا يخدم تكري�س مكانته ،و�إ�ضفاء ال�شرعية على وجوده .وال ينبغي �أن نن�سى دور الأجهزة اال�ستخباراتية ال�سورية يف تفريخ �أو رعاية جماعات �إ�سالمية متطرفة مثل «فتح الإ�سالم» ،وبع�ض جماعات «القاعدة» وغريها يف لبنان والعراق ثم يف �سورية. هكذا ّ منى نظام الأ�سد وا�ستثمر بدمياغوجيته نوع ًا من ّ اجلماعات الإ�سالمية والإ�سالميني ،مثلما منى جم ــاعات من رجال الأعمال واملثقفني والفنانني والأكادمييني ،من كل التيارات الي�سارية والقومية والعلمانية والليربالية ،من املت�صاحلني �أو املت�ساحمني مع نظامه ،ومعظم ه�ؤالء لعب دور ًا كبري ًا يف عمليات يف�سر رواج تلك الت�ضليل والتدجني التي انتهجها النظام ،ما ّ البقية �صفحة 12
6
مقاالت
أين وصلنا ...؟ أبو القاسم السوري لعل �س�ؤال الوقت هو اكرث اال�سئلة التي طرحت ا�شكالية خالل عمر الثورة ،فمتى ننت�صر ومتى ي�سقط النظام ،ودائما كنا نخدع انف�سنا بعامل الوقت ،فكان اجلواب دائما يكون بعد رم�ضان �أو لنهاية العام، �أو خالل ال�ستة �أ�شهر �أو مع نهاية الفرتة الرئا�سية للمجرم ب�شار الأ�سد، وكان مي�ضي رم�ضان وي�أتي الذي بعده وبعده وكذلك ال�سنني ،وانتهت الفرتة الرئا�سية لب�شار وقام بانتخابات �صورية ،وهو الآن مازال على كر�سي الرئا�سة لفرتة �سبعة �سنني ،وخالل هذا الوقت كانت االمور تتعقد وتت�شابك نتيجة: • تدخل املال ال�سيا�سي وما �أفرزه من م�شاريع �سيا�سية تهدف اىل ان�شاء دويالت قائمة على �أيدولوجيات �ضيقة. • �سيا�سية النظام االجرامية التي �أهلكت الب�شر واحلجر ،ودمرت البالد وهجرت العباد مما خلق حالة ان�سانية �ضاغطة على الثورة. • واقع ت�شرذمنا وت�شتتنا فكل منا يغني على لياله وكل واحد منا يعمل وك�أن النظام �سقط منذ �سنني ونحن الآن نتقا�سم غنائم الن�صر. • التداخل االقليمي والدويل للأزمة ال�سورية حيث �أ�صبحت �سورية حلبة تناف�س قاتلة ودموية مل�شاريع �سيا�سية اقليمية ودولية على ح�ساب الدماء ال�سورية وب�أيادي �سورية ومتويل خارجي. • عجزنا عن خلق �أو �إيجاد بديل م�ضمون عن نظام اال�سد ليكون البديل املقنع لداخلنا �أو ًال وقبل كل �شيء ثم ملحيطنا االقليمي ثم
طلعنا عالحرية /العدد 40
ملجتمعنا الدويل. • اخطائنا القاتلة يف التعامل مع ملفات ح�سا�سة كمو�ضوع التعدد الطائفي والقومي املوجود يف �سوريا، ومو�ضوع احرتام النظام االقليمي ال�سائد فكنا دائما ن�سمع ا�صوات ت�صدح ب�صوت عايل بالنف�س الطائفي املقيت او تتكلم مب�شاريع تتجاوز احلدود. ولأجل كل ذلك كانت النتيجة �أننا ا�ضعنا البو�صلة والوجهة وا�صبحنا نتخبط ب�شكل ع�شوائي وال يدرك الواحد منا اىل �أين و�صل و�أين هو الآن و�إىل �أين هو ذاهب ول�سان حال احلا�ضن ال�شعبي تقول حالنا (كامل�ستعني برم�ضاء من النار) ،فقد انطلقنا يف الثورة ولدينا م�شروع و�أن مل يكن ميلك �أدوات ن�صره كاملة بني يديه ولكنه كان ميلك حدود وا�ضحة فهدفه ا�سقاط نظام اال�ستبداد والديكتاتورية وابدالهم بنظام قائم على احلرية والكرامة ،وكان هذا امل�شروع م�ضبوط بجغرافية �سيا�سية وا�ضحة فهو حم�صور �ضمن النطاق الوطني للحدود ال�سورية ،وهو يتعامل ويعرتف بالف�سيف�ساء ال�سورية ويدرك واقع النظام االقليمي وال يتجاوزه� ،أما اليوم فكل ذلك مت ت�شويهه وحتريفه حتى على م�ستوى الهدف اال�سمى ،وهو ا�سقاط النظام وبناء دولة احلرية والكرامة ،فاليوم كلنا نختلف على طبيعة هذا الأمر وكل واحد يف�سره على هواه ويعمل على فر�ض هواه على االخرين ،واعتقد ان احلل الناجع ملواجهة هذا احلال املزري الذي و�صلنا اليه هو يف �إعادة بعث الروح يف ج�سد م�شروع وطني ثوري جامع وم�ضبوط بحدود �سيا�سية وا�ضحة وحم�صور �ضمن احلدود الوطنية للدولة ال�سورية ،ويعمل على بناء م�ؤ�س�سات دولة وا�ضحة املعامل ،فمثال نحن ال ن�ستهدف ايجاد نوع من التن�سيق او �شكل من ا�شكال التعاون بني الألوية والكتائب الع�سكرية يف �سورية ،بل نريد م�ؤ�س�سة ع�سكرية مهنية تر�أ�سها اركان قادرة وفاعلة� ،أي نحن بحاجة اىل �أمر موجود يف كل دول العامل وهو اجلي�ش ،وحتى على م�ستوى الق�ضاء نحن ل�سنا بحاجة اىل هياكل م�ؤقتة وتوافقية تقوم على املجامالت واملحاباة وعند �أول اختبار حقيقي تراها ينفرط عقدها بل نحن بحاجة اىل ق�ضاء متني وقوي ولديه �شرعية وقوة لتنفيذ قرارته ،ق�ضاء يعيد للنا�س حقوقها ويحميها من حالة الغاب التي نعي�شها يف وقتنا حيث احلق اليوم مع الأقوى واملواطن العادي ال�ضعيف مهدورة حقوقه وكرامته ،وحتى ن�سرع كل هذه اخلطوات ال بد من ايجاد قيادة مدنية ع�سكرية تتبنى هذا امل�شروع وتعمل على اجنازه ،لي�س قيادة م�سرية على الرميوت كونرتول من عوا�صم اقليمية ودولية.
طلعنا عالحرية /العدد 40
مقاالت
7
بيعة البغدادي وانتخابات األسد ابن الوادي �أعلن �أبو بكر البغدادي اخلالفة الإ�سالمية يف �سوريا والعراق, و�صرح �أن �سوريا لي�ست لل�سوريني ,وان العراق لي�ست للعراقيني, و�أثار �إعالنه اجلدل ,ون�شر ال�صدمة يف �أو�ساط ال�سوريني وامل�سلمني وحظي باهتمام ال�صحف العاملية وم�ستخدمي �شبكات التوا�صل االجتماعي .نعم لقد �أ�صبح لدينا خليفة ,ولديهم رئي�س! �أعلن البغدادي دولته يف ظروف من احلرب والدمار .وما �أ�شبه اليوم بالأم�س .فبيعة البغدادي ال تختلف كثريا عن انتخابات الدم التي نظمها نظام ب�شار الأ�سد .كيف ال وكالهما منهمك يف التنكيل بال�سوريني .لكن �أوجه ال�شبه تتعدى ذلك بالطبع. فحملة الأ�سد قامت على �إميان جموع ناخبيه الغريزي به بو�صفه القائد امللهم الذي يدافع عن الأر�ض والعر�ض وعن كرامة الأمة والوطن .مل يكن الأ�سد ,ومثله البغدادي ,بحاجة �إىل برنامج انتخابي ,وال خلارطة طريق لإنهاء حمام الدم ,ووقف القتل واحلد من العنف .ال حاجة لأي منهما �إىل برنامج انتخابي, فالأ�سد هو ال�شبل الذي ال يحق ل�سواه �أن يحكم �سوريا ,ولن ي�ستطيع غريه حكمها ,فال بديل له ,وما من �سوري �آخر ي�ستطيع �إدارة دفة احلكم يف �سورية الأ�سد و�إن ا�ستدعى ذلك دمارها مبن فيها! .والبغدادي ,هو خليفة اهلل يف الأر�ض ,يحكم ب�شرع حكم ال�سيف بينه وبني خ�صومه ,و�إن كانوا �أطفاال اهلل ,و ُي ِ مدنيني .وهو الآمر الناهي .احلاكم املطلق والقائد امللهم الذي ال يخطئ .هو احلاكم ب�أمر اهلل ,ي�سعى لتطبيق �شرعه ,وكل من يعرت�ضه هو كافر� .أما من يعار�ض ب�شار الأ�سد فهو خائن للوطن, وي�ستحق املوت بال�صواريخ والغازات. ال وجود لل�سيا�سة لدى اال�سد .فالعنف هو �أداة احلكم الفريدة التي يتقنها برباعة املعلم .يحكم با�سم الوطن والت�صدي للم�ؤامرة ,وكذلك �سوط البغدادي و�سيفه الذي يقيم حدود اهلل يف الأر�ض .ي�صفي الأ�سد معار�ضيه بكل الطرق ,وي�سوي بالأر�ض املدن والقرى التي تناه�ض حكمه .ويطبق البغدادي �شرع اهلل بال�سيف ,فيجلد بائعي ال�سجائر ,ويقطع ر�ؤو�س من يحارب يف �صفوف اجلي�ش احلر ,ويجرب الن�ساء على ارتداء املالب�س ال�شرعية املعتادة يف بالد العرب العاربة التي �أتى منها هو ومعظم جماهديه ,فيما �سبقه رفعت الأ�سد بعقود �إىل �إجبار املحجبات على خلع احلجاب �أيام كان مظليوه الأ�شاو�س يجوبون ال�شوارع بلبا�سهم الع�سكري املموه ,يبثون الرعب والذل بني ال�سوريني� ,ش�أنهم �ش�أن جنود اخلليفة اليوم بلبا�سهم املميز
وحلاهم الطويله. ال مكان لل�سيا�سية يف حكم الأ�سد وال مكان لها يف حكم اخلليفة البغدادي .ال قيمة لبناء عالقات متوازنة مع دول اجلوار ,وبناء اقت�صاد متني ,وجامعات تناف�س مثيالتها يف املنطقة والعامل. دم�شق لي�ست �سوى مدينة خا�ضعة ومثلها الرقة اليوم .ال ي�ستحق ال�سوريون حاكما عادال ,بل كل ما ي�ستحقونه هو خليفة عراقي �أو �أ�سد �سوري. ينجر الكثري من ال�سوريني ,من حملة ال�سالح ,ومن عامة النا�س وراء �إعالن البغدادي ,ويبايعونه خليفة للم�سلمني .ال يدرك ه�ؤالء �أن البغدادي لن ي�ستطيع بناء دولة ,وال ميتلك مقومات احلاكم العادل الذي يتمنونه .فهو لي�س عمر وال هو ب�أبي بكر ,ولي�س هذا ع�صر اخللفاء العادلني .يتغا�ضون عن ت�سلطه وتفرده ,وال يطالبونه ب�شرح كيفية بناء هذه الدولة .كيف �سيكون ق�ضا�ؤها, وكيف �ستكون م�ؤ�س�سات احلكم فيها ,وكيف �سيطبق ال�شورى التي �أمره اهلل بها ,ولكن امل�سلمني ا�ستهانوا بها حلظة قبولهم ب�أ�سرة ملكية بعد ثالث وع�شرين عاما من ال�شورى بني �أ�صحاب الر�أي .ال يطالبه رعيته ,وال يطالب �أحد من رعية الأ�سد رئي�سه, بت�صور حللول مل�شاكل املهجرين ,والبطالة ,والدمار ,واالقت�صاد املتهالك ,والف�ساد الإداري وال�سيا�سي ,وكيف �ستكف يد �أجهزة الأمن واملطوعني عن رقاب النا�س. ت�صنع ال�شعوب طغاتها بجهلها �أوال وخنوعها ثانيا .نعم .الطغاة ال يخلقهم اهلل ويوليهم �أمر ال�صاحلني .يولد الطغاة من رحم املجتمعات التي تقبل العنف والطغيان ,وحتتفي به� .أنظروا كيف ي�شدنا املوت؟ �أنظروا كيف حتولت ثورة الكرامة واحلرية �إىل ثورة لال�ست�شهاد .ت�سقط ال�شعوب من ح�سابات التاريخ عندما تتعامى عن حقيقة دوران عجالته نحو الأمام .تعجز ال�شعوب عن بناء �أوطانها حني تن�ساق كالقطعان. لي�ست دولة البغدادي �سوى حماكاة م�ضحكة لدولة الأ�سد. ال يختلف فيهما �إال ال�شكل اخلارجي .ثقافة الطغيان واحده, وثقافة العنف واحدة .كال الدولتني ال حتمل مقومات الدول, بل هي �أ�شكال بدائية ،فدولة الأ�سد مزرعته اخلا�صة كما يقول البع�ض ,ودولة البغدادي هي �إقطاعته التي فو�ضه اهلل �ش�ؤونها. يقع ال�سوريون واحلالة تلك بني مطرقة الأ�سد و�سندان البغدادي, والثمن هو املزيد من اخلراب ,فيما يظن العامل �أن �سورية الأ�سد �أ�صبحت اخليار الأف�ضل مقارنة بخالفة البغدادي ال�صاعد ب�أجندتها العاملية ,فيما يئن ال�سوريون يف املهجر وال�شتات وديار اللجوء واملدن املحا�صرة طلبا لعون لن ي�أتي ,فقد قامت دولة اخلالفة التي يخ�شاها من يطلبون منهم العون.
8
طلعنا عالحرية /العدد 40
لقاءات
أيهم أحمد ..عازف بيانو أصبح بائع فالفل يف الحصار
رامي العاشق
منعتنا الكتائب املسلحة من الغناء ..م ّرة باسم الدين ،وم ّرة باسم العادات والتقاليد ،دائ ًما هناك أسباب للمنع ،وال أسباب للسماح..
يف ال�شارع الوا�صل بني جامع فل�سطني وامتداد �شارع الثالثني، �إىل اليمني قليلاً باجتاه �شارع الريموك الرئي�سي ،يوجد مكان �صغري ا�سمه «الأيهم للمو�سيقى» هذا املكان كانَ ِقبل ًة لل�شباب خا�صة و�أن ر�سوم الت�سجيل فيه الراغب يف تع ّلم املو�سيقىّ ، منخف�ضة جدً ا� ،أبو �أيهم عازف الكمان وابنه �أيهم عازف البيانو ،اتخذا من هذا املكان مركزًا لتعليم املو�سيقى وت�صنيع الآالت املو�سيقية ،و�أحيا ًنا كان مركزً ا لتدريب الفرقة املو�سيقية التي �أ ّلف وو ّزع لها �أيهم ،و�شاركه يف العزف نخبة من املو�سيقيني ال�سوريني والفل�سطينيني ال�شباب. عاما ،مو�سيقي �أكادميي ،در�س كلية الرتبية املو�سيقية، �أيهم ً 27 و�صار ع�ض ًوا يف نقابة الفنانني يف �سوريا ،مع بداية ح�صار م�سرحا يعزف فيه ويعر�ض للجمهور خميم الريموك مل يجد ً فيه نتاجه الإبداعي� ،إلاّ �أن الإبداع عنده جعله يبتكر فكرة فرقة يغ�ص باملوت، �شباب الريموك التي تغني يف ال�شارع املد ّمر الذي ّ واملحا�صر املغ ّيب عن كل املحيط ،على هام�ش ن�شاطات الفرقة التقته جريدة «طلعنا عاحلرية» وكان معه احلوار التايل:
يعرف �أيهم �أحمد نف�سه للجمهور؟ كيف ّ�أنا �أيهم �أحمد ،من خميم الريموك املحا�صر ،در�ستُ املو�سيقى منذ �أن كان عمري � 6سنوات ،بداية تعلمت من والدي ثم د ّر�سني الأ�ستاذ �صلحي الوادي و فالدميري زاري�سكي� ،أعزف على �آلة البيانو وال �أعترب نف�سي حمرت ًفا ،حت ّولت يف احل�صار �إىل بائع فالفل لكي �أ�ؤ ّمن قوت يومي ،ثم حاولت خلق حالة من املو�سيقى م�سرحا ،فقررت العزف يف جو املوت واجلوع يف املخ ّيم ،مل �أجد ً يف ال�شارع ،و�ضعت البيانو على عربة اخل�ضار وبد�أت العزف يف �أزقة املخ ّيم. وكيف خطرت ببالك فكرة «فرقة �شباب الريموك» ؟عندما بد�أت العزف يف ال�شارعّ ، التف بع�ض ال�شباب الهواة الذين مل يغ ّنوا من قبل ،وال يعرفون �شي ًئا عن املو�سيقى� ،إال �أنهم يرغبون بفعل �شيء للمخيم وللمحا�صرين و�إي�صال ر�سالتهم ال�ساعية لتحييد املخيم عن ال�صراع امل�س ّلح ،ورجوع الأهايل �إىل بيوتهم ،واجهت �صعوبة يف تدريبهم على الغناء� ،إال �أن التمرين
طلعنا عالحرية /العدد 40
* مهمة الفن األسمى زرع األمل بتحسّن األوضاع ،عندما تملك األمل بالبقاء ،فأنت تقاوم االندثار * عودة األهالي هي الضمان الوحيد ألي هدنة أو اتفاقية تحصل بين األطراف المتنازعة. * لن أزاود على الناس وأقول «سأبقى صامدًا» ألننا صمدنا مرغمين املك ّثف على الأغاين ومترينات ال�صوت جعلت منهم الآن مغ ّنني بن�سبة 30%وبقدرة دفع �صوتية ال حتتاج �إىل �إذاعة� ،أع�ضاء الفرقة هم� :أوي�س عي�سى ،و�سام نايف� ،إبراهيم خوالدة ،قا�سم خوالدة ،بدر الربو ،م�صطفى الباز وحممود متيم. منعتكم الكتائب امل�سلحة من الغناء يف ال�شارع ،ملاذا؟م ّرة با�سم الدين ،وم ّرة با�سم العادات والتقاليد ،دائ ًما هناك �أ�سباب للمنع ،وال �أ�سباب لل�سماح ،تارة تكون املو�سيقى حم ّرمة، ول ّكنها �إن كانت توافق توجهاتهم ت�صبح حاللاً ،وعندما تواجههم بهذه احلقيقة ت�صبح احلجة« :ما بي�صري تعزف والعامل عم متوت». ما هي الأغاين التي تقدّ مها الفرقة ،وما توجهها؟غ ّنينا الكثري من الأغاين التي تتحدث عن املخ ّيم ،نحاول �أن نو ّثق ما يجري عن طريق �أغانينا ،غ ّنينا عن احل�صار ،كراتني امل�ساعدات ،وعودة املهجرين ،ا�ستطعنا �أن ننجز �أكرث من 50 �أغنية خالل عام من احل�صار ،وهناك � 20أغنية مل تن�شر بعد، كما �أن هناك �أغنيات جاهزة حلني عودة الأهايل �سنقدمها مهجرين عودوا، لهم� ،أذكر مما قدمنا� :أوبريت الريموك ،يا ّ ن�سيت ا�سمي� ،أهلي و�أهلك راحوا� ،آه ع الريموك و�أيامو ،زمان ال�شحططة ،و الريموك ا�شتقلك يا خ ّيا. يف ظل الأزمة الإن�سانية واحل�صار واجلوع ،كيف ميكنللفن واملو�سيقى �أن يكون و�سيلة مقاومة؟
لقاءات
9
للفن �أهمية يف ن�شر الوعي ،وهو و�سيلة لتثقيف املعاناة وترقيتها بتح�سن الأو�ضاع ،عندما ب�شكل درامي ومهمته الأ�سمى زرع الأمل ّ وتر�سخ وجودك يف متلك الأمل بالبقاء ،ف�أنت تقاوم االندثارّ ، �أر�ضك ،مقاومة املوت � ..أ�سمى �أنواع املقاومة ،لي�س فقط على �سبيل الإن�سان ،بل مقاومة موت احل�ضارات والأوطان والثقافات والر�ساالت كذلك. للمهجرين الريموك ا�شتقلك يا خيا ،هي دعوةّ ليعودوا ،هل ترى �أن الظروف مواتية للعودة؟ �أمت ّنى �أن تكون الظروف �أف�ضل ليعود النا�س �إىل بيوتهم مطمئنني ،لكن يف الوقت احلايل ال �أحد ي�ستطيع العودة ،ولكن حت�سن �أو�ضاع املخيم مرتبط بعودة الأهايل بال�ضرورة ،وعودة ّ الأهايل هي ال�ضمان الوحيد لأي هدنة �أو اتفاقية حت�صل بني الأطراف املتنازعة. هل �ستخرج من �سوريا لو �سمحت الظروف �أم �ستبقى�صامدً ا؟ لن �أزاود على النا�س و�أقول «�س�أبقى �صامدً ا» لأننا �صمدنا مرغمني ،فلو عرفنا �أن احل�صار �سيودي بحياتنا وحياة �أحبتنا ملا بقينا حلظة� ،أنا �أخ�شى على حياة طفلي «�أحمد» املحا�صر معي وال �أ�ستطيع حتمل �أي مكروه ي�صيبه ،لذلك �إذا وجدت مكا ًنا يحرتم حقوق الإن�سان �س�أذهب ،لأن ا�ستمرار احلرب يعني ن�سف م�ستقبل طفلي� ،أنا � ً أي�ضا �أريد �أن �أكون مو�سيق ّيا معرو ًفا ،هذا احللم لن يتحقق يف �سوريا يف ظل ال�صراع الدائر. �شاركت مع الفنان «نرياز �سعيد» يف معر�ضه «للحلمبق ّية» �أخربنا عن هذه التجربة. �أ ّلفتُ للمعر�ض مقطوعة مو�سيقية خا�صة ا�سمها «ح�صار» وغ ّنيت مع الطفلتني مرح و�آية �أغنية الريموك ا�شتقلك يا خ ّيا، كانت املرة الأوىل التي �أعزف فيها ب�شكل مبا�شر من الريموك املحا�صر �إىل �أهلنا يف رام اهلل ،فمعر�ض نرياز كان هناك ،وكنا معهم عن طريق �سكايب �أنا ونرياز والفرقة ،كانت جتربة فريدة من نوعها ،ومميزة. الهدنة يف خميم الريموك ،هل �ستنجح؟ �أم �أنّك غريمتفائل؟ نحن نتم ّنى ،من م ّنا ال يريد للمخيم و�أهله �أ ّي ًاما �أف�ضل ،لكن واقع احلال ال يقول ذلك ،ا�ستمرار احل�صار والقتل ال يب�شر باخلري، وكما قلت �ساب ًقا ال�ضامن الوحيد لتطبيق الهدنة �أو االتفاقية هو عودة الأهايل ،دون ذلك ..فاجلميع ي�ضحك على اجلميع.
10
مقاالت
ثور ٌة أكلها ثوارها علي فاروق قال "جورج دانتون" املحامي والقائد الثوري الفرن�سي ال�شهري عندما �سيق �إىل املق�صلة� :إن الثورة ت�أكل �أبناءها. مقولة "دانتون" تلك كانت حقيق ًة واقعي ًة حينها ،لكن يف الثورة ال�سورية ،جند �أن عك�س مقولة "دانتون" هو ال�صحيح والواقعي، ففي �سوريا بع�ض من ُ�سموا ثوار ًا هم من �أكل الثورة ،ال بل ورمبا �شربوا ماءها �أي�ض ًا ،وقد فعلوا ذلك حتى قبل �أن تنت�صر الثورة، وتنجح يف �إ�سقاط نظام اال�ستبداد احلايل ،و�إقامة دولة العدل، واحلرية ،وامل�ساواة ،والدميقراطية. كل ما يقال عن عنف النظام ،وبط�شه ،ووح�شيته ،وتعمده ا�ستخدام الورقة الطائفية لقمع الثورة ،وتغيري م�سارها، �صحي ٌح ،و�صحي ٌح �أي�ض ًا �أن �أطراف ًا خارجي ًة كثري ًة ك�إيران، ورو�سيا ،وال�صني ،و(حال�ش) ،وملي�شيات "�أبي الف�ضل العبا�س" الطائفية ،والقاعدة واجلماعات املرتبطة بها� ،أو القريبة من نهجها الفكري والعقائدي ،قد تدخلت هي الأخرى و�ساهمت بتحويل امل�سار ،من ثور ٍة �شعبي ٍة �ضد اال�ستبداد والديكتاتورية، حرب طاحن ٍة حتمل يف طياتها العديد من مالمح احلرب �إىل ٍ الأهلية. ً �صحي ٌح �أي�ضا ،كل ما قيل ويقال عن تدخالت الدول الإقليمية، والدول الكربى التي تدعي دعهما لثورة ال�شعب ال�سوري ،وتورط �أجهزتها ال�سيا�سية ،واال�ستخباراتية يف الثورة ال�سورية ،ملحاولة منعها من حتقيق �أهدافها. لكن كل ذلك ال ينفي �صحة القول :ب�أن الثوار ال�سوريني قد �أكلوا ثورتهم ،فعندما انطلقت الثورة يف �آذار ،2011كانت ال�شريحة الكربى التي انخرطت يف الثورة بالأ�سا�س هي فئة ال�شباب� ،أي �أولئك الذين ترتاوح �أعمارهم بني اخلام�سة ع�شرة ،والثالثني �إىل اخلام�سة والثالثني ،وكانت تلك ال�شريحة متثل معظم الفئات والطبقات والعرقيات والطوائف املوجودة يف �سوريا، مبعنى �أنها كانت ثور ًة متغلغل ًة ،وممتد ًة �أفقي ًا وعمودي ًا داخل املجتمع� ،أو كانت بدايتها على الأقل كذلك ،لكن �أهم ما كان
طلعنا عالحرية /العدد 40
ميكن ُمالحظته يف تلك البداية ،هو غياب النخب واملثقفني والأكادمييني والتجار وال�صناعيني والإعالميني ورجال الدين مبعظمهم عنها ،لكن الثورة مل تتوقف عليهم ،ومل تنتظرهم، ف�أنتجت مثقفيها اخلا�صني بها واختارتهم من بني �صفوفها ،من �أولئك ال�شباب الثائر ،وامل�شارك بفاعلي ٍة يف �أحداثها� ،صحي ٌح �أن و�صف املثقفني �أو املفكرين قد ال ينطبق عليهم ب�صور ٍة دقيقةٍ، لغياب اخلربة والتجربة عن معظمهم ،وافتقار �آخرين ك ٍرث منهم، للأدوات العلمية واملعرفية التي ت�ؤهلهم ليكونوا قاد ًة فكريني� ،أو منظرين �سيا�سيني للحراك والثورة ،لكن الأهداف العامة للثورة خا�ص ،لفهمها والتعامل نوع ٍ مل تكن حتتاج �إىل ذكاءٍ � ،أو ثقاف ٍة من ٍ معها ،كما �أن تفاعل �أولئك ال�شباب وم�شاركتهم احلقيقية يف الثورة ،كان وال �شك �سيك�سبهم الزاد الكايف من التجربة �شباب ،جامعيون ،متعلمون، واخلربة� ،أ�ضف �إىل �أنهم مبعظمهم ٌ ميلكون من الذكاء والوعي وقوة ال�شخ�صية ال�شيء الكثري ،ما يعني �أنهم وباملح�صلة ،ال بد و�أن يكون لهم الدور الأ�سا�سي يف قيادة الثورة ،ويف �صنع م�ستقبل البالد الحق ًا. �أ�س�س �أولئك ال�شباب التن�سيقيات والروابط ،وغريها من الهيئات والكيانات الثورية الأوىل ،فكانت التن�سيقيات يف كل املناطق الثائرة ،والهيئة العامة للثورة ،واحتاد تن�سيقيات الثورة ال�سورية ،وجلان التن�سيق املحلية ،وغريها ،وال�شبكات الإعالمية ك�شبكة �شام ،و�أوغاريت ،وغريها �أي�ض ًا ،وقد عملوا على تنظيم املظاهرات والدعوة �إليها ،كما عملوا يف جماالت الإعالم وت�صوير املظاهرات ،ورفع مقاطع الفيديو على �شبكات التوا�صل االجتماعي ،ونقل الأخبار والتحدث �إىل حمطات التلفزة العربية والأجنبية ،والتدوين ،كما عملوا يف جماالت الإغاثة ،واملجاالت الطبية ،و�أ�صبحوا يدعون ب"النا�شطني". ميكن القول وبكث ٍري من ال�شعور بالراحة� ،أن جل املكت�سبات التي حتققت لأبناء ال�شعب ال�سوري ،جاءت خالل فرتة الثورة ال�سلمية، ف�سقوط �شرعية النظام ،والإح�سا�س بالتحرر ،والكرامة ،والفخر باالنتماء الوطني ،وغريها من امل�شاعر والقيم ،التي �أ�صبح الكثريون ي�شعرونها ويتمتعون بها ،كانت نتاج ًا مبا�شر ًا لتحدي قوات النظام و�شبيحته ،خالل وعرب املظاهرات والن�شاطات ال�سلمية الأخرى. ثم ماذا بعد ؟ ثم جاءت مرحلة ال�سالح ،وهنا بد�أ العديد من الثوار و"النا�شطني" ي�ستهلكون ب�أفعالهم الكثري من الر�صيد الأخالقي
طلعنا عالحرية /العدد 40
وال�سيا�سي للثورة ،وانق�سم �أولئك "الن�شطاء" �إىل ق�سمني ،الأول: حيد نف�سه عن الثورة ،كما عن ال�سالح ،ثم �أخذ بالتغطية على �أفعال و�سلوك وجتاوزات زمالئهم ممن حملوا ال�سالح ،ومل يعد نقلهم للأخبار ميتاز بال�صدق وال�شفافية كما كان �سابق ًا ،ورمبا �أقعدتهم روابط القرابة وال�صلة� ،أو اخلجل عموم ًا� ،أو رغبتهم باحلفاظ على ال�صورة النقية للثورة� ،أو ذرائع حماية الثورة من ت�صيد ثغراتها وهناتها من قبل �أعدائها� ،أو غري ذلك ،عن نقل احلقيقة والواقع كما هو ،وت�سليط ال�ضوء عليه ،وفتحه للنقا�ش العام واالعرتا�ض عليه ،وهم عندما فعلوا ذلك قاموا بتقوي�ض املثال الأخالقي الذي حققته الثورة ،وبذلك ما عادوا متمايزين عن النظام ،وال عن ال�سلوكيات والنماذج الال�أخالقية التي كان يعر�ضها ،ويعممها على املجتمع والنا�س. �أما الق�سم الثاين من "الن�شطاء" ،فقد فعل ما هو �أ�سو�أ ،فقد ا�ستغل عمله ون�شاطه يف الثورة ،والعالقات واملعارف التي جتمعت لديه ،فا�ستغل ذلك لي�سافر ويرتك البالد ،والثورة وراءه ،وغالب ًا ما كان ال�سفر با�سم الثورة ،وعن طريقها ،وعلى ح�سابها ،حتى �سرت لدينا يف الداخل ال�سوري نكتة معربةٌ ،ي�س�أل فيها الأول: كم تكلف الهجرة �إىل �أوروبا ؟ فريد �آخر :تهريب �أم م�ؤمتر !؟، والذين �سافروا حملوا خرباتهم ومكت�سباتهم وكفاءاتهم �إىل بلدانٍ �أخرى بعيدةٍ ،وحرموا الثورة والبلد تالي ًا منها ،واحلقيقة ظروف كالتي نعي�شها ،وحق �أن حق ال�سفر من البلد ،وخا�ص ًة يف ٍ التخلي عن الثورة ،هي مبدئي ًا حقو ٌق �شخ�صي ٌة ،وم�شروع ٌة، (و�إن ات�سمت بالكثري من االنتهازية �أو الال�أخالقية ،والتقت مع �أهداف النظام ب�إفراغ البلد من كوادرها)� ،إال �أننا هنا ال نتكلم ظروف خا�ص ٍة حاالت فردي ٍة خم�صو�ص ٍة بزمان� ،أو مكانٍ � ،أو ٍ عن ٍ لهذا "النا�شط"� ،أو ذاك ،وال عن النا�س العاديني ،بقدر ما نتكلم عن حال ٍة جماعي ٍة عام ٍة بني "النا�شطني" ،ترقى مل�ستوى الظاهرة اجلديرة بالنقا�ش ،والنقد ،واملراجعة. وكان ُيقبل من �أولئك "النا�شطني" التخلي عن الثورة ،لو اكتفوا بذلك فقط ،لكنهم تعدوا الأمر �إىل حماولة التغطية على ذلك التخلي ،فان�ضم الكثري منهم للعمل يف �صفوف املنظمات التي تن�شط يف جماالت الإغاثة �أو التدريب �أو الأعمال الإن�سانية الأخرى ،والتي تعرف با�سم ال (� ،)NGOsأو ما ي�سميها بع�ضهم خط�أً مبنظمات املجتمع املدين ،و�أبرز م�آخذنا على تلك املنظمات ،وعلى عملها ،هو عدم معرفة اجلهات التي تقف وراء
مقاالت
11
بحكومات ق�سم منها ،وعدم معرفة �أهدافها ،وارتباط بع�ضها ٍ ٍ لدول تدعي وقوفها �إىل جانب ال�شعب �أو ب�أجهزة ٍ ا�ستخبارات ٍ ال�سوري ،بينما تعمل يف الواقع لتحقيق م�صاحلها على ح�سابه، لكن �أبرز خماطر تلك املنظمات على الثورة والبلد ،هو عملها على تفريغ ومتييع امل�ضمون ال�سيا�سي لثورة ال�سوريني ،وحتويلها ملجرد ق�ضي ٍة �إن�ساني ٍة �إغاثيةٍ ،والعمل على �إدامة املحنة واملعاناة التي مير بها ال�سوريون ،ودفعهم لتقبلها والتعاي�ش معها بتح�سني ظروف حياتهم اليومية فقط ،كما ح�صل �سابق ًا للفل�سطينيني، كما �أن الكثري من �أولئك "النا�شطني" ،غدوا وللأ�سف ُمنتفعني و(مرتزقني) من تلك املنظمات ،وم�ستفيدين من طول الأزمة، ومن معاناة بقية ال�سوريني �أي�ض ًا. رمبا كان الأجدر ب�أولئك "النا�شطني" �أال ي�شاركوا يف الثورة �أ�سا�س ًا ،و�أال يحر�ضوا بقية النا�س عليها� ،إن كانوا ينون تركها �أو (اال�سرتزاق) منها ،والواجب عليهم مراجعة ما فعلوه ،والنظر ملي ًا يف نتائجه على من بقي م�صر ًا على ثورته ،واالعتبار من و�شباب �شباب �آخرين مثلهم ،قرروا ال�صمود يف الداخل، ٍ ٍ ً وفر�ص، ٍ، ة بحيا منهم العديد حظي ، ا أي�ض � آخرين � ) أغراب (� ٍ ٍ وتعليم �أف�ضل مما ح�صل عليه الكثري من �أولئك "النا�شطني" ٍ �سابق ًا ،ومع ذلك تركوا كل ذلك وراءهم ،وجاءوا �إىل بالدنا وا�ستغلوا فراغ ثورتنا ،ليقيموا م�شاريعهم العقائدية اخلا�صة بالدم ،والنار ،على ح�سابنا ،وح�ساب م�ستقبل �شعبنا وبلدنا. عندما انت�صرت الثورة الفرن�سية ان�صرف "جورج دانتون" إرهابي هو �إىل حياة اللهو واملجون ،خملي ًا ال�ساحة ملجرم � ٍ "ماك�سيمليان روب�سبري" ،الذي قتل الآالف با�سم الثورة يف �أ�سابيع معدودةٍ ،واليوم يف �سوريا ،يبدو �أن (دانتونيني) جدد يخلون ثورتهم �أي�ض ًا ل (روب�سبرييني) جددٍ �أي�ض ًا ،وفيما يقدم ه�ؤالء (الروب�سبرييون) �أرواحهم ،وكل ما ميلكون يف �سبيل م�شروعهم ـ ي�ضح (دانتونيو) الثورة ال�سورية الذي يعني موتنا ــ ،ال يتنازل ،وال ِ يف مواجهة م�شروع �أولئك� ،إال بال�شتائم واللعنات وكالم الفح�ش، و ب (ال�ستاتو�سات) و(االيفينتات) و (الغروبات) يف عاملهم االفرتا�ضي البعيد. ورمبا قد �آن الأوان (لآكلي) الثورة االنتهازيني ،ليكفوا �أذاهم ابتدا ًء من هذه اللحظة عن الثورة ،وحبذا لو ين�صرفوا �إىل حياتهم يف مهاجرهم البعيدة� ،أو ين�ضموا ل�صفوف حملة (�سوا) الأ�سدية ،فال يبدوا �أن هناك مكان يليق بطموحاتهم وو�صوليتهم غريها.
12
مقاالت
تتمة من ال�صفحة 5 الأ�ساطري عنه ،و�صمود �صورته املتخ ّيلة عند كثريين ،ال �سيما عند بع�ض ي�ساريني وعلمانيني وقوميني ومقاومني خارج �سورية، �أي ممن مل يكا ِبدوا �سطوته وال بط�شه. ّ يف�سر ،بني �أ�سباب اخرى خمتلفة، ال�شك �أن هذا الو�ضع املعقد ّ بقاء النظام ،رغم مرور �أكرث من ثالثة �أعوام على ثورة يف�سر� ،أي�ضا ،ورمبا ب�صورة �أكرب ،املواقف ال�سوريني ،بيد �أنه ّ املتناق�ضة �إزاءه يف الر�أي العام ،داخل �سوريا وخارجها .ومعلوم �أن ثمة كثريون يقرون بالطبيعة اال�ستبدادية للنظام لكنهم مع ذلك يرون �أنه مبثابة "القلعة" الأخرية للمقاومة واملمانعة، والقومية والعلمانية والي�سار ،لذا جتدهم يف حرية من �أمرهم �إما مرتددين وحائرين� ،أو م�ش ّككني مب�شروعية الثورة� ،أو م�ساندين له على طول اخلط. ويبدو من ذلك �أن العقلية ال�سائدة يف بلداننا مازالت تت�أ�س�س على الأقوال وال�شعارات وال�شكليات بد ًال من االفعال والوقائع واحلقائق ،و�أنها يف امل�س�ألة ال�سورية تنطلق من م�سلمة مفادها اعتبار النظام متقدما على ال�شعب ،رغم ما يعتور هذه النظرية من جتاهل حلقيقة �أن الدولة ،مبا متتلكه من قوة وم�ؤ�س�سات و�إمكانيات ،هي التي ت�ضطلع بامل�س�ؤولية التاريخية يف بناء
طلعنا عالحرية /العدد 40
جمتمعاتها ،و�صوغ ثقافتها واجماعاتها وهويتها الوطنية. وا�ضح �أن هذه العقلية تتنا�سى �أن النظام ال�سوري ،الذي بات له قرابة ن�صف قرن ،هو امل�س�ؤول عن �إعاقة حت ّول الدولة يف �سوريا �إىل دولة حقا� ،أي دولة م�ؤ�س�سات وقانون ومواطنني ،مثلما �أعاق حتول جمتمعها �إىل جمتمع مبعنى الكلمة ،بدال من بقائه عند ح ّيز املكونات االثنية والدينية واملذهبية والقبلية .واملعنى �أن هذا النظام ،يف كل ذلك ،هو امل�س�ؤول عن كل ما يح�صل يف �سوريا ،بدء ًا من انفجار م�شاعر الغ�ضب عند �شعبه ،مرور ًا بتخلف تعبرياته وحراكاته ال�سيا�سية ،و�صو ًال �إىل اال�ضطراب والتخ ّبط يف ثورته. ق�صارى القول ،ف�إن �أ�صحاب هذا املنطق يحاولون الظهور، يف كل احلاالت ،كمن يتعاطى برباءة مع اعتبار النظام لذاته كقومي وعلماين وي�ساري� ،أي بربطه بكل ماله عالقة باحلداثة، واعتبار �أن املجتمع مبثابة النقي�ض لهذا النظام ،بدعوى �أنه متخلف او غري نا�ضج �أو م�ؤهل .ولعل امل�شكلة عند �أ�صحاب هذا املنطق �أنهم ال يرون �شعب ًا يف �سوريا ،و�أن ما يرونه جمرد �سكان او رعايا و�أتباع ،فهذه عندهم "�سوريا الأ�سد �إىل الأبد" ،ما يف�سر عدم اعرتافهم باحلقوق امل�شروعة لهذا ال�شعب ،وبطلبه ّ على احلرية وامل�ساواة والكرامة والدميقراطية.
طلعنا عالحرية /العدد 40
13
الوقت الغايل إىل رزان زيتونة هاال محمد تعبت يف وداع ال�شهداء يا رزان ،تعبت من ال�سهر وال�صحو على توقيت ال�سجون والزنزانات .قلبي ال يحتمل كل هذا الفراق. ال�صب ّية التي تعرفك والتي فقدت �أحد �أطرافها ،حدّثتني هي. عنك… ففهمت كيف حتبني! لأنني ر�أيت كيف ِ ِ حتبك َ بال كالم ،باقت�ضاب ،ال وقت للتعبري ،لكن ثانية من ال�صمت تكفي لتحميل ما ال يو�صف من االنتماء ل�سوريا وللمواطنة املت�ساوية وللدولة املدنية التي نبحث جميعنا عن �سرابها الآن بني �أقدام النظام والتطرف الذي اختطفك من بيننا. كلما نظرت يف عيني معتقل يف ال�صورة… �أتذكرك .وكلما أنت و�سمرية ووائل وناظم. ملحت �صورة �شهيد تبتعد �أتذكرك � ِ �أنا ال طاقة يل على التوثيق� ،أحاول �أن �أودع �أهل بلدي كما يليق بالوداع ،وداع ال�سوري لل�سوري هكذا يف مقتبل الزمن� .أقف على ذلك املفرتق املعتم بني املوت واحلياة و�أنتظر ،ال �أم ّيز بني الذهاب والإياب! �أنا ذاتي ال �أعرف يف � ّأي منطقة �أقف!. ال �أعرف كيف كنت تفعلني لت�ستطيعي البقاء بني الرحيل والرحيل… الوقت الثمني الكثيف ،الوقت ال�صالة ،الوقت الغايل لتدليل املوت ال�سوري يف حلظات الوداع الأخرية .كي ال يعتاد املوت موتنا ،وال الزنزانات تعتاد �أج�سادنا ورائحة دمنا. توثيق الإنتهاكات يف بلد الإنتهاكات ،يا لها من فكرة جنونية، فكرة االقرتاب من توقيت العدالة يف الوقت املطلق ،يف وقتنا ال�سوري املائل نحو الغروب .كيف كنت ت�ستطيعني جلم انهيار الوقت حلظة الرحيل .لي�س الوقت للموت ّ قط ..املوت حالة طارئة على الوقت ،تنهكه فيتوقف ،يهبط املوت… ويرحل الوقت يف الوقت .لي�س الوقت هو ذاته الزمن ،الزمن فيه م�ساحات وا�سعة للحياة واملوت… الزمن كالأوطان قد يكون
قا�سي ًا وعنيف ًا .كيف كنت جتدين الوقت من �أجل االنتباه والوقت من �أجل حفظ الأ�سماء والوقت من �أجل النظر يف الوجوه والعيون واالبت�سامات ،الوقت املخ�ص�ص لأحزان الأمهات كيف ا�ستطعت توثيق حلظاته! .من يرحلون يومي ًا بعيد ًا عنا حتت التعذيب يف �أقبية التعذيب… كيف كنت جتدين الوقت لتبكي عليهم وعلينا وعلى �سوريا .كيف كنت تعتذرين منهم ب�سبب �ضيق الوقت .فبني اال�سم واال�سم م�ساحة زمن تت�سع لذرات من الرتاب وذرات من الأمل… وذرات من النظر .بني اال�سم واال�سم ،م�ستطيل �أعمى مل ي�صح ترابه ّ الغ�ض بعد ،مل ي�صبح يف عمر القبور ،يتفتح هكذا حتت دعاء ال�سوريني ورجاءاتهم وينهال فيه ج�سد جديد مل ي�صبح يف عمر الرحيل بعد .الرحيل الأعمى كيف ا�ستطعت بك وقال: يديك وثق ِ ر�ؤيته كل يوم… كيف و�ضع مفاتيحه بني ِ ال تن�سي!. ا�ستطعت توثيق كل هذا الأمل يا رزان! توديع مواطن �سوري كيف ِ �سوري يرحل عن هذه الدنيا يف �أحد �أب�شع و�أ�شر�س �إثر مواطن ّ �أنواع الظلم يف العامل� .أ�شر�س ما عرفته الب�شرية هو ال�سجن ّثم املوت يف ال�سجن حتت التعذيب. �صرت جبارة يف ماذا فعلتِ باخليال! ماذا فعلتِ بالواقع! كيف ِ املح ّبة وجب ًال من �صنوبر العدل وحق ًال من �شروق ال�شم�س. اليوم عددت �شابني اثنني… والبارحة واحد ًا… �أخاف و�أنا �أمل�س �أ�سماءهم �أال �أكون ب�سم ّو انتمائي ل�سوريا وملا ن�صبو �إليه من �أمل م�شرتك. ال�سجن �صقيع الوقت وجحيم الوطن. عودي من �صقيع الوقت عودي من جحيم الوطن �إىل الوطن.. ْ بانتظارك. �سوريا
14
مقاالت
طلعنا عالحرية /العدد 40
السوريون يحتاجون إىل الحماية يف الفضاء االفرتاضي: أمني سوريا – حملة على وسائل التواصل االجتماعي التقني باسل مطر -مشروع سالمتك
�سالمتهم الرقمية. يف الأ�سبوع الأول تتطرق احلملة �إىل مو�ضوع اخل�صو�صية على الإنرتنت وتعالج كحق مقد�س وكم�س�ؤولية �شخ�صية اي�ضا ,وتلقي ال�ضور على الإخطار التي حتف بها ,وتقدم العديد من الن�صائح واحللول مل�شكالتها .ويف الأ�سبوع الثاين تعالج احلملة مو�ضوع االت�صال الآمن بالإنرتنت وعرب الإنرتنت ,وت�شرح ماهية املراقبة والتج�س�س على الإنرتنت وعلى تقنيات االت�صاالت ,وكيف نتعامل معها لدرء �أخطارها� .أما الأ�سبوع الثالث فيتمحور حول مو�ضوع حماية احل�سابات الإلكرتونية من ال�ضياع وال�سرقة واالخرتاق, واالت�صال الآمن بالإنرتنت والآليات التي علينا اتباعها ل�ضمان ذلك والأخطار التي تهدد ح�ساباتنا و�سالمة ات�صالنا بالإنرتنت. ثم تتطرق احلملة يف �أ�سبوعها الرابع �إىل الهجمات اخلبيثة والوقاية منها وعالج �أثارها يف حال التعر�ض لها ,وبعدها يخ�ص�ص �أ�سبوع كامل للخ�صو�صية والأمن على و�سائل التوا�صل االجتماعي .يف ال�ساد�س يتم احلديث عن �أمن املعلومات وكيفية تخزينها ,وحذفها وا�سرتجاعها ونقلها على نحو ال مي�س بها وب�صاحبها� .أمن الهاتف النقال هو حمور النقا�ش يف الأ�سبوع الثامن ,ثم يخ�ص�ص �أ�سبوع احلملة الأخري �إىل احلديث عن اال�ستخدام الفعال لو�سائل التوا�صل االجتماعي وهو موجه ب�شكل �أ�سا�سي للنا�شطني الإعالميني ,حيث تطرح عدد من الق�ضايا واحللول مل�شاكل طاملا عانى منها النا�شطني يف �أي�صال ر�سائلهم �إىل اجلمهور املنا�سب بال�صيغة املنا�سبة. ي�شارك يف احلملة كل من م�شروع �سالمتك ,و�سايرب �أرب�س, ومكتب اال�ست�شارات الأمنية للثورة ال�سورية ودليل الثائر التقني وجمموعة تقنيون من �أجل احلرية .تابعو احلملة على �صفحتها على في�سبوك من خالل هذا الرابط وال تن�سوا �أن تدعوا �أ�صدقاءكم للم�شاركة.
مل يعد النظام ال�سوري هو الوحيد الذي يعد على ال�سوريني �أنفا�سهم .ففي ال�شهور املن�صرمة� ,شهدت �ساحات ال�صراع االفرتا�ضية ظهور ًا لقوى �أخرى يف هذا املجال .فقد �أعلنت اجلبهة الإ�سالمية ,وهي واحدة من �أكرب الف�صائل امل�سلحة يف �سوريا ,عن ت�أ�سي�س ذراعا �إلكرتونيا لها ,و�سبقتها �إىل ذلك يف العام املا�ضي جبهة الن�صرة ,وهي جمموعة مت�شددة ترتبط بتنظيم القاعدة ,وكانت حركة �أحرار ال�شام قد �أن�ش�أت ذراعا م�شابهة. ال تتوفر �أدلة عن تورط هذه الأذرع بعمليات �إلكرتونية �ضد خ�صومهم من طرف النظام �أو �أطراف املعار�ضة الأخرى, لكن �أحداث اخلطف التي تعر�ض لها الكثري من النا�شطني على يد بع�ض من الف�صائل ,تدفعنا لالعتقاد �أن م�صدر الأخطار االفرتا�ضية مل يعد يقت�صر على النظام وجنوده الإلكرتونيني. فهل �أ�صبح لدينا �أمراء حرب افرتا�ضية كما �أ�صبح لدينا �أمراء حرب فعليني. �إن تعدد الفاعلني يف الف�ضاء االفرتا�ضي ,والفو�ضى الإلكرتونية التي تعك�س الفو�ضى على الأر�ض ,تزيد من الأخطار التي تواجه النا�شطني ,بل جتعها �أكرث حدة من حيث �صعوبة حتديد م�صدرها. ونظرا لأهمية الأمر ,فقط توحدت جهود عدد من املجموعات التقنية ,لتطلق حملة حتت ا�سم �أمني �سوريا ,لرفع �سوية الوعي لدى ال�سوريني حول هذه الأخطار. تتخذ احلملة من في�سبوك حيزا لها ,وتهدف �إىل خلق ف�ضاء افرتا�ضي تفاعلي يجمع م�ستخدمي تكنولوجيا املعلومات مع خرباءها بهدف احلوار والتعلم. متتد احلملة لثمانية �أ�سابيع ,وتعالج مو�ضوعا بالتف�صيل وال�شرح امل�ستفي�ض يف كل �أ�سبوع ,ويتاح املجال للتلقني للحوار وطرح الأ�سئلة ,وتلقي الإجابات .ويختتم كل �أ�سبوع مب�سابقة h t t p s : / / w w w . f a c e b o o k . c o m / تقنية يح�صل الفائزون فيها على جوائز ت�ساعدهم يف تعزيز events/790268141018647
15
طلعنا عالحرية /العدد 40
Azzam Amin
�سورية بحاجة ما�سة الآن� ،أكرت من � ّأي وقت م�ضى � :إىل و�سلمية غياث مطر وتفاين ملهم بندقية �أبو الفرات ِ ر�ستم وبا�سل �شحادة وعطاء �صالح �صادق و�شجاعة خلدون زين الدين و�سيا�سة عبد العزيز اخلري. لقد كانوا مبادئ الثورة ال�سورية� ،إما �أن ن�ستعيدهم و�إما �سيذهب اجلميع (معار�ضة ومواالة) �إىل اجلحيم. لينا الوفائي عندما ت�شعل النار الخافة االخرين وتقنعهم انك الوحيد القادر على اطفائها ,الت�ستغرب عندما تفقد ال�سيطرة عليها قد علمنا التاريخ اننا ن�ستطيع ان ن�شعل حريقا ولكن قد ال نتمكن من اطفائه داع�ش النار التي امتدت بعد ان ا�شعل نار الطائفية نظام اال�سد
Moklis Wannous
�إذا كان �أدوني�س قد دخل من باب النظام لت�سفيه الثورة و�إنكارها ،ف�إن تالميذه -وهم كرث الآن -قد دخلوا من �شباك داع�ش،متجاوزين �أ�ستاذهم �إىل ت�سفيه هوية وثقافة �شعوب ب�أكملها وبا�ست�شراقية مقيتة ،مباي�ؤكد نظرية �أن النظام وداع�ش وجهان لعملة واحدة ،متاما كما �أدوني�س وتالميذه . علي �سفر اعادة انتاج النخبة.. �أم ٌر بالغ الأهمية ،طاملا �أن ال�سائد هو التب�شري باخلراب.. Sawsan Raslan
�إنه لي�س طفلي ولكني �س�أبكيه .... هو لي�س طفلي ولكني مكلومه فيه .... قد كان �سيحميني يوما .................. او قد يعاجلني من داء انا فيه............... �........صباحكم اطفال حلب ......