طلعنا عالحرية / العدد 60

Page 1

‫شهرية ثقافية مستقلة‬

‫العدد ‪60‬‬ ‫‪2015 / 12 / 3‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع‬ ‫داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬

‫ملف العدد‬ ‫اإلعالم السوري الجديد‬ ‫ما له وما عليه‬


‫المهمة المستحيلة – الجزء ‪! 60‬‬

‫‪2‬‬

‫نصار‬ ‫افتتاحية بقلم أسامة ّ‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫يف اجتامع مناقشة إصدار جريدة طلعنا عالحرية أول‬ ‫سنة ‪ ،2012‬كنت ض ّد الفكرة ضمن أقل ّية خرست‬ ‫التصويت لصالح بدء إطالق الجريدة‪ ،‬ثم كنت ضمن‬ ‫أق ّلية أخرى صوتت عىل اختيار اسم الجريدة الوليدة‪..‬‬ ‫وقتها كانت اجتامعاتنا الدورية يف لجان التنسيق‬ ‫املحلية يف سوريا قد انتظمت أسبوع ّياً‪ ،‬بعد أن كانت‬ ‫لقاءات التأسيس وما بعدها يومية‪ ،‬وكثرياً ما كانت‬ ‫متواصلة؛ ال تعرف لها أوالً من آخر‪.‬‬ ‫كان بيننا أدباء وصحافيون محرتفون وأصحاب خربات‬ ‫سابقة‪ ..‬ونشطاء متح ّمسون إليصال أصوات غ َّيبها‬ ‫إعالم خشبي ال وظيفة له إال تلميع من أوجده‪ ..‬أو‬ ‫سمح بوجوده!‬ ‫وكام العادة‪ ،‬يتخامد الزخم املرافق للبدايات‪ ،‬وتزدحم‬ ‫االلتزامات والشاغالت مع مرور الوقت ومرور‬ ‫األحداث‪ .‬والكتّاب الذين وعدوك بالعمل للمج ّلة‬ ‫يدعمونك مبادة أو اثنتني ثم يعودون لجرائدهم‬ ‫ّ‬ ‫ومجلتهم‪ ،‬وال متلك إ ّال أن تشكرهم ‪-‬صادقاً‪-‬‬ ‫وتعذرهم‪ ..‬ثم تبحث عن غريهم‪ .‬أما الناشطون‬ ‫متخصصة يف تركيا ولبنان‬ ‫الذين عملوا دورات‬ ‫ّ‬ ‫وغريهام فبالكاد تسمع منهم بعدها‪.‬‬ ‫يف أي عمل‪ ،‬عندما يخبو املس ّوغ قد ال تنجح دامئاً‬ ‫بنفخ الرماد عنه أو بإيقاد غريه‪.‬‬ ‫وكجزء من الثورة املخذولة‪ ،‬تلقينا عدة رضبات‬ ‫ومثبطات‪ ،‬ليس أسوؤها إحراق نسخ املج ّلة أكرث من‬ ‫مرة يف مناطق (محررة)‪ ،‬أو منع توزيعها مع جرائد‬ ‫ثورية مثلها‪ ..‬حتى إن عوائق أخرى أدّت لتوقفنا عن‬ ‫الصدور مرتني‪ .‬وال زال يضنينا وجع غياب (باألحرى‪:‬‬ ‫تغ ّييب) الزميلني رزان زيتونة وناظم ّ‬ ‫حمدي وهام‬ ‫نصف الكادر‪ ..‬بل أكرث!‬ ‫رغم أن مج ّلتنا ليست يوم ّية وال حتى أسبوع ّية‪ ،‬إ ّال‬

‫كل عدد نشعر أننا نتحدّى توم كروز شخص ّياً ورقات الجريدة لتأخذ شكل الكراس‪..‬‬ ‫أننا يف ّ‬ ‫بإنجاز جزء آخر من (املهمة املستحيلة)‪ .‬وال أنكر ويف كل مرة نشعر أننا نخرتع الطباعة (بل الكتابة!!)‬ ‫شك من جديد‪.‬‬ ‫هنا إعجايب بإرصار دوريات زميلة أكرث تواتراً‪ ،‬ال ّ‬ ‫أن عندها مشاكلها ومع ّوقات عملها‪ ،‬ولكنها الزالت نكابر ونوايس بعضنا بأن نستذكر ‪-‬من قراءات قدمية‪-‬‬ ‫تصدر يف موعدها‪ .‬وسأسجل أيضاً تقديري لرفيقة أن املهامتا غاندي قبل قرابة مئة عام كان يصدر‬ ‫الدرب ليىل‪( ،‬معلمتي) كام عودتنا رزان أن نناديها‪ ،‬جريدة تحت االحتالل الربيطاين ويسهر مع ث ّلة قليلة‬ ‫فهي الوحيدة التي حافظت عىل كمية كافية من لينسخوها كتابة بخط اليد؛ نسخ ًة نسخة! وال يثنينا‬ ‫العناد كانت ‪-‬ألوقات متكررة وليست قصرية‪ -‬الوقود من يضيف للصعوبات العملية أخرى معنوية كأن‬ ‫يقال‪ :‬إن “هذه الجرائد ال يقرؤها إ ّال من يصدرها‪..‬‬ ‫الوحيد لالستمرار‪.‬‬

‫تطبع املج ّلة اآلن بالتعاون مع الشبكة السورية‬ ‫لإلعالم املطبوع وتو ّزع يف الشامل السوري املح ّرر‪.‬‬ ‫ويف الغوطة الرشقية‪ ،‬حيث مكتب املج ّلة‪ ،‬ورغم‬ ‫حلحلة الحصار املرضوب عليها مؤخراً (أقصد عىل‬ ‫الغوطة)‪ ،‬مل ننجح بعد بإعادة الطباعة والتوزيع‬ ‫داخلها‪ .‬وهناك منظمة يف الغوطة تعمل ‪-‬مشكورة‪-‬‬ ‫عىل طباعة وتوزيع مشرتك ملج ّالت األطفال‪ ،‬إال أننا‬ ‫الزلنا نبحث عمن يقبل بطباعة طلعنا عالحرية (عىل‬ ‫مسؤوليته!!)‪ ..‬وذكرياتنا بطباعة املج ّلة تحت الحصار‬ ‫مريرة أيضاً‪ ..‬فمع صدور كل عدد كنا ندوخ السبع‬ ‫دوخات حتى نجد الورق الالزم للطباعة‪ ،‬ثم ندوخ‬ ‫أكرث منهن حتى نؤ ّمن الحرب‪ ..‬ناهيك عن تأمني آلة‬ ‫الطباعة والكهرباء‪ ..‬بل حتى الخرازة التي نجمع فيها‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫وإنها مدعومة من منظامت أجنبية‪ ،‬وهذا (الدعم)‬ ‫هو سبب استمرارها إن مل يكن سبب صدورها أص ًال”!‬ ‫أو‪“ :‬بدل الجريدة و ّزعوا عىل الناس ربطة خبز أو‬ ‫كيلو طحني” أو غريه‪..‬‬ ‫ال أذكر ذلك للتفاخر بسجل من اإلخفاقات وغياب‬ ‫خاصة أننا ندعي أن هناك سج ًال آخر مقاب ًال‬ ‫االحرتاف‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫سطره اإلعالم البديل‪ ،‬ونفخر بكوننا جزءا منه‪ .‬وال‬ ‫زلنا نعترب أننا نقوم بواجبنا‪ ،‬ممتنني لكل من يشاركنا‬ ‫هذه الرحلة ولو بكلمة طيبة يكتبها عىل صفحاتنا أو‬ ‫يقرؤها منها‪.‬‬ ‫يف هذا العدد (الجزء ‪ 60‬من املهمة املستحيلة!)‬ ‫تناولنا اإلعالم املطبوع يف ّ‬ ‫ملف خاص‪ .‬باإلضافة ملواد‬ ‫أخرى متنوعة‪.‬‬ ‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫معاون رئيس التحرير‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫املحرر الثقايف‬ ‫رامي العاشق‬

‫محرر القسم الكوردي‬ ‫مريال بريوردا‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫اإلعالم الجديد ومطب األيديولوجيا‬

‫‪3‬‬

‫طلعنا عالحرية ‪-‬هيئة التحرير‬

‫العدد ‪- 60 -‬‬ ‫‪2015 / 12 / 3‬‬

‫ملف العدد‬

‫رمبا من الصعب الحديث عن اعالم مستقل‬ ‫او موضوعي يف الحروب او النزاعات‪ ،‬فغالباً ما‬ ‫يكون االعالم االبن البار أليديولوجيا خالصية‬ ‫يقدمها كل طرف من االطراف املتصارعة ويرى‬ ‫االحداث وشكل الرصاع والكثري من الوقائع بعني‬ ‫هذه االيديولوجيا‪ ،‬قارئاً لألحداث ومحوال إياها مبا‬ ‫يتناسب مع ايديولوجيته‪.‬‬ ‫وال تشذ حالتنا السورية عن هذه القاعدة‪،‬‬ ‫فإعالم النظام مث ًال ال يقرأ الحدث إال مبنظار‬ ‫نظرية املؤامرة الكونية‪ ،‬التي تعتمد عىل وجود‬ ‫محورين‪ ،‬أو مرشوعني‪ ،‬أحدهام املرشوع “املقاوم”‬ ‫و “املامنع”‪ ،‬واآلخر املرشوع االمربيايل الغريب‪ .‬وهو‬ ‫ينكر بهذا كامل املنظومة الحقوقية ويتجاهلها عرب‬ ‫إعالمه املحيل واإلقليمي‪.‬‬ ‫نفس الحدث تتم قراءته عىل ضوء ايديولوجيا‬ ‫دينية‪ /‬طائفية‪ ،‬ترى الرصاع بني مرشوع غايته‬ ‫بناء الدولة االسالمية ومرشوع آخر شيعي نصريي‪،‬‬ ‫هنا أيضاً يتم إنكار الحقيقة مع الغرق يف أوهام‬ ‫املايض‪ ،‬ومثل أيديولوجيا النظام ُته َمل املنظومة‬ ‫الحقوقية بكاملها عند الكثري من الفصائل‬ ‫اإلسالمية والجهادية واإلعالم الداعم لها‪.‬‬ ‫كام ُيقرأ ذات الحدث عىل ضوء أيديولوجيا ثالثة‬ ‫ترى الرصاع منذ يومه األول وحتى اآلن رصاعاً بني‬ ‫مرشوعني‪ :‬مرشوع ثوري دميقراطي وآخر قمعي‬ ‫واستبدادي‪ ،‬هذا النموذج هو السائد عند الكثري‬ ‫من مؤسسات إعالم الثورة‪ ،‬وهو يسقط يف فخ‬ ‫الرغبوية التي تتعامى عن الوقائع‪ ،‬ويتورط يف‬ ‫الكذب والتغطية أو التربير والتزيني من أجل‬ ‫الدفاع عن “الثوار” مهام كانت أخطاؤهم أو‬ ‫انتهاكاتهم ومهام كانت ظالمية توجهاتهم‪ .‬وبهذا‬ ‫فإنه يعود ليسقط يف مطب االيديولوجيات‬ ‫السابقة يف إنكار املنظومة الحقوقية التي يفرتض‬ ‫أن الثورة قامت من أجلها‪.‬‬ ‫ويف سياق هذا الحديث عن الثورة ومواكبتها‬ ‫إعالمياً ميكن توسيع الدائرة للحديث عن‬ ‫أيديولوجيا رابعة يتبناها اإلعالم الغريب والعاملي‪،‬‬ ‫وهي التي ترتكز إىل توصيف ما يجري يف سوريا‬ ‫عىل أنه “نزاع” داخيل‪ ،‬إنها أيديولوجيا التنصل‬ ‫من املسؤولية والتربؤ من واجب التدخل لحامية‬ ‫شعب يسحق‪.‬‬ ‫ويبقى الضائع االبرز بني كل هذه اإليديولوجيات‬ ‫التي تفرخ اعالما متحايال‪ ،‬هو آالم الناس‪..‬‬ ‫وأحالمهم أيضاً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إذن‪ ،‬فإن االعالم غالبا يتبع منظومة أيديولوجية‪،‬‬

‫وكل هذه املنظومات هي اما تعبري عن مصلحة‬ ‫كالنظام‪ ،‬او اوهام كالفصائل اإلسالمية واليسار‪ ،‬او‬ ‫رغبوية كأيديولوجيا الثورة‪ ،‬أو تنصلية كأيديوجيا‬ ‫اإلعالم الغريب‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬ورغم الصورة السوداوية العامة للمواكبة‬ ‫اإلعالمية للحدث السوري‪ ،‬إال أنها ال تخلو من‬ ‫التجارب الهامة والجسورة‪ ،‬وإن كانت محدودة‬ ‫اإلنتشار حتى اآلن‪ ،‬يف اإلعالم السوري الجديد‪،‬‬ ‫والتي تحاول أن متارس دوراً حقيقياً ضمن واقعنا‬ ‫الصعب‪ ،‬وهو الدور الذي يعي عمى األيديولوجيا‪،‬‬ ‫ويتحمل جرأة احرتام الحقيقة‪ ،‬وينطلق من‬ ‫منظومة حقوقية كزاوية نظر رئيسية‪ ،‬حيث ال‬ ‫مساومة يف حق الناس وادانة الجرمية‪ ،‬وال اصطفاف‬ ‫وراء اي فصيل‪ ،‬بل جرأة يف النقد وتحميل الجميع‬ ‫مسؤولياتهم عىل قاعدة احرتام الحقيقة‪ ..‬ال خيار‬ ‫آخر إال الحقيقة‪ ،‬بغض النظر عن ذهنية السكان‬ ‫وتفكريهم وعقائدهم أو اصطفافاتهم‪.‬‬ ‫إن الرضورة امللحة لوجود إعالم مستقل وموضوعي‪،‬‬ ‫مرتكز عىل ذهنية متحررة من املصلحة والرغبة‬ ‫واالوهام‪ ،‬تستوجب بالرضورة احرتام التنوع‬ ‫والتعدد واحرتام حرية الرأي والتعبري‪ .‬وال خيار‬ ‫آخر أمام وسائل اإلعالم السورية إال االضطالع‬ ‫مبهامتها والتي تبدو يوماً بعد يوم أكرث تعقيداً‬

‫وصعوبة يف ساحة أصبحت ملعباً للقوى الدولية‬ ‫املختلفة وقوى اإلرهاب والتطرف من كل مكان‪.‬‬ ‫الوضع السوري اليوم شديد التعقيد وال يبدو‬ ‫أن هناك سوابق تاريخية تشبهه‪ ،‬وهذا ما يلقي‬ ‫مزيداً من املسؤولية عىل كل من يتعاطى باإلعالم‬ ‫وبالشأن العام لنقرتب من أية حلول ممكنة لهذا‬ ‫الوضع والتي ال بد ستقتيض تنازالت وتوافقات‬ ‫بني كافة األطراف والقوى الفاعلة عىل الساحة‬ ‫السورية‪.‬‬ ‫نحن نؤمن بان دورنا كصحف ثورية يجب أن‬ ‫يكون توعوياً بالدرجة األوىل‪ ،‬وبالطبع إذا كان‬ ‫باإلمكان املساهمة يف تهدئة األمور فلم ال !‪ .‬مل‬ ‫تنتج الحلول العسكرية إال الخراب واالنتقام‪.‬‬ ‫علينا اليوم السعي إىل إعادة التطبيع مع الحياة‪..‬‬ ‫التأكيد عىل العيش واالستمرار واإلحساس العادي‬ ‫بالتفاصيل الصغرية‪ ،‬هذا جزء من مهمتنا أيضاً‪..‬‬ ‫وهو يساهم يف تأكيد إنسانيتنا وسط هذا الخراب‬ ‫املعمم‪.‬‬ ‫علينا إعادة توجهنا اإلنساين العام إىل سكته‬ ‫الصحيحة‪ ،‬إىل انتاج الحياة والحب والعالقات‬ ‫اإلنسانية والحلم‪ ،‬وإىل الفرح الذي يتحدى املوت‬ ‫ويورق الحياة‪ ،‬والذي يحتاج إىل إعادة تأكيده كل‬ ‫يوم‪ ...‬وبني غارة وأخرى‪.‬‬


‫‪44‬‬

‫قضايا المعتقلين بين التسويق‬ ‫واإلهمال في اإلعالم البديل‬ ‫خولة دنيا ‪ -‬بسام األحمد‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2015 // 12‬‬ ‫‪8 / /23 - 60‬‬

‫العدد‬ ‫ملف‬ ‫لقاءات‬

‫فتحت االحتجاجات السلمية التي بدأت يف‬ ‫آذار من العام ‪ 2011‬وما تالها من انتفاضة‬ ‫شعبية عارمة الباب عىل مرصاعيه أمام قوات‬ ‫النظام وأجهزته األمنية العتقال عرشات اآلالف‬ ‫من املتظاهرين السلميني‪ ،‬واإليغال يف الحل‬ ‫األمني الذي كان واضحاً أ ّنه بات أحد الخيارات‬ ‫االسرتاتيجية التي اتبعها النظام منذ البداية‬ ‫لقمعه الحراك الشعبي‪ .‬وكانت من إحدى‬ ‫مظاهر هذا اإليغال أن اتسعت رقعة االعتقاالت‬ ‫التعسفية والتي اتصفت بالعشوائية ‪-‬عقب كل‬ ‫مظاهرة‪ -‬يف مئات األحياء واألزقة يف مختلف‬ ‫املدن السورية‪ ،‬هذه املدن التي اختربت العديد‬ ‫من الحاالت املشابهة عىل م ّر الحقب التي لعب‬ ‫فيها حزب البعث العريب اإلشرتايك دور “قائد‬ ‫الدولة واملجتمع” يف سوريا‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من تداخل وضبابية التعريفات‬ ‫والتوصيفات التي رافقت حاالت االعتقال‬ ‫بأشكاله العديدة واملختلفة أو حاالت اإلختفاء‬ ‫القرسي أو حاالت الخطف‪ ،‬وحتى يف حاالت‬ ‫املفقودين الذين ال يعلم ذووهم عنهم أيّ يشء‪،‬‬ ‫فقد ألقى ذلك بظالله حتى عىل توصيفات‬ ‫أهايل وذوي املعتقلني أنفسهم والكثري من‬ ‫الجهات والوسائل اإلعالمية‪ .‬ولكن يبقى الشائع‬ ‫ّأن املصطلحات املذكورة تشري يف جوهرها إىل‬ ‫أناس ومواطنني حرموا من حريتهم نتيجة آراء أو‬ ‫معتقدات شخصية عىل يد جهات عديدة سواء‬ ‫كانت حكومية منها أو شبه حكومية أو مس ّلحة‬ ‫“ثورية” أو إسالمية‪ .‬وبالرغم ّأن جرمية االختفاء‬ ‫القرسي األكرث بشاعة من حيث كونها ال تقف‬ ‫عند حدود انتهاك حقوق الشخص املختفي قرسياً‬ ‫بل تتجاوزه إىل أهله وذويه إ ّال ّأن النزاع يف سوريا‬ ‫أبرز التبعات األخرى والتي ال تقل بشاعة عن‬ ‫جرائم مشابهة‪ ،‬منها جرمية الخطف عىل سبيل‬ ‫املثال ال الحرص‪.‬‬ ‫املعتقلون يف وسائل اإلعالم البديل‪:‬‬ ‫ال ميكن التورية عىل حقيقة أن النظام هو املتهم‬ ‫تم توثيق عرشات‬ ‫األول يف هذه املأساة‪ ،‬حيث ّ‬ ‫آالف حاالت االعتقال‪ ،‬إضافة إىل املوت تحت‬ ‫التعذيب يف أفرع وسجون النظام وعىل حواجزه‬ ‫وعند ميليشيات تابعة له‪ ،‬ولكنه ليس الوحيد‬ ‫يف ذلك؛ فمع تزايد بسط السيطرة من قبل‬ ‫قوى وميليشيات أخرى نجد أن هذا ترافق مع‬ ‫اعتقاالت واختفاءات وموت وقتل ومحاكامت‬

‫شكلية وألسباب شتّى‪ .‬ولكن مل يتم تناولها مبا‬ ‫تستحق من تسليط للضوء عليها‪ ،‬ويف حني أن‬ ‫داعش استطاعت كسب عداء السوريني وكافة‬ ‫القوى لها‪ ،‬مبا قامت به من جرائم االعتقال‬ ‫والخطف دون حساب‪ ،‬غري أن هناك قوى أخرى‬ ‫مل يتم تسليط الضوء مبا يكفي عىل مامرساتها‬ ‫يف املناطق التي تفرض سلطتها عليها‪ ،‬مام يحيل‬ ‫سلوك مؤيديها ملا يشبه سلوك مؤيدي النظام يف‬ ‫ّ‬ ‫غض البرص عن الجرائم املرتكبة‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬لعلنا قد نجانب الصواب فيام لو قمنا‬ ‫بتحميل مسؤولية إهامل قضايا املعتقلني أو‬ ‫املختفني قرسياً أو املخطوفني ‪-‬إن جاز التعبري‪-‬‬ ‫للجهات والوسائل اإلعالمية وحدها دون إشارة‬ ‫أو ذكر لدور منظامت حقوق اإلنسان يف هذا‬ ‫اإلهامل‪ ،‬فمن املعروف أن وسائل اإلعالم‬ ‫وتحديداً يف حاالت تسليط الضوء عىل قضايا‬ ‫معتقلني محددين تعتمد يف تقاريرها اإلعالمية‬ ‫عىل بيانات املنظامت الحقوقية سواء الفردية‬ ‫منها أو املشرتكة‪ ،‬وهذا ما ي ّكرس متاماً الفكرة‬ ‫القائلة بإهامل عرشات اآلالف من املعتقلني‬ ‫القابعني يف األفرع األمنية والرتكيز عىل عدد قليل‬ ‫قد ال يتجاوز بضع عرشات كام يف الحالة السورية‪.‬‬ ‫آخذين بعني االعتبار دور األهايل وذوي املختفني‬ ‫قرسياً يف الحسبان‪ ،‬طاملا أننا نتحدث عن بيانات‬ ‫اعتمدت عىل موافقات األهل بالنرش والتوزيع‬ ‫بشكل كامل‪ .‬ومن وخالل مسح بسيط للسنوات‬ ‫األربع التي مضت من عمر الثورة ميكننا اإلدّعاء‬ ‫بقليل من التجاوز ّ‬ ‫بأن املنظامت الحقوقية‬ ‫السورية منها والعاملية فشلت يف التغطية العادلة‬ ‫لهذه القضايا املهمة وتبعتها يف ذلك وسائل‬

‫اإلعالم التي مل تحاول حتى إيجاد آليات بدلية‪،‬‬ ‫وبدأ العديد من أهايل املعتقلني أنفسهم يتهم‬ ‫املنظامت بانتهاك أسمى مبادئ حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫عب اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان عنها يف‬ ‫والتي ّ‬ ‫مادته األوىل عندما قال إن جميع الناس يولدون‬ ‫أحراراً متساوين يف الكرامة والحقوق‪...‬‬ ‫هل اإلعالم مستقل يف تناوله لقضية املعتقلني‬ ‫واملخطوفني؟‬ ‫السؤال األهم من كل ما سبق‪ :‬ما مدى استقاللية‬ ‫اإلعالم وخاصة اإلعالم البديل واملفرتض به‬ ‫(الجديد والثوري) يف تغطيته لقضايا حيوية‬ ‫ومهمة بالنسبة للسوريني اآلن ويف املستقبل؟‬ ‫يبدو أننا –ولألسف‪ -‬نكاد ال نجد أن قضية بهذا‬ ‫الحجم واألهمية تنال ما تستحقه من اإلعالم‬ ‫البديل؛ ففي حني تسلط األضواء عىل معتقلني‬ ‫محددين ملا تحتويه قصصهم من تشويق إعالمي‬ ‫ال بد منه‪ ،‬أو ملكانتهم التي تجعل منهم رموزا‬ ‫وأيقونات؛ يتم تغييب آالف مؤلفة من املعتقلني‬ ‫اآلخرين ليتحولوا إىل مجرد أرقام‪ .‬غري أن األهم‬ ‫كذلك هو ما نراه من خضوع إلرادات املمولني‬ ‫والقوى العسكرية عىل األرض‪ ،‬وإيديولوجيات‬ ‫تلك القوى‪ .‬حيث يتم غض الطرف عام يرتكبه‬ ‫بعضها (إ ّما ألنها ممولة بشكل من األشكال ‪-‬أو‬ ‫ألنها بنفس الخط األيديولوجي للوسيلة اإلعالمية‪-‬‬ ‫أو ألنها تتحكم باألرض وبالتايل تتحكم بكل ما‬ ‫يصل من وسائل إعالمية مطبوعة أو مسموعة‪،)..‬‬ ‫مام يحيلنا لواقع وسائل إعالم النظام وتبعيته‪،‬‬ ‫وكأننا ندور يف حلقة مفرغة مل تو ّلد تحوالً ثورياً‬ ‫يف طرق العمل اإلعالمي من حيادية ومهنية‬ ‫وموضوعية‪.‬‬


‫سلطتنا الرابعة بال صالحيات!‬ ‫‪5‬‬

‫نبيل شوفان‬

‫• املشاحنات التي تنشب بني الصحفيني‬ ‫السوريني واملنافسة السلبية؛ أدت يف كثري من‬ ‫األوقات إىل إفشال مشاريع تعاونية كانت‬ ‫ستعود بالخري عىل بلدهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وأعتقد أن صحافتنا ال تشكو من قلة كوادر أو‬ ‫نقص يف الخربة‪ ،‬ولكن كل ما سبق هو سطر‬ ‫من بحوث ومجلدات ميكن أن تكون حول‬ ‫سلطة رابعة ُجردت من سلطتها‪ ،‬لتحمل وزراً‬ ‫كبرياً يف تأخر إسقاط الديكتاتور‪ .‬ولنتذكر قول‬ ‫املؤلف والصحفي األمرييك (بوب وودورد)‬

‫الذي قال إن املأزق املحوري يف الصحافة‬ ‫أنك ال تعرف ما ال تعرفه‪.‬‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫• أو التأثري به عىل املدى الطويل يف تشكيل اهتامماته حول قضية‬ ‫تكون لصالحه‪ -‬من القضايا االجتامعية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬أي‬‫تحريك اهتاممات الجمهور بقضايا وموضوعات بعينها لتتفق يف‬ ‫ترتيبها مع الرتتيب الذي تضعه هذه الوسائل ألهمية هذه القضايا‬ ‫واملوضوعات؛ وتحديد جدول أعاملها الذي يحدد لهم األهم‪ ،‬واملهم‪،‬‬ ‫واألقل أهمية‪ ،‬وغري املهم من تلك املوضوعات البعيدة عن عنرصي‬ ‫السياسة القريبة والعسكرة‪ ،‬وكل ماعدا ذلك فالسوري ال يهتم بنقل‬ ‫ما يحصل به له!‬ ‫النقطة الثانية‪ :‬أنه يف بداية الثورة السورية نجح السوريون يف نقل‬ ‫أفضل صورة عن انتفاضتهم بوجه الديكتاتور‪ ،‬ورغم أن الناشطني‬ ‫السوريني كانوا أرسى أجندات املحطات العاملية إال أنهم اخرتقوا‬ ‫آالف املرات سياسة هذه الوسائل التحريرية‪ ،‬بل أبدعوا يف نقل‬ ‫الصورة الحقيقية‪ ،‬فامذا حصل الحقاً مع ظهور بواكري صحافة وإعالم‬ ‫حقائق مستورة بدافع الخوف عىل مصداقية‬ ‫سوريني خصوصاً؟ وإن‬ ‫ٍ‬ ‫الثورة أو الخوف من قادة الفصائل أو من الجهات املمولة رمبا كانت‬

‫ملف العدد‬

‫ال شك أن اإلعالم ومهامه يف الدول النامية‬ ‫يختلف عنه يف الدول املتقدمة بنفس‬ ‫القدر الذي يختلف فيه إعالم الحرب‬ ‫عن إعالم السلم‪ ،‬ويلعب اإلعالم دور‬ ‫القائد يف املجتمعات الحديثة؛ فهو يوجه‬ ‫الرأي العام وال يتبعه‪ ،‬بل ويهيمن عىل‬ ‫الفرد (يف فرنسا مث ًال تؤثر وسائل اإلعالم‬ ‫أكرث بخمس مرات من أي طبيب نفيس)‪،‬‬ ‫ويف أمريكا يقال إن الرئيس يحكم ألربع‬ ‫سنوات‪ ،‬بينام تحكم الصحافة إىل األبد‪..‬‬ ‫هذا حقيقي ودليله ثقافة الخوف التي‬ ‫تهيمن عىل مجتمعات الحداثة وهي‬ ‫طارئة يتم تصنيعها بشكل متعمد‬ ‫يف اإلعالم حسب ما اتفق عليه عامل‬ ‫اللغويات (نعوم شومسيك) واملخرج‬ ‫السيناميئ (مايكل مور)‪ ،‬بدوافع زيادة‬ ‫الكبح االجتامعي الذي متارسه السلطات‬ ‫عىل الشعوب الخائفة؛ تلك الشعوب‬ ‫التي تصبح ميالة للشك بكل يشء‪،‬‬ ‫فال تجد فرصة للتملص من خوفها إال‬ ‫باإلرتكان إىل السلطات ودعمها بشكل‬ ‫أعمى‪ ،‬والخوف يستمر أحياناً رغم تغري‬ ‫الرؤساء واألحداث والوقائع‪.‬‬ ‫وعن اإلعالم الحديث يف املجتمعات‬ ‫الحديثة ترى أن انتقائية األخبار واللعب‬ ‫باإلحصائيات وإهامل األرقام؛ ثم‬ ‫تحريف املصطلحات أو الكلامت من‬ ‫أجل تحقيق أهداف معينة‪ ،‬واالنتهاء‬ ‫بوسم بعض األفراد أو الجامعات بغري‬ ‫حقيقتهم‪ ،‬كل ذلك ميزة ورضورة‬ ‫سياسية ال يستطيع اإلعالم الغريب نكرانها‬ ‫أو التخيل عنها‪.‬‬ ‫ويف دراسة أمربيقية خلص العلامء إىل‬ ‫نتيجة مفادها أن تعرض الفرد املتكرر‬ ‫للتلفزيون ولفرتات طويلة ومنتظمة‬ ‫تنمي لديه اعتقاداً بأن العامل الذي‬ ‫يشاهده هو صورة عن العامل االجتامعي‬ ‫الذي يعيشه‪ ،‬ذلك يتجىل اليوم يف‬ ‫طوفان إخباري يفيض بالخوف والذعر‬ ‫من تنظيم داعش الذي سيدمر العامل‬ ‫ويهاجم الغربيني يف بيوتهم حسب‬ ‫محرتيف صنع األخبار واملعلومات‪ .‬وعىل‬

‫سبيل املثال تجد مقطع فيديو ملقاتل سوري يرفع بندقيته قائ ًال‬ ‫(الله أكرب الله أكرب) ليتم إظهاره أمام املتابع الغريب بشكل همجي‪،‬‬ ‫اص‬ ‫ذلك أن املشاهد المجال له ليكون انتقائياً يف مسلسل ذعر مرت ّ‬ ‫الحلقات‪ ،‬ولن يعود للبحث عن أهداف وخلفية هذا املقاتل الذي‬ ‫غ ّلب العنف عىل العقل واالنفعال عىل املحاكمة (بعني املشاهد‬ ‫الغريب)‪.‬‬ ‫من خالل ما سبق نخلص إىل نتيجتني‪:‬‬ ‫األوىل‪ :‬مل ولن يطلب أي سوري شارك يف الثورة التي طالبت بالحرية‬ ‫أكرث من‪:‬‬ ‫• إزالة الحاجز بينه وبني الرأي العام العريب والعاملي إلظهار وجهه‬ ‫الحقيقي‬

‫ستغري وجه ثورتنا‪ ،‬ولقد كنا ومازلنا‬ ‫بحاجة ماسة إلظهارها من خالل إعالم‬ ‫مهني صارم يقود الرأي العام ال يتبعه‪،‬‬ ‫كام يحصل اليوم يف واقع إعالمنا والذي‬ ‫تتلخص اضطراباته بالنقاط التالية‪:‬‬ ‫• متنع وترفع الصحفيني املحرتفني عن‬ ‫العمل إىل جانب النشطاء واإلعالميني‬ ‫الصاعدين‪.‬‬ ‫• األجندة املتخبطة وغري الواضحة لهذه‬ ‫املؤسسات‪.‬‬ ‫• مالحقة الناشطني وابتزازهم باإلنرتنت‬ ‫واألجور‪ ،‬ودفعهم للمخاطرة بحياتهم من‬ ‫أجل تغطية املعارك من قبل الوكاالت‪.‬‬ ‫• اإلدارة السيئة يف معظم الوسائل‬ ‫اإلعالمية املوجودة وغالبيتهم مل يعمل‬ ‫(مديراً) من قبل‪.‬‬ ‫• التبعية للجهة املمولة حتى دون أن‬ ‫تطلب الجهة لذلك‪.‬‬ ‫• التمويل اليسء والخوف الدائم لدى‬ ‫الصحفي السوري من إغالق املؤسسة‪.‬‬ ‫• وقع الجميع يف فخ املحلية‪ ،‬ثم‬ ‫الطائفية والرصاع عىل حساب اإلقليمية‬ ‫والعاملية واملدنية واملهنية والحيادية‬ ‫واملصداقية وهنا ال نختلف عىل وجوب‬ ‫انحياز وسائل اإلعالم لإلنسان وهو أمر ال‬ ‫يتعارض مع اإلخالل باملهنة‪.‬‬ ‫• عدم وضوح أفق سيايس أدى إىل حالة‬ ‫يأس لدى السوريني عامة والصحفيني‬ ‫خاصة فباتوا يعتقدون أن عملهم بال‬ ‫فائدة‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫صناعة الحقيقة‬ ‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫ملف العدد‬

‫عىل الرغم من كل الكذب والزيف وقلب الحقائق‬ ‫الذي ميارسه إعالم النظام منذ بداية الثورة‬ ‫السورية إىل اليوم‪ ،‬مازالت “الربوبغندا” اإلعالمية‬ ‫التابعة له ولحلفائه تبدو أكرث تأثرياً يف الرأي العام‬ ‫املحيل والعاملي من إعالم الثورة‪ ،‬ملاذا؟‬ ‫هل كان ذلك بسبب الضعف وقلة الخربة يف‬ ‫إعالم الثورة وإعالمييها‪ ،‬أم ألن إعالم النظام كان‬ ‫أكرث احرتافية يف ايصال الخرب واملعلومة وااليحاء‬ ‫للمتلقي من إعالم الثورة؟ أم ألن قوة الوهم‬ ‫عند البرش هي فع ًال أكرب من قوة الحقائق؟ أم‬ ‫ألن الحقيقة هي باألصل ُتصنع صناعة وغالباً ما‬ ‫يصنعها األقوى و يصوغها املنترص؟!‬ ‫البد بداية من اإلشارة إىل أنه ليس هناك إعالم‬ ‫“عقائدي” للثورة عىل طريقة النظام واملتحالفني‬ ‫معه‪ ،‬وعندما ظهرت قنوات “عقائدية” مضادة‬ ‫إلعالم النظام يف بداية الثورة‪ ،‬أساءت لصورة‬ ‫الثورة يف الواقع أكرث مام خدمت أهدافها‬ ‫وتطلعاتها‪ ،‬كام أنه ميكن مالحظة أن جمهور‬ ‫الثورة بالعموم أكرث تشكيكاً وانتقاداً إلعالمها من‬ ‫جمهور النظام‪ ،‬بل إن امليل العام ينحو باتجاه‬ ‫طلب الدقة واملوضوعية شبه التامة من إعالم‬ ‫الثورة‪ ،‬يف الوقت الذي يتم فيه تداول األخبار‬ ‫واملعلومات الخارجة من قنوات النظام عىل أنها‬ ‫حقائق‪ ،‬وليس أقل من ال”‪ ”BBC‬أو “فرانس‬ ‫‪ ”24‬وغريهام من يفعل ذلك‪.‬‬ ‫مام ال شك فيه أن تكرار الكذب يحوله إىل حقيقة‬ ‫واقعة (ولو كانت مؤقتة)‪ ،‬ومام ال شك فيه‬ ‫أيضاً أن النفس البرشية سهلة االنخداع ورسيعة‬ ‫التصديق كام ع ّلمنا ابن خلدون‪ ،‬ومن املعروف أن‬ ‫الكذب اإلعالمي املام َرس من قبل النظام وأعوانه‬ ‫اقتداء بالدعاية النازية‪ ،‬هو كذب متواتر ومركزي‬ ‫وشمويل ومحكم التنظيم‪ ،‬مثلام هو سائد يف كل‬ ‫األنظمة الشمولية‪ ،‬ولذلك فإن مرحلة االنكار‬ ‫التي ابتدأ بها النظام تجاه الثورة‪ ،‬مازالت ثابتة‬ ‫ومتمرتسة يف مواقعها حتى اليوم‪ ،‬ال بل إن انكار‬ ‫الثورة وتعريفها عىل أنها مؤامرة كونية وعصابات‬ ‫مسلحة ومندسني ومنظامت إرهابية وميليشيات‬ ‫طائفية وحرب أهلية‪...‬الخ‪ ،‬مل يتوقف عن التحول‬

‫يف كل يوم جديد إىل واقع‪ ،‬بل إىل الواقع‪.‬‬ ‫يدافع السوريون عن حقيقة يعرفها العامل أجمع‪،‬‬ ‫وهي أن نظامهم طغموي واستبدادي والبد‬ ‫من تغيريه‪ ،‬لكن العامل الذي يطالب السوريني‬ ‫باالنضباط واالنتظام وتقديم البديل الواضح‬ ‫واملنظم و”الحضاري” عن النظام‪ ،‬يرمي بالسوريني‬ ‫يف أحضان العبث والعنف والفوىض‪ ،‬ويساهم يف‬ ‫خلق كل الرشوط املثالية لتلك الفوىض وذلك‬ ‫العنف‪ ،‬عرب املراوحة بني التدخل وعدم التدخل‬ ‫ولعبة السامح واملنع والتقنني وغريها‪ ،‬اليشء‬ ‫الذي يعود وينعكس يف عدم قدرة السوريني عىل‬ ‫االنتظام‪ ،‬إن كان باملعنى السيايس أو العسكري أو‬ ‫حتى االجتامعي واملدين‪.‬‬ ‫من هنا تصبح الحقيقة تابعة للواقع ومجرياته‪،‬‬ ‫بحيث يتناىس العامل قوة الحقيقة التي ال ينفك‬ ‫عن تأكيدها‪ ،‬أي انتهاء صالحية النظام‪ ،‬لصالح‬ ‫الواقع الذي يساهم هو بخلقه‪ ،‬والذي ال يكف‬ ‫عن التبدل والتشظي والتفتت العنيف‪ ،‬فتتغري‬ ‫أولوياته من جديد ويصبح داع ًام أو مشاركاً أو‬ ‫ساكتاً عن دعم النظام القائم طاملا أن البديل‬ ‫األكرث قوة وتأثرياً وتنظي ًام عنه هو اإلرهاب‪.‬‬

‫رمبا يجدر القول إن العالقة دامئاً تفاعلية بني‬ ‫اإلعالم والواقع والقوة واالنتشار‪ ،‬وأن هناك‬ ‫رصاعاً دامئاً بني القوى املؤثرة يف الواقع ومن‬ ‫بينها اإلعالم بوسائله املختلفة‪ ،‬لكن الجدير‬ ‫بالذكر أيضاً أن إعالم الثورة املتنوع واملتعدد‬ ‫واملختلف واملتنافس واملتنافر أحياناً‪ ،‬ورغم كل‬ ‫املثالب والنقائص والنقائض التي تعرتيه‪ ،‬يبقى‬ ‫األكرث تعبرياً عن روح الدميقراطية‪ ،‬واألكرث التزاماً‬ ‫بحرية الرأي واالختالف والتعدد‪ ،‬واألوىف للحقيقة‬ ‫التي يحاول السوريون التمسك بها‪ ،‬والدفاع عنها‪،‬‬ ‫رغم ضعفها أمام سلطة املال واملافيات الدولية‬ ‫املتحالفة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫البد من التذكري أخريا أن حرية الرأي والصحافة‬ ‫واإلعالم‪ ،‬باإلضافة إىل الحريات السياسية واملدنية‪،‬‬ ‫كانت دامئاً وخالل عقود أربعة أهم محرمات‬ ‫النظام عىل اإلطالق تبعاً ألهميتها وخطورتها يف‬ ‫الوقت ذاته‪ ،‬ولذلك فإنه ال مستقبل لسوريا أو‬ ‫يف سوريا دون تلك الحريات الرئيسة‪ ،‬التي تتفرع‬ ‫منها وعنها قدرة الناس عىل مراقبة السياسة‬ ‫والسياسيني‪ ،‬أي انتاج الدميقراطية واملجتمع‬ ‫املدين وبناء البالد عىل أسس جديدة‪.‬‬


‫الرسمي‬ ‫سورية بين اإلعالم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثوري‬ ‫واإلعالم‬ ‫شوكت غرزالدين‬

‫الرسمي‪:‬‬ ‫اإلعالم‬ ‫ّ‬

‫اإلعالم الثوريّ ‪:‬‬

‫انكرس احتكار النظام االستبداديّ لإلعالم تزامناً مع‬ ‫انطالق الثورة‪ ،‬وقدمت ثورة االتصال والتواصل‬ ‫الوسائل الالزمة والس ّيام الشبكة العنكبوتية منها‪،‬‬ ‫ووقعت األحداث الجليلة والعظيمة بالنسبة‬ ‫للسوريني؛ ألنها طالت أمنهم واستقرارهم‬ ‫وحياة أبنائهم فصار اإلعالم السوريّ إزاء أحداث‬ ‫تراجيدية ومأساوية‪ ،‬وجديدة كل الجدة‪ ،‬وغري‬ ‫متوقعة وصادمة‪ .‬وما هذه الصفات إ ّال صفات‬ ‫ومناخات جيدة لنمو اإلعالم الجيد ومضيه قدماً‬ ‫يف رصد ومتابعة مثل هذه األحداث‪ .‬فقد توفرت‬ ‫الوسيلة اإلعالمية وتوفر الحدث املناسب واملتابع‬ ‫واملتلقي النهم لهذا الحدث وتوفر املرسل كناشط‬ ‫فرد أو مؤسسة أو مركز‪ .‬وبهذا انتقل السوريون‬

‫ملف العدد‬

‫احتكر النظام السوريّ االستبداديّ اإلعالم‪ ،‬وغ ّيب‬ ‫إمكانية املنافسة املعارضة له ألربعني سنة بشكلٍ‬ ‫ممنهج‪ّ .‬‬ ‫ووظف إعالمه املنفرد لتقديم تصور عنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بوصفه نظاما مستهدفا ‪-‬من قوى عامل ّية وإقليم ّية‬ ‫ومحل ّية‪ -‬بسيادته الوطن ّية واشرتاكيته وقضيته‬ ‫املركز ّية؛ أي فلسطني‪ ،‬ومقاومته ومامنعته‬ ‫وعلامنيته وتقدمه‪ ...‬وبوصفه نظاماً خارقاً لطبيعة‬ ‫األنظمة السياسية عرب التاريخ؛ بفضل قائده الذي‬ ‫ينال القسط األكرب من التمجيد والتسبيح واملديح‬ ‫كقائد أبدي ورمزيّ ومفدّى ورضورة‪ ،‬والذي مل‬ ‫نجب النساء مثله‪...‬‬ ‫ولن ُت ِ‬ ‫الرسمي عىل تقن ّيتي الكذب‬ ‫ويعتمد اإلعالم‬ ‫ّ‬ ‫والتزي ّيف مرة‪ ،‬وعىل النقص يف اإلعالم واملعلومة‬ ‫مرة أخرى‪ .‬و ُي ِّربر ذلك بحالة الحرب واملواجهة‬ ‫واالشتباك غري املبارشة التي أوهمنا بها‪ :‬فهو‬ ‫نظام محارص دامئاً من الصهيون ّية واإلمربيال ّية‬ ‫والرأسامل ّية واإلرهاب ّية و ُمع ّرض لخطر هذه‬ ‫القوى يف الوقت الذي يخوض فيه بالفعل معركة‬ ‫وعمله ّ‬ ‫ض ّد شعبه ّ‬ ‫وفلحيه وصغار الكسبة واليد‬ ‫العاملة الرخيصة كام كان يصفها يف إعالمه ويف‬ ‫كتب التاريخ والجغرافيا والقومية؛ حني ُيعدِّد‬ ‫أطامع القوى الخارجية فيه‪.‬‬ ‫يف سبعين ّيات القرن العرشين‪ ،‬رفض “ممدوح‬ ‫عدوان” الكاتب السوريّ ْأن يضع يده يف يد‬ ‫النظام إبان دعوته لالنضامم ملا سمي آنذاك‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫اإلعالم‪ ،‬من جهة ما يجب ْأن يكون‪ ،‬هو شاهدٌ‬ ‫عىل الحقيقة وكاشف لها‪ .‬ومن جهة ما هو كائن‪،‬‬ ‫نقول إ َّنه مز ٌ‬ ‫ِّيف للحقيقة وطامس لها‪ .‬فهو أداة‬ ‫لرسم الواقع وتحقيقه ورسم التصور عنه بقدر‬ ‫ما هو خرب عن الحقيقة‪ .‬وطاملا َّأن اإلعالم جهد‬ ‫برشي لنقل األحداث وصناعتها سيبقى عرضة‬ ‫للتالعب‪ ،‬بواسطة االحتكار والكذب ونقص‬ ‫اإلعالم وزيادة اإلعالم‪ ،‬وسيبقى خاضعاً للمصالح‬ ‫يف تحقيق الواقع املناسب لهذه املصالح‪.‬‬ ‫ويكمن موضوعه يف الحدث الجديد واملفاجئ‬ ‫واملطمنئ‪ .‬فالخرب عن حدث معلوم ومتكرر ما هو‬ ‫إ ّال لغو وثرثرة‪ .‬ويتمتع الخرب بطاقة كامنة تدفع‬ ‫الفكر والعمل قدماً؛ لذلك يذهب إعالم النظام‬ ‫الحتواء طاقته الكامنة يف حني يذهب اإلعالم‬ ‫الثوريّ لتفجري طاقته الكامنة‪.‬‬

‫“الجبهة الوطنية التقدمية” ّ ً‬ ‫معلل رفضه للتحالف‬ ‫َّ‬ ‫بأن النظام “يكذب حتى يف النرشة الجو ّية”‪.‬‬ ‫حتى إننا يف الثامنينيات وخالل فرتة الخالف‬ ‫العراقي‪-‬السوري كان ممنوع عىل النرشة الجو ّية‬ ‫ْأن تأيت عىل سرية العراق‪ .‬وهناك طرفة تفيد أن‬ ‫مذيع النرشة الجو ّية قد اختفى “ببيت خالته”‬ ‫(السجن) ألنه ُضبط ُيه ِّرب “منخفضات جو ّية”‬ ‫إىل العراق‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬يحتاج نظامنا االستبداديّ إىل احتكار اإلعالم‬ ‫بشدّة ألنه يوفر له ميزتني هام إخفاء طبيعته‬ ‫االستبدادية وتحقيق طبيعته االستبداد ّية يف آن‪.‬‬ ‫وما طبيعته االستبداد ّية سوى اإلرهاب والتقديس‪.‬‬ ‫يخفيهام عنا باإلعالم الكاذب والناقص ويحققهام‬ ‫فينا باإلعالم املخدّر والواهم واملؤسطر‪ .‬فمن‬ ‫نقص اإلعالم مل يعرف السوريون مجازر حامة‪-‬‬ ‫الثامنينيات يف حينها‪ .‬ومن فرط اإلعالم مل يعرفوا‬ ‫املسؤول عن مجزرة الكياموي يف الغوطة الرشق ّية‬ ‫يوم اإلربعاء ‪ .21/8/2013‬وبهذا يقول (إدغار‬ ‫موران)‪َّ :‬إن األنظمة املستبدة “تحتاج إىل اإلعالم‬ ‫الناقص‪ ،‬إىل اإلعالم الزائف‪ ،‬إىل اإلعالم املضاد‪،‬‬ ‫وليس ذلك فقط إلخفاء طبيعتها الحقيقية‪ ،‬بل‪،‬‬ ‫أيضاً لتحقيق طبيعتها الحقيقية‪ .‬فال يستطيع‬ ‫النظام تخليد نفسه وإعادة انتاجها دون إنتاج‬ ‫األسطورة وإعادة إنتاجها‪ ..‬دون تصفية الخرب‬ ‫وكبته وتهدميه”‪ .‬فهكذا إعالم اليخفي إ ّال حك ًام‬ ‫(نظاماً) قامئاً عىل اإلرهاب والتقديس ويح ّقق‬ ‫أساطريه يف آن‪.‬‬

‫من حالة االحتكار االستبداد ّية الرسم ّية‪ ،‬إىل حالة‬ ‫اإلعالم الح ّر واملنافس واملتنوع الثور ّية‪.‬‬ ‫وانترشت وسائل اإلعالم مبختلف تنويعاتها املرئية‬ ‫واملسموعة واملكتوبة واالفرتاضية‪ ...‬فزاد التواصل‬ ‫فيام بني السوريني ولكن ّ‬ ‫قل التفاهم‪ .‬عرف‬ ‫السوريون سور ّية بالشرب‪ ،‬وعرفوا شعبها بتنوعاته‬ ‫وتناقضاته وتضحياته وعرفوا ماضيها وحارضها‬ ‫وناضلوا من أجل مستقبلها‪ .‬زادت املعرفة وق ّلت‬ ‫الحيلة‪.‬‬ ‫اعتقدت مع بداية الثورة السور ّية َّأن متابعة‬ ‫اإلعالم لألحداث وتنوعه وتنافسه يجعل من فرتة‬ ‫التغيري الدميقراطي فرتة قصرية وقليلة التكلفة‬ ‫البرش ّية‪ .‬وأتت الوقائع مك ِّذبة العتقادي هذا‪.‬‬ ‫الس ّيام بعد ترسيب وعرض ‪ 55‬ألف صورة لــ‪11‬‬ ‫ألف معتقل قضوا تحت التعذيب يف مجلس‬ ‫األمن وأمام مؤمتر جنيف ويف الكونغرس األمرييك‪.‬‬ ‫فساءلت نفيس مراراً ملن يقدِّم السوريون هذه‬ ‫الصور وهذا اإلعالم؟! وما الجدوى من اإلعالم يف‬ ‫سياق حالة الفوىض يف رشق املتوسط وانعدام‬ ‫القطب ّية الدول ّية ويف سياق إتالف اإليديولوجية‬ ‫املوالية للنظام لكل حقيقة ميكن ْأن ُتح ِدث فرقاً؟!‬ ‫لقد مارس الثوار اإلعالم كشاهد عىل الحقيقة‬ ‫وكنابش لها دون ْأن يكونوا مختصني بهذا‪ .‬فمن‬ ‫شاهد عيان إىل ناشط سيايس أو حقوقي أو إغايث‪،‬‬ ‫إىل مراسل صحايف‪ ،‬إىل التحليالت والقراءات‬ ‫والتحقيقات‪ ،‬إىل املجالت والجرائد واملواقع‬ ‫اإللكرتونية والقنوات اإلذاعية والفضائية‪ ...‬فعر ّوا‬ ‫القتل والتعذيب والغرق واللجوء واملخيامت وتجارة‬ ‫األعضاء ومافيات اللجوء واإلغاثة والعنرصية‪.‬‬ ‫لقد قام اإلعالم الثوريّ مبهمته يف كشف الحقيقة‬ ‫ونبشها عىل أكمل وجه وعىل مدار اللحظة‪،‬‬ ‫وقدم الدليل تلو الدليل عىل إرهاب النظام ولكن‬ ‫دون جدوى‪ .‬وقد تعرض اإلعالميون ألبشع أنواع‬ ‫املضايقات التي وصلت لدرجة القتل‪ ،‬ولكن دون‬ ‫ْأن يأبه أحد! فعىل ما يبدو ال يكفي االتفاق عىل‬ ‫املعطيات اإلعالم ّية‪ ،‬بل ال ب ّد من تجاوزها لالتفاق‬ ‫عىل كيفية رؤيتها ومعالجتها‪.‬‬ ‫يحتاج اإلعالم الثوريّ إىل الحر ّية ال الفوىض بعد‬ ‫فكفكة االحتكار‪ ،‬وإىل تعم ّيق املنافسة والتعدد ّية‬ ‫حتى يعيد ألق الحقيقة وثوريتها النعدام الرشوط‬ ‫القبل ّية يف اإلعالم الجيد‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫جرائد من الناس‪ ..‬وإلى الناس‬ ‫عروة المقداد‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫ملف العدد‬

‫قبل مثانية أعوام مل أكن أحلم بنرش‬ ‫مقال يف الجرائد الحكومية (ترشين‪،‬‬ ‫البعث‪ ،‬الثورة)‪ .‬راسلت تلك الجرائد‬ ‫لفرتات طويلة ولكني‪ -‬كام الكثري من‬ ‫أبناء جييل‪ -‬مل أجد أذناً صاغية‪ .‬رمبا كنت‬ ‫حينها كاتباً رديئاً‪ ،‬وال أدعي عكس ذلك‬ ‫اآلن‪ ،‬فهذه مسألة يتحكم بها السوق‬ ‫والرتويج بالدرجة األوىل‪.‬‬ ‫ومل تكن الجرائد الخاصة بأحسن من‬ ‫ذلك؛ (بلدنا‪ ،‬الوطن)‪ .‬أذكر املرة األوىل‬ ‫التي دخلت فيها جريدة الوطن ملحاولة‬ ‫تقديم رشح لرئيس التحرير عن مقال‬ ‫كتبته عن سوق الحرامية املحاذي لوزارة‬ ‫الداخلية‪ .‬مل أعد للجريدة مرة أخرى كام‬ ‫أن سحنته العابسة كانت كفيلة بجمع‬ ‫أوراقي قبل وصول دورية األمن‪ .‬أما‬ ‫الجرائد اللبنانية والعربية التي كانت‬ ‫تتمتع مبساحة من الحرية‪ ،‬فلم تكن‬ ‫مخصصة لكتاب شباب يحاولون إيجاد‬ ‫فسحة من التعبري‪ ،‬فهنالك (أساطني)‬ ‫كتابة كانت تكتب يف هذه الجرائد‪.‬‬ ‫عند انطالق الثورة السورية مل أكن أفكر‬ ‫يف كتابة املقاالت‪ ،‬فالحدث أرسع وأكثف‬ ‫من الكتابة عنه‪ ،‬لكنني حظيت بفرصة‬ ‫التقاء رئيس تحرير جريدة “سوريتنا”‬ ‫عندما كان يفكر يف مرشوع الجريدة‪.‬‬ ‫سحرتني فكرة الجريدة التي كانت أشبه‬ ‫باملنشور الذي يوزع باأليدي‪ ..‬الكتابة‬ ‫الصحفية التي تخرج من الناس وإىل‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫انطلق مرشوع سوريتنا وحاولت كام‬ ‫حاول العديد من األصدقاء العاملني‬ ‫يف الجريدة أن نواكب الحدث وأن‬ ‫نستجيب له‪ .‬كام كانت الكثري من‬ ‫الجرائد التي انطلقت آنذلك توزع‬ ‫وتطبع باأليدي‪.‬‬ ‫وخالل السنة األوىل يف الثورة كانت‬ ‫الجرائد املطبوعة تشكل حالة فريدة‬

‫واستثنائية يف العمل املدين‪ ،‬وكانت التجربة سترثي‬ ‫الحراك فيام لو أتيح لها العمل والتفاعل أكرث‪ ،‬ولكن‬ ‫مع دخول العمل املس ّلح والعسكرة عىل الثورة‬ ‫السورية‪ ،‬ش ّكلت هذه املرحلة نكوصاً يف عمل‬ ‫الجرائد‪ .‬وال يعود ذلك يف البداية لطبيعة العمل‬ ‫العسكري بل لتمسك ومترتس العاملني يف الجرائد‬ ‫بنقطتني أساستني‪ :‬تجنّب مناقشة ومخاطبة‬ ‫شباب الثورة املس ّلحني‪ ،‬ومحاولة االنتقال بتلك‬ ‫الجرائد للعمل االحرتايف عىل اعتبار أن الحيادية‬ ‫هي املعيار األسايس يف الحرفية‪ ،‬كام هي سياسة‬ ‫الجرائد الرسمية سواء العربية أو العاملية‪.‬‬ ‫اللغة التي كانت تكتب يف تلك الجرائد املطبوعة مل‬ ‫تكن تناسب طبيعة األماكن التي يوجد فيها الثوار‬ ‫املس ّلحون‪ ،‬كام أنه ال يوجد لديهم الوقت لقراءة‬ ‫تحليالت طويلة وتوصيفات تبدو أنها قادمة من‬ ‫مكان آخر غري عاملهم‪.‬‬ ‫أذكر أنني منذ ما يقارب ‪ 4‬سنوات اقرتحت عىل‬ ‫عدة أشخاص عاملني يف مجال املطبوعات الثورية‬ ‫ملحقاً يخاطب املنش ّقني والثوار بطريقة بسيطة؛‬ ‫يتألف من عدة صفحات تتحدث فقط عنهم‪،‬‬ ‫ليصدر مبنشور أسبوعي للفصائل املسلحة‪ .‬لكن‬ ‫الكثريين رفضوا تلك الفكرة والتعاون معها‪.‬‬

‫عندما دخلت املناطق املحررة يف الشامل كانت‬ ‫الجرائد املطبوعة قد انتعشت من الناحية‬ ‫اإلخراجية واملادية‪ ،‬وبدأت تلك الجرائد تك ِّون‬ ‫جمهوراً جيداً‪ ،‬ولكن ال يعكس الواقع الذي‬ ‫تعيشه مناطق مختلفة يف سورية‪ .‬لقد ضمنت‬ ‫هذه املطبوعات االستمرارية بدعم من مؤسسات‬ ‫أجنبية‪ ،‬لكنها فشلت يف خلق خطاب حقيقي‬ ‫يخرج من الناس وإىل الناس‪ .‬قد يبدو ذلك تصنيفاً‬ ‫عريضاً وغري منصف‪ ،‬ولكن ال ميكننا تنايس حقيقة‬ ‫الدمار الكبري والصدمات النفسية التي يتعرض لها‬ ‫املواطنون يوم ّياً‪ ..‬وحصول رشخ يف املجتمع بني‬ ‫عسكر ومدنيني ومتطرفني‪ .‬وكام كان سبب انتعاش‬ ‫املطبوعات هو الحراك املدين والهوية الوطنية‬ ‫التي ُخلقت آنذاك‪ ،‬فإن سبب نكوصها هو غياب‬ ‫الحراك املدين‪ ،‬وتهدم الهوية والتمرتس وراء الحراك‬ ‫املدين يف ّ‬ ‫ظل غيابه أساساً!‬ ‫إن الثورة خلقت مساحة من التعبري جعلتني‬ ‫بكل تأكيد قادرا عىل تأسيس جريدة‪ ،‬وليس فقط‬ ‫كتابة مقال‪ .‬هذه واحدة من أهم املكتسبات التي‬ ‫حققتها الثورة والتي ال تسقط بالرغم من هول‬ ‫الدمار والدم‪ .‬ولكن انتعاش املطبوعات وفشلها‬ ‫مسألة ال تتعلق بذلك أبداً‪.‬‬


‫مبادرة وقف إطالق النار في الغوطة الشرقية‬ ‫بين اإليجابيات والسلبيات‬

‫‪9‬‬

‫أبو القاسم السوري‬

‫العدد ‪- 60 -‬‬ ‫‪2015 / 12 / 3‬‬

‫اإلعالم سواء املحسوبة عىل الثورة أو النظام‬ ‫لهذه الرواية‪ .‬مضافاً إىل ذلك توفر املواد الغذائية‬ ‫بشكل كبري يف أسواق الغوطة الرشقية‪ ،‬والذي‬ ‫اعترب أكرب دليل عىل وجود مثل هكذا اتفاق‪ ،‬وهو‬ ‫ما رفع من معنويات املواطن العادي بأن حدّة‬ ‫ّ‬ ‫ستخف‪ .‬ويف كل يوم ينتظر هذا املواطن‬ ‫الرصاع‬ ‫أن مي ّر اليوم دون قصف ليفاجأ بأن القصف‬ ‫عىل حاله وأنه ال وجود لجديد غري ما اعتاده‪،‬‬ ‫وهو ما خلق حالة من التخبط العام يف الغوطة‬ ‫ظهرت يف عديد من مظاهر الحياة سواء كانت‬ ‫العسكرية أو االقتصادية أو الخدمية‪ .‬ومر ّد كل‬ ‫ذلك أساسا لغياب أي جهة أو مرجعية سياسية‬ ‫واع سياسياً‪.‬‬ ‫تقارب مثل هكذا طرح عىل نحو ٍ‬ ‫وطبعاً‪ ،‬وكعادتنا عموماً يف الثورة‪ ،‬فنحن ال ننتج‬ ‫أجسامنا التي نحن أص ًال مقتنعون بها وبرضورتها‬ ‫تم العمل عىل‬ ‫إ ّال تحت ضغط الحاجة‪ ،‬ولذلك ّ‬ ‫تشكيل هيئة سياسية للغوطة الرشقية منتخبة‬ ‫من الهيئة العامة للغوطة‪ .‬وإن كانت هذه‬ ‫الخطوة هي خطوة رئيسية يف الطريق السليم‪،‬‬ ‫ولكن يجب أن ال يغيب عن ذهننا أمر مهم‬ ‫جداً هو أن العمل السيايس ال ينحرص فقط يف‬ ‫العمل الدبلومايس واملفاوضات أو اإلجابة عىل‬ ‫املبادرات‪ ،‬بل إنه أعمق وأخطر من ذلك ويتضمن‬ ‫أساساً صناعة الوقائع واألحداث لكسب الرهانات‬ ‫وتحقيق املصالح‪.‬‬ ‫تم نقله عىل أنه مبادرة روسية لوقف‬ ‫إن ما ّ‬ ‫إطالق النار‪ ،‬أثبتت الوقائع عىل األرض أنه مل يكن‬ ‫أكرث من بالون اختبار أوقعنا يف مط ّبات وفخاخ‬ ‫عديدة‪ ،‬وذلك يعود أساساً لعدم وجود الرؤية‬ ‫السياسية الواضحة القادرة عىل مقاربة هذه‬ ‫األمور من زاوية إعالء املصالح ودفع األرضار؛ فقد‬ ‫ال يختلف الكثريون عىل حاجة املواطن العادي‬

‫لتخفيف حدة الرصاع الذي يعيشه‪ ،‬ولكن هل يتم‬ ‫التفاوض عىل وقف إطالق النار للغوطة الرشقية‬ ‫يتم التفاوض مع روسيا وتنايس باقي‬ ‫فقط؟ وهل ّ‬ ‫الدول الداعمة للثورة؟ وإذا ما تم إيقاف النار يف‬ ‫الغوطة الرشقية ألن يستفرد النظام مبناطق أخرى‬ ‫كداريا وغريها؟ هل يوجد أي ضامن بأن النظام‬ ‫لن ينتهك االتفاق؟ ملاذا تطرح املبادرة اآلن عل ًام‬ ‫أن مؤمتر فيينا أوضح أن وقف إطالق النار العام‬ ‫لكل سورية سوف يطرح مع بداية العام؟ ألن‬ ‫يحسب هذا األمر كورقة قوة لروسيا خصوصاً‪،‬‬ ‫وأنها القادرة عىل ّ‬ ‫حل الرصاع يف سورية؟ أليس‬ ‫الظهور مبظهر املوافق سلفاً عىل مثل هذا األمر‬ ‫يعطي رسالة ضعف عن الغوطة عموماً؟!‬ ‫إن ما طرح عن مبادرة وقف إطالق النار يف الغوطة‬ ‫كانت له نتائج سلبية عديدة يجب العمل عىل‬ ‫تالفيها يف املرات القادمة‪ ،‬ولكن كان له أيضاً عدد‬ ‫من اإليجابيات‪ّ ،‬‬ ‫ولعل أهمها تحريك املياه الراكدة‬ ‫يف مستنقع التعنت برفض الحلول السياسية‪ .‬فقد‬ ‫ظهر أن العديد من الجهات والفصائل يحمل‬ ‫مقاربة عقالنية لألمور ميكن البناء عليها وفق رؤية‬ ‫مستقبلية لحلحلة الرصاع يف سورية‪ .‬األمر األخر‬ ‫هو والدة الهيئة السياسية يف الغوطة الرشقية‪،‬‬ ‫ولكن هذه الخطوة يجب أن يرافقها وجود رؤية‬ ‫سياسية واضحة ومبرتكزات سياسية مبنية وفق‬ ‫مرشوع سيايس وطني جامع؛ فيجب علينا أن ندرك‬ ‫جميعاً أن الغوطة الرشقية ليست جزيرة منعزلة‬ ‫عن محيطها‪ ،‬وبأنها جزء أسايس من سورية‪ ،‬وأن‬ ‫الحاجة أصبحت أكرث إلحاحاً لطرح املبادرات‬ ‫التوحدية عىل املستوى السيايس والعسكري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لنستطيع معاً مجابهة االستحقاق السيايس الذي‬ ‫أفرزه مؤمتر فيينا‪ .‬وإال فإن القطار قد يفوتنا كام‬ ‫فاتنا عدة مرات خالل عمر الثورة‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫قد يجمع الكثريون عىل أن مؤمتر فيينا األخري يف‬ ‫‪ 30‬ترشين األول شكل نقلة نوعية يف مسار الثورة‬ ‫عموماً‪ ،‬ويف خطوات البحث عن ّ‬ ‫حل للرصاع يف‬ ‫سورية بشكل سيايس خصوصاً؛ فمؤمتر فيينا‬ ‫ش ّكل أرضية أساسية التقت حولها الدول الفاعلة‬ ‫الرئيسية يف املوضوع السوري‪ ،‬سواء كانت من‬ ‫الدول الداعمة للثورة أو من الدول الداعمة‬ ‫للنظام‪ .‬ومع أن هذه الدول مل تستطع جرس اله ّوة‬ ‫بني خالفاتها بشكل كامل‪ ،‬إال أنه كان واضحاً أن‬ ‫نقاط االلتقاء ‪-‬وإن أتت بالعموم‪ -‬لكنها طرحت‬ ‫تغليب مفهوم الدولة عىل جميع املفاهيم‬ ‫األخرى‪ ،‬وخاصة لجهة اإلبقاء عىل سورية (التي‬ ‫نعرفها) وليس أي سورية أخرى‪ ..‬ولكن مع قبول‬ ‫بتغري طبيعة نظام الحكم‪ ،‬أو بالحد األدىن بشكله‬ ‫أو أشخاصه‪ .‬وعىل ِّ‬ ‫كل ليس هذا إطار ما نسلط‬ ‫تم ذكره يف الفقرة‬ ‫الضوء عليه هنا‪ ،‬بل بالضبط ما ّ‬ ‫ما قبل األخرية واملتضمنة ما ييل‪“ :‬املشاركون يف‬ ‫املؤمتر ومعهم األمم املتحدة سيدرسون ترتيبات‬ ‫وقف إطالق النار بكل أنحاء البالد‪ ،‬يبدأ يف تاريخ‬ ‫محدّد وبالتوازي مع العملية السياسية الجديدة”‪.‬‬ ‫فمن خالل القراءة األولية يظهر للمتابع أن عملية‬ ‫تم حسمها‪ ،‬وأنها مسألة‬ ‫وقف إطالق النار قد ّ‬ ‫متض أيام حتى‬ ‫وقت وإجراءات ليس أكرث‪ .‬ومل ِ‬ ‫بدأت تنترش يف الغوطة الرشقية ‪-‬ولدى بعض‬ ‫الدوائر الضيقة من النخب املعنية بالشأن العام‪-‬‬ ‫تخص‬ ‫أقاويل حول مبادرة لوقف إطالق النار ّ‬ ‫الغوطة الرشقية‪ ،‬وال يخفى عىل أحد ما عانته‬ ‫الغوطة الرشقية من ويالت خالل عمر الثورة‬ ‫تعجز هذه السطور عن ذكرها‪.‬‬ ‫وبعد بضعة أيام بدأت مالمح هذه الخطوة تظهر‬ ‫أكرث وضوحاً‪ ،‬ليتبني ما ييل‪:‬‬ ‫املبادرة هي روسية الطرح‪ ،‬ومل تطرح مبارشة‬ ‫عىل شخصيات من الغوطة‪ ،‬وإمنا عىل سوريني‬ ‫موجودين خارج سورية‪ ،‬وهو عرض غري مكتوب‬ ‫وال رسمي يتضمن نقاطاً رئيسية وهي‪ :‬وقف‬ ‫إطالق النار ملدة خمسة عرش يوماً‪ ،‬وإدخال‬ ‫املواد الغذائية والطبية‪ ،‬وخروج الجرحى للعالج‪.‬‬ ‫طي الكتامن بل انترش‬ ‫وطبعاً هذا العرض مل يبقَ ّ‬ ‫عىل جميع املستويات يف الغوطة الرشقية من‬ ‫القيادات إىل النخب إىل رجل الشارع العادي‪.‬‬ ‫ومام خلق بعداً إضافياً هو تبني بعض وسائل‬


‫وهل ُيجنى من الشوك العنب؟‬ ‫رؤية حول حرية االعتقاد في اإلسالم‬

‫‪10‬‬

‫لعل‬

‫يوسف المنجد‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫مقاالت‬

‫من البداهة القول أن جواز فرض‬ ‫(املعتقد الحق= الدين الحق) بالقوة واإلكراه‪،‬‬ ‫يعني ضمنا االعرتاف بالحق نفسه لكل من يعتقد‬ ‫بامتالك الحقيقة‪ .‬وهنا معضلة كبرية سوف تفيض‬ ‫إىل الفوىض والخراب وسفك الدماء بال ارتواء (كام‬ ‫هو حاصل)‪.‬‬ ‫املعضلة تأيت من أن كل صاحب معتقد‪ -‬وهذا من‬ ‫طبائع األشياء ‪ -‬يرى يف معتقده الحق ويف غريه‬ ‫البطالن الجزيئ أو الكيل‪ ،‬سواء كان رأيه يف معتقده‬ ‫نابعا من قناعة حقيقية أو انتقل إليه وراثة‪.‬‬ ‫وبالتايل فإن بقاء اإلميان بوجوب تعميم هذا الحق‬ ‫ولو بتوسل القوة‪ ،‬يعني القبول باستمرار قتل‬ ‫اإلنسان باسم الله‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن اإلكراه يعني استالب إنسانية‬ ‫اإلنسان املتمثلة يف حريته يف االختيار‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫أنه يتناىف مع طبيعة االعتقاد نفسه‪ ،‬فالفرض‬ ‫بالقوة أمر يعاند القناعة الحرة التي هي السمة‬ ‫األساس ألي معتقد‪ ،‬فالحرية رشط أساس لصحة‬ ‫الدين‪ ،‬ومن دونها ال ميكن أن يبقى دينا‪ ..‬وآية (ال‬ ‫إكراه يف الدين) هي قانون نفيس واجتامعي يتصف‬ ‫بالعمومية واالطراد‪ ،‬فهي ليست نهيا عن اإلكراه‪،‬‬ ‫بقدر ما هي نفي إلمكانية تحقق الدين باإلكراه‪،‬‬ ‫صنو للقناعة‪ ،‬والقناعة هي القاعدة التي‬ ‫فالدين ٌ‬ ‫يتأسس عليها والرتبة التي تنمو فيها بذوره‪.‬‬ ‫فالنفي الوارد يف اآلية‪ ،‬يتضمن ال معقولية اإلكراه‬ ‫وعبثيته وال جدواه‪ .‬وهو أيضا إعالن لوجوب وقف‬ ‫العبث واملتاجرة باسم الله‪ ،‬فهو ال يقبل أن يساق‬ ‫الناس إليه بإرهاب السيف‪ ،‬وإمنا يريدهم أن يأتوه‬ ‫طوعا‪ .‬بل إن من يأتيه كرها ال يأتيه عىل الحقيقة‪،‬‬ ‫فالله تعنيه الضامئر ال املظاهر‪.‬‬ ‫ومن مقتضيات حرية اإلنسان يف االختيار واالعتقاد‬ ‫أن تكون مالزمة له ومستمرة معه‪ ،‬مبعنى أنه ال‬ ‫يفقد حريته مبجرد اعتقاده‪ ،‬وإعالن اإلميان ال يعني‬ ‫التوقيع عىل صك التنازل عن الحرية‪ ،‬فمن طبيعة‬ ‫اإلنسان أن تتبدل قناعاته‪ ،‬لذلك فهو ال يجرب عىل‬ ‫البقاء يف معتقد َف َق َد القناعة به والشعور باالنتامء‬ ‫إليه‪ .‬ومن ثم فكام ال يجوز اإلكراه عىل الدخول‬ ‫يف الدين‪ ،‬كذلك ال يجوز اإلكراه عىل البقاء فيه‪،‬‬ ‫وال عىل االلتزام برشائعه؛ ألن من ميلك املحاسبة‬ ‫وبالتايل املعاقبة عىل ذلك هو الذي فرضها‪ .‬وليس‬

‫من حق أحد مهام عال شأنه أن يسطو عىل سلطة‬ ‫الله يف محاسبة الناس‪ ،‬إال أن تتحول الرشيعة‬ ‫إىل قانون عام يتواضع الناس عىل الخضوع له‬ ‫باختيارهم‪ ،‬وعندها ميكن إكراههم عليه كقانون‬ ‫ُي َن َّفذ‪ ،‬ال كدين ُيلتَزم‪.‬‬ ‫أما حديث (من بدل دينه فاقتلوه) فهو عىل‬ ‫فرض صحته‪ ،‬ينتمي إىل الطبيعة القانونية ال‬ ‫الدينية‪ ،‬أي هو مرسوم سيايس‪ ،‬اقتضته الظروف‬ ‫املحيطة بالدولة الناشئة التي شكل الدين محورها‬ ‫الرئييس‪ ،‬والتي متثلت يف املكائد التي كان ميارسها‬ ‫أعداؤه بهدف متييعه وص ِّد الناس عنه‪ ،‬وبالتايل‬ ‫زعزعة استقرار دولة املسلمني وإضعافها‪ .‬وهي‬ ‫تم توثيقها قرآنيا ‪(:‬وقالت طائفة من أهل‬ ‫حادثة َّ‬ ‫الكتاب آمنوا بالذي أنزل عىل الذين آمنوا وجه‬ ‫النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) أل عمران‬ ‫‪ ،72/‬فكان القرار الذي اتخذته القيادة السياسية‬ ‫ممثلة بالنبي‪ ،‬ليس بهدف إكراه الناس عىل البقاء‬ ‫يف الدين‪ ،‬وإمنا وضع حد للمتالعبني والعابثني‪.‬‬ ‫وهو قرار مؤقت انتهى بانتهاء الظروف التي‬ ‫استوجبته‪ ،‬بعد أن متكنت دولة املسلمني‪ ،‬ومل تعد‬ ‫تلك املامرسات الصبيانية قادرة عىل التأثري فيه‪.‬‬ ‫ناهيك عن أن ذلك القرار كان بهدف الردع وليس‬ ‫التنفيذ العميل‪ ،‬بدليل أن النبي مل يطبقه عىل أحد‪.‬‬ ‫وهذا ال يعني أنه مل تقع حوادث ارتداد‪ ،‬بل إنها‬ ‫وقعت بالفعل‪ ،‬ولكنه مل يالحق املرتدين‪ ،‬انسجاما‬ ‫مع النهج القرآين الذي حرص أمر محاسبتهم بيد‬ ‫الله‪ .‬فالقرآن خلو من أية عقوبة دنيوية ترتتب‬

‫عىل الردة‪ ،‬وهذا دليل عىل كون العقوبة التي‬ ‫جاءت يف الحديث قرار سيايس ال حك ًام دينياً‪.‬‬ ‫إضافة إىل أن املتأمل لآلية التي تحدثت عن الردة‬ ‫وهي‪( :‬ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو‬ ‫كافر‪ ،‬فأولئك حبطت أعاملهم يف الدنيا واآلخرة‬ ‫وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة‬ ‫‪ ،217/‬أقول‪ :‬إن املتأمل لهذه اآلية يف ضوء املبادئ‬ ‫الكلية للقرآن‪ ،‬يدرك أن املقصود باالرتداد ليس‬ ‫املعنى املتبادر‪ ،‬وإمنا هو ما ميكن تسميته خيانة‬ ‫الدين‪ ،‬أي العمل بالضد من مبادئه مع زعم‬ ‫القناعة وااللتزام به‪ ،‬والتمسك بشعائره وأشكاله‬ ‫الظاهرة‪ ،‬أو االنتقال إىل غريه ظاهريا مع وجود‬ ‫القناعة التامة به جريا وراء مكسب دنيوي من‬ ‫مال أو سلطة‪ ،‬فتلك هي الردة الحقيقية‪ ،‬أما‬ ‫من تتغري قناعاته بشكل حقيقي فال نظن أنه‬ ‫يدخل يف خانة املرتدين؛ ألن الدين قناعة‪ ،‬يستمر‬ ‫باستمرارها‪ ،‬ويتالىش بتالشيها‪ .‬وانسجام اإلنسان‬ ‫مع ذاته وقناعاته هو قمة األمانة‪ ،‬وال ميكن إلنسان‬ ‫يخون ذاته وقناعاته أن يكون مخلصا لله ولدينه‪.‬‬ ‫إنه من غري املعقول أن ينهى الله عن اإلكراه يف‬ ‫الدين‪ ،‬وينفي إمكانية تحققه مع اإلكراه‪ ،‬ويقرر‬ ‫ذلك كسنة إلهية إجتامعية‪ ،‬ثم ميارسه هو‪،‬‬ ‫فيعاقب املغريين لدينهم الذين مل تتشكل لديهم‬ ‫القناعة‪ ،‬أو تغريت قناعاتهم‪ ،‬فأولئك طالب حقيقة‪،‬‬ ‫وما داموا جادين يف البحث عنها‪ ،‬فهم يسريون يف‬ ‫الدروب التي تقود إىل الله وترضيه‪ ،‬حتى لو ظهروا‬ ‫لعباده بخالف ذلك‪.‬‬


‫عــن محاربــة التطرف‬ ‫واســتئصال اإلرهــاب‬ ‫‪11‬‬

‫أنور عباس‬

‫وهو مؤسسة تسيطر عىل قرارها خمس دول‬ ‫يضلع معظمها يف انتهاكات متكررة للقانون‬ ‫الدويل وسيادة الدول وحقوق اإلنسان الدولية‪.‬‬ ‫ولعل اسم هذه املؤسسة ييش بطبيعة تظرتها‬ ‫إىل مشاكل العامل بوصفها أمنية بالدرجة األوىل‪..‬‬ ‫وتتمتع بحكم ميثاق األمم املتحدة الذي تنطوي‬ ‫تحته بصالحيات غري محدودة باستخدام القوة‬ ‫العسكرية يف ّ‬ ‫حل مشاكل العامل ويف الوقت الذي‬ ‫ال تتمتع فيه السطات القضائية الدولية بأي‬ ‫صالحيات وتحتاج لتفويض من مجلس األمن‬ ‫للقيام بعملها! وهو أمر يناقض أسس العدالة‪.‬‬ ‫مل يبذل الغرب والعامل أي جهد لفهم التطرف‬ ‫واإلرهاب الذي ينتج عنه كمشكلة اجتامعية‪ ،‬بل‬ ‫لطاملا نظر إليه عىل أنه مشكلة أمنية وحسب‪.‬‬ ‫ومل نر من ينادي يف محافل القرار بسرب جذوره‬ ‫يف سبيل الوصول إىل حل جذري له‪ .‬ليست‬ ‫املسألة عىل هذا النحو من البساطة‪ ،‬وهي تحمل‬ ‫تعقيدات كثرية تجعل من املهمة أمراً صعباً‬ ‫للغاية‪ .‬وألن املشكلة عابرة للمجتمعات‪ ،‬وألن‬ ‫أسبابها كثرية وعميقة‪ ،‬فإن ح ًلها بتطلب حشد‬ ‫موارد ضخمة‪ ،‬وتوفر إجامع شامل حولها‪.‬‬ ‫لن يخمد التطرف ويبدأ باالنحسار والعامل ينظر‬ ‫له عىل أنه تهديد أمني نابع من غلو البعض‬ ‫وحسب‪ ،‬ومتجاه ًال األسباب املوضوعية األخرى‬ ‫التي تؤدي إىل توالده وانتشاره واتساع ساحته‪.‬‬ ‫ولن ّ‬ ‫تحل مشاكل العامل املتفاقمة دون أن يكون‬ ‫هناك نظام للعدالة الدولية ال يخضع لحسابات‬ ‫السياسة واملصالح واالعتبارات األمنية‪ ،‬ومنظومة‬ ‫دولية تنظر إىل مشاكل العامل بوصفها مشاكل‬ ‫ذات جذور تجب معالجتها يف عمقها‪ ،‬بوصفها‬ ‫أموراً قابلة للحل واستبعاد الوصفات التي تدعي‬ ‫استئصالها دون أن تتمكن حتى من خدش‬ ‫سطوحها‪.‬‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫مصدر اللوحة‪ :‬إنرتنت‬

‫مقاالت‬

‫مل متتلك دول الغرب‪ ،‬ومن ورائها العامل‪ ،‬يوماً‬ ‫سياس ًة حقيقي ًة ملحاربة التطرف واستئصاله‪.‬‬ ‫تدخالت مل‬ ‫زمن بعي ٍد عىل‬ ‫ٍ‬ ‫واقترص دورها منذ ٍ‬ ‫تعد عليها وعىل العامل سوى بالنكبات والكوارث‪،‬‬ ‫محققة فش ًال تلو فشل‪ ،‬وممعنة يف إخفاقاتها‬ ‫التي مل يعد باإلمكان حرصها اليوم‪ .‬وحني تقترص‬ ‫أجندات محاربة التطرف عىل حروب ال تثمر إال‬ ‫مزيداً من الحقد والكراهية للغرب “املتغطرس”‬ ‫و”للغزاة” الذي مل يأتوا إال باملوت والخراب‪ ،‬ال‬ ‫ميكن الحديث عن جدوى لهذه األعامل‪ ،‬ألن ال‬ ‫جدوى لها يف املقام األول‪.‬‬ ‫خلفت حروب الغرب عىل اإلرهاب يف العراق‬ ‫وقبلها يف أفغانستان واليمني واليوم يف سوريا‬ ‫مبجتمعات كامل ٍة‬ ‫والعراق ماليني الالجئني‪ ،‬وعادت‬ ‫ٍ‬ ‫إىل عصور الظالم من حيث التعليم والخدمات‬ ‫الصحية وبنية املجتمع وعالقاته مع السلطة فيه‪،‬‬ ‫حساً‬ ‫وألهبت لدى أعدا ٍد ال تنتهي من الشباب ّ‬ ‫عالياً بالظلم‪ ،‬و ّمنت لديهم كرهاً عميقاً لهذه‬ ‫القوى التي تستبيح “أوطانهم ودينهم”‪ ،‬وتقتل‬ ‫بحجة مساعدتهم عىل التخلص من‬ ‫بني جلدتهم ّ‬ ‫اإلرهاب والتطرف الذي أىت به‪.‬‬ ‫والعتامد الغرب عىل أنظمة دكتاتورية ال تقلّ‬ ‫ظالمية عن التطرف الذي يدّعي محاربته‬ ‫الدور األكرب يف دفع املزيد من هؤالء الشباب‬ ‫إىل أحضان التطرف‪ .‬وحني نعرف أن جزءاً كبرياً‬ ‫منهم مل يعرف التدين مبعناه التقليدي‪ ،‬كاملواظبة‬ ‫عىل الصالة والصيام واالمتناع عن رشب الخمر‪،‬‬ ‫ندرك عمق املشكلة وخطأ تشخيصها‪ ،‬وأن هذه‬ ‫الحروب أعطت ملن ال يجدون ألنفسهم مكانا يف‬ ‫مجتمعاتهم‪ ،‬وخاصة الشباب املسلم الذي يعيش‬ ‫يف الغرب بحكم مولده‪ ،‬املربر الكايف لالرمتاء‬ ‫يف أحضان اإلرهاب‪ .‬وحني نعرف أن الكثري من‬ ‫الحكومات التي تحارب هذا اإلرهاب غ ّذته أو‬ ‫استفادت منه أو قدمت له التسهيالت لتحقيق‬ ‫أهداف سياسة يف مرحلة ما‪ ،‬ندرك أن املشكلة‬ ‫أعقد بكثري مام تبدو عليه‪.‬‬ ‫تأرجحت أسباب الحروب عىل اإلرهاب بني‬ ‫دوافع االنتقام والرتهيب‪ ،‬واستعراض العضالت‪،‬‬ ‫واألطامع االقتصادية‪ ..‬ومل تخجل فرنسا مؤخراً من‬ ‫التلميح إلمكانية التحالف مع طاغية قتل ربع‬ ‫مليون من شعبه و ّ‬ ‫رشد أكرث من ثلثيه‪.‬‬ ‫تكمن املشكلة يف أمور عديدة ال يستطيع هذا‬ ‫املقال حرصها أو رشحها‪ ،‬وسيكتفي بذكر بعضها‪.‬‬

‫إن محاربة التطرف الذي‬ ‫يعصف بشباب املسلمني‬ ‫السنة‪ ،‬ال ميكن أن يكون عىل‬ ‫يد من يرون فيه عدوهم‬ ‫األول كإيران‪ ،‬أو حكومة‬ ‫املاليك أو نظام األسد‪ ،‬وال‬ ‫ميكن أن يكون بالتأكيد عىل‬ ‫يد الدول التي تدعم هذه‬ ‫األنظمة مام يرتكنا مع خيار‬ ‫وحيد؛ وهو أن تتم محاربته‬ ‫عىل يد ضحاياه‪ .‬وهذا يتطلب اسرتاتيجيات‬ ‫كاملة لبلورة آليات هذا الدعم‪ .‬ونعرف جميعا‬ ‫أن العودة القوية ملتطريف القاعدة يف هيئة الدولة‬ ‫اإلسالمية يف العراق والشام هو نتيجة لهذه‬ ‫السياسات‪.‬‬ ‫واألمر الثاين أن محاربة اإلرهاب تقتيض النظر‬ ‫عميقا يف جذوره‪ ،‬ووضع الحلول للمشاكل‬ ‫واملعضالت العميقة التي تكمن وراءه‪ .‬إن اإلقرار‬ ‫بأن قس ًام كبرياً ممن يقعون فريسة التطرف‬ ‫ويسقطون يف ّ‬ ‫فخ اإلرهاب هم يف الحقيقة ضحايا‬ ‫لتعقيدات املسألة يف مجتمعاتهم وعىل الساحة‬ ‫الدولية سواء‪ ،‬والتي ذكرنا جزءاً منها يف مقدمة‬ ‫املقال‪ .‬وال يعني هذا مسامحتهم متاماً عىل‬ ‫الجرائم التي يقرتفونها‪ ،‬لكنه يعني أنهم جز ٌء من‬ ‫ّ‬ ‫الحل بقدر ماهم جزء من املشكلة‪.‬‬ ‫ال يرى الغرب وال األنظمة القمعية التي يدعمها‬ ‫ويتحالف معها ملحاربة اإلرهاب والتطرف وال‬ ‫املنظومة الدولية التي يوظفها الكبار يف ألعاب‬ ‫املصالح تلك يف هؤالء سوى قتلة ومجرمني‪،‬‬ ‫واليرى فيهم أو يف بعضهم الرشيك الذي ميكن‬ ‫العمل معه ملساعدته عىل تجاوز محنته وتوظيفه‬ ‫للوصول إىل السواد الباقي من هؤالء‪ .‬ويف حني‬ ‫تكمن دوافع سياسية شبه بحتة وراء الحروب‬ ‫عىل اإلرهاب‪ ،‬ال يبدو أن الساسة يوظفون أياً‬ ‫من أدوات السياسة ملعالجة هذه املسألة عىل‬ ‫نحو يطال جذورها؛ فطبيعة األنظمة السياسة‬ ‫الغربية تقيض بأن من يف السلطة اليوم سيغادر‬ ‫غداً‪ ،‬وهم ‪-‬والحالة هذه‪ -‬ال يكرتثون كثرياً للتفكري‬ ‫بحلول اسرتاتيجية ملشاكل العامل‪ ،‬وليس اإلرهاب‬ ‫والتطرف وحسب‪ ،‬بل ينسحب األمر عىل أمو ٍر‬ ‫أخرى كالتغيري املناخي والفقر والصحة والتعليم!‬ ‫غالباً ما ُتجرتح الحلول التي تتصدى للتطرف‬ ‫واإلرهاب الذي يولده يف مجلس األمن الدويل‪،‬‬


‫قــراءة نقدية في الشــعر العربي‬ ‫المعاصر وثورته‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫سالف ع ّلوش‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫أهم ما ميز الشعر العريب يف النصف الثاين من‬ ‫القرن العرشين كان ثورة الشكل الجديد التي‬ ‫تركت لنا أسامء ومفاهيم أرست يف وعينا تساؤالت‬ ‫عريضة‪ ،‬فهل أنجز هذا الشعر مهمته التاريخية‬ ‫يف تغيري شكل الخطاب الثقايف‪ ،‬ويف تطوير أدوات‬ ‫متخارجا عن الرضورة‬ ‫التلقي والوعي؟ أم أنه بقي‬ ‫ً‬ ‫واحتفظ بنفسه كحالة تسجيلية منفعلة ال فاعلة؟‬

‫إىل أي مدى اشتغل وأثر يف أشكال الخطاب؟‬

‫ال نستطيع أن نظلم هذه التجربة ونقصيها عن‬ ‫دائرة الفعل متكئني عىل إحداثيات الواقع وما آلت‬ ‫إليه حالتنا الثقافية وواقعنا االجتامعي واالقتصادي‬ ‫والسيايس‪ ،‬وال ميكن أن نح ّمل الشعر مسؤولية‬ ‫النهوض بالتاريخ وتحقيق التقدم والتغيري‪ ،‬فإن‬ ‫النهوض حالة جدلية بني اإلنسان والتاريخ تشتغل‬ ‫فيها كل الفاعليات البرشية لتتخلق عن أشكال‬ ‫وإبداعات وتنظيامت تتآلف مع اتساعها الروحي‪.‬‬ ‫لقد حاول الشعر منفردًا أن يكون حصان طروادة‬ ‫العرص‪ ،‬وشاء الخطاب السيايس والحدث أن يركب‬ ‫هذا الحصان يف العديد من املراحل مام أوصله‬ ‫(الحصان) إىل إجهاد وتعب دام سنوات‪ .‬والحظنا‬ ‫أن شعرنا الجديد قد وقع منذ بدايته حتى منتصف‬ ‫السبعينيات تحت سطوة الحلم السيايس‪ ،‬فاشتغل‬ ‫عىل املقوالت السياسية‪ ،‬وملع بعضها‪ ،‬وروج البعض‬ ‫اآلخر‪ ،‬ونيس أحد مهامه املفصلية كحالة استرشافية‬ ‫تستطيع أن تقرأ من التفاصيل مالمح الكل القادم‪،‬‬ ‫ونيس دوره يف التأسيس لحالة الرؤيا الالغائية‪،‬‬ ‫وبأنه أحد أرقى أشكال تجليات الوعي والروح‪،‬‬ ‫وبأنه أيقونة إنسانية ٌ‬ ‫وكون ال تحده األيديولوجية‪،‬‬ ‫إال أن بعض القامات الشعرية وعت هذا املأزق‬ ‫فخرجت منه واشتغلت عىل إعادة إنتاج تجربتها‬ ‫بحساسية شديدة وثقافة ووعي عاليني لترتك يف‬ ‫املشهد الثقايف صدى مختل ًفا وعالمات فارقة‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫من الريف إىل املدينة‬

‫فمن مفهوم التأسيس إىل التأصيل إىل التنوير‬ ‫وانفتاح الذات عاش شعرنا الجديد مغامرة يحدها‬ ‫الفشل من جهة والتاريخ من جهة أخرى‪ ،‬وأكرث ما‬ ‫ميز هذه املوجة الجديدة هو تدافعها من الريف‬ ‫إىل منابر املدينة حاملة معها هذه الدهشة العالية‬ ‫وهذا الكم االغرتايب‪ ،‬وألن معظم الشعراء الذين‬ ‫اشتغلوا عىل الجديد قادمون من أريافهم النائية‬

‫عملهم من أجل شعر جديد‪“ :‬املوسيقا‪ -‬الصورة‬ ‫الشعرية‪ -‬الرمز‪ -‬األسطورة‪ -‬الغموض”‬ ‫إن هذه العنارص الخمس من أهم أركان الشعر‬ ‫الجديد التي استند عليها وحاول اإلخالص لها‬ ‫يف بدايته‪ ،‬ثم تجاوزتها تجارب البعض لصالح‬ ‫خصوصية أكرث ومفاهيم شعرية أكرث جدة‬ ‫ومعارصة‪ ،‬وهر ًبا من أن تتحول هذه العنارص إىل‬ ‫قيد يربك النص بعد أن فلت من شكله الكالسييك‪.‬‬

‫باتجاه املدينة الناشئة والوليدة التي تتقاسمها‬ ‫آنذاك التيارات السياسية واملشارب األيديولوجية‬ ‫املختلفة‪ ،‬وقعوا يف ساحة الشعار السيايس‪ ،‬وكانوا‬ ‫خامة لينة لالستقطاب‪ ،‬فمعظمهم انخرط يف‬ ‫العمل السيايس واستقال منه بعد هزمية وزمن‪.‬‬ ‫وكانت تلك املرحلة من أهم املعوقات التي أخرت‬ ‫الشعر الجديد عن اشتغاله عىل مرشوعه ليصل‬ ‫يف نهايات القرن إىل ما كان يجب أن يصله يف‬ ‫بداية مرشوعه‪ ،‬وهنا ال نطالب الشعر بأن يكون “قصيدة” النرث‬ ‫مسلوخا عن الواقع ومنفص ًال عنه بل نطالبه بأن ويف هاجس البحث عن األكرث حرية واألكرث تطو ًرا‬ ‫ً‬ ‫نقلت رياح الغرب مرة أخرى ما سمي بقصيدة‬ ‫يكون عضو ًيا فيه‪.‬‬ ‫النرث‪ ،‬فبعد ترجمة كتاب سوزان برنار إىل العربية‬ ‫نصوصا نرثية مازال الخالف‬ ‫شهدت الساحة األدبية‬ ‫ً‬ ‫االشتغال الفني‬ ‫ونستطيع أن نشاهد عىل صعيد الشغل الفني عىل تسميتها قامئًا فمنهم من ينسبها إىل الشعر‬ ‫تبلو ًرا ً‬ ‫مهم يف التجربة‪ ،‬فلقد تخلص الشعر خالل باعتبارها قصيدة تحمل أغلب عنارصها وترتك‬ ‫الخمسني سنة املاضية من املؤثرات الغربية وخرج املوسيقا جان ًبا‪ ،‬ومنهم من يرص عىل أن ال عالقة‬ ‫ً‬ ‫أقانيم خاصة به لها بالشعر ‪-‬وهذا هو األرجح‪ -‬وأنها شكل من‬ ‫من دائرة االستنساخ‪ ،‬لريسم‬ ‫وحوامل تخصه بالذات‪ ،‬فمن األسطورة اإلغريقية أشكال العجز الشعري‪ ،‬وميكن أن تكون ن ًرثا جمي ًال‪،‬‬ ‫إىل األسطورة الرشقية إىل أسطرة الواقع‪ ،‬ومن ومازالت هذه الظاهرة التي انترشت مل تقونن‬ ‫الغموض املبهم إىل الغموض الداليل الشفاف‪ ،‬بعد ومل يشتغل بها املبضع النقدي بشكل جاد‪،‬‬ ‫ومن لغة مربكة تبحث عن جديدها يف الرتادف ومازال الخالف حولها قامئًا‪ ،‬وال أعفي نفيس من‬ ‫والبناء العالئقي إىل لغة انسيابية خطت ردائفها هذا الخالف‪ ،‬فهي األقرب باالنتامء إىل النرث وميكن‬ ‫تسميتها بأي اسم ينتمي إىل النرث إال أنها ال ميكن‬ ‫عرب التجربة‪.‬‬ ‫وهكذا أسس الشعر الجديد لخطواته األكرث وثو ًقا أن تنتمي إىل الشعر ألنه منذ أن كان الشعر وهو‬ ‫وترك لألجيال الشعرية الشابة مها ًما ال نعرف إن الكالم املوزون املقفى‪ ،‬وال ميكن الخروج عن الوزن‬ ‫إال يف باب النرث‪ ،‬فلامذا نحملها ‪-‬هذه الظاهرة‪-‬‬ ‫كان زمننا الثقايف يسمح بإكاملها‪.‬‬ ‫ضمن هذه املوجة التي شغلت معظم الساحات أكرث مام تحتمل ونرص عىل إيرادها يف باب الشعر‬ ‫بقي املنرب الكالسييك موجودًا يطرح ذاته كهوية ال الذي ال يحتمل تلك التهوميات التي تنسب إليه‪.‬‬ ‫بديل عنها وكحالة غري ممكنة التجاوز فسطع نجم وهذا ال يعني أن كل ما كتب يف النرث ليس أد ًبا‪،‬‬ ‫بعض شعرائه‪ ،‬وأفل بعضهم اآلخر‪ ،‬ومنهم َمن قبل ولكننا نقول إنه ليس شع ًرا وحسب‪ ،‬فمن يستطيع‬ ‫الجديد ومتسك بنظام البيت‪ ،‬ومنهم َمن هجر أن ينكر قاسم حداد مث ًال الذي أصبح قامة مهمة‬ ‫البيت يف أواخر عمره ليدخل يف بوتقة الجديد‪ .‬يف الوطن العريب؟ إذن؛ فخالفنا هو عىل االسم‬ ‫أما القسم اآلخر فقد آثر أن يقف موقف الضد وليس عىل النوع‪ ،‬فقد عمل حداد عىل إبداعية‬ ‫الخائف ليفند ويهاجم ويتهم‪ ،‬وبكافة األحوال املفردة وعىل إنجاب مفردات جديدة تخدم‬ ‫كانت تلك الظاهرة صحية من باب التنوع والتلون التجربة األدبية مبا يعطيها آفا ًقا أكرث سعة واتسا ًقا‬ ‫والحراك‪ ،‬وهذا الرصاع دفع باالثنني م ًعا إىل جدية مع الغرض األديب‪ ،‬كام أنه عمل عىل معالجة‬ ‫مواضيع غاية يف األهمية من خالل نصوصه وخرج‬ ‫أعىل يف إثبات الذات‪.‬‬ ‫عىل الخطاب األديب العريب الذي ينىس التفاصيل‬ ‫والجزئيات ويعمل عىل الكليات والقضايا الكربى‬ ‫أركان الشعر الخمسة‬ ‫ولو حاولنا فهرسة الشعر الجديد من خالل فقط‪.‬‬ ‫التجارب املشتغلة عليه لوصلنا إىل سامت محددة إذن فالخالف فقط حول التسمية التي ميكن أن‬ ‫عىل صعيد الشكل الفني اشرتك فيها الجميع يف نجد لها بدي ًال‪ ،‬وهذا ما أظنه أهم عمل للنقد اآليت‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬

‫نشاطات لمبدعين سوريين‬ ‫‪13‬‬

‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬ ‫ريم يسوف يف ‪ 24‬ساعة من الفن‬

‫خالد خليفة‪ :‬املوت عمل شاق‬

‫العساف يقرأ يف أملانيا‬ ‫عساف ّ‬ ‫ّ‬

‫العمل ضمن مجتمع إنساين‬

‫ضمن النشاط الذي أعدّه واستضافه مركز “‪Haus‬‬

‫األمل السوري ال يحتاج إىل ترجمة‬

‫شارك الشاعر والناقد السوري محمد املطرود‬ ‫يف مهرجان أيام كولونيا الثقافية يف أملانيا‪ ،‬وقرأ‬ ‫نصوصا عن سوريا وأملها وشاركته قراءة نصوصه‬ ‫ً‬ ‫باألملانية الصحافية واألديبة األملانية الريسا‬ ‫بيندر‪ ،‬وناقش بعد القراءة تفاصيل األمل السوري‬

‫مكتبة يف كل مدرسة‬

‫أعلنت مكتبة صفحات “أول مكتبه عربية‬ ‫يف اسطنبول” عن إطالق حملتها “مكتبة يف‬ ‫كل مدرسة” وتهدف الحملة إىل تزويد كافة‬ ‫املدارس السورية بكتب متنوعة إلنشاء مكتبة‬ ‫يف كل مدرسة ملختلف الفئات العمرية وباللغات‬ ‫“العربية‪ ،‬الرتكية‪ ،‬واإلنكليزية” وبدأت الحملة‬ ‫بتزويد املدارس السورية يف اسطنبول مبائة كتاب‬ ‫باللغتني العربية والرتكية أما الكتب اإلنكليزية‬ ‫فستكون الخطوة القادمة كذلك االنتقال لتزويد‬ ‫جميع املدارس السورية يف كل تركيا بالكتب‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫بعد أن جمعت منشوراته عىل مواقع التواصل‬ ‫االجتامعي والتي حملت عنوان “الفيزا اللذيذة”‬ ‫أصبحت الفيزا حقيقة وحصل طبيب األسنان‬ ‫والكاتب السوري عساف العساف عىل الفيزا‪،‬‬ ‫ووصل إىل أملانيا بعد أن ترجمت منشوراته‬ ‫لتكون كتا ًبا باللغة األملانية‪ ،‬ويقيم العساف‬ ‫اليوم مجموعة قراءات بدأت يف أملانيا وهولندا‪،‬‬ ‫وتجاوزت السبع قراءات يف أقل من شهرين وسط‬ ‫إعجاب األملانيني‪ .‬يص ّور الكتاب السف َري األملاين يف‬ ‫بريوت عىل أنه شخصية سورية‪ ،‬ويسعى الكاتب‬ ‫يف كل نص قصري أن يحاول إقناع السفري –أبو‬ ‫يورغن كام ّ‬ ‫سمه عساف‪ -‬مبنحه الفيزا ولو كان‬ ‫سريكب الطائرة “عالواقف”‪.‬‬

‫‪2015 / 12 / 3‬‬

‫أعلن الروايئ السوري خالد خليفة عن صدور‬ ‫روايته الجديدة “املوت عمل شاق” مع أول أيام‬ ‫معرض بريوت الدويل للكتاب‪ ،‬عن نارشين اثنني‪،‬‬ ‫دار العني يف القاهرة‪ ،‬ودار هاتشيت أنطوان يف‬ ‫بريوت‪ ،‬وحمل غالف الرواية توقيع الفنان بسام‬ ‫ص ّباغ ونقتبس مام ُكتب عىل الغالف الخلفي‪:‬‬ ‫“هذه ليست رحلة لدفن جثامن أب‪ ،‬بل هي‬ ‫رحلة الكتشاف الذات‪ ،‬وكم أن املوت عمل شاق‪،‬‬ ‫إنها رواية عن قوة الحياة لكن املوت هنا ذريعة‬ ‫ليس أكرث”‪.‬‬

‫لعبة ترانزيت يف باريس‬

‫أعلن املمثل السوري جالل الطويل عن عرض‬ ‫فيلم “لعبة ترانزيت” الذي شارك فيه ممثال‬ ‫بدور “محمد من سوريا” وقال إن الفيلم حصل‬ ‫عىل ‪ 6‬جوائز عاملية إىل اآلن وشارك بالعديد من‬ ‫املهرجانات العاملية والعربية‪ ،‬مدة الفيلم ‪18‬‬ ‫دقيقة‪ ،‬وسيتبع الفيلم ندوة حوارية عن تجربته‬ ‫يف الهجرة من سوريا إىل لبنان‪ ،‬مرص‪ ،‬تركيا‪ ،‬ثم‬ ‫األردن وأخريا إىل فرنسا‪ ،‬يذكر أن الفنان جالل‬ ‫الطويل قد غادر سوريا بعد اعتقاله وإجباره عىل‬ ‫الظهور عىل التلفزيون الرسمي لإلدالء باعرتافاته‬ ‫كإرهايب!‬

‫العدد ‪- 60 -‬‬

‫تشارك الفنانة التشكيلية السورية ريم يسوف‬ ‫يف معرض مشرتك ملجموعة من الفنانني من كل‬ ‫أنحاء العامل تحت عنوان “‪ 24‬ساعة من الفن”‪،‬‬ ‫ويقام هذا املعرض ليوم واحد كمبادرة من فنانني‬ ‫فرنسيني‪ ،‬ويشارك كل فنان بطريقته وبأسلوبه‬ ‫دون رشوط تتعلق باملوضوع أو النوع‪ ،‬يذكر أن‬ ‫يسوف هي العربية الوحيدة املشاركة يف هذا‬ ‫ّ‬ ‫املعرض‪.‬‬

‫‪ ”der Kulturen der Welt‬الثقايف يف العاصمة‬ ‫األملانية برلني‪ ،‬شارك الفنان التشكييل السوري‬ ‫عالء حاممة مع الكاتبة الفلسطينية أدانيا شبيل‬ ‫والباحثة األملانية مانويال بويادييف يف ندوة‬ ‫حوارية تحت عنوان “العمل ضمن مجتمع إنساين‬ ‫– أشكال الحوار”‪ .‬قدم حاممة –الواصل مؤخ ًرا‬ ‫من سوريا‪ -‬أعامله الفنية وتجربته‪ ،‬ومرشوعه‬ ‫األخري “طاوالت حوار”‪ .‬أدار الجلسة الربوفيسور‬ ‫بريند شريير مدير املركز‪.‬‬

‫وما يجري هناك‪ ،‬وذكر املطرود‪“ :‬األمل السوري ال‬ ‫يحتاج إىل ترجمة” هكذا ع ّلقت الصحافة األملانية‬ ‫عىل أمسيتي يف متحف كولونيا‪ ،‬وأضافت ّ‬ ‫منظمة‬ ‫النص موج ًعا” ور ّد املطرود‪“ :‬يبدو‬ ‫األميبة “كان ّ‬ ‫أن أصواتنا وأعيننا صارت تقرأ كاملوسيقا!”‪.‬‬


‫ّ‬ ‫مهند عمر في زنزانته‬ ‫إلى‬

‫‪14‬‬ ‫رامي العاشق‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫ُ‬ ‫حيث أنت‪ُ ،‬‬ ‫تعرف الزنزان ُة أ ّنها أصغر منك‪ ،‬وأضعف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫منك‪ ،‬وتعرف الزنزانة أ ّنك نظيف لدرج ٍة ال تدركها‬ ‫نظيف لدرجة َ‬ ‫ٌ‬ ‫هذه األماكن‪،‬‬ ‫أنك أنقى من أوطانٍ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قذرة –بإرادتها أو رغم عنها‪ -‬وتعرف األوطان ذلك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتحزن لتغييبك‪ ،‬وحد ُه الن ُنت من يكره وج َه املاء الذي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الوحش‬ ‫هو وجهك‪ ،‬حيث أنت؛ يدرك الطغاة خط َر‬ ‫ِ‬ ‫الذي ال يفرتس ً‬ ‫ُ‬ ‫يرصخ ّيك‬ ‫لحم‪ ،‬وال يأكل جيف ًة‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬ ‫وحيث أنت؛ تعرفُ‬ ‫الخوف وميط َر ثورة‪،‬‬ ‫ساموات‬ ‫يه ّز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الثورة أنها تيتّمت!‬ ‫ّارين ُت ُ‬ ‫يا َ‬ ‫املوت لتيض َء حيا ًة‪،‬‬ ‫شعل جبه َة ِ‬ ‫حامل ّ‬ ‫هم الن ِ‬ ‫يا َ‬ ‫صوت جنوين وجنون الناج َ‬ ‫املوت‪ ،‬ويا مرآ َيت‬ ‫ني من ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بحة النّائح ِة‪ ،‬ودمعة املهلهل ِة‪،‬‬ ‫األوىل‪ ،‬ورهبة ثائ ٍر‪ ،‬يا ّ‬ ‫َ‬ ‫طفليك‪ ،‬وغربة شقيقك! ماذا ستعرف عن‬ ‫وضحكة‬ ‫عليك نبأُ‬ ‫أقص َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫منتظ ٍر مل ي َرك إل م ّرة وحيدة؟ وكيف ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وكيف أخ ّبئ وجهي‬ ‫وأنجبتك!‬ ‫أ ّمنا التي مل تنج ْبني‬ ‫خج ًال من خ َر ٍس يصيبني حني ترسل يل “مرحبا يا‬ ‫خالتي”! ماذا ُ‬ ‫تعرف يف زنزانتك عن خويف ك ّلام ُ‬ ‫ملحت‬ ‫ّ‬ ‫صورتك أن أقرأ خ ًربا سيئًا كل يق ٌني أنه لن يصيبك!‬ ‫تخرج وال تراين ُ‬ ‫وماذا سأقول لك ح َ‬ ‫قمت بواجبي‬ ‫ني‬ ‫ُ‬ ‫كام يليق؟‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الحقيقي‪ ،‬الزنازين هي‬ ‫بالدنا‬ ‫ه‬ ‫وج‬ ‫تعرف‬ ‫أنت؛‬ ‫حيث‬ ‫ّ‬

‫مكياج رخيص برائحة‬ ‫وجه بالدنا‪ ،‬واملراكز الثقاف ّية‬ ‫ٌ‬ ‫عفن ٍة اعتدناها حتّى ظنناها طبيعية! الزنازين يا أخي‬ ‫تعديالت برص ّية‬ ‫هي الصورة الحقيق ّية لبالدنا دون‬ ‫ٍ‬ ‫ملسات فنّية لفنانني متواطئني مع العار‪ ،‬الزنازين‬ ‫أو‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫السجانني‪ ،‬وصور القاتل‪،‬‬ ‫وأصوات املح ّققني‪ ،‬ورفسات ّ‬ ‫وروائح املوت‪ ،‬والحرش ُ‬ ‫ات الهاربة من مخ ّلفات س ّكان‬ ‫املدينة العليا‪ ،‬كل هؤالء يش ّكلون الح ّلة املتكاملة ملا‬ ‫يعرف بالوطن‪ ،‬الزنازين يا أخي‪ ،‬أصبحت تعرفك أكرث‬ ‫مام أعرفك! انظر كم أصبحت متأصل ًة هناك!‬ ‫منذ أن التقينا عىل فنجان قهوة يف دمشق‪ ،‬ورفضت‬ ‫أهرب من‬ ‫أن تأيت لزيارة س ّيدة ال تطيق حديثتها‪ ،‬وأنا ُ‬ ‫مت املقهى عيل‪ّ،‬‬ ‫ذاكرة اليوم الذي سبق غيابك! وح ّر ُ‬ ‫وبعدها‪ ،‬ح ّر ُ‬ ‫مت دمشقَ ‪ ..‬دمشق البعيدة عنّي اآلن‪،‬‬ ‫وعنك ً‬ ‫أيضا‪ ،‬فدمشقُ العامرة فوق األقبية املظلمة‬ ‫أبعد كث ًريا من فلسطني التي قطعت األسالك الشائكة‬ ‫لتتس ّلل إليها‪ ،‬أبعدُ كث ًريا عن صوتك وأنت تدندن “يا‬ ‫عتم الزنزانة” ومت ّد لسان الحياة يف وجه ح ّراس الخوف‬ ‫يهم كث ًريا كيف‬ ‫لتزعزع قلوبهم‪ ،‬ودمشقُ فوقك‪ ،‬قد ال ّ‬ ‫املهم أنها‪ ،‬كانت أصغر من أن تتسع‬ ‫أصبح شكلها‪ّ ،‬‬ ‫لجناحيك!‬ ‫ماذا أقول لك عن املخيم يا مهنّد؟ هل يكفي أن أقول‬ ‫لك‪ :‬مل يبق منه يشء؟ ومل يبقَ فيه أحد؟ ومل يعد هناك‬ ‫ما كنّا نس ّميه مخ ّي ًم ونس ّمي أنفسنا أبنا َءه! هل يكفي‬ ‫أن تعرف –وأنت تقرتب من عامك الرابع يف الزنزانة‪-‬‬ ‫أن املخ ّيم كان زنزانة كبرية رمبا ببشاعة زنزانتك‬

‫تفوت الحافلة‬ ‫أرملة دمشق ّ‬

‫ثقافة‬

‫ٌ‬ ‫متدافعة بانتظا ِر باص النّقل الدّاخ ّ‬ ‫يل‬ ‫الحشو ُد‬ ‫ُ‬ ‫رب مكانٍ ُيش ِب ُه دمشقَ القدمية‪ ،‬لكنّني أراه‬ ‫ُق َ‬ ‫بتدريب عا ٍّم عىل‬ ‫للم ّرة األوىل‪ ،‬يف مشه ٍد أشب ُه‬ ‫ٍ‬ ‫تقاطيع دمشقَ القدمي ِة‬ ‫يوم القيامة‪ .‬للمكانِ‬ ‫ُ‬ ‫نفسها‪ّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫الط ُ‬ ‫رق الحجر ّية‪ ،‬واملحال التي تحاول أن‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫تظه َر منتظمة للعيانِ ولكنَّ شيئًا يف عشوائ ّيتها‬ ‫واقعي أكرث من االنتظام‪ْ ،‬مل أعُ د أذك ُر‬ ‫ذو جاملٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫إن كانت مغاليقُ هذه ّ‬ ‫املحل ِت مصبوغ ًة با ْل َع َل ِم‬ ‫أ ْم ال‪ُ .‬ل ٌ‬ ‫باب من‬ ‫عط ٌنة‬ ‫هاث‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وروائح ِ‬ ‫وضجيج ُس ٍ‬ ‫َ‬ ‫تفهم من ُه كلم ًة واحد ًة‬ ‫ّوع ا ّلذي ال‬ ‫ُ‬ ‫ذلك الن ِ‬ ‫باب َ‬ ‫دون أن تف ّك َر م ّرتني‪.‬‬ ‫ولكن َّك توقنُ أ ّن ُه ُس ٌ‬ ‫لس ُت متأ ّكدًا كم‬ ‫ال أذك ُر ملاذا أنا هنا اآلن‪ْ ،‬‬ ‫الساع ُة وال ما ُ‬ ‫يوم يف غاي ِة‬ ‫تاريخ هذا اليوم‪ ،‬لكنّه ٌ‬ ‫ّ‬ ‫الصيف ّية دون أدىن ّ‬ ‫شك؛ الج ُّو العام يف الحرك ِة‬ ‫ّ‬ ‫ساعات ّ‬ ‫الظهرية‪ ،‬لكنّ َ‬ ‫لون‬ ‫نهاريٌّ ‪ ،‬بل أشبه بأثقلِ‬ ‫ِ‬

‫مات فيه كثريون تعرفهم ج ّيدًا من الجوع! مل تسمع‬ ‫املتفجرة فهي أمر طرأ بعد غيابك‪ ،‬ومل تسمع‬ ‫بالرباميل‬ ‫ّ‬ ‫بالدولة اإلسالم ّية‪ ،‬كيف أرشح لك عن يشء ال ميكن‬ ‫أن تتخ ّيله؟ وماذا أقول لك عن املخربين الذين س ّلموا‬ ‫أصدقاءنا لألمن من عىل املعرب‪ ،‬وكيف أرشح لك ماذا‬ ‫يعني املعرب! املعرب يا أخي‪ ،‬هو حاجز اسمنتي برشيّ‬ ‫أغلق املخ ّيم وقطعه عن العامل بعد أن فتح املخيم‬ ‫بابه للجميع‪ ،‬املعرب هو ربط ُة خبز وضعها فلسطينيون‬ ‫وسوريون مثلنا ملحارصين جائعني فلسطينيني وسوريني‬ ‫مثلنا‪ ،‬وقنصوا كل من يقرتب منها‪ ،‬املعرب‪ّ ...‬ربا ال تريد‬ ‫أن تعرف كل هذا‪ ،‬وهذا أفضل‪ّ ،‬ربا يجب أن تعرف‬ ‫فقط ‪ ..‬أننا ننتظر عودتك قري ًبا‪.‬‬

‫عالء عودة‬

‫السامء ا ّلذي بدأ إظالم ُه يؤ ّكدُ أ ّننا يف الدّقائق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قديم غريب‬ ‫األوىل بع َد غروب الشمس‪ .‬مي ُّر ٌ‬ ‫باص ٌ‬ ‫ّ‬ ‫–أقرب إىل الـ”هوب هوب” من ُه إىل‬ ‫الشكل‬ ‫ُ‬ ‫الباص‪ -‬ولكنّني ال أع ُري األم َر اهتام ًما أك َرب من‬ ‫حافالت جديد ًة‬ ‫حجم ِه؛ كوننا اعتدنا أن نرى‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫املهم‬ ‫يوم‬ ‫تعمل يف غري خطوطها املعتادة‪ّ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن نصل إىل أماكننا‪ ،‬غ َري أ ّنني ُ‬ ‫لست متأ ّكدًا من‬ ‫وجهتي اليوم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الباص من البعيد‪،‬‬ ‫الح فيها‬ ‫ُ‬ ‫يف ال ّلحظ ِة التي َ‬ ‫تزاحمت ال ّرؤوس والجذوع واألذرع واألرجل‪،‬‬ ‫كأ ّنها ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫ولست واث ًقا من ّأن‬ ‫كل عىل حدة‪،‬‬ ‫العدد اإلجام ّيل لألذرع أو األرجل سيكون‬ ‫رغم ّ‬ ‫الضج ِة العارمة‬ ‫قاب ًال للتّقسيم عىل اثنني‪َ .‬‬ ‫املعتادة‪ ،‬كان ّ‬ ‫الشء املم ّيز يف هذا املشهد هو‬ ‫َ‬ ‫ات‬ ‫خل ّوه من أصوات الحرب‪ ،‬فال‬ ‫أصوات لطائر ٍ‬ ‫أو اشتباكات‪ .‬من آخر ّ‬ ‫الشارع تظه ُر راكض ًة‪،‬‬

‫امرأ ٌة ُ‬ ‫أشيب أنيق‪ ،‬ترتدي ردا ًء أسو َد‬ ‫ذات شعر‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫يقل أناق ًة عن شعرها‪ ،‬كأ ّنها ٌ‬ ‫ال ّ‬ ‫خارجة للت ّو‬ ‫أرملة‬ ‫لوحات القرن ال ّثامن عرش أو التّاسع‬ ‫من إحدى‬ ‫ِ‬ ‫عرش‪ .‬أثنا َء عد ِوها ّ‬ ‫اك‬ ‫اللهث من أجلِ إدر ِ‬ ‫ّ‬ ‫ترتطم بس ّيد ٍة بدين ٍة يف عباء ٍة رثة؛ من‬ ‫الباص‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أضخم من‬ ‫وصوت دو ّي ِه الذي كان‬ ‫هولِ االرتطام‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الجميع‪ ،‬وأنا‬ ‫يلتفت‬ ‫أن ينت َُج عن ارتطام برش ّيني‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫–ا ّلذي ُ‬ ‫السافرة األنيقة من‬ ‫كنت ُ‬ ‫أتابع الس ّيدة ّ‬ ‫أ ّول ّ‬ ‫ُ‬ ‫نلتفت إىل مصدر‬ ‫بعيني‪ -‬من بينهم‪،‬‬ ‫الشارع‬ ‫ّ‬ ‫الصوت‪ ،‬ويف صور ٍة بالغ ِة الغراب ِة بالنّسبة لهذا‬ ‫ّ‬ ‫السيدة األنيقة وقد‬ ‫نرى‬ ‫املعتاد‪،‬‬ ‫اليومي‬ ‫د‬ ‫املشه‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُق ْ‬ ‫طعت يداها من ال ّرسغني إث َر االرتطام ووقعتا‬ ‫عىل األرض يف بحرية دماء‪ ،‬وذراعاها تقذفان الدّم‬ ‫لدم ينفر من عنق شا ٍة ُنحرت للتّو‪.‬‬ ‫يف توات ٍر ٍ‬ ‫السيدة يف العباء ِة ال ّرث ِة بعيني من يح ّذ ُر‬ ‫تنظ ُر ّ‬ ‫ثم متيض‬ ‫ً‬ ‫شخصا دفع ُه للت ّو من أن يعيد الك ّرة‪ّ ،‬‬


‫الكتابة في وسائل التواصل االجتماعي‪ :‬فيسبوك‬

‫‪15‬‬

‫باسل مطر‪ -‬مشروع سالمتك‬

‫الحجم‪:‬‬

‫يتيح فيسبوك مساحة أكرب من نظراءه لصياغة‬ ‫املنشور‪ ،‬فبعد أن رفعها من ‪ 500‬إىل ‪ 5,000‬حرف‬ ‫منذ عدة أعوام عاد ورفعها لحدود ‪ 60‬ألفا‪ ،‬وهو‬ ‫أكرث بكثري مام يوىص به من قبل الخرباء‪ .‬ال شك ان‬ ‫هذه املساحة تتيح للمستخدم نرش مقاالت طويلة‬ ‫وكاملة عىل فيسبوك‪ .‬لكن القاريء قلام يقوم بالنقر‬ ‫عىل «إقرأ املزيد» ملتابعة القراءة‪ ,‬وغالبا ما ينتقل إىل‬ ‫منشور آخر‪ ,‬سيام وأن أكرث من ‪ 80%‬من مستخدمي‬ ‫فيسبوك يستخدمنه من خالل الهاتف!‬ ‫ينصح الخرباء بأن يكون طول املنشور بني ‪ 240‬و‪450‬‬ ‫حرفا (مع الفراغات) مبا يف ذلك الرابط‪ ,‬وهذا يتيح‬ ‫للقاريء رؤية املنشور كامال دون الحاجه للنقر‪.‬‬

‫املضمون‪:‬‬

‫إن إضافة الرمز @ قبل اسم مؤسسة أو شخص ميتلك‬ ‫حسابا عىل فيسبوك متكن القاريء من النقر عىل‬ ‫االسم لزيارة صفحة هذا الحساب أو الصفحة‪ .‬إن‬ ‫وسم اآلخرين يف املقام املوائم لذلك يساعد اآلخرين‬ ‫عىل الوصول إىل املزيد من املعلومات ومصادر الخرب‪,‬‬ ‫وهو يشجع اآلخرين عىل وسم حسابك أو صفحتك‬ ‫أيضا‪ ،‬وهو أمر يوسع من انتشار منشوراتك ويجذب‬ ‫املزيد من املستخدمني إىل حسابك أو صفحتك‪.‬‬

‫الهاشتاغ‪:‬‬

‫قام فيسبوك العام املايض بإدراج ميزة الهاشتاغ‬ ‫ضمن منشوراته‪ ,‬وهي امليزة التي اشتهر بها موقع‬ ‫التدوين القصري تويرت منذ بداياته‪ .‬والهاشتاغ هي‬ ‫كلمة مفتاحية مسبوقة بالرمز ‪ #‬الذي يحول الكلمة‬ ‫حني إضافته قبلها إىل رابط يستطيع من ينقر عليه‬ ‫أن يعاين كل املنشورات اآلخرى التي تستخدم‬ ‫هذه الهاشتاغ أو الكلمة املفتاحية‪ .‬يغلب استخدام‬ ‫الهاشتاغ خالل األحداث الكبرية التي تلقى اهتامما‬ ‫كبريا ورواجا هائال‪ ,‬ويف الحمالت التي تهدف إىل‬ ‫التوعية أو التعريف بحدث أو قضية ما‪ ,‬وهي مبثابة‬ ‫أداة تجمع كل ما يقال حول املوضوع يف مكان واحد‪.‬‬ ‫وقد أثبتت هذه اآللية نجاعتها يف كثري من األحيان‪,‬‬ ‫لكن اإلرساف يف استخدامها له أثار سلبية أيضا‪ .‬ينصح‬ ‫عند النرش عن موضوع رائج (زلزال مثال‪ ,‬أو حدث‬ ‫أمني كبري مثل أحداث باريس) البحث عن الهاشتاغ‬ ‫التي يستخدمها اآلخرون وتضمينها يف منشوراتك بحيث تتاح‬ ‫لها فرصة أكرب يف الوصول إىل عدد أكرب من الناس‪ .‬هذا األمر‬ ‫يفيد كثريا بالنسبة للصفحات التي تتاح جميع منشوراتها‬ ‫للعموم‪ ,‬أما املنشورات عىل الحسابات الخاصة فهي تخضع‬

‫لقواعد الخصوصية التي يطبقها صاحب الحساب‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫تشري الدراسات إىل أن املنشورات التي توجه القاريء‬ ‫نحو القيام بفعل معني تحظى‬ ‫بنسبة تفاعل أكرب بكثري‬ ‫السيدة األنيقة عىل رصيف موقف الباص‬ ‫َ‬ ‫خارج املشهد؛ تتل ّوى ّ‬ ‫من تلك التي تكتفي بنقل‬ ‫ّ‬ ‫يعم الذع ُر بنسب ٍة معقول ٍة كر ّد فعل‬ ‫من األمل وسط بحرية دمها‪ُّ .‬‬ ‫معلومة ما‪ .‬فكلامت مثل‬ ‫ُ‬ ‫تسقط‬ ‫ة‬ ‫مرحل‬ ‫إىل‬ ‫وصلنا‬ ‫إلهي!‬ ‫يا‬ ‫عىل هذا املشهد يف أ ّيام كهذه‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫«إقرأ» و «شاهد» و «تعلم»‪،‬‬ ‫فيها يدان برش ّيتان ملج ّرد االرتطام؟! هذا غري قابلٍ للتّصديق‬ ‫واملنشورات التي تضم صورا‬ ‫املنطقي أكرث أن تسقط اليدانِ بعد برتهام بح ّد‬ ‫منطق ًّيا‪ ،‬كان من‬ ‫ّ‬ ‫جذابة ومؤثرة‪ ،‬تلقى تفاعال‬ ‫السقة!!‬ ‫ساطور قائ ِد ميليشيا ما‬ ‫أكرث بكثري من تلك التي تقترص‬ ‫إلهي لصاحبهام عىل ّ‬ ‫كعقاب ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫العدم ُيخلقُ‬ ‫رشيط أصف ُر‬ ‫ومن‬ ‫‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ذهو‬ ‫الجميع أفواههم‬ ‫يفغ ُر‬ ‫عىل النص‪ .‬ينصح أيضا بأن ال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫يتضمن النص أكرث من رابط‬ ‫صحت تسميتها بذلك‪ -‬دون أن يقوم‬ ‫يحيط مبرسح الجرمية –إن ّ‬ ‫واحد‪ ,‬ويف حال تضمن فيديو‬ ‫ُ‬ ‫رشطي بتنصيبه‪ .‬يطول نفو ُر الدّم من ذراعي الس ّيد ِة األنيقة‬ ‫أيّ‬ ‫ٍّ‬ ‫عىل املنشور أن يضم وصفا‬ ‫خرج منهام من الدّم حتّى اآلن أكرث ممّ‬ ‫أكرث من املعقول‪ ،‬ما َ‬ ‫جذابا للفيديو بحيث يدفع‬ ‫قد تحتويه أجساد رجالٍ خمسة!! يبدأ الحارضون بالتّململِ‬ ‫القاريء إىل مشاهدته‪.‬‬ ‫اف شيئًا فشيئًا حتّى يصبح الحشدُ أصغر من أن ُيس ّمى‬ ‫واالنرص ِ‬ ‫النربة واألسلوب‪:‬‬ ‫شخصا يظه ُر وسطنا من العدم ويف يدي ِه منشفة‬ ‫حشدًا‪ُ ،‬أر ُ‬ ‫اقب ً‬ ‫مبا أن فيسبوك هو منصة‬ ‫للس ّيدة األنيقة ُّ‬ ‫ثم ُ‬ ‫تنهض‬ ‫فتلف بها ذراعيها األبرتين‪ّ ،‬‬ ‫يعطيها ّ‬ ‫للتواصل االجتامعي فهو‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫دموع جا ّف ٍة ُّ‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫أقل‬ ‫ر‬ ‫آثا‬ ‫وجنتيها‬ ‫وعىل‬ ‫ة‬ ‫وحيد‬ ‫وتنرصف‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يعج مبستخدمني رغبتهم‬ ‫تكون ناتج ًة عن هذه الحادثة‪...‬‬ ‫األوىل هي التواصل مع‬ ‫موقف الباص الخاطئ!‪ ،‬فأعدو مرسعًا إىل‬ ‫ثم أتذ ّكر‪ :‬ت ًّبا!! أنا يف‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫معارفهم ومتابعة أخبارهم‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫الباص املنشود‪........‬‬ ‫ِ‬ ‫ارع املوازي قبل أن يفوتني ُ‬ ‫املوقف يف الش ِ‬ ‫لكن استخدام فيسبوك امتد‬ ‫ُ‬ ‫ّوم‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫إىل‬ ‫العودة‬ ‫أستطيع‬ ‫وال‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫مذعو‬ ‫أستيقظ‬ ‫ثم‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أبعد من هذه الغاية‪ ,‬وأصبح‬ ‫منصة تستخدمها املؤسسات‬

‫الوسوم‪:‬‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 3 - 60 -‬‬

‫حلت وسائل التواصل االجتامعي مكان العديد من‬ ‫املنصات التقليدية التي تنقل األخبار‪ ,‬ويف كثري من‬ ‫األحيان‪ ,‬وبسبب الكم الهائل من املحتوى الذي أصبح‬ ‫متوفرا اليوم‪ ,‬ننحو إىل االكتفاء بقراءة ما نراه يف نص‬ ‫املنشور عىل تويرت وفيسبوك‪ ,‬ونحجم عن قراءة املادة‬ ‫كاملة عىل الرغم من وجود رابط لها يف منت املنشور‪.‬‬ ‫تشكل وسائل التواصل االجتامعي حجر أساس اليوم‬ ‫لرتويج املحتوى الذي ينترش عىل اإلنرتنت‪ ,‬حيث يتم‬ ‫توجيه القاريء من خالل فيسبوك و وتويرت إىل املادة‬ ‫األصلية‪ ,‬ومن غري الصائب القول بأن االكتفاء بقراءة‬ ‫ما نراه يف منشور فيسبوك هو ما يجب أن نهدف‬ ‫إليه‪ ,‬ألسباب لعل أكرثها أهمية هو أن املنشور‪ ,‬مهام‬ ‫بلغت براعتنا يف صياغته ال ميكن أن ينقل خربا كامال‪,‬‬ ‫أو قصة كاملة‪ ,‬وهو مجرد طعم هدفه إغراء القاريء‬ ‫بالنقر عىل الرابط املرفق لالطالع عىل كامل القصة‪.‬‬ ‫يف عرص الرسعة وعرص املعلومات والفيض الهائل من‬ ‫املحتوى قد ال يجد القاريء الوقت للقراءة‪ ,‬لكن ذلك‬ ‫يرتكه‪ ,‬رمبا دون وعي منه‪ ,‬حبيس صورة منقوصة عن‬ ‫كل ما يحدث حوله‪ ,‬ويشتته ويعطيه صورة مشوهة‬ ‫عن األحداث‪.‬‬ ‫ينصح الخرباء باتباع قواعد معينة يف كتابة املنشورات‬ ‫عىل وسائل التواصل االجتامعي‪ ,‬حيث تختلف‬ ‫هذه املنصات من حيث طبيعتها‪ ,‬وطبيعة التفاعل‬ ‫معها‪ ,‬وحجم النص الذي تتيحه للكتابة‪ ,‬فلكل منها‬

‫قواعده‪ ،‬لكني سأتطرق يف هذه املقالة إىل الكتابة‬ ‫عىل فيسبوك‪.‬‬ ‫يرتبع فيسبوك اليوم عىل عرش منصات التواصل‬ ‫االجتامعي من حيث عدد املستخدمني النشطني‪,‬‬ ‫وعدد املنشورات والصور والفيديوهات التي تنرش‬ ‫عليه كل يوم‪ .‬وبالنسبة للسوريني تحديدا يبقى‬ ‫فيسبوك خيارهم األول لنرش أخبارهم والتواصل مع‬ ‫أصدقاءهم وأقرباءهم وتنسيق نشاطاتهم وتبادل‬ ‫املعلومات‪.‬‬

‫والحكومات والصحف ومحطات التلفزة لنرش‬ ‫محتواها‪ ,‬والتأثري بالرأي العام‪ ,‬وإيصال املعلومة‪,‬‬ ‫أو حتى استمزاج اآلراء حول مواضع هامة‪ ,‬وتوثيق‬ ‫األحداث أحيانا‪ .‬لكن ذلك ال ينفي الصفة االجتامعية‬ ‫عن هذه املنصة‪ ,‬وهذا يفرض بطبيعة الحال أن‬ ‫يتقيد املستخدم بنربة وأسلوب معينني يف صياغة ما‬ ‫ينرش‪ .‬ينصح عموما بانتقاء الكلامت بعناية بحيث‬ ‫تكون مؤثرة ودقيقة يف آن معا‪ ,‬واالبتعاد عن املبالغه‬ ‫يف الرسمية واالقرتاب أكرث من أسلوب عامي مع‬ ‫املحافظة عىل املهنية‪ .‬يجب أن تصاغ املنشورات‬ ‫بطريقة ودودة‪ ,‬تجذب القاريء وال تنفره حتى لو‬ ‫كان مضمون املرفقات خالفا لذلك (فيديوهات عنيفه‬ ‫مثال تصور مشاهد دمار أو موت طفل)‪ .‬ال شك أن‬ ‫الحفاظ عىل هذا النوع من التوازن هو أمر ليس‬ ‫باليسري دامئا‪ ,‬لكن املامرسة واالطالع عىل منشورات‬ ‫املؤسسات الكبرية التي يصيغها محرتفون تساعد يف‬ ‫تطوير مهاراتنا يف هذا االتجاه‪.‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.