طلعنا عالحرية / العدد 61

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪61‬‬ ‫‪2015 / 12 / 20‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع‬ ‫داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعات السورية يف الخارج‬

‫ملف العدد‪:‬‬ ‫المعارضة السورية‬ ‫ماذا قدمت للسوريين‪! ..‬‬


‫المعارضة‪ ..‬ووصمة االنتهازية‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية بقلم ليلى الصفدي‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫يغيب ذكر املعارضة السورية طوي ًال‪ ،‬ليعود إىل‬ ‫التداول عند أي مؤمتر دويل أو إقليمي‪ ،‬ورغم قلة‬ ‫اإلميان بقدرتها عىل التأثري عند غالبية السوريني‬ ‫وحتى من املعارضة نفسها‪ -‬أمام إرادات القوى‬‫الدولية املتصارعة عىل ساحتنا السورية‪ ،‬إال أن‬ ‫هذا ال يعفيها من مسؤولياتها وال من أخطائها‬ ‫التي يرى الكثريون أنها أودت بنا إىل هذه‬ ‫األوضاع القامتة‪.‬‬ ‫لقد ارتبط لفظ “املعارضة السورية” يف أذهان‬ ‫كثري من السوريني وغري السوريني بصفة‬ ‫“االنتهازية”‪ .‬ويبدو أن لهذا االرتباط الكثري من‬ ‫األسباب واملربرات التي تدعمه وتؤكده‪ ،‬ليس‬ ‫أق ّلها خضوع أغلبية هذه املعارضة ألجندات‬ ‫أجنبية وارتهان قراراتها ملصالح الدول التي ادّعت‬ ‫صداقتها للشعب السوري املذبوح‪ ..‬بل وهرولتها‬ ‫الدامئة السرتضاء هذه الدول واستجداء األموال‬ ‫والحلول عىل أعتابها‪.‬‬ ‫وال أقلها أيضاً االنفصال شبه التام بني الداخل‬ ‫والخارج‪ ،‬املعارضة التي ارتهنت ملصالح أجنبية‪،‬‬ ‫وقفت أيضاً عىل أرض أجنبية ومل تتص ّد لواجبها‬ ‫القيادي املفرتض بالدخول إىل املناطق السورية‬ ‫والوقوف إىل جانب شعبها املسحوق رغم‬ ‫املساحات الشاسعة التي خرج منها النظام‬ ‫لتتو ّالها أيادي التطرف السوداء وتنحر ما تبقى‬ ‫فيها من حياة آدمية‪ .‬وبينام كان شباب الثورة‬ ‫ُيسحلون و ُيقتلون عىل أيدي أجهزة النظام‬ ‫وجامعات التطرف‪ ،‬كانت معارضة الخارج تتنقل‬ ‫بني فندق وآخر‪ ...‬تطحن املاء وال تغرف إال‬ ‫األكاذيب‪.‬‬ ‫أضف إىل ذلك ما عرف عن هياكل املعارضة‬

‫التنظيمية وما تعانيه من فساد واستبداد‪،‬‬ ‫وانفصال ما بني القواعد والهيئات العامة‬ ‫والقيادات النافذة‪ ،‬والتي عودت الجميع عىل‬ ‫االنفراد بالقرارت املصريية‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬ومن بني كل األسباب التي ُتساق للتدليل‬ ‫عىل انتهازية املعارضة يبدو أنه ال ّ‬ ‫أدل عىل ذلك‬ ‫من سعي الكثريين منها منذ بدايات الثورة لركوب‬ ‫املوجة اإلسالمية‪ ،‬فلقد بنى قياديون يف املعارضة‪،‬‬ ‫حتى أشدهم علامنية‪ ،‬بنوا اسرتاتيجيتهم عىل‬ ‫قاعدة أنه “ال ّ‬ ‫يفل الحديد إال الحديد”‪ ،‬وال‬ ‫يستطيع مواجهة رشاسة النظام إال ظالمية توازيه‬ ‫أو تتفوق عليه رشاسة‪ !..‬ولقد رأيناهم يف مراحل‬ ‫عديدة وال زلنا نراهم طربني ومنرشحي الصدور‬ ‫النتصارات موهومة لقوى الظالم التكفريية‪.‬‬ ‫مل تستطع هذه املعارضة ‪-‬التي أدمنت العجز‬ ‫لعقود طوال‪ -‬تربئة نفسها من وصمها باالنتهازية‪،‬‬ ‫وال استطاعت االنخراط الحقيقي يف الرصاع‪ ،‬وال‬ ‫أيضاً سعت ٍّ‬ ‫لحل سيايس كان من شأنه إنقاذ ما‬

‫كلمة‬

‫للنشر أو مراسلة فريق التحرير‬

‫ميكن إنقاذه‪ ،‬فلقد كان حلمها املعلن الوصول‬ ‫إىل الحكم عىل ظهر خيل “إسالمية”‪ ،‬متناسية أن‬ ‫التطرف ليس ذلك الخروف األليف الذي نربيه‬ ‫لنذبحه يف العيد املقبل‪ ،‬إمنا هو وحش ضا ّر يلتهم‬ ‫البرش والحجر‪ ،‬التاريخ والحارض واملستقبل‪ ،‬وليس‬ ‫من شأنه أن يبني الدول واملجتمعات‪ ،‬إمنا شأنه‬ ‫فقط أن يؤجج الحرب والنزاعات الطائفية‪ ،‬وأن‬ ‫يستجلب وحوش األرض لتقصف ما مل يقصفه‬ ‫النظام‪.‬‬ ‫ال نعرف ماذا ترسم لنا الدول الكربى اليوم يف‬ ‫مجلس “أمنها”‪ ،‬لكننا نعرف أن شعبنا املخذول‬ ‫الذي سئم ويالت الحرب والقتل والتدمري‬ ‫والشتات يريد أمنه قبل ّ‬ ‫كل يشء‪ ،‬وقد بات من‬ ‫حقه عىل كل من زاود يف متثيل مأساته يف املحافل‬ ‫الدولية أن يتواضع أمام دماء الناس وآالمها‪..‬‬ ‫وأن يسعى ألي ّ‬ ‫حل قد يوقف النزيف ويض ّمد‬ ‫الجراح‪ ..‬ويضع العجلة عىل سكتها الصحيحة‬ ‫حتى لو ابتعد قلي ًال حلم الحرية األول‪.‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫ليىل الصفدي‬

‫معاون رئيس التحرير‬ ‫نصار‬ ‫أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫املحرر الثقايف‬ ‫رامي العاشق‬

‫محرر القسم الكوردي‬ ‫مريال بريوردا‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫قراءة لقرار مجلس األمن األخير ‪2254‬‬

‫‪3‬‬

‫أبو القاسم السوري‬

‫العدد ‪- 61 -‬‬ ‫‪2015 / 12 / 20‬‬

‫املناسبة‪.‬‬ ‫‪ -2‬خلق خطوات بناء الثقة بني األطراف‪.‬‬ ‫‪ -3‬تحييد جميع من يرفض أو يقف عائقاً أمام‬ ‫السيناريو املحتمل‪.‬‬ ‫‪ -4‬دفع كل األطراف لالعرتاف باآلخر واالعرتاف‬ ‫بوجوده وما ميثله وما يبتغيه من مصالح‪.‬‬ ‫‪ -5‬الدخول يف مفاوضات تفيض إىل إيجاد اتفاق‬ ‫سيايس ينهي هذا الرصاع‪.‬‬ ‫ولكن عىل الدول الفاعلة أن تدرك أن تسوية‬ ‫الرصاع يف سورية تستوجب تحقيق مسألتني‬ ‫هامتني ومتداخلتني تتعلقان بعملية تسوية‬ ‫الرصاعات والتوصل إىل تسوية سلمية دامئة؛ أما‬ ‫املسألة األوىل فهي تتعلق بكيفية بناء نظام سيايس‬ ‫واجتامعي يقدم سقفاً سياسياً واجتامعياً مقبوالً‬ ‫أمام جميع فئات املجتمع‪ ،‬والثاين يرتبط بقضية‬ ‫األمن؛ فقد تثري تجارب الرصاعات املحلية معضلة‬ ‫حادة حول األمن الداخيل ألطراف الرصاع‪ ،‬لذلك‬ ‫يحل هذه املعضلة األمنية‪.‬‬ ‫يجب عىل أي حل أن ّ‬ ‫ومن هنا يتضح أن العقدة الرئيسية يف سبيل‬ ‫تحقيق هاتني املسألتني هي وجود بشار األسد ألنه‬ ‫ال ميكن تخيل بناء نظام سيايس واجتامعي جديد‬ ‫حل معضلة األمن لقوى الثورة‬ ‫بوجوده‪ ،‬وال ميكن ّ‬ ‫بوجوده‪ ،‬ألنه ميثل رشعية القتل واإلجرام‪.‬‬ ‫ومن هنا يجب أن يكون املدخل الحقيقي لبناء‬ ‫اسرتاتيجية تفاوضية للمعارضة قامئة عىل تبني‬ ‫مفهوم الدولة وما تفرزه من فكرة للسلطة العامة‬ ‫متمثلة بنظام سيايس واجتامعي جديد‪ ،‬ال يكون‬ ‫لألسد دور فيه‪ .‬ويجب ترسيخ عملية الفصل‬ ‫بني شخصية بشار األسد وبني مؤسسات الدولة‬ ‫لحل‬ ‫السورية‪ ،‬وخاصة أننا أمام بوادر إرادة دولية ّ‬ ‫الرصاع يف سورية‪ ،‬ويف حال وجود هذه اإلرادة‬ ‫يصبح بشار األسد مجرد رقم يتم تجاوزه إذا ما‬ ‫كان سيشكل العقبة الحقيقة لحل الرصاع‪.‬‬

‫مقاالت‬

‫أصدر مجلس األمن قراره بتاريخ ‪19/12/2015‬‬ ‫حول الوضع يف سورية والذي تضمن ‪ 16‬بنداً‬ ‫تناولت جوانب مختلفة من األزمة السورية‪ ،‬ويف‬ ‫ّ‬ ‫كل مرة يصدر مجلس األمن قراراً حول سورية‬ ‫يعاد طرح األسئلة نفسها‪:‬‬ ‫هل س ُيطبق هذا القرار؟‬ ‫هل وصلنا إىل نقطة أصبحت هناك إرادة دولية‬ ‫ّ‬ ‫لحل الرصاع يف سورية؟‬ ‫هل هناك ضامنات لتطبيقه؟‬ ‫هل سيلتزم النظام بهذا القرار؟‬ ‫هل هذا القرار سيختلف عام سبقه وعام سيليه؟‬ ‫‪..‬العديد من األسئلة‪ ،‬وخاصة أن مجلس األمن‬ ‫أصدر حتى اآلن ‪ 13‬قراراً و‪ 7‬بيانات رئيسية‪ ،‬ومل‬ ‫ُين ّفذ منها أي يشء عىل أرض الواقع‪ .‬فلامذا سيكون‬ ‫هذا القرار مختلفاً؟‬ ‫إن قراءة أولية لبنود القرار تشري إىل عدة نقاط‬ ‫ابتدائية‪ ،‬ال بد من التوقف عندها بشكل واضح‪:‬‬ ‫أوالً‪ :‬الرسعة يف اجتامع مجلس األمن واملوافقة‬ ‫الجامعية عىل القرار‪ ،‬وهذا يعطي مؤرشاً ابتدائياً‬ ‫عىل وجود استعجال دويل لبدء الدخول يف حل‬ ‫االزمة السورية‪ ،‬وفق املنطق السيايس البعيد عن‬ ‫الحل العسكري‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬ترسخ تعريف محدد للرصاع يف سورية وفق‬ ‫املنظور الدويل بأنه رصاع عنف يو ّلد إرهاباً يزعزع‬ ‫استقرار املنطقة وخارجها‪ ،‬أي أن الدول الفاعلة‬ ‫دولياً أصبحت عىل قناعة أن استمرار الرصاع يف‬ ‫سورية يؤثر سلباً عليها‪ ،‬ولذلك أصبحت يف حاجة‬ ‫إليجاد ّ‬ ‫حل لهذا الرصاع‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬حرص مسؤولية حامية الناس بالسلطات‬ ‫السورية‪ ،‬وهو ما يستوجب إيجاد سلطة جامعة‬ ‫لجميع السوريني‪ ،‬ولذلك ّمتت إضافة كلمة‬ ‫“جامعة” عىل مطلب تشكيل هيئة حكم انتقالية‪،‬‬ ‫لتصبح هيئة حكم انتقالية جامعة تخ ّول بسلطات‬ ‫تنفيذية كاملة‪ ،‬وذلك يؤرش عىل أن بنية النظام‬ ‫الحالية سيتم استبدالها ببنية سلطوية جديدة‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬اعتامد سيناريو لألحدث يبدأ بخطوات‬ ‫تخفيف حدة الرصاع من خالل خطوات عمالنية‪،‬‬ ‫وهي وقف القصف ثم االنتقال إىل وقف إطالق نار‬ ‫ثم إدخال املساعدات اإلنسانية وإطالق املعتقلني‪،‬‬ ‫وهي خطوات بالرضورة تعمل عىل تخفيف‬ ‫االحتقان وتهيئ الجو لبدء عملية التفاوض‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬ضبط العملية التفاوضية بجدول زمني‬ ‫محدد وإن كان يبدو طويل األمد ولكن بالنظر‬ ‫إىل طول الرصاع يف سورية وتعقيداته يبدو جدوالً‬ ‫قاب ًال للتطبيق‪.‬‬ ‫سادساً‪ :‬تخوف املجتمع الدويل من أي انهيار‬ ‫محتمل للنظام‪ ،‬لذلك يبدو التأكيد عىل إبقاء‬ ‫مؤسسات الدولة كضامن لعدم انزالق سوريا نحو‬ ‫التفكك والفوىض‪ ،‬وبالتايل سيكون هناك بالرضورة‬ ‫مقاربات نحو إيجاد صيغ اندماج وتفاهم‬ ‫داخل مؤسسات الدولة بعد إيجاد هيئة الحكم‬ ‫االنتقالية‪.‬‬ ‫سابعاً‪ :‬الرتدد يف تبني أي جهة كممثلة للمعاضة‬ ‫السورية‪ ،‬وهو ما يؤرش إىل حالة التخ ّبط لحد‬ ‫اآلن عىل املستوى الدويل يف هذا املجال‪ ،‬رغم أن‬ ‫القرار فتح املجال أمام حسم هذا األمر حيث خ ّول‬ ‫دميستورا بحسم هذا األمر‪.‬‬ ‫ثامناً‪ :‬العمل عىل التخفيف من حدة التغريات‬ ‫الدميوغرافية التي أحدثها النظام‪ ،‬والعمل عىل‬ ‫إعادة الوضع الدميوغرايف تدريجياً إىل ما كان عليه‬ ‫من خالل دعوة القرار إىل تهيئة األجواء والظروف‬ ‫لعودة النازحني واملهجرين إىل مناطقهم األصلية‪.‬‬ ‫من خالل ما ذكرناه سابقاً يبدو أننا أمام اسرتاتيجية‬ ‫دولية واضحة لحل الرصاع يف سورية‪ ،‬مبنية عىل‬ ‫تصنيف الرصاع يف سورية بأنه رصاع أهيل وليس‬ ‫ثورة شعب مظلوم‪ .‬وسيتم العمل وفق اتجاهني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬تقسيم األدوار بني الفاعلني األقليمني‬ ‫والدوليني‪ ،‬وما يظهر أنه خالفات دبلوماسية بني‬ ‫الدول هو يف الحقيقة تناسق وتناغم متفق عليه‪،‬‬ ‫فيبدو أن الدولتني العظمتني متفقتان عىل أن‬ ‫تتعهد روسيا بالوضع امليداين وتهيئته‪ ..‬والحمالت‬ ‫الروسية الرشسة عىل بعض املناطق واستخدام‬ ‫سياسية األرض املحروقة ‪-‬كام حدث يف الغوطة‬ ‫الرشقية مؤخراً‪ -‬مل يكن هدفها تحقيق انتصار‬ ‫عسكري‪ ،‬بل إيصال رسالة سياسة عن حجم الدمار‬ ‫الذي سيالقيه كل من يقف بوجه الجهود الحالية‪،‬‬ ‫وأن تتعهد أمريكا بتهيئة الساحة الدبلوماسية‪،‬‬ ‫بينام تتكفل الدول اإلقليمية بالضغط عىل األطراف‬ ‫التي تدعمها للسري يف كنف هذا الخط‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬رسم خطة تسوية سياسية وفق الركائز‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬تخفيف حدة الرصاع وخلق البيئة السياسية‬


‫هل اختطف النظام رزان زيتونة؟‬ ‫‪44‬‬

‫زياد إبراهيم‬

‫العدد ‪53 -‬‬ ‫‪2015‬‬ ‫‪2015/ /12‬‬ ‫‪8 // 220 - 61‬‬

‫مقاالت‬ ‫لقاءات‬

‫مييض هذه االيام عامان عىل اختطاف رزان زيتونة‬ ‫وسمري الخليل وناظم حامدي ووائل حامدة من‬ ‫مكتب توثيق االنتهاكات يف مدينة دوما يف الغوطة‬ ‫الرشقية‪ ،‬الحدث الذي ال يزال حتى اآلن يلقى‬ ‫استهجاناً من ناشطي الثورة السورية عىل وجه‬ ‫الخصوص وفعاليات حقوق االنسان واملنظامت‬ ‫العاملية عىل وجه العموم‪.‬‬ ‫حيث تنترش عىل مواقع التواصل االجتامعي‬ ‫حمالت مختلفة للتضامن مع املخطوفني األربعة‪،‬‬ ‫مشابهة لحمالت التضامن التي حدثت يف الذكرى‬ ‫السنوية االوىل الختطافهم‪ ،‬اضافة اىل بيانات‬ ‫االدانة واملطالبة بالكشف عن مصريهم من عدة‬ ‫جهات‪.‬‬ ‫وتتوجه االتهامات بشكل مبارش و‪/‬أو غري مبارش‬ ‫(سياسياَ و‪/‬أو جنائيا) اىل جيش االسالم تحت‬ ‫قيادة زهران علوش كونه الفصيل االكرب واالقوى‬ ‫يف الغوطة الرشقية اضافة اىل القرائن التي قدمها‬ ‫بعض اهايل املخطوفني بعد عملية االختطاف‪.‬‬ ‫الجدير بالذكر انه خالل العامني املاضيني مل يتم‬ ‫توجيه اصابع االتهام اىل النظام السوري عىل الرغم‬ ‫انه من أشد املستفيدين من عملية االختطاف‬ ‫لناشطني مدنيني يقومون بتوثيق انتهاكاته عىل‬ ‫كامل الرتاب السوري ويحظون بثقة منظامت‬ ‫حقوق االنسان العاملية‪ ،‬كام لعبت رزان زيتونة‬ ‫جنبا اىل جنب مع كل من ناظم ووائل دوراً هاما‬ ‫يف الحراك الثوري بحكم انهم من املؤسسني للجان‬ ‫التنسيق املحلية اول الهياكل التنظيمية التي‬ ‫انبثقت عن الثورة السورية‪.‬‬ ‫يف التاسع عرش من أيلول ‪ 2013‬اعتقلت قوات‬ ‫النظام أحد مؤسيس لجان التنسيق املحلية‬ ‫املقربني من رزان وكان مكلفاً حينها بإدارة‬ ‫مكتب الحراك الثوري وهو من مدينة دوما ليتم‬ ‫احتجازه واستخدام كل وسائل التعذيب املعروفة‬ ‫عند النظام األمني السوري يف التحقيق معه بغية‬ ‫الحصول عىل معلومات هامة قد تفيد النظام يف‬ ‫مالحقة نشطاء آخرين أو الوصول إليهم‪.‬‬ ‫بعد مرور عام وبضعة أشهر عىل اعتقاله تم‬ ‫االفراج عنه وبقي يف مدينة دمشق لعدة أشهر‬ ‫حتى استطاع الخروج منها اىل أحد دول الجوار‬

‫بعد تحسن حالته الصحية‪.‬‬ ‫يروي عضو لجان التنسيق املحلية عن فرتة‬ ‫الشهور األوىل من اعتقاله كيف ان التحقيق‬ ‫كان متمحوراً حول شخص رزان زيتونة‬ ‫وطبيعة عملها ومساعديها وعن ماهية لجان‬ ‫التنسيق املحلية وشكلها التنظيمي وعن مركز‬ ‫توثيق االنتهاكات وكيفية عمله وعن توثيقه‬ ‫ملجزرة الكياموي وغريها‪.‬‬ ‫ثم يقول بأن جلسات التحقيق كانت تأخذ‬ ‫ساعات طويلة (تحت التعذيب) للحصول عىل‬ ‫معلومات خاصة برزان زيتونة ومكان سكنها‬ ‫ومن يعمل معها وحالتها املادية وحياتها‬ ‫اليومية ثم طلب منه املحقق يف أكرث من مرة‬ ‫املساعدة يف اقناع رزان بطريقة ما والتأثري‬ ‫عليها يك تنتقل اىل مناطق النظام مع إمكانية‬ ‫تقديم كل التسهيالت ليتم االمر‪.‬‬ ‫يقول الناشط‪ :‬كان جوايب دامئا بأن رزان ومن‬ ‫معها من املستحيل جذبهم اىل مناطق النظام‬ ‫تحت أي حجة‪ ،‬فهم مستقرون يف مدينة دوما‬ ‫وجميع احتياجاتهم مؤ ّمنة‪ ،‬وينعمون بعالقة‬ ‫جيدة مع جميع من حولهم‪ ،‬ولديهم الكثري‬ ‫من العمل الذي يقومون به‪ ،‬ومن الصعب جدا‬ ‫اقناع رزان برتك دوما لتخرج اىل مناطق النظام‪.‬‬ ‫ثم يردف قائال‪ :‬بعد أن اقتنع املحقق بعدم‬ ‫امكانيتي (الفعلية) يف إقناعها برتك مدينة‬ ‫دوما‪ ،‬واستحالة جذبها اىل مناطق النظام‪ ،‬قال‬ ‫يل‪ “ :‬ال يوجد لدينا مستحيل‪ ،‬وإذا كنت انت‬

‫ال تستطيع جلبها الينا‪ ،‬فلدينا الكثري من أصحاب‬ ‫اللحى يف الغوطة الرشقية قادرين عىل ذلك “‬ ‫وبحسب الناشط فإن مرحلة التحقيق هذه مل‬ ‫تتعدى الشهرين من لحظة اعتقاله‪ ،‬أي انها انتهت‬ ‫قبل شهر تقريباً من عملية االختطاف التي حدثت‬ ‫يف التاسع من كانون األول ‪ 2013‬يف مدينة دوما‪.‬‬ ‫هذه الشهادة التي يقدمها أحد أعضاء لجان‬ ‫التنسيق املحلية عام جرى معه يف معتقالت‬ ‫الفروع األمنية‪ ،‬مع االخذ بعني االعتبار تقاطع‬ ‫الفرتة الزمنية مع الفرتة التي اختطف فيها نشطاء‬ ‫دوما األربعة‪ ،‬تضع فرضية ‪-‬مسؤولية النظام‬ ‫السوري عن عملية االختطاف‪-‬عىل طاولة البحث‬ ‫والتحليل بجانب الفرضيات األخرى وال تستبعدها‬ ‫كام تم استبعادها سابقاً‪.‬‬ ‫ان الفرضية الجديدة ملسؤولية النظام عن اختطاف‬ ‫رزان زيتونة وسمرية الخليل وناظم حامدي ووائل‬ ‫حامدة ال ت ِّربء ابداً الفصائل العسكرية يف الغوطة‬ ‫الرشقية وعىل رأسها جيش االسالم من املسؤولية‬ ‫عن عملية االختطاف‪ ،‬بل عىل العكس فإن‬ ‫هذه الفرضية لو صحت‪ ،‬فان مسؤولية الفصائل‬ ‫العسكرية سوف تتجاوز اختطاف نشطاء مدنيني‬ ‫لتصبح مسؤولية عن أمر أكرب من ذلك بكثري‪.‬‬


‫المعارضة والخجل بالسلطة‬ ‫‪5‬‬

‫ماهر مسعود‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫ملف العدد‬

‫يفتقد تاريخنا السيايس منذ االنقالب العسكري‬ ‫األول بعد االستقالل‪ ،‬إىل وجود سلطة رشعية‬ ‫منتخبة دميقراطياً‪ .‬لكن غياب السلطة الرشعية‬ ‫واملنتخبة‪ ،‬أدى بشكل تلقايئ‪ ،‬وكنتيجة له‪ ،‬إىل غياب‬ ‫املعارضة الرشعية والعلنية أيضاً‪ ،‬وبالتايل غياب‬ ‫الحياة السياسية وتداول السلطة‪ .‬ومن املعروف أن‬ ‫غياب السلطة الرشعية الذي كان واقعاً مضطرباً‬ ‫وغري مستقر قبل استالم حافظ األسد للسلطة‪،‬‬ ‫أصبح ِشعة مستقرة بعد استالمه‪ ،‬األمر الذي ح ّول‬ ‫االستقرار ذاك إىل أبدية مزعومة وموهومة‪ ،‬مل تنتج‬ ‫بدي ًال عن األبد إال حرق البلد‪.‬‬ ‫تاريخنا السيايس املتش ّكل عىل النحو املوصوف‬ ‫أعاله‪ ،‬قام عىل قامئة واحدة‪ ،‬أو ُبع ٍد واحد‪ ،‬هو‬ ‫السلطة‪ .‬لكن السلطة؛ وكأي سلطة وحيدة‬ ‫ومتف ّردة يف الحكم‪ ،‬سيطرت عىل معنى الوطنية‬ ‫و”الفضاء الرمزي” للوطنية السورية‪ ،‬بأن قدمت‬ ‫نفسها ممثلة للحقيقة وللقضايا الوطنية األساسية‬ ‫بالنسبة للسوريني‪ ،‬مثل قضيتي فلسطني والجوالن‬ ‫املحتلتني‪ ،‬فأصبح االعرتاض عليها هو اعرتاض عىل‬ ‫“الحقيقة” التي مت ّثلها‪ ،‬واملعارض لها هو خائن‬ ‫بالرضورة‪ ،‬وليس خص ًام سياسياً يف حقل السياسة‪.‬‬ ‫أما املعارضة التي كانت غائبة ومغ ّيبة عن الشغل‬ ‫العلني والعمل الرشعي‪ ،‬فقد تبنَّت خطاباً مقلوباً‬ ‫عن خطاب السلطة‪ُ ،‬يخفي و َيخجل بالكالم‬ ‫عن الرغبة يف احتياز السلطة؛ مع أنه الهدف‬ ‫الطبيعي ألي عمل سيايس‪ ،‬و ُيظهر الرصاع السيايس‬ ‫عليها‪ ،‬وكأنه رصاع عىل الحقيقة ذاتها‪ .‬فالسلطة‬ ‫املست ّبدة تخدع الناس وتقدم خطاباً أيديولوجياً‬ ‫(واأليديولوجيا قناع زائف) يخفي حقيقتها غري‬ ‫الوطنية‪ ،‬بالشعارات الوطنية والقومية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫تصبح الوطنية الحقيقية والقومية الحقيقية‬ ‫موجودة عند املعارضة‪.‬‬ ‫الثقافة السياسية التي انبنت عىل تلك األسس‪،‬‬ ‫والتي مازالت سائدة حتى اليوم‪ ،‬تشاركت فيها‬ ‫السلطة مع املعارضة بشقيها اإلسالمي والعلامين‪،‬‬ ‫لكن مع وجود فارق مهم‪ ،‬هو أنه يف الوقت الذي‬ ‫كان فيه اإلسالميون علامنيني يف براغامتيتهم‪ ،‬كان‬ ‫العلامنيون إسالميني يف نزاهتهم “املعلنة” وترفعهم‬ ‫شبه املقدس عن الرباغامتية‪ .‬فالطريق إىل السلطة‪،‬‬ ‫املبني عىل املصلحة السياسية والتجييش الشعبي‬ ‫واللعب عىل موازين القوى وما يحتاجه ذلك من‬

‫براغامتية وإزاحة لألخالق والحقيقة وتجيريهام‬ ‫مصلحياً‪ ،‬كان أكرث وضوحاً لدى اإلسالميني منه لدى‬ ‫املعارضة العلامنية ذات األصول اليسارية‪ ،‬حيث‬ ‫تبنى هؤالء األخريون خطاباً أخالقياً مبنياً عىل الحق‬ ‫والعدل والنوايا الحسنة والوطنية املجردة‪ ،‬وهو‬ ‫خطاب أقرب إىل الزهد بالسلطة رغم كونه مليئاً‬ ‫بالشعور الذايت بأحقية الحلول محلها‪.‬‬ ‫وبينام وصل اإلسالميون إىل حد الرصاع املسلح مع‬ ‫السلطة يف الثامنينيات‪ّ ،‬‬ ‫فضلت املعارضة العلامنية‬ ‫االبتعاد عن الحزبية املس ّلحة واالكتفاء باملعارضة‬ ‫السياسية‪ ،‬وكأنهم يعارضون نظام حكم لسويرسا‬ ‫وليس لسوريا األسد‪ ،‬وبينام كانت املعارضة‬ ‫العلامنية أقرب للنظام يف إخفاء حقيقة رغبتها‬ ‫بالسلطة‪ ،‬كانت املعارضة اإلسالمية أكرث ميكافيلية‬ ‫وأقرب للنظام بإسلوب الوصول إىل السلطة‪.‬‬ ‫النظام من جهته كان أقرب لإلسالميني يف أسلوب‬ ‫ّ‬ ‫منحطة وعنفية‪ ،‬لكنه‬ ‫الحكم مهام كانت وسائله‬ ‫أقرب للعلامنيني يف خطاب الحق والحقيقة والعدالة‬ ‫والوطنية املجردة والشعور الذايت بأحقية الوجود‪،‬‬ ‫وهذا الجمع بني االنتهازية والرباغامتية املميزة‬ ‫لإلسالم السيايس من جهة‪ ،‬والخطاب الزهدي املثايل‬

‫املميز للمعارضة العلامنية من جهة أخرى‪ ،‬أعطاه‬ ‫األفضلية الواقعية عىل الثنايئ املعارض‪ ،‬ليسحق كال‬ ‫املعارضتني‪ ،‬ويرضب ّ ً‬ ‫كل منهام بداللة األخرى‪.‬‬ ‫لذلك نجد أنه سابقاً ‪-‬مثل اليوم‪ -‬وجد الكثري من‬ ‫املعارضني أنفسهم يف خندق واحد مع النظام‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫وإن من مواقع متباينة‪ ،‬فالعلامين “الرصاطي” كان‬ ‫يجد نفسه مع النظام ض ّد اإلسالميني واإلمربيالية‬ ‫(بعد أن أكل املقلب)‪ ،‬واإلسالمي “االنتهازي” كان‬ ‫يجد نفسه مع النظام ض ّد علمنة الدولة وحيادها‬ ‫اإليجايب تجاه مكوناتها‪.‬‬ ‫يف املحصلة‪ ،‬وبعد انفجار الثورة السورية‪ ،‬ثم‬ ‫انفجار العنف وتصاعده إىل مستويات ال معقولة‪،‬‬ ‫مل يبق يف الساحة بشكل حقيقي وفاعل‪ ،‬سوى‬ ‫النظام واإلسالميني عىل تنويعاتهم‪ ،‬أما املعارضة‬ ‫العلامنية الخجولة‪ ،‬واملعتصمة ظاهرياً بحبل‬ ‫السياسة “النظيفة”؛ حيث ال يوجد سياسة نظيفة‬ ‫وبال أوحال‪ ،‬فقد بات واضحاً أنها إن مل تتخلص من‬ ‫ثقافتها السياسية الخجولة وتبني مشاريع سياسية‬ ‫واضحة األهداف وعلنية املبادئ‪ ،‬فإن مصريها مثل‬ ‫مصري كل الخجولني مبا لديهم‪ ..‬أي الخصاء السيايس‬ ‫والعجز التكويني عن الفعل والتأثري‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫التعليم للسوريين في تركيا‬ ‫الحكومة المؤقتة غائبة تماما‬ ‫كفاح عباس ‪ -‬عنتاب‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫ملف العدد‬

‫و ّثقت هيومن رايتس ووتش يف تقريرها الصادر‬ ‫بتاريخ ‪ 9‬ترشين الثاين ‪ 2015‬عدد األطفال‬ ‫السوريني يف سن الدراسة يف تركيا وقدرته بـ ‪708‬‬ ‫آالف طفل يف سن الدراسة‪ ،‬وحسب املنظمة فإن‬ ‫من التحق باملدارس ال يشكلون أكرث من ‪25%‬‬ ‫من هؤالء األطفال‪ ،‬وأن أكرث من ‪ 400‬ألف طفل‬ ‫سوري ال يتلقون تعليمهم يف تركيا‪ ،‬وأرجعت‬ ‫املنظمة األسباب إىل الصعوبات املاد ّية‪ ،‬وحاجز‬ ‫ال ّلغة‪ ،‬وصعوبات االندماج‪ ،‬ونقص املعلومات‬ ‫لدى األهايل حول قضايا التعليم‪.‬‬ ‫قامت الحكومة الرتكية ومنذ بداية العام الدرايس‬ ‫الجاري‪ ،‬بإلغاء كل املدارس الخاصة السورية يف‬ ‫كل املحافظات الرتك ّية‪ ،‬واستعاضت عنها باملدارس‬ ‫الحكومية الرتكية بدوام مسايئ للطالب السوريني‪،‬‬ ‫الترسب‬ ‫ولكن هذه اإلجراءات مل تح ّد من ظاهرة ّ‬ ‫من املدارس‪ ،‬والتس ّول‪ ،‬وعاملة األطفال‪ ،‬التي‬ ‫تفتك بجيل كامل من األطفال السوريني‪.‬‬ ‫مل يقم االئتالف والحكومة املؤقتة بأي تحرك جديًّ‬ ‫للح ّد من هذه الظاهرة‪ ،‬واقترصت التحركات عىل‬ ‫مبادرات فردية قام بها أفراد أو منظامت غري‬ ‫حكومية‪ ،‬حاولت س ّد الثغرة‪.‬‬ ‫يقول األستاذ سليم عبد الغني وهو مديرملركز‬ ‫“يضم مركزنا ‪56‬‬ ‫قوس قزح للرتبية والرتفيه‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫طف ًال‪ ،‬كانو جميعاً إ ّما متسولني أو جامعي قاممة‪،‬‬ ‫نحاول إعادتهم اىل أجواء التعليم عن طريق‬ ‫نشاطات ترفيه ّية وتعليم ّية بسيطة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫نحاول تسجيلهم يف املدارس الحكوم ّية”‪.‬‬ ‫ويضيف األستاذ عبد الغني‪“ :‬تواجهنا عقبات‬ ‫أه ّمها ّأن الحكومة الرتكية مل تعاملنا كالجئني‪ ،‬ولنا‬ ‫حقوق اللجوء‪ ،‬بل ُتعاملنا كضيوف‪ ،‬وهذا نتج‬ ‫عنه نسبة الترسب الكبرية للطالب من املدارس‬ ‫بسبب سوء أحوال أهلهم املادية‪ ،‬فعىل الرغم‬ ‫من كون املدارس مجانية‪ ،‬إال أن بعد املسافات‬ ‫واملواصالت الغالية دفعت بالعديد من األهايل‬ ‫إىل عدم إرسال أوالدهم إىل املدارس‪ ،‬ودفعهم إىل‬ ‫العمل لس ّد حاجات األرسة”‪.‬‬ ‫وعن املركز يقول‪“ :‬يعتمد املركز بالكامل عىل‬

‫مد ّرسني متطوعني‪ ،‬وقام بتسجيل عرشة طالب‬ ‫من أصل ‪ 65‬يف املدارس الحكومية ويحاول زيادة‬ ‫هذا العدد بشكل دائم”‬ ‫السيدة برشى‪ ،‬وهي والدة لطفلة يف الصف الرابع‬ ‫تقول‪“ :‬هناك أخطاء علم ّي ٌة كثري ٌة يف املناهج‪،‬‬ ‫وبخاصة يف منهاج اللغة العربية والرياضيات‪ ،‬كام‬ ‫أن محاولة إدخال املعلومات عن الثورة السورية‬ ‫فجة وغري منسجمة مع املناهج‪ ،‬إضافة‬ ‫تبدو ّ‬ ‫إىل أن أغلب املدارس يف العامني السابقني كانت‬ ‫ذات طابع إسالمي متشدّد‪ ،‬وتعرضت العديد من‬ ‫املحجبات للمضايقة من‬ ‫املد ّرسات والطالبات غري ّ‬ ‫ً‬ ‫قبل مد ّرسني ومد ًّراسات وأحيانا من قبل طالب”‪.‬‬ ‫وتضيف السيدة برشى‪“ :‬بسبب عدم وجود‬ ‫مرجع ّية‪ ،‬أو جهة رقاب ّية عىل املدارس فإن‬ ‫املدرسني يعطون املناهج وفق تص ّوراتهم الخاصة‪،‬‬ ‫وهذا ما أدى لوجود الكثري من الفكر املتطرف يف‬ ‫املدارس‪ ،‬حيث وصل أحياناً إىل حد إلغاء اآلخر‬ ‫املختلف‪ ،‬إىل درجة ّأن بعض املد ّرسني يجاهرون‬ ‫بدعمهم لـ “داعش” أمام الطالب”… “أضف‬ ‫إىل ذلك ّأن الباصات التي تنقل الطالب تابعة‬ ‫لرشكات تركية وتتحكم بوقت الطالب وعددهم‬ ‫يف الباص الواحد‪ ،‬مام يؤدي لتأخري الطالب أحياناً‬ ‫لساع ٍة ونصف عن بيوتهم بعد انتهاء الدوام‪،‬‬ ‫واإلدارات تتنصل من مسؤوليتها عن املوضوع “‪.‬‬ ‫األنسة سعاد مد ّرسة تعمل يف مدرسة سور ّية‬ ‫خاصة وهي من املدارس القليلة املتب ّقية التي‬ ‫تعمل تحت مس ّميات مختلفة كمعاهد لغة تركية‬

‫أو مراكز ترفيه‪ ..‬تقول‪“ :‬يف َّ‬ ‫ظل غياب ال ّرقابة‬ ‫واملرجعية بالنسبة للمدرسني‪ ،‬وكون مدراء كل‬ ‫املدارس اآلن مدراء أتراك‪ ،‬فإن املدرسني يقومون‬ ‫بحذف جزء أو أجزاء من املنهاج‪ ،‬واملوضوع‬ ‫تابع ألهوائهم ووقتهم‪ .‬والخطة التي وضعتها‬ ‫الحكومة الرتكية بتخصيص املدارس الحكومية‬ ‫بعد ّ‬ ‫الظهر للسوريني زادت األمر سوءاً عىل‬ ‫الطالب واملدرسني‪ ،‬حيث أصبح الطالب يعودون‬ ‫إىل منازلهم بوقت ّ‬ ‫متأخر‪ ،‬وكذلك املد ّرسون‪ .‬إن‬ ‫التأخر يف الدوام وانخفاض البدل املادي الذي‬ ‫يتقاضاه املد ّرسون يؤدي إىل عدم الجدّية يف‬ ‫التدريس وإهامل الطالب”‪.‬‬ ‫تضيف اآلنسة سعاد‪“ :‬وبسبب ق ّلة املدارس يف‬ ‫خصصته الحكومة الرتكية‬ ‫مدينة عنتاب فإن ما ّ‬ ‫للطالب السوريني ال يستوعب األعداد الكبرية‬ ‫منهم‪ ،‬ويتم حرش أكرث من ستني طالباً للصفوف‬ ‫صف واح ٍد‪ ،‬وهو ما يص ّعب العمل ّية‬ ‫الدنيا يف ٍ‬ ‫التعليم ّية عىل املدرسني بشكل كبري‪ ،‬ويجعل من‬ ‫الصعب جدّا ً عىل املدرس إيصال املعلومات لهذا‬ ‫العدد من الطالب”‪.‬‬ ‫الحكومة املؤقتة يف غياب كامل عن أداء مهامها‪،‬‬ ‫وهي بعد قطع الدعم القطري عنها عاجزة حتى‬ ‫عن دفع رواتب موظفيها‪ ،‬وهذا الشلل الذي‬ ‫أصاب الحكومة بعد انقطاع الدعم عنها انعكس‬ ‫عىل كل جوانب حياة السوريني يف تركيا عامة‬ ‫وعنتاب خاصة وهي اآلن عاجزة عن تقديم‬ ‫أبسط الخدمات للسوريني يف تركيا‪.‬‬ ‫ويف محاولة منا ملعرفة موقف الحكومة املؤقتة‬ ‫من هذا الوضع املرتدّي للتعليم يف تركيا‪ ،‬حاولنا‬ ‫االتصال بالوزير ومستشاره ولكنهام وليومني عىل‬ ‫التّوايل كانا خارج نطاق التّغطية‪ .‬ومل نستطع‬ ‫الوصول إليهام‪.‬‬ ‫نهاية وجب التنويه أن الحكومة الرتكية تبذل‬ ‫جهداً يف سبيل توفري التعليم للطالب السوريني‪،‬‬ ‫ولكن هذا الجهد ال يرتقي لحجم املشكلة الكبري‪.‬‬ ‫نحن أمام جيل من األطفال ال يتل ّقى تعليمه وهو‬ ‫األمل الذي نراهن عليه يف بناء سورية املستقبل‪.‬‬


‫الجهادية”‬ ‫تقدمت “المعارضة‬ ‫ّ‬ ‫لماذا ّ‬ ‫وتراجعت “المعارضة المعتدلة”؟!‬ ‫شوكت غرزالدين‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫ملف العدد‬

‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫معارضات‬ ‫بات من املعروف َّأن املعارضة السور ّية‬ ‫عديدة‪ ،‬بعضها يتقدّم وبعضها يرتاجع‪ .‬ويساعدنا‬ ‫“سؤال التقدّم” هذا عىل اختزال املعارضة‬ ‫السور َّية إىل معارضتني عموماً‪“ :‬املعارضة الجهاد َّية‬ ‫واملعارضة املعتدلة”‪ .‬وعىل الرغم من التداخل‬ ‫بينهام والترشذم فيهام‪ ،‬يبقى الخط الفاصل بينهام‬ ‫يكمن يف مشاريعهام السياس ّية وأدوات هذه‬ ‫املشاريع وحاملها‪ .‬فاألوىل تريد دولة إسالم ّية‬ ‫عابرة للحدود الوطن َّية بواسطة الجهاد‪ ،‬والثانية‬ ‫تريد دولة وطن َّية تلتزم حدودها بواسطة التظاهر‬ ‫و”الجيش الح ّر”‪.‬‬ ‫وسؤالنا عن تقدّم املعارضة الجهاد ّية وتراجع‬ ‫ٌ‬ ‫سؤال تتع ّلق إجابته بالعدد‬ ‫املعارضة املعتدلة‬ ‫والعتاد والتنظيم وامليدان؛ فهذه مسائل قابلة‬ ‫للقياس‪ .‬وطاملا َّأن التق ّد َم تقد ٌّم يف اإلنتاج ّية كام‬ ‫هو تقد ٌّم يف التدمري‪ ،‬أي بدون شحنات إيجاب ّية أو‬ ‫سلب ّية‪ ،‬ميكننا إجراء مقارنة بني املعارضتني؛ ملعرفة‬ ‫عوامل تقدّم األوىل واألخذ بها حتى تتقدّم األخرى‪.‬‬ ‫الـمف ّكر به قبل‬ ‫فاألمر إذاً يتعلق بالتفكري يف غري ُ‬ ‫اآلن؛ ما مل نكن نريد ْأن نراه أو مل نكن نستطيع‬ ‫رؤيته للتعلم منه‪.‬‬ ‫ليس تقدّم “املعارضة الجهاد ّية” أمراً عابراً‪ ،‬بل‬ ‫أصبح ظاهرة يجب التو ّقف عندها مثلام يجب‬ ‫التو ّقف عند ظاهرة تراجع “املعارضة املعتدلة”‪.‬‬ ‫فالوقائع تشهد مث ًال بتقدّم “جبهة النرصة” و”جيش‬ ‫اإلسالم” و”حركة أحرار الشام اإلسالمية” و”تنظيم‬ ‫الدولة اإلسالمية” الصادم واملفاجئ‪ ...‬تقدّماً الفتاً‬ ‫عىل مدار أربع سنوات تقريباً‪ ،‬وتشهد كذلك عىل‬ ‫تراجع “إعالن دمشق” و”اإلخوان املسلمون” وثم‬ ‫“الجيش الح ّر”‪ ،‬اليد الضاربة للمعارضة املعتدلة‪،‬‬ ‫و”املجلس الوطني” وبعده “ائتالف قوى الثورة‬ ‫واملعارضة السور ّية” و”الحكومة املؤ ّقتة” و”هيئة‬ ‫األركان” و”املجالس العسكر ّية”‪...‬‬ ‫وللمقارنة نجد مث ًال َّأن “الجوالين” عاد ومعه‬ ‫ستة أشخاص إىل سور ّية يف الشهر الثامن من‬ ‫عام ‪ ،2011‬وهو عام انطالق الثورة‪ .‬وأعلن عن‬ ‫تشكيل “جبهة النرصة” يف شهر ‪ 12‬من العام‬ ‫ذاته عندما كان السور ّيون املعتدلون ميلؤون‬ ‫الساحات والشوارع يف درعا والغوطة وحمص‬ ‫وحامة وأدلب بتظاهراتهم واعتصاماتهم‪ ،‬ناهيك‬ ‫الـمتف ّرقة منها يف دمشق وحلب والالذقية‬ ‫عن ُ‬ ‫والسويداء‪ .‬أما اآلن فنالحظ تقدّم “جبهة النرصة”‬

‫بعددها وعتادها وتنظيمها واملناطق التي تديرها‬ ‫وتسيطر عليها وتح ّول أعداد كبرية من املعتدلني‬ ‫إليها‪ .‬ونرى “الجوالين” اآلن العباً أساسياً يف سور ّية‬ ‫يرفض “مؤمتر الرياض” ويق ِّرر كام “الفروف”‬ ‫عدم وجود “الجيش الح ّر” وهو صاحب مقولة‬ ‫“الوطن ّية صنم”!‬ ‫وسرية “زهران علوش” قريبة من سرية “الجوالين”‬ ‫وقد تقدّم “جيش اإلسالم” كام تقدّم غريه‪.‬‬ ‫تصب غالبية اإلجابات عن سؤالنا هذا‬ ‫يف الحقيقة‪ُّ ،‬‬ ‫يف خانة املؤامرة والدعم املاديّ املتفاوت وأجنداته‬ ‫ّ‬ ‫والتدخل؛ أي عىل ما هو‬ ‫والظروف واملظلوم ّية‬ ‫ً‬ ‫خارجي‪ ،‬وهي إجابات صحيحة نسبيا‪ .‬ولكن‬ ‫ّ‬ ‫الغائب واملسكوت عنه يف مثل هذه اإلجابات‬ ‫هو العوامل الذات ّية املرتبطة بفهم الواقع والعمل‬ ‫فيه‪ .‬ويتم ّثل مضمون فهم الواقع عندهم بخمسة‬ ‫نقاط ُك ِتبت ون ُـ ِّظر لها يف وقت سابق لقيام الثورة‬ ‫السور ّية‪ ،‬وهي مبثابة بعض “الرشوط االبتدائية”‬ ‫التي قامت إبانها الثورة‪:‬‬ ‫‪ 1‬انعدام القطب ّية الدول ّية‪ :‬التقطت املعارضة‬‫الجهاد ّية مب ّكراً هذه املسألة ملا لها من تداعيات‬ ‫عىل الثورة السور ّية لصالح عدم قدرة الدول‬ ‫عىل الحسم‪ ،‬وعدم ن ّيتها التدخل الربيّ تحسباً‬ ‫لالستنزاف العسكريّ واالقتصاديّ ‪ ،‬وعدم مراهنتها‬ ‫عىل ِّ‬ ‫يس‪ .‬وهذا يعني أ َّنه ال رأس للعامل‬ ‫الحل السيا ِّ‬ ‫قادر عىل صياغة الحالة العامل ّية الجديدة منفرداً‬ ‫أو عىل شكل ش ّلة‪ .‬وهذا يؤكد الحل بالتشارك ال‬ ‫باإلقصاء واإلخضاع‪ .‬أما املعارضة األخرى فام زالت‬ ‫تعتقد وتراهن عىل القطبية الدول ّية ودورها يف‬ ‫الحسم وتستجدي التغيري من املجتمع الدو ّيل‬ ‫استجداءاً!‬ ‫‪ 2‬الفوىض‪ :‬باإلضافة السرتاتيجية “ما بعد الحداثة”‬‫املتجسدة يف “لفوىض الخ ّالقة”‪ ،‬عملت‬ ‫الدول ّية‬ ‫ّ‬ ‫املعارضة الجهاد ّية‪ ،‬كام النظام السوريّ ‪ ،‬عىل‬ ‫واقعي‬ ‫إحداث الفوىض لالستفادة منها كمعطى‬ ‫ّ‬ ‫السيايس لها ملامرسة نواة الحكم‬ ‫يتيح املجال‬ ‫ّ‬ ‫“اإلسالمي” بعدما جعل النظام غالبية مناطق‬ ‫ّ‬ ‫سور ّية بحاجة لألمان والغذاء‪ .‬فحسب “عبدالله‬ ‫بن محمد” يف “املذ ّكرة االسرتاتيج ّية” املكتوبة سنة‬ ‫السوريي سيحتاجون األمان والغذاء‬ ‫‪َّ ،2011‬إن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أساساً؛ ومن يوفر لهم الح ّد األدىن منهام يقودهم؛‬ ‫عم ًال مببدأ من اشتدت وطأته يف حامية الناس‬ ‫وتوفري حاجاتهم األول ّية وجبت طاعته يف ظل‬

‫الفوىض‪ .‬بينام تعيش املعارضة املعتدلة أحالماً‬ ‫ورد ّية عن إسقاط النظام وتعاند واقعية الفوىض‬ ‫بالشعارات‪.‬‬ ‫التوحش”‪ :‬توقعت املعارضة الجهاد ّية‬ ‫‪“ 3‬إدارة ّ‬‫مرحلة خروج بعض املناطق عن سيطرة النظام‬ ‫منذ ‪ 2004‬حسب “أيب بكر ناجي” يف كتابه “إدارة‬ ‫التوحش”‪ ،‬وعملت عليها‪ .‬واستطاعت ْأن تدير‬ ‫ّ‬ ‫مثل هذه املناطق لجاهز ّيتها النظر ّية والعمل ّية‪.‬‬ ‫بينام تفاجأت املعارضة املعتدلة بإخراجها بعض‬ ‫املناطق عن سيطرة النظام فاقرتحت وشك ّلت‬ ‫“املجالس املحل ّية” إلدارة هذه املناطق وفشلت‬ ‫بتأمني األمن والحاجات الرضور ّية وألقت بال ّلوم‬ ‫عىل العامل املتخاذل وعىل بطش النظام وندبت‬ ‫حظها العاثر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التدخل‪ :‬أقرت املعارضة الجهاد ّية مبوضوع‬ ‫‪4‬‬‫ّ‬ ‫التدخل كتحصيل حاصل يف سور ّية ولعبت عىل‬ ‫مفارقاته؛ فاستجلبت واستقطبت املقاتلني معها‬ ‫وعملت عىل إنهاك الدول واملنظامت التي‬ ‫تدخلت ضدها‪ .‬بينام اعتربت املعارضة املعتدلة‬ ‫التدخل يف الشأن السوريّ من الكبائر وكأنها‬ ‫تعمل يف الفراغ وبدون رشوط ابتدائ ّية‪.‬‬ ‫السيايس‪ :‬أخذت املعارضة‬ ‫‪ 5‬محددات العقل‬‫ّ‬ ‫السيايس‬ ‫الجهاد ّية تحديدات “الجابري” للعقل‬ ‫ّ‬ ‫بـ”القبيلة والغنيمة والعقيدة” عىل محمل الجدِّ‪.‬‬ ‫فاستثمرت العقيدة اإلسالم ّية بغض النظر عن‬ ‫السوريي يف سياق أجندتها‬ ‫مضمونها لتحريك‬ ‫ّ‬ ‫واستنهاض “املخيال االجتامعي” امليلء بالرموز‬ ‫السيايس”‬ ‫والتشبيهات‪ ،‬واتكأت عىل “الالشعور‬ ‫ّ‬ ‫وعالقة الراعي بالرع ّية‪ .‬فشكلت ما يسميه “ابن‬ ‫خلدون” عصب ّية جديدة أو قبيلة روح ّية تعاضد‬ ‫بعضها البعض‪ .‬واستخدمت الغنيمة إلغراء الناس‬ ‫وغنمت السالح واملواد األول ّية واملعابر الحدود ّية‬ ‫واملصارف املركز ّية واآلثار لتحقيق منعتها‬ ‫املال ّية‪ .‬بينام نظرت املعارضة املعتدلة إىل هذه‬ ‫التحديدات بوصفها تحديدات تراث ّية الواقع ّية‬ ‫أكل عليها الدهر ورشب‪.‬‬ ‫باختصار شديد نقول‪ :‬أطاعت املعارضة الجهاد ّية‬ ‫الواقع فأطاعها‪ .‬وهذا درس يجب أن تتعلمه‬ ‫املعارضة املعتدلة حتى تقوم من جديد للوصول‬ ‫للتشارك يف ِّ‬ ‫الحل بني مختلف األطراف املحل َّية‬ ‫واإلقليم ّية والدول ّية بفضل الفهم الجديد للرشوط‬ ‫االبتدائ ّية‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫أحدا‬ ‫ال أستثني منهم ً‬ ‫رامي العاشق‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫ملف العدد‬

‫أجسام‬ ‫منذ انطالق الثورة السور ّية‪ ،‬ظهرت‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫نعرف كيف تش ّكلت‪ ،‬وال ملاذا‪ ،‬وال‬ ‫غريبة ال‬ ‫بكيانات غريبة كانت‬ ‫من قبل من! وتفاجأنا‬ ‫ٍ‬ ‫تحاول دامئاً احكتار القض ّية وادعاء متثيلها‪،‬‬ ‫ابتدا ًء بتأسيس صفحة “الثورة السورية ض ّد‬ ‫بشار األسد” وأشباهها‪ ،‬وانتهاء مبا نراه اليوم‪،‬‬ ‫رغم ّ‬ ‫كل املحاوالت التي سعت للبحث عن متثيل‬ ‫حقيقي‪ .‬هذه الكيانات واألجسام ومن يقف‬ ‫وراءها من جهات سياسية تعمل يف ّ‬ ‫الظل‪ ،‬عملت‬ ‫سنوات عىل تعرية الثورة‬ ‫عىل مدى خمس‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫وأججت‬ ‫من ثور ّيتها وإلباسها ثيابا ال تناسبها‪ّ ،‬‬ ‫النعرات الطائف ّية واملذهب ّية واملناطق ّية‪ ،‬وأكلت‬ ‫من لحم أبناء الثورة الذي طهت ُه عىل نا ٍر غريبة‬ ‫ومستوردة! حتّى إ ّنها ساهمت يف تلميع صور‬ ‫أحياء وأموات عىل حساب أحياء وأموات آخرين‪،‬‬ ‫ّربا يفوقونهم ثور ّية‪ ،‬وإخالصاً‪ّ ،‬إل أنهم ال ينتمون‬ ‫لفئة أيديولوجية مع ّينة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت يف دمشق يف عام ‪ 2011‬حني اتصل يب “سامل”‬ ‫توحدوا”‪،‬‬ ‫ليقول يل‪“ :‬مبارك‪ ،‬افتح التلفاز‪ ،‬لقد ّ‬ ‫وكان يقصد اإلعالن عن تأسيس املجلس الوطني‪.‬‬ ‫الحقاً اعرتف يل أحد أعضائه املنسحبني‪ ،‬بأن هذا‬ ‫الجسم‪ ،‬قد تم تشكيله ملنع تشكيل أي بديل‬ ‫بإسهاب عن دور االستخبارات‬ ‫آخر‪ ،‬وتحدّث يل‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫الدولية وتحديدا األمريكية يف تسيريه‪ ،‬وكيف‬ ‫قابله شخصان ‪-‬عند دخوله املجلس‪ -‬بصفة‬ ‫ديبلوماس َيني وهام من وكالة االستخبارات‬ ‫املركزية األمريكية‪ ،‬ومل يعد خافياً عىل أحد أيضاً‪،‬‬ ‫سيطرة تركيا وقطر والسعودية واستخبارتها عىل‬ ‫قرار املعارضة السورية منذ ذلك اليوم إىل يومنا‬ ‫هذا يف إطار مؤمتر الرياض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حني اشتىك شباب ّ‬ ‫املعضم ّية القلة يف أيام الثورة‬ ‫األوىل‪ ،‬ومل يجدوا خمسة آالف لرية ليشرتوا‬ ‫أقالماً وكراتني وأقمش ًة‪ ،‬جاءهم من يقول لهم‪:‬‬

‫“أنا أعطيكم‪ ،‬عىل أن تضعوا اللوغو الخاص‬ ‫الشيخ سياس ّياً‪ ،‬واملجر ُم قائداً‬ ‫ُ‬ ‫بحزيب!”‪ .‬حني أصبح‬ ‫َ‬ ‫الرش كلٌّ‬ ‫َ‬ ‫الرش مع ّ‬ ‫تحالف ّ‬ ‫هم أم ٍة‪ ،‬وح َ‬ ‫ني‬ ‫وحامل ّ‬ ‫حسب طائفته‪ ،‬وحني تسابق تجار الحرب عىل‬ ‫إدخال الغرباء ‪-‬مقاتلني وجواسيس‪ -‬وحني كذب‬ ‫“اإلعالميون” وراحوا ينعون شهداء افرتاضيني‬ ‫أوصلوهم بأيديهم إىل الحدود‪ ،‬وحني تاجر كل‬ ‫ق ّواد بحكاية املظلومني ليجني منها ماالً وشهرة‪،‬‬ ‫حني حدث ّ‬ ‫كل هذا وتواطأنا معه‪ ،‬بىل‪ ،‬كان‬ ‫باإلمكان أفضل مام كان‪ ،‬عىل األقل‪ ،‬كان ميكن أال‬ ‫ُيرتكوا يرقصون عىل جثث أهلنا وأحبابنا‪ ،‬وأطهر‬ ‫منيس يف زنازين الجميع! هم‬ ‫من فينا مقتول أو‬ ‫ّ‬ ‫الذين أوصلونا ملرحلة أن نقول “الجميع”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لقد كنّا مسجونني ننتظر خالصاً‪ ،‬وكنّا نتوقع أن‬ ‫نخب ًة من “مث ّقفي سوريا” قد تساهم يف خالص‬ ‫اللص‬ ‫هذا الشعب من أشنع كوارث التاريخ‪ّ .‬‬ ‫أصبح داع ًام وزعي ًام‪ ،‬والفاسد صار بط ًال ومخ ّلصا‪ً،‬‬

‫املسيحي أصبح إخوان ّياً‪ ،‬العلام ّين ه ّلل للقاعدة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اليساريّ بات يقبض من مناهل اإلمربيال ّية‬ ‫ومنابرها‪ ،‬املناضل أعلن عن تأسيس جيش للسنّة‪،‬‬ ‫ثم أراد دول ًة للدروز‪ ،‬ثم ذهب إلرسائيل ليبيع‬ ‫الجوالن‪ ،‬أما الدميقراطي سقط باالنتخابات‬ ‫فألغاها‪ ،‬ثم نجح بالتزكية!‬ ‫بسبب ّ‬ ‫كل هؤالء‪ ،‬أصبحت مهمة الثوريني نفي‬ ‫الجرائم التي ترتكب باسم الثورة‪ ،‬والدفاع عن‬ ‫نقائها الذي ال مي ّثله هؤالء الذين رسقوا بفضل‬ ‫النقي‪،‬‬ ‫املال والسالح والدعم الخارجي حل َمها‬ ‫ّ‬ ‫بسببهم‪ ،‬نحن اليوم مضطرون أن نرشح للعامل عن‬ ‫الفرق بني الثورة والنرصة‪ ،‬وبني الحرية وداعش‪،‬‬ ‫وبني النظام ومعتقليه‪ ،‬بفضلهم أصبح هذا الرشح‬ ‫املفس! هم الذين فعلوا‬ ‫يحتاج ملعجزة لتفسري َّ‬ ‫كل يشء لينترص الرش عىل الخري‪ ،‬وما فعلوا شيئاً‬ ‫ّ‬ ‫ليكونوا رشفاء‪ .‬ال خ َري يف ثور ٍة تحوي ّ‬ ‫كل هذا‬ ‫الوسخ‪ ،‬فام بالكم إذا كانوا ناطقني باسمها!‬


‫الطفولية‬ ‫طائفية‪..‬‬ ‫عن الال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬عماد العبار‬

‫العدد ‪- 61 -‬‬ ‫‪2015 / 12 / 20‬‬

‫مقاالت‬

‫منذ أن بدأت االنتفاضة السور ّية الشاملة ضد‬ ‫نظام األسد نادى السور ّيون بالوحدة الوطنية‪،‬‬ ‫وكانت دعوات نبذ الطائفية من أوائل الدعوات‬ ‫التي تبنّاها الحراك مبارشة بعد مطلب الحر ّية‬ ‫واإلصالح‪ ،‬تأكيداً عىل الوعي الشعبي برضورة‬ ‫الفصل بني الطائفة العلو ّية ونظام األسد‪ ،‬حتّى‬ ‫وإن كان الوعي الجمعي يختزن الكثري من‬ ‫املس ّلامت حول تو ّرط النظام يف لعبة الطائفية‪،‬‬ ‫وتو ّرط شباب العلو ّيني أكرث من غريهم يف تشكيل‬ ‫القاعدة الصلبة التي يقوم عليها هذا النظام‪..‬‬ ‫بدأ الوعي الجمعي بطائف ّية النظام يتش ّكل منذ‬ ‫السبعينات‪ ،‬وقد حرص النظام يف تلك الفرتة عىل‬ ‫تجميل شكله الخارجي بشخص ّيات من األكرث ّية‬ ‫السن ّية‪ ،‬سيام يف بعض املناصب الحزب ّية واإلدارية‬ ‫يف الدولة‪ .‬مع الوقت تك ّرست وثوق ّية وعي الناس‬ ‫بالطائف ّية بشكل متزامن مع تصاعد الرعب من‬ ‫اإلفصاح عنها‪ ،‬وتضاؤل هامش حر ّية التعبري‬ ‫إىل أن تناهى إىل العدم‪ ..‬وبعد الصدام الدموي‬ ‫ّ‬ ‫استغل النظام انتصاره فيه‬ ‫بني النظام واإلخوان‬ ‫ليسحق أي بوادر ملعارضة مستقبلية يف املجتمع‬ ‫لعقود قادمة‪ ،‬فشنّ حملة استئصالية استهدفت‪،‬‬ ‫السني‪ ،‬صاحب ذلك إعطاء‬ ‫بشكل أسايس‪ ،‬املك ّون‬ ‫ّ‬ ‫دور أكرب لتيار استئصايل متط ّرف داخل النظام‬ ‫ملواجهة امل ّد األصويل املتصاعد يف املجتمع بفعل‬ ‫املواجهة القمعية للسلطة‪ ،‬مت ّثل هذا الت ّيار بعدد‬ ‫من الشخص ّيات العلو ّية القادرة عىل مركزة‬ ‫العصبية الطائفية لخدمة النظام يف فرتة حرجة‬ ‫كان النظام قد فتح فيها عدّة جبهات خارج ّية يف‬ ‫الوقت ذاته‪..‬‬ ‫يف مرحلة الحقة كان املجتمع قد ّ‬ ‫عض عىل‬ ‫جراحه خوفاً من تكرار األحداث السابقة‪ ،‬وتنامت‬ ‫األزمة الطائفية بصمت دون أن تحظى مبعالجة‬ ‫كافية‪ّ ،‬‬ ‫مم ع ّمق الحذر الصامت بني الطوائف‪،‬‬ ‫بشكل خاص بني املك ّون العلوي والسنّي‪ ،‬الذي‬ ‫صب يف مصلحة النظام وحده يف نهاية املطاف‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ويشء مشابه حدث بخصوص الحساس ّية اإلثن ّية‬ ‫العرب ّية‪-‬الكرد ّية‪..‬‬ ‫يف ظل ج ّو مشحون باملواقف املسبقة وسوء‬ ‫الفهم واملظامل املرتاكمة والخوف جاءت ثورة‬ ‫السور ّيني لتحاول إصالح كل ما سبق‪ ..‬كل ما‬

‫يصعب إصالحه‪ ،‬أص ًال‪ ،‬يف ظروف مثالية!‬ ‫لعب النظام عىل الوتر الطائفي منذ األسابيع‬ ‫األوىل‪ ،‬ومل تصمد شعارات الثورة طوي ًال بعد أن‬ ‫لوحق شبابها وغ ّيب غالب ّيتهم قت ًال أو اعتقاالً‪ ،‬وما‬ ‫رافق ذلك من مامرسات ومجازر طائف ّية التي‬ ‫يشري تقرير الشبكة السورية لحقوق اإلنسان‬ ‫أ ّنها بلغت حوايل الـ ‪ 35‬مجزرة تف ّردت بارتكابها‬ ‫القوات الحكوم ّية واملليشيات التابعة لها ما بني‬ ‫آذار ‪ 2011‬وحزيران ‪..2013‬‬ ‫حاول السوريون املعارضون لنظام األسد مواجهة‬ ‫الحالة الطائف ّية‪ ،‬املسكوت عنها سابقاً‪ ،‬منعاً لتح ّول‬ ‫الثورة إىل حرب طائف ّية مهلكة‪ ،‬فكانت دعوات‬ ‫الال طائف ّية تعكس أم ًال ببناء منوذج مختلف عن‬ ‫ذلك الذي اعتمده نظام األسد‪ ،‬ومل تكن تلك “الال‬ ‫طائف ّية” تعني بحال من األحوال إنكاراً لألزمة‬ ‫الطائف ّية؛ أي م ّثلت الدعوة األوىل وعياً بطائف ّية‬ ‫النظام مام يستدعي‪ ،‬بداه ًة‪ ،‬ال طائف ّية الثائرين‬ ‫عليه‪ ،‬يك يصلح أن تس ّمى انتفاضتهم ثورة! هذه‬ ‫الدعوة مل تنكر عىل الثائرين شعورهم بالظلم‬ ‫الطائفي‪ ،‬إن كان الذي لحق بهم يف بداية الثورة‬ ‫أو لحق باألجيال السابقة‪ ،‬لكنّها خاطبت وعيهم‬ ‫للرتكيز عىل بناء واقع مختلف‪ ..‬من ناحية أخرى‪،‬‬ ‫ظهرت دعوات أخرى ترفع شعار “الال طائفية”‬ ‫مبضمون مختلف متاماً؛ ظهرت‪ ،‬ليس لتحول دون‬ ‫تش ّبه الضح ّية بنظامها‪ ،‬وإمنا لتج ّرم ّ‬ ‫كل كالم يؤدي‬ ‫إىل اتهام للنظام بالطائف ّية أو اتهامه بتوريط‬ ‫طائفة ما يف الدفاع عنه‪ ..‬تعاملت هذه “الال‬ ‫طائفية” مع الناس بفوق ّية ومنح أصحابها أنفسهم‬ ‫سلطة تقييم استعالئ ّية‪ ،‬كانت بدايتها مع أصوات‬ ‫متفرقة من معارضني سابقني أرادوا مامرسة سلطة‬ ‫أبوية عىل الحراك‪ ،‬ثم ظهرت بشكل ج ّ‬ ‫يل بعد‬ ‫خروج عدد كبري من الناشطني إىل دول مجاورة‬ ‫تم استقطابهم من قبل منظامت دولية‬ ‫حيث ّ‬ ‫وتأطريهم ضمن أنشطة تر ّكز عىل معالجة نقاط‬ ‫هامة كبناء السلم األهيل ومهارات التعامل مع‬ ‫األزمات من وجهة نظر هذه ّ‬ ‫املنظامت وبحسب‬ ‫تقييمها للواقع السوري‪ ..‬الثغرة األهم يف هذه‬ ‫الدعوة لـ “الال طائف ّية” تتم ّثل يف تجنّب أصحابها‬ ‫بشكل مطلق الكالم حول مسألة طائف ّية النظام‪،‬‬ ‫ودور الطائفة العلو ّية فيه‪ ،‬قبل الثورة وبعدها‬

‫أيضاً‪ ..‬واالنشغال بالرتكيز عىل واجبات الحراك‬ ‫يف أن يكون نق ّياً من أي توجهات طائف ّية! ليس‬ ‫هذا فحسب‪ ،‬بل صاحب هذه الدعوة يف كثري‬ ‫من األحيان موجة إنكار مطلق لطائفية النظام‬ ‫من خالل التأكيد املستمر عىل دور األكرثية يف‬ ‫تثبيت أركانه‪ ،‬ويف هذا تضليل مل يأخذ ح ّقه من‬ ‫العمل الثقايف خالل الثورة‪ ،‬فالعصب املركزي‬ ‫عصب علويٌّ من الدائرة األكرث قرباً‬ ‫للنظام‬ ‫ٌ‬ ‫ووال ًء لعائلة األسد‪ ،‬بينام كانت األدوار التكميلية‬ ‫الهامشية “والرضورية الستمرار النظام للحيلولة‬ ‫دون توريطه يف مواجهة مستمرة مع املجتمع”‬ ‫تعطى لوجهاء املجتمع من الطوائف املختلفة‬ ‫بحسب الوالء‪ ،‬وهذا الكالم‪ ،‬الذي سيضعه دعاة‬ ‫الال طائفية “الطفولية” يف خانة الطائفية‪ ،‬ليس‬ ‫كالمي أو كالم املعارضني للنظام فحسب‪ ،‬بل ميكن‬ ‫للتث ّبت منه العودة إىل واحد من أهم املراجع‬ ‫التي ُكتبت حول نظام األسد بقلم أحد أهم‬ ‫املحسوبني عليه‪ ،‬وهو كتاب “األسد‪ ..‬الرصاع عىل‬ ‫الرشق األوسط” لكاتبه باتريك سيل‪ ،‬والذي س ّمى‬ ‫األشياء مبسمياتها موضحاً الفرق الكبري بني ثقل‬ ‫الضباط العلويني وبني بق ّية القوى الهامش ّية‪ ،‬سيام‬ ‫يف وقت األزمات الكربى التي تع ّرض لها النظام‪..‬‬ ‫املشكلة األساسية مع الال طائف ّية “الطفولية”‬ ‫تكمن يف سعيها ّ‬ ‫للتست عىل مشاكل الواقع الحايل‪،‬‬ ‫وال نن ّكر ّأن األمر قد يتم بحسن ن ّية من قبل‬ ‫من يرى أن بناء دولة املواطنة ميكن أن يتم من‬ ‫خالل تجاهل أزمات التاريخ العالقة‪ ..‬ويحدث‬ ‫أم ٌر مشابه عند كثري من الناشطني العرب والكرد‬ ‫الذين يعتقدون ّأن الكالم عن مشكلة عرب ّية‪-‬‬ ‫كرد ّية هو ما قد يسبب الحساسية اإلثن ّية‪ ،‬بينام‬ ‫ّ‬ ‫التست عىل املشكلة وعدم‬ ‫األحق أن نقول ّإن‬ ‫تسمية األمور مبسمياتها هو ما جعل أزماتنا‬ ‫عالقة وفاعلة دوماً‪ ،‬كالجمر تحت الرماد‪..‬‬ ‫الال طائف ّية رشط أسايس لبناء مجتمع مواطنة‬ ‫يتساوى فيه الجميع أمام القانون يف الحقوق‬ ‫والواجبات‪ ،‬لكنها‪ ،‬حني تصبح عائقاً أمام االعرتاف‬ ‫بوجود مشكلة طائفية عالقة‪ ،‬أو أمام تسمية‬ ‫الطائف ّيني بأسامئهم‪ ،‬فإ ّنها تصبح ال طائفية‬ ‫إنكار ّية طفول ّية بامتياز‪ ..‬وستكون هي ذاتها‬ ‫عقبة يف طريق بناء مجتمع املواطنة‪..‬‬

‫‪9‬‬


‫على الشهابي‪ :‬السوري ـ الفلسطيني‬ ‫‪10‬‬

‫ماجد كيالي‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫مقاالت‬

‫رمبا ال يوجد فلسطيني طغت فيه سوريته عىل‬ ‫فلسطينيته مثل عيل الشهايب‪ .‬رغم معرفتي بعديد‬ ‫من الشباب الفلسطينيني‪ ،‬الذين اشتغلوا وفق‬ ‫قناعة مفادها أنه ال يوجد‪ ،‬يف سوريا‪ ،‬ما مي ّيز‬ ‫الفلسطيني عن السوري وبالعكس‪ ،‬إذ أنهم سواء‪،‬‬ ‫يف كل يشء‪ ،‬يف منط املعيشة‪ ،‬والعادات‪ ،‬والثقافة‪،‬‬ ‫ويف الخضوع لذات الظروف القهرية‪ :‬السياسية‬ ‫واألمنية واالقتصادية‪ ،‬ويف اآلالم واآلمال‪ ،‬وحتى يف‬ ‫الشعار املدريس‪“ :‬أمة عربية واحدة ذات رسالة‬ ‫خالدة”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الالفت أن عيل ظل عىل هذا الرأي‪ ،‬إىل لحظة‬ ‫اعتقاله يف املرة األخرية يف ‪ ،2012‬إذ أنه اعتقل‬ ‫قبلها عدة مرات‪ ،‬األوىل يف أواسط السبعينيات‪،‬‬ ‫لتسعة أشهر‪ ،‬والثانية استمرت عقد من الزمان‬ ‫(‪1982‬ـ‪ ،)1992‬والثالثة يف أواسط ‪ ،2006‬وقد‬ ‫استمرت لسبعة أشهر‪ ،‬مبعنى أن هذه هي املرة‬ ‫الرابعة‪ ،‬وبات له اآلن ثالثة أعوام‪ ،‬دون أن يعرف‬ ‫أحد عنه شيئاً‪.‬‬ ‫قصة عيل‪ ،‬الفلسطيني السوري‪ ،‬أو السوري‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬الكاتب واألستاذ وصاحب الرأي‪،‬‬ ‫تحيلنا إىل حكايات السجون يف سوريا‪ ،‬وهي هنا‬ ‫تشمل أقبية فروع املخابرات‪ ،‬والسجون املختلفة‪،‬‬ ‫وكلها ال تخضع ألي قوانني أو معايري‪ ،‬إىل درجة أنه‬ ‫ال ميكن تصور األهوال التي يختربها املعتقلون‪ ،‬أو‬ ‫املنسيون‪ ،‬يف هذه السجون‪ .‬إذ عدا عن الحرمان‬ ‫من املحاكامت‪ ،‬أو تعريضهم ملحاكامت صورية‪،‬‬ ‫مثة أمناط من التعذيب والعقاب الجامعي يف‬ ‫السجون إىل درجة أن مجرد السامع بها‪ ،‬أو تخيلها‪،‬‬ ‫أو قراءتها عىل نحو ماجاء يف رواية “القوقعة”‬ ‫(ملصطفى خليفة)‪ ،‬ميكن أن تخلق عند أي إنسان‬ ‫صدمات نفسية يصعب التخلص منها‪.‬‬ ‫أما فكرة االعتقال عدة مرات فهي بذاتها قصة‬ ‫معذبة‪ ،‬وتنم عن ظلم ال حدود له‪ ،‬السيام‬ ‫إذا علمنا أن هذه قصة مئات ورمبا ألوف من‬ ‫الشباب‪ ،‬أيضاً‪ ،‬الذين جعلت منهم الدولة األمنية‪،‬‬ ‫أو السلطة‪ ،‬عربة لآلخرين‪ ،‬يف بلد حكم بوسائل‬ ‫الخوف والفساد والتسلط واالستبداد‪ ،‬ألربعة‬ ‫عقود‪.‬‬ ‫ما يفاقم من مأساوية هذه القصص أن هؤالء‬ ‫املعتقلني مل ميارسوا أي فعل عنف‪ ،‬بل أنهم حتى‬ ‫مل يلوحوا وال مرة بإمكان استخدام العنف‪ ،‬إذا‬ ‫أتيح لهم‪ .‬أي أن عيل الشهايب مل يعتقل ال يف املرة‬

‫األوىل وال الثانية وال الثالثة وال الرابعة عىل أي‬ ‫مسألة تتعلق باستهداف النظام بواسطة أي نوع‬ ‫من القوة‪ ،‬عىل اإلطالق‪ ،‬وإمنا اعتقل ملجرد الرأي‪،‬‬ ‫وهذا شأن الوف الشبان من هذا الجيل‪ ،‬الذين‬ ‫دفع معظمهم أجمل سني عمره يف السجون‪.‬‬ ‫تعود معرفتي بعيل الشهايب إىل أواخر السبعينيات‪،‬‬ ‫حيث زارين برفقة صديق مشرتك (ح‪.‬ش) كان‬ ‫يدرس حينها يف جامعة حلب‪ ،‬وذلك يف أول بيت‬ ‫أسكنه يف مخيم الريموك‪ .‬وقتها كنت يف إطار‬ ‫حركة فتح‪ ،‬يف حني كان عيل شاباً يسارياً‪ ،‬مفع ًام‬ ‫بالحامس‪ ،‬وله انتقادات كثرية وقاسية عىل الحركة‬ ‫الوطنية الفلسطينية‪ .‬ولعل ماجمع بيننا مييل إىل‬ ‫الفكرة اليسارية‪ ،‬واحتسايب عىل التيار الدميقراطي‬ ‫أو النقدي يف حركة فتح‪ ،‬آنذاك‪ .‬لكن عدم مييل‪ ،‬يف‬ ‫تلك الفرتة‪ ،‬الشتغال الفلسطيني يف الشأن السوري‪،‬‬ ‫جعل هذا التعارف يقترص عىل لقاءات متفرقة بني‬ ‫فرتات متباعدة‪.‬‬ ‫بعد هذا التعارف أخذ عيل إىل السجن (‪،)1982‬‬ ‫مرة ثانية‪ ،‬ووقتها مل تحرتم أجهزة املخابرات‬ ‫وجوده يف قاعة الصف يف املدرسة‪ ،‬إذ تم أخذه‬ ‫عنوة منها‪ ،‬أمام تالميذه‪ ،‬عل ًام أنها مدرسة تابعة‬ ‫لألمم املتحدة (وكالة الغوث)‪ ،‬وهكذا غاب ألعوام‬ ‫عرش‪.‬‬ ‫بعد خروجه من السجن أتيح يل التعرف عليه‬ ‫أكرث من ذي قبل‪ ،‬السيام أنني يف تلك الفرتة كنت‬ ‫تركت العمل الفلسطيني نهائياً‪ ،‬وكان ذلك أحد‬ ‫األسباب التي جعلت املشرتكات بيننا أكرث من ذي‬ ‫قبل‪ .‬مع ذلك فإنني بقيت أحاذر العمل يف إطار‬ ‫املعارضة السورية‪ ،‬وكنت أعطي األولوية للعمل‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬رغم معرفتي بطبيعة النظام‪ ،‬يف حني‬ ‫ّ‬ ‫ظل عيل يؤكد عىل املشرتكات‪ ،‬وأنه ال ميكن لعمل‬ ‫فلسطيني أن يتطور بدون تطور الحالة يف سوريا‪.‬‬ ‫عىل أي حال ففي تلك الفرتة انشغل عيل مبرشوعه‬ ‫التعليمي‪ ،‬يف معهد اللغة االنلكيزية الذي أعطاه‬ ‫جزءاً كبرياً من وقته‪ ،‬وهو مرشوع عمل‪ ،‬لكنه‬ ‫أفاد شباب املخيم كثرياً‪ ،‬بفضل الوسائل التي‬ ‫اعتمدها‪ .‬يف ‪ 2006‬صدر عن عيل بعض املبادرات‬ ‫تخص‬ ‫الالفتة لالنتباه‪ ،‬إذ أنه بدأ يطرح أوراق عمل ّ‬ ‫الوضع السوري‪ ،‬وبات يبحث‪ ،‬بكل جرأة‪ ،‬عن‬ ‫منابر لتقدميها‪ ،‬عرب وزارة اإلعالم‪ ،‬ومدرج مكتبة‬ ‫األسد‪ ،‬وغري ذلك‪ .‬يف تلك اآلونة‪ ،‬صارحت عيل‪ ،‬رمبا‬ ‫مثل غريي‪ ،‬بخشيتي عليه من أجهزة األمن التي‬

‫لن ترتكه يف حاله‪ ،‬وبأن الوضع غري مناسب لطرح‬ ‫وجهات نظر‪ ،‬السيام أن هذا نظام ال يقبل الحوار‪،‬‬ ‫بخاصة ولدينا تجربة ربيع دمشق‪ ،‬واملآالت‬ ‫املأساوية لها‪.‬‬ ‫هكذا تم اعتقال عيل للمرة الثالثة‪ ،‬حيث أفرج‬ ‫عنه بعد ستة أشهر‪ .‬وعندما زرته يف البيت للتهنئة‬ ‫بسالمته‪ ،‬سألته أمل تتعب منهم‪ ،‬أو يتعبوا منك؟ ثم‬ ‫أمل يقولوا لك هذه املرة‪ ،‬أنت كفلسطيني ما شأنك‬ ‫بنا؟ ضحك عيل‪ ،‬وقال‪ :‬فع ًال‪ ،‬هذه املرة قالوها‪.‬‬ ‫بعد خروجه من السجن واصل عيل عمله يف‬ ‫التدريس‪ ،‬وأيضاً يف الكتابة‪ ،‬إذ بات يكتب يف‬ ‫جريدة الحياة مقاالت سياسية عن الوضع السوري‪،‬‬ ‫كام بات يكتب آراءه ويوزعها عىل األصدقاء‪ ،‬عرب‬ ‫الربيد اإللكرتوين‪.‬‬ ‫وعندما اندلعت الثورة السورية وجد فيها عيل‬ ‫فرصته لطرح آرائه يف كيفية التغيري الدميقراطي‪،‬‬ ‫يف سوريا‪ ،‬مع كل املخاوف التي كانت تنتابه من‬ ‫بعض املظاهر التي كان يرى أنها تهدد مسار هذه‬ ‫الثورة‪ ،‬ومسار التغيري الدميقراطي‪ .‬أما بخصوص‬ ‫قضية الفلسطينيني فقد كان رأيه أن الفلسطيني‬ ‫يف هذه الحال هو كالسوري‪ ..‬وقد كتب يف ذلك‬ ‫ورقة وزعها عىل األصدقاء‪.‬‬ ‫يوم ‪ 17‬من هذا الشهر‪ ،‬قبل ثالثة أعوام‪ ،‬اعتقل‬ ‫عيل‪ ،‬وكان خرباً موجعاً‪ ،‬عىل زوجته وأخواته وعىل‬ ‫رفاقه ومعارفه‪ .‬قصة عيل‪ ،‬هي ذات قصة د‪ .‬عبد‬ ‫العزيز الخري واملحامي خليل معتوق ورزان زيتونة‬ ‫وسمرية الخليل وفائق املري‪ ،‬وناظم ووائل وكل‬ ‫األحبة‪..‬‬ ‫تحية لروح الحرية‪ ،‬التي مل تضعفها سنوات السجن‬ ‫الطويلة‪ ،‬يف قلب عيل الشهايب‪ ..‬تحية لفلسطينيته‬ ‫وسوريته‪ ..‬ففلسطني ليست مجرد قطعة أرض‪،‬‬ ‫فهي معنى للحرية أيضاً‪..‬‬


‫المجتمع المدني “المسلم”‬ ‫في وجه التطرف الديني‬ ‫‪11‬‬

‫أنور عباس‬

‫مقاالت‬

‫تتشعب أسباب التطرف الديني ويشكل الغلو‬ ‫واحداً منها دون ّ‬ ‫شك‪ ،‬لكن جذوره تكمن يف‬ ‫غياب العدالة االجتامعية‪ ،‬وتفاعالت املصالح‬ ‫االقتصادية والعوامل األمنية واالعتبارات السياسة‬ ‫داخل املجتمعات وعىل الصعيد الدويل‪.‬‬ ‫ما برح الغرب املسيحي والرشق املسلم يخوضان‬ ‫قيم ومصالح منذ بدء الحروب الصليبية‬ ‫رصاع ٍ‬ ‫وقبل ذلك حني وصل املسلمون إىل األندلس‪ ،‬مروراً‬ ‫باالستعامر األوريب بشكليه القديم والحديث‪،‬‬ ‫والعهد العثامين الذي شكل تهديداً مبارشاً ألوربا‬ ‫املسيحية قبل ذلك‪ .‬لكن هذا الرصاع أخذ شك ًال‬ ‫مختلفاً يف العقود القليلة املاضية‪ ،‬وأصبح الغرب‬ ‫يستخدم مصطلحات اإلرهاب والتطرف الديني‬ ‫بقاع ذات‬ ‫لفرض مصالحه‪ ،‬وبسط يده عىل ٍ‬ ‫مغزى اسرتاتيجي بسبب غناها بالنفط أو ملوقعها‬ ‫الحساس‪ ،‬وعمل عىل توظيف املنظومة‬ ‫الجغرايف ّ‬ ‫الدولية لخدمة أغراضه تلك‪.‬‬ ‫ال متتلك الدول املسلمة مقومات الوقوف يف‬ ‫وجه هذا املدّ‪ ،‬لكن واجبها كمجتمعات منفردة‬ ‫وكجتمع مسلم واحد أن تعيد النظر فيام تستطيع‬ ‫تقدميه للح ّد من االنحدار الغريب نحو تجرميها‬ ‫مجتمعة بتهم اإلرهاب والتطرف الديني‪ ،‬حيث‬ ‫أنها ‪-‬دون ّ‬ ‫شك‪ -‬املترضر األول من هذا التطرف‬ ‫نسب صغري ٌة من أفرادها‪.‬‬ ‫الذي تعتنقه ٌ‬ ‫ّ‬ ‫تغض األنطمة االستبدادية الطرف عن مثل هذا‬ ‫التطرف‪ ،‬وتستغ ّله أحياناً لرضب مصالح دول‬ ‫أخرى‪ ،‬أو بسط مصالحها الخاصة‪ ،‬وهذا يعني أن‬ ‫التطرف لن ّ‬ ‫يكف عن االنتشار مادامت شعوب‬ ‫املسلمني تعيش تحت وطأة االستبداد‪ ،‬وما دامت‬ ‫النخب الدينية مرتبطة بهذه األنظمة‪.‬‬ ‫لكن هذا ال يعني أن عىل الشعوب املسلمة أال‬ ‫تبادر إىل معالجة مشكلة التطرف تلك‪ ،‬ومحاربتها‬ ‫فكرياً من خالل العودة والرتكيز عىل االعتدال‬ ‫وعىل البعد التسامحي للدين‪ ،‬وعىل ما ينطوي‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫ليس التطرف الديني بظاهرة تقترص عىل اإلسالم‬ ‫السني وحسب‪ ،‬لكن السياسة ودهاليزها جعلت‬ ‫من التطرف السني شبحاً يثري خوف العامل‪،‬‬ ‫ويضع املسلمني السنة جميعاً يف دائرة الضوء‬ ‫والخطر أحياناً‪ ،‬وضحية لردود أفعال أفرا ٍد ودولٍ‬ ‫ومجتمعات ال متيز بني املسلم العادي واملسلم‬ ‫ٍ‬ ‫املتطرف‪.‬‬

‫عليه من تشجيع للعيش املشرتك وإفساح املجال‬ ‫لحرية االعتقاد دون اإلكراه‪ ،‬وتقبل اآلخر‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫شك أن عىل العامل أن يساهم بشكل جاد يف‬ ‫حل املشاكل التي تقود إىل التطرف وهي سياسيةٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واقتصادية بالدرجة األوىل‪ ،‬لكن عىل‬ ‫واجتامعية‬ ‫املسلمني أن يظهروا أيضاً أنهم جادون يف طأمنة‬ ‫العامل بأنهم عىل قدر املسؤولية وأنهم رشكاء‬ ‫جادون يف التصدي لهذه املشكلة‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أن املجتمع املدين يتصف بأنه‬ ‫ٌ‬ ‫منفصل عن األديان عموماً‪ ،‬إال أن األمر ليس‬ ‫كذلك يف واقع الحال‪ .‬فاملجتمع املدين يف الدول‬ ‫الغربية مث ًال يتغلغل يف املؤسسات الدينية عىل‬ ‫نحو واسع‪ ،‬وتتقاطع معه تلك املؤسسات بشكل‬ ‫ملحوظ‪ .‬وعليه فمن املمكن القول بأن املجتمع‬ ‫املدين يف املجتمعات املسلمة‪ ،‬رغم تسليمنا بأنه‬ ‫ال يتمتع بالحرية والفضاء الالزم للعمل‪ ،‬ميكن‬ ‫أن يقوم بدور كبري وف ّعال يف توجيه الناس نحو‬ ‫االعتدال الديني‪ ،‬واالنخراط يف العمل باتجاه‬ ‫تحقيق مصالحة فكرية وقيمية بني املجتمع‬

‫املسلم واملجتمعات األخرى‪.‬‬ ‫ينطبق األمر أكرث ما ينطبق عىل الجاليات املسلمة‬ ‫التي تقيم يف الدول الغربية‪ ،‬وهذا ال يعني أنها ال‬ ‫تنشط يف هذا االتجاه‪ ،‬لكن عملها‪ ،‬حسب ما نرى‪،‬‬ ‫الزال متواضعاً‪ ،‬ويحتاج إىل صياغة رؤية واضحة‬ ‫ينطلق منها لتحقيق غايته يف بناء تلك الجسور‪.‬‬ ‫ميكن هنا القول بأن عىل املجتمع املدين “املسلم”‬ ‫أن ينهض بنفسه للعمل باتجاه محاربة التطرف‪،‬‬ ‫ألن املسملني هم أكرث الفئات ترضراً منه‪ .‬وألنه‪،‬‬ ‫ويف غياب الحكومات املسلمة القادرة عىل هذا‬ ‫العمل وغياب النخب الدينية الفعالة‪ ،‬يبقى هو‬ ‫الخيار الوحيد لدينا‪ ،‬وهو ليس بالخيار اليسء‪،‬‬ ‫ألن العمل املدين واألهيل ميكن له أن يح ّقق ما‬ ‫تعجر عنه السياسة‪ .‬والتجارب تثبت ذلك‪.‬‬ ‫األمر نفسه ينطبق عىل املجتمعات املسلمة‬ ‫الشيعية أيضاً‪ ،‬ويرتب عليها أن تتصدى للفكر‬ ‫املتطرف داخلها‪ ،‬وتعمل عىل بناء الجسور بينها‬ ‫وبني نظرياتها عىل الضفة األخرى بعيداً عن رجال‬ ‫الدين‪ ،‬وقريباً جداً من اإلنسان العادي املستنري‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫ا‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫لثقافي‬ ‫و‬ ‫ش‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫ا‬ ‫إلبداع‬ ‫مر‬

‫هف دويدري‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫ثقافة‬

‫عىل الرغم من تفوق الثورة الرقمية‪ ،‬وانتشار مواقع التواصل‬ ‫االجتامعي‪ ،‬التي من املمكن أن تكون دار نرش واسعة‬ ‫االنتشار‪ ،‬رمبا بحقوق ملكية فكرية أقل أهمية‪ ،‬إال أن هذه‬ ‫املواقع قد بدأت‪ ،‬وبشكل خاص موقع “فيسبوك”‪ ،‬بتصنيع‬ ‫املثقفني واملبدعني‪ ،‬سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا عىل أهمية‬ ‫الشكل واملضمون‪ ،‬أو ما ميكن تسميته بـ”كمية اإلبداع”‬ ‫يف النص الذي يظهر لك عىل صفحتك الرئيسية‪ ،‬وتصبح‬ ‫هدفاً مرشوعاً لهذه املنشورات اإلبداعية‪ ،‬أو الثقافية‪ ،‬التي‬ ‫ستقرؤها طواعية‪ ،‬أو مرغ ًام أحياناً!‬ ‫قبل الثورة الرقمية‪ ،‬كان القارئ يسعى باتجاه الكتاب‪،‬‬ ‫وبعدّة وسائل‪ ،‬رمبا من خالل االستعارة أو الرشاء‪ ،‬لكنه‬ ‫يبقى هو صاحب الكلمة العليا يف اختيار ما سيقرؤه‪ ،‬أو‬ ‫ما سيتعلمه من تجارب اآلخرين يف اإلبداع‪ ،‬أو الدراسات‪،‬‬ ‫وهناك من سيقول إن الثورة الرقمية أيضاً ساهمت يف إنشاء‬ ‫مكتبات رقمية‪ ،‬تستطيع من خاللها قراءة ما تشاء من كتب‪،‬‬ ‫وتسعى لها‪ ،‬ويكون بني يديك كتاب إلكرتوين أقل كلفة من‬ ‫ذاك الورقي‪..‬‬ ‫عىل الرغم من كل ذلك‪ ،‬مازالت فكرة التكتالت‪ ،‬والتحالفات‬ ‫الثقافية‪ ،‬هي السائدة منذ تلك األيام الورقية‪ ،‬أو يف هذه‬ ‫األيام الرقمية‪ ،‬وانتشار املواقع اإللكرتونية‪ ،‬والصحف‬ ‫الورقية‪ّ .‬‬ ‫ولعل التسويق الذي يعمل عليه هذا التكتّل‪ ،‬أو‬ ‫ما يسمى اصطالحاً بـ “لويب”‪ ،‬كناية عن تكتل له أهداف‬ ‫لتسويق أعضاء هذا اللويب الثقايف‪ ،‬الصحفي‪ ،‬أو األديب‪ ،‬ضمن‬ ‫كتلة معارف خاصة‪ ،‬وال يسمح ألحد باخرتاق هذا اللويب‪،‬‬ ‫عىل اعتبار أنهم قد أوجدوا حالة إبداعية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬وفكرية‪،‬‬ ‫خاصة بهم‪ ،‬ورمبا ال ميكن ملن هم خارج هذا اللويب أن يصلوا‬ ‫إىل إبداع هؤالء املثقفني‪ ،‬الذين شكلوا هذا التحالف‪ ،‬الذي‬ ‫يشبه إىل حد بعيد تحالفاً عسكرياً للدفاع عن أعضائه‪،‬‬ ‫وتسويقهم‪ ،‬عىل الرغم من بعض الخالفات‪ ،‬واالختالفات يف‬ ‫املنهج‪ ،‬والرؤية أحياناً‪.‬‬ ‫هذه “اللوبيات” املتعددة يف اتجاهاتها‪ ،‬تشكل بشكل أو‬ ‫بآخر‪ ،‬عامل انعدام توازن ثقايف يف كثري من األحيان‪ ،‬عىل‬ ‫اعتبار أن مثل هذه اللوبيات تقوم عىل أساس املصالح‬ ‫املشرتكة‪ ،‬التي تعمل ضمن مفهوم تقاطع املصالح‪ ،‬وبلغة‬ ‫التسويق التجاري‪ ،‬سلعة بسلعة‪ ،‬عىل مبدأ أرتب لك النرش‬

‫يف هذا املكان‪ ،‬وترتب يل النرش يف ذاك املكان‪ ،‬وهنا مع‬ ‫تعدد أعضاء اللويب‪ ،‬تتعدد املواقع والصحف التي يتم النرش‬ ‫فيها‪ ،‬وليس عىل أساس الجودة يف هذا النوع من املصالح‪،‬‬ ‫وإمنا عىل مبدأ تسويق السلع الذي ينال ‪-‬شئنا أم أبينا‪ -‬من‬ ‫مفهوم اإلبداع‪ .‬وهنا ال أعني اإلبداع األديب‪ ،‬أو الثقايف‪ ،‬وإمنا‬ ‫اإلبداع بشكل عام يف كل حقول املعرفة (سياسية ‪ -‬اجتامعية‬ ‫ اقتصادية)‪.‬‬‫تتحول بعض هذه املواقع إىل مفهوم الرشنقة‪ ،‬التي تنسجها‬ ‫الريقة عىل نفسها لتحمي جسدها الهزيل من عاديات‬ ‫الدهر‪ ،‬ريثام تتحول هذه الريقة إىل فراشة بأجنحة كبرية‪،‬‬ ‫معبة عن إعجابها‬ ‫ترفرف يف السامء‪ ،‬وتبتسم لها العيون ّ‬ ‫بهذا الجامل‪ ،‬الذي أوجدته الرشنقة اإلبداعية‪ ،‬التي حبست‬ ‫نفسها بها لفرتة تتفاوت بني يرقة وأخرى‪..‬‬ ‫يف هذا النوع من الرشانق‪ ،‬فرص الحياة تكون أقل بكثري‬ ‫من فرص املوت التي تعاين منها الرشانق بشكل عام‪ ،‬خاصة‬ ‫إذا علمنا أن هناك يداً تحيل هذه الرشانق اإلبداعية‪ ،‬عرب‬ ‫صهرها يف نسيج واحد‪ ،‬لصناعة ثوب‪ ،‬أو رمبا أي يش آخر‪،‬‬ ‫وبالعادة فإن صناعة هذا الثوب الجميل تكون عىل حساب‬ ‫أرواح مئات‪ ،‬ورمبا آالف الريقات‪ ،‬التي كانت تسعى يف يوم‬ ‫ما ألن تتحول إىل فراشات جميلة‪ ،‬تز ّين السامء بألوانهن‬ ‫الجذابة!‬ ‫أما الريقة التي قد يحالفها الحظ يف التحول الكامل إىل فراشة‪،‬‬ ‫ستعاين من تصنيف جديد يخضع يف الغالب إىل منتج هذه‬ ‫الفراشات‪ ،‬فليست كل هذه الفراشات ذوات ألوان زاهية‪،‬‬ ‫منها الرمادية‪ ،‬ومنها الربتقالية‪ ،‬ومنها فراشات ذات ألوان‬ ‫تبعث عىل الكآبة‪ ،‬أما تلك الفراشة‪ ،‬صاحبة األلوان الزاهية‪،‬‬ ‫فلها من يرسم أجنحتها بعناية فائقة‪ ،‬بريشة دقيقة‪ ،‬لتقود‬ ‫رسب الفراشات األخرى‪ ،‬غري الزاهية يف عمل ممنهج لرتويض‬ ‫الفراشات اللوايت اجتزن مراحل الرشنقة‪ ،‬ولكن بصالحيات‬ ‫أقل!‬ ‫رمبا يف الوقت القريب يكون “اللويب” هو الحارس األمني لكثري‬ ‫من الريقات داخل هذه الرشانق‪ ،‬لكن الثابت؛ أن الحرير الذي‬ ‫تنتجه هذه الرشانق اإلبداعية أحياناً‪ ،‬يصنع منها ثوباً جمي ًال‪،‬‬ ‫يبعث الفرح يف القلوب‪ ،‬ولكن يف أحيان أخرى يتحول إىل حبل‬ ‫مشنقة‪ ،‬بحيث تكون هذه الريقات مشاركة يف قتل ما!‬


‫حادث غير مقصود‬ ‫سرى علوش‬

‫شوارع‪..‬‬ ‫حسين الزعبي‬

‫ثقافة‬

‫هجرين‪،‬‬ ‫ال يشء أكرث من الشوارع متأل ذاكرة ا ُمل ّ‬ ‫نازحني كانوا‪ ،‬أم الجئني‪ ،‬أو حتى مغرتبني‪ .‬ال أملك‬ ‫سبباً منطقياً لهذا االفرتاض الذي أعتقده‪ ،‬قد ُ‬ ‫يكون‬ ‫السبب ما تختزنه الذاكر ُة من مشاهد عبث الطفولة‬ ‫ُ‬ ‫أو مت ّرد املراهقة؛ فالشارع عادة هو ساحتها وملعبها‪،‬‬ ‫فعليه وقف ذاك املراهق ينتظر حبيبته‪ ،‬ويف أحد‬ ‫مداخله املعتمة‪ ،‬رمبا التقاها مرة وتلعثمت كلامته‬ ‫وضاعت كام ضاع الوقت‪ ،‬فاآلن‪ ،‬أو بعد قليل سيمر‬ ‫أخوها من الشارع نفسه‪.‬‬ ‫عىل الشارع نفسه‪ ،‬ورمبا غريه كانت “الشلة” من‬ ‫أبناء الحي تجتمع لتدخني السجائر بحذر‪ ،‬إذ قد‬ ‫يقبل والد أحدهم فجأة‪ .‬ويف شوارعَ بعيدة عن‬ ‫الحي كانوا يسريون؛ فليست حصة الرياضيات أو‬

‫“القومية” بأمتع من ذلك “السريان” تحت شمس‬ ‫الربيع‪ ،‬رمبا كان يتوجب عىل من يوزع األيام‬ ‫الدراسية مراعاة ذلك‪.‬‬ ‫بحثت يف معاجم اللغة فلم أجد تعريفاً للشارع‪ ،‬بل‬ ‫للشوارع املشقوقة يف ذاكريت‪ ،‬الرتابية منها‪ ،‬حيث‬ ‫ريف حوران‪ ،‬وال املعبدة “املزفتة”‪ ،‬مل أجد شارعاً يف‬ ‫معاجم اللغة يتحدث عن “الشارع العريض” وشباك‬ ‫جارنا املطل عليه‪ ،‬ال أعلم حتى اآلن من هو املسؤول‬ ‫زجاج شباك بيت الجريان‪ ،‬أهو الجار الذي‬ ‫عن كرس ِ‬ ‫ً‬ ‫ذنب إذ‬ ‫هو‬ ‫أم‬ ‫الشارع؟‬ ‫عىل‬ ‫ال‬ ‫مط‬ ‫يجعله‬ ‫أرص أن‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ذنب الشارع‬ ‫مل نتقن تسديد الكرة؟‪ ،‬لعل‬ ‫الذنب ُ‬ ‫َ‬ ‫العريض الذي تحول مللعب كرة قدم‪.‬‬ ‫بحثت يف معاجم اللغة فلم أجد شارعاً كذاك الذي‬ ‫يدخلني إىل دمشق تاركاً بعض “جنويب” هناك يف‬ ‫لحظات املغيب‪ ،‬أو قبلها‪ ،‬أو بعدها‪ ،‬وال حتى يف‬ ‫ساعات الفجر‪ ،‬وال قبلها‪ ،‬مل أجد تلك األصوات‪،‬‬ ‫بصخبها ببشاعتها‪ ،‬بجاملها‪ ،‬وأىن للمعاجم أن تأيت‬ ‫مبثلها ومبثل ذاك الشارع الذي يجعلك تيمم شطر‬

‫حمص!!‪.‬‬ ‫بحثت يف معاجم اللغة وقواميسها عن شارع يجمع‬ ‫الفقري والغني وبقية متناقضات الحياة بقبحها‬ ‫وجاملها فلم أجده إال ممتداً يف ذاكريت من جامع‬ ‫البشري إىل مستشفى فلسطني‪ ،‬حاولت أن أراه يف‬ ‫أوروبا‪ ،‬رأيت الكثري من الجامل لكنني مل أشتم رائحة‬ ‫الزيتون و”املخلل” تنبعث من محال يقصدها من‬ ‫ضاقت بهم الدنيا ومن رحبت‪.‬‬ ‫ال يشء يفسد متعة اسرتجاع جامل املكان وعبقريته‬ ‫إال أنني الجوع ومشاهد أشالء املكان‪ ،‬أف ّر هارباً‬ ‫من ذاكريت إىل ذاكريت مغادراً إىل دمشق العتيقة‬ ‫لتعاتبني وأعاتبها وأسألها هل مازالت السامء تسري‬ ‫عىل الطرقات القدمية حافية؟ أحقاً مازال الغريب‬ ‫ينام عىل ظ ّله واقفاً؟ أتطري الحاممات خلف سياج‬ ‫الحرير؟ هل يواصل فعل املضارع أشغاله األموية؟!‬ ‫يداهمني صوت من رحلوا قادماً من بعيد من‬ ‫ذاك الشارع‪ ..‬مظاهرات! ال ال‪ ،‬هي أهازيج‪ ،‬بل‬ ‫مظاهرات‪..‬حرشجات‪ ..‬حرية!‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫وماذا تعرف عن خيبة عاشقة جاءتك خلسة عن‬ ‫الحرب والخوف مختبئة يف ثياب العيد َفردَّها‬ ‫قلبك مكسورة الخاطر؟ وماذا تعرف عن وجع‬ ‫الوقت؟ عن استهالكه دون حذر يف حزن مكرر‬ ‫انتظا ًرا للذي ال يأيت؟ وماذا تعرف عن الحرسة التي‬ ‫يرتكها الطريق فينا حني وألول مرة منشيه دون أن‬ ‫نفكر بالنظر خلفنا؟ وماذا تعرف عن قلب تسكنه‬ ‫الريح وتلعب فيه كطفلة يتيمة ال أهل لها؟ وماذا‬ ‫تعرف عن لعبة املوت والحياة التي ألعبها مع‬ ‫املسافات والحدود يك أعربها كل مرة دون أن‬ ‫ناقصا‬ ‫تأخذ قطعة من قلبي الذي ُأحبك به فترتكه ً‬ ‫ووحيدًا؟ وماذا تعرف عن الوطن اآلخر الذي مل‬ ‫يأكله الطغاة ومل تحارصه الدبابات‪ ،‬لكنه مات يف‬ ‫حادث مروري غري مقصود؟‬ ‫أنت ال تعرف شيئًا عن حطب أيامي الذي أحرقتُه‬ ‫كنت ً‬ ‫أمامك حني َ‬ ‫مريضا يب؛ فالحمى التي أصابتك‬ ‫تسببت يف رفع حراراتك حتى مل تنتبه وقتها لكل‬ ‫ما حدث‪ ،‬وألنني ُ‬ ‫حرصا عىل حياتك من‬ ‫كنت أكرث ً‬ ‫ُ‬ ‫ونسيت أن أحمي جسدي‬ ‫حبك يل جعلتُك تتعاىف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وقعت‬ ‫متاثلت للشفاء حتى‬ ‫من العدوى‪ ،‬وما إن‬ ‫أنا طريحة األمل وضحية عدم االنتباه‪ .‬لكنك بدالً‬ ‫َ‬ ‫دربت َوردك عىل‬ ‫من أن تحرض يل بعض الثلج‬ ‫الطريان ودمعك عىل الجفاف‪ ،‬وأضأت يب غرف‬

‫املنزل املعتم يك ال تتعرث فيقع قلبك دون أن تنتبه‪،‬‬ ‫وحني نفذ زيتي كنت تعلمت الرحيل جيدًا‪.‬‬ ‫لن أفرش طريقك نحوي بالورد بعد اآلن‪..‬‬ ‫خطاك التي دربتَها عىل الهذيان يف الشوارع العامة‬ ‫ُ‬ ‫ماعدت أميزها‪ ،‬اختلطت عيل آثارها مع خطوط‬ ‫الخراب يف كل مكان‪ .‬لن أنادي عليك حتى ملرة‬ ‫أخرية‪ ،‬ولن أتذرع أن الجنية رصخت يف فمي‬ ‫فأصابني الخرس‪ ،‬كام لن أصدق أن الوقت مل‬ ‫يكن يف صالحك؛ وحده الحب مل يكن يف صالحك!‬ ‫وحده قلبك الذي جرين آالف املرات من ذيل‬ ‫فستاين ليتفرج عىل أملي ويضحك له؛ كان قاد ًرا‬ ‫عىل اللعب يف إبرة البوصلة كيفام يشاء‪ ،‬فدفع‬ ‫حزين إىل الجدار وأدار ابتسامته العارية للنافذة!‬ ‫لن أبيك عليك بعد اآلن‪ ،‬ولن أكرس الشمس عىل‬ ‫َ‬ ‫تعبت من‬ ‫بالط الغرفة يك أدفئ قدميك كلام‬ ‫الغربة وفتحت حقائب نسيان الوطن يك تخلع‬ ‫ثيابك وترتديني‪ .‬لن أنظف عتبة البيت بأغنية أو‬ ‫مفتوحا لقصائدك‬ ‫رقصة نهارية‪ ،‬ولن أترك الباب‬ ‫ً‬ ‫التي مل تكتبها بعد؛ كل مايف األمر أنني سأترك‬ ‫مفتوحا لتخرج منه ببط ٍء شديد‪ ،‬فال يتفقد‬ ‫قلبي‬ ‫ً‬ ‫قفله بعد اآلن‪ ،‬وال ُيع ّد املرات التي طرقتَه فيها‬ ‫َ‬ ‫أضعت املفتاح‪..‬‬ ‫بعد أن‬ ‫املعطف الذي علقتَه باألمس وراء الباب؛ ال يصلح‬ ‫مدفأة للشتاء القادم! أنا البعيدة عن العني؛‬ ‫أقتص لقلبي‬ ‫املبعدة عن القلب‪ ،‬أفكر اآلن كيف ّ‬ ‫املهمل من يديك الباردتني‪ ،‬وكيف أحتفظ بالزكام‬

‫الذي يأكلني يك أصيبك يو ًما ما بالعدوى‪ ،‬ثم أتعاىف‬ ‫ُ‬ ‫امتهنت املرض‬ ‫وحدي‪ .‬أنا الفكرة التي ال تقال؛‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأصبحت‬ ‫خرست أسناين واحدًا تلو اآلخر‬ ‫بك حتى‬ ‫أمتص الحروف وال ألفظها‪ .‬لغتك املحدودة القليلة‬ ‫ّ‬ ‫األمل والعابرة للمعنى كانت سب ًبا يف امتناعي عن‬ ‫مغادرة الرسير‪ .‬وحدها العتمة فرست يل كلامتك‬ ‫ُ‬ ‫رضيت بنعمة العمى يك‬ ‫وأقنعتني بجدوى الرضا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ال أرى أخطاءك وخياناتك‪ ،‬وص َم ْمت روحي عن‬ ‫أخبارك الكثرية التي جعلتني أزور الجحيم مئات‬ ‫ُ‬ ‫أمضيت األيام األخرية من‬ ‫املرات يف الليلة الواحدة‪.‬‬ ‫حيايت أطلب الغفران من الله وال أحصل عليه‪ .‬أنا‬ ‫اللبوة التي قتلت نفسها ليك ال يأكل رجل مثلك‬ ‫قلبها!‬ ‫ْ‬ ‫ربطت حزنها بك لش ّد ْت َك معها‬ ‫لو أن امرأة غريي‬ ‫إىل قاع البرئ‪ ،‬لكن الفكرة ليست يف موتك‪ ،‬وال‬ ‫بخسا للهجر‬ ‫يف حياتك! تكون الخيانة أحيا ًنا مثنًا ً‬ ‫ً‬ ‫تعويضا غري رشيف‬ ‫والتخيل‪ ،‬ويصبح االنتقام‬ ‫لقلب امرأة أحبت برشف‪ ،‬فيصبح الحب عندئذ‬ ‫عبئًا يسهل التخلص منه ببعض األدوية املضادة‬ ‫للذاكرة! وأنا لست تلك االمرأة؛ ولذلك أبقيتُك‬ ‫واق ًفا عىل قدميك‪ُ ،‬تثقل التفاصيل كتفيك وتنهش‬ ‫قلبك‪ ،‬وتحملني عىل ظهرك أبدًا‪.‬‬ ‫لو َ‬ ‫كنت عاش ًقا لقتلتك! نعم لقتلتك‪ ،‬لكن الذين ال‬ ‫يعرفون كيف يحبون ال ميكن لهم أبدًا أن يعرفوا‬ ‫كيف ميوتون من أجل فكرة مخلفني وراءهم‬ ‫ً‬ ‫تاريخا وحضارات ال تفنى من الذكريات والكلامت‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫سوريون في ألمانيا‪ ،‬نشاطات وقراءات‬ ‫‪14‬‬

‫نشرة ثقافية‬

‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫سمر يزبك تتحدث عن رحلتها إىل سوريا‪.‬‬

‫أقامت الكاتبة السورية سمر يزبك‪ ،‬قراءة ومناقشة يف مدينة كولونيا األملانية‬ ‫مع الصحافية واملرتجمة الريسا بيندر‪ ،‬تحدثت فيها عن رحلتها إىل سوريا‬ ‫‪ ،2012-2013‬واملؤسسة التي أسستها هناك ورخصتها يف فرنسا‪ ،‬كام تحدثت‬ ‫عن لقائها مع أمري جبهة النرصة “أبو حسن”‪ ،‬وتطرقت يزبك للكثري من‬ ‫املواضيع‪ ،‬كصناعة اإلرهاب‪ ،‬وتخاذل املجتمع الدويل‪ ،‬وكيف اعتقل النظام‬ ‫السوري الناشطني السلميني وأطلق رساح السلفيني الذين أصبحوا قادة‬ ‫للكتائب املتطرفة‪ ،‬كام ناقشت أوضاع السوريني يف أملانيا ودعت إىل معاملتهم‬ ‫مبا يليق بهذا الشعب الذي عاىن ويعاين من أجل كرامته‪.‬‬

‫محمد الغميان يقارن بني ّ‬ ‫مخيمت‬ ‫السوريني يف األردن‪ ،‬وأملانيا‪.‬‬

‫عرض املص ّور السوري محمد الغميان يف مدينة كولونيا األملانية مجموعة‬ ‫من الصور التي التقطها يف مخيامت األردن العشوائية عن حياة الالجئني‬ ‫واألطفال‪ ،‬ومجموعة أخرى لصور التقطت يف أملانيا يف محاولة للمقارنة بني‬ ‫وضع الالجئني هناك وهنا‪ ،‬وتسليط للضوء عىل املعاناة التي يعيشها الالجئون‬ ‫السوريون يف دول الجوار‪ ،‬الغميان الذي غادر سوريا يف بداية عام ‪2012‬‬ ‫إىل األردن‪ ،‬عمل يف مخ ّيم الزعرتي كمص ّور فوتوغرايف وبقي يف األردن حتى‬ ‫شهر أوكتوبر ‪ 2014‬قبل أن يغادرها باتجاه أملانيا حيث يعيش يف العاصمة‬ ‫األملانية برلني‪.‬‬

‫جائزة بيتهوفن لعازف الريموك‬ ‫الالجئ الفلسطيني عازف البيانو الشاب أيهم أحمد املعروف بـ “عازف‬ ‫الريموك”‪ ،‬والذي اشتهر بغنائه وعزفه يف شوارع مخ ّيم الريموك املدمرة‪،‬‬ ‫والحقاً يف تجمعات الالجئني‪ ،‬يحظى بجائزة بيتهوڤن الدولية لحقوق اإلنسان‬ ‫يف بون‪/‬أملانيا عىل إبداعاته‪.‬‬

‫ثقافة‬

‫أطفال سوريون وعراقيون يغنون‬ ‫لعامل واحد بال حدود‬

‫قدّم أطفال سوريون وعراقيون الجئون حدي ًثا إىل مدينة كولونيا األملانية يف الخامس من الشهر‬ ‫اقصا يف قاعة سانكت بيرت‪ ،‬بقيادة املوسيقي األملاين “صموئيل‬ ‫الحايل‪ ،‬حف ًال موسيق ًيا غنائ ًيا ر ً‬ ‫دوبانيكر”‪ ،‬يف مرشوع مشرتك استغرق شه ًرا واحدًا من التدريب مع ‪ 15‬طف ًال الجئًا من‬ ‫الجنسني‪ ،‬غنى األطفال فيه باللغات الثالث “العربية واإلنكليزية واألملانية” أغنية أملانية شهري ًة‬ ‫خصيصا من‬ ‫عن العصافري “‪ ”Alle Vogel‬باألملانية والعربية‪ ،‬وقدّموا أغنية جديدة كتبت لهم‬ ‫ً‬ ‫أجل هذا الحفل‪ ،‬ترجمتها الشاعرة السورية رسى ع ّلوش لالنكليزية‪ ،‬واملرتجمة والصحافية‬ ‫األملانية الريسا ِبندر إىل األملانية‪ ،‬وأ ّلف لحنها عازف العود واملؤلف السوري نبيل أربعني الذي‬ ‫مزيجا‬ ‫شاركهم العزف يف الحفلة قاد ًما من العاصمة برلني‪ ،‬كام شاركهم كورال محرتفني صنعوا ً‬ ‫بني املوسيقا الكنائسية مع املوسيقا الرشقية والكالم العريب واألملاين‪.‬‬


‫الكتابة في وسائل التواصل االجتماعي‪ :‬تويتر‬ ‫باسل مطر‪ -‬مشروع سالمتك‬

‫عديدة يف بقاع مختلفة‪ .‬ال شك أن النرش باللغة‬ ‫هام أيضاً‪ ,‬فهي اللغة العاملية التي‬ ‫اإلنكليزية أم ٌر ٌ‬ ‫يستخدمها الكثريون‪ ,‬وهي تضمن لك الوصول إىل‬ ‫أكرب رشيحة من املستخدمني‪.‬‬ ‫عندما تقتح صفحة حسابك عىل تويرت سرتى أن‬ ‫التغريدات فيها تتواىل رسيعا‪ ,‬وال تكاد ترتك لك وقتا‬ ‫ملعرفة مضمونها‪ ,‬لكن بعضها يشدك قطعا لسبب ما‪,‬‬ ‫وهو أمر يجعل الكتابة والنرش عىل تويرت تحديا صعبا‬ ‫أيضا‪ .‬لكن هناك جملة من القواعد أو النصائح التي‬ ‫عىل املغردين مراعاتها لتحظى تغريداتهم بالقراءة‬ ‫وإعادة التغريد‪ .‬ماهي تلك القواعد إذاً؟‬ ‫ أشياء تشد االنتباه‪ :‬كام قلنا سابقا‪ ,‬فإن رسعة‬‫توارد املحتوى تجعل شد املستخدمني إليه أمرا أكرث‬ ‫صعوبة‪ ,‬لكن تضمني بعض الكلامت التي تشد‬ ‫االنتباه دون سواها تعطي تغريداتك فرصة أعىل‬ ‫للقراءة‪ .‬استخدم الحقائق (كاألرقام واإلحصاءات‬ ‫مثال)‪ ,‬واألسئلة واملعلومات التي يجدها املستخدم‬ ‫اآلخر مفيدة لجذب انتباهه‪.‬‬ ‫ الصور‪ :‬تشري اإلحصاءات إىل أن التغريدات التي‬‫تحتوي عىل صورة تحظى بعدد أكرب من مشاركة‬ ‫التغريدة مبا يصل إىل ‪ .150%‬فالصورة هي عنرص‬ ‫غني يستطيع نقل رسائل متعددة بتغريدة واحدة‪.‬‬

‫زوروا‬ ‫موقع‬ ‫طلعنا عالحرية‬ ‫بحلته‬ ‫الجديدة‬ ‫‪freedomraise.net‬‬

‫مقاالت‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫العدد ‪2015 / 12 / 20 - 61 -‬‬

‫تويرت هو املنصة املثالية لنقل األخبار‪ .‬وفيام يعترب‬ ‫فيسبوك شبكة للتواصل االجتامعي وربط الناس‪,‬‬ ‫فإن تويرت هو منصة للتدوين القصري وربط األفكار!‬ ‫ال يقدم تويرت امليزات التي يقدمها فيسبوك من‬ ‫مجموعات بأنواعها الرسية واملفتوحة واملغلقة‪ ,‬وال‬ ‫الصفحات‪ ,‬وال يقدم للمستخدم املساحة الكبرية‬ ‫للكتابة ونرش الصور ومقاطع الفيديو والنقاش‬ ‫والحوار‪ ,‬لكنه يبقى املنصة املفضلة ملتابعي األخبار‬ ‫والباحثني عن األفكار‪ ,‬واملروجني لها‪ ,‬وقادة حمالت‬ ‫الرأي واملنارصة‪ .‬ال يلغي ذلك دور فيسبوك الذي‬ ‫يحتل الصدارة من حيث عدد املستخدمني وحجم‬ ‫املحتوى الذي ينرش عليه كل يوم‪ ,‬لكن لتويرت أهمية‬ ‫خاصة تجعله رضوة ملحة يف الحالة السورية‪.‬‬ ‫يضم تويرت حوايل ‪ 350‬مليون مستخدم‪ ,‬وينرش عليه‬ ‫‪ 6000‬تغريدة كل ثانية‪ ,‬ويقيض مستخدم تويرت‬ ‫وسطيا ‪ 170‬دقيقة شهرياً وميتلك ‪ 80%‬من قادة‬ ‫العامل حسابات عىل تويرت‪ ,‬ويغرد شهريا حوايل ‪117‬‬ ‫مليون مستخدم من أصل املجموع الكامل‪ ,‬مام‬ ‫يجعل العدد املتبقي مجرد متابع ملا ينرش‪ ,‬وهو رقم‬ ‫ال يستهان به أيضا‪.‬‬ ‫يتيح تويرت حيزاً صغرياً للكتابة‪ ,‬ال يتجاوز ‪ 140‬حرفاً‪,‬‬ ‫وهذا يجعله مختلفا جداً عن فيسبوك الذي يتيح‬ ‫مساح ًة أكرب بكثري‪ ,‬ويجد الناس يف عرص الرسعة‬ ‫يف تويرت منص ًة مثالي ًة‪ ,‬حيث يجرب صغر املساحة‬ ‫املغردين عىل االختصار وتوخي وضوح التعبري ودقته‪.‬‬ ‫وألن تويرت عىل هذه الدرجة من األهمية فهو املكان‬ ‫املناسب لنرش األخبار واألفكار والوصول إىل جامهري‬

‫إحرص عىل تضمني تغريداتك عىل صور تشد‬ ‫املستخدم وتثري مشاعره دون خدشها‪.‬‬ ‫ الدعوة إىل القيام بعمل ما‪ :‬تشري الدراسات أيضا‬‫إىل أن التغريدات التي تطلب من املستخدم القيام‬ ‫بعمل ما‪ ,‬تحظى بنسبة أكرب من التفاعل‪ .‬عىل املتلقي‬ ‫أن يعرف ماعليه القيام به حني رؤية التغريده‪ ,‬هل‬ ‫عليه النقر عىل رابط معني لقراءة موضوع ما‪ ,‬أم‬ ‫عليه إعادة نرشها لتصل إىل عدد أكرب من الناس‪ ,‬أم‬ ‫عليه التصويت عىل أمر ما‪ .‬إن الوضوح يف هذا األمر‬ ‫يجعل هذه التغريدات أكرث تأثريا‪ ,‬وأكرث وفاء بغرضها‬ ‫التي نرشت ألجله‪.‬‬ ‫ الدقة واالختصار‪ :‬كام أرشنا فاملساحة التي يتيحها‬‫تويرت صغرية ال تتجاوز ‪ 140‬حرفا فقط‪ ,‬وعليه فإن‬ ‫التغريدات يجب أن تكون ضمن حدود ‪ 120‬حرفا‬ ‫حتى تتيح لآلخرين إضافة كلمة أو كلمتني عند إعادة‬ ‫نرشها وهو أمر غاية يف األهمية‪ .‬وعليها أن تكون‬ ‫واضحة‪ ,‬قصرية ومعربة‪.‬‬ ‫ الهاشتاغ‪ :‬الهاشتاغ أو الوسم هي أداة تساعد‬‫املستخدم عىل الوصول إىل املوضوعات التي يهتم‬ ‫بها‪ .‬استخدامها بحكمه وال تكثري منها‪ ,‬وابحث عن‬ ‫الوسوم الدارجه التي تحظى باهتامم الناس وأدرج‬ ‫منشوراتك ضمنها‪ ,‬أو اخرت لنفسك وسام أو وسمني‬ ‫واستخدمها بعناية وبشكل دائم حتى يعرفك‬ ‫اآلخرون من خاللها‪.‬‬ ‫ املؤثرين عىل تويرت‪ :‬إن التفاعل مع اآلخرين‬‫وتفاعلهم معك هو ما يجعلك مستخدما مركزيا عىل‬ ‫تويرت‪ .‬يعني هذا أن مجرد النرش ال يكفي‪ ,‬وعليك‬ ‫اتباع قواعد أخرى لتحظى تغريداتك مبكانة متقدمة‬ ‫تضعها يف حيز الرؤيا‪.‬‬

‫‪15‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.