طلعنا عالحرية / العدد 55

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪55‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬

‫بركان الجبل‪ ..‬هل يعود إلى القمقم؟‬

‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫الواقع الطبي في الغوطة الشرقية بين‬ ‫الحاجة الملحة وفوضى التنظيم‬ ‫(فلم بالبلم)‬ ‫ْ‬ ‫السورية التي أنقذت القارب بمن فيه‬ ‫ّ‬ ‫مخيم اليرموك‪..‬‬ ‫اتفاق النظام وداعش والفصائل على‬ ‫حصار المخيم‬

‫مقاالت‬

‫في حياة السوريين وموتهم‬ ‫الثورةوفضاءاتها‬ ‫اللجوء من الوطن‬ ‫تحويل األلم إلى فرجة‬ ‫خطابالنظاموسيكولوجياجماهيره‬


‫بركان الجبل‪..‬‬ ‫هل يعود إلى القمقم؟‬

‫‪2‬‬

‫ليلى الصفدي‬ ‫العدد ‪- 55 -‬‬ ‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫أدت التفجريات التي حدثت باألمس يف السويداء وأودت بحياة‬ ‫أكرث من ثالثني شهيداً كان من بينهم قادة شيوخ الكرامة الشيخ‬ ‫أبو فهد وحيد البلعوس والشيخ فادي نعيم‪ ،‬إىل موجة عارمة من‬ ‫االحتجاجات والتي تطورت إىل اشتباكات كان من نتائجها إخالء‬ ‫غالبية الفروع األمنية يف املدينة‪ ،‬وتحطيم التمثال املركزي للقاتل‬ ‫حافظ األسد يف ساحة “السري” سابقاً‪ ،‬والتي تحولت إىل “ساحة‬ ‫الكرامة” عقب األحداث‪.‬‬ ‫وكان موكب شيوخ الكرامة قد تعرض لتفجري بسيارة مفخخة أثناء‬ ‫مروره بطريق ظهر الجبل‪ ،‬أعقبه تفجري آخر عىل باب املشفى‬ ‫الذي تم نقلهم إليه يف محاولة لإلجهاز عىل من تبقى منهم‪.‬‬ ‫ورغم الضبابية التي ال تزال تغلف األوضاع يف املحافظة إال ّأن ما‬ ‫ترسب حتى اآلن من معلومات رغم االنقطاع شبه التام لالتصاالت‬ ‫يشري إىل موقف جذري وعايل السقف ض ّد النظام األسدي‪ ،‬وإىل‬ ‫حالة وعي عامة يبدو أنها لن تنخدع بعد اليوم بأكاذيب النظام‬ ‫الذي يتبجح بحامية األقليات ويحاول إلصاق التهمة بجهات‬ ‫إسالمية متطرفة بات يرى الكثريون أيضاً أن قس ًام منها ليس أكرث‬ ‫من أدوات بيديه يستغلها عند الحاجة‪.‬‬ ‫ويف هذا الصدد وجه بيان ُنسب إىل بريق الكرامة بقيادة نجل‬ ‫الشهيد أبو يوسف رأفت البلعوس االتهام املبارش “لزمرة وفيق‬ ‫نارص وعصابة األسد يف السويداء”‪ ،‬كام “ح ّمل اللجنة األمنية‬ ‫مسؤولية كل ما جرى ويجري من اغتياالت وزج الجبل يف أتون‬ ‫هذه املواجهة الدموية”‪ .‬وعىل هذا األساس أعلن البيان “جبل‬ ‫العرب منطقة محررة من عصابات األمن وزمرهم”‪.‬‬ ‫مل يتسنَ لنا حتى موعد إعداد هذا التقرير االتصال بالناشطني‬ ‫داخل املحافظة ألن النظام عمد إىل قطع تام لوسائل االتصال‪،‬‬ ‫إال أننا حاورنا عدداً من الناشطني من أبناء املحافظة واملتابعني‬

‫لتفاصيل ما يجري من الخارج‪ ،‬وكان سؤالنا‬ ‫املركزي ضمن الهاجس العام يف هذه‬ ‫املرحلة‪ :‬هل سيتمكن النظام من احتواء‬ ‫املوقف كعادته هناك؟‬ ‫الكاتب والسيناريست حافظ قرقوط‬ ‫يعتقد أن األمور باتت خارج يد النظام‬ ‫متاماً‪ ،‬وقال يف رد عىل سؤالنا‪“ :‬ال أعتقد‬ ‫أن النظام سيستطيع السيطرة عىل الوضع‬ ‫واألمور خرجت عنه ولن تعود للخلف‬ ‫بكل املقاييس”‪ .‬كام طأمن إىل أن األمور‬ ‫ال تسري باتجاه الفوىض مؤكداً أن “الشباب‬ ‫باآلالف يسيطرون عىل األوضاع مبا فيها‬ ‫حامية املمتلكات العامة والخاصة”‪.‬‬ ‫أما الناشط واملدون السوري سامر املصفي‬ ‫فقد خ ّمن أن “النظام سيستميت لعودة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫تقارير‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير ‪ :‬ليىل الصفدي‬ ‫هيئة تحرير‬ ‫نصار‬ ‫طلعنا عالحرية معاون رئيس التحرير ‪ :‬أسامة ّ‬

‫املياه ملجاريها‪ ،‬وال بد أن يقدم أمثاناً‬ ‫باهظة لذلك‪ ..‬أمثان أغىل من رأس وفيق‬ ‫نارص وإقالة املحافظ هذه املرة”‪.‬‬ ‫إال أنه لفت من جانب آخر أن “من‬ ‫سيحتوي املوقف هو التيار اآلخر‪،‬‬ ‫ما يسمى بـ (درع الوطن)‪ ،‬والرصاع‬ ‫الحقيقي هو هنا وليس مع عنارص األمن‬ ‫والجيش فهؤالء هم الحلقة األضعف”‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬اآلن عصا النظام الغليظة هي‬ ‫طريق الشام ورواتب املوظفني‪ ،‬وسوف‬ ‫يستثمر درع الوطن وحلفاؤه هذه العصا‬ ‫ملصلحتهم بهدف الوصول إىل الزعامة‬ ‫الكاملة بعد اختفاء البلعوس من الوجود‪.‬‬ ‫من هنا سيدخل النظام من هذا الثقب‬ ‫الضيق‪ ..‬وصوالً لتبويس الشوارب و(ما‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫محررون‬ ‫أوس املبارك ‪ -‬أبو القاسم السوري‬

‫محرر القسم الكوردي‬ ‫مريال بريوردا‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫العدد ‪- 55 -‬‬ ‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫إىل ارتفاع منسوب التحدّي واملواجهة”‪ .‬ويضيف عامر‬ ‫معلقاً عىل النقلة األخرية‪“ :‬حادثة التفجري أنضجت‬ ‫جرأة املواجهة ونقلت االحتجاج اىل املستوى النوعي‬ ‫يف التعامل مع السلطة ورموزها (متثال‪ ..‬مؤسسات‬ ‫أمنية‪ ...‬الخ)‪ .‬أعتقد أن السويداء األن أمام سيناريوهات‬ ‫صعبة‪ :‬إ ّما أن يعاقبها النظام بشكل جامعي‪ ،‬أو أن تقع‬ ‫تحت سطوة الفصائل التكفريية‪ ،‬أو أن يتم تفجريها‬ ‫من الداخل بإذكاء نار الفتنة بني رشائح املجتمع (موايل‬ ‫‪ /‬معارض ‪ /‬مشايخ كرامة ‪ /‬مشايخ عقل‪ ،)...‬أخىش أن‬ ‫السيناريو الثالث هو األقرب ّإل إذا تالقت اإلرادات‬ ‫وارتقى الوعي الجمعي إىل مستوى التهديد‪ ،‬عندها‬ ‫املجاين وتل ّمس مالمح العدو‬ ‫فقط ميكن تاليف الدم ّ‬ ‫املشرتك”‪.‬‬

‫تقارير‬

‫بدنا فتنة)‪“ ..‬‬ ‫وقدر املصفي أن النظام رمبا سينجح إىل‬ ‫حد ما‪ ،‬إال أن كل االحتامالت مفتوحة‬ ‫بالنهاية‪ .‬كام استبعد أي تصعيدات‬ ‫أخرى من جانب النظام كالقصف أو‬ ‫الرباميل وغريها فروسيا ستمنعه ألنها لن‬ ‫تخرس ورقة األقليات بسهولة‪.‬‬ ‫وحول السؤال ملاذا يرتكب النظام جرمية‬ ‫كهذه إن كانت ستؤدي لخسارته ورقة‬ ‫األقليات؟ أجاب املصفي‪“ :‬الحقيقة هذا‬ ‫سؤال مرشوع فع ًال‪ ،‬لكن بالنظر لخارطة‬ ‫غباء النظام وتعاطيه الهمجي مع جميع‬ ‫امللفات‪ ،‬وبالنظر الحتجاجات املقربني‬ ‫منه يف السويداء خالل األيام األربعة‬ ‫السابقة ومحاولته الفاشلة يف تطويقهم‬ ‫بقطع االتصاالت‪ ،‬ومع تزايد التحشيد‬ ‫وارتفاع سقف املطالب من خالل‬ ‫استخدام العبارة املرعبة (الشعب يريد)‪،‬‬ ‫نجد أن النظام ال يزال يعتقد بأنه قادر‬ ‫عىل إرهاب الناس وإخضاعهم‪ ،‬وقد قرر‬ ‫هذه املرة باعتقادي قطع رأس املشكلة‬ ‫باغتيال البلعوس وتصفية الساحة‬ ‫لجامعته من فريق مشيخة العقل ودرع‬ ‫الوطن والدفاع الوطني”‪.‬‬ ‫وختم املصفي حديثه بالقول‪“ :‬لكن رغم‬ ‫كل يشء األكيد بأن السويداء قبل ‪9/4‬‬ ‫ليست هي السويداء بعد ‪.”9/4‬‬ ‫الناشط املغرتب سامي نوفل‪ ،‬إبن قرية‬ ‫مردك‪ ،‬رأى أن “األحداث تأيت ضمن‬ ‫سياق تصاعدي لرفض كل ما هو قائم‬ ‫وموجود حاليا يف سوريا‪ ،‬وكل ما جلبه‬ ‫النظام من دمار للبلد وضغوط اقتصادية‬ ‫واجتامعية عىل السويداء”‪ .‬وفيام بدا أنه‬ ‫نداء موجه لكافة السوريني املعارضني‬ ‫أضاف نوفل‪“ :‬النظام سيتمكن من تجيري‬ ‫الحدث اذا استمر التعامي اإلعالمي‬ ‫الخارجي عن حقيقة ما يحدث‪ ،‬وإذا‬ ‫بقيت املعارضة السياسية آخذة خطأ‬ ‫تفسريياً ال وطنيا للحدث”‪.‬‬ ‫فيام استبعدت الناشطة فريوز دنون‬ ‫قدرة النظام عىل احتواء املوقف هذه‬ ‫املرة‪ ،‬مضيفة أنه “قد يحدث عنف‬ ‫مضاعف وافتعال فتنه وفتح االبواب‬ ‫امام داعش‪ ،‬اما اهايل الجبل فال اعتقد‬ ‫أنهم سينظرون للوراء بعد اليوم”‪.‬‬

‫الناشط واملعتقل السابق حمد الطويل رأى أنه “كان‬ ‫ال بد من قيام ابناء السويداء بتحريرها وانضاممهم‬ ‫اىل اخوانهم السوريني بثورتهم املجيدة‪ ،‬إال ان املجتمع‬ ‫الدويل وقف حائ ًال وأخر قيامهم بذلك بهدف مساعدة‬ ‫بشار يف تدمري سوريا والسعي لتقسيمها‪ ،‬وأول هذه‬ ‫الدول السعودية التي منعت عنا السالح وأججت‬ ‫الرصاع الطائفي من خالل أدواتها باملنطقة بعض‬ ‫الفصائل االسالمية وجبهة النرصة‪ ،‬لكن بلغ السيل الزىب‬ ‫بأهلها وانتفضت لتسرتد كرامتها”‪.‬‬ ‫ويف تحليل قد يبدو غريباً أشار الطويل إىل أن النظام‬ ‫قد خطط لهذه املرحلة بعناية‪ ،‬بدليل “ان بعض االفرع‬ ‫األمنية قد سلمت نفسها وهي خالية من االسلحة‬ ‫متاما‪ ،‬وميكن للنظام ان يسلم املحافظة إلدارة مدنية‬ ‫مع وجود شكيل له كام يف الحسكة‪ ،‬وهذه بداية‬ ‫للتقسيم حيث سيضع الدروز يف مواجهة املجتمع‬ ‫الدويل بحجة انهم هم من ارادوا ذلك يك يربر لنفسه‬ ‫دويلته القادمة”‪.‬‬ ‫الناشط سامر عامر أحد أعضاء تنسيقية شهبا أجمل‬ ‫األمر بقوله “أن السويداء ُتظ َلم حني تتم مخاطبتها‬ ‫ككتلة صلدة دون األخذ بعني اإلعتبار أ ّنها مجتمع يشبه‬ ‫باقي الطيف السوري‪ ،‬فيها املوايل واملعارض واملشغول‬ ‫بأزماته التي خلقتها الحرب‪ّ .‬ربا تكون األزمة املعاشية‬ ‫الخانقة هي القاسم املشرتك بني رشائح هذا املجتمع‬ ‫والتي بدورها أنتجت املوقف االحتجاجي أمام مبنى‬ ‫املحافظة‪ ،‬الشعور العام لدى األغلبية بأن السلطة‬ ‫استقالت من مهامها أمام احتياجات املواطن مام أدّى‬

‫‪3‬‬


‫‪44‬‬

‫(فلم بالبلم)‬ ‫ْ‬ ‫أنقذت القارب بمن فيه‬ ‫السورية التي‬ ‫ّ‬

‫رامي العاشق‪ -‬ألمانيا‬

‫‪- 55‬‬ ‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2015 // 89 // 26‬‬ ‫‪2015‬‬

‫“صورة لر ّكاب البلم مع (أم محمد) بعد إنقاذهم من قبل خفر السواحل اليوناين​“‬

‫تقارير‬ ‫لقاءات‬

‫ُ‬ ‫حديث األحيا ِء الذي ال ُيعرف‬ ‫ه َو البح ُر مج ّددًا‪،‬‬ ‫من راكبيه سوى القليل من املوىت‪ ،‬يقول من نجا‪« :‬‬ ‫مل يكن هناك ٌ‬ ‫سبيل للعودة‪ُ ،‬‬ ‫املوت خلفنا‪ ،‬وأمامنا‬ ‫الحياة إن اجتزنا هذا املوت األزرق»‪ .‬وتصبح‬ ‫السامء‪،‬‬ ‫وجو ُه السور ّيني يف املا ِء طاغي ًة عىل وج ِه ّ‬ ‫امللح أك َرث ص ًربا‪ ،‬أجسادٌ تتك ّث ُف بقوارب‬ ‫ويصبح ُ‬ ‫ّ‬ ‫مطاط ّية تتّسع عاد ًة لعرشة أشخاص‪ ،‬باتت‬ ‫شخصا هار ًبا إىل حيا ٍة أخرى‪ ،‬الحياةُ‬ ‫تحمل ستّني ً‬ ‫ْ‬ ‫ليست الجنّة‪ ،‬بل حيا ٌة طبيع ّية‬ ‫املنشود ُة هنا‬ ‫ليصبح ركوب‬ ‫تحافظ عىل كرامة اإلنسانِ وحر ّيته‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أعظم الجها ِد وأطهره‪.‬‬ ‫البح ِر َ‬ ‫ّ‬ ‫توجه ركاب القارب إىل مكان‬ ‫قبل ركوب البح ِر‪ّ ،‬‬ ‫(امله ِّرب) الذي وضعهم يف ما يشبه اإلسطبل‬ ‫حتى يكتمل العدد‪ ،‬يقول أبو محمود الدوماين‬ ‫(اسم مستعار)‪« :‬امله ّرب تاجر برش‪ ،‬ال يعنيه‬ ‫رجل أو امرأة‪ ،‬طفل أو عجوز‪ ،‬وجميع امله ّربني‬ ‫الذين قابلناهم كانوا من متعاطي املخ ّدرات أو‬ ‫السكارى»‪ ،‬هناك كانت س ّيارة شاحنة لها صندوق‬ ‫مغلق‪ ،‬تستعمل لنقل القاممة والزفت‪َ ،‬‬ ‫كان يف‬ ‫املجموعة ثالث نسا ٍء وأربعة أطفال‪ ،‬وضعوا النّسا َء‬ ‫يف املقاعد األمام ّية والرجال يف الصندوق وأغلقوا‬ ‫الباب عليهم‪ ،‬حوايل ‪ً 52‬‬ ‫رجل يف الصندوق‪ ،‬كادوا‬ ‫أن يختنقوا‪ ،‬السيارة مرسعة بشكل جنوين‪ ،‬الرجال‬ ‫يف الخلف بدؤوا يش ّمون رائحة حريق‪ ،‬بدأ الرضب‬ ‫عىل السيارة من الداخل ولكن السائق السكران مل‬

‫يستجب‪ ،‬ا ّتصلوا بامله ّرب األصيل ليتّصل بالسائق‬ ‫ووعدهم أن يتصل به وير ّد عليهم‪ ،‬بدأت أصوات‬ ‫غريبة من محرك السيارة ُتس َمع‪ ،‬كام ّأن غيارات‬ ‫الرسعة مل تعد تعمل‪ ،‬والرائحة تزداد‪ ،‬فجأة وقفت‬ ‫الس ّيارة‪ ،‬اتصلوا بامله ّرب الذي يتحدّث العربية‪،‬‬ ‫قال لهم إن (الدبرياج) احرتق وسريسلون س ّيارة‬ ‫بديلة‪ ،‬الرجال يف الصندوق عىل وشك االختناق‪،‬‬ ‫وال يستطيعون التواصل مع النساء يف املقدّمة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكل الرضب عىل جدران الس ّيارة مل ُيج ِد نف ًعا‪،‬‬ ‫امله ّرب الذي يتواصلون معه عرب الهاتف يعدهم‬ ‫ّ‬ ‫بأن أحدًا ما سيأيت ليفتح الباب لهم‪ ،‬ولكن أحدًا مل‬ ‫يأت‪ ،‬فجأة سمعوا صوت رضبة قوية أشبه بحادث‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫س ّيارة‪ ،‬يف هذه األثناء‪ ،‬كان السائق املخمور قد‬ ‫نزل من الس ّيارة مرت ّن ًحا وأقفل أبواب الس ّيارة‪،‬‬ ‫وكان يتحدّث عىل الهاتف ليخرب رشكاءه بالعطل‪،‬‬ ‫فجأة رضبته س ّيارة وهربت فسقط ً‬ ‫أرضا ثم أتت‬ ‫س ّيارة أخرى وأخذته‪.‬‬ ‫أم محمد شاهدت الحادث‪ ،‬واألبواب مقفلة‬ ‫عليهم‪ ،‬والرجال بالخلف قاربوا عىل املوت‬ ‫اختنا ًقا‪ ،‬انتبهت أم محمد أن قفل أحد األبواب‬ ‫ّ‬ ‫معطل ومربوط بحبل‪ ،‬حاولت ف ّكه فلم تستطع‪،‬‬ ‫قصاصة أظافر‪ ،‬فتحت‬ ‫امرأة أخرى كانت تحمل ّ‬ ‫س ّكينتها الصغرية وأعطتها ألم محمد التي قطعت‬ ‫الحبل ونزلت إىل الخلف‪ ،‬رضبت عىل الصندوق‬ ‫وصاحت‪« :‬الشوفري هرب!» حاول أبو محمود أن‬

‫يهدّئها ويرشدها كيف ميكن أن تفتح صندوق‬ ‫الشاحنة‪ ،‬الساعة الثانية فج ًرا‪ ،‬وال يريدون لفت‬ ‫أنظار الرشطة لوجودهم‪ ،‬فتحت الصندوق‪،‬‬ ‫رجال كادوا أن‬ ‫وأنقذت قرابة االثنني وخمسني ً‬ ‫ميوتوا اختنا ًقا‪ ،‬نزلوا وتف ّرقوا يف (أزمري)‪.‬‬ ‫يف اليوم التايل‪ ،‬تج ّمعوا يف مكانٍ آخر‪ ،‬ويف نقطة‬ ‫انطالقٍ أخرى تس ّمى (مرمريس) قضوا ليلة يف‬ ‫الغابة وق ّرروا االنطالق إىل جزيرة (تسيمي)‬ ‫اليونانية‪ ،‬كانوا قد درسوا طبيعة الجزر اليونانية‬ ‫مسب ًقا‪ ،‬فهناك جزر عسكر ّية متارس العنف عىل‬ ‫الالجئني إليها وتعتقلهم وهناك جزر مدن ّية تسهل‬ ‫اإلجراءات فيها أكرث‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫القارب‪ ،‬فيتعطل املنفاخ‪،‬‬ ‫بنفخ‬ ‫يبدأ الرجال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألن االنتظا َر ٌ‬ ‫َ‬ ‫فيكملون نفخ ُه بأفواههم ّ‬ ‫ترف ال‬ ‫ينضج (البلم) ويوضع عليه املح ّرك‪،‬‬ ‫ميلكونه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الظالم حذ َر خف ِر السواحل‪،‬‬ ‫يف‬ ‫د‬ ‫األجسا‬ ‫ف‬ ‫وتتك ّث‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ال يش َء يدلهم عىل الض ّفة األخرى سوى البوصلة‪،‬‬ ‫أك ُرث من س ّت َ‬ ‫ني طال ًبا للحيا ِة بينهم الكثري من النسا ِء‬ ‫واألطفالِ يتكد َ‬ ‫ّسون هنا يف هذا (البلم) الذي‬ ‫أصبح بحجم أحالمهم‪ّ ،‬إل أن هذه األحالم رسعان‬ ‫َ‬ ‫ما تبدّدت حني اكتشف خفر السواحل الرتيك‬ ‫أمرهم‪ ،‬فالحقهم‪ ،‬وأطلق األعرية النار ّية يف الهواء‪،‬‬ ‫القارب‪،‬‬ ‫وص ّور قائد القارب‪ ،‬فخاف األخري وأوقف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وعم الرص ُاخ وصارت‬ ‫وانتهى‬ ‫صمت الليل والبح ِر ّ‬ ‫وتكب‪ ،‬وبعضهم رفع‬ ‫النسا ُء تبيك‪ ،‬والرجال تبيك ّ‬


‫في حياة السوريين وموتهم‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬ ‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫من املعروف أن غريزة البقاء عند البرش تشتدُّ أثناء األزمات والحروب‪ ،‬بحيث أن فقدان‬ ‫األمان والشعور بالتهديد الذي تخلقه الحرب‪ ،‬يدفع الناس إىل التعلق أكرث بأهداب‬ ‫الحياة‪ ،‬كردة فعل طبيعية وغريزية نابذة للموت املرت ِّقب‪ ،‬وا ُملح ِّلق يف فضاءات املكان‬ ‫واملخيلة‪.‬‬ ‫لكن هذا الوضع “الطبيعي” يف عالقة اإلنسان بالحياة واملوت‪ ،‬مل يعد يبدو طبيعياً‬ ‫إن نظرنا ومت َّعنا يف عالقة السوريني باملوت‪ ،‬ورأينا “قصة موتهم ا ُملع َلن” يف سوريا‬ ‫وباقي أنحاء العامل‪ .‬بل إن عالقة السوريني مع املوت؛ وبالتايل مع الحياة‪ ،‬باتت تشكل‪،‬‬ ‫من وجهة نظرنا‪ ،‬ظاهرة تستحقّ التوقف مطوالً‪ ،‬باعتبارها ظاهر ًة فريد ًة وشا ّذ ًة عن‬ ‫الطبيعي‪ ،‬وخارج النسق ا ُمل َف َّكر فيه برشياً حتى اليوم‪.‬‬ ‫رمبا تقاسم السوريون حاالت الهرب والهجرة واللجوء مع شعوب كثرية أخرى سبقتهم‪،‬‬ ‫شعوب عاشت ما عاشوه من قسوة الحرب وويالتها وظلمها‪ ،‬لكن الفارق الذي نراه‬ ‫جديراً باملالحظة‪ ،‬هو أن املغامرات الخطرة واملجازفات املجنونة التي يضع السوريون‬ ‫تنم عن رغبة بالحياة تدفع أصحابها‬ ‫أنفسهم بها‪ ،‬والتي أودت بحياة اآلالف منهم‪ ،‬ال ُّ‬ ‫الجتياز املخاطر بحثاً عن حياة كرمية‪ ،‬بقدر ما تشري إىل استسهال صارخ بقيمتها‪ ،‬ورفض‬ ‫قهري لرشوطها وأقدارها‪ .‬هو استسهال ناتج عن اليأس وفقدان املعنى‪ ،‬وناتج عن‬ ‫شعور السوريني أنهم وحيدون يف وحشتهم‪ ،‬مثلام كانوا وحيدين يف ثورتهم‪ ،‬ووحيدين‬ ‫يف مأساتهم‪ ،‬ومخذولني يف عامل “معارص” ومتفرج‪ ،‬عامل يتلذذ بسادية ممزوجة بالشفقة‬ ‫عىل موتهم العاري‪ ،‬وعريهم أمام املوت‪.‬‬ ‫تبدو مجازفات السوريني أقرب للنزوع االنتحاري الجمعي الناتج عن الخذالن املديد‪،‬‬ ‫وأشبه مبقامرة الهارب إىل املوت وليس الهارب من املوت‪ ،‬بعد أن تضاءلت الفوارق بني‬ ‫الحياة واملوت عندهم‪ .‬فهم يخاطرون بكل ما لديهم‪ ،‬يخاطرون بأطفالهم يف البحر ويف‬ ‫حملة حتى الرأس شعوراً بالذنب والحرص والتعب‬ ‫الغابات‪ ،‬ميضون أشبه بالكائنات ا ُمل َّ‬ ‫من البرشية ومن وجودهم فيها‪ ،‬ذنب تجاه من تركوهم خلفهم‪ ،‬وذنب تجاه من ماتوا‪،‬‬ ‫وذنب تجاه أطفالهم‪ ،‬وذنب تجاه الدول واملجتمعات التي ترفضهم ويهاجرون نحوها‪،‬‬ ‫يشعرون بثقلهم أينام ح ّلوا‪ ،‬هم من اعتادوا أن يحملوا ثقل اآلخرين‪.‬‬ ‫هناك تنويعة عىل املوت السوري ال تكف عن توليد الدهشة‪ ،‬وال يكف السوريون‬ ‫عن االندهاش من خ ّفة موتهم ذاته‪ ،‬هم ال يصدقون املوت‪ ،‬لكنهم غري ُممتنّني للحياة‬ ‫أيضاً‪ ،‬فبعد املوت بالرصاص الطائش والصواريخ املوجهة‪ ،‬الرباميل املتفجرة والكياموي‬ ‫الخانق‪ ،‬وبعد املوت ذبحاً وسبياً واغتصاباً وصلباً وتقطيعاً‪ ،‬ميوت السوريون غرقاً يف‬ ‫البحر‪ ،‬ميوتون اختناقاً يف شاحنات األطعمة املث ّلجة‪ ،‬ميوتون افرتاساً يف الغابات‪ ،‬ميوتون‬ ‫قهراً وغضباً من موتهم ذاته ومن استخفافهم واحتقارهم لقاتلهم‪ ،‬ميوتون كأن املوت‬ ‫مهنتهم الغابرة‪ ،‬أو كأنهم للموت وللتاريخ تجربة عابرة‪.‬‬ ‫ليس أسوأ من املصائب‪ ،‬سوى قسوة انعدام التعاطف وال معنى التضحيات‪ ،‬ال بل‬ ‫الشعور بتحمل وزر املصيبة وبأنها ُمستَحقة عقاباً عىل طلب الحرية‪ ،‬هذا ما يقوله‬ ‫العامل للسوريني‪ .‬فالعامل يبدو متعاطفاً مع القاتل ال مع الضحية‪ ،‬ال بل هو يعمم القتلة‬ ‫ويساوي بينهم يك يدين الجميع ويرتاح‪ ،‬ويفصل ذاته و ُيخيل مسؤوليته عن تلك‬ ‫املقتلة‪ .‬ذلك هو انقالب القيم الذي يجعل القيمة ذاتها عدماً‪ ،‬والحياة ذاتها بال قيمة‪،‬‬ ‫فالسوري ُيدان ألنه ُيقتَل وألنه مل يستطع قتل القاتل‪ ،‬يدان ألنه ثار‪ ،‬وألنه هارب من‬ ‫الحرب والثورة‪ ،‬لكن حقيقة اإلدانة تكمن يف أنها تعويض عن العبء األخالقي والقانوين‬ ‫والحقوقي الذي يجب أن يتحمله العامل معنا وتجاهنا‪ ،‬ال ألننا من هذا العامل فقط‪ ،‬بل‬ ‫ألنهم لن يستطيعوا رمينا “كالطفل مع غسيله الوسخ” دون أن تبتَّل أيديهم وأرواحهم‬ ‫مستقب ًال‪ ،‬فرتك السوريني يتفتتون أمام موتهم وضياعهم يف عامل معومل ومغرق يف الصورة‬ ‫واملعلومة والخرب‪ ،‬ليس مسألة متيض عىل الضمري اإلنساين ّ‬ ‫الكل كيشء عادي وبال أهمية‪،‬‬ ‫والسوريون لن يفنوا نتيجة هذه الحرب‪ ،‬بل سيمضون يف محاكمة العامل عىل صمته‬ ‫تجاه املحرقة التي تعرضوا لها وحيدين وعراة‪ ،‬وسيولِّدون الحياة من رماد ضحاياهم‪،‬‬ ‫ومن تجربتهم امل َّرة مع املوت والصمت‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫أطفاله عال ًيا لرياهم خفر السواحل ويتو ّقف عن إطالق‬ ‫املوت ح َ‬ ‫ني يرا ُه جهرة‪ ،‬يرمي‬ ‫النّار‪ ،‬إ ّنه ذع ُر‬ ‫الهارب من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫بالقارب‬ ‫القارب لريبطه‬ ‫خفر السواحلِ حبل إىل قائد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ليسحبوه‪ ،‬ويلقوا القبض عىل من فيه‪ ،‬فيمسك به‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الحبل وتعيد‬ ‫فتهم (أم محمد) لرتمي‬ ‫ويبدأ بذلك‪ّ ،‬‬ ‫تشغيل القارب وتنطلق!‬ ‫خرج مع عروسه يف‬ ‫أبو يزن عروس سوريّ من درعا‪َ ،‬‬ ‫البح ِر قاصدين أملانيا‪ ،‬كانت أحالمهام مع ّلقة يف هذه‬ ‫َ‬ ‫الرحلة‪ ،‬ح َ‬ ‫وصل إىل الشواطئ اليونان ّية‪ ،‬تن ّفس‬ ‫ني‬ ‫الصعداء ومللم َ‬ ‫بعض حزنه‪ ،‬وذاكرته التي امتألت بصو ِر‬ ‫الرجال الذين كانوا يبكون عندما اعرتضتهم سفينة خفر‬ ‫رجال‪ ،‬والله لوالها‬ ‫ثم قال‪ « :‬أم مح ّمد بـ ‪ّ 100‬‬ ‫السواحل ّ‬ ‫كنّا بالسجن برتكيا هأل‪ ،‬الرجال صاروا يبكوا وهيي ما‬ ‫انهزّتال شعرة»‪.‬‬ ‫(أم مح ّمد) مل تقد مرك ًبا يف حياتها‪ ،‬كانت مرتبكةً‬ ‫كث ًريا‪ ،‬أ ّية حرك ٍة غري مدروس ٍة قد تودي بحيا ِة األطفال‬ ‫والنّسا ِء والرجال الذين أصبحوا يف رعايتها‪ ،‬أحدهم‬ ‫ميسك بالبوصلة ويرصخ ًّ‬ ‫دال عىل جهة اإلبحار‪ ،‬وخف ُر‬ ‫السواحل مازال يطلق النّار يف الهواء‪( ،‬أم محمد)‬ ‫املرتبكة ال تستطيع السيطر َة عىل القارب‪ ،‬باتت تقرتب‬ ‫من سفينة خفر السواحل َ‬ ‫ْ‬ ‫كادت أن‬ ‫دون أن تدرك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يرفعون أطفالهم بأيديهم ويرصخون‬ ‫ترتطم بها‪ ،‬الرجال‬ ‫عىل خفر السواحل أن يك ّفوا عن إطالق النار‪ ،‬ويصيحون‬ ‫‪« :‬أطفال‪ ..‬أطفال»‪ ،‬س ّيدتان بدأتا باإلقياء بشكل جنوين‬ ‫ألنهام كانتا تحمالن يف أحشائهام سور ّيني جدد‪ ،‬خفر‬ ‫السواحل الرتيك َ‬ ‫أرتبك ً‬ ‫أيضا‪ ،‬فالقارب ميكن أن يرتطم‬ ‫بالسفينة يف أية لحظة‪ ،‬وقد يتسببون يف مقتل ّ‬ ‫كل من‬ ‫مرصة عىل عبور البحر وال‬ ‫عليه‪ ،‬و(أم مح ّمد) مازالت ّ‬ ‫يقرتب من السفين ِة والسفينةُ‬ ‫القارب‬ ‫تريدُ أن تتو ّقف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تهرب منه‪ ،‬حتّى استطاعت (أم محمد) السيطرة عىل‬ ‫ُ‬ ‫القارب واالبتعاد عن السفينة باتجاه الض ّفة األخرى‪،‬‬ ‫وسط ذهول الر ّكاب وصدّمتهم‪ ،‬وذهول رجال خفر‬ ‫القارب بأعينهم وظ ّلوا يراقبونه‬ ‫السواحل الذين ش ّيعوا‬ ‫َ‬ ‫من بعيد بدهشة مل يعرفوها قبل‪ ،‬من هذه املرأة؟‬ ‫وماذا رأت يك تغامر هذه املغامرة ومتلك هذه الشجاعة‬ ‫غري املألوفة!‬ ‫عندما وصل الناجون إىل الجزيرة اليونان ّية‪ ،‬قاموا بالغناء‬ ‫والرقص واالحتفال بعراضة شام ّية كبري ٍة تهتف ألم‬ ‫محمد التي أنقذتهم م ّرتني‪ ،‬م ّرة من االختناق‪ ،‬وم ّرة من‬ ‫االعتقال أو الغرق‪ ،‬تقول أم مح ّمد‪« :‬مل أكن يف وعيي‬ ‫وربا لو عاد الزمن ملا فعلتها‪ ،‬األطفال كانوا‬ ‫مطل ًقا‪ّ ،‬‬ ‫السبب ّربا» شهد الطفلة الحمص ّية من مدينة القصري‬ ‫التي مل تتجاوز الخامسة عرش من عمرها‪ ،‬ركضت‬ ‫إليها وق ّبلتها‪ ،‬وقالت لها وهي تبيك‪« :‬هذه محاولتي‬ ‫ُ‬ ‫غرقت وأنقذوين‪ ،‬وم ّرة أمسكني‬ ‫الخامسة‪ ،‬ثالث م ّرات‬ ‫رجال الرشطة وهذه األخرية‪ ،‬نجوت فيها بفضلك!»‪.‬‬ ‫يف هذه األثناء‪ ،‬مل يكن هناك وقت للكالم‪ ،‬تركوا للبكاء‬ ‫فرصته ليقول كلمته‪.‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫الواقع الطبي في الغوطة الشرقية بين‬ ‫الحاجة الملحة وفوضى التنظيم‬ ‫أبو القاسم السوري‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬ ‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫يعترب القطاع الطبي أحد أهم القطاعات التي‬ ‫ترتبط بها حياة املجتمعات يف عرصنا‪ ،‬ورمبا ال‬ ‫توجد مهنة يف العامل ارتبطت بالبعد اإلنساين أكرث‬ ‫من املهنة الطبية‪ ،‬فاملمرضات يوصفن مبالئكة‬ ‫الرحمة‪ ،‬واألطباء بأصحاب القلوب الكبرية‪ ..‬ويف‬ ‫مراحل الحروب والكوارث يتحمل هذا القطاع‬ ‫أعباء مضاعفة‪ ،‬ولعل الحالة السورية خري دليل‬ ‫عىل ذلك‪ ،‬فالقطاع الطبي سجل نقاطاً مضيئة‬ ‫سيذكرها التاريخ وستبقى محفورة يف ذاكرة‬ ‫السويني ووجدانهم‪ ،‬فكم من طبيب وممرض‬ ‫قدموا حياتهم يف سبيل مساعدة أهلهم السوريني‪،‬‬ ‫وكم من طبيب معتقل يف سجون النظام منذ سنني‬ ‫وتهمته الرئيسية الصدح بالحق‪.‬‬ ‫ويعترب القطاع الطبي يف الغوطة الرشقية أحد‬ ‫الحوامل الرئيسية للثورة يف قطاعها املدين‪ ،‬وقد‬ ‫عاىن هذا القطاع الويالت نتيجة الظروف التي‬ ‫مرت بها الغوطة الرشقية‪ ،‬لكن هذا القطاع شهد‬ ‫تخبطاً تنظي ًام ورشذمة انعكست عىل أرض الواقع‬ ‫بتعدد الجهات املسؤولة عن هذا القطاع‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل غياب االسرتاتيجية الطبية الواضحة مام ساهم‬ ‫يف خروج بعض الكوادر من الغوطة لتضيف عجزاً‬ ‫إضافياً عىل عمل هذا القطاع‪ .‬ولذلك سنحاول‬ ‫هنا تسليط الضوء عىل بعض هذه النقاط من‬ ‫خالل لقاءات أجرتها طلعنا عالحرية مع عدد من‬ ‫العاملني يف هذا القطاع ضمن الغوطة الرشقية‬ ‫لنتعرف منهم عىل واقع قطاعهم وما له وما عليه‬ ‫خاصة يف إطاره التنظيمي واملهني‪.‬‬ ‫بداية تحدثنا مع د‪ .‬صخر دمشقي رئيس شعبة‬ ‫صحة الغوطة الرشقية يف مديرية الصحة ومدير‬ ‫املكتب الطبي الثوري املوحد سابقاً‪:‬‬

‫ دكتور أنت من أوائل األطباء الذين عملوا يف‬‫املجال الطبي الثوري‪ ،‬كيف تصف لنا املراحل‬ ‫التاريخية لهذه التجربة؟‬

‫تقارير‬

‫بداية الثورة دخلنا جميعا كمواطنني ضمن الحراك‬ ‫السلمي ومطالب الحرية‪ ،‬ومع سقوط أول جريح‬ ‫بنريان قوات النظام كان لدينا نحن كأطباء التزام‬ ‫بإسعاف الجرحى خاصة أن النظام كان يقتحم‬ ‫املشايف ويعتقل الجرحى ويصفي بعضهم‪ ،‬لذلك‬ ‫اضطررنا ملعالجتهم بنقاط ميدانية متحركة‪ ،‬ومع‬ ‫تحرر الغوطة وما رافقه من قصف ممنهج ظهرت‬ ‫مبادرات من أطباء وناشطني لتنظيم العمل الطبي‪،‬‬

‫ويف حينها أسسنا املكتب الطبي الثوري املوحد يف‬ ‫الغوطة إلدارة األزمة الطبية وتنظيم العمل الطبي‪،‬‬ ‫بعدها بدأ يظهر الدعم الطبي وأصبح ينفذ‬ ‫مشاريع بشكل مبارش ووصلنا اليوم بعد ما يقارب‬ ‫‪ 4‬سنوات ونصف لواقعنا الحايل حيث يوجد‬ ‫جهات طبية فاعلة عىل األرض وهناك محاوالت‬ ‫حثيثة لتنسيق العمل بينها‪ ،‬وقد استطعنا أن نصل‬ ‫لدائرة تجمع الكل ‪.‬‬ ‫ أين تضع موقع شعبة الصحة عىل الخارطة‬‫ هل ميكن القول إن غالبية عملية التنظيم الطبية يف الغوطة؟‬‫هي مببادرات داخلية دون وجود جهة مركزية ما دامت الحالة الثورية مستمرة فنحن بحاجة‬ ‫تقود عملية التنظيم؟‬ ‫إىل جميع املبادرات القامئة‪ ،‬وبعد انتصار الثورة‬ ‫نعم هذا ما حصل‪ ،‬نحن كعاملني يف املجال الطبي سنعود جميعاً إىل حالة الدولة وحينها تكون‬ ‫كنا نعرف بعضنا فظهرت فكرة املكاتب الطبية وزارة الصحة هي الجهة الوحيدة الناظمة للقطاع‬ ‫الفرعية املحلية وتطورت للوصول ملكتب طبي الصحي‪.‬‬ ‫موحد‪ ،‬بعدها دخلت منظومة األطباء األحرار ‪ -‬ما هي الخدمات التي قدمتها الشعبة؟‬ ‫ومبادرات دعم إغايث وطبي وأنشئت مراكز شعبة الصحة استطاعت التعامل مع الجميع‪،‬‬ ‫خدمات‪ ،‬واليوم لدينا مكتب طبي موحد واتحاد ونحن سنكون داع ًام للجميع‪ ،‬وقد قمنا بتشغيل‬ ‫األطباء األحرار ومديرية الصحة والرساج للتنمية عدد من املشاريع التخصصية املركزية‪ ،‬عىل‬ ‫والرعاية الصحية والسامز وغريها‪.‬‬ ‫سبيل املثال مراكز العمليات الجراحية املركزية يف‬ ‫ هل تعتقد أن تنوع جهات الطبية بالغوطة دوما وهو مدعوم من الشعبة والغوطة بحاجته‪،‬‬‫أىت بنتائج جيدة أو سيئة؟‬ ‫ومنظومة اإلسعاف مدعومة أيضاً‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫تصميم‬ ‫نتاج‬ ‫وليس‬ ‫الواقع‬ ‫التنوع الحايل هو نتاج‬ ‫دعم محروقات للمراكز والنقاط الطبية التي تقدم‬ ‫مسبق‪ ،‬والغوطة كمنطقة محارصة تحتاج جميع خدمات مجانية‪ ،‬باإلضافة إىل مرشوع مستودع‬ ‫هذه الجهات ألن هناك جهات تدعم منظامت مركزي‪ ،‬وطبعاً طموحنا أكرب مام تحقق‪.‬‬ ‫مجتمع مدين وهناك جهات تدعم عن طريق ‪ -‬شعرت أن شعبة الصحة أقرب إىل الجهة‬ ‫الحكومة املؤقتة ووحدة تنسيق الدعم ونحن الداعمة‪ ،‬هل هذا صحيح؟‬ ‫باملحصلة عىل األرض نحتاج الستقطاب الجميع‪ .‬نحن نتعامل عىل أساس املحافظة عىل ما هو قائم‬ ‫يوجد نقطتني متنعان وجود جهة مركزية ترسم ومساندته‪ ،‬ويف وضعنا الحايل ال ميكن لجهة سلطوية‬ ‫سياسية طبية موحدة‪:‬‬ ‫مركزية تلبية حاجيات الغوطة يف ظل الحصار‪ ،‬رمبا‬ ‫‪ - 1‬عفوية الثورة‬ ‫يف الشامل السوري تستطيع مديريات الصحة أن‬ ‫‪ - 2‬شح الكوادر وضعف مقومات العمل‬ ‫تأخذ دوراً أكرب بسبب العوامل الجغرافية هناك‬ ‫لذلك ال ميكن العبث مبا هو قائم وإمنا علينا فقط والحدود املفتوحة‪.‬‬ ‫تنظيمه‪.‬‬ ‫ عندما ال يتلقى أحد املواطنني العناية‬‫األمر‪ ،‬وعندما نجتمع نتكلم بقضايا تقنية مهنية‪،‬‬ ‫ولكل رأيه الخاص بالشأن العام والسياسية‪ ،‬وهذه‬ ‫ظاهرة صحية‪ .‬فإذا استطعنا تنسيق التناقضات‬ ‫فهذا أمر إيجايب‪ ،‬وأنا أخىش ما أخشاه أن يتحول‬ ‫العمل ضمن املؤسسات الثورية القامئة إىل عمل‬ ‫بحد ذاته دون البعد الثوري‪ ،‬وهذا ال يشمل‬ ‫املجال الطبي فقط‪.‬‬

‫ يك ال تكون الصورة وردية أنت تعلم أنه ال املطلوبة من أحد املراكز هل يستطيع أن يلجأ‬‫يوجد دعم دون وجود أجندة سياسية‪ ،‬أال لجهة معينة للشكوى؟‬ ‫تعتقد أن تعدد الدعم سريافقه تعدد أجندات املواطنون عىل مشاربهم املختلفة يلجؤون لجهات‬ ‫سياسية وسينعكس ذلك عىل العمل الطبي؟ مختلفة يف هذا األمر‪ ،‬منهم من يلجأ للقضاء أو‬ ‫بالكالم عن العمل الطبي املهني فهو خارج للشعبة أو للمكتب الطبي املوحد‪ .‬نحن ما زلنا يف‬ ‫األجندات‪ ،‬ويوجد وعي طبي بذلك‪ ،‬ولكن طور تنظيم اإلدارة املدنية مل نستكملها بعد‪.‬‬ ‫باملحصلة كل من يعملون هم برش والجانب ‪ -‬يف حال حدوث خطأ طبي‪ ،‬مع علمنا أن‬ ‫الطبي مثله مثل باقي القطاعات يوجد فيه هذا نسبة ال يستهان بها من القطاع الطبي هم غري‬


‫‪7‬‬

‫متخصصني‪ ،‬هل يوجد جهة رقابية عىل ذلك؟‬

‫املرجعية يف ذلك هي للقضاء‪ ،‬والقضاء يستأنس‬ ‫برأي طبي تخصيص‪ ،‬نحن ال نستطيع االستغناء‬ ‫عن الكوادر الحالية حتى لو كانوا غري تخصصني‪،‬‬ ‫قبل أيام كنا مبعهد املعايل وهو معهد يرعاه األطباء‬ ‫األحرار وستتخرج أول دفعة باختصاص التمريض‪.‬‬

‫ ملاذا ال يتم العمل عىل استقدام أطباء من‬‫الشامل السوري؟‬ ‫هذا السؤال أساسه أخالقي‪ ،‬يوجد كثريين من أبناء‬ ‫الغوطة ضمن القطاع الطبي هم خارج الغوطة‪،‬‬ ‫ونسبة كبرية يف دمشق‪ ،‬وعندما يأخذ الطبيب‬ ‫قراراً بالعمل يف املناطق الثائرة فهو قرار شخيص‪،‬‬ ‫وال أعتقد أنه بعد هذه املدة هناك من مل يحسم‬ ‫قراره يف مكان العمل الذي يريده‪.‬‬

‫ويف حديث مع أحد األطباء يف الغوطة والذي‬ ‫فضل عدم ذكر اسمه تطرقنا ملوضوع الرواتب‪:‬‬ ‫العديد من املواطنني يف الشارع يقولون بأن‬ ‫املجال الطبي يف الغوطة هو عبارة عن سوق عمل‬ ‫برواتب عالية ما رأيك يف هذا األمر؟‬ ‫هذا الكالم فيه جانب كبري من الصحة‪ ،‬بداية‬ ‫العمل كان الدافع تطوعي وثوري ولكن بعد‬ ‫تدفق أموال الداعمني وظروف الحصار أصبح ذلك‬ ‫حافزاً لكثريين للعمل ضمن القطاع الطبي الثوري‪،‬‬ ‫وأصبح األطباء من العينة التي تتقاىض رواتب‬ ‫جيدة ومقبولة ضمن املجتمع املحارص‪.‬‬

‫ال ميكن أن أعطيك أرقاماً‪ ..‬كل جهة لها طريقتها‪،‬‬ ‫ولكن تصل بعض الرواتب الشهرية إىل ألفي دوالر‬ ‫أو رمبا أكرث‪ ،‬وأنا أمتنى أن يكون هناك تعرفة عادلة‬ ‫وموحدة لجميع األطباء وفق ساعات العمل‪.‬‬

‫ املوضوع املستغرب أن هذه الرواتب العالية‬‫فقط هي مخصصة لألطباء حرصاً بينام باقي‬ ‫الكادر الطبي ال تتجاوز رواتبهم ‪ 100‬دوالر‬ ‫شهرياً فام تعليقك عىل ذلك؟‬ ‫هذه مفارقة كبرية ال ميكن القبول بها‪ ،‬هناك‬ ‫تفاوت كبري يف األجور ما بني األطباء أنفسهم‬ ‫حسب جهة الدعم‪ ،‬وتفاوت كبري بني طبقة األطباء‬ ‫وطبقة التمريض‪.‬‬

‫‪ -‬ما هو سبب هذا الفرق الكبري يف األجور؟‬

‫السبب من جهة األطراف الداعمة ومن جهة ميكن‬ ‫اعتبارها سلوكيات خاطئة‪ ،‬وأصحاب القرار حقيقة‬ ‫هم األطباء مبؤسساتهم املختلفة‪ ،‬والحل هو وجود‬ ‫تعرفة تشمل الجميع وتكون موحدة‪.‬‬

‫ سمعنا عن موضوع استنزاف الكادر الطبي‬‫يف الغوطة وخروج العديد من كوادره لخارج‬ ‫الغوطة هل هذا األمر صحيح؟‬ ‫هذا صحيح‪ ،‬بعض الكوادر خرجت نهائياً من‬ ‫الغوطة والبعض بدأ يلجأ إىل املناطق املهادنة‬ ‫املجاورة حيث الوضع املعايش أفضل‪ ،‬وهو أمر قد‬ ‫يؤدي إىل الشلل التام للقطاع الطبي‪.‬‬

‫بعض هذا الكالم صحيح وأنا واحد من األطباء‬ ‫الذين ميتعضون من هذه الظاهرة‪ ،‬ولكن يف‬ ‫النهاية األطباء هم برش‪ ،‬فمثلام تجد شخصاً قنوعاً‬ ‫تجد شخصاً طامعاً‪ ،‬ولنكن رصيحني بعض الجهات‬ ‫الداعمة أغدقت بدعمها عىل األطباء برواتب‬ ‫عالية‪.‬‬

‫‪ -‬هل ميكن أن تعطيني ملحة عن هذه الرواتب؟‬

‫قد يكون التعب واإلرهاق منذ ‪ 4‬سنوات أحد‬ ‫األسباب‪ ،‬أو قد يكون الشعور بعدم األمن سبباً‬ ‫آخر‪ ،‬باإلضافة إىل الظروف اإلنسانية لبعض األطباء‬ ‫وخاصة لبعدهم عن عائالتهم مدة طويلة جدا‪.‬‬

‫ أال تعتقد أن الجهات الداعمة ساهمت‬‫بتدمري الروح التطوعية يف القطاع الطبي؟‬

‫نعم لعبت دوراً سلبياً جداً؛ أيام الفقر والعوز‬

‫تقارير‬

‫ دكتور أنت تتكلم عن رواتب مقبولة ولكن‬‫هناك معلومات بأن رواتب بعض األطباء قد‬ ‫ً‬ ‫تصل إىل آالف الدوالرات شهرياً‪ ،‬فهل هكذا ‪ -‬أليس غريبا أنه طاملا الرواتب عالية جدا‬ ‫فلامذا يخرج األطباء إىل خارج الغوطة؟‬ ‫رواتب تعترب مقبولة ضمن الغوطة؟‬

‫كان الجميع موحدين وعندما دخل الدعم تفرقنا‬ ‫وأمتنى أن نعود إىل الوضع املايض‪.‬‬ ‫وبالعودة ملوضوع املمرضني والظلم الذي يلحق‬ ‫بهم التقينا زينب املمرضة العاملة يف أحد املراكز‬ ‫الطبية لتقول‪:‬‬ ‫“شو بدي احيك ألحيك‪ ..‬لدينا يف املركز أكرث من‬ ‫شخص ال يعمل وراتبه أكرث من الذي يعمل!‬ ‫والسبب يف ذلك قربه من مدير املركز‪ .‬ال يوجد‬ ‫عدل بالرواتب وخاصة العامالت واملمرضات‬ ‫وهناك إهانات أحيانا يف العمل‪ .‬الدوام اليومي‬ ‫أكرث من ‪ 8‬ساعات والراتب ال يتجاوز ‪ 100‬دوالر‬ ‫بينام الدكتور نسمع أنه يصل إىل ‪ 1000‬دوالر‪.‬‬ ‫مساعد الجراح ال يتقاىض إال جزءاً بسيطاً مقارنة‬ ‫بالطبيب رغم أنه هو الذي ينجز أغلب العمل‪.‬‬ ‫عندما يكون هناك مندوبون من الجهات الداعمة‬ ‫ترى إدارة املركز تقوم بتقديم الخدمات للمرىض‬ ‫عىل أعىل مستوى بينام يف باقي األيام قد يغيب‬ ‫العديد من الخدمات‪.‬‬ ‫بعض األطباء يذهبون برحالت استجامم إىل‬ ‫املناطق املهادنة بينام يكون هناك حاجة ملحة له‬ ‫ضمن الغوطة!”‪.‬‬ ‫لعل الكثري يجب أن يقال‪ ،‬فهناك الكثري من النقاط‬ ‫اإليجابية يف املجال الطبي أهمها التضحيات‬ ‫الكبرية للعاملني يف هذا املجال واندفاعهم لخدمة‬ ‫املواطنني املحارصين يف الغوطة‪ ،‬وخاصة أن‬ ‫ظروف الحرب املدمرة والحصار قد جعلت القيام‬ ‫بالعمل الطبي وفق املستوى املطلوب أمراً شديد‬ ‫الصعوبة‪ ،‬ولكن ذلك ال مينعنا من القول إن هناك‬ ‫عديداً من النقاط التي ميكن استشفافها من خالل‬ ‫املقابالت السابقة تؤرش إىل رضورة ملحة للعمل‬ ‫عىل إصالحها‪ ،‬وقد يكون املدخل الرئييس يف ذلك‬ ‫هو من خالل تبني اسرتاتيجية تنظيمية واضحة‬ ‫لهذا القطاع وفق معايري عادلة وموحدة للجميع‪.‬‬

‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫عدد الكوادر املتوفرة أقل بكثري من املعايري‬ ‫الطبيعية يف أي مجتمع‪ .‬وهناك نقص يف الكوادر‬ ‫املتخصصة‪ ،‬ويوجد حالة عجز يف بعض التخصصات‬ ‫املهمة كالجراحة العصبية وال أحد ميلك ح ًال لذلك‪.‬‬

‫الدكتور صخر يف غرفة العمليات‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬

‫ هل يوجد إحصائية يف شعبة الصحة عن‬‫عدد األطباء التخصصني بالغوطة‪ ،‬وما هو‬ ‫معدل السكان لكل طبيب؟‬


‫‪8‬‬

‫مخيم اليرموك‪..‬‬ ‫اتفاق النظام وداعش والفصائل‬ ‫على حصار المخيم‬

‫عمر العبد اهلل‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬ ‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫تقارير‬

‫مخيم الريموك مل يعد مقرا للتنظيامت‬ ‫الفلسطينية السياسية واملسلحة عىل حد‬ ‫سواء‪ ،‬بل صار مقراً لتنظيامت متطرفة كداعش‬ ‫وغريها تسعى للسيطرة عىل جنوب دمشق‪،‬‬ ‫ومع ازدياد عدد هذه التنظيامت وازدياد حصار‬ ‫قوات النظام السوري للمخيم تزداد معاناة‬ ‫الفلسطينيني املتمسكني بالبقاء داخل املخيم‪.‬‬ ‫يقول نضال وهو عامل يف مطعم يف مخيم‬ ‫الريموك ويبلغ من العمر ‪ 21‬عاما‪ “ :‬مل أكن‬ ‫اتخيل يوما أن أعيش يف حصار‪ ،‬كنا نسمع‬ ‫دامئا عن حصار بريوت وحرب املخيامت‪،‬‬ ‫لكن أن أعيش األمر فهو يشء مختلف‪ ،‬نعاين‬ ‫هنا من انعدام كل يشء‪ ،‬ال طعام وال رشاب‬ ‫وال أدوية”‪ .‬ويضيف نضال أن الحياة يف مخيم‬ ‫الريموك أصبحت أشبه باملوت البطيء “ ننتظر‬ ‫املوت‪ ،‬جوعاً أو ذبحاً أو برباميل النظام‪ ،‬مل تعد‬ ‫طريقة املوت مهمة بالنسبة لسكان املخيم‪،‬‬ ‫فاملوت قادم قادم‪ ،‬ال ميكننا منعه‪ ،‬كل الطرق‬ ‫هنا تؤدي إىل املوت‪ ،‬إن مل تحاول الحصول عىل‬ ‫الطعام ستموت جوعاً‪ ،‬وإن حاولت االقرتاب‬ ‫من أطراف املخيم لتحصل عىل بعض العشب‬ ‫للطعام ستموت برصاصة قناص‪ ،‬وإن حاول‬ ‫فصيل ما أن يدخل إىل الريموك ستبدأ حمالت‬ ‫الرباميل والصواريخ‪ ،‬لذلك ننتظر املوت هنا‪ ،‬لن‬ ‫نغادر حتى منوت أيضا يف مكان آخر”‪.‬‬ ‫من جانبها تقول أم أحمد ‪ 28‬عاما‪ ،‬وهي شقيقة‬ ‫نضال وتعيش معه يف ذات املنزل ‪ ”:‬قدرنا‬ ‫كفلسطينيني أن نعاين من النزوح واملوت بشكل‬ ‫دائم‪ ،‬ال أدري ملاذا يالحقنا املوت يف كل مكان‪،‬‬ ‫الجميع يريد قتلنا‪ ،‬كثري من الفلسطينيني كان‬ ‫يعتقد أن نظام األسد يدافع عن الفلسطينيني‪،‬‬ ‫وأنا منهم حقيقة‪ ،‬لكن انظر إىل النتيجة‪ ،‬حصار‬ ‫كامل عىل املخيم‪ ،‬حتى الحصول عىل بعض‬ ‫العشب أصبح ممنوعاً بالنسبة لنا؛ من طرف‬ ‫منطقة حجرية جنوباً هناك بعض العشب‬ ‫لكن هناك قناصني عملهم منعنا من الوصول‬ ‫إىل ذلك العشب‪ ،‬داعش من طرف آخر‪ ،‬إن‬ ‫حاولت الهروب خارج املخيم سيقطعون‬ ‫رأسك‪ ،‬ألنك تهرب من الجهاد حسب زعمهم‪..‬‬ ‫هل املوت جوعاً جهاد؟”‪ .‬تقول أم أحمد إن‬ ‫عدد عنارص داعش يف املخيم ليس كبريا لكنهم‬ ‫يسيطرون عىل مناطق رئيسية يف املخيم وعىل‬ ‫بعض املخارج منه‪ ،‬لذلك فإن أي محاولة‬ ‫للفرار ستنتهي باملوت “ ليس عنارص داعش‬ ‫وحدهم من مينعون املغادرة‪ ،‬قوات حركة فتح‬

‫االنتفاضة التابعة للنظام السوري وجامعة أحمد‬ ‫جربيل (الجبهة الشعبية – القيادة العامة) أسوأ‬ ‫من داعش‪ ،‬ال ميكنك حتى االقرتاب من مناطق‬ ‫سيطرتهم‪ ،‬ستقتل مبارشة”‪.‬‬ ‫مل تستطع األمم املتحدة وال وكالة غوث الالجئني‬ ‫(أونروا) من إدخال مساعدات إنسانية للمخيم‬ ‫املحارص منذ ما يقارب العام‪ ،‬دخلت املساعدات‬ ‫مرة أو مرتني حسب قول حازم لكنها مل تكن تكفي‬ ‫أحداً‪ ،‬يقول حازم وهو طالب جامعي يف الـ ‪20‬‬ ‫منتسب لحركة الجهاد اإلسالمي‪“ :‬كل ما تحصل‬ ‫عليه يف املخيم هو الجوع واإلهانة واملوت‪ ،‬ال األمم‬ ‫املتحدة وال الوكالة وال السلطة استطاعت أن تفعل‬ ‫شيئا لنا‪ ،‬ماذا قدم لنا محمود عباس؟ ملاذا مل يحاول‬ ‫أن يفاوض صديقه األسد بخصوص املخيم؟ ألسنا‬ ‫فلسطينيني كباقي الفلسطينيني؟؟ ملاذا يتم تجاهلنا‬ ‫بالكامل؟ هذه املرة األوىل يف حيايت التي أفضل فيها‬ ‫“إرسائيل”‪“ ،‬إرسائيل” تفرض حصاراً عىل غزة لكنها‬ ‫ال متنع دخول الطعام والرشاب والدواء‪ ،‬ال متنع‬ ‫حتى دخول مواد البناء‪ ،‬األرسى لدى “إرسائيل”‬ ‫يخرجون بصحة جيدة وعزمية عالية لكن السجني‬ ‫يف سوريا رمبا ال يخرج من السجن”‪.‬‬ ‫يضيف حازم أن األمراض التي انترشت يف املخيم‬ ‫انقرضت من العامل منذ سنوات طويلة ‪ “ :‬كولريا‬ ‫ومالريا‪ ،‬هل نحن يف إفريقيا؟! واألسوأ هو الطاعون‪،‬‬ ‫يف أي قرن نعيش حتى نصاب بالطاعون؟! ال أدري‬ ‫كيف سينتهي حال هذا املخيم‪ ،‬لكني أصبحت‬ ‫متيقناً أننا لن نخرج منه أحياء‪ ،‬مخيم الريموك الذي‬ ‫كان يضج بالحياة أصبح مرتعاً للموت املتنقل‪ ،‬أمي‬

‫دامئا تقول إن املوت مل ميل منا بعد ويبدو أنها عىل‬ ‫حق”‪.‬‬ ‫مل يعد سكان الريموك قادرين عىل التحمل‪،‬‬ ‫فاألمراض التي انترشت يف املخيم واملجاعة التي‬ ‫تسيطر عىل سكان املخيم بلغت درجات غري‬ ‫إنسانية‪ ،‬يقول الدكتور عامر ‪ 42‬عاما‪ ،‬وهو طبيب‬ ‫يف مشفى حالوة يف املخيم ‪ “ :‬مل أر يف حيايت شيئاً‬ ‫كهذا‪ ،‬ال أعلم كيف ميكن إلنسان أن يتناول يومياً‬ ‫بضع رشات من الفلفل األسود كطعام ليوم كامل‪،‬‬ ‫سكان املخيم اليوم هم عبارة عن أشباح ال أكرث‪ ،‬لو‬ ‫نظرت اىل أجسامهم ووجوههم سرتى املوت يسكن‬ ‫فيها وال يغادرها‪ ،‬سواء األطفال أو البالغني‪ ،‬يوم‬ ‫أمس زارتني سيدة مع رضيع مصاب بأمل شديد يف‬ ‫البطن ألنها أرضعته ملح وفلفل أسود مع ماء وليس‬ ‫حليب! الحليب مادة نادرة جداً‪ ،‬املخيم ميوت بكل‬ ‫أشكال املوت البطيء والرسيع‪ ،‬واألحياء املجاورة‬ ‫املؤيدة للنظام متتلك كل ما تحتاجه‪ ،‬لكن النظام‬ ‫والتنظيامت املتطرفة والفصائل املؤيدة للنظام‬ ‫والسلطة الفلسطينية اتفقت عىل حصار املخيم‪،‬‬ ‫اتفقت عىل موت الفلسطينيني جوعاً وعطشاً ورعباً‬ ‫وذبحاً حتى يف دول الشتات‪ ،‬حتى لو أردنا الفرار‬ ‫فال مكان نهرب إليه‪ ،‬هذه هي حالنا‪ :‬املوت من‬ ‫كل الجهات”‪.‬‬

‫مل يعد شارعا لوبية والثالثني يف مخيم الريموك شارعا‬ ‫الحياة التي ال تنتهي‪ ،‬فالشارعان اللذان اعتاد السكان‬ ‫صخبهام وضجيج أسواقهام‪ ،‬أصبحا اليوم عبارة عن ركام‬ ‫ودمار وجوع‪ ،‬مل تعد سينام النجوم يف مخيم الريموك‬ ‫صالة لحضور األفالم‪ ،‬بل صارت رعباً ورؤوساً مقطوعة!‬


‫العرب والكرد مصير مشترك‬

‫‪9‬‬ ‫دحام السطام‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬ ‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫مقاالت القسم الكوردي‬

‫رغم ّأن األغلبية الكردية تتقن اللغة العربية‪،‬‬ ‫فث ّمة رشيحة واسعة من العرب القاطنني يف‬ ‫املناطق الكردية‪ ،‬يتحدثون اللغة الكردية‬ ‫بطالقة بفعل التجاور والتزاوج والعالقات‬ ‫االجتامعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫ولعل حال التوجس والتباعد التي سادت بني‬ ‫الطرفني‪ ،‬إن كانت سياسياً أو ثقافياً لعقود‬ ‫ُبع ْيد استقالل سوريا‪ ،‬هي نتاج فرض منوذج‬ ‫الدولة املركزية القامعة للتعدد والرافضة االقرار‬ ‫بالوجود التاريخي الجغرايف للكرد‪ ،‬وخاص ًة بعد‬ ‫مجيء األنظمة العسكرية القوموية إىل الحكم‪،‬‬ ‫وبالتايل قامت هذه األنظمة باغتصاب السلطة‬ ‫ومقدرات البالد‪،‬‬ ‫وأكدت الرؤى العنرصية حيال الكرد‪ ،‬ورسعان‬ ‫ما ألبست لبوساً ثقافوياً‪ ،‬وأخذت تطبق‬ ‫سياسات امحاء وتشويه ثقاف ٌيني بحق الشعب‬ ‫الكردي عرب حظر لغته وثقافته وتسفيههام‪.‬‬ ‫فالرشخ الحاصل عىل مختلف الصعد يف العالقة‬ ‫العربية ‪ -‬الكردية بفعل املامرسات البعثية‬ ‫القومية حيال الشعب الكردي‪ ،‬تعريباً‪ ،‬وتبعيثاً‪،‬‬ ‫وصهراً قومياً آن اآلوان لرتميمه وإعادة بناء‬ ‫التواصل والتالقح الثقافيني كمدخل لتكريس‬ ‫أرضية التعايش والتسامح والتكامل أكرث فأكرث‬ ‫بني العرب والكرد‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬وبعد ميض اكرث من اربع سنوات ونصف‬ ‫عىل الحراك يف سورية فأن املستوى الثقايف يف‬ ‫العالقة العربية ‪ -‬الكردية بقي مهم ًال وضامراً‬ ‫رغم رضورته وأهميته لتمتني البنية التحتية‬ ‫للتشارك العريب ‪ -‬الكردي يف سوريا املستقبل‪.‬‬ ‫هذا البلد الذي مل يشهد يوماً اقتتاالً عربياً‬ ‫كردياً بالرغم من أالعيب الساسة والراديكاليني‬ ‫ومحاوالتهم البائسة‪.‬‬ ‫إن تفعيل املنجزات واملشرتكات الثقافية بني‬ ‫الشعبني يبقى االستثامر األمىض يف تكريس‬ ‫تفاهمهام وتفهمها لآلخر‪ ،‬وال س ّيام ّأن اإليغال‬ ‫البعثي والقوموي العرويب والتطرف واإلرهاب‬ ‫الذي يحاول أبلسة الكرد وتصويرهم عدواً‬ ‫وخطراً عىل العرب انعكس‪ ،‬لألسف‪ ،‬حتى‬ ‫عىل الوسط الثقايف العريب يف سوريا وخارجها‪،‬‬ ‫كام انعكس بدوره‪ ،‬وإىل ح ّد كبري‪ ،‬عىل البنى‬

‫القاعدية الشعبية التي تأثرت بطبيعة الحال‬ ‫بالخطاب الثقايف والسيايس السائد املعادي لكل‬ ‫ما هو كردي (أنظر املوقف الثقايف وحتى الشعبي‬ ‫العريب العام خارج سوريا من مجزرة كوباين _عني‬ ‫عرب مث ًال)‬ ‫وبنا ًء عليه ّ‬ ‫فإن الرشوع يف تكريس مناخات انفتاح‬ ‫وتبادل ثقافية صحية بني العرب والكرد يف سوريا‬ ‫خاصة‪ ،‬وتالياً يف املحيط العريب ّ‬ ‫ككل بات مهمة‬ ‫عاجلة ال تحتمل التسويف‪ .‬لذا عملت ورشعت‬ ‫بعض منظامت العمل املدين التي عملت يف بناء‬ ‫السالم والتشاركية والعيش املشرتك يف محاولة‬ ‫ترميم هذه العالقات‪ ،‬لكنها مع األسف مل تلق‬ ‫صدى إيجابياً تفاعلياً كبرياً‪ ،‬وذلك للرتاكامت الكبرية‬ ‫من الظلم واالضطهاد‪ ،‬ناهيك عن طفو عىل السطح‬ ‫للتنظيامت املتطرفة االرهابية والخطاب القومي‬ ‫العدمي‪ .‬وعملت ايضا القوى العسكرية عىل‬ ‫تعميق التصدعات يف املجتمع السوري خالل األربع‬ ‫سنوات املاضية‪ .‬لذا أجربت الناس عىل أدلجة الهوية‬ ‫فصاروا عدوانيني بالفطرة‪.‬‬ ‫إن إيجاد رؤية اسرتاتيجية لتوطيد التعايش‬ ‫والتكامل بني العرب والكرد تدخل من بوابة الثقافة‬ ‫نحو بناء دولة تشاركية ــــ دولة املواطنة والقانون‪،‬‬ ‫فبعد عقود من االضطهاد والصهر القومي املتبعة‬ ‫بحق الكرد تبدو املهمة ثقيلة وصعبة عىل املثقفني‬ ‫السوريني يف استقطاب الثقافات الوطنية املتعددة‬ ‫وخصوصاً الكردية‪ ،‬وإعادتها إىل دائرة التفاعل مع‬ ‫الثقافة الوطنية السورية العامة لتؤدي دورها‬ ‫للنهوض بسوريا‪.‬‬ ‫ومن املعروف ّأن الثقافة الكردية هي التي س ّهلت‬ ‫التواصل وااللتقاء بني حاميل الثقافتني الكردية‬ ‫والعربية‪ ،‬وهنا تظهر أهمية دور املؤسسات والنخب‬ ‫الثقافية واإلعالمية العربية يف تسليط الضوء عىل‬ ‫هذه الحقيقة وأداء دورها املفرتض لكرس الحاجز‬ ‫النفيس‪ ،‬الذي أوجده اإلستبداد مبامرساته‪ ،‬وابتلع‬ ‫طعمه املجتمع والناس‪ ،‬هذه املامرسات خلقت‬ ‫يف العقلية الجمعية الكردية توجساً‪ ،‬يك ال نقول‬ ‫قطيعة‪ ،‬من كل ما هو عريب وخلقت يف املقابل يف‬ ‫العقلية الجمعية العربية توجساً واضطراباً‪ ،‬ما أبعد‬ ‫الثقافة الكردية عن نظريتها العربية‪ ،‬وق ّلص دورها‬ ‫وحضورها التفاعيل‪.‬‬

‫الحقيقة أن الثقافة الكردية قامئة عىل التسامح‬ ‫وعدم التعصب والبعد عن روحية االنتقام والنزعات‬ ‫الثأرية‪ ،‬مام م ّثل عالمات بارزة يف العقل الثقايف‬ ‫الكردي‪ ،‬فض ًال عن متثل قيم العيش املشرتك وقبول‬ ‫اآلخر وتفهمه‪ ،‬أيضاً الثقافة العربية يف سورية هي‬ ‫ليست عنرصية شوفينية وال يوجد بها غلو‪ ،‬ولكن‬ ‫كون الثقافة الكردية نابعة من الشعب وللشعب‪،‬‬ ‫وأل ّنها ح ّرة االنطالق وبدون قيود‪ ،‬ولكونها ثقافة‬ ‫معبة عن شعب مضطهد وصاحب قضية تح ّررية‬ ‫ّ‬ ‫عادلة جعل املختصني يقومون بتصنيفها وتسميتها‬ ‫كثقافة شعبية منفتحة ال متقوقعة‪ .‬هي ثقافة‬ ‫منفتحة عىل الثقافات األخرى ويف مقدمها الثقافة‬ ‫العربية‪ .‬ويف مجال الشعر‪ ،‬مث ًال‪ ،‬تتضح الصورة أكرث‬ ‫لجهة التقارب والتناغم بني الثقافتني‪ ،‬فالعديد من‬ ‫الشعراء واملبدعني الكرد معروفون لدى القارئ‬ ‫العريب بفعل تقارب املواضيع والعوامل الشعرية‪،‬‬ ‫الناجم عن عوامل التجاور والتامزج االجتامعي‬ ‫والثقايف والروحي‪.‬‬ ‫وإذا ما كانت السياسة تفرق‪ ،‬فإن الثقافة ميكنها‬ ‫أن توحد وأن ترمم ما تفسده األوىل‪ ،‬وخاصة إذا ما‬ ‫أديرت دفتها بتبرص ورحابة أفق‪ .‬فهي بنظر غالبية‬ ‫املثقفني العرب ما زالت متثل الرهان األخري للحلم‬ ‫املعبة عن التعدد‬ ‫يف الوحدة الوطنية الطوعية ّ‬ ‫والتنوع يف مجتمعاتنا‪ ،‬قومياً ودينياً ومذهبياً‬ ‫وثقافياً‪ ،‬بعيداً عن الشعارات واملشاريع السياسية‬ ‫املؤدلجة الزائفة‪ .‬وخاص ًة ّأن الكرد يتميزون بقدر‬ ‫عال من الحصانة الذاتية واملحافظة عىل الخصائص‬ ‫والثوابت القومية واللغوية والثقافية بعد قرون‬ ‫طويلة من التعايش والتامزج االجتامعي والديني‬ ‫مع العرب‪.‬‬ ‫أن ما يلزمنا اليوم نحن العرب والكرد السوريني‪ ،‬هو‬ ‫العمل معاً إلعادة انتاج ذواتنا من جديد والوقوف‬ ‫عند هذه الذوات‪ ،‬وبالتايل ألن نحمل مع ُا مرشوعاً‬ ‫ثقافياً هو الحامل ملا هو فكري قادم‪ ،‬نلتقي معاً‬ ‫لقاء الثقافات الوطنية‪ ..‬نفتح الباب لكل الثقافات‬ ‫السورية املتنوعة واملتامزجة للتعارف والحوار‪،‬‬ ‫نسميه لقاء وحوار الثقافات الوطنية‪.‬‬ ‫لنطلق نحن السوريني هذا املرشوع ولنبدأ به من‬ ‫الجزيرة وليحمله العرب والكرد ويكون منوذجاً‬ ‫يحتذى به لسوريا وللمنطقة‪.‬‬


‫عودة الروح‬ ‫‪10‬‬

‫فادي محمد‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 6 - 55 -‬‬

‫مقاالت‬

‫منذ اللحظات األوىل للثورة السورية‪ ،‬أدرك‬ ‫النظام جيدا ما الواجب استهدافه يف هذا الحراك‬ ‫الشعبي‪ ،‬أدرك نقطة القوة ليست فقط التي‬ ‫تحرك الناس بل هي األساس املتني يف ازاحته‪،‬‬ ‫نقطة القوة التي هي استقبال الجموع الشعبية‬ ‫للحظة التاريخية الفاصلة والعظيمة‪ ،‬استقبالهم‬ ‫لها بالروح الواجب أن تكون يف لحظات التغيري‬ ‫التاريخية‪ ،‬الروح املشبعة بأفكار الحق ومقولة‬ ‫الحق‪ ،‬باملساواة الحقوقية‪ ،‬باإلميان بأن االنسان –‬ ‫الفرد كائن حر‪ ،‬ووعي أن حريته مطلب مقدس‪،‬‬ ‫بالتالزم مع عدم التفريط بوحدة املجتمع‬ ‫ورضورة بناء الدولة املدنية الدميقراطية‪ ،‬دولة‬ ‫الحق والقانون‪.‬‬ ‫هذا املوقف الروحي املتقدم عند نقطة تالقي‬ ‫الظروف هو الوحيد والوحيد فقط القادر عىل‬ ‫تحقيق أهداف الثورة بتكنيس نظام النهب‬ ‫(النهب املرشوط عند هذا النظام بتدمري املجتمع‬ ‫والقيم واالنسان عرب الشكل األقبح للدولة –‬ ‫الدولة األمنية)‪ ،‬هذه الروح هي الوحيدة القادرة‬ ‫عىل االنتقال بالبالد من حال اىل حال‪ ،‬من‬ ‫االستبداد اىل طريق الحرية‪.‬‬ ‫مل تساعد الظروف أبدا يف تجذير هذه الروح‬ ‫وجعلها صلبة متامسكة أمام آلة العنف الرهيبة‬ ‫التي ووجه فيها الناس يف انتفاضتهم‪ ،‬باإلضافة أن‬ ‫جذرها املعريف بعيد زمنيا قد يرجع اىل أيام أسئلة‬ ‫النهضة العربية (األفغاين‪ ،‬الكواكبي‪ ،‬محمد عبده‪،‬‬ ‫رشيد رضا‪ ،‬قاسم أمني) وتتمته يف املرحلة الليربالية‬ ‫القصرية وصوال اىل أخالقيات وأحالم حركة التحرر‬ ‫الوطنية‪ .‬وانقطاع هذا الخط باستالم الطغمة‬ ‫البعثية العسكرية مقاليد السلطة وتدشني الخط‬ ‫النازل االنحطاطي عرب لفلفة أسئلة املراحل‬ ‫السابقة واستبدالها بكاريكاتري كذبة النموذج‬ ‫الستاليني‪ ،‬بالرغم من هذا األثر الخفيف للزمن‬ ‫البعيد‪ ،‬فان الروح املتميزة يف اللحظات األوىل‬ ‫من الثورة استلهمت من شعور الناس أن يتعرفوا‬ ‫عىل أنفسهم بالضدية مع النظام أو سوداوية‬ ‫النظام‪ ،‬نظام طائفي‪ ،‬أعلنوا وحدة املجتمع‪،‬‬ ‫نظام استبدادي‪ ،‬رفعوا راية الحرية‪ ،‬نظام أمني‬ ‫عسكري‪ ،‬هتفوا بالسلمية شعارا وسلوكا‪ ،‬نظام‬ ‫فاسد‪ ،‬نادوا باألخالق‪ :‬الشباب الثائر يف حمص‬ ‫تعاهدوا وظهر عهدهم عىل الشاشات “لن نريش‬

‫بعد اآلن موظفا” عىل الرغم من أن الرشوة‬ ‫باتت تقليدا معمام يف مؤسسات الدولة‪ ،‬ردا عىل‬ ‫استخدام النظام للشيخ رمضان البوطي باستثامر‬ ‫ايديولوجيا اسالمية محافظة‪ ،‬هتف أهل الرسنت‬ ‫وراء نجايت طيارة “الدين لله والوطن للجميع”‪.‬‬ ‫باملجمل كان الجذر الرئييس للروح السورية‬ ‫يتحدد بالضدية مع خمسني عاما من الظالمية‪،‬‬ ‫تفاصيل “الظالمية” يعرفها السوريون‪ ،‬لذلك كانوا‬ ‫قادرين عىل مواجهتها بتفاصيل ضدية “نورانية”‬ ‫شكلت الروح الواجب للتغيري‪.‬‬ ‫النظام الذي أدرك أن معركته الكربى هي مع‬ ‫هذه الروح املرعبة واملهددة لوجوده كانت‬ ‫اسرتاتيجيته وتكتيكه يف كل األيام التي تلت أن‬ ‫ينتكس بها محاوال جعلها مثيلته‪ ،‬اعادة انتاجها‬ ‫مبا يشبه قبحه وظالميته‪ .‬وبدون مواربة أو نظرة‬ ‫رغبوية أو مجامالت أو رش السكر عىل الواقع‬ ‫فإن ما آلت اليه األمور تكشف عن نجاحات ال‬ ‫يستهان بها للنظام (جر الناس للتسلح‪ ،‬تفيش‬ ‫الخطاب الطائفي‪ ،‬األيديولوجيا السائدة باتت‬ ‫ايديولوجيا سلفية‪ ،‬انتهاكات تقوم بها فصائل‬ ‫تتبنى االيديولوجيا املذكورة‪ ،‬املحاكم الرشعية‬ ‫بدال من القضاء املدين‪ ،‬القتل والخطف والنهب‬ ‫عىل الهوية‪ ،‬االستغناء عن هوية وطنية واستبدالها‬ ‫بهويات دينية‪ ،‬األعالم السوداء بدال من علم‬ ‫الثورة‪ ،‬تغول العسكريني عىل املدنيني‪...‬الخ)‪.‬‬

‫ليست هذه النجاحات للنظام فقط (فهلوة) منه‪،‬‬ ‫بل ألن روحاً تشكلت برد الفعل أقل متاسكا من‬ ‫الروح ذات الجذر املعريف‪ ،‬كان ميكن لرد الفعل‬ ‫األخالقي والعظيم أن ينجح لو أن املواجهة مع‬ ‫الثورة كانت أقل قسوة‪ ،‬وباملقابل وباالستعانة‬ ‫بالتاريخ‪ ،‬ميكن القول أنه كان ميكن لروح لها جذر‬ ‫معريف متني أن تصمد أمام كل هذه القسوة ( كل‬ ‫الثورات الربجوازية املنترصة ابتداء بهولندا ومرورا‬ ‫بانكلرتا وأمريكا حتى الثورة الفرنسية كانت‬ ‫االيديولوجيا السائدة هي الربوتستانتية – وأغلبها‬ ‫الكالفينية – أي أن االصالح الديني منجزا – هذا‬ ‫جذر متني ملوقف روحي انترص وأنتج طريقا لنمو‬ ‫الحرية)‪.‬‬ ‫لكن‪ ..‬هل عودة الروح ممكنة؟‪ ..‬استعانة‬ ‫بالتاريخ هي أكرث من ممكنة‪ ،‬وذلك بوعينا أن‬ ‫ال طريق للحرية اال بها‪ .‬ان من يعتقد أن طريق‬ ‫الحرية مير من سيد قطب وعبد الله عزام وأمين‬ ‫الظواهري‪ ..‬وأساسهم ابن تيمية والطليعة‬ ‫االسالمية املقاتلة واتهام الناس واألمم بالجاهلية‪،‬‬ ‫لهو واهم‪ ،‬ذلك الخط عىل الضد‪ ،‬طريق الحرية‬ ‫يبدأ من تجذير معريف لروح الحق باآلية العظيمة‬ ‫{ َف َمن َشاء َف ْل ُي ْؤ ِمن َو َمن َشاء َف ْل َي ْك ُف ْر}‪ ،‬حقي يف أن‬ ‫أكفر‪ ،‬وحقك يف أن تؤمن‪ ،‬هذه ثقافة موجودة‬ ‫مسبقاً‪ ..‬اظهارها للفعل يحتاج إلرادتنا‪ ،‬وعودة‬ ‫الروح امكان قائم بحاجة أوالً لإلرادة‪.‬‬


‫اللجوء من الوطن‬ ‫شوكت غرز الدين‬

‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫اللجوء منه‪.‬‬ ‫يسرتشد وعينا الحايل بالنموذجني‪ ،‬وكذلك يفعل‬ ‫وعينا البديل‪ .‬األول يحافظ عىل الوطن ألنه جنّة‬ ‫والثاين يقلب وطنه إىل مكان أخر يعتربه جنّة‪.‬‬ ‫ومن هنا علينا بناء وطن حسب مناذجنا وفاعليتنا‬ ‫وليس حسب هذه النامذج البالية‪ .‬وهنا تقع‬ ‫عملية تفكيك العالقات الكامنة والسائدة وإعادة‬ ‫بناءها إنسانياً‪.‬‬ ‫الوطن السوري ليس جنة وال رح ًام وكذلك الوطن‬ ‫األملاين وال الوطن ا ُملراد بنائه أيضاً‪ .‬يجب التعلم‬ ‫من الجغرافيا َّأن األرض كرو ّية َّ‬ ‫وأن كل نقطة يف‬ ‫الكرة األرضية هي كام النقاط األخرى ال تفاضل‬ ‫بينهم‪ .‬ويجب التصدي ملحاربة اللجوء أخالقياً من‬ ‫خالل تصورات للوطن عفى عليها الزمن؛ ألنها غري‬ ‫مرتبطة بحقوق اإلنسان وكرامته وإطالق فاعليته‪.‬‬ ‫بل مرتبطة بالصرب والتأقلم والشفقة والتطنيش‪...‬‬ ‫وكام يرتبط اللجوء بالخوف واألمل والقرف‬ ‫والخجل كذلك يرتبط بالتصورات األخالقية‬ ‫والجاملية‪ .‬واللجوء مرهون بعدة عوامل ومنها‬ ‫عامل الوعي يف املقام األول‪ .‬فبدون وعي تصوراتنا‬ ‫ووعي عالقتها بالوطن يتأبد اللجوء ويتأبد الوطن‬ ‫ويخرجا من التاريخانية املرتبطة بالزمان واملكان‬ ‫وفاعلية البرش‪.‬‬ ‫علينا إذن خلخلة “اليقني” الذي يجعلنا نقبل‬ ‫الوطن عىل عالته وعالقاته‪ .‬وإظهار ًّأن هذا‬ ‫بدهي وال أبديّ ‪ ،‬بل هو دوماً نتيجة‬ ‫اليقني ليس‬ ‫ّ‬ ‫بناء يتعني علينا معرفة قواعده وعالقاته التي‬ ‫ميكن مبوجبها قبول بعضها والتنبيه عىل البعض‬ ‫اآلخر منها‪ .‬أي بعبارة واحدة‪ ،‬علينا تبديد األلفة‬ ‫الظاهرية الرتجاجية مفهوم الوطن‪ .‬ونقد تصور‬ ‫الوطن بوصفه جنّة أو رح ًام لبناء وطن وفق‬ ‫معايري فاعليتنا‪.‬‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬

‫تصوير وكاالت‬

‫مقاالت‬

‫الوطن عن اللجو ِء إليه‪ .‬وكذلك‬ ‫يختلف اللجو ُء من‬ ‫ِ‬ ‫يختلف واقع الوطن عن تصورا ِتنا عنه‪ .‬ويطرح‬ ‫هذا االختالف مفارقة صادمة للوعي العا ّم‪ ،‬تتم ّثل‬ ‫سور ّياً يف العالقة املقلوبة التي صارت بني اللجوء‬ ‫وبني الوطن‪ ،‬وبني واقع الوطن وبني تصوراتنا عنه‪.‬‬ ‫فبدل ْأن نلجأ إىل الوطن رصنا نلجأ منه‪ .‬وبدل ْأن‬ ‫تكون عالقتنا بالوطن عالقة احتواء‪ ،‬كالرحم الذي‬ ‫يحتوينا‪ ،‬بات الوطن عالقة فاعلية‪.‬‬ ‫كان اللجوء إىل الوطن أمراً مألوفاً ألننا نسكن‬ ‫إليه حتى لو مل نكنْ نسكن فيه‪ ،‬أما اللجوء من‬ ‫الوطن فيخالف تعاليمنا الثقافية والحضارية‬ ‫تصور الوطن جنّة ورح ًام‪ .‬فلامذا نلجأ من‬ ‫التي ّ‬ ‫الجنّة والرحم؟! َّ‬ ‫ألن الوطن تح ّول جحي ًام ببساطة‬ ‫ومل يكن يوماً ج ّن ًة أو رح ًام‪ .‬ورغم تصور الوطن‬ ‫كجنّة ورحم واعتباره أغىل يشء عند البرش‪ ،‬إال‬ ‫أن البرش ترحل عنه وتغادره وتلجأ منه‪ .‬وهنا‬ ‫تكمن مفارقة اللجوء من الوطن؛ إنها بني واقع‬ ‫الوطن وبني تصوراتنا عنه‪ .‬وقد أوهمتنا تصوراتنا‬ ‫ًّأن الله ضامن لحياتنا ووطننا ومستقبلنا! كام‬ ‫توهم “ديكارت” يوماً َّأن الله ضامن لعملية ش ِّكه‬ ‫املنهجي!‬ ‫فلطاملا ارتبطت مفردتا اللجوء والوطن بعالقة‬ ‫تناقض فيام بينهام؛ بحيث إذا حرضت إحداهام‬ ‫غابت األخرى‪ .‬واستق ّر هذا االرتباط إيجابياً يف‬ ‫وعي عا ّمة البرش؛ ألنه مثة عالقات قرابة وجوار‬ ‫النفيس بني مفهوم الوطن‬ ‫وتشابه عىل الصعيد‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مفهومي الجنَة والرحم‪ .‬وذلك لِام يفرتض‬ ‫وبني‬ ‫ّ‬ ‫أن تحققه مثل هذه املفاهيم‪ ،‬يف الالشعورين‬ ‫آمن‬ ‫“املعر ّيف‬ ‫والجمعي”‪ ،‬من سكين ٍة ومال ٍذ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫لإلنسان‪.‬‬ ‫فمن املفرتض ْأن يلجأ اإلنسان إىل وطنه ال ْأن‬ ‫يلجأ منه! ْ‬ ‫وأن يحاول العودة إىل الوطن‪-‬الرحم‬ ‫والبقاء فيه ال ْأن يهرب منه! ْ‬ ‫وأن يطلب الوطن‪-‬‬ ‫الجنَة التي غادرها مكرهاً ال ْأن يف ّر منها! ولكننا‬ ‫أصبحنا إزاء عالقة مقلوبة؛ فقد انعكست العالقة‬ ‫سلبي‪ ،‬فبات‬ ‫بني اللجوء والوطن وتحولت ملعنى ّ‬ ‫السوريّ ‪ ،‬ال السكون إليه‪ ،‬ناظ ًام‬ ‫اللجوء من وطنّا ّ‬ ‫لعالقتنا بالحياة وموجهاً لها‪ .‬كيف ال؟! وحياتنا‬ ‫باتت لجوء وبات موتنا خالص!‬ ‫أصبح الوطن جحي ًام يحرق أبنائه كالرحم الذي‬ ‫يخنق جنينه والجنّة التي رمت أصحابها‪ .‬ففي‬ ‫السوريّ ‪ :‬مجازر متعدِّدة وقتل‬ ‫وطن كالوطن ّ‬

‫يومي وموت من الجوع وتدمري وسجن وتعذيب‬ ‫ّ‬ ‫وخطف‪ .‬وفيه أيضاً انعدام سبل العيش الكريم‬ ‫وغري الكريم‪ .‬ناهيك عن ظهور مافيات وعصابات‬ ‫ومؤسسات للتجارة بقضيتنا وأحالمنا ومستقبلنا‬ ‫ّ‬ ‫وماضينا‪ ،‬وجثثنا وأعضائنا وإغاثتنا ولجوئنا‪ .‬يف‬ ‫ظل غياب املسؤولية واملحاسبة والعدالة‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يطرح نفسه بشدّة هو ملاذا‬ ‫انقلب الوطن إىل منفى؟ ألننا ارتكبنا “الخطيئة‬ ‫األوىل” وهي املطالبة بحريتنا! فكام أخرج الله‬ ‫آدم وحواء من الجنّة عقاباَ لهام عىل “خطيئة‬ ‫املعرفة”‪ ،‬أخرجنا “الحاكم‪-‬اإلله” من وطنّا لعقابنا‬ ‫عىل “خطيئة الحر ّية”‪ .‬وإذا كانت عقوبة آدم‬ ‫وحواء العودة للطبيعة بالعمل واألمل فإن عقوبتنا‬ ‫العودة لدورة الطبيعة كسامد لها ومواد عضو ّية‪.‬‬ ‫ائم ثالث نفسياً يف اقتضاء‬ ‫وهكذا‪ ،‬تتعادل جر ٌ‬ ‫الشعور بالذنب وتصعيد حلم العودة‪“ .‬جرمية‬ ‫املعرفة” يف الجنّة و”جرمية الوالدة” من الرحم‬ ‫و”جرمية اللجوء” من الوطن‪ .‬فكل جرمية من‬ ‫هذه الجرائم تقتيض ْأن يشعر اإلنسان بالذنب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫النفيس إما‬ ‫وأن يك ِّفر عن هذا الذنب بالتصعيد‬ ‫ّ‬ ‫من خالل العودة للجنة أو للرحم أو للوطن‬ ‫وكأنهم واحد‪ ،‬أو بناء وطن عىل منوذجهم‪.‬‬ ‫يف الجنّة‪ ،‬كان اإلنسان مندغم بالطبيعة مثله‬ ‫كمثل أي يشء يف الطبيعة‪ ،‬وعندما أكل التفاحة‬ ‫رمز املعرفة انفصل عن الطبيعة‪ ،‬وعرف نفسه‬ ‫متاميزاً عنها‪ .‬فجاءت العقوبة عىل هذا التمرد‬ ‫بالعودة للطبيعة من خالل العمل واألمل‪ .‬وتع ّمق‬ ‫يف وعينا إما هاجس العودة للطبيعة‪-‬الجنّة التي‬ ‫غادرناها يف املايض مكرهني‪ ،‬ولكن بدون أمل وعمل‪،‬‬ ‫وإما طلب الجنّة يف املستقبل ألنها ُت ِّثل السكينة‬ ‫والل ّذة األبدية‪ .‬أما يف الرحم‪ ،‬فكان الجنني هانئاً‬ ‫محمياً يأخذ طعامه إن لزم األمر من نقي عظم‬ ‫أمه وال يهتم إال بالليبيدو (الل ّذة)‪ ،‬فأتت الوالدة‬ ‫طبيعياً وأخرجته من سكينته ومالذه وقطعت‬ ‫عليه ل ّذته‪ ،‬فص ّعد حلم العودة إىل هذا الرحم‬ ‫وتصوره منوذجاً يقيم عليه وطنه‪.‬‬ ‫منوذجان يقودان تصورات الوطن هام النموذج‬ ‫الديني يف قصة الخلق التوراتية‪ ،‬والنموذج‬ ‫البيولوجي يف عملية الوالدة من الرحم‪ .‬ويساند‬ ‫هذان النموذجان النموذج الجغرايف لتعميق‬ ‫الوعي بالوطن‪-‬املكان‪ ،‬ومن ثم التصعيد تجاهه‬ ‫بعد كثري من مشاعر الندم والشعور بالذنب عىل‬

‫‪11‬‬


‫خطاب النظام وسيكولوجيا جماهيره‬

‫‪12‬‬

‫نوار عقل‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬ ‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫مقاالت‬

‫بعد بداية الثورة بعام أخرج اإلعالم السوري من‬ ‫أرشيفه خطابات قدمية للمجرم الخالد حافظ‬ ‫االسد‪ ،‬كان قد تحدث فيها عن املؤامرة واإلعالم‬ ‫وعن املامنعة واملقاومة والتصدي لألخطار املحدقة‬ ‫باألمة العربية وخطر االسالميني املتشددين‪ ،‬وذلك‬ ‫يف خضم أحداث الثامنينات‪ .‬كان هذا الخطاب‬ ‫(عرصياً) متاماً ومتامشياً حد التطابق مع بروبغندا‬ ‫النظام وإعالمه يف تعاطيه مع الثورة‪ ،‬حتى قال‬ ‫البعض بنبوة القائد وتوقعه املستقبل‪ ،‬وكأنه‬ ‫يتحدث عن واقعنا الراهن‪ .‬الغالبية العظمى‬ ‫من جامهري النظام مل يخطر ببالها أبداً أن القائد‬ ‫ال يتحدث عن املستقبل‪ ،‬بل أن حارض النظام‬ ‫وإعالمه كان يتحدث بنفس اللغة قبل ثالثني‬ ‫عاماً مضت مام أتاح هذا التشابه الفظيع‪ .‬أي أن‬ ‫املفارقة قامئة بالخلط بني اعتبار السبب نتيجة‪،‬‬ ‫والنتيجة سبب‪.‬‬ ‫إنه حقاً ليشء يدعو للسخرية حتى القرف أال‬ ‫تتطور أساليب املجرم التربيرية‪ .‬لكن‪ ....‬لحظة‪،‬‬ ‫لنتمهل قلي ًال يف إصدار مثل هذا الحكم‪ .‬قال‬ ‫غوستاف لوبون يف كتابه “سيكولوجيا الجامهري”‬ ‫قبل أكرث من قرن مىض‪ ،‬بأن الجامهري لديها عقائد‬ ‫ثابته مشحونة بالالهوت‪ ،‬وأن التفتت يف اآلراء‬ ‫مينع استبداديتها وطغيانها‪ ،‬وبالتايل متيل الجامهري‬ ‫اىل الالمباالة بالتعدد‪ ،‬كام أن الجامهري ال تعقل‪،‬‬ ‫فهي ترفض األفكار أو تقبلها ك ًال واحداً من دون‬ ‫أن تتحمل نقاشها‪ ،‬وما يقوله لها الزعيم يغزو‬ ‫عقلها رسيعاً فتتجه إىل تحويله حركة وعم ًال‪ ،‬وما‬ ‫يوحى به للجامهري ترفعه إىل مصاف املثال‪ ،‬ثم‬ ‫تندفع به يف صورة إرادية إىل التضحية بالنفس‪.‬‬ ‫يف هذه الحالة الجامهريية تنخفض الطاقة عىل‬ ‫التفكري ويذوب املغاير يف املتجانس بينام تطغى‬ ‫الخصائص التي تصدر عن الالوعي‪ ،‬كام أن‬ ‫ردود الفعل الدينية حارضة دوماً لدى الجامهري‬ ‫وتفيض بها إىل عبادة الزعيم وإىل الخوف من‬ ‫بأسه واإلذعان ملشيئته فيصبح كالمه دوغام ال‬ ‫تناقش‪ ،‬أما الذين ال يشاطرون الجامهري إعجابهم‬ ‫فيصبحون هم االعداء‪.‬‬ ‫إذن قد يبدو أن خطاب النظام هذا‪ ،‬هو الخطاب‬ ‫الوحيد املتاح أمامه‪ ،‬فهو قا ٌر يف الوعي الجمعي‬ ‫لجامهريه (األبية)‪ ،‬لذلك تغدو اعادته عىل لسان‬ ‫القائد األب باين (املجد) ترسيخاً للثوابت التي‬ ‫انبنت عليها سلطته وتأكيداً عىل عمق العملية‬

‫السلطوية كرتاث حارض وتاريخ يعيد نفسه‪ ،‬اليشء‬ ‫الذي يحفز لتثبيت النظام من جديد كام حصل‬ ‫يف الثامنينيات‪ .‬فالعدو مرتبص بالنظام داخلياً‬ ‫وخارجياً وهذا ما حدا بالنظام إىل توحيد خطابه‬ ‫واالستمرار عليه دون أن يرف له جفن متعامياً‬ ‫عن كل األحداث‪ ،‬منكراً كل الرباميل‪ .‬وهو الذي‬ ‫يعرف عمق االرتباط العضوي الذي صنعه مع‬ ‫الطائفة العلوية‪ ،‬ويعرف مستوى العالقات التي‬ ‫حرص عىل ترسيمها بني البنى االجتامعية السورية‪،‬‬ ‫كام أن النظام الذي قام منذ نشأته عىل أرس‬ ‫الطائفة العلوية لتتمجد بفضالته وتتميز عن باقي‬ ‫الطوائف والتيارات السورية باقرتابها من العائلة‬ ‫الحاكمة‪ ،‬وامتالكها حق القوة عىل اآلخرين بعد‬ ‫أن كانت مهمشة ال حول لها وال قوة‪ ،‬مل يغري‬ ‫يشء من طبيعته يف عهد االبن‪ ،‬اليشء الذي يضع‬ ‫الطائفة اليوم يف مأزق تاريخي حقيقي كان من‬ ‫املمكن أن يكون أخف وطأة لو مل تنجرف جامهري‬ ‫النظام معه ضد أي فعل ثوري يسلبها حقها يف‬ ‫سوريا األسد‪ ،‬وهذا ما يربر القول (بالعلوية‬ ‫السياسية) اليوم‪.‬‬

‫ال توجد الجامهري من دون قائد‪ ،‬والعكس صحيح‬ ‫أيضاً‪ ،‬إذ ال يوجد قائد من دون جامهري‪ ،‬هذا ما‬ ‫كان واضحاً يف خطاب النظام ممث ًال برئيسه منذ‬ ‫بداية الثورة يف مجلس الشعب‪ ،‬بالفصل بني‬ ‫جمهوره وبني باقي السوريني فال رمادية‪“ ،‬إما معنا‬ ‫أو ضدنا” وقد أصبح أوضح وأكرث رصاحة يف آخر‬ ‫خطاب له بعد خمس سنوات‪“ ،‬سوريا ملن يحميها‬ ‫ويدافع عنها وليس ملن يحمل جواز سفرها”‪.‬‬ ‫إن النظام ببساطة شديدة ال يخاطب السوريني‬ ‫بل يخاطب جمهوره الخاص‪ .‬سوريا األسد لكم‬ ‫فدافعوا عن سوريا األسد لتبقى لكم‪ .‬يبقى أن‬ ‫اليشء األهم‪ ،‬واألكرث تعبرياً ووضوحاً‪ ،‬ليس ما‬ ‫تكلم به بشار األسد وإمنا ما سكت عنه ومل يقله‬ ‫يف كل خطاباته الطويلة‪ ،‬وهو الذي مل يكف يوماً‬ ‫عن الخوض بالتفاصيل‪ ،‬فشعارات منارصيه التي‬ ‫امتألت بها جدران دمشق عىل وجه الخصوص‪،‬‬ ‫كــــــ” األسد أو نحرق البلد”‪ ،‬كانت هي التعبري‬ ‫الرصيح واألكرث وضوحاً عن خطاب النظام منذ‬ ‫بداية الثورة حتى اليوم‪ ،‬مثلام كانت هي األكرث‬ ‫تعبرياً عن سيكولوجيا جامهريه‪.‬‬


‫تحويل األلم‬ ‫إلى فرجة‬ ‫عروة مقداد‬

‫‪13‬‬

‫جديع دواره‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬ ‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫يكرر النظام اليوم نفس الخطأ الذي ارتكبه ببقية املناطق‪ ،‬فهو يعتقد بأن االغتيال‬ ‫والبطش‪ ،‬سريهب الناس يف السويداء ويجعلهم يهرولون طالبني حاميته‪.‬‬ ‫إن السياق التي جرت به عملية االغتيال عرص األمس الجمعة باملتفجرات وأدت‬ ‫الستشهاد نحو ‪ 27‬شخصاً معظمهم من مشايخ الكرامة وجرح نحو ‪ 48‬آخرين‪،‬‬ ‫تؤكد بأن السويداء كانت تعيش حالة من الغليان‪ ،‬فاالعتصام الذي بدأ قبل أربعة‬ ‫أيام يتصاعد‪ ،‬وقطع االتصاالت‪ ،‬وتدخل مؤيدي النظام من مشايخ عقل وغريهم‪،‬‬ ‫مل تجد نفعاً‪ ،‬خاصة أن االستياء من سوء األوضاع املعاشية والفساد أفقد النظام ما‬ ‫تبقى له من مؤيدين‪.‬‬ ‫يف موازاة ذلك فإن حركة “مشايخ الكرامة” التي بدأت بالظهور للعلن قبل نحو‬ ‫سنة‪ ،‬شكلت عبئاً كبرياً عليه‪ ،‬مل يعد يستطيع احتامله؛ فهم أعلنوا أن املعتصمني‬ ‫بحاميتهم‪ ،‬وسبق لزعيمهم الشيخ وحيد البلعوس أن دعا علناً إىل عدم االلتحاق‬ ‫بجيش النظام‪ ،‬بل ومتكن مع رجاله من تحرير عدد من املعتقلني وهاجم مق ّر‬ ‫األمن الجوي‪ ،‬واعرتض طريق القطع العسكرية التي حاول النظام إخراجها من‬ ‫املحافظة‪ ،‬وأعلن عن هدر دم رئيس املخابرات العسكرية يف املحافظة املدعو‬ ‫“وفيق نارص”‪ ،‬الذي بدوره حاول أكرث من مرة اغتياله‪.‬‬ ‫يضاف إىل هذا تصاعد مخاوف النظام من فقدان السيطرة عىل السويداء إثر تقدم‬ ‫فصائل املعارضة يف درعا وسيطرتهم عىل اللواء ‪ 52‬قبل عدة أشهر‪ ،‬ومحاولتهم‬ ‫تحرير مطار الثعلة داخل محافظة السويداء‪ ،‬ومبادرة البلعوس إىل فتح قنوات‬ ‫اتصال مع أحرار درعا‪ ،‬ومتكنه من تشكيل حالة استقطاب وقوة عىل األرض يحسب‬ ‫حسابها‪ ،‬وبدأت تتلقى الدعم من أبناء السويداء بالداخل والخارج‪.‬‬ ‫النظام كان أيضاً أمام خيارات صعبه‪ ،‬فإما سيرتك األمور تتفاقم وتخرج عن سيطرته‬ ‫شيئاً فشيئاً‪ ،‬أو أنه سيحاول أن يرضب “الرضبة القاضية” كام أوحت له أوهامه‪،‬‬ ‫وطبعاً هو استسهل ما أعتاد عىل فعله‪ ،‬وكانت مبثابة “الشعرة التي قصمت ظهر‬ ‫البعري”‪.‬‬ ‫الجبل اليوم لن يعود كام كان‪ ،‬وكونه مل يشهد مواجهات عسكرية تذكر‪ ،‬فإن‬ ‫التعويل عليه يف تشكيل حالة من اإلدراة املدنية كبري‪ ،‬لكن باملقابل النظام لن يرتكه‬ ‫وشأنه‪ .‬سيحاول استعادته عن طريق الرتهيب والرتغيب‪ ،‬وإن فشلت مساعيه فهو‬ ‫لن يوفره من القصف والحصار‪ ،‬وخلق فتنة مع الجوار‪ ،‬أوعرب تسهيل دخول داعش‬ ‫إىل املحافظة‪ ،‬كام فعل بباقي املناطق‪.‬‬ ‫إن أهمية تحرير السويداء من قبضة النظام تكمن يف إسقاط ادعائه بحامية‬ ‫األقليات وتأييدها له‪ ،‬خاصة أمام الخارج‪ ،‬وحتى أمام حلفائه‪ ،‬فسيشكل هذا‬ ‫إحراجاً للنظام‪ ،‬كام إن وجود محافظة من لون مختلف يف رقعة املناطق املحررة‪،‬‬ ‫يفرتض أن يساهم يف تعديل الصورة عن طبيعة الحراك املعارض يف سوريا‪ ،‬بأنه‬ ‫إسالمي تكفريي متطرف‪ ،‬ويعطي فرصة أفضل للقوى املعتدلة والتي تؤيد إقامة‬ ‫نظام مدين دميقراطي يف سوريا املستقبل‪ ،‬طبعاً باإلضافة إىل الجهد املطلوب ألبناء‬ ‫املحافظة يف تقويض سلطة االسد والدفع باتجاه إسقاطه‪.‬‬ ‫إن الخيار الوحيد ألبناء الجبل اليوم للمىض يف مواجهة النظام‪ ،‬والتخفيف من‬ ‫كلفة هذا الرصاع‪ ،‬هو يف م ّد الجسور مع القوى املعتدلة يف درعا والقنيطرة وريف‬ ‫دمشق‪ ،‬لتشكيل جبهة مواجهة واحدة ض ّد النظام‪ ،‬وإن نجح هذا املسعى فإنه‬ ‫باعتقادي سيكون املحور القادر عىل دخول دمشق وتحريرها من حكم الطاغية‬ ‫وإسقاط النظام إىل غري رجعة‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫متعنت كثرياً يف صورة الطفل النائم عىل الشاطئ‪ .‬قرأت ما‬ ‫استطعت من ردود األفعال عىل جسده الراقد عند أمواج البحر‪،‬‬ ‫رمبا يكون نوع من الهوس إذ قلت إنني وجدت الطفل جميل‬ ‫يف إغفاءته الهادئة أمام دناءة العامل‪ .‬جسد غض صغري متكور‬ ‫كصدفة ش ّكلها زبد البحر فغفت عىل شاطئه‪.‬‬ ‫ورحت أفكر ماهي الوسيلة األكرث قسوة يف القتل؟ الغرق؟‬ ‫االستهداف بصاروخ؟ برميل يحيل الجلد ّ‬ ‫الهش إىل رماد؟ االختفاء؟‬ ‫املوت تحت التعذيب؟ إال أنه ال مفاضلة بأشكال القتل‪ .‬فالقتل‬ ‫هو القتل‪ .‬إذاً ما الذي جعل كل هؤالء عىل اختالف أماكنهم‬ ‫ووظائفهم وانتامءاتهم وتحليالتهم يفزعون لصورة الطفل‬ ‫الصغري؟ ال شك أن اإلنسان لديه رغبة يف تحويل األمل إىل متعة‬ ‫ليتغلب فيها عىل األمل‪ ،‬إنها متعة األمل الجميل الذي يحولها إىل‬ ‫فرجة مستساغة أمام العجز أو عدم الرغبة بالفعل‪ .‬فالجميع‬ ‫عىل اختالفهم قام بتناقل تلك الصورة وتداولها عىل أنها يشء من‬ ‫الفرجة كام يتداول فيل ًام قاسياً عن الحرب العاملية أو كام يتداول‬ ‫فيل ًام مرعباً تخرج منه مخلوقات فضائية‪ .‬وهل هنالك يشء مفزع‬ ‫أكرث من تحول جثة طفل صغري مرمية عىل الشاطئ إىل أيقونة‬ ‫نواح متكررة؟ أليس من املفرتض أن تدفع تلك الصورة آالف من‬ ‫السوريني قبل الدول الغربية نحو قرار حاسم بالعودة إىل سوريا‬ ‫وخوض معركة رشسة إلسقاط س ّفاح األطفال؟ لكن أطفال سوريا‬ ‫قد ُق ِتلوا منذ موت حمزة الخطيب الذي تحول أيضاً إىل أيقونة‬ ‫نواح يتداولها السوريون يف املناسبات‪ ،‬كام ستتحول صورة هذا‬ ‫الطفل إىل ملصق أو شعار ُيتداول أيضاً يف املناسبات‪ .‬وإن كان مثة‬ ‫مفاضلة يف املوت‪ ،‬فموت حمزة الخطيب أشد أثراً وترويعاً وإثارة‬ ‫ملشاعر الكراهية يف النفس تجاه هذا النظام املجرم‪.‬‬ ‫عادت يب الذاكرة وأنا أحدق بالصورة إىل قصة امرأة من جنوب‬ ‫سورية حاولت اللجوء مع طفلها إىل األردن أواخر ‪ .2011‬مل‬ ‫يكن مثة مناطق محررة حينها‪ ،‬ومل تكن معارك الجيش الحر‬ ‫قد بدأت‪ .‬ومل يكن أمام املرأة للوصول إىل الطرف األردين سوى‬ ‫كرم زيتون ال تتجاوز مساحته ‪ 100‬مرت‪ .‬كان كرم الزيتون أشبه‬ ‫بحقل رعب‪ .‬فالجيش العريب السوري يرصد الكرم مبختلف أنواع‬ ‫األسلحة يتصيد بها الهاربني من قمعه ومن سجونه‪ .‬ضمت املرأة‬ ‫طفلها وركضت يف عتمة الليل وصلت املرأة إىل الطرف األردين‬ ‫دون طفلها‪ .‬كان جسده الناحل الرقيق قد مزقه الرصاص ورماه‬ ‫ككيس عىل األرض‪ .‬مل يكن األمر يحتاج إىل عبور سوريا وتركيا‬ ‫من الجنوب إىل الشامل‪ ،‬وركوب قارب ومن ثم الغرق واالستلقاء‬ ‫عىل الشاطئ‪ ...‬كانت املسافة بضعة أمتار فقط ليستلقي الطفل‬ ‫يف كرم زيتون أمام عيني أمه التي راقبت تفسخ جثته كل يوم ومل‬ ‫تستطع الوصول إليه‪.‬‬ ‫ما هو املهم يف التوثيق سوى تحويل الضحايا إىل أرقام؟ ما هو‬ ‫املهم يف روي القصص سوى أنها تجعل من األمل متعة؟! وما هو‬ ‫املهم من تناقل هذه الصور سوى عدم اتخاذ قرار حاسم ومصريي‬ ‫لدى السوريني ووحدهم السوريون من أجل إسقاط النظام الذي‬ ‫يدفع نحو كل أشكال املوت؟!‬

‫هل يكون تحرير السويداء‬ ‫مفتاح لدخول دمشق؟‬


‫الثورة وفضاءاتها‬ ‫‪14‬‬

‫باسل مطر‪,‬‬ ‫مشروع سالمتك‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬ ‫‪2015 /9 / 6‬‬

‫مقاالت‬

‫يف األيام املاضية رصد ناشط آيسلندي يعيش‬ ‫سوري يف لبنان يتجول‬ ‫لرجل‬ ‫يف الرنويج صور ًة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف بريوت يبيع األقالم حامال ابنته الصغرية عىل‬ ‫كتفه محاوالً كسب قوته‪ .‬تعاطف الناشط مع‬ ‫الصورة ومع صاحبها‪ ،‬وأطلق حمل ًة عىل تويرت‬ ‫لجمع مبلغ خمسة آالف دوالر ملساعدته‪.‬‬ ‫كانت االستجابة للحملة هائلة حيث جمع‬ ‫مبلغاً وصل إىل أكرث من ‪ 180‬ألف دوالر خالل‬ ‫يومني‪ ،‬ولفت نظر محطات التلفزة والصحف‬ ‫الكربى‪ ،‬وساعدته إحداها يف الوصول إىل‬ ‫صاحب الصورة‪ ،‬وأصبح بائع األقالم السوري‬ ‫رمزاً ملعاناة السوريني يف دول اللجوء والشتات‪،‬‬ ‫ورمزاً للقوة الهائلة لتويرت‪ .‬رمبا مل يكن سيتسنى‬ ‫لهذه الحملة أن تحظى بذات النجاح لو كانت‬ ‫عىل فيسوك بسبب اختالف طبيعة املنصة‬ ‫واختالف روادها رغم عددهم الهائل‪ .‬فالحملة‬ ‫كانت يف املكان املناسب‪ ،‬بني األشخاص‬ ‫املناسبني‪ ،‬وتحمل هدفاً ال ميكن التشكيك‬ ‫فيه أو الحرية تجاهه‪ ،‬وهو مساعدة رجل من‬ ‫الواضح أنه بحاجة للمساعدة مدعمة بدليل‬ ‫قاطع وهو صورته تلك‪.‬‬ ‫يعود تاريخ استخدام اإلنرتنت يف النشاط‬ ‫السيايس املعارض‪ ،‬وبغرض حشد الدعم وراء‬ ‫فكرة معينة لدفعها إىل األمام‪ ،‬إىل بداية‬ ‫التسعينيات‪ ،‬حيث قام معارض من دولة‬ ‫الغابون األفريقية بإنشاء موقع عىل اإلنرتنت‬ ‫يدعو لرحيل الدكتاتور الحاكم منذ تسع‬ ‫وعرشين عاما يف ذلك الوقت‪ ،‬وبعد فرتة قالت‬ ‫منظمة العفو الدولية بأن خمسة من مواطني‬ ‫تلك الدولة اعتقلوا بسبب انتسابهم إىل‬ ‫مجموعة إلكرتونية مرتبطة بذلك املوقع‪ ،‬ولعل‬ ‫تلك الحادثة كانت أوىل حاالت االعتقال عىل‬ ‫خلفية النشاط اإللكرتوين‪ .‬ورسعان ما تطورت‬ ‫التقنيات وأىت تويرت ثم فيسبوك وغريه من‬ ‫منصات التواصل االجتامعي والتدوين القصري‪،‬‬ ‫وأصبح الفضاء االفرتايض مكاناً يعج بالناشطني‬ ‫والحمالت لسهولة الوصول إىل الناس من‬ ‫خالله‪ ،‬وانفرد كل من هذه املنصات بصفات‬ ‫وقدرات ميزته عن اآلخر‪ .‬أصبح تويرت مكاناً‬ ‫مثاليا لتلك الحمالت‪ ،‬وتفوق عىل فيسبوك‬

‫من حيث جدواه يف تحديد جمهور الحمالت‪،‬‬ ‫والتفاعل معها‪ ،‬وسهولة انتقال الفكرة‪ ،‬وأصبح‬ ‫فيسبوك قار ًة جديد ًة يقطنها مليا ٌر ونصف‬ ‫املليار من املستخدمني‪ ،‬لكن ألغراض قد تكون‬ ‫مختلفة قليال‪.‬‬ ‫منذ انطالق الثورة السورية يف عام ‪،2011‬‬ ‫اتخذ السوريون من فضاءات شبكات التواصل‬ ‫االجتامعي مساحة للتعبري والتواصل ونقل‬ ‫الخرب‪ ،‬ولعل غياب الفضاء الحقيقي لالجتامع‪،‬‬ ‫وإمكانية تأسيس مؤسسات إعالمية معارضة‬ ‫عىل األرض‪ ،‬كان أحد األسباب التي دفعت بهم‬ ‫إىل ذلك الفضاء‪ ،‬إال أن سهولة استخدام تلك‬ ‫الفضاءات واآلفاق الواسعة التي تخلقها كانت‬ ‫أيضاً من األسباب التي حدت بهم لتوظيفها‬ ‫عىل هذا النحو‪ .‬مل يكن السوريون أول من‬ ‫وظف هذا الفضاء لخدمة قضيتهم‪ ،‬بل سبقهم‬ ‫ك ٌرث غريهم‪ ،‬فاملرصيون بدؤوا ثورتهم من خالل‬ ‫صفحة عىل فيسبوك‪ ،‬واستخدمه التونسيون‬ ‫كذلك‪.‬‬ ‫وجد السوريون أنفسهم عىل فيسبوك بحكم‬ ‫قيام الناشطني األوائل يف الحراك السلمي‬ ‫باستخدامه‪ ،‬أو ألن صفحة الثورة السورية‬ ‫ضد بشار األسد التي تأسست قبل الثورة‬ ‫بأسابيع كانت هناك‪ ،‬فهم يف األصل غرباء‬ ‫عن تلك املنصات التي كان معظمها محجوباً‬ ‫يف مجتمعهم الذي يعاين أشد أنواع القمع‪،‬‬ ‫وعىل األرجح فهم مل يختاروا ذلك‪ .‬وبعد فرتة‬ ‫وجيزة أصبح فيسبوك مكاناً مريحاً لهم‪ ،‬يرون‬ ‫فيه ما يثلج صدرهم أو يعرب عن موقفهم‪،‬‬ ‫وأصبح الفضاء الفيسبويك السوري منقس ًام‬ ‫بعدد انقسامات قاطنيه‪ ،‬وارتفعت بني هذه‬ ‫الفضاءات الجزئية جدران عالية كتلك التي‬ ‫عىل األرض‪ ،‬وإن مجازاً هنا‪.‬‬ ‫ميتاز فيسبوك برحابة ال يوفرها تويرت من‬ ‫حيث حجم مساحة الكتابة يف منشور واحد‪،‬‬ ‫وإمكانية نرش صور أكرث يف منشور واحد‪،‬‬ ‫ومقاالت كاملة إن شئت‪ ،‬لكن فيسبوك يصل‬ ‫بني األشخاص‪ ،‬ويتيح معرفتهم بشكل وثيق‪،‬‬ ‫فهو منصة اجتامعية‪ ،‬بينام ال يتيح تويرت تلك‬ ‫اإلمكانيات ملعرفة اآلخر‪ ،‬ومل يعتمد تويرت‬

‫الرسائل الخاصة‪ ،‬التي شكلت جانباً مه ًام‬ ‫للسوريني‪ ،‬إال الحقاً‪.‬‬ ‫مييل السوريون إىل االستفاضة يف منشوراتهم‪،‬‬ ‫ويغنونها بالصور‪ ،‬والفيديوهات‪ ،‬وهذا أمر‬ ‫طبيعي يف ظل التسارع غري املتوقع لألحداث‬ ‫وتصاعد العنف وغزارة األخبار وهول األحداث‪،‬‬ ‫والحاجة لنقل الكثري منها مرفق ًة باألدلة التي‬ ‫شكلت الصور واملقاطع املصورة عامدها‪،‬‬ ‫وال شك أن قدرة فيسبوك عىل التعاطي مع‬ ‫هذه األشياء أكرث اتساعاً من تويرت‪ .‬لكن البعد‬ ‫االجتامعي لعب أيضا دوراً كبرياً يف انحيازهم‬ ‫إىل فيسبوك‪ ،‬فشبكات املعارف واألصدقاء‬ ‫التي أتاحها فيسبوك وإمكانية االنخراط فيها‪،‬‬ ‫حفزهم عىل البقاء هناك‪ ،‬فأصبح هو حيز‬ ‫الراحة الخاص بكل منهم‪ ،‬وأمست مغادرته‬ ‫أكرث صعوب ًة من قبل بعد أن اعتادوا عليه كل‬ ‫هذا االعتياد‪ ،‬حتى حني فقد جدواه يف إيصال‬ ‫صوتهم إىل العامل‪ .‬لكن اللغة وحواجزها كانت‬ ‫واحداً من تلك األسباب أيضاً‪ ،‬فعدم معرفة‬ ‫الكثريين منهم بلغات أجنبية رمبا دفعتهم‬ ‫للعزوف عن فضاء تويرت الذي قد يتطلب‬ ‫معرفة بها‪.‬‬ ‫لكن السوريني‪ ،‬ومجتمع الناشطني منهم عىل‬ ‫وجه الخصوص‪ ،‬دفعوا مثناً كبرياً لهذا االنحياز‬ ‫ملنصة واحدة‪ ،‬فقد انغلقوا عىل أنفسهم‪،‬‬ ‫ليس فقط تجاه السوريني اآلخرين ممن ال‬ ‫يشاطرونهم الرأي والتوجه السيايس وحسب‪،‬‬ ‫بل تجاه العامل الذي يجد يف تويرت وسيلة أرسع‬ ‫لنقل الخرب‪ ،‬أو إقامة حمالت التوعية والحشد‬ ‫والدعم‪.‬‬ ‫إن دفع مواطني الدول األخرى املهتمني‬ ‫بشؤون العامل الخارجي لالنخراط يف النقاش‬ ‫حول سوريا سياسياً وإنسانياً‪ ،‬ومعرفة‬ ‫ما يدور فيها بعيداً عن اإلعالم التقليدي‬ ‫املوجه أم ٌر عىل غاية الرضورة يف ظل القدرة‬ ‫الهائلة للمجتمعات عىل الدفع باتجاه تغيري‬ ‫السياسات‪ ،‬وعىل السوريني بذل الجهد للخروج‬ ‫من فضاء فيسبوك الذي أغلقوه عىل أنفسهم‬ ‫إىل فضاءات جديدة أكرث رحابة قد تحظى فيها‬ ‫قضيتهم بانتباه هم بأمس الحاجة إليه‪.‬‬


‫الزميل ميرال بروردا‪ ..‬مرشحًا لجائزة بريمن الدولية‬

‫العدد ‪- 55 -‬‬

‫منظمة ‪ schwelle Foundation‬بنرش ترشيحاتها‬ ‫الثالثة عرش عرب موقعها الرسمي منذ شهر آب‬ ‫املنرصم‪ ،‬وسيتم اإلعالن عن الفائز بالجائزة خالل‬ ‫الشهر الحايل أيلول ‪. 2015‬‬ ‫أخرياً تهنيء هيئة تحرير طلعنا عالحرية الزميل‬ ‫مريال عضو الهيئة برتشيحه للجائزة متمنني له‬ ‫الفوز ومزيداً من اإلنجاز والعطاء لقضايا شعبه‪.‬‬

‫‪2015 / 9 / 6‬‬

‫طلعنا عالحرية‪ :‬أعلنت منظمة ‪schwelle‬‬ ‫‪ Foundation‬األملانية والتي ُتصدر جائزة برمين‬ ‫الدولية للسالم نسبة ملدينة برمين األملانية عن‬ ‫قامئتها املخترصة ملرشحي الجائزة للعام ‪، 2015‬‬ ‫حيث تضمنت القامئة مجموعة من الشخصيات‬ ‫واملنظامت العاملة يف مجال حقوق اإلنسان‬ ‫والسالم و املساواة بني الجنسني ومناهضة األسلحة‬ ‫النووية من مختلف أنحاء العامل‪.‬‬ ‫وقد تضمنت القامئة نشطاء من الهند والربازيل‬ ‫وباكستان وبولندا وسويرسا وجواتيامال والصومال‬ ‫وأملانيا‪ ،‬واختارت مرشحها من سوريا الناشط‬ ‫الحقوقي السوري مريآل بروردا‪ ،‬حيث عنونت‬ ‫إعالنها الخاص برتشيح الناشط السوري بروردا‬ ‫بعنوان (ما بعد الدكتاتورية واإلرهاب) وبعنوان‬ ‫فرعي يتضمن محتوى الرتشيح بعبارة (كم ميكن‬ ‫أن يكون النضال من اجل السالم خطريا)‪.‬‬ ‫وقد تحدث إعالن املنظمة عىل موقعها الرسمي‬

‫باللغتني األملانية واالنكليزية عن تجربة الناشط‬ ‫مريآل بروردا منذ عام ‪ 2004‬إبان االنتفاضة‬ ‫الكردية ضد النظام السوري ونشاطه يف‬ ‫االحتجاجات الشعبية السلمية يف ‪ 2011‬ومناهضة‬ ‫اإلرهاب الذي يتصدره الفكر الجهادي التكفريي يف‬ ‫منطقة الرشق األوسط‪ ،‬ثم تأسيسه ملركز التآخي‬ ‫للدميقراطية واملجتمع املدين الذي يعمل عىل‬ ‫توعية املجتمع السوري باملبادئ األساسية لحقوق‬ ‫اإلنسان والسلم االهيل والعيش املشرتك والسعي‬ ‫الحثيث من أجل بناء سوريا املستقبل الخالية‬ ‫من الدكتاتورية املتمثلة بالنظام السوري وأوجه‬ ‫اإلرهاب األخرى‪.‬‬ ‫الجدير ذكره أن جائزة برمين الدولية للسالم‬ ‫تصدر كل عامني‪ ،‬وكان قد تم اختيار ‪ 70‬مرشحاً‬ ‫من شخصيات ومنظامت مدنية يف املرحلة األوىل‬ ‫بداية العام الحايل ‪ 2015‬لتنتهي عملية الرتشيح‬ ‫بقامئة مخترصة من ‪ 13‬ناشطاً ومنظمة بدأت‬

‫‪15‬‬

‫‪Majed Kayali‬‬ ‫باختصار القضية السورية ليست قضية الجئني‪..‬‬ ‫جدير باملتعاطفني مع قضية الالجئني‪ ،‬ومع مأساة الطفل ايالن‪ ،‬التذكر بأن وراء هذه الكارثة نظام له‬ ‫اسم‪ ،‬وأن قضية السوريني التقترص عىل مأساة اللجوء فثمة اهوال اخرى ضمنها حصار مناطق بأكملها‬ ‫وتحويلها اىل حقل رماية للرباميل املتفجرة والصواريخ‪ ،‬مع مئات الوف الضحايا ودمار مدن بأكملها‬ ‫وعرشات الوف املعتقلني وماليني املرشدين يف سوريا ويف الدول املجاورة‪ .‬مع التقدير للمتعاطفني الجدد‪.‬‬

‫منوعات‬

‫‪Bassam Alahmad‬‬ ‫ما صدّقنا حتى رجعت ‫‏القضية_السورية‬‬ ‫واحتلت الواجهة يف الصحف العاملية‬ ‫ونرشات األخبار بسبب صورة لطفل سوري‬ ‫غارق هزّت العامل‪ ،‬حتى طلعلنا ناس سوريني‬ ‫ما ركبت معن السرية‪ ،‬إ ّنو ليش هاد الطف ‬ل‬ ‫بالذات وليش مو الطفل ييل مات باملنطقة‬ ‫الفالنية وليش الرتكيز عىل هذا الطفل‬ ‫ونسيان ما يحدث يف املنطقة الفالنية‪.‬‬ ‫وبلشو ينبحتو ع الناس ويستحرضو قصص‬ ‫تانية يش قديم ويش جديد وبلشت حمالت‬ ‫مضادة ضمنياً للسرية ‪ ..‬هيك بس منشان‬ ‫يتم رصف النظر عن صورة تاريخية اختزلت‬ ‫ّ‬ ‫كل املأساة السورية ويفشلو الحملة ‪...‬‬ ‫نحن أعداء أنفسنا وأعداء ثورتنا وقضيتنا ‪..‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.