طلعنا عالحرية / العدد 41

Page 1

‫العدد ‪41‬‬ ‫‪2014 / 7 / 24‬‬

‫غزة ‪ -‬سوريا‬ ‫لماذا ال تتسع حركة‬ ‫التحرر العالمية‬ ‫للسوريين؟‬

‫الواقع الطبي في الغوطة الشرقية‬

‫النداء ما بعد األخير‬

‫خمسون ألف شهيد سوريّ‬ ‫أمام السفارة السورية في عمان‬


‫‪2‬‬

‫كلمة‬

‫افتتاحيةبقلم‬ ‫ليلى الصفدي‬ ‫يف حني يتجه العامل للتخل�ص من‬ ‫عملية ختان الذكور ملا متثله من‬ ‫تعد وانتهاك جل�سد الطفل‪ ،‬تطالعنا‬ ‫االخبار الواردة عن الهيئة ال�شرعية‬ ‫للدولة الإ�سالمية يف العراق وال�شام‬ ‫ب�إ�صدارها وثيقة ب�ضرورة خنت‬ ‫االناث باعتبارها من ال�سنن النبوية‪.‬‬ ‫ال�ضرورة التي لن تلبث �أن تتحول‬ ‫�إىل حكم �إجبار يطال جميع الإناث‬ ‫يف البقعة التي ت�سيطر عليها داع�ش‬ ‫تتجاوز كل �أ�شكال القمع ال�سلطوية‬ ‫اال�ستثنائية التي عافها ال�سوريون‬ ‫�إىل حالة قمع ج�سدية عامة تطال‬ ‫حياة النا�س احلميمة وت�سحق �أية بقية‬ ‫من �سيطرة للإن�سان على م�صريه‬ ‫اخلا�ص مقتحمة دائرة اجل�سد التي‬ ‫خلقها اهلل "يف �أح�سن تقومي"‪.‬‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫اخلتان‪ ..‬الرجم‪ ..‬قطع الر�ؤو�س‪ ..‬طرد امل�سيحيني‪ ..‬فر�ض اجلزية‪..‬‬ ‫�صلب الأطفال التي ال تلتزم ال�صيام‪ ..‬مفردات باتت يومية يف حياة‬ ‫ال�سوريني ويف ن�شرات الأخبار العاملية‪ ،‬و�سط حالة من الالمباالة‬ ‫الدولية التي ت�شي ال بالت�آمر فح�سب �إمنا بنوايا تر�سيخ هذا الكيان‬ ‫ال�سرطاين وتثبيت وجوده فوق الدم ال�سوري كفزاعة للمحيط الذي‬ ‫يراد له التق�سيم والدويالت الطائفية‪.‬‬ ‫مل تعد امل�س�ألة تقت�صر على نوايا النظام بالوقوف يف وجه التغيري‬ ‫وجتميد عجلة التاريخ‪� ،‬إمنا ها قد بد�أت العجلة بالدوران للخلف‬ ‫لرتمينا جميع ًا يف هوة ما�ض �سحيق قد نحتاج �إىل ع�شرات ال�سنني‬ ‫للخروج منه �إذا مل تتكاتف اجلهود بني كافة التيارات والتنظيمات‬ ‫املدنية والكتائب الع�سكرية ال�شريفة والإفراد ال�شرفاء من �أجل‬ ‫ا�ستعادة املبادرة والقول "ال" لكل �أ�شكال القمع والف�ساد والعمالة‬ ‫التي �أودت بنا �إىل هذا املكان‪.‬‬ ‫مل تعد هناك جدران للتلطي خلفها ال للأكرثيات وال للأقليات‬ ‫ال�صامتة‪ ..‬والتي رمبا تقع عليها امل�س�ؤولية اليوم �أكرث من �أي وقت‬ ‫م�ضى يف املبادرة خللق �أجواء جديدة قد ينبثق منها �إمكانيات جديدة‬ ‫تعد ال�سوريني بغد �أقل �سوء ًا‪.‬‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫ماجد كيالي‬

‫الت�ضامن مع ق�ضايا ال�شعوب وحقها يف احلرية‬ ‫والكرامة وامل�ساواة والعدالة ال ي�شرتط عليها‪،‬‬ ‫ولي�ست ق�ضية تبادلية لأنها قيم ان�سانية ونبيلة‬ ‫وحمقّة وعادلة‪.‬‬ ‫التن�سوا �أن وجود �إ�سرائيل احد اهم ا�سباب‬ ‫تل ّك�ؤ املجتمع الدويل يف دعم ق�ضية ال�سوريني‪..‬‬ ‫ويف املقابل ف�إن وجود النظم امل�ستبدة هو‬ ‫من اهم عوامل بقاء ا�سرائيل‪ ،‬وعربدتها‬ ‫وتفوقها‪...‬‬ ‫لذا الكفاح ال�سوريني �ضد اال�ستبداد ومن اجل‬ ‫حريتهم وحقوقهم ي� ّؤخر ن�ضال الفل�سطينيني‬ ‫وال كفاح الفل�سطينيني �ضد ا�سرائيل‬ ‫اال�ستعمارية واال�ستيطانية والعن�صرية ي� ّؤخر‬ ‫كفاح ال�سوريني‪.‬ال�ضحايا يت�ضامنون مع‬ ‫ال�ضحايا‪.‬احلرية التتجز�أ‪..‬‬

‫مختارات ‪ /‬رأي‬

‫‪3‬‬

‫منذر بدر حلوم‬

‫الواقع ي�شري �إىل تقارب رو�سي �إ�سرائيلي يتجاوز امل�صالح‬ ‫املبا�شرة يف ال�سالح والتقنيات احلديثة والغاز امل�ستقبلي‪.‬‬ ‫�إ�سرائيل تنتقل �إىل الرعاية الرو�سية‪ ،‬ورو�سيا �ستكون‬ ‫�أكرث حر�ص ًا عليها من الواليات املتحدة‪ ،‬و�أكرث قرب ًا منها‬ ‫كلما ازدادت عزلة مو�سكو دولي ًا‪ .‬ورمبا ي�أتي يوم يبدو فيه‬ ‫املوقف الأمريكي من الق�ضية الفل�سطينية �أكرث توازن ًا‬ ‫من املوقف الرو�سي‪ ،‬فيما لو ا�ستمر النهج "البوتيني"‬ ‫يف ال�سيا�سة اخلارجية امل�سماة براغماتية‪ .‬الالفت �أن‬ ‫الر�أي العام الرو�سي تراجع من التعاطف مع الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية نحو تفهم حق �إ�سرائيل يف الدفاع عن نف�سها‬ ‫�أمام (�إرهاب) �إ�سالمي‪ ،‬وقد �ساعد على غ�سل �أدمغة‬ ‫الرو�س �إعالم عاملي حول ثورات الربيع العربي‪� ،‬إىل قتال‬ ‫الإ�سالميني لإقامة �إماراتهم‪ ،‬م�ستغلني انتفا�ضات ال�شعوب‬ ‫نحو حقوقها املدنية‪ .‬كيف �سيكون موقف العرب حني تغفو‬ ‫الكرملني يف ح�ضن تل �أبيب؟‬


‫‪4‬‬

‫تحقيقات‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫الواقع الطبي في الغوطة الشرقية‬

‫النداء ما بعد األخير‬ ‫يكرث الكالم عن احلالة املعا�شية والإن�سانية املرتدية حتت‬ ‫احل�صار‪.‬‬ ‫يف الغوطة ال�شرقية �ضرب النظام ح�صار ًا ت�صاعدي ًا عندما‬ ‫فقد �سيطرته عليها‪ .‬بلغ هذا احل�صار ذروته قبل حوايل �سنة‬ ‫من الآن‪ .‬وتزداد �صعوبة اال�ستمرار يف كل املجاالت مع تقدم‬ ‫الوقت وات�ساع دائرة امل�ستفيدين من الو�ضع اجلديد على‬ ‫ح�ساب الفقراء وامل�ست�ضعفني‪.‬‬ ‫الواقع الطبي هو احليز الذي تبدو فيه �صور احل�صار يف �أق�سى‬ ‫وجه لها‪.‬‬ ‫املكتب الطبي الثوري املوحد يف الغوطة ال�شرقية ي�شرف على‬ ‫عموم العمل الطبي فيها‪ ،‬وف�ض ًال عن كونه �أحد املنظمات‬ ‫الرائدة يف العمل الطبي‪ ،‬هو �أي�ض ًا �أحد امل�ؤ�س�سات املدنية‬ ‫التي تعمل على تر�سيخ دور الكفاءات واالبتعاد عن التبعيات‬ ‫واملح�سوبيات‪ ،‬وكذلك حتافظ على االنتخابات الدورية‬ ‫الدميقراطية لإدارة املكتب‪.‬‬ ‫�أداء متط ّور ودعم رّ‬ ‫متعث‪:‬‬ ‫رد ًا على �س�ؤال عن الو�ضع الطبي الراهن يقول الدكتور ماجد‬ ‫املوحد يف‬ ‫�أبو علي م�س�ؤول العالقات العامة يف املكتب الطبي ّ‬ ‫الغوطة ال�شرقية‪:‬‬ ‫“ميكن اخت�صار العمل الطبي يف الغوطة ال�شرقية بجملة‬ ‫واحدة وهي �أنه متطور علمي ًا وعملي ًا و�إداري ًا على م�ستوى‬

‫أسامة نصّار‬

‫تاريخ طب احلروب والرعاية ال�صحية �ضمن احلروب‪ ،‬ولكنه‬ ‫متعثرّ ب�شكل كبري ب�سبب احل�صار وقلة املوارد املالية”‬ ‫متخ�ص�صة‪:‬‬ ‫‪ 35‬نقطة طبية‬ ‫ّ‬ ‫بال�س�ؤال عن ن�شاطات املكتب بالإ�ضافة للعمل الطبي الإ�سعايف‬ ‫وامليداين والعمليات اجلراحية الباردة‪ ،‬يقول د‪� .‬أبو علي‪:‬‬ ‫“لدى املكتب الطبي املوحد يف الغوطة ال�شرقية ‪ 35‬نقطة‬ ‫طبية يتنوع عملها بني الإ�سعاف واجلراحة والعناية امل�شددة‬ ‫وحوا�ضن الأطفال وم�ستو�صفات الرعاية ال�صحية والعيادات‬ ‫و�أق�سام اال�ست�شفاء والعالج الفيزيائي‪ ...‬ليتجاوز املكتب الطبي‬ ‫املوحد يف الغوطة ال�شرقية بذلك املهمة التي �أن�شئ من �أجلها‬ ‫وهي خدمة اجلرحى‪� -‬إىل مو�ضوع تقدمي الرعاية ال�صحية‪.‬‬‫تعمل هذه النقاط ب�شكل اخت�صا�صي عايل امل�ستوى مع بع�ضها‬ ‫كم�شايف متكاملة ولكن ب�أق�سام منف�صلة جغرافي ًا لتخفيف‬ ‫خماطر الق�صف”‬ ‫مواجهة ال�صعوبات‪:‬‬ ‫بعد �أكرث من ثالث �سنوات من العمل معظمها حتت احل�صار‬ ‫ويف ظروف قا�سية ا�ستطاع العاملون يف املجال الطبي تذليل‬ ‫كثري من ال�صعوبات‪ .‬يقول د‪� .‬أبو علي‪:‬‬ ‫“يعترب الكادر الطبي هو احلجر الأ�سا�س يف العمل الطبي‪.‬‬ ‫ومن �أهم ال�صعوبات التي واجهتنا هي ندرة هذا الكادر‬ ‫فهناك ع�شرة باملئة فقط من الكادر الطبي للغوطة بقوا‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫تحقيقات‬

‫‪5‬‬

‫فيها وغادر الباقون‪ ،‬وهذا �صعب يف ظروف‬ ‫ال�سلم فما بالك مبنطقة تعاين ويالت احلروب‬ ‫واحل�صار!‬ ‫ولتجاوز هذه امل�شكلة والتخفيف من �آثارها‬ ‫يقوم املكتب الطبي بتدريب طالب الطب‬ ‫والأطباء مقيمي االخت�صا�ص ليكملوا تعليمهم‪.‬‬ ‫ويقوم الطالب باتباع برنامج تعليمي عملي‬ ‫يح�صلون فيه ما ميكنهم من ممار�سة‬ ‫ونظري ّ‬ ‫عملهم”‬ ‫�صعوبات ع�ص ّية‪:‬‬ ‫عن ال�صعوبات امل�ستع�صية يتابع د‪� .‬أبو علي‪:‬‬ ‫“يبقى احل�صار هو التحدي الأكرب والعقبة ع�شر عيادات يف منطقة حمررة �أخرى‪ .‬واالثنان يحمالن ا�سم (عيادة) �أو‬ ‫الرئي�سية التي تواجه العمل الطبي؛ فكما ي�ؤثر (م�شفى)!‪ .‬وبالتايل االبتعاد عن الكلف اخليالية يف الغوطة هو �أف�ضل النت�شار‬ ‫احل�صار �سلب ًا على غذاء النا�س وحياتهم هذه اجلهة الداعمة وت�سويقها"‬ ‫فله الت�أثري الأكرب على ال�صحة العامة تفاقم �أوزار احلرب هو امل�شكلة‪:‬‬ ‫والعمل الطبي بكل مفا�صله‪ .‬ونتيجة ا�ستمرار ب�إحالة كالم د‪ .‬رجب ال�سابق لإحدى اجلهات الإغاثية الطبية‪ ،‬تطوع بالتعليق‬ ‫احل�صار ملدة طويلة فقد ارتفعت �أ�سعار املواد الدكتور �أ�سامة حممد وهو طبيب نا�شط يعمل مع عدة جهات �إغاثية طبية‪:‬‬ ‫الأ�سا�سية لتبلغ �أعلى �سعر يف العامل؛ ف�سعر لرت "كما هو معروف للجميع �أن �أغلب املناطق ال�سورية �أ�صبحت �أر�ض معارك‬ ‫الوقود الواحد ‪ 12‬دوالر يف منطقة ال يوجد مفتوحة‪ ،‬و�أعداد اجلرحى يت�ضاعف يومي ًا و�أعداد الالجئني جتاوزت ن�صف‬ ‫و�سيلة �أخرى لتوليد الكهرباء فيها �إال املولدات تعداد �سكان �سوريا تقريب ًا‪ ،‬ثلثهم �أ�صبحوا خارج البلد‪ .‬هذا االزدياد املطرد‬ ‫الكهربائية التي تعمل على الديزل �أو البنزين مل يرتافق مع تفاعل دويل على نف�س امل�ستوى؛ فعندما نتحدث عن عدد جرحى‬ ‫يتجاوز مئات الآالف فهذا يعني �أننا بحاجة خلطط ثابتة مكفولة مالي ًا با�ستمرار‬ ‫وذلك منذ عام ون�صف!‬ ‫كما �أن �إدخال املواد الطبية �صعب جد ًا ومرهق ولي�س جمرد منظمات عاملة باحلقل الطبي تعتمد على جمع التربعات �أو الهبات‪.‬‬ ‫جد ًا ومكلف جد ًا �أي�ض ًا‪ .‬وللأ�سف ف�إن اجلهات من ناحية ثانية امل�ساعدات الدولية يتم �صرفها يف جماالت كثرية منها التعليم‬ ‫التي تدعم العمل الطبي �ضمن الغوطة ال�شرقية والغذاء ومياه ال�شرب والطاقة‪ ...‬والقطاع ال�صحي هو جزء واحد من هذه‬ ‫معدودة وبعد ثالث �سنوات من العمل �أ�صبحت املجاالت‪.‬‬ ‫مرهَ قة جد ًا؛ حيث ارتفعت كلفة جميع م�شاريع بالن�سبة للغوطة فمما ال ّ‬ ‫�شك فيه �أنها من املناطق املت�ضررة ب�شدة �إن مل تكن‬ ‫العمل الطبي �أ�ضعاف ما كانت عليه عام ‪� 2013‬أكرثها ت�ضرر ًا‪ ،‬فهي يف مرمى نريان قوات النظام من ناحية وتعي�ش حتت ح�صار‬ ‫نتيجة ارتفاع �أ�سعار الوقود واملواد الطبية‪ .‬وال خانق من جهة ثانية‪ ،‬وهذا ما يجعل مهمة الإغاثة �أ�صعب و�أعلى كلفة‪ .‬طبع ًا هنا‬ ‫يوجد من يغطي هذه الفروقات التي ترتاكم ال نقارن اجلدوى من الدعم ولكن �أقارن ما هو متوافر وكيف يتم �إي�صاله‪ .‬وللعلم‬ ‫على عاتق املكتب الطبي كديون‪ ،‬لت�صل ديون ف�إن �أغلب املنظمات الطبية لها م�شروعات قائمة حالي ًا يف الغوطة من م�شاف‬ ‫ميدانية �أو مراكز �صحية‪ ،‬لكنها بالت�أكيد حتتاج لدعم �أكرب يتما�شى مع خدماتها‬ ‫بع�ض النقاط مئات الآالف من الدوالرات”‬ ‫وطبيعة احل�صار الذي جعل �أ�سعار كل �شيء يت�ضاعف ب�شكل جنوين"‬ ‫كيف تفكر اجلهات الداعمة؟‬ ‫ي�ضيف الدكتور رجب �إىل كالم زميله يف املكتب م�ستمرون حتى القر�ش الأخري‬ ‫رغم تراكم الديون واحتمالية توقف العمل الطبي نهائي ًا ب�سبب نفاد املواد‬ ‫الطبي‪:‬‬ ‫"كلفة �أي عمل يف الغوطة هي ع�شرة �أ�ضعاف واملوارد‪ ،‬يجيب د‪� .‬أبو علي عن نظرته للم�ستقبل‪:‬‬ ‫كلفته يف غريها‪ ،‬مث ًال‪� :‬إذا فر�ضنا �أن جهة “العمل الطبي مو�شك على االنهيار رغم كل ما و�صل له من تقدم وعمل متطور‬ ‫داعمة ما �أرادت التربع لإن�شاء عيادة �أو ب�سبب ال�ضعف املايل‪ ،‬لكننا نعتقد �أن علينا اال�ستمرار حتى النف�س الأخري‬ ‫م�شفى‪ .‬فبكلفة عيادة الغوطة ميكن �إن�شاء وللأ�سف قد ن�ستمر حتى القر�ش الأخري”‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫مقاالت‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫غزة ‪ -‬سوريا‬ ‫لماذا ال تتسع حركة التحرر العالمية للسوريين؟‬ ‫عدي الزعبي‬ ‫مع بداية احلرب الإ�سرائيلية على قطاع‬ ‫غزة‪ ,‬عمت املظاهرات املدن الأوروبية‪,‬‬ ‫م�ستنكر ًة االعتداءات الإ�سرائيلية‪.‬‬ ‫معظم املتظاهرين ينتمون �إىل مع�سكر‬ ‫ي�ساري متعاطف مع الق�ضايا العربية‬ ‫ب�شكل عام‪ .‬هذا املع�سكر رف�ض احلرب‬ ‫على العراق‪ ,‬ويدافع عن حقوق الأقليات‬ ‫التي تعي�ش يف الغرب‪ ,‬حتديد ًا الأقليات‬ ‫ذات الأ�صول امل�سلمة والعربية‪.‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل ذلك‪ ,‬هذا املع�سكر يدافع‬ ‫عن حقوق العمال ومكت�سبات الطبقات‬ ‫الفقرية والو�سطى يف هذه الدول‪ ,‬يف‬ ‫جماالت ال�صحة والتعليم وال�ضمان‬ ‫االجتماعي وغري ذلك‪ .‬كما �أنه باملجمل‬ ‫املع�سكر الذي يعار�ض العوملة ب�صيغتها‬ ‫الأمريكية – الر�أ�سمالية الفجة‪,‬‬ ‫ويطالب بحماية مواطني دول العامل‬ ‫الثالث من ج�شع عامل حتكمه ال�شركات‬ ‫متعددة اجلن�سيات‪.‬‬ ‫هذا املع�سكر ذاته‪ ,‬ال يتعاطف مع‬ ‫الثورة ال�سورية‪ ,‬بل على الأغلب‪,‬‬ ‫يعاديها ب�شرا�سة‪ .‬ملاذا؟‬ ‫يبدو �أن ال�سبب الرئي�سي هو و�صم‬ ‫الثورة ال�سورية ب�أنها �صنيعة �أمريكا‪.‬‬ ‫يرى الي�ساريون عموم ًا يف الإمربيالية‬ ‫الأمريكية م�صدر ال�شرور يف العامل‪,‬‬ ‫ويبحثون عمن يعادي �أمريكا كي‬ ‫يتحالفوا معه‪ .‬يردد بع�ضهم احلجج‬ ‫التي ي�سوقها النظام ال�سوري‪ ,‬ب�ضرورة‬ ‫دعم كل من يعادي �أمريكا و�إ�سرائيل؛‬ ‫وهذا يعني دعم النظام الإيراين‪,‬‬ ‫وال�سوري‪ ,‬وحزب اهلل‪ .‬كما جند‬

‫بع�ضهم ممن عار�ضوا احلرب على العراق‪ ,‬يرى ب�أن �صدام ح�سني مل يكن ديكتاتور ًا‪.‬‬ ‫متتد قائمة �أ�صدقاء هذا املع�سكر لت�شمل الرئي�س الفنزويلي الراحل ت�شافيز‪ ,‬والعقيد‬ ‫معمر القذايف‪ ,‬والرئي�س الكوبي كا�سرتو‪ ,‬وغريهم من ديكتاتوريي العامل الثالث‪.‬‬ ‫بالن�سبة له�ؤالء الي�ساريني‪ ,‬ال م�شكلة يف الدفاع عن ديكتاتوريات تنتهك حقوق الإن�سان‪,‬‬ ‫طاملا �أنها تعادي �أمريكا‪.‬‬ ‫ما الذي ن�ستطيع فعله؟‬ ‫�أو ًال‪ ,‬يجب �أن نعرتف ب�أننا ن�شارك هذا املع�سكر قيمه فيما يتعلق بالعدالة االجتماعية‬ ‫وامل�ساواة‪ ,‬و�آماله ببناء جمتمع �أكرث عدالة‪ ,‬حيث ي�ستطيع الفقراء وامل�سحوقون ومواطنو‬ ‫دول العامل الثالث العي�ش بحرية وم�ساواة مع املو�سرين ومواطني العامل املتقدّم‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ ,‬وهو الأهم‪ ,‬علينا ان نكون جزء ًا من حركة جتديد لهذا املع�سكر‪ .‬هذه احلركة‬ ‫تعد بتحرير حقيقي من كافة �أنواع القمع ال�سيا�سي واالجتماعي والطبقي والعرقي‬ ‫والديني‪ .‬امل�شكلة يف الي�سار العاملي تكمن يف تعريفه للظلم ب�أنه الظلم املمار�س من قبل‬ ‫القوى الغربية على بقية ال�شعوب‪ .‬كل ما عدا ذلك‪ ,‬مبا فيها الثورة ال�سورية‪ ,‬ال يندرج‬ ‫يف �أجندة الي�سار العاملي‪.‬‬ ‫املطلوب �إذن �أن تنفتح الثورة ال�سورية على �آفاق �أو�سع‪ ,‬ت�ضعها يف �صلب حركة حترير‬ ‫عاملية متجددة‪ ,‬وجتعلها قادرة على خماطبة احل�س الإن�ساين امل�شرتك‪ .‬هذه احلركة‬ ‫موجودة‪ ,‬و�إن كانت ما تزال �أ�ضعف مما يجب‪ ,‬وجندها يف بع�ض احلركات النقابية‬ ‫و�أدبيات الي�سار التحرري والفو�ضوي‪ ,‬وبع�ض الليرباليني‪ ,‬والهوت التحرير وغريها‪.‬‬ ‫بع�ض هذه احلركات عبرّ ت عن تعاطفها مع ثورة ال�شعب ال�سوري بو�ضوح‪.‬‬ ‫رمبا تقدّم ثورتنا‪ ,‬والربيع العربي ب�شكل عام‪ ,‬فر�ص ًة لإعادة النظر يف قيم الي�سار‬ ‫العاملي‪ ,‬وحم ّرك ًا لتجديده‪ ,‬كي يعود منافح ًا عن كافة املظلومني وال�ضعفاء‪ ,‬دون متييز‪.‬‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫مقاالت‬

‫‪7‬‬

‫إمرأة ترجم في الرقة‪:‬‬

‫العنف بوصفه‬ ‫أداة لتحقيق‬ ‫الفضيلة‬

‫ابن الوادي‬

‫و�أخريا بد�أت «الدولة الإ�سالمية» ب�إقامة حدود اهلل على الأر�ض‪,‬‬ ‫مبتغية جمتمع الف�ضيلة التامة‪ ,‬حتت حكم خليفة اهلل ووفق �شرع‬ ‫اهلل‪ ,‬وكان �أول �إجنازاتها‪ ,‬تطبيق «حد الرجم حتى املوت» بحق‬ ‫«امر�أة زانية» يف والية الرقة التي �أ�صبحت‪ ,‬ومنذ حتريرها من‬ ‫قوات النظام «الن�صريي املجو�سي املرتد»‪ ,‬عا�صمة دولة اخلالفة‬ ‫املن�شودة‪ ,‬التي �ستزلزل عر�ش الطغاة‪ ,‬و�ستعيد النا�س للدين‬ ‫ال�صحيح‪ ,‬وترجع للأمة الإ�سالمية جمدها التليد‪ ,‬وتن�شر دين اهلل‬ ‫يف جنبات الأر�ض‪ ,‬وحتارب الردة والكفر‪ ,‬وتقيم �شرع اهلل يف هذا‬ ‫الكوكب الفا�سق الفا�سد الفاجر‪.‬‬ ‫نعم‪ ,‬لقد حدث هذا يف رقة الر�شيد‪ ,‬على �ضفاف الفرات العظيم‪,‬‬ ‫مهد احل�ضارات العظيمة جميعا‪ ,‬و�صار �أن حفلت جنبات في�سبوك‬ ‫وتويرت‪ ,‬و�صفحات اجلرائد يف كل مكان‪ ,‬و�شا�شات التلفاز بالنب�أ‬ ‫العظيم‪ ,‬فقد �أ�شرقت �شم�س العدل املطلق‪ ,‬ذلك العدل الذي‬ ‫لن حتققه الدولة املدنية‪ ,‬دولة الكفر واالرتداد‪ ,‬و�ستحققه دولة‬ ‫البغدادي الإ�سالمية بقوة ال�سيف‪.‬‬ ‫ت�شعب النقا�ش حول الأمر‪ ,‬فهو �أمر جلل‪ .‬فبني م�ؤيد وم�ستنكر‪ ,‬بني‬ ‫خائ�ض يف تفا�صيل احلكم الفقهية �إىل ا�ستنكار الأمر �أو الت�سليم‬ ‫به بو�صفه حكما من �أحكام اهلل النافذة‪ ,‬حتول الأمر �إىل جدل‪,‬‬ ‫و�ضاعت ق�صة املر�أة يف الأخذ والرد‪ ,‬ومل يتطرق �أحد ل�س�ؤال‬ ‫جوهري واحد حول جدوى هذه العقوبات‪ ,‬وحرفية تطبيقها‪ ,‬ومدى‬ ‫ان�سجامها مع �أهدافها‪� ,‬أو موائمتها لهذا الزمان ذلك �أن من‬ ‫يطبقها ويدعوا لها هو‪ ,‬دون ريب‪ ,‬من زمن �آخر م�ضى ولن يعود‪.‬‬ ‫مل يكن هناك حتقيق يف الأمر لإثبات الواقعة‪ ,‬ومل يكن هناك من‬ ‫�ضرورة لإثباتها من خالل �شهود �أربعة كما ين�ص ال�شرع‪ ,‬وكان على‬ ‫منفذي العقوبة الإلهية‪ ,‬التي مل ترد حقيقة يف ن�ص قر�آين �صريح‬ ‫وفق كثري مما قر�أت‪� ,‬أن ي�ؤدوها ب�شكل م�سرحي �شيك�سبريي مهيب‪.‬‬ ‫يف �ساحة عامة‪ ,‬بعد �صالة الع�شاء‪ ,‬بني جموع النا�س من امل�ؤمنني‬

‫طوعا �أو ق�سرا‪ ,‬و�أمام العد�سات‪ ,‬لتكون عربة ملن يعترب‪ .‬فالعقاب‬ ‫يا �سادة هدفه الردع‪ ,‬فال�ضحية ميتة ال حمالة وهي ت�ستحق املوت‪,‬‬ ‫وعلى الدولة الإ�سالمية �أن تزرع قيم الف�ضيلة يف نفو�س امل�ؤمنني‪,‬‬ ‫بالقوة وق�سرا‪ ,‬وبالرتهيب والتخويف‪ ,‬وال مكانة للآية التي تقول‬ ‫«و�إن كنت فظا غليظ القلب النف�ضوا من حولك»‪ ,‬فاللني من �شيم‬ ‫ال�ضعفاء‪ .‬وال قيمة لإن�سانية هذه املذنبة‪ ,‬فالب�أ�س من ف�ضحها‪,‬‬ ‫وال ب�أ�س من ممار�سة الرجم على امللأ‪ ,‬فهذه امل�شاهد ال ت�ؤذي‬ ‫من يراها يف القرن الع�شرين‪ ,‬وهي تختلف عن م�شاهد التعذيب‬ ‫التي تردنا كل يوم من �أقبية خمابرات الأ�سد‪ ,‬رغم الدماء التي‬ ‫فيها‪ .‬طبعا قد ال ت�صح املقارنة‪ ,‬لكن م�شهد املوت رجما على مر�أى‬ ‫من الأطفال والن�ساء وال�شيوخ وال�شباب �أمر ال جدل يف جدواه‪,‬‬ ‫فهو يختلف كثريا عن م�شهد ال�شاب الذي دفن حيا لأنه يطالب‬ ‫باحلرية‪ ,‬التي تعاقب عليها الدولة الإ�سالمية والنظام على حد‬ ‫�سواء‪ ,‬وهو ال ي�شبه م�شهد الرجل الذي حرقه «حماة الديار» حتى‬ ‫املوت يف مكان ما مل نعرفه بعد‪ .‬ال�شك �أن الف�ضيلة هي غاية كل‬ ‫املجتمعات‪ ,‬وال �شك يف �أن قيم ال�شرف والعفة هي من �أرقى القيم‪.‬‬ ‫يبقى �س�ؤال ي�ؤرق م�ضجعي ليال وي�شغل تفكريي نهارا‪ .‬كيف ت�ستقيم‬ ‫هذه املمار�سات الدموية‪ ,‬هذا اال�ستعرا�ض امل�سرحي للموت والأمل‪,‬‬ ‫مع جمتمع الف�ضيلة وال�سلم والعدل والأمان املن�شود‪ .‬كيف ملجتمع‬ ‫يحتفي بهذا النوع من العقاب وهذا النمط من العنف‪ ,‬ويجعل منه‬ ‫منا�سبات عامة للتهليل �أن ي�صل �إىل الف�ضيلة املن�شودة‪ .‬كيف لنا �أن‬ ‫نعي�ش يف �سالم و�أمان ونحن جنعل من هذا العنف الب�شع واملثري‬ ‫للغرائز و�سيلة لن�شر الف�ضيلة وال�سلم والأمان‪ .‬هذه الو�سيلة ال متت‬ ‫لتلك الغاية ب�صلة‪ .‬فالرحمة ال تعي�ش يف هذا الو�سط من املمار�سات‬ ‫العنيفة‪ ,‬وانفالت غريزة العنف ال يحد من غريزة اجلن�س وفعل‬ ‫الزنا‪ .‬علينا �أوال �أن نفكر يف احتواء هذه العنف‪ ,‬وتطويعه‪ ,‬وكبته‬ ‫وحتييده وتعطيله قبل �أن نن�شد ال�سالم‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫مقاالت‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫اإلعالم الناقد وفخ األيديولوجيا!‬ ‫د‪ .‬عماد العبّار‬ ‫ككاتب يه ّمه انت�شار ظاهرة النقد وتعميم‬ ‫حرية التعبري عن الر�أي يف العامل العربي‪،‬‬ ‫كنت �أنظر بعني املتفائل �إىل بع�ض الربامج‬ ‫التلفزيونية ال�ساخرة املواكبة للظواهر‬ ‫االجتماعية وال�سيا�سية يف بع�ض املجتمعات‬ ‫العربية‪ .‬رمبا يعترب برنامج "الربنامج"‬ ‫للإعالمي با�سم يو�سف يف مقدمة هذه‬ ‫الربامج بعد �أن حقق انت�شار ًا وا�سع ًا ّ‬ ‫تخطت‬ ‫حدوده ال�ساحة امل�صرية؛ فهذا النوع من‬ ‫املب�سط مل�شاكل احلياة الكربى‪،‬‬ ‫التعبري الف ّني ِّ‬ ‫الم�س وعي الإن�سان الب�سيط عندما حاكى‬ ‫�أ�سلوبه االعتيادي يف تناول ق�ضايا كانت‬ ‫حكر ًا على �أ�صحاب املعاجلة اجلادّة‪ ،‬واجلا ّفة‬ ‫بطبيعة احلال! عالوة على �أن هذه الربامج‪،‬‬ ‫وعلى ر�أ�سها "الربنامج"‪ ،‬رفعت �سقف النقد‬ ‫ب�شكل مل يعتده املواطن العربي‪ ،‬وجاءت يف‬ ‫ظل الربيع العربي فكانت بالن�سبة للعربي ‪-‬‬ ‫املنا�صر لثورات الربيع‪� -‬أحد جتل ّياته الها ّمة‪،‬‬ ‫فالثورة على م�ستوى الإعالم‪ ،‬كانت من �ضمن‬ ‫التط ّلعات الأ�سا�سية للربيع و�أن�صاره‪.‬‬ ‫�أما فيما يخ�ص "الربنامج" نف�سه‪ ،‬فقد‬ ‫ا�ستطاع خالل فرتة رئا�سة الرئي�س املعزول‬ ‫حممد مر�سي �أن يحقق انت�شاره الأو�سع‪،‬‬ ‫فقد كان هام�ش حر ّية النقد وا�سع ًا ال حدود‬ ‫له‪ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك الوجبة الغنية التي كان‬ ‫يقدمها �إعالم غري حمرتف‪ ،‬ي�سهل ا�صطياد‬ ‫�أخطائه وتفنيد عوراته الفكرية واملهن ّية‪ ،‬تو ّلت‬ ‫ّ‬ ‫املحطات الدين ّية تقدميها خل�صومها على‬ ‫مدار ال�ساعة‪ .‬ولن يعجز املتابع للربنامج‪ ،‬عن‬

‫�إدراك ما تعك�سه حدّة الطرح ال�ساخر جتاه ما ُ�سمي بحكم الإخوان من حالة خ�صومة‬ ‫�شخ�صية مع اجلماعة ومنهجها‪� ،‬إذا ما قار ّنا بطريقة تناول �شخ�صيات �أو تيارات‬ ‫�أخرى فاعلة يف امل�شهد امل�صري‪ .‬وكان لهذه اخل�صومة الوا�ضحة انعكا�س باملقابل‬ ‫على درجة "الإبداع" يف النقد ال�سيا�سي و"الفكري" ال�ساخر‪ ،‬وعلى درجة االنت�شار‬ ‫والنجومية يف ذات الوقت!‬ ‫بالن�سبة ملتابع حيادي‪ ،‬مل �أجد غ�ضا�ضة يف ارتفاع حدّة النقد‪ ،‬بالرغم من و�ضوح‬ ‫تناوله "امل�شخ�صن" يف �أوقات كثرية‪ ،‬فانت�شار النموذج الإيجابي ممث ًال بحالة �إعالمية‬ ‫�صح ّية كنا نفتقد لها‪ ،‬كان ّ‬ ‫�سيغطي بالن�سبة لأي ناقد على اجلوانب ال�سلبية املتم ّثلة يف‬ ‫ح�ضور الأنا الأيديولوجية وال�شخ�صية كفاعل �أ�سا�سي يف عملية تو�صيف الآخر‪ ،‬وحتويله‬ ‫�إىل مادة لل�سخرية امل�شخ�صنة ب�شكل كثيف‪ .‬كان ميكن تورية الأنا ال�شخ�صية بكثري‬ ‫من املربرات‪ ،‬فالآخر "اخل�صم" يف موقع �سلطة‪ ،‬وعنده كم ال يغتفر من الأخطاء‬ ‫والهفوات ت�ضاف �إىل ق�صوره يف �إدارة البالد‪ ،‬وهذا يكفي لتربير و�ضعه حتت الق�صف‬ ‫الإعالمي الدائم بدون رحمة �أو �أعذار‪ .‬حتى بالن�سبة لأي ناقد �ستكون هذه املربرات‬ ‫مقنعة ال�ستيعاب حدّة الطرح‪ ،‬الذي ي�صبح يف حلظة ما �إق�صائي ًا حني ينتهك كل‬ ‫ما ي�صدر عن الآخر دون �إ�شارة ل ّأي �إيجابيات‪ ،‬طاملا �أن اخل�صم يف موقع امل�س�ؤولية‬ ‫فع ًال‪ ،‬فاهتمام الناقد بتعميم النموذج اجلديد ُي�سقط من ح�ساباته حقيقة �أن الطرح‬ ‫ال�شخ�صي يزول مع زوال اخل�صم‪ ،‬و�أن امتداد الطرح بنف�س ال�سو ّية �إىل التيارات‬ ‫الأخرى عندما ت�صبح يف موقع امل�س�ؤولية �أمر غري م�ؤ ّكد‪.‬‬ ‫جتدر الإ�شارة �إىل �أن منا�سبة الكالم هي الإعالن من قبل فريق عمل الربنامج عن‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫"نهاية" م�شوار برناجمهم الرائد‪ ،‬بعد ال�ضغوط التي تع ّر�ض لها الفريق‬ ‫والقناة الف�ضائية التي كانت تعر�ضه‪ .‬النهاية هنا تعني عدم متابعة‬ ‫م�شوار النقد ل�سلطة االنقالب بنف�س طريقة النقد ل�سلطة مر�سي‬ ‫وجماعة الإخوان من قبل‪ ،‬وهذا يفتح املجال لوقفة نقدية �سريعة‬ ‫للربنامج الناقد الذي ا�ستُكملت جتربته و�أُعلن موته الر�سمي‪ ،‬بعد موته‬ ‫ال�سريري منذ بداية جزئه الثالث ب�شكل متزامن مع االنقالب الع�سكري‪.‬‬ ‫املوت ال�سريري حدث على وقع ال�ضغوط الهائلة التي مور�ست ل�ضبط‬ ‫هوام�ش احلرية املتاحة‪.‬‬ ‫ما ي�ستحق الوقفة والت�أ ّمل فع ًال لي�س توقف العمل ب�سبب تعر�ض �أفراده‬ ‫لل�ضغوط �أو التهديد‪ ،‬فال يتو ّقع �أ�سا�س ًا من �سلطة انقالبية غري الذي‬ ‫حدث‪ .‬ولي�س امتناع �صاحب الربنامج �أي�ض ًا عن ت�سمية الأمور مب�سمياتها‬ ‫على طريقته املعهودة يف تناول خ�صومه‪ ،‬علم ًا ب�أن ال�ضغوط التي مور�ست‬ ‫يف زمن الإخوان‪ ،‬ال تقارن ب�أي حال مع ما �شهدناه الحق ًا‪ .‬الذي ي�ستحق‬ ‫الوقفة وحتديد املوقف من هذا امل�شروع املنتهي‪ ،‬هو حر�ص �صاحب‬ ‫"الربنامج"على ا�ستهداف خ�صومه ال�سابقني حتى يف حلظاته الأخرية‪،‬‬ ‫وحر�ص املحطة الراعية له على ح�شر ا�سم االخوان يف تعليقها على توقف‬ ‫العر�ض‪ ،‬حني ورد على موقعها الر�سمي عبارة "الإخوان كانوا يرغبون‬ ‫يف �إغالق الربنامج"! ومل ي�صدر من فريق العمل �أي ت�صحيح بهذا‬ ‫اخل�صو�ص‪ ،‬ولن ي�صدر! ما يدفع نحو هذا اجلزم‪� ،‬سيا�سة الربنامج‬ ‫نف�سه وحر�صه على ا�ستهداف خ�صمه الإخواين يف �أحلك املراحل التي‬ ‫كان مي ّر بها الأخري‪ .‬فبا�سم يو�سف مل يو ّفر خ�صومه حتى �أثناء حملة‬ ‫القمع التي كان ي�ش ّنها االنقالبيون �ضدهم‪ ،‬فكان �إذا �أراد �أن يبد أ� نقد ًا‬ ‫خجو ًال لل�سي�سي‪ ،‬افتتحه بنقد مك ّثف الذع للإخوان‪ ،‬و�إذا �أراد احلديث‬ ‫عن ممار�سات املرحلة قارن مبا كان ميار�سه الإخوان‪ ،‬علم ًا ب�أنه ال‬ ‫ميكن املقارنة! حتى �أنه �أطلق العنان ملخيلته يف �إحدى مقاالته‪ ،‬وقال لو‬ ‫ا�ستم ّر الإخوان يف احلكم لفعلوا كذا وكذا! متنا�سي ًا ما يفعله االنقالبيون‬ ‫بالإخوان وباملجتمع امل�صري يف اللحظة ذاتها‪� .‬صحيح �أنه حاول يف‬ ‫مرات كثرية توجيه النقد �إىل "قدا�سة" امل�شري‪ ،‬لكن لن يخفى على املتابع‬ ‫الفارق الكبري بني النقد "الإق�صائي" القائم على خ�صومة �أيديولوجية‪،‬‬ ‫والنقد "الإ�صالحي" (�إن �صح التعبري) الذي بدا وا�ضح ًا عند احلديث‬ ‫عن "قدا�سة" امل�شري‪ ،‬والذي قد يكون قائم ًا �إما على اال�شرتاك يف‬ ‫الأيديولوجيا‪� ،‬أو على �شراكة �ضد خ�صم �أيديولوجي واحد!‬ ‫كان الربنامج م�شروع ًا لإعالم نقدي رائد جديد من نوعه‪ ،‬وهو بد�أ‬ ‫كذلك مع ربيع م�صر ال�شاب‪ ،‬لكنه �سقط –للأ�سف‪ -‬يف فخ االنحياز‬ ‫واخل�صومة والأيديولوجيا‪ ،‬فكانت بذلك نهاية امل�شروع ‪ ..‬وعلى يد‬ ‫اخل�صم احلقيقي!‬

‫‪9‬‬

‫مقاالت‬

‫التفكك االجتماعي يف الثورة‪..‬‬ ‫احالم اجلت واخرى انتهت‬ ‫ثائر الغوطاني‬

‫دائما ما ينظر اىل الثورة ال�سورية وما رافقها‬ ‫من م�أ�سي ب�شرية ومادية ومعنوية من منظور‬ ‫العام‪ ..‬من منظور املجتمع بكليته ولي�س من‬ ‫منظور االن�سان الفرد‪ ،‬فرنى الواقع الع�سكري‬ ‫واالقت�صادي وال�سيا�سي وحتى االجتماعي ك�أحد‬ ‫مكونات �صورة ل�صراع يعي�شه بلدنا الغايل‬ ‫�سورية‪ ،‬وقد يكون النظر اىل هذه ال�صورة من‬ ‫هذا املنظار فقط هي نظرة قا�صرة‪ ،‬لأن خلف‬ ‫هذه ال�صورة تتفاعل م�آ�سي و�أمرا�ض اجتماعية‬ ‫خطرية ومزمنة‪ ،‬لذلك جهدنا ال�ستطالع‬ ‫�شريحة من ال�سوريني من خمتلف مكونات‬ ‫جمتمعنا يف الغوطة ال�شرقية ب�أ�سئلة ب�سيطة‬ ‫علها حتاول ان ت�ضيء قلينا على واقعنا ال�سوري‬ ‫وم�ستقبلنا‪.‬‬ ‫"كامل" مقاتل يف اجلي�ش احلر‪ ،‬هو لي�س‬ ‫من ال�شباب املتعلمني بل من ا�صحاب املهن‬ ‫اليدوية‪ ،‬مل يتوانى عن خو�ض اي معركة يف‬ ‫�سبيل ن�صر الثورة‪ ،‬ترى حرقة ودمعة دائما‬ ‫يف عينيه‪ ..‬عندما ت�س�أله عن �سببها يتنهد‬ ‫قليال ويقول "حلمي يف احلياة قبل الثورة ان‬ ‫اتزوج وامتلك بيت و�أرزق ب�أطفال‪ ،‬وقد تزوجت‬ ‫وامتلكت البيت ورزقت بطفل‪ ،‬لكن اين هو االن‪..‬‬ ‫انه يف لبنان مع امه لأين ال ا�ستطيع ان ا�ؤمن له‬ ‫�سبل احلياة هنا‪ ،‬م�ضى اكرث من عام ومل �أره‬ ‫واخاف ان مي�ضي العمر وال �أراه‪ ."..‬ينظر ايل‬ ‫وي�س�ألني "هل �ست�ستمر الأزمة ع�شر �سنني"؟‬ ‫وانا اعلم ما يدور خلف هذا ال�س�ؤال وهو هل‬ ‫�س�أبقى حمروم ًا من ولدي ع�شر �سنني �أخرى‪.‬‬

‫تتمة �صفحة‬

‫‪15‬‬


‫‪10‬‬

‫تقارير‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫خمسون ألف شهيد سوريّ أمام السفارة السورية يف عمان‬ ‫تقرير‪ :‬رامي العاشق – عمان‬ ‫م�شروعا جديدً ا‬ ‫عاما مببادرة فرد ّية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫�أطلق تامر تركماين (‪ً )24‬‬ ‫يو ّثق فيه �شهداء الثورة ال�سورية على طريقته اخلا�صة بعنوان‪" :‬‬ ‫�شهداء �سوريا يف �أكرب م�شروع توثيقي"‬ ‫م�ص ّمم الـ (جرافيك) وامل�ص ّور �أعلن عن م�شروعه عرب في�سبوك‪،‬‬ ‫ليجمع �صور ال�شهداء يف لوحة واحدة كبرية تبقي ذكراهم و�صورتهم‬ ‫خالدة وح ّية مع النا�س‪ ،‬لي�شاركه بعدها العديد من ال�سوريني من‬ ‫كل املناطق وير�سلوا له �صور �شهداء كل منطقة‪ ،‬يقول تامر‪« :‬بعد‬ ‫�أن �أوغل النظام يف �إجرامه‪ ،‬وخا�صة بعد الرباميل املتفجرة التي‬ ‫تت�ساقط على ال�شعب يف حلب و�إدلب وغريها من املناطق الثائرة‬ ‫�ضحوا من �أجلنا‪ ،‬ه�ؤالء الذين‬ ‫ميجد �شهداءنا الذين ّ‬ ‫ف ّكرت يف �شيء ّ‬ ‫أيام قليلة من ا�ست�شهادهم‪ .‬امل�شروع هو عبارة‬ ‫�‬ ‫بعد‬ ‫�أ�صبحنا نن�ساهم‬ ‫ٍ‬ ‫توثيق للمحرقة الكربى التي قام فيها النظام بحق ال�شعب ال�سوري‪،‬‬ ‫وي�ضم �صور ال�شهداء الأطفال‪ ،‬الرجال‪ ،‬الن�ساء‪ ،‬وال�شيوخ بغ�ض‬

‫النظر عن الدين �أو الطائفة �أو القومية»‪.‬‬ ‫يكفينا متجيدً ا بالأ�سماء‪.‬‬ ‫قرر تامر عدم اخلو�ض يف �أ�سماء ال�شهداء ومدنهم‪ ،‬واكتفى‬ ‫بو�ضع �صورة لل�شهيد‪� ،‬صورة فقط‪ ،‬هي كفيلة بر�أيه بحمل‬ ‫ذكريات كثرية ينظر النا�س �إليها‪ ،‬ي�س ّلمون على ال�شهيد‪ ..‬وكفى‪،‬‬ ‫ي�ضيف تامر‪« :‬كفانا متجيدً ا بالأ�سماء هناك �شهداء عرفت‬ ‫ق�صتهم وتداولها اجلميع‪ ،‬وهناك �شهداء مل يعرف �أحد بهم‪،‬‬ ‫حتى يف املوت هناك متييز!»‪.‬‬ ‫غياب غري مربر مل�ؤ�س�سات املعار�ضة ال�سورية‬ ‫املبادرات الفردية عادة ما تواجه �صعوبات بعد االنطالق‪� ،‬شاب‬ ‫مبفرده لن ي�ستطيع حت ّمل نفقات امل�شروع طباعة ال�صور على‬ ‫لوحة بطول ‪ 170‬مرتًا لي�ست بالأمر الهينّ ‪� ،‬أر�سل تامر �إىل عدة‬ ‫جهات ومنظمات من �أجل احل�صول على دعم مل�شروعه‪ ،‬نائب‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫وزيرة الثقافة مل ير ّد عليه �إال عن طريق املجيب الآيل الذي �أر�سل‬ ‫له الر�سالة التالية بعد �أ�سبوع‪�" :‬شك ًرا جزيال لكم وجلهودكم مع‬ ‫االعتذار عن ت�أخر الرد ل�سبب و�صول الإمييل �إىل ‪iCloud‬‬ ‫�س�أتابع الأمر و�أت�صل بكم �س�أحول �أي�ض ًا الإمييل �إىل امل�س�ؤول عن‬ ‫الإعالم االجتماعي ليتابع معكم �شك ًرا لكم الإخوة الأحبة" ومل‬ ‫ي�أت ر ّد بعدها‪ ،‬وكذلك احلال بالن�سبة للمجل�س الوطني ووحدة‬ ‫تن�سيق الدعم‪� ،‬إىل �أن قرر وجمموعة من الأ�صدقاء �أن يجمع‬ ‫املبلغ ّ‬ ‫ويغطي التكاليف بهذه الطريقة‪.‬‬ ‫وطنٌ جميل بعيدً ا عن الدمار‬ ‫جريحا بتاريخ ‪� 4/8/2012‬إثر �إ�صابة‬ ‫�أتى تامر �إىل الأردن‬ ‫ً‬ ‫تع ّر�ض لها يف �سوريا‪ ،‬تط ّوع يف عدّة جمموعات وم�شاريع تطوع ّية‬ ‫نذكر منها‪« :‬ت�صميم وت�صوير م�سرحية �شك�سبري يف الزعرتي‪،‬‬ ‫ت�صميم وت�صوير م�سرحية طلعنا على ال�ضو‪ ،‬ت�صاميم ملجموعات‬ ‫�إغاثية مثل‪ :‬همة‪ ،‬وهذه حياتي‪ ،‬جا�سمني للمنتوجات اليدوية‬ ‫لل�سيدات ال�سوريات» وغريها‪ .‬يرى تامر يف �سوريا وط ًنا جمي ًال‬ ‫بعيدً ا عن الدمار ويقول بح�سب تعبريه‪�« :‬سوريا جنتنا ك ّلنا»‪.‬‬ ‫خم�سون �ألف �شهيد �أمام ال�سفارة ال�سورية يف ع ّمان‬ ‫يف حدث ا�ستثنائي‪ ،‬وبالتزامن مع اعت�صام �صامت‪� ،‬سيعر�ض‬ ‫تامر لوحته �أمام ال�سفارة ال�سورية يف ع ّمان تنديدً ا بجرائم‬

‫تقارير‬

‫‪11‬‬

‫النظام وعلى مر�أى من ّ‬ ‫موظفيه‪ ،‬اللوحة التي ت�ضم �إىل الآن خم�سني‬ ‫�ألف �صورة ل�شهيد و�شهيدة ‪-‬والتي بلغ طولها مائة و�سبعون مرتًا‪-‬‬ ‫�ستقف بعد العيد مبا�شر ًة لتقول كلمتها دون �أي كالم‪ ،‬ال�صورة �أبلغ‬ ‫من �أي �شيء �آخر‪ ،‬يع ّلق تامر‪:‬‬ ‫«امل�شروع مل ي�شمل �سوى ‪� 50‬ألف �شهيد فقط‪ ،‬عدد ال�شهداء يف‬ ‫الثورة �أكرب بخم�سة �أ�ضعاف‪ ،‬املوثقون منهم �أكرث من ‪� 150‬ألف‬ ‫�شهيد‪ ،‬و�أنا الآن �أعمل على تو�سيع امل�شروع لي�شمل مئة �ألف �شهيد‬ ‫�آخر مل ت�شملهم اللوحة الأوىل‪ ،‬كي ال �أظلم �أحدً ا من ال�شهداء‪،‬‬ ‫وليكون لكل �شهيد مكان يف هذا امل�شروع‪� .‬ستعر�ض اللوحة ملدة‬ ‫�ساعتني �أو ثالث �ساعات‪ ،‬و�سريى النظام عرب �سفارته �أننا لن ن�سكت‬ ‫ولن نن�سى �شهداءنا»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يف املناطق املحررة والعوا�صم العاملية �أي�ضا‪.‬‬ ‫رواجا كب ًريا يف الأو�ساط الثورية وحظي بحفاوة‬ ‫�أخذ هذا امل�شروع ً‬ ‫كبرية من الن�شطاء‪ ،‬اجلدير بالذكر �أن هذه اللوحة �ستطوف عوا�صم‬ ‫العامل‪ ،‬لت�صل ل�شعوب العامل هذه الر�سالة‪ ،‬ويعرف العامل �أكرث عن‬ ‫هول الفجيعة ال�سورية‪� ،‬أملانيا‪ ،‬الكويت‪ ،‬تركيا‪ ،‬واملناطق املحررة‪،‬‬ ‫هذه البالد �ست�ستقبل اللوحة بعد عر�ضها يف ع ّمان‪ ،‬وبعدها �ستكون‬ ‫متاحة لك ّل من يطلبها من �أجل �أي ن�شاط يخدم ال�سوريني وثورتهم‪.‬‬

‫مقطع ع�شوائي من اللوحة بطول ‪ 1.5‬مرت‪ ،‬ي�ضم‬ ‫‪� 1176‬صورة ل�شهيد‪/‬ة �سوري‪/‬ة‬


‫‪12‬‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫زيارة‬

‫�أحيانا �أ�شعر كما يف حكايات الأطفال برغبة ملحة يف التح ّول‬ ‫حتت قبعة الإخفاء ودخول �سوريا‪� ..‬أ�شتاق �إليها‪ ،‬و�أفكر �أنني‬ ‫لن �أجر�ؤ على زيارة بيتي الذي د ُِّمر حتت الق�صف‪ ،‬حتت عني‬ ‫دم�شق الغالية ويف طرف ريف �أهلها الأح ّبة ُد ّمر ريفها‪� .‬س�أم�شي‬ ‫احلب‪ .‬وك�سائح يف بالد للمرة الأوىل‬ ‫يف ال�شوارع حتى �أقع من ّ‬ ‫�س�أ�شعر �أنني ع�شت هذه احلياة من قبل‪.‬‬ ‫�س�أزور بال ّ‬ ‫�شك مطارح ال�سجون و�ألقي على من فيها من‬ ‫ال�سوريني ال�سالم‪� ،‬س�أزور ريف دم�شق كما مل �أفعل من قبل‪،‬‬ ‫الغوطة ال�شرقية لكي �أطمئن على رزان و�سمرية ووائل وناظم‬ ‫و�أرجوهم �أن يعودوا �إىل الأمل الكبري باحلر ّية‪� ،‬إىل �سوريا‪.‬‬ ‫ال�سجن جغرافيا خارج الوطن! ال ميكن �أن ينتمي ال�سجن �إىل‬ ‫الوطن‪ ،‬هو جغرافيا امل�ستب ّد ودار عبادته و�أ�شر�س �أدوات قمعه‪،‬‬ ‫هو مر�آة ذاته‪� .‬س�أزور دوما وداريا الع ّز و�أ�ضع على قرب غ ّياث‬ ‫مطر وردة حمراء يف اخليال وزجاجة ماء‪ ،‬ف�أرى ابت�سامته تنبت‬

‫هاال محمد‬

‫يف كل �سوريا… مطر… مطر… مطر‪.‬‬ ‫�س�أزور درعا… واملع�ضم ّية وحر�ستا وجوبر وامليدان‪.‬‬ ‫القنيطرة التي دمرتها �إ�سرائيل مل تعد قبلة زياراتي‪ .‬مل تكن‬ ‫يوم ًا قبلتها‪ ،‬فل�ست �أحتاج �إىل �أن يقنعني النظام ب�شرا�سة‬ ‫�إ�سرائيل‪� ،‬أنا �أرى �شرا�ستها يف ت�شبهه بها ب�سلوكه كنظام‬ ‫ع�سكري �أمني يحكمه اجلرناالت وال ميكن مقاربته يف ر�أ�سي‬ ‫�إال بنظام �إ�سرائيل املحت ّل الع�سكري العن�صري‪ .‬كل بيت �سوري‬ ‫ُد ّمر هو قنيطرة‪� .‬س�أمدد �شط�آن رحلتي �إىل �أق�صى اجلزيرة‬ ‫ال�ساحرة املكلومة بداع�ش‪� ،‬س�أ�صمت ب�صحبة الفرات العظيم‬ ‫الذي ي�شهد‪� .‬س�أعرج على كفر نبل و�أبو�س ترابها ال�ساخر من‬ ‫املوت‪ .‬و�س�أطمئن على الرقة ومن فيها عن قرب! على بيوت‬ ‫ال�سجناء يف ليايل �سوريا احلزينة و�أبحث عن حقيقة م�صري‬ ‫الأب باولو وعن مه ّند �صديقي الفي�س بوكي الذي اختفى حديث ًا‬ ‫يف ال ّرقة يف غياهب �سجون داع�ش ـ النظام الوح�ش‪� ،‬س�أ�سهر‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫قرب �أطفال �صديقاتي العا�شقات اجلميالت للحر ّية اللواتي‬ ‫تنتظرن �أزواجهن يف ذات �سجون القهر‪.‬‬ ‫�س�أذهب �إىل كفر تخارمي يف زيارة عاجلة �إىل القمر فوق دار‬ ‫الزعيم ابراهيم هنانو‪ .‬و�أطمئن على �شجرة النارجن‪� ،‬س�أرمتي‬ ‫حتتها زهرة ياب�سة بني الزهر الياب�س املرمي بلوعة يف �أر�ض‬ ‫الديار املهجورة من �ساكنيها‪ .‬ال �أعتقد �أنني �س�أجر�ؤ على ر�ؤية‬ ‫حلب الآن‪ .‬ال ال يجر�ؤ قلبي على هذه اجلر�أة كلها‪� .‬س�أقف قريب ًا‬ ‫منها يف منطقة منخف�ضة دون �أن �أرى الدمار ودون �أن �أزور قرب‬ ‫�سو�سن الغالية التي ق�ضت يف ال�شارع حتت ق�صف الطريان‪.‬‬ ‫أ�ضم حلب �إىل �صدري من بعيد حجرا حجرا وحلنا حلنا‬ ‫�س� ّ‬ ‫وطعما طعما و�س�أدع الرائحة ّ‬ ‫تق�شر �آالمي كما لو كنت ليمونة‬ ‫حام�ضة‪� ،‬ست�صل �آالمي �إىل البحر‪� ،‬س�أ�شرب البحر املتو�سط‬ ‫مبلحه‪ .‬يف طريق عودتي �س�أعرج على حماه فحم�ص… لن‬ ‫�أدخل املدينة �س�أجتازها دون رفة عني كي تت�سع لها عيني‪،‬‬ ‫حلاراتها وحا�ضرها املد ّمر العامر بال�شرف والرجولة والبطولة‬ ‫والكرامة والكرم‪ ،‬و�س�ألقي ال�سالم على بيوتها… ومن بينها‬ ‫بيت "�سيماف" و ”ال�ساروت“ ‪.‬‬ ‫و�أعود �إىل دم�شق‪ ...‬بحاجة ملحة كاحل ّمى �أن �أدخل بيت‬ ‫مواطني دون �أن ينتبهوا‬ ‫�أحد ال�سوريني املوالني‪� ،‬أ�سهر يف بيت‬ ‫ّ‬ ‫لوجودي‪� .‬أ�سمع ما يدور يف ر�أ�سهم‪ ،‬عما يتحدثون‪ ..‬ما هي‬ ‫�أوجاعهم‪ ،‬ما هي �أفراحهم‪ ،‬ماذا ي�أكلون‪ ،‬وهل! هل حق ًا بتنا‬ ‫نختلف كطبيعة �إن�سانية! ‪ .‬كيف ا�ستطاعوا �أن ي�صمتوا على‬ ‫الظلم‪ ،‬على الكذب �أمام عني �سوريا منذ بداية الثورة‪ .‬هل‬ ‫يعلمون �أنهم بقذفهم ال�سوريني الآخرين الذين اختلفوا مع‬ ‫النظام يف الر�أي من نافذة �سوريا‪� ،‬ساهموا �أي�ض ًا يف خراب‬ ‫النافذة ومن فيها وامل�شهد الذي تط ّل عليه‪ ،‬الذي �صار العدم‪،‬‬ ‫�ساهموا مبواالتهم وت�أييدهم للنظام وخوفهم من الآخر‪ ،‬خوف‬ ‫على جمرد م�صالح �سخيفة لقاء ما فقدوه من م�صالح كبرية!‬ ‫وحدة ال�سوريني وق ّوتهم‪� .‬أي �سوريا‪.‬‬ ‫هل يعقل �أن ال�سوري كان قا�سي ًا �إىل هذا احل ّد و�أن ما كان بيننا‬ ‫م�ستقطع! للوداع رمبا!‪.‬‬ ‫ترفيهي‬ ‫فا�صل‬ ‫من عي�ش مل يكن �سوى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بتّ ال �أفهم بو�صلة ال�سوريني عموم ًا وانح�شرت يف فهم من �أ�شبه‬ ‫من ب�شر �سلميني يرف�ضون القتل والظلم واالعتقال والتعذيب!‬ ‫�أعتقد �أن على الإن�سان �أال يغامر بحياة الغري �إن كان ال يعرف‬ ‫متام ًا خمارج جناة الآخر‪.‬‬ ‫�أدخل بيتهم و�أجل�س على الطاولة معهم و�أغفو يف �أ�سرتهم هم‬

‫‪13‬‬ ‫ال�سوريون الأحبة و�أن�سى و�أ�شعر بالأمان معهم‪ ،‬و�أبكي ب�صمت‬ ‫لأنهم �صمتوا عن موتنا ونفينا وتهجرينا ومذلتنا‪ .‬و�أرجو لهم‬ ‫دوام احلياة‪.‬‬ ‫�أحزن… �أخاف اعتياد البيت ف�أغادرهم فينتبهوا!‬ ‫أحب �أن �أعرف كيف �سينتبهون! هل �سيخبئون رائحتي يف‬ ‫� ّ‬ ‫اخلزانة بني الثياب! �أم �سينف�ضوها كتهمة‪ .‬هل هم جمربون �إىل‬ ‫هذا احلدّ!‬ ‫�أال ي�ستطيعون حق ًا ال�صراخ ب�أنهم �ض ّد الرباميل الطائرة حاملة‬ ‫املوت والدمار والعنف والإرهاب والطائف ّية‪ .‬الرباميل التي‬ ‫ق�صفت ال�سوريني ب�إمكانية حلول داع�ش ومن مثلها على �أر�ضهم‬ ‫الرحيمة‪.‬‬ ‫�أال ي�ستطيعون �أن يرف�ضوا التعذيب يف ال�سجون حتى املوت‪ .‬هل‬ ‫هذا كثري! ط ّيب واحل�صار والتجويع! جتويع ال�سوريني الذين‬ ‫رف�ضوا �سلمي ًا �سيا�سات النظام! هل �سيكلفهم ذلك حياتهم!‬ ‫و�سينقلهم يف �أعني النظام �إىل خانة الإرهاب كما ح�صل مع‬ ‫الأغلبية العظمى من ال�سوريني‪.‬‬ ‫�أال ينتبهون! �أم هم حقيقة يجتازون اجل�سر الفا�صل بني النار‬ ‫والنار بغريزة البقاء احليوانية!‬ ‫�أرجوا لهم �أن يحيوا… الأمل الذي يف �صدورنا هو �أن �سوريني‬ ‫ما زالوا يحيون… هل يتحول الإن�سان يف احلروب �إىل حيوان!‬ ‫�أال ي�ستطيعون املطالبة ب�إطالق �سراح املعتقلني ال�سلميني و�إثارة‬ ‫هذه الفكرة احلقيقة الكارثة املقيمة ك�صخرة على �صدر �سوريا‬ ‫وتاريخها‪ .‬هل يقبلون خنق ال�صوت ال�سلمي ال�سوري املتمرد‬ ‫وبقاء �صوت العنف فقط!‬ ‫يتم دمار‬ ‫كيف‬ ‫ينتبهون‬ ‫أال‬ ‫�‬ ‫بالظلم…‬ ‫�أمل يت�سع وقتهم لي�سمعوا‬ ‫ّ‬ ‫�سوريا منهجي ًا بتوازن حديدي بني تطرف وتطرف!‬ ‫�أمل ينتبهوا �إىل اختفاء �أ�سماء من احلياة! كيف �أن ال�شارع �صار‬ ‫�أكرث وح�شة بدوننا ! �أمل يت�ساءلوا �أين ذهبت البيوت! كيف امحّ ت‬ ‫العناوين والأرقام! كيف اتّ�سعت حقول القبور‪.‬‬ ‫هذا االنتظار لي�س حياة‪ ،‬هو الوقت الذي تبحث فيه الوحو�ش عن‬ ‫الطريدة… هو وقت اجلوع‪. .‬‬ ‫من �سيحررهم من موتنا! ومن �سيحررنا من موتهم‪.‬‬ ‫�أال يبكون هكذا ل�شعور غام�ض بالكرب! �أم �أنهم �أطبقوا عيونهم‬ ‫على قلوبهم وجت ّمدوا‪.‬‬ ‫املر�أة يف بيتهم امل�سماة با�سمي هل يعقل �أن تكون �أنا!‬ ‫كيف مل تنتبه �أنها ماتت‬


‫‪14‬‬

‫مقاالت‬

‫تحت التعذيب!‬

‫واقت�ص لك‬ ‫"لك اهلل يا ولدي‪ ،‬ورحمك واحت�سبك من ال�شهداء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من اجلبناء الظاملني"‪.‬‬ ‫تلك كانت الكلمات الأوىل لأ ّم �سورية فقدت ف ّلذة كبدها �ضرب ًا‬ ‫وتعذيب ًا حتى املوت‪ ،‬كان �شاب ًا يف مقتبل العمر‪ ،‬طبيب �أ�سنان‪،‬‬ ‫بالكاد كان قد انتهى من كتابة ر�سالة املاج�ستري التي مل ت َر النور‪،‬‬ ‫ع ّلقت عليه والدته �آمالها بعد وفاة والده‪ ،‬فهو �أ�صغر �أبناءها �سن ًا‪،‬‬ ‫و�أقربهم �إىل قلبها الكبري‪ ،‬ولكن كانت �أنياب "زمالءه" امل�سمومة‬ ‫�أقرب �إىل قطف �أجمل الزهرات يف ب�ستان العائلة‪ ،‬فبعد �أن قام‬ ‫�شبيحة االحتاد "الوطني" لطلبة �سوريا باعتقاله �ضمن حرم‬ ‫اجلامعة انهالوا عليه بال�ضرب بوا�سطة �أدوات حادّة‪ ،‬ومن ّثم قاموا‬ ‫بت�سليمه �إىل �أحد الأفرع الأمنية يف دم�شق‪ ،‬ليكون الإهمال ال�صحي‬ ‫املتع ّمد يف الفرع املذكور كفيلة مبوته �أمل ًا بعد تعذيبه‪ ،‬فانتهت حياته‬ ‫بعيد ًا عن ح�ضن والدته التي ال متلك حتى قرب ًا له تزورها يف‬ ‫الأعياد‪.‬‬ ‫احلالة الوح�شية املذكورة �آنف ًا‪ ،‬مل تكن احلالة الأوىل وال الأخرية‪،‬‬ ‫بل هي واحدة من �آالف احلاالت امل�شابهة التي ّمت توثيقها منذ بداية‬ ‫الثورة ال�سورية ملعتقلني ّمت قتلهم وتعذيبهم حتى املوت على يد‬ ‫�أنا�س �ساديني م�شبعني يف �أحايني كثرية باحلقد الطائفي‪ ،‬يتفننون‬ ‫يف �أ�ساليب ال�ضرب والتعذيب‪ ،‬تع ّلموا العديد منها يف عهد حافظ‬ ‫الأ�سد الأب و�أبدعوا واخرتعوا بع�ضها الآخر يف عهد ب�شار االبن‪،‬‬ ‫تطول قائمة طرق التعذيب وال تنتهي‪ ،‬فمن ال�شبح – التعليق من‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫بسام االحمد*‬

‫الأيدي �أو الأقدام – �إىل ال�صعق الكهربائي مرور ًا بالكر�سي الأملاين‬ ‫واحلرق ب�أعقاب ال�سجائر واالغت�صابات اجلماعية للمعتقالت‬ ‫انتها ًء بتجويع املعتقل حتى مي�سي هيك ًال عظيم ًا‪ ،‬ولع ّل ال�صور التي‬ ‫انت�شرت لبع�ض املعتقلني من قائمة الأحد ع�شر �ألف معتقل قتلوا‬ ‫حتت التعذيب غي�ض من في�ض فهي تظهر جانب ًا واحد ًا من ب�شاعة‬ ‫�أزالم �آل الأ�سد وحقدهم باجتاه ال�شعب ال�سوري والثورة ال�سورية‪.‬‬ ‫لرمبا تكون هذه الوح�شية �ضد ج�سد املعتقلني �أكرث رحمة‬ ‫من �أ�ساليب التعذيب النف�سية والإهانات اللفظية املقيتة والكالم‬ ‫�سجانيهم‪...‬‬ ‫الطائفي القذر الذي يتع ّر�ض لها املعتقلون على � ّ‬ ‫أيدي ّ‬ ‫ففي �إحدى الليايل التي ع�شتها يف فرع املخابرات اجلوية يف مطار‬ ‫املزة الع�سكري يف دم�شق‪ ،‬وحتديد ًا يف �شتاء ‪ 2012‬القار�س‪ ،‬كان‬ ‫عددا من العنا�صر يتناوبون على �ضرب وتعذيب �أحد املعتقلني‪،‬‬ ‫�صراخه كان ي�صدح يف ذلك املكان‪ ،‬وبعد االنتهاء من �ضربه‬ ‫طلبوا منه البدء بتقليد �أ�صوات احليوانات‪ ...‬الكلب‪ ...‬احلمار‪،‬‬ ‫وبعد كل عملية تقليد للأ�صوات كان يتع ّر�ض مرة �أخرى لل�ضرب‬ ‫ب�سبب عم توافق الأ�صوات التي ي�صدرها مع الأ�صوات الطبيعية‬ ‫لتلك احليوانات!‬ ‫يتم ا�ستفزازه بطريقة‬ ‫معتقل �آخر يف �إحدى جل�سات التعذيب كان ّ‬ ‫رهيبة عن طريق �إهانة عر�ضه و�شرفه والتهديد باغت�صاب زوجته‬ ‫على مر�أى عينه‪.‬‬ ‫كانت ق�ضية املعتقلني يف �سوريا – وما تزال ‪ -‬منذ بداية الثورة‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫ق�ض ّية مهملة ومعقدة‪ ،‬وباتت ف�صولها �أكرث م�أ�ساوية يوم ًا بعد يوم‬ ‫خا�صة بعيد ارتفاع حاالت التعذيب وال�ضرب حتى املوت‪ ،‬فقد‬ ‫ازداد معدّل متو�سط �شهداء التعذيب من خم�سة �شهداء �إىل �أكرث‬ ‫يتم توثيق �أ�سمائهم من قبل‬ ‫من ع�شر �شهداء يومي ًا‪ ،‬وهم فقط من ّ‬ ‫املراكز احلقوقية وعلى ر�أ�سها مركز توثيق االنتهاكات يف �سوريا‪،‬‬ ‫وباتت �أكرث حاالت الوفيات الأخرية نتيجة الأمرا�ض اجللدية‬ ‫ال�صحي املتعمد‪ ،‬فلي�س‬ ‫املنت�شرة �أو التجويع املمنهج والإهمال‬ ‫ّ‬ ‫التعذيب اجل�سدي �سبب ًا مبا�شر ًا ملوتهم كما يف بدايات الثورة‪،‬‬ ‫فالبيئة ال�سيئة لأقبية �أجهزة الأمن وكرثة الأعداد يف الزنزانة‬ ‫الواحدة والإهمال ال�صحي املتع ّمد واحلرارة املرتفعة وال�ضغط‬ ‫النف�سي و�صعوبة التنف�س‪ ،‬جميعها كانت �أ�سبابا �أخرى من �أ�سباب‬ ‫ارتفاع حاالت املوت البطي التي تبد أ� يف �أوقات كثرية "بالف�صل"‬ ‫كما ت�س ّمى يف لغة املعتقالت‪ ،‬حيث ي�صبح املعتقل �أ�شبه بكائن‬ ‫يفقد ال�سيطرة على حوا�سه وقدراته ويدخل يف فرتة �شبيه بفرتة‬ ‫فقدان الذاكرة‪ ،‬وغالب ًا ما ي�ؤدي "الف�صل" ب�صاحبه �إىل املوت‬ ‫املحتّم ما خال بع�ض الذين يكتب لهم والدة جديدة‪� ،‬أحدهم ذكر‬ ‫�أ ّنه كان يتفوه بكالم غريب �أثناء الف�صل وكان يق�ضي حاجته يف‬ ‫مكانه‪ ،‬وقد �أخربه زمالءه يف املعتقل بعد �شفائه من "الف�صل"‬ ‫�أ ّنهم فقدوا الأمل من جناته لك ّنه عاد �إىل احلياة جمدد ّا ب�أعج‬ ‫وبة‪..‬‬ ‫ويتم اخالء �سبيله من الفرع ب�شكل‬ ‫�أ ّما من يحالفه احلظ ّ‬ ‫يتم حتويله �إىل‬ ‫مبا�شر – وهذه حاالت نادرة احلدوث – �أو ّ‬ ‫الق�ضاء ب�أنواعه يبد�أ رحلة جديدة‪ ،‬حيث يبد�أ الأهل التقا�سم‬ ‫املبا�شر ملعاناة �أوالدهم وتبد�أ ف�صول ق�ص�ص العذابات اجلديدة‪،‬‬ ‫فمن اال�ستغالل الب�شع لبع�ض "املحامني" الذين يعتربون "�صلة‬ ‫الو�صل" مع ق�ضاة حمكمة الإرهاب �إىل انتظار املعتقل فرتات‬ ‫طويلة يف الإيداع يف انتظار دوره يف املحاكمة‪� ،‬إىل ا�ضطهاد‬ ‫�سما�سرة �سجن �صيدنايا مرور ًا مبحكمة امليدان الع�سكرية‪ ،‬كلها‬ ‫حلقات م�سل�سل تنذر فيها الأعداد الرهيبة للمختفني ق�سري ًا‬ ‫بكارثة �إن�سانية حقيقة الآن ويف مرحلة "العدالة" االنتقالية يف‬ ‫امل�ستقبل‪ ،‬وتبقي باب الت�سا�ؤالت مفتوحا على م�صراعيه لعدّة‬ ‫جهات دولية وحم ّلية‪ ،‬حيث بات املواطن ال�سوري يت�ساءل عن‬ ‫مدى جدوى وجناعة هيئات الأمم املتحدة املعنية بق�ضية املعتقلني‬ ‫وماذا ا�ستطاعت �أنّ تقدّم ب�شكل حقيقي يف هذا ال�صدد‪ ،‬وبات‬ ‫يتم الإفراج عنهم يتوجهون‬ ‫معظم املعتقلني واملعتقالت الذين ّ‬ ‫ب�س�ؤال للمعار�ضة ال�سيا�سية‪� :‬أهذا الذي كنتم به تعدون!‬ ‫* املتحدث با�سم مركز توثيق االنتهاكات يف �سوريا‬

‫مقاالت‬

‫‪ ...‬البقية من �صفحة‬

‫‪15‬‬

‫‪9‬‬

‫منال متزوجة ولديها ولدين‪ ،‬زوجها مطلوب للنظام‬ ‫تقول‪ " :‬لقد تعبنا‪ ..‬كل يوم هو حالة رعب بحد ذاتها‪،‬‬ ‫ال اعرف متى ينتهي هذا الكابو�س‪ ،‬ا�شعر بالي�أ�س لأنه ال‬ ‫يوجد لدينا خمرج‪ ،‬اريد الهرب مع عائلتي اىل اي بقعة‬ ‫من االر�ض لكن ذلك م�ستحيل الن النظام اذا ام�سك‬ ‫زوجي تكون حياتنا قد انتهت فكل االحتماالت لدي‬ ‫ت�صيبني بالي�أ�س"‪.‬‬ ‫"ابو حممد" �صاحب م�شغل خياطة و�أب لعدة �أوالد‬ ‫منهم ثالثة جامعيني‪ ،‬مهند�س‪ ،‬حمامي و�صيديل‪ ،‬تراه‬ ‫يكرث ال�شرود عندما يذكرهم يقول‪" :‬كان حلمي يف‬ ‫احلياة ان �أرى اوالدي وقد امتوا درا�ستهم وتخرجوا‪،‬‬ ‫ولكن كل �شيء قد انتهى الن عجلة التعليم توقفت وهم‬ ‫اليوم مطلوبني من النظام وال ا�ستطيع ان ار�سلهم اىل‬ ‫اجلامعات‪ ،‬ا�صبحوا تائهني يف الدنيا‪ ..‬حتى م�صدر‬ ‫رزقنا م�شغل اخلياطة قد دمر وال اعرف نهاية هذا‬ ‫االمر‪ ،‬هل نكون يف القبور او يف املعتقالت او خارج‬ ‫�سوريا او عبيد‪ ! ..‬كل �شيء يف حياتنا قد ا�صبح ا�سود"‪.‬‬ ‫"با�سل" احد ال�شباب املتعلمني يقول‪" :‬فقدت ثالثة‬ ‫من اخوتي واهلي ا�صبحوا خارج �سوريا‪ ..‬وال اعرف‬ ‫ما هو امل�ستقبل"‪..‬‬ ‫ولو اردنا اال�ستطراد يف االمثلة فلن ت�سعنا ع�شرات‬ ‫ال�صفحات وكلها ت�صب يف بوتقة واحدة وهي ان احلالة‬ ‫املعنوية للثورة يف انحدار ملحوظ‪ ،‬فهل ندرك هذا‬ ‫الواقع ون�ستدركه قبل ان تنقلب النا�س على الثورة حتت‬ ‫�ضغوط احلاالت االجتماعية امل�أ�ساوية التي و�صلنا اليها‪،‬‬ ‫هل يكون احلل بعمل ع�سكري �ضخم يعيد الروح املعنوية‬ ‫للحا�ضن ال�شعبي؟ ام يكون مببادرة �سيا�سية حتاول‬ ‫التخفيف من هذه ال�ضغوط؟‬ ‫ان ا�صعب واقع قد ي�صل اليه االن�سان هو ان يفقد االمل‬ ‫يف امل�ستقبل والنظام يدرك ذلك ويلعب به والثورة مغيبة‬ ‫عن ق�صد او غري ق�صد‪.‬‬


‫‪16‬‬

‫مقاالت‬

‫خاطركم ‪ ..‬وصونا‬

‫ّ‬ ‫املفردات واملعاين ذاتها‪ ،‬حتى‬ ‫ن�ص مك ّرر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حمط ٌة ال �أكرث‪ ..‬حا�شي ُة ٍّ‬ ‫املالمح ذاتها‪،‬‬ ‫أ�صل ذاتهما‪،‬‬ ‫النقطتان اللتان تف�صالنِ املعنى عن ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫الأح�ضانُ والقبل ذاتها‪ُ ،‬‬ ‫جمل الودا ِع املن ّمقة ذاتها‪ ،‬الب�شر مت ّر َ‬ ‫منك‬ ‫حمطة لتكرار الوجوه‪ّ ،‬‬ ‫وعليك‪ ،‬و�أنتَ مكانك ّ‬ ‫َ‬ ‫حمط ٌة موحل ٌة غارق ٌة‬ ‫يف الط ِني عالق ٌة ال تتح ّرك‪.‬‬ ‫الغبا ُر ‪ ..‬عفنٌ برائح ٍة خمتلفة‪.‬‬ ‫احلب هنا‪� ،‬أو ربمّ ا �أق�صده لكن بطريقة خمتلفة‪ ،‬ال‬ ‫ل�ستُ �أق�ص ُد َّ‬ ‫�أحتدّث عن الن�ساء اللواتي مررنَ بي وكنت لهنّ ّ‬ ‫حمط ًة ال �أكرث‪� ،‬أنا‬ ‫�أحتدّث عن حالة �أعمق بقليل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املرغم على البقاء فيه‪ -‬ت�صبح‬ ‫املحطة ‪� -‬أنت‬ ‫هنا يف هذا البلدِ‬ ‫ُ‬ ‫لاً‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫يجعلك تلعن‬ ‫لي�س وط ًنا بدي ‪� ،‬أبدًا‪� ،‬إنه �سجنٌ بديل‬ ‫مثله‪ ،‬هذا َ‬ ‫غريب ال ي�شبه‬ ‫الأوطانَ وتبحث عن �أي طريق للهرب �إىل مكان بعيدٍ ٍ‬ ‫هذه البالد‪� ،‬أنت يف هذا البلدِ ‪ ..‬معتق ٌل حمكو ٌم َ‬ ‫بال�سجن‬ ‫عليك‬ ‫ِ‬ ‫امل�ؤ ّبد يف زنزانة جماعية‪ ،‬مي ّر عليك املعتقلون اجلدد‪ ،‬امل�ساجني‬ ‫اجلدد‪ ،‬عمالء الأمن‪ ،‬ت�س�أل عن تهم ِة كل واحدٍ منهم‪ ،‬تعي�ش معه‬ ‫يخرج ‪ ..‬وتبقى �أنت‪ ..‬والكلم ُة املك ّرر ُة‬ ‫يوما‪ً � ،‬‬ ‫أ�سبوعا‪� ،‬شه ًرا‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫عاما‪ُ ،‬‬ ‫و�صونا"!‬ ‫دائ ًما‪" ،‬خاطركم‪ّ ..‬‬ ‫مي ُّر ال�سور ّيون من هنا‪ ،‬الجئنيَ‪ ،‬زائرين‪ ،‬هاربنيَ‪ ..‬مي ّرون‪ ،‬وعليك‬ ‫�أن تدر َِك �أنك �إن توانيتَ عن التق ّر ِب منهم‪ ..‬ف�أنت خائن‪ ،‬و�إن‬ ‫تق ّربتَ تع ّلقتَ وت ُِركتَ بعدَ فرت ٍة بعد �أن يختاروا ّ‬ ‫حمطة جديدة‪،‬‬ ‫املالمح ذاتها‪ ،‬الب� ُؤ�س ذاته‪ ،‬حتى‬ ‫�أ�صدقا ُء قدامى‪� ،‬أ�صدقا ُء جدد‪،‬‬ ‫ُ‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫رامي العاشق‬

‫املالب�س والكثري من‬ ‫احلقائب ذاتها‪ ..‬بع�ض‬ ‫الذكريات‪ ،‬اللقاءاتُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ال�ضحك موجو ٌد لك ّنه حا�ض ٌر‬ ‫�شجارات‪،‬‬ ‫أو‬ ‫�‬ ‫مناحات‬ ‫هنا لي�ست �سوى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غائب ُ‬ ‫متاما هو كذلك‪ ..‬وربمّ ا �أنت كذلك‪،‬‬ ‫خفيف ٍ‬ ‫ظل ال ن�شعر به‪ً ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫حمطة خفيف ٌة تغيب بعدة فرتة ق�صرية من الذاكرة‪ُ ،‬ترت َُك هنا يف‬ ‫هذه الزنزانة اجلماعية‪ ،‬يخرج اجلميع وال تخرج‪ ،‬وتتكرر جملة‬ ‫الوداع‪.‬‬ ‫�سافر عمر و�سافرت معه غادة ولينا‪ ،‬وظ ّلت ذكريات ال�سهرة يف‬ ‫ذاك املنزل اخلاوي �إال من وجوههم‪� ،‬سافر عبد الرحمن وجورج‪،‬‬ ‫�أبو ريتّا كان م�ساف ًرا �إىل ال�سويد قبل �أن مينعوه ويعيدوه �إىل درعا‪،‬‬ ‫بي�سان وماهر رحال دون �أن جنتمع على �سهرة مل ينجح موعدها‪،‬‬ ‫منى و�أمها وكرم � ً‬ ‫أي�ضا �سافروا الأ�سبوع املا�ضي‪ ،‬وبالأم�س �سافر‬ ‫نايف و�أبو ملي�س!‬ ‫ُ‬ ‫�سريحل توفيق بعد �أ ّيام‪� ،‬سيتبعه �أبو فار�س و�أم فار�س‪ ،‬و�أنا �س�أبقى‬ ‫هنا �أ�ستقبل و�أودّع‪ ،‬ال �أ�ستطيع �أن �ألوم الراحلنيَ‪ ،‬جنون �أن �أطلب‬ ‫من معتقل �أن يبقى معتقلاً بعد �أن جاء قرار �إخالء �سبيله‪� ،‬أنان ّية‬ ‫مفرط ٌة مني‪ ،‬ال �أطلب ذلك �أبدًا‪� ،‬إمنا فقط‪� ،‬أف ّكر على ورق‪ ،‬هل‬ ‫اعتدت هذا احلال؟‬ ‫كالتلويح من خلف‬ ‫ا‬ ‫متام‬ ‫عندك‬ ‫أح�ضانُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت�صبح‬ ‫يف حلظة ما‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الأ�سالك ال�شائكة‪ ،‬واحلب حقل �ألغام‪ ،‬حتّى اللهج ُة ت�صبح عب َئا‬ ‫على م�سمعك‪ ..‬تخ�شى التو ّرط يف ح ّبهم‪ ،‬فقط لتتج ّنب تلك العبارة‬ ‫و�صونا"‪.‬‬ ‫املكررة ‪" ....‬خاطركم ‪ّ ..‬‬


‫‪17‬‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫جفرا سيف الدين‬

‫ال أفعل ‪2‬‬

‫ال أفعل ‪1‬‬ ‫�صديقتي ت�س�ألني‪ ,‬ماذا تفعلني هذه الأيام؟ ال �أفعل‬ ‫�أقول لها‪ ,‬ال �أحلل‪ ,‬ال �أبدل‪ ,‬ال �أعدل ال �أفكر‪ ,‬ال �أنتقد‬ ‫وال �أعتذر‪ ....‬فقط ال �أفعل‪� .....‬إذا وقفت ذبابة على‬ ‫عيني‪� ,‬أتركها تفرك �ساقيها الأمامية القذرة يف‬ ‫جمرى الدمع خا�صتي‪� ...‬إذا �شب حريق يف البيت‪,‬‬ ‫�أجل�س يف الكر�سي الهزاز و�أترك النار حترق الأخ�ضر‬ ‫والياب�س‪� ...‬إذا ر�أيت كلب ًا ينه�ش طفال‪� ...‬أراقب‪ ,‬فقط‬ ‫�أراقب و�أكمل طريقي‪ .....‬ال �أجيب على الهاتف وال‬ ‫�أ�ضرب موعدا‪ ....‬ال �أنفخ على �شمعة وال �أ�شعل واحدة‬ ‫يف عا�صفة‪ .......‬ال �أغلق بابا وال �أفتح �شباكا‪ ......‬ال‬ ‫�أفعل‪ .....‬لكني �أحيانا �أجه�ش بالبكاء‪.‬‬

‫�أر�سل ر�سالة للكون‪ ,‬هكذا مالحظة‪ ,‬لل�سماء‪� ,‬أن هذا‬ ‫العامل يبدو يل احيانا‪ ,‬قذارة كبرية ﻻ تنفع حتى‬ ‫لل�شتيمة‪..‬‬ ‫ترتكني‪ ,‬الكلمات دائما‪ .‬تقول ما تريده وترتكني خارج‬ ‫املعنى‪ .‬حتكم علي بال�سجن وترتكني كذئبة‪� ,‬أدور على‬ ‫نف�سي‪ ,‬فال �أجدها‪ .‬هل ر�أيت ذئبا يف �سجن؟ �أنا راقبت‬ ‫واحدا يف ال�سريك ال�صغري الذي مر على احلارة التي‬ ‫دمرت الأ�سبوع املا�ضي‪ ,‬كنت طفلة حينها‪ ..‬دفعت ‪5‬‬ ‫لريات م�صروف اليوم‪ ,‬لأراقب تلك الروح‪ ,‬ل�ساعة يف‬ ‫قف�ص‪..‬‬ ‫يدور الذئب حول نف�سه بنزق‪ ,‬دوائر‪ ..‬دوائر‪ ..‬يف �ضيق‬ ‫املكان‪ ,‬الذي هو ال مكان بطبيعته‪ ,‬كالعدم‪ ,‬كاملوت‪..‬‬ ‫‪..‬كنت �أنا ال�سجن‪ ,‬لكني كنت الذئب �أكرث‪ ..‬و�أنت تقول‬ ‫يل "ما بالك؟ هل �أنت عا�صفة؟ �إهد�أي قليال"‬ ‫يف اخليال قلت لك "�أحبك" لكنك مل تدري‪...‬‬ ‫متعبه �أنا يف هذا اليوم البهيمة‪ ,‬وقلبي‪ ,‬عبارة عن‬ ‫م�ساحة خاوية‪ ,‬كبحرية ملوثة ب�أحد ت�سربات النفط‪.‬‬ ‫اخلواء بارد وموح�ش‪ ,‬ﻻ �شيء يف اخلواء "هو ال�شيء"‬ ‫‪..‬‬ ‫نقرة واحدة‪ ..‬تك‪ ,‬نقرتان‪ ..‬تك تك‪ ..‬يا ربي �إنها‬ ‫متطر مرة �أخرى ‪..‬‬


‫‪18‬‬

‫مقاالت‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫املال الداشر‪ :‬حساباتك على اإلنرتنت‬ ‫موضوع األسبوع الثالث لحملة أمني‬ ‫التقني باسل مطر ‪ -‬مشروع سالمتك‬

‫كانت جدتي متتلك �صندوقا كبريا ن�سميه يف دم�شق "�سبتا"‪,‬‬ ‫له قفل كبري‪ ,‬وكانت ت�ضع املفتاح داخل مالب�سها بالقرب من‬ ‫�صدرها كما اعتادت ن�ساء ذلك الزمان‪ ,‬لتحميه من �أيدي‬ ‫املتفطلني والل�صو�ص والعابثني والف�ضوليني من �أمثايل �أنا‬ ‫و�إخوتي‪ .‬وواظبت جدتي على هذا الطق�س الوقائي حلماية‬ ‫�أ�شياءها اخلا�صة حتى فارقت احلياة‪ .‬كانت جدتي تقول عندما‬ ‫ت�س�أل عن ال�صندوق "املال الدا�شر بيعلم النا�س عال�سرقة"‪ .‬وقد‬ ‫تعملت منها بع�ضا من هذا احلر�ص لكن لي�س كله دون �شك‪.‬‬ ‫يف �أ�سبوعها الثالث الذي امتد من ‪� 14‬إىل ‪ 20‬متوز تطرقت‬ ‫احلملة �إىل مو�ضوع حماية احل�سابات على الإنرتنت‪ .‬ح�ساب‬ ‫الربيد الإلكرتوين �أو ح�ساب في�سبوك هو مبثابة غرفة يف بيتك‪,‬‬ ‫فيها ما يجب �أن تخاف عليه وحتميه بكل ما ت�ستطيع‪ .‬هل ترتك‬ ‫باب بيتك مفتوحا؟ هل ت�سمح لك من هب ودب بالدخول �إليها؟‬ ‫هل تقبل ب�إدخال �شيء ما ال تعرف ماهو �إليها؟ طبعا ال! عامل‬ ‫ح�ساباتك على الإنرتنت بذات الطريقه‪.‬‬ ‫‪ .1‬عند �إعداد احل�ساب قم مبايلي‬ ‫ �إقر�أ �شروط اال�ستخدام جيدا قبل ال�شروع ب�إعداد احل�ساب‬‫لأن خمالفتها �ستدفع ال�شركة �إىل �إلغاء احل�ساب‪.‬‬ ‫ ا�ستخدم كلمة �سر قوية‪ ,‬طويلة ومكونة من �أحرف ورموز‬‫و�أرقام وابتعد عن الكلمات امل�ألوفة مثل تاريخ ميالدك �أو‬ ‫ا�سم حبيتك �أو مدينتك‪ .‬ال ت�ستخدم ‪� 12345‬أو ‪!qwert‬‬ ‫كلمة ال�سر هي خط الدفاع الأول عن ح�ساباتك فاعطها حقها‬ ‫واجعلها قلعة منيعة‪ .‬ال تدون هذه الكلمة يف �أي مكان‪ ,‬وال تطلع‬ ‫عليها �أحد ًا‪ ,‬لكن نن�صح النا�شطني بو�ضعها يف متناول �شخ�ص‬ ‫ثقة يف حال مت اعتقال �صاحب احل�ساب لي�سارع �إىل تعطيله ملنع‬ ‫الأجهزة الأمنية من االطالع على حمتوى احل�ساب‪ .‬ال ت�ستخدم‬ ‫ذات كلمة ال�سر لأكرث من ح�ساب حلمايتها يف حال تعر�ض‬ ‫�أحدها لالخرتاق‪.‬‬ ‫ �إ�ستخدم بريد �إلكرتوين بديل عندما يتاح لك ذلك لتتمكن من‬‫الو�صول للح�ساب جمددا يف حال �سرقته �أو ن�سيان كلمة ال�سر او‬ ‫ا�سم امل�ستخدم مثال‪.‬‬ ‫‪ -‬جميع اخلدمات املعروفة توفر ميزة التحقق بخطوتني‪ ..‬قم‬

‫بتفعليها وعند كل دخول �سرت�سل لك اخلدمة ر�سالة حتوي رمزا‬ ‫عليك �إدخاله لإمتام عملية ت�سجيل الدخول �إىل احل�ساب‪.‬‬ ‫ �ضع �س�ؤال �أمان جيد وابتعد عن الأ�سئلة التي ميكن تخمني‬‫�إجاباتها‪.‬‬ ‫ ا�سخدم ميزة الأ�صدقاء املوثوقني يف في�سوك لت�ستطيع الدخول‬‫�إىل ح�سابك يف حال تعطيله �أو يف حال ن�سيت كلمة ال�سر‪.‬‬ ‫ يف اخلدمات التي تتيح �إظهار بريدك الإلكرتوين مثل في�سبوك‬‫مثال‪ ,‬قم ب�إخفاءه لأنه هو املفتاح حل�سابك‪.‬‬ ‫ ا�ستخدم دائما بريدا �إلكرتونيا ثانيا غري الذي ت�ستخدمه‬‫للتوا�صل مع الآخرين لإن�شاء احل�سابات الأخرى‪.‬‬ ‫‪� .2‬إثناء ا�ستخدام احل�سابات‬ ‫ عند ت�سجيل الدخول يف ح�ساب ت�أكد �أنك تقوم بذلك على‬‫�صفحة اخلدمة الأ�صليه‪ ,‬ولي�س على �صفحة �أخرى يديرها طرف‬ ‫ثالث‪ .‬هذا يحميك من حماوالت ت�صيد كلمات ال�سر التي تنت�شر‬ ‫ب�شكل كبري‪.‬‬ ‫ ال تنقر على �أية روابط ت�أتيك يف ر�سائل بريدية �أو مبا�شرة على‬‫�أي من اخلدمات مامل تت�أكد من �أن الرابط �سليم ومن م�صدر‬ ‫موثوق‪� .‬إ�س�أل مر�سل الر�ساله عن حمتوى الرابط وا�ستخدم‬ ‫حمامكتك املنطقية لتقييمه قبل النقر عليه‪� .‬إذا كان الرابط‬ ‫لفيديو على يوتيوب ت�أكد من �أن الرابط يبد�أ على النحو التايل‪:‬‬ ‫‪.www.youtube.com/xxxxxx‬‬

‫ ت�أكد دائما من ت�سجيل اخلروج من احل�سابات بعد ا�ستخدامها‬‫�سواء كنت ت�ستخدم تطبيقا �أو تدخل من خالل املت�صفح‪.‬‬ ‫ا�ستخدم الت�صفح اخلا�ص �أو املخفي يف املت�صفح ملنع املت�صفح‬ ‫من االحتفاظ بهذه البيانات‪.‬‬ ‫ ال تدخل �إىل ح�ساباتك من خالل �شبكة ال�سلكية عامة مثل التي‬‫جندها يف الفنادق واملطاعم ومقاهي الإنرتنت‪ .‬هذه ال�شبكات‬ ‫غري �آمنه و�ستكون ح�ساباتك عر�ضة لالخرتاق عليها‪.‬‬ ‫ احر�ص على �أن تت�صل بالإنرتنت دائما من خالل تطبيق ي�شفر‬‫االت�صال مثل تطبيق تور �أو �سايفون‪� .3‬س�ؤمن لك هذا طبقة‬ ‫�إ�ضافية من احلماية تبعد عنك الل�صو�ص‪.‬‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪41‬‬

‫‪19‬‬

‫الرباميل وابداعات الزبداين‬

‫طيارة فوق الوادي‪...‬‬ ‫عم مت�شي دادي دادي‬ ‫معها برميلني تنني‪...‬‬ ‫وكا�سة متة وزوادي‬ ‫ب�أي ملج�أ يا حريان‬ ‫الليلي حن�شوفك �سهران‬ ‫وكل �أمرك للرحمن‬ ‫وال تن�سى ذكر الهادي‬ ‫معها برميلني تنني‪...‬‬

‫وكا�سة متة وزوادي‬ ‫�صارت فوق الزبداين‬ ‫والتخبايي حرزاين‬ ‫وال�سبابة علياين‬ ‫عم تنطق بال�شهادي‬ ‫معها برميلني تنني‪...‬‬ ‫وكا�سة متة وزوادي‬ ‫الطيارة زتت زتت‬ ‫والعامل كال تخبت‬

‫و�صوتا ب�أدين ونت‬ ‫والورور عم بينادي‬ ‫معها برميلني‬ ‫تنني‪� ...‬أجم‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫خل‬ ‫و‬ ‫وزوادي‬ ‫وكا�سة متة‬ ‫�ص‬ ‫طلعنا لن�شوف الغارة‬ ‫�شفنا غربة وحجارة‬ ‫ودم وعامل حمتارة‬ ‫وهيدي ق�صتها بالدي‬ ‫معها برميلني تنني ‪ ...‬وكا�سة متة وزوادي‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.