طلعنا عالحرية / العدد 56

Page 1

‫حرية كرامة مواطنة‬

‫العدد ‪56‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬

‫‪2015 / 9 / 27‬‬

‫أغرقتهم تركيا وأنكرهم السوريون‬ ‫خفر السواحل التركية يقتل ‪ 30‬سوريًا‬ ‫ويرحل قسمًا منهم إلى سوريا‬ ‫ثم يعتقل‬ ‫البقية ّ‬ ‫ّ‬

‫حدود التدخل العسكري الروسي في‬ ‫سورية‪ ..‬وآفاقه‬ ‫بضعة خطوط‪ ..‬بضعة خطوات نحو المعتقل‬

‫عن الرسام الشهيد أكرم رسالن‬

‫مقاالت‬

‫قضايا الكفر واإليمان والالإكراه‬ ‫والمتشددين‬ ‫الحداثويين‬ ‫بين نسخ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البنىالطبعيةوتأثيراتها‬ ‫في تمايزات مواقف السوريين‬ ‫السويداء‪..‬واحتماالتالمواجهة‬ ‫العمالة السورية في لبنان‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 27 - 56 -‬‬

‫على الخريطة‪..‬‬ ‫افتتاحية بقلم أسامة تصّار‬ ‫درج لدى املحطات اإلعالمية ومراكز األبحاث املهتمة‬ ‫بالشأن السوري أن يضعوا خرائط لتوزع السيطرة يف‬ ‫سوريا‪ .‬واملقصود بخارطة السيطرة دامئاً هو وجود‬ ‫القوات العسكرية‪ .‬واملعيار الوحيد املعتمد لرسم هذه‬ ‫الخرائط وتغيريها كل يوم وكل ساعة هو األماكن التي‬ ‫تتمركز فيها القوات املس ّلحة ّ‬ ‫لكل فئة من املتقاتلني‪.‬‬ ‫متحصنة‬ ‫تتمركز حتى ولو مختبئة يف خنادق قتالية أو‬ ‫ّ‬ ‫يهم أن تكون املنطقة وسكانها محارصين‬ ‫وراء دشم‪ .‬وال ّ‬ ‫من كل الجهات ويأتيهم القصف الجوي واملدفعي‬

‫وخالفهام من كل مكان‪ ..‬بل املهم أن تنصب‬ ‫هذه القوات حواجزها بدءاً من أول (منطقتها)‬ ‫وحتى (حدود) منطقة الخصم التايل‪ .‬وتشكل‬ ‫الحواجز (نقاط التفتيش) مشعراً ّ‬ ‫يدل عىل‬ ‫بسط السلطة‪ ،‬فال وظيفة أمن ّية حقيقية‬ ‫ملعظمها‪.‬‬ ‫تقسم معظم الخرائط سوريا (أو سوريا‬ ‫والعراق) إىل‪ :‬مناطق تحت سيطرة داعش‪،‬‬ ‫مناطق تحت سيطرة نظام األسد‪ ،‬مناطق‬ ‫تحت سيطرة القوات الكوردية‪ ،‬ومناطق تحت‬ ‫سيطرة (املعارضة املس ّلحة) ومناطق متداخلة‪.‬‬ ‫بعض الخرائط تعطي أو تحذف تفاصيل وفقاً‬ ‫لسياسة من يضع الخريطة ويعدّل عليها؛ فهناك‬ ‫مث ًال من مييز بني مناطق جبهة النرصة ومناطق‬ ‫يضم النرصة لداعش‬ ‫املعارضة املسلحة أو من ّ‬ ‫أو لكل ما هو إسالمي‪ .‬وهناك من يع ّرف جميع‬ ‫املناطق بداللة خروجها عن سيطرة النظام‬ ‫ومواليه‪ .‬وبالطبع هناك من يرجع كل فصيل‬ ‫للدولة أو ملجموعة الدول الداعمة له‪ ،‬ويقدّم‬ ‫بالنتيجة خريطة أخرى‪.‬‬ ‫بنا ًء عىل ذلك‪ ،‬تكون حالياً مدن مثل حمص‬ ‫وحامة وبانياس وغريها والتي مأل أهلها‬ ‫الساحات يف مظاهرات كرنفالية ض ّد األسد‪،‬‬ ‫(تابعة) لألخري! وتكون الرقة (تابعة) لداعش‪،‬‬ ‫وتكون دمشق التي فيها عدة ماليني من‬

‫حدود التدخل العسكري‬ ‫الروسي في سورية‪ ..‬وآفاقه‬ ‫المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ‪ -‬بتصّرف‬

‫بعد أن أعطت روسيا إشارات متعدّدة‪ ،‬توحي باستعدادها‬ ‫دعم جهد التوصل إىل حلٍ سيايس لألزمة السورية‪ ،‬عادت‬ ‫إىل تأكيد موقفها الرافض تنحي الرئيس السوري‪ ،‬بشار‬ ‫نص عليها بيان “جنيف‬ ‫األسد‪ ،‬جزءاً من عملية انتقالية‪ّ ،‬‬ ‫تبي ّأن املرونة التي أبدتها روسيا‪ ،‬طوال السنة‬ ‫‪ .”1‬كام ّ‬ ‫املاضية‪ ،‬مل تكن سوى تكتيكات سياسية‪ ،‬هدفت من‬ ‫خاللها إىل امتصاص النجاحات العسكرية التي كانت‬ ‫تحققها املعارضة املسلحة السورية عىل األرض من جهة‪،‬‬

‫واستخدام اتصاالتها باملعارضة غطا ًء للتمويه‬ ‫توجهها املضمر لرفع مستوى دعم النظام‬ ‫عىل ّ‬ ‫السوري‪ ،‬والذي جرت ترجمته‪ ،‬مطلع سبتمرب‪/‬‬ ‫رش‪ ،‬ينذر‬ ‫أيلول الجاري‪ ،‬بتدخلٍ عسكري مبا ٍ‬ ‫بتداعيات سياسية وعسكرية كبرية‪.‬‬ ‫ومع ّأن موسكو عدّت تدّخلها الراهن امتدادًا‬ ‫لوجودها القديم‪ّ ،‬‬ ‫فإن صور أقامر صناعية‬ ‫نرشتها وسائل إعالم مختلفة تظهر بدء العمل‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬ ‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫هيئة تحرير‬ ‫طلعنا عالحرية‬

‫عىل إقامة قاعدة عسكرية روسية جديدة يف‬ ‫مطار حميميم (باسل األسد) الذي يبعد نحو‬ ‫‪ 22‬كيلومرتًا إىل الجنوب من مدينة الالذقية‪،‬‬ ‫ويجري توسيع مدارج املطار وتأهيله‪ ،‬الستقبال‬ ‫طائرات الشحن الكبرية‪ ،‬وتجهيز مساكن مس ّبقة‬ ‫الصنع إلقامة الجنود‪ .‬كام أرسلت موسكو ست‬ ‫دبابات حديثة من طراز ‪ ،T-90‬و‪ 15‬مدفع‬ ‫هاوتزر‪ ،‬و‪ 35‬ناقلة جند مدرعة‪ ،‬و‪ 200‬جندي‬ ‫من مشاة البحرية الروسية إىل القاعدة الجديدة‬ ‫لتأمني الحامية لها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترص عىل أن طبيعة‬ ‫وعىل الرغم من أن روسيا ّ‬ ‫وجودها العسكري يف سورية مل تتغري‪ّ ،‬‬ ‫وأن‬ ‫معظمه يتشكل من “خرباء يقدمون املساعدة‬ ‫فيام يتعلق بإمدادات األسلحة الروسية إىل‬ ‫سورية التي تهدف إىل محاربة اإلرهاب”‪ّ ،‬‬ ‫فإن‬ ‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬ ‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫الدمشقيني والنازحني من مناطق ثائرة… تكون‬ ‫(تابعة) لألسد!‪ ..‬وهكذا‪.‬‬ ‫بالطبع ليس ذلك حقيقياً وال يبدو عادالً‪ .‬ولكن‬ ‫االحتكام ملنطق القوة هو ما يعطي مثل هذه‬ ‫املخرجات‪ ،‬سوا ًء من قبل الفصائل عىل أرض‬ ‫املعارك أم من قبل الباحثني واملحللني‪ .‬فمنطقة‬ ‫نفوذك هي املكان الذي تضع فيه حواجزك‬ ‫املس ّلحة بغض النظر عن رىض الناس بك وميل‬ ‫قلوبهم وآرائهم‪ ،‬أو عن الخدمة التي تقدمها‬ ‫لهم بعد إعالنك السيطرة عىل أرضهم وبالتايل‬ ‫رشوعك يف حكمهم!‬ ‫والسؤال‪ :‬هل حقاً تنتمي هذه املناطق للقوات‬ ‫املسيطرة عليها عسكرياً (لنقل باألحرى‬ ‫حواجزياً)؟‬ ‫ال مكان هنا لتذكر خرائط املظاهرات وتعداد‬ ‫نقاط التظاهر واملتظاهرين التي درجت‬ ‫بدورها مع بداية الثورة السورية‪ .‬ومن سوء‬ ‫الطالع أنه عىل امتداد الخارطة الصامء لسوريا‬ ‫اليوم‪ ،‬ال ميكن إجراء استفتاء علني يرصد رأي‬ ‫الناس وحقيقة والءاتهم وخيارهم مبن يريدونه‬ ‫لحكمهم‪ .‬لكن اإلجابة عىل هذا السؤال ستحدّد‬ ‫مكانك عىل خريطة احرتام الناس واإلنسان عىل‬ ‫حساب الرضوخ لحكم العسكر والغلبة‪.‬‬ ‫إن أجبت بـ (ال) فأه ًال بك يف (منطقتنا)‪ ..‬وال‬ ‫اب» !‬ ‫تبتئس بالغربة‪« ..‬فعىل الخريطة ك ّلنا أغر ُ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫معاون رئيس التحرير‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫املحرر الثقايف‬ ‫رامي العاشق‬

‫محرر القسم الكوردي‬ ‫مريال بريوردا‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫‪3‬‬

‫دوافع التدخل‬

‫عىل الرغم من شعور القوة الخادع الذي يبديه‬ ‫النظام السوري‪ ،‬إثر شيوع أنباء التدخل العسكري‬ ‫الرويس ملصلحته‪ ،‬وترصيحات مسؤوليه عن “قلب‬ ‫الطاولة”‪ ،‬وتغيري املعادالت العسكرية والسياسية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإن التدخل الرويس لن يصنع فارقاً كبرياً يف موازين‬ ‫القوى القامئة حالياً كون هدفه يبقى محصوراً يف‬ ‫منع سقوط النظام‪ ،‬وليس استعادة ما خرسه النظام‬ ‫اض ومدنٍ يف الفرتة املاضية؛ فهذا أمر عجزت‬ ‫من أر ٍ‬ ‫عن فعله إيران‪ ،‬وجميع املليشيات الطائفية التي‬ ‫ّ‬ ‫سيظل‬ ‫تعمل لحسابها‪ .‬كام ّأن التدخل الرويس‬

‫‪2015 / 9 / 27‬‬

‫التداعيات والنتائج‬

‫تقارير‬

‫وفرت روسيا عىل مدى السنوات الخمس املاض ّية‪،‬‬ ‫أي منذ اندالع الثورة‪ ،‬غطا ًء سياس ًيا ودبلوماس ًيا‬ ‫فعاالً‪ ،‬حمى النظام السوري من أشكال اإلدانة‬ ‫القانونية والسياسية يف مجلس األمن التابع لألمم‬ ‫املتحدة‪ .‬وعىل الرغم من مشاركتها يف صوغ بيان‬ ‫نص عىل‬ ‫جنيف يف ‪ 30‬يونيو‪/‬حزيران ‪ 2012‬الذي ّ‬ ‫تشكيل هيئة حكم انتقالية بصالحيات تنفيذية‬ ‫كاملة‪ ،‬خطوة الزمة ورضورية عىل طريق حل‬ ‫األزمة سياسياً‪ ،‬سعت روسيا إىل فرض تفسريها‬ ‫الخاص للبيان‪ ،‬من خالل اإلرصار عىل اعتبار األسد‬ ‫جزءاً من املرحلة االنتقالية‪ ،‬ثم ربط مصريه وبقائه‬ ‫“بإرادة الشعب”‪ .‬يف هذه األثناء‪ ،‬أخذت موسكو‬ ‫عىل عاتقها مهمة تقسيم املعارضة ورشذمتها‬ ‫عىل نحو أوسع‪ ،‬كام سعت إىل تفريغ االعرتاف‬ ‫الدويل باالئتالف الوطني املعارض‪ ،‬باعتباره ممث ًال‬ ‫لقوى الثورة واملعارضة‪ ،‬من مضمونه‪ ،‬ودعت إىل‬ ‫مؤمترات حوارية (موسكو ‪ ،1‬و‪ )2‬بغية تصنيع‬ ‫معارضات أقرب إىل مواقفها‪ .‬بيد ّأن املكاسب التي‬ ‫حققتها املعارضة املسلحة‪ ،‬يف النصف األول من‬ ‫عام ‪ ،2015‬أفشلت هذه املساعي‪ ،‬ودفعت باتجاه‬ ‫خصوصا‪.‬‬ ‫تحرك دبلومايس نحو السعودية‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫وتحت عنوان محاربة “إرهاب تنظيم الدولة‬ ‫اإلسالمية ‪ -‬داعش”‪ ،‬دعت موسكو إىل إنشاء‬ ‫عريض‪ ،‬يضم إىل جانب النظام السوري‪،‬‬ ‫تحالف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫“ا ُملط ّعم” ببعض املعارضة‪ ،‬كل من السعودية‬ ‫وتركيا واألردن‪ .‬ولهذا الغرض‪ ،‬نجحت موسكو يف‬ ‫اجتامع بني املسوؤل األمني السوري األول‪،‬‬ ‫ترتيب‬ ‫ٍ‬ ‫اللواء عيل مملوك‪ ،‬ووزير الدفاع السعودي األمري‬ ‫محمد بن سلامن يف جدة يف يوليو‪/‬متوز املايض‪.‬‬ ‫وملا فشلت املساعي الروسية يف تحقيق أي نتيج ٍة‬ ‫عىل صعيد إقناع السعودية بقبول الصيغة الروسية‬ ‫ّ‬ ‫للحل يف سورية‪ ،‬بدأت روسيا تدّخلها املبارش إىل‬ ‫ً‬ ‫جانب النظام‪ ،‬منعا النهياره بشكل مفاجئ‪ ،‬بعد‬ ‫أن بلغ مرحلة متقدمة من الضعف واإلنهاك عىل‬ ‫يد فصائل ذات توجهات إسالمية معادية للنظام‬ ‫ولتنظيم “داعش” يف آنٍ معاً‪ ،‬مبا يؤدي إىل فقدان‬ ‫موسكو جميع استثامراتها السياسية يف األزمة‬

‫العدد ‪- 56 -‬‬

‫حركة طائرات الشحن الروسية توضح ّأن التدخل‬ ‫العسكري الرويس يف سورية يتعاظم يومياً‪ ،‬ويأخذ‬ ‫ً‬ ‫أشكال مختلفة‪ :‬قوات خاصة‪ ،‬وتدخل رسيع‪،‬‬ ‫وخرباء‪ ،‬ومدربون‪ ،‬ومستشارون‪ ،‬باإلضافة إىل م ِّد‬ ‫النظام السوري مبعدات وأسلحة ذات قدرات‬ ‫تدمريية عالية‪ ،‬استخدمت يف قصف مدينتي الرقة‬ ‫وحلب‪ ،‬وغريهام يف األيام القليلة املاضية‪.‬‬

‫السورية‪ ،‬ويف ظل مؤرشات كثرية أيضاً عىل ّأن‬ ‫موسكو تفقد نفوذها بشكل متزايد يف املناطق‬ ‫التي يسيطر عليها النظام‪ ،‬ملصلحة إيران وحزب‬ ‫الله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اختارت روسيا ظرفا إقليميا ودوليا مالمئا لتدخلها‪،‬‬ ‫عام عىل بدء رضباته‬ ‫وب ّررته بعجز التحالف‪ ،‬بعد ٍ‬ ‫يف سورية‪ ،‬يف إضعاف “تنظيم الدولة”‪ ،‬وفشل‬ ‫أمريكا يف تدريب رشيك ميداين مقبول وتجهيزه‬ ‫ملواجهته عىل األرض‪ .‬وللتغطية عىل تدخلها إىل‬ ‫جانب النظام‪ ،‬عرضت موسكو عىل واشنطن‬ ‫التنسيق يف “الحرب عىل اإلرهاب” يف سورية‪ ،‬وهو‬ ‫عرض مل متلك إدارة أوباما التي يتم ّلكها هاجس‬ ‫مواجهة تنظيم “داعش” أن ترفضه‪ .‬وزيادة يف‬ ‫طأمنة واشنطن‪ ،‬قام الرئيس الرويس فالدميري بوتني‪،‬‬ ‫بحسب وسائل إعالم إرسائيلية‪ ،‬بتنسيق خطواته‬ ‫يف سورية مع رئيس الحكومة اإلرسائيلية‪ ،‬بنيامني‬ ‫رش جدي ٍد آخ َر عىل عمق العالقة‬ ‫نتنياهو‪ ،‬يف مؤ ٍ‬ ‫والتعاون التي تربط موسكو وتل أبيب‪ ،‬والتي‬ ‫كانت محطة بوتني الخارجية األوىل‪ ،‬بعد إعادة‬ ‫انتخابه عام ‪.2012‬‬ ‫كام تزامنت الخطوة الروسية مع موجة لجوء‬ ‫املهجرين السوريني‪ ،‬أفرزت‬ ‫كربى إىل أوروبا‪ ،‬من ّ‬ ‫خطاباً أوروبياً جديدًا (أملانيا‪ ،‬والنمسا‪ ،‬وإسبانيا‪،‬‬ ‫وبريطانيا‪ ،‬واملجر) يدعو إىل التعاون مع روسيا‪،‬‬ ‫إليجاد حلٍ عاجلٍ ‪ ،‬يوقف تدفق الالجئني‪ ،‬حتى‬ ‫لو تطلب ذلك االنفتاح عىل األسد أو التخيل عن‬ ‫مطلب رحيله يف املدى املنظور‪ .‬إقليمياً‪ ،‬استغلت‬ ‫روسيا انشغال الدول الداعمة للمعارضة السورية‬ ‫مبسائل أخرى أكرث إلحاحاً لتمرير تدخلها‪ ،‬من‬ ‫دون ردود فعل كبرية؛ إذ تنشغل حكومة حزب‬ ‫العدالة والتنمية يف تركيا يف حربها ضد حزب‬ ‫العامل الكردستاين‪ ،‬وبانتخابات مبكرة مفصل ّية‪ ،‬يف‬ ‫حني ميثل امللف اليمني أولوي ًة قصوى‪ ،‬بالنسبة إىل‬ ‫السعودية ودول الخليج األخرى‪.‬‬

‫مقترصاً عىل األرجح عىل دمشق ومنطقة الساحل‬ ‫التي توليها روسيا أهمي ًة خاص ًة‪ ،‬بوصفها منفذاً‬ ‫بحرياً عىل البحر املتوسط‪ ،‬ومتتلك فيها امتيازات‬ ‫حرصية (‪ 25‬عا ًما) تسمح لها بالتنقيب عن النفط‬ ‫والغاز يف املياه اإلقليمية السور ّية‪ ،‬وذلك بحسب‬ ‫االتفاقية املوقعة بني النظام والحكومة الروسية يف‬ ‫أواخر عام ‪ .2013‬وبنا ًء عليه‪ ،‬قد يساهم التدخل‬ ‫الرويس يف تعزيز مواقع النظام ومنع سقوطه‪،‬‬ ‫ويف رفع الروح املعنوية املنهارة لقواته وحاضنته‬ ‫الشعبية‪ ،‬ويف عرقلة مساعي املعارضة للسيطرة‬ ‫عىل الساحل وجباله اللصيقة مبنطقة سهل الغاب‪،‬‬ ‫لكنه لن ينجح أبداً يف إعادة النظام إىل املناطق‬ ‫التي خرجت عن سيطرته‪ ،‬كام أنه يصعب تخ ّيل‬ ‫تدخلٍ عسكري رويس ب ّري يف مناطق تسيطر عليها‬ ‫املعارضة‪ .‬وبهذا‪ ،‬سوف يؤدي التدخل الرويس‬ ‫فحسب إىل إطالة أمد الرصاع‪ ،‬وزيادة معاناة‬ ‫السوريني من الفئات كافة‪.‬‬ ‫وإذا ما تجاوزنا التداعيات امليدانية‪ّ ،‬‬ ‫فإن روسيا‬ ‫تحاول‪ ،‬من تدخلها العسكري‪ ،‬فرض رؤية‬ ‫جديدة للحل‪ ،‬تنسف بيان “جنيف ‪ ،”1‬وتربطه‪،‬‬ ‫بحسب ترصيحات بوتني أخرياً‪ ،‬بانتخابات برملانية‬ ‫“مبكرة”‪ ،‬وتشكيل حكومة تضم ما أسامها‬ ‫“معارضة رشيدة” تحت قيادة األسد‪ .‬وجاءت‬ ‫ترصيحات وزير الخارجية األمرييك‪ ،‬جون كريي‪،‬‬ ‫أخرياً عن إمكانية بقاء األسد يف مفاوضات تستمر‬ ‫فرتة غري محددة‪ ،‬لتزيد من مخاوف املعارضة‬ ‫السور ّية‪ ،‬لجهة رضوخ الواليات املتحدة والدول‬ ‫الغرب ّية للرؤية الروسية حول سبل حل األزمة يف‬ ‫سورية‪ ،‬وقبول مقرتحها القيام باملهمة املستحيلة‪،‬‬ ‫املتمثلة بإعادة تأهيل النظام‪ ،‬واعتامده رشيكاً‬ ‫ميدانياً يف الحرب عىل تنظيم الدولة‪.‬‬ ‫وأخرياً‪ ،‬تواجه املعارضة السورية مستجدات‬ ‫تصب يف مصلحتها‪ .‬وملواجهة‬ ‫سياس ّية وعسكر ّية‪ ،‬ال ّ‬ ‫السيايس‬ ‫ذلك‪ ،‬تحتاج املعارضة إىل توحيد الجهد‬ ‫ّ‬ ‫أذرع عسكرية‬ ‫والعسكريّ يف تيا ٍر واح ٍد‪ ،‬ذي‬ ‫ٍ‬ ‫وسياسية وإعالمية‪ ،‬والتعامل مع الوجودين‬ ‫ً‬ ‫احتالل‬ ‫العسكريي‪ ،‬الرويس واإليراين‪ ،‬بوصفهام‬ ‫ّ‬ ‫أجنب ًيا مبا ً‬ ‫نوع‬ ‫رشا‬ ‫ً‬ ‫ورصيحا‪ ،‬كام تحتاج إىل إطالق ٍ‬ ‫برنامج دميقراطي‬ ‫ذات‬ ‫‪،‬‬ ‫وطني‬ ‫ر‬ ‫تحر‬ ‫من حركة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫موح ٍد‪ ،‬لقطع الطريق عىل محاوالت تسويف‬ ‫نضال الشعب السوري وتضحياته‪ ،‬واعتامد حلولٍ‬ ‫جزئي ٍة ال تلبي طموحاته وأهداف ثورته‪ ،‬والتوجه‬ ‫إىل مقاومة الوجود العسكري الرويس‪ ،‬بجميع‬ ‫الوسائل املتاحة‪ ،‬وخصوصاً ّأن الرأي العام الرويس‬ ‫يبدو شديد الحساسية تجاه خسائر ومغامرات يف‬ ‫وأزمات‪ ،‬ال تشكل بالنسبة إليه أولوية‪ ،‬بل‬ ‫مناطق‬ ‫ٍ‬ ‫تعيد إليه ذكريات أفغانستان املريرة‪.‬‬


‫أغرقتهم تركيا وأنكرهم السوريون‬ ‫يغرق مركبًا لالجئين سوريين فيقتل ‪،30‬‬ ‫خفر السواحل التركية ِ‬ ‫ثم يعتقل البقيّة ويرحّل كثيرًا منهم إلى سوريا‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫رامي العاشق‪ -‬ألمانيا‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2015 // 98 // 27‬‬ ‫‪2 - 56‬‬

‫كان ميكن أن ينتفض الناس‪ ،‬ويشارك جميع‬ ‫الناشطني بحمالت للدفاع عنهم والتحقيق‬ ‫بقض ّيتهم‪ ،‬لوال ّأن املتّهم هنا ترك ّيا‪ ،‬هنا تصبح‬ ‫الجرمية أم ًرا ً‬ ‫قابل للشك‪ ،‬وميكن للضحايا أن‬ ‫يكونوا كائنات فضائ ّية ال وجود لها‪.‬‬

‫إغراق القارب‬

‫تقارير‬ ‫لقاءات‬

‫خشبي بتاريخ ‪ 2015\9\15‬من‬ ‫انطلق مركب‬ ‫ّ‬ ‫(بودروم) إىل اليونان‪ ،‬كان يحمل قرابة ‪250‬‬ ‫مهج ًرا أكرثهم من السور ّيني‪ ،‬اعرتضهم خفر‬ ‫ّ‬ ‫السواحل وأطلق النار بشكل مبارش عىل القارب‪،‬‬ ‫ثم أثار موجات التفاف ّية لقلبه‪ ،‬ثم بدأ ّ‬ ‫برشه‬ ‫بخراطيم املياه حتى غرق‪ ،‬وتركهم ألكرث من‬ ‫ساعة ونصف يف املياه قبل أن تأيت سفينة أخرى‬ ‫شخصا‪،‬‬ ‫النتشالهم‪ ،‬غرق يف هذه الفرتة قرابة ‪ً 30‬‬ ‫أحدهم رضيع اسمه “مجد” ‪ 12‬يو ًما غرق مع‬ ‫ثم احتجزوهم يف‬ ‫أ ّمه‪ .‬اقتيد الناجون إىل املخفر‪ّ ،‬‬ ‫“بيت الضيافة العثامنية”‪ ،‬بعد أن صادروا جميع‬ ‫وثائقهم الثبوت ّية‪.‬‬

‫جرمية قتل موصوفة‬

‫يقول رئيس تج ّمع املحامني السوريني األحرار‪،‬‬ ‫املحامي غزوان قرنفل‪“ :‬ال يحق لخفر السواحل‬ ‫الرتكية إغراق مركب يحمل مهاجرين غري رشعيني‪،‬‬ ‫بل ميلك الحق مبحارصته وقطره إىل الشاطئ‪ ،‬ومن‬ ‫ثم مساءلة ركابه‪ ،‬أما عملية اإلغراق فهي جرمية‬ ‫قتل موصوفة‪ ،‬خصوصا أنه نجم عنها ضحايا فقدوا‬

‫حياتهم‪ ،‬وتتحمل السلطات الرتكية مسؤوليتها”‪.‬‬

‫ألنهم شهود عىل جرمية‬

‫يف اليوم التايل إلغراق القارب‪ ،‬خرج قاربان آخران‬ ‫أيضا‪ً ،‬‬ ‫خشبيان ً‬ ‫ليل‪ ،‬باتجاه إيطاليا‪ ،‬وتع ّرض لهام‬ ‫خفر السواحل الرتكية‪ّ ،‬‬ ‫ورشهام بخراطيم املياه‪،‬‬ ‫وصنع موجات التفاف ّية‪ّ ،‬إل أنه مل ُيغ ِرق القاربني‪،‬‬ ‫أوقفهام وأعادهام واحتجز من عليهام يف أحد‬ ‫املالعب‪ ،‬ثم أطلق رساح الجميع بعد ‪ 48‬ساعة‪،‬‬ ‫ونرشت حملة مهجرون ال مجرمون فيديوهات‬ ‫ّ‬ ‫توضح محاوالت اإلغراق التي قام بها خفر‬ ‫السواحل عىل القاربني‪ ،‬ومجموعة من الصور قبل‬ ‫وأثناء غرق القارب األول‪.‬‬ ‫شهادات الناجني من القاربني مقرتنة بالفيديو‪،‬‬ ‫تؤكد أنهام كانا يحمالن الكثري من األطفال‬ ‫والشيوخ واملقعدين واملرىض الذين يقطعون‬ ‫البحر للحصول عىل العالج‪ ،‬وعىل إطالق رساحهم‬ ‫بعد ‪ 48‬ساعة‪ ،‬وهذا ما يجعل سبب توقيف‬ ‫مجموعة القارب األول هو أنهم شهود عىل جرمية‬ ‫اإلغراق غال ًبا‪.‬‬

‫اعتقال وترحيل إىل املوت‬

‫التقى املحتجزون هناك مبحتجزين آخرين كانوا‬ ‫قد اعتقلوا من الشارع دون أية تهمة‪ ،‬أحدهم‬ ‫قاض من درعا اعتقل من أمام الفندق الذي يقيم‬ ‫ٍ‬ ‫فيه يف أزمري‪ ،‬واآلخر شاهني برزنجي وهو فنّان‬ ‫تشكييل اعتقل من الشارع ً‬ ‫رحلت‬ ‫أيضا‪ ،‬فيام ّ‬

‫السلطات الرتكية عائالت مسيح ّية وكرد ّية إىل‬ ‫سوريا وغريها إىل لبنان التي أتوا منها بشكل‬ ‫نظامي‪ ،‬ويخىش كثريون من انتهاكات قد تصيب‬ ‫تم ترحيلهم‪.‬‬ ‫من ّ‬

‫مهجرون ال مجرمون‬ ‫حملة ّ‬

‫أطلقت مجموعة من الناشطني السور ّيني حملة‬ ‫‪#‬مهجرون_ال_مجرمون للضغط باتجاه اإلفراج‬ ‫عن املعتقلني يف سجن العثامن ّية‪ ،‬والتحقيق يف‬ ‫وتوجهوا برسائل مك ّثفة‬ ‫حادثة إغراق املركب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫للمعارضني السور ّيني عرب هواتفهم الشخص ّية‬ ‫وخاصة أعضاء االئتالف‪ ،‬الذي يشدّد ويؤ ّكد دامئًا‬ ‫ّ‬ ‫عىل أنه املمثل الرشعي والوحيد للشعب السوري‪،‬‬ ‫وبالتزامن مع هذا الضغط‪ ،‬أرسلوا رسائل باللغة‬ ‫الرتك ّية إىل سياس ّيني ودبلوماس ّيني أتراك‪ ،‬ورسائل‬ ‫ّ‬ ‫ومنظامت حقوق اإلنسان‬ ‫إىل هيئات دول ّية‬ ‫العامل ّية‪ ،‬ووكاالت األنباء والصحف‪.‬‬

‫االئتالف بني التكذيب واإلهامل‬

‫الرسائل التي ُو ّجهت إىل املعارضة السور ّية‬ ‫طالبتهم بالقيام بواجبهم‪ ،‬والتح ّرك من أجل‬ ‫اإلفراج عن املحتجزين والتحقيق يف الجرمية‪،‬‬ ‫بعضهم وعد بالتحرك ولكنّ معظمهم مل يردّوا‬ ‫حتّى أولئك الذين أعاد عمر إدلبي إرسال الرسالة‬ ‫خاصة بقيادة املعارضة‪ ،‬بينام‬ ‫لهم ضمن غرفة ّ‬ ‫ً‬ ‫مسؤول عن هذه‬ ‫ذكر منذر ماخوس إنه ليس‬ ‫القض ّية‪ ،‬بل هي مه ّمة رئيس االئتالف وسفريه‬


‫ردّة فعل الجانب الرتيك‬

‫السيايس الرتيك عبد الحميد عصفور ر ّد عىل رسائل‬ ‫الحملة‪“ :‬اتقوا الله يا كذابني‪ ،‬يا شبيحة” فيام أنكر‬ ‫املحلل السيايس الرتيك زاهد غول الخرب وقال‪“ :‬أنا‬ ‫أعرف بتفاصيل اإلغراق املتع ّمد للمراكب‪ ،‬ولكنه‬ ‫ليس من قبل الخفر الرتيك” فيام ر ّد عىل مخاوف‬ ‫الرتحيل‪“ :‬العودة إىل سوريا إىل مناطق املعارضة”‪.‬‬ ‫ويف مكاملة هاتف ّية بني عضو االئتالف محمد‬ ‫جوجة وأحد املحتجزين يف العثامنية قال األول‪:‬‬ ‫“إن مسؤولني أتراك اتهموا خفر السواحل‬ ‫اليونانية بإغراق املركب يف املياه اليونانية‪ ،‬وأشاروا‬ ‫إىل اقتصار دور خفر السواحل الرتكية عىل إنقاذ‬ ‫الغرقى” األمر الذي نفته اللجنة اإلعالمية للحملة‪:‬‬ ‫“هذا غري صحيح ألن خفر السواحل الرتيك ال‬ ‫يستطيع دخول املياه اإلقليمية اليونانية‪ ،‬وإن كان‬ ‫صحيحا فلامذا قام البوليس الرتيك باعتقال‬ ‫ذلك‬ ‫ً‬ ‫الناجني بدل االهتامم بهم وتقديم الراعية الطبية؟‬ ‫علام أن أحد الناجني من الغرق ويدعى “عبد‬ ‫الحفيظ عبد القادر حسني” قد تويف بعد يومني‬ ‫داخل املخيم بسبب اإلهامل الطبي فهو مصاب‬ ‫مبرض الكبد ومل يحصل عىل العالج”‪.‬‬

‫إرضاب عن الطعام واعتداء عىل الالجئني أمام‬ ‫وفد األمم املتحدة‬

‫منع وفد االئتالف من الدخول‬

‫يف اليوم الذي وصلت فيه س ّيارة األمم املتحدة‬ ‫وخرجت‪ ،‬وصل وفد االئتالف ممثال مبحمد قدّاح‬ ‫ومحمد جوجة‪ ،‬و ُمنع من الدخول بعد أن انتظر‬ ‫ألكرث من ساعة عىل الباب‪ ،‬بسبب عدم حصوله‬ ‫عىل موافقة من أنقرة‪.‬‬

‫الرابطة السورية للدفاع عن حقوق اإلنسان‬ ‫تدين “الجرمية املر ّوعة”‬

‫“الرابطة السورية للدفاع عن حقوق اإلنسان‬ ‫تح ّمل السلطات الرتكية املسؤولية الكاملة عن‬ ‫إغراق مركب الجئني سور ّيني” هكذا عنونت‬ ‫الرابطة بيانها الصادر بتاريخ ‪ 2015\9\23‬وصفت‬ ‫فيه الحادثة بـ “الجرمية املر ّوعة” وح ّملت الرابط ُة‬ ‫السلطات الرتكية املسؤولية الكاملة عنها وعن‬ ‫سالمة من تم ترحيله إىل سوريا‪ ،‬وطالبت بفتح‬ ‫تحقيق فوري واإلفراج عن جميع املعتقلني‪.‬‬

‫املرحلني‬ ‫اعتقال حركة أحرار الشام ملجموعة من ّ‬

‫ذكر أحد املحتجزين يف العثامن ّية –نتح ّفظ عىل‬ ‫اسمه‪ -‬أن أحد الذين تم ترحيلهم إىل سوريا‬ ‫تواصل معه‪ ،‬وأخربه أن “حركة أحرار الشام‬ ‫املرحلني من تركيا‪ ،‬وأطلقت‬ ‫ح ّققت مع جميع ّ‬ ‫رساحهم فو ًرا‪ ،‬باستثناء ‪ 7‬أكراد من مدينة عفرين‪،‬‬ ‫مل يطلق رساحهم وال نعرف عنهم شيئًا إىل اليوم”‪.‬‬ ‫ورصح مصدر مق ّرب من أحرار الشام فضل عدم‬ ‫ّ‬ ‫ذكر اسمه‪“ :‬تواصلنا مع أحرار الشام بخصوص‬ ‫املعتقلني السبعة‪ ،‬وكان ردّهم أنهم اآلن لدى‬ ‫املحكمة الرشعية‪ ،‬ويجري التحقيق معهم يف‬ ‫اتهامات نسبت إليهم بارتكابهم جرائم حرب مع‬ ‫وحدات الحامية الشعبية التابعة لحزب (‪)PYD‬‬ ‫الكردي”‪.‬‬ ‫يع ّلق املحامي غزوان قرنفل‪“ :‬يحظر القانون‬ ‫الدويل إعادة الجئ أو طالب حامية إىل بلد أو‬ ‫مكان يخىش عىل حياته فيه أو هناك احتامل‬ ‫لتعرضه للتعذيب‪ ،‬وعملية اإلبعاد أو الطرد‬

‫ّ‬ ‫منظمة العفو الدولية تصدر بيانها‪ :‬الجئون‬ ‫تحت خطر الرتحيل القرسي إىل سوريا‬

‫أصدرت منظمة العفو الدولية الخميس‬ ‫‪ 2015\9\24‬بيا ًنا بخصوص الحادثة ذكرت فيه‬ ‫ّأن “خفر السواحل أكد أن هناك ‪ 249‬الجئًا تم‬ ‫إنقاذهم و‪ 22‬جثة تم انتشالها بينهم أطفال”‬ ‫ّ‬ ‫وأن‪“ :‬الالجئني وقعوا عىل أوراق مل يفهموها‬ ‫ألنها بالرتكية” كام وصفت احتجاز الالجئني بـ‬ ‫“االعتقال”‪ ،‬وطالبت وزير الداخلية الرتيك بإيقاف‬ ‫إعادة الالجئني إىل سوريا والعراق‪ ،‬وإطالق رساح‬ ‫بقية الالجئني ومنحهم حامية مؤقتة ومتكينهم من‬ ‫تقديم طلبات لجوء ومطالبة وزير العدل الرتيك‬ ‫بفتح تحقيق محايد بالقض ّية‪.‬‬

‫إمكانية التحقيق بالقض ّية بطريقة أخرى‬

‫يختتم املحامي غزوان قرنفل ‪“ :‬ال يحق لنا‬ ‫كمحامني العمل يف تركيا‪ ،‬وعندما رخصنا التجمع‬ ‫وقعنا عىل تعهد خطي بعدم طلب مامرسة املهنة‪،‬‬ ‫محام تريك للطعن بكل ما‬ ‫لذلك البد من توكيل ٍ‬ ‫تم من إجراءات تنتهك حقوق الالجئ‪ ،‬وإقامة‬ ‫دعوى ملساءلة الدورية التي أغرقت املركب عن‬ ‫حياة الضحايا وطلب التعويض لذويهم‪ ،‬وال أنصح‬ ‫برتك االئتالف والحكومة خارج املوضوع‪ ،‬بل‬ ‫يتعي إحراجهم وتعريتهم‪ ،‬وأنصح ذوي الضحايا‬ ‫ّ‬ ‫واملترضرين باالعتصام يف مقر الحكومة املؤقتة‪،‬‬ ‫وإلزامها عىل توكيل محامني لوضع نهاية لهذا‬ ‫العبث بالسوريني‪ ،‬فال يجوز أن يصبح السوريون‬ ‫مكرس عصا لكل من هب ودب”‪.‬‬

‫تقارير‬

‫بتاريخ ‪ 2015\9\22‬دخل س ّيارة تابعة لألمم‬ ‫املتحدة بعد ضغوطات الحملة‪ ،‬والتقت‬ ‫باملسؤولني عن الحجز وخرجت بعد ساع ٍة دون أن‬ ‫تقابل أحدًا من املحتجزين‪ ،‬وكانت مجموعة من‬ ‫املحتجزين قد أعلنت إرضابها عن الطعام حتّى‬ ‫يتم اإلفراج عنها‪ ،‬وقال شاهني برزنجي‪“ :‬أمام أعني‬ ‫األمم املتحدة‪ ،‬التي مل يكلف موظفوها أنفسهم‬ ‫إزالة النظارات الشمسية والنظر إىل الالجئني‪ ،‬تم‬ ‫االعتداء عىل الجئ سوري مسن وشابني آخرين”‪.‬‬ ‫فيام أ ّكد برزنجي أنه بتاريخ ‪“ 2015\9\21‬تم‬ ‫إطالق رساح مجموعة من العراقيني بعد تدخل‬ ‫القنصل العراقي‪ ،‬بينام نحن السوريني عىل ما‬

‫يبدو ليس لنا أحد”‪.‬‬

‫تخالف أحكام املواد ‪ 32‬و‪ 33‬من اتفاقية حقوق‬ ‫الالجئني الدولية كام أنها تخالف أحكام قانون‬ ‫الحامية الدولية الرتيك‪ ،‬ويحق ملن تقرر طرده‬ ‫وإبعاده الطعن بقرار اإلبعاد أمام القضاء اإلداري‬ ‫الرتيك خالل مهلة ‪ 15‬يوم ‪ ،‬وإصدار الحكم خالل‬ ‫‪ 15‬يوم أخرى‪ ،‬وكان يتعني حتى لو صدر حكم‬ ‫قضايئ بإبعادهم‪ ،‬منحهم مهلة كافية ليتدبروا بلدا‬ ‫يقبل بإيوائهم بدال عن سوريا” ‪.‬‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 27 - 56 -‬‬

‫يف تركيا‪ ،‬ور ّد رئيس املجلس الوطني جورج صربا‬ ‫عىل إحدى الرسائل‪“ :‬املوضوع الذي أثري وبالشكل‬ ‫الذي وصفته‪ ،‬فيه مبالغة ومغالطة‪ ،‬مل ولن يحصل‬ ‫تسفري أي سوريّ إىل سوريا تحت أي ظرف وألي‬ ‫فلننس هذا‬ ‫سبب‪ ،‬وهذه ضامنة تركية ودول ّية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫األمر”‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هذه االستهانة بأرواح السور ّيني وح ّرياتهم‬ ‫وكرامتهم‪ّ ،‬‬ ‫تدل مبا ال يقبل الشك عىل ارتهان هذه‬ ‫املعارضة لسياسات داعميها‪ ،‬وتع ّري ادّعاءاتهم يف‬ ‫الدفاع عن السور ّيني‪ ،‬وتعيدُ نا إىل حياتنا تحت ّ‬ ‫ظل‬ ‫األسد وش ّبيحته‪ ،‬حيث ُيعتَقل الناس أو ميوتون‬ ‫دون أن يجرؤ أحد عىل السؤال عنهم‪ّ ،‬‬ ‫ألن القاتل‬ ‫“مدعوم” وسلطته أقوى من القانون‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬

‫قضايا الكفر واإليمان والالإكراه‬ ‫والمتشددين‬ ‫الحداثويين‬ ‫بين نسخ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪.‬عماد العبار‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 27 - 56 -‬‬

‫مقاالت‬

‫صح‬ ‫يرى كثري من املسلمني الحداثو ّيني (إن ّ‬ ‫الوصف) ّأن علينا أن نحدث قطيعة مع كل النزعة‬ ‫الرتاثية املاضوية‪ ،‬س ّيام املفاهيم التقليدية التي‬ ‫تقسم الناس إىل مؤمن وكافر‪ ،‬أو التي تف ّرق ما بني‬ ‫فرقة ناجية وفرقة ضا ّلة ‪..‬‬ ‫يف الواقع إن الفرز بني اإلميان والكفر‪ ،‬أو الهدى‬ ‫والضالل‪ ،‬ليس مج ّرد نزعة تراث ّية ماضو ّية أو‬ ‫محض مفاهيم تقليدية‪ ،‬بل نزعة قرآنية أصيلة من‬ ‫صميم الخطاب اإللهي‪ ..‬نعم‪ ،‬هي كذلك‪ ،‬حتى‬ ‫وإن ش ّكلت حرجاً للبعض يف تعاملهم مع النص‬ ‫كالم يف ضوابط‬ ‫القرآين‪ ،‬فال تكاد تخلو سورة من ٍ‬ ‫اإلميان وصفات الكفر والكافرين أو من تحذي ٍر من‬ ‫الوقوع يف الرشك‪ ،‬أو من أم ٍر بتبليغ هذه املفاهيم‬ ‫القرآنية إىل اآلخرين‪ ،‬وعىل رأسها مفاهيم الفرز‬ ‫نفسها‪..‬‬ ‫وحني يحدّثنا القرآن عن الكفر‪ّ ،‬‬ ‫فإن املعني بالكالم‬ ‫ليس األشخاص وإمنا األفكار والسلوك‪ ،‬بحيث أن‬ ‫موجهاً‬ ‫خطاب الكفر واإلميان سيكون خطاباً عا ّماً ّ‬ ‫للمؤمن بالقرآن وللكافر به بنفس القدر‪ ..‬التحذير‬ ‫سيكون للمؤمنني باالنتباه ملسائل الرشك لتجنّب‬ ‫الوقوع فيه‪ ..‬فهو يحدّث عن الرشك ّيات التي قد‬ ‫يوصف أحوال‬ ‫تتداخل مع اإلسالم‪ ..‬وسنجد أ ّنه ّ‬ ‫الكافرين به مبا ال يدع أي مجال للشك يف األهمية‬ ‫التي يوليها القرآن ملسألة الفرز بني اإلميان والكفر‪،‬‬ ‫مبا يجعل تحييد هذه الجزئية عن رسالة اإلسالم‬ ‫مسألة من االستحالة مبكان‪ ..‬واآليات كثرية جداً‬ ‫يف هذا السياق‪:‬‬ ‫َاب إِ َّل لِ ُت َب ِّ َ‬ ‫ي لَه ُ​ُم ا َّل ِذي‬ ‫] َو َما أَن َز ْلنَا َع َل ْي َك ا ْل ِكت َ‬ ‫ْاخ َت َل ُفوا ِفي ِه ۙ وَهُ دًى َو َر ْح َم ًة لِّ َق ْو ٍم ُي ْؤ ِمنُون[ ‪.‬‬ ‫] ا َّل ِذينَ َك َف ُروا َف ُأ َع ِّذ ُبه ُْم َع َذا ًبا َش ِديدًا ِف الدُّ ْن َيا‬ ‫َو ْ َ‬ ‫اصينَ * َوأَ َّما ا َّل ِذينَ َآ َمنُوا‬ ‫ال ِخ َر ِة َو َما لَه ُْم ِمنْ َن ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ات َف ُي َو ِّفي ِه ْم أ ُجو َرهُ ْم َوال َّل ُه الَ ُي ِح ُّب‬ ‫الصالِ َح ِ‬ ‫َو َع ِم ُلوا َّ‬ ‫َّ‬ ‫الظالِ ِمني[‬ ‫] ُز ِّينَ لِ َّل ِذينَ َك َف ُروا ا ْل َح َيا ُة الدُّ ْن َيا َو َي ْس َخ ُر َ‬ ‫ون ِمنَ‬ ‫ا َّل ِذينَ َآ َمنُوا َوا َّل ِذينَ ا َّت َق ْوا َف ْو َقه ُْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة[‪..‬‬ ‫يأيت الحرج عند رشيحة واسعة من الحداثو ّيني‬ ‫اليوم عند التعامل مع قضايا الكفر واإلميان‬ ‫كنتيجة لعاملني رئيس ّيني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬التطبيق الخاطئ ملسألة تبليغ مفاهيم‬ ‫الكفر واإلميان عند فئة من املتشدّدين اإلسالم ّيني‪..‬‬ ‫هؤالء عملوا عىل إنزال العقوبة مبن اعتقدوا أن‬

‫صفات الكفر تنطبق عليه‪ ،‬متجاهلني ّأن العقاب‬ ‫نص عليه القرآن هو عقاب أخروي وليس‬ ‫الذي ّ‬ ‫عىل الرسول ّإل البالغ‪:‬‬ ‫َّاس ِبا ْل َحقِّ ۖ َف َم ِن‬ ‫]إِ َّنا أَن َز ْلنَا َع َل ْي َك ا ْل ِكت َ‬ ‫َاب لِلن ِ‬ ‫اهْ َتدَىٰ َف ِل َن ْف ِس ِه ۖ َو َمن َض َّل َفإِ َّنَا َي ِض ُّل َع َل ْيهَا ۖ َو َما‬ ‫أَ َ‬ ‫نت َع َل ْي ِهم ِب َوكِيلٍ [‪..‬‬ ‫وإذا كان هذا حال الرسول املب ّلغ‪ ،‬فال ّ‬ ‫شك أن األمر‬ ‫يتوجه إليهم‬ ‫يتط ّلب تواضعاً أكرب من أتباعه الذين ّ‬ ‫الخطاب النبوي أيضاً بالتحذير من الوقوع بالكفر‪،‬‬ ‫إن أقدموا عىل مامرسات قد ال نعتربها عقائد ّية‪،‬‬ ‫إن مل ننظر يف التح ّوالت الفكرية والنفس ّية املرافقة‬ ‫لها‪ ،‬فعىل سبيل املثال يخاطب صىل الله عليه‬ ‫ض ُب‬ ‫وسلم أتباعه قائ ًال‪“َ :‬ل َت ْر ِج ُعوا َب ْع ِدي ُك َّفا ًرا َي ْ ِ‬ ‫اب َب ْع ٍض”‪..‬‬ ‫َب ْع ُض ُك ْم ِر َق َ‬ ‫ولاللتفاف عىل هذه اآليات التي تدعو إىل التبليغ‬ ‫بالحسنى وترك أمر حساب الناس لخالقهم‪ ،‬لجأ‬ ‫أصحاب هذه الدعوات إىل اعتامد مقوالت النسخ‬ ‫املتهافتة‪ ،‬والتي تدّعي أن آيات الدعوة واملوعظة‬ ‫الحسنة قد ُنسخت بآيات السيف‪ ..‬هكذا وبدون‬ ‫أن يشعر هذا الفريق بأ ّنه أساء إىل القرآن‪ ،‬قام‬ ‫أصحابه بنسف ما ال ّ‬ ‫يقل عن نصف القرآن!‬ ‫العامل الثاين‪ :‬تأ ّثر كثري من الحداثو ّيني باملناهج‬ ‫غري اإلسالمية‪ ،‬وبتص ّورات اآلخرين عن الحياة‪..‬‬ ‫فمن ضمن األفكار التي قام عليها التنوير األورو ّيب‬ ‫فكرة تح ّييد الدين عن الحياة العا ّمة والفصل بينه‬ ‫ّ‬ ‫التدخالت الوصائية لرجال‬ ‫وبني الدولة للحد من‬ ‫الدين املسيحي؛ حيث كانت متنح قبل ذلك صكوك‬ ‫الغفران‪ ،‬ويتم إنزال العقاب من قبل الذين اعتربوا‬ ‫أنفسهم وكالء الرب عىل أرضه وأصحاب الحق يف‬ ‫إزهاق حياة الناس بناء عىل معتقداتهم‪ ..‬هذه‬ ‫الثورة كان من نتائجها الحد من الكالم يف مسائل‬ ‫الكفر واإلميان عىل اعتبار أ ّنها ستصل باملجتمع إىل‬ ‫ما وصلت إليه مجتمعات ما قبل النهضة‪..‬‬ ‫انتقلت هذه الحساسية من موضوع الكفر‬ ‫واإلميان‪ ،‬وهي حساس ّية غرب ّية بتص ّوري‪ ،‬إىل العامل‬ ‫اإلسالمي من جملة املفاهيم التي جرت عوملتها‬ ‫باعتبارها ثقافة األقوى ومفاهيمه‪ ،‬وتل ّقتها ت ّيارات‬ ‫ترى ّأن الغرب أصبح بتف ّوقه معياراً أعىل لقيم‬ ‫اإلنسانية والحضارة ولتحديد موقفنا من الدين‬ ‫وفهمنا له‪..‬‬ ‫ساعدت جرائم متطرفني إسالمني عىل تثبيت مثل‬

‫هذه األفكار‪ ،‬واقرتنت مسألة الحديث يف ضوابط‬ ‫الكفر واإلميان (التي بنى عليها قس ًام ها ّماً من‬ ‫التصور اإلسالمي عن الحياة) مبسائل التكفري التي‬ ‫تتناول أشخاصاً بعينهم وتنتهي بالقتل‪ ..‬عمل‬ ‫بعضهم عىل إغفال آيات التمييز بني الكفر واإلميان‬ ‫يف مقابل تسليط الضوء عىل آيات أخرى تتحدّث‬ ‫عن الالإكراه يف الدين‪ ،‬وجرى التشديد عليها مبا‬ ‫يوحي وكأ ّنها تعادل الدين بأكمله! لدرجة أ ّنك‬ ‫تجد يف خطابات بعض اإلسالم ّيني كالماً متك ّرراً‬ ‫عن الطريقة املثىل إليصال الدين إىل الناس‪،‬‬ ‫وهي طريقة الال إكراه والتبليغ بالتي هي أحسن‪،‬‬ ‫بينام يكاد يغيب عن خطاباتهم مواضيع أخرى‬ ‫من صلب الدين وال تقل أهم ّية‪ ،‬وبصورة خاصة‬ ‫مفاهيم الكفر واإلميان وفق التص ّور اإلسالمي !‬ ‫املحصلة‪ ،‬أراد فريق أن ينسخ آيات الالإكراه‬ ‫يف‬ ‫ّ‬ ‫والدعوة بالتي هي أحسن لرغبته يف إنزال‬ ‫العقوبات األخروية بيديه! بينام وقع الطرف اآلخر‬ ‫نسخ معاكس (إن‬ ‫من حيث ال يدري ّربا‪ -‬يف ٍ‬‫صح التعبري) لقضايا الكفر واإلميان مساير ًة أو تأ ّثراً‬ ‫ّ‬ ‫(بحسب تقديري) لتص ّورات غري قرآنية‪ ،‬بشكل‬ ‫مامثل لحرجه أمام سلوك ّيات ع ّممتها حضارة‬ ‫الغرب يطلق عليها النص وصف “الفواحش”!‪..‬‬ ‫وبني النسخ التقليدي والنسخ (الحداثوي)‬ ‫املعاكس‪ ،‬يوشك القرآن أن يصبح مج ّرد كلامت‬ ‫للرتتيل يف الصلوات الخمس ‪..‬‬ ‫أخرياً‪ ،‬بعد تحييد دعوات النسخ والتخ ّلص من‬ ‫هيمنة املفاهيم الغربية‪ ،‬يبقى املنهج القرآين‬ ‫بتص ّوري واضحاً يف هذه املسألة ال لبس فيه‪:‬‬ ‫واضح يف املوقف من الكفر ويف رضورة‬ ‫فهو‬ ‫ٌ‬ ‫تبليغ هذا املوقف القرآين للمخالفني [ ُق ْل أَ ِئن َُّك ْم‬ ‫لَ َت ْك ُف ُر َ‬ ‫ي َو َت ْج َع ُل َ‬ ‫ون لَ ُه‬ ‫ون ِبا َّل ِذي َخ َلقَ األَ ْر َض ِف َي ْو َم ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أَندَادًا َذلِك َر ُّب ال َعال ِمنيَ]‪..‬‬ ‫السلمي مع الكافرين‪َ [ :‬ف َذ ِّك ْر‬ ‫وواضح يف التعامل‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫إِ َّ َنا أَ ْن َت ُم َذ ِّك ٌر لَ ْس َت َع َل ْي ِه ْم ِ ُب َس ْي ِط ٍر]‪.‬‬ ‫وواضح أيضاً يف أن املؤمن ليس له من األمر يشء‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫والحساب أخروي باملطلق‪:‬‬ ‫[ َو ُقلِ ا ْل َحقُّ ِمن َّر ِّب ُك ْم ۖ َف َمن َشا َء َف ْل ُي ْؤ ِمن َو َمن‬ ‫ني َنا ًرا أَ َح َ‬ ‫َشا َء َف ْل َي ْك ُف ْر ۚ إِ َّنا أَ ْع َت ْد َنا لِ َّ‬ ‫لظالِ ِم َ‬ ‫اط ِب ِه ْم‬ ‫سا ِد ُقهَا ۚ َوإِن َي ْس َت ِغي ُثوا ُي َغا ُثوا ِبَا ٍء َكا ْل ُمهْلِ َي ْش ِوي‬ ‫َُ‬ ‫اب َو َسا َء ْت ُم ْر َت َفقا]ً‬ ‫َ‬ ‫شَّ‬ ‫ا ْل ُو ُجو َه ۚ ِبئ َْس ال ُ‬


‫هل أصاب دي ميستورا عين الحقيقة‬ ‫ابو القاسم السوري‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 27 - 56 -‬‬

‫رئيسية يجب علينا نحن اوال كجهات محسوبة عىل‬ ‫الثورة السورية ان نجيب عليها‪ ،‬وال يعني هذا االمر‬ ‫انني ادعوا اىل تبني هذه الخطة او القبول بها‪،‬‬ ‫ولكن تسليط الضوء هو بهدف معالجة املخاطر‬ ‫واستغالل الفرص‪.‬‬ ‫لعل اخطر ما تحتويه الخطة انها تعامت عن‬ ‫السبب الرئييس لالزمة السوية وهو اجرام النظام‬ ‫وقمعه للشعب السوري‪ ،‬ولكن يف نفس الوقت‬ ‫يجب ان ندرك ان دي ميستورا هو وسيط لحل‬ ‫أزمة يهدف اىل انهاء أزمة‪ ،‬وليس اىل ارجاع الحقوق‬ ‫اىل أصحابها‪ ،‬ومن هذا املنطلق ينظر دي ميستورا‬ ‫اىل اطراف الرصاع يف سورية من نفس امليزان وليس‬ ‫من ميزان الجالد والضحية‪ ،‬باإلضافة اىل ذلك يوجد‬ ‫العديد من القضايا التي تطرقها الخطة والتي هي‬ ‫حقيقية مفاصل اساسية يف العقدة السورية وال‬ ‫منلك كثورة اجابة واضحة عنها وهي‪:‬‬ ‫اوال‪ :‬ان الخطة تدعو اىل املحافظة عىل وحدة‬ ‫واستقالل وسيادة سورية‪ ،‬واعتقد ان هذا االمر يف‬ ‫ظل املشاريع التقسيمية واملشاريع الضبابية يجب‬ ‫ان يصبح من اوىل اولوياتنا‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬قضية املكونات السورية املتعددة‪ ،‬فحقيقة‬ ‫يوجد اشكالية كبرية لدى العديد من القوى‬

‫مقاالت‬

‫لعل أروقة السياسية املتصلة بالشأن السوري‬ ‫تصوب جل نظرها هذه األيام من جهة أوىل‬ ‫اتجاه التطورات امليدانية عىل األرض سواء‬ ‫سقوط مطار أبو الظهور او معركة الزبداين‬ ‫واخريا معارك الغوطة الرشقية‪ ،‬والتي من‬ ‫املتوقع أن يكون لها ابعاد سياسية عديدة مهمة‬ ‫اذا ما كتب لهذه املعارك تحقيق أهدافها التي‬ ‫انطلقت ألجلها‪ ،‬ومن جهة ثانية اتجاه الجهود‬ ‫الدبلوماسية التي يقوم بها املبعوث الدويل‬ ‫ستيفان دي مستورا لحل األزمة السورية‪،‬‬ ‫ولعل العديد يرى ان التطورات عىل الواقع قد‬ ‫تجاوزت ما يسمى الخطة التي طرحها املبعوث‬ ‫الدويل والتي رسبتها جريدة الحياة اللندنية‬ ‫من خالل نرش وثيقتني تحت مسمى (مسودة‬ ‫اطار تنفيذ جنيف)‪ ،‬ولكن يرى بعض املحللني‬ ‫ان التطورات عىل االرض ال تخرج عن اطار‬ ‫تهيئة االرضية الضاغطة عىل اطراف الرصاع يف‬ ‫سورية إليجاد االجواء السياسية املناسبة لتمرير‬ ‫هذه الخطة‪ ،‬ويجب ان ندرك ان هذه الخطة‬ ‫تحمل أهمية سياسية ال يستهان بها وحتى ان‬ ‫مل يتنب البيان الرئايس ملجلس االمن مبوافقة‬ ‫أعضائه الخمسة الدامئني هذه الخطة املرسبة‬ ‫بحذافريها‪ ،‬ولكن كان واضحا ان املبادئ‬ ‫االساسية الحاكمة لهذا الخطة باإلضافة اىل‬ ‫مجموعات العمل االربعة التي طرحتها الخطة‬ ‫اصبحت عىل جدول االجندة السياسية الدولية‬ ‫والتي ميكن القول انها محل توافق دويل‪.‬‬ ‫ومن خالل استعراض ما رسبته جريدة الحياة‬ ‫يجد املدقق فيها والباحث السيايس املؤيد‬ ‫للثورة عرشات النقاط التي قد يكون الهدف‬ ‫منها االنقضاض عىل الثورة وتعويم النظام‬ ‫واعادة رشعنته‪ ،‬ومن هنا ميكن تفهم مواقف‬ ‫العديد من الجهات السياسية املعارضة من‬ ‫هذه الخطة وما ترسب عنها‪ ،‬ولكن هل يكفينا‬ ‫ان نقول ان هذه الخطة هي خطة مضادة‬ ‫للثورة ويجب ان نرفضها او نتعامل معها؟‬ ‫هل ما يزال هذا املنطق يصلح بعد ان أدرك‬ ‫الجميع ان القضية السورية مل تعد قضية سورية‬ ‫خاصة بل حلبة رصاع اقليمي دويل‪ ،‬وفاتورة‬ ‫هذا الرصاع هي دماء عرشات االالف ونزوح‬ ‫املاليني وتهجريهم‪ ،‬والذي من املمكن ان يكون‬ ‫بطريقة ما بهدف افراغ سورية دميوغرافيا؟‬ ‫اعتقد ان االجابة عن هذا السؤال يجب ان‬ ‫تحمل عمقا سياسيا أكرب‪ ،‬فصحيح ان الخطة‬ ‫التي رسبت تحمل مخاطر كبرية جدا‪ ،‬ولكن يف‬ ‫نفس الوقت الخطة سلطت الضوء عىل نقاط‬

‫املحسوبة عىل الطرف املضاد للنظام يف مقاربتها‬ ‫لهذه القضية‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الفشل الكبري لقوى املعارضة يف ادارتها‬ ‫للمناطق املحررة وخاصة اعادة الدورة االقتصادية‬ ‫يف هذه املناطق لوضعها الطبيعي‪.‬‬ ‫رابعا‪ :‬قضية الجيش‪ ،‬فغالبية مكونات الثورة‬ ‫السورية تريد حل جيش النظام ألنها تعلم ان هذا‬ ‫الجيش تحول اىل ادارة قتل يف يد النظام‪ ،‬ولكنها‬ ‫تعجز عن تقديم اجابات عن املؤسسة العسكرية‬ ‫البديلة له‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬العجز الكبري يف قدرة أطراف الثورة‬ ‫السورية لحد االن عىل اثبات قدرتهم يف املحافظة‬ ‫عىل املصالح االقليمية والدولية الرئيسية‪.‬‬ ‫يف متوز عام ‪ 2012‬صدر بيان جنيف‪ ،‬ويف حينها‬ ‫كان رفض قوى الثورة له عاما دون إدراك االهمية‬ ‫السياسية له‪ .‬بعد ميض االيام اصبحت القوى التي‬ ‫كانت تعارضه يف الصباح واملساء هي أكرث الداعني‬ ‫له‪ ،‬واخىش ما اخشاه ان يكون ما نرفضه اليوم هو‬ ‫ما سنصبح نلهث له يف الغد‪.‬‬ ‫ان خطة دي ميستورا واضحة جدا واصابت عني‬ ‫الحقيقية‪ ،‬وأي جهود لحل األزمة السورية ستفيض‬ ‫يف النهاية اىل ايجاد دولة مستقرة يك ال تبقي سورية‬ ‫مركز توتر وتهديد‪ .‬وإذا كنا نريد تحييد النظام‬ ‫واخراجه من ان يكون أحد محاور او مرتكزات هذه‬ ‫الخطة يجب ان نجيب عىل السؤال التايل بشكل‬ ‫واضح‪ :‬هل لدينا كقوى ثورة االرادة السياسية لتبني‬ ‫مرشوع بناء دولة سورية موحدة ومستقلة‪ ،‬دولة‬ ‫تضم الجميع‪ ،‬دولة تكون مبنية عىل املؤسسات‬ ‫وليس عىل الفصائلية واملشاريع الضيقة؟‬

‫‪7‬‬


‫البنى الطبعية وتأثيراتها‬ ‫في تمايزات مواقف السوريين‬

‫‪8‬‬

‫سميح الصفدي‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 27 - 56 -‬‬

‫مقاالت‬

‫مثة متايزات ثقافية وأخالقية بني مختلف الرشائح‬ ‫الشعبية يف املجتمع السوري أدت إىل متايزات يف‬ ‫مواقفهم السياسية‪ ،‬وأثرت إىل حد بعيد يف والئهم‬ ‫للنظام أو للثورة أو حيادهم السلبي‪ ،‬وذلك بنا ًء‬ ‫عىل سامت طبعية تخص املرجعية األخالقية‬ ‫واألمناط الرتبوية املتفاوتة التي تربوا عليها‪ ،‬وهي‬ ‫باعتقادي أمناط عابرة للطوائف‪ ،‬وإن كان ألمناط‬ ‫معينة الغلبة لدى جامعات معينة ستتم اإلشارة‬ ‫إليها الحقاً‪.‬‬ ‫ال نبالغ إذا قلنا أن روح الثورة السورية التي‬ ‫انطلقت عام ‪ 2011‬ومتثلت يف أبطالها األوائل‬ ‫كانت روحاً دونكيخوتية مشبعة بالشجاعة‬ ‫تؤسس‬ ‫واإليثار والضمري الحي‪ ،‬وكان ميكن لها أن ّ‬ ‫فع ًال لواقع جديد وثقافة ضمريية جديدة فيام لو‬ ‫ُكتبت لها الحياة‪ ،‬لكن مثلام كان دون كيخوته‬ ‫“رمز النبالة الساعية يف خري اإلنسانية‪ ،‬والذي‬ ‫دامئا يصطدم بالواقع الكالح فينتهي باإلخفاق”‪،‬‬ ‫كذلك كانت الثورة السورية التي “عجزت وسائلها‬ ‫عن تحقيق أمانيها”‪ .‬فالقسوة والعنف املفرط‬ ‫الذين جوبهت بهام‪ ،‬والتآمر الدويل ضدها‪ ،‬أطاح‬ ‫بهذه األحالم والبشارات‪ ،‬وقتل بالفعل حاملها‬ ‫اإلنساين من قيادات الصفَّني األول والثاين وحتى‬ ‫العارش الحقاً… وبدا بالفعل أن الواقع السوري‬ ‫ينفتح عىل هوة سحيقة من العنف والنار والحقد‬ ‫انسحق عىل مذبحها آخر ما تبقى من عقل وحلم‬ ‫وضمري‪.‬‬ ‫وبقدر ما كشفت الثورة السورية عن بطوالت‬ ‫ومآثر أخالقية ّ‬ ‫قل نظريها إنسانياً‪ ،‬كشفت عىل‬ ‫الجانب املقابل عن قلة أخالق وغياب عارم للضمري‬ ‫اإلنساين‪ ،‬وهنا أتحدث عن تناقضات املجتمع‬ ‫السوري ذاته‪ ،‬وال يعنيني املوقف الخارجي من‬ ‫دول أو شعوب أخرى‪.‬‬ ‫إن املشهد املرعب لطفل ُيذبح‪ ،‬أو مسنّ ي ّذل‬ ‫ويع ّذب‪ ،‬أو معتقل ج ّوع وعُ ّذب حد القتل‪ ،‬أو‬ ‫مشهد منازل ُتهدم فوق رؤوس ساكنيها وتطحن‬ ‫عظامهم‪ ،‬ترتكبه أوالً وأخرياً أيا ٍد سورية‪ ،‬وهو‬ ‫يستقطب حني عرضه عىل الشاشات خمسة مواقف‬ ‫أخالقية متباينة ألناس سوريني (وأضع هنا كلمة‬ ‫«متباينة» تحت خمسة خطوط)‪ ،‬كيف ميكن أن‬ ‫ُيفهم ذلك؟ وهل باإلمكان استيعاب هذا االختالف‬ ‫يف املواقف عقلياً؟‪ ،‬أم إننا بحاجة ملفردات التحليل‬ ‫النفيس لفهم هذه التناقضات املرعبة وهذا االحتيال‬ ‫الذايت العجيب عىل أكرث األمور وضوحاً وأكرثها‬ ‫«أولي ًة»‪ :‬القتل‪ ،‬االعتداء السافر عىل حياة الناس‬ ‫وعىل الوجود االجتامعي للبرش‪.‬‬

‫األنا األعىل املفقود‬

‫كان املفكر الراحل هشام رشايب قد رصد حالة‬ ‫ال متوقعة تفيد بضعف «األنا األعىل» يف البنية‬ ‫النفسية العربية التي ترتىب عىل القمع‪ .‬فالطفل‬ ‫العريب باعتقاده «يشعر بالخجل أكرث مام يشعر‬ ‫بالذنب‪ ،‬والدافع إىل الخجل هو أن اآلخرين‬ ‫يشاهدون ما ارتكبه من عمل يسء‪ ،‬ال ألنه يشعر‬ ‫بالندم عىل ذلك العمل اليسء حاك ًام عىل نفسه‬ ‫كام يجب أن يحكم»‪.‬‬ ‫ويضيف رشايب‪« :‬العيب الذي يشعر به الفرد‬ ‫هو ما يقوله الناس عنه»‪ ،‬وبالتايل فإنه يعمد إىل‬ ‫«إخفاء نواياه والحذر فيام يقوله بحيث يكون‬ ‫هناك معنى مبطناً وراء كل كلمة تصدر عنه‪ ،‬أو‬ ‫عن اآلخرين»‪.‬‬ ‫ومبا أن «األنا األعىل» والذي هو مرادف للضمري‬ ‫األخالقي‪ ،‬يفرتض نوعاً من القدرة عىل الشعور‬ ‫باملسؤولية‪ ،‬فإن الطفل الذي يتعود القرس واإلتباع‬ ‫والتلقني ال يتأىت له أن يكون مسؤوالً‪ ،‬بل هو قارص‬ ‫عىل الدوام‪ ،‬وموضوع لفعل اآلخرين‪ ،‬وليس فاع ًال‪،‬‬ ‫وبالتايل فإن الفرد «يعفي نفسه من املسؤولية‪،‬‬ ‫مام يؤدي إىل غياب النقد الذايت وإرادة العمل‬ ‫واملبادرة يف الفعل»‪ .‬وبالنتيجة يبقى األنا األعىل‬ ‫لديه «كياناً غامضاً وغري تام‪ ،‬بل مجرد مركز‬ ‫للعادات االجتامعية والقواعد الشكلية للسلوك»‪.‬‬ ‫يفس الكاتب‪« :‬إن الطفل‬ ‫وبكلامت أكرث سالس ًة ّ‬ ‫الذي يخضع لإلذالل والقمع عليه أن يتحمل سلطة‬ ‫أبيه إىل أن يستطيع التخلص منها‪ ،‬فهي ال قيمة‬ ‫ضمنية لها وميكن رفضها ملجرد أنها مل تعد قادرة‬ ‫عىل فرض نفسها‪ .‬أما التعويض الذي يحصل عليه‬ ‫األنا فهو يف تخلصه من الضغط الثقيل الذي كان‬ ‫يرزح تحته‪ ،‬وبالعثور عىل مخرج لحاجاته املكبوتة‪.‬‬ ‫وأما شكل السلوك الذي يتخذه هذا التعويض فهو‬ ‫ما يجري عند أفراد الطبقة الوسطى يف املجتمع‬ ‫العريب‪ ،‬أي السلوك القائم عىل تركيز الذات‬ ‫والتنافس ونسيان املصلحة العامة واستبدالها‬ ‫باملصلحة الفردية التي تصبح فوق كل مصلحة»‪.‬‬ ‫وبقدر ما لهذه اإلضاءة الكاشفة للكاتب الراحل‬ ‫من أهمية فائقة‪ ،‬بقدر ما تنفتح عىل فضاء مجهول‬ ‫وسوداوي وأسئلة وإشكاليات كبرية‪ ،‬وإذا كان‬ ‫«األنا األعىل» ‪-‬مركز األخالق الفردية والجمعية‬ ‫ومحرك الضمري وأوجاع الشعور بالذنب‪ -‬غائباً‪ ،‬أو‬ ‫يف أحسن األحوال «ضعيفاً»‪ ،‬فعىل ماذا سنع ّول يف‬ ‫بناء حارضنا ومستقبلنا‪ ،‬حريتنا‪ ،‬حقوقنا‪ ،‬وحدتنا‬ ‫وكرامتنا!؟‬ ‫إذا كان كل التزام مببادئ أو ضوابط أو تحرميات‬

‫ناتجاً عن ضغط أو خوف من قوة خارجية ليس‬ ‫ضمرياً‪ ،‬فإن الضمري عىل األرجح هو ذلك الصوت‬ ‫الباطني املستقل النابع من أعامقنا اإلنسانية‪،‬‬ ‫الذي ال يحتاج يف تحكيمه إىل مكافآت‪ ،‬وال يأبه‬ ‫بعقوبات‪ ،‬وال يهتم باألحكام العامة الجاهزة‪ .‬إذن‬ ‫فهو من املفرتض أن ينحو نحو املوضوعية والعدالة‪،‬‬ ‫وأكرث منهام نحو املحبة والرحمة والتسامح‪.‬‬ ‫الضمري هو نتاج املواجهة ما بني األنا األعىل‬ ‫واألنا‪ ،‬ما بني الذات والذات‪ ،‬هو املراجعة والنقد‬ ‫والحساب الذايت‪ ،‬كل املبادئ األخالقية املكتسبة‬ ‫دون هذه املواجهة ال تشكل بعد ضمرياً‪.‬‬ ‫وإذا كان الرضوخ للمبادئ «األخالقية» الصارمة‬ ‫املفروضة والسائدة عند الفئات الشعبية‬ ‫واملتدينة ينبع من القمع والخوف من القوى‬ ‫الخارجية‪ :‬املجتمع والسلطة‪ ،‬الله والدين‪،‬‬ ‫ووكيلهام الالشعوري األب‪ .‬فألي يشء تخضع‬ ‫النخب العربية؟ و«املثقف» و«الفنان» و«الثائر»‪،‬‬ ‫الخارج‬ ‫«امللحد» يف أحيان كثرية‪ ،‬هل ميتلك هذا‬ ‫ُ‬ ‫من بطن االستبداد ضمرياً؟ وما هو الجذر الحقيقي‬ ‫للمبادئ التي يدعو إليها ويحاول الذود عنها؟‬

‫ّ‬ ‫تعث النمو وتث ّبت الليبيدو‬

‫النتيجة التي أريد أن أخلص إليها‪ ،‬وإن احتاجت‬ ‫إىل تفسريات إضافية ال مجال لخوضها هنا‪ ،‬هي‬ ‫أن اإلنسان املفتقد للضمري هو بالرضورة كائن‬ ‫«غري مكتمل النم ّو»‪ ،‬وإذا كانت األدبيات التحليلية‬ ‫النفسية تفيدنا بأن الضمري يبدأ بالتشكل يف‬ ‫السنوات األوىل من عمر اإلنسان (ما بني السنة‬ ‫الرابعة والخامسة مع تصفية عقدة أوديب) فإن‬ ‫تعرث هذا التشكل ال ب ّد س ُينتج شخصاً عُ صابياً‪،‬‬ ‫وساحة األنا لديه ستبقى خاضعة للتشكيالت‬ ‫النفسية السابقة عىل هذه املرحلة‪ ،‬وأعني‬ ‫التشكيالت الليبيدوية األوىل (الفموية‪ ،‬الرشجية‪،‬‬ ‫والقضيبية) مبا تحمله من تثبيتات وتصعيدات‬ ‫الحقة‪.‬‬ ‫مع التشكل التام لألنا األعىل يتحول اإلنسان اىل‬ ‫كائن أخالقي‪ ،‬وسمة هذا الكائن وحجر األساس‬ ‫فيه كإنسان مكتمل هي القدرة عىل «الشعور‬ ‫بالذنب»‪ ،‬كذلك القدرة عىل التناغم والتوفيق‬ ‫ما بني الحاجات والغرائز والرغبات وبني املبادئ‬ ‫األخالقية والقيم االجتامعية والواقع الخارجي‪.‬‬ ‫قبل نضوج هذا التشكل تخضع األنا الطفلية‬ ‫لتطورات متالحقة متعلقة بنمو الطفل‬ ‫الفيزيولوجي وسلم أولوياته واحتياجاته‪ ،‬ومن أهم‬ ‫املراحل التي وصفها فرويد والتي تسم الجنسية‬


‫‪ - 1‬فئة املجرمني والشبيحة التي تنطلق من‬ ‫موقف عدايئ متسلط يرتكز عىل الطبع املتثبت‬ ‫يف املرحلة القضيبية‪ ،‬والتي ال تنظر إىل العامل إال‬ ‫بوصفه موضوعاً لالغتصاب والعدوان وإشباع‬ ‫النوازع‪/‬املصالح الذاتية الفردية أو الجمعية‪ .‬وهي‬ ‫تفتقد إىل أبسط العواطف اإلنسانية‪ ،‬وال تعرف‬ ‫معنى التعاطف مع الضحية وتتغذى عىل منبعني‬ ‫ال ينضبان من الحقد‪ :‬الطائفية والطبقية‪ .‬ال تقترص‬ ‫هذه الفئة عىل املجرمني العمليني‪ ،‬إمنا ميكن‬ ‫توسيعها لتضم الشبيحة املحتملني من املعجبني‬ ‫بالنظام السوري واملفتونني بقوته ودمويته‬ ‫الالمحدودة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬الفئة الثانية وهي األقلية التي ُحرمت من‬ ‫فرصتها يف التحول ألكرثية بفعل العنف املفرط‬ ‫وغياب التعاطف العام معها‪ ،‬فئة أصحاب الضمري‪،‬‬ ‫األفراد مكتميل النم ّو النفيس‪ .‬هؤالء من حملوا‬ ‫راية الحرية والكرامة والنضال السلمي وخرجوا‬ ‫يف مواجهة الظلم والقمع‪ ،‬هؤالء هم من ُقتلوا‬ ‫أو هُ ّجروا أو اعتُقلوا‪ ،‬وهم أصحاب الصوت األكرث‬ ‫صدقاً‪ ،‬األقل حضوراً‪ .‬وهي الفئة التي تعرضت‬ ‫ألكرب استهداف من النظام ومن «املعارضة» عىل‬ ‫السواء‪ ،‬كام اتضح الحقاً‪.‬‬

‫‪ - 5‬الفئة الخامسة‪ ،‬وهي فئة واسعة من املؤيدين‬ ‫للنظام أو الصامتني وبعض أطياف املعارضة‬ ‫اليسارية‪ ،‬وهم عموماً األقل تديناً‪ ،‬واألكرث قرباً من‬ ‫مفاهيم العرص‪ ،‬وغالبيتهم من األقليات‪ ،‬وهذه‬ ‫الفئة هي التي احتلت املتالزمة السادية الرشجية‬ ‫لديها مكان األخالق والضمري‪ُ .‬تظهر هذه الفئة‬ ‫مي ًال كبرياً نحو الحفاظ عىل مصالحها‪ ،‬ولديها‬ ‫مخاوف كربى من الخسارة‪ ،‬تؤرقها الهواجس‬ ‫التنظيمية‪ ،‬وهي ال متتلك حداً أدىن من القدرة عىل‬ ‫التضحية وترغب بإنجازات مصلحية مجانية‪ ،‬وقد‬ ‫كانت هذه هي الحدود التي حكمت ترصفاتها‬ ‫طوال فرتة الثورة‪.‬‬ ‫ميكن القول إن النظام قد استفاد جداً من موقف‬ ‫هذه الفئة‪ ،‬الواسعة‪ ،‬وعرف كيف يلعب عىل‬ ‫مخاوفها‪ ،‬وميكن القول أيضاً إن طبع هذه الفئة‬ ‫االنتهازي وحالة اإلمساك املزمنة التي تعانيها‬ ‫قد ف ّوتت عىل السوريني عموماً فرصة القفزة‬ ‫الحضارية التي كانت ممكنة فيام لو أبدت حداً‬ ‫معيناً من شجاعة التضحية أو االستعداد للخسارة‬ ‫اآلنية يف سبيل أهداف بعيدة وسامية‪.‬‬

‫يتبع ‪..‬‬

‫العدد ‪- 56 -‬‬

‫بناء عىل ما سبق ميكن القول إن الثورة السورية‬ ‫قد أنتجت‪ ،‬أو لنقل رسمت الحدود بني خمسة‬ ‫فئات متباينة أخالقياً من الشعب السوري‪ ،‬وقد‬ ‫تعزز هذا التباين بحالة الفوىض املتزايدة منذ‬ ‫سنوات وبفائض الحقد الذي تراكم يوماً بعد يوم‪،‬‬ ‫ودفع أكرث فأكرث للتف ّلت من أية موانع شكلية‬ ‫سابقة‪ ،‬أخالقية أو قيمية أو قانونية‪:‬‬

‫‪2015 / 9 / 27‬‬

‫خمسة مواقف نفسية ‪ /‬طبعية من الثورة‪،‬‬ ‫ويف الثورة‬

‫‪ - 4‬الفئة الطفيلية التي تتوافق مع تثبيتات‬ ‫املرحلة الفموية‪ ،‬والتي رأت يف الثورة ثدياً استثنائياً‬ ‫وفرصة لإلفادة الشخصية سواء بالسفر أو باللجوء‬ ‫مؤسسات دعم الثورة أو‬ ‫أو بالعمل املأجور يف ّ‬ ‫رمبا بالشهرة أو بال ُلهاث وراء الدورات والورش‬ ‫التدريبية الفارغة التي تنظمها بعض املؤسسات‬ ‫والدول‪ .‬رمبا ال يخلو أفراد هذه الفئة من االنتامء‬ ‫والعاطفة اإلنسانية تجاه الشعب أو القضية‪ ،‬إال‬ ‫أن الدوافع الذاتية هي مح ّركها األهم‪ ،‬ويشغلها‬ ‫ما تستطيع كسبه واستدخاله‪ .‬وبالطبع ال أبغي‬ ‫هنا التعميم وال اإلدانة لكل من خضع لدورة أو‬ ‫طلب لجوءاً سياسياً‪ ،‬إمنا الحديث عن فئة سمتُها‬ ‫الطبعية الفارقة الطفالة واالتكال والبحث عن‬ ‫الفرص واملنح والعطاءات‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫مقاالت‬

‫الطفلية أو بتعبري أدق «الليبيدو الطفيل»‪:‬‬ ‫ املرحلة الفموية‪ ،‬وتتزامن مع اعتامد الطفل‬‫الكيل عىل أمه من خالل الرضاعة؛‬ ‫ مرحلة السادية الرشجية‪ ،‬والتي تتزامن ومرحلة‬‫تعليمه عىل اكتساب النظافة والتحكم مبفرزاته‬ ‫الخارجية؛‬ ‫ املرحلة القضيبية‪ ،‬التي ينتقل اهتامم الطفل فيها‬‫اىل أعضائه الجنسية وتتداخل مع تصفية عقدة‬ ‫أوديب‪ ،‬ومن ثم طور الكمون الذي يستمر حتى‬ ‫عهد البلوغ لتبدأ مرحلة جديدة؛‬ ‫ املرحلة التناسلية‪ ،‬والتي تتوافق والتشكيل‬‫املكتمل للطبقات النفسية الثالث (الهذا‪ ،‬األنا‪،‬‬ ‫واألنا األعىل)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نتساءل هنا‪ :‬ما هو إذا تأثري الضعف أو شبه الغياب‬ ‫لتشكيل «األنا األعىل» الذي يجب أن يشكل ركناً‬ ‫أساسياً من أركان البناء النفيس السليم؟ وما هو‬ ‫البديل الواقعي لهذا الغياب؟‬ ‫هل يكفي القول إن الرادع األهم سوف يبقى‬ ‫الخوف من االنكشاف أمام اآلخرين‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فإن هذا الكائن قادر عىل خرق كل املحظورات‬ ‫يف غياب الرقابة الخارجية؟ أم يجوز لنا االفرتاض‬ ‫بأنه يف ظل غياب هذا التشكيل املكتمل لإلنسان‬ ‫األخالقي فإنه من املمكن أن تجنح األنا للخضوع‬ ‫للتشكيالت النفسية األولية «ما قبل األخالقية»‪،‬‬ ‫السابقة للتشكل التام لألنا األعىل والطبقات‬ ‫النفسية؟ وسوف يكون هذا الخضوع متعلقاً بقوة‬ ‫التثبيتات يف كل مرحلة من مراحل تطور الليبيدو‬ ‫الطفيل‪.‬‬ ‫إن نظرة عامة اىل أمناط «االخالق» السائدة كفيلة‬ ‫بأن تكشف لنا عمق ارتباطها بتلك التشكيالت‬ ‫األولية‪ .‬فاالتكالية والعجز وامليل اىل التلقي السلبي‬ ‫هي سمة املرحلة الفموية؛ والعدوان واملرجلة‬ ‫والفحولة (التشبيح) هي من سامت املرحلة‬ ‫القضيبية؛ أما أكرث هذه التشكيالت التباساً فهي‬ ‫«متالزمة السادية الرشجية»‪ ،‬والتي مبيلها املغروس‬ ‫اىل التشدد واالنضباط والنظامية‪ ،‬وبتقديرها‬ ‫الفائق مليزات الحرص واالكتناز وجمع املال ونبذ‬ ‫التبذير‪ ،‬وبتأكيدها الوسوايس ألهمية النظافة‬ ‫والرتتيب والهندام الشخيص‪ ،‬وبعنادها الشديد‬ ‫الذي يضفي عليها مسحة من القوة والتحدي‪ ،‬إمنا‬ ‫تتشابه يف شطر كبري منها مع «األخالق» العامة‬ ‫املتوارثة‪ ،‬وكذا بشطر آخر مع األخالق الطبقية‬ ‫والقيم «العرصية» للحداثة الغربية‪.‬‬ ‫وبهذا فإن التثبيتات السادية الرشجية‪ ،‬وبخالف‬

‫التثبيتات األخرى‪ ،‬تخدعنا‪ ،‬وتفرض نفسها علينا‪،‬‬ ‫أفراداً وجامعات‪ ،‬كمثال أخالقي قادر‪ ،‬وتكتسب‬ ‫قوة القيم االجتامعية املقدسة غري القابلة للطعن‬ ‫أو للنقد‪ ،‬أو حتى للتساهل‪ .‬إال أن هذه القوة‬ ‫القاهرة والقادرة‪ ،‬ومبا هي تشكيل نفيس أويل‬ ‫مص ّعد لكائن يفتقد لعنرص هام من عنارص البناء‬ ‫النفيس‪ ،‬أال وهو «األنا األعىل»‪ ،‬فإنها سوف تبقى‬ ‫قي ًام صلدة بال ضمري‪ ،‬تفتقد للمراجعة وحساب‬ ‫الذات‪ ،‬ويغيب عنها التسامح والتقدير اإلنساين‪.‬‬ ‫فالطبع الرشجي ال ميلك إال مسطرة حديدية‬ ‫صلبة وعليها يقيس كل األشياء بال تردد‪ ،‬إنها‬ ‫«رسير بروكست الذي يتمدد عليه الجميع لتقطع‬ ‫أطرافهم أو لتنخلع مفاصلهم حتى يكونوا عىل‬ ‫املقاس»!‬

‫‪ - 3‬الفئة األكرب‪ ،‬وهي الفئة املتدينة التي اندفعت‬ ‫ذاتياً أو موضوعياً للوقوف ضد النظام القائم‪،‬‬ ‫وقدّمت أكرب التضحيات‪ .‬سمتها األبرز الفوىض‬ ‫والغرائزية‪ ،‬وهي ال تخضع لتثبيت نفيس معني أو‬ ‫غالب‪ ،‬إمنا تفتقد للنمو السليم واملكتمل وليس‬ ‫لديها ضمري داخيل يحاسب ويراجع‪ ،‬وإمنا رقابة‬ ‫خارجية متثلها قيم الدين والسلطات املتوارثة‪ .‬من‬ ‫السهل الت ّفلت من هذه الرقابة يف ظل الفوىض‬ ‫وتفكك النظام العام والعالقات االجتامعية لتسود‬ ‫الغرائزية الالمنضبطة التي ُتخرج أسوأ ما يف النفس‬ ‫البرشية من نزعات‪ ،‬وأعظم ما فيها من قدرة عىل‬ ‫البذل والتضحية بالنفس‪.‬‬


‫موت طفل ال يكفي إليقاظ جميع الضمائر‬ ‫‪10‬‬

‫أنور عباس‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 27 - 56 -‬‬

‫مقاالت‬

‫ال يبدو أن موت طفل يف مقتبل العمر غرقاً‬ ‫وأرسته تحاول العبور به ومعه إىل بر حياة أفضل‬ ‫كافياً ليوقظ ضامئر الجميع‪ ،‬لكنها تكفي إليقاظ‬ ‫قرائح املحليني واملجتهدين من مدعي الذكاء‬ ‫وثخيني الجلود وقلييل الحس وعدميي املشاعر‪.‬‬ ‫نعم‪ .‬أنا غاضب لهذه الدرجة يا سادة‪.‬‬ ‫ما أن بدأت وسائل اإلعالم تنشغل بخرب جديد‬ ‫عن موت أالن الكردي املفجع والصادم‪ ،‬حتى‬ ‫تنطع عتاة التحليل اإلعالمي والجنايئ واألخالقي‬ ‫واملنطقي لفصفصة القصة ودحض الروايات‬ ‫التي دارت حولها وعنها‪ ،‬عن عمة الضحية التي‬ ‫كانت تحاول استقدامه وعائلته إىل كندا حيث‬ ‫تقيم‪ ،‬إىل دور األب يف تدبري رحلة املوت تلك‪،‬‬ ‫ووضعية الطفل الغريق املستلقي عىل بطنه التي‬ ‫تتناىف مع أساسيات التحليل الجنايئ والعلمي‬ ‫الذي يقول إن الغريق يجب أن يكون ممدا‬ ‫عىل ظهره‪ .‬فكل ما حدث كان مرتبا مريبا وعن‬ ‫سابق تخطيط‪ ،‬فهذا‪ ،‬عىل ما بدا لبعض جهابذة‬ ‫التحليل‪ ،‬جزء من مؤامرة كونية غامضة عىل‬ ‫سوريا‪ ،‬عىل راحة البعض‪ ،‬عىل من ادخروا طويال‬ ‫ليشرتوا بيوتا‪ ،‬ومن يقضون لياليهم يف املطاعم‬ ‫واملقاهي الفاخرة ونهارهم يتسوقون يف املحال‬ ‫الباذخة عىل بعد أمتار من أكوام البيوت وجثث‬ ‫األبرياء‪ ،‬وعىل صمود نظام املامنعة الذي يحمي‬ ‫األمة العربية ويدافع عن قضية فلسطني‪ .‬نعم‬ ‫لقد كانت قصة أالن الكردي وقبلها قصة أطفال‬ ‫درعا وحكاية حمزة الخطيب أكاذيب مدبرة‬ ‫لتخدم مخططات كربى عظيمة لدول الرش‪ ،‬ولجر‬ ‫سوريا إىل الخراب‪ ،‬ألن بقية السوريني يغارون‬ ‫من هؤالء ويحسدونهم عىل حياتهم الرغيدة‬ ‫الهادئة الوديعة‪ ،‬وألن العرب العاربة تحسدها‬ ‫عىل نظامها العلامين الذي يناطح أمريكا كل يوم‬ ‫وميرغ أنفها بالرتاب‪ ،‬وألن إرسائيل مل تستطع‬ ‫هزميتها عىل مدى ستني عاما‪ ،‬وألن أمريكا مل‬ ‫تستطع اقتالع األسد كام اقتلعت صدام حسني‪.‬‬ ‫كم يلزمنا من الوقت واألمل حتى نقيم ملوت‬ ‫طفل الوزن الذي يستحق‪ ،‬ونعرتف فيام بيننا‬ ‫مبحنتنا كمجتمع واحد‪ ،‬ونشعر بأمل كل فرد منا‬ ‫مهام بعد عنا من حيث الجغرافيا والعرق واللون‬ ‫والدين واملعتقد‪ ،‬وكم نحتاج من املوت والوجع‬ ‫حتى ندرك أنه إن تعرث سوري يف أقىص األرض‬ ‫فعىل بقية السوريني أن يتأملوا معه‪ ،‬بل وإن تعرث‬

‫طفل يف الصني أو اإلكوادور فسقوطه أمر يعني‬ ‫اإلنسانية جمعاء‪.‬‬ ‫تفنن عتاة التحليل بدحض رواية العمة عن‬ ‫محاوالتها استقدام أخيها وعائلته التي مل ينج‬ ‫منها إال األب املكلوم إىل يوم ميوت‪ ،‬وأصبحت‬ ‫العمة يف نظر البعض امرأة كاذبة‪ ،‬تستغل‬ ‫الحدث‪ ،‬ومل يرتدد الكثريون يف رسد تحليلهم‬ ‫لروايتها بذكاء عظيم‪ ،‬مبدين ما أوتوا من قدرات‬ ‫هائلة عىل قراءة ما بني السطور‪ ،‬ومقارنة الوقائع‬ ‫والروايات‪ ،‬ومل يعد موت الطفل ووالدته وأخيه‬ ‫وآخرون مثلهم أمرا ذا شأن‪ ،‬فاألولوية هنا ملعرفة‬ ‫خفايا األمور‪ ،‬واملخفي أعظم دون ريب أو هكذا‬ ‫يقولون‪.‬‬ ‫وال تزن هنا محنة ماليني الالجئني والنازحني‬ ‫عن ديارهم شيئا‪ ،‬بل ال يرونها أبدا‪ ،‬وال تلفت‬ ‫انتباههم عىل اإلطالق‪ ،‬فثمة أمور أعظم‪ ،‬فالطفل‬ ‫النائم عىل وجهه عىل الشاطئ وحركات جندي‬ ‫حرس السواحل الرتيك‪ ،‬واملصورة التي ظهرت‬ ‫من حيث ال يعلم إال الله‪ ،‬واالنفجار اإلعالمي‬ ‫الذي صاحب الواقعة املأساة هي أمور تثري‬ ‫الشكوك‪ ،‬وتدعو للتأمل والتحليل ملعرفة خفايا‬ ‫تلك املؤامرة التي تحاول إيهامنا بأن ضمري العامل‬ ‫قد استيقظ‪ ،‬والحديث عن األب بوصفه‪ ،‬كام‬ ‫يقولون‪ ،‬املهرب الذي قتل كل هؤالء ينفي متاما‬ ‫كونه األب املكلوم اليوم والجئا يف بالد ال تعطيه‬

‫صفة الالجئ وال حقوقه‪ ،‬وأن أربعة أعوام من‬ ‫القهر والجوع والترشد واللجوء وانسداد األفاق‬ ‫وانعدام األمل بحل قريب التي تراكمت دون أن‬ ‫يلحظها هؤالء ال تكفي لتفسري الزيادة الهائلة يف‬ ‫موجات الهاربني إىل أوربا بحثا عن حياة أفضل‪،‬‬ ‫أو عن حياة يف الحقيقة‪ .‬فأملانيا تسعى الستقدام‬ ‫السوريني لحاجتها لليد العاملة‪ ،‬وموت أالن املدبر‬ ‫يصب يف تلك الخطة الكربى لفتح أبوب الهجرة‬ ‫للسوريني‪ ،‬األذكياء‪ ،‬وأصحاب الشهادات والعقول‬ ‫النادرة‪ ،‬حيث سيصلون إىل أملانيا‪ ،‬البلد العمالق‬ ‫الذي يرتاجع عدد سكانه‪ ،‬وسيصبح أبناؤهم أملانا‬ ‫يخدمون الدولة األملانية‪ .‬ليس هناك من سبب‬ ‫إنساين واحد يدعو أملانيا‪ ،‬أو السويد أو النمسا‬ ‫لقبول هؤالء املعذبني يف األرض عىل أراضيها‪،‬‬ ‫نحن نحتكر كل االنسانية بينا ظهرانينا ويف قلوبنا‬ ‫وعقولنا وعىل ألسنتا‪ ،‬ومل يبق منها لألوربيني من‬ ‫نصيب‪.‬‬ ‫يجلدك صنف من الناس بثخانة جلدهم‪ ،‬وتبلد‬ ‫عقولهم‪ ،‬ومتوت قلوبهم وتتفحم مشاعرهم وهم‬ ‫ميعنون يف قراءة أبعاد تلك القصة‪ ،‬وغريها من‬ ‫القصص الكثرية‪ ،‬وتشعر وأنت تستمع إليهم‬ ‫مضطرا بأنك أمام هيكل عظمي لكائن ال يشبه‬ ‫أي كائن آخر‪ ،‬كائن أقرب إىل ما تراه يف متاحف‬ ‫التاريخ الطبيعي‪ ،‬ومتاحف الشمع‪ ،‬واملقابر‬ ‫القدمية التي تفوح منها رائحة املوىت‪.‬‬


‫العمالة السورية في لبنان‬ ‫‪11‬‬

‫حمد الطويل‬

‫وتعود ظاهرة تعرض العاملة السورية لالضطهاد‬ ‫والظلم يف لبنان ألسباب عدة أهمها عدم وجود‬ ‫قوانني صارمة من الحكومة اللبنانية تحمي‬ ‫حقوق العامل السوري‪ ،‬وغالء املعيشة الذي ال‬ ‫يتناسب ابدا مع األجور‪ ،‬وتقييد حركة دخول‬ ‫وخروج العامل السوريني من وإىل بلدهم بسبب‬ ‫إلغاء اتفاقية املعاملة باملثل من قبل طرف واحد‪،‬‬ ‫ووضع رشوط صعبة للدخول وبتكلفة وكفالة‬ ‫عالية‪.‬‬ ‫ورمبا كان لضعف املنظامت اإلنسانية وعدم‬ ‫قدرتها عىل حامية النازح أمام الدعوات‬ ‫واألصوات العنرصية واإلجراءات التعسفية بحق‬ ‫النازحني أكرب التأثري عىل حياتهم اليائسة‪ ،‬خاصة‬ ‫أن لبنان بلد يتأثر باملناخات السياسية الخارجية‪،‬‬ ‫وأكرث مؤسساته مرتهنة أو مسيطر عليها من قبل‬ ‫حزب الله رشيك النظام السوري يف سفك دماء‬ ‫السوريني‪.‬‬ ‫وبني هذا وذاك تستمر معاناة السوريني باستمرار‬ ‫املؤامرة الكونية ضدهم وتخاذل املجتمع الدويل‬ ‫واإلنسانية جمعاء وعدم وقوفها إىل جانبهم‬ ‫أو سعيها من أجل وقف نزف الدماء والتهجري‬ ‫القرسي املستمر منذ سنوات‪.‬‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 27 - 56 -‬‬

‫املعوقات أبرزها رشط وجود كفيل لبناين أو رشكة‬ ‫خاصة تكفله وتعمل عىل تأمني اقامة قانونية له‬ ‫ما يستوجب دفع رسوم تصل حتى ‪ 300‬دوالر‬ ‫أمرييك يف معظم األحيان تكون عىل حساب‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫وذكر سامر أحد العامل السوريني يف إحدى‬ ‫رشكات البناء أن إشكاالت كثرية يعيشها العامل‬ ‫يف لبنان أهمها تحكم الكفيل املطلق به وزيادة‬ ‫وقت العمل وتخفيض األجور وعدم وجود تأمني‬ ‫صحي كام يدعون‪ .‬أما يف حال تأمني الرشكات‬ ‫للسكن فهو يكون أشبه بزرائب الحيوانات وال‬ ‫تحمل أدىن مقومات العيش السليم‪ .‬فضال عن‬ ‫عدم التعويض الالئق يف حال حصول حوادث‬ ‫العمل رغم أن الكفالة من املفرتض أن تؤمن‬ ‫قانونيا كل ذلك‪ .‬وال يستطيع العامل مقاضاة‬ ‫كفيله ويف حال شكواه للجهات املختصة فانه لن‬ ‫يجد آذاناً صاغية‪.‬‬ ‫من جهته قال مجد صالح أحد العامل يف لبنان‬ ‫أن موضوع الكفالة فتح بازاراً الستغالل العامل‪،‬‬ ‫فقد تعرض مجد لذات التجربة مع كفيل أراد‬ ‫استغالله باختصام مبلغ ‪ 600‬دوالر بدال للكفالة‪،‬‬ ‫وملا رفض مجد ذلك قام بطرده من العمل وخصم‬ ‫‪ 10‬دوالر من أجره اليومي البالغ ‪ 35‬دوالر‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للعاملة املوجودة داخل لبنان من‬ ‫الالجئني السوريني فلها من مشاكلها الكثري‪ :‬أولها‬ ‫عاملة األطفال تحت السن القانونية‪ ،‬والتي تنترش‬ ‫بشكل كبري وبكافة مجاالت العمل املجهد حيث‬ ‫االستغالل بأبشع صوره‪ ،‬ابتدا ًء من عدد ساعات‬ ‫العمل وانتها ًء باألجر الزهيد‪ .‬أما العاملة لغري‬ ‫األطفال فلها عىل األغلب نفس مشاكل العاملة‬ ‫الوافدة من داخل سورية بشكل نظامي‪ ،‬زد عليها‬

‫استغاللها املضاعف لعدم رشعيتها قانونياً‪ ،‬وذلك‬ ‫باألجر املمنوح وعدد ساعات العمل الطويلة‬ ‫وظروف العمل القاسية‪ .‬وهنا تتحدث صافية‬ ‫عن عاملة النساء يف سهل البقاع بأعامل الزراعة‬ ‫حيث تتقاىض كل واحدة منهن مبلغ ‪ 8‬االف لرية‬ ‫لبنانية ما يساوي خمسة دوالرات ونصف‪ ،‬بينام‬ ‫كانت األجور تساوي ‪ 10‬دوالرات لذلك النوع من‬ ‫العمل‪.‬‬

‫تقارير‬

‫تستمر الحرب الكونية عىل الشعب السوري‬ ‫بأشكالها املتعددة‪ ،‬وذلك بعد أن أوغل النظام‬ ‫القاتل بسحق هذا الشعب ابتدا ًء من قوته‬ ‫اليومي وانتها ًء بحياته ووجوده عىل أرضه‪ ،‬حيث‬ ‫لجأ السوريون اىل دول الجوار ومنها إىل مصريهم‬ ‫املجهول عرب البحار تاركني خلفهم بيوتهم‬ ‫وأرزاقهم وأعاملهم ومستقبلهم‪ ،‬طالبني النجاة‬ ‫بأرواحهم فقط‪.‬‬ ‫ويف شكل غريب من “رد الجميل” للشعب‬ ‫السوري الذي استقبل عىل مر السنني الالجئني من‬ ‫دول عدة أقربها إليه لبنان التي لجأ شعبها إليه‬ ‫عىل فرتتني قريبتني أخرها حرب متوز عام ‪،2006‬‬ ‫رفض االخري قيام أي مخيم يحمي السوريني‬ ‫ويأويهم وينظم تقديم املساعدات لهم‪ ،‬وجاء‬ ‫ذلك بقرار سيايس وبحجة عدم مقدرة لبنان عىل‬ ‫تحمل هذا الكم من الالجئني‪ ،‬إضافة إىل خوفه‬ ‫من التغيري الدميوغرايف السكاين يف لبنان‪ ،‬ويف‬ ‫األساس يبدو القرار معاقب ًة للشعب السوري عىل‬ ‫رفضه الظلم وثورته ضد الطاغية‪.‬‬ ‫وقد اضطرت هذه األوضاع املؤسفة الكثري من‬ ‫الالجئني اىل افرتاش األرض مع أرسهم وذلك‬ ‫بسبب الغياب شبه تام للمنظامت اإلنسانية‪.‬‬ ‫كام أضطر الكثري من املعيلني لهذه األرس للعمل‬ ‫بظروف غري الئقة إنسانياً أو قانونيا بهدف تأمني‬ ‫أبسط مقومات الحياة وأولها املسكن الذي حرم‬ ‫منه السوريني بعد دمار بلدهم‪.‬‬ ‫تقدر العاملة السورية بنسبة ‪ 90%‬من مجمل‬ ‫العاملة الكلية يف لبنان‪ ،‬وكان عدد العاملني‬ ‫السوريني يف لبنان قبل الثورة يقارب الـ ‪600‬‬ ‫ألف عامل‪ ،‬إال أن العدد ارتفع إىل أكرث من مليون‬ ‫مؤخراً جراء توقف العديد من املصالح عن العمل‬ ‫وازدياد البطالة داخل سوريا إضافة إىل دخول‬ ‫النازحني إىل سوق العمل يف لبنان لعدم كفاية‬ ‫االعانة التي تقدم لهم‪.‬‬ ‫وعىل هذا باتت العاملة السورية يف لبنان تقسم‬ ‫اىل قسمني‪ :‬وافدة من داخل سورية بقصد العمل‬ ‫لتأمني لقمة العيش والعودة للوطن األم لعدم‬ ‫وجود رصاع يف مناطقهم‪ ،‬وعاملة أخرى وجدت‬ ‫نتيجة اللجوء ولها نفس املقصد وهو تأمني‬ ‫مستلزمات الحياة يف بلد يعد من أغىل دول‬ ‫العامل‪ .‬ولكال هذين النوعني مشاكله الخاصة‪.‬‬ ‫فالعاملة القادمة من سوريا تصطدم بكثري من‬


‫ّ‬ ‫راح رحيم راح كبريي‬

‫‪12‬‬

‫حمادي بحادثة خطف ابنهما‬ ‫كيف َعلم والدا ناظم ّ‬ ‫ميساء حمّادي‪.‬‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 27 - 56 -‬‬

‫مقاالت‬

‫وأمي خرب اختطاف ابنهام ناظم‬ ‫مل يستقبل أيب ّ‬ ‫بطريقة عادية‪ ،‬كأن يتصل بهام أحد إخويت‬ ‫ويخربهم مبا حدث له ولبقية زمالئه‪ ،‬أو يخربهم‬ ‫أحد الجريان أو األصدقاء‪ .‬فقد ارتأينا جميعاً‬ ‫إخفاء املوضوع عنهام ريثام نتوصل إىل طريقة‬ ‫ليتم اإلفراج عنهم بعد أيام‬ ‫ملعرفة مكانهم أو رمبا ّ‬ ‫قالئل‪ .‬ولكن‪ ،‬وعىل غري العادة شاءت الصدفة‬ ‫أن يعود التيار الكهربايئ تلك الليلة إىل قريتنا‬ ‫الصغرية الواقعة يف ريف إدلب‪ ،‬بعد انقطاع‬ ‫دام أشهر!! هرول أيب لسامع األخبار‪ ،‬حيث كان‬ ‫وأمي يتسامران عادة يف ظل عدم وجود التلفاز‬ ‫ّ‬ ‫والكهرباء‪.‬‬ ‫أيب كانت لديه مشكلة يف سمعه منذ الصغر‪ ،‬وما‬ ‫أن أشعل التلفاز حتى رأى خرباً عاج ًال مفاده‪:‬‬ ‫(اختطاف الناشطني‪ :‬رزان زيتونة ووائل حامدة‬ ‫وسمرية الخليل وناظم حامدي)‪ ...‬كان وقع الخرب‬ ‫عليه كالصاعقة حيث التفت بوجهه الشاحب نحو‬ ‫أمي التي سمعت الخرب لعدم قدرتها عىل القراءة‪،‬‬ ‫وكأ ّنه نيس أنها تسمع وقال لها بلهجته القروية‬ ‫(خطفوه يا حجة لناظم) فجاوبته أمي بنفس‬ ‫اللهجة (شو متوقع يضلوا تاركينوا لهأل بالغوطة؟‬ ‫طفي التلفزيون شو بدك تشوف لىس)‪ .‬وأطفأه‬ ‫ّ‬ ‫وجلسا عىل أريكة صغرية وصمتا كأن سنينهم‬ ‫السبعني متر أمامهم‪ .‬فقد كانت أمي تقول دامئاً‬ ‫“ال أذكر أيامي قبل ناظم فكأ ّنه معي منذ ولدت”‪.‬‬ ‫بعد سامع الخرب بدأت رحلة عذابهام غري املنتهية‪،‬‬ ‫حيث أصبح أيب بعد الحادثة يجلس يومياً يف‬ ‫ساحة القرية ينتظر الحافلة الوحيدة التي كانت‬ ‫تصل قريتنا النائية بدمشق‪ ،‬وما إن تصل حتى‬ ‫يبادر فوراً إليها ويسأل السائق “ما سقط لىس؟ ما‬ ‫وصلوا عىل الشام؟ طيب ما لقوا ناظم؟” فيجيبه‬ ‫السائق بوجهه املرهق من السفر بالنفي غري آبه‬ ‫مرات‪ ،‬فلديه من الهموم ما تنسيه أننا يف ثورة‬ ‫أص ًال‪.‬‬ ‫ويعود ليتكرر ذلك املشهد يومياً وأمي تجلس‬ ‫عىل الرشفة تنظر إىل البعيد لكنها ال ترى شيئاً‪ ،‬بل‬ ‫تعيد رشيط ذكرياتها‪ ،‬فقد كان كبريها وصديقها‬ ‫وكانت تلقبه يف الوقت نفسه بلقب (رح ّيم)‬ ‫نسبة إىل “يحيى الفخراين” يف إحدى مسلسالته‪.‬‬ ‫فقد كان أيضاً الكبري ودامئاً ما كان يعود ليبيك‬ ‫عىل قدمي أمه‪ ،‬وهذا ما كان يفعله ناظم أحياناً‪.‬‬ ‫فتذكره وتبيك وتقول‪“ :‬راح رح ّيم راح كبريي”‪..‬‬ ‫ونحن –أوالدها وأخوات ناظم‪ -‬عاجزون متاماً عن‬ ‫مواساتهام أو فعل أي يشء يخفف عنهم ويوقف‬ ‫تسلل املرض خلسة إىل جسديهام املتعبني‬

‫واملنهكني أص ًال‪.‬‬ ‫بعد الحادثة بحوايل العام بدأ‬ ‫أيب يشكو من آالم شديدة يف‬ ‫صدره وبدا كأ ّنه يزداد خوفاً‬ ‫وسؤاالً عن ناظم‪ ،‬عرضناه عىل‬ ‫أطباء كرث يف إدلب ليجمعوا‬ ‫عىل أ ّنه مصاب برسطان‬ ‫الرئة وبات يف أيامه األخرية‪..‬‬ ‫متنيت حينها لو يراه خاطفو‬ ‫ناظم لدقيقة واحدة “لتعود”‬ ‫اإلنسانية إليهم‪ ،‬فرجل هرم مثله ينظر بعينيه‬ ‫النصف مفتوحتني ومييش بقدميه املرتجفتني‬ ‫من املرض ال ّ‬ ‫يكف عن السؤال عن ولده ع ّلهم‬ ‫يعيدوه إليه ليغمض عينيه ويريح جسده أخرياً‬ ‫وهو مطمنئ بأن لنا كبرياً بعده يأمتنه علينا‪ .‬لكنها‬ ‫بقيت أمنية فهؤالء ماتت الرحمة يف قلوبهم‪.‬‬ ‫تأزمت حالته كثرياً بعد ذلك فاضطررنا لنقله إىل‬ ‫دمشق تحت اسم مستعار بعدما كشف اإلعالم‬ ‫عن اسم ناظم الكامل وتفاصيل نشاطاته املتعلقة‬ ‫بالثورة‪ ،‬حيث مرت الرحلة بسالم وتوىل أحد‬ ‫أصدقاء ناظم استقبال الوالدين وتأمني سكنهام‬ ‫يف أحد البيوت التي سكنها ناظم سابقا‪ ،‬ولكنه‬ ‫أخفى عنهام ذلك خوفاً عىل تأ ّثر أيب‪ ،‬فنحن يف‬ ‫مصيبة كبرية حيث بدأنا نشعر بأن وضع الوالد‬ ‫يزداد سوءاً‪ .‬وعندما كان أيب يشعر بالتحسن قلي ًال‬ ‫بواسطة األدوية املس ّكنة كان ينزل ليميش يف‬ ‫شوارع دمشق بعد فراق سنتني لريى نفسه غريباً‬

‫والدا املختطف ناظم ّ‬ ‫حمدي‬ ‫ويعود إىل البيت‪ ،‬فتسأله أمي‪ :‬ليش رجعت؟‬ ‫مو مشتاق للشام؟ مو مشتاق تشوفها؟ فيجيبها‬ ‫بصوته املجهد‪“ :‬ما هي هي الشام يا حجة ما عم‬ ‫أعرف الشوارع خفت ضيع رجعت” ‪...‬‬ ‫ميض شه ٌر عىل أخذ والدي (الجرعات الكياموية)‬ ‫مل ِ‬ ‫حتى تع ّرض لشلل دماغي وفقد حاسة النطق‪،‬‬ ‫وذات يوم كان ينظر إىل أرجاء البيت بعينيه‪،‬‬ ‫ّربا كان يتمنى أن يرى ناظم متجوالً حوله‪ ..‬لكنه‬ ‫فارق الحياة يف فجر الثاين عرش من شهر كانون‬ ‫الثاين ‪ 2015‬بينام كانت أمي جالسة بجانبه وهي‬ ‫ترى آخر كبري لها بالعائلة قد تركها إىل األبد‪.‬‬ ‫عادت أمي به جثة إىل القرية‪ ،‬وتركت وراءها‬ ‫الشام جثة أيضاً‪ ،‬ومل يعد يعنيها ماذا سيحل بها أو‬ ‫متى ستعود فال يشء فيها يشعرها بالحنني‪ ،‬فقد‬ ‫ودّعت يف دمشق ليلتها تلك أيب وعمرها‪ .‬وعادت‬ ‫لتجاور املقربة كل يوم‪ ،‬وتستيقظ كل صباح لتخرب‬ ‫أيب بأن الحرب مل تنته‪ ،‬ومل يعد ناظم بعد‪.‬‬


‫السويداء‪ ..‬واحتماالت المواجهة‬ ‫عدي اليوسف‬

‫العدد ‪- 56 -‬‬ ‫‪2015 / 9 / 27‬‬

‫‪ – 1‬االحتامل األول قد يكون مواجهة يبدؤها‬ ‫مشايخ الكرامة بالهجوم عىل مؤسسات النظام‬ ‫األمنية‪ ،‬ملحاسبة قتلة شهداء التفجريين‪ ،‬ما يدعم‬ ‫هذا االحتامل ذهنية وروح وثقافة رجال الكرامة‬ ‫وما تربوا عليه يف خصوصية اإلرث املعرويف أن‬ ‫من اعتدى علينا من واجب الرشف والكرامة الرد‬ ‫عليه‪ ،‬يف داخلهم رفض حاد للضيم وثورة عىل من‬ ‫(يدوس لنا طرف)‪ .‬هذا املركب الذهني النفيس‬ ‫متجذر ومعرب عنه بكل مرياث الجبل من قصائد‬ ‫وقصص شعبية وأحاديث املضافات‪ ،‬شكل حاد‬ ‫من أشكال العصبية القبلية‪ ،‬وهذا ليس تقييام بل‬ ‫توصيفا لحالة كان لها ما لها من تعبريات الفعل‬ ‫التاريخي العظيم من انتفاضات وثورات ومقارعة‬ ‫لالحتالل‪.‬‬ ‫‪ – 2‬االحتامل الثاين هو مواجهة متأخرة زمنيا‬ ‫قد تفسح املجال لصعود نشاط مدين لرشيحة‬ ‫ال يستهان بها من الشباب الذين ظهروا يوم‬ ‫التشييع (تظاهرات – اعتصامات) ستكون رد‬ ‫فعل ألي حدث عريض أو عابر‪ .‬الناس بإخراجها‬ ‫النظام من داخلها تعرفت عىل طرق التعبري‬ ‫املدنية السلمية وجربت نجاعتها ونجاحها‪ ،‬تأخري‬ ‫املواجهة سببه أن مشايخ الكرامة يعيدون ترتيب‬ ‫الصفوف‪ ،‬باإلضافة للضغوط التي يتعرضون لها‬ ‫يوميا بأن املواجهة قد يكون مثنها دما ًء غزيرة‬ ‫وبيوت مدمرة وتهجريا‪.‬‬ ‫‪ – 3‬أما االحتامل األخري فهو يف تسوية بني النظام‬ ‫والسويداء‪ ،‬يعطي النظام من خاللها حكام شبه‬ ‫ذايت للمحافظة بحيث يقوم املشايخ باإلضافة‬ ‫لقوى تشكلت خالل السنوات األخرية بإدارة‬ ‫املحافظة و يكون وجود النظام رمزياً فقط‪ ،‬وقد‬ ‫يقدم النظام كبش فداء مقابل أال يكون هناك‬ ‫مواجهة مع النظام‪ .‬وعىل ما يبدو أن عراب‬ ‫هذه التسوية هو اللبناين وئام وهاب‪ ،‬تسوية ال‬ ‫نستطيع التنبؤ ببنودها بالضبط فهذا عائد ككل‬ ‫تسوية لتقدير كل طرف ملوازين القوى ولدخول‬ ‫أطراف دولية عىل خط املفاوضات ونقاش‬ ‫تفاصيل كثرية عالقة‪ ،‬لكن املهم أن النظام سيرتك‬ ‫ميليشيا تابعة له تعرقل أي توجه أو قرار لصالح‬ ‫املحافظة‪ ،‬هكذا هي ذهنيته وسياساته‪..‬‬ ‫الرحمة للشيخ الشهيد وحيد البلعوس شيخ‬ ‫الكرامة بامتياز‪ ،‬الرحمة لكل شهداء سوريا‪ ،‬قدر‬ ‫البرش أن يصعدوا ويرتقوا لكن عىل درب اآلالم ‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫قبل الحديث عن مستقبل السويداء والخيارات‬ ‫املمكنة أمام القوى الفاعلة فيها‪ ،‬هناك مجموعة‬ ‫حقائق من الواجب ذكرها‪ ،‬وقد فرضتها‬ ‫املستجدات املتسارعة منذ اعتصام (خنقتونا)‬ ‫الذي رد النظام عليه بجرمية التفجريين‪ ،‬أولهام‬ ‫الذي طال موكب الشيخ الشهيد وحيد البلعوس‬ ‫وأعقبه الثاين أمام املشفى الوطني لحظة تجمع‬ ‫الناس أمامه‪ ،‬مرورا بقيام مجموعات من األهايل‬ ‫بتدمري متثال حافظ األسد وإزالته ومتزيق صور‬ ‫بشار األسد‪ ،‬وصوال إىل مظاهرة التشييع التي‬ ‫شكلت حراكاً ميكن القول إنه شعبي ألول مرة‬ ‫يف املحافظة‪ ،‬مبعنى أن الحضور السيايس املعارض‬ ‫كان جزءاً فقط من تلك املظاهرة الكبرية والتي‬ ‫مل يتسن لإلعالم عرضها بوضوح بسبب قطع‬ ‫خدمات االنرتنت عن كامل املحافظة وقلة الخربة‬ ‫بالتصوير‪.‬‬ ‫يخف املتظاهرون وجوههم هذه املرة بل‬ ‫مل‬ ‫ِ‬ ‫أبرزوها شامخة عالية أمام كامريات التصوير‬ ‫معلنني تحديهم لألجهزة األمنية يف مظاهرة‬ ‫نادت بإسقاط النظام ووجهت أصابع االتهام لكل‬ ‫من بشار األسد ووفيق نارص دون أي مواربة أو‬ ‫خوف‪.‬‬ ‫وبالعودة للحقائق الواجب توضيحها نورد ما ييل‪:‬‬ ‫‪ - 1‬ميكن القول إن النظام قد خرس حاضنته‬ ‫يف السويداء بأغلبيتها‪ ،‬ومل يبق له سوى بعض‬ ‫املرتزقة واملخربين واملهربني وتجار األزمات‪.‬‬ ‫واألهم أنه ال عودة عن هذا يف ضامئر الناس‬ ‫ووعيهم‪ ،‬الناس حسمت أمورها تجاه النظام‬ ‫وباتت تعتربه مرفوضاً جملة وتفصي ًال‪ ،‬مرفوضا‬ ‫بكل أجهزته وممثليه وبيادقه‪ ،‬صور رأس النظام‬ ‫أزيلت حتى عن حواجزه هو‪ ،‬مظاهرة التشييع‬ ‫شارك بها عنارص مام يسمى “الدفاع الوطني”‬ ‫ونادوا بإعدام رأس النظام‪ ،‬كتائب البعث كانت‬ ‫تحيي املتظاهرين من سطح مبنى املحافظة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ال يهمنا سقوط ورقة حامية األقليات التي‬ ‫تغنى بها النظام أمام املجتمع الدويل‪ ،‬ألن األخري‬ ‫ساقط أخالقيا وسياسيا مبا يخص امللف السوري‪،‬‬ ‫املهم سقوط هذه الورقة أمام أعني األقليات‬ ‫نفسها‪ ،‬خمسة أعوام من الضخ اإلعالمي الهائل‬ ‫لصناعة أوهام عداوة املحيط‪ ،‬كان النظام يشعر‬ ‫خاللها برتاكم فشله التدريجي‪ ،‬وعجزه عن إنتاج‬ ‫صدام بني السويداء ومحيطها‪ ،‬متوجا فشله‬

‫بجرمية التفجريين‪ ،‬مسقطا كل أوراق التوت‬ ‫وناقال صورته من الوعي الناس إىل وعيهم أنني‬ ‫أنا العدو األوحد لكم‪.‬‬ ‫‪ – 3‬متثيلية اإلفادة “إفادة وافد أبو ترابة”‪ ،‬التي‬ ‫وضع النظام الجميع عربها يف سلة واحدة‪ ،‬من‬ ‫وليد جنبالط إىل “إرسائيل” واألردن والجيش‬ ‫الحر‪ ،‬إىل بعض نشطاء معارضة السويداء وحتى‬ ‫رجال البلعوس أنفسهم‪ ،‬هو يعرف قرب انهيار‬ ‫مصداقيتها (النظام يعرف أن اثنني من املخططني‬ ‫للعملية حسب اإلفادة يستطيعان اثبات‬ ‫وجودهام مبكان آخر أثناء التفجري‪ ،‬سليم أبو‬ ‫محمود كان يف حفلة عرس)‪.‬‬ ‫معرفة النظام بأن روايته ستنهار هو فعل قصدي‬ ‫غايته تحدي السويداء التي بدأت بالنهوض‬ ‫يف مواجهته منذ مظاهرات (خنقتونا)‪ ،‬شكل‬ ‫من أشكال تقاليد هذا النظام وذهنيته الثابتة‬ ‫يف التعامل مع ملفاته (لبنان ومنوذج اغتيال‬ ‫الحريري واالنسحاب من لبنان وترك ميليشيا‬ ‫ضخمة كحزب الله تعيد ترتيب األوضاع مبا‬ ‫يتناسب مع مصالح النظام)‪ ،‬رضبة كبرية مكشوفة‬ ‫وامتصاص رد الفعل األول وبعدها تأيت مرحلة‬ ‫ترتيب األوراق‪.‬‬ ‫‪ - 4‬هناك بدايات حقيقية لتفكيك شبكة الحضور‬ ‫األمني يف املجتمع‪ ،‬ذلك الحضور الذي يعتمد عىل‬ ‫خوف الناس وتفتيت وحدتهم‪ ،‬وربط حياتهم‬ ‫الشخصية مبقدار حضور الخوف يف دواخلهم‬ ‫والذي ُيشعر األجهزة األمنية بالرىض ويجعل من‬ ‫أغلب الناس مخربين‪ .‬ميكن القول إن هذا اآلن يف‬ ‫السويداء بات من املايض‪ ،‬األجهزة األمنية باتت‬ ‫عاجزة عن التحرك العلني‪ ،‬وهي تحاول تنصيب‬ ‫بدائل لها (دفاع وطني أو لجان) وأغلب هؤالء‬ ‫منحازون للناس وأهل البلد‪.‬‬ ‫بناء عىل املعطيات السابقة هناك ثالثة احتامالت‬ ‫لطبيعة العالقة القادمة بني النظام والسويداء‪،‬‬ ‫وهذا رأي شخيص ال يدعي امتالكا استرشافيا‬ ‫للمستقبل‪ ،‬املشرتك بني هذه االحتامالت هو‬ ‫سقوطه النهايئ (لنقل سقوط املركب الذهني‬ ‫النفيس الذي أنتجته الدولة األمنية خالل خمسني‬ ‫عاما وتعبريه السلويك بإزالة التمثال‪/‬الصنم الذي‬ ‫يعرب تاريخيا عن هذا املركب)‪ ،‬أي أنه بكل‬ ‫االحتامالت ال عودة للنظام إىل سابق عهده يف‬ ‫السويداء‪:‬‬

‫‪13‬‬


‫بضعة خطوط‪ ..‬بضعة خطوات نحو المعتقل‪...‬‬

‫‪14‬‬

‫عن الرسام الشهيد أكرم رسالن‬ ‫هاني عباس‬

‫العدد ‪- 56 -‬‬ ‫‪2015 /9 / 27‬‬

‫خالل ثالث سنوات مضت كان هناك أمل كبري‬ ‫بأن أكرم سوف يخرج يف يوم ما‪ ،‬وسوف نلتقي‬ ‫من جديد‪ .‬سيكتب رسام الكاريكاتري الخارج إىل‬ ‫الحرية سريته يف املعتقل‪ ،‬سريسم من جديد وينرش‬ ‫من جديد‪ ،‬سيخرج يف سوريا الحرة الجديدة كبطل‬ ‫من أبطال هذه الثورة‪ ..‬لكن الخرب األخري بدد كل‬ ‫أمنياتنا ولهفتنا للقائه من جديد‪.‬‬ ‫فأكرم اآلن هناك‪ ..‬رمبا يرسم عنا اآلن‪ ..‬رمبا يسخر‬ ‫من قتلته‪ ،‬ويسخر من كل هذا العامل‪.‬‬ ‫ولد أكرم رسالن يف حامة‪ ،‬تلك املدينة القابعة بأملها‬ ‫الخاص يف ذاكرة السوريني‪ .‬بحثاً عن الحرية‪ ،‬بدأ‬ ‫أكرم بالرسم‪ ،‬وكان له خطه القوي الذي يعطيه‬ ‫مساحة كبرية لقول ما يريد‪.‬‬ ‫رسم أكرم عن فلسطني والعراق ولبنان‪ ،‬رسم عن‬ ‫الثورات العربية منذ اندالعها بحسه القومي العميق‬ ‫وتوقه للحرية‪.‬‬ ‫بضعة خطوط‪ ..‬بضعة خطوات نحو املعتقل‪...‬‬ ‫اندلعت الثورة يف سوريا ضد نظام األسد وبدأ الناس‬ ‫ينزلون إىل الشوارع كارسين سنوات من الصمت‪.‬‬ ‫بدأت أرواح السوريني تحلق يف سامء الوطن مهللة‬ ‫للحرية القادمة‪ ،‬لسوريا القادمة‪ ..‬بدون دكتاتورية‪،‬‬ ‫بدون فساد بدون قتل‪ ..‬بدون األسد‪.‬‬ ‫بدأ أكرم بتوثيق الثورة كاريكاتورياً منذ أول يوم‪،‬‬ ‫من أول رصخة يف دمشق وأول انتفاضة يف درعا‪،‬‬ ‫لينقل يومياً الحدث وينقل الحقيقة يف صدام مبارش‬ ‫مع اإلعالم الرسمي الذي كان يك ّذب كل يشء‪ ،‬وال‬ ‫يعرتف بوجود شعب وال يصدق أن هذا الشعب قد‬

‫المخ ِبر‬ ‫ُ‬ ‫أدب وفنون‬

‫نيرمينة الرفاعي‬ ‫يخ ّبئ ابتسامت ُه الفارغ َة من أسنانها وراء ي ٍد‬ ‫متسح أعمدة الشارع‬ ‫ترتجف‪ ،‬وعيونه الدائرية ُ‬ ‫املائلة وشبابيكه املوصدة‪ ،‬يع ّد خيبات ّ‬ ‫العشاق‬ ‫كل مساء‪ ،‬ويرس ُد ّ‬ ‫اف املقاعد ّ‬ ‫كل ليلة‬ ‫عىل أطر ِ‬ ‫فم لها وال وج َه‬ ‫ال‬ ‫املدينة‬ ‫أهل‬ ‫حكايات‬ ‫ألذنٍ‬ ‫َ‬ ‫وال عنوان‪ ،‬قطط الحارة تلعق البقايا عن غطاء‬ ‫علبة لنب فارغة‪ ،‬ثم تقفز إىل أحضان الثكاىل‬ ‫املحتفيات بحزنهنّ ودمعهنّ وبشقّ الوالدة يف‬ ‫أيضا إىل ّ‬ ‫أسفل ذاكرتهنّ ‪ ،‬عيونه الدائري ُة تقفز ً‬ ‫كل‬ ‫حضن‪ ،‬وإىل ّ‬ ‫بائع َغزْل البنات‪،‬‬ ‫كل علب ٍة فارغة‪ُ ،‬‬

‫قام‪ ...‬وقال “ال”‪.‬‬ ‫بدأ النظام باالعتقال والقتل‪ ،‬بدأ القمع منذ‬ ‫اليوم األول‪ ،‬وبدأ أكرم يرسم ويرصخ مع الشعب‪،‬‬ ‫بخطوط واثقة تكنيكياً‪ ..‬بفكر واضح ولقطات‬ ‫ذكية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يوماً بيوم وساعة بساعة وتحد بتحد‪ ،‬راميا بعرض‬ ‫الحائط كل األصوات التي كانت تخاف عليه‬ ‫وتدعوه للتخفيف من حدة رسومه‪ .‬مل ينصت‬ ‫لهذه األصوات بل أنصت إىل نبض الشارع الثائر‪،‬‬ ‫ليأت ذلك اليوم الذي سمعنا فيه عن اعتقال أكرم‬ ‫وتغييبه يف أقبية النظام‪.‬‬ ‫ورغم أن الجميع كان يعرف أن الداخل إىل هذا‬ ‫الجحيم من الصعب ان يعرف مكانه أو وضعه‪،‬‬ ‫بدأت العديد من الحمالت املطالبة بإطالق‬ ‫رساحه أو عىل األقل‬ ‫إعطاء معلومات‬ ‫عن مكان احتجازه‬ ‫الصحي‬ ‫ووضعه‬ ‫ولكن دون جدوى‪،‬‬ ‫ليصلنا أخرياً الخرب أن‬ ‫أكرم قد استشهد يف‬ ‫املعتقل يف بدايات‬ ‫فرتة اعتقاله‪.‬‬ ‫قليلة هي املعلومات‬ ‫التي تخرج من‬ ‫لكننا‬ ‫املعتقالت‪،‬‬ ‫سمعنا أن أحد‬ ‫ُ‬ ‫يحمل قطنه املل ّو َن فوق ظهره‪ ،‬والعيون الدائرية‬ ‫تنتف ّ‬ ‫لتنساب ذ ّرات س ّك ٍر‬ ‫كل غيم ٍة زهر ّية‬ ‫َ‬ ‫دبق ٍة فوق لهف ِة األطفال وضحكاتهم وحقائب‬ ‫مدرستهم‪ ،‬عجو ٌز يحمل جريدته املألى بوظائف‬ ‫شاغرة منذ سنة ‪ ،1960‬والدوائر تالحقه وترسم‬ ‫خطوطها املقفلة َ‬ ‫حول روزنام ِة عمره‪ ،‬يو ًما بيوم‪،‬‬ ‫شاب‬ ‫يش ٌء يشبه املوسيقى يخرج من حنجرة ٍ‬ ‫يحلم بالسف ِر إىل بال ٍد مل يرها ّإل باألفالم‪ُ ،‬‬ ‫تقبض‬ ‫تنضج‬ ‫عليه الدوائر املزروعة يف الهواء قبل أن‬ ‫َ‬ ‫تكتسب الحنجر ُة لغتها‪َ ،‬‬ ‫وقبل‬ ‫األغنية‪ ،‬وقبل أن‬ ‫َ‬ ‫أن يكتشف أينَ املطار‪ُ ،‬‬ ‫ذات الرموش الطويلة‬ ‫أبواب أكلتْها أقفا ُلها‪،‬‬ ‫توزع “السنونية” عىل‬ ‫ٍ‬ ‫تس ّبل عيونها لكلِ عجو ٍز سقطت أسنانه‪ ،‬وتوزعُ‬ ‫َ‬ ‫ألوان القمح بشارة طفلٍ سيضطر يو ًما إىل ِّ‬ ‫العض‬ ‫عىل أصابعه وليلِ وسائده يك ال تسمع همس ُه‬ ‫علب الزيت والسمنة مقصوصة الرأس‬ ‫الدوائر‪ُ ،‬‬

‫املعتقلني السابقني تحدث عن معايشته ألكرم‬ ‫داخل املعتقل‪ ،‬تحدث عن شجاعته رغم أمله‬ ‫الجسدي الذي مل مينعه من مواصلة نضاله‬ ‫وتحديه‪ ،‬ومحاوالته املستمرة لبث روح التفاؤل‬ ‫والحلم بالحرية القادمة إىل سوريا‪.‬‬ ‫ بضعة خطوط‪ ..‬بضعة خطوات نحو املعتقل‪...‬‬‫وخطوة أخرى نحو السامء‪.‬‬ ‫املجد لك يا أكرم ‪ ...‬والبقية بأقالم زمالئك األحرار‪...‬‬

‫تقف بفخ ٍر ناصب ًة رائح َة ورق الخريف عىل‬ ‫ٌ‬ ‫مستقيمة‬ ‫اف الشبابيك والرشفات‪ ،‬حوافها‬ ‫أطر ِ‬ ‫ٌ‬ ‫كالسيف ومعدنية كرصاص ٍة مصوب ٍة نحو عيونه‬ ‫ُ‬ ‫ارتجاف يده‬ ‫اللعينة‪ ،‬هو ال ميوت‪ ،‬فقط يزداد‬ ‫ويلتصق أكرث بظ ّل ِه املعتم الغارقِ يف الجدار‪.‬‬ ‫املالعق بحواجزها‬ ‫رائح ُة أوراق شدّة‪ ،‬اصطدا ُم‬ ‫ِ‬ ‫الزجاجية‪ ،‬تش ّب ُث األلوان بصحنها املدعوك مرا ًرا‬ ‫بإسفنجة قدمية‪ ،‬والجالسون يف املقهى عاجزون‬ ‫عن إيجاد مقابض لكاسات الشاي املحبوسة يف‬ ‫دائر ٍة كبرية وي ٍد ترتجف ٍّ‬ ‫وظل معتم يف الجدار‪،‬‬ ‫ال مقا ٍه يف مدنٍ عيونها دائرية‪ ،‬النعنع يختنقُ يف‬ ‫كاسات بردت قبل أوانها‪ّ ،‬‬ ‫وكل األوراق تسخ ُر من‬ ‫أصابع نسيت كيف تقامر بحزنها يك تربح شيئًا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مزروعة بني‬ ‫منصوبة يف الهواء‪،‬‬ ‫من الفرح‪ ،‬دوائ ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫مط ّبات املدينة‪ ،‬مدسوسة يف دفاتر طالب الصف‬ ‫ٌ‬ ‫ملفوفة حول خواتم األزواج‬ ‫األول االبتدايئ‪،‬‬


‫بماذا نصح أحمد السوريين بعد خروجه من معتقالت األسد‬ ‫مرشوع سالمتك‬ ‫‪www.salamatech.org‬‬

‫ تعلم كيفة حامية الحسابات عىل اإلنرتنت مبا يف‬‫ذلك كلامت الرس القوية وعامل التحقق بخطوتني‪.‬‬ ‫هذه النصائح نرشها أحمد عىل حسابه عىل فيسبوك‪،‬‬ ‫وهي نصائح جيدة وشاملة وعىل الجميع االمتثال لها‬ ‫دون تردد‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫مبسوطة شوارعُ ها ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫ككف يف‬ ‫يعيش مخربو مدينة‬ ‫ُ‬ ‫نفسها‬ ‫ي ِد غجري ٍة تقرأ املستقبل؟ أين ُ‬ ‫تضع عيونهم َ‬ ‫يف مدين ٍة بال جدران؟ أين تتكئ أصوا ُتهم؟ وماذا‬ ‫يفعلون ً‬ ‫القصص‬ ‫ليل بفر ِاغ جيوبهم ورصاصهم من‬ ‫ِ‬ ‫والحكايا؟ وما مص ُري أهلِ املدين ِة يا ترى؟ من ُ‬ ‫ينتف‬ ‫يلملم الخريفَ‬ ‫الس ّكر عن غيومهم الزهرية؟ ومن‬ ‫ُ‬ ‫مقاس‬ ‫علب زيتهم؟ وكيف تح ّد ُد أحذيتهم‬ ‫َ‬ ‫عن ِ‬ ‫َ‬ ‫أدفع بأصص الورد‬ ‫طريقها؟ أسألك ما أسألك وأنا ُ‬ ‫املعدن ّية من عىل الرشفة‪ ،‬وأو ّزعُ أوراق الشدّة عىل‬ ‫الشحادين املحبوسني بدائر ِة انتظار اللون األحمر‬ ‫ّ‬ ‫عىل اإلشارة الضوئية‪ ،‬وأدي ُر عجلة اليانصيب مراهن ًة‬ ‫عىل تغيري شكلِ املدينة قبل حلولِ الصباح‪ ،‬ثم أنا ُم‬ ‫ملء تعبي حتى املساء!‬

‫منوعات‬

‫ٌ‬ ‫مستلقية بني‬ ‫وطوابع الربيد عىل أوراق انفصالهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عقدات ظفرية صبي ٍة تعشقُ ألولِ ‪ ..‬أو آخ ِر م ّرة‪.‬‬ ‫يف مدنِ العيون الدائرية أزرا ُر القميص تش ّد عىل‬ ‫قامشها‪ ،‬الحذا ُء يحفظ قدميه ويتجاو ُز حف َر طريقه‬ ‫ُ‬ ‫يغي ألوانه تب ًعا‬ ‫دون امتعاض أو تأ ّفف‪،‬‬ ‫والرصيف ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لفصل السنة‪ ،‬أو تب ًعا أللوان (نر) السيارات املا ّرة‪،‬‬ ‫أتعلم ما‬ ‫أتعلم ما شكل العيش يف مدين ٍة كهذه؟‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫صعوبة العيش يف مدين ٍة تتك ّور جدرانها عىل بعضها‬ ‫ّ‬ ‫كل ليلة كجنني ُ‬ ‫أتعلم ما‬ ‫رحم أ ّمه؟‬ ‫ُ‬ ‫يرفض مفارقة ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شكل العيون من حولك عىل أ ّية حال؟ أنجحت يف‬ ‫إنقا ِذ عنقك من طوقِ الدوائر السوداء حتّى اآلن؟‬ ‫الجدر ُان ليست إال َ‬ ‫ظالل العيونِ الغائر ِة يف ثقوبها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أيعقل َأن َ‬ ‫املدن بال مخربين ال جدر َان فيها؟ وكيف‬

‫أب‪ ،‬أو مكاملة هاتفيه مع خط «محروق» وضع‬ ‫تحت الرقابة‪ .‬ويقول بأن البعض اعتقل بسبب‬ ‫«اليك» عىل صفحة أو منشور عىل فيسبوك!‬ ‫أما ليىل وهي معتقلة سابقة أيضا‪ ،‬فقد قالت‬ ‫بأنها كانت تتقاسم زنزانتها ملدة شهرين مع اثنني‬ ‫وعرشين فتاة أخرى‪ ،‬وأنهن جميعا اعتقلن بسبب‬ ‫نشاط عىل اإلنرتنت‪ ،‬أو لدى تفتيش هواتفهن‬ ‫والعثور عىل مراسالت تيش مبعارضتهم النظام‪،‬‬ ‫وأن إحداهن‪ ،‬وهي موالية للنظام‪ ،‬اعتقلت‬ ‫عىل أحد الحواجز بسبب رسالة واتس أب بينها‬ ‫وبني شقيقتها التي كانت تقطن يف مدينة إدلب‬ ‫حينذاك‪ ،‬وأخربتها‪ ,‬يف هذه الرسالة بأنها استوردت‬ ‫بضاعه جميلة من تركيا‪ ،‬فاعتقد عنارص الحاجز‬ ‫أنها رسائل مشفرة‪ ،‬وأن الحديث كان يدور عن‬ ‫إدخال دفعة من السالح والذخرية إىل الثوار‬ ‫يف شامل سوريا‪ ،‬ودفعت مثن ذلك شهرين من‬ ‫عمرها يف سجون املخابرات السورية‪.‬‬ ‫أما سلمى فقد قالت بأنها كانت واثقة من أن‬ ‫هاتفها وحساباتها خالية من كل ما يشري إىل‬ ‫تعاطفها مع الثورة‪ ،‬لكن رسالة قدمية عىل‬ ‫فيسبوك بينها وبني صديقة لها تشتيك فيها من‬ ‫سوء األوضاع وتردي األحوال املعيشية يف منطقتها‬ ‫كانت كافية العتقالها وزجها يف السجن ملدة من‬ ‫الزمن‪.‬‬ ‫ليست تلك سوى مناذج عام تشكله التكنولوجيا‬ ‫من خطر عىل السوريني‪ ،‬وعىل كيفية تعامل‬ ‫أجهزة النظام معها‪ .‬فهل من املمكن تاليف هذه‬ ‫ألخطار؟ وملاذا ال يزال السوريون بعد خمسة‬ ‫أعوام من الثورة‪ ،‬وعرشات بل مئات القصص‬ ‫عن سوريني آخرين اعتلقوا بسبب نشاطهم عىل‬ ‫اإلنرتنت‪ ،‬أو بسبب صورة أو ملف عرث عليه عىل‬

‫أجهزتهم ال يولون األمر االهتامم الكايف‪.‬‬ ‫إن تبني املامرسات الصحيحه هو الحل‪ ،‬لكن‬ ‫تغيري سلوك الفرد لتصبح هذه املامرسات سلوكا‬ ‫تلقائيا يتطلب الكثري من املواظبه واالهتامم‪.‬‬ ‫هناك عدة أمور أساسية عىل مستخدمي‬ ‫التكنولوجيا التمسك بتطبيقها‪:‬‬ ‫ استخدام شبكة افرتاضية خاصة لالتصال‬‫باإلنرتنت لحامية االتصال وإخفاء موقعهم‪.‬‬ ‫ االبتعاد عن استخدام حساباتهم عىل شبكات‬‫التواصل االجتامعي لألمور الحساسه وإنشاء‬ ‫حسابات مخصصة لهذا األمر وعدم الخلط بينها‬ ‫وبني األوىل‪.‬‬ ‫ عدم ترك أي اثر يدل عىل نشاط املستخدم‪،‬‬‫ويتضمن ذلك حذف كل الرسائل واملنشورات‬ ‫الحساسة وطلب األمر نفسه من الطرف اآلخر‬ ‫الذي تلقاها‪.‬‬ ‫ استخدام تقنيات حذف امللفات النهايئ واآلمن‬‫لضامن عدم إمكانية استعادة أي بيانات حساسة‬ ‫من قبل السلطات‪.‬‬ ‫ تعلم كيفية الوقاية من الربمجيات الخبيثة‬‫لتاليف خطر االخرتاق‪.‬‬ ‫ استخدام تطبيقات اتصال آمنة واالبتعاد عن‬‫تلك املعروفة مبزاياها األمنية الضعيفة‪.‬‬ ‫ تعلم استخدام تقنيات تشفري الربيد اإللكرتوين‬‫والرسائل املبارشة واستخدامها للحفاظ عىل رسية‬ ‫املعلومات‪.‬‬

‫العدد ‪2015 / 9 / 27 - 56 -‬‬

‫استخدموا شبكة افرتاضية خاصة وابتعدوا عن‬ ‫فايرب وواتس أب وتعلموا حذف امللفات‪ ،‬وتشفري‬ ‫الرسائل‪ .‬هذا ما نرشه أحمد عىل حسابه منذ أيام‪.‬‬ ‫مل يلتفت النظام السوري وسلطاته االستخباراتيه‬ ‫واألمنية إىل أهمية االتصاالت يف مراقبة السوريني‬ ‫عند اندالع الثورة‪ ،‬بل يعود هذا االهتامم إىل ما‬ ‫قبل ذلك‪ ،‬لكن لجوء السوريني إىل التكنولجيا‬ ‫يف ثورتهم‪ ،‬واعتامد الناشطني عليها بشكل كبري‬ ‫دفع النظام إىل مراقبتها عىل نحو أكرب‪ ،‬بل أصبح‬ ‫الهاتف الذيك والحاسب الشخيص هي أول ما يتم‬ ‫تفتيشه عند االشبتاه بأحد ما‪ ،‬وأصبح محققو‬ ‫النظام يف سجونه وأقبية فروع أمنه يتهمون‬ ‫اإلنرتنت وفيسبوك والتكنولجيا بأنها جزء من‬ ‫املؤامرة الكربى عىل سوريا‪.‬‬ ‫وظف النظام قدرات كبرية لخدمة جهوده‬ ‫الرقابية والقمعية تلك‪ ،‬واستقدم التجهيزات‬ ‫واستعان بخربات أيرانية وروسية حسب تقارير‬ ‫عديدة‪ ،‬وشكل جيشه اإللكرتوين‪ ،‬ومل يتخىل عن‬ ‫قبضته املحكمة عىل البنية التحتية لالتصال يوما‪.‬‬ ‫أحمد مواطن سوري اعتقلته مخابرات النظام‬ ‫ملدة عام‪ ،‬وبعد خروجه كتب عىل صفحته‬ ‫الخاصة عىل فيسبوك منشورا يحث السوريني‬ ‫عىل الحرص الشديد حني استخدام اإلنرتنت‪،‬‬ ‫وأجهزة االتصاالت والحواسب الشخصية‪،‬‬ ‫ومنصات التواصل االجتامعي‪ ،‬وبرامج املحادثات‬ ‫النصية والصوتية وغريها‪.‬‬ ‫يقول أحمد بأن ما رآه يف املعتقل يثري االستغراب‪،‬‬ ‫فكثريون ممن قابلهم هناك اعتقلوا عىل خلفية‬ ‫منشورات عىل اإلنرتنت‪ ،‬أو محادثات عىل واتس‬

‫‪15‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.