طلعنا عالحرية / العدد 96

Page 1

‫حرية ‪ ،‬كرامة‪ ،‬مواطنة‬

‫العدد‬

‫أضحى مبارك‬ ‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫مجلة شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬


‫ماذا بقي لنا من العيد؟‬

‫‪2‬‬

‫افتتاحية بقلم ليلى الصفدي‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫هل تساءلنا يوماً ملاذا نحن شعب يكره الفرح‬ ‫ويخافه؟!‪ ،‬أمل نسمع مراراً كلامت مثل “الله يجرينا‪..‬‬ ‫انبسطنا اليوم”‪ ،‬وكأن الله سبحانه وتعاىل يكره أن‬ ‫يرانا سعداء! ملاذا هذا الربط السلبي بني الفرح‬ ‫واإلميان؟ من قال إن املؤمن غري سعيد؟ أوليس‬ ‫الرضا عن النفس والقناعة جزء من السعادة؟‬ ‫ليست هذه دعوة للفرح املصطنع‪ ،‬بل دعوة‬ ‫لنتفهم األسباب التي تجعل أيامنا ال تتناسب مع‬ ‫مفهوم العيد‪ ..‬أعيادنا القليلة أص ًال‪.‬‬ ‫هل ألننا قوم مهزومون‪ ،‬واألعياد هي تتويج‬ ‫لنضاالت الشعوب بنرص ال مجال لنسيانه؟‪ ..‬هل‬ ‫ألننا قوم نعيش بواد وديننا ومعتقداتنا بواد‬ ‫آخر؟ والعيد هو ذكرى دينية وإنسانية عزيزة‬ ‫عىل القلوب‪ ..‬وهو احتفاء بذكرى تاريخية كربى‬ ‫أو مبيالد أنبياء التاريخ‪ ..‬أو ألننا قوم ال ننجب‬ ‫العظامء؟ والعيد شهادة تقدير ووفاء لعظامء كان‬ ‫لهم بصمتهم يف التاريخ‪..‬‬ ‫أو ألننا نفتقد االنتامء لوطن تغتصبه طغمة‬ ‫أعيادها املجيدة ال تعنينا‪..‬‬ ‫أو ألننا قوم إذا ملكنا االنتامء لألوطان‪ ،‬مل متتلك‬ ‫األوطان انتصارات تستحق االحتفاء‪..‬‬ ‫وهل قيم الحب واملساواة والعمل هي قيم معاشة‬ ‫يف حياتنا؟ لنخصها بأعياد؛ فالحب مرتبط لدينا‬

‫بالعيب‪ ،‬والعدل واملساواة يقترصان عىل الخالق‪،‬‬ ‫والعمل ليس إال لكسب العيش وال يحمل قيمة‬ ‫بحد ذاته‪.‬‬ ‫الشعوب هي التي تصنع أعيادها‪ ،‬واألعياد مرتبطة‬ ‫بتاريخ من االنتصارات واإلنجازات والقفزات‪،‬‬ ‫والتي بالتأكيد نفتقدها نحن يف املنطقة العربية‪،‬‬ ‫فمنذ عهد الرسول الكريم مل نحقق أشياء تذكر‪.‬‬ ‫حتى انتصاراتنا الوطنية يف عهد االستعامر ُت ِّوجت‬ ‫بأنظمة استبدادية‪ ،‬بل أنظمة مجازر‪ ،‬وتبعية‬ ‫مستمرة ومتزايدة‪.‬‬ ‫حرياتنا العامة ما زالت مقيدة‪ ،‬اجتامعياً مل نحقق‬ ‫سوى التفكك‪ ،‬ثقافياً مل نحقق سوى التأخر‪ ،‬علمياً مل‬ ‫نحقق سوى أعداداً من الخريجني وهجرة لألدمغة‪.‬‬ ‫قضايا املرأة األساسية وحقوق الطفل ما زالت‬ ‫تراوح مكانها‪ ،‬وعىل مستوى الحياة الكرمية والرفاه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والذل عىل‬ ‫فحدث وال حرج عن دولة الطوابري‬ ‫أبواب املخابز‪.‬‬ ‫تاريخنا تاريخ الهزائم‪ ..‬فمن أين يأيت الفرح؟ ومن‬ ‫أين ّ‬ ‫يحل العيد؟؟‬ ‫يف ظل الظروف الحالية وما تعانيه البلد من احتالل‬ ‫وانقسام وتفكك وظروف معاشية سيئة‪ ..‬نتساءل‬ ‫ماذا بقي للسوريني من األعياد‪ ،‬فكيف سيحتفل‬ ‫السوري بعيد جالء املستعمر الفرنيس عن أرضه‬ ‫بوجود أربعة محتلني جدد ونظام خائن؟!‬ ‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫افتتاحية‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬ ‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫شهرية ثقافية‪ ،‬اجتامعية‪ ،‬سياسية‪،‬‬ ‫تعنى بالشأن السوري‬ ‫املدير اإلداري‬ ‫معتصم أبو الشامات‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫وكيف ستحتفل املرأة بيوم خاص بها‪ ،‬وباألمس‬ ‫القريب ُقتلت فتاة قارص من قبل أهلها وعشريتها‬ ‫ألنها خرجت من تحت عباءتهم الظالمية‪.‬‬ ‫وماذا سنقدم للطفل يف يومه الخاص ونحن ال‬ ‫نستطيع توفري الحامية واألمن وأبسط حقوقه يف‬ ‫التعليم واللعب والعيش الكريم؟‬ ‫وكيف سنحتفل بعيد األضحى ونحن ال زلنا نضحي‬ ‫بالبرش واألبناء واألخوة عىل مذبح السلطة!‬ ‫العيد هو اإلنجاز‪ ،‬واإلميان بالذات الفردية‬ ‫والجامعية‪ ،‬وبقيم إنسانية واجتامعية ودينية‬ ‫وسياسية‪ ،‬فأين هي إنجازاتنا وقيمنا التي تستحق‬ ‫العيد؟‬ ‫لقد أثبتت تجربتنا املريرة أن أكرث ما نحتاجه هو‬ ‫ثقافة جديدة تناسب العرص‪ ،‬معرفة من نوع جديد‪،‬‬ ‫ومبادرات مبتكرة نحو العام‪ ،‬ونحو ربط الخاص‬ ‫بالعام‪ ،‬احرتام اآلخر واحرتام الحريات وحقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬احرتام التاريخ‪ ،‬وانفتاح عىل الحضارات‬ ‫والثقافات األخرى‪ ،‬كشف الذات وإخراج املكبوت‪،‬‬ ‫وعدم املساومة يف نبذ القمع واالنتهاكات والتدخل‬ ‫يف شؤون اآلخرين‪ .‬باختصار إىل ثقافة جديدة‬ ‫تستلهم التاريخ وتنفتح عىل املستقبل‪.‬‬ ‫وبالرغم من كل الواقع املأساوي علينا أن نصدق أن‬ ‫تغيري الواقع يبدأ من الرأس‪ ..‬من العقل الذي يصنع‬ ‫تاريخاً ويصنع أعياداً‪.‬‬ ‫تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت‬ ‫‪facebook.com/rising4freedom‬‬

‫نصار‬ ‫رئيس التحرير أسامة ّ‬

‫‪twitter.com/freedomraise‬‬

‫نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي‬

‫‪freedomraise@gmail.com‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل ‪ /‬هاين ع ّباس‬

‫أمن رقمي ومحاسبة‬ ‫وائل موىس‬

‫زمالء مختطفون يف سوريا‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يف انتظار املثقف املستنري‬

‫‪3‬‬

‫مرزوق الحلبي ‪ -‬فلسطين المحتلّة‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫البقية في الصفحة ‪........11‬‬

‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫الفلسطيني مع شعوب مامثلة‪ ،‬واتسعت الرهانات‬ ‫أقلما ُيقالفيهاإنهاأسهمتإسهاماً‬ ‫عىلأنظمةومراكز ّ‬ ‫جد ّياً يف تدمري قضية فلسطني وشطبها‪ ..‬نظام دمشق‬ ‫ونظام إيران ً‬ ‫مثل‪ .‬مل مينع هذا من أوساط فلسطينية‬ ‫اإلبقاء عىل رهانها مع ّلقاً عىل هذه األنظمة بالذات‪.‬‬ ‫وهذا يف رأينا نتيجة مبارشة لعقدة القوة؛ فاملقهورون‬ ‫أو املظلومون حتى النُخاع كالفلسطينيني يع ّلقون‬ ‫األمل عىل “مراكز قوة” يف الجوار أو يف الخيال والوهم‪،‬‬ ‫طمعاً يف نرص أو فرج ُيعيد الحقّ ألهله‪ .‬عُ قدة ليست‬ ‫حرصاً عىل الفلسطينيني؛ فقد وقع يف حفرتها سوريون‬ ‫كثريون يف محنتهم‪ ،‬وهي عُ قدة “ ُتعفي” املنكوب بها‬ ‫من املبادرة واالعتامد عىل النفس وإنتاج االقتدار الذايت‬ ‫ملواجهةرشطالقهرمنخاللمنظومةأخالقيةشمولية‪،‬‬ ‫سيايس قابل للحياة ال للموت‪.‬‬ ‫إضافة إىل مرشوع‬ ‫ّ‬ ‫عىل مستوى آخر من هذه القضية‪ ،‬تكمن للمث ّقف‬ ‫وللمعارض إغراءات اإليديولوجيا أو العقيدة (الدينية‬ ‫أيضاً)‪ .‬فقد رأينا أجياالً من املث ّقفني العرب وبضمنهم‬ ‫الفلسطينيني يسريون معصويب األعني وراء العقائد‬ ‫حتى ضاعوا يف املتاهات وأضاعوا كل مسالك النجاة‪.‬‬ ‫تغي لهم من فرضيات‬ ‫هؤالء مل يدعوا الوقائع ّ‬ ‫العقائد وأحكامها‪ .‬ومن هؤالء شيوعيون ويساريون‬ ‫يف طول اإلقليم العريب وعرضه‪ ،‬مبا فيه حيفا وسائر‬ ‫الجليل‪ .‬فقد ذهب كثريون منهم يف مسار الدوغام‬ ‫وفسوا ّ‬ ‫كل يشء تفسرياً غيب ًّيا كأي عقيدة دينية‬ ‫ّ‬

‫مقاالت‬

‫عندما قتلت قوات األمن الفلسطينية ‪-‬التابعة‬ ‫للسلطة الوطنية يف رام الله‪ -‬يف الثالث والعرشين‬ ‫من حزيران املايض الناشط املعارض‪ ،‬نزار بنات (من‬ ‫مدينة الخليل)‪ ،‬عادت إىل الواجهة تلك السجاالت‬ ‫بشأن العالقة بني نكبة الفلسطينيني ومحنة السوريني‪.‬‬ ‫فقد كان بنات معارضاً للسلطة يف رام الله‪ ،‬ل ّكنه كان‬ ‫منارصاً لنظام املجازر يف دمشق‪ ،‬ولع ّرابه نظام املاليل‬ ‫اإليراين‪ .‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل كثرياً ما كان يتش ّفى‬ ‫ويسخر ويكايد عرب “إطالالته” يف أرشطة الفيديو‪،‬‬ ‫الشعب السوريّ ومؤيديه من العرب والفلسطينيني‪،‬‬ ‫التوحش!‬ ‫ويدعو نظام املجازر إىل مزيد من‬ ‫ّ‬ ‫وأنا الذي ال أتبع “شيخاً” أو “طريقة” أو “عقيدة”‬ ‫مغلقة‪ ،‬رأيت من واجبي نقد جرمية قتله‪ ،‬واملطالبة‬ ‫مبحاسبة املن ّفذين واملسؤولني عنهم‪ ،‬من أصغرهم‬ ‫إىل أكربهم‪ ،‬مع اإلشارة إىل أن الضحية كان من‬ ‫منارصي نظام املجازر‪ .‬وكان لألمر أن ينتهي هنا‬ ‫لوال أن كثريين من املتناقشني طالبونا ّ‬ ‫بأل نذكر له‬ ‫تأييده لنظام املجازر‪ ،‬ونكتفي بالوقوف معه كضحية‬ ‫سلطة غاشمة‪ ،‬أو تعمل لحساب االحتالل‪ ،‬كام قالوا‪.‬‬ ‫قسم من هؤالء كان بنفسه من مؤ ّيدي نظام املجازر‬ ‫لتوحشه الذي فاق مليون مليون م ّرة ما‬ ‫ومتق ّب ًال ّ‬ ‫تقوم به السلطة “الوطنية” الفلسطينية‪ .‬فأدركنا‬ ‫مدى التباس األمور عىل بعضنا‪ ،‬ومنهم َمن يدّعي‬ ‫فعدنا‬ ‫الثقافة أو إشغال خانة املث ّقف الفلسطيني‪ُ .‬‬ ‫إىل التأ ّمل يف حالتنا لتفكيكها إىل عواملها األوىل‪ ،‬يك‬ ‫ال يستم ّر هذا السجال العقيم وهذا االنتقاص من‬ ‫وزجهام يف شبكة من‬ ‫مكانة املث ّقف أو املعارض ّ‬ ‫ازدواج ّية املعايري ومتاهات العقيدة واإليديولوجيا‪.‬‬ ‫هناك اعتقاد ساذج لدى أوساط واسعة من مث ّقفينا‬ ‫الفلسطينيني ال س ّيام يف الداخل الفلسطيني‬ ‫(الساحل وسائر الجليل) أنه مبج ّرد أن تكون معارضاً‬ ‫لالحتالل ومناهضاً لسياسات إرسائيل الكولونيالية يف‬ ‫فلسطني فإ ّنك مح ّرر من تبعات ّ‬ ‫كل سؤال آخر يف‬ ‫إطار “مناهضة” القهر والظلم‪ ،‬أو يف إطار التضامن‬

‫والتعاطف مع مقهورين ومظلومني آخرين‪ .‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫متسك‬ ‫شخصنا يف بداية الحرب عىل الشعب السوريّ ّ‬ ‫بعض الفلسطينيني بخانة الضحية بامتياز‪ ،‬ورفضهم‬ ‫شعبآخركالشعبالسوريّ ضح ّية‬ ‫االعرتافبأنيكون ٌ‬ ‫لنظامه ولقوى أجنب ّية ّ‬ ‫تحتل وطنه‪ .‬وأدركنا يف وقت‬ ‫مب ّكر أيضاً أن قس ًام من الفلسطينيني ‪-‬مثقفني وغري‬ ‫مثقفني‪ -‬ال يزال يعيش وعياً زائفاً بخصوص النظام يف‬ ‫دمشق‪ ،‬وع ّرابه النظام يف طهران‪ .‬وعي و ّرطهم مبواقف‬ ‫بائسة‪ ،‬كأن ال ُيدركوا مث ًال دالالت تدمري مخ ّيم الريموك‬ ‫فوق رؤوس مليون من أهله الفلسطينيني وامله ّمشني!‬ ‫لقد كشفت جرمية قتل بنات هشاشة مفهوم‬ ‫“املعارض” و”املث ّقف” معاً؛ فاملعارض وفق بنات هو‬ ‫معارض للسلطة يف رام الله‪ ،‬لكنّه متحالف أوتوماتيكياً‬ ‫مع ّ‬ ‫كل معارضيها‪ ،‬مبا فيهم فصائل أصولية كحامس‬ ‫والجهاد واملوالني إليران يف غزة وسواها‪ً .‬‬ ‫علم بأن هذه‬ ‫القوى ‪-‬ال س ّيام حامس‪ -‬مارست أبشع قمع يف غزة؛‬ ‫حيث استطاعت أن تفرض هيمنتها وتقمع وتقتل!‬ ‫وكشفت أيضاً هشاشة “املعارضة” و”الثقافة” ألنها‬ ‫جهو ّية تعمل باتجاه سلطة تناهضها‪ ،‬وليس عىل أساس‬ ‫قيمة أو فكرة تؤ ّيدها؛ ف‪”-‬املعارض” بنات الذي رفض‬ ‫بحقّ كلأشكالالقمعالداخيللسلطةرامالله‪،‬والهوان‬ ‫الخارجي أمام االحتالل‪ ،‬مل تؤ ِذه حقيقة قمع سلطة‬ ‫ّ‬ ‫توحش النظام يف دمشق‬ ‫حامس للناس يف غزة وال ّ‬ ‫وال جرائم التطهري العرقي ملناطق واسعة من سوريا‪.‬‬ ‫لقد رأينا ‪-‬يف بنات وغريه‪ -‬منوذجاً لقصور مفهوم‬ ‫“املعارض”و”املث ّقف”يفالثقافةالسياس ّيةالفلسطينية‬ ‫تأسست عىل مدار عقود عىل محور واحد هو‪:‬‬ ‫التي ّ‬ ‫مناهضةإرسائيل‪،‬وتوكيداملرشوعالوطنيالفلسطيني‪.‬‬ ‫صحيح أن األمر ال ينسحب عىل كل املعارضني واملث ّقفني‬ ‫الفلسطينيني‪ ،‬ال اليوم وال يف املايض‪ ،‬لكننا رأينا هذه‬ ‫النزعة بوضوح يف كل مراحل املرشوع الفلسطيني‪.‬‬ ‫وهي نزعة أضعفت هذا املرشوع وشدّته إىل الخلف‪.‬‬ ‫ك ّلام ابتعدنا عن حقبة “حركات التح ّرر” و”حقّ‬ ‫الشعوب يف تقرير مصريها” ضعف التضامن‬


‫‪4‬‬

‫عيد األضحى‪ ..‬االحتفاء بتطور البشرية‬ ‫سميح الصفدي‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬ ‫مقاالت‬

‫مثة تسليم ضمني عند كثري من النشطاء والناشطات‬ ‫والشبان والشابات غري املتدينني يف املجتمع السوري‬ ‫بأن عيد األضحى املبارك ال يرقى إىل مستوى “األعياد‬ ‫الراقية”؛ ال بد أن الكثريين يشعرون بدونية هذا‬ ‫العيد مقابل عيد “بابا نويل” أو “عيد الحب” أو‬ ‫غريه من األعياد‪.‬‬ ‫إن محاوالت التنصل من هذا العيد هي حالة مركبة‬ ‫وتتدعم بعدة نقاط‪:‬‬ ‫‪ - 1‬الطابع الديني لهذا العيد‪ ،‬مع ما نعلم من تنافر‬ ‫متفاوت وال عقالين بني فئة من جيل الشاب‪ ،‬الهارب‬ ‫من الحرب والظالمية‪ ،‬والدين عموماً‪.‬‬ ‫‪ - 2‬حالة الشعور الواعي أو الالواعي بالدونية تجاه‬ ‫الغرب وامتداده املسيحي يف منطقتنا عند الكثري‬ ‫من أفراد الطوائف اإلسالمية‪ ،‬والتي لها مربراتها‬ ‫التاريخية والحضارية املعروفة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬امليل لقيم الرفق بالحيوان واالتجاهات النباتية‬ ‫التي تلقى رواجاً هذه األيام‪ ،‬والتي تنظر بامتعاض‬ ‫شديد إىل أضاحي العيد وتعتربها‪ ،‬مظهراً ال إنسانياً‬ ‫وظاملاً‪.‬‬ ‫‪ - 4‬التلبك والتخبط يف تفسري معاين العيد سوا ًء عند‬ ‫املتدينني أو العلامنيني‪.‬‬ ‫وال بد أننا قادرون عىل تلمس الشعور املبطن‬ ‫بالزهو ونظرة التجاوز لدى املرتفعني عن االحتفال‬ ‫بهذا العيد‪ ،‬باعتبارهم قد تجاوزوا حالة “متخلفة”‬ ‫“ال إنسانية” و”همجية”‪.‬‬ ‫قد تغرينا بشاعة الذبح الفعلية واملتخيلة ألضاحي‬ ‫العيد باملوافقة عىل هذا الطرح اإلنساين‪ ،‬وقد‬ ‫تدفعنا للرتفع عن هذا العيد وعن مبدأ األضاحي‪،‬‬ ‫وقد تقودنا الحالة إىل تخيل امتدادات هذا “الذبح”‬ ‫يف واقعنا الحايل والتناحر الذي عاشه السوريون‬ ‫عىل جلدهم‪ ،‬والذي شهده العامل عىل الشاشات‬ ‫بني املسلمني أنفسهم‪ ،‬ولكننا وبتسليمنا السهل لهذا‬ ‫اإلغراء نكون قد فقدنا البوصلة‪ ..‬وقلبنا املفاهيم‪..‬‬ ‫وأغفلنا العقل‪ ..‬العقل التاريخي عىل األخص‪.‬‬

‫مثة تاريخ طويل للبرشية املتحرضة‪ ،‬وبعمق هذا‬ ‫التاريخ يقبع البرشي املفرتس‪ ..‬جدنا القنّاص‪ ،‬مل يكن‬ ‫هذا البرشي األول يعرف الصناعة وال الزراعة‪ ،‬بل‬ ‫كان يعرف القنص والقتل كمصادر وحيدة للطعام‪..‬‬ ‫والبقاء‪ ..‬ولنسمها “مصادر الطاقة”‪.‬‬ ‫ومصادر الطاقة هذه كانت قليلة ومحدودة‪ ،‬ومل‬ ‫تكن تسمح سوى لعدد قليل من البرش بالعيش‬ ‫عىل الكرة األرضية‪ .‬البحوث العلمية ترجح أن العدد‬ ‫الفعيل لسكان الكرة األرضية عشية الثورة الزراعية‬ ‫(بني األلف العارش والسابع قبل امليالد) كان يرتاوح‬ ‫بني خمسة وعرشة ماليني من النفوس‪ .‬وهؤالء‬ ‫املاليني كانوا عبارة عن جامعات وقطعان برشية يف‬ ‫رصاع دائم ومستمر من أجل البقاء‪ ،‬ويف خضم هذا‬ ‫الرصاع كان أكل لحوم البرش مامرسة عادية وسارية‪،‬‬ ‫وكان املنترص يأكل العدو ويرشب دمه يف جمجمته‬ ‫املفرغة ليكتسب فضائله!‬ ‫كانت تلك القطعان تخوض الحروب والنزاعات عىل‬ ‫مناطق النفوذ للقطف والصيد‪ ،‬وكان الشكل الوحيد‬ ‫املمكن الستغالل أرسى الحروب هو التهامها‪ ..‬أكل‬ ‫لحمها! ومل يكن يندر ساعة العوز أن يأكل األخ أخاه‬ ‫واألب أبنه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وجاءت الثورة الزراعية أخريا‪ ..‬ال بد أن عوامل عديدة‬ ‫ثقافية واجتامعية قد م ّهدت لها‪ ،‬وانتقل البرش من‬ ‫الصيد والقطف إىل الزراعة وتربية الحيوان‪ ..‬إىل‬ ‫الرعي واملكاثرة‪.‬‬ ‫من هنا يجب أن نعيد فهم قصة سيدنا إبراهيم‬ ‫عليه السالم‪ ،‬إنها كام يقول املفكر إلياس مرقص‪:‬‬ ‫“رمز ديني كبري”؛ فهي تعلن انتهاء عهد األضاحي‬ ‫البرشية‪ ..‬وانتهاء التهام اإلنسان ألخيه اإلنسان‪.‬‬ ‫لقد استبدل مالك املعرفة التضحية بابن إبراهيم‪..‬‬ ‫بالتضحية بكبش‪ ..‬إنها الثورة الزراعية وتربية‬ ‫املوايش‪ ،‬وانطالق عهد جديد من تاريخ البرشية‪:‬‬ ‫عهد الزراعة‪ ..‬وعهد العبودية بنفس الوقت!‬ ‫منذ تلك اللحظة أصبح ممكناً استغالل اآلخر‪..‬‬

‫العدو‪ ..‬األسري‪ ..‬بشكل آخر غري التهامه‪ ،‬وذلك عرب‬ ‫استغالل “قوة عمله”‪.‬‬ ‫العبودية سيئة؟! نعم‪ ..‬لكنها قفزة كربى يف تاريخ‬ ‫البرشية‪ ،‬منذ تلك اللحظة أصبح فائض القيمة‬ ‫ممكناً‪ ،‬والرتاكم االقتصادي ممكناً‪ ،‬وقفز عدد البرش‬ ‫إىل ستني مليوناً‪ ،‬ومع بسط وتعمق الثورة الزراعية‬ ‫وصل هذا العدد عام ‪1750‬م قبيل الثورة الصناعية‬ ‫إىل ‪ 750‬مليون نسمة‪ ،‬لتحصل القفزة الكربى بعد‬ ‫الثورة الصناعية‪ ،‬والتي وفرت كميات غري متصورة‬ ‫من الطاقة فيام بعد‪ ،‬ليقفز تعداد البرش إىل العدد‬ ‫الحايل‪.‬‬ ‫إنه إذاً مفهوم التقدم؛ فالتقدم كام يقول “مرقص”‬ ‫أيضاً‪“ :‬هو منو‪ ،‬والنمو مفهوم ريايض بسيط أوالً‪،‬‬ ‫التقدم = منو اإلنتاجية‪ ،‬مردود الشغل البرشي‪،‬‬ ‫(نسبة كمية الناتج عىل كمية الشغل)‪ ،‬ومنو اإلنتاج‬ ‫هذا قبل أي يشء آخر‪ ،‬وهو أخرياً وبعد إغفالنا‬ ‫لجميع التوسطات والجوانب واملسارات “منو” حجم‬ ‫السكان‪ ،‬أي تعداد البرش‪ ،‬وهذا هو الخط العريض‬ ‫للواقع كتاريخ”‪.‬‬ ‫هل بإمكان إنسان اليوم االستغناء عن املصدر‬ ‫الحيواين للطاقة؟ وبالتايل الكف عن قتل الحيوانات‬ ‫والتهامها‪ ..‬مع املحافظة عىل تعداد السكان عىل‬ ‫األرض؟ الجواب ليس بسيطاً ويحتاج إىل دراسات‬ ‫معمقة‪ .‬لكن سوا ًء كان الجواب بالنفي أو باإليجاب‬ ‫فإن القيمة التاريخية لهذا اإلنجاز البرشي الكبري‬ ‫“الثورة الزراعية” تبقى قيمة كربى‪ ،‬ومن هنا فإن‬ ‫احتفاءنا بعيد األضحى املبارك هو احتفاء مبنجز‬ ‫تاريخي كبري‪ ،‬وبغض النظر عن التفسريات الدينية‬ ‫األخرى‪ ،‬هو احتفاء بالكف عن قتل اإلنسان ألخيه‬ ‫اإلنسان‪ ..‬احتفاء وأمل‪ ،‬ينبئنا واقعنا املؤسف كل‬ ‫يوم‪ ،‬أننا ال زلنا تاريخياً وحضارياً نقبع خلفه!‬ ‫عيد أضحى مبارك‬ ‫كل عام وأنتم بخري‬


‫‪5‬‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬

‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫كاريكاتري‬


‫‪6‬‬

‫فتاة احلسكة‪ ..‬تعيد فتح ملف اجلرائم‬ ‫املرتكبة حبق النساء يف سوريا‬ ‫حسين الخطيب‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬ ‫تقارير‬

‫تنترش يف مختلف أنحاء سوريا قضايا القتل بتهم‬ ‫متعددة يتعرض لها مدنيون منهم نساء ورجال‪،‬‬ ‫وأحياناً أطفال‪ ،‬يف ظل غياب القوانني وتغايض‬ ‫املحاكم والجهات األمنية‪ ،‬التي تعاقب مرتكبي‬ ‫هذه الجرائم‪ ،‬التي ولدت جراء انتشار السالح يف‬ ‫يد كل من يرغب بامتالكه‪ ،‬دون وجود أي رادع‬ ‫لذلك!‬ ‫ومن أبرز الجرائم تلك التي تتم بحق النساء‬ ‫بتهمة “الرشف”‪ ،‬والتي تجري بني حني وآخر‬ ‫يف مناطق متفرقة من البالد‪ ،‬يف وقت تكرث فيه‬ ‫املحاكم والقضاة وتغيب العدالة‪ ،‬إال أن الجرمية‬ ‫األخرية املروعة التي جرت بحق فتاة يف مدينة‬ ‫الحسكة كانت األكرث تأثرياً عىل الصعيد املحيل‬ ‫والعاملي‪ ،‬بسبب املشاهد التي صورها املجرمون‬ ‫أثناء ارتكابهم الجرمية بحق الفتاة التي مل يتجاوز‬ ‫عمرها السن القانوين‪ ،‬بتهمة “الرشف”‪.‬‬ ‫تظهر مشاهد مقتل الفتاة اجتامع العديد من‬ ‫الشبان حول الفتاة التي تم استدراجها إىل منزل‬ ‫مهجور يف ريف مدينة املالكية يف محافظة‬ ‫الحسكة‪ ،‬وهم يتناوبون عىل إطالق الرصاص‬ ‫عىل جسدها‪ ،‬بحجة “غسيل الرشف والعار”‪ ،‬كام‬ ‫يصفها هؤالء‪.‬‬ ‫ويظهر الفيديو الفتاة وهي تلفظ أنفاسها األخرية‪،‬‬ ‫بعد رميها بعدة طلقات متفرقة يف جميع أنحاء‬ ‫جسدها‪ ،‬وهي تتوسل إخوتها وابن عمها الذين‬ ‫يقومون بقتلها وتعذيبها بوحشية مفرطة‪.‬‬ ‫وبحسب “مركز توثيق االنتهاكات يف شامل‬ ‫سوريا” فإن اسم الفتاة البالغة من العمر ‪ 16‬عاماً‬ ‫(عيدا الحمودي السعيدو) وتقيم مع عائلتها يف‬ ‫حي الزهور (حوش الباعر) يف مدينة الحسكة‬

‫شامل رشقي سوريا‪ ،‬وهي من عشرية (الرشابني)‪،‬‬ ‫تم قتلها عىل يد أفراد عائلتها بذريعة “الرشف”‪.‬‬ ‫ويف مالبسات القصة فإن الفتاة رفضت الزواج من‬ ‫ابن عمها الذي اختارته أرستها زوجاً لها‪ ،‬ويدعى‬ ‫(أحمد السعيدو)‪ ،‬باعتبار العادات تفرتض أن ابنة‬ ‫العم البن عمها! إال أن محاوالت أرستها بإقناعها يف‬ ‫الزواج من ابن عمها بائت بالفشل‪ ،‬مام دعا األرسة‬ ‫إىل رضبها ومنعها الخروج من املنزل‪.‬‬ ‫وبعد مراقبتها لعدة أيام اكتشفت األرسة أن‬ ‫الفتاة ترغب بالزواج من شاب آخر يحبها‪ ،‬وتقدم‬ ‫لخطبتها إال أن أرستها رفضت طلب الشاب‪،‬‬ ‫وسجنت الفتاة يف غرفتها مع تعذيبها وقطع‬ ‫الطعام والرشاب عنها قبل الرشوع بقتلها‪.‬‬ ‫وعىل إثر ذلك زعمت األرسة أنها وجدت الفتاة‬ ‫بريف الحسكة‪ ،‬أثناء هربها مع الشاب ووالدته‬ ‫التي اتفقت معها للخروج وابنها إىل خارج البالد‬ ‫نحو كردستان العراق‪ ،‬وتلك ذريعة األرسة‪.‬‬ ‫راوية املحمد من مدينة الحسكة تقول خالل‬ ‫حديثها ملجلة “طلعنا عىل الحرية” إن “السلطات‬ ‫املحلية املتمثلة باإلدارة الذاتية مل تحرك أي ساكن‬ ‫تجاه الجرمية‪ ،‬إال أنه هناك ردود فعل خجولة‬ ‫حول املوضوع‪ ،‬ولكن نتيجة انتشار القضية يف‬ ‫داخل سوريا وخارجها أجربت بعض مؤسسات‬ ‫حامية املرأة عىل التنديد بالقضية‪ ،‬عل ًام أن هذه‬ ‫القضايا تجري كثرياً يف املنطقة”‪.‬‬ ‫وأضافت أن “السالح منترش يف الحسكة بشكل‬ ‫كبري بسبب تردي الوضع األمني‪ ،‬و”قسد” هي‬ ‫املسؤولة عن انتشاره‪ ،‬كام ظهر يف الرشيط املصور‬ ‫مشاركة أحد عنارص حزب االتحاد الدميقراطي يف‬ ‫الجرمية”‪.‬‬

‫وأوضحت‪“ :‬أن طريقة القتل التي جرت بحق‬ ‫فتاة الحسكة هي املتعارف عليه يف املنطقة؛‬ ‫أن كل فتاة تهرب من منزلها‪ ،‬متزوجة أو عزباء‪،‬‬ ‫مصريها القتل‪ ،‬وطبعاً هي من العادات السلبية‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬لكن االنفالت األمني زاد من ارتفاع‬ ‫عدد الجرائم”‪.‬‬ ‫وقابلنا يف الجهة املقابلة “صالح” وهو اسم مستعار‬ ‫لشاب يقيم يف حي الزهور مبدينة الحسكة ورفض‬ ‫الكشف عن اسمه‪ ،‬وقال ملجلة “طلعنا عىل‬ ‫الحرية”‪“ :‬يعني كل فتاة هربت وخطفت من‬ ‫منزلها ووضعت رأس عائلتها يف األرض يجب‬ ‫علينا تشجيعها؟ ليك يقال عنا “مجتمع متحرض‬ ‫ودميقراطي”! إن هذه القضايا تجري يف معظم‬ ‫بلدان الوطن العريب‪ ..‬عوضاً عن التعاطف يجب‬ ‫علينا عالج املوضوع وتربية أبنائنا تربية سليمة‬ ‫واعية”‪.‬‬ ‫ويضيف‪“ :‬ما يجري سببه “قسد” التي تسيطر‬ ‫عىل املنطقة‪ ،‬واألفكار التي تنرشها يف املجتمع‪،‬‬ ‫حتى وصل الحال بنا إىل رؤية خطف وهروب‬ ‫الفتاة من املنزل عادي جداً‪ ،‬يف وقت تذهب مئات‬ ‫الفتيات إىل معسكرات “قسد” للخدمة العسكرية‬ ‫يف صفوفها”‪.‬‬ ‫من جهتها “أحالم حسن” العاملة يف “مركز آسو‬ ‫للدراسات واالستشارات القانونية”‪ ،‬تقول‪“ :‬إن‬ ‫ترصف عائلة الفتاة مجرد من األخالق اإلنسانية‬ ‫ومناف للمواثيق الدولية‪ ،‬وليس من حق إنسان‬ ‫ٍ‬ ‫سلب حياة إنسان مهام تعاظمت األسباب‪ ،‬ويجب‬ ‫أن يحاسب مرتكبو الجرمية”‪.‬‬ ‫من جانبه “نايف محمد” يقول ملجلة “طلعنا عىل‬ ‫الحرية”‪ :‬السلطات املحلية يف املنطقة والعائلة‬


‫‪7‬‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬ ‫كاركاتري‬

‫هم املسؤولون عن قتل الفتاة‪ ،‬وفعلياً‬ ‫ليس هناك مساحة آمنة تلجأ لها الفتاة‬ ‫يف منطقتنا‪ ،‬عل ًام أن العديد من الجرائم‬ ‫التي ترتكب غري معلنة وضحيتها فتيات”‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬جرت عملية قتل الفتاة من‬ ‫منطلق أن رشف الفتاة يرتبط برشف‬ ‫العائلة كلها والحفاظ عليه يعني املحافظة‬ ‫عىل رشف العائلة”‪.‬‬ ‫وتنص املادة ‪ 17‬من قانون املرأة الذي‬ ‫أقرته اإلدارة الذاتية الكردية يف مناطق‬ ‫شامل رشق سوريا عىل “تجريم القتل‬ ‫بذريعة الرشف واعتباره جـرميـة مكتملة‬ ‫األركان”‪ ،‬وعىل الرغم من وجود القوانني‬ ‫لحامية املرأة وحامية اإلنسان التي أقرتها‬ ‫اإلدارة الذاتية يف مناطقها‪ ،‬إال أن تطبيقها‬ ‫فعلياً غري موجود يف ظل استمرار الجرائم‬ ‫املرتكبة بحق املدنيني نساء ورجاالً‬ ‫وأطفاالً‪.‬‬ ‫وخالل شهر حزيران‪ /‬يونيو املايض لقيت‬ ‫فتاة مرصعها ووالدتها يف مخيم بريف‬ ‫إدلب‪ ،‬عىل يد ابن عمها بعد انتشار صورة‬ ‫لها عىل وسائل التواصل االجتامعي‪ ،‬ومنذ‬ ‫مطلع شهر متوز‪ /‬يوليو حتى اآلن جرى‬ ‫العديد من الجرائم؛ حيث قتل رجل من‬ ‫مدينة حلب زوجته يف مدينة عفرين‬ ‫بأداة “الكريك” وأشعل النار بقدميه‪ ،‬كام‬ ‫قتلت فتاة أخرى يف مخيم شامرين يف‬ ‫ريف مدينة اعزاز‪ ،‬وكذلك أيضاً يف مدينة‬ ‫الحسكة أقدم شاب عىل طعن ابنة عمه‬ ‫بأداة حادة يف املربع األمني داخل املدينة‪.‬‬


‫‪96‬‬

‫‪8‬‬

‫الفقر والغالء يعيدان‬ ‫أساليب العيش القدمية يف إدلب‬ ‫شمس الدين مطعون‬

‫العدد‬ ‫‪96‬‬

‫‪2021 / 7 / 17‬‬ ‫تقارير‬

‫يف إدلب يعود الزمن إىل الوراء‪ ،‬حيث تسمع‬ ‫أصوات بوابري الكاز يف األزقة والحارات‪ ،‬كام يف‬ ‫مسلسل باب الحارة وليايل الصالحية‪ ،‬و يلجأ‬ ‫األهايل الستخدام البوابري كأحد البدائل املتوفرة‬ ‫يف ظل موجات الفقر والغالء التي تعاين منها‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫“نحكم إغالق ثقوب البابور‪ ،‬ونرضب ثالثة‬ ‫رضبات حتى ميتأل الرأس باملازوت بعدها‬ ‫نفتح عزقة البابور قلي ًال ونشعله‪ ،‬ونشدها مرة‬ ‫أخرى” بهذه الخطوات كانت السيدة أم هيام‬ ‫تعلم ابنتها قواعد تشغيل البابور‪.‬‬ ‫تقول أم هيام “قمت بإنزال البابور من سدة‬ ‫املطبخ‪ ،‬وأنا استخدمه منذ أشهر عدة‪ ،‬موضح ًة‬ ‫أن “ارتفاع أسعار الغاز ال متكننا من اقتناء جرة‬ ‫دامئاً‪ ،‬فنرتكها لألمور الصغرية كالقهوة والشاي‪،‬‬ ‫أما الطبخ فأستخدم له البابور”‪.‬‬ ‫“بابور الكاز” وهو موقد مصنوع من النحاس‪،‬‬ ‫ويعمل عىل وقود “الكاز”‪ ،‬ولكن األهايل‬ ‫يستخدمون املازوت بدي ًال عنه لعدم توفر‬ ‫الكاز‪.‬‬ ‫يضطر العرشات من األهايل يف إدلب للتغلب‬ ‫عىل مشكلة ارتفاع أسعار غاز الطهي الذي‬ ‫تضاعف‪ ،‬ليجدوا يف األدوات القدمية ح ًال جيداً‬ ‫ال يخلو من املتاعب‪.‬‬ ‫تقول “سناء”‪“ :‬خصصت بعض األواين للطبخ‬ ‫عىل البابور ألنها أصبحت سوداء ويصعب‬ ‫غسيلها”‪ ،‬وتتابع أن‪“ :‬صوت البابور قوي جداً‪،‬‬ ‫وأعطاله كثرية”‪.‬‬ ‫بينام تضحك “أم خالد” والتي باتت تستخدم‬ ‫البابور إلعداد معظم طبخاتها أثناء حديثها‪،‬‬ ‫وتقول‪“ :‬مني بصدق إنا نصري متل نسوان باب‬ ‫الحارة‪ ،‬نطبخ عىل البابور”‪ ،‬مردف ًة “الحياة‬ ‫بتميش لقدام ونحنا مرنجع لورا”‪.‬‬ ‫كام عادت مهنة تصليح البوابري‪ ،‬أو ما يعرف‬ ‫بـ”السمكري” لتنترش يف أسواق إدلب؛ ففي‬ ‫دكانه الصغري يجلس العم “أبو مصطفى” ومن‬ ‫حوله تصطف عرشات البوابري التي تحتاج‬ ‫للصيانة‪.‬‬ ‫يقول أبو مصطفى‪“ :‬البابور يحتاج إىل خبري‬

‫باستعامله وكاز أو مازوت نضيف‪ ،‬الناس بتحط أشكال‬ ‫وألوان لهيك بيعطل”‪.‬‬ ‫“الشمرب‪ ،‬النكاشة والرأس” هي القطع التي يستخدمها‬ ‫أبو مصطفى إلصالح البوابري‪“ ،‬حتى أسعارها أصبحت‬ ‫مرتفعة‪ ،‬ويلجأ األهايل إلصالحها بدل استبدالها” قال‬ ‫العم‪.‬‬ ‫موقد الطني‪:‬‬ ‫تخلط “أم جيهان” الرتاب باملاء وتضيف بعضاً من بقايا‬ ‫أغصان القمح الجافة لتغطي بها الحجارة التي وزعتها‬ ‫بشكل نصف دائري لتجهز املوقد الخاص بالطبخ‪.‬‬ ‫تعطي هذه الطبقة اإلضافية متانة للموقد‪ ،‬كام تجعله‬ ‫يحفظ الحرارة بشكل أفضل‪.‬‬ ‫تقول أم جهان التي تقيم يف إحدى مخيامت الشامل‪:‬‬ ‫“تعلمت هذه الطريقة من أمي التي كانت تستخدمها‬ ‫يف حال انقطاع الغاز‪ ،‬أو لطهي الطبخات الكبرية كسلق‬ ‫القمح السنوي”‪.‬‬ ‫وتوضح السيدة‪“ :‬الغاز متوفر‪ ،‬ولدي بدل الجرة ثالث‪،‬‬ ‫ولكن تعبئتها مكلفة جداً‪ ،‬كام يصعب تشغيل الغاز يف‬ ‫املخيم‪ ،‬ومعظم من حولك يطبخون عىل موقد النار”‪.‬‬ ‫الفخارة‬ ‫يف منتصف سوق إدلب يصادفك بائع معدات فخارية‬ ‫منوعة األشكال‪ ،‬كجرة ماء وكأس وأوعية للطبخ‪.‬‬ ‫ينادي صاحب البسطة عىل بضاعته‪“ :‬قرب‪ ..‬بتطفي‬ ‫الشوب هالفخارة” يف إشارة منه للجرة الفخارية التي‬ ‫ُل ّفت بكيس سميك من الصوف املبلل‪.‬‬ ‫يوضح صاحب البسطة ويدعى “أبو مروان” أنه يبيع‬

‫العرشات من هذه (الفخارة) مع دخول فصل‬ ‫الصيف‪“ :‬مع ارتفاع أسعار املحروقات ووسائل‬ ‫التربيد الحديثة يف إدلب عاد األهايل لطرق‬ ‫األجداد والزمن القديم‪ ،‬فهذه األواين تستخدم‬ ‫لتربيد املياه”‪.‬‬ ‫عىل رشفة منزله يعلق “مالك” الجرة الفخارية‬ ‫ويحرص أال تتعرض ألشعة الشمس ويقوم‬ ‫بتبليل الكيس الذي لفت به كلام جف “بهذه‬ ‫الطريقة تربد املياه‪ ،‬وتصبح أطيب” قال مالك‪،‬‬ ‫وهو من سكان إدلب‪ .‬وتابع‪“ :‬منذ قدومي من‬ ‫ريف حامة‪ ،‬مل أعد أعمل‪ ،‬واملصاريف كبرية‪،‬‬ ‫وليس لدي قدرة لالشرتاك بالكهرباء‪ ،‬ناهيك‬ ‫أنني ال أملك مثن الرباد”‪.‬‬ ‫عربة وحصان‪:‬‬ ‫يف أرضه عىل أطراف بلدة بنش بريف إدلب‬ ‫يستخدم الحاج “أبو خالد” (‪ 59‬سنة) خي ًال‬ ‫قوية يربط عليها آلة الحراثة‪.‬‬ ‫يقول الحاج أبو خالد إن ارتفاع أسعار‬ ‫املحروقات وتراجع أسعار املحاصيل الزراعية‬ ‫دفعها للرجوع ألبسط األدوات وأقلها تكلفة‪.‬‬ ‫ويوضح الحاج أن الظروف االقتصادية املرتدية‬ ‫“رجعتنا خمسني سنة لورا‪ ،‬كنت شوف والدي‬ ‫هيك يحرث األرض”‪.‬‬ ‫ويستخدم أبو خالد معدات عدة يف عمله‬ ‫اليومي بالزراعة كلها قدمية‪ ،‬كعود الحراثة‪،‬‬ ‫والنورج‪ ،‬والدراس‪ ،‬واملنجل‪.‬‬ ‫عىل عربة خشبية يجرها حصان‪ ،‬وحملت‬ ‫بأصناف من الخضار يجلس “أبو مهدي”‬ ‫وهو مييض يف شوارع مدينة إدلب منادياً عىل‬ ‫بضاعته‪“ :‬قرب يا ريان‪ ..‬حمرة يا بندورة”‪.‬‬ ‫يقول أبو مهدي‪“ ::‬إن أي مركبة أخرى ستحتاج‬ ‫وقود وتصليحات وكلها مرتفعة الثمن”‪،‬‬ ‫موضحاً‪“ :‬ال أستطيع تحمل عناء دفعها من‬ ‫بيع البضائع القليلة التي أحملها”‪.‬‬ ‫يلوح أبو مهدي بالسوط الذي بيده يف إشارة‬ ‫للحصان أن يتوقف ويقول‪“ :‬بداية األمر كنت‬ ‫أحس بالخجل‪ ،‬ولكن اعتدت عليه بعد أن‬ ‫رأيت عرشات العربات التي تشبه عربتي”‪.‬‬


‫ارتفاع أسعار الكهرباء واحملروقات‬ ‫واملاء‪ ..‬يف الشمال السوري‬

‫‪9‬‬

‫الصورة‪ :‬لشارع مدينة الباب رشقي حلب‬

‫طلعنا عالحرية‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫كام ارتفع سعر أسطوانة الغاز تدريجياً‪ ،‬حيث‬ ‫كان سعرها خالل شهر كانون الثاين‪ /‬يناير من‬ ‫هذا العام ‪ 60‬لرية تركية‪ ،‬وارتفع إىل ‪ 80‬لرية‬ ‫تركية‪ ،‬ومع بداية هذا الشهر فقد وصل سعر‬ ‫األسطوانة ‪ 100‬لرية تركية‪ ،‬يف حني انخفضت‬ ‫خالل األيام القليلة املاضية إىل ‪ 90‬لرية تركية‪.‬‬ ‫يقول “عبد الكايف أبو زكور” وهو صاحب متجر‬ ‫لبيع املحروقات يف مدينة مارع بريف حلب‪:‬‬ ‫“رفعنا تسعرية البنزين واملازوت والغاز بسبب‬ ‫ارتفاع سعرها من املصدر التي تأيت منه وهو‬ ‫تركيا‪ ،‬بسبب انهيار العملة الرتكية أمام الدوالر‬ ‫األمرييك”‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬أسعار املحروقات مقيدة عاملياً‬ ‫ومرتبطة بالدوالر‪ ،‬وما يجري من ارتفاع سببه‬ ‫انخفاض قيمة اللرية الرتكية‪ ،‬ورمبا املصدر الذي‬ ‫نحصل منه عىل املحروقات‪ ،‬والتجار هم من‬ ‫رفعوا التسعرية‪ ،‬حيث كان سعر برميل البنزين‬ ‫‪ 150‬دوالر أمرييك أما اآلن سعره وصل إىل ‪175‬‬ ‫دوالر أمرييك‪ ،‬وهذا االرتفاع ليس فقط عىل‬ ‫البنزين‪ ،‬وإمنا املازوت والغاز أيضاً”‪.‬‬ ‫“عبد الغني الحسني” يعمل مستخدماً يف‬ ‫محكمة مدينة صوران بريف حلب الشاميل‪ ،‬قال‬ ‫ملجلة “طلعنا عىل الحرية” إن أسعار املحروقات‬ ‫أصبحت مكلفة جداً‪ ،‬فهو يحتاج يومياً ‪ 2‬ليرت من‬ ‫البنزين للذهاب إىل عمله عىل الدراجة النارية‬ ‫من مدينة مارع إىل مدينة صوران‪ ،‬أي أنه شهرياً‬ ‫يحتاج ‪ 300‬لرية تركية لقاء تكلفة الطريق‪.‬‬ ‫وأضاف‪“ :‬راتبي فعلياً ال يتجاوز الـ ‪ 600‬لرية‬ ‫تركية شهرياً‪ ،‬أضع نصف املبلغ لقاء أجر ذهايب‬

‫للعمل‪ ،‬والنصف اآلخر كيف سيؤمن ألرسيت‬ ‫املكونة من ‪ 5‬أفراد حاجياتهم اليومية من طعام‬ ‫ولباس وغاز لطهي الطعام والكهرباء”‪.‬‬ ‫وأشار‪ ،‬إىل أن مواصلة ارتفاع األسعار وبقاء‬ ‫مصادر الدخل عىل ما هي عليه أمر قد يصل‬ ‫إىل كارثة يف املنطقة‪ ،‬السيام أن معظم السكان‬ ‫يعتمدون عىل الوظائف املتاحة محلياً والعمل‬ ‫الحر يف حال توفره‪.‬‬ ‫وارتفع سعر ماء االستعامل يف مدينة الباب‬ ‫رشقي حلب يف ظل أزمة انخفاض منسوب املياه‬ ‫إىل ‪ 40‬لرية تركية أللفي ليرت ‪ ،‬بينام يف مدينة‬ ‫مارع واعزاز يرتاوح بني ‪ 20‬والـ ‪ 25‬لرية تركية يف‬ ‫ظل انقطاع مياه الرشكة التي توفرها خدمات‬ ‫البلدية يف كل منطقة للسكان‪.‬‬ ‫ويضطر السكان للحصول عىل املياه من خالل‬ ‫صهاريج نقل املياه من اآلبار البعيدة‪ ،‬إىل مراكز‬ ‫املدن‪ ،‬وتحتاج األرسة أسبوعياً حوايل ‪ 4‬آالف ليرت‬ ‫من املاء كحد وسطي‪.‬‬ ‫ويشكل استمرار ارتفاع أسعار املحروقات‬ ‫والكهرباء واملاء آثاراً مختلفة عىل السلع األخرى‬ ‫من مواد غذائية وخرضوات التي تعتمد عىل‬ ‫النقل‪ ،‬وكذلك أيضاً املنتجات املحلية األخرى منها‬ ‫الزراعية والصناعية التي تعتمد عىل الكهرباء‪.‬‬ ‫وإىل ذلك يحاول السوريني التغلب عىل مآيس‬ ‫الحياة اليومية‪ ،‬من خالل تأمني اليشء البسيط‬ ‫من الرضوريات‪ ،‬يف ظل تردي املردود الشهري‬ ‫يف حال توفر الوظيفة‪ ،‬وقلة أجور العمل اليومي‬ ‫“املياومة” يف حال توفرت الفرصة‪ ،‬حيث ال ميكن‬ ‫أن يجني العامل يومياً أكرث من ‪ 3‬دوالر أمرييك‬

‫تقارير‬

‫شهدت أسواق ريف حلب الشاميل‪ ،‬وإدلب عىل حد سواء‬ ‫ارتفاعاً بأسعار املحروقات والكهرباء واملاء مع بداية شهر‬ ‫متوز يوليو‪ ،‬بنسب متفاوتة بني مادة وأخرى‪ ،‬مام زاد‬ ‫معاناة األهايل يف تأمينها وعزوف آخرين عن رشائها أو‬ ‫توفريها ملنازلهم يف ظل الحاجة امللحة إليها‪ ،‬ال سيام أنها‬ ‫من رضوريات الحياة اليومية‪ ،‬التي يعتمد عليها السكان‪.‬‬ ‫وتلقى السكان صدمة كبرية جراء ارتفاع سعر تعبئة‬ ‫الكهرباء‪ ،‬التي ارتفع سعرها بنسبة ترتاوح بني ‪ 20‬و‪25%‬‬ ‫من منطقة إىل أخرى‪ ،‬بحسب الرشكة املوفرة للكهرباء‬ ‫يف مدن ريف حلب الشاميل‪ ،‬دون معرفتهم لألسباب‪،‬‬ ‫التي ربطها مسؤولون بانهيار اللرية الرتكية املتواصل أمام‬ ‫الدوالر األمرييك‪ ،‬وارتفاع تكاليف إيصال الكهرباء إىل‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫يقول “صالح الحسن” وهو نازح من بلدة معرشامرين‬ ‫بريف معرة النعامن إىل ريف حلب الشاميل‪“ :‬إن ارتفاع‬ ‫سعر الكهرباء بشكل كبري خالل اآلونة األخرية دفعني‬ ‫إىل تخفيض نسبة الرصف الشهري؛ فكنت أشحن بطاقة‬ ‫الكهرباء بقيمة ‪ 100‬لرية تركية وأحصل عىل ‪ 136‬كيلو‬ ‫واط‪ ،‬تكفيني لشهر‪ ،‬أما اآلن فأصبحت أحصل بالقيمة‬ ‫املالية نفسها عىل ‪ 114‬كيلو واط”‪ .‬وأضاف‪“ :‬يف بادئ‬ ‫األمر كان اعتامدنا عىل الكهرباء يف طهي الطعام‪ ،‬وغسيل‬ ‫الثياب وتربيد املاء واألطعمة يف ظل ارتفاع درجات‬ ‫الحرارة‪ ،‬إال أننا اآلن أجربنا عىل تخفيض عدد ساعات‬ ‫تشغيل املعدات الكهربائية املنزلية من أجل توفري‬ ‫مصاريف الكهرباء قدر املستطاع”‪.‬‬ ‫ويشري الحسن‪ ،‬وهو معلم بناء ال تتجاوز يوميته ‪5‬‬ ‫دوالرات أمريكية‪ ،‬خالل حديثه إىل مجلة طلعنا عىل‬ ‫الحرية أن “األسباب الرئيسية التي متنعه من مواصلة‬ ‫حصوله عىل الكهرباء بكميات كافية أن لديه مصاريف‬ ‫أخرى‪ ،‬من بينها إيجار املنزل والحاجيات األساسية اليومية‬ ‫لألرسة”‪.‬‬ ‫كام سجلت املحروقات ارتفاعاً ملحوظاً خالل مطلع متوز‪/‬‬ ‫يوليو الجاري‪ ،‬حيث ارتفع سعر ليرت البنزين يف السوق‬ ‫املحلية إىل ‪ 7.5‬لرية تركية‪ ،‬أما املازوت املكرر محلياً ارتفع‬ ‫إىل ‪ 4‬لريات تركية بينام املازوت املستورد الرتيك وصل سعر‬ ‫الليرت الواحد منه إىل ‪ 5.25‬لرية تركية‪.‬‬


‫‪96‬‬

‫مصابات احلرب يف إدلب‪ ..‬آالم النفس واجلسد‬ ‫‪10‬‬ ‫دارين الحسن ‪ -‬إدلب‬

‫العدد‬ ‫‪96‬‬

‫‪2021 / 7 / 17‬‬ ‫تقارير‬

‫بني ليلة وضحاها تحولت سناء البصاص (‪24‬‬ ‫عاماً) إىل مصابة حرب‪ ،‬تحتاج إىل مساعدة يف كل‬ ‫تفاصيل حياتها‪ ،‬وهي ال تزال يف مقتبل العمر‪،‬‬ ‫“يتملكني شعور بالعجز والنقص‪ ،‬وال أنىس فظاعة‬ ‫ما مررت به‪ ،‬حني صحوت عىل رسير املستشفى‬ ‫فوجدت نفيس بإعاقة دامئة‪ ،‬ستغري مجرى حيايت‬ ‫إىل األبد” تقول سناء لطلعنا عالحرية‪.‬‬ ‫سناء هي إحدى مصابات الحرب‪ ،‬اللوايت وقعن‬ ‫ضحايا الحرب السورية املدمرة‪ ،‬وبدأت معاناتهن‬ ‫من صعوبة الحصول عىل العالج‪ ،‬إىل جانب‬ ‫التهميش والوقوع فريسة األمراض النفسية‪ ،‬دون‬ ‫أن يجدن من ميد لهن يد العون‪ ،‬أو يسمع أنني‬ ‫هذه الفئة املهمشة‪.‬‬ ‫فئة منسية‬ ‫تتعرض املرأة ذات اإلعاقة إىل متييز مزدوج‪ ،‬وتعيش‬ ‫تحديات وصعوبات من املجتمع الذي ينظر إليها‬ ‫نظرة دونية‪ ،‬وليس نظرة إنسانية‪ ،‬وتعيش مهمشة‬ ‫من قبل أرستها واملجتمع املحيط‪.‬‬ ‫سناء التي تنحدر من مدينة كفرنبل بريف إدلب‪،‬‬ ‫تعرضت لشظية قذيفة برتت يدها اليمنى منذ‬ ‫أواخر عام ‪ ،2019‬ومنذ ذلك اليوم مل تعد قادرة‬ ‫عىل القيام بواجباتها تجاه زوجها وطفلها عىل‬ ‫أكمل وجه‪ ،‬بحسب وصفها‪ ،‬وتشعر بأنها تعيش‬ ‫عىل هامش الحياة‪ ،‬وعن ذلك تقول‪“ :‬أشعر أن‬ ‫املوت أسهل من هذه الحياة بعد أن انضممت إىل‬ ‫قامئة الفئة املهمشة املنسية”‪.‬‬ ‫تضيف بعد تنهد‪“ :‬صحيح أنني فقدت يدي‪،‬‬ ‫لكنني فقدت معها كل أمل بالعيش الطبيعي‪،‬‬ ‫فالجميع ينظرون إيل بعني الشفقة والعطف‪،‬‬ ‫وأشعر باإلهامل من قبل زوجي الذي أعتربه أقرب‬ ‫الناس إيل”‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أما أم عالء (‪ 31‬عاما) من منطقة جبل الزاوية‬ ‫بريف إدلب‪ ،‬فكان مصريها الطالق من زوجها بعد‬

‫إصابتها‪ ،‬وعن معاناتها تتحدث لطلعنا عالحرية‪:‬‬ ‫“أدى انفجار لغم أثناء عميل يف أرضنا الزراعية لبرت‬ ‫قدمي‪ ،‬ومل أمتكن من الحصول عىل طرف صناعي‬ ‫بسبب الفقر‪ ،‬لذلك أستعني بعكازين أصبحا‬ ‫وسيلتي الوحيدة يف التنقل والحركة داخل املنزل”‪.‬‬ ‫تؤكد أم عالء أن إصابتها كانت سبباً بتخيل زوجها‬ ‫عنها‪ ،‬وتزوج امرأة أخرى بذريعة عجزها عن‬ ‫االهتامم به‪.‬‬

‫وتضيف‪“ :‬اصطحبت أبنايئ األربعة وتوجهت‬ ‫للعيش يف منزل أهيل‪ ،‬واضطر ولدي األكرب البالغ‬ ‫من العمر (‪ 14‬عاماً) لرتك املدرسة‪ ،‬والعمل إلعالتنا‬ ‫واإلنفاق علينا بعد انشغال زوجي عنا‪ ،‬وتوقفه عن‬ ‫إرسال مرصوفنا”‪.‬‬ ‫صعوبة الحصول عىل طرف صناعي‬ ‫معظم النساء املصابات ال يستطعن الحصول عىل‬ ‫أطراف صناعية بسبب غالئها‪ ،‬وضعف اإلمكانات‬


‫‪11‬‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬ ‫تقارير‬

‫الطبية يف املنطقة‪ ،‬ومحدودية الدعم الذي تقدمه‬ ‫املنظامت والهيئات واملراكز املعنية مبصايب الحرب‪ ،‬حيث‬ ‫تفتقر إدلب إىل وجود أي جهة تقدم أطراف صناعية‬ ‫مجانية ملن يحتاجها‪ ،‬بسبب غالء أسعار هذه األطراف‬ ‫املستوردة من جهة‪ ،‬وكرثة أعداد املصابني‪/‬ات من جهة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫عيل الطعمة (‪ 41‬عاماً) من مدينة إدلب‪ ،‬فني أطراف‬ ‫صناعية‪ ،‬يتحدث عن الصعوبات التي يواجهها مصابو‬ ‫الحرب يف رحلة البحث عن العالج‪ ،‬فيقول‪“ :‬تعاين مراكز‬ ‫شح الدعم وقلة‬ ‫تركيب األطراف الصناعية يف املنطقة من ّ‬ ‫اإلمكانيات‪ ،‬حيث تراجع نشاط الجمعيات الخريية التي‬ ‫ُتعنى مبصايب الحرب والجرحى يف مناطق الشامل السوري‪،‬‬ ‫شح التمويل والتكاليف املرتفعة التي يستلزمها‬ ‫جراء ّ‬ ‫العالج الطويل‪ ،‬وغالء أسعار هذه األطراف‪ ،‬حيث تبلغ‬ ‫كلفة تركيب الطرف الواحد بني (‪ )1500 - 800‬دوالر‬ ‫أمرييك عىل األقل‪ ،‬أما الطرف الذيك فقد تصل كلفته إىل‬ ‫حوايل ‪ 50‬ألف دوالر أمرييك”!‬ ‫ويؤكد الطعمة أن بعض املراكز يف إدلب تصنع أطرافاً‬ ‫محلية الصنع‪ ،‬وتتقاىض من املستفيدين سعر التكلفة‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫ضغوطات نفسية‬ ‫ترتك اإلعاقة يف حياة النساء جروحاً نفسية عميقة‪ .‬وعن‬ ‫ذلك توضح املرشدة النفسية شهد العيل (‪ 33‬عاماً) من‬ ‫مدينة أطمة الحدودية مع تركيا‪“ :‬يقع عىل عاتق املرأة‬ ‫مسؤوليات وأعباء كبرية‪ ،‬وحني تفقد جزءاً من جسدها‬ ‫تشعر بالخيبة واإلحباط والدونية وفقدان الثقة بالنفس‪،‬‬ ‫إىل جانب شعورها بالكآبة والقلق‪ ،‬وتتالىش أمامها األحالم‬ ‫والطموحات املستقبلية‪ ،‬وينحرص تفكريها بكيفية تدبري‬ ‫أمورها‪ ،‬وكيف ستتأقلم مع إعاقتها وإصابتها”‪.‬‬ ‫وتؤكد العيل أن املرأة ذات اإلعاقة تواجه حرماناً من فرص‬ ‫التعليم والتأهيل واإلرشاد والعمل‪ ،‬والخدمات الصحية‪،‬‬

‫وتقل فرصها بالزواج واالندماج االجتامعي‪.‬‬ ‫وتلفت العيل إىل رضورة منح النساء ذوات اإلعاقة‬ ‫مزيداً من االهتامم والرعاية‪ ،‬وتوفري الخدمات الصحية‬ ‫والتعليمية وإتاحة فرص العمل أمامهن‪ ،‬وتوفري حياة‬ ‫كرمية تضمن لهن مصدر رزق كريم وتؤمن حقوقهن‪،‬‬ ‫ويكون ذلك من خالل افتتاح مراكز متكني لهؤالء النسوة‬ ‫ملساعدتهن عىل تجاوز محنتهن‪ ،‬وإطالق حمالت دمج‬ ‫وتوعية تغري من النظرة املجتمعية الدونية لهذه الفئة‬ ‫من النساء‪.‬‬ ‫تحدي األمل‬ ‫رغم قسوة الواقع حاولت بعض النساء من ذوات اإلعاقة‬ ‫يف إدلب تخطي مرحلة األمل واليأس‪ ،‬والخروج من خانة‬ ‫العجز‪ ،‬وجعل اإلعاقة حافزاً للنهوض والنجاح‪.‬‬ ‫نورة التناري (‪ 39‬عاماً) نازحة يف مخيم رسمدا‪ ،‬تعمل رغم‬ ‫إعاقتها لتعيل أطفالها الثالثة بعد وفاة زوجها‪“ ،‬نسيت‬ ‫نفيس وإعاقتي أمام حاجة أطفايل‪ ،‬فرغم برت قدمي‬ ‫بإصابة حربية‪ ،‬واالستعاضة عنها بطرف صناعي‪ ،‬أعمل يف‬ ‫الخياطة داخل الخيمة ألعيل أبنايئ” توضح نورة‪.‬‬ ‫اليأس هو األعاقة الحقيقية‬ ‫أما العرشينية وفاء الدياب من معرة النعامن‪ ،‬فقد‬ ‫أرصت رغم إعاقتها عىل متابعة دراستها الجامعية‪ ،‬وعن‬ ‫ذلك تقول‪“ :‬أصبت بالشلل جراء إصابة عمودي الفقري‬ ‫بشظية قذيفة‪ ،‬واستقرت يب الحال عىل كريس متحرك‪،‬‬ ‫وبعد مكويث يف املنزل ملدة سنتني‪ ،‬بدأ األمل يف داخيل‪،‬‬ ‫ورصت أتطلع نحو املستقبل‪ ،‬فقررت كرس الحواجز‬ ‫والعودة إلكامل دراستي الجامعية‪ ،‬فال يشء مستحيل‬ ‫مع اإلرادة القوية‪ ،‬وال تهمني نظرة املجتمع املحبط من‬ ‫حويل”‪.‬‬ ‫وتضيف الدياب‪“ :‬الحياة ال تتوقف عند حدود اإلعاقة‬ ‫أو فقدان جزء من الجسد‪ ..‬يجب أن نستمر‪ ،‬ويجب أن‬ ‫ندرك أن اليأس هو اإلعاقة الحقيقية يف حياتنا”‪.‬‬


‫ً‬ ‫مسرحية عفوا مموزين‬ ‫أمحد امساعيل امساعيل‬

‫‪12‬‬ ‫قراءة ‪ :‬حواس محمود‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬ ‫ثقافة‬

‫تتحدث هذه املرسحية “عفواً مموزين” عن الواقع الكردي‬ ‫وحالة القمع التي يتعرض لها الفن الكردي والثقافة‬ ‫الكردية؛ إذ أن األمن السوري مينع كل نشاط ثقايف كردي‪،‬‬ ‫علني أو رسي‪ ،‬إن اكتشف مكان النشاط‪ ،‬كام أن املرسحية‬ ‫تتحدث عن كرثة األحزاب الكردية وترشذمها وانقساماتها‬ ‫(من خالل معالجة موضوع الحب عرب شخصيتي مم وزين‬ ‫وبكو) وتأثري هذا التشتت السلبي عىل العالقة العاطفية‬ ‫وإفسادها‪ ،‬وبالتايل إنهائها‪.‬‬ ‫مكان املرسحية كواليس أحد املسارح املتواضعة‪،‬‬ ‫الشخصيات‪ :‬ساالر الشاب العرشيني‪ ،‬نالني فتاة يف التاسعة‬ ‫عرش من العمر‪ ،‬وهام ممثالن يف مرسح الهواة‪.‬‬ ‫ساالر يؤدي دور “فوجت” يف مرسحية “النقيب كوبينك”‬ ‫لكارل تسوكامير‪ .‬يجري حديث بني املمثل واملمثلة بانتظار‬ ‫قدوم املخرج‪ ،‬وإمكانية عرض املرسحية‪ ،‬لكنهام يخشيان‬ ‫منعها من قبل األمن‪ ،‬ألن األمن قد سبق أن منع مرسحية‬ ‫“موت الحجل”‪ ،‬يشعر املمثالن بالقلق تجاه مصري املخرج‪،‬‬ ‫الذي يبدو أنه استدعي إىل فرع األمن القريب من مكان‬ ‫عرض املرسحية‪ ،‬ويجري التساؤل بينهام‪ :‬هل تم اعتقال‬ ‫املخرج؟ وعند قدوم املخرج يحتار الثالثة (املمثل‪ ،‬املمثلة‪،‬‬ ‫املخرج) أي مرسحية سيتم تقدميها للجمهور الذي يشعرون‬ ‫تجاهه بالقلق والحرية‪ ،‬بسبب انتظاره عرض مرسحية ما؟‬ ‫فاألمن ال يوافق عىل العديد من النصوص املرسحية‪ ،‬ألنها‬ ‫بنظره نصوص كردية سياسية‪ ،‬حتى إن كانت ال تتحدث‬ ‫عن السياسة بشكل مبارش‪ ،‬وبعد أخذ ورد ونقاش بني‬ ‫الثالثة‪ ،‬تم االتفاق عىل تقديم نص مرسحية “مموزين”‬ ‫باعتباره نصاً يعتمد العاطفة ومشاعر الحب البعيدة عن‬ ‫السياسة وأوجاعها العديدة‪.‬‬ ‫مكان عرض املرسحية حديقة مدينة جامعية‪ ،‬إذ تجلس‬ ‫فتاة جامعية (زين) عىل أحد مقاعد الحديقة‪ ،‬ويقرتب‬ ‫منها شاب (مم) برتدد وهو ينظر إىل ساعته‪ ،‬يحمل وردة‬ ‫حمراء بيده‪ ،‬يتأملها بنظرات الوله‪ ،‬وسالم صباحي آذاري‪،‬‬ ‫ويقدم لها وردة‪ ،‬ويدور حديث الحب والوله بني اإلثنني‪.‬‬ ‫وأثناء هذا الحديث الهيامي –إن جاز التعبري– يلمح “مم”‬ ‫“بكو” ويؤكد أنه رآه بأم عينه‪ ،‬وأنه يريد التجسس عليهام‬ ‫وعىل حبهام‪ ،‬بغاية إفساده وإفشاله‪ ،‬فيام “زين” تنفي‬ ‫ذلك بالقول ال وجود ألحد هنا‪ ،‬ال “بكو” وال غريه‪.‬‬ ‫وعند قول زين إنه ال أحد يستطيع منعها ومنع “مم”‬

‫من الزواج‪ ،‬بخاصة أن العشائرية كانت تعيق‬ ‫الحب بني شاب وفتاة‪ ،‬وأن هناك أحزاب كثرية‬ ‫وكل من “مم” و”زين” يتحدثان عن أقاربهام‬ ‫وانتامئهام إىل هذه األحزاب‪ ،‬يدخل االثنان يف‬ ‫حديث عاطفي جميل‪ ،‬ويحصل االختالف حول‬ ‫مكان إقامة العرس –عرسهام املرتقب‪ -‬إذ يرى‬ ‫“مم” أن يقام حفل الزواج يف حوش داره‪ ،‬بينام‬ ‫“زين” تطالبه أن يكون العرس يف ناد فخم‬ ‫ورائع‪،‬‬ ‫وأثناء احتداد الخالف بينهام ترمي “زين”‬ ‫الوردة الحمراء فيلتقطها “مم”‪ ،‬ويحصل هذا‬ ‫أكرث من مرة بني اإلثنني‪ ،‬وهي الوردة التي ترمز‬ ‫لعالقة الحب بينهام‪.‬‬ ‫“زين” تطالب بأن يكون حفل الزواج حافالً‬ ‫بكل املظاهر االرستقراطية‪ ،‬وهذا ما يثري غضب‬ ‫“مم” وتربمه من هذا الطلب املكلف واملرهق‪،‬‬ ‫والذي يتعارض مع اإلخالص للحب‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫مظاهر البذخ والبهرجة الفائضة‪ ،‬ويصل الخالف‬ ‫إىل حدوده القصوى عندما ينهي “مم” العالقة‬ ‫بينهام بالقول إن ما كان بيننا قد أصبح يف خرب‬ ‫كان! وتتفاجأ “زين” وتقول له بأنه ليس حراً‬ ‫يف قراره ‪ ،‬لكنه يؤكد أنه حر يف قراره‪ ،‬وتخرج‬ ‫“زين” من جهة غري الجهة التي خرج منها‬ ‫“مم”‪ ،‬ويتدخل “بكو” (الغائب الحارض) يف هذا‬ ‫الخالف بالقول‪“ :‬ها ما رأيكم؟ أنا أعرف أنكم‬ ‫بعد قيل وقال‪ ..‬ستقولون إن “بكو” وراء هذا‬

‫الخالف‪ ،‬والله وبالله وتالله لست أنا من فعل‬ ‫ذلك هذه املرة‪ ،‬لست أنا”‪.‬‬ ‫(“بكو” وامللقب بـ”بكو عوان” هو الشخصية‬ ‫التي أفسدت الحب بني “مم” و”زين” يف‬ ‫ملحمة مم وزين للشاعر الكردي املعروف‬ ‫أحمدي خاين)‬ ‫يوظف الكاتب املرسحي “أحمد اسامعيل” قصة‬ ‫الحب “مموزين” يف قراءة الحارض الكردي‪،‬‬ ‫ويدخل موضوع األحزاب كسبب رئييس‬ ‫يف الواقع املأساوي الكردي‪ ،‬حيث التشتت‬ ‫والترشذم واالنقسام الكردي واضح للعيان لكل‬ ‫متابع للشأن الكردي يف سوريا‪ ،‬ويبني التأثري‬ ‫السلبي لهذا التشتت عىل أنبل عاطفة برشية‬ ‫وهي الحب بني مم وزين‪ ،‬والذي تأثر بشكل‬ ‫كبري وخطري‪ ،‬وفشلت العالقة املقدسة بينهام‬ ‫دون تدخل بكو‪ ،‬عل ًام أن “بكو”‪ ،‬ورمبا قصد‬ ‫به الكاتب النظام‪ ،‬هو اليد الخفية واملسترتة‬ ‫يف مثل هذا الخالف‪ ،‬الذي أساساً جاء نتيجة‬ ‫خالفات األحزاب السياسية التي يشجع النظام‬ ‫تذررها وانقسامها الهائل‪.‬‬ ‫لقد وفق الكاتب يف توظيف الرتاث الشعبي‬ ‫نص‬ ‫الكردي وإسقاطه عىل الحارض‪ ،‬لتقديم ّ‬ ‫جاميل كامل ومتكامل‪ ،‬تتوفر فيه الرشوط‬ ‫الفنية‪ ،‬وقادر عىل جذب الجمهور واملتلقني‬ ‫إىل أجواء مرسحية معارصة تعالج هام معارصاً‬ ‫بأسلوب أديب جميل وممتع‪.‬‬


‫إدلب لن تكون‬ ‫ّإل خبري‬

‫يف انتظار ّ‬ ‫املثقف املُستنري‬ ‫‪ ......‬التتمة من صفحة ‪3‬‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬

‫قد يظنّ املتأ ّمل يف شؤون محافظة إدلب من بعيد أنها‬ ‫ٌ‬ ‫منطقة خالية من النظام والقانون‪ ،‬حتى وإن كان رأيه‬ ‫ذاك من باب اإلشفاق عىل هذه البقعة الغالية عىل قلوب‬ ‫السور ّيني والحزن عليها‪ .‬غري ّأن حادثاً صغرياً حصل معي‬ ‫ّ‬ ‫مؤخراً أثبت يل ّأن األمر خالف ذلك متاماً‪ّ ،‬‬ ‫وأن أبناء إدلب‬ ‫والنازحني إليها ناجحون نسب ّياً يف إدارة شؤونهم وإقامة‬ ‫واقع مل‬ ‫حكم القانون‪ ،‬حتى وهم يرزحون تحت سلطة أم ٍر ٍ‬ ‫يكن لهم يد يف اختيارها‪.‬‬ ‫تع ّر ُ‬ ‫ضت الشهر املايض لعملية ابتزاز مقيتة أتت من منطقة‬ ‫ٌ‬ ‫جامعة من الناس‬ ‫إدلب يف الداخل السوريّ ‪ .‬فقد هددين‬ ‫مرتبطون بفصيل عسكري بالتع ّرض لسالمة والدي بسبب‬ ‫سبيعيني يعيش نازحاً‬ ‫مقال كتبته مل يعجبهم‪ .‬والدي ٌ‬ ‫رجل‬ ‫ّ‬ ‫مع زوجته يف قرية أطمة عىل الحدود الرتكية‪ ،‬وليس‬ ‫مسؤول ّ‬ ‫عم أقوله وأفعله؛ وهذه بديه ّية مل يستوعبها‬ ‫البعض ممن أعطتهم الحرب فائضاً من املال والسالح‪.‬‬ ‫محام‪ ،‬واللجوء‬ ‫اضطررت من أجل حامية والدي إىل توكيل ٍ‬ ‫للقضاء يف حكومة اإلنقاذ يف إدلب‪ .‬قام جهاز الرشطة‬ ‫يف قرية كفرلوسني الحدود ّية بإلقاء القبض عىل صاحب‬ ‫التهديد‪ ،‬غري آبهني باملس ّلحني الذين يقفون وراءه‪ ،‬وتم‬ ‫وضعه يف السجن‪ ،‬ومعاقبته عىل تن ّمره وإساءته بأن حلقوا‬ ‫شعره (عىل الصفر)‪ ،‬وجعلوه يكتب تعهداً بأنه لن يتعرض‬ ‫يتم إطالق‬ ‫لوالدي بسوء‪ ،‬ولن يكرر تن ّمره وتهديداته‪ .‬ومل ّ‬ ‫رساحه إال بعد موافقة املحامي الذي قمت بتوكيله‪.‬‬ ‫من الرائع أن نشاهد العدالة وقد تح ّققت‪ ،‬حتى وإن كانت‬ ‫عىل يد حكومة اإلنقاذ يف إدلب‪ ،‬مع أين كنت واثقاً منذ‬ ‫البداية ّأن والدي َج ٌ‬ ‫بل “ال يهزّه ريح” فمنه ُ‬ ‫ورثت الشجاعة‬ ‫والعدل والصدق؛ وهي قيم لن يغفر يل لو تخ ّل ُ‬ ‫يت عنها‬ ‫من أجل رشذمة خارجة عن القانون‪.‬‬ ‫وحاصل األمر أين أشعر باالطمئنان أكرث عىل والدي وعىل‬ ‫أهل إدلب والنازحني إليها بعد هذه الحادثة‪ ،‬ويحدوين‬ ‫األمل أن إدلب ‪-‬أرض التني والزيتون‪ -‬لن تكون ّإل بخري‪.‬‬

‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫متوز ‪22021‬‬

‫مصعب الحمادي‬

‫مقاالت‬

‫إلهية وتجاهلوا ك ّل ًيا الوقائع عىل األرض‪ .‬وهم واهمون إىل يومنا هذا بخصوص‬ ‫سوريا وشعبها ونظام املجازر فيها‪ .‬وهم‪ ،‬رغم تقسيم سوريا الفعيل وتقاسم مواردها‬ ‫الطبيعية بني خمسة احتالالت‪ ،‬ال يزالون يتحدثون عن “مامنعة” و”مناهضة أمريكا”‬ ‫وما شابه! وهم‪ ،‬من فرط الدوغام‪ ،‬يعتربون نظام بوتني املافيويّ استمرا ًرا لـ”االتحاد‬ ‫السوفييتي العظيم”‪ ،‬وأن نظام املاليل القمعي املستب ّد تجسيدًا للحر ّية ا ُملشتهاة‪.‬‬ ‫ظاهرة أخرى الحظناها عرب السجال العقيم حول جرمية قتل بنات‪ ،‬وهي االعتقاد بأن‬ ‫املعارضني يف نقطة من الزمن والثوريني يف مرحلة مع ّينة هم ثوريون ومعارضون إىل‬ ‫األبد‪ .‬كأن الظواهر ‪-‬ومنها املث ّقف واملعارض‪ -‬جامدة ال تتح ّول وال تخضع للجدلية‪ّ .‬‬ ‫كأن‬ ‫املعني وقال‪ .‬فقد رأينا تح ّوالت إشكالية‬ ‫صالح املايض ميتد إىل ما ال نهاية مهام فعل‬ ‫ّ‬ ‫يف سرية البعض ورأينا انحرافاتهم الفكرية ونكوصهم وتواطؤهم وعاملتهم‪ ..‬لكنهم‬ ‫رصون عىل أنهم “ثوار” أو “مث ّقفون عضويون” وما إىل ذلك من مراتب ال يستحقونها‪.‬‬ ‫ُي ّ‬ ‫لقد كشفت جرمية قتل بنات هشاشة الثقافة السياس ّية الفلسطينية يف الراهن‪،‬‬ ‫متوحش يف الشام‪ ،‬وعقيدة‬ ‫ومكوثها غري امل ّربر يف معمعان اإلنشاءات اللفظية لنظام ّ‬ ‫شمولية إيرانية ال ترتك لإلنسان اإليراين مغ ّز إبرة يك يسعد‪ .‬هي ثقافة قارصة عن‬ ‫متوحشة عىل اإلقليم‪،‬‬ ‫رؤية الروابط املرئية وغري املرئية‪ ،‬بني خطر أنظمة شمولية ّ‬ ‫تجسده إرسائيل الرسمية‪“ .‬ثقافة” عاجزة‬ ‫وبني خطر النظام االستعامريّ كام ّ‬ ‫عن إحداث أي تغيري مأمول يف الواقع القاهر‪ .‬ألنها “ثقافة” تسري معصوبة األعني‬ ‫وراء أوهام‪ ،‬وال تؤمن باألفكار ا ُملرشقة املستنرية ّإل بقدر ما تخدمها هي أو تخدم‬ ‫لحظتها‪ .‬ثقافة تتبدّى لنا يف كثري من املنعطفات بائسة ُتطالب بالحر ّية لنفسها‬ ‫وتنارص الهيمنة واالستبداد املفروض عىل شعب آخر‪ .‬تنادي بضامن حقوق اإلنسان‬ ‫لكنها تنارص سحقه كام يف املسالخ البرشية للنظام األسدي‪ .‬وهكذا حتى الضياع‪.‬‬ ‫من املفارقات أن “ثقافة” كهذه تلتقي وتتطابق من موقع “الضح ّية” مع سياسات‬ ‫التوحش ا ُملطلق والتدمري ّ‬ ‫الكل للشعوب‪ .‬هكذا تدور أوساط فلسطينية واسعة نسب ًّيا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫يف حلقة ُمفرغة غري قادرة عىل مواجهة أي تح ٍّد مهام يكن صغريا‪ .‬من هذه األوساط‬ ‫املتوجسة من الثورات ومن الربيع‪.‬‬ ‫تأتينا قوى “الثورة املضادة” التي ُتشجعها الجهات ّ‬ ‫املث ّقف املستنري والثوريّ املستنري واملعارض املستنري هي النامذج القادرة‬ ‫عىل كرس هذه الحلقة والخروج من أرسها إىل احتامالت التغيري والتأثري‪.‬‬ ‫متمسكة بأفكار وقيم وأنساق متن ّورة مستمدّة من الجوهر‬ ‫ألنها مناذج‬ ‫ّ‬ ‫اإلنساين‪ ،‬ومن فكرة بناء االجتامع البرشيّ عىل أساس من العدل واملساواة‬ ‫توحشاً‪.‬‬ ‫والحر ّيات‪ ،‬وليس عىل أساس استبدال نظام قهريّ بنظام شمو ّيل أكرث ّ‬ ‫ليس كافياً أن تكون ملتزماً بقض ّية أو عقيدة‪ .‬هناك حاجة إىل تجاوز ذلك صوب‬ ‫االستنارة‪ ،‬فتكون منظومة القيم النبيلة ك ّلها هي البوصلة للسياسة وسواها‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫ماذا لو عاد الكواكيب؟‬ ‫عزام الخطيب‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫متر يف هذه األيام التي أكتب بها هذا املقال الذكرى‬ ‫التاسعة عرش بعد املئة لوفاة واحد من أهم مفكري‬ ‫القرن التاسع عرش‪ ،‬وال نجايف الحقيقة إذا قلنا رمبا هو‬ ‫أهم مفكري العرب يف العرص الحديث‪.‬‬ ‫ولد املفكر العظيم عبد الرحمن الكواكبي يف حلب‬ ‫سنة ‪ ،1855‬وهو من عائلة مشهورة وتعد من أرشاف‬ ‫العوائل فيها؛ فقد كان الكواكبي‪ ،‬ومبدرسته التي‬ ‫تأسست باسمه‪ ،‬رائداً من رواد العلوم واملعرفة‪،‬‬ ‫وأضيف الصحافة أيضاً‪ .‬فبعد أن بدأ حياته الصحفية‬ ‫محرراً يف جريدة الفرات الرسمية التي كانت تصدر‬ ‫يف حلب‪ ،‬مل يجد بعمله فيها متسعاً وهامشاً من‬ ‫الحرية الالزمة لتعرية االستبداد وفضح املستبدين؛‬ ‫فهي صحيفة رسمية تعرب عن رأي الدولة‪ ،‬فاستقال‬ ‫منها ليؤسس مجلة الشهباء التي مل تعمر طوي ًال‪ ،‬لعدم‬ ‫تحمل السلطة جرأته يف النقد‪ ،‬فأسس بعدها مجلة‬ ‫أخرى ّ‬ ‫سمها االعتدال‪ ،‬لتنال بعد فرتة ما نالته أختها‬ ‫الشهباء من تعتيم‪ ،‬فإغالق‪.‬‬ ‫سافر عبد الرحمن الكواكبي إىل مرص هارباً بنفسه‬ ‫وعقله وفكره‪ ،‬لكنه مل يكن فيها أحسن حاالً وال حظاً؛‬

‫فكانت نهايته بفنجان قهوة مسموم‪ ،‬أودى بحياته‬ ‫وأنهاها‪ ،‬لكنها مل تستطع أن تنهي أعامله وفكره الباقي‬ ‫والحافل باملقاالت وإصدارات الصحف والكتب‪،‬‬ ‫وأخص منها كتابه األشهر (طبائع االستبداد ومصارع‬ ‫االستعباد) والتي ترتدد صدى كتاباته فيها حتى اآلن‬ ‫كقوله‪:‬‬ ‫“أسري االستبداد ال ميلك شيئاً ليحرص عىل حفظه‪ ،‬ألنه‬ ‫ال ميلك ماالً غري معرض للسلب‪ ،‬وال رشفاً غري معرض‬ ‫لإلهانة”‪.‬‬ ‫وقوله‪“ :‬واالستبداد مفسد للدين يف أهم تسمية أي‬ ‫األخالق‪ ،‬أما العبادات فال ميسها‪ ،‬ألنها تالمئه أكرث”‪.‬‬ ‫ولعل قائل يقول‪ :‬هذا كالم عظيم اعتدنا قراءته‬ ‫وسامعه‪ ،‬ودامئاً ما تضج به مواقع التواصل االجتامعي‬ ‫يف هذه األيام‪ ،‬فام الجديد وما عالقة موضوع املقال‬ ‫مبا قلت؟‬ ‫فيكون جوايب باستحضار روح الكواكبي يف أعامله‪،‬‬ ‫وأخص فيها رشوط الخالص من االستبداد‪ ،‬والتي‬ ‫يفصلهابقوله‪:‬‬ ‫“ • األمة التي ال يشعر كلها أو أغلبها بآالم االستبداد‬ ‫ال تستحق الحرية‪.‬‬

‫• ال يقاوم االستبداد بالشدة وإمنا باللني والتدرج‪.‬‬ ‫• يجب قبل مقاومة االستبداد تهيئة ماذا يستبدل‬ ‫به االستبداد”‪.‬‬ ‫فلو عاد الكواكبي ورأى ما نحن عليه اليوم‪ ،‬فأنا‬ ‫أكيد بأنه سيأوي ألي جزيرة نائية لتكون مقراً ملنفاه‬ ‫االختياري‪ ،‬حتى ينتهي هذا الجنون‪ ،‬أو كنا سرناه حا ّد‬ ‫ّ‬ ‫صعب املراس‪ ،‬رسيع الغضب‪ ،‬منبهاً هذا‪،‬‬ ‫الطباع‪،‬‬ ‫َ‬ ‫متخاص ًام مع ذاك‪ ،‬من دون طائل أو سامع‪ ..‬فال‬ ‫خصوم االستبداد كانوا متدرجني لينني يف مطالبهم‪ ،‬وال‬ ‫مؤيدوه أدركوا آالمه أو شعروا بها‪ ..‬إال من رحم ريب‪.‬‬

‫مقوالت لعبد الرحمن الكواكبي ‪:‬‬

‫مقاالت‬

‫ أرض يشء عىل اإلنسان هو الجهل وأرض آثار الجهل هو الخوف‪.‬‬‫ العوام هم ق َوة املستبد وقوته‪ ،‬بهم عليهم يصول ويطول يأرسهم فيتهللون لشوكته ويغصب أموالهم ويحمدونه عىل‬‫ابقائه حياتهم ويغري بعضهم عىل بعض فيفتخرون بسياسته وإذا أرسف يف أموالهم يقولون كر ًميا وإذا قتل منهم ومل‬ ‫ميثل يعتربونه ً‬ ‫رحيم‪.‬‬ ‫ وإذا تتبعنا سرية أيب بكر وعمر ريض الله عنهام مع األمة نجد أنهام مع كونهام مفطورون خري فطرة ونائلني الرتبية‬‫النبوية مل ترتك األمة معهام املراقبة واملحاسبة ومل تعطهم طاعة عمياء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ االستبداد يقلب الحقائق ىف األذهان فيسوق الناس إىل إعتقاد أن طالب الحق فاجر وتارك حقه ُمطيع واملشتيك‬‫فسد والنبيه ا ُملدقق ُملحد والخامل املسكني صالح و ُيصبح ‪-‬كذلك‪ -‬الن ُّْصح فضوال والغرية عداوة والشهامة عت ّوا‬ ‫ا ُملتظلم ُم ِ‬ ‫والحم ّية حامقة والرحمة ً‬ ‫مرضا كام يعترب أن النفاق سياسة والتحايل كياسة والدناءة ُل ْطف والنذالة دماثة‪.‬‬ ‫‪ -‬اللهم إن ا ُملستبدين ورشكائهم قد جعلوا دينك غري الدين الذي أنزلت فال حول وال قوة إال بك‪.‬‬


‫سوريون‪ :‬بني السخرية والالمباالة‬ ‫‪15‬‬

‫يوسف صادق‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬ ‫مقاالت‬

‫ّ‬ ‫“ألن هذه األجنحة مل تعد أجنح ًة تطري‬ ‫بل مج ّرد مراوح لرضب الهواء‬ ‫ُّ‬ ‫وأجف من العزمية‬ ‫أصغر‬ ‫ُلقنّا أن نأبه وال نأبه‬ ‫ُلقنّا أن نجلس بسكينة”‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان الذي أنهكته الحروب‬ ‫هكذا خاطب إليوت‬ ‫والفقر يف لحظة اغرتاب من عمر البرشية‪.‬‬ ‫هذه اللحظة سبق وأن عاشها ويعيشها اإلنسان‬ ‫بتناقضاتها؛ بني أن ال ميلك أجنحة‪ ،‬فيبقى أسري‬ ‫لحظته ومكانه‪ ،‬وبني أن يتم ّلكه األمل وال يستطيع‬ ‫أن يرتقي بإنسانيته وحلمه‪ ،‬ويحققهام‪.‬‬ ‫وكم من اللحظات امتدّت سبعاً عجافاً‪ ،‬فرضت‬ ‫بجناحيها األسودين رضوخاً واضطهاداً بني النزوح‬ ‫والوطن الخيمة‪ ،‬بني الهجرة والوطن الغربة‪ ،‬بني‬ ‫الذات واآلخر الغربة‪ ،‬بني الحرية وقيود سلطة‬ ‫املوروث والعسكر‪ .‬حينها يبتعد اإلنسان عن ذاته‬ ‫التي يريد ومل تتحقق‪ ،‬يرتكها مرم ّية كثوب العيد‪،‬‬ ‫ك ّلام نظر إليه ابتسم وأصابته الحامسة‪ ،‬فيستيقظ‬ ‫ثم يصفعه‪ ..‬ال ألنه‬ ‫الطفل داخله يناديه ه ّيا‪ّ ..‬‬ ‫يكرهه بل ألنه مل يعد قادراً عىل ارتداء بسمته‬ ‫واستعادة حرية األطفال‪.‬‬ ‫كل يش ٍء يحرض اآلن‪ ،‬ذكريات أيام الحرب‬ ‫والنزوح‪ ،‬ذكريات َمن كانوا هنا ورحلوا‪ ،‬تحرض‬ ‫السياسة واالقتصاد‪ ،‬التط ّرف واالنفتاح‪ ،‬الصالح‬ ‫العام واألنانية‪ ،‬قضايا املجتمع العالقة‪.‬‬ ‫اكم الغربة غبارها يف‬ ‫يف هذه التناقضات ُتر ُ‬ ‫أنحاء أرواحنا‪ ،‬مثل غرفة هجرها عاشقان‪ ،‬مثل‬ ‫بيت هجرته ضحكات‬ ‫وطن هجره أهله‪ ،‬ومثل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫األطفال‪ ...‬هي لحظة قد يأيت طفل يعبث برسم‬ ‫ٌ‬ ‫عاشقة لتستعيد وردتها‪،‬‬ ‫وجه يف الغبار‪ ،‬وقد تأيت‬ ‫هي لحظة أشبه من استيقاظ الغريق‪ ،‬ليست‬ ‫لم و َمن غنّى يف‬ ‫قدراً؛ فلوالها ملا كان هناك َمن َح َ‬ ‫تاريخ الليل الطويل من شقاء البرشية‪.‬‬ ‫فحسب ح ّبات املطر السقوط‪ ،‬ولتكن‬ ‫ولتكن عبثاً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫خربشات لعاشق فقد املرونة وأساليب العشق‪.‬‬ ‫هذه لحظة أخرى بني الالمباالة والسخرية‪ ،‬بني‬ ‫أن نكون أو ال نكون كام شاء املطر‪ .‬هذا السؤال‬ ‫الذي يرشح أحوالنا اليوم‪ ،‬هل فشلنا يف تجاوز‬ ‫تلك التناقضات؟ وهل هي تناقضات ح ّقاً؟ وهل‬

‫حالة الالمباالة هي التعبري الرمزي عن الرضوخ‬ ‫واالستسالم؟‬ ‫أرض تختنق باألوحال‪ ،‬ال‬ ‫ال أحد يرسم الطريق يف ٍ‬ ‫أحد يشقّ البحر بعصاه‪ ،‬وال أحد متلك روحه براقاً‬ ‫يجتاز بها الساموات والحدود‪ّ ،‬‬ ‫ويفك كل القيود‪،‬‬ ‫حتّى التي تركت آثارها يف أرواحنا‪.‬‬ ‫لرمبا هي لحظة رقصة زوربا‪ ،‬مهام كان من انهيار‬ ‫لحلم‪ ،‬أو انهيار مكان امتدّت به أجسادنا لتكونه‪.‬‬ ‫هل بتنا يف لحظة الالمباالة والبالدة نبحث‬ ‫عن وطن يشبه أحالمنا؟ أم اكتشفنا ّأن للوطن‬ ‫تغي مفاهيم‬ ‫مفاهيم مل نكن لنعيها؟ أم ّأن الحرب ّ‬ ‫اإلنسان عن ذاته وعن اآلخر وعن االنتامء‪ .‬رقصة‬ ‫زوربا تعيد إلينا الروح والحلم‪ ،‬خدش نحس من‬ ‫خالله بجس ٍد كان مشلوالً‪ ،‬فقط ألنه أراد الرقص‬ ‫كام تشاء روح تسكنه‪.‬‬ ‫هو انتامؤنا هذه اللحظة‪ ،‬الحلم انتامؤنا‪ ،‬املكان‬ ‫الذي تراكم به الغبار وركام البيوت املنهدمة‬ ‫انتامؤنا‪ ،‬املكان الذي سيزهر بالضحكات بعد‬ ‫صيف حني يعود سكانه املهجرين‪ ،‬وكم م ّرة بكينا‬ ‫فيه‪ ..‬هو هو انتامؤنا‪...‬‬ ‫إذاً ال ضري من أن نضحك ونسخر‪ ..‬هذه هي‬ ‫حالنا‪ ،‬هذه هي لحظة إنساننا املهدور املقهور‪،‬‬ ‫السخرية حال َمن ال ميلك جناحاً ليطري‪ ،‬ليس‬ ‫عجزاً أو هروباً‪ ،‬لكنْ تعب ٌري رمزيٌّ عن الرفض‪ ،‬نفي‬ ‫انتقام لعجزنا أمام‬ ‫لحالة التهميش والالكينونة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الغبار يف أرواحنا‪ ،‬لطاملا خلقنا الله عىل صورته‪،‬‬ ‫لطاملا استخلفنا عىل جامل الدنيا‪ ،‬فيحقّ ألرواحنا‬ ‫الحرية‪ ،‬يحقّ لها أن تسمو فوق الحدود‪ .‬واألهم‬ ‫أن تعود لإلنسان مكانته ومركزيته يف الكون‪،‬‬ ‫وتعود ألياديه طهر هذا املكان الذي بناه وجعله‬ ‫انتام ًء له‪.‬‬ ‫يف السخرية يتخ ّلص ا ُملستع َبد من تناهيه‪ ،‬من‬ ‫صغره أمام الج ّبار‪/‬املستع ِبد‪ ،‬يجعله مساوياً له‬ ‫يف الوجود ّ‬ ‫يقص‬ ‫يحط من قدر ابتعاده عنه‪ّ ،‬‬ ‫املسافة بينهام‪ ،‬سنون طويلة‪ ،‬وغبار كثيف جعال‬ ‫املستَب ّد يصل ملرتبة الج ّبار‪ ،‬لكن النكتة والسخرية‬ ‫والكلمة والضحكة تخربش وتهدم كل هال ٍة‬ ‫صنعها املستَب ّد لنفسه‪ ،‬يضحك لها الكبري والصغري‪،‬‬ ‫يضحك لها املكان‪ ،‬حتى األشجار تتاميل همساً‬

‫من دغدغة العصافري التي ال تقوى عىل الطريان‪،‬‬ ‫حتى السؤال البسيط لطفل يح ّرك روائح امللل‬ ‫والتلقني يف الصفوف‪.‬‬ ‫هذه اللحظة املتناقضة بني الالمباالة والسخرية‪،‬‬ ‫تجعل كل ما تركناه من جامل للغبار يتح ّرك‪ ،‬يه ّز‬ ‫رأسه‪ ،‬يعلن عن نفسه‪ ،‬أنا هنا‪ ،‬أحتاج فقط ألن‬ ‫أطري‪ ..‬لحظة القهر واالستالب تجعل اإلنسان بليداً‬ ‫المبالياً‪ ،‬مستسل ًام لرتاكم الغبار فوق خياالته‪،‬‬ ‫االستالب خدر وبالدة‪ ،‬االستالب لق ّوة خف ّية قد تأيت‪،‬‬ ‫لقيم يعتاش عليها املقهور حتى يضمن‬ ‫االستالب ٍ‬ ‫لقيم تحدّد مكانة الشخص منذ‬ ‫سالمته‪ ،‬االستالب ٍ‬ ‫أن يرى النور‪ ،‬االستالب ملقوالت تريدنا كالدمى‬ ‫يف مرسح األوصياء وقوى األمر الواقع وسالح‬ ‫امليليشيات متعددة األصناف واألجناس‪ ،‬االستالب‬ ‫مطيع‪،‬‬ ‫قطيع‬ ‫ُملثلٍ تجعل اإلنسان صالحاً يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتجعل اإلنسان عبداً لشهواته وأنان ّيته وتجارة‬ ‫املخدرات ألوىل األمر والنهي‪ ،‬االستالب لسلطات‬ ‫القهر واالستبداد السيايس‪ ،‬لذكور ٍة ما تزال تنفي‬ ‫إنسانيتنا‪ ،‬وتنفي عن األنثى كينونتها‪.‬‬ ‫ببيت يضم العائلة السورية لتكون الخيمة‬ ‫مل نحلم ٍ‬ ‫والهجرة مصرياً! ومل نحلم بأبسط الحقوق لتكون‬ ‫الطوابري غايتنا‪ ،‬مل نحلم باالحرتام لنعود لحوار‬ ‫القبائل بالسيف والجاه‪ ،‬ومل نحلم بأن يكون‬ ‫أطفالنا أحراراً يف مخيالتهم وبراءتهم لتزداد القيود‬ ‫ويزداد األوصياء‪.‬‬ ‫والسؤال ال ينتهي‪ ..‬طاملا بدأت الكلامت‪ ،‬هذا‬ ‫هو الحد الفاصل بني الالمباالة والسخرية بكل‬ ‫أشكالها‪ ..‬ليست هدفاً بذاتها‪ ،‬فام كان سؤال‬ ‫اإلنسان يوماً عن معنى وجوده هذراً‪.‬‬ ‫السخرية‪ ،‬النكتة‪ ،‬الته ّكم‪ ،‬الضحكة‪ ،‬الخربشة‪،‬‬ ‫تعيد للسؤال دهشته‪ ،‬حتى ال يكون موجعاً‪،‬‬ ‫كفانا استالبات وغربة‪ ،‬وحسبنا من السخرية ّ‬ ‫كل‬ ‫فصلناه‪ ،‬لنخرج من حالة الالمعنى التي وصلنا‬ ‫ما ّ‬ ‫إليها حيث ال جدوى‪ ..‬وحسبي أقول ّإن السخرية‬ ‫بأنواعها يف حالنا اليوم ليست برنامج عمل‪ ،‬لكنها‬ ‫ٌ‬ ‫صحي عىل أ ّننا انتقلنا بل أ ّننا‬ ‫حالة عامة ودليل‬ ‫ّ‬ ‫نتململ يف حالة الالمباالة ونتساءل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وكل ما نحتاجه فقط أن نعيد ألجنحتنا قدرتها عىل‬ ‫التحليق وهذا هو نفي النفي والفعل اإلنساين‪.‬‬


‫القاص الفلسطيين زياد خداش‬ ‫يف حوار مع طلعنا عاحلرية‬

‫‪16‬‬ ‫بشرى البشوات‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫‏”لو كان لدي بنت ألحببت أن تكون كاتبة مثيل‪،‬‬ ‫تتجاوز عاملي وتسخر من لغتي القدمية وتسافر‬ ‫لتتسلم الجوائز‪ ،‬بينام أركض خلفها يف القاعة دون‬ ‫أن يعرفني أحد‪ ،‬مستمتعاً مبشهد انحناء الصحفيني‬ ‫لها‪ ،‬وظيفتي فقط أن أستلم عنها باقات الزهور‬ ‫يف حفالت توقيع كتبها‪ ،‬لتتفرغ هي ملصافحة‬ ‫املعجبني املحتشدين‪ ،‬مكتفيا أنا بفكرة أن العامل‬ ‫يصافح قلبي”‪.‬‬ ‫زياد خداش‬ ‫ماذا يفعل املرء باللغة حني يولد فلسطينيا؟‬ ‫الكاتب واملعلم زياد خداش الذي ولد يف القدس عام‬ ‫‪ ،1964‬ويحمل إجازة يف األدب العريب من جامعة‬ ‫الريموك‪ ،‬ميارس التعليم يف مدارس فلسطني ويد ّرس‬ ‫الكتابة اإلبداع ّية‪ ،‬يف رصيده اثنتا عرش مجموعة‬ ‫قصص ّية‪ ،‬حائز عىل جائزة فلسطني التشجيعية عن‬ ‫كتابه “خطأ النادل”‪.‬‬ ‫أتحدث مع زياد عن القدس‪ ،‬عن القصص‪ ،‬املخيم‪،‬‬ ‫عن األرض والهوية‪ ،‬عنه كفلسطيني ومبدع‪.‬‬ ‫ بدأت حياتك اإلبداع ّية يف سنتك الثالثة الجامعية‬‫يف جامعة الريموك‪ ،‬هل مثة حضور مميز ألحدهم‬ ‫يف تلك البدايات؟‬ ‫مل يكن هناك أحد مميز يف تلك املرحلة‪ ،‬وأظن أن‬ ‫املميز يف تلك املرحلة هو اكتشايف لذايت واكتشايف‬ ‫لحاجتي إىل التعبري عن هواجس كثرية كانت‬ ‫تشتعل داخيل يف تلك املرحلة‪.‬‬

‫لقاءات‬

‫ الكتابة حالة مبالغة‪ ،‬هل نجوت من “فخ اللغة”‬‫كام طلب إليك مرة الشاعر حسني الربغويث؟‬ ‫نجوت من فخ اللغة بفضل أ ّيب الشاعر والعمالق‬ ‫حسني الربغويث‪ ،‬كنت أرقص مع اللغة‪ ،‬ومل أكن‬ ‫أعرف بأن هذا النوع من الرقص طارد لألفكار‬ ‫واألحداث ويتحول مع الوقت إىل نوع من التهريج‬ ‫والدلع‪.‬‬

‫ يف قصص زياد خداش َ‬‫أنت دا ًمئا‬ ‫موجود‪ ،‬كشاهد عىل الحدث‪،‬‬ ‫تستخدم ضمري املتكلم ملاذا؟‬ ‫أعشق ضمري املتكلم يف الكتابة كثريا‪ً،‬‬ ‫أعتربه متعة قصوى‪ .‬فهو يعطيني‬ ‫املدى البعيد يف التعبري عن ذايت‬ ‫وهواجيس الدقيقة التي ال يستطيع‬ ‫ضمري الغائب أو املخاطب التعبري‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أحب أن أكون شاهدا عىل كل يشء‪،‬‬ ‫أحب أن أكون منخرطاً يف كل التجارب‪ ،‬أحب أن‬ ‫ّ‬ ‫أكون صديقاً لبطل القصة أو عدواً له‪ ،‬أو مراقباً له‪،‬‬ ‫أو ماراً بجواره‪.‬‬ ‫ هل اختلف نتاج زياد قبل أوسلو وبعدها‪،‬‬‫خصوصاً بعد عودة الكثري من األسامء‪ :‬يحيى‬ ‫يخلف‪ ،‬غسان زقطان‪...‬؟‬ ‫اختالف كبري‪ ،‬أتذكر نفيس كاتباً شاباً ينام عند‬ ‫العارشة‪ ،‬لديه كتب قليلة محلية‪.‬‬ ‫كنّا نستخدم مصطلح “األدب املحيل” املقصود‬ ‫باملصطلح الكتب املطبوعة يف فلسطني‪ ،‬ومل تكن‬ ‫كتب العائدين بعد أوسلو متوفرة لدينا‪ ،‬كنا نتشوق‬ ‫لقراءتها واحتضانها‪.‬‬ ‫حياة العائدين نفسها‪ ،‬كانت درساً ومدرسة بالنسبة‬ ‫لنّا‪ .‬تعلمنا منهم كيف نح ّول الحياة إىل مغامرة‬ ‫وكيف نقول للحياة تعايل‪ ،‬باإلضافة إىل تقنيات‬ ‫جديدة تعلمناها منهم‪.‬‬ ‫ تقول يف إحدى الحوارات بأن مسؤولية املثقف‬‫االنخراط بالحدث كونه مواطناً بالدرجة األوىل‪،‬‬ ‫االنتفاضة األوىل والثانية‪ ،‬ثم ما حصل أخرياً يف حي‬ ‫الشيخ جراح وعموم فلسطني‪ ،‬كيف تأثرت بها؟‬ ‫تأثري كبري‪ ،‬لكنه غري مبارش نحن ال نستطيع أن‬ ‫نكتب األحداث كام تحدث‪ ،‬ال نستطيع أن نحرض‬ ‫ونرصخ كام يفعل الكتاب السياسيون‪ ،‬هذا ممكن‬ ‫يف مجال الكتابة السياسية املبارشة‪ ،‬لكن يف األدب‬

‫هناك طريقة أخرى‪.‬‬ ‫نحن نهضم هذه األحداث؛ نقطرها داخلنا مشاهد‬ ‫فن وأدب‪ ،‬ونح ّولها إىل واقع مختلف‪ ،‬واقع مختلف‬ ‫يبعث عىل األسئلة الجديدة‪.‬‬ ‫ إىل من ينتمي زياد أكرث‪ :‬القدس‪ ،‬بيت نبالة‪،‬‬‫رام الله؟‬ ‫انتاميئ إىل األماكن الثالثة التي ذكرتيها‪ ،‬ال أستطيع‬ ‫أن أفصل بينهام أبدًا‪ ،‬يف داخيل رام الله وبيت‬ ‫نبالة والقدس‪ ،‬هذه األماكن الثالثة تشكل روحي‬ ‫وتشكل بوصلتي الوطنية‪ ،‬بيت نبالة الحنني‬ ‫والجذور والبيت األول‪ ،‬رام الله األصدقاء والحب‬ ‫والكتابة‪ ،‬القدس الحلم‪ ،‬الحلم‪ ،‬الحلم‪..‬‬ ‫فكيف استغني عن أحالمي وعن أصدقايئ وعن‬ ‫بيتي األول؟!‬ ‫املخيم‪ ،‬حساسية الالجىء‪ ،‬كيف انعكست عىل‬‫كتابتك؟‬ ‫حساسية الالجئ تطاردين يف كل مكان‪ ،‬حتى وصلت‬ ‫إىل أعامق قصيص‪ ،‬معظم شخويص الجئون يبحثون‬ ‫عن ذواتهم‪ ،‬معظم شخويص حساسون ضائعون‬ ‫يف مهب املدن‪ ،‬نبالء من الداخل عاجزون عن‬ ‫التعبري‪ ،‬يخافون من الطوابري أمام املؤسسات‪ .‬وحني‬ ‫يسافرون يرتعبون من فكرة فقدان جواز سفرهم‪،‬‬ ‫وحني ميوتون يتمنون لو كان هناك نفق يف قبورهم‪،‬‬ ‫يعودون من خالله إىل بالدهم املخطوفة‪.‬‬


‫كانت فوضى عارمة‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬

‫لن أنىس “هاشم” و”فؤاد” صاحبي أشهر‬ ‫محل فالفل يف مخيم األمعري‪ ..‬ارتبط‬ ‫اسمهام يب ارتباط رائحة فالفلهام املذهلة‬ ‫يف أوائل السبعينيات بقلبي قبل فمي‪ .‬كنت‬ ‫طالبا يف املرحلة االبتدائية مبدرسة األمعري‬ ‫الثانية برام الله‪ ،‬كانت املدرسة قد تعاقدت‬ ‫مع هاشم وفؤاد عىل بيع ساندويشات‬ ‫الفالفل لطالب املدرسة الثالمثئة‪.‬‬ ‫يف (الفرصة) اسرتاحة التالميذ األوىل‪ ،‬كان‬ ‫هاشم وفؤاد يقفان يف ساحة املدرسة‬ ‫الواسعة أمامها كراتني ممتلئة بالساندويشات‬ ‫اللذيذة‪ ،‬املضغوطة عىل حبتي فالفل‬ ‫وقطع بندورة مغمسة بالطحينية وقليل‬ ‫من الشطة‪ ،‬بانتظار هجوم األفواه بعد‬ ‫ثالث حصص من األوامر والرضب والرصاخ‬ ‫والتفتيش‪ .‬مل يكن هناك نظام طابور أمام‬ ‫مال ّ‬ ‫يك أفواهنا‪ ،‬كنا نتجمع فوق بعضنا‬ ‫البعض باملئات أمامهام وخلفهام وبينهام‬ ‫مادّين أيادينا الصغرية باللرية املعدنية‪.‬‬ ‫كانت فوىض عارمة‪ ..‬غري عادلة أبداً‪ ،‬هناك‬ ‫من كان عاجزاً عن الوصول للكراتني‪ ،‬وهناك‬ ‫من يصل دون أن يدفع‪ ،‬عن قصد أو بسبب‬ ‫التدافع‪.‬‬ ‫بعد فرتة حدث يشء غريب يل؛ ما أن يرن‬ ‫جرس (الفرصة) كنت تلقائياً أدخل يدي يف‬ ‫جيبي ألخرج اللرية وال اجدها! باكياً كنت‬ ‫أرمتي تحت املقاعد باحثاً عن لرييت‪.‬‬ ‫حدث هذا أكرث من مرة‪ ،‬وكنت أضطر‬ ‫لجوعي الشديد وعشق قلبي لساندويشات‬ ‫هاشم وفؤاد إىل أن أندس بني املئات من‬ ‫التالميذ‪ ،‬ما ّداً يدي املفتوحة وأنا أصيح‪:‬‬ ‫“أعطيتك عمي‪ ..‬أعطيتك‪ ..‬والله أعطيتك!”‬ ‫فأحصل عىل الساندويش وأهرب إىل آخر‬ ‫الساحة‪ ،‬ألتهم خديعتي وأنا أرتجف خوفاً‪.‬‬ ‫عرشات الساندويشات حصلت عليها بهذه‬ ‫الطريقة‪ ،‬وكان لغز ضياع نقودي محرياً‬ ‫بالفعل‪ ،‬يل وأليب وللمعلمني‪.‬‬ ‫أكرث من أربعني سنة مرت عىل خداعي‬

‫وارتجافايت وساندويشايت املذهلة‪.‬‬ ‫كان شعوري بالذنب ينمو بهدوء كلام‬ ‫رأيت ابن هاشم‪ ،‬الذي كان عندي طالباً‬ ‫يف املدرسة التي كنت أعلم فيها الطالب‬ ‫َ‬ ‫صدق اإلحساس والتصالح مع النفس وعدم‬ ‫الخداع‪.‬‬ ‫قبل سنة واحدة فقط كنت أصافح صديقاً‬ ‫يل كان يعمل وكيل وزارة سابق‪ ،‬وكان‬ ‫صديقي وزميل مقعد واحد يف املدرسة‪:‬‬ ‫“كيفك أبو الزوز‪ .‬اسمع‪ ..‬بدي اعرتفلك‬ ‫بشغلة‪ ..‬مبارح كنت أنا ومريت نلعب‬ ‫لعبة االعرتافات‪ .‬فاعرتفت لها أين كنت‬ ‫أرسق مصاري الوالد يف املدرسة‪ .‬أوعَ تزعل‬ ‫هههههه”! ووضع ضاحكاً يف يدي العرش‬ ‫شواقل التي رسقها مني‪ ،‬ومىض وضحكته‬ ‫تأكل شارع السهل‪.‬‬ ‫ودون أن أفكر أرسعت إىل حيث يعمل‬ ‫طالبي املؤدب ابن هاشم‪ ،‬وضعت يف يده‬ ‫العرش شواكل‪ ،‬حاكياً له القصة بالتفصيل‪.‬‬ ‫خرجت من عند الطالب إىل (فالفل عبده)‬ ‫اشرتيت عرش ساندويشات‪ ،‬وأمام الناس‬ ‫أرسعت يف التهامها دون ارتجاف‪.‬‬ ‫يف الليل وصلتني رسالة من صديقي وطالبي‬ ‫ابن هاشم‪:‬‬ ‫“أستاذي الجميل‪ ،‬ألنك علمتني الصدق‬ ‫يف كل يشء والشجاعة يف مواجهة العامل‬ ‫بالحقيقة‪ ،‬سأروي لك الحكاية التي رسدها‬ ‫أيب يل وألشقايئ قبل موته‪ .‬أيب وزميله فؤاد‬ ‫كانا يعرفان من أعطاهام النقود ومن مل‬ ‫يعطهام من التالميذ‪ ،‬لكنهام كانا يدعيان‬ ‫عدم املعرفة تعاطفاً منهام مع التالميذ‬ ‫غري املقتدرين‪ ،‬وحني ألححنا أنا وأشقايئ‬ ‫عىل أيب لذكر أسامء التالميذ الذين كانوا‬ ‫يغشون‪ ،‬رفض أيب أن يفصح‪ ،‬لكنه قال يل‬ ‫جملة غريبة يا أستاذي أريدك أن تعينني‬ ‫يف تحليلها‪:‬‬ ‫“لقد أعطاك أحد هؤالء الغشاشني الصغار‬ ‫أضعاف ما أخذ مني””!‬

‫أدب‬

‫يضيف زياد أخرياً عن الكتابة بأنها أداته ومعربه‬ ‫وهدفه‪ ،‬من خاللها يقاوم ويعرف ويع ّلم طالبه أن ال‬ ‫ينسوا بالدهم التي رسقها املحتلون الغاشمون‪.‬‬ ‫“أكتب ألنني أخاف املرتفعات والتجار‪ ،‬وإهانات‬ ‫أمي يف النوم‪ ،‬والتحديق يف عيون الناس”‬ ‫الجنود‪ ،‬وتأخر ّ‬ ‫زياد خداش‪ ..‬فلسطني‪.‬‬

‫زياد خداش‬

‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫ زياد أنت غري منظم سياسياً‪ ،‬تحب العيش خارج‬‫األطر‪ ،‬يبدو هذا غريباً كونك فلسطيني؟‬ ‫نعم متاماً‪ ،‬إحدى األشياء التي أفخر بها ككاتب‪ ،‬هو‬ ‫أنني كنت مدركاً لخطر األيديولوجيا يف الكتابة‪.‬‬ ‫أنا أحب فلسطني جداً‪ ،‬وأنتمي إليها وأحلم بالعودة‬ ‫إىل بالدي املرسوقة‪ ،‬ولكنني ال أستطيع أن أكتب إال‬ ‫من خالل إحسايس الحر‪ ،‬وبوصلة إحسايس الوحيد هذا‬ ‫حنيني إىل العودة إىل بيتي األول‪.‬‬ ‫ املرأة يف حياة زياد؟‬‫املرأة يف حيايت ويف قصيص‪ ،‬قصتان حبيبتان إىل قلبي‪ .‬ال‬ ‫أستطيع أن أكتب عن الحياة دون أن أكتب عن املرأة‪.‬‬ ‫ال أستطيع أن أكتب عن األمل وعن السعادة دون أن‬ ‫يكون للمرأة دور كبري يف هاتني املسألتني‪.‬‬ ‫ال أمل وال سعادة دون أن يكون بجوار امرأة تبتسم أو‬ ‫تبيك‪.‬‬ ‫ الجوالن السوري املحتل‪ ،‬الجغرافية القريبة‪ ،‬العالقة‬‫بينكام؟‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أحب الجوالن كثريا‪ ،‬يل أصدقاء كرث هناك‪ .‬زرت الجوالن‬ ‫ّ‬ ‫مرات عديدة‪ ،‬يف كل مرة أعود فيها من الجوالن أشعر‬ ‫بأين تركت بيتي هناك‪.‬‬ ‫شعور غريب ينتابني كلام وصلت الجوالن‪ .‬أريد أن‬ ‫أصافح كل الجوالنني الذين ميرون عني‪ .‬الشخصية‬ ‫أحب أن أكتب‬ ‫الجوالنية شخصية كرمية ومحببة‪ّ .‬‬ ‫عن الناس هناك‪ ،‬الذين صمدوا‪ ،‬عن كربيائهم عن‬ ‫بطوالتهم‪.‬‬ ‫ زياد خداش خضت تجربة ثر ّية ومهمة يف التعليم‪،‬‬‫وانترشت لك فيديوهات مميزة مع األطفال‪ ،‬ما الفكرة‬ ‫من ذلك؟‬ ‫الذي دفعني لخوض هذه التجربة مع التالميذ‪ ،‬هو‬ ‫رغبتي بأن أتحرر أيضاً وأحرر‪ .‬أتحرر من هذا املكان‬ ‫الثقيل وأحرر طاليب من هذا املكان الثقيل‪ ،‬هي عملية‬ ‫تحرر مزودجة‪ .‬أنا أعترب أن املدرس يعيش أيضاً سجناً‬ ‫كبرياً يف املدرسة إىل جانب الطالب‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫رياض الصاحل احلسني‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متمردة‬ ‫متفردة‬ ‫جتربة شعرية‬

‫‪18‬‬ ‫ياسمين نهار‬

‫العدد‬

‫‪96‬‬ ‫‪2021 / 7 / 17‬‬ ‫ثقافة‬

‫يف عامل يكتنفه الغموض‪ ،‬وتضيق فيه فرص‬ ‫اإلفصاح؛ يصبح ّ‬ ‫الشعر فضا ًء رحباً وعاملاً بدي ًال‬ ‫لشاعر رفض القوالب ال ّثابتة يف الحياة ويف الفنّ ؛‬ ‫أل ّنه أدرك منذ بداياته ّأن الحر ّية رشط اإلبداع‬ ‫األ ّول‪.‬‬ ‫الصالح الحسني كتب شعر التّفعيلة‬ ‫رياض ّ‬ ‫وقصيدة النرث‪ّ ،‬إل أ ّنه ُيع ّد رائداً من ر ّواد‬ ‫قصيدة النّرث؛ أي ال وزن‪ ،‬وال قافية؛ فقد امتلك‬ ‫من مق ّومات ّ‬ ‫الشعر التقليد ّية ال ّلغة‪ ،‬ولغته‬ ‫ط ّيعة مرنة رفعها من الكالم العاديّ إىل مراتب‬ ‫ّ‬ ‫بالصور الجديدة‬ ‫الشعر ّية‪ ،‬واستعاض عن اإليقاع ّ‬ ‫املفاجئة والتّضاد والدّفقة ّ‬ ‫املوحدة‬ ‫الشعور ّية‬ ‫ّ‬ ‫لقصيدته‪.‬‬ ‫ّإن تط ّور ذائقة القارئ وا ّتساع آفاقه يف العقود‬ ‫األخرية ساعد عىل تق ّبل التجارب ّ‬ ‫الشعر ّية‬ ‫املختلفة املتح ّررة من النّمط ّية ّ‬ ‫الشعر ّية‪ ،‬التي‬ ‫هيمنت عىل ّ‬ ‫الشعر إبداعاً وتلق ّياً عقوداً طويلة‪،‬‬ ‫محارص ًة ّ‬ ‫كل محاولة للتّجديد‪ ،‬متجاهل ًة ما يطرأ‬ ‫متغيات‪.‬‬ ‫عىل الحياة والفنّ من ّ‬ ‫السبعين ّيات ولد يف‬ ‫رياض شاعر من شعراء جيل ّ‬ ‫مدينة درعا عام ‪ ،1954‬وهو ينحدر من مدينة‬ ‫مارع يف ريف حلب‪ ،‬تويف يف عام ‪ 1982‬بعد‬ ‫معاناة مع مرض القصور الكلوي‪.‬‬ ‫حادثتان كان لهام أث ٌر كب ٌري عىل حياته وشعره‪،‬‬ ‫السمع والقدرة ّ‬ ‫الطبيع ّية عل‬ ‫أ ّولهام‪ :‬فقدانه ّ‬ ‫النّطق أثناء عملية جراح ّية ُأجريت له وهو يف‬ ‫ال ّثالثة عرش من عمره‪ ،‬وثانيهام‪ :‬تجربة اعتقال‬ ‫مريرة بسبب إصدار ك ّراس أد ّيب مع مجموعة‬ ‫من األدباء ّ‬ ‫الش ّبان تع ّرض خاللها لتنكيل أكرث من‬ ‫أقرانه للتأ ّكد من حقيقة إعاقته‪.‬‬ ‫له أربع مجموعات شعر ّية هي حسب تتايل‬ ‫صدورها‪“ :‬خراب الدورة الدمو ّية”‪“ ،‬أساطري‬ ‫يوم ّية”‪“ ،‬بسيط كاملاء واضح كطلقة مسدس”‪،‬‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫(وعل يف‬ ‫“وعل يف الغابة”) وديوانه األخري‬ ‫الغابة) ُطبع بعد وفاته‪.‬‬

‫أبرز مم ّيزات شعر رياض الصالح الحسني‪:‬‬

‫‪ّ -1‬‬ ‫الطفولة املمتدة‪:‬‬ ‫ّإن قصائده ُتنبئ بشخص ّية شاب ش ّفاف له قلب‬ ‫وكأن ّ‬ ‫طفل‪ّ ،‬‬ ‫الطفولة النّابضة يف ثنايا شعره تخفي‬ ‫رغب ًة باستعادة الزّمن‪ ،‬وحنيناً إىل مرحلة ما قبل‬ ‫بالصمم‬ ‫ال ّثالثة عرش من عمره؛ قبل أن ُيصاب ّ‬ ‫وتعث النّطق‪ ،‬فكانت ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطفولة يف شعره عود ًة إىل‬ ‫النّقاء ورغب ًة يف إيجاد صلة بني روحه ّ‬ ‫الشاعرة‬ ‫وطفولة الخليقة‪ ،‬لع ّله يعيد للحياة صفاءها‬ ‫املشتهى‪.‬‬ ‫الحب هاجسه األ ّول يف ّ‬ ‫الشعر‬ ‫الحب‪ :‬يع ّد ّ‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫ويف الحياة؛‬ ‫الخاصة‪،‬‬ ‫إذ يصعب علينا أن نفصل شعره (بلغته ّ‬ ‫وعوامله املدهشة) عن حياته ّ‬ ‫وكأن شعره صورة‬ ‫مهم إلبداعه‪ ،‬وليس‬ ‫لحياته‪ ،‬وحياته مصد ٌر ٌّ‬ ‫ً‬ ‫الحب عنده حالة لل ّراحة بل حافزا للحياة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫والكتابة؛ به ميحو قباحة الحياة‪ ،‬وبه أيضا ينترص‬ ‫عىل إعاقته ومرضه‪ ،‬ويصري إنساناً كام ًال‪ ..‬ومن‬ ‫أجمل قصائده قصيدة بعنوان “يدك”‪:‬‬ ‫ات مغلقة‬ ‫“خمس قار ٍ‬

‫تنتظر أصابع يدك الخمسة‬ ‫خمس قارات مفتوحة تنتظرين‬ ‫أضم أصابع يدك الخمسة‬ ‫عندما ّ‬ ‫يدك يف ّ‬ ‫الشتاء‬ ‫اب مب ّلل باملطر‬ ‫تر ٌ‬ ‫الصيف‬ ‫ويدك يف ّ‬ ‫سنبلة يف حقلٍ من الرماد‬ ‫ال تفتحي يدك‪ ..‬ال تفتحي يدك‬ ‫ّ‬ ‫فكل أغاين العامل ستنطلق منها‬ ‫ال تغلقي يدك‪ ..‬ال تغلقي يدك‬ ‫ّ‬ ‫فكل أغاين العامل ستلتجئ إليها‬ ‫يدك الطر ّية الدافئة‬ ‫كقلبي‬ ‫كيف أتركها تضيع كطائ ٍر‬ ‫يف غابة مليئة بالص ّيادين”‬ ‫‪ - 3‬النزعة ال ّدرام ّية يف شعره‪:‬‬ ‫ّإن القصيدة الغنائ ّية مل تعد قادرة عىل استيعاب‬ ‫التط ّورات الجديدة ومشكالت اإلنسان وحاجاته‬ ‫املتزايدة؛ لذا لجأ ّ‬ ‫الشعراء املجدّدون‪ ،‬ومنهم‬ ‫السد واملونولوج‬ ‫شاعرنا‪ ،‬إىل استخدام تقن ّيات ّ‬ ‫والعنارص ال ّدرام ّية ّ‬ ‫مم جعل قصائدهم تتسم‬ ‫بالتن ّوع واالختالف‪ ،‬واملتتبع بنية قصائد رياض‬


‫‪19‬‬

‫العدد‬

‫الصالح الحسني “وعل يف الغابة”‬ ‫هذا هو رياض ّ‬ ‫املمتلئة ح ّد التّخمة بزفري القهر‪ ..‬رياض “بسيط‬ ‫كاملاء واضح كطلقة مسدس” لكنّه استرشف‬ ‫وتن ّبأ بـ “خراب الدورة الدموية” ألوطاننا‪،‬‬ ‫وملّا نزل نرى يف يومياتنا وأوجاعنا ما كتبه من‬ ‫“أساطري يومية”‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫السعيدة‬ ‫“يا سورية الجميلة ّ‬ ‫كمدفأة يف كانون‬ ‫يا سورية التعيسة‬ ‫كعظمة بني أسنان كلب‬ ‫يا سورية القاسية‬ ‫كمرشط يف يد ج ّراح‬ ‫نحن أبناؤك الط ّيبون‬ ‫الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك‬ ‫أبداً سنقودك إىل الينابيع‬ ‫أبداً سنج ّفف دمك بأصابعنا الخرضاء‬ ‫ودموعك بشفاهنا اليابسة‬ ‫أبداً سنشقّ أمامك الدروب‬ ‫ ‬ ‫ولن نرتكك تضيعني يا سورية‬ ‫كأغنية يف صحراء”‬

‫‪2021 / 7 / 17‬‬

‫‪َ - 4‬ن ْق ُل تفاصيل الواقع‪:‬‬ ‫امتاز رياض بالقدرة عىل القبض عىل التّفاصيل‬ ‫الصغرية وتحويلها إىل شعر؛ حيث أخرج‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الصغرية من الهامش امله َمل‬ ‫اليوم ّيات والجزئ ّيات ّ‬ ‫ّ‬ ‫إىل دائرة ّ‬ ‫الضوء والحياة؛ ألنه اختار أن ينزل إىل‬ ‫الواقع البائس ويعكس يومياته‪ ،‬ساعد ْته عىل‬ ‫ذلك موهبته وعفو ّيته ود ّقة مالحظته‪ ،‬وال‬ ‫يعني ما سبق من كالم ّأن شعره ك ّله اقترص عىل‬ ‫التّعبري عن اآلخر واألشياء الهامش ّية‪ ،‬فقد كان‬ ‫لذاته ا ُملح ّبة واملغامرة والقلقة نصيب وافر من‬ ‫الشعر ّية‪ .‬وهذا إنجاز ُيحتسب ّ‬ ‫تجربته ّ‬ ‫للشعراء‬ ‫املجدّدين‪.‬‬ ‫‪ - 5‬نربة الحزن والقدرة عىل الجمع بني‬ ‫املتناقضات‪:‬‬ ‫الحزن ُبعدٌ من أبعاد الذات التي تعيش يف عامل‬ ‫يحكمه االضطهاد والفقر‪ ،‬فكيف إذا كان لشاعرنا‬ ‫الخاصة‬ ‫باإلضافة إىل املعاناة العا ّمة معاناته‬ ‫ّ‬ ‫والصمم ّ‬ ‫وتعث النّطق؟ لذا صدق‬ ‫بسبب املرض ّ‬ ‫الشاعر اإلمارايت حبيب الصائغ‪ “ :‬يف كلّ‬ ‫فيه قول ّ‬ ‫شاعر كائن مسكون بكآبة الدّنيا وتعب الكون”‪.‬‬ ‫وليس هذا فحسب فقد برع رياض يف املقابلة‬ ‫بني القيم املتناقضة (الفرح‪ /‬الحزن)‪( ،‬املوت‪/‬‬ ‫الحياة)‪( ،‬األبيض‪ /‬األسود)‪( ،‬الكآبة‪ /‬الضحك)‪.‬‬ ‫وهذا التّضاد أخرج القصيدة من املعنى األحادي‬ ‫إىل معانٍ متداخلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وختاماً أقول‪ :‬لنئ تأثر رياض مبح ّمد املاغوط‬ ‫الشعراء‪ّ ،‬‬ ‫ونزيه أبو عفش وغريهام من ّ‬ ‫واطلع‬

‫ثقافة‬

‫يرى ّأن عدداً كبرياً منها يعتمد عىل القصيدة‬ ‫املشهد؛ حيث تبدأ القصيدة مبشهد أ ّو ّيل ال‬ ‫يلبث أن يتّسع إىل مشاهد‪ ،‬أو تكون القصيدة‬ ‫مجموعة من املشاهد املختلفة كام يف قصيدة‬ ‫قسمها إىل تسعة‬ ‫“خراب الدورة الدمو ّية” حيث ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مقاطع‪ّ ،‬‬ ‫كل مقطع مي ّثل مشهداً مستقل‪ ،‬وجعل‬ ‫خيطاً رفيعاً يربط املشاهد املنفصلة‪ ،‬لتش ّكل يف‬ ‫النهاية لوحة مكتملة‪ ،‬ولعل قصيدة “أغنية رجل‬ ‫متعب عائد إىل البيت” من القصائد التي ّ‬ ‫تدل‬ ‫عىل التوافق بني تقنية املونولوج الداخيل التي‬ ‫ّ‬ ‫وظفها الشاعر يف قصيدته والفكرة التي أراد‬ ‫إيصالها‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫“هذه الدنيا املوشكة عىل البكاء‬ ‫برتقالة أم حجر‬ ‫سمكة أم متساح؟‬ ‫وهذا القمر‬ ‫ّ‬ ‫الذي ّ‬ ‫يطل كل مساء‬ ‫بثيابه ال ّر ّثة‬ ‫ما ّداً يديه إىل سكارى منتصف الليل‬ ‫كشحاذ عتيق‬ ‫ّ‬ ‫هل أسأله من أنت‬ ‫أم أغرز أسناين يف رأسه؟‬ ‫رأسه الذي كحبة جوز فارغة‬ ‫تتط ّوح يف هواء منتصف الليل‪.‬‬ ‫أنظر إىل القمر كرومانتييك عريق‬ ‫وخنرصي أمام أنفه‬ ‫سأخاصمك يا قمر‬ ‫أ ّيها األصفر الكبري‬ ‫لن أرشب معك القهوة‬ ‫ولن أركض معك يف الرب ّية‬ ‫لن أنتحب أمامك كعاشق‬ ‫ولن أحجب وجهك كغيمة‬

‫وكجندي مهزوم عائد من حرب عادلة‬ ‫سأنظر دامئاً إىل األسفل‬ ‫راك ًال الحىص واملتاعب ببوز حذايئ‬ ‫وأنا أف ّكر باملجهول”‬

‫تيس له من ّ‬ ‫العاملي املرتجم‪،‬‬ ‫الشعر‬ ‫عىل ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاص املتف ّرد‬ ‫أرص عىل أن يكون له صوته‬ ‫ّ‬ ‫فقد ّ‬ ‫واملتم ّرد‪.‬‬ ‫مثانية وعرشون عاماً هو عمر تجربة شاعر مع‬ ‫والشعر! أمضاها الهثاً متحفزاً مواظباً‬ ‫الحياة ّ‬ ‫شخيص‪ ،‬فوصل إىل ما صبا‬ ‫عىل صناعة تاريخ‬ ‫ّ‬ ‫إليه‪ّ ،‬‬ ‫وظل حلمه بوطن يقوده أبناؤه الط ّيبون‬ ‫إىل ينابيع الحر ّية مع ّلقاً ينتظر التح ّقق‪ ،‬ومازال‬ ‫صدى شعره الهامس يرتدّد يف أسامعنا حني‬ ‫خاطب “سورية”‪:‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.