حرية كرامة مواطنة
العدد 55
مجلة مستقلة ،تعنى بشؤون الثورة السورية ،نصف شهرية ،تطبع وتوزع داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج
بركان الجبل ..هل يعود إلى القمقم؟
2015 / 9 / 6
الواقع الطبي في الغوطة الشرقية بين الحاجة الملحة وفوضى التنظيم (فلم بالبلم) ْ السورية التي أنقذت القارب بمن فيه ّ مخيم اليرموك.. اتفاق النظام وداعش والفصائل على حصار المخيم
مقاالت
في حياة السوريين وموتهم الثورةوفضاءاتها اللجوء من الوطن تحويل األلم إلى فرجة خطابالنظاموسيكولوجياجماهيره
بركان الجبل.. هل يعود إلى القمقم؟
2
ليلى الصفدي العدد - 55 - 2015 / 9 / 6
أدت التفجريات التي حدثت باألمس يف السويداء وأودت بحياة أكرث من ثالثني شهيداً كان من بينهم قادة شيوخ الكرامة الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس والشيخ فادي نعيم ،إىل موجة عارمة من االحتجاجات والتي تطورت إىل اشتباكات كان من نتائجها إخالء غالبية الفروع األمنية يف املدينة ،وتحطيم التمثال املركزي للقاتل حافظ األسد يف ساحة “السري” سابقاً ،والتي تحولت إىل “ساحة الكرامة” عقب األحداث. وكان موكب شيوخ الكرامة قد تعرض لتفجري بسيارة مفخخة أثناء مروره بطريق ظهر الجبل ،أعقبه تفجري آخر عىل باب املشفى الذي تم نقلهم إليه يف محاولة لإلجهاز عىل من تبقى منهم. ورغم الضبابية التي ال تزال تغلف األوضاع يف املحافظة إال ّأن ما ترسب حتى اآلن من معلومات رغم االنقطاع شبه التام لالتصاالت يشري إىل موقف جذري وعايل السقف ض ّد النظام األسدي ،وإىل حالة وعي عامة يبدو أنها لن تنخدع بعد اليوم بأكاذيب النظام الذي يتبجح بحامية األقليات ويحاول إلصاق التهمة بجهات إسالمية متطرفة بات يرى الكثريون أيضاً أن قس ًام منها ليس أكرث من أدوات بيديه يستغلها عند الحاجة. ويف هذا الصدد وجه بيان ُنسب إىل بريق الكرامة بقيادة نجل الشهيد أبو يوسف رأفت البلعوس االتهام املبارش “لزمرة وفيق نارص وعصابة األسد يف السويداء” ،كام “ح ّمل اللجنة األمنية مسؤولية كل ما جرى ويجري من اغتياالت وزج الجبل يف أتون هذه املواجهة الدموية” .وعىل هذا األساس أعلن البيان “جبل العرب منطقة محررة من عصابات األمن وزمرهم”. مل يتسنَ لنا حتى موعد إعداد هذا التقرير االتصال بالناشطني داخل املحافظة ألن النظام عمد إىل قطع تام لوسائل االتصال، إال أننا حاورنا عدداً من الناشطني من أبناء املحافظة واملتابعني
لتفاصيل ما يجري من الخارج ،وكان سؤالنا املركزي ضمن الهاجس العام يف هذه املرحلة :هل سيتمكن النظام من احتواء املوقف كعادته هناك؟ الكاتب والسيناريست حافظ قرقوط يعتقد أن األمور باتت خارج يد النظام متاماً ،وقال يف رد عىل سؤالنا“ :ال أعتقد أن النظام سيستطيع السيطرة عىل الوضع واألمور خرجت عنه ولن تعود للخلف بكل املقاييس” .كام طأمن إىل أن األمور ال تسري باتجاه الفوىض مؤكداً أن “الشباب باآلالف يسيطرون عىل األوضاع مبا فيها حامية املمتلكات العامة والخاصة”. أما الناشط واملدون السوري سامر املصفي فقد خ ّمن أن “النظام سيستميت لعودة
للنشر أو مراسلة فريق التحرير
تقارير
freedomraise@gmail.com
تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت www.freedomraise.net facebook.com/freeraise
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية ويف بعض مخيامت اللجوء رئيس التحرير :ليىل الصفدي هيئة تحرير نصار طلعنا عالحرية معاون رئيس التحرير :أسامة ّ
املياه ملجاريها ،وال بد أن يقدم أمثاناً باهظة لذلك ..أمثان أغىل من رأس وفيق نارص وإقالة املحافظ هذه املرة”. إال أنه لفت من جانب آخر أن “من سيحتوي املوقف هو التيار اآلخر، ما يسمى بـ (درع الوطن) ،والرصاع الحقيقي هو هنا وليس مع عنارص األمن والجيش فهؤالء هم الحلقة األضعف”. وأضاف“ :اآلن عصا النظام الغليظة هي طريق الشام ورواتب املوظفني ،وسوف يستثمر درع الوطن وحلفاؤه هذه العصا ملصلحتهم بهدف الوصول إىل الزعامة الكاملة بعد اختفاء البلعوس من الوجود. من هنا سيدخل النظام من هذا الثقب الضيق ..وصوالً لتبويس الشوارب و(ما
twitter.com/freedomraise
محررون أوس املبارك -أبو القاسم السوري
محرر القسم الكوردي مريال بريوردا
زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية رزان زيتونة -ناظم حامدي
العدد - 55 - 2015 / 9 / 6
إىل ارتفاع منسوب التحدّي واملواجهة” .ويضيف عامر معلقاً عىل النقلة األخرية“ :حادثة التفجري أنضجت جرأة املواجهة ونقلت االحتجاج اىل املستوى النوعي يف التعامل مع السلطة ورموزها (متثال ..مؤسسات أمنية ...الخ) .أعتقد أن السويداء األن أمام سيناريوهات صعبة :إ ّما أن يعاقبها النظام بشكل جامعي ،أو أن تقع تحت سطوة الفصائل التكفريية ،أو أن يتم تفجريها من الداخل بإذكاء نار الفتنة بني رشائح املجتمع (موايل /معارض /مشايخ كرامة /مشايخ عقل ،)...أخىش أن السيناريو الثالث هو األقرب ّإل إذا تالقت اإلرادات وارتقى الوعي الجمعي إىل مستوى التهديد ،عندها املجاين وتل ّمس مالمح العدو فقط ميكن تاليف الدم ّ املشرتك”.
تقارير
بدنا فتنة)“ .. وقدر املصفي أن النظام رمبا سينجح إىل حد ما ،إال أن كل االحتامالت مفتوحة بالنهاية .كام استبعد أي تصعيدات أخرى من جانب النظام كالقصف أو الرباميل وغريها فروسيا ستمنعه ألنها لن تخرس ورقة األقليات بسهولة. وحول السؤال ملاذا يرتكب النظام جرمية كهذه إن كانت ستؤدي لخسارته ورقة األقليات؟ أجاب املصفي“ :الحقيقة هذا سؤال مرشوع فع ًال ،لكن بالنظر لخارطة غباء النظام وتعاطيه الهمجي مع جميع امللفات ،وبالنظر الحتجاجات املقربني منه يف السويداء خالل األيام األربعة السابقة ومحاولته الفاشلة يف تطويقهم بقطع االتصاالت ،ومع تزايد التحشيد وارتفاع سقف املطالب من خالل استخدام العبارة املرعبة (الشعب يريد)، نجد أن النظام ال يزال يعتقد بأنه قادر عىل إرهاب الناس وإخضاعهم ،وقد قرر هذه املرة باعتقادي قطع رأس املشكلة باغتيال البلعوس وتصفية الساحة لجامعته من فريق مشيخة العقل ودرع الوطن والدفاع الوطني”. وختم املصفي حديثه بالقول“ :لكن رغم كل يشء األكيد بأن السويداء قبل 9/4 ليست هي السويداء بعد .”9/4 الناشط املغرتب سامي نوفل ،إبن قرية مردك ،رأى أن “األحداث تأيت ضمن سياق تصاعدي لرفض كل ما هو قائم وموجود حاليا يف سوريا ،وكل ما جلبه النظام من دمار للبلد وضغوط اقتصادية واجتامعية عىل السويداء” .وفيام بدا أنه نداء موجه لكافة السوريني املعارضني أضاف نوفل“ :النظام سيتمكن من تجيري الحدث اذا استمر التعامي اإلعالمي الخارجي عن حقيقة ما يحدث ،وإذا بقيت املعارضة السياسية آخذة خطأ تفسريياً ال وطنيا للحدث”. فيام استبعدت الناشطة فريوز دنون قدرة النظام عىل احتواء املوقف هذه املرة ،مضيفة أنه “قد يحدث عنف مضاعف وافتعال فتنه وفتح االبواب امام داعش ،اما اهايل الجبل فال اعتقد أنهم سينظرون للوراء بعد اليوم”.
الناشط واملعتقل السابق حمد الطويل رأى أنه “كان ال بد من قيام ابناء السويداء بتحريرها وانضاممهم اىل اخوانهم السوريني بثورتهم املجيدة ،إال ان املجتمع الدويل وقف حائ ًال وأخر قيامهم بذلك بهدف مساعدة بشار يف تدمري سوريا والسعي لتقسيمها ،وأول هذه الدول السعودية التي منعت عنا السالح وأججت الرصاع الطائفي من خالل أدواتها باملنطقة بعض الفصائل االسالمية وجبهة النرصة ،لكن بلغ السيل الزىب بأهلها وانتفضت لتسرتد كرامتها”. ويف تحليل قد يبدو غريباً أشار الطويل إىل أن النظام قد خطط لهذه املرحلة بعناية ،بدليل “ان بعض االفرع األمنية قد سلمت نفسها وهي خالية من االسلحة متاما ،وميكن للنظام ان يسلم املحافظة إلدارة مدنية مع وجود شكيل له كام يف الحسكة ،وهذه بداية للتقسيم حيث سيضع الدروز يف مواجهة املجتمع الدويل بحجة انهم هم من ارادوا ذلك يك يربر لنفسه دويلته القادمة”. الناشط سامر عامر أحد أعضاء تنسيقية شهبا أجمل األمر بقوله “أن السويداء ُتظ َلم حني تتم مخاطبتها ككتلة صلدة دون األخذ بعني اإلعتبار أ ّنها مجتمع يشبه باقي الطيف السوري ،فيها املوايل واملعارض واملشغول بأزماته التي خلقتها الحربّ .ربا تكون األزمة املعاشية الخانقة هي القاسم املشرتك بني رشائح هذا املجتمع والتي بدورها أنتجت املوقف االحتجاجي أمام مبنى املحافظة ،الشعور العام لدى األغلبية بأن السلطة استقالت من مهامها أمام احتياجات املواطن مام أدّى
3
44
(فلم بالبلم) ْ أنقذت القارب بمن فيه السورية التي ّ
رامي العاشق -ألمانيا
- 55 العدد 53 - 2015 // 89 // 26 2015
“صورة لر ّكاب البلم مع (أم محمد) بعد إنقاذهم من قبل خفر السواحل اليوناين“
تقارير لقاءات
ُ حديث األحيا ِء الذي ال ُيعرف ه َو البح ُر مج ّددًا، من راكبيه سوى القليل من املوىت ،يقول من نجا« : مل يكن هناك ٌ سبيل للعودةُ ، املوت خلفنا ،وأمامنا الحياة إن اجتزنا هذا املوت األزرق» .وتصبح السامء، وجو ُه السور ّيني يف املا ِء طاغي ًة عىل وج ِه ّ امللح أك َرث ص ًربا ،أجسادٌ تتك ّث ُف بقوارب ويصبح ُ ّ مطاط ّية تتّسع عاد ًة لعرشة أشخاص ،باتت شخصا هار ًبا إىل حيا ٍة أخرى ،الحياةُ تحمل ستّني ً ْ ليست الجنّة ،بل حيا ٌة طبيع ّية املنشود ُة هنا ليصبح ركوب تحافظ عىل كرامة اإلنسانِ وحر ّيته، َ أعظم الجها ِد وأطهره. البح ِر َ ّ توجه ركاب القارب إىل مكان قبل ركوب البح ِرّ ، (امله ِّرب) الذي وضعهم يف ما يشبه اإلسطبل حتى يكتمل العدد ،يقول أبو محمود الدوماين (اسم مستعار)« :امله ّرب تاجر برش ،ال يعنيه رجل أو امرأة ،طفل أو عجوز ،وجميع امله ّربني الذين قابلناهم كانوا من متعاطي املخ ّدرات أو السكارى» ،هناك كانت س ّيارة شاحنة لها صندوق مغلق ،تستعمل لنقل القاممة والزفتَ ، كان يف املجموعة ثالث نسا ٍء وأربعة أطفال ،وضعوا النّسا َء يف املقاعد األمام ّية والرجال يف الصندوق وأغلقوا الباب عليهم ،حوايل ً 52 رجل يف الصندوق ،كادوا أن يختنقوا ،السيارة مرسعة بشكل جنوين ،الرجال يف الخلف بدؤوا يش ّمون رائحة حريق ،بدأ الرضب عىل السيارة من الداخل ولكن السائق السكران مل
يستجب ،ا ّتصلوا بامله ّرب األصيل ليتّصل بالسائق ووعدهم أن يتصل به وير ّد عليهم ،بدأت أصوات غريبة من محرك السيارة ُتس َمع ،كام ّأن غيارات الرسعة مل تعد تعمل ،والرائحة تزداد ،فجأة وقفت الس ّيارة ،اتصلوا بامله ّرب الذي يتحدّث العربية، قال لهم إن (الدبرياج) احرتق وسريسلون س ّيارة بديلة ،الرجال يف الصندوق عىل وشك االختناق، وال يستطيعون التواصل مع النساء يف املقدّمة، ّ وكل الرضب عىل جدران الس ّيارة مل ُيج ِد نف ًعا، امله ّرب الذي يتواصلون معه عرب الهاتف يعدهم ّ بأن أحدًا ما سيأيت ليفتح الباب لهم ،ولكن أحدًا مل يأت ،فجأة سمعوا صوت رضبة قوية أشبه بحادث ِ َ س ّيارة ،يف هذه األثناء ،كان السائق املخمور قد نزل من الس ّيارة مرت ّن ًحا وأقفل أبواب الس ّيارة، وكان يتحدّث عىل الهاتف ليخرب رشكاءه بالعطل، فجأة رضبته س ّيارة وهربت فسقط ً أرضا ثم أتت س ّيارة أخرى وأخذته. أم محمد شاهدت الحادث ،واألبواب مقفلة عليهم ،والرجال بالخلف قاربوا عىل املوت اختنا ًقا ،انتبهت أم محمد أن قفل أحد األبواب ّ معطل ومربوط بحبل ،حاولت ف ّكه فلم تستطع، قصاصة أظافر ،فتحت امرأة أخرى كانت تحمل ّ س ّكينتها الصغرية وأعطتها ألم محمد التي قطعت الحبل ونزلت إىل الخلف ،رضبت عىل الصندوق وصاحت« :الشوفري هرب!» حاول أبو محمود أن
يهدّئها ويرشدها كيف ميكن أن تفتح صندوق الشاحنة ،الساعة الثانية فج ًرا ،وال يريدون لفت أنظار الرشطة لوجودهم ،فتحت الصندوق، رجال كادوا أن وأنقذت قرابة االثنني وخمسني ً ميوتوا اختنا ًقا ،نزلوا وتف ّرقوا يف (أزمري). يف اليوم التايل ،تج ّمعوا يف مكانٍ آخر ،ويف نقطة انطالقٍ أخرى تس ّمى (مرمريس) قضوا ليلة يف الغابة وق ّرروا االنطالق إىل جزيرة (تسيمي) اليونانية ،كانوا قد درسوا طبيعة الجزر اليونانية مسب ًقا ،فهناك جزر عسكر ّية متارس العنف عىل الالجئني إليها وتعتقلهم وهناك جزر مدن ّية تسهل اإلجراءات فيها أكرث. ُ ّ القارب ،فيتعطل املنفاخ، بنفخ يبدأ الرجال ِ ِ ألن االنتظا َر ٌ َ فيكملون نفخ ُه بأفواههم ّ ترف ال ينضج (البلم) ويوضع عليه املح ّرك، ميلكونه، ُ الظالم حذ َر خف ِر السواحل، يف د األجسا ف وتتك ّث ُ ِ ّ ال يش َء يدلهم عىل الض ّفة األخرى سوى البوصلة، أك ُرث من س ّت َ ني طال ًبا للحيا ِة بينهم الكثري من النسا ِء واألطفالِ يتكد َ ّسون هنا يف هذا (البلم) الذي أصبح بحجم أحالمهمّ ،إل أن هذه األحالم رسعان َ ما تبدّدت حني اكتشف خفر السواحل الرتيك أمرهم ،فالحقهم ،وأطلق األعرية النار ّية يف الهواء، القارب، وص ّور قائد القارب ،فخاف األخري وأوقف َ ُ وعم الرص ُاخ وصارت وانتهى صمت الليل والبح ِر ّ وتكب ،وبعضهم رفع النسا ُء تبيك ،والرجال تبيك ّ
في حياة السوريين وموتهم
العدد - 55 - 2015 / 9 / 6
من املعروف أن غريزة البقاء عند البرش تشتدُّ أثناء األزمات والحروب ،بحيث أن فقدان األمان والشعور بالتهديد الذي تخلقه الحرب ،يدفع الناس إىل التعلق أكرث بأهداب الحياة ،كردة فعل طبيعية وغريزية نابذة للموت املرت ِّقب ،وا ُملح ِّلق يف فضاءات املكان واملخيلة. لكن هذا الوضع “الطبيعي” يف عالقة اإلنسان بالحياة واملوت ،مل يعد يبدو طبيعياً إن نظرنا ومت َّعنا يف عالقة السوريني باملوت ،ورأينا “قصة موتهم ا ُملع َلن” يف سوريا وباقي أنحاء العامل .بل إن عالقة السوريني مع املوت؛ وبالتايل مع الحياة ،باتت تشكل، من وجهة نظرنا ،ظاهرة تستحقّ التوقف مطوالً ،باعتبارها ظاهر ًة فريد ًة وشا ّذ ًة عن الطبيعي ،وخارج النسق ا ُمل َف َّكر فيه برشياً حتى اليوم. رمبا تقاسم السوريون حاالت الهرب والهجرة واللجوء مع شعوب كثرية أخرى سبقتهم، شعوب عاشت ما عاشوه من قسوة الحرب وويالتها وظلمها ،لكن الفارق الذي نراه جديراً باملالحظة ،هو أن املغامرات الخطرة واملجازفات املجنونة التي يضع السوريون تنم عن رغبة بالحياة تدفع أصحابها أنفسهم بها ،والتي أودت بحياة اآلالف منهم ،ال ُّ الجتياز املخاطر بحثاً عن حياة كرمية ،بقدر ما تشري إىل استسهال صارخ بقيمتها ،ورفض قهري لرشوطها وأقدارها .هو استسهال ناتج عن اليأس وفقدان املعنى ،وناتج عن شعور السوريني أنهم وحيدون يف وحشتهم ،مثلام كانوا وحيدين يف ثورتهم ،ووحيدين يف مأساتهم ،ومخذولني يف عامل “معارص” ومتفرج ،عامل يتلذذ بسادية ممزوجة بالشفقة عىل موتهم العاري ،وعريهم أمام املوت. تبدو مجازفات السوريني أقرب للنزوع االنتحاري الجمعي الناتج عن الخذالن املديد، وأشبه مبقامرة الهارب إىل املوت وليس الهارب من املوت ،بعد أن تضاءلت الفوارق بني الحياة واملوت عندهم .فهم يخاطرون بكل ما لديهم ،يخاطرون بأطفالهم يف البحر ويف حملة حتى الرأس شعوراً بالذنب والحرص والتعب الغابات ،ميضون أشبه بالكائنات ا ُمل َّ من البرشية ومن وجودهم فيها ،ذنب تجاه من تركوهم خلفهم ،وذنب تجاه من ماتوا، وذنب تجاه أطفالهم ،وذنب تجاه الدول واملجتمعات التي ترفضهم ويهاجرون نحوها، يشعرون بثقلهم أينام ح ّلوا ،هم من اعتادوا أن يحملوا ثقل اآلخرين. هناك تنويعة عىل املوت السوري ال تكف عن توليد الدهشة ،وال يكف السوريون عن االندهاش من خ ّفة موتهم ذاته ،هم ال يصدقون املوت ،لكنهم غري ُممتنّني للحياة أيضاً ،فبعد املوت بالرصاص الطائش والصواريخ املوجهة ،الرباميل املتفجرة والكياموي الخانق ،وبعد املوت ذبحاً وسبياً واغتصاباً وصلباً وتقطيعاً ،ميوت السوريون غرقاً يف البحر ،ميوتون اختناقاً يف شاحنات األطعمة املث ّلجة ،ميوتون افرتاساً يف الغابات ،ميوتون قهراً وغضباً من موتهم ذاته ومن استخفافهم واحتقارهم لقاتلهم ،ميوتون كأن املوت مهنتهم الغابرة ،أو كأنهم للموت وللتاريخ تجربة عابرة. ليس أسوأ من املصائب ،سوى قسوة انعدام التعاطف وال معنى التضحيات ،ال بل الشعور بتحمل وزر املصيبة وبأنها ُمستَحقة عقاباً عىل طلب الحرية ،هذا ما يقوله العامل للسوريني .فالعامل يبدو متعاطفاً مع القاتل ال مع الضحية ،ال بل هو يعمم القتلة ويساوي بينهم يك يدين الجميع ويرتاح ،ويفصل ذاته و ُيخيل مسؤوليته عن تلك املقتلة .ذلك هو انقالب القيم الذي يجعل القيمة ذاتها عدماً ،والحياة ذاتها بال قيمة، فالسوري ُيدان ألنه ُيقتَل وألنه مل يستطع قتل القاتل ،يدان ألنه ثار ،وألنه هارب من الحرب والثورة ،لكن حقيقة اإلدانة تكمن يف أنها تعويض عن العبء األخالقي والقانوين والحقوقي الذي يجب أن يتحمله العامل معنا وتجاهنا ،ال ألننا من هذا العامل فقط ،بل ألنهم لن يستطيعوا رمينا “كالطفل مع غسيله الوسخ” دون أن تبتَّل أيديهم وأرواحهم مستقب ًال ،فرتك السوريني يتفتتون أمام موتهم وضياعهم يف عامل معومل ومغرق يف الصورة واملعلومة والخرب ،ليس مسألة متيض عىل الضمري اإلنساين ّ الكل كيشء عادي وبال أهمية، والسوريون لن يفنوا نتيجة هذه الحرب ،بل سيمضون يف محاكمة العامل عىل صمته تجاه املحرقة التي تعرضوا لها وحيدين وعراة ،وسيولِّدون الحياة من رماد ضحاياهم، ومن تجربتهم امل َّرة مع املوت والصمت.
مقاالت
أطفاله عال ًيا لرياهم خفر السواحل ويتو ّقف عن إطالق املوت ح َ ني يرا ُه جهرة ،يرمي النّار ،إ ّنه ذع ُر الهارب من ِ ِ ً بالقارب القارب لريبطه خفر السواحلِ حبل إىل قائد ِ ِ ليسحبوه ،ويلقوا القبض عىل من فيه ،فيمسك به، َ الحبل وتعيد فتهم (أم محمد) لرتمي ويبدأ بذلكّ ، تشغيل القارب وتنطلق! خرج مع عروسه يف أبو يزن عروس سوريّ من درعاَ ، البح ِر قاصدين أملانيا ،كانت أحالمهام مع ّلقة يف هذه َ الرحلة ،ح َ وصل إىل الشواطئ اليونان ّية ،تن ّفس ني الصعداء ومللم َ بعض حزنه ،وذاكرته التي امتألت بصو ِر الرجال الذين كانوا يبكون عندما اعرتضتهم سفينة خفر رجال ،والله لوالها ثم قال « :أم مح ّمد بـ ّ 100 السواحل ّ كنّا بالسجن برتكيا هأل ،الرجال صاروا يبكوا وهيي ما انهزّتال شعرة». (أم مح ّمد) مل تقد مرك ًبا يف حياتها ،كانت مرتبكةً كث ًريا ،أ ّية حرك ٍة غري مدروس ٍة قد تودي بحيا ِة األطفال والنّسا ِء والرجال الذين أصبحوا يف رعايتها ،أحدهم ميسك بالبوصلة ويرصخ ًّ دال عىل جهة اإلبحار ،وخف ُر السواحل مازال يطلق النّار يف الهواء( ،أم محمد) املرتبكة ال تستطيع السيطر َة عىل القارب ،باتت تقرتب من سفينة خفر السواحل َ ْ كادت أن دون أن تدرك، َ يرفعون أطفالهم بأيديهم ويرصخون ترتطم بها ،الرجال عىل خفر السواحل أن يك ّفوا عن إطالق النار ،ويصيحون « :أطفال ..أطفال» ،س ّيدتان بدأتا باإلقياء بشكل جنوين ألنهام كانتا تحمالن يف أحشائهام سور ّيني جدد ،خفر السواحل الرتيك َ أرتبك ً أيضا ،فالقارب ميكن أن يرتطم بالسفينة يف أية لحظة ،وقد يتسببون يف مقتل ّ كل من مرصة عىل عبور البحر وال عليه ،و(أم مح ّمد) مازالت ّ يقرتب من السفين ِة والسفينةُ القارب تريدُ أن تتو ّقف، ُ ُ تهرب منه ،حتّى استطاعت (أم محمد) السيطرة عىل ُ القارب واالبتعاد عن السفينة باتجاه الض ّفة األخرى، وسط ذهول الر ّكاب وصدّمتهم ،وذهول رجال خفر القارب بأعينهم وظ ّلوا يراقبونه السواحل الذين ش ّيعوا َ من بعيد بدهشة مل يعرفوها قبل ،من هذه املرأة؟ وماذا رأت يك تغامر هذه املغامرة ومتلك هذه الشجاعة غري املألوفة! عندما وصل الناجون إىل الجزيرة اليونان ّية ،قاموا بالغناء والرقص واالحتفال بعراضة شام ّية كبري ٍة تهتف ألم محمد التي أنقذتهم م ّرتني ،م ّرة من االختناق ،وم ّرة من االعتقال أو الغرق ،تقول أم مح ّمد« :مل أكن يف وعيي وربا لو عاد الزمن ملا فعلتها ،األطفال كانوا مطل ًقاّ ، السبب ّربا» شهد الطفلة الحمص ّية من مدينة القصري التي مل تتجاوز الخامسة عرش من عمرها ،ركضت إليها وق ّبلتها ،وقالت لها وهي تبيك« :هذه محاولتي ُ غرقت وأنقذوين ،وم ّرة أمسكني الخامسة ،ثالث م ّرات رجال الرشطة وهذه األخرية ،نجوت فيها بفضلك!». يف هذه األثناء ،مل يكن هناك وقت للكالم ،تركوا للبكاء فرصته ليقول كلمته.
ماهر مسعود
5
6
الواقع الطبي في الغوطة الشرقية بين الحاجة الملحة وفوضى التنظيم أبو القاسم السوري
العدد - 55 - 2015 / 9 / 6
يعترب القطاع الطبي أحد أهم القطاعات التي ترتبط بها حياة املجتمعات يف عرصنا ،ورمبا ال توجد مهنة يف العامل ارتبطت بالبعد اإلنساين أكرث من املهنة الطبية ،فاملمرضات يوصفن مبالئكة الرحمة ،واألطباء بأصحاب القلوب الكبرية ..ويف مراحل الحروب والكوارث يتحمل هذا القطاع أعباء مضاعفة ،ولعل الحالة السورية خري دليل عىل ذلك ،فالقطاع الطبي سجل نقاطاً مضيئة سيذكرها التاريخ وستبقى محفورة يف ذاكرة السويني ووجدانهم ،فكم من طبيب وممرض قدموا حياتهم يف سبيل مساعدة أهلهم السوريني، وكم من طبيب معتقل يف سجون النظام منذ سنني وتهمته الرئيسية الصدح بالحق. ويعترب القطاع الطبي يف الغوطة الرشقية أحد الحوامل الرئيسية للثورة يف قطاعها املدين ،وقد عاىن هذا القطاع الويالت نتيجة الظروف التي مرت بها الغوطة الرشقية ،لكن هذا القطاع شهد تخبطاً تنظي ًام ورشذمة انعكست عىل أرض الواقع بتعدد الجهات املسؤولة عن هذا القطاع ،باإلضافة إىل غياب االسرتاتيجية الطبية الواضحة مام ساهم يف خروج بعض الكوادر من الغوطة لتضيف عجزاً إضافياً عىل عمل هذا القطاع .ولذلك سنحاول هنا تسليط الضوء عىل بعض هذه النقاط من خالل لقاءات أجرتها طلعنا عالحرية مع عدد من العاملني يف هذا القطاع ضمن الغوطة الرشقية لنتعرف منهم عىل واقع قطاعهم وما له وما عليه خاصة يف إطاره التنظيمي واملهني. بداية تحدثنا مع د .صخر دمشقي رئيس شعبة صحة الغوطة الرشقية يف مديرية الصحة ومدير املكتب الطبي الثوري املوحد سابقاً:
دكتور أنت من أوائل األطباء الذين عملوا يفاملجال الطبي الثوري ،كيف تصف لنا املراحل التاريخية لهذه التجربة؟
تقارير
بداية الثورة دخلنا جميعا كمواطنني ضمن الحراك السلمي ومطالب الحرية ،ومع سقوط أول جريح بنريان قوات النظام كان لدينا نحن كأطباء التزام بإسعاف الجرحى خاصة أن النظام كان يقتحم املشايف ويعتقل الجرحى ويصفي بعضهم ،لذلك اضطررنا ملعالجتهم بنقاط ميدانية متحركة ،ومع تحرر الغوطة وما رافقه من قصف ممنهج ظهرت مبادرات من أطباء وناشطني لتنظيم العمل الطبي،
ويف حينها أسسنا املكتب الطبي الثوري املوحد يف الغوطة إلدارة األزمة الطبية وتنظيم العمل الطبي، بعدها بدأ يظهر الدعم الطبي وأصبح ينفذ مشاريع بشكل مبارش ووصلنا اليوم بعد ما يقارب 4سنوات ونصف لواقعنا الحايل حيث يوجد جهات طبية فاعلة عىل األرض وهناك محاوالت حثيثة لتنسيق العمل بينها ،وقد استطعنا أن نصل لدائرة تجمع الكل . أين تضع موقع شعبة الصحة عىل الخارطة هل ميكن القول إن غالبية عملية التنظيم الطبية يف الغوطة؟هي مببادرات داخلية دون وجود جهة مركزية ما دامت الحالة الثورية مستمرة فنحن بحاجة تقود عملية التنظيم؟ إىل جميع املبادرات القامئة ،وبعد انتصار الثورة نعم هذا ما حصل ،نحن كعاملني يف املجال الطبي سنعود جميعاً إىل حالة الدولة وحينها تكون كنا نعرف بعضنا فظهرت فكرة املكاتب الطبية وزارة الصحة هي الجهة الوحيدة الناظمة للقطاع الفرعية املحلية وتطورت للوصول ملكتب طبي الصحي. موحد ،بعدها دخلت منظومة األطباء األحرار -ما هي الخدمات التي قدمتها الشعبة؟ ومبادرات دعم إغايث وطبي وأنشئت مراكز شعبة الصحة استطاعت التعامل مع الجميع، خدمات ،واليوم لدينا مكتب طبي موحد واتحاد ونحن سنكون داع ًام للجميع ،وقد قمنا بتشغيل األطباء األحرار ومديرية الصحة والرساج للتنمية عدد من املشاريع التخصصية املركزية ،عىل والرعاية الصحية والسامز وغريها. سبيل املثال مراكز العمليات الجراحية املركزية يف هل تعتقد أن تنوع جهات الطبية بالغوطة دوما وهو مدعوم من الشعبة والغوطة بحاجته،أىت بنتائج جيدة أو سيئة؟ ومنظومة اإلسعاف مدعومة أيضاً ،باإلضافة إىل تصميم نتاج وليس الواقع التنوع الحايل هو نتاج دعم محروقات للمراكز والنقاط الطبية التي تقدم مسبق ،والغوطة كمنطقة محارصة تحتاج جميع خدمات مجانية ،باإلضافة إىل مرشوع مستودع هذه الجهات ألن هناك جهات تدعم منظامت مركزي ،وطبعاً طموحنا أكرب مام تحقق. مجتمع مدين وهناك جهات تدعم عن طريق -شعرت أن شعبة الصحة أقرب إىل الجهة الحكومة املؤقتة ووحدة تنسيق الدعم ونحن الداعمة ،هل هذا صحيح؟ باملحصلة عىل األرض نحتاج الستقطاب الجميع .نحن نتعامل عىل أساس املحافظة عىل ما هو قائم يوجد نقطتني متنعان وجود جهة مركزية ترسم ومساندته ،ويف وضعنا الحايل ال ميكن لجهة سلطوية سياسية طبية موحدة: مركزية تلبية حاجيات الغوطة يف ظل الحصار ،رمبا - 1عفوية الثورة يف الشامل السوري تستطيع مديريات الصحة أن - 2شح الكوادر وضعف مقومات العمل تأخذ دوراً أكرب بسبب العوامل الجغرافية هناك لذلك ال ميكن العبث مبا هو قائم وإمنا علينا فقط والحدود املفتوحة. تنظيمه. عندما ال يتلقى أحد املواطنني العنايةاألمر ،وعندما نجتمع نتكلم بقضايا تقنية مهنية، ولكل رأيه الخاص بالشأن العام والسياسية ،وهذه ظاهرة صحية .فإذا استطعنا تنسيق التناقضات فهذا أمر إيجايب ،وأنا أخىش ما أخشاه أن يتحول العمل ضمن املؤسسات الثورية القامئة إىل عمل بحد ذاته دون البعد الثوري ،وهذا ال يشمل املجال الطبي فقط.
يك ال تكون الصورة وردية أنت تعلم أنه ال املطلوبة من أحد املراكز هل يستطيع أن يلجأيوجد دعم دون وجود أجندة سياسية ،أال لجهة معينة للشكوى؟ تعتقد أن تعدد الدعم سريافقه تعدد أجندات املواطنون عىل مشاربهم املختلفة يلجؤون لجهات سياسية وسينعكس ذلك عىل العمل الطبي؟ مختلفة يف هذا األمر ،منهم من يلجأ للقضاء أو بالكالم عن العمل الطبي املهني فهو خارج للشعبة أو للمكتب الطبي املوحد .نحن ما زلنا يف األجندات ،ويوجد وعي طبي بذلك ،ولكن طور تنظيم اإلدارة املدنية مل نستكملها بعد. باملحصلة كل من يعملون هم برش والجانب -يف حال حدوث خطأ طبي ،مع علمنا أن الطبي مثله مثل باقي القطاعات يوجد فيه هذا نسبة ال يستهان بها من القطاع الطبي هم غري
7
متخصصني ،هل يوجد جهة رقابية عىل ذلك؟
املرجعية يف ذلك هي للقضاء ،والقضاء يستأنس برأي طبي تخصيص ،نحن ال نستطيع االستغناء عن الكوادر الحالية حتى لو كانوا غري تخصصني، قبل أيام كنا مبعهد املعايل وهو معهد يرعاه األطباء األحرار وستتخرج أول دفعة باختصاص التمريض.
ملاذا ال يتم العمل عىل استقدام أطباء منالشامل السوري؟ هذا السؤال أساسه أخالقي ،يوجد كثريين من أبناء الغوطة ضمن القطاع الطبي هم خارج الغوطة، ونسبة كبرية يف دمشق ،وعندما يأخذ الطبيب قراراً بالعمل يف املناطق الثائرة فهو قرار شخيص، وال أعتقد أنه بعد هذه املدة هناك من مل يحسم قراره يف مكان العمل الذي يريده.
ويف حديث مع أحد األطباء يف الغوطة والذي فضل عدم ذكر اسمه تطرقنا ملوضوع الرواتب: العديد من املواطنني يف الشارع يقولون بأن املجال الطبي يف الغوطة هو عبارة عن سوق عمل برواتب عالية ما رأيك يف هذا األمر؟ هذا الكالم فيه جانب كبري من الصحة ،بداية العمل كان الدافع تطوعي وثوري ولكن بعد تدفق أموال الداعمني وظروف الحصار أصبح ذلك حافزاً لكثريين للعمل ضمن القطاع الطبي الثوري، وأصبح األطباء من العينة التي تتقاىض رواتب جيدة ومقبولة ضمن املجتمع املحارص.
ال ميكن أن أعطيك أرقاماً ..كل جهة لها طريقتها، ولكن تصل بعض الرواتب الشهرية إىل ألفي دوالر أو رمبا أكرث ،وأنا أمتنى أن يكون هناك تعرفة عادلة وموحدة لجميع األطباء وفق ساعات العمل.
املوضوع املستغرب أن هذه الرواتب العاليةفقط هي مخصصة لألطباء حرصاً بينام باقي الكادر الطبي ال تتجاوز رواتبهم 100دوالر شهرياً فام تعليقك عىل ذلك؟ هذه مفارقة كبرية ال ميكن القبول بها ،هناك تفاوت كبري يف األجور ما بني األطباء أنفسهم حسب جهة الدعم ،وتفاوت كبري بني طبقة األطباء وطبقة التمريض.
-ما هو سبب هذا الفرق الكبري يف األجور؟
السبب من جهة األطراف الداعمة ومن جهة ميكن اعتبارها سلوكيات خاطئة ،وأصحاب القرار حقيقة هم األطباء مبؤسساتهم املختلفة ،والحل هو وجود تعرفة تشمل الجميع وتكون موحدة.
سمعنا عن موضوع استنزاف الكادر الطبييف الغوطة وخروج العديد من كوادره لخارج الغوطة هل هذا األمر صحيح؟ هذا صحيح ،بعض الكوادر خرجت نهائياً من الغوطة والبعض بدأ يلجأ إىل املناطق املهادنة املجاورة حيث الوضع املعايش أفضل ،وهو أمر قد يؤدي إىل الشلل التام للقطاع الطبي.
بعض هذا الكالم صحيح وأنا واحد من األطباء الذين ميتعضون من هذه الظاهرة ،ولكن يف النهاية األطباء هم برش ،فمثلام تجد شخصاً قنوعاً تجد شخصاً طامعاً ،ولنكن رصيحني بعض الجهات الداعمة أغدقت بدعمها عىل األطباء برواتب عالية.
-هل ميكن أن تعطيني ملحة عن هذه الرواتب؟
قد يكون التعب واإلرهاق منذ 4سنوات أحد األسباب ،أو قد يكون الشعور بعدم األمن سبباً آخر ،باإلضافة إىل الظروف اإلنسانية لبعض األطباء وخاصة لبعدهم عن عائالتهم مدة طويلة جدا.
أال تعتقد أن الجهات الداعمة ساهمتبتدمري الروح التطوعية يف القطاع الطبي؟
نعم لعبت دوراً سلبياً جداً؛ أيام الفقر والعوز
تقارير
دكتور أنت تتكلم عن رواتب مقبولة ولكنهناك معلومات بأن رواتب بعض األطباء قد ً تصل إىل آالف الدوالرات شهرياً ،فهل هكذا -أليس غريبا أنه طاملا الرواتب عالية جدا فلامذا يخرج األطباء إىل خارج الغوطة؟ رواتب تعترب مقبولة ضمن الغوطة؟
كان الجميع موحدين وعندما دخل الدعم تفرقنا وأمتنى أن نعود إىل الوضع املايض. وبالعودة ملوضوع املمرضني والظلم الذي يلحق بهم التقينا زينب املمرضة العاملة يف أحد املراكز الطبية لتقول: “شو بدي احيك ألحيك ..لدينا يف املركز أكرث من شخص ال يعمل وراتبه أكرث من الذي يعمل! والسبب يف ذلك قربه من مدير املركز .ال يوجد عدل بالرواتب وخاصة العامالت واملمرضات وهناك إهانات أحيانا يف العمل .الدوام اليومي أكرث من 8ساعات والراتب ال يتجاوز 100دوالر بينام الدكتور نسمع أنه يصل إىل 1000دوالر. مساعد الجراح ال يتقاىض إال جزءاً بسيطاً مقارنة بالطبيب رغم أنه هو الذي ينجز أغلب العمل. عندما يكون هناك مندوبون من الجهات الداعمة ترى إدارة املركز تقوم بتقديم الخدمات للمرىض عىل أعىل مستوى بينام يف باقي األيام قد يغيب العديد من الخدمات. بعض األطباء يذهبون برحالت استجامم إىل املناطق املهادنة بينام يكون هناك حاجة ملحة له ضمن الغوطة!”. لعل الكثري يجب أن يقال ،فهناك الكثري من النقاط اإليجابية يف املجال الطبي أهمها التضحيات الكبرية للعاملني يف هذا املجال واندفاعهم لخدمة املواطنني املحارصين يف الغوطة ،وخاصة أن ظروف الحرب املدمرة والحصار قد جعلت القيام بالعمل الطبي وفق املستوى املطلوب أمراً شديد الصعوبة ،ولكن ذلك ال مينعنا من القول إن هناك عديداً من النقاط التي ميكن استشفافها من خالل املقابالت السابقة تؤرش إىل رضورة ملحة للعمل عىل إصالحها ،وقد يكون املدخل الرئييس يف ذلك هو من خالل تبني اسرتاتيجية تنظيمية واضحة لهذا القطاع وفق معايري عادلة وموحدة للجميع.
2015 / 9 / 6
عدد الكوادر املتوفرة أقل بكثري من املعايري الطبيعية يف أي مجتمع .وهناك نقص يف الكوادر املتخصصة ،ويوجد حالة عجز يف بعض التخصصات املهمة كالجراحة العصبية وال أحد ميلك ح ًال لذلك.
الدكتور صخر يف غرفة العمليات
العدد - 55 -
هل يوجد إحصائية يف شعبة الصحة عنعدد األطباء التخصصني بالغوطة ،وما هو معدل السكان لكل طبيب؟
8
مخيم اليرموك.. اتفاق النظام وداعش والفصائل على حصار المخيم
عمر العبد اهلل
العدد - 55 - 2015 / 9 / 6
تقارير
مخيم الريموك مل يعد مقرا للتنظيامت الفلسطينية السياسية واملسلحة عىل حد سواء ،بل صار مقراً لتنظيامت متطرفة كداعش وغريها تسعى للسيطرة عىل جنوب دمشق، ومع ازدياد عدد هذه التنظيامت وازدياد حصار قوات النظام السوري للمخيم تزداد معاناة الفلسطينيني املتمسكني بالبقاء داخل املخيم. يقول نضال وهو عامل يف مطعم يف مخيم الريموك ويبلغ من العمر 21عاما “ :مل أكن اتخيل يوما أن أعيش يف حصار ،كنا نسمع دامئا عن حصار بريوت وحرب املخيامت، لكن أن أعيش األمر فهو يشء مختلف ،نعاين هنا من انعدام كل يشء ،ال طعام وال رشاب وال أدوية” .ويضيف نضال أن الحياة يف مخيم الريموك أصبحت أشبه باملوت البطيء “ ننتظر املوت ،جوعاً أو ذبحاً أو برباميل النظام ،مل تعد طريقة املوت مهمة بالنسبة لسكان املخيم، فاملوت قادم قادم ،ال ميكننا منعه ،كل الطرق هنا تؤدي إىل املوت ،إن مل تحاول الحصول عىل الطعام ستموت جوعاً ،وإن حاولت االقرتاب من أطراف املخيم لتحصل عىل بعض العشب للطعام ستموت برصاصة قناص ،وإن حاول فصيل ما أن يدخل إىل الريموك ستبدأ حمالت الرباميل والصواريخ ،لذلك ننتظر املوت هنا ،لن نغادر حتى منوت أيضا يف مكان آخر”. من جانبها تقول أم أحمد 28عاما ،وهي شقيقة نضال وتعيش معه يف ذات املنزل ”:قدرنا كفلسطينيني أن نعاين من النزوح واملوت بشكل دائم ،ال أدري ملاذا يالحقنا املوت يف كل مكان، الجميع يريد قتلنا ،كثري من الفلسطينيني كان يعتقد أن نظام األسد يدافع عن الفلسطينيني، وأنا منهم حقيقة ،لكن انظر إىل النتيجة ،حصار كامل عىل املخيم ،حتى الحصول عىل بعض العشب أصبح ممنوعاً بالنسبة لنا؛ من طرف منطقة حجرية جنوباً هناك بعض العشب لكن هناك قناصني عملهم منعنا من الوصول إىل ذلك العشب ،داعش من طرف آخر ،إن حاولت الهروب خارج املخيم سيقطعون رأسك ،ألنك تهرب من الجهاد حسب زعمهم.. هل املوت جوعاً جهاد؟” .تقول أم أحمد إن عدد عنارص داعش يف املخيم ليس كبريا لكنهم يسيطرون عىل مناطق رئيسية يف املخيم وعىل بعض املخارج منه ،لذلك فإن أي محاولة للفرار ستنتهي باملوت “ ليس عنارص داعش وحدهم من مينعون املغادرة ،قوات حركة فتح
االنتفاضة التابعة للنظام السوري وجامعة أحمد جربيل (الجبهة الشعبية – القيادة العامة) أسوأ من داعش ،ال ميكنك حتى االقرتاب من مناطق سيطرتهم ،ستقتل مبارشة”. مل تستطع األمم املتحدة وال وكالة غوث الالجئني (أونروا) من إدخال مساعدات إنسانية للمخيم املحارص منذ ما يقارب العام ،دخلت املساعدات مرة أو مرتني حسب قول حازم لكنها مل تكن تكفي أحداً ،يقول حازم وهو طالب جامعي يف الـ 20 منتسب لحركة الجهاد اإلسالمي“ :كل ما تحصل عليه يف املخيم هو الجوع واإلهانة واملوت ،ال األمم املتحدة وال الوكالة وال السلطة استطاعت أن تفعل شيئا لنا ،ماذا قدم لنا محمود عباس؟ ملاذا مل يحاول أن يفاوض صديقه األسد بخصوص املخيم؟ ألسنا فلسطينيني كباقي الفلسطينيني؟؟ ملاذا يتم تجاهلنا بالكامل؟ هذه املرة األوىل يف حيايت التي أفضل فيها “إرسائيل”“ ،إرسائيل” تفرض حصاراً عىل غزة لكنها ال متنع دخول الطعام والرشاب والدواء ،ال متنع حتى دخول مواد البناء ،األرسى لدى “إرسائيل” يخرجون بصحة جيدة وعزمية عالية لكن السجني يف سوريا رمبا ال يخرج من السجن”. يضيف حازم أن األمراض التي انترشت يف املخيم انقرضت من العامل منذ سنوات طويلة “ :كولريا ومالريا ،هل نحن يف إفريقيا؟! واألسوأ هو الطاعون، يف أي قرن نعيش حتى نصاب بالطاعون؟! ال أدري كيف سينتهي حال هذا املخيم ،لكني أصبحت متيقناً أننا لن نخرج منه أحياء ،مخيم الريموك الذي كان يضج بالحياة أصبح مرتعاً للموت املتنقل ،أمي
دامئا تقول إن املوت مل ميل منا بعد ويبدو أنها عىل حق”. مل يعد سكان الريموك قادرين عىل التحمل، فاألمراض التي انترشت يف املخيم واملجاعة التي تسيطر عىل سكان املخيم بلغت درجات غري إنسانية ،يقول الدكتور عامر 42عاما ،وهو طبيب يف مشفى حالوة يف املخيم “ :مل أر يف حيايت شيئاً كهذا ،ال أعلم كيف ميكن إلنسان أن يتناول يومياً بضع رشات من الفلفل األسود كطعام ليوم كامل، سكان املخيم اليوم هم عبارة عن أشباح ال أكرث ،لو نظرت اىل أجسامهم ووجوههم سرتى املوت يسكن فيها وال يغادرها ،سواء األطفال أو البالغني ،يوم أمس زارتني سيدة مع رضيع مصاب بأمل شديد يف البطن ألنها أرضعته ملح وفلفل أسود مع ماء وليس حليب! الحليب مادة نادرة جداً ،املخيم ميوت بكل أشكال املوت البطيء والرسيع ،واألحياء املجاورة املؤيدة للنظام متتلك كل ما تحتاجه ،لكن النظام والتنظيامت املتطرفة والفصائل املؤيدة للنظام والسلطة الفلسطينية اتفقت عىل حصار املخيم، اتفقت عىل موت الفلسطينيني جوعاً وعطشاً ورعباً وذبحاً حتى يف دول الشتات ،حتى لو أردنا الفرار فال مكان نهرب إليه ،هذه هي حالنا :املوت من كل الجهات”.
مل يعد شارعا لوبية والثالثني يف مخيم الريموك شارعا الحياة التي ال تنتهي ،فالشارعان اللذان اعتاد السكان صخبهام وضجيج أسواقهام ،أصبحا اليوم عبارة عن ركام ودمار وجوع ،مل تعد سينام النجوم يف مخيم الريموك صالة لحضور األفالم ،بل صارت رعباً ورؤوساً مقطوعة!
العرب والكرد مصير مشترك
9 دحام السطام
العدد - 55 - 2015 / 9 / 6
مقاالت القسم الكوردي
رغم ّأن األغلبية الكردية تتقن اللغة العربية، فث ّمة رشيحة واسعة من العرب القاطنني يف املناطق الكردية ،يتحدثون اللغة الكردية بطالقة بفعل التجاور والتزاوج والعالقات االجتامعية واالقتصادية. ولعل حال التوجس والتباعد التي سادت بني الطرفني ،إن كانت سياسياً أو ثقافياً لعقود ُبع ْيد استقالل سوريا ،هي نتاج فرض منوذج الدولة املركزية القامعة للتعدد والرافضة االقرار بالوجود التاريخي الجغرايف للكرد ،وخاص ًة بعد مجيء األنظمة العسكرية القوموية إىل الحكم، وبالتايل قامت هذه األنظمة باغتصاب السلطة ومقدرات البالد، وأكدت الرؤى العنرصية حيال الكرد ،ورسعان ما ألبست لبوساً ثقافوياً ،وأخذت تطبق سياسات امحاء وتشويه ثقاف ٌيني بحق الشعب الكردي عرب حظر لغته وثقافته وتسفيههام. فالرشخ الحاصل عىل مختلف الصعد يف العالقة العربية -الكردية بفعل املامرسات البعثية القومية حيال الشعب الكردي ،تعريباً ،وتبعيثاً، وصهراً قومياً آن اآلوان لرتميمه وإعادة بناء التواصل والتالقح الثقافيني كمدخل لتكريس أرضية التعايش والتسامح والتكامل أكرث فأكرث بني العرب والكرد. وهنا ،وبعد ميض اكرث من اربع سنوات ونصف عىل الحراك يف سورية فأن املستوى الثقايف يف العالقة العربية -الكردية بقي مهم ًال وضامراً رغم رضورته وأهميته لتمتني البنية التحتية للتشارك العريب -الكردي يف سوريا املستقبل. هذا البلد الذي مل يشهد يوماً اقتتاالً عربياً كردياً بالرغم من أالعيب الساسة والراديكاليني ومحاوالتهم البائسة. إن تفعيل املنجزات واملشرتكات الثقافية بني الشعبني يبقى االستثامر األمىض يف تكريس تفاهمهام وتفهمها لآلخر ،وال س ّيام ّأن اإليغال البعثي والقوموي العرويب والتطرف واإلرهاب الذي يحاول أبلسة الكرد وتصويرهم عدواً وخطراً عىل العرب انعكس ،لألسف ،حتى عىل الوسط الثقايف العريب يف سوريا وخارجها، كام انعكس بدوره ،وإىل ح ّد كبري ،عىل البنى
القاعدية الشعبية التي تأثرت بطبيعة الحال بالخطاب الثقايف والسيايس السائد املعادي لكل ما هو كردي (أنظر املوقف الثقايف وحتى الشعبي العريب العام خارج سوريا من مجزرة كوباين _عني عرب مث ًال) وبنا ًء عليه ّ فإن الرشوع يف تكريس مناخات انفتاح وتبادل ثقافية صحية بني العرب والكرد يف سوريا خاصة ،وتالياً يف املحيط العريب ّ ككل بات مهمة عاجلة ال تحتمل التسويف .لذا عملت ورشعت بعض منظامت العمل املدين التي عملت يف بناء السالم والتشاركية والعيش املشرتك يف محاولة ترميم هذه العالقات ،لكنها مع األسف مل تلق صدى إيجابياً تفاعلياً كبرياً ،وذلك للرتاكامت الكبرية من الظلم واالضطهاد ،ناهيك عن طفو عىل السطح للتنظيامت املتطرفة االرهابية والخطاب القومي العدمي .وعملت ايضا القوى العسكرية عىل تعميق التصدعات يف املجتمع السوري خالل األربع سنوات املاضية .لذا أجربت الناس عىل أدلجة الهوية فصاروا عدوانيني بالفطرة. إن إيجاد رؤية اسرتاتيجية لتوطيد التعايش والتكامل بني العرب والكرد تدخل من بوابة الثقافة نحو بناء دولة تشاركية ــــ دولة املواطنة والقانون، فبعد عقود من االضطهاد والصهر القومي املتبعة بحق الكرد تبدو املهمة ثقيلة وصعبة عىل املثقفني السوريني يف استقطاب الثقافات الوطنية املتعددة وخصوصاً الكردية ،وإعادتها إىل دائرة التفاعل مع الثقافة الوطنية السورية العامة لتؤدي دورها للنهوض بسوريا. ومن املعروف ّأن الثقافة الكردية هي التي س ّهلت التواصل وااللتقاء بني حاميل الثقافتني الكردية والعربية ،وهنا تظهر أهمية دور املؤسسات والنخب الثقافية واإلعالمية العربية يف تسليط الضوء عىل هذه الحقيقة وأداء دورها املفرتض لكرس الحاجز النفيس ،الذي أوجده اإلستبداد مبامرساته ،وابتلع طعمه املجتمع والناس ،هذه املامرسات خلقت يف العقلية الجمعية الكردية توجساً ،يك ال نقول قطيعة ،من كل ما هو عريب وخلقت يف املقابل يف العقلية الجمعية العربية توجساً واضطراباً ،ما أبعد الثقافة الكردية عن نظريتها العربية ،وق ّلص دورها وحضورها التفاعيل.
الحقيقة أن الثقافة الكردية قامئة عىل التسامح وعدم التعصب والبعد عن روحية االنتقام والنزعات الثأرية ،مام م ّثل عالمات بارزة يف العقل الثقايف الكردي ،فض ًال عن متثل قيم العيش املشرتك وقبول اآلخر وتفهمه ،أيضاً الثقافة العربية يف سورية هي ليست عنرصية شوفينية وال يوجد بها غلو ،ولكن كون الثقافة الكردية نابعة من الشعب وللشعب، وأل ّنها ح ّرة االنطالق وبدون قيود ،ولكونها ثقافة معبة عن شعب مضطهد وصاحب قضية تح ّررية ّ عادلة جعل املختصني يقومون بتصنيفها وتسميتها كثقافة شعبية منفتحة ال متقوقعة .هي ثقافة منفتحة عىل الثقافات األخرى ويف مقدمها الثقافة العربية .ويف مجال الشعر ،مث ًال ،تتضح الصورة أكرث لجهة التقارب والتناغم بني الثقافتني ،فالعديد من الشعراء واملبدعني الكرد معروفون لدى القارئ العريب بفعل تقارب املواضيع والعوامل الشعرية، الناجم عن عوامل التجاور والتامزج االجتامعي والثقايف والروحي. وإذا ما كانت السياسة تفرق ،فإن الثقافة ميكنها أن توحد وأن ترمم ما تفسده األوىل ،وخاصة إذا ما أديرت دفتها بتبرص ورحابة أفق .فهي بنظر غالبية املثقفني العرب ما زالت متثل الرهان األخري للحلم املعبة عن التعدد يف الوحدة الوطنية الطوعية ّ والتنوع يف مجتمعاتنا ،قومياً ودينياً ومذهبياً وثقافياً ،بعيداً عن الشعارات واملشاريع السياسية املؤدلجة الزائفة .وخاص ًة ّأن الكرد يتميزون بقدر عال من الحصانة الذاتية واملحافظة عىل الخصائص والثوابت القومية واللغوية والثقافية بعد قرون طويلة من التعايش والتامزج االجتامعي والديني مع العرب. أن ما يلزمنا اليوم نحن العرب والكرد السوريني ،هو العمل معاً إلعادة انتاج ذواتنا من جديد والوقوف عند هذه الذوات ،وبالتايل ألن نحمل مع ُا مرشوعاً ثقافياً هو الحامل ملا هو فكري قادم ،نلتقي معاً لقاء الثقافات الوطنية ..نفتح الباب لكل الثقافات السورية املتنوعة واملتامزجة للتعارف والحوار، نسميه لقاء وحوار الثقافات الوطنية. لنطلق نحن السوريني هذا املرشوع ولنبدأ به من الجزيرة وليحمله العرب والكرد ويكون منوذجاً يحتذى به لسوريا وللمنطقة.
عودة الروح 10
فادي محمد
العدد 2015 / 9 / 6 - 55 -
مقاالت
منذ اللحظات األوىل للثورة السورية ،أدرك النظام جيدا ما الواجب استهدافه يف هذا الحراك الشعبي ،أدرك نقطة القوة ليست فقط التي تحرك الناس بل هي األساس املتني يف ازاحته، نقطة القوة التي هي استقبال الجموع الشعبية للحظة التاريخية الفاصلة والعظيمة ،استقبالهم لها بالروح الواجب أن تكون يف لحظات التغيري التاريخية ،الروح املشبعة بأفكار الحق ومقولة الحق ،باملساواة الحقوقية ،باإلميان بأن االنسان – الفرد كائن حر ،ووعي أن حريته مطلب مقدس، بالتالزم مع عدم التفريط بوحدة املجتمع ورضورة بناء الدولة املدنية الدميقراطية ،دولة الحق والقانون. هذا املوقف الروحي املتقدم عند نقطة تالقي الظروف هو الوحيد والوحيد فقط القادر عىل تحقيق أهداف الثورة بتكنيس نظام النهب (النهب املرشوط عند هذا النظام بتدمري املجتمع والقيم واالنسان عرب الشكل األقبح للدولة – الدولة األمنية) ،هذه الروح هي الوحيدة القادرة عىل االنتقال بالبالد من حال اىل حال ،من االستبداد اىل طريق الحرية. مل تساعد الظروف أبدا يف تجذير هذه الروح وجعلها صلبة متامسكة أمام آلة العنف الرهيبة التي ووجه فيها الناس يف انتفاضتهم ،باإلضافة أن جذرها املعريف بعيد زمنيا قد يرجع اىل أيام أسئلة النهضة العربية (األفغاين ،الكواكبي ،محمد عبده، رشيد رضا ،قاسم أمني) وتتمته يف املرحلة الليربالية القصرية وصوال اىل أخالقيات وأحالم حركة التحرر الوطنية .وانقطاع هذا الخط باستالم الطغمة البعثية العسكرية مقاليد السلطة وتدشني الخط النازل االنحطاطي عرب لفلفة أسئلة املراحل السابقة واستبدالها بكاريكاتري كذبة النموذج الستاليني ،بالرغم من هذا األثر الخفيف للزمن البعيد ،فان الروح املتميزة يف اللحظات األوىل من الثورة استلهمت من شعور الناس أن يتعرفوا عىل أنفسهم بالضدية مع النظام أو سوداوية النظام ،نظام طائفي ،أعلنوا وحدة املجتمع، نظام استبدادي ،رفعوا راية الحرية ،نظام أمني عسكري ،هتفوا بالسلمية شعارا وسلوكا ،نظام فاسد ،نادوا باألخالق :الشباب الثائر يف حمص تعاهدوا وظهر عهدهم عىل الشاشات “لن نريش
بعد اآلن موظفا” عىل الرغم من أن الرشوة باتت تقليدا معمام يف مؤسسات الدولة ،ردا عىل استخدام النظام للشيخ رمضان البوطي باستثامر ايديولوجيا اسالمية محافظة ،هتف أهل الرسنت وراء نجايت طيارة “الدين لله والوطن للجميع”. باملجمل كان الجذر الرئييس للروح السورية يتحدد بالضدية مع خمسني عاما من الظالمية، تفاصيل “الظالمية” يعرفها السوريون ،لذلك كانوا قادرين عىل مواجهتها بتفاصيل ضدية “نورانية” شكلت الروح الواجب للتغيري. النظام الذي أدرك أن معركته الكربى هي مع هذه الروح املرعبة واملهددة لوجوده كانت اسرتاتيجيته وتكتيكه يف كل األيام التي تلت أن ينتكس بها محاوال جعلها مثيلته ،اعادة انتاجها مبا يشبه قبحه وظالميته .وبدون مواربة أو نظرة رغبوية أو مجامالت أو رش السكر عىل الواقع فإن ما آلت اليه األمور تكشف عن نجاحات ال يستهان بها للنظام (جر الناس للتسلح ،تفيش الخطاب الطائفي ،األيديولوجيا السائدة باتت ايديولوجيا سلفية ،انتهاكات تقوم بها فصائل تتبنى االيديولوجيا املذكورة ،املحاكم الرشعية بدال من القضاء املدين ،القتل والخطف والنهب عىل الهوية ،االستغناء عن هوية وطنية واستبدالها بهويات دينية ،األعالم السوداء بدال من علم الثورة ،تغول العسكريني عىل املدنيني...الخ).
ليست هذه النجاحات للنظام فقط (فهلوة) منه، بل ألن روحاً تشكلت برد الفعل أقل متاسكا من الروح ذات الجذر املعريف ،كان ميكن لرد الفعل األخالقي والعظيم أن ينجح لو أن املواجهة مع الثورة كانت أقل قسوة ،وباملقابل وباالستعانة بالتاريخ ،ميكن القول أنه كان ميكن لروح لها جذر معريف متني أن تصمد أمام كل هذه القسوة ( كل الثورات الربجوازية املنترصة ابتداء بهولندا ومرورا بانكلرتا وأمريكا حتى الثورة الفرنسية كانت االيديولوجيا السائدة هي الربوتستانتية – وأغلبها الكالفينية – أي أن االصالح الديني منجزا – هذا جذر متني ملوقف روحي انترص وأنتج طريقا لنمو الحرية). لكن ..هل عودة الروح ممكنة؟ ..استعانة بالتاريخ هي أكرث من ممكنة ،وذلك بوعينا أن ال طريق للحرية اال بها .ان من يعتقد أن طريق الحرية مير من سيد قطب وعبد الله عزام وأمين الظواهري ..وأساسهم ابن تيمية والطليعة االسالمية املقاتلة واتهام الناس واألمم بالجاهلية، لهو واهم ،ذلك الخط عىل الضد ،طريق الحرية يبدأ من تجذير معريف لروح الحق باآلية العظيمة { َف َمن َشاء َف ْل ُي ْؤ ِمن َو َمن َشاء َف ْل َي ْك ُف ْر} ،حقي يف أن أكفر ،وحقك يف أن تؤمن ،هذه ثقافة موجودة مسبقاً ..اظهارها للفعل يحتاج إلرادتنا ،وعودة الروح امكان قائم بحاجة أوالً لإلرادة.
اللجوء من الوطن شوكت غرز الدين
2015 / 9 / 6
اللجوء منه. يسرتشد وعينا الحايل بالنموذجني ،وكذلك يفعل وعينا البديل .األول يحافظ عىل الوطن ألنه جنّة والثاين يقلب وطنه إىل مكان أخر يعتربه جنّة. ومن هنا علينا بناء وطن حسب مناذجنا وفاعليتنا وليس حسب هذه النامذج البالية .وهنا تقع عملية تفكيك العالقات الكامنة والسائدة وإعادة بناءها إنسانياً. الوطن السوري ليس جنة وال رح ًام وكذلك الوطن األملاين وال الوطن ا ُملراد بنائه أيضاً .يجب التعلم من الجغرافيا َّأن األرض كرو ّية َّ وأن كل نقطة يف الكرة األرضية هي كام النقاط األخرى ال تفاضل بينهم .ويجب التصدي ملحاربة اللجوء أخالقياً من خالل تصورات للوطن عفى عليها الزمن؛ ألنها غري مرتبطة بحقوق اإلنسان وكرامته وإطالق فاعليته. بل مرتبطة بالصرب والتأقلم والشفقة والتطنيش... وكام يرتبط اللجوء بالخوف واألمل والقرف والخجل كذلك يرتبط بالتصورات األخالقية والجاملية .واللجوء مرهون بعدة عوامل ومنها عامل الوعي يف املقام األول .فبدون وعي تصوراتنا ووعي عالقتها بالوطن يتأبد اللجوء ويتأبد الوطن ويخرجا من التاريخانية املرتبطة بالزمان واملكان وفاعلية البرش. علينا إذن خلخلة “اليقني” الذي يجعلنا نقبل الوطن عىل عالته وعالقاته .وإظهار ًّأن هذا بدهي وال أبديّ ،بل هو دوماً نتيجة اليقني ليس ّ بناء يتعني علينا معرفة قواعده وعالقاته التي ميكن مبوجبها قبول بعضها والتنبيه عىل البعض اآلخر منها .أي بعبارة واحدة ،علينا تبديد األلفة الظاهرية الرتجاجية مفهوم الوطن .ونقد تصور الوطن بوصفه جنّة أو رح ًام لبناء وطن وفق معايري فاعليتنا.
العدد - 55 -
تصوير وكاالت
مقاالت
الوطن عن اللجو ِء إليه .وكذلك يختلف اللجو ُء من ِ يختلف واقع الوطن عن تصورا ِتنا عنه .ويطرح هذا االختالف مفارقة صادمة للوعي العا ّم ،تتم ّثل سور ّياً يف العالقة املقلوبة التي صارت بني اللجوء وبني الوطن ،وبني واقع الوطن وبني تصوراتنا عنه. فبدل ْأن نلجأ إىل الوطن رصنا نلجأ منه .وبدل ْأن تكون عالقتنا بالوطن عالقة احتواء ،كالرحم الذي يحتوينا ،بات الوطن عالقة فاعلية. كان اللجوء إىل الوطن أمراً مألوفاً ألننا نسكن إليه حتى لو مل نكنْ نسكن فيه ،أما اللجوء من الوطن فيخالف تعاليمنا الثقافية والحضارية تصور الوطن جنّة ورح ًام .فلامذا نلجأ من التي ّ الجنّة والرحم؟! َّ ألن الوطن تح ّول جحي ًام ببساطة ومل يكن يوماً ج ّن ًة أو رح ًام .ورغم تصور الوطن كجنّة ورحم واعتباره أغىل يشء عند البرش ،إال أن البرش ترحل عنه وتغادره وتلجأ منه .وهنا تكمن مفارقة اللجوء من الوطن؛ إنها بني واقع الوطن وبني تصوراتنا عنه .وقد أوهمتنا تصوراتنا ًّأن الله ضامن لحياتنا ووطننا ومستقبلنا! كام توهم “ديكارت” يوماً َّأن الله ضامن لعملية ش ِّكه املنهجي! فلطاملا ارتبطت مفردتا اللجوء والوطن بعالقة تناقض فيام بينهام؛ بحيث إذا حرضت إحداهام غابت األخرى .واستق ّر هذا االرتباط إيجابياً يف وعي عا ّمة البرش؛ ألنه مثة عالقات قرابة وجوار النفيس بني مفهوم الوطن وتشابه عىل الصعيد ّ ُ مفهومي الجنَة والرحم .وذلك لِام يفرتض وبني ّ أن تحققه مثل هذه املفاهيم ،يف الالشعورين آمن “املعر ّيف والجمعي” ،من سكين ٍة ومال ٍذ ٍ ّ لإلنسان. فمن املفرتض ْأن يلجأ اإلنسان إىل وطنه ال ْأن يلجأ منه! ْ وأن يحاول العودة إىل الوطن-الرحم والبقاء فيه ال ْأن يهرب منه! ْ وأن يطلب الوطن- الجنَة التي غادرها مكرهاً ال ْأن يف ّر منها! ولكننا أصبحنا إزاء عالقة مقلوبة؛ فقد انعكست العالقة سلبي ،فبات بني اللجوء والوطن وتحولت ملعنى ّ السوريّ ،ال السكون إليه ،ناظ ًام اللجوء من وطنّا ّ لعالقتنا بالحياة وموجهاً لها .كيف ال؟! وحياتنا باتت لجوء وبات موتنا خالص! أصبح الوطن جحي ًام يحرق أبنائه كالرحم الذي يخنق جنينه والجنّة التي رمت أصحابها .ففي السوريّ :مجازر متعدِّدة وقتل وطن كالوطن ّ
يومي وموت من الجوع وتدمري وسجن وتعذيب ّ وخطف .وفيه أيضاً انعدام سبل العيش الكريم وغري الكريم .ناهيك عن ظهور مافيات وعصابات ومؤسسات للتجارة بقضيتنا وأحالمنا ومستقبلنا ّ وماضينا ،وجثثنا وأعضائنا وإغاثتنا ولجوئنا .يف ظل غياب املسؤولية واملحاسبة والعدالة. والسؤال الذي يطرح نفسه بشدّة هو ملاذا انقلب الوطن إىل منفى؟ ألننا ارتكبنا “الخطيئة األوىل” وهي املطالبة بحريتنا! فكام أخرج الله آدم وحواء من الجنّة عقاباَ لهام عىل “خطيئة املعرفة” ،أخرجنا “الحاكم-اإلله” من وطنّا لعقابنا عىل “خطيئة الحر ّية” .وإذا كانت عقوبة آدم وحواء العودة للطبيعة بالعمل واألمل فإن عقوبتنا العودة لدورة الطبيعة كسامد لها ومواد عضو ّية. ائم ثالث نفسياً يف اقتضاء وهكذا ،تتعادل جر ٌ الشعور بالذنب وتصعيد حلم العودة“ .جرمية املعرفة” يف الجنّة و”جرمية الوالدة” من الرحم و”جرمية اللجوء” من الوطن .فكل جرمية من هذه الجرائم تقتيض ْأن يشعر اإلنسان بالذنب، ْ النفيس إما وأن يك ِّفر عن هذا الذنب بالتصعيد ّ من خالل العودة للجنة أو للرحم أو للوطن وكأنهم واحد ،أو بناء وطن عىل منوذجهم. يف الجنّة ،كان اإلنسان مندغم بالطبيعة مثله كمثل أي يشء يف الطبيعة ،وعندما أكل التفاحة رمز املعرفة انفصل عن الطبيعة ،وعرف نفسه متاميزاً عنها .فجاءت العقوبة عىل هذا التمرد بالعودة للطبيعة من خالل العمل واألمل .وتع ّمق يف وعينا إما هاجس العودة للطبيعة-الجنّة التي غادرناها يف املايض مكرهني ،ولكن بدون أمل وعمل، وإما طلب الجنّة يف املستقبل ألنها ُت ِّثل السكينة والل ّذة األبدية .أما يف الرحم ،فكان الجنني هانئاً محمياً يأخذ طعامه إن لزم األمر من نقي عظم أمه وال يهتم إال بالليبيدو (الل ّذة) ،فأتت الوالدة طبيعياً وأخرجته من سكينته ومالذه وقطعت عليه ل ّذته ،فص ّعد حلم العودة إىل هذا الرحم وتصوره منوذجاً يقيم عليه وطنه. منوذجان يقودان تصورات الوطن هام النموذج الديني يف قصة الخلق التوراتية ،والنموذج البيولوجي يف عملية الوالدة من الرحم .ويساند هذان النموذجان النموذج الجغرايف لتعميق الوعي بالوطن-املكان ،ومن ثم التصعيد تجاهه بعد كثري من مشاعر الندم والشعور بالذنب عىل
11
خطاب النظام وسيكولوجيا جماهيره
12
نوار عقل
العدد - 55 - 2015 / 9 / 6
مقاالت
بعد بداية الثورة بعام أخرج اإلعالم السوري من أرشيفه خطابات قدمية للمجرم الخالد حافظ االسد ،كان قد تحدث فيها عن املؤامرة واإلعالم وعن املامنعة واملقاومة والتصدي لألخطار املحدقة باألمة العربية وخطر االسالميني املتشددين ،وذلك يف خضم أحداث الثامنينات .كان هذا الخطاب (عرصياً) متاماً ومتامشياً حد التطابق مع بروبغندا النظام وإعالمه يف تعاطيه مع الثورة ،حتى قال البعض بنبوة القائد وتوقعه املستقبل ،وكأنه يتحدث عن واقعنا الراهن .الغالبية العظمى من جامهري النظام مل يخطر ببالها أبداً أن القائد ال يتحدث عن املستقبل ،بل أن حارض النظام وإعالمه كان يتحدث بنفس اللغة قبل ثالثني عاماً مضت مام أتاح هذا التشابه الفظيع .أي أن املفارقة قامئة بالخلط بني اعتبار السبب نتيجة، والنتيجة سبب. إنه حقاً ليشء يدعو للسخرية حتى القرف أال تتطور أساليب املجرم التربيرية .لكن ....لحظة، لنتمهل قلي ًال يف إصدار مثل هذا الحكم .قال غوستاف لوبون يف كتابه “سيكولوجيا الجامهري” قبل أكرث من قرن مىض ،بأن الجامهري لديها عقائد ثابته مشحونة بالالهوت ،وأن التفتت يف اآلراء مينع استبداديتها وطغيانها ،وبالتايل متيل الجامهري اىل الالمباالة بالتعدد ،كام أن الجامهري ال تعقل، فهي ترفض األفكار أو تقبلها ك ًال واحداً من دون أن تتحمل نقاشها ،وما يقوله لها الزعيم يغزو عقلها رسيعاً فتتجه إىل تحويله حركة وعم ًال ،وما يوحى به للجامهري ترفعه إىل مصاف املثال ،ثم تندفع به يف صورة إرادية إىل التضحية بالنفس. يف هذه الحالة الجامهريية تنخفض الطاقة عىل التفكري ويذوب املغاير يف املتجانس بينام تطغى الخصائص التي تصدر عن الالوعي ،كام أن ردود الفعل الدينية حارضة دوماً لدى الجامهري وتفيض بها إىل عبادة الزعيم وإىل الخوف من بأسه واإلذعان ملشيئته فيصبح كالمه دوغام ال تناقش ،أما الذين ال يشاطرون الجامهري إعجابهم فيصبحون هم االعداء. إذن قد يبدو أن خطاب النظام هذا ،هو الخطاب الوحيد املتاح أمامه ،فهو قا ٌر يف الوعي الجمعي لجامهريه (األبية) ،لذلك تغدو اعادته عىل لسان القائد األب باين (املجد) ترسيخاً للثوابت التي انبنت عليها سلطته وتأكيداً عىل عمق العملية
السلطوية كرتاث حارض وتاريخ يعيد نفسه ،اليشء الذي يحفز لتثبيت النظام من جديد كام حصل يف الثامنينيات .فالعدو مرتبص بالنظام داخلياً وخارجياً وهذا ما حدا بالنظام إىل توحيد خطابه واالستمرار عليه دون أن يرف له جفن متعامياً عن كل األحداث ،منكراً كل الرباميل .وهو الذي يعرف عمق االرتباط العضوي الذي صنعه مع الطائفة العلوية ،ويعرف مستوى العالقات التي حرص عىل ترسيمها بني البنى االجتامعية السورية، كام أن النظام الذي قام منذ نشأته عىل أرس الطائفة العلوية لتتمجد بفضالته وتتميز عن باقي الطوائف والتيارات السورية باقرتابها من العائلة الحاكمة ،وامتالكها حق القوة عىل اآلخرين بعد أن كانت مهمشة ال حول لها وال قوة ،مل يغري يشء من طبيعته يف عهد االبن ،اليشء الذي يضع الطائفة اليوم يف مأزق تاريخي حقيقي كان من املمكن أن يكون أخف وطأة لو مل تنجرف جامهري النظام معه ضد أي فعل ثوري يسلبها حقها يف سوريا األسد ،وهذا ما يربر القول (بالعلوية السياسية) اليوم.
ال توجد الجامهري من دون قائد ،والعكس صحيح أيضاً ،إذ ال يوجد قائد من دون جامهري ،هذا ما كان واضحاً يف خطاب النظام ممث ًال برئيسه منذ بداية الثورة يف مجلس الشعب ،بالفصل بني جمهوره وبني باقي السوريني فال رمادية“ ،إما معنا أو ضدنا” وقد أصبح أوضح وأكرث رصاحة يف آخر خطاب له بعد خمس سنوات“ ،سوريا ملن يحميها ويدافع عنها وليس ملن يحمل جواز سفرها”. إن النظام ببساطة شديدة ال يخاطب السوريني بل يخاطب جمهوره الخاص .سوريا األسد لكم فدافعوا عن سوريا األسد لتبقى لكم .يبقى أن اليشء األهم ،واألكرث تعبرياً ووضوحاً ،ليس ما تكلم به بشار األسد وإمنا ما سكت عنه ومل يقله يف كل خطاباته الطويلة ،وهو الذي مل يكف يوماً عن الخوض بالتفاصيل ،فشعارات منارصيه التي امتألت بها جدران دمشق عىل وجه الخصوص، كــــــ” األسد أو نحرق البلد” ،كانت هي التعبري الرصيح واألكرث وضوحاً عن خطاب النظام منذ بداية الثورة حتى اليوم ،مثلام كانت هي األكرث تعبرياً عن سيكولوجيا جامهريه.
تحويل األلم إلى فرجة عروة مقداد
13
جديع دواره
العدد - 55 - 2015 / 9 / 6
يكرر النظام اليوم نفس الخطأ الذي ارتكبه ببقية املناطق ،فهو يعتقد بأن االغتيال والبطش ،سريهب الناس يف السويداء ويجعلهم يهرولون طالبني حاميته. إن السياق التي جرت به عملية االغتيال عرص األمس الجمعة باملتفجرات وأدت الستشهاد نحو 27شخصاً معظمهم من مشايخ الكرامة وجرح نحو 48آخرين، تؤكد بأن السويداء كانت تعيش حالة من الغليان ،فاالعتصام الذي بدأ قبل أربعة أيام يتصاعد ،وقطع االتصاالت ،وتدخل مؤيدي النظام من مشايخ عقل وغريهم، مل تجد نفعاً ،خاصة أن االستياء من سوء األوضاع املعاشية والفساد أفقد النظام ما تبقى له من مؤيدين. يف موازاة ذلك فإن حركة “مشايخ الكرامة” التي بدأت بالظهور للعلن قبل نحو سنة ،شكلت عبئاً كبرياً عليه ،مل يعد يستطيع احتامله؛ فهم أعلنوا أن املعتصمني بحاميتهم ،وسبق لزعيمهم الشيخ وحيد البلعوس أن دعا علناً إىل عدم االلتحاق بجيش النظام ،بل ومتكن مع رجاله من تحرير عدد من املعتقلني وهاجم مق ّر األمن الجوي ،واعرتض طريق القطع العسكرية التي حاول النظام إخراجها من املحافظة ،وأعلن عن هدر دم رئيس املخابرات العسكرية يف املحافظة املدعو “وفيق نارص” ،الذي بدوره حاول أكرث من مرة اغتياله. يضاف إىل هذا تصاعد مخاوف النظام من فقدان السيطرة عىل السويداء إثر تقدم فصائل املعارضة يف درعا وسيطرتهم عىل اللواء 52قبل عدة أشهر ،ومحاولتهم تحرير مطار الثعلة داخل محافظة السويداء ،ومبادرة البلعوس إىل فتح قنوات اتصال مع أحرار درعا ،ومتكنه من تشكيل حالة استقطاب وقوة عىل األرض يحسب حسابها ،وبدأت تتلقى الدعم من أبناء السويداء بالداخل والخارج. النظام كان أيضاً أمام خيارات صعبه ،فإما سيرتك األمور تتفاقم وتخرج عن سيطرته شيئاً فشيئاً ،أو أنه سيحاول أن يرضب “الرضبة القاضية” كام أوحت له أوهامه، وطبعاً هو استسهل ما أعتاد عىل فعله ،وكانت مبثابة “الشعرة التي قصمت ظهر البعري”. الجبل اليوم لن يعود كام كان ،وكونه مل يشهد مواجهات عسكرية تذكر ،فإن التعويل عليه يف تشكيل حالة من اإلدراة املدنية كبري ،لكن باملقابل النظام لن يرتكه وشأنه .سيحاول استعادته عن طريق الرتهيب والرتغيب ،وإن فشلت مساعيه فهو لن يوفره من القصف والحصار ،وخلق فتنة مع الجوار ،أوعرب تسهيل دخول داعش إىل املحافظة ،كام فعل بباقي املناطق. إن أهمية تحرير السويداء من قبضة النظام تكمن يف إسقاط ادعائه بحامية األقليات وتأييدها له ،خاصة أمام الخارج ،وحتى أمام حلفائه ،فسيشكل هذا إحراجاً للنظام ،كام إن وجود محافظة من لون مختلف يف رقعة املناطق املحررة، يفرتض أن يساهم يف تعديل الصورة عن طبيعة الحراك املعارض يف سوريا ،بأنه إسالمي تكفريي متطرف ،ويعطي فرصة أفضل للقوى املعتدلة والتي تؤيد إقامة نظام مدين دميقراطي يف سوريا املستقبل ،طبعاً باإلضافة إىل الجهد املطلوب ألبناء املحافظة يف تقويض سلطة االسد والدفع باتجاه إسقاطه. إن الخيار الوحيد ألبناء الجبل اليوم للمىض يف مواجهة النظام ،والتخفيف من كلفة هذا الرصاع ،هو يف م ّد الجسور مع القوى املعتدلة يف درعا والقنيطرة وريف دمشق ،لتشكيل جبهة مواجهة واحدة ض ّد النظام ،وإن نجح هذا املسعى فإنه باعتقادي سيكون املحور القادر عىل دخول دمشق وتحريرها من حكم الطاغية وإسقاط النظام إىل غري رجعة.
مقاالت
متعنت كثرياً يف صورة الطفل النائم عىل الشاطئ .قرأت ما استطعت من ردود األفعال عىل جسده الراقد عند أمواج البحر، رمبا يكون نوع من الهوس إذ قلت إنني وجدت الطفل جميل يف إغفاءته الهادئة أمام دناءة العامل .جسد غض صغري متكور كصدفة ش ّكلها زبد البحر فغفت عىل شاطئه. ورحت أفكر ماهي الوسيلة األكرث قسوة يف القتل؟ الغرق؟ االستهداف بصاروخ؟ برميل يحيل الجلد ّ الهش إىل رماد؟ االختفاء؟ املوت تحت التعذيب؟ إال أنه ال مفاضلة بأشكال القتل .فالقتل هو القتل .إذاً ما الذي جعل كل هؤالء عىل اختالف أماكنهم ووظائفهم وانتامءاتهم وتحليالتهم يفزعون لصورة الطفل الصغري؟ ال شك أن اإلنسان لديه رغبة يف تحويل األمل إىل متعة ليتغلب فيها عىل األمل ،إنها متعة األمل الجميل الذي يحولها إىل فرجة مستساغة أمام العجز أو عدم الرغبة بالفعل .فالجميع عىل اختالفهم قام بتناقل تلك الصورة وتداولها عىل أنها يشء من الفرجة كام يتداول فيل ًام قاسياً عن الحرب العاملية أو كام يتداول فيل ًام مرعباً تخرج منه مخلوقات فضائية .وهل هنالك يشء مفزع أكرث من تحول جثة طفل صغري مرمية عىل الشاطئ إىل أيقونة نواح متكررة؟ أليس من املفرتض أن تدفع تلك الصورة آالف من السوريني قبل الدول الغربية نحو قرار حاسم بالعودة إىل سوريا وخوض معركة رشسة إلسقاط س ّفاح األطفال؟ لكن أطفال سوريا قد ُق ِتلوا منذ موت حمزة الخطيب الذي تحول أيضاً إىل أيقونة نواح يتداولها السوريون يف املناسبات ،كام ستتحول صورة هذا الطفل إىل ملصق أو شعار ُيتداول أيضاً يف املناسبات .وإن كان مثة مفاضلة يف املوت ،فموت حمزة الخطيب أشد أثراً وترويعاً وإثارة ملشاعر الكراهية يف النفس تجاه هذا النظام املجرم. عادت يب الذاكرة وأنا أحدق بالصورة إىل قصة امرأة من جنوب سورية حاولت اللجوء مع طفلها إىل األردن أواخر .2011مل يكن مثة مناطق محررة حينها ،ومل تكن معارك الجيش الحر قد بدأت .ومل يكن أمام املرأة للوصول إىل الطرف األردين سوى كرم زيتون ال تتجاوز مساحته 100مرت .كان كرم الزيتون أشبه بحقل رعب .فالجيش العريب السوري يرصد الكرم مبختلف أنواع األسلحة يتصيد بها الهاربني من قمعه ومن سجونه .ضمت املرأة طفلها وركضت يف عتمة الليل وصلت املرأة إىل الطرف األردين دون طفلها .كان جسده الناحل الرقيق قد مزقه الرصاص ورماه ككيس عىل األرض .مل يكن األمر يحتاج إىل عبور سوريا وتركيا من الجنوب إىل الشامل ،وركوب قارب ومن ثم الغرق واالستلقاء عىل الشاطئ ...كانت املسافة بضعة أمتار فقط ليستلقي الطفل يف كرم زيتون أمام عيني أمه التي راقبت تفسخ جثته كل يوم ومل تستطع الوصول إليه. ما هو املهم يف التوثيق سوى تحويل الضحايا إىل أرقام؟ ما هو املهم يف روي القصص سوى أنها تجعل من األمل متعة؟! وما هو املهم من تناقل هذه الصور سوى عدم اتخاذ قرار حاسم ومصريي لدى السوريني ووحدهم السوريون من أجل إسقاط النظام الذي يدفع نحو كل أشكال املوت؟!
هل يكون تحرير السويداء مفتاح لدخول دمشق؟
الثورة وفضاءاتها 14
باسل مطر, مشروع سالمتك
العدد - 55 - 2015 /9 / 6
مقاالت
يف األيام املاضية رصد ناشط آيسلندي يعيش سوري يف لبنان يتجول لرجل يف الرنويج صور ًة ٍ ٍ يف بريوت يبيع األقالم حامال ابنته الصغرية عىل كتفه محاوالً كسب قوته .تعاطف الناشط مع الصورة ومع صاحبها ،وأطلق حمل ًة عىل تويرت لجمع مبلغ خمسة آالف دوالر ملساعدته. كانت االستجابة للحملة هائلة حيث جمع مبلغاً وصل إىل أكرث من 180ألف دوالر خالل يومني ،ولفت نظر محطات التلفزة والصحف الكربى ،وساعدته إحداها يف الوصول إىل صاحب الصورة ،وأصبح بائع األقالم السوري رمزاً ملعاناة السوريني يف دول اللجوء والشتات، ورمزاً للقوة الهائلة لتويرت .رمبا مل يكن سيتسنى لهذه الحملة أن تحظى بذات النجاح لو كانت عىل فيسوك بسبب اختالف طبيعة املنصة واختالف روادها رغم عددهم الهائل .فالحملة كانت يف املكان املناسب ،بني األشخاص املناسبني ،وتحمل هدفاً ال ميكن التشكيك فيه أو الحرية تجاهه ،وهو مساعدة رجل من الواضح أنه بحاجة للمساعدة مدعمة بدليل قاطع وهو صورته تلك. يعود تاريخ استخدام اإلنرتنت يف النشاط السيايس املعارض ،وبغرض حشد الدعم وراء فكرة معينة لدفعها إىل األمام ،إىل بداية التسعينيات ،حيث قام معارض من دولة الغابون األفريقية بإنشاء موقع عىل اإلنرتنت يدعو لرحيل الدكتاتور الحاكم منذ تسع وعرشين عاما يف ذلك الوقت ،وبعد فرتة قالت منظمة العفو الدولية بأن خمسة من مواطني تلك الدولة اعتقلوا بسبب انتسابهم إىل مجموعة إلكرتونية مرتبطة بذلك املوقع ،ولعل تلك الحادثة كانت أوىل حاالت االعتقال عىل خلفية النشاط اإللكرتوين .ورسعان ما تطورت التقنيات وأىت تويرت ثم فيسبوك وغريه من منصات التواصل االجتامعي والتدوين القصري، وأصبح الفضاء االفرتايض مكاناً يعج بالناشطني والحمالت لسهولة الوصول إىل الناس من خالله ،وانفرد كل من هذه املنصات بصفات وقدرات ميزته عن اآلخر .أصبح تويرت مكاناً مثاليا لتلك الحمالت ،وتفوق عىل فيسبوك
من حيث جدواه يف تحديد جمهور الحمالت، والتفاعل معها ،وسهولة انتقال الفكرة ،وأصبح فيسبوك قار ًة جديد ًة يقطنها مليا ٌر ونصف املليار من املستخدمني ،لكن ألغراض قد تكون مختلفة قليال. منذ انطالق الثورة السورية يف عام ،2011 اتخذ السوريون من فضاءات شبكات التواصل االجتامعي مساحة للتعبري والتواصل ونقل الخرب ،ولعل غياب الفضاء الحقيقي لالجتامع، وإمكانية تأسيس مؤسسات إعالمية معارضة عىل األرض ،كان أحد األسباب التي دفعت بهم إىل ذلك الفضاء ،إال أن سهولة استخدام تلك الفضاءات واآلفاق الواسعة التي تخلقها كانت أيضاً من األسباب التي حدت بهم لتوظيفها عىل هذا النحو .مل يكن السوريون أول من وظف هذا الفضاء لخدمة قضيتهم ،بل سبقهم ك ٌرث غريهم ،فاملرصيون بدؤوا ثورتهم من خالل صفحة عىل فيسبوك ،واستخدمه التونسيون كذلك. وجد السوريون أنفسهم عىل فيسبوك بحكم قيام الناشطني األوائل يف الحراك السلمي باستخدامه ،أو ألن صفحة الثورة السورية ضد بشار األسد التي تأسست قبل الثورة بأسابيع كانت هناك ،فهم يف األصل غرباء عن تلك املنصات التي كان معظمها محجوباً يف مجتمعهم الذي يعاين أشد أنواع القمع، وعىل األرجح فهم مل يختاروا ذلك .وبعد فرتة وجيزة أصبح فيسبوك مكاناً مريحاً لهم ،يرون فيه ما يثلج صدرهم أو يعرب عن موقفهم، وأصبح الفضاء الفيسبويك السوري منقس ًام بعدد انقسامات قاطنيه ،وارتفعت بني هذه الفضاءات الجزئية جدران عالية كتلك التي عىل األرض ،وإن مجازاً هنا. ميتاز فيسبوك برحابة ال يوفرها تويرت من حيث حجم مساحة الكتابة يف منشور واحد، وإمكانية نرش صور أكرث يف منشور واحد، ومقاالت كاملة إن شئت ،لكن فيسبوك يصل بني األشخاص ،ويتيح معرفتهم بشكل وثيق، فهو منصة اجتامعية ،بينام ال يتيح تويرت تلك اإلمكانيات ملعرفة اآلخر ،ومل يعتمد تويرت
الرسائل الخاصة ،التي شكلت جانباً مه ًام للسوريني ،إال الحقاً. مييل السوريون إىل االستفاضة يف منشوراتهم، ويغنونها بالصور ،والفيديوهات ،وهذا أمر طبيعي يف ظل التسارع غري املتوقع لألحداث وتصاعد العنف وغزارة األخبار وهول األحداث، والحاجة لنقل الكثري منها مرفق ًة باألدلة التي شكلت الصور واملقاطع املصورة عامدها، وال شك أن قدرة فيسبوك عىل التعاطي مع هذه األشياء أكرث اتساعاً من تويرت .لكن البعد االجتامعي لعب أيضا دوراً كبرياً يف انحيازهم إىل فيسبوك ،فشبكات املعارف واألصدقاء التي أتاحها فيسبوك وإمكانية االنخراط فيها، حفزهم عىل البقاء هناك ،فأصبح هو حيز الراحة الخاص بكل منهم ،وأمست مغادرته أكرث صعوب ًة من قبل بعد أن اعتادوا عليه كل هذا االعتياد ،حتى حني فقد جدواه يف إيصال صوتهم إىل العامل .لكن اللغة وحواجزها كانت واحداً من تلك األسباب أيضاً ،فعدم معرفة الكثريين منهم بلغات أجنبية رمبا دفعتهم للعزوف عن فضاء تويرت الذي قد يتطلب معرفة بها. لكن السوريني ،ومجتمع الناشطني منهم عىل وجه الخصوص ،دفعوا مثناً كبرياً لهذا االنحياز ملنصة واحدة ،فقد انغلقوا عىل أنفسهم، ليس فقط تجاه السوريني اآلخرين ممن ال يشاطرونهم الرأي والتوجه السيايس وحسب، بل تجاه العامل الذي يجد يف تويرت وسيلة أرسع لنقل الخرب ،أو إقامة حمالت التوعية والحشد والدعم. إن دفع مواطني الدول األخرى املهتمني بشؤون العامل الخارجي لالنخراط يف النقاش حول سوريا سياسياً وإنسانياً ،ومعرفة ما يدور فيها بعيداً عن اإلعالم التقليدي املوجه أم ٌر عىل غاية الرضورة يف ظل القدرة الهائلة للمجتمعات عىل الدفع باتجاه تغيري السياسات ،وعىل السوريني بذل الجهد للخروج من فضاء فيسبوك الذي أغلقوه عىل أنفسهم إىل فضاءات جديدة أكرث رحابة قد تحظى فيها قضيتهم بانتباه هم بأمس الحاجة إليه.
الزميل ميرال بروردا ..مرشحًا لجائزة بريمن الدولية
العدد - 55 -
منظمة schwelle Foundationبنرش ترشيحاتها الثالثة عرش عرب موقعها الرسمي منذ شهر آب املنرصم ،وسيتم اإلعالن عن الفائز بالجائزة خالل الشهر الحايل أيلول . 2015 أخرياً تهنيء هيئة تحرير طلعنا عالحرية الزميل مريال عضو الهيئة برتشيحه للجائزة متمنني له الفوز ومزيداً من اإلنجاز والعطاء لقضايا شعبه.
2015 / 9 / 6
طلعنا عالحرية :أعلنت منظمة schwelle Foundationاألملانية والتي ُتصدر جائزة برمين الدولية للسالم نسبة ملدينة برمين األملانية عن قامئتها املخترصة ملرشحي الجائزة للعام ، 2015 حيث تضمنت القامئة مجموعة من الشخصيات واملنظامت العاملة يف مجال حقوق اإلنسان والسالم و املساواة بني الجنسني ومناهضة األسلحة النووية من مختلف أنحاء العامل. وقد تضمنت القامئة نشطاء من الهند والربازيل وباكستان وبولندا وسويرسا وجواتيامال والصومال وأملانيا ،واختارت مرشحها من سوريا الناشط الحقوقي السوري مريآل بروردا ،حيث عنونت إعالنها الخاص برتشيح الناشط السوري بروردا بعنوان (ما بعد الدكتاتورية واإلرهاب) وبعنوان فرعي يتضمن محتوى الرتشيح بعبارة (كم ميكن أن يكون النضال من اجل السالم خطريا). وقد تحدث إعالن املنظمة عىل موقعها الرسمي
باللغتني األملانية واالنكليزية عن تجربة الناشط مريآل بروردا منذ عام 2004إبان االنتفاضة الكردية ضد النظام السوري ونشاطه يف االحتجاجات الشعبية السلمية يف 2011ومناهضة اإلرهاب الذي يتصدره الفكر الجهادي التكفريي يف منطقة الرشق األوسط ،ثم تأسيسه ملركز التآخي للدميقراطية واملجتمع املدين الذي يعمل عىل توعية املجتمع السوري باملبادئ األساسية لحقوق اإلنسان والسلم االهيل والعيش املشرتك والسعي الحثيث من أجل بناء سوريا املستقبل الخالية من الدكتاتورية املتمثلة بالنظام السوري وأوجه اإلرهاب األخرى. الجدير ذكره أن جائزة برمين الدولية للسالم تصدر كل عامني ،وكان قد تم اختيار 70مرشحاً من شخصيات ومنظامت مدنية يف املرحلة األوىل بداية العام الحايل 2015لتنتهي عملية الرتشيح بقامئة مخترصة من 13ناشطاً ومنظمة بدأت
15
Majed Kayali باختصار القضية السورية ليست قضية الجئني.. جدير باملتعاطفني مع قضية الالجئني ،ومع مأساة الطفل ايالن ،التذكر بأن وراء هذه الكارثة نظام له اسم ،وأن قضية السوريني التقترص عىل مأساة اللجوء فثمة اهوال اخرى ضمنها حصار مناطق بأكملها وتحويلها اىل حقل رماية للرباميل املتفجرة والصواريخ ،مع مئات الوف الضحايا ودمار مدن بأكملها وعرشات الوف املعتقلني وماليني املرشدين يف سوريا ويف الدول املجاورة .مع التقدير للمتعاطفني الجدد.
منوعات
Bassam Alahmad ما صدّقنا حتى رجعت القضية_السورية واحتلت الواجهة يف الصحف العاملية ونرشات األخبار بسبب صورة لطفل سوري غارق هزّت العامل ،حتى طلعلنا ناس سوريني ما ركبت معن السرية ،إ ّنو ليش هاد الطف ل بالذات وليش مو الطفل ييل مات باملنطقة الفالنية وليش الرتكيز عىل هذا الطفل ونسيان ما يحدث يف املنطقة الفالنية. وبلشو ينبحتو ع الناس ويستحرضو قصص تانية يش قديم ويش جديد وبلشت حمالت مضادة ضمنياً للسرية ..هيك بس منشان يتم رصف النظر عن صورة تاريخية اختزلت ّ كل املأساة السورية ويفشلو الحملة ... نحن أعداء أنفسنا وأعداء ثورتنا وقضيتنا ..