حرية ،كرامة ،مواطنة
العدد
100 2021 / 11 / 20
مجلة شهرية ،سياسية ،ثقافية ،مستقلة
اغتيال األمل 2
نصار افتتاحية العدد بقلم أسامة ّ
العدد
100 2021 / 11 / 20
يف مجموعة دردشة لسوريني يف الشتات ،ناشط كان منخرطاً يف الثورة بكل تفاصيلها قبل أن يغادر البلد يسأل جاداً“ :ما هو الوضع يف شامل سوريا املحرر؟ هل ال زالت هناك فصائل؟ وما هو “الجيش الوطني”؟ ليجيبه آخر مثله“ :ال أعرف أيّ يشء عن الوضع يف الشامل ،وال يف الجنوب وال يف الوسط ،وال حتى يف قريتنا ..آخر ما سمعته عن البلد هو خرب وفاة صباح فخري!” تع ّقب زميلة أخرى يف نفس املجموعة ومن نفس الخلفية“ :مل أعد أتابع شيئاً من األخبار.. ال املحلية وال العاملية ..لكن سمعت عن عودة رفعت أسد إىل سوريا! وأسمع عن مشاكل عنرصية للسوريني يف تركيا وعن يشء اسمه “البطاقة الذكية” يف املناطق التي يسيطر عليها النظام ..وغري ذلك ،وغري أخبار كورونا التي انحرشت يف كل تفاصيلنا اليومية ،ال وقت -وال ذهن -عندي ألي يشء آخر”. من مثل هذه العينة ،كيف ميكننا تفسري فقدان الكثريين لحامسهم تجاه القضايا العامة؟ لو سألنا الناشط العادي أو الناشطة العادية، ملاذا تغريت طبيعة ارتباطك وتفاعلك مع األخبار واألحداث ،ستأيت اإلجابة سي ًال من “وجع الراس” واألخبار السيئة التي يعرفها بالرضورة من يتابع أو اليتابع الصحافة وامليديا ،مثل:
سيف اإلسالم مع ّمر القذايف يقدّم َ ملف ترشيحه لرئاسة ليبيا ،ويظهر مرتدياً نفس بردة أبيه البنية القبيحة ،مبا يف ذلك من إمياءات جلية بأن شيئاً مل يتغري بل (لن) يتغري بعد ثوراتكم ،وأن برنامجي السيايس هو أن “أعيش يف جلباب أيب” ،وهذا ما أريده لليبيا والشعب الليبي! ورغد صدام حسني تبارك للمذكور ،وتتمنى عودة األمجاد واأليام الخوايل ،وأن يعيد “أخوها الغايل” سيف اإلسالم ليبيا “إىل موقعها الحقيقي”! ويف مرص السيساوية تستمر محاكامت ومتديدات سجن للناشطني املرصيني ،وإعادة االعتبار لكل ما يتعلق بحقبة نظام مبارك. عندنا يف سوريا ،ومرة أخرى ،ابنة ماهر األسد تفوز باملركز األول والثاين (معاً) يف مسابقة للفروسية ،وترتك الجائزة الثالثة والفتات لباقي الخدم ..التقليديني أيضاً! رشكة مشغل االتصاالت ،بجانب العتيدة سريياتل ُتسمى “إمياتل” و”إميا” هو اسم الدلع التي كانت تدعى به أسامء األخرس أثناء إقامتها يف بريطانيا ،قبل أن تعود لسوريا فتصبح “أسامء األسد” ،بخالف العرف السوري الذي تحتفظ فيه املرأة باسم عائلتها بعد زواجها وال ُتنسب لزوجها. وال يبدو أن عودة النظام السوري إىل الجامعة العربية أمراً بعيداً؛ فها هي اإلمارات تقود حملة التطبيع مع النظام ،وليست مبفارقة أبداً أنها أيضاً تقود حملة التطبيع مع “إرسائيل” ،فقد بات www.freedomraise.net
افتتاحية
املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد
شهرية ثقافية ،اجتامعية ،سياسية، تعنى بالشأن السوري املدير اإلداري معتصم أبو الشامات
الغالف سمري خلييل
واضحاً متاماً كم هي “إرسائيل” رضورية للنظام وللمنطقة ..وكم هو بقاء النظام وحلف املامنعة رضوري إلرسائيل ..و”املامنعة” األمريكية لحملة التطبيع مع النظام تبدو شكلية متاماً؛ إذ أصبح من السهل التمييز متى يقول األمريكان “ال” حيث ال يقصدون بها إال “نعم”. وباملجمل ميكن القول إن ما عمل عليه النظام الدويل خالل العقد املنرصم وحتى اآلن ما هو إال قتل األمل وتأبيد اليأس لدى الشعوب املقهورة ،وإطفاء أي بصيص من الضوء يف آخر النفق :ستبقون كام أنتم ،وستبقى األنظمة شك ًال ومضموناً كام هي ،حتى بشخوصها إىل أبد اآلبدين .واليأس وموت األمل ال يعني يف النهاية الهم العام ،واللهاث وراء أي إال العزوف عن ّ إمكانية ميكن أن تتاح للخالص الفردي. ً ومن أجل مزيد من املوضوعية ،رمبا صار لزاما أن نعرتف بهذا أمراً واقعاً؛ فنقول إن الربيع العريب قد فشل ،وانهزمت الثورات كلها ،رغم تغريات كبرية تحققت يف عقد الربيع العريب ،سواء يف دول الثورات أو غريها ،وسنختلف أو نتفق عىل تقييم نجاح وفشل الثورات باملجمل ،أو عند دراسة كل واحدة عىل حدة ،ولكن ما ينبغي الحذر منه هو أن تجرنا هذه “املوضوعية” إىل الركون إلدانة جذرية للجوهر اإلنساين الذي قامت عليه كل انتفاضات الشعوب؛ بأن الكرامة حق لكل إنسان ،وأن الحرية حق لكل إنسان، وأن الناس كلهم سواء. تفاعل معنا عرب صفحاتنا عىل اإلنرتنت facebook.com/rising4freedom
نصار رئيس التحرير أسامة ّ
twitter.com/freedomraise
نائب رئيس التحرير ليىل الصفدي
freedomraise@gmail.com
كاريكاتري سمري خلييل /هاين ع ّباس
أمن رقمي ومحاسبة وائل موىس
زمالء مختطفون يف سوريا رزان زيتونة -ناظم حامدي
3
العدد
100
2021 / 11 / 20
بوسرت
مشقة حياة!
4 جمال الشوفي
العدد
100 2021 / 11 / 20 مقاالت
ليتها كانت مش ّقة حياة وحسب! وليتها كانت مجرد صورة عابرة! أو مشهداً عابراً يف حياتنا .كانت عنوان طوفان سوري عام. مل يكن العنوان موفقاً ،ومع هذا حققت الصورة جائزة عاملية الشهر الفائت! “مشقة حياة” عنوان غري موفق لصورة ألب سوري مبتور القدم يحمل طفله الذي ولد بال أطراف بفرح عارم ،التقطها املصور الرتيك محمد أصالن يف قرية الريحانية عىل الحدود السورية الرتكية .وفد تناقلت وسائل االعالم فوز هذه الصورة بجائزة صورة العام 2021 مبسابقة SIPAالدولية للصور .لتشري إىل املعنى اإلنساين والعاطفي املحتوى فيها ،مجسدة وبحرفية عواطف األب “منذر النزال” مبتور القدم وهو يبتسم لـ”مصطفى”؛ طفله الذي ولد معاقاً بال أطراف! ّ مل تكن مشقة حياة وحسب .بل إحدى أوجهها فقط ،وإال افرتضنا أن حياة النزال وابنه ومثلهام ماليني السوريني باتت طبيعية بتهجريهم وتشتتهم، وكل ما يعانونه بضع مشقات من الحياة الطبيعية؛ كتشوه خلقي استثنايئ ،أو إعاقة جسدية أو نفسية مألوفة بنسبها الطبيعية يف أي مجتمع! كان األجدر تسميتها “الطوفان والنكبة السورية”، “الكارثة السورية”! فاألب واحد من اآلالف الذين باتوا معاقني بفعل القصف والدمار الذي استمر ألعوام ومل ينت ِه بعد لليوم ،يف أريحا وعفرين ورمبا غريهام ،ومجريات األيام القادمة ستفصح عن املزيد! والطفل واحد من مليون طفل سوري بات يتي ًام أو معاقاً أو ُولد مشوهاً ،وذلك حسب تقارير األمم املتحدة! ومصطفى هو الطفل الذي ُولد مشوهاً بفعل مضاعفات األدوية التي تناولتها أمه أثناء الحمل نتيجة تعرضها لغاز األعصاب، حسبام أفادت تقارير طبية .وال أحد ميكنه أن يجزم لليوم إن كان التشوه ناتج عن األدوية أم عن غاز األعصاب بذاته .وباألساس مل يج ِر مسح ملناطق النزاع السوري ،أو دراسات توثق التشوه
الخلقي أو التغري الجيني املمكن! ففي العراق مث ًال ،قامت وزارة الصحة العراقية وبالتعاون مع أكادمييني عراقيني ومنظامت دولية ،وخالل حربيها األوىل والثانية ،بدراسة التغري الجيني والتشوه الخلقي الناتج عن استخدام أسلحة التحالف الدويل لألسلحة املحرمة وقتها ،وأثبتت تضاعفها بنسبة !300% العامنيات يف مشهد سابق ،إحدى الطالبات ُ وكمرشوع تخرج لها ،متكنت من تجسيد الواقع السوري بخروج األب وابنه من إطار اللوحة. واللوحة كانت سورية ،والعنوان كان اللجوء بعد طوفان عارم للقتل واملوت .واليوم يصور حال السوري الالجئ باملش ّقة! لرمبا أجاد الفنانني الرتيك والعامين بوصف املشهد السوري حسياً وعاطفياً ،وتسليط الضوء عىل جزء من معاناتنا العامة ،كام أجاد ذلك الرشطي الرتيك الذي التقط صورة “إيالن الكردي” عىل شواطئ الهجرة قبل أعوام! ولكنا مل نجد بعد بتصوير طوفاننا عىل مستوى نقد العمق املتحرك فيه! فرغم ما ُكتب سياسياً وبشكل هائل يف املسألة السورية ،لكن إىل اليوم مل يتشكل بعد وبوضوح فني أو أديب أو فكري نقد عميق لتحوالتنا البنيوية العميقة يف املشهد السوري .فإن كان جزء هام من كوارثنا هو مش ّقات الحياة بالداخل ،وما يتبعها من اختناقات قاتلة يف سبل العيش ،ويف الجوار ،يف دول اللجوء القريب ،نكبة البيوت ومخيامت اللجوء وكوارثها الصحية والخدمية ،لكنها إىل اليوم وجه من أوجه الطوفان السوري والذي مل يستق ّر بعد. كان من املدهش املثري للحرية والغنب لو اكتفى فيكتور هوغو مبشهد لعق النبيذ مع الرتاب يف حي فرنيس فقري عندما وقع برميل نبيذ من عربة وأفرغ محتواه يف األرض ،وكانت القصة ستكون مشقة حياة وحسب! وكيف سنعالج حال الفقراء؟ ليأكلوا أو لنطعمهم الكاتو إن مل يجدوا الخبز حسبام اقرتحت ماري أنطوانيت وقتها! لكنه أرادها قصة
تحوالت عميقة تطال بنى املجتمع الفرنيس كافة، حياتياً ومادياً وفكرياً وثقافياً وفنياً وأدبياً ،فكانت ثورة حياة بعد طوفان موت.. ميزة األوجه املأساوية للحياة أنها متتلئ حساً وعواطف ومشاعر ،وهذه وإن كانت تحتاج ملا يقابلها من عواطف نبيلة لكنها ال تكفي! كام ال يكفي تجسيدها بصور وفقط ،بل الغوص العميق يف نقد املوروث الديني والعريف السائد ،وتفكيك بنى السياسة السلطوية واالستحواذية املدمرة للحياة والبرش ،والبحث عن إرشاقات أدبية وفكرية تحاول أن تشقّ طريقها للنور يف رحلة عتمة الطوفان العام! وما يدعو للحرية ،أن محاوالت السوريني يف ذلك الزالت ،ورغم عنادها لجرف الطوفان العام ،الزالت تغرق يف السيايس وحسب، وقلام تنفذ للعمق باتجاه البحث الدؤوب عن املشرتك العام ،وعن اعتبار قضية واحدة لفئة أو طائفة أو ملة هي كل القضايا وما عداها ثانوي.. مهمة السوريني املبدعني اليوم تشكيل الفارق املهم والحيوي يف تكريس منوذجية الطوفان السوري ،وعدم االكتفاء بنامذج دماره عىل أهميتها وعظمتها التوثيقة كعمل نبيل ،وأيضاً يف النحت الشاق يف الوصول ّ ّ لشط األمان ،ال جزره وحسب. ّ وشط األمان الهام ،والذي سيمثل ح ّداً عىل طوفان املوت والحرب والعنف وتنازع الرشعيات القاتل ،هو القدرة عىل التعاقد عىل سريورة حياة مختلفة عن مجريات طوفان املوت هذا ومسبباته ونواتجه .التعاقد الحر والرضايئ عىل سيادة القانون يف وطن تسوده الحريات واإلبداع واالستقرار واألمان وقدرة القانون عىل محاسبة الخارجني عن عقده .وليس ذلك فقط ،بل والقدرة عىل االعرتاف باألخطاء وعالجها ،وقد يكون أحدها إجراء مسح عام للتشوهات الخلقية والجينية الحادثة كام التشوهات األخالقية والوطنية ،ومحاسبة مجرمي الحرب ومولدي طوفانها ،حينها ميكن أن نسميها “لوحة حياة” ،وما يتخللها مجرد “مشقة حياة”..
ّ تصدع املستقبل
5
عبد اهلل شاهين
العدد
100 2021 / 11 / 20 مقاالت
لطاملا تساءلت يف خاطري عن مآلنا نحن السوريني ما بعد سقوط النظام واستقرار أوضاع البالد، أَ َنت ََص ْو َمل (من نصري عىل خطى الصومال عقب حربها األهلية) أم َنتَأَ ْلمن (نسري عىل ُخطا أملانيا عقب الحرب العاملية الثانية)؟ أنشهد مرحلة إعادة إعامر مزدهرة تنقل الدولة إىل اقتصاد ما بعد العهد الصناعي ،أم نجد أنفسنا تحت رحمة املنظامت الدولية دون وجود تنمية حقيقية وأسس إعادة بناء قوية؟ ال ّ شك أن التنبؤ بهذا املآل أمر عويص ،كونه مرتبط بعوامل معقدة ومتشابكة ،وتجاربنا اليوم ترينا أننا أمام تح ٍد بالغ الصعوبة وال ّ حل يف األفق. العامل الحاسم يف كل تجارب إعادة اإلعامر (عقب الحروب والكوارث) حول العامل مل يكن وجود خطة “مارشال” اقتصادية ،ومل تكن القروض الدولية امليرسة أداة تفعيل أو تثبيط حقيقي لالقتصادات التي يف طور التعايف ،لقد كان العامل البرشي عىل الدوام أكرث العوامل التي ميكن من خاللها التنبؤ مبستقبل الدول املتعافية .بل أكاد أجزم بأنه هو العامل الحاسم يف هذه املعادلة. ذلك العامل البرشي مرتبط مبعيارين أساسيني هام :استعداد هذا الشعب من الناحية التدريبية والتعليمية والتقنية ،واآلخر هو وجود صيغة اجتامعية تربط هذا الشعب بعضه ببعض ،وتربط األرض الجغرافية بأرضية اجتامعية مشرتكة بينهم. إذا ما نظرنا إىل املعيار األول نجدنا أمام واقع مظلم ،قامت منظمة Save the Childrenبدراسة الواقع التعليمي للسوريني يف الشامل السوري عام .2019وجدت هذه الدراسة أن 2.45مليون طفل سوري -أو واحداً من كل ثالثة -ال يذهبون إىل املدرسة .بل والحظوا كذلك انخفاضاً يف عدد
طالب املدارس التي يديرونها مبقدار الثلث؛ من أكرث من 11200إىل حوايل 7775طالباً .تصبح املأساة مضاعفة عندما نعلم أن هؤالء الطالب -الذين باتوا خارج دائرة التعليم املدريس -مل يذهبوا إىل مهن يدوية أو حرف صناعية ،بل إن الكثري منهم يعملون يف تجميع النفايات والخردة أو التسول أو يف املزارع ،أو يجلسون يف بيوتهم وخيامهم.. هذا الحال ليس طارئاً وال قصري األمد ،نحن اآلن نقارب من دخول العام الحادي عرش منذ انطالق الثورة السورية وبداية هذه التغريبة. دراسة أخرى من عام 2017وجدت أن هنالك أكرث من مئة ألف طالب سوري جاهز للدراسة الجامعية وليس له مقعد درايس وال منحة .هنالك إذاً انقطاع كامل عن التعليم لثلث أطفال سوريا، وغياب شبه كامل لسبل إكامله ملئات اآلالف منهم ،حتى وإن متكنوا من إمتام التعليم املدريس. أما واقعنا من ناحية املعيار الثاين فال يقل سوداوية، فأكرث من 14مليون سوري باتوا مهجرين عن ديارهم ما بني نازح والجئ .كثري منهم من مر بأكرث من تجربة نزوح خالل األعوام العرشة املنرصمة ،ومازال بال مأوى أو مستقر .كيف ميكن ألي إنسان أن يبني واقعه أو مستقبله وهو بدون مأوى وال مستقر؟ كيف نطلب أن يصبح الطفل الذي يسكن يف مخيامت مكتظة وقد خرج من التعليم املدريس أن يكون املعجزة القادمة يف العلم أو الفكر؟ حتى وإن فعل طفل منهم بالرغم من كل ظروفه العصيبة فام عىس يفعل اآلخرون؟ نحن أمام معضالت كربى تزيد تعقيد الحلول التي علينا اإلتيان بها .نحن أمام فجوة زمنية وتعليمية كربى تجعل الصدع الذي نريد مأله
كبرياً ،بل املصيبة أن هذا الصدع ما زال يف طوره التوسعي ،ومازالت تنبثق منه تصدعات أخرى. بالرغم من دخولهام يف حروب كربى طاحنة دمرتهام ،إال أن التعليم والصناعة والطبابة والسكن ّ ظل محفوظاً لجزء كبري من مواطني أملانيا واليابان (باستثناء من تم نفيهم إىل املعتقالت واملحارق يف أملانيا)ّ ، وظل هؤالء السكان يف أرضهم وبيوتهم ،بل وظلت العجلة الصناعية والبحوث العلمية والتقنية غزيرة اإلنتاج .نحن اليوم أمام حالة انقطاع كامل عن التعلم واإلنتاج والعمل والتطور ،فقدنا خالل هذه السنوات العرش الكفاءات البرشية التي كانت لدينا ،كام حكمنا عىل غالبية الجيل القادم بالفشل، ومهام منينا أنفسنا بجامل اإلنجازات الفردية لبعض املغرتبني السورين -والتي ترفع الرأس دون أدىن شك- إال أننا ما زلنا أمام مشهد مروع من الفقر والترشد وضياع املستقبل .وال ّ حل يلوح يف األفق لهذه املآيس املرتاكبة والتي تزداد فداحة يوم ُا بعد يوم. الصومال اليوم -والتي جعلنا من اسمها مرادفاً للفشل والتخلف والحروب الطاحنة -تنهض من جديد ،وتنفض عنها ركام الحرب ،بل وأصبحت قبلة للكفاءات العلمية واملهنية السورية والعربية .أما أملانيا فهي أكرب اقتصاد أورويب ،وبها أكرب جالية سورية يف تلك القارة .الثابت الوحيد أنه ال يشء يبقى عىل حاله ،ولن يزول صداعنا إىل إذا ما قمنا مبا ميكننا فعله اليوم ،وعلينا أن نركز عىل أن يكون كل ما ميكن أن نفعله اليوم ليصري سوريوا 2031بحال أفضل وتكون توقعاتنا ملستقبلنا أكرث إرشاقاً مام هي عليه اليوم. وبعد ثالثية التشاؤم (ال شفاء لهذه النازفة ،األمل مبا تبقى من العمل) يف العددين السابقني) هذه سنستعرض ثالثية الحلول التي علينا أن نعمل بها.
ّ تعدد الزوجات -ملاذا فشلت احلداثة
6 أحمد برهو
العدد
100 2021 / 11 / 20 مقاالت
يعيش الشعب السوري اليوم يف املناطق السورية جميعها ،ضائقة اقتصادية واجتامعية كبرية تصل إىل مستوى الكارثة اإلنسان ّية ،فيام تزداد الضائقة أكرث عىل مناطق الشامل السوري ،التي تتعرض منذ عرش سنني للقصف اليومي من قبل النظام السوري وحلفائه، إضافة إىل خضوع تلك املنطقة لفصائل مس ّلحة كسلطات أمر واقع ،وغياب القوانني املدنية الناظمة، فيستعني أهايل املنطقة بالثقافة اإلسالمية كبعد قانوين /رشعي إلدارة العالقات االجتامعية واملالية، ومن بينها مسائل الزواج والطالق. قريباً من الشامل السوري ،يف والية ك ّلس الرتكية، حقوقي ال يسمح بتعدد الزوجات ،يخضع مثة نظام ّ له السوري املهاجر كضيف يف األرايض الرتك ّية ،وقد يكون هذا السوري من منطقة اعزاز السورية ،والتي ال تبعد سوى كيلومرتات قليلة عن ك ّلس .اعزاز التي تم قبل مدة وجيزة اإلعالن من إحدى مخيامت ّ النازحني فيها ،عن افتتاح مركز لـ (تعدد الزوجات)، وسط تفاعالت متباينة للشعب السوري ،عرب وسائل التواصل االجتامعي .تفاوتت التفاعالت بني تأييد للفكرة ،وبني رفضها. أما املؤيد فغالباً ما كان ي ّربر موقفه باالستناد إىل نصوص دينية ،أو إىل وجهة نظر (واقع ّية) يف التعاطي مع مسألة كرثة عدد النساء ال ّلوايت فقدن املعيل ،يف إشارة إىل شهداء الحرب ،قياساً إىل عدد الرجال يف بلد يعاين أهله من ويالت الحرب. أما املعارضون لفكرة تعدد الزوجات فهم من فئة غري املتدينني غالباً ،مستندين يف وجهة نظرهم إىل رضورة احرتام حرية املرأة ،املقموعة من قبل الرجل! فيام طرح عدد قليل نسبياً النهج الليربايل يف التفكري؛ حيث تناول املسألة من جهة حرية الفرد ،ووجوب متكني املرأة من حر ّية خيارها. وتجدر اإلشارة إىل ّأن ثقافة (تعدد الزوجات) بحد ذاتها ليست أمراً غريباً عن املجتمع السوري كخيار
متوفر ،تجيزه الثقافة الدينية والعرف االجتامعي ،لكن طرحه كمرشوع دفع املجتمع السوري للحديث يف ذلك عىل مستويني اثنتني: - 1لغة بسيطة يشوبها ّ متس الشك تجاه قضايا ّ املنظامت والدعم املايل ،وحديث عن ذ ّمة القامئني عليها. - 2استياء من محاولة تنميط هوية الثورة السورية لصالح قالب ثقايف بعينه ،من حيث تسويق حدث (افتتاح جمعية لتعدد الزوجات) باعتباره فع ًال يعرب عن هوية مقاوم ٍة لثورة حرية ،يف حني ال يتفق أصحاب هذا الت ّيار مع مؤيدي تعدد الزوجات، وتجددت سريورة الخالف بني طرفني ،أحدهام يرى أن موقفه نابع من هويته الدين ّية ،ومن يعارض موقفه سيتعرض لهويته ،ال بل سيعارض هوية الثورة! وطرف ثانٍ سيخلط بني معارضته ملوقف اآلخر ،وبني اإلساءة ملعتقد ،ضمن إشكال متكرر يبدو أن له أصوله الثقافية. يف سياق دراسة توتر العالقة بني هوية املجتمعات املحلية وبني هوية اآلخر ،سنستعني بفيديو انترش، قبل فرتة وجيزة من الشامل السوري أيضاً ،للشيخ أسامة الرفاعي ،يقول فيه“ :هناك نساء من أبناء ِجلدتنا ،يتكلمون بلغتنا ،بل هم من أبناء بلدنا ..يأتون مجندات من ِقبل األمم املتحدة وغريها ..لينرشوا بني فتياتنا ما يسمونه بتحرير املرأة ،ما يسمونه بالجندرة...أن ُت ًكن املرأة من حريتها ،يقولون للمرأة أنت مستعبدة من قبل الزوج ،األب ،خذي حريتك كاملة ،هكذا شأن اإلنسان ،”..ثم يصف فيقول: “مجندات من قبل الغرب إلفساد نسائنا.”.. رمبا ميكننا مالحظة النقاط التالية: توتر العالقة بني الهوية املحلية وبني هوية عاملية (يسميهاالغرب). مناقشة مفهوم الحرية من خالل عالقة الرجل واملرأة. يف مثل هذا السياق يتحدث املفكر اللبناين أمني
معلوف ،يف كتابه الهويات القاتلة ،عن توتر الهويات املحلية ،بعد انهيار النموذج الشيوعي بحسب رأيه، تجاه موضوعة العوملة ،وأن هذا التوتر يظهر يف صيغة محاولة “إبراز عنرص -واحد -من هويتهم عىل حساب العنارص األخرى ،وهكذا يصبح تأكيد االنتامء الديني واعتباره العنرص األسايس للهوية موقفاً شائعاً”.. ويفرس تنامي الظاهرة الدينية كمحاولة للتأليف بني الحاجة إىل هوية ،ومطلب العاملية ،يف ظاهرة يسميها املعلوف بـ “قبائل كوكبية”. لكن ويف مستوى آخر من التوتر الهويايت يحدثنا معلوف عن توتر دولة كفرنسا بعمقها الحضاري ،من توجه أمرييك يريد فرض الهو ّية األمريك ّية كنموذج وحيد لهوية عاملية واحدة يف إطار ما يس ّمى بـ “العوملة”. لذلك سنتناىس آن ّيا مهاجمة الشيخ الرفاعي للنامذج األخرى “الغربية” لرنكز عىل موقفه من الحر ّية ذاتها: يقول الشيخ“ :يقولون للمرأة أنت مستعبدة من قبل الزوج ،األب ،خذي حريتك كاملة ،هكذا شأن اإلنسان.”.. فهل ميكننا نفي مقالة الشيخ من حيث وقوعها أو عدم وقوعها بالفعل؟ يف كتابه (الوعي الجاميل) مييز د .سعد الدين كليب بني وعيني جامليني“ :كالسييك وحدايث” ،بحسب د .كليب؛ حيث يعتمد الوعي الحدايث منظومة “التجادلية” التي ترى العامل يف “وحدته القامئة عىل التناقض والرصاع” ومن ثم الباعثة عىل “التميز والحرية والحيوية”. إذاً فأزمة الهوية هي أزمة مركبة عىل أكرث من صعيد؛ بداية من تعريف األرسة ضمن النسق الفكري (كالسييك /حدايث) ،وانتها ًء بعالقة الهويات املحلية بالعوملة ،لذلك فأن منطية التجادلية الحداثية الناظمة للعالقات ..واألرسية منها ،ال تسمح لنا أن نقول للشيخ: أنت مل تقل الحقيقةّ ، ألن جملة الخطاب الثقايف الحدايث يقول ذلك بالفعل ،إال ّأن املنطق الحدايث
.....
العدد
100 2021 / 11 / 20 كاريكاتري
يراعي صياغة القوانني الناظمة للعالقة الزوجية ضمن األرسة الواحدة ،بحيث تدعم تلك القوانني استقاللية كل من طريف الحياة ،وتدير السلطات العامة هذه املصالحاملتشابكة. فيام يشري واقع الحال إىل ّأن الشامل السوري ال يخضع ،مع األسف ،لسلطة القانون ،وال سلطة مركزية تدير مصالح األطراف فيه ،فض ًال عن عدم امتالك املنطقة ألدىن مقومات الحياة ،وهذا ما يجعل، ّربا ،من عمل املنظامت التي تسعى يف برامجها إىل إقرار منوذج حقوقي عاملي عم ًال قد ال يكون منتجاً. ويف حني ميكننا معالجة جملة“ :خذي حريتك كلها”، بالقولّ :إن من الطبيعي أن يحصل كل إنسان عىل حريته كاملة ،وهذه ليست منحة تقدمها املنظامت، بل هو حق طبيعي ،بحسب ما جاء يف املبدأ الثالث لحقوق اإلنسانِّ : “لكل فرد الحقُّ يف الحياة والح ِّرية ويف األمان عىل شخصه”. لكن باملقابل فإن منطقة كالشامل السوري ،تتعرض يومياً لقصف النظام وحلفائه ،وتستنجد منذ عرش سنوات باألمم املتحدة ،وبالغرب ،إليقاف إماتة الرجال واألطفال والنساء ..إن مزاجا لشعب يعيش خيبة عدم استجابة الحضارة ألوىل شعاراتها( :حرية الحياة) ،إضاف ًة إىل عدم شعوره باألمان ،هذه األزمات وغريها تجعل من الصعب الحديث مع هذا الشعب عن وجوب توخي دقة مفاهيم تالية كالحرية .فض ًال عن الحديث معه يف مستوى أكرث عمقاً كالجندر! لنحاول أن نكون منطقيني أكرث سنعرتف بالفشل ،لقد فشلت الحضارة يف (الشامل السوري)ّ ، وإن الحديث عن (تعدد الزوجات) هو حديث من مستوى الفشل الذي يعاين مأساته الشعب السوري؛ كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً عىل صعيد واحد ،إال أن االستثامر يف قضاياه الوجودية لتعميم هو ّية جمع ّية للشعب السوري ،أو لثورته ،أمر غري أخالقي ،بحال من األحول.
7
8
ّ السورية ..رسالة إىل دمى العامل أمل يوسف صادق
العدد
100 2021 / 11 / 20 مقاالت
أطفال سوريا يعربون العامل دون حدود ،يصلون ّ والترشد والسجن إىل أمهاتهم املحررات من قيود املنفى واأليديولوجيا.. رش أو سبع أو ع ٍ هو حلم ّ شقي ،هو رؤى الصدّيق بعد ٍ أكرث من السنوات العجاف ،يصنعون من خيام الشتات ات ورقية ويح ّلقون ،يرصفون من حطام بيوتهم طائر ٍ ومدارسهم طريقاً إىل املجهول ،يستيقظون ..أو نستيقظ نحن يف حلم (أمل) الطفلة السورية الدمية! لنغي هذا كم نحتاج إىل الحلم كام نحتاج إىل الجنونّ ، العامل البليد ،حسب الحلمّ ،أن روحاً ما تزال ّ ترف فوق أنظار بني البرش ،لتذ ّكرهم بالجرمية. طيف حمزة الخطيب وتامر الرشعي يرسم الـ (ال) الرافضة إلسكات أصوات الكرامة ،صور عمران الخارج من ذهول عامله لذهول عامل يراه خارجاً من أدغال الركام ،ورسي ٌر من املوج إليالن ينام هانئاً من تعب الحدود وهي تضيق عىل حلمه. أ ّما نهلة التي نس َي ْت أن تخلع سوار قي َد ْين قبل أن تنام؛ قيد النزوح والحرمان ومفتاحه الذي تناساه العامل يف جيب الطاغية! وقيد أيديولوجيا االضطهاد والنكوص، والتي ما زالت تق ّيد أصحابها خارج التاريخ والحياة، قبل أن متنع الشمس من الرقص فوق ّ أكف وضحكات أطفالنا. أمل السورية الدمية ،هي الروح ،هي الحقيقة يف روحُ ،يق َّيد البرش بسالسل عاملٍ يتحرك كالدمى ،بال ٍ من عبودي ٍة جديدة ،عبودية املصالح ،عبودية العجز، عبودية الخوف ،عبودية الجهل ،عبودية األيديولوجيا بكل أشكالها الدينية والطائفية والفئوية. ٌ حكاية ُتروى هي حكاية لكل طفل وطفلة سورية، ألطفال العامل قبل أن يناموا ،وهم يحلمون ..يف أيّ كوكب حدثت هذه األساطري ،ويف أيّ زمن؟ ٍ عمر أمل تسع سنوات ،وعمر حكاياتنا الكثري من الساموات والكثري من التناقضات .حملت أمل حلم كل طفل سوري وعربت به حدود مثاين دول ،شاركت أطفالها احتفاالتهم ،وأوصلت أصوات 1.8مليون إنسانٍ يطالب بتخفيض االنبعاثات ا ُملسببة لالحتباس الحراري! ..لكنها مل تطلب يف املؤمتر الدويل حول املناخ ،أن يلتفت العامل لالحتباس الحراري للجرمية يف سوريا. قد ُيقال كفانا االنطالق من االضطهاد ،أو كفانا االنغالق عليه ..فاالنغالق عىل االضطهاد ال ُيو ّلد ّإل اضطهاداً أش ّد عىل الذات ،لكنّ أمل مل تقل ّإن السوريني هم وحدهم الشهداء ،وهم وحدهم َمن يعيشون الظلم والقتل
ّ ّ لكل والترشد ،مبشاركتها قضايا العامل تثبت رسالة املحبة واإلنسانية ،رسالة األديان والفلسفات ،رسالة املصري املشرتك لشعوب العامل .ومشاركتها ٌ دليل ّأن العامل ليس عادالً ،وقضية السوريني جزء من هذا االحتباس الحراري الذي ّ املتحض، يخشاه العامل وجزء من هذا االنغالق عىل الوباء ،وقد أعاد العامل إىل انغالقات جديدة. ٍ العامل يغلق حدوده بوجه اآلالف بل املاليني م ّمن يحلم بالحرية وكرامة العيش ،ذاك العامل ذاته من يستثمر ويستغل قضية أولئك ،أو يحاول إبعادهم عن أراضيه وشعوبه املقدسة! ..تلك هي مفارقات وتناقضات هذا العامل ،تجمعها أمل برمزية عبورها ،ورمزية هويتها، ورمزية مشاركتها وفاعليتها ليس هذا التناقض الوحيد الذي مت ّر به أحالم السوريني! قدر أمل أن تعرب بأحالمهم مثل رسب طيو ٍر يهاجر بني شتاءين ،بني قرارات مجلس املصالح والتأديب العاملي، وقراراته الرافضة لحقوق السوريني وأحالمهم بحياة أفضل ،وبني ترحيب إنساين ال ميلك الفيتو ،ال ميلك سوى أن يقدّم السلل الغذائية دون أن يجرؤ عىل النظر بأعني األطفال. قالت لهم أمل“ :يف كل مثاين ساعات ُيقتل أو ُيصاب ٌ طفل سوريّ ،وتسعون باملائة من األطفال بحاجة للدعم النفيس واالقتصادي”. قالت لهم“ :يحتاج أكرث من مليوين طفل ملدرسته التي دُمرت أو تح ّولت لثكنة عسكرية ،وقالت لهمّ ..إن األطفال السوريني ُيولدون باآلالف خارج انتامئهم دون أن يعرتف بهم أحد. وقالت وقالت ..ولكن ّ كل ما قالت حكايات يعتربها ً ساسة العامل خراف ًة أو كراهية لعامل يحكمه الكبار. أمل الدمية قالت ما مل تقله املعارضات السورية يف الداخل والخارج! حسبها توحيدها لحلم الطفولة ،بينام ما يزال الساسة املعارضون يقفون عىل الحدود ،وعىل املوائد ،ويرفعون أعالماً فوق أحالم من ُي ّثلون. مل ترفع أمل عل ًام أو تجمع ماالً ،مل تتك ّلم بلغة دين أو طائفة ،ومل تف ّرق بني حلم طفل وآخر .مل ُتسكت أحداً
رغم رشقها بالحجارة يف بعض الدول. أمل تحمل رسالة املحبة ،واملحبة تتجاوز األحقاد، تتجاوز الخالفات والعصبيات واأليديولوجيات. وحلم ف َمن هو الدمية إذاً ّ؟ أمل مبا تحمله من أملٍ ٍ لكل طفل وطفلة؟ أم أولئك الساسة املق ّيدون بحبال مجهولة املصدر ،فإن كانوا يعرفون َمن يحركهم ،أو يجهلون اللعب يف مرسح العرائس العاملي ،فكال األمرين طا ّم ٌة كربى. املفارقة أ ّنها ليست فكرة سورية ،بل فكرة املحبة العاملية ،هل ما ينقصنا هو كيفية تحويل خطاباتنا السياسية إىل رسائل محبة؟ هل ما ينقصنا هو قوة الحلم ،لتجاوز سياسات املصالح العاملية؟ هل ما ينقصنا هو حلم أو جنون يكرس قيود اإلبداع لدى السوريّ ؟ أمل هي رحلة الصعود من العامل السفيل ،من الجحيم، رحلة البحث عن األم السورية ،املرأة السورية الثكىل، ولربا األكرث أملاً يف تاريخ األنثى العاملي. ّ أمل الخارجة من أحالم املعتقالت ،ومن شوارع املظاهرات ،ومن حناجر الساروت وسميح شقري... تسأل عن بق ّية الروح؟ عن الفكرة الباقية؟ أمل الدمية حينام تتجاوز الحدود ،تدعونا لتجاوز حدو ٍد وقيو ٍد صنعناها بأيدينا وعقولنا ،بترشذم معارضاتنا وسياسيينا ،ويف انقسام مصالح العامل الدينء. تدعونا لكرس قوقعاتنا بأن ال نبقى أرسى الوهم ،أرسى اإلعانات واملكرمات ،أرسى املحاصصات والتجاذبات، أرسى السجون والشقاء يف عقولنا. فهل وصلت رسالتها؟ هل قرأت املعارضات رسالتها للربملان األورويب؟ أم ما زالوا ينتظرون عىل أبواب الكرملني والبيت األبيض! حسبها أنها تحمل حلم كل طفل سوري ،خارج حدو ٍد مل يكن له يدٌ فيها ،حسبها أنها تجوب بخياالتهم لتذ ّكر العامل بجرميته.
يف مشال شرقي سوريا..
ّ يبحثن عن رزقهم يف مكب سوريات للنفايات بالقرب من حقل نفطي
9
الحسكة -كمال شيخو
العدد
100 2021 / 11 / 20
بني قوات التحالف الدويل والجيش األمرييك من جهة، والقوات الروسية من جهة ثانية ،ومت ّر دوريات متعددة كل منها ترفع علم بلدها عىل الطريق اإلسفلتي الفاصل مكب النفايات وحقل النفط املجاور. بني ّ وتشري تقديرات املفوضية السامية لألمم املتحدة لشؤون الالجئني إىل وجود أكرث من 5مليون نازح فروا من منازلهم املكب، داخل سوريا ،من بينهم عفراء التي تعمل يف هذا ّ وكانت ترتدي فستاناً أحمر داكناً وغطاء رأس أسود اللون، مربوطاً بوشاح ،وأعربت عن مشاعرها لتقول“ :نعم أجني ماالً قلي ًال من هذا العمل املتعب واملرهق ،لكن هو أرحم من العيش لحظة واحدة تحت رحمة خيمة” ،وارتسمت ابتسامة خجولة عىل وجهها لتضيف“ :اليوم صار علبة الزيت حقها 7آالف لرية ( 2دوالر أمرييك) ما يعادل كل املصاري التي أجنيها باليوم من هذا العمل”! والعامالت يف هذا املكب عموماً كانت تكسو مالبسهنّ طبقة سميكة من األوساخ؛ لبحثهنّ املستمر بني أكوام القاممة والتنقيب عن النفايات ،يستخدمن قضباناً معدنية مقوسة إلخراج قوارير البالستيك .وتزيد عفراء بيشء من الشجاعة والحزم إنها تفضل العمل يف هذا املكان عىل املكوث مبخيم تنتظر سلة غذائية أو مساعدات إنسانية: “العمل أساس الحياة ورغم كل هذا الوسخ واألمراض والتعب الكبري وقلة املردود ..نحمد الله ونشكره عىل كل حال”. أما منى البالغة من العمر خمس وأربعني عاماً ،املنحدرة من مدينة الباب بريف حلب الرشقي ،وتسكن منذ نزوحها قبل 4سنوات يف املالكية بالحسكة ،اصطحبت طفلتيها هدى ذات 12ربيعاً وأختها األصغر مرام 10 املكب؛ فهذه العائلة تجمع سنوات للعمل معها يف هذا ّ يف نهاية اليوم قرابة 50كيلو غرام من البالستيك الصالح
للبيع ،وما يجنونه ال يتعدى 20ألف لرية (ما يعادل 6دوالر أمرييك) وكانت تلبس بنطاالً طوي ًال وسرتة لحاميتها ،وقالت الوالدة ملجلة طلعنا عالحرية“ :كيلو اللحمة صار حقه 20 ألف والفروج 5أالف لرية ،وما نجنيه من هنا نشرتي به أك ًال يكفينا ليوم واحد ،أو ندفع فاتورة دواء رضوري”. وبدا عىل مالمح وجهها الحزن واألىس عندما تتذكر منى سنوات النزوح وما آلت إليه أوضاعها املعيشية واالقتصادية، انهمرت دموعها لصعوبة الحال قبل متابعة كالمها ،ومتالكت نفسها وعربت قائلة“ :مضت سنوات ونحن هنا نازحني، فبسبب ضيق الحال وقلة املساعدات بحثت عن عمل دون جدوى ،حتى بدأت العمل هنا منذ سنتني مع جارايت”. ونظراً لتقاعس املنظامت اإلنسانية عن تلبية حاجات النازحني ،وتدين األوضاع املعيشية مبراكز اإليواء ومخيامت النزوح ،اضطرت منى للعمل كام املئات من النساء اللوايت يعملن وحيدات يف مهن مختلفة ،ويواجهن تحديات كبرية يف إعالة أرسهن .وتضيف بحرسة ممزوجة بتحدي: “نعم ،أجربتني الظروف عىل العمل مبكب نفايات ،لكنني اكتشفت طاقتي ومدى تحمل مسؤوليايت ،واليوم عميل يغطي معظم احتياجات أوالدي”. ووفقاً ملفوضية شؤون الالجئني؛ يصيب انعدام األمن الغذايئ نحو 79إىل 85يف املائة من إجاميل الالجئني والنازحني حول العامل ،وسوريا من البلدان األكرث شيوعاً ،مام يربز مدى ارتفاع تعرض األرس التي تعولها النساء للخطر؛ حيث تتبع نحو 90يف املائة من العائالت السورية ،اسرتاتيجيات وأساليب تأقلم سلبية للبقاء عىل قيد الحياة. واختتمت منى حديثها لتقول“ :نفسيتي تغريت عندما تحسن وضعنا املعييش ،وشخصيتي أقوى ورصت أشرتي الفواكه والخضار واللحمة والدجاج والبيض ،ومل يعد غذائنا يقترص عىل وجبة واحدة أو أكل النواشف”.
تقارير
غري مبالية بالروائح الكريهة واألوساخ املتناثرة واألرضار الصحية ،تنبش عفراء بجسد نحيل أكوام القاممة عند أطراف بلدة املالكية أو “ديريك” بحسب تسميتها الكردية التابعة ملحافظة الحسكة ،وبأصابع قد برز عظمها من أسفل الجلد بشكل الفت ،تتناول بعض علب البالستيك واملعادن من هنا وهناك ،لتضعها يف كيس كبري كانت تحمله رغم اتساخه ،لتبيعه يف آخر النهار إىل تاجر ،لتأمني قوت يومها ودخل عائلتها التي تقطعت بها السبل ،جراء نزوحها واستمرار الحرب الدائرة يف بلدها منذ 10سنوات. مكب للنفايات يقع ترتدد هذه السيدة الخمسينية إىل ّ بريف املالكية بحثاً عن رزقها أو بعض الطعام بني أكوام وأكياس النفايات لتسد جوعها ،وعفراء املنحدرة من بلدة الصور بريف دير الزور الرشقي ،هربت قبل خمس سنوات من قبضة متطريف تنظيم (داعش) بعد سيطرتهم عىل املنطقة آنذاك ،واستقرت يف املالكية .وعن عملها تقول يف حديثها ملجلة طلعنا عالحرية“ :هذه نعمة ،إذا رفضناها سنموت جوعاً ،رغم كل هذه األوساخ والروائح أستطيع تحملها لتأمني مرصوف بيتي وعائلتي” .أثناء حديثها حدقت يف أكياس النفايات السوداء املتناثرة بكل مكان ،وبني يديها كيس فارغ لوضع قطع البالستيك ،وأضافت قائلة“ :ظروفنا قاسية ،وأسعار املواد والسلع األساسية ارتفعت كثرياً ،وأنا أعمل لس ّد نفقات أرسيت ،ألن زوجي ال يستطيع العمل، فقد أصيب بشظية قذيفة هاون عندما هربنا من الصور”. املكب يتهافت نسوة وفتية وأطفال تجاوز عددهم ويف هذا ّ 40شخصاً فور وصول شاحنة محملة بالنفايات ،للبحث عن عبوات بالستيكية ومعادن لبيعها ،أو ثياب مستعملة الرتدائها ،حيث يجدون بعض بقايا طعام يتناولونه أثناء العمل ،رغم أرضاره ،ولكن يفعلون هذا لس ّد جوعهم .وبعد وقوف الشاحنة يرمي عامالن األكياس البالستيكية السوداء، املكب إىل استكشاف محتوياتها، ليسارع املوجودون يف ّ ومن حولهم يتصاعد دخان ناتج عن حرق كميات من املكب الضخم. النفايات يف هذا ّ عىل الجهة املقابلة يختلف املشهد؛ حيث تخرتق هدير آالت تقليدية الستخراج النفط ضجيج املكان ،وعىل بعد مئات األمتار يقع إحدى حقول النفط الغنية بالطاقة الواقعة تحت نفوذ اإلدارة الذاتية وجناحها العسكرية “قوات سوريا الدميقراطية” ،والتي تحولت لرصاع نفوذ
96
الضيف الثقيل على السوريني نازحو اخليام يف مشال غرب سوريا على موعد مع برد الشتاء ..والتحضريات بإمكانيات معدومة
10 دارين الحسن -إدلب
العدد 100
2021 / 11 / 20 تقارير
مع حلول فصل الشتاء يتعاون إبراهيم السايح (36عاماً) النازح من مدينة كفرنبل مع زوجته وأوالده الثالثة ،يف حفر قنوات لترصيف املياه حول خيمتهم ،يعمل عىل تثبيتها وتوزيع الحجارة والحىص عىل جوانبها ،ملنع مياه األمطار من الترسب إىل داخل الخيمة ،حتى ال تتكرر املأساة التي عانوا منها خالل فصل الشتاء املايض. يتحدث السايح لـ”طلعنا عالحرية”“ :خالل فرتة الشتاء املايض لطاملا ترسبت مياه األمطار إىل الخيمة ،وبللت الفرش واألغطية التي ننام عليها ،لذلك أحاول ما أمكن أن أتالىف الكارثة هذا الشتاء”. معاناة أرسة السايح ال تختلف عن معاناة آالف النازحني الذين يستعدون الستقبال شتاء آخر يف مخيامت إدلب وريفها ،وسط مأساة تتكرر كل عام ،يف خيام بالية ال تصمد يف وجه الرياح والعواصف ،وبرد قارس يهدد أطفالهم باملرض ،األمر الذي دفعهم للتجهيز لشتاء يتمنون أن يكون أقل قسوة هذه املرة. الستينية أم باسم تنشغل بخياطة خيمتها استعداداً لفصل الشتاء الذي بات عىل األبواب؛ فالخيمة هي مأواها الوحيد مع زوجها العاجز ،بعد نزوحهام من ريف معرة النعامن الرشقي، “نزحنا من ريف معرة النعامن الرشقي ،وجئنا إىل هذا املخيم أواخر عام ،2019ومنذ ذلك الوقت مل نستطع تبديل الخيمة املصنوعة من القامش ،التي رسعان ما تهرتئ بفعل عوامل الطقس ،لذلك أعمل عىل خياطتها قبل حلول الشتاء ،علها تصمد يف وجه الرياح واألمطار” تقول أم باسم. أما الطفل سامر العربو ( 11عاماً) النازح من مدينة معرة النعامن إىل مخيم كليل بريف إدلب الشاميل ،فيتوىل مع أخيه األصغر مهمة جمع النايلون والكرتون واملالبس واألحذية املهرتئة من مكبات القاممة ،لتقوم والدته بتعبئتها يف أكياس وتخزينها يف خيمة مجاورة ،لتكون وقوداً يف مدفأة الشتاء، وعن ذلك توضح أم سامر“ :فقدت زوجي بغارة حربية منذ عام ،2018وأصبحت مسؤولة عن خمسة أطفال ،لذلك أعمل ضمن الورشات الزراعية ،ويساعدين ولدايّ يف تأمني مرصوفنا اليومي من خالل عملهام يف مكبات القاممة ،حيث يجمعان النايلون والحديد والخبز اليابس لبيعها واالستفادة من مثنها، فيام يحرضان إىل الخيمة ما هو قابل لالشتعال ،لحرقه يف املدفأة شتاء ،لنخفف عن أنفسنا مصاريف الفصل القايس ومعاناته”. تؤكد أم سامر أن أسعار الحطب واملازوت وغريها من مواد
التدفئة تفوق قدرتها الرشائية بكثري ،مضيفة“ :همي الوحيد ينحرص يف تأمني لقمة العيش ألطفايل يف ظل الغالء والفقر والنزوح”.
حلول قد تكون مفيدة!
النازح فؤاد العربو ( 45عاماً) املقيم يف مخيم حربنوش بريف إدلب الشاميل ،سارع لبناء غرفة من طني يأوي بها أطفاله األربعة قبل حلول الشتاء ،وعن ذلك يقول: “الخيمة القامشية ،ال ترد عنا برد الشتاء ،لذلك عملت عىل بناء غرفة طينية بتكلفة بسيطة”. يقول العربو إنه جمع الحجارة من الجبل القريب من املخيم ،وقام بإعداد خلطة الطني املكونة من الرتاب والقش الناعم واملاء ،وبعد االنتهاء من البناء ،قام بسقف الغرفة الطينية بعوازل قامشية وشوادر نايلون. ويضيف“ :دفعتنا الحاجة للعودة إىل الوسائل البدائية التي تتالءم مع إمكاناتنا وأوضاعنا املعيشية املرتدية، عىس أن ننعم بشتاء دافئ ،بعيداً عن الربد واملرض”.
أرقام مرعبة!
يف استبيان أجراه “فريق منسقو االستجابة” يف إدلب بتاريخ 4من شهر ترشين الثاين /نوفمرب الحايل ،شمل 78521نازحاً من كافة الفئات العمرية ،ضمن أكرث من 104مخيامت ،تبني أن املخاوف األساسية لدى النازحني من حدوث أرضار ضمن املخيامت جراء العواصف املطرية والهوائية خالل فصل الشتاء بلغت نسبة ،94%ومن انقطاع الطرق األساسية املؤدية للمخيامت بنسبة ،82%ومن تأخر وصول املساعدات اإلنسانية إىل املخيامت نتيجة األوضاع الجوية بنسبة ،68%بحسب الفريق. أما أبرز احتياجات النازحني يف املخيامت ،فقد تركزت عىل املستلزمات األساسية لفصل الشتاء تحديداً،
وخاص ًة فيام يتعلق بتأمني مواد التدفئة ،حيث بلغت نسبة من طالبوا بتأمني وقود التدفئة مبختلف أنواعه ،98%وتأمني مدافئ جديدة أو استبدال القدمية منها نسبة ،56%واستبدال الخيم التالفة ضمن املخيامت بنسبة ،48%وتأمني عوازل مطرية جديدة للخيم بنسبة ،85%وتسوية وعزل أرايض املخيامت بنسبة ،92%ومستلزمات أخرى (ثياب شتوية ،وبطانيات،).. بنسبة .% 84 وأشار الفريق إىل أن أعداد املخيامت يف مناطق شامل غريب سوريا وصلت إىل 1,489مخي ًام ،يقطنها 1,512,764نسمة من بينها 452مخي ًام عشوائياً يقطنها 233,671نسمة.
احتياجات رضورية وكثرية!
من جهته محمد العبود ( 44عاماً) مدير مخيم عشوايئ يف بلدة كفرعروق بريف إدلب الشاميل ،يوضح احتياجات النازحني لفصل الشتاء“ :املعاناة األكرب لدى النازحني تتلخص يف غياب مشاريع توزيع مواد التدفئة يرحلون وتبديل الخيام املهرتئة ،لذلك يقضون شتاءهم ّ مياه األمطار ويتتبعون منافذ ترسب املياه إىل داخل الخيمة”. ويبني أن املعاناة ال تتوقف عند أوضاع الخيام ،إذ تتحول الطرقات مع أول هطول لألمطار إىل مستنقعات طينية ،يصعب امليش والتنقل عليها. ويبني أن أبرز ما يحتاجه النازحون ملواجهة فصل الشتاء هو السلل الغذائية ومواد التدفئة وفرش الطرق بالحىص داخل املخيم. ويضيف“ :يعد الشتاء فصل الخري والعطاء ،أما بالنسبة للنازحني فقد بات ه ًام يضاف إىل همومهم الكثرية، وعبئاً يثقل كاهلهم”.
أخف الضررين واخليار الصعب علي الداالتي -إدلب
العدد
قلب األم املقسم عرب الحدود
“كنت أمتنى أن يكرب أبنايئ لريتاح قلبي من القلق عليهم ،ولكن عندما كربوا قسموا قلبي عرب الحدود” كانت أم محمد تهمس بتلك الكلامت وهي تحاول إخفاء دموعها عن كامريا الجوال التي تكلم بها ابنتها التي بقيت يف ريف دمشق، بينام خرجت األم بقوافل التهجري القرسي من ريف دمشق إىل إدلب. باكية ،حزينة ،مقهورة خرجت أم محمد من منزلها بالغوطة الرشقية نحو إدلب ،بعد أن تركت أربعني عاماً من الذكريات يف ذاك املنزل ،وابنتها الوحيدة التي بقيت هناك مع زوجها وأطفالها.
تقارير
العم أبو معتصم مع الخيارات أفضل مني؛ مل تكن حال ّ فعندما رأيته للمرة األوىل وهو يالعب أحد األطفال بجانب خيمته يف مخيم أطمة عىل الحدود السورية الرتكية ،قرأت يف وجهه السبعيني من القهر ما يكفي للبكاء الدهر كله ،ولكن ابتسامته لنا ودعوتنا لرشب الشاي بجواره شجعتاين لسؤاله عن سبب حزنه وقهره، لريوي قصته التي بدأت عام ،2012حينام اعتقلت قوات األمن ابنه األصغر “مهند” من السكن الجامعي يف مدينة حلب ،حيث كان يقيم ،وبعد أن وصله الخرب
100
األبناء وأصعب الخيارات
قام بالتواصل مع عدد من معارفه لإلفراج عن ابنه الذي مل يكن له أي نشاط سيايس ،بعكس أخيه الذي انضم للجيش السوري الحر ،ليأتيه بعدها الجواب الصادم أن مهنداً معتقل بدل أخيه معتصم؛ حيث اشرتطت قوات األمن عليه أن يقوم ابنه األكرب معتصم بتسليم نفسه لهم مقابل اإلفراج عن مهند ،وإال لن يخرج مهند من السجن! ليعقد هناك أمره أنه لن يسلم ابنه بيده للموت، وأن ابنه الثاين “له الله” ،ولكن حكاية أبو املعتصم مل تتوقف هناك؛ ففي عام 2015قتل ابنه يف معارك بريف حلب بني الجيش السوري الحر وقوات النظام ،ليبقى لديه أمل يف خروج ابنه مهند بعد مقتل أخيه ،ولكن هذا األمل زال بعد أن رأى صورة جثة ابنه مهند ضمن صور قيرص.
كان خيار أم محمد صعباً؛ فإما مرافقة ابنيها يف رحلتهم إلدلب ضمن قوافل التهجري القرسي، أو البقاء بعيدة عنهم يف مسقط رأسها وبجوار ابنتها .بحسب أم محمد مل يكن القرار سه ًال أبداً عليها؛ فقد تتمنى املوت بدل الوقوع يف ذاك االختيار ،ولكنها قررت أخرياً مرافقة ولديها ،لتلقي نظرة الوداع التي رمبا تكون األخرية عىل منزلها وابنتها ،وتركب يف رحلتها إلدلب ،التي ستضطر فيها مجدداً لالختيار بني ابنيها اللذين استقر أحدهام يف إدلب ،وقرر اآلخر أن يخرج إىل تركيا، وعليها أن تختار اآلن بني إدلب وتركيا؛ واألصح بني فلذات كبدها الذي قسمته عرب الحدود. يبدو أن الخيار بني اليسء واألسوأ قد أصبح خيار السوريني الدائم؛ حتى بات عىل أم محمد وأبو املعتصم وعىل ماليني السوريني اختيار “أخف الرضرين” يومياً ،وبكافة أمور حياتهم ،فغالبية قراراتهم تندرج بني اليسء واألسوأ؛ فالظروف التي يعيشها الشعب السوري بسبب سكوت العامل عن مقتلة امتدت لعقد كامل عىل يد النظام وحلفائه، أوقعت السوريني يف لعبة الخيارات التي عليهم اختيار أقلها رضرأً. ورغم كل ذلك فإن أبو املعتصم يرى أن هناك قضايا متجذرة ال تخضع لالختيار ،كالتخيل عن الثورة أو التوقف عن امليض يف دروب التحرر والحرية ،أو القبول بتعويم نظام األسد ،أو السامح بإفالت قتلة الشعب السوري من املحاسبة؛ فتلك القضايا لديه هي “من املسلامت التي ال خيار فيها إال ذاتها عرب امليض فيها حتى النهاية”.
2021 / 11 / 20
“كان عيل االختيار بني توثيق الغارات الجوية أو مساعدة عائلتي للنجاة من تلك الغارات” ما سبق وجه يل مبناسبة الذكرى السادسة كان جواب عن سؤال ّ وجه يل السؤال للتدخل الرويس املبارش يف سوريا .عندما ّ فكرت كثرياً وأنا أعود برشيط ذكريايت ،ولكن اخرتت ذاك املوقف كونه يف تلك اللحظة كان عيل أن أتخذ قراراً من أصعب القرارات التي اتخذتها يف حيايت ،وسط ضغط هائل ،وقصف عنيف ،ورصاخ األطفال والنساء خوفاً من الغارة األوىل بعد املئة التي تسقط فوق رؤوسهم. ففي نهاية عام 2016كانت الحملة عىل وادي بردى تدخل أسبوعها الثاين ،كان تركيز الحملة عىل قريتنا “بسيمة” حيث كان يقبع أهيل يف أحد األقبية ،ولكن األقبية مل تعد تفي بالغرض ،فكان القرار بالخروج .كان القبو يفرغ كل ليلة من بعض العوائل التي تحاول النجاة ،حتى أتت تلك الليلة حني عدت ألهيل ألجدهم بقوا مع عدة عائالت .حينها طلبوا مني إنقاذهم والخروج بهم ملكان أكرث أماناً أو أقل خطراً؛ ففي تلك اللحظات كان النظام يقصف كل قرى املنطقة ولكن بوترية مختلفة. وقتها كان عيل االختيار بني واجبي اإلنساين بإنقاذ عرشات األطفال والنساء -ضمنهم عائلتي -وإخراجهم من القرية ،أو إبقائهم يف القبو ،والذهاب لواجبي كناشط إعالمي بنقل الحدث وتوثيقه .كان علينا اتخاذ القرار وسط سيمفونية من أصوات هدير الطائرات وانفجار القنابل. قطع تفكريي باتخاذ القرار صوت برميل متفجر وقع عىل البناء املجاور للقبو القابعة فيه عائلتي ،يومها كانت القصة باختصار هي اختيار أقل الرضرين؛ إما إنقاذ عائلتي وعدم التوثيق ،أو االستمرار بالتوثيق ورمبا تكون عائلتي هم ضحايا املجزرة املقبلة التي ع ّ يل توثيقها!
11
فجوة األجور تضاعف معاناة املرأة يف إدلب
12 هاديا منصور
العدد
100 2021 / 11 / 20 تقارير
تواجه النساء يف إدلب وشامل غرب سوريا غبناً وعدم مساواة يف األجور مع الرجال ،وفق منظومة متييزية واسعة ضد حقوقهن االقتصادية ،عىل الرغم من تساوي قيمة العمل ذاتها واملجاالت ذاتها ،ما يبخس املرأة حقوقها ويسهم يف التقليل من أهمية عملها ونجاحاتها. “ال أعلم ما الذي يجعل أجور العامل الذكور تزداد عن أجورنا يف كل مرة” تتساءل فرح البشري ( 34عاماً) والتي تعمل يف موسم قطاف الزيتون املوسمي هذا العام ،مع عرشات العامل والعامالت اآلخرين. وتضيف أنهن يخرجن للعمل يف ساعات الصباح األوىل ،ويتقاسمن العمل يف الحقل ويجهدن إلتقان املهام املوكلة إليهن كعامالت، ليعدن أدراجهن مساء بعد يوم شاق من العمل ،ليواجهن يف نهاية املطاف متييزاً يف األجور من قبل أرباب العمل ،لتحصل النساء عىل مبلغ 50لرية تركية والرجال عىل 70لرية تركية. تنتقد فرح ما تواجهه املرأة من ظلم ومتييز متعمد ،موضحة“ :هذا التمييز ليس وليد املرحلة ،وإمنا من عرشات السنني ،ومل أجد تفسرياً لذلك رغم بحثي مطوالً عن األسباب ،ألجد أن اعتبار املرأة دامئاً يف املرتبة الدونية يف مجتمع ذكوري هو العامل األبرز يف هذه القضية”. وكانت أن أثبتت املرأة السورية قوة وكفاح ونضاالً وتأقل ًام مع ظروفها الصعبة التي واجهتها وما تزال تواجهها خالل السنوات املاضية ،وما القته من نزوح وفقر وقصف ورعب وفقدان ،ومع كل ذلك استطاعت أن تثبت ذاتها وتنخرط يف أعامل ومجاالت عمل جديدة ،بغية إعالة أرستها أو مساعدة زوجها يف تحمل األعباء الكبرية. ً لكن عملها دامئا يصطدم بتحديات مجتمعية تحول دون تكافؤ الفرص والتحرر من التمييز والعنف والتحرش واملساواة يف األجر عن عمل ذي قيمة متساوية. مساواة يف قطاعات معينة ..ولكن! بعض املحظوظات من النساء املوظفات يف منظامت املجتمع املدين، كام يصفهن البعض ،يجدن رواتب جيدة ومتساوية مع املوظفني الذكور يف كثري من األحيان ،وهنّ يشكلن نسبة قليلة من النساء ،يف حني تجد الغالبية العظمى ظل ًام يف توزيع األجور حني يتعلق األمر بالعمل يف القطاعات الخاصة باألفراد. تعمل حسناء الطبال ( 28عاماً) يف مركز كبري لبيع األلبسة الجاهزة يف مدينة إدلب مع عدد من املوظفات واملوظفني ،مقابل أجر يقدر ب 50دوالر أمرييك شهرياً. تقول حسناء“ :كأن قلة األجر وعدم تناسبه مطلقاً مع الغالء الحاصل والجهد الذي نبذله نحن النساء هنا مل يكن كافياً لنعاين أيضاً الظلم الواضح بتوزيع األجور من خالل منح الرجال رواتب أعىل”.
تخرج حسناء منذ الصباح إىل عملها يف مركز بيع األلبسة لتعود مساء ،وتبدأ بأعامل املنزل والعناية بأبنائها الثالثة الذين تركتهم طيلة اليوم عند جارتها ،لعدم وجود دور حضانة أو مكان آخر آمن ميكن أن تضع به املرأة العاملة أوالدها ،فإما أن تضعهم عند جريانها أو أمها أو إحدى قريباتها. ال يوجد تقدير للجهود ورغم كل ما تواجهه املرأة من صعوبات يف عملها ،إال أنها ال تجد من يقدر هذا العمل أو مينحها حقوقها بالشكل الذي ال تشعر معه بالغنب والظلم املجحف بحقها. صربية السكري ( 33عاماً) والتي تعمل يف ورشة لكبس التني املجفف مع أخريات ،هي وزميالتها ال يحصلن عىل أجور جيدة ،عكس الرجال الذين يتقاضون دامئاً أجوراً أعىل “عىل عينك يا تاجر” تقول صربية. وتضيف“ :النساء جداً مستاءات ملا يحصل ولكن ال يستطعن املطالبة بأجور أعىل أو الرفض، كونهن مجربات عىل العمل باألجر الذي يحدده صاحب العمل ،وإال فجوابه الروتيني املعروف قد حفظه الجميع “من ال يعجبه العمل أو األجر ليس مجرباً عىل البقاء””. الظروف القاسية التي تواجه النساء وخاصة املعيالت منهن ،تجعلهن يرضني بأي أجر وإن كان قلي ًال وغري مناسب ،ألنه يبقى “أفضل من ال شئ يف ظل الفقر وانعدام الفرص” وفق ما عربت عنه صربية. الباحثة االجتامعية جامنة الكليب ( 35عاماً) تقول“ :عىل الرغم من تأييد املساواة بني الرجال والنساء الذي تدعمه منظامت املجتمع املدين من
خالل مشاريعها التي تهدف إىل التوعية والتمكني، إال أن تطبيقها يف املامرسة العملية كان صعباً للغاية”. وترجع الباحثة الكليب األسباب إىل “عالقة القوة التاريخية والهيكلية غري املتكافئة بني الرجال والنساء ،الفقر والحرمان من الوصول إىل املوارد والفرص التي ما زالت تحد من قدرات النساء والفتيات”. وتنوه إىل أن أجر املرأة يقل عن الرجل ال ليشء إال الختالف الجنس ،والتقديرات الحديثة تشري إىل أن املرأة تحصل عىل 77سنتا مقابل كل دوالر (100 سنت) يحصل عليه الرجل. وترى جامنة أن األمر يتطلب جهوداً مكثفة من املجتمع العاملي بأرسه لتعزيز املساواة يف األجر مقابل العمل ذي القيمة املتساوية وزيادة فرص التمكني االقتصادي للنساء ،موضحة أن أوىل الخطوات للتصدي لفجوة األجور بني الجنسني هي القانون وتفعيل دوره. وكشف تقرير حديث صادر عن منظمة العمل الدولية أن تقليص الفجوة بني الجنسني يف العمل مل يشهد أي تحسن يذكر منذ أكرث من 20عاماً، لكن عىل الرغم من ذلك أ ّكد التقرير عىل أن الطريق واضح نحو إحراز تقدم ملموس يستدعي تحقيق قفزة نوعية وليس مجرد خطوات تدريجية مرتددة. وقالت مانويال تومي مديرة قسم ظروف العمل واملساواة يف منظمة العمل الدولية“ :نحن بحاجة لتحقيق قفزة نوعية نحو تحقيق املساواة بني الجنسني من أجل مستقبل عمل أفضل للجميع يحدد الخطوات القادمة”.
حنمي بعضنا
محلة لنبذ العنف األسري يف الرقة
13
الرقة – عبد اهلل الخلف
العدد
100
إىل أكواب ودفاتر عليها عبارات ورسائل مناهضة للعنف.
وتتابع “قمنا برسم جدارية تحث عىل االحرتام واألب ّوة يف حي مفرق الجزرة ،أيضاً زرنا منظامت مجتمع مدين لتشارك يف الحملة ،ومؤسسات تتبع لإلدارة الذاتية ،وحالياً انتهت الحملة ،ونتمنى أن نكون قد تركنا أثراً ،وبالطبع ستكون هناك مبادرات مشابهة خالل الفرتة املقبلة”. ووصولها لحد الجرائم التي نسمع عنها بني الحني واآلخر” .ويلفت عيىس الهنداوي قائد فريق الحشد واملنارصة الحملة استهدفت اثنني من أكرب أحياء مدينة الرقة يف منظمة بيت املواطنة إىل أن أفكار الحملة تم نرشها باإلضافة ملشاريع ومبادرات مجتمعية توعوية.
2021 / 11 / 20
يف الكثافة السكانية ،وهام حي رميلة ومفرق الجزرة، وتضمنت عدة أنشطة؛ أولها جلسة تعريفية بالحملة لوسائل اإلعالم والسكان املحليني ،وبعدها انطلقت باقي األنشطة التي تتحدث عنها يرسى األحمد لـ طلعناعالحرية. “الجلسات الحوارية كانت أساس الحملة ،عقدنا عدة جلسات عىل مدار شهرين ،استهدفنا 150شخصاً معظمهم رجال يف الحيني املذكورين ،كانت النقاشات حامية يف بعض األحيان ،يف البداية معظم األهايل مل يتقبلوا الفكرة ،رمبا اعتقدوا أن املنظمة إغاثية واألفضل هو تقديم مساعدات لهم كونهم يعيشون يف مناطق فقرية ،ولكن بعد أن رشحنا لهم عن أهداف الحملة والقيم التي نحاول إحيائها ،الغالبية تقبلوا األمر ،وكان الحوار بنّا ًء وممتعاً ،وحتى إن بعض الذين أساؤوا لنا يف البداية شاركوا معنا يف نهاية الحملة كمتطوعني”. وتضيف يرسى بأنه بجانب الجلسات الحوارية تم توزيع منشورات ورقية عىل األهايل يف الشوارع تتضمن قيم الحملة ،بلغ عددها أربعة آالف منشور ،باإلضافة
من خالل خطب الجمعة ،وذلك بعد زيارة مؤسسة الشؤون الدينية يف الرقة والتنسيق معها بخصوص ذلك. “زرنا مفتي الرقة وتم االتفاق عىل تعميم خطبة الجمعة حول موضوع الحملة ونرش رسائلها عرب خطباء املساجد ،وصلوات الجمعة مكان تجمع ملعظم الرجال الذين هم الفئة األوىل املستهدفة يف حملتنا ،وبذلك وصلت الرسالة التي نحملها لنسبة كبرية من األهايل”. وشاركت يف الحملة 6منظامت مجتمع مدين محلية يف الرقة إىل جانب منظمة بيت املواطنة ،باإلضافة ملؤسسات تابعة لإلدارة الذاتية ،و 25متطوعاًومتطوعة. من جهتها تروي مرح الخلف “ 26سنة” وهي إحدى الفتيات اللوايت حرضن الجلسات الحوارية، كيف أثرت الحملة عليها هي شخصياً“ ،الحملة كانت إيجابية وتركت صدى جيداً يف الحي الذي أسكن فيه، أنا أصبحت أحاول االبتعاد عن العصبية والرصاخ يف املنزل والتعاطي مع األمور واملشاكل بهدوء من أجل حلها بالتفاهم مع أفراد العائلة ،وأمتنى أن تكون هناك املزيد من هذه الجلسات يف الفرتة القادمة”. وبحسب دراسة اجتامعية نرشها مركز “حرمون” للدراسات ،فإن الحرب يف سوريا أدت لظهور وتفاقم العديد من املشكالت االجتامعية ،أبرزها تفكك بنية األرسة وتصدع القيم االجتامعية ،واستفحال حاالت القتل والطالق يف العائالت السورية. وتنشط يف مدينة الرقة العرشات من منظامت املجتمع املدين املحلية ،التي ولدت بعد طرد تنظيم داعش عام ، 2017وتقدم تلك املنظامت خدمات إغاثية وتنموية،
تقارير
بعد أن حرض أبو سليامن ( 36سنة) إحدى الجلسات الحوارية التي أقامتها منظمة بيت املواطنة ،يف حي مفرق الجزرة مبدينة الرقة حول التفكك األرسي ،قرر الذهاب ملنزل أهل زوجته ومصالحتها بعد شهر من الخالف بينهام. يقول أبو سليامن إن األفكار والقيم التي سمعها وتحاور بشأنها مع نشطاء املنظمة خالل الجلسة، جعلته يفكر ملياً يف عالقته مع رشيكة حياته“ ،الجلسة أتت يف وقت كنت أنا شخصياً محتاج إليها ،كنت أريد من يقول يل هذا الكالم ويشجعني عىل إعادة املياه ملجاريها مع زوجتي”. ويبني أن البيئة املحيطة به كانت تشعره عىل الدوام بأنه سيكون شخصاً ضعيفاً ومهزوماً إذا ذهب ملصالحة زوجته ،ولكن عقب املناقشات يف الجلسة ،شعر بأنه استيقظ من غيبوبته عىل وصفه“ ،ف ّكرت كيف أن املفاهيم التي كانت معبأة يف رأيس محض هراء ،واملهم هو أن تكون عالقتي بزوجتي يسودها الحب والتفاهم واالحرتام من أجل مستقبل أفضل لنا وألطفالنا”. الجلسات الحوارية التي حرضها أبو سليامن هي إحدى أنشطة حملة “نحمي بعضنا” ،والتي أطلقها مركز املرأة يف منظمة بيت املواطنة بأواخر شهر آب املايض ،واستمرت حتى نهاية ترشين األول الفائت. تهدف الحملة بحسب القامئني عليها لـ “تعزيز قيم األب ّوة واالحرتام والالعنف يف األرسة ،ونبذ التفكك األرسي والعنف الذي تفاقم خالل األعوام املاضية، نتيجة الظروف العصيبة التي عايشها السكان بعد سنوات من الحرب الطاحنة” حسب تعبري يرسى ٍ األحمد منسقة مركز املرأة يف بيت املواطنة. تشري يرسى إىل أن الحملة موجهة للعائالت ،ولكن بشكل أسايس للرجال ،ملحاولة توعيتهم بخصوص قيم األب ّوة واالحرتام والالعنف التي تراجعت يف املجتمع وفق رؤيتها“ ،أطلقنا هذه الحملة بعد أن شاهدنا التدهور الكبري يف العالقات األرسية يف املجتمع ،نتيجة الفقر والنزوح الذي بات يعيشه الكثريون ،أو انتشار املخدرات التي أدت بدورها لتفاقم املشاكل العائلية،
إجيارات املنازل يف ريف حلب تفوق املعقول ..والدوالر حيكم
14 حسين الخطيب
العدد
100 2021 / 11 / 20 تقارير
مل يتوقع محمد املنصور َ ترك املنزل الذي تعب يف بنائه خالل سنوات متواصلة من عمره ،حيث كان يضع حجراً فوق آخر بكد يديه ،فاملنزل الذي قىض عدة سنوات عىل بنائه بات فارغاً معرضاً للرسقة والنهب من قبل قوات نظام األسد ،لكن القدر دفعه إىل تركه وحيداً باحثاً عن منازل لإليجار يف مدن وبلدات ريف حلب الشاميل. يقيم املنصور يف مدينة اعزاز يف ريف حلب الشاميل، حيث انتقل مؤخراً إىل هذا املنزل الذي بات يشكل مكا ًنا آمناً له وأرسته ،بعدما نزح خالل الربع األول من عام 2020من مدينة معرة النعامن بريف إدلب الجنويب، نحو املخيامت العشوائية ،عقب سيطرة نظام األسد وميليشياته عىل عدة مدن يف ريف إدلب الجنويب. قال املنصور خالل حديثه ملجلة “طلعنا عىل الحرية”: “نزحنا إىل املخيامت مرغمني ،حيث تجتمع عرشات األرس من أقاريب ،لكن األوضاع مل تعد تحتمل ،ألن النزوح طال وال عودة قريبة إىل ديارنا مجدداً ،كنت أعتقد بداية تهجريي أنها مجرد أيام والعودة إىل الديار قريبة ،لكن عىل ما يبدو ال عودة إىل املكان الذي أحبُّ ، وبت يف وضع صعب”. وأضاف ،خالل وصفه ملنزله“ :ذلك املكان اآلمن املفعم بالحيويةحيثاألوالدوالجريانواألقارب،الذييشكلونترابطاً اجتامعياً متميزاً ،أصبح من املايض ،أما اآلن نحن منترشون يف مساحة جغرافية مع بيئة اجتامعية متنوعة من الناس”. يبدو أن السوريني مل يتوقعوا َ ترك منازلهم التي قضوا سنوات أمامها لبنائها أن ترتك فارغة ،ويلجؤون إىل استئجار املنازل ،برصف النظر عن طبيعة خدماتها .لكن مام زاد معاناتهم ارتفاع أسعار اإليجار إىل مستويات ضخمة ،يف حني هم ميلكون عقارات متنوعة من محال تجارية ومنازل وأراض زراعية ال يستطيعون العودة إليها. مع استمرار فرتة النزوح التي طال أمدها ،وفقدان النازحني واملهجرين أملهم يف العودة إىل ديارهم ومناطقهم التي هجروا منها ،باتوا اليوم يبحثون عن منازل لإليجار ،وذلك لاللتفاف عىل األوضاع السيئة التي تعيشها املخيامت خالل فصل الشتاء .ما ساهم يف ارتفاع أسعار اإليجارات بشكل ُ بخدمات غري مسبوق ،لدرج ٍة أصبح الحصول عىل منزلٍ ٍ متوسط ٍة ،وسع ٍر متوازنٍ ،كالباحث عن إبرة يف كومة قش، ألن معظم األسعار تكون مرهونة بالدوالر الذي بات يحكم بني األهايل ،بعد انهيار اللرية السورية ،وانخفاض قيمة اللرية الرتكية ،التي بدأ تداولها مؤخراً عوضاً عن األوىل. يقول “حاتم الحسن” وهو رجل نازح يقيم يف بلدة
صوران شامل حلب ،خالل حديث ملجلة “طلعنا عىل الحرية”“ :أخرياً وجدت منزل متوسط الخدمات لكن سعره مرتفع يصل إىل 75دوالر أمرييك شهرياً ،وعىل الرغم من ذلك استأجرته ألنني مضطر ،وال ميكنني البقاء يف املخيم ،السيام أننا بتنا أمام شتاء طويل يعاين منه قاطنو الخيام”. وأضاف“ :بحثت يف مختلف األماكن ومكاتب العقارات عن منزل بسعر مقبول لكن األسعار عاد ًة ما تكون غري مناسبة للدخل املعييش؛ إذ يرتاوح إيجار املنزل بني 75والـ 150دوالر أمرييك ،بعضهم يطلب اإليجار ملدة ستة أشهر ،وبعضهم ملدة سنة كامل ،وهذا ما يعيق إقامتنا يف منازل لفرتة طويلة”. وأشار الحسن إىل أنه يتقاىض مبلغاَ شهرياً من خالل عمله يف مستودع للمواد الغذائية يصل إىل 100دوالر أمرييك ،لكن الحاجة إىل املنزل دفعته لالستدانة من صديق له للحصول عىل منزل يقي أبناءه من برد الشتاء”. ومع تدفق النازحني واملهجرين من مختلف املحافظات السورية إىل ريف حلب الشاميل ،ازداد الطلب عىل املساكن ،وبدأ بعض املقيمني يقتطع من املستودعات املخصصة لوضع الحبوب غرف ًة وحامم، وبعد ترميمها بشكل بدايئ ،يعلن يف ذلك عن منزل مخصص لإليجار ،يف حني ال يختلف هذا املنزل الذي ال يرى الشمس عن القرب ،وعىل الرغم من ذلك ،دفعت الحاجة الكثريين لإلقامة بتلك املنازل. يقول “محمود شهايب” وهو صاحب مكتب عقاري: “يبلغ إيجار املستودع 35دوالر أمرييك شهرياً ،ما يعادل 350لرية تركية ،أما املنازل العربية القدمية
التي تركها أصحابها ولجؤوا إىل تركيا فإن أسعارها تفوق الـ 100دوالر أمرييك ،بينام الشقق السكنية التي يتم إيجارها ملدة ال تقل عن ستة أشهر فتصل تكلفة إيجار الشهر إىل 150دوالر أمرييك”. وأضاف“ :تتنوع اإليجارات بحسب جودة املنزل وموقعه والخدمات املتوفرة فيه ،ومبجملها فإنها ال تشكل أي أهمية لدى النازحني الذين يبحثون عن مأوى لهم قد يعينهم عىل تحمل قسوة الحياة”. دفع ارتفاع اإليجارات األرس إىل استئجار املنزل من قبل أرستني بطريقة تشاركية ،سوا ًء كانوا شقيقني أو صديقني ،لكن مع ازدياد تلك الحاالت تحول األمر إىل طريقة استغالل مشبوهة ،يقوم فيها أصحاب العقار برفع سعر املنزل بحسب عدد األشخاص املقيمني فيه ،مام دفع العديد من النازحني إىل ترك املنازل واللجوء إىل القرى املحيطة باملدن للحصول عىل منازل متتاز بأجور منخفضة. ويعاين سكان ريف حلب الشاميل ،سوا ًء املقيمني أو النازحني واملهجرين إىل املنطقة ،من ضيق معييش صعب للغاية ،األمر الذي دفع هؤالء الستثامر املساحات املتوفرة يف منازلهم وتحويلها إىل منزل يعرضه لإليجار ،يف محاول ٍة منه للحصول عىل دخل آخر يعينه عىل تحمل مصاريف املعيشة. يأيت هذا كله ،يف ظل انخفاض األجور اليومية التي ترتاوح بني 20و 30لرية تركية ،وانتشار البطالة بني الشباب ،وندرة فرص العمل ،مع ارتفاع كبري بأعداد السكان يف منطقة جغرافية محدودة تفتقر ألدىن مقومات الحياة ،مع استمرار انهيار اللرية الرتكية أمام الدوالر األمرييك ،مام انعكس سلباً عىل حياة الناس.
ً مبكرا موسم قطاف الزيتون يف إدلب بدأ يف ظل تراجع احملصول وغياب طقوسه شمس الدين مطعون
العدد
100 2021 / 11 / 20
بها جيداً خالل الفرتة املاضية بسبب صعوبات الوصول إىل املحاصيل الواقعة تحت خط النار. ويقول أبو صادق“ :إن حبات الزيتون صغرية جداً ،كام أنها مل تدر كميات الزيت املعتادة، فكل 100كيلو زيتون مل تنتج سوى حوايل 16إىل 25كيلو زيت فقط” .بينام تكون النسبة بالعادة % 25أو أكرث. يف املقابل ،فقد ارتفعت أسعار زيت الزيتون يف ظل ضعف اإلنتاج ،حيث مل يتجاوز سعر تنكة زيت الزيتون (سعة 16ليرتاً) يف العام املايض 32 دوالراً ،و 22دوالراً يف العام الذي سبقه ،أما يف بداية هذا املوسم فقد وصل سعر التنكة إىل 43 دوالراً ،وهو قابل لالرتفاع. كام أسهمت عوامل عدة يف تراجع محصول الزيتون وتدين كمية اإلنتاج يف محافظة إدلب، حيث “يقدر انخفاض موسم الزيتون مقارنة مع املواسم املاضية بنسبة ”30%وفق املهندس الزراعي يحيى التناري. ويوضح التناري لـ”طلعنا عالحرية” بأن سبب الرتاجع يعود “النخفاض معدل األمطار ،مقابل ارتفاع درجة الحرارة أثناء منو أزهار الزيتون ،ما أدى النخفاض نسبة عقد الثامر عىل األشجار”. ووفق املهندس التناري فإن نسبة األرباح التي من املتوقع أن يجنيها املزارع لهذا العام قليلة بسبب انخفاض اإلنتاج ،و”تقدر بحوايل 50% إىل 60%من إجاميل اإلنتاج” ،كام تصل “نسبة
التكلفة 40%إىل 50%من إجاميل اإلنتاج”. كام تأثر عامل جني الزيتون برتاجع محصوله؛ يقول أبو وائل وهو أحد العاملني بقطاف الزيتون“ :كنت معتاداً عىل العمل بجني الزيتون عىل األقل ملدة شهرين وأحياناً أكرث ،مام يؤمن يل دخ ًال جيداً ميكنني توفريه لرشاء مونة البيت من الزيتون عىل األقل” .إال أن قلة اإلنتاج خفضت مدة العمل املتوقعة ،حيث كان موسم قطاف زيتون يؤ ّمن فرص عمل جيدة لعرشات عامل املياومة الذين يعملون بجني مثار الزيتون، وترتاوح أجور (يوم ّية) العامل لهذا العام بني 20 للـ 30لرية تركية ،أي أقل من 4دوالرات. و يوضح أبو وائل أن عدد األيام التي سيعملها بهذا املوسم لن تتجاوز 30يوماً ،وذلك بسبب قلة حمولة األشجار“ ،هاملوسم ماحدا مرتاح ال العامل وال الفالح” قال أبو وائل. تعترب محافظة إدلب ،السيام مناطق جرس الشغور وسلقني وحارم وجبل الزاوية األوىل يف سوريا من حيث املساحات املزروعة بأشجار الزيتون ،ويعد موسم الزيتون أحد أهم مصادر الدخل بالنسبة ألهايل املحافظة. ووفق إحصائيات محلية فإن عدد أشجار الزيتون مبحافظة إدلب انخفض من 14مليون شجرة مثمرة يف عموم املحافظة إىل 8.5مليون شجرة فقط ،بعد تقدم قوات النظام ومليشياته إىل املحافظة ،وسيطرتها عىل مناطق واسعة.
تقارير
افتقد موسم قطاف الزيتون مبحافظة إدلب لهذا العام طقوسه الخاصة؛ حيث غابت الجلسات الطويلة بني األشجار ودندنة األغاين الشعبية؛ فقد انطلق املوسم قبل أن تكمل مثار الزيتون نضوجها .وكان من املتعارف عليه أن ينتظر املزارعني إىل أن يسقى املحصول مباء املطر مرتني عىل األقل؛ فكلام تأخر بدء القطاف ض ِمن املزارع إنتاجاً أفضل. ً إال أن عرشات األهايل اضطروا للبدء بجني الثامر باكرا دون أن تستكمل حبات الزيتون نضوجها بشكل جيد ،ال سيام مناطق ريف إدلب الجنويب التي تقع عىل بالقرب من خطوط التامس مع قوات النظام وتتعرض لقصف متكرر. يقول حمزة وهو من أهايل جبل الزاوية قبل أن ينزح مؤخراً إىل مخيامت الشامل املحرر لـ”طلعنا عالحرية”: “إن العمل يف جني محصول الزيتون لهذا العام كان رسيع جداً ،اضطررنا لبدء القطاف مع نضوج أوىل الثامر”. ويضيف حمزة“ :تقع حقولنا عىل خطوط التامس مع قوات النظام ،لذلك قررنا أن نجنيها باكراً ،خوفاً من عودة القصف واملعارك التي ستحرمنا من املحصول بأكمله”. كام اضطر عرشات املزارعني ملواجهة املوت أثناء جني حبات الزيتون ،حيث عملوا تحت هدير طريان االستطالع وأصوات القذائف املدفعية التي تستهدف تجمعاتهم مبناطق عدة بريف إدلب. يف حني يخىش بعض املزارعني من أن تنهب مثار أشجارهم من قبل املقاتلني الذين يضيقون يف بعض األحيان عىل األهايل يف الوصول إىل أراضيهم القريبة من الجبهات. ويقول أبو هيثم من أهايل ريف إدلب الجنويب إنه يعاين األمرين للوصول إىل أرضه القريبة من خطوط التامس مع قوات النظام“ :كل مرة حجة شكل ..مرة أمنيات ،ومرة لح تصري معركة وممنوع تفوت” أوضح أبو هيثم وهو يصف ردود عنارص الحواجز التابعة لفصائل املعارضة املنترشة عىل طريق الوصول إىل أرضه .وأضاف أنه اغتنم أول فرصة للوصول إىل شجرات الزيتون التي ميلكها وقام بقطاف كامل املحصول“ ،كان يجب أن أنتظر حتى ينضج متاماً، ولكن بعض املحصول خ ٌري من عدمه” قال أبو هيثم. “تحت الزيتونة قعدة وركوين” يقول الحاج أبو صادق وامض”. اجن محصولك برسعة ِ ويردف“ :أما اآلنِ : يوضح أبو صادق أن قطاف الزيتون بوقت مبكر أدى لرتاجع كميات املحصول بشكل كبري ،إضاف ًة النخفاض كميات الزيت الناتج عن حبات الزيتون التي مل تتم العناية
15
16
يف احل ِّل َّ ْ والتحال.. ِ عهد زرزور
العدد
100 2021 / 11 / 20
من يدري كيف بدأ األمر؟! ينتابنا القلق ،وتأرسنا فكرة الرحيل والتخيل حيثام تع ّودنا الوجوه األليفة، كائنات وحيدة التع ّود املحبب صار من ّفراً ،وانتهينا ٍ تبحث عن وجوه صفراء غريبة ال تشبهها ،أو أنها تشبه جذورها املفتتة. يف البالد البعيدة ،ال يبحث السوري عن السوريني بل يبحث عن نقصانهم! عن شوارع ال يلقى بها وجهاً يعرفه ،كأنه يبتعد ُبعدَين؛ بعداً عن املكان وبعداً عن أهل املكان ،فيتم بهذا رحيله املكتمل. يف يوم شتوي عزمت الرحيل واجتاحني الهرب مام تعودت ،عىل عكس طبعي األليم يف أن أنغرس؛ فطاملا متنيت أن أكون شجرة يف حياة موازية ،لكن رحاالً، زلزال البالد هزين مع ترابها وجعل مني كائناً ّ ال تستقر يل أرض وال حال .مل أتخيل يوماً أن أع ّد وأسجل مشاعر الحب واللطف املدن التي زرتها، ّ والقسوة عىل دفاتر كثرية يف ملحوظات عابرة ،ومل يخطر عىل البال أن ألقى أصحاباً يف بالد السائحني
واألسفار. كان الرحيل مفتاح نجاة واصطبار .يف اللجوء إىل ُ انقسمت إىل ذكريات أماكن؛ يف مدينة أترك البعد ً فنجان قهوة مل يكتمل ،ويف أخرى أثرا عىل وسادة، ويف ثالثة شباكاً مفتوحاً عىل الغيب ..أحمل صوراً يف حاسويب وصوراً عىل ظهري ملحطات االنتظار .أنجو من ع ّلة الهو ّية واللغات املتكاثرة يف رأيس ،كلامت ترتاكم ألستحرض لساناً غري لساين يعرب يب من املأزق. يوم ما إىل ذاكريت ّ وأصب نفيس أين أعود ،أعود يف ٍ القدمية عند شجرة الزيتون. الرحيل أيضاً حفلة مؤجلة للحزن الجميل ،أدفع بقد َم ّي حيثام وصلت يك تتعب وتنىس شكل البيت، وتنىس تلك النسمة اللعينة التي دخلت القلب حني نزلت شارع الوادي وما خرجت منه ،وحني وقع قطاري اللعبة عىل كراج الجريان ،ومل أسرتده يوماً! جسدي ينقذين من مآالت البقاء والحلول باألشياء، مت ّر اآلن أيامي بلطف ،لكن ال ُألقي باالً كبرياً كالذي
كنت ألقيه قبل الرحيل الكبري. نجني الرحيل من املوت ومن يد الجالد فحسب، مل ُي ِ بل من نفيس املتشبثة باألشياء والناس ،ولو عادت يب األيام لرمبا اخرتت رحي ًال أقدم وأقىس ،أو رحي ًال ال يحمل التفاتة أو وجهاً أولغة! أنظر من بعيد ألستشعر حقيقة النجاة واملسافة بيني وبني األرض والناس .يف خفة هائلة أتحرر من ني وأي ٍد وسجالت وتقارير مروية عن تحركايت أع ٍ أفق وأفكاري وتطبيقي االجتامعي لألعراف ،عن ٍ وسقف يحني العنق .كأين برحييل أدفع مسدود ٍ السقف ألستقيم. ومع هذا مل يعفني الرحيل من القلب الساخن، التلصص عىل األخبار والكارثة ،وال من عقل ومن ّ يدور يف قرص الشمس يبحث عن نجمة يستهدي بها إىل البالد .يبدو أن قدر االبنة مكتوب عىل لوح ال يذوب ،ستحنّ طاملا ُوجد الحنني ..يف الحل والرتحال!
ثقافة
ّ البدوي مشاهد يتلوها حسني الضاهر 17
بشرى البشوات
العدد
100 2021 / 10 / 20
يف مجموعتك “مياه صالحة للقتل” ،تأيت عىل ذكر اسمك وعمرك أكرث من مرة ،ما داللة ذلك؟ كنت أحاول تعريف الناس يب ،وأنني ما زلت عىل قيد الحياة؛ نجوت بعد حرب ونزوحني. كان إهداء مجموعتك األوىل “مياه صالحة للقتل”، موجهاً للمرأة يف حياتك (األمّ ،الزوجة ،البنت) يف مجموعتك الثانية “مشاهد يتلوها البدوي” تهدي نصوصك إىل الدنيا .ما هي الدنيا التي ينتمي إليها حسني؟ هي األنثى ً أيضا؛ األنثى التي تغزل أهدايب بأصابع وردية. يف مجموعتك الثانية “مشاهد يتلوها البدوي” تكثيفها العايل ،اللقطات القريبة جداً ،بقعة الضوء التي تحمل العادي إىل منصة عرض كاملة ،هل هذا مقصود؟ رمبا يرى البعض أن مجموعة “مشاهد يتلوها البدوي” هي ظل للمجموعة األوىل “مياه صالحة للقتل” ،لكنني أرى أن كل ما كتبته ،يعد محاوالت للتجريب .إىل اآلن مل أجد مساري الخاص الذي سأسري فيه ،ومن املؤكد أن أجده .لذا سأبقى أجرب. هل للشعر وظيفة ،وإن وجدت فام هي؟ أعتقد أن وظيفة الشعر تتغري بحسب املراحل التي مير بها كاتبه ،ففي مرحلة ما كان بالنسبة يل حاجة ،ويف مراحل أخرى متنفساً ،واآلن قد ُأعرفه عىل أنه رفاهية. حصلت عىل جائزة املعري للفنون األدبية 2018 وجائزة رابطة الكتاب السوريني .2021 ماذا تضيف الجوائز إىل رصيد الشاعر؟ يحتاج الكاتب بني الحني واآلخر لحافز مادي ومعنوي يك يستمر يف مرشوعه ،وأرى أن الجوائز هي السبيل األمثل للحصول عىل هذا الحافز. أخريا يستعري حسني الضاهر لسان صديقه أحمد بغدادي ليقول :لحسني الضاهر البدوي” “ال متت إال بوقتك”!
لقاءات
خرج حسني الضاهر من مدينة متتد بتاريخها آلالف السنني ،عاصمة العواصم كام ّ سمها هارون الرشيد، مدينة البحرتي ،وعمر أبو ريشة. خرج حسني من منبج. يقول حسني عن ذلك“ :يف سنوات نشأيت األوىل ،تنقلت بني عدة محافظات سورية بحكم الدراسة والعمل، ثم إىل بريوت التي أدين لها بالكثري ،بريوت احتضنتني وصقلت شخصيتي ،ال أرى بأنني أنتمي إىل مكان بعينه، ومل أجد تعريفاًخاصاً ملدينتي أو للوطن ..وقد تكون منبج ساهمت يف تكوين البدوي الذي يعيش داخيل، فيظهر أحيا ًنا ليشعرين بالحنني ،ويختفي كثرياً”. “صباح الخري زلت عىل قيد اللجوء مثيل؟ أما ِ إ ًذا لو تحملني معي رفات بعض املدن فقد تعبت خذي دمشق املكتظة بالطعنات خبئي “بردى” يف حاملة صدرك وأخرجيه كلام داهمك الصحو فلتأخذي بريوت شجرة التفاح التي أنزلتنا إىل أرض الخطايا أول مرة خذي منبج أرض املاء واملحل الفتاة الساذجة التي تذهب دا ًمئا برفقة األوغاد خذي كل البالد واتريك يل براعم هذه املدن السعيدة”. ذاً فهو اللجوء “والبالد التي ال ناقة لك فيها وال أمل” عن أيّ البالد تتحدث؟ جميع محاواليت يف التآلف مع هذه البالد (تركيا) باءت بالفشل ،كام فشلت مرا ًرا بالفرار منها .لذلك وصلت إىل حالة من الالمباالة اتجاهها ،وأظن أنها هي ً أيضا ال تبايل بوجودي. “هذي البالد ال ناقة يل فيها وال أمل فلتكن دافئة فلتكن باردة مع إرشاقة ربيع فلتكن منترصة فليصعد رجالها إىل املريخ ولتسقط نساؤها من الجنة كفاكهة ناضجة هي أمور ال تعنيني أنا الذي سقطت هنا كتفاحة نخرتها ديدان الحرب”
يف مجموعتك الشعرية األوىل “مياه صالحة للقتل” تقول“ :أنا حسني الضاهر األكرث حز ًنا يف ح ّينا ،والوجع الوحيد ألهيل” ملاذا درب األحزان هذا؟ ال أحد يتمنى الحزن لنفسه ،ومل أخرت لنفيس هذا الدرب .لكن إن حللنا هذا الشعور -الحزن -بشكل منطقي ،سنجد أنه شعور أصيل متجذر يف أنفسنا، عىل عكس الفرح؛ الذي يأيت عىل شكل نوبات شبقية متفاوتة التأثري وقصرية .صحوت يف يوم ما ألجد نفيس ً محاطا مبفردات غريبة (حرب ،موت ،رصاص ،قارب مطاطي ،سلك شائك ..إلخ) هذا ما أجربين عىل سلوك مخرجا منه. درب األحزان ،وإىل اآلن مل أجد ً “يف الكوابيس :أنا الالهث أمام كالب املقابر يف طريق اللجوء :أنا الزبد العالق عىل فم الغريق يف الصور العتيقة :أنا التاريخ املنيس اللتقاطها يف ضبوط الرشطة :أنا الفاعل املتواري تحت أكوام الغبار يف العتمة :أنا كذبة الضوء يف آخر النفق يف الخرب العاجل :أنا الجثة املجهولة الهوية أهز رأيس مواف ًقا عىل تحليلكم لطريقة مويت وأشارككم دفني بكل كياسة“ من بني املفردات الجديدة أيضاً مفردة الثورة السورية ،بعد عرش سنوات ماذا أضافت الثورة إىل اللغة التي تكتب بها؟ األدب مرآة الواقع ،والكاتب مهام حلق يف فضاءات الخيال يبقى ابن بيئته ،ويف املحصلة ستظهر انعكاسات الواقع يف كتاباته .الثورة السورية كرست حدود اللغة التي كان من املمكن أن أتقيد بها لو مل تحصل. ما الذي أخذك إىل الشعر ،وملاذا قصيدة النرث؟ كانت البداية يف منبج .عام 2008عىل ما أذكر .حني تربع أحد األقارب بنرش محاولة يل ،يف منتدى إلكرتوين، وقد القت ً تفاعل جيدًا ،وألنني كنت أعيش شبه استقرار حينذاك مل أكمل .يف وقت الحق أتبعتها مبحاوالت أخرى ثم توقفت .وعندما وصلت تركيا ،مل أجد أحدًا أتحدث إليه ،كنت وحيدًا بكل ما للكلمة من معنى .فبدأت الكتابة يك ال أجن .وهكذا إىل أن وجدت نفيس هنا مبحض الصدفة .يف البدء مل أعرف أن ما أكتبه يسمى “قصيدة نرث” .الح ًقا علمت الفوارق واإلشكاالت الدائرة حولها ،لكن األمر ليس ً مهم بالنسبة إيل. أما أنا فقد جئت إىل الشعر متأخ ًرا بعد أن تفتقت أشجار املصيبة يف حقلنا زه ًرا يستحق النواح فنحت.
وجوه احلضور يف “مرايا الغياب” عند فرج بريقدار
18 ياسمين نهار
العدد
100 2021 / 11 / 20 ثقافة
الصاع الحا ّد والعاصف بني متناقضات يشكل ّ الوجود ُبعداً حافزاً و ُمله ًام لكثري من املبدعني، كالصاع بني الحياة واملوت ،وبني الخري ّ والش ،وبني ّ الحر ّية والقيد.. الصاعات وخرب الشاعر فرج بريقدار عاش هذه ّ تفاصيلها اليوم ّية أكرث من أربعة عرش عاماً يف السنوات أن السورية ،حاول خالل هذه ّ السجون ّ ّ يجد لغة شعر ّية تعادل تلك التّجارب القاسية، وتستوعب آالمه ورؤاه وتط ّلعاته إىل التّغيري. “مرايا الغياب “ هو عنوان إحدى مجموعاته ّ الشعر ّية ،كتبها وهو يف سجن صيدنايا بني عامي السجن 1997ـ 2000موضوعها األبرز ّ واألهم ّ بالسجن الس ّ السجني ّ يايس؛ حيث رصد شعر ّياً عالقة ّ ّ ّ السجناء إىل الحر ّية من ع ل وتط جهة، من جان والس ّ ّ جهة ثانية ،فال عجب أن تتك ّرر كلمة الحر ّية ثالث عرشة م ّرة يف هذه املجموعة. ُبعد التم ّرد وال ّرفض يف حياته وشعره :مل تكن الحر ّية عند شاعرنا مطلباّ سياس ّياً فقط؛ بل هي تجسد يف حياته وشعره ،وكام مطلب وجوديّ ٌ ّ ً للسلطة القمعية ا ري أس يكون أن بريقدار رفض ّ أو ملؤسساتها ال ّثقاف ّية التي ته ّمش حاالت التّم ّرد والخروج عن املألوف ،رفض أيضاً ُطرق التّعبري التّقليد ّية والهو ّية اإلبداع ّية ال ّثابتة ،لذا نراه يف حنني دائم إىل هو ّية إبداع ّية جديدة؛ ّ ألن اإلبداع حركة دامئة وكشف مستم ّر: ّ “كل يوم أقف أمامي أتأ ّملني بأناة ثم أنكرين ّ وأواصل الحنني إىل غريي ّ لعل أجدين فيه”. ّإن قصيدة فرج تثري األسئلة ا ُملقلقة ،تدعو املطمئنني إىل ّ الش ّك ،وميكننا القول إ ّنها متم ّردة مثله؛ متم ّردة عىل سلف ّية الكتابة ّ الشعر ّية؛ حني الخاصة ،ومتم ّردة متنع املبدع من خلق تجربته ّ
وترص عىل عىل الواقع أل ّنها ترفض التّك ّيف معهّ ، كشف مظامله وعيوبه ،ومتم ّردة عىل قارئها أل ّنها ته ّز يقينه: “ما من دليل وال يقني فالقصيدة خارجة ع ّ يل وخارجة عليكم ٌ وخارجة حتّى عىل نفسها”. الصوف ّية يف الصوف ّية يف شعره :التجربة ّ النّزعة ّ ترسخ معتقداً دين ّياً أو تدعو إليه؛ شعر فرج ال ّ ّإنا هي صوف ّية فن ّية أغنت تجربته ّ الشعر ّية الشاعر ّ ومنحتها أبعاداً ّ خلقة؛ فض ّال عن ّأن ّ وظف هذه التّجربة الغن ّية يف رؤية جديدة أخرجتها من ّيني إىل ُبعد إنسا ّين حا ّر أثبت قدرتها ُبعدها الد ّ عىل الحياة والت ّّجدد إبداع ّياً .لنئ ح ّررت التّجربة الصوف ّية اإلنسان من القيود ،بدءاً من القيود التي ّ تعيق حركة الجسد ،فقد ساعده تع ّمقه يف تلك التّجربة عىل اكتشاف أعامقه ونزوعها إىل الحر ّية؛ وليس هذا فحسب ،فقد ساعده ّ الشعر عىل فضح يايس: الس ّ السجن ّ ما يجري داخل ّ “صَ ُ فوت ُ أوشكت عىل املاء حتّى وأوشك املاء عىل الومض ُ والومض عىل ال ّرؤيا وال ّرؤيا عىل الكشف والكشف عىل الغموض والغموض عىل ّ الشعر ّ والشعر عىل الصمت الس والصمت عىل ّ ّ والس عىل الفضيحة ّّ شكراً يا معلمي أعرف ّأن ّ الطريق صار طوي ًال ورايئ غري أنني سأعود إىل حنان ترايب القديم
ولو مشياً عىل قلبي”. ّ يف هذا الن ّّص صفا الشاعر ال ّرايئ حتّى أوشك أن يصري ش ّفافاً كاملاء ،وما ال ّرؤيا عنده ّإل وسيلة لفضح مساوئ العامل ،وقد ّ تجل هدفه األسمى يف السابق يف العودة إىل النّقاء األ ّول ّ نصه ال ّرؤيويّ ّ والحر ّية والبدء حيث ال قيود وال أسوار ،رغم معرفته بوعورة ّ الطريق. ّ الصو ّيف واضحاً حني يقول: ويتجل البعد ّ “يا دينكم!! كيف أراين وأنا دامئاً معي؟ ُ ابتعدت عني وإذا فكيف أعرفني؟ ال تقولوا يل: املرآة. فليس للمرايا حتى هذه التي أكتبها ّإل أن تعدّدين أو تجعلني واحداً وأنا لست كذلك بل ّإن.. لست عىل حال أبداً ُ أبداً ُ لست عىل حال”. الشاعر ّأن ّ يرى ّ لكل مبدع ُبعداً آخر؛ يحرض يف أعامقه حضور ا ّتحاد ووحدة ،وحني ّ يتجل هذا البعد عىل صورة شعر؛ ال يريد منه ّ الشاعر أن يعكس ظاهر نفسه -وإن تعدّدت أشكاله -بل يعب عن خفايا نفسه غري املستق ّرة يريد منه أن ّ عىل حال. صور حضور املرأة يف شعره :امرأة فرج بريقدار هي املرأة الحبيبة /املرأة الجسد ،ويبدو يل ّأن السجن -ولو يف استحضار املرأة /الجسد داخل ّ فضاء ال ّذاكرة -هو تش ّوف لحياة طبيع ّية وعالقة تكامل ّية بني املرأة وال ّرجل؛ ّ كل طرف فيها يحتاج
.....
العدد
100
هكذا رسم لنا فرج بريقدار مراياه ممزوجة بروحه ،بعذاباته ،بتناقضاته الحادّة ،وما زال يف جعبته الكثري من األلوان املمزوجة بالدّم وال ّرماد والحكايا عن أولئك الذين ينحرون أحالم ّ الشعوب بال ندم. “مرايا الغياب” املجموعة ّ الشعر ّية التي ه ّربها ً ّ الشاعر من سجن صيدنايا مكتوبة عىل أوراق السجائر ُترتجم إىل الفرنسية واإلنكليزية واألملان ّية ّ والسلوفينية واإليطالية ،وتصبح مرشوعاً غنائياً بلغات عدّة. هي مرايا تفضح معاناة املعتقلني أثناء تغريبتهم السورية ّإل أ ّنها يف عمقها مرايا السجون ّ يف ّ وضاءين متداخلني هام :فضاء ّ فضاءين ّ الشعر، وفضاء الحر ّية.
2021 / 11 / 20
الجسد) فاملرأة عنده الحبيبة ا ُمللهمة تسري به إىل تيه املعنى؛ ليك يبقى يف بحثه املحموم عن دروب جديدة يف اإلبداع ك ّلام ظنّ أ ّنه اهتدى ووصل اكتشف دروباً أكرث جامالً وأكرث إغوا ًء: “ ّمثة مكان اسمه الالمكان أخذتني إليه تلك املرأة ّ الشاهقة وقالت يل: يليق بك التيه”. السجن :للسجن ٌ ظالل مرايا الغياب والحضور يف ّ ٌ قامتة تجثم عىل ال ّروح ،وشاعرنا رآه موتاً أو شيئاً “السجن هو الغياب األبعد واألعمق يشبه املوتّ : واألقىص يف الحياة ،وما من غياب أش ّد منه وأكرث فداحة سوى املوت .من هنا انرسبت تسمية “مرايا الغياب” كعنوان لهذه املجموعة .ويبدو يل ّأن ملرايا الغياب وجهاً آخر هو وجه الحضور: حضور ّ الشاعر وحضور القصيدة ،وك ّلام تع ّمق ُ الساكن املفجع ازداد إرصار ّ الشاعر ُبعد الغياب ّ عىل استحضار القصيدة التي ُتع ّد وجهاً من وجوه الحياة واندفاعها الحا ّر. الشاعر ّ هكذا واجه ّ كل أشكال التعذيب والقمع بأكرث األشياء حميم ّية وح ّيو ّية وحر ّية؛ واجهها جميعاً ّ بالشعر. السجن ميت ّد يائساً امتداد الصحراء، والزّمن يف ّ يتشابه تشابه كثبانها ،غري ّأن ّ الشاعر يحاول أن
يثني عضد هذا الزّمن ليبقى هو وقصيدته عىل َ قيد الحضور ،عىل قيد الحياة: “األزمنة متضاربة واألمكنة أيضاً الصلوات وحتّى ّ غري ّأن القصيدة وقلبي يد ّقان ويد ّقان ياااااااا.. ألبوابكم املغلقة!!”. وحني يستب ّد الوقت الكئيب قد تنفصم الذات عن نفسها أل ّنها تعجز أحياناً عن ملء هذا الفراغ ال ّرهيب املاثل يف املكان ،فال يراه ّ الشاعر ّإل شك ًال من أشكال الغياب: “زمنٌ بال مواعيد ٌ ومكان بال جهات. أ ّيتها املرأة الجارحة كربق ال ّراعفة كأغنية اذهبي فام من يشء حارض هنا غري الغياب”.
ثقافة
اآلخر ويك ّمله ،وهو فعل تح ّد لألفكار املتز ّمتة وموقفها من املرأة ،وهو فعل تح ّرر من ّ كل القيود التي متنع املبدعني من التّعبري عن املرأة، وعن العالقة بينها وبني ال ّرجل فن ّياً ،باإلضافة إىل كون ذلك الفعل انعتاقاً من أرس مكان ينزف تفاصيل مؤملة مؤ ّرقة. وها هي ذاكرته تغافل محاوالت النسيان وتهرب إىل امرأة ما: “يف منتصف النسيان وربا يف آخره ّ هربَت ذاكريت إليها تلك التي مل تقل يف البداية غ َري سام ٍء مهجورة وبنفسجتني غامضتني وصحراء تنزف رساباً ولكنّها صمتاً إثر صمت وشهيقاً إثر شهيق وزفرياً إثر زفري قالت جسدي وأرد َف ْت ُل ّج ًة متالطمة األصداء تنشجُ ومتطر وتصيحُ من قيعانها: تعال”. الحب وشعر الجسد وتجدر اإلشارة إىل ّأن شعر ّ عند شاعرنا ٌ دليل عىل تأكيد شاعرنا فاعلية األنا وحضورها يف مكان ال خصوبة فيه وال حياة وهو السجن. ّ ً يقول واصفا الحديث بني جسدين: ُ “لست أعمى القلب فام من حوار تيضء برو ُق ُه وتنهم ُر أمطا ُر ُه كام بني جسدين”. ّإن صور ّ تعب عن ظالل الشاعر يف هذا الن ّّص ّ الخفي؛ وما إضاءة الربوق نفسه والشعوره ّ ّ وانهامر األمطار إل تأكيد الخصوبة التي ُيحرم السجني منها فأراد ّ الشاعر تحقيقها ولو يف الخيال. ّ ومع ذلك مل يحرص بريقدار املرأة ببعد واحد ( ُبعد
19