طلعنا عالحرية / العدد 46

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪46‬‬ ‫‪2014 / 10 / 13‬‬ ‫تحقيقات‬

‫تقارير‬

‫لقاءات‬

‫اكراد كوباني‪:‬‬ ‫قصص الحرب والنزوح‬

‫“سايبر سيتي”‬ ‫سينمائي؟‬ ‫مدينة ألعاب أم فيلم‬ ‫ّ‬

‫هاني عباس‪“ ..‬بقجتي وطني”‬ ‫يوثق األلم والوجع يومًا بيوم‪..‬‬

‫مقاالت‬

‫تركيا في أدوارها السورية‬ ‫نحو الالمركزية في المجتمع والدولة‬ ‫األخوة األعداء‬ ‫كلنا داعش‪ ..‬ولتسقط كوباني!‬ ‫فصل في الجحيم السوري‬ ‫األسد بين تموضعين‬


‫‪2‬‬

‫افتتاحية‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫ال يبدو أن مواقف املؤيدين للنظام السوري‬ ‫قد تغريت بعد إعالنه الرصيح عن وقوفه يف‬ ‫خندق واحد مع من كان يسميها األمربيالية‬ ‫األمريكية‪ ! ..‬وامللفت أنه وحتى بعد أن خلع‬ ‫النظام آخر أوراق التوت التي كان يختبئ‬ ‫خلفها‪ ،‬ورقة املامنعة ومعاداة األمربيالية‪ ،‬بقي‬ ‫اليساريون والقومجيون‪ ،‬مثلهم مثل الطائفينب‬ ‫والشبيحة‪ ،‬عىل وفاؤهم الكامل له‪..‬‬ ‫لقد أعلن النظام السوري عرب صحافته أن‬ ‫«القيادة العسكرية األمريكية باتت يف خندق‬ ‫واحد مع قيادة الجيش السوري يف الحرب‬ ‫عىل اإلرهاب داخل سوريا وعىل حدودها‬ ‫الرشقية والجنوبية الرشقية»‪ ،‬وقالت صحيفة‬ ‫الوطن الناطقة بلسان النظام أنه «حتى لو‬

‫افتتاحية العدد‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬

‫رفضت واشنطن ودمشق مثل هذا التشبيه‪،‬‬ ‫ألنه يتعارض مع توجهات رأيها العام‪ ،‬إال أنه‬ ‫واقعي وحقيقي»‪.‬‬ ‫وكان وليد املعلم وزير خارجية النظام قد‬ ‫طالب دول التحالف وعىل رأسها الواليات‬ ‫املتحدة قبيل بدء الرضبات الجوية بالتنسيق‬ ‫مع النظام يف حال قرر التحالف قصف‬ ‫بالده‪ !..‬وكل املؤرشات تشري إىل وجود مثل‬ ‫هذا التنسيق وعىل أعىل املستويات‪.‬‬ ‫كام كررت إيران يوم أمس إعالن رامي‬ ‫مخلوف الشهري يف بداية الثورة‪ ،‬إذ أعلن‬ ‫نائب وزير الخارجية اإليراين للشؤون العربية‬ ‫واإلفريقية حسني أمري عبد اللهيان‪ ،‬أن سقوط‬ ‫نظام الرئيس السوري‪ ،‬بشار األسد‪ ،‬سيكون‬ ‫خطرا عىل أمن إرسائيل‪ ،‬مؤكدا أن بالده قد‬

‫أعلمت الغرب بذلك‪.‬‬ ‫كل هذه املؤرشات والدالئل‪ ،‬كل هذه‬ ‫االعرتافات الرصيحة‪ ،‬وكل الحقائق التي تفقأ‬ ‫العني عىل الساحتني العسكرية والدبلوماسية‬ ‫الدولية‪ ،‬مل تغري شيئاً من مواقف املوالني‬ ‫وال من مواقف «املثقفني» املدافعني عن‬ ‫مدعي الوطنية واملامنعة‬ ‫نظام األسد‪ ..‬من‬ ‫ّ‬ ‫واملقاومة‪.‬‬ ‫إن دل ذلك عىل يشء فهو يدل عىل أنه ال‬ ‫مكان للمواقف األيديولوجية «الرشيفة» يف‬ ‫عامل املؤيدين لنظام البطش‪ ،‬وأنها مجرد قناع‬ ‫زائف إما ملنافع مصلحية ذاتية‪ ،‬أو لنزعات‬ ‫طائفية أو طبقية دنيئة‪ .‬ويبقى التقييم‬ ‫األخالقي أساساً وحيداً يف فهم دناءة هذه‬ ‫املواقف وقلة وطنيتها وانعدام إنسانيتها‪.‬‬


‫تركيا في أدوارها السورية‬ ‫‪3‬‬

‫ماجد كيالي‬

‫العدد ‪- 46 -‬‬ ‫‪2014 / 10 / 13‬‬

‫مقاالت‬

‫كنا طوال العقود األربعة املاضية إزاء ثالث دول‬ ‫فاعلة يف الرشق األوسط‪ ،‬هي إرسائيل وإيران‬ ‫وتركيا‪ ،‬فأصبحنا إزاء دولتني‪ ،‬إذ باتت إرسائيل‬ ‫خارج هذه املعادلة؛ ال سيام بعد انسحابها من‬ ‫لبنان (‪ .)2000‬لكن هذا االستنتاج ينطوي عىل‬ ‫مالحظتني‪ ،‬او توضيحني‪ ،‬أوالهام‪ ،‬أن هذه الفاعلية‬ ‫ظلت تشتغل‪ ،‬وإىل حد كبري‪ ،‬تحت سقف السياسة‬ ‫األمريكية‪ ،‬او مبقدار انسحاب الواليات املتحدة من‬ ‫هذه القضية أو تلك‪ .‬وثانيهام‪ ،‬أن إرسائيل هي عىل‬ ‫رأس قامئة الرابحني من التجاذبات اإليرانية والرتكية‬ ‫(والخليجية واملرصية) يف هذه املنطقة‪.‬‬ ‫عىل أية حال فام يهمنا هنا هو الحديث عن تركيا‬ ‫التي باتت يف ظل رجب طيب اردوغان‪ ،‬زعيم حزب‬ ‫العدالة والتنمية الحاكم‪ ،‬من أهم الدول املؤثرة يف‬ ‫مسار الثورة السورية‪ ،‬بإعالنها مساندتها لها من‬ ‫األيام األوىل‪ ،‬وباحتضانها قوى املعارضة‪ ،‬وباستقبالها‬ ‫مئات ألوف الالجئني السوريني‪.‬‬ ‫معلوم ان الدور الرتيك تعاظم بشكل كبري‪ ،‬مع تحول‬ ‫الثورة إىل العمل املسلح‪ ،‬وتزايد اعتامدها عىل‬ ‫الدعم الخارجي‪ ،‬والسيام مع تزايد دور الفاعلني‬ ‫الدوليني واإلقليميني يف تقرير مصري سوريا‪ ،‬كتحصيل‬ ‫حاصل للفراغ الحاصل‪ ،‬إن بسبب تفكك الدولة‪،‬‬ ‫وواقع فقدان النظام للسيطرة‪ ،‬او بسبب عدم قدرة‬ ‫الثورة عىل تشكيل البديل السيايس‪ ،‬الذي يعزز‬ ‫مكانتها يف مجتمعها ويف اإلطارين الدويل والعريب‪.‬‬ ‫ومع أن تركيا تبوأت هذه املكانة‪ ،‬طوال أربعة أعوام‬ ‫تقريبا‪ ،‬إال أن حدود تدخلها يف الثورة السورية ظل‬ ‫محكوما بسقف دويل وإقليمي معني‪ ،‬وظل مقيدا‬ ‫برشوط محددة‪ ،‬بالقياس للتدخل غري املحدود‬ ‫إليران لصالح النظام‪ .‬ولعل هذا يفرس الترصيحات‬ ‫الرتكية هذه األيام‪ ،‬املتربمة من الرتدد األمرييك‪،‬‬ ‫واملطالبة من القوى الدولية واإلقليمية حسم امرها‬ ‫إزاء تغيري الواقع يف سوريا‪ ،‬واسقاط النظام‪ ،‬وعدم‬ ‫اقتصار الحملة الدولية عىل مجرد مواجهة “داعش”‪،‬‬ ‫وبأسلوب االستهداف املحدود وغري املضمون من‬ ‫الجو‪.‬‬ ‫ومع كل املالحظات عىل الدور الرتيك‪ ،‬الذي اسهم‬ ‫يف الحض عىل الترسيع يف وترية الثورة السورية‪،‬‬ ‫وتشجيع التحول نحو الثورة املسلحة‪ ،‬من دون توفري‬ ‫املؤهالت واالمكانيات لذلك‪ ،‬وتشكيل الجامعات‬ ‫العسكرية ذات التوجه اإلسالمي والطائفي‪ ،‬إال‬ ‫أن هذه الدور ظل محكوما مبحاذير وتخوفات‬ ‫وقيودات معينة ميكن اجاملها باآليت‪:‬‬

‫‪ )1‬طبيعة النظام الدميقراطي‪ ،‬وحساسية حزب‬ ‫العدالة والتنمية من أي ردة فعل من املعارضة‬ ‫الرتكية‪ ،‬إزاء أي خطوة قد يأخذها يف ما يتعلق‬ ‫بالوضع السوري‪ .‬ومعلوم أن هذه املعارضة تتحفز‬ ‫ألي خطوة غري محسوبة للحزب الحاكم يك تقوم‬ ‫باالنقضاض عليه‪ ،‬واسقاطه عن سدة السلطة‪.‬‬ ‫واملشكلة ان املوزاييك املؤلف للمجتمع الرتيك تبدو‬ ‫مؤهلة لذلك‪ ،‬فثمة “العلويون”‪ ،‬الذين يتعاطفون‬ ‫مع نظام األسد‪ ،‬ومثة الكرد‪ ،‬الذين لديهم حساباتهم‬ ‫الخاصة يف هذا األمر‪ ،‬كام مثة القوى اليمينية‬ ‫القومية‪ ،‬واملعادية للتيار اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪ )2‬الكلفة العالية ألي تدخل تريك يف الشأن السوري‬ ‫(والعراقي)‪ ،‬مع وجود حدود واسعة جدا مع العراق‬ ‫وسوريا‪ ،‬ما سيحملها عبئا أمنيا‪ ،‬وماليا‪ ،‬واقتصاديا‪،‬‬ ‫كبريا‪ ،‬لذا يحرص اردوغان‪ ،‬والطبقة الحاكمة‪ ،‬عىل ان‬ ‫تكون أي خطوة قد تقدم عليها تركيا‪ ،‬مدعومة أيضا‬ ‫عسكريا وسياسيا وماليا من الدول املعنية‪ ،‬الدولية‬ ‫واإلقليمية‪.‬‬ ‫‪ )3‬تأخذ تركيا يف حسبانها‪ ،‬يف أي خطوة يف املجال‬ ‫السوري‪ ،‬الوضع الحساس الذي ستكون فيه إزاء‬ ‫كل من روسيا وايران‪ ،‬اللتان تنارصا النظام السوري‪،‬‬ ‫لذا فإذا كان مثة أي حركة عسكرية إزاء الوضع يف‬ ‫سوريا‪ ،‬فإن قادة تركيا يبدون حرصاً عاليا بأن تكون‬ ‫منسقة مع حلف الناتو‪ ،‬ومع الواليات املتحدة‬ ‫االمريكية‪ ،‬وهو ما يفرس التلكؤ الرتيك يف التحرك‬ ‫لنجدة الكرد يف كوباين‪/‬عني عرب‪ ،‬الذين يستبسلون‬ ‫يف الدفاع عن مدينتهم‪.‬‬ ‫‪ )4‬مثة مشكلة لرتكيا أيضا مع بعض الدول العربية‪،‬‬ ‫املنارصة للثورة السورية‪ ،‬وضمنها السعودية‬ ‫واإلمارات‪ ،‬كام مثة مشكلة كبرية لها مع النظام‬ ‫املرصي‪ ،‬وهو اختالف ينعكس سلبا عىل السوريني‬ ‫وعىل الثورة السورية‪ ،‬بسبب تضارب االجندة بني‬ ‫هذه األطراف الفاعلة يف الشأن السوري‪.‬‬ ‫‪ )5‬مع كل هذه األوضاع تبدو تركيا متوجسة من‬ ‫أن أي تدخل من قبلها يف الشأن السوري قد يفيد‬ ‫النظام‪ ،‬وقد يفيد حزب االتحاد الدميقراطي الكردي‬ ‫(زعيمه صالح مسلم) وهو فرع حزب العامل الرتيك‬ ‫الذي يتزعمه عبد الله اوجالن خصم تركيا اللدود‪،‬‬ ‫ما يفرس جملة الرشوط التي وضعتها‪ ،‬وضمنها ان‬ ‫أي عمل عسكري يف سوريا‪ ،‬ينبغي ان يشمل العمل‬ ‫العسكري يف الرب‪ ،‬وانه ينبغي ان يستهدف اسقاط‬ ‫نظام األسد‪ ،‬ألنه املسؤول عن كل ما يجري يف هذا‬ ‫البلد‪.‬‬ ‫يف مقارنة بني مكانتها قبل “الربيع العريب” وبعده‬

‫ميكن مالحظة أن تركيا خرست من استثامرها‬ ‫السيايس لدى الحكومات واملجتمعات يف العامل‬ ‫العريب‪ ،‬بل ان ذلك أ ّثر سلباً عىل وضعها الداخيل‪.‬‬ ‫وكانت تركيا بدت‪ ،‬طوال العقد املايض‪ ،‬مبثابة منوذج‬ ‫ملهم للمجتمعات العربية‪ ،‬بصعودها السيايس‬ ‫واالقتصادي وبق ّوتها الناعمة‪ ،‬فهي دولة دميوقراطية‪،‬‬ ‫وتتمتع باقتصاد قوي (دخل الفرد ‪ 13‬ألف دوالر‬ ‫سنويا)‪ ،‬مع قدرة تصديرية عالية (‪ 114‬مليار دوالر‬ ‫‪ 78‬يف املئة منها سلع مصنعة)‪ .‬وهذه الدولة‪ ،‬ومنذ‬ ‫صعود حزب “العدالة والتنمية” اىل الحكم (‪،)2002‬‬ ‫كحزب اسالمي يف نظام حكم علامين‪ ،‬انتهجت‬ ‫سياسة تخفيف التوترات مع محيطها‪ ،‬وعدم‬ ‫التورط يف املشكالت الداخلية للبلدان األخرى‪،‬‬ ‫وتوطيد مكانتها لدى جريانها عرب العالقات التجارية‬ ‫واألنشطة االستثامرية‪ ،‬ما عزّز جاذبيتها‪.‬‬ ‫والواقع فإن املكانة التي حازت عليها تركيا مل تكن‬ ‫يف مصلحة الدولة اإلقليمية األخرى‪ ،‬أي إيران‪ ،‬التي‬ ‫عرفت بانتهاج سياسة “تصدير الثورة”‪ ،‬وتحريض‬ ‫املجتمعات عىل الحكومات‪ ،‬والتي عملت عىل خلق‬ ‫مناطق نفوذ لها يف بعض البلدان العربية‪ ،‬وضمن‬ ‫ذلك إقامة جامعات طائفية مسلحة موالية لها‪،‬‬ ‫وتعمل يف خدمة توسيع نفوذها اإلقليمي‪.‬‬ ‫طبعاً ال عالقة مبارشة للطابع املذهبي يف االنحياز‬ ‫للنموذج الرتيك‪ ،‬ألن املجتمعات العربية كانت‬ ‫تح ّمست للثورة اإليرانية‪ ،‬ونارصت “حزب الله”‬ ‫كحزب مقاومة‪ ،‬منذ عقود‪ .‬وميكن تفسري هذا‬ ‫بتغي السياسة الرتكية ملصلحة العرب‪،‬‬ ‫االنحياز ّ‬ ‫وبنجاح منوذج حزب “العدالة والتنمية” يف الحكم‪،‬‬ ‫وبالشبهات التي تحوم حول دور إيران يف الغزو‬ ‫االمرييك للعراق (‪ ،)2003‬ناهيك عن هيمنتها عليه‪،‬‬ ‫وإثارتها النزعة املذهبية فيه‪ ،‬ويف العامل العريب‪،‬‬ ‫وصوالً إىل دعمها املحموم لنظام األسد‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬تقف تركيا إزاء عديد من القضايا‪ ،‬أولها‪ ،‬يتعلق‬ ‫بكيفية معالجة امللف الكردي‪ .‬وثانيها‪ ،‬يتعلق‬ ‫بتوضيح موقفها من الجامعات اإلسالمية املتطرفة‬ ‫واملسلحة‪ ،‬التي سبق ان س ّهلت لها‪ ،‬او غضت الطرف‬ ‫عن نشاطاتها‪ .‬وثالثها‪ ،‬بشأن املوقف من الخطوة‬ ‫املقبلة يف سوريا‪ .‬كل املؤرشات تفيد بأن تركيا باتت‬ ‫يف مواجهة استحقاقات سياسية اسرتاتيجية عىل غاية‬ ‫األهمية لها وللمنطقة‪ ،‬بيد أنه من الصعب التكهن‬ ‫بكيفية تعاملها مع هذه االستحقاقات‪ ،‬او التداعيات‬ ‫الناشئة عنها‪ ،‬لكن ما ميكن قوله ان مصري السياسة‬ ‫الرتكية‪ ،‬يف ظل اردوغان‪ ،‬بات مرتبطا مبأالت الوضع‬ ‫يف سوريا‪ ،‬ان سلبا او إيجابا‪.‬‬


‫نحو الالمركزية في المجتمع والدولة‬ ‫‪4‬‬

‫جاد الكريم الجياعي‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫مقاالت‬

‫نشأت الدولة الوطنية (= القومية)‪ ،‬يف سوريا‬ ‫والبلدان العربية األخرى‪ ،‬الحديثة االستقالل‪،‬‬ ‫عىل األسس التي أرسيت يف العهد الكولونيايل‪،‬‬ ‫وتعينت حدود الدول املرشقية خاصة وفقاً‬ ‫ملعاهدة سايكس بيكو‪ ،‬وسياسات االنتداب‬ ‫والوصاية‪ ،‬فكانت هذه الدول نسخاً عن الدول‬ ‫الحديثة يف الشكل‪ :‬دول وطنية (دستورية)‬ ‫مركزية مستقلة وذات سيادة‪ ،‬مؤسسات‬ ‫وسلطات ترشيعية وتنفيذية وقضائية‪ ،‬تعليم‬ ‫وصحة ومواصالت واتصاالت وخدمات اجتامعية‬ ‫‪ ..‬وجيوش وقوى أمن داخيل ومخابرات‪ .‬وكانت‬ ‫حركة التنوير‪ ،‬يف هذه البلدان‪ ،‬وال تزال‪ ،‬محارصة‬ ‫بني الضغوط االستعامرية واإلمربيالية وضغوط‬ ‫العوملة أخرياً‪ ،‬من جهة‪ ،‬وضغوط املجتمع‬ ‫التقليدي من جهة أخرى‪.‬‬ ‫فالبنى االجتامعية التقليدية‪ ،‬التي كان تطورها‬ ‫بطيئاً وهامشياً مل تفقد صالبتها القدمية‪،‬‬ ‫عىل الرغم من االخرتاق الرأساميل والعالقات‬ ‫السلعية النقدية‪ ،‬ومل تتكيف مع منطق الدولة‬ ‫الحديثة املشكوك يف نسبها‪ ،‬لذلك كان عىل‬ ‫الدولة أن تتكيف مع هذه البنى‪ ،‬ما جعل‬ ‫رؤيتها السياسية والثقافية نوعاً من تركيب غري‬ ‫متجانس من عنارص تراثية وتقليدية وميول‬ ‫سلفية‪ ،‬وعنارص حديثة وميول مستقبلية‪ .‬وقد‬ ‫نتج من هذا الرتكيب غري املتجانس أيديولوجية‬ ‫قومية إسالمية‪ ،‬قوامها ماضويات ومستقبليات‪،‬‬ ‫هي أيديولوجية الدولة القومية التي تناولها‬ ‫عبد الله العروي وياسني الحافظ بنوع من النقد‬ ‫الثقايف املميز‪ ،‬وقد فرضت هذه األيديولوجية‬ ‫عىل املجتمع بقوة الدولة‪ ،‬وغدت هي الثقافة‬ ‫املتسيدة والسلطة الناعمة املالزمة للسلطة‬ ‫السياسية املبارشة‪ .‬الرتكيب الهجني لهذه‬ ‫األيديولوجية‪ ،‬التي تبناها حزب البعث العريب‬ ‫االشرتايك‪ ،‬وعمل عىل فرضها عىل املجتمع‪،‬‬ ‫بالرتغيب والرتهيب‪ ،‬منذ عام ‪ ،1963‬أسهمت يف‬ ‫إنتاج الدولة السلطانية املحدثة‪ ،‬التي تقرتن فيها‬ ‫املركزية املطلقة باالستبداد الكيل‪ ،‬مثلام أنتجت‬ ‫اإلرهاب واستقدمته وتوسلت به يف حربها عىل‬ ‫الشعب‪.‬‬ ‫منذ ذلك الحني غابت فكرة الدميقراطية‪ ،‬وغيبت‪،‬‬ ‫يف سياق نزع مكتسبات الحداثة الكولونيالية‬ ‫ومظاهرها ومسخها‪ ،‬فساد يف الوعي السيايس‬ ‫خاصة تركيب متناقض اسمه “الدميقراطية‬

‫املركزية” لدى بعضنا‪ ،‬و”املركزية الدميقراطية”‬ ‫لدى بعضنا اآلخر‪ ،‬وعُ َّد هذا الرتكيب مبدأ‬ ‫“الدميقراطية الشعبية”‪ ،‬ومل تفض لعبة تبديل‬ ‫موقع الدميقراطية تقدمياً وتأخرياً إال عن تبديدها‬ ‫وتعزيز املركزية‪ ،‬وتسويغ االستبداد الكيل‪ .‬وكان‬ ‫الندماج بوادر املجتمع املدين بالسلطة السياسية‪،‬‬ ‫التي قلصت الدولة حتى باتت مطابقة لها‪ ،‬أثر‬ ‫حاسم يف غياب الدميقراطية وتغييبها‪ ،‬وتربير‬ ‫ذلك بأولوية مواجهة اإلمربيالية والصهيونية‬ ‫ودولة إرسائيل وتحرير األرض املغتصبة من‬ ‫براثنها‪ .‬ومضت القيادة الحكيمة يف التفكري‬ ‫والتدبري نيابة عن الشعب‪ ،‬والقيادة الحكيمة‬ ‫هي القائد الرمز‪ ،‬وليس سوى القائد الرمز‪.‬‬ ‫يرتاءى لنا‪ ،‬يف ضوء ما يحدث يف سوريا وغريها‪،‬‬ ‫أن املركزية قرينة االستبداد السيايس والديني‬ ‫والذكوري‪ ،‬ال تنفك عنه وال ينفك عنها‪ .‬وأن‬ ‫الدولة الدميقراطية‪ ،‬باملقابل‪ ،‬هي املجتمع‬ ‫الدميقراطي‪ ،‬أي مجتمع املواطنات الحرائر‬ ‫واملواطنني األحرار‪ ،‬وأن حرية األفراد والجامعات‬ ‫وحقوقهم املدنية والسياسية املتساوية هي‬ ‫معنى إنسانيتهم ووطنيتهم‪ ،‬أو ال تكون الوطنية‬ ‫سوى رعوية بائسة وقطيعية بدائية وهمجية‪.‬‬ ‫وملا كان املجتمع املدين فضاء من الحرية فإن‬ ‫عالقته بالدولة‪ ،‬التي هي مملكة القوانني‪ ،‬كام‬ ‫يفرتض‪ ،‬عالقة تناقضية‪ ،‬أي ديالكتية‪ ،‬متغرية‪،‬‬ ‫وفقاً لنمو املجتمع وتطوره‪ ،‬فال يجوز النظر اليوم‬ ‫إىل الدولة‪ ،‬التي ال بد منها‪ ،‬يف سوريا وغريها‪ ،‬إال‬ ‫من زاوية املجتمع املدين‪ ،‬وما ينطوي عليه من‬ ‫تعدد واختالف يحددان طبيعة النظام السيايس‪،‬‬ ‫أو ال يكون النظام السيايس نظاماً للمجتمع‪ ،‬بل‬ ‫سلطة عارية متسيدة عليه بالعسف واإلكراه‪.‬‬ ‫التعدد واالختالف يوجبان أن يكون النظام‬ ‫السيايس فدرالياً أو نوعاً من فدرالية جديدة‪،‬‬ ‫تعينها الحياة األخالقية للشعب وحاضنتها‬ ‫الثقافية‪ ،‬وهذه وتلك مغروزتان يف االختالف‬ ‫والتعدد والتنوع‪ .‬وللمنافحني عن الدولة نقول‪:‬‬ ‫مفهوم النظام السيايس غري مفهوم الدولة‪ ،‬لذلك‬ ‫يقال‪ :‬دولة نظامها السيايس دميقراطي برملاين ‪...‬‬ ‫وميكن أن نقول فدرايل‪ .‬الدولة شخص اعتباري‬ ‫ومفهوم مجرد‪ ،‬لكن النظام السيايس تعبري مبارش‬ ‫وعياين عن حياة الشعب‪ ،‬فال تناقض بني النظام‬ ‫الفدرايل ووحدة الدولة وقوتها ومنعتها وسيادتها‬ ‫عىل إقليمها‪ .‬النظام الفدرايل يتعلق باملؤسسات‬

‫والعالقات املتبادلة فيام بينها‪ .‬واملؤسسات هي‬ ‫التي تتعني فيها عالقة املواطنات واملواطنني‬ ‫بالدولة‪ ،‬وال تكون هذه العالقة صحيحة ومنتجة‬ ‫موسطة مبؤسسات‬ ‫وبيئة متكينية إال إذا كانت َّ‬ ‫املجتمع املدين وانتظاماته الحرة وتنظيامته‬ ‫املستقلة‪ ،‬القدمية منها والحديثة‪( .‬الذين‬ ‫يتحدثون عن دولة مدنية تعددية إما جهلة وأما‬ ‫ماكرون‪ ،‬وإما جهلة وماكرون معاً وهو األرجح‪،‬‬ ‫ألن مثة ثقافة يف مجتمعنا هي ثقافة تجهيل)‬ ‫الحياة األخالقية وحاضنتها الثقافية‪ ،‬التي تتأسس‬ ‫عليها الرؤية التعددية أو الفدرالية‪ ،‬وال فرق‪،‬‬ ‫تقوم عىل اعتبار الفرد اإلنساين ذكراً أو أنثى‬ ‫هو النموذج الكامل لإلنسان‪ ،‬والنموذج الكامل‬ ‫للمواطنة أو املواطن‪ ،‬وأنه يتوفر عىل إرادة‬ ‫ِ‬ ‫حرة ومستقلة‪ ،‬أو ميكن أن تكون كذلك‪ ،‬متكنه‬ ‫من الترشيع لنفسه‪ ،‬بصفته عضواً يف املجتمع‬ ‫والدولة‪ ،‬فيكون ترشيعه لنفسه قاب ًال ألن يكون‬ ‫ترشيعاً عاماً أو مبدأ عاماً‪ ،‬وإال كيف نركن ملن‬ ‫ننتخبهم ليك يرشعوا لنا؟ ومن ثم فإن عضوية‬ ‫الفرد يف املجتمع والدولة ال تكون إال موسطة‬ ‫بعضويته يف جامعة إثنية أو دينية أو مذهبية‪،‬‬ ‫أو يف نقابة أو حزب سيايس أو جامعة ضغط أو‬ ‫تنظيم مدين ال يحق ألحد أن ينتزعه منها‪ .‬هذه‬ ‫التوسطات مرجعيات ثقافية وأخالقية مختلفة‪،‬‬ ‫ليس ألي منها أن تفرض أفكارها وتصوراتها‬ ‫ومبادئها وقيمها عىل غريها إال بالعسف واإلكراه‪،‬‬ ‫اللذين يحمالن جرثومة العنف والنزاعات‪ .‬ما‬ ‫يعني حق كل جامعة أن ت ِّ‬ ‫رشع لنفسها‪ ،‬ومتتثل‪،‬‬ ‫يف الوقت ذاته‪ ،‬للترشيع العام‪ ،‬والترشيع العام‬ ‫هو ما يشرتك به جميع األفراد والجامعات‪ ،‬عىل‬ ‫اختالفهم واختالفها‪ ،‬ويعرب عنه الدستور‪ .‬وكلام‬ ‫كان هذا الترشيع العام أدىن إىل القيم اإلنسانية‬ ‫العامة كان أكرث تعبرياً عن األفراد املختلفني‬ ‫والجامعات املختلفة‪ ،‬لذلك اعتربنا اإلنسية‬ ‫أو اإلنسانية أساس الوطنية ورافعتها‪ .‬فمن ال‬ ‫يستطيع االعرتاف بتساوي األفراد إناثاً وذكوراً‬ ‫يف الكرامة اإلنسانية‪ ،‬بحكم ثقافته وتنشئته‪،‬‬ ‫ال ميكنه االعرتاف بتساويهم يف الحقوق املدنية‬ ‫والسياسية‪ .‬نحن نتفهم ذلك‪ ،‬وال نرفض األفراد‬ ‫بسبب ثقافتهم العنرصية‪ ،‬بل نرفض هذه‬ ‫الثقافة‪ .‬لذلك نرى يف التعددية وسيلة لحل‬ ‫املشكالت بالطرق السلمية‪ ،‬واثقني بأنها تفيض‬ ‫إىل وحدة هي وحدة االختالف‪.‬‬


‫األخوة األعداء‬ ‫علي العبداهلل‬

‫العدد ‪2014 /10 / 13 - 46 -‬‬

‫للدولة الرتكية مل يتحول اىل عامل فعال يف تجسري‬ ‫الهوة بني املواطنني املنقسمني بني علامنيني وإسالميني‪،‬‬ ‫بني سنة وعلويني‪ ،‬بني اتراك وجامعات قومية أخرى‪،‬‬ ‫بني أقلية “متعرصنة” وأكرثية متمسكة بتقاليدها‪،‬‬ ‫ما جعل التامسك االجتامعي ضعيفا واالندماج‬ ‫الوطني هشا‪ .‬فالعالقة بني ابناء الغالبية املسلمة‬ ‫(سنة – علويون) ليست جيدة‪ ،‬وقد شهدت توترات‬ ‫ومواجهات عنيفة انعكست سلباً عىل االستقرار‬ ‫قسم‬ ‫الداخيل‪ ،‬والتطور االقتصادي‪ -‬االجتامعي ّ‬ ‫البالد إىل نصفني غري متكافئني‪ .‬نصف غريب متقدم‪،‬‬ ‫حيث تنترش الصناعات ومراكز التجارة واإلعالم‬ ‫الرئيسية‪ ،‬ونسبة تكاثر سكاين ضعيفة‪ ،‬ومستويات‬ ‫املعيشة تقارب املقاييس األوروبية‪ ،‬مقابل نصف‬ ‫رشقي يضم املناطق الواقعة رشق العاصمة أنقرة‪،‬‬ ‫حيث الزراعة تقوم عىل عالقات متخلفة ونظام‬ ‫إقطاعي عشائري طاغ‪ ،‬وتدين يف املستوى املعييش‬ ‫والتعليمي مع نسبة تكاثر سكاين عالية‪ .‬وقد زادت‬ ‫الهوة النفسية بني الطرفني اتساعاً نتيجة هجرة‬ ‫أعداد كبرية من املناطق الرشقية إىل املناطق الغربية‬ ‫وإقامتها يف أحياء فقرية حول املدن واكتشافها عمق‬ ‫الفجوة الفاصلة بني الطرفني معيشياً وسلوكياً‪ .‬هذا‬ ‫باإلضافة اىل تناقض خيارات النظام بني االنتامء‬ ‫التاريخي والخيار السيايس‪ ،‬فسعيه‪ ،‬العتبار تاريخي‬ ‫وجغرايف‪ ،‬اىل لعب دور مركزي يف العامل اإلسالمي‪،‬‬ ‫وتطلعه‪ ،‬العتبار سيايس‪ ،‬اىل االندماج يف الغرب عرب‬ ‫السعي اىل االنضامم اىل االتحاد االورويب‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫عضوية تركيا يف حلف الناتو قد أضعف موقفه امام‬ ‫وحد من قدرته عىل‬ ‫الرشق والغرب يف آن واحد‪ّ ،‬‬ ‫تسويق منوذجه‪ ،‬خاصة يف العامل االسالمي‪ ،‬فقد ُنظر‬ ‫اىل توجهه اىل العامل االسالمي كخيار اضطراري بعد‬ ‫ان رفضت دول االتحاد االورويب دخوله يف االتحاد‪،‬‬ ‫وان متسكه بعلامنية الدولة غري مقبول‪ ،‬ورأت دول‬ ‫اوروبية يف قراراته ارتدادا عن العلمنة واالنفتاح‪.‬‬ ‫تستدعي اللحظة السياسية بتعقيداتها ومخاطرها‬ ‫سياسة أخرى اساسها التخيل عن اوهام القيادة‪،‬‬ ‫فليس هناك تجربة تصلح لكل الشعوب االسالمية‬ ‫ومجتمعاتها املعقدة والضعيفة واملفككة‪ ،‬واالنحياز‬ ‫لخيار التعاون والتنسيق بينها بدل ان تهدر طاقاتها‬ ‫يف رصاع عبثي عىل قضية فارغة‪ ،‬وتعزيز املشرتكات‬ ‫وتقديم يد العون للدول االسالمية ومساعدتها‬ ‫للتخلص من مشكالتها ومتاعبها السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتامعية‪ .‬فالتعاون والتكامل ومتتني‬ ‫املشرتكات خدمة لدولها وللعامل اجمع‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫تدور حرب باردة بني السعودية وتركيا عىل قيادة‬ ‫العامل االسالمي حيث ترى كل منهام نفسها جديرة‬ ‫بلعب هذا الدور العتبارات تتعلق بالتاريخ والجغرافيا‬ ‫من جهة وملا متثله يف العالقات االقليمية والدولية من‬ ‫جهة ثانية‪ .‬فالسعودية ترى قيادتها للعامل االسالمي‪،‬‬ ‫تقصد السنة باعتبار الشيعة بنظرها خرجوا عن‬ ‫االسالم‪ ،‬تحصيل حاصل يف ضوء التاريخ‪ ،‬مهد الدعوة‬ ‫االسالمية‪ ،‬ومكانتها لدى املسلمني الحتضانها لقبلتهم‬ ‫ولألرض التي يقصدونها ألداء فريضة الحج ويزورون‬ ‫قرب نبيهم يف املدينة املنورة‪ ،‬والتي تشكل مع مكة‬ ‫املكرمة الحرمني الرشيفني‪ ،‬وقد اعتمدت لتعزيز ذلك‬ ‫تسمية امللك بخادم الحرمني الرشيفني‪ ،‬كان السالطني‬ ‫العثامنيون اول من ابتدع التسمية لاللتفاف عىل‬ ‫كونهم غري قرشيني بعد ان ك ّرس الفقهاء رشط قرشية‬ ‫االمام‪ ،‬وترى يف سياستها ورؤى مؤسساتها الدينية‬ ‫معيارا وحكام اسالميا قاطعا ال يداىن وال يرد‪ .‬وهذا‬ ‫جعلها حساسة لقيام أي كيان سيايس او دولة عىل‬ ‫خلفية اسالمية وترى فيها منافسا محتمال لقيادتها‬ ‫يجب احتواؤه او التشكيك بتمثيله لتوجه اسالمي‬ ‫صحيح‪.‬‬ ‫تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية من جهتها‬ ‫تعترب نفسها االجدر يف قيادة العامل االسالمي العتبارات‬ ‫تتعلق بالتاريخ االسالمي القريب‪ ،‬السلطنة العثامنية‪،‬‬ ‫ولنجاحها يف الحكم وتحقيق تقدم اقتصادي مشهود‬ ‫لفت انظار مسلمني كرث يعانون من عجز يف تأمني‬ ‫لقمة عيش كرمية‪ ،‬وحلموا بتكرار تجربتها يف بالدهم‪.‬‬ ‫لقد تجلت الحرب الباردة بينهام يف التنافس عىل‬ ‫الساحات االسالمية ودعم كل منهام لجهات اسالمية‬ ‫تتسق مواقفها وافكارها معه مع توجهاته‪ ، ،‬فالسعودية‬ ‫تبنت الجامعات السلفية واستخدمتها يف نرش املذهب‬ ‫الوهايب‪ ،‬وحاربت االخوان املسلمني اىل درجة ارتياحها‬ ‫لهزمية حزب االصالح اليمني اإلخواين يف مواجهة‬ ‫الحوثيني خصومها السياسيني واملذهبيني‪ ،‬وحاربت‬ ‫الحركات الصوفية‪ ،‬واعتمدت سياسة مقاومة التغيري‬ ‫يف العامل االسالمي ومحاربة كل فكر ينطوي عىل دعوة‬ ‫اىل التغيري والتطوير‪ ،‬وخاصة الفكر االسالمي‪ ،‬بحيث‬ ‫ال تثار اسئلة حول متثيلية النظام السعودي لإلسالم‬ ‫او تشكيك بإسالمية توجهاته وطرح بدائل جذابة له‪.‬‬ ‫تركيا التي امتلكت جاذبية واشعاعا سياسيا حولها اىل‬ ‫قدوة ومثال تجسد بتشكيل احزاب اسالمية تحمل‬ ‫ذات االسم‪ :‬العدالة والتنمية يف عدد من الدولة‬ ‫االسالمية تصدت للتحرك السعودي وتبنت حركة‬ ‫االخوان املسلمني ورعتهم وقدمت لهم الدعم واملأوى‬ ‫وتحركت بقوة إلنجاح تجربة حكم االخوان يف مرص‬ ‫وتونس وخاضت رصاعا سياسيا ودبلوماسيا واعالميا‬

‫مع االنقالب املرصي عىل حكم االخوان ورعاته‬ ‫السعوديني واالماراتيني‪.‬‬ ‫وكان االسوأ يف هذا الرصاع ما حصل يف الثورة السورية‬ ‫حيث سعى كل طرف منهام لتعزيز دور حلفائه‬ ‫ومنحهم مكانة مميزة يف قيادة الثورة بجناحيها‬ ‫العسكري والسيايس فكان التفاضل واالنقسام والتمزق‬ ‫يف الصفوف انعكس سلبا عىل نتاج الثورة ووحدتها‬ ‫ومتاسكها وعىل صورتها بني جمهورها وحاضنتها‬ ‫االجتامعية حيث نظر اىل قادتها كبيادق يف يد الخارج‬ ‫وخدمة مخططاته‪.‬‬ ‫غري ان كال التجربتني تفتقران اىل رشعية متثيل املسلمني‬ ‫وقيادتهم العتبارات تتعلق بطبيعة البنية السياسية‬ ‫للنظام والنعكاساتها عىل الواقع الوطني واالسالمي‪.‬‬ ‫فالدولة السعودية مبرتكزاتها الثالث‪ :‬الديني والسيايس‬ ‫والثقايف ال تشكل حالة ناجحة او جاذبة فاملرتكز‬ ‫الديني املتمثل باملذهب الوهايب ال ميتلك اسسا‬ ‫فقهية او منهجية للتعاطي مع املشكالت السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتامعية التي يواجهها العامل االسالمي‪،‬‬ ‫ومرتكزها السيايس‪ :‬النظام املليك املطلق ليس بالنظام‬ ‫القابل للحياة يف العرص الحديث وما شهده من تطور‬ ‫عىل صعيد الحقوق والواجبات الوطنية واالنسانية‪.‬‬ ‫واما مرتكزها الثالث‪ :‬الثقافة البدوية فهو النقطة‬ ‫االضعف يف البناء ومتسك النظام بها كونها من طينة‬ ‫نظام سلطاين فردي مغلق‪ .‬وهذا باإلضافة اىل التمييز‬ ‫بني املسلمني عىل خلفية مذهبية حيث يعيش الشيعة‬ ‫واالسامعيليون كمواطنني من درجة دنيا‪ ،‬كام تضطهد‬ ‫املرأة وتنتهك ابسط حقوقها‪ .‬ما جعل الدولة السعودية‬ ‫كيانا هشا تعتمد يف معظم دخلها الوطني عىل هبة‬ ‫الطبيعة‪ :‬النفط ويف امنها الوطني عىل حامية خارجية‪،‬‬ ‫امريكية تحديدا‪ ،‬وقواتها املسلحة رغم مليارات‬ ‫الدوالرات مل تنجح يف صد هجوم الحوثيني عىل ارضها‬ ‫يف منطقة جيزان عام ‪ .2009‬واعتامدها دبلوماسية‬ ‫الشيكات لكسب ود قوى سياسية وتحايش قيام قوى‬ ‫ارهابية بأعامل ضد مصالحها( كانت تدفع اليب نضال‬ ‫ولكارلوس اتاوات شهرية)‪ .‬ما يعني عدم نجاحها يف‬ ‫ادارة مملكتها فكيف بإدارة دول ومجتمعات العامل‬ ‫االسالمي وما تحتويه من مشكالت ومصاعب اقتصادية‬ ‫واجتامعية ورصاعات عرقية واثنية ومذهبية‪.‬‬ ‫النظام الرتيك مع انه ميتلك ميزات كثرية يتقدم فيها عىل‬ ‫النظام السعودي كثريا اال انه يعاين من نقاط ضعف‬ ‫بنيوية من نوع آخر فاالستقرار الذي تعرفه تركيا ليس‬ ‫من انتاجه وتحقيقه التقدم واالزدهار للشعب الرتيك‪،‬‬ ‫وترويجه لدوره الراهن باعتباره عثامنية جديدة‪ ،‬ال‬ ‫يغطي نقاط ضعف بنيوية قاتلة يف كيانه‪ ،‬فالتعايش‬ ‫الذي اقامه بني هويته االسالمية واألساس العلامين‬

‫‪5‬‬


‫اكراد كوباني‪ :‬قصص الحرب والنزوح‬ ‫‪6‬‬

‫كمال شيخو‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫جلست تشاهد سحب الدخان املتصاعدة من‬ ‫عىل فوق مدينتها كوباين بعد ان أجربت مغادرتها‬ ‫قبل نحو عرشين يوماً‪ .‬زكو والبالغة من العمر ‪62‬‬ ‫سنة‪ ،‬كانت تأيت كل عام زيارة اىل قرية “بغجة”‬ ‫الرتكية والتي تبعد خمسة كيلو مرت رشق كوباين‪،‬‬ ‫لتطمنئ عىل اقربائها يف الجانب الرتيك فيام سبق‪،‬‬ ‫ولكن هي االن الجئة عند أبنة أختها بعد ان فرت‬ ‫أثر املعارك الطاحنة يف بلدتها‪.‬‬

‫“يفرتشون االرض ويلتحفون السامء”‬

‫تحقيقات‬

‫وبعد اشتداد أعامل العنف واملخاوف من التعرض‬ ‫النتهاكات الجهاديني املتطرفني‪ ،‬وتكرار مشهد‬ ‫شنكال العراق‪ ،‬دفع غالبية املدنيني من القرى‬ ‫والضواحي إىل الفرار إىل مركز املدينة يف البداية‬ ‫مساء يوم االحد (‪ 14‬أيلول‪/‬سبتمرب) الشهر املايض‪،‬‬ ‫إال أنهم وبعد أيام من احتدام االشتباكات العنيفة‬ ‫وسيطرة تنظيم “داعش” عىل ‪ 64‬قرية‪ ،‬هرب‬ ‫هؤالء مع سكان املدينة يف يومي (‪18‬و‪ 19‬أيلول‪/‬‬ ‫سبتمرب) إىل الحدود الرتكية‪.‬‬ ‫زكو أعربت أنها مل تتخيل أن تصبح يف يوم من‬ ‫األيام الجئة وليس مبقدورها العودة اىل بيتها‬ ‫الذي بقي فيه ذكرياتها وممتلكاتها ونقلت “ما‬ ‫حسنا نجيب يشء من البيت‪ ،‬حملنا فقط املصاري‬ ‫والذهب وفررنا بروحنا”‪.‬‬ ‫كوبان والذي ْمل يتاملك نفسه‪ ،‬كانت دموعه أرسع‬

‫من كلامته‪ .‬قالها بحرسة‪ 25“ :‬سنة وأنا أبني‬ ‫مستقب ًال أفضل ألوالدي‪ .‬تركنا كل يشء يف كوباين‬ ‫وهربنا”‪ ،‬كوبان وغريه تغريت أحواله وأرسته‬ ‫الالجئة يف مدينة رسوج الرتكية‪ .‬نزح عن قريته‬ ‫“ديدقي‪ 7 -‬كلم جنوب كوباين” ليلة بدء قوات‬ ‫التحالف قصف مقرات داعش‪ ،‬وصل إىل مدينة‬ ‫رسوج الرتكية‪ .‬وعن مشاعره املشوشة عرب أنه “يف‬ ‫البداية ارتفعت معنوياتنا بعد القصف الجوي‬ ‫للتحالف الدويل عىل داعش‪ ،‬ولكن يوماً بعد يوم‬ ‫أصبح اليأس سيد املوقف”‪ ،‬فالحرب وبحسب‬ ‫كوبان ستمتد لسنوات‪ ،‬والقصف الجوي مل مينع‬ ‫زحف الجهاديني نحو مسقط رأسه‪ ،‬وأضاف‬ ‫“وصلوا إىل كوباين قبل أيام‪ ،‬وال اعتقد أن هذه‬ ‫الحرب قصرية األمد‪ ،‬وال نأمل عودة قريبة إىل‬ ‫ديارنا‪ ،‬أعلم متاماً أننا سنمر بأيام صعبة”‪ ،‬وعن‬ ‫الصعوبات التي تعانيها األرسة قالت دلزوز‪ ،‬زوجة‬ ‫كوبان التي كانت تجلس إىل جانبه يف صالة أفراح‪:‬‬ ‫“النساء واألطفال األكرث ترضراً‪ ،‬ال مكان يأويهم‬ ‫وال مأكل‪ ،‬هنا يقدم فاعلو الخري ما تيرس‪ ،‬ولكن‬ ‫ينقصنا الكثري حتى مراحيض الحامم نحرم منها‬ ‫أحياناً‪ ،‬لكرثة األعداد التي نزحت إىل هذه املدينة‬ ‫الصغرية”‪.‬‬ ‫وفتح أهايل رسوج الرتكية الجوامع وصاالت االفراح‬ ‫واملنازل املهجورة واملحال التجارية املغلقة‪،‬‬ ‫واملستودعات لتأوي االعداد الكبرية من النازحني‪.‬‬

‫هؤالء جلسوا عىل أمتعتهم التي حملوها معهم‬ ‫من ديارهم‪ ،‬وبقي الكثري من الرجال عىل الحدود‬ ‫لحامية سياراتهم ومواشيهم‪ .‬أما اغلبية النازحني‬ ‫قصدوا مدينة رسوج والبقية سافر قسم منهم اىل‬ ‫مدن أورفة و ديار بكر وغازي عنتاب‪ ،‬ومرسني‬ ‫وغريها من املدن الرتكية‪.‬‬

‫“ينحرون الرجال ويتزوجون النساء عنو ًة”‬

‫املعارك التي تشهدها كوباين خالل األسابيع الثالثة‬ ‫األخرية والتي وصفت باألعنف منذ بدئها الصيف‬ ‫املايض‪ ،‬دفعت أكرث من ‪ 200‬ألف الجئ النزوح إىل‬ ‫الحدود‪ .‬وقد لجأ الكثريون منهم إىل أقربائهم يف‬ ‫الجانب الرتيك‪ ،‬ذلك أن العديد من القرى املحاذية‬ ‫للحدود من الجانبني السوري والرتيك تربطها‬ ‫عالقات قرابة فيام بينها‪.‬‬ ‫ومن بني هؤالء النازحني حسو‪ ،‬الذي هرب من‬ ‫مدينته رفق ًة مع عائلته‪ ،‬مصطحباً معه سيارته‬ ‫وبقرته وماشيته‪ .‬ركنها بالقرب من األسالك‬ ‫الشائكة الفاصلة بني الحدود السورية الرتكية‪ ،‬كام‬ ‫فعل كل الذين ميتلكون سيارات أو ماشية من بقر‬ ‫وغنم‪ ،‬وظلوا هناك لحراستها‪ .‬وعندما بدأ حديثه‬ ‫من الجانب قالها حرس ًة “ال منلك يشء غري هذه‬ ‫املاشية والسيارة‪ ،‬اموت هنا أفضل من املوت‬ ‫بقذيفة او من حرقة قلبي”‪.‬‬ ‫وكانوا قبل يومني تعرضوا لهجوم من قبل جهاديي‬


‫محي الدين شامليان مسؤول فرع الهالل االحمر‬ ‫يف كوباين أو “ ‪ ”Hiva Sor‬كردياً‪ ،‬وضح أنه يف‬ ‫اليوم األول والثاين (‪ 19‬و‪ 20‬سبتمرب أيلول) واليوم‬ ‫التاسع (‪ 26‬نفس الشهر) كانت نسبة النازحني‬ ‫أكرب‪ ،‬وقدر عدد العابرين بأكرث من خمسة‬ ‫عرش ألف شخص دخلوا الجانب الرتيك”‪ .‬وأفاد‬ ‫“يقدر عدد الالجئني بأكرث من ‪ 200‬ألف دخلوا‬ ‫من نقطة مرشيد بينار وجولك الرتكية‪ ،‬وتم‬

‫قصة “املقاتل الشجاع”‬

‫الدكتور محمد عارف عيل (اخصايئ يف األشعة‬ ‫التشخيصية وطبيب ميداين) عاد للتو من مدينة‬ ‫كوباين املحارصة‪ ،‬التي شهد فيها حادثة تخلص من‬ ‫خوف فزاعة تنظيم “الدولة اإلسالمية” الذي نرش‬ ‫مقاطع مصورة عديدة عىل االنرتنت‪ ،‬يظهر فيها‬ ‫كيف يقطع رؤوس من يقع لديه يف األرس‪ .‬ويروي‬ ‫الطبيب قصة كان لها وقع كبري عليه‪ ،‬قائ ًال‪“ :‬عشية‬ ‫ليلة العيد وصل إىل املشفى امليداين الذي أعمل‬ ‫فيه مقاتل من وحدات حامية الشعب وكانت‬ ‫يده اليرسى تنزف بعد أن تعرض رشيانه الرئييس‬ ‫لجرح‪ .‬وكان يتعني إجراء عملية جراحية رسيعة‬ ‫عىل يده أو برتها‪”.‬‬ ‫ويضيف الطبيب قائال‪“ :‬وقتها كنا نحاول تخديره‪،‬‬ ‫ولكنه كان يرفض ويقول لنا اقطعوا يدي ليك أعود‬ ‫برسعة إىل القتال”‪ .‬ويوضح أن الطاقم الطبي‬ ‫وقف للوهلة األوىل عاجزاً أمام حالته‪ ،‬ولكنه‬

‫تحقيقات‬

‫نزوح أكرث من ‪ 200‬الف الجئ‬

‫إرسال جميع الوافدين من باقي النقاط إىل هذه‬ ‫النقط كونها كانت أكرث آمناً”‪ ،‬وأضاف “بحسب‬ ‫االحصائيات الرتكية الرسمية الصادرة عن مكتب‬ ‫شؤون الالجئني والذي فتح مكتباً هنا‪ ،‬بلغ عدد‬ ‫العابرين ‪ 180‬ألف‪ ،‬عدا أول يومني ومل يتسنى لهم‬ ‫تسجيل النازحني‪ ،‬لذلك نقدر عدد الوافدين أكرث‬ ‫من ‪ 200‬ألف شخص دخلوا االرايض الرتكية منذ‬ ‫يوم الجمعة املايض”‪ .‬ولخص كالمه‪“ :‬االن الحدود‬ ‫مغلقة منذ يوم االثنني املايض بعد ان وصلت‬ ‫داعش اىل مركز املدينة‪ ،‬وبحسب مصادرنا مل‬ ‫يتبقى الكثري من املدنيني‪ ،‬قلة فقط اختاروا البقاء‬ ‫هناك وال نستطيع تقدير عددهم بالضبط”‪.‬‬

‫رسعان ما قرر إجراء العملية بدون تخدير‪“ .‬بقينا‬ ‫حتى ساعة متأخرة من الليل‪ ،‬والعملية نجحت‬ ‫ولكن كان يجب متابعة الجريح‪ ”.‬املفاجئة كانت‬ ‫يف اليوم التايل عندما ذهب الطبيب لالطمئنان‬ ‫عىل صحة املريض‪ .‬وتابع كالمه‪“ :‬عندما وصلت‬ ‫إىل غرفته مل أجده‪ ،‬وقالت يل املمرضة املرافقة له‬ ‫بأنه عندما أفاق من النوم لبس زيه ورفض البقاء‬ ‫يف املشفى‪ ،‬مرصاً عىل الذهاب إىل القتال”‪ .‬بعدها‬ ‫مل يعد الشاب إىل املشفى إلكامل العالج أو فك‬ ‫ضامد جرحه‪ ،‬عل ما يروي محمد عارف‪ .‬وبعد‬ ‫تلك الحادثة بعدة أيام عاد الشاب ذاته مرة ثانية‬ ‫إىل املشفى‪ ،‬ولكن ليس إلكامل العالج‪ .‬وبحسب‬ ‫الطبيب “كان مصاباً يف قدمه وعندما وصل إىل‬ ‫باب املشفى قال يل ضاحكاً‪ :‬جرحي أجربين عىل‬ ‫العودة إليكم”‪.‬‬ ‫فالغارات التي تشنها طائرات التحالف الدويل‬ ‫عىل مواقع تنظيم الدولة اإلسالمية “داعش” مل‬ ‫تثنه عن التقدم‪ ،‬لكن املعارك بني املقاتلني األكراد‬ ‫وعنارص هذا التنظيم اإلرهايب مستمرة داخل‬ ‫أحياء كوباين‪ ،‬التي تشهد حرب شوارع بعد تقدم‬ ‫التنظيم يف الجانب الرشقي والجنويب من املدينة‬ ‫ورفعوا رايتهم ألول مرة عىل أحد املباين‪.‬‬ ‫ويذكر ان “كوباين” باللغة الكردية واسمها‬ ‫الرسمي “عني العرب”‪ ،‬لغة سكانها االم الكردية‪،‬‬ ‫وهذه املدينة تقع عىل بعد ‪ 180‬كيلومرتا شامل‬ ‫محافظة حلب‪ .‬تفصل بينها وبني الحدود الرتكية‬ ‫‪ 4‬كيلومرتات شامالً‪ ،‬نزح عنها أغلب املدنيني يف‬ ‫أكرب موجة نزوح شهدتها سورية منذ بداية اندالع‬ ‫الحراك الشعبي املناهض لنظام الحكم منذ آذار‪/‬‬ ‫مارس عام ‪.2011‬‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫تنظيم الدولة اإلسالمية “داعش” أمام أعني‬ ‫الدرك الرتيك الذي مل يحرك ساكناً‪ .‬وكان حسو‬ ‫وقتها متواجدا يف املنطقة الحدودية من الجانب‬ ‫السوري‪ .‬يروي الحادثة قائ ًال‪“ :‬لقد تحدثوا معنا يف‬ ‫البداية وقالوا لنا إنهم يريدون أخذ سياراتنا ألنهم‬ ‫يحتاجونها يف القتال”‪ .‬ويضيف‪“ :‬قلت لهم‪ :‬وملاذا‬ ‫تريدون أخذ سياراتنا؟ هل الرشع يسمح لكم‬ ‫بذلك ونحن مسلمون مثلكم؟ فردوا ع ّ‬ ‫يل‪ :‬لقتال‬ ‫الكفار”‪ .‬ويوضح قائال‪“ :‬الكفار هو أنا وأبنايئ‬ ‫وأقربايئ‪ ،‬فأي دين ساموي يسمح بالسطو عىل‬ ‫أمالك الناس بحجة قتال الكفار؟”‪.‬‬ ‫ويصف حسو مظهرهم قائ ًال‪“ :‬كان شعرهم طويل‬ ‫ومخيف ولحاهم طويلة‪ .‬يلبسون أزياء عسكرية‬ ‫غري نظيفة أو مالبس أفغانية‪ .‬يربطون رؤوسهم‬ ‫بأوشحة سوداء رسم عليه علمهم الخاص”‪،‬‬ ‫ويضيف قائال‪“ :‬هؤالء ال يشبهون البرش يف يشء”‪.‬‬ ‫وعن جنسياتهم أردف قائ ًال‪“ :‬لهجتهم العربية‬ ‫كانت توحي انهم من دول املغرب العريب كونها‬ ‫كانت ثقيلة بعض اليشء‪ ،‬ومن بني هؤالء كانوا‬ ‫اجانب ال يعرفون التحدث بالعربية”‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬أكد حجي مامو أن الكثريين من‬ ‫أقربائه من كبار يف السن والعجز بقوا يف قراهم‬ ‫بعد اجتياح مقاتيل تنظيم “الدولة اإلسالمية”‬ ‫لها‪ ،‬الفتاً إىل أنهم اختبأوا تحت األرض إىل حني‬ ‫انتهاء املعارك الطاحنة‪ .‬ويضيف حجي مامو‪:‬‬ ‫“نتصل معهم يومياً لالطمئنان عليهم‪ .‬وينقلون لنا‬ ‫ما يحدث هناك‪ .‬لقد أخربونا بأن أغلب البيوت‬ ‫تعرضت للرسقة والنهب‪ ،‬وأخرى ُأحرقت”‪،‬‬ ‫وينحدر حجي مامو من قرية تاشلوك‪ .‬وتابع‬ ‫حديثه‪“ :‬لقد اختطفوا خمسة رجال وامرأتني من‬ ‫قريتنا”‪ ،‬معرباً يف الوقت نفسه عن قلقه الشديد‬ ‫حول ما ميكن أن يلحق بهم‪ .‬وقال‪“ :‬لقد سمعنا‬ ‫بأنهم ينحرون الرجال‪ ،‬فيام يحتفظون باألطفال‬ ‫ويرغمون النساء عىل التزوج بهم”‪ ،‬موضحاً “ال‬ ‫نعلم إن كانوا أحياء أو أموات‪ ،‬فليكن الله معهم!”‬

‫‪7‬‬


‫كلنا داعش‪ ..‬ولتسقط كوباني!‬ ‫بسام األحمد*‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫مقاالت‬

‫ّ‬ ‫لعل أكرث ما ُيشعر املواطن السوري الكردي باملرارة اآلن وأكرث من أيّ‬ ‫وقت مىض هذه الجوقة اإلعالمية التي صاحبت محاوالت تنظيم “داعش”‬ ‫السيطرة عىل مدينة كوباين –عني العرب ‪ -‬ذات األغلبية الكردية‪ّ ،‬‬ ‫ولعل‬ ‫أقىس ما يح ّز يف نفس الجئي هذه املدينة املنكوبة هو التشفي الشبه‬ ‫علني من قبل بعض األشخاص باألخبار القادمة من مدينتهم املنكوبة عىل‬ ‫يد تنظيم ّ‬ ‫أقل ما يقال فيه بأ ّنه عدو الثورة السورية وعدو للسوريني‪.‬‬ ‫كنت أظنّ إىل فرتة ليست ببعيدة ّأن الثورة السورية قامت بإعادة تشكيل‬ ‫للهوية السورية املمزقة‪ ،‬وكنت أؤمن بشكل أكرب ّأن من ذاق الويالت‬ ‫عىل يد آل األسد وداعش سوف يكون من أوائل املتضامنني مع أي ضحية‬ ‫جديدة تتعرض للمامرسات التي تقوم بها هاتني الجهتني املجرمتني‪ ،‬ولكن‬ ‫ما حدث ويحدث يقول ذلك ويدعونا إىل التفكري واملراجعة الجدّية حول‬ ‫مفهوم الهوية السورية الجديدة والتي بدأت مالمحها بالظهور إبان‬ ‫انطالقة الثورة السورية عوضاً عن “الهوية السورية القدمية” والتي أعتقد‬ ‫ّأن معظم املراقبني واملهتمني بالشأن العام السوري يجمعون عىل وجود‬ ‫تشوهات كبرية فيها‪ ،‬وكيف ّأن نظام األسد اختزل العديد من عنارصها يف‬ ‫شعارات فارغة واقتات عىل أكاذيب كثرية ولفرتات طويلة منها أكذوبة‬ ‫“حامية األقليات”‪ ،‬حيث كانت تقوم إحدى ركائز هذه السياسة ‪ -‬التي‬ ‫أفرزت هذه الهوية ‪ -‬عىل منع أي تالقي ما بني مكونات املجتمع السوري‪،‬‬ ‫وأدّت معظم املحاوالت التي قام بها العديد من املعارضني الوطنيني‬ ‫السوريني بأصحابها إىل غياهب السجون لسنوات عديدة‪.‬‬ ‫عندما انتفض الشعب السوري ضد هذا الظلم والطغيان كانت املدن ذات‬ ‫األغلبية الكردية من أوائل املدن التي انضمت إىل ركب الثورة (قامشلو‬ ‫وعامودا ورسي كانيه وكوبانيه ‪ )....‬ول ّعل املظاهرة األوىل التي انطلقت‬ ‫من أمام جامع قاسمو يف قامشلو –القامشيل كانت مبثابة الصدمة الكربى‬ ‫األوىل للنظام وأزالمه يف املدينة‪ ،‬فقد فاجأ الشباب املتظاهر جميع‬ ‫املراقبني بالهتافات الوطنية التي صدحت بها حناجرهم هتفوا فيها لدرعا‬ ‫–مهد الثورة‪ -‬والالذقية وحمص –عاصمة الثورة‪ -‬وعربوا فيها عن تضامنهم‬ ‫مع املدن الجريحة األخرى‪ ،‬وكانت امللفت األبرز – برأيي – هو رفع العلم‬ ‫الوطني السوري فقط (العلم الذي يستخدمه نظام األسد حالياً) وأتذكر‬ ‫جيداً كيف أ ّنه ويف املظاهرات التي تلت املظاهرة األوىل تم رفع أطول‬ ‫علم وكان يبلغ طوله أكرث من خمس وعرشين مرتاً وكتب بداخلة كلمة‬ ‫الحرية (آزادي) باللغة الكردية‪ ،‬وأتذكر أيضاً كيف ّأن أحد الشباب الكردي‬ ‫الثائر كان يقول لنا متهك ًام كيف ّأن أحد العنارص األمنية – وبعد طلبه إىل‬ ‫التحقيق من قبل أحد األفرع األمنية – كان يقول له بكل “وطنية”‪( :‬ارفع‬ ‫علم كردستان وطالب باالنفصال والدولة الكردية وما تشيل العلم الوطني‬ ‫السوري وما تهتف لدرعا وحمص ‪.).....‬‬ ‫يف الوقت الذي كان فيه “معارضو” الخارج يتسابقون عىل الظهور يف‬ ‫القنوات اإلعالمية ويتبارون يف بيع األكاذيب للشباب الثائر ‪-‬وخاصة‬ ‫قبل البدء بتشكيل األجسام املعارضة – كان النظام وتحديداً يف املناطق‬ ‫الكردية يعمل بخبث وصمت مع العديد من الجهات (الكردية والعربية‬ ‫واملسيحية) عىل حدا سواء‪ ،‬ووضع نصب عينه الكثري من األهداف التي‬ ‫أتت ُأكلها الحقاً‪ ،‬كان أولها محاوالت إخامد الحراك الشبايب الثائر يف املدن‬ ‫الكردية –خاصة بعد انضامم العديد من الشباب العريب واملسيحي إىل‬ ‫هذه املظاهرات – ّ‬ ‫وتجل ذلك بشكل عميل يف املالحقات التي قام بها‬ ‫وزج بعضهم يف السجون إضافة إىل نفي بعضهم‬ ‫ضد القيادات الشبابية ّ‬ ‫اآلخر‪ ،‬وكانت بعض األطراف الكردية األداة غري املبارشة لتحقيق هذا‬ ‫الهدف األول خاصة من خالل وصم هؤالء الشباب بعمالء أردوغان تارة‬ ‫واإلسالميني واإلخوان املسلمون تارة أخرى‪.‬‬ ‫كانت هذه األعامل املنافية لقيم الثورة تتطلب حاضنات شعبية لرتويجها‪،‬‬

‫ومل يكن من السهولة مبكان عىل هذه القوة املتحالفة مع النظام بشكل خفي –يف البداية ‪ -‬أن‬ ‫تقوم بهذه األعامل دون اللعب عىل أوتار معينة‪ ،‬أو استغالل حاجات الناس اليومية األساسية‪،‬‬ ‫وتجسد هذا اليشء يف إعطاء النظام صالحيات توزيع مواد أساسية لحزب االتحاد الدميقراطي‬ ‫ّ‬ ‫(يب واي دي) مثل مادة الغاز واملازوت والخبز‪ّ ،‬‬ ‫ولعل جميعنا يعرف أهمية هذه املواد يف حياة‬ ‫املواطنني وتحديداً مادة املازوت يف املنطقة الرشقية حيث يعتمد معظم املزارعني عىل هذه‬ ‫املادة يف عملية استخراج املياه الجوفية وسقاية املحصول الزراعي منه‪ ،‬وكان ذلكم املدخل األول‬ ‫للبدء يف رشاء الذمم وتخيري املواطنني ما بني مساندة الحراك الثوري “وعدم الحصول عىل يشء”‬ ‫أو التزام الصمت أو‪/‬و تأييد هذا الحزب حتى يخولك ذلك الحصول عىل ما تريد‪ ،‬وقد عقب‬ ‫ذلك سامح النظام لهذا الحزب والعديد من املليشيات العربية األخرى بنرش حواجز عسكرية‬ ‫يف مداخل املدن لتتطور األمور الحقاً إىل السامح بإنشاء كتائب مقاتلة نظامية تحت مس ّميات‬ ‫مختلفة‪.‬‬ ‫كانت أحداث مدينة رسي كانيه (رأس العني) بداية الرشخ الحقيقي ما بني الجسمني العريب‬ ‫والكردي ضمن الحراك الثوري السوري‪ ،‬والذي ّ‬ ‫تجل بشكل أوضح يف تلك املعارك التي خاضتها‬ ‫قوات الحامية الشعبية (ي ب ك) وتنظيم داعش إضافة إىل تنظيامت إسالمية أخرى يف عدة‬ ‫مدن ذات األغلبية الكردية يف منطقة الجزيرة السورية‪ ،‬وسط صمت شبه مطبق من “املمثل‬ ‫الرسمي” للثورة السورية “االئتالف الوطني” وجاءت أحداث مدينة كوباين (عني العرب) مبثابة‬ ‫الشعرة التي قصمت ظهر البعري بني هذين الجسمني‪ ،‬ول ّعل توقيت الهجوم من قبل داعش‬ ‫والذي جاء إبان ما ّ‬ ‫سمه بعض النشطاء “العدوان” السافر عىل سوريا قد لعب دوراً مه ًام يف‬ ‫“املعارك اإلعالمية” التي صاحبت هذه األحدث‪ ،‬فعىل ما يبدو قد حازت داعش عىل تعاطف‬ ‫مضمر من قبل العديد من النشطاء تحت مسميات وأسباب مختلفة كان أوضحها “التغايض عن‬ ‫إرهاب النظام ورضب داعش”‪ ،‬وأياً كانت األسباب التي أدّت إىل ما أدت إليه فإن دعاة الهوية‬ ‫السورية الجديدة‪ ،‬سوريا الثورة‪ ،‬دولة القانون واملواطنة واملؤسسات املنشودة مطالبون اآلن‬ ‫أكرث من أيّ وقت مىض بالوقوف بشكل إنساين أوالً ووطني رصف ثانياً‪ ،‬أمام مأساة مئات اآلالف‬ ‫وتم تهجريهم قرساً كام‬ ‫من املواطنني الكرد السوريني الذين أجربوا عىل الخروج من بيوتهم ّ‬ ‫فعل قبل ذلك نظام آل األسد مع عرشات املدن والبلدات والقرى السورية األخرى‪ ،‬ومطالبون‬ ‫أيضاً بقطع الطريق أمام أزالم وشبيحة داعش يف الثورة السورية‪ ،‬وتعريتهم‪ ،‬وباملقابل املعرفة‬ ‫الكاملة ّأن الكرد السوريني كانوا من أوائل ضحايا حزب االتحاد الدميقراطي والذي أفرغ املنطقة‬ ‫الكردية بشكل ممنهج من النشطاء وخصومه السياسيني ونفى معظمهم إىل كردستان العراق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وإن الوضع يف مدينة كوباين أخذ رمزية كبرية رأى فيه عدد كبري من الكرد حول العامل معركة‬ ‫وجود مصريية خاصة ّ‬ ‫وأن دماء كرد “شنكال” من أبناء الديانة اليزيدية مل تجف بعد تعرضهم‬ ‫لعمليات تطهري عرقي واضحة عىل يد هذا الرسطان الذي تسلل إىل سوريا مبباركة ومساعدة‬ ‫أطراف سورية وإقليمية ترى نفسها اآلن يف ورطة كبرية تحاول استغالل معاناة أهل هذه‬ ‫املدينة السورية الكردية بأبشع الصور للتغطية عىل فشلها الذريع والفاضح من التعاطي مع‬ ‫هذا التنظيم‪.‬‬ ‫*املتحدث اإلعالمي باسم مركز توثيق االنتهاكات يف سوريا‬


‫هاني عباس‪“ ..‬بقجتي وطني”‬ ‫يوثق األلم والوجع يومًا بيوم‪..‬‬

‫‪9‬‬

‫ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪- 46 -‬‬

‫البقية في صفحة ‪14‬‬

‫لقاءات‬

‫يذهل من تلك الغزارة يف انتاجه الفني‪ ،‬ليبزغ يف‬ ‫الذهن السؤال‪ :‬هل بإمكان الفنان املهاجر مجاراة‬ ‫االمل واملعاناة والتعبري عنها يف ابداعاته‪ ،‬وما الفرق‬ ‫بني التجربتني يف الداخل والخارج؟‬ ‫هاين الذي يحمل تعب واالم اوطانه يف قلبه ال‬ ‫يعيقه بعد أو رحيل بعد رحيل عن رسالته النبيلة‪،‬‬ ‫نقرأ عىل حائطه االفرتايض “مرة أخرى ‪ ...‬الرحيل‬ ‫اليوم‪ ...‬اىل املنزل الرابع عرش‪( ...‬بقجتي ‪ ...‬وطني)”‬ ‫لكن يبدو أن السؤال‪ ،‬ومن دون قصد‪ ،‬يستدعى‬ ‫إىل الذهن تلك املزايدات التي تحفل بها املنابر‬ ‫ومواقع التواصل االجتامعي حول أحقية الداخل‬ ‫عىل الخارج‪ ..‬والتي تدفع ناشطي الخارج إىل موقع‬ ‫الدفاع عىل الغالب “هنا يف املهجر ال زلت ارسم‬ ‫بنفس النفس وكأنني ال زلت يف الوطن”‪ ...‬يجيب‬ ‫هاين‪“ ،‬وذلك رغم كل االساءات التي توجه عادة‬ ‫إىل اللذين غادروا او من هم خارج البالد‪ ...‬هل‬ ‫ميكن أن نطلب ممن هم خارج فلسطني من أفراد‬ ‫أو منظامت أو دول أن تصمت و أن ال تتحدث‬ ‫عن فلسطني ملجرد أنهم خارجها؟؟ عىل أية حال‬ ‫وبالنسبة يل ما أقوم به هو من أجل الناس فقط‬ ‫وليس ألي فصيل أو تجمع أو حزب أو‪ ...‬الخ”‬ ‫ويضيف‪“ :‬بالنسبة يل وكرث يعرفون أنني مل ولن‬ ‫أتخذ الرسم كمهنة أجني املال من وراءها‪ ،‬بل‬ ‫هي رسالة أقوم بها بشكل طوعي وهي مسؤولية‬ ‫متعبة‪ .‬لكن يجب ان استمر بها‪ ..‬ما أعيشه اآلن‬ ‫هو عمر اضايف بعد ان خرجت من سوريا‪ ...‬وقد‬ ‫كرسته ألتابع ما بدأت به وابقى مع الناس‪ ..‬و ان ال‬

‫‪2014 / 10 / 13‬‬

‫رمبا ال يتاح لغالبية الفنانني معايشة املوت واألمل كام‬ ‫عايشته التجارب الفنية السورية‪ ..‬فمن تحت النار‬ ‫والركام والبيوت املدمرة‪ ..‬ورغم كل يشء‪ ،‬تنطلق‬ ‫حناجر تغني‪ ..‬وأصابع تعزف‪ ..‬وريشة فنان يرسم‬ ‫املوت حل ًام بالحياة‪ ..‬يرسم القيد حل ًام بالحرية‪.‬‬ ‫الفنان هاين عباس الذي كان يحلم بفلسطني من‬ ‫مخيمه املحاذي ملدينة دمشق‪ ..‬صار يحلم باملخيم‬ ‫بعد أن أجربه املوت كام مئات األلوف عىل الهجرة‬ ‫من الوطن إىل شتات ال ُتعرف نهايته‪..‬‬ ‫“تحكيليش عن الوطن ‪ ...‬احكيي عن الناس كيف‬ ‫عايشة ‪ ...‬كم أم بال ولد و كم ولد بال اب وكم عيلة‬ ‫بال بيت وكم بيت بال قذيفة وكم قذيفة بال هدف‬ ‫وكم هدف بال أرض وكم أرض بال خطوات ‪ ...‬وكم‬ ‫خطوة بال قدم ‪ ...‬وكم قدم بال جسد ‪ ...‬وكم جسد‬ ‫بال روح ‪”...‬‬ ‫هاين عباس يرسم بالكلامت كام يرسم بريشته‪..‬‬ ‫هاجسه اإلنسان يحمل همه وحلمه أينام ّ‬ ‫حل‪،‬‬ ‫ويواجه قصف الطائرات بالسخرية‪ ..‬وقسوة‬ ‫الجندي بالوردة‪.‬‬ ‫ولد الفنان هاين عباس عام ‪ 1977‬يف مخيم الريموك‬ ‫بدمشق‪ ،‬وبدأ الرسم منذ الصغر ليستقر الحقاً عىل‬ ‫رسم الكاريكاتري‪ ،‬حيث أقام أول معرض له أواخر‬ ‫التسعينيات‪ .‬نرش رسومه يف بعض املجالت ثم‬ ‫انتقل بعدها لالحرتاف والنرش يف الصحف املحلية‬ ‫والعربية‪.‬‬ ‫فاز ع ّباس بعدة جوائز دولية ومحلية وكان عضواَ‬

‫مشاركاً يف لجان التحكيم لعدد من مهرجانات‬ ‫الكاريكاتري العربية والدولية‪ ..‬ومن أبرز الجوائز‬ ‫التي نالها جائزة رسام الكاريكاتري الصحفي‬ ‫للشجاعة للعام ‪ 2014‬جنيف‪ ،‬جائزة حرية‬ ‫الصحافة العاملية الدوحة ‪ ،2013‬جائزة الرسامني‬ ‫املحرتفني يف سوريا لثالث دورات‪ ،‬جوائز فخرية‬ ‫وتقديرية من عدة مهرجانات دولية‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫عضوية لجان التحكيم يف مهرجان سوريا الدويل‬ ‫للكاريكاتور ثالث مرات‪ ،‬ومهرجان ناجي العيل‬ ‫االول‪ ،‬ومهرجان غزة الدويل للكاريكاتري‪ ،‬ومهرجان‬ ‫(بديل) للكاريكاتري‪.‬‬ ‫عن تجربته االبداعية يف املخيم خالل الثورة‬ ‫السورية‪ ،‬يقول هاين عباس‪“ :‬كان طبيعياً بالنسبة‬ ‫يل أن أكون مع الناس‪ ،‬وأن اقف اىل جانبهم يف‬ ‫مطالبهم ورفضهم للظلم والقمع والتضليل‪ ،‬وأن‬ ‫أكون مع ابسط حقوق االنسان يف ان يتكلم وأن‬ ‫يعرب عن رأيه”‪.‬‬ ‫ويضيف‪“ :‬يف املخيم‪ ،‬وقبلها يف ريف دمشق‪ ،‬كنت‬ ‫أوثق األمل والوجع يوماً بيوم ولحظة بلحظة‪ ..‬مل‬ ‫يكن األمر سه ًال وقتها‪ ،‬وخاصة عندما بدأ القصف‬ ‫والحصار‪ .‬بعد أن وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه‬ ‫مع القذائف وآليات القمع التي بدأت بالعصا‬ ‫لتفريق املتظاهرين وانتهت بقصف الطريان‪...‬‬ ‫تلك اللحظات املليئة باملخاطر واملليئة بالوجع‬ ‫اليومي تحت القصف‪ ...‬ومشاهدة البرش يتحولون‬ ‫اىل أشالء‪ ...‬انتظار املوت يف أية لحظة‪ ...‬فقدان‬ ‫األصدقاء‪ ...‬الجنون الذي‬ ‫ميأل املكان‪...‬‬ ‫حينها كانت رسومي‬ ‫تظهر أكرث وضوحاً وأكرث‬ ‫تأثرياً‪ ،‬وتوصل صوت‬ ‫الناس البسطاء الذين‬ ‫ميوتون هناك‪ ..‬الكثري‬ ‫ممن وقفنا معاً ووقفوا‬ ‫معي ساعدوين ألكون‬ ‫اليوم هنا‪ ...‬واتكلم عن‬ ‫وجعهم”‪.‬‬ ‫ال يستطيع املتابع لصفحة‬ ‫الفنان هاين عباس اال أن‬


‫فصل في الجحيم السوري‬ ‫‪10‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫مقاالت‬

‫مازلنا بعيدين عن تقرير مصرينا والتحكم يف‬ ‫خياراتنا‪ ،‬أو يف الحقيقة ليس لدينا خيارات‪ ،‬بل‬ ‫مجرد طرق إجبارية تم رسمها سابقاً بيد نظام‬ ‫استفرد بنا بكل طاقاته الحربية وقوته العارية‬ ‫وتفوقه العسكري والتنظيمي واملادي‪ ،‬ويتم‬ ‫رسمها اليوم بأيا ٍد إقليمية متنازعة تديرها أمريكا‬ ‫من األعىل وإرسائيل من الخلف‪.‬‬ ‫ليس معنى ذلك هو افتقاد اإلرادة العامة بالتغيري‪،‬‬ ‫وال أننا مجرد عجينة تأخذ الشكل الذي يريده من‬ ‫يقوم بعجنها‪ ،‬بل معناه إن محصلة جمع القوى‬ ‫املؤثرة يف النكبة السورية وعىل أرضها‪ ،‬والتي تشد‬ ‫كل منها الوضع باتجاهها‪ ،‬تساوي الصفر‪ .‬وأن‬ ‫إرادة الشعب السوري التي خرجت تطلب الحرية‬ ‫مل تعد يف مواجهة النظام وحده‪ ،‬بل أصبحت يف‬ ‫مواجهة التاريخ بكل قواه الفاعلة فيه وفينا اليوم‪،‬‬ ‫مثلام أصبحت يف مواجهة انقساماتها وتعددها‬ ‫وضياعها يف التعدد واالختالف‪.‬‬ ‫تعيش سوريا اليوم فص ًال من فصول الجحيم‬ ‫املستمر منذ ثالث سنوات ونصف السنة‪ ،‬وميكن‬ ‫تسمية هذا الفصل بفصل استواء الجحيم‪ ،‬أو‬ ‫فصل العدمية بأكرث معانيها سلبية وفوىض وعدم‬ ‫اكرتاث‪ ،‬حيث إن الحل الخاليص املتفائل غري‬ ‫موجود وغري واقعي وال قريب املنال‪ ،‬وحيث‬ ‫إن املفاضلة الواقعية املطروحة هي بني اليسء‬ ‫واألسوأ‪ ،‬يف غياب أي “أفضل” قابل للحياة‬ ‫واالستمرار والثبات والقوة‪.‬‬ ‫للوهلة األوىل ميكن تربير االسرتاتيجية األمريكية؛‬ ‫التي تبدو أكرث وضوحاً اليوم مام سبق‪ ،‬بشكل‬ ‫عقيل وعقالين‪ ،‬حيث أنهم ال يريدون التخلص من‬ ‫األسد برسعة يف غياب البديل القوي واملتامسك‬ ‫واملعتدل والقادر عىل حفظ مصالحهم بقوته‪،‬‬ ‫وال يريدون انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة‬ ‫الهرمية كالجيش والقضاء والتعليم وغريها‪ ..‬التي‬ ‫تبدو متامسكة يف شكلها البريوقراطي رغم انهيارها‬ ‫يف املضمون‪ ،‬وال يريدون لداعش أو جبهة النرصة‬ ‫أو حتى الكتائب اإلسالمية القريبة منهام أن تحتل‬ ‫دمشق يف ظل الضعف البنيوي لإلئتالف بوصفه‬ ‫ممث ًال سياسياً للمعارضة‪ ،‬والضعف العسكري‬ ‫لكتائب الجيش الحر (الذي ساهموا هم‪ ،‬أي‬ ‫األمريكان‪ ،‬بإضعافه) وعدم وجود قيادة مركزية‬ ‫له قادرة عىل فرض كلمتها عىل الجميع‪.‬‬ ‫كام أن الحل السيايس هو الحل الوحيد الذي‬ ‫يضعه األمريكان يف أفق الحرب السورية‪ ،‬وهو‬

‫الحل الذي يعني من منظورهم التفاوض بني‬ ‫املهزومني عىل تقاسم الهزمية والبلد املدمر‪،‬‬ ‫ال مشكلة لديهم من حيث املبدأ يف التقسيم‬ ‫أو الفدرالية أو الدولة املركزية‪ ،‬وال مشكلة يف‬ ‫طول الزمن وعدد القتىل واملفقودين والنازحني‬ ‫واملعاناة اإلنسانية الناتجة عن ذلك‪ ،‬فالدم املراق‬ ‫هو “مسؤوليتنا” و”قرارنا”‪ ،‬بكل ما يعنيه ذلك من‬ ‫سفالة وانحطاط قيمي يف هذا النوع من التعامل‬ ‫وتحميل املسؤولية‪ ،‬لكن من قال أن األخالق‬ ‫واإلنسانية هي مهامت أمريكية فيام يخصنا‪ ،‬ومن‬ ‫قال من جهة أخرى أنهم مسؤولون عن ابتالئنا‬ ‫بأقذر أنواع الديكتاتوريات يف التاريخ املعارص‪،‬‬ ‫فمن املعروف أن “الطغاة يجلبون الغزاة”‪ ،‬كل‬ ‫أنواع الغزاة‪.‬‬ ‫االستواء يف الجحيم يعني فيام يعنيه‪ ،‬أن ال‬ ‫فرق واسع يف املدى القريب بني رحيل األسد أو‬ ‫بقاءه طاملا أن القوى اإلقليمية والدولية املؤثرة‬ ‫عىل األرض متصارعة وحلبة الرصاع سورية‪ ،‬وطاملا‬ ‫أن موازين القوى عىل األرض غري آيلة يف املدى‬ ‫املنظور إىل انتصار ساحق ألي من املتقاتلني‬ ‫وداعميهم‪ ،‬فاملوت والنزوح والتفكك والفقر‬ ‫تهجره قوات‬ ‫جميعها مستمرة وتتمدد‪ ،‬ومن ال ّ‬ ‫تهجره‬ ‫معه‪،‬‬ ‫األسد وامليليشيات الشيعية املتحالفة‬ ‫ّ‬ ‫داعش كام يف كوباين‪ ،‬ومن ال تقتله رضبات األسد‬ ‫وداعش املبارشة‪ ،‬تقتله الصفقات والحسابات‬ ‫الباردة لكل من أمريكا وتركيا وإيران وروسيا‬ ‫والسعودية وقطر بشكل غري مبارش‪.‬‬ ‫قبل املجزرة الكياموية يف آب ‪ ،2013‬ثم صعود‬ ‫داعش الرسيع إىل واجهة املشهد بعدها‪ ،‬كنا نقول‬ ‫أن كل يوم يتم فيه اإلرساع بالخالص من األسد هو‬ ‫توفري آلالف املآيس البرشية يف مجمل أنحاء سوريا‪،‬‬

‫لكن اليوم بعد دخول االسرتاتيجية األمريكية‬ ‫مرحلة التنفيذ واإلدارة املبارشة للرصاع عرب‬ ‫التحالف الذي أنشأته‪ ،‬ووضع األولوية األمريكية‬ ‫ملكافحة اإلرهاب بأعراضه الداعشية والقاعدية‬ ‫دون أسبابه األسدية‪ ،‬مل يعد توفري املآيس متوقفاً‬ ‫عىل رحيل األسد وحده كنقطة مركزية يف التحليل‪،‬‬ ‫طاملا أن القوى الذاتية للثورة ليست قادرة عىل‬ ‫إزاحته مبفردها‪ ،‬واإلدارة األمريكية للرصاع عىل‬ ‫النحو الذي اتخذته يف مكافحة اإلرهاب‪ ،‬تحول‬ ‫معنى الرصاع تحوي ًال كام ًال دون رجعة‪ ،‬وتنقل‬ ‫املسؤولية التي تتحملها هي أوالً‪ ،‬والدول االقليمية‬ ‫التي تدخلت بصمت وتغطية أمريكية ثانياً‪ ،‬نحو‬ ‫السوريني الذين عليهم أن يختاروا؛ بعد تعجيزهم‪،‬‬ ‫إزالة اإلرهاب اإلسالمي ثم العلامين بالتفاوض‬ ‫السيايس فيام بينهم تحت السقف األمرييك‬ ‫والرؤية األمريكية للمنطقة‪.‬‬ ‫ما تغفله تلك الرؤية الوظيفية واألداتية غري‬ ‫منافاتها للحق والعدل الرضوريان باملستويات‬ ‫الدنيا إلقامة التعايش‪ ،‬هو أن مساواة القاتل‬ ‫بالضحية لن تنتج صلحاً سنياً‪/‬شيعياً تحت ضغط‬ ‫األمر الواقع املفروض أمريكياً‪ ،‬ولن تنتج اعتداالً‬ ‫قاب ًال للحياة عند أي من األطراف املتصارعة‪ ،‬بل‬ ‫مزيداً من اإلرهاب واإلرهاب املضاد ال أكرث وال‬ ‫أقل‪.‬‬ ‫الجانب األخطر من كل ما سبق فيام نرى‪ ،‬هو أن‬ ‫السوريني الذين صنعوا بتضحياتهم أعظم ثورات‬ ‫العرص الحديث‪ ،‬ال يكفون عن االبتعاد عن صناعة‬ ‫دولتهم أو مصريهم القادم‪ ،‬بل إن مصريهم هذا‪،‬‬ ‫بات مرهوناً عىل نحو غري مسبوق‪ ،‬بكل ما هو يف‬ ‫الحقيقة ليس سورياً‪ ،‬وال يعنيه شعب سوريا وال‬ ‫مصلحة السوريني ال من قريب وال من بعيد‪.‬‬


‫األسد بين تموضعين‬ ‫شوكت غرز الدين‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫مقاالت‬

‫اتخذ “النظام السوري” متوضعاً اسرتاتيجياً له‪ ،‬يقوم‬ ‫ويرتكز عىل ثالث مقوالت هي “السيادة الوطنية‬ ‫واملقاومة واملامنعة وحامية األقليات”‪ .‬وتم توظيف‬ ‫هذا التموضع منذ قيام “ثورة الحرية والكرامة” يف‬ ‫تقديم رأس النظام وبقاءه عىل رأس الهرم بوصفه‬ ‫“رضور ًة موضوعي ًة” بحجة الحفاظ عىل أمن‬ ‫واستقرار سوريا واملنطقة‪.‬‬ ‫إنه متوضع استباقي يحيل إىل املواجهة واالشتباك‬ ‫العسكري ضد التحالف الدويل‪/‬العريب‪ .‬ثم اتخذ‬ ‫“النظام السوري” له متوضعاً مغايراً ومخالفاً‬ ‫للتموضع السابق بالتساوق مع إكامل مهمة تسليم‬ ‫األسلحة الكياموية واالنضامم إىل “منظمة حرض‬ ‫السالح الكياموي” أوالً‪ ،‬وثانياً مع بدء رضبات‬ ‫التحالف الدويل‪/‬العريب الذي تقوده “الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية” ملواقع تنظيم “الدولة اإلسالمية‬ ‫يف العراق والشام” أو ما اصطلح عىل تسميته‬ ‫“داعش ‪ ”ISIS‬الواقعة تحت السيادة السورية‬ ‫والتي من املحتمل ْأن متتد هذه الرضبات لتطال‬ ‫مواقع التنظيم يف رشق املتوسط وال تقترص عىل‬ ‫العراق وسوريا‪ .‬وهذا التموضع الجديد يختلف عن‬ ‫القديم باالرتكاز ولكنه يتفق بالوظيفة؛ فهو يقوم‬ ‫ويرتكز عىل مقوالت املنفعة والخروج بأقل الخسائر‬ ‫والبحث عن مقعد إىل جانب قائد التحالف‪...‬إنه‬ ‫متوضع مكيافييل براغاميت واقعي يرتكز إىل عدم‬ ‫التكافؤ يف موازين القوى بني النظام السوري وحلفائه‬ ‫العضويني كروسيا وإيران وملحقاتهام‪ ،‬وبني التحالف‬ ‫وملحقاته‪ .‬ويرتكز أيضاً إىل مفاعيل الزمن ودورها‬ ‫وإىل املصلحة املتبادلة واملشرتكة بني التحالف وبينه‪.‬‬ ‫ويتم توظيف هذا التموضع الجديد للمحافظة‬ ‫عىل رأس الهرم “كرضورة موضوعية” عىل الرغم‬ ‫من االختالفات املتناقضة باملرتكزات‪ .‬فإذا أجرينا‬ ‫مقارنة بني التموضعني نجد أنه مثة تناقض بينهام‪،‬‬ ‫فكيف انتقل النظام من السيادة الوطنية إىل الدعوة‬ ‫للتنسيق مع التحالف عىل سوريا‪ ،‬وكيف انتقل من‬ ‫املقاومة واملامنعة إىل تسهيل مهمة التحالف وفسح‬ ‫الطريق أمامه‪ ،‬وكيف انتقل أيضاً من حامية األقليات‬ ‫إىل التخيل عنها متاماً؟!! هنا يجب االنتباه إىل َّأن‬ ‫الثابت يف السياسة السورية رغم املتغريات الكثرية‬ ‫منذ األسد األب‪ -‬هو عدم االشتباك مع املجتمع‬‫الدويل وعدم الدخول ضده يف مواجهة عسكرية‪،‬‬ ‫ومحاولة التداخل معه لتحقيق مكاسب له بقدر‬ ‫ما تسمح ظروف كل حالة من حاالت املواجهة‪.‬‬ ‫وعىل ما يبدو أن هذا الثابت إيراين رويس ويحكم‬ ‫حزب الله أيضاً‪ .‬بهذا الصدد طالعنا وزير الخارجية‬ ‫السوري استناداً إىل التموضع األول‪“ :‬من يريد‬ ‫االعتداء عىل سورية ال يوجد لديه مربر إال بالتنسيق‬ ‫معنا”‪ ...‬وقالت “بثينة شعبان”‪“ :‬دمشق قد تسقط‬ ‫الطائرات األمريكية‪ ،‬ألنها أتت من دون إذن‪ ،‬واعتدت‬

‫عىل سيادة سورية”‪ .‬والجميع رأى كيف ترك النظام‬ ‫السوري “حامي حمى األقليات” أكراد كوباين (عني‬ ‫العرب) ‪،‬وهم أقلية بالنسبة للسوريني العرب‪ ،‬تواجه‬ ‫مصريها؛ بعد ْأن مارس هذا النظام سياسة األقلية‬ ‫القارص ة ‪ ))Minority‬ضد األكرثية الراشدة �‪Ma‬‬ ‫‪ ))jority‬سياسة الدولة التي تقف ضد األمة بدل‬ ‫أن ميارس سياسة الدولة‪/‬األمة عىل مدار سنوات‬ ‫حكمه‪ .‬باملجمل ‪-‬قبل بدء التحالف الدويل‪/‬العريب‬ ‫بالهجوم عىل مواقع ضمن سوريا‪ -‬يبدو َّأن الحرب‬ ‫عىل األبواب وأن النظام السوري جاهز للمواجهة‬ ‫مع التحالف يسانده بتوجهه هذا روسيا وإيران‬ ‫وملحقاتهام‪ .‬وقد كان يقدم نفسه كضحية ملؤامرة‬ ‫كونية تقودها أطراف دولية وإقليمية وعربية ويتم‬ ‫تنفيذها بأياد سورية‪ ،‬وأنه مضطر ملواجهة هذه‬ ‫املؤامرة ومقاومتها ومامنعتها ليحافظ عىل أمن‬ ‫واستقرار سوريا وسيادتها الوطنية ويحمي أقلياتها‬ ‫من املؤامرة‪ .‬أما بعد بدء التحالف الدويل‪/‬العريب‬ ‫بالهجوم تبني أ َّنه ليس مثة من مواجهة أو اشتباك‬ ‫وأن املؤامرة تحاك عىل الشعب السوري ومصريه‬ ‫واستقراره وحريته بأيا ٍد كثرية جداً أولها أيادي‬ ‫النظام نفسها‪.‬‬ ‫من هنا ميكن متييز التموضع الجديد للنظام السوري‬ ‫من خالل نقاط ثالث‪ 1- :‬يقدم “النظام السوري”‬ ‫نفسه عىل أنه و”التحالف الدويل” بخندق واحد؛‬ ‫أي ذات املصلحة وذات سلم األولويات‪ .‬فقد أعلن‬ ‫“فيصل املقداد”‪َّ :‬إن “سورية ليس لديها تحفظات‬ ‫اٍزاء توجيه رضبات جوية أمريكية ضد تنظيم الدولة‬ ‫فوق أراضيها”‪ ،‬كام وصف رئيسه بشار األسد بأنه‬ ‫“حليف طبيعي” للواليات املتحدة يف حربها ضد‬ ‫تنظيم الدولة‪ ،‬ودعا إىل التنسيق بني الجانبني‪ ،‬حتى‬ ‫ال تقع أخطاء‪ ،‬عىل ح ِّد قوله‪ .‬وقد ورد يف صحيفة‬ ‫“الوطن السورية” بتاريخ ‪ 24‬سبتمرب‪/‬أيلول عنواناً‬ ‫يخالف تصور املؤامرة وتصور السيادة الوطنية‪:‬‬

‫“واشنطن وحلفاؤها يف خندق واحد مع الجيش‬ ‫السوري ملكافحة اإلرهاب”‪ .‬وبدأت مهزلة َّأن‬ ‫األمريكيني أخربونا واستأذنونا ونسقوا معنا‪ ...‬يعتقد‬ ‫النظام َّأن متوضعه الجديد يخدمه بإمكانية توجيه‬ ‫نتائج التحالف ورضباته ملصلحة بقاءه “الرضورية”‬ ‫من جهة‪ ،‬والحفاظ عىل السيادة الوطنية‪ ،‬واملامنعة‬ ‫حام لألقليات‪ ،‬من جهة ثانية‪.‬‬ ‫واملقاومة‪ ،‬وكونه ٍ‬ ‫‪ 2‬استمرار النظام بالتدليل عىل أن موازين القوى‬‫املبارشة تصب يف مصلحته من جوبر للقنيطرة‬ ‫لعدرا لريف حامة ‪...‬الخ‪ .‬فهو يعرف َّأن الحسم‬ ‫يرتبط ويتعلق مبوازين القوى وليس بالترصيحات‬ ‫اإلعالمية؛ لذلك يؤكد عىل أنه األقوى وأن أي حل‬ ‫سيايس ْإن كان عىل طريقة جنيف‪ ،‬أم عسكري‪،‬‬ ‫إذا تدحرجت الكرة بطرق غري متوقعة بالنسبة له‪،‬‬ ‫يجب أن يأخذ “بقاءه الرضوري” بعني االعتبار‪3- .‬‬ ‫يراهن عىل مفاعيل الزمن يف ْأن تصب يف صالحه؛‬ ‫أي بقاءه “الرضوري واملفيد” كإرهايب علامين يخدم‬ ‫“اإلرهاب الدميقراطي” متمث ًال مبجلس األمن ضد‬ ‫“اإلرهاب اإلسالمي” متمث ًال بتنظيم الدولة‪ ،‬ويعرف‬ ‫متاماً دور الزمن يف قلب الحقائق وتغيري موازين‬ ‫القوى والتأقلم مع الواقع‪.‬‬ ‫وهكذا هل يساعد متوضع النظام الجديد يف تحريك‬ ‫االوضاع واالستفادة منها فيخلق أوضاعاً جديدة‬ ‫غري متعينة سلفاً ميكن اقتناصها لخلق واقع يكون‬ ‫ملصلحته‪ ,‬والسيام أن النظام ال يريد بأي حال من‬ ‫األحوال االشتباك مع التحالف الدويل؟! أال مينحهم‬ ‫االشتباك واملواجهة فرصة التأثري الالحق عىل األحداث‬ ‫أكرث من التداخل بالتنسيق؟! أليس مثة من عالقة بني‬ ‫“اإلرهاب اإلسالمي” مجسداً بتنظيم الدولة يف سوريا‬ ‫وبني “اإلرهاب العلامين” متجسداً بالنظام السوري‬ ‫و”اإلرهاب الدميقراطي” متجسداً مبجلس األمن‬ ‫وقيادته؟!‪ .‬أسئلة استنكارية وسياسات مستنكرة برسم‬ ‫اإلجابة عليها من قبل الشعب السوري‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫‪12‬‬

‫“سايبر سيتي”‬ ‫سينمائي؟‬ ‫مدينة ألعاب أم فيلم‬ ‫ّ‬ ‫رامي العاشق‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫تقارير‬

‫يظن القارئ لكلمة سايرب سيتي –للوهلة األوىل‪-‬‬ ‫أننا نتحدّث عن مدينة ألعاب‪ ،‬أو مدينة صناعية‪،‬‬ ‫عن فيلم سيناميئ ّربا‪ ،‬وال ميكن له أن يتو ّقع أ ّننا‬ ‫نتحدّث عن سجن يس ّمونه هنا “مخ ّيم”!‬ ‫يقع “سايرب سيتي” يف مدينة الرمثا األردن ّية‬ ‫رسا” الجئون‬ ‫الحدود ّية مع سوريا‪ ،‬ويسكن فيه “ق ً‬ ‫فلسطينيون قادمون من سوريا هر ًبا من آلة‬ ‫فلسطيني محتجز يف بناء بستّة‬ ‫املوت‪ ،‬قرابة ‪500‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫طوابق تضم مائة وعرشين غرفة‪ ،‬كل غرفة تسكن‬ ‫فيها عائلة‪ ،‬يف ظروف إنسان ّية مأساو ّية أشدّها‬ ‫قسو ًة‪ّ :‬أن املحتجزين ممنوعون من الخروج من‬ ‫هذا املكان ألبعد من ‪ 30‬مرت ضمن حدود وأسالك‬ ‫شائكة ودور ّيات أمنية وحراسة مشدّدة‪.‬‬ ‫منذ عامني ونصف تحتجز السلطات األردنية‬ ‫هؤالء الفلسطينيني بدون أي تهمة‪ ،‬فقط ألنهم‬ ‫فلسطين ّيون ال أكرث‪ ،‬ومهام بحثنا عن م ّربرات لن‬ ‫نجد ما ميكن للعقل البرشيّ أن يقتنع به! اعتقال‬ ‫تعسفي بسبب جنس ّي ٍة حتى ولو كانت تهم ًة فلم‬ ‫ّ‬ ‫يخرتها أصحابها ومل يقرتفوا ذنب االنتامء لها! نعم‬ ‫ليس ً‬ ‫السود‬ ‫فيلم سينامئ ًّيا وال ّ‬ ‫قصة قدمي ًة عن ّ‬ ‫يسلب إنسان ّية‬ ‫والبيض‪ ،‬سايرب سيتي‬ ‫جحيم قاتِلٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫من فيه!‬ ‫عىل بعد ‪ 500‬مرت من املفاعل النووي كان يلعب‬ ‫(حيدر) ابن الخمس سنوات يف بهو “املخ ّيم” م ّر‬ ‫بقربه أحد الرجال فصار يغنّي له أغن ّية ابتكرها‬ ‫أعطني‬ ‫من واقعه تقول‪« :‬بعرض أختك ِش ِلن» أي ِ‬ ‫خمسة قروش‪ ،‬وهذا ال ميكن اعتباره إال تشويها‬ ‫ممنهجا ّربا‪ -‬للطفولة يف سلبها حقو َقها البسيطة‪،‬‬‫ً‬ ‫وامتها ًنا لكرامة اآلباء املمنوعني من العمل‪،‬‬ ‫والجالسني هكذا ينتظرون قرا ًرا ما يقيض بخروجهم‬ ‫ومعاملتهم كالبرش الطبيعيني!‬ ‫لو كتبت عىل “غوغل” عبارة سايرب سيتي‪ّ ،‬ربا‬ ‫ستعرف شيئًا ما عن هذا السجن‪ ،‬لكنّك لن‬ ‫تعرف عن (رأفت) ‪ 20‬عا ًما‪،‬‬ ‫فلسطيني سوريّ‬ ‫ّ‬ ‫حاول االنتحار من سطح املبنى‪ ،‬ألن السلطات‬ ‫قررت تسفري والده الستّيني إىل سوريا الذي‬ ‫هرب من سايرب سيتي ودخل إىل املدينة حيث تم‬ ‫ُ‬ ‫محاوالت انتحار كثرية كانت‪،‬‬ ‫إلقاء القبض عليه‪،‬‬ ‫ومحاوالت هروب كثرية نجح بعضها وفشل بعضها‬ ‫وأعيد بعض الذين هربوا وتم القبض عليهم إىل‬ ‫رسا‪ ،‬هل تصدّق أن كل هذا فقط ألنهم‬ ‫سوريا ق ً‬

‫فلسطين ّيون؟ ال أعتقد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مل يستطع الفلسطيني السوري (أبو عمر) أن‬ ‫جريحا‬ ‫يهرب من حمص إىل لبنان أو تركيا‪ ،‬فأىت‬ ‫ً‬ ‫مصا ًبا يف قدمه واضطر للجوء إىل األردن إلجراء‬ ‫عملية جراحية يف ساقه ووضع صفائح حديد ّية‪،‬‬ ‫القصة عاد ّية وطبيع ّية‬ ‫وإىل هنا ميكن اعتبار هذه ّ‬ ‫الطبيعي‪ ،‬أن ُينع‬ ‫يف ظل ظروف الحرب‪ ،‬إال أن غري‬ ‫ّ‬ ‫عمر من الخروج من سايرب سيتي ّ‬ ‫أبو ّ‬ ‫ليفك الغرز‬ ‫ّ‬ ‫فاضطر أن يف ّكها‬ ‫(القطب) املعدنية من ساقه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالكمشة (الزراد ّية) بنفسه! هل ميكن للعقل‬ ‫البرشيّ تخيل هذا املشهد؟‬ ‫ٌ‬ ‫خصصت وكالة‬ ‫فقد‬ ‫سيتي‪،‬‬ ‫جميلة يف سايرب‬ ‫الحياة‬ ‫ّ‬ ‫خاصا ليصبح مسجدًا‪،‬‬ ‫الغوث “األونروا” (كرفا ًنا) ّ‬ ‫وآخ َر لتوزيع الكوبونات من منظمة الغذاء‬ ‫العاملي‪ ،‬وسمحت السلطات بزيارة املحتجزين‬ ‫مبوافقة املترصف (املحافظ) نعم نجحوا يف تحسني‬ ‫ظروف السجن‪ ،‬ومل يقدموا عىل املحاولة إلغالقه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫جميل أن تقوم “هيومان رايتس ووتش” بتسم ّية‬ ‫سايرب سيتي مبنشأة الحجز‪ ،‬هذا كل ما بوسعهم أن‬ ‫يفعلوه‪ ،‬إال أن األجمل من هذا ك ّله‪ ،‬أن يط ّلق رجل‬ ‫امرأته ألنه بدون عمل‪ ،‬عمله فقط هو الشجار‬ ‫معها! واألكرث ً‬ ‫جامل ‪ ..‬أن مينع فلسطينيو السايرب‬ ‫سيتي من الزواج داخل حدود املخيم وخارجه!‬ ‫هل املوت أكرث عدالة من هذا؟ منفيون بال‬ ‫منفى‪ ،‬عالقون عىل حدود االنتظار بال غ ٍد واضح‬ ‫خالصا متأخ ًرا ال‬ ‫املعامل‪ ،‬ينتظرون مو ًتا بطيئًا أو ً‬ ‫يعرف موعده‪ ،‬معتقلون بال تهمة‪ ،‬هاربون من‬

‫املوت واالعتقال ومعتقلون برسم القرار السيايس‬ ‫ْ‬ ‫سألت م ّرة إحدى العامالت باملفوض ّية‬ ‫والسيادي‪،‬‬ ‫أحد الش ّبان املحتجزين عن رأيه بالحاممات‬ ‫مهم‬ ‫املشرتكة بعد أن تم تحسينها‪ ،‬فأجاب‪« :‬مش ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحطونا بقفص وتقولولنا هاد مصنوع من الدهب‪،‬‬ ‫بيضل إسمو قفص»!‬ ‫البعض عادوا طوعًا‪ ،‬وهذا القرار الطوعي‪ ،‬قرسيّ‬ ‫بشكل أو بآخر‪ ،‬أبو هشام وأبو خالد فلسطين ّيان‬ ‫عادا إىل درعا ألنهام مل يستطيعا البقاء هكذا‪ ،‬طلبوا‬ ‫العودة‪ ،‬وتم “قذفهام” إىل سوريا‪ ،‬أبو خالد استشهد‬ ‫يف الغوطة الرشقية وظ ّلت عائلته ‪-‬التي ه ّربها من‬ ‫سايرب سيتي إىل ّ‬ ‫عمن‪ -‬مطلوبة لألمن األردين‪ ،‬وأبو‬ ‫هشام استطاع الوصول إىل تركيا‪ ،‬ثم إىل اليونان‪،‬‬ ‫وهو اآلن يف السويد بعد أن قطع ال ّرب والبحر ونجا‬ ‫من املوت أكرث من م ّرة!‬ ‫لن تعرف هذه التفاصيل؛ ليس ألنها خيال ّية وال‬ ‫ألنك ال تريد أن تعرف‪ ،‬بل ألن مثة من ال يريد‬ ‫لك أن تعرف‪ ،‬هل تعرف ً‬ ‫مثل أن سايرب سيتي‬ ‫ليس األول من نوعه؟ فلسطينيو العراق ً‬ ‫أيضا تم‬ ‫وضعهم عىل الحدود األردنية العراقية يف مخيم‬ ‫الرويشد ملدّة ثالث سنوات حتى أخذتهم الربازيل‬ ‫بالطائرات دون أن يدخلوا األردن؟ يف سوريا كذلك‪،‬‬ ‫مخ ّيم التنف عىل الحدود العراقية السورية كان‬ ‫بذات املواصفات غري اإلنسان ّية‪ ،‬والالفت يف األمر‬ ‫أن ّ‬ ‫كل هذا يف بال ٍد تدّعي الدفاع عن الفلسطينيني‬ ‫وقض ّيتهم وتحمل رايتهم يف شعاراتها وحمالتها‬ ‫اإلعالمية!‬


‫غريب‪..‬‬ ‫علي فاروق‬

‫لطاملا أحببت “العوامة” عندما كنت صغرياً‪ ،‬أما‬ ‫اليوم فرصت أشتاقها‪ ،‬وأحبها أكرث‪..‬‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫األشجار‪ ،‬كنت أعجز عن النوم‪ ،‬إىل أن اهتديت إىل‬ ‫منوم‪ ،‬فرصت أسأل رفاق األرق‪ ،‬هل تعرفون قصة‬ ‫ٍ‬ ‫“أم رنو” ؟‬ ‫وأنادي صاحبي‪ ،‬وأقول مبك ٍر‪ :‬ارو لهم القصة‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫يبدأ صديقي حكايته‪ ،‬فيتسلل خد ٌر ثقيل يف‬ ‫عروقي‪ ،‬إىل أن أصاب مبا يشبه اإلغامء‪ ،‬وأنام‪..‬‬ ‫أصبحت زياراته يل بعد دخول الجامعة طقساً‬ ‫يومياً‪ ،‬حتى يف أيام االمتحانات‪ ،‬أما حديثه األثري‪،‬‬ ‫فقد ظل‪‘‘ :‬الشيخ’’ قال‪‘‘ ،‬الشيخ’’ فعل‪‘‘ ،‬الشيخ’’‬ ‫قرر‪ ،‬أو يردد جمل ًة‪ ،‬أو مقطعاً من خطبة ‘‘الشيخ’’‪.‬‬ ‫لطاملا وجد يف كالم ‘‘الشيخ’’‪ ،‬رأس الحكمة‪ ،‬وغاية‬ ‫العلم‪ ،‬كان يتمنى أن يصبح شيخاً‪ ،‬خطيباً‪ ،‬لذلك‬ ‫قرر الحصول عىل الشهادة اإلعدادية‪ ،‬طلب‬ ‫مساعديت‪ ،‬فابتدأت معه دروس اللغة اإلنكليزية‪،‬‬ ‫لكن همته فرتت برسع ٍة‪ ،‬ثم توقف‪..‬‬ ‫زارين يف أحد األيام‪ ،‬وعندما جلس‪ ،‬نظر إيل لثوانٍ ‪،‬‬ ‫مهم‪:‬‬ ‫وكأنه يطلب إذناً لقول يش ٍء ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ــ نحن ٌ‬ ‫مؤمنة‪..‬‬ ‫علامنية‬ ‫علامنية‪ ..‬ولكنها‬ ‫دولة‬ ‫قال ذلك بإعجاب‪ ،‬وفخ ٍر‪ ،‬وبصوت عال‪ ،‬محاوالً‬ ‫تقليد صوت ‘‘الشيخ’’‪ ،‬مل أعرف ما كانت توقعاته‬ ‫مني‪ ،‬لكنه بالتأكيد مل يتوقع أن أقول‪:‬‬ ‫ــ مني هالحامر اليل قلك هيك !؟‬ ‫فسكت‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫كان أصغر إخوته‪ ،‬له ُ‬ ‫أخت وحيدة كربى‪ ،‬وثالثة‬ ‫أشقاء‪ ،‬شقيقه األكرب‪ ،‬وشقيقه الثاين معتالن منذ‬ ‫الوالدة‪ ،‬واألكرب فض ًال عن مرضه العقيل‪ ،‬كان‬ ‫مشلوالً أيضاً‪ ،‬أما أخوه الذي يكربه مبارش ًة‪ ،‬فكان‬ ‫اض‬ ‫مصاباً بالسكري‪ ،‬أما هو فكان دائم اإلصابة بأمر ٍ‬ ‫غريب ٍة‪ ،‬يف أخر مر ٍة‪ ،‬مث ًال‪ ،‬أصيب مبرض “السل”‪،‬‬ ‫انتفخت غدد رقبته‪ ،‬وغدت له رقبتان‪ ،‬عندما‬ ‫رأيته‪ ،‬ضحكت بشد ٍة‪ ،‬مل أمتالك منع نفيس‪..‬‬ ‫كان أخر لقاء لنا قبل اقتحام الجيش بثالثة شهو ٍر‪،‬‬ ‫أىت لزياريت يف إحدى األمسيات‪ ،‬وأخربين أنه يفكر‬ ‫بالزواج‪ ،‬وأن والدته تريده ‘‘عريساً’’ كأخيه‪ ،‬أن‬ ‫موعد تجديد جواز سفره قد حان‪ ،‬وأنه ال ميلك‬ ‫النقود‪ ،‬فأعطيته بعضها‪ ،‬وأخربته أنني سأتدبر‬ ‫الباقي يف اليوم التايل‪ ،‬لكنه مل يعد‪..‬‬ ‫عندما أخربين أخي أنه رآه قرب منزله ممدداً‬ ‫يف الشارع‪ ،‬إىل جوار أخيه ‘‘العريس’’‪ ،‬بثيابهام‬ ‫واضح عليهام‪،‬‬ ‫وحيش‬ ‫تعذيب‬ ‫املشققة‪ ،‬وبآثار‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫مصابني برصاص يف الرأس‪ ..‬مل أستطع البكاء‪.‬‬ ‫بعد املعركة‪ ،‬كنت مستنزفاً‪ ،‬محط ًام من الداخل‪..‬‬ ‫كان شعور الضآلة والعجز ميزق أعامقي‪ ..‬عندما‬ ‫كان حياً‪ ،‬كنت أداعبه بسؤالٍ يقطع حديثه‪:‬‬ ‫يامن زعالن مني؟‬ ‫فيجيبني‪ :‬ال‪ ..‬فأفاجئه بسؤالٍ آخ ٍر‪:‬‬ ‫بتحبني؟‬ ‫يخجل‪ ،‬يرتبك‪ ،‬فيداري جوابه بابتسامته الرقيقة‪:‬‬ ‫“أحب ثالثة أشخاص‪ ،‬باسل‪ ،‬وكامل‪ ،‬وأنت”‬ ‫يكفيني أن أكون ثالث من يحب‪..‬‬ ‫أبوي‪،‬‬ ‫لطاملا اعتربته أخي الصغري‪ ،‬وعاملته ٍ‬ ‫برفق ٍ‬ ‫واعتربت نفيس مسؤوالً عنه‪ ،‬واآلن عندما احتاجني‬ ‫ألخر مر ٍة يف حياته‪ ،‬خذلته‪ ،‬وعجزت عن حاميته‪..‬‬ ‫فهل أبيك عليه‪ ،‬أم عىل نفيس؟‬ ‫أخربين أخي أيضاً‪ ،‬أنه يف تلك الظهرية الحارقة رأى‬ ‫أخاه الثالث‪ ،‬يجلس عند رأس أخويه املمددان عىل‬ ‫اإلسفلت‪ ،‬ويقرب من شفاههام املدماة‪ ،‬زجاجة‬ ‫ٌ‬ ‫‘‘مجنون’’ أرحم‬ ‫ما ٍء‪ !..‬ما نفع العقل‪ ،‬إن كان‬ ‫بامليت منا‪..‬‬ ‫يف اليوم التايل لعوديت إىل املدينة‪ ،‬ذهبت إىل بيته‪،‬‬ ‫كان خالياً‪ ،‬هناك أخربين أحد الجريان‪ ،‬أن ال َق َت َلة يف‬ ‫ذلك اليوم‪ ،‬وبعد انسحاب املدافعني عن املدينة‪،‬‬ ‫صعدوا إىل املنزل‪ ،‬وأنزلوا األب‪ ،‬وولديه‪ ،‬عذبوهم‪،‬‬ ‫ثم أعدموهم ميدانياً يف الشارع‪ ،‬فيام تركوا األم‪،‬‬ ‫والبنت‪ ،‬والولدان املريضان‪..‬‬ ‫مل يعرف أولئك املجرمون كم كان طيباً‪ ،‬وهشاً‪،‬‬ ‫وقاب ًال للكرس‪ ..‬ال حاجة للرصاص‪ ،‬تقتله ٌ‬ ‫كلمة‪ ،‬أو‬ ‫ٌ‬ ‫صفعة‪..‬‬ ‫وداع أخ ٍري‪ ..‬لكن الجيش أخذ‬ ‫كان لدي بقية أملٍ يف ٍ‬ ‫الجثث معه‪..‬‬ ‫بعد مد ٍة‪ ،‬علمت أن األم‪ ،‬سافرت مع ابنتها‪ ،‬وولدها‬ ‫الثاين‪ ،‬إىل “غزة”‪ ،‬بعد أن أودعت ولدها األكرب‬ ‫العاجز‪ ،‬لدى إحدى املؤسسات الخريية‪ ..‬وهكذا‬ ‫موت جديد‪..‬‬ ‫رحلوا إىل ٍ‬ ‫اليوم‪ ،‬وبعد سنتني عىل استشهاده‪ ،‬ال أعرف مل ال‬ ‫زلت أحس أن حزين معه يزداد بدل أن ينقص‪ ..‬حقاً‬ ‫غريب‪..‬‬ ‫إنه أم ٌر ٌ‬

‫‪13‬‬

‫مقاالت‬

‫عمل يف صنع “العوامة”‪ ،‬وصار يرافق ‘‘األستاذ’’ يف‬ ‫جميع زياراته‪ ،‬ومشاويره‪ ،‬وأصبح يالزمه يف حضور‬ ‫‘‘دروس العلم’’ يف مسجد “أيب النور” بدمشق‪،‬‬ ‫وبدا هو أيضاً‪ ،‬أنه قد بدأ يختار طريقه‪.‬‬ ‫يف مجيئه األول مل تتح يل فرصة التعرف إليه‪،‬‬ ‫حديث معه‪ ،‬سألته‪:‬‬ ‫لكنه حينام عاد‪ ،‬ويف أول‬ ‫ٍ‬ ‫ملاذا انقطعت عن املجيء إىل املسجد‪ ،‬قبل عدة‬ ‫سنوات؟‬ ‫فرد برباء ٍة‪ ،‬وبساط ٍة‪:‬‬ ‫ــ والله وقتها اشرتيت “بسكليت”‪ ،‬ورصت العب‬ ‫عليها بالحارة‪ ،‬ونسيت الدرس‪!..‬‬ ‫أحببته‪ ،‬ورصنا أصدقاء‪..‬‬ ‫صار شاغله ارتياد املساجد‪ ،‬وحضور ‘‘دروس‬ ‫العلم’’‪ ،‬وسامع ‘‘الشيوخ’’‪ ،‬ومل يعد يخلو أي‬ ‫حديث له من االستشهاد ‘‘بحكمتهم’’‪ ،‬وترداد‬ ‫ٍ‬ ‫أقوالهم‪ ،‬أما أنا املصاب بالسأم منهم‪ ،‬واملحبط‬ ‫من جهلهم‪ ،‬فكنت أتعمد تسفيه تلك ‘‘الدروس’’‬ ‫أمامه‪ ،‬والتكلم بالسوء عىل ذينك ‘‘املشايخ’’‪ ،‬كنت‬ ‫أسعى لتوعيته‪ ،‬وأحياناً كنت أرغب بإغاظته فقط‪،‬‬ ‫حتى ال يسرتسل بأحاديثه أمامي‪..‬‬ ‫لكن محاواليت كانت تبوء بالفشل‪ ،‬فقد ظل مقتنعاً‬ ‫‘‘بالعلم’’‪ ،‬وكان من طبيعته أنه حينام يتعلق‬ ‫بحديث‪ ،‬أو بقص ٍة فإنه يظل يرددها‪ ،‬ويكررها وال‬ ‫ٍ‬ ‫يرتك ذكرها حتى تقع بني يديه قصة أخرى‪ ،‬فينىس‬ ‫األوىل‪ ،‬ويدير أسطوانة الثانية‪ ،‬حتى تأيت ٌ‬ ‫ثالثة‪،‬‬ ‫وهكذا‪..‬‬ ‫كان عندما يزورين‪ ،‬ونتحدث‪ ،‬ثم يجد َّيف تربماً من‬ ‫الحديث املكرر‪ ،‬يحاول إبهاجي‪ ،‬فيسألني‪ :‬هل‬ ‫رويت لك ما جرى بني والداي‪ ،‬وجارتنا “أم رنو” ؟‬ ‫وكان يسأل بجدية‪ ،‬فقد كان ينىس دامئاً أنه حكاها‬ ‫يل‪..‬‬ ‫وكنت أجيب يف كل مر ٍة‪:‬‬ ‫ال‪ ،‬مل تر ِو يل‪..‬‬ ‫يعذبني جداً سامع القصص املكررة‪ ،‬لكن العذاب‬ ‫الذي كنت أحسه من سامع قصصه‪ ،‬كان فيه يش ٌء‬ ‫من األمل العذب‪ ،‬يروي حكايته‪ ،‬فأرسح بخيايل يف‬ ‫عوامل بعيد ٍة‪ ،‬وأستمتع باألمل‪ ،‬وأنا أفكر من أين تأيت‬ ‫تلك اللذة؟ !‬ ‫يف الصيف ذهبنا مع ‘‘الشيخ‪/‬املفتي’’‪ ،‬يف رحل ٍة‬ ‫إىل البحر‪ ،‬وهناك كنا يف الظهرية نستلقي تحت‬

‫يف ذكرى‪ :‬يامن يوسف املبيض ‪ 1981‬ــ ‪2012‬‬


‫قلم ورصاصة‬ ‫ٌ‬ ‫‪14‬‬

‫فرات الشامي‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫ُ‬ ‫استأنف الكتاب َة عن‬ ‫حني أرشعُ بالكتاب ِة عنها‪،‬‬ ‫ني النساء‪...‬‬ ‫امرأ ٍة أسطوري ٍة‪ ،‬كنت‬ ‫ُ‬ ‫أغوص يف أع ِ‬ ‫اغرتف املعاين من وجوههن‪ ،‬لكن الحرب فرضت‬ ‫نفسها‪ .‬حت ًام مل أنفصل عن القلم والورقة لكنني‬ ‫غادرت عامل النساء وأخذت الكلامت حيزها‬ ‫الصحيح يف زاوية التفكري‪ ...‬بقيت امرأ ًة واحد ًة‬ ‫يف ذاكريت‪ ...‬يف كل ليل ٍة أحلم بها فوق رسيري‬ ‫الخشبي‪ ،‬ألثمها تار ًة‪ ...‬وتار ًة أالمس وجنتيها‪ ...‬يف‬ ‫ُ‬ ‫اكتشفت أن مياه شفتيها تلوث‬ ‫آخر مر ٍة لثمتها‪،‬‬ ‫بفعل فاعل!!‪ ،‬ثم تشوهت القصيدة التي نظمتها‬ ‫من أجلها‪ ...‬بعض من حسبتهم أقاربها يع ّرون‬ ‫جسدها أمام عيني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ورسحت‬ ‫رصخت‪“ :‬كيف آمنت بأنهم أهلك؟” ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫بعيداً‪ ...‬بعيدا‪ ...‬إنها خائنة‪ ...‬هكذا النسوة الاليت‬ ‫عرفتهن‪ ،‬يعطني أجسادهن ملن ال يستحق‪...‬‬ ‫همس ْت‪( :‬جميعكم تركني فريس ًة لهم)‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬ ‫أشاحت بوجهها ومضت‪.‬‬ ‫مل أفهم شيئاً‪ ،‬وما شأين مبا تقول؟!‪ ،‬رمبا ألنني مل‬ ‫أحاول أن أفهم كغريي‪.‬‬ ‫لن أكتب عنها بعد اليوم‪ ،‬ما الفائدة من الكتابة‬ ‫يف زمن الرصاص واملوت‪...‬؟ ما الفائدة من الورق‬ ‫يف زمن تساقطه ‪...‬؟ تلك املتاهة والجدلية التي‬ ‫تعج باألسئلة مل تكن لتسيطر عىل تفكريي لوال‬ ‫الحصار الخانق عىل الحرف يف كل األزمنة‪ ،‬حتى‬

‫تتمة من صفحة ‪9‬‬

‫يف زمن الحريات‪!!...‬‬ ‫ً‬ ‫ أنت هنا تختار االستسالم بديال عن اإلميان‬‫بالقيمة التي خرجت من أجلها‪َ ...‬‬ ‫مجرم حني‬ ‫أنت ٌ‬ ‫ترتك امرأ ًة عاري ًة أمام مغتصبيها وترحل‪ ...‬وإال مبا‬ ‫تفرس هروبك‪..‬؟!‬ ‫أنت من بعت نفسك لطاغية‪!!...‬‬ ‫ أنا ما هربت‪ِ ...‬‬‫مجر ُد مرب ٍر للتخلص منها‪ ،‬ومن هول املوت‬ ‫املحيط بنا‪ ،‬ما أبشع املوت‪ ...‬بل ما أتفه أولئك‬ ‫الذين يفرون منه هكذا رصت أفكر بعد أن‬ ‫أدركت كنه حروفها‪.‬‬ ‫تذكرت قلمي‪...‬وسيلتي للعب ُور نحو القلوب‬ ‫والعقول‪ ...‬أغزو به أعامقاً مغلقة األبواب‪....‬‬ ‫وتستعص أخرى‪ ...‬أعايش اليأس‬ ‫افتحها تار ًة‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫واألمل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومع أنني مل أكرتث بالرصاص ِة يوما‪ ،‬ليس لعدم‬ ‫إمياين بجدواها‪ ،‬لكنني ُ‬ ‫بت مؤمناً مبكانتها إىل‬ ‫جانب القلم الذي اخرتته صديقاً يف السنوات‬ ‫األخرية‪ ،‬يومها كنت أخط سطوراً بسيط ًة لنفيس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حلمت أن تتحول إليه دمشق‪،‬‬ ‫وأرسم لوح ًة لعاملٍ‬ ‫أذك ُر أين مشيت يف حاراتها العتيقة‪ ...‬مل أشتم عطر‬ ‫األنثى التي عشقت‪ ...‬شجر ُة الليمون ما عادت‬ ‫يف مكانها‪...‬وريقات الياسمني بال رائحة‪ ...‬الحرية‬ ‫متأل القلوب والوجوه‪ ...‬مشهدُ الرحيل عنها يشبه‬ ‫الغروب يف ليلة حرب‪ ...‬بعض من بقي أخطأ‬ ‫فكان صيداً مثيناً ألولئك املرتبصني‪ ...‬املغتصبون يف‬

‫ذلك الحني استخدموا الرصاصة والقلم العتقالها‪.‬‬ ‫درب هذا الذي قادتني إليه‬ ‫ماذا اختار‪ ...‬أي ٍ‬ ‫ُ‬ ‫اخرتت ذاك املزيج بني‬ ‫رغبايت‪...‬؟ ال عجب إن‬ ‫جناحي‬ ‫الوعي لروحية معتقدي‪ ،‬واطمئناين لدور‬ ‫ّ‬ ‫طريق‬ ‫يف‬ ‫الطائر (القلم والرصاصة)‪ ...‬وأميض‬ ‫ٍ‬ ‫صارت جرساً للعبور‪ ...‬يف نهاية املطاف قد أصبح‬ ‫أنا جرساً مع وريقايت التي كتبتها ورصاص البندقية‬ ‫التي مل تسرتح يف تنقاليت‪.‬‬ ‫يتعانق القلم والرصاصة لرتتسم ٌ‬ ‫لوحة مازالت‬ ‫مشوهة املعامل‪ ،‬فاللمسة بعدُ يف طور التكوين‪،‬‬ ‫لكن الفكرة ارتدت زيها املناسب للربيع‪ ،‬ومهام‬ ‫يكن من أم ٍر فاأللوان ُ‬ ‫طابع ممي ٍز‪.‬‬ ‫ذات ٍ‬ ‫وجه الشبه بني القلم والرصاصة يكاد يجعلهام‬ ‫يتوحدان‪ ،‬حتى ينعدم التفريق بينهام‪ ،‬كالهام‬ ‫يقتل ويبني‪ ...‬وله ذات األثر‪ٌ ...‬‬ ‫قلة من أدركوا‬ ‫واختاروا الطرفني سالحاً يف ثورة الخيارات الصعبة‪،‬‬ ‫واألفكار املتشعبة‪!! ...‬‬ ‫سالح يتحول إىل جوري ٍة يف بستان‬ ‫قلم ورصاصة‪ٌ ....‬‬ ‫ٌ‬ ‫دمشق‪ ...‬لكن‪ ،‬ما هو الزمن الذي ينفصل فيه‬ ‫آت يف القريب‪...‬‬ ‫االثنني‪...‬؟ ال اعتقد أنه ٍ‬ ‫بال ممحاة‪ ...‬هكذا يجب أن نبدأ‪ ...‬ومنيض‪...‬‬ ‫أما األخطاء فتمحوها تصحيحات القلم ذاته‬ ‫واعرتافاته‪ ...‬فاملمحاة أداة تشويه تاريخية‪...‬‬ ‫الحقائق ال متحى بل تصحح إن سلبتها األخطاء‬ ‫سمو غايتها‪.‬‬

‫أدب‬

‫أرسم اال اليش الذي أحس به”‪...‬‬ ‫مثله مثل الكثريين ممن هاجروا مرغمني‪ ،‬ال يعترب‬ ‫الفنان هاين عباس الهجرة خالصا فرديا‪ ،‬حتى فرحه‬ ‫املؤقت يبقى غريبا واستثنائيا وسط ركام احزان من‬ ‫أحب ومن انتمى اليهم‪.‬‬ ‫“لألسف أي فرح بسيط أشعر به أو أشاهده ينقلب‬ ‫عكساً عند قياسه مبعاناة الناس وخاصة النازحني‬ ‫بالداخل السوري أو يف الخارج‪ ...‬يف املخيامت أو حتى‬ ‫اللذين وصلوا إىل أوروبا‪ ..‬فاألمور ليست سهلة كام‬ ‫يظنها البعض‪ ..‬تختلف حدة الصعوبات من مكان‬ ‫ملكان ولكن يف الحقيقة كلها مأساة‪ ،‬سأشعر بالفرح‬ ‫عندما ينتهي كل هذا املوت والوجع اليومي وتتحقق‬ ‫العدالة”‬ ‫رغم نربة الحزن يف كلامته يبقى الفنان هاين عباس باب‬ ‫الحلم واالمل مفتوحا عىل جيل جديد قد يتفتح يف‬ ‫عامل أقل قسوة “كل يشء يثري مشاعر الحزن واألمل‪...‬‬ ‫ال أخبار سعيدة منذ زمن‪ ...‬امتنى أن ينتهي كل هذا‬ ‫األمل‪ ..‬وأن اتفرغ للرسم لألطفال بعيدا عن كل يشء”‪.‬‬


‫الثورة تتحدث مع نفسها‬ ‫باسل مطر‪ -‬مشروع سالمتك‬

‫املستخدمني وأن إطالق التغاريد واستخدام الوسوم التي تخرتعها وحده لن يوصل‬ ‫أخبارك إىل العامل؟‬ ‫هناك ثالثة أمور أساسية يجب أن تتوفر لتصل قصص السوريني إىل العامل‪ ,‬وليكون‬ ‫استخدامهم ملنصات التواصل االجتامعي (أو اإلعالم االجتامعي كام يسمى باللغة‬ ‫اإلنكليزية) نافذة توصلهم إىل الناس‪ ,‬ويرتك فيهم أثرا ويدفعهم ملشاركتها أيضا‪.‬‬ ‫صناعة القصة‪ :‬صناعة القصة هو فن دون شك حتى حني يعتمد عىل أحداث‬ ‫حقيقية‪ .‬ال شك أن هناك الكثري من صناع القصص‪ ,‬لكن امللفت أن الكثريين أيضا‬ ‫مل يتحركوا بهذا االتجاه‪ .‬عىل إعالم الثورة االنتقال بجزء كبري منه من نقل الخرب إىل‬ ‫صناعة القصة‪ .‬إن القصة التي تحوي أسامء‪ ,‬وأماكن وحقائق وصور وتظهر حياة‬ ‫الناس تحرك املتلقي وترتك يف نفسه أثرا أكرب بكثري من األرقام وأعداد الضحايا‬ ‫وأخبار الدمار الغامضة أو االشتباكات التي ال نعرف أطرافها‪.‬‬ ‫معرفة الجمهور‪ :‬عىل اإلعالمي أن يحدد الفئة التي يريد إيصال قصته لها‪ ,‬ويبحث‬ ‫عام يحركها‪ ,‬ويشدها ويؤثر فيها‪ .‬إن تحديد الجمهور ال يقل حيوية عن صناعة‬ ‫القصة ذاتها‪ .‬ال يعني هذا تغيري الحقائق أبداً‪ ,‬بل يعني معرفة املفردات والصور‬ ‫والطريقة التي يجب تقديم القصة من خاللها لتصل إىل الفئة املستهدفة وتلقى‬ ‫أثراً‪.‬‬ ‫معرفة منصات النرش وأدواته‪ :‬يستخدم السوريون فيسبوك ويوتيوب (وتويرت‬ ‫بدرجة أقل كثريا)‪ ,‬لكن القلة القليلة ممن يديرون هذه الصفحات وهذه‬ ‫الحسابات تعرف كيف تستخدم هذه املنصات بطريقة اسرتاتيجية‪ .‬تكمل هذه‬ ‫املعرفة معرفتنا بالجمهور الذي نخاطبه‪ .‬تعمل كل من هذه املنصات وفق أسس‬ ‫تقنية وتجارية معينه تختلف من منصة ألخرى‪ .‬يعتمد تويرت مثال عىل الوسوم‬ ‫لكنه أيضا يعتمد عىل التفاعل بني املستخدمني‪ ,‬ويعتمد يوتيوب عىل وسوم من‬ ‫نوع آخر‪ .‬عىل الناشط اإلعالمي معرفة دينامكيات عمل هذه املنصات وأرسارها‬ ‫الستثامرها يف نرش قصصه والوصول إىل أكرب عدد من الجمهور‪.‬‬ ‫للحديث بقية يف األسابيع القادمة مع مزيد عن االستخدام الفعال ملنصات التواصل االجتامعي‪.‬‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫لمراسلة فريق التحرير‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪https://twitter.com/freedomraise‬‬

‫مقاالت‬

‫زورونا على موقعنا الجديد على االنترنت‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫العدد ‪2014 / 10 / 13 - 46 -‬‬

‫يف اآلونة األخرية كرث الحديث عن أن الثورة السورية والسوريني‬ ‫اليوم يتحدثون مع أنفسهم فقط! ألوف الصفحات اإلعالمية‪,‬‬ ‫وعرشات األلوف من الناشطني اإللكرتونيني‪ ,‬وامليدانيني ينقلون‬ ‫األخبار‪ ,‬يوثقون األحداث‪ ,‬ويخاطرون بحياتهم من أجل نقلها وما‬ ‫من أذن تسمع وال عني ترى – إال من رحم ريب‪ -‬يا للحزن!‬ ‫مل يعد من املجدي اليوم الحديث عن انتهاكات داعش والنظام‬ ‫بطريقة نقل الخرب الصحفي التي سادت يف بداية الثورة والزالت‬ ‫صفحة الثورة السورية وصفحة لجان التنسيق املحلية وشام‬ ‫اإلخبارية تتبعها بحرفية محرية مع كامل االحرتام لعملهم القيم‪.‬‬ ‫فخرب قصري عن قصف عىل دوما يودي بحياة عائلة ال يسافر بعيدا‬ ‫اليوم يف الفضاء اإللكرتوين الرحب‪ ,‬ليس ألنه خرب ال يستحق ذلك‬ ‫أبدا – فهو خرب قيم دون ريب‪ ,‬بل ألن العامل اليوم ينتظر أكرث من‬ ‫مجرد خرب‪ .‬لقد مىض الوقت الذي كان فيه نقل الخرب أمراً هاماً‬ ‫يف سياق الثورة السورية‪ ,‬فقد أتخم املستمعون واملتابعون أخبارا‬ ‫لحظية ويومية‪ .‬يبحث العامل اليوم بل ورمبا ينتظر قصصاً من األرض‬ ‫السورية‪ .‬قصصا تشده‪ .‬وعليه‪ ,‬فعىل إعالم الثورة (االجتامعي‬ ‫تحديدا نظرا ألهميته يف النقل والنرش وغريه أيضا من اإلعالم‬ ‫التقليدي) االنتقال اليوم من نقل الخرب إىل صناعة القصة‪ .‬لكن‬ ‫هذا ال يكفي‪ ,‬فعىل هذا اإلعالم أن يخرتق املجتمعات االفرتاضية‪,‬‬ ‫ويصل إىل صلبها‪ ,‬لينقل قصصه وليسخر هذه املجتمعات لتحملها‬ ‫إىل غريه‪.‬‬ ‫إليك بعض األرقام التي قد تسبب لك صدمة العمر‪ُ .‬يرفع يف كل‬ ‫يوم ‪ 350‬مليون صورة عىل فيسبوك‪ ,‬وتتم مشاركة ‪ 4.75‬مليار‬ ‫منشور مختلف (صورة‪ ,‬فيديو‪ ,‬ستاتوس الخ)‪ ,‬ويستخدم فيسبوك‬ ‫شهريا ما يزيد عن ‪ 1.35‬مليار مستخدم نشط‪ ,‬وهناك ما يزيد‬ ‫عن ‪ 52‬مليون صفحة فيسبوكية يف قارات العامل الست! أ ما تويرت‬ ‫فيستخدمه أكرث من ‪ 270‬مليون شخص حول العامل يطلقون أكرث‬ ‫من نصف مليار تغريدة كل يوم‪ .‬أين أنت‪ ,‬وأين هي قصصك‬ ‫وأخبارك يف هذا البحر من املحتوى!‬ ‫هذا فضاء هائل يعج باآلخرين‪ ,‬والكثري منهم يريد اخرتاقه‬ ‫بخرب ما أو صورة ما‪ .‬هل تعرف يا صديقي أن معظم ما تنرشه‬ ‫ال يصل إال إىل عرشات قليلة من املستخدمني‪ .‬هل تعلم أن ‪5%‬‬ ‫فقط من متابعي صفحتك عىل فيسبوك يرون ما تنرشه يف رشيط‬ ‫األخبار عىل جدارهم؟ وأن تويرت هو منصة أساسها التفاعل بني‬

‫‪15‬‬


‫ال لضياع جيل‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.