طلعنا عالحرية / العدد 43

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪43‬‬

‫ملف العدد‬

‫عام على مجزرة‬ ‫الكيماوي‬

‫‪2014\8\24‬‬ ‫تحقيقات‬

‫صحافة الثورة‬ ‫واستعالء المثقفين‬

‫مقاالت‬ ‫نجمتان وبينهما‬ ‫قمران‬

‫الغالف عن الشعب السوري عارف طريقه‬


‫افتتاحية بقلم‬

‫‪2‬‬

‫عروة نيربية‬

‫افتتاحية العدد‬

‫مع كل يوم قاس جديد مي ّر علينا‪ ،‬نصاب جميعاً‬ ‫مبزيد من اإلرهاق‪ ،‬العصبي والنفيس‪ ،‬كام الجسدي‪.‬‬ ‫وهذا يجعلنا جميعاً نسقط بالتدريج‪ ،‬أكرث فأكرث‪ ،‬يف‬ ‫العصابية‪ .‬النزق وقرص النفس أول ما يبدو‪ ،‬ثم تتطور‬ ‫األعراض بدون أن نتنبه إليها‪ .‬يصبح واحدنا أكرث‬ ‫قدر ًة عىل الكراهية‪ ،‬وأقل قدرة عىل التفاوض حتى‬ ‫مع طفل‪ .‬ثم يشعر واحدنا بالعجز عن االستمرار‪،‬‬ ‫ويبدأ بالبحث عن آخرين يرمي عليهم املالمات عىل‬ ‫تقصريه هو‪ ،‬فيتورط يف عداوات ومشاعر تنافسية‬ ‫متصاعدة‪ .‬يصبح النوم أصعب فأصعب‪ ،‬وتبدأ أفكار‬ ‫مزعجة بالسيطرة‪ ،‬يصبح اآلخر ّ‬ ‫حمل الذنوب‪ ،‬ونحن‬ ‫املظلومني بالكل ّية‪ ،‬ثم يسهل توزيع االتهامات‪ ،‬بل‬ ‫وحتى تخ ّيل أساسات مقنعة لها‪ ،‬ويبدو بالتدريج أن‬ ‫األمل ضاع‪ ،‬وأن الخروج من الكارثة مستحيل‪.‬‬ ‫حني يحدث هذا بشكل جامعي يصل بنا إىل جنون‬ ‫جامعي‪ .‬الجميع يلوم الجميع‪ ،‬ويك ّفر ٌّ‬ ‫كل جا َره‪،‬‬ ‫ويخ ّون واحدنا كل من يخالفه الرأي… وال يعدم أي‬ ‫منا‪ ،‬بكل تناقضاتنا‪ ،‬األدلة عىل ادعاءاته ض ّد اآلخر‪،‬‬ ‫فكل ما يف العامل من أفكار وصور قابل للتأويل‬ ‫بحسب من يؤ ّول ومصلحته‪ ،‬أو بحسب ما يناسبه يك‬ ‫يرمي املالمة عن نفسه‪ ،‬أدرك املرء ذلك أم مل يفعل‪.‬‬ ‫وحتى حني تتوفر النية الطيبة‪ ،‬هي ال تنفع حني‬ ‫نفقد العقالنية‪.‬‬ ‫بينام تبدو نهاية النفق املظلم بعيدة‪ ،‬تربز أهمية أن‬ ‫ّ‬ ‫فالحل لن يكون إال‬ ‫يبحث كل منا عن سوائه النفيس‪،‬‬ ‫من الداخل‪ ،‬حيث الداخل ليس مجرد رسم لحدود‬ ‫الوطن‪ ،‬بل هو كذلك رسم لحدود الفرد داخل‬ ‫الوطن‪ .‬الفرد السويّ ‪ ،‬القادر عىل التفكري بعقالنية‬ ‫وعىل الوصول إىل نتائج‪ .‬القادر عىل التخطيط‪،‬‬ ‫والرتوي‪ ،‬والتفكري‪ ،‬والتخ ّيل‪ ،‬والتواصل مع محيطه‬ ‫بشكل فعال‪ .‬مثة خطأ شائع يقتل كثرياً من فرصنا‬

‫يف الخالص‪ ،‬وهو أن الفرد ليس هاماً‪ ،‬وأنه مجرد‬ ‫“بيدق” يف يد نتخيلها‪ ،‬فنظنها مرة يد الجامعة‪،‬‬ ‫ومرة يد اإلله‪ ،‬بينام هي بكل بساطة‪ :‬يد الغضب‬ ‫والعصابية‪ ،‬يد الضياع يف الغاية ويف السبيل‪ .‬الفرد‬ ‫هو أساس الجامعة‪ .‬كل واحد منا مطالب اليوم‬ ‫بأفضل ما لديه‪ ،‬وهو عاجز عن تلبية أفضل ما لديه‬ ‫إن مل يحظ هو‪ ،‬من نفسه أوالً‪ ،‬بأفضل ما ميكنه من‬ ‫رضورات العيش‪ .‬الفرد الغاضب النزق قد يستطيع‬ ‫أن يفجر نفسه بالعدو‪ ،‬لكنه ال يستطيع التفكري‪ ،‬وال‬ ‫يستطيع الوصول إىل نتيجة! وما نبحث عنه جميعاً‬ ‫هو بالتأكيد النتيجة وال يشء سواها!‬ ‫الفرد‪ ،‬كل فرد‪ ،‬مطالب بأن يرقى بنفسه إىل أفضل ما‬ ‫يستطيع‪ ،‬يك يكون خالص الجامعة‪ .‬وهو ال يستطيع‬ ‫أن يرقى بنفسه إىل أي يشء إذا مل يحرتم نفسه‪،‬‬ ‫فيبدأ أوالً بها‪ .‬وإلغاء الفرد باملقابل ال يكون إال‬ ‫وه ًام‪ ،‬احتقاراً للفرد‪ ،‬وللذات‪ ،‬وليس إذابة حقيقية‬ ‫له يف الجامعة‪ .‬اإلذابة مستحيلة‪ ،‬فهي منافية‬ ‫لجوهر اإلنسان‪ .‬الفرد موجود بكل األحوال‪ ،‬بأنانيته‬ ‫وبأهوائه أو بعقله وخياله‪.‬‬

‫بني ناشط يفقد أعصابه بسبب “ستاتوس” عىل فيسبوك‪،‬‬ ‫عىل سبيل املثال‪ ،‬يضوع من نهاره ساعات يف الغضب‬ ‫من “اليك” أو من غيابها‪ ،‬وناشط قادر عىل اإلنتاج‬ ‫املفيد‪ ،‬وخدمة قضية عامة مصريية‪ ،‬قد يبدأ الفرق من‬ ‫تراكم قلة النوم مث ًال! كم يكون واحدنا ّ‬ ‫هشاً وعصبياً حني‬ ‫متر عليه عدة أيام بدون نوم؟ ماذا ينتج عن شعب كامل‬ ‫بال نوم بالتايل؟ ماذا عن شعب يعجز بكليته عن تقبل‬ ‫ذاته؟ عن التعاون أو الرشاكة؟ ماذا عن شعب يتحكم‬ ‫الحنق الشديد بكل فرد من أفراده؟ هل ميكنه بالفعل‬ ‫أن يبلغ غايته؟ أن يبني حريته الجديدة املنشودة؟‬ ‫بدء التقدم‪ ،‬وتجاوز االستعصاء الحايل‪ ،‬يبدأ من كل‬ ‫التفاصيل معاً‪ ،‬من الفرد السويّ أوالً‪ ،‬من قدرة كل فرد‬ ‫عىل املتابعة والتطور‪ ،‬قدرته عىل رؤية املشاكل‪ ،‬تحديد‬ ‫مكامن الفشل‪ ،‬والتخطيط بشكل ذيك وجديد‪ .‬التقدم‬ ‫مستحيل طاملا نع ّد الفرد مجرد أداة‪ ،‬ونقدّس الغاية‬ ‫بذاتها‪ ،‬فنبني عبودية جديدة ألنفسنا‪ ،‬بينام نحتفل‬ ‫بثورتنا عىل عبودية قدمية مشابهة‪ .‬الشعب هو مجموع‬ ‫األفراد‪ ،‬وحرية الوطن هي محصلة حرية كل مواطن‪.‬‬ ‫حرية الوطن ال تتحقق بطرد املحتل‪.‬‬


‫إحياء المجزرة‪ ..‬هل من جدوى!‬ ‫علي فاروق‬

‫وطلب العدالة من أي جهة أرضي ٍة‪ ،‬أو ساموي ٍة‪ ،‬فلن‬ ‫تحقق ال املحاسبة‪ ،‬وال العدالة‪ ،‬وال حتى االنتقام‪،‬‬ ‫ففعلياً مل يهتم أحدٌ يف العامل مبا وقع‪ ،‬ومل يتعد تفاعل‬ ‫العامل مع املجزرة حد االستنكار‪ ،‬أو الشجب‪ ،‬أو‬ ‫بعض املظاهرات املتفرقة هنا وهناك‪ ،‬ولن ينتقم‬ ‫لسبب‬ ‫أحدٌ للضحايا‪ ،‬حتى الله مل ينتقم لهم بعد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال نعلمه‪.‬‬ ‫مل تكن تلك أول مجزرة تراها أعيننا‪ ،‬أو نتابعها عىل‬ ‫الهواء مبارش ًة‪ ،‬فهي ليست إال حلق ًة جديد ًة من‬ ‫مسلسل املجازر السورية املتنقلة‪ ،‬وال يوجد ما مينع‬ ‫بسالح مختلف يف كل مر ٍة‪ ،‬ومن ذا‬ ‫أن تتكرر‪ ،‬وإن‬ ‫ٍ‬ ‫الذي استطاع‪ ،‬أو يستطيع‪ ،‬أو حتى يرغب يف هذا‬ ‫العامل أن مينع تكرار املجازر؟‬ ‫يف الحديث عن ذلك اليوم‪ ،‬ميكن القول أنه كان يوماً‬ ‫ما من أيام األسبوع‪ ،‬ال يختلف كثرياً عام سبقه وما‬ ‫تاله‪ ،‬ويف الحديث عن الضحايا‪ ،‬ميكن القول إنهم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وشبان‪ ،‬وثلثهم‬ ‫وشيوخ‬ ‫كانوا مدنيني مبعظمهم‪ ،‬نسا ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫أطفال‪ ،‬ويف الحديث عن طريقة املوت‪ ،‬فيمكن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫باختالجات‬ ‫القول إنها كانت اختناقا بطيئا‪ ،‬مسبوقا‬ ‫ٍ‬ ‫وآالم جسدي ٍة‪ ،‬فافتقاد الخاليا الحية‬ ‫عصبي ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لألوكسجني‪ ،‬يجعل متوتها عسرياً‪ ،‬وعىل ما سمعت‬ ‫يوماً‪ ،‬فإن االختناق ُيصنف كأشد طريق ٍة للموت‪ ،‬أما‬ ‫القتلة‪ ،‬فهم ذاتهم الذين يقتلون منذ وصلوا للسلطة‬ ‫قبل خمسني عاماً‪ ،‬وعن سالح الجرمية‪ ،‬فال يهم إن‬ ‫كان محظوراً‪ ،‬فهو ليس جديداً عىل العامل‪ ،‬وال عىل‬ ‫استخدام له‪.‬‬ ‫السوريني‪ ،‬ومل يكن ذلك أول‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ويف الحديث عن التوقيت‪ ،‬فإنه كان ليال‪ ،‬وال شك بأن‬ ‫مرعب‪،‬‬ ‫طعم‬ ‫ٌ‬ ‫ل‘‘اإلغارة’’‪ ،‬و‘‘اإلصباح’’‪ ،‬والقتل اللييل ٌ‬ ‫ال يشبه يف يش ٍء القتل يف وضح النهار‪ ،‬ويحفل الرتاث‬ ‫بقصص عن ذلك‪ ،‬فلي ًال يكون املقتول عاجزاً عن‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫رؤية القاتل‪ ،‬وعاجزا عن التنبؤ بالجهة‪ ،‬وبالطريقة‪،‬‬ ‫وباللحظة التي سيصعقه فيها املوت‪ ،‬وعن القتل‬ ‫لي ًال يقال‪ :‬أن‬ ‫جهلٍ ”‬ ‫“أبا‬ ‫رفض السامح‬ ‫للمحا ِص ين‬ ‫لبيت النبي صىل‬ ‫الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫أن يقتحموه ويقتلوه لي ًال‪ ،‬قال‬ ‫“أبو جهلٍ ” ما معناه‪ :‬إنه ال يريد‪ ،‬وال يقبل أن‬ ‫ً‬ ‫تقول العرب أنهم قد ‘‘روعوا’’ بنات محم ٍد ليال‪!..‬‬ ‫الرتويع هو ما كان يسعى إليه النظام السوري‪،‬‬ ‫واالنتقام أيضاً‪،‬‬

‫فاملجزرة وقعت بعد استهداف املوكب الرئايس‬ ‫صباح يوم عيد الفطر‪ ،‬وال شك أنه اختار أشد طريق ٍة‬ ‫‘‘مروع ٍة’’ لينتقم لكربيائه بها‪ ،‬لكن القتل يف الليل‬ ‫أيضاً سمة الجبناء‪ ،‬ورمبا يكون خوفهم من ضحاياهم‬ ‫ما يدفعهم للغدر بهم لي ًال‪ ،‬وبأيرحالٍ ‪ ،‬ال مينع ذلك‬ ‫من اإلقرار مبا يتصف به القتلة ‘‘الليليون’’ من سادي ٍة‬ ‫نب أصيل‪ ،‬وإن كان وصفهم بذلك لن يقدم‬ ‫وإجر ٍام وج ٍ‬ ‫أو يؤخر‪ ،‬ولن ينصف الضحايا‪ ،‬أو يعيد لهم الحياة‪.‬‬ ‫يف لحظات الجنون والعنف التي نعيشها‪ ،‬وبغياب‬ ‫العقل واألخالق‪ ،‬ومع افتقاد الحس اإلنساين‪،‬‬ ‫مفرتس‪ ،‬قاد ٍر عىل اقرتاف‬ ‫يتحول اإلنسان إىل حيوانٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بقصص عن القتلة‪،‬‬ ‫أبشع املجازر‪ ،‬والتاريخ‬ ‫حافلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واملجرمني‪ ،‬واملغتصبني‪ ،‬وأكيل لحوم البرش‪ ،‬لكن‬ ‫التاريخ يقول أيضاً إن الحروب واملعارك تنتهي‬ ‫بالتسويات‪ ،‬وغالباً ما تكون عىل حساب الضحايا‪،‬‬ ‫الذين ُينَسون و ُيهملون‪ ،‬وال شك أن حربنا ستنتهي‬ ‫يوماً‪ ،‬وعندها قد تتحول ذكرى مجزرة الكياموي‬ ‫احتفاالت فلكلورية عىل طريقة (تنزكر‬ ‫وغريها‪ ،‬إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ما تنعاد) اللبنانية‪ ،‬لكن الواقع أن التسوية النهائية‬ ‫إن مل تكن عادلة وحقيقية‪ ،‬فإن املجازر لن تلبث أن‬ ‫ُتعاد‪ ،‬و ُتكرر‪ ،‬وبطرق ووسائل أفظع‪ ،‬ولذلك ال يجوز‬ ‫أن تعقد أي تسوي ٍة قبل إنصاف الضحايا‪ ،‬ومعاقبة‬ ‫املجرمني‪ ،‬ودون ذلك ال ُيستبعد إعادة إنتاج املجازر‬ ‫فعلياً‪ ،‬ال ‘‘فلكلورياً’’‪.‬‬ ‫املجزرة مل تبدأ بالكياموي‪ ،‬ولن تنتهي بعدها‪ ،‬ويف‬ ‫ذكراها األوىل لن ينفعنا يش ٌء‪ ،‬إال السعي الجاد‪،‬‬ ‫والحقيقي‪ ،‬وبكل الوسائل‪ ،‬ملنع إعادة إنتاجها من‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫وحده هذا ما سيكون مجدياً حقاً‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫مل أهتم يوماً بال ِذ َك ِر واملناسبات‪ ،‬ومل أعتد إحياء أي‬ ‫احتفالي ٍة أو مناسب ٍة حتى لو كانت عيد األم‪ ،‬وال‬ ‫"يوم‬ ‫أجد لأليام املخصصة الستذكار أو تكريس أي ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عاملي» ٌ‬ ‫متحققة‪ ،‬فغالباً ما سيبدأ ذلك‬ ‫عملية‬ ‫قيمة‬ ‫ٍ‬ ‫مقاالت صحفي ٍة‬ ‫اليوم بأغانٍ ‪ ،‬أو برامج تلفزيونية‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫تتحدث عن املناسبة‪ ،‬ونشأتها‪ ،‬وسبب االحتفال بها‪،‬‬ ‫ثم لنسمع ممن نلتقيهم كالماً قلي ًال أو كثرياً عنها‪،‬‬ ‫بحسب درجة اهتامم كل واح ٍد منهم بها‪ ،‬أو بحسب‬ ‫ني من جوانب حياته‪ ،‬إىل أن‬ ‫مالمستها‬ ‫ٍ‬ ‫لجانب مع ٍ‬ ‫ينتهي النهار‪ ،‬ويحل الغد‪ ،‬فتُنىس تلك الذكرى‪ ،‬وكأنها‬ ‫مل تكن‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ومع اقرتاب موعد الذكرى السنوية األوىل‬ ‫لوقوع مجزرة الكياموي‪ ،‬مل أستطع التفكري يف يش ٍء‬ ‫معنى‪ ،‬كل ما فكرت فيه كان بال جدوى‪،‬‬ ‫مفي ٍد‪ ،‬أو له ً‬ ‫والحقيقة أكرث أنني أشعر أن ذاكريت ال تحفظ‬ ‫تفاصيل واضحة عن ذلك اليوم‪ ،‬وكلام أمعنت أكرث‬ ‫ال أستعيد إال مشاهد متقطعة أو مشوشة‪ ،‬أذكر‬ ‫مث ًال أنني تجنبت النظر إىل صور أجساد األطفال‬ ‫املمددة يف األقبية واملمرات‪ ،‬وصور الجثث الخالية‬ ‫من الروح‪ ،‬وصور املحترضين‪ ،‬الذين كانوا يصارعون‬ ‫اللتقاط أنفاسهم‪ ،‬بعيونهم الجاحظة‪ ،‬أذكر أيضاً أنني‬ ‫مل أعد أفتح حسايب عىل ‘‘فيس بوك’’‪ ،‬فقد كنت‬ ‫أحاول الهروب مام جرى‪ ،‬ألنه ببساط ٍة كان يفوق‬ ‫قدريت عىل االحتامل‪ ،‬وأذكر شيئاً عن استعدادنا‬ ‫للرضبة األمريكية التي توعد بها “أوباما”‪ ،‬ورغم‬ ‫علمي األكيد حينها أنه كان كاذباً‪ ،‬إال أنني أذكر‬ ‫صديق استشهد فيام بعد‪ ،‬أن يجهز‬ ‫أنني طلبت من‬ ‫ٍ‬ ‫يل بندقي ًة أمريكية‪ ،‬فكرهي القديم للسالح الرويس‬ ‫دفعني لذلك‪.‬‬ ‫وعندما أغرق يف التفكري أكرث‪ ،‬أجد أنه ال يبدو‬ ‫يوم كان ذلك‪ ،‬وال يبدو مه ًام أيضاً يف‬ ‫مه ًام يف أي ٍ‬ ‫أي ساع ٍة وقع األمر‪ ،‬وبكل األحوال لن يفيد يف يشء‬ ‫إحصاء أرقام الشهداء‪ ،‬وال رسد قصص موتهم‪ ،‬وال‬ ‫اإلطناب يف وصف عذاباتهم‪ ،‬ولن يفيد أيضاً وصف‬ ‫حال أهلهم‪ ،‬وأحبائهم‪ ،‬وكل من كان قريباً منهم‬ ‫لحظتها‪ ،‬أو تابع من بعي ٍد عرب الشاشات‪ ،‬أو عرب‬ ‫وسائل التواصل االجتامعي مقتلتهم الرهيبة‪ ،‬ولطاملا‬ ‫اعتربت أيضاً أنه لن يفيد تغيري صور ‘‘الربوفايالت’’‬ ‫الشخصية عىل ‘‘فيس بوك’’ و‘‘تويرت’’‪ ،‬وال إقامة‬ ‫‘‘إيفينتات’’ افرتاضية‪ ،‬وال الكتابة الصحفية‪ ،‬وال‬ ‫التقارير التلفزيونية‪ ،‬وال وصف شهود العيان ملا‬ ‫حصل‪ ،‬مناشدة العامل لن تنفع أيضا‪ ،‬وشتمه لن‬ ‫يقدم أو يؤخر‪ ،‬وأما التبايك عىل الشهداء والضحايا‪،‬‬

‫‪3‬‬


‫في مثل هذا اليوم‪:‬‬

‫لكوابيس من الموت‬ ‫أحالم النوم تحولت‬ ‫ٍ‬

‫‪4‬‬

‫كمال شيخو‬ ‫املكان‪ :‬عني ترما ‪ -‬غوطة دمشق الرشقية‬ ‫الزمان‪ 23 :‬آب‪/‬اغسطس ‪ ،2013‬الساعة ‪ 11‬صباحاً‬ ‫استوقفتها يف أحد شوارع عني ترما‪ ،‬وهي متيش باتجاه املقربة التي ُخصصت‬ ‫لضحايا السالح الكيميايئ‪ .‬بدا عليها التعب واإلرهاق‪ ،‬سألتها عن ضالتها‪ ،‬أجابتني‬ ‫بصوت حزين وعينّني محمرتني من البكاء‪ .‬تتحدث وتشري بكلتا يديها‪« :‬مات‬ ‫من عيلتي ‪ 14‬شخص من القصف ولسا يف مفقودين عم دور عليهم»‪ ،‬أم موىس‬ ‫امرأة يف عقدها الخامس‪ ،‬من عائلة الدباس إحدى العوائل التي فقدت الكثري‬ ‫من األحبة‪ .‬كانت تلبس السواد حداداً عىل من تويف من عائلتها وجريانها وأبناء‬ ‫قصف بالغازات السامة املحرمة دولياً‪ ،‬حيث استهدفت مدينة‬ ‫مدينتها جراء‬ ‫ٍ‬ ‫زملكا يف الغوطة الرشقية من ريف دمشق فجر يوم األربعاء ‪ 21‬آب‪/‬اغسطس‬ ‫العام املايض‪.‬‬

‫األربعاء األسود‬

‫تحقيقات‬

‫مدينة زملكا (‪ 4‬كلم رشق العاصمة السورية دمشق) تعرضت عند أوىل ساعات‬ ‫الصباح يوم ‪ 21-‬آب‪/‬اغسطس ‪ 2013‬إىل قصف شديد بعدد من الصواريخ‬ ‫تزامنت مع سقوط العرشات من قذائف الهاون‪ .‬وسادت حالة من الهلع‬ ‫واالرتباك بني أهايل املدينة جراء القصف‪.‬‬ ‫مراد (‪ 26‬سنة من سكان زملكا) شاهد عيان وأحد الناجني من املجزرة روى لـ‬ ‫(طلعنا عالحرية) أنه «يومها شعرت أن املوت أرسع من كل يشء‪ ،‬ميكن لو متت‬ ‫كان أرحم يل من حياتنا هي ييل عم نعيشها ونتذكر أعز الناس ييل ماتوا»‪ ،‬مراد‬ ‫وبعد عام من املجزرة أكد ّأن «بس من عيلتنا ماتوا ‪ 7‬أخي وزوجته وثالث أوالد‬ ‫بنتني وصبي‪ ،‬وعمي وابن عمي‪ ،‬ويف عيل مات لهم أكرث من عرش أشخاص‪ ،‬ويف‬ ‫عيل ما بقي من ذريتها حدا»‪.‬‬ ‫وبحسب شهود عيان من األهايل يومها سقط ‪ 6‬صواريخ كانت محملة برؤوس‬ ‫تحوي عىل غاز السارين‪ ,‬ترافقت بقصف مدفعي كان األعنف من نوعه عىل‬ ‫تلك املدينة منذ بدء الرصاع الدائر يف سورية منذ قرابة ثالثة أعوام ونصف‬ ‫السنة‪.‬‬ ‫تحولت اىل ركام وأنقاض؛ فالقصف العنيف‬ ‫املنازل والشوارع يف مدينة زملكا ّ‬ ‫طال العديد من أبنيتها وأحيائها العشوائية البسيطة‪ .‬جامع زملكا الكبري أقدم‬ ‫جوامع املدينة تعرض للقصف الذي طال مأذنته وهُ دم القسم العلوي منه‪.‬‬ ‫مراد أكد ّأن «القصف الذي أستهدف املدينة بعد منتصف الليل كان مختلطاً‬ ‫بني الصواريخ وقذائف الهاون‪ ،‬يومها سقط ‪ 6‬صواريخ وحوايل ‪ 20‬قذيفة هاون‬ ‫علينا»‪.‬‬ ‫أم موىس بحثت أليام وأيام عن باقي أفراد أرستها يف املشايف واملقربة الجامعية‬ ‫التي ُخ ّصصت لضحايا مجزرة «األربعاء األسود» كام أطلق عليه سكان زملكا‬ ‫والغوطة‪ .‬استذكرت لـ (طلعنا عالحرية) تلك الليلة قائلة‪« :‬حوايل الساعة ‪ 3‬الفجر‬ ‫سمعنا صوت عايل من الجريان قالولنا عم ننقصف بالكيميايئ‪ .‬ارتعبنا وخفنا كتري‬ ‫وما حسنت أطلع من البيت‪ ،‬بقيت للساعة ‪ 11‬الصبح حتى هدي القصف‪،‬‬ ‫بعدها ركضت لعند بيت أهيل كان بقرب البلدية ييل سقط عليها صاروخ‪ ،‬كان‬ ‫ميت منهم ‪ 14‬شخص»‪ ،‬وكانت الصدمة كبرية عليها‪ ،‬رفعت يديها وهي تدعو‬ ‫وتقول‪« :‬حسبي الله ونعم الوكيل»‪.‬‬

‫ضحاياها أبرياء‬

‫وفقاً لروايات أهايل املدينة وشهود عيان ال يزالون أحياء‪ .‬تعرضت خمس‬ ‫مناطق من مدينة زملكا للقصف الصاروخي واملدفعي املحمل مبواد كيمياوية‪،‬‬ ‫واملناطق التي سقط عليها الصواريخ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬القسم الجنويب من مقسم الهاتف‪ - 2 .‬جانب مدرسة أم مازن للبنني‪.‬‬ ‫‪ - 3‬جامع التوفيق‪ - 4 .‬جنوب مزرعة مصطفى الخطيب‪ - 5 .‬املقربة القدمية‪.‬‬

‫حصيلة املجزرة بحسب املكتب الطبي املوحد للغوطة الرشقية جراء إصابتهم‬ ‫باستنشاق الغازات السامة ناهز ‪ 700‬شخص من مدينة زملكا لوحدها‪ ،‬وحوايل‬ ‫‪ 1500‬شخص من باقي مناطق الغوطة الرشقية‪.‬‬ ‫أم سعيد (‪ 30‬سنة‪ -‬ممرضة) كانت متطوعة يف مشفى ميداين مبدينة زملكا‪ .‬تروي‬ ‫ما تتذكره يف الساعات األوىل من وقوع املجزرة‪ .‬تحدثت لـ (طلعنا عالحرية)‬ ‫عج باملصابني لحظة وصولهم‪ ،‬وأشارت‪« :‬يومها وصل‬ ‫عن املشفى امليداين الذي ّ‬ ‫عدد املصابني لعندنا لحوايل ‪ 500‬شخص‪ ،‬الحاالت كانت تظهر عليها اختالجات‬ ‫وهذيان وحدقة العني دبوسية مع غياب عن الوعي‪ .‬والحاالت الشديدة كانت‬ ‫يف سبات كامل ويخرج الزبد األبيض من فمهم»‪ .‬وأضافت‪« :‬نقطة الطري الطبية‬ ‫امليدانية سقط عليها قذيفة هاون ومات ثالثة ممرضني من الكادر الطبي»‪.‬‬ ‫إحصائيات أعداد املصابني والقتىل ناهزت ‪ 10‬آالف مصاب خالل ‪ 24‬ساعة‪.‬‬ ‫مات منهم حوايل من ‪ 1500‬شخص بحسب سجالت وبيانات ‪ 17‬نقطة طبية‬ ‫ميدانية كانت مستنفرة يومها‪ .‬وبلغ عدد القتىل املوثقني باالسم ‪ 1466‬ضحية‪.‬‬ ‫وكانت هناك جثث يف مناطق عني ترما وجوبر وزملكا تفسخت تحت األنقاض‬ ‫أو حرقت نتيجة القصف الشديد‪.‬‬ ‫الدكتور ماجد أبو عيل (‪ 34‬سنة‪ -‬طبيب أسنان) منسق العالقات العامة‬ ‫والخارجية يف املكتب الطبي املوحد يف الغوطة الرشقية ‪-‬جهة طبية مستقلة‪-‬‬ ‫أكد لـ (طلعنا عالحرية) أنه «أول ‪ 6‬ساعات بعد وقوع املجزرة مات ‪ 600‬مصاب‪،‬‬ ‫منهم ‪ 60‬شخص بعد أقل من ساعتني كون حالتهم كانت شديدة‪ ،‬وكان هناك ‪17‬‬ ‫نقطة طبية ميدانية مستنفرة يف كل مناطق غوطة دمشق الرشقية»‪.‬‬

‫وتبقى الذكرى‬

‫أهايل مدينة زملكا وبعد مرور عام من املجزرة يروون أنها أصبحت مدينة‬ ‫لألشباح بعد القصف‪ .‬فالقلة من األهايل بقوا واختاروا تحدي املوت‪ .‬وقال أحد‬ ‫سكان املدينة ممن تبقوا فيها وهو يرفع يديه‪« :‬ييل كان السبب الله ينتقم‬ ‫منه»‪ ،‬دون اإلشارة إىل جهة‪.‬‬ ‫األهايل دفنوا موتاهم يف مقربة جامعية خصصت لضحايا املجزرة بالقرب من‬ ‫املقربة القدمية‪ .‬دفنوهم يف قبور جامعية صغرية حفرت بالرتيكس‪ .‬لفوهم‬ ‫بوشاح أبيض وال يفصل بني الجثة واألخرى يشء‪ .‬األعداد كانت كبرية‪.‬‬ ‫أبو إبراهيم (‪ 50‬سنة من سكان زملكا) أحد الناجني‪ ،‬ماتت والدته وأبن آخيه‬ ‫و‪ 5‬أشخاص من عائلته‪ .‬أعرب عن حزنه قائ ًال‪« :‬دفنتهم بأيدي هي‪-‬مشرياً اىل‬ ‫كلتا يديه‪ -‬يف املقربة الجامعية‪ ،‬بلباس النوم‪ ،‬لفيناهم بشاش أبيض‪ ،‬كل ما بتذكر‬ ‫األحبة ييل فقدناهم باملجزرة بشعر بالحزن واألمل»‪.‬‬ ‫إياد (‪ 24‬سنة مسعف) كان يعمل متطوعاً يف نقطة الهالل األحمر السوري‬ ‫يف مدينة دوما بريف دمشق‪ .‬عرب عن املأساة التي عانوها بعد مرور عام من‬ ‫املجزرة وع ّلق لـ (طلعنا عالحرية)‪« :‬أصيب معظم الكادر املسعف نتيجة عدم‬ ‫توفر األقنعة الواقية والبزات الواقية أثناء قيامهم بعمليات اإلخالء واإلسعاف»‪.‬‬ ‫صعوبة التجول يف شوارع أحياء زملكا وجوبر وعني ترما‪ ،‬بسبب الركام املتناثر يف‬ ‫وسط وجوانب الطريق‪ .‬أبنية كاملة سقطت وتحولت إىل ركام‪ .‬شوارع مزدحمة‬ ‫بأكوام الحجارة والحديد جراء القصف‪ ،‬ورائحة املوت والحريق انترشت يف كل‬ ‫مكان‪ .‬أسالك الكهرباء كانت متساقطة عىل األرض‪.‬‬ ‫سليم (‪ 22‬سائق سيارة إسعاف) التابعة للهالل األحمر السوري أردف لـ (طلعنا‬ ‫عالحرية) أنه «كنا نضطر ترك الجثث يف بيوتها وكنا نسعف فقط األحياء‬ ‫املصابني لنتمكن من إنقاذ من بقي عىل قيد الحياة»‪.‬‬ ‫بعد عام يحيي أهايل غوطة دمشق الرشقية ذكرى املجزرة التي راح ضحيتها‬ ‫حوايل ‪ 1500‬شهيد‪ .‬ج ّلهم من األطفال والنساء والشيوخ‪ ،‬اختناقاً بغاز السارين‬ ‫املح ّرم دولياً‪ ،‬هذه الذكرى التي ستبقى راسخة يف ذاكرة سكان املنطقة وسائر‬ ‫السوريني تتناقلها األجيال‪.‬‬


‫الغوطة الشرقية‬ ‫بعد عام من مجزرة الكيماوي‬ ‫‪5‬‬

‫أبو القاسم السوري‬

‫مقاالت‬

‫قبل عام وتحديداً يف ‪ 21‬أب استيقظت الغوطة‬ ‫الرشقية عىل حالة رعب وذهول ال ميكن وصفهام‪،‬‬ ‫فنظام األسد قام بقصف مناطق زملكا وعني ترما‬ ‫وجوبر باألسلحة الكياموية! ومع تتايل ساعات ذلك‬ ‫النهار املرعب بدأت تتجىل بشاعة تلك الجرمية‬ ‫فأعداد الشهداء بازدياد مطرد يف كل ساعة يزداد‬ ‫العدد باملئات حتى تجاوز العدد األلف‪ ،‬ويف خضم‬ ‫حالة الرعب والذهول بدأت تنترش صور املجزرة‪،‬‬ ‫ومع كل صورة يعتمل داخل كل سوري الغضب‬ ‫والحقد عىل هذا النظام املجرم‪ ،‬فكيف يقدم هذا‬ ‫الوحش عىل قتل األطفال بهذه الطريقة‪ ،‬وعندما‬ ‫تسأل أي مواطن يف الشارع كان رده مبارشة ال بد‬ ‫أن يحاسب األسد ونظامه عىل فعلته‪ .‬وارتفعت آمال‬ ‫الشعب السوري يف حينها فالدول الغربية بدأت‬ ‫باتخاذ مواقف علنية وعىل رأسها الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية تيش بأن هناك رضبة عسكرية ولو كانت‬ ‫محدودة ضد نظام األسد‪ ،‬ولكن لعبة السياسية‬ ‫تدخلت وصوت املصالح ارتفع عىل صوت املبادئ‬ ‫فالصفقة األمريكية – الروسية القاضية بأن يسلم‬ ‫األسد السالح الكياموي كانت كافية بدرء رضبة‬ ‫عسكرية كان الغرب أصال مرتدداً فيها‪ ،‬ولتظهر عورة‬ ‫املجتمع الدويل أمام الشعب السوري ولسان حاله‬ ‫يسأل‪ ،‬هل أصبح السالح الكياموي الذي هو باألساس‬ ‫ملك الشعب السوري وليس ملك األسد أغىل من‬ ‫أرواح السوريني؟‬ ‫وقد أدرك أهل الغوطة الرشقية بعد الرضبة‬ ‫الكياموية الحقيقية التالية أن نصيبهم من العنف‬ ‫والقتل لن يجاريه أي عنف يف كل سوريا‪ ،‬فالنظام‬ ‫يدرك أن التهديد الحقيقي لبقائه ينبع أساساً من‬ ‫الغوطة الرشقية حرصاً‪ ،‬لذلك فقد اتبع جرمية‬ ‫الكياموي بجرمية ال تقل عنها خطورة وهي جرمية‬ ‫الحصار املفروض عىل الغوطة الرشقية منذ حوايل‬ ‫عام‪ ،‬لتصبح حياة أهل الغوطة أقرب إىل الجحيم ففي‬ ‫كل يوم قصف وجوع وغياب كل أنواع الخدمات‪...‬‬ ‫حياة يلفها املوت من كل جنباتها وإن اختلف طعم‬ ‫وطريقة هذا املوت‪ ،‬حياة غاب عنها األمل‪ ،‬فابن‬ ‫الغوطة الرشقية اليوم عندما تسأله عن مجزرة‬ ‫الكياموي فهو ال يفصلها عن سلسلة مجازر ابتدأت‬ ‫مبداهامت وإعدامات ميدانية وقصف راجامت‬ ‫وغارات طائرات وأسلحة كياموية وعن املوت جوعاً‬ ‫وقهراً‪ ،‬ومع ذلك مازالت الغوطة الرشقية صامدة‬

‫شامخة يف وجه هذا النظام املجرم ولكن السؤال‬ ‫األهم الذي يجب أن يسأل بعد عام من مجزرة من‬ ‫الكياموي إىل متى سوف تبقى الغوطة الصامدة؟‬ ‫سؤال يطرح ليس لبث اليأس بالنفوس بل لطرق‬ ‫نواقيس خطر‪ ،‬أعتقد أننا إن مل نطرقها اآلن فإننا لن‬ ‫نستطيع طرقها أبداً‪ ،‬فقراءة بسيطة لطبيعة األوضاع‬ ‫الحالية تتنبأ مبا ييل‪:‬‬ ‫الوضع العسكري اليوم يف الغوطة الرشقية ليس‬ ‫جيداً خاصة بعد أن استطاع النظام احتالل املليحة‬ ‫ليصبح القطاع األوسط يف الغوطة الرشقية والذي‬ ‫يحوي القسم األكرب من السكان مهدداً بشكل خطري‬ ‫جداً‪.‬‬ ‫الوضع االقتصادي حيث أصبحت الحياة االقتصادية‬ ‫وخاصة ما يتصل بالناحية الغذائية مرتبطة عضوياً‬ ‫بشكل شبه كامل مع ما يسمح النظام به لتجار‬ ‫التهريب بإدخاله بطرق التهريب؛ أي أن األمن‬ ‫الغذايئ يف الغوطة الرشقية هو فعلياً بيد النظام‪.‬‬ ‫الوضع السيايس حيث هناك حالة من غياب رؤية‬ ‫سياسية تجمع الغوطة الرشقية لجهة إدارة ملفات‬ ‫مهمة تتصل بحياة الناس كغياب األمان ومالحقة‬ ‫اللصوص واملوقف من أطروحات الهدنة أو التهدئة‬ ‫أو وجود قضاء حقيقي وفعيل‪.‬‬ ‫الوضع االجتامعي والذي يعترب هو األسوأ عىل‬

‫اإلطالق فالحالة االجتامعية يف الغوطة الرشقية‬ ‫يف الحضيض نتيجة حالة الترشذم االجتامعي الذي‬ ‫تعانيه أرس الغوطة الرشقية باإلضافة إىل تفيش‬ ‫األمراض االجتامعية بكافة أشكالها‪.‬‬ ‫الوضع األمني حيث تعاين الغوطة الرشقية من غياب‬ ‫ألجهزة أمن حقيقية قادرة عىل إنصاف املظلوم أو‬ ‫منع التعديات التي قد يتعرض لها املواطن العادي‪.‬‬ ‫ونتيجة كل ذلك أعتقد أننا عندما نستذكر اليوم‬ ‫مجزرة الكياموي يجب أن ال يغيب عن بالنا مجزرة‬ ‫ارتكبت خالل عام كامل كان النظام وأخطاؤنا‬ ‫رشيكني فيها‪ ،‬وهدفها هو قتل الثورة السورية يف‬ ‫أهم معاقلها وهي الغوطة الرشقية‪ ،‬وإذا كنا حقاً‬ ‫نريد إنصاف شهداء الكياموي من هذا املجرم فعلينا‬ ‫أوالً أن نقف موقف صدق ورصاحة مع أنفسنا‬ ‫وأن نعيد ترتيب بيتنا الداخيل ليك نستطيع أن‬ ‫نسرتجع القدرة واإلمكانية للعمل عىل إسقاط من‬ ‫ارتكب هذه الجرمية‪ ،‬فالعامل أجمع لن يسقط نظام‬ ‫األسد إال إذا أسقطه الشعب السوري بنفسه‪ ،‬وهذا‬ ‫الحلم لن يتم طاملا تتقاذفنا االنتامءات األيدلوجية‬ ‫والسياسية واملذهبية؛ فهذا سلفي أو صويف أو‬ ‫أشعري أو إخوان أو علامين أو ليربايل أو اشرتايك‪...‬‬ ‫نحن اليوم بحاجة إىل مرشوع وطني تحرري يقوم‬ ‫عىل أساس صهر القدرات العسكرية للثورة ضمن‬ ‫جيش وطني بعيد عن االنتامءات‬ ‫واأليدلوجيات ويف نفس الوقت بناء‬ ‫القيادة السياسية الحقيقية القادرة‬ ‫عىل استحضار األمل وبثه يف صدور‬ ‫الشعب السوري‪.‬‬


‫النائمون‬ ‫هاال محمد‬

‫‪6‬‬

‫عام مىض عىل اختناق الغوطة الرشقية رئة الشام‪.‬‬ ‫عام مىض عىل املخنقة‪.‬‬ ‫عام مىض عىل نوم ألف وخمسمئة مواطن سوري ومواطنة سورية‪ .‬اس ًام اس ًام…‬ ‫مواطناً مواطناً ومواطنة مواطنة‪ ،‬يف نوم أبديّ ‪.‬‬ ‫أصدقايئ يعددون أسامء أحبتهم ممن رحلوا فيها… أصدقايئ من قلب الغوطة‬ ‫ممن نجا من املخنقة يذكرون أسامء األطباء الذين آثروا الحصار عىل النجاة…‬ ‫فاختنقوا يف املسشفيات واملستوصفات‪ .‬يضعون صورهم وكالمهم فيختنق النظر‬ ‫بالدمع ‪.‬‬ ‫ميض‪ ،‬وعادت الغوطة منبت الثوار واألبطال ومالذهم التاريخي يف‬ ‫كأن املايض مل ِ‬ ‫صدّهم للمستعمر عن أرض سوريا‪.‬‬ ‫الغوطة حاضنة اجتامعية وطنية… تصدّر الهواء النقي للشام منذ تاريخها‪.‬‬ ‫الشجر فيها والحجر والناس شاركوا يف ثورات السوريني…‬ ‫ألف ألف شجرة ماتت رمبا وألف زهرة وألف حجر وحجر‪.‬‬ ‫رستهم… وال تفهم‬ ‫البيوت ذبلت حيطانها وهي تحتضن إغامءة أهل البيت يف أ ّ‬ ‫كيف ال يستيقظون للشغل‪ ،‬للطبخ‪ ،‬للعب‪ ،‬للهو‪ ،‬للكالم‪ ،‬للضحك‪ ،‬للتنفس… مل‬ ‫تفهم األشجار كيف صمتت العصافري‪ .‬كيف اصف ّر الهواء العليل وهوى‪.‬‬ ‫األفران‪ ،‬ما بها؟ أين ذهب ّ‬ ‫صف الناس الذين كانوا ميدون أيديهم كل صباح من‬ ‫أجل رغيف من الحياة؟!‬ ‫القاتل… جهز يف الليل‪ ،‬يف لحظة سعادة رمبا‪ ،‬جرميته… وانتظر خرب رحيل‬ ‫العائالت يف نوم أبدي… أغلق باب القرص وصهصه ضاحكاً بانتصاره عىل الناس‬ ‫النيام!‬ ‫عام مىض عىل رحيلكم‪ .‬عام مىض عىل الصمت السوري والعريب والعاملي عىل‬ ‫املجزرة‪.‬‬ ‫ضمري الكون املخنوق اعترب موتنا حقيقة ثابتة غري قابلة للطعن مسجلة ض ّد‬ ‫مجهول طاملا أننا مل نستطع يف لحظة موتنا تصوير الجرمية ومل نستطع أن نجرب‬

‫القاتل قبل موتنا بثوان‪ ،‬قبل اختناقنا بغاز السارين بلحظة أن ننتزع من القاتل‬ ‫اعرتافاً بأنه القاتل‪.‬‬ ‫فليسامحنا هذا العامل الط ّيب… ألننا اختنقنا‪ .‬كانت جرعة الغاز كبرية حجبت‬ ‫عنا كل إمكانية تنفس‪ ،‬حتى أن الكثري منا مل يفق من نومه‪ ،‬ترشدق باملوت‪،‬‬ ‫واعتقد أنه يف كابوس مرير… يا لهذا املوت الخانق الذي اختنقنا به!‬ ‫متس يدها يدنا… مثة عدالة ظاملة مل تستطع الوصول يف الوقت‬ ‫مثة عدالة لن ّ‬ ‫الصواب ليك تشهد‪.‬‬ ‫هل تكون عدالة تلك التي تدعي العدالة وال تصل؟!‬ ‫هيأ القاتل جرميته يف هدأة ليل دمشقي جميل… يف مساء من مساءات وطننا‬ ‫الحبيب بعد أن توقفت أحاديث السمر وضحكات الصغار وتنهدات العشاق‬ ‫والنظرات الحاملة تسرتها قناديل الكاز التي عادت لصدر البيوت‪ .‬تف ّرق الجميع‬ ‫وراحت الغوطة الرشقية تغط يف نوم حامل …‬ ‫الشجر والبيوت واألطفال والرجال واألمهات والزوجات والشباب والصبايا…‬ ‫ما أجمل السوريني وهم أحياء!‬ ‫مواطناً مواطناً… مواطنة مواطنة… ترسب الغاز إىل نومهم فلم يستطيعوا أن‬ ‫يفيقوا ليتحققوا من موتهم‪ .‬حاولوا ومل يستطيعوا‪ .‬مل يفهموا! ليس موتاً هذا‬ ‫املوت!‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هو املوت األش ّد غدرا واألش ّد قهرا وإنني أختنق مبوتهم كل يوم وأشعر أنني‬ ‫عدم‪.‬‬ ‫والسمر‪ .‬حقل‬ ‫الغوطة الرشقية رئة الشام… ووعاء املقاومة واملشاوير ّ‬ ‫البطوالت… ومنبت الرجال‪.‬‬ ‫هناك وقف ثوار الشام وهناك قاوموا… هناك حيث التاريخ وطريق العربات‬ ‫املحملة بالطحني واألغاين واألمل والحكايات والشجاعة ‪.‬‬ ‫ال متوت الشجاعة…‬ ‫باريس ‪21/8/2014‬‬

‫مقاالت‬


‫حلبجة السورية‬ ‫بسام األحمد*‬

‫‪7‬‬

‫املتحدث اإلعالمي باسم مركز‬ ‫توثيق االنتهاكات يف سوريا‬

‫مقاالت‬

‫إ ّنها الساعات األوىل من اليوم الواحد‬ ‫والعرشون من شهر آب امللتهب‪ ،‬ال مت ّر أكرث من‬ ‫ساعتني من ذلك اليوم حتى يتحول فجأة إىل‬ ‫نقطة ع ّالم يف تاريخ سوريا والبرشية جمعاء‪....‬‬ ‫كنت قبل وقوع الحادثة كاملعتاد أقوم بواجبايت‬ ‫اليومية يف توثيق انتهاكات حقوق اإلنسان وأتبادل‬ ‫الحديث بني الفينة واألخرى مع مديريت رزان‬ ‫زيتونة‪ ،‬نتناقش يف أمور الثورة ومآالتها وكيف‬ ‫ّأن أرقام الضحايا باتت ترتفع بشكل تدريجي‬ ‫وأصبحت املجازر اليومية سمة بارزة من سامت‬ ‫املشهد السوري‪ ،‬فجأة يقطع ذلك الحديث ك ّله‬ ‫خرب عاجل عن استخدام مواد سا ّمة يف الغوطة‬ ‫الرشقية لنبدأ رحلة البحث والتحقق من املصادر‬ ‫وجمع املعلومات ومحاولة الوصول إىل شهود‬ ‫عيان (مستيقظني)‪ ...‬أتذكر متاماً مقطع الفيديو‬ ‫األول الذي انترش مثل النار يف الهشيم وكان يظهر‬ ‫فيه مجموعة من املدنيني جميعهم من األطفال‬ ‫والنساء – يف باحة أحد املستشفيات – وكانوا‬ ‫يحملون قطعاً قامشية صغرية يغطون بها أفواههم‬ ‫وأنوفهم محاولني عدم استنشاق غازات أكرث‪ ،‬بينام‬ ‫كانت أصوات السيارات التي شاركت يف عمليات‬ ‫اإلجالء األوىل مت ًال ذلك املقطع صخباً وضجيجاً‬ ‫ينذر بكارثة إنسانية كبرية ‪....‬‬ ‫ما هي إال ساعات قليلة بعد ذلك الهجوم‬ ‫املريع حتى امتألت جميع النقاط الط ّبية واملشايف‬ ‫امليدانية بآالف املصابني ومئات الضحايا كان عدد‬ ‫األطفال والنساء طاغياً عىل املشهد وكانت جميع‬ ‫اللوحات تشرتك يف الهيئة التي بدا عليها الشهداء‬ ‫حيث كانوا يبدون وكأنهم غارقون يف نوم عميق‪،‬‬ ‫ثم تتالت األخبار عن قصف مدينة املعضمية‬ ‫يف غوطة دمشق الغربية مبواد سامة أيضاً فقد‬ ‫سقطت العديد من الصواريخ كان أحدها محم ًال‬ ‫برؤوس كياموي يحمل غاز السارين القاتل‪ ،‬وأيضاً‬ ‫تواردت األخبار عن قصف حي جوبر يف دمشق‬ ‫باملواد نفسها‪ ،‬وقد لعب توقيت الرضبة دوراً‬ ‫رئيسياً يف ازدياد أرقام الشهداء حيث أنها وقعت‬ ‫يف ساعات الفجر األوىل حيث كان معظم املواطنني‬ ‫نياماً أو يعتلون أسطح املنازل مكاناً للنوم بسبب‬ ‫شدّة وارتفاع الحرارة يف مثل هكذا فصل يف السنة‬ ‫إضافة إىل األعداد الهائلة للمصابني والقتىل‪..‬‬ ‫بعد بزوغ فجر ذلك اليوم وعند ساعات الصباح‬ ‫األوىل‪ ،‬بدا للعامل أكرث حجم وهول املجزرة يف ظل‬

‫عجز واضح للكوادر الط ّبية بسبب نقص هذه‬ ‫الكوادر ونقص وانعدام األدوية ملعالجة مثل‬ ‫هكذا حاالت يف مناطق مىض عىل حصارها أكرث‬ ‫من عام‪ ،‬قالها يوم ذلك أحد األطباء «أكرب مشايف‬ ‫العامل عاجزة عن استقبال ومعالجة هذه الحاالت‬ ‫التي بلغت أكرث من ستة آالف إصابة»‪ ،‬وإضافة‬ ‫إىل املصابني باملواد الكياموية كان القصف بأنواع‬ ‫أخرى من األسلحة مستمراً ومل يتوقف إطالقاً‬ ‫وتحديداً يف األماكن القريبة من سقوط الصواريخ‬ ‫املح ّملة برؤوس كياموية رغبة من قوات النظام‬ ‫يف طمس األدلة ومحو آثار الجرمية البشعة ضد‬ ‫املدنيني يف ذلك اليوم‪.‬‬ ‫كان اليشء املربك والغريب يف األمر وخاصة عند‬ ‫من يس ّمي نفسه «باملعارضة» الداخلية‪ ،‬االستفسار‬ ‫القائل‪ :‬هل من املعقول أن يقوم النظام باستخدام‬ ‫السالح الكياموي يف حضور لجنة التحقيق الخاصة‬ ‫بالكياموي نفسه؟ والتي أنشأت من قبل األمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬ومل متر عدة أيام عىل الهجوم حتى قامت‬ ‫األمني العام بتوسيع صالحيات اللجنة ليشمل أيضاً‬ ‫هجامت الغوطتني وذلك بالرغم من مامطلة النظام‬ ‫ومحاولة إعاقة عمل اللجنة بكل الوسائل‪ ،‬لتدخل‬ ‫اللجنة بعد ذلك وتجري تحقيقات مستقلة وتجري‬ ‫عرشات اللقاءات مع املصابني والكوادر الطبية‬ ‫وتزور مكان سقوط الصواريخ وتحلل العينات‬ ‫املأخوذة وتخلص بعد فرتة وجيزة إىل استعامل غاز‬ ‫السارين بكميات مهولة يف هجامت ‪ 21‬آب ‪،2013‬‬ ‫لتأيت تأكيدات لجنة التحقيق الدولية املستقلة‬

‫حول سوريا – التي أنشأت من قبل مجلس‬ ‫حقوق اإلنسان يف العام ‪ - 2012‬وتؤكد أن املواد‬ ‫قد أخذت من مخازن تابعة لجيش النظام‪ ،‬وذلك‬ ‫يف إشارة واضحة إىل تورط النظام بهذه املجزرة‪،‬‬ ‫وقد خلصت بعض التحقيقات األخرى التي أجرتها‬ ‫بعض املنظامت العاملية األخرى إىل تحديد أنواع‬ ‫الصواريخ املستخدمة ( ‪ 330‬مم و ‪ 140‬مم ) وهي‬ ‫من نوع أرض – أرض وقادرة عىل حمل رؤوس‬ ‫كياموية وال متتلكها قوات املعارضة بل متتلكها‬ ‫قوات األسد فقط ‪...‬‬ ‫مل تكن الضجة اإلعالمية التي أعقبت ذلك‬ ‫الهجوم والرضبة األمريكية املزعومة رادعاً لنظام‬ ‫األسد يف عدم إعادة استخدام العنارص الكياموية‬ ‫والغازات السامة الحقاً‪ ،‬فقد استطاعت املراكز‬ ‫الحقوقية توثيق عرشات الهجامت بغازات متنوعة‬ ‫وعىل رأسها غاز الكلور‪ ،‬وكانت آخر هجمة يف‬ ‫الذكرى السنوية األوىل ملجزرة الكياموي لرتتفع‬ ‫عدد الهجامت الكياموية واملواد السامة إىل أكرث‬ ‫من سبعني هجوماً مخ ّلفة أكرث من (‪ )1500‬ضحية‬ ‫نسبتهم الساحقة من املدنيني وأكرث من اثنا عرش‬ ‫ألف مصاب‪ ،‬يف ظل عجز دويل مشني وإفالت من‬ ‫العقاب كان سبباً بسقوط أكرث من ثالثني ألف‬ ‫قتيل إضايف عىل يد قوات النظام منذ تاريخ تنفيذ‬ ‫مجزرة الكياموي ولكن بأساليب موت مختلفة‬ ‫أخرى ‪...‬‬


‫يوم سقوط البشرية‬ ‫أحمد تي‬

‫‪8‬‬

‫تحقيقات‬

‫“ساعدين عمو‪ ..‬ساعدين عمو أنا عايشة‪ ..‬أنا بالجنة‪ ..‬وينا أمي؟!‬ ‫ساعدين عمو أنا عايشة أنا ويني ؟! أنا بالجنة؟!!”‬ ‫إنها الطفلة مينى التي اعتربت بقاءها عىل قيد الحياة يف ذلك اليوم أشبه بالحلم‪،‬‬ ‫فتتحسس جسدها تارة‪ ،‬وترصخ تارة أخرى‪ ،‬وتسأل لتصدق أنها “عايشة”!‬ ‫آب اللهاب كام يسميه البعض‪ ،‬و تحديداً يوم الواحد والعرشين من العام املايض‪،‬‬ ‫استيقظ فيه العامل عىل كارثة إنسانية ال توصف‪ ،‬فال وجود للمنطق أو للواقع يف‬ ‫وص َح ْو وآخرين َبقوا نياماً حتى‬ ‫أناس نيام َ‬ ‫ذلك اليوم‪ ،‬إمنا هو أشبه بخيالٍ ما بني ٍ‬ ‫اآلن‪ ،‬مبجزرة مروعة ارتكبها النظام راح ضحيتها أكرث من ‪ 1400‬شهيد يف غوطتي‬ ‫دمشق ‪ 67%‬منهم نساء وأطفال ُق ِتلوا بصواريخ محملة برؤوس كياموية َّ‬ ‫حطت‬ ‫بأحياء َمدن َّية بشكل مبارش‪ ،‬ليقف العامل قلقاً ومذهوالً حتى يومنا هذا من عام‬ ‫مىض‪ ،‬ولكنه مل ميض من أذهان سوريني كرث‪.‬‬ ‫“كانت الصواريخ عم تنزل والعامل عم ترصخ وزوجتي تقول العامل عم تنادي‬ ‫كياموي‪ ..‬كياموي” يقول أبو حسن املسعف‪“ :‬فنزلت ألسعف شفت كيف كان‬ ‫الناس عم يجوا مخنوقني بأعداد كبرية فاضطريت أسعف كل م ّرة أكرث من ‪12‬‬ ‫إصابة بالسيارة وبكل مرة استشهد معي كرث فأقوم بتقبيلهم‪ ...‬أسعفت ألكرث‬ ‫من ساعتني قبل أن أشعر بتضخم يف قلبي وأغيب عن الوعي‪ ،‬وكانوا عم يقولوا‬ ‫استشهد الله يرحمو حتى إين كنت لح صدق إين متت عن جد بعد وصويل إىل‬ ‫الرتبة”‬ ‫األمر الذي سألنا عنه أبو يارس الذي يعمل بالدفن‪“ :‬كانت عملية الدفن مرهقة‪،‬‬ ‫استمرت ملدة ثالثة أيام وكان نصيبي منها ‪ 24‬ساعة‪ ،‬فأعداد الشهداء ال ميكن‬ ‫وصفها من نساء وأطفال‪ ،‬بعد أن كانوا يحرضونهم بكافة وسائل النقل من‬ ‫سيارات ودراجات نارية‪ ،‬وال تستغرب أو تتعجب إن قلت لك وعربات‪.‬‬ ‫دفنت ‪ 90‬طف ًال و‪ 280‬شهيداً و‪ 90‬شهيداً مجهويل الهوية‪ ،‬و كان منهم شخص‬ ‫ُد ِفنَ وهو عىل قيد الحياة وجدناه رافعاً يده من تحت الرتاب ولكن بعد فوات‬ ‫األوان! وآخرين قمنا بإنقاذهم بعد أن دفناهم”‬ ‫األرقام‪ ..‬مل تبق يف سجون ومعتقالت النظام الجهنمي بل الحقت املكلومني‬ ‫لذلك اليوم‪.‬‬ ‫التقطت صوراً لجثامني الشهداء وأعطي كل شهيد رق ًام لينتظر دوره ليصبح‬ ‫معلوم الهوية‪.‬‬ ‫يكمل لنا أبو حسن‪:‬‬ ‫“بعد ما أخدوين ليدفنوين ومتل ما بتعرفوا كان الدفن يومها مبقابر جامعية‬ ‫وكل شهيد له رقم وكان رقمي ‪ !5‬و بلش الع ّد من الواحد لألربعة كنت حاسس‬ ‫عليهن‪ ،‬وعم شوف بس بشكل مستقيم ما بقدر حرك عيوين ميني أو يسار‪..‬‬ ‫(خمسة) ملا قالو هالرقم كأن حدا طعني بسكني برايس‪ ,‬فحملوين وحطوين بالقرب‪،‬‬ ‫وأول ما ملس جسمي األرض حسيت بحدا سحب السكني من رايس فاستيقظت‬ ‫وتعالت التكبريات”‬ ‫مع بزوغ الفجر أخذت الكارثة تأخذ أشكاالً مرعبة وبدأت أعداد الشهداء تتزايد‬ ‫برسعة جنونية‪.‬‬ ‫ُيع ّلق أبو عبد الله الدرعاوي ُم َم ِّرض يف إحدى النقط الطبية‪:‬‬ ‫“استيقظنا عىل جثث من جميع األعامر متأل أرضية املشفى‪ ,‬امتألت جميع النقط‬ ‫الطبية فكانت الحادث ُة صادم ًة‪ ,‬مل نكن مستعدين‪ ..‬مل نتوقع أن يصل حجم‬ ‫اإلجرام لهذا الحد ال ندري ماذا حصل؟!‬ ‫األمر الذي أكده الدكتور فارس دوما أخصايئ بأمراض القلب واألوعية‪“ :‬كانت‬ ‫ليلة قائظة؛ ال كهرباء وال مكيفات‪ ،‬فأغلب الناس تنام بأخف ما ميكن من‬ ‫مالبس‪ ،‬لذلك جميع األطفال كانت بالشورتات‪ ،‬كذلك حال النساء فعند وصول‬

‫الحالة يجب تحميمها‪ ،‬و تخليل املاء بشعورها‪ ،‬وال يوجد كوادر نسائية تكفي‬ ‫عدد الحاالت املصابة‪ ،‬فكانت الصاعقة بالتعامل مع الوضع املؤسف”‬ ‫يتابع د‪ .‬فارس دوما‪“ :‬الذي أثر يب كثرياً كيف َّأن الناس أخذت تبادر بخلع‬ ‫املراييل وجلب الرشاشف لتغطية املصابني‪ ،‬فمجتمعنا مجتمع محافظ‪ ،‬وشعرت‬ ‫بالعجز والفخر بهذا املجتمع املحب للسرتة”‬ ‫ليكمل لنا أبو عبد الله‪:‬‬ ‫عب عن طفلة‬ ‫“كانت حالتي مأساوية ألبعد الحدود‪ ..‬ال ميكن للكلامت أن ُت ِّ‬ ‫عمرها ال يتجاوز الـ‪ 3‬شهور كانت تحاول أن تستنشق الهواء‪ .‬لكن أي هواء‬ ‫تريد ان تـأخذه؟‪ ,‬فهي استنشقت املوت وماتت بني يدي‪ ,‬مل يكن باليد حيلة‬ ‫فأكرث ما ميكننا تقدميه هو البكاء فوق رؤوس الشهداء واملصابني بسبب النقص‬ ‫الحاد باملواد والكوادر الطبية”‬ ‫لريوي لنا د‪ .‬فارس حالة متأثراً بها‪:‬‬ ‫“أم وبجانبها طفالها ‪-‬وجميعهم يحترضون‪ -‬كانت تعتقد إن أنقذناها سنُهمل‬ ‫أوالدها‪ ,‬فكل ما اقرتبت منها كانت تبعد يدي عنها وتنظر إىل أوالدها وتشري‬ ‫لهم‪ ,‬وهي تحترض ثم‪ ..‬استشهدوا جميعاً!”‬ ‫من مل ميت َّ‬ ‫ترشد ومازال إىل اليوم يبحث عن ابنه أو أمه أو زوجته‪ .‬وكثريون‬ ‫دُفنوا دون شاهدة عىل قبورهم ال يعلم بحقيقة أسامئهم إال الله‪.‬‬ ‫ليكمل لنا د‪ .‬فارس‪:‬‬ ‫“تتكون العائلة من عدة أفراد‪ ،‬رمبا كان أحدهم عند صديقه‪ ،‬أو نزح إىل منطقة‬ ‫أخرى‪ ،‬أو عىل الجبهات‪ ،‬فمن سيعرف هذه العائلة إذا استُش ِه َد جميع أفرادها‬ ‫وبقي أحدهم؟!‪ ..‬إىل هذا اليوم هناك الكثري الكثري من األسئلة التي ال يوجد لها‬ ‫أجوبة وستبقى هكذا إىل أمد بعيد”‪.‬‬ ‫زار الكياموي غوطتي دمشق محم ًال بالهدايا فرتك وراءه آالف القتىل والضحايا‬ ‫وترك أيتاماً وثكاىل‪ ،‬عىل قول الطفلة ماسة العام الفائت “كلو كذب وكلون‬ ‫كذابني” فامزال العامل ُيحقق بصحة الرواية‪ :‬يقلق مرة‪ ،‬ويندد أخرى‪ ،‬ولكنه‬ ‫رصح أن ما يراه ليس كافياً!!‬ ‫ُي ِّ‬ ‫ففي يوم ‪ 21-8-2013‬يقول د‪ .‬فارس دوما‪“ :‬هو يوم سقوط البرشية ففي القرن‬ ‫الواحد والعرشين سقطت أخالقياً كل الهيئات واملنظامت‪ ،‬وكل ما سمي حضارة‬ ‫لهذا اليوم‪ ،‬و أولها لجنة األمم املتحدة”‪.‬‬


‫نجمتان وبينهما قمران‬ ‫علي العبداهلل‬ ‫مع مرور االيام وتنامي املعارف والخربات نشأت‬ ‫داخيل حالة ضعف امام الفلسطيني والكردي‪،‬‬ ‫فقد غدا أي فلسطيني‪ ،‬مهام كان عمره‪ ،‬تعليمه‪،‬‬ ‫مكانته‪ ،‬قريبا اىل روحي وعقيل‪ ،‬وكذلك حال‬ ‫الكردي‪ ،‬فلم التق بكردي إال وشعرت انه ميت اىل‬ ‫روحي بصلة‪ ،‬وإنني‪ ،‬بطريقة او أخرى‪ ،‬مسؤول‬ ‫عنه ومستعد لتنفيذ أي خدمة يطلبها مني‪ .‬ال‬ ‫اعرف ان كانت معاناة هذين الشعبني هي التي‬ ‫اوجدت هذه الحالة ام هي املعايشة والعرشة‬ ‫وإدراك الجوهر االنساين املدفون تحت ركام‬ ‫االنكار واالضطهاد واإلجحاف الذي صبغ حيوات‬ ‫الشعوب املقهورة واملحرومة من مامرسة حقها‬ ‫الطبيعي يف االختيار وتحقيق اآلمال والعيش يف‬ ‫كنف الحرية والكرامة يف وطن مستقل وعزيز‪.‬‬ ‫مل اتوقع ان تحصل هذه الحالة مع فرد بعينه‬ ‫حتى التقيت االستاذة رزان زيتونة وشاركتها القيام‬ ‫مبهام يف اطار نشاط الجمعية السورية لحقوق‬ ‫االنسان يف البداية ثم يف اطار نشاطات حقوقية‬ ‫ومدنية حرة هدفها خدمة املعتقلني وأرسهم‬ ‫والكشف عن انتهاكات حقوق االنسان والتجاوز‬ ‫عىل القانون‪.‬‬ ‫مرت سنوات وأنا وهي عىل تواصل شبه يومي‬ ‫نجمع تربعات ألرس املعتقلني‪ ،‬نزورهم‪ ،‬نقدم‬ ‫هدايا ألطفالهم‪ ،‬لرسم البسمة عىل الشفاه‪ ،‬نساعد‬ ‫الخارجني اىل الحرية إليجاد فرص عمل او تأمني‬ ‫رصيد للبدء بعمل صغري لكسب القوت وتجاوز‬ ‫حالة العوز واالذالل‪ ،‬والعمل عىل تكريس احساس‬ ‫لديهم انهم ليسوا وحدهم وان هناك من يهتم‬ ‫ويقف اىل جوارهم يف محنتهم‪ .‬ذات يوم قلت لها‬ ‫اصبحت بالنسبة يل مبوقع البنت فترصيف عىل هذا‬

‫بدأت االنباء تتوارد عن ترصيحات لألستاذة رزان‬ ‫يف االذاعات الناطقة بالعربية (لندن‪ ،‬مونت كارلو‪،‬‬ ‫سوا) والفضائيات العربية‪ ،‬ثم علمنا انها دخلت‬ ‫يف حالة تخفي الن أجهزة مخابرات النظام تبحث‬ ‫عنها العتقالها بسبب الدور االعالمي النشط الذي‬ ‫تقوم به لصالح الثورة‪.‬‬ ‫بعد خروجي من السجن يف شهر حزيران من العام‬ ‫نفسه سعيت اىل اللقاء بها والتعرف عىل احوالها‬ ‫وعىل الظروف التي تعيش يف ظلها‪ ،‬واالطمئنان‬ ‫عىل درجة االمان املحققة يف مكان االقامة‪ .‬وقد‬ ‫كان اللقاء وتكرر‪ ،‬ومع تبديل املكان تتكرر‬ ‫الزيارات للتعرف عىل املكان الجديد وتقدير مدى‬ ‫توفر رشوط االمان‪ .‬وقد كنت اشفق عليها ألنها ال‬ ‫تكاد تتحرك من مقعدها وجهاز الكمبيوتر امامها‬ ‫عىل الطاولة تتلقى االخبار من ناشطني يف مواقع‬ ‫الحدث‪ ،‬وقد علمت منها حصول تطورات يف لجان‬ ‫التنسيق املحلية‪ ،‬التي ساهمت مع آخرين يف‬ ‫تأسيسها‪ ،‬تم مبوجبها توزيع عمل داخيل بحيث‬ ‫بات دورها رصد االنتهاكات بينام يقوم آخرون‬ ‫بالتغطية االعالمية لفاعليات الثورة‪ ،‬وتوزيع‬ ‫اإلغاثة‪ ،‬وإصدار جريدة طلعنا عالحرية‪ .‬وإنها‬ ‫ستنتقل اىل دوما الن الوضع االمني بات مقلقا بعد‬ ‫ان اعتقلت أجهزة املخابرات عددا من الناشطني‬ ‫الذين تعرفوا عليها وعىل مكان سكنها خاصة‬ ‫بعدما تعقدت عملية استبدال السكن بسبب‬ ‫القرارات الجديدة التي تشرتط تسجيل العقد‬ ‫والحصول عىل موافقة املخابرات عليه‪.‬‬ ‫مل يعد اللقاء املبارش متاحا فاستخدمنا التقنية‬ ‫يف التواصل لالطمئنان‪ ،‬امييل‪ ،‬فيسبوك‪ ،‬سكايب‪،‬‬ ‫وكانت احاديثنا قصرية ومركزة ألنها ال تستطيع‬

‫التوقف عن استقبال املعلومات عىل جهاز‬ ‫الكمبيوتر الرابض امامها طوال اليوم حول‬ ‫االنتهاكات يرسلها الناشطون من كل انحاء الوطن‬ ‫السوري‪.‬‬ ‫عندما حصل االعتداء األول عىل مقر مركز توثيق‬ ‫االنتهاكات وترك املعتدون تهديدا وإنذارا مبغادرة‬ ‫دوما خالل ثالثة ايام تكرر الحديث بيننا حول‬ ‫الجهة التي قامت باالعتداء وجدية التهديد‬ ‫وطلبت منها تبديل املكان وعدم الجلوس بجوار‬ ‫النوافذ والبقاء خلف ساتر صلب خوفا من اغتيال‬ ‫عن بعد‪ ،‬كانت هادئة وتناقش االمور بأعصاب‬ ‫باردة‪ ،‬ومل تغري املكان او تتخىل عن الدور الذي‬ ‫اختصت به يف اطار عمل اللجان اىل ان حصلت‬ ‫عملية االختطاف ليلة ‪ 10/12/2013‬قام بها “رجال‬ ‫اشاوس” لعظمتهم وقدرتهم ورشعية عملهم‬ ‫الجبان فقد جاءوا ليال وكانوا متخفني يك ال تنفضح‬ ‫جرميتهم النكراء بحق كوكبة نذرت نفسها للوطن‬ ‫والشعب‪ ،‬للحرية والكرامة‪.‬‬ ‫لقد خطفوها ومعها زمالء املركز سمرية خليل‬ ‫وناظم حامدي وعشري الروح الزوج الذي احبته‬ ‫واقرتنت به وائل حامده‪ ،‬نجمتان وقمران غابوا‬ ‫عن سامئنا امللبدة بغيوم ورعود‪ ،‬غابوا عنا يف ليل‬ ‫طال وصبح يستعد ليمأل الكون ضياء‪ .‬ترى هل‬ ‫بات املجرم الذي اختطفهم مدركا ملا اقرتفت يداه‪،‬‬ ‫وهل يرشق صبح الحرية دون ان يكونوا معنا‪،‬‬ ‫وكيف سيطيب لنا استقبال الفجر الجديد وهم‬ ‫ليسوا بيننا؟‪.‬‬ ‫(وحني يأيت الصبح بالبشائر ازيح عن نافذيت الستائر فال‬ ‫اراك اسقط يف عاري بال حراك واسأل ان كانت الطلقة‬ ‫األوىل هنا ام انها هناك – الشاعر أمل دنقل)‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫االساس وال تتحرجي يف طلب‬ ‫أي يشء من والدك‪ .‬فابتسمت‬ ‫تكب حالك كثري‬ ‫وردت “هيك ّ‬ ‫قول اختك ممكن الن الفرق‬ ‫بالسن ال يسمح بان اكون‬ ‫بنتك”‪.‬‬ ‫مع انطالق ثورة الحرية‬ ‫والكرامة‪ ،‬وكنت حينها ما زلت‬ ‫يف سجن دمشق املركزي‪/‬عدرا‬ ‫اقيض فرتة حكم ثانية عىل‬ ‫خلفية نرش رأى يف االنتخابات‬ ‫الرئاسية االيرانية عام ‪2009‬‬ ‫وما حصل فيها من تزوير‬ ‫لفائدة محمود احمدي نجاد‪،‬‬

‫‪9‬‬


‫صحافة الثورة‪ ..‬واستعالء المثقفين !‬ ‫ليلى الصفدي‬

‫‪10‬‬

‫حتى اآلن‪ ،‬ورغم استمرار صحافة الثورة الوليدة‬ ‫عىل اختالف توجهاتها بالصدور ومحاوالتها‬ ‫الشجاعة يف العمل ضمن ظروف أمنية واجتامعية‬ ‫فائقة الصعوبة‪ ،‬إال أن مساهامت الكتاب‬ ‫والصحفيني “املرموقني” من أبناء سوريا ال زالت‬ ‫ضئيلة نسبياً فيها إىل حد شبه الغياب‪ .‬ويف حني‬ ‫يسارع الكاتب الكبري لطرش جدران الفيسبوك‬ ‫وغرفه املختلفة مبقالته املنشورة يف الحياة اللندنية‬ ‫أو النهار اللبنانية أو القدس العربية أو غريها‪ ،‬فإنه‬ ‫ال يكاد يهتم بل ويتع ّمد التجاهل ملقالته املنشورة‬ ‫عىل استحياء يف الصحيفة السورية‪..‬‬ ‫ويف الوقت الذي يفرتض أن يفخر أي كاتب‬ ‫حقيقي بالنرش يف هذه الصحف التي متثل يف نظر‬ ‫الكثريين تحدياً ونبضاً جديداً يف الثقافة السورية‪،‬‬ ‫فإن الكاتب السوري يفضل االستجداء عىل أبواب‬ ‫الصحافة العربية “العريقة”‪ ،‬حتى تلك املتح ّيزة‬ ‫ضد الثورة أو تلك التي ال تخفي كرها عنرصياً أو‬ ‫احتقاراً طبقياً للسوريني‪ ،‬ويكاد ال “يلوث” يداه‬ ‫باملساهمة يف بناء الصحافة السورية الجديدة أو‬ ‫مدها بجرعة حياة‪.‬‬ ‫يف رد عىل سؤالنا يقول جواد أبو املنى رئيس‬ ‫تحرير صحيفة سوريتنا أن النخبة املثقفة يف‬ ‫سوريا “مل تكن فاعلة يف أي من وسائل اإلعالم‬ ‫البديل يف سوريا‪ ،‬بل بقيت يف مواقعها واكتفت‬ ‫بتوجيه املالحظات عىل عمل اإلعالم البديل‬ ‫واتهامه بالبدائية وانعدام املوضوعية وأحياناً كثرية‬ ‫بالسخرية منه‪ ،‬دون تقديم أي دعم أو مشاركة يف‬ ‫تطويره وإنجاحه”‪.‬‬ ‫ويف التفصيل يضيف أن “جز ًء من هذه النخب‬ ‫بقي عىل مكانته السابقة ككاتب درجة أوىل أو‬ ‫مثقف مهم‪ ،‬واقترص نرش إنتاجهم يف الصحف‬ ‫العربية الكربى أو يف املواقع التي أسس معظمها‬

‫بعد الثورة (مبا فيها مواقعهم الخاصة)‪ ،‬ومنها من‬ ‫استغل موارده املالية الستقطابهم‪ ،‬فكان اإلعالم‬ ‫السوري البديل املرتبة األدىن لهذه النخب‪.‬‬ ‫والجزء اآلخر‪ ،‬هو األكرب حقيقة‪ ،‬الذين اكتفوا‬ ‫مبنابرهم الخاصة عىل مواقع التواصل االجتامعي‬ ‫يف ترديد وتكرار “بوستات” يتم تبادل اإلعجاب‬ ‫املتبادل فيام بينهم عليها معتربين أن أي سجال‬ ‫ثقايف تحت هذا “البوست” هو توصيف ملواقعهم‬ ‫كمثقفني وأية آراء أو وجهات نظر ال تعجبهم هي‬ ‫حك ًام تنتمي للشعبوي غري القابل للتطور”‪.‬‬ ‫محمد السلوم رئيس تحرير مجلة الغربال يقول‬ ‫أن النخبة املثقفة “شاركت يف مجالت ثورية‪،‬‬ ‫أحياناً طمعاً بالتعويض املايل‪ ،‬وعندما يتوقف هذا‬ ‫التعويض يتوقفون عن الكتابة وهذا ما حصل معنا‬

‫جواد أبو املنى‪:‬‬ ‫«النخبة املثقفة يف سوريا مل تكن فاعلة‬ ‫يف أي من وسائل اإلعالم البديل واكتفت‬ ‫بتوجيه املالحظات والسخرية منه دون‬ ‫تقديم أي دعم أو مشاركة يف تطويره‬ ‫وإنجاحه»‪.‬‬ ‫ناطور ناطور‪:‬‬ ‫تقص فقط‪ ،‬بل وتعالت‬ ‫«النخبة مل ّ‬ ‫عىل‪ ..‬واستخفت بالصحافة الجديدة»‬ ‫محمد السلوم‪:‬‬ ‫«املشكلة مع النخبة املثقفة أنها قرصت‬ ‫يف واجبها تجاه الوطن وبقيت تعامل‬ ‫نفسها عىل أنها نخبة ال تنزل إىل‬ ‫مستوى (الرعاع)»‬

‫يف الغربال”‪.‬‬ ‫ناطور ناطور رئيس تحرير صحيفة عنب بلدي ال‬ ‫يخفي امتعاضه الشديد من سلوك هذه النخب‬ ‫ويحمل مسؤولية الرتاجع يف سوية اإلعالم املحيل‬ ‫للصحفيني املحرتفني واملثقفني‪“ :‬النخبة بالحقيقة مل‬ ‫تقص فقط‪ ،‬بل وتعالت عىل واستخفت بالصحافة‬ ‫ّ‬ ‫الجديدة‪ ،‬انا شخص ًيا لدي موقف من بعض‬ ‫املثقفني والصحفيني املحرتفني بسبب اعراضهم عن‬ ‫الكتابة لصحف الثورة عموما‪ ،‬وهذا اإلعراض له‬ ‫عب عنه احد‬ ‫اسباب عديدة‪ :‬أولها “التعايل”‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ابرز مثقفي املعارضة وصاحب منصب رفيع يف‬ ‫االئتالف املعارض بعبارة “بعض جرايد الثورة ما‬ ‫مبسح فيها صباطي”‪ ! ..‬وقد كان هذا جواباً عىل‬ ‫سؤال وجهته له عن سبب عدم اكرتاثهم باإلعالم‬ ‫املحيل‪ ،‬وتوجههم لإلعالم العريب والدويل”‪.‬‬ ‫أما السبب اآلخر البتعاد هؤالء عن صحافة الثورة‬ ‫والذي يقر به معظم الصحفيني املحرتفني كام يؤكد‬ ‫ناطور فهو املقابل املايل للكتابة (االستكتاب)‪:‬‬ ‫“هؤالء يف الحقيقة مل يعتادوا العمل الطوعي‪،‬‬ ‫وعدد كبري منهم انتقل من مؤسسات النظام‬ ‫اإلعالمية إىل وظائف الثورة!‪ ،‬حتى أن بعضهم كان‬ ‫قد اخذ اجازة بدون راتب من مؤسسة صحفية‬ ‫للنظام‪ ،‬وجاء إىل تركيا‪ ،‬وعندما وجد عم ًال براتب‬ ‫مع مؤسسة ثورية اعلن انشقاقه عن مؤسسته يف‬ ‫سوريا”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رئيس تحرير الغربال محمد السلوم أيضا ال يخفي‬ ‫غضبه ويؤيد هذا االتهام‪:‬‬ ‫“املشكلة مع النخبة املثقفة أنها قرصت يف واجبها‬ ‫تجاه الوطن وبقيت تعامل نفسها عىل أنها نخبة‬ ‫ال تنزل إىل مستوى (الرعاع)‪ ،‬ناهيك عن أن معظم‬ ‫نخبنا الثقافية إذا وضعناها عىل ميزان النقد‬ ‫سنكتشف أنها مجموعة من الطبول الفارغة التي‬

‫تحقيقات‬


‫‪ ..‬تتمة من الصفحة السابقة‬

‫نفخها النظام وعنارص األمن واتحاد الكتاب سابقاً!”‬ ‫لكنه يستدرك بنقده لصحف الثورة ذاتها‪“ :‬بالتأكيد هناك جانب آخر‪ ،‬قلة‬ ‫انتشار الصحف الثورية‪ ،‬محدودة رؤية القامئني عىل هذه الصحف وانعدام‬ ‫املشاريع لديهم‪ ،‬والعامل املادي والتعويضات التي تدفعها الصحف العربية‬ ‫واألجنبية يف حني أن معظم الصحف الثورية بالكاد تتدبر نفسها”‪.‬‬ ‫ لكن‪ ،‬وبعيداً عن االنتهازية الرصيحة للبعض‪ ،‬أال يحق لهؤالء الكتاب‬‫والصحفيني البحث عن معاشهم‪..‬؟ ‪ ،‬يجيب ناطور‪“ :‬طبعا انا مع حق‬ ‫الصحفيني والكتّاب بالعمل ألجل تأمني املعاش‪ ،‬هذا حق ألي شخص مثقف‬ ‫أو غريه‪ ،‬لكن عندما نتحدث عن مسؤولية اخالقية تجاه إعالم ثوري تطوعي‬ ‫يجب أن نذكر تقصريهم‪ ،‬ولو ان هؤالء الصحفيني كانوا قامئني عىل هذه‬ ‫الصحف منذ انطالقتها لكان توقف معظمها‪ ..‬فهم يتقاضون االجور ومعتادين‬ ‫عىل االستكتاب‪ ،‬وهذا حقهم‪ ،‬أما نحن فقد بدأنا كناشطني مدفوعني بحب‬ ‫العمل نفسه”‪.‬‬ ‫ويف سياق املسؤولية األخالقية والوطنية يقول جواد أبو املنى‪“ :‬إن َّ‬ ‫جل ما‬ ‫قدمته هذه النخب للقضية السورية ككل ليس أكرث من استعراض للمعرفة‬ ‫السياسية بدون فهم ألي تفصيل فعيل وواقعي ويعتمد عىل تواصل مبارش‬ ‫مع اآلخر‪ ،‬فام بالك بطريقة تعامل هذه النخب مع وسائل إعالم تحاول بناء‬ ‫الثقة والتواصل مع القارئ واملواطن السوري من جديد‪ ،‬هي بذلك تقدم‬ ‫بدي ًال عنهم‪ ،‬بالتايل لن يكونوا إال عدائيني تجاهها”‪.‬‬ ‫‪ -‬لكن‪ ،‬ومن أجل اإلنصاف‪ ،‬أال يحق للكتاب واملثقفني البحث عن انتشار‬

‫أوسع‪ ،‬أليس سعي البعض نحو الصحف الكربى ينبع من التزامهم األخالقي‬ ‫تجاه القضية السورية؟‬ ‫“نعم هذا حق” يقول ناطور‪ ،‬لكن هناك جانب آخر لهذا االلتزام األخالقي‪:‬‬ ‫“إذ كيف سنعزز الصحف املحلية لتصبح عىل املستوى املطلوب من التأثري!‪...‬‬ ‫الجواب هو بأقالم املثقفني واألسامء الهامة يف عامل السياسة واإلعالم واملحصلة‬ ‫سوف تأيت بالرتاكم‪ .‬إن غياب هؤالء قد أثر بشكل مبارش عىل نوعية الخطاب‬ ‫ودرجة تأثريه بالرأي العام‪ ..‬فنحن بعد ثالث سنوات من العمل ال زلنا نخضع‬ ‫للتدريب‪ ،‬وتستطيعني القول أننا قد جربنا وتعلمنا بالجمهور حتى بدأنا‬ ‫منسك بأدوات العمل الصحفي‪ ،‬وحرام أن يضيع كل هذا الوقت بسبب غياب‬ ‫املحرتفني وأوالد الكار”‪.‬‬ ‫ لكن ماذا لو امتلكت صحافة الثورة القدرة املالية املناسبة لالستكتاب‪ ،‬ترى‬‫هل ستزول عقبات نفسية وذاتية مثل “االستعالء”‪ ،‬أو تربيرات عقلية مثل‬ ‫االنتشار وغريها؟‬ ‫يجيب ناطور “االستعالء صفة عند البعض الذين ال يطربون ملزمار الحي‪،‬‬ ‫لكن رمبا دفع املال قد يجعلهم يشعرون بجدية هذه الوسائل عىل األقل”‪.‬‬ ‫ال بد من القول ختاماً أن ادراج جريدتنا “طلعنا عالحرية” أيضاً ممتلئة‬ ‫بالتساؤالت ومشاريع حوار مل تكتمل مع كتاب ومثقفني وسياسيني سوريني‪..‬‬ ‫منهم من اعتذر بأدب‪ ،‬ومنهم من مل يرد السالم‪ ..‬ومنهم ايضاً‪ ..‬كتّاب‪..‬‬ ‫صحفيني وساسة من القادة يف االئتالف واملنابر ممن قللوا األدب واالحرتام‬ ‫إىل درك مل نكن نتوقعه من أحد‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫تحقيقات‬


‫فردية‬ ‫مركز ثقافي في جبل الزاوية بجهود‬ ‫ّ‬ ‫تقرير‪ :‬رامي العاشق‬

‫‪12‬‬

‫افتتح نور الدين العبدو السبت ‪ 2014\8\16‬مركز‬ ‫(م ًعا) الثقايف يف جبل الزاوية يف بادرة ّ‬ ‫قل نظريها‬ ‫يف املناطق التي تسيطر عليها املعارضة السورية‬ ‫والتي باتت تعرف باملناطق املحررة‪ ،‬ويأيت افتتاح‬ ‫صعب وصلت فيه مجريات‬ ‫وقت‬ ‫هذا املركز يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الرصاع إىل نقطة انسدا ٍد يف األفق تعدّت امليادين‬ ‫العسكرية والسياسية‪ ،‬وأصبحت سوريا وطن‬ ‫الحرب واملوت والخراب‪ ،‬وصارت النشاطات‬ ‫املدنية مقترصة عىل اإلغاثة واألعامل الطب ّية‪،‬‬ ‫ّإل أن الحال ال يدوم‪ ،‬فرغم القصف والرباميل‬ ‫املتفجرة‪ ،‬كان مركز م ًعا‪ ،‬ليضيف للخط املدين يف‬ ‫ّ‬ ‫الثورة إنجا ًزا جديدًا‪.‬‬

‫من اإلمارات إىل املظاهرات‬

‫نور الدين الذي يحمل شهادة بكالوريوس يف‬ ‫األدب اإلنكليزي كان يعمل يف اإلمارات حني‬ ‫بدأت الثورة السورية‪ ،‬مل يأخذ وقتًا ً‬ ‫طويل ليأخذ‬ ‫قرار العودة للمشاركة يف الثورة‪ ،‬نشط يف تصوير‬ ‫املظاهرات واملشاركة فيها وتنظيمها‪ ،‬ثم انتقل‬ ‫لكتابة املقاالت يف اللغة اإلنكليزية يف موقع “سرييا‬ ‫ديبيل” األمرييك‪ ،‬الطموح والحلم هام األساس‪،‬‬ ‫والثورة ال تتكرر يف حياة اإلنسان وال تأيت إال مرة‬ ‫واحدة إن أتت!‬

‫األمية الثقافية واملجتمع‬

‫يرى نور الدين أن مجتمعاتنا تعاين من أم ّية ثقافية‬ ‫حتى يف أوساط املتع ّلمني! وأن الكتاب يعطي مدًّا‬ ‫ً‬ ‫هائل من األفكار للقارئ‪ ،‬وهذه األمية هي سبب‬ ‫تخ ّبطنا وضياعنا يف الثورة‪ ،‬ال أحد يعرف ما يريد‪،‬‬ ‫وق ّلة أولئك الذين اطلعوا عىل تجارب مشابهة ملا‬ ‫من ّر به وكيف كانت الحلول! لذلك قرر نور إقامة‬ ‫املركز ودعوة كل الشباب للقراءة‪ ،‬ودعوة أصحاب‬ ‫الفكر من أبناء املنطقة للحديث إليهم ونقل‬ ‫خرباتهم للشباب‪.‬‬

‫عيص عىل األسد وداعش‬ ‫جبل الزاوية ّ‬

‫تقارير‬

‫اختار نور الدين إقامة املركز يف جبل الزاوية‬ ‫تحديدًا‪ ،‬ألن الجبل اشتهر بقوته العسكرية خالل‬ ‫الثورة‪ ،‬فأحب أن يظهر الجانب املدين ملنطقته‪،‬‬ ‫املركز سيعكس مدن ّية مميزة من خالل نشاطاته‪،‬‬ ‫ومبا أن جبل الزاوية كان األول يف طرد النظام ثم‬ ‫داعش من أرضه‪ ،‬فهذه نقطة قوة تضاف إىل عمل‬ ‫املركز ً‬ ‫أيضا‪.‬‬

‫صعوبات وعوائق‬

‫واجه املركز صعوبات مختلفة‪ ،‬مال ّية ولوجيست ّية‪،‬‬ ‫وكانت هناك صعوبة يف جمع ‪ 80‬كتا ًبا من الكتّاب‬ ‫السوريني‪ ،‬باإلضافة لثامنية كتب ساهم بها أحد‬ ‫األصدقاء‪ ،‬قبل أن يت ّربع للمركز أحد املف ّكرين‬ ‫املغرتبني من أبناء املنطقة مبكتبة ضخمة جمعها‬ ‫خالل حياته تضم قرابة ‪ 2500‬كتاب‪ ،‬كل هذه‬ ‫الصعوبات تم التغ ّلب عليها بجهود فرد ّية‪ ..‬لكن‬ ‫الصعوبات ستأيت الح ًقا بحسب تعبري نور الدين‬

‫فاملشكلة اآلن يف إقناع الشباب بارتياد املركز يف‬ ‫الظروف الراهنة التي تعطي األولية للخبز‪.‬‬ ‫الثقة يف املعارضة‬ ‫ال يثق نور الدين باملعارضة‪ ،‬وقد اقرتح عليه أحد‬ ‫األصدقاء بناء جرس تواصل مع وزارة الثقافة يف‬ ‫الحكومة املؤقتة من خالل املركز‪ ،‬إال أن الوضع‬ ‫كان كارث ًّيا ‪-‬بحسب تعبريه‪ -‬ففساد مؤسسات‬ ‫املعارضة ال يختلف عن فساد مؤسسات النظام!‬ ‫كتب وأنشطة من ّوعة‬ ‫يحتوي املركز عىل مجموعة كبرية من الكتب‬ ‫املختلفة واملنوعة‪ ،‬السياسية والثقافية والدينية‬ ‫والتي تتحدث عن حاالت مشابهة للحالة السورية‪،‬‬ ‫وال يأخذ املركز بعدًا أيديولوج ًّيا يفرضه‪ ،‬فتجد‬ ‫يف املركز كت ًبا من أقىص اليمني إىل أقىص اليسار‪،‬‬ ‫كام سيقوم املركز بنشاطات مختلفة ودورات‬ ‫لغة إنكليزية وتركية وفرنسية‪ ،‬ودورات كومبيوتر‬ ‫ومتريض‪ ،‬وسيعرض أفال ًما سينامئية بشكل دوري‪،‬‬ ‫وسيتم إصدار مجلة كتّابها هم ذاتهم ر ّواد املركز‪.‬‬

‫انتخابات وفكر دميقراطي‬

‫يتض ّمن املركز قاعة ضخمة نوعًا ما‪ ،‬تشمل املكتبة‬ ‫وقاعة القراءة وعرض األفالم‪ ،‬وقاعتني للدورات‬ ‫التعليمية عىل اللغات والكومبيوتر وبرامج‬ ‫املحاسبة والتمريض‪ ،‬وقاعة لنشاطات املجلة التي‬ ‫ستصدر عن املركز‪ ،‬وقاعة ملنظامت املجتمع املدين‬ ‫الفاعلة التي قد ترغب يف إجراء ورشات تدريب‬ ‫داخل سوريا‪ ،‬سيكون هناك حمالت تنظيف‬ ‫للشوارع ونشاطات من نوع“ “�‪Run For Some‬‬ ‫‪ ”thing‬عىل سبيل املثال‪ ،‬كام سيكون هناك قسم‬ ‫خاص بكل الكتب التي صدرت عن الثورة السورية‪،‬‬ ‫وكل املجالت التي تصدر واملقاالت التي تكتب‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل الندوات الفكرية والثقافية ومسابقات‬ ‫مخصصا‬ ‫القصص القصرية‪ ،‬وسيكون يوم الجمعة‬ ‫ً‬ ‫لألطفال سيتابعون فيه برامجهم وأغنياتهم‪،‬‬ ‫وبالتأكيد إن الباب مفتوح لكل االقرتاحات من‬ ‫الجميع لذلك كان اسم املركز “م ًعا”!‬ ‫النشاط األبرز سيكون انتخابات دورية للهيئة‬

‫اإلدارية للمركز التي تقوم بإدارته ملدة معينة‪،‬‬ ‫بهدف تكريس فكرة الدميقراطية واالنتخابات‬ ‫النزيهة ولو عىل نطاق ضيق ضمن حدود املركز‪.‬‬

‫جبهة النرصة لن تغلق املركز‬

‫قام نور الدين بزيارة ألمري جبهة النرصة يف جبل‬ ‫الزاوية يف بيته‪ ،‬أخربه فيها عن املركز وطلب منه‬ ‫عدم القيام بأي ترصف ضد املركز‪ ،‬ويف حال وجود‬ ‫أي مشكلة سيكون نور الدين موجودًا ملناقشتها‬ ‫وح ّلها‪ّ ،‬‬ ‫وكان ر ّد أمري النرصة إيجاب ًّيا وتك ّفل بعدم‬ ‫تدخل عنارصه باملركز‪ ،‬وقال إن عنارصه منضبطون‬ ‫يترصفون إال بأمره‪ ،‬ولن يحث يشء للمركز‪.‬‬ ‫وال ّ‬

‫تهديدات من داعش والنظام‬

‫تع ّرض نور الدين للكثري من التهديدات قال إ ّنها مل‬ ‫ترتق إىل مستوى الج ّد ّية‪ ،‬إال أن هذه التهديدات‬ ‫تم تنفيذها مع مدير املكتب اإلعالمي يف كفرنبل‬ ‫“رائد الفارس” الذي نجا من محاولة اغتيال أمام‬ ‫منزله‪ ،‬واغتياالت نجحت يف القتل مثل الناشط‬ ‫“مصعب أبو الشباب” والكثري من محاوالت‬ ‫الخطف التي ال مجال لذكرها‪.‬‬

‫ملحة وليست ً‬ ‫ترفا‬ ‫حاجة ّ‬

‫من وجه نظر نور الدين‪ ،‬فاملركز الثقايف حاجة‬ ‫ملحة وليست تر ًفا عىل اإلطالق‪ ،‬فنظام األسد سعى‬ ‫ّ‬ ‫عرب فرتة حكمه إىل تغييب الشعب ثقاف ًّيا بجعله‬ ‫يركض خلف رغيف الخبز ليوصله إىل حالة الفوىض‬ ‫يف أيام كهذه‪ ،‬ومبا أن الحرب ستمتد لسنوات‬ ‫طويلة فهذا الوقت مناسب لبناء فكر قادر عىل‬ ‫خلق أفكار املستقبل‪.‬‬

‫تعميم الفكرة عىل املناطق األخرى‬

‫يف حال نجاح املركز سيس ّلم نور الدين إدارة املركز‬ ‫للفريق‪ ،‬وسينتقل لتعميمها يف مناطق أخرى‪،‬‬ ‫ولكن هذا يحتاج إىل متويل ال ميكن الحديث عنه‬ ‫قبل نجاح املركز بشكل حقيقي‪ ،‬إال أن فكرة تعميم‬ ‫املرشوع بحد ذاتها جديرة بأن تكون أيقونة من‬ ‫أيقونات هذه الثورة‪ ،‬هذا هو العمل املدين الذي‬ ‫يبني الوطن واملواطن‪ ،‬وهذه هي ثورة الشعب‬ ‫السوري التي ال يريد لها الظالم أن تستمر‪.‬‬


‫السلطات األردنية تمنع رفع صور‬ ‫الشهداء أمام سفارة النظام‬ ‫طلعنا عالحرية‪:‬‬

‫‪13‬‬

‫منعت السلطات األردنية ناشطني يف الشبكة السورية لحقوق‬ ‫اإلنسان من رفع لوحة تضم ‪ 50‬ألف صورة شهيد من شهداء‬ ‫الثورة السورية أمام السفارة السورية بعامن يف ذكرى ارتكاب‬ ‫النظام السوري مجزرة الغوطة عرب القصف باألسلحة الكيميائية‪.‬‬ ‫وكان مصمم الغرافيك تامر تركامين قد بادر بهذا املرشوع وأعد‬ ‫اللوحة بجهود شبه فردية سانده فيها فيام بعد ناشطون سوريون‬ ‫وأردنيون إضافة إىل الشبكة السورية لحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫وجاء يف بيان عممته الشبكة وورد “طلعنا عالحرية” نسخة منه‪،‬‬ ‫أن الشبكة السورية لحقوق اإلنسان “تعتذر عن عدم متكنها‬ ‫من رفع اللوحة التي تحتوي ‪ 50‬ألف صورة شهيد أمام السفارة‬ ‫السورية بعامن يف ذكرى ارتكاب النظام السوري مجزرة الغوطة‬ ‫عرب القصف باألسلحة الكيميائية‪ ،‬وذلك ألن السلطات االمنية‬ ‫األردنية أبلغتنا بعدم إمكانية ذلك عىل الرغم من أننا كنا حصلنا‬ ‫عىل موافقة مسبقة من الحكومة األردنية”‪.‬‬

‫طلعنا عالحرية‪:‬‬

‫أخبار‬

‫بعد انقطاع استمر عدة أشهر عن إحصاء أعداد ضحايا الحرب‬ ‫يف سوريا‪ ،‬عادت األمم املتحدة ممثلة مبكتب املفوضية السامية‬ ‫لحقوق اإلنسان بإصدار دراسة جديدة حول أعداد القتىل يف سوريا‬ ‫والتي ناهزت (‪ )191000‬قتيل من بدء الثورة السورية وحتى نهاية‬ ‫نيسان ‪ ،2014‬وهو الحد األدىن ألرقام الضحايا وهو ما استطاعت‬ ‫األمم املتحدة توثيقها معتمدة يف ذلك عىل العديد من املنظامت‬ ‫الحقوقية السورية والتي تعمل يف مجال التوثيق ورصد انتهاكات‬ ‫حقوق اإلنسان يف سوريا‪.‬‬ ‫ويف ترصيحات صحفية للمفوضة السامية – املنتهي واليتها –‬ ‫نايف بيالي والتي رافقت صدور التحديثات‪ ،‬انتقدت بيالي بشدّة‬ ‫«العجز» الدويل حيال ما يجري عىل األرايض السورية‪.‬‬ ‫ويف تفاصيل األرقام واإلحصائيات كانت محافظة ريف دمشق‬ ‫املحافظة التي دفعت الفاتورة األكرب من الضحايا فقد بلغ عدد‬ ‫القتىل (‪ )39393‬تلتها محافظة حلب التي تعرضت لسلسلة هجامت‬ ‫عشوائية متعمدة بالرباميل املتفجرة والتي بلغ عدد القتىل فيها‬ ‫ثم محافظة حمص (‪ )28186‬وادلب (‪ )20040‬فدرعا‬ ‫(‪ّ )31932‬‬ ‫(‪ )18539‬فحامه (‪.)14690‬‬ ‫وجاءت نسبة القتىل من الذكور هي األعىل عىل اإلطالق فقد بلغ‬ ‫عددهم (‪ )162925‬أي بنسبة ‪ ،85.1%‬ونسبة اإلناث ‪ % 9.3‬وبلغ‬ ‫عددهن (‪ ،)1779‬ولكنّ التحليل مل يستطع الفصل ما بني املقاتلني‬ ‫وغري املقاتلني‪ ،‬وأ ّما بالنسبة لعدد األطفال تحت سنّ الثامنة عرش‬ ‫فقد بلغ (‪ )8803‬منهم (‪ )2165‬طفل تحت سن العارشة‪ ،‬وختمت‬ ‫بيالي بقولها أ ّنه يجب وقف هذه الكارثة البرشية الهائلة التي ميكن‬ ‫تجن ّبها بالفعل ‪.‬‬

‫آلة القتل السورية‬ ‫وانتقادات شديدة‬ ‫لبيالي قبل رحيلها‪.‬‬


‫(استنشاق الموت)‬ ‫من أجل محاسبة المجرمين‬ ‫‪14‬‬

‫سوزان أحمد‬

‫استنشاق املوت هي حملة قامت ‪-‬وتقوم‪ -‬بها‬ ‫مجموعة من الناشطني داخل سوريا من دمشق‬ ‫وحلب وريف دمشق والغوطة الرشقية املحارصة‪،‬‬ ‫ويف بلدان مختلفة حول العامل‪ ،‬تهدف إىل مخاطبة‬ ‫الرأي العام العاملي والسعي ملحاكمة مرتكبي‬ ‫املجزرة‪.‬‬ ‫أتت فكرة الحملة من رضورة إحياء ذكرى مجزرة‬ ‫القرن التي باتت منس ّية يف خضم ما يشهده العامل‬ ‫من تحوالت ونزاعات‪ ،‬كان الخارس األكرب فيها هو‬ ‫الشعب السوري الذي يقتل بصمت‪.‬‬ ‫الحملة تطوعية ثورية تتوجه ملخاطبة الرأي‬ ‫العام العاملي ليس لتذكريه باملجزرة فحسب وإمنا‬ ‫ملخاطبة الشعوب الفعالة للضغط عىل حكوماتها‬ ‫للتحرك من أجل محاسبة بشار األسد ونظامه‬ ‫بوصفهم مسؤولون عن ارتكاب املجزرة‪.‬‬ ‫وتعمل الحملة عرب وسائل التواصل االجتامعي‬ ‫من فيسبوك وتويرت وانستغرام عىل نرش الهاشتاغ‬ ‫الخاص بها (‪#‬استنشاق_املوت)‪ ،‬حيث ابتدأ‬

‫الناشطون الرتويج للموضوع من خالل العد‬ ‫العكيس بتغيري الصور الشخصية عىل مواقع‬ ‫التواصل االجتامعي كل ليلة للداللة عىل عدد‬ ‫األيام التي مضت عىل ارتكاب املجزرة‪.‬‬ ‫وأطلقت الحملة ضمن فعالياتها عريضة مفتوحة‬ ‫للتوقيع يف منظمة آفاز‪ ،‬تم جمع تواقيع عليها ليتم‬ ‫تقدميها للمنظامت الحقوقية واإلنسانية‪ ،‬وذلك‬ ‫للمطالبة مبحاكمة النظام املجرم الذي استعمل‬ ‫السالح الكياموي ضد شعب آمن نائم ملجرد‬ ‫مطالبته بالحرية‪.‬‬ ‫وتم طرح اسم الحملة (استنشاق املوت) ليكون‬ ‫ّ‬ ‫اس ًام للجمعة‪ ،‬وبالفعل كان التصويت لصالحه‪،‬‬ ‫فع شعار الحملة يف مختلف املظاهرات التي‬ ‫و ُر ِ‬ ‫حصلت يوم الجمعة يف حلب وإدلب وجنوب‬ ‫دمشق وريف دمشق وكذلك يف مظاهرات الغوطة‬

‫الرشقية املحارصة مكان حصول املجزرة‪.‬‬ ‫أما عىل األرض فهناك اعتصامات يف العديد من‬ ‫املدن والعواصم العاملية مثل فرنسا وأمريكا‬ ‫وبولندا والسويد وتركيا وإسبانيا وبلجيكا وبريطانيا‬ ‫وإيطاليا إضافة إىل بعض البالد العربية مثل األردن‬ ‫ولبنان وغريها‪ .‬تتم أثناء االعتصامات تالوة بيان‬ ‫الحملة وجمع توقيعات املشاركني عىل العريضة‬ ‫املطالبة مبحاكمة مرتكبي املجزرة‪.‬‬ ‫كام أن هناك مظاهرات ضمن الحملة يف الغوطة‬ ‫الرشقية وجنوب دمشق إضافة إىل ندوة إعالمية‬ ‫يف مدينة زملكا إحدى املدن التي تم استهدافها‬ ‫بالصواريخ الكياموية‪.‬‬

‫تحقيقات‬


‫أن تصل إلى الموت في مجزرة‬ ‫هاال محمد‬ ‫ْأن َ‬ ‫املوت يف مجزر ْة‬ ‫تصل إىل ِ‬ ‫ليس َ‬ ‫موتك ‪...‬‬ ‫هذا َ‬ ‫ُ‬ ‫هذا هو املوت ‪.‬‬ ‫ُنريدُ موتنا ‪...‬‬ ‫املواطن فرداً فردا ‪ً.‬‬ ‫ُ‬ ‫موت‬ ‫ِ‬ ‫من َ‬ ‫تحت مخدّاتنا !‬ ‫رسق موتنا من ِ‬ ‫تحت أقدامنا ‪...‬‬ ‫من ِ‬ ‫من َ‬ ‫رسق املوت !‬ ‫من رسق املوت من املستشفيات‬ ‫السري ‪...‬‬ ‫من حوادث ّ‬ ‫من الشيخوخة‬ ‫الصدف ِة‬ ‫من ّ‬ ‫الحزنِ‬ ‫من ُ‬ ‫العتبات‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫من حوادث الغرقِ‬ ‫الع ّشاقِ ‪...‬‬ ‫من انتحار ُ‬ ‫ّ‬ ‫من ال ُفراقِ الطويلِ ‪...‬‬ ‫ياب‬ ‫من ال ِغ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫الغرب ِة‬ ‫من ال َف َر ْح ‪.‬‬ ‫هذا ُ‬ ‫املوت ‪...‬‬ ‫مجزر َة مجزر ًة‬ ‫ليس موتنا ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫ليس ه َو ُ‬ ‫املوت ‪...‬‬ ‫َ‬ ‫نريدُ موتنا‬ ‫فرداً‪ ..‬فرداً‬ ‫فرداً‪ ..‬فرداً ‪.‬‬ ‫دمع ًة‬ ‫دمع ًة‬ ‫دمعة‬ ‫دمع ْة ‪.‬‬

‫درعا‪....‬سويداء القلوب‬ ‫زياد أبو الحسن‬ ‫ولنا يف درعا ٌ‬ ‫أحبة‬ ‫ومنازل‬ ‫ولكم يف السويداء سالل‬ ‫عشق ومنابر‬ ‫ٍ‬ ‫من جبلكم إىل سهلنا‬ ‫تتدحرج القلوب دروب‬ ‫وشهيات الناضجات‬ ‫من عسل الآللئ‬ ‫البود‬ ‫ارتوت من مائها َ‬ ‫ومتثاقالت الحمل من قمح السنابل‬ ‫تفوح خبزاً‬ ‫من تنور أمي‬ ‫َ‬ ‫لسهل داعل الشود‬ ‫نتقاسم زرقاء الغيوم‬ ‫الصم والخواطر‬ ‫والسود ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫العبي‬ ‫واملسيفرة َتلقي ٌ‬ ‫و ِعقال شاعر‬ ‫ومروج أح ّمرت‬ ‫ٌ‬ ‫وريدات سواحر‬ ‫ٍ‬ ‫الحب والهم‬ ‫أل َفنا ُ‬ ‫والنازالت الكوارس‬ ‫وأهازيجك درعا‬ ‫قصائد بوح‬ ‫وأرواح بواسل‬ ‫ولك يف حنايانا‬ ‫ٌ‬ ‫قبل‬ ‫ٌ‬ ‫وعناق‬ ‫وطيب‬ ‫ٌ‬ ‫ومعابر‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫أدب‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.