طلعنا عالحرية / العدد 42

Page 1

‫العدد ‪42‬‬ ‫‪2014 / 8 / 9‬‬

‫ملف العدد‬

‫عن الهدن‬ ‫والمصالحات‬


‫‪2‬‬

‫كلمة‬

‫على كفّ عفريت!‬

‫افتتاحيةبقلم‬ ‫أسامه نصار‬ ‫بعيد ًا عن التق�سيم اجلغرايف ل�سوريا الذي‬ ‫�أ�صبح حمتم ًال يف الأذهان بعد �أن كان‬ ‫حما ًال‪ ،‬هناك تق�سيم �أو (ت�صنيف) واقع‬ ‫بالفعل بح�سب اجلهة امل�سيطرة على الأر�ض‪.‬‬ ‫ال�سيطرة "على الأر�ض" وعلى الأر�ض فقط‬ ‫ولي�س بال�ضرورة على ال�سماء �أو خريات هذه‬ ‫الأر�ض �أو على الأمر الأهم من كل ذلك‪ :‬قلوب‬ ‫أرا�ض حتت �سيطرة النظام‬ ‫النا�س‪ .‬فهناك � ٍ‬ ‫أرا�ض حتت �سيطرة املعار�ضة (ك ُّل َمنْ يقول‬ ‫و� ٍ‬ ‫�إ ّنه يعار�ض النظام خالف داع�ش) و�أرا�ض‬ ‫حتت �سيطرة داع�ش وحدها‪ .‬ا�ستم ّر النظام‬ ‫بعد �سنتني من الثورة‪ ،‬مبحاولة تطويقها‪،‬‬ ‫ولكن من خالل عقد ال ُهدن وامل�صاحلات التي‬ ‫خلق لها وزارة خا�صة بـ (امل�صاحلة الوطنية)‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫�ضمن حكومته‪ ،‬ليظهر �أمام العامل على �أ ّنه الأب الذي ي�ستوعب ابنه ّ‬ ‫العاق‬ ‫ويحتويه مع �إخوته‪ ،‬فيعيدهم جميع ًا �إىل "ح�ضنه"‪.‬‬ ‫يختلف املراقبون يف النظر �إىل ظاهرة الهدن؛ لريى بع�ضهم �أنها �ضرورة‬ ‫يفر�ضها الواقع حتى لو خالفت الأماين‪ ،‬والبع�ض الآخر يعر�ضه على �أ ّنه انت�صار‬ ‫لأحد الطرفني على الآخر‪ .‬فيما ال يعدو بع�ض ما ُ�سمي (هدنة) عن كونه هزمية‬ ‫ع�سكرية تقليدية لأحد الطرفني �أو لكليهما!! ويف ك ّل احلاالت تبدو هذه ال ُهدن غري‬ ‫ثابتة و(على ّ‬ ‫كف عفريت)‪ .‬و�صارت احلالة ال�سورية بالن�سبة للعنف والقتل كحالة‬ ‫(املحلول املُ�شبع) فقد بلغ العنف مداه‪ ،‬و�أي �إ�ضافة كم ّية �أو نوع ّية من العنف ال‬ ‫ت�ؤدي �إال �إىل مزيد من ال�ضحايا والآالم‪ ،‬دون تغيري حقيقي على امل�شهد الك ّلي‬ ‫للمعركة �أو نتائجها‪ .‬وما ت�صنع التغيريات هي التحالفات الإقليمية والدولية‬ ‫ولي�س املقاتلون الذين ينفذون ‪-‬بق�صد �أو بغري ق�صد‪� -‬إرادات �أعلى منهم‪.‬‬ ‫وال�سوريون نظام ًا ومعار�ضة و "بني وبني"‪ ،‬مقاتلني و�سيا�سيني ون�شطاء مدنيني‪،‬‬ ‫�أ�صبحوا �ضيوف ًا على ق�ضيتهم ‪ ،‬ومل يعودوا الفاعل واملحرك الأ�سا�سي لها للأ�سف‪.‬‬ ‫زرع النظام يف بداية الثورة طعم ًا بلعه كثري من الثائرين‪ ،‬عندما كان ي�ستقبل‬ ‫الوفود من املناطق ال�سورية الثائرة لي�ستمع ملطالبها كما زعم‪ .‬يف حني كان هدفه‬ ‫"�ش ٍيع" وطوائف‬ ‫احلقيقي هو تفتيت املوقف وجتزي�ؤه‪ ،‬وحتويل ال�شعب ال�سوري �إىل ِ‬ ‫ومناطق ال يتداعى �سائرها �إىل بع�ضها وال حتى بع�ضها �إىل بع�ضها‪ .‬في�صبح بنا ًء‬ ‫يخ�ص حم�ص‪ ،‬وما ُيتفق عليه مع �أهايل قد�سيا ال‬ ‫يخ�ص درعا ال ّ‬ ‫على طرحه ما ّ‬ ‫عالقة له ب�أهايل ريف حلب‪ ،‬وتهادن مع�ضمية ال�شام دون جارتها داريا‪ ،‬وت�سمع عن‬ ‫هدنة و�شيكة يف عربني وحمورية على غرار هدنة حر�ستا (غرب اال�سرتاد) دون‬ ‫باقي الغوطة ال�شرقية‪ .‬ويقول املتعبون ممن بقي يف حر�ستا (�شرق اال�سرتاد)‪" :‬يا‬ ‫ليت لنا مثل ما �أوتي من يف غربه"‪.‬‬ ‫نحاول يف ملف هذا العدد مقاربة هذه امل�س�ألة من عدة وجهات‪ ،‬فال �شيء ي�ؤرقنا‬ ‫اليوم �أكرث من ال�س�ؤال‪ :‬هل ي�ستطيع ال�سوريون ‪�-‬أمام كل هذا اخلراب‪ -‬ا�ستعادة‬ ‫دورهم وق�ضيتهم؟‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫ملف العدد ‪ /‬حول الهدن والمصالحات‬

‫حول المصالحة‬

‫‪3‬‬

‫د‪ .‬محمد العـمّـار‬

‫وم�ستقبلهم‪.‬‬ ‫يتحدث (�سا�سة) النظام و�إعالمه‬ ‫وكان با�ستطاعة النظام يف بداية‬ ‫عن امل�صاحلة الوطنية كثري ًا‪ ،‬لكن‬ ‫هذا احلديث مل ينتج عنه �شيء إن املصالحة فيما أتصور الثورة �أن ي�ضع حد ًا للتدخل‬ ‫اخلارجي‪ ،‬و�أن يغري اجتاهات احلدث‬ ‫خالل ال�سنوات املا�ضية من عمر‬ ‫الثورة‪ ،‬ذلك �أن النظام حتى تاريخه ضرورية وممكنة وسريبح يف �سوريا من خالل مبادرة متلك‬ ‫رغم ما ج ّره على البالد والعباد من منها الجميع حتى أمراء اجلر�أة الأدبية وتتح ّلى بامل�س�ؤولية‬ ‫الأخالقية؛ فتعرتف بالثورة ال�سورية‬ ‫ويالت وخراب ودماء ودمار‪ ،‬مل‬ ‫النظام‬ ‫أن‬ ‫إال‬ ‫الحرب‪..‬‬ ‫كحدث وطني‪ ،‬وتنظر يف مطالب‬ ‫يتوقف حلظة للمراجعة والنقد‪� ،‬أو‬ ‫السوري برموزه وقيادته ال�سوريني وم�شروعيتها وهي تتطلع‬ ‫�إعادة التقييم‪.‬‬ ‫�إىل م�ستقبل �سوريا‪.‬‬ ‫ويف �آخر لقاء يل مع �أحد الر�ؤو�س‬ ‫احلامية يف النظام خالل اعتقايل خرج من دائرة التأثري على‬ ‫�إن النظر بواقعية �إىل اجتاهات‬ ‫قال يل ‪-‬وكان قد التقى بي قبل اتجاهات الحدث السوري‬ ‫الأحداث يف �سوريا‪ ،‬يدل على �أن‬ ‫النظام �سيكون رابح ًا جد ًا �إن متكن‬ ‫عام يف بداية الثورة‪� :-‬إنك مل تتغري‬ ‫�أبد ًا! ‪ ،‬فقلت له وملاذا �أتغري وقد حدث ك ّل ما حذرتك منه‪� ،‬أنت من اخلروج ب�أي �صفقة مع ال�شعب‪ ،‬فقوة ال�شعب غ ّالبة و�إرادة‬ ‫الذي عليك �أن تتغري فقال وملاذا �أتغري �أنا؟ فقلت له �إن عام ًا من ال�شعب من �إرادة اهلل‪ ،‬و�أي �صفقة مهما تكن �أف�ضل من الهزمية‬ ‫الف�شل والرتاجع امل�ستمر يعلم الكثري ملن يريد �أن يتعلم‪ ،‬فلم النهائية‪� ،‬إذ حتى ال�صفقات التي تبدو خا�سرة تت�ضمن بع�ض‬ ‫يجبني و�أخذ يجادل يف �صدق ّية قراءة النظام للحدث‪.‬‬ ‫اال�شرتاطات‪ ،‬وحتتوي بع�ض ال�ضمانات‪.‬‬ ‫ومبا �أن النظام حتى تاريخه مل يجر �أي نوع من املراجعة و�إعادة وكنت قد وجهت ر�سالة مفتوحة يف بداية �سنة ‪ 2011‬مفادها‪:‬‬ ‫التقييم ملا فعله خالل ال�سنوات ال�سابقة‪ ،‬فكل حديث عن (�إن الثورة ال�سورية حقيقة يجب �أن نكيف عقولنا على االعرتاف‬ ‫امل�صاحلة هو نوع من الربوباغندا التي لن يكون وراءها طائل بها‪ ،‬وهي حدث �سيا�سي ولذلك يجب �أن يتم الإعالن عن‬ ‫لنظام خ�سر ويخ�سر كل يوم مواقع �سيطرته‪ ،‬وهو يف تراجع دائم امل�صاحلة كمبادرة �سيا�سية ولي�س ك�إجراءات وترتيبات �أمنية‪.‬‬ ‫رغم جناحات يحققها بني الفينة والأخرى‪ ،‬لكن هذه القراءة وهي حدث وطني ولذلك يجب �أن يكون احلديث عن امل�صاحلة‬ ‫اخلاطئة للتاريخ وما ينتج عنها من �إجراءات وما تتطلبه من كمبادرة على م�ستوى الوطن‪ ،‬ولي�س لتربيد جبهات‪ ،‬وم�صاحلات‬ ‫�أثمان تدفع من ر�صيد ال�سوريني حا�ضر ًا وم�ستقب ًال‪ ،‬تتطلب جزئية الغاية منها ك�سب الوقت وت�شتيت اجلهد و�إثارة النزاعات‬ ‫فع ًال املراجعة والنقد وتغيري االجتاه‪ .‬الأمر الذي عجز عنه بني مقاتلي الثورة‪ .‬كما �أن الثورة ال�سورية ثورة �شعبية عامة‪،‬‬ ‫النظام خالل الفرتة املا�ضية‪.‬‬ ‫ولذلك يجب �أن يكون احلديث عنها عام ًا‪ .‬لذا‪ ،‬يتعني على‬ ‫�إن امل�صاحلة فيما �أت�صور �ضرورية وممكنة و�سريبح منها رئي�س النظام �أن يعلن عرب خطاب يوجهه لل�شعب ‪-‬الذي ما زال‬ ‫اجلميع‪ ،‬حتى �أمراء احلرب‪ ،‬و�سريبح منها ال�سوريون واملحيط يتجاهله منذ بداية الثورة‪ -‬عن مبادرة �سيا�سية للم�صاحلة على‬ ‫الإقليمي والنظام الدويل �أي�ض ًا‪ .‬لكن يبدو �أن النظام ال�سوري م�ستوى الوطن تتكون من النقاط التالية‪:‬‬ ‫برموزه وقيادته خرج من دائرة الت�أثري على اجتاهات احلدث‬ ‫ال�سوري منذ زمن‪ ،‬و�أ�صبح امللف ال�سوري برمته ب�أياد غري‬ ‫تتمة في الصفحة ‪18‬‬ ‫�سورية وي�ستخدم خلدمة ملفات ال عالقة لها مب�صالح ال�سوريني‬


‫‪4‬‬

‫ملف العدد ‪ /‬حول الهدن والمصالحات‬

‫الشيخ والهدنة‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫علي فاروق‬

‫واحلفاظ على �أمالكهم و�أعرا�ضهم‪،‬‬ ‫ن�ش�أ (ع‪�.‬ص) يف �أ�سر ٍة حمافظ ٍة‬ ‫"المعارضة انكفأت عن‬ ‫ً‬ ‫و�سعيا للحفاظ على ما تبقى من‬ ‫متدين ٍة يف منطق ٍة قريب ٍة من‬ ‫أداء دورها المطلوب‬ ‫الدولة وم�ؤ�س�ساتها‪.‬‬ ‫العا�صمة دم�شق‪ ،‬انت�سب يف �صغره‬ ‫وعن دور بع�ض رجال الدين يف �إبرام‬ ‫�إىل معهدٍ لتحفيظ القر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫وكان األجدر بها‬ ‫"الهدن"‪ ،‬يقول (ع‪�.‬ص) طالب العلم‬ ‫وا�ستمر مواظب ًا على ح�ضور‬ ‫االنخراط في موضوع‬ ‫ال�شرعي ال�سابق والقائد الع�سكري‬ ‫‘‘درو�س العلم’’ حتى ح�صوله على‬ ‫"الهدن" لتحديد‬ ‫احلايل‪ :‬تك�شفت يل حقيقة دور بع�ض‬ ‫�شهادة التعليم الثانوي‪ ،‬وعندها‬ ‫�سنوات‪،‬‬ ‫قرر االنت�ساب �إىل �إحدى الكليات خطوطها العامة بهدف رجال الدين قبل الثورة بعدة‬ ‫ٍ‬ ‫وكان ذلك حني ا�ستدعاين يوم ًا‬ ‫ال�شرعية بدم�شق‪ ،‬وبعد �إمتامه‬ ‫بأكبر‬ ‫منها‬ ‫الخروج‬ ‫(ال�شيخ) مع �صديقني �آخرين‪ ،‬وطلب‬ ‫ل�سنوات الدرا�سة املقررة التحق‬ ‫مكاسب ممكنة‪ ،‬اقلها‬ ‫مبا�شر "التعاون"‬ ‫�إلينا ب�شكل غري‬ ‫باخلدمة الع�سكرية‪ ،‬و�أثناء العام‬ ‫ٍ‬ ‫مع �أجهزة الأمن يف مراقبة بع�ض‬ ‫الثاين يف خدمته اندلعت الثورة‪،‬‬ ‫اإلفراج عن المعتقلين‪،‬‬ ‫ال�سلفيني‪( ،‬ع‪�.‬ص) رف�ض تنفيذ ما‬ ‫فقرر االن�شقاق عن قوات النظام‬ ‫المواد‬ ‫وصول‬ ‫وضمان‬ ‫طلبه ال�شيخ‪ ،‬وبد�أ يبتعد عن ذلك‬ ‫والعودة �إىل مدينته‪ ،‬ثم ان�ضم‬ ‫(ال�شيخ) الذي ُرقي بعد الثورة‬ ‫�إىل �إحدى املجموعات الع�سكرية‪،‬‬ ‫الغذائية والطبية لجميع‬ ‫ملن�صب "مفتي"‪.‬‬ ‫عمليات �إىل �أن‬ ‫و�شارك يف عدة‬ ‫ٍ‬ ‫المناطق المحاصرة"‬ ‫وي�ؤكد (ع‪�.‬ص) على الدور ال�سلبي‬ ‫�أ�صبح م�س�ؤو ًال ع�سكري ًا‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫الذي يلعبه بع�ض رجال الدين يف املجتمع‪ ،‬وهو ما ال يقت�صر على‬ ‫يف العام الثالث للثورة‪ ،‬وبعدما ُعقدت ‘‘هدن ٌة’’ يف مدينته‪.‬‬ ‫دين �أو طائف ٍة معينةٍ‪ ،‬بل ي�شمل رجال الدين امل�سلمني وامل�سيحيني‬ ‫كان النظام ال�سوري قد جل�أ منذ منت�صف العام ‪� 2013‬إىل‬ ‫ٍ‬ ‫عقد وفر�ض "الهدن" و "امل�صاحلات الوطنية" على املناطق على ال�سواء ومبختلف طوائفهم ومذاهبهم‪ ،‬فبع�ضهم يحمل‬ ‫الثائرة‪ ،‬وكان ذلك يجري يف �إطار خط ٍة تهدف �إىل الق�ضاء حقد ًا م�ضاعف ًا على الثورة بعدما �أفقدتهم دورهم يف املجتمع‪،‬‬ ‫على الثورة تدريجي ًا‪ ،‬ب�إ�شغال الثوار بالنواحي املتعلقة ب�إدارة ب�سبب انك�شاف زيف خطاباتهم وادعاءاتهم‪ ،‬وانف�ضاح حقيقة‬ ‫ارتباطاتهم‪.‬‬ ‫حياة ال�سكان وت�أمني املوارد يف املناطق الثائرة‪.‬‬ ‫ولإمتام "امل�صاحلات" �أو "الهدن" داخلي ًا ال بد �أن تقوم جهاتٌ وعن "الهدن" يقول (ع‪�.‬ص)‪� :‬أن النظام ي�ستهدف من وراءها‬ ‫وقت واحدٍ ‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫أهداف يف ٍ‬ ‫حملي ٌة مب�ساعدة النظام على حتقيقها‪ ،‬وتلك اجلهات تتمثل يف حتقيق عدة � ٍ‬ ‫من يدعون اليوم بـ "الو�سطاء" �أو "الوجهاء" والذين يتكونون ‪� -‬سعيه ال�ستعادة �شرعي ٍة يفتقدها وذلك عن طريق �إعادة‬ ‫فئات‪ :‬حزبيون‪ ،‬وجتار‪ ،‬ورجال دين‪ ،‬وهم تقريب ًا �إنتاج نف�سه كقو ٍة وحيد ٍة موجود ٍة متحكم ٍة مب�ؤ�س�سات الدولة‬ ‫من عدة ٍ‬ ‫الفئات نف�سها التي ا�ستدعيت يف بداية الثورة للقاء رئي�س ومواردها‪ ،‬وعلى من يرغب باال�ستمرار �أن يلج�أ �إليه للح�صول‬ ‫على اخلدمات واملوارد‪.‬‬ ‫النظام ور�ؤ�ساء الأجهزة الأمنية‪.‬‬ ‫وفيما ال يخفي الكثري من احلزبيني والتجار �أهدافهم من وراء ‪ -‬ومن خالل الهدف ال�سابق يكر�س النظام طريقته يف التعامل‬ ‫�سعيهم لإمتام "الهدن" والتي تلتقي مع �أهداف النظام يف من �أعلى مع املنتف�ضني عليه كمعطي �أو مانح �أو مانع حني ي�شاء‪.‬‬ ‫الق�ضاء على الثورة‪ ،‬يحاول بع�ض رجال الدين جهدهم لإخفاء ‪ -‬كما ي�سعى �إىل تفريغ الثورة من م�ضمونها ال�سيا�سي بح�صر‬ ‫�أهدافهم احلقيقية والتي ال تختلف عن �أهداف النظام �أي�ض ًا‪� ،‬سقف املطالب ال�شعبية بالأمور املحلية واحلياتية‪.‬‬ ‫و�إن حاولوا االدعاء ب�أنهم يعملون رغب ًة يف �إنقاذ �أرواح النا�س ‪ -‬وي�سعى �أي�ض ًا �إىل نقل عبء امل�س�ؤولية ال�سيا�سية والقانونية‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫واالجتماعية عن �أرواح النا�س وت�أمني موارد وم�ستلزمات‬ ‫حياتهم �إىل الأطراف املعار�ضة الفاعلة يف املناطق املحررة‪،‬‬ ‫وبذلك يتخلى عن �أهم م�س�ؤولية يجب عليه حتملها باعتباره‬ ‫يدعي متثيل الدولة‪.‬‬ ‫ وي�سعى �أخري ًا �إىل ا�ستخدام تلك "الهدن" لفر�ض احلل‬‫ال�سيا�سي وفق ر�ؤيته‪ ،‬مبا ي�ضمن بقاءه‪.‬‬ ‫حلول �أخرى‬ ‫لكن القائد (ع‪�.‬ص) ي�ؤكد �أي�ض ًا على عدم وجود ٍ‬ ‫مطروح ٍة ملواجهة ح�صار وجتويع املدنيني يف املناطق الثائرة‪،‬‬ ‫كما ي�ضيف‪� :‬إن الدور املتعاظم لـ "الوجهاء" و "الو�سطاء"‬ ‫املح�سوبني على النظام �إمنا �سببه هروب معظم رجال الدين‬ ‫والتجار والن�شطاء ال�سلميني الذين كانوا ي�ؤيدون الثورة �إىل‬ ‫خارج البالد‪ ،‬وهم من كان ميكن االعتماد عليهم لت�شكيل وفود‬ ‫متثيل املناطق‪ ،‬وانكفاء م�ؤ�س�سات املعار�ضة عن �أداء دورها‬ ‫املطلوب‪ ،‬وقد كان الأجدر بها االنخراط يف مو�ضوع "الهدن"‬ ‫لتحديد خطوطها العامة بهدف اخلروج منها ب�أكرب مكا�سب‬ ‫ممكنة‪ ،‬ال �سيما يف الإفراج عن املعتقلني‪ ،‬و�ضمان و�صول املواد‬ ‫الغذائية والطبية جلميع املناطق املحا�صرة‪ ،‬مث ًال‪.‬‬ ‫و�أما التفاو�ض فقد كان متعذر ًا كما يقول (ع‪�.‬ص) لأن النظام‬ ‫تفاو�ضي بل بطريقة‬ ‫أ�سا�س‬ ‫ال يطرح تلك "امل�صاحلات" على � ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�إمالء ال�شروط‪ ،‬والتي ال ي�ستطيع املقاتلون رف�ضها يف ظل‬ ‫اختالل موازين القوى ل�صالح النظام‪ ،‬وبالت�أكيد فقد لعب‬ ‫"الوجهاء" دور ًا مهم ًا يف و�صول النظام �إىل غاياته‪.‬‬

‫ملف العدد ‪ /‬حول الهدن والمصالحات‬

‫‪5‬‬

‫من جانبه يقول ال�شيخ (ع‪.‬م) رئي�س جلنة امل�صاحلة يف �إحدى‬ ‫ديني تتلمذ عليه �سابق ًا القائد‬ ‫�ضواحي دم�شق‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫مدر�س ٌ‬ ‫الع�سكري (ع‪�.‬ص)‪� ،‬أن تلك "امل�صاحلات" هي لإنقاذ �أرواح‬ ‫النا�س‪ ،‬و�صون ممتلكاتهم‪ ،‬و�إعادة املهجرين �إىل بيوتهم‬ ‫أقوال عن فقه ال�ضرورة‪ ،‬وعن اختالل‬ ‫ومدنهم‪ ،‬ويربر ذلك ب� ٍ‬ ‫املوازين‪ .‬وال�شيخ املذكور لي�س من م�ؤيدي النظام على ما نعرف‬ ‫عنه‪ ،‬لكنه ال يخفي التزامه التام بنهج "املفتي" الذي يعمل‬ ‫بدوره خلدمة النظام‪.‬‬ ‫وب�س�ؤالنا لل�شيخ (ع‪.‬م) عن "هدنة" مدينة داريا التي يتو�سط‬ ‫لها "املفتي"‪ ،‬مل يكن جوابه وا�ضح ًا‪ ،‬لكنه �أكد �أن املفاو�ضات قد‬ ‫و�صلت �إىل مراحل متقدمةٍ‪ ،‬و�أن �إبرامها والإعالن عنها �سيكون‬ ‫قريب ًا جد ًا‪ .‬ورمبا تكون "هدنة" مدينة داريا ـ فيما لو ح�صلت‬ ‫ـ �أول "هدنةٍ" حقيقيةٍ‪ ،‬فاملفاو�ضون هم ممثلون حقيقيون لثوار‬ ‫املدينة على عك�س الكثري من املناطق الأخرى التي عقدت‬ ‫"ت�سويات" ال هدن ًا" وب�شروط النظام وحده‪ ،‬ويتم�سك ثوار داريا‬ ‫ٍ‬ ‫ب�شرطني �أ�سا�سيني‪ ،‬هما‪ :‬الإفراج عن جميع املعتقلني‪ ،‬وان�سحاب‬ ‫اجلي�ش من املدينة‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫وبكل الأحوال ما مل توجد �إ�سرتاتيجي ٌة عام ٌة يتفق عليها‬ ‫الثوار وكيانات املعار�ضة ال�سيا�سية ملواجهة �أهداف النظام‬ ‫وخمططاته التي ي�سعى لتمريرها عرب "امل�صاحلات الوطنية"‪،‬‬ ‫ف�إن �شيئ ًا �إيجابي ًا لن يتحقق عربها‪ ،‬و�سيظل النظام فاع ًال فيما‬ ‫تكتفي الثورة وممثلوها بردود الفعل‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫مقاالت‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫قسوة داعش‪ ..‬وقسوة العالم‬ ‫ماهر مسعود‬

‫من ال�صحيح �أن املوت واحد‪ ،‬ولكن‬ ‫�أيهما �أق�سى‪� ،‬أن تطعن بخنجر �أو‬ ‫تقتل بر�صا�صة؟‪ .‬يجيب الر�أي العام‬ ‫و"احل�س امل�شرتك" ب�أن املوت بطعنة‬ ‫خنجر �أق�سى و�أكرث فظاعة من املوت‬ ‫بر�صا�صة‪ .‬وعليه ميكن اعتبار الق�سوة‬ ‫من النوع الأول ق�سوة ح�سية م�شخ�صة‪،‬‬ ‫بينما ق�سوة النوع الثاين هي ق�سوة‬ ‫جمردة‪.‬‬ ‫الق�سوة احل�سية هي �شعورك باقرتاف‬ ‫اليدين للمجزرة‪� ،‬شعورك ب�آالم‬ ‫ال�ضحية و"متعتك" ال�سادية بذبحه‪،‬‬ ‫واندماجك معه بطعم الدم‪ ،‬عودتك‬ ‫الثقيلة للرببرية والهمجية والبدائية‪.‬‬ ‫بينما تكون الق�سوة املجردة بانف�صالك‬ ‫�شبه املطلق عن ال�ضحية‪ ،‬فتطلق‬ ‫ال�صاروخ و�أنت تدخن �سيجارة‪� ،‬أو‬ ‫ترتكب املجزرة بكب�سة زر‪ ،‬تقتل دون‬ ‫�أدنى �شعور بت�أنيب ال�ضمري ومتار�س‬ ‫حياتك ك�أن �شيئ ًا مل يكن‪ ،‬تعطي �أمر ًا‬ ‫ب�إبادة حي �أو قرية و�أنت ت�ضحك‪،‬‬ ‫ثم ترتدي ياقتك وتخرج مع عائلتك‬ ‫و�أطفالك لزيارة �أطفال الآخرين‬ ‫اليتامى يف املالجئ‪ ،‬وتك ِّرم بعدها‬ ‫�أبناء ال�شهداء الذين قتلوا ب�أمرك دون‬ ‫�أن تراهم‪.‬‬ ‫يخطب �أبو بكر البغدادي "خليفة‬ ‫امل�سلمني" اجلديد بجدية وا�ضحة‬ ‫ووجه متجهم‪ ،‬بينما يقوم جنوده‬ ‫"املُ َ‬ ‫�صطفني"؛ الذين كانوا رفاق ًا له‬ ‫يف �أيام القتال الأوىل‪ ،‬بقطع الر�ؤو�س‬ ‫وتعليقها فوق �أ�سيجة احلدائق‪ ،‬و�صلب‬

‫"املف�سدين" وتعليقهم يف ال�ساحات‪ ،‬ورجم الن�ساء "املح�صنات" بعد خروجهن عن‬ ‫احل�صن املنيع للزواج اله�ش‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بينما يخطب الرئي�س ال�سوري بطريقة ثقافوية �أكرث ليونة و�أقل جت ّهما‪ ،‬دون �أن تخلو‬ ‫"املحا�ضرة" من روح الدعابة وال�سخرية وال�ضحك‪ ،‬يف الوقت الذي ت�ضرب قواته‬ ‫امل�أمورة ب�أمره؛ لكن املعتادة على "الأخطاء الفردية"‪ ،‬الرباميل املتفجرة على املدنيني‬ ‫من "قليلي الرتبية"‪ ،‬وتقتل الأطفال "املخطوفني من ال�ساحل" بال�سالح الكيماوي‪،‬‬ ‫ويغت�صب �سجانوه الن�ساء املح�صنات وغري املح�صنات �سر ًا وبال م�شهد ّية‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي يت�سلى عنا�صر الأمن يف �أوقات فراغهم بقتل املعتقلني يف �أقبية ال�سجون‪ ،‬بعيد ًا‬ ‫عن �أعني النا�س وحوا�س امل�شاهدين يف �سوريا والعامل‪.‬‬ ‫كان النظام قد زرع يف ال�سوريني هذا النوع من الق�سوة املجردة واالنف�صال الأخالقي‬ ‫عن امل�شكالت التي تعرتيهم �أو تخ�ص بلدهم‪ ،‬عرب حتويل م�شاعرهم اخلا�صة �إىل نوع‬ ‫من ال�سيا�سة واحل�سابات ال�سيا�سية‪ ،‬فقد انت�شرت جد ًا‪ ،‬ال�سيما يف العام الأول للثورة‪،‬‬ ‫عبارات من نوع "بالها درعا‪� ،‬أو بالها حم�ص‪� ،‬أو لتتحول حم�ص ملزرعة بطاطا‪..‬‬ ‫الخ"‪ ،‬فما يحدث يف �سوريا ويف غري مكان من العامل مل يكن ليعني جميع ال�سوريني‬ ‫بو�صفهم "�شعب"‪ ،‬وذلك ال لأنهم غري معنيني �إن�ساني ًا و�أخالقي ًا "بالآخر" فح�سب‪ ،‬بل‬ ‫لأن اندفاعهم �شبه الغريزي يف الفرتة الطويلة للتدجني البعثي كان يتجه فورا للبحث‬ ‫عن تربيرات الظلم‪ ،‬بدل نقده و�إدانته وحماولة تغيريه‪ ،‬وبالتايل ال�شعور بامل�س�ؤولية‬ ‫الأخالقية عن منع وقوعه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رمبا يت�ساءل ال�سوري الغارق يف �ضياعه اليوم‪ ،‬ملاذا نخاف مقاتال يحمل ت�صورات‬ ‫بدائية عن العامل‪ ،‬ويت�صرف بطريقة بدائية وجنون قهري‪ ،‬فيلتقط �صورة لنف�سه‬ ‫وهو يحمل ر�أ�س ب�شري مقطوع �أو ي�أكل قلب رجل يراه عدو ًا يف املعركة‪ ،‬ويقل خوفنا‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫عندما نرى مقات ًال يف جي�ش نظامي‪� ،‬ألي�س لأن هذا الأخري‬ ‫هو ابن م�ؤ�س�سة منظمة وهرمية و"ح�ضارية"؟‪ .‬ح�سن ًا لنقل‬ ‫�أن العقالنية داع�ش تتجلى يف القتل املبني على �أ�س�س �شرعية‬ ‫مل يعد �أي من تلك الأ�س�س �شرعي ًا �أو قانوني ًا قيا�س ًا باحل�ضارة‬ ‫واملحرز الب�شري‪ ،‬كقتل النا�س بهمجية ال�سيف والعمليات‬ ‫االنتحارية‪ ،‬وهو قت ٌل خارج قوانني احلرب املعا�صرة وم�ؤ�س�سة‬ ‫اجلي�ش التابعة لكيان عقالين هو الدولة‪� ،‬ألي�س املفرو�ض بتلك‬ ‫الدولة �أن حتكم بالقانون املو�ضوعي قيا�س ًا ب�أفرادها‪ ،‬وحتتكم‬ ‫للقانون الدويل قيا�س ًا بالعامل؟‪ .‬ولكن ماذا عندما ت�صبح الدولة‬ ‫ككل هي كيان العقالين وال م�ؤ�س�ساتي وغري خا�ضع للقانون‪ ،‬ال‬ ‫باملعنى الداخلي وال الدويل‪ ،‬وعندما ي�صبح جي�شها هو م�ؤ�س�سة‬ ‫لقتل �أفرادها بالرباميل املتفجرة‪ ،‬وم�ؤ�س�سة "للتعفي�ش" و�سرقة‬ ‫بيوت املدنيني املهجورة‪ ،‬وماذا عندما يكون العامل �شريك ًا لهذه‬ ‫الدولة وقاب ًال لوجودها ومعرتف ًا ب�شرعيتها‪ ،‬وعندما يكون العامل‬ ‫�شريك ًا بالقهر والالمعقول الذي ي�صيبنا!‪.‬‬ ‫لنقل بو�ضوح‪ ،‬خارج الن�سبية التي عممها نظام البعث‪ ،‬والال‬ ‫�أدريون يف ال�سيا�سة‪ ،‬ومثقفي ال�سلطة والي�سار املهزوم‪� :‬إنه‬ ‫بغ�ض النظر عن عدالة ق�ضيتنا‪ ،‬وهي عادلة‪ ،‬ف�إن ال�سوريون‬

‫مقاالت‬

‫‪7‬‬

‫اليوم مل يعودوا لي�أملوا من العامل الوقوف مع العدل‪ ،‬هذا �أكرب‬ ‫من �أحالمنا‪ ،‬بل الوقوف �ضد الطغيان على ما هو عادل لي�س �إال‪،‬‬ ‫الطغيان وقد بات �إرهاب ًا ال معقو ًال يهدد �أب�سط �شروط العي�ش‬ ‫واحلق يف العي�ش‪ ،‬الطغيان با�سم احل�ضارة و�أدوات احل�ضارة‬ ‫على �أب�سط مكت�سبات احل�ضارة ذاتها‪� ،‬أي احلق يف احلياة‬ ‫واحلرية‪ ،‬واحلق يف ال�صحة والتعليم وتربية الأطفال‪ ،‬احلق يف‬ ‫تقرير امل�صري خارج الرباميل والكيماوي وال�سكود وقطع الر�ؤو�س‬ ‫ورجم الن�ساء واملوت حتت التعذيب‪.‬‬ ‫غالب ًا ما نرى �أن اخلوف املحلي والرهبة العاملية من ال�صور‬ ‫الداع�شية‪ ،‬لي�ست �سوى اخلوف من البدائية القابعة يف كل م ّنا‪،‬‬ ‫اخلوف من قلب ال�صورة املجردة لق�سوتنا‪ ،‬مما يع ّرينا ويعطينا‬ ‫مر�آة عاك�سة حلقيقتنا وزيف الق�شرة احل�ضارية التي نتلطى‬ ‫خلفها هرب ًا من تلك احلقيقة‪.‬‬ ‫داع�ش هي مر�آة تخاذلنا‪ ،‬وتخاذل العامل املعا�صر �أمام قيمه‬ ‫التي بنت حداثته ومعا�صرته‪ ،‬و�أمام اخلط الأدنى للإن�سانية‬ ‫الذي دنت حتته ال�سلطة الالمعقولة يف �سوريا‪ ،‬وجعلت من‬ ‫ال معقوله واقع ًا عادي ًا رغم جتاوزه مل�ؤلفات الرعب وخياالت‬ ‫العذاب واملوت املكرر يف جحيم الق�ص�ص الديني والأ�سطوري‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫تحقيقات‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫اإلدارة الرباغماتية لداعش‬ ‫تستقطب الناس للهجرة إليها‬ ‫رامي العاشق‬ ‫يهاجر عدد من ال�شباب ال�سوريني من‬ ‫املناطق التي ت�سيطر عليها قوات املعار�ضة‬ ‫ال�سورية يوم ّيا باجتاه والية الر ّقة ‪-‬ح�سب‬ ‫تق�سيمات الدولة الإ�سالمية "داع�ش"‪ -‬بح ًثا‬ ‫عن العمل‪ ،‬بعد �أن �صدموا بوعود مل تط ّبق‬ ‫ن�صت على ت�أمني �آالف‬ ‫من احلكومة امل�ؤقتة ّ‬ ‫الوظائف يف الداخل ال�سوري‪ ،‬وذهبت ج ّلها‬ ‫لأقارب الوزراء وموظفي احلكومة يف عنتاب‬ ‫بح�سب نا�شطني عانوا من هذه احلالة‪.‬‬ ‫يقول نور الدين النا�شط ال�سيا�سي الذي‬ ‫يتنقّل دائ ًما بني تركيا واملناطق املحررة‪�« :‬إن‬ ‫كل ما يجري هو انعكا�س لوجود �أ�شخا�ص‬ ‫�أم ّيني يف وظائف حتتاج ل�شهادات علم ّية‪،‬‬ ‫املح�سوبية وال�شللية ما تزال كما لو كنا يف‬ ‫عهد الأ�سد‪ ،‬ترك الكفاءات العلمية تواجه‬ ‫م�صريها يف الهجرة �إىل داع�ش‪� ،‬أورو ّبا‪،‬‬ ‫�أو �إىل النظام ‪�-‬إن مل يكن �أحدهم مطلو ًبا‪-‬‬ ‫هذا كله تتح ّمل م�س�ؤوليته احلكومة امل�ؤقتة»‪.‬‬ ‫�سكن وراتب لالجئني �إىل داع�ش‪:‬‬ ‫مبج ّرد و�صولك �إىل الر ّقة وانتمائك �إىل هذه‬ ‫الدولة القائمة‪ ،‬حت�صل على �سكن و‪$ 100‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل مرتّبك ال�شهري الذي تعمل به‬ ‫هناك‪ ،‬يع ّلق النا�شط الإعالمي (ر‪�.‬س)‪:‬‬ ‫«هذا الأمر ينطبق على مبايعي الدولة‪ ،‬ال‬‫�شيء يلزمهم يف القتال‪� ،‬إال �أن الأمر يكمن‬ ‫متاما ك�أن تكون ن�ص ًريا يف‬ ‫يف االنتماء‪ً ،‬‬ ‫حزب البعث �أو ع�ض ًوا عاملاً »‪.‬‬ ‫ي�ضيف "�سامل" املهاجر م�ؤخ ًرا �إىل الر ّقة مع‬

‫عائلته‪:‬‬ ‫ «تعمل داع�ش بطريقة ممنهجة‪ ،‬تبد�أ ب�إرهاب النا�س لتثبيت حكمها ثم حت ّول العمل‬‫يف مناطقها �إىل عمل م�ؤ�س�ساتي بعقلية براغمات ّية‪ ،‬تبد�أ بتغيري �إدارة املنطقة‪ ،‬وتنتهي‬ ‫موحدة‪ّ ،‬‬ ‫نظموا الكهرباء حتى �أ�صبحت ت�صل �إىل كل املناطق بعدل‬ ‫بحاويات قمامة ّ‬ ‫وعينوا للكهرباء �أم ًريا فرن�س ًيا من �أ�صول جزائرية يحمل �شهادة دكتوراه يف هند�سة‬ ‫اخلا�صة وجعلوا لها ح�صة من الطحني لتخفيف �أزمة اخلبز‪،‬‬ ‫الكهرباء‪ ،‬فتحوا الأفران‬ ‫ّ‬ ‫متاما يف مناطقهم‪ ،‬كل ما ت�سمعه �أو تراه هو جمرد مرحلة‬ ‫املظاهر امل�س ّلحة ممنوعة ً‬ ‫م�ؤقتة لرتهيب النا�س ون�شر حالة �إعالمية تفيد خمططهم‪ ،‬وباملنا�سبة‪ ،‬هم ال يعدمون‬ ‫�أحدًا يف منطقته‪ ،‬ابن منبج ُيعدم يف الرقة وابن الرقة يف الباب‪ ،‬نعم هم وحو�ش‬ ‫م�شروعا ي�سعون �إليه‪ ،‬وهذا ما ال متتلكه املعار�ضة ال�سورية»‪.‬‬ ‫لكنهم ميتلكون‬ ‫ً‬ ‫داع�ش بخري‪.‬‬ ‫مهند�س �سوري‪ ،‬يحمل �شهادة ماج�ستري يف الهند�سة‪ ،‬و�صل �إىل الرقة منذ يومني‪،‬‬ ‫�أول تعليق له كان‪:‬‬ ‫ «احلمد هلل �أقوم بجولة ب�سيارتي يف الرقة وغدًا �س�أذهب �إىل دير الزور‪ ،‬الو�ضع‬‫جيد جدًا نظام رائع �شبيه بالعا�صمة قبل الثورة! ال�ساعة الثانية بعد منت�صف الليل‪،‬‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫والأ�سواق مفتوحة‪ ،‬الأطفال يف الطرقات ك�أ ّنك يف �شارع احلمرا»‬ ‫يتحدّث الكثري من ال�شباب يف املناطق املحررة ومناطق اللجوء‬ ‫عن �ضياع م�ستقبلهم‪ ،‬وال �سبيل لديهم �سوى الهجرة �إىل �أي‬ ‫مكان يو ّفر لهم العي�ش‪ ،‬لذلك جل�أ بع�ض رجال الأعمال �إىل‬ ‫افتتاح معامل جديدة يف الرقة‪ ،‬ويرجع �أبو حممد الذي يعمل يف‬ ‫�أحد هذه املعامل ال�سبب �إىل اقت�صاد الرقة القوي وعدد ال�سكان‬ ‫الكبري وتو ّفر و�سائل احلياة فيها‪ ،‬وي�ضيف‪:‬‬ ‫ «طاملا �أنت �ضمن حدود الدين الإ�سالمي وال تتجاوز‪ ،‬ف�أنت‬‫بخري»‪.‬‬ ‫من الن�صرة �إىل الدولة‬ ‫"املهاجرون" التعبري الإ�سالمي عن املقاتلني الأجانب الذين‬ ‫�أتوا للجهاد يف �سوريا انق�سموا بني جبهة الن�صرة وتنظيم‬ ‫الدولة‪ ،‬ان�شقّ الكثري منهم عن الن�صرة وان�ض ّموا للدولة ب�سبب‬ ‫"عدم تطبيق ال�شريعة ووجود ل�صو�ص وقطاع طرق فيها" بح�سب‬ ‫الدكتور �أبو خالد الطبيب امليداين الذي يعمل يف امل�ست�شفى‬ ‫الوطني يف الرقة‪ ،‬ويتابع‪:‬‬ ‫ «كذلك الأمر بالن�سبة لف�صائل اجلي�ش احلر‪ ،‬فالكثري منهم‬‫من خلفية �سلف ّية جهاد ّية وق ّد �سئموا من كذب �أحرار ال�شام‬ ‫خا�صة بعد معركة‬ ‫وغريها‪ ،‬والدولة الإ�سالمية تنا�سب فكرهم ّ‬ ‫ك�سب التي قتل فيها ‪ 500‬جماهد من الن�صرة �أي �أ ّنهم فهموا‬ ‫م�شروعا حقيق ّيا يتنا�سب‬ ‫اللعبة‪ ،‬كما �أنهم يعتربون م�شروع الدولة‬ ‫ً‬ ‫مع توجهاتهم»‪.‬‬ ‫يرى الدكتور �أن م�شروع التق�سيم قائم حال ًّيا بال�سيا�سة التي‬ ‫يتبعها الأ�سد ونظامه‪ ،‬وت�أ ّكد من ذلك بعد �أن قررت تركيا �إدخال‬ ‫امل�ساعدات �إىل املناطق املحررة‪ ،‬بذلك �أ�صبحت �سوريا عبارة عن‬ ‫دولتني �إ�ضافة لدولة اخلالفة!‬ ‫�إدارة براغمات ّية مل�ؤ�س�سات الدولة!‬ ‫يتّفق �سامل مع الدكتور على عقل ّية �إدارة املنطقة الرباغماتية‪� ،‬إال‬ ‫�أن الدكتور يدخل يف التفا�صيل‪:‬‬ ‫ «�إدارة امل�شفى الوطني هي اجلناح الط ّبي للدولة‪ ،‬جميعهم‬‫برناجما حمددًا للمناوبات ّ‬ ‫ونظموه وو�ضعوا قانون‬ ‫�أط ّباء‪ ،‬و�ضعوا‬ ‫ً‬ ‫عقوبات‪ ،‬بينما �أحرار ال�شام كانت تدير امللف الطبي بف�صيل‬ ‫ع�سكري و�صل به الأمر مرة ل�ضرب الأط ّباء! �سيطرت الدولة على‬ ‫امل�شفى وعزلت مديره الدكتور عادل حاج ح�سن‪ ،‬وع ّينوا فج�أة‬ ‫الدكتور �صالح عقيلي وهو من الأطباء املبايعني وعليه العديد من‬ ‫�إ�شارات اال�ستفهام �إحداها �أن زوجته علو ّية‪ ،‬و�أحد �أقاربه �ضابط‬

‫تحقيقات‬

‫‪9‬‬

‫كبري يف النظام‪ ،‬عزلت الدولة �أمري الطبية ال�سابق "�أبو حممد"‬ ‫الذي ا�ست�شهد منذ يومني مبعركة حترير الفرقة ‪ ،17‬قال يل‬ ‫�ساب ًقا �إن فكر الدولة مل يكن مت�أ�صال يف نف�سه»‪.‬‬ ‫متع�صبون �أكرث‬ ‫�أبناء البلد ّ‬ ‫افتتحت الدولة مكت ًبا لال�ستف�سار عن املعتقلني لديها‪ ،‬مه ّمته �أن‬ ‫يقول‪� :‬إن ال�شخ�ص الذي ت�س�أل عنه لي�س لدينا‪� ،‬أو �أن يقول‪ :‬ارفع‬ ‫بيتَ ِ�شعر (خيمة) وافتح عزا ًء له! يقول الدكتور‪:‬‬ ‫ «�إن هذا فكر القاعدة‪ ،‬ومل نكن نتوقع منهم �أف�ضل‪ ،‬فر�ضوا‬‫النقاب ومنعوا التدخني والتجارة بالتبغ‪ ،‬وهذا جعل حالة ت�صادم‬ ‫مع النا�س هنا‪ ،‬ثم �أ�صبح يعتمد على ال�صدفة‪ ،‬قد ي�أتيك رجل‬ ‫يتحدث معك ب�أدب �إن كنت خمال ًفا ‪-‬وه�ؤالء غال ًبا من املهاجرين‪-‬‬ ‫وقد ي�أتيك رجل يهينك وميار�س عليك �أب�شع �أنواع الإذالل وهذا‬ ‫غال ًبا من الأن�صار �أي �أبناء البلد»‬ ‫ي�ؤكد �أبو خالد �أن الدولة �أنقذت جبهة الن�صرة عندما حو�صرت‬ ‫يف معركة ال�ساحل‪� ،‬إال �أن التنظيمني اقتتال يف دير الزور لأنها‬ ‫منطقة �آبار نفط‪ ،‬ويرى �أن ا�ستمرار احلال على هذا ال�شكل يعني‬ ‫بال�ضرورة خيار التق�سيم وقيام دولة القاعدة ب�شكلها احلقيقي‬ ‫على الأرا�ضي التي ت�سيطر عليها‪.‬‬ ‫يتّفق كل الذين حتدّثوا �إلينا على حتميل املعار�ضة ال�سور ّية‬ ‫امل�س�ؤولية فيما و�صل �إليه احلال ويرون �أن من ي�أتي �إىل الر ّقة ي�أتي‬ ‫ليعي�ش‪ ،‬وهنا تتو ّفر و�سائل العي�ش‪ ،‬قد ال تتو ّفر احلرية والكرامة‬ ‫التي خرجت الثورة لأجلها‪ � ،‬اّإل �أن اخلبز والأمان الن�سبي متو ّفر‬ ‫لأطفالهم‪ ،‬وهذا ما اعتربه الإعالمي (ر‪� .‬س) م�صيب ًة �إذ قال‪:‬‬ ‫«�أ�صحاب نظر ّية "بدنا نعي�ش" ي�ساهمون يف توطيد حكم القاعدة‬ ‫كما �ساهموا �ساب ًقا بتوطيد حكم الأ�سد»‪ ،‬وهذا يتقاطع مع ما كتبته‬ ‫النا�شطة خولة دنيا على �صفحتها‪« :‬الدعاية الداع�شية املتقنة‬ ‫تقدم الدولة الإ�سالمية باعتبارها املدينة الفا�ضلة‪ ،‬لكل الراغبني‬ ‫يف جتربة العي�ش يف كنف الإ�سالم‪ ،‬فيتقاطر الراغبون بها من كل‬ ‫حدب و�صوب ليعي�شوا هذه التجربة التي جتمع يف �صورة واحدة‬ ‫ٍ‬ ‫بني منتجات احلداثة‪ ،‬وفكر املا�ضي وت�شريعاته‪ ،‬ت�ستقطب هذه‬ ‫التجربة كذلك كل اخلارجني عن القانون يف العامل‪ ،‬وكل الراغبني‬ ‫باخلروج عليه‪ ،‬كما كل املجرمني الذين يريدون ممار�سة �إجرامهم‬ ‫بعيدًا عن حما�سبة القانون ورقابته‪.‬امل�شكلة يف نا�سنا‪� ،‬أن كثريين‬ ‫مازالوا ينظرون لهذا كله على مبد�أ‪ :‬مات اخلليفة‪� ،‬أدعو للخليفة‬ ‫اجلديد يف اجلوامع!»‪.‬‬


‫‪10‬‬

‫لقاءات‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫رابطة الصحفيني السوريني‪ ..‬بني الواقع واملأمول‬ ‫ليلى الصفدي‬

‫ت�سعى رابطة ال�صحفيني ال�سوريني لل�سري قدم ًا على طريق‬ ‫امل�أ�س�سة‪ ،‬ويف هذا ال�سياق نظمت الرابطة خالل الأيام املا�ضية‬ ‫انتخابات جديدة وجدية الختيار رئي�سها وهيئتها الإدارية‪.‬‬ ‫ومثلها مثل غالبية امل�ؤ�س�سات التي ن�ش�أت عقب الثورة تعر�ضت‬ ‫الرابطة للعديد من الهزات واالنتقادات واالتهامات بال�شللية‬ ‫وغريها‪� ..‬إال �أن االنتخابات الأخرية والتي �شارك بها ما يزيد‬ ‫عن ‪ 50%‬من الأع�ضاء كانت مر�ضية على ما يبدو حتى الآن‬ ‫وذلك رغم بع�ض االن�سحابات من الهيئة املنتخبة والتي �أ�شاد‬ ‫بها عديدون واعتربوها تعبري ًا عن ثقافة جديدة ترت�ضي‬ ‫التنازل عن املنا�صب �إف�ساح ًا باملجال للطاقات اجلديدة‬ ‫وال�شابة‪.‬‬ ‫�إال �أن ال�س�ؤال الأهم يبقى حول �إجنازات الرابطة الفعلية‬ ‫حتى اليوم‪ ،‬الرابطة التي ت�أ�س�ست بتاريخ ‪� 20‬شباط ‪2012‬‬ ‫بعد ما يقارب العام من �إنطالق الثورة ال�سورية‪ ..‬ماذا‬ ‫قدمت لل�صحفيني ال�سوريني‪ ..‬لل�صحافة اجلديدة‪ ..‬وللق�ضية‬ ‫ال�سورية عموم ًا‪..‬؟ يف هذا ال�سياق يجيب ال�سيد "حممد‬ ‫فتوح" وهو الذي �شغل من�صب �أمني �س ّر الرابطة خالل الفرتة‬ ‫املا�ضية‪ ،‬و�أحد �أع�ضاء الهيئة الإدارية املنتخبة‪:‬‬ ‫"من حيث املبد�أ‪ ،‬متثل الرابطة �أو�سع �إطار يجمع‬ ‫ال�صحفيني املحرتفني امل�ؤيدين للثورة ال�سورية‪ .‬وهو بحد‬ ‫ذاته �إجناز لل�صحافة ال�سورية‪ ،‬حيث متكنت الرابطة من‬ ‫تكوين نواة جلمع ال�صحفيني ال�سوريني املنت�شرين حول العامل‪،‬‬

‫وبالتايل �إيجاد فر�صة للتن�سيق بينهم حول الق�ضايا ال�سورية‪،‬‬ ‫وفتح املجال �أمام بلورة جهود من�سقة بني ه�ؤالء ال�صحفيني‬ ‫خدمة لق�ضايا بالدهم‪ .‬عالوة على ذلك‪� ،‬شكلت الرابطة نقطة‬ ‫ات�صال تلج�أ �إليها امل�ؤ�س�سات الإعالمية وال�صحفيون (�سواء‬ ‫كان عرب �إدارة الرابطة �أم عرب �أع�ضائها من خالل امل�ساحات‬ ‫التي توفرها الرابطة للتوا�صل بني الأع�ضاء) للم�ساعدة يف‬ ‫ت�أمني �ضيوف للحديث حول ق�ضايا حمددة يف ال�ش�أن ال�سوري‪،‬‬ ‫�أو احل�صول على معلومات و�إح�صائيات حول ال�ش�أن الإعالمي‬ ‫يف �سورية"‪.‬‬ ‫وي�ضيف ال�سيد فتوح‪" :‬لقد �ساهمت الرابطة يف الت�شجيع‬ ‫على �صياغة مواثيق �شرف للعاملني يف ال�صحافة‪� ،‬سواء كانوا‬ ‫�صحفيني حمرتفني �أو ن�شطاء �إعالميني‪ .‬وعالوة على ميثاق‬ ‫ال�شرف ال�صحفي اخلا�ص بالرابطة‪ ،‬والذي حاز على ثناء‬ ‫م�س�ؤولني يف نقابات �أوروبية‪� ،‬ساهمت الرابطة يف �صياغة ميثاق‬ ‫�شرف وقعته ع�شرات من التن�سيقيات الإعالمية يف �سورية‪ .‬كما‬ ‫�أن الرابطة طرف �أ�سا�سي يف �سل�سلة ور�ش عمل تعقد حالي ًا‬ ‫ل�صياغة ميثاق �شرف ي�ضم م�ؤ�س�سات �إعالمية يف �سورية"‪.‬‬ ‫وعن م�ساهمة الرابطة الفعلية يف حماولة حماية ال�صحفيني‬ ‫والنا�شطني الإعالميني العاملني داخل �سوريا من الوا�ضح �أن‬ ‫الرابطة مل ت�ستطع فعل الكثري �ضمن �أجواء دولية‪ ،‬ر�سمية‬ ‫و�شعبية‪ ،‬ال مبالية‪ ..‬بل وقا�سية‪ ،‬وعلى هذا ف�إن دورها قد‬ ‫اقت�صر على الر�صد والتوثيق‪ ،‬يقول فتوح‪:‬‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫ "�ساهمت الرابطة يف ر�صد االنتهاكات �ض ّد الإعالم‬‫والإعالميني يف �سورية عرب جلنة احلريات خالل الفرتة‬ ‫املا�ضية‪ .‬وقد �أ�س�ست م�ؤخر ًا مركز ًا للحريات الإعالمية يعمل‬ ‫فيه ثالثة باحثني يف غازي عنتاب‪� ،‬سيكون مبثابة نقطة حتول‬ ‫يف ن�شاط الرابطة بهذا ال�سياق‪ ،‬لأنه للمرة الأوىل �أ�صبح لدى‬ ‫الرابطة باحثون متفرغون لهذا الأمر‪ .‬وقد عقدت الرابطة‬ ‫عدة ور�شات تدريبية ل�صحفيني ونا�شطني من داخل �سورية‬ ‫وخارجها حول ق�ضايا �أمنهم ال�شخ�صي واملعلوماتي‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل م�س�ألة توثيق االنتهاكات التي ت�ستهدف ال�صحفيني‪ .‬كما‬ ‫تدير الرابطة ور�شة عمل مفتوحة على االنرتنت تقدم الن�صح‬ ‫والدعم لل�صحفيني ال�شبان‪ ،‬ب�إ�شراف جلنة التدريب والتطوير‬ ‫املهني يف الرابطة‪ .‬كما �ساهمت الرابطة يف التعريف بواقع‬ ‫العمل الإعالمي وخماطره يف �سورية عرب توا�صلها وم�شاركاتها‬ ‫يف و�سائل الإعالم واملحطات التلفزيونية"‪.‬‬ ‫افتتحت الرابطة م�ؤخر ًا مكتب ًا يف مدينة غازي عنتاب الرتكية‬ ‫املحاذية للحدود ال�سورية وذلك بهدف تعزيز توا�صلها املبا�شر‬ ‫مع الداخل ال�سوري كما يقول ال�سيد فتوح‪ ،‬وكانت ت�سعى الفتتاح‬ ‫مكتب داخل �سورية �إال �أن تطورات الو�ضع الأمني ال �سيما بعد‬ ‫�سيطرة تنظيم "الدولة الإ�سالمية" (داع�ش) وتغلغلها يف‬ ‫املناطق املحررة دفع لت�أجيل الفكرة‪.‬‬ ‫من البديهي �أن حتاول الرابطة منذ ن�ش�أتها م�ساعدة‬ ‫ال�صحفيني ال�سوريني املنت�شرين يف �أنحاء العامل والأخذ‬ ‫بيدهم نحو التدريب والتوظيف الالئق يف امل�ؤ�س�سات الإعالمية‬ ‫املختلفة �إال �أن دورها ال زال مقت�صر ًا يف هذا املجال على‬ ‫التعارف والعالقات ال�شخ�صية املتبادلة بني اع�ضائها‪ ،‬يقول‬ ‫فتوح‪" :‬بالرغم من �أن الرابطة مل توظف �سوى ‪ 5‬من �أع�ضائها‬ ‫(بدوام جزئي �أو كلي) لأعمالها‪� ،‬إال �أنها يف املقابل �أتاحت‬ ‫الفر�صة �أمام الأع�ضاء لطرح خرباتهم وبالتايل �إمكانية‬ ‫الو�صول �إىل فر�ص العمل املتاحة يف امل�ؤ�س�سات التي يعمل فيها‬ ‫زمال�ؤهم‪ ،‬كما ت�سعى الرابطة لتو�سيع نطاق التدريب لتغطي‬ ‫جماالت متخ�ص�صة يف ال�صحافة"‪.‬‬ ‫�أما على م�ستوى الق�ضية ال�سورية الكربى فيقول فتوح "ان‬ ‫الرابطة تعترب نف�سها جزءا من منظومة الثورة ال�سورية‪ ،‬وقد‬ ‫ا�ستغلت كل الفر�ص املتاحة �أمامها للتعريف بالق�ضية ال�سورية‬ ‫على الأقل عرب مدخل ال�ش�أن الإعالمي‪ ..،‬وقد �ساعدت‬ ‫الرابطة يف الوقوف يف وجه احلمالت الإعالمية (يف و�سائل‬

‫لقاءات‬

‫‪11‬‬

‫الإعالم امل�صرية واللبنانية ب�شكل خا�ص) �ضد ال�سوريني‪.‬‬ ‫كما تتوىل الرابطة ر�صد كيفية تغطية و�سائل الإعالم الكربى‬ ‫لل�ش�أن ال�سوري وقد �سبق �أن �أر�سلت عدة ر�سائل ملحطات عديدة‬ ‫حول تغطيتها غري املقبولة بهذا ال�صدد"‪ .‬ويختم ال�سيد فتوح‬ ‫حديثه بالقول‪" :‬مل ت�صل الرابطة لتحقيق جميع الأهداف‬ ‫امل�أمولة ب�سبب �ضعف الإمكانيات املالية‪ ،‬حيث مل يكن لديها‬ ‫�أي مورد مايل خالل �سنتني تقريبا من عمرها‪ ،‬وقد �أن�ش�أت‬ ‫موقعها االلكرتوين بتربعات طوعية من بع�ض �أع�ضائها‪ .‬كما �أن‬ ‫الرابطة مل ت�ستطع حتى الآن تفعيل �آليات حت�صيل ا�شرتاكات‬ ‫مالية من �أع�ضائها ب�سبب عدم متكنها من فتح ح�ساب بنكي‬ ‫(لأ�سباب تخ�ص البنوك) رغم �أن الرابطة م�سجلة يف فرن�سا"‪.‬‬ ‫قد يرى البع�ض �أن على الرابطة وعلى ال�صحفيني ال�سوريني‬ ‫عموم ًا تقع م�س�ؤولية كربى يف ن�شر املعاناة ال�سورية وحتريك‬ ‫ال�شارع ال�شعبي وم�ؤ�س�سات املجتمع املدين ت�ضامن ُا مع‬ ‫ال�سوريني‪ ،‬فالأمل ال�سوري الذي فاق حدود الت�صور مل تواكبه‬ ‫مظاهرة �شعبية واحدة يف �أي بقعة من العامل �أ�سوة بغزة على‬ ‫�سبيل املثال‪ ،‬ومل حترك م�ؤ�س�سات ال�صحافة العاملية �ساكن ًا �ضد‬ ‫قتل مئات ال�صحفيني والنا�شطني الإعالميني �أمام عد�سات‬ ‫الكامريا‪ ،‬ومل يهزها قتل الآالف من املعتقلني املقيدين بدم‬ ‫بارد‪ ..‬تعذيب ًا و�سح ًال وجتويع ًا‪..‬‬ ‫�إال �أن هذا احلكم الرائج ال ينطبق على الرابطة وحدها �إمنا‬ ‫على كافة امل�ؤ�س�سات والتنظيمات ال�سورية املدنية وال�سيا�سية‬ ‫يف اخلارج‪ ،‬والتي ال زالت تتذرع‪ ،‬رمبا بحق‪ ،‬بحداثة عهدها‬ ‫ّ‬ ‫وبت�صخر ال�ضمري العاملي‪ .‬رمبا على ال�سوريني وم�ؤ�س�ساتهم‬ ‫الثورية اجلديدة العمل �أكرث‪ ،‬ورمبا يحتاج العامل �أي�ض ًا لربيع‬ ‫�آخر لإعادة االعتبار لعقله و�ضمريه وقيمه املن�سية‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫مقاالت‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫انطباعات من الحرب الثالثة على قطاع غزة‬ ‫ماجد كيالي‬ ‫�ش ّنت �إ�سرائيل احلرب على‬ ‫غزة طوال قرابة �شهر كامل‪،‬‬ ‫�أي �أنها طالت �أكرث من حرب‬ ‫الأيام ال�ستة‪ ،‬التي ق�ضمت‬ ‫أرا�ض من ثالثة بلدان‬ ‫فيها � ِ‬ ‫عربية‪ ،‬تزيد عن م�ساحتها‬ ‫ب�أ�ضعاف‪ ،‬ومع ذلك ووجهت‬ ‫مبقاومة غري م�سبوقة‪.‬‬ ‫امل�شكلة‪ ،‬بالن�سبة لإ�سرائيل‪،‬‬ ‫�أن هذه احلرب هي الثالثة‬ ‫من نوعها �ضد الفل�سطينيني‬ ‫يف القطاع‪ ،‬يف �ستة �أعوام‬ ‫(الأوىل �أواخر ‪2008‬‬ ‫والثانية �أواخر ‪)2012‬؛ ما‬ ‫يفيد �أن ه�ؤالء ي�ستع�صون‬ ‫على الك�سر �أو الإخ�ضاع‪،‬‬ ‫و�أنها تعجز �إزاءهم‪.‬‬ ‫اجلدير بالذكر �أن غزة لي�ست امرباطورية‪ ،‬وال دولة قوية‪،‬‬ ‫بل �إنها مكان �صعب للعي�ش‪ ،‬ب�سبب مناخها‪ ،‬وندرة مواردها‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وكثافتها ال�سكانية‪ ،‬زد على ذلك خ�ضوعها حل�صار‬ ‫م�شدد منذ �سبعة �أعوام‪ ،‬مع ا�ستهداف دائم من قبل اجلي�ش‬ ‫الإ�سرائيلي‪ ،‬حتى البحر يكاد يكون حم ّرم ًا على �صيادي غزة!‬ ‫تبلغ م�ساحة القطاع ‪ 360‬كلم‪� 2‬أي ‪ 1.33‬باملئة من فل�سطني‬ ‫الكاملة‪ ،‬و ‪ 6‬باملئة من م�ساحة الدولة الفل�سطينية املفرت�ضة‪،‬‬ ‫وهو على �شكل �شريط �ضيق على ال�ساحل اجلنوبي‪ ،‬طوله ‪41‬‬ ‫كلم وعر�ضه بني ‪ 5‬و‪ 15‬كلم‪ ،‬يقطن فيه مليونا فل�سطيني‬ ‫تقريب ًا‪ ،‬غالبيتهم من الجئي ‪.48‬‬ ‫يف ح�ساب النتائج‪ ،‬فقد جنم عن هذه احلرب الوح�شية‬ ‫والعدوانية‪ ،‬والتي تركزت على املدنيني‪ ،‬م�صرع حوايل‬ ‫‪ 1900‬من الفل�سطينيني‪ ،‬منهم ‪ 400‬طفل‪ ،‬و�إ�صابة حوايل‬

‫ع�شرة �أالف بجروح متفاوتة‪ ،‬علما ان ‪ 80‬باملئة من ال�ضحايا‬ ‫من املدنيني‪ ،‬هذا ا�ضافة �إىل تدمري ع�شرات الوف من املنازل‪،‬‬ ‫وتخريب املرافق العامة‪ ،‬وال ُبني التحتية‪ ،‬و�ضمنها حمطة‬ ‫الكهرباء ومرافق املياه وال�صرف ال�صحي ومدار�س ومن�ش�آت‬ ‫للأونروا‪ .‬باملقابل �أدت هذه احلرب اىل م�صرع ‪� 68‬إ�سرائيليا‬ ‫منهم ‪ 63‬ع�سكريا (بح�سب امل�صادر الإ�سرائيلية) يف حني �أن‬ ‫اح�صائيات املقاومة الفل�سطينية تقدر اخل�سائر ب�ضعف العدد‬ ‫املذكور‪.‬‬ ‫ثمة ثالثة ا�ستنتاجات ميكن ا�ستخال�صها من جممل ال�سيا�سة‬ ‫احلربية الإ�سرائيلية‪� ،‬أولها‪� ،‬أن �إ�سرائيل هذه التي يفرت�ض �أنها‬ ‫ت�أ�س�ست كمالذ �آمن لليهود يف العامل مل تعد كذلك‪� ،‬إذ �إنها باتت‬ ‫�أخطر مكان ميكن ان يتواجد فيه اليهود‪ ،‬ب�سبب ال�سيا�سات‬ ‫التي تنتهجها حكومة �إ�سرائيل‪ ،‬واحلروب العدوانية التي‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫تخو�ضها بني فرتة و�أخرى‪ .‬وثانيها‪� ،‬أن �إ�سرائيل فقدت مكانة‬ ‫ال�ضحية‪ ،‬يف نظر الر�أي العام العاملي‪ ،‬وباتت مبثابة دولة متار�س‬ ‫الإرهاب‪ ،‬وت�سيطر على حياة �شعب �آخر بالقوة‪ ،‬وترتكب جرائم‬ ‫حرب �ضد الفل�سطينيني العزل من ال�سالح‪ .‬وثالثها‪� ،‬أن �صورتها‬ ‫كدولة رادعة‪ ،‬وك�صاحبة اجلي�ش الذي ال يقهر‪ ،‬انح�سرت بدليل‬ ‫خو�ضها حواىل ‪ 14‬حرب ًا منذ قيامها (‪ ،)1948‬و�أنها مل تعد‬ ‫تلك الدولة التي يعتمد عليها كقاعدة حلماية امل�صالح الأمريكية‬ ‫يف امل�شرق العربي‪ ،‬بعد �أن جاءت �صواريخ «باتريوت» الأمريكية‬ ‫حلمايتها من ال�صواريخ العراقية (‪ ،)2001‬وبدليل عدم‬ ‫قدرتها على االحتفاظ ب�أرا�ض حتت �سيطرتها‪ ،‬مع ان�سحابها‬ ‫الأحادي من جنوب لبنان (‪ ،)2000‬وقطاع غزة (‪،)2005‬‬ ‫و�ضمن ذلك �إدراكها خماطر معاودة احتالل غزة‪.‬‬ ‫الواقع �أن هذا امل�سار بد�أ مع االنتفا�ضة الفل�سطينية الأوىل‬ ‫(‪1987‬ـ ‪ ،)1993‬التي طغى عليها طابع الكفاح املدين �ضد‬ ‫�إ�سرائيل بو�صفها �سلطة احتالل‪� ،‬إذ مل تعد �إ�سرائيل يف مكانة‬ ‫الدفاع عن النف�س‪� ،‬ضد �أخطار خارجية‪ ،‬ومل تعد يف مواجهة‬ ‫جيو�ش نظامية‪ .‬وفوق هذا وذاك ف�إن االنتفا�ضة ال�شعبية‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬هي التي � ّأ�س�ست لتغيرّ �صورة �إ�سرائيل‪ ،‬ازاء‬ ‫العامل‪ ،‬ب�إظهارها على حقيقتها كدولة ا�ستعمارية وا�ستيطانية‬ ‫وعن�صرية‪ ،‬ما انعك�س مبزيد من التعاطف مع ق�ضية‬ ‫الفل�سطينيني وحقوقهم‪� ،‬أكرث من �أي وقت م�ضى‪ .‬بل �إن هذه‬ ‫االنتفا�ضة �أ�سهمت يف تغيري �إدراكات الإ�سرائيليني ل�صورتهم‪،‬‬ ‫وعزّزت التناق�ضات يف �صفوفهم حول موا�ضيع �شتى‪ ،‬و�ضمنها‬ ‫حول م�س�ألة الت�سوية مع الفل�سطينيني‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى فقد ر ّوج �صمود غزة‪ ،‬وبطوالت مقاوميها‪،‬‬ ‫النطباعني خاطئني وم�ض ّرين‪� ،‬أولهما‪ ،‬الت�صوير ب�أن حركة‬ ‫“حما�س”‪ ،‬مع باقي الف�صائل‪ ،‬باتت مبثابة جي�ش مع طائرات‬ ‫و�صواريخ‪ ،‬وك�أنها �أ�ضحت ت�شكل قوة موازية للجي�ش الإ�سرائيلي‪.‬‬ ‫والثاين‪� ،‬أن قطاع غزة ب�إمكانه التحول �إىل منطقة‪ ،‬او قاعدة‪،‬‬ ‫ع�سكرية لتحرير فل�سطني‪ .‬طبع ًا النزعة الأوىل غري �صحيحة‪،‬‬ ‫وم�ضللة‪ ،‬وتنطوي على مبالغة رغبوية ال ت�سهم يف تكوين وعي‬ ‫منا�سب لواقع القدرات الفل�سطينية وحمدوديتها‪ ،‬وال يف تكوين‬ ‫�صورة �صحيحة عن قدرات العدو‪� .‬أما النزعة الثانية‪ ،‬فهي حت ّمل‬ ‫قطاع غزة الذي يقطن فيه مليونا فل�سطيني تقريبا‪ ،‬يف ‪ 1.3‬يف‬ ‫املائة من م�ساحة فل�سطني‪� ،‬أو ‪ 6‬يف املائة من م�ساحة الدولة‬

‫مقاالت‬

‫‪13‬‬

‫الفل�سطينية املفرت�ضة‪ ،‬عبء التحرير‪ ،‬وهزمية �إ�سرائيل‪ ،‬علما‬ ‫�أن هذه القطاع حما�صر ويفتقد �إىل املوارد‪ ،‬ويعتمد يف امدادات‬ ‫الكهرباء واملياه والطاقة على الدولة الإ�سرائيلية‪.‬‬ ‫ورمبا ينبغي لفت االنتباه‪� ،‬أي�ضا‪� ،‬إىل �أن هاتني النزعتني‬ ‫“االحتفائيتني” تف�ضيان بدورهما �إىل ا�شاعة توهم مفاده‬ ‫�أن ثمة نوع من التكاف�ؤ بني �إ�سرائيل والفل�سطينيني‪ ،‬ما يرتتب‬ ‫عليه ا�ضعاف ال�صورة عنهم ك�ضحايا‪ ،‬وكم�ست�ضعفني‪ ،‬وبالتايل‬ ‫حجب �صورة �إ�سرائيل باعتبارها دولة ا�ستعمارية وعن�صرية‬ ‫وعدوانية‪.‬‬ ‫بديهي �أن رواج انطباعات كهذه هو نتاج تل ّهف الفل�سطينيني‪،‬‬ ‫والعامل العربي‪ ،‬لأي انت�صار على �إ�سرائيل‪ ،‬ونتاج ّ‬ ‫التعط�ش لأي‬ ‫�ضربة توجه لها‪ ،‬بيد �أن ذلك قد يفيد يف تقوية املعنويات وتعزيز‬ ‫روح ال�صمود واملقاومة‪ ،‬لكن فيما يخ�ص ا�سرتاتيجيات ال�صراع‬ ‫�ضد العدو ف�إنها ال تكفي‪� ،‬إذ �أنها ال ت�ؤثر يف معادالت موازين‬ ‫القوى واخلطط الع�سكرية‪.‬‬ ‫بل لعله من املفيد هنا لفت االنتباه �إىل �أن �إ�سرائيل‪ ،‬مع مت ّيزها‬ ‫برت�سانة ع�سكرية متفوقة‪ ،‬مت ّكنها من مواجهة عدة جيو�ش‬ ‫عربية‪ ،‬فهي تتمتع �أي�ضا مبيزتني مهمتني‪ ،‬ت�شكالن قيمة م�ضافة‬ ‫لها‪ ،‬الأوىل‪ ،‬وهي �ضمانة الواليات املتحدة‪ ،‬والغرب‪ ،‬لأمنها‬ ‫ووجودها‪ .‬والثانية‪ ،‬احتكارها الت�سلح النووي يف املنطقة‪ ،‬ما‬ ‫يجعلها تهدد مبا ي�سمى “اخليار �شم�شون”‪� ،‬أو “خيار يوم‬ ‫الدين”‪ ،‬يف حال ا�ست�شعارها بتهديد وجودي‪.‬‬ ‫على ذلك ف�إن املقاومة الفل�سطينية ميكن �أن ت�ؤمل �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫و�أن تزيد كلفة وجودها‪ ،‬و�أن تهدد ا�ستقرارها‪ ،‬لكن هزميتها‬ ‫التاريخية‪ ،‬الكلية‪� ،‬أو اجلزئية‪ ،‬حتتاج �إىل عوامل �أخرى‪� ،‬أهمها‪،‬‬ ‫تغري البيئتني الدولية والعربية ل�صالح الفل�سطينيني‪ ،‬وتخليق‬ ‫جبهة عري�ضة من الإ�سرائيليني املعادين لل�صهيونية‪ ،‬ومن‬ ‫الذين يتعاطفون مع كفاح الفل�سطينيني‪ ،‬وهذا ما يجب �إدراكه‬ ‫�أو متييزه يف غمرة االحتفاء ب�صمود غزة‪.‬‬ ‫يف كل الأحوال‪ ،‬ال ينبغي حتميل فل�سطينيي غزة �أكرث مما‬ ‫يحتملونه‪ ،‬فهم يعي�شون يف �سجن كبري‪ ،‬ويكابدون ال�ضيم‬ ‫واحل�صار امل�شدد‪ ،‬ما يعني �أن جمرد �صمودهم‪ ،‬وتوجيههم‬ ‫�ضربات قا�سية لإ�سرائيل‪ ،‬حتى ولو كانت معنوية‪ ،‬هو �أمر كبري‪،‬‬ ‫وي�ؤكد للإ�سرائيليني �أن دولتهم مل تعد مالذا �آمنا‪ ،‬و�أن روح‬ ‫املقاومة عند ال�شعب الفل�سطيني لن تخمد‪.‬‬


‫‪14‬‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫نحن المصلوبون باألمل‬

‫�أتت داع�ش �أي�ض ًا من فع�س البوط الريا�ضي الأبي�ض ذاك‪ ،‬الذي‬ ‫هر�س فيه ال�ضابط يف ذلك الفيديو القدمي‪ ،‬ظهور ال�سوريني‬ ‫املنبطحني �أر�ض ًا‪ ،‬يف قرية البي�ضا ومدن وبلدات �سور ّية �أخرى‪.‬‬ ‫ذلك اليوم تف ّرجنا على العنف غري م�صدّقني �أنه يجر�ؤ على‬ ‫جرح عيوننا امل�ساملة املح ّبة للحياة ول�سوريا‪ .‬على جرح الوحدة‬ ‫الوطنية والعي�ش امل�شرتك �أو العي�ش باملعنى املجرد للعي�ش‪ .‬و�أتت‬ ‫داع�ش من ذلك ال�صوت القاتل‪ ،‬ال�صوت القتل‪ ،‬الذي ير ّ‬ ‫جت فيه‬ ‫العنف باخلوف باللذة بلحظة ال�سلطة املطلقة التي �ست�صل بعد‬ ‫حلظات �إىل حلظة ن�شوة القتل‪ .‬قتل ال�سوري لل�سوري يف م�شهد‬ ‫حي �أمام عد�سات الت�صوير‪ .‬كيف حتول ال�سوري �إىل ْ‬ ‫قاتل‬ ‫ّ‬ ‫لل�سوري! قطيع من الب�شر حت ّول �إىل قطيع من الذئاب تبحث‬ ‫عن رائحة الدم‪ .‬يف زمن كنا نحياه مع ًا يف مكان ا�سمه الوطن‪.‬‬ ‫�أتت من ر�ؤية الأطفال لأبيهم يف فرجة الفع�س الطويلة‪ ،‬يف‬ ‫احلي‪ ،‬من �صراخه �صرخة �صرخة حتى �س ّلم‬ ‫م�سرح ال�شارع ّ‬ ‫الروح‪ .‬عر�ض م�ستمر حتى املوت‪ .‬فرجة متاهت مع فرجة قطع‬ ‫الر�ؤو�س �أو اجللد يف الرقة املحررة! املحررة من الكفرة بح�سب‬ ‫داع�ش‪� .‬أتت من فم ال�شهيد وهو يق ّبل ال�صورة ويتلو �صالة‬ ‫ربي‪.‬‬ ‫القاتل‪ :‬هذا ّ‬ ‫�أتت مع حفل تعذيب حمزة اخلطيب… وقطع ع�ضوه… وبث‬ ‫برنامج يف التلفزيون الر�سمي‪ ،‬مع طبيب �شرعي ذات يوم من‬ ‫‪ ، 2011‬قبل ظهور داع�ش والإرهاب والتطرف بزمن طويل ‪�،‬أكد‬ ‫فيه الطبيب �أن هذا الطفل �إمنا مات ميتة القدر‪.‬‬ ‫�أتت داع�ش من �أظافر املمر�ضة امل�صبوغة باملانيكور التي‬ ‫كانت حتمل �صورة الطفل ب�أطراف �أ�صابعها‪ ،‬يف ذات الربنامج‬ ‫التلفزيوين الر�سمي ‪� .‬أتت من غرز �أظافرها يف �شعر الطفل‬ ‫الأ�سود يف ال�صورة… �أتت داع�ش باليد الأخرى لذات املمر�ضة‬ ‫مت�سد حجابها بوجه َور ٍِع فوق �صورة الطفل ال�شهيد ‪ ،‬ك�أمنا‬ ‫وهي ّ‬ ‫تق�سم �أن الإعالم الر�سمي �صادق‪.‬‬ ‫�أتت من م�سطرة الطبيب ال�شرعي التي �أ�شار بها �إىل وجه‬ ‫ال�صغري وج�سده قطعة قطعة ‪....‬‬ ‫�أتت داع�ش من تعذيب غياث مطر النا�شط ال�سلمي الذي �أهدى‬ ‫رجال اجلي�ش والأمن وردة حمراء وماء‪ ،‬ف�أهدوه موت ًا‪ ،‬يحيا‬ ‫بيننا ما حيت �سوريا‪.‬‬

‫هاال محمد‬

‫�أتت داع�ش من �أ�سماء ال�سوريني ال�سلميني يف الهوية املدماة التي‬ ‫تعود وحيدة �إىل البيت‪.‬‬ ‫�أتت داع�ش من الكذب الإعالمي الر�سمي يف �أ�شهر الثورة‬ ‫ال�سلمية الأوىل… حني كان ال يزال بالإمكان �إنقاذ �سوريا‪� .‬أتت‬ ‫مع ك ّل ر�صا�صة قنا�ص‪� .‬أتت مع ال�صمت العاملي‪ ،‬جواز مرورهم‬ ‫ومرور املوت �إىل �سوريا‪� .‬أتت مع �سوريني حولتهم �آلة القمع �إىل‬ ‫قتلة ! �أتت داع�ش من اخلوف املديد من الظلم… �أتت من‬ ‫انتظار العدالة طويال طويال على عتبات البيوت دون �أن ت�صل‬ ‫العدالة فو�صلت الثورة… ويف الغبار الذي حلق بالثورة و�صلت‬ ‫داع�ش ومن معها… �أتت من ح�صار اجلوع والعط�ش واحلياة‪.‬‬ ‫�أتت من الإعالم الر�سمي الذي امتهن �آالم ال�سوريني‪ ،‬و�أهانهم‪،‬‬ ‫حتى �أن بع�ضا منهم �صار مدجن ًا يف �آلة القمع و�صار البط�ش‬ ‫مر�آته يف الطرف الآخر من املر�آة �إن هو نظر !‬ ‫تداخلت داع�ش والكتائب امل�سلحة الغريبة عن �سوريا يف‬ ‫�أورك�سرتا الظلم التي ال ي�ستطيع اخليال وال العقل الإحاطة به‪.‬‬ ‫�أتت داع�ش �أي�ض ًا لتخري�س الثورة ! ‪ .‬الثورة عورة‪.‬‬ ‫فكانت كل �أنواع اجلرمية والعقاب‪..‬‬ ‫جاءت داع�ش من درو�س الديانة وحلقات التدري�س ال�شرعي‬ ‫ّ‬ ‫احلا�ض على العنف والقتل وعدم قبول الآخر وف�ضائل اجلهاد‬ ‫املقد�س يف كل بقاع الأر�ض‪.‬‬ ‫جاءت داع�ش… من داع�ش‪ ..‬من التخلف يف �أ�صقاع العامل‬ ‫الإ�سالمي و�صحرائه ال�شا�سعة‪ .‬من ا�ست�سهال �سفك الدماء‬ ‫ب�إدعاء الدفاع عن اهلل و�شرعه‪ .‬فكانت داع�ش التج�سيد‬ ‫احلقيقي لعملقة دور العنف والتخل�ص من املختلف الآخر‪،‬‬ ‫وخا�صة الثائر ال�سلمي‪ ،‬الذي �أعلنت تكفريه ب�سبب مطالبته‬ ‫باحلرية والكرامة‪ ،‬فكان هدف الط ّرفني مع ًا‪ ،‬اللذين التقيا على‬ ‫خنق الثورة ال�سلمية وحتويل البالد �إىل فو�ضى التهجري والقتل‬ ‫والدمار والعدم‪ .‬ثقافة العدم والطاعة هي ثقافة التط ّرف‪.‬‬ ‫جاءت داع�ش مت�أبطة ح ّد ال�سيف‪ ،‬حلمها ر�أ�س ح�ضارة بالد‬ ‫ال�شام… كما كان حلم �إ�سرائيل ابتالع فل�سطني…‬ ‫ونحن لدينا زاد من احلكايات والأغاين يكفي لأكرث من حياة‪..‬‬ ‫نحن امل�صلوبون بالأمل ‪.‬‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫ملف العدد ‪ /‬حول الهدن والمصالحات‬

‫‪15‬‬

‫عن الهدن‪ ..‬وامل�صاحلات‬

‫أوس المبارك‬

‫يف املليحة ي�أتي �ضابط من قوات‬ ‫النظام ليحاور ثوارها ثم يعود �إىل‬ ‫موقعه على خط اجلبهة املقابل‪.‬‬ ‫يف املع�ضمية ُير َفع علم النظام‬ ‫على �أعلى مبانيها‪ .‬يف يلدا وببيال‬ ‫نرى �أحد مقاتلي الثورة يقف بني‬ ‫قوات النظام التي تدخل ب�سالم‬ ‫�إىل منطقته ويديل بتعليق ملذيعة‬ ‫قناة الدنيا املوالية‪ .‬يف برزة حاجز‬ ‫م�شرتك لقوات النظام وثوارها‪.‬‬ ‫ثوار �آخرون ي�سلمون �أنف�سهم‬ ‫و" ُي�س ُّوون �أو�ضاعهم"‪ .‬ماذا ن�سينا‬ ‫بعد؟‪...‬‬ ‫نالت تلك امل�شاهد والق�ص�ص‬ ‫التي ُح ِّم ْلت بواد َر لنهاية اخليار‬ ‫الع�سكري للثورة ن�صيب ًا وافر ًا‬ ‫من نقا�شات ال�سوريني واملهتمني‬ ‫ب�ش�أنهم وما قد ت�ؤول �إليه نتائج‬ ‫هكذا "�أحداث"‪ .‬و�أي ًا تكن‬ ‫مقاربات تلك امل�شاهد من‬ ‫وجهات نظر غري املنحازين �إىل‬ ‫الثورة‪� ،‬إال �أنها َن�شرتْ بالفعل بني‬ ‫�أو�ساط املنحازين �إليها �إحباط ًا‬ ‫وتخ ّوف ًا من �إجهاز النظام على‬ ‫الثورة‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن تلك امل�شاهد‬ ‫والأخبار �أتت بعد انكفاء الثوار‬ ‫النت�صارات جديد ٍة‬ ‫عن حتقيقهم‬ ‫ٍ‬ ‫وا�سع ٍة وتو ُّق ِف تقدمهم باجتاه‬ ‫دم�شق وباقي املدن الكبرية‪،‬‬ ‫ووقوعهم حتت ح�صارات حمكمة‪.‬‬

‫كما �أنها بدرج ٍة �أق َّل ن�شرتْ تفا�ؤ ًال بني من يريد القول �إنه على اجلميع �أن يدركوا �أنهم �إخوة!‬ ‫وبعد مرور فرتة لي�ست بق�صرية على عقد �آخر تلك الهدن وامل�صاحلات يف دم�شق وريفها‬ ‫–ورغم �أنّ هناك �أحاديث حول هدن وم�صاحلات جديدة كعربني مث ًال – �أ�صبح بالإمكان‬ ‫�أن نر�صد ما �آلت �إليه الأحوال يف تلك املناطق التي "هادنت" و"�صاحلت"‪ :‬املليحة خا�ضت‬ ‫معارك من �أ�شد ما عرفته الثورة‪ .‬يلدا وببيال واملع�ضمية والقابون وبرزة وباقي املناطق‬ ‫املعنية ما زالت خالية من �أي قوات للنظام وي�سيطر عليها الثوار وي�ستمر فيها العمل الثوري‪.‬‬ ‫كما �أن �أحوالها تكاد ال تختلف عما كانت عليه قبل عقد تلك الهدن وامل�صاحلات‪ .‬ما الذي‬ ‫حدث �إذن؟‬ ‫�إن �أدنى ما ميكن تو�صيف الهدن وامل�صاحلات به هو اله�شا�شة امليدانية وا�ستثمار النظام‬ ‫لها �إعالمي ًا لت�صديرها �إىل مناطق �أخرى من مناطق �سيطرة الثوار يف عموم �سوريا‪،‬‬ ‫وكذلك لتجيريها دولي ًا‪ ،‬حول اقرتابه من ح�سم املعركة ل�صاحله‪.‬‬ ‫ولي�س "وهم ًا ثو َر ِج ّي ًا" �أن نقول �أن ال حدثَ ي�ستحق التعويل عليه �أو التخ ّوف منه �ضمن تلك‬ ‫الهدن وامل�صاحلات‪ .‬ف�شعار (ال تراجع) لي�س مزاودة وال �ضرب ًا من احلفر بال�صخر‪� .‬إن‬ ‫ال�شعب ال�سوري الذي ثار على �أحد �أكرث الأنظمة طغيان ًا يعلم متام ًا � َّأي حمرقة �سريمي‬ ‫نف�سه بها �إن ر�ضي بـ"ت�سوية" �أو "م�صاحلة" مع هذا النظام‪ .‬ولن ير�ضى ب�أق َّل من �إ�سقاطه‬ ‫كام ًال‪ ،‬باخليار الع�سكري‪� ...‬أو بغريه‪.‬‬


‫‪16‬‬

‫مقاالت‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫الجريمة اللعنة ‪ ....‬رزان زيتونة !‬ ‫بسام األحمد *‬ ‫تذكر كتب التاريخ العديد من احلوادث التي �شك ّلت منعطفات‬ ‫مه ّمة يف ثقافة جمتمعات عديدة وبلدان خمتلفة‪ ،‬ومع دوران‬ ‫عجلة الزمن اكت�سبت تلك احلوادث دالالت معنوية معينة‪ ،‬بعد‬ ‫�أن كرث ا�ستخدامها يف �سياقات تاريخية واجتماعية �أعطت‬ ‫احلوادث بعد ًا رمزي ًا ومدلوالت معينة‪ ،‬ولع ّل معظمنا قر�أ يف‬ ‫كتب التاريخ عن احلادثة امل�شهورة التي �أدت �إىل مقتل الأمام‬ ‫احل�سني وابن ع ّمه يف مدينة الكوفة العراقية‪ ،‬وما نتج عنها من‬ ‫فنت وا�ضطرابات غريت بع�ض مالمح الأ ّمة الإ�سالمية �إىل يومنا‬ ‫هذا‪ ،‬وقد ذكر بع�ض امل�ؤرخني كيف �إنّ الأمام احل�سني و�أثناء‬ ‫رحلته امل�شهورة من م ّكة باجتاه العراق �صادف الفرزدق الذي‬ ‫ح ّذر احل�سني من مغبة �سفره �إىل العراق وقال قوله امل�شهور‪:‬‬ ‫"�أنّ قلوب النا�س معك لكنّ �سيوفهم مع ب ّني �أمية" للداللة على‬ ‫احتمالية خذالن �أهل الكوفة له وهذا ما حدث الحق ًا‪.‬‬ ‫مل تكن هذه احلادثة هي الأوىل ‪ -‬كما �إ ّنها مل تكن الأخرية ‪-‬‬ ‫والتي ُ�صبغت بلون معني‪ ،‬وحتولت �إىل م�ضرب للمثل يف الع�صور‬ ‫الالحقة وخا�صة عند وقوع حوادث �أو جرائم م�شابهة �أو قريبة‬ ‫لها‪� ،‬إ�ضافة �إىل كونها �أ�صبحت و�سيلة يف �إي�صال ر�سائل حمددة‬ ‫لغايات وعرب معينة‪ ،‬ولكن هذه احلادثة وغريها ومبجرد‬ ‫التمعن فيها قلي ًال حتلينا �إىل العديد من اجلرائم امل�شابهة‬ ‫التي ارتكبت خالل الثورة ال�سورية‪ ،‬ولو �أنّ العوامل املو�ضوعية‬ ‫للعديد من احلوادث التاريخية غري متوافرة يف بع�ض احلوادث‬ ‫التي �شهدتها الثورة‪� ،‬إ ّال �أنّ الأخرية وبحكم كونها �شكلت طفرة‬ ‫يف تاريخ الدولة ال�سورية احلديثة‪ ،‬جعلت اجلرائم التي ترتكب‬ ‫فيها وبا�سمها �أو با�سم الدين ‪ -‬وخا�صة �ض ّد �أبنائها – لعنات‬ ‫�سوف تالحق مرتكبيها �إىل عقود عديدة قادمة‪� ،‬أم ّر تلك الأفعال‬ ‫و�أ�شنعها كانت حادثة خطف �إحدى الوجوه اجلميلة و�إحدى رموز‬ ‫ثورة الكرامة وهي املحامية رزان زيتونة‪ ،‬وزوجها وائل حمادة‬ ‫و�سمرية اخلليل وناظم حمادي‪.‬‬

‫�ش ّكلت حادثة اخلطف �صدمة كبرية لعدة �أ�سباب‪ ،‬لع ّل �أهمها‬ ‫ا�ستهداف �إحدى �أبرز وجوه الثورة ال�سورية‪ ،‬هذا �أو ًال‪ ،‬وثاني ًا‬ ‫وقوعها يف منطقة خا�ضعة ل�سيطرة القوات "املناه�ضة" للنظام‪،‬‬ ‫وثالث ًا �أنّ طبيعة الن�شاط الثوري الذي كانت تقوم به رزان‬ ‫وزمالئها لعب دور ًا كبري ًا ومهم ًا يف تاريخ الثورة ال�سورية‪ ،‬فعمل‬ ‫رزان ومن خالل ت�أ�سي�سها ملركز توثيق االنتهاكات يف �سوريا مل‬ ‫يكن جمرد عملية توثيق دقيقة ويومية ملعظم االنتهاكات الواقعة‬ ‫يف �سوريا فح�سب‪ ،‬بل كانت مبثابة ت�أريخ لأكرث الأحداث بروز ًا‬ ‫يف تاريخ الدولة ال�سورية احلديثة‪ ،‬وقد جاء �إدراك ووعي رزان‬ ‫لأهمية هذا العمل نتيجة باعها الطويل يف هذا املجال‪ ،‬فهي التي‬ ‫بد�أت بتوثيق �أ�سماء املعتقلني وال�شهداء – انتفا�ضة القام�شلي‪/‬‬ ‫قام�شلو مث ًال ‪ -‬منذ ما ال يقل عن �سبعة �سنوات قبل اندالع‬ ‫الثورة‪ ،‬وامللفت الآخر يف طريقة عمل رزان زيتونة هي حماوالتها‬ ‫احلثيثة يف املوائمة ما بني تقدمي دالئل ومواد قانونية حتاول من‬ ‫خالل �إدانة املنتهكني وعلى ر�أ�سهم النظام ال�سوري بجرائم‬ ‫احلرب واجلرائم �ضد الإن�سانية وبناء ج�سور من احلقيقة ما‬ ‫بني زمننا احلا�ضر وامل�ستقبل املن�شود‪ ،‬يف �سبيل تقدمي �أكرب قدر‬ ‫من املعلومات والتوثيقات يف فرتة العدالة االنتقالية يف �سوريا‬ ‫مبمار�ساتها العديدة منها‪ :‬البحث عن احلقيقة وجرب ال�ضرر‬ ‫والتعوي�ض واملحاكمات اجلنائية والإ�صالح امل�ؤ�س�ساتي‪.‬‬


‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫و�إىل يوم حادثة خطف رزان زيتونة بتاريخ‬ ‫ا�ستطاع املركز ‪ -‬الذي كانت ت�شرف عليه ‪ -‬توثيق ع�شرات‬ ‫الآالف من �أ�سماء ل�ضحايا ّمت انتهاك حقوقهم وعلى ر�أ�سها حق‬ ‫احلياة‪ ،‬كما وا�ستطاع املركز �إىل جانب ذلك من تدريب وت�أهيل‬ ‫ع�شرات الكوادر النا�شطة داخل وخارج �سوريا على توثيق‬ ‫انتهاكات حقوق الإن�سان‪ ،‬عالوة على الإ�سهام الكبري يف ن�شر‬ ‫ثقافة حقوق الإن�سان يف �سوريا‪ ،‬ويف جميع تلك احلاالت كانت‬ ‫رزان حتاول املزج ما بني العلم والفن‪ ،‬منطلقة من القواعد‬ ‫الأ�سا�سية واملعايري الدولية يف توثيق انتهاكات حقوق الإن�سان‬ ‫يف �سوريا وكانت يف نف�س الوقت تطعمها بالفن الذي لعبت‬ ‫خربتها الطويلة دور ًا �أ�سا�سي ًا ومهم ًا فيه‪ ،‬لكن جرمية اخلطف‬ ‫التي حدثت يف عقر دار العديد من الكتائب "املعار�ضة" للنظام‬ ‫جاءت ك�ضربة غادرة للثورة ال�سورية وانتكا�سة للعمل احلقوقي‬ ‫يف �سوريا ولعل توقيت احلادثة – قبل يوم واحد من اليوم‬

‫‪9-12-2013‬‬

‫مقاالت‬

‫‪17‬‬

‫العاملي حلقوق الإن�سان ‪ -‬مل تكن حم�ض �صدفة و�أظ ّنها جاءت‬ ‫عن �سابق �إ�صرار وت�صميم‪ ،‬ويف ظل هذا النزاع امل�سلح الدائر‬ ‫فهي تعترب جرمية حرب‪� ،‬إ�ضافة �إىل كونها لعنة وو�صمة عار‬ ‫�سوف تالحق املنفذين واملخططني واملمولني وال�ساكتني عنها‪،‬‬ ‫وهي ال تقل �شناعة عن �آالف اللعنات التي تالحق �آل الأ�سد‬ ‫ونظامه و�شبيحته وداعميه ومموليه بدء ًا من �إيران ومرور ًا‬ ‫مبيلي�شيا حزب اهلل وامليلي�شيات ال�شيعية العراقية وانتهاء‬ ‫برو�سيا البوتينية‪.‬‬ ‫�آه يا رزان لوكنت �أملك ال�شم�س بيدي‪ ،‬جلعلت الكون ي�ضيء ك ّله‪،‬‬ ‫و�أبقيت على البقعة التي يعي�ش فيها خاطفوك ظلماء �سوداء‬ ‫�أبدية‪ ،‬فهم �أبناء الظالم الذي يزيد قبح وجوههم قبح ًا‪ ،‬كوجوه‬ ‫�أ�سيادهم‪.‬‬ ‫*املتحدث با�سم مركز توثيق االنتهاكات يف �سوريا‬


‫‪18‬‬

‫ملف العدد ‪ /‬حول الهدن والمصالحات‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫تتمة من الصفحة ‪3‬‬

‫حول المصالحة‬

‫‪ - 1‬وقف الأعمال القتالية من طرف واحد يف جميع الأرا�ضي‬ ‫ال�سورية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬وقف كافة عمليات املالحقة واالعتقال للمواطنني على‬ ‫احلواجز‪ ،‬وتوظيف احلواجز املنت�شرة التي تقطع الطرق بني‬ ‫املدن‪ ،‬لإعادة ترميم العالقة بني املواطنني واجلي�ش التي تخربت‬ ‫عرب ال�سنة املا�ضية‪.‬‬ ‫‪� - 3‬إطالق �سراح كا ّفة املعتقلني على خلفية م�شاركتهم يف‬ ‫الثورة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الدعوة �إىل م�ؤمتر وطني عام ال ي�ستثني �أي اجتاه �سيا�سي‪.‬‬ ‫يكون من مهامه ت�شكيل حكومة وحدة وطنية ب�صالحيات كاملة‪.‬‬ ‫‪� - 5‬إعالن الرئي�س ا�ستعداده لت�سليم احلكم حلكومة الوحدة‬ ‫الوطنية ب�ضمانة طي املا�ضي �ضدّه و�ض ّد رموز النظام‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الإعالن عن �إقامة نوع من العدالة االنتقالية لإعادة تزييت‬ ‫العالقة التي ت�ضررت‪ ،‬وردم ال�شقوق التي ح�صلت بني ال�سوريني‬ ‫خالل العام الفارط‪).‬‬ ‫هذا الكالم كان ي�سمع باحرتام ويقابل ب�صمت ومل يتجر�أ �أحد‬ ‫على مناق�شته‪ ،‬وال�سبب فيما �أعتقد كان غياب معنى الوطن‬ ‫واملواطنة‪ ،‬واعرتاف �ضمني بحالة املزرعة يف �سوريا‪ ،‬ولذلك‬ ‫ف�أي حديث عن تخلي ب�شار الأ�سد عن ال�سلطة غري قابل للتداول‪.‬‬ ‫فطبيعة النظام حتول بينه وبني القدرة على التعاطي مع مطالب‬ ‫ال�شعب وحتى ر�ؤيتهم‪ ،‬ولذلك حتى تاريخه مل يتمكن النظام‬ ‫من االعرتاف ب�أي نوع من املعار�ضة‪� ،‬إال مرتزقته التي �صنعها‬ ‫وطالها بطالء املعار�ضة‪ .‬و�إىل الآن ال �أحد يعرف م�صري‬ ‫املعار�ض الوطني عبد العزيز اخلري وال رجاء النا�صر وال العديد‬ ‫من رموز هيئة التن�سيق التي رفعت �شعاراتها الثالث ومت�سكت‬ ‫بها بطريقة �صنمية‪ ،‬حتى ال يت�سنى للنظام توجيه �أي اتهام‬ ‫لها‪ .‬ومع ذلك مل يتعامل معها النظام كمعار�ضة �سيا�سية ومل‬ ‫يدعها للم�شاركة يف �أي حالة وطنية‪ ،‬بل و�ضعها بني خيارين‪� :‬إما‬ ‫اخل�ضوع �أو النبذ �أو ًال واملالحقة تالي ًا‪ .‬وملا مل ي�ستطع �إدانتها بد�أ‬ ‫بت�صفية رموزها الواحد تلو الآخر‪.‬‬ ‫�إن نظام ًا يطلب من املعار�ضني توقيع تعهد برتك ال�سيا�سة‪ ،‬وهم‬ ‫رهن االعتقال �أو حتت التهديد باالعتقال والتغييب‪ ،‬هو نظام‬

‫إن الذي يقدمه النظام حتى اآلن‬ ‫ال معنى له يف السياقات الوطنية‬ ‫اإلنسنية‪ ،‬فهو نوع من القبول لتوبة‬ ‫العبد اآلبق بعد أن رجع نادماً مستغفراً‬ ‫يكره ال�سيا�سة وال ي�ستطيع �أن ميار�سها ولعبته الوحيدة التي‬ ‫�أتقنها منذ �أربعني �سنة هي احلرب على الدولة واملجتمع‪.‬‬ ‫�إذ ًا فامل�صاحلة ال تتفق مع بنية النظام وال مع طبيعته‪ ،‬وهي‬ ‫كذلك ال تتفق مع بنية الثورة وطبيعتها‪ .‬فماذا تعني امل�صاحلة‬ ‫ويتم جتاهل‬ ‫بالن�سبة لثائر مل يعرتف به وال بثورته حتى الآن‪ّ ،‬‬ ‫وجوده ومطالبه حتى الآن؟!‬ ‫�إن الذي يقدمه النظام حتى الآن ال معنى له يف ال�سياقات‬ ‫الوطنية الإن�سانية‪ ،‬فهو نوع من القبول لتوبة العبد الآبق بعد �أن‬ ‫رجع نادم ًا م�ستغفر ًا وقد �أعجزه �أن يجد ما ي�س ّد به رمقه وي�شبع‬ ‫به جوعته بعد �أن طرده �سيده من فردو�سه الذي كان ي�ؤمن له‬ ‫فيه الطعام وال�شراب‪.‬‬ ‫وال �أرى للم�صاحلة من معنى يف �سياق الثورة �إال الذي ن�شرته‬ ‫�سابق ًا‪... :‬وهي بالن�سبة للثوار اعرتاف يائ�س بعبثية احلرب‬ ‫وان�سداد �آفاقها‪ ،‬وعلى م�ستوى الر�ؤية هي ت�شو�ش و�ضياع‪،‬‬ ‫فالثورة ال تعرف الهدن‪ ،‬واحلدث الوطني ال يقبل التجزئة‪.‬‬ ‫مل يخرج النا�س يف �آذار ‪ 2011‬من �أجل اخلبز واملحروقات فقد‬ ‫كانت متوفرة‪ ،‬بل خرجوا من �أجل احلرية والكرامة‪ ،‬وهاتان‬ ‫قيمتان مل يعرتف بها النظام حتى اليوم‪ ،‬فال مكان للمواطنني‬ ‫الأحرار يف عرف النظام و�سلطته‪ ،‬بل (ح�ضن الوطن) مفتوح‬ ‫للعبيد الذين ي�أكلون وي�شربون وي�سبحون بحمد الفرعون‪،‬‬ ‫ويتقبلون مكرماته ويهتفون با�سمه للأبد ويقدمون �أوالدهم‬ ‫قرابني ب�شرية (فدا �صباطه)!!‬ ‫كلمة �أخرية ‪:‬‬ ‫�إن نظام ًا يحاول �أن ي�ستعيد �شرعيته التي ُجرحت بل متزقت‬ ‫بالرباميل ومنع لقمة اخلبز ووقود التدفئة هو نظام غري قابل‬ ‫للحياة وال فر�ص له يف البقاء‪ ،‬وهو يحاول ب�شتى ال�سبل �أن ي�ؤخر‬ ‫حلظات �سقوطه الو�شيكة (بامل�صاحلات) و(الهدن)‪.‬‬


‫‪19‬‬

‫طلعنا عالحرية ‪ /‬العدد ‪42‬‬

‫عزمي ب�شارة‬

‫رباب الكاري‪:‬‬

‫ثالثة �أمور �صعقتني بالأم�س حني ر�أيت يف ن�شرة‬ ‫الأخبار �شربطا عن الق�صف املزدوج يف دوما‪ ،‬اي‬ ‫ق�صف ال�شارع‪ ،‬ثم ق�صف �سيارة الإ�سعاف التي‬ ‫حملت اجلرحى والقتلى وال�شباب الذين كانوا‬ ‫ميدون يد العون‪� .1 :‬أنه يف البيوت املهدمة متاما‪،‬‬ ‫وبني الأنقا�ض يعي�ش ب�شر حتى الآن‪� .2 .‬أنه خرج‬ ‫منها �صبية �شاهدوا الأ�شالء ثم �صاروا �أ�شالء‪،‬‬ ‫وخرج �صبية �آخرون و�شاهدوا �أ�شالءهم‪ .3 .‬ان‬ ‫ال�سوريني ما عادوا ي�صرخون؛ ر�أيت رجاال يقرتبون‬ ‫من �سيارة الإ�سعاف املحرتقة ب�صمت يرفعون عن‬ ‫الأر�ض جثث من حملوا اجلثث الأوىل للمرة ب�صمت‪.‬‬

‫بتنزل القذيفة على بعد �أمتار‪ ،‬والنا�س بتكمل‬ ‫طريقها‪ ..‬عادي ‪ ..‬وال�سيارات والبا�صات بتكمل‬ ‫طريقها وال ك�أنو يف �شي‪..‬عن جد نحنا �شعب كتري‬ ‫ظريف‪..‬‬ ‫كنت عم دور على مدخل ب�شي بناية‪ ،‬حتى �أتخبى من‬ ‫القذيفة التانية‪..‬‬ ‫رجال ظريف كان عم ي�سحب م�صاري من ال�صراف‬ ‫ّ‬ ‫الآيل‪ ،‬دار وجهه لعندي وقال‪:‬‬ ‫ كملي عمي طريقك‪ ،‬امل�سلم اهلل‪..‬‬‫وبكمل طريقي و�أنا ما بعرف هدا �شو ا�سمو تع ّود وال‬ ‫اميان‪ ..‬وب�شو ما بعرف‪..‬؟‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.