حرية ،كرامة ،مواطنة
العدد
أضحى مبارك 96 2021 / 7 / 17
مجلة شهرية ،سياسية ،ثقافية ،مستقلة
ماذا بقي لنا من العيد؟
2
افتتاحية بقلم ليلى الصفدي
العدد
96 2021 / 7 / 17
هل تساءلنا يوماً ملاذا نحن شعب يكره الفرح ويخافه؟! ،أمل نسمع مراراً كلامت مثل “الله يجرينا.. انبسطنا اليوم” ،وكأن الله سبحانه وتعاىل يكره أن يرانا سعداء! ملاذا هذا الربط السلبي بني الفرح واإلميان؟ من قال إن املؤمن غري سعيد؟ أوليس الرضا عن النفس والقناعة جزء من السعادة؟ ليست هذه دعوة للفرح املصطنع ،بل دعوة لنتفهم األسباب التي تجعل أيامنا ال تتناسب مع مفهوم العيد ..أعيادنا القليلة أص ًال. هل ألننا قوم مهزومون ،واألعياد هي تتويج لنضاالت الشعوب بنرص ال مجال لنسيانه؟ ..هل ألننا قوم نعيش بواد وديننا ومعتقداتنا بواد آخر؟ والعيد هو ذكرى دينية وإنسانية عزيزة عىل القلوب ..وهو احتفاء بذكرى تاريخية كربى أو مبيالد أنبياء التاريخ ..أو ألننا قوم ال ننجب العظامء؟ والعيد شهادة تقدير ووفاء لعظامء كان لهم بصمتهم يف التاريخ.. أو ألننا نفتقد االنتامء لوطن تغتصبه طغمة أعيادها املجيدة ال تعنينا.. أو ألننا قوم إذا ملكنا االنتامء لألوطان ،مل متتلك األوطان انتصارات تستحق االحتفاء.. وهل قيم الحب واملساواة والعمل هي قيم معاشة يف حياتنا؟ لنخصها بأعياد؛ فالحب مرتبط لدينا
بالعيب ،والعدل واملساواة يقترصان عىل الخالق، والعمل ليس إال لكسب العيش وال يحمل قيمة بحد ذاته. الشعوب هي التي تصنع أعيادها ،واألعياد مرتبطة بتاريخ من االنتصارات واإلنجازات والقفزات، والتي بالتأكيد نفتقدها نحن يف املنطقة العربية، فمنذ عهد الرسول الكريم مل نحقق أشياء تذكر. حتى انتصاراتنا الوطنية يف عهد االستعامر ُت ِّوجت بأنظمة استبدادية ،بل أنظمة مجازر ،وتبعية مستمرة ومتزايدة. حرياتنا العامة ما زالت مقيدة ،اجتامعياً مل نحقق سوى التفكك ،ثقافياً مل نحقق سوى التأخر ،علمياً مل نحقق سوى أعداداً من الخريجني وهجرة لألدمغة. قضايا املرأة األساسية وحقوق الطفل ما زالت تراوح مكانها ،وعىل مستوى الحياة الكرمية والرفاه، ّ والذل عىل فحدث وال حرج عن دولة الطوابري أبواب املخابز. تاريخنا تاريخ الهزائم ..فمن أين يأيت الفرح؟ ومن أين ّ يحل العيد؟؟ يف ظل الظروف الحالية وما تعانيه البلد من احتالل وانقسام وتفكك وظروف معاشية سيئة ..نتساءل ماذا بقي للسوريني من األعياد ،فكيف سيحتفل السوري بعيد جالء املستعمر الفرنيس عن أرضه بوجود أربعة محتلني جدد ونظام خائن؟! www.freedomraise.net
افتتاحية
املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد
شهرية ثقافية ،اجتامعية ،سياسية، تعنى بالشأن السوري املدير اإلداري معتصم أبو الشامات
الغالف سمري خلييل
وكيف ستحتفل املرأة بيوم خاص بها ،وباألمس القريب ُقتلت فتاة قارص من قبل أهلها وعشريتها ألنها خرجت من تحت عباءتهم الظالمية. وماذا سنقدم للطفل يف يومه الخاص ونحن ال نستطيع توفري الحامية واألمن وأبسط حقوقه يف التعليم واللعب والعيش الكريم؟ وكيف سنحتفل بعيد األضحى ونحن ال زلنا نضحي بالبرش واألبناء واألخوة عىل مذبح السلطة! العيد هو اإلنجاز ،واإلميان بالذات الفردية والجامعية ،وبقيم إنسانية واجتامعية ودينية وسياسية ،فأين هي إنجازاتنا وقيمنا التي تستحق العيد؟ لقد أثبتت تجربتنا املريرة أن أكرث ما نحتاجه هو ثقافة جديدة تناسب العرص ،معرفة من نوع جديد، ومبادرات مبتكرة نحو العام ،ونحو ربط الخاص بالعام ،احرتام اآلخر واحرتام الحريات وحقوق اإلنسان ،احرتام التاريخ ،وانفتاح عىل الحضارات والثقافات األخرى ،كشف الذات وإخراج املكبوت، وعدم املساومة يف نبذ القمع واالنتهاكات والتدخل يف شؤون اآلخرين .باختصار إىل ثقافة جديدة تستلهم التاريخ وتنفتح عىل املستقبل. وبالرغم من كل الواقع املأساوي علينا أن نصدق أن تغيري الواقع يبدأ من الرأس ..من العقل الذي يصنع تاريخاً ويصنع أعياداً. تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت facebook.com/rising4freedom
نصار رئيس التحرير أسامة ّ
twitter.com/freedomraise
نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي
freedomraise@gmail.com
كاريكاتري سمري خلييل /هاين ع ّباس
أمن رقمي ومحاسبة وائل موىس
زمالء مختطفون يف سوريا رزان زيتونة -ناظم حامدي
ُ ّ يف انتظار املثقف املستنري
3
مرزوق الحلبي -فلسطين المحتلّة
العدد
96 البقية في الصفحة ........11
2021 / 7 / 17
الفلسطيني مع شعوب مامثلة ،واتسعت الرهانات أقلما ُيقالفيهاإنهاأسهمتإسهاماً عىلأنظمةومراكز ّ جد ّياً يف تدمري قضية فلسطني وشطبها ..نظام دمشق ونظام إيران ً مثل .مل مينع هذا من أوساط فلسطينية اإلبقاء عىل رهانها مع ّلقاً عىل هذه األنظمة بالذات. وهذا يف رأينا نتيجة مبارشة لعقدة القوة؛ فاملقهورون أو املظلومون حتى النُخاع كالفلسطينيني يع ّلقون األمل عىل “مراكز قوة” يف الجوار أو يف الخيال والوهم، طمعاً يف نرص أو فرج ُيعيد الحقّ ألهله .عُ قدة ليست حرصاً عىل الفلسطينيني؛ فقد وقع يف حفرتها سوريون كثريون يف محنتهم ،وهي عُ قدة “ ُتعفي” املنكوب بها من املبادرة واالعتامد عىل النفس وإنتاج االقتدار الذايت ملواجهةرشطالقهرمنخاللمنظومةأخالقيةشمولية، سيايس قابل للحياة ال للموت. إضافة إىل مرشوع ّ عىل مستوى آخر من هذه القضية ،تكمن للمث ّقف وللمعارض إغراءات اإليديولوجيا أو العقيدة (الدينية أيضاً) .فقد رأينا أجياالً من املث ّقفني العرب وبضمنهم الفلسطينيني يسريون معصويب األعني وراء العقائد حتى ضاعوا يف املتاهات وأضاعوا كل مسالك النجاة. تغي لهم من فرضيات هؤالء مل يدعوا الوقائع ّ العقائد وأحكامها .ومن هؤالء شيوعيون ويساريون يف طول اإلقليم العريب وعرضه ،مبا فيه حيفا وسائر الجليل .فقد ذهب كثريون منهم يف مسار الدوغام وفسوا ّ كل يشء تفسرياً غيب ًّيا كأي عقيدة دينية ّ
مقاالت
عندما قتلت قوات األمن الفلسطينية -التابعة للسلطة الوطنية يف رام الله -يف الثالث والعرشين من حزيران املايض الناشط املعارض ،نزار بنات (من مدينة الخليل) ،عادت إىل الواجهة تلك السجاالت بشأن العالقة بني نكبة الفلسطينيني ومحنة السوريني. فقد كان بنات معارضاً للسلطة يف رام الله ،ل ّكنه كان منارصاً لنظام املجازر يف دمشق ،ولع ّرابه نظام املاليل اإليراين .ليس هذا فحسب ،بل كثرياً ما كان يتش ّفى ويسخر ويكايد عرب “إطالالته” يف أرشطة الفيديو، الشعب السوريّ ومؤيديه من العرب والفلسطينيني، التوحش! ويدعو نظام املجازر إىل مزيد من ّ وأنا الذي ال أتبع “شيخاً” أو “طريقة” أو “عقيدة” مغلقة ،رأيت من واجبي نقد جرمية قتله ،واملطالبة مبحاسبة املن ّفذين واملسؤولني عنهم ،من أصغرهم إىل أكربهم ،مع اإلشارة إىل أن الضحية كان من منارصي نظام املجازر .وكان لألمر أن ينتهي هنا لوال أن كثريين من املتناقشني طالبونا ّ بأل نذكر له تأييده لنظام املجازر ،ونكتفي بالوقوف معه كضحية سلطة غاشمة ،أو تعمل لحساب االحتالل ،كام قالوا. قسم من هؤالء كان بنفسه من مؤ ّيدي نظام املجازر لتوحشه الذي فاق مليون مليون م ّرة ما ومتق ّب ًال ّ تقوم به السلطة “الوطنية” الفلسطينية .فأدركنا مدى التباس األمور عىل بعضنا ،ومنهم َمن يدّعي فعدنا الثقافة أو إشغال خانة املث ّقف الفلسطينيُ . إىل التأ ّمل يف حالتنا لتفكيكها إىل عواملها األوىل ،يك ال يستم ّر هذا السجال العقيم وهذا االنتقاص من وزجهام يف شبكة من مكانة املث ّقف أو املعارض ّ ازدواج ّية املعايري ومتاهات العقيدة واإليديولوجيا. هناك اعتقاد ساذج لدى أوساط واسعة من مث ّقفينا الفلسطينيني ال س ّيام يف الداخل الفلسطيني (الساحل وسائر الجليل) أنه مبج ّرد أن تكون معارضاً لالحتالل ومناهضاً لسياسات إرسائيل الكولونيالية يف فلسطني فإ ّنك مح ّرر من تبعات ّ كل سؤال آخر يف إطار “مناهضة” القهر والظلم ،أو يف إطار التضامن
والتعاطف مع مقهورين ومظلومني آخرين .وقد ّ متسك شخصنا يف بداية الحرب عىل الشعب السوريّ ّ بعض الفلسطينيني بخانة الضحية بامتياز ،ورفضهم شعبآخركالشعبالسوريّ ضح ّية االعرتافبأنيكون ٌ لنظامه ولقوى أجنب ّية ّ تحتل وطنه .وأدركنا يف وقت مب ّكر أيضاً أن قس ًام من الفلسطينيني -مثقفني وغري مثقفني -ال يزال يعيش وعياً زائفاً بخصوص النظام يف دمشق ،وع ّرابه النظام يف طهران .وعي و ّرطهم مبواقف بائسة ،كأن ال ُيدركوا مث ًال دالالت تدمري مخ ّيم الريموك فوق رؤوس مليون من أهله الفلسطينيني وامله ّمشني! لقد كشفت جرمية قتل بنات هشاشة مفهوم “املعارض” و”املث ّقف” معاً؛ فاملعارض وفق بنات هو معارض للسلطة يف رام الله ،لكنّه متحالف أوتوماتيكياً مع ّ كل معارضيها ،مبا فيهم فصائل أصولية كحامس والجهاد واملوالني إليران يف غزة وسواهاً . علم بأن هذه القوى -ال س ّيام حامس -مارست أبشع قمع يف غزة؛ حيث استطاعت أن تفرض هيمنتها وتقمع وتقتل! وكشفت أيضاً هشاشة “املعارضة” و”الثقافة” ألنها جهو ّية تعمل باتجاه سلطة تناهضها ،وليس عىل أساس قيمة أو فكرة تؤ ّيدها؛ ف”-املعارض” بنات الذي رفض بحقّ كلأشكالالقمعالداخيللسلطةرامالله،والهوان الخارجي أمام االحتالل ،مل تؤ ِذه حقيقة قمع سلطة ّ توحش النظام يف دمشق حامس للناس يف غزة وال ّ وال جرائم التطهري العرقي ملناطق واسعة من سوريا. لقد رأينا -يف بنات وغريه -منوذجاً لقصور مفهوم “املعارض”و”املث ّقف”يفالثقافةالسياس ّيةالفلسطينية تأسست عىل مدار عقود عىل محور واحد هو: التي ّ مناهضةإرسائيل،وتوكيداملرشوعالوطنيالفلسطيني. صحيح أن األمر ال ينسحب عىل كل املعارضني واملث ّقفني الفلسطينيني ،ال اليوم وال يف املايض ،لكننا رأينا هذه النزعة بوضوح يف كل مراحل املرشوع الفلسطيني. وهي نزعة أضعفت هذا املرشوع وشدّته إىل الخلف. ك ّلام ابتعدنا عن حقبة “حركات التح ّرر” و”حقّ الشعوب يف تقرير مصريها” ضعف التضامن
4
عيد األضحى ..االحتفاء بتطور البشرية سميح الصفدي
العدد
96 2021 / 7 / 17 مقاالت
مثة تسليم ضمني عند كثري من النشطاء والناشطات والشبان والشابات غري املتدينني يف املجتمع السوري بأن عيد األضحى املبارك ال يرقى إىل مستوى “األعياد الراقية”؛ ال بد أن الكثريين يشعرون بدونية هذا العيد مقابل عيد “بابا نويل” أو “عيد الحب” أو غريه من األعياد. إن محاوالت التنصل من هذا العيد هي حالة مركبة وتتدعم بعدة نقاط: - 1الطابع الديني لهذا العيد ،مع ما نعلم من تنافر متفاوت وال عقالين بني فئة من جيل الشاب ،الهارب من الحرب والظالمية ،والدين عموماً. - 2حالة الشعور الواعي أو الالواعي بالدونية تجاه الغرب وامتداده املسيحي يف منطقتنا عند الكثري من أفراد الطوائف اإلسالمية ،والتي لها مربراتها التاريخية والحضارية املعروفة. - 3امليل لقيم الرفق بالحيوان واالتجاهات النباتية التي تلقى رواجاً هذه األيام ،والتي تنظر بامتعاض شديد إىل أضاحي العيد وتعتربها ،مظهراً ال إنسانياً وظاملاً. - 4التلبك والتخبط يف تفسري معاين العيد سوا ًء عند املتدينني أو العلامنيني. وال بد أننا قادرون عىل تلمس الشعور املبطن بالزهو ونظرة التجاوز لدى املرتفعني عن االحتفال بهذا العيد ،باعتبارهم قد تجاوزوا حالة “متخلفة” “ال إنسانية” و”همجية”. قد تغرينا بشاعة الذبح الفعلية واملتخيلة ألضاحي العيد باملوافقة عىل هذا الطرح اإلنساين ،وقد تدفعنا للرتفع عن هذا العيد وعن مبدأ األضاحي، وقد تقودنا الحالة إىل تخيل امتدادات هذا “الذبح” يف واقعنا الحايل والتناحر الذي عاشه السوريون عىل جلدهم ،والذي شهده العامل عىل الشاشات بني املسلمني أنفسهم ،ولكننا وبتسليمنا السهل لهذا اإلغراء نكون قد فقدنا البوصلة ..وقلبنا املفاهيم.. وأغفلنا العقل ..العقل التاريخي عىل األخص.
مثة تاريخ طويل للبرشية املتحرضة ،وبعمق هذا التاريخ يقبع البرشي املفرتس ..جدنا القنّاص ،مل يكن هذا البرشي األول يعرف الصناعة وال الزراعة ،بل كان يعرف القنص والقتل كمصادر وحيدة للطعام.. والبقاء ..ولنسمها “مصادر الطاقة”. ومصادر الطاقة هذه كانت قليلة ومحدودة ،ومل تكن تسمح سوى لعدد قليل من البرش بالعيش عىل الكرة األرضية .البحوث العلمية ترجح أن العدد الفعيل لسكان الكرة األرضية عشية الثورة الزراعية (بني األلف العارش والسابع قبل امليالد) كان يرتاوح بني خمسة وعرشة ماليني من النفوس .وهؤالء املاليني كانوا عبارة عن جامعات وقطعان برشية يف رصاع دائم ومستمر من أجل البقاء ،ويف خضم هذا الرصاع كان أكل لحوم البرش مامرسة عادية وسارية، وكان املنترص يأكل العدو ويرشب دمه يف جمجمته املفرغة ليكتسب فضائله! كانت تلك القطعان تخوض الحروب والنزاعات عىل مناطق النفوذ للقطف والصيد ،وكان الشكل الوحيد املمكن الستغالل أرسى الحروب هو التهامها ..أكل لحمها! ومل يكن يندر ساعة العوز أن يأكل األخ أخاه واألب أبنه. ً وجاءت الثورة الزراعية أخريا ..ال بد أن عوامل عديدة ثقافية واجتامعية قد م ّهدت لها ،وانتقل البرش من الصيد والقطف إىل الزراعة وتربية الحيوان ..إىل الرعي واملكاثرة. من هنا يجب أن نعيد فهم قصة سيدنا إبراهيم عليه السالم ،إنها كام يقول املفكر إلياس مرقص: “رمز ديني كبري”؛ فهي تعلن انتهاء عهد األضاحي البرشية ..وانتهاء التهام اإلنسان ألخيه اإلنسان. لقد استبدل مالك املعرفة التضحية بابن إبراهيم.. بالتضحية بكبش ..إنها الثورة الزراعية وتربية املوايش ،وانطالق عهد جديد من تاريخ البرشية: عهد الزراعة ..وعهد العبودية بنفس الوقت! منذ تلك اللحظة أصبح ممكناً استغالل اآلخر..
العدو ..األسري ..بشكل آخر غري التهامه ،وذلك عرب استغالل “قوة عمله”. العبودية سيئة؟! نعم ..لكنها قفزة كربى يف تاريخ البرشية ،منذ تلك اللحظة أصبح فائض القيمة ممكناً ،والرتاكم االقتصادي ممكناً ،وقفز عدد البرش إىل ستني مليوناً ،ومع بسط وتعمق الثورة الزراعية وصل هذا العدد عام 1750م قبيل الثورة الصناعية إىل 750مليون نسمة ،لتحصل القفزة الكربى بعد الثورة الصناعية ،والتي وفرت كميات غري متصورة من الطاقة فيام بعد ،ليقفز تعداد البرش إىل العدد الحايل. إنه إذاً مفهوم التقدم؛ فالتقدم كام يقول “مرقص” أيضاً“ :هو منو ،والنمو مفهوم ريايض بسيط أوالً، التقدم = منو اإلنتاجية ،مردود الشغل البرشي، (نسبة كمية الناتج عىل كمية الشغل) ،ومنو اإلنتاج هذا قبل أي يشء آخر ،وهو أخرياً وبعد إغفالنا لجميع التوسطات والجوانب واملسارات “منو” حجم السكان ،أي تعداد البرش ،وهذا هو الخط العريض للواقع كتاريخ”. هل بإمكان إنسان اليوم االستغناء عن املصدر الحيواين للطاقة؟ وبالتايل الكف عن قتل الحيوانات والتهامها ..مع املحافظة عىل تعداد السكان عىل األرض؟ الجواب ليس بسيطاً ويحتاج إىل دراسات معمقة .لكن سوا ًء كان الجواب بالنفي أو باإليجاب فإن القيمة التاريخية لهذا اإلنجاز البرشي الكبري “الثورة الزراعية” تبقى قيمة كربى ،ومن هنا فإن احتفاءنا بعيد األضحى املبارك هو احتفاء مبنجز تاريخي كبري ،وبغض النظر عن التفسريات الدينية األخرى ،هو احتفاء بالكف عن قتل اإلنسان ألخيه اإلنسان ..احتفاء وأمل ،ينبئنا واقعنا املؤسف كل يوم ،أننا ال زلنا تاريخياً وحضارياً نقبع خلفه! عيد أضحى مبارك كل عام وأنتم بخري
5
العدد
96
2021 / 7 / 17
كاريكاتري
6
فتاة احلسكة ..تعيد فتح ملف اجلرائم املرتكبة حبق النساء يف سوريا حسين الخطيب
العدد
96 2021 / 7 / 17 تقارير
تنترش يف مختلف أنحاء سوريا قضايا القتل بتهم متعددة يتعرض لها مدنيون منهم نساء ورجال، وأحياناً أطفال ،يف ظل غياب القوانني وتغايض املحاكم والجهات األمنية ،التي تعاقب مرتكبي هذه الجرائم ،التي ولدت جراء انتشار السالح يف يد كل من يرغب بامتالكه ،دون وجود أي رادع لذلك! ومن أبرز الجرائم تلك التي تتم بحق النساء بتهمة “الرشف” ،والتي تجري بني حني وآخر يف مناطق متفرقة من البالد ،يف وقت تكرث فيه املحاكم والقضاة وتغيب العدالة ،إال أن الجرمية األخرية املروعة التي جرت بحق فتاة يف مدينة الحسكة كانت األكرث تأثرياً عىل الصعيد املحيل والعاملي ،بسبب املشاهد التي صورها املجرمون أثناء ارتكابهم الجرمية بحق الفتاة التي مل يتجاوز عمرها السن القانوين ،بتهمة “الرشف”. تظهر مشاهد مقتل الفتاة اجتامع العديد من الشبان حول الفتاة التي تم استدراجها إىل منزل مهجور يف ريف مدينة املالكية يف محافظة الحسكة ،وهم يتناوبون عىل إطالق الرصاص عىل جسدها ،بحجة “غسيل الرشف والعار” ،كام يصفها هؤالء. ويظهر الفيديو الفتاة وهي تلفظ أنفاسها األخرية، بعد رميها بعدة طلقات متفرقة يف جميع أنحاء جسدها ،وهي تتوسل إخوتها وابن عمها الذين يقومون بقتلها وتعذيبها بوحشية مفرطة. وبحسب “مركز توثيق االنتهاكات يف شامل سوريا” فإن اسم الفتاة البالغة من العمر 16عاماً (عيدا الحمودي السعيدو) وتقيم مع عائلتها يف حي الزهور (حوش الباعر) يف مدينة الحسكة
شامل رشقي سوريا ،وهي من عشرية (الرشابني)، تم قتلها عىل يد أفراد عائلتها بذريعة “الرشف”. ويف مالبسات القصة فإن الفتاة رفضت الزواج من ابن عمها الذي اختارته أرستها زوجاً لها ،ويدعى (أحمد السعيدو) ،باعتبار العادات تفرتض أن ابنة العم البن عمها! إال أن محاوالت أرستها بإقناعها يف الزواج من ابن عمها بائت بالفشل ،مام دعا األرسة إىل رضبها ومنعها الخروج من املنزل. وبعد مراقبتها لعدة أيام اكتشفت األرسة أن الفتاة ترغب بالزواج من شاب آخر يحبها ،وتقدم لخطبتها إال أن أرستها رفضت طلب الشاب، وسجنت الفتاة يف غرفتها مع تعذيبها وقطع الطعام والرشاب عنها قبل الرشوع بقتلها. وعىل إثر ذلك زعمت األرسة أنها وجدت الفتاة بريف الحسكة ،أثناء هربها مع الشاب ووالدته التي اتفقت معها للخروج وابنها إىل خارج البالد نحو كردستان العراق ،وتلك ذريعة األرسة. راوية املحمد من مدينة الحسكة تقول خالل حديثها ملجلة “طلعنا عىل الحرية” إن “السلطات املحلية املتمثلة باإلدارة الذاتية مل تحرك أي ساكن تجاه الجرمية ،إال أنه هناك ردود فعل خجولة حول املوضوع ،ولكن نتيجة انتشار القضية يف داخل سوريا وخارجها أجربت بعض مؤسسات حامية املرأة عىل التنديد بالقضية ،عل ًام أن هذه القضايا تجري كثرياً يف املنطقة”. وأضافت أن “السالح منترش يف الحسكة بشكل كبري بسبب تردي الوضع األمني ،و”قسد” هي املسؤولة عن انتشاره ،كام ظهر يف الرشيط املصور مشاركة أحد عنارص حزب االتحاد الدميقراطي يف الجرمية”.
وأوضحت“ :أن طريقة القتل التي جرت بحق فتاة الحسكة هي املتعارف عليه يف املنطقة؛ أن كل فتاة تهرب من منزلها ،متزوجة أو عزباء، مصريها القتل ،وطبعاً هي من العادات السلبية يف املجتمع ،لكن االنفالت األمني زاد من ارتفاع عدد الجرائم”. وقابلنا يف الجهة املقابلة “صالح” وهو اسم مستعار لشاب يقيم يف حي الزهور مبدينة الحسكة ورفض الكشف عن اسمه ،وقال ملجلة “طلعنا عىل الحرية”“ :يعني كل فتاة هربت وخطفت من منزلها ووضعت رأس عائلتها يف األرض يجب علينا تشجيعها؟ ليك يقال عنا “مجتمع متحرض ودميقراطي”! إن هذه القضايا تجري يف معظم بلدان الوطن العريب ..عوضاً عن التعاطف يجب علينا عالج املوضوع وتربية أبنائنا تربية سليمة واعية”. ويضيف“ :ما يجري سببه “قسد” التي تسيطر عىل املنطقة ،واألفكار التي تنرشها يف املجتمع، حتى وصل الحال بنا إىل رؤية خطف وهروب الفتاة من املنزل عادي جداً ،يف وقت تذهب مئات الفتيات إىل معسكرات “قسد” للخدمة العسكرية يف صفوفها”. من جهتها “أحالم حسن” العاملة يف “مركز آسو للدراسات واالستشارات القانونية” ،تقول“ :إن ترصف عائلة الفتاة مجرد من األخالق اإلنسانية ومناف للمواثيق الدولية ،وليس من حق إنسان ٍ سلب حياة إنسان مهام تعاظمت األسباب ،ويجب أن يحاسب مرتكبو الجرمية”. من جانبه “نايف محمد” يقول ملجلة “طلعنا عىل الحرية” :السلطات املحلية يف املنطقة والعائلة
7
العدد
96 2021 / 7 / 17 كاركاتري
هم املسؤولون عن قتل الفتاة ،وفعلياً ليس هناك مساحة آمنة تلجأ لها الفتاة يف منطقتنا ،عل ًام أن العديد من الجرائم التي ترتكب غري معلنة وضحيتها فتيات”. وأضاف“ :جرت عملية قتل الفتاة من منطلق أن رشف الفتاة يرتبط برشف العائلة كلها والحفاظ عليه يعني املحافظة عىل رشف العائلة”. وتنص املادة 17من قانون املرأة الذي أقرته اإلدارة الذاتية الكردية يف مناطق شامل رشق سوريا عىل “تجريم القتل بذريعة الرشف واعتباره جـرميـة مكتملة األركان” ،وعىل الرغم من وجود القوانني لحامية املرأة وحامية اإلنسان التي أقرتها اإلدارة الذاتية يف مناطقها ،إال أن تطبيقها فعلياً غري موجود يف ظل استمرار الجرائم املرتكبة بحق املدنيني نساء ورجاالً وأطفاالً. وخالل شهر حزيران /يونيو املايض لقيت فتاة مرصعها ووالدتها يف مخيم بريف إدلب ،عىل يد ابن عمها بعد انتشار صورة لها عىل وسائل التواصل االجتامعي ،ومنذ مطلع شهر متوز /يوليو حتى اآلن جرى العديد من الجرائم؛ حيث قتل رجل من مدينة حلب زوجته يف مدينة عفرين بأداة “الكريك” وأشعل النار بقدميه ،كام قتلت فتاة أخرى يف مخيم شامرين يف ريف مدينة اعزاز ،وكذلك أيضاً يف مدينة الحسكة أقدم شاب عىل طعن ابنة عمه بأداة حادة يف املربع األمني داخل املدينة.
96
8
الفقر والغالء يعيدان أساليب العيش القدمية يف إدلب شمس الدين مطعون
العدد 96
2021 / 7 / 17 تقارير
يف إدلب يعود الزمن إىل الوراء ،حيث تسمع أصوات بوابري الكاز يف األزقة والحارات ،كام يف مسلسل باب الحارة وليايل الصالحية ،و يلجأ األهايل الستخدام البوابري كأحد البدائل املتوفرة يف ظل موجات الفقر والغالء التي تعاين منها املنطقة. “نحكم إغالق ثقوب البابور ،ونرضب ثالثة رضبات حتى ميتأل الرأس باملازوت بعدها نفتح عزقة البابور قلي ًال ونشعله ،ونشدها مرة أخرى” بهذه الخطوات كانت السيدة أم هيام تعلم ابنتها قواعد تشغيل البابور. تقول أم هيام “قمت بإنزال البابور من سدة املطبخ ،وأنا استخدمه منذ أشهر عدة ،موضح ًة أن “ارتفاع أسعار الغاز ال متكننا من اقتناء جرة دامئاً ،فنرتكها لألمور الصغرية كالقهوة والشاي، أما الطبخ فأستخدم له البابور”. “بابور الكاز” وهو موقد مصنوع من النحاس، ويعمل عىل وقود “الكاز” ،ولكن األهايل يستخدمون املازوت بدي ًال عنه لعدم توفر الكاز. يضطر العرشات من األهايل يف إدلب للتغلب عىل مشكلة ارتفاع أسعار غاز الطهي الذي تضاعف ،ليجدوا يف األدوات القدمية ح ًال جيداً ال يخلو من املتاعب. تقول “سناء”“ :خصصت بعض األواين للطبخ عىل البابور ألنها أصبحت سوداء ويصعب غسيلها” ،وتتابع أن“ :صوت البابور قوي جداً، وأعطاله كثرية”. بينام تضحك “أم خالد” والتي باتت تستخدم البابور إلعداد معظم طبخاتها أثناء حديثها، وتقول“ :مني بصدق إنا نصري متل نسوان باب الحارة ،نطبخ عىل البابور” ،مردف ًة “الحياة بتميش لقدام ونحنا مرنجع لورا”. كام عادت مهنة تصليح البوابري ،أو ما يعرف بـ”السمكري” لتنترش يف أسواق إدلب؛ ففي دكانه الصغري يجلس العم “أبو مصطفى” ومن حوله تصطف عرشات البوابري التي تحتاج للصيانة. يقول أبو مصطفى“ :البابور يحتاج إىل خبري
باستعامله وكاز أو مازوت نضيف ،الناس بتحط أشكال وألوان لهيك بيعطل”. “الشمرب ،النكاشة والرأس” هي القطع التي يستخدمها أبو مصطفى إلصالح البوابري“ ،حتى أسعارها أصبحت مرتفعة ،ويلجأ األهايل إلصالحها بدل استبدالها” قال العم. موقد الطني: تخلط “أم جيهان” الرتاب باملاء وتضيف بعضاً من بقايا أغصان القمح الجافة لتغطي بها الحجارة التي وزعتها بشكل نصف دائري لتجهز املوقد الخاص بالطبخ. تعطي هذه الطبقة اإلضافية متانة للموقد ،كام تجعله يحفظ الحرارة بشكل أفضل. تقول أم جهان التي تقيم يف إحدى مخيامت الشامل: “تعلمت هذه الطريقة من أمي التي كانت تستخدمها يف حال انقطاع الغاز ،أو لطهي الطبخات الكبرية كسلق القمح السنوي”. وتوضح السيدة“ :الغاز متوفر ،ولدي بدل الجرة ثالث، ولكن تعبئتها مكلفة جداً ،كام يصعب تشغيل الغاز يف املخيم ،ومعظم من حولك يطبخون عىل موقد النار”. الفخارة يف منتصف سوق إدلب يصادفك بائع معدات فخارية منوعة األشكال ،كجرة ماء وكأس وأوعية للطبخ. ينادي صاحب البسطة عىل بضاعته“ :قرب ..بتطفي الشوب هالفخارة” يف إشارة منه للجرة الفخارية التي ُل ّفت بكيس سميك من الصوف املبلل. يوضح صاحب البسطة ويدعى “أبو مروان” أنه يبيع
العرشات من هذه (الفخارة) مع دخول فصل الصيف“ :مع ارتفاع أسعار املحروقات ووسائل التربيد الحديثة يف إدلب عاد األهايل لطرق األجداد والزمن القديم ،فهذه األواين تستخدم لتربيد املياه”. عىل رشفة منزله يعلق “مالك” الجرة الفخارية ويحرص أال تتعرض ألشعة الشمس ويقوم بتبليل الكيس الذي لفت به كلام جف “بهذه الطريقة تربد املياه ،وتصبح أطيب” قال مالك، وهو من سكان إدلب .وتابع“ :منذ قدومي من ريف حامة ،مل أعد أعمل ،واملصاريف كبرية، وليس لدي قدرة لالشرتاك بالكهرباء ،ناهيك أنني ال أملك مثن الرباد”. عربة وحصان: يف أرضه عىل أطراف بلدة بنش بريف إدلب يستخدم الحاج “أبو خالد” ( 59سنة) خي ًال قوية يربط عليها آلة الحراثة. يقول الحاج أبو خالد إن ارتفاع أسعار املحروقات وتراجع أسعار املحاصيل الزراعية دفعها للرجوع ألبسط األدوات وأقلها تكلفة. ويوضح الحاج أن الظروف االقتصادية املرتدية “رجعتنا خمسني سنة لورا ،كنت شوف والدي هيك يحرث األرض”. ويستخدم أبو خالد معدات عدة يف عمله اليومي بالزراعة كلها قدمية ،كعود الحراثة، والنورج ،والدراس ،واملنجل. عىل عربة خشبية يجرها حصان ،وحملت بأصناف من الخضار يجلس “أبو مهدي” وهو مييض يف شوارع مدينة إدلب منادياً عىل بضاعته“ :قرب يا ريان ..حمرة يا بندورة”. يقول أبو مهدي“ ::إن أي مركبة أخرى ستحتاج وقود وتصليحات وكلها مرتفعة الثمن”، موضحاً“ :ال أستطيع تحمل عناء دفعها من بيع البضائع القليلة التي أحملها”. يلوح أبو مهدي بالسوط الذي بيده يف إشارة للحصان أن يتوقف ويقول“ :بداية األمر كنت أحس بالخجل ،ولكن اعتدت عليه بعد أن رأيت عرشات العربات التي تشبه عربتي”.
ارتفاع أسعار الكهرباء واحملروقات واملاء ..يف الشمال السوري
9
الصورة :لشارع مدينة الباب رشقي حلب
طلعنا عالحرية
العدد
96 2021 / 7 / 17
كام ارتفع سعر أسطوانة الغاز تدريجياً ،حيث كان سعرها خالل شهر كانون الثاين /يناير من هذا العام 60لرية تركية ،وارتفع إىل 80لرية تركية ،ومع بداية هذا الشهر فقد وصل سعر األسطوانة 100لرية تركية ،يف حني انخفضت خالل األيام القليلة املاضية إىل 90لرية تركية. يقول “عبد الكايف أبو زكور” وهو صاحب متجر لبيع املحروقات يف مدينة مارع بريف حلب: “رفعنا تسعرية البنزين واملازوت والغاز بسبب ارتفاع سعرها من املصدر التي تأيت منه وهو تركيا ،بسبب انهيار العملة الرتكية أمام الدوالر األمرييك”. وأضاف“ :أسعار املحروقات مقيدة عاملياً ومرتبطة بالدوالر ،وما يجري من ارتفاع سببه انخفاض قيمة اللرية الرتكية ،ورمبا املصدر الذي نحصل منه عىل املحروقات ،والتجار هم من رفعوا التسعرية ،حيث كان سعر برميل البنزين 150دوالر أمرييك أما اآلن سعره وصل إىل 175 دوالر أمرييك ،وهذا االرتفاع ليس فقط عىل البنزين ،وإمنا املازوت والغاز أيضاً”. “عبد الغني الحسني” يعمل مستخدماً يف محكمة مدينة صوران بريف حلب الشاميل ،قال ملجلة “طلعنا عىل الحرية” إن أسعار املحروقات أصبحت مكلفة جداً ،فهو يحتاج يومياً 2ليرت من البنزين للذهاب إىل عمله عىل الدراجة النارية من مدينة مارع إىل مدينة صوران ،أي أنه شهرياً يحتاج 300لرية تركية لقاء تكلفة الطريق. وأضاف“ :راتبي فعلياً ال يتجاوز الـ 600لرية تركية شهرياً ،أضع نصف املبلغ لقاء أجر ذهايب
للعمل ،والنصف اآلخر كيف سيؤمن ألرسيت املكونة من 5أفراد حاجياتهم اليومية من طعام ولباس وغاز لطهي الطعام والكهرباء”. وأشار ،إىل أن مواصلة ارتفاع األسعار وبقاء مصادر الدخل عىل ما هي عليه أمر قد يصل إىل كارثة يف املنطقة ،السيام أن معظم السكان يعتمدون عىل الوظائف املتاحة محلياً والعمل الحر يف حال توفره. وارتفع سعر ماء االستعامل يف مدينة الباب رشقي حلب يف ظل أزمة انخفاض منسوب املياه إىل 40لرية تركية أللفي ليرت ،بينام يف مدينة مارع واعزاز يرتاوح بني 20والـ 25لرية تركية يف ظل انقطاع مياه الرشكة التي توفرها خدمات البلدية يف كل منطقة للسكان. ويضطر السكان للحصول عىل املياه من خالل صهاريج نقل املياه من اآلبار البعيدة ،إىل مراكز املدن ،وتحتاج األرسة أسبوعياً حوايل 4آالف ليرت من املاء كحد وسطي. ويشكل استمرار ارتفاع أسعار املحروقات والكهرباء واملاء آثاراً مختلفة عىل السلع األخرى من مواد غذائية وخرضوات التي تعتمد عىل النقل ،وكذلك أيضاً املنتجات املحلية األخرى منها الزراعية والصناعية التي تعتمد عىل الكهرباء. وإىل ذلك يحاول السوريني التغلب عىل مآيس الحياة اليومية ،من خالل تأمني اليشء البسيط من الرضوريات ،يف ظل تردي املردود الشهري يف حال توفر الوظيفة ،وقلة أجور العمل اليومي “املياومة” يف حال توفرت الفرصة ،حيث ال ميكن أن يجني العامل يومياً أكرث من 3دوالر أمرييك
تقارير
شهدت أسواق ريف حلب الشاميل ،وإدلب عىل حد سواء ارتفاعاً بأسعار املحروقات والكهرباء واملاء مع بداية شهر متوز يوليو ،بنسب متفاوتة بني مادة وأخرى ،مام زاد معاناة األهايل يف تأمينها وعزوف آخرين عن رشائها أو توفريها ملنازلهم يف ظل الحاجة امللحة إليها ،ال سيام أنها من رضوريات الحياة اليومية ،التي يعتمد عليها السكان. وتلقى السكان صدمة كبرية جراء ارتفاع سعر تعبئة الكهرباء ،التي ارتفع سعرها بنسبة ترتاوح بني 20و25% من منطقة إىل أخرى ،بحسب الرشكة املوفرة للكهرباء يف مدن ريف حلب الشاميل ،دون معرفتهم لألسباب، التي ربطها مسؤولون بانهيار اللرية الرتكية املتواصل أمام الدوالر األمرييك ،وارتفاع تكاليف إيصال الكهرباء إىل املنطقة. يقول “صالح الحسن” وهو نازح من بلدة معرشامرين بريف معرة النعامن إىل ريف حلب الشاميل“ :إن ارتفاع سعر الكهرباء بشكل كبري خالل اآلونة األخرية دفعني إىل تخفيض نسبة الرصف الشهري؛ فكنت أشحن بطاقة الكهرباء بقيمة 100لرية تركية وأحصل عىل 136كيلو واط ،تكفيني لشهر ،أما اآلن فأصبحت أحصل بالقيمة املالية نفسها عىل 114كيلو واط” .وأضاف“ :يف بادئ األمر كان اعتامدنا عىل الكهرباء يف طهي الطعام ،وغسيل الثياب وتربيد املاء واألطعمة يف ظل ارتفاع درجات الحرارة ،إال أننا اآلن أجربنا عىل تخفيض عدد ساعات تشغيل املعدات الكهربائية املنزلية من أجل توفري مصاريف الكهرباء قدر املستطاع”. ويشري الحسن ،وهو معلم بناء ال تتجاوز يوميته 5 دوالرات أمريكية ،خالل حديثه إىل مجلة طلعنا عىل الحرية أن “األسباب الرئيسية التي متنعه من مواصلة حصوله عىل الكهرباء بكميات كافية أن لديه مصاريف أخرى ،من بينها إيجار املنزل والحاجيات األساسية اليومية لألرسة”. كام سجلت املحروقات ارتفاعاً ملحوظاً خالل مطلع متوز/ يوليو الجاري ،حيث ارتفع سعر ليرت البنزين يف السوق املحلية إىل 7.5لرية تركية ،أما املازوت املكرر محلياً ارتفع إىل 4لريات تركية بينام املازوت املستورد الرتيك وصل سعر الليرت الواحد منه إىل 5.25لرية تركية.
96
مصابات احلرب يف إدلب ..آالم النفس واجلسد 10 دارين الحسن -إدلب
العدد 96
2021 / 7 / 17 تقارير
بني ليلة وضحاها تحولت سناء البصاص (24 عاماً) إىل مصابة حرب ،تحتاج إىل مساعدة يف كل تفاصيل حياتها ،وهي ال تزال يف مقتبل العمر، “يتملكني شعور بالعجز والنقص ،وال أنىس فظاعة ما مررت به ،حني صحوت عىل رسير املستشفى فوجدت نفيس بإعاقة دامئة ،ستغري مجرى حيايت إىل األبد” تقول سناء لطلعنا عالحرية. سناء هي إحدى مصابات الحرب ،اللوايت وقعن ضحايا الحرب السورية املدمرة ،وبدأت معاناتهن من صعوبة الحصول عىل العالج ،إىل جانب التهميش والوقوع فريسة األمراض النفسية ،دون أن يجدن من ميد لهن يد العون ،أو يسمع أنني هذه الفئة املهمشة. فئة منسية تتعرض املرأة ذات اإلعاقة إىل متييز مزدوج ،وتعيش تحديات وصعوبات من املجتمع الذي ينظر إليها نظرة دونية ،وليس نظرة إنسانية ،وتعيش مهمشة من قبل أرستها واملجتمع املحيط. سناء التي تنحدر من مدينة كفرنبل بريف إدلب، تعرضت لشظية قذيفة برتت يدها اليمنى منذ أواخر عام ،2019ومنذ ذلك اليوم مل تعد قادرة عىل القيام بواجباتها تجاه زوجها وطفلها عىل أكمل وجه ،بحسب وصفها ،وتشعر بأنها تعيش عىل هامش الحياة ،وعن ذلك تقول“ :أشعر أن املوت أسهل من هذه الحياة بعد أن انضممت إىل قامئة الفئة املهمشة املنسية”. تضيف بعد تنهد“ :صحيح أنني فقدت يدي، لكنني فقدت معها كل أمل بالعيش الطبيعي، فالجميع ينظرون إيل بعني الشفقة والعطف، وأشعر باإلهامل من قبل زوجي الذي أعتربه أقرب الناس إيل”. ً أما أم عالء ( 31عاما) من منطقة جبل الزاوية بريف إدلب ،فكان مصريها الطالق من زوجها بعد
إصابتها ،وعن معاناتها تتحدث لطلعنا عالحرية: “أدى انفجار لغم أثناء عميل يف أرضنا الزراعية لبرت قدمي ،ومل أمتكن من الحصول عىل طرف صناعي بسبب الفقر ،لذلك أستعني بعكازين أصبحا وسيلتي الوحيدة يف التنقل والحركة داخل املنزل”. تؤكد أم عالء أن إصابتها كانت سبباً بتخيل زوجها عنها ،وتزوج امرأة أخرى بذريعة عجزها عن االهتامم به.
وتضيف“ :اصطحبت أبنايئ األربعة وتوجهت للعيش يف منزل أهيل ،واضطر ولدي األكرب البالغ من العمر ( 14عاماً) لرتك املدرسة ،والعمل إلعالتنا واإلنفاق علينا بعد انشغال زوجي عنا ،وتوقفه عن إرسال مرصوفنا”. صعوبة الحصول عىل طرف صناعي معظم النساء املصابات ال يستطعن الحصول عىل أطراف صناعية بسبب غالئها ،وضعف اإلمكانات
11
العدد
96 2021 / 7 / 17 تقارير
الطبية يف املنطقة ،ومحدودية الدعم الذي تقدمه املنظامت والهيئات واملراكز املعنية مبصايب الحرب ،حيث تفتقر إدلب إىل وجود أي جهة تقدم أطراف صناعية مجانية ملن يحتاجها ،بسبب غالء أسعار هذه األطراف املستوردة من جهة ،وكرثة أعداد املصابني/ات من جهة أخرى. عيل الطعمة ( 41عاماً) من مدينة إدلب ،فني أطراف صناعية ،يتحدث عن الصعوبات التي يواجهها مصابو الحرب يف رحلة البحث عن العالج ،فيقول“ :تعاين مراكز شح الدعم وقلة تركيب األطراف الصناعية يف املنطقة من ّ اإلمكانيات ،حيث تراجع نشاط الجمعيات الخريية التي ُتعنى مبصايب الحرب والجرحى يف مناطق الشامل السوري، شح التمويل والتكاليف املرتفعة التي يستلزمها جراء ّ العالج الطويل ،وغالء أسعار هذه األطراف ،حيث تبلغ كلفة تركيب الطرف الواحد بني ( )1500 - 800دوالر أمرييك عىل األقل ،أما الطرف الذيك فقد تصل كلفته إىل حوايل 50ألف دوالر أمرييك”! ويؤكد الطعمة أن بعض املراكز يف إدلب تصنع أطرافاً محلية الصنع ،وتتقاىض من املستفيدين سعر التكلفة فقط. ضغوطات نفسية ترتك اإلعاقة يف حياة النساء جروحاً نفسية عميقة .وعن ذلك توضح املرشدة النفسية شهد العيل ( 33عاماً) من مدينة أطمة الحدودية مع تركيا“ :يقع عىل عاتق املرأة مسؤوليات وأعباء كبرية ،وحني تفقد جزءاً من جسدها تشعر بالخيبة واإلحباط والدونية وفقدان الثقة بالنفس، إىل جانب شعورها بالكآبة والقلق ،وتتالىش أمامها األحالم والطموحات املستقبلية ،وينحرص تفكريها بكيفية تدبري أمورها ،وكيف ستتأقلم مع إعاقتها وإصابتها”. وتؤكد العيل أن املرأة ذات اإلعاقة تواجه حرماناً من فرص التعليم والتأهيل واإلرشاد والعمل ،والخدمات الصحية،
وتقل فرصها بالزواج واالندماج االجتامعي. وتلفت العيل إىل رضورة منح النساء ذوات اإلعاقة مزيداً من االهتامم والرعاية ،وتوفري الخدمات الصحية والتعليمية وإتاحة فرص العمل أمامهن ،وتوفري حياة كرمية تضمن لهن مصدر رزق كريم وتؤمن حقوقهن، ويكون ذلك من خالل افتتاح مراكز متكني لهؤالء النسوة ملساعدتهن عىل تجاوز محنتهن ،وإطالق حمالت دمج وتوعية تغري من النظرة املجتمعية الدونية لهذه الفئة من النساء. تحدي األمل رغم قسوة الواقع حاولت بعض النساء من ذوات اإلعاقة يف إدلب تخطي مرحلة األمل واليأس ،والخروج من خانة العجز ،وجعل اإلعاقة حافزاً للنهوض والنجاح. نورة التناري ( 39عاماً) نازحة يف مخيم رسمدا ،تعمل رغم إعاقتها لتعيل أطفالها الثالثة بعد وفاة زوجها“ ،نسيت نفيس وإعاقتي أمام حاجة أطفايل ،فرغم برت قدمي بإصابة حربية ،واالستعاضة عنها بطرف صناعي ،أعمل يف الخياطة داخل الخيمة ألعيل أبنايئ” توضح نورة. اليأس هو األعاقة الحقيقية أما العرشينية وفاء الدياب من معرة النعامن ،فقد أرصت رغم إعاقتها عىل متابعة دراستها الجامعية ،وعن ذلك تقول“ :أصبت بالشلل جراء إصابة عمودي الفقري بشظية قذيفة ،واستقرت يب الحال عىل كريس متحرك، وبعد مكويث يف املنزل ملدة سنتني ،بدأ األمل يف داخيل، ورصت أتطلع نحو املستقبل ،فقررت كرس الحواجز والعودة إلكامل دراستي الجامعية ،فال يشء مستحيل مع اإلرادة القوية ،وال تهمني نظرة املجتمع املحبط من حويل”. وتضيف الدياب“ :الحياة ال تتوقف عند حدود اإلعاقة أو فقدان جزء من الجسد ..يجب أن نستمر ،ويجب أن ندرك أن اليأس هو اإلعاقة الحقيقية يف حياتنا”.
ً مسرحية عفوا مموزين أمحد امساعيل امساعيل
12 قراءة :حواس محمود
العدد
96 2021 / 7 / 17 ثقافة
تتحدث هذه املرسحية “عفواً مموزين” عن الواقع الكردي وحالة القمع التي يتعرض لها الفن الكردي والثقافة الكردية؛ إذ أن األمن السوري مينع كل نشاط ثقايف كردي، علني أو رسي ،إن اكتشف مكان النشاط ،كام أن املرسحية تتحدث عن كرثة األحزاب الكردية وترشذمها وانقساماتها (من خالل معالجة موضوع الحب عرب شخصيتي مم وزين وبكو) وتأثري هذا التشتت السلبي عىل العالقة العاطفية وإفسادها ،وبالتايل إنهائها. مكان املرسحية كواليس أحد املسارح املتواضعة، الشخصيات :ساالر الشاب العرشيني ،نالني فتاة يف التاسعة عرش من العمر ،وهام ممثالن يف مرسح الهواة. ساالر يؤدي دور “فوجت” يف مرسحية “النقيب كوبينك” لكارل تسوكامير .يجري حديث بني املمثل واملمثلة بانتظار قدوم املخرج ،وإمكانية عرض املرسحية ،لكنهام يخشيان منعها من قبل األمن ،ألن األمن قد سبق أن منع مرسحية “موت الحجل” ،يشعر املمثالن بالقلق تجاه مصري املخرج، الذي يبدو أنه استدعي إىل فرع األمن القريب من مكان عرض املرسحية ،ويجري التساؤل بينهام :هل تم اعتقال املخرج؟ وعند قدوم املخرج يحتار الثالثة (املمثل ،املمثلة، املخرج) أي مرسحية سيتم تقدميها للجمهور الذي يشعرون تجاهه بالقلق والحرية ،بسبب انتظاره عرض مرسحية ما؟ فاألمن ال يوافق عىل العديد من النصوص املرسحية ،ألنها بنظره نصوص كردية سياسية ،حتى إن كانت ال تتحدث عن السياسة بشكل مبارش ،وبعد أخذ ورد ونقاش بني الثالثة ،تم االتفاق عىل تقديم نص مرسحية “مموزين” باعتباره نصاً يعتمد العاطفة ومشاعر الحب البعيدة عن السياسة وأوجاعها العديدة. مكان عرض املرسحية حديقة مدينة جامعية ،إذ تجلس فتاة جامعية (زين) عىل أحد مقاعد الحديقة ،ويقرتب منها شاب (مم) برتدد وهو ينظر إىل ساعته ،يحمل وردة حمراء بيده ،يتأملها بنظرات الوله ،وسالم صباحي آذاري، ويقدم لها وردة ،ويدور حديث الحب والوله بني اإلثنني. وأثناء هذا الحديث الهيامي –إن جاز التعبري– يلمح “مم” “بكو” ويؤكد أنه رآه بأم عينه ،وأنه يريد التجسس عليهام وعىل حبهام ،بغاية إفساده وإفشاله ،فيام “زين” تنفي ذلك بالقول ال وجود ألحد هنا ،ال “بكو” وال غريه. وعند قول زين إنه ال أحد يستطيع منعها ومنع “مم”
من الزواج ،بخاصة أن العشائرية كانت تعيق الحب بني شاب وفتاة ،وأن هناك أحزاب كثرية وكل من “مم” و”زين” يتحدثان عن أقاربهام وانتامئهام إىل هذه األحزاب ،يدخل االثنان يف حديث عاطفي جميل ،ويحصل االختالف حول مكان إقامة العرس –عرسهام املرتقب -إذ يرى “مم” أن يقام حفل الزواج يف حوش داره ،بينام “زين” تطالبه أن يكون العرس يف ناد فخم ورائع، وأثناء احتداد الخالف بينهام ترمي “زين” الوردة الحمراء فيلتقطها “مم” ،ويحصل هذا أكرث من مرة بني اإلثنني ،وهي الوردة التي ترمز لعالقة الحب بينهام. “زين” تطالب بأن يكون حفل الزواج حافالً بكل املظاهر االرستقراطية ،وهذا ما يثري غضب “مم” وتربمه من هذا الطلب املكلف واملرهق، والذي يتعارض مع اإلخالص للحب ،بعيداً عن مظاهر البذخ والبهرجة الفائضة ،ويصل الخالف إىل حدوده القصوى عندما ينهي “مم” العالقة بينهام بالقول إن ما كان بيننا قد أصبح يف خرب كان! وتتفاجأ “زين” وتقول له بأنه ليس حراً يف قراره ،لكنه يؤكد أنه حر يف قراره ،وتخرج “زين” من جهة غري الجهة التي خرج منها “مم” ،ويتدخل “بكو” (الغائب الحارض) يف هذا الخالف بالقول“ :ها ما رأيكم؟ أنا أعرف أنكم بعد قيل وقال ..ستقولون إن “بكو” وراء هذا
الخالف ،والله وبالله وتالله لست أنا من فعل ذلك هذه املرة ،لست أنا”. (“بكو” وامللقب بـ”بكو عوان” هو الشخصية التي أفسدت الحب بني “مم” و”زين” يف ملحمة مم وزين للشاعر الكردي املعروف أحمدي خاين) يوظف الكاتب املرسحي “أحمد اسامعيل” قصة الحب “مموزين” يف قراءة الحارض الكردي، ويدخل موضوع األحزاب كسبب رئييس يف الواقع املأساوي الكردي ،حيث التشتت والترشذم واالنقسام الكردي واضح للعيان لكل متابع للشأن الكردي يف سوريا ،ويبني التأثري السلبي لهذا التشتت عىل أنبل عاطفة برشية وهي الحب بني مم وزين ،والذي تأثر بشكل كبري وخطري ،وفشلت العالقة املقدسة بينهام دون تدخل بكو ،عل ًام أن “بكو” ،ورمبا قصد به الكاتب النظام ،هو اليد الخفية واملسترتة يف مثل هذا الخالف ،الذي أساساً جاء نتيجة خالفات األحزاب السياسية التي يشجع النظام تذررها وانقسامها الهائل. لقد وفق الكاتب يف توظيف الرتاث الشعبي نص الكردي وإسقاطه عىل الحارض ،لتقديم ّ جاميل كامل ومتكامل ،تتوفر فيه الرشوط الفنية ،وقادر عىل جذب الجمهور واملتلقني إىل أجواء مرسحية معارصة تعالج هام معارصاً بأسلوب أديب جميل وممتع.
إدلب لن تكون ّإل خبري
يف انتظار ّ املثقف املُستنري ......التتمة من صفحة 3
العدد
96
قد يظنّ املتأ ّمل يف شؤون محافظة إدلب من بعيد أنها ٌ منطقة خالية من النظام والقانون ،حتى وإن كان رأيه ذاك من باب اإلشفاق عىل هذه البقعة الغالية عىل قلوب السور ّيني والحزن عليها .غري ّأن حادثاً صغرياً حصل معي ّ مؤخراً أثبت يل ّأن األمر خالف ذلك متاماًّ ، وأن أبناء إدلب والنازحني إليها ناجحون نسب ّياً يف إدارة شؤونهم وإقامة واقع مل حكم القانون ،حتى وهم يرزحون تحت سلطة أم ٍر ٍ يكن لهم يد يف اختيارها. تع ّر ُ ضت الشهر املايض لعملية ابتزاز مقيتة أتت من منطقة ٌ جامعة من الناس إدلب يف الداخل السوريّ .فقد هددين مرتبطون بفصيل عسكري بالتع ّرض لسالمة والدي بسبب سبيعيني يعيش نازحاً مقال كتبته مل يعجبهم .والدي ٌ رجل ّ مع زوجته يف قرية أطمة عىل الحدود الرتكية ،وليس مسؤول ّ عم أقوله وأفعله؛ وهذه بديه ّية مل يستوعبها البعض ممن أعطتهم الحرب فائضاً من املال والسالح. محام ،واللجوء اضطررت من أجل حامية والدي إىل توكيل ٍ للقضاء يف حكومة اإلنقاذ يف إدلب .قام جهاز الرشطة يف قرية كفرلوسني الحدود ّية بإلقاء القبض عىل صاحب التهديد ،غري آبهني باملس ّلحني الذين يقفون وراءه ،وتم وضعه يف السجن ،ومعاقبته عىل تن ّمره وإساءته بأن حلقوا شعره (عىل الصفر) ،وجعلوه يكتب تعهداً بأنه لن يتعرض يتم إطالق لوالدي بسوء ،ولن يكرر تن ّمره وتهديداته .ومل ّ رساحه إال بعد موافقة املحامي الذي قمت بتوكيله. من الرائع أن نشاهد العدالة وقد تح ّققت ،حتى وإن كانت عىل يد حكومة اإلنقاذ يف إدلب ،مع أين كنت واثقاً منذ البداية ّأن والدي َج ٌ بل “ال يهزّه ريح” فمنه ُ ورثت الشجاعة والعدل والصدق؛ وهي قيم لن يغفر يل لو تخ ّل ُ يت عنها من أجل رشذمة خارجة عن القانون. وحاصل األمر أين أشعر باالطمئنان أكرث عىل والدي وعىل أهل إدلب والنازحني إليها بعد هذه الحادثة ،ويحدوين األمل أن إدلب -أرض التني والزيتون -لن تكون ّإل بخري.
2021 / 7 / 17
متوز 22021
مصعب الحمادي
مقاالت
إلهية وتجاهلوا ك ّل ًيا الوقائع عىل األرض .وهم واهمون إىل يومنا هذا بخصوص سوريا وشعبها ونظام املجازر فيها .وهم ،رغم تقسيم سوريا الفعيل وتقاسم مواردها الطبيعية بني خمسة احتالالت ،ال يزالون يتحدثون عن “مامنعة” و”مناهضة أمريكا” وما شابه! وهم ،من فرط الدوغام ،يعتربون نظام بوتني املافيويّ استمرا ًرا لـ”االتحاد السوفييتي العظيم” ،وأن نظام املاليل القمعي املستب ّد تجسيدًا للحر ّية ا ُملشتهاة. ظاهرة أخرى الحظناها عرب السجال العقيم حول جرمية قتل بنات ،وهي االعتقاد بأن املعارضني يف نقطة من الزمن والثوريني يف مرحلة مع ّينة هم ثوريون ومعارضون إىل األبد .كأن الظواهر -ومنها املث ّقف واملعارض -جامدة ال تتح ّول وال تخضع للجدليةّ . كأن املعني وقال .فقد رأينا تح ّوالت إشكالية صالح املايض ميتد إىل ما ال نهاية مهام فعل ّ يف سرية البعض ورأينا انحرافاتهم الفكرية ونكوصهم وتواطؤهم وعاملتهم ..لكنهم رصون عىل أنهم “ثوار” أو “مث ّقفون عضويون” وما إىل ذلك من مراتب ال يستحقونها. ُي ّ لقد كشفت جرمية قتل بنات هشاشة الثقافة السياس ّية الفلسطينية يف الراهن، متوحش يف الشام ،وعقيدة ومكوثها غري امل ّربر يف معمعان اإلنشاءات اللفظية لنظام ّ شمولية إيرانية ال ترتك لإلنسان اإليراين مغ ّز إبرة يك يسعد .هي ثقافة قارصة عن متوحشة عىل اإلقليم، رؤية الروابط املرئية وغري املرئية ،بني خطر أنظمة شمولية ّ تجسده إرسائيل الرسمية“ .ثقافة” عاجزة وبني خطر النظام االستعامريّ كام ّ عن إحداث أي تغيري مأمول يف الواقع القاهر .ألنها “ثقافة” تسري معصوبة األعني وراء أوهام ،وال تؤمن باألفكار ا ُملرشقة املستنرية ّإل بقدر ما تخدمها هي أو تخدم لحظتها .ثقافة تتبدّى لنا يف كثري من املنعطفات بائسة ُتطالب بالحر ّية لنفسها وتنارص الهيمنة واالستبداد املفروض عىل شعب آخر .تنادي بضامن حقوق اإلنسان لكنها تنارص سحقه كام يف املسالخ البرشية للنظام األسدي .وهكذا حتى الضياع. من املفارقات أن “ثقافة” كهذه تلتقي وتتطابق من موقع “الضح ّية” مع سياسات التوحش ا ُملطلق والتدمري ّ الكل للشعوب .هكذا تدور أوساط فلسطينية واسعة نسب ًّيا ّ ً يف حلقة ُمفرغة غري قادرة عىل مواجهة أي تح ٍّد مهام يكن صغريا .من هذه األوساط املتوجسة من الثورات ومن الربيع. تأتينا قوى “الثورة املضادة” التي ُتشجعها الجهات ّ املث ّقف املستنري والثوريّ املستنري واملعارض املستنري هي النامذج القادرة عىل كرس هذه الحلقة والخروج من أرسها إىل احتامالت التغيري والتأثري. متمسكة بأفكار وقيم وأنساق متن ّورة مستمدّة من الجوهر ألنها مناذج ّ اإلنساين ،ومن فكرة بناء االجتامع البرشيّ عىل أساس من العدل واملساواة توحشاً. والحر ّيات ،وليس عىل أساس استبدال نظام قهريّ بنظام شمو ّيل أكرث ّ ليس كافياً أن تكون ملتزماً بقض ّية أو عقيدة .هناك حاجة إىل تجاوز ذلك صوب االستنارة ،فتكون منظومة القيم النبيلة ك ّلها هي البوصلة للسياسة وسواها.
13
14
ماذا لو عاد الكواكيب؟ عزام الخطيب
العدد
96 2021 / 7 / 17
متر يف هذه األيام التي أكتب بها هذا املقال الذكرى التاسعة عرش بعد املئة لوفاة واحد من أهم مفكري القرن التاسع عرش ،وال نجايف الحقيقة إذا قلنا رمبا هو أهم مفكري العرب يف العرص الحديث. ولد املفكر العظيم عبد الرحمن الكواكبي يف حلب سنة ،1855وهو من عائلة مشهورة وتعد من أرشاف العوائل فيها؛ فقد كان الكواكبي ،ومبدرسته التي تأسست باسمه ،رائداً من رواد العلوم واملعرفة، وأضيف الصحافة أيضاً .فبعد أن بدأ حياته الصحفية محرراً يف جريدة الفرات الرسمية التي كانت تصدر يف حلب ،مل يجد بعمله فيها متسعاً وهامشاً من الحرية الالزمة لتعرية االستبداد وفضح املستبدين؛ فهي صحيفة رسمية تعرب عن رأي الدولة ،فاستقال منها ليؤسس مجلة الشهباء التي مل تعمر طوي ًال ،لعدم تحمل السلطة جرأته يف النقد ،فأسس بعدها مجلة أخرى ّ سمها االعتدال ،لتنال بعد فرتة ما نالته أختها الشهباء من تعتيم ،فإغالق. سافر عبد الرحمن الكواكبي إىل مرص هارباً بنفسه وعقله وفكره ،لكنه مل يكن فيها أحسن حاالً وال حظاً؛
فكانت نهايته بفنجان قهوة مسموم ،أودى بحياته وأنهاها ،لكنها مل تستطع أن تنهي أعامله وفكره الباقي والحافل باملقاالت وإصدارات الصحف والكتب، وأخص منها كتابه األشهر (طبائع االستبداد ومصارع االستعباد) والتي ترتدد صدى كتاباته فيها حتى اآلن كقوله: “أسري االستبداد ال ميلك شيئاً ليحرص عىل حفظه ،ألنه ال ميلك ماالً غري معرض للسلب ،وال رشفاً غري معرض لإلهانة”. وقوله“ :واالستبداد مفسد للدين يف أهم تسمية أي األخالق ،أما العبادات فال ميسها ،ألنها تالمئه أكرث”. ولعل قائل يقول :هذا كالم عظيم اعتدنا قراءته وسامعه ،ودامئاً ما تضج به مواقع التواصل االجتامعي يف هذه األيام ،فام الجديد وما عالقة موضوع املقال مبا قلت؟ فيكون جوايب باستحضار روح الكواكبي يف أعامله، وأخص فيها رشوط الخالص من االستبداد ،والتي يفصلهابقوله: “ • األمة التي ال يشعر كلها أو أغلبها بآالم االستبداد ال تستحق الحرية.
• ال يقاوم االستبداد بالشدة وإمنا باللني والتدرج. • يجب قبل مقاومة االستبداد تهيئة ماذا يستبدل به االستبداد”. فلو عاد الكواكبي ورأى ما نحن عليه اليوم ،فأنا أكيد بأنه سيأوي ألي جزيرة نائية لتكون مقراً ملنفاه االختياري ،حتى ينتهي هذا الجنون ،أو كنا سرناه حا ّد ّ صعب املراس ،رسيع الغضب ،منبهاً هذا، الطباع، َ متخاص ًام مع ذاك ،من دون طائل أو سامع ..فال خصوم االستبداد كانوا متدرجني لينني يف مطالبهم ،وال مؤيدوه أدركوا آالمه أو شعروا بها ..إال من رحم ريب.
مقوالت لعبد الرحمن الكواكبي :
مقاالت
أرض يشء عىل اإلنسان هو الجهل وأرض آثار الجهل هو الخوف. العوام هم ق َوة املستبد وقوته ،بهم عليهم يصول ويطول يأرسهم فيتهللون لشوكته ويغصب أموالهم ويحمدونه عىلابقائه حياتهم ويغري بعضهم عىل بعض فيفتخرون بسياسته وإذا أرسف يف أموالهم يقولون كر ًميا وإذا قتل منهم ومل ميثل يعتربونه ً رحيم. وإذا تتبعنا سرية أيب بكر وعمر ريض الله عنهام مع األمة نجد أنهام مع كونهام مفطورون خري فطرة ونائلني الرتبيةالنبوية مل ترتك األمة معهام املراقبة واملحاسبة ومل تعطهم طاعة عمياء. ُ االستبداد يقلب الحقائق ىف األذهان فيسوق الناس إىل إعتقاد أن طالب الحق فاجر وتارك حقه ُمطيع واملشتيكفسد والنبيه ا ُملدقق ُملحد والخامل املسكني صالح و ُيصبح -كذلك -الن ُّْصح فضوال والغرية عداوة والشهامة عت ّوا ا ُملتظلم ُم ِ والحم ّية حامقة والرحمة ً مرضا كام يعترب أن النفاق سياسة والتحايل كياسة والدناءة ُل ْطف والنذالة دماثة. -اللهم إن ا ُملستبدين ورشكائهم قد جعلوا دينك غري الدين الذي أنزلت فال حول وال قوة إال بك.
سوريون :بني السخرية والالمباالة 15
يوسف صادق
العدد
96 2021 / 7 / 17 مقاالت
ّ “ألن هذه األجنحة مل تعد أجنح ًة تطري بل مج ّرد مراوح لرضب الهواء ُّ وأجف من العزمية أصغر ُلقنّا أن نأبه وال نأبه ُلقنّا أن نجلس بسكينة” َ اإلنسان الذي أنهكته الحروب هكذا خاطب إليوت والفقر يف لحظة اغرتاب من عمر البرشية. هذه اللحظة سبق وأن عاشها ويعيشها اإلنسان بتناقضاتها؛ بني أن ال ميلك أجنحة ،فيبقى أسري لحظته ومكانه ،وبني أن يتم ّلكه األمل وال يستطيع أن يرتقي بإنسانيته وحلمه ،ويحققهام. وكم من اللحظات امتدّت سبعاً عجافاً ،فرضت بجناحيها األسودين رضوخاً واضطهاداً بني النزوح والوطن الخيمة ،بني الهجرة والوطن الغربة ،بني الذات واآلخر الغربة ،بني الحرية وقيود سلطة املوروث والعسكر .حينها يبتعد اإلنسان عن ذاته التي يريد ومل تتحقق ،يرتكها مرم ّية كثوب العيد، ك ّلام نظر إليه ابتسم وأصابته الحامسة ،فيستيقظ ثم يصفعه ..ال ألنه الطفل داخله يناديه ه ّياّ .. يكرهه بل ألنه مل يعد قادراً عىل ارتداء بسمته واستعادة حرية األطفال. كل يش ٍء يحرض اآلن ،ذكريات أيام الحرب والنزوح ،ذكريات َمن كانوا هنا ورحلوا ،تحرض السياسة واالقتصاد ،التط ّرف واالنفتاح ،الصالح العام واألنانية ،قضايا املجتمع العالقة. اكم الغربة غبارها يف يف هذه التناقضات ُتر ُ أنحاء أرواحنا ،مثل غرفة هجرها عاشقان ،مثل بيت هجرته ضحكات وطن هجره أهله ،ومثل ٍ ٍ األطفال ...هي لحظة قد يأيت طفل يعبث برسم ٌ عاشقة لتستعيد وردتها، وجه يف الغبار ،وقد تأيت هي لحظة أشبه من استيقاظ الغريق ،ليست لم و َمن غنّى يف قدراً؛ فلوالها ملا كان هناك َمن َح َ تاريخ الليل الطويل من شقاء البرشية. فحسب ح ّبات املطر السقوط ،ولتكن ولتكن عبثاً، ُ خربشات لعاشق فقد املرونة وأساليب العشق. هذه لحظة أخرى بني الالمباالة والسخرية ،بني أن نكون أو ال نكون كام شاء املطر .هذا السؤال الذي يرشح أحوالنا اليوم ،هل فشلنا يف تجاوز تلك التناقضات؟ وهل هي تناقضات ح ّقاً؟ وهل
حالة الالمباالة هي التعبري الرمزي عن الرضوخ واالستسالم؟ أرض تختنق باألوحال ،ال ال أحد يرسم الطريق يف ٍ أحد يشقّ البحر بعصاه ،وال أحد متلك روحه براقاً يجتاز بها الساموات والحدودّ ، ويفك كل القيود، حتّى التي تركت آثارها يف أرواحنا. لرمبا هي لحظة رقصة زوربا ،مهام كان من انهيار لحلم ،أو انهيار مكان امتدّت به أجسادنا لتكونه. هل بتنا يف لحظة الالمباالة والبالدة نبحث عن وطن يشبه أحالمنا؟ أم اكتشفنا ّأن للوطن تغي مفاهيم مفاهيم مل نكن لنعيها؟ أم ّأن الحرب ّ اإلنسان عن ذاته وعن اآلخر وعن االنتامء .رقصة زوربا تعيد إلينا الروح والحلم ،خدش نحس من خالله بجس ٍد كان مشلوالً ،فقط ألنه أراد الرقص كام تشاء روح تسكنه. هو انتامؤنا هذه اللحظة ،الحلم انتامؤنا ،املكان الذي تراكم به الغبار وركام البيوت املنهدمة انتامؤنا ،املكان الذي سيزهر بالضحكات بعد صيف حني يعود سكانه املهجرين ،وكم م ّرة بكينا فيه ..هو هو انتامؤنا... إذاً ال ضري من أن نضحك ونسخر ..هذه هي حالنا ،هذه هي لحظة إنساننا املهدور املقهور، السخرية حال َمن ال ميلك جناحاً ليطري ،ليس عجزاً أو هروباً ،لكنْ تعب ٌري رمزيٌّ عن الرفض ،نفي انتقام لعجزنا أمام لحالة التهميش والالكينونة، ٌ الغبار يف أرواحنا ،لطاملا خلقنا الله عىل صورته، لطاملا استخلفنا عىل جامل الدنيا ،فيحقّ ألرواحنا الحرية ،يحقّ لها أن تسمو فوق الحدود .واألهم أن تعود لإلنسان مكانته ومركزيته يف الكون، وتعود ألياديه طهر هذا املكان الذي بناه وجعله انتام ًء له. يف السخرية يتخ ّلص ا ُملستع َبد من تناهيه ،من صغره أمام الج ّبار/املستع ِبد ،يجعله مساوياً له يف الوجود ّ يقص يحط من قدر ابتعاده عنهّ ، املسافة بينهام ،سنون طويلة ،وغبار كثيف جعال املستَب ّد يصل ملرتبة الج ّبار ،لكن النكتة والسخرية والكلمة والضحكة تخربش وتهدم كل هال ٍة صنعها املستَب ّد لنفسه ،يضحك لها الكبري والصغري، يضحك لها املكان ،حتى األشجار تتاميل همساً
من دغدغة العصافري التي ال تقوى عىل الطريان، حتى السؤال البسيط لطفل يح ّرك روائح امللل والتلقني يف الصفوف. هذه اللحظة املتناقضة بني الالمباالة والسخرية، تجعل كل ما تركناه من جامل للغبار يتح ّرك ،يه ّز رأسه ،يعلن عن نفسه ،أنا هنا ،أحتاج فقط ألن أطري ..لحظة القهر واالستالب تجعل اإلنسان بليداً المبالياً ،مستسل ًام لرتاكم الغبار فوق خياالته، االستالب خدر وبالدة ،االستالب لق ّوة خف ّية قد تأيت، لقيم يعتاش عليها املقهور حتى يضمن االستالب ٍ لقيم تحدّد مكانة الشخص منذ سالمته ،االستالب ٍ أن يرى النور ،االستالب ملقوالت تريدنا كالدمى يف مرسح األوصياء وقوى األمر الواقع وسالح امليليشيات متعددة األصناف واألجناس ،االستالب مطيع، قطيع ُملثلٍ تجعل اإلنسان صالحاً يف ٍ ٍ وتجعل اإلنسان عبداً لشهواته وأنان ّيته وتجارة املخدرات ألوىل األمر والنهي ،االستالب لسلطات القهر واالستبداد السيايس ،لذكور ٍة ما تزال تنفي إنسانيتنا ،وتنفي عن األنثى كينونتها. ببيت يضم العائلة السورية لتكون الخيمة مل نحلم ٍ والهجرة مصرياً! ومل نحلم بأبسط الحقوق لتكون الطوابري غايتنا ،مل نحلم باالحرتام لنعود لحوار القبائل بالسيف والجاه ،ومل نحلم بأن يكون أطفالنا أحراراً يف مخيالتهم وبراءتهم لتزداد القيود ويزداد األوصياء. والسؤال ال ينتهي ..طاملا بدأت الكلامت ،هذا هو الحد الفاصل بني الالمباالة والسخرية بكل أشكالها ..ليست هدفاً بذاتها ،فام كان سؤال اإلنسان يوماً عن معنى وجوده هذراً. السخرية ،النكتة ،الته ّكم ،الضحكة ،الخربشة، تعيد للسؤال دهشته ،حتى ال يكون موجعاً، كفانا استالبات وغربة ،وحسبنا من السخرية ّ كل فصلناه ،لنخرج من حالة الالمعنى التي وصلنا ما ّ إليها حيث ال جدوى ..وحسبي أقول ّإن السخرية بأنواعها يف حالنا اليوم ليست برنامج عمل ،لكنها ٌ صحي عىل أ ّننا انتقلنا بل أ ّننا حالة عامة ودليل ّ نتململ يف حالة الالمباالة ونتساءل. ّ وكل ما نحتاجه فقط أن نعيد ألجنحتنا قدرتها عىل التحليق وهذا هو نفي النفي والفعل اإلنساين.
القاص الفلسطيين زياد خداش يف حوار مع طلعنا عاحلرية
16 بشرى البشوات
العدد
96 2021 / 7 / 17
”لو كان لدي بنت ألحببت أن تكون كاتبة مثيل، تتجاوز عاملي وتسخر من لغتي القدمية وتسافر لتتسلم الجوائز ،بينام أركض خلفها يف القاعة دون أن يعرفني أحد ،مستمتعاً مبشهد انحناء الصحفيني لها ،وظيفتي فقط أن أستلم عنها باقات الزهور يف حفالت توقيع كتبها ،لتتفرغ هي ملصافحة املعجبني املحتشدين ،مكتفيا أنا بفكرة أن العامل يصافح قلبي”. زياد خداش ماذا يفعل املرء باللغة حني يولد فلسطينيا؟ الكاتب واملعلم زياد خداش الذي ولد يف القدس عام ،1964ويحمل إجازة يف األدب العريب من جامعة الريموك ،ميارس التعليم يف مدارس فلسطني ويد ّرس الكتابة اإلبداع ّية ،يف رصيده اثنتا عرش مجموعة قصص ّية ،حائز عىل جائزة فلسطني التشجيعية عن كتابه “خطأ النادل”. أتحدث مع زياد عن القدس ،عن القصص ،املخيم، عن األرض والهوية ،عنه كفلسطيني ومبدع. بدأت حياتك اإلبداع ّية يف سنتك الثالثة الجامعيةيف جامعة الريموك ،هل مثة حضور مميز ألحدهم يف تلك البدايات؟ مل يكن هناك أحد مميز يف تلك املرحلة ،وأظن أن املميز يف تلك املرحلة هو اكتشايف لذايت واكتشايف لحاجتي إىل التعبري عن هواجس كثرية كانت تشتعل داخيل يف تلك املرحلة.
لقاءات
الكتابة حالة مبالغة ،هل نجوت من “فخ اللغة”كام طلب إليك مرة الشاعر حسني الربغويث؟ نجوت من فخ اللغة بفضل أ ّيب الشاعر والعمالق حسني الربغويث ،كنت أرقص مع اللغة ،ومل أكن أعرف بأن هذا النوع من الرقص طارد لألفكار واألحداث ويتحول مع الوقت إىل نوع من التهريج والدلع.
يف قصص زياد خداش َأنت دا ًمئا موجود ،كشاهد عىل الحدث، تستخدم ضمري املتكلم ملاذا؟ أعشق ضمري املتكلم يف الكتابة كثرياً، أعتربه متعة قصوى .فهو يعطيني املدى البعيد يف التعبري عن ذايت وهواجيس الدقيقة التي ال يستطيع ضمري الغائب أو املخاطب التعبري عنها. ً أحب أن أكون شاهدا عىل كل يشء، أحب أن أكون منخرطاً يف كل التجارب ،أحب أن ّ أكون صديقاً لبطل القصة أو عدواً له ،أو مراقباً له، أو ماراً بجواره. هل اختلف نتاج زياد قبل أوسلو وبعدها،خصوصاً بعد عودة الكثري من األسامء :يحيى يخلف ،غسان زقطان...؟ اختالف كبري ،أتذكر نفيس كاتباً شاباً ينام عند العارشة ،لديه كتب قليلة محلية. كنّا نستخدم مصطلح “األدب املحيل” املقصود باملصطلح الكتب املطبوعة يف فلسطني ،ومل تكن كتب العائدين بعد أوسلو متوفرة لدينا ،كنا نتشوق لقراءتها واحتضانها. حياة العائدين نفسها ،كانت درساً ومدرسة بالنسبة لنّا .تعلمنا منهم كيف نح ّول الحياة إىل مغامرة وكيف نقول للحياة تعايل ،باإلضافة إىل تقنيات جديدة تعلمناها منهم. تقول يف إحدى الحوارات بأن مسؤولية املثقفاالنخراط بالحدث كونه مواطناً بالدرجة األوىل، االنتفاضة األوىل والثانية ،ثم ما حصل أخرياً يف حي الشيخ جراح وعموم فلسطني ،كيف تأثرت بها؟ تأثري كبري ،لكنه غري مبارش نحن ال نستطيع أن نكتب األحداث كام تحدث ،ال نستطيع أن نحرض ونرصخ كام يفعل الكتاب السياسيون ،هذا ممكن يف مجال الكتابة السياسية املبارشة ،لكن يف األدب
هناك طريقة أخرى. نحن نهضم هذه األحداث؛ نقطرها داخلنا مشاهد فن وأدب ،ونح ّولها إىل واقع مختلف ،واقع مختلف يبعث عىل األسئلة الجديدة. إىل من ينتمي زياد أكرث :القدس ،بيت نبالة،رام الله؟ انتاميئ إىل األماكن الثالثة التي ذكرتيها ،ال أستطيع أن أفصل بينهام أبدًا ،يف داخيل رام الله وبيت نبالة والقدس ،هذه األماكن الثالثة تشكل روحي وتشكل بوصلتي الوطنية ،بيت نبالة الحنني والجذور والبيت األول ،رام الله األصدقاء والحب والكتابة ،القدس الحلم ،الحلم ،الحلم.. فكيف استغني عن أحالمي وعن أصدقايئ وعن بيتي األول؟! املخيم ،حساسية الالجىء ،كيف انعكست عىلكتابتك؟ حساسية الالجئ تطاردين يف كل مكان ،حتى وصلت إىل أعامق قصيص ،معظم شخويص الجئون يبحثون عن ذواتهم ،معظم شخويص حساسون ضائعون يف مهب املدن ،نبالء من الداخل عاجزون عن التعبري ،يخافون من الطوابري أمام املؤسسات .وحني يسافرون يرتعبون من فكرة فقدان جواز سفرهم، وحني ميوتون يتمنون لو كان هناك نفق يف قبورهم، يعودون من خالله إىل بالدهم املخطوفة.
كانت فوضى عارمة
العدد
96
لن أنىس “هاشم” و”فؤاد” صاحبي أشهر محل فالفل يف مخيم األمعري ..ارتبط اسمهام يب ارتباط رائحة فالفلهام املذهلة يف أوائل السبعينيات بقلبي قبل فمي .كنت طالبا يف املرحلة االبتدائية مبدرسة األمعري الثانية برام الله ،كانت املدرسة قد تعاقدت مع هاشم وفؤاد عىل بيع ساندويشات الفالفل لطالب املدرسة الثالمثئة. يف (الفرصة) اسرتاحة التالميذ األوىل ،كان هاشم وفؤاد يقفان يف ساحة املدرسة الواسعة أمامها كراتني ممتلئة بالساندويشات اللذيذة ،املضغوطة عىل حبتي فالفل وقطع بندورة مغمسة بالطحينية وقليل من الشطة ،بانتظار هجوم األفواه بعد ثالث حصص من األوامر والرضب والرصاخ والتفتيش .مل يكن هناك نظام طابور أمام مال ّ يك أفواهنا ،كنا نتجمع فوق بعضنا البعض باملئات أمامهام وخلفهام وبينهام مادّين أيادينا الصغرية باللرية املعدنية. كانت فوىض عارمة ..غري عادلة أبداً ،هناك من كان عاجزاً عن الوصول للكراتني ،وهناك من يصل دون أن يدفع ،عن قصد أو بسبب التدافع. بعد فرتة حدث يشء غريب يل؛ ما أن يرن جرس (الفرصة) كنت تلقائياً أدخل يدي يف جيبي ألخرج اللرية وال اجدها! باكياً كنت أرمتي تحت املقاعد باحثاً عن لرييت. حدث هذا أكرث من مرة ،وكنت أضطر لجوعي الشديد وعشق قلبي لساندويشات هاشم وفؤاد إىل أن أندس بني املئات من التالميذ ،ما ّداً يدي املفتوحة وأنا أصيح: “أعطيتك عمي ..أعطيتك ..والله أعطيتك!” فأحصل عىل الساندويش وأهرب إىل آخر الساحة ،ألتهم خديعتي وأنا أرتجف خوفاً. عرشات الساندويشات حصلت عليها بهذه الطريقة ،وكان لغز ضياع نقودي محرياً بالفعل ،يل وأليب وللمعلمني. أكرث من أربعني سنة مرت عىل خداعي
وارتجافايت وساندويشايت املذهلة. كان شعوري بالذنب ينمو بهدوء كلام رأيت ابن هاشم ،الذي كان عندي طالباً يف املدرسة التي كنت أعلم فيها الطالب َ صدق اإلحساس والتصالح مع النفس وعدم الخداع. قبل سنة واحدة فقط كنت أصافح صديقاً يل كان يعمل وكيل وزارة سابق ،وكان صديقي وزميل مقعد واحد يف املدرسة: “كيفك أبو الزوز .اسمع ..بدي اعرتفلك بشغلة ..مبارح كنت أنا ومريت نلعب لعبة االعرتافات .فاعرتفت لها أين كنت أرسق مصاري الوالد يف املدرسة .أوعَ تزعل هههههه”! ووضع ضاحكاً يف يدي العرش شواقل التي رسقها مني ،ومىض وضحكته تأكل شارع السهل. ودون أن أفكر أرسعت إىل حيث يعمل طالبي املؤدب ابن هاشم ،وضعت يف يده العرش شواكل ،حاكياً له القصة بالتفصيل. خرجت من عند الطالب إىل (فالفل عبده) اشرتيت عرش ساندويشات ،وأمام الناس أرسعت يف التهامها دون ارتجاف. يف الليل وصلتني رسالة من صديقي وطالبي ابن هاشم: “أستاذي الجميل ،ألنك علمتني الصدق يف كل يشء والشجاعة يف مواجهة العامل بالحقيقة ،سأروي لك الحكاية التي رسدها أيب يل وألشقايئ قبل موته .أيب وزميله فؤاد كانا يعرفان من أعطاهام النقود ومن مل يعطهام من التالميذ ،لكنهام كانا يدعيان عدم املعرفة تعاطفاً منهام مع التالميذ غري املقتدرين ،وحني ألححنا أنا وأشقايئ عىل أيب لذكر أسامء التالميذ الذين كانوا يغشون ،رفض أيب أن يفصح ،لكنه قال يل جملة غريبة يا أستاذي أريدك أن تعينني يف تحليلها: “لقد أعطاك أحد هؤالء الغشاشني الصغار أضعاف ما أخذ مني””!
أدب
يضيف زياد أخرياً عن الكتابة بأنها أداته ومعربه وهدفه ،من خاللها يقاوم ويعرف ويع ّلم طالبه أن ال ينسوا بالدهم التي رسقها املحتلون الغاشمون. “أكتب ألنني أخاف املرتفعات والتجار ،وإهانات أمي يف النوم ،والتحديق يف عيون الناس” الجنود ،وتأخر ّ زياد خداش ..فلسطني.
زياد خداش
2021 / 7 / 17
زياد أنت غري منظم سياسياً ،تحب العيش خارجاألطر ،يبدو هذا غريباً كونك فلسطيني؟ نعم متاماً ،إحدى األشياء التي أفخر بها ككاتب ،هو أنني كنت مدركاً لخطر األيديولوجيا يف الكتابة. أنا أحب فلسطني جداً ،وأنتمي إليها وأحلم بالعودة إىل بالدي املرسوقة ،ولكنني ال أستطيع أن أكتب إال من خالل إحسايس الحر ،وبوصلة إحسايس الوحيد هذا حنيني إىل العودة إىل بيتي األول. املرأة يف حياة زياد؟املرأة يف حيايت ويف قصيص ،قصتان حبيبتان إىل قلبي .ال أستطيع أن أكتب عن الحياة دون أن أكتب عن املرأة. ال أستطيع أن أكتب عن األمل وعن السعادة دون أن يكون للمرأة دور كبري يف هاتني املسألتني. ال أمل وال سعادة دون أن يكون بجوار امرأة تبتسم أو تبيك. الجوالن السوري املحتل ،الجغرافية القريبة ،العالقةبينكام؟ ّ ً أحب الجوالن كثريا ،يل أصدقاء كرث هناك .زرت الجوالن ّ مرات عديدة ،يف كل مرة أعود فيها من الجوالن أشعر بأين تركت بيتي هناك. شعور غريب ينتابني كلام وصلت الجوالن .أريد أن أصافح كل الجوالنني الذين ميرون عني .الشخصية أحب أن أكتب الجوالنية شخصية كرمية ومحببةّ . عن الناس هناك ،الذين صمدوا ،عن كربيائهم عن بطوالتهم. زياد خداش خضت تجربة ثر ّية ومهمة يف التعليم،وانترشت لك فيديوهات مميزة مع األطفال ،ما الفكرة من ذلك؟ الذي دفعني لخوض هذه التجربة مع التالميذ ،هو رغبتي بأن أتحرر أيضاً وأحرر .أتحرر من هذا املكان الثقيل وأحرر طاليب من هذا املكان الثقيل ،هي عملية تحرر مزودجة .أنا أعترب أن املدرس يعيش أيضاً سجناً كبرياً يف املدرسة إىل جانب الطالب.
17
رياض الصاحل احلسني.. ّ ّ متمردة متفردة جتربة شعرية
18 ياسمين نهار
العدد
96 2021 / 7 / 17 ثقافة
يف عامل يكتنفه الغموض ،وتضيق فيه فرص اإلفصاح؛ يصبح ّ الشعر فضا ًء رحباً وعاملاً بدي ًال لشاعر رفض القوالب ال ّثابتة يف الحياة ويف الفنّ ؛ أل ّنه أدرك منذ بداياته ّأن الحر ّية رشط اإلبداع األ ّول. الصالح الحسني كتب شعر التّفعيلة رياض ّ وقصيدة النرثّ ،إل أ ّنه ُيع ّد رائداً من ر ّواد قصيدة النّرث؛ أي ال وزن ،وال قافية؛ فقد امتلك من مق ّومات ّ الشعر التقليد ّية ال ّلغة ،ولغته ط ّيعة مرنة رفعها من الكالم العاديّ إىل مراتب ّ بالصور الجديدة الشعر ّية ،واستعاض عن اإليقاع ّ املفاجئة والتّضاد والدّفقة ّ املوحدة الشعور ّية ّ لقصيدته. ّإن تط ّور ذائقة القارئ وا ّتساع آفاقه يف العقود األخرية ساعد عىل تق ّبل التجارب ّ الشعر ّية املختلفة املتح ّررة من النّمط ّية ّ الشعر ّية ،التي هيمنت عىل ّ الشعر إبداعاً وتلق ّياً عقوداً طويلة، محارص ًة ّ كل محاولة للتّجديد ،متجاهل ًة ما يطرأ متغيات. عىل الحياة والفنّ من ّ السبعين ّيات ولد يف رياض شاعر من شعراء جيل ّ مدينة درعا عام ،1954وهو ينحدر من مدينة مارع يف ريف حلب ،تويف يف عام 1982بعد معاناة مع مرض القصور الكلوي. حادثتان كان لهام أث ٌر كب ٌري عىل حياته وشعره، السمع والقدرة ّ الطبيع ّية عل أ ّولهام :فقدانه ّ النّطق أثناء عملية جراح ّية ُأجريت له وهو يف ال ّثالثة عرش من عمره ،وثانيهام :تجربة اعتقال مريرة بسبب إصدار ك ّراس أد ّيب مع مجموعة من األدباء ّ الش ّبان تع ّرض خاللها لتنكيل أكرث من أقرانه للتأ ّكد من حقيقة إعاقته. له أربع مجموعات شعر ّية هي حسب تتايل صدورها“ :خراب الدورة الدمو ّية”“ ،أساطري يوم ّية”“ ،بسيط كاملاء واضح كطلقة مسدس”،
ٌ ٌ (وعل يف “وعل يف الغابة”) وديوانه األخري الغابة) ُطبع بعد وفاته.
أبرز مم ّيزات شعر رياض الصالح الحسني:
ّ -1 الطفولة املمتدة: ّإن قصائده ُتنبئ بشخص ّية شاب ش ّفاف له قلب وكأن ّ طفلّ ، الطفولة النّابضة يف ثنايا شعره تخفي رغب ًة باستعادة الزّمن ،وحنيناً إىل مرحلة ما قبل بالصمم ال ّثالثة عرش من عمره؛ قبل أن ُيصاب ّ وتعث النّطق ،فكانت ّ ّ الطفولة يف شعره عود ًة إىل النّقاء ورغب ًة يف إيجاد صلة بني روحه ّ الشاعرة وطفولة الخليقة ،لع ّله يعيد للحياة صفاءها املشتهى. الحب هاجسه األ ّول يف ّ الشعر الحب :يع ّد ّ ّ -2 ويف الحياة؛ الخاصة، إذ يصعب علينا أن نفصل شعره (بلغته ّ وعوامله املدهشة) عن حياته ّ وكأن شعره صورة مهم إلبداعه ،وليس لحياته ،وحياته مصد ٌر ٌّ ً الحب عنده حالة لل ّراحة بل حافزا للحياة ّ ً والكتابة؛ به ميحو قباحة الحياة ،وبه أيضا ينترص عىل إعاقته ومرضه ،ويصري إنساناً كام ًال ..ومن أجمل قصائده قصيدة بعنوان “يدك”: ات مغلقة “خمس قار ٍ
تنتظر أصابع يدك الخمسة خمس قارات مفتوحة تنتظرين أضم أصابع يدك الخمسة عندما ّ يدك يف ّ الشتاء اب مب ّلل باملطر تر ٌ الصيف ويدك يف ّ سنبلة يف حقلٍ من الرماد ال تفتحي يدك ..ال تفتحي يدك ّ فكل أغاين العامل ستنطلق منها ال تغلقي يدك ..ال تغلقي يدك ّ فكل أغاين العامل ستلتجئ إليها يدك الطر ّية الدافئة كقلبي كيف أتركها تضيع كطائ ٍر يف غابة مليئة بالص ّيادين” - 3النزعة ال ّدرام ّية يف شعره: ّإن القصيدة الغنائ ّية مل تعد قادرة عىل استيعاب التط ّورات الجديدة ومشكالت اإلنسان وحاجاته املتزايدة؛ لذا لجأ ّ الشعراء املجدّدون ،ومنهم السد واملونولوج شاعرنا ،إىل استخدام تقن ّيات ّ والعنارص ال ّدرام ّية ّ مم جعل قصائدهم تتسم بالتن ّوع واالختالف ،واملتتبع بنية قصائد رياض
19
العدد
الصالح الحسني “وعل يف الغابة” هذا هو رياض ّ املمتلئة ح ّد التّخمة بزفري القهر ..رياض “بسيط كاملاء واضح كطلقة مسدس” لكنّه استرشف وتن ّبأ بـ “خراب الدورة الدموية” ألوطاننا، وملّا نزل نرى يف يومياتنا وأوجاعنا ما كتبه من “أساطري يومية”.
96
السعيدة “يا سورية الجميلة ّ كمدفأة يف كانون يا سورية التعيسة كعظمة بني أسنان كلب يا سورية القاسية كمرشط يف يد ج ّراح نحن أبناؤك الط ّيبون الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك أبداً سنقودك إىل الينابيع أبداً سنج ّفف دمك بأصابعنا الخرضاء ودموعك بشفاهنا اليابسة أبداً سنشقّ أمامك الدروب ولن نرتكك تضيعني يا سورية كأغنية يف صحراء”
2021 / 7 / 17
َ - 4ن ْق ُل تفاصيل الواقع: امتاز رياض بالقدرة عىل القبض عىل التّفاصيل الصغرية وتحويلها إىل شعر؛ حيث أخرج ّ ُ الصغرية من الهامش امله َمل اليوم ّيات والجزئ ّيات ّ ّ إىل دائرة ّ الضوء والحياة؛ ألنه اختار أن ينزل إىل الواقع البائس ويعكس يومياته ،ساعد ْته عىل ذلك موهبته وعفو ّيته ود ّقة مالحظته ،وال يعني ما سبق من كالم ّأن شعره ك ّله اقترص عىل التّعبري عن اآلخر واألشياء الهامش ّية ،فقد كان لذاته ا ُملح ّبة واملغامرة والقلقة نصيب وافر من الشعر ّية .وهذا إنجاز ُيحتسب ّ تجربته ّ للشعراء املجدّدين. - 5نربة الحزن والقدرة عىل الجمع بني املتناقضات: الحزن ُبعدٌ من أبعاد الذات التي تعيش يف عامل يحكمه االضطهاد والفقر ،فكيف إذا كان لشاعرنا الخاصة باإلضافة إىل املعاناة العا ّمة معاناته ّ والصمم ّ وتعث النّطق؟ لذا صدق بسبب املرض ّ الشاعر اإلمارايت حبيب الصائغ “ :يف كلّ فيه قول ّ شاعر كائن مسكون بكآبة الدّنيا وتعب الكون”. وليس هذا فحسب فقد برع رياض يف املقابلة بني القيم املتناقضة (الفرح /الحزن)( ،املوت/ الحياة)( ،األبيض /األسود)( ،الكآبة /الضحك). وهذا التّضاد أخرج القصيدة من املعنى األحادي إىل معانٍ متداخلة. ّ وختاماً أقول :لنئ تأثر رياض مبح ّمد املاغوط الشعراءّ ، ونزيه أبو عفش وغريهام من ّ واطلع
ثقافة
يرى ّأن عدداً كبرياً منها يعتمد عىل القصيدة املشهد؛ حيث تبدأ القصيدة مبشهد أ ّو ّيل ال يلبث أن يتّسع إىل مشاهد ،أو تكون القصيدة مجموعة من املشاهد املختلفة كام يف قصيدة قسمها إىل تسعة “خراب الدورة الدمو ّية” حيث ّ ً ّ مقاطعّ ، كل مقطع مي ّثل مشهداً مستقل ،وجعل خيطاً رفيعاً يربط املشاهد املنفصلة ،لتش ّكل يف النهاية لوحة مكتملة ،ولعل قصيدة “أغنية رجل متعب عائد إىل البيت” من القصائد التي ّ تدل عىل التوافق بني تقنية املونولوج الداخيل التي ّ وظفها الشاعر يف قصيدته والفكرة التي أراد إيصالها .يقول: “هذه الدنيا املوشكة عىل البكاء برتقالة أم حجر سمكة أم متساح؟ وهذا القمر ّ الذي ّ يطل كل مساء بثيابه ال ّر ّثة ما ّداً يديه إىل سكارى منتصف الليل كشحاذ عتيق ّ هل أسأله من أنت أم أغرز أسناين يف رأسه؟ رأسه الذي كحبة جوز فارغة تتط ّوح يف هواء منتصف الليل. أنظر إىل القمر كرومانتييك عريق وخنرصي أمام أنفه سأخاصمك يا قمر أ ّيها األصفر الكبري لن أرشب معك القهوة ولن أركض معك يف الرب ّية لن أنتحب أمامك كعاشق ولن أحجب وجهك كغيمة
وكجندي مهزوم عائد من حرب عادلة سأنظر دامئاً إىل األسفل راك ًال الحىص واملتاعب ببوز حذايئ وأنا أف ّكر باملجهول”
تيس له من ّ العاملي املرتجم، الشعر عىل ما ّ ّ الخاص املتف ّرد أرص عىل أن يكون له صوته ّ فقد ّ واملتم ّرد. مثانية وعرشون عاماً هو عمر تجربة شاعر مع والشعر! أمضاها الهثاً متحفزاً مواظباً الحياة ّ شخيص ،فوصل إىل ما صبا عىل صناعة تاريخ ّ إليهّ ، وظل حلمه بوطن يقوده أبناؤه الط ّيبون إىل ينابيع الحر ّية مع ّلقاً ينتظر التح ّقق ،ومازال صدى شعره الهامس يرتدّد يف أسامعنا حني خاطب “سورية”: