نصف شهرية ،سياسية ،ثقافية ،مستقلة
العدد 83
2016 / 12 / 31
مجلة مستقلة ،تعنى بشؤون الثورة السورية ،نصف شهرية ،تطبع وتوزع داخل سوريا ويف عدد من مخيامت اللجوء والتجمعشات السورية يف الخارج
2
هدنة جديدة بحســابات جديدة افتتاحية بقلم مازن درويش
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
يحقُّ للسوريني الذين ُاثخنوا قت ًال وتهجرياً واعتقا ًال طوال السنوات املاضية أن يفرحوا لخرب وقف اطالق النار خصوصاً أنه يأيت ضمن سياق ٍّ يس شامل -كام يشاع -فرمبا ضح ّية أخرى لن تسقط حل سيا ٍّ ً ّ ّ اليوم ،ولرمبا طفل آخر لن تبرت احدى أطرافه غدا ،وألن كل قطرة دم ميكن توفريها قبل بلوغ ّ مكسب لنا جمي ًعا. الحل النها ّيئ هي ٌ وعىل الرغم من كل ذلك كله،علينا أ ّال نسقط يف وهم التفاؤل .اذ مل يرتك نظام الرباميل املتفجرة وحلفاؤه مكاناً للنوايا الطيبة يف ضوء ارصارهم ا ُملعلن عىل الحاق الهزمية التا ّمة ّ سبب كان، بكل من عارضهم ،وأليّ ٍ وبغض النظرعن الطريقة ،وليس ّ ّ أقل من تطهري محيط العاصمة دمشق بالح ّد األدىن .باالضافة اىل التعقيدات اإلقليم ّية والدول ّية التي تجعل من هكذا تفاؤل أقرب ما يكون اىل القراءة الرغبو ّية البعيدة عن خف أطر ٌ اف ُكرثعدم حامسهم حقائق السياسة ودهاليزها ،حيث مل ُي ِ لهكذا اتفاق .بعضهم لكون االتفاق انجاز رويس -تريك رصف ،األمر اف ثانو ّية عىل ساحة الرصاعّ ، ولعل أبرز هؤالء الذي أظهرهم كأطر ٍ إدارة الرئيس “أوباما” التي تع ّرضت الذاللٍ سيايس مل يسبقها اليه أحد يف تاريخ الواليات املتحدة االمريكية الدبلومايس ،األمر الذي مل يستطع الرئيس “أوباما” اخفاؤهّ ، فأت قرار طرد الدبلوماسيني الروس كتأكي ٍد عىل ذلك االحساس باملهانة. رغم ّ كل يشء -متلك أدوات يعلم الساسة الروس ّأن الواليات املتحدة ّ - كافية الجهاض االتفاق ،ولذلك رمبا تسعى الدبلوماس ّية الروس ّية إىل تثبيته عرب مجلس األمن ،لتحصينه واعطائه طابعاً دول ّياً ُمل ِزماً .إيران أيضاً والتي كانت طرفاً رئيس ّياً يف إعالن موسكو الثاليث قبل أيام، وجدت نفسها اليوم خارج املطبخ السيايس الرويس -الرتيك ،حيث مل ينجح اتصال وزير الخارج ّية “الفروف” بنظريه االيراين “ظريف” بطأمنة ايران وفق ما أعلنه “محمد صدقيان” مدير “املركز العريب
للدراسات اإليرانية” الذي قالّ : (إن هناك قلقاً لدى الجانب اإليراين ،وتريد ايران خاصة ا ُملد َر ِجة عىل الوقوف عىل حقيقة التفاهامت مع فصائل املعارضة السوريةّ ، قوائم اإلرهاب) .هذا القلق تتشاركه معها أيضا جبهة فتح الشام “النرصة سابقا”، والتي بدأت توقن أ ّنها ستكون كبش املحرقة ,باالضافة اىل كيانات سياسية معارضة بدأت تتلمس انتهاء صالحيتها. حقيقة التفاهامت الروس ّية الرتك ّية التي أبرمت بعد تطبيع العالقات الثنائية بني البلدين يف شهر آب املنرصم رمبا س ّهلت استعادة قوات النظام وحلفائه ألحياء “حلب الرشقية” مقابل اجهاض “فدرالية روج آفا كوردستان” يف شامل سوريا، لكن املؤ ّكد أيضاً أ ّنه مل تتكشف جميع جوانب هذه التفاهامت بعد ،عىل الرغم ستغي الكثري من مجريات من وجود الكثري من الدالالت عىل ّأن هذه التفاهامت ّ األمور يف سوريا ،خصوصاً اذا صدقت املعلومات التي تفيد ّأن فريق الرئيس االمرييك ا ُملنتخب “ترمب” ليس بعيداً عنها.
www.freedomraise.net
تفاعل معنا عبر صفحاتنا على اإلنترنت
كلمة
املقاالت املنشورة تعرب عن آراء أصحابها أوالً وال تعرب بالرضورة عن آراء هيئة التحرير
مجلة نصف شهرية تعنى بشؤون الثورة تطبع وتوزع داخل املدن والقرى السورية ويف بعض مخيامت اللجوء معاون رئيس التحرير قسم حقوق اإلنسان نصار أنور البني أسامة ّ
قسم املرأة يارا بدر
املجلة غري ملزمة بنرش كل ما يردها من مواد
رئيس التحرير ليىل الصفدي املحرر االقتصادي وائل موىس
الغالف سمري خلييل
facebook.com/freeraise twitter.com/freedomraise info@freedomraise.net
كاريكاتري سمري خلييل
زمالء مختطفون يف الغوطة الرشقية رزان زيتونة -ناظم حامدي
مرين وادي بــردى بين ّ 3
أنور عباس
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
تنظيفه لجعله محوراً شيعياً موالياً بالكامل ،وهو من الناحية العسكرية ،يف موقع ضعيف جداً ،إذ تحيط به قوات النظام من كل جانب ،وتحتل تالله وجباله؛ فهو يف مرمى مدافعها ودباباتها ،ناهيك عن الطريان الذي استهدفه والزال يستهدفه، وميكن أن يقلب املعادلة الحالية خالل أيام قليلة؛ حيث الزال الثوار ينجحون يف ص ّد محاوالت االقتحام من محوري الدريج- بسيمة والدمياس -دير قانون .لكن التجارب التي رأيناها يف املناطق األخرى ال تيش أبداً بأن النظام سيثنيه صمود الثوار، وأن اقتحام الوادي عنوة سيعني تهجري أهله دون ّ شك. عىل املقلب اآلخر للمشهد الدموي الذي نراه يف الوادي ،حيث يتعرض للقصف اليومي ،وتحارصه القناصة من جميع أطرافه، ويعاين سكانه من غياب الكهرباء واملاء واالتصاالت ،وغياب أي معلومات دقيقة عن مدى قدرته عىل احتامل الحصار، نرى يف العاصمة دمشق تذمراً غري مسبوق من أهلها ،بسبب ما ّ حل بنبع الفيجة من خراب ،عل ًام أن املعلومات التي أتت من املنطقة تؤكد مبا يدع مجاالً ّ للشك ،بأن الخراب الذي ّ حل به وخروجه عن الخدمة نجم عن سقوط عدد من الرباميل املتفجرة عليه ألقتها مروحيات النظام ،وأن أربعة من شباب القرية الذين نذروا أنفسهم لحامية النبع قد استشهدوا جراء الغارة األوىل التي استهدفته. يحتل نبع الفيجة مكانة سامية يف نفوس أهايل عني الفيجة، فهو مصدر فخر لهم ،وهم يتباهون بنسبته إىل قريتهم
مقاالت
يقف وادي بردى اليوم بني خيارين أحالمها م ّر؛ فمن جهة يخىش أهله أن يكون التهجري هو املصري الذي ينتظرهم ،فيميل بعضهم للقبول بعرض النظام لالستسالم غري املرشوط ومغاردة الثوار نحو الشامل، لكنهم يف الوقت ذاته ال يثقون بهذا النظام الذي يثبت يوماً بعد يوم أن خططه يف تغيري الرتكيبة السكانية ملحيط دمشق سائرة قدماً دون تردد .وهو مستعد الستخدام أعتى أشكال القوة لتأمني محيط العاصمة وإحالل سكان جدد مكان أولئك الذين ثاروا عليه ،فيميلون حينها إىل مواصلة القتال ويقضون لياليهم الباردة يف الصالة إىل الله عىل أمل النرص! ظنّ أهايل وادي بردى أن التفاهم الضمني مع النظام والقائم عىل األمن وعدم االقتحام مقابل أمن دمشق املايئ سيحميهم من بطشه ،لكنه وإذ أنهى تفريغ حلب الرشقية، وقبلها داريا وحمص والزبداين ،وفرض االستسالم غري املرشوط عىل الهامة وقدسيا والتل وقبلها أرشفية الوادي ،يلتفت اليوم إىل وادي بردى ،طالباً من ثواره االستسالم والتسوية أو الرحيل. ال ّ شك يف أن وجود نبع الفيجة يف هذا الوادي ّأخر مخططات النظام يف استعادة السيطرة عليه ،ورمبا أنه حمى الوادي فعلياً من اقتحام عسكري كان مرتقباً منذ أن خرج الوادي عن سيطرته عام ،2012وبعد محاولة اقتحام فاشلة .لكن النظام شنّ غارات بالطريان الحريب والرباميل عام 2015 بعد أن قام الثوار بقطع املياه عن العاصمة دمشق يف محاولة يائسة ل ّ يل ذارعه تضامناً مع الزبداين التي كانت تشهد حملة جوية مل يسبق لها مثيل ،أدت يف النهاية إىل تهجري أهلها جميعاً ،باسثناء عدد قليل من الثوار الذين بقوا فيها ،وبعد أن أصبحت ورقة ضغط يف معادلة مضايا والزبداين /كفريا والفوعة من جهة أخرى.
حول النظام معركته مع الثوار إىل معارك محلية ،أحسن إدارتها. وساهم تشتت الثوار وتحول الكثري منهم إىل “مجاهدين” محل ّيني يف إنجاح هذه االسرتاتيجية .ولن ينجو وادي بردى ،فهو ليس استثناء عىل ما يبدو ،ويحمل أهمية اسرتاتيجية بسبب وجود مصدر مياه الرشب األسايس للعاصمة فيه ،ولوقوعه عىل محور جنوب لبنان /طرطوس الذي تسعى إيران وحزب الله إىل
وبانتسابهم له ،ويرون فيه مصدر قوة لهم، وقد سعوا لعقود طويلة إىل حاميته ،رغم أنهم دفعوا مثناً باهظاً لوجوده يف قريتهم؛ فقد استملكت أراضيهم عىل مدى العقود املاضية تباعاً ،وأصبح الباقي منها حرماً لهذا النبع ،وكلفهم ذلك الكثري. لقد رشبت دمشق من مياه الفيجة منذ عهد الرومان الذين كانوا أول من جر ماء نبعها إىل هذه املدينة ،ويف عهد ناظم باشا صاحب القناة املشهورة التي وزعت املياه عىل خمسمئة سبيل يف دمشق ،ثم بفضل مرشوع لجنة مياه عني الفيجة الذي تم يف العهد الفرنيس ،وقام عليه الحفار والخوري ورجاالت السياسة والتجارة يف دمشق لخدمة أهلها ،إىل النفق الجديد الذي ُشقّ يف نهاية السبعينات لريوي من مل تكن تصلهم مياه الفيجة يف دمشق وبعض ضواحيها. ويشعر أهايل عني الفيجة اليوم بأن هذه التضحيات الكبرية وحرصهم خالل سنوات الحرب الخمسة التي رافقت الثورة عىل سالمة النبع وحاميته من أي رضر أو تخريب قد يلحق به تذهب سدى ،وأن أهايل العاصمة يتحدثون بكثري من السوء عنهم دون معرفة مبا يقومون به ،ويلقون التهم عليهم جزافاً ،وينجرون وراء الروايات البائسة والخبيثة التي يروج لها إعالم بشار األسد ،وصفحات املواالة عىل فيسبوك، كصفحة دمشق اآلن التي تنضح بالكراهية والحقد ،وصفحة يوميات قذيفة هاون التي تتسم بالرخص والتهريج يف وقت نحن يف غنى فيه عن مثل هذا العبث غري املجدي. يف الوقت الذي يغامر النظام املجرم واملجنون مبصدر املاء الوحيد الذي يروي العاصمة ،يحوم شبح العطش فوق دمشق، ويقبع أهايل الوادي الذي مدها باملاء وروى أراضيها وغوطتيها وأهلها لقرون طويلة تحت القصف والجوع والعطش والربد والخوف وشبح التهجري.
ســكان حلب الشرقية ورحلة التهجير والشــتات
4 كمال شيخو
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
بوجوههم املتعبة ،ومالبسهم املهرتئة، وحقائب شبه خاوية ُو ّضبت عىل عجل، احتوت قلي ًال من الحوائج الشخصية وكثرياً من القهر والحزن واالنكسار ،هُ ّجر سكان مدينة حلب الرشقية! ذاك النزوح األخري وصفه سكانها “بيوم القيامة” ،إذ مل يكن يتوقعه قاطنو تلك
مظاهر الدمار التي ح ّلت بأحياء املدينة ،حيث ميكن رؤية العديد من املنازل التي أصبحت أثراً بعد عني ،ومل يتبقّ منها سوى األطالل ،ج ّراء االشتباكات العسكرية املحتدمة مع تقدم النظام وامليلشيات املوالية له يف رشق حلب منذ 20 شهر ترشين الثاين/نوفمرب سنة ،2016وأعلن السيطرة عليها بالكامل يف 22من شهر كانون األول/ديسمرب. ولدى لقائه مع مجلة طلعنا عالحرية يروي صالح األشقر،
املناطق املحارصة ،ومتنوا لو أنه مجرد كابوس شتوي سيمر عليهم؛ دون أن ينخر الربد عظامهم يف الواقع ويجربهم عىل املبيت يف العراء أليام ثم تبدأ رحلة النزوح والهروب إىل املجهول. بعضهم متكنوا من الفرار إما سرياً عىل األقدام قاصدين حي “الشيخ مقصود” املجاور ذي األغلبية الكردية ،أو نحو املناطق
مقاالت
الواقعة تحت سيطرة النظام غرب املدينة، أو عربوا إىل الريف الشاميل باتجاه بلديت إعزاز ومارع. خالية من سكانها ومن تبقى من سكان حلب الرشقية ،بقوا عالقني ثالثة أيام بني 16كانون األول/ديسمرب و 19من الشهر نفسه ،انتظروا دورهم إىل تم إجالؤهم نحو مناطق ريف حلب أن ّ الغريبّ ،ومنها إىل مدينة إدلب وريفها (غرب سوريا) ،وفق اتفاق رعت ُه تركيا وروسيا ُأجيل مبوجبه اآلالف من املدن ّيني واملقاتلني مبن فيهم نساء وأطفال وجرحى. وباتت أحياء “مساكن هنانو” ،و”الحيدرية”، و”اإلنذارات” ،و”بعيدين” ،و”الصاخور”، و”الشعار” ،و”القاطرجي” ،و”جبل بدرو” و”بستان الباشا” وغريها من أحياء حلب الرشقية خالية من أصحابها. ونرش نشطاء وإعالم ّيون معارضون عىل صفحاتهم الشخصية مبواقع التواصل االجتامعي صوراً ومقاطع فيديو تعكس ّ
الرشقي ملدينة حلب ،أنه: وهو صحا ّيف بقي محارصاً بالقسم ّ “يف ربيع عام 2011وعندما شاركت باملظاهرات املناهضة للنظام الحاكم طالبنا بإسقاط سورية األسد ،حلمنا بسوريا حرة دميقراط ّية” ،أ ّما اليوم وبعد مرور ستّة أعوام عىل هذا الكالم ،يضيف صالح“ :أنا ابن حلب ،ومن سوريا ،أجربوين عىل مغادرة منزيل ووطني”. “التغريبة الحلبية” وغص حلقه وفؤاده بكثري من الكالم. تو ّقف صالح عن الكالم ّ بعد لحظات ،تابع حديثه وقال“ :غادرت مدينتي مجرباًّ ، وكل هؤالء الناس مثيل هجروها مكرهني ،إ ّنها التغريبة الحلبية”. ووصل صالح يف 19شهر كانون األول/ديسمرب من العام املايض ،إىل بلدة األبزميو يف ريف حلب الغريب ،وكان من بني الذين تم إجالؤهم ،ثم دخل تركيا يف 25من الشهر نفسه قاصداً مدينة غازي عنتاب ليكمل نقل ما عاناه أهل حلب يف مواجهة الحرب والحصار للعامل كله. وقدرت اللجنة الدولية للصليب األحمر عدد الذين تم إجالؤهم من القسم الرشقي ملدينة حلب بنحو 35ألف شخص ،كان من بني من شملهم 100جريح ومريض يف حالة حرجة. وذكرت آنجي صدقي املتحدثة الرسمية للجنة الدولية
للصليب األحمر يف سوريا ،يف حديثها مع مجلة طلعنا عالحرية تفاصيل عملية اإلجالء وقالت“ :منذ يوم الخميس 15ديسمرب حتى فجر الجمعة 16ديسمرب ،قامت فرق الهالل األحمر العريب السوري واللجنة الدولية للصليب األحمر بإجالء حوايل 10000من املدنيني من ضمنهم حوايل 100جريح كانوا يف حالة حرجة”. ويف يوم الجمعة 16كانون األول/ديسمرب العام املايض ،توقفت عملية اإلجالء بعد حدوث توترات عىل األرض وتبادل إطالق نار ،ثم استؤنفت بعد يومني وانتهت يوم الجمعة 22كانون األول/ديسمرب حيث تم إجالء نحو 35ألف شخص ،بحسب آنجي صدقي ،ولفتت“ :تم إجالء املدنيني الذين رغبوا يف املغادرة إىل أماكن أكرث أماناً”. تركوا ملصريهم وتابعت صدقي كالمها لتقول“ :أما الذين رفضوا املغادرة كان لديهم خيار البقاء، وهذا من مبادئ القانون الدويل اإلنساين، يجب أن يتم اإلجالء وفقاً لرغبة املدنيني والجرحى أنفسهم”. وتم تهجري آالف األشخاص عن طريق حافالت “خرضاء حكومية” من األحياء الرشقية يف حلب ،إىل مخيامت مؤقتة يف ريف حلب الغريب أو مدينة إدلب وريفها، حيث أجربوا عىل ترك كل يشء خلفهم عند فرارهم ،وتركوا ملصريهم املجهول يف مواجهة طقس شتوي شديد الربودة. ومل يسلم الذين نزحوا من قسوة الشتاء؛ إذ فتكت العاصفة الثلجية األخرية التي رضبت سوريا بكثري من الخيم الرقيقة وغري املجهزة، بعد أن غطت الثلوج مساحات واسعة من تلك املخيامت التي تفتقر باألصل لوسائل التدفئة .وما زاد األمر سوءاً أخبار موت عدد من األطفال وأمهاتهم نتيجة انخفاض درجات الحرارة أو استعامل وسائل تدفئة بدائية بطريقة خاطئة.
رحلــة في الباص األخضر علي فاروق
أو تلهج بتوسالت يائسة إىل الله ،أن يحمينا ،ويردنا ساملني..
لسبب ما ،قررت أال أقيض ليلتي األخرية هناك ،مل ٍ أشأ وداع البيت ،فضلت التظاهر أن مغادريت مؤقتة، يوم ،رغم إحسايس أن العودة قد تغدو وطبيعية ككل ٍ حل ًام بعيداً ..حزمت حقيبتي برسعة ،واحتضنت أخي
الخميس 13ترشين األول ،2016الساعة 6مسا ًء.. انطلق املوكب املؤلف من 300حافلة ،يتقدم كل حافلة سيارة ضباط ،فيام يرافقها من الخلف سيارة جنود مزودة برشاش ،أما سيارات اإلسعاف والهالل األحمر ،فقد انطلقت يف املقدمة.. عىل الطريق بني دمشق وحمص ،كانت معامل القصف، وآثار املعارك ال تزال شاهد ًة عىل الطريقة التي استطاعت بها املليشيات األجنبية ،والجيوش الغازية، احتالل الريف الدمشقي “املحرر” ،والذي استعىص لسنوات عىل النظام. توقفت الحافالت لدقائق معدودة ،مر ًة واحد ًة فقط قبل مدينة حمص ،حيث ُسمح بالنزول لقضاء الحاجة يف العراء .بعدها توجهت القافلة نحو طرطوس ،فبانياس ،مروراً بـ”بيت ياشوط” يف جبلة، ومن هناك نزوالً باتجاه ريف حامة ،كان من حسن
الجمعة 14ترشين األول ،الساعة 12ظهراً.. وصلت مع أصدقايئ إىل مدرسة “اإلحسان” ،وهو مركز إيواء للنازحني وسط مدينة إدلب ،انرصفت وسائل اإلعالم واملراسلون والنشطاء كام أتوا رسيعاً ،وتركونا نواجه مصرينا املجهول ،يف ذلك املكان املكتظ واملهمل؛ حيث يكاد ينعدم وجود أدىن املقومات األساسية لإلقامة والحياة ،فيام بدأ الطريان الحريب فوقنا جوالته “الرتحيبة” ،فأرسع الجميع للبحث عن أي مكان قد يبدو مناسباً “لالختباء”.. كان الوضع مزرياً وبائساً ،وكنا مرهقني جداً وجائعني، وكنا بالكاد نستطيع الوقوف عىل أقدامنا ،وكنا بحاج ٍة ماس ٍة لالستحامم والنوم.. مل أستطع االنتظار مد ًة أطول ،حزمت أمري رسيعاً، وودعت أصدقايئ وأخربتهم أين سأتجه إىل رساقب، حيث تقيم عائلة صديقي يف السجن “أبو حسني”، ألبدأ أوىل يوميات “نكبتي” هناك..
مقاالت
يف سهرتنا األخرية ،مل نتكلم كثرياً ،مل تكن لنا طاقة للكالم ،أو رمبا مل يعد لدينا ما نقوله.. حاولنا استغالل الوقت بتبادل النظرات ،وحتى هذه مل نق َو عليها كثرياً ،مل تستطع أمي الصمود طوي ًال، وكثرياً ما قطع بكاؤها صمتنا ،كنا ندرك أنه رمبا لن نجتمع بعد اآلن ،لذلك حاولنا تأمل وجوه بعضنا ما استطعنا ،كانت رغبة خفية يف تخزين أكرب قد ٍر من الصور والذكريات ،لكننا مل نستطع الصمود ،وابتالع األمل ،وبقينا صامتني.. كنا كحارضي مجالس العزاء ،مجلس عزائنا نحن؛ ٌ عجيبة هي املواقف كنا امليت ،واملشيع ،واملعزي. التي اختربناها خالل الحرب ،آالف السوريني باتوا يستطيعون القول إنهم شاهدوا أرواحهم تتحطم أعوام ،ثم تنسلخ عن وتتشظى ،عىل مدى خمسة ٍ أجسادهم ،وهم يحرضون مع أمهاتهم ،وإخوانهم مجالس عزائهم!.. بكت أمي طوي ًال ،كان بكاؤها صامتاً ،إال حني تشهق،
الجمعة 14ترشين األول 6 ،2016صباحاً.. بعد تجاوز “السقيلبية” ،توقفت سيارات الضباط والجنود ،فيام تابعت سيارات الهالل األحمر نحو “قلعة املضيق” .عند مدخل البلدة ارتفعت أعالم “حركة أحرار الشام اإلسالمية” ،وكان ذاك أول مشه ٍد من األرايض املحررة.. تجمع مقاتلون ،وفتية ترتسم عىل وجوههم أمارات الطيبة والكرم ،للرتحيب بنا ،كانوا يبتسمون وهم يرفعون أصابعهم بإشارات النرص ،وال شك أنهم من جعل مشاعر الفرح ،واالطمئنان تتسلل إىل نفوسنا. لكن املشاهد الالحقة رسعان ما أحلت اليأس واإلحباط مكانها ،وال سيام مشاهد الفوىض ،وغياب التحضري، وخصوصاً عند مقارنتها بالتنظيم والتنسيق العايل، الذي رأيناه من النظام خالل عبورنا “أراضيه”.
العدد - 83 -
مساء ذلك اليوم ،عدت مبكراً ،لقضاء آخر الساعات معها..
الخميس 13ترشين األول ،2016الساعة 12ظهراً.. رسيع ،صعدنا إىل الحافالت، روتيني، تفتيش بعد ٍ ٍ ٍ وصعد خلفنا “ضابط صف” من الحرس الجمهوري، لتسجيل األسامء ،وإحصاء قطع السالح ،حني وصل لشاب “املساعد” إىل مؤخرة الحافلة ،سمعته يقول ٍ مكفه ٍر“ :ال تأكلوا هم ..بكرة برتجعوا” ،فرد الشاب: “ما رح نرجع لتنتهي الثورة” ،فقال املساعد“ :بكرة بتنتهي الثورة ،وبرتجعوا إن شاء الله”.. مل أعرف يف الحقيقة ما الذي قصده املساعد ،ومل أرغب باالستفسار ،كنت متعباً جداً ،وكان التحسب لالحتامالت القادمة يستغرقني ،ولألمانة فقد كان ذلك املساعد لطيفاً ،فلم أشأ إحراجه ،وبالعموم كان تعامل الضباط ،والعنارص املرافقني جيداً ،ومل يتعرض أحدٌ منهم لنا بكلمة ،حتى أن القائد “أبا أحمد” مل يسمح لهم بتفتيش أعضاء مجموعته ،ورفض صعودهم إىل حافلته ،لتسجيل األسامء.. ساعات كامل ٍة ،بدت كست سنوات دام االنتظار ست ٍ طويل ٍة ..تيبست أرجلنا ،وأطرافنا عىل املقاعد ،كان إحساسنا بالضيق والرتقب هائ ًال ،وكان الجو حاراً، أغرقت قطرات العرق جباهنا وأجسادنا ،فيام اختلطت رصخات األطفال ،وتنهدات الرجال والنسوة ،فأضافت للموقف شحنات مضاعفة من الحزن والخوف والقلق..
2016 / 12 / 31
اللقاء األخري ..األربعاء 12ترشين األول .2016 أمضيت الشهر األخري وحيداً ،يف اليوم األول للمعركة طلبت من أخي اصطحاب عائلته ،وأمي إىل دمشق ،مل تستطع أمي رغم مرور خمس سنوات ،اعتياد صوت الرصاص ،وال احتامله.. قضيت األيام يف ساحة قدسيا ،أتابع املعركة ،وأراقب الحراك الشعبي املوازي لها ،وألتقي السكان ،وأعضاء لجنة ‘‘املصالحة’’ ..وبعد انتهاء املروحيات من إلقاء “براميل املساء” ،أعود للمنزل لتفقد األوضاع ،وإخراج الطعام الفاسد من الثالجة ،ثم أغادر إىل منزل “أيب يوسف” ،حيث يأيت األصدقاء خالل اسرتاحات الرباط، فنرشب الشاي ،ونتبادل النكات كام اعتدنا ،وكأن كل يش ٍء عىل ما يرام.. يوم واح ٍد فقط من عادت أمي بشكلٍ ٍ مفاجئ ،قبل ٍ مغادرتنا ،وكانت تلك مصادف ًة رائع ًة ،ومؤمل ًة يف ذات الوقتُ ،حرم العديد من األصدقاء من التمتع بتلك املفارقة العصيبة..
طوي ًال ،ثم غادرت إىل دار “أيب يوسف”..
حظنا اجتياز تلك املناطق لي ًال ،حيث مل نصادف إال أعداداً قليلة من الناس ،الذين مل يبخلوا بإظهار مشاعر التش ّفي والشامتة ،وهم يرفعون أصابعهم “الوسطى”، ويلوحون بفخ ٍر بأعالم “حزب الله” وروسيا ،فيام تنتصب خلفهم لوحات كبرية عليها أعالم وشعارات مختلف املليشيات األجنبية ،وصور “حسن نرص الله”، و”فالدميري بوتني” ..وميكن القول إن ذاك املوقف كان أقىس وأصعب ما واجهنا يف تلك الرحلة الحزينة..
5
6 جالل مراد
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
()3 النشاط اإلنساين الفاعل:
دراسات
الواضح يف الحالة السورية أن املجتمع غري قابل للنكوص تم ،وهو غري عكوس. إىل الدولة الشمولية ،التحول ّ لكن املرحلة القادمة تحتمل أن يتحول ثوار األمس إىل دكتاتوريي اليوم ،ليس عىل مستوى املجتمع بشكل عام، لكن عىل مستوى الكتل ما دون الوطنية (األرسة ،املنطقة، العائلة العشرية وغريها) .هذه املرحلة الوسيطة تتكون عندما تبدأ قوتا الجذب للهوية املركزية السورية من جهة، وقوة االنفجار األول الذي أحدثته االنتفاضة من جهة ثانية بالتعادل .يف هذه املرحلة يتحلق الناس حول هويات ما دون الوطنيةُ ،ين ّكس العلم الوطني ،و ُترفع أعالم الطائفة والعشرية والعائلة واإلثنية .ألنه ال ميكن بحال من األحوال وتحت أي ظرف أن توجد جامعة برشية بال ح ّد أدىن من التنظيم ،أي بدون هوية ،فالجامعة البرشية دون هوية تتحلل وتتحول إىل مجموعة من البرش ال ينظمهم ناظم وال يوحدهم ناموس. إن هذه املرحلة (تعادل القوتني) مؤقتة ،فام إن تبدأ قوة الجذب للهوية العامة تأخذ قيمة أعىل من قيمة القوة االنفجارية حتى تبدأ الحركة العكسية ،فمع كل اقرتاب من الهوية املركزية السورية يوازيه تخلٍ عن الهويات الجزئية املادون -وطنية ،ورصدنا شكلني محتملني للتشكل النهايئ تبعاً لالنتامء وقوة الهويات الجزئية مقارنة بقوة الهوية السورية املركزية. تبقى القوى داخل كل هوية جزئية غري متأثرة كثرياً بقويت الجذب اآلنفتي الذكر ،واألمر يشبه القوى داخل قطار يتحرك ،فرفع الكأس أو امليش أو غريه من أفعال القوى ال تتأثر بحركة القطار .يف هذا الحيز بالذات تكمن أهمية النشاط اإلنساين الفاعل .مبعنى أوضح كل مجموعة برشية متح ّلقة حول هوية جزئية مادون -وطنية ميكنها أن تقوم بتحويل هذا التجمع من تجمع غري منظم، عبثي ،تجمعه الغريزة القطيعية حول أشخاص ومبادئ عنرصية (عنرصية الهوية الجزئية) إىل بنية؛ أي مجموعة من الناس ينظمهم شكل فكري وعالقات متوافقة مع متطلبات العيش والنامء. التجيل العميل لهذه البنية هي أن يصبح هناك تابوات (ترشيعات) تنظم العالقات يف املجتمع وخدماته، كالتعليم والصحة والرشطة والقضاء والكهرباء والرصف الصحي ،والتمثيل الترشيعي ،وغريها من املتطلبات الخدماتية.
يف هذه الحيزات مادون -الوطنية تبدأ الثيامت األساسية للدولة بالبزوغ (بكون الدولة هي روح الشعب ،وقد تجىل يف كيان غري مادي ،معنوي ،ومارس سلطته عىل الناس ،الذين سيتحولون إىل شعب مع تقدم اكتامل الدولة).
وكام ذكرنا أن هذه املرحلة يدخل بها النشاط اإلنساين كقوة أساسية يف ترسيع هذه العملية وإكساء الترشيعات واألطر الناظمة لكل هذه النشاطات بطابع حضاري سليم متسق متوافق مع احتياجات الناس ،يف إطار الهويات الجزئية (مادون -وطنية).
حروب أهلية أم سلم اجتامعي:
وضحنا أن العلم الوطني ينسحب يف إطار تقدم األعالم الجزئية ،يف الحركة العكسية باتجاه املركز الوطني -الهوية الوطنية .تضطر الهويات الجزئية للتعرف عىل بعضها البعض .واألمر أن هذا امتحان لكل هوية جزئية؛ امتحان لقبولها اآلخر وتقبله ،وكم تحتوي من العنرصية ووهم التفوق .هنا ميكن أيضاً للنشاط اإلنساين العمل (يقظة الوطنيني واملثقفني السياسيني لهذه اللحظة التي من شأنها تخفيف حدة الرصاع أو الحرب األهلية بالتوازي مع تأسيسها لنظم عامة تضبط االندفاعات العنرصية من الهويات الجزئية). إن لحظة الجذب باتجاه الهوية املركزية الوطنية ستؤدي بالرضورة الصطدام الهويات الجزئية ببعضها البعض ،وستجد نفسها مضطرة لفهم بعضها إن تح ّلت بالروح السلمية ،أو ملقاتلة بعضها إن متسكت بالجانب العنرصي من الهوية الجزئية .األمر قد يأخذ شهوراً ،وقد ميتد سنوات طويلة .واألمر كام أسلفنا له عالقة بالنشاط اإلنساين الواعي والفاعل يف الحد من الجانب العنرصي يف الهويات الجزئية.
مجالني للنشاط اإلنساين الفاعل:
ومستداما وثابتا من املناسب أن يتم استعامل مؤسسات الدولة لهذه الغاية بالرتافق مع النشاط األهيل الفاعل. وخري طريقة لتحقيق ذلك هي القيام بعزل البلديات عن السلطات املستبدة ،وإيالء اهتامم دقيق بتشكيل مجلس بلدة يعرب عن األهايل بشكل صادق ونزيه ،ومنتم لألهايل انتام ًء مطلقاً .القوامية عىل البلدية ستقود لقوامية عىل الرشطة والقضاء والتعليم ،وكل مؤسسات الدولة املعنية. يجب أن ترتافق هذه العملية مع تفعيل نظام رضيبي مدروس إلمداد البلدية باألموال الالزمة لإلنفاق .مال نظيف وطني. من الخطوات األساسية التي يجب عىل البلدية العمل عليها هي حل مشكلة املسلحني من كتائب وفصائل وغريها .يتم األمر عرب توظيف هذه العنارص عرب البلدية، وتقنني استخدامهم لألسلحة ،وتحويل والئهم لألهايل عرب املجلس البلدي بوساطة الرواتب املمنوحة لهم .بعد احتواء املسلحني ميكن تحويلهم ألعامل منتجة مختلفة كام ميكن مقايضة األسلحة تباعاً إن وضعت الحرب أوزارها مبعدات زراعية وغريها من األدوات اإلنتاجية.
النشاط اإلنساين الثاين:
وهو النشاط الذي يحد من اصطدام الهويات الجزئية، أو وقوع نزاع مسلح بني تلك الهويات .سيحمل املثقفني أغلب هذا العبء سواء أكانوا متدينني ،أو غري متدينني، قوميني ،أو شيوعيني ،أو غري ذلك. النشاط يأخذ جانبني اثنني أساسيني:
الجانب األول:
نشاط توعوي ،هدفه الحد من الجانب العنرصي يف الهوية الجزئية (سواء كانت طائفية أو عرقية أو مناطقية وغريها) .وهذا النشاط يستخدم الجوانب التي تحقق هذا الغرض من أدبيات الهوية الجزئية؛ كتاريخها ومصالحها ومستقبلها.
عرب استعراض ما تم ،ويتم ،والتوقع ملا سوف يحصل بنا ًء الجانب الثاين:
عىل املسار العام ودراسة القوى الدافعة ،وجدنا أن هناك حقلني ميكن للنشاط اإلنساين الفاعل أن يقوم بدور مقرر ومهم يف وضع سوريا املستقبيل.
النشاط األول:
وهو النشاط يف داخل الهوية الجزئية .يتجه نحو تنظيم الحياة املدنية ،واملرافق العامة والتعليم والصحة والقضاء وغريها من الشؤون .هذا الجهد ليك يكون مكتمال
نشاط تنسيقي وتعريفي وترشيعي ،يتم من خالل الناشطني يف الهويات املتجاورة جغرافياً عرب العقود، واالتفاقيات التنظيمية ،وغريها من النشاطات الضامنة لعدم ترسب الجوانب العنرصية يف كل هوية باتجاه الهويات القريبة جغرافياً (هذا الترسب الذي يعني حرفياً الحرب) .وميكن للنشطاء التقليديني املشاركة مع املثقفني يف هذا النشاط من رجال دين وزعامات محلية وغريهم.
مشــروع األمل لتشغيل المهجريــن من أهالي داريا بالشمال السوري
7
محمد هشام
العدد - 83 -
البقية يف الصفحة ....9
2016 / 12 / 31
داريا” الكائن بجرجناز دعوة لحضور اجتامع مع منظمتي أم القرى وإنسان بناء ،وخالل االجتامع تم إبالغنا باملرشوع وبتفاصيله ،وبتقديم طلبات ّ انتساب لكل من يرغب بالعمل واالستفادة”.. وبحسب أبو تيسري“ :املشاريع التشغيلية إضاف ًة ألهميتها املادية ،فهي تعيدنا بالذكرى إىل أرضنا التي ُأخرجنا منها ،و ُتسهم بإعادتنا إىل الحياة املدنية التي ُحرمنا منها طوال خمس سنوات”. تكلفة املرشوع الواحد: ال يوجد ٌ سقف محدد لكلفة املرشوع ،وإمنا “ ُتراعى نسبة األفراد الذي يرعاهم املرشوع بالقياس إىل تكاليفه” بحسب ديرانية ،ويف بنود العقد ،يتعهد املستفيد بالحفاظ عىل املعدات والتجهيزات سليم ًة من األذى الذي ميكن أن ينشأ عن اإلهامل أو سوء االستعامل ،وال يشمل التعهد األذى الناتج عن الظروف القاهرة. وتتوىل جمعية أم القرى لإلغاثة والتنمية املحلية سائر املهام اللوجستية املحلية ،مثل تأمني املحالت بأسعار مناسبة ،وتيسري التنفيذ بالتنسيق مع املجلس املحيل واملؤسسات املحلية ،باإلضافة إىل اإلرشاف العام عىل تنفيذ املرشوع وتقديم املشورة والنصائح واملساعدات املبارشة ،إىل جوار دورها الجوهري كخلفية أمنية للمرشوع ،والذي تستمدّه من كونها جهة محلية ،تضمنُ تنفيذ بنود العقود، واملحاسبة يف حال متت املخالفة ،بالتنسيق مع املؤسسات املحلية املعنية. وعن سبب دعم “أم القرى” للمشاريع التنموية
مقاالت
لعله مل يكن من ضمن قامئة آمال وخطط أهايل داريا املدنيني املنفيني إىل إدلب يف 24آب/ أغسطس 2016الجلوس يف بيوتهم وانتظار أرزاقهم من حصص املنظامت اإلغاثية شهرياً ،وإمنا كان أمل اسرتجاع حياتهم التي مارسوها آخر مرة وطلب أرزاقهم عرب إعادة قبل الحرب والحصار، ُ مامرسة حرفهم التي كانوا يزاولونها يف أرضهم بحسب ما أفصحوا وعربوا عنه ،وهذا ما دفعهم للمسارعة للبحث عن فرص عمل يتخ ّلصون عربها من حالة الركود والفراغ االجتامعي والنفيس التي بدؤوا يشعرون بها بعد شهرهم الثاين من اإلقامة يف إدلب. “خالل سنوات الحصار الخمسُ ، كنت أزاول بكثافة تصليح (طرنبات) سيارات الثوار يف املدينة ،ألين الخبري الوحيد الذي تبقى يف املدينة” هكذا يقول املهجرين إىل الشامل “عمر العبار” أحد ثوار داريا َّ واملقيمني بجرجناز ،ويردف“ :عندما خرجت للشامل مل أكن أتوقع أين سأمتكن من إعادة مزاولة حرفتي ثانية إال عام ًال يف الورشات ،نظراً لتكلفة إنشائها الباهظة”. عمر هو أحد املستفيدين من “مرشوع األمل التنموي” والذي ُيع ّد بادرة هي األوىل من نوعها يف الشامل السوري ،قدمته كل من جمعيتي “إنسان بناء لإلغاثة والتنمية” و “أم القرى لإلغاثة والتنمية” يف بلدة جرجناز ،ويهدف إىل تشغيل الحرفيني من عوائل داريا املقيمني بالبلدة ،والبالغ عددها 76عائلة بحسب إحصائيات مكتب داريا. عرب مرشوع األمل مت ّكن عمر الذي يعيل عائلة أخيه الشهيد باإلضافة إىل عائلته وأخوته من فتح مرشوع خاص به ،دون أن يضطر لاللتزام كعامل بالورشات التي تقع يف بلدات أخرى بعيدة عرشات الكيلومرتات عن مكان سكنه الحايل. دواعي املرشوع: محمد ديرانية مدير املشاريع يف “إنسان بناء” واملدير التنفيذي ملرشوع األمل ،تحدث لطلعنا عالحرية وقال“ :إن إنسان بناء تنظر للس ّلة الغذائية عىل أنها مسكن شهري لألمل فقط ،ال يسهم بتقديم أي نوع من الحلول الجذرية لحالة الحاجة املتفشية” .وتابع“ :إن أي مجتمع تعاين
فيه رشيحة الشباب والرجال من البطالة سيعاين من خللٍ بالنظام العام ،وكلام اتسعت رقعة البطالة كلام زاد هذا الخلل ،ولذا كان مرشوع األمل الذي يهدف لتحويل الفرد من شخص مستهلك اتكايل إىل شخصية مبادرة ومنتجة وبناءة”. تفاصيل العمل مبرشوع األمل: تتوىل الجهات املنفذة تزويد املرشوع بالتجهيزات واملعدات الالزمة ،بحسب ديرانية ،حيث تم رشاء العدد والتجهيزات ألكرث من سبع حرف حتى تاريخ 28كانون األول /ديسمرب 2016مع دفع رسوم تشغيلية وأجرة محل ملدة ثالثة أشهر، بغرض “مساعدة الحريف عىل االنطالق ريثام يتمكن املرشوع من تغذية نفسه بنفسه” .عىل أن تقتطع الجهات املنفذة نسبة ضئيلة من األرباح، “لإلسهام بتمويل مشاريع تشغيلية أخرى آلخرين” بحسب ديرانية الذي وصفها :بأنها “ستكون حافزاً له عىل العمل ،إضاف ًة إىل غرس عقيدة املبادرة و العطاء يف نفس الحريف”. “جامل البرسك” يعمل يف الحالقة وأحد الحرفيني املستفيدين ،تحدث عن دخوله بالشهر الثاين من ُ “استلمت معدات تجربة االستفادة من املرشوع: الحالقة كاملة مع أجرة محل ملدة ثالثة أشهر، وأقوم بإرسال صور قسائم املشرتيات أسبوعياً للمدير امليداين عرب الواتس أب ،لتسهيل اقتطاع و احتساب النسبة آخر كل شهر”. “ليس سه ًال أن تخرج من أرضك ،وتزداد صعوبة املعيشة إذا كنت عاط ًال عن العمل وعندك أرسة” كلامت “أبو تيسري” أحد املستفيدين من مرشوع الحرف ،وصاحب حرفة املطعم الذي بلغت تكلفته قرابة 2600$ويستفيد كذلك للشهر الثاين من مرشوع األمل ،أوضح لطلعنا عالحرية عن كيفية بدء املرشوع“ :وصلنا عرب “مكتب
ماذا جــري ويجري في حلب؟ 8
المحامي أنور البني
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
ما جرى ويجري يف حلب هو جرمية موصوفة؛ هي جرمية التهجري القرسي ،وتعريفاً هو“ :مامرسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات اض معينة وإحالل عرقية أو دينية أو مذهبية ،بهدف إخالء أر ٍ مجاميع سكانية أخرى بدالً عنها .ويندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم اإلبادة الجامعية والجرائم ضد اإلنسانية” وفق قاموس القانون الدويل والقانون الدويل اإلنساين. ويع ّرف القانون الدويل اإلنساين التهجري القرسي بأنه: “اإلخالء القرسي وغري القانوين ملجموعة من األفراد والسكان من األرض التي يقيمون عليها” وهو مامرسة مرتبطة بالتطهري وإجراء تقوم به الحكومات أو املجموعات املتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة ،وأحياناً ضد اض معينة لنخبة بديلة مجموعات عديدة بهدف إخالء أر ٍ أو فئة معينة” ،وتعترب املواد ( )8( ،)7( ،)6من نظام روما األسايس ،التهجري القرسي جرمية حرب. وهذا ما ينطبق عليه وصف ما يجري يف حلب متاما ،حيث قامت امليليشيات املتحالفة معها بحصار حلب ألشهر عديدة ومنعت الطعام والدواء ،وأكملت طائراتهم وطائرات املجرم بوتني بتدمري البنية التحتية كاملة من مخابز ومستودعات طعام ومستشفيات ومدارس ،وقتلت اآلالف من املدنيني معظمهم من األطفال والنساء يف بيوتهم ،ووضعت الجميع أمام خيار الهجرة عن مساكنهم وبيوتهم .ثم حاولت تحت ستار حفظ األرواح فتح ممرات ليسلكها السكان يف مغادرتهم وسلطت ميليشيات األسد وحلفائه ليصطادوهم خالل هذه املمرات ،يف جرمية قتل مكشوفة وأمام كل العامل الذي كان يراقب اكتامل كل أركان الجرمية دون أن يحرك ساكناً ،وعندما قرر التحرك واجتمع مجلس األمن ليناقش نص عىل رصد الوضع يف حلب أصدر قراره رقم 2328الذي ّ محايد واملراقبة املبارشة عىل عمليات اإلجالء من رشق أحياء حلب ومناطق أخرى من املدينة ،وتقديم تقرير حسب االقتضاء يف هذا الشأن ،لضامن نرش املزيد من املوظفني لهذه األغراض حسب الحاجة .أي أن املجتمع الدويل قرر املشاركة بفاعلية يف هذه الجرمية ومراقبة تنفيذها عن كثب وتقديم الحامية والغطاء القانوين لها ،ومل يفكر أي أحد ممن ص ّوت عىل القرار باإلشارة إىل الجرمية أو مرتكبيها أو محاولة وقفهم عن ذلك عىل األقل ،إن مل نقل معاقبتهم عىل هذه الجرمية الواضحة بكل املعايري القانونية واألخالقية.
بذلك أصبحت كل دول العامل مشاركة يف جرمية التهجري القرسي التي تجري يف سوريا، الدول التي تقوم وتشارك يف هذه الجرمية مبارشة عرب وجود قواها العسكرية عىل األرض كإيران وروسيا ،والدول التي تنتمي للتحالف الدويل كأوروبا وأمريكا وغريهام والدول التي لديها قوى عسكرية عىل األرض، وتربم االتفاقيات لتسهيل التهجري ونقل السكان كرتكيا ،والدول التي صوتت عىل قرار مجلس األمن واملنظامت الدولية التي ترعى االتفاقات وتقدم التسهيالت اللوجستية والدعم لنقل السكان ،كهيئات األمم املتحدة ومنظامتها .بل إن هذه املنظامت هي أول من برش بهذه الجرمية عن طريق مجرمها ستيفان دميستورا وهو يبرش ويدعو لتنفيذها يف مختلف املناطق السورية بحيث ينجح املجرم األسايس زعيم امليليشيا الكربى أن ينفذ جرميته ويطهر األرض التي يستويل عليها بالعنف الوحيش. ما جرى ويجري يف سوريا هو سقوط كامل لكل النظم اإلنسانية ،وانهيار مدو للهياكل التي عمل العامل طوي ًال عىل إقامتها لتحمي اإلنسان وتعطي معنى قانونياً لإلنسانية. ما يحصل يف حلب هو جرمية مكتملة األركان لتهجري قرسي للسكان املدنيني فيها، الفاعلون فيها معروفون علناً ،ويعلنون بكل
صفاقة ووقاحة عن جرميتهم ،ويرصحون علناً عن أهدافهم بتهجري كل السكان. واملشاركون بهذه الجرمية يقدمون كل ما ميكنهم لتنفيذ هذه الجرمية تحت عنوان إنساين هو حفظ األرواح؛ فيقومون بالضغط عىل السكان األصليني وتقديم كل ما ميكنهم لجعل هذه الجرمية ميرسة وقابلة للتنفيذ، ويقدمون االقرتاحات لألماكن التي سيتم سيتم التهجري إليها ،ويسهلون املمرات التي ّ التهجري خاللها ،ويقومون مبا يلزم لتأمني الغطاء لهذه الجرمية وضامن السكوت عنها. والجميع متورط متاماً بهذه الجرمية مثله مثل املجرم ،وال ميكن تغطية هذا اإلجرام الدويل تحت أي ستار إنساين كحفظ األرواح، أو غطاء قانوين كقرار يصدر عن مجلس األمن.
األصل أن يكون العمل عىل محاكمة املجرم، أو عىل األقل وقف إجرامه ومنعه من ارتكاب مزيد من الجرائم ،ال مساعدته عىل اإلفالت من العقاب وتسهيل ارتكابه مزيداً من الجرائم! وإذا كان قانون محكمة الجنايات الدولية ال يطال بعض املجرمني اآلن ،فإنه يطال املجرمني اآلخرين الذين صوتوا عىل القرار املذكور وشاركوا يف الجرمية ،ويجب أن نسعى بكل ما ميكننا ملحاسبتهم ومعاقبتهم، فالعدالة لن تنىس.
المعادلــة الصعبة في حقوق اإلنســان ،والثمن الباهظ في سورية ...تتمة من الصفحة 7
المحامي منعم هيالنة
يسمع هذا اإلنسان عن يشء اسمه األخالق ،ويسأل أين هو؟
يسمع عم مبادئ واتفاقيات حقوق اإلنسان ،ويسأل أين هي؟ يسمع عن العامل املتمدن املتحرض الذي يتبنى هذه املبادئ ،ويسأل أين هو؟ أخرياً ما هو هذا اليشء الذي نتوقعه من إنسان فقد بيته وأرسته وأوالده ورزقه؟ نسأل ماذا بقي له ليكون إنساناً وليس كائناً آخر؟!
العدد - 83 -
أصبح مجرد التفكري والبحث يف الحقوق األساسية لإلنسان يف سورية اليوم ،ونحن يف بداية القرن الحادي والعرشين ،حالة تستدعي من صاحبها الكثري من القلق والرهبة والخوف ملا ميكن أن يرتتب من إحباط ويأس إن مل يكن من استهزاء من قبل الغري .وذلك يف الوقت الذي يجب فيه أن يكون موضوع البحث يف حقوق اإلنسان عبارة عن كلامت سهلة بسيطة واضحة غري معقدة ،تستطيع الوصول ببساطتها إىل الرشيحة األكرب يف املجتمع ،وتتمكن من فهمها ليك تعمل بها وتعتربها من حقوقها األساسية التي يجب الدفاع عنها. لذلك نجد الكثريين من أصحاب األقالم الحرة املؤمنة بتلك الحقوق أصبحوا يفضلون االبتعاد عن الكتابة يف هذا الشأن ملا فيه من خوض مبوضوع أصبح مستهجناً ودون جدوى ،يف ظل تجاهل العامل املتحرض لقيم حقوق اإلنسان ،بل الدهس عليها يف معرض املحافظة عىل نفوذه ومصالحه االقتصادية والسياسية. لذلك يحقّ لإلنسان السوري أو غريه أن يسأل :ملاذا ُكتبت هذه الحقوق بالحريات يف دساتري كل البلدان، املتقدمة منها واملتخلفة ،وباملعاهدات واالتفاقيات الدولية؟ من حق اإلنسان أن يسأل :هل الهدف هو فقط الكتابة ووضع الحرب عىل الورق ،أم الهدف هو حقيقة حرية اإلنسان وكرامته بالعيش والعلم والعمل؟ ومن هو املسؤول الذي يكفل هذه الحقوق يف عامل اليوم؟ أو يسأل :هل الهدف هو االستعراض واإلعالن ،أم الهدف هو املضمون والتطبيق ،وبأن يشعر املواطن حقيقة بحريته ،وبأن وجوده رضوري لبقاء البرشية وارتقائها اليوم؟ أسئلة كثرية مرشوعة وحقيقية يطرحها املواطن السوري .يحق لإلنسان العادي البسيط وليس املتعلم واملثقف فقط أن يسأل :عن أي حقوق لإلنسان تكتب البرشية وهيئاتها ومنظامتها؟ عن أي حقوق تدافع األمم املتحدة ومجلس األمن ومحكمة الجنايات الدولية ومنظامت حقوق اإلنسان؟ من ح ّقه أن يسأل :أال يشاهد العامل اليوم ويعرف ماذا يجري يف سورية من قتل ممنهج لشعب رفع شعار
الحرية والكرامة؟ من حقه أن يسأل بعد أن تفرد النظام السوري ومنذ أكرث من خمس سنوات بقتل وتدمري وبتهجري شعب أراد الحرية. من حق املواطن أن يسأل :أال يعرف العامل بأن أكرث من عرشة ماليني إنسان كان قد تم تهجريهم بسبب القصف اليومي بالطريان والرباميل املتفجرة عىل بيوتهم؟ أال يشاهد العامل عرب أقامره الصناعية بأن ماليني املنازل دمرها النظام يف سورية؟ ويسأل مواطن :هل نحن فقط من نعرف الحروب وغرينا ال يعرف معناها ليك يقف العامل اليوم صامتاً عىل أبشع جرمية تقع تحت أنظاره ومعرفته؟ ويسأل إنسان آخر بسيط :أال يكفي عرشة أطنان من الوثائق والصور والدالئل والشواهد اليومية الحقيقية والطبيعية والتي هي أمام محكمة الجنايات الدولية وكافة املنظامت والهيئات الحقوقية للتدخل من أجل وقف القتل اليومي ألطفال ال ذنب لهم وال حول وال قوة؟! واليوم الجميع يعرف عن موت املعتقلني أو باألحرى قتل املعتقلني يف سجون النظام ،وفضيحة التجارة باألعضاء البرشية ،والتي أصبحت معروفة للقايص والداين ،والتي ميارسها النظام بحق املعتقلني واملفقودين. يسأل هذا اإلنسان الذي مل تبقَ له وسيلة للعيش ..نعم! فقط للعيش ،وحتى دون أن تكون له كرامة مثل باقي البرش ،يسأل عن الثمن الذي يجب أن يدفعه يف مقابل أن يتدخل هذا العامل اليوم لوقف القتل ،ليك ال تبقى املجزرة السورية وصمة عار عىل جبني هذا العامل. نعم يسمع هذا اإلنسان بيشء اسمه الضمري ،ويسأل أين هو؟
2016 / 12 / 31
يقول “حسني الدغيم ،أبو عامرة” مسؤول منظمة أم القرى“ :السلة اإلغاثية آنية ،بينام الحرفة مستمرة” ويضيف“ :إن صاحب العمل يستطيع من خالل حرفته كفاية نفسه وعائلته ورمبا أكرث من عائلة ،وترك االعتامد عىل الغري ،عالو ًة عىل ما يف السلة الغذائية من غرس تدريجي لالتكالية يف نفوس أرباب األرس واألطفال”. ولدى سؤاله عن رؤيته ملستقبل العمل اإلغايث بالشامل ،فقد فضل “أبو عامرة” أن يكون “أقرب للواقعية” بحسب وصفه ،وقال :إن “النمط اإلغايث املعمول به حالياً من غالبية املؤسسات اإلغاثية يعتمد أسلوب تسكني األمل، وال يقدم حلوالً جذرية ،ومن األفضل لهذه املؤسسات أن تدرس إقامة مشاريع تنموية لها ،ملا لها من إيجابيات عىل املدى القريب والبعيد”. “إنسان بناء” مل تكن بعيدةً عن “أم القرى” يف رؤيتها، وبحسب ديرانية“ :إنسان بناء ستسعى بعد إنهاء تجربتها األوىل ،وبالتعاون مع ُمنظامت صديقة ،إىل خلق واقع إغايث جديد ،تكون فيه املشاريع التنموية هي القاعدة ،والسالت الغذائية هي االستثناء”.
9
بعد الصدمة األولى ،كيف يمكن أن نستجيب لمأساة أطفال حلب؟
10 عالء ظاظا*
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
ال ّ شك أن خرب التهجري القرسي لسكان حلب الرشقية قد لقي اهتامماً غري مسبوق ،يف ظل حالة من االعتياد عىل الجرائم اليوم ّية ض ّد اإلنسان ّية .وتزامنت االستجابة اإلعالمية مع جهود للنشطاء يف كل مكان للمنارصة والضغط وتخفيف معاناة املدنيني الذين تم تهجريهم قرسياً.
إال أن األخبار -كام همم املتابعني لهاّ - تخف مع الوقت وتعود لحالة الروتني أو الرتكيز عىل ما هو جديد .لكن حاجة الناس الفعلية للدعم واالستجابة تبدأ عملياً بعد استقرارهم يف أماكنهم الجديدة. ميكن تشبيه حالة النزوح القرسي بوفاة شخص مقرب .يف البداية يغطي هول الصدمة (الرتكيز اإلعالمي) ومراسم العزاء (االستجابة األولية) عىل االحتياجات الحقيقية التي ما تلبث أن تظهر يف األسابيع األوىل بعد الصدمة. نحن هنا نتحدث عن 26070شخص هجروا قرسياً (األرقام بحسب مجموعة تنسيق الحامية التابعة لألوتشا) بعد تعرضهم لشتى أنواع القصف الذي وصل لدرجات غري مسبوقة يف األسابيع التي سبقت التهجري .باإلضافة إىل الحصار واملعاناة اليومية ومشاهدة الجثث ملقاة يف الشوارع وتلقي أنباء التصفيات الجامعية وغري ذلك من األهوال التي رفعت مستوى الصدمة ألعىل درجة. ومن بني هؤالء آالف األطفال الذين ال ب ّد من العمل عىل استجابة بشأنهم ملدة سنة عىل األقل، لضامن تكيفهم وتقوية مرونتهم لتقبل ما حدث ومتابعة حياتهم. ولتكوين تصور عن حجم املأساة وأهمية االستجابة طويلة األمد سنتحدث عن عينة من األطفال الذين تم استقبالهم يف مراكز للتقييم قبل توزيعهم عىل مساكنهم وأماكن اللجوء املؤقتة يف ريف حلب وريف إدلب. استقبلت مراكز التقييم جزءاً من األطفال الذين نزحوا وعددهم 4581ومن ضمنهم:
69طف ًال لديهم سوء تغذية 5 ،منهم بحالة خطرة.
14طف ًال منفصلني عن أرسهم؛ أي ال ُيعرف مصري
أرسهم بعد. 47مفقودين ،وقدم القامئون عىل رعايتهم/ أرسهم طلبات بالبحث عنهم. 252طف ًال رضيعاً تحت 6أشهر. 435إصابات طبية تضمنت إسهاالت ،إصابات تنفسية ،سكري وجروحاً ناتجة عن القصف. باإلضافة إىل اإلصابات النفسية التي مل ُتحدد، وميكن تقدير الحاالت الشديدة التي تتطلب تدخ ًال تخصصياً بـ 250-400طفل. وكام هو معلوم ،فإن هذه األرقام هي عينة فقط ،ألن األرقام الحقيقة قد تصل لضعف هذا الرقم إذا ما شملنا من نزح بسيارته الخاصة أو اختار عدم العبور والتسجيل يف نقاط التقييم. وال ننىس أن محافظة إدلب ومناطق ريف حلب تعاين أص ًال من القصف ونقص املوارد واستمرار تدفق املهجرين قرسياً من مختلف األماكن. ففي مجال التعليم مث ًال ،انخفضت نسبة حضور الطالب لتصل إىل 30-40%فقط نتيجة القصف املمنهج عىل املدارس ،وانخفاض جهوزية املدارس يف فصل الشتاء .واآلن سيضاف بحسب تقديرات مديرية الرتبية 10000طفل جديد بحاجة لتعليم جيد ومالئم.
التعليم كاستجابة حامية
قد تتساءل بعد قراءتك لهذه املعلومات عن ما ميكن فعله ،وهنا ننصح بالرتكيز عىل توفري التعليم للوافدين الجدد كاستجابة للأمساة
التي حصلت .فالتعليم يعيد للطفل الروتني واالستقرار و يوفر الغرض واملعنى ،والتعلم والنجاح يف املدرسة يحفز هؤالء الطالب ويقدم لهم هدفاً واضحاً ،ليس فقط عىل املستوى الفردي ولكن أيضاً من حيث رفاهية أرسهم وأهداف أوسع لتحسني املجتمع. وتقدم املدرسة فرصاً للدعم النفيس االجتامعي من خالل تلقى املعلومات ،وتقدير الذات، وتأسيس عالقات اجتامعية ،ولعب أدوار تساهم يف استعادة االستمرارية لحياة الطفل وإعادة توازنه. وال ننىس أنه يف الغالب يتم ربط الخدمات الداعمة من تغذية وتوفري مساعدات للشتاء واللقاحات والكشف الطبي من خالل املدارس. فتوفر املدرسة مساحة آمنة ونقطة التقاء للتعرف عىل من هم بحاجة وربطهم مبقدمي الخدمات. ميكنك اليوم أن تساهم يف الح ّد من معاناة طفل وأرسته بدعم زيادة فرص الحصول عىل التعليم أو توفري سبل الحامية واملعيشة الجيدة يف املدارس القامئة .ولكن يجب أن تخصص ليس فقط الدعم املايل وإمنا جزءاً من وقتك لتكون رشيكاً فاع ًال يف االستجابة من خالل تواصلك املستمر مع مقدمي الرعاية. 10000طفل بانتظار أن يتلقوا التعليم وهذه قامئة برشكاء محتملني لك يف إنقاذ حياتهم:
هل تســتطيع روسيا فرض رؤيتها للحل في ســوريا؟!
11
المحامي ميشال شماس قامئة الرشكاء
املنطقة األتارب الدانة دارة عزة معرة مترصين اعزاز مدينة ادلب قورقينا جبل سمعان حارم سلقني رساقب دركوش أرمناز كفرتخاريم
النسبة املئوية 30.15 20.23 13.57 8.58 8.21 4.48 3.63 2.52 2.47 1.67 1.24 1.20 1.11 0.93
* مدير برنامج حماية الطفل في شبكة ح ّراس
يأخذ يف االعتبار مطالب غالبية السوريات والسوريني يف الحرية والدميقراطية ،وكذلك املتغريات التي طرأت منذ 15 آذار.2011
وإن استمرار تجاهل املجتمع الدويل ملا جرى ويجري يف سوريا من جرائم القتل والتهجري والظلم واالعتقال وكم األفواه ونسبها لإلرهاب فقطـ ،وتجاهل دور نظام االستبداد يف كل ما حصل ويحصل ،وتجاهل الحديث عن محاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ض ّد االنسانية يف سوريا ،كمن يبقي الجمر تحت الرماد ،وفوق ذلك سيؤسس لبيئة متوحشة أكرث إجراماً يف املنطقة ،سيدفع مثنها كل العامل، فجذر املشكلة السورية وأساسها يكمن يف االستبداد والداعمني له. وباختصار شديد ،إن شعباً كالشعب السوري قدم تضحيات هائلة يف سبيل حريته وكرامته ،لن يهنأ له بال قبل أن ينال حريته مهام طال الزمن. لقد خرج املارد الشعبي من القمقم ،وما من قوة تستطيع إعادته إىل القمقم مرة أخر
العدد - 83 -
نسب توزع األطفال بحسب األماكن
2016 / 12 / 31
طريقة التواصل الجهة مديرية الرتبية يف إدلب m3arefidleb@yahoo.com مديرية الرتبية يف حلب edualeppo@gmail.com شبكة حراس الطفولة info@childprotectsyria.org org.violet@gmail.com منظمة بنفسج info@baladsyria.org منظمة بلد info@ghiras-edu.com مرشوع غراس taalim@codssy.org تعليم zein.malazi@spaceofhope.org فسحة أمل
تسعى روسيا االتحادية إىل استثامر انتصارها يف حلب، وتستعجل فرض ِّ حل سيايس يف سوريا وفق منظورها، مستغلة انشغال الواليات املتحدة األمريكية برتتيبات تويل ترامب رئاسة اإلدارة األمريكية ،وبعيداً عن دور عريب ،والغياب العريب مل يكن أمراً مفاجئاً ،عىل اعتبار أن الدور العريب كان ومازال غائباً متاماً عن كل ما له عالقة بالعرب واملنطقة العربية ،بدءاً من قسمت املنطقة العربية اتفاقية سايكس -بيكو التي ّ وفقاً لرغبات فرنسا وبريطانيا ،وما تالها من أحداث مهمة ،أهمها تهجري الشعب الفلسطيني من دولته ملصلحة قيام دولة “إرسائيل” التي توالت اعتداءاتها عىل الدول العربية ،يف ظل تشتت وترشذم عريب متزايد ،وصوالً إىل “الربيع العريب” الذي أغرقته أنظمة الحكم العربية بالدماء والدمار بدعم دويل ظاهر . ولهذا استبقت موسكو اإلعالن الرسمي النتصارها وحلفائها يف حلب ،لتعلن عن عقد لقاء ثاليث يف ضم إليها ك ًال من إيران وتركيا ،ومل يؤثر موسكو ّ اغتيال السفري الرويس يف أنقرة عىل اجتامع املجتمعني وخروجهم بإعالن يحدد املالمح العامة لسري التسوية السياسية يف سوريا ،وتحديد مدينة األستانة عاصمة جمهورية كازاخستان الحليفة ملوسكو كمنصة لبدء حوار سوري -سوري ،مع بداية عام ،2017وبضامنة الدول الثالث املوقعة عىل إعالن موسكو. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ،هو إىل مدى تستطيع روسيا استثامر نجاحها العسكري يف حلب خصوصاً لفرض رؤيتها للحل السيايس يف سوريا؟ إن الجواب عىل هذا السؤال مرهون إىل حد كبري مبدى ثبات العوامل التي ساعدت روسيا يف تثبيت هيمنتها عىل سوريا ،ونجاحها بالتايل يف إلحاق هزائم متتالية بالفصائل العسكرية املعارضة للنظام السوري ،وبعبارة أخرى إن قدرة روسيا عىل فرض رؤيتها للحل السيايس يف سوريا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتوفر ثالثة عوامل رئيسية ،يأيت يف مقدمها أوالً بقاء السياسة األمريكية حيال سوريا عىل حالها؛ تلك السياسة التي أفسحت املجال أمام روسيا للتدخل العسكري املبارش يف سوريا .وثاين تلك العوامل يتعلق ببقاء املوقف الرتيك الحايل من سوريا واستمرار تقاربه مع املوقف الرويس .وأما العامل الثالث فريتبط باستمرار انقسام املعارضة السورية وضعف التنسيق فيام بينها ،والسيام العسكرية منها.
إن بقاء العوامل الثالثة عىل حالها سيم ّكن روسيا من استثامر نجاحاتها العسكرية ،وبالتايل فرض رؤيتها لكيفية ّ حل األزمة السورية مبا يتوافق مع مصالحها، لكنّ أي تغيري يف أي من تلك العوامل سواء املتعلقة بالسياسة األمريكية أو املوقف الرتيك ،أو نجاح التوحد وصياغة مرشوع وطني ،سيضع املعارضة يف ّ النجاحات الروسية يف سوريا عىل املحك ،ويعرضها إىل فشل ورمبا يتحول إىل نقمة عىل روسيا ،وتجربة الروس يف أفغانستان ليست بعيدة. ولهذا ،ولتحصني “إعالن موسكو الثاليث” من أي فشل قد يتعرض له ،وجهت موسكو رسالة اطمئنان إىل القوى اإلقليمية والدولية مفادها أنها وتركيا وإيران ال يريدون احتكار أي ّ حل يف سوريا ،وال إقصاء أي طرف دويل أو إقليمي ،وأن “إعالن موسكو” ليس إال مجرد إطار عام ميكن التوافق عىل صيغته ،بانتظار تسلم “ترامب” رئاسة الواليات املتحدة األمريكية، للتوافق عىل صيغة نهائية للحل يف سوريا تستند بشكل أو بآخر عىل الصيغة التي أعلن عنها يف اجتامع موسكو.. إن “االنتصارات” التي حققتها روسيا يف سوريا، وإخضاع حلب وتهجري جزء من سكانها لن يحسم األمر لصالح روسيا وحلفائها ،ولن يستطيع أن يضع حداً النتفاضة الشعب السوري من دون ّ حل سيايس
فضاء مفتوح لجريمة بال عقاب إباء منذر
12
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
جرمية ُمكتملة األركان باستثناء العقاب ،لع ّل ُه أبسط توصيف لجرائم “التشهري اإللكرتوين” باعتبارها شك ًال من أشكال العنف غري ا ُملالحق قانويناً ،وغالباً ما تكون املرأة أكرث ضحايا هذا النوع من الجرائم ،وك ّلام اقرتبت من دائرة الضوء أكرث ك ّلام كانت عرض ًة لحمالت التشهري القامئة عىل أساس متي ّيزي.
عورة املرأة سالح..
االنتهاكات املرتكبة بحق املرأة عرب شبكة اإلنرتنت أو اإلعالم اإللكرتوين باتت فاقعة وسافرة خالل سنوات الثورة السورية بعد ،2011حيث استخدمت املرأة كواحدة من أدوات الرصاع للطعن يف أخالقيات كال الطرفني ،فلم يتوان النظام السوري عن تصدير ما أطلق عليه اسم “اعرتافات لنسا ٍء من أوساط املعارضة” عرب شاشاته ُملفقاً روايات تتعلق مبامرسات ال تتوافق واملنظومة األخالقية للمجتمع السوري (جهاد النكاح)، وكذلك تناولت بعض وسائل اإلعالم املحسوبة عىل الثورة أخالقيات التشكيالت النسائية العاملة مع النظام ور ّوجت لبعض الروايات املتعلقة بالدعارة. التشهري باملرأة أحد املواد الدسمة التي تتعامل معها وسائل التواصل االجتامعي بفوقية وباستخدام ألفاظ ذكورية قامئة عىل التمي ّيز والتحقري الذي من شأنه استالب قدرات املرأة، مثل هذه املواد تنترش رسيعاً حيث ال حدود وال جغرافيا تحدها ،كذلك ال رقيب يضبطها أو عقاب يردعها. مل تسلم العامالت يف الشأن العام من حمالت التشهري اإللكرتوين والطعن وتناول الحياة الشخصية ،كأن تصبح صورة عضو االئتالف سهري األتايس مبالبس السباحة الشغل الشاغل لوسائل التواصل االجتامعي بدالً من النقد ا ُملن ِتج واملوضوعي لوظيفتها .أو أن تصبح تسمية املجلس االستشاري النسايئ الذي شكله مبعوث األمم املتحدة إىل سوريا ستيفان دميستورا بـ(نساء دميستورا)! مع كل ما تحمله هذه التسمية من وإيحاءات متي ّيزية ،يف حني مل يكن صعباً إشارات ٍ
انتقاد شخصيات املجلس بشكلٍ موضوعي وقائم عىل املهمة املوكلة لهن.
حصانة ذكورية
يف املقابل يبقى الرجال العاملون يف الشأن العام لحمالت مشابهة بعيدين إىل ح ٍد كبري عن التع ّرض ٍ يف تناول حياتهم الشخصية ،بينام تشهد األوساط السياسية العاملية فضائح للرجال والنساء عىل ح ٍد سواء تكاد تودي مبستقبلهم السيايس واملهني. ّ لعل خلف مثل هذه الحمالت التي تستهدف املرأة أكرث من الرجل يف مجتمعاتنا عقلية ذكورية راسخة ال تزال تعتقد ّأن املرأة عورة ،وضلع قارص يف املجتمع مهام ارتفع شأنها ،وهذا ما يؤدي املوجه بالنتيجة إىل شكل جديد من أشكال العنف ّ ض ّد املرأة وهو العنف اإللكرتوين. وإذا اتفقنا مع علامء النفس باعتقادهم ّأن ضعف التواصل العقيل واملوضوعي هو أحد األسباب الكامنة وراء ظاهرة العنف أ ّياً كان شكلها ،فذلك سيقودنا إىل معاينة حجم الهوة بني تط ّور أدوار املرأة واتساعها وثبات النظرة الدون ّية التي يحاول املجتمع ترسيخها.
غرس ثقايف
شكل آخر من أشكال العنف اإللكرتوين يتم ّثل يف رسائل التهديد واالبتزاز التي غالباً ما يتعرض لها معظم العاملني يف الشأن العام ،إ ّال ّأن تهديد املرأة بهذه القضايا أكرث خطورة لحساسية وضعها ضمن مجتمعاتنا ،لكونها الحامل لقيمة “الرشف” وفق املنظومة األخالق ّية السائدة ،ا ُملستندة عىل عورة جسد املرأة ووجوب صيانته. األصعب يف قضايا العنف اإللكرتوين هو عدم القدرة عىل الوصول للجناة ،إىل جانب عجز شبه مطلق للمرأة يف الدفاع عن نفسها هذا من ناحية، ومن ناحي ٍة أخرى تع ّمد حمالت التشهري إىل غرس صورة معينة يف ذهن املتلقي يصبح من الصعب تغييها ،ولإلنصاف ال ميكن تربئة املرأة من جرمية ّ التشهري التي تتع ّرض لها بنات جنسها ،كأن تكون مشاركة يف مثل هذه الحمالت.
قوانني عرجاء
العنف االفرتايض واقع عىل املرأة شأنه شأن العنف التقليدي ،وإذا أردنا البحث يف الحلول فعلينا أوالً معالجة قضية العنف الواقعي الذي تعجز القوانني يف منطقتنا العربية عن االنتصار للمرأة من خالله وتحقيق العدالة املطلوبة عىل سبيل املثال التحرش والتشهري. بالتوازي ال ميكن وضع حد للعنف اإللكرتوين دون وجود منظومة دول ّية تقوم عىل مبدأ املراقبة وتفعيل آليات املحاسبة ،فحتى اآلن تقف املنظامت والهيئات املعنية بحقوق اإلنسان عاجزة حيال مثل هذه الجرائم ،ويف أفضل األحوال تحاول رصد هذه االنتهاكات دون إيجاد صيغ عملية فاعلة ملواجهة هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها. بعض وسائل التواصل االجتامعي من جانبها وضعت قانونها الخاص ملحاسبة املسيئني عرب إغالق الحساب الذي يتع ّرض لتبليغات بسبب نرشه ملا هو ميسء ،إ ّال ّأن يف ذلك محاكمة غري عادلة؛ فالعديد من الحسابات تتعرض للتبليغات اض شخصية، دون وجود محتويات مسيئة ّإنا ألغر ٍ وبالتايل من الصعب إيجاد صيغ مانعة قاطعة لدابر الجرمية اإللكرتونية دون تعاون كل الفاعلني يف الفضاء اإللكرتوين مبعنى وجود هيئات أممية، تسن قوانني متفق عليها. ورمبا يعتقد البعض ّأن الح ّيز اإللكرتوين هو املجال الشخيص الحر ،وأيّ مراقبة أو متابعة من شأنها الحد من هذه الحر ّية الشخص ّية ،لكن القاعدة الذهبية للحر ّية الشخص ّية تكمن بانتهائها عندما تبدأ حر ّية اآلخرين ،ويف هذا حصانة لحر ّياتنا جميعاً يف هذا الواقع االفرتايض.
بورتريه:
ماري عجمي والثقافة الفاعلة في محيطها
13
المحامية منى أسعد
رائدة يف الدفاع عن قضايا املرأة:
كانت ماري عجمي سيدة موهوبة ،فكتبت الشعر الكالسييك ،وتناولت كغريها من شعراء ذلك العرص القضايا االجتامعية والسياسية والوطنية يف فرتيت الحكم العثامين والفرنيس ،لكنها كانت رائدة يف الدفاع عن قضايا املرأة ،وكانت ثقافتها موسوع ّية ،إذ درست إىل جانب العرب ّية ،اللغتني الروس ّية واإلنكليز ّية ،كام صح اهتمت بالرتجمة ،لكنّها ترجمت ّ بترصف إن ّ
التعبري ،كام كان شائعاً يف ذلك الزمن ،أو ما أطلق عليه التعريب .فع ّربت رواية بعنوان“ :املجدل ّية الحسناء” عام ،1913وترجمة لكتاب “أمجد الغايات” سنة .1927 باملقابل مل تطبع شيئاً من أعاملها الشعر ّية أو النرث ّية، خارج مجلتها “العروس” أو ما تنرشه يف باقي الصحف، والتي ُجمعت مختارات منها بعد وفاتها وطبعت يف دمشق مع مقدمة لـ”عفيفة صعب” ،قال فيها الشاعر “خليل مردم بك”“ :جمعت ماري بني الصناعتني النرث والنظم ،فلها املقاالت ُ والخ َط ْب والقصائد ،وعالجت الرتجمة كام عالجت اإلنشاء”. وكان للسيدة عجمي نشاط ثقايف واجتامعي موا ٍز للتدريس والكتابة والرتجمة ،فأنشأت معهداً لتدريس البنات ،خارج املعاهد التابعة للبعثات التبشري ّية أو الدبلوماس ّية للدول األجنب ّية“ .دأبت يف معهدها عىل الحس الوطني الصحيح يف نفوس الطالبات، غرس ّ وتوجيههنّ يف الخط القويم ،كام غرست يف نفوسهن اليافعة ،بذور مناهضة الحكم العثامين” كام ذكرت إميييل نرص الله يف كتابها “نساء رائدات”. أسست عجمي مع زميلتها “نازك العابد” “النادي ّ النسايئ األديب” يف دمشق ،وجمعية “نور الفيحاء” وناديها ،وأسهمتا بتأسيس أ ّول مدرسة لبنات الشهداء عام ،1920وكانت العجمي عضو “الرابطة األدبية” التي تأسست يف دمشق أوائل العرشينيات ،بل كانت املرأة ّ الوحيدة فيها.
أمل الحياة الشخص ّية
الحياة الثقافية والنشاط االجتامعي والوطني كاد يسيطر عىل كامل حياة ماري عجمي ،حتى ّإن حياتها
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
ولدت ماري عجمي يف دمشق أواخر القرن التاسع عرش ،بتاريخ 14أيار سنة 1888ألرسة من أصل حموي، وتوفيت يف دمشق أيضاً بتاريخ 25كانون األول .1965 ما بينهام شقت هذه الشابة طريقاً مفع ًام بالنشاط والدراسة والتعليم ،دون أن ينفصل هذا النشاط خاصة يف مقارعة عن نضاالت تلك املرحلة الوطن ّيةّ ، االستبداد واملطالبة بالحر ّية ورفع الظلم عن السوريني عا ّمة ،والدفاع عن قضايا املرأة وحقوقها بشكل خاص، حيث كانت رافعة ومنار ًة لنرش الثقافة والتنوير. ثم درست ماري يف معهد “الفرنسيسكان” بدمشقّ ، تخ ّرجت من “املعهد اإليرلندي” عام ،1903ومارست التدريس لعام واحد ،وهي الصبية التي مل تتجاوز ربيعها السادس عرش .بعدها ذهبت لدراسة التمريض يف “الكل ّية األمريك ّية” يف بريوت .لكنها ،وألسباب صح ّية، مل تك ّمل هذه الدراسة ،لتعود ملزاولة التدريس .وتنقلت بني الكثري من املدن والبلدان العربية؛ من زحلة يف لبنان إىل بور سعيد واإلسكندرية يف مرص ،مروراً بفلسطني والعراق ،قبل أن تعود إىل دمشق مدرسة يف معهد “الفرنسيسكان”. كان التدريس مهنة لكسب العيش بالنسبة إىل عجمي، لكنها وهي الشغوفة باألدب والكتابة والخطابة ،كانت تطمح إىل أكرث من ذلك ،واستفادت من انتشار مقاالتها وقصائدها يف أغلب املجالت والصحف العربية التي كانت تصدر يف ذاك الوقت ،ليس يف سوريا فحسب ،بل يف لبنان وفلسطني ومرص ،لتأسيس أ ّول صحيفة نسائ ّية عربية باسم “العروس” عام ،1910والتي كانت تطبع يف حمص بداية قبل أن تنتقل إىل دمشق ،حيث اضط ّرت للتوقف عام 1914بسبب الحرب العاملية األوىل ،لتعاود الصدور بعد انتهاء تلك الحرب عام ،1918واستم ّرت حتى عام .1926
الشخص ّية تالشت تحت وطأة تلك املهام والنشاطات خاصة وأنها ارتبطت بعالقة مع الصحفي العا ّمةّ ، واملناضل “بيرتو باويل” ،من التابع ّية اليونان ّية ،الذي كان مقي ًام يف بريوت ،وعقدا خطوبتهام بانتظار الفرصة املناسبة للزواج .وكانت الكاتبة تطلق عىل خطيبها لقب “الباتر” نظراً لجرأته األدب ّية والسياس ّية ،فهو من مناهيض الحكم العثامين .ودخل السجن أكرث من م ّرة بسبب كتاباته ،مل تنقطع ماري خاللها عن زيارة خطيبها ومراسلته وهو داخل أسوار سجن “عاليه اللبناين” أو خاصة وأنهام اجتمعا عىل مناهضة يف “سجن دمشق”ّ ، الظلم واالستبداد العثامين ،وبشكل خاص بعد فشل حملة “جامل باشا السفاح” التي عرفت بـ”سفر برلك”، حني لجأ إىل اضطهاد معارضيه واعتقالهم ،فاعتُقل “باويل” يف دمشق سنة 1915مع غريه من الكتاب والصحفيني والساسة املعارضني ،وكانت ماري تتحدّى تشجعه وتش ّد من الجنود والسجان لتصل إىل حبيبهاّ ، ّ أزره ،حتى بعد إعدامه يف ساحة املرجة بتاريخ السادس من أيار 1916الذي أصبح يعرف بـ”عيد الشهداء”. فرثته بقولها“ :وكام يحتفل الفتى بزفافه هكذا احتفل هذا الشهيد مبشنقته .فام دعي إىل ارتقائها حتى صاح برشكائه فيها :هلموا أيها اإلخوان إنها ألرجوحة األبطال”. بعد ذلك مل تتزوج ماري عجمي ،ومل تكن وفية لخطيبها فقط ،بل شمل الوفاء كل املبادئ والتط ّلعات التي جمعتهام معاً ،وتابعت بعد انتهاء الحكم العثامين رفضها لالستعامر الفرنيس ،وقد سعت الكاتبة يف ّ كل نشاطاتها الالحقة إىل مت ّثل قيم النضال ومقاومة املحتل، والعمل عىل إيقاظ الروح الوطن ّية وبشكل خاص لدى النساء ،لكن هذه القامة الشامخة التي مل يستطع أن ينال منها الحكم العثامين أو “جامل باشا السفاح”، وتصدت بأنفة لالستعامر الفرنيس ومخططاته يف سوريا ،ذوت مهملة يف أخريات العمر ،ومل تجد سلطة “البعث” و”حامية األقل ّيات” أو اتحادها النسايئ امرأة واحدة تسري يف جنازتها التي اقترصت عىل 16مش ّيعاً إىل مقربة “الروم األرثوذكس” يف باب رشقي من دمشق. كتبت عنها “إميييل نرص الله” يف كتاب “رائدات النهضة” ،وكتب “ميشال جحا” كتاباً عنها جمع فيه مم كتبتهّ ، هم ّ جزءاً ُم ّ ومم قيل يف هذه املناضلة التي بنت مجداً للمرأة السورية.
نســاء في المخيمات ()2 14 غياث الجندي
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
كانت سلمى مثلها مثل اآلالف الذين اضط ّروا إىل الهروب من جحيم الحرب السورية ،ومن تفجرة التي تسقط كل يوم وكل نريان الرباميل ا ُمل ّ ليلة بجوار منزلها ،تحلم ّ بعش آمن لها وألوالدها الذين ُح ِر ُموا من طفولتهم ومن مدارسهم .عربت ثم األم الوحيدة قريتها إىل الحدود الرتكية ،ومن ّ إىل مدينة ّ تطل عىل البحر الذي يؤدي بالناس إىل األرايض اليونانية. ركبت سلمى وأطفالها القارب املطاطي لتعرب إىل اليونان ،بعدما ضاق بها االنتظار ألن تلحق بزوجها وطفلها بإحدى الدول األوروبية .لقد كانت محظوظة أ ّنها وصلت لل ّرب اليوناين مع آخرين بعد نجاتها من جشع ا ُملهربني ،ومن األمواج البائسة التي تغمر املراكب حيناً وتستكني حيناً آخر .كانت فكرتها أ ّنها ستنتظر أليام معدودة قبل أن تأخذ طريق البلقان لتوصلها إىل من ينتظرها يف أطراف أوروبا. انض ّمت سلمى لالجئني والالجئات العالقني يف بوضع خاص بظروف مأساو ّية ،تنفرد اليونان ٍ ٍ حيث يعيش معظمهم مصرياً غامضاً مجهول النهاية .يعيش القسم األكرب منهم يف مخيامت مؤقتة أو يف أبنية مهجورة ينقصها الدعم واملساعدات؛ فال مدارس لألطفال ،وال حياة طبيعية لألهايل .وتتح ّمل النساء القسم األكرب من هذه املعاناة ا ُملستمرة؛ حيث يوجد عدد ال بأس به من األمهات اللوايت ينتظرن مع أطفالهن ّمل شمل عائالتهن بعد سفر األزواج إىل دول اللجوء األوريب ،آملني بلقا ٍء قريب قبل أن تس َّكر حدود دول البلقان وتغلق أبواب السفارات بوجوه العائالت. سلمى أ ٌّم ألربعة أطفال سبقها زوجها منذ مثانية عرش شهراً مع ابنها الذي يبلغ من العمر مثانية أعوام .ويف غمرة الحرب الشعواء التي يشنها النظام السوري ،ومع غياب أي مستقبل ألطفالهم
يف ظل قصف املدارس واملنشآت الحيوية واالنتشار العشوايئ للمسلحني ،هربت العائلة من الدمار ا ُملمنهج للمجتمع املحيل التي كانت تعيش فيه. تم ترتيب الخطوة األوىل مبغادرة األب مع ابنه الصغري؛ حيث مل تكن تسمح له قدراته املادية بالسفر مع كل العائلة عرب قوارب املوت التي سيطر عليها حفنة من امله ّربني املجرمني بدورهم أيضاً. استقر الزوج واالبن يف دولة أوروبية ،لكن بقيت العائلة تحت رحمة الرباميل املتفجرة وتح ّكم املس ّلحني بلقمة عيش السكان املحليني .وحيث تأخرت السفارة بتمكني العائلة من االلتحاق ببق ّية أفرادها ،ق ّررت سلمى أن تصطحب أطفالها الثالثة وتنطلق عرب قوارب املوت إىل اليونان عن طريق تركيا. بقيت سلمى يف خيمة مع أطفالها عىل الحدود
الخيم وتب ّلل الالجئني مع أمتعتهم. يف امليناء مل يوجد إ ّال القليل من املنظامت للمساعدة ،واعتمدت العائالت عىل املساعدات من املتط ّوعني واملتطوعات ،ومن األهايل اليونانيني الذين أتوا ملساعدة الالجئني .بقيت سلمى مع أطفالها يف امليناء بدون أيّ دعم أو أيّ إمكان ّية ألن تلتقي بطفلها الصغري الذي بدأ يكرب بأملانيا بعيداً عن أ ّمه وإخوته. مل تكن صعوبة العيش يف تلك الخيم تنحرص فقط يف نقص املساعدات ،ونقص الدعم العاطفي قسمة ،بل امتدّت لصعوبة املحافظة للعائالت ا ُمل ّ عىل األطفال من الضياع يف ظل انتشار الفوىض والعنف بينهم والعنف بني رجال املخيم من جنسيات مختلفة .لقد كان األطفال م ّرة أخرى ضحايا الظرف الجديد ،وضحايا عنف الكبار، والغياب التام أليّ عمل ّية تربوية ،أو وجود أيّ حتم عىل إمكانيات للتسلية والرتفيه .األمر الذي ّ سلمى القيام بدو ٍر ُمعقد؛ فباإلضافة لغياب األب، وغياب أفق أيّ حلول ،كان عليها املحافظة عىل أطفالها من االتجاه نحو العنف أو ّ الترشد داخل امليناء ومن بعده ا ُملخ ّيامت ،كان عليها أن تقوم بالدور الرتبوي وتعليم أطفالها القراءة والكتابة. ابنتها الصغرية صاحبة العرش
ملدة شهرين ونصف يف ظروف شبهتها بأ ّنها “حالة من حاالت جهنم” ،وبعد أن فقد الالجئون األمل بفتح الحدود عادوا من حيث أتوا ،وصلت العائلة إىل ميناء أثينا ،حيث تج ّمع العالقون يف اليونان خيم بسيطة التصميم ،يف اكتظاظٍ شديد هناك يف ٍ ً وسط ح ٍّر شديد وأحيانا مط ٍر غزير أدّى إىل عوم
سنوات مل تدخل املدرسة أبداً ،أ ّما الولدان األكرب منها فتعلموا للصف األول والثاين قبل بدء الحرب وإغالق املدارس أو قصفها. مل يكن الحال أفضل بعد انتقال سلمى إىل ُمخ ّيم مؤقت لالجئني يف ضواحي أثينا ،حيث حورص أكرث من أربعة أالف الجئ والجئة يف ظروف تفتقر
أمــل وزواجها الثاني
15
مريم الحالق
يساعد والدته ويساعدها يف أعامل الزراعة والبيت. م ّرت األيام وبدأت حامتها بالتساؤل عن السبب وراء عدم حملها ،فقد أصبحت يف الرابعة عرشة من عمرها ومىض عىل زواجها عاماً كام ًال .ولكن أمل مل يكن عندها الجواب ومل تقتنع والدة زوجها بكالم “الداية” ّ بأن أمل مازالت صغرية. ويأىب ّ حظ أمل التعس إ ّال أن يستمر ..تذكر أمل أ ّنها سمعت رصاخ زوجها حني سقط من السطح عىل أرض الدار ،فقد زلقت السلم به بعد أن وضع قدميه عليها بغية النزول ،ومل يستطع تفادي السقوط ،فكانت السقطة عىل رقبته ،وأعلن الطبيب أنه أصيب بالفالج (الشلل). عدة أسابيع مضت ،لتعود أمل لثوبها األسود ثانية ولتقيض شهور العدّة ،وتعود بعدها إىل دار أهلها أرملة للم ّرة الثانية ،وهي يف الرابعة عرش من عمرها.
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
ألبسط الرشوط اإلنسان ّية ،وتفتقر ألبسط حقوق اإلنسان وحقوق الطفل بشكل خاص .يف هذا املخيم انتظرت سلمى مع أطفالها ملدة أربعة أشهر حتى أعطتها السفارة األملانية موعد املقابلة من أجل “ ّمل الشمل” ،خاللها كانت سلمى حبيسة “كرفانتها” حيث انترشت الفوىض أكرث يف ا ُملخ ّيم وتزايد العنف أكرث بني األطفال .وبينام كانت تشتد الظروف قسوة عليها وعىل أطفالها كانت سلمى تنجح عرب أطفالها بنقلهم نحو النجاح. ابنتها “ليىل” التي مل تدخل املدرسة من قبل نجحت يف تع ّلم القراءة والكتابة، ونجحت يف تع ّلم اإلنكليزية قلي ًال ،بينام أخوها “ليث” الذي تع ّلم للصف األول يف مدرسته يف سورية تع ّلم اإلنكليزية وكم ّية ال بأس بها من األملانية. أصبح “ليث” أيضاً العب كرة قدم مشهور يف املخيم .كان يعمل عىل أن تكون العائلة بوضع جيد مع ّأن عمره مل يتجاوز األربعة عرش عاماً .كان ينهض خصصات األرسة من صباحاً ليستلم ُم ّ الطعام والرشاب ،وكان يف الوقت الذي يسمح له يرتجم لبقية العائالت. بعد تسعة أشهر من نار االنتظار الحارقة ،وصلت سلمى مع أبنائها إىل البلد الذي ُيقيم فيه زوجها وطفلها. كانت الرحلة يف غاية الصعوبة واألمل لكن نجاح أطفالها يف التع ّلم ويف ّ الترشد تجنبهم االنخراط يف العنف أو هو انتصار سلمى عىل االنتظار واليأس. تح ّولت سلمى من معلمة ل ّلغة اإلنكليزية إىل الجئة مثل املاليني من أفراد شعبها.
بقيت أمل األرملة ذات االثنتي عرشة عاماً يف بيت زوجها املتوىف إىل أن انتهت شهور العدّة ثم عادت األرملة إىل دار األربعة وأيامها العرشّ ، أهلها ،الذين استقبلوها بالحزن والندب عىل حظها التعس .وجاءت نسوة القرية لتعزيتهاٌّ ، وكل ُمنهنّ تنتقي العبارات املالمئة لوصف أمل وحظها ،حتى ّأن بعضهنّ طلنب اإلرساع بتزويجها ُمجدّداً؛ فهي أرملة وستجد ألسنة الناس يف سلوكها -أ ّياً كان- حديثاً عن رشفها .بل ّإن إحدى الجارات تط ّوعت لتدبري العريس الذي يرىض باالقرتان بأرملة! وقع االختيار عىل الجار الزاهد الذي ُيقيم يف (صومعته) وهي غرفة صغرية تعلو الدارَ ،يصعد بسلم خشبي متباعد الدرجات حيث يبقى إليها ٍ هناك ليله ونهاره .وكان الجار ال ينزل إال عند سامع صوت أ ّمه تدعوه للطعام أو ليذهب للصالة يف املسجد القريب من داره .قامت الجارة “أم خالد” ثم أم العروس, بالوساطة وأقنعت أم العريس ومن ّ وج ّهزت العروس. فت ّمت املوافقة ُ كانت أمل يف الثالثة عرش من عمرها حني ز ّفت إىل زوجها الثاين ا ُملل ّقب بـ”ال َر ِشقْ ” نظراً لرشاقة حركته. استقبلتها حامتها بزغرودة خجولة؛ فهي أرملة وال تستحق أن ُيقام لها عرس كالعذارى. أمل مل تكن عىل معرفة بالعريس سابقاً ،ومل يتقدم لخطبتها بشكلٍ شخيص ،وهو العازف عن الزواج وعن متاع الدنيا ،بل قامت أ ّمه بالتقدّم إىل والدتها التي س ّوت األمر مع والدها ،وعند عقد القران مل داع لوجودها ،فأبوها هو وكيلها ،وحني يكن من ٍ طلب الشيخ املخ ّول بعقد القران سامع املوافقة من فم العروس أوقفتها والدتها خلف الباب املوارب وطلبت منها أن تجيب بنعم. خصصة لزوجها .كانت دخلت العروس الغرفة ا ُمل ّ بسيطة يف أثاثها ،وقد وضعت مالبسها التي رافقتها من زواجها األول يف صندوق خشبي إىل جانب الجدار يف صدر الغرفة .دخل عريسها الغرفة وكان يف األربعينيات من عمره ،طويل القامة،
امتزجت الشعرات البيضاء بلحيته السوداء والتي رحب كانت قصرية مقارنة مع لحية زوجها األولّ ، بها بكلامت خافتة ،وأنجز مهمته وخرج ليستحم ويصعد إىل صومعته. هكذا م ّرت األيام تعيش فيها أمل مع حامتها، وترى زوجها أثناء تناوله الطعام ،ونادراً ما يزورها يف املساء .كان “عبد القادر” األخ األصغر لزوجها قريباً منها أكرث ،فقد كان يكربها ببضع سنوات ،تراه طيلة النهار يحادثها ،ويطلب رأيها يف بعض األمور،
هل من الممكن اقتصاديًا توحد الفصائل المقاتلة؟
16 وائل موسى
توحد الفصائل املقاتلة يف سوريا هو أمنية كل ثائر بداية تأسيس الفصائل املسلحة
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
اقتصاد
عىل طغيان األسد ،ولكن األمنية مل تتحقق بعد ،فام هي األسباب؟ يتابع الكثري من السوريني بقلق بالغ ما آلت إليه األوضاع يف أحياء حلب الرشقية وتهجري سكانها القرسي برعاية دولية ،ويف الوقت الذي ال تزال فيه أخبار الفصائل يف عموم سوريا تتوارد حول االتفاق ثم االختالف ثم االقتتال وهكذا دواليك ..تسري األوضاع يف دائرة مفرغة أشبه باملتاهة ،دومنا أثر يرص صفوف املقاتلني نحو هدف واحد توحد ّ ألي ّ يدّعي الجميع أنهم يقاتلون ألجله.
كحالة استثنائية بحسب األوضاع يف املناطق ،ولدت فصائل عسكرية صغرية ،منها لتأمني املنشقني عن نظام األسد ،ومنها محاولة لردع قوات النظام عن مهاجمة املظاهرات ،لتتطور الحقاً نتيجة التحاق الكثريين من املدنيني أو العسكريني ألسباب مختلفة ،وكنتيجة حتمية لوالدة هذه التشكيالت املحصورة ضمن مناطق محددة وحاجتها للتخفي عن أعني النظام ،وجب عىل كل تشكيل تأمني احتياجاته بشكل مستقل عن غريه ،وهنا تكمن أكرب أزمة مستمرة إىل وقتنا هذا.
أنهت املؤسسات والحكومات والرشكات واملنظامت سنة مالية كاملة ،وحان موعد تدقيق الحسابات، فامذا عن الفصائل املقاتلة؟ تنهمك املؤسسات مع نهاية كل عام بإعداد الحسابات الختامية للسنة الفائتة ،ورغم اختالف املستويات ،إال أن الحكومات ال تختلف عن أصغر الرشكات يف املسائل املالية ،حيث الجميع لديه حسابات سنوية ختامية تبني لهم أين ذهبت األموال ،ومنها تبدأ املساءلة بحثاً عن األخطاء سعياً لتصحيحها وتطوير آلية العمل ،فهل من املمكن أن ينطبق األمر عىل الفصائل املقاتلة؟ متارس املؤسسات العسكرية يف كل الدول نشاطات اقتصادية ،حيث الصناديق االستثامرية والصناعات العسكرية التي من شأنها أن متول اإلنفاق العسكري. ال تقترص النشاطات االقتصادية العسكرية عىل متويل إنفاقها ،وقد تساهم بشكل كبري يف دعم اقتصاد الدولة فيام لو عملت وفق خطط ناجحة، كام قد تساهم يف انهيار اقتصاد الدولة وتردي األوضاع املعيشية فيام لو عملت وفق سياسات سيئة لصالح اإلنفاق العسكري. حالة الثورة السورية مل تسمح بوجود مؤسسة عسكرية متكاملة ،وملعرفة األسباب بعيداً عن التوجهات علينا مراجعة مراحل نشوء الفصائل وتطورها.
اعتمد كل تشكيل عىل خطته الخاصة لتمويل نفسه ،فمنهم من كان يتلقى األموال من الداعمني، سواء كان الداعم من داخل أو خارج سوريا ،وبكافة األحوال يأيت عرب أشخاص ال مؤسسات أو دول، وهذه الفئة هي األكرث انتشاراً ،ومنهم من عمل وفق خططه الخاصة لتأمني احتياجاته من خالل نشاطات رسية ،كالتجارة أو التهريب أو االستيالء عىل املمتلكات العامة وبيعها ،وصوالً إىل الرسقة والخطف وطلب الفدية من أصحاب األموال إلجبارهم عىل املساهمة يف دعمهم. استمرت هذه الحالة لفرتة تزيد عن سنتني قبل أن يبدأ الحديث عن إيجاد جسم جامع يعمل بشكل مؤسسايت لصالح الجميع ،وهذه الفرتة كانت كفيلة بإيجاد العديد من التشكيالت يف املنطقة الواحدة، تعمل كل منها وكأنها رشكة خاصة منافسة ملثيالتها، فكل واحدة من هذه التشكيالت لها شعارها ونظامها وسياساتها الخاصة.
سنة مالية جديدة
الصندوق املايل للفصيل
الجيش السوري الحر
التشكيل املعروف بالجيش السوري الحر كان واحداً من التشكيالت الساعية إليجاد نظام متكامل عرب تأسيس كتائب يف مناطق متعددة. مل يحظ تشكيل الجيش السوري الحر بدعم رسمي عىل محمل الجد كمؤسسة عسكرية ،وكحال بقية التشكيالت املحلية اضطر لتأمني مصادر دعم أغلبها كانت فردية ،ونتيجة غياب الخربات االقتصادية
وعدم توفر الدعم الكايف ،فشلت هذه املؤسسة بتأمني متطلبات التشكيالت املوجودة يف كافة املناطق السورية ،مام عزز الترشذم والفرقة بني الفصائل ،ورغم تطور املجلس العسكري فيه إال أنه مل ينجح يف توحيد الفصائل وإيجاد جسم جامع مؤسسايت وفق سياسة اقتصادية عسكرية محكمة.
الخالفات واالقتتال وعالقتها باالقتصاد
من أكرث األحداث املؤملة التي تشهدها الثورة السورية هو اختالف واقتتال الفصائل املسلحة وما ينتج عنه من تأثريات اجتامعية واقتصادية ،ومن خالل مراجعة األحداث يتبني أن غالبية الخالفات واالقتتال كانت ألسباب اقتصادية وإن حملت أوجهاً مختلفة ،كحال اختالف الفصائل واقتتالها يف الغوطة الرشقية نتيجة خالفات حول األنفاق والدعم الوارد واملساعدات. نجد أيضاً محاربة بعض التشكيالت لفصيل معني بسبب ارتكابه عمليات خطف ورسقة ،كام حصل يف العديد من املرات ضمن حلب ،وال يغيب عىل أحد شهرة البعض بألقاب وصفية نتيجة أسلوب اتبعوه يف متويل نشاطاتهم مثل شهرة قائد عسكري باملازوت!
حلم توحد الفصائل
إن أبرز املشكالت املوجودة يف بنية الفصائل العسكرية منذ نشأتها إىل هذا اليوم هي تأسيسها بشكل غري قابل لالندماج اقتصادياً ،فكل املحاوالت التي سبق أن شهدتها الثورة السورية لتوحيد الصفوف مل ينتج عنها سوى تشكيل غرف عمليات موحدة تقترص عىل التعاون وليس الوحدة واالندماج.
حاالت االندماج التي متت سابقاً مل تكن سوى تضمني بعض الفصائل الصغرية ضمن تشكيل أكرب وفق اتفاق يتكفل فيه التشكيل الكبري عملية تأمني كافة االحتياجات ،كام حصل عدد من االنقسامات نتيجة توفر فرصة لتأمني عملية متويلهم بشكل مستقل عن البقية. عىل السياسيني إدراك أن توحد الفصائل لتشكيل جيش سيبقى مجرد حلم إىل أن يتم التنسيق والتفاوض ملعالجة املشاكل االقتصادية للفصائل.
نشرة اقتصادية انقطاع المياه في دمشق ،مياه الشام في خطر
17
املياه يف دمشق ليست هذه املرة األوىل النقطاع املياه عن دمشق، لكنها األخطر واألكرث تأثرياً عىل العاصمة ومستقبل املياه فيها. ملياه بردى فضل عىل العاصمة التي مل تكن لتشهد تطوراً وتوسعاً حضارياً لوال املرشوع الوطني الذي تأسس عىل أيدي رجال وطنيني منذ عام ،1932 وتعرضت مياه بردى لإلهامل واإلساءة يف عهد األسد األب واالبن مل تشهده سابقاً ،حيث أهملت مصادر املياه من الرعاية وبات مجرى النهر مكباً للنفايات ،ومص ّباً ملجاري الرصف الصحي نتيجة تخلف الحكومة يف تطوير البنية التحتية. “املوت الرسيري البطيء لنهر بردى” كام وصفه الدكتور مأمون الفحام قبل بداية الثورة بات مستعج ًال يف عهد الطاغية بشار .الدكتور الفحام أستاذ يف جامعة دمشق يف مجاالت التنمية العمرانية املستدامة ،تحدث عن مشكلة بردى يف غياب الوعي والتخطيط االسرتاتيجي ،وذكر العديد من األخطاء املرتكبة من الحكومة ،كاملشاريع التي ركزت عىل املظهر الخارجي ملجرى املياه
العدد 2016 / 12 / 31 - 83 -
تسبب انقطاع املياه يف دمشق مبعاناة كبرية لسكانها بعد أن خرج نبع بردى ونبع الفيجة عن الخدمة بسبب القصف بالرباميل. خرق االتفاق يف األسبوع األخري من عام 2016شنّت قوات النظام حملة عسكرية عىل مناطق وادي بردى عىل الرغم من وجود اتفاقية بني النظام السوري وأهايل وادي بردى ،تعود لشهر ترشين األول/ نوفمرب من عام ،2015حيث يكفل االتفاق السابق السامح ملهنديس الصيانة بالدخول وإنجاز عملهم لضامن استمرار ّ ضخ املياه إىل دمشق ،مقابل فتح الطرقات للمدنيني وإدخال الغذاء إىل أهايل الوادي املحارصين حينها. تسببت الحملة العسكرية األخرية بأرضار كبرية لحرم نبع الفيجة املعتمد بشكل أسايس كمصدر ملياه الرشب ،كام توقف ّ ضخ مياه نبع بردى نتيجة ترضر يف املضخات ،وبذلك فقد سكان دمشق مصادرهم املائية بسبب منهجية قوات األسد يف القتل عىل مبدأ “األسد أو نحرق البلد” دومنا أي حسبان للعواقب.
مام تسبب مبشكلة كبرية لتوازن البنية الجوفية، وأحدث تصدعاً يف املباين مثل التك ّية السليامنية وبناء النفوس القدمية ومبنى وزارة الداخلية ومبنى الحجاز ،باإلضافة إىل العديد من األخطاء التي تحتاج مللف خاص لدراسة املشكالت. يعتقد كثري من سكان دمشق حالياً أن خروج أهايل املنطقة كفيل بحل مشكلة انقطاع املياه، إال أن هذه النظرة التي يروج لها النظام والخالية من اإلنسانية أساساً ،تفتقر لإلدراك الكامل لحجم الخسارة التي تسبب بها قصف املنطقة .ومن الصعب أن تعود املياه إىل مجاريها قريباً.
حمالت لمساعدة أهالي حلب والجيش السوري ينهب أحيائها
إلطالق حمالت تربع وجمع لأللبسة الشتوية واملستلزمات واألغذية سعياً لتدارك املأساة الكبرية التي يصعب استيعابها حتى عىل جهود حكومات ،وصادف انتشار حملة انطلقت من مرص بعنوان “تحدي األعامل الصالحة” عىل فيسبوك لتنتقل إىل السوريني يف تركيا وتلقى رواجاً كبرياً بني السوريني يف دول أخرى، ينص التحدي عىل التربع مببلغ محدد مقابل كل إعجاب حيث ّ وتعليق ومشاركة ملنشور املشارك ملدة 24ساعة ،ثم ميرر التحدي لعدد من أصدقائه ،ليختار كل مشارك طريقة تربعه بنفسه. ومازالت الحملة رائجة وتتوسع ،حيث يشارك فيها سوريون داخل وخارج سوريا.
اقتصاد
جرى تهجري سكان األحياء املحارصة يف حلب الثوار املقاتلني قاموا بتفخيخها قبل مغادرتهم الرشقية املنكوبة بعد مواجهة العديد من ملدينتهم ،ملعرفتهم بأن ممتلكاتهم ستنهب عىل املصاعب؛ من نقض لالتفاق وتأجيله وتدخل أيدي مقاتيل األسد. من قوات إيرانية تساند قوات األسد ،لتبدأ قوات “الجيش العريب السوري الباسل” بتنفيذ حمالت ملساعدة أهايل حلب ما تجيده من رسقة وتعفيش للممتلكات العديد من الحمالت سارعت لجمع التربعات وحث الناس عىل املساهمة يف مساعدة املدنيني الشخصية بعد تفريغ األحياء من سكانها. الذين اضطروا للخروج دون ممتلكاتهم ،ليجدوا التعفيش يحصد األرواح أنفسهم يف مخيامت تم إنشاؤها بشكل إسعايف، اشتهر عنارص ما يسمى بالدفاع الوطني برسقة وينقصها الكثري من االحتياجات األساسية ،يف محتويات املنازل يف كل مكان تطاله أيديهم ،ظل أجواء قاسية يف الربودة .وكان من أضخم لتذهب املرسوقات الحقاً إىل ما بات يعرف الحمالت ما قامت به دولة قطر بإلغاء االحتفال السنة” ،حيث تباع املرسوقات علناً بعيدها الوطني وإعالنه يوماً للتربع ملساعدة بـ”أسواق ّ دون وجود أي رادع من قبل الحكومة السورية ،أهايل حلب ،حيث وصل حجم التربعات ما داللة عىل تقبلها لألمر ،وقد انترشت عىل يقارب 70مليون دوالر يف اليوم األول. وسائل التواصل االجتامعي أنباء عن فقدان عدد من جنود األسد لحياتهم أثناء محاولتهم تحدي األعامل الصالحة رسقة “غساالت مفخخة” ،حيث قيل إن بعض بادر العديد من الناشطني السوريني يف تركيا
“زوبعة” معرض يوسف عبدلكي في دمشق 18
لوحاته العارية تعكس صورة الواقع السوري الذي عرى إنسانية العالم.. غسان ناصر -طلعنا عالحرية
العدد 2016 / 12 / 14 - 83 -
ثقافة
أثار الفنان التشكييل يوسف عبدليك زوبعة يف أوساط املعارضني لنظام األسد عامة ويف األوساط الثقافية والفنية ال السورية فقط وإمنا تلك املؤيدة للثورة السورية يف الساحة العربية .وأخذ أصدقاء عبدليك (قبل غريهم) تقريعه إلقامته ً معرضا يف قاعة غالريي “كامل” مبنطقة املزة بدمشق ،يف الفرتة ما بني 17 كانون ثاين (ديسمرب) و 15كانون أول (يناير) من العام الجديد ،وهو ما مل يكن بحسبان الكثريين ممن يعرفون (أبو ليىل). عبدليك ( 65عا ًما) ،الذي اشتهر بأعامله املنادية بالحرية منذ أوائل السبعينيات ،مستخد ًما عب رمز ًيا عن حصانه األبيض واألسود الذي ّ نضال الشعب السوري خالل العقود املاضية، ال يحتاج منا إىل دفاع فهو منذ اليوم األول الذي انتفض فيه أبناء البلد يف وجه الطغيان متفرجا كام مل يكن حياد ًيا، واالستبداد ،مل يقف ً وكيف لذي “الحصان الجامح” املرتبط بذاكرة السوريني واملظلومني منذ عقود أن يكون متفرجا أو محايدًا ،هو الذي قال ذات محنة: ً “متى فقد العمل اإلبداعي ،أو الثقايف عام ًة عالقته مع محيطه ،يفقد رشعيته وجدواه”. واملعروف عنه أنه رغم إقامته االضطرارية يف منفاه البارييس – بعد منعه من العودة لوطنه نحو 25عا ًما ،رفض الحصول عىل الجنسيةالفرنسية ،وظل متشب ًثا بهويته ،رغم حجب النظام السوري عنه جواز سفره“ ،باريس مجرد قاعة انتظار” ،هكذا كان يردد دو ًما .وال شك أن السنوات التي قضاها يف املعتقل السيايس يف أواخر سبعينات القرن املايض ( – 1978 - )1980عىل خلفية انتامئه إىل “رابطة العمل الشيوعي” التي أصبحت الح ًقا “حزب العمل الشيوعي” -ع ّلمته معنى االنتامء إىل رشائح وأطياف مل يكن يدركها بوضوح قبل هذه التجربة املريرة والغنية يف آن. تباين اآلراء يف توقيت سوري عصيب.. أول الغاضبني من إقامة صاحب الرؤوس
املقطوعة يف التشكيل السوري ،ملعرضه يف دمشق ،خاصة يف هذا التوقيت السوري العصيب ،كان الشاعر والصحفي اللبناين يوسف بزي ،الذي نرش مقالة أثارت الكثري من الجدل ،ورأى فيها أصدقاء عبدليك ممن يعرفون تاريخ الفنان “هجو ًما غري أخالقي عىل رجل عرف بتاريخه النضايل الطويل” ،غري أن هذا الهجوم مل يجعل “بزي” يرتاجع عام جاء يف مقالته املعنونة: (عبدليك ومعرضه الدمشقي :من ُأ ّم الشهيد إىل عارية هانئة)، التي جاء فيها“ :الريبة كبرية إزاء ما “اقرتفه” يوسف عبدليك.. ساذجا بغض النظر عن دوافعه الشخصية .وهو بالتأكيد ليس ً سياس ًيا ،وكان يعرف أن النظام سيستثمر هذه املبادرة إعالم ًيا وسياس ًيا بوصفه نظا ًما يرحب بـ”املعارضة الوطنية الرشيفة”، وفق رطانته املعروفة .بل إن تلك “العودة” اندرجت ضمن حملة النظام الدعائية لـ(التالحم الوطني)”. كذلك عرب الناقد والشاعر مازن أكثم سليامن ،عن انزعاجه من إقامة عبدليك ملعرضه الدمشقي ،حيث قال“ :من دون الصاحة :ال أريد ْأن أستخدم ُلغة التَّخوين، ُموا َربة ،و ُمبنتهى َّ َّ رجل أو ُمثقف أو ُمبدع .لكنْ :يل بعض وال ْأن أمحو تاريخ ُ الحقّ ْأن َ أقول ب ُلغة هادئة :لقد أخطأ يوسف عبدليك يف ً وتاريخا ..عىل ا ُملث َّقف يف اعتقادي ْأن ملعرض ِه مكا ًنا إقا َم ِت ِه ِ ّ َ يحسبها بدقة ُمتناهية يف هذ ِه املرحلة إذا أرا َد ْأن يكون ضم ًريا الشخيص عن ينفصل فيه ّ لشعب ولثورة ،وصاحب موقف ال ِ اإلبداعي”. ّ ً معرتضا عىل يف املقابل قال الكاتب والروايئ إسالم أبو شاكري، ما ناله عبدليك من اتهامات ذهب بعضها ح ّد “التخوين”!، إن “حرب التخوين والطعن والتشكيك وترصد الزالت وتأويل املواقف واألحداث وتضخيم التفاصيل الصغرية ..هذه حرب نشنها نحن عىل أنفسنا ..ال عالقة لها بأي مؤامرة ..مرض ً مهاجم إياها ..والنتيجة داخيل ينقلب فيه الجسد عىل نفسه جثة متآكلة مرمية يف العراء دون أن تجد من يتربع بدفنها”.
من جهته ،رأى الكاتب العراقي شاكر النوري، أن “الفنان يعرض لوحاته حتى يتم ايقاف معرضه من قبل السلطة ..كان لينني يقول: إنني أكتب يف الصحف الربجوازية حتى يتم منعي من الكتابة .الفنان ح ّر لكن املهم هو ما تحمله لوحاته يا أصدقايئ”. ما تحمله اللوحات من مضامني هو املهم إذن، وهذا ما ذهب إليه الفنان السيناميئ حنا ورد، الذي كتب مستنك ًرا هذه “الهبة الفيسبوكية”، حيث قال :هل يوجد عري وتعري أكرث من هذا يف الوطن ..عبد الليك ومعرضه الدمشقي مع نسائه العاريات ..لفت نظري عدم التطرق إىل شكل ومضمون اللوحات املعروضة يف الهجوم والدفاع يف معرض عبداليك” .وأردف“ :بعد مشاهديت جزءاً من اللوحات أرى أن هذه اللوحات تعكس بكثري من املعارصة الواقع السوري ..إذا كنا ساب ًقا غري عراة جمي ًعا فإننا اآلن كلنا عراة بالكامل ..الالجئون يف املخيامت الباردة عراة؟ ،الغرقى يف البحار الباردة عراة وموىت ،السائرون بني الجبال واألنهار من اليونان إىل أملانيا والسويد عراة ،املطرودون من مساكنهم اليوم يف حلب يف الربد القارس عراة ،وتعرى معهم النظام اإلنساين العاملي، كام تعري النظام واملعارضة السورية م ًعا”. رغم كل ما سبق من أقوال مع وضد يوسف صحيحا وأكرثه تج ّن ًيا،- عبدليك-قد يكون أقله ً فإن الواجب يدعونا أن ال ننىس أبدًا أن ابن الجزيرة السورية مل يجنح يو ًما للعنف رغم تعرضه لالعتقال أكرث من مرة من قبل األجهزة األمنية لنظام األسدين (األب واالبن) ،والتي كان آخرها يف مدينة طرطوس الساحلية يف متوز /يوليو .2013وأنه كإنسان مبدع قىض ما مىض من العمر ً قابضا عىل جمرة اإلبداع بروح صار ّمة متوث ّبة ،ما زال يواصل دربه كأحد صنّاع الغد السوري املرشق ،الذي ال مكان فيه للطغاة والقتلة من حملة السالح.
نشرة ثقافية صدور
إبداعات ونشاطات سورية طلعنا عالحرية – القسم الثقافي
“التي سكن ْت البي َ ت قبلي” للشاعرة رشا عمران
باحثة أردنية تعاين أحوال الشباب العربي عشية الثورات العربية
“ذكريات تدمر” هو العنوان الذي تعرض من خالله أعامل الفنان التشكييل السوري إدوارد شهدا ( ،)1952يف “غالريي املرخية” يف العاصمة القطرية الدوحة ،من 29ترشين ثاين (نوفمرب) وحتى 12كانون ثاين /يناير .2017 وفيه يبحث “شهدا” عن لحظة تح ّررها من قيودها الزمنية ،موثقاً لذاكرته تجاه تاريخه وما ُيحيط به. يف “ذكريات تدمر” ،يشكل املوضوع اإلنساين هاجسا لشهدا ،إذ يشتغل عليه من خالل ً وعب الفكر طوال رحلة من عمره، اللوحة ْ امتدت طوي ًال وال تزال. ويعترب التشكييل السوري الفن ملع ًبا للمتعة واألمل ومجاالً للجد واللعب ،واللوحة مساحة لهم جديد. الهم واستحضا ًرا ّ بيضاء لتفريغ ّ ويلعب الزمان واملكان دو ًرا يف تشكيل لوحاته، فاألشكال التي يرسمها ال تنتمي لزمان معني، فهي خارج إطاره وال ملكان محدد وغال ًبا ما تكون هي املكان ذاته ،حيث ال مكان دون
في األفق ..دراسة تبحث في “أسئلة العمل الثقافي المدني في سورية” ضمن برنامج “أولويات العمل مؤسسة عقدت الثقايف”، “اتجاهات -ثقافة مستقلة” اتفاقاً مع الباحث عدي الزعبي ،إلجراء بحث يتناول مسألة “دعم الفن السوري ضمن أطر مستدامة”. ويأيت هذا التكليف يف ظل الحرب السورية ،وبعد أن اضطر كثري من الفنانني والعاملني يف املجال الثقايف إىل الهجرة خارج البلد ،وإىل التعامل مع منظامت مختلفة تقدم لهم الدعم املايل إلنجاز مشاريع فنية وثقافية متنوعة؛ ينطبق األمر ً –أيضا -عىل أولئك الذين يعيشون يف سورية ،حيث يسعون للحصول عىل متويل من هذه الجهات يف ظل الوضع االقتصادي الصعب. ويعمل هذا البحث عىل دراسة أساليب هذا التمويل وطريقة
توزيعه وطبيعة املرشوعات التي أنجزت عن طريقه ،من أجل طرح أسئلة حول العمل الثقايف املدين يف سورية ،وإمكانية تحول الدعم إىل دعم مستدام .وتقسم هذه الدراسة إىل شقني :تحليل بيانات بعض املنظامت الداعمة ،وطرح أسئلة حول إمكانية تحول هذا الدعم إىل دعم مستدام. ُيذكر أن عدي الزعبي قاص وصحايف ومرتجم سوري ،يعيش حال ًيا يف الدمنارك .حاز عىل إجازة يف الهندسة الكهربائية من جامعة دمشق ،2004وإجازة يف الفلسفة من الجامعة اللبنانية ،2007ماجستري يف الفلسفة من جامعة “أست أنجليا” يف بريطانيا ،2010ودكتوراه يف فلسفة اللغة من الجامعة نفسها .2015
شكل وال شكل بدون مكان .يقول شهدا“ :اللون هاجيس األكرب ،فهو أدايت الــوحيدة للتعبري لذلك أعـتني كث ًريا بتحضريه عىل سطح اللوحة.. يــغريني التوتر البصـري الــذي يصدره لون محــدد بتـجاوره أللوان محددة ،فـهو موسيقى اللوحة ونغمها ،أعتقد أن بقعة صغـرية مـن اللون ميكـنـها أن تحمل قد ًرا هائ ًال من الدراما والتعبــري ،وأعاميل يف املعرض الحايل تتمحور حول حضور الذاكرة ،ذاكرة األشخاص ،ذاكرة األشياء وذاكرة األمكنة”.
مؤسسة «ألف نون» تطلق يما تقو ً فن ًيا للعام 2017
مؤسسة «ألف نون ..فنون وروحانيات» أطلقت سورية“ ،تقويم ”2017الذي يضم الفنية ال أعامل تشكيليني سوريني ،ويأيت هذا مجموعة مساهمة من املؤسسة يف دعم املجتمع التقويم ك حيل .حيث سيوزع التقويم مجاناً لبعض املدين امل يات الخريية يف املحافظات السورية ويعود الجمع بيع لهم .وقال التشكييل بديع جحجاح ريع امل «ألف نون»“ :نحن مجرد جرس ..وهذه صاحب شاريعنا لهذا العام الجديد ..وهو محاولة باكورة م لتعميم الذائقة البرصية أو ًال ،ومبادرة جادة يف املساهمة بتوثيق الذاكرة التشكيلية متواضعة ومن جانب آخر هي محاولة جادة السورية.. جمعيات الخريية يف هذا الزمن الصعب.”.. لدعم ال
ثقافة
صدر مؤخراً عن “سلسلة ترجامن” يف املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات ،كتاب للباحثة األردنية بسمة املومني ،بعنوان“ :فجر العرب :شبابه وعائده الدميوغرايف”. تبحث فيه ( 224صفحة بالقطع املتوسط) ،شؤون الشباب العرب وشجونهم ،وأحوال مجتمعاتهم، وطموحهم ورؤيتهم للمستقبل عشية الثورات العربية وخاللها. مستندة يف بحثها إىل مجموعات مناقشة مركزة أعدتها يف عدد من الدول ،ومؤمترات واجتامعات شاركت فيها ،ومقابالت شخصية أجرتها ،تتمحور كلها حول السؤال: ماذا يعتقد الشباب العرب وماذا يريدون؟.
إدوار شهدا يعرض ذكرياته التدمرية في الدوحة
العدد 2016 / 12 / 14 - 83 -
صدر حديثاً ،عن “منشورات املتوسط” يف إيطاليا ،كتاب شعري جديد للشاعرة السورية رشا عمران ،حمل عنوان “التي سك ْ نت الب َ يت قبيل” .وقد صدر الكتاب ضمن مجموعة املتوسط املسامة “براءات” الخاصة فقط بالشعر ،والقصة القصرية ،والنصوص .ويف هذا الكتاب ُت ِعنُ “عمران” النظ َر يف الوحدة ،تتغل ُ غل ّ يف أدق تفاصيلِها ،يف محاول ٍة لفهمِها وفكفكة رموزِها .ولصعوب ِة هذا التمعّن ومش ّقت ِه ،تح ُ خص اول خر َق ُه ب ِ خلق ش ٍ آخ َر يف املكان ،فتختا ُر ثيم ًة ملجموعتِها، ُ متنحها بعدًا إضاف ًيا ،وزاوي ًة جديد ًة لرؤي ة ِ هذه الوحدة ،الثيم ُة التي اتخذتها كتبتها املرأة التي سكنت يف املنزل قبيل ُ الشاعرة عنوا ًنا للمجموعة .نقرأ من وضعت فوقها /خصل َة شعر بيضاء أجواء الكتاب “يف خزانة الحائط /مثة رقيقة ورحلت. دفرت قديم /وجملة واحدة فقط مكتوبة ويف هذه القصائد تنحو الشاعرة منحى بخط قلق :وحيدة ..كيتيمة تشتهي أن /مختل ًفا ق ً ليل عام نطالعه يف الشعر ميشط أحد شع َرها املبلل /الجملة ا لتي السوريّ تحديدًا يف هذه املرحلة.
19