حرية كرامة مواطنة
العدد 48
تحقيقات
2014 / 11 / 11
قضية مخطوفي دوما القفز فوق القرائن
مقاالت المجالس المحلية بلديات أم منظمات مجتمع مدني؟ بين القتال والقتل دولة الثقب األسود ترويض الدولة عصر األكراد
العمل في ساحة الممكن
2
افتتاحية
بقلم ليلى الصفدي
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
ال جديد يف القول إن الوقائع وسياسات الدول الكربى تثبت يوماً بعد يوم ازدواجيتها وكيلها مبكيالني مبا يتوافق مع مخططاتها ومصالحها ،كام ال جديد يف القول إن تلك الدول ال تقيم اعتباراً لحياة الشعوب ومصائرها.. وال لحقوق املظلومني أينام كانوا ..ويف هذا السياق يأيت صمت العامل عىل مرتكبي املذبحة السورية املستمرة منذ أعوام أربعة. وعىل األرجح ال يختلف اثنان اليوم عىل أن هناك قرار دويل متوافق عليه بحامية النظام السوري وإطالق يده يف القتل والتدمري ،ويبدو أن هذا القرار يأيت ممن يسمون «أصدقاء الشعب السوري» قبل أعدائه! وتلك حقيقة ظلت لوقت طويل مدار أخذ ورد بني السوريني والذين ّ ظل قسم ال يستهان به منهم غري مصدق لها ألمد قريب. اآلن وبعد دخول قوات التحالف الدويل يف حرب ،يبدو أنها شكلية ،ضد «اإلسالم املتطرف» دون النظام ،تبدو هذه الحقيقة أكرث إقناعاً للجميع ،لكن السؤال الذي يثار اآلن هو حول جدوى هذه الحرب ،وهل ميكن أن تكون مفيدة للسوريني بأي شكل من األشكال؟ شعبنا الذي يالقي أشكاالً شتى من القتل والقمع واإلرهاب ..هل من املمكن أن يستفيد من االنتقائية األمريكية يف الحرب؟
ال يبدو أن هناك جواب مفيد اآلن عىل هذا السؤال، ويبدو مرشحاً أن تبقى سوريا أرضاً خصبة لقتال طويل األمد بني مصالح شتى ال يجمعها إال الالمباالة تجاه سفك دمائنا وتدمري مدننا ومقدراتنا.. لكن هل باإلمكان محاولة العمل وسط هذا الواقع الصعب عىل الحد من اإلجرام فقط؟! هل باإلمكان مسايرة االزدواجية األمريكية بالعمل االنتقايئ عىل محاسبة املجرمني والحد من اإلرهاب والقتل واالعتقال والخطف التعسفي الذي متارسه شتى الفصائل املقاتلة من داعش إىل غريها من الكتائب والعصابات املسلحة... وال نقول النظام الذي تبدو محاسبته من املحرمات اليوم!.. وبعبارة أوضح ..هل تستطيع املراكز الحقوقية السورية ومراكز التوثيق املختلفة وغريها من الجهات املعنية بجرائم الحرب وحقوق اإلنسان ..هل تستطيع الحد من إجرام داعش ومثيالتها عرب محاكامت دولية بعد أن عجزت طوال الفرتة املاضية عن محاكمة ممثيل النظام ورموزه؟؟ ال نعرف ما هي اإلجابات املمكنة عىل هذا السؤال.. والذي يبدو بدوره انتقائيا وال منطقياً ..فإذا كان ال بد من املوت فقد يقول قائل ..لنكن عادلني مع القتلة أيضاً ..ولنسمح لهم بقتلنا عىل قدم املساواة! .. لكن من جانب آخر يبدو أنه ال مفر من الدخول يف الجزئيات واالنتقائية ..ألن ح ًال سحرياً شام ًال يبدو بعيد املنال ..وال بد من العمل يف ساحة املمكن.
افتتاحية العدد
للنشر أو مراسلة فريق التحرير freedomraise@gmail.com
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية ويف بعض مخيامت اللجوء
تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت www.freedomraise.net facebook.com/freeraise twitter.com/freedomraise
قضية مخطوفي دوما القفز فوق القرائن أسامة نصّار
يقرتب مخطوفو دوما األربعة؛ السيدة سمرية القرينة األوىل :مخالفة املقال لواقع الحال
العدد - 48 - 2014 / 11 / 11
الخليل الناشطة واملعتقلة السابقة ،واملحامية الحقوقية رزان زيتونة وزوجها املهندس والناشط وائل حامدة واملحامي الشاعر ناظم حامدي، من طي عام كامل يف الظالم .معلوم أن النشطاء األربعة هم من املعارضني املخرضمني للنظام .ولكن املسؤول عن تغييبهم حتى اآلن ليس النظام ع ّراب الجرمية األكرب يف البلد ،وإمنا كانت الجرمية هذه املرة بأيد “صديقة”! ومع كل التناقضات التي تحملها عبارة “املجرم الصديق” ،إال أنها معربة يف وصف حال املخطوفني األربعة الذين لجؤوا إىل الغوطة “املحررة” بعد أن غدو جميعاً مطلوبني ألفرع النظام األمنية بسبب نشاطهم ودعمهم للثورة والثائرين. حتى اآلن مل يتم الكشف عن مصري األربعة وال عن هوية الخاطف. ال ّ شك أن القضية معقدة وصعبة ،وأن الخاطف عمل عىل اقتناص فرصة درسها جيداً لينفذ فعلته ويخفي األدلة.. ومع ذلك فقد وصل من يعملون عىل كشف مالبسات وحقائق هذه الحادثة ألدلة وقرائن عديدة ،نستعرض هنا ثالثاً من هذه القرائن:
يتم اكتشاف حادثة االختطاف التي وقعت يف ليل مل ّ الثالثاء 9كانون الثاين حتى الصباح التايل .ويف يوم 15 كانون الثاين اجتمع ممثلون عن التشكيالت العاملة يف الغوطة الرشقية يف مق ّر مجلس املجاهدينّ .متت خالل االجتامع صياغة بيان مشفوع بقسم ،يتع ّهد املوقعون عليه برباءتهم من ثالثة حوادث وبـ ”عدم معرفتهم أو اطالعهم عىل أي منها واستعدادهم للتعاون بالبحث وتقديم املساعدة عىل أكمل وجه”. الحوادث الثالثة هي :اختطاف الدكتور أحمد البقاعي من قبل مجهولني ،والثاين هو اختطاف الناشطني األربعة (السيدة رزان زيتونة ورفاقها) نص البيان ،والحادث الثالث هو مقتل أبو عبد كام ّ الرحمن الخطيب -وهو أحد عنارص داعش -من قبل مجهولني أيضاً. والبند األول من هذا البيان هو ما يه ّمنا هنا؛ حيث تم إطالق رساح الدكتور البقاعي الحقاً بعد هذا البيان بحوايل شهر من سجن يتبع لجبهة النرصة، وهي أحد املوقعني عىل هذا البيان .وعلمنا أيضاً أن جزءاً كبرياً من التحقيق الذي أجري مع الدكتور البقاعي أثناء اعتقاله كان عن رزان وزوجها وعالقته
بهام ،وإن كان يتعاون معهام بأي شكل... والسؤال هنا :هل كان هناك (كذب) بخصوص بيان الرباءة املشار إليه؟ عل ًام أن البيان -الذي ُكتب بخط اليد -اخ ُت ِتم بعبارة تقول“ :تعترب هذه الوثيقة حجة عىل كل املوقعني عليها إذا ما ثبت عدم صحة ّ أي توقيع ،وستكون املحاسبة أكرب .ويبقى البحث جارياً حتى عند التشكيالت املو ّقعة .والله خري الشاهدين”. رمبا هناك فتاوى يقتنع بها أصحابها بجواز (اليمني الغموس) يف حاالت مشابهة ،أو بجواز ما ال يجوز تم عادة بحسب الحاجة و(الرضورة) .ولكن هل ّ تربير هذه املغالطات أمام جمع الرجال املوقعني عىل البيان؟ وأال يعني اإلخالل أو االستخفاف بأحد بنود البيان الثالثة أن ذلك ممكن بخصوص باقي البنود وخامتة البيان؟
3
القرينة الثانية :شاهدة عيان
أفادت سيدة ال تزال موجودة حاليا يف مكان ما يف الغوطة الرشقية بأنها رأت رزان -عرضاً -داخل سجن يتبع ألحد التشكيالت العسكرية حددته، وحددت السجن -الذي كانت محتجزة فيه عىل خلفية جنائية -مع مكانه..
تحقيقات
4
تتمة..
قضية مخطوفي دوما القفز فوق القرائن
قد تكون املرأة واهمة أو أنها تشهد زوراً .أو حتى قد تكون مدفوعة لتأجيج الفنت .ولكن املفرتض أن أي من تلك االحتامالت وغريها يتم ذلك؟ تم أو ّ يقتيض التحقيق واملتابعة .فهل ّ
القرينة الثالثة :التقنية تحدد موقع ًا جغرافي ًا العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
تحقيقات
سنتوسع بهذه القرينة أكرث نظراً ألهميتها ،وألن يتم القفز فوقها وتجاوزها كام سابقتيها. ال ّ ذكر األستاذ ياسني الحاج صالح -وهو زوج سمرية الخليل أحد املخطوفني األربعة وصديق قريب من الباقني -يف مقال له بعنوان (تسعة أشهر) ُن ِش عىل موقع “الجمهورية” أن عنده “معلومات قطعية وليست تخمينات” ،تشري إىل “الجهة الخاطفة أو ّ منظمة الخطف” .سألناه ما هي هذه املعلومات ،ومن هي الجهة؟ فأجاب: “لدي معلومات موثوقة قطعاً أن شخصاً معلوم االسم دخل عىل كمبيوترات املخطوفني التي صودرت أثناء عملية الخطف ،وأن هذا الشخص تم من التشكيل املس ّمى (جيش اإلسالم) ،وأنه ّ من املكان نفسه إنشاء حسابات عىل فيسبوك لعنارص من (جيش اإلسالم) .وحني ُأبلغ قيادي تم عىل الفور إلغاء من جيش اإلسالم باألمرَّ ، هذه الحسابات ،دون أي إجراء آخر”. ورداً عىل نفس االستفسار قال أحد أصدقاء املخطوفني والذي تعاون مع األستاذ ياسني يف الحصول عىل هذه املعلومات“ :عملنا -بعد أن تأكدنا من الخطف مبارشة -عىل إغالق حسابات فيسبوك Facebookوسكايب Skype وحتى الربيد اإللكرتوين للمخطوفني ،وذلك أسوة باإلجراءات املعتادة عند اعتقال أحد النشطاء يتم فتح حسابه غصباً مام من قبل النظام ،ألن ال ّ قد يؤدي ملزيد من اإليذاء له وآلخرين .لكننا انتبهنا بعد ثالثة أيام من الخطف أن حساب سكايب الخاص برزان بدا مفتوحاً وبعده بقليل ُفتح حساب وائل .وكذلك أعطى حسابا فايرب Viberلكل من وائل ورزان إشارة إىل الدخول إليهام بعد يوم الخطف بأربعة أيام. أبلغنا أصدقاءنا التقنيني بهذا ،وهم بدورهم راجعوا رشكة مايكروسوفت Microsoftمالكة سكايب فأكدت ذلك ،وأكدت تأمني حسابات املخطوفني”. قبل إحالة هذه املعلومات لخبري تقني حاولنا أن نحصل عىل املعلومات (الخام) من مصدرها
املبارش ،فأفادت إحدى الرشكات التي متلك تم رصد مخدمات Serversعىل االنرتنت أنه ّ حركة لحسابات سكايب الخاصة بكل من رزان ووائل من قبل عنوان آي يب IP Address محدّد .وبتتبع هذا اآلي يب اتضح أن حسابات عىل فيسبوك قد أنشئت منه تعود كلها لعنارص من (جيش اإلسالم) ،وبعضهم معروف وموجود بالغوطة الرشقية .وزيادة عىل ذلك فإن حسايب تم الفايرب الخاصني بكل من وائل ورزان قد ّ تسجيل الدخول لكل منهام من هذا اآلي يب (العنوان) نفسه. طلبنا من األستاذ باسل مطر الخبري يف مجال الحواسب وأمن املعلومات أن يرشح لنا ما يعنيه هذا الكالم ،وكيف ميكن أن يحصل .أجاب: “عندما يتصل جهاز كمبيوتر بشبكة محلية يأخذ ( IPعنواناً فريداً) عىل هذه الشبكة ،وعندما يتصل الجهاز بشبكة االنرتنت العاملية يأخذ IP (مبعنى عنواناً آخر أكرث تعقيداً وفريداً أيضاً عىل ّ ويدل القسم الجديد فيه عىل املوقع الشبكة) الجغرايف لهذا الكمبيوتر .فكل العناوين املوجودة يف دولة معينة تشرتك بجزء من عنوان اآلي يب. كام يف النداء الدويل الخاص بالهاتف الذي يحوي مفتاحاً خاصاً وفريداً لكل دولة ولكل مدينة فيها ...وهكذا وصوالً إىل أن يكون لكل بيت أو محل رقم طويل خاص به مييزه عن أي رقم هاتف يف أي مكان يف العامل. ويف سوريا ال يوجد ما نسميه ،Real IPأي عنواناً حقيقياً بالنسبة لإلنرتنت العادي ،ولكن من املعروف أن كافة االتصاالت مقطوعة يف الغوطة الرشقية ،مام جعل مستخدمي االنرتنت يلجؤون ألجهزة االنرتنت الفضايئ لتسيري أعاملهم. وبالتايل فإن ما ذكرتم يعني أن حسابات سكايب وفيسبوك وفايرب املذكورة قد أمكن تحديد اآلي يب -ورمبا املواقع الجغرافية -لألجهزة التي استخدمت لفتحها .وطبعاً من الناحية الفنية ميكن رصد الحسابات التي تم إنشاؤها من هذا العنوان االفرتايض الذي يقابله عنوان جغرايف بالتأكيد ،بل إنه من املمكن للرشكات صاحبة ا ُملخدّمات املزودة لإلنرتنت رصد جميع حركات هذا الجهاز عىل الشبكة. قمنا بإحالة خربة األستاذ باسل للدكتور قيص مسلامين املحامي األستاذ يف القانون الدويل ومدير املركز السوري األوريب لحقوق اإلنسان .مع سؤال: ما هو موقف القانون والقضاء مام يس ّمى “األدلة
املعلوماتية والتكنولوجية الجيوفضائية”؟
فكانت إجابة الدكتور قيص:
“من حيث قبول األدلة املعلوماتية والجيوفضائية: أجمعت الترشيعات العربية واألجنبية الناظمة ألصول املحاكامت واملرافعات الجزائية عىل مبدأ جوهري وهو حرية اإلثبات يف املسائل ّ ويتلخص هذا املبدأ بأ ّنه “تقام الب ّينة الجزائية؛ يف الجنايات والجنح واملخالفات بجميع طرق اإلثبات” ،من شهادة الشهود إىل االعرتاف ،مروراً بالخربة واملعاينة والقرائن ،األمر الذي يجعل األدلة املعلوماتية والجيوفضائية مقبولة من حيث املبدأ يف إثبات التهمة أو الرباءة منها ،شأنها يف ذلك شأن جميع وسائل اإلثبات التقليدية املتعارف عليها. وأما من حيث حج ّية األدلة املعلوماتية والجيوفضائيةُ :تش ِّكل األدلة املعلوماتية والجيوفضائية املستقاة من مصادرها -وفقاً ألصول العلوم الرقمية والتكنولوجية من قِبلِ خبري قانوين مك ّل ٍف بشكل رسمي من القايض -ب ِّينات ميكن لألخري االستناد إليها يف تكوين قناعته الشخص ّية وعقيدته للحكم باإلدانة أو بالرباءة. َ تتوان مؤسسات القضاء و يف هذا اإلطار ،مل الجنايئ الدويل عن األخذ بهذا النوع من األدلةّ للتحقق من ارتكاب جرائم حرب وجرائم ض ّد تم بالفعل مث ًال يف عام ،2006 اإلنسانية ،وهذا ما ّ حيث اشتملت الئحة االتهام يف املحكمة الجنائية الدول ّية بحق الرئيس السوداين عمر البشري ،ته ًام بارتكاب جرائم حرب وجرائم ض ّد اإلنسانية ،كان من بينها التهجري القرسي وقد ُأدرجت بصدد هذا الجرم صو ٌر لألقامر االصطناعية تحدّد مواقع بعض تم تدمريها حرقاً. القرى يف دارفور التي ّ وبنا ًء عليه ،فإنه فيام لو ثبت بنتيجة الخربة الفنية التي سيجريها القضاء بأن من قام بتحريك حسابات األربعة املختفني قرس ّياً هم عنارص من “جيش اإلسالم” ،فهذا يعترب دلي ًال عىل هوية الجاين وانتامئه ،وهذا ما يستلزم البحث يف مسؤولية قادة الفصيل العسكري الذي يتبع إليه هؤالء. وعن مسؤولية القيادة العسكرية :يتفق الرشع واالتفاقيات الدولية الخاصة بالقانون الدويل اإلنساين والقانون الجنايئ الدويل عىل مسؤولية القائد العسكري عن انتهاكات قواعد القانون نصت الدويل اإلنساين التي يرتكبها مرؤوسيه .فقد ّ املادة 86من الربوتوكول اإلضايف األول الصادر عام ،1977امللحق باتفاقيات جنيف لعام :1949 1-تعمل األطراف السامية املتعاقدة وأطراف
قضية مخطوفي دوما القفز فوق القرائن
نستنتج مام سبق ّأن ثبوت مسؤولية القائد العسكري تستلزم توافر ثالثة عنارص رئيسية:
- 1وجود عالقة رئيس مبرؤوس :أي أن تكون مامرسة القيادة أو السيطرة محسومة ومحددة. - 2أن يعلم القائد األعىل رتب ًة ،أو كان بوسعه أن يعلم ،بأن واحداً أو أكرث من مرؤوسيه اقرتفوا أفعاالً إجرامية ،أو كانوا يهمون باقرتافها. - 3أن يتهاون القائد األعىل رتب ًة يف اتخاذ التدابري الرضورية واملعقولة ملنع اقرتاف األعامل املذكورة املج ّرمة”.
وبالتأكيد ال يقصد ياسني بـ (الرضر الكبري الذي نعمل عىل إلحاقه) أننا سنشكل ميليشيا مس ّلحة لشنّ حرب مضادة عىل امليليشيا الخاطفة ،وال نلم عصابة مل ّثمني لنخطف أقارب وأحباب أن ّ املتورطني بهذه الجرمية ونلوعهم كام لوعونا. لكننا -ووفا ًء للنبالء املخطوفني بالتحديد -ولكل من ناضل إلحقاق الحقّ وإقامة العدل ،ال نعمل إال بطرق قانونية وأخالقية. ً يضيف األستاذ ياسني“ :نريد األربعة أحرارا اآلن. وطاملا هم ليسوا بيننا ،فسنعمل ،ونستطيع أن نعمل بطرق كثرية ،من أجل أن تبقى قضية األربعة حية ال تتقادم ،ومن أجل محارصة خاطفيهم وجعلهم موضع مالحقة يف كل مكان”. ويختم“ :ال ينبغي أن ميتحن أحد صربنا وقدرتنا عىل الدفاع عن أحبابنا وأنفسنا .نحن مجربون، ومن ال يعرف ،فليسأل النظام األسدي الذي يعرفنا جيدا”.
العدد 2014 /11 / 11 - 48 -
النزاع عىل قمع االنتهاكات الجسيمة واتخاذ اإلجراءات الالزمة ملنع كافة االنتهاكات األخرى لالتفاقيات ولهذا امللحق “الربوتوكول” التي تنجم عن التقصري يف أداء عمل واجب األداء. 2ال يعفي قيام أي مر ٔووس بانتهاك االتفاقيات أوهذا امللحق “الربوتوكول” ر ٔوساءه من املس ٔوولية الجنائية أو التأديبية ،حسب األحوال ،إذا علموا ،أو كانت لديهم معلومات تتيح لهم يف تلك الظروف، أن يخلصوا إىل أنه كان يرتكب ،أو أنه يف سبيله الرتكاب مثل هذا االنتهاك ،ومل يتخذوا كل ما يف وسعهم من إجراءات مستطاعة ملنع أو قمع هذا نصت املادة 28من نظام االنتهاك .وكذلك فقد ّ روما األسايس املنشئ للمحكمة الجنائية الدولية عىل ما يفيد نفس هذا املعنى.
بالعودة لألستاذ ياسني ،وسؤاله عن اإلجراءات التي تم اتخاذها بعد هذه املعلومة أجاب: “حني ُأبلغ زهران علوش شخصياً باألمر مل يكن لديه ما يقوله غري إنه“ :رمبا هناك خطأ معني قد حصل”!! وهذا كالم غري مسؤول يذكر مبا كان يقوله مسؤولو النظام السوري حني يواجهون مبا يحرجهم”. ويتابع األستاذ ياسني املفجوع باختفاء زوجته سمرية وباقي أحبابه“ :مصري أربعة أشخاص، امرأتني ورجلني من أنبل السوريني وأشجعهم، منهم زوجتي التي كانت معتقلة سياسية عند النظام ويف سجن دوما للنساء تحديداً ،وجاءت إىل الغوطة هرباً من النظام الذي صار يالحقها، هذا املصري ليس شيئاً ميكن القفز فوقه بهذه الخفة. أطالب مبساءلة علوش أمام هيئة تحقيق مستقلة ومبشاركتي الشخصية ،ومستعد ملناظرة علنية معه يف وسيلة إعالم مستقلة .وهو يف نظري املتهم األول والوحيد ،إىل أن يقدم هو، وليس غريه ،ما يرشد إىل األربعة ،وما يربئه من الجرمية”. يختم األستاذ ياسني مقالته (تسعة أشهر) مبا أسامه (نصيحة للخاطفني)“ :ال تستهينوا بنا، لسنا ممن يسكتون عىل حقّ هو حقهم الخاص وحق مواطنيهم ووطنهم .وال تستهينوا بدأبنا
وصربنا وطول بالنا ،وبفاعلية أدواتنا يف العمل. وال تظنوا أننا ميكن أن نخضع لالبتزاز ،أو أنكم تستطيعون إسكاتنا .وحده تحرير األربعة ،اآلن، يوقف الرضر الكبري الذي ألحقتموه بنا ،والرضر الكبري الذي ألحقتموه بقضيتنا العامة ،ويح ّد من الرضر الكبري الذي نعمل عىل إلحاقه بكم ،ولن نتوقف”.
5
تحقيقات
6
المجالس المحلية بلديات أم منظمات مجتمع مدني؟ أوس المبارك
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
مقاالت
مع خروج كثري من املناطق السورية الثائرة عن سيطرة نظام األسد وانعدام وجود سلطات مت ِّثل سكان تلك املناطق ،برزت الحاجة إىل تأسيس تجمعات متثيلية لهم (بعضها بدأ قبل الخروج عن سيطرة النظام) لتنظيم إدارة شؤونهم املحلية االجتامعية والخدمية والثورية ،ولتاليف التجاوزات القانونية البدهية كالرسقة والقتل وغريها. وبعد مرور املراحل األوىل من العمل بتشكيل (هيئات رشعية) تس َّود فيها املشايخ كل يشء ،بدأت القوى الثورية املدنية بتأسيس تجمعات يف كل منطقة ،أخذت بعدها اسم (املجلس املحيل). وأخذت عىل عاتقها متثيل صوت السكان املحليني ثورياً وتقديم الخدمات الالزمة لهم .وكانت هذه املجالس هي الباب األهم الذي بدأ منه السوريون تداول شؤونهم العامة وإدارتها والنقاش فيها. ولإليجاز ،فإن كل الشهور التي مرت عىل وجود تلك املجالس كانت تشهد دوماً نقاشات ونزاعات حول صالحيات املجلس املحيل وسلطاته ومهامه مع الهيئات الرشعية والفصائل العسكرية وبعض القوى الثورية املدنية األخرى .إال أن تشكيل مجالس املحافظات التابعة للحكومة املؤقتة املشكلة من قبل االئتالف الوطني السوري كان أهم ما وضع املجالس املحلية يف إشكالية حول ماه َّيتها ودورها. سعى االئتالف الوطني السوري عن طريق مجالس املحافظات إىل احتواء الكوادر الثورية املدنية العاملة يف املجالس املحلية ،كام كان يسعى دوماً إىل محاولة احتواء الثورة كلها باعتباره يرى نفسه “ممث ًال عن الشعب السوري” ،رغم أنه مشكل بأغلبيته الساحقة من قوى معارضة سياسية متارس نشاطها يف الخارج وال متتلك تفويضاً من القوى الثورية امليدانية يف الداخل السوري. وأصبح كثري من كوادر املجالس املحلية أعضاء يف مجالس املحافظات ومكاتبها التنفيذية .وهو ما رآه كثري من أولئك الكوادر خطوة إىل األمام يف اعرتاف املعارضة الخارجية برضورة اشرتاكهم مع القوى الثورية املحلية يف نظم قيادة الثورة السياسية واإلدارية ضمن جسم واحد يستطيع جعل هموم الناس وطموحاتهم املح ِّر َك األسايس لكل عملهم السيايس واإلداري ،وحتى يف دقائق األمور. ومنذ ذلك الحني ،بدأ مسؤولو الحكومة املؤقتة يف الخارج بالتعامل مع أعضاء مجالس املحافظات ومكاتبها التنفيذية كموظفني لديهم يتبعون يف قراراتهم للحكومة املؤقتة ،دون رضورة الرجوع إىل مجالسهم املحلية للتشاور يف القرارات واإلجراءات .وأصبح الحديث عن املجالس املحلية عىل أنها مجالس خدمية فقط ،أي أقرب إىل “البلدية” يف طبيعتها املعروفة لدى إدارة نظام األسد .وحتى أن أرصت عىل إلغاء (إدارة املجالس املحلية) التي الحكومة املؤقتة َّ كانت موجودة يف غوطة دمشق الرشقية ،باعتبار أن مجلس املحافظة أصبح ينوب عنها. ال ميكن النظر إىل تلك الخطوة األخرية بعني الرباءة ،فرغم وجود مكتب الخدمات املوحد يف نفس منطقة وجود إدارة املجالس
املحلية ،إال أن الحكومة املؤقتة مل تهتم بض ِّمه إىل إداراتها ،وإمنا التفتت إىل استتباع من يشكلون القوى الثورية السياسية يف املجالس املحلية وتهميش األخرية بالذات ،بعد أن ارتقت بنفسها – بنسب متفاوتة – يف مأسستها وإدارتها وانتخابها .وأصبحت أقرب إىل ما تتم تسميته بـ (منظامت مجتمع مدين). وإن كانت فكرة منظامت املجتمع املدين أنها مؤسسات تسعى لتكون أقنية بني املجتمع الدولة ،تنقل صوت الناس وتحمي حقوقهم وتساندهم يف واجباتهم ،وتشارك يف فتح فضاء الشأن العام أمام مشاركة جميع الناس وتفاعلهم فيه ،إال أن سلوك الحكومة املؤقتة ينحو باتجاه إغالق تلك األقنية ،ويوحي بالسري عىل خطى سلوك النظام الذي أغلق فضاء الشأن العام أمام جمهور السوريني ومنعهم من مشاركته يف اتخاذ القرارات وإدارة شؤون هي يف األساس شؤونهم هم. وإن كانت أفضل إدارات الدول هي اإلدارة التي تتدخل بأقل ما ميكن يف حياة املواطنني، وتوكل كثرياً من شؤون اإلدارة املحلية إىل منظامت املجتمع املدين ،فإن سلوك الحكومة املؤقتة يوحي مرة أخرى بأنها تنوي التدخل بأكرب قدر يف حياة املواطنني وشؤونهم من موقع متعالٍ عليهم. يف الصني دولة قوية ،ومجتمع مسحوق .وال فائدة يجنيها الناس من دولة قوية ليسوا هم هدفها ،بل السلطة .وال يهنأ أحد بدولة قوية ال تسمع صوتهم أو تشاركهم يف اتخاذ القرارات السياسية واالقتصادية واالجتامعية. وإن مل تتم املحافظة عىل املجالس املحلية كمنظامت مجتمع مدين ،ال كـ “بلديات”، فإن أهم األقنية املرتقبة بني “الدولة الجديدة” واملجتمعات املحلية سيغيب عن املشهد السوري الداخيل ،دون وجود بديل واضح مع استمرار الحكومة املؤقتة يف سياستها الحالية – املدعومة من دول تبحث عن مصالحها أوالً – التي تسري عىل خطى االستبداد بحلة جديدة.
بين القتال والقتل 7
علي العبداهلل
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
مقاالت
قاد اعتامد حركات االسالم السيايس ،التي تتبنى ما تسميه “الجهاد” العاملي ،اساليب وحشية من تفجري السيارات اىل العمليات االنتحارية وقتل املدنيني دون متييز ،باستخدام فتوى الترتس التي قال بها الفقهاء دون التزام برشوطها وضوابطها، وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وسبي النساء واالطفال وبيعهم يف سوق نخاسة يف عرص الحريات وحقوق االنسان ،اىل طرح أسئلة عن رشعية هذه املامرسات ومدى ارتباطها بتعاليم الدين االسالمي وقيمه وتوجيهاته .وهذا استدعى طرح موقف االسالم الحقيقي يف الحروب والقيم التي الزم بها اتباعه يف تعاملهم مع االعداء يف ساحة املعركة وبعد انتهائها. ما موقف االسالم من القتال وبأي معايري خاضه؟ انطلق االسالم يف تعاطيه مع القتال/الحرب بواقعية فهو ،كفعل وحدث ،ممكن الوقوع يف املجتمعات يف ضوء الخالفات وتضارب املصالح واألنفس .اال انه ّ رشعه العتبارات دفاعية يف االغلب واالعم ،قال تعاىل“ :أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله عىل نرصهم لقدير”(الحج.)39: وأمر بالتوقف عن القتال عندما يتحقق هدفه: ارغام املعتدي عىل وقف عدوانه ،وقال عز وجل”: فقاتل يف سبيل الله ال تكلف اال نفسك وحرض املؤمنني عىل القتال عىس الله ان يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيال” (النساء.)84: وحدد سلوك املسلم مع غري املسلم املسامل قال السلم فام جل وعال“ :فان اعتزلوكم وألقوا اليكم ّ جعل الله لكم عليهم سبيال” (النساء ،)90:وذهب عميقا يف هذا التوجه السلمي التهادين قال“ :عىس الله ان يجعل بينكم وبني من عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم .ال ينهاكم الله عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين ومل يخرجوكم من دياركم ان تربوهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب املقسطني .امنا ينهاكم عن الذين قاتلوكم يف الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا عىل اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظاملون” (املمتحنة .)7-9:ونهى عن العدوان قال جل شأنه: “وقاتلوا يف سبيل الله الذين يقاتلونكم وال تعتدوا ان الله ال يحب املعتدين” (البقرة.)191: ولقد وضع للقتال ضوابط تخفف من وحشيته وال انسانيته بتحريم قتل املدنيني غري املقاتلني
وتحريم قتل الشيوخ والنساء واالطفال ،واالعتداء عىل املمتلكات .فقد حدّد الرسول (عليه الصالة والسالم) لقادة جنده الحالل والحرام يف القتال فنهى عن قتل النساء واالطفال ،وعن املساس بالكنائس واالديرة ،وعن حرق النخيل او قلع االشجار او تهديم البيوت او أخذ شيئا اال بثمنه، وح ّرم النهب وقال موضحا مدى حرمته“ :ان النهبة ليست بأحل من امليتة وامليتة ليست بأحل من النهبة” ،وح ّرم ذبح االنسان كاملاشية والتمثيل بالجثث ،وحدد قتل القاتل واملفسد يف االرض بالسيف (االداة الحربية لذلك الزمان) .وملا عرب أسيد بن خضري عن استغرابه تحريم قتل االطفال بالقول“ :يا رسول الله امنا هم اوالد املرشكني ذ ّكره النبي قائال :اوليس خياركم اوالد املرشكني”. ووفق هذا املنطق ترصف الخلفاء الراشدون ابو بكر وعمر وعيل فقد أوىص ابو بكر قادة الجند قائال“ :ال تخونوا وال تغلوا وال تغدروا وال متثلوا وال تقتلوا طفال صغريا وال شيخا كبريا وال امرأة وال تقلعوا نخال وال تحرقوه وال تقطعوا شجرة وال تذبحوا شاة وال بقرة وال بعريا اال ملأكلة ،وسوف مترون بأقوام قد فرغوا أنفسهم يف الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له”. وكان موقف عمر بن الخطاب مام فعله خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة قائد املرتدين يف البطاح (قتله بعد استسالمه) ومطالبته الخليفة ايب بكر بإقامة الحد عىل خالد قرينة حاسمة عىل موقف االسالم يف القتال وتوسله االساليب الرشيفة واملرشوعة يف الترصف مع االعداء. وكان سلوك عيل بن ايب طالب مع الخوارج تجسيدا لتعاليم القرآن الكريم وتوجيهات الرسول يف عدم االعتداء والرد عىل العدوان عند وقوعه والتوقف عن القتال عندما يتحقق ذلك حيث مل يبادر اىل قتال الخوارج حتى بدأوه بالقتال رغم انه كان يعلم انهم يستعدون لقتاله. وبي وقد م ّيز القرآن الكريم بني القتال والقتلّ ، االختالف الجوهري بني الظاهرتني ،فالقتال فعل فيه طرفان بينام القتل فعل من جهة واحدة، طرف يقتل آخر .وقد نظر اىل األول نظرة واقعية واعرتف به كام مر اعاله ،وح ّرم الثاين جاء يف محكم التنزيل“ :من قتل نفسا بغري نفس أو فساد يف االرض فكأمنا قتل الناس جميعا ومن أحياها
فكأمنا أحيا الناس جميعا” (املائدة .)32:وعليه فقد قنن القتل يف ترشيعه الجنايئ يف الحالتني الواردتني يف اآلية :قتل نفس او فساد يف االرض، بهدف حامية املجتمع من تفيش العدوان عىل االنفس واالستهتار بحياة اآلخرين. يف ضوء ما عرضناه حول املوقف املبديئ لإلسالم من القتال والقتل والتطبيق العميل ايام الرسول الكريم والخلفاء الراشدين تتكشف ال رشعية مامرسات حركات االسالم السيايس ،صاحبة عقيدة “الجهاد” العاملي ،وتصنف اعاملها (قتل املدنيني اآلمنني ،االعتداء عىل الذميني ،التمثيل بالجثث، الذبح بالسكني ،سبي النساء واالطفال ،نهب املمتلكات العامة والخاصة) يف خانة االجرام بحق الدين والناس يف آن ،ألنها تفتئت عىل الدين وتربر اعاملها االجرامية باستخدام اسمه ،وتدمر حياة الناس بالقتل والترشيد وتدمري مصادر املعيشة ونهبها تحت دعوى الكفر واالرتداد. يف حديث مع عدد من اعضاء احدى هذه الجامعات ،وبعد حديث طويل عن اعاملهم واساليبهم ،قلت له ان رفع راية “الجهاد” ال تغري من طبيعة اعاملكم االجرامية فالجهاد محكوم مبحددات القتال السابق ذكرها ،ثم ما ذنب املارة الذين يقتلون بسياراتكم املفخخة وانتحارييكم وفيهم مسلمون واطفال ونساء وشيوخ ورجال لهم ُارس وعليهم مسؤوليات يقومون بها لرتبية اطفالهم ناهيك عن عملهم لصالح املجتمع ،فرد قائال“ :هؤالء شهادة الصدفة ،وسيدخلون الجنة بفضل اعاملنا” .قلت له“ :اوال رمبا هو ال يريد املوت اآلن وبهذه الطريقة .ثانيا رمبا يكون من اهل الجنة بعمله وال يحتاج ملكرمتكم .ثالثا وهو االهم هذه ليست افكارا اسالمية ،بل انها متناقضة مع تعاليم الدين االسالمي ،انت تنتمي، تدري أو ال تدري ،اىل جامعة املورمون ،الكنيسة التي اسسها جوزيف سميث يف امريكا يف القرن التاسع عرش ،فقد كانت تتبنى فكرا يقوم عىل قتل اتباع املذاهب االخرى باعتبارهم كفارا ،ويعتربون قتلهم تحريرا لهم من كفرهم وتطهريا لهم من ذنوبهم وارسالهم اىل الجنة مضمخني بدمائهم. جحضت عيناه وتهدج صوته وهم بالرصاخ ألنني شككت يف عقيدته واميانه. * -كاتب سوري.
دولة الثقب األسود ماهر مسعود
8
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
مقاالت
حدد جون لوك يف انكلرتا ومونتسكيو يف فرنسا منذ القرن السابع عرش “ثوابت الدولة” بالسلطات الثالث املعروفة ،الترشيعية والتنفيذية والقضائية ،التي يجب أن تنفصل ،ومن ثم تتكامل مع بعضها ،بغض النظر عن طبيعة النظام السيايس ونوعه .ثم جاء هيغل فيام بعد ليجعل من الدولة الكيان العقالين الذي يحقق روح الحرية وأرفع تجليات الفكرة املطلقة ،ومن ثم أق َّر ماكس فيرب نقدياً بأن الدولة هي الكيان املحتكر لرشعية العنف واإلكراه ،حيث إن احتكار رشعية العنف يتيح لألفراد تجاوز ما أسامه هوبز “حرب كل إنسان ضد كل إنسان آخر”. كان ذلك أثناء نشوء وبناء الدولة األمة يف أوروبا ،لكن بعد “غربلة” الثورات اإلنكليزية واألمريكية والفرنسية وصوالً إىل مؤسساً يف الحرب العاملية الثانية ،أصبحت الدميقراطية جزءاً ِّ أنظمة الدول الحديثة من حيث هي نظام إلدارة التنازع يسمح بالتنافس الحر عىل القيم واألهداف التي يحرص عليها مواطنو الدولة كام أكد توكفيل منذ ما يقارب املئة والسبعني عاماً. نظرياً واجرائياً ميكننا تقسيم الدولة إىل ثالثة مكونات رئيسة هي :املجتمع السيايس ،واملجتمع املدين ،واملجتمع األهيل ،ال بد أن تخضع جميعها للقانون ذي املرجعية الدستورية إذا أردنا أن نتحدث عن رشط الدولة مبعناها الحديث. املجتمع السيايس :متثله السلطة السياسية املتغرية لكن القامئة عىل ثوابت الدولة ،وهي الجيش والرشطة أو الدفاع والداخلية، ثم القضاء ،ثم الربملان مع ملحقاته الوزارية ..ممثيل السلطات التنفيذية والقضائية والترشيعية عىل التوايل .إضافة لألحزاب السياسية التي ميثل وجودها وتنافسها عىل التداول السلمي للسلطة حيوية املجتمع السيايس. املجتمع املدين :متثله املؤسسات؛ الحكومية وغري الحكومية، املنظمة لكن غري السياسية ،مبعنى انفصال حقلها عن حقل السياسة املبارش .ومؤسسات املجتمع املدين ،مبا تعنيه من نقابات وهيئات ومنظامت حقوقية وجامعات وصحافة وإعالم ودور عبادة ..هي مناهضة مبعنى ما ،أو منافسة ملؤسسات املجتمع السيايس ،حيث إن مهمتها األساسية هي الح ّد من سلطة الدولة، ومراقبة تدخلها وتجاوزاتها بحق املجتمع املدين واملجتمع األهيل، وكلام كانت مؤسسات املجتمع املدين أقوى وأكرث استقاللية ،كلام كان الوضع السيايس أكرث صحة والنظام السيايس أكرث دميقراطية. املجتمع األهيل :وهو مجمل مكونات الدولة يف حالته “الطبيعية” غري املؤسسة وغري املنظمة ،مبا يشمل ذلك من مكونات دينية أو مذهبية أو طوائفية أو عرقية أو قومية يف حالتها غري السياسية، حيث يكفي أن تصبح تلك املكونات سياسية أو ُترفع إىل حيز السياسة والتنظيم السيايس ،يك تتحول الدولة ذاتها إىل دولة طائفية أهلية محكومة بالرصاع الطائفي واألهيل؛ الواضح أو املخبوء .كام يكفي للنظام السيايس يف أي دولة أن يعمل عىل التمييز والتاميز الطائفي يك يرفع الطوائف من حالتها األهلية إىل حيز السياسة ،ويتحول إىل نظام طائفي أقلوي حتى لو كان
الحاكم من األكرثية الثقافية ،فاألقلية واألكرثية؛ التي تعني أقلية وأغلبية سياسية يف املجتمع السيايس ،تصبح أكرثية وأقلية اجتامعية ُمس َّيسة ،وتصبح سياسة الدولة ذات طابع أهيل بطريقة مضادة للشعب ،ومناقضة ملفهوم الشعب ،املؤسس للدولة مبعناها الحديث. “دولنا” التي مل تفلح يف النشوء إال بعد الحرب العاملية الثانية وتصفية االستعامر ،مل تأخذ من عنارص الدولة الحديثة إال االسم والشكل والصفة؛ مضافاً إليها احتكار رشعية العنف واالكراه .ولكن أيضاً بعد سحب قانونية العنف ليصبح عنفاً سلطوياً محضاً ،وإكراهاً ال عقالنياً للمجتمع وأفراده ضد كل عقد اجتامعي أو دستور سيايس محتمل يف الدولة العقالنية الحديثة .كام تجسد الدولة العربية الراهنة إىل حد كبري ،التجيل السيايس لظاهرة “الثقب األسود” الفلكية ،حيث تشكل السلطة التنفيذية ثقباً أسود ،يح ّول املجال االجتامعي املحيط به إىل ساحة ال يتحرك فيها يشء وال يفلت من إسارها يشء، فاملركزية املتزايدة يف الجهاز التنفيذي وا ُملض ّمنة يف النصوص الدستورية للدولة ،متنح رأس الدولة صالحيات شبه مطلقة ،باعتباره الرئيس األعىل للجهاز التنفيذي وملجلس الوزراء ،وللقوات املسلحة ،وللقضاء ،والخدمة العامة...الخ. ولذلك فإن أنظمتنا السياسية التي توارثت السلطة منذ االستقالل ،استطاعت أن تجعل من الدولة عدو املجتمع وعدو األفراد ،عندما جعلت من الدولة هي “دولة السلطة”، وق ّلصتها يف الجهاز التنفيذي القابع تحت سيطرتها ،بل إن هيكل الدولة؛ الذي يفرتض أن يكون الثابت أمام تبدالت وتحوالت النظام السيايس املتغري ،بات هو املتغري أمام ثبات النظام السيايس املتوارث وغري القابل للتغيري .ولذلك نرى اليوم وبالعني املجردة ،كيف أن انهيار النظام السيايس يؤدي بشكل دراماتييك إىل انهيار الدولة .ذلك ما رأيناه يف العراق سابقاً ونراه اليوم بطريقة مأساوية يف سوريا وليبيا واليمن ،كام أن استعصاء األنظمة السياسية عىل النحو الحاصل ال ينبئ بحال أفضل للدول التي مل تطالها رياح التغيري بعد، فاختصار الدولة بنظامها السيايس ،واختزال النظام السيايس بشخص الحاكم ،ليس أكرث من وصفة مثالية للخراب ،خراب الدولة وخراب املجتمع وخراب السياسة ،وليس أكرث من صناعة قهرية لالنحطاط وطريق معبد بالوضاعة نحو الجحيم واملوت والفوىض ،هو كذلك حال انحطاط األنظمة وحال وضاعتها .ولذلك ال ميكن لشعوبنا أن تتنفس هواء الحرية ،أو تصنع دولها القابلة للحياة ،أو تجعل من حريتها ممكنة ضمن إطار الدولة، إن مل تغري أنظمتها وترميها يف مزابل التاريخ ،حيث إن ما فعلته تلك األنظمة يف شعوبها، ال ميكن إدراجه إال يف خانة الجرائم املوصوفة ضد اإلنسانية ،وضد الدولة وضد التاريخ.. وضد حياة البرش يف بالدنا.
ترويض الدولة شوكت غرز الدين
9
العدد - 48 - 2014 / 11 / 11
مقاالت
قامت الدولة القامئة بالفعل يف سوريا عىل احتكار القوة والرثوة واملعرفة ،وعىل عدم الحياد تجاه املجتمع السوري؛ فهي الويص عىل املجتمع واملريب له .فإما الوالء والطاعة للدولة وإما الحرب والقتل والسجن والنفي واملالحقة .مثة مشكلة قابعة يف الدولة رسختها التنظريات والتاريخ ،قبل ْأن تتصف الدولة بصفات القطرية والقومية والوطنية والعلامنية واإلسالمية ...الدولة ا ُمل َّ نظر لها جيداً بواسطة “هوبز ومكيافييل وابن خلدون” هي بنت التاريخ واملعرفة ال بنت الطبيعة. ما تتحدّد به “الدولة السورية” بوصفه سلط ًة ُتارس يف املجتمع السوري ،وتجلياته النظرية والتطبيقية ،السياسية الطابعُ ،تش ِكل مبجموعها قوام ما ندعوه هنا “الدولة الوطنية” .هي “دولة” ألنها تحتكر القوة والرثوة واملعرفة ،احتكاراً منهجياً قوامه “مبادئ” وآليات قابلة للوصف والتحليل. وهي “وطنية” ألنها تستخدم هذه األدوات بالذات إلخضاع الشعب السوري تحت سيادتهاُ .منتجة بهذا اإلخضاع ما ميكن تسميته “التساكن الوطني” بني أفراد وجامعات ومذاهب وطوائف ...ضمن متحد جغرايف .ولكل من هذه املرتاصفات تاريخه؛ تاريخ االختالف والتباين .وغري منتجة ملا درج عىل تسميته “االندماج الوطني” بني مواطنني لهم تاريخ منسجم ومتآلف ،فرتبطهم السيادة يف وحدة كوحدة “الدولة الوطنية السورية”. وتقويض حالتي االحتكار وعدم الحياد ،القامئتني يف الدولة القامئة ،بواسطة قوى الثورة السورية وكنتيجة لثورة “االتصال والتواصل” العاملية هو ما نسميه “ترويض الدولة”. لزمن طويل نكون نحن السوريني قد تحملنا الدولة التي تحتكر القوة والرثوة واملعرفة .و ُيقدم لنا هذا االحتكار عىل أنه من طبيعة الدول وليس خاصاً بحالتنا السورية ،والرباهني كثرية من التاريخ أو الواقع عىل مثل هذا االحتكار؛ اليشء الذي كان يضفي عىل الدولة مرشوعيتها يف قناعاتنا ويسوغ لها يف نقاشاتنا وتنظرياتنا. وقد ال نزال ،نحن السوريني ،نخضع لهذا الفهم الخاص بالدولة حتى يومنا هذا ،ومن املرجح أننا سنخضع له يف املستقبل؛ ألنه فهم كامن يف أطروحات املعارضة عموماً. قامت “الدولة الوطنية” ،القامئة بالفعل يف سوريا،
باحتكار وزارات ُت ِّثل القوة والسيادة؛ كـالدفاع والداخلية والعدل ،مضافاً إليها الدبلوماسية. واحتكرت أيضاً وزارات ُت ِّثل الرثوة؛ كـاالقتصاد والتجارة والزراعة والصناعة ،واملرصف املركزي وما يتبعهام من مواد أولية واسترياد وتصدير وأعامل. واحتكرت كذلك الوزارات التي ُت ِّثل املعرفة وصناعة الحقيقة؛ كـالبحث العلمي والتعليم العايل والرتبية والتعليم واإلعالم ،مضافاً إليها املعلومات ومصادرها واإلحصاءات ونتائجها. ومل تكن “الدولة الوطنية” القامئة يف سوريا محايدة تجاه شعبها؛ أي أفرادها ومواطنيها ومكوناتها االجتامعية والسياسية .بل عىل العكس من ذلك كانت منحازة ومتييزية بني أفرادها ،وكانت طرفاً مهيمناً هيمنة تا ّمة عىل قوة الشعب السوري وثروته وقدرته عىل إنتاج املعرفة والحقيقة، واألنىك من ذلك أنها استخدمت هذه القوى ضده أوالً ،ومن أجل بقاءها واستمرارها كمحتكر ٍة وحيد ٍة وكعدم محايد ٍة ومنحاز ٍة ثانياً .وأصبح الفرد السوري ال يعرف الحرية إال بالخروج من “دولته الوطنية” أو بالخروج عليها. ويتعلق هذا النوع من احتكار الدولة وعدم حيادها تعلقاً شديداً بقيام ثورة الشعب السوري؛ ألنها ،ببساطة ،دولة االحتكار واإلخضاع وحرية الترصف باملرصف املركزي .إنها العالقة الكامنة من حيث الرشوط االبتدائية لحظة قيام الثورة من جهة ،وبالنتائج املرتتبة عليها؛ َّ ألن مثة عالقة تناسب طردي بني واقع “الدولة الوطنية” وبني صريورتها من حيث سريورة إنتاج البديل من جهة أخرى. فقد درج الخطاب املعارض عىل املطالبة “بالدولة الوطنية” دون سؤال هذا الشعار وفحصه .ودون تخليصه من الحالتني املالزمتني له؛ أي حالتي االحتكار وعدم الحياد .هذا بالرغم من إمكانية النظر ملا يحدث يف سوريا اآلن بوصفه تقويضاً الحتكار الدولة وعدم حيادها؛ أي بكالم آخر ،إنتاج بديل يتجاوز هاتني الحالتني وال يك ِّرسهام. ساهم تقدم قوى الثورة بتقويض حالة االحتكار املرتبطة “بالدولة الوطنية” ومل يسهم يف تقويض حالة عدم الحياد .وساعدت ثورة “االتصال والتواصل” قوى الثورة بذلك التقويض .اليشء الذي يعني فيام يعنيه تقويض “الحقيقة الوطنية والدفاع الوطني والرثوة الوطنية” وانفراط “التساكن
الوطني”. ُيفرتض َّأن املعارضة تجاهد إلعادة بناء “الدولة الوطنية” يف سوريا .وكأنها تحاول اآلن أن تبدأ مرشوعاً انتهى مفعوله يف سوريا وعاملياً .فلقد ارتبط مرشوع “الدولة الوطنية” بوضع سيايس واجتامعي ومنط من التطور التقني/املادي ،تجاوزته الظروف الراهنة .فإحدى أفضل أدوات بناء الوطنية خالل القرن العرشين كانت التلفزيون الحكومي ،وقدرة الحكومة عىل احتكار السيطرة عىل اإلعالم والتعليم ووسائل التثقيف الجامهريي األخرى ،وبالتايل بناء املجتمع الجامهريي الذي يرتبط ذهنيا مبجتمع وطني موحد .لكن حتى هذه الوسيلة ما عادت ممكنة مع تطور الفضائيات واإلعالم اإللكرتوين، وتحديدا اإلنرتنت ،والحرية التي بات ميتلكها املتلقي يف اختيار أخباره ومعلوماته. فقدت “الدولة الوطنية” ببساطة قوتها وقدرتها عىل التحصني إزاء الخارج؛ فصالبة أية دولة ومحكها الحقيقي يكمن يف عالقاتها مع الخارج .وتبددت ثروتها الوطنية بالفساد واإلفساد .وتالشت قدرتها عىل السيطرة عىل اإلعالم واملعلومات ،وبالتايل عىل التحكم يف املعرفة أحد أهم عنارص السلطة؛ فالقدرة عىل إنتاج املعرفة هي قدرة عىل إنتاج السلطة. يطالب خطاب البديل املعارض ،لالحتكار وعدم الحياد“ ،بدولة وطنية” ،معتقداً َّأن املشكلة أخالقية تكمن يف “الوطنية” صفة الدولة ،وليس بالدولة بالذات .وينىس أو يتناىس دوره ،يف تقويض حالة عدم الحياد املالزمة “للدولة الوطنية” ،ومرشوعه، الذي َيفرتض إنتاج “الدولة املحايدة” تجاه شعب هذه الدولة ومكوناتها االجتامعية والسياسية. ال ميكن تقويض احتكار الدولة الحا ّيل لصالح احتكا ٍر يكون بأيا ٍد مختلفة؛ َّ ألن تقويض االحتكار بات واقعاً معززاً بثورة “االتصال والتواصل” وبثورة الشعب السوري .ولكن “الحياد” مازال مرشوعاً يحتاج إرادة السوريني لتحويله إىل واقع. رضوري كممكن يحتاج الشعب السوري اليوم، ٍ ٍ وواجب ،االنتقال من “الدولة الوطنية” ،دولة ٍ االحتكار واإلخضاع ،إىل “الدولة املحايدة” ،دولة التفويض ال التسلط .واالنتقال من “التساكن الوطني” إىل “االندماج الوطني” .وبهذا ميكن تجاوز االحتكار وعدم الحياد؛ أي ترويض الدولة.
عرض لكتاب:
الدين والعلمانية في سياق تاريخي
10
عرض :د .محمد رشدي شربجي
الكتاب :الدين والعلمانية في سياق تاريخي. الكاتب :عزمي بشارة. الناشر :المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات.
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
كتب
يدرس الجزء األول من الكتاب والذي يحمل عنواناً فرعياً هو (الدين والتدين) ,العالقة بني أمناط التدين والدميقراطية ،مبتعداً عن الثنائية الرائجة التي تدرس العالقة بني اإلسالم والدميقراطية؛ حيث يقول الكاتب يف مقدمة كتابه إن “اإلشكالية بني اإلسالم والدميقراطية هي إشكالية وهمية ,وليس هنالك ما يستحق دراسته يف هذا املجال ,وال يف اإلشكالية بني الدميقراطية واملسيحية أو اليهودية” وإمنا يخلص الكاتب إىل نتيجة مفادها أنه لفهم منط التدين يف مجتمع من املجتمعات فعلينا أن نفهم سريورة العلمنة التي تعرض لها هذا املجتمع ,وبالعكس ليك نفهم منط العلمنة يف هذا املجتمع علينا أن ندرس منط التدين املوجود يف هذا املجتمع ,وهكذا يربط الكاتب بني دراسة كال املوضوعني معترباً أن فهم أحدهام يشكل مدخ ًال لفهم اآلخر. يقع الكتاب يف فصول خمسة: ً يف الفصل األول يحاول الكاتب متييز الدين عن املقدس واألسطورة واألخالق ,قائال بأن الدين يحتوي كل هذا ولكن ال ميكن اختزاله بهذه العنارص ,فيقول “إن الدين ال يقوم بدون الشعور باملقدس ,ولكنه ال ميكن اختزاله بهذه الناحية ,فام مييز التجربة الدينية من تجربة املقدس عموماً أنها تجربة إميانية تقوم عىل اإلميان بالغيب أو تؤدي إليه” ص“ 19حيث أن ملكة االنفعال باملقدس هي امللكة ذاتها التي تجعل اإلنسان ينفعل بالجامل أو بالسامي والنبيل, ولكن ما مييز الدين أنه يضيف لها بعدا إميانياً ومؤسساتياً تنظيميا” ص. 21 ويقول “إن األسطورة هي التعبري املعريف األول عن املقدس ,وأن العقيدة هي التعبري الثاين ,ويف أن الحدود بينهام ليست واضحة ,ويف أن العلم ينفي األسطورة ,أما العلمنة يف حد ذاتها فال تنفيها بالرضورة” ص. 57 وال يقصد الكاتب هنا باألسطورة املعنى الشائع من كونها خرافة أو خزعبالت ,وإمنا يراها مكوناً حضارياً يف ألي مجتمع من املجتمعات ,وهي حكاية ورسدية ,وغالباً لها بداية ونهاية, مثل أسطورة الخلق. ً “فغالباً ما يعترب العلامنيون الدين مجموعة أساطري (مبعنى خرافات) ,متاما كام يعترب املؤمنون روايات الديانات األخرى ورسدياتها أباطيل وأساطري .لكن الدين ال يقترص عىل األسطورة ,وال ّ يحتل القصص الديني األسطوري الحيز نفسه الذي احتله عند املتدين يف املايض” ص. 95 ويف عالقة األخالق بالدين وهي العالقة األكرث تعقيداً“ :يصعب فصل الدين عن طاعة ما ميليه، ولكن ال ب ّد من التعامل معه (الدين) كظاهرة باتت مختلفة عن األخالق” يف الفصل الثاين يناقش الكاتب التدين حيث يعترب أنه ال إمكانية إلقامة دين من دون تدين فيقول :إن “التجربة الدينية هي أساس الدين إذا تجاوزت تجربة املقدس إىل التجربة الدينية” ص. 173 “...فلوال هذا التحول الجديل من عاصفة التجربة الدينية إىل عادة السكينة الدينية ومنواليتها, ملا قامت للدين قامئة” ص.186 ّ كام مييز الكاتب بني اإلميان املعريف وهو االعتقاد وعكسه الشك ,وبني اإلميان املطلق (العرفان) وعكسه الكفر ,والجمل اإلميانية االعتقادية ال تدحض بالعلم بل تتزعزع بتغري البيئة املعرفية. ص.189 ويخصص بشارة الفصل الثالث يف كتابه لدحض نظريات نقد الدين التي يعدها بعض املنظرين العرب جهداً تنويرياً تقدمياً ,فيقول “إن الدين ليس خرافات أو أفكار مغلوطة شائعة ,واإللحاد ليس نظرية علمية” ص .245ثم يناقش آراء الفالسفة وعلامء االجتامع يف هذا املوضوع وينتهي لخالصة فيقول“ :ال شك يف أن آباء علم االجتامع عموماً مل ينظروا إىل الدين باعتباره خرافات أو موضوعاً هامشياً ,إذ رؤوا أن الدين عنرص اجتامعي دمجي أسايس يف التحوالت الرسيعة الجارية يف أوروبا ,أي أنه يساهم يف بلورة الجامعات البرشية ومتاسكها ,لكنهم جميعاً اشرتكوا يف رؤية انحساره ,إذ توقعوا انحساره مع عملية التحديث والتصنيع وعقلنة العالقات اإلنسانية ,وال أعتقد أنهم كانوا يتوقعون نشوء مجتمعات حديثة ومتدينة يف الوقت ذاته ومل يتوقعوا عودة الدين إىل السياسة بهذه القوة” ص.289 يف الفصل الرابع (تعريفات) ،يتناول الباحث املحاوالت املختلفة لفهم الدين ،وتحديدات الدين والتد ّين نظر ًّيا ،ليصل إىل اعتبار جهد تعريف الدين وتحديده جهداً علامن ّياً حتّى لو قام
به باحثون غري علامن ّيني ،وإىل النتيجة التي تقول ّ “إن فهمنا يتغي بحسب العلمنة ّ مجتمع من وأن أمناط التد ّين يف للدين ّ ٍ املجتمعات تتأ ّثر بأمناط العلمنة التي مت ّر بها. الفصل الخامس وعنوانه “انتقال من مبحث الدين والتد ّين إىل مبحث العلامن ّية” هو الجرس الواصل ما بني الجزء األ ّول والجزء الثاين من مرشوع الدكتور عزمي بشارة .وعنوان الجزء الثاين من الكتاب هو “العلامن ّية ونظر ّية العلمنة” .وبهذا يكون الفصل الخامس من الكتاب نتيج ًة وبداي ًة يف الوقت نفسه، متغية وقابلة ومضمونه :قناعة ّأن الدين ظاهرة اجتامع ّية ّ ونسبي ومتن ّوع”؛ واجتامعي للدرس ،وأ ّنه “إنسا ّين وإرادوي ّ ّ والعلامنية ليست نظر ّية علم ّية ،وال تعني العقالنية بالرضورة، بل هي ثقافة وأيديولوجية تط ّورت تاريخ ّياًّ ، ومتخض عنها نظر ّية سوسيولوجية يف فهم تط ّور املجتمعات كصريورة من العلمنة”. “فنحن نتعامل مع العلامنية يف هذا الكتاب ال باعتبارها وصفة أو معادلة للتطبيق املبارش من املنتج إىل املستهلك ,بل هي نتاج عملية متايز اجتامعي بنيوي وتغري يف أمناط الوعي كصريورة تاريخية ,وهي صريورة متر بها املجتمعات كافة ونحن نعتقد أن طبيعة صريورة العلمنة التي بها املجتمعات هي التي تحدد -ليس طبيعة العلامنية التي تنتج فيها ,وموقعها ومدى هيمنتها كإيديولوجية فحسب -بل طبيعة أمناط التدين أيضاً” ص. 407 ينهي بشارة كتابه مبا بدأه سابقاً عن هدف كتابه حني أكد أنه ليس رضورياً أن يتفق أي قارئ مع تحليلنا للدين ظاهرة ومصطلحاً ,لكن “هذا الكتاب يكون قد أدى مهمته إذا توصل القارئ النقدي سواء كان متديناً أو غري متدين ,إىل قناعة مفادها :أن الدين ليس مجرد مجموعة من األباطيل والنظريات الخاطئة يف فهم العامل ,وأن العلامنية ليست عبارة عن نظرية علمية ...وأن الدين ظاهرة اجتامعية متغرية وقابلة للدرس ,واملعارف التي يقوم عليها متغرية كذلك” ص.15
عصر األكراد كاوا شيخي
-انتفاضة سمكو تم قتله مع الكثري من أفراد عشريته
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
داعش مبا حملته من أسلحة ثقيلة توجهت أيضا نحو كوباين املحارصة وبدأت عملية هجوم واسعة عىل قرى وبلدات كوباين ومن ثم مركز املدينة أيضا ..هنا أتوقف ألذكر بأن االيزيديه وقرى املوصل وكوباين وقراها ،كلهم أكراد ،ولكن هل حقا كانت هذه الهجامت هي السبب يف تسمية العرص بعرص األكراد؟؟ هنا ال بد من العودة قليال إىل التاريخ ..التاريخ الغريب والذي بدأ منذ مائة عام يف ترسيم خارطة جديدة للمنطقة (الرشق األوسط وشامل افريقيا) طبعا مل يكن هناك دولة اسمها سوريا برئاسة وعاصمة واقتصاد. وكذلك مل يكن هناك دولة اسمها العراق ،فاملعروف للجميع أن الدولة اإلسالمية والتي توسعت عىل حساب اإلمارة والعشائر يف هذه املنطقة تحولت فيام بعد إىل الدولة أو اإلمرباطورية العثامنية، والتي أخذت فيام بعد شكل الدولة الرتكية ،ثم كانت سايكس بيكو التي حرمت األكراد من دولتهم القومية .طبعا األكراد انخرطوا يف البداية يف النضال ضد االحتالل الفرنيس واإلنكليزي ،ومع التخلص من هذه الدول وانشاء الدولة السورية والعراقية وظهور الجانب القومي وطغيانه عىل الجانب الديني ويقظة الشعوب ومنها الشعب الكردي ،هنا بدأت محاوالت تأسيس حركات سياسية تحررية ولكنها بالطبع قمعت ،وتعرض األكراد لكافة أنواع االضطهاد. طبعا االضطهاد مل يكن موضوعا جديدا عىل الشعب الكردي ،إمنا كان لهم معه تاريخ طويل.. هنا سأذكر بعض الحوادث: يف انتفاضة الشيخ سعيد بريان قتل ما يقارب/20000/كردي.
يف ديرسم قصفت املدينة ،وقتل ما ال يقل عنمليون كردي يف حلبجه استخدمت األسلحة الكياموية ضداألكراد ،يف غضون ساعات قليلة قتل ما ال يقل عن 5000كردي يف حمالت األنفال قتل من البارزانيني حوايل 180الف كردي. يف الهجوم عىل مهاباد الكردية ،قتل القايضمحمد والكثري من البارزانيني ماتوا وهم يفرون إىل االتحاد السوفيتي السابق. يف االنقالب العسكري الطوراين يف تركيا وما تلتهامن هجامت عىل األكراد ،قتل حوايل املئة الف شخص .طبعا كل هذه املجازر هي ليست سوى ما يعادل الخمسة يف املئة مام حدث لالكراد. اآلن نعود إىل سؤال ما إذا كان هذا العرصهو عرص األكراد؟ الجواب هو طبعاً ال .فاألكراد ليس لديهم ما يوعدون به القوى التي ذاع عنها حاميتها لالكراد .إذا كان كل املاليني التي تحدثنا عنها مل تستطع أن تجعل العرص عرص الكرد فإن ما تغري اآلن هو اإلعالم .إن العرص الحديث هو عرص اإلعالم ،حيث استطاع الكرد يف الهجامت األخرية التي تعرضوا لها أن يضعوا الرأي العام العاملي يف صورة ما يحدث .طبعا العامل اآلن يعيش فوبيا اإلرهاب ،وكان إظهار الصورة الحقيقية لداعش ومن ثم إظهار الكرد كمقاومني ضد داعش ،والسبب الرئييس هنا هو أن األكراد هم الطرف القوي الوحيد الذي يحارب داعش .هنا أدرك العامل بأن الكرد يحاربون داعش بدال عنه. تحركت دول العامل ،بعد ان أدركت الشعوب هذه الحقيقة ،فكان لإلعالم الدور األهم يف كل هذه الحرب ،ولهذا استحق هذا العرص أن يكون زمن اإلعالم.
القسم الكوردي
تدور يف اآلونة األخرية تعبريات مثل “عرص األكراد” أو زمنهم ،والذي يأيت كنتيجة للتعاطف العاملي الذي حصل عليه األكراد يف اآلونة األخرية بعد تزايد الهجامت الوحشية عليهم وخاصة يف مناطق سوريا والعراق وتحديدا يف مدن كوباين وشنكال. هل هذا حقاً عرص األكراد؟ سنرتك اإلجابة عن السؤال الحقاً. أما حول حقيقة ما حدث يف املدن السورية فهو كالتايل: تحولت الثورة السورية من ثورة سلمية إىل حرب أهلية رسعان ما منا فيها الجانب املتطرف مستفيداً من ضعف وترشذم الطرف الثوري الحقيقي وتعرضه للمالحقة ومن ثم تركه لساحة النضال واللجوء إىل دول الجوار. منا الجانب املتطرف مستندا عىل الرابط الحساس أو الديني ومتوه ًام إنه فع ًال ميثل نهج السلف الصالح. دخلت “الدولة االسالمية يف العراق والشام” إىل سوريا وأصبحت داعش التي اشتهرت ومنت يف فرتة قصرية مستفيدة من جموع الشيشان والذين خربوا فنون الحرب واألسلحة الحديثة ،كذلك انضامم املطرودين من الجيش العراقي السابق أو ما يسمى بجيش صدام حسني وأصبح لهذه القوة شأناً ،وتحديداً بعد سيطرتها عىل آبار النفط وقدرتها عىل متويل السالح واملرتزقة والذين أعلنوا انضاممهم إليها مام دفع هذا الغول إىل التوسع أكرث فأكرث ليعود إىل العراق. بعودة التنظيم إىل العراق وهو الذي غادره ضعيفاً فتحت له أبوابا جديدة ،فكان تسليم املوصل واملخطط الذي سار كام خطط له. داعش يف املوصل استوىل عىل األسلحة الثقيلة وحكم مدينة كبرية ،وكان لها فتح باب سجن املوصل الذي كان يضم ثالثة آالف من محكومي القاعدة ،الذين انضموا إىل التنظيم الذي حررهم ودفع لهم مستفيدا من خدمات تجنيدهم. نعود اىل األكراد ..يف العراق فتح الغول فمه ودخل إىل املناطق التي يسكنها االيزيديه ،وطبعا املرتزقة التي قتلت ألف وسبعامئة شاب عراقي من شباب األكادميية الحربية ،وسبعمئة من شعيطات دير الزور السنه مل توفر اليزيدين الذين هم ليسوا من أهل الكتاب. بدأت العصابات املسلحة يف قرى وبلدات االيزيديه نهبا وقتال وسلبا ،حتى أفرغت املنطقة من أهلها ..إال من اضطر أن يختار اإلسالم عىل سكني داعش.
11
األنظمة الشمولية والفضاء العام 12
ابن الوادي
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
مقاالت
يعرف الفضاء العام بأنه املساحة التي يحتفظ بها املجتمع لنفسه بعيدا عن مؤسسات الدولة الرسمية ملناقشة شؤونه وتدبر أموره وسرب قدرات أبناءه وخلق اآلليات لصقلها. وتحتل مؤسسات املجتمع املدين هذا الفضاء ,وتعمل عىل استثامره ,وتخلق اآلليات والربامج الستثامره بشكل يدعم منو املجتمع األم واملجتمعات املحلية الصغرية .ويف هذا الفضاء يجد الشباب ,والناشطون والنساء واألطفال املجال لالنخراط يف الحياة العامة والشأن العام .ويلعب اإلعالم دورا يف تطوير بنية هذا الفضاء ,ويساهم فيه أيضا ,وللمؤسسات الدينية دورا بارزا فيه أيضا .ويشكل هذا الفضاء وتشكيالته قوة معتربة يف وجه السياسة .يزدهر الفضاء العام يف املجتمعات الليربالية والدميقراطية ويختنق يف مجتمعات التسلط واالستبداد. والفضاء العام هو املساحة التي يخترب املجتمع فيها قدراته عىل الحوار ,والجدل البناء ,وتنظيم نفسه يف تشكيالت فعالة, واختبار هويته ,والحديث عنها ,والتمعن يف مشاكله ومزاياه, ويصيغ حلوال تجد طريقها للمؤسسات الرسمية التي تستطيع تبنيها ,او االستفادة منها يف عملها. تضع األنظمة الشمولية سياسيات مدروسة للسيطرة عىل الفضاء العام ,وتسعى لوضعه أوالً تحت سيطرة أجهزتها لرصد ما يدور فيه ,ثم تقننه لتضمن حضورها فيه ,وبالتايل تأثريها عليه ,ثم تبني القوالب التي تفرض من خاللها هيمنتها املطلقة عليه .ويؤدي ذلك مع الوقت إىل أمرين أساسيني .األول هو إفراغ هذا الفضاء من معناه من خالل تجريده من أي نقاش جدي وشله عن القيام بدوره املنوط به أصال ,مام يؤدي يف النهاية إىل فقدان إميان الناس بجدواه وجديته وقدرته عىل استيعابهم ,وجدوى تداول الشأن العام, وفائدة االنخراط يف تشكيالته ,ملا يحمل من مضيعة للوقت وملا ينطوي عليه من أخطار التي تنجم عن املشاركة خارج األطر التي فرضها النظام الشمويل وهو ما نالحظه يف سورية ما قبل الثورة من قبل الكثري من السورين .األمر الثاين هو تطويع هذا الفضاء لخدمة فكر النظام وبالتايل تعزيز سيطرته عىل املجتمع فيصبح الفضاء العام أداة للسيطرة والهيمنة بدل أن يكون املساحة التي يحتفظ بها املجتمع لنفسه لتناول السياسة والعمل العام بعيدا عن التسييس الحزيب واألدلجة الفكرية. ومن املخاطر الكبرية التي ينطوي عليها هذا النهج ,انخراط الوصوليني والسطحيني يف العمل العام غري الرسمي سواء كان مدنيا أو سياسيا ,وتنامي طبقة ضخمة من املنفعيني ,تصبح جزءاً هاما من آلة القمع الفكري والقولبة وغسل األدمغة والخداع املستمر. ملجتمع ما من توفر مقومات معينة ليضمن لنفسه ال بد ٍ االستمرار .بعض من هذه املقومات اقتصادي ,وبعضها ثقايف, ومنها ما هو داخيل ومنها ما هو خارجي .لكن يجدر بنا أيضا أن ننظر إىل املجتمع عىل أنه كائن حي ,ينمو ,يتطور ,يتعلم, مير بتجارب عديدة ,وهو يف هذه الحالة يحتاج ,كام الفرد,
إىل مساحات أو فضاءات معينة ال توفرها األنظمة الشمولية ,وهذا يف الحقيقة أحد األسباب األساسية النهيار هذه األنظمة ولتصدع املجتمعات التي تخضع لها, وهو ما رأيناه يف العراق بعد سقوط نظام صدام حسني الشمويل ,وروسيا بعد االنهيار املفاجئ لالتحاد السوفيايت وحروبها األهلية يف الشيشان وغريها ,واليمن عرب تاريخه منذ الوحدة وحتى اليوم ,وبعض دول أوربا الرشقية بعد انهيار األنظمة الشيوعية الشمولية التي حكمتها ,ونراه اليوم يف سوريا ,بشكل ال ميكن إنكاره أبدا. إن توفري وصيانة وتعزيز الفضاء العام هو مبثابة تحصني للمجتمع من االنقسام املسترت املتخفي تحت غطاء الدولة التي تلعب دور األم والويص وال تسمح باالختالف او بالحديث عنه ,وهو حامية من الخمول والسقوط يف هاوية الجمود ثم التحلل. ال شك أن استخدام مفردات هذا الفضاء
وأدواته والتي منها اإلعالم ومؤسسات املجتمع املدين والنقابات والتجمعات املختلفة ,وحتى املؤسسات الدينية ,هو ثقافة يبنيها املجتمع لنفسه وألفراده يف ظل توفر اإلمكانية لذلك مبا يف ذلك الحريات والبنى القانونية واملحفزات الثقافية واالجتامعية .كذلك فإن هيمنة األنظمة الشمولية عىل الفضاء العام تفرض أدوات ومفردات مشوهة ,ويف اللحظة التي ترتاجع فيها سيطرة هذه األنظمة عليه ,وهو ما نراه أيضا يف سوريا اليوم ,حيث يقبل الناس عىل الفضاء العام وهو أمر حتمي ,لكنهم يتجهون الستخدامه وفق اآلليات واملفردات املشوهة ذاتها التي ورثوها عن النظام الشمويل دون إدراك أهمية استبدالها .ال شك أن املجتمع سيخضع هنا لعملية تعلم قاسية ومكلفة ورضورية لتطوره ,لكن األخطار التي تحف بهذا العملية جمة ومعقدة وقد بدأت مفاعليها تظهر جلياً.
استعجال النتائج محمد حجو
13
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
هذه الثورة املجيدة ستحمل يف رأيي التغيري الجذري لسوريا وستساهم يف تخليصها من حزب مجرم عاث بأرضها وشعبها فساداً حتى أحال قسام كبرياً منهم إىل مجرمني يوازونه فتكاً و رعباً. أنا وغريي من املثقفني والكتاب نعلم يقيناً أن الشعب السوري املحارص والجائع واملتعطش للامء والحرية قد ضاق ذرعاً بالتنظري السيايس واملعارك الكالمية املتبادلة ،لكن هذا هو قدر الشعوب الراغبة يف التغيري واﻹصالح يف العامل أجمع؛ تعاين هي حتى يكتب لألجيال القادمة أن تعيش يف حرية وسالم.
مقاالت
أينام وجهت أنظارك أو أصخت سمعك إن كان يف العامل العريب أو الغريب فإنك ستواجه بسيل جارف من اليأس من الثورة السورية ومفرزاتها ،كام أن الكثريين أصبحوا يتندمون عىل انخراطهم يف هذه الثورة متمرغني يف ذكريات ما قبل (اﻷزمة) والتي باتوا يرونها أفضل أيام حياتهم إذا ما قورنت باﻷوضاع الحالية. هذا اﻹحباط هو أمر متفهم من قبل الناس و ذلك ﻷننا جبلنا عىل استعجال التغيري من جهة وﻷن الوضع اﻹنساين يف سوريا مأساوي لدرجة كبرية ال توصف؛ فاملجاعات واﻷمراض وغريها أصبحت مشاهد معتادة يف مسلسل املعاناة السورية الذي يتابعه العامل بصمت مخ ٍز ،كام ًّأن تح ّول الثورة عن سلميتها وتسلل عنارص ال ّ متت للثورة بصلة إليها، عمل عىل تشويهها ونفور الناس من تقبلها ،لكن ذلك ال ُيعد عذراً مقبوالً لليأس منها. وحتى ال أكون غامضاً يف طرحي ،فإنني سأستسقي من الثورات اﻷخرى يف العامل العريب أمثلة من شأنها رسم معامل الطريق الصعبة التي ال بد لكل ثورة أن تخوضها ...هذه الطريق التي وصفها الشاعر الكبري أحمد شوقي بكلامت نورانية فقال: باب ِّ مرضج ٍة ُي ُّ بكل ي ٍد ّ دق و للحرية الحمراء ٌ سأبدأ أوالً بالثورة التونسية؛ باكورة الثورات العربية والتي اصطلح عىل تسميتها بثورة الياسمني ،و هي اآلن تعيش وضعاً سياسياً متخبطاً ومرتافقاً باستمرار االعتقاالت لكل من سولت له نفسه بالتغيري. أنتقل بعدها إىل مرص والتي كانت ثورتها مثاالً يرضبه الكثريون من العامة واملثقفني عىل أهمية السلمية ،وأنها كانت درساً ثورياً يف رأيهم يتوجب تعليمه للشعوب العربية حتى يفقهوا معاين السلمية. واﻵن وبعد انقضاء أكرث من ثالث سنوات عىل الثورة املرصية ،أتوجه بالسؤال أنا وغريي من الذين حذروا من مغبة التفاؤل املفرط للذين هللوا ومجدوا لهذه الثورة ونظروا بدونية إىل الثورات اﻷخرى يف ليبيا وسوريا واليمن وغريها ،أتوجه إليهم بسؤال عتايب :ما الذي حققته الثورة املرصية فعال؟! وأين هي الثامر املنتظرة للثورة املجيدة؟! حكم العسكر عاد أكرث قباح ًة وأشد قسوة ممثال بـ (عبد الفتاح السييس) الذي كان قربان حكمه
مئات املعتصمني السلميني يف رابعة العدوية والذي ظهر تخاذله أمام دماء املئات من الفلسطينيني يف غزة وإغالقه السافر ملعرب رفح ،وهو بهذا قد دشن انحطاط الوضع يف مرص داخلياً و عربياً. منحى و باالنتقال إىل البحرين والتي نحت ثورتها ً طائفياً مل يعد ال عىل الشعب وال الحكومة إال مبزيد من الرتاجع و ضعف املنتج أو حتى انعدامه. لن أسهب يف رسد ال يفيد ،فالجدول الزمني لكل ثورة ونتائجها معروف ومتوفر لكل من أراد االطالع ،لكنني إمنا أردت اإلشارة إىل نقطتني هامتني للغاية يف رأيي: أوال :إن ما يحدث يف سوريا اليوم من انتشار لجامعات إرهابية متطرفة دينياً وعسكرياً وتحول الثورة عن أهدافها ليس ذنب من خرجوا يطالبون بالحرية ،بل وعىل العكس فإن التظاهرات السلمية لو أتيح لها املجال لساهمت يف الحد من انتشار هكذا جامعات و ذلك لوجود فرصة التعبري عن الرأي واالحتجاج .ظهور هذه السلبيات وغريها هو نتيجة مبارشة لقمع النظام الوحيش والالإنساين للمتظاهرين السلميني من جهة ،وتخاذل وانقسام املعارضة يف الداخل والخارج من جهة أخرى. ثانيا :الثورة يف مفهومها اﻷسايس هي تغيري للواقع املعاش ،و هو تغيري شديد الصعوبة ،ووعرة طريقه
كام أن مثاره تتأخر يف النضوج ،ونحن إن استعجلنا قطافها كان لزاماً علينا أن نأكلها حامضة أو حتى مرة الطعم .خمسون عاماً من حكم البعث املجرم ( )1963ال ميكن تغيريها بأربع أو حتى خمس سنوات ،خاصة وأن السوريني يقفون وحدهم يف مواجهة كل ما يحدث ،واملجتمع الدويل مازال يحسب ويعيد الحساب حتى يعلم يقيناً أين ستكون مصالحه فينارص من يحققها له ،غري عابئ بدماء الشعب املسفوحة عىل أرض سوريا وترابها الذي غدا مكوناً يف معظمه من رفات أبنائها الذين قضوا دفاعاً عن حقهم يف حياة كرمية.
الر ّمان!!!! حلب يا حبة ّ 14
سامان ح حسن
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
َمنْ ذا الذي رأى ح ّبة ال ّرمان تغني لل َوطن ؟ تبكيه فتزدا ُد حمر ًة و غواية !ً من ذا الذي يس ّمي الشوارع ؟ مل قد ال نس ّمي شارعاً باسم َح َلب ؟ أو شارعني ؟ أو مئة ؟ َ َّ ملَ ال نس ّمي كل الوجوه َحلب ؟ ملَ ال نضيع يف كرثة االسم ؟ وملَ يصيبنا بالدهش ِة ك ّلام م َّر كفصول متكاملة ؟ الحب كأنه دامئاً أ ّول ّ من ذا الذي رأى ح ّبة الزيتون يف طريقها للمعرصة ؟! من رآها تتحدث بنشو ٍة ني تبادال الحنني عن عاشق ِ يف ِّ ظل أرستها الكبرية من سمعها تشهق ال تعرصوين!
لئال تصاب عيونهم بالقحط لئال يكتب أحفادهم عن صويت وال ُيكت ََب عليهم ألَم املعرصة! يتكس من منكم رأى الس ّلم املوسيقي َّ َّ قدمي ؟ تحت ّ من رأى ظهر القصيدة أحدباً إذ اتكأ شوقي عليه ؟ ً من رأى قلبي هاربا من بني السطور “باب الفرج “ قاصداً َ ُ الحزن خلخاله إ ْذ هل رأيتم كيف يشهر أكتب حلب؟ ُ هل ترون -مثيل -تفاحات هاهنا بني الحاء و الباء؟ طف ,ال ّلغ ِة و الالهوت الم ال ّل ِ دغ ,اللجو ِء و الليمون ! سع ,ال ّل ِ الم ال ّل ِ اللمس و اللوعة .. ال ُم الالجدوى ال ُم ِ َ ألف ج ّن ٍة أال يستحقّ األم ُر أن أنزل من ِ ألتذ ّوق خطايا الالم يف حلب ؟ !....... ُ هكذا أشهر ضحكتي
َ وسط القصيدة أصيح :وجدتني ! أعرث ع َّ يل أحتضنني أحاول لو أناديني يضيع النداء! أضيع ! ُ تضيع الحروف تاليش ,تاليش وكل هذا ٌ بعض شوقي لحلب! ,,,, بعض من ِ من يسقي الغيم أحالماً ؟ من يخمدُ حرس َة املوت ؟ رس القنوط من يدرك َّأن َّ االسم غياب ِ عن أوالده العرشة فقط لو َ قلت َح َل ْب ال ينا ُم صغار العصافري عىل طوى ُ وحدها ُ تعرف َ كيف متأل االسم باأل َّمهات كيف متلؤه قمحاً كيف متلؤه ملحاً َ كيف متأل منقار الدّوريّ لحناً َ َ وكيف تجعل من وجهي الصغري مالحم البكا ِء لبكا ِء ح ّبة الرمان البعيدة ! َ
أظافر رامي العاشق
أدب
ال نسا َء يف هذه املدينة ،جميعهنَّ أكلتْهنَّ ْ رصوحا تذكار ّي ًة، الحرب وبصقت أظافرهُ نَّ ُ ً يف كل شارع أرى إظف ًرا واق ًفا يتأ ّمل ُه املا ّرة ويتص ّورون معه ،يرتكون تذكاراتهم عليه ويكتبون أسامءهم وأسامء من يح ّبون ويل ّونونه بألوانٍ مختلفة ،وحدي ..أم ّر قربه وال أفعل شيئًاّ ، أهتم به، وكل م ّرة أم ّر َ قرب إظف ٍر دون أن ّ ُ تصيبني لعنته ،أسقط أو أرتطم بعمود كهرباء أو تدهسني د ّراجة هوائ ّية عابرة برسعة قطار ّ متأخر عن موعده! كانت جدّيت تح ّذرين دامئًا من لعنة األظافر، وتوصيني أن أدفن إظفري املقصوص يف الرتاب، إال أنني ُ كنت أخىش أن ينمو وتصبح لدينا شجرة أظافر يف بيتنا العريبّ! كنت أستغرب أن ّ تحل عيل لعنة األظافر عندما ال ُأبدي اهتام ًما بهاُ ، األصل ..أن ّ تحل عىل من يش ّوهها ويزعجها
ات سخيفة ،حتّى ُ سألت أحد ويكتب عليها عبار ٍ ّ علامء الحضارة عن هذه اللعنة ،فأجابني« :ليس لألظافر لعنة ،إ ّنها حرمة املوىت يا صديقيّ ، كل رصح فتا ٍة أكلتها الحرب ،نسا ُء هذه إظف ٍر هو ُ َ ويردن منّا أن نحرتم أرضحتهنّ ، املدينة يراقبننا ليس لألظافر لعنة ،وإن كان هنالك لعنة ،فهي لعنة النّساء ال األظافر!». منذ ذلك اليوم ،وأنا أهتم بهذه األظافرُ ، بحثت ُ كث ًريا حتّى وجدت إظف ًرا بعيدًا مل ميسسه أحدٌ ُ َ ألنحت ورحت أعتني به ،أب ُرد ُه باستمرار بعد، ً فتس َعدُ صاحبته أل ّنها للباص، ا ف موق منه ْ لساعات تحته ألقرأ أجلس ٍ تحميني من املطرُ ، كتب عنها لها عن الحرب التي أكلتها ،وكيف َ املؤ ّرخون ،أذك ُر أ ّنني ُ كتبت لها قصيدة أتغزّل فيها بجامل أنوث ِتها ،هو هكذا ِّ الشعر دامئًا .. وهم عىل وهم ،أخربها دامئًا عن الناس هنا، ً كيف ميضون أوقاتهم ،ماذا يأكلون ،أخربها كم
لوحة للفنان السوري ديالور عمر
ٌ موحشة هذه املدينة الخالية من النّساء ،ال هي عط َر لهاّ ، تسحب العطر من املدائن الحروب كأن ُ َ ..تخ ّل ُ صت من لعنة األظافر والنّساء نعم ،لكنّني ُ أصبحت أف ّكر كث ًريا يف أسئلتي الوجود ّية ،ملاذا تخىش الحرب من العطر ،وملاذا تخىش من النّساء ؟ ..وملاذا تأكلهنَّ وتبصقُ أظافرهنَّ فقط؟ ّربا .. الحرب ..ال حاجة لها باألظافر!! ألن َ
التدوين بين األمس واليوم باسل مطر مشروع سالمتك
تفاعــل معنــا عبــر صفحاتنــا علــى اإلنترنــت
www.freedomraise.net facebook.com/freeraise twitter.com/freedomraise
العدد 2014 / 11 / 11 - 48 -
املدونون هذا الترصيح باعتباره مي ًال لسياسات الفصل العنرصي والذي تجاهلته وسائل اإلعالم, وأثاروا حوله ضجيجا دفع بالسيناتور املذكور الحقا لالستقالة من منصبه. منحى جديدا, بحلول عام ,2004بدأ التدوين يأخذ ً فقد أصبح مرشحو الرئاسة والربملانات ,ومؤسسات األخبار ,واالختصاصيون ينشؤون مدوناتهم الخاصة ,بهدف التأثري عىل الرأي العام ,أو سربه وفهمه. أصبحت املدونات الحقا وسيلة تستخدمها الصحف ووكاالت األنباء لتجنب الرقابة ,ولتمرير رسائل هامة ال تستطيع متريرها من خالل الصحافة االحرتافية .وأصبحت الحكومات متتلك مدونات أيضا ,وأصبح الصحفيون املحرتفون ميتلكون مدونات لهم ,لكن هذا مل يغري من كون التدوين هو أدارة للتعبري الفردي بشكل أسايس ,وأن مدونني كرث يكتفون بالتدوين تركوا ويرتكون أثرا كبريا يف حياتنا كل يوم. تعترب املدونات فضاءات تفاعلية هامة بطبيعتها حيث يتاح للقاريء التعليق عىل مضمونها ,أو حتى إرسال رسائل لصاحبها ,وهو ما جعلها
تحظى بشعبية كبرية قبل ظهور شبكات التواصل االجتامعي وبعدها. تختلف املدونات عن شبكات التواصل االجتامعي بأن القوانني التي تحكم عملها أقل حدة ,وأن مضمونها هو يف الحقيقة ملك لصاحبها .تستطيع الرشكات التي تقدم هذه الخدمات إزالة املنشورات التي تخالف أحكام االستخدام ,لكن التجربة تظهر بأن هذه الحاالت أقل بكثري مام نشاهده عىل شبكات التواصل االجتامعي مثل فيسبوك أو مواقع مشاركة الفيديو مثل يوتيوب. فمثال متنع وورد برس وهي أحد أهم مقدمي خدمات التدوين املجانية املنشورات اإلباحية أو التي تحرض عىل العنف أو تنتهك حقوق امللكية, وهذا كل ما تورده بهذا الخصوص ,فيام تتشعب هذه األحكام كثريا بالنسبة لفيسبوك. ال يستطع أحد أن ينكر أو يتجاهل أثر التدوين عىل السياسة واالقتصاد والتكنولوجيا منذ نهاية التسعينات حتى اليوم ,وأن التدوين قد لعب دورا يف صياغة مجريات األحداث يف العقدين املاضيني ,وهو أمر عىل السوريني االلتفات إليه دون ريب.
مقاالت
دأب السوريون عىل توثيق ثورتهم ونقل أخبارها من خالل شبكات التواصل االجتامعي ,وتعرض أرشيفهم خالل أعوام الثورة األربعة إىل الكثري من النكسات ,فقد أغلقت صفحات ,وضاعت فيديوهات كثرية مام خلق الكثري من اإلحباط نتيجة هذه الخسائر الكثرية. نشأ أيضا عىل هامش هذا النشاط تيار أخر سعى الستخدام التدوين كوسيلة للنرش والتوثيق, وظهرت مدونات هامة مثل املندسة السورية, وكربيت وميثاق سوريا وغريها تركت أثرا هاما ولعبت دورا يف صياغة أرشيف هذه املرحلة الهامة من تاريخ الوطن السوري. لكن التدوين ,رغم ازدهاره يف املجتمعات األخرى ,مل يلق االهتامم املتوقع بني السوريني, واحتل فيسبوك ,بأخطاره الكثرية ,مكان الصدارة كمنصة للنرش والتوثيق. والتدوين ()Bloggingهو نرش منشورات قصرية أو طويلة ترتب تنازليا وفقاً لزمن نرشها ,ومنها ما هو فردي ,وهو األكرث شيوعا ,ومنها ما هو جامعي ,وهو منط ظهر الحقا. كان املدون األمرييك جون بارغر هو أول من ابتكر مصطلح Web Bloggingيف عام ,1997ثم أىت املدون الشهري بيرت ملهورز واخترص املصطلح ليصبح Blogفقط بعد عامني عىل ظهوره ,وكان املصطلح إسام فقط إىل أن بدأ إيفان ويليام باستخدامه عىل مدونته الخاصة كفعل (To .)blog يعود ازدهار التدوين إىل تسعينيات القرن املايض حني بدأت اإلنرتنت باالنتشار ,وأصبح النرش عليها ال يتطلب مهارات تقنية عالية ومعرفة وإتقان للغات HTMLوبروتوكول .FTPففي عام 1997أنشأ بورس أبليسون منصته التدوينية Open Diaryالتي تعني املفكرة املفتوحة ,والتي ما لبثت أن أصبحت ألوفا من املفكرات املفتوحة, تالها العديد من املنصات املشابهة. أصبح للتدوين أثرا سياسيا واضحا منذ بداية ازدهاره وخاصة يف الواليات املتحدة األمريكية, موطن التدوين األول .ففي عام 2002صدر تعليق مثري للجدل عن زعيم األغلبية الدميقراطية يف الكونغرس ترينت لوت مفاده أن الواليات املتحدة ستكون أفضل حاالً لو تم انتخاب سرتوم ثندر ,السيناتور السابق رئيساً ,وهو الذي عرف بدفاعه عن سياسات التمييز العنرصي .التقط
15