حرية كرامة مواطنة
العدد 53
محور العدد لقاءات حول مشروع القيادة العامة في الغوطة الشرقية
2015 / 8 / 2
مقاالت في شأن االستعصاء السوري الفاشية و”االغتراب” في سوريا الثواراإلرهابيون اإلسالميين من الغرب حول موقف ّ أوباما وشوايا الرقة
الثورة ومعركة الشرعية
تقارير الدفاع المدني السوري في درعا ،معارك ضد الموت!
الثورة ومعركة الشرعية
2
افتتاحية
العدد - 53 - 2015 / 8 / 2
افتتاحية العدد
مثلام انترصت “إرسائيل” وأسست دولتها فوق أشالء الشعب الفلسطيني ّ املرشد يحاول النظام السوري االنتصار بترشيده السوريني يف بقاع األرض ليعلن أن الوطن “ليس ملن يسكن فيه بل ملن يدافع عنه ويحميه”. ومثلام حولت الحركة الصهيونية مقولتها األسطورة “أرض بال شعب لشعب بال أرض” وجعلتها واقعاً “رشعياً” مفروضاً ،يحقق النظام أسطورته الجديدة ويجعل من سوريا وطناً لشذاذ اآلفاق. ال تنفع التمنيات والرغبات يف كرس هذه املعادلة وال تكفي دعوة الناس للثقة بالتاريخ وعدالة غيبية. إمنا ما يفيد حقاً هو الفعل الحقيقي للناس ومدى مطابقته لحاجات واقعهم ،فالناس كام قيل يوماً: “هم الذين يصنعون تاريخهم ولكنهم ال يصنعونه عىل هواهم”. والسؤال الذي ُيطرح اليوم ملاذا مل تستطع الثورة السورية كسب معركة الرشعية حتى اآلن داخلياً أو خارجياً رغم كل الثمن املبذول من أجل ذلك؟! وملاذا مل تستطع قيادات هذه الثورة استقطاب التأييد لهذا الشعب املظلوم دولياً أو حتى كسب فئات شعبية واسعة داخلياً. يف هذا العدد يحاول العديد من كتابنا التطرق لهذا السؤال نظرياً وعملياً ،ومن دون أن نغفل العامل الدويل املتآمر عىل أحالمنا نحاول الرتكيز هنا عىل العوامل الذاتية لهذا الفشل. يحاول الكاتب ماجد كيايل أن يعرض أسباب االستعصاء يف مسار الثورة السورية ناقداً ترشذم القوى الثورية والسياسية وافتقادها للتنظيم ،بينام يعرض مراسلنا أبو القاسم السوري من الداخل السوري املحاوالت األخرية لتشكيل قيادة عامة مدنية وعسكرية وسياسية يف الغوطة الرشقية املحارصة والتي من املفرتض أن تظهر للنور يف أقرب وقت. ويف مقال حمل عنوان “الثوار اإلرهابيون” يكتب شوكت غرزالدين عن تناقضات الثورة وتداخل الثورية مع اإلرهاب يف تنظيامت فرضت نفسها عىل األرض والناس “فهم ثوار ألنهم يعملون عىل تغيري الواقع القائم يف سوريا ،ويجاهدون إلسقاط النظام فيها .ولكنهم إرهابيون ألنهم يديرون املناطق التوحش” ،ويؤسسون لبديلٍ التي قضموها “بإدارة ّ إسالمي أممي”. ويكتب ماهر مسعود تحت عنوان “الفاشية
واالغرتاب يف سوريا” عن هروب السوريني من الحرية سواء تحت قبضة النظام أو تحت قبضة التنظيامت املتطرفة “بات الجميع يقايضون حريتهم بأمنهم ،فهل هناك ما هو أصعب وأقىس ،وما هو أكرث اغرتاباً وال إنسانية ،من مقايضة الحرية باألمن؟” ويف مقاله “الحامل السيايس للثورة واالحرتام املفقود” ينقد فادي محمد االنفصال التام بني الثورة وحاملها السيايس الخارجي ،تلك الظاهرة التي مل تعرفها ثورات أخرى نالت قياداتها (االحرتام) ألنها كانت بني الناس، “كانت منهم وأمامهم بجدارة ،ممتزجة معهم
بقلم ليلى الصفدي بدفع الثمن املطلوب للتغيري” ..بينام افتقد الحامل السيايس للثورة السورية ذلك االحرتام النفصاله عن الناس “الفصام كان حاداً بني عذابات الناس وبني رغد العيش الذي ينعم به “الحامل السيايس” .مضيفاً أن “الحامل السيايس للثورة عندما يستحق االحرتام قادر أن يكون نداً ،أن يكون هامة ،يحسب لها ألف حساب”. يف عددنا الثالث والخمسون أيضاً باقة متنوعة من الصور ورسوم الكاريكاتري واملقاالت والتقارير الهامة مل نذكرها هنا لضيق املجال.. قراءة مفيدة نتمناها لكل قرائنا.
في شأن االستعصاء السوري ماجد كيالي
www.freedomraise.net facebook.com/freeraise
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية ويف بعض مخيامت اللجوء رئيس التحرير :ليىل الصفدي هيئة تحرير عالحرية طلعنا نصار معاون رئيس التحرير :أسامة ّ
تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت
twitter.com/freedomraise
محررون أوس املبارك -أبو القاسم السوري
محرر القسم الكوردي مريال بريوردا
زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية رزان زيتونة -ناظم حامدي
مقاالت
freedomraise@gmail.com
العدد - 53 -
للنشر أو مراسلة فريق التحرير
2015 / 8 /2
مثة استعصاء كبري يف مسار الثورة السورية ،بيد ان هذا االستعصاء ال ينبع من التفوق العسكري للنظام ،أو من قدرته عىل السيطرة ،وال من استناده إىل شبكة سلطوية واجتامعية متامسكة، أو إىل تحالف إقليمي ودويل ،فقط ،فإىل جانب كل ذلك ،فإن هذا االستعصاء يستمد وجوده من مصادر اخرى متنوعة ومختلفة .هكذا ،إىل العوامل الخارجية املتمثلة يف الخذالن الدويل لثورة السوريني ،واملداخالت غري املناسبة ،أو املرضة ،لألطراف الدولية واإلقليمية والعربية، التي تالعبت بهذه الثورة ،مثة فوق ذلك ،أيضاً، املشكالت الذاتية التي أعاقت تطورها ،وحدّت من قدرتها عىل جذب مزيد من القطاعات الشعبية إليها ،وس ّهلت صعود الجامعات العسكرية املتطرفة التي تتغطى باإلسالم ،وبالطائفية ،مثل جامعات داعش والنرصة واخواتهام. يأيت يف مقدمة هذه املشكالت عدم قدرة هذه الثورة عىل االنتظام ،بدليل ضعف كياناتها السياسية او العسكرية او املدنية ،وعدم استطاعتها فرض ذاتها يف املجال املجتمعي رغم كل السنوات التي مرت ،والتضحيات التي بذلت. حتى يف مواجهة النظام فإن هذه الكيانات مل تستطع تقديم نفسها كبديل له ،ال يف إدارة احوالها ،يف هيكلية سياسية وعسكرية ومدنية وإغاثية ،وال يف قدرتها عىل إدارة املناطق املحررة، علام أننا نتحدث عن مدى زمني قدره أربعة أعوام. هكذا فإن العفوية والتجريبية التي كانت اتسمت بها ثورة السوريني ،يف بداية انطالقها ،والتي كانت مبثابة نتاج طبيعي لواقع حرمان املجتمع السوري من السياسة ،وافتقاده للتجربة السياسية، وللتشكيالت الحزبية باتت ،فيام بعد ،مبثابة عامل اضعاف وتأخري وفوىض واستنزاف للثورة. فمن غري املفهوم وال املقبول استمرار ضعف
املبنى التنظيمي للثورة ،يف إطاراتها السياسية والعسكرية واملدنية ،السيام مع تعرث “االئتالف الوطني” ،وكل التشكيالت املنضوية يف إطاره ،أو املتفرعة عنه (حكومة مؤقتة ،مجلس عسكري، لجنة اإلغاثة ،املجالس املحلية). يف جانب أخر فإن مشكلة الثورة السورية تكمن، أيضاً ،يف التحول نحو العسكرة دون أن تسبق ذلك أية محاولة لرتتيب مرجعية أو إطارات سياسية وتنـظيـمية لها ،ودون التبرص يف كيفية إدارة الرصاع يف امليدان العسكري ،مع مالحظة التفوق العسكري للنظام ،واستناده إىل قـوى عسكرية إقليمية ودولية ،يف ظل افتقار الـثورة لإلمكانيات العسكرية املناسبة .ولعل مشكلة الثورة السورية يف هذا املجال بالذات تكمن يف التحول اىل الرصاع العسكري من دون ان تنضج األحوال الذاتية لهذه النقلة الكبرية والخطرية يف التجربة السياسية للسوريني ،سيام ان هذه اول تجربة سياسية لهم. مثة هنا أسئلة تطرح نفـسها ،مع التـسـليم جدال مبـرشوعيـة التحول نحو العسكرة ،بسبب من انتهاج النظام للعنف كإطار وحيد لعالقته مع املجتمع ،وكطريق وحيد للتعامل مع الحراكات الشعبية ،السيام مع مبادرته اىل اقحام الجيش يف الرصاع الدائر ،وتحويله اىل مجرد اداة لحامية النظام. هكذا ومع متييزنا لظاهرة العسكرة الناجمة عن االنشقاق من الجيش ،ومعها نشوء ظاهرة الدفاع املحيل عن املتظاهرين ،يف بعض احياء املدن والقرى ،وبني ظاهرة العسكرة الناجمة عن املداخالت الخارجية ،واملرتهنة لها ،فال بد من طرح مجموع من األسئلة .فمثال :هل كان من الرضوري او الحتمي أن تـسري األمور عىل النحو الذي سارت عليه عسكريا؟ ومبعنى أكرث تحديدا ،هل كانت السيطرة عىل أجزاء من بعض املدن عمال رضوريا إلضعاف النظام ،أمل يكن مثة
خيارات عسكرية أخرى رمبا أنسب وأجدى؟ ثم هل خدمت هذه االسرتاتيجية الثورة ومجتمعها أم أرضت يف حني أنها أفادت النظام وسهلت له؟ زجت السيطرة عىل هذه املناطق كت ًال أيضا ،هل ّ شعبية أكرب يف الرصاع ضد النظام أم أخرجتها من هذه الدائرة؟ وأخريا ،هل ساهم ذلك يف تشتيت القوى العسكرية للنظام أم س ّهل تحشيدها وتحسني إدارتها ،السيام مع فرض الحصار عىل كثري من املناطق “املحررة” يف حمص وحلب ودمشق؟ املشكلة الثالثة تتعلق بخطابات هذه الثورة التي انطلقت ،أص ًال ،إلسقاط نظام االستبداد والفساد، ومن أجل الحرية والكرامة واملساواة واملواطنة والدميقراطية ،والتي باتت اليوم وكأنها تعرض خطابات أخرى تتعارض بل وتتناقض مع الخطابات األصلية .ومع التأكيد بأن هذه “االنحرافات” هي نتاج انتهاج النظام سياسة األرض املحروقة، ونتاج تعمده تدمري البيئات الشعبية التي يعتربها معادية له ،ما تسبب يف إزاحة املجتمع السوري من املشهد ،فإنها أيضا مبثابة انعكاس لحال االنفالت يف الثورة ،ولواقع تصدر الجامعات املتطرفة ،التي استبدلت الخطابات السياسية بالخطابات الدينية، األمر الذي أرض بصدقية ثورة السوريني وشوش عىل مقاصدها ،وأضعف قدرتها عىل خلخلة القطاعات املجتمعية املرتبطة بالنظام ،أو القلقة عىل مستقبلها. هكذا ،يبدو الوضع السوري اليوم يف حال استعصاء ،فالنظام مل يعد يستطيع االستمرار، والثورة مل تثبت ذاتها بعد كبديل رشعي ومناسب، يف حني أن القوى املتطرفة غري مقبولة ال سوريا وال إقليميا وال دوليا ،أما الفاعلون الدوليون فام زالوا يف موقع املتفرج عىل الكارثة السورية ،عل ًام أن أزمة النظام تتعلق بكيفية نهايته أو رحيله ،يف حني أن أزمة الثورة تتعلق بكيفية إثبات ذاتها إزاء السوريني وإزاء العامل.
3
4
حول مشروع القيادة العامة في الغوطة الشرقية أجرى اللقاء ابو القاسم السوري
العدد - 53 - 2015 / 8 / 2
غياب القيادة القادرة عىل متثيل الثورة وقيادتها نحو أهدافها ،هو أحد أهم األسباب التي ما تزال ترتدد عند تقديم توصيف لتأخر انتصار الثورة السورية ،وألجل ذلك فقد طرحت عرشات بل مئات املشاريع الهادفة إىل تشكيل أجسام قيادية للثورة سواء عىل مستوى املعارضة السياسية أو عىل املستوى العسكري أو عىل مستوى املؤسسات والفعاليات املدنية يف الداخل السوري ،وكان مصري غالبية إن مل نقل كل هذه املشاريع هو الفشل يف تحقيق ما كانت تهدف إليه ،ويف اآلونة األخرية طرح يف الغوطة الرشقية مرشوع لتشكيل جسم يضم املدنيني والعسكرين ليناط بهذا ثوري جديد ّ الجسم إدارة الغوطة وقيادتها. للتعرف عىل تفاصيل هذا املرشوع أجرت طلعنا عالحرية هذا اللقاء مع السيد (أبو رامز) عضو اللجنة اإلدارية ملرشوع القيادة العامة وهو من األشخاص الذين كان لهم دوراً كبرياً يف املساهمة يف تشكيل عدد من املؤسسات املدنية العاملة اليوم يف الغوطة من خالل مكتب التواصل والتنسيق الثوري الذي يديره .رشح لنا أبو رامز ماهية هذا املرشوع وأهدافه والصعوبات التي تواجهه.
ال بد من مراعاة أن املؤسسات سواء اإلغاثية أو الخدمية أو الطبية وغريها التي تم إنشاؤها قد حققت أهدافها بشكل جزيئ وليس بشكل كامل وذلك يعود لعدة عقبات تقف يف طريق تقدمها: - 1ضعف اإلمكانيات - 2الظروف األمنية من حصار وقصف - 3وقلة الكوادر والتخصصيني
يبدو أن النظرة العامة للمواطن العادي تجاه املؤسسات العاملة هي نظرة سلبية، فهل يدرك املواطن هذه األسباب التي ذكرت؟
أكيد يوجد فجوة بني العمل الثوري املدين والعسكري وبني املواطن العادي الذي يدفع الفاتورة األكرب ،واملفروض أن كل أعامل هذه املؤسسات (خدمية ،إغاثة ،دفاع مدين) هي لخدمة املواطن .ويبدو يل أن ما يعمق هذه الفجوة هو الضعف اإلعالمي ،فنحن نفتقد ألدىن مقومات التواصل واإلعالم املحيل حتى نرشح للمواطن الواقع ،ومعظم اإلعالم الذي نعتمد عليه هو حكر عىل االنرتنت وهو غري متوفر عند معظم الناس يف الغوطة .
هل تخربنا ما هو دافعك للمساهمة يف ماذا عن مرشوع القيادة العامة للغوطة، تشكيل هذه املؤسسات؟ هناك قناعة موجودة دامئا لدي أن ما يؤخر سقوط ماهيته وأهدافه؟
النظام حتى اآلن ليس ما ميلكه من قوة عسكرية إمنا تنظيمه ،ونحن يف املناطق التي تسيطر عليها املعارضة إن مل يكن لدينا عمل منظم نعتمد عليه فلن نستطيع تحقيق أهداف ثورتنا التي دفعنا وال زلنا ندفع فيها كل هذه التضحيات .الهدف من مرشوع القيادة العامة هو الوصول إىل عمل مؤسسايت منظم يف الغوطة الرشقية.
لقاءات
قبل التطرق إىل موضوع القيادة العامة هناك سؤال ال بد من ذكره ،فالعديد من املؤسسات املوجودة يف الغوطة الرشقية مىض عىل إنشائها أكرث من ثالث سنوات، فهل استطاعت هذه املؤسسات تحقيق الغايات املرجوة منها؟
بعد تشكيل معظم املؤسسات املدنية بالغوطة كان ال بد من التوجه لتوحيد العمل وتأطريه بشكل كامل ضمن إطار واحد يضم العسكريني أيضاً تحت مسمى القيادة العامة للغوطة الرشقية، وعىل فكرة هذا التوجه ليس جديداً فقد سبقه عدة محاوالت سابقة خالل السنتني األخريتني وكلها باءت بالفشل ألسباب أتحفظ عن ذكرها. املحاولة األخرية بدأت منذ حوايل السنة وقد نتج عنها القيادة العسكرية املوحدة للغوطة ،وتابع الناشطون املدنيون العمل لتوحيد القطاع املدين أيضاً ،وتم التوصل لرؤية مشرتكة لهذا املرشوع. املرشوع هو عبارة عن بناء هرمي مؤلف من ثالثة مستويات :الهيئة العامة وهي القاعدة املؤلفة من 234شخصاً ،ثم تليها األمانة العامة ،ثم مجلس
أبو رامز عضو اللجنة اإلدارية للمرشوع: “تغيري الوضع يف مناطق املعارضة هو الذي سيغري املعادالت اإلقليمية والدولية” “أعضاء الهيئة العامة 234 عضواً وعدد املؤسسات املشاركة 85مؤسسة” “سيعالج املرشوع موضوع املعابر والقضاء ووضع ضوابط لهذه األمور” “رغم اختالف توجهات أعضاء الهيئة العامة إال أنهم يجلسون عىل طاولة واحدة معاً للبحث” القيادة ،وقد تم التوافق عىل معايري الختيار عضو الهيئة العامة ومنها املعيار املؤسسايت أي أن يكون عضو الهيئة العامة عضواً ضمن مؤسسة عاملة يف الغوطة ،وبعد اختيار عضو الهيئة العامة ال يعترب عضو الهيئة ممث ًال ملؤسسته بل ممث ًال عن الغوطة وال يتكلم باسم املؤسسة .املعيار الثاين هو املعيار الجغرايف لتمثيل املجالس املحلية.
هل ميكن القول إنه بعد وضوح تشكيل املؤسسات املدنية ووجود القيادة العسكرية املوحدة أصبحت هناك حاجة لجسم قيادي عسكري مدين لقيادة الغوطة الرشقية؟
متاماً ،جسم واحد يربط املدين والعسكري وحتى الجانب السيايس إلدارة الغوطة الرشقية.
هل هدف املرشوع الرئييس إدارة الغوطة الرشقية فقط؟
إدارة الغوطة مبدئياً ضمن الواقع الحايل ،لكن هذا املرشوع ال ينفصل بشكل من األشكال عن مجمل الرتاب السوري فهو منفتح عىل كامل املناطق وقد انطلق من الغوطة بسبب اتصالها الجغرايف ،ولكن إذا حدث تطورات ميدانية فسنحاول أن يصل املرشوع لكل املناطق إن شاء الله.
الهيئة العامة هي القاعدة لهذا املرشوع وهي مبنية عىل متثيل املؤسسات واملجالس
5
املحلية ،ملاذا مل يكن بناء الهيئة العامة عىل أساس التمثيل الشعبي املبارش؟
جانب من الحضور يف احد اجتامعات الهيئة العامة
لحظة بلحظة ،وهم يعولون عىل نجاحه ،وما سيجعل الناس مع املرشوع أو ضده هو نتائج املرشوع ،إذا مل يستطع املرشوع تحقيق النتائج املطلوبة منه فالشارع سيأخذ منه موقفاً سلبياً.
امليدانية والتقلبات بداخل الغوطة وخارجها أدت إىل انشغال العسكريني وتأخري ردهم ،وقد وصل الرد منذ حوايل الشهر وحالياً تقوم األمانة العامة بتجهيز النظام الداخيل لعرضه عىل الهيئة العامة.
يُتهم املرشوع بأنه عبارة عن بحث من هل سيمتلك املرشوع أدوات تنفيذية العسكريني عن رشعية بغطاء مدين ،ماذا تسمح له بإدارة الغوطة أم سيبقى ضمن أطر التنسيق والتشاور؟ تقول يف ذلك؟
طبعاً ال ،العسكريون هم بالسوية العليا مشاركون مبجلس القيادة حسب مقرتح النظام الداخيل بثالثة مقاعد من أصل تسعة ،وباقي املقاعد للقطاع املدين .واألمر الذي أريد التأكيد عليه أن هذا املرشوع ليس غطاءاً للعسكريني وليس مرشوعاً بدي ًال عن القيادة العسكرية املوحدة ،بل هو مرشوع مشرتك مع اإلخوة يف القيادة العسكرية، ويجب التأكيد عىل أن العنارص العسكرية هم أبناؤنا وإخوتنا ومن نسيجنا االجتامعي.
أكيد .النظام الداخيل يتكلم عن كل األمور املفصلية سواء عىل املستوى اإلداري املدين أو العسكري أو عىل املستوى السيايس .فاملرشوع سيعالج موضوع املعابر والقضاء ووضع ضوابط لهذه األمور ،إضافة إىل األمور االجتامعية والسياسية واالقتصادية، وبالتايل فاملرشوع ليس شكلياً وإمنا مرشوع عميل، والهيئة العامة تعترب سلطة ترشيعية ومجلس القيادة هو السلطة التنفيذية.
متاماً ،والنظام الداخيل يراعي هذا األمر خاصة يف القضايا املفصلية فتعود هذه القرارات للهيئة العامة ،أما القرارات العادية اليومية فتتخذ يف مجلس القيادة.
املرشوع بدأ العمل عليه منذ أكرث من ستة أشهر ،ملاذا مل ي َر النور حتى اآلن رغم
لألسف نحن دامئاً نعيد سبب أي فشل للعامل الخارجي ،واألصح أن تغري الوضع يف مناطق املعارضة هو الذي سيغري املعادالت اإلقليمية والدولية ،والخارج مل يأخذ أي قرار تجاه الوضع السوري إال من خالل قراءته لهذا الواقع ،ونحن إذا استطعنا تغيري الواقع من خالل تطوير إدارة تدير املنطقة يف حال سقوط النظام بشكل مفاجئ فإننا
أكرب حجة دامئاً تساق مبا يخص عدم دعم املعارضة السورية بشكل جدي يف إسقاط النظام هي حجة أن املعارضة السورية مرشذمة ومنقسمة عىل نفسها إىل تيارات وتوجهات عديدة ،وهذا واقع ال ينكر .هل ميكن لهذا املرشوع أن يكون مظلة تجمع الجميع أم سنبقى يف نفس خانة التحزبات السابقة؟ سؤال جيد ،يالحظ يف تركيبة الهيئة العامة أنه مل يغفل أي من التيارات املوجودة يف الغوطة ،ونحن نعمل عىل إيجاد توافقات بني هذه التيارات، وإن شاء الله البشائر خري؛ فالهيئة رغم اختالف توجهات أعضائها إال أنهم يجلسون عىل طاولة واحدة معا للبحث عام فيه صالح الغوطة.
هل أنت متأمل خرياً يف هذا املرشوع؟
أنا متأمل خرياً يف املرشوع ويجب أن نعمل جميعاً إلنجاحه ألنه مل يعد لدينا بديل وال نريد تكرار تجربة الفشل مجدداً.
لقاءات
هناك من يقول إن هذا املرشوع هو عبارة هل قرار الغوطة سيصبح قراراً تشاركياً بني عن ترف زائد يف الوقت بدل الضائع ريثام القطاعني املدين والعسكري ولن يبقى حكراً يصبح هناك توافق إقليمي ودويل لحل األزمة السورية ..ماذا ترد؟ عىل أحد بعينه؟
يجب التفرقة بني مؤسسات الدولة وبني النظام كمؤسسة أمنية عسكرية ،فالثورة مل تقم ضد مؤسسات أو ضد دولة ألن مؤسسات الدولة هي ملك للشعب ويجب الحفاظ عليها ،أهمية هذا املرشوع هي يف كون الغوطة الرشقية مالصقة للعاصمة ويعول عليها يف عملية إسقاط النظام والحفاظ عىل مؤسسات الدولة يف دمشق وإدارة دمشق يف مرحلة ما بعد سقوط النظام.
2015 / 8 / 2
عند سؤال أكرث من شخص يف الشارع ملست حالة من عدم االهتامم بهذا املرشوع ،أال أهميته كام تقول .ما هي أسباب التأخري؟ سنؤثر يف تغيري املعادلة الخارجية. برصاحة ُحددت مهمة األمانة العامة بإنجاز النظام هل تعتقد ان هذا املرشوع قادر عىل أن يعد هذا األمر مشكلة للمرشوع؟ ً أختلف معك بهذا الوصف ،فأنا عىل احتكاك دائم الداخيل وقد تم ذلك بتاريخ 1نيسان 2015ووضع يكون بديال للنظام وأن يدير مؤسسات مع الشارع وهناك الكثري من املتابعني للمرشوع عىل طاولة اإلخوة العسكريني ،إال أن الظروف الدولة؟
العدد - 53 -
طبعا إذا أردنا أن نحيك باملثاليات فيجب أن تكون الهيئة مبنية عىل أساس انتخابات شعبية ،ولكن الوضع األمني ال يسمح بحدوث هكذا انتخابات بسبب ظروف القصف ،وللتنويه فإن عدد أعضاء الهيئة العامة 234عضواً وعدد املؤسسات املشاركة 85مؤسسة.
الفاشية و”االغتراب” في سوريا 6
ماهر مسعود
العدد - 53 - 2015 / 8 / 2
مقاالت
مل يعش السوريون تحت سلطة نظام اقتصادي رأساميل كالسييك ،والذي ُيع ِّرفه الفالسفة؛ من ماركس إىل فروم ،بوصفه نظاماً منتجاً للتشيؤ واغرتاب االنسان عن ذاته وعن عامله ،ويحوله إىل سلعة وإىل “يشء” فاقد لجوهره اإلنساين.. بل عاشوا تحت سلطة نظام سيايس/اقتصادي ميكن تسميته بـ “رأساملية السلطة” متييزاً له عن “رأساملية الدولة” الذي ساد الدول الشيوعية، صاحبة األنظمة االشرتاكية الشمولية املعروفة واملع َّرفة بفاشيتها. إذا كان من مظاهر االقتصاد الرأساميل ،احتكار الرثوة وتراكم املال بيد الق ّلة القليلة من الناس ،ومن مؤدياتها تحول البرش إىل آالت يف عجلة االنتاج، واغرتابهم عن منتجاتهم ،وانسياقهم نحو التسليع واالستهالك الذي يحول أعاملهم ،وحتى أفكارهم وعواطفهم إىل سلع يف سوق العرض والطلب .فإن من مظاهر “رأساملية السلطة” احتكار السياسة وتراكم القوة بيد العصبة السلطوية وحدها ،بل َتح ُّول فائض القيمة السيايس إىل أجهزة أمنية مرتاكمة تب ُّز الجامعات يف فروعها ،وتب ُّز املدارس يف تعليم الخوف والخنوع .ومن مؤدياتها تحول البرش إىل آالت يف مصنع االستبداد ،وانسياقهم كالعبيد يف مسريات مليونية تعيد انتاج السلطة ذاتها التي تبتزهم وتستعبدهم. إن اإلفقار االقتصادي للمجتمع السوري ،الذي نتج عن تراكم رأس املال بيد العصبة السلطوية وأزالمها ،كان متزامناً مع حالة افقار سيايس عام ،نتج بدوره عن تراكم “الرأسامل السيايس” بيد السلطة ذاتها .ومثلام أدى احتكار االقتصاد سلطوياً إىل حالة اغرتاب عامة لدى السوريني تجاه مؤسسات الدولة العامة ،وبقاء تلك املؤسسات مكاناً للعطالة والنهب والفساد وضعف االنتاج، كذلك أدى احتكار السياسة يف سلطة الحزب الواحد ،إىل حالة فقر سيايس مدقع يف املجتمع السوري ،برزت أهم تجلياته يف اغرتاب السوريني عن سياسة دولتهم ،وعزوفهم عن العمل والفاعلية السياسية ،وتحولهم إىل “أشياء” وإىل “أدوات سياسية” بيد السلطة ،بعد أن كانوا “ذوات” سياسية فاعلة يف عهد االستقالل األول. أسست الفاشية األسدية ألعىل مراحل االغرتاب يف املجتمع السوري ،فبقي السوريون غرباء عن بعضهم ،يتقاسمون الخوف والذل مع الخبز، ويعيشون يف منافيهم الخاصة وضمن املنفى
الجامعي ا ُملسمى “وطناً” ،ال أحد منهم يشبه نفسه أو يشبه ما يراه أو يحلم به ،رغم كونهم جميعاً متشابهني .ال أحد منهم ميلك نفسه أو قراره أو رأيه الحر ،ألنهم جميعاً مملوكني من سلطة تقرر عنهم ،وترى عنهم ،وتحاسب من يرى غري ما ترى بالسجن أو القرب. شقي” لقد تكون لدى مجمل السوريني “وعي ٌ ٌ إن اعتمدنا املصطلح الهيغيل ،وهو وعي مشطور ومنقسم ضد نفسه ،جعل االنسان السوري يقول مبا ال يفكر به ،ويفكر مبا ال يقوله ،جعله شخصاً ثنائياً وفصامياً ،فشخصيته يف البيت غريها يف العمل ،وما تظهره مغاير ملا تبطنه ،وأمام اآلخرين غريها أمام الذات .وذلك و ّلد نظاماً أخالقياً قوامه الكذب والتكاذب ،ونظاماً اجتامعياً قوامه الدجل واملراعاة ،ونظاماً اقتصادياً قوامه الفساد والرشوة، ونظاماً قضائياً قوامه الوساطة ونقص العدالة، ونظاماً تعليمياً قوامه التلقني والغش والتسلق وانعدام الكفاءة ،ونظاماً أمنياً قوامه املخربين والوشاة وانعدام األمن ،فهل هناك وصفة للخراب أكرث من ذلك؟. مل يبدأ السوريون بالتعرف عىل بعضهم وعىل أنفسهم إال مع الثورة السورية ،ومل يبدؤوا يف االندماج الوطني والتحرر من مخاوفهم ومن اغرتابهم إال مع الثورة ،إال أن تراكم رأسامل القوة لدى السلطة كان أقوى من اجتامعهم السلمي، وتحللها من أي مسؤولية أخالقية أو رادع سيايس، أطلق يدها يف قتل الناس دون محاسبة .كام أن اندماج السلطة يف نظام عاملي يقوم عىل سلطة األقوياء ،وتحالفها الوطيد مع أنظمة فاشية
اقليمية ودولية ال يخيفها أكرث من الدميقراطية وحرية الشعوب ،أديا ملا نسميه مجازاً “بالعوملة ضد الثورة” ،أي تحول الثورة من مواجهة النظام وحده إىل مواجهة العامل املتحالف ضدها. لكن خذالن العامل وتركه السوريني وحيدين يف مواجهة القتل بكل صنوفه ،أديا لخوف السوريني مناف خارجية ،أو من الحرية وهروبهم نحو ٍ نحو االستبداد املزدوج الذي ميثله النظام من جهة وميثله داعش وأشباهه يف الجهة املقابلة، فمن بقي منهم يف مناطق النظام أصبح مأسوراً يف معركة النظام الوجودية ،ومن بقي منهم يف مناطق املعارضة أصبح مأسوراً عند حركات اسالمية حاربت الجيش الحر أكرث من محاربتها للنظام .ومثلام يلوم الكثريون السوريني يف مناطق النظام عىل صمتهم وسكوتهم واحتضانهم نظاماً قات ًال ،يلوم الكثريون أيضاً ،السوريني يف مناطق السيطرة اإلسالمية عىل صمتهم واحتضانهم لداعش وأشباهها ،ويعدّونهم حاضنة لإلرهاب .مع أن ما يحصل هو أن الناس مل يتسن لها أن تتنفس هواء الحرية جيداً ال هنا وال هناك ،ولذلك بات الجميع يقايضون حريتهم بأمنهم ،فهل هناك ما هو أصعب وأقىس ،وما هو أكرث اغرتاباً وال إنسانية، من مقايضة الحرية باألمن؟ وهل من سبب خلف األشكال املروعة لإلجرام التي نشهدها سوى املوت الروحي للسوريني واحساسهم بانتفاء املعنى بعد كل التضحيات التي قدموها عىل مذبح الحرية؟، وهل يحق ألحد أن يلوم السوريني اليوم عىل تلك النزعة التدمريية الكارهة للحياة واملضادة لها التي منت بينهم؟!.
الثوار اإلرهابيون شوكت غرزالدين
العدد - 53 - 2015 / 8 / 2
مقاالت
الثوار اإلرهابيون واقعة تتعايش فيها التناقضات معاً ،وتتداخل تجاهها آراء قوى الثورة .فهم ثوار ألنهم يعملون عىل تغيري الواقع القائم يف سوريا، ويجاهدون إلسقاط النظام فيها .ولكنهم إرهابيون ألنهم يديرون املناطق التي قضموها “بإدارة التوحش” ،ويؤسسون لبديلٍ إسالمي أممي .ولهم ّ طريقتهم وزمنهم وتوقيتهم الخاص يف إسقاط النظام ،وعندهم إدارتهم الخاصة للمناطق التي سيطروا عليها ،ويؤسسون البديل الخاص بهم أيضاً .إننا أمام استبداد الخاص عند الثوار عىل الشعبي ،وهذا االستبداد هو ا ُملم ِّثل للجذر العام ّ الفلسفي لإلرهاب. تتعايش التناقضات مع بعضها البعض واقعياً وآنياً كمومي ،رغ ًام عن أنف إرادة اكب” ٍّ يف حالة “تر ٍ وريي الهادفة إىل إنتاج تركيب مناسب من الس ّ ّ املتناقضات .وهذا ما يس ِّوغ لنا استخدام مفردة الثوار ،كموصوف محبب إىل النفوس عموماً ،مع مفردة اإلرهابيني كصفة مكروهة. السور ّية ،املرتبطة مثة تداخل معقد يف الحالة ّ بالحالة الدولية والحالة اإلقليمية ،ينتج عنه مفهومي جديد .ولكنّه ميكن لنا فرز جمع ّ التّداخل والتشابك واالختالط استناداً إىل هدف إسقاط النظام وبالنسبة له ،عىل قاعدة أن َّمن يريد إسقاط النظام هم الثوار ،ولكن اختالفهم بالتوقيت واإلدارة والبديل يجعل منهم إرهاب ّيني. تنجح املحاوالت الرامية للفصل يف واقعة مل ْ التعايش هذه بني صفة الثوريّ وبني صفة اإلرها ّيب يف سوريا .وما زال التّداخل والتّشابك قامئاً بني املفردتني بشكل كبري .بل قلَّ ،إن املحاوالت املحل ّية واإلقليم ّية والدول ّية الرامية للربط بني املفردتني، وتوظيف هذا الربط واستثامره يف الرصاع ووجهته، هي التي تالقي حظوظاً من النجاح أكرب بكثري من تلك التي عىل النقيض. ويعود عدم النجاح بعملية الفصل للكثري من العوامل التي ال مجال لنقاشها هنا .ولكن نذكر كمن منها ما يتعلق باالختالط واالختزال الذي َي ُ يف خطاب قوى الثورة .الخطاب الذي يقوم عىل إرجاء النقد للثوار اإلرهابيني ،وإرجاء مواجهتهم ومعارضتهم حتى يسقط النظام .وهو خطاب ُيض ِمر إمكانية توظيفهم واستثامرهم يف مرحلة ما بعد السقوط .فيتم الخلط ومسح الفروق ،بني ثالثة أفعال أساسية تقوم بها القوى اإلسالم ّية، يصب يف سريورة لتقدميها يف فعل واحدُ ،يعتقد أ َّنه ّ إسقاط النظام. الفعل األول عسكريّ تقوم به عدة قوى إسالم ّية، وتحتاجه قوى الثورة لعجزها عن تغطيته ،وتكون نتيجته خروج بعض املواقع واملناطق من سيطرة
يصب يف النظام عليها .فقضم املواقع واملناطق ّ خانة إسقاط النظام وميكن النظر إليه بوصفه فعالً ثورياً .وبهذه الحالة ال اهتامم بلون القط طاملا أ َّنه يأكل الفرئان .أما الثاين فهو ما يرتبط بإدارة املناطق الخارجة عن سيطرة النظام ،إدارة عىل التوحش”، طريقة “أيب بكر ناجي” يف كتابه “إدارة ّ والتي يغلفها مبدأ “األمر باملعروف والنهي عن املنكر” رشعاً ،و”نظام الحسبة” والهيئات الرشعية بالقصاص والقتل مامرسة .وهي حالة غريبة عن السوريني وال مت ِّثل طموحهم أبداً .وأخرياً الفعل الثالث الذي يرتبط بتأسيس البديل عن النظام يف حال سقوطه ،وغالباً ما يكون هذا البديل هو الدولة اإلسالم ّية األمم ّية متعدية الحدود .وهذان الفعالن األخريان ،فعل اإلدارة وفعل البديل ،هام اللذان يتصفان باإلرهاب غالباً عند قوى الثورة الذاهبة باتجاه دولة وطن ّية ذات نظام دميقراطي وإدارة مدن ّية وعرص ّية للمناطق. وبفضل التداخل بني هذه األفعال الثالثة كان التداخل عىل مستوى املفهوم .ومن هنا يأيت التالزم بني الثوار وبني اإلرهابيني؛ هاتان املفردتان املتناقضتان يف الوعي الشعبي السوري .فيحتار السوريّ أمام أفعال جبهة النرصة مث ًال؛ فمن جهة ّ أخرجت إدلب من سيطرة النظام ،وهذا فعل ثوريّ .ومن جهة ثانية تدير إدلب بنظام الحسبة والهيئة الرشعية واألمر باملعروف والنهي عن املنكر وتعتقل ناشطي الثورة وتستتيب شبيحتها ،وهذا فعل غري ثوريّ (إرهايب)؛ ألنه يقوم عىل اإلخضاع ويناقض هدف الحر ّية والكرامة املنشود .ومن جهة ثالثة تؤسس لدولة إسالمية عابرة للحدود وتهدِّد أنظمة أخرى يف املنطقة ،وهذا فعل يناقض سعي الثورة لتحقيق دولة وطنية ذات نظام دميقراطي تساهم يف أمن واستقرار املنطقة بدل تهديدها. وتظهر بوضوح شديد لنا مسألة التوقيت يف سريورة إسقاط النظام ومواجهته وقضم مناطق سيطرته؛ فالبغدادي وتنظيم الدولة ليس يف عجلة من
أمره ،وعلوش وجيش اإلسالم كذلك؛ فكلام طالت سريورة اإلسقاط واملواجهة وقضم املناطق ،كلام تحو ّلوا إىل سلطة األمر الواقع ،ومت ّكنوا من اإلدارة الخاصة بهم ،ومأسسة البديل الخاص ملرشوعهم. ولكن نرى هؤالء يف عجلة من أمرهم لتطبيق نظام الحسبة وبسط النفوذ والقبض عىل املعابر الحدودية ومواقع النفط والغاز والفوسفات واآلثار. هذا التّمييز يضعنا إزاء إشكالية املقياس الذي نقيس بالنسبة إليه ونصنِّف القوى عىل أنها إرهاب ّية وثور ّية يف آنٍ .فقد ارتبطت ثورة الحر ّية والكرامة يف سوريا بهدف إسقاط النظام .ومبرور الزمن تبلور الهدف وتحول إىل اسرتاتيجية للقوى الثور ّية .وبقدر ما تعتمد هذه االسرتاتيجية عىل السوريّ املتعلق الجانب الذايت عند الشعب ّ بوحدته وتخطيطه وتنظيمه ،تعتمد كذلك عىل الجانب املوضوعي املتعلق بالعريض واملصادفة والعشوائية وغري املتوقع .ثم تح ّول تدريجياً شعار إسقاط النظام إىل معيار ورائز نقيس عليه لنُحدِّد من هو الثوري ومن هو غري الثوري .وبات لدينا من يكتفي بإسقاط النظام ،وإنتاج بديل وطني دميقراطي له ،وإدارة املناطق مدنياً وعرصياً. ومنهم من ال يكتفي بإسقاط النظام ،ويسعى الستخدام سوريا محطة إلسقاط أنظمة أخرى، وإنتاج بديل أممي إسالمي يهدد األمن والسلم العامليي ،وإدارة املناطق عسكرياً وأمنياً وعقائدياً ّ ضمن نظام الحسبة .ومنهم من يريد بقاءه واستمراره. وباملحصلة ،هل يريد كل من تنظيم الدولة وجبهة النرصة وجيش اإلسالم إسقاط النظام فع ًال؟! وهل ميكن للمراهنني عىل الثوار اإلرهابيني توظيف واستثامر أفعالهم ملصلحة عامة؟! والسؤال األسايس اآلن هو عىل من نراهن؟ ويجب وميكن لقوى الثورة أن تجيب عن هذا السؤال يف ظل إشكالية التوقيت واإلدارة والبديل إجابة تسهم يف إعادة ألق الثورة.
7
الدفاع المدني السوري في درعا ،معارك ضد الموت!
8
رامي العاشق*
العدد - 53 - 2015 / 8 / 2
عمل النظام السوري منذ بداية الثورة السور ّية عىل رضب العمل املدين والسيايس يف سوريا، وإفراغ الثورة السور ّية ومدن ّيتها وأهدافها من واضحا يف شعاراتها األوىل مضمونها الذي بدا ً وأصوات من خرجوا يف الشوارع قاصدين نيل ِ األصوات املدن ّية وأرص عىل اغتيال الحرية، ِ ّ وتغييبها أو تهجريها وج ّر الثورة إىل لعب ٍة يتقنها ويحب أن يلعبها ،وسعى ّ بكل ما ميلك من ق ّوة ّ إىل تحويل الثورة إىل حرب تفتك بالسور ّيني وحياتهم وأحالمهمُ ، بعض الناشطني السياس ّيني تح ّولوا إىل ناشطي إغاثة بحكم عدم القدرة عىل حقيقي وسط هذا املوتُ ، بعضهم عمل سيايس ّ اعتقاالت وحاول العمل ترك سوريا بعد عدّة ٍ ُ وبعضهم حاول مللم َة ما ميكن من الخارج، ليصلح ما أفسده املوت ،وآخرينَ أخذهم ُ املوت َ أو السجنُ ومل يعودوا!
عائد من املوت لتأسيس الدفاع املدين
تقارير
خارج م ّؤسسات املجتمع املدين وإن ُكثت َ سوريا وق ّلت داخلها ،تحمل عىل عاتقها مه ّمة إنقاذ هو ّية الشعب السوري املدن ّية ،وإحدى املؤسسات هي الدفاع املدين السوري ّ أهم هذه ّ ُ نعرف أو ما بات يعرف بالق ّبعات البيض ،ال أسامءهم ،ومل يظهروا عىل القنوات الفضائية، ومل يدخلوا يف أ ّية محاصصة سياس ّية ،هدفهم “إنقاذ أكرب عدد ممكن من الناس بأقرص وقت ممكن” بحسب ترصيح مم ّثل الدفاع املدين يف وخرج درعا د .جهاد محاميد الذي اعتقل مل ّرتني َ يف الثانية عن طريق مبادلة بني النظام والجيش الحر بعد أن ُأن ِق ًذ من قرار التصفية الجسدية، يع ّرف د .جهاد عن نفسه“ :جهاد محاميد مم ّثل الدفاع املدين السوري يف درعا ،أحمل ُ عملت عىل شهادة دكتوراه يف اإلدارة املال ّية، تأسيس الدفاع املدين يف املناطق املح ّررة التي ْ فقدت جميع الخدمات من جهه النظام ليكون البديل يف هذه املناطق ،كانت مبادرة فردية وبدعم من منظامت املجتمع املدين لغاية الشهر العارش من عام 2014تاريخ االجتامع االسرتتيجي لكافة قادة الدفاع املدين يف جميع املحافظات السور ّية ،وتم تأسيس (الدفاع املدين السوري)”.
صعوبات وتحدّيات
يف الشهر الخامس من عام 2015قام أعضاء هيئة الدفاع املدين باإلرضاب عن العمل نتيجة اعتداء الفصائل املس ّلحة عىل مبنى الدفاع وإصابة أحد أعضاء الهيئة بعيار ناري ،ومحاولة
بعض الفصائل االعتداء عىل أمالك الهيئة من اآللياتّ ،إل أن هيئة الدفاع املدين نجحت يف الحفاظ عىل استقالل ّيتها ومنع أي اعتداء آخر ،يتابع د .جهاد: “ مل يتو ّقف عمل الدفاع املدين يف أصعب الظروف ورغم ق ّلة اإلمكان ّيات وسيستم ّر حتى بعد سقوط النظام ،املصاعب املال ّية موجودة بسبب ارتفاع أسعار الوقود واملواد الالزمة ،ونقص اآلل ّيات وارتفاع أسعارها وأسعار قطع الغيار الخاصة بها ،الهدف الرئييس للدفاع املدين هو إنقاذ أكرب عدد من السوريني ،لذلك نحن نعمل مع الجميع ونكسب ثقة الجميع نظ ًرا لحياد ّية ّ املنظمة وعملها اإلنساين البعيد عن السياسة والتح ّيز أليّ طرف كان، فهدفنا األ ّول هو اإلنسان دون النظر إىل خلف ّيته وانتامئه بأيّ شكل كان ،عمل الدفاع املدين ليس ً سهل خاصة يف الحروب واستخدام األسلحة الثقيلة، ولكنّنا مستم ّرون يف عملنا طاملا أن هناك أشخاص يحتاجون لعملنا مهام ك ّلفنا الثمن”.
املرأة السورية يف الدفاع املدين
ُيحسب لدرعا غياب حالة التطرف بشكل شبه كامل كام يحسب لها غياب عمليات االنتقام الطائفي التي حصلت يف مناطق أخرى ،كام ّأن للمرأة السور ّية هناك دور أسايس يف العمل الثوري والسيايس واملدين ،وس ّيدات الدفاع املدين يف درعا لهن فضل كبري يف نجاح هذا العمل ،يضيف د. محاميد “ :ال فرق بني نساء ورجال الدفاع املدين فاالهتامم بالدرجة األوىل يرتكز نحو االختصاصات والخربات الالزمة للقيام بالعمل عىل أكمل وجه، نحن نغطي كافة املناطق الخاضعة لقوات املعارضة مقس ًم إىل 3 السورية من خالل 13مركزًا رئيس ًيا ّ قطاعات وهي ( :درعا املدينة ،ريف درعا الرشقي، والريف الغريب) ،جميع املراكز يتواجد فيها العنرص خاصة بالنساء النسايئ دون استثناء من خالل غرف ّ يف ّ كل مركز وهنّ مؤهّ الت حسب احتياجات املراكز ،لقينا ترحي ًبا كب ًريا من األهايل لتواجدنا يف الدفاع املدين السوري ،وخاصة ّأن النساء يف املجتمع يرتحنَ لوجود عنارص نسائ ّية قادرة عىل تقديم املساعدة لهنّ دون حواجز ،م ّكننا هذا من الوصول إىل رشيحة واسعة من النساء واألطفال والتعامل معهم بشكل مريح دون عوائق اجتامعية ،كذلك لقينا تشجي ًعا من الرجال حيث شعروا بارتياح لوجودنا ومساعدة أرسهم وخاصة النساء واألطفال وتقديم االحتياجات لهم دون إحراج ،وحتى
اللحظة مل نواجه مشاكل يف عملنا”
خسارة العمل السيايس مقابل االنساين
َ كان د .محاميد من أوائل الذين خرجوا يف مظاهرات درعا ،وكام حدث مع معظم الناشطني، اضطر ّ للتخل عن نشاطه السيايس ليعمل يف املجال اإلنساين ،ويرى أ ّنهم بحاجة للحفاظ عىل أرواح السوريني ليستطيعوا إكامل العمل السيايس واملدين، لذلك يرى ّأن األفضل ّية اليوم للعمل اإلنساين ولو “خرسنا عملنا السيايس مقابل العمل اإلنساين أل ّنه أهم يف هذه املرحلة” بحسب تعبريه ،ويكمل“ : ّ ليس من السهل العمل يف ظروف الحرب وخاصة مع القصف بالرباميل املتفجرة والصواريخ الفراغية من قبل املقاتالت الحربية ،باإلضافة إىل األسلحة الثقيلة والتي غالبا ما تستهدف املناطق التي نعيش فيها بشكل يومي ،وقد تعرض عدد من عنارص الدفاع املدين إلصابات وقد تم استهداف عدد من مراكز الدفاع املدين بالرباميل املتفجرة والصواريخ الفراغية أسفرت عن إصابة عدد من العاملني يف املراكز باإلضافة إىل دمار كبري يف األبنية واآلليات واملعدات التي تم تأمينها بصعوبة بالغة”.
ماذا عن رشوط التمويل؟
تم ضخ املال السيايس بشكل كبري يف سوريا، لقد ّ ّ ّ أفرز هذا مجموعات مسلحة ومنظامت موالي ٍة ألجندات إقليم ّية ودول ّية ليست يف مصلحة السور ّيني ،ونعلم ّأن األمر بدون متويل يعني املوت، ً مرشوطا؟ وهل واملوت فقط ،فهل كان التمويل فرضت عليكم أ ّية طلبات؟ يجيب د .محاميد “ال تفرض علينا أ ّية رشوط من الدول الداعمة وليس لنا ننسق عالقة بالحكومة املؤقتة وال باملجالس ،ولكن ّ مع الجميع وال ننضوي تحت أي منهم ،وال توجد أ ّية جهة يف درعا تعارض عمل الدفاع املدين ،نحن نقف عىل مسافة واحدة من ّ كل االطراف ،نسعى إىل وقف القتل من كل االطراف ونطمح إىل رؤية سوريا دولة مزدهرة ،وسوف يكون لنا دور يف إعاده االعامر”. *شاعر وكاتب صحايف فلسطيني سوري.
الحامل السياسي للثورة واالحترام المفقود فادي محمد
االحرتام من الصفة اىل املفهمة
9
فراس العلي العدد - 53 -
البقية في الصفحة 10
2015 / 8 / 2
يتابع النظام حياته الطبيعية التي يتغنى بها عىل قنواته الفضائية مطمئناً مؤيديه ّأن األزمة قاربت عىل اإلنتهاء وأنهم قتلوا معظم املجموعات اإلرهاب ّية واعتقلوا الكثري الكثري منهم ،ومع ذلك مل يهمل قطاع السياحة حيث بدأ يطرح املشاريع السياح ّية شامالً وجنوباً. كان أ ّول مرشوع سياحي قد أق ّرته حكومة النظام يف حلب منذ أ ّيام والثاين جاء قبله يف مدينة السويداء ،يف وقت يقول عنه متابعون ّأن النظام انهار بكافة املجاالت دون استطاعته أن يدخل حتّى يف مشاركة ّ القطاع الخاص بإقامة املشاريع االقتصاد ّية. إشغال حكومة النظام نفسها يف املشاريع السياح ّية موهمة املواطنني ّأن األزمة كام تصفها قد شارفت عىل االنتهاء ّ وأن ّ قطاع السياحة الب ّد من دعمه من أجل ضامن مستقبل جيد للبلد وغري ذلك من املصطلحات التجار ّية ،ليس ّإل لعبا عىل الحبال يك يبقى التمثيل الصوري يخص للحكومة أمام مواطنيها فيام ّ تنفيذ الواجبات والتق ّيد بصنع مستقبل البالد وما إىل ذلك من مبادئ كتبت عىل الورق ال أكرث. ففي حلب صادقت وزارة السياحة التابعة للنظام عىل عقد استثامري يف املجال السياحي بكلفة وصلت إىل ثالثة مليارات لرية سورية مؤ ّكدة ّأن املرشوع سيتكون من فندق برجي من مستوى أربع نجوم سيستوعب أربعامئة رسير وفندق آخر سيستوعب 110أرسة. أتو ّقع ّأن السائحني سيقصدون حلب خاصة ّأن الفنادق اآلن بشكل كثيف ّ أصبحت أجرتها تفوق الـ 3آالف لرية سورية لليلة الواحدة مع حرص إدارة الفنادق عىل قطع املياه والكهرباء حتّى
مقاالت
مبراجعة الئحة طويلة لثورات البرش تاريخيا يتضح أن الحامل السيايس للثورة مل يكن مفصوال عنها كام هو الحال يف الثورة السورية ،الئحة ال تنتهي للثورات يف املايض البعيد والحارض القريب ،رشقا وغربا ،شامال وجنوبا ،ثورات العبيد ،الفالحون ضد االقطاع ،الثورات الربجوازية ،انتفاضات العامل، ثورات تحرر العامل الثالث ،ظهور األديان العظيمة ومآسيها ،ثورات ضد االستبداد ،األرجنتني وتشييل ...الخ. وبغض النظر عن نجاحها أو فشلها (مجموع هذه الثورات) ،مل تعرف بأغلبيتها ما شهدته الثورة السورية 2011من انفصال حاد بني الناس املنتفضة وحاملها السيايس ،بل أن األخري يف العام من تجربة البرش التاريخية بفعلها التغيريي كان ابن الناس ،كان منهم وأمامهم بجدارة ،ممتزجا معهم بدفع الثمن املطلوب للتغيري( ..سبارتكوس ورفاقه علقوا عىل صلبان أليام ،غاندي واعتقاالته واغتياله يف النهاية، رموز كبرية للثورة الفرنسية ،مثقفني كبار اعتقلوا وقتلوا ،كرومويل الذي علقت جثته بعد نكش قربه، عمر املختار ،ثائر اسكتلندا ،صلب السيد املسيح، مثاين سنوات يف مكة للرسول وأصحابه من تنكيل وتعذيب) ،وميكن إضافة صفحات عديدة ،ثورات حاملها السيايس داخلها ،رموزها أساطري دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه ،سياسيون نالوا واستحقوا االحرتام بكل جدارة. االحرتام ( ،)Respectهذه املفردة التي من الواجب أن تدخل القاموس الداليل التاريخي ملا لها من فعل وأثر أكرث منها صفة يستحق صاحبها التزين بها. فعل وتأثري عىل الناس املنتفضة الثائرة بالحفاظ عىل املبادئ التي ثاروا من أجلها ،صامم األمان بأن ال انحراف عن املنظومة األخالقية للثورة نواة املستقبل ،نخب قادرة عىل القيادة وتحصيل القرار السيايس الرضوري لنجاح التغيري ،ليس املفتاح سوى أنها نالت االحرتام بدفع الثمن كام الناس أجمعني، وفعل وتأثري عىل الخارج - ،صحيح أن املصالح هي اللغة األهم يف السياسات الدولية– لكن وكام يقول هيجل أن تكن كيانا جديرا باالحرتام فذلك له أثر ال يستهان به ،أي أن الحامل السيايس للثورة عندما يستحق االحرتام قادر أن يكون ندا ،أن يكون هامة، يحسب لها ألف حساب. يف سوريا وثورتها الكبرية وتضحياتها الجسيمة: - 1أسس املجلس الوطني بعد 5000شهيد و 30000مفقود ،بعد نداءات استغاثة من الثورة للمعارضة بأن تتوحد وتنجز التمثيل السيايس للثورة ،ثم االئتالف بعد أكرث من 30000شهيد
وأضعاف هذا العدد من املفقودين. - 2كان الفصام حادا بني عذابات الناس (الجئو الزعرتي وعرسال ،محارصو الغوطة والريموك، عرشات األالف من املعتقلني) وبني رغد العيش الذي ينعم به (الحامل السيايس). - 3شعورا منه بنقص فادح برشعيته يف متثيل الثورة (تلك الرشعية التي تنال كام نالها أساطري التاريخ عرب امتزاجهم بالناس) ،بحث الحامل السيايس عن رشعية التمثيل بصناعة املخلوطة محاكياً النظام بذلك (عرشة سنة ،و 3علوية و 6مسيحية و 4دروز وكم حزب كردي وعشائر الجزيرة ووجهاء وووو وتيارات سياسية ..الخ) ،مخلوطة تحاول أن تسرت عدم األحقية ،ثورة من أجل الكرامة تستحق متثيال جديرا باالحرتام. انتظرت الثورة السورية متثيلها السيايس بفارغ الصرب ووضعت الكثري من اآلمال عليه ،كانت حمص الثائرة بكل أحيائها املنتفضة تقول “املجلس الوطني ميثلنا” ،كذلك حوران والغوطة وريف حلب ..الجميع اعتربها لحظة فاصلة وهي كذلك. سنسمح ألنفسنا بوضع سيناريو متخيل عىل مستوى التضحيات ،أن يأيت املجلس الوطني بقياداته اىل باب عمرو أو إىل املناطق املحررة واملحارصة ،يعيش مع الناس ويتأمل معهم (كام هي كل الثورات تاريخياً) ،يشاركهم تظاهراتهم ،وتشييع شهدائهم ،ويسقط منه شهداء كام هو حال الثوار أنفسهم (املؤمتر الوطني االفريقي برئاسة نيلسون مانديال كان عىل استعداد ملواجهة أحكام االعدام، مانديال الذي حاز عىل احرتام شعبه والعامل بأرسه خرج من السجن اىل الرئاسة) ،لكان نال املجلس الوطني احرتام شعبه واستحق ليس فقط التمثيل السيايس بل القيادة نفسها. ان وضعنا للمتخيل هو فقط لكشف فضيحة الواقع، فالذي حدث أن من يقدم التضحيات مل يستطع أن يقبل مجموعات فندقية تعرب عنه ،العامل الخارجي الذي يراقب مأساة القرن الواحد والعرشين ،اوروبا عىل االخص التي تعرف الثورات ومأساة التقدم، والتي دفعت أفظع االمثان ليك تصل اىل ما هي عليه ،اوروبا التي تدرك جيداً ماذا يعني الزعيم السيايس يف عهد الثورة ،اعتقد انها لن تنظر بعني االرتياح اىل مجلس مرتاح وشعبه يذبح (مع العلم ان لها شهداء صحفيني قدموا أرواحاً ودما ًء عىل األرض السورية). االحرتام من الصفة اىل املفهمة ،من التوصيف اىل معنى من معاين العقل ،هكذا هو التاريخ ،ال رشعية اال ملن هم جديرين باالحرتام.
مشاريع النظام السياحية على وقع المعارك!
اإلسالميين من الغرب حول موقف ّ 10
)(2
د .عماد العبار
العدد 2015 / 8 / 2 - 53 -
يف مادّة سابقة يل ُنرشت يف العدد األخري من مج ّلة “طلعنا عالحر ّية” بعنوان “املوقف من الغرب بني اإلسالميني والعلامنيني” ،قمت بتصنيف املوقف من الغرب ضمن ثالثة محاور :موقف العلامن ّيني، واملوقف اإلسالمي املتشدّد ،واملوقف اإلسالمي املعتدل ..وقد ُأخذ عىل املقال الوقوع يف التعميم من جهة ،وتزكية املوقف املتشدّد من جهة أخرى.. أ ّما تزكية املوقف املتشدّد فهذا مل يحدث، فاملقصود من الكالم كان اإلشادة بوضوح عموم الت ّيار املتشدّد وانسجامه مع نسقه الفكري يف موقفه املتشنّج من الغرب .وهذا ما يجعل عمل ّية نقده وتبيان العيوب يف مواقفه وتص ّوراته أسهل تبي مشاكل خصومه ..ولألمانة، بكثري من مه ّمة ّ ّ فإن هذا الت ّيار حصل عىل النصيب األكرب من النقد ومن جميع األطراف ،وجرى تحميله مسؤولية الفشل الحضاري ،وهو يتح ّمل مسؤولية كبرية فيه بطبيعة الحال ،بينام مل ينل خصومه معشار النقد الذي طاله يف العقود األخرية ،وهم يتح ّملون مسؤول ّية كبرية أيضاً عىل صعيد الفشل الذي نعاين منه جميعاً.. أ ّما املأخذ اآلخر عىل املقال ،والخاص بتعميم االنتقائ ّية يف اختيار النصوص متاشياً مع الذائقة ٌ مأخذ الحضارية للغرب عند ت ّيار االعتدال فهو محقٌّ متاماً .وعىل سبيل الد ّقة ،علينا أن نق ّر بدايةً بأنه ال وجود ملا يس ّمى ت ّيار اعتدال أو ت ّيار تشدّد، وإمنا املوجود عىل الساحة الفكرية مدارس فكر ّية متداخلة فيام بينها ،فهناك مدرستان عىل طريف نقيض هام :مدرسة السلفية الجهادية ومدرسة الال عنف ،وبينهام مدارس متن ّوعة تتقاطع معهام ،كالسلفية التقليد ّية واإلخوان املسلمون واملدارس الصوف ّية ..وت ّيار التد ّين الشعبي العام الذي يتداخل بدوره مع ما سبق ذكره من مدارس
...تتمة من الصفحة 9
وتيارات ..وال ّ شك أن من بني أصحاب الفكر النص املعتدل من ال ميارس االنتقائ ّية (يف قراءة ّ يتقصد هذه االنتقائ ّية عىل أقل والتاريخ) أو ال ّ تقدير .ومن بني املحسوبني عىل التشدّد الديني من ال يعاين تشنّجاً مطلقاً تجاه كل ما يصدر عن الغرب.. إذاً ال يوجد ت ّيار اعتدال بحدود واضحة ومجمع عليها بني من يصنّفون أنفسهم باملعتدلني. يخص جزئ ّية املوقف من الغرب لكنّني ،وفيام ّ تحديداً ،وجدت ّأن أصحاب االنتقائ ّية يف قراءة تاريخ الغرب ،والداعني إىل الرتكيز عىل الجوانب اإليجاب ّية يف هذا التاريخ ،ينسبون أنفسهم إىل ت ّيار االعتدال الديني الداعي إىل مواكبة العرص ونبذ التط ّرف وإعادة قراءة اإلسالم قراءة عرص ّية. واملالحظ أيضاً ّأن غالب ّية طروحات هذه الفئة تنضوي عىل جلد الذات وعدم الرتكيز عىل الجوانب اإليجاب ّية التي ميكن البناء عليها يف ثقافتنا ،وابتعادهم عن املفاهيم الدين ّية التي تتصادم مع بعض قيم الغرب والتقليل من أهم ّيتها ،واالنسياق مع وجهات النظر الغرب ّية وتص ّوراته للحياة والتاريخ ..ليس املقصود إذاً باالنتقائيني عموم املعتدلني ،بل فئة منهم، والهدف األول من هذه املقاربة هو الحث عىل إعادة التفكري ببعض الثغرات التي يعاين منها فكر االعتدال ،أو بعض النواحي التي مل يتم االشتغال عليها ثقاف ّياًّ ، مم يفسح املجال لنشوء هذه النظريات الشا ّذة من رحم االعتدال نفسه.. ُيفرتض تطبيق املنهج ّية ذاتها عىل الفكر السلفي لتحديد الثغرات التي يبني عليها فكر التط ّرف أساس ّياته النظرية ..فمنهج التطرف الفكري واحد يف كال الحالتني ،مع االختالف يف النتائج.. تجمعني بأصحاب الفكر املعتدل قرابة فكر ّية قامئة عىل الكثري من األسس املشرتكة ،بعكس
مقاالت
يعايش النزالء يف الفندق أجواء التخييم ،فقد ّ مل أبناء حلب من الرتف ّ الحاصل يف مناطقهم ويحتاجون لفنادق توقظهم كل صباح عىل أصوات القصف واألعرية النار ّية. وال نستبعد عىل سبيل الفكاهة أن تكون الفنادق يف حلب هي األوىل من نوعها يف العامل التي تقدّم خدمة جل ّية للنزالء وهي معايشة أفالم األكشن بشكل يومي. بتقدير أيّ متابع للواقع السوري وباألخص ما يجري يف حلب مؤخراً سريى تغي من الحال وال تؤ ّثر فيه سوى السخافة واضحة يف هذه القرارات التي ال ّ التأ ّكد من ّأن النظام يف وا ٍد يشارك مؤ ّيديه املشاريع الوهم ّية والواقع يف وا ٍد آخر ينقل التطورات امليدان ّية الحاصلة ّ كل يوم. ففي الوقت الذي تنشغل فيه حكومة األسد بإقرار املشاريع السياح ّية
أصحاب الخطابات املغلقة التي يكاد ال يجمعني معها يشء ،لذلك أجد نفيس معن ّياً بالحديث عن اختاليف مع كثري من املعتدلني حول املوقف من الغرب ،فبعض الطروحات ،كام سبق وذكرت، أصبحت أقرب إىل جعل القيمة الغرب ّية سقفاً أخالق ّياً ،ومعياراً يقاس عليه الجميل والقبيح، والسلبي واإليجايب ،والتقدّم والتقهقر ..وبعض قراءاتهم للنص القرآين وللتاريخ اإلسالمي باتت، من حيث ال يدري أصحابها ،جزءاً من تص ّورات الغرب عنّا ،وعن عاملنا.. تتح ّمل النخب واملرجع ّيات املعتدلة جزءاً كبرياً من املسؤول ّية يف هذه الحالة من الشطط وضياع الهو ّية الفكر ّية عند بعض الذين ينسبون أنفسهم إىل ت ّيار االعتدال ،رمبا بنفس درجة املسؤول ّية التي يتح ّملها مراجع السلف ّية العلم ّية والتقليد ّية تجاه الذين ذهبوا با ّتجاه السلف ّية الجهاد ّية املتشدّدة وخاص جداً لتجربة فهم ض ّيق ٍّ انطالقاً من ٍ السلف ..املسؤول ّية هنا تكمن يف عدم االنتباه إىل رضورة متابعة النامذج الفكر ّية الناشئة عن كل موسع مدرسة ،أو رضورة فتح نقاش مقاصدي ّ ومتجدّد مع أصحاب الطروحات الجديدة التي تنسب نفسها إىل كل مدرسةّ ، مم جعل كثرياً من األفكار تخرج عن الخطوط القرآن ّية الرئيس ّية التي يقوم عليها هذا الفكر.. ّإن ظهور األفكار والتص ّورات الغريبة هو نتيجة حتم ّية للتالقح ما بني األفكار العا ّمة لكل مدرسة فكر ّية مع الواقع ،وال ّ أشك ّ بأن مسؤول ّية التفاعل مع هذه التص ّورات ومواجهتها فكرياً تقع عىل عاتق النخب الفكر ّية لكل مدرسة ،وهو نوع من أشك أيضاً مواجهة التحديات الفكر ّية املعارصة ..وال ّ ّ بأن التقصري والسلب ّية يف التعاطي مع األمر سيأيت بعواقب غري إيجاب ّية ،ليس أخطرها أن ُتحسب التصورات الشا ّذة عىل األفكار األصل ّية واألصيلة ّ لكل مدرسة..
يتقدّم أبطال حلب ويسيطرون عىل مبنى البحوث العلم ّية وقبلها عىل حي الراشدين ليصبحوا يف حي جمعية الزهراء ،هذا الدليل القاطع عىل ّأن النظام مل يبق له ق ّوة عىل األرض لذا يشغل متابعيه بالقرارات الوهم ّية التي تعطيهم عىل األقل قدراً من االهتامم من قبل املؤيدين له. وليك نتأ ّكد أكرث من ن ّية حكومة النظام يف إعامر البلد نراها توافق عىل مشاريع استثامرية يف السويداء ،ففي بدايات الشهر املنرصم قام منتدى رابطة املحاربني القدماء بالسويداء بافتتاح مرشوع استثامري تصل كلفته إىل 180مليون ل.س وسيؤ ّمن خمسني فرصة عمل قد تنجي السويداء من كارثة البطالة! والله أعلم ماذا تخبئ أيضاً وزارة السياحة يف الفرتات القادمة فقد يكون لديها مرشوع لبناء املنتجعات السياح ّية لتناسب املقاتلني الوافدين من إيران ولبنان وقت راحتهم سيام ّأن إقامتهم تبدو طويلة األمد.
أوباما وشوايا الرقة عدي الزعبي
د .أوس المبارك
العدد - 53 - 2015 / 8 / 2
يف وقت تشهد فيه املجتمعات السورية تحوالت كبرية يف سياساتها وعالقاتها وتفاعلها فيام بينها ،وينخرط فيه السوريون ألول مرة يف شأنهم العام ،ويشكلون كت ًال وجهات سياسية ومنظامت مجتمع مدين ،ويعيدون تنظيم أنفسهم مبا يجدونه مالمئاً لهم، داخل سوريا وخارجها ،تندر الدراسات واألبحاث التي تستقيص تلك التحوالت والتجارب وتقوم بتحليلها ومقاربتها معرفياً. ُّ وجل تلك األبحاث القليلة يتم خارج سوريا .ولذلك أسباب ومربرات أهمها وطأة الحرب الدائرة التي تجعل أي عمل بحثي ومعريف تتم محاولة إنجازه يف الداخل محض ترف بني القصف والجوع واملوت املحيط ،والخوف من اعتبار مثل هكذا أعامل، ضمن الحرب ،لها أهداف استخباراتية ،سواء يف مناطق سيطرة النظام أو الخارجة عن سيطرته. ففي املناطق األخرية ،تشكل دراسة التشكيالت العسكرية املقاتلة ضد نظام األسد من حيث تكويناتها االجتامعية وعالقاتها السياسية وإيديولوجياتها وسريوراتها ،أخطر ما ميكن أن يتم من أبحاث من ناحية األمان الشخيص لفريق الباحثني .رغم أنها قد ال تكون أهم ما ميكن إنجازه .وتكاد جميع األبحاث املكتوبة حول الشق العسكري قد تم إنجازها عىل بعد ومعتمدة بشكل أسايس عىل ما يتم نرشه إعالمياً من وثائق أو بيانات أو ترصيحات أو أخبار .وتكاد تغيب األبعاد االجتامعية واملعلومات غري املنشورة عن تلك األبحاث. لكن ال يقترص الخطر والخوف عىل الشق العسكري فحسب ،فال ميكن إجراء بحوث تخص الجوانب املدنية والسياسية بسهولة. فالتوجس أوالً من أذرع النظام وثانياً من استخبارات الدول العظمى التي يكنُّ لها السكان العداء بعد أن أيقنوا أنها ال تهتم بإنهاء مأساتهم ،يطغى عىل أي تفهم لرضورة هكذا أبحاث من أجل السوريني أنفسهم .واملثري للسخرية من هذا الجانب أن تلك االستخبارات تعرف عن السوريني أكرث مام يعرفونه عن أنفسهم. وتقوم بإجراء الدراسات غري املعلنة عرب وسائل بحث وتجسس، مبارشة وغري مبارشة ،تجعلهم َيخلصون عرب أدواتهم الثقافية واملعرفية إىل تحليالت ونتائج ومقاربات يبنون عليها سياساتهم. مرة قال يل صديقي :يف وقت تنترش فيه مراكز األبحاث يف الدول الغربية لتدرس كل يشء ،لدرجة أنني ال أستغرب أن أجد مث ًال بحثاً عن طرائق زرع البطاطا يف أملانيا يف القرن السادس عرش، نخاف نحن من إحصاء عدد كباسات (آبار) املياه املحفورة حديثاً يف غوطة دمشق الرشقية وخريطة توزعها. إن األبحاث والدراسات هي حاجة للسوريني أوالً .ويجب أن يتم إنجاز الكثري منها بتواجد الباحثني ضمن أماكن تواجد موادها، وتدريب الناشطني املهتمني عىل القيام بها ،بالتعاون مع باحثني متخصصني يعيشون خارج سوريا إن لزم األمر .وتحضري أنفسهم إلقناع الفئات املستهدفة بأهمية ما يقومون به .ليك يكون لدى السوريني ما يعرفونه عن أنفسهم وما يساعدهم عىل إدارة شؤونهم وامتالكهم أمرهم.
11
مقاالت
تنترش بني املعارضني السوريني عادة االستهزاء بأوباما ،من نعته بالضعيف، إىل األخرق ،وحتى يف صفاقة ال حدود لها ،يش ّهرون بكونه أسود ،وأن ضعفه املفرتض نابع من لون برشته .سخر هؤالء املعارضون أنفسهم من األخبار القائلة ووجهوا أقذع الشتائم للزمن بأن الصومال ستفرض فيزة دخول عىل السورينيّ ، الذي جعل بائعي املوز يتطاولون علينا فيه .العنرصية املوجهة ضد السود يف القارة السمراء كانت وما زالت واضحة بشكل ال لبس فيه .يف دمشق ،حيث انترشت عادة استقدام الخادمات األجنبيات قبل الثورة ،أصبحت الطبقات العليا والوسطى متارس العنرصية مبقدار يكاد يقرتب من املقدار املوجود يف الخليج العريب ولبنان الشقيق. العنرصية تنترش أيضاً ضد أبناء الخليج العريب ،خصوصاً بني أتباع النظام .مفردة “عربان” التي يستخدمها النظام بشكل تحقريي تعكس حقداً عىل أبناء الخليج مجتمعني .يغ ّذي النظام النزعات االستعالئية املوجودة سلفاً عند السوريني، ويستثمر فيها لتربير موقفه املتصدي لغزو “الربابرة” القادمني من جهات األرض األربع للنيل من سوريا “املامنعة والصمود” .بعض مريدي التيار الثالث وهيئة التنسيق ،وحتى بعض املعارضني الراديكاليني لنظام األسد ،يستخدمون نفس املصطلحات التحقريية بحق شعوب الخليج العريب ،وبأسلوب ممتلئ بالعجرفة. أسوأ أنواع العنرصية ،بالطبع ،هي تلك التي تنترش بني السوريني أنفسهم .طبقات وأنواع مختلفة ومتعددة من العنرصية تتزاحم يف أذهان السوريني ويف مامرساتهم اليومية ،ابتدا ًء من عنجهية املدن الكربى كدمشق وحلب وحمص ،إىل عجرفة العائالت العريقة والعشائر الكبرية ،وانتها ًء باملفاضلة بني الطوائف املختلفة واملناطق املتعددة .ضحية العنرصية األكرب هم الشوايا .يف دمشق ،يستخدم لفظ “شاوي” بصيغة تحقريية تشري إىل كل من هو متخلف وفقري وقذر .أضف إىل كل ذلك ،مفهوم “البيئة الحاضنة” ،الذي يربر للنظام تدمري كافة املناطق التي تخرج عن سيطرته .يستطيع املرء ترجمة “البيئة الحاضنة” إىل األرياف السنية الفقرية. ومبا أن داعش استولت عىل الرقة ،أصبحت الرقة هي “البيئة الحاضنة” بامتياز. عادت العنرصية لالنتشار بقوة مع دخول القوات الكردية إىل تل أبيض وما حولها، وتبادل العرب واألكراد أبشع أنواع االتهامات العنرصية املقززة .ردّد بعض األكراد مقولة البيئة الحاضنة التي أرساها النظام .عاىن أهل الرقة من رضبات النظام وقوى التحالف الدويل واحتالل قوات داعش ملدينتهم ،ويف النهاية من تجاوزات القوات الكردية املتكررة .يف حني ردد بعض العرب التشنيع والتخوين بحق األكراد جميعاً. الكثري من السوريني ،ضحايا املأساة اإلنسانية األكرب يف القرن الحادي والعرشين، عنرصيون حتى النخاع .باإلضافة إىل ما سبق ،هناك أشكال أخرى من العنرصية: منها تلك التي تنترش بني السوريني يف الخليج ضد العامل اآلسيويني واألفارقة؛ والعنرصية ضد العرب واملسلمني واملهاجرين اآلخرين التي تنترش بني السوريني يف أوروبا ،يف محاولة لتمييز أنفسهم عن املهاجرين األفقر واألكرث تعرضاً لالضطهاد. الحرية تقتيض أن يتحرر اإلنسان من أوهام التفوق العرقي والديني والطائفي بكافة أشكاله .فقط عندما نرى يف كل فرد مثاالً إلنسانية مكتملة ،ال يتميز يف الجوهر اإلنساين سلباً أو إيجاباً عن أي فرد يف أي جامعة برشية أخرى ،سنتحرر من صور متخيلة عن عامل تتقاسمه جامعات برشية تتفاضل بالجوهر يف خصائص أخالقية ثابتة ونهائية. هذه هي الثورة التي مل تنترص بعد ،أيضاً.
الدراسات لنا!
جديدة عرطوز -فلسفة المجزرة 12
زياد ابراهيم
العدد - 53 - 2015 / 8 / 2
تقارير
ال زال ذلك اليوم ينسج يف املخيلة تفاصي ًال مرعبة ليحيك منها ذكرى يزيد أساها كلام مر عام عىل مجزرة من أبشع املجازر التي اقرتفها النظام السوري بحق االنسان واإلنسانية. يبدو تعبري “من ابشع املجازر” تعبريا ال منطقيا فهو يحيل اىل مقارنة بني مجزرة بشعة وأخرى جميلة أو أقل بشاعة ,لكنه يف الحقيقة تعبري يعتمد بوصف البشاعة عىل أضافة خسائر املجزرة املوصوفة اىل خسائر سابقة حدثت يف مجازر أخرى فعندما تخرس “ابراهيم” يف مجزرة فهي ستكون من أبشع املجازر ألنك سبق وأن خرست “جهاد” يف مجزرة سابقة والحال االن وكأنك خرست “إبراهيم وجهاد” يف مجزرة واحدة ,اذا فهي من أبشع املجازر ,ولذلك ميكن أن نوصف كل مجزرة حدثت يف األعوام السابقة بأنها أبشع من التي قبلها ألننا يف كل مجزرة يجب أن نعد كم “إبراهيم وجهاد وعامر ومحمود و ”...خرسنا قبل تلك املجزرة. نعم حدثت املجزرة يف األول من أب 2012يف تلك البلدة الثائرة الغافية عىل طريق القنيطرة واملجاورة لبلدات أعلنت موقفها بكل وضوح من ثورة السوريني منذ البداية (داريا – معضمية الشام – جديدة الفضل) وار ُتكبت فيها املجازر فيام بعد كتتمة لتجربة املجزرة التي حدثت يف جديدة عرطوز وراح ضحيتها أربعة وخمسون شهيدا بطرق مختلفة من القتل (سحل يف الطرقات – اعدام ميداين جامعي .)... واالن يف الذكرى السنوية الثالثة للمجزرة باتت فلسفة النظام واضحة يف استخدام هذا السالح املخيف مبكرا عىل هذه البلدة خاصة وأنه ميكننا اعتبار هذه املجزرة ملخصاً لفلسفته يف القضاء عىل الثورة يف كل سوريا إذا ما اعتربنا هذه البلدة الصغرية صورة مختزلة عن سوريا الكبرية. ليست مصادفة أن يرتكب النظام مجزرته يف األول من أب وهو التاريخ املعتمد لعيد “الجيش العريب السوري” ومراده من ذلك أن يقحم الجيش يف وجه الثوار ليفشل كل ما فعلوه من محاوالت الجتذاب عنارص الجيش وتحريضهم عىل االنشقاق الذي وصل يف تلك الفرتة اىل مرحلة مقلقة لرأس النظام بعدما بدأت تأثرياته تلقي بثقلها عىل عديد الجيش فكان ال بد من توجيه
رسالة حازمة اىل الثوار والجيش يف آن معاً. سبق املجزرة عمليات اغتيال واسعة من قبل عنارص الجيش الحر لعدد كبري من ضباط وعنارص االمن والشبيحة املتورطني بشكل مبارش يف دماء السوريني خاصة وان هذه البلدة ُتعد بنك أهداف كبري ألنها تأوي عدداً كبرياً جداً من ضباط النظام وعنارص أمنه وشبيحته حيث كانت اخر عملية اغتيال جرت يف البلدة قبل املجزرة بسبعة أيام
األمر الذي أزعج النظام الذي يعترب النشاط املدين واألهيل هو العدو األول له فكانت املجزرة هي أحد حلوله للقضاء عىل أي رشعية جمعية تتحقق بني الناس بعيدا عن سلطته. تنظيم املظاهرات يف البلدة ورفع الشعارات الوطنية وصل آنذاك اىل أكرب زخم له فكانت البلدة تسهر يف كل ليلة عىل هتافات أبنائها التي تردد صدى هتافات درعا وحمص وحامة
بحق ضابط برتبة عميد ,حدث ذلك بالقرب من مسجد أيب ذر الغفاري وبقيت جثة الضابط ومرافقيه لساعات يف الشارع دخلت بعدها قوات النظام اىل البلدة بدبابتني وعرشات العنارص من الجيش باإلضافة اىل حوامة بدأت بالتحليق يف سامء البلدة ثم قاموا بسحب جثة الضابط “املهم” بعد ان تركوا مرافقيه القتىل لساعات أخرى يف وسط الشارع تحت أنظار مؤيدي النظام. هذه الحادثة شكلت سببا مبارشاً الرتكاب املجزرة بحق أهايل البلدة بعد أن عجز النظام عن معرفة ومالحقة عنارص الجيش الحر الذين كبدوه الخسائر الفادحة ،فعمل عىل معاقبة حاضنتهم الشعبية كام فعل يف كل بقاع سوريا معربا عن عجزه برضب املدنيني بإيهام مؤيديه بأنه قىض عىل “االرهابيني”. قدمت البلدة أيضا قبل املجزرة منوذجا رائعا يف استقبال العائالت املهجرة من املناطق املدمرة وباألخص مدينة حمص حيث استقبل أهايل البلدة املئات من العائالت املهجرة واستضافوهم يف املنازل وقدموا لهم الخدمات بكافة أشكالها
إضافة اىل الخدمات الطبية التي كان يقدمها الكادر الطبي يف البلدة والذي وصلت خدماته اىل املناطق املجاورة لتأمني صمود الثوار يف وجه الة القمع .هذا الزخم الثوري كان ال بد للنظام أن يتلقفه بحذر شديد ومل يكن لديه سوى املجزرة
فهي الحل الوحيد برأيه للقضاء عىل كل من يقول ال.
عدا عن شهداء البلدة استشهد يف املجزرة أيضا شهداء من جديدة الفضل ومعضمية الشام وحمص وحامة ودرعا لتكون هذه البلدة وبحق صورة مصغرة عن سوريا النازفة التي امتزجت دماء أبناءها برتابها يف كل بقعة من بقاع جغرافيتها بعد ان امتزجت امالهم يف صناعة تاريخها. بني التاريخ والجغرافية ستبقى مجزرة جديدة عرطوز رمزا من رموز العزة لثورة الحرية والكرامة ورمزا من رموز العار للطاغية ونظامه .وحني يذكر السوريون اليوم تشييع شهدائهم يف هذه املجزرة فان تلك الوجوه الغاضبة وان مر عليها التاريخ الطويل ستعود اىل جغرافيتها لتبني الحلم فيها وت ّكرم كل قطرة دم سالت من شهيد عىل هذا الرتاب.
عن األقليات والتطييف والثورة علي العبد اهلل
العدد - 53 - 2015 / 8 / 2
مقاالت
ما فتئت قضية األقليات يف سوريا تثري جدالً واس ًعا بني القوى السياسية واالجتامعية يف ضوء الثورة الشعبية والتغيري القادم ،وهل سيكون يف صالح تعميق التعايش االجتامعي واالندماج الوطني أم سيكون بوابة ألزمات ورصاعات دينية ومذهبية وقومية ،وانعكاسه عىل هذه األقليات وعىل مستقبلها ،خاصة أن هناك من ينفخ يف الرماد ،كام يقال ،مثل جبهة السلطة االستبدادية التي تسعى إىل تضخيم الهواجس واملخاوف وتصب الزيت عىل النار بإثارة التوترات بني مكونات الشعب السوري عىل أمل التشكيك باملستقبل الذي تبرش به الثورة ،والتأثري عىل موقف األقليات والقوى التي تدعي حاميتها من الثورة ،أو جبهة بعض القوى الدولية التي تبحث عن موضع قدم يف سوريا ما بعد نظام األسد عرب بوابة حامية األقليات من األكرثية الصاعدة عىل خلفية الهواجس واملخاوف التي أطلقتها بعض الظواهر السلبية التي نبتت عىل سطح الثورة. ً تاريخا وأبعادًا مركبة واقع الحال أن للقضية ومتشابكة ومعقدة؛ فالعامل اإلسالمي الذي تكونت فيه الشخصية السورية كان وما زال محكو ًما بالثقافة اإلسالمية مبكوناتها الثالثة :العقيدة الدينية ،الفقه اإلسالمي ،التجربة التاريخية، ومع أن هذه املكونات تتطابق يف مرحلة وتتاميز وتتباين إىل حد التناقض يف أخرى ،فقد ظلت تتمتع لدى غالبية العرب املسلمني السنَّة بالقداسة باعتبارها اإلسالم ،إنها بالنسبة لهم ٌّ كل موحد ومتجانس ومتسق ،وهذا ك َّرسها فكرة مقياسا ثابتًا لسلوكهم حافزة الستجاباتهم وجعلها ً ورد فعلهم عىل األحداث واملتغريات ،أو بتعبري “مقياسا للعدالة واإلنسانية والحكم غراهام فولر ً الصالح ومحاربة الفساد” (الرشق األوسط/24/9 : .)2001 يف هذا الفضاء وتحت هذا السقف ُط ِرحت اجتهادات ،ونشأت مذاهب فقهية تحولت ،مع مرور الوقت ،إىل طوائف دينية ،طائفة كبرية، أهل السنّة والجامعة أو السنّة ،وطوائف أصغر، ليست متساوية يف الحجم :شيعة ،علويني ،دروز، إسامعيليني ....إلخ ،ترتب عىل مواقفها من بعضها، ومن األحداث ،قيام أحزاب سياسية ،باملعنى الذي أخذته الكلمة يف الحضارة اإلسالمية أي الوالء لشخص أو فكرة ،وانفجار رصاعات عنيفة ودامية، عمقت الخالفات الفقهية/الطائفية ،وكرست َّ
انقسامات أفقية وعمودية يف االجتامع اإلسالمي، كل هذا أفرز قراءات مختلفة ومتناقضة ألحداث التاريخ وتداعياتها :روايات ،وأحكام دينية وأخالقية ،مشاعر وعواطف متضاربة وأحقاد وعداوات ،بقيت سارية يف ثنايا التاريخ اإلسالمي، يضاف إليها يف كل جيل تفصيل جديد أو رواية جديدة مشوهة لحدث قديم .تراكامت متواترة بحيث غدا لدى كل منها رواية خاصة بها عن املذاهب والطوائف األخرى ُتشيطنها ،وتجعلها يف موقع الخارج عىل العقيدة ،وأس الفساد والسبب املبارش لكل املشكالت والرصاعات واألخطاء التي شهدها التاريخ اإلسالمي ،وأصبح كل مذهب شخصا اعتبار ًّيا منها أو طائفة أو جامعة صغرية ً معبا عن اإلسالم مع أنه نشأ بعد يرى يف ذاته ِّ ً وفاة الرسول (عليه الصالة والسالم) بعقود ،وأن التمذهب به ليس من أصول الدين أو العقيدة، ونال املذهب السنّي غلب ًة كونه ظل املذهب الرسمي لإلمرباطورية اإلسالمية يف الخالفتني األموية والعباسية وغدا األكرثية العددية ما جعله يعترب نفسه املمثل الرشعي لإلسالم ،واملذاهب/ الطوائف األخرى خوارج عليه مع أنها مل تخرج عىل أصول العقيدة اإلسالمية التي حددت بثالثة أسس :اإللوهية ،الرسالة ،امليعاد/يوم الحساب أو القيامة ،وان االختالفات األخرى اجتهادات قد تكون صحيحة أو خاطئة لكنها مرشوعة. مع انقطاع الفعل اإلسالمي يف التاريخ ،وجمود الحضارة اإلسالمية ،ورسوخ قدم التخلف واالنحطاط العقيل والثقايف والسيايس ،بانتصار الحنابلة واألشاعرة واملتصوفة وسيادة رؤاهام الفكرية والسلوكية ،وتآكل اإلنجازات املادية والفكرية ،وانكامش التطور الحرضي ،وعودة املجتمعات اإلسالمية إىل حالة من البداوة والرتيف، ناهيك عن الحروب الداخلية والخارجية وما نجم عنها من مظامل وخسائر وكوارث اجتامعية، وهزائم عسكرية ،وغياب مرشع سيايس إسالمي، انتقلت الخالفات إىل عمق االجتامع اإلسالمي، وترسبت املواجهات واملناكفات حتى بلغت القاع االجتامعي عرب تداول روايات تنطوي عىل اتهامات وتكفري وتخوين يتم تداولها تعكس حالة خصومة شديدة إن مل تكن عداوة ،وزاد يف تعقيد القضية تبني الخلفاء والسالطني ملواقف بعض الفقهاء املتزمتني واستخدام قوة السلطة يف البطش بأبناء املذاهب الصغرية ومالحقتهم وهذا دفعهم إىل
التكتل للدفاع والهرب إىل الجبال والصحارى البعيدة ،وقد ح ّولتهم املظامل واملالحقة والعزلة إىل كتل صامء متقوقعة تتلبس عقلية الحصار ،متسرتة ومتكتمة ومجهولة املواقف والطقوس ،وهذا غذى الرسديات املعادية بالروايات والتوهامت عن انحرافهم وجنوحهم وخروجهم عىل اإلسالم واإلفتاء باستتابتهم أو إقامة الحد عليهم ،وهذا غذى مظلوميتهم وزاد يف تقوقعهم وانعزالهم عن املجتمعات األخرى. مل تكن العالقة بني أبناء األديان املختلفة يف العامل اإلسالمي ،كام يف بقية دول العامل ،بأحسن حاالً من العالقة بني أبناء املذاهب والطوائف اإلسالمية فقد نيس أبناء هذه األديان األصل الساموي املشرتك ودخلوا يف حالة إنكار وتشكيك متبادلة، وتاهت تعاليم العقائد السمحة يف ثنايا اجتهادات الفقه اإلسالمي ،وتعاليم الكنائس ،واألحبار، وتالشت محددات ثابتة لتنظيم العالقة وضبط االختالف لصالح اعتبارات مصلحية ،وانخرط أتباع األديان الساموية يف رصاعات عقائدية وسياسية وحروب قاسية ومدمرة ترتب عليها عداء رصيح تارة ومضمر أخرى ،كرسه يف املرشق العريب ما نجم عن اختالل التوازن السكاين الذي نجم عن انتشار اإلسالم ودخول معظم سكانه فيه بعد أن كان يدين يف معظمه بالديانة املسيحية. مع ظهور الفكرة القومية وانتشارها ،ونشوء الدول الوطنية ،وبروز األفكار الحديثة :العلامنية واالشرتاكية وتبني أسس حديثة للدولة ،أسس دستورية وقانونية ،زادت األمور تعقيدًا، حيث تحمس املسيحيون للقومية كمدخل للمساواة مع األغلبية اإلسالمية ،وتحمس أبناء املذاهب اإلسالمية الصغرية للقومية ،والعلامنية، والدميقراطية ،واالشرتاكية ،والشيوعية كمدخل للتساوي يف الحقوق والواجبات مع األكرثية السنية ،بينام مل تنظر األكرثية السنية ،العتبارات ثقافية ومصلحية ،إىل هذه التحوالت والتطورات بعني الرضا فقد رأت يف تبنيها ًّ حطا من قدر اإلسالم ً وخفضا يف مكانته ،فاإلسالم يف نظرها متفوق ثقاف ًّيا وسياس ًّيا ،وهو أكرب من القوميات ،واالنتامء إليه يتجاوز األوطان ،فاألمة اإلسالمية واحدة موحدة، َّ تجل هذا املوقف بوضوح مبوقف السنة من قيام دولة لبنان الكبري ،ناهيك عن شكها الفكري واالجتامعي بـالعلامنية والدميقراطية والشيوعية ورفضها لها. يتبع يف العدد القادم...
13
في ذكرى مجازر شنكال اإليزيدية 14
3آب 2014 كاوا شيخي
العدد - 53 - 2015 /78 / 2
تقارير
متر يف آب الذكرى السنوية األوىل عىل مأساة األيزيديني الذين تعرضوا ألبشع أنواع حمالت القتل الجامعي عىل يد داعش يف شنكال العراق. ً من هم األزيديون وملاذا هم تحديدا الذين تعرضوا ملا تعرضوا له عىل يد تنظيم داعش اإلرهايب؟ ُيفاجأ كثري من الناس إذا سمع بوجود أناس يسكنون يف نفس الدولة التي يسكن فيها ويتكلمون لغة مختلفة عن لغته أو يؤمنون بدين مختلف وال يعزون ذلك إىل جهلهم أو قلة معلوماتهم إمنا يعتقدون بأن ما سمع به هو يشء جديد أو ملة جديدة ظهرت إىل الوجود يف اليوم الذي سمع به عن وجودها.. هذه السطور هي ما قبل املقدمة ملوضوعي حيث أريد هنا أن أع ّرف القارئ العريب الذي ال يعرف اإليزيديني أو يخلط بينهم وبني الشعوب األخرى بهذا الشعب أو هذه الطائفة الدينية. ككل شعوب األرض يظن اإليزيديون أنفسهم األقدم ،وككل األديان يظنون دينهم األقرب اىل مرضاة الله ولكن مييزهم عن باقي األقوام واألديان شيئان مهامن األول هو أن دينهم توحيدي أي يؤمن بخالق واحد هو الله ولكن ال نبي لهم ،وهذا ما يجعل اإليزيديني يعتقدون أنفسهم األقدم ،إذ يرجعون بعقيدتهم إىل أيب البرش آدم والذي دعا أبناءه إىل عبادة الله الواحد ،دون أن يكون من داع لنبي إذ أن آدم كان أقرب إنسان إىل الله ،واليشء الثاين هو عدم وجود كتاب للديانة اإليزيدية لهذا تعرضت هذه الديانة الفطرية لكثري من التحريف واقرتبت يف كثري من تفاصيلها من أديان املنطقة والجريان وتقاطعت معها يف أمور مختلفة ،ولكنها بقيت أقرب إىل الديانة اإلسالمية حتى اتهمها البعض بأنها نسخة محرفة من اإلسالم. بالرغم من الغموض الذي يكتنف هؤالء القوم إال أنه قد اتفق الباحثون عىل أن اليزيديني أو اإليزيديني هم مجموعة دينية تتمركز يف العراق وسور ّية .يعيش أغلبهم قرب املوصل ومنطقة جبال شنكال يف العراق ،وتعيش
مجموعات أصغر منهم يف تركيا ،أملانيا ،جورجيا وأرمينيا. ً كردي ذي جذور أصل إىل ا عرقي ينتمون ٍ ٍ هندو-أوروبية مع أنهم متأثرون بثقافات عربية ورسيانية ،فأزياؤهم الرجالية قريبة من الزي العريب أما أزياؤهم النسائية فتشبه الزي الرسياين. عىل الرغم من أن اإليزيديني يرون أن شعبهم ودينهم قد ُوجدا منذ وجود آدم وحواء عىل األرض إال أن باحثيهم يرون أن ديانتهم قد انبثقت عن الديانة البابلية القدمية يف بالد ما بني النهرين (ميزوبوتاميا) ويرى بعض الباحثني اإلسالميني وغريهم أن الديانة اإليزيدية هي ديانة منشقة ومنحرفة عن اإلسالم ،ويرى آخرون أن الديانة هي خليط من عدة ديانات قدمية مثل الزرادشتية واملانوية أو امتدادٌ للديانة امليرثائية.
الشخصيات األساسية يف الديانة اإليزيدية هي عدي بن مسافر والذي ُبني معبد اللش عىل قربه ،ويحج إليه اإليزيديون كل عام بطقوس مشابهة لطقوس الحج اإلسالمي وطاووس ملك والذي هو كبري املالئكة. الديانة اإليزيدية هي ديانة غري تبشريية ال ميكن الدخول فيها ّإل بالوالدة من والدين قسم املجتمع اإليزيدي إىل ثالث إيزيديني .و ُي ّ طبقات هي :الشيخ ،والبري ،واملريد ،ويح ّرم ٍ الزواج بني الطبقات. هل يعبد اليزديون الشيطان؟ يعتقد الكثريون أن اليزيديني يعبدون الشيطان وقد تسبب هذا االعتقاد بكراهية الجوار لهم بل وحتى تسبب يف قتلهم يف أماكن وأزمان مختلفة ولكن الحقيقة هي أن األمر ليس هكذا ،ولكن انغالق هذه الطائفة عىل نفسها وكتامن عقائدها وشعائرها سمح للعامة
..تتمة من الصفحة السابقة
15
العدد - 53 - 2015 / 8 / 2
تقارير
بإطالق الشائعات ونرشها حولهم. الشيطان نقطة خالف بني الديانات الساموية والديانة اإليزيدية؛ ففي معتقد اإليزيدية :عندما أمر الله املالئكة أن تسجد آلدم سجد الجميع إال واحد يدعونه (طاووس ملك) وهو مالك خلقه الله من نور وليس من نار كام خلق إبليس وب ّرر (طاووس ملك) موقفه هذا بأنه ال يستطيع السجود سوى لخالقه الذي هو الله عند ذلك مثن الله (طاووس ملك) عالياً ورفع شأنه وجعله رئيساً لجميع مالئكته. وبالتايل ال وجود ملالك ملعون من األصل ومن أساس عقيدتهم هو رفض السجود آلدم وما حدث ما هو إال دليل عىل وجود االختيار بني الخري والرش ويف هذا ميزة العقل. اإليزيديون هم موحدون يواجهون الشمس يف صلواتهم ويؤمنون بتناسخ األرواح وبسبعة مالئكة ،وتعترب عني زمزم من األماكن املقدسة لديهم .يصوم اليزيديون أربعني يوماً يف السنة بداي ًة من شهر كانون الثاين. حيث ال يستطيع األشخاص من الديانات األخرى االنتامء إىل الديانة اإليزيدية، يعدها العديد قومي ًة مستقلة وديان ًة ،يف حني يرى الكثري من اإليزيديني أنفسهم كرداً يف القومية ،وقسم ثالث من اإليزيديني يرون أنفسهم كعرب القومية كإيزيدية بعشيقهوبحزاين. تعرض اإليزيديون عرب التاريخ إىل 72حملة ألسباب دينية وعرقية، إباد ٍة ُشنت ضدهم ٍ تسببت هذه الحروب واملذابح بالويالت واملآيس لهذا الشعب املسكني كان آخرها استهدافهم من قبل القاعدة وداعش. القاعدة استهدفتهم يف 2007يف مجمعي سيبا شيخ خدر وتل عزير بصهاريج مفخخة قتلت أكرث من 500شخصاً وجرحت وأعاقت الكثريين. أما الهجوم األعنف واألكرث دموية كان يف 3أب من عام 2014حيث توجهت جحافل داعش بعد السيطرة عىل املوصل إىل منطقة شنكال وعاثوا فيها قت ًال وسبياً
وترويعاً للسكان املدنيني. أدّت سيطرة تنطيم داعش عىل مناطق شاسع ٍة من شامل العراق وسقوط مدينة سنجار اإليزيدية بيد املسلحني إىل قتل املئات وهجرة اآلالف منهم من مدنهم وقراهم فراراً من بطش أعدائهم. يف ليلة الثالث من آب ومع دخول داعش إىل شنكال (سنجار) أحرقت املزارات ورهبانها و ُقتل الرجال واألطفال ودفن الكثري منهم أحياء ،أما النساء والبنات فقد ُسب َ ني ووزعن عىل رجال داعش ،وما زالت األخبار تتوارد حول بيعهن يف مزادات داعش يف الرقة واملوصل! ويف الفرتة األخري انترشت وثيقة
داعشية كانت عبارة عن مسابقة لحفظ القرآن الكريم وكانت الجائزة فيها سبي ًة أيزيدية!! كانت املأساة أكرب من أن يحتملها عقل ،رواها الناجون الذين لجؤوا مبساعدة القوات الكردية إىل جبل شنكال. وبالرغم من هذا الواقع املرير لاليزديني يف هذه البقعة من األرض إال أنه -والحق يقال- فمشهود لأليزيديني بالصدق واألمانة واإلخالص رب العمل يف العمل لدرجة استدعت أن يفضل ّ املسيحي أو املسلم أن يعتمد عليهم اعتامداً كبرياً يف عمله ،ويأمتنهم عىل أمواله أكرث مام يفعل مع أبناء دينه أو طائفته ،فهم -وبإجامع من تعامل معهم -أناس يستحقون الثقة.