طلعنا عالحرية / العدد 83

Page 1

‫نصف شهرية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬مستقلة‬

‫العدد ‪83‬‬

‫‪2016 / 12 / 31‬‬

‫مجلة مستقلة‪ ،‬تعنى بشؤون الثورة السورية‪ ،‬نصف شهرية‪ ،‬تطبع وتوزع داخل‬ ‫سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج‬


‫‪2‬‬

‫هدنة جديدة بحســابات‬ ‫جديدة‬ ‫افتتاحية بقلم مازن درويش‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫يحقُّ للسوريني الذين ُاثخنوا قت ًال وتهجرياً واعتقا ًال طوال السنوات‬ ‫املاضية أن يفرحوا لخرب وقف اطالق النار خصوصاً أنه يأيت ضمن‬ ‫سياق ٍّ‬ ‫يس شامل ‪ -‬كام يشاع ‪ -‬فرمبا ضح ّية أخرى لن تسقط‬ ‫حل سيا ٍّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليوم‪ ،‬ولرمبا طفل آخر لن تبرت احدى أطرافه غدا‪ ،‬وألن كل قطرة دم‬ ‫ميكن توفريها قبل بلوغ ّ‬ ‫مكسب لنا جمي ًعا‪.‬‬ ‫الحل النها ّيئ هي‬ ‫ٌ‬ ‫وعىل الرغم من كل ذلك كله‪،‬علينا أ ّال نسقط يف وهم التفاؤل‪ .‬اذ مل يرتك‬ ‫نظام الرباميل املتفجرة وحلفاؤه مكاناً للنوايا الطيبة يف ضوء ارصارهم‬ ‫ا ُملعلن عىل الحاق الهزمية التا ّمة ّ‬ ‫سبب كان‪،‬‬ ‫بكل من عارضهم‪ ،‬وأليّ ٍ‬ ‫وبغض النظرعن الطريقة‪ ،‬وليس ّ‬ ‫ّ‬ ‫أقل من تطهري محيط العاصمة‬ ‫دمشق بالح ّد األدىن‪ .‬باالضافة اىل التعقيدات اإلقليم ّية والدول ّية التي‬ ‫تجعل من هكذا تفاؤل أقرب ما يكون اىل القراءة الرغبو ّية البعيدة عن‬ ‫خف أطر ٌ‬ ‫اف ُكرثعدم حامسهم‬ ‫حقائق السياسة ودهاليزها‪ ،‬حيث مل ُي ِ‬ ‫لهكذا اتفاق‪ .‬بعضهم لكون االتفاق انجاز رويس ‪ -‬تريك رصف‪ ،‬األمر‬ ‫اف ثانو ّية عىل ساحة الرصاع‪ّ ،‬‬ ‫ولعل أبرز هؤالء‬ ‫الذي أظهرهم كأطر ٍ‬ ‫إدارة الرئيس “أوباما” التي تع ّرضت الذاللٍ سيايس مل يسبقها اليه أحد‬ ‫يف تاريخ الواليات املتحدة االمريكية الدبلومايس‪ ،‬األمر الذي مل يستطع‬ ‫الرئيس “أوباما” اخفاؤه‪ّ ،‬‬ ‫فأت قرار طرد الدبلوماسيني الروس كتأكي ٍد‬ ‫عىل ذلك االحساس باملهانة‪.‬‬ ‫رغم ّ‬ ‫كل يشء‪ -‬متلك أدوات‬ ‫يعلم الساسة الروس ّأن الواليات املتحدة ‪ّ -‬‬ ‫كافية الجهاض االتفاق‪ ،‬ولذلك رمبا تسعى الدبلوماس ّية الروس ّية إىل‬ ‫تثبيته عرب مجلس األمن‪ ،‬لتحصينه واعطائه طابعاً دول ّياً ُمل ِزماً‪ .‬إيران‬ ‫أيضاً والتي كانت طرفاً رئيس ّياً يف إعالن موسكو الثاليث قبل أيام‪،‬‬ ‫وجدت نفسها اليوم خارج املطبخ السيايس الرويس‪ -‬الرتيك‪ ،‬حيث‬ ‫مل ينجح اتصال وزير الخارج ّية “الفروف” بنظريه االيراين “ظريف”‬ ‫بطأمنة ايران وفق ما أعلنه “محمد صدقيان” مدير “املركز العريب‬

‫للدراسات اإليرانية” الذي قال‪ّ :‬‬ ‫(إن هناك قلقاً لدى الجانب اإليراين‪ ،‬وتريد ايران‬ ‫خاصة ا ُملد َر ِجة عىل‬ ‫الوقوف عىل حقيقة التفاهامت مع فصائل املعارضة السورية‪ّ ،‬‬ ‫قوائم اإلرهاب)‪ .‬هذا القلق تتشاركه معها أيضا جبهة فتح الشام “النرصة سابقا”‪،‬‬ ‫والتي بدأت توقن أ ّنها ستكون كبش املحرقة‪ ,‬باالضافة اىل كيانات سياسية معارضة‬ ‫بدأت تتلمس انتهاء صالحيتها‪.‬‬ ‫حقيقة التفاهامت الروس ّية الرتك ّية التي أبرمت بعد تطبيع العالقات الثنائية بني‬ ‫البلدين يف شهر آب املنرصم رمبا س ّهلت استعادة قوات النظام وحلفائه ألحياء‬ ‫“حلب الرشقية” مقابل اجهاض “فدرالية روج آفا كوردستان” يف شامل سوريا‪،‬‬ ‫لكن املؤ ّكد أيضاً أ ّنه مل تتكشف جميع جوانب هذه التفاهامت بعد‪ ،‬عىل الرغم‬ ‫ستغي الكثري من مجريات‬ ‫من وجود الكثري من الدالالت عىل ّأن هذه التفاهامت ّ‬ ‫األمور يف سوريا‪ ،‬خصوصاً اذا صدقت املعلومات التي تفيد ّأن فريق الرئيس‬ ‫االمرييك ا ُملنتخب “ترمب” ليس بعيداً عنها‪.‬‬

‫‪www.freedomraise.net‬‬

‫تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت‬

‫كلمة‬

‫املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً‬ ‫وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير‬

‫مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة‬ ‫تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية‬ ‫ويف بعض مخيامت اللجوء‬ ‫معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان‬ ‫نصار‬ ‫أنور البني‬ ‫أسامة ّ‬

‫قسم املرأة‬ ‫يارا بدر‬

‫املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد‬

‫رئيس التحرير ليىل الصفدي‬ ‫املحرر االقتصادي‬ ‫وائل موىس‬

‫الغالف‬ ‫سمري خلييل‬

‫‪facebook.com/freeraise‬‬ ‫‪twitter.com/freedomraise‬‬ ‫‪info@freedomraise.net‬‬

‫كاريكاتري‬ ‫سمري خلييل‬

‫زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية‬ ‫رزان زيتونة ‪ -‬ناظم حامدي‬


‫مرين‬ ‫وادي بــردى بين ّ‬ ‫‪3‬‬

‫أنور عباس‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫تنظيفه لجعله محوراً شيعياً موالياً بالكامل‪ ،‬وهو من الناحية‬ ‫العسكرية‪ ،‬يف موقع ضعيف جداً‪ ،‬إذ تحيط به قوات النظام‬ ‫من كل جانب‪ ،‬وتحتل تالله وجباله؛ فهو يف مرمى مدافعها‬ ‫ودباباتها‪ ،‬ناهيك عن الطريان الذي استهدفه والزال يستهدفه‪،‬‬ ‫وميكن أن يقلب املعادلة الحالية خالل أيام قليلة؛ حيث الزال‬ ‫الثوار ينجحون يف ص ّد محاوالت االقتحام من محوري الدريج‪-‬‬ ‫بسيمة والدمياس‪ -‬دير قانون‪ .‬لكن التجارب التي رأيناها يف‬ ‫املناطق األخرى ال تيش أبداً بأن النظام سيثنيه صمود الثوار‪،‬‬ ‫وأن اقتحام الوادي عنوة سيعني تهجري أهله دون ّ‬ ‫شك‪.‬‬ ‫عىل املقلب اآلخر للمشهد الدموي الذي نراه يف الوادي‪ ،‬حيث‬ ‫يتعرض للقصف اليومي‪ ،‬وتحارصه القناصة من جميع أطرافه‪،‬‬ ‫ويعاين سكانه من غياب الكهرباء واملاء واالتصاالت‪ ،‬وغياب‬ ‫أي معلومات دقيقة عن مدى قدرته عىل احتامل الحصار‪،‬‬ ‫نرى يف العاصمة دمشق تذمراً غري مسبوق من أهلها‪ ،‬بسبب‬ ‫ما ّ‬ ‫حل بنبع الفيجة من خراب‪ ،‬عل ًام أن املعلومات التي أتت‬ ‫من املنطقة تؤكد مبا يدع مجاالً ّ‬ ‫للشك‪ ،‬بأن الخراب الذي ّ‬ ‫حل‬ ‫به وخروجه عن الخدمة نجم عن سقوط عدد من الرباميل‬ ‫املتفجرة عليه ألقتها مروحيات النظام‪ ،‬وأن أربعة من شباب‬ ‫القرية الذين نذروا أنفسهم لحامية النبع قد استشهدوا جراء‬ ‫الغارة األوىل التي استهدفته‪.‬‬ ‫يحتل نبع الفيجة مكانة سامية يف نفوس أهايل عني الفيجة‪،‬‬ ‫فهو مصدر فخر لهم‪ ،‬وهم يتباهون بنسبته إىل قريتهم‬

‫مقاالت‬

‫يقف وادي بردى اليوم بني خيارين أحالمها‬ ‫م ّر؛ فمن جهة يخىش أهله أن يكون‬ ‫التهجري هو املصري الذي ينتظرهم‪ ،‬فيميل‬ ‫بعضهم للقبول بعرض النظام لالستسالم‬ ‫غري املرشوط ومغاردة الثوار نحو الشامل‪،‬‬ ‫لكنهم يف الوقت ذاته ال يثقون بهذا النظام‬ ‫الذي يثبت يوماً بعد يوم أن خططه يف‬ ‫تغيري الرتكيبة السكانية ملحيط دمشق سائرة‬ ‫قدماً دون تردد‪ .‬وهو مستعد الستخدام‬ ‫أعتى أشكال القوة لتأمني محيط العاصمة‬ ‫وإحالل سكان جدد مكان أولئك الذين ثاروا‬ ‫عليه‪ ،‬فيميلون حينها إىل مواصلة القتال‬ ‫ويقضون لياليهم الباردة يف الصالة إىل الله‬ ‫عىل أمل النرص!‬ ‫ظنّ أهايل وادي بردى أن التفاهم الضمني‬ ‫مع النظام والقائم عىل األمن وعدم االقتحام‬ ‫مقابل أمن دمشق املايئ سيحميهم من‬ ‫بطشه‪ ،‬لكنه وإذ أنهى تفريغ حلب الرشقية‪،‬‬ ‫وقبلها داريا وحمص والزبداين‪ ،‬وفرض‬ ‫االستسالم غري املرشوط عىل الهامة وقدسيا‬ ‫والتل وقبلها أرشفية الوادي‪ ،‬يلتفت اليوم‬ ‫إىل وادي بردى‪ ،‬طالباً من ثواره االستسالم‬ ‫والتسوية أو الرحيل‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫شك يف أن وجود نبع الفيجة يف هذا‬ ‫الوادي ّأخر مخططات النظام يف استعادة‬ ‫السيطرة عليه‪ ،‬ورمبا أنه حمى الوادي فعلياً‬ ‫من اقتحام عسكري كان مرتقباً منذ أن‬ ‫خرج الوادي عن سيطرته عام ‪ ،2012‬وبعد‬ ‫محاولة اقتحام فاشلة‪ .‬لكن النظام شنّ‬ ‫غارات بالطريان الحريب والرباميل عام ‪2015‬‬ ‫بعد أن قام الثوار بقطع املياه عن العاصمة‬ ‫دمشق يف محاولة يائسة ل ّ‬ ‫يل ذارعه تضامناً‬ ‫مع الزبداين التي كانت تشهد حملة جوية‬ ‫مل يسبق لها مثيل‪ ،‬أدت يف النهاية إىل تهجري‬ ‫أهلها جميعاً‪ ،‬باسثناء عدد قليل من الثوار‬ ‫الذين بقوا فيها‪ ،‬وبعد أن أصبحت ورقة‬ ‫ضغط يف معادلة مضايا والزبداين‪ /‬كفريا‬ ‫والفوعة من جهة أخرى‪.‬‬

‫حول النظام معركته مع الثوار إىل معارك محلية‪ ،‬أحسن إدارتها‪.‬‬ ‫وساهم تشتت الثوار وتحول الكثري منهم إىل “مجاهدين”‬ ‫محل ّيني يف إنجاح هذه االسرتاتيجية‪ .‬ولن ينجو وادي بردى‪ ،‬فهو‬ ‫ليس استثناء عىل ما يبدو‪ ،‬ويحمل أهمية اسرتاتيجية بسبب‬ ‫وجود مصدر مياه الرشب األسايس للعاصمة فيه‪ ،‬ولوقوعه عىل‬ ‫محور جنوب لبنان‪ /‬طرطوس الذي تسعى إيران وحزب الله إىل‬

‫وبانتسابهم له‪ ،‬ويرون فيه مصدر قوة لهم‪،‬‬ ‫وقد سعوا لعقود طويلة إىل حاميته‪ ،‬رغم‬ ‫أنهم دفعوا مثناً باهظاً لوجوده يف قريتهم؛‬ ‫فقد استملكت أراضيهم عىل مدى العقود‬ ‫املاضية تباعاً‪ ،‬وأصبح الباقي منها حرماً لهذا‬ ‫النبع‪ ،‬وكلفهم ذلك الكثري‪.‬‬ ‫لقد رشبت دمشق من مياه الفيجة منذ‬ ‫عهد الرومان الذين كانوا أول من جر ماء‬ ‫نبعها إىل هذه املدينة‪ ،‬ويف عهد ناظم باشا‬ ‫صاحب القناة املشهورة التي وزعت املياه‬ ‫عىل خمسمئة سبيل يف دمشق‪ ،‬ثم بفضل‬ ‫مرشوع لجنة مياه عني الفيجة الذي تم يف‬ ‫العهد الفرنيس‪ ،‬وقام عليه الحفار والخوري‬ ‫ورجاالت السياسة والتجارة يف دمشق‬ ‫لخدمة أهلها‪ ،‬إىل النفق الجديد الذي ُشقّ يف‬ ‫نهاية السبعينات لريوي من مل تكن تصلهم‬ ‫مياه الفيجة يف دمشق وبعض ضواحيها‪.‬‬ ‫ويشعر أهايل عني الفيجة اليوم بأن هذه‬ ‫التضحيات الكبرية وحرصهم خالل سنوات‬ ‫الحرب الخمسة التي رافقت الثورة عىل‬ ‫سالمة النبع وحاميته من أي رضر أو‬ ‫تخريب قد يلحق به تذهب سدى‪ ،‬وأن‬ ‫أهايل العاصمة يتحدثون بكثري من السوء‬ ‫عنهم دون معرفة مبا يقومون به‪ ،‬ويلقون‬ ‫التهم عليهم جزافاً‪ ،‬وينجرون وراء الروايات‬ ‫البائسة والخبيثة التي يروج لها إعالم بشار‬ ‫األسد‪ ،‬وصفحات املواالة عىل فيسبوك‪،‬‬ ‫كصفحة دمشق اآلن التي تنضح بالكراهية‬ ‫والحقد‪ ،‬وصفحة يوميات قذيفة هاون التي‬ ‫تتسم بالرخص والتهريج يف وقت نحن يف‬ ‫غنى فيه عن مثل هذا العبث غري املجدي‪.‬‬ ‫يف الوقت الذي يغامر النظام املجرم‬ ‫واملجنون مبصدر املاء الوحيد الذي يروي‬ ‫العاصمة‪ ،‬يحوم شبح العطش فوق دمشق‪،‬‬ ‫ويقبع أهايل الوادي الذي مدها باملاء وروى‬ ‫أراضيها وغوطتيها وأهلها لقرون طويلة‬ ‫تحت القصف والجوع والعطش والربد‬ ‫والخوف وشبح التهجري‪.‬‬


‫ســكان حلب الشرقية ورحلة‬ ‫التهجير والشــتات‬

‫‪4‬‬ ‫كمال شيخو‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫بوجوههم املتعبة‪ ،‬ومالبسهم املهرتئة‪،‬‬ ‫وحقائب شبه خاوية ُو ّضبت عىل عجل‪،‬‬ ‫احتوت قلي ًال من الحوائج الشخصية وكثرياً‬ ‫من القهر والحزن واالنكسار‪ ،‬هُ ّجر سكان‬ ‫مدينة حلب الرشقية!‬ ‫ذاك النزوح األخري وصفه سكانها “بيوم‬ ‫القيامة”‪ ،‬إذ مل يكن يتوقعه قاطنو تلك‬

‫مظاهر الدمار التي ح ّلت بأحياء املدينة‪ ،‬حيث ميكن رؤية‬ ‫العديد من املنازل التي أصبحت أثراً بعد عني‪ ،‬ومل يتبقّ منها‬ ‫سوى األطالل‪ ،‬ج ّراء االشتباكات العسكرية املحتدمة مع‬ ‫تقدم النظام وامليلشيات املوالية له يف رشق حلب منذ ‪20‬‬ ‫شهر ترشين الثاين‪/‬نوفمرب سنة ‪ ،2016‬وأعلن السيطرة عليها‬ ‫بالكامل يف ‪ 22‬من شهر كانون األول‪/‬ديسمرب‪.‬‬ ‫ولدى لقائه مع مجلة طلعنا عالحرية يروي صالح األشقر‪،‬‬

‫املناطق املحارصة‪ ،‬ومتنوا لو أنه‬ ‫مجرد كابوس شتوي سيمر عليهم؛‬ ‫دون أن ينخر الربد عظامهم يف‬ ‫الواقع ويجربهم عىل املبيت يف‬ ‫العراء أليام ثم تبدأ رحلة النزوح‬ ‫والهروب إىل املجهول‪.‬‬ ‫بعضهم متكنوا من الفرار إما‬ ‫سرياً عىل األقدام قاصدين حي‬ ‫“الشيخ مقصود” املجاور ذي‬ ‫األغلبية الكردية‪ ،‬أو نحو املناطق‬

‫مقاالت‬

‫الواقعة تحت سيطرة النظام غرب املدينة‪،‬‬ ‫أو عربوا إىل الريف الشاميل باتجاه بلديت‬ ‫إعزاز ومارع‪.‬‬ ‫خالية من سكانها‬ ‫ومن تبقى من سكان حلب الرشقية‪ ،‬بقوا‬ ‫عالقني ثالثة أيام بني ‪ 16‬كانون األول‪/‬ديسمرب‬ ‫و‪ 19‬من الشهر نفسه‪ ،‬انتظروا دورهم إىل‬ ‫تم إجالؤهم نحو مناطق ريف حلب‬ ‫أن ّ‬ ‫الغريبّ‪ ،‬ومنها إىل مدينة إدلب وريفها (غرب‬ ‫سوريا)‪ ،‬وفق اتفاق رعت ُه تركيا وروسيا ُأجيل‬ ‫مبوجبه اآلالف من املدن ّيني واملقاتلني مبن‬ ‫فيهم نساء وأطفال وجرحى‪.‬‬ ‫وباتت أحياء “مساكن هنانو”‪ ،‬و”الحيدرية”‪،‬‬ ‫و”اإلنذارات”‪ ،‬و”بعيدين”‪ ،‬و”الصاخور”‪،‬‬ ‫و”الشعار”‪ ،‬و”القاطرجي”‪ ،‬و”جبل بدرو”‬ ‫و”بستان الباشا” وغريها من أحياء حلب‬ ‫الرشقية خالية من أصحابها‪.‬‬ ‫ونرش نشطاء وإعالم ّيون معارضون عىل‬ ‫صفحاتهم الشخصية مبواقع التواصل‬ ‫االجتامعي صوراً ومقاطع فيديو تعكس‬ ‫ّ‬

‫الرشقي ملدينة حلب‪ ،‬أنه‪:‬‬ ‫وهو صحا ّيف بقي محارصاً بالقسم‬ ‫ّ‬ ‫“يف ربيع عام ‪ 2011‬وعندما شاركت باملظاهرات املناهضة‬ ‫للنظام الحاكم طالبنا بإسقاط سورية األسد‪ ،‬حلمنا بسوريا‬ ‫حرة دميقراط ّية”‪ ،‬أ ّما اليوم وبعد مرور ستّة أعوام عىل هذا‬ ‫الكالم‪ ،‬يضيف صالح‪“ :‬أنا ابن حلب‪ ،‬ومن سوريا‪ ،‬أجربوين‬ ‫عىل مغادرة منزيل ووطني”‪.‬‬ ‫“التغريبة الحلبية”‬ ‫وغص حلقه وفؤاده بكثري من الكالم‪.‬‬ ‫تو ّقف صالح عن الكالم ّ‬ ‫بعد لحظات‪ ،‬تابع حديثه وقال‪“ :‬غادرت مدينتي مجرباً‪ّ ،‬‬ ‫وكل‬ ‫هؤالء الناس مثيل هجروها مكرهني‪ ،‬إ ّنها التغريبة الحلبية”‪.‬‬ ‫ووصل صالح يف ‪ 19‬شهر كانون األول‪/‬ديسمرب من العام‬ ‫املايض‪ ،‬إىل بلدة األبزميو يف ريف حلب الغريب‪ ،‬وكان من بني‬ ‫الذين تم إجالؤهم‪ ،‬ثم دخل تركيا يف ‪ 25‬من الشهر نفسه‬ ‫قاصداً مدينة غازي عنتاب ليكمل نقل ما عاناه أهل حلب يف‬ ‫مواجهة الحرب والحصار للعامل كله‪.‬‬ ‫وقدرت اللجنة الدولية للصليب األحمر عدد الذين تم‬ ‫إجالؤهم من القسم الرشقي ملدينة حلب بنحو ‪ 35‬ألف‬ ‫شخص‪ ،‬كان من بني من شملهم ‪ 100‬جريح ومريض يف حالة‬ ‫حرجة‪.‬‬ ‫وذكرت آنجي صدقي املتحدثة الرسمية للجنة الدولية‬

‫للصليب األحمر يف سوريا‪ ،‬يف حديثها مع‬ ‫مجلة طلعنا عالحرية تفاصيل عملية اإلجالء‬ ‫وقالت‪“ :‬منذ يوم الخميس ‪ 15‬ديسمرب حتى‬ ‫فجر الجمعة ‪ 16‬ديسمرب‪ ،‬قامت فرق الهالل‬ ‫األحمر العريب السوري واللجنة الدولية‬ ‫للصليب األحمر بإجالء حوايل ‪ 10000‬من‬ ‫املدنيني من ضمنهم حوايل ‪ 100‬جريح كانوا‬ ‫يف حالة حرجة”‪.‬‬ ‫ويف يوم الجمعة ‪ 16‬كانون األول‪/‬ديسمرب‬ ‫العام املايض‪ ،‬توقفت عملية اإلجالء بعد‬ ‫حدوث توترات عىل األرض وتبادل إطالق‬ ‫نار‪ ،‬ثم استؤنفت بعد يومني وانتهت يوم‬ ‫الجمعة ‪ 22‬كانون األول‪/‬ديسمرب حيث تم‬ ‫إجالء نحو ‪ 35‬ألف شخص‪ ،‬بحسب آنجي‬ ‫صدقي‪ ،‬ولفتت‪“ :‬تم إجالء املدنيني الذين‬ ‫رغبوا يف املغادرة إىل أماكن أكرث أماناً”‪.‬‬ ‫تركوا ملصريهم‬ ‫وتابعت صدقي كالمها لتقول‪“ :‬أما الذين‬ ‫رفضوا املغادرة كان لديهم خيار البقاء‪،‬‬ ‫وهذا من مبادئ القانون الدويل اإلنساين‪،‬‬ ‫يجب أن يتم اإلجالء وفقاً لرغبة املدنيني‬ ‫والجرحى أنفسهم”‪.‬‬ ‫وتم تهجري آالف األشخاص عن طريق‬ ‫حافالت “خرضاء حكومية” من األحياء‬ ‫الرشقية يف حلب‪ ،‬إىل مخيامت مؤقتة يف‬ ‫ريف حلب الغريب أو مدينة إدلب وريفها‪،‬‬ ‫حيث أجربوا عىل ترك كل يشء خلفهم عند‬ ‫فرارهم‪ ،‬وتركوا ملصريهم املجهول يف مواجهة‬ ‫طقس شتوي شديد الربودة‪.‬‬ ‫ومل يسلم الذين نزحوا من قسوة الشتاء؛ إذ‬ ‫فتكت العاصفة الثلجية األخرية التي رضبت‬ ‫سوريا بكثري من الخيم الرقيقة وغري املجهزة‪،‬‬ ‫بعد أن غطت الثلوج مساحات واسعة من‬ ‫تلك املخيامت التي تفتقر باألصل لوسائل‬ ‫التدفئة‪ .‬وما زاد األمر سوءاً أخبار موت‬ ‫عدد من األطفال وأمهاتهم نتيجة انخفاض‬ ‫درجات الحرارة أو استعامل وسائل تدفئة‬ ‫بدائية بطريقة خاطئة‪.‬‬


‫رحلــة في الباص األخضر‬ ‫علي فاروق‬

‫أو تلهج بتوسالت يائسة إىل الله‪ ،‬أن يحمينا‪ ،‬ويردنا ساملني‪..‬‬

‫لسبب ما‪ ،‬قررت أال أقيض ليلتي األخرية هناك‪ ،‬مل‬ ‫ٍ‬ ‫أشأ وداع البيت‪ ،‬فضلت التظاهر أن مغادريت مؤقتة‪،‬‬ ‫يوم‪ ،‬رغم إحسايس أن العودة قد تغدو‬ ‫وطبيعية ككل ٍ‬ ‫حل ًام بعيداً‪ ..‬حزمت حقيبتي برسعة‪ ،‬واحتضنت أخي‬

‫الخميس ‪ 13‬ترشين األول ‪ ،2016‬الساعة ‪ 6‬مسا ًء‪..‬‬ ‫انطلق املوكب املؤلف من ‪ 300‬حافلة‪ ،‬يتقدم كل‬ ‫حافلة سيارة ضباط‪ ،‬فيام يرافقها من الخلف سيارة‬ ‫جنود مزودة برشاش‪ ،‬أما سيارات اإلسعاف والهالل‬ ‫األحمر‪ ،‬فقد انطلقت يف املقدمة‪..‬‬ ‫عىل الطريق بني دمشق وحمص‪ ،‬كانت معامل القصف‪،‬‬ ‫وآثار املعارك ال تزال شاهد ًة عىل الطريقة التي‬ ‫استطاعت بها املليشيات األجنبية‪ ،‬والجيوش الغازية‪،‬‬ ‫احتالل الريف الدمشقي “املحرر”‪ ،‬والذي استعىص‬ ‫لسنوات عىل النظام‪.‬‬ ‫توقفت الحافالت لدقائق معدودة‪ ،‬مر ًة واحد ًة‬ ‫فقط قبل مدينة حمص‪ ،‬حيث ُسمح بالنزول لقضاء‬ ‫الحاجة يف العراء‪ .‬بعدها توجهت القافلة نحو‬ ‫طرطوس‪ ،‬فبانياس‪ ،‬مروراً بـ”بيت ياشوط” يف جبلة‪،‬‬ ‫ومن هناك نزوالً باتجاه ريف حامة‪ ،‬كان من حسن‬

‫الجمعة ‪ 14‬ترشين األول‪ ،‬الساعة ‪ 12‬ظهراً‪..‬‬ ‫وصلت مع أصدقايئ إىل مدرسة “اإلحسان”‪ ،‬وهو مركز‬ ‫إيواء للنازحني وسط مدينة إدلب‪ ،‬انرصفت وسائل‬ ‫اإلعالم واملراسلون والنشطاء كام أتوا رسيعاً‪ ،‬وتركونا‬ ‫نواجه مصرينا املجهول‪ ،‬يف ذلك املكان املكتظ واملهمل؛‬ ‫حيث يكاد ينعدم وجود أدىن املقومات األساسية‬ ‫لإلقامة والحياة‪ ،‬فيام بدأ الطريان الحريب فوقنا جوالته‬ ‫“الرتحيبة”‪ ،‬فأرسع الجميع للبحث عن أي مكان قد‬ ‫يبدو مناسباً “لالختباء”‪..‬‬ ‫كان الوضع مزرياً وبائساً‪ ،‬وكنا مرهقني جداً وجائعني‪،‬‬ ‫وكنا بالكاد نستطيع الوقوف عىل أقدامنا‪ ،‬وكنا بحاج ٍة‬ ‫ماس ٍة لالستحامم والنوم‪..‬‬ ‫مل أستطع االنتظار مد ًة أطول‪ ،‬حزمت أمري رسيعاً‪،‬‬ ‫وودعت أصدقايئ وأخربتهم أين سأتجه إىل رساقب‪،‬‬ ‫حيث تقيم عائلة صديقي يف السجن “أبو حسني”‪،‬‬ ‫ألبدأ أوىل يوميات “نكبتي” هناك‪..‬‬

‫مقاالت‬

‫يف سهرتنا األخرية‪ ،‬مل نتكلم كثرياً‪ ،‬مل تكن لنا طاقة‬ ‫للكالم‪ ،‬أو رمبا مل يعد لدينا ما نقوله‪..‬‬ ‫حاولنا استغالل الوقت بتبادل النظرات‪ ،‬وحتى هذه‬ ‫مل نق َو عليها كثرياً‪ ،‬مل تستطع أمي الصمود طوي ًال‪،‬‬ ‫وكثرياً ما قطع بكاؤها صمتنا‪ ،‬كنا ندرك أنه رمبا لن‬ ‫نجتمع بعد اآلن‪ ،‬لذلك حاولنا تأمل وجوه بعضنا ما‬ ‫استطعنا‪ ،‬كانت رغبة خفية يف تخزين أكرب قد ٍر من‬ ‫الصور والذكريات‪ ،‬لكننا مل نستطع الصمود‪ ،‬وابتالع‬ ‫األمل‪ ،‬وبقينا صامتني‪..‬‬ ‫كنا كحارضي مجالس العزاء‪ ،‬مجلس عزائنا نحن؛‬ ‫ٌ‬ ‫عجيبة هي املواقف‬ ‫كنا امليت‪ ،‬واملشيع‪ ،‬واملعزي‪.‬‬ ‫التي اختربناها خالل الحرب‪ ،‬آالف السوريني باتوا‬ ‫يستطيعون القول إنهم شاهدوا أرواحهم تتحطم‬ ‫أعوام‪ ،‬ثم تنسلخ عن‬ ‫وتتشظى‪ ،‬عىل مدى خمسة‬ ‫ٍ‬ ‫أجسادهم‪ ،‬وهم يحرضون مع أمهاتهم‪ ،‬وإخوانهم‬ ‫مجالس عزائهم!‪..‬‬ ‫بكت أمي طوي ًال‪ ،‬كان بكاؤها صامتاً‪ ،‬إال حني تشهق‪،‬‬

‫الجمعة ‪ 14‬ترشين األول ‪ 6 ،2016‬صباحاً‪..‬‬ ‫بعد تجاوز “السقيلبية”‪ ،‬توقفت سيارات الضباط‬ ‫والجنود‪ ،‬فيام تابعت سيارات الهالل األحمر نحو‬ ‫“قلعة املضيق”‪ .‬عند مدخل البلدة ارتفعت أعالم‬ ‫“حركة أحرار الشام اإلسالمية”‪ ،‬وكان ذاك أول مشه ٍد‬ ‫من األرايض املحررة‪..‬‬ ‫تجمع مقاتلون‪ ،‬وفتية ترتسم عىل وجوههم أمارات‬ ‫الطيبة والكرم‪ ،‬للرتحيب بنا‪ ،‬كانوا يبتسمون وهم‬ ‫يرفعون أصابعهم بإشارات النرص‪ ،‬وال شك أنهم من‬ ‫جعل مشاعر الفرح‪ ،‬واالطمئنان تتسلل إىل نفوسنا‪.‬‬ ‫لكن املشاهد الالحقة رسعان ما أحلت اليأس واإلحباط‬ ‫مكانها‪ ،‬وال سيام مشاهد الفوىض‪ ،‬وغياب التحضري‪،‬‬ ‫وخصوصاً عند مقارنتها بالتنظيم والتنسيق العايل‪،‬‬ ‫الذي رأيناه من النظام خالل عبورنا “أراضيه”‪.‬‬

‫العدد ‪- 83 -‬‬

‫مساء ذلك اليوم‪ ،‬عدت مبكراً‪ ،‬لقضاء آخر الساعات معها‪..‬‬

‫الخميس ‪ 13‬ترشين األول ‪ ،2016‬الساعة ‪ 12‬ظهراً‪..‬‬ ‫رسيع‪ ،‬صعدنا إىل الحافالت‪،‬‬ ‫روتيني‪،‬‬ ‫تفتيش‬ ‫بعد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وصعد خلفنا “ضابط صف” من الحرس الجمهوري‪،‬‬ ‫لتسجيل األسامء‪ ،‬وإحصاء قطع السالح‪ ،‬حني وصل‬ ‫لشاب‬ ‫“املساعد” إىل مؤخرة الحافلة‪ ،‬سمعته يقول‬ ‫ٍ‬ ‫مكفه ٍر‪“ :‬ال تأكلوا هم‪ ..‬بكرة برتجعوا”‪ ،‬فرد الشاب‪:‬‬ ‫“ما رح نرجع لتنتهي الثورة”‪ ،‬فقال املساعد‪“ :‬بكرة‬ ‫بتنتهي الثورة‪ ،‬وبرتجعوا إن شاء الله”‪..‬‬ ‫مل أعرف يف الحقيقة ما الذي قصده املساعد‪ ،‬ومل‬ ‫أرغب باالستفسار‪ ،‬كنت متعباً جداً‪ ،‬وكان التحسب‬ ‫لالحتامالت القادمة يستغرقني‪ ،‬ولألمانة فقد كان ذلك‬ ‫املساعد لطيفاً‪ ،‬فلم أشأ إحراجه‪ ،‬وبالعموم كان تعامل‬ ‫الضباط‪ ،‬والعنارص املرافقني جيداً‪ ،‬ومل يتعرض أحدٌ‬ ‫منهم لنا بكلمة‪ ،‬حتى أن القائد “أبا أحمد” مل يسمح‬ ‫لهم بتفتيش أعضاء مجموعته‪ ،‬ورفض صعودهم إىل‬ ‫حافلته‪ ،‬لتسجيل األسامء‪..‬‬ ‫ساعات كامل ٍة‪ ،‬بدت كست سنوات‬ ‫دام االنتظار ست‬ ‫ٍ‬ ‫طويل ٍة‪ ..‬تيبست أرجلنا‪ ،‬وأطرافنا عىل املقاعد‪ ،‬كان‬ ‫إحساسنا بالضيق والرتقب هائ ًال‪ ،‬وكان الجو حاراً‪،‬‬ ‫أغرقت قطرات العرق جباهنا وأجسادنا‪ ،‬فيام اختلطت‬ ‫رصخات األطفال‪ ،‬وتنهدات الرجال والنسوة‪ ،‬فأضافت‬ ‫للموقف شحنات مضاعفة من الحزن والخوف والقلق‪..‬‬

‫‪2016 / 12 / 31‬‬

‫اللقاء األخري‪ ..‬األربعاء ‪ 12‬ترشين األول ‪.2016‬‬ ‫أمضيت الشهر األخري وحيداً‪ ،‬يف اليوم األول للمعركة‬ ‫طلبت من أخي اصطحاب عائلته‪ ،‬وأمي إىل دمشق‪ ،‬مل‬ ‫تستطع أمي رغم مرور خمس سنوات‪ ،‬اعتياد صوت‬ ‫الرصاص‪ ،‬وال احتامله‪..‬‬ ‫قضيت األيام يف ساحة قدسيا‪ ،‬أتابع املعركة‪ ،‬وأراقب‬ ‫الحراك الشعبي املوازي لها‪ ،‬وألتقي السكان‪ ،‬وأعضاء‬ ‫لجنة ‘‘املصالحة’’‪ ..‬وبعد انتهاء املروحيات من إلقاء‬ ‫“براميل املساء”‪ ،‬أعود للمنزل لتفقد األوضاع‪ ،‬وإخراج‬ ‫الطعام الفاسد من الثالجة‪ ،‬ثم أغادر إىل منزل “أيب‬ ‫يوسف”‪ ،‬حيث يأيت األصدقاء خالل اسرتاحات الرباط‪،‬‬ ‫فنرشب الشاي‪ ،‬ونتبادل النكات كام اعتدنا‪ ،‬وكأن كل‬ ‫يش ٍء عىل ما يرام‪..‬‬ ‫يوم واح ٍد فقط من‬ ‫عادت أمي بشكلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مفاجئ‪ ،‬قبل ٍ‬ ‫مغادرتنا‪ ،‬وكانت تلك مصادف ًة رائع ًة‪ ،‬ومؤمل ًة يف ذات‬ ‫الوقت‪ُ ،‬حرم العديد من األصدقاء من التمتع بتلك‬ ‫املفارقة العصيبة‪..‬‬

‫طوي ًال‪ ،‬ثم غادرت إىل دار “أيب يوسف”‪..‬‬

‫حظنا اجتياز تلك املناطق لي ًال‪ ،‬حيث مل نصادف إال‬ ‫أعداداً قليلة من الناس‪ ،‬الذين مل يبخلوا بإظهار مشاعر‬ ‫التش ّفي والشامتة‪ ،‬وهم يرفعون أصابعهم “الوسطى”‪،‬‬ ‫ويلوحون بفخ ٍر بأعالم “حزب الله” وروسيا‪ ،‬فيام‬ ‫تنتصب خلفهم لوحات كبرية عليها أعالم وشعارات‬ ‫مختلف املليشيات األجنبية‪ ،‬وصور “حسن نرص الله”‪،‬‬ ‫و”فالدميري بوتني”‪ ..‬وميكن القول إن ذاك املوقف كان‬ ‫أقىس وأصعب ما واجهنا يف تلك الرحلة الحزينة‪..‬‬

‫‪5‬‬


‫‪6‬‬ ‫جالل مراد‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫النشاط اإلنساين الفاعل‪:‬‬

‫دراسات‬

‫الواضح يف الحالة السورية أن املجتمع غري قابل للنكوص‬ ‫تم‪ ،‬وهو غري عكوس‪.‬‬ ‫إىل الدولة الشمولية‪ ،‬التحول ّ‬ ‫لكن املرحلة القادمة تحتمل أن يتحول ثوار األمس إىل‬ ‫دكتاتوريي اليوم‪ ،‬ليس عىل مستوى املجتمع بشكل عام‪،‬‬ ‫لكن عىل مستوى الكتل ما دون الوطنية (األرسة‪ ،‬املنطقة‪،‬‬ ‫العائلة العشرية وغريها)‪ .‬هذه املرحلة الوسيطة تتكون‬ ‫عندما تبدأ قوتا الجذب للهوية املركزية السورية من جهة‪،‬‬ ‫وقوة االنفجار األول الذي أحدثته االنتفاضة من جهة ثانية‬ ‫بالتعادل‪ .‬يف هذه املرحلة يتحلق الناس حول هويات ما‬ ‫دون الوطنية‪ُ ،‬ين ّكس العلم الوطني‪ ،‬و ُترفع أعالم الطائفة‬ ‫والعشرية والعائلة واإلثنية‪ .‬ألنه ال ميكن بحال من األحوال‬ ‫وتحت أي ظرف أن توجد جامعة برشية بال ح ّد أدىن من‬ ‫التنظيم‪ ،‬أي بدون هوية‪ ،‬فالجامعة البرشية دون هوية‬ ‫تتحلل وتتحول إىل مجموعة من البرش ال ينظمهم ناظم‬ ‫وال يوحدهم ناموس‪.‬‬ ‫إن هذه املرحلة (تعادل القوتني) مؤقتة‪ ،‬فام إن تبدأ قوة‬ ‫الجذب للهوية العامة تأخذ قيمة أعىل من قيمة القوة‬ ‫االنفجارية حتى تبدأ الحركة العكسية‪ ،‬فمع كل اقرتاب‬ ‫من الهوية املركزية السورية يوازيه تخلٍ عن الهويات‬ ‫الجزئية املادون‪ -‬وطنية‪ ،‬ورصدنا شكلني محتملني للتشكل‬ ‫النهايئ تبعاً لالنتامء وقوة الهويات الجزئية مقارنة بقوة‬ ‫الهوية السورية املركزية‪.‬‬ ‫تبقى القوى داخل كل هوية جزئية غري متأثرة كثرياً بقويت‬ ‫الجذب اآلنفتي الذكر‪ ،‬واألمر يشبه القوى داخل قطار‬ ‫يتحرك‪ ،‬فرفع الكأس أو امليش أو غريه من أفعال القوى ال‬ ‫تتأثر بحركة القطار‪ .‬يف هذا الحيز بالذات تكمن أهمية‬ ‫النشاط اإلنساين الفاعل‪ .‬مبعنى أوضح كل مجموعة‬ ‫برشية متح ّلقة حول هوية جزئية مادون‪ -‬وطنية ميكنها‬ ‫أن تقوم بتحويل هذا التجمع من تجمع غري منظم‪،‬‬ ‫عبثي‪ ،‬تجمعه الغريزة القطيعية حول أشخاص ومبادئ‬ ‫عنرصية (عنرصية الهوية الجزئية) إىل بنية؛ أي مجموعة‬ ‫من الناس ينظمهم شكل فكري وعالقات متوافقة مع‬ ‫متطلبات العيش والنامء‪.‬‬ ‫التجيل العميل لهذه البنية هي أن يصبح هناك تابوات‬ ‫(ترشيعات) تنظم العالقات يف املجتمع وخدماته‪،‬‬ ‫كالتعليم والصحة والرشطة والقضاء والكهرباء والرصف‬ ‫الصحي‪ ،‬والتمثيل الترشيعي‪ ،‬وغريها من املتطلبات الخدماتية‪.‬‬

‫يف هذه الحيزات مادون‪ -‬الوطنية تبدأ الثيامت األساسية‬ ‫للدولة بالبزوغ (بكون الدولة هي روح الشعب‪ ،‬وقد‬ ‫تجىل يف كيان غري مادي‪ ،‬معنوي‪ ،‬ومارس سلطته عىل‬ ‫الناس‪ ،‬الذين سيتحولون إىل شعب مع تقدم اكتامل الدولة)‪.‬‬

‫وكام ذكرنا أن هذه املرحلة يدخل بها النشاط اإلنساين‬ ‫كقوة أساسية يف ترسيع هذه العملية وإكساء الترشيعات‬ ‫واألطر الناظمة لكل هذه النشاطات بطابع حضاري سليم‬ ‫متسق متوافق مع احتياجات الناس‪ ،‬يف إطار الهويات‬ ‫الجزئية (مادون‪ -‬وطنية)‪.‬‬

‫حروب أهلية أم سلم اجتامعي‪:‬‬

‫وضحنا أن العلم الوطني ينسحب يف إطار تقدم األعالم‬ ‫الجزئية‪ ،‬يف الحركة العكسية باتجاه املركز الوطني‪ -‬الهوية‬ ‫الوطنية‪ .‬تضطر الهويات الجزئية للتعرف عىل بعضها‬ ‫البعض‪ .‬واألمر أن هذا امتحان لكل هوية جزئية؛ امتحان‬ ‫لقبولها اآلخر وتقبله‪ ،‬وكم تحتوي من العنرصية ووهم‬ ‫التفوق‪ .‬هنا ميكن أيضاً للنشاط اإلنساين العمل (يقظة‬ ‫الوطنيني واملثقفني السياسيني لهذه اللحظة التي من‬ ‫شأنها تخفيف حدة الرصاع أو الحرب األهلية بالتوازي‬ ‫مع تأسيسها لنظم عامة تضبط االندفاعات العنرصية من‬ ‫الهويات الجزئية)‪.‬‬ ‫إن لحظة الجذب باتجاه الهوية املركزية الوطنية‬ ‫ستؤدي بالرضورة الصطدام الهويات الجزئية ببعضها‬ ‫البعض‪ ،‬وستجد نفسها مضطرة لفهم بعضها إن تح ّلت‬ ‫بالروح السلمية‪ ،‬أو ملقاتلة بعضها إن متسكت بالجانب‬ ‫العنرصي من الهوية الجزئية‪ .‬األمر قد يأخذ شهوراً‪ ،‬وقد‬ ‫ميتد سنوات طويلة‪ .‬واألمر كام أسلفنا له عالقة بالنشاط‬ ‫اإلنساين الواعي والفاعل يف الحد من الجانب العنرصي يف‬ ‫الهويات الجزئية‪.‬‬

‫مجالني للنشاط اإلنساين الفاعل‪:‬‬

‫ومستداما وثابتا من املناسب أن يتم استعامل مؤسسات‬ ‫الدولة لهذه الغاية بالرتافق مع النشاط األهيل الفاعل‪.‬‬ ‫وخري طريقة لتحقيق ذلك هي القيام بعزل البلديات عن‬ ‫السلطات املستبدة‪ ،‬وإيالء اهتامم دقيق بتشكيل مجلس‬ ‫بلدة يعرب عن األهايل بشكل صادق ونزيه‪ ،‬ومنتم لألهايل‬ ‫انتام ًء مطلقاً‪ .‬القوامية عىل البلدية ستقود لقوامية عىل‬ ‫الرشطة والقضاء والتعليم‪ ،‬وكل مؤسسات الدولة املعنية‪.‬‬ ‫يجب أن ترتافق هذه العملية مع تفعيل نظام رضيبي‬ ‫مدروس إلمداد البلدية باألموال الالزمة لإلنفاق‪ .‬مال‬ ‫نظيف وطني‪.‬‬ ‫من الخطوات األساسية التي يجب عىل البلدية العمل‬ ‫عليها هي حل مشكلة املسلحني من كتائب وفصائل‬ ‫وغريها‪ .‬يتم األمر عرب توظيف هذه العنارص عرب البلدية‪،‬‬ ‫وتقنني استخدامهم لألسلحة‪ ،‬وتحويل والئهم لألهايل عرب‬ ‫املجلس البلدي بوساطة الرواتب املمنوحة لهم‪ .‬بعد‬ ‫احتواء املسلحني ميكن تحويلهم ألعامل منتجة مختلفة‬ ‫كام ميكن مقايضة األسلحة تباعاً إن وضعت الحرب‬ ‫أوزارها مبعدات زراعية وغريها من األدوات اإلنتاجية‪.‬‬

‫النشاط اإلنساين الثاين‪:‬‬

‫وهو النشاط الذي يحد من اصطدام الهويات الجزئية‪،‬‬ ‫أو وقوع نزاع مسلح بني تلك الهويات‪ .‬سيحمل املثقفني‬ ‫أغلب هذا العبء سواء أكانوا متدينني‪ ،‬أو غري متدينني‪،‬‬ ‫قوميني‪ ،‬أو شيوعيني‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬ ‫النشاط يأخذ جانبني اثنني أساسيني‪:‬‬

‫الجانب األول‪:‬‬

‫نشاط توعوي‪ ،‬هدفه الحد من الجانب العنرصي يف‬ ‫الهوية الجزئية (سواء كانت طائفية أو عرقية أو مناطقية‬ ‫وغريها)‪ .‬وهذا النشاط يستخدم الجوانب التي تحقق‬ ‫هذا الغرض من أدبيات الهوية الجزئية؛ كتاريخها‬ ‫ومصالحها ومستقبلها‪.‬‬

‫عرب استعراض ما تم‪ ،‬ويتم‪ ،‬والتوقع ملا سوف يحصل بنا ًء الجانب الثاين‪:‬‬

‫عىل املسار العام ودراسة القوى الدافعة‪ ،‬وجدنا أن هناك‬ ‫حقلني ميكن للنشاط اإلنساين الفاعل أن يقوم بدور مقرر‬ ‫ومهم يف وضع سوريا املستقبيل‪.‬‬

‫النشاط األول‪:‬‬

‫وهو النشاط يف داخل الهوية الجزئية‪ .‬يتجه نحو تنظيم‬ ‫الحياة املدنية‪ ،‬واملرافق العامة والتعليم والصحة والقضاء‬ ‫وغريها من الشؤون‪ .‬هذا الجهد ليك يكون مكتمال‬

‫نشاط تنسيقي وتعريفي وترشيعي‪ ،‬يتم من خالل‬ ‫الناشطني يف الهويات املتجاورة جغرافياً عرب العقود‪،‬‬ ‫واالتفاقيات التنظيمية‪ ،‬وغريها من النشاطات الضامنة‬ ‫لعدم ترسب الجوانب العنرصية يف كل هوية باتجاه‬ ‫الهويات القريبة جغرافياً (هذا الترسب الذي يعني حرفياً‬ ‫الحرب)‪ .‬وميكن للنشطاء التقليديني املشاركة مع املثقفني‬ ‫يف هذا النشاط من رجال دين وزعامات محلية وغريهم‪.‬‬


‫مشــروع األمل لتشغيل‬ ‫المهجريــن من أهالي داريا‬ ‫بالشمال السوري‬

‫‪7‬‬

‫محمد هشام‬

‫العدد ‪- 83 -‬‬

‫البقية يف الصفحة ‪....9‬‬

‫‪2016 / 12 / 31‬‬

‫داريا” الكائن بجرجناز دعوة لحضور اجتامع مع‬ ‫منظمتي أم القرى وإنسان بناء‪ ،‬وخالل االجتامع‬ ‫تم إبالغنا باملرشوع وبتفاصيله‪ ،‬وبتقديم طلبات‬ ‫ّ‬ ‫انتساب لكل من يرغب بالعمل واالستفادة”‪..‬‬ ‫وبحسب أبو تيسري‪“ :‬املشاريع التشغيلية إضاف ًة‬ ‫ألهميتها املادية‪ ،‬فهي تعيدنا بالذكرى إىل أرضنا‬ ‫التي ُأخرجنا منها‪ ،‬و ُتسهم بإعادتنا إىل الحياة‬ ‫املدنية التي ُحرمنا منها طوال خمس سنوات”‪.‬‬ ‫تكلفة املرشوع الواحد‪:‬‬ ‫ال يوجد ٌ‬ ‫سقف محدد لكلفة املرشوع‪ ،‬وإمنا “ ُتراعى‬ ‫نسبة األفراد الذي يرعاهم املرشوع بالقياس إىل‬ ‫تكاليفه” بحسب ديرانية‪ ،‬ويف بنود العقد‪ ،‬يتعهد‬ ‫املستفيد بالحفاظ عىل املعدات والتجهيزات‬ ‫سليم ًة من األذى الذي ميكن أن ينشأ عن اإلهامل‬ ‫أو سوء االستعامل‪ ،‬وال يشمل التعهد األذى الناتج‬ ‫عن الظروف القاهرة‪.‬‬ ‫وتتوىل جمعية أم القرى لإلغاثة والتنمية املحلية‬ ‫سائر املهام اللوجستية املحلية‪ ،‬مثل تأمني املحالت‬ ‫بأسعار مناسبة‪ ،‬وتيسري التنفيذ بالتنسيق مع‬ ‫املجلس املحيل واملؤسسات املحلية‪ ،‬باإلضافة إىل‬ ‫اإلرشاف العام عىل تنفيذ املرشوع وتقديم املشورة‬ ‫والنصائح واملساعدات املبارشة‪ ،‬إىل جوار دورها‬ ‫الجوهري كخلفية أمنية للمرشوع‪ ،‬والذي تستمدّه‬ ‫من كونها جهة محلية‪ ،‬تضمنُ تنفيذ بنود العقود‪،‬‬ ‫واملحاسبة يف حال متت املخالفة‪ ،‬بالتنسيق مع‬ ‫املؤسسات املحلية املعنية‪.‬‬ ‫وعن سبب دعم “أم القرى” للمشاريع التنموية‬

‫مقاالت‬

‫لعله مل يكن من ضمن قامئة آمال وخطط أهايل‬ ‫داريا املدنيني املنفيني إىل إدلب يف ‪ 24‬آب‪/‬‬ ‫أغسطس ‪ 2016‬الجلوس يف بيوتهم وانتظار‬ ‫أرزاقهم من حصص املنظامت اإلغاثية شهرياً‪ ،‬وإمنا‬ ‫كان أمل اسرتجاع حياتهم التي مارسوها آخر مرة‬ ‫وطلب أرزاقهم عرب إعادة‬ ‫قبل الحرب والحصار‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مامرسة حرفهم التي كانوا يزاولونها يف أرضهم‬ ‫بحسب ما أفصحوا وعربوا عنه‪ ،‬وهذا ما دفعهم‬ ‫للمسارعة للبحث عن فرص عمل يتخ ّلصون عربها‬ ‫من حالة الركود والفراغ االجتامعي والنفيس التي‬ ‫بدؤوا يشعرون بها بعد شهرهم الثاين من اإلقامة‬ ‫يف إدلب‪.‬‬ ‫“خالل سنوات الحصار الخمس‪ُ ،‬‬ ‫كنت أزاول بكثافة‬ ‫تصليح (طرنبات) سيارات الثوار يف املدينة‪ ،‬ألين‬ ‫الخبري الوحيد الذي تبقى يف املدينة” هكذا يقول‬ ‫املهجرين إىل الشامل‬ ‫“عمر العبار” أحد ثوار داريا َّ‬ ‫واملقيمني بجرجناز‪ ،‬ويردف‪“ :‬عندما خرجت‬ ‫للشامل مل أكن أتوقع أين سأمتكن من إعادة مزاولة‬ ‫حرفتي ثانية إال عام ًال يف الورشات‪ ،‬نظراً لتكلفة‬ ‫إنشائها الباهظة”‪.‬‬ ‫عمر هو أحد املستفيدين من “مرشوع األمل‬ ‫التنموي” والذي ُيع ّد بادرة هي األوىل من نوعها‬ ‫يف الشامل السوري‪ ،‬قدمته كل من جمعيتي‬ ‫“إنسان بناء لإلغاثة والتنمية” و “أم القرى لإلغاثة‬ ‫والتنمية” يف بلدة جرجناز‪ ،‬ويهدف إىل تشغيل‬ ‫الحرفيني من عوائل داريا املقيمني بالبلدة‪ ،‬والبالغ‬ ‫عددها ‪ 76‬عائلة بحسب إحصائيات مكتب داريا‪.‬‬ ‫عرب مرشوع األمل مت ّكن عمر الذي يعيل عائلة‬ ‫أخيه الشهيد باإلضافة إىل عائلته وأخوته من فتح‬ ‫مرشوع خاص به‪ ،‬دون أن يضطر لاللتزام كعامل‬ ‫بالورشات التي تقع يف بلدات أخرى بعيدة عرشات‬ ‫الكيلومرتات عن مكان سكنه الحايل‪.‬‬ ‫دواعي املرشوع‪:‬‬ ‫محمد ديرانية مدير املشاريع يف “إنسان بناء”‬ ‫واملدير التنفيذي ملرشوع األمل‪ ،‬تحدث لطلعنا‬ ‫عالحرية وقال‪“ :‬إن إنسان بناء تنظر للس ّلة‬ ‫الغذائية عىل أنها مسكن شهري لألمل فقط‪ ،‬ال‬ ‫يسهم بتقديم أي نوع من الحلول الجذرية لحالة‬ ‫الحاجة املتفشية”‪ .‬وتابع‪“ :‬إن أي مجتمع تعاين‬

‫فيه رشيحة الشباب والرجال من البطالة سيعاين‬ ‫من خللٍ بالنظام العام‪ ،‬وكلام اتسعت رقعة البطالة‬ ‫كلام زاد هذا الخلل‪ ،‬ولذا كان مرشوع األمل الذي‬ ‫يهدف لتحويل الفرد من شخص مستهلك اتكايل‬ ‫إىل شخصية مبادرة ومنتجة وبناءة”‪.‬‬ ‫تفاصيل العمل مبرشوع األمل‪:‬‬ ‫تتوىل الجهات املنفذة تزويد املرشوع بالتجهيزات‬ ‫واملعدات الالزمة‪ ،‬بحسب ديرانية‪ ،‬حيث تم رشاء‬ ‫العدد والتجهيزات ألكرث من سبع حرف حتى‬ ‫تاريخ ‪ 28‬كانون األول‪ /‬ديسمرب ‪ 2016‬مع دفع‬ ‫رسوم تشغيلية وأجرة محل ملدة ثالثة أشهر‪،‬‬ ‫بغرض “مساعدة الحريف عىل االنطالق ريثام‬ ‫يتمكن املرشوع من تغذية نفسه بنفسه”‪ .‬عىل أن‬ ‫تقتطع الجهات املنفذة نسبة ضئيلة من األرباح‪،‬‬ ‫“لإلسهام بتمويل مشاريع تشغيلية أخرى آلخرين”‬ ‫بحسب ديرانية الذي وصفها‪ :‬بأنها “ستكون حافزاً‬ ‫له عىل العمل‪ ،‬إضاف ًة إىل غرس عقيدة املبادرة و‬ ‫العطاء يف نفس الحريف”‪.‬‬ ‫“جامل البرسك” يعمل يف الحالقة وأحد الحرفيني‬ ‫املستفيدين‪ ،‬تحدث عن دخوله بالشهر الثاين من‬ ‫ُ‬ ‫“استلمت معدات‬ ‫تجربة االستفادة من املرشوع‪:‬‬ ‫الحالقة كاملة مع أجرة محل ملدة ثالثة أشهر‪،‬‬ ‫وأقوم بإرسال صور قسائم املشرتيات أسبوعياً‬ ‫للمدير امليداين عرب الواتس أب‪ ،‬لتسهيل اقتطاع و‬ ‫احتساب النسبة آخر كل شهر”‪.‬‬ ‫“ليس سه ًال أن تخرج من أرضك‪ ،‬وتزداد صعوبة‬ ‫املعيشة إذا كنت عاط ًال عن العمل وعندك أرسة”‬ ‫كلامت “أبو تيسري” أحد املستفيدين من مرشوع‬ ‫الحرف‪ ،‬وصاحب حرفة املطعم الذي بلغت‬ ‫تكلفته قرابة ‪ 2600$‬ويستفيد كذلك للشهر‬ ‫الثاين من مرشوع األمل‪ ،‬أوضح لطلعنا عالحرية‬ ‫عن كيفية بدء املرشوع‪“ :‬وصلنا عرب “مكتب‬


‫ماذا جــري ويجري في حلب؟‬ ‫‪8‬‬

‫المحامي أنور البني‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫ما جرى ويجري يف حلب هو جرمية موصوفة؛ هي جرمية‬ ‫التهجري القرسي‪ ،‬وتعريفاً هو‪“ :‬مامرسة تنفذها حكومات أو‬ ‫قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات‬ ‫اض معينة وإحالل‬ ‫عرقية أو دينية أو مذهبية‪ ،‬بهدف إخالء أر ٍ‬ ‫مجاميع سكانية أخرى بدالً عنها‪ .‬ويندرج ضمن جرائم‬ ‫الحرب وجرائم اإلبادة الجامعية والجرائم ضد اإلنسانية”‬ ‫وفق قاموس القانون الدويل والقانون الدويل اإلنساين‪.‬‬ ‫ويع ّرف القانون الدويل اإلنساين التهجري القرسي بأنه‪:‬‬ ‫“اإلخالء القرسي وغري القانوين ملجموعة من األفراد‬ ‫والسكان من األرض التي يقيمون عليها” وهو مامرسة‬ ‫مرتبطة بالتطهري وإجراء تقوم به الحكومات أو املجموعات‬ ‫املتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة‪ ،‬وأحياناً ضد‬ ‫اض معينة لنخبة بديلة‬ ‫مجموعات عديدة بهدف إخالء أر ٍ‬ ‫أو فئة معينة”‪ ،‬وتعترب املواد (‪ )8( ،)7( ،)6‬من نظام روما‬ ‫األسايس‪ ،‬التهجري القرسي جرمية حرب‪.‬‬ ‫وهذا ما ينطبق عليه وصف ما يجري يف حلب متاما‪ ،‬حيث‬ ‫قامت امليليشيات املتحالفة معها بحصار حلب ألشهر عديدة‬ ‫ومنعت الطعام والدواء‪ ،‬وأكملت طائراتهم وطائرات املجرم‬ ‫بوتني بتدمري البنية التحتية كاملة من مخابز ومستودعات‬ ‫طعام ومستشفيات ومدارس‪ ،‬وقتلت اآلالف من املدنيني‬ ‫معظمهم من األطفال والنساء يف بيوتهم‪ ،‬ووضعت الجميع‬ ‫أمام خيار الهجرة عن مساكنهم وبيوتهم‪ .‬ثم حاولت‬ ‫تحت ستار حفظ األرواح فتح ممرات ليسلكها السكان يف‬ ‫مغادرتهم وسلطت ميليشيات األسد وحلفائه ليصطادوهم‬ ‫خالل هذه املمرات‪ ،‬يف جرمية قتل مكشوفة وأمام كل العامل‬ ‫الذي كان يراقب اكتامل كل أركان الجرمية دون أن يحرك‬ ‫ساكناً‪ ،‬وعندما قرر التحرك واجتمع مجلس األمن ليناقش‬ ‫نص عىل رصد‬ ‫الوضع يف حلب أصدر قراره رقم ‪ 2328‬الذي ّ‬ ‫محايد واملراقبة املبارشة عىل عمليات اإلجالء من رشق أحياء‬ ‫حلب ومناطق أخرى من املدينة‪ ،‬وتقديم تقرير حسب‬ ‫االقتضاء يف هذا الشأن‪ ،‬لضامن نرش املزيد من املوظفني‬ ‫لهذه األغراض حسب الحاجة‪ .‬أي أن املجتمع الدويل قرر‬ ‫املشاركة بفاعلية يف هذه الجرمية ومراقبة تنفيذها عن كثب‬ ‫وتقديم الحامية والغطاء القانوين لها‪ ،‬ومل يفكر أي أحد ممن‬ ‫ص ّوت عىل القرار باإلشارة إىل الجرمية أو مرتكبيها أو محاولة‬ ‫وقفهم عن ذلك عىل األقل‪ ،‬إن مل نقل معاقبتهم عىل هذه‬ ‫الجرمية الواضحة بكل املعايري القانونية واألخالقية‪.‬‬

‫بذلك أصبحت كل دول العامل مشاركة يف‬ ‫جرمية التهجري القرسي التي تجري يف سوريا‪،‬‬ ‫الدول التي تقوم وتشارك يف هذه الجرمية‬ ‫مبارشة عرب وجود قواها العسكرية عىل‬ ‫األرض كإيران وروسيا‪ ،‬والدول التي تنتمي‬ ‫للتحالف الدويل كأوروبا وأمريكا وغريهام‬ ‫والدول التي لديها قوى عسكرية عىل األرض‪،‬‬ ‫وتربم االتفاقيات لتسهيل التهجري ونقل‬ ‫السكان كرتكيا‪ ،‬والدول التي صوتت عىل قرار‬ ‫مجلس األمن واملنظامت الدولية التي ترعى‬ ‫االتفاقات وتقدم التسهيالت اللوجستية‬ ‫والدعم لنقل السكان‪ ،‬كهيئات األمم‬ ‫املتحدة ومنظامتها‪ .‬بل إن هذه املنظامت‬ ‫هي أول من برش بهذه الجرمية عن طريق‬ ‫مجرمها ستيفان دميستورا وهو يبرش ويدعو‬ ‫لتنفيذها يف مختلف املناطق السورية بحيث‬ ‫ينجح املجرم األسايس زعيم امليليشيا الكربى‬ ‫أن ينفذ جرميته ويطهر األرض التي يستويل‬ ‫عليها بالعنف الوحيش‪.‬‬ ‫ما جرى ويجري يف سوريا هو سقوط كامل‬ ‫لكل النظم اإلنسانية‪ ،‬وانهيار مدو للهياكل‬ ‫التي عمل العامل طوي ًال عىل إقامتها لتحمي‬ ‫اإلنسان وتعطي معنى قانونياً لإلنسانية‪.‬‬ ‫ما يحصل يف حلب هو جرمية مكتملة‬ ‫األركان لتهجري قرسي للسكان املدنيني فيها‪،‬‬ ‫الفاعلون فيها معروفون علناً‪ ،‬ويعلنون بكل‬

‫صفاقة ووقاحة عن جرميتهم‪ ،‬ويرصحون‬ ‫علناً عن أهدافهم بتهجري كل السكان‪.‬‬ ‫واملشاركون بهذه الجرمية يقدمون كل ما‬ ‫ميكنهم لتنفيذ هذه الجرمية تحت عنوان‬ ‫إنساين هو حفظ األرواح؛ فيقومون بالضغط‬ ‫عىل السكان األصليني وتقديم كل ما ميكنهم‬ ‫لجعل هذه الجرمية ميرسة وقابلة للتنفيذ‪،‬‬ ‫ويقدمون االقرتاحات لألماكن التي سيتم‬ ‫سيتم‬ ‫التهجري إليها‪ ،‬ويسهلون املمرات التي ّ‬ ‫التهجري خاللها‪ ،‬ويقومون مبا يلزم لتأمني‬ ‫الغطاء لهذه الجرمية وضامن السكوت عنها‪.‬‬ ‫والجميع متورط متاماً بهذه الجرمية مثله‬ ‫مثل املجرم‪ ،‬وال ميكن تغطية هذا اإلجرام‬ ‫الدويل تحت أي ستار إنساين كحفظ األرواح‪،‬‬ ‫أو غطاء قانوين كقرار يصدر عن مجلس األمن‪.‬‬

‫األصل أن يكون العمل عىل محاكمة املجرم‪،‬‬ ‫أو عىل األقل وقف إجرامه ومنعه من‬ ‫ارتكاب مزيد من الجرائم‪ ،‬ال مساعدته عىل‬ ‫اإلفالت من العقاب وتسهيل ارتكابه مزيداً‬ ‫من الجرائم!‬ ‫وإذا كان قانون محكمة الجنايات الدولية‬ ‫ال يطال بعض املجرمني اآلن‪ ،‬فإنه يطال‬ ‫املجرمني اآلخرين الذين صوتوا عىل القرار‬ ‫املذكور وشاركوا يف الجرمية‪ ،‬ويجب أن‬ ‫نسعى بكل ما ميكننا ملحاسبتهم ومعاقبتهم‪،‬‬ ‫فالعدالة لن تنىس‪.‬‬


‫المعادلــة الصعبة في‬ ‫حقوق اإلنســان‪ ،‬والثمن‬ ‫الباهظ في سورية‬ ‫‪ ...‬تتمة من الصفحة ‪7‬‬

‫المحامي منعم هيالنة‬

‫يسمع هذا اإلنسان عن يشء اسمه األخالق‪ ،‬ويسأل أين هو؟‬

‫يسمع عم مبادئ واتفاقيات حقوق اإلنسان‪ ،‬ويسأل‬ ‫أين هي؟‬ ‫يسمع عن العامل املتمدن املتحرض الذي يتبنى هذه‬ ‫املبادئ‪ ،‬ويسأل أين هو؟‬ ‫أخرياً ما هو هذا اليشء الذي نتوقعه من إنسان فقد‬ ‫بيته وأرسته وأوالده ورزقه؟‬ ‫نسأل ماذا بقي له ليكون إنساناً وليس كائناً آخر؟!‬

‫العدد ‪- 83 -‬‬

‫أصبح مجرد التفكري والبحث يف الحقوق األساسية‬ ‫لإلنسان يف سورية اليوم‪ ،‬ونحن يف بداية القرن الحادي‬ ‫والعرشين‪ ،‬حالة تستدعي من صاحبها الكثري من القلق‬ ‫والرهبة والخوف ملا ميكن أن يرتتب من إحباط ويأس‬ ‫إن مل يكن من استهزاء من قبل الغري‪ .‬وذلك يف الوقت‬ ‫الذي يجب فيه أن يكون موضوع البحث يف حقوق‬ ‫اإلنسان عبارة عن كلامت سهلة بسيطة واضحة غري‬ ‫معقدة‪ ،‬تستطيع الوصول ببساطتها إىل الرشيحة األكرب‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬وتتمكن من فهمها ليك تعمل بها وتعتربها‬ ‫من حقوقها األساسية التي يجب الدفاع عنها‪.‬‬ ‫لذلك نجد الكثريين من أصحاب األقالم الحرة املؤمنة‬ ‫بتلك الحقوق أصبحوا يفضلون االبتعاد عن الكتابة يف‬ ‫هذا الشأن ملا فيه من خوض مبوضوع أصبح مستهجناً‬ ‫ودون جدوى‪ ،‬يف ظل تجاهل العامل املتحرض لقيم‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬بل الدهس عليها يف معرض املحافظة‬ ‫عىل نفوذه ومصالحه االقتصادية والسياسية‪.‬‬ ‫لذلك يحقّ لإلنسان السوري أو غريه أن يسأل‪ :‬ملاذا‬ ‫ُكتبت هذه الحقوق بالحريات يف دساتري كل البلدان‪،‬‬ ‫املتقدمة منها واملتخلفة‪ ،‬وباملعاهدات واالتفاقيات‬ ‫الدولية؟‬ ‫من حق اإلنسان أن يسأل‪ :‬هل الهدف هو فقط الكتابة‬ ‫ووضع الحرب عىل الورق‪ ،‬أم الهدف هو حقيقة حرية‬ ‫اإلنسان وكرامته بالعيش والعلم والعمل؟ ومن هو‬ ‫املسؤول الذي يكفل هذه الحقوق يف عامل اليوم؟‬ ‫أو يسأل‪ :‬هل الهدف هو االستعراض واإلعالن‪ ،‬أم الهدف‬ ‫هو املضمون والتطبيق‪ ،‬وبأن يشعر املواطن حقيقة‬ ‫بحريته‪ ،‬وبأن وجوده رضوري لبقاء البرشية وارتقائها‬ ‫اليوم؟‬ ‫أسئلة كثرية مرشوعة وحقيقية يطرحها املواطن‬ ‫السوري‪ .‬يحق لإلنسان العادي البسيط وليس املتعلم‬ ‫واملثقف فقط أن يسأل‪ :‬عن أي حقوق لإلنسان تكتب‬ ‫البرشية وهيئاتها ومنظامتها؟ عن أي حقوق تدافع‬ ‫األمم املتحدة ومجلس األمن ومحكمة الجنايات الدولية‬ ‫ومنظامت حقوق اإلنسان؟‬ ‫من ح ّقه أن يسأل‪ :‬أال يشاهد العامل اليوم ويعرف ماذا‬ ‫يجري يف سورية من قتل ممنهج لشعب رفع شعار‬

‫الحرية والكرامة؟ من حقه أن يسأل بعد أن تفرد النظام‬ ‫السوري ومنذ أكرث من خمس سنوات بقتل وتدمري‬ ‫وبتهجري شعب أراد الحرية‪.‬‬ ‫من حق املواطن أن يسأل‪ :‬أال يعرف العامل بأن أكرث‬ ‫من عرشة ماليني إنسان كان قد تم تهجريهم بسبب‬ ‫القصف اليومي بالطريان والرباميل املتفجرة عىل‬ ‫بيوتهم؟ أال يشاهد العامل عرب أقامره الصناعية بأن ماليني‬ ‫املنازل دمرها النظام يف سورية؟ ويسأل مواطن‪ :‬هل‬ ‫نحن فقط من نعرف الحروب وغرينا ال يعرف معناها‬ ‫ليك يقف العامل اليوم صامتاً عىل أبشع جرمية تقع تحت‬ ‫أنظاره ومعرفته؟‬ ‫ويسأل إنسان آخر بسيط‪ :‬أال يكفي عرشة أطنان من‬ ‫الوثائق والصور والدالئل والشواهد اليومية الحقيقية‬ ‫والطبيعية والتي هي أمام محكمة الجنايات الدولية‬ ‫وكافة املنظامت والهيئات الحقوقية للتدخل من أجل‬ ‫وقف القتل اليومي ألطفال ال ذنب لهم وال حول وال‬ ‫قوة؟!‬ ‫واليوم الجميع يعرف عن موت املعتقلني أو باألحرى قتل‬ ‫املعتقلني يف سجون النظام‪ ،‬وفضيحة التجارة باألعضاء‬ ‫البرشية‪ ،‬والتي أصبحت معروفة للقايص والداين‪ ،‬والتي‬ ‫ميارسها النظام بحق املعتقلني واملفقودين‪.‬‬ ‫يسأل هذا اإلنسان الذي مل تبقَ له وسيلة للعيش‪ ..‬نعم!‬ ‫فقط للعيش‪ ،‬وحتى دون أن تكون له كرامة مثل باقي‬ ‫البرش‪ ،‬يسأل عن الثمن الذي يجب أن يدفعه يف مقابل‬ ‫أن يتدخل هذا العامل اليوم لوقف القتل‪ ،‬ليك ال تبقى‬ ‫املجزرة السورية وصمة عار عىل جبني هذا العامل‪.‬‬ ‫نعم يسمع هذا اإلنسان بيشء اسمه الضمري‪ ،‬ويسأل‬ ‫أين هو؟‬

‫‪2016 / 12 / 31‬‬

‫يقول “حسني الدغيم‪ ،‬أبو‬ ‫عامرة” مسؤول منظمة‬ ‫أم القرى‪“ :‬السلة اإلغاثية‬ ‫آنية‪ ،‬بينام الحرفة مستمرة”‬ ‫ويضيف‪“ :‬إن صاحب العمل‬ ‫يستطيع من خالل حرفته‬ ‫كفاية نفسه وعائلته ورمبا أكرث‬ ‫من عائلة‪ ،‬وترك االعتامد عىل‬ ‫الغري‪ ،‬عالو ًة عىل ما يف السلة‬ ‫الغذائية من غرس تدريجي‬ ‫لالتكالية يف نفوس أرباب األرس‬ ‫واألطفال”‪.‬‬ ‫ولدى سؤاله عن رؤيته ملستقبل‬ ‫العمل اإلغايث بالشامل‪ ،‬فقد‬ ‫فضل “أبو عامرة” أن يكون‬ ‫“أقرب للواقعية” بحسب‬ ‫وصفه‪ ،‬وقال‪ :‬إن “النمط‬ ‫اإلغايث املعمول به حالياً من‬ ‫غالبية املؤسسات اإلغاثية‬ ‫يعتمد أسلوب تسكني األمل‪،‬‬ ‫وال يقدم حلوالً جذرية‪ ،‬ومن‬ ‫األفضل لهذه املؤسسات أن‬ ‫تدرس إقامة مشاريع تنموية‬ ‫لها‪ ،‬ملا لها من إيجابيات عىل‬ ‫املدى القريب والبعيد”‪.‬‬ ‫“إنسان بناء” مل تكن بعيدةً‬ ‫عن “أم القرى” يف رؤيتها‪،‬‬ ‫وبحسب ديرانية‪“ :‬إنسان‬ ‫بناء ستسعى بعد إنهاء‬ ‫تجربتها األوىل‪ ،‬وبالتعاون مع‬ ‫ُمنظامت صديقة‪ ،‬إىل خلق‬ ‫واقع إغايث جديد‪ ،‬تكون‬ ‫فيه املشاريع التنموية هي‬ ‫القاعدة‪ ،‬والسالت الغذائية‬ ‫هي االستثناء”‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫بعد الصدمة األولى‪ ،‬كيف يمكن أن‬ ‫نستجيب لمأساة أطفال حلب؟‬

‫‪10‬‬ ‫عالء ظاظا*‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫ال ّ‬ ‫شك أن خرب التهجري القرسي لسكان حلب‬ ‫الرشقية قد لقي اهتامماً غري مسبوق‪ ،‬يف ظل‬ ‫حالة من االعتياد عىل الجرائم اليوم ّية ض ّد‬ ‫اإلنسان ّية‪ .‬وتزامنت االستجابة اإلعالمية مع جهود‬ ‫للنشطاء يف كل مكان للمنارصة والضغط وتخفيف‬ ‫معاناة املدنيني الذين تم تهجريهم قرسياً‪.‬‬

‫إال أن األخبار ‪-‬كام همم املتابعني لها‪ّ -‬‬ ‫تخف‬ ‫مع الوقت وتعود لحالة الروتني أو الرتكيز عىل‬ ‫ما هو جديد‪ .‬لكن حاجة الناس الفعلية للدعم‬ ‫واالستجابة تبدأ عملياً بعد استقرارهم يف أماكنهم‬ ‫الجديدة‪.‬‬ ‫ميكن تشبيه حالة النزوح القرسي بوفاة شخص‬ ‫مقرب‪ .‬يف البداية يغطي هول الصدمة (الرتكيز‬ ‫اإلعالمي) ومراسم العزاء (االستجابة األولية) عىل‬ ‫االحتياجات الحقيقية التي ما تلبث أن تظهر يف‬ ‫األسابيع األوىل بعد الصدمة‪.‬‬ ‫نحن هنا نتحدث عن ‪ 26070‬شخص هجروا‬ ‫قرسياً (األرقام بحسب مجموعة تنسيق الحامية‬ ‫التابعة لألوتشا) بعد تعرضهم لشتى أنواع القصف‬ ‫الذي وصل لدرجات غري مسبوقة يف األسابيع التي‬ ‫سبقت التهجري‪ .‬باإلضافة إىل الحصار واملعاناة‬ ‫اليومية ومشاهدة الجثث ملقاة يف الشوارع‬ ‫وتلقي أنباء التصفيات الجامعية وغري ذلك من‬ ‫األهوال التي رفعت مستوى الصدمة ألعىل درجة‪.‬‬ ‫ومن بني هؤالء آالف األطفال الذين ال ب ّد من‬ ‫العمل عىل استجابة بشأنهم ملدة سنة عىل األقل‪،‬‬ ‫لضامن تكيفهم وتقوية مرونتهم لتقبل ما حدث‬ ‫ومتابعة حياتهم‪.‬‬ ‫ولتكوين تصور عن حجم املأساة وأهمية‬ ‫االستجابة طويلة األمد سنتحدث عن عينة من‬ ‫األطفال الذين تم استقبالهم يف مراكز للتقييم‬ ‫قبل توزيعهم عىل مساكنهم وأماكن اللجوء‬ ‫املؤقتة يف ريف حلب وريف إدلب‪.‬‬ ‫استقبلت مراكز التقييم جزءاً من األطفال الذين‬ ‫نزحوا وعددهم ‪ 4581‬ومن ضمنهم‪:‬‬

‫‪ 69‬طف ًال لديهم سوء تغذية‪ 5 ،‬منهم بحالة خطرة‪.‬‬

‫‪ 14‬طف ًال منفصلني عن أرسهم؛ أي ال ُيعرف مصري‬

‫أرسهم بعد‪.‬‬ ‫‪ 47‬مفقودين‪ ،‬وقدم القامئون عىل رعايتهم‪/‬‬ ‫أرسهم طلبات بالبحث عنهم‪.‬‬ ‫‪ 252‬طف ًال رضيعاً تحت ‪ 6‬أشهر‪.‬‬ ‫‪ 435‬إصابات طبية تضمنت إسهاالت‪ ،‬إصابات‬ ‫تنفسية‪ ،‬سكري وجروحاً ناتجة عن القصف‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل اإلصابات النفسية التي مل ُتحدد‪،‬‬ ‫وميكن تقدير الحاالت الشديدة التي تتطلب‬ ‫تدخ ًال تخصصياً بـ ‪ 250-400‬طفل‪.‬‬ ‫وكام هو معلوم‪ ،‬فإن هذه األرقام هي عينة‬ ‫فقط‪ ،‬ألن األرقام الحقيقة قد تصل لضعف هذا‬ ‫الرقم إذا ما شملنا من نزح بسيارته الخاصة أو‬ ‫اختار عدم العبور والتسجيل يف نقاط التقييم‪.‬‬ ‫وال ننىس أن محافظة إدلب ومناطق ريف حلب‬ ‫تعاين أص ًال من القصف ونقص املوارد واستمرار‬ ‫تدفق املهجرين قرسياً من مختلف األماكن‪.‬‬ ‫ففي مجال التعليم مث ًال‪ ،‬انخفضت نسبة حضور‬ ‫الطالب لتصل إىل ‪ 30-40%‬فقط نتيجة القصف‬ ‫املمنهج عىل املدارس‪ ،‬وانخفاض جهوزية‬ ‫املدارس يف فصل الشتاء‪ .‬واآلن سيضاف بحسب‬ ‫تقديرات مديرية الرتبية ‪ 10000‬طفل جديد‬ ‫بحاجة لتعليم جيد ومالئم‪.‬‬

‫التعليم كاستجابة حامية‬

‫قد تتساءل بعد قراءتك لهذه املعلومات عن‬ ‫ما ميكن فعله‪ ،‬وهنا ننصح بالرتكيز عىل توفري‬ ‫التعليم للوافدين الجدد كاستجابة للأمساة‬

‫التي حصلت‪ .‬فالتعليم يعيد للطفل الروتني‬ ‫واالستقرار و يوفر الغرض واملعنى‪ ،‬والتعلم‬ ‫والنجاح يف املدرسة يحفز هؤالء الطالب ويقدم‬ ‫لهم هدفاً واضحاً‪ ،‬ليس فقط عىل املستوى‬ ‫الفردي ولكن أيضاً من حيث رفاهية أرسهم‬ ‫وأهداف أوسع لتحسني املجتمع‪.‬‬ ‫وتقدم املدرسة فرصاً للدعم النفيس االجتامعي‬ ‫من خالل تلقى املعلومات‪ ،‬وتقدير الذات‪،‬‬ ‫وتأسيس عالقات اجتامعية‪ ،‬ولعب أدوار‬ ‫تساهم يف استعادة االستمرارية لحياة الطفل‬ ‫وإعادة توازنه‪.‬‬ ‫وال ننىس أنه يف الغالب يتم ربط الخدمات‬ ‫الداعمة من تغذية وتوفري مساعدات للشتاء‬ ‫واللقاحات والكشف الطبي من خالل املدارس‪.‬‬ ‫فتوفر املدرسة مساحة آمنة ونقطة التقاء‬ ‫للتعرف عىل من هم بحاجة وربطهم مبقدمي‬ ‫الخدمات‪.‬‬ ‫ميكنك اليوم أن تساهم يف الح ّد من معاناة‬ ‫طفل وأرسته بدعم زيادة فرص الحصول عىل‬ ‫التعليم أو توفري سبل الحامية واملعيشة الجيدة‬ ‫يف املدارس القامئة‪ .‬ولكن يجب أن تخصص‬ ‫ليس فقط الدعم املايل وإمنا جزءاً من وقتك‬ ‫لتكون رشيكاً فاع ًال يف االستجابة من خالل‬ ‫تواصلك املستمر مع مقدمي الرعاية‪.‬‬ ‫‪ 10000‬طفل بانتظار أن يتلقوا التعليم وهذه‬ ‫قامئة برشكاء محتملني لك يف إنقاذ حياتهم‪:‬‬


‫هل تســتطيع روسيا فرض‬ ‫رؤيتها للحل في ســوريا؟!‬

‫‪11‬‬

‫المحامي ميشال شماس‬ ‫قامئة الرشكاء‬

‫املنطقة‬ ‫األتارب‬ ‫الدانة‬ ‫دارة عزة‬ ‫معرة مترصين‬ ‫اعزاز‬ ‫مدينة ادلب‬ ‫قورقينا‬ ‫جبل سمعان‬ ‫حارم‬ ‫سلقني‬ ‫رساقب‬ ‫دركوش‬ ‫أرمناز‬ ‫كفرتخاريم‬

‫النسبة املئوية‬ ‫‪30.15‬‬ ‫‪20.23‬‬ ‫‪13.57‬‬ ‫‪8.58‬‬ ‫‪8.21‬‬ ‫‪4.48‬‬ ‫‪3.63‬‬ ‫‪2.52‬‬ ‫‪2.47‬‬ ‫‪1.67‬‬ ‫‪1.24‬‬ ‫‪1.20‬‬ ‫‪1.11‬‬ ‫‪0.93‬‬

‫* مدير برنامج حماية الطفل في‬ ‫شبكة ح ّراس‬

‫يأخذ يف االعتبار مطالب غالبية السوريات والسوريني يف‬ ‫الحرية والدميقراطية‪ ،‬وكذلك املتغريات التي طرأت منذ ‪15‬‬ ‫آذار‪.2011‬‬

‫وإن استمرار تجاهل املجتمع الدويل ملا جرى ويجري‬ ‫يف سوريا من جرائم القتل والتهجري والظلم واالعتقال‬ ‫وكم األفواه ونسبها لإلرهاب فقطـ‪ ،‬وتجاهل دور‬ ‫نظام االستبداد يف كل ما حصل ويحصل‪ ،‬وتجاهل‬ ‫الحديث عن محاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي‬ ‫الجرائم ض ّد االنسانية يف سوريا‪ ،‬كمن يبقي الجمر‬ ‫تحت الرماد‪ ،‬وفوق ذلك سيؤسس لبيئة متوحشة‬ ‫أكرث إجراماً يف املنطقة‪ ،‬سيدفع مثنها كل العامل‪،‬‬ ‫فجذر املشكلة السورية وأساسها يكمن يف االستبداد‬ ‫والداعمني له‪.‬‬ ‫وباختصار شديد‪ ،‬إن شعباً كالشعب السوري قدم‬ ‫تضحيات هائلة يف سبيل حريته وكرامته‪ ،‬لن يهنأ له‬ ‫بال قبل أن ينال حريته مهام طال الزمن‪.‬‬ ‫لقد خرج املارد الشعبي من القمقم‪ ،‬وما من قوة‬ ‫تستطيع إعادته إىل القمقم مرة أخر‬

‫العدد ‪- 83 -‬‬

‫نسب توزع األطفال بحسب األماكن‬

‫‪2016 / 12 / 31‬‬

‫طريقة التواصل‬ ‫الجهة‬ ‫مديرية الرتبية يف إدلب ‪m3arefidleb@yahoo.com‬‬ ‫مديرية الرتبية يف حلب ‪edualeppo@gmail.com‬‬ ‫شبكة حراس الطفولة ‪info@childprotectsyria.org‬‬ ‫‪org.violet@gmail.com‬‬ ‫منظمة بنفسج‬ ‫‪info@baladsyria.org‬‬ ‫منظمة بلد‬ ‫‪info@ghiras-edu.com‬‬ ‫مرشوع غراس‬ ‫‪taalim@codssy.org‬‬ ‫تعليم‬ ‫‪zein.malazi@spaceofhope.org‬‬ ‫فسحة أمل‬

‫تسعى روسيا االتحادية إىل استثامر انتصارها يف حلب‪،‬‬ ‫وتستعجل فرض ِّ‬ ‫حل سيايس يف سوريا وفق منظورها‪،‬‬ ‫مستغلة انشغال الواليات املتحدة األمريكية برتتيبات‬ ‫تويل ترامب رئاسة اإلدارة األمريكية‪ ،‬وبعيداً عن‬ ‫دور عريب‪ ،‬والغياب العريب مل يكن أمراً مفاجئاً‪ ،‬عىل‬ ‫اعتبار أن الدور العريب كان ومازال غائباً متاماً عن‬ ‫كل ما له عالقة بالعرب واملنطقة العربية‪ ،‬بدءاً من‬ ‫قسمت املنطقة العربية‬ ‫اتفاقية سايكس‪ -‬بيكو التي ّ‬ ‫وفقاً لرغبات فرنسا وبريطانيا‪ ،‬وما تالها من أحداث‬ ‫مهمة‪ ،‬أهمها تهجري الشعب الفلسطيني من دولته‬ ‫ملصلحة قيام دولة “إرسائيل” التي توالت اعتداءاتها‬ ‫عىل الدول العربية‪ ،‬يف ظل تشتت وترشذم عريب‬ ‫متزايد‪ ،‬وصوالً إىل “الربيع العريب” الذي أغرقته‬ ‫أنظمة الحكم العربية بالدماء والدمار بدعم دويل‬ ‫ظاهر ‪.‬‬ ‫ولهذا استبقت موسكو اإلعالن الرسمي النتصارها‬ ‫وحلفائها يف حلب‪ ،‬لتعلن عن عقد لقاء ثاليث يف‬ ‫ضم إليها ك ًال من إيران وتركيا‪ ،‬ومل يؤثر‬ ‫موسكو ّ‬ ‫اغتيال السفري الرويس يف أنقرة عىل اجتامع املجتمعني‬ ‫وخروجهم بإعالن يحدد املالمح العامة لسري التسوية‬ ‫السياسية يف سوريا‪ ،‬وتحديد مدينة األستانة عاصمة‬ ‫جمهورية كازاخستان الحليفة ملوسكو كمنصة لبدء‬ ‫حوار سوري‪ -‬سوري‪ ،‬مع بداية عام ‪ ،2017‬وبضامنة‬ ‫الدول الثالث املوقعة عىل إعالن موسكو‪.‬‬ ‫ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم‪ ،‬هو إىل مدى‬ ‫تستطيع روسيا استثامر نجاحها العسكري يف حلب‬ ‫خصوصاً لفرض رؤيتها للحل السيايس يف سوريا؟‬ ‫إن الجواب عىل هذا السؤال مرهون إىل حد كبري‬ ‫مبدى ثبات العوامل التي ساعدت روسيا يف تثبيت‬ ‫هيمنتها عىل سوريا‪ ،‬ونجاحها بالتايل يف إلحاق‬ ‫هزائم متتالية بالفصائل العسكرية املعارضة للنظام‬ ‫السوري‪ ،‬وبعبارة أخرى إن قدرة روسيا عىل فرض‬ ‫رؤيتها للحل السيايس يف سوريا ترتبط ارتباطاً وثيقاً‬ ‫بتوفر ثالثة عوامل رئيسية‪ ،‬يأيت يف مقدمها أوالً‬ ‫بقاء السياسة األمريكية حيال سوريا عىل حالها؛‬ ‫تلك السياسة التي أفسحت املجال أمام روسيا‬ ‫للتدخل العسكري املبارش يف سوريا‪ .‬وثاين تلك‬ ‫العوامل يتعلق ببقاء املوقف الرتيك الحايل من سوريا‬ ‫واستمرار تقاربه مع املوقف الرويس‪ .‬وأما العامل‬ ‫الثالث فريتبط باستمرار انقسام املعارضة السورية‬ ‫وضعف التنسيق فيام بينها‪ ،‬والسيام العسكرية منها‪.‬‬

‫إن بقاء العوامل الثالثة عىل حالها سيم ّكن روسيا من‬ ‫استثامر نجاحاتها العسكرية‪ ،‬وبالتايل فرض رؤيتها‬ ‫لكيفية ّ‬ ‫حل األزمة السورية مبا يتوافق مع مصالحها‪،‬‬ ‫لكنّ أي تغيري يف أي من تلك العوامل سواء املتعلقة‬ ‫بالسياسة األمريكية أو املوقف الرتيك‪ ،‬أو نجاح‬ ‫التوحد وصياغة مرشوع وطني‪ ،‬سيضع‬ ‫املعارضة يف ّ‬ ‫النجاحات الروسية يف سوريا عىل املحك‪ ،‬ويعرضها‬ ‫إىل فشل ورمبا يتحول إىل نقمة عىل روسيا‪ ،‬وتجربة‬ ‫الروس يف أفغانستان ليست بعيدة‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬ولتحصني “إعالن موسكو الثاليث” من أي فشل‬ ‫قد يتعرض له‪ ،‬وجهت موسكو رسالة اطمئنان إىل‬ ‫القوى اإلقليمية والدولية مفادها أنها وتركيا وإيران‬ ‫ال يريدون احتكار أي ّ‬ ‫حل يف سوريا‪ ،‬وال إقصاء أي‬ ‫طرف دويل أو إقليمي‪ ،‬وأن “إعالن موسكو” ليس إال‬ ‫مجرد إطار عام ميكن التوافق عىل صيغته‪ ،‬بانتظار‬ ‫تسلم “ترامب” رئاسة الواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫للتوافق عىل صيغة نهائية للحل يف سوريا تستند‬ ‫بشكل أو بآخر عىل الصيغة التي أعلن عنها يف‬ ‫اجتامع موسكو‪..‬‬ ‫إن “االنتصارات” التي حققتها روسيا يف سوريا‪،‬‬ ‫وإخضاع حلب وتهجري جزء من سكانها لن يحسم‬ ‫األمر لصالح روسيا وحلفائها‪ ،‬ولن يستطيع أن‬ ‫يضع حداً النتفاضة الشعب السوري من دون ّ‬ ‫حل سيايس‬


‫فضاء مفتوح لجريمة بال عقاب‬ ‫إباء منذر‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫جرمية ُمكتملة األركان باستثناء العقاب‪ ،‬لع ّل ُه‬ ‫أبسط توصيف لجرائم “التشهري اإللكرتوين”‬ ‫باعتبارها شك ًال من أشكال العنف غري ا ُملالحق‬ ‫قانويناً‪ ،‬وغالباً ما تكون املرأة أكرث ضحايا هذا‬ ‫النوع من الجرائم‪ ،‬وك ّلام اقرتبت من دائرة الضوء‬ ‫أكرث ك ّلام كانت عرض ًة لحمالت التشهري القامئة‬ ‫عىل أساس متي ّيزي‪.‬‬

‫عورة املرأة سالح‪..‬‬

‫االنتهاكات املرتكبة بحق املرأة عرب شبكة‬ ‫اإلنرتنت أو اإلعالم اإللكرتوين باتت فاقعة وسافرة‬ ‫خالل سنوات الثورة السورية بعد ‪ ،2011‬حيث‬ ‫استخدمت املرأة كواحدة من أدوات الرصاع‬ ‫للطعن يف أخالقيات كال الطرفني‪ ،‬فلم يتوان النظام‬ ‫السوري عن تصدير ما أطلق عليه اسم “اعرتافات‬ ‫لنسا ٍء من أوساط املعارضة” عرب شاشاته ُملفقاً‬ ‫روايات تتعلق مبامرسات ال تتوافق واملنظومة‬ ‫األخالقية للمجتمع السوري (جهاد النكاح)‪،‬‬ ‫وكذلك تناولت بعض وسائل اإلعالم املحسوبة عىل‬ ‫الثورة أخالقيات التشكيالت النسائية العاملة مع‬ ‫النظام ور ّوجت لبعض الروايات املتعلقة بالدعارة‪.‬‬ ‫التشهري باملرأة أحد املواد الدسمة التي تتعامل‬ ‫معها وسائل التواصل االجتامعي بفوقية‬ ‫وباستخدام ألفاظ ذكورية قامئة عىل التمي ّيز‬ ‫والتحقري الذي من شأنه استالب قدرات املرأة‪،‬‬ ‫مثل هذه املواد تنترش رسيعاً حيث ال حدود وال‬ ‫جغرافيا تحدها‪ ،‬كذلك ال رقيب يضبطها أو عقاب‬ ‫يردعها‪.‬‬ ‫مل تسلم العامالت يف الشأن العام من حمالت‬ ‫التشهري اإللكرتوين والطعن وتناول الحياة‬ ‫الشخصية‪ ،‬كأن تصبح صورة عضو االئتالف‬ ‫سهري األتايس مبالبس السباحة الشغل الشاغل‬ ‫لوسائل التواصل االجتامعي بدالً من النقد ا ُملن ِتج‬ ‫واملوضوعي لوظيفتها‪ .‬أو أن تصبح تسمية املجلس‬ ‫االستشاري النسايئ الذي شكله مبعوث األمم‬ ‫املتحدة إىل سوريا ستيفان دميستورا بـ(نساء‬ ‫دميستورا)! مع كل ما تحمله هذه التسمية من‬ ‫وإيحاءات متي ّيزية‪ ،‬يف حني مل يكن صعباً‬ ‫إشارات‬ ‫ٍ‬

‫انتقاد شخصيات املجلس بشكلٍ موضوعي وقائم‬ ‫عىل املهمة املوكلة لهن‪.‬‬

‫حصانة ذكورية‬

‫يف املقابل يبقى الرجال العاملون يف الشأن العام‬ ‫لحمالت مشابهة‬ ‫بعيدين إىل ح ٍد كبري عن التع ّرض‬ ‫ٍ‬ ‫يف تناول حياتهم الشخصية‪ ،‬بينام تشهد األوساط‬ ‫السياسية العاملية فضائح للرجال والنساء عىل ح ٍد‬ ‫سواء تكاد تودي مبستقبلهم السيايس واملهني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لعل خلف مثل هذه الحمالت التي تستهدف‬ ‫املرأة أكرث من الرجل يف مجتمعاتنا عقلية ذكورية‬ ‫راسخة ال تزال تعتقد ّأن املرأة عورة‪ ،‬وضلع قارص‬ ‫يف املجتمع مهام ارتفع شأنها‪ ،‬وهذا ما يؤدي‬ ‫املوجه‬ ‫بالنتيجة إىل شكل جديد من أشكال العنف ّ‬ ‫ض ّد املرأة وهو العنف اإللكرتوين‪.‬‬ ‫وإذا اتفقنا مع علامء النفس باعتقادهم ّأن ضعف‬ ‫التواصل العقيل واملوضوعي هو أحد األسباب‬ ‫الكامنة وراء ظاهرة العنف أ ّياً كان شكلها‪ ،‬فذلك‬ ‫سيقودنا إىل معاينة حجم الهوة بني تط ّور أدوار‬ ‫املرأة واتساعها وثبات النظرة الدون ّية التي يحاول‬ ‫املجتمع ترسيخها‪.‬‬

‫غرس ثقايف‬

‫شكل آخر من أشكال العنف اإللكرتوين يتم ّثل يف‬ ‫رسائل التهديد واالبتزاز التي غالباً ما يتعرض لها‬ ‫معظم العاملني يف الشأن العام‪ ،‬إ ّال ّأن تهديد املرأة‬ ‫بهذه القضايا أكرث خطورة لحساسية وضعها ضمن‬ ‫مجتمعاتنا‪ ،‬لكونها الحامل لقيمة “الرشف” وفق‬ ‫املنظومة األخالق ّية السائدة‪ ،‬ا ُملستندة عىل عورة‬ ‫جسد املرأة ووجوب صيانته‪.‬‬ ‫األصعب يف قضايا العنف اإللكرتوين هو عدم‬ ‫القدرة عىل الوصول للجناة‪ ،‬إىل جانب عجز شبه‬ ‫مطلق للمرأة يف الدفاع عن نفسها هذا من ناحية‪،‬‬ ‫ومن ناحي ٍة أخرى تع ّمد حمالت التشهري إىل غرس‬ ‫صورة معينة يف ذهن املتلقي يصبح من الصعب‬ ‫تغييها‪ ،‬ولإلنصاف ال ميكن تربئة املرأة من جرمية‬ ‫ّ‬ ‫التشهري التي تتع ّرض لها بنات جنسها‪ ،‬كأن تكون‬ ‫مشاركة يف مثل هذه الحمالت‪.‬‬

‫قوانني عرجاء‬

‫العنف االفرتايض واقع عىل املرأة شأنه شأن‬ ‫العنف التقليدي‪ ،‬وإذا أردنا البحث يف الحلول‬ ‫فعلينا أوالً معالجة قضية العنف الواقعي الذي‬ ‫تعجز القوانني يف منطقتنا العربية عن االنتصار‬ ‫للمرأة من خالله وتحقيق العدالة املطلوبة عىل‬ ‫سبيل املثال التحرش والتشهري‪.‬‬ ‫بالتوازي ال ميكن وضع حد للعنف اإللكرتوين‬ ‫دون وجود منظومة دول ّية تقوم عىل مبدأ‬ ‫املراقبة وتفعيل آليات املحاسبة‪ ،‬فحتى اآلن تقف‬ ‫املنظامت والهيئات املعنية بحقوق اإلنسان عاجزة‬ ‫حيال مثل هذه الجرائم‪ ،‬ويف أفضل األحوال تحاول‬ ‫رصد هذه االنتهاكات دون إيجاد صيغ عملية‬ ‫فاعلة ملواجهة هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها‪.‬‬ ‫بعض وسائل التواصل االجتامعي من جانبها‬ ‫وضعت قانونها الخاص ملحاسبة املسيئني عرب‬ ‫إغالق الحساب الذي يتع ّرض لتبليغات بسبب‬ ‫نرشه ملا هو ميسء‪ ،‬إ ّال ّأن يف ذلك محاكمة غري‬ ‫عادلة؛ فالعديد من الحسابات تتعرض للتبليغات‬ ‫اض شخصية‪،‬‬ ‫دون وجود محتويات مسيئة ّإنا ألغر ٍ‬ ‫وبالتايل من الصعب إيجاد صيغ مانعة قاطعة‬ ‫لدابر الجرمية اإللكرتونية دون تعاون كل الفاعلني‬ ‫يف الفضاء اإللكرتوين مبعنى وجود هيئات أممية‪،‬‬ ‫تسن قوانني متفق عليها‪.‬‬ ‫ورمبا يعتقد البعض ّأن الح ّيز اإللكرتوين هو املجال‬ ‫الشخيص الحر‪ ،‬وأيّ مراقبة أو متابعة من شأنها‬ ‫الحد من هذه الحر ّية الشخص ّية‪ ،‬لكن القاعدة‬ ‫الذهبية للحر ّية الشخص ّية تكمن بانتهائها عندما‬ ‫تبدأ حر ّية اآلخرين‪ ،‬ويف هذا حصانة لحر ّياتنا‬ ‫جميعاً يف هذا الواقع االفرتايض‪.‬‬


‫بورتريه‪:‬‬

‫ماري عجمي والثقافة‬ ‫الفاعلة في محيطها‬

‫‪13‬‬

‫المحامية منى أسعد‬

‫رائدة يف الدفاع عن قضايا املرأة‪:‬‬

‫كانت ماري عجمي سيدة موهوبة‪ ،‬فكتبت الشعر‬ ‫الكالسييك‪ ،‬وتناولت كغريها من شعراء ذلك العرص‬ ‫القضايا االجتامعية والسياسية والوطنية يف فرتيت‬ ‫الحكم العثامين والفرنيس‪ ،‬لكنها كانت رائدة يف الدفاع‬ ‫عن قضايا املرأة‪ ،‬وكانت ثقافتها موسوع ّية‪ ،‬إذ درست‬ ‫إىل جانب العرب ّية‪ ،‬اللغتني الروس ّية واإلنكليز ّية‪ ،‬كام‬ ‫صح‬ ‫اهتمت بالرتجمة‪ ،‬لكنّها ترجمت‬ ‫ّ‬ ‫بترصف إن ّ‬

‫التعبري‪ ،‬كام كان شائعاً يف ذلك الزمن‪ ،‬أو ما أطلق عليه‬ ‫التعريب‪ .‬فع ّربت رواية بعنوان‪“ :‬املجدل ّية الحسناء”‬ ‫عام ‪ ،1913‬وترجمة لكتاب “أمجد الغايات” سنة ‪.1927‬‬ ‫باملقابل مل تطبع شيئاً من أعاملها الشعر ّية أو النرث ّية‪،‬‬ ‫خارج مجلتها “العروس” أو ما تنرشه يف باقي الصحف‪،‬‬ ‫والتي ُجمعت مختارات منها بعد وفاتها وطبعت يف‬ ‫دمشق مع مقدمة لـ”عفيفة صعب”‪ ،‬قال فيها الشاعر‬ ‫“خليل مردم بك”‪“ :‬جمعت ماري بني الصناعتني النرث‬ ‫والنظم‪ ،‬فلها املقاالت ُ‬ ‫والخ َط ْب والقصائد‪ ،‬وعالجت‬ ‫الرتجمة كام عالجت اإلنشاء”‪.‬‬ ‫وكان للسيدة عجمي نشاط ثقايف واجتامعي موا ٍز‬ ‫للتدريس والكتابة والرتجمة‪ ،‬فأنشأت معهداً لتدريس‬ ‫البنات‪ ،‬خارج املعاهد التابعة للبعثات التبشري ّية أو‬ ‫الدبلوماس ّية للدول األجنب ّية‪“ .‬دأبت يف معهدها عىل‬ ‫الحس الوطني الصحيح يف نفوس الطالبات‪،‬‬ ‫غرس‬ ‫ّ‬ ‫وتوجيههنّ يف الخط القويم‪ ،‬كام غرست يف نفوسهن‬ ‫اليافعة‪ ،‬بذور مناهضة الحكم العثامين” كام ذكرت‬ ‫إميييل نرص الله يف كتابها “نساء رائدات”‪.‬‬ ‫أسست عجمي مع زميلتها “نازك العابد” “النادي‬ ‫ّ‬ ‫النسايئ األديب” يف دمشق‪ ،‬وجمعية “نور الفيحاء”‬ ‫وناديها‪ ،‬وأسهمتا بتأسيس أ ّول مدرسة لبنات الشهداء‬ ‫عام ‪ ،1920‬وكانت العجمي عضو “الرابطة األدبية” التي‬ ‫تأسست يف دمشق أوائل العرشينيات‪ ،‬بل كانت املرأة‬ ‫ّ‬ ‫الوحيدة فيها‪.‬‬

‫أمل الحياة الشخص ّية‬

‫الحياة الثقافية والنشاط االجتامعي والوطني كاد‬ ‫يسيطر عىل كامل حياة ماري عجمي‪ ،‬حتى ّإن حياتها‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫ولدت ماري عجمي يف دمشق أواخر القرن التاسع‬ ‫عرش‪ ،‬بتاريخ ‪ 14‬أيار سنة ‪ 1888‬ألرسة من أصل حموي‪،‬‬ ‫وتوفيت يف دمشق أيضاً بتاريخ ‪ 25‬كانون األول ‪.1965‬‬ ‫ما بينهام شقت هذه الشابة طريقاً مفع ًام بالنشاط‬ ‫والدراسة والتعليم‪ ،‬دون أن ينفصل هذا النشاط‬ ‫خاصة يف مقارعة‬ ‫عن نضاالت تلك املرحلة الوطن ّية‪ّ ،‬‬ ‫االستبداد واملطالبة بالحر ّية ورفع الظلم عن السوريني‬ ‫عا ّمة‪ ،‬والدفاع عن قضايا املرأة وحقوقها بشكل خاص‪،‬‬ ‫حيث كانت رافعة ومنار ًة لنرش الثقافة والتنوير‪.‬‬ ‫ثم‬ ‫‏درست ماري يف معهد “الفرنسيسكان” بدمشق‪ّ ،‬‬ ‫تخ ّرجت من “املعهد اإليرلندي” عام ‪ ،1903‬ومارست‬ ‫التدريس لعام واحد‪ ،‬وهي الصبية التي مل تتجاوز‬ ‫ربيعها السادس عرش‪ .‬بعدها ذهبت لدراسة التمريض‬ ‫يف “الكل ّية األمريك ّية” يف بريوت‪ .‬لكنها‪ ،‬وألسباب صح ّية‪،‬‬ ‫مل تك ّمل هذه الدراسة‪ ،‬لتعود ملزاولة التدريس‪ .‬وتنقلت‬ ‫بني الكثري من املدن والبلدان العربية؛ من زحلة يف لبنان‬ ‫إىل بور سعيد واإلسكندرية يف مرص‪ ،‬مروراً بفلسطني‬ ‫والعراق‪ ،‬قبل أن تعود إىل دمشق مدرسة يف معهد‬ ‫“الفرنسيسكان”‪.‬‬ ‫كان التدريس مهنة لكسب العيش بالنسبة إىل عجمي‪،‬‬ ‫لكنها وهي الشغوفة باألدب والكتابة والخطابة‪ ،‬كانت‬ ‫تطمح إىل أكرث من ذلك‪ ،‬واستفادت من انتشار مقاالتها‬ ‫وقصائدها يف أغلب املجالت والصحف العربية التي‬ ‫كانت تصدر يف ذاك الوقت‪ ،‬ليس يف سوريا فحسب‪ ،‬بل‬ ‫يف لبنان وفلسطني ومرص‪ ،‬لتأسيس أ ّول صحيفة نسائ ّية‬ ‫عربية باسم “العروس” عام ‪ ،1910‬والتي كانت تطبع يف‬ ‫حمص بداية قبل أن تنتقل إىل دمشق‪ ،‬حيث اضط ّرت‬ ‫للتوقف عام ‪ 1914‬بسبب الحرب العاملية األوىل‪ ،‬لتعاود‬ ‫الصدور بعد انتهاء تلك الحرب عام ‪ ،1918‬واستم ّرت‬ ‫حتى عام ‪.1926‬‬

‫الشخص ّية تالشت تحت وطأة تلك املهام والنشاطات‬ ‫خاصة وأنها ارتبطت بعالقة مع الصحفي‬ ‫العا ّمة‪ّ ،‬‬ ‫واملناضل “بيرتو باويل”‪ ،‬من التابع ّية اليونان ّية‪ ،‬الذي‬ ‫كان مقي ًام يف بريوت‪ ،‬وعقدا خطوبتهام بانتظار الفرصة‬ ‫املناسبة للزواج‪ .‬وكانت الكاتبة تطلق عىل خطيبها‬ ‫لقب “الباتر” نظراً لجرأته األدب ّية والسياس ّية‪ ،‬فهو من‬ ‫مناهيض الحكم العثامين‪ .‬ودخل السجن أكرث من م ّرة‬ ‫بسبب كتاباته‪ ،‬مل تنقطع ماري خاللها عن زيارة خطيبها‬ ‫ومراسلته وهو داخل أسوار سجن “عاليه اللبناين” أو‬ ‫خاصة وأنهام اجتمعا عىل مناهضة‬ ‫يف “سجن دمشق”‪ّ ،‬‬ ‫الظلم واالستبداد العثامين‪ ،‬وبشكل خاص بعد فشل‬ ‫حملة “جامل باشا السفاح” التي عرفت بـ”سفر برلك”‪،‬‬ ‫حني لجأ إىل اضطهاد معارضيه واعتقالهم‪ ،‬فاعتُقل‬ ‫“باويل” يف دمشق سنة ‪ 1915‬مع غريه من الكتاب‬ ‫والصحفيني والساسة املعارضني‪ ،‬وكانت ماري تتحدّى‬ ‫تشجعه وتش ّد من‬ ‫الجنود‬ ‫والسجان لتصل إىل حبيبها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫أزره‪ ،‬حتى بعد إعدامه يف ساحة املرجة بتاريخ السادس‬ ‫من أيار ‪ 1916‬الذي أصبح يعرف بـ”عيد الشهداء”‪.‬‬ ‫فرثته بقولها‪“ :‬وكام يحتفل الفتى بزفافه هكذا احتفل‬ ‫هذا الشهيد مبشنقته‪ .‬فام دعي إىل ارتقائها حتى صاح‬ ‫برشكائه فيها‪ :‬هلموا أيها اإلخوان إنها ألرجوحة األبطال”‪.‬‬ ‫بعد ذلك مل تتزوج ماري عجمي‪ ،‬ومل تكن وفية لخطيبها‬ ‫فقط‪ ،‬بل شمل الوفاء كل املبادئ والتط ّلعات التي‬ ‫جمعتهام معاً‪ ،‬وتابعت بعد انتهاء الحكم العثامين‬ ‫رفضها لالستعامر الفرنيس‪ ،‬وقد سعت الكاتبة يف ّ‬ ‫كل‬ ‫نشاطاتها الالحقة إىل مت ّثل قيم النضال ومقاومة املحتل‪،‬‬ ‫والعمل عىل إيقاظ الروح الوطن ّية وبشكل خاص لدى‬ ‫النساء‪ ،‬لكن هذه القامة الشامخة التي مل يستطع أن‬ ‫ينال منها الحكم العثامين أو “جامل باشا السفاح”‪،‬‬ ‫وتصدت بأنفة لالستعامر الفرنيس ومخططاته يف‬ ‫سوريا‪ ،‬ذوت مهملة يف أخريات العمر‪ ،‬ومل تجد سلطة‬ ‫“البعث” و”حامية األقل ّيات” أو اتحادها النسايئ امرأة‬ ‫واحدة تسري يف جنازتها التي اقترصت عىل ‪ 16‬مش ّيعاً‬ ‫إىل مقربة “الروم األرثوذكس” يف باب رشقي من دمشق‪.‬‬ ‫كتبت عنها “إميييل نرص الله” يف كتاب “رائدات‬ ‫النهضة”‪ ،‬وكتب “ميشال جحا” كتاباً عنها جمع فيه‬ ‫مم كتبته‪ّ ،‬‬ ‫هم ّ‬ ‫جزءاً ُم ّ‬ ‫ومم قيل يف هذه املناضلة التي‬ ‫بنت مجداً للمرأة السورية‪.‬‬


‫نســاء في المخيمات (‪)2‬‬ ‫‪14‬‬ ‫غياث الجندي‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫كانت سلمى مثلها مثل اآلالف الذين اضط ّروا‬ ‫إىل الهروب من جحيم الحرب السورية‪ ،‬ومن‬ ‫تفجرة التي تسقط كل يوم وكل‬ ‫نريان الرباميل ا ُمل ّ‬ ‫ليلة بجوار منزلها‪ ،‬تحلم ّ‬ ‫بعش آمن لها وألوالدها‬ ‫الذين ُح ِر ُموا من طفولتهم ومن مدارسهم‪ .‬عربت‬ ‫ثم‬ ‫األم الوحيدة قريتها إىل الحدود الرتكية‪ ،‬ومن ّ‬ ‫إىل مدينة ّ‬ ‫تطل عىل البحر الذي يؤدي بالناس إىل‬ ‫األرايض اليونانية‪.‬‬ ‫ركبت سلمى وأطفالها القارب املطاطي لتعرب‬ ‫إىل اليونان‪ ،‬بعدما ضاق بها االنتظار ألن تلحق‬ ‫بزوجها وطفلها بإحدى الدول األوروبية‪ .‬لقد‬ ‫كانت محظوظة أ ّنها وصلت لل ّرب اليوناين مع‬ ‫آخرين بعد نجاتها من جشع ا ُملهربني‪ ،‬ومن‬ ‫األمواج البائسة التي تغمر املراكب حيناً وتستكني‬ ‫حيناً آخر‪ .‬كانت فكرتها أ ّنها ستنتظر أليام‬ ‫معدودة قبل أن تأخذ طريق البلقان لتوصلها إىل‬ ‫من ينتظرها يف أطراف أوروبا‪.‬‬ ‫انض ّمت سلمى لالجئني والالجئات العالقني يف‬ ‫بوضع خاص‬ ‫بظروف مأساو ّية‪ ،‬تنفرد‬ ‫اليونان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حيث يعيش معظمهم مصرياً غامضاً مجهول‬ ‫النهاية‪ .‬يعيش القسم األكرب منهم يف مخيامت‬ ‫مؤقتة أو يف أبنية مهجورة ينقصها الدعم‬ ‫واملساعدات؛ فال مدارس لألطفال‪ ،‬وال حياة‬ ‫طبيعية لألهايل‪ .‬وتتح ّمل النساء القسم األكرب من‬ ‫هذه املعاناة ا ُملستمرة؛ حيث يوجد عدد ال بأس‬ ‫به من األمهات اللوايت ينتظرن مع أطفالهن ّمل‬ ‫شمل عائالتهن بعد سفر األزواج إىل دول اللجوء‬ ‫األوريب‪ ،‬آملني بلقا ٍء قريب قبل أن تس َّكر حدود‬ ‫دول البلقان وتغلق أبواب السفارات بوجوه‬ ‫العائالت‪.‬‬ ‫سلمى أ ٌّم ألربعة أطفال سبقها زوجها منذ مثانية‬ ‫عرش شهراً مع ابنها الذي يبلغ من العمر مثانية‬ ‫أعوام‪ .‬ويف غمرة الحرب الشعواء التي يشنها‬ ‫النظام السوري‪ ،‬ومع غياب أي مستقبل ألطفالهم‬

‫يف ظل قصف املدارس واملنشآت الحيوية‬ ‫واالنتشار العشوايئ للمسلحني‪ ،‬هربت العائلة‬ ‫من الدمار ا ُملمنهج للمجتمع املحيل التي كانت‬ ‫تعيش فيه‪.‬‬ ‫تم ترتيب الخطوة األوىل مبغادرة األب مع ابنه‬ ‫الصغري؛ حيث مل تكن تسمح له قدراته املادية‬ ‫بالسفر مع كل العائلة عرب قوارب املوت التي‬ ‫سيطر عليها حفنة من امله ّربني املجرمني بدورهم‬ ‫أيضاً‪.‬‬ ‫استقر الزوج واالبن يف دولة أوروبية‪ ،‬لكن بقيت‬ ‫العائلة تحت رحمة الرباميل املتفجرة وتح ّكم‬ ‫املس ّلحني بلقمة عيش السكان املحليني‪ .‬وحيث‬ ‫تأخرت السفارة بتمكني العائلة من االلتحاق‬ ‫ببق ّية أفرادها‪ ،‬ق ّررت سلمى أن تصطحب أطفالها‬ ‫الثالثة وتنطلق عرب قوارب املوت إىل اليونان عن‬ ‫طريق تركيا‪.‬‬ ‫بقيت سلمى يف خيمة مع أطفالها عىل الحدود‬

‫الخيم وتب ّلل الالجئني مع أمتعتهم‪.‬‬ ‫يف امليناء مل يوجد إ ّال القليل من املنظامت‬ ‫للمساعدة‪ ،‬واعتمدت العائالت عىل املساعدات‬ ‫من املتط ّوعني واملتطوعات‪ ،‬ومن األهايل اليونانيني‬ ‫الذين أتوا ملساعدة الالجئني‪ .‬بقيت سلمى مع‬ ‫أطفالها يف امليناء بدون أيّ دعم أو أيّ إمكان ّية‬ ‫ألن تلتقي بطفلها الصغري الذي بدأ يكرب بأملانيا‬ ‫بعيداً عن أ ّمه وإخوته‪.‬‬ ‫مل تكن صعوبة العيش يف تلك الخيم تنحرص‬ ‫فقط يف نقص املساعدات‪ ،‬ونقص الدعم العاطفي‬ ‫قسمة‪ ،‬بل امتدّت لصعوبة املحافظة‬ ‫للعائالت ا ُمل ّ‬ ‫عىل األطفال من الضياع يف ظل انتشار الفوىض‬ ‫والعنف بينهم والعنف بني رجال املخيم من‬ ‫جنسيات مختلفة‪ .‬لقد كان األطفال م ّرة أخرى‬ ‫ضحايا الظرف الجديد‪ ،‬وضحايا عنف الكبار‪،‬‬ ‫والغياب التام أليّ عمل ّية تربوية‪ ،‬أو وجود أيّ‬ ‫حتم عىل‬ ‫إمكانيات للتسلية والرتفيه‪ .‬األمر الذي ّ‬ ‫سلمى القيام بدو ٍر ُمعقد؛‬ ‫فباإلضافة لغياب األب‪،‬‬ ‫وغياب أفق أيّ حلول‪ ،‬كان‬ ‫عليها املحافظة عىل أطفالها‬ ‫من االتجاه نحو العنف أو‬ ‫ّ‬ ‫الترشد داخل امليناء ومن‬ ‫بعده ا ُملخ ّيامت‪ ،‬كان عليها أن‬ ‫تقوم بالدور الرتبوي وتعليم‬ ‫أطفالها القراءة والكتابة‪.‬‬ ‫ابنتها الصغرية صاحبة العرش‬

‫ملدة شهرين ونصف يف ظروف شبهتها بأ ّنها “حالة‬ ‫من حاالت جهنم”‪ ،‬وبعد أن فقد الالجئون األمل‬ ‫بفتح الحدود عادوا من حيث أتوا‪ ،‬وصلت العائلة‬ ‫إىل ميناء أثينا‪ ،‬حيث تج ّمع العالقون يف اليونان‬ ‫خيم بسيطة التصميم‪ ،‬يف اكتظاظٍ شديد‬ ‫هناك يف ٍ‬ ‫ً‬ ‫وسط ح ٍّر شديد وأحيانا مط ٍر غزير أدّى إىل عوم‬

‫سنوات مل تدخل املدرسة أبداً‪ ،‬أ ّما الولدان األكرب‬ ‫منها فتعلموا للصف األول والثاين قبل بدء الحرب‬ ‫وإغالق املدارس أو قصفها‪.‬‬ ‫مل يكن الحال أفضل بعد انتقال سلمى إىل ُمخ ّيم‬ ‫مؤقت لالجئني يف ضواحي أثينا‪ ،‬حيث حورص أكرث‬ ‫من أربعة أالف الجئ والجئة يف ظروف تفتقر‬


‫أمــل وزواجها الثاني‬

‫‪15‬‬

‫مريم الحالق‬

‫يساعد والدته ويساعدها يف أعامل الزراعة والبيت‪.‬‬ ‫م ّرت األيام وبدأت حامتها بالتساؤل عن السبب‬ ‫وراء عدم حملها‪ ،‬فقد أصبحت يف الرابعة عرشة‬ ‫من عمرها ومىض عىل زواجها عاماً كام ًال‪ .‬ولكن‬ ‫أمل مل يكن عندها الجواب ومل تقتنع والدة زوجها‬ ‫بكالم “الداية” ّ‬ ‫بأن أمل مازالت صغرية‪.‬‬ ‫ويأىب ّ‬ ‫حظ أمل التعس إ ّال أن يستمر‪ ..‬تذكر أمل‬ ‫أ ّنها سمعت رصاخ زوجها حني سقط من السطح‬ ‫عىل أرض الدار‪ ،‬فقد زلقت السلم به بعد أن‬ ‫وضع قدميه عليها بغية النزول‪ ،‬ومل يستطع تفادي‬ ‫السقوط‪ ،‬فكانت السقطة عىل رقبته‪ ،‬وأعلن‬ ‫الطبيب أنه أصيب بالفالج (الشلل)‪.‬‬ ‫عدة أسابيع مضت‪ ،‬لتعود أمل لثوبها األسود ثانية‬ ‫ولتقيض شهور العدّة‪ ،‬وتعود بعدها إىل دار أهلها‬ ‫أرملة للم ّرة الثانية‪ ،‬وهي يف الرابعة عرش من‬ ‫عمرها‪.‬‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫ألبسط الرشوط اإلنسان ّية‪ ،‬وتفتقر‬ ‫ألبسط حقوق اإلنسان وحقوق الطفل‬ ‫بشكل خاص‪ .‬يف هذا املخيم انتظرت‬ ‫سلمى مع أطفالها ملدة أربعة أشهر‬ ‫حتى أعطتها السفارة األملانية موعد‬ ‫املقابلة من أجل “ ّمل الشمل”‪ ،‬خاللها‬ ‫كانت سلمى حبيسة “كرفانتها” حيث‬ ‫انترشت الفوىض أكرث يف ا ُملخ ّيم وتزايد‬ ‫العنف أكرث بني األطفال‪ .‬وبينام كانت‬ ‫تشتد الظروف قسوة عليها وعىل‬ ‫أطفالها كانت سلمى تنجح عرب أطفالها‬ ‫بنقلهم نحو النجاح‪.‬‬ ‫ابنتها “ليىل” التي مل تدخل املدرسة من‬ ‫قبل نجحت يف تع ّلم القراءة والكتابة‪،‬‬ ‫ونجحت يف تع ّلم اإلنكليزية قلي ًال‪ ،‬بينام‬ ‫أخوها “ليث” الذي تع ّلم للصف األول‬ ‫يف مدرسته يف سورية تع ّلم اإلنكليزية‬ ‫وكم ّية ال بأس بها من األملانية‪.‬‬ ‫أصبح “ليث” أيضاً العب كرة قدم‬ ‫مشهور يف املخيم‪ .‬كان يعمل عىل أن‬ ‫تكون العائلة بوضع جيد مع ّأن عمره‬ ‫مل يتجاوز األربعة عرش عاماً‪ .‬كان ينهض‬ ‫خصصات األرسة من‬ ‫صباحاً ليستلم ُم ّ‬ ‫الطعام والرشاب‪ ،‬وكان يف الوقت الذي‬ ‫يسمح له يرتجم لبقية العائالت‪.‬‬ ‫بعد تسعة أشهر من نار االنتظار‬ ‫الحارقة‪ ،‬وصلت سلمى مع أبنائها إىل‬ ‫البلد الذي ُيقيم فيه زوجها وطفلها‪.‬‬ ‫كانت الرحلة يف غاية الصعوبة واألمل‬ ‫لكن نجاح أطفالها يف التع ّلم ويف‬ ‫ّ‬ ‫الترشد‬ ‫تجنبهم االنخراط يف العنف أو‬ ‫هو انتصار سلمى عىل االنتظار واليأس‪.‬‬ ‫تح ّولت سلمى من معلمة ل ّلغة‬ ‫اإلنكليزية إىل الجئة مثل املاليني من‬ ‫أفراد شعبها‪.‬‬

‫بقيت أمل األرملة ذات االثنتي عرشة عاماً يف‬ ‫بيت زوجها املتوىف إىل أن انتهت شهور العدّة‬ ‫ثم عادت األرملة إىل دار‬ ‫األربعة وأيامها العرش‪ّ ،‬‬ ‫أهلها‪ ،‬الذين استقبلوها بالحزن والندب عىل حظها‬ ‫التعس‪ .‬وجاءت نسوة القرية لتعزيتها‪ٌّ ،‬‬ ‫وكل ُمنهنّ‬ ‫تنتقي العبارات املالمئة لوصف أمل وحظها‪ ،‬حتى‬ ‫ّأن بعضهنّ طلنب اإلرساع بتزويجها ُمجدّداً؛ فهي‬ ‫أرملة وستجد ألسنة الناس يف سلوكها ‪-‬أ ّياً كان‪-‬‬ ‫حديثاً عن رشفها‪ .‬بل ّإن إحدى الجارات تط ّوعت‬ ‫لتدبري العريس الذي يرىض باالقرتان بأرملة!‬ ‫وقع االختيار عىل الجار الزاهد الذي ُيقيم يف‬ ‫(صومعته) وهي غرفة صغرية تعلو الدار‪َ ،‬يصعد‬ ‫بسلم خشبي متباعد الدرجات حيث يبقى‬ ‫إليها‬ ‫ٍ‬ ‫هناك ليله ونهاره‪ .‬وكان الجار ال ينزل إال عند سامع‬ ‫صوت أ ّمه تدعوه للطعام أو ليذهب للصالة يف‬ ‫املسجد القريب من داره‪ .‬قامت الجارة “أم خالد”‬ ‫ثم أم العروس‪,‬‬ ‫بالوساطة وأقنعت أم العريس ومن ّ‬ ‫وج ّهزت العروس‪.‬‬ ‫فت ّمت املوافقة ُ‬ ‫كانت أمل يف الثالثة عرش من عمرها حني ز ّفت إىل‬ ‫زوجها الثاين ا ُملل ّقب بـ”ال َر ِشقْ ” نظراً لرشاقة حركته‪.‬‬ ‫استقبلتها حامتها بزغرودة خجولة؛ فهي أرملة وال‬ ‫تستحق أن ُيقام لها عرس كالعذارى‪.‬‬ ‫أمل مل تكن عىل معرفة بالعريس سابقاً‪ ،‬ومل يتقدم‬ ‫لخطبتها بشكلٍ شخيص‪ ،‬وهو العازف عن الزواج‬ ‫وعن متاع الدنيا‪ ،‬بل قامت أ ّمه بالتقدّم إىل والدتها‬ ‫التي س ّوت األمر مع والدها‪ ،‬وعند عقد القران مل‬ ‫داع لوجودها‪ ،‬فأبوها هو وكيلها‪ ،‬وحني‬ ‫يكن من ٍ‬ ‫طلب الشيخ املخ ّول بعقد القران سامع املوافقة من‬ ‫فم العروس أوقفتها والدتها خلف الباب املوارب‬ ‫وطلبت منها أن تجيب بنعم‪.‬‬ ‫خصصة لزوجها‪ .‬كانت‬ ‫دخلت العروس الغرفة ا ُمل ّ‬ ‫بسيطة يف أثاثها‪ ،‬وقد وضعت مالبسها التي‬ ‫رافقتها من زواجها األول يف صندوق خشبي إىل‬ ‫جانب الجدار يف صدر الغرفة‪ .‬دخل عريسها الغرفة‬ ‫وكان يف األربعينيات من عمره‪ ،‬طويل القامة‪،‬‬

‫امتزجت الشعرات البيضاء بلحيته السوداء والتي‬ ‫رحب‬ ‫كانت قصرية مقارنة مع لحية زوجها األول‪ّ ،‬‬ ‫بها بكلامت خافتة‪ ،‬وأنجز مهمته وخرج ليستحم‬ ‫ويصعد إىل صومعته‪.‬‬ ‫هكذا م ّرت األيام تعيش فيها أمل مع حامتها‪،‬‬ ‫وترى زوجها أثناء تناوله الطعام‪ ،‬ونادراً ما يزورها‬ ‫يف املساء‪ .‬كان “عبد القادر” األخ األصغر لزوجها‬ ‫قريباً منها أكرث‪ ،‬فقد كان يكربها ببضع سنوات‪ ،‬تراه‬ ‫طيلة النهار يحادثها‪ ،‬ويطلب رأيها يف بعض األمور‪،‬‬


‫هل من الممكن اقتصاديًا توحد‬ ‫الفصائل المقاتلة؟‬

‫‪16‬‬ ‫وائل موسى‬

‫توحد الفصائل املقاتلة يف سوريا هو أمنية كل ثائر بداية تأسيس الفصائل املسلحة‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫اقتصاد‬

‫عىل طغيان األسد‪ ،‬ولكن األمنية مل تتحقق بعد‪ ،‬فام‬ ‫هي األسباب؟‬ ‫يتابع الكثري من السوريني بقلق بالغ ما آلت إليه‬ ‫األوضاع يف أحياء حلب الرشقية وتهجري سكانها‬ ‫القرسي برعاية دولية‪ ،‬ويف الوقت الذي ال تزال فيه‬ ‫أخبار الفصائل يف عموم سوريا تتوارد حول االتفاق‬ ‫ثم االختالف ثم االقتتال وهكذا دواليك‪ ..‬تسري‬ ‫األوضاع يف دائرة مفرغة أشبه باملتاهة‪ ،‬دومنا أثر‬ ‫يرص صفوف املقاتلني نحو هدف واحد‬ ‫توحد ّ‬ ‫ألي ّ‬ ‫يدّعي الجميع أنهم يقاتلون ألجله‪.‬‬

‫كحالة استثنائية بحسب األوضاع يف املناطق‪ ،‬ولدت‬ ‫فصائل عسكرية صغرية‪ ،‬منها لتأمني املنشقني عن‬ ‫نظام األسد‪ ،‬ومنها محاولة لردع قوات النظام عن‬ ‫مهاجمة املظاهرات‪ ،‬لتتطور الحقاً نتيجة التحاق‬ ‫الكثريين من املدنيني أو العسكريني ألسباب‬ ‫مختلفة‪ ،‬وكنتيجة حتمية لوالدة هذه التشكيالت‬ ‫املحصورة ضمن مناطق محددة وحاجتها للتخفي‬ ‫عن أعني النظام‪ ،‬وجب عىل كل تشكيل تأمني‬ ‫احتياجاته بشكل مستقل عن غريه‪ ،‬وهنا تكمن‬ ‫أكرب أزمة مستمرة إىل وقتنا هذا‪.‬‬

‫أنهت املؤسسات والحكومات والرشكات واملنظامت‬ ‫سنة مالية كاملة‪ ،‬وحان موعد تدقيق الحسابات‪،‬‬ ‫فامذا عن الفصائل املقاتلة؟‬ ‫تنهمك املؤسسات مع نهاية كل عام بإعداد‬ ‫الحسابات الختامية للسنة الفائتة‪ ،‬ورغم اختالف‬ ‫املستويات‪ ،‬إال أن الحكومات ال تختلف عن أصغر‬ ‫الرشكات يف املسائل املالية‪ ،‬حيث الجميع لديه‬ ‫حسابات سنوية ختامية تبني لهم أين ذهبت‬ ‫األموال‪ ،‬ومنها تبدأ املساءلة بحثاً عن األخطاء سعياً‬ ‫لتصحيحها وتطوير آلية العمل‪ ،‬فهل من املمكن أن‬ ‫ينطبق األمر عىل الفصائل املقاتلة؟‬ ‫متارس املؤسسات العسكرية يف كل الدول نشاطات‬ ‫اقتصادية‪ ،‬حيث الصناديق االستثامرية والصناعات‬ ‫العسكرية التي من شأنها أن متول اإلنفاق‬ ‫العسكري‪.‬‬ ‫ال تقترص النشاطات االقتصادية العسكرية عىل‬ ‫متويل إنفاقها‪ ،‬وقد تساهم بشكل كبري يف دعم‬ ‫اقتصاد الدولة فيام لو عملت وفق خطط ناجحة‪،‬‬ ‫كام قد تساهم يف انهيار اقتصاد الدولة وتردي‬ ‫األوضاع املعيشية فيام لو عملت وفق سياسات‬ ‫سيئة لصالح اإلنفاق العسكري‪.‬‬ ‫حالة الثورة السورية مل تسمح بوجود مؤسسة‬ ‫عسكرية متكاملة‪ ،‬وملعرفة األسباب بعيداً عن‬ ‫التوجهات علينا مراجعة مراحل نشوء الفصائل‬ ‫وتطورها‪.‬‬

‫اعتمد كل تشكيل عىل خطته الخاصة لتمويل‬ ‫نفسه‪ ،‬فمنهم من كان يتلقى األموال من الداعمني‪،‬‬ ‫سواء كان الداعم من داخل أو خارج سوريا‪ ،‬وبكافة‬ ‫األحوال يأيت عرب أشخاص ال مؤسسات أو دول‪،‬‬ ‫وهذه الفئة هي األكرث انتشاراً‪ ،‬ومنهم من عمل‬ ‫وفق خططه الخاصة لتأمني احتياجاته من خالل‬ ‫نشاطات رسية‪ ،‬كالتجارة أو التهريب أو االستيالء‬ ‫عىل املمتلكات العامة وبيعها‪ ،‬وصوالً إىل الرسقة‬ ‫والخطف وطلب الفدية من أصحاب األموال‬ ‫إلجبارهم عىل املساهمة يف دعمهم‪.‬‬ ‫استمرت هذه الحالة لفرتة تزيد عن سنتني قبل أن‬ ‫يبدأ الحديث عن إيجاد جسم جامع يعمل بشكل‬ ‫مؤسسايت لصالح الجميع‪ ،‬وهذه الفرتة كانت كفيلة‬ ‫بإيجاد العديد من التشكيالت يف املنطقة الواحدة‪،‬‬ ‫تعمل كل منها وكأنها رشكة خاصة منافسة ملثيالتها‪،‬‬ ‫فكل واحدة من هذه التشكيالت لها شعارها‬ ‫ونظامها وسياساتها الخاصة‪.‬‬

‫سنة مالية جديدة‬

‫الصندوق املايل للفصيل‬

‫الجيش السوري الحر‬

‫التشكيل املعروف بالجيش السوري الحر كان‬ ‫واحداً من التشكيالت الساعية إليجاد نظام متكامل‬ ‫عرب تأسيس كتائب يف مناطق متعددة‪.‬‬ ‫مل يحظ تشكيل الجيش السوري الحر بدعم رسمي‬ ‫عىل محمل الجد كمؤسسة عسكرية‪ ،‬وكحال بقية‬ ‫التشكيالت املحلية اضطر لتأمني مصادر دعم أغلبها‬ ‫كانت فردية‪ ،‬ونتيجة غياب الخربات االقتصادية‬

‫وعدم توفر الدعم الكايف‪ ،‬فشلت هذه املؤسسة‬ ‫بتأمني متطلبات التشكيالت املوجودة يف كافة‬ ‫املناطق السورية‪ ،‬مام عزز الترشذم والفرقة بني‬ ‫الفصائل‪ ،‬ورغم تطور املجلس العسكري فيه إال أنه‬ ‫مل ينجح يف توحيد الفصائل وإيجاد جسم جامع‬ ‫مؤسسايت وفق سياسة اقتصادية عسكرية محكمة‪.‬‬

‫الخالفات واالقتتال وعالقتها باالقتصاد‬

‫من أكرث األحداث املؤملة التي تشهدها الثورة‬ ‫السورية هو اختالف واقتتال الفصائل املسلحة وما‬ ‫ينتج عنه من تأثريات اجتامعية واقتصادية‪ ،‬ومن‬ ‫خالل مراجعة األحداث يتبني أن غالبية الخالفات‬ ‫واالقتتال كانت ألسباب اقتصادية وإن حملت‬ ‫أوجهاً مختلفة‪ ،‬كحال اختالف الفصائل واقتتالها‬ ‫يف الغوطة الرشقية نتيجة خالفات حول األنفاق‬ ‫والدعم الوارد واملساعدات‪.‬‬ ‫نجد أيضاً محاربة بعض التشكيالت لفصيل معني‬ ‫بسبب ارتكابه عمليات خطف ورسقة‪ ،‬كام حصل‬ ‫يف العديد من املرات ضمن حلب‪ ،‬وال يغيب عىل‬ ‫أحد شهرة البعض بألقاب وصفية نتيجة أسلوب‬ ‫اتبعوه يف متويل نشاطاتهم مثل شهرة قائد عسكري‬ ‫باملازوت!‬

‫حلم توحد الفصائل‬

‫إن أبرز املشكالت املوجودة يف بنية الفصائل‬ ‫العسكرية منذ نشأتها إىل هذا اليوم هي تأسيسها‬ ‫بشكل غري قابل لالندماج اقتصادياً‪ ،‬فكل املحاوالت‬ ‫التي سبق أن شهدتها الثورة السورية لتوحيد‬ ‫الصفوف مل ينتج عنها سوى تشكيل غرف عمليات‬ ‫موحدة تقترص عىل التعاون وليس الوحدة واالندماج‪.‬‬

‫حاالت االندماج التي متت سابقاً مل تكن سوى‬ ‫تضمني بعض الفصائل الصغرية ضمن تشكيل أكرب‬ ‫وفق اتفاق يتكفل فيه التشكيل الكبري عملية تأمني‬ ‫كافة االحتياجات‪ ،‬كام حصل عدد من االنقسامات‬ ‫نتيجة توفر فرصة لتأمني عملية متويلهم بشكل‬ ‫مستقل عن البقية‪.‬‬ ‫عىل السياسيني إدراك أن توحد الفصائل لتشكيل‬ ‫جيش سيبقى مجرد حلم إىل أن يتم التنسيق‬ ‫والتفاوض ملعالجة املشاكل االقتصادية للفصائل‪.‬‬


‫نشرة اقتصادية‬ ‫انقطاع المياه في دمشق ‪ ،‬مياه الشام في خطر‬

‫‪17‬‬

‫املياه يف دمشق‬ ‫ليست هذه املرة األوىل النقطاع املياه عن دمشق‪،‬‬ ‫لكنها األخطر واألكرث تأثرياً عىل العاصمة ومستقبل‬ ‫املياه فيها‪.‬‬ ‫ملياه بردى فضل عىل العاصمة التي مل تكن لتشهد‬ ‫تطوراً وتوسعاً حضارياً لوال املرشوع الوطني الذي‬ ‫تأسس عىل أيدي رجال وطنيني منذ عام ‪،1932‬‬ ‫وتعرضت مياه بردى لإلهامل واإلساءة يف عهد‬ ‫األسد األب واالبن مل تشهده سابقاً‪ ،‬حيث أهملت‬ ‫مصادر املياه من الرعاية وبات مجرى النهر مكباً‬ ‫للنفايات‪ ،‬ومص ّباً ملجاري الرصف الصحي نتيجة‬ ‫تخلف الحكومة يف تطوير البنية التحتية‪.‬‬ ‫“املوت الرسيري البطيء لنهر بردى” كام وصفه‬ ‫الدكتور مأمون الفحام قبل بداية الثورة بات‬ ‫مستعج ًال يف عهد الطاغية بشار‪ .‬الدكتور الفحام‬ ‫أستاذ يف جامعة دمشق يف مجاالت التنمية‬ ‫العمرانية املستدامة‪ ،‬تحدث عن مشكلة بردى يف‬ ‫غياب الوعي والتخطيط االسرتاتيجي‪ ،‬وذكر العديد‬ ‫من األخطاء املرتكبة من الحكومة‪ ،‬كاملشاريع‬ ‫التي ركزت عىل املظهر الخارجي ملجرى املياه‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 31 - 83 -‬‬

‫تسبب انقطاع املياه يف دمشق مبعاناة كبرية‬ ‫لسكانها بعد أن خرج نبع بردى ونبع الفيجة عن‬ ‫الخدمة بسبب القصف بالرباميل‪.‬‬ ‫خرق االتفاق‬ ‫يف األسبوع األخري من عام ‪ 2016‬شنّت قوات‬ ‫النظام حملة عسكرية عىل مناطق وادي بردى‬ ‫عىل الرغم من وجود اتفاقية بني النظام السوري‬ ‫وأهايل وادي بردى‪ ،‬تعود لشهر ترشين األول‪/‬‬ ‫نوفمرب من عام ‪ ،2015‬حيث يكفل االتفاق السابق‬ ‫السامح ملهنديس الصيانة بالدخول وإنجاز عملهم‬ ‫لضامن استمرار ّ‬ ‫ضخ املياه إىل دمشق‪ ،‬مقابل فتح‬ ‫الطرقات للمدنيني وإدخال الغذاء إىل أهايل الوادي‬ ‫املحارصين حينها‪.‬‬ ‫تسببت الحملة العسكرية األخرية بأرضار كبرية‬ ‫لحرم نبع الفيجة املعتمد بشكل أسايس كمصدر‬ ‫ملياه الرشب‪ ،‬كام توقف ّ‬ ‫ضخ مياه نبع بردى نتيجة‬ ‫ترضر يف املضخات‪ ،‬وبذلك فقد سكان دمشق‬ ‫مصادرهم املائية بسبب منهجية قوات األسد يف‬ ‫القتل عىل مبدأ “األسد أو نحرق البلد” دومنا أي‬ ‫حسبان للعواقب‪.‬‬

‫مام تسبب مبشكلة كبرية لتوازن البنية الجوفية‪،‬‬ ‫وأحدث تصدعاً يف املباين مثل التك ّية السليامنية‬ ‫وبناء النفوس القدمية ومبنى وزارة الداخلية ومبنى‬ ‫الحجاز‪ ،‬باإلضافة إىل العديد من األخطاء التي‬ ‫تحتاج مللف خاص لدراسة املشكالت‪.‬‬ ‫يعتقد كثري من سكان دمشق حالياً أن خروج‬ ‫أهايل املنطقة كفيل بحل مشكلة انقطاع املياه‪،‬‬ ‫إال أن هذه النظرة التي يروج لها النظام والخالية‬ ‫من اإلنسانية أساساً‪ ،‬تفتقر لإلدراك الكامل لحجم‬ ‫الخسارة التي تسبب بها قصف املنطقة‪ .‬ومن‬ ‫الصعب أن تعود املياه إىل مجاريها قريباً‪.‬‬

‫حمالت لمساعدة أهالي حلب والجيش السوري ينهب أحيائها‬

‫إلطالق حمالت تربع وجمع لأللبسة الشتوية واملستلزمات‬ ‫واألغذية سعياً لتدارك املأساة الكبرية التي يصعب استيعابها‬ ‫حتى عىل جهود حكومات‪ ،‬وصادف انتشار حملة انطلقت من‬ ‫مرص بعنوان “تحدي األعامل الصالحة” عىل فيسبوك لتنتقل إىل‬ ‫السوريني يف تركيا وتلقى رواجاً كبرياً بني السوريني يف دول أخرى‪،‬‬ ‫ينص التحدي عىل التربع مببلغ محدد مقابل كل إعجاب‬ ‫حيث ّ‬ ‫وتعليق ومشاركة ملنشور املشارك ملدة ‪ 24‬ساعة‪ ،‬ثم ميرر التحدي‬ ‫لعدد من أصدقائه‪ ،‬ليختار كل مشارك طريقة تربعه بنفسه‪.‬‬ ‫ومازالت الحملة رائجة وتتوسع‪ ،‬حيث يشارك فيها سوريون داخل‬ ‫وخارج سوريا‪.‬‬

‫اقتصاد‬

‫جرى تهجري سكان األحياء املحارصة يف حلب الثوار املقاتلني قاموا بتفخيخها قبل مغادرتهم‬ ‫الرشقية املنكوبة بعد مواجهة العديد من ملدينتهم‪ ،‬ملعرفتهم بأن ممتلكاتهم ستنهب عىل‬ ‫املصاعب؛ من نقض لالتفاق وتأجيله وتدخل أيدي مقاتيل األسد‪.‬‬ ‫من قوات إيرانية تساند قوات األسد‪ ،‬لتبدأ‬ ‫قوات “الجيش العريب السوري الباسل” بتنفيذ حمالت ملساعدة أهايل حلب‬ ‫ما تجيده من رسقة وتعفيش للممتلكات العديد من الحمالت سارعت لجمع التربعات‬ ‫وحث الناس عىل املساهمة يف مساعدة املدنيني‬ ‫الشخصية بعد تفريغ األحياء من سكانها‪.‬‬ ‫الذين اضطروا للخروج دون ممتلكاتهم‪ ،‬ليجدوا‬ ‫التعفيش يحصد األرواح‬ ‫أنفسهم يف مخيامت تم إنشاؤها بشكل إسعايف‪،‬‬ ‫اشتهر عنارص ما يسمى بالدفاع الوطني برسقة وينقصها الكثري من االحتياجات األساسية‪ ،‬يف‬ ‫محتويات املنازل يف كل مكان تطاله أيديهم‪ ،‬ظل أجواء قاسية يف الربودة‪ .‬وكان من أضخم‬ ‫لتذهب املرسوقات الحقاً إىل ما بات يعرف الحمالت ما قامت به دولة قطر بإلغاء االحتفال‬ ‫السنة”‪ ،‬حيث تباع املرسوقات علناً بعيدها الوطني وإعالنه يوماً للتربع ملساعدة‬ ‫بـ”أسواق ّ‬ ‫دون وجود أي رادع من قبل الحكومة السورية‪ ،‬أهايل حلب‪ ،‬حيث وصل حجم التربعات ما‬ ‫داللة عىل تقبلها لألمر‪ ،‬وقد انترشت عىل يقارب ‪ 70‬مليون دوالر يف اليوم األول‪.‬‬ ‫وسائل التواصل االجتامعي أنباء عن فقدان‬ ‫عدد من جنود األسد لحياتهم أثناء محاولتهم تحدي األعامل الصالحة‬ ‫رسقة “غساالت مفخخة”‪ ،‬حيث قيل إن بعض بادر العديد من الناشطني السوريني يف تركيا‬


‫“زوبعة” معرض يوسف عبدلكي في دمشق‬ ‫‪18‬‬

‫لوحاته العارية تعكس صورة الواقع‬ ‫السوري الذي عرى إنسانية العالم‪..‬‬ ‫غسان ناصر ‪-‬طلعنا عالحرية‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 14 - 83 -‬‬

‫ثقافة‬

‫أثار الفنان التشكييل يوسف عبدليك زوبعة‬ ‫يف أوساط املعارضني لنظام األسد عامة ويف‬ ‫األوساط الثقافية والفنية ال السورية فقط‬ ‫وإمنا تلك املؤيدة للثورة السورية يف الساحة‬ ‫العربية‪ .‬وأخذ أصدقاء عبدليك (قبل غريهم)‬ ‫تقريعه إلقامته ً‬ ‫معرضا يف قاعة غالريي “كامل”‬ ‫مبنطقة املزة بدمشق‪ ،‬يف الفرتة ما بني ‪17‬‬ ‫كانون ثاين (ديسمرب) و‪ 15‬كانون أول (يناير)‬ ‫من العام الجديد‪ ،‬وهو ما مل يكن بحسبان‬ ‫الكثريين ممن يعرفون (أبو ليىل)‪.‬‬ ‫عبدليك (‪ 65‬عا ًما)‪ ،‬الذي اشتهر بأعامله املنادية‬ ‫بالحرية منذ أوائل السبعينيات‪ ،‬مستخد ًما‬ ‫عب رمز ًيا عن‬ ‫حصانه األبيض واألسود الذي ّ‬ ‫نضال الشعب السوري خالل العقود املاضية‪،‬‬ ‫ال يحتاج منا إىل دفاع فهو منذ اليوم األول‬ ‫الذي انتفض فيه أبناء البلد يف وجه الطغيان‬ ‫متفرجا كام مل يكن حياد ًيا‪،‬‬ ‫واالستبداد‪ ،‬مل يقف‬ ‫ً‬ ‫وكيف لذي “الحصان الجامح” املرتبط بذاكرة‬ ‫السوريني واملظلومني منذ عقود أن يكون‬ ‫متفرجا أو محايدًا‪ ،‬هو الذي قال ذات محنة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫“متى فقد العمل اإلبداعي‪ ،‬أو الثقايف عام ًة‬ ‫عالقته مع محيطه‪ ،‬يفقد رشعيته وجدواه”‪.‬‬ ‫واملعروف عنه أنه رغم إقامته االضطرارية يف‬ ‫منفاه البارييس – بعد منعه من العودة لوطنه‬ ‫ نحو ‪ 25‬عا ًما‪ ،‬رفض الحصول عىل الجنسية‬‫الفرنسية‪ ،‬وظل متشب ًثا بهويته‪ ،‬رغم حجب‬ ‫النظام السوري عنه جواز سفره‪“ ،‬باريس مجرد‬ ‫قاعة انتظار”‪ ،‬هكذا كان يردد دو ًما‪ .‬وال شك‬ ‫أن السنوات التي قضاها يف املعتقل السيايس‬ ‫يف أواخر سبعينات القرن املايض ( ‪– 1978‬‬ ‫‪ - )1980‬عىل خلفية انتامئه إىل “رابطة العمل‬ ‫الشيوعي” التي أصبحت الح ًقا “حزب العمل‬ ‫الشيوعي” ‪ -‬ع ّلمته معنى االنتامء إىل رشائح‬ ‫وأطياف مل يكن يدركها بوضوح قبل هذه‬ ‫التجربة املريرة والغنية يف آن‪.‬‬ ‫تباين اآلراء يف توقيت سوري عصيب‪..‬‬ ‫أول الغاضبني من إقامة صاحب الرؤوس‬

‫املقطوعة يف التشكيل السوري‪ ،‬ملعرضه يف دمشق‪ ،‬خاصة يف‬ ‫هذا التوقيت السوري العصيب‪ ،‬كان الشاعر والصحفي اللبناين‬ ‫يوسف بزي‪ ،‬الذي نرش مقالة أثارت الكثري من الجدل‪ ،‬ورأى‬ ‫فيها أصدقاء عبدليك ممن يعرفون تاريخ الفنان “هجو ًما غري‬ ‫أخالقي عىل رجل عرف بتاريخه النضايل الطويل”‪ ،‬غري أن هذا‬ ‫الهجوم مل يجعل “بزي” يرتاجع عام جاء يف مقالته املعنونة‪:‬‬ ‫(عبدليك ومعرضه الدمشقي‪ :‬من ُأ ّم الشهيد إىل عارية هانئة)‪،‬‬ ‫التي جاء فيها‪“ :‬الريبة كبرية إزاء ما “اقرتفه” يوسف عبدليك‪..‬‬ ‫ساذجا‬ ‫بغض النظر عن دوافعه الشخصية‪ .‬وهو بالتأكيد ليس ً‬ ‫سياس ًيا‪ ،‬وكان يعرف أن النظام سيستثمر هذه املبادرة إعالم ًيا‬ ‫وسياس ًيا بوصفه نظا ًما يرحب بـ”املعارضة الوطنية الرشيفة”‪،‬‬ ‫وفق رطانته املعروفة‪ .‬بل إن تلك “العودة” اندرجت ضمن‬ ‫حملة النظام الدعائية لـ(التالحم الوطني)”‪.‬‬ ‫كذلك عرب الناقد والشاعر مازن أكثم سليامن‪ ،‬عن انزعاجه‬ ‫من إقامة عبدليك ملعرضه الدمشقي‪ ،‬حيث قال‪“ :‬من دون‬ ‫الصاحة‪ :‬ال أريد ْأن أستخدم ُلغة التَّخوين‪،‬‬ ‫ُموا َربة‪ ،‬و ُمبنتهى َّ‬ ‫َّ‬ ‫رجل أو ُمثقف أو ُمبدع‪ .‬لكنْ ‪ :‬يل بعض‬ ‫وال ْأن أمحو تاريخ ُ‬ ‫الحقّ ْأن َ‬ ‫أقول ب ُلغة هادئة‪ :‬لقد أخطأ يوسف عبدليك يف‬ ‫ً‬ ‫وتاريخا‪ ..‬عىل ا ُملث َّقف يف اعتقادي ْأن‬ ‫ملعرض ِه مكا ًنا‬ ‫إقا َم ِت ِه‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫يحسبها بدقة ُمتناهية يف هذ ِه املرحلة إذا أرا َد ْأن يكون ضم ًريا‬ ‫الشخيص عن‬ ‫ينفصل فيه‬ ‫ّ‬ ‫لشعب ولثورة‪ ،‬وصاحب موقف ال ِ‬ ‫اإلبداعي”‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫معرتضا عىل‬ ‫يف املقابل قال الكاتب والروايئ إسالم أبو شاكري‪،‬‬ ‫ما ناله عبدليك من اتهامات ذهب بعضها ح ّد “التخوين”!‪،‬‬ ‫إن “حرب التخوين والطعن والتشكيك وترصد الزالت وتأويل‬ ‫املواقف واألحداث وتضخيم التفاصيل الصغرية‪ ..‬هذه حرب‬ ‫نشنها نحن عىل أنفسنا‪ ..‬ال عالقة لها بأي مؤامرة‪ ..‬مرض‬ ‫ً‬ ‫مهاجم إياها‪ ..‬والنتيجة‬ ‫داخيل ينقلب فيه الجسد عىل نفسه‬ ‫جثة متآكلة مرمية يف العراء دون أن تجد من يتربع بدفنها”‪.‬‬

‫من جهته‪ ،‬رأى الكاتب العراقي شاكر النوري‪،‬‬ ‫أن “الفنان يعرض لوحاته حتى يتم ايقاف‬ ‫معرضه من قبل السلطة‪ ..‬كان لينني يقول‪:‬‬ ‫إنني أكتب يف الصحف الربجوازية حتى يتم‬ ‫منعي من الكتابة‪ .‬الفنان ح ّر لكن املهم هو ما‬ ‫تحمله لوحاته يا أصدقايئ”‪.‬‬ ‫ما تحمله اللوحات من مضامني هو املهم إذن‪،‬‬ ‫وهذا ما ذهب إليه الفنان السيناميئ حنا ورد‪،‬‬ ‫الذي كتب مستنك ًرا هذه “الهبة الفيسبوكية”‪،‬‬ ‫حيث قال‪ :‬هل يوجد عري وتعري أكرث من هذا‬ ‫يف الوطن‪ ..‬عبد الليك ومعرضه الدمشقي مع‬ ‫نسائه العاريات‪ ..‬لفت نظري عدم التطرق إىل‬ ‫شكل ومضمون اللوحات املعروضة يف الهجوم‬ ‫والدفاع يف معرض عبداليك”‪ .‬وأردف‪“ :‬بعد‬ ‫مشاهديت جزءاً من اللوحات أرى أن هذه‬ ‫اللوحات تعكس بكثري من املعارصة الواقع‬ ‫السوري‪ ..‬إذا كنا ساب ًقا غري عراة جمي ًعا فإننا‬ ‫اآلن كلنا عراة بالكامل‪ ..‬الالجئون يف املخيامت‬ ‫الباردة عراة؟‪ ،‬الغرقى يف البحار الباردة عراة‬ ‫وموىت‪ ،‬السائرون بني الجبال واألنهار من‬ ‫اليونان إىل أملانيا والسويد عراة‪ ،‬املطرودون‬ ‫من مساكنهم اليوم يف حلب يف الربد القارس‬ ‫عراة‪ ،‬وتعرى معهم النظام اإلنساين العاملي‪،‬‬ ‫كام تعري النظام واملعارضة السورية م ًعا”‪.‬‬ ‫رغم كل ما سبق من أقوال مع وضد يوسف‬ ‫صحيحا وأكرثه تج ّن ًيا‪،-‬‬ ‫عبدليك‪-‬قد يكون أقله‬ ‫ً‬ ‫فإن الواجب يدعونا أن ال ننىس أبدًا أن ابن‬ ‫الجزيرة السورية مل يجنح يو ًما للعنف رغم‬ ‫تعرضه لالعتقال أكرث من مرة من قبل األجهزة‬ ‫األمنية لنظام األسدين (األب واالبن)‪ ،‬والتي‬ ‫كان آخرها يف مدينة طرطوس الساحلية يف‬ ‫متوز‪ /‬يوليو ‪ .2013‬وأنه كإنسان مبدع قىض‬ ‫ما مىض من العمر ً‬ ‫قابضا عىل جمرة اإلبداع‬ ‫بروح صار ّمة متوث ّبة‪ ،‬ما زال يواصل دربه كأحد‬ ‫صنّاع الغد السوري املرشق‪ ،‬الذي ال مكان فيه‬ ‫للطغاة والقتلة من حملة السالح‪.‬‬


‫نشرة ثقافية‬ ‫صدور‬

‫إبداعات ونشاطات سورية‬ ‫طلعنا عالحرية – القسم الثقافي‬

‫“التي سكن ْت البي َ‬ ‫ت قبلي”‬ ‫للشاعرة رشا عمران‬

‫باحثة أردنية‬ ‫تعاين أحوال‬ ‫الشباب العربي‬ ‫عشية الثورات‬ ‫العربية‬

‫“ذكريات تدمر” هو العنوان الذي تعرض‬ ‫من خالله أعامل الفنان التشكييل السوري‬ ‫إدوارد شهدا (‪ ،)1952‬يف “غالريي املرخية” يف‬ ‫العاصمة القطرية الدوحة‪ ،‬من ‪ 29‬ترشين ثاين‬ ‫(نوفمرب) وحتى ‪ 12‬كانون ثاين‪ /‬يناير ‪.2017‬‬ ‫وفيه يبحث “شهدا” عن لحظة تح ّررها من‬ ‫قيودها الزمنية‪ ،‬موثقاً لذاكرته تجاه تاريخه‬ ‫وما ُيحيط به‪.‬‬ ‫يف “ذكريات تدمر”‪ ،‬يشكل املوضوع اإلنساين‬ ‫هاجسا لشهدا‪ ،‬إذ يشتغل عليه من خالل‬ ‫ً‬ ‫وعب الفكر طوال رحلة من عمره‪،‬‬ ‫اللوحة ْ‬ ‫امتدت طوي ًال وال تزال‪.‬‬ ‫ويعترب التشكييل السوري الفن ملع ًبا للمتعة‬ ‫واألمل ومجاالً للجد واللعب‪ ،‬واللوحة مساحة‬ ‫لهم جديد‪.‬‬ ‫الهم واستحضا ًرا ّ‬ ‫بيضاء لتفريغ ّ‬ ‫ويلعب الزمان واملكان دو ًرا يف تشكيل لوحاته‪،‬‬ ‫فاألشكال التي يرسمها ال تنتمي لزمان معني‪،‬‬ ‫فهي خارج إطاره وال ملكان محدد وغال ًبا ما‬ ‫تكون هي املكان ذاته‪ ،‬حيث ال مكان دون‬

‫في األفق ‪ ..‬دراسة تبحث في “أسئلة‬ ‫العمل الثقافي المدني في سورية”‬ ‫ضمن برنامج “أولويات العمل‬ ‫مؤسسة‬ ‫عقدت‬ ‫الثقايف”‪،‬‬ ‫“اتجاهات‪ -‬ثقافة مستقلة” اتفاقاً‬ ‫مع الباحث عدي الزعبي‪ ،‬إلجراء‬ ‫بحث يتناول مسألة “دعم الفن‬ ‫السوري ضمن أطر مستدامة”‪.‬‬ ‫ويأيت هذا التكليف يف ظل الحرب‬ ‫السورية‪ ،‬وبعد أن اضطر كثري‬ ‫من الفنانني والعاملني يف املجال‬ ‫الثقايف إىل الهجرة خارج البلد‪ ،‬وإىل‬ ‫التعامل مع منظامت مختلفة تقدم‬ ‫لهم الدعم املايل إلنجاز مشاريع‬ ‫فنية وثقافية متنوعة؛ ينطبق األمر‬ ‫ً‬ ‫–أيضا‪ -‬عىل أولئك الذين يعيشون‬ ‫يف سورية‪ ،‬حيث يسعون للحصول‬ ‫عىل متويل من هذه الجهات يف‬ ‫ظل الوضع االقتصادي الصعب‪.‬‬ ‫ويعمل هذا البحث عىل دراسة‬ ‫أساليب هذا التمويل وطريقة‬

‫توزيعه وطبيعة املرشوعات التي‬ ‫أنجزت عن طريقه‪ ،‬من أجل طرح‬ ‫أسئلة حول العمل الثقايف املدين يف‬ ‫سورية‪ ،‬وإمكانية تحول الدعم إىل‬ ‫دعم مستدام‪ .‬وتقسم هذه الدراسة‬ ‫إىل شقني‪ :‬تحليل بيانات بعض‬ ‫املنظامت الداعمة‪ ،‬وطرح أسئلة‬ ‫حول إمكانية تحول هذا الدعم إىل‬ ‫دعم مستدام‪.‬‬ ‫ُيذكر أن عدي الزعبي قاص وصحايف‬ ‫ومرتجم سوري‪ ،‬يعيش حال ًيا يف‬ ‫الدمنارك‪ .‬حاز عىل إجازة يف الهندسة‬ ‫الكهربائية من جامعة دمشق‬ ‫‪ ،2004‬وإجازة يف الفلسفة من‬ ‫الجامعة اللبنانية ‪ ،2007‬ماجستري‬ ‫يف الفلسفة من جامعة “أست‬ ‫أنجليا” يف بريطانيا ‪ ،2010‬ودكتوراه‬ ‫يف فلسفة اللغة من الجامعة نفسها‬ ‫‪.2015‬‬

‫شكل وال شكل بدون مكان‪ .‬يقول‬ ‫شهدا‪“ :‬اللون هاجيس األكرب‪ ،‬فهو‬ ‫أدايت الــوحيدة للتعبري لذلك أعـتني‬ ‫كث ًريا بتحضريه عىل سطح اللوحة‪..‬‬ ‫يــغريني التوتر البصـري الــذي‬ ‫يصدره لون محــدد بتـجاوره أللوان‬ ‫محددة‪ ،‬فـهو موسيقى اللوحة‬ ‫ونغمها‪ ،‬أعتقد أن بقعة صغـرية مـن‬ ‫اللون ميكـنـها أن تحمل قد ًرا هائ ًال‬ ‫من الدراما والتعبــري‪ ،‬وأعاميل يف‬ ‫املعرض الحايل تتمحور حول حضور‬ ‫الذاكرة‪ ،‬ذاكرة األشخاص‪ ،‬ذاكرة‬ ‫األشياء وذاكرة األمكنة”‪.‬‬

‫مؤسسة‬ ‫«ألف‬ ‫نون»‬ ‫تطلق‬ ‫يما‬ ‫تقو ً‬ ‫فن ًيا‬ ‫للعام‬ ‫‪2017‬‬

‫مؤسسة «ألف نون ‪ ..‬فنون وروحانيات»‬ ‫أطلقت‬ ‫سورية‪“ ،‬تقويم ‪ ”2017‬الذي يضم‬ ‫الفنية ال‬ ‫أعامل تشكيليني سوريني‪ ،‬ويأيت هذا‬ ‫مجموعة‬ ‫مساهمة من املؤسسة يف دعم املجتمع‬ ‫التقويم ك‬ ‫حيل‪ .‬حيث سيوزع التقويم مجاناً لبعض‬ ‫املدين امل‬ ‫يات الخريية يف املحافظات السورية ويعود‬ ‫الجمع‬ ‫بيع لهم‪ .‬وقال التشكييل بديع جحجاح‬ ‫ريع امل‬ ‫«ألف نون»‪“ :‬نحن مجرد جرس‪ ..‬وهذه‬ ‫صاحب‬ ‫شاريعنا لهذا العام الجديد‪ ..‬وهو محاولة‬ ‫باكورة م‬ ‫لتعميم الذائقة البرصية أو ًال‪ ،‬ومبادرة‬ ‫جادة‬ ‫يف املساهمة بتوثيق الذاكرة التشكيلية‬ ‫متواضعة‬ ‫ومن جانب آخر هي محاولة جادة‬ ‫السورية‪..‬‬ ‫جمعيات الخريية يف هذا الزمن الصعب‪.”..‬‬ ‫لدعم ال‬

‫ثقافة‬

‫صدر مؤخراً عن “سلسلة ترجامن”‬ ‫يف املركز العريب لألبحاث ودراسة‬ ‫السياسات‪ ،‬كتاب للباحثة األردنية‬ ‫بسمة املومني‪ ،‬بعنوان‪“ :‬فجر‬ ‫العرب‪ :‬شبابه وعائده الدميوغرايف”‪.‬‬ ‫تبحث فيه (‪ 224‬صفحة بالقطع‬ ‫املتوسط)‪ ،‬شؤون الشباب العرب‬ ‫وشجونهم‪ ،‬وأحوال مجتمعاتهم‪،‬‬ ‫وطموحهم ورؤيتهم للمستقبل‬ ‫عشية الثورات العربية وخاللها‪.‬‬ ‫مستندة يف بحثها إىل مجموعات‬ ‫مناقشة مركزة أعدتها يف عدد من‬ ‫الدول‪ ،‬ومؤمترات واجتامعات‬ ‫شاركت فيها‪ ،‬ومقابالت شخصية‬ ‫أجرتها‪ ،‬تتمحور كلها حول السؤال‪:‬‬ ‫ماذا يعتقد الشباب العرب وماذا‬ ‫يريدون؟‪.‬‬

‫إدوار شهدا يعرض ذكرياته‬ ‫التدمرية في الدوحة‬

‫العدد ‪2016 / 12 / 14 - 83 -‬‬

‫صدر حديثاً‪ ،‬عن “منشورات املتوسط”‬ ‫يف إيطاليا‪ ،‬كتاب شعري جديد للشاعرة‬ ‫السورية رشا عمران‪ ،‬حمل عنوان “التي‬ ‫سك ْ‬ ‫نت الب َ‬ ‫يت قبيل”‪ .‬وقد صدر الكتاب‬ ‫ضمن مجموعة املتوسط املسامة‬ ‫“براءات” الخاصة فقط بالشعر‪ ،‬والقصة‬ ‫القصرية‪ ،‬والنصوص‪ .‬ويف هذا الكتاب‬ ‫ُت ِعنُ “عمران” النظ َر يف الوحدة‪ ،‬تتغل ُ‬ ‫غل‬ ‫ّ‬ ‫يف أدق تفاصيلِها‪ ،‬يف محاول ٍة لفهمِها‬ ‫وفكفكة رموزِها‪ .‬ولصعوب ِة هذا التمعّن‬ ‫ومش ّقت ِه‪ ،‬تح ُ‬ ‫خص‬ ‫اول خر َق ُه ب ِ‬ ‫خلق ش ٍ‬ ‫آخ َر يف املكان‪ ،‬فتختا ُر ثيم ًة ملجموعتِها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫متنحها بعدًا إضاف ًيا‪ ،‬وزاوي ًة جديد ًة‬ ‫لرؤي‬ ‫ة‬ ‫ِ هذه الوحدة‪ ،‬الثيم ُة التي اتخذتها‬ ‫كتبتها املرأة التي سكنت يف املنزل قبيل‬ ‫ُ‬ ‫الشاعرة عنوا ًنا للمجموعة‪ .‬نقرأ من‬ ‫وضعت فوقها‪ /‬خصل َة شعر بيضاء‬ ‫أجواء الكتاب “يف‬ ‫خزانة الحائط‪ /‬مثة رقيقة ورحلت‪.‬‬ ‫دفرت قديم‪ /‬وجملة واحدة فقط مكتوبة‬ ‫ويف هذه القصائد تنحو الشاعرة منحى‬ ‫بخط‬ ‫قلق‪ :‬وحيدة‪ ..‬كيتيمة تشتهي أن‪ /‬مختل ًفا ق ً‬ ‫ليل عام نطالعه يف الشعر‬ ‫ميشط أحد شع َرها املبلل‪ /‬الجملة ا‬ ‫لتي السوريّ تحديدًا يف هذه املرحلة‪.‬‬

‫‪19‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.