طلعنا عالحرية / العدد 44

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪44‬‬ ‫‪2014 / 9 / 9‬‬ ‫مقاالت‬

‫مقاالت‬

‫تحقيقات‬

‫تحقيقات‬

‫في الهوية وتغريز‬ ‫المعرفة والثقافة‬

‫الردة‬ ‫في ما ّ‬ ‫خص ّ‬ ‫وقتل المرتد‬

‫أكراد سورية وتقسيمات‬ ‫«الشرق االوسط» الجديد‬

‫معتقلون اختفوا مرتين‬ ‫داخل سجون األسد‬


‫افتتاحية بقلم‬

‫‪2‬‬

‫هاجر الصوفي‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫مطلع الشه ِر الجاري ْ‬ ‫كتبت أ ُّم الشهيد ‪ -‬غياث‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫الغائب الذي ال‬ ‫مطر ‪ -‬عىل صفح ِتها الشخص ّية‪« :‬هو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫املشتاق الذي ال ينىس»‪.‬‬ ‫يعودُ‪ ,‬وأنا‬ ‫تبوح شو َقها يف الذكرى السنو ّية الثالث ِة‬ ‫األ ُّم الفقيد ُة ُ‬ ‫األمن‬ ‫لرحيلِ ابنها الشاب‪ ,‬الذي اعتق َلتْه قوى‬ ‫ِ‬ ‫السادس من أيلول\ سبتمرب عام ‪,2011‬‬ ‫السوريّ يف‬ ‫ِ‬ ‫أيام جث ًة هامد ًة َ‬ ‫تحت التعذيب‪,‬‬ ‫ة‬ ‫أربع‬ ‫د‬ ‫لتع ْي َد ُه بع‬ ‫َ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫وشهيداً من مدين ِة دار َّيا يف الغوط ِة الغرب ِّية لدمشق‪,‬‬ ‫َ‬ ‫الالعنفي يف سورية‪.‬‬ ‫اك‬ ‫يعترب ُه‬ ‫الكثريون أيقون ًة للحر ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫السنوات املاضية مل تتأخر مدينة – غياث ‪-‬‬ ‫طوال‬ ‫ِ‬ ‫العناوين اإلخبارية‪ ,‬لكنّها‬ ‫كثريا عن مكانها يف أوىل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الحدث األبرز‪ ,‬وبعد ّ‬ ‫تعث‬ ‫كانت يف األيام األخرية‬ ‫محاوالت عديدة‪ ,‬مت ّكن وفد املدينة االجتامعَ مبمثل َ‬ ‫ني‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫عن النظام السوري‪ ,‬وتحديدا الفرقة الرابعة التابعة‬ ‫للحرس الجمهوري‪.‬‬ ‫مفاوضات قاربت مدّتها الخمس‬ ‫دا َر خالل االجتامع‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات‪ ,‬طالب فيها القادمون من دار ّيا عودة انتشا ِر‬ ‫ٍ‬ ‫جيش النظام عىل أطراف املدينة‪ ,‬واإلفر َاج عن قامئة‬

‫افتتاحية العدد‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬

‫تحوي أسامء ثالمثئ ِة معتقلٍ من النسا ِء واألطفال‬ ‫كبادرة تفيد التحققَ من جد ّية االتفاق‪.‬‬ ‫كتب يف األ ّيام األخرية َ‬ ‫قبل رحيل ِه عن‬ ‫الشهيد الذي َ‬ ‫تخرج مدين َت ُه النتفاض ٍة سلم ّي ٍة َ‬ ‫دون أن‬ ‫حلم ِه بأن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تهاب الشبيحة واألمنَ واالعتقاالت‪ ,‬ال ُ‬ ‫يعرف اليوم‬ ‫ّ‬ ‫بأن داريا تضع النظام السوريّ أمام رشوطٍ صارم ٍة‬ ‫ال َت َر ُاج َع فيها ّ‬ ‫وبأن البن َد األ ّول الذي يفيد بانتشا ِر‬ ‫النظامي عىل أطراف املدينة مل ُيت َفق عليه‬ ‫الجيش‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫بسبب رفض الوفد املفاوض من دار ّيا تسليم األسلحة‬ ‫واملتوسطة للنظام السوري تحت هذا البند‪.‬‬ ‫الخفيفة‬ ‫ّ‬ ‫أهم‬ ‫أحد‬ ‫وهو‬ ‫داريا‬ ‫ملدينة‬ ‫املحيل‬ ‫املجلس‬ ‫ّ‬ ‫املؤسسات املساهمة يف تف ّرد تجربة املدينة ُ‬ ‫يصف‬ ‫ّ‬ ‫السلمي التابع له عىل املوقع الرسمي‬ ‫مكتب الحراك‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫بـ «املج ّمد»‪ ,‬والثوار يف داريا كانوا يتحدّثون قرابة‬ ‫سنتني من الحصار عن جاهز َّي ِتهم‬ ‫للقيام بأعاملٍ‬ ‫ِ‬ ‫ات النظام ّية‪.‬‬ ‫عسكر ّي ٍة قاسي ٍة وموجع ٍة للق ّو ِ‬ ‫أما َم َ‬ ‫ذلك ك ّله ورغم أهمية ما حصلت عليه املقاومة‬ ‫نستطيع املرو َر بذكرى‬ ‫املس ّلحة يف دار ّيا‪ ,‬إال أ ّننا ال‬ ‫ُ‬

‫رحيلِ غياث مطر‪ ,‬شهيد الثورة السور ّية األعزل دون أن‬ ‫الالعنفي يف سوريا‪ ,‬ماذا يفعل‬ ‫أصبح الحر ُاك‬ ‫نسأل‪ :‬أين َ‬ ‫ُّ‬ ‫دعا ُة النضال السلمي‪ ,‬أين ذلك الجدل الذي كنا نسمعه‬ ‫نتائج الحراك‬ ‫سابقاً وهو يجهد لتوضيح الفارقِ بني‬ ‫ِ‬ ‫الطرف املسلحُّ‬ ‫ُ‬ ‫الالعنفي والحراك املسلح‪ ,‬هل ماز َال‬ ‫ّ‬ ‫يؤمن مبا يف يده بتمويله ومصدره وأجنداته كام كان‬ ‫ْ‬ ‫تزعزعت قناعاته أم َر َس َخ ْت بال شكوك‪.‬‬ ‫سابقاً‪ ,‬هل‬ ‫هذه األسئل ُة التي تجد لنَا سبي ًال برغم كل ما يحدُ ُث عىل‬ ‫وتجويع ومآس‬ ‫موت وحصا ٍر وفق ٍر‬ ‫األرض السور ِّية من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫البأس بأن نأخذها عىل محملِ‬ ‫حرب‪َ ,‬‬ ‫ائم ٍ‬ ‫إنسان ّية وجر ِ‬ ‫ليست حنيناً‬ ‫نرسح يف رغب ِة استعاد ِته‪ْ ,‬‬ ‫ْ‬ ‫بل‬ ‫الج ّد فهي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أسئل ًة جدي ًة تبدأ مبا إن كانت تلك الحمالت االفرتاضية‬ ‫ُ‬ ‫تحصل اليوم هي‬ ‫والشعارات واللوحات والتصاميم التي‬ ‫ُ‬ ‫يستطيع دعاة الالعنف ِف ْعله‪,,‬‬ ‫البديل الحقيقي لكل ما‬ ‫ُ‬ ‫وال تنت ِهي به‪.‬‬


‫في الهوية وتغريز المعرفة والثقافة‬ ‫‪3‬‬

‫جاد الكريم الجباعي‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫مقاالت‬

‫حقيقتنا الواقعية تشبه صورة “اآلخر” املختلف يف‬ ‫وعينا وثقافتنا؛ كلام وصفنا اآلخر املختلف بوصف‬ ‫كنا نحن ذلك الوصف‪ ،‬أو ضده‪ .‬فام الذي يحجب‬ ‫عنا هذه الحقيقة؟ ما الذي يحول بيننا وبني إعادة‬ ‫التفكري يف صورة اآلخر‪ ،‬القريب والبعيد‪ ،‬ليك نتمكن‬ ‫من وعي ذواتنا ونقد ثقافتنا وتاريخنا ولغتنا وأشكال‬ ‫تنظيم حياتنا نقداً ميكننا من كرس القيود الصدئة‬ ‫التي ُأح ِكمت عىل عقولنا وضامئرنا؟‬ ‫الهوية الجوهرية‪ :‬القومية أو املذهبية‪ ،‬هي هذا‬ ‫العائق‪ .‬ليس مثة ذات بال هوية‪ ،‬ولكن‪ ،‬هنالك‬ ‫هوية‪ /‬هويات بال ذات وذوات‪ .‬هنالك “نحن”‬ ‫فارغة‪ ،‬ال تدل عىل أفراد مختلفات ومختلفني‪ ،‬وال‬ ‫تدل عىل نسيج تاريخي هو شكل وجودهم‪.‬‬ ‫الذات معطى وجودي؛ الهوية ليست كذلك؛ األخرية‬ ‫معطى ثقايف‪ :‬اجتامعي ‪ -‬اقتصادي وسيايس‪ ،‬ولكنها‬ ‫معطى ثقايف أوالً وأساساً‪ .‬وهي دا َّلة عىل الوجودي‪،‬‬ ‫بتعبري املناطقة‪ ،‬أي تابعة ملتغري هو الوجود اإلنساين‬ ‫املتعني يف األفراد والجامعات‪ ،‬دا َّلة عىل ذوات‬ ‫األفراد والجامعات واألمم والشعوب‪ ،‬كالصفة التي‬ ‫تتبع املوصوف يف جميع أحواله‪ .‬العالقة بني الهوية‬ ‫والذات هي شكل العالقة بني الوجودي واالجتامعي‪،‬‬ ‫وبني الطبيعي والوضعي‪ .‬يستدل عىل ذلك بالتطور‬ ‫التاريخي للذوات‪ ،‬بدءأً بالتفاعل مع البيئة الطبيعية‬ ‫وصوالً إىل القدرة عىل جعلها موضوعاً للمعرفة‬ ‫والعمل‪ ،‬باخرتاع اللغة واخرتاع األدوات‪ ،‬ما يؤكد‬ ‫الصفة النوعية لإلنسان‪ ،‬التي ال تتجىل يف املعرفة أو‬ ‫اإلدراك فقط‪ ،‬بل يف معرفة املعرفة وإدراك اإلدراك‪،‬‬ ‫تتجىل يف الثقافة التي هي أول رأس مال إنساين‪.‬‬ ‫اإلنسان يعرف‪ ،‬ويعرف أنه يعرف‪ ،‬ويستطيع أن‬ ‫يطور معارفه ويرهف إدراكاته‪ ،‬ويغري منط تفكريه‬ ‫وسلوكه أو يعدله ذاتياً‪ ،‬عىل نحو ما صار بوسعه‬ ‫أن يعدل البنى الجينية والهرمونية وبنية املادة‬ ‫الفيزيقية أيضاً‪.‬‬ ‫عمليات تعديل مناذج التفكري والسلوك تشبه‬ ‫عمليات التعديل الجيني الذاتية شبهاً كبرياً‪ ،‬جراء‬ ‫التبادل والتفاعل الدامئني مع البيئة الطبيعية‬ ‫واالجتامعية‪ ،‬لوالها لظل اإلنسان محدوداً بغرائزه‪،‬‬ ‫كالحيوان‪ .‬هنا تتجىل أهمية رأس املال الثقايف إنتاجاً‬ ‫وتداوالً وإعادة إنتاج‪ ،‬ألنه هو الكفيل بتعديل‬

‫مناذج املعرفة والسلوك أو إعادة إنتاجها‪ ،‬أي هو‬ ‫الكفيل بتعديل مصفوفات املعارف واملدركات‬ ‫واألفكار واملعاين والقيم وعالقاتها املتبادلة‪ ،‬وإعادة‬ ‫تشكيل صورة العامل يف الذهن‪ .‬عمليات التعديل‬ ‫الذايت لرأس املال الثقايف‪ ،‬أي تعديل مناذج التفكري‬ ‫واإلدراك والتقدير والعمل والتواصل‪ ،‬مرهونة بعالقة‬ ‫‪ /‬عالقات حرة بني األفراد والطبيعة من جهة‪ ،‬من‬ ‫خالل العمل واإلنتاج االجتامعي‪ ،‬وبينهم وبني البيئة‬ ‫االجتامعية واإلنسانية‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬من خالل‬ ‫الفاعلية ‪ /‬االنفعالية والتواصل وتبادل املعارف‬ ‫والخربات‪ ،‬عالقات ال تحددها مسبقاً أي اعتبارات‬ ‫دينية أو إثنية أو جنسية‪ ،‬وإال فنحن إزاء عمليات‬ ‫تربوية وتعليمية وتلقني أيديولوجي وفرض ثقايف‬ ‫تحاول كلها حرص املعرفة والثقافة يف دائرة ضيقة‬ ‫ال تتعداها‪ ،‬هي دائرة الهوية املغلقة والثابتة‪ ،‬التي‬ ‫ُتغ ِلق عىل الذوات وتنغلق دونها‪.‬‬ ‫مثة مستوى إدرايك لدى البرش يشبه املستوى اإلدرايك‬ ‫لدى الحيوان‪ .‬يتجىل هذا املستوى عندما ُيج َّرد‬ ‫اإلنسان من إنسانيته ُّ‬ ‫ومتك ِنه من التفكري املستقل‬ ‫والتم ُّثل الحر وقدرته عىل اإلبداع‪ ،‬وسلب حقه يف‬ ‫الكالم وحرية التعبري والتواصل‪ ،‬و ُيح َّول إىل مجرد‬ ‫كائن بيولوجي‪ ،‬أو مجرد موضوع ووسيلة وأداة‪،‬‬ ‫عىل نحو ما تفعل ثقافة التسلط واالستبداد‪ ،‬حني‬ ‫تفرض مناذجها املعرفية وأفكارها وتصوراتها وقيمها‪،‬‬ ‫وتغرسها يف نفوس الناشئة وأذهانهن وأذهانهم‪،‬‬ ‫بدءاً بكيفية استعامل اللغة وفرض دالالتها عىل أنها‬ ‫الحقيقة الكاملة‪ ،‬التي ترتكز الهوية عليها‪.‬‬ ‫الحقيقة الكاملة تشبه املعرفة الكاملة لدى الحيوان‪،‬‬ ‫املعرفة التي ال تتعدى حدود الغريزة‪ .‬لذلك ميكن‬ ‫وصف الثقافة التسلطية بأنها تغريز املعرفة‪ ،‬أي‬ ‫تحويلها إىل ما يشبه الغريزة‪ ،‬بحيث ال تتعدى حدود‬ ‫الهوية الثابتة وحدود خطابها‪“ .‬الفكر القومي”‬ ‫الدوغاميئ والرتبية القومية االشرتاكية‪ ،‬و”الفكر‬ ‫الديني” الدوغاميئ والرتبية الدينية منوذجان نقيان‬ ‫لهذا التغريز‪ ،‬ال يقبل أي منهام بأقل من الحقيقة‬ ‫الكاملة‪ ،‬ويحرص عىل اجرتارها وإعادة إنتاجها‪ .‬فال‬ ‫بد من تفكيك هذين النموذجني املتضامنني‪ ،‬لألوبة‬ ‫إىل الذات وإبداع حياة إنسانية تليق باإلنسان‪.‬‬ ‫“الحقيقة الكاملة”‪ ،‬الدينية أو القومية‪ ،‬هوية‬

‫بال ذات‪ ،‬ال تزدهر إال مبوت أفرادها يف سبيلها‪ ،‬أو‬ ‫التضحية بهم عىل مذبحها‪ .‬ولو حاول أحدنا فحص‬ ‫هذه “الحقيقة” لتينب له أنها السلطة وال يشء غري‬ ‫السلطة‪ ،‬بصفتها مصدر الرثوة والجاه‪ .‬هكذا األحزاب‬ ‫العقائدية والجامعات التي تسمي نفسها مقاومة‬ ‫إسالمية‪ ،‬كحزب الله وحركة حامس وشقيقاتها‪ ..‬أو‬ ‫سلفية جهادية‪ ،‬كتنظيم القاعدة أو دولة العراق‬ ‫والشام وجبهة النرصة وأخواتها‪ ،‬وهكذا الجامعات‬ ‫اإلثنية واملذهبية‪ ،‬العنرصية‪ ..‬كلها جامعات تحولت‬ ‫لديها املعرفة والثقافة‪ ،‬بالرتبية والتعليم والتلقني‪،‬‬ ‫إىل ما يشبه الغريزة‪ ،‬التي ال تزال ثاوية يف الخافية‬ ‫البعيدة لألفراد والجامعات ومرقونة يف جيناتهم‪.‬‬ ‫فال ميكن فهم نزاع الهويات املنفلت من عقاله اليوم‬ ‫إال بكونه نتاج الثقافة التسلطية وثقافة االستبداد‪،‬‬ ‫التي تعصف بالكيان اإلنساين لألفراد‪ ،‬فتمسخ‬ ‫الذوات‪ ،‬وتختزلها يف هوية قومية أو مذهبية‪،‬‬ ‫أو حزبية ال تزيد عىل كونها خطاباً‪ ،‬وال تزيد عىل‬ ‫كونها “نصاً” هو هامش عىل منت أسطوري وخرايف‬ ‫أو عنرصي‪ .‬لنفكر يف القتل عىل الهوية واملجازر‬ ‫الجامعية وعمليات االغتصاب وتعذيب املعتقلني‬ ‫حتى املوت‪ ،‬عالوة عىل استعامل األسلحة الفتاكة‬ ‫ملحاربة “البدعة”‪ ،‬أي الحرية‪ ،‬ودرء “الفتنة”‪ ،‬أي‬ ‫الثورة‪ .‬أليست هذه كلها نتاج ثقافة هووية‪ ،‬قومية‬ ‫ومذهبية وحزبية عقائدية؟ ولنفكر قبل ذلك‬ ‫ومن أجله يف آليات االصطفاء والنبذ أو التهميش‬ ‫ومعايريهام‪ ،‬يف أثناء إعادة إنتاج رأس املال الثقايف‬ ‫واالجتامعي واملادي ورأس املال السيايس‪ ،‬سواء تعلق‬ ‫األمر باصطفاء الدالالت وإنتاج املعاين والقيم‪ ،‬أو‬ ‫باصطفاء األفراد‪ ،‬وهام عمليتان متالزمتان‪ .‬ولنفكر‬ ‫يف ضوء هذا وذاك يف تنافسية األفراد والجامعات‬ ‫ومعايريها‪ ،‬وقد اختزلت إىل مجرد االنتامء والوالء‪،‬‬ ‫أي إن املعيار الهووي‪ :‬اإلثني أو املذهبي أو الحزيب‪..‬‬ ‫بات معياراً وحيداً للفوز أو النجاة‪ .‬لنفكر يف ما ُغرس‬ ‫يف نفوسنا وما غرسناه يف نفوس الناشئة‪ ،‬عىل مدى‬ ‫العقود املاضية‪ ،‬وحان وقت الحصاد‪ .‬ولنفكر أخرياً يف‬ ‫الطابع التكراري األجوف للثقافة الذي يطفئ شعلة‬ ‫اإلبداع‪ ،‬وهو األكرث داللة عىل تغريز املعرفة‪.‬‬


‫الردة وقتل المرتد‬ ‫في ما ّ‬ ‫خص ّ‬

‫‪4‬‬

‫علي العبداهلل‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫مقاالت‬

‫مل يكن بروز داعش ورفعها سيف الردة يف وجه معارضيها وقتلهم ذبحا بتهمة‬ ‫االرتداد عن اإلسالم إال بعثاً جديد لقضية الردة وقتل املرتد التي كانت جزءاً من‬ ‫سجال بني فقهاء املسلمني الذين اتفقوا واختلفوا حول املبدأ وحول رشوط تنفيذ‬ ‫الحد وآليات التنفيذ عىل امتداد التاريخ اإلسالمي‪.‬‬ ‫بالرغم من موقف القرآن الكريم الجازم والحاسم من حرية االعتقاد بقوله تعاىل‪:‬‬ ‫الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله‬ ‫“ال إكراه يف الدين قد تبني الرشد من ّ‬ ‫فقد استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام لها والله سميع عليم” (سورة البقرة‬ ‫‪ )256‬وقوله‪“ :‬ولو شاء ربك آلمن من يف األرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس‬ ‫حتى يكونوا مؤمنني” (سورة يونس ‪ )99‬وقوله‪“ :‬وقل الحق من ربكم فمن شاء‬ ‫فليؤمن ومن شاء فليكفر” (سورة الكهف ‪ ،)29‬ووجود آيات رصيحة تتناول‬ ‫االرتداد عن اإلسالم دون تحديد عقوبة يف الدنيا وإمنا يف اآلخرة‪ ،‬وهي من حق‬ ‫الله عز وجل‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪“ :‬يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر‬ ‫وكفروا بعد إسالمهم وهموا مبا ينالوا وما نقموا إال أن أغناهم الله ورسوله من‬ ‫فضله فإن يتوبوا يك خرياً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً ألي ًام يف الدنيا‬

‫الغي” (سورة البقرة ‪ ،)256‬باعتباره نصاً قطعياً وما يأيت بعده يف الفقه فهو‬ ‫من الجزئيات التي تحكمها هذه اآلية‪ ،‬وإىل عدم وجود سوابق تاريخية ال أيام‬ ‫الرسول وال أيام الخلفاء الراشدين تفيد بتنفيذ حد الردة ما مل يصحب الردة‬ ‫محاربة اإلسالم واالعتداء عىل املسلمني‪ .‬وأختلف أصحاب موقف وجود حد‬ ‫للردة حول مدة االستتابة فالبعض اعتربها ثالثة أيام يقتل بعدها املرتد‪ ،‬ىف حني‬ ‫رأى آخرون إن حدود االستتابة تقف عند اليأس من عودة املرتد إىل اإلسالم‬ ‫سواء طالت املدة أو قرصت‪ ،‬ورأى آخرون أن املرتد يستتاب أبداً وال يقتل وذلك‬ ‫ألن التلويح بالقتل يف هذه الحالة يعد نوعاً من اإلكراه عىل العودة لإلسالم مرة‬ ‫أخرى وهو ما يتناىف مع اآلية السابقة‪.‬‬ ‫وكان الشيخ محمود شلتوت‪ ،‬شيخ الجامع األزهر‪ ،‬من الذين رفضوا وجود حد‬ ‫للردة يف اإلسالم وقال تعليقاً عىل استناد دعاة حد املرتد عىل الحديث الذي رواه‬ ‫ابن عباس من بدل دينه فاقتلوه‪“ :‬إن كثرياً من العلامء يرى أن الحدود ال تثبت‬ ‫بحديث اآلحاد وأن الكفر بنفسه ليس مبيحاً للدم وإمنا املبيح للدم هو محاربة‬ ‫املسلمني والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم وإن ظواهر القرآن‬

‫الكريم يف كثري من اآليات تأىب‬ ‫اإلكراه عىل الدين” (اإلسالم‬ ‫عقيدة ورشيعة) وذهب الشيخ‬ ‫عبداملتعال الصعيدى ىف كتابه‬ ‫“الحرية الدينية يف اإلسالم”‬ ‫نفس املذهب قال‪“ :‬إن املرتد ال‬ ‫يقتل وإمنا يستتاب أبداً طاملا مل‬ ‫يعاد املسلمني‪ ،‬أما إذا عاداهم‬ ‫فـ “يقاتل” ليس كمرتد ولكن‬ ‫كعدو رصيح لإلسالم” وقال‬ ‫الدكتور عيل جمعة (مفتى‬ ‫الديار املرصية)‪“ :‬إن الله قد‬ ‫كفل للبرشية جمعاء حق‬ ‫حداً لالرتداد عن اإلسالم متجاهلني مرجعية هذه اآليات ودالالتها القاطعة‪.‬‬ ‫لقد أقدم الفقهاء الذين دونوا الفقه أيام الدولتني األموية والعباسية‪ ،‬وكان‬ ‫الخالف السيايس قد احتدم بني املذاهب وهدّد وحدة األمة اإلسالمية وكيانها‪،‬‬ ‫وأخذوا موقف حامة النظام والسلطة والقانون‪ ،‬وقرروا التخلص من كل خارج‬ ‫عىل املجتمع والدين‪ ،‬أقدموا عىل ابتداع موقف ّحد املرتد باالستناد اىل أحاديث‬ ‫ضعيفة أو موضوعة‪ ،‬وك ّرسوا وضع حدود مشددة مل ترد يف القرآن الكريم بإضافة‬ ‫معيارين إىل الفقه اإلسالمي األول “من جحد معلوماً من الدين بالرضورة”‬ ‫والثاين “االستتابة” (دعوة املرتد ونصحه بالعودة لإلسالم)‪ ،‬وطبقوهام عىل الردة‬ ‫عن اإلسالم‪.‬‬ ‫ولكن ذلك مل يغلق السجال حول موضوع الردة بل تركه مفتوحاً حيث شهد‬ ‫التاريخ اإلسالمي جدالً حاداً بني الفقهاء حوله وحول آلية االستتابة بني من‬ ‫يتبنون وجود حد للردة ومييلون إىل التشدد يف تطبيقه باالستناد إىل حديث‬ ‫الرسول (عليه الصالة والسالم) “من بدّل دينه فاقتلوه” والذين يرون أن ال عقوبة‬ ‫دنيوية للردة باالستناد إىل قوله تعاىل‪“ :‬ال إكراه يف الدين قد تبني الرشد من‬

‫واآلخرة وما لهم يف األرض من‬ ‫ويل وال نص ٍري” (سورة التوبة‬ ‫‪ )74‬وقوله‪“ :‬يا أيها الذين‬ ‫آمنوا من يرتد منكم عن دينه‬ ‫فسوف يأيت الله بقوم يحبهم‬ ‫ويحبونه أذلة عىل املؤمنني‬ ‫أعزة عىل الكافرين يجاهدون‬ ‫يف سبيل الله وال يخافون لومة‬ ‫الئم ذلك فضل الله يؤتيه من‬ ‫يشاء والله واسع عليم” (سورة‬ ‫املائدة ‪ ،)54‬فإن عددا من‬ ‫الفقهاء القدامى والحديثني‬ ‫أرصوا عىل الذهاب إىل أن مثة‬ ‫اختيار دينها دون إكراه أو ضغط خارجي‪ ،‬واالختيار يعني الحرية‪ ،‬والحرية‬ ‫تشمل الحق يف ارتكاب األخطاء والذنوب طاملا أن رضرها ال ميتد إىل اآلخرين”‪،‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬لهذا قلت إن العقوبة الدنيوية للردة مل تطبق عىل مدار التاريخ‬ ‫اإلسالمي إال عىل هؤالء املرتدين الذين مل يكتفوا بردتهم وإمنا سعوا إىل تخريب‬ ‫أسس املجتمع وتدمريها”‪ .‬ورأى الدكتور محمد سليم العوا “أن عقوبة الردة‬ ‫مجرد تعزير من حق الحاكم وليست حداً مرشوعاً له حكم الحدود”‪ .‬وأنكر‬ ‫األستاذ جامل البنا وجود حد للردة واعتربه صناعة فقهية سياسية لخدمة الحكام‪،‬‬ ‫وال عالقة لها بحامية الدين‪ ،‬مؤكدا أنه ال يوجد يف اإلسالم ما يسمى حد الردة‪ ،‬أو‬ ‫وجود عقوبة ملن يخرج عن الدين‪ ،‬فالقرآن الكريم ذكر الردة مرات عديدة ومل‬ ‫يذكر مرة واحدة عقوبة لها‪ ،‬عكس الرسقة أو الزىن اللتني وضع الله لكل منهام‬ ‫عقوبة محددة‪.‬‬ ‫فحرية االعتقاد حق لإلنسان وال قيد عليه إال عقله وضمريه وإن كل ما تفعله‬ ‫داعش بذريعة الردة ليس له سند ديني وهو جرمية ووحشية مستنكرة ومدانة‪.‬‬


‫عن جد وينن‪ ..‬؟!‬ ‫علي فاروق‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫مقاالت‬

‫لقد ماتوا جميعاً‪ ،‬وما عادوا موجودين‪ ،‬قد يكون‬ ‫هذا هو الجواب املنطقي للسؤال املطروح من قبل‬ ‫بعض مؤيدي النظام عرب حملتهم االفرتاضية األخرية‬ ‫‘‘وينن’’‪..‬‬ ‫يفرتض بعض املتابعني للشأن السوري مؤخراً‪،‬‬ ‫تأسيساً عىل حملتي ‘‘الكريس إلك والتابوت ألوالدنا’’‬ ‫و‘‘وينن’’ الفيسبوكيتني‪ ،‬بأن هز ًة أصابت وجدان‬ ‫وضامئر املؤيدين ــ أو بعض قطاعاتهم عىل األقل ــ‬ ‫أدت إىل‬ ‫انزياح أو تبدل أهواءهم وتوجهاتهم‪ ،‬بشكلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫رمبا سيفيض الحقا إىل تغيري اصطفافهم السيايس‪،‬‬ ‫أو تفكيك مترتسهم الطائفي‪ ،‬األمر الذي سيدفعهم‬ ‫لالنفضاض عن النظام‪ ،‬والتخيل عنه‪ ،‬ويستبرش‬ ‫بعضهم أيضاً‪ ،‬بأن تلك التغيريات والتبدالت الطارئة‬ ‫عىل املزاج العام للمؤيدين‪ ،‬واملعرب عنها يف املجال‬ ‫االفرتايض من خالل بعض الصفحات املستحدثة‪ ،‬وعرب‬ ‫تلك الحمالت وأشباهها‪ ،‬أنها تؤرش لبدايات انتفاضة‪،‬‬ ‫أو حركة مترد ضد النظام‪ ،‬من قبل مؤيديه‪ ،‬وال سيام‬ ‫من قبل العلويني‪ ،‬الذين فقدوا اآلالف من شبابهم‪،‬‬ ‫وأبنائهم خالل السنوات الثالث املاضية يف الحرب‬ ‫التي يشنها نظام األسد عىل املواطنني السوريني‪.‬‬ ‫أساس‬ ‫لكن‪ ،‬الحقيقة إن ذلك االفرتاض ليس له أي ٍ‬ ‫واقعي يدعمه‪ ،‬أو يسنده‪ ،‬فاملزاج العام للمؤيدين مل‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقي‪ ،‬وال‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ري‬ ‫تغي‬ ‫أي‬ ‫الواقع‬ ‫يف‬ ‫عليه‬ ‫يطرأ‬ ‫تعديلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ميكن بأي حالٍ الركون إىل معطيات العامل االفرتايض‬ ‫لتقرير حدوث مثل تلك التغريات‪ ،‬والتحوالت‬ ‫النوعية‪ ،‬يف الوقت الذي يقدم الواقع اليومي أدل ًة‬ ‫تثبت عكسها‪ ،‬ذلك أن رواد العامل االفرتايض وفاعلوه‬ ‫ال يعربون عن آراء وتطلعات فئات تقع خارج حدود‬ ‫ذلك العامل‪ ،‬ممن ال يتيرس لهم الوصول إىل جنباته‪،‬‬ ‫ألسباب تقنية‪ ،‬كضعف الخربة باستخدام االنرتنت‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫لغياب أجهزة الحاسوب وأجهزة الهاتف املحمول‪،‬‬ ‫أو بسبب انقطاع الكهرباء‪ ،‬مث ًال‪ ،‬أو لعدم اقتناعهم‬ ‫بجدوى النشاط والتفاعل االلكرتوين أساساً‪ ،‬ولذلك‬ ‫فإنهم وبالدرجة األوىل إمنا يعربون عن أرائهم‪،‬‬ ‫وتطلعاتهم‪ ،‬وميولهم الشخصية‪ ،‬هذا من جهة‪،‬‬ ‫ومن جهة أخرى فلو سلمنا بإمكانية أن يكون أولئك‬ ‫‘‘الناشطون’’ وغالبيتهم من املؤيدين‪ ،‬ومن خالل‬ ‫صفحاتهم‪ ،‬وحمالتهم يعربون عن رأي عام ــ جزيئ‬ ‫بطبيعة الحال ــ‪ ،‬ال عن مجرد آرا ٍء فردية‪ ،‬أو أحاديث‬ ‫شخصي ٍة‪ ،‬فإن تفسري تلك النشاطات االفرتاضية عىل‬ ‫انتفاض عىل النظام‪ ،‬أو عىل‬ ‫أنها بداية متر ٍد‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫سياساته وخياراته األمنية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬تحمل مقداراً‬ ‫من الجهل‪ ،‬وسوء الفهم‪ ،‬أو مقداراً من التوهم‪،‬‬ ‫والتمني عىل طريقة الـ ‘‘‪ ’’Wishful Thinking‬يف‬ ‫أحسن األحوال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واألرجح أن ذلك التمرد إن ُوجد حقا‪ ،‬فهو يف حقيقته‬ ‫ٌ‬ ‫متوقع‬ ‫ومتلمل‬ ‫انزعاج مرب ٌر من أداء النظام الضعيف‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬

‫من الهزائم‪ ،‬واالنتكاسات التي مني بها مؤخراً‪،‬‬ ‫عىل أيدي تنظيم الدولة اإلسالمية ‘‘داعش’’‪ ،‬وال‬ ‫سيام أنها قضت عىل توقعاتهم اإليجابية املبنية‬ ‫عىل الوعود الكبرية‪ ،‬التي وردت يف خطاب القسم‬ ‫األخري‪ ،‬ولذلك فإن تلك املشاعر والتعبريات الغاضبة‬ ‫والسلبية‪ ،‬ال تشكل أساساً لحركة مترد عىل النظام‪،‬‬ ‫أو عىل سياساته‪ ،‬أو عىل سلوكه‪ ،‬أو ضد وجوده‪،‬‬ ‫مستويات‬ ‫ات حاد ٍة‪ ،‬أو وصلت إىل‬ ‫ٍ‬ ‫وإن متيزت بنرب ٍ‬ ‫غري مسبوق ٍة يف صيغة الخطاب ومضمونه‪ ،‬وحتى‬ ‫لو تناولت رأس النظام شخصياً‪ ،‬كام هو الحال يف‬ ‫حملة ‘‘الكريس إلك والتوابيت لوالدنا’’‪ ،‬فااللتحام‬ ‫العضوي والتشابك بني النظام‪ ،‬واملؤيدين ال يزال‬ ‫متيناً‪ ،‬والروابط فيام بينهم ال زالت تتمتع بالشدة‪،‬‬ ‫والتعقيد مبا ال ميكن ملجزر ٍة‪ ،‬أو هزمي ٍة عسكري ٍة‬ ‫أو أكرث‪ ،‬أن تؤدي إىل تداعيها‪ ،‬أو تفككها بتلك‬ ‫الصورة الرسيعة املتخيلة‪ ،‬هذا من ناحية أوىل‪ ،‬وأما‬ ‫‘‘التطاول’’ و‘‘التجرؤ’’ عىل شخص «بشار األسد»‪،‬‬ ‫وتناوله بالنقد‪ ،‬فهذا أيضاً ال ُيعد مؤرشاً عىل ثورة‪ ،‬أو‬ ‫انقالب يف املفاهيم‪ ،‬أو تبدل يف القناعات والخيارات‬ ‫السياسية‪ ،‬فهو ليس باألمر الجديد عىل املؤيدين ــ‬ ‫عىل عكس ما يعتقد البعض ــ ففي مرحلة الثورة‬ ‫السلمية منتصف آذار (‪ ،)2011‬وحتى ربيع – صيف‬ ‫(‪ ،)2012‬وعندما كانت املظاهرات تعم البالد‪ ،‬خرج‬ ‫املؤيدون مبسرياتهم ‘‘العفوية’’‪ ،‬وكان الفتاً يف بعض‬ ‫تلك املسريات‪ ،‬وخصوصاً يف املرحلة التي شهدت‬ ‫ٌ‬ ‫هتاف يقول‪‘‘ :‬بشار‬ ‫تراجعاً كبرياً للنظام‪ ،‬أن يظهر‬ ‫للعيادة وماهر للقيادة’’‪.‬‬ ‫وواضح ما تضمنه ذلك الهتاف من تطاول وتجرؤ‬ ‫عىل شخص «بشار األسد»‪ ،‬ومن تشكيك بقدراته‪،‬‬ ‫وكفاءته للقيادة والحكم‪ ،‬فض ًال عام أظهره أيضاً من‬ ‫انعدام إميان املؤيدين‪ ،‬أو اكتفائهم مبقدار العنف‪،‬‬ ‫والبطش‪ ،‬واإلرهاب املامرس من األجهزة األمنية‪،‬‬

‫والعسكرية التابعة له‪ ،‬فكانت مطالبتهم رصيح ًة‬ ‫بعزله‪ ،‬وتولية شقيقه «ماهر األسد» وهو املعروف يف‬ ‫أوساطهم عىل أنه ٌ‬ ‫مجرم‪ ،‬وبالتايل سيكون أقدر‬ ‫ضابط ٌ‬ ‫ــ حسب اعتقادهم أو متنياتهم ــ عىل قمع الثورة‪،‬‬ ‫وقتل املتظاهرين‪.‬‬ ‫ويف املرحلة املسلحة‪ ،‬وعندما كانت قوات النظام‬ ‫تجتاح املدن والبلدات‪ ،‬و ُتعمل يف املواطنني قت ًال‪،‬‬ ‫وذبحاً‪ ،‬وتعذيباً‪ ،‬واعتقاالً‪ ،‬كانت ترتك عىل الحيطان‬ ‫والجدر شعاراً يقول‪‘‘ :‬حاربوك ونسيو مني أبوك’’‪،‬‬ ‫وإذ يحيل هذا الشعار إىل زمن ‘‘األب’’ املشهود‬ ‫له باملكر‪ ،‬والخبث‪ ،‬واإلجرام‪ ،‬والذي متيز حكمه‬ ‫بالعنف‪ ،‬واإلرهاب‪ ،‬ويوحي بأن القتلة الحاليون‪،‬‬ ‫هم امتدادات ألشباح مجرمي عرص «حافظ»‪ ،‬فإنه‬ ‫يفيد أيضاً االستنتاج باملفهوم املخالف‪ ،‬أن «بشار»‬ ‫ال يشبه أباه‪ ،‬وال ُيعد تبعاً لذلك مؤه ًال ليكون‬ ‫خليفته‪ ،‬فالنظام‪ ،‬و»بشار»‪ ،‬والقتل موجودون بفضل‬ ‫«حافظ»‪ ،‬حتى وإن كان ميتاً‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وتجرؤ عىل رأس‬ ‫تطاول‪،‬‬ ‫الشعاران السابقان فيهام‬ ‫حي مر ًة‪ ،‬وسلف ميت تار ًة‬ ‫النظام‪ ،‬واستعارة بديلٍ ٍ‬ ‫أخرى‪ ،‬عدا عن أنها تنال من الخلف وتهينه‪ ،‬إال‬ ‫أنها تكشف أيضاً طبيعة تعقيد‪ ،‬وعمق االصطفاف‬ ‫السيايس والطائفي للمؤيدين‪ ،‬ولذلك من املستبعد‬ ‫أن تكون ردات الفعل ‘‘االفرتاضية’’ األخرية دلي ًال عىل‬ ‫تغري موقفهم‪ ،‬أو مراجعة خياراتهم‪.‬‬ ‫وأكرث من ذلك‪ ،‬فإنه من غري املرجح يف الوقت‬ ‫الذي يظهر فيه ٌ‬ ‫طرف معا ٍد للنظام‪ ،‬وهو ‘‘داعش’’‪،‬‬ ‫مستويات غري مسبوقة من العنف‪ ،‬والتطرف‪ ،‬أن‬ ‫تكون االستجابات النفسية‪ ،‬والسياسية للمؤيدين‪،‬‬ ‫معاكس ًة‪ ،‬بحيث تتجه إىل تخليهم عن موقفهم‬ ‫السيايس‪ ،‬وتراجعهم عن تأييد نظامهم‪ ،‬املستهدف‬ ‫من قبل ‘‘داعش’’‪.‬‬ ‫ُيحتمل أن يكون املؤيدون قد شعروا بالخذالن‪ ،‬أو‬ ‫هالهم الرعب الذي أظهرته ‘‘داعش’’‪ ،‬أو مل ترقهم‬ ‫مناورة النظام الذي ضحى بأبنائهم‪ ،‬طمعاً بتجديد‬ ‫تفويضه الدويل كقوة مقبولة ملكافحة اإلرهاب‪ ،‬لكن‬ ‫هذا ال يعني أن املؤيدين قد وصلوا إىل قناع ٍة برضورة‬ ‫التخيل عنه‪ ،‬فأوهام املؤامرة‪ ،‬وأحالم االنتصار ال زالت‬ ‫تسكن مخيلتهم‪ ،‬وتحكم سلوكهم‪ ،‬وردات فعلهم‪.‬‬ ‫سؤال ‘‘وينن’’ ال بد منه‪ ،‬لكن األوىل أن نسأل به‬ ‫عن األحياء‪ ،‬ال عن األموات واملفقودين‪ ،‬وطاملا‬ ‫بقي املؤيدون عىل مواقفهم‪ ،‬وتعامى املعارضون‬ ‫عن الحقائق‪ ،‬وحرضت األوهام والرسديات‪ ،‬وغابت‬ ‫لغة العقل‪ ،‬واملنطق‪ ،‬والواقع‪ ،‬ومل تتوفر آليات‬ ‫الحوار‪ ،‬والتفاوض للوصول إىل الجوامع‪ ،‬واملشرتكات‪،‬‬ ‫بعيداً عن املطالبة بالتطمينات‪ ،‬أو السعي لتأبيد‬ ‫االمتيازات‪ ،‬فإن أحداً لن يبق بعدها ليسأل‪ ،‬ولن‬ ‫يعرف أحدٌ ‪‘‘..‬وينن’’‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫الثورة ووعي الحرية‬ ‫‪6‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫مقاالت‬

‫غالباً ما يتناهى إىل مسامعنا ذلك الجدل الشفاهي‬ ‫(النخبوي والشعبي) حول استحقاق شعوبنا‬ ‫للحرية‪ ،‬وهو جدل قديم حصل انتشاره بقوة‬ ‫بعد “الربيع العريب” ورؤية ما آلت إليه الثورات‬ ‫من عنف يف سوريا وليبيا‪ ،‬أو من صعود اإلسالميني‬ ‫للحكم يف مرص ثم انقالب العسكر عليهم‪ ،‬وعودة‬ ‫الديكتاتورية بصيغة جديدة‪ .‬لكن هذا الجدل بقي‬ ‫دون أن تتم مناقشته ومعالجته بشكل واف‪ ،‬مع‬ ‫أنه غالباً ما ينتهي باستنتاج عدم أهلية مجتمعاتنا‬ ‫للحرية كونها مجتمعات جاهلة وغري “واعية”‪.‬‬ ‫ونحن سنعيد هنا طرح السؤال و”نفككه” ونحاول‬ ‫اإلجابة عليه‪ :‬فهل من الرضوري أن يكون الشعب‬ ‫“واعياً” حتى يستحق الحرية؟‪.‬‬ ‫قبل اإلجابة يجدر بنا توضيح بعض املسائل‪ ،‬هي‬ ‫أوالً‪ ،‬إن تناول “الوعي” ضمن تلك االستنتاجات هو‬ ‫تناول سطحي غائم وغري محدد‪ ،‬يجمع؛ دون أن‬ ‫يدرك يف مقصوده‪ ،‬عدة معان “للوعي” الجمعي‬ ‫بالحرية‪ ،‬غري متجانسة وليست من طبيعة‬ ‫واحدة‪ ،‬كالرشد االجتامعي‪ ،‬واالخالقيات الشكلية‪،‬‬ ‫والرتبية الحسنة‪ ،‬والتحصيل العلمي العايل‪ ،‬والرقي‬ ‫الحضاري‪ ،‬إضافة إىل نزعة مضمرة تضيف إىل كل‬ ‫ما سبق الوضع املادي واالقتصادي الجيد التي‬ ‫تؤهل املرء أن يكون “واعياً” وراقياً ومتحرضاً‪.‬‬ ‫فكيف ميكن‪ ،‬بعد هذا التقدير‪ ،‬ملجتمع ج ّله من‬ ‫الفقراء “الغوغاء والحثالة”؛ عىل ما ّ‬ ‫سمهم إعالم‬ ‫النظام‪ ،‬أن يكون مجتمعاً واعياً ويستحق الحرية؟‪.‬‬ ‫نالحظ ثانياً‪ ،‬أن ذلك الجانب املضمر يف الحديث عن‬ ‫“الوعي” االجتامعي كرضورة الستحقاق الحرية‪،‬‬ ‫هو جانب نفيس مشبع بعقد النقص الحضارية‬ ‫والشخصية‪ ،‬وميلء بإدانة الذات الجمعية باعتبارها‬ ‫ذات متخلفة جوهرياً وغري جديرة بالحرية‪ .‬وغالباً‬ ‫ما تجد القائلني واملهتمني بهذا النوع من رضورة‬ ‫الوعي املسبقة الستحقاق الحرية هم من أرباب‬ ‫الحداثة الغربية واملعتصمني بها‪ ،‬سواء كانوا من‬ ‫النخبة أم من العامة‪ ،‬لكن املالحظ أيضاً أن هؤالء‬ ‫بالجمع وباملجمل ليسوا ممن يستبطنون الحداثة‬ ‫بالفعل والقول والسلوك الشخيص‪ ،‬بقدر ما هو‬ ‫استبطاناً ملظاهرها وشكلياتها‪ ،‬وليسوا ممن هم‬

‫متامهني يف العمق مع مبادئها املك ِّونة‪ ،‬وال حتى‬ ‫من العارفني الجيدين بتاريخها ورصاعاتها‪ ،‬بقدر ما‬ ‫هم من املتامهني بها كام يتامهى ضحية السلطة‬ ‫باملتسلط‪ ،‬أو كام يتامهى العبد بالسيد لتصبح‬ ‫أخالق السيد مثله األعىل‪ .‬إنها الطريقة التي يتصور‬ ‫بها العبد أو العاجز املقدرة‪ ،‬الفكرة التي يكونها‬ ‫عنها‪ .‬فالحداثة والحضارة الغربية باملجمل تصبح‬ ‫هنا مبثابة املتسلط‪ ،‬أي األقوى واألعرف واألهم‬ ‫واألجمل‪ ..‬الخ‪ ،‬بينام نحن األضعف واألخس‬ ‫واألبشع واألكرث تخلفاً‪ ،‬نحن رعاعهم‪.‬‬ ‫وال يفعل أولئك “الحداثويون” سوى الهروب‬ ‫النفيس‪ ،‬وأحياناً الفعيل‪ ،‬إىل هذا الغرب‪ ،‬أي الهروب‬ ‫من تخلفنا نحو حداثتهم‪ ،‬الهروب نحو األقوى‬ ‫فتض األضعف أن األقوى‬ ‫واالنتساب إليه‪ .‬وكام َي َ ِ‬ ‫واملتسلط ينظر إليه‪ ،‬يرى نفسه‪ .‬ولذلك فهو عندما‬ ‫يرى ذاته بعني األقوى سيجد أنه نكرة وضعيف‪،‬‬ ‫فيستبطن شعور الضعف ويدين نفسه بناء عىل‬ ‫ذلك‪ ،‬لكنه ال يلبث أن ينسحب من هذا الشعور‬ ‫الذي ال يطاق نحو التامهي باألقوى‪ ،‬وبالتايل يشعر‬ ‫شعوراً كاذباً بالقوة التي ليست ملكه‪ .‬وضمن هذه‬ ‫اآللية نجد أنه عوضاً أن يعمل من يرى نفسه عىل‬ ‫هذا الشكل‪ ،‬عىل تقوية ذاته ومتتني ثقته بنفسه‪،‬‬ ‫يهرب منها دون أن يواجهها‪ ،‬ودون أن يدرك أن‬ ‫وقوفه مع األقوى ال يجعل منه قوياً بأي شكل كان‪.‬‬ ‫إن الشائع يف ثقافتنا عند من يقودون فكرة ربط‬ ‫مطلب الحرية مبطلب “املجتمع الواعي”‪ ،‬ال يعرب يف‬ ‫شيوعه إال عن الرغبة بتأبيد الواقع الراهن ومعاداة‬ ‫التغيري ومعاداة الثورات‪ ،‬مع إسباغ التخلف كسمة‬ ‫جوهرية ملجتمعاتنا ال فكاك منها‪ ،‬ولذلك مل يبخل‬ ‫مثقف وشاعر كبري كأدونيس‪ ،‬عىل سبيل املثال ال‬ ‫الحرص‪ ،‬بالقول‪ :‬إنه علينا تغيري املجتمع والنظام‬ ‫االجتامعي قبل تغيري النظام‪.‬‬ ‫لكن تحليلينا املعتمد عىل األسس الواردة أعاله مل‬ ‫يفنّد إال جانباً داخلياً واحداً من جوانب ظاهرة‬ ‫ربط الحرية بوعي املجتمع‪ ،‬أما الجانب اآلخر‬ ‫لتلك الظاهرة يبدو يف كون املتحدثني بها‪ ،‬هم غالباً‬ ‫أناس بارانوئيني (من بارانويا)‪ ،‬أي محكومني بثنائية‬ ‫االضطهاد والتعايل‪ ،‬الشعور العميق باالضطهاد‬

‫املقرتن بشعور مواز ومصاحب بالتفوق‪ ،‬لكن‬ ‫شعور االضطهاد هو شعور زائف مبني عىل كره‬ ‫الذات ونفيها وعدم تق ّبلها‪ ،‬أما التعايل فهو تعايل‬ ‫الوضيع عىل ما سامه محمود درويش بلمحة نرثية‬ ‫ثاقبة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما يظهر هؤالء مبظهر املتواضع واملحب‬ ‫للضعفاء واملحرومني والبسطاء‪ ،‬لكن ذلك التواضع‬ ‫قادم يف العمق من الوضاعة وليس من االمتالء‬ ‫والقوة والفيض‪ ،‬وتلك املحبة ممزوجة غالباً‬ ‫باالحتقار واالرتكاس‪ ،‬فيكفي أن يتحول أحد أولئك‬ ‫البسطاء واملحرومني إىل ثائر ومتمرد أو يرفع صوته‬ ‫عالياً ضد حرمانه ذاته‪ ،‬يك يظهر التعايل ويربز‬ ‫االحتقار‪ ،‬ويك يتحول تواضع املتعايل إىل وضاعة يف‬ ‫السلوك وانحطاطاً يف التعامل‪.‬‬ ‫بالعودة إىل سؤالنا السابق حول رضورة اقرتان‬ ‫الوعي بالحرية‪ ،‬وهل فع ًال هناك اقرتان منطقي‬ ‫ورضوري بني الوعي والحرية‪ ،‬أو هل فع ًال يتحتم‬ ‫عىل املجتمع أن يكون مجتمعاً “واعياً” ليك‬ ‫يستحق الحرية؟‪.‬‬ ‫إن دعاة الوعي االجتامعي والجمعي بالحرية‪،‬‬ ‫يقلبون الصورة رأساً عىل عقب من حيث‬ ‫األولويات‪ ،‬فعندما يعلنون عن أسبقية التغيري‬ ‫والتحرير االجتامعي عىل تغيري السلطة‪ ،‬والتحرر‬ ‫من أغاللها‪ ،‬فهم يضعون العربة أمام الحصان‪ ،‬ثم‬ ‫يطلبون منها السري عىل سكة التاريخ‪ ،‬وهذا هو‬ ‫بالضبط الطلب املستحيل يف حالتنا وحالة شعوبنا‪.‬‬ ‫فمن دون تحرير السلطة من سلطتها املطلقة عىل‬ ‫الشعوب‪ ،‬ومن دون تغيريها والثورة عليها‪ ،‬بوصفها‬ ‫العائق األول واألعقد واألهم أمام التحرر املجتمعي‬ ‫وحرية املجتمعات‪ ،‬لن تتمكن مجتمعاتنا من‬ ‫السري عىل سكة التاريخ‪ .‬وطاملا أن املجتمعات ال‬ ‫متلك خياراتها بتحديد السلطة‪ ،‬أي وضعها وإزالتها‬ ‫وتغيريها وتحديد صالحياتها مبا تراه مناسباً‪ ،‬فإنها‬ ‫لن تستطيع تطوير ذاتها أو تحرير وعيها العام‬ ‫بالحرية‪ .‬إال عىل طريقة أصحاب نظرية الوعي‪.‬‬ ‫ليس بالرضورة إذاً أن يكون املجتمع واعياً يك‬ ‫يستحق الحرية‪ ،‬بل إن الحرية هي الرشط‬ ‫“الطبيعي” واألسايس لوعيه‪ ،‬فال وعي اجتامعي‬ ‫ناضج دون حرية‪ ،‬حيث إن الحرية هي املناخ‬ ‫األنسب لنمو الوعي الفردي واالجتامعي وتطوره‬ ‫عرب التاريخ‪.‬‬


‫االختالف والعنف‬ ‫معتز سالم‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫يعرب الال ‪ -‬اختالف ونكران اآلخر ونفيه عن حالة‬ ‫من االقصاء تتجىل بأقىس وأبشع صورها املمكنة‬ ‫عرب العنف‪ .‬ويبدو أن محفز العنف مرتكس دامئا‬ ‫ومختبئ خلف هوية‪ .‬فليس العنف والقتل سبباً‬ ‫لهذه الحالة من (الال‪ -‬اختالف) بقدر ما هو نتيجة‪.‬‬ ‫ونحن حينام نتحدث هنا عن الال اختالف‪ ،‬فليس‬ ‫املقصود بذلك االتفاق‪ .‬بل ننطلق من االختالف‬ ‫مبفهومه اإليجايب أي القدرة عىل فهم وجودنا‬ ‫باعتباره أحد الوجودات املمكنة‪ ،‬غري الناجزة‪،‬‬ ‫ضمن حالة من التعددية يف الهويات الثقافية‪ .‬ال‬ ‫يتحصل لهوية منها اعتبار نفسها تحمل قدسية ما‬ ‫أو ترتكز عىل تفوق عرقي أو ديني أو عقائدي‪،‬‬ ‫ليك يحملها عىل تدمري اآلخر‪ ،‬فذلك ما يجعلنا غالباً‬ ‫أمام معادلة هي‪ :‬هوية – أقصاء – عنف‪.‬‬ ‫إن الهوية التي نسعى إىل تفكيكها هي بنية‬ ‫ثابتة يف األعم األغلب‪ ،‬ينتج عن طبيعة ثباتها‬ ‫خطر حقيقي تجاه الهوية ذاتها‪ ،‬وتجاه غريها من‬ ‫الهويات‪ .‬ذلك أن الحالة الصحية والصحيحة ألية‬ ‫هوية أن تكون قيد اإلنجاز‪ .‬ولعل أخطر الهويات‬ ‫عنفاً أكرثها انغالقا وأكرثها وه ًام باالكتامل والعلو‪.‬‬ ‫ولكن من أين لهوية ما أن تستمد مثل هذا الوهم‪،‬‬ ‫أو باألصح ما الذي ينقصها لتصري ما آلت أليه؟‬ ‫هناك ثالثة أسس نستطيع أن نبني عليها فهمنا‬ ‫لعمل هذه الهوية‪:‬‬ ‫أوالً الخوف‪ :‬تخاف الهوية عىل مكتسباتها ويقينها‬ ‫ومينعها ضعفها – الذي من املفرتض أن يكون‬ ‫محفزاً للتغيري‪ -‬من القفز إىل املجهول واملغامرة‬ ‫تجاه أي جديد‪ .‬فالهوية التي ال تستطيع أن‬ ‫تعيش القلق الوجودي هوية مائتة تخاف عىل‬

‫موتها وتحافظ عليه‪ .‬إنها تتمسك “بروح الجد”؛‬ ‫والتي تعترب واحدة من الصفات األخالقية الدنيئة‬ ‫عند سارتر‪ ،‬حيث تقبل بالقيم املألوفة وتحتمي‬ ‫بها هروباً من قلق الوجود‪ ،‬فتتخلص من الحرص‬ ‫والضيق والقلق الوجودي‪ .‬إن مثل هذه الهوية‬ ‫تحارب كل جديد ويعميها خوفها هذا عن رؤية‬ ‫الحياة بتنوعاتها واختالفاتها وانبثاقاتها‪ ،‬فتختبئ‬ ‫خلف سذاجتها‪ ،‬وتتمرتس خلف وهم قد تدفع من‬ ‫أجله الغايل والنفيس‪ .‬والخوف مرتبط هنا بالجهل‬ ‫أشد ارتباط‪ ،‬ويصح به متاماً قول سقراط ‪ :‬الفضيلة‬ ‫علم والرذيلة جهل‪.‬‬ ‫ثانياً السلطة ‪ :‬متارس السلطة العنف لتحافظ‬ ‫عىل نفسها‪ ،‬والعنف أصيل يف تركيبها بقدر رفضها‬ ‫لتقبل االختالف‪ .‬وهي إذ تقبل االختالف صورياً‬ ‫فإمنا تفعل ذلك من منطلق القوة التي متتلكها‪،‬‬ ‫ومن وهم التفوق الذي أنتجته لنفسها‪ .‬فتسمح‬ ‫له بالعمل من منطق املنح والعطاء الذي يتناىف‬ ‫متاماً مع أصلية االختالف كنسق أفقي‪ .‬لكنها ال‬ ‫تلبث مع ذلك أن تقمع كل شاذ يخرج عن دائرة‬ ‫املنح املرسومة له‪ ،‬فتضعه عىل رسير بروكوست‪.‬‬ ‫إن االختالف يعطل عمل السلطة‪ ،‬ألنه يتعارض مع‬ ‫بنيتها العنفية‪ ،‬والتي ترتافق مع أصل آخر ينخرها‬ ‫من الداخل هو الخوف؛ فالخوف والعنف وجهان‬ ‫لسلطة واحدة‪ .‬الخوف من فقدان السلطة ألنها‬ ‫تدرك متاماً عمق األقصاء الذي مارسته عىل غريها‪،‬‬ ‫وتتنبه بعد أن تكون قد نسيت وجود اآلخر متاما‬ ‫وهمشته‪ ،‬الخطر الذي ينتظرها‪ ،‬فيزداد عنفها‬ ‫بقدر خوفها‪.‬‬ ‫ثالثاً املايض‪ :‬يستمد املايض قوته من اتجاهني‬

‫مختلفني يلتقيان يف هوية عنفية واحدة‪.‬‬ ‫ميض‪ ،‬ومن مستقبل ال نعيشه‬ ‫ماض مل ِ‬ ‫يستمده من ٍ‬ ‫كاستباق‪ .‬ذلك أن املايض من حيث يسكننا دامئاً‬ ‫ال نستطيع اإلفالت منه‪ ،‬وهو إذ يخلخل بنية‬ ‫الحارض؛ الذي يعيش املستقبل كاستباق وتنبؤ‪،‬‬ ‫يقوم مبفعول إيجايب للتجاوز‪ .‬وهنا نستشهد بقول‬ ‫الدكتور يوسف سالمة يف كتابه “من السلب إىل‬ ‫اليوتوبيا” ‪“ :‬إن الحضارة التي بنتها أمة ما تشكل‬ ‫نسقاً مغلقاً عىل ذاته‪ .‬وال يعني االحتفاظ بالهوية‬ ‫وحدها إال تكرار لهذا النسق بينام التجدد الحق‬ ‫ال ميكن الربهنة عىل حدوثه إال من خالل قدرة‬ ‫أمة ما‪ ،‬أو باألحرى نجاحها يف تجاوز آخر حضارة‬ ‫معارصة بامليض إىل ما وراءها‪ .‬وقد يكون اإلقرار‬ ‫مببدأ السلب ومن ثم إغناء الهوية التاريخية بسلب‬ ‫معارص لها‪ ،‬هو الخطوة األوىل التي تضع األمة عىل‬ ‫بداية الطريق املؤدي إىل التجدد واإلبداع وليس‬ ‫إىل تكرار القديم‪ ،‬فالتكرار ممل يف حني أن للجديد‬ ‫فتنة الشعر وشبابه‪”.‬‬ ‫لكن املفارقة هنا ذات بعدين؛ فاملايض ال يسكننا‬ ‫ليك يدفعنا لتجاوزه عرب مفهوم السلب الذي يؤصل‬ ‫لالختالف يف بنية الهوية عينها‪ .‬بل ما يحدث‪ ،‬أن‬ ‫هوية ما تسكن املايض وتسكنه عىل نحو غري أصيل‬ ‫أي بصورته املشوهة والعفنة‪ .‬ومن جهة أخرى‬ ‫وحينام تفقد الهوية يف حارضها املعاش كل أمل‬ ‫مريض‬ ‫باملستقبل‪ .‬تعود للاميض بشكل نكويص‬ ‫ٍ‬ ‫يتجىل باالنفصال التام عن الواقع وعن الزمن‪ .‬إن‬ ‫هوية فاقدة للمستقبل ساكنة باملايض تستفيض‬ ‫بكل أشكال العنف‪ ،‬والذي يؤسس ويربر باملقابل‬ ‫لشكلٍ جديد من العنف املضاد‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫مقاالت‬


‫معركة الكباس‪ ..‬هل تكون مقبرة للثورة؟‬ ‫‪8‬‬

‫أبو القاسم السوري‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫مقاالت‬

‫ال يخفى عىل احد أن الثورة يف أرجاء سورية‬ ‫عامة ويف الغوطة الرشقية خاصة عاشت خالل‬ ‫عام ‪ 2014‬عام انحسار وتراجع وقد ظهرت‬ ‫بوادر هذا الرتاجع من خالل عدة مؤرشات‬ ‫‪ 1‬الهزائم العسكرية التي تكبدها الجيش‬‫الحر أمام جيش النظام يف عدة مواقع كالقصري‬ ‫ويربود وأخريا املليحة باإلضافة إىل الخسائر‬ ‫أمام تنظيم داعش يف الشامل الرشقي‪.‬‬ ‫‪ 2‬عجز بنى الثورة اإلدارية يف إدارة املناطق‬‫املحررة وتقديم الخدمات بالحد األدىن‬ ‫للمواطن‪ ،‬وقد كان هذا جليا يف املناطق‬ ‫املحارصة خاصة كالغوطة الرشقية‪.‬‬ ‫‪ 3‬استمرار حالة الترشذم والتشتت الثوري‬‫خاصة عىل املستوى العسكري فلكل لواء‬ ‫وفصيل أجندته السياسية والفكرية والتي‬ ‫تشكل بدورها عائق أمام تكامل عمله مع‬ ‫اآلخرين‪.‬‬ ‫‪ 4‬الغيبوبة العربية واإلقليمية والدولية إزاء‬‫مقاربة الوضع السوري حتى أصبح امللف‬ ‫السوري من منسيات سياسيات هذه الدول‪.‬‬ ‫‪ 5‬نجاح النظام يف اخرتاق بنى الحاضن‬‫الشعبي املؤيدة للثورة من خالل عروض‬ ‫املصالحات والهدن بحجة أن قوى الثورة‬ ‫عاجزة عن تامني رشوط استمرارية الحياة‪،‬‬ ‫وقد وصل بالبعض للخروج مبظاهرات تطالب‬ ‫بقبول الهدنة تحت أي ظرف‪.‬‬ ‫نتيجة هذه العوامل وغريها دخلت الثورة يف‬ ‫حالة جمود مرعب مل يكن يف صالح الثورة‬ ‫أبدا‪ ،‬وكل من هو عامل يف املجال الثوري أدرك‬ ‫ذلك‪ ،‬فغاب بريق األمل من عيون الناشطني‬ ‫واسترشى حديث اليأس بني جناحي الثورة‬ ‫املدين والعسكري‪ ،‬ولكن ضمن طيات كل هذه‬ ‫بدأت تتشكل موجة ضاغطة مضمونها يقول‬ ‫أن استمرارنا بهذا الوضع سيكون نهايته هالكنا‬ ‫ال محالة ‪ ،‬وانه ال ميكن السكوت أو التغايض‬ ‫بعد اآلن عن األمراض وان مركب الثورة يركبه‬ ‫الجميع وإذا خرقه احدنا وسكتنا عنه فان‬ ‫مصري الغرق سيشمل الجميع دون استثناء‪،‬‬ ‫وبذلك تكون الثورة أفرزت بواكري الرتياق‬ ‫الذي تحتاجه ملعالجة نفسها ومرة أخرى‬ ‫عندما تعجز القيادات والنخب عن تغيري‬ ‫الواقع يكون الضغط الشعبي هو الوسيلة‬

‫إلحداث هذا التغيري‪ ،‬وقد تواكبت هذه املوجة‬ ‫مع عديد من التطورات والتي رسمت مالمح‬ ‫ملرحلة مختلفة وجديدة وابرز مالمح هذه‬ ‫الصورة ما ييل‪:‬‬ ‫ظهور القيادات العسكرية املوحدة‬ ‫‪ 1‬‬‫والتي كانت القيادة العسكرية املوحدة يف‬ ‫الغوطة الرشقية باكورة هذه القيادات والتي‬ ‫سيتبعها بالرضورة العديد من النامذج يف‬ ‫سورية وألول مرة تكون عملية توحيد تحت‬ ‫ضغط مزدوج‪ ،‬فالداخل والخارج التقى عىل‬ ‫هذا الهدف‪ ،‬وميكن القول أن الضغط الداخيل‬ ‫هذه املرة كان هو العامل األقوى والحاسم‬ ‫فالقوى العسكرية يف الغوطة الرشقية أدركت‬ ‫خطورة عدم التوحد وعدم االنصياع إىل مطلب‬ ‫أهايل الغوطة الرئييس يف ذلك‪.‬‬ ‫تفاقم االنتشار الرسطاين للخطر‬ ‫‪ 2‬‬‫الداعيش يف سورية‪ ،‬والذي بات يشكل خطراً‬ ‫ليس فقط عىل سورية والعراق بل أصبح يشكل‬ ‫خطراً كبرياً عىل النظامني اإلقليمي والعاملي‬ ‫والذي اجرب القوى اإلقليمية والدولية للتهافت‬ ‫ملواجهة هذا الخطر ومحاربته‪ ،‬وبالتايل فان‬ ‫طبيعة التدخل اإلقليمي والدويل يف سورية يف‬ ‫املرحلة القادمة ستختلف ماهيتها وأثارها وقد‬ ‫يحمل هذا التدخل يف سورية مخاطر كبرية إذا‬ ‫مل ُنعد أنفسنا جيدا وندرك ما هو يف صالحنا‬ ‫وما هو تهلكة لنا‪.‬‬ ‫اقتناع املجتمع الدويل بأن األسد‬ ‫‪ 3‬‬‫بعد كل ما ارتكبه من جرائم ومجازر ال يصلح‬ ‫بأن يكون رشيكا يف مواجهة داعش وال أن‬ ‫يكون خيارا إلعادة االستقرار إىل سورية‬ ‫ظهور بوادر خلخلة واضحة لدى‬ ‫‪ 4‬‬‫الحاضن الشعبي املؤيد للنظام وخاصة بعد‬ ‫سيطرة داعش عىل املقرات الرئيسية للنظام‬ ‫هناك كالفرقة ‪ 17‬ومطار الطبقة وما رافق‬ ‫ذلك من فيديوهات تقتيل مرعبة بحق جنود‬ ‫النظام والتي أدت إىل تحطيم أسطورة جاهد‬ ‫النظام لرتسيخها لدى األقليات بأنه هو الحامي‬ ‫الوحيد لهم فبدأت تنطلق شعارات تناقض‬ ‫هذه األسطورة وخاصة من العلويني من‬ ‫قبيل “املوت ألبنائنا والكريس إلك” أو حملة‬ ‫“وينون” وهذه الشعارات والحمالت تعطي‬ ‫مؤرشاً عىل بداية تبلور وعي جديد لدى العديد‬

‫من مؤيدي النظام وخاصة العلويني بأن النظام‬ ‫يجر بهم إىل الهاوية‪.‬‬ ‫بدء القيادة العسكرية املوحدة‬ ‫‪ 5‬‬‫يف الغوطة الرشقية مبعركة الكباس وقد يظن‬ ‫البعض أن هذه املعركة مثل أي معركة تجرى‬ ‫يف عموم سورية ولكن هذا اآلمر غري صحيح‬ ‫الن معركة الكباس سرتسم مالمح مفصلية يف‬ ‫عمر الثورة السورية وذلك ألسباب التالية‪:‬‬ ‫أ‌‪ -‬انطالق العديد من املعارك املؤثرة واملوجعة‬ ‫للنظام بالتزامن الكامل مع معركة الكباس‬ ‫ومنها عىل سبيل املثال املعارك الدائرة يف‬ ‫القنيطرة وداريا القلمون وحامة وادلب‪.‬‬ ‫ب‌‪ -‬ثبات مقولة أن الغوطة الرشقية هي رأس‬ ‫الحربة يف اسقاط النظام يف العاصمة السياسية‬ ‫دمشق الن أي تحرك عسكري تشهده الغوطة‬ ‫الرشقية يحدث هزة عامة يف سورية‪ ،‬وترنو‬ ‫إليه جميع العيون سواء يف الداخل والخارج‬ ‫لتقيم عمل الغوطة الرشقية والبحث يف ماهية‬ ‫البديل املحتمل لنظام األسد‪.‬‬ ‫ت‌‪ -‬وصول الثوار إىل قناعة بأن االعتامد‬ ‫عىل إسرتاتيجية الدفاع الصلب يف ظل ضآلة‬ ‫إمكانياتهم مقارنة بالنظام هي إسرتاتيجية‬ ‫عقيمة وفاشلة وقد ظهر ذلك جليا يف معركة‬ ‫املليحة‪ ،‬لذلك ال بد من اعتامد مبدأ املرونة يف‬ ‫العمل العسكري‪.‬‬ ‫ث‌‪ -‬ظهور عورة قاتلة لدى النظام فربغم‬ ‫اإلمكانيات الهائلة لدى النظام عىل مستوى‬ ‫العتاد العسكري إال انه يفتقد إىل العداد‬ ‫البرشي الكايف للقتال يف عدة جبهات وهذا‬ ‫األمر يجربه عىل نقل قواته البرشية املتبقية‬ ‫بشكل مستمر باتجاه الجبهات الجديدة وهو‬ ‫ما يعترب مشكلة كربى عىل املستوى العسكري‪.‬‬ ‫ج‌‪ -‬املفاجأة العسكرية التي حققها الثوار من‬ ‫خالل فتح جبهة مل يكن يتوقعها النظام الذي‬ ‫عمل عىل إجهاض أي عمل عسكري يقوم به‬ ‫الثوار باتجاه دمشق من خالل معركة املليحة‬ ‫واحتاللها ثم إطالق معركة جوبر والتي هي‬ ‫باألساس مدخل الثوار إىل دمشق‪ ،‬أي أن النظام‬ ‫حاول نفي أي احتاملية لدى الثوار للتوجه إىل‬ ‫قلب العاصمة وهي رمز بقاء النظام‪.‬‬ ‫ح‌‪ -‬إن املوقع الجغرايف للكباس هو بالغ‬ ‫الحساسية من الناحية الجغرافية ألنه عىل‬


‫تتمة من‬ ‫الصفحة‬ ‫السابقة‬

‫الوصول إلى الغرب‬ ‫بأسهل الطرق‬

‫‪9‬‬

‫باسل مطر‪ -‬مرشوع سالمتك‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫يبلغ عدد مستخدمي تويرت النشطني حوايل ‪ 277‬مليون مستخدم وفقا ملوقع الرشكة‪ ,‬وهو‬ ‫رقم أقل بكثري من عدد مستخدمي فيسبوك الذي يزيد عن املليار مستخدم‪ ,‬لكن تويرت‬ ‫يعد الوسيلة األكرث رواجا يف الغرب للحصول عىل األخبار الرسيعة‪ ,‬حيث تجذب منشوراته‬ ‫املخترصة‪ ,‬التي ال تزيد عن ‪ 140‬حرفا‪ ,‬املستخدمني عىل نحو كبري‪ .‬وتقول تويرت بأن النسبة‬ ‫الكربى من املستخدمني تدخل إىل الخدمة عن طريق الهاتف النقال‪ ,‬وهو أمر ذو مغزى أيضا‪.‬‬ ‫ينشط عدد كبري من عنارص تنظيم "الدولة اإلسالمية" املعروف بداعش عىل توتري‪ ,‬ويتخذون‬ ‫منه منربا للوصول إىل رشائح مختلقه من الجامهري‪ ,‬للرتويج إليديولوجيتهم األصولية والتأثري‬ ‫بالشباب املسلم يف أوربا وشامل أمريكا بهدف تجنيدهم‪ ,‬ويستخدم لنرش أخبار "جهادهم"‬ ‫املقدس و"دولتهم اإلسالمية" وجمع املال‪.‬‬ ‫يعرف قادة التنظيم‪ ,‬وهم من غري السوريني يف غالبيتهم‪ ,‬كيف يستخدمون هذه الخدمة‪,‬‬ ‫وأهميتها‪ ,‬نظرا النتشارها بني رشائح يريدون استهدافها‪ ,‬ويساعد وجود الكثري من املقاتلني‬ ‫األجانب يف صفوف التنظيم عىل التعبري بشكل منتظم بلغات مختلفة أهمها اإلنكليزية‪ ,‬وعليه‬ ‫فإن أخبار داعش هي أول ما يصل إىل الكثري من أبناء املجتمعات الغربية‪ ,‬يف حني تغيب أخبار‬ ‫سوريا األخرى عن هذا الفضاء الهام‪.‬‬ ‫بلغ اهتامم داعش بتويرت حد تطوير تطبيق خاص مرتبط بتويرت يدعى فجر البشائر‪ ,‬تقول عنه‬ ‫داعش أنه الوسيلة األفضل لتتبع أخبار التنظيم‪ ,‬وقد جذب التطبيق يف شهر حزيران املايض‬ ‫املئات من املستخدمني خالل وقت قصري من إطالقه‪ .‬وقد بلغ عدد التغريدات التي أطلقتها‬ ‫داعش من خالل التطبيق ما يزيد عن أربعني ألف تغريدة خالل يوم واحد‪ ,‬وهي كافيه إلغراق‬ ‫الفضاء التويرتي الخاص بسوريا والعراق والتطورات الجارية هناك‪ .‬يف النتيجة‪ ,‬أصبح البحث‬ ‫عن كلمة بغداد عىل تويرت مثال يفيض إىل ألوف التغريدات الداعشية‪ .‬وتقوم اسرتاتيجية داعش‬ ‫عىل أمرين‪ ,‬األول هو استخدام وسوم (‪ )Hashtags‬محددة تختار بعناية والثاين هو إطالق‬ ‫عدد كبري من التغريدات إلغراق الفضاء التويرتي‪ ,‬وهي اسرتاتيجيه معروفة توظفها داعش‬ ‫بدهاء كبري‪ .‬يحدث بالنتيجة أيضا أن رسائل داعش تصبح طاغية ومضخمة لدرجة كبرية‪ ,‬وهي‬ ‫أيضا جزء من سياسة إعالمية يتبعها التنظيم‪.‬‬ ‫تستخدم داعش تويرت كأداة للتسويق أيضا كام تفعل الرشكات الكربى‪ ,‬فقبيل إعالن "الخالفة"‬ ‫ومبايعة البغدادي‪ ,‬وجهت داعش سؤاال عرب تويرت ملتابعيها حول اسم التنظيم وقد رد الكثريين‬ ‫بأنه يجب تغري االسم ليصبح الدولة اإلسالمية‪ ,‬التي ستعيد مجد الخالقة‪ ,‬وبالفعل‪ ,‬فبعد فرتة‬ ‫حدث هذا متاما‪.‬‬ ‫تستغل داعش األحداث العاملية الكربى أيضا لتوصل رسائلها التويرتية إىل العامل‪ ,‬واملعلوم أن‬ ‫جميع الفعاليات الكربى يف العامل تستخدم وسوما (‪ )Hashtags‬خاصة بها‪ ,‬لتمكن الجامهري‬ ‫من متابعتها بسهولة‪ .‬وقد استغلت داعش مناسبة كأس العامل‪ ,‬التي يتابعها مئات املاليني حول‬ ‫العامل‪ .‬قامت داعش باختطاف الوسم الخاص ببطولة كأس العامل لكرة القدم هذا العام‪ ,‬وقامت‬ ‫من خالله بالرتويج لرسائلها وأخبارها وبث صور معاركها وانتصاراتها‪ ,‬وقد حققت من خالل‬ ‫ذلك وصوال منقطع النظري إىل جمهور لن تصل إليه دون هذه التكتيكات‪.‬‬ ‫توحي اسرتاتيجيات داعش الخاصة بفضاء توتري الهام‪ ,‬بدراية كبرية يف استخدام شبكات‬ ‫التواصل االجتامعي‪ ,‬وبدراية كبرية باستخدام تويرت تحديدا‪ ,‬وتلقى اسرتاتيجيتها تلك اهتامما‬ ‫ملحوظا يف الصحافة الغربية‪ ,‬لكن األسوأ أن أخبارها ورسائلها تطغى عىل كل يشء آخر‪,‬‬ ‫وتحجبه بشكل شبه كامل‪ ,‬بسبب أمرين‪ .‬األول هو الكم الهائل لها وطريقة استخدام التنظيم‬ ‫لتويرت‪ ,‬والثاين هو الغياب الكامل أو شبه الكامل لجهود مامثلة من قبل الفعاليات الثورية‬ ‫السورية العسكرية منها واملدنية عىل حد سواء‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫متاس مبارش مع مناطق ذات حساسية طائفية‬ ‫وهي جرمانا الدرزية ودويلعة املسيحية‪،‬‬ ‫وألول مرة يكون ثوار الغوطة الرشقية عىل‬ ‫هذه املقربة من امللف الطائفي‪ ،‬وهو ما‬ ‫سيضع عليهم عبئاً إضافياً‪ ،‬فالكل سينتظر‬ ‫طريقة تعامل ثوار الغوطة مع هذه األقليات‬ ‫يف حال دخول قوات الثوار إىل هذه املناطق‪.‬‬ ‫خ‌‪ -‬النجاح الباهر للثوار يف مجال استخدام‬ ‫السالح النفيس املوجه ضد العدو‪ ،‬فحالة‬ ‫االنهيار والفرار الجامعي ملؤيدي النظام من‬ ‫مناطق جرمانا ودويلعة نتيجة رسيان بعض‬ ‫الشائعات كانت حالة ملفتة جدا يجب‬ ‫التوقف عندها ودراستها بشكل جيد ووضع‬ ‫الخطط لتكرارها وبشكل أفضل وأقوى‪ ،‬ورغم‬ ‫أن النظام حاول بث رسائل معاكسة لهذه‬ ‫اإلشاعات إال انه فشل يف طأمنة مؤيديه‬ ‫وتهدئتهم وهذا دليل عىل مدى الفجوة يف‬ ‫مصداقية النظام لدي مؤيديه‪.‬‬ ‫د‌‪ -‬الرسية العالية عىل املستوى اإلعالمي‬ ‫للمعركة فهناك درجة كبرية من الكتامن والتي‬ ‫التزم بها الجميع سواء من العسكريني أو من‬ ‫املحيط اإلعالمي‪.‬‬ ‫إذا ميكن القول أن معركة الكباس آتت يف سياق‬ ‫مفصل رئييس تعيشه الثورة السورية وينبيء‬ ‫بتبلور مرحلة جديدة‪ ،‬مرحلة لها استحقاقاتها‬ ‫وفيها من الفرص ما فيها وفيها من املخاطر ما‬ ‫فيها‪ ،‬وإذا مل تكن القيادة العسكرية املوحدة‬ ‫يف الغوطة الرشقية عىل مستوى املسؤولية وان‬ ‫تقرن العمل العسكري بأخر مكمل له وهو‬ ‫العمل السيايس فأخىش ما أخشاه أن تصبح‬ ‫معركة الكباس مقربة للثورة‪ ! .‬فامللفات التي‬ ‫تقاربها معركة الكباس وخاصة ملف العاصمة‬ ‫السياسية دمشق وملف األقليات اخطر من ان‬ ‫تكون مقاربتها عسكرية بحتة بل هي مقاربة‬ ‫سياسية بالدرجة األوىل‪ ،‬ولعل أوىل الخطوات‬ ‫التي يجب عملها هي يف وجود جسم سيايس‬ ‫للثورة يتحمل التبعات السياسية ألي تطورات‬ ‫ممكن أن تجري‪ ،‬ومن أوىل مسؤوليات هذا‬ ‫الجسم هو صياغة خطاب سيايس واضح يحدد‬ ‫فيه مالمح الخطوط العامة لسبل معالجة كل‬ ‫ملف من هذه امللفات الحساسة دون أن‬ ‫يكون هناك تفريط يف سبيل إرضاء أحد يف‬ ‫الداخل أو الخارج‪.‬‬

‫داعش والفضاء التويتري‪:‬‬


‫كيف تخون الثورة في ثالث سنوات‬ ‫‪10‬‬

‫هاال محمد‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫مقاالت‬

‫ماهي عالئم خيانة الثورة؟ هل هناك من خانها؟ هل هناك من خان ذاته؟ هل‬ ‫هناك من خان سوريا… هل هناك من اكتشفنا محدوديته السياسية بعد أن‬ ‫السلطة… اشتم رائحة ُسلطة‪ ..‬لحس لحسة ُسلطة ‪...‬‬ ‫صار يف ُ‬ ‫أجل‪ ،‬مع األسف‪ ،‬هناك من فعل …‬ ‫كل من كان دميوقراطيا وسلمياً وخرج يف التظاهرات ورأى بأم عينه وجع الشارع‬ ‫السوري وشباب سوريا وموتهم وقهرهم وسجنهم ووحشية النظام يف التعامل‬ ‫مع متردهم عىل نظام حكمه القائم الراسخ املتني الرشس العنيف املجرم…‬ ‫كل من كان يعي ذلك… ورغم ذلك استطاع‪ ،‬من اجل إسقاط النظام بأي مثن‪،‬‬ ‫أن يضع تحالفاته ودرب الثورة يف جيب أصحاب القوة ورأس املال والسالح يك‬ ‫يقلبوا له نظام الحكم‪ ،‬استعان بقوة أخرى ونظام آخر وطاقة تدمري رشسة أخرى‬ ‫وذئاب وكالب شاردة مسعورة أخرى يك تساهم يف تحقيق العدالة اإلجتامعية‬ ‫والدميوقراطية واملجتمع املدين السوري الذي ينشده السوريون‪ ،‬خان سوريا ألنه‬ ‫مل يتنازل عن السلطة الوهمية التي بني يديه ويعلن أنه عاجز‪ ،‬وأن املرشوع‬ ‫املدين الحضاري الدميوقراطي لسوريا أريد له القتل كام تقتل له سوريا‪ ،‬خان‬ ‫ضمريه ألنه مل يرش إىل القتلة املسترتين ممويل املوت الطائفي‪ .‬خان حلمنا ألنه‬ ‫تنازل عن الحلم ‪.‬‬ ‫كيف لجبهة النرصة أن تحقق لنا ما قمنا ألجله من حرية ! من مواطنة متساوية‬ ‫ومن عدالة اجتامعيه؟! كيف متت تلك اللحظات من التفاوض عىل دم الشارع‬ ‫السوري النبيل الرشيف وعىل مبادئه… كيف ّمتت صفقة بيع الروح إلبليس‬ ‫من أجل حلم إسقاط النظام!‬ ‫كانت الحكاية قد ابتدأت منذ زمن طويل… فن العيش يف الشارع السوري‪ ،‬فنّ‬ ‫الدفاع عن سوريا بالحب والجامل والفنّ وانتزاع كل خلية حرية من مخالب‬ ‫املمنوعات جميعها واالستبدادات كلها‪ .‬فكيف اعتقد هؤالء أن كتاتيب جبهة‬ ‫النرصة وجبهة اإلسالم وداعش وأحرار الشام وكل فصيل بديل عن مرشوع‬ ‫الدميوقراطية والحياة املدنية واملواطنة املتساوية هو الثورة؟!‬ ‫كيف متت الصفقة ! واعتبار جبهة النرصة جزء ال يتجزأ من الثورة ! ويف هذه‬ ‫الحال عن أي ثورة نتحدث ! هل هي هذه الغارقة يف بحر األوهام والدّم؟! ‪...‬‬ ‫كيف منزج ابتسامة غياث مطر وعناد رزان زيتونة وعقلها وتواضعها وتلك‬ ‫القدرة العالية عىل التخطيط ونرش األمل الذي قام به السوريون من صبايا‬ ‫وشباب يف فكرة التنسيقيات وذلك الجهد الجبار يف ابتكار صحافة للثورة تكون‬ ‫ينجر الثورة عىل‬ ‫صوتها وال تقع فريسة استالبها لصالح إعالم عريب أو عاملي ِّ‬ ‫هواه‪ .‬صحافة كانت وال تزال معيار حضاري مدين ثوري مستقل يشري بال توقف‬ ‫إىل طريق حرية التعبري عن الرأي… إنها هناك‪ ،‬تبدأ مع السوريني وتحيا معهم‪.‬‬ ‫هل كتبت شخصية سياسية معارضة تبوأت السلطة السياسية يف السنوات األربع‬ ‫األخرية يف جريدة أو منرب ابتكره الشباب السوري للتعبري عنهم! هل عكسوا‬ ‫وروجوا لهذه املنابر! أو تن ّبهوا لخطها الثقايف الفكري السيايس‪.‬‬ ‫هل انتبهوا أن هذه الصحف تستمر يف إيقاع البناء وليس القتل… ألنها لو‬ ‫فعلت ستحصل عىل التمويل وستفقد صوتها !‬ ‫هل قام من يدخل سوريا من شخصيات املعارضة‪ ،‬حيث يحمل السالح ويتصور‬ ‫أمام العدسات‪ ،‬بحمل جريدة واحدة من الصحف الناطقة باسم الحركة املدنية‬ ‫السورية؟! هل التقط صورة يف أي مدرسة تم افتتاحها لتعليم األطفال الذين‬ ‫تصحر العقل ؟!‬ ‫أصبحوا يف خطر ّ‬

‫هل سأل أحدهم كيف استطاع قطع املسافة الفاصلة بينه سابقاً وبينه اآلن‬ ‫يف شوط واحد هو املال السيايس العسكري وما له من تبعات تبع ّية وانغالق‬ ‫وانسداد أفق ؟‬ ‫كيف ستنرصنا جبهة النرصة التي تخطب بالتكفري والعنف والقتل وتتوعدنا‬ ‫بالتفرقة والكراهية الطائفية وباجتثاث الجذور !…‬ ‫كيف متت الصفقة ! ويف ّ‬ ‫ظل أية وعود عرقوبية متت ! ؟‬ ‫هل قامت الثورة ليك نسقط سوريا ضمن شعار النظام “األسد أو نحرق البلد” ؟!‬ ‫هل نحرق البلد من أجل إسقاط األسد أم نسقط األسد يف اإلرصار عىل حضارة‬ ‫البلد ؟‬ ‫هذا سيسقط سوريا وليس األنظمة وسيعطي تلك األنظمة ما تبقى من مفاتيح‬ ‫الحياة والقبور والبيوت…‬ ‫مل يكن الهدف ّ‬ ‫قط أن يتصارع قاتل مع قاتل وأن تقف سوريا مع القاتل املنترص‬ ‫!‬ ‫ّ‬ ‫ملاذا استبدل الخط املدين الدميوقراطي ورديفه الجيش الحر حامل املرشوع‬ ‫الوطني ممن انشق عن النظام ليك ال يقتل األخوة واألبناء‪ ،‬ملاذا استبدلوه ّ‬ ‫بخط‬ ‫عسكري طائفي منغلق ومغلق األفق؟!‬ ‫ما األمل من ذلك؟ وما العمل من أجل إزاحة هؤالء الحيتان عن صدر ثورتنا ‪.‬‬ ‫مل تتنازل رزان زيتونة وال مازن درويش وال خليل معتوق وال سمرية الخليل‬ ‫وال من ال يزال يف السجون‪ ،‬مل يتنازلوا عن العدالة اإلجتامعية والكرامة الوطنية‬ ‫واملواطنة املتساوية … وهي التي دفعت أبا فرات من أن يقول قول الحق‪،‬‬ ‫وميوت ‪.‬‬ ‫مل عىل السوريني ممن ال يزالون يؤمنون بوحدة سوريا أن يتنازلوا عن إميانهم ؟ !‬ ‫املؤامرة ليست فرصة للحوار‪ ،‬هي صفقة للتخاذل ‪.‬‬ ‫املؤامرة ليست فرصة للبناء‪ ،‬هي دعوة للمشاركة يف املجزرة ‪.‬‬ ‫تعدنا املؤامرة التي يشارك فيها كل من هجر حلم الدولة املدنية واملواطنة وأمان‬ ‫العيش املشرتك ‪ ...‬مبائة عام من العزلة… والنقاب !‬


‫أكراد سورية‬ ‫وتقسيمات «الشرق االوسط» الجديد‬ ‫كمال شيخو‬

‫“املنطقة مقبلة عىل تغيريات كبرية يف الخرائط‬ ‫السياسية”‬

‫موقفهم من التنظيامت الجهادية‬

‫يروي سكان مدينة رأس العني وتقع يف أقىص‬ ‫الشامل السوري املحاذية للحدود الرتكية‪ ،‬قصصاً‬ ‫وحكايات عن االنتهاكات والفظائع التي ارتكبتها‬ ‫التنظيامت الجهادية املتطرفة‪ ،‬وعىل رأسها‬ ‫تنظيمي «الدولة االسالمية» و«جبهة النرصة»‬ ‫عندما قررت يف نهاية العام ‪ 2012‬تحرير املدينة‬ ‫من بقايا القوات املوالية للنظام السوري‪ .‬فبعد‬

‫تحقيقات‬

‫“كل املعطيات واملؤرشات تنبئ أن املنطقة‬ ‫مقبلة عىل تغيريات كبرية يف الخرائط السياسية‪،‬‬ ‫فمن الرضوري عىل االطراف الكردية إيجاد صيغ‬ ‫ادارية وسياسية تناسبهم للتعايش مع هذا الواقع‬ ‫الجديد واملربك”‪ .‬والكالم للصحفي كامل اوسكان‬ ‫وهو من مواليد الدرباسية ‪-‬محرر يف مجلة صور‬ ‫إحدى املجالت التي صدرت بعد الثورة السورية‪-‬‬ ‫فبعد سيطرة تنظيم «الدولة االسالمية» عىل‬ ‫مساحات شاسعة والغائه للحدود السياسية‪ ،‬بات‬ ‫يرشع ما يشبه “دويلة” متتد حدودها من ريف‬ ‫حلب مروراً بكل من الرقة ودير الزور وصوالً‬ ‫اىل محافظة نينوى واملوصل كربى مدن العراق‪.‬‬ ‫ويرشح اوسكان لـ (طلعنا عالحرية) ّأن “حدود‬

‫هذه الدويلة االسالمية تحيط باملناطق الكردية‬ ‫والتي فصلتها عن عمقها السوري”‪ .‬وأردف أنه‬ ‫“يف ظل غياب أي اعرتاف علني بحقوق الكرد يف‬ ‫سورية من قبل النظام واملعارضة حتى اآلن‪ ،‬يبدو‬ ‫أن الواقع فرض نوع من التقسيم نتيجة متوضع‬ ‫وسيطرة كل جهة عسكرية عىل مناطق جغرافية‬ ‫محددة‪ ،‬يديرها وفق آليات وصيغ معينة”‪.‬‬ ‫اوسكان أشار رصاح ًة أنه “قد تكون الفيدرالية‬ ‫إحدى هذه الصيغ املناسبة للعيش الجديد‪ ،‬وقد‬ ‫تكون آخر املحاوالت”‪.‬‬ ‫أكراد سورية ّ‬ ‫يشكلون القومية الثانية بعد العرب‪.‬‬ ‫وبحسب إحصاءات غري رسمية يقدر عددهم‬ ‫حواىل مليونني ونصف مليون نسمة‪ ،‬وتشكل‬ ‫نسبتهم ‪ 12‬يف املئة من التعداد السكاين العام‬ ‫للبالد‪ .‬وتعرضوا خالل عقود سيطرة حزب البعث‬ ‫وحكمه للبالد ألشكال مختلفة من التمييز‪ ،‬إال أن‬ ‫املعارضة السورية مل تستطع احتواءهم وضمهم إىل‬ ‫كياناتها واطرهم السياسية إال مؤخراً‪ .‬وبعد انضامم‬ ‫املجلس الوطني الكردي اىل االئتالف الوطني لقوى‬ ‫الثورة واملعارضة‪ ،‬بقي حزب االتحاد الدميقراطي‬ ‫الكردي‪-‬الحزب الكردي الوحيد الذي لديه جناح‬ ‫عسكري‪ -‬يف هيئة التنسيق الوطنية‪.‬‬ ‫املحامية دلشا آيو من مواليد راس العني تعمل يف‬ ‫مجال حقوق االنسان منذ عقدين‪ .‬ترى أنه “يجب‬ ‫اإلقرار الدستوري بالشعب الكردي يف سورية”‪،‬‬ ‫وأخربت (طلعنا عالحرية) أنه “عىل اآلخرين عدم‬ ‫الولوج يف هذه الناحية ألنها حقيقة موجودة وال‬ ‫تحتاج اىل إقرار قانوين‪ .‬املحامية دلشا شددت أن‬ ‫“االكراد يعيشون عىل أرضهم التاريخية وهذه‬ ‫املسألة ايضاً يجب إقرارها دستورياً”‪ ،‬وعن انتامئها‬ ‫القومي اضافت “عندما اتكلم اللغة الكردية وألبس‬ ‫الزي الكردي وأذهب إىل عيد النريوز القومي ‪-‬رأس‬ ‫السنة الكردية‪ -‬هذه خصوصية قومية ومن حقي‬ ‫التعبري عنها”‪ ،‬وعن مطالب األكراد القومية لفتت‬ ‫الناشطة الحقوقية “ما املشكلة ْأن يكون لدينا‬ ‫إدارة ذاتية‪ ,‬ومن حق أي كردي أن يحلم بتوحيد‬ ‫االكراد واندماجهم يف دولة واحدة‪ ,‬كام يحق لكل‬ ‫عريب حلمه بوحدة الوطن العريب”‪.‬‬

‫معارك أستمرت لثالثة أيام‪ ،‬أعلنت تلك التنظيامت‬ ‫سيطرتها عىل املدينة‪ ،‬وأذاعوا من عىل منابر‬ ‫الجوامع‪ ،‬عبارات متشددة أشهرها “س ّلم نفسك‬ ‫تسلم”‪ ،‬بينام كان شعار “مالكم مالنا وحاللكم‬ ‫حاللنا”‪ ،‬األكرث تطرفاً‪.‬‬ ‫وسط هذه االنتهاكات برز الزعيم وهو رجل يف‬ ‫عقده السادس من “رسي كانيه”‪ ،‬يرتدي ز ّياً كردياً‪،‬‬ ‫شبيهاً مبالبس «قوات البشمركة الكردية» يف إقليم‬ ‫كردستان العراقي‪ .‬يعترب الزعيم أول كردي حمل‬ ‫السالح يف وجه التنظيامت املتشددة‪ ،‬ويروي لـ‬ ‫(طلعنا عالحرية) أنه “يف عرص ‪ 11‬ترشين الثاين‪/‬‬ ‫نوفمرب ‪ ،2012‬ش ّكلنا أول مجوعة كردية مسلحة‬ ‫مؤلفة من ‪ 12‬متطوعاً من أبناء املدينة ملحاربة‬ ‫الكتائب املتطرفة”‪ .‬وتابع بكالمه قائ ًال‪“ :‬لقد قررنا‬ ‫الدفاع عن أهلنا ورشفنا‪ ،‬هم جاؤوا للسيطرة عىل‬ ‫هذه املدينة ألنها كردية‪ ،‬ونحن دافعنا عن وجودنا‬ ‫وتاريخنا وإرثنا”‪.‬‬ ‫مدينة رأس العني خليط سكاين من االقليات‪،‬‬ ‫ويعيش فيها الكرد والعرب واألرمن والرتكامن‬ ‫واملسيحيني وااليزيديني منذ مئات السنني‪ .‬وتكمن‬ ‫أهميتها االسرتاتيجية كونها املعرب الوحيد مع الجارة‬ ‫تركية‪ ،‬كام تصل أراضيها الشاسعة مع “عاصمة‬ ‫الخالفة االسالمية” مدينة الرقة‪ ،‬وباقي املناطق يف‬ ‫الشامل السوري التي يسيطر التنظيم عليها‪.‬‬ ‫“احتلت التنظيامت املتطرفة رسي كانيه بحجة‬ ‫تحريرها من النظام السوري‪ ،‬وجاءوا ليحتلوها‪،‬‬ ‫وقام مقاتلوهم بنهب ورسقة ممتلكات سكانها‬ ‫واعتدوا عىل كرامات الناس”‪ .‬بحسب ما لفت‬ ‫محي الدين عيسو الناشط يف مجال حقوق االنسان‬ ‫لـ (طلعنا عالحرية)‪ ،‬وجزم ّ‬ ‫بأن “تلك التنظيامت ال‬ ‫حاضنة اجتامعية أو شعبية لها يف املناطق الكردية‬ ‫من ناحية‪ ،‬ولالختالف الجذري بني قيم وعادات‬ ‫املجتمع الكردي عن قيم التنظيامت الجهادية من‬ ‫ناحية ثانية”‪.‬‬ ‫من جانبه‪ ،‬شدد الصحايف سري الدين يوسف‪،‬‬ ‫وهو من أبناء مدينة القامشيل أن “أكراد سورية‬ ‫معنيون بالدرجة األوىل بحروب داعش ومشتقاتها‪،‬‬ ‫كونهم أول َمن حاربوا هذه التنظيامت عىل صعيد‬ ‫املنطقة‪ ،‬وقدموا أكرث من ‪ 500‬شهيد يف سبيل‬ ‫الجهَلة واملتخ ّلفني”‪.‬‬ ‫حامية شعبهم من هؤالء َ‬ ‫ونوه لـ (طلعنا عالحرية) أنه “ال يوجد كردي‬ ‫يريد الحرب‪ ،‬لقد سئمنا من الحروب‪ ،‬نحن‬ ‫نعشق الحياة والعيش بسالم مع االخرين‪ ،‬وجميع‬ ‫الحروب فرضت علينا وداعش ليست استثنا ًء‪،‬‬ ‫هم غزو غرب كردستان”‪ .‬إشار ًة إىل املناطق ذات‬ ‫الغالبية الكردية يف سورية‪.‬‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫بعد سيطرة تنظيم “الدولة اإلسالمية” عىل‬ ‫مناطق عدة شامل العراق وسورية‪ ،‬وإعالنه قيام‬ ‫“الخالفة” عىل األرايض التي يسيطر عليها يف كال‬ ‫الدولتني‪ ،‬باتت املناطق ذات األغلبية الكردية يف‬ ‫سورية عىل متاس مع حدود “الخالفة” املعلنة‪.‬‬ ‫ويفرز هذا األمر نوعاً من التقسيم ومناطق متاس‬ ‫جديدة‪ ،‬نتيجة متوضع وسيطرة كل جهة عسكرية‬ ‫عىل مناطق جغرافية محددة‪ .‬وبات التنظيم‬ ‫يسيطر عىل الحدود الربية املتاخمة للمنطقة‬ ‫ذات األغلبية الكردية يف سورية‪ .‬بعد أن احتل‬ ‫معظم الريف الرشقي والشاميل لدير الزور‪ ،‬وصوالً‬ ‫إىل بلديت الشدادي والهول جنوب الحسكة‪ ،‬كام‬ ‫يسيطر التنظيم منذ منتصف العام املايض عىل‬ ‫مدينة الرقة غرباً‪.‬‬ ‫فبعد انسحاب القوات الحكومية من شامل رشق‬ ‫البالد صيف العام ‪ ،2012‬سيطر حزب االتحاد‬ ‫الدميقراطي الكردي الرفيد السوري لـ «حزب‬ ‫العامل الكردستاين ‪ »PKK‬تدريجياً عىل املنطقة‬ ‫املمتدة من ريف حلب‪ ،‬كوباين وعفرين‪ ،‬مروراً‬ ‫مبنطقة رأس العني أو (رسي كانيه كردياً) وتل متر‬ ‫والدرباسية وعامودا‪ ،‬إضاف ًة اىل القسم األكرب من‬ ‫مدينتي الحسكة والقامشيل مع ريفيهام‪ ،‬وانتها ًء‬ ‫باملالكية أو (ديركا حمو) بحسب التسمية الكردية‬ ‫لها‪.‬‬ ‫حزب االتحاد (‪ )PYD‬وبالتحالف مع قوى‬ ‫سياسية كردية وعربية وأشورية‪ -‬مسيحية‪ ،‬أعلن‬ ‫نهاية العام املايض عن اإلدارة الذاتية املشرتكة‬ ‫والتي تتمتع باستقاللية المركزية وقسمت املنطقة‬ ‫لثالث كانتونات‪ :‬مقاطعة الجزيرة ومقاطعة‬ ‫كوباين ومقاطعة عفرين‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫معتقلون اختفوا مرتين داخل سجون األسد‬ ‫‪12‬‬

‫جديع دواره‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫اختفت املعتقلة فاتن رجب من سجن عدرا قسم النساء‪ ،‬قبل نحو شهر‪،‬‬ ‫بعد رحلة اعتقال امتدت لثالث سنوات‪ ،‬دون سابق انذار أتت دورية تابعة‬ ‫للمخابرات إىل السجن‪ ،‬ونقلتها إىل جهة مجهولة‪ ،‬وتركت ذويها يف حالة من‬ ‫القلق عىل مصري ابنتهم التي اعتقدوا انهم عرثوا عليها‪.‬‬ ‫رجب ليست الوحيدة التي تختفي عىل يد املخابرات السورية‪ ،‬هي واحدة من‬ ‫أصل ‪ 57‬ألف سوري موثقني باالسم اختفوا قرسياً بني معتقلني ومفقودين‪ ،‬دون‬ ‫أي أخبار عنهم‪.‬‬ ‫لكن ما مييز مصري رجب والحاالت املشابهة لها‪ ،‬بأن ذويهم متكنوا من معرفة‬ ‫مكانهم وزيارتهم‪ ،‬لكن رسعان ما تحول فرحهم اىل حزن‪ ،‬ألنهم اختفوا مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬وال أحد يعرف ماذا حل بهم‪.‬‬

‫رجب تختفي مرتني‬

‫اعتقلت املخابرات الجوية مدرسة‬ ‫الفيزياء رجب (مواليد دوما ‪)1979‬‬ ‫يف ‪ ،24/12/2011‬واختفى أثرها‪ ،‬هذا‬ ‫ما تكشف عنه “حقوقية” من دمشق‬ ‫فضلت عدم ذكر اسمها‪.‬‬ ‫وترسد الحقوقية رحلة رجب وفقاً‬ ‫لشهادات سجينات سابقات‪ ،‬بانها‬ ‫قضت شهر يف (آمر ّية الطريان) ثم‬ ‫نقلت إىل فرع التحقيق‪ ،‬تجمع مطار‬

‫املزة العسكري الزنزانة رقم (‪ )17‬دون أن توجه لها اي تهمة‪ ،‬ثم بعد ‪ 10‬أشهر‬ ‫تم نقلها إىل الفرع (‪ ،)215‬يف كفرسوسة بدمشق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مكثت مثانية أشهر‪ ،‬معظمها يف املنفردة‪ ،‬لتعود بعدها إىل فرع الجوية إىل ذات‬ ‫الزنزانة رقم (‪.)17‬‬ ‫بتاريخ ‪ّ 17/2/2014‬متت إحالتها إىل القضاء امليداين العسكري‪ ،‬وبعد ان‬ ‫ليتم‬ ‫استجوبها القايض‪ ،‬تم تحويها فوراً إىل سجن عدرا‪ ،‬بقيت هناك لعدة أشهر‪ّ ،‬‬ ‫بعدها تحويلها إىل جهة مجهولة‪ ،‬وفقدان اثرها‪.‬‬

‫من املدرسة للمعتقل‬

‫تحقيقات‬

‫يروي مصدر مقرب من عائلة الشاب محمد الحسن الحموي (‪ 18‬عاماً) بأنه‬ ‫اعتقل يف حمص بتاريخ ‪ 2013 /12/1‬عىل حاجز األمن السيايس‪ ،‬أثناء عودته من‬ ‫املدرسة‪ ،‬ثم ٌنقل بعد عرشة أيام اىل دمشق‪.‬‬ ‫بقي الحموي مفقوداً إىل أن اتصل بأهله بعد ‪ 8‬أشهر ليخربهم أنه يف سجن‬ ‫عدرا‪ ،‬كان االمن السيايس بدمشق نقله إليه‪.‬‬ ‫سارعت والدة الحموي لزيارة ابنها‪ ،‬كانت ترص عىل أنه عىل قيد الحياة‪ ،‬وأنها‬ ‫سرتاه وتحضنه مرة اخرى‪ ،‬لكن فرحتها مل تدم كثرياً‪.‬‬ ‫بعد عدة زيارات اىل سجن عدرا‪ ،‬اتت ذات صباح‪ ،‬ليخربوها بأن ابنها أصبح‬ ‫يف حمص من أجل اإلفراج عنه‪ ،‬أرسعت إىل حمص‪ ،‬وطرقت الكثري من األبواب‪،‬‬ ‫لتخرج بخرب غري مؤكد بأنه تم تحويله اىل سجن صيدنايا لصالح محكمة االرهاب‪.‬‬ ‫يوضح املصدر‪ ،‬أن ذوي محمد حتى اليوم مل يصلوا لنتيجة‪ ،‬كل ما استطاعوا‬ ‫معرفته‪ ،‬أن ابنهم تعرض لتعذيب قايس جداً جداً‪ ،‬فأدىل باعرتافات غري صحيحة‪،‬‬ ‫مثل اغتصاب ‪ 9‬نساء‪ ،‬وتفجري حاجزين‪ ،‬ووضع عبوات ناسفة‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫وبالطبع ــ يضيف املصدرــ “الشاب بعيد اميال عن مثل هكذا أعامل‪ ،‬وتوقيفه‬ ‫حصل مصادفة فقط ألنه الوحيد يف “الرسفيس” مواليد (باب السباع)‪ ،‬أيام حصار‬ ‫ذلك الحي البطل”‪.‬‬

‫اعتقال وإنكار مطلق‬

‫داهمت دورية من االمن‪ ،‬منزل‬ ‫الفنان زيك كورديللو (مرسحي قىض‬ ‫جل حياته يعمل يف مرسح الظل)‬ ‫‪ 11/8/2012‬واعتقلته مع ابنه‬ ‫مهيار‪ ،‬وشقيق زوجته “عادل برازي”‬ ‫وشاب من مدينة السلمية تصادف‬ ‫وجوده يف املنزل‪ ،‬الكائن يف دمر‬ ‫البلد‪ ،‬واقتادتهم إىل جهة مجهولة‪.‬‬ ‫مىض عىل اعتقال األربعة اكرث من‬ ‫سنتني‪ ،‬وحاول ذويهم ــ بحسب مصدر مقرب من العائلة ـــ بكل السبل معرفة‬ ‫ان كانوا ما زالوا أحياء‪ ،‬أو الجهة التي اعتقلتهم‪ ،‬او أي خرب‪ ،‬دون جدوى‪!..‬‬ ‫يقول املصدر “ذويهم متكنوا من الوصول إىل شخصيات نافذة‪ ،‬لكن الجميع نفى‬ ‫أن يكون هناك أي معلومة عنهم”‪ ،‬مضيفاً أنه وصلوا لقناعة أنه “حتى بشار‬ ‫االسد ال يعرف مكانهم”‪.‬‬ ‫عرشات االالف من املعتقلني واجهوا نفس املصري‪ ،‬اعتقال وإنكار‪ ،‬حتى املوالني‬ ‫مل توفرهم االعتقاالت كام يف حادثة اعتقال مطلق حملة (وينن) “مرض خضور”‬ ‫نهاية الشهر املايض‪.‬‬ ‫ووفقاً للشبكة السورية لحقوق اإلنسان‪ ،‬فإن نحو ‪ 730‬شخصاً اختفوا من مدينة‬ ‫حمص القدمية بعد إجرائهم تسوية مع قوات بشار األسد‪ ،‬يف اذار‪/‬مارس املايض‪.‬‬ ‫محاولة للتفسري والفعل‬ ‫تكشف “الحقوقية” التي تعمل عىل ملف املعتقلني من دمشق‪ ،‬بأن حاالت‬ ‫االختفاء من سجن عدرا بدأت آب‪ /‬اغسطس ‪ ،2013‬وتحديداً للمعتقلني املحالني‬ ‫ملحاكم ميدانية‪ ،‬جزء منهم تم نقلهم للرشطة العسكرية التي هي مقر املحكمة‬ ‫امليدانية الستجوابهم ومن ثم تم ترحيلهم إىل سجن صيدنايا‪ ،‬او سجن عدرا‪.‬‬ ‫أما الحاالت املصنفة عىل أنها االخطر من املحالني ملحكمة ميدانية بتهم قتل‪،‬‬ ‫فقد مكثوا فرتة قصرية يف سجن عدرا‪ ،‬ثم اختفوا بصورة غامضة ويعتقد أنه قد‬ ‫تم إعدامهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ترى الحقوقية‪ ،‬أن اليشء الوحيد املمكن عمله من قبل االهل‪ ،‬تقديم طلب‬ ‫للقضاء العسكري‪ ،‬كون املحاكم امليدانية تحت سلطته‪ ،‬طلب للكشف عن مصري‬ ‫املعتقل‪ ،‬وحينها يتم تحويلهم للرشطة العسكرية‪ ،‬ومن املمكن جداً أن يعرفوا‬ ‫معلومات‪ ،‬خاصة بعد العفو االخري‪.‬‬ ‫وتحمل الحقوقية التقصري مبتابعة ملف املفقودين للصليب االحمر واملنظامت‬ ‫الحقوقية‪ ،‬واملعارضة‪ ،‬وتصف عدم اكرتاثهم بـ “الـمعيب”‪ ،‬مجرد بيانات مطالبة‬ ‫وتنديد‪ ،‬دون توثيق أو متابعة سواء قانونياً او حقوقياً أو مادياً أو حتى معنوياً‬ ‫لالهتامم بعائالتهم‪ ،‬وتضيف “ما يحدث للمعتقلني هو أخطر ما يجري بسوريا”‪.‬‬

‫ال تسامح مع الفاعلني‬

‫بلغ عدد املعتقلني يف سجون النظام بحسب مركز توثيق االنتهاكات يف سوريا‬ ‫نحو (‪ )55‬ألف‪ ،‬وعدد املفقودين ‪ 2272‬شخص موثقني باالسم وتاريخ االختفاء‪.‬‬ ‫بالنتيجة يكون لدينا نحو ‪ 57‬الف أرسة سورية‪ ،‬معظمها تجهل مصري أبنائها‬ ‫املختفني قرساً‪ ،‬وأعلنت األمم املتحدة ‪ 30‬آب‪/‬أغسطس من كل عام يوماً عاملياً‬ ‫لضحايا حاالت االختفاء القرسي‪ ،‬واعتربت االختفاء القرسي مامرسة ال ميكن‬ ‫التسامح مع مرتكبيها يف القرن الحادي والعرشين‪.‬‬


‫سليمان بن عبد الملك‬ ‫وضريحه الذي فجره مجهولون‬ ‫األيدي الخفية لداعش‬

‫‪13‬‬

‫األمان – ريف حلب‬

‫ينسخه كتاب بعده‪.”...‬‬ ‫كام اتخذ سليامن بن عبد امللك بطانة من صلحاء الرجال‪ ،‬وقد أثر ذلك يف سليامن بن عبد امللك تأثرياً‬ ‫كبرياً فقد كان عمر بن عبد العزيز دائم التذكري مبسؤوليته نحو رعيته فريوي أن سليامن بن عبد امللك‬ ‫حج بالناس سنة ‪97‬هـ وهو خليفة فلام رأى الناس باملوسم قال لعمر بن عبد العزيز‪ :‬أال ترى هذا الخلق‬ ‫يحص عددهم إال الله‪ ،‬وال يسع رزقهم غريه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أمري املؤمنني هؤالء رعيتك اليوم‪ ،‬وهم‬ ‫الذي ال ِ‬ ‫غداً خصامؤك عند الله‪ ،‬فبىك سليامن بكا ًء شديداً ثم قال‪ :‬بالله أستعني‪.‬‬ ‫وكان عمر بن عبد العزيز ذات يوم يف سفر مصاحباً سليامن بن عبد امللك‪ ،‬فأصابتهم السامء برعد‬ ‫وبرق وظلمة وريح شديدة حتى فزعوا لذلك‪ ،‬وجعل عمر بن عبد العزيز يضحك‪ ،‬فقال له سليامن‪ ،‬ما‬ ‫أضحكك يا عمر؟ أما ترى ما نحن فيه؟ فقال له‪ :‬يا أمري املؤمنني هذه آثار رحمته فيها شدائد ما ترى‪،‬‬ ‫فكيف بآثار سخطه وغضبه؟!‬ ‫وكان محمد بن سريين يرتحم عىل سليامن بن عبد امللك‪ ،‬ويقول‪ :‬افتتح خالفته بخري وختمها بخري‪،‬‬ ‫افتتحها بإجابة الصالة ملواقيتها‪ ،‬وختمها باستخالفه عمر بن عبد العزيز‪.‬‬ ‫وفاته‬ ‫تويف سليامن بن عبد امللك يف مرج دابق مرابطاً يف سبيل الله يف شهر َص َفر سنة ‪99‬هـ‪ ،‬و ُبو ِي َع يف اليوم‬ ‫نفسه البن عمه عمر بن عبد العزيز الذي عهد له من بعده‪.‬‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫يستمر تنظيم داعش يف تدمري األماكن األثرية بريف حلب‪.‬‬ ‫وأعامله التخريبية بحق اآلثار واملواقع األثرية‪ ،‬فلم يسلم منها‬ ‫البرش قبل الحجر‪ .‬كان أبرزها رضيح الصحايب عامر بن يارس‪،‬‬ ‫ومسجد أويس القرين ثم مسجد الشيخ عقيل املنبجي مبدينة‬ ‫منبج وغريها الكثري‪ ..‬واآلن قرب سليامن بن عبد امللك يف ريف‬ ‫حلب الشاميل بقرية دابق‪ .‬فجروه يف صباح يوم السبت‬ ‫‪.2/8/2014‬‬ ‫ً‬ ‫وها هو قرب سليامن شاه ما زال قامئا مبكانه ومل يجرؤ التنظيم عىل‬ ‫االقرتاب منه‪ ،‬وقد دخلت أرتال تركية له مرتني وبدلت الحرس!‬ ‫سرية سليامن بن عبد امللك‬ ‫يعدُّ سليامن بن عبد امللك من أفضل خلفاء بني أمية‪ ،‬فلقد حرص‬ ‫والده عىل تربيته تربية عالية‪ ،‬وتعليمه أصول الحكم‪ ،‬كام كانت‬ ‫أخالقه مرضباً لألمثال‪ ،‬ولذلك كانت بطانته من العلامء والحكامء‬ ‫والصالحني‪ ،‬أمثال رجاء بن حيوة وعمر بن عبد العزيز وغريهام‪.‬‬ ‫فهو سليامن بن عبد امللك بن مروان بن الحكم‪ ،‬أبو أيوب‪ .‬وأمه‪:‬‬ ‫والدة بنت العباس‪ ،‬فهو شقيق الوليد‪ ،‬وقد ُولِ َد سليامن باملدينة‬ ‫إال أنه نشأ بالشام‪ .‬بويع بالخالفة يف اليوم الذي مات فيه أخوه‬ ‫الوليد منتصف جامدى اآلخرة سنة ‪96‬هـ‪.‬‬ ‫خالفته‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان سليامن بن عبد امللك ورعا تق ّيا‪ ،‬ويتضح ذلك من خطبه‪،‬‬ ‫فال تكاد تخلو خطبة من خطبه من ِّ‬ ‫حث الناس عىل التقوى‬ ‫والخوف من الله ومدارسة القرآن‪ ،‬وتتضح هذه السرية الطيبة‬ ‫من هذه الخطبة؛ فعن جابر بن عون األسدي قال‪ :‬أ ّول ما تكلم‬ ‫به سليامن حني ويل الخالفة أن قال‪“ :‬الحمد لله الذي ما شاء‬ ‫صنع‪ ،‬وما شاء رفع‪ ،‬وما شاء وضع‪ ،‬ومن شاء أعطى‪ ،‬ومن شاء‬ ‫منع‪ .‬إن الدنيا دار غرور‪ .‬يا عباد الله اتخذوا كتاب الله إماماً‪،‬‬ ‫وارضوا به حك ًام واجعلوه لكم قائداً‪ ،‬فإنه ناسخ ملا قبله‪ ،‬ولن‬

‫عن داعش وأخواتها‬ ‫أوس المبارك‬

‫مقاالت‬

‫الحق املطلق والصوت األعىل حدة والدمياغوجية‬ ‫الخطابية‪ .‬هل اعتمد االستبداد املاورايئ ‪ -‬يف سعيه‬ ‫التاريخي عىل السيطرة ‪ -‬عىل غري ذلك؟‬ ‫(نحن منلك خري رشائع الكون‪ ،‬ومل يدعنا أحد أن‬ ‫نثبت ذلك‪ ،‬ال مكان للتاريخ عندنا إال فيام يثبت‬ ‫صدق ادعائنا‪ ،‬علوم االجتامع والفلسفة والسياسة‬ ‫وجميع العلوم خاطئة وكافرة إن مل تؤيدنا‪ .‬نحن‬ ‫الحق املطلق‪ ،‬نحن منثل صوت األكرثية ونصادر حق‬ ‫أي جامعة منها يف مغايرة مسعانا‪.‬‬

‫ال ننفي الوطنية أبدا‪ ،‬إنها امتثال كافة األكرثية التي‬ ‫منثلها ملسعانا‪ ،‬وحني متتثل األقليات ملسعانا ستكون‬ ‫وطنية ألول مرة‪ ،‬هي التي مل تعرفها إال كام يوافق‬ ‫أهواءها‪ ،‬فليتبعونا نحن وهم صاغرون‪ ،‬ومعاذ الله‬ ‫أن تكون تلك أهواء دنيوية ناقصة أو إعادة إنتاج‬ ‫النظام بلبوسنا‪ ،‬إنها كامل املاوراء!‬ ‫نحن الذين قمنا بالثورة عىل اإلجرام والعنرصية‬ ‫واالستبداد‪ ،‬نحن الذين متنا وتعذبنا وتهجرنا‪ ،‬نحن‬ ‫من يكافح من أجل انتصار الثورة‪ ،‬ومن حقنا بعدها‬

‫أن نفرض ما نريد عىل الجميع)‪.‬‬ ‫هنا يطرق الكثريون لهؤالء‪ ،‬وينسون أن الصفة التي‬ ‫يحاربون بها ال تشرتط أن تكون ذاتها التي يحاربون‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫هم لديهم الحق املطلق‪ ،‬هكذا يظاهرون بصوتهم‬ ‫األحد‪ ،‬وبدمياغوجيتهم‪ ،‬وتفعل فيهم البارانويا ما‬ ‫تفعل‪ .‬لكن لن يكون لهم أن يلبسوا ثوب املاوراء‬ ‫ليضعوا نفس التاج‪ ،‬هكذا يقول الحر‪ ،‬وهكذا عىل‬ ‫الحر أن يفعل‪ ،‬اآلن وأمس وأبدا!‬


‫ّ‬ ‫نتذكر كي نعيش!‬ ‫لن ننسى كي نعود‪ /‬لن‬ ‫رامي العاشق *‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫املوت‬ ‫سيأيت الجيل القادم‪ ،‬وسيبقى مقسو ًما بني من هربوا من ِ‬ ‫ومن ظ ّلوا داخل البالد‪ ،‬بني الخا ِرج والدّاخل ومن عاد ومن‬ ‫سيخرج‪ ..‬سيصن َُّف أبناؤنا‪ّ ،‬ربا لن يكون هناك ٌ‬ ‫وقت ليك يدخلوا‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وربا سيصنّفون بنا ًء عىل‬ ‫يف تصنيفات مواقف آبائهم مم جرى‪ّ ،‬‬ ‫فعلٍ مل يفعلوه!‬ ‫ُ‬ ‫هجرون يوم ًّيا‬ ‫موحش ّإل من ال ّذكريات‪،‬‬ ‫الخارج‬ ‫ُ‬ ‫يستيقظ ا ُمل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ني وميسكون‬ ‫حلم العود ِة إىل واقع الخبز‪ ،‬يت ُل ْو َن صال َة الحن ِ‬ ‫من ِ‬ ‫بأبنائهم صغا ًرا يزرعون فيهم جذور الحنني ملا يجهلونه‪ ،‬حن ٌني‬ ‫لبال ٍد َ‬ ‫السياج ّ‬ ‫وربا خلف البح ِر‪ ،‬األبنا ُء سريضعون‬ ‫الشائك‪ّ ،‬‬ ‫خلف ّ‬ ‫ّ‬ ‫هات ثكاىل لن ت ُبحنَ بثكلهنَّ إال لتزرعنَ‬ ‫الشوق من أثداء أ ّم ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سيرشبون الحن َ‬ ‫ني يف كؤوس كت َب ْت‬ ‫يف أبنائهنَّ عطش الرجوع‪،‬‬ ‫َ‬ ‫عليها أسام ُء املدنِ ّ‬ ‫البيوت املنتظر ِة‬ ‫والشوارع‪ ،‬وسيأكلون صو َر‬ ‫ِ‬ ‫هناك‪ ،‬والتي ّربا لن تكون موجود ًة وقتها‪ّ ،‬إل أ ّنهم سيكربون‬ ‫متش ّبث َ‬ ‫ني بالعودة‪.‬‬ ‫الد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫نسيان ما جرى يف‬ ‫موحش ّإل من النّسيان‪ ،‬وحد ُه‬ ‫ّاخل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خالص من ظلوا هنا‪ ،‬ووحده الحل األخري ليكرب الجيل‬ ‫الحرب ُ‬ ‫الجديدُ ح ًّيا عار ًيا من دما ِء من سبقه‪ ،‬الحقيقة نسب ّية ال‬ ‫ُ‬ ‫تحمل األ ُّم ذاكرتها ّ‬ ‫كل‬ ‫صواب عند اآلخرين‪،‬‬ ‫مطلقة‪ ،‬والخطأ‬ ‫ٌ‬ ‫وجع األمس‪،‬‬ ‫يوم وتغسلها عىل املغسلة لتُسقط عن وجهها َ‬ ‫ٍ‬ ‫تخرتع ذاكر ًة جديد ًة متنحها ألبنائها‪ ،‬ستحيك ألبنائها ّأن أباهم‬ ‫صنع لهم حيا ًة‬ ‫الذي ُقتل يف‬ ‫السامء بعد أن َ‬ ‫الحرب ساف َر إىل ّ‬ ‫ِ‬ ‫جميل ًة‪ ،‬ستخرتع مهن ًة جميل ًة له‪ ،‬وستحدّثهم عن رسائل كان‬ ‫زوجها‪ ،‬وستُن ِكر‬ ‫يكتبها لهم دامئًا‪ ،‬وستخفي أخرى ّ‬ ‫قصة اعتقال ِ‬

‫ما‬ ‫فا‬

‫ف‬ ‫يو‬ ‫ق‬ ‫ت‬

‫د‬ ‫يج‬

‫ومر‬

‫ل‬ ‫لريح‬

‫أدب‬

‫ما فاق معنا الصبح‬ ‫ميكن بعد تعبان من كرت ما م ّرت عليه سنني‬ ‫وج ّرت عليه العتم ‪..‬‬ ‫وغصت مآدن روح‪ ..‬بالتسبيح‬ ‫ّ‬ ‫ما يف وقت للريح‪...‬‬ ‫***‬ ‫ما يف وقت للريح‪..‬‬ ‫وملبكني بغيمتني وسام‬ ‫وملعة شمس‬ ‫تحيك وما‬ ‫وضحكة مطر‬

‫ٌ‬ ‫قصة اختطافه واختفائه‪ ،‬جميع األبناء سيعرفون أن آباءهم ماتوا ميتات طبيع ّية‪ ،‬وإن‬ ‫ثانية ّ‬ ‫ً‬ ‫تعدّى األمر هذه امليتة‪ ،‬فسيعرفون أن آباءهم ماتوا أبطال وهم يقاتلون العد ّو ويدافعون عن‬ ‫أرضهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سيعرف‬ ‫القصتني مربرات أخالق ّية‪ ،‬هناك يف البعيد خارج البالد‪،‬‬ ‫ولكال‬ ‫ة‪،‬‬ ‫قص‬ ‫ة‪،‬‬ ‫قص‬ ‫للداخلِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للخارج ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّزوح‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫وج‬ ‫م‬ ‫القاد‬ ‫الجيل‬ ‫وسريث‬ ‫‪،‬‬ ‫الحرب‬ ‫عن‬ ‫قبيح‬ ‫ء‬ ‫يش‬ ‫وكل‬ ‫بالدهم‪،‬‬ ‫عن‬ ‫جميل‬ ‫ء‬ ‫يش‬ ‫كل‬ ‫األبنا ُء‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ليتش َّبث بالعودة‪ ،‬أ ّما يف الدّاخل‪ ،‬فال يحتاج الجيل القادم يك يعيش إل ألن ينىس أهلوه وجعهم‬ ‫من أجل أن يعيشوا‪ ،‬ومينحوا الحياة ألبنائهم!‪.‬‬ ‫*شاعر وكاتب صحايف فلسطيني سوري‪.‬‬

‫ماال أرض‬ ‫تعشق دفاها وتفهام‬ ‫تجريح يا فرح القلب‬ ‫صار الفرح ‪ ..‬تجريح‬ ‫ما يف وقت للريح‬ ‫***‬ ‫من وين درب الهوا؟‬ ‫مخنوق صرب الـ صابرين وجرحهن مخنوق‬ ‫من وين درب الهوا؟‬ ‫طعم األغاين ورق‬ ‫وحرب وحلم محروق‬ ‫من وين درب الهوا؟‬ ‫يا ريت ناطور العمر د ّلو‬ ‫ميرق علينا شوي‬ ‫ناخد ولو ش ّمة‬ ‫قطفة حبق‪ ..‬تـَ نروق‬ ‫وتعال مشانق عمرنا‬ ‫ما عاد فينا والد‬

‫وال عاد عنا عيد أو مراجيح‪..‬‬ ‫ما يف وقت للريح‪..‬‬ ‫***‬ ‫مم َرق نسايم صبحنا مس ّكر‬ ‫ومستعجلة النسمة‬ ‫و عَ جوعنا بنخجل‬ ‫وبنخاف من كلمة‬ ‫حتى الفقر‪ :‬تهمة‪..‬‬ ‫أرواحنا‬ ‫يا ضايعة بصحرا البحر‬ ‫يا ناطرة نجمة‬ ‫يا مهاجرة‪ :‬كل املفارق غدر‬ ‫كيف انكرس صوتك‪ ..‬مقبال هاللقمة؟‬ ‫كيف املدى يالـ كان يخجل من صدى صوتك‬ ‫وصغر‬ ‫ِصغر ِ‬ ‫تـَ صار دمعة مالها عني ورمش‬ ‫ومنديلها مغزول من تلويح‪..‬‬ ‫ما يف وقت للريح‪.‬‬


‫‪15‬‬ ‫يف مقربة الشهداء ‪.‬حيث ال مكان لجسد شهيد يوجد شق‬ ‫يف االرض املخضبة‪ ..‬شق بني أب شهيد وعم شهيد يتسع‬ ‫لشتلة الياسمني ‪.‬‬ ‫العدد ‪2014 / 9 / 9 - 44 -‬‬

‫ندى ابنة الشهيد حممد عوني‬

‫أستيقظ هذا الصباح‪ ،‬ألكتشف‬ ‫ّأن أحدهم غافلني وقطع يل‬ ‫قدمي‪ ..‬ال بأس سأتد ّبر أمري‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫يف الخزانة زوج من الع ّكازات‬ ‫ميكن أن أستعمله ريثام تنبت‬ ‫يل قدمان جديدتان‪..‬‬ ‫آه‪..‬‬

‫يبدو أ ّنه قطع يل يديّ أيضاً‪..‬‬ ‫وحني أج ّرب أن أبيك أكتشف‬ ‫أ ّنني بال حنجرة‪..‬‬ ‫ال بأس أيضاً‪..‬‬ ‫سأترصف‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أترصف‪ ..‬لوال أنني مل‬ ‫ميكن أن ّ‬ ‫أكن هنا أص ًال‪..‬‬ ‫نتف‬ ‫أحدهم قطع جسدي إىل ٍ‬

‫صغرية‬ ‫وأخفاها يف مكانٍ ما‪..‬‬ ‫مل يبق منّي يشء‪..‬‬ ‫ال بأس‪..‬‬ ‫ستترصفني‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ذاكرتك نسخة عنّي‪..‬‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫معجزة صغرية‪ ..‬وستعيدين إحيايئ من جديد‪..‬‬ ‫أثقُ بذلك‪..‬‬

‫منوعات‬


‫باقون‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.