شهرية ثقافية مستقلة
العدد 60 2015 / 12 / 3
مجلة مستقلة ،تعنى بشؤون الثورة السورية ،نصف شهرية ،تطبع وتوزع داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج
ملف العدد اإلعالم السوري الجديد ما له وما عليه
المهمة المستحيلة – الجزء ! 60
2
نصار افتتاحية بقلم أسامة ّ
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
يف اجتامع مناقشة إصدار جريدة طلعنا عالحرية أول سنة ،2012كنت ض ّد الفكرة ضمن أقل ّية خرست التصويت لصالح بدء إطالق الجريدة ،ثم كنت ضمن أق ّلية أخرى صوتت عىل اختيار اسم الجريدة الوليدة.. وقتها كانت اجتامعاتنا الدورية يف لجان التنسيق املحلية يف سوريا قد انتظمت أسبوع ّياً ،بعد أن كانت لقاءات التأسيس وما بعدها يومية ،وكثرياً ما كانت متواصلة؛ ال تعرف لها أوالً من آخر. كان بيننا أدباء وصحافيون محرتفون وأصحاب خربات سابقة ..ونشطاء متح ّمسون إليصال أصوات غ َّيبها إعالم خشبي ال وظيفة له إال تلميع من أوجده ..أو سمح بوجوده! وكام العادة ،يتخامد الزخم املرافق للبدايات ،وتزدحم االلتزامات والشاغالت مع مرور الوقت ومرور األحداث .والكتّاب الذين وعدوك بالعمل للمج ّلة يدعمونك مبادة أو اثنتني ثم يعودون لجرائدهم ّ ومجلتهم ،وال متلك إ ّال أن تشكرهم -صادقاً- وتعذرهم ..ثم تبحث عن غريهم .أما الناشطون متخصصة يف تركيا ولبنان الذين عملوا دورات ّ وغريهام فبالكاد تسمع منهم بعدها. يف أي عمل ،عندما يخبو املس ّوغ قد ال تنجح دامئاً بنفخ الرماد عنه أو بإيقاد غريه. وكجزء من الثورة املخذولة ،تلقينا عدة رضبات ومثبطات ،ليس أسوؤها إحراق نسخ املج ّلة أكرث من مرة يف مناطق (محررة) ،أو منع توزيعها مع جرائد ثورية مثلها ..حتى إن عوائق أخرى أدّت لتوقفنا عن الصدور مرتني .وال زال يضنينا وجع غياب (باألحرى: تغ ّييب) الزميلني رزان زيتونة وناظم ّ حمدي وهام نصف الكادر ..بل أكرث! رغم أن مج ّلتنا ليست يوم ّية وال حتى أسبوع ّية ،إ ّال
كل عدد نشعر أننا نتحدّى توم كروز شخص ّياً ورقات الجريدة لتأخذ شكل الكراس.. أننا يف ّ بإنجاز جزء آخر من (املهمة املستحيلة) .وال أنكر ويف كل مرة نشعر أننا نخرتع الطباعة (بل الكتابة!!) شك من جديد. هنا إعجايب بإرصار دوريات زميلة أكرث تواتراً ،ال ّ أن عندها مشاكلها ومع ّوقات عملها ،ولكنها الزالت نكابر ونوايس بعضنا بأن نستذكر -من قراءات قدمية- تصدر يف موعدها .وسأسجل أيضاً تقديري لرفيقة أن املهامتا غاندي قبل قرابة مئة عام كان يصدر الدرب ليىل( ،معلمتي) كام عودتنا رزان أن نناديها ،جريدة تحت االحتالل الربيطاين ويسهر مع ث ّلة قليلة فهي الوحيدة التي حافظت عىل كمية كافية من لينسخوها كتابة بخط اليد؛ نسخ ًة نسخة! وال يثنينا العناد كانت -ألوقات متكررة وليست قصرية -الوقود من يضيف للصعوبات العملية أخرى معنوية كأن يقال :إن “هذه الجرائد ال يقرؤها إ ّال من يصدرها.. الوحيد لالستمرار.
تطبع املج ّلة اآلن بالتعاون مع الشبكة السورية لإلعالم املطبوع وتو ّزع يف الشامل السوري املح ّرر. ويف الغوطة الرشقية ،حيث مكتب املج ّلة ،ورغم حلحلة الحصار املرضوب عليها مؤخراً (أقصد عىل الغوطة) ،مل ننجح بعد بإعادة الطباعة والتوزيع داخلها .وهناك منظمة يف الغوطة تعمل -مشكورة- عىل طباعة وتوزيع مشرتك ملج ّالت األطفال ،إال أننا الزلنا نبحث عمن يقبل بطباعة طلعنا عالحرية (عىل مسؤوليته!!) ..وذكرياتنا بطباعة املج ّلة تحت الحصار مريرة أيضاً ..فمع صدور كل عدد كنا ندوخ السبع دوخات حتى نجد الورق الالزم للطباعة ،ثم ندوخ أكرث منهن حتى نؤ ّمن الحرب ..ناهيك عن تأمني آلة الطباعة والكهرباء ..بل حتى الخرازة التي نجمع فيها
كلمة
للنشر أو مراسلة فريق التحرير
وإنها مدعومة من منظامت أجنبية ،وهذا (الدعم) هو سبب استمرارها إن مل يكن سبب صدورها أص ًال”! أو“ :بدل الجريدة و ّزعوا عىل الناس ربطة خبز أو كيلو طحني” أو غريه.. ال أذكر ذلك للتفاخر بسجل من اإلخفاقات وغياب خاصة أننا ندعي أن هناك سج ًال آخر مقاب ًال االحرتافّ ، ً سطره اإلعالم البديل ،ونفخر بكوننا جزءا منه .وال زلنا نعترب أننا نقوم بواجبنا ،ممتنني لكل من يشاركنا هذه الرحلة ولو بكلمة طيبة يكتبها عىل صفحاتنا أو يقرؤها منها. يف هذا العدد (الجزء 60من املهمة املستحيلة!) تناولنا اإلعالم املطبوع يف ّ ملف خاص .باإلضافة ملواد أخرى متنوعة. تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت www.freedomraise.net
freedomraise@gmail.com
facebook.com/freeraise
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية ويف بعض مخيامت اللجوء رئيس التحرير ليىل الصفدي
معاون رئيس التحرير نصار أسامة ّ
twitter.com/freedomraise
املحرر الثقايف رامي العاشق
محرر القسم الكوردي مريال بريوردا
زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية رزان زيتونة -ناظم حامدي
اإلعالم الجديد ومطب األيديولوجيا
3
طلعنا عالحرية -هيئة التحرير
العدد - 60 - 2015 / 12 / 3
ملف العدد
رمبا من الصعب الحديث عن اعالم مستقل او موضوعي يف الحروب او النزاعات ،فغالباً ما يكون االعالم االبن البار أليديولوجيا خالصية يقدمها كل طرف من االطراف املتصارعة ويرى االحداث وشكل الرصاع والكثري من الوقائع بعني هذه االيديولوجيا ،قارئاً لألحداث ومحوال إياها مبا يتناسب مع ايديولوجيته. وال تشذ حالتنا السورية عن هذه القاعدة، فإعالم النظام مث ًال ال يقرأ الحدث إال مبنظار نظرية املؤامرة الكونية ،التي تعتمد عىل وجود محورين ،أو مرشوعني ،أحدهام املرشوع “املقاوم” و “املامنع” ،واآلخر املرشوع االمربيايل الغريب .وهو ينكر بهذا كامل املنظومة الحقوقية ويتجاهلها عرب إعالمه املحيل واإلقليمي. نفس الحدث تتم قراءته عىل ضوء ايديولوجيا دينية /طائفية ،ترى الرصاع بني مرشوع غايته بناء الدولة االسالمية ومرشوع آخر شيعي نصريي، هنا أيضاً يتم إنكار الحقيقة مع الغرق يف أوهام املايض ،ومثل أيديولوجيا النظام ُته َمل املنظومة الحقوقية بكاملها عند الكثري من الفصائل اإلسالمية والجهادية واإلعالم الداعم لها. كام ُيقرأ ذات الحدث عىل ضوء أيديولوجيا ثالثة ترى الرصاع منذ يومه األول وحتى اآلن رصاعاً بني مرشوعني :مرشوع ثوري دميقراطي وآخر قمعي واستبدادي ،هذا النموذج هو السائد عند الكثري من مؤسسات إعالم الثورة ،وهو يسقط يف فخ الرغبوية التي تتعامى عن الوقائع ،ويتورط يف الكذب والتغطية أو التربير والتزيني من أجل الدفاع عن “الثوار” مهام كانت أخطاؤهم أو انتهاكاتهم ومهام كانت ظالمية توجهاتهم .وبهذا فإنه يعود ليسقط يف مطب االيديولوجيات السابقة يف إنكار املنظومة الحقوقية التي يفرتض أن الثورة قامت من أجلها. ويف سياق هذا الحديث عن الثورة ومواكبتها إعالمياً ميكن توسيع الدائرة للحديث عن أيديولوجيا رابعة يتبناها اإلعالم الغريب والعاملي، وهي التي ترتكز إىل توصيف ما يجري يف سوريا عىل أنه “نزاع” داخيل ،إنها أيديولوجيا التنصل من املسؤولية والتربؤ من واجب التدخل لحامية شعب يسحق. ويبقى الضائع االبرز بني كل هذه اإليديولوجيات التي تفرخ اعالما متحايال ،هو آالم الناس.. وأحالمهم أيضاً. ً إذن ،فإن االعالم غالبا يتبع منظومة أيديولوجية،
وكل هذه املنظومات هي اما تعبري عن مصلحة كالنظام ،او اوهام كالفصائل اإلسالمية واليسار ،او رغبوية كأيديولوجيا الثورة ،أو تنصلية كأيديوجيا اإلعالم الغريب. لكن ،ورغم الصورة السوداوية العامة للمواكبة اإلعالمية للحدث السوري ،إال أنها ال تخلو من التجارب الهامة والجسورة ،وإن كانت محدودة اإلنتشار حتى اآلن ،يف اإلعالم السوري الجديد، والتي تحاول أن متارس دوراً حقيقياً ضمن واقعنا الصعب ،وهو الدور الذي يعي عمى األيديولوجيا، ويتحمل جرأة احرتام الحقيقة ،وينطلق من منظومة حقوقية كزاوية نظر رئيسية ،حيث ال مساومة يف حق الناس وادانة الجرمية ،وال اصطفاف وراء اي فصيل ،بل جرأة يف النقد وتحميل الجميع مسؤولياتهم عىل قاعدة احرتام الحقيقة ..ال خيار آخر إال الحقيقة ،بغض النظر عن ذهنية السكان وتفكريهم وعقائدهم أو اصطفافاتهم. إن الرضورة امللحة لوجود إعالم مستقل وموضوعي، مرتكز عىل ذهنية متحررة من املصلحة والرغبة واالوهام ،تستوجب بالرضورة احرتام التنوع والتعدد واحرتام حرية الرأي والتعبري .وال خيار آخر أمام وسائل اإلعالم السورية إال االضطالع مبهامتها والتي تبدو يوماً بعد يوم أكرث تعقيداً
وصعوبة يف ساحة أصبحت ملعباً للقوى الدولية املختلفة وقوى اإلرهاب والتطرف من كل مكان. الوضع السوري اليوم شديد التعقيد وال يبدو أن هناك سوابق تاريخية تشبهه ،وهذا ما يلقي مزيداً من املسؤولية عىل كل من يتعاطى باإلعالم وبالشأن العام لنقرتب من أية حلول ممكنة لهذا الوضع والتي ال بد ستقتيض تنازالت وتوافقات بني كافة األطراف والقوى الفاعلة عىل الساحة السورية. نحن نؤمن بان دورنا كصحف ثورية يجب أن يكون توعوياً بالدرجة األوىل ،وبالطبع إذا كان باإلمكان املساهمة يف تهدئة األمور فلم ال ! .مل تنتج الحلول العسكرية إال الخراب واالنتقام. علينا اليوم السعي إىل إعادة التطبيع مع الحياة.. التأكيد عىل العيش واالستمرار واإلحساس العادي بالتفاصيل الصغرية ،هذا جزء من مهمتنا أيضاً.. وهو يساهم يف تأكيد إنسانيتنا وسط هذا الخراب املعمم. علينا إعادة توجهنا اإلنساين العام إىل سكته الصحيحة ،إىل انتاج الحياة والحب والعالقات اإلنسانية والحلم ،وإىل الفرح الذي يتحدى املوت ويورق الحياة ،والذي يحتاج إىل إعادة تأكيده كل يوم ...وبني غارة وأخرى.
44
قضايا المعتقلين بين التسويق واإلهمال في اإلعالم البديل خولة دنيا -بسام األحمد
العدد 53 - 2015 2015 // 12 8 / /23 - 60
العدد ملف لقاءات
فتحت االحتجاجات السلمية التي بدأت يف آذار من العام 2011وما تالها من انتفاضة شعبية عارمة الباب عىل مرصاعيه أمام قوات النظام وأجهزته األمنية العتقال عرشات اآلالف من املتظاهرين السلميني ،واإليغال يف الحل األمني الذي كان واضحاً أ ّنه بات أحد الخيارات االسرتاتيجية التي اتبعها النظام منذ البداية لقمعه الحراك الشعبي .وكانت من إحدى مظاهر هذا اإليغال أن اتسعت رقعة االعتقاالت التعسفية والتي اتصفت بالعشوائية -عقب كل مظاهرة -يف مئات األحياء واألزقة يف مختلف املدن السورية ،هذه املدن التي اختربت العديد من الحاالت املشابهة عىل م ّر الحقب التي لعب فيها حزب البعث العريب اإلشرتايك دور “قائد الدولة واملجتمع” يف سوريا. وعىل الرغم من تداخل وضبابية التعريفات والتوصيفات التي رافقت حاالت االعتقال بأشكاله العديدة واملختلفة أو حاالت اإلختفاء القرسي أو حاالت الخطف ،وحتى يف حاالت املفقودين الذين ال يعلم ذووهم عنهم أيّ يشء، فقد ألقى ذلك بظالله حتى عىل توصيفات أهايل وذوي املعتقلني أنفسهم والكثري من الجهات والوسائل اإلعالمية .ولكن يبقى الشائع ّأن املصطلحات املذكورة تشري يف جوهرها إىل أناس ومواطنني حرموا من حريتهم نتيجة آراء أو معتقدات شخصية عىل يد جهات عديدة سواء كانت حكومية منها أو شبه حكومية أو مس ّلحة “ثورية” أو إسالمية .وبالرغم ّأن جرمية االختفاء القرسي األكرث بشاعة من حيث كونها ال تقف عند حدود انتهاك حقوق الشخص املختفي قرسياً بل تتجاوزه إىل أهله وذويه إ ّال ّأن النزاع يف سوريا أبرز التبعات األخرى والتي ال تقل بشاعة عن جرائم مشابهة ،منها جرمية الخطف عىل سبيل املثال ال الحرص. املعتقلون يف وسائل اإلعالم البديل: ال ميكن التورية عىل حقيقة أن النظام هو املتهم تم توثيق عرشات األول يف هذه املأساة ،حيث ّ آالف حاالت االعتقال ،إضافة إىل املوت تحت التعذيب يف أفرع وسجون النظام وعىل حواجزه وعند ميليشيات تابعة له ،ولكنه ليس الوحيد يف ذلك؛ فمع تزايد بسط السيطرة من قبل قوى وميليشيات أخرى نجد أن هذا ترافق مع اعتقاالت واختفاءات وموت وقتل ومحاكامت
شكلية وألسباب شتّى .ولكن مل يتم تناولها مبا تستحق من تسليط للضوء عليها ،ويف حني أن داعش استطاعت كسب عداء السوريني وكافة القوى لها ،مبا قامت به من جرائم االعتقال والخطف دون حساب ،غري أن هناك قوى أخرى مل يتم تسليط الضوء مبا يكفي عىل مامرساتها يف املناطق التي تفرض سلطتها عليها ،مام يحيل سلوك مؤيديها ملا يشبه سلوك مؤيدي النظام يف ّ غض البرص عن الجرائم املرتكبة. ولكن ،لعلنا قد نجانب الصواب فيام لو قمنا بتحميل مسؤولية إهامل قضايا املعتقلني أو املختفني قرسياً أو املخطوفني -إن جاز التعبري- للجهات والوسائل اإلعالمية وحدها دون إشارة أو ذكر لدور منظامت حقوق اإلنسان يف هذا اإلهامل ،فمن املعروف أن وسائل اإلعالم وتحديداً يف حاالت تسليط الضوء عىل قضايا معتقلني محددين تعتمد يف تقاريرها اإلعالمية عىل بيانات املنظامت الحقوقية سواء الفردية منها أو املشرتكة ،وهذا ما ي ّكرس متاماً الفكرة القائلة بإهامل عرشات اآلالف من املعتقلني القابعني يف األفرع األمنية والرتكيز عىل عدد قليل قد ال يتجاوز بضع عرشات كام يف الحالة السورية. آخذين بعني االعتبار دور األهايل وذوي املختفني قرسياً يف الحسبان ،طاملا أننا نتحدث عن بيانات اعتمدت عىل موافقات األهل بالنرش والتوزيع بشكل كامل .ومن وخالل مسح بسيط للسنوات األربع التي مضت من عمر الثورة ميكننا اإلدّعاء بقليل من التجاوز ّ بأن املنظامت الحقوقية السورية منها والعاملية فشلت يف التغطية العادلة لهذه القضايا املهمة وتبعتها يف ذلك وسائل
اإلعالم التي مل تحاول حتى إيجاد آليات بدلية، وبدأ العديد من أهايل املعتقلني أنفسهم يتهم املنظامت بانتهاك أسمى مبادئ حقوق اإلنسان، عب اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان عنها يف والتي ّ مادته األوىل عندما قال إن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين يف الكرامة والحقوق... هل اإلعالم مستقل يف تناوله لقضية املعتقلني واملخطوفني؟ السؤال األهم من كل ما سبق :ما مدى استقاللية اإلعالم وخاصة اإلعالم البديل واملفرتض به (الجديد والثوري) يف تغطيته لقضايا حيوية ومهمة بالنسبة للسوريني اآلن ويف املستقبل؟ يبدو أننا –ولألسف -نكاد ال نجد أن قضية بهذا الحجم واألهمية تنال ما تستحقه من اإلعالم البديل؛ ففي حني تسلط األضواء عىل معتقلني محددين ملا تحتويه قصصهم من تشويق إعالمي ال بد منه ،أو ملكانتهم التي تجعل منهم رموزا وأيقونات؛ يتم تغييب آالف مؤلفة من املعتقلني اآلخرين ليتحولوا إىل مجرد أرقام .غري أن األهم كذلك هو ما نراه من خضوع إلرادات املمولني والقوى العسكرية عىل األرض ،وإيديولوجيات تلك القوى .حيث يتم غض الطرف عام يرتكبه بعضها (إ ّما ألنها ممولة بشكل من األشكال -أو ألنها بنفس الخط األيديولوجي للوسيلة اإلعالمية- أو ألنها تتحكم باألرض وبالتايل تتحكم بكل ما يصل من وسائل إعالمية مطبوعة أو مسموعة،).. مام يحيلنا لواقع وسائل إعالم النظام وتبعيته، وكأننا ندور يف حلقة مفرغة مل تو ّلد تحوالً ثورياً يف طرق العمل اإلعالمي من حيادية ومهنية وموضوعية.
سلطتنا الرابعة بال صالحيات! 5
نبيل شوفان
• املشاحنات التي تنشب بني الصحفيني السوريني واملنافسة السلبية؛ أدت يف كثري من األوقات إىل إفشال مشاريع تعاونية كانت ستعود بالخري عىل بلدهم. ّ وأعتقد أن صحافتنا ال تشكو من قلة كوادر أو نقص يف الخربة ،ولكن كل ما سبق هو سطر من بحوث ومجلدات ميكن أن تكون حول سلطة رابعة ُجردت من سلطتها ،لتحمل وزراً كبرياً يف تأخر إسقاط الديكتاتور .ولنتذكر قول املؤلف والصحفي األمرييك (بوب وودورد)
الذي قال إن املأزق املحوري يف الصحافة أنك ال تعرف ما ال تعرفه.
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
• أو التأثري به عىل املدى الطويل يف تشكيل اهتامماته حول قضية تكون لصالحه -من القضايا االجتامعية والسياسية واالقتصادية ،أيتحريك اهتاممات الجمهور بقضايا وموضوعات بعينها لتتفق يف ترتيبها مع الرتتيب الذي تضعه هذه الوسائل ألهمية هذه القضايا واملوضوعات؛ وتحديد جدول أعاملها الذي يحدد لهم األهم ،واملهم، واألقل أهمية ،وغري املهم من تلك املوضوعات البعيدة عن عنرصي السياسة القريبة والعسكرة ،وكل ماعدا ذلك فالسوري ال يهتم بنقل ما يحصل به له! النقطة الثانية :أنه يف بداية الثورة السورية نجح السوريون يف نقل أفضل صورة عن انتفاضتهم بوجه الديكتاتور ،ورغم أن الناشطني السوريني كانوا أرسى أجندات املحطات العاملية إال أنهم اخرتقوا آالف املرات سياسة هذه الوسائل التحريرية ،بل أبدعوا يف نقل الصورة الحقيقية ،فامذا حصل الحقاً مع ظهور بواكري صحافة وإعالم حقائق مستورة بدافع الخوف عىل مصداقية سوريني خصوصاً؟ وإن ٍ الثورة أو الخوف من قادة الفصائل أو من الجهات املمولة رمبا كانت
ملف العدد
ال شك أن اإلعالم ومهامه يف الدول النامية يختلف عنه يف الدول املتقدمة بنفس القدر الذي يختلف فيه إعالم الحرب عن إعالم السلم ،ويلعب اإلعالم دور القائد يف املجتمعات الحديثة؛ فهو يوجه الرأي العام وال يتبعه ،بل ويهيمن عىل الفرد (يف فرنسا مث ًال تؤثر وسائل اإلعالم أكرث بخمس مرات من أي طبيب نفيس)، ويف أمريكا يقال إن الرئيس يحكم ألربع سنوات ،بينام تحكم الصحافة إىل األبد.. هذا حقيقي ودليله ثقافة الخوف التي تهيمن عىل مجتمعات الحداثة وهي طارئة يتم تصنيعها بشكل متعمد يف اإلعالم حسب ما اتفق عليه عامل اللغويات (نعوم شومسيك) واملخرج السيناميئ (مايكل مور) ،بدوافع زيادة الكبح االجتامعي الذي متارسه السلطات عىل الشعوب الخائفة؛ تلك الشعوب التي تصبح ميالة للشك بكل يشء، فال تجد فرصة للتملص من خوفها إال باإلرتكان إىل السلطات ودعمها بشكل أعمى ،والخوف يستمر أحياناً رغم تغري الرؤساء واألحداث والوقائع. وعن اإلعالم الحديث يف املجتمعات الحديثة ترى أن انتقائية األخبار واللعب باإلحصائيات وإهامل األرقام؛ ثم تحريف املصطلحات أو الكلامت من أجل تحقيق أهداف معينة ،واالنتهاء بوسم بعض األفراد أو الجامعات بغري حقيقتهم ،كل ذلك ميزة ورضورة سياسية ال يستطيع اإلعالم الغريب نكرانها أو التخيل عنها. ويف دراسة أمربيقية خلص العلامء إىل نتيجة مفادها أن تعرض الفرد املتكرر للتلفزيون ولفرتات طويلة ومنتظمة تنمي لديه اعتقاداً بأن العامل الذي يشاهده هو صورة عن العامل االجتامعي الذي يعيشه ،ذلك يتجىل اليوم يف طوفان إخباري يفيض بالخوف والذعر من تنظيم داعش الذي سيدمر العامل ويهاجم الغربيني يف بيوتهم حسب محرتيف صنع األخبار واملعلومات .وعىل
سبيل املثال تجد مقطع فيديو ملقاتل سوري يرفع بندقيته قائ ًال (الله أكرب الله أكرب) ليتم إظهاره أمام املتابع الغريب بشكل همجي، اص ذلك أن املشاهد المجال له ليكون انتقائياً يف مسلسل ذعر مرت ّ الحلقات ،ولن يعود للبحث عن أهداف وخلفية هذا املقاتل الذي غ ّلب العنف عىل العقل واالنفعال عىل املحاكمة (بعني املشاهد الغريب). من خالل ما سبق نخلص إىل نتيجتني: األوىل :مل ولن يطلب أي سوري شارك يف الثورة التي طالبت بالحرية أكرث من: • إزالة الحاجز بينه وبني الرأي العام العريب والعاملي إلظهار وجهه الحقيقي
ستغري وجه ثورتنا ،ولقد كنا ومازلنا بحاجة ماسة إلظهارها من خالل إعالم مهني صارم يقود الرأي العام ال يتبعه، كام يحصل اليوم يف واقع إعالمنا والذي تتلخص اضطراباته بالنقاط التالية: • متنع وترفع الصحفيني املحرتفني عن العمل إىل جانب النشطاء واإلعالميني الصاعدين. • األجندة املتخبطة وغري الواضحة لهذه املؤسسات. • مالحقة الناشطني وابتزازهم باإلنرتنت واألجور ،ودفعهم للمخاطرة بحياتهم من أجل تغطية املعارك من قبل الوكاالت. • اإلدارة السيئة يف معظم الوسائل اإلعالمية املوجودة وغالبيتهم مل يعمل (مديراً) من قبل. • التبعية للجهة املمولة حتى دون أن تطلب الجهة لذلك. • التمويل اليسء والخوف الدائم لدى الصحفي السوري من إغالق املؤسسة. • وقع الجميع يف فخ املحلية ،ثم الطائفية والرصاع عىل حساب اإلقليمية والعاملية واملدنية واملهنية والحيادية واملصداقية وهنا ال نختلف عىل وجوب انحياز وسائل اإلعالم لإلنسان وهو أمر ال يتعارض مع اإلخالل باملهنة. • عدم وضوح أفق سيايس أدى إىل حالة يأس لدى السوريني عامة والصحفيني خاصة فباتوا يعتقدون أن عملهم بال فائدة.
6
صناعة الحقيقة ماهر مسعود
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
ملف العدد
عىل الرغم من كل الكذب والزيف وقلب الحقائق الذي ميارسه إعالم النظام منذ بداية الثورة السورية إىل اليوم ،مازالت “الربوبغندا” اإلعالمية التابعة له ولحلفائه تبدو أكرث تأثرياً يف الرأي العام املحيل والعاملي من إعالم الثورة ،ملاذا؟ هل كان ذلك بسبب الضعف وقلة الخربة يف إعالم الثورة وإعالمييها ،أم ألن إعالم النظام كان أكرث احرتافية يف ايصال الخرب واملعلومة وااليحاء للمتلقي من إعالم الثورة؟ أم ألن قوة الوهم عند البرش هي فع ًال أكرب من قوة الحقائق؟ أم ألن الحقيقة هي باألصل ُتصنع صناعة وغالباً ما يصنعها األقوى و يصوغها املنترص؟! البد بداية من اإلشارة إىل أنه ليس هناك إعالم “عقائدي” للثورة عىل طريقة النظام واملتحالفني معه ،وعندما ظهرت قنوات “عقائدية” مضادة إلعالم النظام يف بداية الثورة ،أساءت لصورة الثورة يف الواقع أكرث مام خدمت أهدافها وتطلعاتها ،كام أنه ميكن مالحظة أن جمهور الثورة بالعموم أكرث تشكيكاً وانتقاداً إلعالمها من جمهور النظام ،بل إن امليل العام ينحو باتجاه طلب الدقة واملوضوعية شبه التامة من إعالم الثورة ،يف الوقت الذي يتم فيه تداول األخبار واملعلومات الخارجة من قنوات النظام عىل أنها حقائق ،وليس أقل من ال” ”BBCأو “فرانس ”24وغريهام من يفعل ذلك. مام ال شك فيه أن تكرار الكذب يحوله إىل حقيقة واقعة (ولو كانت مؤقتة) ،ومام ال شك فيه أيضاً أن النفس البرشية سهلة االنخداع ورسيعة التصديق كام ع ّلمنا ابن خلدون ،ومن املعروف أن الكذب اإلعالمي املام َرس من قبل النظام وأعوانه اقتداء بالدعاية النازية ،هو كذب متواتر ومركزي وشمويل ومحكم التنظيم ،مثلام هو سائد يف كل األنظمة الشمولية ،ولذلك فإن مرحلة االنكار التي ابتدأ بها النظام تجاه الثورة ،مازالت ثابتة ومتمرتسة يف مواقعها حتى اليوم ،ال بل إن انكار الثورة وتعريفها عىل أنها مؤامرة كونية وعصابات مسلحة ومندسني ومنظامت إرهابية وميليشيات طائفية وحرب أهلية...الخ ،مل يتوقف عن التحول
يف كل يوم جديد إىل واقع ،بل إىل الواقع. يدافع السوريون عن حقيقة يعرفها العامل أجمع، وهي أن نظامهم طغموي واستبدادي والبد من تغيريه ،لكن العامل الذي يطالب السوريني باالنضباط واالنتظام وتقديم البديل الواضح واملنظم و”الحضاري” عن النظام ،يرمي بالسوريني يف أحضان العبث والعنف والفوىض ،ويساهم يف خلق كل الرشوط املثالية لتلك الفوىض وذلك العنف ،عرب املراوحة بني التدخل وعدم التدخل ولعبة السامح واملنع والتقنني وغريها ،اليشء الذي يعود وينعكس يف عدم قدرة السوريني عىل االنتظام ،إن كان باملعنى السيايس أو العسكري أو حتى االجتامعي واملدين. من هنا تصبح الحقيقة تابعة للواقع ومجرياته، بحيث يتناىس العامل قوة الحقيقة التي ال ينفك عن تأكيدها ،أي انتهاء صالحية النظام ،لصالح الواقع الذي يساهم هو بخلقه ،والذي ال يكف عن التبدل والتشظي والتفتت العنيف ،فتتغري أولوياته من جديد ويصبح داع ًام أو مشاركاً أو ساكتاً عن دعم النظام القائم طاملا أن البديل األكرث قوة وتأثرياً وتنظي ًام عنه هو اإلرهاب.
رمبا يجدر القول إن العالقة دامئاً تفاعلية بني اإلعالم والواقع والقوة واالنتشار ،وأن هناك رصاعاً دامئاً بني القوى املؤثرة يف الواقع ومن بينها اإلعالم بوسائله املختلفة ،لكن الجدير بالذكر أيضاً أن إعالم الثورة املتنوع واملتعدد واملختلف واملتنافس واملتنافر أحياناً ،ورغم كل املثالب والنقائص والنقائض التي تعرتيه ،يبقى األكرث تعبرياً عن روح الدميقراطية ،واألكرث التزاماً بحرية الرأي واالختالف والتعدد ،واألوىف للحقيقة التي يحاول السوريون التمسك بها ،والدفاع عنها، رغم ضعفها أمام سلطة املال واملافيات الدولية املتحالفة. ً البد من التذكري أخريا أن حرية الرأي والصحافة واإلعالم ،باإلضافة إىل الحريات السياسية واملدنية، كانت دامئاً وخالل عقود أربعة أهم محرمات النظام عىل اإلطالق تبعاً ألهميتها وخطورتها يف الوقت ذاته ،ولذلك فإنه ال مستقبل لسوريا أو يف سوريا دون تلك الحريات الرئيسة ،التي تتفرع منها وعنها قدرة الناس عىل مراقبة السياسة والسياسيني ،أي انتاج الدميقراطية واملجتمع املدين وبناء البالد عىل أسس جديدة.
الرسمي سورية بين اإلعالم ّ ّ ّ الثوري واإلعالم شوكت غرزالدين
الرسمي: اإلعالم ّ
اإلعالم الثوريّ :
انكرس احتكار النظام االستبداديّ لإلعالم تزامناً مع انطالق الثورة ،وقدمت ثورة االتصال والتواصل الوسائل الالزمة والس ّيام الشبكة العنكبوتية منها، ووقعت األحداث الجليلة والعظيمة بالنسبة للسوريني؛ ألنها طالت أمنهم واستقرارهم وحياة أبنائهم فصار اإلعالم السوريّ إزاء أحداث تراجيدية ومأساوية ،وجديدة كل الجدة ،وغري متوقعة وصادمة .وما هذه الصفات إ ّال صفات ومناخات جيدة لنمو اإلعالم الجيد ومضيه قدماً يف رصد ومتابعة مثل هذه األحداث .فقد توفرت الوسيلة اإلعالمية وتوفر الحدث املناسب واملتابع واملتلقي النهم لهذا الحدث وتوفر املرسل كناشط فرد أو مؤسسة أو مركز .وبهذا انتقل السوريون
ملف العدد
احتكر النظام السوريّ االستبداديّ اإلعالم ،وغ ّيب إمكانية املنافسة املعارضة له ألربعني سنة بشكلٍ ممنهجّ . ووظف إعالمه املنفرد لتقديم تصور عنه ً ً بوصفه نظاما مستهدفا -من قوى عامل ّية وإقليم ّية ومحل ّية -بسيادته الوطن ّية واشرتاكيته وقضيته املركز ّية؛ أي فلسطني ،ومقاومته ومامنعته وعلامنيته وتقدمه ...وبوصفه نظاماً خارقاً لطبيعة األنظمة السياسية عرب التاريخ؛ بفضل قائده الذي ينال القسط األكرب من التمجيد والتسبيح واملديح كقائد أبدي ورمزيّ ومفدّى ورضورة ،والذي مل نجب النساء مثله... ولن ُت ِ الرسمي عىل تقن ّيتي الكذب ويعتمد اإلعالم ّ والتزي ّيف مرة ،وعىل النقص يف اإلعالم واملعلومة مرة أخرى .و ُي ِّربر ذلك بحالة الحرب واملواجهة واالشتباك غري املبارشة التي أوهمنا بها :فهو نظام محارص دامئاً من الصهيون ّية واإلمربيال ّية والرأسامل ّية واإلرهاب ّية و ُمع ّرض لخطر هذه القوى يف الوقت الذي يخوض فيه بالفعل معركة وعمله ّ ض ّد شعبه ّ وفلحيه وصغار الكسبة واليد العاملة الرخيصة كام كان يصفها يف إعالمه ويف كتب التاريخ والجغرافيا والقومية؛ حني ُيعدِّد أطامع القوى الخارجية فيه. يف سبعين ّيات القرن العرشين ،رفض “ممدوح عدوان” الكاتب السوريّ ْأن يضع يده يف يد النظام إبان دعوته لالنضامم ملا سمي آنذاك
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
اإلعالم ،من جهة ما يجب ْأن يكون ،هو شاهدٌ عىل الحقيقة وكاشف لها .ومن جهة ما هو كائن، نقول إ َّنه مز ٌ ِّيف للحقيقة وطامس لها .فهو أداة لرسم الواقع وتحقيقه ورسم التصور عنه بقدر ما هو خرب عن الحقيقة .وطاملا َّأن اإلعالم جهد برشي لنقل األحداث وصناعتها سيبقى عرضة للتالعب ،بواسطة االحتكار والكذب ونقص اإلعالم وزيادة اإلعالم ،وسيبقى خاضعاً للمصالح يف تحقيق الواقع املناسب لهذه املصالح. ويكمن موضوعه يف الحدث الجديد واملفاجئ واملطمنئ .فالخرب عن حدث معلوم ومتكرر ما هو إ ّال لغو وثرثرة .ويتمتع الخرب بطاقة كامنة تدفع الفكر والعمل قدماً؛ لذلك يذهب إعالم النظام الحتواء طاقته الكامنة يف حني يذهب اإلعالم الثوريّ لتفجري طاقته الكامنة.
“الجبهة الوطنية التقدمية” ّ ً معلل رفضه للتحالف َّ بأن النظام “يكذب حتى يف النرشة الجو ّية”. حتى إننا يف الثامنينيات وخالل فرتة الخالف العراقي-السوري كان ممنوع عىل النرشة الجو ّية ْأن تأيت عىل سرية العراق .وهناك طرفة تفيد أن مذيع النرشة الجو ّية قد اختفى “ببيت خالته” (السجن) ألنه ُضبط ُيه ِّرب “منخفضات جو ّية” إىل العراق. إذاً ،يحتاج نظامنا االستبداديّ إىل احتكار اإلعالم بشدّة ألنه يوفر له ميزتني هام إخفاء طبيعته االستبدادية وتحقيق طبيعته االستبداد ّية يف آن. وما طبيعته االستبداد ّية سوى اإلرهاب والتقديس. يخفيهام عنا باإلعالم الكاذب والناقص ويحققهام فينا باإلعالم املخدّر والواهم واملؤسطر .فمن نقص اإلعالم مل يعرف السوريون مجازر حامة- الثامنينيات يف حينها .ومن فرط اإلعالم مل يعرفوا املسؤول عن مجزرة الكياموي يف الغوطة الرشق ّية يوم اإلربعاء .21/8/2013وبهذا يقول (إدغار موران)َّ :إن األنظمة املستبدة “تحتاج إىل اإلعالم الناقص ،إىل اإلعالم الزائف ،إىل اإلعالم املضاد، وليس ذلك فقط إلخفاء طبيعتها الحقيقية ،بل، أيضاً لتحقيق طبيعتها الحقيقية .فال يستطيع النظام تخليد نفسه وإعادة انتاجها دون إنتاج األسطورة وإعادة إنتاجها ..دون تصفية الخرب وكبته وتهدميه” .فهكذا إعالم اليخفي إ ّال حك ًام (نظاماً) قامئاً عىل اإلرهاب والتقديس ويح ّقق أساطريه يف آن.
من حالة االحتكار االستبداد ّية الرسم ّية ،إىل حالة اإلعالم الح ّر واملنافس واملتنوع الثور ّية. وانترشت وسائل اإلعالم مبختلف تنويعاتها املرئية واملسموعة واملكتوبة واالفرتاضية ...فزاد التواصل فيام بني السوريني ولكن ّ قل التفاهم .عرف السوريون سور ّية بالشرب ،وعرفوا شعبها بتنوعاته وتناقضاته وتضحياته وعرفوا ماضيها وحارضها وناضلوا من أجل مستقبلها .زادت املعرفة وق ّلت الحيلة. اعتقدت مع بداية الثورة السور ّية َّأن متابعة اإلعالم لألحداث وتنوعه وتنافسه يجعل من فرتة التغيري الدميقراطي فرتة قصرية وقليلة التكلفة البرش ّية .وأتت الوقائع مك ِّذبة العتقادي هذا. الس ّيام بعد ترسيب وعرض 55ألف صورة لــ11 ألف معتقل قضوا تحت التعذيب يف مجلس األمن وأمام مؤمتر جنيف ويف الكونغرس األمرييك. فساءلت نفيس مراراً ملن يقدِّم السوريون هذه الصور وهذا اإلعالم؟! وما الجدوى من اإلعالم يف سياق حالة الفوىض يف رشق املتوسط وانعدام القطب ّية الدول ّية ويف سياق إتالف اإليديولوجية املوالية للنظام لكل حقيقة ميكن ْأن ُتح ِدث فرقاً؟! لقد مارس الثوار اإلعالم كشاهد عىل الحقيقة وكنابش لها دون ْأن يكونوا مختصني بهذا .فمن شاهد عيان إىل ناشط سيايس أو حقوقي أو إغايث، إىل مراسل صحايف ،إىل التحليالت والقراءات والتحقيقات ،إىل املجالت والجرائد واملواقع اإللكرتونية والقنوات اإلذاعية والفضائية ...فعر ّوا القتل والتعذيب والغرق واللجوء واملخيامت وتجارة األعضاء ومافيات اللجوء واإلغاثة والعنرصية. لقد قام اإلعالم الثوريّ مبهمته يف كشف الحقيقة ونبشها عىل أكمل وجه وعىل مدار اللحظة، وقدم الدليل تلو الدليل عىل إرهاب النظام ولكن دون جدوى .وقد تعرض اإلعالميون ألبشع أنواع املضايقات التي وصلت لدرجة القتل ،ولكن دون ْأن يأبه أحد! فعىل ما يبدو ال يكفي االتفاق عىل املعطيات اإلعالم ّية ،بل ال ب ّد من تجاوزها لالتفاق عىل كيفية رؤيتها ومعالجتها. يحتاج اإلعالم الثوريّ إىل الحر ّية ال الفوىض بعد فكفكة االحتكار ،وإىل تعم ّيق املنافسة والتعدد ّية حتى يعيد ألق الحقيقة وثوريتها النعدام الرشوط القبل ّية يف اإلعالم الجيد.
7
8
جرائد من الناس ..وإلى الناس عروة المقداد
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
ملف العدد
قبل مثانية أعوام مل أكن أحلم بنرش مقال يف الجرائد الحكومية (ترشين، البعث ،الثورة) .راسلت تلك الجرائد لفرتات طويلة ولكني -كام الكثري من أبناء جييل -مل أجد أذناً صاغية .رمبا كنت حينها كاتباً رديئاً ،وال أدعي عكس ذلك اآلن ،فهذه مسألة يتحكم بها السوق والرتويج بالدرجة األوىل. ومل تكن الجرائد الخاصة بأحسن من ذلك؛ (بلدنا ،الوطن) .أذكر املرة األوىل التي دخلت فيها جريدة الوطن ملحاولة تقديم رشح لرئيس التحرير عن مقال كتبته عن سوق الحرامية املحاذي لوزارة الداخلية .مل أعد للجريدة مرة أخرى كام أن سحنته العابسة كانت كفيلة بجمع أوراقي قبل وصول دورية األمن .أما الجرائد اللبنانية والعربية التي كانت تتمتع مبساحة من الحرية ،فلم تكن مخصصة لكتاب شباب يحاولون إيجاد فسحة من التعبري ،فهنالك (أساطني) كتابة كانت تكتب يف هذه الجرائد. عند انطالق الثورة السورية مل أكن أفكر يف كتابة املقاالت ،فالحدث أرسع وأكثف من الكتابة عنه ،لكنني حظيت بفرصة التقاء رئيس تحرير جريدة “سوريتنا” عندما كان يفكر يف مرشوع الجريدة. سحرتني فكرة الجريدة التي كانت أشبه باملنشور الذي يوزع باأليدي ..الكتابة الصحفية التي تخرج من الناس وإىل الناس. انطلق مرشوع سوريتنا وحاولت كام حاول العديد من األصدقاء العاملني يف الجريدة أن نواكب الحدث وأن نستجيب له .كام كانت الكثري من الجرائد التي انطلقت آنذلك توزع وتطبع باأليدي. وخالل السنة األوىل يف الثورة كانت الجرائد املطبوعة تشكل حالة فريدة
واستثنائية يف العمل املدين ،وكانت التجربة سترثي الحراك فيام لو أتيح لها العمل والتفاعل أكرث ،ولكن مع دخول العمل املس ّلح والعسكرة عىل الثورة السورية ،ش ّكلت هذه املرحلة نكوصاً يف عمل الجرائد .وال يعود ذلك يف البداية لطبيعة العمل العسكري بل لتمسك ومترتس العاملني يف الجرائد بنقطتني أساستني :تجنّب مناقشة ومخاطبة شباب الثورة املس ّلحني ،ومحاولة االنتقال بتلك الجرائد للعمل االحرتايف عىل اعتبار أن الحيادية هي املعيار األسايس يف الحرفية ،كام هي سياسة الجرائد الرسمية سواء العربية أو العاملية. اللغة التي كانت تكتب يف تلك الجرائد املطبوعة مل تكن تناسب طبيعة األماكن التي يوجد فيها الثوار املس ّلحون ،كام أنه ال يوجد لديهم الوقت لقراءة تحليالت طويلة وتوصيفات تبدو أنها قادمة من مكان آخر غري عاملهم. أذكر أنني منذ ما يقارب 4سنوات اقرتحت عىل عدة أشخاص عاملني يف مجال املطبوعات الثورية ملحقاً يخاطب املنش ّقني والثوار بطريقة بسيطة؛ يتألف من عدة صفحات تتحدث فقط عنهم، ليصدر مبنشور أسبوعي للفصائل املسلحة .لكن الكثريين رفضوا تلك الفكرة والتعاون معها.
عندما دخلت املناطق املحررة يف الشامل كانت الجرائد املطبوعة قد انتعشت من الناحية اإلخراجية واملادية ،وبدأت تلك الجرائد تك ِّون جمهوراً جيداً ،ولكن ال يعكس الواقع الذي تعيشه مناطق مختلفة يف سورية .لقد ضمنت هذه املطبوعات االستمرارية بدعم من مؤسسات أجنبية ،لكنها فشلت يف خلق خطاب حقيقي يخرج من الناس وإىل الناس .قد يبدو ذلك تصنيفاً عريضاً وغري منصف ،ولكن ال ميكننا تنايس حقيقة الدمار الكبري والصدمات النفسية التي يتعرض لها املواطنون يوم ّياً ..وحصول رشخ يف املجتمع بني عسكر ومدنيني ومتطرفني .وكام كان سبب انتعاش املطبوعات هو الحراك املدين والهوية الوطنية التي ُخلقت آنذاك ،فإن سبب نكوصها هو غياب الحراك املدين ،وتهدم الهوية والتمرتس وراء الحراك املدين يف ّ ظل غيابه أساساً! إن الثورة خلقت مساحة من التعبري جعلتني بكل تأكيد قادرا عىل تأسيس جريدة ،وليس فقط كتابة مقال .هذه واحدة من أهم املكتسبات التي حققتها الثورة والتي ال تسقط بالرغم من هول الدمار والدم .ولكن انتعاش املطبوعات وفشلها مسألة ال تتعلق بذلك أبداً.
مبادرة وقف إطالق النار في الغوطة الشرقية بين اإليجابيات والسلبيات
9
أبو القاسم السوري
العدد - 60 - 2015 / 12 / 3
اإلعالم سواء املحسوبة عىل الثورة أو النظام لهذه الرواية .مضافاً إىل ذلك توفر املواد الغذائية بشكل كبري يف أسواق الغوطة الرشقية ،والذي اعترب أكرب دليل عىل وجود مثل هكذا اتفاق ،وهو ما رفع من معنويات املواطن العادي بأن حدّة ّ ستخف .ويف كل يوم ينتظر هذا املواطن الرصاع أن مي ّر اليوم دون قصف ليفاجأ بأن القصف عىل حاله وأنه ال وجود لجديد غري ما اعتاده، وهو ما خلق حالة من التخبط العام يف الغوطة ظهرت يف عديد من مظاهر الحياة سواء كانت العسكرية أو االقتصادية أو الخدمية .ومر ّد كل ذلك أساسا لغياب أي جهة أو مرجعية سياسية واع سياسياً. تقارب مثل هكذا طرح عىل نحو ٍ وطبعاً ،وكعادتنا عموماً يف الثورة ،فنحن ال ننتج أجسامنا التي نحن أص ًال مقتنعون بها وبرضورتها تم العمل عىل إ ّال تحت ضغط الحاجة ،ولذلك ّ تشكيل هيئة سياسية للغوطة الرشقية منتخبة من الهيئة العامة للغوطة .وإن كانت هذه الخطوة هي خطوة رئيسية يف الطريق السليم، ولكن يجب أن ال يغيب عن ذهننا أمر مهم جداً هو أن العمل السيايس ال ينحرص فقط يف العمل الدبلومايس واملفاوضات أو اإلجابة عىل املبادرات ،بل إنه أعمق وأخطر من ذلك ويتضمن أساساً صناعة الوقائع واألحداث لكسب الرهانات وتحقيق املصالح. تم نقله عىل أنه مبادرة روسية لوقف إن ما ّ إطالق النار ،أثبتت الوقائع عىل األرض أنه مل يكن أكرث من بالون اختبار أوقعنا يف مط ّبات وفخاخ عديدة ،وذلك يعود أساساً لعدم وجود الرؤية السياسية الواضحة القادرة عىل مقاربة هذه األمور من زاوية إعالء املصالح ودفع األرضار؛ فقد ال يختلف الكثريون عىل حاجة املواطن العادي
لتخفيف حدة الرصاع الذي يعيشه ،ولكن هل يتم التفاوض عىل وقف إطالق النار للغوطة الرشقية يتم التفاوض مع روسيا وتنايس باقي فقط؟ وهل ّ الدول الداعمة للثورة؟ وإذا ما تم إيقاف النار يف الغوطة الرشقية ألن يستفرد النظام مبناطق أخرى كداريا وغريها؟ هل يوجد أي ضامن بأن النظام لن ينتهك االتفاق؟ ملاذا تطرح املبادرة اآلن عل ًام أن مؤمتر فيينا أوضح أن وقف إطالق النار العام لكل سورية سوف يطرح مع بداية العام؟ ألن يحسب هذا األمر كورقة قوة لروسيا خصوصاً، وأنها القادرة عىل ّ حل الرصاع يف سورية؟ أليس الظهور مبظهر املوافق سلفاً عىل مثل هذا األمر يعطي رسالة ضعف عن الغوطة عموماً؟! إن ما طرح عن مبادرة وقف إطالق النار يف الغوطة كانت له نتائج سلبية عديدة يجب العمل عىل تالفيها يف املرات القادمة ،ولكن كان له أيضاً عدد من اإليجابياتّ ، ولعل أهمها تحريك املياه الراكدة يف مستنقع التعنت برفض الحلول السياسية .فقد ظهر أن العديد من الجهات والفصائل يحمل مقاربة عقالنية لألمور ميكن البناء عليها وفق رؤية مستقبلية لحلحلة الرصاع يف سورية .األمر األخر هو والدة الهيئة السياسية يف الغوطة الرشقية، ولكن هذه الخطوة يجب أن يرافقها وجود رؤية سياسية واضحة ومبرتكزات سياسية مبنية وفق مرشوع سيايس وطني جامع؛ فيجب علينا أن ندرك جميعاً أن الغوطة الرشقية ليست جزيرة منعزلة عن محيطها ،وبأنها جزء أسايس من سورية ،وأن الحاجة أصبحت أكرث إلحاحاً لطرح املبادرات التوحدية عىل املستوى السيايس والعسكري، ّ لنستطيع معاً مجابهة االستحقاق السيايس الذي أفرزه مؤمتر فيينا .وإال فإن القطار قد يفوتنا كام فاتنا عدة مرات خالل عمر الثورة.
مقاالت
قد يجمع الكثريون عىل أن مؤمتر فيينا األخري يف 30ترشين األول شكل نقلة نوعية يف مسار الثورة عموماً ،ويف خطوات البحث عن ّ حل للرصاع يف سورية بشكل سيايس خصوصاً؛ فمؤمتر فيينا ش ّكل أرضية أساسية التقت حولها الدول الفاعلة الرئيسية يف املوضوع السوري ،سواء كانت من الدول الداعمة للثورة أو من الدول الداعمة للنظام .ومع أن هذه الدول مل تستطع جرس اله ّوة بني خالفاتها بشكل كامل ،إال أنه كان واضحاً أن نقاط االلتقاء -وإن أتت بالعموم -لكنها طرحت تغليب مفهوم الدولة عىل جميع املفاهيم األخرى ،وخاصة لجهة اإلبقاء عىل سورية (التي نعرفها) وليس أي سورية أخرى ..ولكن مع قبول بتغري طبيعة نظام الحكم ،أو بالحد األدىن بشكله أو أشخاصه .وعىل ِّ كل ليس هذا إطار ما نسلط تم ذكره يف الفقرة الضوء عليه هنا ،بل بالضبط ما ّ ما قبل األخرية واملتضمنة ما ييل“ :املشاركون يف املؤمتر ومعهم األمم املتحدة سيدرسون ترتيبات وقف إطالق النار بكل أنحاء البالد ،يبدأ يف تاريخ محدّد وبالتوازي مع العملية السياسية الجديدة”. فمن خالل القراءة األولية يظهر للمتابع أن عملية تم حسمها ،وأنها مسألة وقف إطالق النار قد ّ متض أيام حتى وقت وإجراءات ليس أكرث .ومل ِ بدأت تنترش يف الغوطة الرشقية -ولدى بعض الدوائر الضيقة من النخب املعنية بالشأن العام- تخص أقاويل حول مبادرة لوقف إطالق النار ّ الغوطة الرشقية ،وال يخفى عىل أحد ما عانته الغوطة الرشقية من ويالت خالل عمر الثورة تعجز هذه السطور عن ذكرها. وبعد بضعة أيام بدأت مالمح هذه الخطوة تظهر أكرث وضوحاً ،ليتبني ما ييل: املبادرة هي روسية الطرح ،ومل تطرح مبارشة عىل شخصيات من الغوطة ،وإمنا عىل سوريني موجودين خارج سورية ،وهو عرض غري مكتوب وال رسمي يتضمن نقاطاً رئيسية وهي :وقف إطالق النار ملدة خمسة عرش يوماً ،وإدخال املواد الغذائية والطبية ،وخروج الجرحى للعالج. طي الكتامن بل انترش وطبعاً هذا العرض مل يبقَ ّ عىل جميع املستويات يف الغوطة الرشقية من القيادات إىل النخب إىل رجل الشارع العادي. ومام خلق بعداً إضافياً هو تبني بعض وسائل
وهل ُيجنى من الشوك العنب؟ رؤية حول حرية االعتقاد في اإلسالم
10
لعل
يوسف المنجد
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
مقاالت
من البداهة القول أن جواز فرض (املعتقد الحق= الدين الحق) بالقوة واإلكراه، يعني ضمنا االعرتاف بالحق نفسه لكل من يعتقد بامتالك الحقيقة .وهنا معضلة كبرية سوف تفيض إىل الفوىض والخراب وسفك الدماء بال ارتواء (كام هو حاصل). املعضلة تأيت من أن كل صاحب معتقد -وهذا من طبائع األشياء -يرى يف معتقده الحق ويف غريه البطالن الجزيئ أو الكيل ،سواء كان رأيه يف معتقده نابعا من قناعة حقيقية أو انتقل إليه وراثة. وبالتايل فإن بقاء اإلميان بوجوب تعميم هذا الحق ولو بتوسل القوة ،يعني القبول باستمرار قتل اإلنسان باسم الله. من جهة أخرى ،فإن اإلكراه يعني استالب إنسانية اإلنسان املتمثلة يف حريته يف االختيار ،ناهيك عن أنه يتناىف مع طبيعة االعتقاد نفسه ،فالفرض بالقوة أمر يعاند القناعة الحرة التي هي السمة األساس ألي معتقد ،فالحرية رشط أساس لصحة الدين ،ومن دونها ال ميكن أن يبقى دينا ..وآية (ال إكراه يف الدين) هي قانون نفيس واجتامعي يتصف بالعمومية واالطراد ،فهي ليست نهيا عن اإلكراه، بقدر ما هي نفي إلمكانية تحقق الدين باإلكراه، صنو للقناعة ،والقناعة هي القاعدة التي فالدين ٌ يتأسس عليها والرتبة التي تنمو فيها بذوره. فالنفي الوارد يف اآلية ،يتضمن ال معقولية اإلكراه وعبثيته وال جدواه .وهو أيضا إعالن لوجوب وقف العبث واملتاجرة باسم الله ،فهو ال يقبل أن يساق الناس إليه بإرهاب السيف ،وإمنا يريدهم أن يأتوه طوعا .بل إن من يأتيه كرها ال يأتيه عىل الحقيقة، فالله تعنيه الضامئر ال املظاهر. ومن مقتضيات حرية اإلنسان يف االختيار واالعتقاد أن تكون مالزمة له ومستمرة معه ،مبعنى أنه ال يفقد حريته مبجرد اعتقاده ،وإعالن اإلميان ال يعني التوقيع عىل صك التنازل عن الحرية ،فمن طبيعة اإلنسان أن تتبدل قناعاته ،لذلك فهو ال يجرب عىل البقاء يف معتقد َف َق َد القناعة به والشعور باالنتامء إليه .ومن ثم فكام ال يجوز اإلكراه عىل الدخول يف الدين ،كذلك ال يجوز اإلكراه عىل البقاء فيه، وال عىل االلتزام برشائعه؛ ألن من ميلك املحاسبة وبالتايل املعاقبة عىل ذلك هو الذي فرضها .وليس
من حق أحد مهام عال شأنه أن يسطو عىل سلطة الله يف محاسبة الناس ،إال أن تتحول الرشيعة إىل قانون عام يتواضع الناس عىل الخضوع له باختيارهم ،وعندها ميكن إكراههم عليه كقانون ُي َن َّفذ ،ال كدين ُيلتَزم. أما حديث (من بدل دينه فاقتلوه) فهو عىل فرض صحته ،ينتمي إىل الطبيعة القانونية ال الدينية ،أي هو مرسوم سيايس ،اقتضته الظروف املحيطة بالدولة الناشئة التي شكل الدين محورها الرئييس ،والتي متثلت يف املكائد التي كان ميارسها أعداؤه بهدف متييعه وص ِّد الناس عنه ،وبالتايل زعزعة استقرار دولة املسلمني وإضعافها .وهي تم توثيقها قرآنيا (:وقالت طائفة من أهل حادثة َّ الكتاب آمنوا بالذي أنزل عىل الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) أل عمران ،72/فكان القرار الذي اتخذته القيادة السياسية ممثلة بالنبي ،ليس بهدف إكراه الناس عىل البقاء يف الدين ،وإمنا وضع حد للمتالعبني والعابثني. وهو قرار مؤقت انتهى بانتهاء الظروف التي استوجبته ،بعد أن متكنت دولة املسلمني ،ومل تعد تلك املامرسات الصبيانية قادرة عىل التأثري فيه. ناهيك عن أن ذلك القرار كان بهدف الردع وليس التنفيذ العميل ،بدليل أن النبي مل يطبقه عىل أحد. وهذا ال يعني أنه مل تقع حوادث ارتداد ،بل إنها وقعت بالفعل ،ولكنه مل يالحق املرتدين ،انسجاما مع النهج القرآين الذي حرص أمر محاسبتهم بيد الله .فالقرآن خلو من أية عقوبة دنيوية ترتتب
عىل الردة ،وهذا دليل عىل كون العقوبة التي جاءت يف الحديث قرار سيايس ال حك ًام دينياً. إضافة إىل أن املتأمل لآلية التي تحدثت عن الردة وهي( :ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر ،فأولئك حبطت أعاملهم يف الدنيا واآلخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة ،217/أقول :إن املتأمل لهذه اآلية يف ضوء املبادئ الكلية للقرآن ،يدرك أن املقصود باالرتداد ليس املعنى املتبادر ،وإمنا هو ما ميكن تسميته خيانة الدين ،أي العمل بالضد من مبادئه مع زعم القناعة وااللتزام به ،والتمسك بشعائره وأشكاله الظاهرة ،أو االنتقال إىل غريه ظاهريا مع وجود القناعة التامة به جريا وراء مكسب دنيوي من مال أو سلطة ،فتلك هي الردة الحقيقية ،أما من تتغري قناعاته بشكل حقيقي فال نظن أنه يدخل يف خانة املرتدين؛ ألن الدين قناعة ،يستمر باستمرارها ،ويتالىش بتالشيها .وانسجام اإلنسان مع ذاته وقناعاته هو قمة األمانة ،وال ميكن إلنسان يخون ذاته وقناعاته أن يكون مخلصا لله ولدينه. إنه من غري املعقول أن ينهى الله عن اإلكراه يف الدين ،وينفي إمكانية تحققه مع اإلكراه ،ويقرر ذلك كسنة إلهية إجتامعية ،ثم ميارسه هو، فيعاقب املغريين لدينهم الذين مل تتشكل لديهم القناعة ،أو تغريت قناعاتهم ،فأولئك طالب حقيقة، وما داموا جادين يف البحث عنها ،فهم يسريون يف الدروب التي تقود إىل الله وترضيه ،حتى لو ظهروا لعباده بخالف ذلك.
عــن محاربــة التطرف واســتئصال اإلرهــاب 11
أنور عباس
وهو مؤسسة تسيطر عىل قرارها خمس دول يضلع معظمها يف انتهاكات متكررة للقانون الدويل وسيادة الدول وحقوق اإلنسان الدولية. ولعل اسم هذه املؤسسة ييش بطبيعة تظرتها إىل مشاكل العامل بوصفها أمنية بالدرجة األوىل.. وتتمتع بحكم ميثاق األمم املتحدة الذي تنطوي تحته بصالحيات غري محدودة باستخدام القوة العسكرية يف ّ حل مشاكل العامل ويف الوقت الذي ال تتمتع فيه السطات القضائية الدولية بأي صالحيات وتحتاج لتفويض من مجلس األمن للقيام بعملها! وهو أمر يناقض أسس العدالة. مل يبذل الغرب والعامل أي جهد لفهم التطرف واإلرهاب الذي ينتج عنه كمشكلة اجتامعية ،بل لطاملا نظر إليه عىل أنه مشكلة أمنية وحسب. ومل نر من ينادي يف محافل القرار بسرب جذوره يف سبيل الوصول إىل حل جذري له .ليست املسألة عىل هذا النحو من البساطة ،وهي تحمل تعقيدات كثرية تجعل من املهمة أمراً صعباً للغاية .وألن املشكلة عابرة للمجتمعات ،وألن أسبابها كثرية وعميقة ،فإن ح ًلها بتطلب حشد موارد ضخمة ،وتوفر إجامع شامل حولها. لن يخمد التطرف ويبدأ باالنحسار والعامل ينظر له عىل أنه تهديد أمني نابع من غلو البعض وحسب ،ومتجاه ًال األسباب املوضوعية األخرى التي تؤدي إىل توالده وانتشاره واتساع ساحته. ولن ّ تحل مشاكل العامل املتفاقمة دون أن يكون هناك نظام للعدالة الدولية ال يخضع لحسابات السياسة واملصالح واالعتبارات األمنية ،ومنظومة دولية تنظر إىل مشاكل العامل بوصفها مشاكل ذات جذور تجب معالجتها يف عمقها ،بوصفها أموراً قابلة للحل واستبعاد الوصفات التي تدعي استئصالها دون أن تتمكن حتى من خدش سطوحها.
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
مصدر اللوحة :إنرتنت
مقاالت
مل متتلك دول الغرب ،ومن ورائها العامل ،يوماً سياس ًة حقيقي ًة ملحاربة التطرف واستئصاله. تدخالت مل زمن بعي ٍد عىل ٍ واقترص دورها منذ ٍ تعد عليها وعىل العامل سوى بالنكبات والكوارث، محققة فش ًال تلو فشل ،وممعنة يف إخفاقاتها التي مل يعد باإلمكان حرصها اليوم .وحني تقترص أجندات محاربة التطرف عىل حروب ال تثمر إال مزيداً من الحقد والكراهية للغرب “املتغطرس” و”للغزاة” الذي مل يأتوا إال باملوت والخراب ،ال ميكن الحديث عن جدوى لهذه األعامل ،ألن ال جدوى لها يف املقام األول. خلفت حروب الغرب عىل اإلرهاب يف العراق وقبلها يف أفغانستان واليمني واليوم يف سوريا مبجتمعات كامل ٍة والعراق ماليني الالجئني ،وعادت ٍ إىل عصور الظالم من حيث التعليم والخدمات الصحية وبنية املجتمع وعالقاته مع السلطة فيه، حساً وألهبت لدى أعدا ٍد ال تنتهي من الشباب ّ عالياً بالظلم ،و ّمنت لديهم كرهاً عميقاً لهذه القوى التي تستبيح “أوطانهم ودينهم” ،وتقتل بحجة مساعدتهم عىل التخلص من بني جلدتهم ّ اإلرهاب والتطرف الذي أىت به. والعتامد الغرب عىل أنظمة دكتاتورية ال تقلّ ظالمية عن التطرف الذي يدّعي محاربته الدور األكرب يف دفع املزيد من هؤالء الشباب إىل أحضان التطرف .وحني نعرف أن جزءاً كبرياً منهم مل يعرف التدين مبعناه التقليدي ،كاملواظبة عىل الصالة والصيام واالمتناع عن رشب الخمر، ندرك عمق املشكلة وخطأ تشخيصها ،وأن هذه الحروب أعطت ملن ال يجدون ألنفسهم مكانا يف مجتمعاتهم ،وخاصة الشباب املسلم الذي يعيش يف الغرب بحكم مولده ،املربر الكايف لالرمتاء يف أحضان اإلرهاب .وحني نعرف أن الكثري من الحكومات التي تحارب هذا اإلرهاب غ ّذته أو استفادت منه أو قدمت له التسهيالت لتحقيق أهداف سياسة يف مرحلة ما ،ندرك أن املشكلة أعقد بكثري مام تبدو عليه. تأرجحت أسباب الحروب عىل اإلرهاب بني دوافع االنتقام والرتهيب ،واستعراض العضالت، واألطامع االقتصادية ..ومل تخجل فرنسا مؤخراً من التلميح إلمكانية التحالف مع طاغية قتل ربع مليون من شعبه و ّ رشد أكرث من ثلثيه. تكمن املشكلة يف أمور عديدة ال يستطيع هذا املقال حرصها أو رشحها ،وسيكتفي بذكر بعضها.
إن محاربة التطرف الذي يعصف بشباب املسلمني السنة ،ال ميكن أن يكون عىل يد من يرون فيه عدوهم األول كإيران ،أو حكومة املاليك أو نظام األسد ،وال ميكن أن يكون بالتأكيد عىل يد الدول التي تدعم هذه األنظمة مام يرتكنا مع خيار وحيد؛ وهو أن تتم محاربته عىل يد ضحاياه .وهذا يتطلب اسرتاتيجيات كاملة لبلورة آليات هذا الدعم .ونعرف جميعا أن العودة القوية ملتطريف القاعدة يف هيئة الدولة اإلسالمية يف العراق والشام هو نتيجة لهذه السياسات. واألمر الثاين أن محاربة اإلرهاب تقتيض النظر عميقا يف جذوره ،ووضع الحلول للمشاكل واملعضالت العميقة التي تكمن وراءه .إن اإلقرار بأن قس ًام كبرياً ممن يقعون فريسة التطرف ويسقطون يف ّ فخ اإلرهاب هم يف الحقيقة ضحايا لتعقيدات املسألة يف مجتمعاتهم وعىل الساحة الدولية سواء ،والتي ذكرنا جزءاً منها يف مقدمة املقال .وال يعني هذا مسامحتهم متاماً عىل الجرائم التي يقرتفونها ،لكنه يعني أنهم جز ٌء من ّ الحل بقدر ماهم جزء من املشكلة. ال يرى الغرب وال األنظمة القمعية التي يدعمها ويتحالف معها ملحاربة اإلرهاب والتطرف وال املنظومة الدولية التي يوظفها الكبار يف ألعاب املصالح تلك يف هؤالء سوى قتلة ومجرمني، واليرى فيهم أو يف بعضهم الرشيك الذي ميكن العمل معه ملساعدته عىل تجاوز محنته وتوظيفه للوصول إىل السواد الباقي من هؤالء .ويف حني تكمن دوافع سياسية شبه بحتة وراء الحروب عىل اإلرهاب ،ال يبدو أن الساسة يوظفون أياً من أدوات السياسة ملعالجة هذه املسألة عىل نحو يطال جذورها؛ فطبيعة األنظمة السياسة الغربية تقيض بأن من يف السلطة اليوم سيغادر غداً ،وهم -والحالة هذه -ال يكرتثون كثرياً للتفكري بحلول اسرتاتيجية ملشاكل العامل ،وليس اإلرهاب والتطرف وحسب ،بل ينسحب األمر عىل أمو ٍر أخرى كالتغيري املناخي والفقر والصحة والتعليم! غالباً ما ُتجرتح الحلول التي تتصدى للتطرف واإلرهاب الذي يولده يف مجلس األمن الدويل،
قــراءة نقدية في الشــعر العربي المعاصر وثورته.
12 سالف ع ّلوش
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
أهم ما ميز الشعر العريب يف النصف الثاين من القرن العرشين كان ثورة الشكل الجديد التي تركت لنا أسامء ومفاهيم أرست يف وعينا تساؤالت عريضة ،فهل أنجز هذا الشعر مهمته التاريخية يف تغيري شكل الخطاب الثقايف ،ويف تطوير أدوات متخارجا عن الرضورة التلقي والوعي؟ أم أنه بقي ً واحتفظ بنفسه كحالة تسجيلية منفعلة ال فاعلة؟
إىل أي مدى اشتغل وأثر يف أشكال الخطاب؟
ال نستطيع أن نظلم هذه التجربة ونقصيها عن دائرة الفعل متكئني عىل إحداثيات الواقع وما آلت إليه حالتنا الثقافية وواقعنا االجتامعي واالقتصادي والسيايس ،وال ميكن أن نح ّمل الشعر مسؤولية النهوض بالتاريخ وتحقيق التقدم والتغيري ،فإن النهوض حالة جدلية بني اإلنسان والتاريخ تشتغل فيها كل الفاعليات البرشية لتتخلق عن أشكال وإبداعات وتنظيامت تتآلف مع اتساعها الروحي. لقد حاول الشعر منفردًا أن يكون حصان طروادة العرص ،وشاء الخطاب السيايس والحدث أن يركب هذا الحصان يف العديد من املراحل مام أوصله (الحصان) إىل إجهاد وتعب دام سنوات .والحظنا أن شعرنا الجديد قد وقع منذ بدايته حتى منتصف السبعينيات تحت سطوة الحلم السيايس ،فاشتغل عىل املقوالت السياسية ،وملع بعضها ،وروج البعض اآلخر ،ونيس أحد مهامه املفصلية كحالة استرشافية تستطيع أن تقرأ من التفاصيل مالمح الكل القادم، ونيس دوره يف التأسيس لحالة الرؤيا الالغائية، وبأنه أحد أرقى أشكال تجليات الوعي والروح، وبأنه أيقونة إنسانية ٌ وكون ال تحده األيديولوجية، إال أن بعض القامات الشعرية وعت هذا املأزق فخرجت منه واشتغلت عىل إعادة إنتاج تجربتها بحساسية شديدة وثقافة ووعي عاليني لترتك يف املشهد الثقايف صدى مختل ًفا وعالمات فارقة.
ثقافة
من الريف إىل املدينة
فمن مفهوم التأسيس إىل التأصيل إىل التنوير وانفتاح الذات عاش شعرنا الجديد مغامرة يحدها الفشل من جهة والتاريخ من جهة أخرى ،وأكرث ما ميز هذه املوجة الجديدة هو تدافعها من الريف إىل منابر املدينة حاملة معها هذه الدهشة العالية وهذا الكم االغرتايب ،وألن معظم الشعراء الذين اشتغلوا عىل الجديد قادمون من أريافهم النائية
عملهم من أجل شعر جديد“ :املوسيقا -الصورة الشعرية -الرمز -األسطورة -الغموض” إن هذه العنارص الخمس من أهم أركان الشعر الجديد التي استند عليها وحاول اإلخالص لها يف بدايته ،ثم تجاوزتها تجارب البعض لصالح خصوصية أكرث ومفاهيم شعرية أكرث جدة ومعارصة ،وهر ًبا من أن تتحول هذه العنارص إىل قيد يربك النص بعد أن فلت من شكله الكالسييك.
باتجاه املدينة الناشئة والوليدة التي تتقاسمها آنذاك التيارات السياسية واملشارب األيديولوجية املختلفة ،وقعوا يف ساحة الشعار السيايس ،وكانوا خامة لينة لالستقطاب ،فمعظمهم انخرط يف العمل السيايس واستقال منه بعد هزمية وزمن. وكانت تلك املرحلة من أهم املعوقات التي أخرت الشعر الجديد عن اشتغاله عىل مرشوعه ليصل يف نهايات القرن إىل ما كان يجب أن يصله يف بداية مرشوعه ،وهنا ال نطالب الشعر بأن يكون “قصيدة” النرث مسلوخا عن الواقع ومنفص ًال عنه بل نطالبه بأن ويف هاجس البحث عن األكرث حرية واألكرث تطو ًرا ً نقلت رياح الغرب مرة أخرى ما سمي بقصيدة يكون عضو ًيا فيه. النرث ،فبعد ترجمة كتاب سوزان برنار إىل العربية نصوصا نرثية مازال الخالف شهدت الساحة األدبية ً االشتغال الفني ونستطيع أن نشاهد عىل صعيد الشغل الفني عىل تسميتها قامئًا فمنهم من ينسبها إىل الشعر تبلو ًرا ً مهم يف التجربة ،فلقد تخلص الشعر خالل باعتبارها قصيدة تحمل أغلب عنارصها وترتك الخمسني سنة املاضية من املؤثرات الغربية وخرج املوسيقا جان ًبا ،ومنهم من يرص عىل أن ال عالقة ً أقانيم خاصة به لها بالشعر -وهذا هو األرجح -وأنها شكل من من دائرة االستنساخ ،لريسم وحوامل تخصه بالذات ،فمن األسطورة اإلغريقية أشكال العجز الشعري ،وميكن أن تكون ن ًرثا جمي ًال، إىل األسطورة الرشقية إىل أسطرة الواقع ،ومن ومازالت هذه الظاهرة التي انترشت مل تقونن الغموض املبهم إىل الغموض الداليل الشفاف ،بعد ومل يشتغل بها املبضع النقدي بشكل جاد، ومن لغة مربكة تبحث عن جديدها يف الرتادف ومازال الخالف حولها قامئًا ،وال أعفي نفيس من والبناء العالئقي إىل لغة انسيابية خطت ردائفها هذا الخالف ،فهي األقرب باالنتامء إىل النرث وميكن تسميتها بأي اسم ينتمي إىل النرث إال أنها ال ميكن عرب التجربة. وهكذا أسس الشعر الجديد لخطواته األكرث وثو ًقا أن تنتمي إىل الشعر ألنه منذ أن كان الشعر وهو وترك لألجيال الشعرية الشابة مها ًما ال نعرف إن الكالم املوزون املقفى ،وال ميكن الخروج عن الوزن إال يف باب النرث ،فلامذا نحملها -هذه الظاهرة- كان زمننا الثقايف يسمح بإكاملها. ضمن هذه املوجة التي شغلت معظم الساحات أكرث مام تحتمل ونرص عىل إيرادها يف باب الشعر بقي املنرب الكالسييك موجودًا يطرح ذاته كهوية ال الذي ال يحتمل تلك التهوميات التي تنسب إليه. بديل عنها وكحالة غري ممكنة التجاوز فسطع نجم وهذا ال يعني أن كل ما كتب يف النرث ليس أد ًبا، بعض شعرائه ،وأفل بعضهم اآلخر ،ومنهم َمن قبل ولكننا نقول إنه ليس شع ًرا وحسب ،فمن يستطيع الجديد ومتسك بنظام البيت ،ومنهم َمن هجر أن ينكر قاسم حداد مث ًال الذي أصبح قامة مهمة البيت يف أواخر عمره ليدخل يف بوتقة الجديد .يف الوطن العريب؟ إذن؛ فخالفنا هو عىل االسم أما القسم اآلخر فقد آثر أن يقف موقف الضد وليس عىل النوع ،فقد عمل حداد عىل إبداعية الخائف ليفند ويهاجم ويتهم ،وبكافة األحوال املفردة وعىل إنجاب مفردات جديدة تخدم كانت تلك الظاهرة صحية من باب التنوع والتلون التجربة األدبية مبا يعطيها آفا ًقا أكرث سعة واتسا ًقا والحراك ،وهذا الرصاع دفع باالثنني م ًعا إىل جدية مع الغرض األديب ،كام أنه عمل عىل معالجة مواضيع غاية يف األهمية من خالل نصوصه وخرج أعىل يف إثبات الذات. عىل الخطاب األديب العريب الذي ينىس التفاصيل والجزئيات ويعمل عىل الكليات والقضايا الكربى أركان الشعر الخمسة ولو حاولنا فهرسة الشعر الجديد من خالل فقط. التجارب املشتغلة عليه لوصلنا إىل سامت محددة إذن فالخالف فقط حول التسمية التي ميكن أن عىل صعيد الشكل الفني اشرتك فيها الجميع يف نجد لها بدي ًال ،وهذا ما أظنه أهم عمل للنقد اآليت.
نشرة ثقافية
نشاطات لمبدعين سوريين 13
طلعنا عالحرية – القسم الثقافي ريم يسوف يف 24ساعة من الفن
خالد خليفة :املوت عمل شاق
العساف يقرأ يف أملانيا عساف ّ ّ
العمل ضمن مجتمع إنساين
ضمن النشاط الذي أعدّه واستضافه مركز “Haus
األمل السوري ال يحتاج إىل ترجمة
شارك الشاعر والناقد السوري محمد املطرود يف مهرجان أيام كولونيا الثقافية يف أملانيا ،وقرأ نصوصا عن سوريا وأملها وشاركته قراءة نصوصه ً باألملانية الصحافية واألديبة األملانية الريسا بيندر ،وناقش بعد القراءة تفاصيل األمل السوري
مكتبة يف كل مدرسة
أعلنت مكتبة صفحات “أول مكتبه عربية يف اسطنبول” عن إطالق حملتها “مكتبة يف كل مدرسة” وتهدف الحملة إىل تزويد كافة املدارس السورية بكتب متنوعة إلنشاء مكتبة يف كل مدرسة ملختلف الفئات العمرية وباللغات “العربية ،الرتكية ،واإلنكليزية” وبدأت الحملة بتزويد املدارس السورية يف اسطنبول مبائة كتاب باللغتني العربية والرتكية أما الكتب اإلنكليزية فستكون الخطوة القادمة كذلك االنتقال لتزويد جميع املدارس السورية يف كل تركيا بالكتب.
ثقافة
بعد أن جمعت منشوراته عىل مواقع التواصل االجتامعي والتي حملت عنوان “الفيزا اللذيذة” أصبحت الفيزا حقيقة وحصل طبيب األسنان والكاتب السوري عساف العساف عىل الفيزا، ووصل إىل أملانيا بعد أن ترجمت منشوراته لتكون كتا ًبا باللغة األملانية ،ويقيم العساف اليوم مجموعة قراءات بدأت يف أملانيا وهولندا، وتجاوزت السبع قراءات يف أقل من شهرين وسط إعجاب األملانيني .يص ّور الكتاب السف َري األملاين يف بريوت عىل أنه شخصية سورية ،ويسعى الكاتب يف كل نص قصري أن يحاول إقناع السفري –أبو يورغن كام ّ سمه عساف -مبنحه الفيزا ولو كان سريكب الطائرة “عالواقف”.
2015 / 12 / 3
أعلن الروايئ السوري خالد خليفة عن صدور روايته الجديدة “املوت عمل شاق” مع أول أيام معرض بريوت الدويل للكتاب ،عن نارشين اثنني، دار العني يف القاهرة ،ودار هاتشيت أنطوان يف بريوت ،وحمل غالف الرواية توقيع الفنان بسام ص ّباغ ونقتبس مام ُكتب عىل الغالف الخلفي: “هذه ليست رحلة لدفن جثامن أب ،بل هي رحلة الكتشاف الذات ،وكم أن املوت عمل شاق، إنها رواية عن قوة الحياة لكن املوت هنا ذريعة ليس أكرث”.
لعبة ترانزيت يف باريس
أعلن املمثل السوري جالل الطويل عن عرض فيلم “لعبة ترانزيت” الذي شارك فيه ممثال بدور “محمد من سوريا” وقال إن الفيلم حصل عىل 6جوائز عاملية إىل اآلن وشارك بالعديد من املهرجانات العاملية والعربية ،مدة الفيلم 18 دقيقة ،وسيتبع الفيلم ندوة حوارية عن تجربته يف الهجرة من سوريا إىل لبنان ،مرص ،تركيا ،ثم األردن وأخريا إىل فرنسا ،يذكر أن الفنان جالل الطويل قد غادر سوريا بعد اعتقاله وإجباره عىل الظهور عىل التلفزيون الرسمي لإلدالء باعرتافاته كإرهايب!
العدد - 60 -
تشارك الفنانة التشكيلية السورية ريم يسوف يف معرض مشرتك ملجموعة من الفنانني من كل أنحاء العامل تحت عنوان “ 24ساعة من الفن”، ويقام هذا املعرض ليوم واحد كمبادرة من فنانني فرنسيني ،ويشارك كل فنان بطريقته وبأسلوبه دون رشوط تتعلق باملوضوع أو النوع ،يذكر أن يسوف هي العربية الوحيدة املشاركة يف هذا ّ املعرض.
”der Kulturen der Weltالثقايف يف العاصمة األملانية برلني ،شارك الفنان التشكييل السوري عالء حاممة مع الكاتبة الفلسطينية أدانيا شبيل والباحثة األملانية مانويال بويادييف يف ندوة حوارية تحت عنوان “العمل ضمن مجتمع إنساين – أشكال الحوار” .قدم حاممة –الواصل مؤخ ًرا من سوريا -أعامله الفنية وتجربته ،ومرشوعه األخري “طاوالت حوار” .أدار الجلسة الربوفيسور بريند شريير مدير املركز.
وما يجري هناك ،وذكر املطرود“ :األمل السوري ال يحتاج إىل ترجمة” هكذا ع ّلقت الصحافة األملانية عىل أمسيتي يف متحف كولونيا ،وأضافت ّ منظمة النص موج ًعا” ور ّد املطرود“ :يبدو األميبة “كان ّ أن أصواتنا وأعيننا صارت تقرأ كاملوسيقا!”.
ّ مهند عمر في زنزانته إلى
14 رامي العاشق
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
ُ حيث أنتُ ، تعرف الزنزان ُة أ ّنها أصغر منك ،وأضعف ُ ُ ٌ منك ،وتعرف الزنزانة أ ّنك نظيف لدرج ٍة ال تدركها نظيف لدرجة َ ٌ هذه األماكن، أنك أنقى من أوطانٍ ً ُ ُ قذرة –بإرادتها أو رغم عنها -وتعرف األوطان ذلك، ُ وتحزن لتغييبك ،وحد ُه الن ُنت من يكره وج َه املاء الذي ُ ُ ُ الوحش هو وجهك ،حيث أنت؛ يدرك الطغاة خط َر ِ الذي ال يفرتس ً ُ يرصخ ّيك لحم ،وال يأكل جيف ًة ،بل ُ وحيث أنت؛ تعرفُ الخوف وميط َر ثورة، ساموات يه ّز ِ ِ الثورة أنها تيتّمت! ّارين ُت ُ يا َ املوت لتيض َء حيا ًة، شعل جبه َة ِ حامل ّ هم الن ِ يا َ صوت جنوين وجنون الناج َ املوت ،ويا مرآ َيت ني من ِ َ َ بحة النّائح ِة ،ودمعة املهلهل ِة، األوىل ،ورهبة ثائ ٍر ،يا ّ َ طفليك ،وغربة شقيقك! ماذا ستعرف عن وضحكة عليك نبأُ أقص َ َ ّ منتظ ٍر مل ي َرك إل م ّرة وحيدة؟ وكيف ّ َ َ وكيف أخ ّبئ وجهي وأنجبتك! أ ّمنا التي مل تنج ْبني خج ًال من خ َر ٍس يصيبني حني ترسل يل “مرحبا يا خالتي”! ماذا ُ تعرف يف زنزانتك عن خويف ك ّلام ُ ملحت ّ صورتك أن أقرأ خ ًربا سيئًا كل يق ٌني أنه لن يصيبك! تخرج وال تراين ُ وماذا سأقول لك ح َ قمت بواجبي ني ُ كام يليق؟ ُ ُ َ الحقيقي ،الزنازين هي بالدنا ه وج تعرف أنت؛ حيث ّ
مكياج رخيص برائحة وجه بالدنا ،واملراكز الثقاف ّية ٌ عفن ٍة اعتدناها حتّى ظنناها طبيعية! الزنازين يا أخي تعديالت برص ّية هي الصورة الحقيق ّية لبالدنا دون ٍ ملسات فنّية لفنانني متواطئني مع العار ،الزنازين أو ٍ ُ السجانني ،وصور القاتل، وأصوات املح ّققني ،ورفسات ّ وروائح املوت ،والحرش ُ ات الهاربة من مخ ّلفات س ّكان املدينة العليا ،كل هؤالء يش ّكلون الح ّلة املتكاملة ملا يعرف بالوطن ،الزنازين يا أخي ،أصبحت تعرفك أكرث مام أعرفك! انظر كم أصبحت متأصل ًة هناك! منذ أن التقينا عىل فنجان قهوة يف دمشق ،ورفضت أهرب من أن تأيت لزيارة س ّيدة ال تطيق حديثتها ،وأنا ُ مت املقهى عيلّ، ذاكرة اليوم الذي سبق غيابك! وح ّر ُ وبعدها ،ح ّر ُ مت دمشقَ ..دمشق البعيدة عنّي اآلن، وعنك ً أيضا ،فدمشقُ العامرة فوق األقبية املظلمة أبعد كث ًريا من فلسطني التي قطعت األسالك الشائكة لتتس ّلل إليها ،أبعدُ كث ًريا عن صوتك وأنت تدندن “يا عتم الزنزانة” ومت ّد لسان الحياة يف وجه ح ّراس الخوف يهم كث ًريا كيف لتزعزع قلوبهم ،ودمشقُ فوقك ،قد ال ّ املهم أنها ،كانت أصغر من أن تتسع أصبح شكلهاّ ، لجناحيك! ماذا أقول لك عن املخيم يا مهنّد؟ هل يكفي أن أقول لك :مل يبق منه يشء؟ ومل يبقَ فيه أحد؟ ومل يعد هناك ما كنّا نس ّميه مخ ّي ًم ونس ّمي أنفسنا أبنا َءه! هل يكفي أن تعرف –وأنت تقرتب من عامك الرابع يف الزنزانة- أن املخ ّيم كان زنزانة كبرية رمبا ببشاعة زنزانتك
تفوت الحافلة أرملة دمشق ّ
ثقافة
ٌ متدافعة بانتظا ِر باص النّقل الدّاخ ّ يل الحشو ُد ُ رب مكانٍ ُيش ِب ُه دمشقَ القدمية ،لكنّني أراه ُق َ بتدريب عا ٍّم عىل للم ّرة األوىل ،يف مشه ٍد أشب ُه ٍ تقاطيع دمشقَ القدمي ِة يوم القيامة .للمكانِ ُ نفسهاّ : ُ ُّ ّ الط ُ رق الحجر ّية ،واملحال التي تحاول أن ُ ً تظه َر منتظمة للعيانِ ولكنَّ شيئًا يف عشوائ ّيتها واقعي أكرث من االنتظامْ ،مل أعُ د أذك ُر ذو جاملٍ ٍّ إن كانت مغاليقُ هذه ّ املحل ِت مصبوغ ًة با ْل َع َل ِم أ ْم الُ .ل ٌ باب من عط ٌنة هاث ُ ُ وروائح ِ وضجيج ُس ٍ َ تفهم من ُه كلم ًة واحد ًة ّوع ا ّلذي ال ُ ذلك الن ِ باب َ دون أن تف ّك َر م ّرتني. ولكن َّك توقنُ أ ّن ُه ُس ٌ لس ُت متأ ّكدًا كم ال أذك ُر ملاذا أنا هنا اآلنْ ، الساع ُة وال ما ُ يوم يف غاي ِة تاريخ هذا اليوم ،لكنّه ٌ ّ الصيف ّية دون أدىن ّ شك؛ الج ُّو العام يف الحرك ِة ّ ساعات ّ الظهرية ،لكنّ َ لون نهاريٌّ ،بل أشبه بأثقلِ ِ
مات فيه كثريون تعرفهم ج ّيدًا من الجوع! مل تسمع املتفجرة فهي أمر طرأ بعد غيابك ،ومل تسمع بالرباميل ّ بالدولة اإلسالم ّية ،كيف أرشح لك عن يشء ال ميكن أن تتخ ّيله؟ وماذا أقول لك عن املخربين الذين س ّلموا أصدقاءنا لألمن من عىل املعرب ،وكيف أرشح لك ماذا يعني املعرب! املعرب يا أخي ،هو حاجز اسمنتي برشيّ أغلق املخ ّيم وقطعه عن العامل بعد أن فتح املخيم بابه للجميع ،املعرب هو ربط ُة خبز وضعها فلسطينيون وسوريون مثلنا ملحارصين جائعني فلسطينيني وسوريني مثلنا ،وقنصوا كل من يقرتب منها ،املعربّ ...ربا ال تريد أن تعرف كل هذا ،وهذا أفضلّ ،ربا يجب أن تعرف فقط ..أننا ننتظر عودتك قري ًبا.
عالء عودة
السامء ا ّلذي بدأ إظالم ُه يؤ ّكدُ أ ّننا يف الدّقائق ّ ّ قديم غريب األوىل بع َد غروب الشمس .مي ُّر ٌ باص ٌ ّ –أقرب إىل الـ”هوب هوب” من ُه إىل الشكل ُ الباص -ولكنّني ال أع ُري األم َر اهتام ًما أك َرب من حافالت جديد ًة حجم ِه؛ كوننا اعتدنا أن نرى ٍ ُ ّ املهم يوم تعمل يف غري خطوطها املعتادةّ ، كل ٍ أن نصل إىل أماكننا ،غ َري أ ّنني ُ لست متأ ّكدًا من وجهتي اليوم. ّ الباص من البعيد، الح فيها ُ يف ال ّلحظ ِة التي َ تزاحمت ال ّرؤوس والجذوع واألذرع واألرجل، كأ ّنها ٌّ ُ ولست واث ًقا من ّأن كل عىل حدة، العدد اإلجام ّيل لألذرع أو األرجل سيكون رغم ّ الضج ِة العارمة قاب ًال للتّقسيم عىل اثننيَ . املعتادة ،كان ّ الشء املم ّيز يف هذا املشهد هو َ ات خل ّوه من أصوات الحرب ،فال أصوات لطائر ٍ أو اشتباكات .من آخر ّ الشارع تظه ُر راكض ًة،
امرأ ٌة ُ أشيب أنيق ،ترتدي ردا ًء أسو َد ذات شعر َ ٌ يقل أناق ًة عن شعرها ،كأ ّنها ٌ ال ّ خارجة للت ّو أرملة لوحات القرن ال ّثامن عرش أو التّاسع من إحدى ِ عرش .أثنا َء عد ِوها ّ اك اللهث من أجلِ إدر ِ ّ ترتطم بس ّيد ٍة بدين ٍة يف عباء ٍة رثة؛ من الباص، ُ ّ أضخم من وصوت دو ّي ِه الذي كان هولِ االرتطام ِ َ ُ الجميع ،وأنا يلتفت أن ينت َُج عن ارتطام برش ّيني، ُ –ا ّلذي ُ السافرة األنيقة من كنت ُ أتابع الس ّيدة ّ أ ّول ّ ُ نلتفت إىل مصدر بعيني -من بينهم، الشارع ّ الصوت ،ويف صور ٍة بالغ ِة الغراب ِة بالنّسبة لهذا ّ السيدة األنيقة وقد نرى املعتاد، اليومي د املشه ِ ّ ِّ ُق ْ طعت يداها من ال ّرسغني إث َر االرتطام ووقعتا عىل األرض يف بحرية دماء ،وذراعاها تقذفان الدّم لدم ينفر من عنق شا ٍة ُنحرت للتّو. يف توات ٍر ٍ السيدة يف العباء ِة ال ّرث ِة بعيني من يح ّذ ُر تنظ ُر ّ ثم متيض ً شخصا دفع ُه للت ّو من أن يعيد الك ّرةّ ،
الكتابة في وسائل التواصل االجتماعي :فيسبوك
15
باسل مطر -مشروع سالمتك
الحجم:
يتيح فيسبوك مساحة أكرب من نظراءه لصياغة املنشور ،فبعد أن رفعها من 500إىل 5,000حرف منذ عدة أعوام عاد ورفعها لحدود 60ألفا ،وهو أكرث بكثري مام يوىص به من قبل الخرباء .ال شك ان هذه املساحة تتيح للمستخدم نرش مقاالت طويلة وكاملة عىل فيسبوك .لكن القاريء قلام يقوم بالنقر عىل «إقرأ املزيد» ملتابعة القراءة ,وغالبا ما ينتقل إىل منشور آخر ,سيام وأن أكرث من 80%من مستخدمي فيسبوك يستخدمنه من خالل الهاتف! ينصح الخرباء بأن يكون طول املنشور بني 240و450 حرفا (مع الفراغات) مبا يف ذلك الرابط ,وهذا يتيح للقاريء رؤية املنشور كامال دون الحاجه للنقر.
املضمون:
إن إضافة الرمز @ قبل اسم مؤسسة أو شخص ميتلك حسابا عىل فيسبوك متكن القاريء من النقر عىل االسم لزيارة صفحة هذا الحساب أو الصفحة .إن وسم اآلخرين يف املقام املوائم لذلك يساعد اآلخرين عىل الوصول إىل املزيد من املعلومات ومصادر الخرب, وهو يشجع اآلخرين عىل وسم حسابك أو صفحتك أيضا ،وهو أمر يوسع من انتشار منشوراتك ويجذب املزيد من املستخدمني إىل حسابك أو صفحتك.
الهاشتاغ:
قام فيسبوك العام املايض بإدراج ميزة الهاشتاغ ضمن منشوراته ,وهي امليزة التي اشتهر بها موقع التدوين القصري تويرت منذ بداياته .والهاشتاغ هي كلمة مفتاحية مسبوقة بالرمز #الذي يحول الكلمة حني إضافته قبلها إىل رابط يستطيع من ينقر عليه أن يعاين كل املنشورات اآلخرى التي تستخدم هذه الهاشتاغ أو الكلمة املفتاحية .يغلب استخدام الهاشتاغ خالل األحداث الكبرية التي تلقى اهتامما كبريا ورواجا هائال ,ويف الحمالت التي تهدف إىل التوعية أو التعريف بحدث أو قضية ما ,وهي مبثابة أداة تجمع كل ما يقال حول املوضوع يف مكان واحد. وقد أثبتت هذه اآللية نجاعتها يف كثري من األحيان, لكن اإلرساف يف استخدامها له أثار سلبية أيضا .ينصح عند النرش عن موضوع رائج (زلزال مثال ,أو حدث أمني كبري مثل أحداث باريس) البحث عن الهاشتاغ التي يستخدمها اآلخرون وتضمينها يف منشوراتك بحيث تتاح لها فرصة أكرب يف الوصول إىل عدد أكرب من الناس .هذا األمر يفيد كثريا بالنسبة للصفحات التي تتاح جميع منشوراتها للعموم ,أما املنشورات عىل الحسابات الخاصة فهي تخضع
لقواعد الخصوصية التي يطبقها صاحب الحساب.
مقاالت
تشري الدراسات إىل أن املنشورات التي توجه القاريء نحو القيام بفعل معني تحظى بنسبة تفاعل أكرب بكثري السيدة األنيقة عىل رصيف موقف الباص َ خارج املشهد؛ تتل ّوى ّ من تلك التي تكتفي بنقل ّ يعم الذع ُر بنسب ٍة معقول ٍة كر ّد فعل من األمل وسط بحرية دمهاُّ . معلومة ما .فكلامت مثل ُ تسقط ة مرحل إىل وصلنا إلهي! يا عىل هذا املشهد يف أ ّيام كهذه: ٍ «إقرأ» و «شاهد» و «تعلم»، فيها يدان برش ّيتان ملج ّرد االرتطام؟! هذا غري قابلٍ للتّصديق واملنشورات التي تضم صورا املنطقي أكرث أن تسقط اليدانِ بعد برتهام بح ّد منطق ًّيا ،كان من ّ جذابة ومؤثرة ،تلقى تفاعال السقة!! ساطور قائ ِد ميليشيا ما أكرث بكثري من تلك التي تقترص إلهي لصاحبهام عىل ّ كعقاب ٍّ ٍ ٌ ً العدم ُيخلقُ رشيط أصف ُر ومن ، ال ذهو الجميع أفواههم يفغ ُر عىل النص .ينصح أيضا بأن ال ُ ِ ُ يتضمن النص أكرث من رابط صحت تسميتها بذلك -دون أن يقوم يحيط مبرسح الجرمية –إن ّ واحد ,ويف حال تضمن فيديو ُ رشطي بتنصيبه .يطول نفو ُر الدّم من ذراعي الس ّيد ِة األنيقة أيّ ٍّ عىل املنشور أن يضم وصفا خرج منهام من الدّم حتّى اآلن أكرث ممّ أكرث من املعقول ،ما َ جذابا للفيديو بحيث يدفع قد تحتويه أجساد رجالٍ خمسة!! يبدأ الحارضون بالتّململِ القاريء إىل مشاهدته. اف شيئًا فشيئًا حتّى يصبح الحشدُ أصغر من أن ُيس ّمى واالنرص ِ النربة واألسلوب: شخصا يظه ُر وسطنا من العدم ويف يدي ِه منشفة حشدًاُ ،أر ُ اقب ً مبا أن فيسبوك هو منصة للس ّيدة األنيقة ُّ ثم ُ تنهض فتلف بها ذراعيها األبرتينّ ، يعطيها ّ للتواصل االجتامعي فهو ُ ً دموع جا ّف ٍة ُّ أن من أقل ر آثا وجنتيها وعىل ة وحيد وتنرصف ُ ٍ يعج مبستخدمني رغبتهم تكون ناتج ًة عن هذه الحادثة... األوىل هي التواصل مع موقف الباص الخاطئ! ،فأعدو مرسعًا إىل ثم أتذ ّكر :ت ًّبا!! أنا يف ِ ّ معارفهم ومتابعة أخبارهم, ّ الباص املنشود........ ِ ارع املوازي قبل أن يفوتني ُ املوقف يف الش ِ لكن استخدام فيسبوك امتد ُ ّوم. ن ال إىل العودة أستطيع وال ا ر مذعو أستيقظ ثم ُ ً ّ أبعد من هذه الغاية ,وأصبح منصة تستخدمها املؤسسات
الوسوم:
العدد 2015 / 12 / 3 - 60 -
حلت وسائل التواصل االجتامعي مكان العديد من املنصات التقليدية التي تنقل األخبار ,ويف كثري من األحيان ,وبسبب الكم الهائل من املحتوى الذي أصبح متوفرا اليوم ,ننحو إىل االكتفاء بقراءة ما نراه يف نص املنشور عىل تويرت وفيسبوك ,ونحجم عن قراءة املادة كاملة عىل الرغم من وجود رابط لها يف منت املنشور. تشكل وسائل التواصل االجتامعي حجر أساس اليوم لرتويج املحتوى الذي ينترش عىل اإلنرتنت ,حيث يتم توجيه القاريء من خالل فيسبوك و وتويرت إىل املادة األصلية ,ومن غري الصائب القول بأن االكتفاء بقراءة ما نراه يف منشور فيسبوك هو ما يجب أن نهدف إليه ,ألسباب لعل أكرثها أهمية هو أن املنشور ,مهام بلغت براعتنا يف صياغته ال ميكن أن ينقل خربا كامال, أو قصة كاملة ,وهو مجرد طعم هدفه إغراء القاريء بالنقر عىل الرابط املرفق لالطالع عىل كامل القصة. يف عرص الرسعة وعرص املعلومات والفيض الهائل من املحتوى قد ال يجد القاريء الوقت للقراءة ,لكن ذلك يرتكه ,رمبا دون وعي منه ,حبيس صورة منقوصة عن كل ما يحدث حوله ,ويشتته ويعطيه صورة مشوهة عن األحداث. ينصح الخرباء باتباع قواعد معينة يف كتابة املنشورات عىل وسائل التواصل االجتامعي ,حيث تختلف هذه املنصات من حيث طبيعتها ,وطبيعة التفاعل معها ,وحجم النص الذي تتيحه للكتابة ,فلكل منها
قواعده ،لكني سأتطرق يف هذه املقالة إىل الكتابة عىل فيسبوك. يرتبع فيسبوك اليوم عىل عرش منصات التواصل االجتامعي من حيث عدد املستخدمني النشطني, وعدد املنشورات والصور والفيديوهات التي تنرش عليه كل يوم .وبالنسبة للسوريني تحديدا يبقى فيسبوك خيارهم األول لنرش أخبارهم والتواصل مع أصدقاءهم وأقرباءهم وتنسيق نشاطاتهم وتبادل املعلومات.
والحكومات والصحف ومحطات التلفزة لنرش محتواها ,والتأثري بالرأي العام ,وإيصال املعلومة, أو حتى استمزاج اآلراء حول مواضع هامة ,وتوثيق األحداث أحيانا .لكن ذلك ال ينفي الصفة االجتامعية عن هذه املنصة ,وهذا يفرض بطبيعة الحال أن يتقيد املستخدم بنربة وأسلوب معينني يف صياغة ما ينرش .ينصح عموما بانتقاء الكلامت بعناية بحيث تكون مؤثرة ودقيقة يف آن معا ,واالبتعاد عن املبالغه يف الرسمية واالقرتاب أكرث من أسلوب عامي مع املحافظة عىل املهنية .يجب أن تصاغ املنشورات بطريقة ودودة ,تجذب القاريء وال تنفره حتى لو كان مضمون املرفقات خالفا لذلك (فيديوهات عنيفه مثال تصور مشاهد دمار أو موت طفل) .ال شك أن الحفاظ عىل هذا النوع من التوازن هو أمر ليس باليسري دامئا ,لكن املامرسة واالطالع عىل منشورات املؤسسات الكبرية التي يصيغها محرتفون تساعد يف تطوير مهاراتنا يف هذا االتجاه.