حرية كرامة مواطنة
العدد 44 2014 / 9 / 9 مقاالت
مقاالت
تحقيقات
تحقيقات
في الهوية وتغريز المعرفة والثقافة
الردة في ما ّ خص ّ وقتل المرتد
أكراد سورية وتقسيمات «الشرق االوسط» الجديد
معتقلون اختفوا مرتين داخل سجون األسد
افتتاحية بقلم
2
هاجر الصوفي
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
مطلع الشه ِر الجاري ْ كتبت أ ُّم الشهيد -غياث يف ِ الغائب الذي ال مطر -عىل صفح ِتها الشخص ّية« :هو ُ ُ املشتاق الذي ال ينىس». يعودُ ,وأنا تبوح شو َقها يف الذكرى السنو ّية الثالث ِة األ ُّم الفقيد ُة ُ األمن لرحيلِ ابنها الشاب ,الذي اعتق َلتْه قوى ِ السادس من أيلول\ سبتمرب عام ,2011 السوريّ يف ِ أيام جث ًة هامد ًة َ تحت التعذيب, ة أربع د لتع ْي َد ُه بع َ ِ ٍ وشهيداً من مدين ِة دار َّيا يف الغوط ِة الغرب ِّية لدمشق, َ الالعنفي يف سورية. اك يعترب ُه الكثريون أيقون ًة للحر ِ ِّ ُ َ السنوات املاضية مل تتأخر مدينة – غياث - طوال ِ العناوين اإلخبارية ,لكنّها كثريا عن مكانها يف أوىل ِ َ الحدث األبرز ,وبعد ّ تعث كانت يف األيام األخرية محاوالت عديدة ,مت ّكن وفد املدينة االجتامعَ مبمثل َ ني ٍ ً عن النظام السوري ,وتحديدا الفرقة الرابعة التابعة للحرس الجمهوري. مفاوضات قاربت مدّتها الخمس دا َر خالل االجتامع ٍ ساعات ,طالب فيها القادمون من دار ّيا عودة انتشا ِر ٍ جيش النظام عىل أطراف املدينة ,واإلفر َاج عن قامئة
افتتاحية العدد
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية ويف بعض مخيامت اللجوء
تحوي أسامء ثالمثئ ِة معتقلٍ من النسا ِء واألطفال كبادرة تفيد التحققَ من جد ّية االتفاق. كتب يف األ ّيام األخرية َ قبل رحيل ِه عن الشهيد الذي َ تخرج مدين َت ُه النتفاض ٍة سلم ّي ٍة َ دون أن حلم ِه بأن َ َ تهاب الشبيحة واألمنَ واالعتقاالت ,ال ُ يعرف اليوم ّ بأن داريا تضع النظام السوريّ أمام رشوطٍ صارم ٍة ال َت َر ُاج َع فيها ّ وبأن البن َد األ ّول الذي يفيد بانتشا ِر النظامي عىل أطراف املدينة مل ُيت َفق عليه الجيش ِ ِّ بسبب رفض الوفد املفاوض من دار ّيا تسليم األسلحة واملتوسطة للنظام السوري تحت هذا البند. الخفيفة ّ أهم أحد وهو داريا ملدينة املحيل املجلس ّ املؤسسات املساهمة يف تف ّرد تجربة املدينة ُ يصف ّ السلمي التابع له عىل املوقع الرسمي مكتب الحراك َ ّ بـ «املج ّمد» ,والثوار يف داريا كانوا يتحدّثون قرابة سنتني من الحصار عن جاهز َّي ِتهم للقيام بأعاملٍ ِ ات النظام ّية. عسكر ّي ٍة قاسي ٍة وموجع ٍة للق ّو ِ أما َم َ ذلك ك ّله ورغم أهمية ما حصلت عليه املقاومة نستطيع املرو َر بذكرى املس ّلحة يف دار ّيا ,إال أ ّننا ال ُ
رحيلِ غياث مطر ,شهيد الثورة السور ّية األعزل دون أن الالعنفي يف سوريا ,ماذا يفعل أصبح الحر ُاك نسأل :أين َ ُّ دعا ُة النضال السلمي ,أين ذلك الجدل الذي كنا نسمعه نتائج الحراك سابقاً وهو يجهد لتوضيح الفارقِ بني ِ الطرف املسلحُّ ُ الالعنفي والحراك املسلح ,هل ماز َال ّ يؤمن مبا يف يده بتمويله ومصدره وأجنداته كام كان ْ تزعزعت قناعاته أم َر َس َخ ْت بال شكوك. سابقاً ,هل هذه األسئل ُة التي تجد لنَا سبي ًال برغم كل ما يحدُ ُث عىل وتجويع ومآس موت وحصا ٍر وفق ٍر األرض السور ِّية من ٍ ِ ٍ َ ُ البأس بأن نأخذها عىل محملِ حربَ , ائم ٍ إنسان ّية وجر ِ ليست حنيناً نرسح يف رغب ِة استعاد ِتهْ , ْ بل الج ّد فهي ُ ُ أسئل ًة جدي ًة تبدأ مبا إن كانت تلك الحمالت االفرتاضية ُ تحصل اليوم هي والشعارات واللوحات والتصاميم التي ُ يستطيع دعاة الالعنف ِف ْعله,, البديل الحقيقي لكل ما ُ وال تنت ِهي به.
في الهوية وتغريز المعرفة والثقافة 3
جاد الكريم الجباعي
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
مقاالت
حقيقتنا الواقعية تشبه صورة “اآلخر” املختلف يف وعينا وثقافتنا؛ كلام وصفنا اآلخر املختلف بوصف كنا نحن ذلك الوصف ،أو ضده .فام الذي يحجب عنا هذه الحقيقة؟ ما الذي يحول بيننا وبني إعادة التفكري يف صورة اآلخر ،القريب والبعيد ،ليك نتمكن من وعي ذواتنا ونقد ثقافتنا وتاريخنا ولغتنا وأشكال تنظيم حياتنا نقداً ميكننا من كرس القيود الصدئة التي ُأح ِكمت عىل عقولنا وضامئرنا؟ الهوية الجوهرية :القومية أو املذهبية ،هي هذا العائق .ليس مثة ذات بال هوية ،ولكن ،هنالك هوية /هويات بال ذات وذوات .هنالك “نحن” فارغة ،ال تدل عىل أفراد مختلفات ومختلفني ،وال تدل عىل نسيج تاريخي هو شكل وجودهم. الذات معطى وجودي؛ الهوية ليست كذلك؛ األخرية معطى ثقايف :اجتامعي -اقتصادي وسيايس ،ولكنها معطى ثقايف أوالً وأساساً .وهي دا َّلة عىل الوجودي، بتعبري املناطقة ،أي تابعة ملتغري هو الوجود اإلنساين املتعني يف األفراد والجامعات ،دا َّلة عىل ذوات األفراد والجامعات واألمم والشعوب ،كالصفة التي تتبع املوصوف يف جميع أحواله .العالقة بني الهوية والذات هي شكل العالقة بني الوجودي واالجتامعي، وبني الطبيعي والوضعي .يستدل عىل ذلك بالتطور التاريخي للذوات ،بدءأً بالتفاعل مع البيئة الطبيعية وصوالً إىل القدرة عىل جعلها موضوعاً للمعرفة والعمل ،باخرتاع اللغة واخرتاع األدوات ،ما يؤكد الصفة النوعية لإلنسان ،التي ال تتجىل يف املعرفة أو اإلدراك فقط ،بل يف معرفة املعرفة وإدراك اإلدراك، تتجىل يف الثقافة التي هي أول رأس مال إنساين. اإلنسان يعرف ،ويعرف أنه يعرف ،ويستطيع أن يطور معارفه ويرهف إدراكاته ،ويغري منط تفكريه وسلوكه أو يعدله ذاتياً ،عىل نحو ما صار بوسعه أن يعدل البنى الجينية والهرمونية وبنية املادة الفيزيقية أيضاً. عمليات تعديل مناذج التفكري والسلوك تشبه عمليات التعديل الجيني الذاتية شبهاً كبرياً ،جراء التبادل والتفاعل الدامئني مع البيئة الطبيعية واالجتامعية ،لوالها لظل اإلنسان محدوداً بغرائزه، كالحيوان .هنا تتجىل أهمية رأس املال الثقايف إنتاجاً وتداوالً وإعادة إنتاج ،ألنه هو الكفيل بتعديل
مناذج املعرفة والسلوك أو إعادة إنتاجها ،أي هو الكفيل بتعديل مصفوفات املعارف واملدركات واألفكار واملعاين والقيم وعالقاتها املتبادلة ،وإعادة تشكيل صورة العامل يف الذهن .عمليات التعديل الذايت لرأس املال الثقايف ،أي تعديل مناذج التفكري واإلدراك والتقدير والعمل والتواصل ،مرهونة بعالقة /عالقات حرة بني األفراد والطبيعة من جهة ،من خالل العمل واإلنتاج االجتامعي ،وبينهم وبني البيئة االجتامعية واإلنسانية ،من جهة أخرى ،من خالل الفاعلية /االنفعالية والتواصل وتبادل املعارف والخربات ،عالقات ال تحددها مسبقاً أي اعتبارات دينية أو إثنية أو جنسية ،وإال فنحن إزاء عمليات تربوية وتعليمية وتلقني أيديولوجي وفرض ثقايف تحاول كلها حرص املعرفة والثقافة يف دائرة ضيقة ال تتعداها ،هي دائرة الهوية املغلقة والثابتة ،التي ُتغ ِلق عىل الذوات وتنغلق دونها. مثة مستوى إدرايك لدى البرش يشبه املستوى اإلدرايك لدى الحيوان .يتجىل هذا املستوى عندما ُيج َّرد اإلنسان من إنسانيته ُّ ومتك ِنه من التفكري املستقل والتم ُّثل الحر وقدرته عىل اإلبداع ،وسلب حقه يف الكالم وحرية التعبري والتواصل ،و ُيح َّول إىل مجرد كائن بيولوجي ،أو مجرد موضوع ووسيلة وأداة، عىل نحو ما تفعل ثقافة التسلط واالستبداد ،حني تفرض مناذجها املعرفية وأفكارها وتصوراتها وقيمها، وتغرسها يف نفوس الناشئة وأذهانهن وأذهانهم، بدءاً بكيفية استعامل اللغة وفرض دالالتها عىل أنها الحقيقة الكاملة ،التي ترتكز الهوية عليها. الحقيقة الكاملة تشبه املعرفة الكاملة لدى الحيوان، املعرفة التي ال تتعدى حدود الغريزة .لذلك ميكن وصف الثقافة التسلطية بأنها تغريز املعرفة ،أي تحويلها إىل ما يشبه الغريزة ،بحيث ال تتعدى حدود الهوية الثابتة وحدود خطابها“ .الفكر القومي” الدوغاميئ والرتبية القومية االشرتاكية ،و”الفكر الديني” الدوغاميئ والرتبية الدينية منوذجان نقيان لهذا التغريز ،ال يقبل أي منهام بأقل من الحقيقة الكاملة ،ويحرص عىل اجرتارها وإعادة إنتاجها .فال بد من تفكيك هذين النموذجني املتضامنني ،لألوبة إىل الذات وإبداع حياة إنسانية تليق باإلنسان. “الحقيقة الكاملة” ،الدينية أو القومية ،هوية
بال ذات ،ال تزدهر إال مبوت أفرادها يف سبيلها ،أو التضحية بهم عىل مذبحها .ولو حاول أحدنا فحص هذه “الحقيقة” لتينب له أنها السلطة وال يشء غري السلطة ،بصفتها مصدر الرثوة والجاه .هكذا األحزاب العقائدية والجامعات التي تسمي نفسها مقاومة إسالمية ،كحزب الله وحركة حامس وشقيقاتها ..أو سلفية جهادية ،كتنظيم القاعدة أو دولة العراق والشام وجبهة النرصة وأخواتها ،وهكذا الجامعات اإلثنية واملذهبية ،العنرصية ..كلها جامعات تحولت لديها املعرفة والثقافة ،بالرتبية والتعليم والتلقني، إىل ما يشبه الغريزة ،التي ال تزال ثاوية يف الخافية البعيدة لألفراد والجامعات ومرقونة يف جيناتهم. فال ميكن فهم نزاع الهويات املنفلت من عقاله اليوم إال بكونه نتاج الثقافة التسلطية وثقافة االستبداد، التي تعصف بالكيان اإلنساين لألفراد ،فتمسخ الذوات ،وتختزلها يف هوية قومية أو مذهبية، أو حزبية ال تزيد عىل كونها خطاباً ،وال تزيد عىل كونها “نصاً” هو هامش عىل منت أسطوري وخرايف أو عنرصي .لنفكر يف القتل عىل الهوية واملجازر الجامعية وعمليات االغتصاب وتعذيب املعتقلني حتى املوت ،عالوة عىل استعامل األسلحة الفتاكة ملحاربة “البدعة” ،أي الحرية ،ودرء “الفتنة” ،أي الثورة .أليست هذه كلها نتاج ثقافة هووية ،قومية ومذهبية وحزبية عقائدية؟ ولنفكر قبل ذلك ومن أجله يف آليات االصطفاء والنبذ أو التهميش ومعايريهام ،يف أثناء إعادة إنتاج رأس املال الثقايف واالجتامعي واملادي ورأس املال السيايس ،سواء تعلق األمر باصطفاء الدالالت وإنتاج املعاين والقيم ،أو باصطفاء األفراد ،وهام عمليتان متالزمتان .ولنفكر يف ضوء هذا وذاك يف تنافسية األفراد والجامعات ومعايريها ،وقد اختزلت إىل مجرد االنتامء والوالء، أي إن املعيار الهووي :اإلثني أو املذهبي أو الحزيب.. بات معياراً وحيداً للفوز أو النجاة .لنفكر يف ما ُغرس يف نفوسنا وما غرسناه يف نفوس الناشئة ،عىل مدى العقود املاضية ،وحان وقت الحصاد .ولنفكر أخرياً يف الطابع التكراري األجوف للثقافة الذي يطفئ شعلة اإلبداع ،وهو األكرث داللة عىل تغريز املعرفة.
الردة وقتل المرتد في ما ّ خص ّ
4
علي العبداهلل
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
مقاالت
مل يكن بروز داعش ورفعها سيف الردة يف وجه معارضيها وقتلهم ذبحا بتهمة االرتداد عن اإلسالم إال بعثاً جديد لقضية الردة وقتل املرتد التي كانت جزءاً من سجال بني فقهاء املسلمني الذين اتفقوا واختلفوا حول املبدأ وحول رشوط تنفيذ الحد وآليات التنفيذ عىل امتداد التاريخ اإلسالمي. بالرغم من موقف القرآن الكريم الجازم والحاسم من حرية االعتقاد بقوله تعاىل: الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله “ال إكراه يف الدين قد تبني الرشد من ّ فقد استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام لها والله سميع عليم” (سورة البقرة )256وقوله“ :ولو شاء ربك آلمن من يف األرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنني” (سورة يونس )99وقوله“ :وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” (سورة الكهف ،)29ووجود آيات رصيحة تتناول االرتداد عن اإلسالم دون تحديد عقوبة يف الدنيا وإمنا يف اآلخرة ،وهي من حق الله عز وجل ،كام يف قوله تعاىل“ :يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسالمهم وهموا مبا ينالوا وما نقموا إال أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خرياً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً ألي ًام يف الدنيا
الغي” (سورة البقرة ،)256باعتباره نصاً قطعياً وما يأيت بعده يف الفقه فهو من الجزئيات التي تحكمها هذه اآلية ،وإىل عدم وجود سوابق تاريخية ال أيام الرسول وال أيام الخلفاء الراشدين تفيد بتنفيذ حد الردة ما مل يصحب الردة محاربة اإلسالم واالعتداء عىل املسلمني .وأختلف أصحاب موقف وجود حد للردة حول مدة االستتابة فالبعض اعتربها ثالثة أيام يقتل بعدها املرتد ،ىف حني رأى آخرون إن حدود االستتابة تقف عند اليأس من عودة املرتد إىل اإلسالم سواء طالت املدة أو قرصت ،ورأى آخرون أن املرتد يستتاب أبداً وال يقتل وذلك ألن التلويح بالقتل يف هذه الحالة يعد نوعاً من اإلكراه عىل العودة لإلسالم مرة أخرى وهو ما يتناىف مع اآلية السابقة. وكان الشيخ محمود شلتوت ،شيخ الجامع األزهر ،من الذين رفضوا وجود حد للردة يف اإلسالم وقال تعليقاً عىل استناد دعاة حد املرتد عىل الحديث الذي رواه ابن عباس من بدل دينه فاقتلوه“ :إن كثرياً من العلامء يرى أن الحدود ال تثبت بحديث اآلحاد وأن الكفر بنفسه ليس مبيحاً للدم وإمنا املبيح للدم هو محاربة املسلمني والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم وإن ظواهر القرآن
الكريم يف كثري من اآليات تأىب اإلكراه عىل الدين” (اإلسالم عقيدة ورشيعة) وذهب الشيخ عبداملتعال الصعيدى ىف كتابه “الحرية الدينية يف اإلسالم” نفس املذهب قال“ :إن املرتد ال يقتل وإمنا يستتاب أبداً طاملا مل يعاد املسلمني ،أما إذا عاداهم فـ “يقاتل” ليس كمرتد ولكن كعدو رصيح لإلسالم” وقال الدكتور عيل جمعة (مفتى الديار املرصية)“ :إن الله قد كفل للبرشية جمعاء حق حداً لالرتداد عن اإلسالم متجاهلني مرجعية هذه اآليات ودالالتها القاطعة. لقد أقدم الفقهاء الذين دونوا الفقه أيام الدولتني األموية والعباسية ،وكان الخالف السيايس قد احتدم بني املذاهب وهدّد وحدة األمة اإلسالمية وكيانها، وأخذوا موقف حامة النظام والسلطة والقانون ،وقرروا التخلص من كل خارج عىل املجتمع والدين ،أقدموا عىل ابتداع موقف ّحد املرتد باالستناد اىل أحاديث ضعيفة أو موضوعة ،وك ّرسوا وضع حدود مشددة مل ترد يف القرآن الكريم بإضافة معيارين إىل الفقه اإلسالمي األول “من جحد معلوماً من الدين بالرضورة” والثاين “االستتابة” (دعوة املرتد ونصحه بالعودة لإلسالم) ،وطبقوهام عىل الردة عن اإلسالم. ولكن ذلك مل يغلق السجال حول موضوع الردة بل تركه مفتوحاً حيث شهد التاريخ اإلسالمي جدالً حاداً بني الفقهاء حوله وحول آلية االستتابة بني من يتبنون وجود حد للردة ومييلون إىل التشدد يف تطبيقه باالستناد إىل حديث الرسول (عليه الصالة والسالم) “من بدّل دينه فاقتلوه” والذين يرون أن ال عقوبة دنيوية للردة باالستناد إىل قوله تعاىل“ :ال إكراه يف الدين قد تبني الرشد من
واآلخرة وما لهم يف األرض من ويل وال نص ٍري” (سورة التوبة )74وقوله“ :يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأيت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة عىل املؤمنني أعزة عىل الكافرين يجاهدون يف سبيل الله وال يخافون لومة الئم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم” (سورة املائدة ،)54فإن عددا من الفقهاء القدامى والحديثني أرصوا عىل الذهاب إىل أن مثة اختيار دينها دون إكراه أو ضغط خارجي ،واالختيار يعني الحرية ،والحرية تشمل الحق يف ارتكاب األخطاء والذنوب طاملا أن رضرها ال ميتد إىل اآلخرين”، وأضاف“ :لهذا قلت إن العقوبة الدنيوية للردة مل تطبق عىل مدار التاريخ اإلسالمي إال عىل هؤالء املرتدين الذين مل يكتفوا بردتهم وإمنا سعوا إىل تخريب أسس املجتمع وتدمريها” .ورأى الدكتور محمد سليم العوا “أن عقوبة الردة مجرد تعزير من حق الحاكم وليست حداً مرشوعاً له حكم الحدود” .وأنكر األستاذ جامل البنا وجود حد للردة واعتربه صناعة فقهية سياسية لخدمة الحكام، وال عالقة لها بحامية الدين ،مؤكدا أنه ال يوجد يف اإلسالم ما يسمى حد الردة ،أو وجود عقوبة ملن يخرج عن الدين ،فالقرآن الكريم ذكر الردة مرات عديدة ومل يذكر مرة واحدة عقوبة لها ،عكس الرسقة أو الزىن اللتني وضع الله لكل منهام عقوبة محددة. فحرية االعتقاد حق لإلنسان وال قيد عليه إال عقله وضمريه وإن كل ما تفعله داعش بذريعة الردة ليس له سند ديني وهو جرمية ووحشية مستنكرة ومدانة.
عن جد وينن ..؟! علي فاروق
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
مقاالت
لقد ماتوا جميعاً ،وما عادوا موجودين ،قد يكون هذا هو الجواب املنطقي للسؤال املطروح من قبل بعض مؤيدي النظام عرب حملتهم االفرتاضية األخرية ‘‘وينن’’.. يفرتض بعض املتابعني للشأن السوري مؤخراً، تأسيساً عىل حملتي ‘‘الكريس إلك والتابوت ألوالدنا’’ و‘‘وينن’’ الفيسبوكيتني ،بأن هز ًة أصابت وجدان وضامئر املؤيدين ــ أو بعض قطاعاتهم عىل األقل ــ أدت إىل انزياح أو تبدل أهواءهم وتوجهاتهم ،بشكلٍ ٍ ً رمبا سيفيض الحقا إىل تغيري اصطفافهم السيايس، أو تفكيك مترتسهم الطائفي ،األمر الذي سيدفعهم لالنفضاض عن النظام ،والتخيل عنه ،ويستبرش بعضهم أيضاً ،بأن تلك التغيريات والتبدالت الطارئة عىل املزاج العام للمؤيدين ،واملعرب عنها يف املجال االفرتايض من خالل بعض الصفحات املستحدثة ،وعرب تلك الحمالت وأشباهها ،أنها تؤرش لبدايات انتفاضة، أو حركة مترد ضد النظام ،من قبل مؤيديه ،وال سيام من قبل العلويني ،الذين فقدوا اآلالف من شبابهم، وأبنائهم خالل السنوات الثالث املاضية يف الحرب التي يشنها نظام األسد عىل املواطنني السوريني. أساس لكن ،الحقيقة إن ذلك االفرتاض ليس له أي ٍ واقعي يدعمه ،أو يسنده ،فاملزاج العام للمؤيدين مل ٍ حقيقي ،وال أو ، ري تغي أي الواقع يف عليه يطرأ تعديلٍ ٍ ٍ ميكن بأي حالٍ الركون إىل معطيات العامل االفرتايض لتقرير حدوث مثل تلك التغريات ،والتحوالت النوعية ،يف الوقت الذي يقدم الواقع اليومي أدل ًة تثبت عكسها ،ذلك أن رواد العامل االفرتايض وفاعلوه ال يعربون عن آراء وتطلعات فئات تقع خارج حدود ذلك العامل ،ممن ال يتيرس لهم الوصول إىل جنباته، ألسباب تقنية ،كضعف الخربة باستخدام االنرتنت ،أو ٍ لغياب أجهزة الحاسوب وأجهزة الهاتف املحمول، أو بسبب انقطاع الكهرباء ،مث ًال ،أو لعدم اقتناعهم بجدوى النشاط والتفاعل االلكرتوين أساساً ،ولذلك فإنهم وبالدرجة األوىل إمنا يعربون عن أرائهم، وتطلعاتهم ،وميولهم الشخصية ،هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلو سلمنا بإمكانية أن يكون أولئك ‘‘الناشطون’’ وغالبيتهم من املؤيدين ،ومن خالل صفحاتهم ،وحمالتهم يعربون عن رأي عام ــ جزيئ بطبيعة الحال ــ ،ال عن مجرد آرا ٍء فردية ،أو أحاديث شخصي ٍة ،فإن تفسري تلك النشاطات االفرتاضية عىل انتفاض عىل النظام ،أو عىل أنها بداية متر ٍد ،أو ٍ سياساته وخياراته األمنية ،والعسكرية ،تحمل مقداراً من الجهل ،وسوء الفهم ،أو مقداراً من التوهم، والتمني عىل طريقة الـ ‘‘ ’’Wishful Thinkingيف أحسن األحوال. ً واألرجح أن ذلك التمرد إن ُوجد حقا ،فهو يف حقيقته ٌ متوقع ومتلمل انزعاج مرب ٌر من أداء النظام الضعيف، ٌ ٌ
من الهزائم ،واالنتكاسات التي مني بها مؤخراً، عىل أيدي تنظيم الدولة اإلسالمية ‘‘داعش’’ ،وال سيام أنها قضت عىل توقعاتهم اإليجابية املبنية عىل الوعود الكبرية ،التي وردت يف خطاب القسم األخري ،ولذلك فإن تلك املشاعر والتعبريات الغاضبة والسلبية ،ال تشكل أساساً لحركة مترد عىل النظام، أو عىل سياساته ،أو عىل سلوكه ،أو ضد وجوده، مستويات ات حاد ٍة ،أو وصلت إىل ٍ وإن متيزت بنرب ٍ غري مسبوق ٍة يف صيغة الخطاب ومضمونه ،وحتى لو تناولت رأس النظام شخصياً ،كام هو الحال يف حملة ‘‘الكريس إلك والتوابيت لوالدنا’’ ،فااللتحام العضوي والتشابك بني النظام ،واملؤيدين ال يزال متيناً ،والروابط فيام بينهم ال زالت تتمتع بالشدة، والتعقيد مبا ال ميكن ملجزر ٍة ،أو هزمي ٍة عسكري ٍة أو أكرث ،أن تؤدي إىل تداعيها ،أو تفككها بتلك الصورة الرسيعة املتخيلة ،هذا من ناحية أوىل ،وأما ‘‘التطاول’’ و‘‘التجرؤ’’ عىل شخص «بشار األسد»، وتناوله بالنقد ،فهذا أيضاً ال ُيعد مؤرشاً عىل ثورة ،أو انقالب يف املفاهيم ،أو تبدل يف القناعات والخيارات السياسية ،فهو ليس باألمر الجديد عىل املؤيدين ــ عىل عكس ما يعتقد البعض ــ ففي مرحلة الثورة السلمية منتصف آذار ( ،)2011وحتى ربيع – صيف ( ،)2012وعندما كانت املظاهرات تعم البالد ،خرج املؤيدون مبسرياتهم ‘‘العفوية’’ ،وكان الفتاً يف بعض تلك املسريات ،وخصوصاً يف املرحلة التي شهدت ٌ هتاف يقول‘‘ :بشار تراجعاً كبرياً للنظام ،أن يظهر للعيادة وماهر للقيادة’’. وواضح ما تضمنه ذلك الهتاف من تطاول وتجرؤ عىل شخص «بشار األسد» ،ومن تشكيك بقدراته، وكفاءته للقيادة والحكم ،فض ًال عام أظهره أيضاً من انعدام إميان املؤيدين ،أو اكتفائهم مبقدار العنف، والبطش ،واإلرهاب املامرس من األجهزة األمنية،
والعسكرية التابعة له ،فكانت مطالبتهم رصيح ًة بعزله ،وتولية شقيقه «ماهر األسد» وهو املعروف يف أوساطهم عىل أنه ٌ مجرم ،وبالتايل سيكون أقدر ضابط ٌ ــ حسب اعتقادهم أو متنياتهم ــ عىل قمع الثورة، وقتل املتظاهرين. ويف املرحلة املسلحة ،وعندما كانت قوات النظام تجتاح املدن والبلدات ،و ُتعمل يف املواطنني قت ًال، وذبحاً ،وتعذيباً ،واعتقاالً ،كانت ترتك عىل الحيطان والجدر شعاراً يقول‘‘ :حاربوك ونسيو مني أبوك’’، وإذ يحيل هذا الشعار إىل زمن ‘‘األب’’ املشهود له باملكر ،والخبث ،واإلجرام ،والذي متيز حكمه بالعنف ،واإلرهاب ،ويوحي بأن القتلة الحاليون، هم امتدادات ألشباح مجرمي عرص «حافظ» ،فإنه يفيد أيضاً االستنتاج باملفهوم املخالف ،أن «بشار» ال يشبه أباه ،وال ُيعد تبعاً لذلك مؤه ًال ليكون خليفته ،فالنظام ،و»بشار» ،والقتل موجودون بفضل «حافظ» ،حتى وإن كان ميتاً. ٌ ٌ وتجرؤ عىل رأس تطاول، الشعاران السابقان فيهام حي مر ًة ،وسلف ميت تار ًة النظام ،واستعارة بديلٍ ٍ أخرى ،عدا عن أنها تنال من الخلف وتهينه ،إال أنها تكشف أيضاً طبيعة تعقيد ،وعمق االصطفاف السيايس والطائفي للمؤيدين ،ولذلك من املستبعد أن تكون ردات الفعل ‘‘االفرتاضية’’ األخرية دلي ًال عىل تغري موقفهم ،أو مراجعة خياراتهم. وأكرث من ذلك ،فإنه من غري املرجح يف الوقت الذي يظهر فيه ٌ طرف معا ٍد للنظام ،وهو ‘‘داعش’’، مستويات غري مسبوقة من العنف ،والتطرف ،أن تكون االستجابات النفسية ،والسياسية للمؤيدين، معاكس ًة ،بحيث تتجه إىل تخليهم عن موقفهم السيايس ،وتراجعهم عن تأييد نظامهم ،املستهدف من قبل ‘‘داعش’’. ُيحتمل أن يكون املؤيدون قد شعروا بالخذالن ،أو هالهم الرعب الذي أظهرته ‘‘داعش’’ ،أو مل ترقهم مناورة النظام الذي ضحى بأبنائهم ،طمعاً بتجديد تفويضه الدويل كقوة مقبولة ملكافحة اإلرهاب ،لكن هذا ال يعني أن املؤيدين قد وصلوا إىل قناع ٍة برضورة التخيل عنه ،فأوهام املؤامرة ،وأحالم االنتصار ال زالت تسكن مخيلتهم ،وتحكم سلوكهم ،وردات فعلهم. سؤال ‘‘وينن’’ ال بد منه ،لكن األوىل أن نسأل به عن األحياء ،ال عن األموات واملفقودين ،وطاملا بقي املؤيدون عىل مواقفهم ،وتعامى املعارضون عن الحقائق ،وحرضت األوهام والرسديات ،وغابت لغة العقل ،واملنطق ،والواقع ،ومل تتوفر آليات الحوار ،والتفاوض للوصول إىل الجوامع ،واملشرتكات، بعيداً عن املطالبة بالتطمينات ،أو السعي لتأبيد االمتيازات ،فإن أحداً لن يبق بعدها ليسأل ،ولن يعرف أحدٌ ‘‘..وينن’’.
5
الثورة ووعي الحرية 6
ماهر مسعود
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
مقاالت
غالباً ما يتناهى إىل مسامعنا ذلك الجدل الشفاهي (النخبوي والشعبي) حول استحقاق شعوبنا للحرية ،وهو جدل قديم حصل انتشاره بقوة بعد “الربيع العريب” ورؤية ما آلت إليه الثورات من عنف يف سوريا وليبيا ،أو من صعود اإلسالميني للحكم يف مرص ثم انقالب العسكر عليهم ،وعودة الديكتاتورية بصيغة جديدة .لكن هذا الجدل بقي دون أن تتم مناقشته ومعالجته بشكل واف ،مع أنه غالباً ما ينتهي باستنتاج عدم أهلية مجتمعاتنا للحرية كونها مجتمعات جاهلة وغري “واعية”. ونحن سنعيد هنا طرح السؤال و”نفككه” ونحاول اإلجابة عليه :فهل من الرضوري أن يكون الشعب “واعياً” حتى يستحق الحرية؟. قبل اإلجابة يجدر بنا توضيح بعض املسائل ،هي أوالً ،إن تناول “الوعي” ضمن تلك االستنتاجات هو تناول سطحي غائم وغري محدد ،يجمع؛ دون أن يدرك يف مقصوده ،عدة معان “للوعي” الجمعي بالحرية ،غري متجانسة وليست من طبيعة واحدة ،كالرشد االجتامعي ،واالخالقيات الشكلية، والرتبية الحسنة ،والتحصيل العلمي العايل ،والرقي الحضاري ،إضافة إىل نزعة مضمرة تضيف إىل كل ما سبق الوضع املادي واالقتصادي الجيد التي تؤهل املرء أن يكون “واعياً” وراقياً ومتحرضاً. فكيف ميكن ،بعد هذا التقدير ،ملجتمع ج ّله من الفقراء “الغوغاء والحثالة”؛ عىل ما ّ سمهم إعالم النظام ،أن يكون مجتمعاً واعياً ويستحق الحرية؟. نالحظ ثانياً ،أن ذلك الجانب املضمر يف الحديث عن “الوعي” االجتامعي كرضورة الستحقاق الحرية، هو جانب نفيس مشبع بعقد النقص الحضارية والشخصية ،وميلء بإدانة الذات الجمعية باعتبارها ذات متخلفة جوهرياً وغري جديرة بالحرية .وغالباً ما تجد القائلني واملهتمني بهذا النوع من رضورة الوعي املسبقة الستحقاق الحرية هم من أرباب الحداثة الغربية واملعتصمني بها ،سواء كانوا من النخبة أم من العامة ،لكن املالحظ أيضاً أن هؤالء بالجمع وباملجمل ليسوا ممن يستبطنون الحداثة بالفعل والقول والسلوك الشخيص ،بقدر ما هو استبطاناً ملظاهرها وشكلياتها ،وليسوا ممن هم
متامهني يف العمق مع مبادئها املك ِّونة ،وال حتى من العارفني الجيدين بتاريخها ورصاعاتها ،بقدر ما هم من املتامهني بها كام يتامهى ضحية السلطة باملتسلط ،أو كام يتامهى العبد بالسيد لتصبح أخالق السيد مثله األعىل .إنها الطريقة التي يتصور بها العبد أو العاجز املقدرة ،الفكرة التي يكونها عنها .فالحداثة والحضارة الغربية باملجمل تصبح هنا مبثابة املتسلط ،أي األقوى واألعرف واألهم واألجمل ..الخ ،بينام نحن األضعف واألخس واألبشع واألكرث تخلفاً ،نحن رعاعهم. وال يفعل أولئك “الحداثويون” سوى الهروب النفيس ،وأحياناً الفعيل ،إىل هذا الغرب ،أي الهروب من تخلفنا نحو حداثتهم ،الهروب نحو األقوى فتض األضعف أن األقوى واالنتساب إليه .وكام َي َ ِ واملتسلط ينظر إليه ،يرى نفسه .ولذلك فهو عندما يرى ذاته بعني األقوى سيجد أنه نكرة وضعيف، فيستبطن شعور الضعف ويدين نفسه بناء عىل ذلك ،لكنه ال يلبث أن ينسحب من هذا الشعور الذي ال يطاق نحو التامهي باألقوى ،وبالتايل يشعر شعوراً كاذباً بالقوة التي ليست ملكه .وضمن هذه اآللية نجد أنه عوضاً أن يعمل من يرى نفسه عىل هذا الشكل ،عىل تقوية ذاته ومتتني ثقته بنفسه، يهرب منها دون أن يواجهها ،ودون أن يدرك أن وقوفه مع األقوى ال يجعل منه قوياً بأي شكل كان. إن الشائع يف ثقافتنا عند من يقودون فكرة ربط مطلب الحرية مبطلب “املجتمع الواعي” ،ال يعرب يف شيوعه إال عن الرغبة بتأبيد الواقع الراهن ومعاداة التغيري ومعاداة الثورات ،مع إسباغ التخلف كسمة جوهرية ملجتمعاتنا ال فكاك منها ،ولذلك مل يبخل مثقف وشاعر كبري كأدونيس ،عىل سبيل املثال ال الحرص ،بالقول :إنه علينا تغيري املجتمع والنظام االجتامعي قبل تغيري النظام. لكن تحليلينا املعتمد عىل األسس الواردة أعاله مل يفنّد إال جانباً داخلياً واحداً من جوانب ظاهرة ربط الحرية بوعي املجتمع ،أما الجانب اآلخر لتلك الظاهرة يبدو يف كون املتحدثني بها ،هم غالباً أناس بارانوئيني (من بارانويا) ،أي محكومني بثنائية االضطهاد والتعايل ،الشعور العميق باالضطهاد
املقرتن بشعور مواز ومصاحب بالتفوق ،لكن شعور االضطهاد هو شعور زائف مبني عىل كره الذات ونفيها وعدم تق ّبلها ،أما التعايل فهو تعايل الوضيع عىل ما سامه محمود درويش بلمحة نرثية ثاقبة. ً غالبا ما يظهر هؤالء مبظهر املتواضع واملحب للضعفاء واملحرومني والبسطاء ،لكن ذلك التواضع قادم يف العمق من الوضاعة وليس من االمتالء والقوة والفيض ،وتلك املحبة ممزوجة غالباً باالحتقار واالرتكاس ،فيكفي أن يتحول أحد أولئك البسطاء واملحرومني إىل ثائر ومتمرد أو يرفع صوته عالياً ضد حرمانه ذاته ،يك يظهر التعايل ويربز االحتقار ،ويك يتحول تواضع املتعايل إىل وضاعة يف السلوك وانحطاطاً يف التعامل. بالعودة إىل سؤالنا السابق حول رضورة اقرتان الوعي بالحرية ،وهل فع ًال هناك اقرتان منطقي ورضوري بني الوعي والحرية ،أو هل فع ًال يتحتم عىل املجتمع أن يكون مجتمعاً “واعياً” ليك يستحق الحرية؟. إن دعاة الوعي االجتامعي والجمعي بالحرية، يقلبون الصورة رأساً عىل عقب من حيث األولويات ،فعندما يعلنون عن أسبقية التغيري والتحرير االجتامعي عىل تغيري السلطة ،والتحرر من أغاللها ،فهم يضعون العربة أمام الحصان ،ثم يطلبون منها السري عىل سكة التاريخ ،وهذا هو بالضبط الطلب املستحيل يف حالتنا وحالة شعوبنا. فمن دون تحرير السلطة من سلطتها املطلقة عىل الشعوب ،ومن دون تغيريها والثورة عليها ،بوصفها العائق األول واألعقد واألهم أمام التحرر املجتمعي وحرية املجتمعات ،لن تتمكن مجتمعاتنا من السري عىل سكة التاريخ .وطاملا أن املجتمعات ال متلك خياراتها بتحديد السلطة ،أي وضعها وإزالتها وتغيريها وتحديد صالحياتها مبا تراه مناسباً ،فإنها لن تستطيع تطوير ذاتها أو تحرير وعيها العام بالحرية .إال عىل طريقة أصحاب نظرية الوعي. ليس بالرضورة إذاً أن يكون املجتمع واعياً يك يستحق الحرية ،بل إن الحرية هي الرشط “الطبيعي” واألسايس لوعيه ،فال وعي اجتامعي ناضج دون حرية ،حيث إن الحرية هي املناخ األنسب لنمو الوعي الفردي واالجتامعي وتطوره عرب التاريخ.
االختالف والعنف معتز سالم
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
يعرب الال -اختالف ونكران اآلخر ونفيه عن حالة من االقصاء تتجىل بأقىس وأبشع صورها املمكنة عرب العنف .ويبدو أن محفز العنف مرتكس دامئا ومختبئ خلف هوية .فليس العنف والقتل سبباً لهذه الحالة من (الال -اختالف) بقدر ما هو نتيجة. ونحن حينام نتحدث هنا عن الال اختالف ،فليس املقصود بذلك االتفاق .بل ننطلق من االختالف مبفهومه اإليجايب أي القدرة عىل فهم وجودنا باعتباره أحد الوجودات املمكنة ،غري الناجزة، ضمن حالة من التعددية يف الهويات الثقافية .ال يتحصل لهوية منها اعتبار نفسها تحمل قدسية ما أو ترتكز عىل تفوق عرقي أو ديني أو عقائدي، ليك يحملها عىل تدمري اآلخر ،فذلك ما يجعلنا غالباً أمام معادلة هي :هوية – أقصاء – عنف. إن الهوية التي نسعى إىل تفكيكها هي بنية ثابتة يف األعم األغلب ،ينتج عن طبيعة ثباتها خطر حقيقي تجاه الهوية ذاتها ،وتجاه غريها من الهويات .ذلك أن الحالة الصحية والصحيحة ألية هوية أن تكون قيد اإلنجاز .ولعل أخطر الهويات عنفاً أكرثها انغالقا وأكرثها وه ًام باالكتامل والعلو. ولكن من أين لهوية ما أن تستمد مثل هذا الوهم، أو باألصح ما الذي ينقصها لتصري ما آلت أليه؟ هناك ثالثة أسس نستطيع أن نبني عليها فهمنا لعمل هذه الهوية: أوالً الخوف :تخاف الهوية عىل مكتسباتها ويقينها ومينعها ضعفها – الذي من املفرتض أن يكون محفزاً للتغيري -من القفز إىل املجهول واملغامرة تجاه أي جديد .فالهوية التي ال تستطيع أن تعيش القلق الوجودي هوية مائتة تخاف عىل
موتها وتحافظ عليه .إنها تتمسك “بروح الجد”؛ والتي تعترب واحدة من الصفات األخالقية الدنيئة عند سارتر ،حيث تقبل بالقيم املألوفة وتحتمي بها هروباً من قلق الوجود ،فتتخلص من الحرص والضيق والقلق الوجودي .إن مثل هذه الهوية تحارب كل جديد ويعميها خوفها هذا عن رؤية الحياة بتنوعاتها واختالفاتها وانبثاقاتها ،فتختبئ خلف سذاجتها ،وتتمرتس خلف وهم قد تدفع من أجله الغايل والنفيس .والخوف مرتبط هنا بالجهل أشد ارتباط ،ويصح به متاماً قول سقراط :الفضيلة علم والرذيلة جهل. ثانياً السلطة :متارس السلطة العنف لتحافظ عىل نفسها ،والعنف أصيل يف تركيبها بقدر رفضها لتقبل االختالف .وهي إذ تقبل االختالف صورياً فإمنا تفعل ذلك من منطلق القوة التي متتلكها، ومن وهم التفوق الذي أنتجته لنفسها .فتسمح له بالعمل من منطق املنح والعطاء الذي يتناىف متاماً مع أصلية االختالف كنسق أفقي .لكنها ال تلبث مع ذلك أن تقمع كل شاذ يخرج عن دائرة املنح املرسومة له ،فتضعه عىل رسير بروكوست. إن االختالف يعطل عمل السلطة ،ألنه يتعارض مع بنيتها العنفية ،والتي ترتافق مع أصل آخر ينخرها من الداخل هو الخوف؛ فالخوف والعنف وجهان لسلطة واحدة .الخوف من فقدان السلطة ألنها تدرك متاماً عمق األقصاء الذي مارسته عىل غريها، وتتنبه بعد أن تكون قد نسيت وجود اآلخر متاما وهمشته ،الخطر الذي ينتظرها ،فيزداد عنفها بقدر خوفها. ثالثاً املايض :يستمد املايض قوته من اتجاهني
مختلفني يلتقيان يف هوية عنفية واحدة. ميض ،ومن مستقبل ال نعيشه ماض مل ِ يستمده من ٍ كاستباق .ذلك أن املايض من حيث يسكننا دامئاً ال نستطيع اإلفالت منه ،وهو إذ يخلخل بنية الحارض؛ الذي يعيش املستقبل كاستباق وتنبؤ، يقوم مبفعول إيجايب للتجاوز .وهنا نستشهد بقول الدكتور يوسف سالمة يف كتابه “من السلب إىل اليوتوبيا” “ :إن الحضارة التي بنتها أمة ما تشكل نسقاً مغلقاً عىل ذاته .وال يعني االحتفاظ بالهوية وحدها إال تكرار لهذا النسق بينام التجدد الحق ال ميكن الربهنة عىل حدوثه إال من خالل قدرة أمة ما ،أو باألحرى نجاحها يف تجاوز آخر حضارة معارصة بامليض إىل ما وراءها .وقد يكون اإلقرار مببدأ السلب ومن ثم إغناء الهوية التاريخية بسلب معارص لها ،هو الخطوة األوىل التي تضع األمة عىل بداية الطريق املؤدي إىل التجدد واإلبداع وليس إىل تكرار القديم ،فالتكرار ممل يف حني أن للجديد فتنة الشعر وشبابه”. لكن املفارقة هنا ذات بعدين؛ فاملايض ال يسكننا ليك يدفعنا لتجاوزه عرب مفهوم السلب الذي يؤصل لالختالف يف بنية الهوية عينها .بل ما يحدث ،أن هوية ما تسكن املايض وتسكنه عىل نحو غري أصيل أي بصورته املشوهة والعفنة .ومن جهة أخرى وحينام تفقد الهوية يف حارضها املعاش كل أمل مريض باملستقبل .تعود للاميض بشكل نكويص ٍ يتجىل باالنفصال التام عن الواقع وعن الزمن .إن هوية فاقدة للمستقبل ساكنة باملايض تستفيض بكل أشكال العنف ،والذي يؤسس ويربر باملقابل لشكلٍ جديد من العنف املضاد.
7
مقاالت
معركة الكباس ..هل تكون مقبرة للثورة؟ 8
أبو القاسم السوري
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
مقاالت
ال يخفى عىل احد أن الثورة يف أرجاء سورية عامة ويف الغوطة الرشقية خاصة عاشت خالل عام 2014عام انحسار وتراجع وقد ظهرت بوادر هذا الرتاجع من خالل عدة مؤرشات 1الهزائم العسكرية التي تكبدها الجيشالحر أمام جيش النظام يف عدة مواقع كالقصري ويربود وأخريا املليحة باإلضافة إىل الخسائر أمام تنظيم داعش يف الشامل الرشقي. 2عجز بنى الثورة اإلدارية يف إدارة املناطقاملحررة وتقديم الخدمات بالحد األدىن للمواطن ،وقد كان هذا جليا يف املناطق املحارصة خاصة كالغوطة الرشقية. 3استمرار حالة الترشذم والتشتت الثوريخاصة عىل املستوى العسكري فلكل لواء وفصيل أجندته السياسية والفكرية والتي تشكل بدورها عائق أمام تكامل عمله مع اآلخرين. 4الغيبوبة العربية واإلقليمية والدولية إزاءمقاربة الوضع السوري حتى أصبح امللف السوري من منسيات سياسيات هذه الدول. 5نجاح النظام يف اخرتاق بنى الحاضنالشعبي املؤيدة للثورة من خالل عروض املصالحات والهدن بحجة أن قوى الثورة عاجزة عن تامني رشوط استمرارية الحياة، وقد وصل بالبعض للخروج مبظاهرات تطالب بقبول الهدنة تحت أي ظرف. نتيجة هذه العوامل وغريها دخلت الثورة يف حالة جمود مرعب مل يكن يف صالح الثورة أبدا ،وكل من هو عامل يف املجال الثوري أدرك ذلك ،فغاب بريق األمل من عيون الناشطني واسترشى حديث اليأس بني جناحي الثورة املدين والعسكري ،ولكن ضمن طيات كل هذه بدأت تتشكل موجة ضاغطة مضمونها يقول أن استمرارنا بهذا الوضع سيكون نهايته هالكنا ال محالة ،وانه ال ميكن السكوت أو التغايض بعد اآلن عن األمراض وان مركب الثورة يركبه الجميع وإذا خرقه احدنا وسكتنا عنه فان مصري الغرق سيشمل الجميع دون استثناء، وبذلك تكون الثورة أفرزت بواكري الرتياق الذي تحتاجه ملعالجة نفسها ومرة أخرى عندما تعجز القيادات والنخب عن تغيري الواقع يكون الضغط الشعبي هو الوسيلة
إلحداث هذا التغيري ،وقد تواكبت هذه املوجة مع عديد من التطورات والتي رسمت مالمح ملرحلة مختلفة وجديدة وابرز مالمح هذه الصورة ما ييل: ظهور القيادات العسكرية املوحدة 1والتي كانت القيادة العسكرية املوحدة يف الغوطة الرشقية باكورة هذه القيادات والتي سيتبعها بالرضورة العديد من النامذج يف سورية وألول مرة تكون عملية توحيد تحت ضغط مزدوج ،فالداخل والخارج التقى عىل هذا الهدف ،وميكن القول أن الضغط الداخيل هذه املرة كان هو العامل األقوى والحاسم فالقوى العسكرية يف الغوطة الرشقية أدركت خطورة عدم التوحد وعدم االنصياع إىل مطلب أهايل الغوطة الرئييس يف ذلك. تفاقم االنتشار الرسطاين للخطر 2الداعيش يف سورية ،والذي بات يشكل خطراً ليس فقط عىل سورية والعراق بل أصبح يشكل خطراً كبرياً عىل النظامني اإلقليمي والعاملي والذي اجرب القوى اإلقليمية والدولية للتهافت ملواجهة هذا الخطر ومحاربته ،وبالتايل فان طبيعة التدخل اإلقليمي والدويل يف سورية يف املرحلة القادمة ستختلف ماهيتها وأثارها وقد يحمل هذا التدخل يف سورية مخاطر كبرية إذا مل ُنعد أنفسنا جيدا وندرك ما هو يف صالحنا وما هو تهلكة لنا. اقتناع املجتمع الدويل بأن األسد 3بعد كل ما ارتكبه من جرائم ومجازر ال يصلح بأن يكون رشيكا يف مواجهة داعش وال أن يكون خيارا إلعادة االستقرار إىل سورية ظهور بوادر خلخلة واضحة لدى 4الحاضن الشعبي املؤيد للنظام وخاصة بعد سيطرة داعش عىل املقرات الرئيسية للنظام هناك كالفرقة 17ومطار الطبقة وما رافق ذلك من فيديوهات تقتيل مرعبة بحق جنود النظام والتي أدت إىل تحطيم أسطورة جاهد النظام لرتسيخها لدى األقليات بأنه هو الحامي الوحيد لهم فبدأت تنطلق شعارات تناقض هذه األسطورة وخاصة من العلويني من قبيل “املوت ألبنائنا والكريس إلك” أو حملة “وينون” وهذه الشعارات والحمالت تعطي مؤرشاً عىل بداية تبلور وعي جديد لدى العديد
من مؤيدي النظام وخاصة العلويني بأن النظام يجر بهم إىل الهاوية. بدء القيادة العسكرية املوحدة 5يف الغوطة الرشقية مبعركة الكباس وقد يظن البعض أن هذه املعركة مثل أي معركة تجرى يف عموم سورية ولكن هذا اآلمر غري صحيح الن معركة الكباس سرتسم مالمح مفصلية يف عمر الثورة السورية وذلك ألسباب التالية: أ -انطالق العديد من املعارك املؤثرة واملوجعة للنظام بالتزامن الكامل مع معركة الكباس ومنها عىل سبيل املثال املعارك الدائرة يف القنيطرة وداريا القلمون وحامة وادلب. ب -ثبات مقولة أن الغوطة الرشقية هي رأس الحربة يف اسقاط النظام يف العاصمة السياسية دمشق الن أي تحرك عسكري تشهده الغوطة الرشقية يحدث هزة عامة يف سورية ،وترنو إليه جميع العيون سواء يف الداخل والخارج لتقيم عمل الغوطة الرشقية والبحث يف ماهية البديل املحتمل لنظام األسد. ت -وصول الثوار إىل قناعة بأن االعتامد عىل إسرتاتيجية الدفاع الصلب يف ظل ضآلة إمكانياتهم مقارنة بالنظام هي إسرتاتيجية عقيمة وفاشلة وقد ظهر ذلك جليا يف معركة املليحة ،لذلك ال بد من اعتامد مبدأ املرونة يف العمل العسكري. ث -ظهور عورة قاتلة لدى النظام فربغم اإلمكانيات الهائلة لدى النظام عىل مستوى العتاد العسكري إال انه يفتقد إىل العداد البرشي الكايف للقتال يف عدة جبهات وهذا األمر يجربه عىل نقل قواته البرشية املتبقية بشكل مستمر باتجاه الجبهات الجديدة وهو ما يعترب مشكلة كربى عىل املستوى العسكري. ج -املفاجأة العسكرية التي حققها الثوار من خالل فتح جبهة مل يكن يتوقعها النظام الذي عمل عىل إجهاض أي عمل عسكري يقوم به الثوار باتجاه دمشق من خالل معركة املليحة واحتاللها ثم إطالق معركة جوبر والتي هي باألساس مدخل الثوار إىل دمشق ،أي أن النظام حاول نفي أي احتاملية لدى الثوار للتوجه إىل قلب العاصمة وهي رمز بقاء النظام. ح -إن املوقع الجغرايف للكباس هو بالغ الحساسية من الناحية الجغرافية ألنه عىل
تتمة من الصفحة السابقة
الوصول إلى الغرب بأسهل الطرق
9
باسل مطر -مرشوع سالمتك
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
يبلغ عدد مستخدمي تويرت النشطني حوايل 277مليون مستخدم وفقا ملوقع الرشكة ,وهو رقم أقل بكثري من عدد مستخدمي فيسبوك الذي يزيد عن املليار مستخدم ,لكن تويرت يعد الوسيلة األكرث رواجا يف الغرب للحصول عىل األخبار الرسيعة ,حيث تجذب منشوراته املخترصة ,التي ال تزيد عن 140حرفا ,املستخدمني عىل نحو كبري .وتقول تويرت بأن النسبة الكربى من املستخدمني تدخل إىل الخدمة عن طريق الهاتف النقال ,وهو أمر ذو مغزى أيضا. ينشط عدد كبري من عنارص تنظيم "الدولة اإلسالمية" املعروف بداعش عىل توتري ,ويتخذون منه منربا للوصول إىل رشائح مختلقه من الجامهري ,للرتويج إليديولوجيتهم األصولية والتأثري بالشباب املسلم يف أوربا وشامل أمريكا بهدف تجنيدهم ,ويستخدم لنرش أخبار "جهادهم" املقدس و"دولتهم اإلسالمية" وجمع املال. يعرف قادة التنظيم ,وهم من غري السوريني يف غالبيتهم ,كيف يستخدمون هذه الخدمة, وأهميتها ,نظرا النتشارها بني رشائح يريدون استهدافها ,ويساعد وجود الكثري من املقاتلني األجانب يف صفوف التنظيم عىل التعبري بشكل منتظم بلغات مختلفة أهمها اإلنكليزية ,وعليه فإن أخبار داعش هي أول ما يصل إىل الكثري من أبناء املجتمعات الغربية ,يف حني تغيب أخبار سوريا األخرى عن هذا الفضاء الهام. بلغ اهتامم داعش بتويرت حد تطوير تطبيق خاص مرتبط بتويرت يدعى فجر البشائر ,تقول عنه داعش أنه الوسيلة األفضل لتتبع أخبار التنظيم ,وقد جذب التطبيق يف شهر حزيران املايض املئات من املستخدمني خالل وقت قصري من إطالقه .وقد بلغ عدد التغريدات التي أطلقتها داعش من خالل التطبيق ما يزيد عن أربعني ألف تغريدة خالل يوم واحد ,وهي كافيه إلغراق الفضاء التويرتي الخاص بسوريا والعراق والتطورات الجارية هناك .يف النتيجة ,أصبح البحث عن كلمة بغداد عىل تويرت مثال يفيض إىل ألوف التغريدات الداعشية .وتقوم اسرتاتيجية داعش عىل أمرين ,األول هو استخدام وسوم ( )Hashtagsمحددة تختار بعناية والثاين هو إطالق عدد كبري من التغريدات إلغراق الفضاء التويرتي ,وهي اسرتاتيجيه معروفة توظفها داعش بدهاء كبري .يحدث بالنتيجة أيضا أن رسائل داعش تصبح طاغية ومضخمة لدرجة كبرية ,وهي أيضا جزء من سياسة إعالمية يتبعها التنظيم. تستخدم داعش تويرت كأداة للتسويق أيضا كام تفعل الرشكات الكربى ,فقبيل إعالن "الخالفة" ومبايعة البغدادي ,وجهت داعش سؤاال عرب تويرت ملتابعيها حول اسم التنظيم وقد رد الكثريين بأنه يجب تغري االسم ليصبح الدولة اإلسالمية ,التي ستعيد مجد الخالقة ,وبالفعل ,فبعد فرتة حدث هذا متاما. تستغل داعش األحداث العاملية الكربى أيضا لتوصل رسائلها التويرتية إىل العامل ,واملعلوم أن جميع الفعاليات الكربى يف العامل تستخدم وسوما ( )Hashtagsخاصة بها ,لتمكن الجامهري من متابعتها بسهولة .وقد استغلت داعش مناسبة كأس العامل ,التي يتابعها مئات املاليني حول العامل .قامت داعش باختطاف الوسم الخاص ببطولة كأس العامل لكرة القدم هذا العام ,وقامت من خالله بالرتويج لرسائلها وأخبارها وبث صور معاركها وانتصاراتها ,وقد حققت من خالل ذلك وصوال منقطع النظري إىل جمهور لن تصل إليه دون هذه التكتيكات. توحي اسرتاتيجيات داعش الخاصة بفضاء توتري الهام ,بدراية كبرية يف استخدام شبكات التواصل االجتامعي ,وبدراية كبرية باستخدام تويرت تحديدا ,وتلقى اسرتاتيجيتها تلك اهتامما ملحوظا يف الصحافة الغربية ,لكن األسوأ أن أخبارها ورسائلها تطغى عىل كل يشء آخر, وتحجبه بشكل شبه كامل ,بسبب أمرين .األول هو الكم الهائل لها وطريقة استخدام التنظيم لتويرت ,والثاين هو الغياب الكامل أو شبه الكامل لجهود مامثلة من قبل الفعاليات الثورية السورية العسكرية منها واملدنية عىل حد سواء.
مقاالت
متاس مبارش مع مناطق ذات حساسية طائفية وهي جرمانا الدرزية ودويلعة املسيحية، وألول مرة يكون ثوار الغوطة الرشقية عىل هذه املقربة من امللف الطائفي ،وهو ما سيضع عليهم عبئاً إضافياً ،فالكل سينتظر طريقة تعامل ثوار الغوطة مع هذه األقليات يف حال دخول قوات الثوار إىل هذه املناطق. خ -النجاح الباهر للثوار يف مجال استخدام السالح النفيس املوجه ضد العدو ،فحالة االنهيار والفرار الجامعي ملؤيدي النظام من مناطق جرمانا ودويلعة نتيجة رسيان بعض الشائعات كانت حالة ملفتة جدا يجب التوقف عندها ودراستها بشكل جيد ووضع الخطط لتكرارها وبشكل أفضل وأقوى ،ورغم أن النظام حاول بث رسائل معاكسة لهذه اإلشاعات إال انه فشل يف طأمنة مؤيديه وتهدئتهم وهذا دليل عىل مدى الفجوة يف مصداقية النظام لدي مؤيديه. د -الرسية العالية عىل املستوى اإلعالمي للمعركة فهناك درجة كبرية من الكتامن والتي التزم بها الجميع سواء من العسكريني أو من املحيط اإلعالمي. إذا ميكن القول أن معركة الكباس آتت يف سياق مفصل رئييس تعيشه الثورة السورية وينبيء بتبلور مرحلة جديدة ،مرحلة لها استحقاقاتها وفيها من الفرص ما فيها وفيها من املخاطر ما فيها ،وإذا مل تكن القيادة العسكرية املوحدة يف الغوطة الرشقية عىل مستوى املسؤولية وان تقرن العمل العسكري بأخر مكمل له وهو العمل السيايس فأخىش ما أخشاه أن تصبح معركة الكباس مقربة للثورة ! .فامللفات التي تقاربها معركة الكباس وخاصة ملف العاصمة السياسية دمشق وملف األقليات اخطر من ان تكون مقاربتها عسكرية بحتة بل هي مقاربة سياسية بالدرجة األوىل ،ولعل أوىل الخطوات التي يجب عملها هي يف وجود جسم سيايس للثورة يتحمل التبعات السياسية ألي تطورات ممكن أن تجري ،ومن أوىل مسؤوليات هذا الجسم هو صياغة خطاب سيايس واضح يحدد فيه مالمح الخطوط العامة لسبل معالجة كل ملف من هذه امللفات الحساسة دون أن يكون هناك تفريط يف سبيل إرضاء أحد يف الداخل أو الخارج.
داعش والفضاء التويتري:
كيف تخون الثورة في ثالث سنوات 10
هاال محمد
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
مقاالت
ماهي عالئم خيانة الثورة؟ هل هناك من خانها؟ هل هناك من خان ذاته؟ هل هناك من خان سوريا… هل هناك من اكتشفنا محدوديته السياسية بعد أن السلطة… اشتم رائحة ُسلطة ..لحس لحسة ُسلطة ... صار يف ُ أجل ،مع األسف ،هناك من فعل … كل من كان دميوقراطيا وسلمياً وخرج يف التظاهرات ورأى بأم عينه وجع الشارع السوري وشباب سوريا وموتهم وقهرهم وسجنهم ووحشية النظام يف التعامل مع متردهم عىل نظام حكمه القائم الراسخ املتني الرشس العنيف املجرم… كل من كان يعي ذلك… ورغم ذلك استطاع ،من اجل إسقاط النظام بأي مثن، أن يضع تحالفاته ودرب الثورة يف جيب أصحاب القوة ورأس املال والسالح يك يقلبوا له نظام الحكم ،استعان بقوة أخرى ونظام آخر وطاقة تدمري رشسة أخرى وذئاب وكالب شاردة مسعورة أخرى يك تساهم يف تحقيق العدالة اإلجتامعية والدميوقراطية واملجتمع املدين السوري الذي ينشده السوريون ،خان سوريا ألنه مل يتنازل عن السلطة الوهمية التي بني يديه ويعلن أنه عاجز ،وأن املرشوع املدين الحضاري الدميوقراطي لسوريا أريد له القتل كام تقتل له سوريا ،خان ضمريه ألنه مل يرش إىل القتلة املسترتين ممويل املوت الطائفي .خان حلمنا ألنه تنازل عن الحلم . كيف لجبهة النرصة أن تحقق لنا ما قمنا ألجله من حرية ! من مواطنة متساوية ومن عدالة اجتامعيه؟! كيف متت تلك اللحظات من التفاوض عىل دم الشارع السوري النبيل الرشيف وعىل مبادئه… كيف ّمتت صفقة بيع الروح إلبليس من أجل حلم إسقاط النظام! كانت الحكاية قد ابتدأت منذ زمن طويل… فن العيش يف الشارع السوري ،فنّ الدفاع عن سوريا بالحب والجامل والفنّ وانتزاع كل خلية حرية من مخالب املمنوعات جميعها واالستبدادات كلها .فكيف اعتقد هؤالء أن كتاتيب جبهة النرصة وجبهة اإلسالم وداعش وأحرار الشام وكل فصيل بديل عن مرشوع الدميوقراطية والحياة املدنية واملواطنة املتساوية هو الثورة؟! كيف متت الصفقة ! واعتبار جبهة النرصة جزء ال يتجزأ من الثورة ! ويف هذه الحال عن أي ثورة نتحدث ! هل هي هذه الغارقة يف بحر األوهام والدّم؟! ... كيف منزج ابتسامة غياث مطر وعناد رزان زيتونة وعقلها وتواضعها وتلك القدرة العالية عىل التخطيط ونرش األمل الذي قام به السوريون من صبايا وشباب يف فكرة التنسيقيات وذلك الجهد الجبار يف ابتكار صحافة للثورة تكون ينجر الثورة عىل صوتها وال تقع فريسة استالبها لصالح إعالم عريب أو عاملي ِّ هواه .صحافة كانت وال تزال معيار حضاري مدين ثوري مستقل يشري بال توقف إىل طريق حرية التعبري عن الرأي… إنها هناك ،تبدأ مع السوريني وتحيا معهم. هل كتبت شخصية سياسية معارضة تبوأت السلطة السياسية يف السنوات األربع األخرية يف جريدة أو منرب ابتكره الشباب السوري للتعبري عنهم! هل عكسوا وروجوا لهذه املنابر! أو تن ّبهوا لخطها الثقايف الفكري السيايس. هل انتبهوا أن هذه الصحف تستمر يف إيقاع البناء وليس القتل… ألنها لو فعلت ستحصل عىل التمويل وستفقد صوتها ! هل قام من يدخل سوريا من شخصيات املعارضة ،حيث يحمل السالح ويتصور أمام العدسات ،بحمل جريدة واحدة من الصحف الناطقة باسم الحركة املدنية السورية؟! هل التقط صورة يف أي مدرسة تم افتتاحها لتعليم األطفال الذين تصحر العقل ؟! أصبحوا يف خطر ّ
هل سأل أحدهم كيف استطاع قطع املسافة الفاصلة بينه سابقاً وبينه اآلن يف شوط واحد هو املال السيايس العسكري وما له من تبعات تبع ّية وانغالق وانسداد أفق ؟ كيف ستنرصنا جبهة النرصة التي تخطب بالتكفري والعنف والقتل وتتوعدنا بالتفرقة والكراهية الطائفية وباجتثاث الجذور !… كيف متت الصفقة ! ويف ّ ظل أية وعود عرقوبية متت ! ؟ هل قامت الثورة ليك نسقط سوريا ضمن شعار النظام “األسد أو نحرق البلد” ؟! هل نحرق البلد من أجل إسقاط األسد أم نسقط األسد يف اإلرصار عىل حضارة البلد ؟ هذا سيسقط سوريا وليس األنظمة وسيعطي تلك األنظمة ما تبقى من مفاتيح الحياة والقبور والبيوت… مل يكن الهدف ّ قط أن يتصارع قاتل مع قاتل وأن تقف سوريا مع القاتل املنترص ! ّ ملاذا استبدل الخط املدين الدميوقراطي ورديفه الجيش الحر حامل املرشوع الوطني ممن انشق عن النظام ليك ال يقتل األخوة واألبناء ،ملاذا استبدلوه ّ بخط عسكري طائفي منغلق ومغلق األفق؟! ما األمل من ذلك؟ وما العمل من أجل إزاحة هؤالء الحيتان عن صدر ثورتنا . مل تتنازل رزان زيتونة وال مازن درويش وال خليل معتوق وال سمرية الخليل وال من ال يزال يف السجون ،مل يتنازلوا عن العدالة اإلجتامعية والكرامة الوطنية واملواطنة املتساوية … وهي التي دفعت أبا فرات من أن يقول قول الحق، وميوت . مل عىل السوريني ممن ال يزالون يؤمنون بوحدة سوريا أن يتنازلوا عن إميانهم ؟ ! املؤامرة ليست فرصة للحوار ،هي صفقة للتخاذل . املؤامرة ليست فرصة للبناء ،هي دعوة للمشاركة يف املجزرة . تعدنا املؤامرة التي يشارك فيها كل من هجر حلم الدولة املدنية واملواطنة وأمان العيش املشرتك ...مبائة عام من العزلة… والنقاب !
أكراد سورية وتقسيمات «الشرق االوسط» الجديد كمال شيخو
“املنطقة مقبلة عىل تغيريات كبرية يف الخرائط السياسية”
موقفهم من التنظيامت الجهادية
يروي سكان مدينة رأس العني وتقع يف أقىص الشامل السوري املحاذية للحدود الرتكية ،قصصاً وحكايات عن االنتهاكات والفظائع التي ارتكبتها التنظيامت الجهادية املتطرفة ،وعىل رأسها تنظيمي «الدولة االسالمية» و«جبهة النرصة» عندما قررت يف نهاية العام 2012تحرير املدينة من بقايا القوات املوالية للنظام السوري .فبعد
تحقيقات
“كل املعطيات واملؤرشات تنبئ أن املنطقة مقبلة عىل تغيريات كبرية يف الخرائط السياسية، فمن الرضوري عىل االطراف الكردية إيجاد صيغ ادارية وسياسية تناسبهم للتعايش مع هذا الواقع الجديد واملربك” .والكالم للصحفي كامل اوسكان وهو من مواليد الدرباسية -محرر يف مجلة صور إحدى املجالت التي صدرت بعد الثورة السورية- فبعد سيطرة تنظيم «الدولة االسالمية» عىل مساحات شاسعة والغائه للحدود السياسية ،بات يرشع ما يشبه “دويلة” متتد حدودها من ريف حلب مروراً بكل من الرقة ودير الزور وصوالً اىل محافظة نينوى واملوصل كربى مدن العراق. ويرشح اوسكان لـ (طلعنا عالحرية) ّأن “حدود
هذه الدويلة االسالمية تحيط باملناطق الكردية والتي فصلتها عن عمقها السوري” .وأردف أنه “يف ظل غياب أي اعرتاف علني بحقوق الكرد يف سورية من قبل النظام واملعارضة حتى اآلن ،يبدو أن الواقع فرض نوع من التقسيم نتيجة متوضع وسيطرة كل جهة عسكرية عىل مناطق جغرافية محددة ،يديرها وفق آليات وصيغ معينة”. اوسكان أشار رصاح ًة أنه “قد تكون الفيدرالية إحدى هذه الصيغ املناسبة للعيش الجديد ،وقد تكون آخر املحاوالت”. أكراد سورية ّ يشكلون القومية الثانية بعد العرب. وبحسب إحصاءات غري رسمية يقدر عددهم حواىل مليونني ونصف مليون نسمة ،وتشكل نسبتهم 12يف املئة من التعداد السكاين العام للبالد .وتعرضوا خالل عقود سيطرة حزب البعث وحكمه للبالد ألشكال مختلفة من التمييز ،إال أن املعارضة السورية مل تستطع احتواءهم وضمهم إىل كياناتها واطرهم السياسية إال مؤخراً .وبعد انضامم املجلس الوطني الكردي اىل االئتالف الوطني لقوى الثورة واملعارضة ،بقي حزب االتحاد الدميقراطي الكردي-الحزب الكردي الوحيد الذي لديه جناح عسكري -يف هيئة التنسيق الوطنية. املحامية دلشا آيو من مواليد راس العني تعمل يف مجال حقوق االنسان منذ عقدين .ترى أنه “يجب اإلقرار الدستوري بالشعب الكردي يف سورية”، وأخربت (طلعنا عالحرية) أنه “عىل اآلخرين عدم الولوج يف هذه الناحية ألنها حقيقة موجودة وال تحتاج اىل إقرار قانوين .املحامية دلشا شددت أن “االكراد يعيشون عىل أرضهم التاريخية وهذه املسألة ايضاً يجب إقرارها دستورياً” ،وعن انتامئها القومي اضافت “عندما اتكلم اللغة الكردية وألبس الزي الكردي وأذهب إىل عيد النريوز القومي -رأس السنة الكردية -هذه خصوصية قومية ومن حقي التعبري عنها” ،وعن مطالب األكراد القومية لفتت الناشطة الحقوقية “ما املشكلة ْأن يكون لدينا إدارة ذاتية ,ومن حق أي كردي أن يحلم بتوحيد االكراد واندماجهم يف دولة واحدة ,كام يحق لكل عريب حلمه بوحدة الوطن العريب”.
معارك أستمرت لثالثة أيام ،أعلنت تلك التنظيامت سيطرتها عىل املدينة ،وأذاعوا من عىل منابر الجوامع ،عبارات متشددة أشهرها “س ّلم نفسك تسلم” ،بينام كان شعار “مالكم مالنا وحاللكم حاللنا” ،األكرث تطرفاً. وسط هذه االنتهاكات برز الزعيم وهو رجل يف عقده السادس من “رسي كانيه” ،يرتدي ز ّياً كردياً، شبيهاً مبالبس «قوات البشمركة الكردية» يف إقليم كردستان العراقي .يعترب الزعيم أول كردي حمل السالح يف وجه التنظيامت املتشددة ،ويروي لـ (طلعنا عالحرية) أنه “يف عرص 11ترشين الثاين/ نوفمرب ،2012ش ّكلنا أول مجوعة كردية مسلحة مؤلفة من 12متطوعاً من أبناء املدينة ملحاربة الكتائب املتطرفة” .وتابع بكالمه قائ ًال“ :لقد قررنا الدفاع عن أهلنا ورشفنا ،هم جاؤوا للسيطرة عىل هذه املدينة ألنها كردية ،ونحن دافعنا عن وجودنا وتاريخنا وإرثنا”. مدينة رأس العني خليط سكاين من االقليات، ويعيش فيها الكرد والعرب واألرمن والرتكامن واملسيحيني وااليزيديني منذ مئات السنني .وتكمن أهميتها االسرتاتيجية كونها املعرب الوحيد مع الجارة تركية ،كام تصل أراضيها الشاسعة مع “عاصمة الخالفة االسالمية” مدينة الرقة ،وباقي املناطق يف الشامل السوري التي يسيطر التنظيم عليها. “احتلت التنظيامت املتطرفة رسي كانيه بحجة تحريرها من النظام السوري ،وجاءوا ليحتلوها، وقام مقاتلوهم بنهب ورسقة ممتلكات سكانها واعتدوا عىل كرامات الناس” .بحسب ما لفت محي الدين عيسو الناشط يف مجال حقوق االنسان لـ (طلعنا عالحرية) ،وجزم ّ بأن “تلك التنظيامت ال حاضنة اجتامعية أو شعبية لها يف املناطق الكردية من ناحية ،ولالختالف الجذري بني قيم وعادات املجتمع الكردي عن قيم التنظيامت الجهادية من ناحية ثانية”. من جانبه ،شدد الصحايف سري الدين يوسف، وهو من أبناء مدينة القامشيل أن “أكراد سورية معنيون بالدرجة األوىل بحروب داعش ومشتقاتها، كونهم أول َمن حاربوا هذه التنظيامت عىل صعيد املنطقة ،وقدموا أكرث من 500شهيد يف سبيل الجهَلة واملتخ ّلفني”. حامية شعبهم من هؤالء َ ونوه لـ (طلعنا عالحرية) أنه “ال يوجد كردي يريد الحرب ،لقد سئمنا من الحروب ،نحن نعشق الحياة والعيش بسالم مع االخرين ،وجميع الحروب فرضت علينا وداعش ليست استثنا ًء، هم غزو غرب كردستان” .إشار ًة إىل املناطق ذات الغالبية الكردية يف سورية.
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
بعد سيطرة تنظيم “الدولة اإلسالمية” عىل مناطق عدة شامل العراق وسورية ،وإعالنه قيام “الخالفة” عىل األرايض التي يسيطر عليها يف كال الدولتني ،باتت املناطق ذات األغلبية الكردية يف سورية عىل متاس مع حدود “الخالفة” املعلنة. ويفرز هذا األمر نوعاً من التقسيم ومناطق متاس جديدة ،نتيجة متوضع وسيطرة كل جهة عسكرية عىل مناطق جغرافية محددة .وبات التنظيم يسيطر عىل الحدود الربية املتاخمة للمنطقة ذات األغلبية الكردية يف سورية .بعد أن احتل معظم الريف الرشقي والشاميل لدير الزور ،وصوالً إىل بلديت الشدادي والهول جنوب الحسكة ،كام يسيطر التنظيم منذ منتصف العام املايض عىل مدينة الرقة غرباً. فبعد انسحاب القوات الحكومية من شامل رشق البالد صيف العام ،2012سيطر حزب االتحاد الدميقراطي الكردي الرفيد السوري لـ «حزب العامل الكردستاين »PKKتدريجياً عىل املنطقة املمتدة من ريف حلب ،كوباين وعفرين ،مروراً مبنطقة رأس العني أو (رسي كانيه كردياً) وتل متر والدرباسية وعامودا ،إضاف ًة اىل القسم األكرب من مدينتي الحسكة والقامشيل مع ريفيهام ،وانتها ًء باملالكية أو (ديركا حمو) بحسب التسمية الكردية لها. حزب االتحاد ( )PYDوبالتحالف مع قوى سياسية كردية وعربية وأشورية -مسيحية ،أعلن نهاية العام املايض عن اإلدارة الذاتية املشرتكة والتي تتمتع باستقاللية المركزية وقسمت املنطقة لثالث كانتونات :مقاطعة الجزيرة ومقاطعة كوباين ومقاطعة عفرين.
11
معتقلون اختفوا مرتين داخل سجون األسد 12
جديع دواره
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
اختفت املعتقلة فاتن رجب من سجن عدرا قسم النساء ،قبل نحو شهر، بعد رحلة اعتقال امتدت لثالث سنوات ،دون سابق انذار أتت دورية تابعة للمخابرات إىل السجن ،ونقلتها إىل جهة مجهولة ،وتركت ذويها يف حالة من القلق عىل مصري ابنتهم التي اعتقدوا انهم عرثوا عليها. رجب ليست الوحيدة التي تختفي عىل يد املخابرات السورية ،هي واحدة من أصل 57ألف سوري موثقني باالسم اختفوا قرسياً بني معتقلني ومفقودين ،دون أي أخبار عنهم. لكن ما مييز مصري رجب والحاالت املشابهة لها ،بأن ذويهم متكنوا من معرفة مكانهم وزيارتهم ،لكن رسعان ما تحول فرحهم اىل حزن ،ألنهم اختفوا مرة أخرى ،وال أحد يعرف ماذا حل بهم.
رجب تختفي مرتني
اعتقلت املخابرات الجوية مدرسة الفيزياء رجب (مواليد دوما )1979 يف ،24/12/2011واختفى أثرها ،هذا ما تكشف عنه “حقوقية” من دمشق فضلت عدم ذكر اسمها. وترسد الحقوقية رحلة رجب وفقاً لشهادات سجينات سابقات ،بانها قضت شهر يف (آمر ّية الطريان) ثم نقلت إىل فرع التحقيق ،تجمع مطار
املزة العسكري الزنزانة رقم ( )17دون أن توجه لها اي تهمة ،ثم بعد 10أشهر تم نقلها إىل الفرع ( ،)215يف كفرسوسة بدمشق. ّ مكثت مثانية أشهر ،معظمها يف املنفردة ،لتعود بعدها إىل فرع الجوية إىل ذات الزنزانة رقم (.)17 بتاريخ ّ 17/2/2014متت إحالتها إىل القضاء امليداين العسكري ،وبعد ان ليتم استجوبها القايض ،تم تحويها فوراً إىل سجن عدرا ،بقيت هناك لعدة أشهرّ ، بعدها تحويلها إىل جهة مجهولة ،وفقدان اثرها.
من املدرسة للمعتقل
تحقيقات
يروي مصدر مقرب من عائلة الشاب محمد الحسن الحموي ( 18عاماً) بأنه اعتقل يف حمص بتاريخ 2013 /12/1عىل حاجز األمن السيايس ،أثناء عودته من املدرسة ،ثم ٌنقل بعد عرشة أيام اىل دمشق. بقي الحموي مفقوداً إىل أن اتصل بأهله بعد 8أشهر ليخربهم أنه يف سجن عدرا ،كان االمن السيايس بدمشق نقله إليه. سارعت والدة الحموي لزيارة ابنها ،كانت ترص عىل أنه عىل قيد الحياة ،وأنها سرتاه وتحضنه مرة اخرى ،لكن فرحتها مل تدم كثرياً. بعد عدة زيارات اىل سجن عدرا ،اتت ذات صباح ،ليخربوها بأن ابنها أصبح يف حمص من أجل اإلفراج عنه ،أرسعت إىل حمص ،وطرقت الكثري من األبواب، لتخرج بخرب غري مؤكد بأنه تم تحويله اىل سجن صيدنايا لصالح محكمة االرهاب. يوضح املصدر ،أن ذوي محمد حتى اليوم مل يصلوا لنتيجة ،كل ما استطاعوا معرفته ،أن ابنهم تعرض لتعذيب قايس جداً جداً ،فأدىل باعرتافات غري صحيحة، مثل اغتصاب 9نساء ،وتفجري حاجزين ،ووضع عبوات ناسفة ...الخ. وبالطبع ــ يضيف املصدرــ “الشاب بعيد اميال عن مثل هكذا أعامل ،وتوقيفه حصل مصادفة فقط ألنه الوحيد يف “الرسفيس” مواليد (باب السباع) ،أيام حصار ذلك الحي البطل”.
اعتقال وإنكار مطلق
داهمت دورية من االمن ،منزل الفنان زيك كورديللو (مرسحي قىض جل حياته يعمل يف مرسح الظل) 11/8/2012واعتقلته مع ابنه مهيار ،وشقيق زوجته “عادل برازي” وشاب من مدينة السلمية تصادف وجوده يف املنزل ،الكائن يف دمر البلد ،واقتادتهم إىل جهة مجهولة. مىض عىل اعتقال األربعة اكرث من سنتني ،وحاول ذويهم ــ بحسب مصدر مقرب من العائلة ـــ بكل السبل معرفة ان كانوا ما زالوا أحياء ،أو الجهة التي اعتقلتهم ،او أي خرب ،دون جدوى!.. يقول املصدر “ذويهم متكنوا من الوصول إىل شخصيات نافذة ،لكن الجميع نفى أن يكون هناك أي معلومة عنهم” ،مضيفاً أنه وصلوا لقناعة أنه “حتى بشار االسد ال يعرف مكانهم”. عرشات االالف من املعتقلني واجهوا نفس املصري ،اعتقال وإنكار ،حتى املوالني مل توفرهم االعتقاالت كام يف حادثة اعتقال مطلق حملة (وينن) “مرض خضور” نهاية الشهر املايض. ووفقاً للشبكة السورية لحقوق اإلنسان ،فإن نحو 730شخصاً اختفوا من مدينة حمص القدمية بعد إجرائهم تسوية مع قوات بشار األسد ،يف اذار/مارس املايض. محاولة للتفسري والفعل تكشف “الحقوقية” التي تعمل عىل ملف املعتقلني من دمشق ،بأن حاالت االختفاء من سجن عدرا بدأت آب /اغسطس ،2013وتحديداً للمعتقلني املحالني ملحاكم ميدانية ،جزء منهم تم نقلهم للرشطة العسكرية التي هي مقر املحكمة امليدانية الستجوابهم ومن ثم تم ترحيلهم إىل سجن صيدنايا ،او سجن عدرا. أما الحاالت املصنفة عىل أنها االخطر من املحالني ملحكمة ميدانية بتهم قتل، فقد مكثوا فرتة قصرية يف سجن عدرا ،ثم اختفوا بصورة غامضة ويعتقد أنه قد تم إعدامهم. ّ ترى الحقوقية ،أن اليشء الوحيد املمكن عمله من قبل االهل ،تقديم طلب للقضاء العسكري ،كون املحاكم امليدانية تحت سلطته ،طلب للكشف عن مصري املعتقل ،وحينها يتم تحويلهم للرشطة العسكرية ،ومن املمكن جداً أن يعرفوا معلومات ،خاصة بعد العفو االخري. وتحمل الحقوقية التقصري مبتابعة ملف املفقودين للصليب االحمر واملنظامت الحقوقية ،واملعارضة ،وتصف عدم اكرتاثهم بـ “الـمعيب” ،مجرد بيانات مطالبة وتنديد ،دون توثيق أو متابعة سواء قانونياً او حقوقياً أو مادياً أو حتى معنوياً لالهتامم بعائالتهم ،وتضيف “ما يحدث للمعتقلني هو أخطر ما يجري بسوريا”.
ال تسامح مع الفاعلني
بلغ عدد املعتقلني يف سجون النظام بحسب مركز توثيق االنتهاكات يف سوريا نحو ( )55ألف ،وعدد املفقودين 2272شخص موثقني باالسم وتاريخ االختفاء. بالنتيجة يكون لدينا نحو 57الف أرسة سورية ،معظمها تجهل مصري أبنائها املختفني قرساً ،وأعلنت األمم املتحدة 30آب/أغسطس من كل عام يوماً عاملياً لضحايا حاالت االختفاء القرسي ،واعتربت االختفاء القرسي مامرسة ال ميكن التسامح مع مرتكبيها يف القرن الحادي والعرشين.
سليمان بن عبد الملك وضريحه الذي فجره مجهولون األيدي الخفية لداعش
13
األمان – ريف حلب
ينسخه كتاب بعده.”... كام اتخذ سليامن بن عبد امللك بطانة من صلحاء الرجال ،وقد أثر ذلك يف سليامن بن عبد امللك تأثرياً كبرياً فقد كان عمر بن عبد العزيز دائم التذكري مبسؤوليته نحو رعيته فريوي أن سليامن بن عبد امللك حج بالناس سنة 97هـ وهو خليفة فلام رأى الناس باملوسم قال لعمر بن عبد العزيز :أال ترى هذا الخلق يحص عددهم إال الله ،وال يسع رزقهم غريه ،فقال :يا أمري املؤمنني هؤالء رعيتك اليوم ،وهم الذي ال ِ غداً خصامؤك عند الله ،فبىك سليامن بكا ًء شديداً ثم قال :بالله أستعني. وكان عمر بن عبد العزيز ذات يوم يف سفر مصاحباً سليامن بن عبد امللك ،فأصابتهم السامء برعد وبرق وظلمة وريح شديدة حتى فزعوا لذلك ،وجعل عمر بن عبد العزيز يضحك ،فقال له سليامن ،ما أضحكك يا عمر؟ أما ترى ما نحن فيه؟ فقال له :يا أمري املؤمنني هذه آثار رحمته فيها شدائد ما ترى، فكيف بآثار سخطه وغضبه؟! وكان محمد بن سريين يرتحم عىل سليامن بن عبد امللك ،ويقول :افتتح خالفته بخري وختمها بخري، افتتحها بإجابة الصالة ملواقيتها ،وختمها باستخالفه عمر بن عبد العزيز. وفاته تويف سليامن بن عبد امللك يف مرج دابق مرابطاً يف سبيل الله يف شهر َص َفر سنة 99هـ ،و ُبو ِي َع يف اليوم نفسه البن عمه عمر بن عبد العزيز الذي عهد له من بعده.
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
يستمر تنظيم داعش يف تدمري األماكن األثرية بريف حلب. وأعامله التخريبية بحق اآلثار واملواقع األثرية ،فلم يسلم منها البرش قبل الحجر .كان أبرزها رضيح الصحايب عامر بن يارس، ومسجد أويس القرين ثم مسجد الشيخ عقيل املنبجي مبدينة منبج وغريها الكثري ..واآلن قرب سليامن بن عبد امللك يف ريف حلب الشاميل بقرية دابق .فجروه يف صباح يوم السبت .2/8/2014 ً وها هو قرب سليامن شاه ما زال قامئا مبكانه ومل يجرؤ التنظيم عىل االقرتاب منه ،وقد دخلت أرتال تركية له مرتني وبدلت الحرس! سرية سليامن بن عبد امللك يعدُّ سليامن بن عبد امللك من أفضل خلفاء بني أمية ،فلقد حرص والده عىل تربيته تربية عالية ،وتعليمه أصول الحكم ،كام كانت أخالقه مرضباً لألمثال ،ولذلك كانت بطانته من العلامء والحكامء والصالحني ،أمثال رجاء بن حيوة وعمر بن عبد العزيز وغريهام. فهو سليامن بن عبد امللك بن مروان بن الحكم ،أبو أيوب .وأمه: والدة بنت العباس ،فهو شقيق الوليد ،وقد ُولِ َد سليامن باملدينة إال أنه نشأ بالشام .بويع بالخالفة يف اليوم الذي مات فيه أخوه الوليد منتصف جامدى اآلخرة سنة 96هـ. خالفته: ً ً كان سليامن بن عبد امللك ورعا تق ّيا ،ويتضح ذلك من خطبه، فال تكاد تخلو خطبة من خطبه من ِّ حث الناس عىل التقوى والخوف من الله ومدارسة القرآن ،وتتضح هذه السرية الطيبة من هذه الخطبة؛ فعن جابر بن عون األسدي قال :أ ّول ما تكلم به سليامن حني ويل الخالفة أن قال“ :الحمد لله الذي ما شاء صنع ،وما شاء رفع ،وما شاء وضع ،ومن شاء أعطى ،ومن شاء منع .إن الدنيا دار غرور .يا عباد الله اتخذوا كتاب الله إماماً، وارضوا به حك ًام واجعلوه لكم قائداً ،فإنه ناسخ ملا قبله ،ولن
عن داعش وأخواتها أوس المبارك
مقاالت
الحق املطلق والصوت األعىل حدة والدمياغوجية الخطابية .هل اعتمد االستبداد املاورايئ -يف سعيه التاريخي عىل السيطرة -عىل غري ذلك؟ (نحن منلك خري رشائع الكون ،ومل يدعنا أحد أن نثبت ذلك ،ال مكان للتاريخ عندنا إال فيام يثبت صدق ادعائنا ،علوم االجتامع والفلسفة والسياسة وجميع العلوم خاطئة وكافرة إن مل تؤيدنا .نحن الحق املطلق ،نحن منثل صوت األكرثية ونصادر حق أي جامعة منها يف مغايرة مسعانا.
ال ننفي الوطنية أبدا ،إنها امتثال كافة األكرثية التي منثلها ملسعانا ،وحني متتثل األقليات ملسعانا ستكون وطنية ألول مرة ،هي التي مل تعرفها إال كام يوافق أهواءها ،فليتبعونا نحن وهم صاغرون ،ومعاذ الله أن تكون تلك أهواء دنيوية ناقصة أو إعادة إنتاج النظام بلبوسنا ،إنها كامل املاوراء! نحن الذين قمنا بالثورة عىل اإلجرام والعنرصية واالستبداد ،نحن الذين متنا وتعذبنا وتهجرنا ،نحن من يكافح من أجل انتصار الثورة ،ومن حقنا بعدها
أن نفرض ما نريد عىل الجميع). هنا يطرق الكثريون لهؤالء ،وينسون أن الصفة التي يحاربون بها ال تشرتط أن تكون ذاتها التي يحاربون فيها. هم لديهم الحق املطلق ،هكذا يظاهرون بصوتهم األحد ،وبدمياغوجيتهم ،وتفعل فيهم البارانويا ما تفعل .لكن لن يكون لهم أن يلبسوا ثوب املاوراء ليضعوا نفس التاج ،هكذا يقول الحر ،وهكذا عىل الحر أن يفعل ،اآلن وأمس وأبدا!
ّ نتذكر كي نعيش! لن ننسى كي نعود /لن رامي العاشق *
14
العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
املوت سيأيت الجيل القادم ،وسيبقى مقسو ًما بني من هربوا من ِ ومن ظ ّلوا داخل البالد ،بني الخا ِرج والدّاخل ومن عاد ومن سيخرج ..سيصن َُّف أبناؤناّ ،ربا لن يكون هناك ٌ وقت ليك يدخلوا ُ ّ وربا سيصنّفون بنا ًء عىل يف تصنيفات مواقف آبائهم مم جرىّ ، فعلٍ مل يفعلوه! ُ هجرون يوم ًّيا موحش ّإل من ال ّذكريات، الخارج ُ يستيقظ ا ُمل ّ ٍ ني وميسكون حلم العود ِة إىل واقع الخبز ،يت ُل ْو َن صال َة الحن ِ من ِ بأبنائهم صغا ًرا يزرعون فيهم جذور الحنني ملا يجهلونه ،حن ٌني لبال ٍد َ السياج ّ وربا خلف البح ِر ،األبنا ُء سريضعون الشائكّ ، خلف ّ ّ هات ثكاىل لن ت ُبحنَ بثكلهنَّ إال لتزرعنَ الشوق من أثداء أ ّم ٍ ُ َ سيرشبون الحن َ ني يف كؤوس كت َب ْت يف أبنائهنَّ عطش الرجوع، َ عليها أسام ُء املدنِ ّ البيوت املنتظر ِة والشوارع ،وسيأكلون صو َر ِ هناك ،والتي ّربا لن تكون موجود ًة وقتهاّ ،إل أ ّنهم سيكربون متش ّبث َ ني بالعودة. الد ُ ُ ٌ نسيان ما جرى يف موحش ّإل من النّسيان ،وحد ُه ّاخل ّ ّ خالص من ظلوا هنا ،ووحده الحل األخري ليكرب الجيل الحرب ُ الجديدُ ح ًّيا عار ًيا من دما ِء من سبقه ،الحقيقة نسب ّية ال ُ تحمل األ ُّم ذاكرتها ّ كل صواب عند اآلخرين، مطلقة ،والخطأ ٌ وجع األمس، يوم وتغسلها عىل املغسلة لتُسقط عن وجهها َ ٍ تخرتع ذاكر ًة جديد ًة متنحها ألبنائها ،ستحيك ألبنائها ّأن أباهم صنع لهم حيا ًة الذي ُقتل يف السامء بعد أن َ الحرب ساف َر إىل ّ ِ جميل ًة ،ستخرتع مهن ًة جميل ًة له ،وستحدّثهم عن رسائل كان زوجها ،وستُن ِكر يكتبها لهم دامئًا ،وستخفي أخرى ّ قصة اعتقال ِ
ما فا
ف يو ق ت
د يج
ومر
ل لريح
أدب
ما فاق معنا الصبح ميكن بعد تعبان من كرت ما م ّرت عليه سنني وج ّرت عليه العتم .. وغصت مآدن روح ..بالتسبيح ّ ما يف وقت للريح... *** ما يف وقت للريح.. وملبكني بغيمتني وسام وملعة شمس تحيك وما وضحكة مطر
ٌ قصة اختطافه واختفائه ،جميع األبناء سيعرفون أن آباءهم ماتوا ميتات طبيع ّية ،وإن ثانية ّ ً تعدّى األمر هذه امليتة ،فسيعرفون أن آباءهم ماتوا أبطال وهم يقاتلون العد ّو ويدافعون عن أرضهم. ُ سيعرف القصتني مربرات أخالق ّية ،هناك يف البعيد خارج البالد، ولكال ة، قص ة، قص للداخلِ ّ ّ للخارج ّ ِ ّ ّ ّزوح ن ال ع وج م القاد الجيل وسريث ، الحرب عن قبيح ء يش وكل بالدهم، عن جميل ء يش كل األبنا ُء ُ ٍ ٍ َ ِ ِ ٍ ّ ليتش َّبث بالعودة ،أ ّما يف الدّاخل ،فال يحتاج الجيل القادم يك يعيش إل ألن ينىس أهلوه وجعهم من أجل أن يعيشوا ،ومينحوا الحياة ألبنائهم!. *شاعر وكاتب صحايف فلسطيني سوري.
ماال أرض تعشق دفاها وتفهام تجريح يا فرح القلب صار الفرح ..تجريح ما يف وقت للريح *** من وين درب الهوا؟ مخنوق صرب الـ صابرين وجرحهن مخنوق من وين درب الهوا؟ طعم األغاين ورق وحرب وحلم محروق من وين درب الهوا؟ يا ريت ناطور العمر د ّلو ميرق علينا شوي ناخد ولو ش ّمة قطفة حبق ..تـَ نروق وتعال مشانق عمرنا ما عاد فينا والد
وال عاد عنا عيد أو مراجيح.. ما يف وقت للريح.. *** مم َرق نسايم صبحنا مس ّكر ومستعجلة النسمة و عَ جوعنا بنخجل وبنخاف من كلمة حتى الفقر :تهمة.. أرواحنا يا ضايعة بصحرا البحر يا ناطرة نجمة يا مهاجرة :كل املفارق غدر كيف انكرس صوتك ..مقبال هاللقمة؟ كيف املدى يالـ كان يخجل من صدى صوتك وصغر ِصغر ِ تـَ صار دمعة مالها عني ورمش ومنديلها مغزول من تلويح.. ما يف وقت للريح.
15 يف مقربة الشهداء .حيث ال مكان لجسد شهيد يوجد شق يف االرض املخضبة ..شق بني أب شهيد وعم شهيد يتسع لشتلة الياسمني . العدد 2014 / 9 / 9 - 44 -
ندى ابنة الشهيد حممد عوني
أستيقظ هذا الصباح ،ألكتشف ّأن أحدهم غافلني وقطع يل قدمي ..ال بأس سأتد ّبر أمري.. ّ يف الخزانة زوج من الع ّكازات ميكن أن أستعمله ريثام تنبت يل قدمان جديدتان.. آه..
يبدو أ ّنه قطع يل يديّ أيضاً.. وحني أج ّرب أن أبيك أكتشف أ ّنني بال حنجرة.. ال بأس أيضاً.. سأترصف.. ّ ّ أترصف ..لوال أنني مل ميكن أن ّ أكن هنا أص ًال.. نتف أحدهم قطع جسدي إىل ٍ
صغرية وأخفاها يف مكانٍ ما.. مل يبق منّي يشء.. ال بأس.. ستترصفني.. ّ ذاكرتك نسخة عنّي.. يف ِ معجزة صغرية ..وستعيدين إحيايئ من جديد.. أثقُ بذلك..
منوعات
باقون