طلعنا عالحرية / العدد 49

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪49‬‬

‫الصحافيون في سورية‪:‬‬

‫غياب الحماية في مواجهة الموت‬

‫‪2014 / 11 / 24‬‬

‫طلعنا عالحرية ممنوعة‬ ‫من النشر بسبب «المتبرجات»‬

‫تحقيقات‬ ‫مأســاة الجئــي كوباني في‬ ‫مخيمــات ســروج التركيــة‬ ‫ومبــادرات تحيــي الحيــاة‬

‫مقاالت‬ ‫الطائفية اغتراب في الوطن واغتراب عنه‬

‫خمسة آالف نسخة لن ترى النور‬

‫مالحظات على ادبيات السلفية‬

‫إحدى الجهات النافذة تعترض على وجود صور‬ ‫لنساء «متبرجات» على صفحات المجلة‪!..‬‬

‫الثورة والتحالف الثالثي على سوريا‬

‫التعليق في االفتتاحية‬

‫الحل في الداخل‬ ‫نربي األمل‬ ‫ّ‬


‫طلعنا عالحرية ممنوعة‬ ‫من النشر بسبب «المتبرجات»‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية‬

‫بقلم ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 48 -‬‬

‫كنا نضع اللمسات األخرية عىل عددنا هذا (التاسع‬ ‫واألربعني) من مجلة طلعنا عالحرية‪ ..‬حني علمنا أن العدد‬ ‫السابق قد ُمنع من النرش يف حلب وريفها‪ ..‬وأن خمسة‬ ‫آالف نسخة منه لن ترى النور هناك‪.‬‬ ‫وحني سألنا عن السبب اتضح أن إحدى الجهات النافذة‬ ‫هناك تعرتض عىل وجود صور لنساء «متربجات» عىل‬ ‫صفحات املجلة‪!..‬‬ ‫طبعا كان ردنا األويل هو اإلنكار‪ ..‬فصحيفتنا نرشة ثورية‬ ‫تعنى بشؤون الثورة السورية وال عالقة لها من قريب أو‬ ‫بعيد بصور اإلثارة والعارضات املتربجات‪ ..‬لكننا انتبهنا بعد‬ ‫إعادة الفحص إىل وجود صورة تضم الناشطتني املختطفتني‬ ‫من دوما «رزان زيتونة» و»سمرية الخليل»‪ ..‬وصورة أخرى‬ ‫ملقاتالت كرديات يف كوباين‪ ،‬ولوحة فنية غري واضحة املعامل‬ ‫للفنان السوري «ديالور عمر»‪.‬‬ ‫يفس األمر هنا فقط يف رفض املتطرفني للثقافة الغربية‬ ‫ال ّ‬ ‫(التي قد يفرتضون أن الصور تتشبه بها)‪ ..‬وال هي عودة‬ ‫إىل نصوص الدين الذي نعلم أن «ال إكراه فيه»‪ ..‬وال هي‬ ‫عمل بقوله تعاىل‪{ :‬فإن تولوا فإمنا عليك البالغ والله بصري‬ ‫بالعباد}‪ ،‬إمنا هي قطيعة قرسية يريد فرضها التعصب‪..‬‬ ‫قطيعة مع ذواتنا وعاداتنا‪ ،‬مع حياتنا وتاريخنا‪ ...‬ومع‬ ‫آمالنا‪..‬‬ ‫وإذ تتعلق قضية هذا املنع بناشطتني مختطفتني تعتربان‬ ‫من أيقونات الثورة السورية‪ ،‬فإن األمر مرة أخرى يبدو‬ ‫اعتداء عىل أهم قيم الثورة التي نهض الشعب من‬ ‫أجلها‪ ..‬الحرية والكرامة وحق االختالف‪ ..‬الحد من طغيان‬ ‫املمنوعات وتيسري حياة الناس ومطالبها األولية‪ ،‬احرتام‬

‫خصوصياتها ومعتقداتها وفرادة شخصياتها التي ال تعتدي‬ ‫عىل الحيز العام‪.‬‬ ‫وإذ نتطرق يف هذا العدد إىل العمل الصحفي يف سوريا‬ ‫وغياب حامية اإلعالميني يف مواجهة املوت الزاحف من‬ ‫كافة األطراف‪ ،‬فإننا نعيل الصوت مجدداً من أجل احرتام‬ ‫الصحافة املكتوبة وحرية التعبري وحامية الكلمة التي دفع‬ ‫السوريون زهرة شبابهم من أجلها‪..‬‬ ‫بني حريص عىل سالمة طاقمنا يف الداخل‪ ،‬وتلبية رغبتهم‬ ‫املعتادة يف التمهل‪ ،‬وجدتني وإذ أكتب هذه االفتتاحية‪،‬‬ ‫أرفض مادة أدبية جميلة ألنها تزينت بيشء من الغزل‪..‬‬ ‫عىل كل حال هو غزل أقل رصاحة من غزل أيب نواس وعمر‬ ‫بن أيب ربيعة‪ ..‬هكذا يتسلط االستبداد مرة أخرى‪ ..‬وهكذا‬ ‫يتسلل إىل نفوسنا‪.‬‬ ‫أجدين يف ذات الوقت بحاجة للرصاخ والغضب‪ ،‬وإن كنا‬ ‫بعد أربع سنوات من الظلم والقهر مضطرين لكبت كلامتنا‬ ‫وآهاتنا‪ ،‬بينام ال مينع غرينا نفسه من صب الرصاص وقطع‬ ‫األعناق لفرض سطوته واستبداده‪..‬‬ ‫ويبقى السؤال املحري‪ ..‬إن كانت جامعة هنا أو ألف‬ ‫هناك سوف ترسم مالمح السوريني وتشوهها‪ ..‬فأين باقي‬ ‫الجموع؟‪ ..‬أين ماليني السوريني التواقني لحياة البرش‬ ‫العاديني؛ لحياة البسطاء الطيبني‪ ..‬الخطائني‪ ،‬وما هو‬ ‫موقفهم ممن يدعون أنهم أوصياء عىل دين الله عىل‬ ‫األرض؟!‬ ‫لنرصخ وإياهم‪ ..‬لنجمع طاقاتنا‪ ..‬ولنضع يداً بيد‪ ..‬وإال‬ ‫لنتشح بالسواد األعظم‪ ،‬أو نلبس األكفان‪ ..‬وساعتها ّ‬ ‫تكف‬ ‫الحياة عن اعتناق األلوان وتكتفي بالضدّين!‬

‫افتتاحية العدد‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬


‫الصحافيون في سورية‪:‬‬

‫غياب الحماية في مواجهة الموت‬

‫‪3‬‬

‫هاجر الصوفي‬

‫يف آخر تقرير لها‪ ,‬أعلنت رابطة الصحفيني‬ ‫السوريني وهي منظمة ُتصدر تقريرا شهريا عن‬ ‫االنتهاكات الحاصلة بحق الصحفيني املعنيني‬ ‫بالتغطية يف سورية عن توثيق مقتل ‪ 257‬صحفياً‬ ‫منذ آذار‪ /‬مارس ‪ 2011‬حتى اآلن‪ ,‬ومؤخراً صدر‬ ‫تقرير يرصد الفرتة ذاتها عن الشبكة السورية‬ ‫لحقوق اإلنسان سجل ‪ 31‬حالة اختفاء لصحفيني‪,‬‬ ‫‪ 22‬منهم معتقلني لدى النظام السوري‪ ,‬و‪ 6‬صحفيني‬ ‫محتجزين لدى تنظيم الدولة و‪ 3‬بيد مجموعات‬ ‫مسلحة حسب وصفها‪.‬‬ ‫أين الصحفيين من مساعي حمايتهم‬

‫كامريا الشاب ملهم بركات والذي ُقتل أثناء تغطية أحد املعارك يف حلب‬ ‫املواطنني الصحفيني والذين تغلب جرأتهم‬ ‫وحامستهم عىل اهتاممهم باألمان‪ ,‬السيام مع تعدد‬ ‫الجهات التي تتهددهم كتنظيم الدولة اإلسالمية‬ ‫املسيطر يف شامل ورشق سورية عىل سبيل املثال‬ ‫ال الحرص‪.‬‬ ‫حسام املحمد وهو ناشط إعالمي يزود قنوات‬ ‫تلفزيونية عديدة بتقارير مصورة من الغوطة‬ ‫الرشقية يف ريف دمشق والتي تشهد قصفا متواصال‬ ‫من النظام السوري‪ ,‬أجابنا عن نفس االستفسار بأنه‬ ‫“يتوكل عىل الله”‪ ,‬فاملوت هو مصري مكتوب يواجه‬ ‫الصحفيني وغريهم يف ساعة محددة وأنه أصبح أقل‬ ‫خوفا مام كان عليه يف بدايات نشاطه الصحفي‬ ‫فثمة أحداث إن امتنع بداعي األمان عن تغطيتها‬ ‫فإنها لن تصل إىل الرأي العام وستنىس دون أن‬ ‫يلتفت إليها أحد‪.‬‬ ‫إذًا من يتابع االنتهاكات‬

‫عادة ما ترصد املنظامت املدنية املختصة بالعمل‬ ‫الصحفي أو بالتوثيق ما يحصل من انتهاكات بحق‬ ‫الصحفيني ولكن مثة مسؤولية أوسع من الرصد‬ ‫والتوثيق عىل البعض منها‪ ,‬وحني سؤالنا عام إن‬ ‫كانت تلك املنظامت متارس أي ضغط تجاه وقف‬ ‫االنتهاكات أجابتنا السيدة مايسة حسني وهي عضو‬ ‫رابطة الصحفيني السوريني بأن املهمة الحقيقية‬ ‫التي تقف وراء هذا التوثيق هو حشد عدد من‬ ‫املنارصين تجاه وقف االنتهاكات الحاصلة بحق من‬

‫ميارس مهنة الصحافة يف سوريا‪ ,‬ولكن مل تتمكن أي‬ ‫جهة من تحقيق مهمتها بعد بسبب التحدي الذي‬ ‫يتمثل مبعرفة من قام باالنتهاك‪ ,‬ومن املسؤول‬ ‫عنه خصوصاً يف ظل انتشار السالح وتعدد الجهات‬ ‫العسكرية املتنازعة يف سورية‪.‬‬ ‫وحول الوضع القانوين املتعلق باالنتهاكات التي‬ ‫متارس عىل الصحفيني يف سوريا‪ ,‬أكد أحد مستشاري‬ ‫الفاعليات التدريبية التي تعقد لعاملني يف‬ ‫مؤسسات إعالمية سورية جديدة لجريدة “طلعنا‬ ‫عىل الحرية”‪ ,‬بأنه ما من جهة رسمية اليوم متتلك‬ ‫الحق يف إصدار قانون للمناطق التي ينشط فيها‬ ‫اإلعالميون خصوصاً العاملني يف الوسائل اإلعالمية‬ ‫الثورية‪ ,‬وبالنتيجة فهناك مامرسات وانتهاكات‬ ‫ستقع بحقهم دون أي مرجعية‪ ،‬وسيتبع ذلك‬ ‫ملحددات تضعها غالباً الجهات العسكرية املسيطرة‬ ‫عىل املنطقة التي يعمل فيها الصحفي‪.‬‬ ‫ويضيف أن هناك العديد من املحاوالت من قبل‬ ‫منظامت املجتمع املدين لوضع مواثيق تجنب‬ ‫الصحفي مامرسة أخطاء مهنية يف تغطيته‪.‬‬ ‫وتعد سوريا أخطر مكان يف العامل لعمل الصحفيني‬ ‫منذ أكرث من عامني‪ ،‬وفقا للجنة حامية الصحفيني‬ ‫املعنية بحرية الصحافة حول العامل‪ ،‬ومقرها‬ ‫نيويورك وتقول اللجنة إن ‪ 69‬صحفيا عىل األقل‬ ‫قتلوا كنتيجة مبارشة للتغطية الصحفية يف سورية‬ ‫منذ عام ‪.2011‬‬

‫تحقيقات‬

‫“بالنسبة إيل األمان هو آخر همي‪ ..‬نحنا عشنا‬ ‫املوت كل يوم يف مناطقنا تحت القصف”‪.‬‬ ‫هكذا أجابت نريمني عبد الرؤوف وهي صحفية‬ ‫تعمل لوسائل إعالمية ثورية يف سوريا‪ ,‬لدى سؤالها‬ ‫ّ‬ ‫عم إن كانت قد فكرت مبسألة أمانها الشخيص‬ ‫خالل تغطيتها الصحفية‪ ,‬وأضافت عبد الرؤوف أن‬ ‫الحديث عن أمن الصحفيني وحاميتهم هو ترف‬ ‫و ٌ‬ ‫شأن سابق ألوانه قبل انتهاء الحرب خصوصا‬ ‫أن املشهد اإلعالمي السوري بوضعه الحايل ميتلك‬ ‫املرونة ُتجاه ضم صحفيني جدد إضافة لرشيحة‬

‫العدد ‪- 49 -‬‬

‫انتهاكات موثقة بحق الصحفيين‬ ‫خالل تغطية األحداث في سورية‪:‬‬

‫‪2014 / 11 / 24‬‬

‫داخل مبنى الهيئة العامة لإلذاعة والتلفزيون‬ ‫يف ساحة األمويني وسط العاصمة دمشق وبينام‬ ‫يحتفل إعالميو قناة “ تالقي” التلفزيونية بدخولهم‬ ‫موسوعة” غينيس” العاملية لألرقام القياسية كأطول‬ ‫ٍّ‬ ‫بث حواري تلفزيوين‪ ,‬يدور قرار لفصل مئة عاملٍ‬ ‫وعامل من كوادر الهيئة‪.‬‬ ‫قرار الفصل هذا ُو ّق َع من قبل وزير اإلعالم يف‬ ‫حكومة النظام السوري عمران الزعبي‪ ,‬وجاء‬ ‫بحق مراسلني ومحررين ومصورين ومخرجني من‬ ‫الكوادر العاملة يف الهيئة سابقا حسب ما نرشت‬ ‫شبكة شام اإلخبارية‪ ,‬والتي نسبت سبب القرار إىل‬ ‫تأييد املفصولني للثورة السورية‪.‬‬ ‫وإن كان هذا القرار قد ُأعزي ملوقف سيايس من‬ ‫العاملني املفصولني‪ ,‬فإن مثة ما يدفعه صحفيون‬ ‫آخرون خالل مزاولتهم ملهنتهم يف تغطية األحداث‬ ‫الدائرة يف سورية‪ ,‬فالقتل واالعتقال والتغييب‬ ‫القرسي هي مصائر تالحقهم ‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫الطائفية اغتراب في الوطن‬ ‫واغتراب عنه‬ ‫جاد الكريم الجباعي‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫مقاالت‬

‫منذ قيام الكيان السوري تواطأت السلطات‬ ‫السياسية والثقافية عىل تجهيل الواقع‪ ،‬أي جعله‬ ‫مجهوالً‪ ،‬وعىل تجهيل الشعب‪ ،‬أي جعله جاه ًال؛‬ ‫مع أن التعليم قد توسع توسعاً ملحوظاً‪ .‬لكن‬ ‫بعض التعليم تجهيل‪ ،‬حني يغلب عليه التلقني‬ ‫األيديولوجي‪ ،‬كام هي الحال منذ ستينات القرن‬ ‫املايض‪ ،‬وخاصة تعليم اللغة وعلومها وآدابها‬ ‫التقليدية‪ ،‬واعتبار أن كل ما تقوله اللغة حقائق‬ ‫كلية ونهائية‪ ،‬ال يرقى إليها شك‪ ،‬واللغة هي‬ ‫الفكر ونظامها نظامه‪ .‬وكذلك تعليم التاريخ‪،‬‬ ‫وتصوير الطغاة أبطاالً‪ ،‬وتعزيز أوهام السبق‬ ‫الحضاري‪ ،‬وليس من سبق‪ ،‬وأوهام املركزية‬ ‫اإلثنية (القومية) والذكورية وتزيينها‪ ،‬تحت‬ ‫مقولة‪“ :‬كنتم خري أمة أخرجت للناس‪ ،‬تأمرون‬ ‫باملعروف وتنهون عن املنكر”‪ ،‬التي أسست‬ ‫التعصب اإلثني – املذهبي‪ ،‬وفكرة امللة الناجية‪،‬‬ ‫من جهة‪ ،‬وحرصت سلطة األمر والنهي يف امللة‬ ‫الغالبة والعصبية الغالبة‪ ،‬وأقامت العالقات‬ ‫االجتامعية والسياسية عىل مبدأ الغلبة وقوة‬ ‫الشوكة وتقديس السلطة وعبادة السلطان‪.‬‬ ‫يضاف إىل ذلك تعليم الرتبية الدينية وفق‬ ‫مذهب بعينه‪ ،‬واعتبار األساطري الدينية حقائق‬ ‫تاريخية وكونية‪ ،‬وال سيام أسطورة الخلق‬ ‫التوراتية وفكرة الخليقة‪ ،‬التي تنفي حرية‬ ‫اإلنسان وتسوغ تبعيته أو عبوديته لقوة مفارقة‪،‬‬ ‫ليست يف التحليل األخري سوى السلطة‪ ،‬بوجهيها‬ ‫السيايس والديني‪.‬‬ ‫ورث الكيان السوري عن السلطنة العثامنية‬ ‫نظام امللل ومبدأ األكرثية واألقليات‪ ،‬أو‬ ‫استبطنهام يف بنيته العميقة‪ ،‬وإن غلفهام‬ ‫بخطاب عرويب “قومي”‪ ،‬جعل من سوريا “قلب‬ ‫العروبة النابض”‪ .‬ومل تفعل الحكومات املتعاقبة‬ ‫والنخبة الثقافية واألحزاب السياسية شيئاً يذكر‬ ‫يف سبيل االندماج االجتامعي‪ ،‬الوطني‪ ،‬وبلورة‬ ‫هوية وطنية سورية‪ ،‬فظلت الطوائف املذهبية‬ ‫والجامعات اإلثنية كيانات مغلقة ومتحاجزة‬ ‫لكل منها مرجعيتها الثقافية‪ ،‬تحافظ عليها‬ ‫وتعيد إنتاجها‪.‬‬ ‫ما من شك يف أن األوروبيني س َّيسوا “مسألة‬ ‫األقليات”‪ ،‬يف السلطنة العثامنية‪ ،‬ولكنهم مل‬

‫يخرتعوها‪ ،‬وإن كانت من معطيات ماضيهم‪.‬‬ ‫وما من شك يف أن املستعمرين الفرنسيني عمقوا‬ ‫الفروق بني اإلثنيات واملذاهب‪ ،‬واستثمروها‪،‬‬ ‫لتعزيز سلطتهم‪ ،‬ولكنهم مل يخرتعوها أيضاً‪.‬‬ ‫االستبداد السيايس املحدث وثقافته “القومية”‪،‬‬ ‫التوحيدية‪“ ،‬املح َّولة عن عقيدة دينية‪ ”،‬أعادا‬ ‫إنتاجها تحت مقوالت‪ :‬املجتمع العريب‪ ،‬واملجتمع‬ ‫العريب اإلسالمي‪ ،‬والتاريخ العريب‪ ،‬والتاريخ العريب‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬والثقافة العربية أو العربية اإلسالمية‪،‬‬ ‫وأضفيا صفة العروبة عىل الشعب والوطن‬ ‫والدولة‪ ،‬مع أن يف املجتمع السوري من هم‬ ‫غري عرب وغري مسلمني‪ ،‬ومسلمون من مذاهب‬ ‫مختلفة ومتخالفة‪ ،‬والتاريخ تواريخ هؤالء جميعاً‬ ‫والثقافة ثقافاتهم‪.‬‬ ‫هذه املقوالت‪ ،‬التي تفرتض كل منها تجانس‬ ‫املجتمع ونقاءه إثنياً ومذهبياً‪ ،‬كان لها فعل‬ ‫مزدوج يف الوعي واملامرسة‪ :‬توحيدي وتفتيتي؛‬ ‫ففي حني كانت املامرسة الخطابية تدعو إىل‬ ‫التوحيد‪ ،‬تحت راية العروبة أو تركيب هجني‬ ‫من العروبة واإلسالم‪ ،‬كانت تستبعد غري العرب‬ ‫وغري املسلمني‪ ،‬وكانت املامرسة العملية متعن‬ ‫يف التفتيت‪ ،‬ال بفعل نظام الوالءات واالمتيازات‬ ‫وآليات االصطفاء والتهميش فقط‪ ،‬بل بفعل‬ ‫املنطق اإلحيايئ‪ ،‬البعثي‪ ،‬أليديولوجية السلطة‬ ‫ٌ‬ ‫طائفية إال حني تصري األيديولوجيا‬ ‫أيضاً‪ .‬فال تكون‬ ‫سياسة وثقافة‪.‬‬ ‫املقوالت املشار إليها‪ ،‬هي لب ثقافة السلطة‪،‬‬ ‫وهي مقوالت اغرتابية وتغريبية‪ ،‬تخرج غري‬ ‫العرب وغري املسلمني‪ ،‬حسب املتكلم‪ ،‬من دائرة‬ ‫األمة‪ ،‬أي من دائرة املجتمع والشعب والوطن‬ ‫والدولة‪ ،‬وال ترى فيهم سوى غرباء‪ ،‬ينبغي‬ ‫استتباعهم أو إقصاؤهم‪ ،‬وتجريد غري املوالني‬ ‫والتابعني منهم من األهلية القانونية واألخالقية‪،‬‬ ‫فتحول دون اندماجهم يف الحياة العامة وحياة‬ ‫الدولة‪ .‬وهكذا تغدو السلطة أمة قامئة بذاتها‪،‬‬ ‫ومجتمعاً قامئاً بذاته‪ ،‬وشعباً قامئاً بذاته‪ ،‬ويغدو‬ ‫الوطن وطنها والدولة دولتها‪“ :‬سوريا األسد”‪ ،‬و‬ ‫“دولة البعث”‪.‬‬ ‫الجهل مبصدر السلطة وأصول االستبداد‬ ‫وفصوله‪ ،‬الذي يغرسه النظام التعليمي‪ ،‬وتعززه‬ ‫األيديولوجية “القومية”‪ ،‬ويع ِّممه اإلعالم‪،‬‬ ‫ويحرسه العسكر وقوى األمن‪ ،‬والشعور بالعجز‬

‫إزاء السلطة والتبعية لها‪ ،‬تولد كلها معاً نوعاً‬ ‫من االغرتاب يشبه االغرتاب الديني‪ ،‬الذي أساسه‬ ‫الجهل والشعور بالعجز إزاء الطبيعة والتبعية لها‪،‬‬ ‫فيتامهى اعتباط السلطة باعتباط الطبيعة‪ ،‬التي ال‬ ‫حول إزاءها وال طول‪ ،‬وبفكرة القدر الذي ال مفر‬ ‫منه‪ ،‬والقدير الذي ال ملجأ سواه‪.‬‬ ‫فقد الحظ عبد الله العروي أن رموز الحرية يف‬ ‫الثقافة “العربية اإلسالمية” هي البداوة والتقوى‬ ‫والتصوف؛ املنبوذون من عامل السلطة‪ ،‬عىل نحو ما‬ ‫وصفناه‪ ،‬يؤوبون إما إىل العشرية وإما إىل امل َّلة وإما‬ ‫إىل الطرق الصوفية‪ ،‬أي إنهم يهربون من االستبداد‬ ‫إىل مالذات وهمية من أجل حرية وهمية‪ ،‬ليك‬ ‫يتمكنوا من تحمل شظف العيش ومرارة الهامشية‬ ‫وانعدام القيمة وذل الحياة وغطرسة القوة‪“ .‬الفقر‬ ‫يف الوطن غربة” وذل وعجز وهامشية‪ .‬ومن ثم‬ ‫فإن الجامعات املهمشة تعيش غريبة يف ما يفرتض‬ ‫أنه مجتمعها ووطنها ودولتها‪ .‬هذا االغرتاب يف‬ ‫الوطن هو سبب االغرتاب منه‪ ،‬أي سبب الهجرة‪،‬‬ ‫الطوعية أو القرسية‪ ،‬وأساس االغرتاب عنه‪،‬‬ ‫والعامل الرئيس يف إنتاج الطائفية‪ .‬مبا هي اغرتاب‬ ‫عن الوطن‪ ،‬ونسق لتوليد العنف واإلرهاب‪.‬‬ ‫االغرتاب عن الوطن‪ ،‬بالتعريف‪ ،‬هو عدم االعرتاف‬ ‫باآلخر املختلف رشيكاً يف الحياة العامة وحياة‬ ‫الدولة‪ ،‬وعدم االعرتاف برشعية الدولة القامئة‬ ‫بالفعل وسيادتها‪ ،‬وعدم الشعور باالنتامء إىل‬ ‫الوطن أو الفضاء العام‪ ،‬وعدم الشعور بأي التزام‬ ‫قانوين أو أخالقي إزاءه‪ ،‬وعدم الشعور باملسؤولية‬ ‫عن مصريه‪.‬‬ ‫الطائفية املذهبية‪ ،‬مبا تنطوي عليه من أصولية‬ ‫وتعصب وتطرف‪ ،‬ومبا هي اغرتاب عن الوطن‪،‬‬ ‫هي هذا العدم املتامدي‪ ،‬املكافئ لإلرهاب‪ ،‬الذي‬ ‫دأبت السلطة عىل إنتاجه‪ ،‬ثم عىل استقدامه من‬ ‫الخارج‪ ،‬وغدت قادرة عىل تصديره‪.‬‬ ‫فحني يكون الوطن وطن السلطة والدولة دولتها‪،‬‬ ‫وتكون املعارضة السياسية وحرية الرأي والتعبري‬ ‫مح َّرمة ومج َّرمة ومخ َّونة أو مك َّفرة‪ ،‬وسبل اإلصالح‬ ‫أو التغيري السلمي مغلقة وآفاق الحياة الكرمية‬ ‫مسدودة‪ ،‬فإن مقاومة السلطة تتخذ شك ًال طائفياً‪،‬‬ ‫عدمياً‪ ،‬هو العمل عىل تدمريها‪ ،‬سلط ًة ودول ًة‬ ‫ووطناً‪ ،‬وذلكم هو اإلرهاب‪ .‬فاإلرهاب‪ ،‬وفق هذه‬ ‫الرؤية وليد الواحدية واالستبداد‪ ،‬والثمرة املرة‬ ‫لالغرتاب يف الوطن‪.‬‬


‫مالحظات على أدبيات السلفية‬ ‫‪5‬‬

‫علي العبداهلل‬

‫العدد ‪2014 /11 / 24 - 49 -‬‬

‫“خليف َة خليف ِة رسول الله” وأن يف ذلك ركاكة‬ ‫وإرباكاً‪ .‬أما الحديث الرشيف “ثم تكون خالفة‬ ‫عىل منهاج النبوة” الذي يستند إليه السلفيون‬ ‫فإنه ال يتسق مع منطق القرآن الكريم الذي‬ ‫يجعل من الغيب ساحة خاصة بالله عز وجل‪،‬‬ ‫وقد ُمنع النبي عليه الصالة والسالم من الخوض‬ ‫فيه‪ .‬كام أن وقائع التاريخ يف العهد “الراشدي”‬ ‫تشري إىل الضد من ذلك‪ ،‬حيث تباين منهاج‬ ‫الخالفة أيام عثامن وعيل عنه أيام أيب بكر وعمر‬ ‫تبايناً كبرياً‪.‬‬ ‫لقد أخطأ دعاة إقامة دولة الخالفة عندما مل‬ ‫مييزوا بني رضورة اإلمامة‪/‬الدولة‪ ،‬التي نادت‬ ‫بها كل املذاهب اإلسالمية‪ ،‬وطبيعتها وارتباطها‬ ‫برشوط وسامت العرص الذي تقوم فيه‪ ،‬حيث‬ ‫ال ميكن فصل الدولة عن العرص الذي تنشأ‬ ‫فيه‪ .‬كان التمييز بني رضورة “اإلمامة” وطبيعة‬ ‫“اإلمامة” حر ّياً بوضع ح ّد لهذه الدعوة غري‬ ‫املنطقية والتي لن تقود إىل مكان‪ ،‬ألنها تتناقض‬ ‫مع روح العرص ومع الدولة الحديثة‪ ،‬حيث‬ ‫مل يعد للدولة اإلمرباطورية وجود بعد أن قاد‬ ‫التطور السيايس واالجتامعي العاملي إىل نشوء‬ ‫دول قومية وإلغاء “حق الفتح” عام ‪ 1919‬يف‬ ‫عهد عصبة األمم (كان “حق الفتح” قد ألغي يف‬ ‫أوروبا قبل قرون من هذا التاريخ عرب معاهدة‬ ‫وستفاليا ‪ ،1648‬لكنه بقي اتفاقاً أوروبياً)‪ ،‬ما‬ ‫جعل الدولة اإلمرباطورية بسامتها املعروفة‬ ‫(عدم ثبات حدود الدولة والشعب والسيادة‪،‬‬ ‫ألنها عرضة للتغري الدائم بحسب نتائج الحروب‬ ‫والغزوات) غري رشعية وال متتلك فرصاً للنهوض‪،‬‬ ‫ُواجه من قبل دول العامل قاطبة‪ ،‬وأمامنا‬ ‫ألنها ست َ‬ ‫أمثلة معارصة‪ :‬اإلمرباطورية السوفييتية املنهارة‪،‬‬ ‫واألمريكية التي تلقى مقاومة دولية للحد من‬ ‫مامرساتها اإلمرباطورية‪.‬‬ ‫والالفت ان التيار السلفي يف موقفه من املرأة‬ ‫ودورها يف املجتمع‪ ،‬والذي يصفه بالتكمييل‪،‬‬ ‫ناقض تصوره للتاريخ حيث جاء منفصال عن‬ ‫النص املؤسس (القرآن الكريم) ومرتبطا بفقه‬

‫عصور االنحطاط التي يعترب دعوته العودة اىل‬ ‫السلف ردا عليها‪ ،‬فموقفه من املرأة فيه انتقاص‬ ‫من مكانتها ودورها الذي حدده النص إذ منحها‬ ‫موقعاً أفضل‪ ،‬فهي مساوية للرجل يف آدميته‪،‬‬ ‫ومكلفة مثله‪ ،‬ودورها تكاميل مع دور الرجل‬ ‫وليس تكميلياً‪ ،‬يف ضوء اعتبار االسالم األرسة‬ ‫(ذكر وانثى) الوحدة االساسية للمجتمع‪ ،‬وعدم‬ ‫تحديده سقفاً أو محرمات أمام دورها‪ ،‬وقد كان‬ ‫الفتاً أن القرآن الكريم يف روايته لقصة بلقيس‬ ‫ملكة سبأ مع النبي سليامن أنه مل يعكس أي‬ ‫تحفظ حول موقعها يف رأس هرم السلطة‪ ،‬ملكة‬ ‫يف بلدها‪ ،‬بل نقل صورة إيجابية عن قيادتها‬ ‫لبلدها أنها ال تأخذ قراراً إال بعد مشاورة مجلس‬ ‫حكامء يف اململكة‪ .‬وأن كل ما يقال عن أدوار‬ ‫وقيود وحدود لدور املرأة يف املجتمع هو من‬ ‫وضع فقهاء املسلمني‪ ،‬رأي‪ /‬اجتهاد برش قابل‬ ‫للطعن والتعديل‪.‬‬ ‫كام قادته قراءته اىل اشهار سيف التكفري يف‬ ‫وجه املختلف دينياً ومذهبياً‪ ،‬واىل االنحياز اىل‬ ‫الصدام والعنف‪ ،‬يف حالة تدفع اىل االنقسام‬ ‫والتمزق االجتامعي والسيايس‪ .‬ما جعله عاجزاً‬ ‫عن التعايش مع مجتمع تعددي ومفتوح‪ ،‬كام اىل‬ ‫القفز فوق حالة املجتمعات اإلسالمية املتخلفة‬ ‫علميا وصناعيا‪ ،‬الضعيفة واملنهكة‪ ،‬املحتاجة‬ ‫إىل ما يف أيدي اآلخرين من علم وتقنية لحل‬ ‫مشكالتها املعيشية والخدمية والصحية‪ ،‬ودعوته‬ ‫اياها اىل االنخراط يف اتون رصاع مفتوح مع العامل‪.‬‬ ‫كل هذا جعل التيار السلفي غري قادر عىل‬ ‫التعاطي مع روح العرص وطرح اجوبة عن‬ ‫مشكالت املواطن السوري‪ ،‬وغري قادر عىل طرح‬ ‫منوذج سيايس‪ ،‬مقنع وجذاب‪ ،‬وحل مشكالت‬ ‫سوريا بعد نظام االستبداد الزائل‪ ،‬ما مل يغري‬ ‫السنَن‬ ‫نظرته وينطلق من فهم الواقع واكتشاف ُ‬ ‫والتطلع إىل املستقبل من خالل احتياجات‬ ‫االنسان الذي ُبعث األنبياء ملساعدته عىل التحرر‬ ‫والعيش يف ظروف طيبة‪ ،‬فالدين جاء لخدمة‬ ‫اإلنسان وليس العكس‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫قاد صعود التيار السلفي يف الثورة السورية اىل‬ ‫طرح أسئلة حول قدرة هذا التيار عىل تقديم‬ ‫اجوبة وحلول للمشكالت التي تواجه الشعب‬ ‫السوري يف الوقت الراهن‪ ،‬ومدى نجاحه يف‬ ‫التعاطي معها وإعطاء أجوبة سياسية واقتصادية‬ ‫واجتامعية بحيث تكون سوريا دولة مستقرة‬ ‫يعيش مواطنوها بأمان ومساواة يف ظل سيادة‬ ‫القانون والحريات العامة والخاصة‪.‬‬ ‫واقع الحال ان ادبيات التيار السلفي تنطوي عىل‬ ‫توجهات فكرية وسياسية ال تنسجم مع العرص‪،‬‬ ‫فقراءته للنص الديني قامئة عىل التمسك بظاهر‬ ‫النص وتجاهل املقاصد العميقة والتي تجعله‬ ‫منفتحاً عىل الزمان واملكان عرب ترك مساحة‬ ‫واسعة يف املجاالت غري العقدية لتحرك البرش‬ ‫واجتهاداتهم والتفاعل مع التغريات التي تطرأ‬ ‫عىل املجتمع اإلنساين واإلسالمي‪ ،‬هذا باإلضافة اىل‬ ‫رفضه للقراءات واالجتهادات األخرى‪ ،‬ما يضعه يف‬ ‫مواجهة فقهية مع أصحاب هذه القراءات ويحول‬ ‫دون م ّد جسور التفاهم والتعاون والتعاضد‬ ‫والتعايش تحت سقف مجتمع واحد‪ ،‬واالنزالق‬ ‫إىل الصدام معها‪.‬‬ ‫وقد قادته قراءته تلك‪ ،‬مع موقفه املبني عىل‬ ‫تحكيم النص‪ ،‬اىل عدم القدرة عىل وضع تصور‬ ‫يلحظ ما يف العامل املعارص من قضايا ومسائل‬ ‫ومشكالت تؤثر يف حياة اإلنسان بشكل عام‬ ‫واملسلم بشكل خاص‪ ،‬فالتصور السلفي فقري يف‬ ‫مكوناته وغريب عن عامل اليوم نتيجة استغراقه يف‬ ‫املايض واالنطالق من نظرة نكوصية ترى القرون‬ ‫األوىل أفضل القرون واالنحدار مع التقدم يف‬ ‫الزمان‪ ،‬ولذا دعا اىل إقامة دولة الخالفة (دولة أمة‬ ‫املسلمني‪ ،‬دولة فوق وطنية) باعتبارها عودة اىل‬ ‫االيام املجيدة‪ .‬ومل يكتف بالدعوة بل انطلق من‬ ‫اعتبارها فرضاً إسالمياً‪ ،‬ما يجعلها أص ًال من أصول‬ ‫الدين‪ ،‬وهو مخالف ملا تواضع عليه املسلمون من‬ ‫أصول (األلوهية‪ ،‬الرسالة‪ ،‬امليعاد)‪ ،‬وليس له سند‬ ‫صلب وواضح من النص الديني (القرآن الكريم)‪،‬‬ ‫حيث مل ترد الخالفة يف النص ال رصاح ًة وال مداور ًة‪،‬‬ ‫فالتسمية ُولدت عفوياً من وصف طبيعة دور‬ ‫اإلمام الذي تال الرسول (خلفه يف موقعه يف قيادة‬ ‫املسلمني فهو خليفة‪ ،‬ثم وصف النظام السيايس‬ ‫بالخالفة)‪ ،‬وقد تخىل عنها عمر بن الخطاب إىل‬ ‫“أمري املؤمنني”‪ ،‬ألنه اعترب نفسه خليفة أيب بكر‬ ‫وليس خليفة الرسول‪ ،‬ورأى أن وصفه سيكون‬


‫‪6‬‬

‫مأساة الجئي كوباني في مخيمات‬ ‫سروج التركية ومبادرات تحيي الحياة‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫كمال شيخو‬

‫القسم الكوردي‬

‫عىل الجهة اليمينة من الطريق الواصل بني مدينتي عيل كور ورسوج التابعتني‬ ‫لوالية شانيل أورفة (جنوب تركيا)‪ ،‬انترشت مخيامت الجئي كوباين بعد ان فروا‬ ‫من الحرب الدائرة منذ شهرين‪ ،‬بني قوات حامية الشعب الكردية املتحالفة‬ ‫مع تشكيالت من الجيش السوري الحر‪ ،‬ومبساندة قوة عسكرية من قوات‬ ‫البيشمركه من ناحية‪ ،‬وتنظيم الدولة االسالمية املتطرف واملتداول اعالمياً بـ‬ ‫(داعش) من ناحية ثانية‪.‬‬ ‫وبلغ عدد النازحني منذ ‪ 18‬شهر ايلول (سبتمرب) املايض‪ 183 ،‬ألف الجئ‪،‬‬ ‫قصد أغلبهم مدينة رسوج وقراها الحدودية املحاذية ملدينة كوباين السورية‪.‬‬ ‫وقامت بلدية رسوج ببناء أربعة مخيامت وهي عبارة عن كتل من الخيم‪،‬‬ ‫وكل خيمة يغطيها قامش سميك يبدو أنها لن تصمد طوي ًال أمام امطار الشتاء‬ ‫القارس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بدورها‪ ،‬أنشئت منظمة ‪ AFAD‬الرتكية لشؤون الهجرة والالجئني‪ ،‬مخيام يضم‬ ‫حوايل خمسة أالف الجئ‪ ،‬وتقوم الحكومة الرتكية باألرشاف عليه وتقديم‬ ‫الدعم الالزم لها‪ ،‬إال أنها ال تقدم اي دعم يذكر لباقي املخيامت التي ترشف‬ ‫عليها بلدية رسوج العتبارات وخالفات سياسية‪.‬‬

‫احتياجات خدمية وطبية‬

‫مخيم آرين مريخان وهو أكرب املخيامت‪ ،‬ويقدر عدد قاطنيه بحوايل خمسة‬ ‫أالف الجئ‪ .‬أرض املخيم ترابية ومليئة باألحجار مام قد يعرض املخيم لخطر‬ ‫االنجراف عند هطول األمطار‪ّ .‬‬ ‫الحممات أعدادها قليلة ومستوى النظافة‬ ‫منخفض مام أدى النتشار بعض األمراض مثل الحساسية الجلدية والتهابات‬ ‫األمعاء‪ .‬أما مياه الرشب فتقدمها بلدية رسوج الرتكية ومياه االستخدام ممددة‬

‫من برئ جانب املخيم‪ ،‬إال أنها غري صالحة للرشب‪.‬‬ ‫نورهان والتي كانت جالسة بجانب خيمتها‪ ،‬رشحت لـ (طلعنا عالحرية) ان‬ ‫“الخيمة صغرية وباردة‪ ،‬وال يوجد فيها كهرباء”‪ ،‬كانت تلبس زياً كردياً مغطى‬ ‫باأللوان الزاهية‪ ،‬هي ام لخمسة أطفال وتسكن يف خيمة مع زوجها يف مساحة‬ ‫تقدر بـ ‪ 20‬مرت‪ ،‬وأضافت “يأيت الطعام جاهز ولكن يف حال نشتهي أكل او‬ ‫شاي ال نستطيع طبخه ألنه ال توجد لدينا معدات او وقود”‪.‬‬ ‫سليامن متني مسؤول مخيم آرين مريخان‪ ،‬تحدث لـ (طلعنا عالحرية) بأن‬ ‫“العدد يفوق الطاقة االستيعابية للمخيم‪ ،‬هذا املكان يضم خمسة أالف الجئ‪،‬‬ ‫ويعيش كل عرشة اشخاص يف خيمة واحدة”‪ ،‬ورشح انه “هناك نقطة طبية‬ ‫واحدة وطبيبني وأغلب قاطني املخيم اطفال ونساء وكبار السن”‪.‬‬ ‫وتشهد الحاممات ازدحام دائم‪ ،‬ويشكو اطباء املخيم أنتشار األمراض السارية‬ ‫لتدين الرعاية الصحية‪ ،‬وشدد مسؤول املخيم أن “هناك الكثري من األدوية نحن‬ ‫بحاجة ماسة لها”‪ ،‬وأضاف “معظم الالجئون من األطفال وهناك حوايل ‪500‬‬ ‫رضيع يحتاجون للعناية الصحية والتي ال تتوفر هنا”‪.‬‬ ‫وكشف الدكتور وائل أحد أطباء املخيم لـ (طلعنا عالحرية) أنه “تويف منذ أيام‬ ‫طفل حديث الوالدة بعد أربعة أيام من والدته فقط؛ نتيجة الربد وعدم توفر‬ ‫العناية الصحية‪ ،‬وكانت الحالة الثالثة من نوعها”‪ ،‬كام أخرب الطبيب بانتشار‬ ‫مرض الحساسية الجلدية لدى األطفال والنساء‪.‬‬

‫أنشطة ُتعيد الحياة‬

‫معظم سكان املخيم اطفال يقضون وقتهم يف اللعب ورشق املياه‪ ،‬األمر الذي‬


‫تتمة من الصفحة السابقة‬

‫أكرث من مائتي ألف نازح‬

‫محمد عارف علي‬ ‫يبدو أن املشهد العسكري يف كوباين مل يكتمل بعد بوجهه السيايس من‬ ‫التحالفات الدولية واإلقليمية‪ ،‬والحلول التي يعد الرتتيب لها ملستقبل‬ ‫الرصاع السوري‪ ،‬بعد أن باتت القوى العسكرية التي تقف ضد زحف‬ ‫الدولة االسالمية عىل األرض هي القوى الكردية‪ ،‬ابتدا ًء من البيشمركة‬ ‫ووصوالً اىل وحدات حامية الشعب ودور حزب العامل الكردستاين يف‬ ‫الحرب الدائرة باملدينة الكردية كوباين ‪.‬‬ ‫إن كوباين التي صمدت وحيدة ملدة شهر ضد زحف همج الدولة‬ ‫االسالمية الذي مل يلقَ أ ّية مقاومة يف مناطق سيطرتها يف محافظتي الرقة‬ ‫ودير الزور السورية‪ ،‬وصوالً باملوصل العراقية التي مل تصمد ‪ 48‬ساعة‬ ‫أمام زحفهم‪ ،‬غريت بذلك وجهة العامل ومجريات الحرب ضد اإلرهاب‬ ‫وحولت أنظار العامل إىل هذه املدينة الصغرية التي قاومت بسالحها‬ ‫الخفيف ودماء أبنائها ومشاركة العنرص النسايئ يف مقاومتهم حتى وصل‬ ‫بهم األمر إىل القيام بعمليات فدائية لوقف تقدم اآلليات الثقيلة للدولة‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫ولكن الجدير بالذكر أن الوقت مل يحن بعد إلخراج هذا التنظيم من‬ ‫كوباين املدينة وزخم تحليق طائرات التحالف يف سامئها ومدى شدة‬ ‫القصف ملواقع ومجموعات التنظيم‪ ،‬هي املعادلة التي ِح ْي َكت بني‬ ‫القوى الكردية املشرتكة والتحالف الدويل‪ ،‬لتكون كوباين مدينة االستنزاف‬ ‫لتنظيم الدولة وذلك مبحاولة استجرار اكرب عدد من عنارصه التي بداخل‬ ‫املدينة‪.‬‬ ‫واملشهد الثاين والذي بدأ ظهوره للعلن‪ ،‬هو بدء وحدات حامية الشعب‬ ‫(‪ )YPG‬القيام بعمليات كريالتيا خلفية‪ ،‬أي رضب التنظيم يف قرى‬ ‫وأرياف كوباين وقطع طرق اإلمداد لعنارصه املتواجدين داخل املدينة ‪.‬‬ ‫وال يخفى أن بعض القوى أرادت من كوباين وسقوطها مدينة الستنزاف‬ ‫القوى الكردية املتواجدة هناك واملتمثلة بوحدات حامية الشعب‬ ‫(‪ )YPG‬يف محاولة منها إىل ّيل ذراع حزب العامل الكردستاين‪ ،‬إال أن‬ ‫غي من وجهة املعادلة املرسومة لديهم‪.‬‬ ‫صمود كوباين ّ‬ ‫وبدأ التدخل قبل سقوطها‪ ،‬لتكون هذه املدينة الصغرية النواة األوىل لهذا‬ ‫التحالف املرسوم جواً عرب طائرات خليجية وغربية‪ ،‬وعىل األرض القوات‬ ‫نزوح شبه تام ملواطنيها وتدمري‬ ‫الكردية املشرتكة‪ ،‬وإن دفعت مثنها من ٍ‬ ‫لبنيتها التحتية‪.‬‬ ‫واملشهد الثالث هو مستقبل الرصاع السوري ومحاولة إيجاد قوى‬ ‫معارضة عىل األرض تحمل صبغة معتدلة يتم ارشاكها يف هذه الحرب‪ ،‬يف‬ ‫مرحلة ما بعد كوباين وتسليمهم املناطق ذات الغالبية السنية والتحضري‬ ‫لدولة المركزية يتم التفاوض عليها مبشاركة النظام سواء برحيل األسد أو‬ ‫بقاءه ملرحلة انتقالية ‪.‬‬

‫القسم الكوردي‬

‫املعارك الدائرة يف كوباين تسببت بنزوح أكرث من ‪ 400‬الف نازح‪،‬‬ ‫نصفهم عربوا اىل االرايض الرتكية‪.‬‬ ‫من ناحيته‪ ،‬يرى املحامي محمود كالو رئيس لجنة االغاثة يف املجلس‬ ‫الوطني الكردي يف كوباين ّ‬ ‫بأن “العدد أكرب بكثري”‪ ،‬ويف حواره مع‬ ‫(طلعنا عالحرية) أكد ان “الرقم الحقيقي يرتاوح بني ‪ 250‬الف اىل‬ ‫‪ 300‬ألف”‪ ،‬وعن صعوبة احصاء االرقام بشكل دقيق‪ ،‬أستخلص “نظراً‬ ‫لصعوبة تسجيل كل االسامء التي عربت‪ ،‬فريف كوباين واملؤلف من‬ ‫‪ 360‬قرية هُ جر بالكامل‪ ،‬اضاف ًة اىل سكان املدينة‪ ،‬جميعهم فروا منذ‬ ‫بداية الحرب”‪.‬‬ ‫وعن التحديات التي تواجه املنظامت اإلغاثية سواء أكانت املحلية‬ ‫أم الدولية‪ ،‬أوضح املسؤول املحيل ّإن “أبرزها االعتباطية والعشوائية‬ ‫لغياب برنامج واضح ومخطط لتقديم املساعدات لهؤالء”‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫دفع باملدرسة جيان تحويل إحدى الخيم اىل مركز تعليمي أشبه بالصف‬ ‫ولوح صغري‪ ،‬وبدأ يرتاده‬ ‫الدرايس‪ .‬ز ّودته مبقاعد وبعض الكتب والدفاتر ٍ‬ ‫عدد من االطفال ترتاوح أعامرهم بني ‪ 7‬و‪ 15‬سنة‪ ،‬ألخذ بعض الدروس‪.‬‬ ‫ونقلت جيان تجربتها لـ (طلعنا عالحرية) قائلة‪“ :‬يف كوباين كانت‬ ‫قدم وساق‪ ،‬وبعد نزوحنا‬ ‫العملية التعليمية التزال مستمرة عىل ٍ‬ ‫مجربين قررنا إعادة تعليم االطفال‪ ،‬نقوم بتدريس بعض الدروس‬ ‫الكردية والعربية ونحاول تعليمهم اللغة اإلنكليزية”‪ ،‬أما عن الدعم‬ ‫املقدم للمركز التعليمي‪ ،‬أكدت ميديا أنه ال توجد اي جهة تقدم الدعم‪،‬‬ ‫وأخربت “نفقة املرشوع عىل حسابنا الشخيص”‪ ،‬وقام مجموعة مدرسني‬ ‫ذكرت اسامءهم‪ :‬جيالن واديب وفيدان‪ ،‬بالتربع لدعم املرشوع‪.‬‬ ‫إال ان زوزان أبنة العرش سنوات رفضت فكرة الذهاب للمركز‪ ،‬وقالت‪:‬‬ ‫“بدي صفي ومدرستي‪ ،‬بدي بنت عمي لرتوح معي عاملدرسة”‪،‬‬ ‫وأعربت والدتها عن حزنها وأنها “تقيض معظم وقتها جالسة عند باب‬ ‫خيمتها وال تلعب كباقي االطفال”‪.‬‬ ‫وعند مدخل املخيم‪ ،‬خصصت غرفتني مسبقتي الصنع كنقطة طبية‬ ‫ملعالجة الحاالت املرضية الرسيعة والخفيفة‪ .‬وتطوع طبيبان لخدمة‬ ‫املرىض‪ .‬أحداهن كانت الدكتورة روكسان‪ ،‬باإلضافة اىل كونها تعالج‬ ‫أمراض االطفال والحاالت النسوية‪ ،‬حولت الغرفة الثانية اىل مركز‬ ‫يختص بالتأهيل النفيس‪.‬‬ ‫فالكثري من الحاالت كانت ترتدد لعيادتها وتحتاج اىل الدعم النفيس‪،‬‬ ‫إحدى اللوايت قصدن غرفة املعالجة النفسية قالت بصوت خافت‬ ‫مشوب بالخوف‪“ :‬كنا نسمع أنهم يسبون النساء‪ ،‬ويقتلون الرجال‪،‬‬ ‫وبعد ان هربنا من كوباين‪ ،‬أصبحت اشاهد كوابيس مرعبة”‪ ،‬وتابعت‬ ‫وهي تحاول رشح حالتها “هجموا خيمتنا واقتادوين عنو ًة وكنت أرصخ‬ ‫بصوت عايل وال أحد خلصني من بني يديهم”‪.‬‬ ‫ورشحت الدكتورة روكسان لـ (طلعنا عالحرية) ان “الكثري من الحاالت‬ ‫شبيهه بحالة هذه املريضة‪ ،‬واملركز بسيط ويحتاج اىل اخصائيني ملعالجة‬ ‫هكذا حاالت”‪.‬‬

‫المشهد العسكري‬ ‫في كوباني والصراع‬ ‫السياسي‬


‫الثورة والتحالف الثالثي على سوريا‬ ‫‪8‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫مقاالت‬

‫يف مقابلة له مع احدى الصحف الرتكية يشكر‬ ‫املفكر السوري صادق العظم الدولة اإلسالمية يف‬ ‫العراق والشام “داعش” كونها أخرجت الرئيس‬ ‫األمرييك من حال اإلنكار التي تعاطى بها مع‬ ‫الحدث السوري‪ ،‬وجعلت أوباما يتخذ قراراً (وهو‬ ‫قلي ًال ما يفعل) بأن يتدخل عسكرياً ضد اإلرهاب‪.‬‬ ‫ولكن يبدو أن صالحية الشكر مل تكن قابلة للدوام‬ ‫طوي ًال أمام “أيديولوجيا العجز” التي وسمت دامئاً‬ ‫قرارات أوباما بالتناقض الذايت‪ ،‬بحيث تجد ضمن‬ ‫القرار ذاته ما يعطله عىل نحو ال ينتهي‪ ،‬وهي لن‬ ‫تفلح يف مواجهة اإلرهاب الثاين‪ ،‬بأكرث من فالحها‬ ‫يف مواجهة اإلرهاب األول أيام الكياموي قبل‬ ‫عام ونيف‪ ،‬بل غالباً ما يصح القول إن مواجهة‬ ‫اإلرهاب عىل الطريقة األوبامية العاجزة‪ ،‬دخلت‬ ‫الحيز التكويني للعبة اإلرهاب‪ ،‬وانتقلت من وضع‬ ‫املواجهة إىل وضع الحليف املوضوعي لإلرهاب‬ ‫األول ممث ًال بالنظام‪ ،‬واإلرهاب الثاين الذي متثله‬ ‫داعش‪ ،‬ليصبح التدخل العسكري للتحالف هو‬ ‫النوع الثالث‪ ،‬ويشكل مع إرهاب النظام وإرهاب‬ ‫داعش تحالفاً ثالثياً ضد سوريا والشعب السوري‪.‬‬ ‫عندما كتبت صحيفة “الوطن” السورية أن التحالف‬ ‫يدخل يف خندق واحد مع الجيش العريب السوري‬ ‫ضد العصابات اإلرهابية املسلحة‪ ،‬بدا العنوان‬ ‫للناظر العاقل عنواناً سوريالياً‪ ،‬فرأس املؤامرة‬ ‫الكونية الذي مثلته أمريكا و”عربان” الخليج‬ ‫دخلوا يف خندق واحد مع النظام الذي يتآمرون‬ ‫هم أنفسهم عليه‪ .‬لكن الواقع السوري الذي‬ ‫يتحدى السوريالية ويب ّز أكرث اشكالها العقالنية منذ‬ ‫ثالثة أعوام ونصف‪ ،‬مل يعد يرى يف تلك السوريالية‬ ‫السياسية أمراً غريباً عليه‪.‬‬ ‫يف الحقيقة ليس الترصف الذي س ّوقته أو رعته‬

‫أو مررته أمريكا األوبامية؛ راعية النظام العاملي‬ ‫الجديد‪ ،‬وبات َي ِس ُم مجمل الدول املتدخلة يف الشأن‬ ‫السوري‪ ،‬ترصفاً يليق بالدول بقدر ما هو ترصف‬ ‫ميلشيوي ال يختلف عن أي ميليشيا معادية تكوينياً‬ ‫ملفهوم الدولة باعتبارها كياناً عقالنياً‪ ،‬فالدولة؛‬ ‫سواء كانت دولة أمة كام هو حال أمريكا‪ ،‬أو دولة‬ ‫سلطة (‪ )regime‬كام هو حال إيران‪ ،‬باتت تترصف‬ ‫بشكل علني مناف للمحرز اإلنساين والسيايس‪ ،‬عىل‬ ‫أنها دولة يف الداخل ونحو الداخل مقابل ترصفها‬ ‫ميليشوياً يف الخارج ونحو خارجها‪ ،‬أما يف الحالة‬ ‫السورية فقد بات ترصف الدولة ميليشيوياً نحو‬ ‫الداخل والخارج معاً‪ ،‬فبعد أن فقدت احتكار‬ ‫السالح والعنف والسلطة واألرض‪ ،‬أصبحت جزءاً‬ ‫من منظومة ميليشوية اقليمية ودولية تتقاتل عىل‬ ‫أرض سورية‪.‬‬

‫تصوير‪ :‬بسام الحكيم‬

‫“الشعب” السوري “الحايل” بوصفه شعباً قاب ًال‬ ‫بالقوة إلحراز الدولة األمة بالفعل‪ ،‬هو الخارس األكرب‬ ‫أمام العدوان اإلرهايب الثاليث‪ ،‬فمن ال ميوت شهيداً‬ ‫للثورة‪ ،‬ميوت شهيداً للنظام‪ ،‬ومن مل ينزح بعد هرباً‬ ‫من عنف النظام وامليليشيات العاملة معه‪ ،‬أو هرباً‬ ‫من “داعش” وإرهابها اإلسالمي‪ ،‬يحاول الهرب من‬ ‫خدمة الجيش‪ ،‬أو الهرب من العرس الحيايت والفقر‬ ‫املدقع الذي يعيشه من تبقى من السوريني يف‬ ‫سوريا‪ ،‬فحالة االصطفاء املقلوبة التي تجعل من‬ ‫االرتقاء لألنذل واألكرث اجراماً‪ ،‬والبقاء للقوة العارية‬ ‫ومنفذيها‪ ،‬ترتك معظم السوريني الذين ال يريدون‬ ‫الحرب يف حالة صمت أسود‪ ،‬هو صدى الصمت‬ ‫العاملي عن الظلم الذي تعرض له السوريون‪،‬‬ ‫وصدى املوت الذي يحارص السوريون أينام و ّلوا‬ ‫وجوههم داخل البلد أم خارجه‪.‬‬ ‫مل تعد الثورة السورية ثورة “الشعب” السوري‪ ،‬بل‬ ‫أصبحت ثورة مستقلة عن هذا الشعب‪ ،‬مبعنى أن‬ ‫فعل اإلرادة الذي كان أساسياً يف شعار “الشعب‬ ‫يريد إسقاط النظام”‪ ،‬مل يعد فع ًال إرادوياً ميتلكه‬ ‫ويحتكره الشعب‪ ،‬بل أصبح فع ًال تاريخياً وبيد‬ ‫التاريخ‪ ،‬موزعاً بني القوى االقليمية والدولية الحارضة‬ ‫يف هذا التاريخ‪ ،‬وبالتايل فإن الثورة الباقية والتي‬ ‫غريت الشعب والنظام والدولة‪ ،‬هي باقية ضد إرادة‬ ‫الجميع وليست عىل هوى أحد ممن قام بها أو قام‬ ‫ضدها‪ ،‬ألنها أصبحت ملك التاريخ‪ ،‬حيث إنها غريت‬ ‫موضوعياً؛ ودون رجعة‪ ،‬وجه سوريا السابق‪ ،‬دون أن‬ ‫يتحدد بعد وجهها القادم من املوت‪.‬‬


‫الحل في الداخل‬ ‫‪9‬‬

‫ابو القاسم السوري‬

‫العدد ‪- 49 -‬‬ ‫‪2014 / 11 / 24‬‬

‫مقاالت‬

‫لعل االمر الوحيد الذي ميكن ان يتفق‬ ‫عليه الجميع بالنسبة ملقاربة الوضع‬ ‫السوري هو مدى التدهور والفوىض التي‬ ‫وصلت اليها االمور‪ ،‬والتي اضحى معها‬ ‫من امللح البحث عن مخرج يحفظ ما‬ ‫تبقى من الدولة السورية التي اصبحت‬ ‫اركانها مهددة بالزوال‪ ،‬سواء مبشاريع‬ ‫التقسيم الجغرايف والطائفي أو نتيجة‬ ‫نزوح نصف الشعب اىل خارج القطر أو‬ ‫نتيجة تعدد مراكز السلطة وترشذمها‪.‬‬ ‫ومع تعدد الطروحات واتساقها مع‬ ‫اجندات سياسية معينة بغية تحقق‬ ‫مصالح هذه السياسيات أصبح ظاهرا‬ ‫للعيان ان كل هذه االطروحات هي‬ ‫قارصة وغري قادرة عىل مقاربة الواقع‬ ‫بشكل صحيح أو تشخصيه بطريقة‬ ‫واقعية بحيث تستطيع ايجاد الدواء‬ ‫املناسب‪ ،‬لذلك ال بد من ايجاد طرح‬ ‫جديد يعمل عىل تشخيص الواقع بشكله‬ ‫السليم والعمل عىل ايجاد االطار العام‬ ‫ألي حل ميكن اي يوجد او ان يكون قابال‬ ‫للنجاح‪ ،‬ولضامن ذلك ال بد من تظافر‬ ‫عدد من املكونات معا وهي ‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬تحديد رؤية عامة مشرتكة تتحدد‬ ‫من خاللها الصورة العامة للوضع الراهن‬ ‫الذي وصلنا اليه ويف نفس الوقت‬ ‫التفريق بني ما نحلم به وبني ما ميكن‬ ‫تحقيقيه‪ ،‬وما هي الثوابت التي ال ميكن‬ ‫ان نتنازل عنها‪ ،‬وما هي االمور التي‬ ‫ميكن مناقشة امرها‪ ،‬وبالتايل تحديد‬ ‫ماهية مستقبل سوريا التي نريدها‬ ‫ولو كان هذا النقاش باالطار العام دون‬ ‫الدخول بالتفاصيل التي تفرق اكرث مام‬ ‫تجمع‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬العمل عىل ايجاد حامل مجتمعي‬ ‫لهذه الرؤية‪ ،‬وال ميكن ان يتم ايجاد هذا‬ ‫الحامل اال بتوافق الرؤية مع رغبات‬ ‫املجتمع السوري وتطلعاته واحالمه‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬حشد القوى السياسية والعسكرية‬ ‫السورية خلف هذه الرؤية والعمل عىل‬

‫ان تتبنى جميع قوى الثورة هذه الرؤية‪ ،‬اي العمل‬ ‫عىل ايجاد مرشوع سيايس للثورة السورية‪.‬‬ ‫ولكن يبقى السؤال االهم من هي االطراف التي‬ ‫ستقوم باملبادرة إلنجاز ذلك‪ ،‬قد يجادل البعض‬ ‫بالقول انه االئتالف الوطني باعتباره الجهة التمثيلية‬ ‫السياسية االكرب للثورة السورية‪ ،‬وهذا صحيح‪ ..‬لكن‬ ‫االئتالف الوطني عجز حتى االن ان يفرض نفسه‬ ‫كجهة حقيقية لتمثيل الشارع السوري‪ ،‬وحتى ان‬ ‫اي حل يطرحه االئتالف بات محل هجوم اكرث منه‬ ‫محل توافق‪.‬‬ ‫قد يقول البعض ان القوى العسكرية الكربى هي‬ ‫املخولة يف حمل لواء هكذا املرشوع والسري فيه‬ ‫باعتبارها صاحبة القرار عىل االرض وهذا صحيح‪،‬‬ ‫ولكن هذه القوى عجزت عن طرح حل سيايس قابل‬ ‫للتطبيق‪ ،‬بل ان الرصاعات االيدلوجية بني هذه‬ ‫القوى اوصلتها اىل حالة من الشلل السيايس‪ ،‬وبالتايل‬ ‫اىل العجز عن حمل لواء هكذا مرشوع‪.‬‬ ‫وقد يجادل البعض ان الشيخ معاذ الخطيب هو‬ ‫االقدر عىل القيام بذلك ملا يحمله الرجل من مكانة‬ ‫كاسحة لدى قطاع كبري من الشعب السوري مبا‬

‫فيهم قسم من املؤيدين العقالنيني‪ ،‬وهذا صحيح‪،‬‬ ‫لكن الشيخ معاذ الخطيب رغم جهوده الجبارة يف‬ ‫البحث عن حل ينهي املأساة السورية اال ان تلك‬ ‫الجهود ستبقى محل هجوم عىل اعتبار الشيخ معاذ‬ ‫فرد واحد وال يحق له النطق باسم الشعب السوري‬ ‫بكامله او التفاوض باسمه‪.‬‬ ‫لذلك اعتقد ان الطريق االسلم واالنجح لبناء مرشوع‬ ‫سيايس للثورة السورية هو يف طرح من الداخل تتبناه‬ ‫رموز وشخصيات ثورية‪ ،‬ويحدد هذا املرشوع اطار‬ ‫عام للرصاع وسبل الحل‪ ،‬وتقوم كل من االطراف‬ ‫السابقة بتبني هذا الطرح‪ ،‬وبذلك يصبح لهذا الطرح‬ ‫اهم عاملني للنجاح وهام القاعدة الشعبية الحقيقية‬ ‫والواجهة السياسية املناسبة‪ ،‬وبذلك ميكن الوصول‬ ‫اىل نتيجة مفادها ان اي حل يراد له النجاح ال بد ان‬ ‫يكون نابع من الداخل اي من املعاناة الحقيقية التي‬ ‫يعيشها السوريني‪ ،‬فأهل مكة ادرى بشعابها‪ ،‬وان كل‬ ‫جهد سواء كان دولياً كمبادرة دي ميستورا او مبادرة‬ ‫معاذ الخطيب او طرح االئتالف‪ ..‬اذا مل يكن متناسقا‬ ‫مع طرح من الداخل فان هذا الجهد سيبقى ناقص‬ ‫وغري عميل‪.‬‬


‫صناعي‪ ..‬أستطيع أن أكون عاصم‬ ‫بطرف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫رامي العاشق*‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫ُولد عاصم حسنة عام ‪ ،1994‬ونشأ يف مدينة قطنا يف‬ ‫ريف دمشق الغريب‪ ،‬هو األخ األكرب لشقيق وشقيقتني‪،‬‬ ‫درس الرياضيات ومل يستطع إكامل دراسته بسبب‬ ‫َ‬ ‫اعتقال والده يف مطلع العام ‪ ،2013‬اضطر حينها‬ ‫أصبح مطلو ًبا هو اآلخر ألجهزة‬ ‫ملغادرة قطنا‪ ،‬ألنه‬ ‫َ‬ ‫النظام السوري‪ ،‬ذهب إىل مدينة مجاورة تحت سيطرة‬ ‫الجيش الحر ليتابع عمله الثوري كمسعف وسائق‬ ‫سيارة إسعاف‪ ،‬بعدها يقول عاصم‪« :‬يف إحدى املعارك‬ ‫يف منطقة (خان الشيح) يف الغوطة الغربية وبينام‬ ‫كنت أقوم بعميل يف إسعاف الجرحى جراء املعركة‪،‬‬ ‫تم استهداف سيارة اإلسعاف مبن فيها بقذيفة مدفعية‬ ‫أدّت إىل إلحاق رضر كبري بالسيارة‪ ،‬وكذلك إىل برت‬ ‫ساقي اليرسى عىل الفور»‪.‬‬

‫الرحلة إىل األردن والعالج‬

‫أجر َي ْت لعاصم عملية إسعافية رسيعة لوقف النزيف‪،‬‬ ‫ثم تم إرساله إىل األردن بالتنسيق مع الجيش الحر‬ ‫لتل ّقي العالج‪ ،‬يف رحلته إىل األردن من ريف دمشق‬ ‫قىض ثالثة أيام حتّى وصل للرشيط الحدودي‪ ،‬وجرى‬ ‫استقباله وإدخاله إىل األردن ثم نقله إىل العاصمة‬ ‫األردنية ّ‬ ‫تم إجراء عدّة عمليات جراح ّية‬ ‫عمن‪ ،‬حيث ّ‬ ‫لتصحيح البرت‪ ،‬بعدها خرج من املستشفى للعالج‬ ‫الفيزيايئ‪ ،‬يتابع عاصم‪« :‬بعد خروجي من املستشفى‬ ‫بثالثة شهور بدأ مرشوع ملساعدة املبتورين السوريني‬ ‫وتدريب فنيني لصناعة األطراف الصناعية‪ ،‬وتم‬ ‫اقرتاحي من قبل صديقي (منار) ألكون أحد املتد ّربني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وبدأت امليش‪،‬‬ ‫صناعي‬ ‫حصلت عىل أول طرف‬ ‫ثم‬ ‫ّ‬ ‫بالتزامن مع تدريبي عىل صناعة األطراف»‪.‬‬

‫تقارير‬

‫بساق مبتورة إىل مصنّع لألطراف الصناعية‬ ‫من شاب ٍ‬ ‫فقدان عاصم لساقه‪ ،‬جعله يسعى لتعويض ما فقده‬ ‫عن طريق مساعدة فاقدي األطراف‪ ،‬يضيف‪« :‬بعد‬ ‫عدة شهور أصبحت قاد ًرا عىل التعامل مع املرىض‬ ‫وصناعة األطراف لهم‪ ،‬ولهذا نكهة خاصة» ومنذ ذلك‬ ‫الوقت وحتى اللحظة‪ ،‬يعمل عاصم يف هذا املجال‬ ‫ويطمح ملتابعة دراسته األكادميية يف هذا املجال‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وعن العودة إىل سوريا يقول‪« :‬أحلم بالعودة‬ ‫إىل سوريا وأن أفتتح مركزًا متطو ًرا لصناعة األطراف‬ ‫وتقدميها مجا ًنا ملن يحتاجها»‬ ‫عاصم حسنة‪ :‬ال أخجل من إظهار طريف‬ ‫ّ‬ ‫مل تعد الثورة كام حلم عاصم‪ّ ،‬إل أنه مل يتخل عن‬ ‫فكرة الثورة‪ ،‬يضيف‪« :‬تداعيات الثورة مل ولن تجعلني‬

‫بل وميكن أن يقوم بأشياء أكرث من الناس‬ ‫الطبيعيني ً‬ ‫أيضا»‬ ‫عاصم حسنة‪ :‬نحن يف زمن يحتاج لفصل‬ ‫الدين عن الدولة‬ ‫يتابع عاصم حديثه عن الثورة‪« :‬الثورة تم‬ ‫حرفها بشكل هائل عن مسارها‪ ،‬وأرى أن‬ ‫سيطرة التيار اإلسالمي املتشدد املتمثل‬ ‫بداعش هو رضبة قاصمة للثورة‪ ،‬وشخص ًيا‬ ‫أنا ضد أي فكر ديني يف أي ثورة‪ ،‬فنحن يف‬ ‫زمن يحتاج لفصل الدين عن الدولة ولكنني‬ ‫متمسك جدًا باملبادئ التي تبنّيتها يف بداية‬ ‫الثورة وهي الحرية والعدالة واملواطنة‬ ‫للجميع‪ ،‬والقضاء عىل كل ما يتعلق بالنظام‬ ‫من قريب أو من بعيد»‬ ‫أندم ألنني منذ البداية كنت مقتن ًعا مبا أفعله‪ ،‬وحتى‬ ‫فقدي ألحد أطرايف مل ولن يجعلني أندم‪ ،‬الله أخذ مني‬ ‫شيئًا وع ّوضني بأشياء كثرية‪ ،‬فقد أصبحت أقوى بكثري‪،‬‬ ‫وأكرث قدر ًة عىل تخطي أية صعوبات‪ ،‬حتى أنني ال‬ ‫أخجل أبدا من إظهار طريف»‬ ‫كث ًريا ما يضع عاصم صو ًرا له عىل صفحته الشخصية‬ ‫الصناعي بيده‪ ،‬أو‬ ‫عىل فيسبوك وهو ميسك بطرفه‬ ‫ّ‬ ‫يضعه عىل األرض‪ ،‬ورفض وضع أ ًيا من ملحقات‬ ‫التجميل عىل الطرف‪ ،‬تركه معدن ًيا‪ ،‬لريسل رسالة‬ ‫مفادها‪« :‬أن املبتور هو إنسان عادي مثله مثل غريه‬

‫رسالة أخرية‬ ‫يختم عاصم حسنة حديثه برسالة يريدها‬ ‫أن تصل “لكل الدنيا”‪« :‬مهام فقد اإلنسان‬ ‫أشيا َء عزيزة يف حياته‪ ،‬ومهام كان ظرفه‬ ‫صع ًبا‪ ،‬يستطيع أن يتغ ّلب عليه‪ ،‬املبتور ليس‬ ‫معا ًقا كم تعتقد األغلب ّية‪ ،‬هو شخص طبيعي‬ ‫جدًا‪ ،‬وقادر عىل تحقيق أي يشء‪ ،‬وأنا‬ ‫سأقيض حيايت يف الدفاع عن هذه الرسالة‬ ‫من خالل أفعايل»‪.‬‬ ‫*شاعر وكاتب صحايف فلسطيني سوري‪.‬‬


‫كاوا شيخي‬

‫هل كان من الضروري‬ ‫ما حصل في سوريا؟‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫صحيح اننا فوضويون وعودنا الفساد عىل التهرب‬ ‫من القانون‪ ،‬لكن األربعني عاماً التي أرهبونا فيها‬ ‫كانت كفيلة بتعليمنا احرتام القانون بدالً من‬ ‫الخوف من الفروع األمنية! هنا اسجل للنظام‬ ‫إرهابه كدولة بدالً من احرتام الدولة‪.‬‬ ‫اندلعت الثورة يف آذار ‪ 2011‬وتسارعت األمور‪..‬‬ ‫يف البداية رفض النظام كل شكل من أشكال‬ ‫املظاهرات السلمية وأنكرها‪ ،‬كلنا نذكر قصة‬ ‫املذيعة السورية التي قالت بأن الناس خرجت‬ ‫لشكر الله عىل نعمة املطر‪ ,‬وألننا مسلمون نعرف‬ ‫بأن املسلمني يخرجون لصالة االستسقاء أما صالة‬ ‫الشكر فتؤدى يف البيت أو الجامع‪ ,‬هنا اسجل‬ ‫للنظام بدأه بالفربكة اإلعالمية وازدياد بطشه‬ ‫العسكري باملدنيني‪.‬‬ ‫سالت الدماء و ُقتل الكثريون‪ ،‬اكتشفت الدولة بأن‬ ‫الوضع ليس ككل مرة فالقصة هذه املرة أخطر‬ ‫وخاصة مع وجود هذا الكم الهائل من االعالم‬ ‫الذي يسخر كل يشء لخدمة فكرته‪ .‬الحكومة تبدأ‬ ‫حزمة اصالحات والشعب يريد اسقاط النظام‪،‬‬ ‫والنظام مستعد إلفناء الشعب ولن يتنحى!‬ ‫تطورت األوضاع واىل جانب االصالحات اشتدت‬ ‫آلة القتل وتحولت املظاهرات اىل جنازات وسارت‬ ‫باتجاه املقابر ورسعان ما وجد املشيعون انفسهم‬ ‫اهدافاً ثم شهداء‪..‬‬ ‫هنا اسجل للنظام أنه قد استخرج من األقبية‬ ‫كل اآلليات التي كان يشرتيها للحرب ضد العدو‬ ‫لتكون لحامية كريس الحكم!‬ ‫تطوع اىل جانب الجيش وفروع األمن الكثريون‬ ‫ممن جلبوا معهم مصطلح شبيحة والكثري من‬ ‫الطائفية وجنودا من حزب الله واملرتزقة‪ .‬كل‬ ‫هذا كان من أجل اخضاع شعب استفاق فجأة‬ ‫من غيبوبة‪..‬‬

‫انشق بعض الضباط من الجيش وانشق بعض‬ ‫العسكر والجنود عندما اكتشفوا بان هراواتهم‬ ‫تنهال عىل رؤوس اهاليهم وان رصاصهم يقتل‬ ‫األبرياء‪..‬‬ ‫حتى هذه املرحلة وعىل الرغم من كل األىس‬ ‫املتواجد عىل الساحة إال أن الثورة السورية كانت‬ ‫تعيش عرصها الذهبي‪..‬‬ ‫النظام يقتل الشعب والقليل من العسكر املنشقني‬ ‫كان يحمونهم مبعداتهم القليلة‪ ,‬هنا كانت الصورة‬ ‫تذكر مبحاوالت السوريني للتحرر من العثامنيني‬ ‫والفرنسيني‪ ،‬وكان هناك مصطلح اسمه ثورة‬ ‫وثوار‪ ،‬إال أن النظام قرر أن ال يستسلم فازداد عدد‬ ‫املعتقلني والضحايا‪ .‬ومل تستجب الدول للنداء بل‬ ‫كانت هناك مساعدات مالية‪ ,‬وهنا كانت السقطة‬ ‫الكربى!‬ ‫دفع النظام باألمور اىل ما آلت اليه‪ ،‬ولكن املال‬ ‫السيايس املتدفق عىل الثورة كان كرائحة الجيف‬ ‫التي تستقطب الضباع‪ ،‬فامتألت الساحة بالباحثني‬ ‫عن الغنائم وصار النظام وإسقاطه من آخر‬ ‫أهداف هذه الجامعات‪ ،‬بل أصبح الهدف هو‬ ‫إطالة أمد الثورة الستحصالٍ أكرث لألموال!‬ ‫وهنا اسجل للنظام تعنته أكرث واستغالله لوجود‬ ‫تلك الجامعات التي م ّكنها من بعض املناطق يك‬ ‫ُيظهر للشعب الفرق بينه وبينهم‪ ..‬والكثريون ممن‬ ‫رأى مناظر قطع الرؤوس واالعدام يف الساحات‬ ‫العامة وجلد املذنبني‪ ..‬راح يتساءل هل كان من‬ ‫الرضوري ما حدث يف سوريا؟ أما كان من األفضل‬ ‫لنا البقاء تحت رهبة األمن بدالً من سيف سلطة‬ ‫عدم توافر األمن؟‬ ‫الحل األمثل اليوم هو إسقاط النظام وعقليته‬ ‫وأشكاله وأوجهه كونه الصانع األول إلرهاب‬ ‫داعش وسواها‪.‬‬

‫القسم الكوردي‬

‫يرتدد هذا السؤال كثرياً فالذين تحسنت أحوالهم‬ ‫بعد الثورة يجدون له جواباً واضحاً مؤكدين بنعم‬ ‫كان من الرضوري ما حدث فيام ُيكال للمتسائل‬ ‫بعض الشتائم ألنه ما زال يتساءل‪ ،‬وتكون‬ ‫االسباب غالباً عموميات ورضوريات تاريخية‬ ‫وحتمية للتغيري‪ ،‬وليس من الرضوري أن تكون‬ ‫تلك القناعات التي يجيب بها مقنعة للجميع‪ .‬أما‬ ‫الذين ساءت أوضاعهم مع الثورة فتكون إجاباتهم‬ ‫يف غالبها مقارنة بني ما سبق الثورة وما لحقها من‬ ‫تدهور أحوالهم‪.‬‬ ‫أما التحليل الذي أريد من خالله التوصل اىل إجابة‬ ‫عن هذا السؤال فهو طبعاً ميثل قناعتي الشخصية!‬ ‫لقد امتدت موجة التغيريات من تونس اىل مرص‬ ‫فاليمن وسوريا‪ ،‬وقد أمثرت التحركات يف كل‬ ‫البلدان إال يف سوريا حيث أخذت األمور منحاً آخر‬ ‫مام دفعني والبعض إىل طرح هذا السؤال‪.‬‬ ‫لإلجابة عن هذا السؤال ال بد لنا من العودة قليالً‬ ‫اىل الوراء‪ ،‬اىل ما قبل األحداث األخرية وكيف كانت‬ ‫تسري األمور!‬ ‫أنا مواطن سوري عشت الثالثني سنه األوىل من‬ ‫عمري يف سوريا سأتحدث عن نفيس يك ال يتهمني‬ ‫أحد باملبالغة‪.‬‬ ‫أنا يف الثالثني سنة التي عشتها يف سوريا مل أشعر‬ ‫بوجود الدولة إال يف الحاالت السلبية لوجود‬ ‫الدولة!‬ ‫طبعاً لن أنكر بأنني درست يف املدارس شبه‬ ‫انس إنني كنت يف تلك‬ ‫املجانية‪ ،‬لكنني أيضاً لن َ‬ ‫املدارس وخاصة بعد انتهاء املرحلة االبتدائية يف‬ ‫املراتب األخرية بعد البعثيني وأوالد املسؤولني‬ ‫وأبناء األغنياء‪ .‬هنا اسجل للنظام خطأ التفريق بني‬ ‫أبناء الوطن الواحد عىل أسس عرقية ومحسوبيات‬ ‫شخصية‪.‬‬ ‫فالدولة كانت دامئا متثل لنا الخوف‪ ,‬الخوف عىل‬ ‫مستقبلنا من الضياع يف حال اذا اعتقلنا أو اذا‬ ‫تحركنا خارج ارادة الدولة‪.‬‬ ‫طبعاً خارج إرادة الدولة ال يعني بأنني أطالب‬ ‫بأن يسمح يل بإقامة عالقات مع ارسائيل‪ ،‬امنا‬ ‫املقصود التظاهر للتعبري عن رفض بعض األمور‬ ‫مثل ارتفاع األسعار أو رمبا االعرتاض عىل أذية أحد‬ ‫عنارص األمن ألحد املواطنني األبرياء‪ ،‬الدولة التي‬ ‫كان فيها أفرع أمنية بقدر عدد األفران ومؤسسات‬ ‫توزيع األغذية‪.‬‬ ‫أما فروع األمن التي نتحدث عنها فلم تكن‬ ‫بوجودها كأجهزة أمن بل كسلطة استبداد من‬ ‫أصغر حارس إىل أكرب ضابط‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫في الكرامة‪ ..‬وضدها‬ ‫‪12‬‬

‫فادي محمد‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫مل تحظ كلمة من الكلامت خالل العقد‬ ‫األخري من تاريخ سوريا الحديث بهذا الشحن‬ ‫العاطفي الذي حظيت به كلمة “الكرامة”‪،‬‬ ‫بل ميكننا القول أنه مل تنل مفردة هذه القدرة‬ ‫عىل التأثري عرب تاريخ السوريني الحديث كام‬ ‫نالت مفردة “الكرامة”‪.‬‬ ‫وألنه ككل املفاهيم الفلسفية كانت املفردات‬ ‫املعرفية يف البدايات كلامت عادية‪ ،‬وككل‬ ‫الكلامت لها داللة شعورية ‪ /‬عاطفية حسية‪،‬‬ ‫ثم ضمن سياق تاريخي ما يرتبط بفاعلية‬ ‫البرش فتبدأ بالتحول اىل “مفاهيم” تساهم‬ ‫بسعي العقل الدائم نحو انشاء لوحة الواقع‬ ‫املوضوعي‪.‬‬ ‫وألن نضال السويني يف السنوات األخرية‪،‬‬ ‫نضالهم الكبري‪ ،‬باهض الثمن‪ ،‬قد دشن رضورة‬ ‫انتقال مفردة “الكرامة” من الحيز الشعوري‬ ‫اىل حيز (القاموس الداليل التاريخي) والذي ما‬ ‫أحوج فكر البرش إليه‪ ،‬وألن األجيال القادمة‬ ‫ستقرأ أن هذا الشعب انتفض من أجل كرامة‬ ‫مهدورة‪ ،‬بات من الواجب املعريف االنتقال‬ ‫من “كرامة” كلمة ‪ /‬مفردة اىل “كرامة” كلمة‬ ‫‪ /‬مفهوم‪ .‬وألن فلسفة التاريخ هي النوع‬ ‫األكرث أهمية من طرق تناول التاريخ – حسب‬

‫هيجل – التي ال تعري للوقائع الكثري من‬ ‫االنتباه مبقدار تركيزها عىل املجرى العقيل‬ ‫لحركة الواقع‪ ،‬املسار العقيل التي املفاهيم‬ ‫هي مادته األوىل‪ ،‬كل ذلك يدفعنا اىل تدقيق‬ ‫وفحص وتحديد هذه الكلمة ‪ /‬املفهوم‪.‬‬ ‫‪ - 1‬نظام االستبداد‪ ،‬الدولة األمنية‪ ،‬جوهرها‬ ‫األسايس شبكة طويلة ومتشعبة غايتها ربط‬ ‫كل التفاصيل الحياتية ملواطني هذه الدولة‬ ‫مبقدار والئهم للحاكم الفرد‪ ،‬درجة الوالء هذه‬ ‫تقاس‪ ،‬وبناء عىل هذا القياس يتقرر مصري‬ ‫ومستقبل هذا املواطن وأرسته وأقربائه‪،‬‬ ‫الجزء الكبري من ميزانية الدولة يرصف من‬ ‫أجل هذه الشبكة‪ ،‬والوالء املمتاز يجعل منك‬ ‫وزيرا‪ ،‬الجيد مديرا‪“ ،‬نص عىل نص” رمبا أمينا‬ ‫للرس‪ ،‬أما اذا كنت “غري موايل” فمصريك هو‬ ‫حياة من العذاب الطويل مع كل من يحيط‬ ‫بك‪.‬‬ ‫ايديولوجيا هذا النظام رضورية لتقي الفرد‬ ‫من شعوره بالقهر‪ ،‬هي بسيطة وتتلخص بـ‬ ‫“هذه هي طريق السالمة”‪ ،‬طريق سهل ملن‬ ‫مل يدرك بعد أنه كائن حر‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ان بدء ادراك الفرد يف ظل نظام االستبداد‬ ‫بأنه حر‪ ،‬ادراكه أن الحرية هي جوهر روحه‪،‬‬

‫وأن روحه بدون حرية ليست اال شبح يأكل‬ ‫ويرشب وينام‪ ،‬بدء هذا االدراك هو بالضبط‬ ‫بداية النهاية ألنظمة االستبداد‪.‬‬ ‫‪ - 3‬يصبح التعدي‪ ،‬الذي كان سابقا غري‬ ‫محسوس‪ ،‬عىل هذه الحرية املدركة أو أي‬ ‫انتهاك لها هو بداية الشعور بانعدام الكرامة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬الكرامة تأيت بعد وعي الذات لذاتها‪ ،‬بعد‬ ‫ادراكها ملرسحية عانت منها األمم الرشقية‬ ‫طويال (أن شخصا معينا فقط هو حر‪ ،‬وهذا‬ ‫الشخص الواحد ليس اال طاغية‪ ،‬ال انسانا‬ ‫حرا‪ ..‬ألن حريته عربت عن نفسها نزوات‬ ‫ورشاسة وانفعال)‪.‬‬ ‫اذا “الكرامة” تأيت بعد‪ ،‬أو تتويجا لـ “الوعي”‬ ‫بـ “الحرية”‪ ،‬تتويجا لـ “االنسان حر كونه‬ ‫انسان”‪.‬‬ ‫‪ - 5‬بعد أن يصبح االنسان يف مملكة‬ ‫“الكرامة”‪ ،‬بعد أن تتغلغل به عقال وروحا‪،‬‬ ‫بعد الشعور املفعم بها‪ ،‬يدرك ضدها‪ ،‬وهذا‬ ‫من طبيعة العقل‪ ،‬يصبح ضدها ب ّينا واضحا‪،‬‬ ‫هو “االرتهان”‪ .‬كل من عرف الكرامة لن‬ ‫يستطع أن يرتهن بعد اآلن‪ ،‬وكل من مل تجتح‬ ‫روحه الكرامة سيبقى مرتهناً‪ ..‬أو سيأخذنا اىل‬ ‫ارتهان آخر‪.‬‬

‫مقاالت‬


‫الضياع السوري‬ ‫شوكت غرز الدين‬

‫أوس المبارك‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫املعريف وتجعله عارفاً طريقه‪.‬‬ ‫قد يكون استنتاج القادم ليس من وظيفة املثقف‪ ،‬فهو ليس‬ ‫بصارة املستقبل وال عالم الغيوب‪ ،‬خصوصاً يف واقع ال تحىص‬ ‫معطياته وال يحاط تأثريها‪ .‬لكن حني يكون كل يشء يحيط‬ ‫به ويتفاعل معه يضغط باتجاه أن يحاول تقديم كالم منمق‬ ‫عن معرب للخالص من الجحيم الذي يعيشه ومجتمعه‪ ،‬وتكون‬ ‫كل تفاصيل حياته بني قذائف وصواريخ وحصار وجوعى‬ ‫ومصابني وذوي شهداء ومفقودين‪ ،‬هل يستطيع منع نفسه‬ ‫من التفكري يف‪ :‬وماذا سيحدث؟ وما سبيل الخالص؟‬ ‫ذات مرة سألني أحد كبار السن “متى سيفتح معرب البضائع‬ ‫بيننا وبني النظام؟”‪ ،‬مع بدء ندرة عدة مواد أساسية يف‬ ‫السوق‪ .‬أجبته بال مباالة‪“ :‬لن يفتح”‪ .‬بعد حوايل أسبوعني‬ ‫رأيته جالساً مع جامعة يبدو أحدهم متفائال عن جهود لفتح‬ ‫معرب البضائع‪ .‬لكن الشيخ نظر إيل وقال واجام‪“ :‬يبدو أنه لن‬ ‫يفتح كام قلت”‪.‬‬ ‫سيئ عليه وظلّ‬ ‫شعرت بأن كالمي الذي نسيته كان ذا وقع ٍ‬ ‫َ‬ ‫متذكراً له‪ ،‬وشعرت أين لست سوى غراب شؤم‪ .‬مل علينا أن‬ ‫دم هو‬ ‫ال نضيع جهوداً يف تنميق تقديرات متفائلة من أجل ٍ‬ ‫دمنا؟ قد يكون املمكن منها مؤثراً وضاغطاً باتجاهه‪ ،‬إن‬ ‫سعينا النتشاره‪ .‬وليس علينا بأية حال أن نكون غرباناً‪.‬‬ ‫يف غوطة دمشق الرشقية يبدأ شتاء حصار جديد‪ .‬تشاركها‬ ‫فيه عديد من املناطق الثائرة ضد بشار األسد وعصابته‪ .‬وبعد‬ ‫أن وصلت حال سكان الغوطة الرشقية يف الشتاء املايض إىل‬ ‫حدوث وفيات من الجوع‪ ،‬أعادت عصابة األسد فتح معرب‬ ‫البضائع يف الصيف بأسعار مضاعفة عن دمشق‪ ،‬جارة‬ ‫الغوطة‪ .‬ورغم انخفاض سعرها عن الشتاء قال أحدهم‪“ :‬ملا‬ ‫كان كيلو السكر بـ ‪ 3000‬لرية اشرتيناه‪ .‬هأل صار بـ ‪ 300‬وما‬ ‫يف ‪”!300‬‬ ‫ومع بدء شتاء حصار جديد‪ ،‬ال يبدو أن هناك أي جهود‬ ‫تبذل من داخل الغوطة وال من خارجها إلنهاء الحصار‪ ،‬وال‬ ‫حتى لتخفيف وطأته‪ .‬سكان الغوطة تم استنزاف قواهم‬ ‫وجهودهم لفك الحصار‪ ،‬وكل القادرين خارج الغوطة عىل‬ ‫إنهائه مل يفعلوا شيئاً‪ .‬أسعار األغذية األساسية تتسارع بشكل‬ ‫جوع هذا الشتاء أكرث‬ ‫يفوق الشتاء املايض‪ ،‬مبا ينذر بوفيات ٍ‬ ‫من سابقه‪ ،‬إذا أضفنا استنفاد معظم الناس ملخزوناتهم املادية‪،‬‬ ‫واقتصار محاصيل الشتاء عىل السبانخ والفجل والقرنبيط‬ ‫والسلق والخبيزة وارتفاع أسعارها!‪ ،‬مع عدم إمكانية توفري‬ ‫زراعات يف بيوت بالستيكية بسبب تكاليفها الباهظة‪.‬‬ ‫هل عدنا لنكون غربان شؤم؟ قد ال يكون باإلمكان لذكر ما‬ ‫نعيشه إال أن يوحي بالتشاؤم وتوقع واألسوأ‪ .‬لكن سكان‬ ‫الغوطة الرشقية الذي يشاركون سكان مناطق أخرى الحصار‬ ‫والثورة عىل األسد وعصابته‪ ،‬ال يبدو أنهم سريكنون إىل الرتدي‬ ‫املتزايد يف معيشتهم‪ ،‬بل يبدؤون حياتهم كل يوم بأمل جديد‬ ‫ميكن لهم أن يوجدوه من ال يشء‪ ،‬كام أوجدوا ثورتهم‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫مقاالت‬

‫من أكرث املفاهيم تعبرياً عن الحالة السورية‬ ‫وتجسيداً لها هو مفهوم الضياع‪ .‬وهو مفهوم‬ ‫وجودي يتعلق بحالة الضياع التي نحياها‬ ‫نحن السوريني اآلن‪ ،‬إن كان عىل املستوى‬ ‫املعريف النظري‪/‬العميل؛ مبعنى غياب الهداية‬ ‫التي تتوارى خلف ضياع االتجاه والبوصلة‬ ‫وضياع االصطفاف ونقاط الع ّالم‪ ،‬والتي من‬ ‫املمكن ْأن ُتخرجنا من الضياع يف حال اهتدى‬ ‫السوريون إىل مرشوع يجمعون عليه‪ ،‬أم‬ ‫مبعنى الفقدان (‪ )lose‬الذي يظهر بفجاجة‬ ‫بفقدان اإلنسان واملكان والزمان وامللكية‪.‬‬ ‫وهكذا تحول وجودنا إىل وجود لحظي‪ ،‬ال‬ ‫يتصف بالدميومة من بعيد أو من قريب‪،‬‬ ‫وهو بهذا الشكل حالة حد ِّية قلام مرت بها‬ ‫البرشية تحت طائلة فقدان الوجود واملوجود‬ ‫باملوت والعدم وفقدان فكرة الخروج من‬ ‫هذا الضياع‪ .‬من هنا يبدو أن مفهوم الضياع‪،‬‬ ‫رغم عدم التنظري له وجودياً‪ ،‬يتجاوز مفاهيم‬ ‫وجودية أخرى كالقلق والغثيان والقرف‪...‬‬ ‫ويلتصق بالفلسفة الوجودية بشكل عميق‬ ‫وأسايس‪ .‬فالفرق كبري جداً بني أن تقلق عىل‬ ‫وجودك وتشعر تجاهه بالغثيان أو القرف‬ ‫وبني أن تتعرض وجودياً لفقدان وجودك ما‬ ‫بني لحظة وأخرى‪.‬‬ ‫ملفهوم الضياع استخدامات معرفية‬ ‫(إبستمولوجية) تتناول حالة الضياع الفكري‬ ‫التي مل ُتنتج منوذجاً معرفياً أو (برادامياً‬ ‫حسب توماس كون) يكون بدي ًال للنموذج‬ ‫السائد مام يساعد بالتقدم الثوري من‬ ‫خالل إزاحة منوذج وإحالل آخر محله‪.‬‬ ‫واستخدامات نفسية (سيكولوجية) تبحث‬ ‫املتسمة بالتفكك‬ ‫يف حالة الفرد النفسية ِّ‬ ‫الشخيص وعدم معرفة أين السبيل والتوجه‪،‬‬ ‫وتناول “الالشعور السيايس والالشعور‬ ‫املعريف والالشعور الجمعي” للسوريني‪.‬‬ ‫واستخدامات اجتامعية (سوسيولوجية)‬ ‫ترتبط بغياب املعايري أو القواعد املحددة‬ ‫للسلوك االجتامعي‪/‬السيايس‪ ،‬أو بعدم‬ ‫وضوح هذه املعايري‪ ،‬أو برصاعها مع بعضها‬ ‫البعض‪.‬‬ ‫تستطرد الباحثة املرصية “هند طه” يف‬ ‫استعراض الخلفية التاريخية ملفهوم الضياع‬ ‫يف علمي النفس واالجتامع حتى تصل إىل‬ ‫تعريف عام ملفهوم الضياع وتحدده عىل‬ ‫أنه “حالة نفسية يشعر الفرد فيها بفقدان‬ ‫التوجه‪ ،‬واليأس‪ ،‬وعدم الرضا‪ ،‬وفقدان‬

‫الطأمنينة‪ ،‬وامليول االنتحارية”‪ .‬وباإلضافة‬ ‫لهذا نجد عندنا أن الضياع حالة معرفية‬ ‫أيضاً يتمثل بالضياع املعريف عند النُخب‬ ‫واملجموعات السياسية والثورية الفاعلة‬ ‫التي مل تنتج مرشوعاً للتغيري يهدي ويرشد‬ ‫عملية التغيري‪.‬‬ ‫وميكن القول مع (إلياس مرقص)‪َّ :‬‬ ‫“إن‬ ‫هدف املعرفة هو إنشاء صورة الواقع‪،‬‬ ‫وعندئذ‪ ،‬وعندئذ فقط‪ ،‬تستطيع املعرفة‬ ‫إرشاد العمل‪ .‬أما إذا أنشأت املعرفة قانوناً‬ ‫ومفهوماً وجوهراً للواقع‪ ،‬فإ َّنها تنتهي إىل‬ ‫تبديد الواقع يف مج ّرد أثريي يس ّمي نفسه‬ ‫القانون وما شابه‪ .‬عندئذ تنحط املعرفة‬ ‫إىل دعاية وتبشري‪ ،‬والعمل يس ّلم نفسه‬ ‫للتجريبية يف أحسن األحوال‪ .‬ويف الحال‬ ‫األسوأ‪ ،‬توجه املعرفة العمل لكنها ال ترشده‪،‬‬ ‫بل تدّله عىل الضالل‪ ،‬تأمره بالضالل والرشود‬ ‫والحامقة واملحال”‪.‬‬ ‫يحتاج الشعب السوري للخروج عىل‬ ‫الضياع ومنه بعض نقاط الع ّالم الرضورية‬ ‫واملبسطة؛ أي خارطة طريق تقارب الحقيقة‪.‬‬ ‫فالخروج عىل الضياع ومنه هو الخروج من‬ ‫حالة “خبط عشواء” التي نعيشها حالياَ‪،‬‬ ‫وخروج عىل مناذج التفكري السائدة يف آن‪.‬‬ ‫فالتقدم الثوري يتشكل من إزاحة نظرية‬ ‫عامة سائدة قد أصبحت ال تفرس الحقائق‬ ‫الجديدة‪ ،‬واستبدالها بنظرية جديدة ميكنها‬ ‫تقديم تفسرياً للحقائق الجديدة أكرث إقناعاً‬ ‫من النامذج القدمية‪َّ .‬إن إيجاد الشعب‬ ‫السوري لسبيله يف أراض غري معتادة مثلام‬ ‫هو الوضع اآلن‪ ،‬يتطلب عموماً خريطة من‬ ‫نوع ما‪ .‬والحق يقال َّإن فن رسم الخرائط‬ ‫مثله مثل عملية اإلدراك نفسها؛ إنه تبسيط‬ ‫رضوري يسمح للسوريني بأن يروا أين هم‬ ‫وإىل أين يسريوا‪ .‬وتساعد نقاط الع ّالم هذه‬ ‫إن وجدت عىل‪ 1- :‬التنظيم والتعميم حول‬ ‫الحقيقة‪ 2- .‬فهم العالقات بني الظواهر‬ ‫والتموضعات‪ 3- .‬توقع التطورات املستقبلية‪.‬‬ ‫‪ 4‬توضيح الطريق الذي يجب ْأن نسلكه‬‫واالصطفاف الذي يجب ْأن نصطفه‪ 5- .‬متييز‬ ‫الهام من غري الهام‪.‬‬ ‫َّإن الشعب السوري اليوم بحاجة إىل‬ ‫مصورة للحقيقة‬ ‫خريطة تكون يف آنٍ ّ‬ ‫ومبسطة لها بطريقة تخدم أغراضه‬ ‫ومرشوعه بالحرية والكرامة عىل أفضل‬ ‫وجه؛ ألنها تساعده عىل تقويض الضياع‬

‫نربي األمل‬ ‫ّ‬


‫حدث في مدينة الضباب‬ ‫‪14‬‬

‫أنور عباس‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫مقاالت‬

‫كنت يف العرشينات من عمري أتابع دراستي يف جامعات لندن‬ ‫عام ونصف‪.‬‬ ‫حني عملت يف فندقٍ صغ ٍري‬ ‫ٍ‬ ‫متواضع ملدة ٍ‬ ‫هناك التقيت بـ “سعد العراقي” الخمسيني الذي أىت من دمشق‬ ‫بعد أن أقام فيها لسنوات عديدة عقب فراره من قمع نظام‬ ‫كاتب‬ ‫املخلوع صدام حسني‪ .‬كان سعد شيوعياً‪ ,‬وكان يقول بأنه ٌ‬ ‫مرسحي قد غدر به الزمان‪ ,‬وادعى يل مراراً أنه كان يكتب أعامال‬ ‫ٌ‬ ‫إلذاعة دمشق وأن أحمد مطر صديقه املقرب‪ .‬كان سعد كثري‬ ‫الرشاب وكثري الكالم واألحالم‪ ,‬لكنه كان قليل الفعل‪ .‬كانت‬ ‫مالبسه الرثة ومالمح وجهه األسمر تيش بإخفاقاته العديدة التي‬ ‫مني بها عرب السنوات العرش التي قضاها يف عاصمة الضباب‪،‬‬ ‫وقبل ذلك يف جمهوريات الخوف‪ .‬كان ناقداً مواظباً لألديان‬ ‫والفكر الديني واالسالم السيايس بأشكاله‪ ,‬وكان يقول بأن‬ ‫سبب تخلفنا‪ ,‬لكنه كان يقر مثال‬ ‫الدين أفيون الشعوب‪ ,‬وأنه ُ‬ ‫عظيم‪ ،‬ويستشهد‬ ‫فكري‬ ‫انفتاح‬ ‫بأن العرص العبايس كان عرص‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بالتيارات الفكرية الكثرية التي ازدهرت فيه‪.‬‬ ‫كان سعد محبطاً ككثريون من حوله‪ ,‬وكان إخفاقه يف العثور عىل‬ ‫امرأ ٍة تشاركه متعات الحياة يعيق تقبله لألخرين األكرث حظا يف‬ ‫هذا املضامر‪ .‬كان يتحدث باستفاضة عن سعة اطالعه والكتب‬ ‫التي قرأها ومكتبته العظيمة التي خلفها وراءه يف مدينته‬ ‫العامرة جنوب برصة العراق‪ ,‬وكان يتفاخر بأنه كان يرتاد قهوة‬ ‫الهافانا يف دمشق مع الكتاب واملفكرين واملثقفني‪ ,‬وأنه جالس‬ ‫الجواهري (شاعر السالطني) وسعد الله ونوس وعبد الرحمن‬ ‫املنيف‪.‬‬ ‫ذات يوم صيفي جميل‪ ,‬كنت أقوم بنوبتي املسائية املعتاده بعد‬ ‫نهار حافل يف الجامعة‪ .‬دخلت فتاة أسرتالية إسمها كيم‪ ,‬كانت‬ ‫تقيم يف الفندق منذ بضعة أسابيع لتستكمل بحثها عن عمل يف‬ ‫العاصمة التي تستقبل األسرتاليني برحابة صدر كبرية‪ ,‬وجلست‬ ‫بجانب مكتبي البسيط تحدثني عن يومها الطويل ومستجدات‬ ‫عمليات البحث عن العمل‪ ,‬وهو طقس اعتدت عليه بحكم‬ ‫عميل املسايئ وتقارب السن والهموم بيني وبني مرتادي الفندق‬ ‫من الشباب والشابات الذي أصبح بعضهم أصدقاء يل‪ .‬بعد بره ٍة‬ ‫واضح‪ ،‬توقف لربهة قبل أن‬ ‫دخل علينا سعد‪ ,‬كان مث ًال عىل نح ٍو ٍ‬ ‫ينعتني بالناصبي القذر الذي يريد االستحواذ عىل نساء األرض‬ ‫جميعا‪ ,‬كأجدادي بني أمية‪ ,‬الذين قتلو جده الحسني‪ !..‬أتاين‬ ‫هذا الهجوم كالصاعقة التي أودت بصوايب للحظات قليلة ما‬ ‫لبثت أن استفقت منها‪ .‬مل أعرف ماذا أفعل‪ .‬كان مث ًال لدرج ٍة‬ ‫يصعب فيها عىل أح ٍد ملسه أو مساعدته ليجد طريقه إىل غرفته‬ ‫البائسة كحياته‪ ,‬لكنني رغم ذلك حاولت‪ .‬فانفجر يف وجهي‬ ‫سباباً وشت ًام ووعظاً يف التاريخ اإلسالمي الذي ظلمه وأنصفني‬ ‫عىل حسابه‪ .‬مل يكن من املجدي أن أذكره بأن هذا الكالم ال‬ ‫يفيد يف يشء‪ ,‬وأنه ينكر األديان جميعا وكل مايتعلق بها‪ ,‬وأنه‬ ‫شيوعي منفتح الذهن عارش املفكرين واألدباء والفنانني‪ ,‬وأنه‬

‫يعيش يف عاصمة الدميقراطية‪ ,‬وأن كالمه ليس سوى ترديداً ببغائياً ألسطوانات مرشوخة‬ ‫ال يفيد سامعها يف يشء‪ ,‬وأن املايض ألهله والحارض ألهله‪ ,‬وأنه ال تزر وازرة ورز أخرى‪,‬‬ ‫وأن وصويل إىل الجامعة أو إتقاين للغة اإلنكليزية مل يكن سوى نتيجة الجتهاد شخيص‬ ‫وحسب‪ ,‬وأنه ال يتصل بأي شكل مبا فعله يزيد قبل قرون طويلة‪ ،‬وأن فشله يف تحقيق‬ ‫ذاته مل يكن سوى مثرة تعرثه الشخيص وعدم قدرته عىل استثامر الفرص التي مرت به‪،‬‬ ‫وال يتصل بقتل الحسني وسبي زينب ال من بعيد وال من قريب‪ .‬مل أكن قد سمعت‬ ‫بكلمة ناصبي من قبل‪ ,‬وكان عيل االستعانة بصديق عراقي آخر لرشحها يل‪.‬‬ ‫أخذ الرشاب بعقل سعد الذي كان ميكنه من تقمص دور العلامين املتفتح الذهن‪ ,‬وفسح‬ ‫املجال لعقله الباطن بالنطق مبا ُزرع يف داخله عرب سنوات طويلة عاشها يف وسطٍ ما‬ ‫غذى فيه كره اآلخرين وتحمليهم مسؤولية فشله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عندما أىت مدير الفندق العراقي اآلخر بعد قليل‪ ,‬أخربته مبا حدث‪ .‬ثار غضبا‪ ,‬وهو من‬ ‫يحمل شهادة الدكتوراه يف الفيزياء من أعظم الجامعات يف العامل‪ ,‬وقال يل “هذول‬ ‫الرافضة الكالب ما يستاهلون واحد يعطف عليهم‪ ,‬رح أرميه برا بالشارع مثل الكلب”‪,‬‬ ‫وهكذا فعل‪ .‬هذا هو التفسري الذي متخضت عنه عبقرية العالِم لرشح ترصف إنسان‬ ‫مهزوم كسعد‪ .‬مل أحزن ملصري سعد أبداً ومل أره بعدها قط‪.‬‬ ‫تأكد يل لحظتها أن ما يزرع فينا منذ الصغر ال ميكن التخلص منه بسهولة‪ ,‬وأننا جميعاً‬ ‫عىل اختالف انتامءاتنا الدينية واملذهبية والثقافية مصابون مبرض يجعلنا نعتقد أننا عىل‬ ‫صواب وأن اآلخرين جميعا مصريهم جهنم وساءت مصريا‪ ,‬وأن االنتصار عىل هذه العلل‬ ‫الثقافية واالجتامعية يتطلب الكثري من العمل‪ ,‬وأن التصورات الخرافية التي تعيش يف‬ ‫داخلنا ال تلبث يف ساعات الغضب أو فقدان القدرة عىل التمثيل والتصنع أن تطفو عىل‬ ‫السطح لتظهر الظالم الذي يعشش فينا‪ .‬تبني يل ايضا أن التحول االجتامعي والفكري‬ ‫عىل الصعيد الفردي يحتاج إىل الكثري من الجهد الشخيص والعمل املضني والقدرة عىل‬ ‫التغري من الداخل لتحقيق االنتصار الحقيقي عىل الذات‪ ,‬وأن التحول الفكري الجامعي‬ ‫ال يتم بني عشية وضحاها أبداً‪ ,‬وأن بيينا وبني التمدن والتغلب عىل عقلية القبيلة‬ ‫وفسلفة تربير التناحر وعقلية التظامل عرشات الثورات‪.‬‬ ‫انقضت سنوات طويلة عىل قصة سعد‪ ,‬لكنها التزال عالقة يف ذاكريت‪ ,‬والزلت أتعلم‬ ‫منها الكثري كل يوم‪.‬‬


‫المناصرة الرقمية (‪)Digital Advocacy‬‬ ‫باسل مطر‬ ‫مشروع سالمتك‬

‫العدد ‪2014 / 11 / 24 - 49 -‬‬

‫الوصول إليها بسهولة بيشء من بالبحث‪ ,‬كام‬ ‫توفر املنصات نفسها بعض هذه املعلومات‪.‬‬ ‫املضمون‪ :‬بعد تحديد الهدف والجمهور واألدوات‪,‬‬ ‫عليك العمل مع الفريق لتطوير املضمون‪ .‬عىل‬ ‫املضمون أن يحقق عددا من الرشوط‪ .‬عليه أن‬ ‫يناسب األدوات التي تستخدمها‪ .‬فيسبوك يختلف‬ ‫عن تويرت‪ ,‬واملدونات والربيد اإللكرتوين تختلف عن‬ ‫بعضها وعن فيسبوك‪ .‬تويرت مثال هو أداة للتدوين‬ ‫القصري الذي ال يتجاوز ‪ 140‬حرفا‪ .‬منشورات تويرت‬ ‫يجب أن تكون مركزة وقصرية‪ .‬فيسبوك هو مكان‬ ‫أفضل لنرش الصور والرسومات‪ ,‬ويفسح املجال‬ ‫لنصوص أطول‪ .‬النصوص الطويلة مثل املقاالت‬ ‫والقصص يجب أن تنرش عىل املدونات مثل وورد‬ ‫بريس‪ ,‬أما املعلومات والتقارير وطلب توقيع‬ ‫العرائض الذي يجب أن يرفق برشح‪ ,‬فيجب‬ ‫إرسالها بالربيد اإللكرتوين‪.‬‬ ‫املتابعة والتقييم‪ :‬عىل القامئني عىل الحملة‬ ‫متابعة سريها وتنفيذها‪ .‬عليهم وضع مؤرشات‬ ‫معينة ملعرفة مدى نجاحها؟ قد تكون هذه‬ ‫املؤرشات أرقاما تشري إىل عدد الناس الذي تبنوا‬ ‫مضمونها وقاموا بنرشه كعدد مستخدمي تويرت‬ ‫الذين قاموا بإعادة نرش تغريدات الحملة‪،‬‬ ‫وماهي املنشورات التي حظيت بالعدد األكرب ثم‬ ‫معرفة السبب؟ هذا أمر ميكن يف حالة حمالت‬ ‫املنارصة الرقمية تتبعه من خالل أدوات مجانية‬ ‫كثرية منها ما هو خاص بتويرت أو فيسبوك مثل‬ ‫(‪ )Tweet Mention‬أو ( ‪)Keyhole‬أو أكرث‬ ‫عمومية مثل (‪Google Analytics or Google‬‬ ‫‪ .)Alerts‬ويقاس النجاح أيضا بتحقيق الفرق‬ ‫أو التأثري املطلوب؟ هل توقفت الحكومة عن‬ ‫اعتقال الناس عشوائيا؟ هل توقت الكتائب عن‬ ‫اختطاف النشطاء؟ ال يقل التقييم أهمية عن‬ ‫عنارص الخطة األخرى‪ ,‬ونرش النتائج بشكل دوري‬ ‫يعطي املشاركني مزيدا من الثقة بعملهم ويضمن‬ ‫مشاركتهم يف حمالت قادمة‪.‬‬ ‫تتطلب حمالت املنارصة الرقمية حشد جهود‬ ‫جميع املهتمني بالقضية‪ ,‬وال تجدي الحمالت‬ ‫الصغرية والجهود املبعرثة‪ ,‬بل قد تعطي نتائج‬ ‫عكسية وقد تحط من شأن القضية رغم حيويتها‬ ‫مام قد يؤدي باآلخرين للنفور منها أو االنفضاض‬ ‫عنها كليا‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫كسب التأييد والحشد لقضية سياسية أو‬ ‫اجتامعية أو اقتصادية أو لقضية فئة اجتامعية‬ ‫بهدف إحداث تغيري يف واقع هذه الفئة وقضاياها‬ ‫ومشاكلها‪ .‬فاملنارصة تعبري عن توجيه انتباه‬ ‫املجتمع (املحيل أو الدويل) إىل قضية مهمة‪ ،‬أو‬ ‫توجيه صانعي القرارات إىل البحث إليجاد الحل‪.‬‬ ‫تعنى املنارصة حشد التأييد والدعوة للمشاركة‬ ‫يف صنع الخيارات التي تؤثر يف حياة املواطنني‪.‬‬ ‫ومع ظهور اإلنرتنت والربيد اإللكرتوين وشبكات‬ ‫التواصل االجتامعي ظهر مفهوم “املنارصة‬ ‫الرقمية”‪ ,‬والذي يعني املنارصة من خالل‬ ‫استخدام األدوات الرقمية‪ ،‬حيث أصبح من األسهل‬ ‫الوصول إىل أعداد أكرب من املؤيدين لقضية ما‪,‬‬ ‫أو الذين يقفون عىل الطرف اآلخر منها‪ ,‬للـتأثري‬ ‫فيهم وبالتايل إحداث التغيري املطلوب‪ .‬يف السياق‬ ‫السوري حيث حالة الحرب الدائرة والقمع‬ ‫املتفاقم من قبل النظام واملجموعات املسلحة‬ ‫األخرى‪ ,‬تصبح املنارصة الرقمية الخيار األكرث أمنا‬ ‫بالنسبة للسوريني‪ .‬تستند املنارصة إىل جملة من‬ ‫األسس ال تتغري بتغري الوسيلة‪ ,‬وهي تنطبق عىل‬ ‫املنارصة الرقمية أو غريها‪ .‬لقد أصبحت األدوات‬ ‫الرقمية جزء ال يتجزأ من أي حملة منارصة يف وقتنا‬ ‫الحايل‪ ,‬وتشمل هذه األدوات العرائض الرقمية‬ ‫التي نراها عىل (‪ )Avaas‬مثال‪ ,‬وشبكات التواصل‬ ‫االجتامعي مثل فيسبوك وتويرت والربيد اإللكرتوين‬ ‫واملواقع واملدونات‪ .‬عند تصميم حمالت املنارصة‬ ‫الرقمية يجب توفر أربعة عنارص أساسية لضامن‬ ‫نجاحها وهي‪:‬‬ ‫ الرتكيز‪ :‬يجب أن يكون لحملة املنارصة هدفا‬‫واضحا وممكن التحقيق من خالل حملة واحدة‬ ‫أو سلسلة من الحمالت‬ ‫ شد االنتباه‪ :‬عىل الحملة الناجحة أن تتمكن من‬‫الربوز والظهور بني الكم الهائل من املحتوى الذي‬ ‫يغرق الناشطون به فضاء اإلنرتنت‪.‬‬ ‫ الجذب‪ :‬عىل الحملة أن تكون قادرة عىل‬‫جذب اآلخرين لالنخراط فيها ودعمها واستقطاب‬ ‫آخرين لذلك‪ -• .‬تحقيق نتيجة‪ :‬عىل الحملة‬ ‫أن متتلك األدوات والقدرة لتمكني اآلخرين من‬ ‫القيام بعمل ما وإحداث فرق وتغيري وخلق حراك‬ ‫متكامل حول موضوعها‪.‬‬

‫كيف نستخدم شبكات التواصل االجتامعي يف‬ ‫املنارصة الرقمية؟‬ ‫تحتاج حمالت املنارصة الرقمية إىل عمل جامعي‬ ‫مدروس وإىل حشد موارد مختلقه‪ ,‬ويبقى وضع‬ ‫خطة واضحة للحملة األمر األكرث أهمية يف‬ ‫نجاحها‪ .‬فامهي عنارص الخطة وكيف يتم إعدادها‪.‬‬ ‫الهدف‪ :‬حدد هدفك من الحملة بشكل واضح‪ ,‬ما‬ ‫هو األمر الذي تريد للحملة أن تحققه؟ هل هو‬ ‫تغيري يف القانون؟ هل هو وقف سن قانون جديد‬ ‫يهدد البيئة مثال؟ هل هو تغيري املزاج العام حول‬ ‫قضية ما كموضوع املعتقلني مثال؟ هل هو الضغط‬ ‫إلطالق رساح معتقل بعينه؟‬ ‫الجمهور‪ :‬من هم األفراد أو املجموعات التي تريد‬ ‫استهدافهم؟ هل هناك من فئات تريد الوصول‬ ‫إليها إلقناعها باالنضامم إىل الحملة وتوظيفها‬ ‫لخلق حراك كبري حول املوضوع؟ وما هو الدور‬ ‫الذي سيلعبه هؤالء؟ كيف سيتم متكينهم لالنخراط‬ ‫بالحملة بشكل فعال؟ من هي املجموعات‬ ‫األخرى املستهدفة التي تريد التأثري عليها لتغيري‬ ‫موقفها؟ هل هي الحكومة؟ هل هي الربملان؟‬ ‫هل هي األوساط املالية؟ هل هي الجيش الحر؟‬ ‫هل هي مؤيدي النظام مثال؟ هل هي املنظامت‬ ‫الدولية للتحرك ملعالجة أمر ما؟ إن وضوح الهدف‬ ‫والجمهور هام اللبنتان األساسيتان لنجاح حملة‬ ‫املنارصة‪.‬‬ ‫األدوات‪ :‬بعد معرفة الهدف والجمهور عليك أن‬ ‫تطرح عىل نفسك السؤال التايل‪ .‬ماهي األدوات‬ ‫األفضل لتحقيق هذا الهدف والوصول إىل هذا‬ ‫الجمهور؟ إذا كان جمهورك من املسنني البعيدين‬ ‫عن التكنولوجيا فال جدوى لك من استخدام‬ ‫اإلنرتنت أبدا‪ ,‬وعليك التفكري ببدائل أخرى‪ .‬أما‬ ‫إذا كان جمهورك من مستخدمي اإلنرتنت‪ ,‬فعليك‬ ‫أن تعرف ماهي املواقع واملنصات التي يزورها‬ ‫أو يستخدمها‪ ,‬يف أي وقت من اليوم أو األسبوع‬ ‫يتواجد أكرب عدد منهم عليها؟ هل هي تويرت؟‬ ‫هل هو فيسبوك؟ هل هم من مستخدمي الربيد‬ ‫اإللكرتوين بشكل يومي ومنتظم؟ هل تتوفر‬ ‫معلومات عن األوقات واأليام التي يطلعون فيها‬ ‫عىل رسائلهم؟ هل هم من مستخدمي الهاتف‬ ‫الذيك؟ تتوفر الكثري من هذه املعلومات حول‬ ‫الكثري من املناطق والبلدان عىل اإلنرتنت وميكن‬

‫‪15‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.